موجز دائرة المعارف الإسلامية

مجموعة من المؤلفين

[مقدمة]

(أ) بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مقدمة دائرة المعارف الإسلامية بقلم: فضلية الإمام الأكبر الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر الشريف الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله ومن والاه. وبعد: فعلى رأس الفضائل التى أمر الإسلام أتباعه بالتحلى بها وبالحرص عليها وبالاستزادة منها: فضيلة العلم، لأنه الفضيلة التى ميز الله -تعالى- بها آدم -عليه السلام- على الملائكة، حيث أعطاه علما لم يعطه لهم، وأمرهم بالسجود له. قال -تعالى-: {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) قَالَ يَاآدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ}. وقد بين لنا القرآن الكريم أن أكثر الناس خوفا من الله، إنما هم العلماء الراسخون فى العلم، فقال -سبحانه-: "إنما يخشى الله من عباده العلماء". كما نفى -سبحانه- المساواة بين العلماء وبين غيرهم فقال: {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ}. وصرح -سبحانه- بأن الأمثال التى يضربها للناس لا يفهمها إلا أصحاب العلم فقال: {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ}.

(ب) وأمر -عز وجل- نبيه محمدا - صلى الله عليه وسلم - أن يسأله المزيد من كل علم نافع فقال: {فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا}. ولقد تكاثرت الأحاديث النبوية الشريفة، التى تحض على الاستزادة من العلم النافع، ومن ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: "من سلك طريقا يبتغى فيه علما، سهل الله له طريقا إلى الجنة، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما، إنما ورثوا العلم، فمن أخذ به أخذ بحظ وافر". ونحن الآن فى عصر لا تتنافس فيه الأمم بضخامة أجسامها، ولا بسعة أراضيها، ولا بكثرة أفرادها، وإنما نحن فى عصر تتنافس فيه الأمم بسعة العلم، وبرجاحة العقول والأفكار .. نحن الآن فى عصر العلم والفكر، عصر الكتاب والمعهد والمعمل والجامعة، عصر المخترعات والمبتكرات والمعرفة والثقافة والرقى الفكرى بكل صوره، وبشتى ألوانه. عصر البحث والدرس والاطلاع على ما فى هذا الكون من أسرار، تزيد العقلاء إيمانا على إيمانهم، وتجعلهم يخلصون العبادة لخالقهم - عز وجل. وما من أمة تستطيع أن تشارك فى الأمور الدولية، أو تساير ركب الحياة العالمى، إلا إذا كان لها نصيب موفور من الثقافة والعلم بكل فروعه ومجالاته. وما قامت عظمة الدولة الاسلامية إلا على أركان راسخة من العلم النافع، ومن الفكر الناضج، ومن الثقافة الواسعة. ولقد زخرت دور الكتب والحكمة بروائع مما أنتجه العقل من كتب قيمة، ومن معارف سديدة، ومن علوم رائعة، سواء أكانت هذه الروائع من إنتاج العقول الإسلامية والعربية، أم من ترجمتها وهضمها، اْم من تهذيب للك الروائع وترتيبها.

(جـ) وخير طريق للاستزادة من العلم النافع الذى عن طريقه ترقى الأمم وتتقدم، وتأخذ مكانها من بين مصاف الأمم الناهضة: نشر دائرة المعارف الإسلامية، التى تناولت جوانب متعددة عن الحضارة الإسلامية فى شتى أدوار تاريخها. إن دائرة المعارف الإسلامية التى قامت الهيئة المصرية العامة للكتاب بنشرها، بالتعاون مع مركز الشارقة للإبداع الفكرى، تعد على رأس المشروعات العلمية الضخمة التى تهدى العقول إلى كنوز من المعارف الجليلة. لقد اشتملت دائرة المعارف الإسلامية على معلومات وافية عن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام - وعن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وعن الزعماء والمصلحين الذين سخّروا علمهم وقوتهم لخدمة أمتهم ولخدمة الحق والفضائل، كما اشتملت على ألوان كثيرة من العلوم الطبية والهندسية والزراعية والصناعية والفلسفية والدينية والقانونية والفنية والتاريخية والجغرافية، وعلى غير ذلك من معارف يصعب حصرها. وإن الوفاء لمن يسّر العلم لطالبيه، ليقتضى منا أن نشكر الهيئة المصرية العامة للكتاب ومركز الشارقة للإبداع الفكرى على هذا الجهد الرائع الذى بُذل من أجل نشر دائرة المعارف الإسلامية بتلك الصورة الجميلة، وأن نشكر كل من تعاون معهما فى إصدار هذا العمل الضخم النافع، من علماء وكتاب ومترجمين ومفكرين وندعو الله تعالى للجميع بدوام السداد والتوفيق، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. شيخ الأزهر الشريف د. محمد سيد طنطاوى 22 من رمضان سنة 1418 هـ الموافق 20 يناير سنة 1998

على سبيل التقديم

(د) على سبيل التقديم سمو الدكتور الشيخ سلطان بن محمد القاسمى إن ما تحقق بإنجاز هذا العمل الموسوعى الإسلامى الكبير كان حُلماً طالما راود الجميع منذ عدة عقود .. وإنه اليوم باستكمال هذه الترجمة لأول مرة فى التاريخ الحديث والمعاصر، يقدم هذا المشروع الجليل أسمى وأجل الواجبات ويؤدى رسالة العلماء فى الأخذ بيد الأجيال فى هذا الزمان الذى بتنا فيه أحوج ما نكون إلى مثل هذه الأعمال التى تتناول أمور ديننا الإسلامى الحنيف الذى شكل الأساس لحضارة إسلامية عربية كان لها الدور المشهود فى الإسهام فى رفعة المجتمع الإنسانى .. هذا العمل الضخم نعلم يقيناً أنه فى أصله استغرق إنجازه عشرات السنين منذ أوائل هذا القرن وحتى الآن. ولا شك فهو عمل متفرد يعتبر من أضخم الدوائر فى المعرفة الإسلامية على مستوى العالم، ومن ثمَّ فإن التصدى لترجمته يعتبر عملاً ضخماً على أى مستوى .. ومن ثمَّ فهنيئاً لعالمنا العربى والإسلامى هذا الإنجاز الذى نسأل الله أن يتقبله كعلم ينتفع به. إن الواجب الذى أملته علينا عقيدتنا الإسلامية السمحاء والالتزام لخدمة الإسلام والمسلمين كان دافعنا للمساهمة فى إنجاز هذا العمل الموسوعى الضخم لما فيه خير هذه الأمة. ويسعدنا أن يأتى هذا العمل باكورة إنتاج مركز الشارقة للإبداع الفكرى الذى يهدف إلى نشر وتوزيع الأعمال الفكرية والإبداعية الكبرى، وكذلك الموسوعات ودوائر

(هـ) المعارف وأمهات الكتب التى من شأنها أن تخلق مناخًا ثقافيًا متجددًا ومفعمًا بالحيوية ليستعيد المجد الثقافى للأمة العربية والإسلامية ويتيح الفرصة أمام جماهير القراء والباحثين والدارسين للوقوف على ثمار المعرفة الإنسانية فى أعظم تجلياتها، خاصة ماأنتجته القريحة العربية قديمًا وحديثًا من أعمال فكرية وإبداعية تمثل خلاصة ضمير الأمة ومخزونها الثقافى. الشكر الجزيل لكل من ساهم فى إنجاز هذا العمل الجليل، ونعدكم إن شاء الله أن تتواصل جهودنا فى إنجاز أعمال مماثلة أخرى. وبالله التوفيق، ، ، د. سلطان بن محمد القاسمى

هذه الموسوعة

(و) هذه الموسوعة: د. سمير سرحان رئيس هيئة الكتاب والمشرف العام على الدائرة يمثل هذا المشروع ثمرة من ثمار التعاون الثقافى العربى، من أجل إحياء تراث حضارتنا العربية الإسلامية، والتعرف على جذورها فى مختلف جوانبها الدينية والثقافية والاجتماعية والحضارية والتاريخية. ولقد ظل مشروع ترجمة دائرة المعارف الاسلامية حلماً يراود المهتمين بالتراث الإسلامى، وكل من اطلع على هذا العمل العملاق فى لغته الأصلية أو اللغات التى ترجم إليها منذ صدوره فى مطلع القرن العشرين، ومع توالى طبعاته المختلفة التى بدأ إعداد آخرها فى الثمانينيات. فهذه الموسوعة هى نتاج عمل صفوة علماء الشرق والغرب المهتمين بالدراسات الإسلامية والذين عكفوا على دراسة الحضارة العربية الإسلامية وعناصرها المختلفة التى استمدت جذورها من القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة. وكان هدفهم من إخراجها أن يتناولوا بالبحث مختلف جوانبها ومقوماتها الدينية والفلسفية والعلمية والأدبية والفنية فلم تقتصر على مجرد التعريف الموجز بالمواد والموضوعات التى تتناولها، وإنما عالجت الكثير منها معالجة علمية وافية (مثل مادة "اسم الجلالة" والقرآن الكريم والرسول محمد صلى الله عليه وسلم والعمارة وغيرها) .. فكانت أشبه بالبحوث المركزة.

(ز) ولأول مرة يتحقق مثل هذا الشمول المعرفى فى دائرة إسلامية واحدة فكل جزء منها يحوى عشرات المواد عن الأنبياء والرسل والصحابة والخلفاء والعلماء والدول والفرق والمذاهب والتفاسير والاجتهادات فى سائر المجالات العقيدية والفكرية والعلمية ومنها الفلك والطب والفلسفة والرياضيات والعمارة وأوجه الخلافات والاتفاقات وتاريخ انتشار الاسلام والحكومات المتعاقبة والتطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمعرفية بصفة عامة. وتتزاوج فى هذه الدائرة النظرة الموضوعية والعلمية للتاريخ الإسلامى ويمتزج الاجتهاد بين علماء الغرب أو المستشرقين وعلماء الشرق من المسلمين على حد سواء، فلم تكتفِ ترجمة هذه الموسوعة بنقل النص الأجنبى، بل أضافت إليه الشروح والتعليقات المناسبة فى النقاط التى يخشى فيها من الالتباس أو يختلف فيها الرأى أو تتعدد فيها الرؤى. ويرجع تاريخ المحاولة الأولى لترجمة دائرة المعارف الاسلامية إلى ثلاثينيات هذا القرن، ففى عام 1933 اجتمعت كلمة نخبة من الباحثين الشباب (وهم الأستاذ إبراهيم زكى خورشيد والأستاذ أحمد الشنتناوى والدكتور عبد الحميد يونس والأستاذ محمد ثابت الفندى) على الاضطلاع بهذا المشروع الضخم رغم الصعوبات والعقبات الجمة التى صادفتهم فعكفوا على ترجمة مواد الموسوعة وأنجزوا جزءًا كبيرًا منها حتى وصلوا إلى بداية حرف العين ولكن لم يقدر لهذه المحاولة الاستمرار. وفى عام 1969 م أعادوا المحاولة من جديد وبدءوا إخراج طبعة ثانية من المواد المترجمة مضافاً إليها المواد المستحدثة فى الطبعة الثانية من الموسوعة الأصلية التى صدرت عن دار بريل الهولندية، ولكن للأسف الشديد لم يقدر لهذه المحاولة الاكتمال

(ح) فتوقفت بعد صدور ستة عشر مجلدًا، وقد اشترك فى ترجمة هذه الطبعة آخرون مع هؤلاء الأساتذة الأجلاء وتمت خلالها ترجمة مواد الموسوعة فى طبعتها الثانية الموسعة من حرف الألف إلى بداية حرف الخاء. ورغم اشتداد المطالبة باستكمال ترجمة هذا العمل الموسوعى العملاق، لكن ضخامة هذه الموسوعة وتعدد مجالاتها التى لم تترك جانباً من جوانب الحضارة الإسلامية وتاريخها، وقفت حائلاً دون ذلك، ومما زاد من صعوبة الأمر رحيل رواد ذلك المشروع والكثير ممن شاركوا فى ترجمته، فمن البدهى أن ترجمة هذا العمل تحتاج إلى مترجم خاص ليس مُلِمًّا فقط باللغة الإنجليزية والعربية وثقافتهما ولكن يجب أن يكون متشبعًا بالثقافة العربية الإسلامية ومطلعاً على تراثها وعلى دقائقها. ومما زاد الأمر صعوبة صدور طبعة جديدة فى مطلع الثمانينيات ضاعفت من حجم الموسوعة، فيكفى أن نعرف أن هذة الطبعة عند تمامها سوف تتألف من عشرة مجلدات يحتوى كل مجلد منها على ما يقرب من مليون ونصف كلمة تقريباً، أى أنها سوف تحتوى على خمسة عشر مليون كلمة وأن إعداد هذه الطبعة سوف يستغرق نحو عشرين عاماً تقريباً. وفى منتصف التسعينيات وبمبادرة كريمة من سمو الشيخ سلطان بن محمد القاسمى عضو المجلس الأعلى لدولة الإمارات العربية المتحدة حاكم الشارقة وبالتعاون بين الهيئة المصرية العامة للكتاب ودائرة الثقافة والإعلام بحكومة الشارقة بدأ التفكير الجدى فى استكمال مشروع ترجمة دائرة المعارف الإسلامية بعد حرف العين انتهاء بحرف الياء فكانت هذه الموسوعة التى تصدر فى "32 جزءًا" مرتبة ترتيباً أبجدياً ومزودة بالكشافات التحليلية للإعلام والأماكن والوقائع والأحداث التاريخية لكى يتيسر على القارئ الوصول إلى المعلومة المطلوبة فى أى جزء منها.

(ط) وقد تضافرت على تحقيق هذه الغاية كوكبة من كبار العلماء والمترجمين المتخصصين وموضح قرين كل مادة اسم مترجمها علاوة على كاتبها الأصلى وكان رائدهم فى إخراج هذا العمل إلى النور، الإخلاص فى خدمة العقيدة والتراث الإسلامى الذى أضاء وجه العالم يوماً. ونود الإشارة إلى أن لجنة التحرير التى تستكمل هذا العمل قامت بإضافة بعض التعليقات، وتحديث بعض المعلومات، بالإضافة إلى توحيد أرقام الآيات القرآنية طبقاً لطبعة المصحف الشريف "إصدار الأزهر". فنسأل الله العلى القدير أن يلقى هذا العمل القبول والإقبال من العلماء والباحثين المتخصصين والدارسين والمحبين للاطلاع على تراث أمتنا المجيدة فى، أنحاء العالم العربى والإسلامى كافة. وعلى الله قصد السبيل، ، ، د. سمير سرحان

مقدمة الناشر

(ى) مقدمة الناشر: أدى الاهتمام المتزايد بالإسلام والحضارة الإسلامية، فى الأوساط الغربية منذ أواسط القرن الماضى حتى الآن، إلى إيجاد ضرورة مُلحة لخروج عمل موسوعى كبير عن الإسلام. ولأول مرة فى تاريخ الاستشراق فى الغرب، يتوفر فريق كبير متخصص من المستشرقين الدوليين، على القيام بمشروع موسوعى ضخم هو الذى أسفر بعد جهد جهيد عن "دائرة المعارف الإسلامية" التي نشرت ما بين عامى 1913 و 1936 فى طبعات ثلاث بالإنجليزية والألمانية والفرنسية. وما تزال دائرة المعارف الإسلامية حتى يومنا مذا، العمل الموسوعى الوحيد المكتمل عن الإسلام. وبسبب النجاح الهائل الذى صادفته هذه الطبعة الأولى باللغات الثلاث المذكورة فقد نفدت فى وقت قصير جدًا، وأصبحت "دائرة المعارف الإسلامية" عملة نادرة لا توجد إلا فى مكتبات هواة جمع الكتب الثمينة، مما دفع ناشرها الأصلى وهو إى جى بريل فى لايدن بهولندا (وهو مركز عالمى من مراكز الاستشراق) إلى إصدار طبعة جديدة صدر الجزء الأول منها عام 1960 واكتملت أجزاؤها عام 1987. وتعتبر "دائرة المعارف الإسلامية" ذخيرة حقيقية للمعارف الإسلامية تحتوى على أكثر من تسع آلاف مادة مرتبة ترتيبًا أبجديًا، تتراوح فى الطول ما بين خمسين الى خمسين أَلف كلمة للمادة الواحدة حسب أهميتها فى سياق الحضارة الإسلامية! وتمثل هذه المواد -فى مجموعها تغطية شاملة لكل جوانب الحضارة الإسلامية بدءًا من أصول الدين الحنيف ومرورًا بالأدب الإسلامى وتراجم حياة الشخصيات الإسلامية الكبرى كما كتبها أشهر المستشرقين فى القرن العشرين. وفى الطبعة العربية التى لم تكتمل حتى الآن- فلم يُنشر منها إلاّ 16 جزءًا تغطى الحروف من الألف إلى الحاء. و H. A، وساهم عدد من علماء مصر، سواء كانوا من علماء الأزهر الشريف، او من أساتذة دار العلوم، أو الجامعات المصرية بنصيب وافر فى مراجعة الترجمة والتعليق على بعض الفقرات، وتصحيح بعض المفاهيم، أو التكملة أو درء مطعن حتى أصبحت النسخة العربية من عدة وجوه أكثر اكتمالاً من الأصل.

(ك) أما الأجزاء الباقية فى الموسوعة، وهى التى تغطى الحروف من هـ إلى ياء Z. H فتتوافر الآن مجموعة ممتازة من الأساتذة والمترجمين والمراجعين على إتمامها، حتى تصدر الموسوعة كاملة بإذن الله تعالى خدمة للإسلام، والحضارة الإسلامية، وإثباتًا لهذا التراث العظيم على مر الأجيال القادمة. وكان لسمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمى -وهو الذى يرعى نهضة ثقافية كبرى فى إمارة الشارقة بدولة الإمارات العربية المتحدة- أعظم الفضل فى بعث مشروع دائرة المعارف الإسلامية، ليخرج كباكورة إنتاج "مركز الشارقة للإبداع الفكرى" عملاً ضخمًا مكتملاً، يعتمد فى أجزائه الأولى حتى حرف الحاء على جهد الأساتذة الأفاضل الذين ترجموا، وحرروا، وراجعوا هذه الأجزاء كما يعتمد فى استكمال الموسوعة الكبرى على فريق من الباحثين والمترجمين والمراجعين، من العلماء وأهل الثقة، الذين يبذلون الآن جهدًا فوق الطاقة حتى تصبح الموسوعة عملاً ضخمًا مكتملاً أمام جماهير القراء والباحثين. وقد آثرنا فى الأجزاء الأولى أن نركز فقط على المواد ذات الأهمية الكبرى والأساسية، وحذفنا المواد التى تبدو غير ذات أهمية فى الوقت الحالى: مثل أسماء بعض الشعراء، أو الشخصيات، أو الأماكن التى لا تمثل أهمية خاصة بالنسبة لمسيرة الحضارة الإسلامية، ومن هنا كان وصف "موجز" مصاحبًا لهذه الطبعة الجديدة من هذا العمل الكبير، ولا يسعنا إلا أن نتقدم بالشكر إلى دار الشعب، ورئيسها الأستاذ جمال زكى على المعاونة فى إصدار هذه الأجزاء الأولى. كما نتقدم بالشكر العميق والامتنان بلا حدود لحضرة صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمى حاكم الشارقة راعى الثقافة وصاحب فكرة مشروع "مركز الشارقة للإبداع الفكرى" الذى نتمنى أن ينمو ليصبح مركزًا للإشعاع الثقافى والإبداعى والفكرى، فى جميع أنحاء العالم العربى، على تصديه لهذا المشروع الجليل (كباكورة إنتاج المركز). مركز الشارقة للإبداع الفكرى

أ

أ

الآثار العلوية

الآثار العلوية هو العنوان الذى اتخذه العرب للدلالة على الرصد الجوى عند أرسطو، وثيوفرسطس. 1 - ذكر الكندى فى مؤلفه: "رسالة فى كميَّة كتب أرسطوطاليس وما يحتاج إليه فى تحصيل الفلسفة" رسالة عنوانها: "كتاب أحداث الجو والأرض" ووضعها فى الطبقة الرابعة من كتب الطبيعيات (انظر M. Guidi & R. Walzer: Uno scritto introduttivo allo studio di su al-Kindi , Aristotele, Studi جـ 1 فى. Atti Lincei, Mem. della della R. Acad. dei classe di scienze moraLI جـ 6، ص 6 سنة 1937). وهذا التصنيف لكتب الطبيعيات أورده اليعقوبى (جـ 1، ص 149 فذكر كتابا: "فى الشرائع وهو كتاب المنطق فى الآثار العلوية" (انظر Klamroth: griechischen Uber die Ausziige aus Schriftstellern bei Al-Yaqubi , فى. Zeitschr .der Deutsch. Morgenl. Gesell، جـ 41، سنة 1887، ص 415 - 442). وقد ورد ذكر العنوان "الآثار العلوية" فى كتاب الفهرست (ص 251) وفى ابن أبى أصيبعة (ص 58)؛ وفى مصنف جابر "كتاب البحث" تندرج الآثار العلوية تحت الكتب الوسطى، أى كتب الطبيعيات (انظر Jabir .b .: P. Kraus. Hayyan جـ 1، ص 322 وما بعدها؛ Mem. de l'Institut d,Egyte عدد 45، سنة 1942). وأول محاولة بذلت لتجعل علوم الطبيعة والحياة عند أرسطو فى متناول قراء العربية تتمثل فى الشروح التى ترجمها إلى العربية يوحنا (يحيى) بن البطريق المَلكَانى مولى الخليفة المأمون؛ وانتهت إلينا ترجمته للآثار العلوية فى مخطوطين أحدهما محفوظ فى استانبول (مكتبة يكي جامع، رقم 1179)، والآخر فى رومة (مكتبة الفاتيكان، الكتب العبرية رقم 378)، وترجم جيرار القرمونى الكتب الثلاثة الأولى لابن البطريق إلى اللغة اللاتينية (انظر Lacombe: Aristoteles latinus جـ 1، ص 56). وقد دلنا فوبز) Fobes؛ انظر: - Classical phi

lology, جـ 10، سنة 1915، ص 297 - 314 على ثلاث نسخ بالعربية واللاتينية من الكتاب الرابع وهو رسالة فى الكيمياء، وأحد هذه المتون، وهو الذى ورد فى فهرس المخطوطات المحفوظة فى المكتبة الأهلية (الكتب اللاتينية رقم 6325) تمثله نسخة عمدتها أثر من صنع ابن البطريق. وذكر الفهرست (ص 265) من بين مصنفات أبى الخير الحسن بن سُوار (ولد سنة 331 هـ = 942 م) ترجمة لمصنف اسمه "كتاب الآثار العلوية"، ولكننا، والحق يقال، لا نستطيع أن نقطع بأن عنوان هذا المصنف يشير إلى رسالة أرسطو فى الآثار العلوية (وانظر ما ذكره ابن أبى أصيبعة جـ 1، ص 323، عن رسالة أخرى لابن سوار فى الآثار العلوية). والشرح الكبير لأوليمبو دروس على متن أرسطو قد ترجمه، فيما يقول كتاب الفهرست (ص 251) أبو بشر مَتّى بن يونس المتوفى سنة 328 هـ (940 م)، كما ترجم يحيى بن عَدِىّ المتوفى سنة 363 هـ (973 م) شرح الإسكندر الأفروديسى على هذا المتن. ولم تصل إلينا أية ترجمة من هاتين الترجمتين (وانظر عن شرح الفارابى: ابن القفطى، ص 279؛ وابن أبى أصيبعة، جـ 1 ص 138). وتؤلف الآثار العلوية والجغرافيا جزءًا من الفن الخامس من كتاب الشفاء لابن سينا. وقد ترجم هورتن وفايدمان من ذلك الجزء كلام ابن سينا عن هالة القمر وقوس قزح (Meteorologische,: Horten & Wiedmann .Zeitschr عدد 30، سنة 1913، ص 533 - 544). وأورد ابن سينا فى كتابه: "النجاة" (طبعة القاهرة سنة 1938، ص 152 - 157) خلاصة ما أورد بالتفصيل فى كتاب "الشفاء"، أما شروح ابن رشد على الآثار العلوية فبين أيدينا مختصر المتن العربى منها (طبعة حيدر آباد سنة 1365 هـ). وقد كان للأفكار التى بسطها أرسطو فى الآثار العلوية، وخاصة ما ورد فى الكتاب الرابع، شأن هام فى تاريخ الأفكار الإسلامية عن الطبيعيات،

وفى بداية القرن الثالث الهجرى انتقد المتكلم المعتزلى النَظّام ما أفاض فيه الدهرية من مذهب فى "القوى الغريزية" إذ عدّ ذلك منهم اعتسافا، لأنهم انما اعتمدوا هنا على حاسة اللمس أو (اللمس الملسمة ra urtirey) وكان النظام يعرف النظرية الرئيسية فى البخار (بخار أرضى، وبخار مائى = aveluuiunic, aruic) كما أنه بسط رأيا فى ملوحة البحر (انظر الشذرات من كتاباته التى ذكرها الجاحظ فى كتاب الحيوان جـ 5). ومن الواضح أن نظرية العناصر فى مذهب جابر تعتمد على أقوال أرسطو. (انظر Kraus: الكتاب المذكور، ص 163 وما بعدها). وفى مأثورات العرب عن الآثار العلوية، من ابن البَطْريق حتى ابن رشد، فُسر المذهب الذى أشار إليه أرسطو (339 أ، ص 20) إشارة غامضة عن تأثير الأفلاك على عالم ما تحت القمر، بما يتمشى مع النظرية التنجيمية التى بسطت فى كتاب كنز الاسكندر على سبيل المثال، وهو الكتاب الذى ذكر رسكا متنه العربى (Ruska: Smaragdina Tabula ص 80). وبناء على هذه النظرية فإن العالم السفلى يتأثر بالعالم العلوي، وإن الأجسام الجزئية فى العالم السفلى خاضعة لأجرام العالم العلوي، لأن الجو متصل بخارج الأجسام جميعا وكذلك بالدوائر الفلكية. وفى كتاب "سر الخليقة"، الذى هو كتاب من كتب الرهبان ينسب إلى بليناس (أبو لينوس الطياني؛ انظر kraus، كتابه المذكور، ص 147، تعليق 2) صوِّرت نظرية تأثير الأرض على أنها رأى فى خلق العالم يقول بأن التطور المستمر للمعدن والنبات والحيوان يرجع إلى السرعة المطردة فى حركة الكرة الأرضية. وهذه الفكرة ظاهرة أيضا فى شرح ابن البطريق للآثار العلوية (جـ 1، أ) حيث يقول إن حركة الأشياء التي تديرها الأجرام السماوية) تلك الأشياء المتعلقة بالأرض على نحو النبات وخلق الحيوان والمعادن وتولدها ... الخ تحصل من تاثير الأجرام السماوية، وذلك بالنظر إلى تحول الأشياء وتحركها، وبسط هذه النظرية أيضا إخوان الصفاء فى

الآخر

الفصل الذى عقدوه على "الآثار العلوية" (الرسائل، جـ 2، ص 54 وما بعدها)، وقد نسبها على بن رَبَّن الطبرى صراحة إلى أرسطو، وذلك فى كتابه "فردوس الحكمة" (ص 21، وانظر أيضا ابن رشد: الآثار العلوية، ص 6). 2 - الآثار العلوية لثيوفرسطس (IJepi uerapoiwr) وأصلها اليونانى مفقود، وقد ترجم جزءًا منها فقيه اللغة المشهور أبو الحسن بن بهلول الطِرْهانى (وهذا هو الرسم الذى يجب أن يرسم به هذا اللقب كما جاء فى ابن أبى أصيبعة، جـ 1، ص 109، وانظر Neue meteorologische Frag-: Bergstrasser mente des Theophrasi فى sitzungber.der Kt Heidelb. Akad. der Wiss. phil.-hist. سنة 1918، عدد 9)، وقد انتهى إلينا النص السريانى الذى ترجمه بار بهلول (انظر The Syriac trans-Drossaart Lulofs ation of Theophrastus's Meteorology فى Autour d'Aristotle, Recueil d'etudes offert a A. Mansinn لوفان سنة 1955، ص 433 - 449). د. مصطفى حلمى [لوين B. Lewin] الآخر من أسماء الله الحسنى- وآخر جهار شنبه هو يوم الأربعاء الأخير من شهر صفر. ويحتفل المسلمون فى الهند بهذا اليوم لأن النبى إبان مرضه الأخير خفت آلامه فيه بعض الشئ على ما يقال. ومع ذلك فالهنود من الشيعة يتشاءمون به ويطلقون عليه "جهار شنبه سور" ومعناها يوم الأربعاء الذى تصدر فيه آخر نفخة فى الصور يوم الحشر. ومن أجل هذا اليوم تخبز الفطائر وتقرأ الفاتحة عليها عدة مرات للنبى، وثم عادة أخرى هى شرب التسليمات السبع أى الآيات القرآنية السبع (الآية 58 من سورة يس؛ الآية 77 من سورة الصافات، الآية 109 من سورة الصافات، الآية 120 من الصافات، الآية 130 من الصافات الآية 73 من سورة الزمر، الآية 5 من سورة القدر). ويكتب هذه الآيات "مُلا" على ورق الموز أو المانجو أو على صحيفة من الورق ثم تغسل الكتابة ولما يجف المداد، فمن يشرب من الماء الذى غسلت به يتحقق له هدوء

آدم (عليه السلام)

البال والسعادة (انظر On the: Herklots customs of the Mosulmans of India ص 230، وما بعدها؛ The faith: Sell Islam الطبعة الثانية، ص 313؛ slamisme d'apres le: Carcin de Tassy l'i Coran . الطبعة الثالثة، ص 334 وما بعدها). + الآخرة "مؤنث آخر" مصطلح استعمل من قبل فى القرآن للدلالة على الحياة المقبلة، وهى "الدار الآخرة" على الصحيح فى قول المفسرين، ويقابلها "الدار الدنيا" أو "الحياة الدنيا"، والمعاد مرادف للآخرة. وهذه المقابلة نفسها تتمثل فى المصطلحين "دار البقاء" و"دار الفناء" وفى الأصلين عجل وأجل. والآخرة تدل على حال السعادة أو الشقاء فى الحياة الآخرة، يقابلها نصيب الإنسان فى هذه الحياة الدنيا وخاصة في، ملذاتها. وتشتق من هذه المعانى تعريفات كلامية وفلسفية أمعن فى الاصطلاح مثل كيفية البعث وهل يكون بالجسد أو بغير الجسد، فإذا أنكر البعث بالجسد فهل يكون بالروح؟ المصادر: (1) Lexicon: Lane. (2) كشاف اصطلاحات الفنون، لناشره Sprenger . A، مادة "آخرة". (3) الغزالى: إحياء علوم الدين، الكتاب 40 وفى مواضع أخرى. (4) فخر الدين الرازى: المحصّل، الركن 3، قسم 2. خورشيد [تريتن A.S. Tritton] آدم (عليه السلام) أبو البشر؛ وقد جاء فى القرآن أن الله لما خلق ما فى الأرض وما فى السموات قال للملائكة: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ}، ثم علّم آدم الأسماء كلها، وكان الملائكة يجهلونها فأنبأهم آدم بها (سورة البقرة، الآيات 30 - 33)؛ ثم أمر الله الملائكة أن

يسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وقال إنه أخير منه فقد خلقه الله من نار وخلق آدم من طين (سورة البقرة، آية 34؛ سورة الأعراف، الآيتان 11, 12, سورة الحجر الآيات 26 - 33؛ سورة الإسراء، الآية 61؛ سورة الكهف، الآية 50؛ سورة طه، الآية 116) وقد جاء في الآية السابعة والعشرين من سورة الحجر: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ}. وطرد إبليس من الجنة (سورة الأعراف، الآية 13؛ سورة الإسراء، الآية 63)، حيث أسكن آدم وزوجه يعيشان فى نعيم وأمرا بألا يقربا "هذه الشجرة" (سورة البقرة، الآية 35؛ سورة الأعراف، الآية 19؛ سورة طه، الآية 16 وما بعدها). ثم أعقب ذلك زلَّة بنى الإنسان: {فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ} {فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ} (سورة البقرة الآية 36)؛ {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ}؛ فأكلا منها فـ {بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ} (سورة الأعراف، الآية 22؛ سورة طه، الآية 121) ثم قال الله تعالي: {اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ}؛ ثم سأل آدم ربه الصفح والمغفرة فتاب عليه (سورة البقرة) الآيتان 36، 37, سورة الأعراف، الآيات 22 - 24, سورة طه، الآيتان 122، 123). وقد جاء فى القرآن أيضا أنه كان بين الله وآدم عهد من قبل، ولكن آدم نسيه (سورة طه، الآية 115)، فقال الله: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَابَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} (سورة يس، الآية 60). وكذلك ورد فى القرآن: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ} {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ} (سورة آل عمران، الآية 33)؛ و {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} فيكون" (سورة آل عمران، الآية 59). ونحن نجد العناصر غير الواردة فى التوراة من قصة آدم ماثلة فى الروايات اليهودية، بل فى الروايات المسيحية فى بعض الحالات. ونحن نعرف حديث الله تعالى مع الملائكة قبل خلق آدم

ورجحان آدم عليهم لعلمه بالأسماء، مجموعة برشيت ربَّا (جـ 17، ص 4) ومجموعة بمدبر ربَّا (جـ 19، ص 3) ومجموعة بسقتا (طبعة S. . Butler، ص 34 أ)، و pseude-: Kautzch: Vita Adami pigrapher، ص 513. وفى الكتابات اليهودية أن السجود (rpooxuvraic) لم يكن بأمر من الله، بل أراد الملائكة أن يشرّفوا آدم كما شرفه الله، فحال بينهم وبين ذلك أن الله جعل آدم ينام (مجموعة برشيت ربَّا، 8، 10، برقى ربَّا إليعزر فصل 19). على أن أثناسيوس (Quaestio X ad Antiocum) يشير إلى فكرة أن الشيطان زل لأنه رفض أن يسجد (rpounvrauci) لآدم، ولكنه ينكرها. وجاء فى كتاب - Vita Ada mi (الموضع المذكور) أن الملك ميكائيل سجد لآدم ودعا سائر الملائكة أن يحذوا حذوه، ويفهم من الكتاب ضمنا لا نصا أن الله أقر ذلك. وفى الكتاب النصرانى السرياني: مغارة الكنوز أن الله سوّد آدم على جميع المخلوقات وأن الملائكة عبدوه إلا إبليس الحسود ومن ثم طرد من الجنة. وقد ورد ذكر العهد الذى كان بين الله وبين آدم فى كتاب سنهدرين (ص 38 ب) وفى كتاب أغسطين (De civitate dei، جـ 16، ص 27) وفى كتاب ندم آدم: عروبين (ص 18 ب)؛ وفى كتاب عبودا زارا (ص 18) وفى كتاب Vita Adami (ص 512). وكانت الروايات والقصص التى نشأت بعد القرآن عن آدم تنمو، وقد انعكس فيها أيضا الأثر اليهودى والمسيحى إلى حد كبير. ونحن نجدها ماثلة على الأغلب فى مجموعات القصص، وفى كتب التاريخ العام، وفى بعض كتب التفاسير. وقد روى أن الله مهد لخلق آدم بأن بعث جبريل ثم ميكائيل إلى الأرض ليأخذ منها قبضة من طين فاستعاذت بالله أن يأخذ منها شيئا، فبعث الله إليها ملك الموت فانتزع قبضة من طينها الأحمر والأبيض والأسود، ولذلك اختلفت ألوان البشر. وسمى آدم بهذا الاسم لأنه أخذ من أديم الأرض. ثم عجنت القبضة من التراب حتى صارت طينا لازبا ثم تركت حتى غدت صلصالا.

ثم أراد الله أن ينفخ فيه الروح فأمرها فدخلت فى فيه ثم فى دماغه ثم نزلت فى عينيه، ثم نزلت فى أنفه، ثم انتشرت الروح فى سائر جسمه كله فصار لحماً ودماً وعظاماً وعروقاً وعصباً. وفى رواية عن النبى [صلى الله عليه وسلم] أن الله خلق رأس آدم وجبهته من تراب الكعبة، وصدره وظهره من بيت المقدس وفخذيه من أرض اليمن ... إلخ (الطبرى. جـ 1، ص 87 وما بعدها؛ الطبرى: التفسير، جـ 1، ص 159؛ المسعودى: مروج الذهب، جـ 1، ص 51 - 53؛ الكسائى، ص 23 - 27؛ الثعلبى، ص 17). وفى الرواية اليهودية أن الطين الذى خلق منه جسد آدم قد أخذ من مكان المعبد أو من العالم كله بألوان مختلفة، ثم صور أولا جسدا بلا روح "كوليم" (تركوم يروشلمى لسفر التكوين، الإصحاح الثاني، فقرة 7؛ كتاب سنهدرين، ص 38 أ؛ برقى ربَّا إليعزر، فصل 11). ونجد رواية نصرانية من هذا القبيل عند كيبريان وأغسطين. وتحدثت الرواية الإسلامية بحسن صورة هذا الجسد وطول قامته. (انظر الثعلبي، ص 22؛ سورة التين؛ الآية 4) وكذلك الرواية اليهودية (برشيت ربا، جـ 8، ص 1، جـ 12، ، ص 6، سنهدرين، ص 38 وما بعدها) والكتب النصرانية (مغارة الكنوز، طبعة بزولد Bezold, ص 12). والكتب اليهودية تتبع قصة التوراة التى جاء فيها أن الحية هى التى أغوت الإنسان، وجاء فى كتاب (Kautzsch) Vita Adam ص 521، ، أن الشيطان تحدث بلسان الحية، وهذه هى الرواية النصرانية. (Cave of Tr، ص 22، civitate Dei: Augustine De جـ 14، ص 11، ابن العبرى: تأريخ مختصر الدول، ص 7). ولا يتحدث القرآن إلا عن الشيطان فيقول إنه هو الذى أغوى آدم، على حين أدخلت الرواية الإسلامية الحية فى ذلك أيضاً، وتتحدث الحية بأمر إبليس (الطبرى: التفسير. جـ 8، ص 107) أو أن الحية قد حملت إبليس فى فمها أو فى بطنها (الطبرى، ص 104 - 106). ويظهر

الطاووس فى قصص الكسائى (ص 36 - 39) وقصص الثعلبى (ص 20)، فقد حاول إبليس أن يدخل الجنة ليغوى آدم فمنعه الله، وهنالك لقى إبليس الطاووس سيد طيور الجنة وقال له إن كل الخلائق يبيدون، ولكنه يستطيع أن يدلّه على شجرة الخلد، وأخبر الطاووس الحية بذلك، وسعت الحية إلى إبليس فاندفع داخلا فى فيها، فاستطاع دخول الجنة، وتحدث بلسانها إلى آدم وحواء، وعندئذ أكلت حواء من الشجرة. وغلب على الرواية اليهودية أن الثمرة المحرمة كانت هى العنب أو التين أو الحنطة (بركوت، ص 40 أ، مجموعة برشيت ربّا، جـ 15، ص 7)، ونجد مثل هذه الفكرة وغيرها فى الرواية الإسلامية (الطبري: التفسير، جـ 1، ص 183 وما بعدها؛ وغير ذلك من تفاسير القرآن: سورة البقرة، الآية 36، الثعلبى). وهبط آدم إلى الأرض كما أمر، ومن ثم ذهبوا إلى أن الجنة فى السماء. ويقول الطبرى إن الرواية تجعل الهند مكاناً لهبوط آدم، ولا يدفع صحة ذلك علماء الإسلام وأهل التوراة والإنجيل. على أن أشيع الروايات هى أنه هبط إلى سرنديب، وحوّاء إلى جدة، وإبليس إلى بيسان (أو ميسان أو الأبُلَّة) والحية إلى إصفهان (أو إلى البرية)؛ والتقى آدم وحواء فى المزدلفة وعرفة (الطبري، جـ 1، ص 121, المسعودي، جـ 1، ص 60، اليعقوبي، جـ 1، ص 3، الثعلبي، ص 21). ويجب أن نفهم هذا مرتبطاً بفكرة أن آدم، فى قول رواية من الروايات، هو الذى أنشأ الأعياد اليهودية (عبودا زارا، ص 18)، وأدى مناسك الحج وأن الحجر الأسود نزل إليه من السماء، ومن ثم بنى الكعبة (الطبري، جـ 1، ص 122، اليعقوبي، جـ 1، ص 3، الثعلبي، ص 23)، وتعلم أيضاً، هو وحواء، كيف يستخدمان النار والزراعة والحرف اليدوية، وذلك فى قول رواية إسرائيلية الأصل (حمزة الإصفهاني، طبعة Gottwald, برلين، 1340، ص 57؛ الطبري، جـ 1، ص 123، 126 وما بعدها، الثعلبي، ص 23 - 25)، بل لقد ذهب الثعلبى إلى أنه سك الدراهم والدنانير لأنها كانت من مستلزمات الحياة المألوفة. ويقال فى تتمة تعلمه الأسماء أنه تعلم كل

الأسماء والتحيات والصيغ الدينية (الطبري، جـ 1، ص 93 وما بعدها، اليعقوبي، ص 3). والمفروض أن آدم كان يتحدث بالآرامية (سنهدرين، ص 38 ب، ابن العبري: تاريخ السريان، ص 5). ويروى الحلبى (السيرة الحلبية، القاهرة سنة 1329 هـ، جـ 1، ص 20) أن آدم كان يتحدث بالعربية فى الجنة، ولكنه تحدث بالسريانية على الأرض، وكان يكتب بيده اثنى عشر قلماً معروفاً. ويقول الكسائى (ص 28) إنه كان يتحدث بسبعمائة لغة وأفضلها العربية. وكان أيضاً يكتب الكتب (الدينوري، ص 8). ولما بنى آدم بحواء أعقبا أولادا أولهم قابيل وهابيل وولدت حواء مع كل منهما توأمة له، وزوج آدم كلا منهما لتوأمة الآخر، ولذلك حسد قابيل هابيل وقتله. وكان شيث الذى ولد بلا أخت محبباً إلى قلب آدم ووصيه. وأعقب آدم أولاداً كثيرين غير هؤلاء سمى أحدهم عبد المغيث؛ ويقول الثعلبى إن آدم لم يمت حتى رأى من ولده وولد ولده أربعين ألفاً. ويذكر الحلبى خمس آلهة للعرب كانوا من أولاد آدم، وقد صنع إبليس أصناماً على صورهم عبدتها الأجيال التى جاءت بعد ذلك (الطبري، جـ 1، ص 149 وما بعدها، 160 وما بعدها، المسعودى جـ 1، ص 62، اليعقوبي، ص 4، الثعلبي، ص 27، الحلبي: السيرة، جـ 1، ص 12). ومسح الله ظهر آدم فظهرت أمامه ذريته جميعا ومن بينهم داود. ولما سمع آدم أن داود لن يعيش إلا عمراً قصيراً وهب له آدم من عمره أربعين سنة 50 أو 70 سنة) ومن ثم لم يستوف آدم أجله الذ كان قد كتب عليه (الطبري، جـ 1، ص 156، ابن سعد، جـ 1، قسم 1، ص 7، الثعلبي، ص 26). ويرد مثل هذا فى الرواية اليهودية (مجموعة بمدبر ربَّا، جـ 16، ص 12، يلقط شمعوني، الفصل 41، يرقى ربا إليعزر، فصل 19)، وثمة فكرة تتصل بذلك وهى الرواية النصرانية التى تقول إن كل شيء قد خلق فى تلك اللحظة نفسها (ابن العبري: تأريخ مختصر الدول، ص 7).

وقد خلق آدم يوم الجمعة السادس من نيسان فى السنة الأولى. وطرد من الجنة فى اليوم نفسه، وتوفى يوم الجمعة فى الساعة التى كان فيها خلقه (الطبري، جـ 1، ص 155 وما بعدها، المسعودى جـ 1، ص 60، 69، اليعقوبي، جـ 1، ص 4) ودفن، هو وحواء، فى مغارة هى مغارة الكنوز عند سفح أبى قبيس بالقرب من مكة (الطبري، جـ 1، ص 163، اليعقوبي، ص 4). ويروى الثعلبى (ص 30) أن جثمان آدم حمل بعد الطوفان إلى بيت المقدس، متبعاً فى ذلك رواية نصرانية تقول إنه حمل من فلك نوح إلى الجُلجُلَة (جلجثة) قلب الأرض (مغارة الكنوز، ص 38 - 42. 84، 112، 148) حيث يقوم "معبد آدم" في كنيسة القبر المقدس (انظر Der Omphalosgedanke M.H. Roscher. ليبسك سنة 1918، Kon-: E. Wifstrand stantin Kirche heiliRen GoteborR سنة 1952، ص 30 وما بعدها). ولم يكن آدم أول البشر فحسب، بل كان أيضاً أول النبيين. ومن ثم أصبح مكانه متأثراً بالمنحى الإسلامى فى التفكير. وكما أن عيسى هو آدم الثانى فى النصرانية، فقد عقدت فى الإسلام صلة بين آدم ومحمد، فآدم هو أول الرسل ومحمد هو خاتم الرسل. وفى مذهب السبعية فإن آدم هو أول الناطقين السبعة، ويقول بعضهم إنه كان يوجد من قبله أناس وناطقون، وكان شيث هو وصيه، وهم يميزون بين "آدم الكّلى" الذى هو "العقل" يبدأ منه الفيض، و"آدم الجزئي" وهو أول إنسان فى وقت الاستتار. وكان آدم هذا هو آدم المثالي الذى سجد له الملائكة لأنه كان ربانياً، إذ حلت فيه روح الله، وكان ذلك يسمى أحياناً "الحلول" الذى تتصل حلقاته بفعل "التناسخ". وقد جعل هذا الإنسان المثالي الربانى هو "الإنسان الكامل" عند الهيلينية، وكان هو نفسه الذى عرفه الحلاج باسم "الناسوت". ولما كان محمد قد أصبح قطب الخلق، وهى فكرة أكدتها الصوفية بخاصة، فإن "حقيقته" أو "نوره" هو الذى تجلى فى آدم، وقد خلقت المخلوقات جميعاً من أجل محمد، كما خلق آدم وذريته من نوره (المسعودي، جـ 1، ص 56؛ السيرة الحلبية، ص 23، الثعلبى، ص 16).

المصادر: (1) الكسائى: قصص الأنبياء، ليدن سنة 1923. (2) الثعلبى: العرائس، القاهرة سنة 1325 هـ. (3) Handbuch: Wensinck، مادة آدم. (4) البغدادى: الفرق بين الفرق، القاهرة سنة 1328 هـ / 1910 م، ص 280، 332. (5) The Mathnawi of: R. A. Nicholson Jalal ud -Din Rumi جـ 8 الفهرس 11. (6) The Origins of Isma'ilism: B. Lewis كمبردج سنة 1940، ص 48. (7) Gnosis-Texte der Is-: R. Strothmann mailiten كوتنكن سنة 1943، ص 9، 19، 47، 100، 117، 162، 129. (8) مجلة Zeitchr ,der Deutsch Morgenl Gesells. جـ 15 وما بعدها، جـ 25، ص 59 وما بعدها. (9) Revue de l'histoire des Religions, جـ 5، ص 373 - 379. (10) Die Person Muhammeds: T. Andrae, ستوكهلم سنة 1917، ص 313 وما بعدها. (11) AL-Hallaj: L. Massignon باريس سنة 1922، الفهرس مادة آدم. (12) Studies in Islamic: R. A. Nicholson ysticism' كمبردج سنة 1921، مادة آدم. (13) La legende: Decourdemanche Revue de l' histoire des Relig - d'Adam ions: سنة: سنة 1882. (14) Grunbaum .M Neue Beitrage zur: semitischen Sagenkunde, ليدن سنة 1893، ص 54 - 79. (15) The Legends of the: L.Ginzberg Jews فيلادلفيا سنة 1909، جـ 1، ص 47 - 102. (16) Die Biblischen: H. Speyer Erzahhmgen im Qoran. كرافنهاينشن سنة 1931، ص 41 - 83. خورشيد [بيدرسن J. Pedersen]

آذر / أو آدر

آذر / أو آدر اسم الشهر التاسع من التقويم الفارسى، واسم اليوم التاسع من كل شهر فارسى فى الوقت نفسه، ولذلك يفرقون بين آذر ماه (شهر آذر) وآذر روز (يوم آذر). [مالر Mahler .E] آذربيجان * (آذربايجان) آزربايجان وأذربيجان: (1) كورة فارسية. (2) جمهورية سوفييتية اشتراكية. (1) هى الكورة الفارسية الكبرى المعروفة فى الفارسية الوسطى باسم "آتُرْ باتاكان"، وفي الفارسية الحديثة المتقدمة "آذر باذكان" و "آذر بايكان" وتعرف فى الوقت الحالى باسم "آذربايجان"، وفى اليونانية باسم A rpoaa ihrn، وفى اليونانية البوزنطية A SpaBiYaivwy، وفى الأرمينية باسم "أتراباتكان" وفى السريانية باسم "آذُرْ بايغان". وقد نسبت الكورة إلى القائد أتروباتيس (أى الذى تحميه النار) الذى أعلن استقلاله (328 ق. م) ¬

_ * أصبحت جمهورية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي ويبلغ عدد السكان 7.684.000 نفس بكثافة: 230 فى الميل المربع. المناطق الحضرية: 54 الجماعات العرقية: الآذاريون 83 %، الروسي 6 % الأرمن 6 %. اللغات: اللغة الآذارية: 82 %، الروسية: 7 % الأرمنية 5 %. الدين: الإسلام هو الدين السائد. العاصمة: باكو التطور السياسى: فى مرحلة الانتقال كان رئيس الدولة هو حيدر علييف Geidar A. Aliyev الذى شغل منصبه اعتبارا من 3 يونيو 1993 وفى الفترة نفسها كان رئيس الوزراء هو سورات حسينوف Surat Huseyno وكانت أذربيجان قد أدمجت في الاتحاد السوفيتى فى 30 ديسمبر سنة 1936، وأصبحت جمهورية لها وضعها الدستورى سنة 1936، وأعلنت أذربيجان استقلالها فى 30 أغسطس سنة 1991 وأصبحت بالفعل مستقلة بعد تحطم الاتحاد السوفيتى وتفككه فى 26 ديسمبر سنة 1991. فى سنة 1992 زادت حدة الحرب بين الآذاريين المسلمين والأرمين المسيحيين واستمرت هذه الحروب فى سنة 1993 و 1994، وكان محور الصراع هو ادعاء كل من الطرفين تبعية نجورنو كاراباخ Nogorno Karabakh له. وأعلن وقف إطلاق النار بين الطرفين المتقابلين فى مايو 1994. وفى 91 مايو 1992 طرد المجلس الوطنى Na- tional Council الرئيس الشيوعى موتيبوث Mu- tabibov وأصبح أبو الفيض الشيباى Alulfez El- chibay أول رئيس وطنى منتخب فى 7 يونيو 1992 لكنه أزيح من منصبه بواسطة ميليشيان سورات حسينوف منصب رئيس الوزراء وأصبح جيداد علييف رئيسا للدولة. العملة: مانات Manuat.m والمانات الواحد يساوى 10 روبلات Rubles . [د. عبد الرحمن الشيخ]

أيام غزوة الإسكندر، وبذلك حفظ مملكته (ميديا الصغرى: إسترابون، جـ 11، ص 13، 1) التى كانت قائمة فى الركن الشمالى الغربى من القطر الذى عرف من بعد بفارس (انظر ابن المقفع فيما أورده ياقوت، جـ 1، ص 172، المقدسى، ص 375: آذرباذ بن بيوراسْف). وازدهرت دولة أتروباتيس تحت حكم الأشكانيين وأصهرت للبيت المالك. وتوفى آخر سليل لبيت أتروباتيس، كابوس يوليوس أرتوَزَدْ، فى رومة سنة 38 م حين كانت المملكة قد ضمت بالفعل إلى ملك الأشكانيين (انظر عن تاريخها القديم: - Pauly - Wis sowa مادة Atropatene) وكان يحكم آذربيجان فى عهد الساسانيين مَرْزُبان، وحوالى نهاية هذا العهد كانت تتبع بيت فَرخ هُرْمزد (انظر Eranshahr: Marquar ص 108 - 114). وكانت قصبة آذربيجان فى شيز أو "كنزك") التى هى عين أطلال "ليْلان" (جنوبى شرق بحيرة أرْمية)، وكان يقوم فيها معبد للنار مشهور كان يزوره ملوك عند اعتلائهم العرش. وقد نقلت النار من بعد إلى قلعة أشكانية أكثر مناعة هى QrBapuais B,Bapuic (وهى الآن تخت سليمان). والفتح العربى لآذربيجان يرد بروايات مختلفة فى حوادث السنوات من 18 - 22 هـ (639 - 643 م)، فيقال إن حُذيفَة بن اليمان فتح آذربيجان فى قدومه من نهاوند أيام الخليفة عمر. وقدمت حملات أخرى من شهرزور، وعقد حذيفة صلحاً مع المرزبان الذى كانت قصبته أردبيل، على أن يؤدى المرزبان ثمانمائة ألف درهم، ووعد العرب بألا يسبوا أحدا من أهلها، وأن يحترموا معابد النار والشعائر التى تقام فيها، وأن يحموا السكان من كرد (بدو) بلاشكان [البلاشجان] وسبلان، وشاتروزان [مياه روذان]. وكان أهل آذربيجان (وهم من أصل إيرانى) يتحدثون بجملة لهجات (المقدسى، ص 375: سبعين لهجة قرب أردبيل). وكان شيوخ العرب ينزلون نواحى شتى: روّاد الأزدى فى إقليم تبريز؛ وبعيث الربيعة فى مَرَنْد، ومُر ابن على الرُدينى جنوبى بحيرة أرْمِية ... إلخ، ثم اندمجوا شيئاً فشيئاً فى الأهالى

الوطنيين حتى لقد عُد بنو رواد حوالى منتصف القرن الرابع الهجرى (العاشر الميلادى) كرداً من الأكراد (انظر ما فصله سيد ب كسروى: بادشاهان كمُ نام، جـ 1 - 3، طهران، سنة 1928 - 1929 م). وتراخت قبضة الخلافة على آذربيجان بعد فتنة بابك، وكان آخر من وليها من الحكام ذوى الهمة العالية (276 - 317 هـ = 889 - 929 م) بنو الساج، الذين أنهوا حكمهم هم أنفسهم بالفتنة، فلما دالت دولتهم ظهرت أسر حاكمة وطنية فى آذربيجان، وبعد انقضاء عهد ديسم الخارجى (نصف عربى ونصف كردى) فتحت آذربيجان على يد مرزبان بن محمد الديلمى الذى كان يدين بمذهب الباطنية، وقد خلف بنو رواد (انظر هذه المادة , 373 - 463 هـ = 983 - 1070 م) الديلمية. وفى مستهل القرن الخامس الهجرى (الحادى عشر الميلادى) احتل الغز فى ظل السلاجقة آذربيجان، فعلوا ذلك فى جماعات صغيرة أولا، ثم فى جماعات كبيرة. ومن ثم أصبح السكان الإيرانيون لآذربيجان وما تاخمها من أجزاء ما وراء القوقاز مشايعين للترك. وفى سنة 531 هـ (1136 م) كانت آذربيجان من نصيب الأتابك إيلدكز (انظر هذه المادة وخير من ذلك أن يقال ألد كوز)، وقد حكمت سلالته بالتنافس مع الأحمديلية حتى الغزوة القصيرة الأمد التى نمت على يد جلال الدين خوارزمشاه (ما بين سنتى 622 - 628 هـ (1225 - 1231 م) الذى جاء المغول فى أعقابه. وبقدوم الإيلخان هولاكو سنة 654 هـ) (1256 م) أصبحت آذربيجان قلب إمبراطورية عظيمة تمتد من نهر جيحون حتى الشام. واتخذ الروم مقرهم أول الأمر فى مراغة، ثم فى تبريز التى غدت مركزاً عظيماً للتجارة والحياة الثقافية. ودالت دولة المغول وخلفائهم الجلائريين فى آذربيجان فاحتلها التركمان فى عودتهم من الغرب (القره قيونلى والأق قبونلى، وكانت قصبتهم تبريز). 780 - 908 هـ = 1378 - 1502 م).

ولما انقضت سنة 907 هـ (1502 م) أصبحت آذربيجان أهم معاقل الصفويين ومحشد صفوفهم، وكانوا هم أنفسهم من أهل أردبيل يتحدثون فى الأصل لهجة إيرانية محلية وكان العثمانيون فى هذه الأثناء، أى ما بين سنتى 1514 و 1603 م، يحتلون تبريز كثيرا هى وغيرها من أجزاء الولاية، واستعاد الشاه عباس سيطرة الفرس، بيد أن العثمانيين عادوا، أثناء الفتح الأفغانى (1135 - 1142 هـ = 1722 - 1728 م) إلى احتلال آذربيجان وغيرها من ولايات فارس الغربية، حتى طردهم نادر شاه. وفى مستهل حكم كريم خان زند، انتقض آزاد خان الأفغانى فى آذربيجان، واستطاع الكرد الدُّمْبَلى أصحاب خوى وغيرهم من زعماء القبائل أن يسودوها على شتى أنحاء آذربيجان. ولما بزغ نجم القاجار أصبحت آذربيجان المقر المأثور لأولياء العهد، وفى الشمال استقر الحد النهائى بينها وبين روسيا (بمحاذاة نهر الرّس) سنة 1828 م (معاهدة تركمان جاى). ولم يتحدد الحد الغربى بينها وبين تركية إلا سنة 1914 م، وتنازلت فارس لتركية فى عهد رضا شاه عن منطقة صغيرة شمالى جبل أرارات. وكان لممثلى آذربيجان شأن فعال فى الثورة الفارسية بعد سنة 1905 م. وفى الثالث من أبريل سنة 1908 م قدم الجنود الروس إلى آذربيجان، بالاتفاق مع بريطانيا العظمى، ، لحماية الجاليات الأجنبية فى تبريز، ولكنهم أطالوا إقامتهم فيها متذرعين بأعذار شتى، وقاتلوا الترك ما بين عامى 1914، 1917 م قتالا تراوحت نتائجه، ثم جلوا عن آذربيجان بعد وقوع الثورة الروسية سنة 1917 م، ووصل الترك فى الثامن من يونية وأقاموا فى تبريز حكومة مشايعة لهم. وبدت حوالى ذلك الوقت الآثار الأولى للوعى الآذربيجانى، واستعيدت السيطرة الفارسية فى 5

سبتمبر سنة 1921 م على يد الرجل الذى أصبح من بعد الشاه رضا، وقد احتلت القوات السوفيتية الولايات الشمالية بما فيها آذربيجان بعد حوادث سنة 1914 م. وقامت حركة تدعو إلى استقلال آذربيجان الذاتى فى نطاق الدولة الفارسية متذرعة فى دعوتها بالاحتلال الروسى. وما إن استهل شهر مايو سنة 1946 م حتى كان الروس قد انسحبوا من آذربيجان، وقد تم ذلك فى هذا التاريخ بدلا من مارس سنة 1946 م كما اتفق أولا، وأثار هذا التأجيل مناقشة كبيرة فى الأمم المتحدة أدت إلى أول فرقة رسمية وقعت بين الحلفاء، واعترف رئيس الوزراء قوام، عقب انسحاب السوفييت، بالاستقلال الذاتى الإقليمى لآذربيجان، وذلك فى اتفاق وقع فى 13 يونيه سنة 1946، وتقررت بمقتضاه حقوق الحكم الذاتى المحلى لآذربيجان وأن يستخدم أهلها اللهجة التركية المحلية. على أن الجنود الفارسية سارت فى 5 نوفمبر إلى آذربيجان ودخلتها، وأعيدت الأمور فيها إلى حالة ما قبل الحرب. جغرافيتها: إن قائمة بلدان آذربيجان ونواحيها التى أوردها ابن خرُداذْبه (ص 119) مهمة فى معرفة تكوين الكورة بعيد الفتح العربى، وربما فى عهد الساسانيين: 1 - مراغة 2 - ميانْج 3 - أَرْدَبيل- 4 - سيسَر) = سنة) 5 - بَرْزَة (ساقّز؟ ) 6 - سابُرخاسْت 7 - تبريز 8 - مَرَند 9 - خوىّ 10 - كولْسَرَه 11 - موقان - 12 - بَرْزَنْد 13 - جَنْزَة (كنزك) 14 - جابَرْوان- 15 - نريز 16 - أُرمْيَة 17 - سَلمْاس 18 - شَيز 19 - رُسْتَاق السَلَق 20 - رستاق سنُد بايا (سندبايا) 21 - البَذّ 22 - أُرْم 23 - بَلْوان كَرَج (= قرجه داغ؟ ) 24 - رستاق سَراه (سَراب) 25 - دَسْكياوَرْ (؟ ) 26 - رستاق ماى بَهرْجَ. والبلدان التى تحمل الأرقام: 4، 5، 6, 13، 14، 15، 18، 19، 26 تقوم إلى الجنوب من بحيرة أرمية (فى اتجاه دينَوَرَ)؛ والبلدان التى تحمل الأرقام: 7، 8، 9، 16، 17 تقوم فى الركن الشمالى الغربى من آذربيجان؛ وتقوم البلدان

التى تحمل الأرقام: 1، 2، 3، 10، 11، 24، 23، 22، 21، 12 إلى الشرق من خط زوال تبريز. أما البلدان اللذان يحملان رقمى 20، 25 فلا يمكن تحديد موقعهما. وكان البلد الذى يحمل رقم 26 هو الحد الجنوبى: "حارس ميديا" (وربما كان فى الوقت الحالى هو سُنْقُر)، وكان الحد فى الشرق يمر بين ميانة وزّنْجان؛ ويذكر ابن خرداذبه فى الشمال الشرقى: "وَرْثان" (وهى الآن ألتن على الضفة الجنوبية لنهر الرّس) على اعتبار أنها: "آخر عمل آذربيجان". ومن ثم فإن أرض هذه الكورة تطابق مطابقة وثيقة رقعتها الحالية؛ على أن آذربيجان كانت فى الغالب تخضع لحكم واحد هى وجارتاها أرمينية وأرَان (انظر المقدسى، ص 374): "إقليم الرحاب" وهو يشمل الكور الثلاث)، ومن ثم تعرضت حدودها الإدارية لتغيرات موقوتة، وخاصة فى الأزمنة المتأخرة. وفى المقدسى تعد خوىّ، وأرمية، بل: داخَرَّقان (جنوبى تبريز) من بلدان أرمينية. ويقول ياقوت إن حد آذربيجان من بَرْذعة (بَرَّتاف). وفى كتاب "نزهة القلوب" (730 هـ = 1340 م، ص 89) ذكرت نخجوان [نقجوان] وأردوباد على الضفة اليسرى لنهر الرَّس، فى عمل آذربيجان. ومن أخص خصائص آذربيجان قنن الجبال الشاهقة التى ترتفع فى أنحاء مختلفة من الإقليم هى وسلاسل الجبال التى تصل هذه القنن بعضها ببعض وهى: جبل سوَلان [سَبَلان] غربى أردبيل (ارتفاعه 15.792 قدماً) وجبل سَهَند جنوبى تبريز (ارتفاعه 12.000 قدم)، وجبل أرارات الأصغر (12.840 قدماً) الذى تمتد جنوبيه سلسلة الجبال الطويلة التى تكون الحد بين تركية والعراق، والتى ترصع القنن الشاهقة جزءها الجنوبى، والأجزاء الوسطى من آذربيجان مكونة من سهول واسعة (تبريز، مرند، سلماس) وهضاب مرتفعة تخطها خوانق عميقة. وتنتمى أرض آذربيجان إلى أحواض بحر قزوين، وبحيرة أرمية، ونهر

دجلة. ويجرى صوب بحر الخزر: (1) روافد سفيدرود ومنابعها على الوجه الجنوبى الشرقى لجبل سَهند؛ (2) الروافد الجنوبية لنهر الرَس (نهر أردبيل وقره صو؛ وأنهار قرجه داغ؛ ونهر خوى ونهر ماكو، زنكى جاى). وبحيرة أرمية الداخلية (انظر مادة "أرمية") مصرف مياه مساحة قدرها 52.500 متر (أنهار مراغة وصوفى جاى وغيرهما؛ نهر تبريز، آجى جاى؛ وأنهار سلماس وأرمية العديدة؛ والأنهار الهامة فى النواحى الكردية: جغاتو، ططاوو، وكادر). وينبع نهر الزاب الأصغر من الجانب الفارسى لسلسلة الجبال الممتدة على الحدود وينبثق متخللا ثغرة اللان إلى سهول شمالى العراق ليلتقى بنهر دجلة. ويعيش أهل آذربيجان فى القرى بصفة خاصة، وأهم مدن آذربيجان: تبريز (عدد سكانها 280.000 نسمة)، وأردبيل (63.000 نسمة)، وأرمية. وخوىّ (49.000 نسمة) ومراغة (35.000 نسمة). ونجد السكان شبه المتبدين فى سهب موغان (وعند الترك شاه سوان) وفى النواحى الكردية بمحاذاة الحد التركى وفى جنوب بحيرة أرمية. وتتحدث الغالبية العظمى من الأهالى باللهجة المحلية المعروفة باسم "التركية الآذربيجانية. والسمات المميزة لهذه اللهجة هى التنغيمات الفارسية ومجافاة تآلف الحركات، مما يدل على أن الأهالى المستتركين ينتمون إلى أصل غير تركى. وبقايا اللهجات الإيرانية القديمة (آذرى) ماثلة فى كلام جماعات صغيرة من الناس فى قرجة داغ بالقرب من سهند، وبالقرب من جُلفْه .. الخ، ونجد الأرمن والأشورييبن ("آيسور") فى النواحى التى إلى الغرب من بحيرة أرمية. ويتحدث باللهجة الكردية على طول الحد الغربى وفى النواحى الجنوبية إلى الغرب من نهر ططاوو.

المصادر: (1) Eranshahr: J. Maequart, سنة 1901، ص 108 - 114. (2) Iran im Mittelalter: P. Schwarz جـ 8، السنوات 1932 - 1934 ,ص 959 - 1600) (وهو زبدة مفصلة أعظم التفصيل لكتب جغرافيى العرب). (3) Strange Le، ص 159 وما بعدها، . (4) Roman and: V. Minorsky Byz- antine campaigns in Atropatene. فى نشرة BSOAS سنة 1944، ص 245 - 265 (انظر E.Honigmann فى Byzontion سنة 1944 - 1945، ص 389 - 393)، (5) وانظر قائمة الولاة العرب فى Chronologie der orabiechen: R. Vasmer) Statthalter von Armenlen ete 750 - 887), فينا سنة 1931. (6) Erdkunde: Ritter, جـ 9، ص 763 - 1048. (7) Map of: Khanikoff & Kiepert Zeitschr.f.Allgwm Erd. Aderbaijon سنة 1862. (8) Mission Scien-: J. de Morgan tifrque جـ 1، ص 290 - 358. (9) فرهنك جغرافيائى ى إيران، جـ 4، سنة 1951 (قوائم بالقرى وخرائط). (10) E'Azerbeigian A. Monaco Persiano -eogr. italiana سنة 1928. (11) وانظر مواد: أردبيل، وبرزند، وكنزة، وخوى، ومراغة، ومرند، وموقان، ونريز، وسلماس، وساوج بلاق (مهابآد)، وشيز، وسيسر، وسلدوز، وتبريز، وأرمية، وأشنو. خورشيد [مينورسكى V. Minorsky] 2 - أزربيجان: جمهورية سوفيتية اشتراكية فى الجزء الشرقى مما وراء القوقاز، بين الفروع الجنوبية الشرقية للقوقاز، وساحل بحر الخزر، ونهر الرَس (وهو النهر الفاصل بينها وبين الكورة الفارسية المعروفة بالاسم

نفسه). وهى تتاخم فى الشمال الشرقى جمهورية داغستان المستقلة استقلالا ذاتياً (جزء من الجمهورية الروسية الاشتراكية الفدرالية السوفيتية)، وتتم فى الشمال الغربى جمهورية جورجيا (الكرج) السوفيتية الاشتراكية (بمحاذاة ألزن) وتتاخم فى الغرب الجمهورية الأرمينية السوفيتية الاشتراكية على طول الخط المار شرقى بحيرة سوان = كوكجه. وجمهورية نخجوان فى الجنوب الغربى، (وهى جمهورية سوفيتية اشتراكية مستقلة استقلالاً ذاتيا تنحصر بين الأراضى الأرمينية) هى جزء من جمهورية آذربيجان، على حين أن هضاب قره باخ (قره باغ) التى تضم عدداً كبيراً من السكان الأرمن، تكون منطقة مستقلة استقلالاً ذاتيا (أوبلاست Oblast) فى نطاق آذربيجان. وتطابق رقعة جمهورية آذربيجان تاريخيا ألبانيا عند قدامى الكتاب (إسترابون، جـ 11، ص 4؛ بطلميوس جـ 5، ص 11)، وألْوَنْقَع عند الأرمن، وأران عند العرب (انظر مادة أران"). وكان الجزء من هذه الجمهورية الممتد شمالى نهر الكُرّ يكوَن مملكة شَرْوان (شِرَوان من بعد). ولما انهار الجيش الروسى الإمبراطورى احتل الخلفاء باكو على سبيل الوقاية (الجنرال دسترفيل من 17 أغسطس إلى 14 سبتمبر سنة 1918 م) لصالح روسيا. واحتل الجنود الترك باكو بقيادة نورى باشا فى 15 سبتمبر سنة 1918 م، وأعادوا تنظيم الولاية السابقة باسم آزربيجان، وفسر ذلك فقيل إن السبب فيه هو قشابه سكانها الذين يتكلمون التركية بسكان الكورة الفارسية آذربيجان الذين يتحدثون بالتركية ... ولما عاد الخلفاء إلى احتلال باكو (17 أكتوبر سنة 1918 م) بعد هدنة "مدوس" اعترف الجنرال طومسون (28 ديسمبر سنة 1918 م) بحكومة حزب المساواة التى كانت قائمة وقتئذ على اعتبار أنها السلطة المحلية الوحيدة. وانسحب

آسية

الخلفاء فأعلن النظام السوفيتى فى باكو فى 28 أبريل سنة 1920 م ولم تحدث مقاومة مسلحة لذلك، وأصبحت آزربيجان جمهورية من الجمهوريات الثلاث المكونة لما وراء القوقاز الفدرالية. وانتهى هذا الاتحاد الفدرالى فى 5 ديسمبر سنة 1936 م، ودخلت آزربيجان فى اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية باعتبارها جمهورية من جمهوريات الاتحاد الست عشرة. وتبلغ مساحة جمهورية آزربيجان الحالية: 87.700 كيلو متر مربع، وعدد سكانها 3.2 مليوناً من الأنفس يعيش 28 % منهم فى المدن. وأغلبية السكان الوطنيين من الترك المحليين بنسبة ثلاثة أخماس، أما الأرمن فنسبتهم 12 %، والروس 10 % من مجموع السكان. وقصبة الجمهورية باكو ويبلغ عدد سكانها 809.000 نسمة، وكنجه؛ وكانت فيما سبق تعرف بأليساوتبول وكيروفآباد، وتعدادها 99.000 نسمة. ومن البلدان الكبرى فى آزربيجان: شمَاخى وقوبة، وساليان، ونوخى، وومِنْكِجورَ ... إلخ. المصادر: (1). Bolshaye Sovietskaye Entsik: سنة 1951. (2) Encyclopaedia Chamber's. سنة 1951. (3) C.Dunsterville . The Ad-: L ventures of Dunsterforce لندن سنة 1920. خورشيد [مينورسكى V. Minorsky] آسية هو الاسم الذى أطلقه المفسرون على زوجة فرعون، وقد ورد ذكرها فى القرآن مرتين (سورة القصص، آية 9؛ سورة التحريم، آية 11). ولها نفس الشأن الذى لابنة فرعون فى التوراة، ولذلك فمن الواضح أن يكون هناك

بعض الالتباس، ففى سورة التحريم (الآية 11) قالت امرأة فرعون: {رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}. ويتصل بهذه الآية ما يروى من أن آسية قاست كثيراً من العذاب على يد فرعون فى سبيل دينها، وكانت إسرائيلية، وأمر بها آخر الأمر أن تطرح على صخرة، فدعت ربها فقبض روحها إليه ولم يسقط على الصخرة إلا بدنها. ويروى أيضاً أن فرعون أمر بها أن تقتل على الأوتاد وأخذ يعذبها حتى ماتت، إلا أن موسى دعا ربه أن يخفف عنها من العذاب، فلم يجد بعد ذلك للعذاب ألماً. ويفسر هوروفتز اسم آسية بأنه تحريف "آسنات" اسم زوجة يوسف فى سفر التكوين (الإصحاح 49، فقرة 45). المصادر: (1) تفاسير القرآن لسورة القصص، آية 10، سورة التحريم، آية 11؛ وخاصة الطبرى: التفسير، طبعة القاهرة سنة، 1321، جـ 20 ص 19 - 21؛ جـ 28، ص 98. اَسية (2) الطبرى: التاريخ، طبعة ده غوى، جـ 1، ص 444، 448 - 450 (3) ابن الأثير: طبعة تورنبرغ، جـ 1، ص 119، 121، 130 (3) الثعلبى: قصص الأنبياء، القاهرة عام 1292 هـ، ص 146 - 146، 150. (5) الكسائى: طبعة Eisenberg ص 199 وما بعدها. (6) GrUnbaum: Neue Beitrbge zur Semitischen Sagenkunde طبعة سنة 1889, ص 155, 159. (7) blisehe Legenden der: Weil Muselmanner ص 38. (8) Koranische Un-: J. Horoitz tersuchungen سنة 1926، ص 86. (9) Die Biblichen Er -: H. Speyer zahlungen in Quran ص 281. [فنسنك A. J. Wensinck]

تعليق على مادة "آسية" يختلف نظر المستشرقين ونظر علماء المسلمين للتوراة، فالمستشرقون يرون أن التوراة هى الكتاب الذى دون حوادث بنى إسرائيل وقت وقوعها، فهو المترجم الصادق عن أخبارهم فما خالفه من الكتب الأخرى فى ذكر هذه الحوادث يكون الغلط واقعاً منه لا من التوراة. ويرى علماء المسلمين أن التوراة قد انتابتها وانتابت بنى إسرائيل من الحوادث ما أدى إلى ضياعها وتحريفها، فقد ارتد بنو إسرائيل ورجعوا إلى عبادة الأوثان، وكانوا يؤمنون تارة ويرتدون أخرى ويسقطون فى الوثنية، وكان يسلط عليهم من الملوك من يبيدهم كبختنصر. أما التوراة فكانت منها نسخة واحدة كتبها موسى ووضعها فى التابوت وأمر بنى إسرائيل بحفظها وإخراجها من محلها كل سبع سنين، وبنو إسرائيل إذا سقطوا فى الوثنية لا يحفلون بالتوراة ولا يعنون بحفظها حتى أن يوشيا بن آمون لما تولى الحكم على بنى إسرائيل وهجر عبادة الأوثان بحث عن التوراة فلم يظفر بها حتى مضى على حكمه ثمان عشرة سنة فجاءه كاهن يقال له حلقبا وقال له: إننى قد وجدت سفر أرميا فى بيت الرب، وكل ذلك يقطع سندها إلى موسى ويجعلها من أخبار الآحاد لا من المتواتر ويجعلها عرضة للضياع والتحريف والتغيير. لذلك إذا تعارض خبرها مع القرآن جعلوا القرآن حاكماً عليها لأنه كلام الله المنزل على نبيه محمد ليرد الناس إلى أمرهم الأول ويجمعهم على عبادة الله ويحكم بينهم فيما كانوا فيه يختلفون. فإذا رأى المستشرقون أن التوراة تذكر أن من التقط موسى ابنة فرعون والقرآن ينسبه إلى آل فرعون ويرى أن زوجة فرعون تشفعت فيه وقالت قرة عين لى ولك لا تقتلوه قالوا التباس من القرآن. أما علماء المسلمين فيرون أن القول ما

آكادير إغر

قال القرآن، وأنه حرر الوقائع بعد تغييرها وتبديلها لما قدموه هن الأدلة. وهم يستندون فى الحوادث التى سردناها إلى التوراة، راجع سفر الملوك الثانى وسفر أخبار الأيام الثانى. محمد عرفة آكادير إغر [آكادير]: بلدة مراكشية مشرفة على المحيط الأطلسى، عند ملتقى جبال أطلس العليا بسهل السوس. وتقوم البلدة على الطرف الشمالى لجون كبير عند سفح تل ارتفاعه ما بين 800 و 900 قدم تعلوه قلعة. ويبلغ عدد سكانها 30111 نسمة، منهم 1518 يهودياً و 6062 من الأوربيين (تعداد سنة 1952). وليس من الواضح هل كانت تقوم هناك محلة قبل وصول البرتغاليين، ومع ذلك فإننا نجد رسالة تاريخها 6 يولية سنة 1510 تتحدث عن "آكادير الأربعاء" فى هذا المكان (Soaces in- edites de I'Histoire du du Maroc, Portugal جـ 11، 243 وكانت هذه الرسالة قد أرسلها أهل ماسة الي الملك عمانوئيل الأول ملك البرتغال. ويوحى هذا بأن مكاناً اسمه "آكادير" كان يوجد هناك وبالقرب منه سوق متنقلة تعقد كل أربعاء، ومهما يكن من شئ فإن ذلك المكان لم تكن له أهمية كبيرة. ويذكر محمد بن الحسن الوزّان الزياتى المعروف بليو الإفريقى هذه المحلة باسم كارتكوسم ("رأس كسمية" نسبة إلى قبيلة بربرية كانت تعيش بالقرب من البلدة). وفى النصف الثانى من عام 1505 أقام نبيل برتغالى يدعى جآو لوبيز ده سكويره Jao Lopes de Sequeirs قلعة من الخشب هناك، ولعل غرضه من ذلك كان حماية أسطول للصيد، أو لعله فعل ذلك أيضاً بموافقة ملكه لعرقلة الأسبانيين فى جزائر الكنار من تحقيق أطماعهم فى الساحل الجنوبى لمراكش وكانت القلعة تقوم بالقرب من نبع

عند سفح تل يسيطر على الطريق العام. ومازال هذا الموقع يحمل اسم فوْنتى، وإن كان يبدو أن اسمه الرسمى كان من أول الأمر هو سانتا كروز دل كابو ده أكور بسبب قربه من رأس "غر". وقد اشترى ملك البرتغال هذه القَلعة فى 25 يناير سنة 1513. وأدى استقرار البرتغاليين فى سانتاكروز إلى رد فعل عنيف بين قبائل البربر فى السوس. وكان أتباع الطريقة الجزولية، وهى الطريقة التى كانت قد مكنت لنفسها فى السوس قبل ذلك بخمسين عاماً، قادرين على استغلال هذا العداء لإعلان الجهاد، وكان بعضهم يحبذون قيام دولة السعديين (بنى سعد) وهى أسرة من الشرفاء قدمت من دَرْعَة، ونودى بشيخ هذه الأسرة محمد قائداً للجهاد حوالى سنة 1510، وقد لقب محمد هذا من بعد بالقائم بأمر الله. ومن هذا التاريخ تعرضت القلعة البرتغالية لحصار عسكرى اقتصادى متقطع وإن كان مرهقاً، كما تعرضت لهجمات تزايدت فى الشدة بتزايد سلطان السعديين. وفى سبتمبر سنة 1540 استولى سلطان السوس السعدى محمد الشيخ بن القائم بأمر الله. على التل الذى يتحكم فى سانتا كروز وحشد عليه مدفعية قوية. وبدأ الحصار فى 16 فبراير سنة 1541 وانتهى فى 12 مارس بتسليم المحافظ د. جوتَير ده مونروى D. Guttere de Monroy ومن بقى على قيد الحياة من رجال الحامية. ويمكن أن نجد وصفاً مستفيضاً شائقاً حياً لهذه الأحداث فى "تاريخ سانتا كروز" وهو بقلم واحد من هؤلاء المحاصَرين دوّن فيه خبر مغامراته بعد أن قضى فى الأسر خمس سنوات بتارودانت وغيرها من البلدان. وظلت سانتا كروز آكادير مهجورة عدة سنوات حتى أقام السلطان السعدى عبد الله الغالب بالله (1557 - 1574) قلعة على قمة تل آكادير ليحمى المرسى من أساطيل النصاري. وأصبحت آكادير منذ ذلك الوقت من الأماكن التى يزورها التجار الأوربيون بانتظام وخاصة لحمل أوساق من السكر إلى السفن (انظر - Sources ine ,dites de 1'Histoire du Maroc. lire serie

France (جـ 3، ص 361) واحتفظت آكادير بشأنها بوصفها ثغراً تجارياً حتى إنشاء البلدة الاسلامية مغادور، "الصُوَيْرَة"، سنة 1773. ومن يومها أصبح ثعْر آكادير قليل الاستعمال. وقد اكتسبت محلة آكادير شهرة موقوتة سنة 1911 حين ألقت سفينة المدفعية الألمانية "بانتر" مراسيها فى مسالكها لتأييد المطالب الألمانية هناك وقتما كان طابور الجنرال موانييه قد احتل فاس وشيكا (أول يولية سنة 1911). ولما أبرم اتفاق الحماية احتل الجنود الفرنسيون آكادير سنة 1913. وكان عدد سكانها آنئذ أقل من ألف نسمة. وأخذت البلدة منذ ذلك الوقت تتطور تطوراً عظيماً، فقد أصبحت أهم بلدة فى الأقاليم الإدارية لمراكش التى تشمل ما يقرب من 700.000 نسمة: ومعظم السبب فى هذا التطور يرجع إلى نهضة الزراعة ومصايد الأسماك فيها وإلى استغلال ثروتها المعدنية. وقد حدث توسع حديثاً فى ثغر آكادير الذى أنشئ سنة 1914. المصادر: (1) I'Afrique: Leo Africanus Description de طبعة، Schefer، جـ 1، ص 176 (Guarguessem) . (2) Chronique de Santa Cruz du Cap de Gue (Agadir) طبعة وترجمة P.de Ceni val، باريس سنة 1934. (3) L'AFrique: Marmol، ترجمة perrot d' Ahlancourt. باريس 1667، جـ 2 ص 34 - 39. (4) Historia de Santa Cruz: J. Figanier 1505 - 1541 de Cabo de Gue (Agadir) لشبونة سنة 1945 (انظر. Hesp , سنة 1946، ص 93 وما بعدها) وهذه المصادر تتناول بصفة خاصة العهد البرتغالى. (5) description du: H. de Castries Une Maroc sous le regne de Moulay Ahmed (1596) El-Mansour, باريس سنة 1909، ص 110. (6) Reconnaissance au: Ch. de Foucauld Maroc, الطبعة الجديدة، باريس سنة 1934، ص 184 - 185.

آل

(7) Le Maroc Moderne: J. Erekman , باريس سنة 1885، ص 50 - 51 (وبه خريطة). (8) Historia de Marruecos: Castellanos , طنجة سنة 1898، ص 203 - 217. (9) The Land of the: Budge Meakin Moors، لندن سنة 1901، ص 378 - 382. (10) Histoire diplomatique: H. Hauser (1871 - 1914) de 1'Europe, باريس سنة 1929, مجلد 2، الجزء السادس، فصل 3. (11) La crise d'Agadir P. Renonvin (12) La portd' Agadir: P Gruffaz، فى , Bull Ec et Soc du Maroc سنة 1951، ص 297 - 301. (13) Agadir: G. Guide فى Les Cahiers d'Outremer، سنة 1925. خورشيد [له تورنو R. Le Tourneau] آل الآل الأسرة أو بمعنى أوسع الأقارب وتوجد شواهد من العهد الإسلامى على أن قريشاً كانوا فى الجاهلية يسمون أنفسهم آل أو أهل الله (انظر مركوليوث: Mohammed ص 19) لأنهم كانوا يحرسون الكعبة وما فيها من آثار مقدسة، واتسع مدلول هذا اللفظ فى الإسلام فى عبارة آل النبى وبخاصة فى الصلاة المنسوبة إلى محمد (اللهم صل على محمد وعلى آله) وعلى مثال هذا التحديد لفكرة "آل البيت" فإن الشيعة يقصرون عبارة آل النبى على نسل عليّ وفاطمة، ويفضل إطلاق "العترة" على هذا الفرع الأقرب إلى النبى. والذين ينأون عن أهواء الشيعة يجعلون كلمة آل النبى تشمل فى مدلولها الواسع بنى هاشم. ويجعل غيرهم زوجات النبى وأقاربه بوجه عام من آل النبى. وأصرح إنكار لمزاعم الشيعة قد تضمنه ذلك التفسير الذى يقول إن عبارة آل النبى تشمل جميع الصالحين

الآمدى

دون اعتبار للقرابة، أو جميع المسلمين أى الأمة الإسلامية بتمامها. وقد كتب ابن خالويه المتوفى عام 314 هـ (926 - 927 م) كتاباً سماد "كتاب الآل" (رواه البحرانى فى منار الهدي، طبعة بومباي، 1320 هـ, ص 200) قسم فيه آل النبى إلى 25 طبقة (Die Grammatisc Schulen: Flugel der Araber ص 231) والراجح أن المتكلم الشبعى إلريان بن الصلت القمى أراد أن يدفع قول السنيين إن الآل تشمل الأمة جميعها فجمع فى رسالة جميع أقوال الإمام الرضا فى الاختلاف بين الآل والأمة (الطوسي، فهرس كتب الشيعة, رقم 294) وانظر ما ذكره كولدسيهر فى هذا الموضوع فى. d . Zeitschr Deutsch. morgenl, Gesel جـ 100، 114, 117 [كولد سيهر Goldziher] + والآل: العشيرة، وهى جماعة يربطها النسب، بين الأهل أو العائلة وبين القبيلة (الحىّ والقبيلة) وبذلك تكون الآل مرادفة للعشيرة. وقد وردت أكهى -آل-الأمدى بهذا المعنى فى القرآن (سورة آل عمران). وآل النبى هم سلالة هاشم والمطلب. ولما قصر الشيعة ذلك على أقرب أقربائه وسلالته توسع السنية فى مدلول العبارة حتى جعلوها تشمل جميع أتباعه (Lexicon: lane , مادة آل). وأصبح المصطلح من بعد يدل على أسرة الحاكم، مثال ذلك "آل عثمان" أى الدولة العثمانية، و"آل بوسعيد" أى حكام عُمان وزنجبار؛ و"آل فيصل آل سعود" وهو اللقب الرسمى للدولة العربية السعودية. خورشيد [هيئة التحرير] الآمدى " الآمِدِى" على بن أبى على بن محمد التَغلِبى سَيف الدين: متكلم عربى ولد فى آمِد سنة 551 هـ (1156 - 1157 م)، كان فى أول أمره حنبلياً، ودخل بعد ذلك فى صفوف الشافعية وهو ببغداد، وانخرط فى دراسة للفلسفة أتمها فى الشام، ثم غدا مدرساً

بمدرسة القرافة الصغرى الملاصقة لضريح الشافعى فى القاهرة، ثم أصبح سنة 592 هـ (1195 - 1196 م) أستاذاً بالجامع الظاهرى ونبه صيته بفضل ملكاته الذهنية ومعرفته بالعلوم العقلية، ولكنه اتهم لذلك بالزندقة فاضطر إلى الفرار إلى حماة ووضع نفسه فى خدمة الملك المنصور الأيوبى سنة هـ (1218 - 1219 م)، فلما توفى المنصور دعاه الملك المعظم إلى دمشق وبوأه كرسى الأستاذية فى المدرسة العزيزية سنة 617 هـ (1220 - 1221 م)، وصرفه الملك الأشرف عن هذا الكرسى سنة 629 هـ (1229 م) لأنه درّس الفلسفة. وتوفى بدمشق فى صفر سنة 631 هـ (نوفمبر سنة 1233 م). وتدخل كتبه العديدة فى باب الكلام: ("أبكار الأفكار" وهو مخطوط فى الرد على الفلاسفة، والمعتزلة، والصابئة والمانوية)؛ ("إحكام الحكَّام فى أصول الأحكام"، أهداه إلى المعظّم، القاهرة 1347 هـ, وقد لخص فى "منتهى السؤل"، القاهرة طبعة غير مؤرخة)؛ ("الجدل" وهو مخطوط)؛ (وفى الفلسفة: "دقائق الحقائق فى المنطق" وهو مخطوط؛ ) "كشف التمويهات"، وهو مخطوط؛ ) وقد أهداه إلى المنصور وقصد به ابن سينا). المصادر: (1) السبكي: طبقات الشافعية، جـ 5، ص 129 - 130. (2) ابن خلّكان، القاهرة 1948 جـ 2، ص 455، رقم 405. (3) ابن أبى أصيبعة، جـ 2، ص 174. (4) ابن القفطي: ص 240 - 241 (5) النُعيّمي: الدارس، دمشق سنة 1948 - 1951، جـ 1، ص 362, 389، 393؛ جـ 2، ص 4، 129. (6) Gesch. der Arab.: Brockelmann Litt جـ 1، ص 393/ 494، قسم 1، ص 678. (7) مجلة المشرق، سنة 1954، ص 196 - 181 .. خورشيد [سوردل D. Sourdel]

"الآمدى" محمد بن محمد أبو حامد ركن الدين السمرقندي: فقيه حنفى وصوفى توفى ببخارى فى التاسع من جمادى الآخرة عام 615 هـ (سبتمبر 1218 م). وقد برّز بصفة خاصة فى الجدل، ووضع فيه بابا يعرف عند الفرس باسم "جُست" أى البحث. وأهم تصانيفه فى الجدل: "كتاب الإرشاد" (انظر Les mss. arabes: H. Derenbourg de l'Escorial, رقم 650، 2) ورسالته المسماة "الطريقة العميدية فى الخلاف والجدل" المحفوظة بدار الكتب المصرية فى القاهرة (انظر فهرس الكتب العربية بالدار، جـ 4، ص 79). أما أهم مصنفاته بالنسبة لنا فهى مؤلفه الصوفى "كتاب مرآة (حياة) المعانى فى إدراك العالم الإنساني" ويتناول افتقار العالم الأصغر إلى العالم الأكبر، وهو اقتباس من ترجمة فارسية للكتاب الهندى "أمرته كند" لباهوجرا (؟ ) الناسك البرهمى (انظر Mem- de i'academie des in-: de Guignes scriptions جـ 26، ص 791؛ : Gildmeister Scriptor. or. de rebus indicis ص 115؛ . Pertsch W. فى Festgruss an Roth, سنة 1893 م، ص 208 - 212) وقد أصدر ابن عربى نسخة جديدة من هذا الكتاب بعد أن صححها على الأصل مستعيناً بأحد النساك (انظر مخطوطات هذا الكتاب فى L.: Brockelmann . A. G، ص 446، رقم 100). ونقول أخيراً إن بين أيدينا أيضاً رسالة فلسفية فى الطلسمات للمترجم له عنوانها "حوض الحياة" وهى محفوظة بباريس "انظر Cata-: de Slane -logue des mss. ar. de la bibliotheque na tionaLe رقم 773، 2). المصادر: (1) ابن خلكان، بولاق 1299 هـ، جـ 1، ص 604، رقم 575. (2) ابن قطلوبغا: تاج التراجم فى طبقات الحنفية، طبعة فلوكل رقم 171. (3) Gesch d. arab. Litter.: Brockelmann [بروكلمان Brockelmann]

الآمر بأحكام الله

الآمر بأحكام الله * " الآمِر" بأحكام الله أبو على المنصور: الخليفة الفاطمى العاشر، ولد فى 13 محرم سنة 490 (31 ديسمبر سنة 1096) ونادى به خليفة وهو بعد طفل فى الخامسة الوزير الأفضل عقب وفاة والده المستعلى فى الرابع عشر من صفر سنة 495 (8 ديسمبر السنة 1101). وظلت مقاليد الحكم فى العشرين سنة التالية فى يد الأفضل. وفى سنة 515 هـ (1121 م) اغتيل الأفضل على يد الرسل النزارية، واتهم الخليفة بالتآمر على حياته. وأقيم المأمون بن البطائحى. وزيراً، ولكنه سجن هو الآخر فى 4 رمضان سنة 519 هـ (1125 م) وأعدم بعد ذلك بثلاث سنوات. ولم يستوزر بدله أى وزير، ولكن كبير عمال الخراج أبو نجاح بن كنّاء النصرانى أخذ يمارس نفوذاً كبيراً حتى اعتقل وأعدم سنة 523 هـ (1129 - 1130 م). وفى وزارة الأفضل بذلت بعض الجهود فى محاربة الصليبيين، وأنفذت عدة حماوت بقيمادة سعد الدولة الطواشى (495 هـ = 1101 م)؛ وشرف المعالى بن الأفضل (496 هـ = 1102 م)؛ وتاج الأعجم وابن قادوس (497 هـ = 1103 م)؛ وجمال الملك (498 = 1104 م)؛ وسناء الملك الحسين، وهو ابن آخر من أبناء الأفضل (499 هـ = 1105 م)؛ ثم بقيادة الأعزّ (505 هـ = 1112 م)؛ ومسعود (506 هـ = 1113 م) (وكانت القاعدة الرئيسية فى فلسطين هى عسقلان). ومع ذلك فقد وقع الجزء الأكبر من فلسطين وساحل الشام فى يد الصليبيين: طرسوس سنة 495 هـ (1102 م)، وعكا سنة 497 هـ (1103 م)، وطرابلس سنة 502 هـ (1109 م)، وصيداء سنة 504 هـ (1111 م)، وصور سنة 518 هـ (1124 م). وقد غزا بلدوين ملك بيت المقدس مصر نفسها سنة 511 هـ (1117) واحتل الفرما وبلغ تنِّيس، على أنه لم يجد بدا منَ الارتداد لمرضه وتوفى فى الطريق. ومن الحوادث البارزة فى ذلك العهد غزوة اللواتة سنة 517 هـ (1123 م)

فقد بلغ هؤلاء الإسكندرية، ولكن المأمون ردهم على أعقابهم. وأدى انقسام النزارية فى عهد الآمر إلى تهديد مصر، وهو ذلك الانقسام الذى أفقد الفاطميين تأييد الفريق الأكبر من الإسماعيلية المشتتين. واضطر المأمون إلى اتخاذ إجراءات أمن مستعيناً بالشرطة ليمنع تسلل عمالهم، وقامت مظاهرة كبيرة فى القاهرة فى شوال سنة 516 هـ (1122 م) لإعلان بطلان مطالب النزارية وأحقية فرع المستعلى فى ولاية الخلافة. وصدرت وثيقة فى هذه المناسبة بقيت بعنوان "الهداية الآمريّة" (طبعة A.A.A. Fayzee، أوكسفورد سنة 1938). وفى سنة 524 هـ (1130 م) ولد للآمر وريث اسمه الطيّب، على أن مصيره يغشاه الغموض. وفى اليوم الثانى من ذى القعدة سنة 524 (8 أكتوبر 1130) اغتال النزارية الخليفة وأعقب ذلك عهد انقلاب فى الحكم. المصادر: (1) ابن مُيَسيَّر: أخبار مصر، طبعة - Mas se ص 42 - 43، 56 - 74 (وبعض الفقرات المفقودة فى المخطوط الناقص قد بقيت فى الفصل الذى كتبه النويرى عن الفاطميين). (2) ابن الأثير، الفهرس. (3) ابن خلكان، الرقمان 753، 280 (ترجمة ده سلان، جـ 3، ص 455). (4) أبو الفداء، طبعة Reiske - Adler الفهرس. (5) ابن خلدون: العبر، جـ 4، ص 68 - 71. (6) ابن تغرى بردى، جـ 2، ص 326 - 391. وفى مواضع مختلفة. (7) ابن دقماق: الانتصار، الفهرس. (8) المقريزي: الخطط، جـ 1، ص 468 - 493؛ جـ 2 ص 181، 289 وما بعدها. (9) السيوطي: حسن المحاضرة، جـ 2، ص 16، وما بعدها. (10) Yaman. its early medi-: H.C. Kay aevai history by Najm ai-Din 'Omdrah

آمنة

Al-Hakami, الفهرس. (11) Gesch. d. Konigreiches: Rochricht. فى مواضع مختلفة. (12) jerusalem Histoire A. Grousset dess Croisades جـ 1، فى مواضع مختلفة، وخاصة ص 218 - 284، 597. - 618. (13) Gesch. der Fatim-: E. Wustenfeld iden-Chalifen ص 280 وما بعدها. (14) A hist . of Fatim -: E Wustenfeld Egypt، الفهرس. (15) History or the Cru-: B. L Ewis sades فيلادلفيا سنة 1956، جـ 1 ص 118 - 119. (16) The Epistle of the Fa -: S.M. Stern - timid Caliph Al-Amir (Al-Hidaya Al (Amirivya فى J.R.A.S. سنة 1950، ص 20 - 31. (17) الكاتب نفسه the succession Caliph Al-Amir to the Fatimid, أوربانر سنة (1951، ص 193 وما بعدها. (18) انظر مصادر مادتى "الأفضل" و"المأمون بن البطائحى". خورشيد [شتيرن S.M. Stern] آمنة أم محمد، وكان أبوها وهب بن عبد مناف من زهرة، عشيرة من قبيلة قريش، وأمها بَرّة بنت عبد العُزَّى، من عشيرة بنى عبد الدار. ويقال إنها كانت فى حجر عمها وُهَيب بن عبد مناف. وفى اليوم الذى زوجها فيه من عبد الله بن عبد المطلب زوج كذلك ابنته هالة من عبد المطلب (ابن سعد، جـ 1، ق 1، ص 58)، وإذا صح هذا فقد يكون مثالا لعادة من عادات الزواج التى أهملت. والظاهر أن آمنة أقامت مع أسرتها، وكان يختلف إليها هناك عبد الله، الذى توفى قبل ميلاد محمد فى القول السائر. وكان محمد يعيش فى كنف آمنة طيلة حياتها، وعلى هذا فمن المفروض أنه عاش مع أسرة أمه (إلا حين أرسل للرضاع فى قبيلة بدوية). ويقال إن أمه آمنة توفيت بالأبواء بين مكة والمدينة فى عودتها من زيارة أقارب لمحمد هناك، وكان محمد عندها

فى السادسة من عمره. وهذه الزيارة -وإن بدت غامضة- غير أننا لا نملك أسبابا قوية لدحض تفصيلاتها، وهذا لا يعنى التسليم بالقصص المتصل بحملها، كزعمها حين قالت إنها رأت نورا خرج منها أضاء قصور بُصرى بالشام. المصادر: (1) ابن هشام، ص 70، 100 - 102، 107. (2) ابن سعد، جـ 1، ق 1، ص 60، 73. (3) الطبري، جـ 1، ص 980، 1078 - 1081. (4) Annali: Caetani جـ 1، ص 119، 150، 156. الأبيارى [مونكومرى وات W.: Montgomery] تعليق على مادة "آمنة" إنا لا نأبى على كاتب سيرة أن يستنبط ما شاء، بعد أن يعرض الوقائع كلها بين يديه جملة لايستثنى، حتى يكون أقرب إلى الصواب فى حكمه. أما أن يغيب شيئا ويكشف عن شيء فتلك ليست حلية الحريص على الحقيقة ولا يفعلها إلا مغرض. وسيرة آمنة من الجلاء بمكان، اختلف فى بعضها المؤرخون، وذلك هو كنه التاريخ قبل أن تضبطه الكتابة، وحين كان رواية. ولكن استخلاص الصحيح من بين هذه الخلافات ليس بالعسير. فزواج عبد الله من آمنة، كما رواه ابن سعد عن الواقدى بتلك الرواية التى جعلها كاتب المادة عمدته، رواه غير ابن سعد ممن هو أسبق منه وجودا، وهو ابن هشام عن ابن إسحاق. يقول ابن هشام: "فخرج به عبد المطلب -يعنى عبد الله لبنه- حتى: أتى به وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن حرة بن كعب بن لؤىّ بن غالب بن فهر، وهو يومئذ سيد بنى زهرة نسبا وشرفا، فزوجه ابنته آمنة بنت وهب، وهى يومئذ أفضل امرأة فى قريش نسبا وموضعا" (السيرة، ج 1، ص 164 - 165 طبعة الحلبى). ولم يشر ابن هشام إلى الرواية الأخرى التى انفرد بها ابن سعد. وعن هاتين الروايتين: رواية ابن هشام ورواية ابن سعد، كان نقل المؤرخين من

بعدهما، غير أنا نلاحظ أن هؤلاء المؤرخين اللاحقين، مثل الطبرى، يبدءون بما رواه ابن هشام ويثنون بما رواه ابن سعد، على الرغم من تغليط ابن سعد للرواية الأولي، كما نجد منهم من يشكك فيها مثل الزرقانى فى كتابه "شرح المواهب 1: 103" حيث يقول بعد أن ساق الرواية الأولي، أى رواية ابن هشام: "وقيل كانت فى حجر عمها وهيب، وهو المزوج لها. قاله ابن إسحاق فى رواية". ويأبى كاتب المادة إلا أن يجعل من هذه الأيام الثلاثة التى أقامها عبد الله مع أسرة زوجته حين بنى بها إقامة دائمة، وما يعنينا أكانت هذه أم كانت غيرها، ولكن الذى يعنينا هو التأريخ الحق. يقول ابن سعد: "لما تزوج عبد الله بن عبد المطلب آمنة بنت وهب أقام عندها ثلاثا. وكانت تلك السنة عندهم إذا دخل الرجل على امرأته فى أهلها" (الطبقات، ج 1، ص 95 طبعة بيروت). ثم يأبى كاتب المادة إلا أن يغفل رعاية جد محمد له، وما كان عبد المطلب بعيدا عن حفيده، يقول ابن هشام: "وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أمه آمنة بنت وهب وجده عبد المطلب ابن هاشم فى كلاءة الله وحفظه". وأغرب من هذين تشكك كاتب المادة فى زيارة آمنة لأخوال أبى محمد بالمدينة، إد كانت أم عبد المطلب هى سلمى بنت عمرو النجارية. ومن قبل أن تنزل بهم آمنة بابنها محمد نزل بهم عبد الله أبو محمد، وأقام عندهم مريضا مدة، ومات بين أيديهم، ودفن مى دار التابع، من بنى عدى بن النجار. فهل يعد غريبا بعد هذا أن تصحب الأم الوفية لزوجها ابنها لتزيره قبر أبيه؟ يقول ابن سعد (الطبقات ج 1، ص 116 - 117): "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أمه آمنة بنت وهب، فلما بلغ ست سنين خرجت به إلى أخواله بنى عدى بن النجار -يعنى أخوال جده- بالمدينة تزورهم به: فأقامت عندهم شهرا. فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر أمورا كانت فى مقامه ذلك: لما نظر إلى أطم بنى عدى بن النجار عرفه وقال: كنت ألاعب أنيسة، جارية من الأنصار، على هذا

آمين

الاطم، وكنت مع غلمان من أخوالى نطير طائرا كان يقع عليه". ثم يقول ابن سعد: "ونظر إلى الدار فقال: هاهنا نزلت بى أمي، وفى هذه الدار قبر أبى عبد الله بن عبد المطلب". ثم يقول ابن سعد: "ثم رجعت به أمه إلى مكة، فلما كانوا بالأبواء توفيت آمنة بنت وهب، فقبرها هناك". ويقول ابن سعد رادّا على من يزعم أن قبر آمنة بمكة: "هذا غلط. ليس قبرها بمكة، وقبرها بالأبواء". اللهم إن هذا جرأة على الحق يأتيها كاتب المادة، فهذا إجماع من المؤرخين، وهذا سبب قوى واضح دافع إلى تلك الزيارة، ثم هذه شهادة الصادق الأمين بما ورد على لسانه تؤيد ما كان. ولكن كاتب المادة أراد أن يتخذ من شكه هنا تكأة للدخول فى شك أعظم حين يجرح ماجاء على لسان آمنة من حملها وولادتها، لاسيما حديث ذلك النور. يقول ابن إسحاق (السيرة ج 1، ص 175): "إن نفرا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا له: يا رسول الله، أخبرنا عن نفسك. قال: نعم، أنا دعوة أبى إبراهيم، وبشرى اْخى عيسي، ورأت أمى حين حملت بى أنه خرج منها نور أضاء لها قصور الشام". ويرويه ابن سعد مسندا إلى أبى أمامة الباهلى (الطبقات 1: 102، طبعة بيروت) قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رأت أمى كأنه خرج منها نور أضاءت منه قصور بصرى". ويقول السهيلى فى كتابه "الروض الأنف": "وتأويل هذا النور ما فتح الله عليه -يعنى رسول الله صلى الله عليه وسلم- من تلك البلاد". وكما لا نكبر ما وقع لمريم كذلك لا نكبر ما وقع لآمنة ما دمنا نؤمن بالنبوة والنبوات، وما كان ما وقع لآمنة وجاء على لسانها غير إرهاص بمولد ذلك النبى العظيم الذى امتد نور هديه إلى ما وراء بصرى شرقا وغربا وشمالا وجنوبا. والأمر على التشبيه، وتزكِّيه رواية ابن سعد. إبراهيم الأبيارى آمين (ع) بمعنى: اللهم استجب (انظر

آيا صوفيا

Arabische Amen-Formeln: Goldziher في Rivista degli studi rientali, جـ 1 آيا صوفيا أكبر مسجد فى الفسطنطينية (إستانبول)، وكان فى وقت من الأوقات طليعة كنائس العواصم فى الشرق المسيحي. وقد عرفت بعامة حتى سنة 1453 باسم "آمكالى إكليزيا" وكانت تسمى حوالى سنة 400 م: صوفا. من غير الأداة)، كما كانت تسمى منذ القرن الخامس الميلادى "اكياصوفيا" وجاءت احدث الأبحاث بأن آيا صوفيا الأصلية لم يشيدها قسطنطين الأكبر وإنما شيدها ابنه قسطنطيوس، بناء على رغبة أبيه، بعد انتصار الأخير على صهره لكينيوس. وقد بنيت آنذاك على هيئة بازيليكا ودشنت فى الخامس من فبراير سنة 360 م (Die varjustinia-: A.M.Schneider nische Sophienkirche في Bysantinische Zeitschrift سنة 1936، ص 36). وقد تعرضت هذه "الكنيسة العظيمة" لتغيرات كثيرة شتى، فقد نكبت بحرائق وزلازل خربتها (أتت النيران على أول بازيليكا مسقوفة بالخشب فى العشرين من يونية سنة 404 فى حادث طرد الأسقف يوحنا كريسوستوم)؛ وأعيد افتتاحها فى الثامن من أكتوبر سنة 415، وظلت سليمة من الدمار نيفا وقرنا من الزمان حتى إذا كانت ليلة اليوم الثالث عشر من يناير سنة 532 أتت عليها النيران مرة أخرى (وكذلك كان مصير الجزء الأكبر من المدينة بما فيها المحفوظات الإمبراطورية). وأصدر الأمبراطور يوستنيانوس قراره بإعادة بناء الكنيسة بحيث لا يضارعها فى الفخامة بناء اقيم من قبل قط. وكان من قبل قد أمر بان تحمل إلى قاعدة إمبراطوريته كل المواد النفيسة من الآثار القديمة القائمة فى ولاياته (حيث كانت التحف الفنية الوثنية قد أهملت عمدا حتى أتى عليها التلف)، واستخدمت هذه المواد على نطاق واسع، بعد الحريق، لإعادة بناء آيا صوفيا؛ وعهد بهذا العمل إلى مهندسين من أعظم المهندسين على مدار العصور، هما: اثناسيوس الترالسِّى

وايزيدورس الملطى؛ واذ أمر الامبراطور بأن البناء الجديد يجب أن يكون آمنا من الحريق والزلازل، فقد استقر رأيهما على أن تكون خطة البناء قائمة على القباب والأقبية الصغيرة. وافتتح هذا البناء الباذخ فى السابع والعشرين من ديسمبر سنة 537 فى حفل بالغ الفخامة حتى أن يوستنيانوس الفخور قد صاح قائلا: "يا سليمان، لقد تفوقت عليك! ". على أنه حدث فى عهد هذا الإمبراطور نفسه أن انهار الجزء الشرقى من القبة بفعل زلزال (فى السابع من مايو سنة 558)، ودمرت مقرأة الكنيسة والهيكل والمذبح. لقد كانت القبة قد خططت بحيث تكون شديدة التفلطح، أما بعدُ فقد رفعت أكثر من عشرين قدما على حين قويت دعائم العمد الكبيرة حتى أصبحت الكنيسة مهياة لافتتاحها من جديد فى الرابع والعشرين من ديسمبر سنة 562. وموقع الكنيسة مما تحسد عليه، ففى جنوبها يقوم الأغسطيوم المشيد للاحتفالات القومية، وبه تمثال ليوستنيانوس على هيئة فارس؛ والى الشمال (فى الصميم من رحاب أسوار السراى اليوم) بيع البلاط، وأديرة جليلة وقصور رجال البلاط؛ وإلى الشرق، أى تجاه البحر، يقوم القصر الإمبراطورى. ويتمثل غربها للزائر فى فناء رئيسى تكتنفه دهاليز مكشوفة. ومن هنا تؤدى عدة أبواب (ربما أربعة أبواب أو خمسة) الى بهو خارجى مقفل لا يزال يتبع الفناء، ومنه تؤدى خمسة أبواب إلى بهو داخلى، ثم بابان فى كل من الطرفين الشمالى والجنوبى، وتتشعب ممرات أخرى وتؤدى تسع فتحات مستطيلة من المداخل الى قلب الكنيسة، والفتحة الوسطى منها قد زخرفت فى تأنق وإبداع وجرى استخدامها بابًا للملك. والأرض التى تشغلها الكنيسة مربعة الشكل تقريبا يبلغ طولها من الداخل حوالى 75 مترا مع استثناء المحراب الأكبر فى الجناح الشرقى، . وعرضها حوالى 70 مترا. وقد صورت أرضية الكنيسة على هيئة الصليب تعلوها قبة معلقة نصف كرية تقريبًا ترتفع 56 مترًا. ولما كانت الجدران

الخارجية لا تستطيع وحدها حمل القبة، لذلك لم يكن بد من تقويتها بأربعة عمد، ودعمت هذه العمد أيضًا بعقود صغيرة وما يشاكلها من عمد لا غنى عنها فى قيام البناء. وعلى الجانبين الشرقى والغربى من القبة غرفتان واسعتان تشبه هيئة كل منهما نصف الدائرة ويتوج كلا منهما ثلاث من اشباه القباب. وكان من أهم الأمور فى تشكيل داخل الكنيسة خطة الطابقين اللذين تتكون منهما جميع الغرف الجانبية المجاورة للصحن الأكبر، إذ كان الطابق الأعلى يخصص للنساء جريا على السنة المرعية فى الكنائس البوزنطية. ويبلغ عدد الأعمدة التى تحمل ثقل البناء 107: 40 عمودا سفليا و 67 عمودًا علويًا، وأغلبها قطعة واحدة من المرمر الملون، وبعضها من الحجر السماقى الأحمر. وكان الزائر لهذه الكنيسة فى العصور الوسطى يروعه أشد الروعة ذلك الزخرف الباذخ، فمن مرمر وافر بالغ الوفرة منتشر فى جميع الأرجاء، إلى صور للمسيح والعذراء والأنبياء والرسل وغيرهم من القديسين تغمر الحوائط ببحر من الألوان، ناهيك بصورة إسرافيل العظيم تتمثل فى المثلثات الكرية للقبة الكبرى، كما أن الفسيفساء الذهبية التى تغطى القبة والحوائط تكسبها بهاءً لم تر العيون مثله من قبل قط. والراجح ان زخارف الفسيفساء لم تكن قد اكتملت حتى السنوات الأخيرة من عهد يوستنيانوس، وكذلك فى عهد يوستنيوس الثانى. وكانت الجدران الأولى والقبو فى الكنيسة الأصلية مشيدة كلها بالآجر؛ وكان الهيكل أو الحرم (بيما) يقوم إلى الشرق من قلب الكنيسة ويفصله عنه حاجز ذو أبواب كثيرة الارتفاع مزينة بصور ونقوش مخرمة لعمد. وكان هذا الهيكل يشمل المذبح والمقصورة ويؤدى إلى المحراب الأكبر. وكان عدد القساوسة فى ايام يوستنيانوس 425 قسيسًا (ومن المسلم به أنهم كانو يخدمون أيضا ئلاث كنائس أخرى)، وعدد البوابين مائة بواب. وقدّر عدد موظفى هذه الكنيسة قبيل انهيار الإمبراطورية البوزنطية بثمانمائة موظف.

وحدثت أولى الإصلاحات الكبرى فى آيا صوفيا على عهد الإمبراطور بازيل الثاني. فقد تداعى جزء من القبة أثناء الزلزال الذى وقع فى 26 أكتوبر سنة 986، فامر الإمبراطور بإصلاحه. (والراجح أن الركائز المحلّقة الفجة فى الواجهة الغربية ترجع إلى هذا العهد" انظر Die Grabungen in: A.M.Schneider Westhof der Sophienkirche برلين سنة 1941، ص 32 وما بعدها)؛ وفى سنة 1204 حل بالكنيسة دمار شديد أثناء نهب اللاتين للقسطنطينية، فقد أعملوا فيها السلب فى قسوة وجور حتى لقد استخدموا الملابس والأوانى المقدسة فى تنظيف جياد الغزاة وإطعامها. ومع ذلك فقد أصبحت آيا صوفيا أهم كنيسة للدولة الجديدة وأهم مكان يتوج فيه ملوكها. وكانت أوسع تغييرات اتخذت بعد فى أيام البوزنطيين هى التى حدثت فى القرن الرابع عشر. ففى النصف الأول من هذا القرن دعمت الجدران من جميع الجهات، ودعم الجناح الشرقى خاصة بركائز عالية عريضة من الخارج. وليس بين أيدينا أية رواية إسلامية فى وصف آيا صوفيا من الداخل أيام البوزنطيين. وأول مسلم ذكر الكاتدرائية بالتفصيل هو أحمد بن رسته (ص 124 وما بعدها؛ ترجمة. G Wiet، القاهرة سنة 1955، ص 139 وما بعدها)، وقد عاش ابن رسته حوالى سنة 290 هـ (902 - 903 م)، ولكنه يستقى وصفه من هارون بن يحيى الذى كان أسيرا فى القسطنطينية ردحا من الزمن فى القرن التاسع الميلادي. والحق إن هارون لم يصف البناء الذى أسماه الكنيسة العظمى (مكالى إكليزيا)، بل وصف مركب الإمبراطور البوزنطى فى ذهابه إلى الكنيسة يوم عيد وصفا تفصيليا حيا، وقد اقتيد أسرى الحرب المسلمون إلى الكنيسة (وربما كان المقصود بذلك حرمها) وهناك حيوا الإمبراطور هاتفين: "أطال الله بقاء الملك سنين كثيرة" (الكتاب المذكور ص 125). ومن التفصيلات التى ذكرها أمر له أهمية خاصة: وهو قوله أنه كان وراء "المجلس" (والمظنون أنه يقصد بذلك المقاعد) أربعة وعشرون باباً صغارًا كل

باب شبر فى شبر تنفتح فى البوابة الغربية (ولم تذكر هذه التفصيلات فى أى مصدر آخر). وكان أحد هذه الأبواب الصغار ينفتح وينغلق من تلقاء نفسه فى نهاية كل أربع وعشرين ساعة. ولما اضمحلت الخلافة أخذ المسلمون بعد ابن رسته يمسكون شيئا فشيئا عن الكلام عن القسطنطينيه القاصية. وإنما حدث بعد ذلك بأربعة قرون عقب استيلاء القبائل التركية على آسية الصغرى أن ذكر شمس الدين الدمشقى (طبعة Frahn & Mehren، سانت بطرسبرغ سنة 1865، ص 227) آياصوفيا فى سطور قليلة، على أنه يعتمد فيما رواه على كتاب وراق اسمه أحمد كان يسبقه فى الزمن بقليل (انظر المصدر المذكور، ب 8). وأهم ما رواه هو أن الكنيسة كانت تأوى ملكًا وأن مأواه كان يحيط به "درابزين"، والمفروض أنه يشير بذلك إلى منطقة المذبح والمقرأة جميعًا بما فى دلك الحاجز نفسه دى الأبواب المزين بالأيقونات. وجاء بعد دلك بعشرات قليلة من السنين محمد ابن بطوطة (طبعة- De fremery & Sanguinetti جـ 2، 434) فكان أول من نسب بناء آيا صوفيا لآصف ابن برخيا المظنون أنه كان ابن خالة الملك سليمان. وأهم ميزة لابن بطوطة وصفه المفصل لفناء الكنيسة؛ وهو يؤكد أنه لم يسمح له بدخول الكنيسة نفسها، وربما كان السبب فى دلك أنه أبى أن يخضع للأمر (الذى دكره) بأن يركع للصليب الذى بمدخلها. ولما فتح الترك القسطنطنية فى التاسع والعشرين من مايو سنة 1453 فر السكان العزل زرافات إلى الكنيسة معتقدين اعتقادًا راسخًا بأن ملكًا سوف يظهر فى السماء ويرد الظافرين على أعقابهم إلى غير رجعة، ويعود بهم إلى وطنهم الآسيوى بمجرد أن يبلغوا فى تقدمهم عمود قسطنطين الأكبر. ومع دلك فقد تقدم الترك وحطموا أبواب بيت الله وجروا السكان المروعين رجالا ونساء إلى قيود الأسر والعبودية. على أن شهود العيان لم يذكروا لنا وقوع أى مجزرة فى دلك المكان المقدس كما

جرى القول بذلك كثيرًا. ودخل الفاتح الكنيسة بعد هذا المشهد الوحشى من مشاهد النهب والسلب، لا على صهوة جواده كما جرى القول، ودعا مؤذنه إلى الصلاة هاتفًا بالشهادة، وخر ساجدًا هو وأتباعه أمام الله الواحد الأحد، وهكذا آل المعبد الذى أقامه قسطنطيوس ويوستنيانوس للإسلام. وحدثت تغييرات كبيرة جدًا فى داخل الكنيسة تمشيًا مع قواعد الدين المظفر. فقد اختفت الفسيفساء التى كانت تزين الحوائط والأقبية والتى بدت فى عيون مبدعيها من الإغريق أنها صورت لتبقى أبد الدهر، اختفت تحت طلاء من الجير فى لون الرماد (لا شك أن الفسيفساء منذ وصفها أوليا جلبى فى كتابه سياحتنامه، جـ 1، لم يبق ظاهرًا منها للمشاهدين فى أيامه، أى فى القرن السابع عشر، إلا القليل)، وحطموا الحاجز ذا الإيقونات الذى كان يفصل بين القسس وعامة الناس، ونزعوا الزخارف الثمينة التى كانت تزين الجناح الشرقى (الحرم = البيما). ولما كانت الكنائس البوزنطية القديمة تتجه صوب بيت المقدس، وكان المسلمون يولون وجوههم شطر مكة، فإن الترك منذ الفتح لم يتوجهوا بالدقة نحو الجناح الشرقى للمسجد بل انحرفوا قليلا ناحية الجنوب، وكان الخطيب منذ أيام محمد الثانى يرتقى المنبر متقلدًا سيفا خشبيًا أيام الجمع وعصر كل يوم من رمضان وفى العيدين (عيد الفطر وعيد الأضحى؛ انظر .. Handbuch des Islam.: Juynbool Gesetzes، ص 84، 87)، وكان يقام دائمًا علم على كل جانب من جانبى المنبر، ونحن نعلم، زيادة على ذلك، أن محمدا الثانى قد أقام الركائز الضخمة تدعيما للجدار الجنوبى حيث أقام أيضًا أول مئذنة من تلدُ المآذن السامقة الرفيعة. وبنى سليم الثانى الركيزتين القائمتين فى الشمال والمئذنة الثانية فى الركن الشمالى الشرقي، وابنه مراد الثالث هو الذى بنى المئذنتين الأخريين. وقد قام السلطان مراد الثالث بإصلاحات شاملة فى المسجد، وكان المقصود بذلك أولا إصلاح العيوب

اليسيرة التى ظهرت بمرور الزمن، على أنه أسهم أيضًا إسهامًا كبيرًا فى زخرفة الغرفة العاطلة من الزينة؛ فقد وضع الوعائين الضخمين من المرمر فى الداخل قرب المدخل الرئيسى، وكان كل منهما يسع 1250 لترا، وأهدى المسجد أيضا المصطبتين الكبيرتين اللتين كانت يمناهما مخصصة لتلاوة القرآن معظم النهار، أما الثانية فقد خصصت لأئمة الصلاة. ثم عمد إلى الصليب الذى كان يتوج القبة فوضع مكانه هلالا قطره خمسون ذراعًا وأنفق فى تذهيبه مالا طائلا، حتى أصبح الرعايا المسلمون للباب العالى يستطيعون أن يروا رمز دينهم على مسافة بعيدة من فوق قمة الأوليمب ببثينيا. وفى النصف الثانى من القرن السادس عشر شرع فى تحويل فناء الكنيسة القائم إلى الجنوب من المسجد مباشرة إلى أضرحة لسلاطين الترك، وأقدمها ضريح السلطان سليم الثاني، وهناك أيضًا دفن ابنه مراد الثالث وحفيده محمد الثالث وإخوة محمد الثالث التسعة عشر الذين قتلهم هذا السلطان بعد اعتلائه العرش. وبعد ذلك بعقود قليلة من السنين توفى السلطان المخلوع مصطفى الأول فجأة فلم يجد الترك فى الحال قبرًا مناسبًا لدفنه، فعمدوا إلى مكان التعميد القديم على الجانب الجنوبى من الدهليز الذى كانوا يستعملونه مخزنا للزيت منذ الفتح فهيأوه لهذا الغرض. وكذلك دفن فى هذه المقبرة من بعد السلطان إبراهيم ابن أخى السلطان مصطفى الأول. ومن يومها حفظت مخازن الزيت الكبرى فى الردهة والفناء القائمين فى الجانب الشمالى من مكان التعميد. وأمر السلطان مراد الرابع (1623 - 1640)، الذى شهد عهده إلى حد ما انتعاشًا عامًا، بتزيين الحوائط العاطلة تزيينًا مشهودًا على يد الخطاط العظيم "بجاقجى زاده مصطفى شلبى، فكتب هذا الخطاط عليها شواهد من القرآن بحروف كبيرة من الذهب، وبلغ طول بعض هذه الحروف، مثل حرف الألف، مبلغًا كبيرًا ارتفع إلى عشر أذرع. على أن هذه الآيات الجميلة التصوير التى تتشابك فى كثير من

الأحيان قد حدت من كبرها أسماء الخلفاء الأربعة الراشدين التى نقشت فى وضوح وجزالة (نقشها الخطاط تكنجى زاده إبراهيم أفندي، انظر حديقة الجوامع، جـ 1، ص 4). وهناك منبر رائع يرجع تاريخه إلى تلك الأيام، ومن المعروف أيضا أن أحمد الثالث هو الذى أقام لجلوس السلطان "المقصورة" فى الجانب الشمالى من المحراب الرئيسي، وأضاف محمود الأول (1730 - 1754) شرفة السلطان الكبيرة المكشوفة بالطابق الأول فى الرواقء كما أقام نافورة فائقة الحسن ومدرسة (وكلتاهما فى الفناء على الجانب الجنوبى)، وقاعة كبيرة للطعام (عمارت) إلى الشمال، وأهم من ذلك كله المكتبة الثمينة التى أقامها فى المسجد نفسه، وإن كان ثمة شاهد لا شك فيه على أن هذه المكتبة شيدت فوق أساس قديم كان قائمًا فى المسجد من قبل. وكل هذه المنشآت تعد جزء، لا يتجزأ من بيوت الله فى المشرق. ونحن نلمس منذ أيام مراد الرابع فاتح بغداد، إهمالا محسوسًا فى صيانة المسجد اقترن بالاضمحلال العام الذى حل بالإمبراطورية العثمانية. وقد عهد السلطان عبد المجيد سنة 1847 إلى إخوان فوسّاتى المهندسين المعماريين الايطاليين بتجديد البناء تحاشيا لانهيار بعض اْجزائه المهددة بالسقوط وإكسابا للبناء كله رونقًا أكثر جلالا. واستغرق العمل سنتين، وأبقى الطلاء الجيرى على الأماكن التى تصور الإنسان فحسب، أما فيما عدا ذلك فقد كشف عن الحوائط فتجلت واستردت بهاءها القديم. ويرجع إلى تلك الأيام الطلاء المخطط بالأحمر والأصفر على الحائط الخارجي. والطريقة التى عبر بها هذا السلطان عن إكباره لمآثر أجداده جديرة بالتسجيل، ذلك أنه أصلح جميع المآذن فيما عدا مئذنة محمد الثانى الذى وجه إلى الإمبراطورية البوزنطية الضربة الحاسمة القاضية. على أن المهندسين المعماريين الإيطاليين قد سمح لهم آخر الأمر بتعليتها حتى تصبح فى ارتفاع أخواتها. أما اللوحات المستديرة الثمانى التى نقشها الخطاط مصطفى عزت أفندى فقد أقيمت فى آيا صوفيا على عهد السلطان عبد المجيد. ومن حسن التوفيق حقًا أن المسجد

لم يصب بأذى من جراء الزلازل منذ القرن العاشر، ويجب أن نسلم أن ذلك يرجع بصفة عامة إلى الركائز التى أقامها أواخر الأباطرة البوزنطيين والترك من بعدهم مدعمين الجوانب الأربعة من جدران ذلدُ البناء الضخم (المقام فى أرض معرضة للزلازل) مما جعله يخدم الناس مدة أطول من اْى بناء آخر شيد فى أوروبا. على أن العواصف التى تهب من البلقان أو من البحر كانت تعرض المسجد لخطر يتزايد شأنه. وفى صيف عام 1906 أمر وزير المعارف بإجراء إصلاحات شاملة فى بناء المكتبة التى كان يتناوب الإشراف عليها خمسة "خوجات" لكل منهم يوم من أيام الأسبوع. وكان منظر المسجد بهيجًا فى شهر رمضان إذ يجتمع الأمراء ورجال الدولة فى صلاة العصر. أما صلاة التراويح التى تقام بعد المغرب بساعة ونصف الساعة فكان الاحتفال بها دون ذلك. وكانت القبة تضاء بمصابيح لا تحصى منتظمة فى دائرة. ويظهر المسجد فى أبهى حلة ليلة السابع والعشرين من رمضان، وهى ليلة القدر (بالتركية: قدر كيجه سي) التى أنزل فيها القرآن. وكثيرًا ما كان السلاطين الأولون يشتركون فى هذا الاحتفال، ولكن السلطان عبد الحميد كان لا يشرف بحضوره المسجد (إذا شرفه على الإطلاق) إلا فى ليلة النصف من شهر رمضان، فيركب قاربًا ليتبرك بآثار النبى بقلعة أسلافه القدامى فى زيارة قصيرة (يوم زيارت خرقهْ سعادت). وحدث بعد الفتح مباشرة أن عمد الترك إلى القصص الكثيرة التى نمت حول أصل الكنيسة وفضلها فى الأيام الأخيرة من حكم البوزنطيين وألبسوها ثوبًا إسلاميًا. فما إن دخل محمد الفاتح القسطنطينية دخول المظفرين حتى أمر أحمد بن أحمد الجيلانى أن يكتب باللغة الفارسية تاريخًا لآياصوفيا (مكتبة آباصوفيا، رقم 3025) على نسق تاريخ رومي. وقد ترجم تاريخ أحمد هذا إلى التركية نعمت الله المتوفى سنة 969 هـ (1561 - 1562 م). ويقول كاتب جلبى (طبعة فلو كل،

جـ 2، ص 116) إن على بن محمد القوشجى وهو من علماء الفلك والهيئة، وضع كتابًا آخر بالفارسية فى الموضوع نفسه. على أننا لا نستطيع فيما يظهر أن نتحقق بعد من هذا الكتاب. وهناك نسخة أخرى تاريخها سنة 888 هـ (1483 - 1484 م) كتبها مصنف آخر، وهى موجودة الآن فى متحصْ الدولة ببرلين، Staatsbibliothek Berlin، ذيلا لتاريخ عثمانى ("تواريخ قسطنطينية " [Kat. Dresden: Fleischer رقم 113؛ Turkische Hss. W: Pertsch Berlin، رقم 1231 الذى كتب بعد ذلك بثلاث سنين) وهى أكثر طرافة وإن كانت فيما عدا ذلك تجرى فى هذا المجرى من حيث الفكر والمصادر. وقد جاء فى كتاب "تواريخ قسطنطينية" قصة تقول إن آصفية زوجة قسطنطين بن علانية الأكبر، وكانت ذات ثروة طائلة، قد توفيت فى ريق شبابها وأمرت فى وصيتها الأخيرة بإقامة كنيسة تفوق فى الارتفاع جميع أبنية الدنيا. ويقال إن مهندسًا معماريًا حضر لهذا الغرض من فرنكستان. وروى أنه بدأ بأن أمعن الحفر حتى بلغ عمق 40 ذراعًا ليصل إلى الماء. فلما أتم البناء كله فيما عدا القبة فر فيما يقال. وظل البناء على حاله لا يمس عشر سنين حتى عاد وأقام القبة. ويروى أيضا أن المعدن الخاص الذى لم يكن يعرفه إلا الى "ديوات" (وهو فى الواقع "مرمر معدنى") قد جلب من عدة بلاد. ويقال إن "المعدن" الذى صنعت منه الأعمدة الأربعة المرقشة (صوماقي؛ والحق إنها كانت قد صنعت بطبيعة الحال من أصلد أنواع المرمر) قد جلب من جبل قاف، أما الأبواب الكبيرة فقد زعم أنها صنعت من ألواح الخشب فى سفينة نوح، وكان سليمان قد استخدم هذه الألواح من قبل فى إقامة مبانيه بأورشليم وكيزيكوس (أيدينجق)، ويقال إن نفقات بناء الكنيسة بلغت 360000 قضيب من الذهب، قيمة كل قضيب 360000 فلوري. ويقال إنه حدث فى أيام حفيد قسطنطين الأكبر: الإمبراطور هرقل (وكان من معاصرى النبى محمد ومن المؤمنين به فى السر) أن سقطت القبة فلم يلبث هذا الإمبراطور التقى أن أعاد إقامتها. وترجع "تواريخ قسطنطينية وآيا

صوفيا" لعلىّ العربى إلياس إلى أيام السلطان سليمان الأكبر، وعلىّ هذا كان وقتذاك فى خدمة الصدر الأعظم علىّ البدين المتوفى فى 28 يونية سنة 1565، كما كان مدرسًا (Kat.: Flugel Der Kais. Hofbibl. Vienna جـ 3، ص 97). وأقدم نسخ هذا الكتاب ترد إلى سنة 970 هـ (1562 - 1563 م). وقد زاد علىّ العربى بعد ذلك بهممنتين قليلا من التفضيلات القليلة الشأن على كتابه وأظهره بعنوان مختلف هو "تواريخ بنايه آيا صوفيا" (المكتبة الأهلية بباريس " ملحق المخطوطات التركية رقم 1546، "تواريخ قسطنطينية وآيا صوفيا وبعض حقائق " فى، Persch Catalogue of the Turkish manuscripts of the kgl. Bibl. Berlin رقم 232؛ ولدى Fourmont مخطوط آخر: Car.cod.man Bibl. Reg ص 319، رقم 147، 1) وفى رواية هذا الكتاب أن آياصوفيا قد بنيت فى عهد الإمبراطور "أوستونيانو" بناها المهندس المعمارى "إكنادوس" (هكذا جاء أيضا فى محمد عاشق). وصفوة القول أن صاحب هذا التاريخ جدير بمزيد من الحمد، فهو يزودنا أيضًا بتفصيلات أكثر بكثير مما فعله مؤرخ القرن الخامس عشر، ذلك أنه يورد روايات مختلفة. ومن ثم وجب أن يعد خير مصدر تركى عن تاريخ أعظم مساجدهم، وإن كان فى نظرنا لا يعتمد عليه قط. وتختلف مادة القصص التى ظلت تحاك حول آيا صوفيا من عصر إلى عصر. والظاهر أنها بلغت أسمى مراتبها الروحية فى القرن السابع عشر، ذلك أن الترك بصفة عامة كانوا فى هذا العهد يظهرون بمظهر يدل على أنهم كانوا من أكثر الناس احتقارًا لأمور الدنيا. وفى ذلك العهد كان يشار إلى المكان الذى كان أبطال العرب فى القرن الأول الهجرى يصلون فيه بمناسبة حصارهم للقسطنطينية، وإلى المكان الكائن فى وسط صحن الكنيسة حيث كان الخضر فيما يقال يشرف منه على بنائها. وكان يشار فى الدهليز الجنوبى إلى صخرة مجوفة على اعتبار أنها مهد المسيح. وهناك قصة كان المرء لا يزال يستمع إليها من أفواه الفقهاء الشبان فى سنين متأخرة عن ذلك

كثيرا، وتذكر هذه القصة حسينا التبريزى والطريقة التى حصل بها فيما يظن على منصب الأستاذية فى المسجد، ومؤداها أن السلطان الصوفى محمدا الثانى بسط له راحة يده (آيا) ليقبلها بدلا من ظهرها، وهنالك بادر حسين بالتماس تعيينه مدير، لآياصوفيا. واشتهرت "العمد الرطبة" (ياش ديرك) و"النافذة الباردة" (صؤوق بنجره) قرب القبلة شهرة عظيمة بوصفها مزارات وكانت تحدث عندها فى رحاب الجدران المقدسة خوارق عجيبة أيام. عبد الحميد الثاني. وكانت هذه النافذة هى المكان الذى فسر فيه القراَن لأول مرة الشيخ آق شمس الدين الذى كان لكلماته وقع مثير فى نفوس الناس فى أيامهم ومن بينهم محمد الفاتح نفسه. وكان الاعتقاد سائدا إلى عهد قريب بأن البركات التى تحملها النسمات الرطيبة التى تتخلل هذه النافذة الباردة كان لها أثر مبارك يساعد على الغوص فى علوم الدين. وفي سنة 1934 أمر الرئيس كمال أتاتورك بأن يبطل استخدام آيا صوفيا بيتًا لعبادة المسلمين وجعلها متحفًا تشرف عليه مصلحة. ومن ثم أزيل الطلاء الجيرى الذى كان يغطى صور الأشخاص فى الفسيفساء، فتجلت سنة 1936 الصور التالية فيما تجلى من أشياء: صورة جميلة للعذراء جالسة على العرش ومعها طفلها يحف بها؛ الإمبراطور قسطنطين (ومعه نموذج للبلدة التى أنشأها) والأمبراطور يوستنيانوس (ومعه نموذج لكنيسة آياصوفيا)، وتقوم هذه الصورة فوق باب الدهليز الجنوبي؛ وصورة أخرى فوق الباب الرئيسى المؤدى من الدهليز إلى الكنيسة (باب الإمبراطور القديم) تمثل المسيح جالسًا على العرش وقد ركع عند قدميه متعبدًا إمبراطور (ليو السادس؟ أو بازيل الأول وهو أمر أقرب احتمالا؛ انظر M.A. Schneider فى Oriens Christianus، سنة 1935، ص 75 - 79) ونذكر أخيرًا صورة للعذراء فى حنية المحراب. المصادر: (1) أوثق المصادر البوزنطية فى عهد يوستنيانوس هى كتب - Agathias, Proco

pius,Paulus,Silentiarius (2) ومن المصادر الأكثر حداثة من ذلك نذكر اولا وقبل كل شئ: Pierre Gilles 'De Topographia Constantinopoleos الكتاب 4، ليون سنة 1561، وقد طبع بعد ذلك مرارًا. (3) الكاتب نفسه: - De Bosphoro Thra cio libri tres، ليون سنة 1561، وقد طبع بعد ذلك مرارًا. (4): Charles du Fresne, sieur du Cange Historia Byzantina، باريس سنة 1680. (5) Constantinopolis: . von Hammer und Bospotus، جـ 1، بست سنة 1822. (6) Aya Sophia of Constan-: C. Fossati tinople as recentiy restored، لندن سنة 1852. (7) Altchristliche Bau-: W. Salzen berg denkmaler von Konstantionpel برلين سنة 1854. (8) L'art de batir chez: Auguste Choisy les Byzantins، باريس 1883. (9) Quellen der byzantinis-: P. Richter Chen Kunstgeschichte وهو عدد خاص من Quellenschriften fur Kunstgeschichte & Kunsttechnik Mittelalters، فينا سنة 1897، بقلم Eitelberger von Edelberg & Igi (10): W. R. Lethaby and Har Swainson The Church of Sancta Sophia, Constanyin ople, a study in building، لندن ونيويورك سنة 1894. (11) Die Sophien-: Heinr. Holtzinger Kirche und verwandte Bauten der byzanti- nischen Architektur في Die Baukunst ويحررها R. Bormann & R. Graul، رقم 10، برلين وشتوتكارت سنة 1898. (12) Die Ha-: Alfons Maria Schnieider gia Sophia zu Konstantinopel برلين من غير تاريخ (1938). (13) رواية تركية تمدنا بالنقوش وبوصف للمبانى الإضافية التى أقيمت فى العهود التركية: حافظ حسين: حديقة الجوامع، إستانبول سنة 1281 هـ 1864، جـ 1، ص 3 - 8. (14) وثمة مصادر أخرى وردت فى

الآية

إسلام أنسيكلوييديا سي، جـ 2، ص 47 - 55 (عارف مفيد مانسل). (15) أما عن وصف هارون بن يحيى فانظر: م. عز الدين: Un prisonnier arabe a Byzance ... في Revue des etudes islamiques، سنة 1941 - 1946، ص 41 وما بعدها حيث ذكرت الدراسات التى تمت قبل دلك. (18) أما عن القصص الإسلامية فانظر Notice sur les versions persanes: F. Taue de la legende de l' edification d'Aya Sofya في melanges Fuad Koprulu استانبول سنة 1953، ص 487 وما بعدها. (19) الكاتب نفسه: - Les versions per sanes de la legende sur la construction d'Aya Sofya في Byzantinoslavica المجلد 15، جـ 1، سنة 1954، ص 1 - 20. وتقوم غير بعيد من آياصوفيا العظمى آياصوفيا الصغرى (كوجوك آياصوفيا) بالقرب من ميدان جندى، بناها يوستنيانوس وأهديت من قبل إلى القديسين سركيوس وباخوس. وهى تقوم على قاعدة مثمنة الشكل تمتد منها أربعة محاريب تعلوها قبة. وقد حول رئيس حريم (قيزلر آغاسى) السلطان محمد الفاتح هذه الكنيسة إلى مسجد، ومن يومها أعدت أكمل إعداد للعبادة الإسلامية وتدريس العلوم الإسلامية. وتعلو الصفّة خمس قباب مفلطحة بناهر الترك. [سوسهايم وتيشنر K. Sussheim-Fr. Taeschner] الآية والجمع آيات: العلامة، الدالة، المعجزة، الطائفة من القرآن. والعلامة أو الدّالة هو المعنى الأصلي. وبهذا المعنى نجدها فى الشعر الجاهلى (الجمع: آى، وآيات، وجمع الجمع آياء؛ انظر- Nol deke's Belegworterbuch، هذه المادة) حيث ترد مرادفة للعبرية "أوث " والآرامية "آثا"؛ وترد الكلمة السريانية " آثا " وا لجمع "أوثوث " با لحروف اللخيشية (¬1) (4، 11) للدلالة على ¬

_ (¬1) اللخيشية نسبة إلي "لخيش" بلدة بفلسطين وردت في) كثر من موضع بالتوراة (انظر مثلا: سفر أرميا، الإصحاح 34، الآية 7) والمقصود حروف الأبجدية العبرية القديمة.

المنارات التى كانت تستخدم للإشارة. والمعنى الأصلى المذكور ورد فى القرآن حيث جعل التابوت آية ملك طالوت (سورة البقرة، الآية 248)، وحيث جعل الشمس والقمر آيتين للنهار والليل (سورة الإسراء، الآية 12)؛ وعجائب الطبيعة هى أيضا آيات على وجود الله وقدرته (سورة الروم، الآية 20 وما بعدها؛ سورة يوسف، الآية 105 إلخ ... )، ثم إن هذه العجائب هى الأخرى دلائل يجب أن يتعظ بها الناس (سورة البقرة، الآيتان 164، 266؛ سورة الشعراء، الآية 67 ... إلخ). وعلى الرسل الذين يرسلهم الله أن يجيئوا للناس بهذه البينات على قدرة الله وحكمته وقضائه التى تتجلى فى الطبيعة أو فى الأخبار وأن ينذرهم بالعقاب على تكذيبهم لآيات الله البينة (سورة البقرة، الآية 61؛ سورة يونس، الآية 73؛ سورة النمل، الآية 81؛ سورة الأعراف، الآية 182). والانتقال من المعجب إلى المعجز خطوة يسيرة (سورة الزخرف، الآية 47؛ سورة آل عمران، الآية 49؛ سورة الرعد، الآية 38؛ سورة الشعراء، الآية 154)، وبخطوة أخرى يمكن أن تسمى تلك الأخبار التى تتحدث عن هذه الدلائل على قدرة الله آيات (سورة البقرة، الآية 252؛ سورة يوسف، الآية 7؛ سورة الحجر، الآية 75؛ سورة سبأ، الآية 19؛ سورة المائدة، الآية 75) وبخطوة أخيرة تصبح كل طائفة من القرآن تتضمن خبرًا من هذه الأخبار آية (سورة الأنعام، الآية 124، سورة القصص، الآية 87؛ سورة آل عمران. الآ ية 108 .... الخ). والآية وجمعها آى وآيات، فيما أثر من ضبط القرآن، هى دائما الفقرة. وثمة خلاف كبير حول رؤوس الآى، وعددها وفضائل بعض الآيات مثل آية الكرسي (سورة البقرة، الآية 255)، وآية النور (سورة النور، الآية 35) والآيات الأخيرة من سورة البقرة ... إلخ، وآيات تفيض على تاليها بطرق معينة بركات خاصة. وهذه المعانى المختلفة للآية، فيما عدا المعنى الأخير، تتفق اتفاقًا وثيقًا مع الاستعمال اليهود والنصرانى حيث ينصرف الاستعمال الدينى الخاص بالكلمة إلى

الإباضية

الآيات التى تثبت وجود الله والتى تقترن بعمل الأنبياء وتؤكده. المصادر: (1) القرطبى: الجامع فى أحكام القرآن، ج 1، ص 57 وما بعدها. (2) ابن منظور: لسان العرب، جـ 18، ص 66 وما بعدها. (3) السيوطى: الإتقان، الفصول 1، 19، 28، 54، 57، 58. (4) Kleinere Schriften: Fleischer جـ 1 ص 619، رقم 2. (5) Foreign Vocabulary of the: Jeffery Kur'an ص 72، 73. (6) Die Verszahlung des: A. Spirtaler Qorans سنة 1935. (7) Das Wort Oth als Of-: C. A. Keller fenbarungszeichen Gottes سنة 1946. (8) Introduction to the Quran: R. Bell ص 153 - 154. الأبيارى [جفرى A. Jeffery] الإباضية ويسمون عادة أباضية بفتح الهمزة فى شمالى إفريقية، وهم أتباع عبد الله بن إباض وسنضيف هنا بعض الزيادات على ما كتب فى مادة "الأباضية" (ص 43) وخاصة فيما يتعلق بأباضية شمالى إفريقية: حدثت أول فتنة للإباضية فى الأعوام الأخيرة من حكم مروان الثانى بزعامة عبد الله بن يحيى طالب الحق وأبى حمزة (129 هـ- 747 م). واستجلب عبد الله ولاء أهل حضرموت ثم غزا صنعاء وأنفذ عبد الله إلى مكة فهزم واليها الأموى فى "قد يد" وأخضع "المدينة" لسلطانه؛ ولكن مروان أرسل فى العام التالى (130 هـ- 747 م) عبد الملك بن عطية لملاقاته فاضطر أبو حمزة إلى الفرار عند وادى القرى والتجأ إلى مكة حيث تبعه عبدالملك وأسره تم قتله هناك بعد مقاومة عنيفة. وبعد ذلك بقليل لقى الخليفة الإباضى عبد الله بن يحيى مثل

ما لقى أبو حمزة. ويذكر الشهرستانى (طبعة كيورتن Cureton ص 100) أن عبد الله بن إباض اشترك فى هذه الفتنة أيضا. ولكن يظهر أن هذه الرواية غير صحيحة، لأن ابن إباض، فى روايات أخرى موثوق بها أكثر من هذه، توفى فى حكم عبد الملك أى قبل ذلك بنصف قرن تقريبًا. وقد أخضع القائد العباسى خازم بن خزيمة فتنة أخرى شبت فى عمان تحت زعامة الخُلندى عام 134 هـ (751 - 752 م). وقد انتشرت الإباضية فى الوقت نفسه فى شمالى إفريقية (وللاطلاع على تقلبات هذه الحركة هناك انظر مادة "الأباضية"). وفى بلاد العرب، وجدت هذه الحركة فى عمان القاصية تربة خصبة، حتى أصبحت بتوالى الزمن المذهب السائد هناك ثم انتقلت بعد ذلك إلى بر الزنج (زنجبار). والإباضية تكوّن إلى جانب مذهبى السنة والشيعة جماعة قائمة بذاتها فى الإسلام، لها عقائدها وشرائعها التى تتفق بوجه عام مع السنة ولا تختلف معها إلا فى مسائل معينة. وهم أيضًا يعترفون بالقرآن والحديث مصدرًا للعلوم الدينية، ولكنهم يقولون "بالرأي" بدلا من الإجماع والقياس. ومن هذه المسائل يتضح أصلهم الخارجى كما يتضح من رأيهم فى الإمامة الذى يختلفون فيه عن الأزارقة بعض الاختلاف. ولا نستطيع هنا أن ندخل فى تفصيلات فكرتهم عن "الولاية" و"البراءة" و"الوقوف"، وخاصة أنهم مختلفون فيها. ويذكر الشهرستانى والبغدادي ... إلخ. أن الإباضية الأولين قد انقسموا على أنفسهم ثلاث فرق أو أربع وهى الحفصية والحارثية واليزيدية وأصحاب طاعة لا يراد بها الله. وتاريخ هذه الجماعة المتأخر - وخصوصا فى شمالى إفريقية- يحدثنا عن ظهور اختلافات أخرى فى الرأى. ونجد فى الفهرست ص 182 وما بعدها عدة مصنفات دينية لزعمائهم، وقد ذكر الكثير منها فى مصادر مادة "الأباضية". وأهم مصادر هذه الطائفة

الأباضية

هو الذى أذاعه سخاو (وهو: "كشف الغمة الجامع لأخبار الأمة" فى: Mitteil Des Semin.fur orient. Sprachen, القسم 2، جـ 1 ص 1 وما بعدها؛ جـ 2 ص 47 وما بعدها). المصادر: (1) المبرد: الكامل (طبعة Wright) ص 615. (2) الشهرستاني: الملل والنحل (طبعة Cureton) ص 100 وما بعدها. (3) البغدادي: الفرق بين الفرق، ص 82 وما بعدها، ص 263. (4) ابن حزم: الفصل، جـ 4، ص 189. (5) Die religiospolitische: Wellhausen Oppositionsparteien etc. ص 52 وما بعدها. (6) Muhammeddanisc hes: Dr. Sachay Erbrecht nach der Lehre der ibaditischen Araber, Sitzungsberichte Berl. Akad 1894، وقد اعتمد فيه على مختصر البسيوى المطبوع فى زنجبار سنة 01886 أما بقية المصادر فمذكورة فى سياق المادة. وانظر أيضًا Becker فى كتابه Der Islam، جـ 2، ص 4 تعليق 1. [ده موتيلنسكى A. De Motylinski] الأباضية يطلق هذا الاسم فى شمالى إفريقية على فرع من الخوارج الذين خرجوا على عليّ عندما قبل التحكيم مع معاوية. وقد دخل مذهب الخوارج إلى المغرب فى النصف الأول من القرن الهجرى الثانى فى صورة الإباضية والصفرية، وانتشر بسرعة بين البربر حتى أصبح المذهب القومى لهم، اتخذوه ذريعة لنضالهم مع أهل السنة من العرب " ولعب أباضية طرابلس وإفريقية تحت زعامة إماميهما الكبيرين "أبى الخطاب وأبى حاتم" الدور المهم فى فتنة البربر فى القرن الثانى الهجرى التى كادت تجرد الخلافة من إفريقية. ولقد حكمت أسرة أباضية هى الأسرة الرستمية فى تاهرت (تاكدمت) أكثر من 130 عامًا، ولم يزل حكمها إلا حين أسس الفاطميون دولتهم فى المغرب. وبعد أن خرب أبو عبد الله الشيعى تاهرت سنة 296 هـ

(909 - 908 م) تفرق شمل الأباضية فى صحراء تونس والجزائر وفى جربة. وهم لايزالون فى هذه الأيام يعيشون جماعات متماسكة فى ورجلة ومزاب وجبل نفوسة وفى جزيرة جربة. ولهم مصنفات دينية وتاريخية هامة. وجماعاتهم الدائمة الاتصال بعضها ببعض تحرص حرصًا شديدًا على حماسها المتأجج. ولهم كذلك صلات ليست بالقليلة مع الإباضيين فى عمان وزنجبار. ولقد انقسم الأباضية الإفريقيون ثلاث فرق سياسية ودينية على السواء وهي: النكارية والخلفية والنفاثية. والنكارية الذين كان لهم شأن فى تاريخ الفق الإفريقية لاتزال تمثلهم حتى الآن جماعات صغيرة فى جربة وزواغة (طرابلس). ومن الطبيعى أن يعارض الأباضية بشدة فى اتهام أهل السنة لهم بالمروق. وهم يزعمون أنهم هم وحدهم الذين حافظوا على تعاليم الإسلام الحقة. ويقولون إن فرقتهم وحدها هى الفرقة الناجية من بين الفرق الثلاث والسبعين التى انقسم المسلمون إليها. وقد نشأ الخوارج كما قدمنا عندما اختلفوا مع علىّ فى أمر التحكيم، وهم دون أن يجادلوا فى شرعية حكم الخلفاء الأربعة الراشدين كما يفعل الشيعة، يصرون على أن القدوة الحسنة بعد النبى كانت فى أبى بكر وعمر، أما عثمان فلم يقتف آثارهما. والأباضية يشيرون فى كتبهم بعناية إلى ما أسموه "بدع عثمان". ويجب على المسلمين إقامة الإمامة عندما يتوافر لديهم القدرة والعلم. وليس من الضرورى أن يكون الإمام قرشيًا بل يكتفى أن يكون فاضلا ورعًا وأن يحكم طبقًا لأوامر القرآن والسنة، فإذا ابتعد عنهما وجب خلعه. والقرآن كلام الله هو الذى خلقه. ولن يُرى الله فى الجنة. والثواب والعقاب فى الحياة الأخرى أبديان. والنار كالجنة لا يعتورها الفناء. والله يغتفر الصغائر، أما الكبائر فلا تمحوها إلا التوبة. ومن واجب كل مسلم أن يعمل المعروف وينهى عن المنكر ما استطاع إلى ذلك سبيلا. وفرض حق على المسلمين الاعتراف بوحدتهم والتعبير عن هذه

أبجد أو "أبوجد"

الوحدة بالقول والعمل. ولكن الفرد الذى يخرج على شرائع الدين حق عليه الحرمان من صداقة إخوانه فى الدين ويجب أن يعامل معاملة العدو إلى أن يقوم بفروض التوبة. كما أن هناك نوعًا من الحرمان له نتائج دينية ومدنية خطيرة. وأباضية الجزائر يتشددون كثيرًا فى الأمور الخلقية خصوصًا فى قصور مزاب حيث لا يستطيعون الفرار من رقابة "الطلبة". أما فى مدن التل الجزائرى حيث يجتمعون بقصد التجارة فلا يتفق عملهم مع النظريات دائمًا. ويجب أن نعترف بوجه عام أنهم يتمسكون بعقائدهم تمسكًا شديدًا. وهم لا يختلطون بالمسلمين من أهل السنة إلا لضرورات تجارتهم النافقة. وقلما يصاهرون أهل السنة لأن مثل هذا الزواج مما تبرأ منه الجماعة. وهذا النقاء سواء أكان عن إخلاص أم تظاهر يجعل منهم كتلة متجانسة متآلفة متمايزة تمام التمايز بسلوكها وأخلاقها وهيولها بين أهل السنة من العرب والبربر فى شمالى إفريقية. المصادر: (1) La Zenata du Mzab, de: R. Basset Ouargla et de l'Oued Rir (2) Les Sanctuaires du Djebel: R. Basset Nefousa . (3) Les livres de la: A. de Motylinski Secte Abadhite . (4) L'Aqida des Abad-: A. de Motylinski hites (مجموعة الأبحاث والنصوص التى نشرت فى مؤتمر المستشرقين الرابع عشر، ص 409 وما بعدها). [ده موتيلنسكى A. Dw Motylinski] أبجد أو "أبوجد" أول الألفاظ الثمانية التى اعتاد العرب أن يدلوا بها على حروفهم الهجائية لتذكرهم بها، وهذه الألفاظ الثمانية ينطق بها فى العادة كما يلى: أبجد، هَوّز، حُطي، كَلَمَن، سَعفَص، قرشَتَ، ثخَذ، ضظَغ. ويرتب مسلمو المغرب الألفاظ الأربعة الأخيرة كالآتى:

صَعفَض، قَرَسَت، ثَخَذ، ظغَش. ويطابق ترتيب الحروف فى المجموعة العربية -ونقصد هنا الحروف الساكنة فقط- مثيله فى اللغتين العبرية والآرامية. وهذا التطابق -مضافا إليه البراهين التى تستخرج من فن الكتابات القديمة- يؤيد أن العرب انتهت إليهم أحرفهم الهجائية عن طريق النبطيين. ولقد وضعت الأحرف الستة التى تختص بها العربية وحدها فى آخر هذه المجموعة. وترتيب حروف -هذه الألفاظ الثمانية- التى جعلت للتذكير فقط والتى لا معنى لها البتة- يماثل ما فى العبرية والآرامية أيضا من حيث استعمال الحروف للدلالة على الأرقام: فالحروف من الهمزة إلى القاف تدل على الأرقام من 1 إلى 100، وتدل التسعة الأخيرة على الأرقام من 200 إلى 1000. وإلى جانب هذا الترتيب القديم الذى يعود بنا إلى أصل الأبجدية العربية نشأ فى عصر متقدم الترتيب الآخر المستعمل الآن. ولقد انبعث هذا الترتيب من وضع الحروف المتشابهة فى الرسم، الواحد بعد الآخر، مثال ذلك أن حرف الباء يأتى بعده التاء والثاء ... إلخ إلا الهاء والواو والياء فإنها توضع فى الآخر. وقد احتفظت الأبجدية المغربية بهذا الترتيب إلى الآن وهو: أ. ب. ت. ث. ج. ح. خ. د. د. ر. ز. ط. ظ. ك. ل. م. ن. ص. ض. ع. غ. ف. ق. س. ش. هـ. و. ي. والترتيب السائد فى الشرق الإسلامى الذى أخذه علماء أوروبا والذى لا يفهم سره البتة، لحقه التغيير أيضا لأنه من المستحيل أن نعرف القاعدة العامة التى اتخذت أساسا لهذا الترتيب، ولكنه من الملاحظ أن للاعتبارات الصوتية بعض الأثر فيه. وإلى جانب هذين الترتيبين الشائعين وُفق بعض العلماء إلى ترتيب حروف الهجاء على نحو آخر يعتمد على أساس صوتى فسيولوجى بحيث أن الأصوات التى يجهر بها من أقصى الحلق توضع فى الأول والأصوات التى نطق بها من الجزء الأمامى من الفم أى الشفاه توضع فى الآخر. وهذا هو الترتيب الذى اتبعه الخليل

فى مؤلفه "كتاب العين ": ع. ح. هـ. خ. غ. ق. ك. ج. ش. ص. ض. س. ز. ط. د. ت. ظ. ذ. ث. ر. ل. ن. ف. ب. م. و. أ. ى. وقد اتبع الأزهرى فى كتابه "التهذيب" وابن سيده فى كتابه "المحكم" هذا الترتيب نفسه. وليس من شك فى أن أصل الأبجدية العربية هو الحروف العبرية آرامية، ولكن العرب كانوا يجهلون اللغات السامية الأخرى جهلا تاما، وكانوا من جهة أخرى يعتزون بعصبيتهم ويفاخرون بأنسابهم، لذلك لجأوا إلى تفسيرات أخرى يؤولون بها منشأ تلك الكلمات الثمان "أبجد .. الخ "، وهى تفسيرات تناقلوها عن طويق الرواية، وكل ما ذهبوا إليه فى هذا الموضوع خرافى على طرافته. وتذكر إحدى الروايات أن ستة من ملوك مَدْيَن رتبوا الحروف الهجائية العربية على أسمائهم، وتذكر رواية أخرى أن الأسماء الستة الأولى هى أسماء مردة وشياطين، وأخيرًا تذكر رواية ثالثة أن هذه الأسماء ما هى إلا أسماء أيام الأسبوع. وقد أشار سلفستر دى ساسى- Sil vestre de Sacy إلى أن كل هذه الروايات لا تذكر إلا الكلمات الست الأولى، وأن يوم الجمعة مثلا ليس ثخذا بل عُروبة، ولكن لا يصح أن نعتمد علميًا على هذه الروايات الغامضة فنقول إن الأبجدية العربية لم تكن تشتمل فى الأصل إلا على اثنين وعشرين حرفًا (انظر ما كتبه سلفستر دى ساسى فى كتابه النحو العربى Grammaire Arabe الطبعة الثانية، جـ 1، الفصل التاسع) ومع ذلك فإننا نجد بين العرب أنفسهم نحاة ذوى بصيرة نافذة كالمبرد والسيرافى لم يقتنعوا بهذهـ التفسيرات الخرافية للأبجدية وأعلنوا فى صراحة أن هذه الكلمات لابد أن تكون من أصل أجنبى. وقد استعمل المتصوفة منذ القدم حروف "أبجد ... الخ" كتعاويذ وطلمسَّات سحرية اعتمادا على ما لهذه الحروف من قيم عددية. وطبقا لهذا المذهب يطابق كل حرف من الحروف التى تبدأ بالألف وتنتهى بالغين اسما من أسماء الله وبعض القوى الطبيعية الأخري. وعلى أساس هذه الصلة المشتركة بين الرقم والحرف من جهة

وبين الرموز التى يدلان عليها من جهة اْخرى قام مذهب صوفى عملى بأكمله. فمثلا فى الصيغ الافتتاحية للتعاويذ تضاف قيم الحروف بعضها إلى بعض والحاصل الذى ينتج منها يوجدون علاقة بينه وبين عالم الجن. ونجد هذا الاستعمال نفسه فى القرون الوسطى عند اليهود فى تفسيرهم الصوفى للعهد القديم (Cabala). المصادر: (1) تاج العروس، انظر مادة "بجد". (2) الفهرست (طبعة فلوكل Flugel) جـ 1، ص 4 - 5. (3) Dict. of Islam: Hughes، انظر مادة "دعوة". (4) Arab. Engl. Lex.: Lane انظر مادة "أبجد". (5) Vorl. uber Gesch. d. Math.: Cantor (الطبعة الثالثة، جـ 1، ص 709). [فايل Weil] + وأبُجد أو أبَجَد أو أبوجد، هو أحد المصطلحات الثمانية المعينة على التذكر التى انقسمت إليها الأحرف الساكنة الثمانية والعشرين التى تتألف منها حروف الهجاء العربية. وقد رتبت هذه المجموعات بأكملها من الحروف المعينة على التذكر فى المشرق، كما ضبطت، بصفة عامة، على النحو التالي: أبجَد، هَوَّز، حُطِّى، كَلَمَن، سَعفَص، قَرشَت، ثَخَذ، ضَظَغ. أما فى المغرب (شمالى إفريقية وشبه الجزيرة الأيبيرية) فقد رتبت المجموعات 5، 6، 8 ترتيبا مختلفا عن دلدُ فأصبحت القائمة الكاملة كما يلي: أبجد، هوز، حطي، كلمن، صعفض، قرست، ثخذ، ظغش. وتحتفظ المجموعات الست الأولى من السلاسل المشرقية احتفاظا أمينا بترتيب أحرف الهجاء الفينيقية. وتتألف المجموعتان الأخريان المكملتان من الحروف الساكنة التى تختص بها اللغة العربية، ومن ثم سميت "الروادف". وهذا الترتيب لحروف الهجاء ليست له من الناحية العملية إلا ناحية واحدة هامة، وهى أن العرب كانوا، مثل الإغريق، يجعلون لكل حرف قيمة عددية تناسب موضعه. ولذلك قسمت الحروف الثمانية والعشرون ثلاث متتاليات عددية كل منها تسعة حدود:

الآحاد (1 - 9) العشر ات (10 - 90) المئات (100 - 900) و"الألف": وطبيعى أن تخللف القيمة العددية لكل حرف من حروف المجموعات رقم 5 ورقم 6، ورقم 8 فى الطريقة المشرقية عنها فى الطريقة المغربية. وقد كان استعمال الحروف العربية للدلالة على قيم عددية محدودًا دائما وشاذا، ذلك أن الأرقام الحقيقية حلت محلها. ومع ذلك فقد استعملت هذه الحروف فى الأحوال التالية (1) فى الأسطرلابات. (2) فى التاريخ بالحروف الأبجدية، ويغلب أن يكون ذلك بالنظم، (سواء بالنقش أو بغير ذلك) بصيغة تتمشى مع الطريقة المسماة باسم "الجُمَّل " (3) فى عمليات الكهانة وكتابة بعض الطلسمات (ضرب من بدوح = 2، 4، 6، 8) بل إن "الطلبة" فى شمالى إفريقية يستعملون فى يومنا هذا القيمة العددية للحروف لأداء بعض أعمال السحر طبقا للطريقة المسماة " أيَقَش " (1000: 100: 10: 1)، ويسمى العارف باسرار هذه الطريقة فى لغة العامة "يفاش". (4) فى ترقيم الصفحات عملا بالسنة الحديثة فى وضع مقدمات وقوائم بالمحتويات، فتستخدم للك الحروف حيث نستخدم نحن الحروف الرومانية. والترتيب الأبجدى للحروف العربية لا يدل فى الواقع على شئ ما، سواء من حيث الأداء بالصوت أو الأداء بالرسم. والحق إن هذا الترتيب عريق فى القدم. فقد ظهر ترتيب الحروف الاثنين والعشرين الأولى من قبل فى اللوحة التى كشفت عند "رأس شمرة" وهى تزودنا بقائمة بالرموز المسمارية التى كانت تتألف منها أبجدية قوم أوكريت فى القرن الرابع عشر قبل الميلاد (Ch. Virolleaud: L'Abecedaire de Ras Shamara فى GLECS سنة 1950، ص 57)، ومن ثم فإن الأصل الكنعانى لهذا الترتيب محقق. على أنه قد بقى فضلا عن ذلك فى الأبجدية العبرية والآرامية: ولا شك فى أن العرب قد أخذوه هو وهذه الأبجدية، ومع ذلك فإنهم، لجهلهم باللغات السامية الأخرى وامتلاء

جوانحهم بالأهواء الناشئة من شدة وعيهم بأنفسهم وعزتهم القومية، قد التمسوا تفسيرات أخرى لمصطلحات الأبجد المعينة على التذكر التى اسلمتها لهم الروايات وعز عليهم فهمها. وكل ما حملوا على قوله فى هذا الموضوع طريف ولكنه يدخل فى باب الأساطير. ففى رواية أن ستة من ملوك مدين رتبوا الحروف العربية على أسمائهم، وفى رواية أخرى أن المجموعات الست الأولى من هذه الحروف هى أسماء ستة شياطين. وفى رواية ثالثة أنها أسماء أيام الأسبوع. وقد لاحظ سلفستر ده ساسى Sylvestre de Sacy أن المصطلحات الستة الأول هى التى استعملت دون سواها فى هذه الروايات، وأن يوم الجمعة مثلا قد سمى "ثخذ" وليس "عروبة". ولكن لا يجوز لنا أن نخلص من مثل هذه الروايات الغامضة بأن حروف الهجاء العربية لم تكن فى الأصل إلا اثنين وعشرين حرفا (J.A. Sylvestre de Sacy: Grammaire Arabe الطبعة الثانية، جـ 3، فقرة 9). والحق أنه كان من بين العرب أنفسهم نحويون أكثر بصرًا من ذلك، مثل المُبَرد والسيرافى، لم يقتنعوا بهذه التفاسير الأسطورية للأبجد، وأعلنوا فى صراحة أن هذه العبارات المعينة على التذكر من أصل أجنبي. على أن ثمة تفصيلا من التفصيلات التى أوردتها تلك الإشارات الأسطورية يستوقف النظر، فقد ذكر أن ملكا من ملوك مدين الستة كان "رئيسهم"، وهذا الملدُ هو كلمن، وربما يرتبط اسمه بالكلمة اللاتينية elementum. وانظر فيما يتصل بالترتيب الآخر لحروف الهجاء الذى يقوم إلى جانب هذا الترتيب الذى شاع استعماله: مادة "حروف الهجاء". ولا بأس من أن نزيد بأن الصفة "بوجادى" لاتزال مستعملة فى شمالى إفريقية بمعنى "المبتدئ" أى الذى لايزال فى المرحلة الأولى (انظر المصطلح التركى "أبجد خوان" والإنكليزى. " Abcedarian "، والألمانى " Abcschuller". المصادر: (1) Lexicon: Lane، مادة أبجد. (3) دائرة المعارف التركية. مادة أبجد.

أبخاز

(3) الفهرست ص 4 - هـ. (4) Vorl. uber Gesch d.: cantor Math، الطبعة الثانية، جـ 1، ص 709. (5) Die semitischen: Th Noldeke Buchstabennamen في Beitrage Zur semit. Sprachwiss سنة 1904، 124. (6) Wie ist die Re-: H. Bauer ihenfologe der Buschstaben im Alphabet zustande في ZDMG سنة 1913، 501. (7) De l'origine greqque: G.S. Colin que des "chiffres de Fes" et de nos chif- fres arabes في Joun سنة 1933، 193. (8) Histoire de l'eciture: J. Fevrier سنة 1948، ص 222. (9) The Alphabet: D. Diringer سنة 1948، ص 222. (10) Les pro-: M.G de Slane Legomines جـ 1، ص 241 - 253. (11) Ritual and: E. Westermarck Belief in Morocco ج 1، ص 144. (12) Magie et religion: E. Doutte dans l'Afique de Nors ص 172 - 195. خورشيد [فايل وكولان G.Weil-G] أبخاز 1 - تحقيقا للأغراض العملية جميعا يشمل المصطلح "أبخاز" أو "أفخاز" فى المصادر الإسلامية الأولى بلاد الكُرْج والكَرْج، أى جورجيا والجورجين (الأصح: جُرْزان). والسبب فى ذلك أن أسرة حاكمة خرجت من أبخازيا وحكمت بلاد الكرج فى صدر العهد العباسى، وقد فرق المسعودى (جـ 2، ص 64، 65) بين الأسرة الأبخازية والحكام الكرج على نهر الكُر الأعلى. ومن الجائز أن القوم الذين أطلق عليهم حقا الأبخاز هم الذين إنما أشارت إليهم ¬

_ (*) أفخازيا ضمن جورجيا التي أصبحت جمهورية بعد انهيار الاتحاد السوفيتى، ويبلغ عدد سكان جورجيا 5.681.000 نفس. الكثافة: 211 فى الميل المربع. المناطق الحضرية 56 %. الأعراق: جورجيون 70 % الأرمن 8 % الروس 6 %. وتبلغ نسبة المسلمون 11 %. اللغة: البلغارية (رسمية)، الروسية. الحكم: جمهورى. وكان الرئيس: إدوارد شيفر نادزه- Edward She varnadze قد شغل منصبه فى 6 نوفمبر، 1992 اعتنقت المنطقة المسيحية في القرن الرابع الميلادى وفتحها العرب فى القرن الثامن الميلادى، وقد توسعت جورجيا لتمتد من البحر الأسود إلى بحر قزوين ولتشمل جزءا من أرمينيا وفارس قبل وقوعها فى يد المغول والأتراك. وتم إلحاقها بروسيا سنة 1801 مما أدى الى حرب مع =

الرواية التى استشهد بها ابن رسته دون سواها (ص 139) باسم لوغر وتقوأ: أوْغز (انظر- Streifzuge: Mar quart)، ص 164 - 176؛ حدود العالم، ص 456)؛ ووضع ابن رسته على التخصيص منازل هؤلاء القوم فى نهاية أملاك الخزَر. 2 - والأبخاز أمة صغيرة فى غربى القوقاز على البحر الأسود تطلق على نفسها اسم "أبس - وآ"، وهى تشغل المنطقة - بين سلسلة جبال القوقاز الرئيسية والبحر، وبين نهر "بسو" (شمال كَاكَري) ومصب نهر إنكور فى الجنوب. ومنذ القرن السابع عشر، وربما قبل ذلك، عبر فريق من هذه القبيلة الحافة الكبرى للجبال واستقر على الروافد الجنوبية لنهر قوبان. وقد دكر الأبخاز فى الأزمان القديمة، ذكرهم آريان باسم "أبسكَوى" وبليناس باسم "أبسكى (انظر- Con tarini، 1475 م، Ayocasia: أبيزى فى الروسية القديمة، وأبازه فى التركية) ويروى بروكوييوس (القرن الخامس الميلادى) أنهم كانوا تحت سلطان اللاز. وفى تلك الأيام كان العبيد (الخصيان) يجلبون إلى أبخازيا من القسطنطينية، وأخضع يوستنيانوس أبخازيا فدخل الأبخاز فى المسيحية، وتقول الحوليات الكرجية (انظر Brosset: Histoire Georgie، جـ 61 ص 237 - 243) إن القائد العربى مروان قرو (مروان الأصم) احتل ممرى دَرْيال ودَرْبَند وغزا أبخازيا حيث فر الملكان الكرجيان: "مير" و "ارجيل"، وخرّب تسخوم (سوخوم). وقد تحالف عليه مرض الزحار والفيضانات مقترنة بهجمات الكرج والأبخاز، فأنزلت بجيشه خسائر عظيمة وحملته على الارتداد. على أن تاريخ الحوليات الكرجية بعيد جدا عن ¬

_ = فارس من، 1804 إلى 1813 م، وفى 1922 م أصبحت جزءا من الاتحاد السوفيتى السابق وأصبحت جمهورية دستورية داخل هذا الاتحاد سنة 1936 م. وفي سنة 1989 م تدخل الجيش الروسى لقمع حركة وطنية قوية في جورجيا. وتم إعلان جورجيا دولة مستقلة في 9 إبريل سنة 1991 م وتحقق استقلالها بالفعل بعد انهيار الاتحاد السوفيتى في 36 ديسمبر سنة 1991 م د. عبدالرحمن الشيخ

الدقة، والظاهر أن المقصود بمروان قرو هو محمد بن مروان الأموى أو ابنه مروان بن محمد، ويشير هذا إلى الجزء الأول من القرن الثامن الميلادى (انظر البلاذرى، ص 205، 207 - 209). وحوالى سنة 800 م نال الأبخاز استقلالهم بمعاونة الخَزَر. وقد تزوج الأمير (إرستئاوى) ليون الثانى سليل الأسرة الحاكمة المحلية الخارجة من أنجاباد، أميرة من الخزر، واتخذ لقب الملك ونقل قصبة ملكه إلى كوتايس. ويقال إن الأبخاز كانوا يؤدون الجزية للعرب فى عهد والى تفليس إسحاق بن إسماعيل (حوالى 830 - 853 م). وكانت الفترة ما بين سنتى 850، 950 م أزهر العصور التى مرت بمملكة أبخازيا، إذ حكم ملوكها أبخازيا ومنغوليا (إكريسى) وايمريتيا وكارتليا، كما كانوا يتدخلون فى أمور أرمينية. وظلت الكرجية منذ ذلك العهد لغة الطبقات المتعلمة فى أبخازيا. وفى سنة 978 هـ احتل بكراط البكراطى الكرجى ابن الأميرة الأبخازية كوراندخت العرش الأبخازى، وما وافت سنة 1010 م حتى كان قد وحد الأراضي الكرجية جميعا. وظل العوب يسعون المملكة الكرجية بالمملكة الأبخارية حتى القرن الثالث عشر الميلادي بل بعد ذلك فى بعض الأحيان على الرغم من أن بكراط كان يدين بنجاحه الأول للحقوق الوراثية التى تتمتع بها أمه، وعلى الرغم من أنه حتى فى اللقب الذى أتخذه متأخرًا قد جعل رتبة "ملك أبخازيا" في المحل الأول. وحوالى سنة 325 م أقطع بيت شَرْوَاشدزه (وفى الروسية شرا وشدره بكسر الشين الأولى، ويقال إنه انحدر من بيت الشيروان شاهية أبخازيا: وفي منتصف القرن الخامس عشر الميلادي تقريبا (فى عهد الملك بكراط السادس) ثبت سلالة هدْا البيت فى مناصبهم ع أمراء على البلاد. وجاء فى رسالة بعث بها إمبراطور طرابزون (أطرابَز نْدَه) سنة 1459 م أن أمراء أبخازيا كانوا يمتلكون جيشا عدته 30,000 مقاتل. وبعد استقرار العثمانيين فى الشاطى الشرقى للبحر الأسود، خضع الأبخاز لنفوذ تركية "والإسلام" ولو أن

المسيحية لم تنتزع من بلادهم إلا ببطء. ويقول الأب الدومنيكى يوحنا اللُكى إن الأبخاز كانوا يعدون حتى فى زمنه (1637 م) مسيحيين، ولو أن الشعائر المسيحية لم تعد تراعى بينهم، وأصبحت بلادهم منذ انفصالها عن بلاد الكرج فى ولاية جاثليقها فى بيتزوند (ذكر هذا الجاثليق فى عهد متقدم يرجع إلى القرن الثالث عشر الميلادى). ويقال إن أطلال ثمان كنائس كبيرة ومائة كنيسة صغيرة بما فيها البيع لا تزال قائمة فى أبخازيا حتى اليوم. ولم يعتنق بيت شرواشدزه الإسلاء إلا فى النصف الثانى من القرن الثامن عشر الميلادى حين اعترف الأميرليون بالسيادة التركية، ومنح نظير ذلك قلعة سوخوم التى كان الأبخاز قد حاصروها قبل ذلك ما بين سنتى 1725 - 1728 م تقريبا. وتنقسم أبخازيا ثلاثة أقسام سياسية: (1) أبخازيا الأصلية على الشاطئ الممتد من كاكرى إلى كالدزكه ويحكمها بيت شرواشدزه المذكور. (2) هضاب تزيبلده، وليس لها أية حكومة مركزية. (3) إقليم سامُرزْ كان على الشاطئ الممتد من كالدزكه حتى نهر إنكور، ويحكمه فرع من بيت شرواشدزه (وقد اتحد هذا الاقليم من بعد هو ومنغوليا). ولما انضمت بلاد الكرج إلى الروسيا سنة 1801 م، اضطر الأبخاز أيضا إلى الدخول فى علاقات مع جارتهم القوية، وقام بأول محاولة فى هذا السبيل الأمير كلش بك سنة 1803 م، وسرعان ما عدل عنها. ولما اغتيل أمير البلاد سنة 1808 م ازداد ابنه صفر بك تقربا من روسيا واستعان بها على أخيه أرسلان بك قاتل أبيه. وفى سنة 1810 م استولى الروحه على سوخوم. وكان صفر بك قد ارتد إلى المسيحية وتسمى بجورج فأقيم أميرا على البلاد، ومن يومها احتلت سوخوم حامية روسية، واقتضى الأمر الاستعانة بالقوة الروسية المسلحة لتولية الإمارة ابنى صفر بك: ديمتريوس (ستة 1821 م) وميخائيل (سنة 1822 م بعد أن سم اْخاه الأكبر). واقتصر حكمهما على ما

جاور سوخوم التى كانت حاميتها لا تستطيع الاتصال بمركز قيادتها إلا بالبحر، وتدعم مركز روسيا بطبيعة الحال بعد ضم الساحل كله الممتد من انابه إلى بوتى (معاهدة أدرنة سنة 1839 م) ومع ذلك يقال إن الجزء الشمالى الغربى من أبخازيا فحسب، أى إقليم بزبيب، هو الذى كان قد بقى حتى فى 1835 م ملكا للأمير ميخائيل، وظلت الأجزاء الأخرى فى حكم اعمامه المسلمين، واستعان ميخائيل بعد ذلك بروسيا فنجح فى دعم سلطانه حتى أوشك أن يصبح حاكما مطلقا، ولكنه هو أيضا كان يحيط نفسه ببطانة من الترك على الرغم من نصرانيته. وأخضعت روسيا القوقاز الغربية إخضاعا تاما سنة 1864 م فدال ملك بيت شرواشدزه وغيره من الأمراء الوطنيين. وفى نوفمبر سنة 1864 م اضطر الأمير ميخائيل إلى النزول عن حقوقه ومغادرة البلاد، وضمت أبخازيا إلى الامبراطورية الروسية على اعتبار أنها ولاية (أو تديل) سوخوم الخاصة وقسمت ثلاث نواح (أو كروكَ): بتزوند، وأوجمجيرى، وتزيبلده. وفى سنة 1866 م حاول الحاكم الجديد أن يجمع معلومات عن الأحوال الاقتصادية للأبخاز للاستفادة بها فى سن الضرائب، فأدى ذلك إلى قيام فتنة حملت بعد ذلك فريقا كبيرا من الأبخاز على الهجرة إلى تركية وقد قدر عدد سكان أبخازيا فى الثلاثينيات من القرن التاسع عشر الميلادى بحوالى تسعين ألف نفس، كما قدر عدد الانجار بما فيهم أولئك الذين يعيشون فى الشمال خارج أبخازيا بمائة وثمانية وعشرين ألف نفس. وانخفض عدد سكان أبخازيا بعد سنة 1866 م إلى حوالى خمسة وستين ألف نسمة، ولم تعد ناحية تزيبلده التى أقفرت من السكان أو كادت ناحية وضعت تحت إشراف "ناظو محلة" (بوبجتل ناسلنيه). وأصبحت أبخازيا بأسرها بعد ذلك جزءا من حكومة كوتايس باسم ناحية أو كروك) "سوخوم قلعه". وعاد عدد السكان إلى النقصان بفعل الهجرة،

وخاصة بعد أن اشتركت فى تمرد قبائل الجبال الذى أثاره نزول الجنود التركية إلى البر (سنة 1877 م). وفى سنة 1881 م قدر عدد الأبخاز بعشرين ألف نسمة فحسب. وليس فى متناول أيدينا أية إحصائيات عن الأبخاز فى تركية. أبخازيا السوفيتية: أعلن الحكم السوفيتى فترة قصيرة سنة 1918 م، ثم استتب له الأمر سنة 1921 م. وأصبحت أبخازيا بوصفها جمهورية مستقلة استقلالا ذاتيا جزءا من الجمهورية الجورجية [الكرجية] السوفيتية الاشتراكية وتأيد دستورها الخاص سنة 1937 م. وعدد سكان جمهورية أبخازيا السوفيتية الاشتراكية المستقلة استقلالا ذاتيا.303000 نسمة ولكن الأبخاز فيهم ليسوا إلا أقلية. وقد بلغ مجموع عدد السكان الأبخاز فى الاتحاد السوفيتى سنة 1939 م: 59.000 نسمة (وظاهر أنه يدخل فى ذلك سكان الجاليات الشمالية فى بلاد الجركس) وعدد سكان القصبة سوخوم 44000 نفس. وقد اكتسبت أراضى هذه الجمهورية أهمية كبيرة فى زراعة محاصيل ما دون خط الاستواء، واستغلت القوى المائية فيها استغلالا كبيرا (بلغ عدد المحطات الكهربائية سنة 1935 م خمسا وأربعين محطة). ونهضت الآداب الأبخازية نهضة كبيرة منذ ابتدعت أبجدية أبخازية على يد المتخصص النابه فى لغات القوقاز الجنرال البارون أوسلر P.K.Uslar سنة 1864 م، وحين صنف قسيس وضابطان من الأبخاز كتابا فى التاريخ الانجيلى. ففى سنة 1910 م نشر مؤسس الأدب الجديد ديمترى كوليا المولود سنة 1874 م كتابا فى القصائد الشعبية. وتأثر خطاه كتاب نثر (مثل ج. د. كَو ليا، وبابا سكيرى) وشعراء (مثل كوكَونيا [1903 - 1929 م] و: ل. كفيتسينيا) وغيرهم. وقد جمع الأدب الشعبى الأبخازى ووضعت كتب مدرسية (جعوجعوا وغيره). ولغة الأبخاز المؤلفة من عناصر لغوية مختلفة؛ تنتسب إلى نفس النوع الذى منه لغة الجركس: ولها حرفان صائتان أصليان وخمسة وستون حرفا ساكنا فى لهجة بزيب الشمالية فى مقابل سبعة

أبد

وخمسين حرفا ساكنا فى لهجة أثرو الجنوبية. وقد اتخذت اللهجة الأخيرة لغة فصحى، وهى تكتب الآن بالأبجدية الجورجية التى استكملت بما يناسب ذلك. المصادر: (1) Hist.de la Georgie: M.F. Brosset (2) Qsteuropaische und: J. Marquart ostasiatiche Strifziige، ليبسك سنة 1903 م. (3) والكتاب الروسى العمدة حتى سنة 1826 م هو History: N. Dubrovin of the war of Russian rule in caucasia سانت بطرسبرغ سنة 1871 م، وقد استعرض كاتب لم يذكر اسمه كتاب دوبروفين استعراضا جيدا فى Sbornik Swed. o Kawkazkikh gortsakh المجزء السادس، تفليس سنة 1872 م. (4) Kartina Kakazshago: P. Zubow Kraya سانت بطرسبرغ، سنة 1834 - 1835 م. (5) Einfuhrung in das Stu-: A. Dirr dium der Kaukas. Sprachen 1940 م. (6) Der abchasische: G. Deeters Sprachen في N G W Gott سنة 1931 م، جـ 2/ 3، ص 289 - 303. (7) باللغة الروسية: N.Y.arr Abkhaskiy Slova والكتب الحديثة التى كتبها سرديوجنكو وتوبيل فى اللهجات الأبخازية الشمالية (1947 - 1949) خورشيد [بارتولد ومينورسكى W.Barthold.Minorsky] أبد الزمان "بمعنى مطلق وهو مرادف للدهر وقد ناقش المسلمون حين كانوا واقعين تحت تأثير الفلسفة اليونانية أفتهارتوس أى غير القابل للفساد والقديم الذى ليس له بعد، فى مقابل المصطلح اليونانى أكنيتوس أى الذى لم يكن والقديم الذى له قبل (ويستعمل ابن رشد، طبعة Bouyges، الفهرس الأزلية مرادفة لما لا يفسد). وبخصوص المسألة التى نحن بصددها وهى مسألة قدم العالم، فإن الفلاسفة المسلمين قد أضافوا إلى القول الأرسطوطاليسى المأثور بأن الأزل والأبد يتداخلان، قولهم بأن ماله بداية يجب أن تكون له نهاية،

وأن ما ليست له بداية لا يمكن أن تكون له نهاية. وبناء على هذه النظرية يصبح كل من الزمان والحركة والعالم بأسره قديما على المعنيين. ومن بين المتكلمين الذين أجمعوا على أن العالم مخلوق فى زمان انفرد ابو الهذيل وحده، وهو من متقدمى المعتزلة، بالأخذ بالقول المأثور عن أرسطوطاليس الذى سبقت الإشارة إليه (فهو قد اصطنع نظرية: "أن لما يقدر الله تعالى عليه آخرًا ولقدرته نهاية لو خرج إلى الفعل لم يقدر الله تعالى بعد ذلك على شئ أصلا ولا على خلق ذرة فما فوقها، ولا على إحياء بعوضة ميتة ولا على تحريك ورقة ... ". انظر الخياط: الانتصار، طبع نيبرج، ص 8 وما بعدها، ابن حزم، جـ 4، ص 193 - 193). وينقض المتكلمون قول أرسطو هذا بحجة أنه لو كان العالم ليس له بداية فإن اللحظة الحاضرة يكون قد انقضى عليها زمان غير متناه، وهذا مستحيل (انظر مادة "قدم "). وليس فى المستقبل استحالة من هذا الضرب لأنه لن يكون فى المستقبل لامتناه ينقضى. وفضلا عن ذلك فإن سلسلة الذوات تحتاج إلى أول وليس إلى آخر، وأن الإنسان قد يحس اعتذارا من الذنب مستمرا ولو أن اعتذاره لابد له من بداية (¬1) (المقدسي: لبدء والتاريخ، طبعة، Huart، جـ 1، ص 125، جـ 2، ص 33) ومن ثم انتهى المتكلمون إلى أنه ليس هناك دليل عقلى على قدم العالم أو حدوثه. وورد فى القرآن عن يوم القيامة (سورة الزمر، الآية 67): {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ¬

_ (¬1) نص عبارة كتاب البدء والتاريخ "ومن الفرق بين المستقبل والمستدبر أنه يجوز وجود مالا يزال يتحرك ولا يجوز وجود ما لم يزل يتحرك، كما أنه يجوز وجود من لا يزال يعتذر من ذنب ولا يجوز وجود من لم يزل معتذرا، لأن الاعتذارات لأبد لها من أول وقد يجوز أن يكون لا آخر له. ومن هنا التزم بعض الموحدين بأن الحوادث لها آخر، آخر العلة الحدث، وإن زعم أن هذا العالم وما فيه من فعل الطبائع وما أوجبته ذواتها فالطبائع مركبة من البسائط، والتركيب عرض وهو دلالة الحدث، فالطبائع إذن محدثة ثم هى جماد وموات كالحجر والشجر، ثم هى مسخرة مقهورة بدلالة أن من شأنها التنافر والتضاد، فلما رأيناها متواطئة متوافقة علمنا بأنها بقهر قاهر وضبط ضابط.

إبراهيم (عليه السلام)

سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}. وأصبح الرأى الذى عليه أهل السنة أن فناء الذى لن يكون كما نعلم من الوحى) جائز لأنه شئ فى قدرة الله (البغدادى الفرق بين الفروق، ص 319). فالدنيا ستفنى أما الجنة والنار فلا تفنيان. المصادر: (1) عولجت هذه المسالة بالتفصيل فى الغزالى: تهافت الفلاسفة، الفصل الثاني، طبعة Bouyges، ص 80 وما بعدها. (2) ابن رشد: تهافت التهافت، طبعة Bouyges، ص 118 وما بعدها، ترجمة، S.van den Bergh، ص 69 وما بعدها مع تعليقات. (3) S. Pines فى- Bgitrage zur islamis chen Atomenlehre، 15، تعليق 1. د. مصطفى حلمى [س. فان دن برغ S.van den Bergh]0 إبراهيم (عليه السلام) هو أبراهام المذكور فى التوراة: وقد ورد فى القرآن (سورة الأنعام، آية 74) أنه ابن "آزر"، وهذا الاسم مشتق فيما يظهر من اسم خادمه "إليعازر" (¬1) (انظر Zeitschr.der Deutsch.: S. Fraenkel Morgenl. Gesell. عدد 56، ص 72). وأسماء آباء ابراهام كما وردت فى التوراة هي: تارخ بن ناحور بن ساروغ بن أرغو بن فالغ بن عامر بن شالخ بن قينان بن أرفخشذ بن سام بن نوح، ذكرها الثعلبى، (قصص الأنبياء، ص 44) وابن الأثير (جـ 1، ص 67)، ¬

_ (¬1) قد يفهم من ذلك أن القرآن الكريم يختلف مع التوراة فى اسم أبى إبراهيم، ومظهر هذا الخلاف فى نظر كاتب المقال أن القرآن الكريم قد جعل خادم إبراهيم (اليعاذر) أبا له (آزر)، فى حين تذكر التوراة أن اسمه تارخ. وهذا الخلاف ظاهرى فى الواقع: أولا - أن العرب قد تسمى العم والجد "أبا" (وهذا الاستعمال معروف فى القرآن الكريم نفسها كما قال تعالى حكاية عن أولاد يعقوب إذ قالوا لأبيهم: {نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ}. فسمى إبراهيم أبا ليعقوب وهو جد له، وسمى إسماعيل أبا ليعقوب وهو عم له، فليس يبعد أن يكون آزر هنا أبا بمعنى الجد أو العم. ثانيًا - يجوز أن يكون تارخ اسما له وآزر لقبًا ويكون القرآن قد ذكره بلقبه اشارة إلى الرسوخ فى العلم به وبقصته. ثالثا - يجوز أن يكون آزر قد ذكر للذم وهو وصف أجرى مجرى العلم ومعناه فى اللغة العبرية على ما يقول بعض العلماه "المخطئ" فيكون قد ذكر للذم والتحقير. ويقرب من هذا جعله اسما للخادم كما فى التوراة، ولعله يطلق فى لغتهم على الخادم اطلاق الأوصاف لا اطلاق الاعلام، فكأنه يقول الحقير بسبب خدمته للأصنام. يوسف الدجوى

وتتفق هذه تمامًا مع ما ورد فى الإصحاح الحادى عشر من سفر التكوين الآيات 10 - 31، وسفر الأيام الأصل، الإصحاح الأول، الآيات 13 - 27، ويظهر أن "قينان" وحده أضيف إلى هذا النسب وفقًا لرواية سفر التكوين، الإصحاح الخامس، الآية 12. ولد يعد الطوفان بثلاث وستين ومائتين وألف سنة، أو بعد خلق العالم بسبع وثلاثين وثلثمائة وثلائة آلاف سنة (الثعلبى: كتابه المذكور). وبمقارنة التواريخ الواردة فى سفر التكوبن، الإصحاح الخامس الآيات 3 - 10، والإصحاح الحادى عشر، الآيات 10 - 25، يتضح أن أبراهام ولد بعد نوح بإحدى وتسعين ومائتى سنة، أو بعد خلق العالم بثمانى عشرة وتسعمائة وألف سنة. وسرعان ما عمل على تحقيق رسالته بإعلانه الجهاد على الملك نمروذ. وقد اضطرت أمه عُوشاء أن تكجأ إلى كهف بالقرب من كوثى، وهناك رأى أبراهام نور الحياة للمرة الأولى، (الثعلبى كتابه السابق؛ الطبرى، جـ 1 ص 256؛ الزمخشرى، جـ 1، ص 172؛ البيضاوى جـ 1، ص 133؛ ابن الأثير، جـ 1، ص 96؛ ياقوت، مادة "كوثى"؛ البكرى، ص 485؛ المقدسى، ص 86؛ بابا باثرا، ص 91 أ: ابن ميمون: دلالة الحائرين، الفصل 29). وقد دفعت الأحلام المزعجة الملك نمروذ إلى مراقبة الحوامل وقتل الذكور من مواليدهن. وزار عمّاله أم إبراهيم للكشف عليها قبل أن يأتيها المخاض، وجسوا جانبها الأيمن فاختفى الجنين فى الجانب الأيسر. وجسوا الأيسر فاختفى الجنين فى الجانب الأيمن. فانصرفوا دون أن يظفروا بطائل (الكسائى، ص 115 - 120). والقصة التى وردت فى "سفر هياشار" (فصل نوح) والتى أمر فيها تارخ بذبح ولده أبراهام، فأحَل محله ابن خادمته، نجد أصولها فى الروايات الإسلامية. ولقد هدته تجربة فى صباه، (كتاب النذور "تلمود نداريم" فصل 22) إلى معرفة الله، وجاء القرآن بمثل ذلئا أيضًا (سورة الأنعام الآيات 75 - 79) ولما ترك الغار ميممًا شطر بيت أبيه جن عليه الليل فرأى كوكبًا: {هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ

الْآفِلِينَ (76) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَاقَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (78) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}. ونجد هذه القصص كذلك فى الكتاب العبرى "غصن الأدب" (شبط موسر، أزمير سنة 1729، ص 190 - 111) وفى "سفر هيّاشار" (فصل نوح). ومن بين القصص المختلفة (الثعلبى، ص 45 - 47؛ الكسائى, ص 125 - 140) التى تصف نضال إبراهيم مع نمروذ والتى أخذت مكانها فى الآداب العبرية المتأخرة Beth Hammidr: Jellinek، جـ 1، ص 25 - 34؛ سفر هياشار، فصل نوح، سقر إلياهو زوطا، قصل 35؛ المعلم إليعاذر: فصل 32) نذكر هنا القصة الآتية المستمدة من القرآن الكريم (سورة الأنبياء، الآيات 59 - 67) ومن سفر التكوين الكبير (فصل 38) وهى: خرج قوم إبراهيم ذات يوم من المدينة لتقديم القرابين لآلهتهم، وتمارض إبراهيم فبقى فى المدينة، ثم حمل فأسًا وذهب إلى معبد الآلهة حيث كانت الموائد محملة بالأطعمة، وقال يخاطب هذه الأوثان: ما لكم لا تأكلون؟ ثم حطم يد وثن وقدم آخر ورأس ثالث، وترك الفأس فى يد كبيرهم ووضع أمامه عدة صحاف من الطعام؛ ولما عاد قومه ورأوا ما حل بآلهتهم اتهموه: {قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ (63) فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ (64) ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ (65) قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ (66) أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ}. فألقوه فى النار ولكنه خرج منها سالمًا بعد أن ظل فيها ثلاثة أيام أو سبعة (انظر الثعلبى والكسائى فى المواضع المذكورة) ودُحر نمروذ بينما سار إبراهيم وأتباعه إلى فلسطين وسمى منذ ذلك الحين، خليل الله، (الكسائى والثعلبى، يتبعان فى ذلك "أشعيا" 41، 8؛ وكتاب السبت 137؛ وكتاب الهدايا، 53) ولما كان فى مصر

أخذت زوجته الجميلة "سارة" إلى قصر فرعون (سفر التكوين، الإصحاح 12، الآية 10 - 20؛ الثعلبى، ص 44؛ الطبرى، جـ 1، ص 225، ابن الأثير، جـ 1، ص 72) فادعت أنه أخوها حتى لا يقتل بسببها، ولم تكن فى ذلك كاذبة لأنها اخته فى الدين. وما أن حاول فرعون مسها حتى شلت يده ولكنها برئت بعد أن أخلى سبيلها. وقد احتفر ابراهيم بئرًا عذبة فى مدينة "سبع " بفلسطين، ولما ضاق ذرعًا بالسكان اضطر إلى الهجرة من تلك المدينة فجفت البئر بعد رحيله (سفر التكوين، الإصحاح 21، الآيات 25 - 30؛ والثعلبى وابن الأثير فى المواضع المذكورة) فخف السكان فى أثره يرجون عودته ولكنه أبى ثم منحهم سبع نعاج (سفر التكوين، الإصحاج 16، الآية 30) توضع عند البئر فلا يلبث الماء ان يفيض من جديد. وشربت امراة حائض من هذه البئر فغاض ماؤها مرة أخرى. ولما بلغ العشرين بعد المائة اختتن (الثعلبى، ص 59). وتوفى فى الخامسة والسبعين بعد المائة ودفن فى مقبرة الأسرة فى حبرون. وسوف يجلس إبراهيم عن يسار الله يوم الدين ويقود المتقين إلى الجنة (الثعلبى، ص 60؛ سفر التكوين الكبير، فصل 48). المصادر: (1) الثعلبى: قصص الأنبياء، طبعة القاهرة سنة 1312 هـ، ص 43 - 47، 59 - 60. (2) الكسائى: قصص الأنبياء، ص 128 - 145، 153. (3) الطبرى: جـ 1، ص 220 - 225. (4) ابن الأثير، جـ 1، ص 67 - 98. (5) Biblische Legenden der Mu-: Weil Selman ص 78 - 79. (6) Beitrage: Grunbaum ص 122 - 130. (7) Abraham in der Arab,: Eisenberg Legende طبعة 1912. (8) Leben Abrahams: Weiss، برلين سنة 1913 (فى هذا الكتاب قطعة مقتطفة من كتاب الكسائى، ويظهر أن

المقتطف يرجع إلى عصر متأخر وهو يختلف فى كثير من نواحيه عن الأصل). [ج. أيزنبرغ J. Eisenberg] كان شيرنكر Leben und: Sprenger) Lehre des Mohammad جـ 2، ص 276 وما بعدها) أول من لاحظ أن شخصية إبراهيم كما فى القرآن مرت بأطوار قبل أن تصبح فى نهاية الأمر مؤسسة للكعبة. وجاء سنوك هرجرونى (Het Mekkaansche Feest، ص 20 وما بعدها) بعد ذلك بزمن فتوسع فى بسط هذه الدعوى فقال: إن إبراهيم فى أقدم ما نزل من الوحى (الذاريات آية 24 وما بعدها، الحجر، آية 5 وما بعدها؛ الصافات، آية 81 وما بعدها؛ الأنعام، آية 74 وما بعدها؛ هود، آية 72 وما بعدها؛ مريم، آية 42 وما بعدها، الأنبياء، آية 52 وما بعدها؛ العنكبوت، آية 15 وما بعدها) هو رسول من الله أنذر قومه كما تنذر الرسل، ولم تُذكر لإسماعيل صلة به، والى جانب هذا يشار إلى أن الله لم يرسل من قبل إلى العرب نذيرًا (السجدة، آية 2؛ سبأ، آية 43، يس، آية 5) ولم يُذكر قط أن إبراهيم هو واضع البيت ولا أنه أول المسلمين. أما السور المدنية فالأمر فيها على غير ذلك، فإبراهيم يُدعى حنيفا مسلمًا، وهو واضع ملة إبراهيم، رفع مع إسماعيل قواعد بيتها المحرم -الكعبة- (البقرة، آية 118 وما بعدها؛ آل عمران، آية 60، 84 ... الخ). وسر هذا الاختلاف أن محمدًا كان قد اعتمد على اليهود فى مكة فما لبثوا أن اتخذوا حياله خطة عداء، فلم يكن له بد من أن يلتمس غيرهم ناصرًا؛ هناك هداه ذكاء مسدد إلى شأن جديد لأبى العرب- إبراهيم، وبذلك استطاع أن يخلص من يهودية عصره ليصل حبله بيهودية إبراهيم تلك اليهودية التى كانت ممهدة للإسلام. ولما أخذت مكة تشغل جل تفكير الرسول أصبح إبراهيم أيضًا المشيد لبيت هذه المدينة المقدس. [فنسنك A.J. Wensinck] تعليق على مادة "إبراهيم" لم يقل واحد من المؤرخين سواء أكانوا مسلمين أم غيرهم إن النبى صلى

الله عليه وسلم استعان فى نشر دعوته باليهود بل قالوا إنهم كانوا من أشد المعارضين له والمؤلبين عليه فى مكة والمدينة معًا. وقد ورد ذلك فى القرآن نفسه فقال تعالى: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى}. ولم يكن عرب الجاهلية يمنحون كل ما عليه طابع يهودى أى اعتبار، بل الذي ورد أنهم كانوا يكرهون جوارهم ويقاتلونهم ليجلوهم عن مواطنهم التى اختاروها دارًا لهجرتهم. وليس للقرآن الكريم أول من قال إن جد، العرب الإسماعيلية أو العدنانية إبراهيم: ولكن التوراة سبقت إلى ذلك إد قالت إن إبراهيم أسكن سريته هاجر "وابنها إسماعيل بلاد العرب فنشأ منهم العرب الإسماعيلية". ولم يعتز الإسلام قط بالانتساب إلى يهودية إبراهيم، ولكنه نازع اليهود عقيدتهم في يهوديته فقال تعالى: "ما كان إبراهيم يهوديًا ولا نصرانيًا ولكن كان حنيفًا مسلمًا" 68 آل عمران. وقال: {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ}. وما كان الإسلام فى عهد من عهوده بحاجة إلى ممهد من اليهودية، لأن مذهب القرآن أن الإسلام كان الدين الأقدم الذى أوحاه الله للبشرية فحرفه رؤساء الأديان وأخرجوه عن صراطه، فكان الله يرسل المرسلين لتخليصه مما أدخل إليه حتى أرسل به محمد، صلى الله عليه وسلم فى آخر الزمان، فقال: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (13) وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (14) فَلِذَلِكَ فَادْعُ (أى إلى الاتفاق على هذا الأصل المشترك يين جميع الأديان توحيدًا لها) وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ

أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ (تحقيقًا لوحدة الأديان)، وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ (أى لا محاجة ولا خصومة)، اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا (على هذا الأصل الحق رفعا للخلاف من بين البشر) وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ. وهذه الآيات فى سورة الشورى المكية. فالقرآن كما ترى يرتفع بالدين إلى أصله الأول على عهد نوح لا إبراهيم، ويصرح بأن إبراهيم تلا نوحًا فى القيام على هذا الأصل فهو تابع لا متبوع. فإذا كان القرآن يصرح باتباع ملة إبراهيم فليس ذلك باعتبار أنه أول من أرسل بالإسلام، ولكن باعتبار أنه أبو فريق كبير من العرب تشويقًا لهم إلى اتباعه. أما الكعبة فلم تكن هيكلا عجيب الصنع كالكرنك أو أنس الوجود، بعيدة الغور فى الفن والزخرف حتى تتنازعها الأمم، ولكنها كانت بناء ساذجًا مربعًا، والعرب تسمى كل بناء مربع بالكعبة، من الطراز الذى يبنيه الناس بأنفسهم وإن لم يكونوا بنائين ليجعلوه مصلى فهل يستبعد على إبراهيم، وكان نبيًا بإجماع الأمم، أن يبتنى له ولابنه بناءً من هذا الطراز يصليان فيه؟ وإذا ثبت أن إبراهيم أوصل ابنه إلى تلك البقعة من بلاد العرب، وقد ثبت بنص التوراة ذلك، فيكون من المتعين أن يتخذ له فيه بنية ساذجة يجعلها متعبدًا له على مثال الصوامع. ولم يتازع أحد إلى اليوم إبراهيم فى أنه بانى ذلك المصلى حتى يصح أن يقال إن محمدًا نسبه إليه تعظيمًا لشأنه. ولم تختص الكعبة وحدها بأنها بيت الله فكل المساجد بيوت لله عند المسلمين، وإنما عظمت الكعبة لأنها أول بيت لله وضع للناس ببكة. ومما يدل على أن النبى صلى الله عليه وسلم لم يتخذ بناء الكعبة أساسيًا من أسس دعوته أنه أمر أصحابه أن يولوا وجوههم فى صلاتهم بيت المقدس طوال مقامه بمكة. ومما يثبت أن النبى لم يجعل معتمده فى الدعوة إلى الإسلام أنه دين إيراهيم ما يقوله شيرنكر وشنوك هرجرونى

نفساهما أنه لم يصرح بذلك إلا فى المدينة. فلو كان ما ادعياه صحيحًا لكان أولى بذلك أن يكون وهو بمكة بين قبائل كلها تعتزى إلى إبراهيم. أما وقد انتقل إلى المدينة وجميع أهلها من قبائل اليمن الذين لا ينتسبون إلى إبراهيم فلم يكن من ضروب الخلابة، لو كان محمد يعتمد عليها، أن يتذرع بهذا الموضوع لأنه ليس موضعه. أما الأصل الذى اعتمد عليه الإسلام وجعله أساس دعوته فإنه دين أول المرسلين كما رأيت راميًا بذلك إلى رفع الخلافات من بين البشر ليقوموا على الوحدة معتمدين على العقل والعلم، وليستهدوا فى عقائدهم وشرائعهم على ما أقامه الله من أعلام الحق فى الكون نفسه لا على ما فى سيرة هذا أو ذاك من المرسلين، معلنًا إياهم أن كل إنسان مأخود بسيرته الشخصية، فقال تعالى: {أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (133) تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ}. يتبين مما مر أن معتمد الإسلام لم يكن الاعتزاء إلى شخص معين أو قبيلة أو شعب، بل كان معتمده الحقائق الوجودية دون سواها. فقد قرر وحدة البشرية على اختلاف أصولها وبيئاتها وألوانها فقال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}. ثم قرر أن هذه البشرية الموحدة يجب أن يكون دينها واحد، هو الدين الأقدم الذى أوحاه إلى أبى البشرية الثانى وهو نوح كما رأيت. فهذا الدين يقوم على أصل طبيعى لا يختلف فيه البشر وهى الفطرة الإنسانية، وعلى أساسى العقل والعلم وهما ينبوع كل الترقيات الصورية والمعنوية، ولا ملتحد للإنسانية غيرهما فى أى مجال من مجالات نشاطها النفسى والعقلى إلى يوم القيامة. محمد فريد وجدى، تعليق آخر على مادة "إبراهيم" 1 - الذى يعزوه كل من هرجرونى

وفنسنك -ومن على شاكلتها- ان يقولوا إن الاسلام فى مكة غير الاسلام فى المدينة بالنسبة لابراهيم عليه السلام. فإن إبراهيم فى مكة أو فى القرآن المكى لم تكن له صلة بالعرب فليس أبا لهم، ولم يكن بانى البيت، ولا صلة له بإسماعيل ولا بالعرب. 2 - إن النبى لما جاء إلى المدينة كان يحمل أكبر الآمال فى أن يؤمن به اليهود ويظاهروه على أمره فلما أخلفوه ما أمّله وكذّبوه أراد أن يتصل بهم عن طريق إبراهيم، وعبر عن ذلك "يهودية إبراهيم" وهم فى ذلك كله على ضلال مبين. (أما عن الأول) فقد أخطأ خطأ ظاهرًا. فإنى ألاحظ أن المستشرق فنسنك يقول: لم تذكر فى السور المكية أية صلة لاسماعيل بإبراهيم، وذلك ترويجًا لفكرته التى يريد أن يصل إليها وهى: أن محمد، ظل بعيد، عن صلة العرب بإبراهيم واسماعيل إلى أن هاجر إلى المدينة، فبدت له فكرة هى أن يصل حبل العرب الذين هو منهم باليهود عن طريق إسماعيل وإبراهيم، مع أنه لا صلة بينهم وبين إبراهيم واسماعيل. وهذه الفكرة تهدم التوراة قبل أن تهدم القرآن، لأنها ذكرت صلة إبراهيم بإسماعيل وأنه جدّ عدة قبائل فى بلاد العرب. وحين عد السور المكية عمد إلى التى يذكر فيها إبراهيم مجردًا عن الصلة بإسماعيل والعرب؛ لذلك تخطى سورة إبراهيم وهى مكية وقد شهدت بعكس ما يقول، وآياتها شاهدة بان إبراهيم واسماعيل بنيا البيت، وأنهما كانا يدعوان الله تعالى بالهداية وأن يجنيه وبنيه عبادة الأصنام. وإبراهيم يذكر أنه أسكن من ذريته بواد غير ذى زرع عند بيت الله المحرم، ويدعو الله أن يرزقهم من الثمرات، ويحمد الله أن وهب له إسماعيل وإسحق. واقرءوا قوله تعالى فى سورة إبراهيم: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ (35) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (36) رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (37) رَبَّنَا

إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ (38) الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ (39) رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ (40) رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ (41)}. ولا يمكن أن يمر بخاطرى أنه لم يعرف هذه الآيات ولم يلتفت إليها، بل أكبر اعتقادى أنه تخطاها عمدًا غاضا النظر عما تقضى به الأمانة فى سبيل تأييد نظريته. (وأما عن الأمر الثانى) فإن النبى ما أمل أن يعتز باليهود، ولكن لما كانوا أهل توحيد ويجانبون الأصنام ويعادون أهلها، والنبى له ذكر عندهم فى كتبهم لم تزل آثاره إلى اليوم ناطقة تنادى عليهم بأنهم يكتمون ما أنزل الله -كان يتوقع أن يؤمنوا فلما جحدوا كانوا عنده بمثابة غيرهم فقط. ومعلوم أن القرآن يرفض أن يكون إبراهيم يهوديًا لأن اليهود هم أبناء إسرائيل، وإسرائيل إنما هو ولد إسحق، وغريب أن يكون المتقدم معزوا وتابعا لولد ولده الذى لم يره ولم يعاصره {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا} سورة آل عمران. بقى أمر ثالث يعزوه هؤلاء المستشرقون: وهو أنهم ينكرون أن يكون إبراهيم أو إسماعيل رسولا إلى العرب مستندين إلى قوله تعالى {لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ} وأشباهها إذ لو كان إبراهيم قد دعا العرب إلى دينه أو إسماعيل قد دعا العرب إلى دين إبراهيم لما صح ذلك القول. والجواب على هذا: أن المفسرين يقولون إن معنى دلدُ أن الموجودين من هؤلاء القوم لم يباشرهم رسول يبلغهم دين الله ويهديهم إلى الدين الحق -فلا تناقض- لأن تبليغ إسماعيل أو إبراهيم إنما كان لآبائهم: أما أنا فأجيب بأن العرب كان دين كثير منهم عبادة الأوثان وكانت لهم قرابين يقدمونها إليها، وقد سيبوا السوائب وبحروا البحائر ووصلوا الوصيلة، وسنوا لهم قواعد ما أنزل الله بها من سلطان. فجاء محمد لينذر هؤلاء القوم الذين يدعون أنهم على دين، وأن الله قد أمرهم بما هم عليه، مع

أن الله ما أرسل إليهم نذيرا شرع لهم هذه الشرائع الباطلة، لأنهم كانوا إذا ظلموا أنفسهم بشرائعهم الباطلة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها. وقد ناقشهم الله فى ذلك ورد عليهم فى غير موضع من القرآن كقوله {إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} ففى سورة الصافات بعد أن ذكر دعاوى الوثنيين بقوله {فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ (149) أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ (150) أَلَا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ (151) وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (152) أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ (153) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (154) أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} ففى هذه الآيات من الإنباء عن السخط العظيم والانكار الفظيع لأقاويلهم والتضعيف لعقولهم واتهامهم مع الاستهزاء بهم. وفى قوله {فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ} أى الناطق بصحة دعواكم والأمر فيه للتعجيز وإضافة الكتاب إليهم للتهكم. وفى قوله {أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ} إضراب إنتقالى من توبيخهم بما ذكر بتكليفهم مالا يدخل تحت الوجود أصلا، اى بل: ألكم حجة واضحة نزلت من السماء بأن الملائكة بناته تعالى ضرورة أن الحكم بذلك لابد له من سند حسى أو عقلى، وحيث انتفى كلاهما فلا بد من سند نقلى وهو لا يوجد عندهم. فالمعنى فى هذه الآيات معله فى قوله تعالى فى سورة الأحقاف {أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ ائْتُونِي بِكِتَابٍ} تبكيت لهم بتعجيزهم عن الإتيان بسند نقلى بعد تبكيتهم بالتعجيز عن الإتيان بسند عقلى، فهو من جملة القول أى إيتونى بكتاب إلهى كان {مِنْ قَبْلِ هَذَا} الكتاب أى القرآن الناطق بالتوحيد وإبطال الشرك دال على صحة دينكم {أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ} أى بقية من علم بقيت عندكم من علوم الأولين شاهدة باستحقاقهم العبادة، وهكذا كل آية وردت فى المعنى. وتدل العبارة التى نقلها "فنسنك عن "هرجرونى) بفحواها على أن إبراهيم لم يذكر بأنه حنيف إلا فى السور المدنية. فهو خطأ أيضًا، لأنه ذكر بأنه

إبراهيم (ابن الأغلب)

كان حنيفًا فى سورة الأنعام مرتين وفى سورة النحل كذلك وهما مكيتان. سورة الأنعام، مكية: {إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (97) وقوله تعالى: {قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (161). سورة النحل، مكية: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120) شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (121) وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (122) ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (123)}. من ذلك يتبين القارئ المنصف فساد ما يقوله المستشرقون غير المنصفين. [عبد الوهاب النجار] إبراهيم (ابن الأغلب) ابن الأغلب (184 - 196 هـ 800 - 812 م): هو مؤسس دولة الأغالبة التى كانت شبه مستقلة، وهو ابن الأغلب بن سالم بن عقال التميمى، من مرو الروذ، حكم أبوه إفريقية بعد رحيل ابن الأشعث عام 148 هـ، وقُتل ذلك بسنتين فى فتنة الحسن بن حرب (150 هـ) وفى عام 179 هـ (795 م) وُلَى ابنه إبراهيم على الزاب. وأثارت أخطاء الوالى ابن مقاتل الناس فطردوه آخر الأمر (183 هـ = 799 م) فأتى إبراهيم لنجدته. وبعد أن أعيد النظام إلى نصابه تمكن إبراهيم بمهارته من التقرب إلى الخليفة هارون الرشيد جتى أصبح الخليفة لا يستطيع الاستغناء عنه، فترلىُ له حكم إفريقية عملا بنصيحة "هَرْثَمة"على أن يكون عليها أربعون ألف دينار، بينما أعفيت مصر من مبلغ المائة ألف دينار التى كانت تؤديها سنويًا لإفريقية، وكان ذلك التغيير فى اليوم الثانى عشر من

جمادى الآخرة عام 184 هـ (9 يولية 800 م) وحذت إفريقية حذو المغرب والأندلس فى الانفصال عن الدولة العباسية، وسرعان ما تبعتهما مصر. وبدأ الأمير الجديد فى تشييد قصبه جديدة هى "العباسية" لتحل محل القيروان. وبعد ذلك بعام استقبل إبراهيم سفراء شارلمان (801 م) الذين رجعوا من إفريقية محملين بعدد من التحف الأثرية. ومن المفروض أن هذا لم يكن الغرض الوحيد من الرحلة، إذ يغلب على الظن أن شارلمان كان يبحث عن حليف ضد الأمويين فى الأندلس. وقد أخمد إبراهيم عام 186 هـ (802 م) فتنة حمديس الفيسى فى تونس وفى عام 189 هـ. (805 م) شبت فتنة أخرى فى طرابلس، طرد السكان أثناءها الوالى الأغلبى سفيان بن المَضاء، وما كادت هذه الفتنة تسكن بالعفو العام سنة 194 هـ (809 م) حتى شبت نيران فتنة أخطر منها فى إفريقية على رأسها عمران بن مجالد الربيع (عند الذهبى "مَخْلد" بدلا من مجالد. انظر فانيان Fagnan: الكامل لابن الأثير. ص 158، تعليق رقم 1، ص 173) وقريش بن التونسى. وحوصر إبراهيم سنة كاملة فى العباسية واشترى الخليفة الثوار بالمال فاعتكف عمران فى الزاب حيث عاش هناك فى هدوء حتى مات إبراهيم. وغدت طرابلس مسرحًا جديدًا لفتنة أخرى (196 هـ = 811 م) نُهبت أثناءها على يد هوارة الخوارج، فانفذ الوالى ابنه عبد الله على رأس جيش. ونجح عبد الله أول الأمر فى محاربة الخوارج القادمين من تاهرت (تاقدمت) يقودهم إمامهم عبد الوهاب ابن عبد الرحمن بن رستم، وحاصر هؤلاء المدينة ولم يبدأ القتال إلا عند ورود الأخبار بوفاة إبراهيم بمدينة القيروان فى الحادى والعشرين من شوال عام 196 هـ (5 يوليه 812 م). وكان عبد الله حريصًا على أن يخلف أباه إبراهيم فى الحكم، فتهادن مع

عبد الوهاب ونزل له عن ولاية طرابلس ما عدا مدينة طرابلس، كما نزل له عن منطقتى قسطيلية وجربه. المصادر: (1) البلاذرى: فتوح البلدان (طبعة دى غويه De Goeje) ص 233 - 234. (2) كتاب العيون: لمؤلف غير معروف (نشره De Goeje و Jong فى (Fragmenta Historicorum Arabicorum ص 302 وما بعدها. (3) ابن الأثير: الكامل (طبعة تورنبرغ) جـ 6؛ ص 96، 106 - 108، 113، 132، 163، 187 وما بعدها. (4) ابن عذارى: تاريخ إفريقية والأندلس (طبعة دوزى Dazy) جـ 1، ص 81 - 84، 86؛ ترجمة Fagnan، جـ 1 ص 108 - 116. (5) أبو المحاسن: النجوم، جـ 1، ص 488، 511، 528. (6) ابن خلدون: كتاب العبر، جـ 6، ص 113. (7) ابن خلدون: تاريخ البربر (ترجمة De Slane، جـ 1، ص 225). (8) ابن خلدون: تاريخ إفريقية وصقلية (ترجمة وطبع Desvergers)، باريس 1841) ص 31، 33 - 36 من الأصل؛ ص 81، 83، 94 من الترجمة. (9) انظر النويرى فى الذيل الذى ألحق بآخر الجزء الأول من الترجمة الفرنسية لكتاب ابن خلدون عن البربر، ص 397 - 403. (10) أبو زكريا يحيى بن أبى بكر: السيرة وأخبار الأئمة (ترجمه بالفرنسية Masqueray فى الجزائر سنة 1870 م، Chronique) ص 121؛ 126 من الترجمة. (11) الشَمَاخى: كتاب السيَر (طبع فى القاهرة طبعة غير مؤرخة) ص 159 - 241. (12) ابن أبى دينار: المؤنس (تونس، سنة 1286 هـ) ص 47.

إبراهيم باشا

(13) Annales du Moghreb: Fagnan et de l'Espagne (ترجمة) ص 149، 156 - 160، 162، 167 وما بعدها، ص 173. 175 وما بعدها. (14) Annales Franco: Eginhard rum, ad ann.801 (15) Invasions des sar-: Reinaud razins en France (طبعة باريس سنة 1836 م) ص 177. (16) Les Berberes: Fournel جـ 1، ص 407، 411 - 415، 440 - 453، 458 - 460، 467 - 470. [ريتيه باسيه Rene Basset] إبراهيم باشا أكبر أبناء محمد على؛ كان قائدًا عظيما وواليًا على مصر. وهو يوصف في كثير من الأحيان بأنه ابن محمد علي بالتبني. وقد كانت "أمينة، قريبة متبنية والي (جوربجي) قولة من أعمال مقدونية، امرأة مطلقة بلا شك عندما تزوجها محمد على سنة 1787 م، ولا يمكن إنكار أن محمدًا عليًا كان يؤثر في الثامن والعشرين من سبتمبر سنة 1816 م، ولامراء أيضًا في أنه كانت بين إبراهيم وطوسون منافسة (انظر Mengin جـ 2، ص 81 وما بعدها). علي أن سنة مولده لا شك فيها، وغالب المصادر علي أنها سنة 789 ام. وتذكر أحيانًا سنة 1786 م أيضا. ولا نجد في المصادر القدبمة مثل الجبرتي وما نكن أية إشارة إلي أنه لم يكن الابن الحقيقي لمحمد علي. ويصفه الجبرتي سنة 1338 هـ (1813 م) فيقول إنه شاب لما يبلغ العشرين (انظر في هذا الشأن: Gouin، ص 151 وما بعدها؛ كلوت بك جـ 1، ص 83؛ Murray، ص 6 وما بعدها). وقد لعب إبراهيم باشا دورًا هامًا فى تاريخ مصر أيام محمد على، وكان يلقب بيد محمد على الحربية. وفى الحق إن النجاح السياسى الذى أحرزه محمد على لم يكن ليتحقق دون الأعمال الحربية التى قام بها إبراهيم.

ولما توطد مركز محمد على فى مصر نوعًا ما أرسل فى طلب ولديه إبراهيم وطوسون عام 1805 م، كما أرسل فى طلب زوجه وأولاده الصغار، وهم إسماعيل وشقيقتاه، عام 1809 م. ولقد أرسل محمد على ولده إبراهيم مع قيودان باشا إلى الاآستانة عام 1806 م رهينة للجزية التى وعد بها، وبعد أن غادر الأسطول الإنجليزى الإسكندرية عام 1807 م رده الباب العالى إلى أبيه، وأصبح إبراهيم دفتر دارا عام 1810 م. وبعد مذبجة المماليك الكبرى (1811) أرسله أبوه إلى الصعيد لجمع الضرائب، فطرد فلول المماليك من القطر كما أخضع البدو وأعاد النظام والأمن إلى البلاد. على أنه بلا شك قد استعمل فى كثير من الأحيان وسائل العنف فى جمع الضرائب، وقد أعطانا الجبرتى فى ختام وصفه لحوادث عام 1228 هـ (1813 م) صورة مروعة لتلك الوسائل. وظل إبراهيم يدير شئون الوجه القبلى حتى بداية عام 1816، وفى هذه الأثناء أنعم عليه الباب العالى بلقب باشا اعترافًا بخدمات والده (Mengin، جـ 2، ص 48). وفى عام 1816 م أرسله أبوه إلى بلاد العرب لتصفية الحساب مع الوهابيين، وكان أخوه طوسون موفقًا فى قتالهم من 1811 - 1813 م، ثم محمد على من 1813 - 1815 م. ونالوا بغيتهم بعد قتال عنيف دام ثلاث سنوات، فخربت الدرْعيَّة قصبة الوهابين، وحمل عبد الله بن السعود وأقاربه أسرى إلى مصر. وعاد إبراهيم إلى القاهرة فى ديسمبر 1819 م عودة الظافر المنتصر؛ وبعد ذلك بقليل ولاه السلطان على جدة. وفى أثناء ذلك كان محمد على قد ناط بابنه الثالث إسماعيل فتح بلاد السودان، وكان غرضه من هذه الحملة الكشف عن مناطق الذهب المعروفة قديمًا وجلب الرقيق الذى أصبح من بعد عدة الجيش الجديد. ولقد أنفذ إبراهيم إلى السودان مع إمدادات حربية ليعاون أخاه. والظاهر أنه ذهب إلى هناك وفى جعبته مشاريع تنطوى على مغامرة كبيرة (انظر Vaulabelle ج 2، ص 231) ولكن انتابته دوسنطاريا شديدة فاضطرته إلى التعجيل بالأوبة إلى القاهرة فى أوائل عام 1822 م. وفى الأعوام التالية

اشترك إبراهيم فى تدريب الجند الجدد (نظام جديد) الذى وكل أمره إلى الكولونيل سييف الفرنسى. وكان إبراهيم تلميذًا نجيبًا لذلك المدرب الأوروبى الذى عرف فيما بعد باسم سليمان باشا، وأصبح ساعده الأيمن فى غزواته اللاحقة. وعند ما كلف محمد على بغزو المورة بمقتضى فرمان سلطانى صدر بتاريخ 16 يناير عام 1824، أنفذ ابنه إبراهيم باشا إلى هناك فى آخر شهر يولية من العام نفسه على رأس جيش قوى مدرب على الأساليب الأوروبية ومزود بمعدات حربية وافرة. واستولى على نافارين ودخل تريبولتزه فصارت شبه الجزيرة فعلا تحت سلطانه. وأمضى شهور فبراير ومارس وأبريل من عام 1826 فى حصار ميسيلونغى والاستيلاء عليها. ورفض الباب العالى ومحمد على وساطة الدول العظمى فحدثت واقعة نافارين البحرية فى أكتوبر عام 1827, وفيها دمرت أساطيل الحلفاء (إنكلترة وفرنسا والروسيا) الجزء الأكبر من الأسطول المصرى التركى. وأرغم أمير البحر الإنكليزى كودرنكتون, بظهوره فى مياه الإسكندرية محمدًا عليا على استدعاء ولده وجيوشه المصرية فوصل إلى الإسكندرية فى اليوم العاشر من أكتوبر عام 1828. وفى عام 1831 م ندب محمد على ولده إبراهيم باشا لقيادة الحملة الموجهة إلى الشام فوصل بجنده إلى فلسطين فى أول نوفمبر، واستولى على عكا فى السابع والعشرين من مايو عام 1833 بعد حصار دام ستة أشهر وذلك بعد انتصاره على والى طرابلس وحلب فى سهل الزراعة جنوبى حمص. وقد تمكن إبراهيم باشا من التوغل فى الشام وآسية الصغرى بفضل انتصاراته عند حمص على طلائع الجيش التركى التى كان يقودها محمد باشا والى حلب فى (9 - 8 يولية)، وفى ممر بيلان عند إسكندرونة على الجيش التركى الرئيسى الذى كان يقوده حسين باشا فى 29 يولية، وفى قونيه على الجيش التركى الذى كان يقوده رشيد باشا فى 21 ديسمبر، وتشهد هذه الانتصارات

بتفوق الجيش المصرى، ومواهب إبراهيم فى القيادة، وحنكته السياسية التى نجحت فى توحيد صفوف الشآميين تحت راية واحدة بحجة تحريرهم من النير التركى، واكتساب الأمير بشير اللبنانى صاحب النفوذ الواسع. وتقدم إبراهيم حتى بلغ كوتاهية وهناك فى 3 مايو عام 1833 عقدت معاهدة بين الباب العالى ومحمد على نزل له فيها عن الشام وأذنة، ولم يكن إبرام هذه المعاهدة بمنجاة من ضغط الدول الأوروبية، ومنح السلطان إبراهيم باشا لقب محصل أذنة. وقد وكل إليه أبوه إدارة الولايات الجديدة، ولم يكن ذلك بالأمر الهين لاختلاف طبائع السكان. ومع أن هؤلاء كانوا مجمعين على النفور من الحكم التركى، فإن النظام الصارم الذى أدخله إبراهيم لم يرقهم أيضًا، وكانت النتيجة أن شبت الفتن فى كل مكان، ولكن إبراهيم نجح بعض النجاح فى قمع تلك الفتن مستعينًا فى ذلك بمصادرة السلاح فى جميع أنحاء البلاد، ونتج عن تجنيد السكان أن هاجر العدد الكبير منهم إلى آسية الصغرى وبلاد ما بين النهرين، كما أدى الاستيلاء على الدواب للأغراض الحربية إلى اضمحلال الزراعة والتجارة. ومع أن النظام كان يسود البلاد فإن التذمر كان عظيمًا جدًا. ولما استأنفت تركية الحرب عام 1839 نال إبراهيم نصرًا حاسمًا على الجيش التركى الذى كان يقوده حافظ باشا عند نصيبين غربى (بيره جك) وانحاز فوزى باشا بالأسطول التركى إلى محمد على ولكن الموقف تغير لتدخل الدول الأوربية التى أدت مفاوضاتها إلى إبرام معاهدة لندن فى الخامس عشر من يولية عام 1840 (ويسمى هذا بالحلف الرباعى) وكان محمد على يأمل فى الحصول على مساعدة الفرنسيين له فرفض إخلاء الشام حتى عكا، كما رفض الاكتفاء بولاية مصر وجعلها وراثية يتولاها أبناؤه من بعده. ولكن فرنسا لم تمد له يدًا، وضربت أساطيل الحلفاء نطاقا حول شواطن الشام ومصر. وكان إبراهيم فى موقف حرج بين جيوش الحلفاء النازلة إلى البر وبين أهالى لبنان المعادين الذين أثيروا عليه. وبعد أن استولى ناببر Napier أمير البحر الإنجليزى على عكا وبعد مفاوضاته مع

محمد على فى الإسكندرية، أرغم محمد على على قبول النزول عن الشام فى 22 نوفمبر عام 1840. وغادر إبراهيم باشا دمشق مع جيوشه فى 29 ديسمبر ورجع إلى مصر عن طريق غزة مرسلا شطرًا من الجيش إلى مصر عن طريق العقبة تحت قيادة سليمان باشا. وانصرف إبراهيم باشا فى السنوات التالية إلى شئون مصر الإدارية، فكانت عنايته وخبرته بالزراعة جديرتين بالثناء. وقد تردد على أوروبا عدة مرات، واستشفى بمياه بعض بلدانها، واستقبل هناك بحفاوة وترحاب. وفى أوائل عام 1848 م كان إبراهيم باشا فى مالطة عندما ألجأته ظروف والده إلى العودة إلى مصر. وفى يونية من العام نفسه أصبح الحاكم الحقيقى للبلاد، وفى سبتمبر منحه السلطان رسميًا فى الآستانة ولاية مصر وتوفى إبراهيم فى التاسع عشر من نوفمبر عام 1848 بالغًا من العمر ستين عاما ودفن فى مدافن الأسرة بالقرب من الإمام الشافعى. وعاش من أبنائه بعد وفاته أحمد (المولود عام 1825) وإسماعيل الذي أصبح فيما بعد خديو مصر (ولد عام 1827 م) ومصطفى (ولد عام 1832 م). وتوجد لإبراهيم باشا صورة فى كتاب Hist, de la: Cadalvene et Barrault guerre de Mehemed- Ali contre la Porte Ottomane، كما توجد أوصاف لشخصيته فى كتاب كلوت بك، جـ 1، ص 33 وما بعدها؛ وكتاب Paton: A History of the Egyptian Revolution ج 2، ص 55. المصادر: (1) الجبرتى: عجائب الآثار فى تراجم الأخبار، طببة بولاق 1290 هـ، وطبعات أخرى، وترجمته بالفرنسية جـ 8، جـ 9، طبعة القاهرة 1896 (وأخباره تمتد إلى سنة 1820 م). (2) على باشا مبارك: الخطط التوفيقية، جـ 1 ص 65 - 77. (3) ميخائيل شاروبيم بك: الكافى فى تاريخ مصر القديم والحديث، طبعة بولاق 1318 هـ، جـ 4. (4) Histoire de l'Egypte: Felix Mengin sous le Gouvernement de Mohammed Aly ou recit des evnements politiques et mili- taires qui ont eu lien depuis le depart des Francais jusqu' en 1823 وهو فى مجلدين (باريس عام 1823). (5) الكاتب نفسه: Histoire sommaire de l'Egypte sous le Gouvernement de Mo-

hammed Aly، (عن الحوادث التى بين سنتى 1823 - 1838) باريس 1839. (6) Histoire Moderne: A. de Vaulablle de l'Egypte (من 1801 - 1834) = Histoire scentifique et militaire de l'Expedition Francaise en Egypte جـ 9، جـ 10 باريس 1830 - 1836. (7) Histoire: de Cadalvene et E. Barrault de la Guerre de Mehemed-Ali contre la Porte Ottomane(1831 - 1833) باريس 1837. (8) ولنفس الكاتبين: Deux Annees de l'histoire d'Orient (1839 - 1840) باريس 1840. (9) La Syrie sous le Gou-: F. Perrier vernement de Mehemed- Ali jusqu'en 1840 باريس 1842. (10) Apercu general sur: Clot Bey l'Egypte فى جزئين، باريس 1840. (11) l'Egypte au XIX: Edouard Gouin siecle. histoire Milit. et Polit., anecdo- tique et pittoresque de Mehemed- Ali, Ib- rahim Pacha, Soliman Pacha باريس 1847. (12) Egypte Moderne: Marcel, باريس 1848، ص 1 - 42. (13) Histoire de Mehem-: Paul Mouriez et Ali, vice d'Egypte، فى أربعة أجزاء، باريس 1855 - 1858. (14) A short memoir: Ch. Aug. Murray of Mohammed Ali، لندن 1898. (15) A History of the: A. A. Paton Egyptian Revolution from the Period of the Mamelukes to the Death of Mu- hammed Ali، فى جزئين: لندن 1863، جـ 2، ص 10 - 308. (16) Geschichte Der Turkei: G. Rosen von dem sieg der Reformim Jahre 1826 bis zum Pariser traktat vom Jagre 1865 فى مجلدين، ليبسك 1866 - 1867. (17) انظر مقال P.Ravaisse فى La Grande Encyclopedie عن إبراهيم باشا، جـ 20، ص 520. (18) Mehemet Ali: W. Alison Phillips (= فصل 17، مجلد 10، من كتاب The Camberidge Modern History) كمبردج 1907 وذكر فيه مصادر أخرى عن إبراهيم باشا. (19) Die orientalische: A. Hasenclever Frage in den Jahren 1838 - 1841. Ur- sprung des Meerengenvertrages vom 13.

إبراهيم بك

إبراهيم بك من أبرز أمراء المماليك الأواخر فى مصر. كان رقيقًا جركسيًا، جلب إلى مصر فاشتراه محمد أبو الذهب المملوك المقرب إلى على بك الكبير. وأعتقه سيده، وزوجه أخته (انظر ما قاله الجبرتى فى حوادث 4 ربيع الثانى عام 1216). وفى عام 1182 هـ (1767 - 1768 م) عُين إبراهيم أحد البكوات الأربعة والعشرين، وأقيم فى عام 1186 هـ أميرًا للحج وقاد قافلة الحجاج المصريين إلى مكة. ولما عاد منها، كان النضال القائم بين محمد أبى الذهب وعلى بك الكبير قد انتهى بفوز على بك. ولا شك أن نفوذ إبراهيم قد ازداد زيادة كبيرة خلال السنوات القلائل التى قام فيها بالحكم صهره أبو الذهب. وفى عام 1187 هـ أصبح إبراهيم دفتردارًا وبقى فى القاهرة شيخا للبلد أثناء حملة محمد أبى الذهب على الشام سنة 1189 هـ، ولما مات أبو الذهب فى عكا، ورث إبراهيم، بصفته أقرب أقربائه، ثروته العظيمة ونفوذه الكبير. واقتسم إبراهيم حكم مصر مع مراد بك، وهو أمير آخر من بيت محمد أبى الذهب انتخبته الجنود قائدًا لها، فصار إبراهيم شيخا للبلد (عمدة القاهرة) يقوم بالشئون الإدارية، على حين كان مراد يقوم على شئون الجيش. ويدل عدد مماليكهما على ما كان للاثنين من مركز غلاب. وقد ذكر "فولنى" Volney الذى كان فى مصر عام 1783 م أن إبراهيم بك كان يملك ستمائة مملوك، وكان مراد بك يملك أربعمائة مملوك، على حين أن غيرهما من البكوات كان يملك ما بين خمسين مملوكا ومائتى مملوك، وكان معظم الفضل فى بقائهما مشتركين فى الحكم راجعا فى الحق إلى تسامح إبراهيم وحبه للمسالمة. والراجح أنه كان يعامل مراد بك المتهور فى حذر حتى أنه لم تنشأ بينهما خلافات خطيرة إلا فى سنتى 1198، و 1199 هـ. وظل حكمهما المشترك قائما حتى مجئ الحملة الفرنسية إلى مصر عام 1213 هـ (1798 م)، ولو أنه قد تخلل حكمهما فترتان انقطع فيهما، وذلك لوصول إسماعيل بك أقوى أمراء بيت على بك نفوذًا إلى الحكم، الفترة الأولى

عام 1191 هـ، ولم يستطع أن يمكث فى الحكم غير ستة شهور، والفترة الثانية عام 1201 هـ (1786 م) عندما عين شيخا للبلد للمرة الثانية على يد قبودان باشا حسن التركى. ولقد كان الغرض من حملة حسن على مصر تقوية نفوذ الباب العالى، ذلك النفوذ الذى كان قد تضاءل إلى أدنى حد منذ أيام إبراهيم كتخدا وخصوصا إبان حكم على بك، ولكن لم يتحقق الغرض من هذه الحملة، واضطر إبراهيم ومراد، بعد أن رأى فيهما حسن باشا أكبر الآثمين، إلى ترك القاهرة، ومع ذلك فلم يجسرا على مقاومة رسول الباب العالى صراحة، إلا أن حسن باشا اضطر فى آخر الأمر إلى ترك مقاليد حكم مصر فى أيدى المماليك، بل لقد استطاع إسماعيل بك أن يسترد منصب شيخ البلد بعد انسحاب حسن باشا، ذلك الانسحاب الذى عجل به تعقد أمور السياسة بين تركية وروسيا. ولم يستطع إبراهيم ومراد العودة إلى القاهرة إلا بعد أن اجتاح الطاعون إسماعيل وغيره من الأمراء عام 1206 هـ. وعفا عنهما الباب العالى فاقتسما من جديد حكم البلاد. وفى أثناء تقدم الفرنسيين عام 1213 هـ (1798 م) انتظر إبراهيم على الشاطئ الشرقى للنيل، بين شبرا وبولاق، نتيجة وقعة الأهرام، وأمر بإحراق السفن المصرية الراسية ببولاق حتى يصعب على الجيش الفرنسى عبور النيل. وبعد وقعتى الخانقاه والصالحية، تمكن إبراهيم من الهرب إلى الشام بحاشيته ومتاعه ومكث فى غزة ثم انسحب منها إلى الشمال الشرقى أثناء حملة نابليون على فلسطين. وعاد إبراهيم إلى مصر مع جيش يوسف باشا الصدر الأعظم، ودخل القاهرة (فبراير عام 1800) أثناء واقعة عين شمس صحبة نصوح باشا الذى كان الباب العالى قد أقامه واليًا على مصر؛ ثم ترك إبراهيم المدينة ثانية مع الجيش التركى، عندما استطاع الفرنسيون الثبات فيها، ورفض التقرب بحال إلى الفرنسيين بينما هادنهم مراد بك فحصل بذلك على حكم مصر العليا. وتوفى الأخير بعد ذلك بقليل بالطاعون فى أبريل عام 1801.

ولما جلت الجيوش الفرنسية عن المدينة نهائيًا فى يونية عام 1801 عين الصدر الأعظم إبراهيم بك مرة أخرى شيخًا، ولكن سرعان ما ألقى به فى السجن مع سائر أمراء المماليك فى 20 أكتوبر عام 1801 بأمر الباب العالى الذى رأى الفرصة سانحة للتخلص من نفود المماليك. وأفلح الإنكليز فى إخلاء سبيل المماليك المسجونين، فاستطاع إبراهيم الوصول إلى مصر العليا، ومن هناك أمكنه فى السنوات القليلة التالية أن يتفاوض مرارًا مع والى مصر التركى خسرو باشا. ولما طرد خسرو من مصر وقُتل طاهر باشا رئيس الألبانيين، الذى كان قد حل محل (قائمقام) خسرو باشا، استدعى محمد على إبراهيم بك إلى القاهرة فى أبريل عام 1803 ووكل إليه منصب شيخ البلد كى يمنع أحمد باشا الذى عين واليًا على جدة وكان مارا بمصر، من تثبيت قدمه فيها. ولم يكن نفوذ إبراهيم المسن فى الواقع عظيما، ولا شك أنه لاحظ أنه كان آلة فى يد محمد على. وعلى أى حال فقد أخذ شك إبراهيم فيه يزداد منذ دلك العهد. والراجح أنه فطن إلى سياسة محمد على الذى كان يرمى إلى استغلال المماليك عند الحاجة، كما كان يحرص على ألا تزداد قوتهم وأن يبذر بينهم بذور الشقاق. ولقد حاول محمد على أن يضرب إبراهيم، وعثمان البرديسى خليفة مراد، الضربة القاضية فى 13 مارس عام 1804، إلا أنه فشل من حيث أن الاثنين تخلصا من السجن وهربا. ولم يعد إبراهيم بعد ذلك إلى القاهرة. وفى أثناء مذبحة المماليك فى 18 - 19 أغسطس عام 1805 كان إبراهيم فى طرة مع ولده مرزوق وهنا كبد جند محمد على خسائر فادحة. وفشلت محاولته فى توحيد صفوف المماليك ليواجهوا محمدا عليا مجتمعين، لما كان بينهم من الشقاق ولمهارة محمد على فى أن يكتسب بعض ذوى النفوذ من المماليك إلى جانبه بمداهنتهم ومنحهم مناصب الشرف. ولقد رفض إبراهيم محاولة محمد على الصلح فى عام 1809 م محتجا بكثرة ما سفك بينهما من دماء. واستطاع المماليك بفضل مجهود إبراهيم أن يكونوا قوة (1810 م) لم يجسر محمد على على مواجهتها صراحة، ولكنه

استطاع بالخدعة أن يجتذب أكثرهم إلى القاهرة، فغمرهم بعطاياه وبذلك اطمأنوا إليه. وهكذا وقعوا فى الأحبولة التى نصبها لهم فذبحوا فى القلعة فى أول مارس عام 1811. ولم يصدق إبراهيم وعدد قليل غيره وعود محمد على، فبقى إبراهيم على حدود مصر الجنوبية وبذلك نجا. وأمضى سنواته الاْخيرة مع بقية المماليك فى دنقلة "بلاد العبيد يزرعون الدخن ويتقوتون منه، وملابسهم القمصان التى يلبسها الجلابة فى بلادهم إلى أن وردت الأخبار بموته فى شهر ربيع الأول من السنة [1231 هـ] " (انظر الجبرتى). وفى عام 1811 م استطاعت امرأته التى كانت تبحث عن رفات ولدها مرزوق لتدفنه أن تحصل من محمد على على الإذن بإحضار رفات زوجها إبراهيم إلى القاهرة فوصل جثمانه فى رمضان عام 1233. المصادر: (1) أهم مصادر هذا الموضوع تاريخ الجبرتى المسمى عجائب الآثار فى التراجم والأخبار (بولاق 1297 هـ وتوجد عدة طبعات له؛ وترجم إلى الفرنسية بعنوان Merveilles bio- graphiques et historiaues فى تسعة مجلدات، القاهرة 1888 - 1896) وقد ذكر إبراهيم مرارا فى هذا الكتاب فى الحوادث التى وقعت منذ سنتى 1190 - 1231 هـ. وتأتى ترجمة حياته بعد حوادث سنة 1231 هـ. (2) Vayage en Syrie et en: C.F. Volney Egypte pendant les annees 1783, 1784 et 1785 (باريس 1786 وتوجد منه عدة طبعات) من الفصل السادس إلى الفصل التاسع. (3) Histoire scientifique et militaire de l' Expedition francaise en Egypte فى عشرة مجلدات (باريس 1830 - 1836). (4) A History of Egypt Rev-: A. A. Paton olution from the period of the Mamelukes to the death of Mohammed Ali فى مجلدين (لندن 1763 - 1870). (5) مقال P.Ravaisse فى .. La Grande Encyclopedie عن "إبراهيم بك"، المجلد العشرون، ص 519. [ب. كاله P. Kahle]

إبراهيم الموصلى

إبراهيم الموصلى هو إبراهيم بن ماهان ابن بهمان ويعرف أيضا بالنديم الموصلى، من اشهر موسيقيى العرب، فارسى الأصل، ولد بالكوفة عام 125 هـ (742 م) وتوفى ببغداد عام 188 هـ (804 م). درس الموسيقا على أساتذة من الفرس وأظهر براعة فائقة فى الغناء والعزف على العود. وكان له مقام عظيم فى البلاط العباسى أيام المهدى والهادى وبخاصة فى عهد الرشيد. وقد نسج ابنه إسحاق على منواله وكان على جانب عظيم من العلم والتهذيب كما كان موسيقيا بارعا وملحنا قديرا، لعب دورا هاما فى البلاط العباسى إبان حكم الرشيد والمأمون والمعتصم. وتروى بعض قصص عجيبة عن مهارة إبراهيم فى الغناء (الأغانى، جـ 5، ص 41، س 1 - 15)، وتذكر عنه قصتان ذائعتان، إحداهما قصة صعوده فى زنبيل إلى بيت فيه قيان (الأغانى، جـ 5، ص 41 وما بعدها؛ الغزولى: مطالع البدور، جـ 1، ص 343 وما بعدها؛ ابن بدرون، طبعة دوزى، ص 373 وما بعدها؛ ألف ليلة وليلة، [والفقرتان الأخيرتان تتعلقان بإسحاق] والقصة الأخرى هى زيارة إبليس له وتعليمه لحنا عجيبا (الأغانى، جـ 5، ص 36 وما بعدها؛ الغزولى، جـ 1، ص 341 وما بعدها؛ ألف ليلة وليلة "تتعلق بإسحاق"). المصادر: (1) ابن خلكان (ترجمة de Slane) جـ 1، ص 30 وما بعدها. (3) الأغاني، جـ 5، ص 3 - 49، 52 - 131. (3) الفهرست، ص 140 - 143. (4) Barbier de Meynard: انظر مقاله عن إبراهيم بن المهدى فى المحلة الآسيوية سنة 1869، ص 201 - 342. (5) Culturgesch des Orients: Von Kremer جـ 2، ص 71 وما بعدها. (6) Abu Nowas: Ahlwardt، ص 13 - 14. (7) Gesch. d. arab. Litt: Brockelmann جـ 1, ص 78. [تورى C. C. Torre]

أبرهة

أبرهة هو أبراهام فى اللغة الإثيوبية، الملقب بالأشرم، وهو حاكم إثيوبى لليمن حوالى منتصف القرن السادس الميلادى. كان أبرهة فى الأصل - كما روى بروكوبيوس Procoppius. عبدا لرجل رومانى من أدوليس Adulis، قام على رأس ثورة ضد ملك إثيوبيا [الحبشة] "إله أصبحة" (¬1)، وأسر حاكم اليمن وقتئذ إسمفايوس Esimiphaeus (أو سُميفع كما ورد فى نقوش "حصن الغراب")، وهزم الجيش الذى أنفذ لمحاربته مرارا، وبعد موت الملك خضع لخلفه وأدى له الجزية فاعترف به واليًا من قبله. وتعد سنة 531 م مبدأ حكمه، وكان إسمفايس لا يزال وقتذاك حاكما، وتتفق القصص العربية فى صورها المختلفة مع ما ذكره بروكوبيوس عن أبرهة من أنه حارب قائدًا اسمه "أرياط" أنفذه إليه ملك إثيوبيا، ثم تصالح مع هذا الملك آخر الأمر، ومن ثم فإن من الخطأ البين أن يكون الملك الإثيوبى- كما ذكر فى أعمال القديس أريثاس Arethas- قد نصب ذلك النصرانى الورع أمبراميوس Am- bramios نائبا له على بلاد اليمن فى وقت مبكر يرجع إلى عام 525 م (عقب فتحها مباشرة)، ولقد أمدتنا الصدفة أخيرا بتفصيلات وافية عن أبرهة بفضل "نقوش السد" [سد مأرب] Damm- Inschrift التى كشفها كليزر. E Glaser ونشرها. ويُطلق أبرهة على نفسه فى تلك النقوش: "الأمير التابع لملك الحبشة، ملك سبأ وريدان وحضر موت ويمنات (¬2) وعرب النجاد وعرب السهول". وكان أهم حادث فى حكمه -كما تذكر تلك النقوش- هو مجئ بعض الوفود إلى سد مأرب عام 657 م ¬

_ (¬1) يسمى هذا الملك "اصحمة"، فى الروايات العربية. (¬2) "يمنات" أى جميع بلاد اليمن على اختلاف بقاعها واصقاعها كما يقال الآن فى بلاد الشامات للدلالة على ما يماثل ذلك فى سورية أى بلاد الشام. على أن صيغة الجمع العربى لبلاد اليمن على "يمنات" لم نطلع عليها فى كتاب ولا فى شعر ولكن الأثر المنقوش يدل على استعمال هذه الصيغة فى اللغة الحبشية، وهو بالطبع منقول من صيغة كانت مستعملة فى قديم الزمان فى جنوب الجزيرة ثم سقط استعمالها فدخلت فى حيز النسيان. أحمد زكى "باشا"

(وفقا للتقدير الشائع عام 542 م. ووفقا لتقدير كليزر يحتمل أن يكون عام 539 م) ومن بينها وفود الدولتين المتنافستين بوزنطة وفارس. ولما نشبت الحرب الكبرى بين هاتين الدولتين المتنافستين عام 540 م لم يشترك أبرهة فيها بادئ الأْمر رغم ما بذله إمبراطور بوزنظة من جهد فى كسبه إلى جانبه. ولم يقتنع أبرهة بذلك إلا متأخرا فاكتفى بالقيام بهجمة على الفرس، إلا اْنه سرعان ما تخلى عن ذلك كما يقول بروكوبيوس. ونستطيع أن نجد صلة بين هذه الحرب التى لا يمكن أن تكون قد وقعت قبل عام 570 م وبين تلك القصص العربية التى تعتمد على القرآن (سورة الفيل) وتشير إلى حملة أبرهة الفاشلة على مكة والكعبة. وإلى جانب هذا النسيج من القصص المعتمد على القرآن، رواية ضعيفة مؤداها أن وباء الجدرى كان قد انتشر فى ذلك الوقت، ويمكن الافتراض بأن هذا الوباء كان سببا فى تقهقر أبرهة أو على الأقل كان ذريعة له إلى العدول عن تلك الغزوة الشاقة. وعام هذا الحادث الذى يعرف "بعام الفيل" نسبة إلى الفيلة التى استخدمها أبرهة هو عام 570 م كما تقول المصادر المتأخرة، ويعد هذا العام فى القول الشائع عام مولد النبى، إلا أن نولدكه Noldeke قد اعترض بحق على ما تقدم: لأننا لو قبلنا ذلك لما كانت هناك بين حملة أبرهة على مكة وغزو الفرس لبلاد العرب الجنوبية عام 570 م فسحة من الوقت يحكم فيها أبرهة وأولاده. وقد ذهب فلهوزن Wellhausen إلى أن ما يروى عن حملة "تُبَّع" على المدينة لم يكن فى الواقع إلا مرحلة أولى من مراحل حملة أبرهة المشار إليها. وتؤيد النقوش التى تقدم ذكرها والتى تبتدئ بصلاة للثالوث ما قاله مؤرخو اليونان وما ورد فى القصص العربية من أن أبرهة كان نصرانيا. وكنيسة مأرب التى ذكر تدشينها فى تلك النقوش كانت تضارع الكنيسة التى شيدها أبرهة فى صنعاء، تلك الكنيسة التى لابد أنها كانت بناء لا نظير له كما يقول العرب. المصادر: (1) الطبري، جـ 1، ص 930 - 945. (2) ابن هشام (طبعة فستنفلد) جـ 1، ص 28 - 41.

(3) الأغانى، جـ 16، ص 72. (4) Die Chroniken der stadt: Wustenfeld Mekke، جـ 1، ص 88 وما بعدها. (5) De bello Pers: Procopius، جـ 1، ص 20. (6) Gesch. de. Perser u. Ara-: Noldeke ber sur Zeit der Sassaniden، ليدن سنة 1879، ص 200 - 205. (7) Skizzen und Vorarbeit-: Wellhausen en، جـ 4، ص 7 وما بعدها .. (8) Mordtmann فى مجلة. Zeitschr. d. Deutsch Morgenl. Gesellsch.، المجلد 35، ص 698. (9) Glaser مجلة Mitteilungen der Vorderasiat. Gesellsch. سنة 1897، ص 360 - 488. (10) Winkler فى مجلة Orient. Li- teratuzreitung جـ 1، ص 21 وما بعدها. (11) Praetorius فى مجلة 3 Zeitschr. der Deutsch. Morgem. Gesellsch. المجلد 53، العدد الأول، ص 2 وما بعدها. (12) Muir: The life of Mahomet(الطبعة الأولى)، جـ 1، ص 262 وما بعدها. (13) Essai sur: Caussin de Perceval l'histoire des Arabes Avant l' Islamisme جـ 1، ص 138 - 145. (14) A nnali dell'Islam: Caetani، جـ 1، ص 143 - 148. [بول F. Buhl] + أبرهة: ملك نصرانى على بلاد العرب الجنوبية فى القرن السادس الميلادى. وترجع شهرته فى الكتب الإسلامية إلى الرواية التى تقول إنه قاد حملة يمنية على مكة (أشير إليها فى القرآن، سورة الفيل) فى العام الذى ولد فيه النبى حوالى سنة 570 م. وتفصيلات حياة أبرهة كما رواها المؤرخون المسلمون قوامها قصص ترد فى أصلها إلى الأدب الشعبى ألصقت من غير مراجعة بشخصية عظيمة. وإذا شئنا معلومات وثيقة وجب أن نرجع إلى بروكوبيوس وإلى النقوش الحميرية. يقول بروكوبيوس إن الملك هلسثياوس ملك الحبشة (إلئصحة فى. النقش، إستانبول 7608 مكرر) غزا بلاد العرب الجنوبية بعد عام 531 م

بسنوات قلائل، وقتل ملكها وأقام عليها حاكما ألعوبة فى يده اسمه إسمفايوس (سميفع فى النقوش) ثم عاد إلى الحبشة. وحدث من بعد أن أولئك الأحباش الفارين من جيشة الذين بقوا فى بلاد العرب الجنوبية قد انتقضوا على إسمفايوس ونصبوا على العرش أبرهة الذى كان فى أصله مولى لتاجر رومى (بوزنطى) من أدوليس. وأنفذ هلسثياوس حملتين على العصاة باءتا بالخيبة، واحتفظ أبرهة بالعرش. وحاول يوستنيانوس مرات أن يغرى أبرهة بالهجوم على الفرس، فلم يفز منه بطائل، ذلك أنه إنما سار بعض الطريق شمالا ثم ارتد. وظل أبرهة يرفض أداء الجزية للحبشة طيلة حياة هلسثياوس، ولكنه رضى بأن يؤديها لخلفه. ومصدرنا العمدة فى النقوش هو نقش أبرهة الطويل على سد مأرب (Corpus inscr. sem جـ 4، ص 541). ويسجل هذا النقش: إخماد فتنة أيدها ابن للملك المخلوع إسمفايوس سنة 657 من التاريخ السبئى (بين سنتى 640 و 650 م)؛ وإصلاحات للسد أجريت فى أخريات هذه السنة؛ واستقبال بعثات سياسية من الحبشة وبوزنطة، وفارس، والحيرة، ومن قبل الحارث بن جبلة شيخ العرب؛ وإتمام إصلاحات السد فى السنة التى تليها. وثمة نص آخر (Ryckmans)، ص 506، انظر La Museon، سنة 1953، ص 275 - 284) اكتشف فى "مريغان" شرقى الوادى الأعلى "تثلث"، يسجل هزيمة ألحقها أبرهة بقبيلة مَعَدّ من عرب الشمال سنة 662 من التأريخ السبئي. ويبدأ نص مأرب كما يلي: "بفضل قدرة الله وكرمه ورحمته ومسيحه والروح القدس (رح قدس) ". ولعل مما يدل على التفريق الطائفى أن إسمفايوس الذى كان بلا شك من القائلين بالطبيعة الواحدة مثل مولاه الحبشى، قد استعمل صيغة أخرى غير هذه: "باسم الله وابنه المسيح الظافر والروح القدس (نفس قدس) "، ومن الجائز أن أبرهة كانت له ميول نسطورية. واللقب الذى اتخذه أبرهة مطابق للقب أسلافه المباشرين وهو: "ملك سبأ وريدان وحضر موت ويمنات وعرب النجاد وعرب السهول"، ولكنه يلقب نفسه فى

نص مأرب بلقب آخر إلى جانب ذلك وهو "عزلى ملكن أكعزين"، ولا نجد كلمة عزلى فى غير هذا النص، ولم يهتد أحد بعد إلى تفسير مرض لهذه العبارة. وقول كونتى روستينى Conti- Rossini بأن معناها هو: "الملك الشجاع من (قبيلة) أكعزى" بعيد الاحتمال من حيث الإعراب، كما أن تفسير كليزر Glazer بأن العبارة تدل على "نائب الملك الحبشى" لا تتمشى مع الفقرة التالية من النص التى تتحدث عن أبرهة وهو يستقبل بعثة سياسية حبشية بلا تفريق فى المعاملة بينها وبين بعثة بوزنطة وبعثة فارس. أما اقتراح ريكمانز بأن تقرأ العبارة "عتلى ملكن" ومعناها "عظمة الملك" بدلا من عزلى ملكن فجدير بالنظر. ومن هنا فصاعدًا تلتزم المصادر الوثيقة الصمت فلا نجد بعد إلا القصة الواردة فى المصادر الإسلامية، والراجح أنها تدخل فى باب الأساطير، وهى تقول إن الباعث على الحملة على مكة كان هو غيرة أبرهة من معبد مكة ومحاولته أن يستبدل به كنيسة فى صنعاء فتصبح كعبة بلاد العرب جميعا. وإذا كان أبرهة قد شن حقا مثل هذه الحملة (لم يشر القرآن إلى اسم قائدها) فإننا نجد لأغراضه منها تفسيرا أقرب من ذلك إلى الاحتمال، وهو أن تقربه من الحبشة فى عهد خليفة هلسثياوس قد حمله على اصطناع سياسة حيال فارس أشد عدوانا، وأن تلك الحملة كانت المرحلة الأولى من مراحل هجوم مدبر على أملاكُ فارس. على أن الحملة ثبت فشلها، وكل ما كان لها من أثر هو أنها حملت الفرس على القيام بغزوتهم التى تمت بعد ذلك بسنوات قلائل بقيادة وَهْرِز وانتهت بتخريب مملكة بلاد العرب الجنوبية القديمة. ويؤكد كتاب Martyrium Arethae أن الذى نصب أبرهة على العرش هو الملك الحبشى إليسباس (والشائع أنه هو هلسثياوس عند بروكوبيوس) بعيد وفاة ذى نواس. وثمة مصادر كنسية أخرى، مثل كتاب Leges Homeritarum المنسوب إلى أسقف ظفار، تذكر مثل هذه الأخبار. وهذه الرواية للحوادث التى تتضارب فى أساسها مع كل من بروكوبيوس والنقوش، يجب أن نعدها

إبليس

مصدرا غير تاريخى مبعثه التباس فى الأسماء أو تزييف اتخذ بغرض المناظرة. المصادر: (1) الطبرى، جـ 1، ص 930 - 945. (2) ابن هشام، جـ 1، ص 28 - 41. (3) الأغانى، جـ 16، ص 72. (4) لبيد، 19، 40. (5) قيس بن الخطيم (طبعة كوفالسكى)، 14، 15. (6) Essai sur: Caussin de Perceval I'histoire des Arabes avant I'islamisme جـ 1، ص 138 - 145. (7) Gesch. d. Perser u.: Th. Noldeke Araber zur Zeit d. Sassaniden، ص 200 - 205. (8) De bello Persico: Procopius جـ 1، ص 20. (9) Mitt. d. vorderas. Gesch.: E. Glazer سنة 1897، ص 360 - 488. (10) L'institution mon-: J. Ryckmans archique en Arabie merideonale avant l'Islam ص 239 - 245، 320 - 325. (11) الكاتب نفسه: Le Museon، سنة 1953، ص 339 - 342. (12) Storia d'Etiopea: C. Conti-Rossini، ص 186 - 195. (13) Notes on the Mu-: A.F.L.Beeston reighan inscription في BSOAS، جـ 15، لوحة 2. خورشيد [بيستون A.F.L.Beeston] إبليس هو اسم الشيطان، والراجح أن هذه الكلمة تحريف للكلمة اليونانية ديابلس ويشتقها فقهاء اللغة العرب من الأصل بلس: "لأنه أبلس من رحمة الله"، وقد سمى أيضا "الشيطان"، و"عدو الله" أو "العدو". على أن الشيطان ليس اسم علم، ويرد فى القرآن غالبا عند الكلام عن بدء الخلق (سورة البقرة الآية 32؛ سورة الأعراف الآية 10؛ سورة الحجر، الآية 31 وما بعدها؛ سورة بنى إسرائيل، الآية 63؛ سورة الكهف، الآية 48؛ سورة طه، الآية 115؛ سورة ص، الآية

74 وما بعدها) (¬1)، متمردا على خلق آدم ومغويا لحواء فى الجنة. ذلك أنه بعد أن خلق الله آدم من طين، ونفخ فيه من روحه أمر الملائكة أن يسجدوا له، فسجدوا إلا إبليس، إذ استكبر، وهو المخلوق من نار، أن يسجد لآدم الذى خلق من طين؛ ولذلك طرد ولعن، ولكنه توسل أن يمهل فلا ينال جزاءه إلا يوم الحساب فأجيب إلى ذلك كما جعل له سلطان يغوى به كل من لا يصدق فى إيمانه بالله من عباده. ولما كان آدم وحواء فى الجنة أغواهما إبليس فأكلا من ثمرة الشجرة. وقد جمع النبى (عليه السلام) فى هذا المقام بين قصتين مستقلتين: قصة خلق آدم، وقصة غواية حواء فى الجنة. ومن الملاحظ أن الشيطان يعرف دائما بإبليس فى قصة الخلق؛ على أنه فى قصة الجنة يعرف على الأقل بالشيطان حين لا يشار إليه بضمير. وتستند قصة إبليس إلى الروايات النصرانية، ففى الفصل الخامس عشر من "حياة آدم وحواء" (Apokryphen: Kautzsch) يروى أن ميكائيل أمر الملائكة بأن يعبدوا آدم، فاعترض إبليس بأن آدم أقل منهم شأنا وأحدث سنًا، وأبى ذلك هو وقومه فأنزلوا إلى الأرض. وقد جاء فى كتاب " Schatzhohle (¬2) " (طبعة Bezold ص 15 وما بعدها من النص السريانى العربى) أن الله جعل لآدم سلطانا على جميع المخلوقات. ولهذا وقّره الملائكة إلا إبليس الذى ركبته الغيرة وقال: يجب أن يعبدنى أنا الذى خُلقت من نور وهواء، أما هو فقد خلق من طين، فطرد من الجنة هو وقومه، وعرف من ثم بالشيطان. وقد نمقت الروايات الإسلامية الوصف الذى وصف به فى القرآن وزادت عليه خلالا شتى، بعضها معروف مشهور، وصادفت فى ذلك صعوبة كان عليها أولا أن تجد لها حلا، وهى أن القرآن عد إبليس من الجن كما عده أيضا من الملائكة، وكلا النوعين صنفان مختلفان من المخلوقات. ¬

_ (¬1) يختلف عدد الآيات هنا عما فى المصحف المصرى الرسمى فآية البقرة 33، والأعراف 11 وآيات الحجر من 28 والإسراء من 61 وآية الكهف 50، وطه 120، وص 71. (¬2) معنى هذه الكلمة الألمانية "مخبأ الكنز". (الخولي)

ويقول الزمخشرى: إن إبليس ليس إلا "جنيا" وإن الملَك فى القرآن يطلق على الصنفين (الكشاف) تفسير الآية 115 من سورة طه)؛ ولكن قيل أيضا: إن إبليس كان من رؤساء الملائكة. ويذهب آخرون إلى أن الجن كانت قبيلة من الملائكة، وإنما سموا الجن لأنهم خزّان الجنة (الطبرى، التاريخ، جـ 1، ص 80)، وقد خلق هؤلاء الجن من نار السموم (سورة الحجر، الآية 27) أما الملائكة فقد خلقت من نور (الطبرى: المصدر المذكور، ص 81). وكان الجن يسكنون أول الأمر الأرض فأفسدوا فيها وسفكوا الدماء وقتل بعضهم بعضا، فبعث الله إليهم إبليس، الذى كان يعرف آنئذ باسم عزازيل أو الحارث، فى جند من الملائكة فقاتلهم إبليس ومن معه حتى ألحقهم بأطراف الجبال. على أن روايات أخرى تقول: إن إبليس كان من الجن سكان الأرض، ثم سباه الملائكة الذين أرسلهم الله لقتال الجن العصاة وردوه إلى السماء، وكان صغيرا (المصدر المذكور، ص 84). وسمى إبليس أيضا حَكَما قبل عصيانه، ذلك أن الله جعله قاضيا بين الجن فلم يزل يقضى بينهم ألف سنة، ثم دخله الكبر فألقى بذور الشقاق والاضطراب بين الجن، وظلوا على الشقاق ألف سنة أخرى، فبعث الله عند ذلك نارا أحرقتهم. ولكن إبليس لاذ بالسماء وظل عبدا مطيعا لله حتى خلق آدم (المصدر نفسه، ص 85؛ المسعودى: مروج الذهب، جـ 1، ص 50 وما بعدها). على أن ثمة روايات أخرى فى استكبار إبليس؛ فيروى الطبرى (المصدر المذكور، ص 83) أنه أحس بالكبر وبفضله على سائر الملائكة فقال الله له: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} (سورة البقرة، الآية 28)؛ ويزيد الطبرى أن إبليس كان من أشراف الملائكة يحكم الجن سكان الأرض، وكان له سلطان سماء الدنيا، ثم عصا ربه فسماه شيطانا رجيما. وقد جاء فى مناقشة الحديث لقصة الجنة كيف احتال إبليس ليدخل الجنة. والقول الشائع فيه، وهو قول نجده أيضا عند كتاب النصارى، أنه استعان على ذلك بالحية. وذكرت بعض المراجع أنه احتال على جميع الحيوانات فخاب سعيه؛ وتقول مراجع أخرى: إنه بدأ

بالطاووس الذى كان رآه مرة على أبواب الجنة، ووعده بأن يذكر له ثلاث كلمات تعصمه من الموت إذا سمح له بالدخول؛ ولكن الطاووس أبى وروى ما وقع له للحية. وأباحت الحية لابليس أن يجلس بين فكيها (وفى رواية آخرين فى بطنها) ودخلت به الجنة. وكان إبليس وثيق الصلة بحواء؛ وراح عندئذ يتحدث إليها من فم الحية، وأنبأها بثمرة الشجرة التى تضمن لها الخلود فيما رواه له ملك من الملائكة. فلما مضت حواء إلى الشجرة ظهر لها إبليس فى صورة ملك. ويقول آخرون: إنه قدم لها ثمرة الشجرة بنفسه، فكان ما كان مما هو معروف مشهور، وطرد إبليس وآدم وحواء من الجنة وحلت عليهم اللعنة (يجعل القرآن طرد إبليس بعد قصة الخلق)، وكتب على الحية أن تزحف على بطنها بعد أن كانت دابة جميلة من ذوات الأربع، وكذلك أنظر إبليس إلى يوم يبعثون، وكتب عليه أن يعيش بين الخرائب والقبور وأماكن القاذورات، وأصبح طعامه من اللحم الذى يتقرب به إلى الأصنام، وشرابه الخمر، ولهوه الموسيقى والرقص والشعر، وزاد عدد أعقابه على بنى آدم سبعة أضعاف. ويلقى إبليس يوم الحساب فى نار جهنم هو وجنوده والغاوون، {فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ} [أى الآلهة وعبدتهم]. {وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ} (سورة الشعراء، الآية 94 وما بعدها)؛ وعبارة القرآن هنا تذكرنا بإنجيل متى (الإصحاح الخامس والعشرون، الآية 41): "ثم يقول أيضا للذين عن اليسار اذهبوا عنى يا ملاعين إلى النار الأبدية المعدة لابليس وملائكته". ولكن إبليس فى الوقت نفسه يحتال على الناس بحيل كثيرة ويضلهم إلا المؤمنين (سورة سبأ، الآية 19). وما الهاتف الذى يتردد فى الأدب العربى إلا صوت إبليس فى كثير من الأحوال؛ مثال ذلك: ما قيل من أنه هتف بعلى يحذره من تغسيل النبى؛ ثم هتف به هاتف آخر رده إلى الصواب (الثعلبى: قصص الأنبياء، ص 44). وقد أتاح الله ليوحنا المعمدان مرة أن يلقى إبليس، وسأل يوحنا إبليس متى يتمكن من بنى آدم فأجابه: "حين يأكلون ويشربون حتى يمتلئوا"، ومن ثم صح عزم يوحنا على ألا يبلغ فى طعامه أو شرابه هذا المبلغ.

وقيل فى تكاثر إبليس: إنه يبيض بيضتين كلما غشيه السرور إذ يعصى بنو آدم ربهم، وتخرج صغاره من هذا البيض. وقيل أيضا: إنه رزق عضو الذكر وعضو الأنثى، وإنه ينكح نفسه. المصادر: علاوة على المراجع المذكورة فى صلب المادة: (1) تفاسير القرآن للآيات التى استشهد بها. (2) Billische Legenden der Mu-: Weil selmanner، ص 12 وما بعدها. (3) Neue Beitrage zur Semi-: Grunbaum tischen Sagenkunde، ص 60 وما بعدها. (4) الديار بكرى: الخميس، القاهرة 1283 هـ، جـ 1، ص 31 وما بعدها. (5) البخارى: صحيح، باب "صفة إبليس وجنوده". خورشيد [فنسنك A.J.Wensinck] تعليق على مادة "إبليس" - 1 - تحميل القرآن ما ليس فيه قال الكاتب: "ويرد -أى إبليس- فى القرآن غالبا عند الكلام على بدء الخلق ... متمردا على خلق آدم، ومغويا لحواء فى الجنة" ثم عاد فزاد ذلك تفصيلا بمثل قوله: "وكان إبليس وثيق الصلة بحواء، وراح عندئذ يتحدث إليها من- فم الحية، وأنبأها بثمرة الشجرة ... فلما مضت حواء إلى الشجرة ظهر لها إبليس فى صورة ملك، ويقول آخرون إنه قدم لها ثمرة الشجرة بنفسه .. الخ". وردُّ اللاحق من هذا القول على السابق يفهم منه تحميل القرآن ما ليس فيه من أمر حواء فى قصة الخلق وما تفصل أوصافه مصادر أخرى غير إسلامية، أو مصادر إسلامية لا يلزم القرآن شيء مما فيها؛ وأقل ما فى كلام الكاتب وهو تقريره: أن إبليس يرد فى القرآن مغويا لحواء، ليس مما يتحمله القرآن، حتى مع قطع النظر عن كل التفصيلات الأخرى لهذا الإغواء. وبيان ذلك أن الآيات التى استشهد بها الكاتب، وعين أرقامها فى سورها، لم يذكر فيها اسم حواء مطلقا، كما لم يذكر فى غيرها من آيات القرآن هذا الاسم, وإنما ذكرت زوج آدم. وبعد هذا

لم يرد فى الحديث عن إغواء الشيطان، فى هذه الآيات، أن الإغواء كان لزوج آدم وحدها، بل كان الإغواء -حسبما ورد فى القرآن- إما لآدم وزوجه, وإما لآدم نفسه؛ وهكذا نجد فى الآيات: {فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ}. و: {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا} ... {وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21) فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا} ... الآيات، فإغواء الشيطان، كما هو صريح هذه الآيات، لهما؛ لا لحواء وحدها ولا لحواء أولا. وقد تذكر الوسوسة لآدم وحده كما فى سورة طه: {فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَاآدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ} .. الآية؛ وهكذا نرى بحق ألا يضاف إلى القرآن شئ من إجمال أو تفصيل عن حواء وإخراجها آدم من الجنة، و ... و ... مما يقال به عن رأى القرآن فى المرأة؛ كما لا يضاف إلى القرآن شئ من إجمال أو تفصيل عن بقية الأساطير المتصلة بهذه القصة، كالذى كتب على الحية أن تزحف على بطنها، بعد أن كانت دابة جميلة من ذوات الأربع. ومهما تكن تلك الأساطير قد وجدت مكانا، بل مكانا فسيحا، فى كتب التفسير الإسلامية، فليس يسوغ لعالم يبحث أن يورد الآيات التى عدها الكاتب من سورة البقرة، والأعراف، والحجر، والإسراء، والكهف، وطه، وص، شواهد على إغواء إبليس لحواء؛ ثم يورد معها بعد ذلك ما ذكره من تفاصيل هذا الإغواء المزعوم. -2 - فساد المنهج بالغرض قال الكاتب: "وقد جمع النبى فى هذا المقام بين قصتين: قصة خلق آدم، وقصة غواية حواء فى الجنة"، وواضح ما فى هذا التعبير من أن الأمر من صنع النبى؛ وهو ما نرى التعرض له هنا مما لا يجيزه البحث العلمى ولا يحتمله منهج التفكير والتناول السليم، دون نظر ما إلى أى اعتبار ديني، أو شعور تعصبى؛ فكما أنا لا نريد من الكاتب أن يقرر عقيدة الإسلام فى أن هذا القرآن موحى من الله، كذلك لا نقبل

منه أن يتعرض لغير عقيدة المسلمين فى أن القرآن ليس وحيا إلهيا؛ لأن المقام ليس مقام الحديث عن العقائد، لكنه مقام التقرير الدراسى لحقائق فى الثقافة الإسلامية بعامة، أو فى تعبير القرآن بخاصة، وهى تورد دون إشارة ما إلى العقيدة فى القرآن موافقة للإسلام أو مخالفة له، بأن يقول: وهذا جمع بين قصتين، أو يقول: وقد جمع -بالبناء للمجهول- فى هذا بين قصتين ... أو ما يماثل ذلك فيؤدى الملاحظة التى لاحظها، دون تعرض لعقيدته هو ضد هذا القرآن، أو عقيدة غيره فى جانب القرآن. وهذه الظاهرة -من حيث المنهج الصحيح- آفة القوم فى تناولهم؛ وقد علق عليها غير مرة فى ترجمة هذه الدائرة؛ ولا أعرض لها هنا إلا من الناحية المنهجية المحضة، تنزيها للبحث حين يبحثون هم، وللتعليق حين نعلق نحن على الصبغة الاعتقادية، والاندفاع المتعصب؛ وتطهيرا له من الغمز واللمز، مهما يكن قد وقع من المحظور فى تناولهم هم، أو كان تناولهم هذا كله ليس إلا خدمة لمثل هذه الأغراض ... ووفاء بعذر خير من عذر بغدر؛ كما قال الأولون عندنا، وكما نرجو أن ننهج نهجهم. -3 - إفساد الصلة بين الأديان قال الكاتب: "تستند قصة إبليس إلى الروايات النصرانية": كما قال أيضًا: "عبارة القرآن هنا تذكرنا بإنجيل متى (الإصحاح الخامس والعشرين، الآية 41) ... ورد اللاحق من عبارته إلى السابق منها، يشعر بأنه يؤكد بها ما يريد تقريره من استناد قصة إبليس فى القرآن إلى الرواية النصرانية. وهذه كذلك هى خلتهم فى الحرص على تقرير الأخذ، والاستناد، والتأثر، ما أشبه ... ونسألهم باسم منهج البحث والدرس السليم: فيم هذا الاستناد إلى الروايات النصرانية؟ ! والمسألة معروفة فى غير دين من الأديان؛ قد تحدث عن إبليس والشياطين؛ وفى هذه الأديان ما هو أسبق من النصرانية وأقدم، فبأى حجة يقرر هذا الاستناد إلى الروايات النصرانية بخاصة! !

وإلى جانب ذلك كله، هذا الاتصال بين الأديان، وتتابعها فى تقرير حقائق واحدة، وهو ما يكرره القرآن مرارا، ويقرر به وحدة التدين، وتصديقه لما بين يديه؛ فلم لا تكون هذه من الأشياء المشتركة بين الأديان المتواصلة، التى صدرت عن أصل واحد، لغاية واحدة! ! ولمَ نفسد هذه الصلة بين الأديان بالحرص على تقرير أصالة واحد منها، وأخذ الثانى عنه، أو استناده إليه، أو تأثره به! ! إن هذا الإفساد للصلة بين الأديان ليس من المنهج الاجتماعى الصحيح، ولا هو من خير البشرية فى شئ! ! ولا موضع للحرص الخاص عليه إلا بقدر ما يخدم الرغبة السيئة فى التفريق، وإشاعة البغضاء التى هى شر كلها. وفى هذا اللفت كفاية لما فى صنيع القوم، من الدخل المنهجى، والقصد من الدراسة إلى ما ليس من الخير، ولا من المصلحة فى شئ؛ وليست بنا حاجة ما إلى إثارة شئ من الجدل الديني، والتعصب المذهبى لأنه ليس من العلم فى شئ ولا من خير الناس فى شئ. -4 - ضيق النظرة نقل الكاتب لقاء يوحنا المعمدان لإبليس وسؤاله إياه، متى يتمكن من بنى آدم، وإجابته إياه، بأن ذلك حين يأكلون ويشربون. وهو استرسال من الكاتب فيما قصد إليه من الاستناد إلى الروايات النصرانية، والتذكير بإنجيل متى ... إلخ مما أشرنا إليه فى الفقرة السابقة؛ وأريد لأبين أن هذا الاتجاه قد ضيق نظرة الكاتب، ولم يدعه يرجع إلى الثقافة الإسلامية نفسها عن مثل هذه المعانى التى عنى بها فى المادة؛ ولو قد اتسع نظره فى تلك الثقافة الإسلامية، التى يكتب دائرة معارفها، لوجد فيها من الغرض لهذا المعنى ما هو أعمق نظرا، وأسلم تناولا من مقابلة إبليس وسؤاله، وإجابته الخيالية، فهذا الحكيم الترمذى يخرج هذا المعنى فى آفة الأكل والشرب، وتمكن إبليس بواسطتها من الإنسان؛ فنجد لإخراجه صورة حكمية أفضل من هذا الحوار المصطنع مع إبليس، إذ يقول الترمذى: " ... وذلك أن

ابن الأبار

العدو لما غره -أى آدم- حتي أكل من الشجرة وجد السبيل إلى معدته بتلك الأكلة، التى أطاعه فيها، فجعله مستقره" .. (رسالة حقيقة الآدمية ص 51)، وفى الكلام بقية صالحة فى تفسير نجاسة ما يخرج من هذا المستقر ... إلخ، ولو اتسع نظر الكاتب لاستغنى عن مقابلة إبليس ومحادثته بهذا التخريج الطيب، الذى يربط المسألة بفعله إبليس الأولى، وإغرائه لآدم. -5 - قرب التناول كتب هذه المادة رجل من وجوه القوم وأساطينهم فتناولها تناولا قريبًا، أورد فيه أساطير متعددة، عن قصة الإغراء، وعن بيض إبليس الذى تخرج منه صغاره؛ وكان المرجو أن يتناول الفكرة عن إبليس فى حياة الإنسانية وتدينها، وكيف جاءت هذه الفكرة فى القرأن الكريم والثقافة الإسلامية، فيخدم بذلك التاريخ الثقافى العام، وتاريخ الثقافة الإسلامية الخاص، بما يليق أن يصدر عن مثله من الباحثين. وربما كانت الأغراض الخاصة التى أشرنا إليها هى التى تصرفه وتصرف مثله عن هذا التناول العميق المجدى ... ولكنا رغم كل شئ نستمع وننصت .. ونشعر فى الوقت نفسه بما ينبغى أن يكون عليه البحث القيم فى تلك الثقافة الإسلامية، ونرجو أن يتم لها مع الأيام. [أمين الخولى] ابن الأبّار أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن أبى بكر بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أحمد ابن أبى بكر القُضَاعى، ويعرف بابن الأبار: مؤرخ ومحدث، وأديب وشاعر عربى، سليل قضاعة الذين نزلوا "أنْدَة" أرض أجدادهم بالأندلس؛ ولد فى بَلَنْسيَة فى ربيع الثانى عام 595 هـ (فبراير 1199 م). وتلقى العلم على أبى عبد الله بن نوح، وأبى جعفر الحصّار، وأبى الخطاب بن واجب، وأبى الحسن بن خْيرَة، وأبى سليمان بن حَوْط، وأبى عبد الله محمد بن عبد العزيز ابن سعادة وغيرهم.

وظل أكثر من عشرين عامًا على اتصال وثيق بأبى الربيع بن سالم أعظم محدثى الأندلس، وهو الذى حبب إليه إتمام كتاب "الصلَة" لابن بَشْكُوال. وكان كذلك كاتب سر والى بلنسية أبى عبد الله محمد بن أبى حَفْص بن عبد المؤمن بن على، ثم كاتب سر ابنه أبى زَيْد، ثم أخيرًا كاتب سر زَيّان بن مَرْدَنيش. ولما حاصر ملك أرغونة "دون جايم" Don Jayme مدينة بلنسية فى رمضان عام 635 هـ (إبريل - مايو 1238 م) أوفد ابن الأبار فى مهمة سياسية إلى سلطان تونس أبى زكريا يحيى بن عبد الواحد بن أبى حفص ليقدم إليه وثيقة يعترف فيها سكان بلنسية وأميرها بسيادة الدولة الحفصية، فلقى السلطان فى 4 من المحرم عام 636 هـ (17 أغسطس 1238 م) وأنشده قصيدة سينية يلتمس فيها مساعدته للمسلمين فى الأندلس. ثم رجع إلى بلنسية، ولكنه سرعان ما غادرها مع جميع أفراد أسرته إلى تونس قبل سقوط بلنسية فى أيدى المسيحيين، أو بعده بأيام قلائل، وذلك فى صفر 636 هـ (سبتمبر - أكتوبر 1238 م). ويذكر ابن خلدون أنه ذهب توًا إلى تونس، بينما يؤكد الغُبْرِينى أنه ذهب أولًا إلى "بجَاية" حيث اشتغل بالتدريس مدة من الزمن. ولقد أحسن سلطان تونس استقباله، وأصبح كاتب سره، وناط به رسم طغرائه وألقابه فى أعلى الرسائل والمنشورات السلطانية وتحت البسملة. ولم يلبث أن عُزل من هذا المنصب وأسند إلى أبى العباس الغَسّانى، وكان لا يشق له غبار فى كتابة الخطوط المشرقية التى كان السلطان يفضلها على الخط المغربى. وترك ذلك فى نفس ابن الأبار أثرًا عميقًا، ولكنه ظل بالرغم من التحذير المتكرر يضع الطغراء السلطانى على الوثائق التى كان يكتبها. واعتكف فى داره وألف كتابه المسمى "إعتْاب الكُتّاب" وأهداه إلى السلطان، فعفا عنه وأعاده إلى منصبه. ويرجع الفضل فى عودته إلى وساطة المستنصر بخاصة لدى أبيه السلطان. ولما مات أبو زكريا

وخلفه ابنه المستنصر، قرَّب ابن الأبار واستمع لنصحه، ولكنه أغضبه وحاشيته بسلوكه حتى اضطر آخر الأمر إلى تعذيبه. ووُجد بين ما صودر من مصنفاته قصيدة فى هجاء السلطان أغضبته غضبًا شديدًا فأمر به أن يقتل طعنًا بالحراب. ومات ابن الأبار فى صبيحة الثلاثاء 20 من المحرم 658 هـ (6 يناير 1260 م)، وفى اليوم التالى أحرق رفاته ومصنفاته وأشعاره وإجازاته العلمية فى محرقة واحدة. وصنف ابن الأبار - وهو الملقب "بالفأر" لأسباب مجهولة- عدة كتب فى التاريخ والحديث والأدب والشعر، لم يبق منها إلا المصنفات الآتية: 1 - كتاب التكملة لكتاب الصلة، (طبعة كودرا Coderal، مجريط 1889 م). 2 - المعجم فى أصحاب القاضى الإمام أبى على الصَدَفى (طبعة كودرا، مجريط 1886 م) 3 - كتاب الحُلَّة السيراء (طبع بعضه دوزى فى ليدن 1847 - 1851 م، كما نشر بعضه ميلز فى Beitr.Zur Gesch. der westl. Ara- ber ميونخ 1866 - 1887 م). 4 - تحفة القادم (Bibl.: Casiri Arab. Hsp جـ 1، رقم 354, 2؛ - Der Les Manuscrits arab. de l' Es-: enbourg curial، رقم 356، 2). 5 - إعتاب الكتاب (Casiri: فهرسة المذكور، رقم 1726). المصادر: (1) الغُبْرينى: عنوان الدراية فيمن عرف من العلماء فى المائة السابعة ببجَايَة، الجزائر 1338 هـ، ص 183. (2) ابن شاكر الكتبى: فوات الوفيات، بولاق 1299 هـ، جـ 2، ص 226. (3) المَقَّرى: نفح الطيب، القاهرة 1302 هـ، جـ 1، ص 631. (4) الزَرْكَشى: تاريخ الدولتين

ابن أبى أصيبعة

الموحِّدية والحَفْصيَّة، ترجمة فانيان Fag- nan، ص 36، 38، 48. (5) ابن خلدون: كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر فى تاريخ العرب والعجم والبربر، ترجمة ده سلان de Slane، جـ 2، ص 307، 347 - 350. (6) Geschichtschr. der: Wustenfeld Araber ص 128، رقم 344. (7) Scriptorum arab. loci de: Dozy Abbadides جـ 2، ص 46. (8) Pons Boigues: -Ensayo bio bibliografio ص 409. (9) Bibliotheca Arabigo-: Codera Hispana, جـ 4 (مقدمته "للمعجم" و"التكملة"). (10) Poesie und unst de: von Schack Araber جـ 1، ص 142 ومابعدها. (11) Gesch. der arab.: Brockelman Litt جـ 1، ص 340 وما بعدها. (12) Litterature arabe: Huart ص 204. [محمد بن شنب] ابن أبى أصيبعة مُوَفَّق الدين أبو العباس أحمد بن القاسم السعدى الخَزْرَجى: طبيب ومصنف فى السير، ولد بدمشق عام 600 هـ (1203 م) وتعلم الطب فيها، ثم فى القاهرة بالبيمارستان الناصرى؛ ونخص بالذكر من أساتذته ابن البيطار [انظر هذه المادة] العالم بالنبات. وفى عام 634 هـ (1236 م) شغل موفق الدين منصبًا فى أحد بيمارستانات القاهرة، ولكنه استبدل به فى العام التالى منصب طبيب الأمير عز الدين أيْدُمُر فى صَرْخَد، ومات فى هذه المدينة عام 668 هـ (1270 م). وأهم مصنفات ابن أبى أصيبعة كتابه فى تراجم الحكماء والأطباء المشهورين، الذى صنفه للوزير أبى الحسن بن غَزّال السامرى باسم "عيون الأنباء فى طبقات الأطباء" وقد نشره فى القاهرة عام 1299 هـ \ 18820 م) ميلر Miiiller ونشرت مقدمة له فى كونكز برغ 1884 م.

المصادر: (1) Histoire de la Medecine: Leclerc Arabe جـ 3، ص 187 وما بعدها. (2) uber Ibn Abi Ocaibi'a: A. Muller und seine Geschichte der Arzte فى أبحاث مؤتمر المستشرقين الدولى السادس المجتمع بليدن، جـ 2، ص 259 وما بعدها: وهناك مقالات أخرى: انظر المصادر التى ذكرها بروكلمان فى كتابه. Geschichte etc، جـ 1: ص 326. تعليق على مادة "ابن أبى أصيبعة" إن ترجمة حياة ابن أبى أصيبعة لا تعرف إلا من إشاراته القصيرة الواردة فى كتابه العظيم "عيون الأنباء فى طبقات الأطباء": كان جده خليفة ابن يونس الخزرجى فى عام 562 هـ من أتباع صلاح الدين عندما كان هذا البطل أميرًا وقائدًا فى خدمة عمه شيركوه. وولد ابنه الأكبر سديد الدين القاسم فى القاهرة عام 575 هـ، وولد ابنه الأصغر رشيد الدين على فى حلب عام 759 هـ وأصبح الاثنان من الأطباء المبرزين. وكانت دراسة الطب مزدهرة بنوع خاص فى مصر والشام، حيث أسس حكام قادرون (أمثال نور الدين بن زنكى وصلاح الدين) البيمارستانات فى دمشق والقاهرة، وشجعوا دراسة الطب ورجاله بكل الوسائل الممكنة. وكان من بين العلماء الأعلام الذين وفدوا من بغداد إلى دمشق والقاهرة "عبد اللطيف بن يوسف" الذى أصبح صديقًا حميمًا لخليفة بن يونس الخزرجى والذى درس لولديه اللذين كانا يطلبان العلم كذلك على الفيلسوف الطبيب اليهودى موسى بن ميمون. وقد درس القاسم "الكحالة" على أبى حجاج يوسف السبتى فى البيمارستان الناصرى بالقاهرة وأصبح كحالًا شهيرًا. وفى 606 هـ أبرأ الملك العادل سيف الدين من رمد شديد: والتحق منذ ذلك الحين ببلاط سلاطين الشام، وعين ناظرًا للكحالين: وتوفى فى دمشق عام 649 هـ. وكان ابنه أحمد -الذى ولد فى حدود عام 595 هـ فى القاهرة، والذى لقب باسم جده "ابن أبى أصيبعة"- شابًا موهوبًا

درس فيما بعد دراسة عملية وعلمية قيمة فى البيمارستان النورى، وتلقى الطب على رضى الدين الرحبى، وشمس الدين الكُلِّى (سمى كذلك لأنه كان يحفظ كُلِّيات قانون ابن سينا عن ظهر قلب)، وابن البيطار مؤلف جامع المفردات، وخاصة مهذب الدين عبد الرحيم بن على الدخوار (توفى عام 628 هـ) الذى أنشأ مدرسة ممتازة من الأطباء وكان له فضل عظيم على دراسة الطب فى عصره. وكان زميله فى البيمارستان الطبيب اليهودى عمران ابن صدقة الذى كانت لديه مكتبة غنية بالكتب الطبية. وكانت سنو دراسة ابن أبى أصيبعة على هذين الأستاذين محببة إلى نفسه، ومن المحتمل أنه استغل إلى حد كبير كتب ابن صدقة فى تأليف تاريخه. وكان ابن أبى أصيبعة يقوم حينًا من الزمن بالكحالة فى البيمارستان الناصرى بالقاهرة حيث استفاد من دروس السديد بن أبى البيان الإسرائيلى، الطبيب والعالم بالأقراباذين، وهو مؤلف كتاب الأقراباذين المعروف: "الدستور البيمارستانى". وعلى هذا النحو استطاع ابن أبى أصيبعة أن يحذق الطب من ناحيته العملية، كما كان فى الوقت نفسه يكتب تاريخه المعروف عن الأطباء. وتمت أول نسخة من هذا الكتاب فى حدود عام 640 هـ، ، ومنذ ذلك الحين أضاف المؤلف عدة زيادات وصلت بالتراجم إلى عام 667 هـ أى قبل وفاة المؤلف بعام واحد، ولهذا السبب تختلف النسخ المخطوطة الموجودة فيما بينها اختلافا بينًا. ولم يكن ابن أبى أصيبعة كاتبًا مجيدًا، كما ينقص كتابه فى بعض الأحيان الإصابة فى النقد، وقد جعلت كثرة ما أورده من الشعر -ومعظمه ردئ- دراسة هذا الكتاب من الصعوبة بمكان. على أن لابن أبى أصيبعة فضلًا عظيمًا بما جمعه من أخبار فاق فيها غيره فى التاريخ الطبى والعلمى للقرون الوسطى فى الشرق (ولا يستثنى من ذلك ابن النديم وابن القفطى). وقد أمدنا فوق ذلك بشئ عن الطب الهندى واليونانى لم يكن ليصل إلينا بدونه، كما أمدنا بتفاصيل وافية عن الحياة الاجتماعية والعلمية فى العالم الإسلامى. لذلك أصبح كتابه مصدرًا عظيم الأهمية

مكملًا لما كتبه عظماء المؤرخين المسلمين فى التواريخ العامة. ويحتوى كتابه على نبذ كثيرة أخذت من كتب أخرى فقدت منذ أمد بعيد، مثال ذلك: نبذ من كتب جالينوس الطبيب اليونانى المشهور، وحنين النصرانى وابنه إسحاق، وعبيد الله بن جبرائيل بن بختيشوع. ومن المسلمين ابن جلجل، والمبشر بن فاتك، والدخوار وكثيرون غيرهم. ومن الواضح أن ابن أبى أصيبعة قد ترجم لأطبائه تراجم دقيقة، وأن ما أثبته من الكتب بلغ من الثقة حدًا كبيرًا. وهذه الكتب الوفيرة التى أثبتها فى آخر كل ترجمة من الأربعمائة ترجمة التى كتبها عن رجال الطب فى العصر الإسلامى تعطينا فكرة صحيحة عن هذا الإنتاج العلمى العظيم لكثير من هؤلاء العلماء وما وصلوا إليه فى بعض الأحيان من المعرفة الشاملة العجيبة. وقد اعتمد الكتابان الموثوق بهما اللذان كتبا عن الطب الإسلامى باللغات الأوروبية، وهما كتاب فستنفلد Wustenfeld بالألمانية، وكتاب لكلرك Leclerc بالفرنسية، كل الاعتماد على مصنف ابن أبى أصيبعة "عيون الأنباء". وقد بدأ بترجمة هذا المصنف مع التعليق عليه كثير من العلماء (ريسكه Reiske وسنكوينتى Sanguinetti، وحامد والى أفندى) ولكنهم لم يسيروا فى الترجمة إلا بضع صفحات، مع أن الأطباء والمؤرخيىْ الذين يكتبون فى التاريخ العام عن الشرق فى أشد الحاجة إلى مثل هذه الترجمة. ونستدل من أقوال ابن أبى أصيبعة نفسه أنه ألف ثلاثة كتب أخرى، ولكنها لم تصل إلى أيدينا، وهى "كتاب حكايات الأطباء فى علاجات الأدواء" و"كتاب إصابات المنجمين" و"كتاب التجارب والفوائد"، ولا بد أنها كانت سجلًا طريفًا لأقاصيص طبية ومشاهدات مهمة له ولأساتذته فى البيمارستان. أما كتابه الثالث "كتاب التجارب والفوائد" فإنه لم يتم. مصادر أخرى: (1) حاجى خليفة: طبعة فلوكَل، جـ 4، ص 133، ص 288 - 289. (2) أحمد عيسى بك: تاريخ البيمارستانات، القاهرة 1928 م.

ابن الأثير

(3) Opuscula nned-: Reiskii et Fabri ica، هال (بألمانيا) 1776 م، ص 41 - 63. (4) Relation de l'Egypte: De Sacy par Abd al Latif, باريس 1810 م، ص 478. (5) Pusey , انظر تعليقاته فى Ca- talogus Bodleianus، جـ 2، ص 126. (6) Journ. Asialique: Sanguinetti المجموعة الثالثة، المجلد الخامس، ص 232 وما بعدها. (7) Uber Text und: A. Muller 'Sprachgebrauch von Ibn Abi Usaibia Geschichte der Aerzie فى Sitzungsber der Kgl. Bayer. Akad. d. Wissensch. Phil hist. Kl. 1884 H. V. ميونخ 1885 م، ص 853 - 978 (8) حامد والى Drei Kapitel aus der: -Aerztegeschicte des Ibn Abi Osaibi' a In ,aug Diss برلين 1910 م. (9) Geschichte der: J. Hirschberg Augenheilkunde im Mittelalter, ليبسك 1905 م. (10) Arabian Med-: E.G. Browne icine, كمبردج سنة 1921 م. (11) Science and: Max Meyerhof Medicine فى كتاب Legacy of Islam, أكسفورد 1931 م، ص وما بعدها. [ماكس ميرهوف Max Meyerhof] ابن الأثير يطلق هذا الاسم على إخوة من جزيرة ابن عمر يعدون من أشهر علماء العرب ومؤلفيهم. (1) أكبرهم مجد الدين أبو السعود السعادات المبارك ابن محمد، ولد عام 445 هـ (1149 م) وتوفى بالموصل عام 606 هـ). (1310 م) (انظر ابن الأثير: الكامل، جـ 21، ص 190)؛ وانصرف بخاصة إلى القرآن الكريم والحديث والنحو. وقد ذكر ابن خلكان مؤلفاته فى الوفيات (طبعة فستنفلد رقم 524؛ وطبعة بولاق، 1299 هـ, ص 557 - 558)، وياقوت فى إرشاد

الأريب، (طبعة مركوليوث، جـ 6، ص 238 وما بعدها). وبروكلمان (Gesch: Brockelmann، جـ 1، ص 357) أما فيما يتصل بتاريخ حياته، فقد درس النحو على يد ابن الدهان فى الموصل، والحديث فى بغداد، ثم اتصل بخدمة الأمير "قيماز" الذى كان يحكم البلاد مدة طويلة من قبل سيف الدين غازى، وتولى ديوان رسائل خليفتى غازى "مسعود ابن مودود و"نور الدين أرسلان شاه". على أن أخاه يحدثنا بأنه تردد فى قبول هذا المنصب الرفيع ولم يقبله إلا نزولا على إرادة نور الدين؛ ثم عرض له مرض كف يديه ورجليه، ويقول ابن خلكان: إنه ألف معظم كتبه، إن لم يكن كلها، وهو على هذه الحال. وجعل من منزله رباطا للمتصوفة. (2) وولد الأخ الثانى "عز الدين أبو الحسن على بن محمد" عام 555 هـ (1160 م) فى الجزيرة، وتوفى فى الموصل عام 630 هـ (1234 م) وهو صاحب الكتاب المشهور "الكامل فى التاريخ" الذى يستشهد به كثيرا فى هذه الدائرة، وصنف كذلك تاريخا لأتابكة الموصل (نشر فى Recueil des Historiens arabes de Croisades جـ 2)، كما صنف معجما مرتبا على حروف الهجاء عن الصحابة، عنوانه "أسد الغابة فى معرفة الصحابة، (طبعة القاهرة، 1258 هـ) ولخص كتاب الأنساب للسمعانى بعنوان "اللباب"، وجاء السيوطى بدوره فوضع مختصرا لهذا الكتاب عنوانه: "لب اللباب" (طبعة veth. Lugd. Bat., عام 1840 م). وأهم مؤلفاته جميعا كتابه فى التاريخ الذى انتهى بحوادث عام 628 هـ؛ وهو مصنف له قيمة عظيمة (فيما يختص بالجزء الأول منه. انظر Brockelmann: Das Verhaltnis von Ibn-el-Atirs Kamil fit -errusul wal tarikhzu Tabaris Ahbar muluk). وتلقى عز الدين العلم فى الموصل وفى بغداد، كما رحل إلى بلاد الشام, ووقف بقية حياته على العلم الذى انقطع له. (انظر ابن خلكان: وفيات، طبعة فستنفلد Wustenfeld , رقم 433؛

Geschichte: Brockelmann، جـ 1، ص 345 وقد ذكر كتبا أخرى). (3) وولد الأخ الثالث "ضياء الدين أبو الفتح نصر الله" عام 558 هـ (1163 م) فى الجزيرة، وتوفى عام 637 هـ (1239 م) ببغداد. وترجع شهرته على الأخص إلى أنه كان من أصحاب الأساليب. أما كتابه فى البلاغة "المثل السائر فى أدب الكاتب والشاعر" (طبعة بولاق 1282 هـ) فيعد من أهم المراجع فى العالم الإسلامى؛ وقد ذكر مؤلفاته الأخرى ابن خلكان وبروكلمان (Bockelmann، Gesch., جـ 1, ص 297). وهو على خلاف أخيه المؤرخ، عاش عيشة كلها نشاط وحركة؛ قدمه القاضى الفاضل إلى صلاح الدين، واتصل بخدمته عام 587 هـ وسرعان ما أصبح وزير الملك الأفضل بن صلاح الدين؛ ولما انتزعت دمشق من الملك الأفضل فرّ ضياء الدين بكل مشقة إلى مصر فى صندوق مقفل. وظل مختفيا حتى استقر الملك الأفضل فى سميساط التى عوض بها عن ملكه السابق. ولكن ضياء الدين لم يمكث بها سوى مدة قصيرة، ثم اتصل بخدمة صاحب حلب عام 607 هـ (1210 م)، ولم يطل مقامه هناك فغادرها سعيا وراء حظه إلى الموصل؛ ثم إربل فسنجار. وفى عام 618 هـ (1221 م) كتب الإنشاء لصاحب الموصل ناصر الدين محمود. وتوفى أثناء إحدى رحلاته لبغداد. أما ولده شرف الدين محمد، فقد كان أيضا مؤلفا، توفى فى ريعان شبابه عام 622 هـ (1225 م). المصادر: (1) ابن خلكان: وفيات: طبعة فستنفلد WUstenfeld, رقم 734. (2) Brockelmann كتابه المذكور. (3) انظر كولدسيهر Golaziher ومركوليوث Margoliouht فى المصادر التى ذكرها بروكلمان Brockelmann . وهناك مؤلفون آخرون يكنون بابن الأثير الدين أبى الفداء إسماعيل المتوفى عام 699 هـ (انظر Brock- elmann، كتابه المذكور، جـ 1، ص 341؛ ويذكر كولدسيهر Goldziher مؤلفا آخر

فى Abhandlungen zur arab. Philologie جـ 1، ص 71). تعليق على مادة "ابن الأثير" (2) أخذ ابن الأثير العلم عن شيوخ عصره بالجزيرة والعراق والشام، فسمع بالموصل من خطيبها أبى الفضل عبد الله بن أحمد الطوسى، وسمع ببغداد من أبى القاسم يعيش بن صدقة الفقيه الشافعى وأبى أحمد عبد الوهاب بن على الصوفى، وسمع بدمشق من زين الأمناء وغيره. وعاش ابن الأثير منقطعا إلى العلم تحصيلا وتدريسا وتصنيفا، وربما استسفره صاحب الموصل فى بعض الشئون السياسية لدى أولى الأمر ببغداد، كما يؤخذ من قول ابن خلكان: "وقدم بغداد مرارا حاجا ورسولا من صاحب الموصل". وقد روى عن ابن الأثير غير واحد من جلة العلماء. فابن خلكان يصرح بأنه عند ما لقيه فى صباه بحلب لازمه وتردد عليه، ويقول فى ترجمته أبو محمد التسترى: "وذكر شيخنا ابن الأثير فى تاريخه ... " وممن روى عنه أيضا الشرف بن عساكر وسنقر القضاعى اللذان يقول فيهما صاحب "طبقات الشافعية الكبرى"، "إنهما من أشياخ أشياخه". * * * لا شك أن كتاب "الكامل" الذى يقع فى اثنى عشر جزءا أجل تصانيف ابن الأثير وأشهرها. وكان جل اعتماده فى الأجزاء السبعة الأولى منه على أبى جعفر الطبرى، وقد اختصر الطبرى فحذف الأسانيد وترك الإسهاب واكتفى بالرواية الواحدة، على أن ذلك لم يمنعه من أن يستمد من مصادر أخرى كابن الكلبى والمبرد والبلاذرى والمسعودى ما ترك الطبرى عن قصد أو غير قصد، وذلك مثل أيام العرب قبل الإسلام والوقائع بين قيس وتغلب فى القرن الأول الهجرى، وغزو العرب السند، إلخ. وأما بقية أجزاء الكتاب فقد انتفع ابن الأثير فى تأليفها بكل المصادر العربية التى وصلت إلى يده، لذلك يعتبر كتابه بحق خلاصة وافية لما كتب

ابن الأحنف أبو الفضل العباس

المسلمون فى تاريخهم السياسى حتى سنة 628 هـ. وبعد: فابن الأثير مؤرخ يمتاز بشدة التثبت فيما ينقل، بل قد يسمو أحيانا إلى نقد المصادر التى يستمد منها، وله استدراكات وجيهة على الطبرى والشهرستانى وغيرهما من العلماء والمؤرخين الذين نقل عنهم. (انظر "وفيات الأعيان" لابن خلكان جـ 1، ص 208, 494 - 495 طبع بولاق سنة 1285 هـ؛ وكتاب "طبقات الشافعية الكبرى" للسبكى جـ 5، ص 127 طبع مصر سنة 1327 هـ؛ و"الكامل" لابن الأثير جـ 1، ص 127 و 131 طبع بولاق سنة 1290 هـ). Das Varhaltnis von: Von C. Brockelmann Ibn El-Atirs Kamil Fit Tarich zu Tabaris Ahbar Errusul Wal Muluk. Strassburg, 1890. عبد الحميد العبادى ابن الأحنف أبو الفضل العباس شاعر من شعراء بلاط هارون الرشيد، أجداده عرب من قبيلة حنيفة باليمامة، كانوا استقروا فى خراسان، ومع ذلك فإن الدماء الفارسية كانت تغلب عليه. وهو خال إبراهيم الصولى. ولقد صحب الرشيد فى حملاته على خراسان وأرمينية. ولما توفى حوالى عام 192 هـ (808 م) عهد إلى المأمون بالصلاة عليه. ولكن المسعودى يعطينا رواية أخرى عن خاتمة هذا الرجل؛ كما تذكر بعض الروايات أنه عاش بعد وفاة الرشيد. وكل شعره فى الغزل والنسيب، أما أسلوبه فيميل إلى الصناعة والبعد عن الطبيعة. ولقد بزه معاصره أبو نواس وأطفأ شهرته، ولكنه مع ذلك كان يفوق أبا نواس فى شخصيته وسلامة ذوقه، وطُبع ديوانه مع ديوان ابن مطروح (الآستانة 1888 م) وبه ترجمة للشاعرين اعتمد فيها على ابن خلكان. المصادر: (1) ابن خلكان، طبعة فستنفلد Wustenfeld رقم 319. (2) الأغانى، جـ 8، ص 15 وما بعدها.

(3) ابن قتيبة: كتاب الشعر، طبعة ده غويه de Goeje, ص 363, 518, 525 - 527. (4) المسعودى: مروج الذهب، الفصل 117. (5) Geschichte etc.: Brockelmann جـ 1، ص 74 وما بعدها، ص 514. [ت. هـ. فاير T. H. Weir] تعليق على مادة "ابن الأحنف" أوجز الكاتب فى تحليل شعر ابن الأحنف ونقده؛ ومن المهم أن نضيف إلى كلامه هاتين الخصيصتين: الأولى - وقوف ابن الأحنف عند غزل المؤنث فى عصر أبى نواس حين كان النسيب يفيض بالكلام عن الغلمان، حتى ليصعب أن نجد شاعرا خلا شعره من غزل المذكر. الثانية - قصر الهوى على محبوبة واحدة هى "فوز" فى عصر كان الهوى فيه من عبث النفس والقول، وكان الشعراء يغرمون بالطواف العابث فى رياض الجمال. أما الناحية التى غلبت على شعره فهى الإشادة بفضل الكتمان، وكنت أنتظر أن يقول القدماء "كتمان ابن الأحنف" كما قالوا "خيال البحترى" لإكثاره من الحديث عن الطيف. وشعر ابن الأحنف فى الكتمان كثير جدًا، وهو يفتن فيه افتنانا عجيبا، وإليك هذين البيتين: قد سَحَب الناس أذيال الظنون بنا ... وفرّق الناس فينا قولهم فرقا فجاهل قد رمى بالظن غيركمو ... وصادق ليس يدرى أنه صدقا وفى شرح شواهد ابن عقيل للعدوى (ص 22 طبع الحلبى) أن ابن الأحنف مات هو وإبراهيم الموصلى والكسائى النحوى فى يوم واحد، فرفع ذلك إلى الرشيد فأمر المأمون أن يصلى عليهم فصفوا بين يديه فقال: من هذا الأول؟ : قالوا: إبراهيم الموصلى. فقال: أخروه، وقدموا العباس بن الأحنف: فقدم فصلى عليه. فلما فرغ وانصرف دنا منه هاشم بن عبد الله بن مالك الخزاعى فقال: يا سيدى! كيف آثرت العباس بن الأحنف بالتقدمة على من حضر؟ فأنشد المأمون:

وسعى بها ناس فقالوا إنها ... لهى التى تشقى بها وتكابد فجحدتهم ليكون ظنك غيرهم ... إنى ليعجبنى الحب الجاحد وإن صحت هذه الرواية كان ذلك دليلا على أن القدماء تنبهوا إلى فضل كلامه فى الكتمان. وكان لشعر ابن الأحنف ذكر عند علماء البلاغة حين يتكلمون عن الرقة والجزالة، واختار له أبو الهلال العسكرى ثلاثة أبيات (انظر الصناعتين، ص 44، طبع الآستانة). ويمكن أن يقال إنه فى العصر العباسى كعمر بن أبى ربيعة فى العصر الأموى، فكلاهما قصر شعره على النسيب وتنزه عن المدح والهجاء. والفرق بينهما أن ابن أبى ربيعة عابث، أما ابن الأحنف فكان من المتيمين. وفى زهر الآداب كلمة نفيسة فى وصف شمائل ابن الأحنف (يجدها القاريء فى ص 85، 86، جـ 4). زكى مبارك + وابن الأحنف، عباس أبو الفضل شاعر غزل من شعراء العراق توفى فيما يظهر بعد عام 193 هـ (808 م) وتنتسب أسرته إلى عشيرة حنيفة العربية، من كورة البصرة، ولكنها نزحت إلى خراسان. ومع ذلك فإن أباه عاد إلى البصرة فيما يبدو، وهناك توفى على ما يقال سنة 150 هـ (767 م؛ انظر الخطيب البغدادى، ص 133). ولد العباس حوالى 133 هـ (750 م) ونشأ فى بغداد (ولا بد أن يكون هذا هو معنى الفقرة التى أوردها ابن قتيبة، ص 525، وكلمات الصولى التى استشهد بها الخطيب، ص 128، وكلمات الأخفش التى رددها الأغانى، الطبعة الثالثة، جـ 8، ص 353). ونحن لا نعلم شيئا عن أيام مراهقته ولا عن دراساته. ولا شك فى أنه بدأ يقرض الشعر فى سن مبكرة جدا، وشاهد ذلك حديث بشّار (المتوفى سنة 167 هـ = 783 م) عن أول ما قال من الشعر ونعته إياه بالفتى أو الغلام (الأغانى، الطبعة الثالثة، جـ 8، ص 355 وما بعدها؛ الخطيب، ص 130). وكل ما نعلمه عن تفصيلات حياته يظهره فى ثوب المقرب إلى الخليفة هارون الرشيد، على أن

الرشيد لم يتخذه مداحا له بقدر ما اتخذه نديما يسامره فى ساعات فراغه. ومن الثابت فيما يبدو أن الشاعر صحب الرشيد فى حملاته على خراسان وأرمينية، ولكن الحنين إلى الوطن غلبه فأذن الخليفة له بالعودة إلى بغداد (الأغانى، الطبعة الثالثة، جـ 1، ص 372). وكانت للعباس أيضا صلة بكبار عمال الدولة من البرامكة، وخاصة يحيى بن جعفر (الأغانى الطبعة الثالثة، جـ 5، ص 168, 241). ونستطيع أن نذهب إلى أن بعض السيدات من حريم الخليفة كن يستحسن كثيرا أشعار ابن الأحنف مثل أم جعفر التى أجزلت له العطاء (الأغانى، الطبعة الثالثة، جـ 8، ص 369). وقد رفع من مكانته رضى أصحاب السلطان عليه، وشاهد ذلك أن ابن أخته إبراهيم الصولى المتوفى سنة 243 هـ (857 م) وهو شاعر أيضا، كان كاتبا (انظر عنه المسعودى: المروج، جـ 7، ص 237 - 245؛ الخطيب، ص 129؛ ويلاحظ أن إبراهيم كان عم أبى بكر الصولى المشهور. ولم يصل إلينا شئ تقريبا عن صلات ابن الأحنف الأدبية. والظاهر أنه كان على صلة سيئة بمُسلم بن الوليد (الخطيب، ص 128) وأبى هذيْل العلاف المعتزلى (الأغانى، جـ 5، ص 354). وتروى روايات مختلفة فى وفاته، فقيل إنه توفى سنة 188 هـ (803 م؛ الأغانى جـ 5، ص 354) وكرر الخطيب (ص 133) رواية الأغانى؛ وقيل أيضا سنة 192 هـ (807 م؛ الخطيب، ص 133، وياقوت، جـ 4، ص 283)؛ وقيل أن وفاته وقعت بعد عام 193 هـ (808 م) كما فى رواية صديق له يقال إنه لقيه فى بغداد بعد وفاة الرشيد التى حدثت فى السنة نفسها (الخطيب، ص 133؛ ابن خلكان). ويحتمل أن سنه كانت وقتذاك حوالى الستين. ويقال إنه توفى وهو فى طريقه إلى الحج ودفن بالبصرة (الخطيب، ص 132 - 133؛ المسعودى, جـ 7، ص 247). وقد جمعت آثار ابن الأحنف بعد وفاته على يد "زُنْبُور، ثم جمع أبو بكر الصولى المختار منها (الفهرست، ص 163, 151)، وترجم الصولى لابن الأحنف أيضا (المصدر المذكور،

ص 151) ترجمة استخدمها بإفاضة أبو الفرج الإصفهانى فى ما كتبه من أخبار ابن الأحنف. وليست بين أيدينا معلومات عن الروايات فى شعره التى انتشرت فى خراسان فى حياة عبيد الله بن طاهر المتوفى سنة 300 هـ (912 م؛ انظر الأغانى، جـ 8، ص 353) ولا يستطيع المرء أن يستبعد الفرض الذى يذهب إلى أن أبياتا لشعراء مجهولين قد ضمت إلى هذه الروايات عن خطأ. (انظر التفصيل الذى ذكره المرْزبانى، ص 292). ومهما يكن من شئ فإن ياقوت (جـ 4، ص 284) يشير إلى أن مخطوطات عصره كانت متضاربة. وآثار ابن الأحنف محفوظة فى مخطوطين اثنين من المختار الذى صنعه الصولى. وقد اعتمدت طبعة استانبول التى تشوبها المآخذ على مخطوط ثالث لعله مفقود (طبعة إستانبول سنة 1298 هـ = 1880 م، وقد صدرت صورة منها طبق الأصل فى القاهرة - بغداد سنة 1367 هـ = 1947, انظر Diwan d'al Abbas b. al-Ahnaf: A Khursaji رسالة قدمت إلى كلية الآداب، باريس سنة 1953). والمجموعة الموجودة من شعره قطع قصيرة فى معظمها، وربما كان بعضها مجرد مقتطفات من قصائد طويلة. وكان العباس بن الأحنف -كما أجمع كتاب سيرته المسلمون- لا يقول الشعر إلا فى غرض واحد هو الغزل (وانظر مثلا ابن قتيبة، ص 525؛ الفهرست، ص 132؛ الأغاني، الطبعة الثالثة، جـ 8، ص 352). ويؤيد ذلك القطع التى بقيت بين أيدينا من شعره. فهو يظهر فيها ناسجا على منوال شعراء الحجاز أى عمر بن أبى ربيعة بعامة، وجميل والأحوص والعرجى بخاصة، وهم الذين كانت نزعات مدرستهم قد بدأت تستقر فى آثارهم وتتخذ قالبا مقررا. وعاد يظهر فى أشعار ابن الأحنف ذلك النهج النفسى للمحب الخاضع، بل بدت أيضا تلك الشخصيات المتوهمة للرقيب والواشي. وقد صورت المرأة التى يشيد بها فى صورة وقفت عند نمط معين، حتى إننا لنعجز عن القول: هل يعمد الشاعر إلى مجرد الجمع بين قوالب جامدة أم هو ينبعث من تجربة حقيقية. وليست كل

أشعاره مع ذلك تعبيرا عن الحب المثالى، إذ نحن نجد فيها (الديوان، طبعة استانبول، ص 148 - 150) عربدة مع قيان. وعلى كل فإن شعر ابن الأحنف على طرفى نقيض مع شعر أبى نواس الذى يشيع فيه التمجيد الشهوانى لمحبوبه. وفن العباس يغلب عليه التقليد وإلهامه يبعث الملالة فى النفس. على أنه يتحاشى فى أسلوبه المحسنات البلاغية التى لا غناء فيها، ولغته تشبه لغة أبى نواس فى بساطتها وتدفقها مع البعد عن الابتذال والإسفاف. ولا يمكن أن ننسب رواج شعر العباس من أول الأمر إلى مجرد وجود أثر هلينى فيه أو إلى توقير لسنة عربية قديمة فحسب، بل يجب أن نضع فى الاعتبار أيضا المجتمع الذى عاش فيه الشاعر، ذلك أن أشعار العباس قد تردد فيها نزوع الرشيد إلى الفنون وذوق نساء البلاط فكانت بذلك مادة مهيئة للملحنين والمغنين مثل إبراهيم الموصلى (انظر الأغانى، الطبعة الثالثة، جـ 6، ص 182؛ جـ 8، ص 361, 354 - 356. على أن الرضا عليها من قبل أدباء كالجاحظ وابن قتيبة والمسعودى، ومحب للموسيقى مثل الخليفة الواثق، ورجل من الظرفاء مثل أبى بكر الصولى، ثم رجل صارم الخلق مثل سلمة بن عاصم (انظر ابن قتيبة: الشعر، ص 525 وما بعدها، وخاصة الأغانى، الطبعة الثالثة، جـ 8، ص 354 وما بعدها) ليدل على أن هذه الآثار الشعرية كان من الممكن أن يستحسنها جمهور له أذواق شتى. ومن العسير أن نحدد مكانة العباس بن الأحنف فى تاريخ الشعر العربى. هاذا كانت الأندلس الإسلامية قد قدرت هذا الشاعر المشرقى (انظر ابن حزم: طوق الحمامة، طبعة Bercher, ص 285؛ La Poesie and alouse en arabe clas-: Peres sique au Xle siecle ص 54, 411) فإن المرء قد يجد فيه شاعرا من الشعراء الذين أثروا فى شعر الغزل الذى كانت تقدره هذه البلاد تقديرا عظيما. ومن ثم يكون شأنه فى تطور هذا الضرب من الشعر على أعظم جانب من الأهمية. وقد حاول نقاد من المشارقة حديثا مثل

فريد رفاعى والبهبيتى أن يكشفوا عما يمكن أن يبقى له قيمة خالدة فى شعر العباس. وقد وضع هل Hell وتورى Torrey فى دراستين ثاقبتين الشاعر فى بيئته ولاحظا أثره فى الأدب العربى. المصادر: (1) ابن قتيبة: الشعر، طبعة ده غويه: ص 525 _ 527. (2) المسعودى: المروج، جـ 7، ص 145 - 148. (3) الأغانى، الطبعة الثالثة، فى مواضع مختلفة، جـ 8، ص 352 - 372. (4) المرزبانى: الموشح، ص 290 - 293. (5) الفهرست، ص 132, 151, 163. (6) الخطيب البغدادى: تاريخ بغداد، جـ 12، ص 127 - 133. (7) ياقوت: إرشاد الأريب، جـ 4، ص 233 - 234. (8) ابن خلكان، رقم 319 (ناقلًا عن الخطيب والمسعودى). (9) فريد رفاعى: عصر المأمون، جـ 2، ص 393 - 399. (10) البهبيتى: تاريخ الشعر العربى القاهرة سنة 1950 م، ص 401 - 406. (11) Al- Abbus i. Al-Ahmaf: J.Hell - der Minnsanger am Hofe Harun Al Rashids فى Islamica، سنة 1926 م، ص 271 - 307. (2) The history of: C. C. Torrey Al-Abbas b. Al-Ahnaf and his fortunate verses فى. D. S. A سنة 1894 م. ص 43 - 70. (13) Gesch der Arab.: Brockelmann Litt جـ 1، ص 74، قسم 1، ص 114. خورشيد [بلاشير R.Blachere]

ابن إسحاق

ابن إسحاق أبو عبد الله محمد: مؤلف عربى وثَبْت فى الحديث. وهو حفيد يسار الذى أسر عام 12 هـ (633 م) فى الكنيسة بعين التَمْر بالعراق ثم جلب إلى المدينة وأصبح من موالى قبيلة عبد الله بن قيس، وهناك شبَّ محمد؛ وقد انصرف إلى جمع الأخبار والقصص المتعلقة بسيرة النبى [- صلى الله عليه وسلم -]. وسرعان ما اصطدم بأئمة الحديث أصحاب الرأى السائد فى المدينة، وعلى الأخص بمالك بن أنس الذى اتهمه بالتشيع وانتحال الكثير من القصص والأشعار التى أذاعها. لهذا ترك ابن إسحاق وطنه وذهب إلى مصر أولًا ثم إلى العراق، وأغراه الخليفة المنصور بالقدوم إلى بغداد حيث توفى عام 150 هـ (767 م) أو 151 أو 152 هـ. كما تقول بعض الروايات. ويظهر أنه دوّن سيرة النبى [- صلى الله عليه وسلم -] فى كتابين: أولهما "كتاب المبتدأ" انظر الفهرست أو "مبتدأ الخلق" (انظر ابن عَدى فى ابن هشام، طبعة فستنفلد جـ 2، ص 8 من المقدمة ف 1، ص 23) أو "كتاب المبدأ وقصص الأنبياء" (الحلبى، السيرة، جـ 2، ص 235) وهو تاريخ النبى [- صلى الله عليه وسلم -] حتى الهجرة. وثانيهما كتاب "المغازى"، ويظهر أن هذا الكتاب- الذى هو أهم مؤلفاته- قد قلّل منذ القدم من شان مؤلفه "كتاب الخلفاء" وقد ظن "كاراباسك Karabacek أنه عثر على ورقة من النص الأصلى لسيرة النبى [- صلى الله عليه وسلم -] بين مجموعة البردى الخاصة بالأرشيدوق "راينر" Rainer (انظر FUher durch die Sammlung رقم 665). ومن جهة أخرى فإن كتاب المغازى الذى ينسب إلى ابن إسحاق والمحفوظ فى مكتبة "مدرسة كوبريلى" باستانبول (دفتر، رقم 1140) قد تبين أنه نسخة من كتاب ابن هشام (انظر Horovitz فى. Mitt. des Sem. fur. orient Sprachen جـ 10، Westas Stud ص 14) ويظهر أن الماوردى كان يعتمد على الأصل، فهو يروى عن المغازى فى

كتابه "الأحكام السلطانية" (طبعة إنكر Enger، ص 65، س 11 وما بعده، ص 65 - 66، 67 - 68, 69) قصصًا توجد فى كتاب ابن هشام، ولكن فى صورة مقتضبة. ولا يزال كتاب المغازى باقيًا حتى اليوم فى الفقرات المسهبة التى أوردها الطبرى، ولكنه لا يوجد فى صورة قائمة بذاتها إلا فى اقتباس ابن هشام [انظر هذه المادة] الذى عرف كتاب المغازى عن طريق تلميذ مباشر لابن إسحاق هو زياد بن عبد الله البكّائى الكوفى. فقد جمع ابن هشام كتابى ابن إسحاق واختصرهما كثيرًا فى مواضع معينة, واستخلص منهما "كتاب سيرة رسول الله [- صلى الله عليه وسلم -]، وأخرج الكتاب فى صورته الحالية فى القرن الرابع الهجرى للوزير المغربى وشرحه السهيلى المتوفى عام 508 هـ (1114 م) كما شرحه شرحًا سطحيًا جدا أبى ذر مصعب بن محمد بن مسعود المراكشى المتوفى عام 604 هـ (1207 م) بمدينة فاس. المصادر: (1) ابن قتيبة: كتاب المعارف، طبعة فستنفلد Wustcnfeld, ص 247. (2) الطبرى: ذيل المذيل، فى حوادث سنة 150 هـ , جـ 4، 3، ، ص 2512. (3) ابن خلكان: طبعة فستنفلد, رقم 623, طبعة القاهرة 1299 هـ، جـ 1، ص 611. (4) ياقوت: إرشاد الأريب, جـ 6 , ص 399 - 401. (5) Sprenger فى Zeit schr: d. Deutsch Morg Ges, جـ 14 , ص 288 - 290. (6) الكاتب نفسه فى Mi- Leben hamunedc, جـ 3, ص 70. (7) Geschichte ds Qorans: Noldeke ص 14 Mohammed in Me-: Wellhausen dina, ص 11. (9) Weltgesohiohie: Ranke, المجلد الثانى، ص 252.

ابن إياس

(10) Geschic his-: Wustenfeld chreiber der Araber رقم 28. (11) Der islamische: M. Hartmann Orient جـ 1، ص 32 وما بعدها. (12) Biographien uon: A. Fischer -Gewahrsmannern des Ibn Ishaq, haupt sachlich aus ad Dahabi ليدن 1890 م، انظر Zeitschr. d. Deutsch. Morg، جـ 46. ص 148 وما بعدها. (13) Das Leben Muhammed's nach Muhammed Ibn Ishak bearbeitet uon Abd al-Malik Ibn Hischam طبعة فستنفلد. F Wustenfeld، كوتنكن 1858 - 1860 م، وأعيد طبعها فى ليبسك، 1899 م، وأعيد طبع السيرة فى بولاق 1295 هـ وعلى هامش "زاد المعاد" لابن قيم الجوزية، القاهرة 1324 هـ. (14) P. Bronnle: Die Commentat- oren des Ibn Ishaq und ihre Scholien, وهى رسالة جامعية، هال 1895 م. (15) Die Kommentare des Suhaili -and des Abu dau dan zu den Uhud Gedichien in der Sira des Ibn Hisharn . Gll -638) nach den Hdss (ed. Wust. I,. Leipzig en Berlin, Strassburg. Paris und نشرها A. Schaade رسالة جامعية، ليبسك 1908 م (, Leipz. Sem. Stud. III a). (16) Commentary on Ibn Hischam's Biography of Muhammed to Abu Dzarr's -in Berlin Constantinople and The Escori al نشره Paul Bronnle فى Monumenis of Arabin Philology جـ 1، ص 2، القاهرة 1911 م. [بروكلمان C. Brovkelmann] ابن إياس (" أياس" فى اللهجة العامية) محمد ابن أحمد: أهم مؤرخ إخبارى عربى لعصر اضمحلال دولة المماليك، ولد عام 852 هـ (1448 م) ويظهر أنه توفى بالغًا من العمر ثمانين عامًا تقريبًا، لأن تاريخه ينتهي بحوادث عام 928 هـ؛ أسرته من أصل تركى: وكان جده لأبيه

"إياس الفخرى" مملوكا تركيا يكنى باسم سيده "من جُنَيْد" بيع إلى السلطان الظاهر برقوق وألحق بمماليكه، ووصل إلى رتبة "داوادار" ثان. وقد بلغ جده لأمه رتبة أكبر فى سلم الوظائف الرسمية: فقد كان "أزدمر الخازندار" أحد الأرقاء الذين بيعوا في مصر. وشغل آخر الأمر أرفع المناصب فى القاهرة إبان حكم السلطان حسن والسلطان الأشرف شعبان، ثم ولى طرابلس وحلب ودمشق على التوالى. وكان والد ابن إياس فى القاهرة من "أولاد الناس" وهم نوع من "الرديف" عليهم القيام بالخدمة العسكرية عندما يأمر السلطان، ويعطون نظير ذلك قطائع من الأرض أو مبلغ ألف دينار أو راتبا سنويا (ألف درهم إبان حكم قايتباى) [انظر ابن إياس، طبعة بولاق، جـ 2، ص 195 وفى مواضع مختلفة]. وكان أحمد بن إياس رجلا بارزا يتصل بكثير من الأمراء وأصحاب المناصب الرفيعة بالنسب أو بالمصاهرة. وأعقب أحمد بن إياس خمسة وعشرين ولدا، عاش منهم بعد وفاته ثلاثة ذكور وثلاث إناث، من بينهم مؤرخنا الذى نترجم له، وأخوه الذى كان رئيسا للمدفعية "زردكاش". وأهم مؤلفات ابن إياس تاريخه الإخبارى المفصل عن مصر، وعنوانه "بدائع الزهور فى وقائع الدهور"، وهو الوحيد من كتبه الجدير بأن تبقى له قيمة على الأيام، لأنه يتناول باختصار تاريخ مصر القديم إلى نهاية عصر الأيوبيين، ولكن المؤلف لم يتحرّ -فى الغالب- التحقيق فيما كتبه عن عصر المماليك حتى عهد قايتباى، بيد أنه توخى الإسهاب فى روايته للحوادث التى تبدأ باعتلاء قايتباى عرش السلطنة المصرية، وذكر تراجم كبار رجال الدولة، ووضع ثبتا شهريا بالوفيات. وإذا تعمقنا فى دراسة هذا الكتاب واجهتنا مسألة: هى أن هذا الكتاب قد بقى فى نسختين على ما يظهر، المختصرة، وهى يوميات المؤلف كما هو واضح، لأن الحوادث التى وقعت عام 921 هـ - مثلا -كما يؤخذ من النص- دونت بأكملها فى أول المحرم عام 922.

وثمة دليل آخر هو أن النسخة المختصرة كتبت باللهجة الدارجة بينما النص المسهب للنسخة المطولة الموجود بمخطوط بلندن مصقول مهذب (انظر مقال فولرز Vollers المستفيض فى Revue d'Egypte , جـ 3، ص 551). زد على ذلك أن وصف الحوادث التى وقعت بين عامى 922 و 928 هـ أكثر إسهابا منه فى أجزاء الكتاب المتقدمة، وقد يكون هذا الوصف المسهب جزءا من النسخة المطولة إذا كان ابن إياس هو الذى ألفه حقيقة. ومن العجيب أن الكلام عن حكم السلطان الغورى من 906 - 912 هـ (مخطوط باريس) ومن 913 - 921 هـ (مخطوط بتروغراد) (¬1). لا يوجد فى النسخ الأخرى (ومن ثم لم يثبت فى طبعة القاهرة). وهذا ما دفع فولرز - Vol lers فى مقاله المشار إليه آنفا إلى استنتاج أن هذا الجزء من التاريخ لم يكن لابن إياس، ولكن من المحقق أن هذا الجزء بالذات من نتاج قلم هذا المؤرخ، ¬

_ (¬1) ظهر إلى الضياء فى مجلد ضخم، تولت نشره جمعية المستشرقين الألمانية - Deutsche Mor genlaendische Gesellschaft وعنى باخراجه الأستاذ باول كاله Paul Kahle الأستاذ بجامعة بون، بمعاونة الأستاذ محمد مصطفى مدرس العربية بها، والأستاذ سوبرنهايم، فى مجلد فى خمسمائة صفحة من القطع الكبير (استانبول سنة 1931). وصدره الأستاذ كاله بمقدمة بالألمانية قارن فيها النصوص المختلفة التى وصلتنا من مؤلف ابن إياس. يتناول ابن اياس فى هذا المجلد عصر السلطان الغورى منذ بدايته، باسهاب وافاضة، ويدون حوادثه شهرا فشهرا، ويوما فيوما تقريبا، ويتحدث عن كل ما يتعلق بالسياسة والحرب والبلاط والحكومة والأمن والقضاء والوظائف والشئون المالية والاقتصادية، ويتتبع بالأخص علائق البلاط القاهرى بالبلاط العثمانى. ويبدو جليا من روايته أن بلاط القاهرة، كان يشعر بأن خطر الفتح التركى لمصر غدا قريب الانقضاض. ويصانع بلاط قسطنطينية ما استطاع سبيلا إلى ذلك (ص 289) وكان سلطان الترك سليم الأول من جانبه يخادع سلطان مصر ويهاديه ويراسله (ص 200 و 384) على أن بلاط القاهرة لم يخدع ولم يطمئن. بل كان الغورى دائب الاهبة والاستعداد, ولكن الانحلال كان يسود شئون مصر يومئذ، وكانت الثورات الداخلية تفت فى نظمها وأهبتها، وكان الفساد يقضم أسس نظمها العامة سواء فى الادارة أو القضاء (ص 249، 256، 257, 264). ويتحدث ابن إياس عن مقدمات الفتح، ويذكر كيف أن أميرا مصريا نقم على السلطان وفر إلى القسطنطينية ونقل إلى سليم الأول أخبار مصر وأحوالها. وأطلعه على قواتها واأسرار دفاعها، وحدثه عما يسودها من الاضطراب والضعف. ثم يقول: فعندئد طمعت آمال ابن عثمان أن يملك مصر، والله تعالى غالب على أمره" مما يدل بان المجتمع القاهرى كان يشعر بدنو النكبة وانقضاضها (ص 471, 473). محمد عبد الله عنان

والدليل على ذلك أنه كان شاهد عيان للحوادث التى رواها. مثال ذلك ما يذكره من مشاهداته لأحد المواكب أو تأثره شخصيا بالحوادث (سرقات المماليك). وهناك دليل آخر: هو وصفه الدقيق لشئون عائلته عند وفاة والده، وذكره لأخيه من حين إلى آخر. وتاريخ ابن إياس الإخبارى سرد لأعمال حكام عصره، كما أنه وصف للحوادث الأخرى. ولا يمكن أن ينكر أن ابن إياس كان على شئ من القدرة فى النقد، ولو أنه كان فى كثير من الأحيان يقسو فى أحكامه، بيد أنه كان يحس أن فساد الإدارة المالية فسادا تاما وإهمال المدفعية -وكثيرا ما ندد به- قد كانا السبب فى اضمحلال الدولة، ولكنه كان ظالما فى إلقاء جميع التبعة من سوء الحالة المالية على السلطان الغورى. وترجع قيمة هذا الكتاب العظيمة أيضا إلى أنه فى بعض أجزائه يعد المرجع العربى الوحيد الذى يتناول الكلام عن بداية القرن العاشر. أما كتبه الأخرى فأقل أهمية، وهى: (1) نَشْق الأزهار فى عجائب الأقطارء وهو كتاب فى خلق الكون، مع الإشارة إلى مصر بخاصة، وكثيرا ما استعمله علماء أوروبا فى القرن التاسع عشر واستشهدوا به فى كثير من الأحيان. (2) مرج الزهور فى وقائع الدهور، وهو تاريخ ذائع عن الرسل والأنبياء قليل الأهمية، وربما كان لغير المؤلف. (3) نزهة الأمم فى العجائب والحكم، وهو فى التاريخ أيضا لا يعرفه إلا القليلون, ء ولا يوجد إلا فى مخطوط واحد بالآستانة. المصادر: (1) تاريخ ابن إياس، طبع بالقاهرة عام 1301 - 1306 هـ, وبالمطبعة الأميرية ببولاق عام 1311 - 1312 هـ. (2) Geschichte d. arab.: Brockelmann .Lit، جـ 2، ص 295. (3) انظر مقال Vollers المشار إليه أعلاه. [سوبر نهايم M. Sobernheim]

ابن بطوطة

ابن بطوطة (بطوطة) محمد بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم أبو عبد الله اللواتى الطنجي: رحالة ومصنف عربي، ولد فى 14 رجب عام 703 هـ (24 فبراير 1304) فى طنجة. بدأ بالحج إلى مكة عام 725 هـ (1325 م) عن طريق شمالى إفريقية فمصر العليا فالبحر الأحمر. ولم يستطع أن يجد هناك وسيلة آمنة لعبور البحر فعاد أدراجه ووصل إلى غايته عن طريق الشام وفلسطين، ومن مكة اخترق العراق، ثم زار بلاد العجم، كما زار الموصل وديار بكر، وزار مكة للمرة الثانية وقضى فيها عامى 729 و 730 هـ. وذهبت به رحلة ثالثة إلى جنوبى بلاد العرب فإفريقية الشرقية وعاد منها إلى الخليج الفارسى، ومن هرمز رجع إلى مكة ثم عاد إلى آسية الصغرى وبلاد القريم عن طريق مصر والشام؛ وزار القسطنطينية فى حاشية الأميرة اليونانية زوجة السلطان محمد أوزْبك. ومن الفلجا اخترق خوارزم وبخارى وأفغانستان فى طريقه إلى الهند، وولى القضاء فى دهلي، واشترك بعد عامين فى بعثة سياسية إلى الصين، ولكنه لم يصل إلا إلى جزائر ذيبة المهل Maldives (¬1) حيث ولى القضاء مدة عام ونصف عام؛ وذهب من هناك إلى الصين عن طريق جزيرة سيلان والبنْغال والهند الأقصي، وليس من المحقق أنه تجاوز زيتون Zaitun وكانتون. Canton ثم رجع إلى بلاد العرب عن طريق جزيرة سومطرة (انظر Arabie en: Snouck Hurgronje Oost-Indie, ليدن 907، ص 7 وما بعدها؛ وهناك ترجمة فرنسية فى. Revue de 1'Hist. des Rel, سنة 1908، جـ 57، ص 62 وما بعدها) ونزل إلى البر فى المحرم 748 هـ عند ظفار. وبعد رحلة فى بلاد العجم والشام وما بين النهرين قام من مصر إلى مكة لأداء فريضة الحج للمرة الرابعة، ثم عاد ¬

_ (¬1) وهى جزائر ذيبة المهل (بكسر الذال وفتح الميم والهاء) وقد جرى الافرنج على الاصطلاح الآرى وهو: مهل ذيبة، وحرف الها. غير منطوق عندهم فقال مل ذيبة ثم انتهوا الى Maldives وجاء المترجمون فى هذه الأيام فنقلوا عنهم بغير علم ولا روية فقالوا "ملديف" خطأ. وأهلها -وقد رأيتهم- لا يزالون يقولون مهل ذيبة "ذيبة المهل". أحمد زكى (باشا)

فاخترق شمالى (فريقية، ودخل مدينة فاس فى شعبان عام 750، وبعد أن مكث فيها مدة طويلة ذهب الى غرناطة. وقادته رحلته الأخيرة الطويلة إلى بلاد السودان بإفريقية عام 753 - 754 هـ فزار تمبكتو ومالى ثم رجع إلى مراكش عن طريق واحتى غات وتوات؛ وهناك أملى أخبار رحلته على العالم محمد بن محمد بن جُزَى (أنظر de Slane فى المجلة الأسيوية، سنة 1843. جـ 1، ص 244 وما بعدها) فكتبها ابن جزى فى أسلوب أدبى تأثر فيه كثيرًا بكتاب ابن جبير، ومات ابن جزى عام 757 هـ (1356 م) بعد الفراغ من عمله بمدة وجيزة. ويوجد بعض هذه النسخة التى خطها ابن جزى بيده بباريس (أنظر رقم 907 فى ملحق فهرست المكتبة الأهلية بباريس. وتوفى ابن بطوطة عام 779 هـ (1377 م) فى مراكش. ولقد نشر دفرمرى Defremery وسانكونتى Sanguinetti مصنفة "تحفة النظار فى غرائب الأمصار وعجائب الأسفار" فى أربعة مجلدات، باريس سنة 1853 - 1859، وظهرت الطبعة الثالثة منه عام 1893, وطبع بالقاهرة عام 1287 - 1288. 1322 هـ, ونجد مصادر أخرى عن ابن بطوطة فى Die Reise des Arabers Ibn: H. von Mzik Batuta durch Indien and China (XIV (Jahrh فى Bibl. dankwurdiger Reisen المجلد الخامس، هامبورغ 1911. [بروكلمان C. Brockelmann] تعليق على مادة "ابن بطوطة" (1) لازال لفيف المشتغلين بالشرق محتاجا إلى ترجمة أو فى لحياة ابن بطوطة. ومع أن الأستاذ (H. A. Gibb) قد سد بعض هذه الحاجة فى المقدمة التى صدر بها كتاب المختارات التى نقلها حديثا إلى الإنجليزية من رحلات ابن بطوطة (. Gibb: Ibn Batuta, Rout- 1929 , ledge, London) فإن المهتمين بعصر هذا الرحالة النابه متشوقون لرؤية الطبعة الكاملة لكتاب تحفة النظار الذى أزمع الأستاذ إخراجها فى سلسلة (Hakluyt Society) ليستوفوا ما لم يكن من المستطاع كتابته عن ابن بطوطة فى حيز المقدمة المذكورة. ويتبين من هذه المقدمة وسائر الكتاب: متنه وحواشيه، أن ابن بطوطة توفى سنة 770 هـ (1368 - 1369 م)، وأن اسمه موجود حتى الآن بمراكش،

وأن بمدينة الإسكندرية، التى زارها ابن بطوطة، فى اول سفرة له، طريقا سمى باسمه. ثم إنه لما كان ابن بطوطة لواتيا أولا، طنجيا ثانيا، فإن موطنه الأصلى بلاد برقة، قرب الحدود المصرية الغربية، حيث كانت مساكن قبيلة لواته، إبان ظهورها بكتب التاريخ (Blochet: 3 .d'Egypte, p.145 N Hist.). ولقد أنجبت أسرة ابن بطوطة عدة قضاة، منهم الرحالة نفسه، وابن عم له، كان قاضيا بمدينة أندة، بين إشبيلية ومالقة، بالأندلس الإسلامية (ياقوت: معجم البلدان، طبعة ليبزج، جـ 2 ص 825). فابن بطوطة إذن وليد أسرة عريقة فى الاشتغال بالعلوم الشرعية، أى الدينية، وهو -على حد التعبير الأوروبى- من أبناء الطبقة الدينية العليا، فى المجتمع الإسلامى فى القرون الوسطي. ولذا فالراجح أنه درس العلوم الدينية، وتفقه فيها، ويضاف إلى هذا أنه تعلم الأدب، ومارس الشعر، ودرس اللغة الفارسية، وشواهد كل ذلك فى بطن كتابه. وفى سن الحادية والعشرين سافر ابن بطوطة وحده من طنجة، ثانى رجب 725 هـ (14 يونية 1325 م) لأداء فريضة الحج، فاتخذ طريق الحاج المعتاد من بلاد المغرب ولحق بقافلة غرضها الحج مثله. ويظهر أن علمه وتدينه جذبا إليه قلوب أفراد القافلة، فعينوه قاضيا عليهم قبيل مسيرهم من تونس. زار ابن بطوطة قاضى الإسكندرية عند وصولها، ونزل ضيفا على أحد علمائها، المسمى برهان الدين، ثلاثة أيام، من مدة إقامته هناك. ولقد توسم فيه برهان الدين حب التجوال، وأوصاه إذا ذهب إلى الهند، أو السند، أو الصين أن يزور أفرادًا سماهم له. ويظهر أن أطراف هذا الحديث المبروك حركت فى قلب الشاب ابن بطوطة عزما على زيارة جميع البلاد الإسلامية، وأن هذا العزم قوى فى نفسه، بعد تجاريبه أثناء هذا السفر إلى مكة، ذلك أنه زار فى طريقه إلى القاهرة أحد الأولياء الصالحين، وكان مقيما بقرية قبالة بلدة فوة على النيل، فرأى فى منامه -وهو عنده- أنه زار مكة واليمن والهند على جناحى طائر أخضر. وقد قص رحالة المستقبل رؤياه على الشيخ، ففسرها بأنه سيزور مكة واليمن والعراق وبلاد الترك والهند. ومما قوى عزم ابن بطوطة

ابن البيطار

أيضا أنه لم يستطع الذهاب إلى مكة عن طريق عيذاب المصرية، فاضطر إلى السفر إلى مكة مع الركب الدمشقى. وحدث أنه وصل دمشق قبل قيام الركب بشهور، فصرف وقته فى زيارة الشام جميعها، حتى حدود آسيا الصغرى، وذاق حلاوة السفر والتجوال، لغير غرض سوى الاستطلاع والاستمتاع. ليس بغريب إذن أن يغرم ابن بطوطة بالتجوال والترحال بعد ما سمع من عالم الإسكندرية وشيخ فوة ماسمع، وبعد ما رأى من أرض الشام مارأى. وأن يزيد هذا الغرام كلما زاد هو فى أسفاره، سيما وأن مركزه الدينى سهَّل عليه كثيرا من عثرات التنقل ووعثاء السفر، لأنه كان موضع التجلة والاحترام، فى معظم الأمكنة التى حل بها. ويتجلى حب الاستطلاع الذى حمل ابن بطوطة إلى الأماكن النائية كالهند والصين، فيما ورد فى كتابه عن هذين البلدين، كما يتجلى أيضا اهتمامه برجال الدين وأمور الدين فى كل صحيفة من كتابه. وهذا كله يميز كتاب: "تحفة النظار" عن كتب الرحلات، فإنه ليس كتابا وصفيا للبلاد والجبال والأنهار التى راها ابن بطوطة. بل هو عبارة عن نسخة من الصور التى ارتسمت فى ذهن الرحالة عن الأشخاص والناس الذين ألقت بهم الصدف فى طريقة. فهو صفحة من التاريخ الاجتماعى الإسلامى، أكثر منه كتابا فى تقويم البلدان والجغرافيا. محمد مصطفى زيادة ابن البيطار أبو محمد عبد الله بن أحمد ضياء الدين بن البيطار المالقى: عالم النبات والأعشَاب المشهور؛ والراجح أنه ينتسب إلى أسرة ابن البيطار فى مالِقَة (انظر ابن الأبار: المعجم، رقم 35، 165، 241). ولد فى الربع الأخير من القرن السادس الهجرى (الثانى عشر الميلادى) ونخص بالذكر من شيوخه

فى علم النبات أبا العباس النباتى الذى كان يجمع النباتات من أرباض إشبيلية؛ ولما بلغ ابن البيطار العشرين من عمره تقريبا جاب شمالى إفريقية ومَرَاكش والجزائر وتونس لدراسة النباَت، وعندما بلغ مصر، وكان على عرشها الملك الكامل الأيوبى، التحق بخدمته فأقامه "رئيسًا على سائر العَشابين"، ولما توفى الكامل استبقاه فى خدمته ابنه الملك الصالح نجم الدين الذى كان يقيم فى دمشق، وبدأ ابن البيطار من دمشق يدرس النباتات فى الشام وآسيا الصغرى بصفته طبيبًا عشَّابًا، وكتب مؤلفيه اللذين اشتهر بهما، وهما: ثمرة دراساته العلمية والعملية: أولهما "كتاب الجامع فى الأدوية والمُفردات" (هكذا يقول ابن أبى أصيبعة فى كتابه، الجزء الثانى، ص 133) طبع عام 1291 هـ بعنوان "كتاب الجامع لمُفردات الأدوية والأغذية" وهو مجموعة من العلاجات البسيطة المستمدة من المعدن والنبات والحيوان، جمعت من مؤلفات الأغارقة ابن البيطار والعرب ومن تجاريب المؤلف الخاصة، وهو مرتب على حروف المعجم؛ وثانيهما "كتاب المُغنى فى الأدوية المُفَردة" فى العقاقير، تناول فيه علاج الأعضاء عضوًا عضوًا بطريقة مختصرة كى ينتفع به الأطباء، وكان ابن أبى أصيبعة للميذًا لابن البيطار صحبه فى رحلاته للكشف عن النباتات فى أرباض دمشق، ولكنه لم يعطنا معلومات وافية عن أستاذه. توفى ابن البيطار عام 646 هـ (1248 م) في دمشق. ولقد ترجم أول الكتابين سونتهايمر J. V. Sontheimer ترجمة غير موفقة، أما الترجمة التى نشرها لكليرك Notices et Extraails us Leclere مجلد 23، جـ 1، والمجلد 25، جـ 1 (1877 - 1883) فيمكننا الاعتماد عليها. المصادر: (1) ابن أبى أصيبعة: طبعة ميلر، جـ 2,ص 133. (2) Gesch. d. Arab Ar-: Wtistenfeld zle رقم 231.

ابن تيمية

(3) Analecta Medice: Fr. R. Dietz . etc المجلد الأول جـ 1 , Elenchus ma leriae medicae ibn Beitharis etc (ليبسك 1833 م). (4) Etudes Historiques et: Leclerc Philologiques sur Ebn Beithar المجلة الآسيوية، السلسلة الخامسة، مجلد 19 (1862) ص 433 - 461. (5) الكاتب نفسه: Hist.de la Mede cine Arabe جـ 2، ص 225، باريس 1876 م. (6) الكاتب نفسه: Traite des simples par Ibn el-Beithar فى Notices et Extraits (تقدم ذكره). (7) Grosse Zu-: J. V. Sontheimer sammenstellung uber die Krafte der bek einf Heilmittel، طبع فى شتوتكارت 1870 - 1872 م. (8) Gesch. d. Botanik: Meyer , جـ 3، ص 227 - 234. (9) Deutsch. Mor- Zeitschr.: Dozy genl جـ 82، ص 183. (10) Les Plantes: E. Sickenberger Egyptiennes d' lbn al-Baitar. فى مجلة المجمع العلمى المصرى، السلسلة الثانية، رقم 10، 1890. (11) Gesch. d. ar.: Brockclmann litt، جـ 1, ص 492؛ انظر جـ 2، ص 705. [رُسكا T. Ruska] ابن تيمية تقى الدين أبو العباس أحمد ابن عبد الحليم بن عبد السلام عبد الله بن محمد ابن تيمية الحَزَانى: متكلم وفقيه عربى، ولد فى يوم الاثنين 10 ربيع الأول 661 (12 يناير 1263) فى حَرَان بالقرب من دمشق. وقد فرّ أبوه من جور التتار، ولجأ بأسرته إلى دمشق فى منتصف عام 667 هـ (1268 م). وعكف أحمد الحدث فى قصبة بلاد الشام على دراسة العلوم الإسلامية، وحضر على والده، كما حضر على زين الدين أحمد ابن

عبد الدايم المقدسى، ونجم (¬1) الدين بن عساكر زينب بنت مكى وغيرهم. وأتم دراسته ولما يبلغ العشرين من عمره، ولما توفى والده عام 681 هـ (1282 م) خلفه فى تدريس الفقه الحنبلى، وكان يفسر القرآن على كرسى من حفظه يوم الجمعة من كل أسبوع، وبرع فى علوم القرآن والحديث والفقه والكلام وغير ذلك. ولقد دافع عن سنن السلف الصالح من المسلمين بأدلة لم يسبق إليها، مع أنها مستقاة من القرآن والحديث، ولكن حريته فى الجدل والمناظرة جلبت عليه عداوة الكثيرين من علماء المذاهب الثلاثة الأخرى؛ وحج إلى مكة عام 691 هـ (1292) ولماكان فى القاهرة فى ربيع الأول عام 699 هـ (1299 م) أو 698 هـ أفتى فى مسألة جاءته من حماة عن صفات الله بما ألَّب عليه علماء الشافعية وأغضب الرأى العام، فكان جزاؤه الحرمان من منصب التدريس، ومع ذلك فقد عهد إليه فى العام نفسه الحض على جهاد التتار، ولهذا السبب شخص فى العام التالى إلى القاهرة، وشهد بصفته هذه وقعة شَقْحَب التى انتصر فيها المسلمون على التتار بالقرب من دمشق، وقاتل ابن تيمية عام 704 هـ (1305 م) الكَسْرَوانيين فى بلاد الشام بما فيهم الإسماعيلية والنصيرية والحاكمية الذين كانوا يعتقدون بعصمة على بن أبى طالب ويرمون الصحابة بالكفر، والذين كانوا لا يقيمون الصلاة ولا يصومون، والذين كانوا يأكلون لحم الخنزير إلخ (مرعى: كواكب، ص 155) ثم ذهب عام 705 هـ (1306 - 1307 م) إلى القاهرة صحبة قاضى الشافعية، وشهد فيها خمس مرات مجالس القضاة والأعيان بقاعة الحضرة السلطانية - وهناك اتهمه القاضى بالقول بالتجسيم، فحكم عليه بأن يلقى هو وأخواه فى الجب بقلعة الجبل، وبقى فيه سنة ونصف سنة؛ وفى شوال عام 807 هـ (1308) نوقش فى مسألة كتبها فى الرد على مذهب "الاتحادية" إلا أن الحجج التى جاء بها لم تلبث أن جردت خصومه من أسلحتهم، وصدر ¬

_ (¬1) مجد الدين بن عساكر، فى الفوات، جـ 1، ص 44، طبعة القاهرة عام 1283 هـ

الأمر بترحيله على البريد إلى دمشق ثم حمل على العودة إلى القاهرة بعد مرحلة، وسجن بحبس القضاة لأسباب سياسية سنة ونصف سنة علّم أثناءها أهل الحبس أمور الدين. وأخلى سبيله أياما قلائل ثم اعتقل في برج بالإسكندرية ثمانية أشهر، ثم عاد إلى القاهرة حيث حصل على وظيفة مدرس في مدرسة أسسها السلطان الناصر، مع أنه امتنع عن إفتاء هذا السلطان بما يجيز له الانتقام من أعدائه .. وفي ذى القعدة سنة 712 هـ (فبراير 1313 م) خُوّل صحبة الجيش المقاصد إلى بلاد الشام، وبعد أن توجه في طريقه إلى بيت المقدس دخل دمشق ثانية بعد غيبته عنها سبع سنين وسبع جُمع واستأنف حينئذ التدريس إلا أنه منع في جمادى الآخرة 817 (أغسطس 1318) بكتاب السلطان من أن يفتى في مسألة الحلف بالطلاق (أن يحلف شخص بالطلاق من زوجته وأن يعلق ذلك بحدوث شيء أو عدم حدوثه) وهي مسألة أباح لنفسه فيها حلولا عدة لا يقبلها فقهاء المذاهب الثلاثة الأخرى (ابن الوردى: تأريخ، جـ 2 ,ص 267) الذين يقولون بأن الذي يوقع هذا الحلف معرض للعقاب مع إلزامه بالوفاء بعقده. ولم يخضع ابن تيمية لهذا الأمر فحكم عليه بالسجن في قلعة دمشق، وذلك في رجب عام 720 (أغسطس 1320) وأفرج عنه بعد خمسة أشهر وثمانية عشر يوما بأمر السلطان، ولكنه عاد إلى سابق عهده، حتى ظفر له أعداؤه بفتواه في مسألة شد الرحال إلى قبور الأنبياء والصالحين التي أصدرها عام 710 هـ (1310 م). وصدر في شعبان عام 726 (يولية 1326) مرسوم السلطان باعتقاله في قلعة دمشق، فأخليت له قاعة كان يخدمه فيها أخوه، وفيها أقبل على تفسير القرآن وكتابة الرسائل للرد على المخالفين، وصنف مجلدات عديدة في المسألة التي حبس بسببها, ولما اتصل بأعدائه خبر هذه المصنفات جرّد من كتبه وأوراقه ومداده، وكان هذا الحادث ضربة حاطمة نزلت به. ومع أنه كان يطلب السلوى في الصلاة وتلاوة القرآن إلا أنه مرض عشرين يوما،

وتوفى ليلة الاثنين عشرين ذى القعدة سنة 728 (26 - 27 سبتمبر 1328). وكان أهل دمشق يجلونه ويعظّمون من قدره فاحتفلوا بجنازته احتفالا رائعًا، وقدر عدد من حضر دفنه في مقابر الصوفية بمائتى ألف رجل وخمسة عشر ألف امرأة. ولقد كتب ابن الوردى مرثية له. وكان ابن تيمية من الحنابلة إلا أنه لم يتبع تعاليم هذا المذهب من غير تبصر أو روية، بل كان يعد نفسه "مجتهدًا" في المذهب. ويعطينا مرعى كاتب سيرته (الكواكب) عدة مسائل لم يأخذ فيها ابن تيمية "بالتقليد" بل ولا "بالإجماع". وهو يصرح بأنه يتبع القرآن والحديث بظاهر لفظهما في جل مؤلفاته، ولكنه كان في الوقت نفسه لا يرى من الخطأ أن يستعين بالقياس في مناظراته، وعلى الأخص في مجموعة الرسائل الكبرى (جـ 1، ص 207) وقد خصص رسالة قائمة بذاتها لهذا الأسلوب من التدليل (كتابه المذكور جـ 2، ص 217). وكان ابن تيمية عدوا لدودا للبدع، فقد هاجم التضرع للأولياء وزيارة القبور، ألم يقل الرسول: "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، ومسجدى هذا"؟ (الكتاب المذكور، جـ 2، ص 93). وحتى الرحلة التي يقصد منها زيارة قبر النبي فقط فهي معصية (ابن حجر الهيتمى: الفتاوى، ص 87) ومن جهة أخرى فإنه لم يحرم زيارة قبر المسلم، متبعا في ذلك رأى الشعبى، وإبراهيم النخعى، إلا إذا كانت هذه الزيارة تقام في يوم معين وتحتاج لرحلة خاصة. وبهذا التحديد كان يعتبر تلك الزيارة واجبا تقليديا (صلى الدين الحنفى: القول الجلى، ص 119 وما بعدها). وكان ابن تيمية مسرفا في القول بالتجسيد ومن ثم كان يفسر كل الآيات والأحاديث التي تشير إلى الله بظاهر اللفظ، وقد تشبع بهذه العقيدة إلى درجة أن ابن بطوطة يروى عنه أنه قال من منبر جامع دمشق: "إن الله ينزل إلى سماء الدنيا كنزولى هذا" ثم نزل درجة من درج المنبر (انظر على

الأخص، مجموعة الرسائل الكبرى جـ 1، ص 387 وما بعدها). وقد هاجم ابن تيمية بقلمه ولسانه كل الفرق الإِسلامية كالخوارج والمرجئة والرافضة والقدرية والمعتزلة والجهمية والكرامية والأشعرية وغيرها (رسالة الفرقان ومجموعة الرسائل الكبرى, جـ 1، ص 2) وقال إن عقائد الأشعرى ما هي إلا مزيج من آراء الجهمية والنجارية والضرارية وغيرها، وكان يعارض بنوع خاص تفسير القدر، وأسماء الله الحسنى والأحكام، وانفاذ الوعيد إلى غير ذلك (الكتاب المذكور، جـ 1، ص 77، ص 445 وما بعدها). وكان يخالف أئمة الفقهاء في مسائل كثيرة، مثال ذلك: 1 - كان يرفض العمل بالتحليل الذي تستطيع به امرأة طلقت طلاقا بائنًا أن تتزوج مرة أخرى من زوجها بعد أن يعقد لها على رجل آخر "محلل" على أن يطلقها هذا الرجل بعد ذلك مباشرة. 2 - هجر المرأة أثناء الطمث باطل. 3 - المكوس التي لم يرد بها نص في القرآن مقبولة والذي يدفعها يعفى من الزكاة. 4 - ليس من الزندقة أو المروق أن ترى رأيا مخالفا للإجماع. وطعن كذلك على الرجال الذين يعدّون حجة في الإِسلام، وهاجم الغزالي بشدة. كما هاجم محيى الدين بن عربى وعمر بن الفارض والصوفية بوجه عام. أما فيما يختص بالأول فقد طعن في آرائه الفلسفية التي ضمنها كتابيه: "المنقذ من الضلال"، و"إحياء علوم الدين" الذي يحوى عددًا كبيرًا من الأحاديث غير الموثوق بها، فقال: "المتكلمون والصوفية في واد واحد"، وحارب في حماسة بالغة الفلسفة اليونانية ومنتحليها من المسلمين، وعلى الأخص ابن سينا وابن سبعين: ألا تؤدى الفلسفة إلى الكفر؟ ألم تكن في الأغلب مصدر الفرق المختلفة التي نشأت في صدر الإسلام؟ ولما كان الإِسلام قد جاء ليحل محل اليهودية والمسيحية، فمن الطبيعى أن

يدعوابن تيمية إلى مهاجمتهما، فبعد أن اتهم اليهود والنصارى بتغيير معنى بعض الكلمات في كتبهم المقدسة (انظر مؤلفاته المذكورة فيما بعد، رقم 35، 40، 43، 45) كتب رسائل يعارض فيها صيانة معابد اليهود أو بناءها، وعلى الأخص الكنائس (انظر كتابه رقم 46). ولم يتفق علماء المسلمين في سُنية ابن تيمية؛ ومن بين الذين يرمونه بالزندقة -على أقل تقدير- ابن بطوطة، وابن حجر الهيتمى وتقى الدين السبكي، وابنه عبد الوهاب، وعز الدين بن جماعة وأبو حيان الظاهرى الأندلسى وغيرهم، ومع ذلك فربما كان عدد الذين يمدحونه أكثر من عدد الذين يذمونه، فمن بين الذين يمتدحونه: للميذه ابن قيّم الجوزية، والذهبي وابن قدامة، والصرصرى الصوفي، وابن الوردى وإبراهيم الكورانى، وعلى القاري الهروى، ومحمود الآلوسى، وغيرهم. ولا يزال الخلاف في ابن تيمية باقيا إلى يومنا هذا، فلم يرحمه يوسف النبهانى في كتابه "شواهد الحق في الاستغاثة بسيد الخلق" (طبعة القاهرة 1323 هـ) وردّ على هذا الكتاب أبو المعالى الشافعي السلامى في كتابه "غايات الأمانى في الرد على النبهانى" (طبعة القاهرة 1325؟ ). ونحن نعلم أن مؤسس الوهابية اتصل بعلماء دمشق الحنابلة، فمن الطبيعى أن يكون قد استفاد من مؤلفاتهم، وعلى الأخص من تعاليم ابن تيمية وتلميذه ابن قيم الجوزية، وأصول هذا المذهب الجديد هي التي كان يحارب من أجلها ابن تيمية المتكلم الحنبلى العظيم طيلة حياته. وانتهى إلينا من بين آثاره الخمسمائة التي يقال إنه صنفها: 1 - رسالة الفرقان بين الحق والباطل. 2 - معارج الوصول، وهو تفنيد لقول الفلاسفة والقرامطة الذين يذهبون إلى أن الأنبياء قد يكذبون في بعض الأحيان.

3 - التبيان في نزول القرآن. 4 - الوصية في الدين والدنيا (ويطلق عليه "الوصية الصغرى"). 5 - رسالة في النيَّة في العبادات. 6 - رسالة العرش هل هو كُرّى أم لا؟ . 7 - الوصية الكبرى. 8 - الإرادة والأمر. 9 - العقيدة الواسطية. 10 - المناظرة في العقيدة الواسطية. 11 - العقيدة الحموية الكبرى. 12 - رسالة في الاستغاثة. 13 - الإكليل في المتشابه والتأويل. 14 - رسالة الحلال. 15 - رسالة في زيارة بيت المقدس. 16 - رسالة في مراتب الإرادة. 17 - رسالة في القضاء والقدر. 18 - رسالة في الاحتجاج بالقدر. 19 - رسالة في درجات اليقين. 20 - كتاب بيان الهدى من الضلال في أمر الهلال. 21 - رسالة في سنة الجمعة. 22 - تفسير المعوذتين. 23 - رسالة في العقود المحرمة. 4 - رسالة في معنى القياس. 25 - رسالة في السماع والرقص. 26 - رسالة في الكلام على الفطرة. 27 - رسالة في الأجوبة عن أحاديث القُصّاص. 28 - رسالة في رفع الحنفى يديه في الصلاة. 29 - كتاب مناسك الحج. وهذه الأبحاث الصغيرة جمعت في مجموعة عنوانها "مجموعة الرسائل الكبرى", طبعة القاهرة 1322 هـ. 30 - الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان (القاهرة 1310, 1322 هـ). 31 - الواسطة بين الخلق والحق لا (القاهرة 1318 هـ). 32 - رفع الملام عن الأئمة الأعلام (القاهرة 1318, 1323 هـ).

33 - كتاب التوسل والوسيلة (القاهرة 1327). 34 - كتاب جواب أهل العلم والإيمان بتحقيق ما أخبر به رسول الرحمن من أن قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن (انظر. Revue Afrio, سنة 1906، ص 267) القاهرة 1322 هـ. 35 - الجواب الصحيح لمن بَدَّل دين المسيح، وهو في الرد على رسالة بولس أسقف صيداء وأنطاكية، وفيها هاجم المسيحية ورفع من شأن الإِسلام. القاهرة 1322 هـ Een Arab. Hands-: P. de Jong) - Chrift, behelzende Verslagen en bestrij ding van het Christendom -Mededeel ingen der Kon. Akad, van Wetenschappen Letterkunde . afd السلسلة الثانية، المجلد الثامن، 1878, ص 218 - 219؛ 232 - 233؛ . Revue Afric 1906, ص 283). 36 - الرسالة البعلبكية (القاهرة 1328 هـ). 37 - الجوامع في السياسية الإلهية والآيات النبوية (بومباى 1306 هـ). 38 - تفسير سورة النور (طبع على هامش جامع البيان في تفسير القرآن، وطبع طبعة حجرية في دهلى 1296 هـ). 39 - كتاب الصارم المسلول على شاتم الرسول (حيدر آباد 1322 هـ). 40 - تخجيل أهل الإنجيل وهو رد على النصرانية، فهرس مكتبة بودليانا جـ 2، ص 45، واستعان به ماراتشى Maracci في بحثه التمهيدى لكتابه Refutatio Alcorani 41 - المسألة النصيرية، وهي فتوى ضد النصيرية الذين كانوا يقطنون جبال الشام، ترجمها Guyard في المجلة الأسيوية، السلسلة السادسة سنة 1871 , جـ 18، ص 158؛ Salsbury . Journ. Amer. Or. Soc جـ 2، عا م 1851، ص 257؛ القاهرة 1323. 42 - العقيدة التَدْمُريَّة (برلين رقم 1995). 3 - اقتضاء الصراط المستقيم ومجانبة أصحاب الجحيم. وهو في الرد على اليهود والنصارى (برلين رقم 2084).

44 - جواب عن "لو" (طبع على هامش كتاب السيوطي "الأشباه والنظائر"، حيدر آباد 1317 هـ، جـ 3، ص 310). 45 - كتاب الرد على النصارى (فهرس المتحف البريطانى، الفهرس رقم 865 ,1). 46 - مسألة الكنائس (المكتبة الأهلية، رقم 2962 , 2). 47 - الكلام على حقيقة الإِسلام والإيمان (برلين رقم 2089). 48 - العقيدة المراكشية (برلين رقم 2809). 49 - مسألة العُلُوّ، وهي مسألة "العلو" في التحدث عن الله (برلين رقم 2311,مكتبة كوتا رقم 83، 3؛ ميونخ رقم 885، 5). 50 - نقد تأسيس الجهمية (ليدن رقم 2021). 51 - رسالة في سجود القرآن (برلين رقم 3570). 52 - رسالة في سجود السهو (برلين رقم 3573). 53 - رسالة في أوقات النهي والنزاع في ذوات الأسباب وغيرها (برلين رقم 3574). 54 - كتاب في أصول الفقه (برلين رقم 5492). 55 - كتاب الفرق المبين بين الطلاق واليمين (ليدن رقم 1834). 56 - مسألة الحلف بالطلاق (فهرس دار الكتب المصرية، جـ 7، ص 565). 57 - الفتاوى (برلين رقم 4817 - 4818). 58 - كتاب السياسة الشرعية في إصلاح الراعى والرعية (فهرس المكتبة الأهلية بباريس رقم 2443 - 2444). 59 - جوامع الكلَم الطيب في الأدعية والأذكار (فهرَس دار الكتب المصرية، جـ 7، ص 228, آيا صوفيا، رقم 583). 60 - رسالة العبودية. 61 - رسالة تنوع العبادات.

62 - رسالة زيارة القبور والاستنجاد بالمقبور. 63 - رسالة المظالم المشتركة. 64 - الحسبة في الإِسلام (طبعت آثاره من رقم 59 إلى 63 مع رقم 2، 31، 32 , 41 بالقاهرة عام 1323 هـ في "مجموعة الرسائل" ص 1 - 222, 1 - 92). المصادر: غير ما ذكر في صلب المادة انظر: (1) الذهبي: تذكرة الحفاظ، طبع بحيدر آباد طبعة غير مؤرخة، جـ 4، ص 228. (2) ابن شاكر الكتبى: الفوات، بولاق 1299 هـ ,جـ 1، ص 35 (والترجمة الواردة في هذا الكتاب مأخوذة من كتاب "تذكرة الحفاظ" لابن عبد الهادى جـ 1، ص 42). (3) السبكي: الطبقات, القاهرة 1324 هـ, جـ 5, ص 181 - 212. (4) ابن الوردى: تأريخ، القاهرة 1285 هـ، جـ 2، ص 254 , 267, 270 , 271 , 279 , 284 - 289. (5) ابن حجر الهيتمى: الفتاوى الحديثة، القاهرة 1307 هـ، ص 86 وما بعدها. (6) السيوطي: طبقات الحُفَاظ، جـ 21، ص 7. (7) الآلوسى: جلاء العينين في محاكمة الأحمدين، وعلى هامشه "القول الجلى في ترجمة الشيخ تقى الدين بن تيمية الحنبلى" لصفى الدين الحنفى، بولاق 1298 هـ. (8) محمد بن أبي بكر بن ناصر الدين الشافعي: الرد الوافر على من زعم أن من سمى ابن تيمية شيخ الإِسلام كافر. (9) مرعى بن يوسف الكرمى: الكواكب الدرية في مناقب ابن تيمية .... إلخ، طبع في مجموعة بالقاهرة 1329 هـ. (10) ابن بطوطة، طبعة باريس، جـ 1، ص 215 - 218. (11) Die Geschichtschreiber: Wustenfeld der Araber قسم 197, رقم 393. (12) Die Zahiriten: Goldziher، ليبسك سنة 1884, ص 188 - 192.

ابن الجوزى

(13) الكاتب نفسه في. d Zeitschr. Deutsch. Morg. Ges، المجلد 52، ص 156 - 157 المجلد 62,ص 25 وما بعدها. (14) الكاتب نفسه: Vorlesungen uber den Islam انظر فهرس الكتاب. (15) Schreiner فى Zeitschr Deutsch.Morg. Ges المجلد 62، ص 540 وما بعدها؛ المجلد 53، ص 51 وما بعدها؛ وفي Rev. des Etudes Juives. المجلد 31,سنة 1896 هـ , ص 214 وما بعدها. (16) Development of: D. B. Macdonald . Theology etc Muslim ص 270 - 278؛ 283 - 285. (17) Gesch. d. Arab. Litt.: Brockelmann جـ 2، ص 100 - 105. (18) Hist. de la Litt. Arabe: Huart . ص 334 وما بعدها. [محمد بن شنب] ابن الجوزى عبد الرحمن بن علي بن محمد أبو الفرج أبو الفضائل) جمال الدين: مؤلف عربى، وفقيه حنبلى، وواعظ وكاتب في التاريخ العام، ولد عام 510 هـ (1116 م) في بغداد واستقر بها بعد أن قام بعدة رحلات في سبيل التحصيل، وتوفي عام 597 هـ (1200 م). وأدى به إخلاصه المتأجج لمذهبه إلى أن ينقد الحديث نقدًا مرًا، ولقد أعد نسخة من كتاب الغزالي "الإحياء" نقّاها من كل الأحاديث الضعيفة. وتناولت مصنفاته جميع علوم عصره، وكان له أعظم الأثر في الوعظ والإرشاد (انظر ابن جبير، الطبعة الثانية، ص 220 وما بعدها). وثمة توصية بأن يستفاد بكتبه التهذيبية في القراءة العامة، بل إن السبكي يوصى بذلك أيضا في كتابه "معيد النعم" (ص 163,س 7) ويزودنا بروكلمان Brockelmann في كتابه Gesch جـ 1، ص 502 وما بعدها بقائمة بمصنفات ابن الجوزى. أما كتابه في

التاريخ"المُنْتَظَم ومُلْتَقَط المُلْتَزَم" وهو أهم مؤلفاته، فهناك عدة مخطوطات منه عرفت لنا بعد: المخطوط الموجود بالمكتبة الأهلية بباريس (Catal. de la: Blochet coll .. Sehefer) رقم 5909؛ في المتحف البريطانى (انظر الإضافات رقم 7320؛ وانظر S. Amedroz, مجلة الجمعية الأسيوية الملكية، سنة 1906، ص 851, وما بعدها، سنة 1907، ص 19 وما بعدها، وانظر أيضا نفس المجلة سنة 1904، ص 273 وما بعدها)، حبيب الزيات: خزائن الكتب في دمشق إلخ، ص 78، رقم 62؛ وعن مخطوطات استانبول، (انظر Mitt. Sem.: Horovitz .Or. Spr جـ 10، ص 6). وقد عرفنا من آثاره بعد الكتب الآتية أيضًا: (1) كشف النقاب عن الأسماء والألقاب، مخطوط بليدن، 1487؛ انظر Barbier de Meynard المجلة الآسيوية، سنة 1907 ,ص 173 وما بعدها. (2) أعمار الأعيان، انظر دمشق، الزيات، ص 31، رقم 28, 4 , انظر Hor- ovitz: : المصدر المذكور، جـ 10، ص 43. (3) مختصر عجالة المنتظر، شرح حال الخضر، دمشق، الزيات، ص 33، رقم 63، 1. (4) درأ اللوم والضيم في صيام يوم الغيم، دمشق، الزيات، ص 45، رقم 3,37. (5) المحتنى من المحتبى (من رقم 32 في بروكلمان؟ )، دمشق، الزيات، ص 37، رقم. (6) مثير الغرام الساكن في فضائل البقاع والأماكن، دمشق، الزيات، ص 82، رقم 46. (7) دَرْياق الذنوب (هكذا تقرأ) وكشف الران (هكذا تقرأ) عن القلوب (انظر I Codd. ar.: C. Crispo Moncada Nuovo fonda della Bibl. Vaic رقم 1309). (8) المجالس، انظر Katal: Vollers der slain. Hdss zu Leipzig، رقم 166. (9) نُكَت المجالس في الوعظ، الفهرس السابق، رقم 167. (10) تذكِرة الإيّقاظ، لخصها كاتب مجهول من كتابه تبصرة الوعاظ، دمشق، الزيات، ص 82، رقم 63.

ابن الحاجب

المصادر: (1) ابن خلكان، طبعة بولاق، رقم 343. (2) السيوطي: De lnterpretbus Korani ص 17, رقم 5. (3) - Liber classium virorum auctore Do habio طبعة فستنفلد، جـ 3، ص 45، رقم 2. (4) Geschichtschreiber: Wustenfeld ص 287. [بروكلمان C. Brockelmann] ابن الجوزى سبطْ شمس الدين أبي المظفر يوسف بن قيز أوغلى: حفيد صاحب الترجمة السابقة من جهة أمه. كان أبوه قيزأوغلى مملوكا تركيًا للوزير ابن هُبَيْرَة الذي أعتقه فيما بعد. ولد يوسف عام 582 هـ (1186 م) في بغداد، وكفله جده، ودرس في مسقط رأسه، وشرع في الرحلة عام 600 هـ وأصبح آخر الأمر مدرسًا وواعظا في دمشق، وتوفى عام 654 هـ (1257 م). وقد ألف كتابًا في التاريخ العام من عدة مجلدات (لم يطبع بعد) عنوانه "مرآة الزمان في تاريخ الأعيان". وقد نشر J .R.Jewett في شيكاغو عام 1907 جزءه الأخير الذي بدأ بحوادث عام 495 هـ إلى 654 هـ، كما نشرت قبل ذلك بعض فقرات هذا الكتاب من حوادث 450 هـ إلى عام 532 هـ في. Recueil des Historiens des Croisades Historiens Orientaux المجلد الثالث ص 65 وما بعدها. المصادر: (1) Geschichte etc.,: Brochelmann جـ 1، ص 347. ابن الحاجب جمال الدين أبو عمرو عثمان بن عمر بن أبي بكر بن يونس: نحوى عربى، وهو ابن حاجب كردى للأمير عز الدين موسك الصلاحى، ولد في إسنا بصعيد مصر في الأيام الأخيرة

من عام. 570 هـ (1175 م)، وحفظ القرآن في القاهرة ودرس العلوم المتصلة به كالفقه وأصوله على مذهب الإِمام مالك، وكذلك درس النحو والأدب. وأهم شيوخه الإمام الشاطبى والفقيه أبو منصور الأبيارى وغيرهما. ورحل إلى دمشق وقضى بها مدة طويلة يلقى دروسه على الناس في الزاوية المالكية بالجامع الأموى الكبير، وعاد إلى القاهرة ثم ذهب إلى الإسكندرية، ومات بها في 26 شوال 646 (11 فبراير 1249) وكتب ابن الحاجب في الفقه والعروض، ومع ذلك فقد اشتهر بالنحو بوجه خاص، وهو في هذا الميدان يختلف من عدة وجوه عن أسلافه، كما كان أول فقيه جمع بين عقائد المالكية في مصر وعقائد المالكية في المغرب؛ ومؤلفاته النثرية واضحة الأسلوب لا تحتاج إلى تفسير. وله المصنفات الآتية: (1) الكافية: وهو كتيب في النحو العربي (رومة 1591؛ كاونبور سنة 1888, 1891 قازان سنة 1889؛ طشقند سنة 1311 هـ, 1213؛ الآستانة. 1305 هـ؛ وطبع عدة مرات بالقاهرة، وشرح بالآستانة). (2) الشافية: وهو بحث صغير في الصرف (طبع 1805 م، الآستانة 1850 كاونبور 1885؛ ونشر بول F. Buhl مقتطفات منه مع تعليقات في den) Sproglige of historiske Bidrag til arab. Gramm. med udv. Tekststykker of Ibn al-Hdgibs as-Shafija ليبسك سنة 1878). (3) المقصد الجليل في علم الخليل، وهو منظومة من بحر البسيط في العروض (ليدن، الفهرس، الطبعة الثانية، رقم 273؛ برلين. Verz، رقم 7126؛ فهرس مكتبة بودليانا للمخطوطات العبرية جـ 1، رقم 36، 2، والمخطوطات العربية رقم 1267 ,2، وطبعه مع ترجمة له فريتاغ Freytag في Darstell. der arab. Verskunst. بون سنة 1830 م، ص 334 - 371). (4) الأمالى: وهي فصول عن القرآن والمتنبى إلخ ... (برلين رقم 6613؛ فينا Die arab. Hss.: Flugel , رقم 386, باريس، المكتبة الأهلية رقم 4392,

3 - 6؛ فهرس دار الكتب المصرية جـ 4، ص 24). (5) القصيدة الموشحة بالأسماء المؤنثة، طبعها هافنر Haffner وشيخو في Dix anciens traites de philol. arabe بيروت 1908، ص 157. (6) رسالة في العُشْر: وهو بحث صغير في استعمال كلمة "عشر" مع الصفتين "أول" و "آخر" (برلين، رقم 6894). (7) منتهى السؤال والأمل في علمىْ الأصول والجدل، وهو كتيب في أصول فقه مالك (مخطوط، انظر بروكلمان: كتابه المذكور). (8) مختصر المنتهى، ويعرف بالمختصر الأصولى، وهو موجز للكتاب السابق (طبعة بولاق سنة 1316 - 1319 هـ) مع شرح لعضد الدين الإيجى وحواش للتفتازانى والجرجانى، وعلق على حاشية الجرجاني الحسن الهروى. (9) مختصر في الفروع أو جامع الأمهات، ويعرف بالمختصر الفرعى، وهو موجز في الفقه المالكي مع التوضيح، وقد قلد هذا الكتاب بعد ذلك سيدي خليل (مكتبة وزارة الهند، فهرس Loth، رقم 298؛ المتحف البريطانى,. Cat. Cod. Or, جـ 2، رقم 226, فهرس دار الكتب المصرية، جـ 3، ص 159، فهرس فانيان Fagnan، الجزائر، رقم 1074 - 1076). المصادر: (1) ابن خلكان: وفيات، القاهرة سنة 1310 هـ، جـ 1، رقم 314. (2) السيوطي: حسن المحاضرة، القاهرة سنة 1321 هـ، جـ 1، ص 125. (3) بغية الوعاة، القاهرة 1326 هـ, ص 323. (4) ابن فرحون: الديباج، فاس 1316 هـ , ص 372, (5) ابن خلدون: المقدمة، ترجمة ده سلان، جـ 3، ص 20 وما بعدها. (6) Buhhl: : كتابه المذكور، ص 27 - 29. (7) Gesch. d. arab. a: Brockelmann ص 697.

ابن حجر العسقلانى

(8) Lit. arab.: Huart , ص 172. (9) محمد ابن شنب Etudes sur les per sonnes ment. dansl'Idjaza du Cheikh Abd El - Qadir al-Fasi , باريس 1907، رقم 191. (10) Le droit musulman algeri-: Morand Malekite,) Les origines (rite en الجزائر سنة 1913 ,ص 9 وما بعدها. [محمد بن شنب] ابن حجر العسقلانى أحمد بن علي بن محمد بن محمد بن علي بن أحمد شهاب الدين أبو الفضل الكنانى العسقلانى المصري القاهرى: حجة مشهور في الحديث، ومؤرخ وفقيه شافعى، ولد في الثاني عشر من شعبان عام 773 (18 فبراير عام 1372) في مصر القديمة، وفقد والديه في سن مبكرة جدًا، وكان أبوه نور الدين عالما لما مبرزا يصدر الفتاوى ويقوم بالتدريس؛ ونشأ ابن حجر في كنف زكى الدين الخروبى، وهو من كبار التجار. وما بلغ التاسعة حتى كان قد حفظ القرآن، وسرعان ما أجاد بسائط الفقه والنحو، ودرس مدة طويلة من الزمن على أعظم علماء عصره، مثال ذلك أنه درس الحديث والفقه على البلقينيّ، وابن الملقن المتوفى عام 704 هـ، وعز الدين بن جماعة؛ والقراءات على التنوخى؛ واللغة وفقهها على محب الدين بن هشام المتوفى عام 799 هـ، والفيروز آبادى. ولما كان ابن حجر يميل إلى الحديث فقد وقف حياته على دراسته منذ عام 793 هـ (أوائل ديسمبر 1390) ولذلك قام بعدة رحلات في مصر والشام والحجاز واليمن كانت سببا في اتصاله بكثير من الفقهاء والأدباء. ودرس الحديث عشر سنوات متصلة على زين الدين العراقي المتوفى عام 806 هـ، وقد أذن له معظم شيوخه في إصدار الفتاوى والقيام بالتدريس. ورفض منصبا قضائيا عرض عليه عدة مرات، ولكنه قبل أخيرا بعد رجاء صديقه قاضى القضاة "جمال الدين البلقينى" أن يكون نائبا له؛ وفي المحرم عام 827 (ديسمبر

1423) عين قاضيا للقضاة. وظل في هذا المنصب حوالى إحدى وعشرين سنة، وصرف عنه في خلال هذه المدة مرات وأعيد إليه مرات. وكان في أثناء ذلك يقوم بالتدريس في عدة مساجد ومدارس (ذكر السخاوى عشرة منها) وحاضر في التفسير والحديث والفقه، وكانت دروس ابن حجر الملقب بـ "حافظ عصره" يحضرها بشغف العلماء المتخصصون أنفسهم؛ وكان كذلك مفتى دار العدل وشيخا للبيبرسية، وكان خطيبا في الأزهر ثم في جامع عمرو، ثم عين أمينا لمكتبة القبة المحمودية. وأجاد ابن حجر في فنى النثر والشعر، وأظهر نشاطا كبيرا في التأليف. وكانت كتبه، التي كان عدد منها عظيم الأهمية في دراسة الإِسلام، كثيرا ما يتهافت الناس عليها حتى في حياته، وخاصة شرحه المسمى "فتح الباري في شرح البخاري" (بولاق 1300 - 1301 هـ) الذي بيع بثلثمائة دينار. ونذكر من كتبه التي تزيد على المائة والخمسين ما يأتي: (1) الإصابة في تمييز الصحابة (طبعة شيرنكر Sprenger وغيره؛ كلكتة سنة 1856 - 1873؛ القاهرة سنة 1323 - 1325 هـ). (2) تهذيب التهذيب (طبعة حيدر آباد 1325 - 1327 هـ). (3) تعجيل المنفعة بزوائد رجال الأئمة الأربعة (طبعة حيدر آباد 1324 هـ). (4) القول المسدد في الذب عن المسند للإمام أحمد (طبعة حيدر آباد 1319 هـ). (5) بلوغ المرام من أدلة الأحكام في علم الحديث (القاهرة 1330 هـ). (6) نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر، ونزهة النظر في توضيح نخبة الفكر (طبعة ليس Lees وغيره، انظر المكتبة الهندية، السلسلة الجديدة رقم 37، كلكتة 1862 م). (7) الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة. (8) إنباء الغمر بأنباء العمر. (9) رفع الإصر عن قضاة مصر (وتوجد هذه الكتب الثلاثة المخطوطة

في بروكلمان؛ ونشر Guest . R تراجم مختارة من كتاب بروكلمان في ملحق كتابى "الولاة" و"القضاة" للكندى، (سلسلة كب التذكارية، المجلد التاسع عشر). (10) طوالع التأسيس في معالى ابن إدريس. (11) ديوانه (وقد طبع رقم 10، 11 معا في بولاق 1301 هـ). (13) غبطة الناظر في ترجمة الشيخ عبد القادر (طبعة دنيسون روس. E.D. , Ross كلكتة 1903) -وتوجد تفصيلات أخرى عن هذه المؤلفات في كتاب بروكلمان المعروف الذي ذكر فيه عدة مؤلفات أخرى؛ (انظر كذلك لندبرغ Landberg: فهرس المخطوطات العربية، رقم 31, 32 ,53 ,67, 88 , 98, 106 , 228, 279 ,319؛ وانظر هوتسما , Cat. d'une Coll ... : Houtsma رقم 763؛ 764 (؟ )، 783، 2، 1026, (؟ )؛ انظر فهرس فولرز Vol lers للمخطوطات الإِسلامية، ليبسك؛ وانظر القائمة الموجودة في ترجمة التهذيب). وتوفى ابن حجر حوالى نهاية ذى الحجة عام 852 (فبراير 1449). وكتب تلميذه السخاوى ترجمة وافية له عنوانها "الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر". المصادر: (1) السخاوى: الضوء اللامع، مخطوط بليدن (انظر الفهرس، الطبعة الثانية، جـ 2، ص 177 وما بعدها) ص 389 وما بعدها. (2) السخاوى: ذيل على رفع الإصر، مخطوط بليدن (انظر الفهرس، الطبعة الثانية، جـ 2، ص 190 وما بعدها) رقم 29 أ - 33 ب. (3) انظر الترجمة الموجودة في آخر "تهذيب التهذيب"، جـ 12، حيدر آباد 1327 هـ. (4) ابن إياس: بدائع الزهور، بولاق 1311 هـ، جـ 2، ص 7 ,9 , 18, 19, 20, 28 ,29, 32 , وما بعدها. (5) Notice sur Ahmed-: Quatremere Hadiar- Askelani - Ebn فى - Hist.des Sul tans Mamlouks، المجلد الأول، جـ 2 ص 209 - 219.

(6) Gesch. d. arab. Litt.: Brockelmann, جـ 6، ص 67 وما بعدها، وفي هذا الكتاب ذكر لمصادر أخرى. [أرندنك C. Van Arendonk] وانظر عن مخطوطات كتاب ابن حجر العسقلانى "إنباء الغُمْر": Beitrage z. arab. Littera tur-: O. Spies geschichte في Abh.K.M. جـ 19، ص 3 (لييسك سنة 1932) ص 85 - 87. ونذكر أيضًا من كتبه المطبوعة: "لسان الميزان" (وهو اقتباس من الميزان للذَهَبى)، حيدر آباد سنة 1329 - 1331؛ " الدُرَر الكامنة في أعيان المئة الثامنة"، حيدر آباد سنة 1348 - 1350 هـ؛ "كتاب طبقات المُدَلسين المسمى تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس"، القاهرة سنة 1322 هـ؛ " الرحمة الغيثية بالترجمة الليثية" (ترجمة الليث بن سعد" بولاق سنة 1301 هـ. المصادر: (1) السخاوى: التبر المسبوك في ذيل السلوك، بولاق سنة 1896, ص 230 وما بعدها. (2) على مبارك: الخطط الجديدة، جـ 6، (بولاق سنة 1305 هـ) ص 37 - 39. (3) السيوطي: نظم العقيان في أعيان الأعيان، طبعة فيليب حتى، نيويورك سنة 1927 - ص 45 - 53. (4) ابن العماد: شذرات الذهب في أخبار من ذهب، القاهرة سنة 1350 - 1351 هـ، جـ 7، ص 270 - 273. (5) الترجمة التي في الدرر الكامنة، جـ 4، ص 492 وما بعدها. (6) Notiz uber eine: N . Rosen -Handschrift, be merkwurdige arabische titelt Fihrist Marwiydt Shaikhind Ibn Hadjar في Bulletin de l Academie imper. des Sciences de St. Petersbourg جـ 26 (سنة 1880) العمود 18 ب - 26 ب. (7) مصنفات شيخ الإِسلام ابن حجر، مخطوط في ليدن 1850 (6 ورقات فقط من القطع الصغير). (8) سركيس: معجم المطبوعات، القاهرة سنة 1346 هـ , العمود 77 - 81. [أرندنك C. V. Arendonk]

ابن حزم

ابن حزم أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد ابن حزم: عالم عربى أندلسيِّ متفنن في علوم جمة، وهو فقيه مشهور ومؤرخ وشاعر مبرز. ولد في آخر يوم من رمضان عام 384 (7 نوفمبر 994) بقرطبة، وأصل آبائه من قرية "منت ليشم (¬1) (ويقال متليجم، وفي رواية إرشاد الأريب، جـ 5، في أسفل ص 87 أنها على مسيرة نصف فرسخ من أونبة (Huelva) على مصب نهر أديال) في كوزة "لبلة"، وكان جده الأعلى نصرانيا اعتنق الإِسلام، ويتصل نسب أبيه الذي ارتقى إلى مرتبة الوزارة للحاجب المنصور محمد بن محمد أبي عامر وابنه المظفر، بمولى فارسى ليزيد ابن أبي سفيان. ولما كان ابن حزم ابن عامل من كبار عمال الدولة فمن الطبيعى أن ينال قسطا طيبا من التعليم، ولم يمنع وسط البلاط الذي قضى فيه شبابه عقله الوثاب من السعى للتكمل بمختلف العلوم، ويذكر ابن حزم (في كتابه "طوق الحمامة"، ص 110، س 5؛ ص 118، س 13 وما بعده) أن شيخه في مختلف العلوم هو عبد الرحمن ابن أبي يزيد الأزدى الذي غادر الأندلس إبان حروب الطوائف (انظر ابن بشكوال؛ رقم 753). ودرس ابن حزم قبل عام 400 هـ على أحمد بن الجسور المتوفى عام 401 هـ (ابن بشكوال، رقم 37؛ طوق، ص 136,س 22؛ ص 144, س 9) ونجده يدرس الحديث بقرطبة إبان الاضطرابات السياسية (طوق، ص 127، س 16 وما بعده). ولقد أثرت الثورة التي أطاحت بالأسرة العامرية) Hist. des Mu-: Dozy ,sulmanns d'Esp، جـ 3، ص 271 وما بعدها) تأثيرًا كبيرًا، في ظروف الأب والابن، وقاسى الاثنان- وخاصة بعد أن أعيد هشام الثاني إلى العرش في ذى الحجة عام 400 هـ (يولية 1010) - كثيرا من المحن، وتوفى والده حوالى نهاية ذى القعدة عام 402. وفي المحرم عام 404 غادر ابن حزم قرطبة التي كانت قد مزقتها الحروب الأهلية، والتي خرب البربر فيها قصر أسرته البديع ¬

_ (¬1) في معجم البلدان: مُتْلِجَتم.

ببلاط مغيث (طوق، ص 104، ص 87، اسفل ص 88) واختار "المَريَّة" لإقامته، ويظهر أنه استطاع أن يعيش هناك في شيء من الهدوء إلى أن خَلع علي بن حمود، بالاتفاق مع خيران صاحب المرية، الأميرَ سليمان الأموى في المحرم عام 407. وخامرت خيران الريبة في أن ابن حزم يتآمر لصالح الأمويين فسجنه هو وصديقه أحمد بن إسحاق بضعة أشهر ثم نفاهما. وذهب الصديقان إلى "حصن القصر" فتلقاهما حاكمه بالترحاب، ولما علمًا بأنه قد نودى بعبد الرحمن الرابع المرتضى خليفة في مدينة بلنسية، تركا مضيفهما بعد أشهر قلائل وذهبا إلى هذه المدينة بطريق البحر، وهناك لقى ابن حزم أصدقاء آخرين (طرق، ص 110 وما بعدها). واشترك ابن حزم في الحرب أمام غرناطة صحبة جيش المرتضى وكان وزيرا له، فأسره العدو، ولكنه أطلق سراحة بعد مدة وجيزة). Cat. Cod .Arab ليدن، جـ 1، ص 273) ورجع إلى قرطبة في شوال عام 409، بعد أن غاب عنها ست سنوات، إبان حكم الخليفة القاسم بن حمود (طوق، ص 104، س 22؛ ص 122, س 2). واستوزر الخليفة النابه العقل عبدُ الرحمن الخامس المستظهر، صديقَه ابن حزم، عندما بويع بالخلافة في رمضان عام (ديسمبر 1023) عقب خلع الخليفة ابن حمود، ولكنهما لم يستمتعما بالحكم طويلًا؛ لأن عبد الرحمن قتل بعد ذلك بسبعة أسابيع في ذى القعدة عام 414 (يناير 1024) ورأى ابن حزم نفسه مرة أخرى بين جدران السجن. ولا يمكننا أن نقدر بالضبط المدة التي قضاها ابن حزم في السجن، ومع ذلك فمن المؤكد أنه كان يعيش في شاطبة حوالى عام عام 418 هـ (1027 م). ويروى ياقوت عن الجَيَّانى أنه وزر ثانية لهشام المعْتَدَ. ولا نعرف إلا النزر اليسير عن بقية حياته، فقد اعتزل ابن حزم أمور السياسة لكي يتفرغ بكليته للعلم والتأليف ونشر آرائه والدفاع عنها. ومن أوائل تصانيفه كتابه "طوق الحمامة في الألفة والألاف" (نشره

D. K. Petrof، ليدن 1914؛ انظر بحث كولدسيهر في مجلة. Zeitschr. d , Deutsch. Morgenl. Gesellsch , المجلد 69، ص 192 وما بعدها) الذي كشف عنه دوزى Dozy من قبل، والذي ألفه ابن حزم في شاطبة (الطوق، ص 1، س 8) حوالى عام 418 هـ (طوق، ص 79 وما بعدها) قبل وفاة خَيْران عام 419 هـ؛ وقد يشير اعتداء أبي الجيش مجاهد على خيران إلى أن هذا الكتاب تم بعد ما وقع بينهما من خلاف في ربيع الثاني عام 417) انظر ابن الأثير، طبعة تورنبرغ، جـ 9، ص 195)؛ ويؤخذ من وفاة الحكم بن المنذر عام 420 هـ (كما يقول ابن بشكوال، رقم) أن هناك تاريخًا آخر لانتهاء ابن حزم من مؤلفه هذا (طوق، ص 42، س 7). ويبد وابن حزم دقيق الملاحظة بارع الأسلوب شائق الشاعرية في هذا المؤلف الذي تناول فيه العشق وألوانه المختلفة، وأوضح أفكاره النفسية بأقاصيص استمدها من تجاريبه الخاصة وتجاريب معاصريه وشواهد استقاها من شعره. ولا يكشف هذا الكتاب عن شخصية ابن حزم فحسب، بل يعطينا أيضًا صورة شائقة لناحية من نواحى الحياة في عصره لا يعرف عنها إلا القليل. والراجح أن يكون ابن حزم قد كتب في ذلك العصر أيضًا رسالته المسماة "رسالة في فضل الأندلس" وأهداها إلى صديقه أبي بكر محمد بن إسحاق (الذهبي، رقم 59) وهي مذكورة في المقرى (طبعة دوزى وغيره، جـ 2، ص 109، س 18، ص 121؛ وطبعة بولاق 1279 هـ، جـ 2، ص 767,س 8 وما بعده). وقد ألف هذه الرسالة نزولا على رغبة حاكم قلعة البونت (المقرى، جـ 2، ص 110، ابن الأبار: التكملة، رقم 432) وهو يزودنا في هذه الرسالة بلمحة طريفة عن أهم تصانيف مسلمى الأندلس المتقدمين. ولايزال باقيا من مؤلفاته في التاريخ: "نقط العروس في تواريخ الخلفاء" (طبعه مع ترجمة إسبانية تسيبولد F. Seybold G. في مجلة - Rev. del Centro de Estudios his toricos de Granaday su Reino, جـ 1، ص 160 وما بعدها، ص 237 وما بعدها، غرناطة سنة 1911)؛ وكتاب "جمهرة الأنساب" أو "أنساب العرب"

الذي ألفه حوالى عام 450 هـ (انظر Mision historica en la Argelia y: Codera Tunez، مجريط سنة 1892, ص 24 وما بعدها، ص 83؛ ويوجد هذا الكتاب مخطوطا بتونس، مسجد الزيتونة، رقم 5014؛ وتوجد نسخة من هذا المخطوط بمجريط". , Codera ,Real Acad. de la Hist كتابه المذكور، ص 165؛ وباريس، المكتبة الأهلية: Cat. de la Coll ... : Blochet Schefer، رقم 5829؛ ويوجد مشتملا على سيرة النبي، برلين، Verz، رقم 5910) ولهذا الكتاب قيمة كبيرة، ويستشهد به ابن خلدون كثيرا (العبر، طبعه سنة 1284 هـ , جـ 6، ص 8، ص 89 وما بعدها، ص 97، وفي مواضع أخرى) عند كلامه على أنساب العرب والبربر في المغرب والأندلس. وقد اتخذه كودرا Codera مصدرا له في أبحاثه عن الحموديين والتجيبيين (وهذان البحثان يوجدان أيضًا في - Es -tudios criticos de Historia arab. es ,panola سرقسطة سنة 1903، ص 301 وما بعدها) وعن الأمويين (الكتاب السابق، ص 29 وما بعدها، ص 41 وما بعدها، ص 147 وما بعدها، ص 85 وما بعدها، وفي مواضع أخرى). ولكن ابن حزم كان كثير التأليف بصفة خاصة في علمى الحديث والكلام. وقد كان في أول أمره شافعيا متحمسا لمذهبه، ثم تحول إلى الظاهرية وأصبح ظاهريا متحمسا، وعندما ألف "رسالة في فضل الأندلس" التي تقدم ذ كرها (المقرى، جـ 2، ص 120، س 9) كان هذا التحول قد تم فيما يظهر. ومن المحتمل أن تعاليم أستاذه أبي الخيَار (هكذا يجب أن يقرأ في طرق الحماَمة، ص 98، س 10) وهو مسعود بن سليمان بن مفلت الذي كان ظاهريا (ابن بشكوال، رقم 1238؛ الذهبى، رقم 1361) كان لها تأثير عليه. [فيما يختص بمعاصرى ابن حزم من الظاهرية، انظر ابن بشكوال، رقم 1195، 1196] وقد دافع بشدة عن رأيه الذي يبطل فيه أية عوامل في القياس الفقهى لا تستند على القرآن والحديث (¬1) في رسالته المسماة "إبطال القياس والرأى والاستحسان ¬

_ (¬1) هذا الكلام يوهم أن في علماء الإِسلام من يعتمد على قياس فقهى لا يستند إلى الكتاب والسنة، ولا يعرف فقيه واحد يقول بقياس يخالف هذين الأصلين (محمد فريد وجدى)

والتقليد والتعليل" (مخطوط بمكتبه كو تا) ,. Verz: Pertsch رقم 460) وكان كولدسيهر) Die Zahiriten لييسك سنة 1884) أول من درس هذه الرسالة دراسة مفصلة. وإذا كان لنا أن نحكم على الكتاب من عنوانه فإن ابن حزم يكون قد عالج مثل هذه الموضوعات (انظر الفصل في الملل والأهواء والنحل، جـ 3، ص 76) في مصنفه "كتاب الأحكام في (لـ) أصول الأحكام" مخطوط، فهرس الكتبخانة المصرية سنة 1305 هـ، جـ 2، ص 236)؛ وله رسالة صغيرة في "مسائل أصول الفقه" طبعت بالقاهرة (كما ورد في فهرس مكتبة المنار عام 1332 هـ) مع تعليقات لابن الأمير الصنعانى والقاسمى، ولقد ألف ابن حزم على مذهب أهل الظاهر كتاب "المحلى بالآثار في شرح المجلى بالاقتصار (بالاختصار) "، ويظهر أن هذا الكتاب يوجد كاملا في المجلدات العديدة الموجودة منه بالكتبخانة المصرية (الفهرس، جـ 3,ص 297 - 298) وتوجد منه أجزاء متفرقة بليدن (لندبرغ الفهرس، رقم 664) وبالآستانة (آيا صوفيا، رقم 1259، 1260)، وألف في نفس هذا الموضوع كتابه "الإيصال إلى فهم الخصال" (الفصل، جـ 1، ص 114، س 7 وما بعده) ويوجد هذا المصنف في كتاب "المختصر" لابنه أبي رافع (فهرس الكتبخانة المصرية، جـ 3، ص 297, س 13 وما بعده). والناحية المبتكرة عند ابن حزم هي تطبيقه لأصول الظاهرية على العقائد، وفي هذه المسألة أيضًا لم يأخذ إلا بظاهر لفظ القرآن والأحاديث الصحيحة. ولقد نقد من وجهة نظره الفرق الإسلامية المختلفة نقدا شديدا في كتابه المشهور لفصل في الملل والأهواء والنحل" (طبع بالقاهرة سنة 1317 - 1321 هـ)، وهاجم بعنف الأشاعرة وخاصة رأيهم في صفات الله. أما فيما يتعلق بالعبارات التجسيدية الواردة في القرآن فقد اضطر ابن حزم إلى الخروج على طريقته الأصلية بأن وفق بين هذه التعابير والتفسير الروحى للقرآن. ومازالت آراء ابن حزم في الصلة

المتبادلة بين العقائد والفلسفة في حاجة إلى الدراسة. ولقد عرض كولدسيهر لأهم هذه المسائل، كما عرض لها هورتن (انظر المصادر) فيما اقتطف من نبذ؛ وكان لمبادئ ابن حزم أثر في المسائل الخلقية (انظر كولدسيهر، كتابه المذكور، ص 62 - 163) كما كان ابن حزم يمثل أهل التوحيد الذين أنكروا التوسل بالأولياء ومذاهب الصوفية وأصحاب التنجيم (انظر شرينر Beitr: Schreiner) ونقد ابن حزم أيضًا العقائد غير الإسلامية كاليهودية والنصرانية، وحاول أن يجد تناقضا وتعارضا في كتبهم ليبرر اتهامهم بتحريف النصوص، وذلك في كتابه المذكور الذي كان كولدسيهر أول من كشف على) Jeschurun: Goldziher zeitschr, fur die Wiss. Judenthums جـ 8، سنة 1872 , ص 76 وما بعدها؛ وفي , Zeitschr. Deutsch. " Morg. Gesellsch, جـ 32، سنة. 1878، ص 363 وما بعدها؟ Schreiner, في نفس المجلة، جـ 42، ص 612 وما بعدها) وبيَن إسرائيل فردليندر Friedlaender في إسهاب (Zur Komposition von Ibn Ham's Milal wa'n Nihal في Orient Stud. The. Noldeke gewidmet جـ 1، ص 267 وما بعدها)، مقتصًا في ذلك أثر كولدسيهر: أن الترتيب المنطقى لهذا الكتاب الذي كثيرا ما يطلق عليه مؤلفه "الديوان" (الفصل، جـ 1، ص 107، س 11؛ جـ 4، ص 178, س 16؛ جـ 5, ص 79، س 18) مضطرب إلى حد ما بسبب إدماج رسائل مستقلة فيه. والأصول المخطوطة لهذا الكتاب تدل بما ورد فيها من تورايخ مختلفة تمام الاختلاف على أن هناك -كما يقول فريدليندر- نسختين منه. أما تلك الرسائل المندمجة فهي: أ -من جـ 1، ص 116 إلى جـ 2، ص 91 من النسخة المطبوعة، وهي فيما هو ظاهر عين "كتاب إظهار تبديل اليهود والنصارى للتوراة والإنجيل وبيان تناقض ما بأيديهم منها مما لا يحتمل التأويل". ب - جـ 4، من ص 178 إلى , وهي تضم رسالة "النصائح المنجية من الفضائح المخزية والقبائح المردية من أقوال أهل البدع والفرق الأربع المعتزلة والمرجئة والخوارج والشيعة"، وقد ترجم منها فريدلندر وفسر بإسهاب

الفصل الخاص بالشيعة معتمدا على المخطوطات المختلفة (جـ 4، ص 178 - 188) وكتب إلمامة عن آراء المخالفين لأهل السنة (جـ 2، ص 111 - 117) وخصص فصلين للكلام عن مذاهب الشيعة مع إضافة تعليقات إيضاحية (The Heterodoxies of the Shiites نيوهافن 1909 نقلا عن Journ. of the Amer. Or- . tent. Soc، جـ 27، جـ 29، وانظر نفس هذه المجلة عن مخطوطات هذا الكتاب [انظر - Zeischr. d. Deutsch. Morgenl. Ge .sells جـ 66، ص 166] ونسخه). جـ - وقد يكون من هذه الرسائل المدمجة "الإمامة والمفاضلة" (من ص 87 إلى 178 من الجزء الرابع) وهي التي قارن فردليندر اسمها باسم الرسالة التي ذكرها ياقوت عن ابن حيان، وهي "الإمامة والسياسة في قسم سير الخلفاء ومراتبها والواجب منها". وربما كانت رسالة ابن حزم المسماة "في المفاضلة بين "الصحابة" (مخطوط في دمشق، حبيب الزيات: خزائن الكتب في دمشق وضواحيها، ص 82؛ س 4) هي نفس الرسالة المذكورة آنفا. وتوجد قطعة من رسالته "النبذة الكافية في أصول أحكام الدين" ضمن مخطوط ببرلين رقم 5371. وكتب ابن حزم في المنطق كتاب "التقريب في حدود المنطق" وهو لم يصل إلينا، وقد نعرف بعض الشئ عن موضوع هذا الكتاب إذا كان ما ذكره في "الفصل" بعنوان مخالف بعض المخالفة (جـ 1، ص 4، س 10؛ جـ 3، ص 90؛ جـ 5، ص 20، س 2؛ جـ 5 أسفل ص 70) يشير إلى نفس هذا الكتاب. وربما كان هذا الكتاب هو نفس الرسالة التي صنفها في "علم الكلام"، وهو كتابه الوحيد (وربما كان أول مصنفاته؟ ) الذي أشار إليه في رسالته في "فصل الأندلس" دون أن يذكر له اسما تواضعًا منه. ومع ذلك فإن مصنفاته في علم المنطق- وكان قد تلقاه على محمد بن الحسن المذحجى (ابن خلكان، الذهبي؛ ابن الأبار: التكملة، رقم 411) الذي أثنى ابن حزم على تصانيفه الفلسفية - لم تحز القبول، وينسب إليه أنه أخطأ لأنه ناقض أرسطو مناقضة من لم يفهم غرضه مع تقديره العظيم له (Die Zahiriten

ص 157) ونأى عن المنهج المألوف لهذا العلم، ونلاحظ بمناسبة كلامنا عن منطقه إنّه جعل للتجربة بالحواس قيمة كبرى. وقد خص ابن حزم مصنفه "كتاب الناسخ والمنسوخ" (مطبوع بالقاهرة على هامش كتاب "تفسير الجلالين" سنة 1297 هـ, 1308 هـ) بدراسة القرآن والحديث، كما درسهما في مصنفات أخرى الراجح أنها فُقدت. ونذكر أيضًا من بين تصانيفه في الجدل قصيدته في الهجاء (أبو بكر بن خَيْر: الفهرس، طبعة كودرا وربيرا، جـ 1، ص 409 - 410) وقد ذكرها السبكي في كتابه "طبقات الشافعية" (جـ 2، ص 184 - 189) وهي التي رد فيها على قصيدة هجائية لنقفور فوقاس الثاني إمبراطور بوزنطة (السبكي؛ كتابه المذكور، جـ 2، ص 178 وما بعدها؛ Die Arab ... Hss ... der: FIUgel Hofbibl. zu Wien جـ 1، ص 449، ما بعدها)، وكانت ثمرة سنى نضوجه وخلاصة تجاريبه القاسية رسالته الأخلاقية المسماة " كتاب الأخلاق والسير في مداواة النفوس" (طبع في القاهرة طبعة غير مؤرخة) وهي في الورع والحض على التقوى، جعل فيها النبي مثلا أعلى للخلق (Vorlsungen: Goldziher، ص 30). ولقد ناقش هذه الرسالة وترجمها إلى الإسبانية ميكويل أسين Miguel. Asin: Los caracteres y la conducta. Tratado de -moral practica por Aben Hazam de Cor . .doba مجريط 1916). ولما كان ابن حزم ميالا بطبعه إلى الجدل (طوق، ص 43، س 8) فقد هاجم اليهود والنصارى والمسلمين على اختلاف مذاهبهم، وكان كذلك خصمًا عنيدًا، قال فيه ابن حيان: "يصك معارضه صك الجندل"، وكان ينهال بالتحقير على رجال كان السواد الأعظم من المسلمين يوقرونهم أعظم توقير كالأشعرى وأبى حنيفة ومالك. ومن الأقوال الشائعة أن قلم ابن حزم كان في مضاء سيف الحجاج، ولكنه كان يتوخى إنصاف خصومه دائما. ولم يكن من طبعه أن يتعمد اختلاق التهم الواهية يرميهم بها. وقد صرح في

رسالته الأخلاقية أن حدته كانت ترجع إلى مرض كان يلازمه. وإنما نجح ابن حزم -إلى حد ما- في نشر آرائه، مدة من الزمن، فقد وجد نصيرا في شخص أحمد بن رشيق (الضبى رقم 400) وإلى ميورقة هن قبل مجاهد، وكان هذا الرجل شغوفًا بالأدب وعلوم الدين، احتمى به ابن حزم عندما اتهمه فقهاء قرطبة وغيرهم بمعارضة المذهب المالكي (Notices: Dozy ص 190 وما بعدها) واستطاع في ظل هذا الوالى أن يكتسب أنصارا له بهذه الجزيرة وذلك بين عامى 430 و 440 هـ (ابن الآثار: التكملة، رقم 1467 ورقم 2027؛ ابن بشكوال، رقم 903). ولقد تجادل في حضرة ابن رشيق المتوفى بعيد عام 440 هـ مع الفقيه المشهور أبي الوليد سليمان الباجي حو الذي كان قد عاد من المشرق حوالى عام 440 هـ، وكان هذا الخصم نفسه الذي استدعاه فقيه من ميورقة هو الذي أجبر ابن حزم آخر الأمر على مغادرة الجزيرة (ابن الأبار، كتابه المذكور، رقم 442 Es-: Codera , . tudios Criticos etc . ص 264 - 269). وقد أحنق ابن حزم فقهاء عصره لتعريضه بأئمة أهل السنة، والراجح أنه كان موضع الحسد من بعضهم لغزارة علمه، فنهوا عوامهم عن الإصغاء إلى أخطاء مذهبه، وحذروا سلاطينهم هن فتنته، وطفق الملوك يقصونه عن قربهم، ويسيرونه عن بلادهم. وكان مما يزيد في التخوف منه تشيعه لبنى أمية. ولقد أن دسائس هؤلاء الفقهاء المستمرة بابن حزم إلى أن يعتكف بضيعة أسرته في كنت ليشم، وأحرقت موْلفاته جهرة في إشبيلية، فندد بهذا التصرف الأحمق في قصائد لاذعة. وواصل ابن حزم في عزلته الدرس والتأليف، ورى ابنه أبو رافع أن مصنفاته بلغت الأربعمائة، وأن عدد أوراقها بلغ الثمانين ألفا "ولم تَعْد أكثرها عتبة باديته" (انظر ابن حيان). وكانت تتردد عليه زمرة صغيرة من أصاغر الطلبة الذين لم يخشوا فيه ملامة الفقهاء، من بينهم المؤرخ الحميدى. وتوفى ابن حزم في قريته في الثامن والعشرين من شعبان عام 456 هـ - (15 أغسطس 1064). وروى أن المنصور الموحدى قال على قبره مرة: "كل العلماء عيال على ابن حزم" (المقرى، جـ 2، ص 160، س 12).

ومن أبنائه العالم المصنف أبو رافع الفضل المتوفى عام 479 هـ (ابن بشكوال، رقم 994) وأبو أسامة يعقوب (الكتاب المذكور، رقم 1407) وأبو سليمان المُصْعب (ابن الأبار: التكملة، رقم 1097) وقد أذاعوا علم والدهم. وهوجمت تعاليم ابن حزم في مؤلفات عدة وخاصة بعد وفاته، ولما عاد القاضى ابن العربي من المشرق حوالى نهاية القرن الخامس (الذهبي: تذكرة، جـ 2، ص 90 وما بعدها) وجد الزندقة. متفشية في المغرب، فكتب في محاربتها كتاب "القَوَاصم والعَوَاصم"، الذي يستشهد به الذهبي، كما كتب غير ذلك من الرسائل (تذكرة، جـ 2، ص 323 وما بعدها)، ولقد شد أزره حوالى هذا الوقت محمد بن حيدرة (الذهبي: كتابه السابق، جـ 4، ص 52). وعبد الله بن طلحة (ابن الأبار، كتابه المذكور، رقم. 1330؛ المقرى جـ 1، ص 905، س 8). وبعد ذلك بقرن تقريبًا تصدى الفقيهان المالكيان عبد الحق بن عبد الله (ابن الأبار، كتابه المذكور، رقم 1812) وابن زرقون (الكتاب المذكور، رقم 967) للرد على ابن حزم، فكتب ابن زَرْقون "كتاب المُعلَّى" ردا على "كتاب المُحَلىً". وانبرى من جهة أخرى ابن الرومية النباتى -وكان من تلاميذ ابن زرقون- للانتصار لابن حزم وتعصب له. وجاء الصوفى المشهور ابن عربى ونشر مؤلفاته: وكتب مختصرا لـ "كتاب المحلى" يسمى أيضًا باسم "المُعَلىَّ". المصادر: غير ما ذكرناه من المصادر انظر: (1) ياقوت: إرشاد الأريب (مجموعة الكتب التذكارية، مجلد 6) جـ 5، ص 86 وما بعدها. (2) ابن خلكان، طبعة فستنفلد، رقم 59. (3) ابن القفْطى: تاريخ الحكماء، طبعة ليبير، ص 232 - 233. (4) ابن بَشْكُوال: الصلة، رقم 888, ورقم 40.

(5) الضَبى: بغية المُلتْمَس، ورقم 1204,ورقم 412. (6) عبد الواحد المراكشى: المُعْجِب، طبعة دوزى الثانية، انظر الفهرس. (7) ابن خاقان: مطمح، الآستانة سنة 1303 هـ , ص 55 - 56. (8) الذهبي: تذكرة الحُفّاظ، طبعة حيدر آباد، جـ 3، ص 341 وما بعدها. (9) المقَرَى، طبعة دوزى وآخرين، جـ 1، ص 511 (وطبعة بولاق، جـ 1، ص 364 وما بعدها) وانظر الفهرس. (10) ابن خلدون: المقدمة، طبعة باريس، جـ 3، ص 4. (11) Script. arab. de Abbadidis: Dozy loci جـ 2، ص 130 وما بعدها (النويرى). (12) الكاتب نفسه، مقدمته لكتاب البيان المُغْرب، ص 64 وما بعدها. (13) الكاتب نفسه: Hist. des Musul mans d'Espagne, المقدمة. (14) Zahuriten: Goldziher Die، ص 109 - 186, وفي مواضع مختلفة. (15) الكاتب نفسه، مقال عن "ابن حزم" في دائرة معارف هيستنكس عن الدين والأخلاق. (16) Beitr. Z. Gesch. der: Schrciner theot. Bewegungen im Islam ص 3 وما بعدها. (17) Development oF Mus-: Macdonald lim Theology , ص 209 وما بعدها، ص 245 وما بعدها. (18) Gesch. d. ar. Litt.: Brockelmann جـ 1، ص 399 - 400 (وانظر ص 525، جـ 2، ص 701) ص 419. (19) Ensayo bio -: Pons Boigues bibliografico، رقم 103، ص 130 وما بعدها. (20) The Heterodoxies: Friendlaender المقدمة. (20) Die philos. Systeme der: Horten(21 spekul. Theologen، ص 564 وما بعدها (العناوين التي أخذها مؤلف هذا الكتاب عن كتاب الفِصَل ليست كلها صحيحة).

(22) Petrof، طوق الحمامة، مقدمته، ص 7 وما بعدها، وانظر أيضًا المصادر التي أوردها في ص 9 من المقدمة. [أرندنك C. van Arendonk] لقد درس أسين بالاثيوس - Asin Pa lacins دراسة مستفيضة ابن حزم، ومكانته في عصره، وتطوره، ومبادئه الكلامية والفلسفية، ومؤلفاته، ومذهبه، وذلك في المجلد الأول من تحليله لكتاب الفصل في الملل والأهواء والنحل وترجمته لجزء منه - Abenhazam de Cor - a critica de las ideas re doba y su Histori ligiosas الذي كان قد ظهر منه حتى سنة 1935, خمسة مجلدات، مدريد سنة 1927 - 1932 وانظر الكاتب نفسه: Abenhbzam, primer El Cordobes -historiador de las ideas religiosas, Dis ourso de recepcion en la Academia de la historia مدريد سنة 1924؛ La in - diferencia religiosa en la Espana mu sulmana, وهي ترجمة إسبانية لكتاب الفصل، جـ 5، ص 119 - 124 في Cul- aura Espanola سنة 1907). وقد ترجم فصل 2 من "كتاب الفصل" (طبعة القاهرة سنة 1321 هـ، جـ 5, 136 - 140) بقلم Ibn: E.Bergdolt Hams Abhandlung uuber die Farben fur Semitistik Zeitschrif جـ 9، سنة 1933, ص 139 - 146). وظهرت طبعة أخرى من كتاب الفصل في القاهرة سنة 1929. وقد قام نيكل A.R. Nykl بترجمة رسالته طوق الحمامة إلى الإنكليزية A book containing the Risala known as -the Dove's Neckring about Love and Lov ers. باريس 1931) ويناقش نيكل في الفصل الثالث من ترجمته المؤلف ويؤرخ رسالته بعام 1022 م (412 - 413 هـ؛ ص 67 وما بعدها؛ انظر Abenhdzam: Asin Palacios, جـ 1، ص 77 وما بعدها، تعليق 92). وترجم رسالته طرق الحمامة إلى الروسية سالير Ozherelje Go-: Ibn Hazm): Sallier lubki perewod s arabskogo M. A. Salje -Sallier) pod redakciej I .J u Krack) owskogo , موسكو سنة 1933). وثمة أبحاث أخرى في نقد النص في رسالة ابن حزم علاوة على كتاب كولدسيهر

المذكور في هذه المادة وهي: - Brock elmann في Zentralbl، Lit, سنة 1915, عمود 1276؛ في بحثه Beritik zur Kritik u. Erklarung von Ibn Hazm's Touq al-Hamama في Islamic جـ 5، سنة 1932,ص 462 - 474 حيث ذكرت مصادر للشواهد المأخوذة من مصنف ابن قيم الجوزية: روضة المحبين ونزهة المشتاقين، دمشق سنة 1249 هـ؛ ومقال مارسيه Observa-: G. Marcais «Tawq al-Hamama» tions sur le texte du في Memorial Henri Basset باريس سنة 1928, جـ 2، ص 59 - 88؛ تعليقات نيكل على ترجمته لطوق الحمامة، ص 222 وما بعدها. وقد صدرت أيضًا طبعة لطوق الحمامة في دمشق سنة 1349 هـ. وانظر أيضًا: E.Wiedmann - Beitrdge zue Gesch. der Na -turwissenschaften XLII Zwei na turwissenschaftliche Stellen aus dem Werk von Ibn Hazm Uber die Liebe, uber das Sehen and den Magneten في. S. B. P . M. S. Erlg جـ 47، سنة 1915, ص 93 - 97. وثمة مخطوطان آخران من كتابه "جمهرة النسب" (انظر ما سبق بيانه في هذه المادة) محفوظان في بانكبور ورامبور (Cat. of the Arabic and Persian -MSS in the Or. Public Library at Ban o kipore جـ 15، ص 195 - 197، رقم 1101). وقد نشر خُدَابُخَش مقتطفات من مخطوط بانكيور بعنوان - Contribu -tions to the History of Islamic Civiliza tion,، كلكتة سنة 1905، ص 1 - 35 من المقدمة، الطبعة الثانية، سنة 1929, ص 319 - 356. أما رسالتة الأخلاقية المسماة "الأخلاق والسيَر في مداواة النفوس" التي نجد نصَها منشورًا في ثلاث طبقات مختلفة (انظر سركيس: معجم المطبوعات، القاهرة 1346 هـ 1928 م, عمود 86) فقد درسه أسين بالاثيوس Acin Palacios وترجمه إلى الإسبانية) Los caracteres y la conducta de moral practica por Abenhazam de Cor doba مدريد سنة 1916؛ وانظر الكاتب نفسه: Abenhazam، جـ 1، ص 232 وما بعدها؛ الكاتب نفسه في Al-Andalus. جـ 2، سنة 1934 , ص 18؛ الكاتب نفسه: La moral gnomica de Abenhazam في Cultura Espanola سنة 1909). وانظر عن هذه الرسالة أيضًا

Ibn Hazm's Treatise on Eth- A. R. Nykel ics A.J.S.L. جـ 40، سنة 1923 - 1924، ص 30 - 36. وقد بدأت مكتبة الخانجى في القاهرة بطبع نسخة من مصنفة "كتاب الإحكام في أصول الأحكام" والظاهر أنّه لم يكمل طبعها بعد (¬1). أما رسالته "مسائل أصول الفقه" (انظر ما سبق بيانه) فتتضمن سلسلة من الفصول في أصول الفقه اختارها محمد بن إسماعيل الأمير الصنعانى من مقدمة ابن حزم لكتابه "المُحلى" وتناولها بالشرح. وهذه الرسالة موجودة أيضًا في "مجموع رسائل في أصول التفسير وأصول الفقه" التي طبعها جمال الدين القاسمى، دمشق سنة 1331 هـ، ص 27 - 52 , وموجودة كذلك في "مجموعة الرسائل المنيرية"، القاهرة سنة 1343 - 1346 هـ، جـ 1، ص 77 - 99. وأما مصنفه "كتاب المُحلى" (انظر ما أسلفنا بيانه) فيطبع في القاهرة منذ سنة 1935 (¬2)؛ انظر عن هذا الكتاب Abenhazam: Asin، جـ 1، ص 261 وما بعدها. ومن الواضح أن "كتاب الناسخ والمنسوخ "الذي طبع على هامش بعض النسخ من تفسير الجلالين (انظر ما أسلفنا بيانه) من تأليف أبي عبد الله محمد بن حزم. ويمكن أن نضيف إلى آثار ابن حزم التي بقيت: مجموعة من ستة عشر مقالا تختلف طولا وقصرا اختلافا شديدا، وقد اكتشفها ريتر Ritter H. في المخطوط العربي رقم 704 من مكتبة مسجد الفاتح باستانبول. ونجد وصفا مسهبا لهذه المقالات التي يضم بعضها إجابات وردودا في بحث آسين بالاثيوس وعنوانه - Un codice in explorado del Cordobes Ibn Hazm المنشور في Al-Andalus. جـ 2، سنة 1934، ص 1 - 56. أما رسالة "الدرة في تحقيق الكلام فيما يلزم الإنسان اعتقاده" الداخلة في هذه الرسائل (رقم 4) فقد تكون هي عين "رسالة الدُرَّة" التي ردَ عليها من بعد القاضى ابن ¬

_ (¬1) تم طبعها. (¬2) تم طبعه.

العربي الإشبيلى (انظر - Asin Pa lacios Abenhazam , جـ 1، ص 203، وما بعده) برسالة الغُرة. وقد بقيت لنا أيضًا رسالة الإجماع" (انظر فهرس بانكبور، جـ 14، رقم 1892؛ حاجى خليفة، كشف الظنون، طبعة فلوكل، جـ 5، ص 485، رقم 11747؛ J.A. السلسلة الرابعة، جـ 18، سنة 1851 م، ص 500 وما بعدها). المصادر: (1) صاعد بن أحمد الأندلسى: طبقات الأمم، طبعة شيخو، بيروت سنة 1912 م، ص 75 - 77. (2) ابن العربي الإشبيلى: العَوَاصم من القَوَاصم، الجزائر سنة 1346 هـ. جـ 1، ص 85؛ جـ 5، ص 677 وما بعدها. (3) النُّوَيَرى: Historia de los Musulmanes de Espana Y Africa por en-Nuguairi Texto arabe y - trad .espanola por M .Gaspar Re miro , جـ 1، غرناطة سنة 1917 م، المتن، ص 95 وما بعدها؛ الترجمة ص 94 وما بعدها. (4) اليافعي: مرآة الجنان وعبرة اليقظان، حيدر آباد سنة (1337 - 1340) هـ، جـ 3، ص 79 - 81. (5) Le pretese con-: Ing. di -Matteo tradizzrioni della S. Scri tura wcondo Ibin Hazm رومة سنة 1923 م. (6) - Historia: A. Gonzalez Pa -de la literatura arebigo es في , lencia panola برشلونة سنة م، ص 140 - 157، في مواضع مختلفة. (7) Historie de Musulmans: R. Dozy d'Espagne. طبعة جديدة مراجعة بمعرفة، ليس يروفنسال، ليدن سنة 1932 م، جـ 2، ص 236 - 332 وفي مواضع مختلفة. خورشيدل [أندنك - C. Van Aren

ابن الخطيب

domk]. ابن الخطيب ذو الوزارتين: وزارة القلم ووزارة السيف) Supplement: Dozy)، هو لسان الدين أو عبد الله محمد بن عبد الله بن سعيد بن عبد الله بن سعيد ابن علي بن أحمد السلْمانى (نسبة إلى حى من مُرَاد من عرب اليمن يدعى سليمان، وفيه تورية بسلمان الفارسي). وهو من أسرة هاجرت من الشام إلى الأندلس: إلى قُرْطُبَة فطُليطلة فلوشة فغرنَاطة، وكانت تعرف من قبل، "ببتى وزير" ثم أطلق عليها "بتى الخطيب" نسبة إلى سعيد الخطيب جده الأعلى، ولذلك يعرف محمد صاحب الترجمة عادة باسم لسان الدين بن الخطيب، أو ابن الخطيب السلمانى وحسب. ولد في الخامس والعشرين من رجب عام 713 هـ (15 نوفمبر 1313 م) ببلدة لوشة (وكانت تسمى قديمًا إليولا لاوس Ilipula Laus جنوبى غرناطة، على نهر شِنيل، على الحافة الغربية لبسيط المرج) وقضى شبابه في غرناطة، وكان أبوه قد انتقل إليها عاملًا من عمال بلاط بني نصر وهناك حضر دروسًا عدة على أكابر الشيوخ، ونبغ في التحصيل نبوغًا جعله أعظم الكتاب والشعراء ورجال الدولة وخاتمهم في غرناطة إن لم يكن في الأندلس كلها. واستشهد أبوه في وقعة طريف في 7 جمادى الأولى عام 741 هـ (أكتوبر 1340 م) فالتحق محمد بخدمة الوزير العالم أبي الحسن علي بن الجَياب وتلقى العلم عليه، ولما توفي ابن الجَيّاب بالطاعون في الثالث والعشرين من شوال عام 749 هـ (14 يناير 1349 م؛ انظر ترجمته في المَقرى، طبعة القاهرة 1302 هـ , جـ 3، ص 222 - 240؛ جـ 4، ص 55) استوزره السلطان أبو الحجاج يوسف الأول (1333 - 1354 م). وبعد أن قتل هذا السلطان وزر لابنه وخليفته

محمد الخامس (1354 - 1359 هـ). ولما خلع محمد الخامس عام 1360 م سجن ابن الخطيب في غرناطة، ثم نفى مع السلطان المخلوع إلى مراكش، واعتكف هناك في سَلاَ حتى عام 1362 م. وأعاد المرينيون في نفس هذا العام السلطان محمدًا الخامس إلى العرش (1391 م) فرجع ابن الخطيب إلى غَرْناطة ووزر له ثانية، وعاش هناك في سلام. وفر ابن الخطيب هاربا من دسائس أعدائه الخطيرة عام 1371 م من جبل طارق إلى سَبْتَة فتِلْمِسَان حيث ذهب إلى السلطان عبد العزيز أبي السعيد (1366 - 1372 م؛ وقد أخطأ ميلر Muller في كتابه-: Der Islam etc جـ 2، ص 669 وما بعدها، إذ جعل من عبد العزيز أبي السعيد شخصين مختلفين: هما عبد العزيز وأبو سعيد). واتهم بالزندقة في غَرْناطة وطلب إبعاده فامتنع عن ذلك عبد العزيز وابنه ابن الخطيب وخليفته محمد الثالث السعيد (1372 - 1374 م) أما أبو العباس المستنصر المطالب بالعرش فقد شرع في التخلى عنه. وبينما كان تلميذه وخلفه في وزارة غرناطة أبو عبد الله (عبيد الله، في بروكلمان، جـ 2، ص 259) محمد بن زُمْزك (المَقرى، جـ 4، ص 274 - 322) ينظر قضية أستاذه في فاس، اقتحم جماعة من السفَّاحين سجن ابن الخطيب وخنقوه ليلاً، وكان قد استأجرهم لقتله سليمان بن داود نائب الوزير محمد بن عثمان مدفوعًا إلى ذلك بحقد شخصى. ولقد أثار هذا الحادث سخط الناس الشديد في صباح الغد. ولم يبق من كتبه التي تناهز الستين- ومعظمها في التاريخ والجغرافيا والشعر والأدب والتصوف والفلسفة والطب - إلا ثلثها تقريبًا (انظر عن مصنفاته خاصة Pons Ensayo biobibliogr afica: Boigues رقم

ابن الخطيب 294,ص 334 - 347, Brockelmann . Gesch. der ar-Litt جـ 2,ص 260 - 263، والمراجع الواردة فيهما): وأهم تلك المصنفات كتابه المطول في تاريخ غَرْناطة المسمى "الإحاطة في تاريخ غَرنْاطة" ومعظمه في تراجم العلماء، ولا نزال في حاجة إلى نسخة علمية منه معتمدة على المخطوطات المختلفة لهذا الكتاب والفقرات المبعثرة منه، كما اننا في حاجة إلى ترجمة له. أما مختصر هذا الكتاب الذي صدر بالقاهرة منه جزءان عام 1319 هـ (لم يطبع الجزء الثالث بعد) فهو ناقص إلى حد كبير، ولا يوثق به فيما يختص بالأعلام الأندلسية (انظر فيما يتعلق بمخطوطات هذا الكتاب Cat. Cad. Arab .BibI. Acad. Lugd-Bat, جـ 2، الطبعة الثانية سنة 1907 م، رقم 1001، 1002، ص 103 , 104). كذلك نحن في حاجة إلى طبعة علمية وترجمة لكتابيه في التاريخ اللذين أورد غزيرى Casiri منهما بعض الفقرات) Bibiotgeca، جـ 2، ص 117 - 246، 246 - 319) وهما "الحُلَل المَرْقُومة" و"اللَمْحة البَدْرية في الدولة النصرية"، ولقد أشار بروكلمان إلى طبعة لهذا الكتاب الأخير ظهرت بتونس عام 315 هـ ,وهذه الطبعة غير معروفة لكاتب هذه المادة، ولابد أن بروكلمان قد خلط بين هذا الكتاب وكتاب "رقَمْ الحُلَل في نَظْم الدول" الذي طبع بتونس عام 1316 هـ. ويذكر درنبورغ وغزيرى (غزيرى جـ 1، ص 136 نهر ب) وبروكلمان (ص 262) أن كتاب "خطْرَة الطَيْف في رحلة الشتاء والصيف" هو وصف لرحلته في إفريقية، بينما تبين طبعة ميلر (Beitrage جـ 1 , ص 14 - 41) أنه وصف لرحلة قام بها الأمير أبو الحجاج في النواحى الشرقية لغرناطة. ولقد نشر ميلر وترجم عام 1863 م رسالة " (المقالة) مقنعة السائل عن

المرض الهائل" في الطاعون الذي تفشَّى عام 749 هـ (1348 - 1349 م) في (Sitzungsber der Bayr. Akad. der Wissenschafien) ويسمى هذا الكتاب عند بنون بويج Pons Boigues وغزيرى Casiri وبروكلمان باسم "منفعة السائل"، ونشر ميلر عام 1866 م كتاب "معيار الاختيار في ذكر المعاهد والديار" كاملا (Beitrage, جـ 1 ص 45 - 100) وطبع مرة أخرى بفاس عام 1325 هـ. ونشر ماريانو جسيار رميرو. Mar iano Caspar Remiro عام 1912 م (في مجلته الدورية و Red. del, Centro. de Eetudios Itis or. de Granada su Reino. جـ 2 وما بعدها) جملة نصوص مع ترجمة لها من مجموعة الوثائق السياسية الكبيرة ذات الأسلوب المنمق المسماة "رَيْحانة الكتاب، ونجعة المنتاب". ونشر ميلر (في Beitrage جـ 1، ص 1 - 13) كتاب "مفاخرة (مُفاضلة) مالقة وسَلاَ". وذكر حبيب الزيات في خزائن الكتب في دمشق وضواحيها ص 53 كتاب "روضة التعريف بالحسب الشريف للسان الدين بن الخطيب". ويحتوى المخطوط رقم 421 المحفوظ بمكتبة ميونخ على قصيدة له؛ وتحتوى المخطوطات المحفوظة بمكتبة ميونخ برقم 991 وما بعده على عدة نسخ من هذه القصيدة قام بها ميلر Muller: أما كتاب "الحلل المَوْشِيَّة في ذكر الأخبار المَراكُشِية" المطبوع في تونس عام 1329 هـ طبعة غير مرضية فقد نسب خطأ إلى صاحب هذه الترجمة (انظر مقالتى وملاحظاتى عن هذا الموضوع في مجلة. Rev. del Centro etc جـ 4, 137 - 138) ويوجد بأول هذا الكتاب أربع عشرة صفحة مشوهة في ترجمة لابن الخطيب استقيت من المقرى وابن خلدون. [تسيبولد C.E. Seybold]

من قبيلة من كندة: وكان جدهما خالد - المعروف بخلدون (ومن هنا جاء اسم "ابن خلدون" الذي عرف به أفراد هذه الأسرة جميعًا) - أول من هاجر من اليمن إلى الأندلس في القرن الثالث الهجري (التاسع الميلادى). ولقد تقلب أحفاده في مختلف المناصب الإدارية الهامة بالأندلس، بعضهم في قرمونة، وبعضهم في إشبيلية. ولما سقطت دولة الموحدين بالأندلس وأخذ النصارى يمضون في غزو تلك الباود، هاجر أفراد هذه الأسرة إلى سبتة، واستقر الحسن أبو جد الأخوين عبد الرحمن ويحيى في بلدة بونة، وكان قد استدعاه أبو زكريا الحفصى. وقد غمر أمراء الدولة الحفصية ورؤساؤها الحسن وابنه أبا بكر محمدا بفضلهم. وكان الحسن يلقب بعامل الأشغال، وقد توفي بالسجن مشنوقا، وتمكن ابنه محمد من الارتقاء أيضًا إلى عدة مناصب هامة في بلاط الحفصيين. إلا أن ابن محمد هذا، وكان يسمى محمدا أيضًا، زهد في المنصب فبقى في تونس وانصرف بكليته إلى الدرس والتعبد، وتوفى بالطاعون عام 750 هـ (1349 م) عن ثلاثة ذكور أكبرهم محمد، ولم يكن له أي شأن في السياسة والأدب. أما أخواه فقد اشتهرا بالسياسة والأدب، وهما موضوع مادتنا هذه: 1 - عبد الرحمن (أبو زيد) ويلقب بولى الدين، ولد بتونس في أول رمضان عام 732 هـ (27 مايو 1332). وتوفى بالقاهرة في الخامس والعشرين من رمضان عام 808 هـ (19 مارس 1406). وبعد أن حفظ القرآن قرأ على والده وعلى أكابر علماء تونس، ودرس في شغف النحو واللغة والفقه والحديث، وكذلك الشعر. ولما احتل أبو الحسن المرينى عام 748 هـ (1347 م) تونس، حضر عبد الرحمن على العلماء المغاربة الذين قدموا مع هذا الأمير. وأتم دروسه في المنطق والفلسفة والتوحيد والشريعة وغير ذلك من العلوم العربية، ولقد ساعدته الصلات التي وثقها منذ ذلك العهد بالعلماء والرجال المبرزين في البلاط المرينى على أن يشغل فيما بعد المناصب

الرفيعة في ذلك البلاط بفاس. وأقيم ولما يبلغ الواحدة والعشرين من عمره كاتب علامة سلطان تونس، ولكن سرعان ما ترك هذا المنصب عندما شبت الفتن والاضطرابات في هذه العاصمة، ولجأ إلى بسكرة عند ابن مزنى صاحب الزاب. ولما استولى أبو عنان فارس المرينى على تلمسان وجميع البلاد التي تمتد شرقا حتى بجاية، التحق عبد الرحمن بخدمته، وعمل تحت إمرة أحد القواد المرينيين في إحدى الحملات، واستدعاه السلطان إلى فاس عام 755 هـ (1354 م) تلبية لرجاء علماء هذه المدينة فذهب إليها وأصبح كاتب سر أبي عنان، وواصل دراسته على أفاضل شيوخ عصره، وغضب عليه السلطان عام 757 هـ (1356 م) وزج به في السجن مرتين، وظل فيه في المرة الثانية حتى وفاة أبي عنان عام 759 هـ (1358). واستخدمه السلطان الجديد أبو سالم كاتبا لسره عام 760 هـ ثم عينه فيما بعد قاضيا للقضاة. وبعد مقتل أبي سالم الفظيع غضب عليه الوزير القبيح الصيت عمر بن عبد الله، ولكنه حصل منه على الإذن بالرحيل إلى غرناطة (763 - 764 هـ = 1361 - 1362 م) ولحق ببلاط بني الأحمر حيث اتصل بالوزير المعروف ابن الخطيب اتصال ود وصداقة. وبعد مضى عامين فتر ما بينهما من ود، فرحل ابن خلدون إلى بجاية بدعوة أميرها أبي عبد الله الحفصى الذي اتخذه حاجبا، وتولى في نفس الوقت منصب الخطيب، كما تولى منصب التدريس عام 766 هـ (1364 م). ولما سقطت بجاية في العام التالي في يد أمير قسنطينة، التجأ عبد الرحمن إلى بسكرة، وسرعان ما تراسل مع أبي حمو الثاني أمير للمسان من بني عبد الواد. وبعث إليه -كما حدثنا هو نفسه- أخاه يحيى ليكون حاجبه، وقام هو بدعوة القبائل العربية المختلفة إلى نصرة أبي حمو، كما مكنه من محالفة سلطان تونس أبي إسحاق وولده وخلفه خالد. ثم وفد بنفسه إلى تلمسان، ولكنه سرعان ما تخلى عن أبي حمو الثاني التعس عندما طرده السلطان عبد العزيز المرينى من عاصمة ملكه، وما لبث أن التحق بخدمة هذا السلطان، واستقر ابن خلدون في

بسكرة آمنا يواصل مناصرة عبد العزيز على أبي حمو حينما كانت تجتاح المغرب الفتن وتمزقه الحروب، ولم يذهب إلى فاس حتى عام 774 هـ (1372) ومنها رحل عام 776 هـ (1374) إلى غرناطة، ولكن سلطان تلك المدينة نفاه إلى هنين -وهي مرسى تلمسان- بتحريض المرينيين. ووجد في تلمسان للمرة الثانية صدرا رحبا لدى أبي حمو، ولكنه صمم حينئذ على أن يترك صداقة الأمراء، واعتكف في قلعة ابن سلامة (توغزوت) حيث بدأ يصنف كتابه العظيم في التاريخ, ومكث بها حتى عام 780 هـ (1278 م) ثم ذهب إلى تونس للاطلاع على كتب عدة كان محتاجًا إليها في كتابة تاريخه. وفي عام 784 هـ خرج يقصد الحج إلى مكة، ولكنه توقف في رحلته عند الإسكندرية والقاهرة حيث ألقى دروسًا في الجامع الأزهر، ثم في المدرسة القمحية [بجوار جامع عمرو] وبعد ذلك عينه السلطان الظاهر برقوق عام 786 هـ ـ (1384 م) قاضيا لقضاة المالكية. ولما غرقت أسرته وأمواله مال إلى الزهد، وخرج إلى بيت الله حاجا عام 789 هـ (1367) وولى ثانية عام 801 هـ (1399 م) منصب قاضى قضاة القاهرة، وتخلى عنه مدة قصيرة ثم استعاده. وفي عام 803 هـ (1401 م) صحب السلطان الناصر إلى دمشق مع بقية القضاة في حملته على تيمورلنك. ولما. عاد إلى القاهرة شغل منصب القضاء مرة أخرى، وظل فيه إلى أن توفي، ويتخلل ذلك فترات انقطاع عدة. ومما تقدم نرى أن عبد الرحمن ربما يكون قد أظهر كفاية سياسية فائقة في إدارة المناصب الهامة التي تولاها، كما أنه لم يتردد قط في التخلى عن أحد أرباب نعمته والالتحاق بخدمة آخر، وقد يكون هذا في كثير من الأحيان، خصما للأول. وقد رأينا كذلك أنه لعب دورًا خطيرًا في الشئون السياسية لشمالى إفريقية والأندلس، كما لاحت له فرص نادرة للحكم الصادق على حوادث ذلك العصر. ومؤلفه "كتاب العبر ... " (طبع بالقاهرة: 1824 هـ في سبعة مجلدات) يعتبر بالرغم من تفاوت أجزائه في القيمة مصدرًا هامًا عن ذلك

العصر؛ وإذا كانت بعض أجزاء هذه الموسوعة التاريخية تشعر القارئ بالنقص في بسط الحقائق وفي قيمة الوثائق التاريخية فإن البعض الآخر - مع ضعف أسلوبه إلى حد ما- يضيف إلى التاريخ وثائق ذات قيمة كبرى. أما مؤلفه في "تاريخ البربر" فسيظل دائما مصدرا عظيم القيمة عن كل ما يتعلق بحياة القبائل العربية والبربرية بالمغرب وتاريخ هذه البلاد في العصور الوسطى، فهو ثمرة خمسين عاما (النصف الأخير من القرن الرابع عشر الميلادى) قضاها المؤلف في مشاهدة الحوادث عن كثب، وفي دراسة دائبة واسعة لكتب التاريخ الإخبارى ووثائق عصره السياسية والرسمية. أما "مقدمة" ابن خلدون التي تتناول الكلام "على كل فروع المعرفة والحضارة العربية، فستظل بلاشك أعظم مؤلفات ذلك العصر وأهمها من جهة العمق في التفكير، والوضوح في عرض المعلومات والإصابة في الحكم، ويظهر أنه لم يفقها كتاب ما لأى مؤلف إسلامى. وللاستزادة من أخبار عبد الرحمن انظر ترجمته التي كتبها لنفسه والتي نشرها وأتمها ده سلان De Slane في المجلة الأسيوية الباريسية عام 1844 م، وقد أعيد طبعها في الجزء الأول من كتاب "تاريخ البربر" وفي الجزء الأول من ترجمة المقدمة (باريس 1863) , وانظر بروكلمان (. Gesch. d. ar . Litt جـ 2، ص 242 - 245) فيما يختص بمؤلفات ابن خلدون. 2 - يحيى (أبو زكريا)، ولد بتونس حوالى عام 734 هـ (1333 م) وتوفى بتلمسان في رمضان عام 780 هـ (نوفمبر- ديسمبر 1378). وقد درس بمسقط رأسه كأخيه -والراجح أن يكون ذلك بصحبته- دراسة لا يعتورها كلل أو فتور، وكان على اتصال وثيق بمشاهير العلماء في عصره بقصبة بني حفص. ونستدل من مؤلفه الذي سنذكره فيما بعد أنه كان ذا ميل خاص للشعر والأدب، ولا نعرف عن شخصه إلا القليل؛ لأن المعلومات التي وصلت إلينا عنه مبعثرة هنا وهناك في كتب التاريخ" وخاصة في السيرة

التي كتبها أخوه عبد الرحمن عن نفسه، وفي الجزء الخاص بتاريخ البربر من "كتاب العبر". وقد وردت في هذا الكتاب صورة مفصلة عن مقتل يحيى في تلمسان، كما سرد يحيى تفصيلات قليلة عن حياته في كتابه "بغية الرواد". ولم تبدأ حياته السياسية إلا عام 757 هـ (1356 م) إذ كان مع أخيه (الذي سجن بعد ذلك بقليل) في حاشية أبي سالم سلطان فاس عندما بعث هذا السلطان بأميريه الحفصين السجينين من تلمسان إلى بجاية، ولقد صحب نيابة عن أخيه هذين الأميرين وعمل حاجبا لأحدهما وهو الأمير أبو عبد الله. ولما أخفق هذا الأمير في استرداد بجاية بالرغم من حصاره الطويل لها، أرسل يحيى إلى أبي حمو الثاني أمير تلمسان يسأله المعونة والمساعدة عام 764 هـ (1362 م) فقوبل يحيى بالترحاب في تلمسان ومنح سؤله، وبعد أن حضر في تلك المدينة الاحتفال بالمولد النبوى ونظم قصيدة بهذه المناسبة، عاد أدراجه إلى مولاه، وصحبه إلى بلاط بني عبد الواد في الثامن من جمادى الآخرة (26 مارس 1363) وعاد الاثنان إلى بجاية برفقة كتائب من الجند أمدهما بها أبو حمو. واستولى أمير قسنطينة الحفصى على بجاية، فاعتقل يحيى عام 767 هـ (1365 - 1366 م) وزج به في السجن بمدينة "بونة" وصادر أملاكه، ولكنه سرعان ما فر من سجنه وذهب إلى بسكرة ولحق بابن مزنى وبأخيه عبد الرحمن، والراجح أنه زار قبر عقبة، كما يؤخذ من وصفه له في كتابه "بغية الرواد"، أثناء إقامته في هذه المدينة. وعاد من بسكرة عام 769 هـ (1367 م) للحاق بأبى حمو في تلمسان تلبية لدعوة هذا الأمير، فوصل إليها في رجب عام 769 فبراير (1368 م) واتخذه أبو حمو كاتبا للإنشاء. ولما علم أن المرينيين يهددون تلمسان تناسى المعاملة الطيبة التي لقيها من أبى حمو، ولم يتردد في هجره عام 772 هـ (1371) والتحق بخدمة السلطان الممرينى عبد العزيز، ثم بخدمة خلفه محمد السعيد. ولم يرجع يحيى إلى تلمسان إلا بعد أن استولى السلطان أبو

العباس على "فاس الجديد" عام 775 هـ (1373 م) وهناك رجب به أبو حمو وأقامه ثانية على ديوان الإنشاء. وسرعان ما استعاد ثقة الأمير، ولكنه أثار بذلك حسد رجال البلاط وعلى الأخص أكبر أبناء أبي حمو وخلفه المنتظر أبي تاشفين الثاني، فاستأجر أبو تاشفين هذا بعض الأشقياء وهاجم معهم يحيى وقتله حين خروجه من القصر ليلاً في رمضان عام 780 هـ (1378 م) ولما علم أبو حمو أن ابنه كان المحرض على اقتراف هذا الجرم، لم يجد الشجاعة الكافية للاقتصاص من القتلة. هكذا كانت حياة يحيى السياسية، أقصر من حياة أخيه وأقل خطرا، وَلكنها مع ذلك أتاحت له فرصة كتابة مؤلف غزير المادة في التاريخ هو "بغية الرواد في ذكر الملوك من بني عبد الواد"؛ وكثيرا ما اعتمد عليه بروسلار Brosselard وبارجس Barges في كتابة تاريخهما عن تلمسان. ولقد نشر كاتب هذه المادة النص العربي وترجمته الفرنسية بعنوان Hist. des Beni Abd El-Wad. rois de Tlemcen, (من ثلاثة أجزاء في مجلدين، الجزائر، السنوات 1904 ,1911, 1913) وهذا التاريخ المتعلق بسلطنة تلمسان مهم بصفة خاصة في معرفة حكم أبي حمو الثاني، ذلك الحكم الطويل المزدهر من بعض نواحيه، وقد كان صاحب الترجمة كاتب سره وموضع ثقته، فاستطاع بحكم منصبه هذا أن يطلع من غير شك على الوثائق السياسية بل يذكر بعضها كاملا في مصنفه. ومع أن يحيى لم يتناول في كتابه موضوعا متشعبا كموضوع أخيه عبد الرحمن، ولم يظهر سموا في التفكير ولا براعة في النقد مثل ما فعل أخوه في كتابه، إلا أنه بزه في الناحية الأدبية الخالصة، فقد أظهر يحيى في مؤلفه هذا بعض الملكات الأدبية والشعرية، كما كان أسلوبه الرشيق في غالب الأحيان موسيقيا، وكان يعلى كتابته بمقتطفات من أقوال فحول العرب القدماء. ولم يكن كتابه مجرد إلمام بالتاريخ السياسى لسلطنة المغرب الأوسط فحسب، بل أورد فيه كذلك كثيرا من قصائد شعراء البلاد الذين عاصروه،

كما أورد معلومات وافية عن علماء عصره وعن مجالس الشعر ببلاط للمسان، وليس من السهل الوقوف على مثل هذه المعلومات في كتاب آخر، وهو يعطينا لمحة صادقة عن الحياة العقلية في عاصمة بني عبد الواد في القرن الرابع عشر الميلادى. المصادر: غير ما ذكر من المصادر في صلب المادة انظر Complement de l'histoire: Barges ,des Beni Zeiyan باريس 1887، صه 205. [الفرد بل Alfred Bel] مصادر أخرى: (1) Umriss der Mu-: S. van den Bergh hammedanischen Wissenchaften nach Ibn Khaldun. رسالة مقدمة لجامعة فرايبورغ سنة 1912 ,ليدن 1912. (2) Etude analitique et: Taha Hussein critique de la philasophie Sociale d'lbn Khaldoun. باريس (رسالة جامعية) سنة 1917. (3) Ibn Khaldoun, Sa phi-: G. Bouthoul dosophie Sociale باريس سنة 1930. Ibn Khaldoun historian,: N. Schmidt (4) sociologist and philosopher. نيويورك سنة 1329. (5) Die Geschichts-und: Kamil Ayad Gesellschaftlehre lbn Khalduns: شتوتكارت - برلين سنة. 1930 Geschichts-und) Gesellschaftlehre، طبعة Kurt Breysig جـ 2). (6) Ibn Khalduns Gedank-: E. Rosenthal en uber den Staat, ميونخ وبرلين سنة 1932 (Hist.Zeitschrift، جـ 25). (7) Les idees econ-: Sobhi Mahmassani -omiques d'Ibn Khaldoun, Essai his torique, analytique et critique، ليون سنة 1932. (8) The Islamic Back-: H. A. R. Gibb ground of Ibn Khaldun's Political Theory في B.S.O.S. جـ 7 (سنة 1933) ص 23 - 31. (9) محمد عبد الله عنان: ابن خلدون، حياته وتراثه الفكرى، القاهرة سنة 1352 هـ (1933 م). [أرندنك C. Van Arendonk]

ابن خلكان

ابن خلكان أحمد بن محمد بن إبراهيم، شمس الدين أبو العباس، البرمكى الإربلى الشافعي: مؤلف عربى، ولد في الحادى عشر من ربيع الثاني عام 608 (23 سبتمبر 1211) ببلدة إربل. وبدأ دراسته عام 626 هـ على الجواليقي وابن شداد في حلب، ثم درس في دمشق، وذهب إلى القاهرة عام 636 هـ (1238 م) وأصبح نائب قاضى القضاة يوسف بن الحسن السنجارى، ثم شخص إلى دمشق قاضيا لقضاتها عام 659 هـ (1261 م)، ولكنه صرف عن منصبه الذي أصبح شغله بعد خمس سنوات موقوفًا على الشافعية ثم ألغى بعد ذلك بعشر سنوات. وبعد أن اشتغل بالتدريس سبعة أعوام في المدرسة الفخرية بالقاهرة رد إلى منصبه السابق، ثم عزل منه للمرة الثانية في المحرم عام 680 (مايو 1281) وتوفى يوم السبت 16 رجب 681 (21 أكتوبر 1282) كان مدرسًا بالمدرسة الأمينية. وبدأ ابن خلكان في كتابة مصنفه الكبير "وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان" بالقاهرة عام 654 هـ (1296 م) ولكنه اضطر إلى الانقطاع عن المضى فيه أثناء ولايته للقضاء في دمشق، وأتمه في الثاني عشر من جمادى الآخرة عام 672 (4 يناير 1274) وتوجد نسخة منه بخط ابن خلكان في المتحف البريطانى (انظر الفهرس رقم 1505؛ الملحق رقم 607؛ وانظر Cureton: مجلة الجمعية الأسيوية الملكية، جـ 6، سنة 1841، ص 225؛ فستنفلد: . Gott. Gel. Anz سنة ,1841, ص 286) ولما كانت مصنفات أسلافه قد فقد معظمها (Uber die: Wustenfeld quellen des Werkes Ibn Challikani Vitae illustrium hominum كوتنكن سنة 1837) فإن كتابه يعد من أهم المصادر في التراجم والتاريخ الأدبى، وقد نشره فستنفلد في كوتنكن من عام 1835 إلى 1843 بعنوان Ibn Challikani Vitae il . lustrium virorum nunc primum arab؛ ونشره ده سلان de Slane بباريس من عام 1838 إلى 1842 بعنوان Vies des hommes illustres de l'slamisme en Arabe

ابن رشد

(حتى رقم 678 فقط). وطبع ببولاق عام 1275 ,1299 هـ , وبالقاهرة عام 1310 هـ , وطبع طبعة حجرية في طهران عام 1284 هـ ,وترجم إلى التركية في استانبول 1280 هـ؛ وترجمه إلى الفرنسية ده سلان M.G. de Slane في أربعة مجلدات، باريس، لندن من سنة 1843 إلى 1871. والراجح أن يكون أخوه محمد بهاء الدين الذي توفي عام 683 هـ (1284 م) شاغلا منصب قاضى بعلبك، هو مصنف "التاريخ الأكبر في طبقات العلماء وأخبارهم " (انظر - Bib. Bod leianae Godd. Mss. Orient. Catalogus رقم 747؛ فستنفلد، كتابه المذكور، رقم 359). المصادر: (1) برزالى (وقد اعتمد على أقوال ابن خلكان نفسه) في كتاب ألغخانى عن تاريخ كجرات، طبعة روس Ross, ص 184. (2) السبكي: طبقات الشافعية "الكبرى, جـ 5، ص 14. (3) السيوطي: حسن المحاضرة، جـ 1، ص 320. (4) Mamlouks: Quatremere. المجلد الأول جـ 2، ص 180 وما بعدها. (5) الكاتب نفسه في المجلة الأسيوية، السلسلة التاسعة جـ 3، ص 467. (6) Geschichtschreiber: Wustenfeld. ص 358. (7) Gesch. der Arab.: Brockelmann . Litt جـ 1، ص 326 - 328. [بروكلمان Brockelmann] ابن رشد أبو الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن رشد، المعروف عند الغربيين في القرون الوسطى باسم أفرّويس Averroes ولد بقرطبة عام 520 هـ (1126 م). وكان جده قاضى قرطبة، وقد خلف عدة مؤلفات قيمة؛ وكذلك كان أبوه قاضيا. ودرس ابن رشد في مسقط رأسه الفقه والطب، ومن شيوخه أبو جعفر هارون، وهو من مدينة

تُرجْيلة Truxillo بالأندلس. وقد كان ابن رشد عام 548 هـ (1153 م) بمدينة مراكش، والراجح أن ابن الطفيل قد رغبّه في الرحلة إليها. وهناك قدمه هذا الفيلسوف إلى أبي يعقوب يوسف الموحدى فشمله برعايته. وثمة وصف لهذا اللقاء (المراكشى: المعُجِب في تلخيص أخبار المغرب، طبعه دوزى ص 174 - 175) لا يزال باقيا حتى اليوم، فقد سأل الخليفة ابن رشد عن رأى الفلاسفة في السماء (الكون) هل هي جوهر قديم أم حادث، فامتلأ رعبا ولم يحر جوابا، فهش له الخليفة وبدأ يناقش هذه المسألة بنفسه ويبسط آراء العلماء على اختلافهم في تثبت ودراية واسعتين يندر وجودهما عند أمثاله من الأمراء؛ وصرفه الخليفة بعد أن أجازه. وأشار عليه ابن الطفيل بشرح كتب أرسطو وقال له إن أمير المؤمنين كثيرا ما شكا من غموض فلاسفة الإغريق، أو قل من الترجمات التي كانت موجودة في ذلك العين، وأنه ينبغى عليه أن يضطلع بشرحها. ولقد ولى ابن رشد القضاء بإشبيلية عام 565 هـ، ثم ولى القضاء بقرطبة عام 567 هـ، ورغم اشتغاله بما تتطلبه تلك المناصب من أعباء فقد صنف أهم كتبه في ذلك العهد، ونجده عام 578 هـ في مراكش، وكان قد استدعاه إليها يوسف ليكون طبيبه الخاص بدلا من ابن الطفيل الذي كان قد طعن في السن, وبعثه الخليفة بعد ذلك إلى قرطبة قاضيا لقضاتها. وكان ابن رشد موضع رعاية يعقوب المنصور خليفة يوسف في بداية حكمه، ولكنه فقد رضاه بعد ذلك لأن المتكلمين كانوا قد عارضوا مصنفاته واتهموه بضروب مختلفة من الزندقة، وحو كم من أجل ذلك، ونفى إلى أليسانة بالقرب من قرطبة. وأمر الخليفة في الوقت نفسه بإحراق كتبه في الفلسفة ما عدا الطب والحساب والمواقيت (حوالى عام 1195 م). ويلاحظ دنكان مكدونلد - Dncan Mac donald أن أوامر الخليفة الموحدى، الذي كان حتى ذلك العين نصيرا للفلسفة، لا بد أن تكون قد صدرت إرضاء لمسلمى الأندلس الذين كانوا أكثر تمسكا بالسنة من البربر. والواقع أن الخليفة كان في

ذلك الوقت مشغولا بالجهاد مع النصارى فى الأندلس، وما إن رجع إلى مراكش حتى ألغى أوامره وقرب إليه ابن رشد ثانية (De-: D. Macdonald velopment of Muslim Theology نيويورك سنة 1903، ص 255). ولما عاد ابن رشد إلى مراكش لم يستمتع طويلا بحظوته لدى الخليفة إذ توفى فى التاسع من صفر عام 595 (10 ديسمبر 1198 م) (ودفن بقرب تلك المدينة خارج باب تاغزوت. وقد فقد الجزء الأكبر من المتن العربى لمؤلفات ابن رشد إلا القليل، وقد بقى لنا بالعربية كتابه "تهافت التهافت" وهو رد على كتاب الغزالى المشهور "تهافت الفلاسفة" (انظر بحث Miguel Asin Palacins فى معنى كلمة، "تهافت" فى كتب الغزالى وابن رشد: المجلة الإفريقية، العددين 261، 262 عام 1906، ص 202 بنوع خاص) وشروحه الوسطى على كتابى الشعر والخطابة لأرسطو (نشرها وطبعها لاينيو Lasinio) ورسالة فى المنطق ملحقة بشرحيه على الكتابين السابقين، وتعليق على بعض قطع من شرح الإسكندر الأفروديسى على كتاب "ما بعد الطبيعة" لأرسطو، (انظر Freudenthal . s: وبحثهما المذكور فى المصادر) والشرح الأكبر على "ما بعد الطبيعة" وتوجد فى ليدن SCat. Cod. Orient رقم 2821). وشروح صغيرة على جوامع كتب أرسططا ليس، بمجريط (انظر Guillen Cati logo., Bibl. Nacion: Robles، رقم 37؛ وانظر V Aj manus. ar. de رقم 37 فى D. Franc. Codera Madrid ص 577 وما بعدها). وهى: الطبيعيات، السماء والعالم، الكون والفساد، الآثار العلوية، النفس، وبعض مسائل فيما بعد الطبيعة (انظر أيضا Le com-: H. Derenbourg mentaire Arabe d'Averroes sur quelques petits ecrits physiques d'Aristote فى - Ar fur Gesch. der Philosophie chiv جـ 18، سنة 1905، ص 250) ورسالتان طريفتان عن الصلة بين الدين والفلسفة درسهما ليون غوتييه Leon Gauthier وميكويل أسين Miguel Asin, تسمى إحداهما "فصل المقال فيما بين الشريعة

والحكمة من الاتصال" والأخرى "كتاب مناهج الأدلة فى علم الأصول"، وقد نشر ميلر I Muller هاتين الرسالتين وترجمهما إلى الألمانية (انظر المصادر) ونشرا بالقاهرة معا بعنوان "كتاب فلسفة ابن رشد" (1313، 1328 هـ). وبقيت أيضا بعض مصنفاته مكتوبا نصها العربى بحروف عبرية: مختصر فى المنطق، الشرح الأوسط لكتب "الكون والفساد" و"الآثار العلوية" و "النفس"، وشروحه، للطبيعيات الصغرى" (المكتبة الأهلية بباريس، رقم 303، 317) وشروحه على "السماء والعالم" و"الكون والفساد" والآثار العلوية بمكتبة بودليانا (uri، ص 86، الفهرس العبرى؛ انظر رينان: ابن رشد، الطبعة الثالثة، ص 83). وشروح ابن رشد لكتب أرسطو التى اشتهر أمرها على ثلاثة أنواع، أو قل إنه شرح كل كتاب من كتب أرسطو شروحا ثلاثة: فثمة شرح أكبر، وشرح أوسط، وشرح أصغر. وهذا التأليف الثلاثى يتمشى مع مراحل التعليم الثلاث المعروفة فى الجامعات الإسلامية، فالشرح الأصغر يدرس فى العام الأول، والأوسط فى العام الثانى، والأكبر فى العام الثالث؛ وكانت العقائد تدرس على هذا النحو أيضا. رأينا فيما تقدم ما بقى من كتبه بالعربية، ونذكر الآن ما بقى منها باللاتينية والعبرية: شروحه الثلاثة على "الأنالوطيقا الثانية"و "الطبيعيات" و"السماء والعالم " و"النفس" و"ما بعد الطبيعة" وقد فقدت شروحه الكبرى على كتب أرسطو الأخرى، كما فقدت كل شروحه على كتاب "الحيوان". وكتب ابن رشد أيضا شرحا لجمهورية أفلاطون، ونقد منطق الفارابى وطريقته فى فهم أرسطو، كما ناقش بعض أنظار ابن سينا، وعلق على عقيدة المهدى ابن تومرت. وصنف كتبًا مختلفة فى الفقه (كتاب بداية المجتهد ونهاية المقتصد، القاهرة سنة 1329 هـ) والفلك والطب. وكان لكتابه فى الطب المسمى "الكُليُّات" -الذى حرف فى الترجمات اللاتينية باسم- Col liget - بعض الشأن فى العصور الوسطى، بيد أنه لم يكن يضارع بأية

حال ما كان لكتاب ابن سينا المسمى "القانون"، (يوجد "كتاب الكليات" مخطوطا بغرناطة، انظر دوزى فى Zeitschr. d. Deutsch. Morgenl. Gesell, جـ 36، سنة 1882 م، ص 343؛ وبسانت بطرسبرغ، انظر فهرس دورن، رقم 124، والراجح أنه يوجد أيضا بمجريط، انظر فهرس Robles, رقم 132، وانظر. etc، رقم 132، وفى ص 587 وما بعدها). ولا يمكننا أن نعد فلسفة ابن رشد فلسفة مبتكرة (انظر فى هذا الحكم: رينان فى كتابه عن ابن رشد ومدرسته، الطبعة الثالثة، ص 88) لأنها فلسفة تلك المدرسة التى نحا أفرادها منحى اليونان وعرفوا "بالفلاسفة" والتى أخذ بها من قبله الكندى والفارابى وابن سينا فى المشرق، وابن باجة فى المغرب. ولا شك أنه خالف هؤلاء الفلاسفة العظام الذين سبقوه فى عدة مسائل، إلا أن تلك المسائل كانت فى الدرجة الثانية من الأهمية. ويمكننا أن نقول بصفة عامة إن ابن رشد قد اتبع مذهب أولئك الفلاسفة وطريقهم فى التفلسف. وعلى هذا فإن شهرة ابن رشد ترجع فى الأغلب إلى عمقه فى التحليل وقدرته فى الشرح، وهما صفتان يصعب علينا اليوم أن نقدرهما حق التقدير لاختلاف طرائق تفكيرنا ومناهجنا العلمية، مع أن هاتين الصفتين كانتا موضع تقدير علماء القرون الوسطى، وخاصة الأوساط اليهودية والنصرانية. وكان الإعجاب بشروحه عظيما حتى بين رجال الدين الذين كانوا يرون فى مذهبه خطرا يهدد العقيدة. وقد هاجم المتكلمون فى الشرق الإسلامى الفلاسفة فى عنف، وكان كتاب "تهافت الفلاسفة" الذى نقد الغزالى فيه الفارابى وابن سينا على الخصوص أهم أثر لهذا النزاع. أما فى الغرب فقد هاجمهم أولا متكلمو الأندلس من المسلمين، ثم علماء اللاهوت من النصارى عندما ترجمت لهم شروح ابن رشد. وحرم أساقفة باريس وأكسفورد وكانتربرى فى القرن الثالث عشر الميلادى قراءة مصنفات ابن رشد لنفس الأسباب التى حدت بفقهاء الأندلس السنيين إلى تحريم قراءتها. وأهم ما فى مذهب ابن رشد من المسائل

التى اتهم من أجلها بالزندقة ما يأتى: قدم العالم، وعلم الله وعنايته، وكلية النفس والعقل، والبعث. وقد يكون من اليسير أن تظهر زندقة ابن رشد فى هذه المسائل المختلفة، على أنه لم ينكر العقيدة ولكنه فسرها على وجه جعلها تتمشى مع الفلسفة. ففى مسألة قدم العالم لم ينكر ابن رشد أنه مخلوق، ولكنه جاء برأى فى الخلق خالف فيه المتكلمين بعض المخالفة. فالخلق عنده لم يكن دفعة واحدة، أى مسبوقا بالعدم. ولكنه خلق متجدد آنا بعد آن به يدوم العالم ويتغير؛ وبمعنى آخر: هناك قوة خالقة تفعل باستمرار فى هذا العالم وتحفظ عليه بقاءه وحركته. والأجرام السماوية على وجه خاص لا توجد إلا بالحركة، وهذه الحركة تأتيها من القوة المحركة التى تؤثر فيها منذ الأزل؛ فالعالم قديم ولكنه معلول لعلة خالقه ومحركه، والله وحده قديم لا علة له. أما فيما يختص بعلم الله فإن ابن رشد يأخذ بذلك الأصل الموضوع الذى قالت به الفلاسفة من قبل وهو "أن المبدأ الأول لا يعقل إلا ذاته"، ولابد أن يكون الأمر كذلك عند هؤلاء الفلاسفة، حتى يحتفظ المبدأ الأول بوحدانيته، لأنه إذا عقل كثرة الموجودات صار متكثرا فى ذاته. وإذا دققنا النظر فى هذا الأصل فإن الموجود الأول يجب ألا يعدو حدود ذاته لأنه لا يعقل غير ماهيته، ويترتب على هذا أن تصبح العناية أمرا مستحيلا. وذلك هو المأزق الذى كان يجتهد المتكلمون أن يدفعوا الفلاسفة إليه. ولكن مذهب ابن رشد كان أكثر مرونة مما يظن، لأنه يذهب إلى أن الله يعقل جميع الأشياء فى ذاته، وهو لا يعقلها على وجه كلى أو على وجه جزئى كما نعقلها نحن، ولكنه يعقلها على وجه أسمى يدق عن إدراكنا. فعلم الله لا يمكن أن يكون كعلم الإنسان، لأنه لو كان كذلك لكان لله شركاء فى علمه ولما إلها واحدا. زد على ذلك أن علم الله لا يستمد هن الموجودات كما هى الحال عند الإنسان، فهو علم لم تسببه الموجودات بل هو على عكس ذلك علة كل الموجودات. فليس من الصواب

إذا أن نقول كما قال المتكلمون إن مذهب ابن رشد ينكر العناية الإلهية. أما فيما يتعلق بمسألة النفس فقد اتهم ابن رشد بأنه يذهب إلى أن النفوس الفردية تندمج فى النفس الكلية بعد الموت، وأنه ينكر على هذا النحو خلود كل نفس إنسانية على انفرادها، وليس هذا من الحق فى شئ، إذ أنه يجب أن نميز فى مذهب ابن رشد -كما فى مذاهب غيره من الفلاسفة- بين "النفس" و"العقل"؛ فالعقل مجرد غاية التجريد مخلص عن المادة، ولا يكون بالفعل إلا إذا اتصل بالعقل الكلى أو العقل الفعال" وما نسميه عقلا عند الإنسان ليس إلا قوة أو استعدادا لقبول المعقولات الصادرة عن العقل الفعال، وتسمى هذه القوة "العقل المنفعل"، وهى ليست موجودة بالفعل وإنما يجب أن تخرج إلى الفعل وأن تصير لاعقلا مستفادا"، فهى إذا تتصل بالعقل الفعال الذى هو محل المعقولات الأزلية الأبدية، واتصالها بهذا العقل الفعال تصير بدورها أبدية. وليس الأمر كذلك فى النفس، لأن النفس عند هؤلاء الفلاسفة هى القوة المحركة التى تحيى الأجسام الطبيعية الآلية [العضوية] وتغذيها وتنميها؛ هى نوع من القوة يحيى المادة، وليس مخلصا من غواشيها كخلوص العقل، بل هو عكس ذلك شديد الاختلاط بها، حتى إن النفس قد تكون متكونة مما يشبه المادة أو من مادة لطيفة بالغة اللطف. وهذه النفوس الانسانية "صور" للأجسام، وهى لذلك لا تتقوم بها بل تبقى بعدها وتستطيع أن تحيا منفردة بعد فناء الأجسام. وليس هذا البقاء عند ابن رشد إلا مجرد إمكان فحسب، فهو لا يعتقد أن الأدلة الفلسفية البحتة تستطيع أن تعطينا برهانا قاطعا على خلود النفس إذا تصورناها على هذا النحو. وحل هذه المسألة متروك إلى الوحى (تهافت التهافت، ص 137). وقد اتهم المتكلمون فيلسوفنا أيضا بأنه أنكر بعث الأجسام مع أن مذهبه فى هذه المسألة أقرب إلى التمشى مع العقيدة منه إلى إنكارها. فهو يقول إن

أجسامنا فى الحياة الأخرى لن تكون عين الأجسام التى لنا فى هذه الحياة، ذلك لأن الجسم الذى يفنى لا يبعث بعينه وإنما يبعث شئ يشبهه. والحياة الأخرى عند ابن رشد ستكون أكثر كمالا من الحياة الدنيا، وعلى هذا فإن أجسامنا فى الحياة الأخرى سوف تكون أكثر كمالا منها فى هذه الحياة. على أن ابن رشد لا يقر للك الأساطير والتصورات التى تصاغ عن الحياة الأخرى. ولما كان أهل السنة قد هاجموا هذا الفيلسوف أكثر من الفلاسفة الذين تقدموه، فقد حدد تحديدا أدق من هؤلاء الصلة بين الحكمة والشريعة، وبسط مذهبه فى هذه المسألة فى الرسالتين اللتين سبق ذكرهما وهما "فصل المقال" و"الكشف عن مناهج الأدلة". وأول مبادئه فى هذه الصلة هو أن الحكمة ينبغى ان تتمشى مع الشريعة، وقد أخذ بهذا المبدأ جميع فلاسفة الإسلام. ويمكننا ان نقول إن هناك حقيقتين أو بديهيتين هما الحقيقة الفلسفية والحقيقة الدينية. ويجب أن تتفقا معا. فالفلاسفة أنبياء على أسلوبهم يتوجهون بتعاليمهم إلى العلماء خاصة. ويجب ألا تتعارض تعاليمهم مع تعاليم الأنبياء الحقيقيين الذين أرسلوا إلى جمهور الناس بنوع خاص. وعلى تعاليم الفلاسفة أن تؤدى الحقيقة الدينية عينها ولكن فى ثوب أكثر كمالا وأقل مادية. ويجب أن نفرق فى الدين بين المعنى الحرفى والمعنى الذى يحتاج إلى التأويل. فإذا بدا لنا أن فى القرآن نصا يتعارض والنتائج الفلسفية فعلينا أن نعتقد أن هذا النص له معنى آخر يخالف المعنى الحرفى، وعلينا أن نبحث عنه. وواجب العامة أن يتمسكوا بالمعنى الحرفى، أما العلماء فشأنهم التأويل. وعلى العامة من الناس أن يقبلوا القصص والرموز كما ينص عليها الوحى. أما الفلاسفة فلهم الحق فى أن يستخلصوا المعانى العميقة المجردة التى تنطوى عليها تلك النصوص. ويجب على العلماء أن يأخذوا أنفسهم بألا يذيعوا تأويلاتهم فى العامة.

وقد بين ابن رشد كيف ينبغى أن يعلم الدين تبعا لمدارك الناس، فقسم الناس تبعا لمواهبهم العقلية إلى ثلاث طبقات: الأولى -وهى أوسع الطبقات- تتألف من هؤلاء الذين يوعظون بكلام الله فيؤمنون، وهم لا يستجيبون إلا للخطابيات؛ والثانية تتألف من اولئك الذين يتم اعتقادهم بعد البرهان، ذلك البرهان الذى يعتمد على مقدمات سبق أن اعتقدوا بها وليست موضع نقد عندهم؛ والثالثة -وهى أقل الطبقات- تتألف من أولئك الذين لا يعتقدون إلا بعد أدلة تستند إلى مقدمات يقينية وثيقة. وهذا الأسلوب فى تعليم الدين وفقا لمدارك الناس يدل على أن ابن رشد كان عالما نفسيا خبيرا، ولكن قد يستهدف صاحب هذا الأسلوب إلى الاتهام بالغرض، ومن ثم نفهم لماذا أثار هذا الأسلوب شكوك رجال الدين. ولسنا نعتقد بعد هذا كله أن ابن رشد كان مارقا على الدين حاول أن يحتمى من هجمات أهل السنة بما ذهب إليه من تأويلات تتفاوت قوة وضعفا، بل نعتقد أنه كان ينزع- مثل كثير من علماء المشرق- إلى التوفيق بين المذاهب المتضاربة، قائلا بإخلاص إن الحقيقة الواحدة يمكن أن يتصورها الإنسان بصور مختلفة، ووصل بفضل مقدرته الفلسفية العظيمة إلى التقريب بين المذاهب التى تبدو واضحة التنافر لدى العقول القليلة المرونة. وقد نقل شروح ابن رشد إلى العبرية فى القرنين الثالث عشر والرابع عشر يعقوب الأنطولى (1232 م) وهو من مدينة نابلى، وموسى بن تبون (¬1) (1260 م) وهو من مدينة لونيل، وقلونيموس (¬2) (1314 م)، وشموئيل بن تبون (¬3)، ويهودا بن سليمان كوهين ¬

_ (¬1) كان موسى وشمونيل من أسرة تبون المشهورة التى انجبت عددا غير قليل من عظماء اليهود وفلاسفتها فى القرن الثانى والثالث عشر للميلاد، استوطنت جنوب فرنسا بعد أن هاجرت من الأندلس من جراء اضطهاد دولة الموحدين لليهود. (¬2) هو قلونيموس بن قلونيموس بن ماير الذى عرف عند الافرنج باسم Maestro Caln ولد سنة 1280. وتوفى سنة 1328 للميلاد. (¬3) اشتهر شموئيل بن تبون بترجمته لكتاب "دلالة الحائرين" للفيلسوف اليهودى موسى بن ميمون من العربية إلى العبرية، وكان ظهور الترجمة العبرية حادثا عظيما فى الحياة العقلية عند اليهود في الغرب والشرق.

(1247 م) وهو من مدينة طُلَيطْلة، وشم طوب بن يوسف بن فلقرى. وقد شرح ليون بن جرشون (¬4) كتب ابن رشد، كما شرح ابن رشد كتب أرسطو. وفى العالم المسيحى بدأ كل من ميخائيل سكوت وهرهان -وكانا يتصلان ببيت هوهنشتاوفن- بنقل مصنفات ابن رشد من العربية إلى اللاتينية عام 1230، 1240 م. وحوالى نهاية القرن الخامس عشر أصلح كل من نيفوس وزيمارا الترجمات القديمة. وقد ترجم كتب ابن رشد ترجمة جديدة معتمدة على النص العبرى: يعقوب منتينو الطرطوشى، وأبراهام ده بالمز، وجيوفانى فرنشسكو بورانا من فيرونا. وكان نيفوس (1495 - 1497 م) ويونتاس (1553 م) أفضل من ترجم ابن رشد. المصادر: (1) ابن رشد: تهافت التهافت، القاهرة 1303. (2) انطون فرح: ابن رشد وفلسفته، الإسكندرية 1903. (3) Philosophie and Theo- A. J. Muller dogie von Averroes النص العربى، ميونخ 1859؛ الترجمة الألمانية، ميونخ سنة 1875. (4) comento medio di Aver-: Lasinio me ally Pnetica di Aristotele، النصان العربى والعبرى؛ الترجمة الإيطالية، بيزا سنة 1872. (5) الكاتب نفسه - Commento medio di Averroe alla Re torica di Aristotele. فلورنسة سنة 1875 - 1878. (6) Die: S. Fraenkel. J. Freudenthal -durch Averroes erhaltenen Fragmente Al exanders zur metaphysik des Aristoteles فى مجلة , Abhandl. d. Kg! . Akad. d. Wiss zu Berlin 1884 . (7) كتاب فلسفة ابن رشد، القاهرة 1313 هـ. (8) Die Metaphysik des A. Horten Z Averroes ترجمة، فى مجلة ¬

_ (¬4) هو ليون بن جرشون المعروف عند الأسبان باسم j Leon de Bagnols وعند بقية الافرنج باسم Leo Hebracus . ولد سنة 1288 وتوفى سنة 1344. إسرائيل والفنسون

I Philosophie u ihrer Gesch العدد 36، هال سنة 1912. (9) الكاتب نفسه: die Hauptiehren des -Sohrift, die Wi في Averroes dach seine؛ derlegung des Gazal، بون سنة 1913. (10) La Theorie d'Ibn: Ikon Gauthier Rochd sur les Rapports de la Religion el de la Philosophie باريس 1909. (11) Aver-: Miguel Asin y Palacios de roismo teologico de Santo Tomas i Aquina فى Codera، ص 217 وما بعدها. (12) Die Lehre von der An-: M. Worms ngslosigkeit der Welt bie den mittel al/ .terlichen arabischen Philosophen etc (ذيل Abhandl. des Ibn Roshd fiber das Problem der Weltschopfg/" ung (فى Mittelalters، المجلد 3، جـ 4، طبعة Baeumker vnn HertlinR، مونستر، سنة 1900. (13) Averroes et I'Averroisme: Renan الطبعة الثالثة، باريس سنة 1866. (14) Melanges de philosophie: Munk ve؛ باريس سنة 1859. (15) انظر للكاتب نفسه مقالة عن ابن رشد فى Dictionnaire des Sci-: Frank ences philosophique. (16) Etudes sur la phi- A. F. Mehren -losophie d'Averroes, concernant ses rap d'Avicenne et de Gazali ports avec celle فى مجلة Mu-,(! on, جـ 7. (17) La philosophie arabe et la: Forget philos. scholastiqus بروكسل سنة 1815. (18) e Widerspriiche d.: T. J. de Boer Philos. u. ihr. Ausgleich durch Ibn Ro.srh l، ستراسبورغ سنة 1894. (19) الكاتب نفسه: - The History of Phi Iosophy in Islam. لندن 1903. (20) Development of: D. Maconald Muslim Theology نيويورك سنة 1903، ص 255 وما بعدها.

(21) Die islam u. jUd. Phi-: Goldziher . Jos، فى مجلة المجلد الأول، جـ 5 ص 64 وما بعدها. (22) Gesch. d. Ar. Litt.: Brockelmann , جـ 1، ص 461 وما بعدها، وبه ثبت يكتب ابن رشد. (23) Grundriss der: Ueberweg-Heinze Geschichte der Philosophie, جـ 2، فصل 25. تعليق على مادة "ابن رشد" فلسفة ابن رشد غنية جدًا، يصعب على الناظر جمع عناصرها فى مقال واحد، ولكنا نستطيع أن نرجعها إلى مسألتين أساسيتين: المسألة الأولى مسألة تركيبية انتقائية جمع فيها أبو الوليد بين الدين والفلسفة. وقد تم له هذا الغرض فى كتاب "فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال" وكتاب "الكشف عن مناهج الأدلة فى عقائد الملة". ولعل مقالته: فى أن ما يعتقده المشاءون وما يعتقده المتكلمون من أهل ملتنا فى كيفية وجود العالم متقارب فى المعنى، تشتمل على هذا الغرض أيضا. وقد استطاع أن يجمع بين الحكمة والشريعة كما ذكر البارون (كارًا - دو - فو) بواسطة التأويل، وهذا ما فعله أيضا فى الجمع بين الأدلة المتناقضة فى مسألتى القضاء والقدر والجور والعدل. فلم يتبع فيهما طريقة الأشعرية ولا طريقة المعتزلة، بل طريقة متوسطة، تشتمل على محاسن الطريقتين، وتتجنب مساوئهما، وقد سبقه الفارابى إلى هذه الطريقة فى "الجمع بين رأيى الحكيمين أفلاطون وأرسطو". قال ابن رشد فى "الكشف عن مناهج الأدلة" عند البحث فى القضاء والقدر: "الظاهر من مقصد الشرع ليس هو تفريق هذين الاعتقادين وإنما قصده الجمع بينهما على التوسط الذى هو الحق فى هذه المسألة. وذلك أن الله تبارك وتعالى قد خلق لنا قوى نقدر بها أن نكتسب أشياء هى أضداد، لكن لما كان الاكتساب لتلك الأشياء ليس يتم لنا إلا بمواتاة الأسباب التى سخرها الله لنا من الخارج وزوال العوائق عنها كانت الأفعال المنسوبة إلينا تتم بالأمرين جميعا" أى بالإرادة

وموافقة الأفعال الخارجية لها. وما أتينا بهذا المثال إلا لنبين أن فلسفة ابن رشد التركيبية فلسفة بسيطة لم تتغلب على المشاكل إلا بالإعراض عنها. أما المسألة الثانية فهى تحليلية انتقادية تجدها فى شرحه لكتب أرسطو وانتقاده لمن تقدمه من الشارحين ورده على المتكلمين والغزالى وابن سينا. وقد ذكر البارون (كاوا - دو - فو) فى مقاله طريقة ابن رشد الانتقادية ونظن أن هذا القسم الانتقادى هو الصفة الأساسية التى تمتاز بها فلسفة ابن رشد على غيرها. فهو يبين فى انتقاده مراتب الأقاويل فى التصديق والإقناع وقصور أكثرها عن رتبة اليقين والبرهان، ولذلك يذكر فى انتقاده كلام خصومه فيناقشه ويفنده ثم يبين أنه سفسطائى أو خطابى أو جدلى ويعين درجته فى مراتب الجدل: لأن القول الصحيح لا يجوز أن يكون خطابيا ولا جدليا، بل يجب أن يكون برهانيا منطقيا. وقد ساقته هذه الطريقة الانتقادية إلى مسائل مختلفة منها: 1 - مسألة إثبات الخالق: ذكر ابن رشد فى انتقاد طريقة الأشعرية أنها أنبنت على بيان أن العالم حادث، وانبنى عندهم حدوث العالم على القول بأن الأجسام مركبة من أجزاء لا تتجزأ وأن الجزء الذى لا يتجزأ محدث والأجسام محدثة بحدوثه. ففريق منهم اعتمد على ثلاث مقدمات هى بمنزلة الأصول لما يرومون استنتاجه: الأولى أن الجواهر لا تنفدُ عن الأعراض، والثانية أن الأعراض حادثة، والثالثة أن ما لا ينفدُ عن الحوادث حادث. وقد رد ابن رشد على هذه المقدمات الثلاث وبين أن الطريقة الشرعية التى دعا الشرع فيها إلى الاقرار بوجود الله تنحصر فى أمرين: أحدهما طريق الوقوف على العناية بالإنسان وخلق جميع الموجودات من أجلها، وسمى هذا الدليل بدليل العناية. والطريقة الثانية مبنية على ما يظهر من اختراع جواهر الأشياء مثل اختراع الحياة فى الجماد والإدراكات الحسية والعقل، وسمى هذا الدليل بدليل الاختراع. 2 - مسألة حدوث الصور: لقد لام ابن رشد ابن سينا لإذعانه لبعض

مقدمات المتكلمين وتقسيمه الوجود إلى ممكن وواجب، وقوله إن الصورة لا تتولد فى المادة من صورة مادية قبلها، بل يحدثها فيها واهب الصور، وهو عقل مفارق. فمما قاله إن ابن سينا جعل الموجود مركبا من موجودين متباينين هما: الصورة والمادة. ولذلك فهو يرى أن الوالد بالذات للشخص هو شخص مثله، وهذا معنى قول أرسطو أن الأنسان إنما يلده إنسان، وأن الصورة المادية متولدة بالضرورة من صورة مادية ثانية هى فى هيولى، وكأنه اجتمعت فيها الضرورة من وجهين: أحدهما من حيث هى موجودة، والثانى من حيث هى هيولى. 3 - مسألة العقل: إن نظرية ابن رشد فى العقل تختلف عن نظرية ابن سينا، وقد توصل إليها بانتقاد شرح الإسكندر الأفروديسى لآراء أرسطو. فمن المعلوم أن الجوهر العاقل إذا عقل صورة عقلية صار هو إياها. فإذا كانت الصورة العقلية أزلية أبدية كان العقل أيضا أبديا. ولكن الإسكندر الأفروديسى قد أخطأ فى جعل العقل الهيولانى معرضا للكون والفساد فامتنع عليه إيضاح حصول المعقولات فيه. ولذلك وجب أن يكون الجوهر العاقل واحدا عند جميع الناس، لا يولد، ولا يفسد. أما الذى يفسد ويفنى فهو هذا العقل المنفعل الذى يقبل ما يفيض عليه من العقل الفاعل. وقصارى القول أن طريقة ابن رشد الانتقادية قد أوصلته إلى جملة من المسائل الفلسفية العميقة، وهى تمتاز على فلسفته الانتقائية التركيبية، ولولاها لما خلد اسمه فى تاريخ الفلسفة ولا كان له هذا الأثر العظيم فى فلسفة القرون الوسطى. مصادر أخرى: (1) تلخيص كتاب المقولات لابن رشد Talkhic Kitab al Maqoulat,، : : Averroes -publie par Maurice Bouyges. S. 1. Bey (2) تهافت خوجه زاده، طبع فى القاهرة مع تهافت الغزالى، وتهافت التهافت.

ابن الرشيد

(3) الرد على فلسفة ابن رشد للشيخ لَقى الدين أحمد بن عبد الحليم بن تيمية، القاهرة عام 1910 (طبع فى كتاب فلسفة القاضى ابن رشد). (4) La religion et les maitres: Doncoeur -de 1'averroisme, Revue des Sciences phi .1911 losophiques et Theologiques (5) Siger de Babant et: Mandonnet -1'Averroisme latin au XIII SiBcle, Fri bourg (Suisse(1889, 26 edition. (6) et la raison Chez Averro 6 s et St. Tho ,1911 , Thom جميل صليبا ابن الرشيد لقب شيوخ مشايخ الوهابيين بجبل شَمَّر بنجد، وقد أسس هذه الأسرة: (1) عبد الله على بن الرشيد (1250 - 1263 هـ = 1835 - 1848 م): وهو من عشيرة جعفر من قبيلة الَعْبَدة، من عرب شَمَّر؛ استولى عبد الله عام 1835 على بلدة حائل وخلع الشيخ صالحا من أسرة ابن على التى كانت تحكم حتى ذلك الحين جبل شمر من قبل أمراء الوهابيين بالدرعية والوياض. واعترف به فيصل أمير الرياض، وتقول الرواية إن عرش هذا الأمير توطد بفضل ابن الرشيد، ونجح عبد الله بمساعدة أخيه عُبَيْد فى بسط سلطانه على جبل شمر وما حوله. وفى عام 1838 م، أى فى نفس الوقت الذى خلع فيه فيصل أمير الرياض وحل محله خالد (انظر مادة "ابن سعود" رقم 8 و 9)، احتل خورشيد باشا أيضا جبل شمر، ونفى عبد الله ثم استعاد حكمه بعد رحيل الجنود المصرية 1841 م. وبعد وفاته خلفه ولده. (2) طَلاَل بن عبد الله: 1283 هـ (1848 - 1868 م) أخضع الجَوْف (دوْمة) وخيبر وتيما وجزءا من القصيم، واستطاع أن يكبح جماح العرب النهابين، كما استطاع بفضل سياسته الحكيمة أن ينشر السلام والرخاء فى الولاية التى كان يحكمها.

وانحصرت صلات التبعية التى كانت تربطه بالرياض والتى أخذت تضعف منذ عهد الأمير عبد الله نفسه، فى معونة حربية يقدمها لماما، كما أصبحت الجزية التى كان يؤديها عن جبل شمر إلى الأمراء السعوديين عبارة عن هدايا من الخيل يقدمها فى غير انتظام. وأنشأ طلال علاقات مع مصر والباب العالى وفارس، واستطاع أن يزور ولايته إبان حكمه كل من بالجريف Palgrave (1862 م-1863 م) وكوارمانى - Guar mani (1864 م) وانتحر طلال كما يقول هوبر فى صفر عام 1283 (يونية - يولية 1866) أو فى 17 ذى القعدة 1284 مارس 1868) كما يقول يوتنك Eutinp. (3) مْتعَب (1868)، هو أخو طلال وخلفه فى الحكم، وقد اغتاله بندر وبدر، ابنا أخيه طلال فى الثانى من ربيع الثانى 1285 (23 يولية 1868) كما يروى يوتنك، أو فى العشرين من رمضان (4 يناير 1869) كما يقول هوبر. (4) بنَدْرَ المغتصب 1286 - 1289 هـ (1868 - 1872 م) هو الذى اغتصب الولاية بعد متْعَب، وقد خلعه وإخوته وأبناء إخوته عَمه محمد. (5) محمد بن عبد الله بن الرشيد: (1869 - 1897 م) يعد، بعد أخيه طلال، أقوى من حكم هذه البلاد من أسرة ابن الرشيد. سار على سياسة سلفه العظيم، فعكف على تنمية موارد بلاده، ووطد النظام ونشر الأمن بفضل إرادته وحزمه وعدله. ولما كان الباب العالى يؤيده فإنه لم يكتف بالاستقلال عن أمراء الرياض فحسب بل احتل الرياض ذاتها عام 1819 م، ووحَّد إمارتى نجد المتنافستين تحت سلطانه. وقد زار جبل شمر اْثناء حكمه كثير من رحالة الأوربيين أمثال داوتى Doughty وبلنت Blunt وزوجه آن بلنت، وهوبر، ويوتنك، والبارون نولده Nolde . وتوفى محمد فى منتصف شهر ديسمبر 1897 ولم يعقب ولدا، وترك الإمارة لابن أخيه. (6) عبد العزيز بن مِتْعَب: (1315 - 1324 هـ = 1897 - 1906 م) خلف عمه محمدا، وسرعان ما دب الخلاف بينه وبين الشيخ مبارك صاحب الكُوَيتْ

وحامى أمراء الرياض الذين خلعهم محمد بن عبد الله، فشبت معركة حامية فى الطرفية عام 1318 هـ (1901 م)، قالو فيها عبد الرحمن بن فيصل والشيخ سعدون أمير المنتفق إلى جانب الشيخ مبارك. واستولى عبد العزيز بن عبد الرحمن السعودى على مدينة الرياض عام 1902 م، واحتمى بها من هجمات خصمه عبد العزيز بن متعب. واضطر عبد العزيز فى نهاية الأمر أن يستنجد بالترك عام 1322 هـ وسقط قتيلا فى معركة ليلية فاجأه بها عدوه فى الثامن عشر من صفر عام 1324 (13 أبريل عام 1906) فخلفه ولده. (7) متعب بن عبد العزيز، قتله سلطان بن حمود فى ذى القعدة عام 1324 (ديسمبر 1906 - يناير 1907)، وفى رواية أخرى فى شعبان عام 1324. (8) سلطان بن حَمود، هو حفيد عبيد أصغر إخوة عبد الله (انظر رقم "1" فى هذه المادة) وبعد أن حكم عدة أشهر خلعه أخوه سعود بن حمود فى أوائل عام 1326 هـ (فبراير عام 1908). (9) سعود بن حمود: أخو صاحب الترجمة السابقة، سرعان ما قتله حمود بن سبحان، وأجلس مكانه على العرش الابن الوحيد الذى ظل على قيد الحياة من أبناء عبد العزيز (انظر رقم 6). (10) سعود، تولى الحكم فى السابع عشر من شعبان عام 1326 (14 سبتمبر عام 1908) وظل يحكم فى جبل شمر مؤيدا من الجميع. المصادر: مصادر هذه المادة كتب الرحلات التى ذكرت فى مادة "ابن سعود" وخاصة كتب والن Wallin وبالكريف، وكوارمانى، وداوتى، وليدى بلنت، وهوبر، ويوتنك، ونولده، والصحافة التركية، والعربية، والإنكليزية الهندية والمعلومات التى أوردتها الآنسة بل Be ومادك J. A. Madik . [مورتمان J. H. Mordtmann]

ملاحظات: عن رقم "1" انظر هوبر. Journal etc ص 151. وعن نورة أخت عبد الله رقم "2" وعبيد رقم "3"، انظر. Zeitschr. d. Deutsch. Morg. Ges, ص 240؛ وداوتى جـ 2، ص 25. أما جبر الذى ذكر بلنت B 1 unl، جـ 1، ص 196، أنه أخو عبد الله وعبيد فهو كما يذكر داوتى، جـ 2، ص 16، من أسرة ابن على التى خلعها عبد الله. وقد بلغ رقم "4" سن الأربعين عام 1864 كما يذكر كوارمانى mani، ص 96 وكان له تسعة أبناء. ويذكر بالكريف Palgrave. جـ 2، ص 128 و 204، أنه كان فى العشرين أو الخامسة والعشرين عند وفاة أبيه عام 1844 أو 1845. وقد بلغ رقم "5" الخامسة والثلاثين من عمره عام 1869، كما يذكر هوبر، ص 150. وبلغ رقم "6"`الأربعين من عمره عام 1877, انظر داوتى، جـ 1، ص 593؛ ويذكر بلنت، جـ 1، ص 271 أنه بلغ الخامسة والأربعين من عمره عام 1879، وهو يتفق فى ذلك مع يوتنك uting جـ 1، ص 175؛ ومع ذلك فإن نلده ص 83، يذكر أنه بلغ الثالثة والخمسين من عمره عام 1892. وعن رقم "7" انظر كوارمانى، ص 87، 195؛ ويذكر بلنت، جـ 1، ص 195 أنه كان يبلغ العشرين عند وفاته (وانظر يوتنك، جـ 1، ص 180)، ويذكر هوبر، ص 151، أنه كان يبلغ الثلاثين عاما، ويذكر كل من داوتى جـ 2، ص 26، وبلنت، جـ 2، ص 270، ابنا له؛ ولكن الآنسة بل Bell تذكر أنه لم يعقب ولدا. وعن رقم "8" انظر يالكريف، جـ 1، ص 135، وقد خلط بينه وبين بندر رقم "7"، وهو يذكر أنه بلغ الثانية عشرة عام 1862، ويذكر هوبر، ص 151، أنه كان يبلغ الخامسة والعشرين من عمره عام 1872. وعن رقم "11" انظر بالكريف جـ 1، ص 135، وقد ذكر أن سنه كانت تتراوح بين الخامسة والسادسة عام 1862؛ ويذكر هوبر، ص 150، أنه بلغ الثامنة عشرة عام 1876. ويذكر بلنت، جـ 1، ص 271 أن رقم "13" ولد عام 1861؛ ويذكر هوبر أنه توفى فى العشرين من عمره عام 1298 هـ (1881 - 1882)،

وانظر بلنت، جـ 1، ص 200؛ ويوتنك، جـ 1، ص 169. رقم "14" توفى عام 1871، انظر هوبر. ولقد أورد هوبر ثبتا كاملا بأسماء أبناء طلال (من رقم "7" إلى رقم)، وقد قللهم جميعا -ما عدا نائفًا وزيدًا- عمهم محمد عندما ولى الإمارة عام 1872. رقم "15" كان يتراوح عمره بين السادسة عشرة والسابعة عشرة عام 1883 كما يذكر كل من يوتنك، جـ 1، ص 170، 176، وهوبر، ص 150. وذكرت الآنسة بل أن طلالا (رقم "16") ومشعلا (رقم "18") ومحمدا (رقم "19") ومتعبا (رقم "17") قد قتلهم جميعا سلطان بن حمود عام 1907. رقم "20" بلغ الحادية عشرة من عمره عام 1908 كما يذكر دوجلاس كاروَثرز

ابن رشيق

ملاحظات: يقول يالكريف، جـ 1، ص 128 إن رقم "2" لم تكن سنه أقل من الخمسين عاما فى سنة 1844 أو 1845 (انظر يوتنك، جـ 1، ص 168)؛ وتوفى فى السابع عشر من ذى القعدة عام 1286 (18 فبراير 1870) كما يقول هوبر، ص 150؛ أو فى عام 1871 هـ كما يقول بلنت، جـ 1، ص 194، 196. وانظر داوتى، جـ 2، ص 18. وقد أورد هوبر، ص 150، ثبتا بأسماء أبناء عبيد (من رقم "3" إلى رقم "9"). توفي رقم "3" فى سن الثانية والعشرين على ما يظهر، قبل عام 1877 كما يقول هوبر. رقم "4" كان معتوها، وكثيرا ما ذكره داوتى ويوتنك؛ ويقول هوبر إنه كان يبلغ الثامنة والثلاثين من عمره عام 1883. رقم "5" ذكره بالكريف (جـ 1، ص 64 وما بعدها) وداوتى، وبلنت، وهوبر، ويوتنك، ويقول نولده، ص 50، إن أولاده كانوا ثمانية (انظر داوتى، جـ 2، ص 18 ويوتنك، جـ 1، ص 188). وتوفى رقم "6" قبل عام 1883 كما يقول هوبر. رقم "7" بلغ من العمر سبعة عشر عاما سنة 1877 كما يروى داوتى، جـ 2، ص 29؛ وذكر هوبر أنه بلغ الثامنة والعشرين عام 1883. رقم "8" ذكره داوتى، جـ 2، ص 29. وذكر هوبر أنه توفى عام 1882. رقم بلغ الحادية والعشرين من عمره عا 1883.انظر هوبر، وداوتى. وقد أحصى هوبر، ص 151، أبناء حمو (من رقم "10" إلى "15" (رقم "10" كان يافعا فى الخامسة عشرة من عمره عام 1877 كما يذكر داوتى، جـ 1، ص 613، وكثيرا ما ذكره داوتى وبلنت وهوبر ويوتنك. عن رقم "16" انظر هوبر، ص 149. عن رقم "13" انظر هوبر، ص 166. رقم "16" يذكر داوتى أنه طفل وأنه معتقل بالرياض (عام 1914) مع ابن عمه ضارى (رقم "17"). وفيصل وابن عمه هما الوحيدان اللذان بقيا على قيد الحياة من فرع عبيد بن على الرشيد كما تقول الآنسة بل. ابن رشيق أبو على الحسن بن رشيق الاْزدى، ربما كان أبوه مملوكا روميا من موالى

الأزد. ولد فى الُمحَمَّدية (المسَيلَة) من أعمال الجزائر حوالى عام 385 هـ (995 م) أو 390 هـ (1000 م) ودرس أولا فى مسقط رأسه حيث تعلم الصياغة وهى صناعة أبيه، ثم رحل إلى القَيْرَوَان عام 406 هـ (1015 - 116 م) فاتخذه المعز الخليفة الفاطمى شاعر البلاط. وجلب عليه هذا المنصب عداوة معاصره أبى عبد الله محمد بن أبى سعيد بن أحمد المعروف بابن شرف القيروانى الذى كان كذلك شاعرا أديبا. وأدت مشاحناتهما إلى نشر عدة آثار لهما، وانتهت آخر الأمر بهجرة ابن شرف إلى صقلية. ولما نهب العرب مدينة القيروان عام 449 هـ (1057 م) هرب المعز وبصحبته شاعره المحبوب إلى الَمهْديَّة حيث توفى الخليفة عام 453 هـ (1061 م). وذهب ابن رشيق فى هذا العام نفسه إلى مازَرْ بصقلية وتوفى بها ليلة السبت غرة ذى القعدة عام 456 هـ (15 - 16 أكتوبر 1064) أو 463 هـ (1070 - 1071 م) فى روايات أخرى. وكان ابن رشيق مؤرخا وشاعرا وفقيها لغويا؛ ومن شيوخه الأديب أبو محمد عبد الكريم بن إبراهيم النَّهشْلَىّ، والنحوى أبو عبد الله محمد بن جعفر القزاز وغيرهما. وله من التصانيف ما يأتى: (1) العمدة فى صناعة الشعر ونقده، قال عنه ابن خلدون (المقدمة، ترجمة ده سلان، جـ 3، ص 380) إنه خير ما كتب فى هذا الباب، وقد نشر الجزء الأول منه فقط فى تونس حوالى عام 1285 هـ، وفى القاهرة عام 1325 هـ. (2) قُراضة الذهب فى نقد أشعار العرب، وهى رسالة إلى أبى الحسن على بن أبى القاسم اللواتى تبحث فى سرقات الشعراء (باريس، المكتبة الأهلية، رقم 3317، جـ 7). (3) قطعة من ديوانه: , o, Les Mss. arab. de 1'Es F \V(رقم 467). المصادر: (1) انظر المصادر المذكورة فى كتاب "العمدة" القاهرة 1325 هـ. (2) ياقوت: إرشاد الأريب، جـ 3، ص 70.

ابن الرومي

(3) السيوطى: بغية الوعاة، القاهرة سنة 1326 هـ، ص 220. (4) ابن خلكان، وفيات، القاهرة سنة 1310 هـ، جـ 1، ص 133. (5) حسن حسنى عبد الوهاب: بساط العقيق فى حضارة القيروان وشاعرها ابن رشيق، تونس سنة 1330 هـ، ص 56 - 90. (6) Am: النص العربى، ص 644 أخذ عن الذهبى: مختصر كتاب إنباه الرواة على أنباه النحاة) ص 649؛ (أخذ عن العمرى: مسالك الأبصار فى ممالك الأمصار). (7) Anthologie gramm.: de Sacy? V ص 442. (8) Die Geschichtschreiber: Wiistenfeld (A Eder Araber ص 70، رقم 210. (90) Gesch. d. arab. Litt.: Brockelmann جـ 1، ص 307. [محمد بن شنب] ابن الرومي على بن العباس بن جُرَيْج: شاعر عربى، ولد فى بغداد عام 221 هـ (836 م). ونستدل من كنيته ومن اسم جده أنه ينتسب إلى بلاد البوزنطيين (الروم). وكانت مواهبه الشعرية سببا فى شهرته؛ وجر عليه هجاؤه عداوة الكثيرين وعلى الأخص وزير المعتضد، القاسم بن عبد الله حفيد سليمان بن وهب. ويقال إن هذا الوزير تخلص من ابن الرومى بأن دس له السم عام 283 هـ (896 م). ولسنا نعرف تاريخ وفاته على التحقيق لأنه يذكر لوفاته كذلك عاما 284 هـ و 276 هـ. وقد خلف ديوانا كبيرا جمعه ورتبه الصولى. المصادر: (1) ابن خلكان: وفيات، طبعة فستنفلد، رقم 474. (2) العباسى: معاهد التنصيص، ص 51 - 57، وانظر فيما يختص بسجنه: بهاء الدين العاملى. الكشكول، ص 58. (3) عباس محمود العقاد: ابن الرومى، القاهرة 1931. (4) Geschichte etc.: Brockelmann جـ 1، ص 79 - 80.

تعليق على تاريخ وفاة ابن الرومى يقول ابن خلكان فى تاريخ وفاة ابن الرومى: "توفى يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من جمادى الأولى سنة ثلاث وثمانين ومائتين، وقيل ست وسبعين ومائتين، ودفن فى مقبرة باب البستان" فأى هذه التواريخ هو الأصح؟ إن الذين جاءوا بعد ابن خلكان تابعوه فى هذا الشك الذى لا مسوغ له اعتمادا على روايته بغير بحث، لأن ابن الرومى أثبت لنا أنه بلغ الستين وعاش إلى ما بعد سنة ثمانين، إذ يقول: طربت ولم تطرب على حين مطرب ... وكيف التصابى بابن ستين أشيب فهو لم يمت فى سنة ست وسبعين على التحقيق. ولو راجع ابن خلكان كتاب مروج الذهب للمسعودى لعرف منه أن ابن الرومى كان حيا بعد ست وسبعين، فلا محل للقول بموته فى للك السنة. فمن المحقق إذن أن ابن الرومى تجاوز سنة ست وسبعين، ولم يبق لنا إلا أن نبحث فى السنتين الأخريين، أى سنتى ثلاث وأربع وثمانين. فعندنا تاريخ اليوم والشهر من أولاهما وليس عندنا مثل ذلك من الثانية، وهذا مما يرجع وفاته فى سنة ثلاث وثمانين دون أربع وثمانين. ويقوى هذا الترجيح أن مضاهاة التواريخ تثبت لنا أن جمادى الأخرى من سنة ثلاث وثمانين بدأت يوم جمعة فيكون يوم الأربعاء قد جاء لليلتين بقيتا من جمادى الأولى فى للك السنة كما جاء فى تاريخ الوفاة. وقد ضاهينا هذا اليوم على التاريخ الإفرنجى فوجدناه يوافق الرابع عشر من شهر يونيو، أى يوافق إبان الصيف فى العراق، وابن الرومى مات فى الصيف كما يؤخذ من قول الناجم إنه دخل عليه فى مرضه الذى مات فيه وبين يديه ماء مثلج، فيجوز لنا على هذا أن نجزم بأن أصح التواريخ هو التاريخ الأول، وهو يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من جمادى الأولى سنة ثلاث وثمانين". والأقوال مجمعة على موت ابن الرومى بالسم، وأن الذى سمه هو القاسم بن عبيد الله أو أبوه، ولكن الروايات فى هذا الخبر لا تخلو من ضعف واضطراب. فالرواية التى أوردها ابن خلكان تقول: "إن الوزير أبا

ابن زيدون

الحسين القاسم بن عبيد الله بن سليمان ابن وهب وزير الإمام المعتضد كان يخاف من هجوه وفلتات لسانه بالفحش، فدس عليه ابن فراش فأطعمه خشكنانجة مسمومة وهو فى مجلسه، فلما أكلها أحس بالسم فقام فقال له الوزير: إلى أين تذهب؟ فقال: إلى الموضع الذى بعثتنى إليه، فقال له: سلم على والدى. فقال له: ما طريقى على النار .. ". وضعف هذه الرواية ظاهر، لأن عبيد الله بن سليمان مات فى سنة ثمان وثمانين، أى بعد آخر تاريخ فُرض لموت ابن الرومى بأربع سنوات فكان حيا عند وفاة الشاعر، ولا معنى لأن يقول له القاسم: سلم على والدى، ووالده بقيد الحياة. بين هذه الشبهات المتضاربة شبهة تعرض للذهن ولا يجوز إغفالها فى هذا المقام وهى تبيحنا أن نسأل: ألا يحتمل أن يكون حديث السم كله خرافة مخترعة لا أصل لها، وأن ابن الرومى مات ميتة تشتبه أعراضها بأعراض التسمم المعروفة فى زمانه؟ فمن كلام الناجم الذى زاره فى مرض وفاته نعلم أنه كان يشكو من إلحاح البول وأنه كان أعد ماء مثلوجا، والظمأ وإلحاح البول عرضان من أعراض "مرض السكر" وهو مرض يحدث لصاحبه التسمم ولاسيما بعد أكل الحلوى والإفراط فيها، وابن الرومى لم تكن تنقصه أسباب الإصابة به لأنه كان منهوما بالحلوى والأطعمة الثقيلة مستسلما للشهوات مسرفا فى الشراب مع ضعف أعصابه واعتلال جسمه، فمن الجائز أنه أصيب به فاشتد عليه فى شيخوخته وفصده الطبيب كما جاء فى رواية "زهر الآداب" فأودى ذلك بحياته. عباس محمود العقاد ابن زيدون أبو الوليد أحمد بن عبد الله بن أحمد ابن غالب بن زيدون: أحد مشاهير الشعراء المسلمين فى الأندلس، ووزير أمراء إشبيلية، ينتسب إلى أسرة عريقة من قبيلة مَخْزوم. ولد بقرطبة عام 394 هـ (1003 م) وتوفى أبوه وهو

بعد يافع لم يبلغ الحلم، ولكن أوصياءه أحضروا له أفضل الشيوخ والمؤدبين، وسرعان ما بز زملاءه التلاميذ. ولما بلغ العشرين من عمره نظم قصائد كانت سببا فى ذيوع صيته. وانغمس شاعرنا فى شئون بلاده السياسية أثناء الحرب الأهلية التى أثارها المطالبون بالعرش من الأمويين، والمحاولات التى قام بها أهل قرطبة لإجلاء حكام البربر عن مدينتهم؛ ولقد أغراه بالاشتراك فى هذه الفتن نسبه ومكانة أسرته بعامة، وأطماحه خاصة؛ ولذلك نجده فى حاشية أبى الحزم بن جهور زعيم أمراء قرطبة بعد انسحاب البربر. ولقد أدى به حبه العنيف للشاعرة ولادة التى كانت من الأميرات، إلى الاصطدام بمنافس قوى هو ابن عَبدوُس وزير أبى الحزم بن جهور مما دعا ابن زيدون إلى نظم القصائد يتحدى فيها غريمه، كما تهكم عليه فى رسالته المشهورة، حتى اتهمه ابن عبدوس بالتآمر على إرجاع الأمويين، فزج به فى السجن، وهناك أرسل الشعر الرقيق إلى ولادة وكتب إلى أصدقائه يستعطفهم فى حرارة ويدافع عن نفسه، إلى أن نجح أحدهم، وهو أبو الوليد بن أبى الحزم، فى إطلاق سراحه؛ بيد أن ولادة كانت قد هجرته آخر الأمر ومالت إلى ابن عبدوس. وتوارى عن الناس برغمه مدة من الزمن كان أثناءها يسرف فى لوم عشيقته، ثم رجع إلى قرطبة عند وفاة أبى الحزم بن جهور، وحاول أن يصل حبله بابنه وخليفته أبى الوليد؛ وسفر له لدى الأمراء المسلمين المجاورين لقرطبة، ولكن طموحه كان سببا فى سقوطه. وغضب عليه مرة ثانية لسبب مجهول، وأرغم على الفرار إلى قرطبة، وعاش فى دانَيِة وَبَطَلْيوَس وإشبيلية على التعاقب. وكانت شهرته فى الشعر ومواهبه الأدبية ومعرفته بأحوال المسلمين فى الأندلس التى اكتسبها فى سفارته لأبى الوليد، سببا فى حظوته عند أمير إشبيلية المعتضد، فكان كاتب سر هذا الأمير فحسب أول الأمر، ثم اْصبح بعد ذلك كبير وزرائه. ولما توفى المعتضد

استبقاه ابنه وخليفته المعتمد فى منصبه، واستعان به على غزو قرطبة التى أصبحت بعد عاصمة ملكه. بيد أن شهرة ابن زيدون أثارت عليه حسد الكثيرين من رجال البلاط وعلى رأسهم الشاعر ابن عمار صفى المعتمد؛ ولما ثار الناس على اليهود فى إشبيلية، انتهز المتآمرون هذه الفرصة وعملوا على إرسال ابن زيدون إلى تلك المدينة لإعادة الأمن إلى نصابه؛ فخرج الشاعر مشيعا بحسرة أهل قرطبة الذين كانوا يفخرون بانتسابه إلى مدينتهم، ولحقت به أسرته بعد ذلك مباشرة، ولكن الحمى انتابت ابن زيدون، وكان قد طعن فى السن، فعجلت بموته فى الخامس عشر من رجب عام 463 هـ (17 - 18 أبريل 1071) ودفن فى إشبيلية. ولما بلغ خبر وفاته مدينة قرطبة عم الحزن أهلها جميعا وشملهم الحداد. ولم يكن ابن زيدون شاعرا فحلا فحسب بل كان أيضا من المبرزين فى فن الترسل، وإلى ذلك ترجع شهرته فى تاريخ الأدب العربى بنوع خاص. ولم تطبع رسائله كلها، وأهم ما عرف منها: (1) رسالته إلى ابن عبدوس، وهى مفيدة من الوجهة اللغوية، ذلك لأنها حافلة بإشارات ووقائع لا نستطيع معرفتها إلا عن طريقها، وعن طريق الشرح الذى كتبه ابن نُبَاتَة المتوفى عام 768 هـ (1364 م) بعنوان "سرح العيون فى شرح رسالة ابن زيدون" (بولاق سنة 1278 هـ، الإسكندرية سنة 1290 هـ، القاهرة سنة 1305 هـ). وقد نشر ريسكه هذه الرسالة مع ترجمة لاتينية، لييسك سنة 1755 م. (2) رسالته التى لا تقل أهمية عن السابقة، كتبها لابن جَهْوَر ونشرها بستورن Besthorn مع ترجمة لاتينية، كوينهاغن سنة 1889 م. وأورد مقتطفات من شعر ابن زيدون كل من فيجرز Weijers (Orientalia، المجلد 1، ص 384 وما بعدها، ليدن سنة 1831) وده ساسى de Sacy (المجلة الأسيوية جـ 12، ص 508 وما بعدها) والمقرى

ابن سعود

(Analectes). وتوجد قطع مخطوطة لابن زيدون وترجمة له فى مخطوط لابن بسام (باريس، المكتبة الأهلية، رقم 3322) وآخر لعماد الدين الأصفهانى (المكتبة نفسها، رقم 3330). أما فيما يختص بالمصادر فانظر أيضا بروكلمان: . Gesch. d. arah. Litt, جـ 1، ص 274 وما بعدها. [كور. A. Cour] ابن سعود لقب أمراء الوهابيين فى الدَّرْعيَّة والرياض. كان محمد ابن سعود، مؤسس هذه الأسرة، من عشيرة مقرن من قبيلة مسالخ من ولد على من عرب عنزة. وكان أبوه سعود حاكما على الدرعية، وقد توفى فى العقد الرابع من القرن الحادى عشر الهجرى، أى بين عامى 1141، 1150، (1727 - 1737 م). واذا تتبعنا نسب ابن سعود، نجد أنه أعقب ثلاثة أبناء علاوة على محمد، وهم: ثُنَيان ومُشارى وَفْرحان. وقد ظل سلطان الوهابيين فى الدرعية ثم فى الرياض فى فرع محمد بن سعود إلى وقتنا هذا. ولقد نشأ فى فرعى ابن ثنيان وابن مشارى اثنان اغتصبا العرش (انظر رقم 7 ورقم 10) ولكنهما لم يحتلا مكانا بارزا فى تاريخ هذه الأسرة؛ أما فرحان وسلالته فلا نعرفهم إلا من قوائم الأنساب. ويمكننا أن نقسم تاريخ المملكة الوهابية فى الدرعية والرياض إلى ثلاثة عهود: الأول، ويبدأ بتأسيس تلك المملكة إلى غزو المصريين لها عام 1820 م، وكانت الدرعية هى العاصمة؛ ويبدأ الثانى من استعادة الأسرة لملكها بفضل تركى وفيصل وينتهى بغزوة ابن الرشيد صاحب حائل (1820 - 1896 م) وكانت الرياض هى العاصمة؛ ويبدأ العهد الثالث باسترداد ابن السعود عام 1902 للرياض من أيدى آل الرشيد. 1 - محمد بن سعود 1735؟ -1762 م: حوالى عام 1740 م كان محمد بن عبد الوهاب

مؤسس المذهب الوهابى قد طرد من العَيْنيَّة حيث نشط فى إذاعة مذهبه، والتجأ إلى صديقه محمد ابن سعود، وتعاون الاثنان على نشر المذهب الجديد باللسان والسيف. وبدآ يشنان الغارة على البلاد المجاورة ومناطق البدو القريبة عام 1195 هـ (يبدأ فى 24 يناير 1746) وسرعان ما أدى ذلك إلى تدخل بعض الجيران الأقوياء أمثال بنى خالد أصحاب الأحساء وآل المَكْرمَى أصحاب نجران، ولكنهمْ عجزوا مع ذلك عن إيقاف تقدم الوهابيين. وكان أشراف مكة يتهمون حجاج الوهابيين بالمروق، وكانوا يمنعونهم لذلك من زيارة الأماكن المقدسة. وكانت تقارير الأشراف فى هذا الشأن، تلك التقارير التى بعثوا بها إلى الباب العالى عام 1162 هـ (ويبدأ فى 25 ديسمبر 48 - 1749) أول ما وصل الحكومة العثمانية من أخبار هذا المذهب الجديد، وتوفى محمد ابن سعود عام 1179 هـ (1765 - 1766 م) بعد أن حكم حوالى ثلاثين عاما. 2 - عبد العزيز بن محمد بن سعود (1179 - 1218 هـ = 1766 - 1803): قضى الثلاثين السنة الأولى من حكمه فى قتال مستمر مع القبائل المجاورة، أى مع بنى خالد وآل المكرمى والمُنتْفَقِ. وفى عام 1795 م اقتحم الوهابيون الأحساء ووقطَيفًا وبهذا ثبتت أقدامهم على شاطئ الخليج الفارسى. ولقد فشلت تماما تلك الحملات المتكررة التى قام بها ولاة البَصْرَة وبغداد من الترك مع حلفائهم من آل المنتفق (حملة الشيخ ثوينى آل المنتفق عام 1797 م، وحملة كخيا على باشا عام 1798 م) فى إجلاء الوهابيين عن الأحساء. وانتهت هذه الحملات بتهادن عبد العزيز ووالى بغداد مدة ست سنوات. ومنح سرور، شريف مكة، عام 1186 هـ (1772 - 1773 م) الحجاج الوهابيين الحق فى زيارة الأماكن المقدسة نظير ضريبة يؤدونها، ولكن الشريف غالب، خليفة سرور استرد منهم هذا الحق عام 1202 هـ, وقام بعدة حملات عام 1790 و 1795 و 1798 لصد الوهابيين عن غزو الحجاز، ولكنه اضطر إلى عقد الصلح

معهم عام 1798 م، بعد أن فشل فى تلك الحملات، وسمح لهم بالحج وتعهد له الوهابيون نظير ذلك ألا يغيروا مرة أخرى على مناطق نفوذ الأشراف. ولكن صلات الوهابيين الودية ببغداد والأشراف لم يطل أمدها، فداهم سعود بن عبد العزيز مدينة كَرْبَلاء فى 18 ذى الحجة. عام 1216 (21 أبريل 1803) للانتقام من قبيلة خزَاعِل الشيعية لاعتدائها على قافلة وهابية، وخرب أماكن الشيعة المقدسة وذبَّح معظم السكان. وفى عامى 1214 - 1215 هـ (أبريل 1800 - 1801) حج سعود إلى بيت الله، وانضمت إليه فى نفس هذا الوقت قبائل عَسِر وتِهَامة، كما انضمت إليه قبيلة بنى حَرْب وكانت خاضعة للشريف غالب، فأدى ذلك إلى الجهر بالخصومة بينهما، واكتسح الوهابيون فى 25 شوال 1217 (18 فبراير 1803) مدينة الطائف، ودخل سعود مكة فى الثامن من المحرم عام 1218 (20 أبريل 1803) دخول الظافر المنتصر؛ فلما رجع سعود، طرد الشريف غالب الحامية الوهابية من مكة فى 22 ربيع الأول سنة 1218 (11 يولية 1803)، ولكنه مع ذلك ارغم على أن ينزل للوهابيين عن امتيازات أخرى. وبدأ الوهابيون حوالى عام 1800 فى بسط نفوذهم على شاطئ الخليج الفارسى، وتمكنوا فى الأعوام القليلة التالية من إخضاع البحرين وقبائل عمان وخاصة قبائل الجواسمى فى رأس الخيمة. وفى 18 رجب عام 1218 (4 نوفمبر 1803) قتل رجل شيعى من العمِاديَّة عبد العزيز فى جامع الدرعية. 3 - سعود بن عبد العزيز (1218 - 1229 هـ = 1803 - 1814 م): قام سعود بعدة حملات صغيرة على بغداد وعمان ثم عزم على أن يتخلص من حكم الشريف غالب، فاحتل المدينة عام 1220 هـ (1705 م) واحتل مكة فى ذى القعدة من السنة نفسها (يناير 1805)، وأراد الشريف غالب أن

يحافظ على ما بقى له من نفوذ فخضع تمام الخضوع للوهابيين، وانتشر بذلك المذهب الوهابى فى الحجاز. ولقد رفض الوهابيون السماح لقوافل المحمل الذى أعدته الحكومة التركية بدخول الأراضى المقدسة، وأبطل سعود الخطبة للسطان. وقال فى رسالة رسمية إنه ليس على والى دمشق أن يعتنق المذهب الوهابى فحسب، بل على السلطان نفسه أن يفعل ذلك أيضا؛ ولما رفض صاحب دمشق رفضا باتا أن يذعن لمشيئته، أجابه سعود بسلب حوران فى يولية عام .. ونظم سعود القرصنة التى كانت تقوم بها القبائل القاطنة على الخليج الفارسى إلى حد حمل الحكومة الهندية عام 1809 م على إعداد حملة كبيرة اقتحمت رأس الخيمة فى 13 نوفمبر من السنة نفسها، وقضت على أسطول القرصان. ولما عجز الباب العالى عن صد هجمات الوهابيين على ممتلكاته، ناط بمحمد على باشا والى مصر غزو الحجاز. وفى أواخر أكتوبر أو أوائل نوفمبر عام 1811 بدأت الحملة المصرية الأولى بقيادة طوسون باشا غزو ينبع البحر وينبع البر من جديد، ومع ذلك فقد هزم عبد الله وفيصل، ابنا سعود، طوسون باشا فى ممر الجديدة الضيق أثناء تقدمه نحو المدينة فى 7 ذى القعدة عام 1226 (23 نوفمبر 1811) , وأرغم على التقهقر إلى ينبع؛ ولم يتابع حركاته الحربية إلا متأخرا فى خريف عام 1812 م، فنجح هذه المرة بعض النجاح، وسلمت له المدينة فى نوفمبر، ومكة فى أواخر يناير عام 1813، واقتحم الطائف بعد ذلك بأيام قلائل، بيد أن الوهابيين نجحوا فى صد تقدم المصريين إلى تربة صيف عام 1813 م. وفى أواخر أغسطس نزل محمد على بنفسه إلى البر فى جدة، وحاول سعود عبثا أن يتفاوض معه فى الصلح؛ وقام طوسون باشا بحملة ثانية على تربة فى أواخر عام 1813 م لم يكن نصيبها خيرا من سابقتها. وانتهت حملات المصريين هناك فى أوائل عام 1815, ولقد توفى سعود حوالى هذا الوقت،

أى فى 8 جمادى الأولى عام 1229 (27 أبريل عام 1814) فى الدرعية بالغا من العمر 68 عاما. 4 - عبد الله بن سعود، 1229 - 1233 هـ (27 أبريل 1814 - 9 سبتمبر: استأنف محمد على سيره نحو تربة فى أوائل عام 1815, فهزم الوهابيين هناك فى 15 يناير واحتل هذه البلدة، ثم أغار على العسير، وعاد إلى مكة عن طريق قُنْفُدة. وسار طوسون باشا فى مارس إلى نجد عن طريق الحَنَاكيَّة، واحتل بلدة الرس المنيعة، وهناك أحاط به عبد الله بن سعود بقوات تفوق القوات المصرية، فتهادن الطرفان، وبدأت مفاوضات الصلح، واستمرت حتى عام 1816 م دون الوصول إلى نتيجة. وفى سبتمبر عام 1816 تولى إبراهيم باشا بن محمد على قيادة الجيوش المصرية فى بلاد العرب بعد وفاة أخيه طوسون، وقام إبراهيم بعدة حروب لقى فيها كثيرًا من الصعاب والقتال المرير، ثم وصل بجيشه بعد ثمانية عشر شهرا إلى أبواب الدرعية (هزيمة عبد الله عند ماوية فى 2 مايو 1817 - احتلال الرس فى 21 أكتوبر بعد حصار دام ثلاثة أشهر- الاستيلاء على ضرمة فى مارس 1818) ودام حصار الدرعية -وكان يحميها عبد الله وأقاربه- من أوائل أبريل إلى أوائل سبتمبر عام 1818, وسقطت فى يد إبراهيم فى 6 سبتمبر. وقاوم عبد الله مدة ثلاثة أيام فى قصر الدرعية، ثم سلم نفسه فى التاسع من سبتمبر لإبراهيم الذى أرسله وأسرته وأحفاد محمد ابن عبد الوهاب إلى القاهرة. وقد بعث محمد على بعبد الله مع كاتب سره وخازنداره إلى الآستانة حيث شنقوا جميعا فى 17 ديسمبر 1818. 5 - وترك إبراهيم باشا نجدا فى النصف، لأول من عام 1819 م فتمكن مشارى بن سعود، أخو عبد الله الذى قتل، من تثبيت أقدامه فى الدرعية، وبعد أمد قصير اعتقله حسين بك، وكان قد بعثه محمد على لقتاله، فأرسل إلى مصر، ولكنه توفى فى الطريق. ويقول

رشيد الحنبلى فى تاريخه الأخبارى إنه حكم من 1233 إلى 1235 هـ (1818 - 1820 م). 6 - تركى بن عبد الله بن محمد بن سعود (1235 - 1249 هـ = 1820 - 1834 م) فر إلى صدير أثناء الحملة المصرية، وحاول أن يثبت أقدامه فى الرياض بعد وفاة مشارى بن سعود (رقم 5) ولكن المصريين طردوه. على أنه نجح عام 1822 م فى مفاجأة الحامية المصرية الضعيفة فى الرياض. وبعد أن دار القتال سجالا بينه وبين ولاة الحجاز مدة من الزمن، وافق أخيرا عل أداء الجزية لمحمد على، وفى عام 1830 م استولى على الأحساء التى كان الأتراك قد احتلوها عام 181 م، وأخضع البحرين فأصبحت الرياض قصبة المملكة الوهابية الجديدة بدل الدرعية التى خربت. وفى عام 1249 هـ (1834 م) قتله. 7 - مُشارى بن عبد الرحمن بن مشارى ابن حسن بن مشارى بن سعود: هوجم فى الهفوف بعد أربعين يوما من حكمه وقلله فيصل بن تركى صاحب الترجمة السابقة. 8 - فيصل بن تركى: حكم أول مرة من 1249 هـ إلى 1255 (1834 - 1838 م) وفى عام 1838 م قام خالد بن سعود (رقم 3) فى وجهه بمساعدة المصريين فاستولى على الدرعية، وانتصر على فيصل فى الرياض، ولكن خورشيد باشا قائد الجيوش المصرية هزم فيصلا مرة ثانية فى 25 رمضان عام 1254 (10 ديسمبر 1838) فى الدلم وأسره وأرسله إلى مصر. 9 - خالد بن سعود (1255 - 1257 هـ = 1839 - 1841). انسحبت الجنود المصرية عام 1840 م فطرد عبد الله بن ثنيان خالدا من الرياض فى ديسمبر عام 1841 فاعتكف فى جدة، وتوفى بها عام 1861 م. 10 - عبد الله بن ثنيان بن إبراهيم بن ثنيان ابن سعود (1257 - 1259 هـ = أوائل عام 1842 - أوائل عام

1843 م). حكم عاما واحدا ثم حاصره فيصل (رقم 8) فى الرياض، وكان قد استعاد حريته عام 1841, وسجنه وتوفى فى محبسه. 11 - فيصل بن تركى: (حكمه الثانى من 1259 - 1282 هـ = أوائل عام 1843 - وائل ديسمبر 1765): استطاع بفضل سياسته السلمية الحكيمة أن يثبت حكم أسرته فى نجد. فقد حالف أسرة ابن الرشيد (انظر هذه المادة) التى كانت قد أخذت تبسط نفوذها على جبل شمر؛ ووثق علاقاته بمصر والسلطان. وزار البلاد فى عهده بالكريف Palgrave عام 1762 - 1863 م وبلى pelly عام 1865، وتوفى فيصل بالطاعون فى الثالث عشر من رجب عام 1282 (2 ديسمبر 1765). 12 - عبد الله بن فيصل بن تركى (حكمه الأول من 1282 - 1278 هـ = أوائل ديسمبر 1865 - أوائل عام 1871): خلعه إخوته عام 1287 هـ. 13 - سعود بن فيصل بن تركى: (1287 - 1291 هـ = 1871 - 1874 م) حدث فى أوائل عهده أن استعان عبد الله، الأمير المخلوع، بالأتراك، فاحتلوا الأحساء كما احتلوا قطيفا واستبقوهما رغم محاولات سعود المتكررة لاستعادتهما. 14 - عبد الله بن فيصل بن تركى (حكمه الثانى من 1291 - 1301 هـ = 1874 - 1884 م): استعاد عرشه بعد وفاة سعود، وظل محتفظا به علي الرغم من أخيه محمد وأبناء سعود الذين كانوا ينازعونه فيه. وفى عام 1883 م اشتبك فى حرب مع محمد بن الرشيد صاحب حائل. وفى أوائل 1884 م خلعه أبناء أخيه (أبناء سعود). 15 - محمد بن سعود: تولى العرش مدة قصيرة، وخلفه عمه. 16 - عبدالرحمن بن فيصل بن تركى (؟ -1886؟ م) خلعه محمد بن الرشيد وأجلس على العرش. 17 - عبد الله بن فيصل (حكمه الثالث من 1887؟ - 1888؟ م). والراجح أن يكون قد توفى عام 1888 وبموته أصبحت الرياض تابعة لحائل على الرغم من محاولات عبد الرحمن المتكررة لاستعادة العرش. وفى عام 1891 غزا محمد بن الرشيد الرياض، وفى عام 1892 أجلس على العرش. 18 - محمدا: الابن الثالث لفيصل

أمير الرياض. ويظهر أن الرياض كان يحكمها حكام من قبل الرشيد منذ توفى محمد فى تاريخ غير معلوم. 19 - عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل (حكم منذ بداية عام 1902 م): تمكن بمساعدة الشيخ مبارك صاحب الكويت -وكان قد احتمى به أبوه- من استعادة الرياض فى مارس عام 1902 بانقلاب سياسى، ونجح فى استبقائها على الرغم من آل ابن الرشيد أصحاب حائل الذين لجأوا أخيرا إلى طلب المعونة من الأتراك. ومع ذلك فقد وفق إلى أن يعيد إلى مملكة الرياض ما كان لها من سيادة، وساعده على ذلك انتشار الفوضى فى حائل، والتفاف الشعب حول بيت سعود.

ملاحظات: رقم 6: توفى عبد العزيز عن 82 عاما سنة 1803 م (انظر منغن جـ 2 ص 467، وانظر سكوت وارنك. s Waring ص 177 من الترجمة الفرنسية؛ رقم 8: عاش سعود 8 عاما، وتوفى عام 1814 كما يقول منغن، جـ 2، ص 20، وقال كل من روسو Rousseau بوركارت إن عمره كان يتراوح بين 45 و 50 عاما فقط. رقم 9: فاوض عبد الله فى عقد هدنة الرس عام 1815 م (انظر منغن جـ 2، ص 42 وما بعدها) وقد قتل ابنه سعود عام 1818 م وذلك بعد الاستيلاء على الدرعية (انظر منغن، جـ 2: ص 131، وشانيزاده، جـ، 383). رقم 10: رحل عبد الرحمن إلى مصر عام 1818 م، رقم 11: رحل عمر وأولاده إلى القاهرة عام 1818 م، وفى رواية أخرى عام 1820 م. رقم 12: توجد صورة لعبد الله فى الأطلس الملحق بكتاب منغن. رقم 13: قتل فيصل اثناء حصار الدرعية) منغن، جـ 2، ص 129). رقم 14: لقى ناصر حتفه أثناء غارة على مسقط (بوركارت، جـ 2، ص 122)، رقم 16: سعد، ورقم 17: خالد، ورقم 23: فهد، ورقم 24: حسن، رحلوا جميعا إلى مصر عام 1818 م. رقم 22: شن تركى بعض الغارات الصغيرة على العراق وسورية (بوركارت، جـ 2، ص 122). رقم 25: دافع سعد عام 1818 عن أحد حصون الدرعية، رحل وأخواه نصر ومحمد بعد ذلك إلى القاهرة (منغن، جـ 2، ص 130، 133، 158). رقم 28: خالد، لم يذكره إلا أيوب صبرى، ص 266، والراجح أنه خلط بينه وبين رقم 17.

(5) شاليزاده: تأريخ، 1 - 4 وفى مواضع أخرى. (6) جودت: تاريخ، 1، 5، 7 - 12 وفى مواضع أخرى. (7) عاصم: تاريخ، فى مواضع مختلفة. (8) أيوب صبرى: تاريخ وهابيبان، إستانبول 1296 هـ. (9) A tour to Shee-: Ed. Scott Warin ra، لندن سنة 1807، فصل 31. (10) Descrintian du J. L. Rousseau Pachalik de Bagdad. باريس سنة 1809. (11) الكاتب نفسه Fundgrubendes ,i la secle des Wahabi 3 ,.Orient، جـ 2، ص 191 - 198. (12) Histoire des Wa-: Corancez a 3 n de habis depuis leur origine، jusqu'a 1809، باريس سنة 1810. (13) Memoire sur les: Rousseau -fameuses sectes du mu trois plus sulmanisme باريس سنة 1818. (14) across Arabia during the year, بومباى سنة 1866. (15) on the Bedouins and Wahaby. لندن سنة 1831. (16) Histoire de: Felix Mengin gypte sous le Gouvernement de Mohammed-Aly, باريس سنة 1823. (17) Histoire de la re-: Jules Planat generation de I'Egypte. باريس سنة 1830. (18) Etudes geographiques: Jomard et historiques sur l'Arabie، باريس سنة 1839.

ملاحظات: رقم 2: ورد ذكر عبد الله فى منغن، جـ 2، ص 482، قبل عام 1778 م، وفى كورانسيه Corancez، ص 46 قبل عام 1803 م. رقم 3: كان لتركى أخوان هما إبراهيم ومحمد (انظر بلنت Rlunt. الطبعة الإنكليزية جـ 2، ص 269). رقم 5: عبد الله (انظر بلنت، الأصل الإنكليزى جـ 2، 266). رقم 6: كان جلوى على قيد الحياة عام 1877 (انظر داوتى bought. جـ 2، ص 428) وأعقب خمسة أبناء: فهد ومحمد وسعود ومساعد وعبد المحسن. رقم 9: بلغ محمد -كما يقول نولده No 1 de. ص 89 - الأربعين حوالى عام 1892، ولا يتفق هذا مع رواية كل من بالكريف , Palgrave الأصل الإنكليزى، جـ 1، ص 169 - 170، وداوتى، جـ 2، ص 430، وهوبر ص 162. رقم 10: كانت تتراوح سن عبد الرحمن بين عشر سنوات واثنتى عشرة سنة فى عام 1863) انظر بالكريف، الأصل الإنكليزى جـ 2، ص 162، وبلنت، الأصل الإنجليزى جـ 2، ص 267). المصادر: (1) رشيد بن على الحنبلى: منير الوجد فى معرفة أنساب ملوك نجد (وهو فى أنساب آل سعود وبه فذلكة عن تاريخهم حتى عام 1291 هـ, مخطوط فى حيازة المؤلف). (2) عثمان بن عبد الله ابن بشر: عنوان المجد فى تاريخ نجد، بغداد 1328 هـ. (3) أحمد بن زينى رحلان: الفتوحات الإسلامية، مكة عام 1302 هـ، جـ 2، ص 202 - 209. (4) محمد البتنونى: الرحلة الحجازية، الطبعة الثانية، القاهرة 1329 هـ، ص 87 وما بعدها.

(1) محمد بن سعود (= رقم 2، فرع أ) (2) عبد الله (= رقم 7، فرع أ) (3) تركى (1820 - 1834)

(19) Narrative of the: W. J. Bankes ... .e and Adventures of Giovanni Finati// -who made the Campaigns against the Wa habees لندن سنة. (20) A Brief: Harford Jones Brydges / History of the Wahabys = An Account -his، Majesty's Mission to the Court of Per 1801 - 1811 a in the years؛ جـ 2، لندن سنة 1834. (21). Geogr. Soc - مجلد 20 (سنة 1851) ص 293 - 329؛ جـ 24، (سنة 1854) ص 115 - 207. (22) Zeitschr. d Deutsch. Morg. Ges جـ 11، ص 362 - 371 (= جودت: تايخ، جـ 9، ص 362 - 371 وجـ 17، ص 214 - 226). (23) Selections from the Records of the Bombay Government رقم 34، السلاسل الجديدة، بومباى سنة 1856. (24) Nar-: William Gifford Palgrave -rative of a Rear's Journey through Cen .tral and Eastern Arabia لندن سنة 1865. (25) Guarmani Itineraires de: Carlo -Jerusalem an Neged septentrional (Bul)letin de la Soc. de Geogr. de Paris السلسلة الخامسة، جـ 10. (26) Pelly فى المجلد 35 (سنة 1865) ص 169 - 191 (رحلة بلى Pelly). (27) A Pilgrim-: Lady Anne Blunt age to Ne لندن سنة 1881. (28) جـ 1، لاهاى سنة 1888، ص 138 وما بعدها. (29) Arabia Deserts لندن سنة 1888.

(30) Journal d'un Voy-: Ch. Huber age en Arabie سنة (1883 - 1884) باريس سنة 1891. (31) Tagebuch einer Reise J. Euting n Inner-Arahien لندن سنة 1896 - 1914. (32) Reise nach In- N. Nolde 1892 nerabien, Kurdistan and Armenien برنشفيك سنة 1895. (33) مصنفات Arabien, جـ 2، ص 520. (34) L'Arabie con-: D'Avrile temporaine (باريس سنة 1868) الجزء الأول. (35) Araber zeit hundert Jahren هال سنة 1875. (36) Essai sur l'hist. de: Dozy L'Islamisme ص 410 وما بعدها. (37) Die Welt des Islams: Hartmann جـ 2، ص 24 - 54، وقد اتخذ كثير من الكتاب تاريخ الوهابيين موضوعا لبعض قصصهم. (38) Anastasius; or Memoirs: Pope of a Greek, كتبت فى نهاية القرن الثامن عشر، لندن سنة 1819، فى ثلاثة مجلدات. (39) Le recit de Fatalla Sayeghir جـ 4 فى Voyage en Orient: Lamartine، سنة 1832 - 1833) انظر المجلة الآسيوية، السلسلة السادسة) جـ 18 وما بعدها. (40) Die Tern-: C. von. Vincenti elsturmer Hocharbiens، برلين سنة 1873. [مورتمان J. H. Mordtmann]

ابن سينا

ابن سينا أبو على الحسين بن عبد الله (باللاتينية: أفيسنا، وهى مأخوذة عن العبرية أُفن سينا): كان يعد طوال عدة قرون- ولايزال يعد فى بعض بلاد الشرق الإسلامى- إمام العلوم كلها "الشيخ الرئيس"، أما سيرته التى وردت فى كتاب ابن أبى أصيبعة (طبعة ميلر، جـ 2، ص 2 وما بعدها) فقد كتبها تلميذه أبو عبيد الجوزجانى كما أملاها الرئيس بنفسه. وتقول هذه الترجمة إنه ولد عام 370 هـ) (980 م) بأفشنة بالقرب من بخارى. وكان أبوه من أهل بلخ، انتقل إلى بخارى وتولى العمل بقلعة خرميثن، وتزوج امرأة من أفشنة. وبعد أن رزق منها بابنيه، استقر ببخارى وفيها للقى ابناه العلم، وحفظ ابن سينا القرآن ودرس الأدب على مؤدب حتى بلغ العاشرة. وقد دعاة الإسماعيلية الذين كانوا يترددون على دار أبيه إلى الأخذ بعلومهم، إلا أن أنظارهم عن النفس والعقل لم تترك فى نفسه أثرا بليغا أول الأمر. وبعد أن درس الفقه، أخذ المنطق والهندسة وعلم النجوم عن أبى عبد الله الناتلى، ولما كان التلميذ قد نما جسمه ونضج عقله فى سن مبكرة، فقد بذ أستاذه ودرس وحده الطبيعيات والإلهيات والطب. وسرعان ما مكنته ممارسته للطب من فهم هذه الصناعة فهما جيدا، بيدأنه لم يستطع فهم الإلهيات إلا بعد قراءة مصنف للفارابى. وقد حددت هذه القراءة تكوينه الفلسفى، ذلك لأن أنظار الفارابى فى المنطق والإلهيات التى يرجع أصلها إلى شروح فلاسفة الأفلاطونية الجديدة، وتعليقاتهم على كتب أرسطو، هى التى حددت وجهة تفكيره الفلسفى. وكانت سنه إذ ذاك تتراوح بين السادسة عشرة والسابعة عشرة. وفى هذه الأثناء أتاحت الفرصة السعيدة لهذا الشاب النابه معالجة سلطان بخارى نوح بن منصور، وتمكن بذلك من دخول دار كتبه. ولما كان سريع الفهم قوى الذاكرة إلى حد عجيب، فقد استطاع فى قليل من الزمن أن يحصل من العلم ما جعله قادرا على إبراز معارف عصره فى صورة علمية. وبدأ يصنف الكتب فى سن الواحدة والعشرين، وأسلوبه بالجملة واضح مفهوم.

وتوفى أبوه وهو فى الثانية والعشرين من عمره، فاضطربت حياته غاية الاضطراب، وكثر فيها الجد واللهو، كما كثر فيها الإخفاق أيضا. وكتب أهم تصانيفه فى أويقات الهدوء التى كان يغتنمها فى بلاط جرجان والرى وهمذان وإصفهان، نذكر منها بنوع خاص دائرة معارفه الفلسفية، "كتاب الشفاء" (طهران سنة 1303 هـ) ومصنفه الهام فى الطب "القانون فى الطب" طهران سنة 1273 هـ. بولاق سنة 1294 هـ)، وكتب أثناء أسفاره مختصرات لكتبه الكبرى، كما كتب عدة رسائل فى موضوعات متنوعة. واشتغل بالعلم حينا وبالسياسة حينا آخر، إلا أن نجاحه فى هذا الميدان الأخير كان ضئيلا. وترجع مكانته إلى أنه كان كاتبا موسوعيا دون العلوم للأجيال اللاحقة. وقضى فيلسوفنا أيامه الأخيرة فى كنف علاء الدولة بإصفهان، ومرض ابن سينا فى الطريق أثناء الحملة التى قام بها علاء الدولة على همذان عام 428 هـ (1037 م) وتوفى بهمذان، ويوجد قبره بها إلى الآن. وقد أكثر الناس من قراءة تواليفه ومن شرحها، كما نقل الكثير منها إلى اللغات الأوربية. وتراه العامة فى المشرق كساحر هاملن Hamlen الذى جذب الجرذان بمزماره. ولا نستطيع أن نفصل القول هنا فى آراء ابن سينا التى لا يزال يرجع إليها فى الاوساط الدينية والفلسفية والطبية فى الشرق إلى اليوم رغم ما وجهه الغزالى إلى بعض أجزائها من المطاعن، ولكنا نكتفى هنا باجمالها والإشارة إلى مميزاتها. فهو يتبع الفارابى إلى حد بعيد فى المنطق وفى نظرية المعرفة، وكذلك الحال فى مسألة "الكليات" التى تتصل بالإلهيات والمنطق معا، فالكلى يوجد مستقلا عن وجود الأشخاص المتكثرة "كصورة معقولة بالذات" فى عقل الله وعقول الملائكة (العقول الفلكية) وتفيض هذه الكليات عن عقل الله وتتصل بتوسط العقول المفارقة بالأشخاص من جهة وبالعقل الإنسانى من جهة أخرى، وهو العقل الذى ترد فيه الكثرة إلى تصور كلى. وكان ابن سينا أميل إلى اعتبار هذا التصور

صادرا عن العقل الفعال أكثر منه نتيجة لقوة التجريد الخاصة بالعقل الإنسانى، وهو فى هذه النظرة أقرب إلى الأفلاطونية الجديدة منه إلى المشائية. ومع أن ابن سينا يسهب فى كلامه عن المنطق إلا أنه لايعده إلا مدخلا للفلسفة. أما الفلسفة الحقة فهى إما نظرية واما عملية، وتشمل الأولى الطبيعيات والرياضيات والإلهيات وفروعها، وتشمل الثانية الأخلاق وتدبير المنزل والسياسة. ولم يعن ابن سينا إلا عناية قليلة بالفلسفة العملية، وهو فى تصنيفه للعلوم الفلسفية الذى راعى فيه وضع الطبيعيات أولا ثم الرياضيات ثم الإلهيات، ينظر إلى تجرد موضوعاتها عن المادة شيئا فشيئا. ولا ريب أن الإلهيات تعرف بأنها علم الموجود المطلق، والموجود المجرد مطلوب فيها وليس موضوعا لها، ولكن هذا المطلوب يصبح موضوعها الأساسى عند التعمق فى البحث. ومع أن طبيعيات ابن سينا تأخذ فى جملتها بالسنة الأرسطاطاليسية إلا أننا نجد فيها أيضا أثرا للأفلاطونية الجديدة. ويظهر هذا الأثر بنوع خاص هْى نظريته القائلة بأن الأحداث الأرضية تتأثر بالأجرام السماوية لا عن طريق الحرارة المنبعثة منها، وإنما عن طريق ما تشعه من الضوء. ويجب أن نعد آراءه عن العقل من الأفلاطونية الجديدة أيضا، تلك الآراء التى أدت فى غير ذلك إلى تطورات دقيقة فى علم النفس. وقد كان أثر ابن سينا كبيرا فى الطب بنوع خاص، وظل هذا الأثر فى الغرب إلى القرن السابع عشر، أما فى الشرق فأثره باق إلى الآن. فهو جالينوس العرب. ومازلنا فى حاجة إلى البحث عن مقدار ما أضافه ابن سينا إلى هذا العلم من نتائج مشاهداته الخاصة. على أننا نرى، من الوجهة النظرية على الأقل، أنه كان يحل التجربة المحل الأكبر، ويدرس الحالات المختلفة التى يظهر فيها أثر العلاج الناجح. ونجد فى شرح ابن سينا لإلهيات أرسطو (ولنترك رياضياته التى لا نعرف عنها إلا القليل) إلى جانب العناصر المستمدة من الأفلاطونية

الجديدة محاولة ترمى إلى التوفيق بينها وبين العقيدة الإسلامية. وإ ثنينية الروح والمادة (الفعل والقوة) والله والعالم أوضح عند ابن سينا مما هى عند الفارابى، كما أنه عرض مسألة خلود النفوس الفردية على وجه أدق. وهو يعرف المادة بأنها إمكان الوجود، وليس الخلق إلا نوال الوجود وتحققه بالفعل بعد أن كان بالقوة، وليست الماهية والوجود شيئا واحدا إلا فى الله، أما فيما هو خارج عنه فالوجود عارض على ماهيته. ويسمى نوال هذا الوجود بلغة الإلهيات "خلقا" وهذا الخلق قديم. والله الذى هو واجب الوجود وواحد لا كثرة فيه من أى جهة من جهاته علة ضرورية من شأنها أن تفعل منذ القدم، ومعلولها الذى هو العالم يكون على هذا قديما كذلك. وهذا العالم ممكن فى نفسه (حادث) ضرورى بعلته. ويفرق ابن سينا بين حدوث هذا العالم الذى هو ممكن وضرورى فى آن واحد، وبين حدوث جميع الكائنات الأرضية التى لاتدوم إلا حينا من الزمن، ذلك لأن الإمكان محصور فيما دون فلك القمر. ولقد قادته بنوع خاص آراؤه عن النفس من الوجهة الإلهية إلى أنظار صوفية، بعضها فى قالب شعرى. وكما اضطره مرة خطر داهم إلى الفرار من وجه أعدائه متنكرا فى زى الصوفية، كذلك يحتمل أن تكون قد ألجأته الضرورة فى ساعات انقباضه إلى الكتابة بروح صوفية، وإذن فتصوفه شئ عارض يتوج بناء مذهبه، ولكنه لا يدعمه أو يقومه. المصادر: (1) توجد مصنفات ابن سينا وغيرها من المصنفات القديمة فى Gesch d. ar. Litt: Brockelmann, جـ 1 ص 452 وما بعدها. (2) ويوجد له من الكتب المطبوعة أيضا: قصيدته عن النفس، طبعت ضمن "الكشكول" للعاملى، وطبعت كذلك مع شرح المناوى بالقاهرة عام 1318 هـ وطبعها أيضا كاراده فو مع ترجمة فرنسية وشرح لرجل مجهول، المجلة الأسيوية، يولية- أغسطس سنة 1899. (3) مبحث عن القوة النفسانية، طبعة فان ديك Nan Dyck القاهرة سنة 1325 هـ.

(4) منطق المشرقيين، والقصيدة المزدوجة فى المنطق، القاهرة سنة (5) كتاب النجاة. (6) تسع رسائل فى الحكمة والطبيعيات، الآستانة سنة 1298 هـ. (7) كتاب السياسة، نشره لويس معلوف ضمن - Traites inedits d'an ciens philosophes Arabes الطبعة، الثانية، بيروت سنة 1911، ص 1 - 18. ونشرت فى مجلة "المشرق"، جـ 9، سنة 1906، ص 976 وما بعدها. (8) شرح قسم الإلهيات من إشارات ابن سينا، شرحه نصير الدين الطوسى وفخر الدين الرازى. (9) رسالة حى بن يقظان، بالعبرية، طبعها كوفمان D. Kaufmann . سنة 1887. (10) وقد نشر بالألمانية هوشبرغ q .J. Hirschberg . وليييرت قسما من كتاب القانون عن طب العيون بعنوان Die Augenheilkunde des Ibn Sina ليبسك سنة 1902. (11) Avicenne: Bar. Carra de Vaux باريس سنة 1900) انظر عن هذا الكتاب باسيه Revue de: R- Racset 'hist. des Religions، يوليه - أغسطس سنة 1902). (12) وانظر لكارا ده فو أيضا مقاله عن ابن سينا فى دائرة المعارف الدينية والأخلاقية التى نشرها هيستنجر Hastings. جـ 2، إدنبرة سنة 1909, ص 272 وما بعدها. (13) de Boer losophie im Zslam شتوتكارت سنة 1901، ص 119 وما بعدها (الترجمة الإنكليزية، لندن سنة 1903، ص 131 وما بعدها). (14) Die islamische and die: Goldziher judische Philosophie (فى: Die Kultur der Gegerwart، جـ 1، 5). (15) Ibn Sinas Ans-: Wiedemann chauung vom Sehvorgang) فى. Arch.fd. Gesch. d. Naturwiss.u.d Technik , جـ 4، ص 239 ما بعدها، لييسك سنة 1912).

(16) Horten Meteorol Zeitschr,) Regenbogen سنة 1913، ص 534 وما بعدها). (17) Uber Avicennas Opus: M. Winter egregium de Anima ميونخ سنة 1903. (18) وقد نقل هورتن M. Horten إلى اللغة الألمانية إلهيات الشفاء مع شرح بعنوان - Die Metapyhsic Av، هال وغيرها سنة 1907 - 1909. (19) Avicennas Bearbitung: S. Sauter der Aristotelischen Metaphysik فريبورغ سنة 1912. (20) وعن شعر ابن سينا الفارسى انظر Literary History of Persia: Browne جـ 2، ص 106 - 111. (21) وعن ابن سينا بوصفه شخصية أسطورية، انظر مقال باسيه. R Basset المتقدم ذكره. [ده بور T.J. De Boer] تعليق على مادة "ابن سينا" إن ما يعرف الآن عن حياة ابن سينا لم يعد مقصورا على ما أورده ابن ابى أصيبعة ومن نحا نحوه (كالقفطى وابن خلكان) فى إثبات الترجمة المعروفة التى كتبها بالعربية أبو عبيد عبد الواحد الجوزجانى عن أستاذه ابن سينا، ذلك لأنه إلى جانب هذه الترجمة العربية التى لم ينشر بعد نصها الكامل كما ورد فى مخطوطين: أحدهما لظهير الدين البيهقى عنوانه "تاريخ حكماء الإسلام" والآخر لشمس الدين محمد بن محمد الشهرزورى عنوانه "روضة الأفراح ونزهة الأرواح"- توجد ترجمة أخرى كتبها بالفارسية احمد بن عمر بن على المعروف بالنظامى العروضى السمرقندى فى مصنفه "جهار مقاله" اى أربع مقالات (انظر القصص: 14، 15، 21، 24، 26، 32، 34، 36، 38) الذى نشره بالانجليزية إدارد براون عام 1921 (وانظر المجلة الأسيوية، يولية وأكتوبر سنة 1899) وتلقى هذه الترجمة الفارسية - مضافا إليها الزيادات الواردة فى المخطوطين

المذكورين، وكذلك ما جاء عن فيلسوفنا فى كتاب الكامل لابن الأثير وتاريخ الأولياء لفريد الدين العطار وكشف الظنون لحاجى خليفة- ضوءا جديدا على ما خفى من جوانب حياة الرئيس، وخاصة على تواريخ أسفاره وكتبه، وذكر شيوخه وتلاميذه والأعلام الذين اتصل بهم مما لا يعرف من الترجمة المتداولة التى اعتمد عليها ده بور. ولد ابن سينا بأفشنة عام 370 هـ وانتقل مع أسرته إلى بخارى عام 375 هـ وأتم دراسة اللغة والأدب وهو فى سن العاشرة على رجل لم تذكره الرواية المعروفة، ويحتمل أن يكون هذا الرجل هو أبا بكر أحمد بن محمد البرقى الخوارزمى (حاجى خليفة، جـ 3، ص 376). وتذهب الترجمة المعروفة إلى أنه درس الطب بمفرده، ويروى من جهة أخرى أنه تلقاه على أبى سهل المسيحى وأبى منصور الحسن بن نوح القمرى. وانتقل من بخارى إلى كركانج عام 392 هـ إثر سقوط عرش السامانيين بين يدى أمير غزنة السلطان محمود بن سبكتكين وخرج من كركانج إلى جرجان عام 403 فارا من وجه سلطان غزنة أيضا (السمرقندى القصة 36)، ويحتمل أن تكون قصة لقائه لأبى سعيد بن أبى الخير شيخ متصوفة ذلك العصر التى ذكرها فريد الدين العطار قد وقعت فى نفس هذا العام، ونجده فى عام 406 هـ بالرى ثم بهمذان حيث ولى الوزارة مرتين ولاشك فى أنه ترك الوزارة قبل عام 411 هـ لأننا نجد فى أخبار هذا العام عند ابن الأثير ذكرا لوزير آخر. وبقى بعد وزارته مضطهدا من أمير همذان الجديد ووزيره تاج الملك: فبثت حوله العيون، وسجن بعض الزمن، وظل زمنا مختبئا حتى فاز بالفرار إلى أصفهان عام 414 هـ. ولاشك فى أن رسائله الرمزية التى صنفها فى فترة اضطهاده وفراره لاتصور نزعة صوفية -كما يرى مهرن Menhren - بقدر ما تصور أزمتة النفسية ولم تقتصر حياته السياسية على الوزارة والنضال فى سبيلها بهمذان، ذلك لأنه عاش طوال حياته يبغض أمراء غزنة رغم ما بذلوه فى اجتذابه إليهم (انظر قصة فراره من كركانج، السمرقندى، القصة 36) واشترك إذ كان بأصفهان فى بعض

المؤامرات السياسية ضدهم (البيهقى، ص 37، الشهرزورى، ص 229) وربما كان سبب ذلك ما وقع منهم آنئذ من اضطهاد للفلاسفة والنجوميين والمعتزلة (ابن الأثير، جـ 9، أخبار سنة 420). على أنه عاش نديما لأمير أصفهان علاء الدولة بن كاكويه الذى اتهم بالزندقة لملازمة ابن سينا له (ابن الأثير، جـ 9، أخبار 428) إلى أن توفى عام 428 هـ. ويروى ابن خلكان روايات مختلفة عن موضع وفاته، كما ذهب بعض أوربيى العصور الوسطى إلى أنه توفى بالأندلس بدسيسة من ابن رشد (Vossius Die Philos Secre. ف 14، ص 113)، والواقع أن قبره لايزال يزار بهمذان إلى الآن. ولقد اتصل بكثير من علماء عصره كابن مسكويه وأبى الريحان البيرونى وأبى القاسم الكرمانى والطبيب أبى الفرج بن طيب بن الجاثليق وأبى نصر العراق وأبى الخير بن الخمار وغيرهم. وذكر السمرقندى من تلاميذه: الجوزجانى، وأبا الحسن بهمنيار بن المرزبان الأذربيجانى وأبا منصور بن زبلا (زبله؟ ) والأمير أبا كاليجار وسليمان الدمشقى، ويضيف البيهقى أبا عبد الله المعصومى (المعصرى خطأ) وكان يقول ابن سينا عنه: "هو منى بمنزلة أرسطو من أفلاطون"، وينفرد ابن أبى أصيبعة بذكر أبى القاسم عبد الرحمن النيسابورى والسيد عبد الله بن يوسف شرف الدين الإيلافى: ولقد ألم ابن سينا بكل معارف عصره إلماما عجيبا، حتى فق الأجيال اللاحقة التى خلقت منه شخصا أسطوريا هائلا. ويوجد فى الأدب التركى كتاب بأكمله عن هذه الشخصية الأسطورية (Basset: des Religions سنة 1903). نظم ابن سينا بالعربية، كما كان من أوائل من نظموا الرباعيات بالفارسية. وبرز بصفة خاصة فى الطب، وكان الأمراء يتهافتون عليه لطبه. ولقد حدثنا ده بور عن أثر القانون فى الشرق والغرب، ومما يدل على سعة انتشاره بين الغربين أنه طبع باللاتينية ست عشرة مرة فى السنوات الثلاثين الأخيرة من القرن الخامس عشر، أعيد طبعه

عشرين مرة فى القرن السادس عشر. وهذا الإحصاء لا يشمل إلا الطبعات الكاملة للقانون، أما الطبعات التى تقتصر على قسم أو أكثر فلا حصر لها، وظل يدرس فى أوروبا إلى عهد قريب، إذ كان من أهم مراجع جامعة مونبلييه حتى العقد الثالث من القرن التاسع عشر (Civil des - Le Bon Arabes ص 528) وعنى بدراسة طب ابن سينا أخيرا ده كوننج De Koning وليبيرت وهرشبرغ وغيرهم. أما الفلسفة فهى ميدان انتصاره الخالد، فقد حلت كتبه فيها محل كتب أرسطو عند فلاسفة الأجيال اللاحقة، قال ابن خلدون: وتجد الماهر منهم عاكفا على كتاب الشفاء والإشارات، والنجاة" (المقدمة، طبعة باريس، جـ 3، ص 117). بدأ بتأليف الشفاء إبان وزارته، وأتمه عام 418 هـ، وكتب النجاة فى هذا العام نفسه وهو فى طريقه إلى الحرب مع علاء الدولة، ويؤخذ من رواية لحاجى خليفة (جـ 6، ص 303 وما بعدها) أن الجوزجانى أتم هذا الكتاب، وكتب الإشارات بعد عام 420، ويجدر بنا أن نقف قليلا عند آرائه فى النفس والإلهيات. يرتب ابن سينا النفوس ترتيبا تصاعديا. فيتحدث أولا عن النفس النباتية ثم الحيوانية ثم الناطقة، وهو يدرس النفس الناطقة من جهات مختلفة. وليس فى كلامه عن الحواس شئ جديد غير وصفه الفسيولوجى لمراكز الحواس من المخ وانتقال الصور المحسة فى الجهاز العصبى على أحسن ما كان يسمح به علم الحياة فى عصره. وأثر جالينوس فى هذه الناحية ظاهر، أما آراؤه فى العقل فهى تخالف آراء سلفيه الكندى والفارابى بعض المخالفة. نظر إلى العقل على أنه قوة تستكمل بالمعقولات شيئا فشيئا، فالعقل "هيولانى" فى بادئ الأمر خال من كل معقول، ثم يصير "بالملكة " إذا استكمل بالمعقولات الأولى، ثم "بالفعل" إذا حصل شيئا من العلوم الكسبية. ثم مستفادا إذا كانت تلك العلوم الكسبية حاضرة فيه بالفعل وهو يطالعها بالفعل. والعقل يكتسب العلم بالفكر والحدس. والفكر (Pensee discursiv) حركة للنفس الناطقة تبحث بها عن الحدود الوسطى لمطلوب ما حتى إذا ظفرت بها رتبتها قى مقدمات قياسية،

أما الحدس (itton) فهو ظفر بالمطالب وحدودها الوسطى دفعة واحدة. ومن الناس من يكون من اصحاب الفكر وحده، ومنهم من يحدس إلى جانب الفكر، ومنهم من يكون علمه كله حدسا وهؤلاء هم الأنبياء، ويسمى العقل حينئذ عقلا "قدسيا" وهكذا يجعل ابن سينا علم الأنبياء أرفع علم على خلاف الفارابى الذى يرى علم الفلاسفة أوثق وابعد عن الخيال والرمز. ولاشك فى أن أرسطو كان يذهب إلى أن المعقولات مستمدة من المحسوسات، وقد أشار ابن سينا فى كتابه "التعليقات على كتاب النفس لأرسطو" (مخطوط بالقاهرة، ص 69 - 70) إلى هذا الرأى، ولكنه نبه إلى أن للمشرقيين رأيا مخالفا. ونجد رأى المشرقيين هذا مبسوطا فى كل كتبه الأخرى، وهو رأى يدفع بعلم النفس إلى مجاهل الإلهيات، ولكنه يجعل المعرفة العقلية وثيقة مطابقة للماهيات الأزلية التى لا تتغير، ذلك لأنه يذهب إلى أن المعقولات تفيض عن عقل خارج عنا أزلى أبدى انتهت إليه صور الماهيات من مبدع الكل، ذلك العقل هو "العقل الفعال"، وليس البدن وحواسه إلا وسائل تهيئ العقل الإنسانى لقبول فيض العقل الفعال. فالمحسوسات شأنها عند ابن سينا ثانوى فى المعرفة العقلية (الشفاء، النفس، م 5، ف 2، ص 352، ف 5، س 256، النجاة، 297 - 299). وقد كانت براهين القدماء على لا مادية النفس ومباينتها للجسم منطقية، أما ابن سينا فقد كان أول من لجا إلى التجربة النفسية، قال: لنتصور إنسانا خلق محجوب البصر لايرى من إهابه شيئا، متباعد الأطراف لا يلمس جزء من جمسه جزءا آخر، يهوى فى خلاء لا يصدمه فيه قوام الهواء حتى لا يحس ولايسمع، أليس يغفل مدو هذا الإنسان عن جملة بدنه؟ أليس يشعر بشئ واحد فقط هو ثبوت إنيته (نفسه)؟ فالنفس إذن موجودة وجودا غير بدنى. ونحن نجد مثل هذا البرهان عند ديكارت مما جعل بعض الباحثين- أمثال: فالوا Valois وفورلانى - يذهبون إلى إمكان اطلاع ديكارت

على آراء الفيلسوف الإسلامى، وقد أثبت فورلانى (فى مقالة Cogito ergo Islamicas um di Certesic المجلد 3، ص 53 - 72، ليبسك 1927) أن النصين الواردين فى الشفاء عن هذا الموضوع (الشفاء، النفس، م 1، ف 1، م 5، ف 7) كان قد نقلهما إلى اللاتينية الفيلسوف غليوم أوفرنى. أما الهياته فموضوعها البحث فى "الوجود المطلق". ويبدأ ابن سينا إلهياته بتحديد صلة "الوجود" بماهيات الأشياء، فيرى أن هناك من الأشياء مالا يؤخذ فى حده معنى الوجود، كالمثلث مثلا فإنا نتمثله خطا وسطحا ولا نتمثله موجودا، مثل هذا الشئ وجود , زائد على ماهيته عارض عليها، وهو يحتاج فى وجوده إلى علة. ولما كانت العلل لايمكن أن تتداعى إلى غير نهاية لامتناع الدور والتسلسل فلابد من الانتهاء إلى علة أولى بالإطلاق ماهيتها عين وجودها، وهذه العلة لا نستطيع أن نتمللها معدومة، لأن مهايتها الوجود نفسه، ولأنها مبدأ كل موجود. هكذا يؤدى التمييز بين ماهية الشئ ووجوده إلى التمييز بين "الممكن" و"الواجب"، إذ الممكن ما يستوى وجود. وعدمه، والواجب هو الضرورى الوجود الذى يترتب على عدمه عدم كل موجود، ويقابلهما العالم والله على الترتيب. ولقد كان العالم عند أرسطو قديما قدم الله، ومثل هذه الأثنينية لاتتفق مع نزعة المسلم إلى التوحيد، لذلك لما اضطر ابن سينا إلى القول بقدم العالم حتى يجعل أفعال الله قديمة مثله، رأى أن يجعل الله متقدما على أفعاله القديمة "بالذات" بالزمان، والزمان نفسه -مع أنه قديم- مخلوق أيضا تقدمه الواجب بالذات لا بزمان آخر. وقد فاض العالم عن الله بمحض إرادته لا عن حاجة الى ذلك. فكان عنه أولا العقل الأول الذى هو ممكن فى ذاته واجب بعلته. وهذان الاعتباران فى العقل الأول هما بدء حدوث الكثرة فى الوجود، وفاض عن العقل الأول بعقله لعلته الواجبة عقل ثان" وبعقله لذاته الواجبة بعلتها نفس الفلك الأول، وبعقله لذاته الممكنة جرم هذا الفلك. وهكذا تستمر الموجودات فى التكاثر فيصدر عن كل عقل عقل آخر ونفس فلكية

وجرم سماوى حتى ينتهى الصدور إلى العقل العاشر وهو "الفعال" فى عالمنا هذا. وهو على عكس أرسطو يرى أن العقل الأول -لا الله- هو المحرك الأول. وإله أرسطو لا يعقل إلا ذاته وهو مشغول بها عما عداها. أما إله ابن سينا فليس يعقل ذاته فقط بل يعقل الماهية الكلية كما يدرك الجزئيات ولكن من حيث هى كلية فلا يعزب عنه مثقال ذرة. ويرجع إداركه للجزئيات إلى علمه بعللها ومباديها كما يرجع إدراك النجومى بكل كسوف جزئى إلى علمه بالحركات السماوية علما كليا. وتحيط عناية الله بكل شئ، ويعرف ابن سينا العناية فيقول: "هى إحاطة علم الأول بالكل وبالواجب أن يكون عليه الكل حتى يكون على أحسن نظام. فعلم الأول بكيفية الصواب فى ترتيب وجود الكل" منبع لفيضان الخير فى الكل". فإذا كان الله خيرا محضا وأبدع الموجودات على ما يقتضيه الخير فمن اين جاء الشر فى هذا العالم؟ يختم ابن سينا إلهياته بنظرية فى التفاؤل تقرب من نظرية ليبنتز Leibniz الفيلسوف الألمانى فهو يرى أن الشر إنما يلحق الأشياء التى فى طباعها استعداد للتغير والتبدل، فالشر إذن يلازم القوة وبالحرى"المادة"، على أن المادة التى هى مصدر الشر طفيفة محدودة لأنها هى هذه المادة العنصرية الموجودة دون فلك القمر. ولا يقف تفاؤل ابن سينا عند حصره الشر فى المادة العنصرية دون الفلكيه بل يحصره فى الأشخاص دون الأنواع، ويذهب إلى أبعد من ذلك فيقول إن الأشخاص لا يصيبهم الشر دائما بل أحيانا. فالمادة علة الشر، والشر محدود محصور، والله لم يقض به إلا بالعرض" إذ أنه أراد الخير إرادة أولية، ولم يعبأ بما قد تؤدى إليه المادة من شر مادام الخير موجودا. فتفاؤل ابن سينا يقول إن عالمنا يغلب خيره على شره، فهو إذن "أفضل العوالم الممكنة" كما يقول ليبنتز. مصادر أخرى: (1) AVICENNA: CHAUVIN مجلة MUSEON Nouv.serie جـ 4، ص 77 - 90. (2) Etudes sur Metaphysique: Dj.Saliba d,Avicenne باريس سنة 1926.

ابن طفيل

(3) Gilson E. فى Archives d,histoire doctrinale et du Moy- en-dge مجلد، 1، ص 35 - 44، وانظر له أيضا المجلد 2، ص 35 - 44، ولا سيما ص 89 إلى 151، وانظر له كذلك المجلد 3، ص 38 - 74. (4) De ENTe et Esseniia: R. GOsselin ص 51 - 85، ومواضع أخرى. (5) Th.Arnold Legacy Of Islam 1932، انظر فصلى الطب والفلسفة. (6) Fourlani انظر مقاله عن ابن سينا وذيكارت فس مجلة Islamica ليبسك سنة 1927، المجلد 3، ب 1، ص 53 - 72. (7) Crecas,Critique of Aristotle: Wolfson، كامبورديج سنة 1929، ص 101 - 110، ص 486 - 487، ص 682 - 686 وغير ذلك. ابن طفيل فيلسوف مغربى مشهور، وهو أبو بكر محمد بن عبد الملك بن محمد بن محمد بن طُفْيل القَيسْى: من قبيلة قيس المعروفة. وكان يسمى كذلك الأندلسى والقرطبى أو الإشبيلى، وأطلق عليه علماء النصارى فى القرون الوسطى "أبو باسر" Abubacer وهو تحريف لأبى بكر، والراجح أن ابن طفيل ولد فى العقد الأول من القرن الثانى عشر الميلادى فى وادى اش على مسيرة أربعين ميلا شمالى غرب غرناطة، ولا نعرف شيئا عن أسرته أو تعليمه وليس من الصواب أن نقول، كما قال بعض المؤلفين، إنه كان تلميذ ابن باجة لأنه يقرر فى مقدمة قصته الفلسفية أنه لم يتعرف إلى هذا الفيسلوف، وقد مارس ابن طفيل فى أول أمره الطب فى غرناطة، ثم أصبح كاتب سر والى هذا الإقليم، وفى عام 549 هـ (1154 م) أصبح كاتب سر والى سبتة وطنجة، وهو ولد عبد المؤمن مؤسس دولة الموحدين، ثم أصبح أخيرا (558 - 580 هـ = 1163 - 1184 م) طبيب السلطان الموحدى أبى يعقوب يوسف، ويقال إنه وزر لهذا السلطان أيضا، ويرى ليون كوتييه Leon Gauthier أنه من المشكوك فيه أن ابن طفيل نال لقب

الوزارة، اذ لم يرد ذلك الا فى نص واحد، أضف الى ذلك أن البطرْوجى وهو أحد تلاميذه، لم يقرن اسَمه إلا بلفظ القاضى فقط (Thofail lbn: L.Gauthier ص 6). ومهما يكن من شئ فإن ابن طفيل كان دائما ذا تأثير كبير على هذا السلطان. وقد استغل هذا التأثير فى اجتذاب العلماء الى البلاط، مثال ذلك أنه قدم الشاب ابن رشد إلى السلطان. وقد وصف المؤرخ عبد الواحد المراكشى (للمعجب، طبعة دوزى، ص 174، 175، ترجمة فانيان Fagnan، ص 201 - 210) هذه المقابلة اعتماداً على رواية ابن رشد نفسه، تلك المقابلة التى أظهر فيها أمير المؤمنين دراية واسعة بالمسائل الفلسفية. كما أن ابن طفيل هو الذى حبب إلى ابن رشد -تلبية لرغبة الخليفة- شرح كتب أرسطو، ذكر ذلك أبو بكر بندود تلميذ ابن طفيل، وهو يقول أيضا: "وكان أمير المؤمنين أبو يعقوب شديد الشغف به والحب له، وبلغنى أنه كان يقيم فى القصر عنده أياما ليلا ونهارا لا يظهر". ولما طعن فيلسوفنا فى السن، حل ابن رشد محله فى الطبابة للخليفة عام 578 هـ، ـ ومع ذلك فقد ظل ابن طفيل محتفظا بمحبة الخليفة أبى يعقوب. وبعد وفاة هذا الخليفة عام 580 هـ، احتفظ بصداقة ولده أبى يوسف يعقوب. وتوفى ابن طفيل عام 581 هـ (1185 - 1186 م) بمراكش، وحضر الخليفة بنفسه جنازته. وابن طفيل هو مؤلف القصة الفلسفية المعروفة "حى بن يقظان" التى تعد من أعجب كتب العصور الوسطى، وسنفصل الكلام عنها فيما بعد. ولا نعرف له غير هذه القصة الا القليل. فقد كتب رسالتين فى الطب، وكانت بينه وبين ابن رشد رسائل حول كتاب ابن رشد "الكليات". ويظهر أنه كان لابن طفيل آراء مبتكرة فى علم الفلك، كما يفهم من أقوال البطروجى المنجم ومن كلام ابن رشد فى شروحه الوسطى على كتاب ما بعد الطبيعة لأرسطو (الكتاب الثانى عشر). وحاول البطروجى أن يجرح نظرية بطليموس الخاصة بفلك التدوير Epicycle وبالفلك الخارج المركز، ويقول فى مقدمته إنه يتبع فى ذلك آراء ابن طفيل.

وقصة "حى بن يقظان" الفلسفية التى نشرها بوكوك Pococke بعنوان Philosophus Autodidactues، تعرف ايضا باسم "أسرار الحكمة الإشراقية".وليست هذه الفلسفة فى حقيقتها سوى فلسفة المدرسة الأفلاطونية الجديدة فى أشد صورها صوفية (انظر مادة "الإشراقيون"). وقد عرض ابن طفيل فى كثير من المهارة هذه الفسلفة على مراحل متدرجة متخذا لذلك إنسانا قصصيا موهوبا قادرا على التفكير وجد منذ طفولته فى جزيرة مقفرة. وهناك استطاع بقوة عقله فقط أن يميط اللثام عن الفسلفة، وأسس لنفسه مذهب الأفلاطونية الجديدية فى صورته الإسلامية. وسمى ابن طفيل هذا الإنسان، وهو رمز للعقل، "حى بن يقظان" أى ابن الله، وتظهر فى نهاية هذه القصة شخصيتان هما: سلامان وأسال، لهما أيضا شأن رمزى فى هذه القصة. وقد ظهرت فى المصنفات الفلسفية من قبل أسماء "حى" و"سلامان" و"أبسال " "أو أسال" اذ كتب ابن سينا ابن طفيل قصته المرموزة "حى بن يقظان" وهى القصة التى نالت شهرة كبيرة فى العصور الوسطى والتى قلده فيها ابن عزرا وينسب الجوزجانى إلى ابن سينا فيما أحصى له من كتب رسالة عن قصة سلامان وأبسال. وقد أثبت لصبر الدين الطوسى رواية لهذه القصة، كما جعلها الشاعر الفارسى المعروف "جامى" موضوعا لإحدى منظوماته المشهورة. ويخللف شأن سلامان وأبسال فى هذه المؤلفات المختلفة، ولكنه دائما رمزى، وهو يمثل بصفة عامة العقل فى نضاله مع العالم المادى. وسلامان فى آشعار جامى أمير يافع، أما أبسال فهى ظئره التى تصبح معشوقته فيما بعد. وأبسال أيضا امرأة فى إحدى القصص التى ذكرها نصير الدين الطوسى، كما أن سلامان وأبسال شقيقان فى قصة أخرى له، وهما عند ابن طفيل ملك ووزير، ويقال إن حنين بن إسحق قد نقل إحدى هذه القصص عن اليونانية. ومع ذلك فإن من المرجح كثيرا أن هذه

القصص كلها ترجع إلى أصل إسكندرى (¬1). ونحن نلخص فيما يلى قصة ابن طفيل: بدأ المؤلف كتابه بمقدمة أعطانا فيها إلمامة طريفة عن تاريخ الفلسفة الإسلامية. وهو يمتدح فى هذه المقدمة أسلافه من الفلاسفة وخاصة ابن سينا وابن باجة والغزالى. ثم يبين أن غرض الفلسفة -كما يرى متصوفة العصور الوسطى- هو الوصول إلى الاتحاد بالله، أعنى الوصول إلى حالة من البهجة والمكاشفة لا يعرف المرء فيها الحقيقة بطريق القياس العقلى، وإنما يعرفها بالحدس. ثم يأخذ بعد ذلك فى سرد قصته: ولد ولد من غير أب فى جزيرة مقفرة، أو قل إن أميرة من أميرات الجزائر المجاورة ألقت به فى اليم فحمله التيار إلى هذه الجزيرة، وهنا يناقش المؤلف بالتفصيل النظرية القائلة بامكان التولد الذاتى عن طريق تخمر الطين فى درجة حرارة معتدلة. ثم تولت ظبية إطعام الطفل وأصبحت أول معلميه، ولما شب الطفل قليلا لاحظ أنه عارى الجسد أعزل من السلاح على خلاف ما كان يلقاه من حيوان، فغطى جسده بأوراق الشجر وتسلح بعصا، وأدرك منذ تلك اللحظة فضل يديه، ولما أصبح صيادا تقدمت أساليبه الصناعية فاستعاض عن أوراق الشجر بلباس من جلد نسر. ولما أسنت الظبية التى ربته وأصابها المرض أهمه ذلك، وأخذ يبحث عن سبب مالحقها من آفة. وشرع لهذا فى دراسة نفسه حتى تنبه إلى ما عنده من حواس. وظن أن الآفة قد تكون فى صدر الظبية، فرأى أن يشق بين أضلاعها بحجر حاد، وعرف من هذه التجربة القلب والرئتين. كما أعطته أول ¬

_ (¬1) تشبه قصة حى بن يقظان فى جوهرها كتاب بيمندريس (أى راعى الناس) المنسوب إلى هرمس وهو محاورة امتزج فيها المذهب الافلاطونى باعتقادات قدماء المصريين، دارت بين العقل الالهى الذى يتمثل فى صورة شبح بهى المنظر وبين تلميذه هرمس إله الحكمة، وتناولت الكلام فى ذات الاله وكيفية الخلق وفيض الاشراق الالهى على الانسان. وقد عرف العرب هذا الكتاب وأشار إليه القفطى فى تاريخ الحكماء. والغاية التى رمى اليها ابن طفيل من كتابه حى بن يقظان هى شرح بعض المسائل الفلسفية فى أسلوب قصصى كالكلام فى الله، وصدور الكون. ونظرية المعرفة، والفلسفة الطبيعية وغير ذلك من المسائل التى نهج فيها ابن طفيل نهج من تقدمه من فلاسفة الإسلام كالفارابى وابن سينا. وقد انتهى الى تقرير التوفيق بين الفلسفة والدين وإن العقل والوحى سبيلان للمعرفة الصحيحة. غير أن الفلسفة ينبغى أن يترك امرها إلى الخاصة دون العامة من الناس، وقد رمز الى ذلك فى قصته بعجز الملك سلامان عن فهم ما وصل اليه حى بن يقظان عن طريق العقل وإن كان قد ادركه عن طريق الدين. عباس محمود

فكرة عن شئ خفى قد فارق الجسد. وهو الذى يكون الذات أكثر من الجسد. ولما بدأ الفساد يدب فى جسد الظبية، عرف حى من الغربان كيف يواريه التراب. واكتشف "حى" النار صدفة، إذ انقدحت نار فى أجمة من احتكاك أغصانها، فأتى بقبس منها إلى مأواه وعمل على ابقائه مشتعلا. وقد جعله هذا الكشف يفكر فى أمر هذه النار وفى الحرارة الحيوانية التى أحس بها فى ألأحياء، فأخذ فى تشريح حيوانات أخرى. ولم يقف تفتنه عند هذا الحد، بل اكتسى بجلود الحيوانات وتعلم غزل الصوف والقنب وصنع الإبر، واهتدى إلى البناء بما رأى من فعل الخطاطيف، واستعان بجوارح الطير فى الصيد له، وانتفع ببيض الدواجن وصياصى البقر. إلخ. وهذا الجزء من القصة دائرة معارف شائقة للغاية مرتبة ترتيبا يشهد لمؤلفها بالبراعة والحذق. وتطورت معارف حى بن يقظان حتى أصبحت فلسفة. فبعد أن درس النبات والمعادن وخواصها ووظائف أعضاء الحيوان أخذ يصنفها فى أجناس ابن طفيل وأنواع، فقسم الأجسام إلى خفيفة وثفيلة، وعاد إلى درس الروح الحيوانى الذى رآه فى القلب، ثم توصل إلى فكرة النفس الحيوانية والنفس النباتية، وقد بدت له الأجسام صورا تصدر عنها أفعال، فأخذ يبحث عن عناصرها الأولية حتى اهتدى إلى العناصر الأربعة. ولما فحص فى الطين توصل إلى فكرة الهيولى وتراءت له الأجسام على أنها هيولى فى صور مختلفة. وشاهد تبخر الماء فتنبه إلى فكرة تحول الصور بعضها إلى بعض، وعرف أن كل ما يوجد لابد له من علة فاعلة. وهكذا ارتقى إلى فكرة فاعل لهذه الصور بوجه عام. وقد بحث عنه أولا فى الطبيعة ولكنه وجد أن جميع ما فيها عرضة للتحول والفساد، فاتجه بنظره حينئذ إلى الأجرام السماوية. وانتهى حى إلى هذا النظر على "رأس أربعة أسابيع من منشئه" أى عندما بلغ ثمانية وعشرين عاما من عمره. وبدأ منذ ذلك الحين يتأمل السماء. وتساءل: أهى ممتدة إلى غير

نهاية؟ ولكنه عرف بطلان هذا الرأى فتصورها كروية. ولاحظ ضرورة وجود أفلاك خاصة بالقمر وغيره من الكواكب، وتخيل السماء حيوانا كبيرا، كما أدرك وجوب اعتبار فاعل الكل غير جسم، واعتبار محرك هذا العالم خارجا عنه إذا كان قديما. ثم أخذ يمعن النظر فى فكرة الله، فتوصل إلى استنتاج صفاته من النظر فى صفات الكائنات الطبيعية. فالله-كما بدا له- قادر عاقل عليم رحيم .. إلخ. ولما عاد إلى تأمل نفسه انتهى إلى أنها غير فانية، واستنتج من ذلك أن لذته لابد أن تكون فى مشاهدته للموجود الكامل. والوصول إلى هذه اللذة لا يتأتى إلا بمحاكاة الجواهر السماوية، أى بأن يأخذ نفسه بالرياضة والمجاهدة. وعند ذلك انقطع حى إلى حياة كلها تأمل حتى بلغ "رأس سبعة أسابيع من منشئه" أى تسعة وأربعين عاما. وعند ذلك هبط "أسال" من جزيرة مجاورة، وهو رجل شديد الإيمان بدين منزل. وما إن تفاهم الرجلان، حى وأسال، حتى أدركا أن ذلك الدين إن هو إلا عين العقيدة الفلسفية التى انتهى إليها حى. ووجد أسال فى تلك الفسلفة التى تعلمها على هذا الرجل الناسك، تفسيرا ساميا لدينه وللأديان المنزلة بوجه عام، وتمكن أخيرا من إقناع حى باصطحابه إلى الجزيرة المجاورة ليبسط فلسفته لملكها "سلامان" الذى كان أسال وزيره وخليصه. ولكن فلسفته لم تفهم هناك رغم ما بذله من جهود ذهبت أدراج الرياح. فرجع حى وأسال إلى الجزيرة المقفرة ووهبا حياتهما للتأمل الخالص، بينما ظل الناس يعيشون بالرموز والصور الخيالية. وهكذا تحدد هذه الأسطورة العجيبة فى وضوح موقف الفلسفة الصوفية من الدين. وقد كلف المسلمون كلفا شديدا بهذه القصة، ونقلت إلى لغات عدة، كما نقلها إلى العبرية وشرحها موسى النَّرْبُونى عام 1349، وقد امتدحها الفيلسوف ليبنتز، وكان قد قرأ طبعة يوكوك Pococke لهذه القصة.

ابن عبد الحكم

المصادر: (1) Philosphus autodidactus Sive Epistola Abi Jaa Far ebn To- Phail de Hon Ebn Yakidhan، طبعها الطبعة الأولى pocoke سنة 1671، وطبعت طبعة ثانية فى أكسفورد سنة 1700، وطبعت بالقاهرة والآستانة سنة 1399 هـ. (2) Hayy ben: Leon Gauthiei Yaqdhan , toman. (3) الكاتب نفسه: Ibn Thoi Fail Sa vie ,ses Oevres باريس سنة 1909. (4) De-: Duncen Macdonnald Velopment of Muslim Theology سنة 1903، ص 252 - 256. (5) The History: T.J.de Bor Of osophy in Islam لندن سنة 1903. (6) Grun-: Firedriich Uberweg driss der Gesshite der phi- Losophie Max Heinze، طبعة، جـ 2. (7) وانظر فيما يختص بقصص سلامان وأبسال، جامي: سلامان وأبسال، وقد ترجمه إلى الفرنسية Aug. Brieteux باريس سنة 1911، . ص 47 وما بعدها. (8) Grsch d.: Brockelmann Arab. Litt. جـ 1، ص 460، جـ 2، ص 704. [كارادا فو B. Carra de Vaux] ابن عبد الحكم عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم ابن أعْين أبو القاسم: أقدم من وصلت إلينا مؤلفاته من مؤرخى مصر الإسلامية؛ انحدر من أسرة مصرية نبيلة، وكان أبوه عبد الله المتوفى عام 214 هـ (830 م) ضليعاً فى الحديث والفقه، وقد ألف فيهما الكتب الكثيرة، وانتهت إليه رئاسة الطائفة المالكية فى مصر، كما كان يشترك مع القاضى فى تزكية الشهود وتجريحهم. وكان أبناؤه الأربعة من مشاهير الرجال: فقد كان محمد فقيهاً وكاتباً معروفاً، خلف أباه

فى رئاسة المالكية بمصر، واشتهر عبد الحكم وسعد (أولهما بصفة خاصة) بسعة العلم، كما اشتهر عبد الرحمن. وقاست هذه الأسرة كثيراً من الاضطهاد فى عهد الواثق (227 - 232 هـ = 843 - 847 م) لأنها رفضت الأخذ بمذهب خلق القرآن. وقد نبذهم الناس بعد ذلك لما ثبت عليهم من اختلاس (الكندى طبعة كست Guest، ص 462 وما بعدها، ص 473). وتوفى عبد الرحمن (المعروف عامة بابن عبد الحكم) فى الفسطاط عام 257 هـ (871 م) وكان كثير العناية بدراسة الحديث، وجمع كثيراً من الأحاديث التى تستند إلى رواية أهم المحدثين من المصريين، وكان أبوه واحداً منهم. وأهم تصانيفه: "فتوح مصر والمغرب"، وهو كتاب فى سبعة أجزاء: 1 - مصر وتاريخها القديم. 2 - الفتح الإسلامى. 3 - خطط القسطاط والجيزة وأخائذ الإسكندرية. 4 - نظام مصر وإدارتها فى عهد عمرو بن العاص وامتداد الفتح الإسلامى جنوبى مصر وغربها. 5 - فتح شمالى إفريقية بعد وفاة عمرو وغزو الأندلس. 6 - قضاة مصر حتى عام 246 هـ (760 م). 7 - الأحاديث المصرية المستقاة من الصحابة الذين وفدوا على مصر. وتدلنا طريقة تصنيف هذا الكتاب كله على أن مصنفه كان بارعاً فى جمع الأخبار، ولكنه لم يهتم بنقدها. وقد عنى عناية خاصة بعصر الصحابة والتابعين، ولذلك نجده يسهب فى كلامه عن المتقدمين من القضاة، بينما يوجز فى الكلام عنهم كلما قاربوا عصره، كذلك نجده فى كلامه الهام عن الخطط يجمع كل ما يصل إليه من الأخبار، على حين أنه أحل الروايات الموثوق بها محلاً ثانوياً. وقد استفاد مؤرخو مصر المتقدمون إلى حد بعيد من كتاب ابن عبد الحكم، واعتمدت عليه المؤلفات المتأخرة كذلك،

فأكثر كتاب "حسن المحاضرة" للسيوطى مأخوذ من كتاب ابن عبد الحكم، كما أخذ منه المقريزى كثيراً، من فصول كتابه. ولكن ما نقلاه لم يكن فى روعة كارم ابن عبد الحكم نفسه. ونقل ياقوت كذلك معظم ما كتبه فى وصف مصر عن هذا الكتاب بالحرف (انظر مقدمة كتاب "فتوح مصر" سلسلة كب التذكارية، لندن سنة 1914 م). وهناك مخطوطات عدة لهذا الكتاب فى المتحف البريطانى وباريس (نسختان منه) وليدن (قطع منه). وترجم بعض أجزاء هذا الكتاب كل من: إيفالد Zeitschr Fur die Kunde des)Ewald (.Morgent المجلد 3، جـ 3، سنة 1840 م، ص 316 - 352) وده سلان de slane وكارل Karle، وجونس Jones ولافوينت La Fucnte وتورى Bibl. and)Torrey Semit .Studies، نيويورك، ص 279 - 330). وطبع الجزء الأول منه ماسيه Il.Masse. بالقاهرة عام 1914 م، (وانظر أيضاً بروكلمان. Gesch. d. arab. Litt جـ 1، ص 148؛ جـ 2، ص 692). المصادر: (1) ابن خلكان: طبعة فستنفلد، رقم 322، 582 (ترجمة ده سلان، جـ 2، ص 14، 598). (2) حُسن المحاضرة (طبعة حجرية) جـ 1، ص 134، 136، 206. (3) أبو المحاسن، جـ 1، ص 629. (4) Geschichischreiber: Wustenfeld، رقم 63. (5) Dozy: Revherches(الطبعة الثالثة) ص 36 - 37. (6) الكندى (طبعة روفون كست Rhovon Guest) المقدمة. ص 22 - 23. (7) Gesch. der. Ar.: Brockelmann Litt جـ 1، ص 148، جـ 2، ص 692. [تورى C.C. Torrey] تعليق على كتاب "فتوح مصر والمغرب" طبع الجزء الخاص بمصر "مجلس المعارف الفرنساوى الخاص بالعاديات الشرقية" بإشراف المسيو هنرى ماسيه Henri Masse عام 1914 م، وقد استعان

ابن (الـ) العربى

الناشر بمخطوطات هذا الكتاب الأربعة الموجودة بمكتبة المتحف البريطانى بلندن رقم 520 والمكتبة الأهلية بباريس رقم 1686، 1687، ومكتبة المعهد العلمى بليون رقم 962 وهذا المخطوط الأخير ناقص خال من أسماء الرواة الذين روى عنهم المؤلف وقد جاء تورى Charles C. Torrey فنشر كتاب "فتوح مصر" بمدينة ليدن عام 1920 م وأودعه ما نشره هنرى ماسيه فى كتاب فتوح مصر الذى نشره عام 1914 م. وقد صدر تورى كتاب فتوح مصر بمقدمة تقع فى 24 صفحة. ثم نشر أخبار مصر قبل الفتح فى 44 صفحة وأخبار الفتح من صفحة 45 إلى صفحة 183 (وهو نفس ما نشره هنرى ماسيه) ثم زاد عليه أخبار فتح إفريقية (صفحة 182 - 225) وفتح الأندلس (ص 204 - 225) وختم هذا الكتاب بما كتبه ابن عبد الحكم عن قضاة مصر ويقع بين صفحتى 126 - 319. وقد روى عن ابن عبد الحكم من جاء بعده من مؤرخى مصر الإسلامية نخص بالذكر منهم الكنْدى المتوفى سنة 350 هـ وابن زُولاق المتوفى سنة 357 هـ والقُضَاعى المتوفى سنة 454 وابن دُقْماق المتوفى سنة 809 هـ والمقريزى المتوفى سنة 845 هـ وأبا المحاسن المتوفى سنة 874 هـ والسيوطى المتوفى سنة 910 هـ وابن إياس المتوفى سنة 930 هـ حتى أصبحوا عالة عليه يأخذون عنه من غير نقد أو تعليق. حسن إبراهيم حسن ابن (الـ) العربى أبو بكر محمد بن على محيى الدين، الحاتمي الطائى (من نسل حاتم الطائى) الأندلسى: متصوف مشهور من أنصار مذهب وحدة الوجود، أطلق عليه أتباعه "الشيخ الأكبر" وكان يعرف فى الأندلس باسم "ابن سراقة" أما فى المشرق فكان يعرف بابن عربى من غير أداة التعريف تمييزا له عن القاضى أبى بكر بن العربى. ولد فى السابع عشر من رمضان عام 560 هـ (28 يولية

1165) بمُرْسية ورحل عام 568 هـ (1172 - 1173 م) إلى إشبيلية واستقر بها حوالى ثلاثين عاما متوالية. ودرس الحديث والفقه فى هذه المدينة ثم فى سبتة، وزار تونس عام 590 هـ (1194 م). وفى عام 598 هـ (1201 - 1202 م) نزح الى المشرق ولم يعد منه إلى وطنه، ووصل إلى مكة فى نفس هذا العام، وقضى اثنى عشر يومامن عام 601 هـ فى مدينة بغداد التى زارها كذلك عام 608 هـ (1211 - 1212 م) ثم قفل راجعا إلى مكة بعد ذلك بثلاثة أعوام (611 هـ = 1214 - 1215 م) ومكث فيها عدة اشهر، ولكننا نجده بمدينة حلب فى بداية العام التالى. ثم زار المَوْصل وآسية الصغرى. وكانت شهرته تسبقَه إلى كل مكان يحل فيه: فيجرى عليه ذوو اليسار معاشا كبيرا كان يصرفه فى أعمال البر، وفى أثناء إقامته بآسية الصغرى أهداه أميرها النصرانى بيتا، لم يقبله إلا ليهبه لأحد السائلين. واستقرأ خيرا بدمشق، وتوفى بها فى ربيع الثانى عام 638 اكتوبر 1240 ودفن بسفح جبل قاسيُون، ودفن فى هذا المكان ابناه بعد ذلك أما فيما يختص بأصول الفقه، فقد كان ابن عربى فيما يظهر من أنصار مواطنه ابن حزم ومذهبه الظاهرى (انظر مادة "ابن حزم"، وانظر Die zahuuen: Goldziher ص 185 وما بعدها) ولكنه أبطل "التقليد". أما فيما يختص بالعقائد الدينية فقد كان "باطنا". وابن عربى مع قيامه بفرائض الإسلام وتمسكه بعقائده، كان رائده الوحيد هو ذلك النور الباطنى الذى أفاضه الله عليه على ما كان يعتقد. وذهب بن عربى إلى أن الوجود كله واحد، وأنه ليس إلا مظهرا للذات الإلهية. وعلى ذلك فالأديان المختلفة كانت فى نظره متكافئة. ورغم أنه رأى النبى الأكرم، وعرف اسم الله الأعظم، وعرف الكيمياء بالمكاشفة لا بالتحصيل. واتهمه الناس بالزندقة، وحاولوا اغتياله فى مصر. أما أهم تصانيفه وهو "الفتوحات المكية" الذى اختصره فيما بعد الشَعْرانى المتوفى عام 973 هـ فهو يجمع شتات العلوم الصوفية فى خمسمائة وستين بابا، وقد أعطانا فى الباب التاسع والخمسين بعد

الخمسمائة خلاصة للكتاب كله. ولما طلب ابن عربى الى معاصره ابن الفارض المتوفى عام 632 هـ أن يكتب شرحا على"تائيته" أجاب هذا بأنه لايعرف لها شرحا أفضل من كتاب الفتوحات نفسه، وقد كلف كثير من مشاهير الرجال بهذا الكتاب، وطبع ببولاق عام 1274 هـ والقاهرة 1329 هـ، ويلى هذا الكتاب أهمية مصنفه "فصوص الحكم" الذى فرغ من تأليفه فى دمشق فى أوائل عام 627 هـ (آخر عام 1226 م). وقد طبع مع شرح باللغة التركية فى بولاق عام 252 اهـ، كما طبع طبعة حجرية مع شرح عبد الرزاق القاشانى بالقاهرة عامى 1309، 1321 هـ. وتعرف ابن عربى أثناء إقامته بمكة عام 598 هـ (1201 - 1202 م) بامرأة عالمة من للك المدينة. ولا عاد إلى مكة عام 611 هـ (1214 - 1215 م) نظم مجموعة صغيرة من الأشعار الغزلية، أشاد فيها بعلم هذه المرأة وجمالها الفتان وما كان بينه وبينها من حب. وفى العام التالى رأى أنه من المفيد أن يتبع أشعاره بشرح صوفى. وقد نشر هذه الأشعار وشرحها وترجمها الى اللغة الإنكليزية نيكلسون- R.A.Nichol: The Tarjuman al-Ashwaq Colletion son of Mystica Odes. Or. Transl, Fund. السلسلة الجديدة، المجلد 20، لندن عام 1911) وهذه الأشعار هى الأثر الوحيد الذى نشر لابن عربى فى أوروبا، إذا استثنينا قاموسا فى اصطلاحات الصوفية (نشر فى ذيل كتاب "التعريفات" للجرجانى، طبعة فولكل Flugel عام 1845) ورسالة مختصرة عنوانها "كتاب الأجوبة" تنسب إليه فى مخطوط بكلاسكو. وقد نشرت الترجمة الإنكليزية لهذه الرسالة فى مجلة الجمعية الأسيوية الملكية عام 1901. ونشر له إلى جانب ذلك كتاب، محاضرة الأبرار" وهو فى الأدب والتاريخ (القاهرة عام 1282، 1305 هـ، وديوان فى الأشعار الصوفيه بولاق عام 1271 هـ بومباى عام 1890 م) وتفسير للقرآن (بولاق عام 1287، القاهرة 1317 هـ) و"كتاب الأخلاق" طبع فى القاهرة طبعة غير مؤرخة (محاسن أخلاق؟ وهو ترجمة تركية لأحمد مختار، إستانبول 1314 هـ) وكتاب "الأمر

المحكم "نشر بإستانبول مع ترجمة تركية عام 1315 هـ، وكتاب "تحفة السَفَرْة إلى حضرة البَرَرَة) (الآستانة عام 1300 هـ) ونشرت الترجمة التركية باستانبول عام 1303 هـ، وكتاب "مجموع الرسائل الإلهية" (القاهرة عام 1325 هـ) وكتاب "مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم" (القاهرة عام 1325 هـ). ويبلغ ما بقى لنا من تواليفه مائة وخمسين كتابا، ويظهر أن هذا العدد ليس إلا نصف ما ألفه ابن العربى فى الواقع. ولقد هاجت مؤلفات ابن العربى الفقهاء فاتهموه بنشر مذاهب الزنادقة كمذهب "الحلول" ومذهب "الاتحاد"ومع ذلك فقد تشيع له الكثيرون ودافعوا عن آرائه فى حماسة. فبينما كان يرميه بالزندقة ابن تيمية والتفتازانى وإبراهيم بن عمر البقاعى، انتصر له عبد الرزاق القاشانى والفيروز آبادى (انظر حبيب الزيات، خزائن الكتب فى دمشق وضواحيها ص 50، رقم 20، 2) والسيوطى. المصادر: (1) سبط بن الجَوْزى: المرآة (طبعة جوت Jewett) ص 487. (2) الشَعْرانى: اليواقيت والجواهر، القاهرة عام 1306 هـ، ص 6 - 14. (3) المَقَّرى، طبعة دوزى الخ، جـ 1، ص 567 - 583. (4) خاتمة الفتوحات، طبعة بولاق سنة 1274 هـ، جـ 4. (5) حاجى خليفة، الفهرست، جـ 7، ص 1171. (6) Litteraturgeschichte: Purgstell Hammer d. Araber جـ 7 ص 422 وما بعدها. (7) Gesch.d.herrsch. Ideen: Von Kremer des Islams، ص 120 وما بعدها. (8) The Lives of Umar: R.A. Nicholson Ibnu,L-Farid and Ibnu,L-Arabi في مجلة الجمعية الأسيوية الملكية، عام 1906، ص 197 وما بعدها. (9) الكاتب نفسه: ALiterary history of the Arabs، ص 399 وما بعدها

(10) وله أيضا The Tarjuman al- Ashwaq، لندن عام 1911. (11) وله كذلك: The Mystics of Islam، لندن عام 1914، انظر الفهرست. (12) Beitr. Z.Gesch. d.: M. Shreiner Theol. Bewegungen in Islam فى Zeitsch. d. Deutsch Mor. GE 4 SEll. المجلد 52، ص 516 - 525 (وانظر ص 52 وما بعدها من المقالة نفسها وهى منفصلة) (13) La psicologia segun: Asin Palacios Mohidin Aben Arabi فى أعمال مؤتمر المستشرقين السادس عشر، الجزائر عام 1905، جـ 3، ص 79 - 150. (14) vorlesungen: Goldziher ص 171 وما بعدها. وانظر الفهرس. (15) Muslim theology: Macdonald، ص 261 وما بعدها. (16) Gesch. etc.: Brockelmann، جـ 1، ص 441 وما بعدها، وانظر المصادر المذكورق فى هذا الكتاب. [فاير T.H.Weir] تعليق على مادة ابن (الـ) عربى قد أثار مذهب ابن العربى اختلافا كبيرا فى آراء المسلمين فى عقيدته وكثر محبوه والمعجبون به كما كثر الناقمون عليه ووصفت عقيدته بأعظم المتناقضات فسماه قوم قطب الله ووليه والعارف بالله كما نعته آخرون بأنه أكبر زنديق وأدنا مشرك. وكان من أشهر المعجبين به مجد الدين الفيروزآبادى الذى كتب كتابا يدافع فيه عنه ردا على رضى الدين بن الخياط الذى كتب عن عقيدته ورماه بالكفر. ومنهم سراج الدين المخزومى الذى ألف كتابا سماه "كشف الغطاء عن أسرار محيى الدين" وكمال الدين الزملكانى وقطب الدين الحموى وصلاح الدين الصفدى وشهاب الدين عمر السهروردى ومؤيد الدين الخجندى وكمال الدين الكاشى وفخر الدين الرازى ومحمد المغربى أستاذ الجلال السيوطى وبدر الدين بن جماعة وسراج الدين البلقينى وتقى الدين السبكى والجلال السيوطى الذى ألف كتابا فى الدفاع عنه سماه (تنبيه الغبى

فى تبرئة ابن العربى) وابن كمال باشا وعبد الرازق القاشانى وغيرهم. وكان من أشهر الناقمين عليه ابن الخياط الآنف الذكر والحافظ الذهبى. ومن ألد أعدائه وأعداء الصوفية على الإطلاق ابن تيمية وابن إياس صاحب تاريخ مصر والتفتازانى وعلى القارى والإمام جمال الدين محمد بن نور الدين الذى ذكره فى كتابه "كشف الظلمة عن هذه الأمة" وكثيرون غيرهم. أما مذهبه فوحدة الوجود Pantheism وليس من الإسلام فى قليل أو كثير لأنه يرى أن الوجود حقيقة واحدة ويعد التعدد والكثرة أمرا قضت به الحواس الظاهرة والعقل الإنسانى القاصر عن أن يدرك الوحدة الذاتية للأشياء أو يدرك الهجموع كمجموع. ويتلخص مذهبه فى عبارته القصيرة الواردة فى الفتوحات (جـ 2، ص 604) وهى "سبحان من خلق الأشياء وهو عينها" فانه يقرر فيها وجود الأشياء ووجود خالق لها كما يقرر الوحدة الذاتية أو العينية للاثنين. الخالق والمخلوق، وفى البيتين الآتيين الواردين فى الفصوص (139) إشارة إلى هذا المعنى وهما: يا خالق الأشياء فى نفسه ... أنت لما تخلقه جامع تخلق ما لا ينتهى كونه ... فيك فانك الضيق الواسع فلا فرق فى نظره بين الواحد والكثير أو الحق والخلق إلا بالاعتبار والنظر العقلى- أما العارف فيدرك بطريق الذوق وحدتها- وعلى هذا فمذهبه واحدى Monistic لا ثنوى- Du atistic إلا إذا اعتبرنا الثنوية فى الصفات لاغير لأنه كثيرا ما يصف الحقيقة الوجودية الواحدة بالمتقابلات أمثال الحق والخلق والباطن والظاهر والأول والآخر والمشبه والمنزه وأمثال ذلك: أما الحقيقة فى ذاتها فواحدة لاتقبل كثرة ما. ويظهر أن مذهبه هذا مستند إلى مذهب الأشاعرة فى الجوهر والأعراض، فالذات الإلهية أو العين الواحدة التى هى أصل كل شئ تقابل الجوهر عند الأشاعرة، والمجالى المختلفة التى تظهر فيها هذه الذات تقابل الأعراض والأحوال عندهم. واختلاف الأعراض على الجوهر الواحد وعدم استقرارها عند الأشاعرة يقابل ما يسميه ابن العربى "بالخلق الجديد"

وهو ظهور الذات الإلهية فى صور الموجودات المختلفة فى كل لحظة فى ثوب جديد، والفرق بين مذهبه ومذهبهم ينحصر فى أن ما يسميه الأشاعرة جوهرا يسميه ابن العربى ذاتا إلهية وحقيقة مطلقة وحقا وباطنا، وما يسمونه أعراضا وأحوالا يسميه هو الخلق والعالم الظاهرى وعالم الحس وغير ذلك. ولا يحاول ابن العربى أن يقيم الدليل على وجود الحق ولا على وحدة الحق والخلق. أما وجود الحق فغنى فى نظره عن البرهان لأن الحق ظاهر بصور جميع الموجودات ولاشئ أظهر من الوجود ولا أعرف منه. وأما وحدته مع الحق فليست مما يقوم عليه الدليل المنطقى، بل طريق إدراكها الذوق لاغير، لذلك لايبالغ ابن العربى فى إظهار عجز العقل عن إدراك الحقائق، ويصف لنا القلب وأسراره والذوق وإدراكه، وهذا الجزء من فلسفته يشرح نظرياته فى المعرفة وفى ماهية النفس. وقد أداه قوله بوحدة الوجود إلى قوله بوحدة الأديان لا فرق بين سماويها وغير سماويها إذ الكل يعبدون الإله الواحد المتجلى فى صورهم وصور جميع المعبودات، والغاية الحقيقية من عبادة العبد لربه هى التحقق من وحدته الذاتية معه، وإنما الباطل من العبادة أن يقصر العبد ربه على مجلى واحد دون غيره ويسميه إلها. ولم تمنع هذه العقيدة ابن العربى -كما لم تمنع اسبنوزا من بعده- من أن يشعر شعورا دينيا عميقا إزاء تلك الحقيقة الكلية الشاملة للكون وجميع مافيه، ولكنه شعور من يوقن بافتقاره إلى ربه افتقار ممكن الوجود إلى واجب الوجود وافتقار الصورة إلى الهيولى المقومة لها، فهو وإن اعتبر الحق والخلق شيئا واحدا لا يزال يعشق ذلك الحق ويعبده لاعبادة توسل وتضرع بل عبادة يتحقق فيها من تلك الوحدة الذاتية التى بينه وبين الحق، فهى بمعنى من معانيها عبادة الضعيف للقوى والفقير للغنى، وهذا النوع من العاطفة الدينية يميز ابن العربى وأمثاله عن غيرهم من اتباع مذهب وحدة

الوجود الذين تقرب عقيدتهم من المادية المحضة. هكذا غير ابن العربى عقيدة التوحيد الإسلامى من لا إله إلا الله ولا معبود بحق إلا الله، إلى مذهب فى وحدة الوجود يقرر أن ليس فى الوجود على الحيققة الا الله ولا معبود فى الواقع غير الله. هذان عنصران من العناصر التى يتألف منها مذهبه. وهناك عنصر ثالث يظهر تأثره فيه بالفلسفة الأفلاطونية الجديدة بوجه خاص وذلك فيما يسميه "يالتجليات" ولكن من الخطأ القول بأن التجليات التى يتكلم عنها ابن العربى هى الفيوضات التى يتكلم عنها أفلوطين - فأنه بالرغم من أنه يذكر الطفل الأول والنفس الكلية والطبيعة والجسم الكلى وغيرها من الألفاظ التى يطلقها أفلوطين على فيوضاته لايعنى بها هو سوى أسماء مختلفه لمسمى واحد هو الحقيقة الوجودية المطلقة الآنفة الذكر. ولا يعتبرها أسماء لموجودات مختلفة متمايزة كما يفعل أفلوطين، أى أن التجليات عنده مسائل اعتباريه محضة، فاذا اعتبرنا الواحد مجردا عن العلاقات والنسب وعن كل ما من شأنه أن يحده أو يقيده قلنا إنه تجلى فى صورة الأحدية أو فى العماء، وإذا نظرنا إليه من حيث علاقته بما هو ممكن الوجود من الكائنات قلنا إنه تجلى فى مرتبة الألوهية أو مرتبة الوحداينة أو فى مقام الجمع أو مرتبة الأعيان الثابتة. وإذا نظرنا إليه من حيث كونه عقلا كليا يحتوى جميع صور الموجودات قلنا إنه تجلى فى صورة العقل الأول فى الاسم الباطل أو فى الغيب أو فى صورة حقيقة الحقائق. وإذا نظرنا إليه من حيث أنه مبدأ الحياة فى الكون قلنا إنه تجلى فى صورة النفس الكلية، أو من حيث ظهوره بالفعل فى صورة الكائنات قلنا إنه تجلى فى صور أعيان الموجودات أو الجسم الكلى أو فى الاسم الظاهر، أو من حيث كونه جوهرا يتقبل جميع صور الكون قلنا إنه تجلى فى صورة الهيولى أو للكتاب المسطور وهكذا بهذه الطريقة يشرح ابن العربى ما يسميه "بالتجليات" ويضعها موضع فيوضات أفلوطين مؤولا هذه الفيوضات بما يلائم مذهبه الخاص واضعا

اصطلاحات جديدة لها مستمدة من القرآن أو غيره زائدا عليها عناصر جديدة من فلسفة أنباذ قليس وأفلاطون وأرسطو وغيرهم. فالتشابه إذن بين مذهبه ومذهب أفلوطين صورى أكثر منه حقيقى وهو أقرب إلى المذهب العقلى المطلق Absolute idealism الذى يعتنقه هيجل. ومع هذا فلا ينبغى أن نفهم من لفظة الفيض ولفظة الواحد والكثرة وما أشبهها من الألفاظ التى يستعملهما ابن العربى أى معنى يفسد مفهوم الوحدة فى الواحد أو يكثر وجوده أو يجعل أى وجود غيره وجودا ذاتيا مستقلا، فان الوجود فى نظره حركة مستديرة تنتهى إلى حيث تبتدئ، أما الوجود فى المذهب الأفلاطونى الجديد فحركة فى خط مستقيم لا يلحق آخره بأوله. ولابن العربى نظرية خاصة فى الكلمة Logos يمكن أن يقال إنها أول نظرية من نوعها فى الاسلام وعنها أخذ كل من أتى بعده من الفلاسفة والمتصوفين الإسلاميين الذين خاضوا فى هذا الموضوع وخاصة عبد الكريم الجيلى فى كتابه "الإنسان الكامل" وتوجد عناصر هذه النظرية مشتتة فى كثير من مؤلفاته ولكنها فى جملتها تكون موضوع كتابى الفصوص والتدبيرات الإلهية، وهو يبحث فى الكلمة من ثلاث نواح: الناحية الميتافيزيقية وفيها يستعمل الكلمة كمرأدف للعقل الأول أو العقل الكلى ويسميها حقيقة الحقائق، ورأيه فى هذا أقرب إلى رأى الرواقيين فى العقل الكلى المنبث فى جميع أنحاء الكون: أى أنه يقصد بها العقل الإلهى الذى هو مبدأ الحياة والوجود فى الكون. ثانيا: الناحية الصوفية، وهنا يسمى ابن العربى الكلمة بالقطب وبروح الخاتم وبالحقيقة المحمدية ويقصد بها المنبع الذى يستمد منه كل علم إلهى وكل وحى وإلهمام وعلم باطن ولا يعنى بالحقيقة المحمدية محمدا الرسول بل الكلمة الكلية الجامعة الظاهرة بصور الأنبياء من لدن آدم، أو الواسطة فى نقل العلم الإلهى إلى قلوب الكلِم (جمع كلمة ويقصدوت بها الأنبياء والأولياء وأفراد الإنسان الكامل) بحسب ما فيها من الاستعدادات وما جبلت عليه أعيانها

وبحسب الأسماء الإلهية التى تؤثر فيها. ثالثا: الناحية الإنسانية، وفيها يبحث ابن العربى عن الكلمة ممثلة صورة الإنسان الكامل، وهو يعنى بالإنسان الكامل الإنسان الذى تحقق فيه الوجود بكل معانيه، ولذلك يصفه بأنه الكون الجامع والعالم الصغير الذى تتجلى فيه الجمعية الإلهية التى استحق من أجلها أن يسمى خليفة الله وصورته وروح العالم وعلته. وهذا الإنسان الكامل بالنسبة لحقيقة الحقائق بمثابة الظاهر من الباطن، فلا يتجلى الله فى كامل صفاته إلا فيه ولا يعرفه حق معرفته إلا هو. و"الإنسان الكامل" اسم عام يطلق على كل الأناسى الكاملين الذين تحققت بوجودهم كل معانى الوجود وأخص هؤلاء الأنبياء والأولياء. وعلى هذا "فالكلمة" فى نظرية ابن العربى هى العقل الالهى السارى فى جميع الكون أو العالم العقلى الشامل لجميع الأعيان الثابتة للوجودات فهى لهذا مبدأ الحياة والتدبير، ومبدأ المعرفة الحقيقية والعلم الباطن، أو هى تجلى الواحد الحق فى ثلاث صور: صورة حقيقة الحقائق وصورة الحقيقة المحمدية وصورة الإنسان الكامل والكل فى نهاية مذهبه واحد. المصادر: (1) المناوى: أخبار الصوفية. (2) الشعرانى: طبقات الصوفية. (3) فريد الدين العطار: تذكرة الأولياء. (4) جامى: نفحات الأنس. (5) palacios Asin فى Aben Masarra وفى Islam in the Divine Comedy (6) Studies in a Islamic: Nicholson Mysticism ص 149 - 161. (7) وانظر له أيضا: Idea of personality in Sufism، وهى ثلاث محاضرات ألقاها بجامعة لندن عام 1928. (8) وله كذلك- The Lives Of Umar ibnu,l Farid and ibnu,l Arabi، مجلة الجمعية الملكية الأسيوية، أكتوبر 1906. (9) وانظر المقدمة التى صدر بها Nyberg الكتب الثلاثة التى نشرها لابن العربى بعنوان Kliener Schrif- ten des Ibnu,l -Arabi، 1919.

ابن عساكر

(10) الدكتور أبو العلا عفيفى: من أين استقى محيى الدين بن العربى فلسفته الصوفية، مجلة كلية الآداب، بالجامعة المصرية المجلد 1، جـ 1، مايو 1933. ابن عساكر اسم عدد من مؤلفى العرب أشهرهم: 1 - مؤرخ دمشق، على بن الحسن بن هبَة الله أبو القاسم ثقَة الدين الشافَعى: ولد بدمشق فى الَمحرم عام 499 (سبتمبر 1105) ودرس ببغداد ثم بأمهات مدن فارس، وأصبح مدرسا بالمدرسة النوريَّة بمسقط رأسه، وتوفى فى 11 رجبَ عام 571 هـ (25 يناير 1176) وقد جمع فى أهم تصانيفه وهو "تاريخ دمشق" كل تراجم الرجال الذين لهم صلة بمدينة دمشق، كما فعل الخطيب البغدادى فى مؤلفه "تاريخ بغداد". ولم يبق من "تاريخ دمشق" الذى بلغت أجزاؤه الثمانين والذى طبع منه الجزءان الأول والثانى بدمشق عامى 1329 و 1330 هـ إلا بعض أجزاء غير التى ذكرها بروكلمان Gesch.d.) Ar.Litt جـ 1، ص 331) فقد بقى بعضها بستراسبورغ Zeitschr.d.) Deutsch.Morgenl.Ges.، المجلد 40، ص 310) وإستانبول (داماد إبراهيم باشا، رقم 872 - 883، عاطف أفندى، رقم 1810 - 1819) والقاهرة (فهرست الكتبخانة المصرية جـ 5، ص 25) ودمشق حبيب) الزيات: خزائن الكتب فى دمشق وضواحيها، ص 75 وما بعدها، انظر هوروفتز Horovitz فى Mitt.d.Sem. f. or.spr جـ 10، ص 50 وما بعدها) وتونس (جامع الزيتونة، أنظر Houdas-Basset رقم 65)، ويضاف إلى هذا ما اقتطفه من هذا الكتاب إسماعيل بن محمد الجرَاح العَجْلونى المتوفى عام 1162 هـ (1749 م) ويوجد هذا المقتطف مخطوطا بتوينكن Verzeichnis: Seybold)، رقم 6؛ انظر Histoire de Damas: Sauvaire فى المجلة الأسيوية عام 1894 - 1896). وله غير كتبه الأخرى التى ذكرها بروكلمان (الكتاب المذكور): كتاب "المعجم" وهو نبذ عن مشاهير الرجال وخاصة الشافعية، ولهذا المقتطف ذيل هو "كتاب

ابن قتيبة

الوَهْم" لمحمد بن عبد الواحد المقدسى المتوفى عام 643 هـ (1245 م) ويوجد هذا الذيل بمكتبة المتحف البريطانى (فهرس الكتب الشرقية رقم 7735، انظر. Descriptive List of The Arab. Mss Acquired by the Trustees since 1894 لندن عام 1912، ص 55). وبقى له أيضا قطع من كتابه "الأمالى" بدمشق (الزيات، الكتاب المذكور، ص 29، رقم 5). المصادر: (1) ياقوت: إرشاد الأريب، طبعة مركوليوث جـ 5، ص 139 - 146. (2) ابن خلكان، طبعة بولاق عام 1299 هـ، رقم 414. (3) السُبْكى: طبقات الشافعية الكبرى، جـ 4، ص 273 - 277. (4) Liber classium virorum , auct .DA. habio، طبعة فستنفلد، كوتنكن 1833 - 1834، جـ 14 ص 16. (5) Die Geschtschreiber der: Wustenfeld Araber رقم 267. 2 - ابنه القاسم: ولد عام 527 هـ (1132 م) وتوفى عام 600 هـ ابن عساكر - ابن قتيبة (1203 م) وصنف كتبا مختلفة، منها "الجامع المُسْتقصَى فى فضائل المسجد الأقصى" وهو أحد المصدرين الهامين اللذين استقى منهما ابن الفرْكاح كتابه باعث النفوس، (انظر السبكَى، طبقات الشافعية، جـ 5، ص 148). (بروكلمان C. Brockelmann] ابن قتيبة أبو عبد الله محمد (¬1) بن مسلم (ويسمى فى كثير من الأحوال القتُيْبى أو القتبى) الكوفى (نسبة إلى مسقط رأسه) المَرْوَزى (نسبة إلى مسقط رأس أبيه) الدَيَنَورى: مؤلف عربى، ولد عام 213 هـ (828 م) بالكوفة، وكان قاضيا لمدينة دينور بإقليم الجبل ردحا من الزمن، ثم اشتغل بالتدريس فى بغداد، وتوفى بها فى رجب عام 276 = نوفمبر 889 (أو 270 هـ- 271 فى روايات أخرى). ويعد ابن قتيبة فى ¬

_ (¬1) أبو محمد عبد الله، فى فهرست ابن النديم، القاهرة عام 1348 هـ. ص 115: وابن خلكان: وفيات، عام 1310 هـ جـ 1، ص 251.

كتب الأدب إمام مدرسة بغداد النحوية التى خلطت بين مذهبى البصرة والكوفة، والواقع أن مصنفات ابن قتيبة كمصنفات معاصريه أبى حنيفة الدينورى والجاحظ تناولت جميع معارف عصره، وقد حاول أن يجعل اللغة والشعر، وخاصة ما جمعه منهما نحويو الكوفة، وكذلك الأخبار، فى متناول الذين يعملون فى الحياة العامة ويرغبون فى التعلم وخاصة "الكتَاب" الذين بدأ يكون لهم شأن فى تصريف أمور الدولة فى ذلك الوقت، ولكنه اشترك كذلك فى مناقشات عصره الكلامية ودافع عن القرآن والحديث ضد نزعة الشك الفلسفى، ومع ذلك فقد اتهم بالزندقة، واضطر إلى أن يصنف كتابا فى الرد على المشبهة كى يدرأ عن نفسه تهمة الانتساب إليهم. وأهم تصانيفه اللغوية "كتاب أدب الكاتب" (طبعة كرونيرت Grunert ليدن عام 1900، وطبع فى القاهرة عام 1300 هـ) و"وكتاب معانى الشعر" فى اثنى عشر مجلدا، والراجح أنه عين كتاب "أبيات المعانى" (موجود بمكتبة آياصوفيا، رقم 4050). وقد استشهد ابن قتيبة فى كتاب أدب الكاتب، (ص 71، س 5)، بمصنفه "غريب الحديث" (يوجد منه الجزآن الأول والثالث، دمشق، حبيب الزيات: خزائن الكتب ... ص 62، رقم 34 - 35) وله نظير لهذا الكتاب هو"غريب القرآن" (دمشق، حبيب الزيات: خزائن الكتب .. ص 62، رقم 33 الموجود منه إلى نهاية سورة الشعراء). وأهم تصانيفه "كتاب عيون الأخبار" وهو أنموذج للمصنفات الأدبية فى عصره، كثيرا ما نسج الكتاب على منواله، وهو فى عشرة أجزاء، نشر الأجزاء الأربعة الأولى منه بروكلمان (¬1) (برلين، عام 1900، ستراسبورغ عام 1903 - 1908)، وتعد الكتب الآتية -كما يؤخذ من كتاب "العيون" ص 42، س 3 - مكملة لهذا الكتاب وهى: 1 - كتاب الشراب (طبعة كى Guy فى مجلة المقُتَبَس، جـ 2، دمشق 1325 هـ = 1907 م، ص 234 - 248، ص 387 - 392، ص 529 - 535). 2 - كتاب المعارف (طبعة فستنفلد، كونتكن ¬

_ (¬1) نشرت دار الكتب المصرية هذا الكتاب كاملا فى اربعة مجلدات سنة 1343 هـ = 1925 م.

ابن قزمان

عام 1850، القاهرة 1300 هـ) 3 - كتاب الشعر (طبعة ده غويه، ليدن عام 1904، وطبع بالقاهرة طبعة ناقصة. 4 - كتاب تأويل الرؤيا، ولم يصل إلينا، وقد بقى من رسائل ابن قتيبة الصغيرة فى اللغة "كتاب الرَحْل والمَنْزل" (طبعة شيخو فى Dix anciens Traites de phi- Lologie Arabe بيروت عام 1908، ص 121 - 140)، وأهم مصنفاته فى العلوم الدينية: "كتاب تأويل مختلف الحديث" (طبع بالقاهرة عام 1326 هـ، وانظر كولدسيهر: Muh.Stud جـ 2، ص 136، هوتسما De strjd etc ص 13) و"كتاب مُشْكلِ القرآن" (مخطوط بليدن انظر فهرس المخطوطات العربية، رقم 1650 ويوجد مخطوط منه باستانبول مكتبة كوبريلى، رقم 121). وله أيضا فى هذا الباب: "كتاب المسائل والجوابات" وهو فى الحديث (مخطوط فى مكتبة كوتا Cotha، انظر verz. etc, persch رقم 636) و"كتاب الإمامة والسياسة" (طبع بالقاهرة عام 1322 - 1327 هـ) وهذا الكتاب ينسب إلى ابن قتيبة، بيد أن ده غويه de Goeje) فى Riv.Stud.Or جـ 1 ص 415 - 421) يرجح أن هذا المصنف كتبه فى حياة ابن قتيبة رجل مصرى أو مغربى. المصادر: (1) كتاب الفهرست، ص 77. (2) ابن الأنبارى: نزهة الألباء، ص 272 - 274. (3) ابن خلكان، طبعة بولاق 1299 هـ رقم 304. (4) السمعانى: كتاب الأنساب، ص 443. (5) الذهبى، فى كرونرت، Grunert الكتاب المذكور، جـ 7، رقم 1. (6) السيوطى: بغية الوعاة ص 291. (7) Die Gramm. Schullen: Flugel ص 187 - 192. (8) Geschichtschreiber: Wustenfeld رقم 73. (9) Gesch. etc.: Brockelmann جـ 1، ص 120 وما بعدها. (بروكلمان C. Brockelmann] ابن قزمان اشتهر باسم أبى بكر بن قزمان (ابن خلدون، جـ 1، ص 524، المقَّرى،

الفهرس، المحبى: خلاصة الأثر، جـ 1، ص 108، وفى هذا الكتاب يذكر باسم "أبى بكر قزمان المغرسانى" والصواب "ابن قزمان المغربى أو القرطبى"). ويذكر باسم الوزير الأجل أبى بكر محمد بن عبد الملك بن قزمان فى النسخة الوحيدة الموجودة من ديوانه بسنت بطرسبرغ التى نشرها كونزبرغ Gunzberg ببرلين عام 1896، كما ذكر بهذا الاسم أيضا فى كتاب قلائد العقيان لابن خاقان (ص 187 وفى كتاب ابن بسام الذى أضاف إليه أيضا لقب"الوزير الكاتب"، وورد اسمه بصورة أدق فى كتاب "تحفة القادم" لابن الأبار (غزيري casiri، جـ 1، ص 96 ب) وفى كتاب "الإحاطة" لابن الخطيب (غزيرى، جـ 2، ص 77 جـ) إذ سمياه أبا بكر بن عيسى ابن عبد الملك بن قزمان. توفى ابن قزمان عام 555 هـ = 1160 م (انظر كتاب الإحاطة، وهو مخطوط بتونس) أو إذا توخينا الدقة فى آخر ليلة من عام 555 هـ (30 ديسمبر 1160). وتدل الفقرة الواردة فى Catalogus Lugduno Batav، جـ 2، ص 208، وهى: "خدم فى أول عمره المنعوت بالمتوكل" (ابن خاقان) على أنه كان فى حداثته فى خدمة المتوكل آخر أمراء بنى الأفطس فى بطليوس وهو الأمير الذى ثل عرشه المرابطون عام 488 هـ (1094 - 1095 م). وقد خرج ابن قزمان من بلده قرطبة بقصد الرحلة فجاب بلاد الأندلس وخاصة إشبيلية وغرناطة حيث لقى الفقيهة الشاعرة نزهون (المقرى. جـ 2، ص 636)، وقد دحض دوزى فى رسالة له بعثهما إلى روزن Rosen عام 1881 (نشرها كونزبرغ فى مقدمته) ذلك الاعتراض الذى أثاره روزن بغير حق (انظر Notices Sommaires ص 343، تعليق 2) على تلقيب ابن قزمان بالوزير، والذى شاركه فيه بروكلمان (Gesck جـ 2، 272، تعليق 2). وقد نظم ابن قزمان كثيرا من "الموشحات" الشعبية (انظر هارتمان فى Mowashah الفهرس) كما أصبح فوق ذلك إمام فن آخر من الشعر لم يلتزم فيه قدر المشطورات وهو"الزجل" (انظر دوزى، الملحق) بل التزم المقطع، وتدخل فيه جميع البحور، وبعد أن كان

الزجل فيما مضى مقطوعات مرتجلة قصيرة. ارتفع به ابن قزمان إلى مرتبة أعلى، فجعله منظومات طويلة اشبه بالقصائد، ولم ينشر كونزبرغ المتوفى فى 28 ديسمبر 1910 أى بحث علمى عن الشاعر وآثاره كما سبق أن وعد عندما نشر ديوان ابن قزمان عام 1896. ونشر كودرا Kodera بعض ملاحظات عن الاسم "قزمان" رأى فيها أنه أقرب إلى العربية منه إلى الاسم القوطى الأسبانى "كزمان" Gusman (انظر بحثه فى Disman Leidos ante la Real Academia Espanola عام 1910، بعنوان Importancia de las Fuents arabes pare Conocer el estado del Vocabolario en las lenguas 6 dialectos espanoles desde el siglo vill al xll ص 43، 12)، ويجدر بنا أن نذكر هنا بحث خوليان ريبيرا- Ju Lian Ribera وخاصة ما يتعلق منه بديوان ابن قزمان، وهو البحث الذى نشره فى المجلة نفسها عام 1912، وانتصر فيه لنظريته الجديدة التى تناقض الراى السائد بين علماء الدراسات العربية واللاتينية، ومؤداها (ص 50): "إن مفتاح تفسير أوزان الشعر فى مختلف مذاهب الشعر الغنائى للعالم المتمدين فى العصور الوسطى هو الشعر الغنائى الأندلسى الذى منه ديوان ابن قزمان"، ونجد فى نفس المجلة (ص 35، تعليق 2) إشارة إلى مشروع بحث يقوم به خوليان ريبيرا بالاشتراك مع مينندز بيدال Pidel Menendez فى اللهجة الأسبانية وذلك اعتمادا على الكلمات والجمل الأسبانية الواردة فى التسع والأربعين ومائة منظومة التى وصلت إلينا فى ذلك الديوان. ومازال علماء الدراسات العربية واللاتينية أكثر اهتماما بمن يقوم بدراسة أزجال ابن قزمان التى تزداد أهميتها دراسة تفصيلية. والحاجة ماسة إلى نشر طبعة علمية لديوان ابن قزمان مع ترجمته والتعليق عليه، كذلك نحن فى حاجة إلى جمع ونشر تراجم ابن قزمان التى وردت فى مصنفات ابن بسام وابن الأبار وابن الخطيب المخطوطة المبعثرة هنا وهناك. المصادر: غير المصادر المذكورة فى صلب المادة انظر.

(1) البستانى: دائرة المعارف (عام 1876 م) جـ 1، ص 648 ب، وينقل البستانى عن ابن خاقان ولا يضيف إلا ملاحظة ختامية وهى أن تاريخى ولادة ووفاة هذا الشاعر غير مذكورين. (2) سامى بك: قاموس الأعلام، ص 1657. (3) Decadencia y desparicion de: Codera Las Almoravides en Espana، ص 134. [تسيبولد C.E.Seybold] ابن قزمان، أبو بكر محمد: مغنى قرطبة المتجول الشهير الذى جمع تسيبولد عنه أخيرا كل المعلومات المتيسرة (عام 1918) وختمها آملا أن يصبح ديوانه قريبا فى المتناول مطبوعا طبعة علمية مع ترجمته والتعليق عليه. وقد تولى هذه المهمة نيكل A.R.Nyki واستطعنا عن طريق طبعته للديوان هو والتمهيد المنثور الذى قدم به الشاعر له أن نكمل سيرة ابن قزمان وأن تتيسر لنا فكرة واضحة عن فنه الشعرى وعما يمكن أن يكون هناك بوجه عام من صلة بين الشعر الإسلامى فى الأندلس والشعر المسيحى فى يروفانس. وإذا بدأنا بحياة ابن قزمان فإنه يجوز لنا أن نقول فى شئ من اليقين أنه ولد ما بين عامى 1078 و 1080 م. وليس من المرجح كثيرا أن يكون المتوكل آخر ملوك بنى الأفطس فى بطليوس الذى ثل عرشه المرابطون عام 1094 - 1095 قد استوزر ابن قزمان حقا حتى وإن افترضنا أن لقب الوزير كان إنما يدل آنذاك على الناصح أو المشير، لأن الشاعر لم تكن سنه فى ذلك الوقت لتزيد على 14 أو 16 عاما. ومع ذلك فانه يتضح من أشعاره أنه هو الذى لقب نفسه بهذا اللقب كما جرت العادة فى تلك الأيام. والحق إن ابن قزمان كان يعيش منذ عام 1095 عيشة المغنى المتجول فى عدد من مدن الأندلس (ومهما يكن من شئ فالمقول إنه لم ير البحر قط) ثم يثوب المرة بعد المرة إلى بلده المحبوب قرطبة وإلى أصدقائه. ومع هؤلاء الأصدقاء الذين يذكرهم فى التمهيد لديوانه أو يشيد

بهم قائلا إنهم من أهل العلم الواسع ومن نقاد الشعر، كان يحيا حياة طليقة من كل قيد بل حياة اباحية (فسق ولواط)، وقد اتهم ابن قزمان أيضا بالزندقة وقبض عليه وأهين بل كان أمره خليقا أن ينتهى به الى القتل لو لم يقف إلى جانبه القاضى سير بن محمد (رقم 41). وتوحى بعض الإشارات التاريخية المتفرقة فى أشعاره بأنه كان يعيش عيشة اللهو والمتعة إبان حكم الأمراء المرابطين الثلاثة فى رعاية أسرة بن حمدين الثرية ولم يتب إلا فى السبعين من عمره فأقيم إماما فى مسجد من المساجد (رقم 147) ومع ذلك فإن أشعاره لم تخل من تحسره على قلة المال والجوع والبرد وقلة الملبس وغير ذلك، أو من مدائح يمدح بها الذين يمدونه بهذه الضرورات ويخص بالذكر رجلا يدعى الوشكى كان يلجأ إليه فى أى وقت وهو الذى أهدى اليه ديوانه (انظر ص 12 من التمهيد، وص 342)، وسوف تنشر المعلومات الأخرى الخاصة بسيرته والواردة فى المخطوطات التى ذكرها تسيبولد، فى الدورية المسماة "الأندلس"، ومع ذلك فقد قيل ما يكفى لتوضيح أن حياة ابن قزمان تذكرنا من عدة نواح بحياة أبى نواس. ولم تصل إلينا أغانى ابن قزمان بأكملها، ذلك أن ما وصل إلينا منها هو ثلاثة أرباعها تقريبا فحسب (74 ورقة من الأصل وقدره 98 ورقة) وهى فى جملتها 149 قطعة وفقرة. والشاعر فى تمهيده يسمى كتابه فى الأغانى"إصابة الأغراض فى ذكر الأعراض". وقد كتب التمهيد باللغة العربية الفصحى على حين نظمت الأشعار التى وصلت إلينا باللهجة العربية الدارجة للأندلس وإن كان الشاعر قد اضطر أحيانا مراعاة لوزن الشمعر أن يستخدم الصيغ الفصحى. والديوان بسبب لغته الدارجة وما به من كلمات لاتينية وبربرية منتثرة هنا وهناك، وكذلك بسبب عدم حجية النص ونطق ناسخ سورى به نطقا سطحيا معتسفا قد جعل تفهمه وترجمته أمرا تكتنفه مصاعب كثيرة. غير أن طبعة كونزبرغ Gumzburg (1896)، وهى مجرد صورة شمسية لمخطوطة بتروغراد الوحيدة بلا ترجمة

ولا شرح (مع استثناء الصفحات السبع للتمهيد) لم تلق بالا إلى هذه الصعوبات، وكان نيكل Nykl أول من عالج هذه الصعوبات وحاز فى ذلك نجاحا عظيما. فقد قام باخراج النص العربى للديوان إخراجا متقنا بالحروف اللاتينية، كما ترجم ثلث (50) القطع ترجمة كاملة إلى الأسبانية وقدم ملخصات مختصرة لمحتويات الفقرات التسع والتسعين الأخرى. إن أهم ظاهرة تسترعى الانتباه فى موضوع هذه الأغانى هى المزاوجة المستمرة تقريبا بين غرضين على الأقل من أغراض الشعر، مثال ذلك أن كثيرا من الأشعار تستهل بالغراميات المعروفة بالتغزل، وهى قريبة الشبه جدا بالنسيب المأثور فى القصيدة العربية القديمة، ثم تنتقل منه إلى الغرض الأصلى وهو مدح الشخصيات المختلفة. ويبلغ عدد قصائد مديح مائة قصيدة تقريبا (أى ثلثى الديوان كله) انصرف ربعها بالتمام إلى مديح الوشكى وابن حمدين صاحب الفضل والجود عليه. وفى هذه الأشعار بطبيعة الحال أيضا فقرات يمدح الشاعر فيها نفسه (مثل رقم 15) وهى تجرى على منوال القصائد العربية القديمة، بيد أن أزجاله بالذات (أرقام 61، 65، 71، 134) تخرج عن كل المقاييس. ومما يسترعى الانتباه خاصة فى مدحه لأصحاب الجود عليه أنه جرى على الإشادة بكرمهم فى أسلوب عاطفى وبلهجة تكشف عن حب جنسى لاحد له. ولما كانت هذه الصورة الخاصة بالاعتراف بجميل فرد من أفراد الطبقة العليا مرعية أيضا فى جنوبى فرنسا وقتذاك فان هل Hell (انظر المصادر) يرى أن هذه هى الحقيقة الجوهرية فى كل بحث آخر يرمى إلى معرفة الصلة بين الشرق والغرب. وأشعار الحب بمعناها الصحيح -أو على الأقل ما كان الحب هو الباعث الغالب فيها- قليلة نسبيا عند ابن قزمان (30 قطعة) وقد وجه ثلثها إلى نساء والباقى إلى ذكور. وهذه الأشعار بعيدة كل البعد عن تمجيد الحب المثالى، ففى قطعة منها يفضل الحب الفاسق على حب جميل وعروة ابن حزام،

ويشيد الشاعر بالخمر دون سواها فى اثنتى عشرة قصيدة، ولكنه يفصح فى قصيدة واحدة عن رغبته فى أن يدفن فى كرمة بين الكروم مما يذكرنا بأبى محجن (انظر Noldeke: Delectus ص 26). وأفرد عدة قصائد لوصف أيام الأعياد والمحافل، ويتحدث فى قصيدة واحدة فحسب (رقم 147) عن توبة الشاعر وقد طعن فى السن. والقالب الذى بنى عليه ابن قزمان أشعاره هو الزجل الشعبى، وهو قالب يخالف عروض الشعر العربى المأثور فى أنه لا يعتمد على قدر المشطورات بل على المقطع مما يفصح عن دراية ببناء المشطورات، وهذه المشطورات التى تتركب من أربعة أسطر إلى اثنى عشر سطرا ذات أوزان مختلفة تختلف باختلاف القصائد، ولكن هذه الأسطر لاتختلف عددا فى القصيدة الواحدة، وتكون على وتيرة واحدة فى كل قصيدة ماعدا المركز (estrifillo أو- es trofilla) وهو ضرب من المشطورات القصيرة (يكون عادة من سطرين، ويكون فى المشطورات الطويلة من ثلاثة أسطر أو أربعة) تستهل به كل الأزجال ويحدد الغرض والوزن والقافية فى كل زجل (وقل أن يكون ذلك فى القوافى الشائعة). وهذه القافية الشائعة (أو القوافى) تلتزم فى نهاية كل مشطورة، أى فى أكثر الرباعيات شيوعا، التى تلتزم فيها التقفية العسيرة: ا. ا. ا. ب، ث، ث، ث. ب، د. د. د. ب ... إلخ بل إن التلاعب بالقوافى فى المشطورات الطويلة يكون أكثر تعقيدا. ومعظم أغانى المغنى القرطبى تتكون من خمس إلى تسع من هذه المشطورات. وكانت لابن قزمان، وهو عمدة شعراء الغزل وأول من رفعه إلى المستوى الأدبى، مكانة مرموقة فى الأدب العربى وشأن فى التاريخ العام للأدب بقدر ما يرى أنصار "النظرية العربية) (وأولهم ريبيرا Ribera ثم نيكل Nykl الآن) من رأى فى أن قصائده تعد مثالا للشعر الغنائى الأندلسى الذى استطاع إما عن طريق الرواية الشفوية، أو عن طريق ماله من سحر عجيب من حيث إيقاعه وموسيقيته (نظام قافيته

وعدد مشطوراته وبنائها) كما يقول أبل) Appel(phil.,)Ztschr.f.rom سنة 1932، ص 788) - أن يؤثر فى شعر مقاطعة بروفنسال القديم، وأن يؤثر عن طريق الشعر اليروفنسالى هذا فى الشعر الأوربى. المصادر: غير ما ذكر فى صلب المادة: (1) تعليق W. Mulertt: على كتاب Elcencionero de Abencuz-: Ribera- man discurso leido en la Real AC- ademia espanols: مدريد سنة -1912 فى جـ 13 (1933) ص 170 - 175 (2) Historia dela: A. Gonzalaz palencia Literatura arabigo-espanola برشلونة - يونس أيرس سنة 1928، ص 105 - 112، 329 - 336. (3) Krachkovskij.lveka ispanskoj: Ign ispanskoj aravistiki في Zapiski kol- Legii vostokovedov جـ 4 (1929) ص 17 - 20، 23 - 25) (بناء على استنتاجات ريبيرا من ديوان ابن قزمان). (4) H.A.R. Gibb فى The Legacy of Is Iam أكسفورد سنة 1931، ص 189 - 191 (يفترض احتمال تأثير الشعر العربى الأندلسى فى شعر التروبادور، وبعد الزجل الشعبى الذى بقيت له أمثلة قيمة فى ديوان ابن قزمان أو فى الأناشيد الدينية الأسيانية التى نشأت عن الزجل حلقة هذا الاتصال). (5) El Cancionero del sheih: A.R. Nyki nobilisimo visir, maravilla deel tiem po, Apu Baker ibn Abd-al -Malik Ibn Aben Guzma[Quzman] مدريد سنة 1933. (6) بحث G.S. Colin فى Hesperis جـ 16 (1933) ص 161 - 170 (يذكر مصادر جديدة وتصويبات لكتاب نيكل Nykl). (7) تعليق J.Hell على طبعة Nykl فى سنة 1935، عمود 237 - 241، وهو على الرغم من إعجابه بما حقق نيكل من نتائج إلا أنه لا يوافق على كل استنتاجاته. الشنتناوى [فهيم بجركتارفتش- raktarevic Fehim Ba]

ابن مسعود

ابن مسعود عبد الله، بن غافل بن حبيب ابن شَمْخ ابن فأر بن مخْزوم بن صاهلَة بن كاهل ابن الحارث بن تميم بن سعَد بن هُذَيلَ: من أصحاب النبى - صلى الله عليه وسلم -. كان ينتسب إلى أوضع طبقات أهل مكة، شأن الكثيرين ممن ناصروا النبى - صلى الله عليه وسلم -فى أول الأمر، وكان فى حداثته يرعى غنم عُقْبة بن أبى مُعَيْط، وقد نعته سعد بن أبى وقّاص بعد ذلك فى منافرة بأنه مولى بنى هُذيْل (الطبرى، جـ 1، ص 2812) ويعرف عادة بحليف بنى زُهْرة، كما يعرف بذلك أبوه أيضاً. ولم يصل لنا شئ عن أبيه أكثر من ذلك. وقد وصفه النووى (طبعة فستنفلد (1) 370) بأنه "صحابى ابن صحابية" لأن أخاه عقبة وأمه أم عبْد بنت عبد وُدّ بن سواء كانا من الطبقة الأولى من الصحابة. وتروى قصة دخوله فى الإسلام: عندما لقى النبى محمد - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر عند هجرتهما وكان عبد الله بن مسعود يرعى غنماً، فسألاه قليلاً من اللبن، ولكنه كان مؤمنًا على الغنم فامتنع. هنالك أمسك النبى- صلى الله عليه وسلم - شاة ومسح ضرعها فانتفخ وفاض منه اللبن بغزارة، ثم أعاد النبى - صلى الله عليه وسلم - الضرع بعد ذلك إلى حالته الأولى. ويعدّ عبد الله بحق من أوائل السابقين إلى الإسلام. وكان يحب أن يقال له "سادس ستة" (أعنى سادس من أسَلم). وتذكر روايات أخرى أنه اعتنق الإسلام قبل أن يدخل الرسول بيت الأرقم، بل قبل أن يعتنق عمر الإسلام. وقيل إنه أول من جهر بقراءة القرآن فى مكة، ولو أن أصحابه نهوه عن ذلك لأنه لم تكن له عشيرة تذود عنه إذا ما اعتدى عليه، لذلك تلقاه القوم بالإساءة. وهاجر ابن مسعود الى الحبشة، وتذكر بعض الروايات أنه هاجر إليها مرتين. وكان يقطن فى المدينة خلف الجامع الكبير. وكثيراً ما كان يتردد هو وأمه على بيت الرسول - صلى الله عليه وسلم - حتى حسبهما الناس من أهل بيت النبى - صلى الله عليه وسلم -، ولكنه لم يكن إلا خادم الرسول - صلى الله عليه وسلم - الأمين "صاحب النعلين والوسادة والطهور".وكان يقلد النبى فى المظاهر، ولكنه كان موضع السخرية لنحافة ساقيه. وقد أرسل شعره الأحمر طويلا، والراجح أن إرساله الشعر وارتداءه اللباس الأبيض والتطيب باستمرار أمور تتصل بالشعائر الدينية، وكان يعنى عناية

خاصة بالصلاة، ولكنه لم يسرف فى الصوم ابقاء على صحته ليقوم بخدمة الدين. واشترك عبد الله فى كل المشاهد، وقطع فى غزوة بدر رأس أبى جهل وكان قد جرح جرحاً بليغاً، وحمله ظافراً إلى سيده. وهو واحد ممن بشّرهم الرسول بالجنة. ولما رأى أبو بكر إبان حروب الرَّدة أن الأمر يقتضى أن يعد "المدينة" للدفاع كان عبد الله بن مسعود أحد الذين وقع عليهم الاختيار لحماية الجهات الضعيفة من المدينة. وحضر كذلك وقعة اليَرْموك. ومن الطبيعى أن يكون كغيره من أتقياء المدينة غير صالح للحكم. وقد أرسله عمر إلى الكوفة ليقوم على بيت مالها وليعلم الناس أمور دينهم، وكثيراً ما كان يتردد عليه الناس يستقون من علمه الغزير بالقرآن والسنُّة. وقد أسند إليه 848 حديثاً، ومن صفاته أنه كان إذا تحدث عن النبى - صلى الله عليه وسلم - ارتعد وتصبب العرق من جبينه واحتاط فى كلامه مخافة أن يقع فى الخطأ. وأخذ الناس عنه تفسيره المتسامح لتحريم الخمر (Vorlesungen: Goldziher ص 65: عيون الأخبار، طبعة بروكلمان، ص 373، س 13). وتختلف الروايات فى خاتمة حياته. ويقال: إن عثمان صرفه عن منصبه بالكوفة فلما بلغ هذا الخبر مسامع الناس أرادوا استبقاءه فقال لهم "إن له علىّ حق الطاعة ولا أحب أن أكون أول من فتح باب الفتن" (انظر Mathew، 18، 7). وهكذا عاد ابن مسعود إلى المدينة، وتوفى بها عام 32 أو 33 هـ وقد نيف على الستين، ودفن ليلاً فى بقيع الغَرْقَد. ويقال إن عثمان لما عاده وهو على فراش الموت وسأل عن حاله وطلبه، أجابه الإجابة المأثورة عن أهل التقى من القدماء. واختار الزبير لتنفيذ وصيته، وأبدى رغبته فى أن يدفن فى حُلَّة بمائتى درهم. وتذكر روايات أخرى أنه توفى بالكوفة، وأن عثمان لم يصرفه هو وسعد بن أبى وقاص عن منصبيهما عام 26 هـ. واشتهر ابن مسعود بصفة خاصة بأنه محدث وحجة فى القرآن. وجمعت أحاديثه فى مسند أحمد (جـ 1، ص 314 - 466). [فنسنك A.J.Wensink]

ابن مسكويه

ابن مسكويه أبو على أحمد بن محمد بن يعقوب: فيلسوف ومؤرخ. أسماه ياقوت مسْكَويَه فقط (أى بدون ابن) وزعم أنه كَان مجوسيا اعتنق الإسلام. بيد أن هذا الزعم بعيد الاحتمال، ذلك لأننا نعرف اسم أبيه وجده، وربما كان خطأ ياقوت راجعا إلى أنه أسمى الفيلسوف "مسكويه" بينما هذا الاسم لجده، وقد يكون الجد مجوسيا حقيقة ثم أسلم. ونحن لا نعرف عن حياة صاحب الترجمة إلا القليل: نعرف أنه كان كاتب سر الوزير المهُلبى وأمين خزانة كتبه، كما نعرف أنه كان بعد ذلك صاحب الحظوة لدى ابن العميد وابنه أبى الفتح اللذين وزرا لعضُد الدولة وصَمْصام الدولة البويهيين. وكان له نفوذ كبير فى مدينة الرى. ويظهر أنه انصرف بادئ الأمر إلى الفلسفة والطب والكيمياء، وألف كتابا فى التاريخ عنوانه "تجارب الأمم" (نشره كيتانى L. Caetani مصورا كاملا فى مجموعة كب التذكارية، جـ 7، ونشر دى غويه عام 1871 جزءا منه فى Fragmenta Historicorum Arabicorum جـ 2) (وقد بلغ ابن مسكويه بكتابه إلى حوادث عام 369 هـ (979 - 980 م) فقط مع أنه عاش حتى عام 421 هـ (1030). وكانت بينه وبين أبى حيّان والهمذانى رسائل أدبية. وقد أورد ابن القفطى (انظر المصادر) أسماء مصنفاته فى الطب، ولكن ابن مسكويه كان يعنى بالأخلاق خاصة، وله فيها عدة مؤلفات منها "تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق" (طبع فى الآستانة عامى 1293، 1299 هـ، وفى القاهرة عام 1307 هـ) وله مجموعة من الحكم نقلها عن حكماء فارس والهند والعرب واليونان، اعتمد فى القسم الأول منها على الكتاب الفارسى "جاويدان خرد" (العقل الأزلى) وقد نقله إلى الفارسية محمد بن محمد الأرَّجانى للسطان المغلى جهانكير، وطبعه طبعة حجرية عام 1346 هـ منكجى، وفى عام 1640 م نشر إليشمان Elichman جزءا من القسم الخاص بحكم اليونان بعنوان Tabula Cebetis، وطبعه طبعة جديدة باسيه Basse بعنوان Le Tableu ds cebes , vers arabs d,ibn Miskaweih etc، الجزائر

ابن المقفع

1898، ولقد ذكر لكلرك Leclerc ترجمة إسبانية للوزانو Lozano عام 1893. أما عن الكتاب الفارسِى "جاويدان خرد" فانظر Ethe فى. Grundriss der Iran philologie جـ 2، ص 346، و Inostranchev فى Zapiski Vost Otd.Imp Arck.Obshch وما بعدها جـ 18، ص 180، وانظر أيضا الكاتب ذاته فى Sasanidskie Etiudi ص 22 وما بعدها. وهناك نظرة عامة عن فلسفة ابن مسكويه فى كتاب de Boer تاريخ الفلسفة فى الإسلام، ص 128 وما بعدها. المصادر: علاوة على المصادر المذكورة فى صلب المادة انظر: (1) ابن القفطى: تاريخ الحكماء، طبعة ليبيرت ص 331. (2) ياقوت: إرشاد، طبعة مركوليوث، جـ 2، ص 49 وما بعدها. (3) Note on the Historian: Amedroz، طبعة كيتانى، جـ 1، ص 17 وما بعدها. (4) Gesch d. arab Litt.: Brockelmann جـ 1، ص 342. ابن المقفع أبو محمد عبد الله، وكان يكنى قبل إسلامه أبا عمرو: مؤلف عربى من أصل فارسى، وكان اسمه فى الأصل رُوْزبه بن دادُويه، وأبوه من مدينة جور) فيروز آباد، هَكذا يصحح اسم المدينة فى الفهرست، جـ 1، ص 118 (إحدى مدن فارس، وقد وكل اليه الحجاج بن يوسف جباية الخراج فى العراق وفارس، واتهم باحتجاز شئ من مال السلطان فضرب ضربا مبرحا فتقفعت يده ومن ثم جاء لقبه. والتحق ولده المترجم له بخدمة عيسى بن على عم الخليفتين أبى العباس السفاح والمنصور، وقد تحول عن المزدكية إلى الإسلام بين يدى مولاه. ولما كلفه الخليفة المنصور أن يحرر ميثاق الهدنة بينه وبين عمه عبد الله، اتهم بتحوير بعض الألفاظ على وجه لم يرض الخليفة، فأراد أن ينتقم منه فكتب سرا إلى سفيان بن معاوية المهلبى عامله على البصرة أن يقتله لذنبه، فقطعت ساقاه وألقيت الواحدة بعد الأخرى فى النار. وكان الشك يحيط بعقيدة ابن

المقفع، فاتهم بأنه كان يبطن المزدكية، وكان هذا الشك من أسباب هلاكه. وحدث ذلك فى حدود عام 139 هـ (757 م). ونقل ابن المقفع من الفهلوية إلى العربية كتاب كليلة ودمنة الذى حمله من الهند الطبيب برزويه إبان حكم الملك كسرى الأول أنوشروان (انظر مادة كليلة ودمنة) كما نقل كتاب "خداى نامه" وهو فى سيرة ملوك فارس، وعنوانه بالعربية "سير ملوك العجم"، وكان هذا الكتاب أحد مصادر شاهنامة الفردوسى (توجد منه نبذ كثيرة فى كتاب ابن قتيبة: عيون الأخبار). وصنف بالعربية "كتاب الدرة اليتيمة فى طاعة الملوك" (طبع القاهرة طبعة أولى غير مؤرخة [1893؟ ] ثم طبع عام 1326، 1331 هـ) وكتاب "الأدب الصغير" (طبع بالقاهرة عام 1912، وترجمه الى الألمانية O.Rescher، شتوتكارت، سنة 1915) وهو فى الأخلاق، وله إلى ذلك رسائل صغيرة طبعت فى نفس الوقت الذى طبع فيه كتاب الدرة، وصنف أيضا كتاب "الأدب الكبير" نشره أحمد زكى باشا، القاهرة عام 1330 هـ (1912 م). المصادر: (1) الفهرست، جـ 1، ص 118. (2) ابن خلكان رقم 186، ترجمة ده سلان، جـ 1، ص 431. (3) خزانة الأدب، جـ 3، ص 459. (4) محمد كرد على: رسائل البلغاء، الطبعة الثانية، القاهرة سنة 1331 هـ = 1913 م، ص 6 وما بعدها. (5) Calila et Dimna: de Sacy سنة 1816 م، ص 10 وما بعدها. (6) litt: Brockelmann.Grsck der arab، جـ 1، ص 151. (7) Burzoe,s Einleitung: Th. Noldeke ستراسبورغ سنة 1912 م. (8) Litteraturearabe: Cl. Huart، ص 211. (9) المجلة الأسيوية، السلسلة العاشرة، المجلد السابع عشر سنة 1911 م، ص 554. [إيوار Cl.Huart]

ابن منظور

ابن منظور جمال الدين أبو الفضل محمد ابن مكَروم الخزرجى الإفريقى: عالم من علماء اللغة، ولد عام 630 هـ (1232 م) وهو مصنف المعجم المشهور باسم "لسان العرب". طبع ببولاق عام 1299 - 1308 هـ فى عشرين مجلدا. المصادر: Gesch.etc,Brockelmann جـ 2، ص 21. تعليق على مادة "ابن منظور" هو محمد بن جلال الدين مكرم بن نجيب الدين ابى الحسن على بن أحمد بن أبى القاسم بن حبقة ابن محمد بن منظور بن معافى بن خمير بن ريام ابن سلطان بن كامل بن قرة بن كامل بن سرحان ابن جابر بن رفاعة بن جابر بن رويفع بن ثابت ابن سكن بن عدى بن حارثة الأنصارى، من بنى مالك. اشتهر بنسبته الى جده السابع منظور، إذ عنده يقف أكثر من ترجموا له، ثم يرفعونه بعد ذلك الى رويفع جده الأعلى. لم يذكر هذه السلسلة متصلة غير ابن منظور نفسه نقلا عن جده الأدنى نجيب الدين فقال فى كتابه لسان العرب "جرب": "رويفع ابن ثابت هذا هو جدنا الأعلى من الأنصار، كما رأيته بخط جدى نجيب الدين والد المكرم". ثم مضى يذكر النسب على النحو الذى مر بك. وعلى حين لم يذكر حول هذا النص المكتوب بخط الجد خلاف ما حول الأسماء ذكر السيوطى فى كتابه "البُغْية" شيئا من هذا الخلاف، ويكاد يكون هو الوحيد من بين المترجمين المعتد بهم فى هذا الصدد الذى استطرد فى سرد نسب صاحب هذه الترجمة الى أن بلغ به جده منظورا، فنجده ينقل "محمد ابن مكرم بن على- وقيل رضوان" كما نجده لا يذكر بين "حبقة" و"منظور" محمدا، وقد تكون هذه الأخيرة من سبيل الاختصار، ولكن الأولى للفت النظر لانفراد السيوطى بها ولخلو نص الجد منها. ورويفع هذا الذى ينتسب اليه ابن منظور نزل مصر وولاه معاوية

طرابلس، أمره عليها سنة 46 هـ، وفى سنة 47 خرج رويفع فغزا إفريقية ثم عاد من سنته. ويذكر ياقوت فى كتابه "معجم البلدان، فى رسم (جربه) نقلا عن حنش الصنعانى يقول: "غزونا مع رويفع بن ثابت قرية بالمغرب يقال لها: جربه، فقام فينا خطيبا فقال: "أيها الناس لا أقول لكم إلا ما سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله لنا يوم خيبر، فإنه قام فينا خطيبا فقال: "لا يحل لامريء يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسقى ما زرعه غيره ". يعنى إتيان النساء الحبالى، ويقول ابن عبد البر فى كتابه "الاستيعاب": إنه- أعنى رويفعا- مات ببرقة، وكان يليها من قبل مسلمة بن مخلد. ويزيد ابن منظور فيما نقله عن جده، "وقبره بها" كما يزيد رواية أخرى عن مكان موته فيقول: "إنه مات بالشام فيما يقال". ومحمد هذا، صاحب هذه الترجمة، .يكنى: أبا الفضل، ويلقب "جمال الدين". وقد أجمع المترجمون له على أن مولده كان سنة 630 هـ. وقال ابن شاكر الكتبى فى كتابه "فوات الوفيات" (جـ 2، ص 331): "فى أولها". وقال السيوطى فى كتابه "البغية" وابن حجر فى كتابه "الدرر الكامنة" (جـ 4، ص 262): " فى المحرم". وقال الصفدى فى كتابه "أعيان العصر": ومولده فى أول سنة ثلاثين وستمائة، ثم زاد فقال نقلا عن شيخه "أسير الدين" قال: ولد المذكور يوم الاثنين الثانى والعشرين من المحرم من السنة المذكورة. وقد اقتصر الصفدى على هذه الرواية الأخيرة فى كتابه "نكت الهميان" ص 275، وهذا ما ذكره أيضا ابن تغرى بردى فى كتابه "المنهل الصافى". وبعد هذا الإجماع على مولد ابن منظور نرى أحمد فارس فى مقدمته على لسان العرب، يذكر أن مولد ابن منظور كان فى المحرم سنة 690 هـ. ولم يعرض لمكان مولد ابن منظور غير "الزركلى فى الأعلام" حيث قال: "ولد بمصر وقيل بطرابلس الغرب" وما نراه نقل ما نقل عن مرجع بل نراه قد

اجتهد فى الاستنباط فالمراجع لم تذكر شيئا صريحا عن البلد الذى ولد فيه ابن منظور. غير أن المعتمد من هذه المراجع -أعنى "أعيان العصر"، و"النكت" و"الفوات" و"الدرر" و"المنهل الصافى"و"البغية، تقول: "إنه خدم بديوان الإنشاء بمصر وولى قضاء طرابلس الغرب. ولعل هذه العبارة هى التى أوحت بهذا الاستنباط يرى فيها كل رأيه. ولكنا إذا قرأنا لابن منظور مقدمة كتابه "نثار الأزهار" الذى اختصر فيه كتاب "فصل الخطاب فى مدارك الحواس الخمس لأولى الألباب "لشرف الدين أحمد بن يوسف التيفاشى نجده يقول: وكنت فى أيام الوالد -رحمه الله- أرى تردد الفضلاء اليه، وتهافت الأدباء عليه، ورأيت الشيخ شرف الدين أحمد بن يوسف بن أحمد التيفاشى العبسى فى جملتهم، وأنا فى سن الطفولة لا أدرى ما يقولونه، ولا أشاركهم فيما يلقونه، غير أنى كنت أسمعه يذكر للوالد كتابا صنفه أفنى فيه عمره، واستغرق دهره، وأنه سماه "فصل الخطاب فى مدارك الحواس الخمس لأولى الألباب" وأنه لم يجمع ما جمعه فيه كتاب ... وكنت شديد الشوق الى الوقوف عليه. وتوفى الوالد -رحمه الله- فى سنة خمس وأربعين وستمائة، وشغلت عن الكتاب. وتوفى شرف الدين التيفاشى بعده بمدة. فلقد كانت وفاة التيفاشى سنة 651. وابن منظور فى هذا الذى أورده يشير إلى مركز أبيه فى مصر، ويشير إلى مدة استقراره بها تلك المدة التى امتدت بعد أن ولى الإنشاء بمصر إلى أن مات. وفى تلك المدة كان يختلف إليه التيفاشى وغيره. ونحن نعرف أن ابن منظور ولد سنة 630 هـ وعرفنا من تصريحه هذا الذى مر بك أن أباه مات سنة 645 هـ ومن هنا نفيد أن عمر ابن منظور كان يوم مات أبوه نحوا من خمسة عشر عاما، من هنا نستطيع إن نجد ما يفيد -دون قطع- أن ميلاد ابن منظور كان بمصر. والذين يقولون إن مولده كان بطرابلس يذكرون اختلاف أبيه اليها

لولاية قضائها، ولا يجدون ما يدفع أن يكون ميلاد ابن منظور سبق مجئ الأب إلى مصر، فالأمر كما يحتمل الأولى يحتمل الثانية. ولكنا إلى الأولى نميل لهذا الذى ذكره ابن منظور عن طفولته. وليس عندنا بعد هذا الكثير عن تنشئة ابن منظور، ولكنا نكاد نلمح شيئا فى تلك الكلمة التى قدم بها لكتابه "نثار الأزهار"، فلقد عرفنا بطفولته وأنها كانت طفولة مشغولة بالعلم والتحصيل، وعلى ما كان عليه الأب وكان عليه الجد نشأ ابن منظور، جذبته هذه الحركة العلمية التى صخب بها بيته منذ أن دب. ولقد كان فى ذا البيت قبل ابن منظور جده الأول نجيب الدين والد المكرم، وقد ذكر لنا هذا البيت، وحدثتك أنا حديث الأب أو بعضه وحسبه أنه كان يلقب. جلال الدين. وبعد هذا الذى ذكره ابن منظور عن تطلعه إلى التحصيل يذكر لنا الذين حدثونا عنه شيوخا له سمع منهم لا يكادون يختلفون فيهم، هم: ابن المقبر ومرتضى بن حاتم، وعبد الرحمن بن الطفيل، ويوسف بن المخيلى، والغريب أن ابن منظور لم يعرض لواحد منهم بتعريف أو إشارة، وهو يستطرد فى ثنايا المواد اللغوية. كما أنه لم يفسح لهم مكانا فى مقدمته التى قدم بها "اللسان"، والتى كانت تتسع لهذا دون غيرها من مقدمات أخرى كثيرة قدم بها كتبا اختصرها. وابن منظور الذى أهمل شيوخه لم يهمله تلاميذه، فالمؤرخون لابن منظور يذكرون من بينهم السبكى والذهبى. يقول الصفدى فى "أعيان العصر"و"النكت": وكتب عنه شيخنا شمس الدين الذهبى. ويزيد السيوطى واحدا آخر فيقول فى "البغية": وروى عنه السبكى والذهبى. وما من شك فى أن الذهبى أفرد لشيخه ابن منظور مكانا فى تاريخه، أشار إلى ذلك الصفدى فى "أعيان العصر" والسيوطى فى "البغية" وتكاد تكون نُقول المراجع جميعها عن الذهبى، على الرغم من إهمال بعضها الإشارة إلى ذلك. ونقرأ فى هذا الذى خص به الذهبى أستاذه الإنصاف له حين يقول عنه: تفرد فى العوالى وكان عارفا بالنحو واللغة والكتابة.

وبعد هذين التلميذين نجد ذكرا لثالث، هو قطب الدين، ولد ابن منظور هذا، وكان قطب الدين كاتب الإنشاء بمصر. وذكروا له أنه روى عن أبيه شيئا. والغريب أن ابن تغرى بردى لم يشر إلى ابن منظور فى كتابه "النجوم الزاهرة" عند ذكر وفيات سنة 711 هـ على حين أفرد له ترجمة فى كتابه "المنهل الصافى" وكان كل ما كتبه عنه المقريزى فى "السلوك" 2: 114: "ومات جمال الدين أبو الفضل محمد بن الشيخ جلال الدين المكرم ابن على فى ثالث عشرى المحرم عن بضع وثمانين سنة ودفن بالقرافة وكان من أعيان الفقهاء الشافعية ورؤساء القاهرة وأوائل كتاب الإنشاء ومن رواة الحديث". وقد دخل علينا المقريزى بهذا القليل الذى رواه عن ابن منظور بجديدين: أولهما: أنه جعل وفاته فى المحرم وفى ثالث عشره، على حين جعلها من ترجموا لابن منظور جميعا فى شعبان. وثانى الجديدين: أنه كان شافعيا، وكان هذا يعنى أن يترجم له تاج الدين السبكى فى طبقاته، وابن منظور أستاذ والده، ولكنا لم نجد لابن منظور ذكرا فى طبقات الشافعية لتاج الدين السبكى. وما نظن أنه كان للمقريزى مرجع نقل عنه غير الذهبى ثم الصفدى من بعده، لكنا نراه يذكر ما لم يذكراه ومالم يذكره معاصر له وهو ابن حجر. وتكاد مؤلفات ابن منظور تملى علينا نهجه وتحدد غرضه. يقول الصفدى فى "أعيان العصر": "واختصر كتبا وكان كثير النسخ ذا خط حسن، وله أدب ونظم ونثر". ويقول أخرى: "وكان فاضلا وعنده تشيع بلا رفض، خدم فى ديوان الإنشاء بالقاهرة وأتى بما يخجل النجوم الزاهرة، وله شعر غاص على معانيه وأبهج به نفس من يعانيه. وكان قادرا على الكتابة لا يمل من مواصلتها ولا يولى عن مناضلتها. لا أعرف فى الأدب وغيره كتابا بطوله إلا وقد اختصره وروق عنقوده واعتصره،

تفرد بهذه الخاصة البديعة، وكانت همته بذلك فى بدر الزمان وشيعة". ويقول ابن حجر: وكان مغرما باختصار كتب الأدب المطولة والتواريخ، وكان لا يمل من ذلك، وينقل الصفدى عن ولده- أى ولد ابن منظور قطب الدين -أن والده- أى ابن منظور-ترك بخطه خمسمائة مجلد. وإليك ما نقله الينا المؤرخون من كتب اختصرها ابن منظور: 1 - الأغانى لأبى الفرج على بن الحسن الأصفهانى (356 هـ) فى عشرين جزءا، اختار منه ابن منظور مختارا وسمى اختياره: "مختار الأغانى فى الأخبار والتهانى" وقد رتبه على حروف الهجاء. على حين لم يراع مؤلفه أبو الفرج فيه ذلك بل رتبه على حسب الأصوات، يملى الصوت الترجمة وتملى الحادثة الواقعة والخبر .. 2 - زهر الآداب وثمر الألباب لأبى إسحاق إبراهيم بن على بن تميم الحصرى القيروانى (453 م) فى أربعة أجزاء، ولم نقع على اختصار ابن منظور لهذا الكتاب كما لم نقرأ أن إنسانا آخر غير ابن منظور عنى نفسه باختصاره. 3 - يتيمة الدهر فى شعراء أهل العصر، للثعالبى أبى منصور عبد الملك بن محمد بن إسماعيل النيسابورى (429 م) ولقد عنى باليتيمة مؤلفون آخرون أتموا وذيلوا ولكن جهد ابن منظور كان غير جهد هؤلاء، جهد تيسير وتذليل لا جهد إضافة وتكميل. 4 - نشوار المحاضرة وأخبار المذاكرة "جامع التواريخ" للتنوخى أبى على المحسن بن على (384 هـ). 5 - تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر أبى القاسم على بن أبى محمد الحسن بن عبد الله (571 هـ) وهو كتاب كبير يقع فى نحو من 48 مجلدا. 6 - تاريخ بغداد للسمعانى أبى سعد عبد الكريم ابن محمد (562 هـ). 7 - صفوة (صفة) الصفوة لابن الجوزى أبى الفرج عبد الرحمن بن على (597 هـ). 8 - مفردات ابن البيطار ضياء الدين عبد الله ابن أحمد المالقى (646 هـ) وهو كتاب فى الطب جامع لمفردات الأدوية والأغذية. وأنت ترى أن مؤلفه

لم يبعد كثيرا عن عصر ابن منظور بل لقد أدركه ابن منظور. 9 - فصل الخطاب للتيفاشى أحمد بن يوسف (651 هـ) اختصره ابن منظور فى كتاب كبير سماه "سرور النفس بمدراك الحواس الخمس، وجعل الجزء الأول منه فى كتاب سماه "نثار الأزهار فى الليل والنهار وأطايب أوقات الأصائل والأسحار وسائر ما يشتمل عليه من كواكب الفلك الدوار". 10 - الذخيرة فى محاسن أهل الجزيرة -يعنى جزيرة الأندلس- لابن بسام أبى الحسن على (303 هـ) وقد اختصر هذا الكتاب ابن منظور وسمى مختصره "لطائف الذخيرة". 11 - الحيوان للجاحظ أبى عثمان عمرو بن بحر (255 هـ) ويقال إن ابن منظور اختصره إذ لم يجمع على هذا من ترجموا له. هذه جملة من الكتب الأدبية والتاريخية التى قام ابن منظور باختصارها وما نظن هذا هو ما اختصره ابن منظور كله، وإلا فأين المجلدات الخمسمائة التى ذكرها ابنه قطب الدين؟ 12 - لسان العرب والرجل الذى فعل هذا المجهود الكبير كله فعل شيئا يعدل هذا كله، وهو كتاب "لسان العرب" وتكاد تكون الفكرة التى أملت هذا كله هى الفكرة التى أملت لسان العرب، ونخال الرجل حين دخل إلى صنع لسان العرب دخله بالفكرة نفسها التى دخل بها إلى غيره. ولكنه حين طالعته الفكرة، أعنى فكرة صنع لسان العرب، وجد نفسه بين تيارات أخرى اضطرته إلى تعديل كثير. وهكذا كان نمط ابن منظور فى اللسان نمطه فى غيره: لم يخرج عن النقل من الكتب اللغوية التى اعتمد عليها ثم تبويب ما نقل وعرضه فى صورة ميسرة. ولكن هذا لم يمض على إطلاقه بل لقد دخل على هذا الإطلاق ما قطعه شيئا، فلقد رأينا ابن منظور فى مادة "جرب" ينقل فى هذه المادة كلاما يتصل بنسبه كما مر بك، وكما زاد ابن منظور فى هذه زاد فى مواضع أخرى غيرها، ولكن النقل كان هو الطابع الغالب. وما نرى ابن منظور ادعى غير هذا، فهو يقول فى مقدمته على لسان العرب:

ابن النفيس

"وأنا مع ذلك لا أدعى فيه دعوى فأقول شافهت أو سمعت أو فعلت أو صنعت أو شددت أو رحلت أو نقلت عن العرب العرباء أو حملت فكل هذه الدعاوى لم يترك فيها الأزهرى وابن سيده لقائل مقالا". ثم يقول: "وليس فى هذا الكتاب فضيلة أمت بها، ولا وسيلة أتمسك بسببها سوى أنى جمعت فيه ما تفرق فى تلك الكتب من العلوم". ثم يقول أخيرا ليضع نفسه مكانها وليخليها من تبعات: "وما تصرفت فيه بكلام غير ما فيها من النص، فليقيد من ينقل عن كتابى هذا أنه ينقل عن هذه الأصول الخمسة". ولكنه على هذا ترك لنا كتابا فى اللغة لا يزال هو المرجع الأم، كما لا تزال كتبه التى اختصرها تدل على أصولها وتكاد تغنى عنها. إبراهيم الأبيارى ابن النفيس علاء الدين أبو العلاء على ابن أبى الحزم القرشى الدمشقى (والحرم والقرشى قراءتان خاطئتان): طبيب عربى من أهل القرن السابع الهجرى (الثالث عشر الميلادى)، ونحن إذا استثنينا تاريخ وفاته فإنه لم يسجل من وقائع سيرته إلا القليل النادر، وشاهد ذلك أن ابن أبى أصيبعة، الذى كان من معاصريه، لم يذكر ابن النفيس فى كتابه عن تاريخ الأطباء. ولد ابن النفيس فى دمشق حوالى عام 607 هـ (1210 م) ودرس بها الطب فى المستشفى الذى أنشأه نور الدين بن زنكى فى القرن السادس الهجرى (الثانى عشر الميلادى) وهو المعروف بالبيمارستان النورى، وكان أول أساتذته هو مهذب الدين عبد الرحيم ابن على المعروف بالدخوار (توفى عام 628 هـ = 1230 م) الذى جاء من مدرسة ابن التلميذ التى انتقلت من بغداد إلى الشام وقام بتعليم عدد كبير من التلاميذ. ودرس ابن النفيس إلى جانب الطب، النحو والمنطق والفقه، وأصبح حجة مشهورا فى الفقه الشافعى. وانتقل بعد ذلك إلى القاهرة حيث عين رئيسا لأطباء مصر، والراجح

أنه عمل فى المستشفى الناصرى وقام بتعليم عدد من التلاميذ من أشهرهم ابن القف صاحب كتاب فى الجراحة (انظر مادة الجراح)، ودرس ابن النفيس الفقه فى المدرسة المسرورية بالقاهرة، وكان حجة مبرزا فى اللغة العربية، وموضع التقدير البالغ من معاصره بهاء الدين محمد بن النحاس. وتوفى ابن النفيس بالقاهرة فى الحادى والعشرين من ذى القعدة عام 687 هـ (18 ديسمبر سنة 1288 م) بالغا من العمر نحو ثمانين عاما (بالسنوات القمرية) وورث بيته ومكتبته للمستشفى المنصورى الذى أنشأه السلطان قلاوون، وكان قد تم بناؤه حديثا (683 = 1284 م). ونشاط ابن النفيس فى ميدان التأليف على جانب كبير من الأهمية، فقد كان أصلا يشتغل بشرح الكتب وتفسيرها ولكنه كان مستقل الفكر واسع المعرفة جدا، ويقال إنه كتب معظم مصنفاته من ذاكرته دون الرجوع الى الكتب، - وأكبر مصنفاته الطبية "كتاب الشامل فى الطب" وكان فى ثلثمائة مجلد وقد ظل ناقصا لم يتم ولم يصل إلينا منه شئ. وله كتاب على جانب كبير من الأهمية فى أمراض العين يسمى "كتاب المهذب فى الكحل" وهو محفوظ بالفاتيكان Arabo) رقم 307). على أن أكثر كتبه انتشارا هو (الموجز) لقانون ابن سينا وقد اختصره لأغراض عملية، طبع لأول مرة عام 1828 م. وقد وضعت شروح وحواش عدة لهذا الكتاب على مر القرون، وأقبل الأطباء الهنود على دراسته بشغف حتى عهد قريب، ونذكر أول ما نذكر من شروحه شرحه لمباديء أبقراط الذى شاع استخدامه فى المشرق، وهو منتشر فى كثير من المخطوطات، وقد طبع فى فارس عام 1298 هـ (1881 م)، وله شرح لأوبئة أبقراط محفوظ بإستانبول (آيا صوفيا رقم 3642). وهناك مجموعة كاملة من الشروح الموسعة لقانون ابن سينا محفوظة بصفة خاصة فى المتحف البريطانى. ويوجد فى ليدن شرح على كتاب "سائل فى الطب" لحنن ابن إسحاق انظر هذه المادة، مخطوط رقم 1296، وقد بقى من كتب ابن النفيس الدينية كتاب فى سيرة الرسول هو "الرسالة الكاملية فى السيرة النبوية" وهو محفوظ فى مكتبة القاهرة وكتاب آخر فى أصول الحديث هو"مختصر

فى علم اصول الحديث" وله رسالة فى الكلام تسمى "فاضل ابن ناطق" عارض فيها كتاب ابن سينا "حى بن يقظان " وهى محفوظة فى إستانبول (وقد عرفنا بها H.Ritter) وكتب ابن النفيس فى الفقه شرحا على "التنبيه" للشيرازى والظاهر أنه لم يصل إلينا. ويقال إن ابن النفيس كتب فى الفلسفة شرحا لكتاب "الإشارات، وآخر لكتاب "الهداية فى الحكمة" لابن سينا ولم يصل إلينا أى منهما. واكتشف أخيرا طبيب مصرى شاب أن ابن النفيس فى كتابه "شرح تشريح ابن سينا" (وهو مخطوط لم يطبع بعد) وصف الدورة الصغرى أو الدورة الدموية الرئوية وصفا صحيحا يخالف وصف ابن سينا وجالينوس كل المخالفة وذلك قبل أن يكتشفها الأوربيون بثلثمائة سنة تقريبا ونعنى بهم ميكويل سرفيتو Miguel Serveto(1556 م) وريالدو كولومبو Realdo Colombo (سنة 1559 م) ومع ذلك فإن اكتشاف ابن النفيس لم يعرف فى أوربا، ذلك أنه لم يترجم له إلى اللغة اللاتينية إلا شرح واحد من شروحه. المصادر: (1) الذهبى: تاريخ الإسلام (مخطوط بالقاهرة تاريخ رقم 42، مجلد 22). (2) العمرى: مسالك الأبصار (مخطوط بالقاهرة م تاريخ رقم 99، جـ 7). (3) الصفدى: الوافى بالوفيات (مخطوط بالمتحف البريطانى، رقم 6587، ورقة 20 - 21). (4) السبكى: طبقات الشافعية، القاهرة سنة 1324 هـ، جـ 5، ص 129. (5) Gesch d. arab Arzta und: Wustenfeld Naturforscher كوتنكن سنة 1840، ص 146. (6) Hi st. de La medec. arabe: L.Leclerec باريس سنة 1876، جـ 2، ص 207 - 209. (7) G.A.L.: Brockelmann جـ 1، ص 493. (8) Introduction to the Hist.: G.Sarton of Science بلتيمور سنة 1931، جـ 2، ص 1099 - 1101 (وبه أسماء مصادر كثيرة.

ابن هشام

(9) محيى الدين التتاوى: - Der Lun genkreislauf nach el-Koraschi فريبورغ جـ 1، رسالة جامعية سنة 1924 (نسخ منها خمس مخطوطه فقط! ). (10) seine: M.Mey- und Hafis-Ibn an erhof Theotie des Lungenkreislaufs Quellen und Studien zz. Gesch. d.Na- turw. u.d. Med., جـ 4، برلين سنة 1933، ص 37 - 38. (11) الكاتب نفسه: Ibn al- Nafis and his Theory of the Lesser Circulation فى Isis ى جـ 22، بروج Brugge سنة 1935. [ماكس مايرهوف Max Meyerthof] ابن هشام عبد الله بن هشام بن أيوب الحِميرى البصرى: نجوى عربى، ولد بالبصرة، وتوفى فى الفسطاط بمصر فى الثالث عشر من ربيع الثانى عام 218 م (مايو 834 م). وتذكر روايات أخرى أنه توفى عام 213 هـ. وصنف علاوة على تهذيبه لسيرة النبى- صلى الله عليه وسلم -التى كتبها ابن إسحاق انظر هذه المادة كتابًا فى قصص الأنبياء وملوك عرب الجنوب أسماه "كتاب التيجان". (انظر- Ahl Verzeichnis der arab. Hdss. zu: wardt Berlin رقم 9735: Rieu ملحق فهرس المخطوطات العربية، المتحف البريطانى، رقم 578 - 579؛ تونس رقم 4953؛ إستانبول، عاصم رقم 691؛ الزيات: خزائن الكتب فى دمشق، ص 72؛ رقم 12: - Manuscrils de la cullection Land berg رقم 717). المصادر: (1) ابن خلكان: طبعة فستنفلد، رقم 390 (طبعة القاهرة 1299 هـ، جـ 1، ص 365). (2) السيوطى: بُغيَة الوعاة، ص 315.

ابن الهيثم

(3) Geschichtschreiber: Wustengeld der Araber رقم 48. (4) De propheticis: M.Lidzbarski quae dicuntur legendis arabicis، ليبسك 1893، ص 5 وما بعدها. (5) M.Lidzbarski بحثه فى Zeitschr F.Assyrioligie، جـ 8: ص 271 وما بعدها. [بروكلمان Brockelmann] ابن الهيثم أبو على الحسن بن الحسن (أو الحسين) بن الهثيم، ويعرف عادة فى مصنفات الغربيين فى العصور الوسطى باسم ألهازن Alhazen كان من أهم علماء العرب فى الرياضيات والطبيعيات وكانت له إلى ذلك مشاركة فى الطب وفى علوم الأوائل الأخرى وخاصة فى فلسفة أرسطو. ولد حوالى عام 354 هـ (965 م) بالبصرة، ومن ثم أطلق عليه فى بعض الأحيان أبو على البصرى. وقد نزح إلى مصر فى كهولته حيث التحق بخدمة الخليفة الفاطمى الحاكم بأمر الله، وقد عرض على الخليفة مشروعات ينظم به جريان النيل، ولكنه سرعان ما اضطر إلى التخلى عن هذا المشروع. وبعد وفاة الحاك، كان ابن الهيثم يعيش من نسخ مصنفات الرياضيات حوالى نهاية عام 430 هـ (1039 م) أو بعد ذلك بقليل كما تقول المصادر. وذكر له ابن أبى أصبيعة ما يقرب من مائتى كتاب ورسالة فى الرياضيات والفلك والطبيعيات والفلسفة والطب. ونحيل القارئ الذى يريد معرفتها إلى المصادر المذكورة بعد وخاصة (إلى جانب أبن أبى أصيبعة) فويكه. E Woeocke، و، فيدمان wieman. E. وأهم تصنايفه فى الطبيعيات (كتاب المناظر) وقد نشر رسنر F.Risner ترجماته اللاتينية عام 1572 فى مدينة بال مع رسالة فى الشفق بعنوان

Opticae thesaurus Alhazeni Arabis libri septem nunc primum editi.Eiusdem liber de crepusculis et nubium ascensionigus etc. وكان قد نقل هذه الرسالة الأخيرة إلى اللاتينية جيرار القرمونى Gerard de Cremone وليس من المؤكد أنه نقل أيضا كتاب المناظر وإن كان ذلك محتملا. وكان لكتاب المناظر أثر بالغ فى معارف الغربيين لهذا العلم فى العصور الوسطى من روجر بيكون Roger Bacon حتى كيلر Kepler. وقد بقى لنا شرح مستفيض على كتاب المناظر كتبه كمال الدين أبو الحسن الفارسى المتوفى فى حدود عام 1320 م (فيما يختص بكتاب المناظر وشرح كمال الدين عليه، انظر أبحاث فيدمان. E.Wiedmann. المذكورة فى المصادر). ونذكر من مصنفات ابن الهيثم التى طبع بعضها بالعربية ولا يوجد بعضها الآخر إلا مترجما - الكتب الآتية زيادة على ما ذكرته المصادر. (1) "فى كيفيات الأظلال". نشر له فيدمان Wiedmann ترجمة ألمانية مختصرة فى- Beitrage z. Sit zungsberichite جـ 13 - Gesch.d.Na turwissensch der phys-mediz. So- zietat in Erlangen جـ 39، عام 1907، ص 226 وما بعدها). (2) "فى المرايا المحرقة بالقطوع"، نشره بالألمانية هيبرغ Heiberg وفيدمان فى Biblioth mathem السلسة الثالثة المجلد العاشر سنة 1910، ص 201 - 237. (3) "فى المرايا المحرقة بالدوائر"، نقله إلى الألمانية فيدمان فى السلسلة نفسها، ص 293 - 307. (4) "فى مساحة المجسم المكافئ"، ترجمه وشرحه سوتر H.Suter فى السلسلة نفسها، المجلد الثانى عشرسنة 1912، ص 289 - 332. (5) وقد نشر فيدمان فقرات من رسائله: "فى المكان" و"فى مسألة عددية" و"فى شكل بنى موسى"و "فى أصول المساحة" مترجمة الى الألمانية فى. ietrage z. Gesch. d المجلد السابع عشر Sitzungsberichte der Naturwissensch Phy-mediz. Sozietat in Erlangen 3 (مجلد 41، سنة 1909، ص 1 - 25).

أبها

المصادر: (1) ابن أبى أصيبعة، طبعة ميلر، جـ 2، ص 90 - 98. (2) ابن القفطى، طبعة ليبيرت ص 165 - 168. (3) Ibon al-Haitham, ein: E.Wiedemann arabischer Celehrter. (4)Zu Ibn al- Haithams: E.wiedemann optic (5)L,algebre d,Omar: Woepcke Alkhayyam باريس عام 1851، ص 73 - 76. (6) Notice sur un ouvrage: Steinschneider astronomique inedit d,Ibn Haitham فى Bolletino di biblioge.delle scienze mat. e fis جـ 14، سنة 1881، ص 721 وما بعدها، جـ 16، سنة 1883، ص 505 وما بعدها. (7) Gesch. d. arab. Litt.: Brockelmann جـ 1، ص 469. (8) Gesch.d.mathem: Suter Abhandl.z wissensch جـ 10، ص 91 - 95، جـ 14، ص 169 - 170. [سوتر H.Suter] أبها قصبة الإقليم السعودى عسير الذى يقع فى وادى أبها (على خط عرض 18° و 13 تقريبا شمالا، وخط طول 42° و 30 شرقا) وعلى ارتفاع 2200 متر تقريبا. وربما كان يقطنه عشرة آلاف نسمة جلهم شافعية يعيشون فى عدة قرى تنمو سويا وإن كانت كل قرية تحتفظ باسمها المتميز عن الأخرى، وأكبر هذه القرى هى "مناظر"ويقال أحيانا إن هذا الاسم هو التسمية القديمة للمكان. وغفل الهمذانى (جـ 1، ص 118) عن ذكر مناظر، ولكنه يذكر أبها باعتبارها منزلا لقبيلة كانت تعرف بعسير. وينتسب بنو مُغَيْد، الغالبون على أبها الحديثة، إلى عسير. أما الجماعات الأخرى فهى: "القزا"وربما كانت أكبرها، و"مقابل" وهى ترتبط بالجماعة الكبرى بجسر من الحجر فوق وادى أبها، و"نعمان" و"الربوع"، و"النصب" حيث يقوم المسجد الجامع، و"الخشع" و"المفتاحة"، ومحور الحياة الحضرية رحبة واسعة

مكشوفة، حيث تقام سوق كل ثلاثاء، هى والقلعة الحجرية الملاصقة لها "شدا" وهى مركز الإدارة الإقليمية. ومعظم الدور لها أسوار من الطين ذات طنف متعددة من الحجر المسطح تحميها من التآكل بفعل المياه. ويبلغ مقدار ما يسقط عليها من مطر حوالى 30 سنتيمترا فى السنة تقريبا يضاف إليه ما يروى بالعديد من العيون فتنمو بفضل ذلك الحبوب والفاكهة والخضروات فى قطع من الأرض على شرفات. وتتوج القلاع التركية المرتفعات التى للتف بالبلدة. وقد رممت قلعتان منها يستخدمهما الآن الجيش السعودى، وهما ""ذرة" أعلى المدينة بمائة وخمسة وعشرين مترا إلى جنوب الجنوب الشرقى، و"شمسان" إلى الشمال. وتربط طرق السيارات بين أبها ومكة مسافة 840 كيلو مترا تقريبا إلى الشمال مارة بـ "بيشة" و"الظهران" و"نجران" إلى الجنوب والجنوب الشرقى، ووسائل النقل تقتصر على الدواب لهبوط المنحدر الوعر إلى ثغرى البحر الأحمر "القنفذه" و"جيزان". ولا نعرف إلا القليل عن تاريخ أبها حتى الوقت الذى طغى فيه المذهب الوهابى عابرا الجبال حوالى سنة 1215 هـ (1800 م)، وقد جلبت الحملات التركية المصرية جيشا يضم عدة أوروبيين إلى مناظر، فاحتلها حوالى شهر فى سنة 1250 هـ الموافقة سنة 1834 م (ويذكر تامسييه Tamisier قرية بالقرب منها تدعى "أفا")، ثم حكم آل عايض، شيوخ قبيلة مغيد، من القصبة أبها، ونالوا بعد البركة من الوهابيين الذين بعثوا إلى الحياة مرة أخرى تحت إمرة فيصل بن تركى. وفى سنة 1287 هـ (1871 م) كان الترك مشغولين فى احتلال اليمن مرة أخرى، وهنالك هاجمهم محمد بن عايض فى المنخفضات، لكنهم لم يلبثوا أن قهروه واحتلوا أبها وقتلوه، وأصبحت هذه البلدة مركز قضاء فى ولاية اليمن وظلت تابعة للترك حتى بعد هدنة سنة 1918، فيما عدا عدة أشهر سنة 1328 - 1329 هـ (1910 - 1911 م) حين انتزعها أدارسة (انظر هذه المادة) صبيا من سليمان شفيق الوالى التركى. وأنفذت حملة لنجدتها بقيادة شريف

أبو الأسود الدؤلى

مكة حسين وصلت فى جمادى الآخرة سنة 1329 هـ (يونية سنة 1911) لتجد أبها فى يد سليمان مرة أخرى. ولما انسحب الأتراك عاد آل عايض إلى حكمها منفردين، ولكن سلطانهم لم يلبث أن تحداه المتحدون فى شخص محمد الإدريسى أولا، ثم فى شخص السعوديين الذين أدت الحملتان اللتان شنوهما الى كسر شوكة آل عايض (كانت الحملة الأولى سنة 1339 هـ = 1921 م، وكانت الحملة الثانية سنة 1340 - 1341 هـ بقيادة فيصل بن عبد العزيز). ومن يومها أصبحت أبها مقر حكم وآل سعودى، وزاد شأنها بحصول السعوديين على أراض إدريسية سنة 1345 هـ - (1926 م). وكانت القوة التى قادها سعود بن عبد العزيز فى حرب اليمن سنة 1355 هـ (1934 م) تتخذ أبها قاعدة لها. ووجد فيلبى Philby هذا المكان بعد ذلك بسنتين ما يزال يعانى من التخريب الذى سبق أن أصابه حين كان الاضطراب يسوده، ولكن الرخاء يعود إلى ربوعه الآن فى ظل الحكم الذى يستند إلى الأمن والسلام. خورشيد [مويلر H.C.Mueller] أبو الأسود الدؤلى أو الديلى فى لغة أهل المغرب، نسبة إلى دئل بن بكر، وهى عشيرة من بنى كنانة): مولى على. واسمه: ظالم بن عمرو ونسبه غير محقق، وأمه من عشيرة عبد الدار بن قصى القرشية، والراجح أنه ولد قبل الهجرة ببضع سنين، وقد شخص إلى البصرة فى خلافة عمر، وعاش أول الأمر بين أفراد قبيلته، ثم بين بنى هذيل، كما عاش روحا من الزمن أيضا بين بنى قشير أهل زوجه المحبوبة، على أن ميوله الشيعية وعناده وبخله نفرت قلوب جيرانه منه. ومن المشكوك فيه أن يكون ابو الأسود قد تولى أى منصب فى عهد عمر أو عهد عثمان: ، وبرز شأنه فى خلافة على ويقال إنه اشترك فى المفاوضات الخائبة مع عائشة عقب وقعة الجمل، كما حارب فى صفين مع على، وعمل فى البصرة قاضيا أو كاتبا لواليها عبد الله بن عباس، بل يقال إنه تولى أمر جنود فى الحروب التى شنت على الخوارج. ولما أخذ نجم على فى الأفول، وراح عبد الله بن عباس -فى رواية المدائنى- يدبر أمر الرحيل عن

البصرة حاملا معه أموالها، أراد أبو الأسود أن يوقفه عن فعل ذلك وأبلغ الأمر إلى على فأقامه واليا على البصرة. وتولى أبو الأسود هذا المنصب مدة قصيرة، إن كان قد تولاه على الإطلاق. ولما قتل على نظم قصيدة (رقم 59 فى ترقيم ريشر Rescher) ألقى فيها مسئولية قتله على عاتق الأمويين. ولكن ميوله هذه لم يكن لها صدى لأن الشيعة كانوا أقلية فى البصرة (الأغانى، الطبعة الأولى، جـ 11، ص 121). ولم يدرك أبو الأسود أنه فقد كل سلطان، وكان له ما يبرر شكواه من ممثل معاوية عبد الله ابن عامر الذى كانت تربطه به من قبل علاقات طيبة (القصيدتان 23, 46) وقد حاول من غير طائق أن ينال رضا نائب الخليفة زياد بن أبيه. وقد كانت العلاقات بينهما قد توترت بالفعل فى خلافة على، حين كان زياد يلى أمر ديوان الخراج (الأغانى، الطبعة الأولى، ب 11، ص 119). وتحسر على مقتل الحسين سنة 61 هـ (680 م)، القصيدة رقم 61) ونادى بالثأر (قصيدة رقم 62). وآخر واقعة ذكرها فى شعره هى شكواه إلى أمير المؤمنين ابن الزبير من ممثله فى البصرة حوالى سنة 67 هـ (686 م، ابن سعد جـ 5، ص 19). وتوفى أبو الأسود، فى رواية المدائنى، بالبصرة فى الطاعون الجارف الذى حدث عام 69 هـ (688 م). وتوجد مجموعة من أشعاره جمعها السكرى، ولكن لم ينشر إلا جزء منها. وهذه الأشعار ضعيفة لغة وأسلوبا، قليلة الشأن من الناحية الفنية والتاريخية، ويتناول معظمها أمورا صغيرة مما يجرى فى الحياة اليومية، ومن الواضح أن بعض أشعاره موضوع. ويصدق هذا على القول الشائع الذى اخترعه بعض فقهاء لغة المذهب البصرى، وهو أن أبا الأسود أول من وضع قواعد النحو العربى وابتدع ضبط القرآن. المصادر: (1) Brockelmann , جـ 1، ص 37، قسم 1، ص 73. (2) Abriss: 0. Rescher . جـ 1، ص 131 - 133.

أبو البركات

(3) zeitsch: d Th . Noldeke . deutsch. Morgenl. Gesells , سنة M-ki ص 232 - 240. (4) Rescher: فى viener Zeitscher Fur Die Kunde De Morgenlandes, سنة 1913, ص 375 - 397. (5) ابن سعد، جـ 7، ص 1، 70. (8) ابن قتيبة: الشعر، ص 357. (7) ابن قتيبة: المعارف، ص 222. (8) الأغانى، الطبعة الأولى، ب 11، ص 105 - 124. (9) السيرافى: أخبار، ص 13 - 22. (10) Arabiya: J. W. Fuck , 6. خورشيد [فوك J. W. Fuck] أبو البركات هبة الله بن مَلْكا البغدادى البلدى: فيلسوف وطبيب، لقب بأوحد الزمان، ولد فى ضيعة اسمها "بلد" من ناحية الموصل حوالى سنة 740 هـ (1077 م) على أكثر تقدير. كان أبو البركات يهودى الأصل، تللمذ على أبى الحسن سعيد بن هبة الله، وأصبح طبيبا مشهورا مارس صنعته فى خدمة خلفاء بغداد، حيث كان يقيم، وفى خدمة السلاطين السلاجقة. وتكشف الحكايات التى رواها من ترجموا له (ابن أبى أصيبعة وابن القفطى، والبيهقى) عن المتاعب التى كان يلاقيها فى كثير من الأحيان فى صلاته بأولياء نعمته المختلفين ورجال بلاطهم فلما تقدمت به السن اعتنق الإسلام، دفعه إلى ذلك، فيما سيرته الأقاويل المختلفة التى ساقها كتاب سيرته، كرامته التى امتهنت، أو ما داخله من خوف نشأ من وفاة زوجة السلطان محمود التى كان قد طببها، أو من أسره بعد هزيمة جيش الخليفة المسترشد على يد السلطان مسعود، مما جعل حياته مهددة. وكف بصر أبو البركات فى آخر حياته، وتوفى فى بغداد سنة 560 هـ (1164 - 1165 م) فيما يظهر. وكان الطبيب النصرانى "ابن التلميذ" منافسا له، ومن بين تلاميذه إسحاق بن

ابراهيم بن عزرا الذى كان الى ذلك صديقا له مدحه بقصيدة باللغة العبرية. وأهم مؤلف لأبى البركات هو "كتاب المعتبر" الذى يتناول المنطق والطبيعيات (بما فى ذلك علم النفس) والإلهيات، وقد طبعه فى حيدر آباد شريف الدين التكاى سنة 1358 (1939 م). وكتب باللغة العربية تفسيرا مفصلا لسفر الجامعة له شأن كبير من الناحية الفلسفية. و، لم يطبع من هذا التفسير إلا النزر اليسير. ومن الرسائل الصغيرة التى تنسب إليه: "رسالة فى سبب ظهور الكواكب ليلا واختفائها نهارا" (ابن أبى أصيبعة، جـ 1، ص 280) ترجمها فايدمان (Wiedmann فى Eders Zahrbuch Fur Photographic 1909. ص 49 - 54) وقد نسبت هذه الرسالة الى ابن سينا بعنوان يخللف قليلا عن هذا العنوان "رؤيا الكواكب بالليل لا بالنهار" (انظر الأب ج، شحاته قنواتى: Essai de Bibliographic Aviceniemne رقم 162). وفى المعتبر الذى ينهج فى جزء كبير منه نهج كتاب الشفاء لابن سينا، يأخذ أبو البركات أحيانا بقضايا من هذا الكتاب وينقلها حرفيا، ولكنه يجرح فى الوقت نفسه قضايا غيرها فى غاية الأهمية: وهو إذ يعارض ابن سينا، يتفق كثيرا، فى ميدان الطبيعيات، مع المأثور الذى يحمل فى البلاد الإسلامية اسم المذهب الأفلاطونى، وهو المأثور الذى اتبعه أبو بكر الرازى. ومذهبه فى علم النفس، من بعض جوانبه، أوثق صلة بعلم النفس الأفلاطونى الحديث من كتاب الشفاء، أو قل إن وثاقة هذه الصلة به أظهر وأبين. على أن منهج أبى البركات فى الفلسفة لا يتمشى فى يسر مع سلطان التقليد، ويتجلى هذا فى عنوان الكتاب "كتاب الاعتبار" ذلك أن مفهومه فى مصطلح أبى البركات شئ يقرب من هذا: "الكتاب الذى يتناول ما يقرره التأمل الشخصى". والواقع أن هذا المنهج يتميز قبل كل شئ بالركون الى الحقائق الواضحة فى ذاتها، أى اليقينيات الأولية، التى تدحض القضايا المكتسبة للفلسفة التى

كانت سائدة فى ذلك العهد. ويرفض أبو البركات أن يفرق بين اليقينيات القائمة على العقل التى يسلم المشاؤون بصحتها والقضايا المعتمدة على الوهم التى ينكرها هؤلاء. وهذا المنهج. بالأخص، هو الذى يؤدى بأبى البركات إلى القول بوجود حيز ذى ثلاثة مقادير مخالفا بذلك أشياع المذهب الأرسطى. وهو يتفق مع يوحنا النحوى John Philoponus فى دحض القضية التى تنكر إمكان الحركة فى الخلاء. وقد بين بطلان براهين المشائين التى تقول بعكس ذلك، ثم اثبت لا نهائية المكان باستحالة أن يتصور الإنسان مكانا محدودا. وكذلك فإن لجوء أبى البركات إلى العلم الأولى للعقل الإنسانى هو الذى أتاح له أن يوضح مشكلة الزمان، وحلها الصحيح، فى نظره، أدخل فى الميتافيزيقا منه فى الطبيعيات، ومن ثم فقد بين أن إدراك الزمان، والوجود، والذات أسبق فى النفس من إدراك أى شئ آخر، وأن مفهوم الوجود ومفهوم الزمان يرتبطان ارتباطا وثيقا. والزمان، بحسب تعريفه، هو مقدار الوجود، لا مقدار الحركة كما يقول المشاؤون، وهو لا يسلم بما يقول به ابن سينا وغيره من الفلاسفة من اختلاف المراتب الزمانية، وتفاوت الزمان، الدهر، السرمد، فالزمان فى رأيه يتعلق بوجود الخالق كما هو يتعلق بوجود المخلوق. وهو يوحد بين المادة الأولى والجسم من حيث هو جسم دون نظر إلى أى مميز آخر، ذلك أن الجسمية هى امتداد يمكن قياسه، وفى رأيه أن الأرض هى دون سواها من العناصر الأربعة، مكونة من جزيئات لا تتجزأ لصلابتها. وعندما يعرض أبو البركات لحركة المقذوفات فإنه يأخذ فى شئ هن التعديل بنظرية ابن سينا ويهتدى آخر الأمر بآراء يوحنا النحوى فيما يظهر، فيقول بأن علة هذه الحركة "ميل قسرى" أى قوة (أسماها العلماء اللاتين من بعد: impetus) يمد بها القاذف المقذوف. وهو يعلل سرعة وقوع الأجسام الثقيلة بأن مبدأ "الميل الطبيعى" (وهو اصطلاح فلسفى شائع) الموجود فيها يمدها بميول متتالية. ومتن

كتاب المعتبر الذى يعالج هذا الموضوع هو الأول من نوعه، فيما نعلم الآن، الذى يجد المرء بين دفتيه القانون الأساسى للديناميكا الحديثة، وهو أن القوة الثابتة تولد حركة ذات سرعة. والمذهب النفسى بخاصة، عند أبى البركات، هو الذى يوضح بأجلى بيان ما للركون إلى البديهيات من شأن فى فلسفته. فالواقع أن نقطة الانطلاق فى هذا المذهب هى وعى الإنسان بنفسه، وهذا الوعى موسوم بسمة اليقين، سابق لكل معرفة أخرى، ويكون هذا الوعى كائنا فيه وإن لم يشعر بالأشياء الحسية. وقد أفاد ابن سينا من هذه المعطيات الأولية التى وجد صعوبة كبيرة فى أن يكمل بها مذهبه فى النفس الذى يحمل طابع المشائين، أما أبو البركات فقد قادته هذه المعطيات إلى حقائق نفسية أخرى ثابتة وثيقة بحكم بديهيتها. مثال ذلك أن شعور الإنسان المحقق بأنه واحد وأنه هو نفسه، حين يرى ويسمع ويفكر ويتذكر أو يرغب أو يؤدى أى فعل نفسى آخر، كاف، فى رأى أبى البركات، لدحض النظريات المختلفة التى تقول بتعدد ملكات النفس. وثمة مثال آخر هو أن اليقين الذى يتأتى للمرء أثناء البصر إذ يدرك أن ما رأى هو نفس الذى أدركه، وأن هذا الشئ قائم فى نفس المكان الذى يقوم حقا فيه، وليس صورة موجودة فى المخ كما تذهب بعض المذاهب، هذا اليقين يثبت فى ذاته صحة الانطباعات التى يحققها، ومن هنا فإن المذهب النفسى الذى بين أيدينا يقوم، فى جزء منه، على مجموعة من البديهيات، تغلب عليها إلى حد ما فكرة الشعور (والشعور مصطلح يصطنعه ابن سينا لمدلول مشابه). وهو ينكر التفرقة التى يقررها المذهب الأرسطى بين العقل والنفس، والحق إن النفس، فى قول أبى البركات، هى التى تقوم بما يسمونه "التعقلات"، إذ ينقد أبو البركات هذه النظرة. وكذلك هو ينكر وجود العقل الفعال الذى يقول به المشاؤون. ولعل بعض الآثار الأفلاطونية والأفلوطينية تظهر فى تعريف أبى البركات للنفس بأنها جوهر لا جسدى يفعل فى الجسد وبالجسد، وهذه الآثار

توائم حقا حدسه الشخصى. ويأخذ أبو البركات هذه اللاجسدية بمعنى ضيق جدا لم يكن شائعا على الإطلاق، مثال ذلك نظريته فى الذاكرة، فالنفوس الإنسانية عنده علتها النفوس الفلكية، وهى تعود بعد الموت إلى عللها. ومعرفة الله، وهى علة العلل، تأتى فى نهاية معرفة الموجودات ومعرفة الوجود، ونحن ندركه بشعورنا الأولى الذى يقسم الوجود إلى واجب وممكن، على أن الحكمة التى تتجلى فى نظام الطبيعة تثبت وجود خالق. زد على ذلك كله أن هناك اتصالات مباشرة بين الله والإنسان. ويتمشى أبو البركات فى هذه النقطة مع ما أثر عن ابن سينا فلا يقبل القول بان الحركة برهان على وجود الله. وهو يرى أن صفات الله الذاتية تتعلق بماهيته تعلق مساواة الزوايا الثلاث فى كل مثلث لزاويتين قائمتين بماهية المثلث. وفى رأيه أن من الممكن أن يكون علم الله متعددا، وهذا يصدق على معرفة الجزئيات. وأراد أن يدحض الحجج المخالفة لذلك فلجأ إلى مذهبه فى النفس الذى يثبت أن صور الأشياء المدركة المختزنة فى النفوس الإنسانية غير مادية مثل الكائن الذى أدركها. وبهذا يبدو العلم الإلهى شبيها إلى حد ما بالعلم الإنسانى. وينكر أبو البركات مذهب الفيض الذى يقول به الفلاسفة، ويرى أن الأشياء خلقت بسلسلة من الارادات الإلهية، أزلية أو محدثة، أول هذه الإرادات، وهى صفة لذات الله، خلقت أول موجود، أى أعلى طبقة من الملائكة فى المصطلح الدينى. والنزعة الشخصانية فى تصور أبى البركات لله تقربه إلى حد ما من مذاهب علم الكلام. ومهما يكن من شئ فإن هذا لا يبرر بالضرورة الانتهاء إلى القول بأن علم الكلام قد أثر فى تفكيره. أما فيما يخص مسألة قدم العالم فإن أبا البركات قد تعرض لنظريات من يقولون به ونظريات من ينكرونه، ولا يذكر صراحة ما انتهى إليه من نتائج، وإن كان يلمح إلى أن من فهم عرضه لهذه المسألة لن يعجزه أن يجد الجواب الصحيح. وصفوة القول أن

الحل الصحيح الذى ارتآه أبو البركات فيما يظهر هو الحل الذى يقول بقدم العالم. وقد استعان بحجية أبى البركات عالم يهودى من العراق اسمه صموئيل بن إليا فى مناظرته لابن ميمون، وكان من بين أشياعه المسلمين علاء الدولة فرامرزبن على أمير يزد الذى دافع عن أبى البركات وعن أقواله فى كتاب عنوانه "مهجة التوحيد" وفى مناظرة له مع عمر الخيام (انظر البيهقى تتمة صوان الحكمة: طبعة شفيع، ص 110 - 111). ويظهر أن أثر أبى البركات فى شخصية فخر الدين الرازى الفذة كان جازما ويتجلى بخاصة فى "المباحث المشرقية" وهو من كتب فخر الدين العمدة، وكان له شأن تاريخى عظيم. والحق إن الملاحظة التى أبداها محمد بن سليمان التنكبونى، وهو مؤلف فارسى من أعيان القرن التاسع عشر، بقوله ما يفيد أن مأثور ابن سينا أوشك أن ينهار تحت ضربات أبى البركات وفخر الدين قبل أن يحييه نصير الدين الطوسى (قصص العلماء، طبعة حجرية، سنة 1304 هـ, ص 278) هى ملاحظة تشير الى أزمة فى التفكير الإسلامى أحدثها أبو البركات وظلت ذكراها حية فى أذهان الدارسين الإيرانيين لابن سينا. المصادر: (1) ابن القفطى، طبعة ليبيرت، ص 343 - 346. (2) ابن أبى أصيبعة، طبعة ميلر Muller جـ 1، ص 278 - 280. (3) البيهقى: تتمة صوان الحكمة، طبعة شفيع، ص 150 - 153. (4) S. Poznanski فى Zeitschrift fur hebraische Bibliograhie، سنة 1913، ص 33 - 36 (وقد نشر الكاتب بعض صفحات من تفسير سفر الجامعة). (5) شرف الدين فى ترجمة تركية كاملة لإلهيات المعتبر مع مقدمة، إستانبول سنة 1932. (6) دراسة سليمان الندوى عن أبى البركات فى نهاية المجلد الثالث من طبعة المعتبر ص 230 - 252.

"أبو بكر" أول خليفة

(7) Beitrage zur islamisxhen: S. Pines Atomlehre. برلين سنة 1936، ص 82 - 83) وقد نقل هذا البحث إلى العربية الدكتور محمد عبد الهادى أبو ريده بعنوان "مذهب الذرة عند المسلمين وعلاقته بمذاهب اليونان والهنود، القاهرة، مكتبة النهضة سنة 1946). (8) الكاتب نفسه: - Etudes sur Awhad al Zamdan Abu'l-Barakat Al Baghdadi فى Revue des Etudes Juives، جـ 103، سنة 1938، ص 4 - 64, جـ 104، سنج 1938، ص 1 - 33. (9) الكاتب نفسه: Nouvelles Etudes Sur Abu'1 Barakat Al Baghdadi فى - Re vue des Etudes Juires سنة 1953. الأب قنواتى [بينيس S. Pines] " أبو بكر" أول خليفة 1 - اسمه، وأسرته، وحياته الأولى: ولد أبو بكر على الأرجح بعد سنة 570 م بقليل، فلقد قيل عنه إنه كان يصغر عن محمد (ص) بأعوام ثلاثة، وأبوه أبو قحافة (عثمان) بن عامر، من عشيرة من تيم من قبيلة قريش، وكان لهذا يعرف أحيانا بابن أبى قحافة، وكانت أمه أم الخير (سلمى) بنت صخر من عشيرته نفسها. وكما عرف بأبى بكر عرف بعبد الله وعتيق (العبد المعُتْقَ)، غير أن الصلة بين هذه الأسماء بعضها إلى بعض ودلالتها الأولى غير بينة. وإلى محمد (ص) فيما يبدو بعزى تلقيبه بعتيق، لقوله إنه عتيق من النار. ولقد عرف بعد بالصديق، أى الذى لا يقول إلا الصدق، المستقيم، أو الذى لا يعتد إلا بالحق، وهذا المعنى الأخير مستمد من الخبر القائل بأنه هو وحده صدق لتوه قصة محمد عن الإسراء به ليلا. ولقد تزوج فى حياته أربع زوجات: (1) قتيلة بنت عبد العزى، من عامر العشيرة المكية، وهى التى ولدت له عبد الله وأسماء (التى تزوجت الزبير ابن العوام). (2) أم رومان بنت عامر من قبيلة كنانة، وهى

التى ولدت له عبد الرحمن "وكان اسمه أصلا عبد الكعبة أو عبد العزى) وعائشة. (3) أسماء بنت عميس من قبيلة خثعم وهى التى ولدت له محمدا. (4) حبيبة بنت خارجة، من عشيرة الحارث بن الخزرج المدنية، وهى التى ولدت له أم كلثوم، وكانت ولادتها بعد وفاة أبيها. والزيجتان الأخيرتان كانتا بعد أن تقدمت به السن، وكانتا دون شك لأسباب سياسية, فلقد كانت أسماء بنت عميس أرملة لجعفر بن أبى طالب الذى قتل فى السنة الثانية من الهجرة (629 م) والزيجتان الأوليان كانتا على الأرجح فى وقت واحد إذ أن عبد الرحمن كان أكبر أبنائه. وكانت أم رومان هى الوحيدة التى صحبته فى هجرته إلى المدينة. ولا يعرف إلا القليل عن حياة أبى بكر قبل إسلامه, فلقد كان تاجرا تقدر تجارته بأربعين ألف درهم مما يدل (فى قول Lammens: La Mecque a la de 1'Higire Veille، بيروت سنة 1924, ص 226 - 228) على أن تجارته كانت غير ذات أهمية نسبيا. ولم يذكر أنه سافر إلى الشام أو إلى أى مكان آخر، ولكنه كان من الحذاق بأنساب القبائل العربية. 2 - منذ إسلامه إلى موت محمد (ص): كان أبو بكر يعد صديقا لمحمد من قبل نبوته ومن قبل إسلام أبى بكر نفسه. وتقول بعض الأخبار إنه كان أول مسلم ذكر بعد محمد (ابن سعد جـ 3, قسم 1، ص 121, الطبرى، جـ 1، ص 1165 - 1167) غير أن هذا قد يكون مرده فى يسر إلى أثر مكانته فيما بعد. إذ أن هذه الدعوي نفسها قيلت عن على وزيد بن حارثة. وشبيه بهذا ما ذكر من أن أبا بكر كان إليه إسلام عثمان ابن عفان والزبير وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبى وقاص وطلحة بن عبيد الله، وهذا مشكوك فيه لأن هؤلاء الخمسة هم وعلى كانت إليهم الشورى، أى مجلس اختيار خلف لعمر. والشئ المؤكد أنه قبل الهجرة بقليل كان أبو بكر أبرز عضو بين جماعة المسلمين بعد النبى محمد.

ولقد بقى بمكة حين هاجرت كثرة من المسلمين إلى الحبشة، وكانت هذه مسالة غامضة، فلقد كان يظن أن المهاجرين كانوا يعارضون سياسة فريق من المسلمين كان يتزعمهم أبو بكر. وعلى أية حال فالخبر المأثور هو أن المهاجرين رحلوا فرارا من الاضطهاد، وقد تكون عشيرة أبى بكر من تيم التى كانت تنتمى إلى تلك الجماعة المعروفة بحلف الفضول، شأنها شأن العشائر الأخرى لم تكن تضطهد من أسلم من أفرادها وعلى أية حال فإنه ليبدو أنها كانت تعوزها أيضا الإرادة أو القوة للدفاع عنهم، ذلك أنها سمحت لأبى بكر وتابع له من عشيرته هو طلحة بأن يدخلا معا فى ذمة رجل من عشيرة مكية من أسد. وفى وقت متأخر عن ذلك ترك أبو بكر مكة، وإنما عاد إليها لتسلمه الأمان (الجوار من أبى الدغنة) رئيس جماعة من البدو الرحل كانوا على حلف مع قريش. وكان أبو بكر يشترى الأرقاء ويطلق سراحهم، نخص بالذكر منهم عامر بن فهيرة وبلال اللذين أوذيا فى أبدانهما. وشراء من أسلم من الأرقاء، وإن دل على إخلاص أبى بكر للدعوة، لا يبرر التبرير كله نقصان ثروته إلى 5000 درهم عند الهجرة. والقول بأنه كان ثمة ضغط اقتصادى مارسه كبار تجار مكة أمر مشكوك فيه. ولقد اختاره محمد (ص) ليصحبه فى هجرته إلى المدينة، وهى حادثة أشار إليها القرآن (سورة التوبة، الآية 40) وسرعان ما تبعته أسرته وكانوا فيما يظن أم رومان وعائشة وأسماء، وربما عبد الله. وعلى أية حال فلقد بقى أبو قحافة فى مكة وحارب عبد الرحمن بن أبى بكر المسلمين فى بدر وأحد ثم أسلم قبل فتح مكة. وفى المدينة وجد أبو بكر منزلا فى حى السنح. وغدا مركزه الخاص فى الجماعة ملحوظا بزواج النبى من ابنته عائشة. وكان شريكا فى جميع الحملات التى قادها محمد (ص)، وكان دوما إلى جانبه على استعداد لأن يساعده بالنصيحة والرأى. وفى اللحظات الدقيقة كان ثابتا كالصخرة ولم يفقد قلبه، ويظهر أنه كان

ثمة توافق مشهود بين القائد وتابعه، ذلك أنه عندما ناقش آخرون (ومنهم عمر الذى كان لا ينفصل عن أبى بكر) محمدا قراره الأخذ بالسلم فى الحديبية والعدول عن حصار الطائف، بذل له أبو بكر كل ما يملك من عون قلبى عن طيب خاطر، وكان أول من عرف الغرض الحقيق للحملة التى غزت مكة سنة 8 هـ (630 م)، وبعبارة أخرى فلقد كان الناصح الأول لمحمد، ولم تكن له قط إمارة حربية مفردة غير إمارته لجماعة صغيرة كانت فرقة من حملة أكبر فى سنة 6 هـ - 627 م) ثم إمارته لبعثة أقل عددا ضد قبيلة هوزان سنة 7 هـ (628 م). وفي سنة 8 هـ (629 م) عمل هو وعمر تحت قيادة أبى عبيدة، ومن الراجح أن هذا كان لتذليل عقبات سياسية. وكان فى تعيينه لقيادة الحج فى السنة التاسعة بعد الهجرة، وفى إمامته لجمهور المصلين فى المدينة أثناء مرض النبى الأخير وغير ذلك من دلائل على مكانة أبى بكر، كان هذا كله يشير إلى أنه هو من سيخاف النبى. 3 - خلافته: 11 - 13 هـ (632 - 634 م). كان يوم موت محمد (ص) (13 من شهر ربيع الأول من السنة الحادية عشرة للهجرة = 8 يونيه سنة 632 م) يوما حرجا للدولة الإسلامية الفتية، فقد اجتمع الأنصار لاختيار قائد من بين أنفسهم، غير أن عمر وآخرين أقنعوهم بقبول أبى بكر، وتلقب بخليفة رسول الله، وبعد وقت قصير انتقل الى منزل وسط المدينة. وخلافته التى جاوزت السنتين بقليل شغل معظمها بشئون الردة، وهذه الظاهرة كما يدل الاسم الذى سماها به موْرخو العرب، كانت تعد فى نظرهم حركة تقوم اساسا على الدين, غير أن العلماء المحدثين من الأوربيين لاسيما فلهوزن (und Vorarbeiten- Wellhausen Skizzen، جـ 6، برلين سنة 1899. ص 7 - 37) وكايتانى (Annali: Caetani del'Islam جـ 2، ص 549 - 831) قد دللا على أنها كانت فى جوهرها حركة سياسية، والأكثر رجحانا أنها كانت قد أصبحت مركزا لنظام اجتماعى سياسى كان الدين جزءا له كيانه الذاتى فيه، وعلى توالى الأيام كان حتما أن تكون

وجهة أى خروج على هذا النظام دينية. وكانت ثمة مراكز ستة رئيسية لهذا الخروج، كان القائد فى أربعة منها له مسلك دينى، وكان كثيرا ما يسمى المتنبئ: الأسود العنسى فى اليمن، ومسيلمة فى قبيلة حنيفة فى اليمامة، وطليحة فى قبيلتى أسد وغطفان، والمتنبئة سجاح فى قبيلة تميم. وكان مظهر الردة فى كل مركز يختلف باختلاف الأحوال البيئية، وكان ينطوى على الامتناع عن إرسال الضرائب إلى المدينة وعن طاعة العمال المرسلين من المدينة. وقد ابتدأت الردة فى اليمن قبل موت محمد (ص)، وحين تسلم أبو بكر زمام الأمور كان قد ظهر مكان الأسود قيس بن (هبيرة بن عبد يغوث) المكشوح. وكان كان يحتمل أن ثمة حركة فى أمكنة أخرى ضد حكم المدينة ما لبثت بعد موت محمد أن أصبحت ثورة علنية. وفى أثناء تغيب الجيش الإسلامى الرئيسى فى الشام تحت قيادة أسامة بن زيد حاولت بعض القبائل المجاورة أن تباغت المدينة، ولكنها هزمت أخيرا أبو بكر عند ذى القصة. وبعد رجوع حملة الشام أنفذ جيش كبير بقيادة خالد بن الوليد لحرب العصاة فهزم طليحة أولا فى معركة بزاخة وردت أرضه الى حظيرة الإسلام. ثم سرعان ما تخلت تميم بعد ذلك عن سجاح وخضعت لأبى بكر، وكانت أشهر معارك الردة معركة اليمامة عند عقرباء (حوالى ربيع الأول فى السنة الثانية عشرة للهجرة = مايو 633) وكانت تسمى حديقة الموت لكثرة من قتل فيها من كلا الجانبين، ثم ما لبث مسيلمة، وهو أعظم مناهض للمسلمين خطرا، أن هزم وقتل وعاد وسط الجزيرة العربية إلى حكم المسلمين، واختير قادة ثانويون ليكونوا مددا لعمليات فى البحرين واليمن (بما فيها مهرة) على حين أعاد خالد الأمن إلى اليمامة قبل تحركه إلى العراق، وقضى على الردة فى اليمن وحضر موت على يدى قائد آخر هو المهاجر بن أبى أمية. ولقد أبدى أبو بكر فى معاملته للقادة المأسورين كثيرا من الصفح وأصبح كثير منهم مناصرين نشطين لقضية الإسلام. والخبر المأثور هو أن الردة أخمدت قبل نهاية السنة

الحادية عشرة بعد الهجرة (مارس 633 م) غير أن كايتانى يرى أن الأحداث تحتاج إلى فسحة أطول وأنه من المحتمل أن تكون قد امتدت الى سنة 13 هـ (634 م). وإن اتساع حملات النبى محمد على الطريق الى الشام ليدل على أنه كان قد أدرك ضرورة الفتوح إذا أريد للإسلام أن يستتب بين القبائل العربية. وكان أبو بكر مدركا لهذا المبدأ الاستراتيجى. وفى الأيام الأولى من خلافته لم يسكت على تهديد العصاة فى الجزيرة العربية، وأصر تنفيذا لخطة محمد (ص) على إرسال جيش كبير تحت قيادة أسامة إلى الشام، وما إن زال خطر مسيلمة فى وسط الجزيرة العربية، حتى بادر أبو بكر دون إبطاء إلى إنفاذ خالد إلى العراق، وهكذا بدئ بإرشاد أبى بكر عصر الفتوح الكبرى. ولقد راجع العلماء الأوربيون الأخبار المأثورة عن الفتوح وتسلسلها التاريخى مراجعة جوهرية وصححوها بنقدهم لمصادرها Wellhausen: كتابه المذكور ص 37 - 113 , Memoire sur la: De Goege conguete de syrie الطبعة الثانية، ليدن سنة 1900. Palestina: N.A. Miednikoff سانت بطرسبرغ، سنة 1897 - 1907، بالروسية Annali: Caetani,2, 3) وعند وفاة أبى بكر كانت الحال تبدو كما يلى: خالد منضما الى قوة من بنى بكر بن وائل تحت قيادة المثنى بن حارثة يتقدم غانما فى العراق مهددا الحيرة التى دفعت 000, 60 درهم لتترك وشأنها، وعلى حين بقى المثنى فى للك الجبهة خرج خالد فى مسيرة مشهورة إلى دمشق وانضم إلى ثلاث كتائب تحت قيادة يزيد بن أبى سفيان، وشرحبيل بن حسنة، وعمرو بن العاص كانت تلاقى نجاحا فى فلسطين، غير انها كانت آنئذ تتقهقر امام جيش بوزنطى يفوقها، فرد جيش المسلمين الموحد العدو عند أجنادين (من الراجح أن تكون محرفة عن الجنابتين) بين بيت المقدس وغزة فى نهاية جمادى الأولى) يولية سنة 634 م) وهكذا بدأ أبو بكر التوسع فى الإمبراطورية الفارسية، غير أنه ظل يصرف جل عنايته الى الشام، وعلى أية حال فإننا

لا نستطيع أن نحدد المرحلة التى اتخذ فيها القرار بعدم الاقتصار على الإغارة على هذه البلاد بل تجاوز ذلك إلى فتحها. ومات أبو بكر فى الثانى والعشرين من جمادى الآخر سنة 13 هـ (23 أغسطس سنة 634) ودفن الى جانب النبى محمد (ص). وإن بساطته العظيمة فى حياته مع تعففه عن كل ثراء وأبهه وتظاهر أصبح بعد حديثا يروي ذلك فلقد كان لهذا دون شك أصل من الحقيقة. أما التأكيد بأنه هو الذى بدأ فى جمع القرآن فلقد أصبح الآن مجانبا للصواب إذ أن الرأى الغالب يرد ذلك الى عمر. المصادر: علاوة على المصادر المذكورة فى صلب المادة: (1) ابن هشام، فى مواضع مختلفة. (2) الواقدى، (ترجمة فلها وزن، برلين سنة 1882) فى مواضع مختلفة. (3) ابن سعد، جـ 3، قسم 1، ص 119 - 152, 202. (4) الطبرى، جـ 1، ص 1816 - 2144 (عن خلافته). (5) البلاذرى: فتوح البلدان، ص 96، 98، 102، 450. (6) المسعودى: مروج الذهب، جـ 4، ص 173 - 190. (7) ابن حجر الإصابة، جـ 2، ص 828 - 835, 839. (8) ابن الأثير: أسد الغابة، ب 3، ص 205 - 224. (9) Aishah the beloved of: N. Abbott Mohammed . شيكاغو، سنة 1942, انظر الفهرس. (10) Mohammed: W. Montgomery Watt Mekka at أوكسفورد سنة 1953، انظر الفهرس. (11) The Expansion o f the: C. Becker -Saracens, Cambridge Medieval His tory سنة 1912, جـ 2، ص 329 - 11 Islam Studien = (لييسك سنة 1924, جـ 1، ص 66 - 82). الأبيارى [مونكومرى وات - W. Mont gomery Watt]

أبو بكرة

أبو بكرة (أى صاحب البكرة) هي الكنية التي عرف بها عامة صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نُفَيْع بن مَسْروح، وهو حبشي كان مولي لثقيف الطائف، ولما حاصر النبي هذه المدينة سنة 8 هـ (630 م) انضم إلي المسلمين إذ تدلى ببكرة من الحصن فأعتقه النبي - صلى الله عليه وسلم -. وأقام أبو بكرة من بعد في اليمن وشارك في تأسيس البصرة حيث أقام حتي أدركته منيته بها سنة 51 أو 52 هـ (671 - 672 م). ويقال أنه قد جلده عمر لأنه شهد علي المغيرة بن شُعْبَة عندما اتهم بالزنا، ومن ثم لم يشارك في السياسة بنصيب واعتزل أثناء وقعة الجمل. وقد صرف همه إلى زرع الضياع التي أعطاه له عمر وإلى رواية الحديث، وقد كان في قول أهل العلم حجة فيه. ويقول من ترجموا له إن أمه هي "سُمَيَّة" ومن ثم عدّ أخا لزياد بن أبيه من ناحية أمه، علي أنه خاصم زيادا عندما انضعم الى حزب معاوية. وقد خلف أبو بكرة ذرية وافرة العدد، منها سبعة أبناء هم: عبد الله، وعبيد الله، وعبد الرحمن، وعبد العزيز، ومسلم، ورَوّاد، ويزيد، وعُتْبَة والذين كان لهم نصيب في رواية الحديث. وقد أثر هؤلاء الأبناء من استغلالهم للحمامات العامة وشملهم زياد برعايته فأصبحت لهم مكانة بين الطبقة الوسطي في البصرة أو قل بين طبقة الوجهاء، ووضعوا لأنفسهم نسبا زاعمين أن أبا بكرة كان ابن الحارث ابن كلّدَة "حكيم العرب" فلما ولي المهدي الخلافة لم يعترف بهذا النسب وردّهم إلي وضعهم بين موالي النبي - صلى الله عليه وسلم - (ابن الطقطقى: الفخرى، طبعة درنبورغ، ص 245، المقدسى: البدء والتاريخ، طبعة إيوار، جـ 6، ص 94 - 95.] Goidziher Muh. Stud، جـ 1، ص 137 وما بعدها). وكان القاضي أبو بكرة بكار بن قتيبة من سلالة هذه الأسرة (182 - 270 هـ = 798 - 884 م، وانظر ابن خلكان رقم 115).

أبو تمام

المصادر: (1) ابن قتيبة: المعارف، القاهرة سنة 1353، ص 125 - 126. (2) ابن سعد: الطبقات، جـ 7، قسم 1، ص 8 - 9, 138, 139. (3) البلاذرى: فتوح البلدان، ص وما بعدها. (4) الطبرى: جـ 1، ص 9، 25 وما بعدها. جـ 3، ص 477 وما بعدها. (5) ابن الفقيه، ص 188. (6) الأغانى، الطبعة الأولى، جـ 2، ص 48، جـ 7، ص 141, جـ 11، ص 100، جـ 14, ص 69. (7) النووى: تهذيب، ص 378 - 379, 677 - 678. (8) ابن الأثير: أسد الغابة، جـ 1، ص، 38، 151,, جـ 2، ص 215. (9) ابن حجر: الإصابة، رقم 8794. (10) ياقوت، جـ 1، ص 638 - 644, وفى مواضع مختلفة. خورشيد [هوتسما وبلا Houtsma - Pellal] أبو تمام حبيب بن أوس: شاعر عربى من أصحاب المجاميع الشعرية، يذكر ابنه تمام أنه ولد عام 188 هـ (804 م)، وفى قول عن أبى تمام نفسه أنه ولد عام 190 هـ = 806 م (انظر كتاب أخبار أبى تمام، ص 272 - 273) فى بلدة "جاسم" بين دمشق وطبرية. ويروى ابنه أنه توفى سنة 231 هـ (845 م)، وفى رواية آخرين أن وفاته كانت فى الثانى من المحرم سنة 232 هـ (29 أغسطس سنة 846 م، انظر الكتاب المذكور). وشاعرنا أبوه نصرانى اسمه "ثاذوس" (ثديوس، ثيودوسيوس؟ ) كان خمارا بدمشق، وغير ابنه اسم ابيه فجعله "أوس" (كتاب أخبار أبى تمام، ص 246) , ولفق لنفسه نسبة تصله بقبيلة طيئ، وسخر شعراء به من أجل هذه النسبة وقالوا فى هجائه أبياتا (أخبار أبى تمام، ص 235 - 238). علي أن هذه النسبة حازت فيما يظهر القبول من بعد، ومن ثم كان يقال لأبى تمام فى كثير من الأحيان: الطائى أو الطائى الكبير. وقضى شبابه مساعدا لنساج

فى دمشق (ابن عساكر، جـ 4، ص 19)، ثم شخص الى مصر وأخذ يقتات من سقى الناس بالمسجد الجامع، على أنه آنس أيضا فرصة لدراسة الشعر العربى وقواعده. ومن العسير أن نستعيد بدقة التواريخ التى مرت بها مراحل حياته، وهذا يصدق على كل حال حتى تثبت الوقائع التى ذكرت فى شعره وسير الرجال الذين مدحهم ثباتا لا بلبلة فيه، وقد جاء فى رواية أنه نظم مدائحه الأولى بدمشق فى محمد بن الجهم أخى الشاعر على بن الجهم (الموشح ص 324). على أن هذه الرواية يتعذر الأخذ بصحتها، لأن محمدا هذا لم يقمه المعتصم واليا على دمشق الا سنة 225 هـ فحسب (خليل مردم بك فى مقدمته لديوان على بن الجهم، ص 4) ويقول الشاعر نفسه (كتاب أخبار أبى تمام، ص 121) إن أول شعر قاله كان بمصر فى مدح صاحب الخراج عياش بن لهيعة (البديعى، ص 181). ولكن عياشا خيب ظنه فرد له الصاع، كما جرت الحال فى كثير من الأحوال، بقصائد فى هجائه (البديعى، ص 174 وما بعدها). ويروى الكندى فى كتابه عن ولاة مصر وقضائها (Governors and Judges of Egypt, طبعة غست Guest، ص 181، 183, 186, 187) بعض أبيات لأبى تمام تشير الى حوادث وقعت فى مصر بين سنتى 211 - 214 هـ. وعاد أبو تمام من مصر إلى الشام، وإلى هذا الوقت ترجع فيما يظهر قصائد المدح والهجاء التى قالها فى أبى المغيث موسى بن إبراهيم الرافقى. ولما عاد المأمون من حملته على الروم (215 - 218 هـ) سعى إليه أبو تمام مرتديا زى البدو الذى كان يؤثره طوال حياته، وقدم إليه قصيدة، إلا أنها لم ترق للخليفة لأنه وجد أنه مما يخالف طبيعة الأشياء أن يقول بدوى شعرا فى حياة الحضر (أبو هلال العسكرى، ديوان المعانى، جـ 2، ص 120). وربما كان هذا الوقت هو الذى اتصل فيه البحترى الشاب بشاعرنا فى حمص (أخبار أيى تمام. ص 66، وانظر ص 105). "وبلغ أبو تمام مرتبة الشهرة أول ما بلغ وأصبح معروفا بين الناس فى

خلافة المعتصم، ولما دمرت عمورية سنة 223 هـ (838 م) بعث به قاضى القضاة أحمد بن أبى دؤاد المعتزلى إلى سر من رأى ليمثل بين يدى الخليفة. وتذكر الخليفة صوت الشاعر الأجش، وكان قد سمعه بالمصيصة، فلم يسمح له بالمثول فى حضرته إلا بعد أن استوثق أنه قد صحب معه راويا حسن النشيد (أخبار أبى تمام، ص 143 - 144)، وهنالك أخذ أبو تمام يتبوأ مكانته كأشهر مداح فى عصره. ولم تقف قصائده عند مدح الخليفة بل تجاوزت ذلك الى مدح أكابر أعيان زمنه، ومن بين هؤلاء أحمد بن أبى دؤاد، وإن كان أغضبه إلى حين بقصيدة كال فيها المديح لعرب الجنوب الذين تنتسب اليهم قبيلة طيئ وانتقص من قدر عرب الشمال الذين كان قاضى القضاة يربط نسبه بهم. ولم يكن بد من أن يقول الشاعر قصيدة أخرى فى مولاه يعتذر بها عن هذه السقطة حتى يرده إلى سابق عطفه (أخبار أبى تمام، ص 147 وما بعدها) وثمة شخصيات أخرى مدحها أبو تمام نذكر منها على سبيل المثال: القائد أبا سعيد محمد بن يوسف المروزى الذى كان أبلى بلاء حسنا فى حرب الروم وفى الحملات التى شنت على بابك الخرمى، وابنه يوسف الذى قتله الأرمن سنة 237 هـ وهو يلى أمر أرمينية، وأبادلف القاسم العجلى المتوفى سنة 225، وإسحق بن ابراهيم المصعبى صاحب جسر (أى صاحب الشرطة) بغداد من سنة 207 إلى سنة 235 هـ وكان الحسن بن وهب كاتب الوزير محمد بن عبد الله الزيات من المعجبين بأبى تمام خاصة. وارتحل أبو تمام عسدة مرات ليزور ولاة الأقاليم أمثال والى الجبل محمد بن الهيثم (أخبار أبى تمام، ص 188)، وخالد بن يزيد والى أرمينية فى خلافة الواثق المتوفى سنة 230 هـ (أخبار أبى تمام ص 188 وما بعدها) وغيرهما. وكان شخوصه إلى عبد الله بن طاهر فى نيسابور أشهر رحلاته, على أنه لم ينل من عبد الله ما كان يرجوه من عطاء كما أن الجو البارد لم يلائمه فأسرع بالعودة أدراجه، ولكن الثلج احتجزه فى همذان فاستغل الوقت المتاح له وصنف أشهر دواوينه "الحماسة"

مستعينا بمكتبة أبى الوفا بن سلمة، وقد عنى الحسن بن وهب بأبى تمام قبل وفاة الشاعر بنحو سنتين فولاه بريد الموصل. ويظن أن الفيلسوف الكندى تنبأ له بالموت المبكر من شدة الفكر (ومن الواضح أن ابن خلكان قد نقل عن الصولى، ومع ذلك فإن الفقرة المناسبة قد سقطت، وانظر أخبار أبى تمام, ص 231 - 232)، وفى الموصل أدركت المنية أبا تمام. وقد بنى أبو نهشل بن حميد، أخو محمد الذى هلك سنة 214 هـ فى الحملة على بابك، قبة على قبر أبى تمام زارها ابن خلكان. وكان أبو تمام أسمر طوالا يرتدى زى الأعراب حلو الكلام فصيحا، منكر الصوت جدا، يعانى حبسة قليلة فى لسانه ولذلك فإن شعره كان ينشده راويه صالح (أخبار أبى تمام، ص 210). وتتناول قصائد أبى تمام الحوادث التاريخية الهامة مثل فتح عمورية، والحملة على بابك وقتله سنة 223 هـ (837 - 837 م) وقتل الإفشين سنة 226 هـ (840 م) الذي كان الشاعر نفسه مدحه من قبل، وغير ذلك. وتكمل القصائد فى نواح معينة رواية المؤرخين (انظر الطبرى - The reign of al Mu'tasim. ترجمة وتعليق مارتن. E Martin نيوهافن سنة 1951، الفهرس؛ Les allusions a la guerre byz-: M. Canard Tammam et antine chez les Pontes Abu Buhturi في Vassiliev. Byzance et: A.A les Arabes جـ 1 - La Dynastie d'Am corium بروكسل، سنة 1935, ص 397 - 403). وقد اختلفت الآراء فى القيمة الجمالية لشعر أبى تمام حتى فى حياته؛ قال الشاعر دِعْبِل، الذى كان يُخشى من سلاطة لساَنه، إن شعر أبى تمام ثلثه سرقة، وثلثه غث، وثلثه صالح (اخبار أبى تمام، ص 244)؛ وقال تلميذه البحترى الذى كان يقدره أعظم التقدير، إن جيد شعر أبى تمام خير من جيده، وردئ البحترى خير من رديئه (أخبار أبى تمام، ص 67)؛ وكان الشاعر على بن الجهم المتوفى سنة 249 هـ (أخبار أبى تمام، ص 61 - 62) صديقًا لأبى تمام معجبًا به.

وإلى هذا الشاعر ترجع الرواية التى تنبئنا بحضور أبى تمام لأول مرة اجتماع الشعراء فى القبة المعروفة بهم من جامع بغداد (تاريخ بغداد، حـ 8، ص 249 نقلا عن المعافى بن زكريا؛ ديوان على بن الجهم، المقدمة, ص 6 - 7). وبعد موت أبى تمام بزمن طويل كتبت المقالات فى مدحه والقدح فيه؛ ونوقشت فى هذه المقالات سرقاته الأدبية أيضًا؛ من ذلك أن أبا العباس أحمد بن عبيد الله القُطْرَبُلّى عابه (كتاب الموازنة، ص 56)، ومدحه أبو بكر محمد الصولى الذي، يعد كتابه أخبار أبى تمام بلا شك أقدم المصادر عن حياته وأكثرها تفصيلا. ويجب أن نضيف إلى المدافعين عنه: المرزوقى المتوفى سنة 421 هـ الذى صنف "كتاب الانتصار من ظلمة أبى تمام" (انظر Oriens سنة 1949, ص 268)؛ والقاضى أبا الحسن على الجرجانى فى كتابه "الوساطة بين المتنبى وخصومه" (صيداء سنة 1331, ص 58 وما بعدها)؛ والآمدى المتوفى سنة 381 هـ فى كتابه "الموازنة بين الطائيين أبى تمام والبحترى" (إستانبول سنة 1287 هـ؛ الترجمة التركية بقلم محمد ولد، إستانبول سنة 1311 هـ) يزن محاسنه ومعايبه؛ أما المرزبانى المتوفى سنة 384 فإنه يجنح إلى إبراز معايبه فى كتابه "الموشح" (القاهرة سنة 1343 هـ, ص 303, 329)؛ ويدفع الشريف المرتضى فى كتابه "الشهاب فى الشيب والشباب" (إستانبول سنة 1303 هـ) المآخذ التى أخذها عليه الآمدى. ويستطيع القارئ الحديث أن يتتبع نقد القدماء. وفى قصائد أبى تمام ترد الأخيلة البارعة التى قررت شهرته جنبًا إلى جنب مع كثير مما لا ترتاح له النفس؛ وله ولع بالألفاظ الغريبة بل وبالتراكيب المفتعلة، المضنية فى كثير من الأحيان التى عانى فى شرحها الراسخون فى العربية. وترهق قارئه تجسيدات غير موفقة لأفكار مجردة واستعارات متكلفة متصيدة غير مقنعة تتوالى عليه كثيرا فى عدة أبيات متصلة حتى يقع على صورة شعرية بارعة. أضف إلى

ذلك نزوع من الشاعر مؤسف إلى الجناس والجمع بين المتناقضات فى تبرير محكم (عبد القاهر الجرجانى: أسرار البلاغة، طبعة Ritter، ص 15). وقد جمع الصولى ديوان أبى تمام مرتبًا على أحرف الهجاء، وجمعه على ابن حمزة الإصفهانى حسب الموضوعات، وكذلك نقله إلينا السكرى (Oriens سنة 1949, ص 268) وغيره. ونشر فى طبعات غير جيدة فى القاهرة سنة 1299 هـ؛ وفى بيروت سنة 1889, 1905, 1923, 1934. ونشر ماركوليوث فهرسًا له فى. J.R.A.S سنة 1905, 763 - 782. ولم تطبع بعد الشروح العديدة التى لا غنى عنها بحال لفهم شعره، وهى الشروح التى كتبها الصولى، والمرزوقى، والتبريزى وابن المستوفى (أخبار أبى تمام، المقدمة، ص 8؛ Ritter .H: Philolgika, جـ 13 في Oriens سنة 1949, ص 266 - 269؛ حاجى خليفة تحت ديوان أبى تمام، وإسماعيل باشا: إيضاح المكنون فى ذيل على كشف الظنون، جـ 1، إستانبول، سنة 1945, ص 422). [ويطبع الآن فى القاهرة شرح التبريزى، جـ 1، سنة 1952). ولأبى تمام بالإضافة إلى ديوانه مجاميع شعرية أخرى، أشهرها مجموع من "المقطعات" لشعراء أقل من ذلك صيتًا، جمعه وقت أن كان محتجزًا فى همذان، وهو ديوان الحماسة، نشره مع شرح التبريزى فريتاغ (Hamasae Carmina cum Te-: G. Freytag brisii Scholiis بون سنة 1828 الترجمة اللاتينية 1847 - 1851 م) وقد أعيد طبعه بجميع أخطائه فى بولاق سنة 1284, وفى القاهرة سنة 1938؛ وانظر فيما يتعلق بشروحه العديدة بروكلمان (كتابه المعروف، جـ 1، ص 134 وما بعدها)؛ وريتر (Philologika: H. Ritter . جـ 3 في Oriens، سنة 1949, ص 246 - 261)؛ وحاجى خليفة (كشف الظنون، مادة حماسة)؛ وإسماعيل باشا (إيضاح المكنون، جـ 1، ص 422). ولا يزال مخطوطًا من مجاميع الشعر الأخرى التى جمعها أبو تمام: "الحماسة

الصغرى" أو"الوحشيات" (انظر oreiens، سنة 1949, ص 261 - 262) وهي لا تنطبق على أية اختيارات ذكرها الآمدى؛ "اختيار الشعراء الفحول" وهو فى مشهد (انظر مجلة المجمع العلمى العربى بدمشق، جـ 24, ص YVI) . ونحن لا نعرف من المجاميع الأخرى إلا أسماءها: "الاختيارات من شعر الشعراء ومدح الخلفاء وأخذ جوائزهم" (الفهرست، ص 165؛ معاهد التنصيص، ص 18)؛ "الاختيارات من أشعار القبائل" (الفهرست) = "الاختيار القبائلي الأكبر" و"الاخيار القبائلى" (الموازنة، ص 43)؛ "اختيار المقطعات" ويبدأ بالغزل (انظر المصدرالمذكور)؛ "الاختيار من أشعار المحدثين" (المصدر المذكور)؛ وكذلك يستقى منه "نقائض جرير والأخطل" طبعة صلحانى، بيروت سنة 1922. المصادر: (1) أبو بكر محمد بن يحيى الصولى: أخبار أبى تمام، طبعة خليل محمود عساكر، ومحمد عبده عزام، ونظير الإسلام الهندى، القاهرة سنة 1937. (2) نظير الاسلام: Die Akhbar uber abu suli - Tammum uon as، رسالة علمية قدمت لجامعة برسلاو سنة 1940. (3) الأغانى، جـ 15، ص 100 - 108. (4) الخطيب البغدادى: تاريخ بغداد، جـ 8، ص 248 - 263. (5) ابن عساكر: التاريخ الكبير (بدران)، جـ 4، ص 18 - 26. (6) ابن الأنبارى: نزهة الألباء، ص 213 - 216. (7) ابن نباته: سرح العيون، القاهرة، مطبعة على صبيح، ص 205 - 210. (8) العباسى: معاهد التنصيص، القاهرة، ص 18 - 20. (9) ابن خلكان، رقم 146. (10) يوسف البديعى: هبة الأيام فيما يتعلق بأبى تمام، القاهرة سنة 1934.

أبو جهل

(11) عبد القاهر البغدادى: خزانة الأدب، سنة 1347 هـ، جـ 1، ص 322 - 323. (12) Brockelmann, جـ 1، ص 12، 83 - 85، قسم 1,ص 39 - 40، 134 - 137، 940, قسم 3, ص 1194. (13) Abriss: 0. Rescher. شتو تكارت سنة 1933، جـ 2، ص 103 - 181. خورشيد [ريتر Ritter. H] أبو جهل هو أبو الحكم عمرو بن هشام بن المُغيرة، من بنى مخزوم من قريش. وكَان يكنى أيضًا بابن الحنْظلِيَّة نسبة إلي أمه أسماء بنت مُخربَّة، وكَان مولده حوالى سنة 570 م أو بعدها بقليل. وكان هو ومحمد (صلعم) معًا فتيين فى وليمة فى بيت عبد الله بن جُدْعان. وقد أسلمت أمه وعاشت إلى ما بعد سنة 13 هـ (635 م). وقبل الهجرة بسنين قليلة كان أبو جهل فيما يبدو قد خلف الوليد ابن المغيرة على زعامة بنى مخزوم، وكذلك فصائل العشائر المنضمة إلى مخزوم. وكان أقل من الوليد ميلا إلى مسالمة النبى، إذ كانت تجارته في مكة قد أوذيت أكثر مما أوذيت تجارة سلفه. وقد يكون أعظم مسئول عن القطيعة بين هاشم والمطلب، وكانت نهاية القطيعة فشلا لسياسته. وعلى أية حال فقد حقق نجاحًا كبيرًا هو وعُقْبة ابن أبى مُعَيْط حين حملا أبا لهب رئيس بنى هاشم بعد وفاة أبى طالب على أن يكف عن حماية محمد. وقبيل الهجرة أوشك أن يدبر لقتل النبى (صلعم)، ويجعل طلب الثأر مستحيلًا حين أشوك من كل قبيلة رجلًا. ونظرًا لعداوته للنبى خلال السنين الأخيرة من العهد الملكى عُزى إليه كثير من أعمال الاضطهاد للمسلمين. والراجح ألا يكون هذا كله قد وقع حقًا (انظر سورة الإسراء, الآية 60؛ سورة الدخان الآية 44؛ سورة العلق، الآية: 9 وتفسيراتها) وكان هو

أبو حنيفة النعمان

وأخوه الحارث بن هشام قد حملا نسيبهما عياش بن ربيعة على الرجوع من المدينة واحتجزاه بمكة (وربما كان ذلك قسرًا). وكان نفوذ أبى جهل يقوم على مكانته التجارية والمالية. وكانت سرية حمزة إلى سيف البحر فى السنة الأولى من الهجرة (623 م) قد مرت قريبًا من قافلة كبيرة يقودها أبو جهل. وفى السنة الثانية من الهجرة (624 م) حين انتهى إلى مكة أن قافلة أبى سفيان العائدة من الشام قد هم بها المسلمون خرج أبو جهل فى ألف رجل لتخليضها، وهلك أبو جهل فى وقعة بدر. ولقد سعى أبو جهل فى حرب المسلمين حتى بعد أن علم أن القافلة نجت. ولعل ذلك كان طمعًا فى كسب مجد حربى إذ كانت القيادة لأبى سفيان إذا حضر. وبعد موت أبى جهل كان زعماء جماعات العشائر المنضمة إلى مخزوم: صفوان بن أميَّة (جُمح)، وسهيل بن عمرو (عامر)، وأخيرًا عكرمة بن أبى جهل. المصادر: (1) ابن هشام والواقدى والطبرى، انظر فهارس هذه الكتب. (2) ابن معد: الطبقات، جـ 3، قسم 1، ص 194؛ جـ 3، قسم 2، ص 55؛ جـ 8، ص 193، ص 220. (3) اليعقوبى، جـ 2، 27. (4) Annali: Caetani، جـ 1, ص 294 - 295, 309, 478, 491 .... إلخ. (0) at: Montagomery Watt Muhammad Mekka، انظر الفهرس. (1) الأزرقى، طبعة فستنفلد، ص 455، 469. الأبيارى [مونكومرى وات W. Montgomery Wan] أبو حنيفة النعمان ابن ثابت: متكلم وفقيه، وهو رأس المدرسة الحنفية، مات سنة. 150 هـ (767 م) عن سبعين عاما. لذا فإن مولده كان حوالى سنة 80 هـ (699 م).

ويقال أن جده زوطى كان عبدا جلب من كابل إلى الكوفة، وأطلق سراحه واحد من قبيلة عربية من تيم الله بن ثعلبة. وغدا هو وأحفاده على هذا من موالى تلك القبيلة. وكان أبو حنيفة يلقب أحيانا التيمى. ولا يعرف عن حياته إلا القليل جدا، فلا نعرف غير أنه عاش فى الكوفة خزازا يبيع الخز، ومن المؤكد أنه حضر مجالس الدرس لحماد ابن سليمان المتوفى سنة 120 هـ الذى كان يدرّس الفقه الدينى فى الكوفة، وربما حضر بمكة فى ذهابه للحج مجالس عطاء بن أبى رباح المتوفى سنة 114 هـ أو 115 هـ ويجب أن نتداول بحذر الأثبات الطويلة التى دونها من ترجموا له بآخرة عن الثقات الذين يقدر أنه سمع عنهم الأحاديث. وبعد موت حماد أصبح أبو حنيفة عمدة الثقات فى مسائل الفقه بالكوفة والممثل الرئيسى لمدرسة الكوفة الفقهية. وقد جمع حوله عددا كبيرا من خاصة المريدين الذين لقنهم مذهبه. ولم يل القضاء أبدا. ومات فى السجن ببغداد حيث دفن. وفى سنة 459 هـ (1066 م) بنيت على قبره قبة. ولايزال الحى الذى حول الضريح يسمى الأعظمية، وكان الإمام الأعظم هو اللقب الشائع لأبى حنيفة. وقد سيقت قصة سيرته على أن الخليفة العباسى المنصور أشخصه إلى عاصمته الجديدة التى بناها وأراد أن يوليه قضاءها وأنه سجنه لإبائه الصريح. وثمة رواية أخرى تقول إن الوالى الأموى يزيد بن عمر بن هبيرة الذى كان عاملا لمروان الثانى عرض عليه من قبل قضاء الكوفة وضربه بالسياط مرة ومرة ليقبل، ولكن دون جدوى. وهذه وشبيهاتها من قصص قصدبها القاء ضوء على نهاية أبى حنيفة فى السجن، وأن الإمام يجب ألا يكون قاضيا، وإن بدا هذا غريبا فى نظر الأجيال المتأخرة. والصحيح -فيما يرجح- أنه قد يكون ورط نفسه بتلميحات ليس فيها احتراس وقت فتنة العلويين: النفس الزكية وأخيه إبراهيم سنة 145 هـ, فأشخص إلى بغداد

وسجن هناك (الخطيب البغدادى جـ 13, ص 329). وأبو حنيفة نفسه لم يضع تصنيفا ما فى الفقه، ولكنه ناقش تلاميذه آراءه وأملاها عليهم. وبعض مصنفات تلامدذه هؤلاء هى من ثم الأصول المعتمدة للمذهب الحنفى، وخاصة كتاب: "اختلاف أبى حنيفة وابن أبى ليلى"، و"الرد على سير الأوزاعى" لأبى يوسف، و"الحجج"، وشرح موطأ مالك للشيبانى، (والإسناد المعول عليه: الشيبانى، عن أبى يوسف، عن أبى حنيفة، الذى تردد فى كثير من أعمال الشيبانى دالا على أنه يمثل وحدة الصلة العامة بين التلميذ وشيخه، ليس يعنى شيئا فى هذا الخصوص) إذ أن القول بأن أبا حنيفة تلقى عن حماد يرجع أساسا إلى آثار أبى يوسف وآثار الشيبانى، وإن الموازنة بين خلف أبى حنيفة وبين سلفه تمكننا من أن نقدر ما حققه فى تطوير الفكر الإسلامى فقها وعقيدة. والفكر الفقهى لأبى حنيفة أرقى كثيرا من هذا الذى كان لمعاصره ابن أبى ليلى (المتوفى سنة 148 هـ) الذى كان يلى قضاء الكوفة فى زمانه. أما عنه وعن التفكير الفقهى المعاصر فى الكوفة بصفة عامة فإن أبا حنيفة كان له فيما يظهر شأن الواضع لأسس النظرية التى حققت تقدما كبيرا فى الفكر الفقهى الاصطلاحى. وبعده عن القضاء جعله أقل تقيدا من ابن أبى ليلى بمقتضيات التطبيق، كما كان فى الوقت نفسه أقل تثبتا لبعده عن الاسترشاد بما يفيده من يمارس القضاء، . ومذهب أبى حنيفة بصفة عامة مذهب متكامل متسق من حيث منهجه، وفيه الكثير جدا من الأفكار الفقهية الجديدة الصريحة حتى إن جزءا كبيرا منها قد وجدت فيه مآخذ أنكرها تلامذته، ولا يتميز فكره الفقهى بأنه كان أوسع أفقا فى أساسه من فكر معاصريه الأكبر منه سنا، وأكثر أخذا به من فكرهم فحسب، بل كان أيضا أرقى اصطلاحا فى إحكامه وتحوطه ولطف نظرته. والطابع الغالب على الفكر الفقهى بصفة عامة عند أبى حنيفة هو الإنعام

فى التعقل. مما يجعل هذا التفكير يشوبه فى كثير من الأحيان شئ من الأناة والتأرجح مع قلة عناية بالتطبيق. وقد اعتمد أبو حنيفة على الرأى والقياس، ولم يجاوز فى ذلك الحد المألوف عند مدارس الفقه الأخرى فى زمانه، وقد جرى على نهج ممثلى المذاهب الأخرى، كارآء أهل المدينة، فكان مثلهم قليل الميل إلى العدول عن مذهب السلف بالنسبة لأحاديث الآحاد، وهى الأحاديث التى بدأت تشيع فى الفقه الإسلامى فى حياة أبى حنيفة فى النصف الأول من القرن الثانى للهجرة. ولما أصبحت هذه الأحاديث من المسلمات لدى المعنيين بالتحديث بفضل ماجاء به الشافعى بعد ذلك بجيلين اتخذ أبو حنيفة لأسباب وقعت اتفاقا كبشا للفداء على اعتبار أنه يعارض الأحاديث النبوية، كما اتخذ كذلك كبشا للفداء لقوله بالرأى فى المذاهب الفقهية القديمة، ولكثير من الأقوال التى نسبت إليه وصادفت هوى من نفوس الناس الذين جاءوا من بعده. وكان الخطيب البغدادى المتوفى سنة 463 هـ (1071 م) هو لسان تلك النزعة المعادية لأبى حنيفة. وكان مما نُقد أيضا الحيل الفقهية التى نماها أبو حنيفة فى المسلك المألوف حين تدليله الفقهى الاصطلاحى. ولكن هذه الحيل أصبحت بعد من خصائص شهرته (انظر Schacht في Isl، سنة 1926, ص 221 وما بعدها). وقد كان لأبى حنيفة من حيث هو متكلم أيضا أثر كبير، فهو أصل مأثور عام من الفقه العقائدى. يعنى عناية خاصة بأفكار جماعة المسلمين والمبدأ الذى يوحدها وهو السنة، وبجمهور المؤمنين الذين يتبعون طريقا وسطا ويتجنبون التطرف، ويعتمد على الكتاب أكثر من اعتماده على البراهين العقلية، وهذا المأثور يمثله كتاب "العالم والمتعلم" الذى ينسب خطأ إلى أبى حنيفة، و"الفقه الأبسط" الذى نشأ بين تلامذة أبى حنيفة ثم فى أعمال المتكلمين الحنفيين بعد ذلك، بما فيها أقوال الطهاوى المتوفى سنة 321 هـ

(933 م) , وتعاليم أبى الليث السمرقندى المتوفى سنة 383 هـ (993 م) , التى كانت دائما كثيرة الشيوع فى الملايو وإندونيسيا وفى الأراضى التى تدين بمذهب الشافعية فى الفقه لا تتحول عنها. وهذا المأثور العقائدى نما من أصل عام أساسه الحركة الكلامية للمرجئة التى كان أبو حنيفة نفسه ينتمى إليها. والوثيقة الوحيدة الموثوق بها التى نملكها لأبى حنيفة هى فى الحق رسالته إلى عثمان البتى التى ينافح فيها عن آرائه الإرجائية بأسلوب مهذب (طبعت هذه الرسالة هى "والعالم والمتعلم" و"الفقه الأبسط" فى القاهرة سنة 1368 = 1949 م) ومن أسماء الكتب الأخرى التى نسبت إلى أبى حنيفة "الفقه الأكبر" الذى بين فنسنك أن الكتاب المعروف بالفقه الأكبر (1) هو دون سواه الذى ينطبق عليه، وهذا الكتاب يوجد مطويا فى شرح نسب خطأ إلى الماتريدى (طبع تحت رقم (1) فى مجموعة شروح الفقه الأكبر، حيدر آباد سنة 1321 هـ) ويحتوى المتن نفسه على عشر مواد فى العقيدة تلم بموقف أهل السنة من الخوارج والقدرية والشيعة والجهمية ولم ترد فيها آراء ضد المرجئة ولاضد المعتزلة، وهذا يدل على أن المؤلف كان من المرجئة وأنه عاش قبل ظهور المعتزلة. وجميع نظريات الفقه الأكبر (1) قد وردت أيضا فى الفقه الأبسط إلا واحدة، والفقه الأبسط يحتوى على أقوال لأبى حنيفة فى مسائل الكلام ردا على أسئلة وجهها إليه تلميذه أبو مطيع البلخى المتوفى سنة 183 هـ (799 م). ومن ثم فإن محتويات الفقه الأكبر (1) هى آراء موثوق فى نسبتها إلى أبى حنيفة، على أنه ليس ثمة ما يصح دليلا على أنه قد ألف حقا المتن المختصر، غير أن الكتاب المعروف بالفقه الأكبر (3) و"وصية أبى حنيفة" ليسا لأبى حنيفة، ولم يستوثق بعد من صحة نسبة عدد من الرسائل الأخرى المنسوبة إلى أبى حنيفة، ومن ثم فهى على الأقل مشكوك فيها. والوصية الموجهة إلى تلميذه

يوسف بن خالد السمتى تمثل آداب رجال البلاط الإيرانى، ولا يمكن تصور أنها من عمل متخصص فى الفقه الإسلامى. وقد أراد أعداء أبى حنيفة المتأخرون أن ينتقصوا من قدره فلم يكتفوا بأن رموه بالآراء المسرفة المستقاة من أقوال المرجئة، بل تجاوزوا ذلك فرموه بجميع أصناف المبادئ المارقة التى لا يمكن أن يكون قد اعتنقها. مثال ذلك أنهم نسبوا إليه القول بأن النار ليست خالدة، وهو قول من أقوال الجهمية التى عارضها أبو حنيفة صراحة فى الفقه الأكبر، كما نسبوا اليه أنه قال إن الخروج على الحكومة ليس فيه ما ينافى الشرع، وهو مذهب يخالف مخالفة مباشرة ميول أبى حنيفة كما يتبين ذلك من "العالم والمتعلم"، بل لقد رمى بأنه من المرجئة الذين يؤمنون بالسيف (وهو أمر مخالف لشيمته) وربما كان هذا الاستنتاج اعتمد فيه على رأيه أيام فتنة النفس الزكية. وقد برز من أعقابه فى الفقه ابنه حماد وحفيده إسماعيل قاضى البصرة والرقة المتوفى سنة 212 هـ (827 م) ونذكر من تلاميذه الأكثر أهمية زفر بن الهذيل المتوفى سنة 158 هـ (775 م) وداود الطائى المتوفى سنة 165 هـ (781 - 782 م) وأبا يوسف وأبا مطيع البلخى (انظر ما سبق)، والشيبانى وأسد بن عمرو المتوفى سنة 190 هـ (806 م) وحسن بن زياد اللؤلئى المتوفى سنة 204 هـ (819 - 820 م). وكان يقدره أعظم التقدير من بين المحدثين عبد الله بن المبارك المتوفى سنة 181 هـ (797 م). وبازدياد سلطان الأحاديث جمع أتباعه ابتداء من يوسف بن أبى يوسف أحاديث الرسول التى استشهد بها أبو حنيفة فى تدليله الفقهى، وحين أخذت الأخبار الموضوعة فى الشيوع، وهو مظهر خاص من المظاهر التى شابت الفقه الإسلامى، زاد أيضا عدد الأحاديث الموضوعة إلى أن قام أبو

المؤيد محمد بن هحمود الخوارزمى المتوفى سنة 655 هـ (1257 م) بجمع خمسى عشرة رواية مختلفة من الأحاديث التى رواها أبو حنيفة فى كتاب واحد، هو"جامع مسانيد أبى حنيفة" (طبعة حيدر آباد سنة 1332 هـ)، وما تزال قادرين على أن نميز هذة الروايات المختلفة ونقارن بينها، ولكن ليس بينها واحدة تصح نسبتها إلى أبى حنيفة. المصادر: (1) الأشعرى: مقالات الإسلاميين، ص 138 وما يعدها. (2) الفهرس، ص 201. (3) الخطيب البغدادى: تاريخ بغداد، جـ 8, ص 323 - 454. (4) أبو المؤيد الموفق بن أحمد المكى ومحمد بن محمد القدرى: مناقب الإمام الأعظم، حيدر آباد سنة 1321 هـ (5) ابن خلكان، رقم (ترجمة ده سلان، جـ 3، ص 555 وما بعدها). (6) الذهبى: تذكرة الحفاظ جـ 1، ص 158 وما بعدها. (7) أحمد أمين: ضحى الاسلام، جـ 2، ص 176 وما بعدها. (8) محمد أبو زهرة: أبو حنيفة، الطبعة الثانية، القاهرة سنة 1947. (9) zahiriten: I. Goldziher جـ 3، ص 12 وما بعدها. (10) Muslim Creed: A. J. Wensinck الفهرس. (11) H. S. Sibay في I.A., جـ 4، ص 20 وما بعدها. (12) Muhammedan: J. Schacht Origins of Jurisprudence الفهرس. (13) Brockelmann , جـ 1، ص 176, قسم 1، ص 284 وما بعدها (وفيه أخطاء كثيرة) الأبيارى [شاخت J. Schacht]

أبو حيان

أبو حيان على بن محمد بن العباس التوحيدى (سمى بذلك نسبة لأحد أجداده الذى كان يبيع نوعا من التمر يسمى "التوحيد"، أو لأنه كان من القائلين بالتوحيد فى الله): فقيه وفيلسوف ومتصوف وصاحب مصنفات مختلفة, عاش فى القرن الرابع الهجرى (العاشر الميلادى). ولم يصل إلينا إلا القليل عن سيرته، ولكننا نستدل من الوثائق التى ذكرها ياقوت، أنه كان على قيد الحياة فى رجب عام 400 هـ (فبراير 1010 م) وأنه توفى بالغا من العمر أكثر من ثمانين عاما. واختلفت الروايات فى موطنه، يذكر بعضها "نيسابور" وبعضها "شيراز" والبعض الآخر "واسط". وقد صرف الجزء الأكبر من حياته فى بغداد حيث درس النحو على أبى سعيد السيرافى، وعلى بن عيسى الرمانى، كما درس الفقه الشافعى على ابى حامد المروروذى، وأبى بكر الشافعى؛ وحضر فى وقت متأخر من حياته دروس الفلسفة التى كان يلقيها يحيى ابن عدى، وأبو أبو حيان سليمان محمد بن طاهر المنطقى وغيرهما فى أوقات مختلفة بين عامى 361 و 391 هـ ونفاه المهلبى المتوفى عام 352 هـ (963 م) من بغداد (وكان يتعيش فيها من العملى نساخا) لزندقته فى آرائه التى أوردها فى مصنفات له فقدت الآن. وطلب أول الأمر معونة ابن العميد فى خراسان، وتقدم اليه برسالة محكمة الصنعة أذاعها بعد ذلك على أنها مثال من أملكة الفصاحة. وعاش أبو حيان من عام 367 إلى عام 370 هـ (977 - 980) فى بلاط ابن عباد بمدينة الرى، ولكنه لم ينل منه أى نوال لرفضه أن يكون ناسخا لكتبه. وقد ثار لنفسه بعد ذلك من هذين الوزيرين بمهاجمتهما فى رسالة تناولت مثالبهما, كما هجاهما فى كتابه "الإمتاع". ويظهر أنه كان أكثر توفيقا مع وزيوى صمصام الدولة: ابن سعدان المتوفى عام 375 هـ (985 - 986 م) وعبد الله بن العريض الشيرازى. وصرف الجزء الأخير من حياته فى بغداد مرة أخرى حيث كان يعيش فى فقر. وفى أواخر أيامه أحرق مكتبته واعتذر عن هذا

العمل بإعراض أهل بغداد عنه مع أنه عاش بينهم عشرين عاما، وقد ذكر فى مقدمة رسالته "الصديق والصداقة" أنه كان منبوذا من الجميع فى تلك العاصمة. وقد زودنا ياقوت فى معجم الأدباء (مخطوط بالآستانة) بالثبت الآتى لمصنفات أبى حيان: (1) "الصديق والصداقة" (الآستانة عام 1301 هـ) ولهذا المصنف ذيل فى العلوم. (2) رد على شرح ابن جنى على المتنبى. (3) "الإمتاع والمؤانسة" وقد ذكر القفطى فقرة عنه، فى ص 283, كان أول من نبه الأذهان إليها فلوكل Flugel في Deulsch. Morgnl. Gesell. . . d Zeitschr جـ 12، ص 20؛ كما ذكره ابن العربى فى "المسامرات" جـ 1، ص 188؛ والغزولى فى "مطالع البدور" جـ 2، ص 62. وقد يكون ذكره فى ص 117, ويورد ياقوت مقتطفات عدة منه فى مصنفه معجم الأدباء. (4) "الإشارات الإلهية" وهناك موجز مخطوط من هذا المصنف (انظر Very- d arah- Handschr- d- kn-Ahlwardt nigl. Bibl. zu Berlin، رقم 2818). (5) "الزلفة". (6) "المقابسة"، وهذا المصنف طبع فى بومباى فى تاريخ مجهول بعنوان "المقابسات" أو"المقايسات" (انظر أيضا Cata 1. cod. or. bibl. a lugduno Batavae. الطبعة الأولى، جـ 3، ص 314 - 315). (7) "رياض العارفين". (8) "تقريط الجاحظ" وقد أخذ منه ياقوت فقرة طويلة فى ترجمته لأحمد الدينوري. (9) "ذم الوزيرين" [ابن العميد وابن عباد] ويظهر أن هذا المصنف محفوظ بالآستانة، لأن مطبعة الجوائب وعدت بنشره. وقد أخذ ياقوت فقرة طويلة منه فى ترجمته لابن عباد. (10) "الحج العقلى إذا ضاق الفضاء عن الحج الشرعى". (11) "رسالة فى ضَلّات الفقهاء". (12) "الرسالة البغدادية".

(13) "رسالة فى أخبار الصوفية". (14) "الرسالة الصوفية". (15) "الرسالة فى الحنين إلى الأوطان". (16) "كتاب البصائر والذخائر"، وقد ذكر السبكى مقتطفا منه فى ترجمته له. وهنا نسخة أو عدة نسخ من هذا المصنف فى مكتبة الفاتح بالآستانة من رقم 3695 إلي 3699. (17) "المحاضرات والمناظرات" وقد ذكره ياقوت فى ترجمته لأبى حيان. وربما كان هذا نفس المصنف الذى أخذ منه ابن عربى (كتابه المذكور آنفا، جـ 2، (ص 77) نص الرسائل التى تبودلت بين أبى بكر وعلى كما أخذ عنه ابن العبرى (طبعة بوكوك Pococke. ص 330) الفقرة التى كتبها ابن حيان عن إخوان الصفاء. وقد ورد ذكر "أخبار القدماء وذخائر الحكماء" لابن حيان فى كتاب "غرر الخصائص" المطبوع بالقاهرة عام 1284 هـ ص 744 كما ذكر المجلد الثالث من "التذكرة التوحيدية" فى ص 76. وليس من المؤكد أن هذين المصنفين ينطبقان على أى من المصنفات المذكورة فى الثبت السابق. وأبو حيان -كابن الراوندى وأبى العلاء- يعد من زنادقة الإسلام وخاصة أنه قد عرض آراءه فى الحقيقة عرضا أغمض، بل هو من ثم أكثر دهاء (مجلة الجمعية الأسيوية الملكية سنة 1905. ص 80) .. بيد أن مصنفاته التى وصلت إلينا لا تكاد تبرر هذا الرأى، ولو أن اسم الكتاب العاشر يوحى بالزندقة التى أودت بحياة الحلاج. أما كتابه الصوفى الذى أوردناه برقم 4 فإنه يحتوى على دعوات ومواعظ ورسائل تهذيبية مع إشارات قليلة إلى المصطلحات الصوفية. والكتاب السادس مجموعة للمجادلات الفلسفية المختلفة التى يقول أبو حيان إنه حضرها بنفسه؛ وكان أهم من اشترك فى هذه المجادلات أبو سليمان المنطقى، على أنه قد حضرها معه بعض الشخصيات البارزة، أمثال أبى الحسن الصابى، وأبى بكر الخوارزمى، وأبى الحسن الحرانى،

ويحيى بن عدى. والمنطق والإلهيات أهم ما دار حوله الجدل. وأبو حيان يقلد فى كتابه رقم 1 (كما فعل فى غيره) أسلوب الجاحظ السلس المطبوع، على أنه لم يضف إلا القليل على ما جمعه فيه من النوادر والشواهد. واشتهر كتابه رقم 9 بأنه كتاب مشئوم: وربما كانت السمعة السيئة التى ألصقها بأبى حيان هى السبب فى عدم ذكر اسمه بين الحكماء أو المتصوفة مع أنه منهم. المصادر: (1) النووى، طبعة فستنفلد، ص 797. (2) السبكى: طبقات الشافعية، القاهرة، جـ 4، ص 3، 2. (3) ياقوت: معجم الأدباء، مكتبة كويريلى زاده. (4) الصفدى، مجلة الجمعية الأسيوية الملكية، سنة 1950، ص 80. (5) ابن خلكان، طبعة فستنفلد، رقم 707. (6) Tuhfat ikhwan al - safa: Nauwerk فى Notiz fiber das arab Buch: تحفة إخوان الصفاء، برلين سنة 1837. [مركوليوث D. S. Margoliouth] + أبو حيان التوحيدى على بن محمد بن العباس (والراجح أنه لقب بالتوحيدى نسبة إلى نوع من التمر يعرف بهذا الاسم): أديب وفيلسوف من اعيان القرن الرابع الهجرى (العاشر الميلادى)، وفى مسقط رأسه روايات فيقال إنه ولد فى نيسابور ويقال فى شيراز، ويقال فى واسط، ويقال فى بغداد، ولاشك أن ذلك كان ما بين سنتى 310 و 320 هـ (922 - 932 م). وفى بغداد درس أبو حيان النحو على السيرافى والرمانى، والفقه الشافعى على أبى حامد المرو الروذى وأبى بكر الشاشى، كما أنه كان يحضر مجالس شيوخ الصوفية؛ وكان يحترف مهنة النسخ ويتكسب منها. ويقال فى فقرة مشكوك فيها (انظر السبكى والصفدى والذهبى وابن حجر) أن الوزير المهلبى المتوفى سنة 352 هـ (963 م) قد اضطهده لما قال به من آراء تتسم بالزندقة. وكان أبو حيان فى مكة سنة 353 هـ (964 م؛ انظر الإمتاع والمؤانسة، جـ 2، ص 79؛ كتاب البصائر، مخطوط فى كمبردج، ورقة

رقم 167 v) وفى الرى سنة 358? ? v? ? ياقوت: ارشاد الأريب، جـ 2، ص 292 فى بلاط أبى الفضل بن العميد؟ المتوفى سنة 360 هـ = 970 م). ونتبين من كتابه "المقابسات" (ص 156) أنه حضر سنة 361 هـ (971 م) مجالس الفيلسوف يحيى بن عدى فى بغداد. وفى الرى جرب حظه مع الوزير أبى الفتح ابن العميد المتوفى سنة 366 هـ (976 م) ووجه إليه رسالة محكمة الصنعة. ونستدل من مشاعر السخط التى أحس بها حيال هذا الوزير على أنه لم ينل منه الكثير. واستخدمه ابن عباد نساخا منذ سنة 367 هـ (977 م) ولكنه لم يصب شيئا من النجاح قط فى هذه المرة أيضا، ولا شك أن معظم السبب فى هذا الإخفاق يرجع إلى شكاسة خلقه وشعور يخامره بالاستعلاء (مثال ذلك أنه أبى أن يضيع وقته فى نسخ مجموعة رسائل مولاه الضخمة) وأخيرا استغنى عن خدماته. وأحس أبو حيان بأنه قد أسيئت معاملته فانتقم لنفسه برسالة رسم فيها بقلمه صورة هزلية بارعة لكل من أبى الفتح ابن العميد وابن عباد (ذم، أو مثالب أو أخلاق، الوزيرين، وقد أورد ياقوت مقتطفات وافية منها، جـ 1، ص 281؛ جـ 2، ص 44 وما بعدها, 282 وما بعدها,317 وما بعدها؛ جـ 5، ص 359 وما بعدها, 392 وما بعدها، 406). وكانت المدة ما بين سنتى 350 و 365 هـ (961 - 975 م) هى التى صنف فيها مجموعته فى الأدب المسماة "بصائر القدماء" أو"البصائر والذخائر" ... إلخ فى عشرة مجلدات (المجلدات من 1 - 4 فى مكتبة مسجد الفاتح ب إستانبول، الأرقام 3295 - 3299؛ والمجلدان الأول والثانى فى كمبردج رقم 134, وفي جار الله، إستانبول؛ وفى مانشستر رقم 767؛ وثمة مجلدات لم يتحقق منها فى مكتبه عموميه: إستانبول، رامبور، جـ 1، ص 330، أمبروزيانا؟ ). والراجح أنه وجه فى الرى إلى مسكويه المسائل التي أجاب عنها مسكوييه فى رسالته "الحوامل والشوامل". ولما عاد أبو حيان إلى

بغداد فى نهاية عام 370 هـ (980 م) أوصى به زيد بن رفاعة وأبو الوفا البوزجانى المحاسب خيرا لدى ابن سعدان (كنى بذلك نسبة إلى منصبه وهو مفتش الجيش: العارض"؛ انظر الروذراوردي: ذيل تجارب الأمم، ومن ثم جاء اللبس الذى وقع فيه ابن القفطى والمؤلفون المحدثون). وقد بدأ أبو حيان يكتب لابن سعدان كتاب الصديق والصداقة الذى لم يتم مع ذلك إلا بعد ثلاثين سنة. وكان يؤم بانتظام فى هذا العهد مجالس (مجالس حضرها سنة 371 هـ = 981 م، وانظر المقابسات، ص 246, 286) الرجل الذى أثر فيه أعظم الأثر ونعنى به أبا سليمان المنطقى؛ وقد كان أبو سليمان هو ملهمه الأكبر وخاصة فى المسائل الفلسفية بل فى كل موضوع آخر يمكن تصوره. وقد ظل أبو حيان من حاشية الوزير الملازمين يحضر استقبالاته المسائية حيث كان عليه أن يجيب الوزير عن مسائل مختلفة أشد الخلاف من لغوية إلى أدبية إلى فلسفية إلى ثرثرة تدور فى البلاط وأسمار فى الأدب. (وكان أبو حيان فى كثير جدا من الأحيان يردد فى هذه المسائل آراء أبى سليمان الذى كان يعيش فى عزلة ولا يغشى هذه المجالس). وقد نزل أبو حيان على رجاء أبى الوفاء المحاسب فجمع لإمتاع أبى الوفاء سجلا بسبعة وثلاثين مجلسا من هذه المجالس سماه "الامتاع والمؤانسة" (طبعة أحمد أمين وأحمد الزين، القاهرة سنة 1939 - 1944). وفى سنة 375 هـ (985 - 986 م) سقط ابن سعدان وقتل، وبدا أن ابن حيان بقى بلا مولى ولا راع (كتب لأبى القاسم المدلجى وزير صمصام الدولة بشيراز سنة 382 - 383 هـ = 992 - 993 م كتاب المحاضرات والمناظرات، وقد ذكر ياقوت فى إرشاد الأريب شواهد منه، جـ 1، ص 15؛ جـ 3، ص 87؛ جـ 5، ص 382, 405؛ جـ 6، ص 466). ولا نعرف عن خريف حياة أبى حيان إلا القليل، وقد كان فيما يظهر يعيش فى فاقة. وفى هذه السنين المتأخرة صنف "المقابسات" (بومباى سنة 306 هـ, القاهرة سنة 1929,

وكلتا الطبعتين حافلتان بالأخطاء)، وهى مجموعة من مائة حديث وستة فى موضوعات فلسفية مختلفة؛ والمتحدث الأول هنا هو أبو سليمان أيضا، ولكنه يظهر فيها أيضا سائر أعضاء الحلقة الفلسفية ببغداد. والمقابسات والإمتاع والمؤانسة كنزان من كنوز المعرفة عن الحياة العقلية المعاصرة، ولا شك فى أنهما سوف يثبتان قيمتهما التى لا غنى عنها فى تكوين صورة لمذاهب فلاسفة بغداد. وفى آخر أيام ابى حيان عمد إلى كتبه فأحرقها مبررا ذلك بالإهمال الذى كتب عليه أن يعيش رازحا تحت أثقاله عشرين سنة. وقد اشتكى مثل هذه الشكوى فى مقدمة رسالته "الصديق والصداقة" (طبعت هى ورسالة صغيرة أخرى فى فائدة العلم بإستانبول سنة 1301 هـ) التى أتمها سنة 400 هـ (1009 م). ويزعم دليل لقرافة شيراز (شد الإزار عن حط الأوزار، ص 17) أن قبر ابى حيان التوحيدى (ويجعل هذا الدليل اسمه مع ذلك احمد بن العباس) يشاهد فى شيراز ويحدد وفاته بسنة 414 هـ (1023 م). و، قد كان أبو حيان من أصحاب الأساليب فى العربية، يعجب بالجاحظ أشد الإعجاب حتى إنه كتب فى مدحه رسالة خاصة هى "تقريظ الجاحظ" (روى منها ياقوت شواهد فى جـ 1، ص 124, جـ 3, ص 86, جـ 4, ص 58، 69، ابن أبى الحديد: شرح نهج البلاغة، جـ 3، ص 282. ورغبة ابى حيان فى تقليد هذا العلم من أعلام النثر العربى واضحة جلية. وتتجلى عبقرية أبى حيان بأجلى بيان فى تلك الفقرات من كتبه التى يرسم فيها الشخصيات. أما عن عقائده فإنه لم يكن له فيما يبدواى مذهب أصيل، أن لا يخفى تاأثره بمذهب أبى سليمان الأفلاطونى المحدث الذى كان يشترك فيه مع معظم فلاسفة بغداد المعاصرين الآخرين. وقد أظهر أبو حيان مثل غيره من أفراد هذه الحلقة، اهتماما بالتصوف، ولكن هذا الاهتمام لم يبلغ حدا يجعلنا نسلكه فى عداد الصوفية بحق. ويضم كتابه "الإشارات

الإلهية" (طبعة عبد الرحمن بدوى، القاهرة سنة 1951) "دعوات وعظات وإشارات عارضة فحسب لمصطلحات الصوفية". "وقد قرن أبو حيان بابن الراوندى والمعرى على اعتبار أنهم من زنادقة الإسلام (Jour. Roy. As. Soc، سنة 1905، ص 80) ولكن كتبه التى بقيت لا تكاد تبرر هذا القول" (انظر: D.S. Margoliouth: فى المادة الأولى السابقة لهذه عن صاحب الترجمة). المصادر: (1) ياقوت: ارشاد الأريب، جـ 5، ص 380 ما بعدها. (2) ابن خلكان، رقم 707. (3) السبكى، جـ 4، ص 2. (4) الصفدى: الوافى فى Journ. Roy. - .As-Snc سنة 1905، ص 80 وما بعدها. (5) الذهبى: الميزان، جـ 3، ص 353. (6) ابن حجر: لسان الميزان، جـ 4، ص 369. (7) السيوطى: البغية، ص 348. (8) , Brockelmann جـ 1، ص 283، قسم 1، ص 435. (9) محمد بن عبد الوهاب القزوينى: شرح حال أبى سليمان منطقى سجستانى، شألون على السون، سنة 1933, ص 32 وما بعدها (وأيضا فى "بيست مقاله، طهران سنة 1935). (10) عبد الرزاق محيى الدين: أبو حيان التوحيدى (بالعربية)، القاهرة سنة 1949. (11) Abu Hayyan al Ta-: Keilani whidi (بالفرنسية)، بيروت سنة 1950. (12) وقد طبع F. Rosenthal رسالة ابى حيان الصغيرة فى الكتابة فى Ars ,Islamica سنة 1948 , ص 1 وما بعدها. (13) وثمة ثلاث رسائل: ("رسالة الإمامة" التى استشهد بها ابن العربى فى المسامرات، جـ 2، ص 77، وابن أبى الحديد فى شرح نهج البلاغة، جـ 2،

أبو ذر الغفارى

ص 392 وما بعدها .... إلخ. وهى تحتوى على خطاب مزعوم من أبى بكر إلى على، ولكن يشك فى أن أبا حيان نفسه هو الذى وضعه؛ و"رسالة الحياة" وهى تنظر للحياة نظرة فلسفية؛ والرسالة التى ذكرناها آنفا فى الكتابة) نشرها كيلانى بعنوان "ثلاث رسائل" دمشق سنة 1952. (13) وثمة مقتطف من رسالة الزلفة فى الروذراوري ص 75. خورشيد [شتيرن. S. M. Stern] أبو ذر الغفارى من صحابة النبى، اسمه الشائع جندب بن جنادة، وإن كانت تذكره أسماء أخرى. ويقال أنه كان يعبد الها واحدا قبل أن يسلم. فلما بلغته أنباء محمد أرسل أخاه إلى مكة ليتحرى الأمر, ولكنه لم يرض عما جاء به أخوه فشخص إليها بنفسه. وجاء فى رواية أنه لقى محمدا مع أبى بكر فى الكعبة، وتقول رواية أخرى أن على بن أبى طالب أخذه سرا إلى النبى، فآمن به لتوه، ومن عجب ما زعم من أنه كان خامس (بل رابع) من آمن. ورّد أبو ذر إلى بلده حيث أقام حتى مضى إلى المدينة بعد وقعة الخندق سنة 5 هـ (627 م). وعاش من بعد فى الشام إلى حين استدعاه عثمان لشكوى فيه من معاوية. واعتكف أبو ذر، أو قل أُشخص إلى الرَبَذَة حيث توفى سنة 32 هـ (652 - 653) أو سنة 31 هـ وقد اشتهر أبو ذر بالتواضع والزهد حتى ليقال إنه كان يشبه فى ذلك المسيح. كان شديد التقوى شغوفا بالعلم، ويقال أنه كان يسامى ابا مسعود فى تفقهه فى الدين. وقد نسب إليه 281 حديثا ذكر البخارى ومسلم منها 31 حديثا. المصادر: (1) ابن قتيبة: كتاب المعارف، طبعة فستنفلد، ص 130. (2) اليعقوبى، جـ 2، ص 138. (3) المسعودى: مروج الذهب، جـ 4، ص 268 - 274.

أبو ذؤيب الهذلى

(4) ابن عبد البر: الاستيعاب، طبعة حيدر آباد سنة 1336 هـ, ص 82, 645. (5) ابن الأثير: أسد الغابة، جـ 5، ص 86 - 188. (6) النووى: تهذيب الأسماء، طبعة فستنفلد، ص 714. (7) الذهبى: تذكرة الحفاظ، جـ 1، ص 17. (8) ابن حجر: الإصابة، القاهرة سنة 1358 هـ = 1939 م، جـ 4, ص 63 وما بعدها. (9) تهذيب التهذيب، جـ 12، ص 90 (10) V Handhnok -Wensinck (أضف ابن سعد، جـ 2، قسم 2، ص 112). (11) Das Leben and A. Sprenger die Lehre des Mohamm. جـ 1، ص 454 وما بعدها. خورشيد [روبسون J. Robson] أبو ذؤيب الهذلى خويلد بن خالد: شاعر عربى معاصر للنبى أصغر منه سنا، تظهره الرواية مرتحلا لزيارة النبى, ولكنه بلغ المدينة عقب وفاة النبى فى صبيحة اليوم نفسه. وهناك ما يبرر القول بأنه هاجر إلى مصر فى عهد عمر، ومن مصر انضم إلى حملة ابن أبى السرح على إفريقية سنة 26 هـ (647 م). وتوفى فى طريقه إلى المدينة وكان قد صحب عبد الله بن الزبير الذى ناط به ابن أبى السرح أن يبلغ الخليفة عثمان بما حققته جيوشه من انتصارات، والراجح أن ذلك كان سنة 28 هـ (649). والحادث الوحيد الآخر المعروف فى سيرته تضمنه الخبر بأنه فقد فى مصر خمسة من بنيه بالطاعون فى عام واحد، والراجح أن هذا الخبر صحيح من حيث الواقع، وإن كان من الجائز أنه نسج من واقع الأبيات التى استهل بها قصيدته الأولى. وقد رأى فيه نقاد العرب أشعر قبيلته هذيل, وهو حكم لا يتوانى القارئ الحديث فى الأخذ به بلا تردد، فقد بز شعراء الجاهلية فى تشدده فى حبك قصائده، وهو بعنايته ببناء

قصائده قد أبقى على نزعة لمسناها من قبل فى أشعار ساعدة بن جُؤَيَّة وهو شاعر هذلى أكبر منه كان أبو ذؤيب راوية له. وكلا الشاعرين يشتركان فى وصف عسل الأبكار من النخل وجامعه وما يخامرهما من متعة الوصف الوثيق الدقيق للنحل وعمل الجامع للعسل، وهو موضوع ليس شائعا حقا بين الشعراء الهذليين الآخرين. وكذلك نجد التناول الخاص لتراكم السحاب وهطول المطر الذى يعقبه من خصائص ساعدة وراويه أيضا. ونتبين بوضوح فيما نظمه أبو الهذيل من شعر فى الحب تنويها بذلك الشئ الذى نما حتى أصبح أسلوبا لمدرسة المدينة. وثمة سمة أخرى بدا أنها ترهص بالتطورات المستقبلية، ألا وهى الطريقة التى جنح بها أبو ذؤيب إلى الإفاضة فى النسيب حتى يشمل القصيدة كلها (انظر القصيدتين رقم 2، رقم 11، حيث نجد الموضوعات الأخرى قد انطوت حقا فى ثنايا النسيب). وقد كلف أبو ذؤيب، كأستاذه ساعدة، بوصف الأسلحة ومشاهد الصيد، وتفوق فى ذلك، ولكنه كان قصير الباع فى وصف الخيل، وهو أمر لاحظه الأصمعى من قبل. ونصف شعره تقريبا الذى بقى لنا يدخل فى باب المراثى، التى يخلق فيها، ما يلازم عقدته النفسية حيال تقلبات القدر من حزن رقيق، الجو العاطفى المناسب. وتفصح رائعته التى يرثى فيها بنيه الخمسة (القصيدة رقم 1) عن وحدة فى الخاطر والفكرة لا يساميها شعر آخر من الشعر القديم، فقد ذكر فى هذه القصيدة موضوع القدر الذى لا مهرب منه وربط هذا الموضوع بالمناسبة التى قيلت فيها القصيدة ثم مثل ذلك بمشاهد ثلاثة تعصر القلوب، ثم أجمل الموضوع مرة أخرى فى البيت الأخير من القصيدة. المصادر: (1) بروكلمان، جـ 1، ص 36 - 37 قسم 1, ص 71. (2) ابن قتيبة: الشعر، ص 413 - 416. (3) ياقوت: إرشاد الأريب، جـ 4، ص 185 - 188.

أبو زيد

(4) الأغانى، جـ 6، ص 58 - 69. (5) Der Diwan des Abu Du'aib J. Hell, هانوفر سنة 1926. (5) Abu Du'aib Studien: E. Braiinlich فى. Isl سنة 1929, ص 1 - 23. (6) الكاتب نفسه: Versuch einer literar - geschichtlichen Betrachtungsioeise Altu rabischer Poesien فى Is 1، سنة 1937، ص 201 - 269. خورشيد [كرونيباوم G. E. Gnmebaum] أبو زيد بطل إحدى القصص أو قل مجموعة من القصص التى تتحدث عن بطولة بنى هلال وهخاطراتهم، وقد ترك هؤلاء العرب الرحل الجزيرة العربية خرابا من جراء ما اقترفوه من النهب والسلب أيام العباسيين. وانتصر الفاطميون فى مصر عليهم وعلى حلفائهم القرامطة وأسكنوهم أول الأمر مصر العليا، ثم أجلوهم إلى إفريقية، ووعدوهم حكم هذا الاقليم لو نجحوا فى إخضاع بنى جير الذين كانوا بادئ الأمر عمال الفاطميين على إفريقية ثم استقلوا بحكمها بعد ذلك. وكانت هذه الغزوة الثانية لإفريقية التى وقعت فى القرن الحادى عشر الميلادى هى التى أوحت إلى شعراء الهلالية بالأغانى والقُصَاص، التى حفظ لنا ابن خلدون بعضها والتى لا يزال بعضها الآخر ماثلا فى أذهان سكان إفريقية. وقد تناول القصاص فيما بعد هذه الأغانى ونسجوا منها قصصا عديدة. وقد كتب آلوارت Ahlwardt ملخصا قيما لهذه القصص فى فهرس المخطوطات العربية المحفوظة ببرلين (Verz- d- ar Handschr. d. Konigl Bibl. zu Berlin جـ 8، ص 155 - 462). ولا نعرف على وجه التحقيق أسماء كتابها ولا الوقت الذى كتبت فيه، ولم تعطنا المصنفات القديمة المذكورة فى (Bibliographie arabe جـ 3، ص 128 - 129) شيئا ذا بال عن هذه المجموعة القصصية، لأن باسيه (Bull. de: Basset .corresp. afric - جـ 3، ص 36 - 148) وهارتمان (Zeilschr. f. afrik.: Hartmann u: ocean Spr. d. deutsch. Kolonien سنة

أبو سعيد

(1898, ص 289 = 315) كانا أول من بحثها بحثا علميا. وكتب بعد ذلك بل. A Bel كتابا قيما فى هذا الموضوع عنوانه La Djazya (انظر: بصفة خاصة المجلة الأسيوية السلسلة التاسعة، المجلد 19، ص 189 - 325). المصادر: يضاف إلى المصادر المذكورة فى صلب المادة: (1) Bibliographie des A. Chauvin ouvrages Arabes، جـ 3، ص 128 وما بعدها. (2) وقد ذكر معظم الطبعات الشرقية لهذه القصص كل من إيلس Ellis فى - Catalogue of Arabic books in the Brit dish Museum , جـ 1، ص 637 وما بعدها، وهارتمان Hartmann (كتابه المذكور). [شوفان C. Chauvin] + أبو زيد: بطل أسطورى لبنى هلال. وقد جعلته سلسلة القصص التى تتناول بنى هلال ابنا لرزق أمير بلاد السرو وخضراء ابنة شريف مكة. كان أسود البشرة واسمه الأصلى بركات. وخاض أبو زيد عدة مغامرات فى جزيرة العرب، ثم نزح هو وقومه إلى المغرب. وهناك قتل غيلة على يد البطل الآخر لمجموعة القصص وهو دياب، ثم أخذ بثأره بقتل دياب. ولم نجد بعد شواهد موثقة تفصل فى مسألة: هل كان أبو زيد شخصية تاريخية أم لا. أبو سعيد سلطان ميرز ابن محمد بن ميران شاه بن تيمور بك: سلطان مغولى ولد عام 830 هـ (1427 م) وقتل عام 873 هـ (1469)، ولما حضرت أباه الوفاة، أوصى بابنه ميرزا ألغ بك شاهرخ، وكان قد حضر لزيارته. وشب الصبى فى رعاية الأمير العالم بالفلك واكتسب رضاه بجده ودماثة أخلاقه وشغفه بتحصيل العلم. وقد أفاد فيما بعد من الدروس التى للقاها فى حداثته، فلم يصبح أقوى ملوك عصره وأقدرهم فحسب، بل كان أيضا على خلال جعلت أبا الفضل علامى يقول عنه إنه ظل

بالرغم من أبهة الملك حذرا فى القول والعمل صريحا، كما ظل عاملا بإرشاد اهل التقوى والورع، ويروى أنه كان جميل الصورة يتميز عن المغول بلحيته الكثة. وظهرت براعته وتفننه فى الأمور الحربية فى حملته التى كان يقصد بها الاستيلاء على سمرقند عام 855 هـ (1451 م) وفى نضاله مع خانات الجغتاى. وإذا أخذنا بقول عبد الرزاق السمرقندى، وهو الحجة فى هذا الموضوع، فإن أبا سعيد يكون قد رسم خطة الاستيلاء على العرش أنناء مكثه فى بلاط ألغ بك. ولما بلغ الخامسة والعشس ين من عمره (853 هـ -1449 م) استغل القتال بين ألغ بك وابنه عبد اللطيف، وحاول بمساعدة قبيلة أرغون التركمانية أن ينتزع سمرقند من عبد العزيز وهو ابن آخر من أبناء ألغ بك. ولكنه اضطر إلى التقهقر عندما طلب عبد العزيز معونة والده. وفى العام التالى (854 هـ) قتل عبد اللطيف فى سمرقند بعد أن ذبح والده ونودى بأبى سعيد سلطانا فى بخارى. ولما هزمه خصمه عبد الله أرغم عل الفرار إلى الشمال فاحتل يسى (تركستان الآن) حيث حاصره عبد الله دون أن يظفر بطائل. وفى عام 855 هـ (1451 م) نجح بمساعدة أبى الخير سلطان الأوزبك فى غزو ما وراء النهر. واستولى بعد ذلك عام 861 هـ (وبصفة نهائية عام 863 هـ) على إقليم خراسان وجعل هراة قصبة هلكه. [بارتولد W.barthold] وفى عام 855 هـ، أى حين وصفه حيدر ميرزا دوغلات بأنه بادشاه ما وراء النهر، لقى من إسن بغا خان جغتاى مقاومة شديدة تجددت بعد تشتيت جيش الخان. وقد أدى ذلك إلى حادثة تاريخية هامة، لأن أبا سعيد اتجهت مطامعه إلى العراق، ولكن هجمات إسن بغاخان حالت بينه وبين ذلك، فبحث عن وسيلة يتحاشى بها للك الهجمات. وكان يونس الأخ الأكبر لإسن بغا يعيش فى شيراز مجهولا متفرغا للدراسات التى كلف بها، فاستدعاه أبو سعيد وعقد معه اتفاقا أعاد بمقتضاه الصلات القديمة بين

ميرزاوات الأسرة التيمورية وخانات المغول، ومنحت رآسة المغول ليونس خان على أن يكون تابعا لأبى سعيد. ووصف حيدر ميرزا دوغلات هذه الحوادث وصفا نابضا جياشا بالحياة، ومنذ ذلك الحين توطدت أواصر الصداقة بين الرجلين، وازدادت هذه الرابطة قوة بعد ذلك بزواج ثلاثة من أبناء ميرزا بثلاث من بنات خان. وقد زود أبو سعيد يونس خان بالمال وبالوسائل الأخرى ليخضع أخاه ويخلصه منه. وعمل أبو سعيد منذ استيلائه على سمرقند عام 855 هـ على توسيع أملاكه حتى أصبحت تضم ما وراء النهر وخراسان وبذخشان وكابل وقندهار وحدود هندستان والعراق. ومنذ ابتدأ فى تقوية سلطانه تغلب على أبناء عمه من بيت شاهرخ، وناهضه بعد ذلك سلطان تيمورى آخر يدعى حسين ميرزا بايقرا. وتوفى أبو سعد أثناء تدخله فى منازعات التركمان. ففى عام 871 هـ (1466 - 1467 م) قُتل جهانشاه زعيم طائفة التركمان المسماة القطيع الأسود فى حربه مع أوزون حسن زعيم القطيع الأبيض فطلب ولده من أبى سعيد أن يمده بمعونته ليثأر لأبيه. فسار أبو سعيد عام 872 هـ قاصدا قرا باغ التى كانت المقر الصيفى الماثور لأوزون حسن، وفى طريقه إلى هذه المدينة خوطب فى أمر الصلح مرارا، ولكنه لم يحفل بذلك، واستمر فى سيره إلى أن وصل أرضا يعرفها أوزون حسن معرفة سهلت عليه قطع المؤونة عن جيش أبى سعيد، فأصابته المجاعة وفر الجنود طلبا للنجاة بانفسهم، كما فر أبو سعيد نفسه فى نفر من أتباعه، فأسره أبناء أوزون حسن وحملوه إلى معسكر التركمان. ولم يكن أوزون حسن يميل الى قلر أبى سعيد لولا أن عارضه فى ذلك بعض قواده، ويقولون إن ثلاثة أسباب أدت إلى قلله، الأول: الرغبة فى إقصائه عن طريق ياد كار محمد شاه رخ الذى كان يطمح الى حكم بلاد أبيه، وكان يقره على ذلك أوزون حسن. الثانى: وجود ثار بينه وبين ياد كار لأنه قتل فى هراة عام 891 هـ (1417 م) جوهر شاه بيكم أرملة

شاهرخ لشكه فى خيانتها، ولذلك أصبح قلتل هذا الرجل على يد حفيدها أمرا تجيزه الشريعة. الثالث: عدم اكتراثه برغبة أخيه فى الدين أوزون حسن فى الصلح. وهذا أيضا يخالف الشرع الإسلامى. وبذلك انتقل العرش إلى يادكار، وكان حدثا فى السادسة عشرة من عمره، فى 22 رجب عام 873 (4 فبراير 1469)، وقتل أبو سعيد بعد ذلك بثلاثة أيام بالغا من العمر ثلاثة وأربعين عاما. وفى كتاب "بابر نامة" إشارات عديدة عن أبى سعيد ومغامراته، وأسماء أمرائه وعلماء عصره. وفيها أيضا رواية تقول إنه طرد من هراة مير على شيرنوائى الهروى. كما أنها تصف عدة رسوم قام بها أبو سعيد تخليدا لمغامراته الحربية فى قصر بمدينة هراة بناه بابر ميرزا قلندر. وقد اسمتقبلت خديجة أغا أرملة أبى سعيد عام 912 هـ (1506 م) بابر نفسه فى هذا القصر، ويتحدث معظم المؤرخين عن دور من أدوار حكمه، ويشيرون بصفة خاصة إلى الاحتفالات الفخمة التى أقامها بمناسبة ختان أولاده. وكان أبو سعيد خير سلف لأولئك الرجال الممتازين الذين تولوا العرش من هذه الأسرة أمثال بابر وأكبر وشاهجهان، وذلك لجليل أعماله ونشاطه ورجاحة عقله. وقد تزوج أبو سعيد ثلاث نساء من سيدات الطبقه الرفيعة، أولاهن وأكثرهن احتراما ابنة أوردو بغا ترخان، وهى تنتسب إلى أعرق الأسر النبيلة فى ذلك الإقليم. وقد ذكر بابر عددا من أفذاذ أسرتها كانوا يتشبهون بالملوك، وكان لهم شان عظيم فى أول عهده. وأعقب منها أحمد ميرزا ومحمود ميرزا. وكانت زوجته الثانية ابنة شاه سلطان محمد بدخشى، وهو السلطان المهذب المثقف الذى زعم أنه سليل الإسكندر المقدونى. وقال عنه حيدر ميرزا دوغلات وخواندمير إنه والد ست بنات، وأشار إلى أخبار زواجهن. أما زوجته الثالثة فهى ابنة مولاه السابق ميرزا ألغ بك. وله زوجة أخرى من أصل وضيع اسمها خديجه أغا، وهى أم إحدى بناته التى تزوجها فيما بعد

السلطان حسين بايقرا ورفعها الى مرتبة بيكم. وهى التى كان لدسائسها الأثر السيئ فى حياة أبنائه. وخلف أبو سعيد أحد عشر ولدا، اشتهر منهم أحمد، ومحمود، وعمر شيخ (والد السلطان بابر) وألغ بك كابلى؛ وكان له ما لا يقل عن تسع بنات أسمت ستا منهن كلبدن بيكم. وأسمى ثلاثا غيرهن بابر، وقد زرنه فى هند وستان، والاحترام الذى أبداه بالقول والفعل هذان الحفيدان لبنات أبى سعيد يعطينا فكرة عن التقدير العظيم الذى كان يكنه أحفاده لعميد أسرتهم. المصادر: (1) عبد الرزاق السمرقندى: مطلع السعدين" (2) حيدر ميرزا دوغلات: تأريخ رشيدى. (3) خوندمير: حبيب السير. (4) أبو الفضل علامى: أكبر نامه. (5) كلبدن بيكم همايوننامه. [بفردج A.S.Beveridge] + أبو سعيد بن محمد بن ميرانشاه ابن تيمور: سلطان من الأسرة التيمورية، وفى سنة 853 هـ (1449 م) استغل أبو سعيد، وهو فى الخامسة والعشرين من عمره، موقف ألغ بك الحرج، وكان يعيش فى بلاطه، وحاول أن يجرب حظه فى ما وراء النهر. وانتهى بالخيبة حصار لسمرقند سنة 1449 م، وكذلك لم تفلح فتنة قامت فى بخارى فى مايو سنة 1450 م. ولم يمض وقت طويل حتى استولى على بسى (التركستان) وصمد فيها لهجمات جنود عبد الله بن ابراهيم سلطان بن شاهرخ. وفى جمادى الأولى سنة 855 (يونية سنة 1451) طرد عبد الله هذا من سمرقند بمعونة أبى الخيرخان الأوزبك. وفى ربيع سنة 858 هـ (1454 م) عبر أبو سعيد نهر جيحون واستولى على بلخ. وفتح أبو القاسم بابر والى خراسان ها وراء النهر وحاصر سمرقند أكتوبر - نوفمبر) حيث كانت المقاومة فيها قد نظمها عبيد الله أحرار الشيخ النقشبندى، ويقال إن هذا الشيخ هو

الذى منع أيا سعيد من هجر قصبة ملكه. وعقد الصلح، واحتفظ أبو سعيد بمقتضاه بالضفة اليمنى لنهر جيحون، وظلت العلاقات بين الأميرين ودية حتى وفاة بابر فى ربيع الثانى سنة 861 هـ (مارس سنة 1457). وهنالك حاول أبو سعيد أن يفتح هراة حيث كان إبراهيم بن علاء الدولة ابن بايسغر قد نجح فى جعل الناس يبايعونه على إمارتها. ومن معالم هذا الحصار (يولية - أغسطس سنة 1457 م) قتل كوهر شاد التى اتهمت بأنها كانت تتجسس لصالح إبراهيم، وقد انتهى هذا الحصار بلا نتيجة، وهزم إبراهيم على يد جهان شاه القره قويونلى، فسعى إلى التحالف مع أبى سعيد فى بداية عام 862 هـ (شتاء عام 1458 - 1457 م) وعقدت بينهما معاهدة دفاعية .. وفى نهاية يونية سنة 1458 احتل جهانشاه هراة؛ وكان أبو سعيت قد وقف بعساكره على نهر مرغاب ليرقب مجرى الحوادث، فاستغل الشدائد التى كان يواجهها جهانشاه واستولى على هذه المدينة بلا قتال فى نوفمبر سنة 1458، وبذلك أصبح سيدا على خراسان التى كان يطمع فيها دائما، وفى جمادى الأولى سنة 863 هـ (مارس سنة 1459) هزم الأمراء التيموريون الثلاثة: علاء الدولة وإبراهيم بن علاء الدولة وسلطان سنجر فى سرخس. وقضى عام 1459 فى تطهير خراسان، وفى سنة 1460 استولى أبو سعيد على مازندران، وفى اعقابه جاء الأمير خليل من سجستان (سيستان) وحاصر هراة (صيف عام 1460)، ولما عاد الهدوء إلى سجستان (خريف سنة 1460) اضطر أبو سعيد إلى التصدى لفتنة فى ماوراء النهر (شتاء سنة 1460). واستغل سلطان حسين هذه الفرصة ليعود إلى احتلال مازندران ويضرب الحصار على هراة (سبتمبر سنة 1461) ولكن أبا سعيد استرد مازندران فى السنة نفسها. وامتد سلطان أبى سعيد من حيث النظر إلى ما وراء النهر وتركستان (تخوم كاشغر ودشت قبجاق) وكابلستان، وزابلستان، وخراسان،

ومازندران. والحق إنه كان أعجز من أن يصد غارات الأوزبك الى الجنوب من نهر سيحون. وفى سنة 1455 - 1454 م كان أويس بن محمد ابن بيقرا التيمورى قد ظهر فى أترار بمعاونة أبى الخير الأوزبكى وأنزل هزيمة حاطمة بأبى سعيد. وفى سنة 865 هـ (1461 م) التجأ إلى شاهر خية (تاشكنت) بعد أن خرَّب ما وراء النهر. وحاصر أبو سعيد هذا المعقل عشرة أشهر (نوفمبر 1462 - سبتمبر سنة 1463). وكان الأوزبك يشنون الغارات على ما وراء النهر كل سنة. وفى عام 868 هـ (1464 م) عمد سلطان حسين، الذى كان قد التجأ إلى ما وراء النهر، الى اجتياح خراسان من أبيورد ومشهد حتى "تون" دون أن يقتص من أهلها. وكان أبو سعيد أكثر توفيقا فى الشمال الشرقى، وقد نجح فى درء خطر المغول عن تخومه، واستطاع خلال حكمه بسمرقند أن يرد هجمتين شنهما الحان المغولى اسن بغا. وفى سنة 1456 اعترف بيونس، الأخ الأكبر لإسن بغا، وأعانه فى عدة مناسبات على التمكين لنفسه فى الجزء الغربى من مغولستان. وفى سنة 868 هـ (1464 م) التجأ يونس مرة أخرى إلى أبى سعيد، فأعاره جنودا من عنده. وقد بولغ فى تقدير صفات أبى سعيد الشخصية وإن كانت حقيقية فى جوهرها، ذلك أن عهده لم يكشف عن اتجاهات بارزة كل البروز. وكانت الغلبة فى طبقة الأشراف من حاشيته لعشيرة أرغون التى دعمت مركز أبى سعيد من أول الأمر، ونال زعماؤها المناصب والنعم. وقد جرى أبو سعيد فى كثير من الأحوال على سنة أسلافه فاقطع أبناءه القطائع (سيورغال) فأصاب سلطان محمود مازندران، وعمر شيخ فرغانة وهكذا، وأصاب الأشراف المحليون سجستان (سيستان) كما أصاب اَخرون من أكابر الأعيان اقطاعات سواء كانوا من الترك أو من التاجيك من أهل الدين أو من غيرهم. وقد أبرز بارتولد ما كان لخواجه أحرار من شأن هام فى عهد أبى سعيد، وكان لهذا الرجل سلطان لا ينازع فى

سمرقند، كما كان شيخ مشايخ الدين فى ما وراء النهر. ولم يستقر الرأى على إنفاذ الحملة الكبرى الى الغرب سنة 1468 إلا بعد الاستماع الى ما أبداه من رأى وجيه هذا الشيخ الذى أعلن أبو سعيد أنه مريد من مريديه. ومن السمات الجوهرية الأخرى التى كانت تتسم بها إيران فى القرن الخامس عشر الميلادى اهتمام أبى سعيد بالزراعة، والظاهر أن هذا السلطان أولاها عنايته الشخصية، وقد اتخذ تدابير كثيرة لمساعدة الفلاحين. ففى سنة 860 هـ (1465 م) نزل على رجاء خواجه أحرار، فأمر بالا يجمع أكثر من ثلث الخراج بأية حال قبل المحصول، وكان الخراج فى العادة يؤدى على ثلاثة أقساط. وألغيت "التمغا" او انقص مقدارها فى سمرقند وبخارى وهراة. وفى سنة 880 هـ (1466 م) أقبل ربيع بارد فتنازل أبو سعيد عن الضريبة المفروضة على أشجار الفاكهة. وكان أبو سعيد قد أنشأ سد كلستان (بالقرب من مشهد) لرى أراضى الخاصة. ومن أجل الرجال المقتدرين الذين تولوا منصب الوزارة قطب الدين طاوس السمنانى الذى كان متخصصا فى الشئون الزراعية، وهو الذى احتفر قناة "جرى سلطانى" شمالى هراة. ولا يعرف إلا القليل عن حالة العناصر البدوية من السكان. ففى سنة 870 هـ (1465 - 1466 م) أسكن أبو سعيد فى خراسان خمسة عشر ألف أسرة من البدو كانت قد فرت من تخوم القرة فويونلى، ومع ذلك فإن الإمبراطورية التيمورية ظلت فقيرة فى العنصر البدوى بالنسبة لجيرانها فى الغرب، وهذه الحقيقة تبرر القصور فى حملاتها الحربية. حملة سنة 1468 م. راود أبا سعيد الأمل فى أن يستعيد من التركمان بعد وفاة شاهرخ الأرض التى فقدها، فمضى لمعاونة حسن على جهانشاه القره قوينلى على الأق فويونلى الذين كانوا الحلفاء التقليديين للتيموريين. ورشح الولاة للمدن الهامة التى سوف تفتح. على أن إمبراطورية أبى سعيد

كانت فى حالة سلام نسبى، كما أن الحملة التى دبرت على عجل كانت سيئة الإعداد من الناحية العسكرية. وخرج أبو سعيد على رأس الفرسان دون أن ينتظر آلاف العربات التى كانت مسخرة فى خراسان ومازندران لنقل لوازم الجيش. وهاجم الفارون من الجيش المشاة الخراسانيين فى المؤخرة. ولما بلغ نبأ هلاك أبى سعيد هراة لم يكن العساكر الذين جندوا فى هندوستان (أى أفغانستان) قد نظموا بعد. وبالرغم من هذا النقص فى الاستعداد فإن أبا سعيد قد ارتكب خطأ آخر هو أنه توغل توغلا كبيرا فى آذربيجان بعد أن دهمه الشتاء، فأحيط به وأسره أوزون حسن بالقرب من موغان. ولم يمض على ذلك أيام قلائل حتى أمر به يادكار محمد التيمورى من أتباع أوزون حسن أن يقلر (فبراير سنة 1469) ليثار لمقتل جدته كوهر شاد. المصادر: مراجع: (1) المصدر الأكبر هو"مطلع السعدين" لعبد الرزاق السمر قندى، (طبعة محمد شفيع، لاهور سنة 1949 - 1941). (2) الملحق لهذا الكتاب المطبوع مع روضة الصفا، وحبيب السير، ومعز الأنساب، وبابر نامة، طبعة وترجمة بفردج Beveridge. (3) الإسفزارى: روضة الجنات فى تاريخ هراة (انظر Barbier de Meynard فى Jour. As. 1862، 11)؛ السياسة المغولية. (4) تاريخ رشيدى، طبعة الياس- Eli as: وترجمة روس E. D. Rose. (5) التراجم: سيف الدين حاجى: اَثار الوزراء، مخطوط. (6) خواندمير: دستور الوزراء، طبعة طهران سنة 1317 هـ. (7) المجاميع النقشبندية: كاشفى: رشحات عين الحياة، فى طبعتين: تاشكنت ولكنهؤ. (8) أبيوردى: روضة السالكين، مخطوط. (9) وثائق: انظر مجموعات الأنشاء (مخطوطات، وخاصة المكتبة الأهلية، باريس، الملحق الفارسى، 1815).

أبو سفيان

(10) أ. ن. قورات: طوب قايى سرايى موزه سى أرشيفنده كى يارلق وبيتيكلر، إستانبول سنة 1940 (رسالة واحدة). (11) فريدون بك: منشآت. دراسات: فى غيبة الرسائل الخاصة بهذا العهد فإنه لا مناص لنا من الإفادة من الكتب التى تتناول مسائل أو عهودا تتصل بها. انظر بصفة خاصة: (12) Ulug Beg i: v. Barthold iego vremja الترجمة الألمانية بقلم Ulug Beg und seine: Hinz Zeit، سنة 1935). (13) Mir Ali Shir i politicheskaja Zisn (ترجمة Herat unter Hussain: Hinz Baiqara). (14) مقالات - Yakubovskij و Malch nov و Belnitskij وغيرهم فى المجموعتين الآتيتين: - Rodonachal,nik uzbeks Koj literatuy، تاشكنت سنة 1940 و Ali Shir Navoj Sbornik، تاشكنت سنة 1946. (15) K istir feo-: Belenitskij dal,nago Srednej Azu pri Timurdakh فى zemlevladenija lstorik Marksit سنة 1941 - 1944 (16) كتب I. P. Petrushevskij . (17) hans Aufstieg zum: H.Hinz ,Nationalstaat سنة 1936. (18) وانظر عن البعثة الروسية إلى هراة سنة 1464 م: . Z.V.O.، جـ 1، ص 30 وما بعدها. (19) Browne جـ 3 (20) Empire des Steppes: Grousset. (21) Essai sur la civilis- Bouvat tion timouride في Jour. As. سنة 1926. (22) L,Empire mongol. (المرحلة الثانية) باريس سنة 1927، وهذان المصدران الأخيران يمكن غض الطرف عنهما. خورشيد [أوبان J.Aubin] أبو سفيان (وأبو حنظلة) صخر بن حرب بن أمية: قرشى من بنى عبد مناف، وزعيم الحزب الذى عادى النبى من أشراف مكة. ويؤخذ من تاريخ وفاته الذى تذكره الرواية المألوفة (انظر ما سيأتى

بعد) أنه كان يكبر النبى بسنوات قلائل، بينما تذكر روايات أخرى أنه كان يكبره بعشر سنوات، وكان أبو سفيان تاجرا ثريا من الأشراف، قاد قافلة مكة الكبيرة عدة مرات، وقد وقف موقفا عدائيا حيال ما جاء به النبى، شأن الكثيرين من كبار تجار للك المدينة، ذلك أن الدعوة التى جاء بها النبى كانت تمسه شخصيا من جهة زواج ابنته أم حبيبة من أحد أتباع النبى وفرارها وإياه إلى بلاد الحبشة. وقد أثار الحرب فى غزوة بدر على غير رغبة منه، للك الغزوة التى كانت وخيمة العاقبة عليه، فقد لبى الجيش نداءه اليائس، ولم يشأ أن يعود أدراجه دون أن ينال من العدو، مع أنه أمر بذلك بعد أن أمن أبو سفيان على قافلته التى كان يقودها. وقد لقى حنظلة -ابن أبى سفيان البكر- حتفه فى هذه الغزوة، كما أسر عمرو وهو ابن آخر له، ولكنه افتدى فيما بعد بأسير من أنصار النبى خرج حاجا فاعتقله أبو سفيان. وبعد وقعة بدر تزعم أبو سفيان أهل مكة، ولا نستطيع أن نتبين بحال ما كان من أمر قسمه بالثأر بعد هزيمة بدر وقيامه بغزوته الفريدة برا بقسمه (غزوة سويق)، وبعثت غزوة أحد شيئا من الرضا فى نفس ونفوس أهل مكة، ولكنه لم يعرف كيف يستغل هذا النصر وأضاع فرصة إخضاع خصمه الخطير. ويحيط الغموض أيضا بالرواية التى تذهب إلى أن أبا سفيان لم يحضر الاجتماع الذى اتفق المشركون بعد غزوة أحد على عقده فى العام التالى قرب بدر، وكذلك نشك كثيرا فيما يروى من أن النبى أرسل بعد مقتل خبيب وزيد رجالا إلى مكة للفتك بأبى سفيان. وفى غزوة الخندق عام 5 هـ (637 م) قاد أبو سفيان جناحا من الجيش الكبير الذى كان يزحف على المدينة، ولما استمر حصار المدينة مدة من الزمن دون أية فائدة، أمر أبو سفيان جيشه بالارتداد عنها، وسرعان ما تشتت ذلك الجيش الكبير. وكان أبو سفيان منذ بداية الأمر يشترك فى الحملات الحربية على غير رغبة منه، ولكنه أخذ يقلع شيئا فشيئا عن فكرة الاستمرار فى النضال مع عدوه القوى بعد خيبته فى هذا الحصار. واعتزل أبو سفيان الحرب تماما أثناء غزوة النبى التى انتهت بصلح الحديبية، لأن الحزب الذى كان

يناصر الحرب ظل نافذ الكلمة فى مكة، ولما نقض هذا الصلح بسبب النزاع الذى قام بين قبيلتى بكر وخزاعة، خشى أبو سفيان عاقبة ذلك على مكة، فخرج إلى المدينة ليدبر الأمر، ويقول ابن هشام وغيره إن ابنته أم حبيبة، التى كانت قد تزوجت من النبى وقتئذ، أساءت معاملة أبيها إلى حد بعيد، كما أساء معاملته النبى نفسه، على أن التفاهم بين محمد وحميه كان فى واقع الأمر كبير النفع للأول، ولذلك فلابد أن النبى قد تلقى أبا سفيان على غير ما تذكر الروايات وتفاوض معه فى أمر تسليم مكة. ويتفق هذا مع ما صرح به النبى عندما بدأ يغزو مكة. من أن كل من يحتمى بدار أبى سفيان فهو آمن، وقد عيرت أبا سفيان زوجته هند لتخاذله، وذهبت غضبتها أدراج الرياح، كما خابت المقاومة الحربية التى نظمتها للك الشرذمة الضئيلة التى أصرت على الخصومة والعناد، وعرف محمد بفضل معاملته الحسنة لأبى سفيان إلى أى حد يدين هو لهذا الرجل الذى عمل بالحيلة على تسليم مكة. وصحب أبو سفيان النبى فى غزوته لقبيلة هوازن، ويحتمل أنه لما ساءت الأمور لحظة فى وقعة حنين، أمل أبو سفيان أن يتخلص من النبى، ولكنه لم يتعلقْ البتة باهداب هذا الأمل، وأعطى أبو سفيان عقب النصر -إرضاء له- نصيبا وافرا من الغنائم فرضى بهذا كل الرضا، وفقد إحدى عينيه أثناء حصار الطائف، وكانت إحدى بناته تعيش داخل أسوارها، ويذكر الطبرى (ج 1، ص 2101) أنه فقد عينه أثناء وقعة اليرموك، وولاه أبو بكر حكم نجران والحجاز (هكذا يقول البلاذرى، طبعة ده غويه، ج 7؛ قارن ابن حجر، الإصابة، ج 2، ص 477، وفيه معارضة للرواية التى تقول إن النبى ولاه نجران)، ولا قيمة لمعظم الروايات الأخرى التى تتحدث عن أبى سفيان فيما بقى من أمور، لأن التحزب فيها ضد الأمويين واضح كل الوضوح. ولذلك يشك كثيرا فى رواية الطبرى (ج 1، ص 1827 وما بعدها) التى تقول إن أبا سفيان عارض فى استخلاف أبى بكر وأن عليا لامه على ذلك، والقصة التى تنسب إلى أبى بكر من أنه أغلظ فى القول إلى أبى سفيان وأنه وجه كلاما إلى أبيه الذى بهت لهذا الموقف, لامراء أنها وليدة روح العداء للأمويين. وتظهر هذه الروح أكثر

وضوحا فى الرواية التى تقول إن أبا سفيان كان يفرح كلما نال العدو شيئا من المسلمين فى وقعة اليرموك. وبطبيعة الحال، توجد قصة أخرى تقول إنه كان يدعو الله لنصرة المسلمين. وذكر فى عدة مواضع أنه اشترك فى هذه الوقعة (البلاذرى، طبعة ده غويه، ص 135) وروى سيف أنه كان "قاصا" فيها (الطبرى ج 1، ص 2095). ولكن هذه الرواية تسترعى النظر، لأن سنه كانت إذ ذاك نحو سبعين عاما. وتقول الرواية الغالبة انه توفى فى الثامنة والثمانين من عمره عام 531 هـ (651 - 652 م)، فى حين تقول روايات أخرى إنه توفى عام 32 أو 33 أو 34 هـ (652 - 655 م). ويمثل أبو سفيان تمثيلا قويا للك السياسة التى انتهجها أهل مكة والتى لم تقم على مبدأ ولم تصطبغ بصبغة، وهى السياسة التى لا شك فى أنهم عرفوا بها كيف يفيدون فيما بعد مما أخذوه من النبى من امتيازات. المصادر: (1) الطبرى، انظر الفهرس. (2) ابن هشام، طبعة فستنفلد، ج 1، ص 463 وما بعدها، 543 وما بعدها، (3) ابن سعد، ج 8، ص 70. (4) البلاذرى، طبعة ده غويه، ص 56. 135. (5) ابن حجر: الإصابة ب 2، ص 477 وما بعدها. (6) النووى، طبعة فستنفلد، ص 726. (7) المسعودى: مروج الذهب، طبعة ياريس، ب 4، ص 179 وما بعدها. [بول Fr. Buhl] + أبو سفيان بن حرب بن أمية من عشيرة عبد شمس القرشية، تاجر بارز ومالى كبير من أهل مكة، ويجب أن يميز بينه وبين ابن عم النبى أبى سفيان بن الحارث بن عبد المطلب. واسم أبى سفيان صخر، ويكنى أحيانا أبا حنظلة، وكان عيبد شمس فى وقت من الأوقات عضوا فى الجماعة السياسية المعروفة بالمطيبين (وتشمل عشيرة هاشم)، ولكنه خرج من هذه الجماعة حوالى الوقت الذى ظهر فيه النبى، وتعاون فى بعض الأمور مع

الجماعة المنافسة لها من مخزوم وجمح وسهم وغيرها. وانضم أبو سفيان، وهو زعيم عبد شمس، إلى المناهضين للنبى فى السنوات السابقة للهجرة، ولكن مناهضته له لم تكن فى عنف مناهضة أبى جهل. وقد قاد أبو سفيان شخصيا قوافل التجارة فى عدة مناسبات، وخاصة سنة 2 هـ (624 م) حين تعرض النبى لقافلة من ألف جمل كان يقودها أبو سفيان فى عودتها من الشام. واستجاب المكيون لاستنجاده فأمدوه بنحو من ألف رجل على رأسهم أبو جهل. وخدع أبو سفيان المسلمين بقيادته البارعة الفعالة، ولكن أبا جهل كان تواقا إلى القتال فجلب على المكيين النكبة التى حلت بهم فى بدر. وفقد أبو سفيان فى هذا اليوم ابنه حنظلة وأسر ابنه عمرو ثم أطلق سراحه فيما بعد، أما زوجه هند فقد فقدت أباها عتبة. والظاهر أن أبا سفيان قد وكل إليه إعداد العدة للأخذ بثار بدر، وتولى قيادة الجيش الكبير الذى سير إلى المدينة سنة 3 هـ (625 م) والراجح أن ذلك بحكم أنه ورث "القيادة". وقد أدرك أن عاقبة وقعة أحد المقبلة سوف لا تكون مرضية لقريش، ولكنه منع من أن يهاجم المحلة الرئيسية للمدينة، منعه صفوان بن أمية (وجمح) وربما كان مدفوعا إلى ذلك بالغيرة. وقد نظم أبو سفيان أيضا الحلف الكبير الذى حاصر المدينة سنة 5 هـ (627 م) ولربما فت فى عضده عندما ثبت أن هذا الجهد منه قد باء بالخذلان، أو قل إن المناوأة لمحمد فى مكة كان قد وقع أمر توجيهها على أقل تقدير فى يد زعماء الجماعة المنافسة لجماعة أبى سفيان، وهم صفوان بن أمية، وسهل بن عمرو، وعكرمة بن أبى جهل. ولم يرد ذكر لأبى سفيان فيما يتصل بصلح الحديبية، فلما خرج أحلاف قريش سنة 8 هـ (630 م) على هذا الصلح جهرة، شخص أبو جهل إلى المدينة للتفاوض. أما ما حدث له هناك فأمر غير واضح، على أن من الجائز انه وصل إلى بعض التفاهم مع النبى، وربما كان زواج النبى من ابنته أم حبيبة قد ألان قلبه، وإن كانت قد قضت فى الحبشة وهى مسلمة نحوا من خمسة عشر عاما.

ومما لا جدال فيه أن محمدا سار لفتح مكة بعد ذلك فخرج إليه أبو سفيان وحكيم بن حزام وخضعا له (وكان أبو سفيان وقتذاك قد غدا مسلما فيما يظهر)، وأمن كل من دخل بيت أبى سفيان. ومن ثم فإن أبا سفيان قد فعل الكثير فى سبيل تسليم مكة بلا قتال، وشهد غزوة حنين وحصار الطائف، ويقال إنه فقد فى هذا الحصار إحدى عينيه. وكان سائر المكيين خليقين بان يدركوا أن هوازن وثقيف تقفان من مكة موقف عداء كما تقفان من النبى. والظاهر أن أبا سفيان قد نال هو وحكيم بصفة خاصة نصيبا كبيرا من الغنائم عند توزيعها اعترافا بخدماتهما. ولما خضعت الطائف التى كانت تربطه بها صلات تجارية وعائلية ساعد أبو سفيان على تحطيم صنم اللات. وولى أبو سفيان على نجران، وربما على الحجاز أيضا، أما مسألة من ولاه: أهو محمد أم أبو بكر ففيها خلاف. وإذا صح أنه كان فى مكة عند وفاة النبى وتكلم ضد أبى بكر فإنه لا يمكن أن يكون متوليا أمر نجران وقتذاك. ولكن هذا القول المنسوب إليه -مثل كثير من الروايات الأخرى عن أبى سفيان- تدخل فى باب الدعوة المناهضة للأمويين، وقد شهد أبو سفيان معركة اليرموك، ولكن نصيبه فيها قد لا يزيد إلا قليلا عن حض الرجال الذين هم دونه فى السن على القتال، ذلك أنه كان قد بلغ عندئذ حوالى سبعين عاما. ويقال إن أبا سفيان توفى فى حدود عام 32 هـ (653 م) بالغا من العمر ثمانية وثمانين عاما. أما أبناؤه فقد توفى يزيد وهو قائد مسلم فى فلسطين حوالى عام 18 هـ (639 م)، وكان معاوية أول الخلفاء الأمويين. المصادر: (1) ابن هشام والواقدى وابن سعد والطبرى، انظر فهارس هذه الكتب. (2) ابن حجر: الإصابة فى تمييز الصحابة، جـ 2، ص 477 - 480. (3) ابن الأثير: أسد الغابة فى معرفة الصحابة، جـ 3، ص 12 - 13: جـ 5، ص 316. (4) Annali: Caetani ج 1، فصل 2. خورشيد [مونتجمرى وات Montgomery watt]

أبو الصلت أمية

أبو الصلت أمية ابن عبد العزيز بن أبى الصلت الأندلسى: ولد سنة 460 هـ (1067) بدانية من شرق الأندلس، ودرس على القاضى الوقشى فورث عنه علمه الموسوعى. ونجد أبا الصلت حوالى سنة 489 هـ (1096 م) فى الإسكندرية والقاهرة، حيث مضى فى دراساته. وقد سجنه الوزير الأفضل لأنه حاول أن يرفع سفينة غارقة فخاب مسعاه. ونفى من مصر فشخص إلى المهدية سنة 505 هـ (1111 - 1112 م) حيث احسن لقاءه الأميران الزديان يحيى بن تميم وولده على ابن يحيى، وظل فى المهدية مشرفا مكرما حتى أدركته المنية فى غرة المحرم سنة 539) 1154 م؛ وتذكر تواريخ أخرى لوفاته). ونذكر من مصنفاته العديدة ما يأتى: (1) "تقويم الذهن"، وهو رسالة صغيرة فى المنطق الأرسطى نشرها وترجمها إلى الإسيانية - A.Gonzalaz Pa lencia مدريد سنة 1915) مع مقدمة فى الترجمة لأبى الصلت). (2) "رسالة فى العمل بالأسطرلاب"، وقد نشر ملاس - M. Mil las فى. Assaig تحليلا موجزا لهذه الرسالة وقائمة بفصولها. (3) اجوبة عن مسائل علمية تتعلق بمشاكل مختلفة فى الطبيعيات وخلق الكون والرياضيات؛ وثمة موجز لها فى المصدر السابق. (4) موجز فى علم الفلك وضعه للوزير المصرى الأفضل، وهذا الموجز فى راى معاصريه كتيب ليست له قيمة تعليمية ولا هو مفيد للمدرسين. (5) "الأدوية المفردة" وقد ترجمه إلى اللاتينية الطبيب المشهور ارنالدو ده فيلانوفا Arnaldo de Vilanova وترجمه إلى العبرية يهوذا ناتان. (6) "الرسائل المصرية" وقد اهداها إلى أبى طاهر يحيى بن تميم، وهى ترسم صورا حية لأمور مصر وعاداتها، نشرها عبدالسلام هارون بعنوان "نوادر المخطوطات" القاهرة. (7) "رسالة الموسيقى" وقد فقد أصلها العربى وبقيت ترجمة عبرية

منها لمترجم مجهول، محفوظة فى ياريس (المكتبة الأهلية، المخطوط العبرى رقم 1036). المصادر: (1) ابن القفطى، رقم 80. (2) ابن أبى أصيبعة، ب 2، ص 52 وما بعدها. (3) ياقوت: إرشاد الأريب، ب 2، ص 361. (4) ابن خلكان: وفيات، ص 101. (5) المقرى: نفح الطيب = Analeces، ج 11، ص 530 وما بعدها، ج 2، ص 218 - 219. (6) Brockelmann، ج 1، ص 641، قسم 1، ص 889. (7) Suter، ص 115. (8) Die Hebreische: Steinschneider ,Ubersetzungen ص 735، 885. (9) , Medicine Arabe: L. Lecelerc ج 2، ص 74 - 75. (10) Assaig: J.M.Millas Vallicrosa d,Historia de les idee fisiques i matema- ,tiques a la Cataunya medieval ج 1 ص 75 - 81. (11) Introduction to the: G. Sarton Hist. of Science ج 1، ص 230. [ملاس J/ M. Millas] وقد كتب أبو الصلت أيضا للحسن بن على ابن يحيى كتابا فى التاريخ هو تكملة لتاريخ افريقية لابن الرقيق بلغ فيه بالحوادث سنة 517 هـ (1123 م). وتوجد مقتطفات منه فى ابن عذارى: البيان المغرب، ج 1، ص 274 وما بعدها، 292 وما بعدها؛ وفى التجانى: الرحلة، تونس سنة 1927، ص 51 وما بعد ها (=. Jou/ As، سنة 1852، ج 2، ص 131) ص 90) = المجلة نفسها، ص 176) ص 237) - المجلة نفسها، سنة 1853، ص 375 وما بعدها)؛ وفى: ابن الخطيب) - Centenario di Mi chele Amari ج 1، ص 455 - 459). خورشيد [شتيرن S. M . Stern]

أبو طالب

أبو طالب ابن عبد المطلب بن هاشم بن فاطمة بنت عمرو (من مخزوم) وأخو أبى النبى صلى الله عليه وسلم الشقيق، واسمه عبد مناف، ويقال إنه ورث عن أبيه "السقاية"، و"الرفادة"، على أن أخاه الزبير كان زعيم بنى هاشم فى حلف الفضول وفى حرب الفجار. ووقع أبو طالب فى الدين، وأراد أن يواجه هذا الدين فاضطر إلى النزول عن السقاية والرفادة للعباس. ومهما يكن من شئ فالظاهر أنه ظل زعيما لعشيرة بنى هاشم، وقد سمى حيهم فى مكة بشعب أبى طالب. وكفل أبو طالب محمدا عندما توفى عبد المطلب، ويقال إنه كان يصحبه فى قوافله التجارية إلى الشام. وظل يبسط حمايته على محمد بعد رسالته حتى حين قاطعت معظم عشائر قريش الأخرى بنى هاشم وبنى عبد المطلب، والمظنون أن ثمة أسبابًا اقتصادية أخرى حملتهم على ذلك. وتوفى أبو طالب بعيد انتهاء هذه المقاطعة سنة 619 م، والراجح أن أخاه أبا لهب هو الذى خلفه. ومن أبنائه من فاطمة بنت أسد بن هاشم أسلم علىّ (ويقال إن محمدا هو الذى كفله) وجعفر، أما طالب فقد حارب فى بدر مع أعداء النبى. ومع أن أبا طالب كان يبسط حمايته على محمد فإنه لم يسلم، على أن هذا الأمر كان محل جدل كبير وموضوع روايات مختلفة تتصل بتلك المسألة الشرعية الخاصة بمصير أولئك الذين عاشوا قبل رسالة النبى - صلى الله عليه وسلم -. المصادر: (1) ابن هشام، ص 114 - 117، 167 - 177. (2) ابن سعد: الطبقات ج 1، قسم 1، ص 75 - 79، 134 - 135، (3) الطبرى ج 1، ص 1123 - 1126، 1173 - 1185، 1198، 1199. (4) ابن حجر: الإصابة، ج 4، ص 112 - 119.

أبو الطيب المتنبى

(5) TH.Noldeke: فى. zeistchr der Deutsch.Norg Gesells سنة 1898، ص 27 - 28. (6) Goliziher: ج 2، ص 107. (7) Caetani: Annali ج 1، ص 158، 298، 307 وما بعدها. (8). For Buhl: Das Leben Muhammeds، ص 115 - 118. (9) Muhammed: Montegomery watt Mecca، الفهرس. خورشيد [مونتجمرى وات Montegomery watt W.] أبو الطيب المتنبى المتنبى لقب عرف به الشاعر العربى أبو الطيب أحمد بن الحسين الجعفى (ابن خلكان: وفيات، القاهرة سنة 1310 هـ، ج 1، ص 36؛ وفى هذا الكتاب سلسلتا نسب للمتنبى لا تتفق إحداهما مع الأخرى، ترفعانه إلى جده الأعلى). ولد بالكوفة عام 303 هـ (915 م) فى حى كندة، ومن ثم كانت نسبة الكندى التى يعرف بها أحيانا. وقد زعمت أسرته التى كانت تعيش فى أرق حال أنها تنتمى إلى عشيرة "جعف" اليمانية. وكان شاعرنا يؤمن طوال حياته بتفوق عرب الجنوب على عرب الشمال. (الواحدى: شرح ديوان المتنبى، طبعة ديترتشى Deitrici، ص 48 - 49، اليازجى: العرف الطيب، ص 29). وتلقى المتنبى دروسه الأولى فى مسقط رأسه، وسرعان ما امتاز بذكائه الوقاد وحافظته العجيبة، كما ظهرت موهبته الشعرية مبكرة، ووقع حينذاك تحت تأثير الشيعة، وربما تحت تأثير الزيدية منهم، (عبد القادر البغدادى: خزانة، ج 1، ص 382، س 12) فأثر هذا فى تطور فلسفته (سنعود إلى هذا الموضوع فيما بعد) كما ساعدت الظروف أيضا على سرعة تطور عقيدته الدينية. وليس من شك فى أن أبا الطيب المتنبى فر فى أواخر عام 312 هـ (924 م) من وجه القرامطة الذين استولوا على الكوفة وأعملوا فيها النهب، وعاش مع أسرته مدة عامين (السمعانى: الأنساب، ص 506 ب، س 24؛ البديعى: الصبح المنبى، ج 1، ص 6) فى سماوة وهى الإقليم الواقع

بين سواد الكوفة فى الشرق وتدمر فى الغرب. ولقد هذب دعاة القرامطة من شأن بنى كلب الذين كانوا يعيشون عيشة البدو فى فيافى تلك الصحراء. ومن المحتمل أن يكون هذا الشاعر الشاب قد اتصل فى ذلك الوقت ببعض هوْلاء الزنادقة. إلا أنه ليس من المرجح كثيرا أن يكون هذا الاتصال الأول قد ترك أثرا حاسما فى حياته لحداثة سنه. ومن المحقق من جهة أخري أن إقامة أبي الطيب بين هؤلاء البدو قد أكسبته معرفة عميقة باللغة العربية فاخر بها جد الفخر من بعد. ويظهر أن أبا الطيب صمم على أن يقف مواهبه كلها على الشعر عند رجوعه إلى الكوفة فى أوائل عام 315 هـ (927 م). وكان فى ذلك الوقت شديد الإعجاب بأبى تمام والبحترى وهما شاعرا المدح العظيمان اللذان ظهرا فى القرن السابق. إذ رأى، شأن هذين الشاعرين وشأن الكثير من معاصريه، أن الشعر وسيلة محققة للحصول على الثروة والسلطان، ولهذا سرعان ما تقرب الى أبى الفضل الكوفى ومدحه بقصيدة قصيرة (الواحدى ص 17 - 31؛ اليازجى، ص 10 - 11) ويلوح لنا أن هذا الرجل قد أثر تأثيرا كبيرا فى تطور عقيدة المتنبى وفلسفته (أنظر خزانة الأدب، ج 1، ص 383) ذلك لأنه كان فيما يظهر من الذين اعتنقوا مذهب القرامطة أو قل أنه كان على أى حال لا أدريًا صميمًا، نلمح ذلك من المدائح التى كان يسره أن توجه إليه، وقد جعله اتصاله بمولاه -بعد أن هيأته البيئة الشيعية التى قضى فيها صباه والصلات التى كانت بينه وبين القرامطة فى السماوة- ينبذ العقائد الدينية التى كان يرى أنها أداة روحية للظلم. واعتنق المتنبى فى ذلك الوقت فلسفة رواقية متشائمة ظهر صداها فى شعره: فالحياة عنده غواية يذهب بها الموت (الواحدى، ص 39، الأبيات 13 - 8؛ اليازجى ص 97.23) ولا يسودها إلا الحماقة والشر (الواحدى، ص 161، الأبيات 5 - 10؛ اليازجى، ص 97). كما كان يرى أن الاْعاجم الغلاظ الجبناء قد غلبوا العرب على أمرهم، وهؤلاء كانوا فى نظره يمثلون

جنسا متفوقا (الواحدى، ص 148، الأبيات 1 - 5، ص 160، الأبيات، 2 - 6، اليازجى، ص 87، 96). وبازدياد معرفة أبى الطيب بهذه الحياة التى كان يزهد فيها، نما شعوره سريعا بموهبته، فازداد غروره إلى درجة لا تكاد تتصور (الواحدى، ص 60؛ اليازجى، ص 34). وقد دفعته عصبيته العربية، شأن جميع أعداء الشعوبية، إلى مهاجمة الأعاجم المغتصبين (الواحدى ص 58، البيتين 30 - 31؛ اليازجى ص 33). ولذلك نستطيع أن نعرف من التناقض الذى لم يكد يبرأ منه لماذا كان يطمع طوال حياته فى الثروة والسلطان اللذين كان يحتقرهما من أعماق نفسه، مع أنه كان يتميز عن بقية معاصريه بخلقه المتشدد وصرامته (البديعى: كتابه السابق، ص 78 - 81). ونجد أبا الطيب يقصر تفكيره أول الأمر على غزو العالم بمواهبه الشعرية، ولذلك رأى أن يبعث عن ميدان أوسع لنشاطه؛ فترك الكوفة حوالى نهاية عام 316 هـ (938 م)، والراجح أن هذا الرحيل كان نتيجة لنهب القرامطة هذه المدينة مرة أخرى. ومن الطبيعى أن تجتذبه بغداد (البديعى، كتابه السابق، ب 1، ص 82 - 83) فيمدح فيها مواطنه محمد بن عبيد الله العلوى (الواحدى، ص 6 - 7؛ اليازجى، ص 3 - 4) ثم يرتحل منها إلى الشام، فيعيش فيها عامين عيشة الشعراء الجوالين فى ذلك العصر (Renaissance des lslams: Mez ص 356). ولكنا لا نستطيع أن نتتبع تجوال الشاعر لأن ديوانه، وهو مرجعنا الوحيد، لم يرتب ترتيبًا زمنيًا مقنعًا. وقد مدح فى بعض قصائد هذه الفترة من حياته شيوخ البدو فى إقليم مَنْبج (انظر هذه المادة الواحدى، ص 34 - 25، 38 - 39، 67 - 66؛ اليازجى، ص 13 - 13، 22 - 23، 28 - 29) كما مدح بقصائد أخرى رجال الأدب فى طرابلس (الواحدى، ص 88 - 89، اليازجى ص 19 - 20) واللاذقية (الواحدى ص 116 - 135؛ اليازجى، ص 66 - 78) وشعر هذه المرحلة من حياة المتنبى متوسط القيمة تظهر فيه العجلة، ولكنا مع ذلك نلمح فى ثناياه آثار موهبته الحقة. فإذا استثنينا مرثية له وبعض مقطوعات ارتجالية فإن

جميع قصائد هذه الفترة تمثل الذين يتأثرون الشعر القديم، كما يغلب عليها أثر أبى تمام والبحترى. وبرم أبو الطيب بهذا الطور من أطوار التجربة لأنه لم يلق من يقدر مواهبه، فأخذ يتطلع إلى تحقيق أحلامه فى السيادة بالقوة (الواحدى، ص 138، الأبيات من 3 - 7؛ اليازجى، ص 79). وعزف آخر الأمر عن ذلك المديح الذى كان يؤجر عليه، وعاد إلى اللاذقية ثم بدأ دعوة ثورية أسئ فهم كنهها مدة طويلة من الزمن، فكتاب المشرق يقولون (البديعى، الكتاب السابق، ج 1، ص 25 - 30؛ ابن الأنبارى: نزهة الألباء، ص 369) إن أبا الطيب ادعى النبوة فى السماوة، وأسرته جنود الإخشيد من ثم لقب بالمتنبى. وانتصر كراتشكوفسكى Kraschkowsky فى كتابه عن المتنبى وأبى العلاء (طبعة سانت بطرسبرج عام 1909، ص 9 - 11) لهذه الروايات من غير أن يلقى نظرة شاملة على الإشارات الواضحة فى ديوانه؛ ففى هذا الديوان أشعار تقطع بقيام المتنبى بهذه الثورة (الواحدى، ص 49 - 58 - 86؛ اليازجى ص 28 - 33، 50) إلا أنها كانت بلاشك مثل غيرها من ثورات ذلك العهد سياسية ودينية معًا، وقد بدأت فى اللاذقية ثم امتدت إلى الحدود الغربية للسماوة حيث يسكن بنو كلب المتأهبون دائما للتمرد. وقد استغل أبو الطيب مبادئ القرامطة دون أن يؤمن بمذهبهم، ولم تجد هذه المبادئ أذنًا صاغية كل الإصغاء إلا بين أولئك البدو الرحل (الواحدى. ص 57، البيتين 22 - 23؛ اليازجى، ص 32، وبهذا الكتاب إشارة إلى مذبحة الحُجّاج الذين قتلهم أبو طاهر القرمطى عام 317 هـ 930 م)، وربما سببت أقوال الثائر الغامضة ومبادئه التى تقوم على انتهاز الفرص وتصوره للإمامة على الأسس القرمطية بعض الالتباس فى فهم دعوته، ذلك لأن كل ثائر فى ذلك الوقت كان يعتبر قرمطيًا، وهزم المتنبى والبدو الذين كانوا معه بعد أن نجح بعض النجاح فى أول الأمر، ثم أسر وحبس فى حمص حوالى نهاية عام 322 هـ (923 م). وبعد أن حوكم وسجن سنتين (انظر ديوانه. مخطوط بباريس، رقم 3092، ورقة 16 أ) أطلق سراحه

على أن يرجع عن غيه. ولم يكتسب من هذه المغامرات إلا لقب "المتنبى" كما اقتنع بأن الشعر وحده هو الذى يقوده إلى تحقيق أحلامه الواسعة. وتمتاز القصائد التى نظمها أبو الطيب قبيل هذه الثورة وفى أثنائها بتدفق الشاعرية، والحرية التى كان يعالج بها قوالب الشعر، وبقوة الأسلوب الذى ظهرت فيه شخصية الشاعر أكثر من ذى قبل. وما إن رجع المتنبى إلى احتراف المديح حتى عاد بطبيعة الحال إلى استئناف حياة التجوال (بداية عام 325 هـ -937 م). فعاش عيشة غير مستقرة عدة سنوات، وقنع بمدح أهل أنطاكية ودمشق وحلب وغيرها وبعض صغار العمال فى هذه المدن الذين كانوا يقترون عليه فى العطاء كل التقتير (الواحدى 51 - 131 ياقوت: إرشاد الأريب، ج 5، ص 203) وذاع صيته شيئا فشيئا حتى أصبح فى أوائل عام 328 هـ (939 م) شاعر الأمير بدر الخرَشَانى الذى ذكره فى ديوانه باسم بدر بن عمّار، وكان واليَا على دمشق من قبل أمير الأمراء السابق ابن رائق الذى كان قد احتل الشام وشيكًا. ولما كان بدر من أصل عربى فقد اعتبره المتنبى مولاه الذى كان ينتظره منذ أمد بعيد؛ والمدائح التى مدح بها الأمير والقصائد العارضة التى وجهها اليه فى بعض المناسبات تفصح عن صادق الإعجاب به. وتمتاز بالإلهام الشعرى الرفيع (الواحدى، ص 206 - 245؛ اليازجى، ص 132 - 163)، وتؤلف هذه المقطوعات مع التى سبقتها بعد رجوعه إلى عالم الأدب ما نستطيع أن نطلق عليه المرحلة الثالثة من حياة المتنبى الشعرية؛ وقد نظم المتنبى المطولات فى هذه المرحلة، هذا إذا استثنينا مقطوعة فى الصيد تأثر فيها الشاعر أبا نواس (الواحدى ص 201 - 202؛ اليازجى ص 128 - 129) وعددًا من القطع ارتجلها الشاعر وليست لها أهمية خاصة. وقد يبدو أن المتنبى عاد فى هذه المرحلة إلى مرحلته الشعرية الأولى، إذ كانت أشعاره فى هذه المرحلة لا تدل على تقدم يذكر فى القصيدة من حيث "قالبها".

ولم تدم صداقة المتنبى لبدر إلا حوالى عام ونصف العام، فلما وجد أنه لم يعد آمنا على نفسه من دسائس منافسيه وحساده (الواحدى، ص 253، الأبيات 13 - 16؛ اليازجى، ص 169) التجأ إلى بادية الشام (الواحدى، ص 252 - 251؛ ص 168 - 169) وهناك تملكته فكرة الثورة من جديد (الواحدى ص 253 - 254؛ اليازجى، ص 170 - 171).، من حسن الطالع أن نزوح بدر إلى العراق قد مكنه من الخروج من مخبئه ومعاودة التكسب بالمديح، فمدح عدة أشخاص ليسوا بذوى خطر (الواحدى، ص 107 - 108، 284 - 348؛ اليازجى ص 60 - 61، 194 - 241) ثم نجح آخر الأمر فى توطيد مركزه فى بلاط الحمدانيين بحلب عندما) صبح الشاعر الرسمى للأمير سيف الدولة وكان ذلك فى أوائل عام 337 هـ (948 م). وإذا نظرنا إلى أشعاره من الناحية الأدبية فى هذه الفترة التى تبتدئ على التقريب من منتصف عام 329 هـ (940 م) وهو تاريخ الوحشة مع بدر، وتنتهى فى أوائل عام 337 هـ (948 م) فإننا نجدها تكوَن المرحلة الرابعة التى ظل يلتزم) سلوبها حتى وفاته. ويمتاز شعره فيها بالتوفيق بين التقاليد الشعرية القديمة التى درج عليها المحدثون وبين القالب الشعرى المتحرر الذى اتخذه المتنبى فى مرحلة ثورته، ومع أنه لم ينبذ قالب القصيدة القديم فقد اقتصد إلى أقصى حد فى مقدماتها الغزلية، وكان أحيانا يستبدل بها مقدمة فلسفية غنائية يبث فيها أحلامه وشفاءه من الأوهام وسخطه. وقد مكث أبو الطيب تسع سنوات مع سيف الدولة، وكان متعلقا به تعلقا شديدًا، إذ رأى أنه قد تمثلت فيه صفات الزعيم العربى الكامل، فقد كان عظيما شجاعًا مسماحًا، وقابل ذلك سيف الدولة بان قدر شاعره وغمره بالهبات ولم يسئ اليه قط. وصحبه المتنبى فى غزواته حتى إذا رجع إلى حلب تغنى الشاعر بمغامرات مولاه مع الروم والبدو. وكان المتنبى فى الفترات القصيرة التى تتخلل غزوات سيف الدولة الحمدانى يشترك فى لهو البلاط

بحلب ويتوفر على الانتاج، وينظم المدائح فى كل مناسبة للوح (الواحدى، ص 522 - 537، اليازجى ص 376 - 395) ويرثى أقرباء سيف الدولة الذين يتوفاهم الله (الواحدى، ص 388 - 389، 408 - 459، 577 - 578، اليازجى، ص 271 - 272، 286 - 287، 428 - 427). وقد كان من شأن أخلاقه الشرسة وشهرته الواسعة أن ألبت عليه أعداء ألداء. وفى الحق لقد حاول نفر من أصدقائه كالببغاء الشاعر أن يدافعوا عنه، بيد أن حماستهم لم تجد شيئا أمام عداوة فريق من الخصوم الألداء يتزعمهم الشاعر المعروف أبو فراس ولم يحفل سيف الدولة بادئ الأَمر بحملات أولئك الخصوم على شاعره. ولما ضاق صددره وتخلى عن حماية المتنبى لم يستطع هذا أن يأمن على حياته، ففر خفية من حلب مع أسرته والتجأ إلى دمشق فى نهاية عام 346 هـ (957 م). ويتفق نقاد الشرق بصفة عامة على أن المتنبى قد بلغ الذروة بقصائده التى نظمها أثناء إقامته مع سيف الدولة، ومع أن فى هذا القول شيئا من البالغة، فالمحقق أن الشاعر فى هذا العهد الذى يعتبر بمثابة الاستمرار فى مرحلته الشعرية الرابعة، قد كشف عن امتلاكه ناصية الشعر، وهو ما بلغ إليه فنه فى تلك المرحلة. وكان المتنبى أقدر من أبى فراس، الذى كان كثيرا ما يوازن به، على وصف انتصارات سيف الدولة على الروم؛ ولو أن شعره كان ينقصه حقا سحر شعر أبى فراس، إلا أنه كان أكثر منه شمولا وأقرب إلى الملاحم. وانتقل أبو الطيب من دمشق إلى الفسطاط بمصر، واتصل بكافور الإخشيدى، وحياة المتنبى فى هذا الوقت تكشف لنا عن الضرورات التى كان يخضع لها شعراء القرن الرابع الهجرى (العاشر الميلادى). ذلك أن أبا الطيب، وقد حُرم من الاستقلال المعنوى والمادى، لم يجد مناصًا من أن يمدح مولى لم يكن يحمل له فى قرارة نفسه إلا الاحتقار. ومدائحه فى هذا الرجل تظهرنا بجلاء على أسفه لفقدان رضا سيف الدولة، وهى قصائد متكلفة بعض الشئ، فيها ما يمس كافورا (البديعى:

الكتاب المذكور، ج 1 ص 125 - 126)، وربما كان الشاعر قد رأى أن يعلى من قدر كافور، لا لشئ إلا أن هذا وعده بولاية صيداء (البديعى، ج 1، 115) فلما لم تتحقق وعوده حاول أن ينال الحظوة عند قائد إخشيدى آخر هو أبو شجاع فاتك (البديعى، ج 1، ص 131 - 132) ولكن أبا شجاع توفى عام 350 هـ (960 م) ولما تزل العلاقات متوترة بين المتنبى وكافور، ولذلك صمم أبو الطيب مرة أخرى على الفرار، وفى يوم عيد الأضحى من هذا العام ترك الفسطاط خفية بعد أن كتب هجاء فى كافور وعبر جزيرة العرب بعد أن قاسى المحن والأهوال (البديعى، ج 1، ص 139 - 140) فوصل إلى العراق وأمضى مدة من الزمن فى الكوفة، ثم استقر فى بغداد. وربما كان قد فكر فى أن يتصل بالمهلبى الوزير البويهى المعروف الذى جمع حوله حاشية ممتازة، ولكنه انصرف عن ذلك للعداء الذى أظهره له الشعراء والعلماء المقربون من هذا الوزير أمثال ابن الحجاج وأبى الفرج الأصفهانى صاحب "كتاب الأغانى". وألقى المتنبى هنا -كما بدأ يفعل وهو فى مصر من قبل (ابن الفرضى: تاريخ الأندلس، رقم 453) - دروسا على زمرة من الصحاب، شرح لهم فيها اشعاره إلى ذلك الحين (الذهبى: تاريخ الإسلام، باريس رقم 1581، ورقة رقم 1265) فقضى عام 353 هـ (964 م) على هذا النحو، وربما زار الشاعر الكوفة حوالى هذا العام (انظر Vita di -Mutnabi: F. Gabrieli ص 60، تعليق 4). ومهما يكن من شئ فإن المتنبى نزح عن العراق عام 354 هـ (965 م) وذهب عن طريق الأهواز إلى أرَّجان من أعمال خوزستان وهناك نال رضا الوزير البويهى ابن العميد وخصه ببعض مدائحه (الواحدى، ص 740 - 741؛ اليازجى، ص 564 - 565) ثم. ترك ابن العميد وذهب إلى شيراز بفارس واتصل هناك بالسلطان البويهى عضد الدولة الذى رغب فى أن يكون المتنبى من رجال بلاطه. وبعد أن امتدحه الشاعر بعدة قصائد تعتبر من غرر أشعاره ترك شيراز لأسباب غير واضحة، وربما لم يكن لهذا الرحيل من سبب سوى حنينه إلى وطنه (الواحدى، ص 766، الأبيات 1 - 3؛ اليازجى، ص

589). ورجع أبو الطيب من بلاد الفرس إلى بغداد على مراحل قصيرة، وفى الطريق هاجمه البدو والنهابون قرب دير العاقول فى آخر رمضان عام 354 هـ (أغسطس 955 م) فقتل كما قتل ابنه فى عراكه معهم، فتناثر متاعه جميعًا وفى مخطوطات ديوانه التى خطها بنفسه (البديعى، ج 1، ص 227 - 239). وقد كان المتنبى محاطاً، حتى فى حياته، بالمعجبين المتحمسين الذين دافعوا عن أشعاره بجملتها من هجمات الحاسدين الذين لم يكونوا أقل حماسة منهم فى الحط من شأنه. ومعظم هؤلاء نقدوا شعره فحسب لأنهم لم يكونوا راضين عن أخلاقه، ولذلك لا يمتاز نقدهم بالإنصاف، وإنما يعبر فقط عن رأى فريق من الناس. فلما توفى المتنبى نشأت طبقة ثالثة تعجب بشعره كانت أنفذ بصيرة من الأولى وأكثر حذرا من الوقوع فى التحيز والمبالغة من الثانية. (الجرجانى: الوساطة، ص 11 - 12، 46 - 45). وسادت آراء هذه الطبقة الجديدة، فلما ذهب جميع معاصرى المتنبى ظل جمهور المتأدبين يناصر مناصرة تامة شاعر سيف الدولة، يستثنى من ذلك العسكرى وابن خلدون. ومنذ القرن الخامس الهجرى (الحادى عشر الميلادى) أصبح اسم المتنبى مرادفا للشاعر العظيم، وقد أثر على الشعر العربى تأثيرا كبيرا لا مثيل له. وأصبح ديوان المتنبى طوال العصور الوسطى والعصر الحاضر فى متناول الدارسين والأدباء من فارس إلى الأندلس بفضل كتّاب انساقوا فى الغالب إلى شرح ديوانه بدافع العاطفة لا بدافع العقل، نخص منهم بالذبمر ابن جنى وبعده أبا العلاء والواحدى والتبريزى والعكبرى وابن سيده. ولا يتسع المجال هنا للإبانة عن أثر المتنبى فى الشعر الذى جاء بعده، ويكفى أن نشير إلى أن كل شعراء المديح من العرب قد تأثروا المتنبى بطرق شتى. ولا يزال الناس يقبلون على قراءة شعره إلى يومنا هذا فى شمال إفريقية، كما أن المتأدبين فى مصر والشام ينزلونه منزلة عليا، وقد خصه كثير من النقاد بالأبحاث التى تطفح بالثناء عليه. ويظهر أن أبا الطيب يجتذب الناس فى

مصر -على الأقل- بفلسفته الجريئة وحماسته للعصبية العربية، كما يجتذبهم بخصائصه الأدبية البحتة. المصادر: كتبت للمتنبى فى الشرق عدة ترجمات، المبتكر القيم منها خمس هى: (1) عبد الله الإصفهانى: إيضاح المشكل لشعر المتنبى، فى "خزانة الأدب" لعبد القادر البغدادى (القاهرة سنة 1299 هـ) ج 1، ص 382 - 389. (2) الثعالبى: يتيمة الدهر (دمشق عام 1304 هـ) ج 1، ص 78 - 162، وفى مواضع أخرى. (3) الخطيب البغدادى: تاريخ بغداد (باريس، فهرس المخطوطات، رقم 2129، ورقة رقم 105 - 106) وقد أثبت ما ورد عن المتنبى فى هذا الكتاب كل من ابن الأنبارى فى كتابه "نزهة الألباء" (القاهرة سنة 1294 هـ) ص 366 - 374، والسمعانى فى كتابه "الأنساب" (ليدن سنة 1913 هـ) الورقة رقم 506 أ [وقد طبع كتاب تاريخ بغداد للبغدادى بمطبعة السعادة، القاهرة سنة 1349 هـ = 1931 م]. (4) ابن خلكان: الوفيات، (القاهرة سنة 1310 هـ) ج 1، ص 36 - 38. (5) البديعى: الصبح المنبى عن حيثيات المتنبى (على هامش شرح العكبرى) على "ديوان" المتنبى، القا هرة سنة 1308 هـ) ج 1، ص 5 - 245. وقد درس أشعار المتنبى فى الشرق غير شراحه كثيرون منهم. (6) أبو الحسن الجرجانى: الوساطة بين المتنبى وخصومه (صيدا سنة 1336 هـ). (7) الثعالبى، كتابه المذكور. (8) ضياء الدين بن الأثير: المثل السائر (بولاق سنة 1282 هـ). (9) وقد أورد حاجى خليفة ثبتا بشراحه فى كتابه "كشف الظنون"، ج 3، ص 306 - 312، غير أن هذا الثبت ناقص. وأهم شراحه. (10) الواحدى: - Mutanabbii car mina cum commentario Wahidii (طبعة ديتريتشى Dieterici برلين سنة 1861).

أبو العباس

(11) العُكْبرى: التبيان فى شرح الديوان (القاهرة سنة 1308). (12) ناصيف اليازجى: العرف الطيب فى شرح ديوان أبى الطيب (بيروت سنة 1305). - وقد درس المستشرقون كثيرًا من شعر المتنبى عمومًا وتفصيلا، وسنذكر هنا الدراسات العامة فقط. (13) Commentatio de Mata Bohlen nabbi: (بون سنة 1824). (14) Motanabbi,: Hammer Purgstall der grosste arabiche Dichter فينا سنة 1824). (15) , G. A. L.: Brockelmann ج 1، ص 87 - 88. (16) A Literary History: Nicholson of the Arabs(لندن سنة 1923) ص 304 - 313. (17) La Vita di al-: f. Gabrieli Mutanabbi R. S. O) ج 11) ص 27 - 42. (18) الكاتب نفسه: Studi sulla poesia di al- Mutanabbi (Rendic della Acad) ... dei Lincei سنة 1937. (19) الكاتب نفسه: La poesia di al- Mutanabbi (Giornale della Soc asiat. italiana سنة 1929 ج 2، 1. (20) Le poete arabe al- R. Blachere Mutanabbi et loccident muslamann E. J، سنة 1939) ص 127 وما بعدها. (21) الكاتب نفسه: Mutanabbi [بلاشير R. Blachere] أبو العباس السفاح: أول خلفاء الدولة العباسية، اسمه الحقيقى عبد الله، وللتفريق بينه وبين أخيه أبى جعفر عبد الله المنصور الذى ولى الخلافة أطلقوا عليه عادة اسم "أبو العباس" وكان أبوه محمد بن على الحفيد الأدنى لعم النبى، وكانت أمه تدعى رَيْطَة بنت عُبيد الله بن عبد الله. وقد رأى العباسيون أنهم أحق بالخلافة من الأمويين لقرابتهم من النبى، ولهذا أخذ العباسيون منذ بداية الأمر يتآمرون على الأسرة الحاكمة. وكان هذا شأن محمد والد السفاح بنوع خاص، وقد تابع أولاده هذه الخطة من

بعده، وأولهم إبراهيم ثم أبو العباس فأبو جعفر. وتذكر الرواية الشائعة أن أبا جعفر كان أسن من أخيه أبى العباس، ولكنه تنازل لأخيه عن حقوقه، وفى رمضان عام 129 (يونية 747) نشرت الراية السوداء، شعار العباسيين، فى خراسان، وهزمت جنود بنى أمية وسقطت الكوفة ونادى أبو العباس بنفسه خليفة فى بغداد عام 132 هـ (749 م)، وأصبحت تلك المدينة المقر المؤقت للأسرة الحاكمة الجديدة، وهزم مروان الثانى آخر خلفاء بنى أمية هزيمة منكرة على نهر الزاب الأعلى فى جمادى الآخرة عام 133 (يناير 750) وقتل بعد ذلك بقليل. وكان شغل العباسيين الشاغل حماية العرش من أى خطر من جانب الأمويين، فاتخذ الخليفة الجديد لذلك أشد التدابير وأفظعها، وتخلص الخليفة وعماه عبد الله وداود بالقوة والحيلة من سلالة الأسرة الحاكمة السابقة. وقد لقب أبو العباس نفسه فى خطبة له من فوق منبر المسجد الجامع بالكوفة بـ "السفاح" وعمل بإخلاص كل ما فى وسعه لكى يكون أهلا لهذا اللقب المروع. ولم يكن الأمويون وحدهم فريسة هذا الظمأ لسفك الدماء، بل كان أمام الخليفة الجديدة عدة صعاب أخرى، ولكن نصيب المعارضة فى جميع الحالات كان هو البطش فى أفظع أشكاله. ولم يكن أمام أبى العباس فى غير ذلك من الأمور الوقت الكافى لترقية شئون مملكته فترك هذا للخليفة المنصور الذى يظهر أنه كان له شأن هام حاكمًا ومشيرًا إبان خلافه أخيه، وتوفى السفاح فى ذى الحجة عام 136 (يونية 754) بالأنبار على نهر الفرات، وكان عمره حوالى الثلاثين ربيعًا، وتقول الرواية الشائعة إنه أوصى بالخلافة لأخيه. المصادر: (1) الطبرى، انظر الفهرس. (2) ابن الأثير. طبعة تورنبرغ، ج 5، ص 86 وما بعدها. (3) اليعقوبى, طبعة هوتسما، ج 2، ص 417 وما بعدها. (4) Gesch d. Chalifen: Weil ج 2، ص 1 وما بعدها.

(5) Der Islam im mor-: A. Miiller ,gen. und Abendland ج 1، ص 454 وما بعدها. (6) Orientalisch Skizzen: Noldeke، ص 113 وما بعدها. (7) The caliphate. its. de-: Muir cline. andfall الطبعة الثالثة، ص 426 وما بعدها. (8) Das arab. Reich: Welhausen und Sein Sturz ص 338 وما بعدها. [تستر شتين K. V. Zettersteen] + أبو العباس السفاح، عبد الله ابن محمد بن على بن عبد الله بن العباس: أول خليفة عباسى" ولقب السفاح يعنى المتعطش لسفك الدماء أو الكثير البذل. وفى صفر سنة 32 اهـ (سبتمبر - أكتوبر سنة 749 م) لاذ هو وسائر أفراد البيت العباسى بالكوفة بعد أن احتلها الحسن بن قحطبة بقليل، ونودى به خليفة بالمسجد الجامع فى الثانى عشر من ربيع الآخرة (28 نوفمبر) وعندها ألقى خطبته المشهورة. وكان أول عمل لأبى العباس هو قضاؤه على الأمويين جملة؛ وكانت جيوش العباسيين بقيادة عمه عبد الله بن على قد حققت نصرًا كاملا عند الزاب الأعلى فى جمادى الثانية سنة 132 هـ (يونية سنة 650) واندفعوا يتعقبون مروان الثانى فى العراق والشام وفلسطين. وحين قتل مروان بمصر فى ذى الحجة سنة 132 هـ (أغسطس سنة 750) أصبحت المعركة الكبرى فى حكم الانتهاء. وسرعان ما قضى على المقاومة المعزولة التى كان يبديها ابن هُبَيَرة فى واسط، على حين قمعت الفتن التى نشبت فى العراق والشام فى بطش شديد، فقد أطلق الغزاة العنان لثورات انتقامهم، وكان اْولها خطرا الحادث الجلل الذى كان على نهر أبى فُطْرُس حيث قتل عبد الله بن على نحوًا من ثمانين من زعماء بنى أمية ونصب الموائد على جثثهم، ثم قذف بها بعد ذلك إلى الكاوب لتنهشها. وحدثت مشاهد من هذا القبيل فى الكوفة والبصرة وفى الحجاز، هذا إلى ما كان من انتهاك قبور الخلفاء الأمويين. وكذلك بطش بالعلويين سنة 133 هـ

(750 - 751 م) حين سخطوا إذ رأوا أنفسهم بعد أن أيدوا قضية الثورة قد حرموا ثمرتها، وأخمد والى خراسان أبو مسلم فتنة باسم العلويين فى بخارى. وبهذا الأسلوب استؤصلت شافة عناصر المقاومة الرئيسية بعد تولى العباسيين للخلافة، ونعنى بها الأمويين وكذلك خصوم العلويين السابقين. على أن العباسيين أرادوا أن يذهبوا إلى مدى أبعد من ذلك، فيستأصلوا شافة قادتهم هم سياسيين وحربيين ممن بلغوا فى السلطة شأنًا عظيمًا وأخذ عليهم التمرد سواء بالحق أو بالباطل. وبالتآمر مع أبى مسلم أقصى أبو سلَمَة وسليمان ابن كثير. وبعد هذا جاء دور أبى مسلم، وقد فشلت أولى المحاولات ضده، وكانت تتصل بتمرد زياد بن صالح فيما وراء النهر سنة 135 هـ (753 - 752) وكانت الثانية بعد وفاة أبى العباس مباشرة، دبرها موففا خلفه الخليفة المنصور. ومات أبو العباس فى الأنبار، وكان اتخذها مقرًا له فى ذى الحجة سنة 136 هـ (يونية سنة 754 م). ومن العسير أن نصدر حكمًا على شخصيته, ذلك أننا لا نعرف على وجه اليقين نصيبه الشخصى فى الحوادث التى وقعت مدة خلافته القصيرة. ولكن المحقق أنه خلال حكمه لم تنتقل الحركة العباسية من طور الثورة إلى طور الشرعية فحسب بل هى قد مكنت لنفسها أيضا، كما ظهرت أولى الدلائل على ذلك السلطان السياسى والاقتصادى الذى دعمته خلافة المنصور. المصادر: (1) الدينورى ت الأخبار الطوال، طبعة Guirgass. (2) اليعقوبى، الفهرس. (3) الطبرى، الفهرس. (4) المسعودى: المروج، الفهرس. (5) Orientalische Skiz-: Th. Noldeke zen ص 118 - 121. (6) Das Arabisch: J. Wellhausen Reich ص 338 - 352. (7) وانظر عن لقبه "السفَّاح" H. F. On the Meaning of the Laqab: Amedroz

أبو العتاهية

Al Saffain فى J. R. A. S 1907، ص 660 - 663. (8) وانظر عن ابن هبيرة - S. Mos Museon ii "tradimento" diwasit: cati سنة 1951، ص 177 - 186. (9) وانظر عن مذبحة الأمويين الكاتب نفسه: - Le Massacre des Umayy ades في Archiv. Orinentalni سنة 1950، ص 88 - 115. (10) وانظر عن أبى مسلم: الكاتب نفسه: Studi su Abu Muslim Rendiconti dellu reale c Accad dei Lincei,Ci di sc, mor., stor., efilot سنة 1949، ص 323 - 335، 474 - 495؛ سنة 1950، ص 89 - 105 وانظر مادة "أبو مسلم". خورشيد [موسكاتى S. Moscati] أبو العتاهية أحد فحول الشعراء فى العصر العباسى: وهو أبو إسحاق إسماعيل بن القاسم بن سويد بن كيسان، وكنيته أبو العتاهية. ولد عام 130 هـ (748 م) فى عين التمر، وهى قرية صغيرة بالقرب من الأنبار (تذكر روايات أخرى أنها بجوار المدينة) وينتسب آباؤه لقبيلة عنزة البدوية، وكان أبوه القاسم حجاما، وكان له ولأخيه زيد دكان صغير لبيع الفخار بالكوفة، ويقال إن الناس الذين كانوا يترددون عليه كانوا يكتبون على كسر الخزف الأشعار التى ينشدها. ورحل أبو العتاهية إلى بغداد، عندما بدأ يشتهر بالشعر، صحبه المغنى إبراهيم الموصلى، الذى ذاع صيته من بعد. ولكنه لم يستطع بادئ الأمر التبريز فيها، فاضطر إلى الاعتكاف بالحيرة المتواضعة فترة من الزمن. واشتهر هناك بالشعر حتى وصلت شهرته إلى مسامع الخليفة المهدى فاستدعاه ثانية إلى بغداد. ولكن أبا العتاهية لم يستمتع طويلا بحظوة هذا الخليفة، لأنه لم يكن فطنا، إذ وصف فى أشعاره جارية للمهدى تدعى عتبة. فأغضب ذلك الخليفة كثيرا، وأمر بسجنه، ولكن سرعان ما أطلق سراحه واتصل وده ثانية بالخليفة، وأصبحت له مكانة رفيعة عند المهدى وخلفائه من

بعده. ولما كان أبو العتاهية يطوى بين جوانحه منذ حداثته نزعة قوية إلى التقشف، فقد مج حياة العبث بالبلاط العباسى. وما إن اعتلى هارون العرش، حتى هم أبو العتاهية أن يهجر الشعر، ولكن هارون الرشيد استبد به وأجبره على التخلى عن هذا الرأى بزجه فى السجن مرة أخرى. وتختلف الروايات فى عام وفاته. وتذكر الرواية التى تعزى إلى ابنه محمد. أنه توفى عام 210 هـ (825 م) وتذكر روايات أخرى أنه توفى عام 211 هـ (826 م) أو عام 213 هـ (828 م). وقد وصفه معاصروه بأنه كان حر الفكر لأنه أنكر البعث. وقد حاول أبو العتاهية أن يجد حلا لمعضلة الإثنينية، فقال إن الله خلق جوهرين متضادين منهما انبثق كل شئ وإليهما يرد كل شئ. ولم تصل إلينا جميع أشعار أبى العتاهية، ويمتاز شعره ببساطة الأسلوب ونسق واضح من المعانى. وكان يزدرى كل الازدراء فخامة الشعر البدوى القديم التى انحطت بتغير الأحوال وأصبحت مجرد صناعة تقليدية. وكان يرغب فى نظم شعر يفهمه الناس، لذلك كان أهم ما يحفل به فى قصائده المعانى التى كان يقصدها وتحتوى معظم قصائده على حكم وعظات ليست بينها رابطة قوية. وجل تلك القصائد التى وصلتنا فى "الزهديات" وأهم ما تمتاز به التشاؤم الواضح. فالزهد عنده يبرره فناء ما فى هذه الدنيا، فهو يرى أن العالم سلسلة من الألم متصلة الحلقات، والصفاء فيه ممتزج بالأكدار أينما كان، ولا رجاء فى السعادة إلا لمن حمل بين جنبيه نفساً قنوعة. وبالرغم من هذه النظرة السوداء إلى الحياة، فإننا لانجد فى فلسفة أبى العتاهية أثرا لذلك العويل المتخنث، فهو فيها قوى حازم ولولم يكن جذلان مغتبطا، وهو يحمل أثقال الحياة لأنه مجبر على حملها.

أما الجزء الثانى وهو الأصغر مما وصل إلينا من آثاره فإنه ينقسم إلى ستة أقسام: (1) المدح، وهو قطع متناثرة معظمها فى هدح المهدى والهادى وهارون والمأمون. (2) شعر المناسبات، وفيه معاتبات جميلة ذكية. (3) الهجاء. (4) الرثاء. (5) قصائد مرتجلة. (6) حكم وعظات. وأبو العتاهية أول شاعر فلسفى فى الأدب العربى، وهو ينفرد بالحرية التى عالج بها القوالب الشعرية، وقد طبعت الجمعية اليسوعية ببيروت أشعاره طبعة جيدة بعنوان "الأنوار الزاهية فى ديوان أبى العتاهية" بيروت 1887 م. المصادر: (1) ابن خلكان، طبعة فستنفلد، رقم 91. (2) الأغانى، ج 3، ص 126 - 182. (3) Culturgesh des: A. V. Kremer Orients unter d. chalifen جـ 2، ص 372. (4) Gesch d arab litter: Brockelmann ج 1، ص 78. [أويسترب J. Oestrup] + أبو العتاهية (والمعنى هو أبو التعته) أبو إسحق إسماعيل بن القاسم ابن سويد بن كيسان: شاعر عربى ولد بالكوفة أو فى عين التمر سنة 130 هـ (748 م) وتوفى سنة 210 هـ (825 م) أو سنة 211 هـ (826)، وكانت أسرته من موالى قبيلة "عنزة" جيلين أو ثلاثه أجيال، وكانت تشتغل بأعمال وضيعة. كان أبوه حجاما، وكان الشاعر نفسه يبيع الجرار فى الطرقات. وكانت نظرته إلى الحياة نظرة مريرة بحكم ضعة مكانته الاجتماعية، وقد أطلق العنان فى شعره المتأخر لكراهية الطبقة الحاكمة والأغنياء، واشتهر ببخله ووضاعته حتى آخر حياته، ولكنه رزق -كبشار بن برد- موهبة الشعر ورجا أن يجد فيها باباً إلى حياة أوسع وأفسح. وعزَّ عليه، وهو الفقير، أن يجد وقتا ينفقه فى حضور مجالس فقه اللغة وشعر القدماء، ولهذا، بلا شك، يعزى السبب فى جذة أسلوبه وتحرره من التقاليد. وقد انضم وهو شاب إلى زمرة الشعراء الخلعاء الذين التفوا حول والبة

ابن الحباب واشتهر بأشعاره فى الغزل والخمر. ومّد عاب النقاد المتأخرون شعره فى هذا الباب ورموه بالضعف والمشاكلة لطبائع النساء (ابن قتيبة: الشعر، ص 497) ولم يبق منه إلا قطع. وكان أبو العتاهية -مثل الشعراء المطبوعين- يؤثر اللغة البسيطة والأوزان القصيرة، واشتهر أول ما اشتهر بقصيدة فى مدح المهدى نالت رضا المهدى بالرغم من هذه المآخذ التى خرجت بشعره عن خصائص الشعر القديم. وقد ساءت سمعته فى بغداد بما قاله من قصائد غزلية فى عتبة جارية ريَطة ابنة عم المهدى وكانت ترجو أن تلفت نظر الخليفة إليها ولكنها لم تكن تروم أن يدفع بها إلى رجل لا يملك شروى نقير. وقد عد الشاعر الخليفة مسؤولا عن خيبته فى نوال عتبة، وبدرت منه أبيات جانب فيها الحذر فخلد وأقصى إلى الكوفة. فلما توفى المهدى شفى غليله بأبيات يمكن أن تحمل على غير وجهها. وعاد إلى بغداد فمدح الهادى مدحاً غليظًا ضايق خليفته الرشيد فالقاه فى السجن هو وصديقه إبراهيم الموصلى. ثم عفا عنه الرشيد ونال الحظوة عنده مرة أخرى وأخذ الشاعر يمتعه بقصائده فى الغزل، ثم تنكر للغزل فجأة وانصرف إلى الزهد (حوالى سنة 157 هـ). واستاء هارون أول الأمر من هذا التحول الذى طرأ على الشاعر، ولكنه رضى من بعد مستجيبًا إلى التماس الفضل بن الربيع، ولاريب أن بعض هذا الرضا يرجع إلى شهرة الشاعر عند الجماهير. ولنا أن نشك فى القول بأن رعاية الفضل له كانت تتصل بمؤامرته على البرامكة التى شاركت فيها الملكة زبيدة وأن قصائد أبى العتاهية الجديدة فى الزهد كانت توائم أغراضهما. ومهما يكن من شئ فإن أبا العتاهية دأب من يومها على النظم الغزير فى المواعظ القصيرة والطويلة مصوراً أهوال الموت التى تحل بالناس جميعا وخاصة الأغنياء وذوى السلطان ولا منجاة منها للخليفة نفسه, وقد عادت عليه قصائده فى هذا الباب بالنفع

الجزيل حتى انه حذر أبا نواس حين بدأ هو أيضا ينظم فى الزهديات من الافتيات على باب قد أنشأ أبو العتاهية لنفسه حقا مقررا فيه. أخبار أبى نواس، القاهرة سنة 1924، ص 70). وقد شك النقاد المتأخرون، ولهم بعض العذر، فى صدق انصرافه إلى الزهد وخاصة الزاهد الحق أبو العلاء المعرى الذى أشار إليه بقوله؛ ذلك الفتى الأريب (ابن فضل الله: مسالك الأبصار، ج 15، مخطوط بالمتحف البريطانى رقم 575، ورقة 136). وثمة تهمة أكثر تواتراً من ذلك وجهت إلى أبى العتاهية. وهى تهمة الزندقة التى كانت سلاحاً أثيرا لدى أهل هذا العصر. وقد رأى كولدسيهر أننا يجب أن نلتمس سببا من أسباب سجنه مرات فى النزعة المخالفة لمذهب أهل السنة التى كانت طهر فى بعض قصائده أحياناً. ولم يتلق أبو العتاهية دورساً فى الدين ولذلك يظهر أنه تاثر بذلك التراث المعدل من العقائد المانوية الذى كان مايزال شائعاً فى العراق، وهو الذى كان السبب فى قيام الفتن فى هذا العالم لقوله بوجود جوهرين هما الخير والشر وإن كان أبو العتاهية قد رأى أنهما كلاهما من خلق الله. وقد يكون فى بعض أبياته أيضا مثل: اذا أردت شريف الناس كلهم ... فانظر إلى ملك فى زى مسكين. وله بوادر هوى خفى مع موسى الكاظم ومع دعوة أئمة الشيعة التى كانت لاتزال قوية فى الكوفة. ويرجع نجاح أبى العتاهية العجيب فى ميدان الشعر إلى بساطة لغته وتدفقها وبعدها عن الصنعة مما يميزه عن بعض معاصريه الذين عرفوا بالصنعة المتكلفة، كما أنه كان يعبر عن مشاعر الناس بشعر يفهمه الناس. وكان من حسن حظه أيضا تلك الصداقة التى انعقدت بينه وبين إبراهيم الموصلى فأتاح له ذلك أن يلحن الكثير من قصائده أعظم موسيقى فى عصره. وكان هو ومعاصره الأصغر منه أبان ابن عبد الحميد أول من نظما من

أبو العلاء المعرى

المزدوج، وكان أبو العتاهية فى قول المعرى (الفصول والغايات، ج 1، ص 131) أول من استحدث وزن "المضارع" كما استخدم أيضا وزناً يتألف من ثمانية مقاطع طويلة. ولم يجمع ديوان أبى العتاهية لغزارة إنتاجه الضخم؛ وقد جمع "الزهديات" دارس أندلسى هو ابن عبد البر المتوفى سنة 463 هـ (1071 م). المصادر: (1) ابن خلكان الوفيات، رقم 91. (2) الأغانى، الطبعة الثانية، جـ 3، ص 136 - 183؛ الطبعة الثالثة، ج 4، ص 1 - 112. (3) وانظر أيضاً Tables: Guidi بخصوص الإشارات الأخرى إلى أبى العتاهية. (4) تاريخ بغداد، ج 6، 250 - 260. (5) Trans IX. Congress of: Goldzihcr Oricntalists ص 113 وما بعدها. (6) G. vadja فى Rivista degli studi Orientali سنة 1937، ص 315 وما بعدها، 225 وما بعدها. (7) Brockelmann ج 1. ص 76، قسم 1، ص 119. (8) وقد نشرت طبعتان تقتصران على أجزاء من الديوان فى بيروت سنتى 1887، 1909 م. (9) انظر أيضا "مجموعة" طبعة ف. أ. البستانى، بيروت سنة 1937 م. (10) الزهديات ترجمة رشر - O. Res cher شتوتجارت سنة 1928. خورشيد [كوبليوم A. Guillaume] أبو العلاء المعرى أحمد بن عبد الله بن سليمان المعرِّى: الشاعر الإسلامى المشهور، ولد عام 363 هـ (979 م) فى معرة النعمان، وهى بليدة فى شمالى الشام بين حلب وحمص، وينتسب إلى أسرة عربية محترمة تزعم أنها انحدرت من قبيلة تنوخ التى استقرت منذ القدم فى هذا الإقليم، وقد ولى جده القضاء، ويظهر أن أباه كان على شئ من العلم. ولم يكد

أبو العلاء يبلغ الرابعة من عمره حتى أصابه الجدرى فأفقده عينيه أو كاد, ويحق لنا أن ندهش من حافظته العجيبة التى مكنته، رغم ذلك النقص الخلقى، من أن يظهر فى آثاره هذا التنوع وتلك الدراية الواسعة بالعلوم التى قلما فاقه فيها أحد. وقضى شبابه فى عصر مضطرب. فقد كان الحمدانيون يحكمون شمالى الشام فى ذلك العهد حكما مزعزعاً لوقوعهم بين الفاطميين الذين كانوا يتقدمون من الجنوب، وبين الروم الذين يتقدمون من الشمال. ومع ذلك لم تكن هذه الظروف غير ملائمة على الإطلاق. للأدب. ومع أن عصر سيف الدولة الزاهر كان قد انقضى، فإن النهضة التى بدأها ذلك الأمير لم تكن قد فقدت قوتها بعد. وكانت شهرة الشام الأدبية عظيمة فى ذلك الوقت، كما نتبين من الثعالبى الذى عاصر أبا العلاء (انظر مقدمة مركوليوث، "رسائل أبى العلاء" ص 16). ودرس أبو العلاء فى حلب وطرابلس واْنطاكية على تلاميذ النحوى ابن خالُويه وغيرهم من علماء الشام. ويظهر أنه كان يتجه بدراساته إلى احتراف المديح كالمتنبى مثلا، وقد وصلت إلينا بعض مدائحه فى سيف الدولة الحمدانى، وعلى أيه حال فإن المعرى سرعان ما ترك حرفة مرجوة النجاح لأنها كانت خليقة بأن تعرَض كبرياءه وطبيعته الحساسة للمهانة التى لا تحتمل، فقد قال فى مقدمة سقط الزند: "لم أطرق مسامع الرؤساء بالنشيد ولا مدحت طلبا للثواب". وكان يعيش عند عودته إلى المعرّة من معاش سنوى قدره ثلاثون ديناراً تدفع له من مال محبوس، ومن المحتمل أنه كان يعيش كذلك من الأجور التى كان يدفعها بعض الطلاب الذين اجتذبتهم شهرته الفائقة، ويدل على ما كان له فى مسقط رأسه من مكانة انتخاب مواطنيه له للرد على رسالة وجهها إليهم السياسى والمؤلف المعروف أبو القاسم بن على المغربى. وظل أبو العلاء فى المعرة حتى عام 401 هـ (1010 م) حتى استقر رأيه، لأسباب مجهولة، على أن يعيش فى

بغداد، وليس من العجيب إذاً أن يشعر فى شرخ حياته بقيود الحياة الريفية وينزع إلى ميدان أوسع تقدر فيه مواهبه، ولذلك ذهب إلى قصبة البلاد، ولكنه قفل راجعاً بعد عام وسبعة أشهر إلى موطنه. ويقول أبو العلاء نفسه إن مرض أمه وحاجته إلى المال هما السببان اللذان دفعاه إلى العودة. ولكن يظهر أن السبب الأخير بعيد الاحتمال، فقد كان له أصدقاء ذوو نفوذ يستطيعون أن يمدوا له يد المعونة إذا احتاج الأمر إلى ذلك. وقد أفسدت فى نفس الوقت بعض الحوادث النابية استقباله الرائع الذى بلغ حد التملق. أضف إلى ذلك أن رفض الشاعر التكسب بالشعر وقف حائلا بينه وبين تحقيقه أطماعه، كما أن إهانة المرتضى، أخى الشاعر المعروف الشريف الرضى، لأبى العلاء دفعته آخر الأمر إلى مغادرة المدينة (مركوليوث "رسائل أبى العلاء"، ص 27 وما بعدها). وتدل زيارته لبغداد على مرحلة دقيقة فى حياة الشاعر. وكان أبو العلاء إلى ذلك الوقت قد عرف بأنه عالم متبحر وشاعر مطبوع متأثر بأسلوب المتنبى الذى كان متحمساً فى الإعجاب به ولم تظهر موهبته الفريدة إلا فى آثاره المتأخرة التى كتبها بعد عودته إلى المعرة: "اللزوميات" و"رسالة الغفران". ولا نستطيع أن نشك أنه استوعب فى بغداد كثير، من الآراء والتأملات الخارجة على مذهب أهل السنة التى يتميز بها هذان الكتابان. أما ما يؤكده البعض من أنه حضر دروس أئمة العلماء فى عصره فهو مخالف لما قاله هو نفسه فى خطاب أرسله إلى عمه يخبره فيه أنه وصل إلى المعرة قادمًا من بغداد، وأنه منذ بلغ العشرين من عمره لم يفكر فى أن يأخذ العلم على واحد من أهل العراق أو الشام، وما كاد يصل إلى بلده حتى بلغه نعى والدته، وقد أثر فيه هذا الحادث تأثيراً بليغًا وشجعه على تنفيذ عزمه على اعتزال الناس. ويقال إنه عاش منذ ذلك الحين فى كهف أخذ نفسه فيه بالتقشف: لا يأكل لحم الحيوان بل لا يتناول البيض واللبن،

ويشير اللقب الذى كان يطلق عليه أحياناً وهو"رهين المحبسين" إلى عزلته وعماه، ومع ذلك فإنه لم يمكَّن قط من أن يعيش عيشة النُسَاك، وقد وجد أبو العلاء فى المعرة ما فاته فى بغداد من الشهرة والمال. ووفد عليه الطلاب من الجهات البعيدة ليقرأوا عليه. وتدل الرسائل التى نشرها مركوليوث على أنه كان كثير التراسل مع العلماء الذين كانوا تواقين إلى الإفادة من علمه ويذكر الرحالة والشاعر الفارسى ناصر خسرو الذى زار المعرة عام 439 هـ (1047 م) أى قبل وفاة أبى العلاء بأحد عشر عاماً، أنه كانت له سلطة مطلقة فى المدينة، كما كان له مال وفير وزعه على الفقراء. على حين عاش هو عيشة الشظف كأنما هو ولى من الأولياء. وأمضى أبو العلاء حوالى أربعين عاماً فى عزلة ولكنه لم يخلد فيها إلى الكسل، نعرف ذلك من قائمة مصنفاته الكثيرة التى ألف معظمها خلال هذه المدة، وتوفى أبو العلاء عام 449 هـ (1058 م). وهو يدين بشهرته فى المشرق إلى مجموعة أشعاره الأولى المسماة بـ "سقَط الزَنْد" وتوجد منها عدة مخطوطات بالمكتبات الأوروبية. وقد طبعت هذه المجموعة فى أول الأمر ببولاق عام 1869 م، ثم فى بيروت عام 1884 م. واتخذها ريو C. Rieu موضوع رسالة له De Abul Ala via et (carminbus بون، سنة 1843 م). وأهم الشروح المعروف هو شرح أبى العلاء نفسه المعروفة بـ "ضوء السقط" وشرح للميذه التبريزى. ومعظم أشعار سقط الزند نظمها أبو العلاء قبل رحلته إلى بغداد، وتشمل هذه المجموعة أيضا بعض قصائد نظمها فى تاريخ متأخر عن ذلك. وهى تحتوى على مدائح ومراث ومقطوعات نظمت فى مناسبات مختلفة وغير ذلك، وخص جزءا منها "الدرعيات" ولم يكن أثر المتنبى ظاهرا فر، الأسلوب الذى توخى فيه الصنعة البلاغية فحسب، بل فى تلك الحرية التى تجاهل فيها القواعد المأثورة. ومع أن الشاعر تند منه فى بعض الأحيان بوادر

عدم الاحترام عند تعرضه للمسائل الدينية، إلا أننا لا نجد فى هذا الكتاب أثراً للآراء الشديدة المروق التى يُعرف بها عادة أما مجموعة أشعاره الثانية "لزوم ما لا يلزم) فإنها تتميز بهذه الآراء. وتعرف هذه المجموعة عادة باسم "اللزوميات". واللزوميات اسم يشير إلى الصعوبة الفنية التى التزمها فى القافية. ولقد بحث كريمر Von Kremer هذه المجموعة بحثاً تفصيلياً فى (Sitzungsber. d. phil hist. Classe d. Kias d. Wessensch ج 117، القسم السادس، فينا سنة 1889 م)، وقد طبع كذلك النص مع ترجمة لبعض مقطوعات هذه المجموعة. (Zeitschr. d. Deutsch Mor genl Gesellch ج 29 - 31، 38). وربما كان رأى كريمر فى هذه المجموعة فيه شئ من المبالغة. ولكن يجب أن نعترف بأن أبا العلاء قد ظهر فى هذه المجموعة بمظهر المفكر الجرئ المبتكر إلى حد عجيب، كما اثبت أنه رجل الأخلاق السامية. ولم يقنع أبو العلاء بإظهار النقائص الاجتماعية والسياسية فى جراة، بل جعل الحياة الإنسانية كلها موضوعا لبحثه، وأخذ يتأمل فى أعمق معضلاتها، وقد لا ننصف أبا العلاء إذا قارناه بأبى العتاهية الذى يشبهه من بعض الوجوه شبهاً ظاهراً. وقد تخلص أبو العلاء فى اللزوميات من قيود العقيدة التى كانت تقيد سلفه، وسما بنفسه إلى مستوى أعلى. ولأبى العلاء مؤلف آخر مشهور هو "رسالة الغفران" توجد منه مخطوطات فى الأستانة وكمبردج. وقد وصف هذه الرسالة كريمر Kremer وترجم جزءا منها (فى مجلة الجمعية الملكية الآسيوية عام 1900 م، ص 637 - 7200، عام 1902 م، ص 75 - 101، 337 - 462، 813 - 847). وهى رسالة كتبهما بأسلوب منمق وأهداها إلى رجل يدعى على بن منصور الحلبى، وقد عرض المؤلف الشعراء الزنادقة الذين غُفر لهم، ومن هنا اشتق اسم الرسالة، والذين رفعوا إلى الجنة، وهى مشهد حوادث القصة، على اعتبار أنهم الشخصيات

الأولى فيما يمكن أن نسميه "الكوميديا الإلهية" Divina Commedia أو هى فى الحقيقة قصة جريئة خلط فيها الجد بالهزل وسخر فيها من العقائد والأفكار الإسلامية التى تتعلق بالحياة الأخرى، وهى تحتوى إلى جانب هذا على قدر كبير من المعارف المتنوعة، وعلى حديث عن الزنادقة بنوع خاص، مع شواهد من أشعارهم وأنظار فى طبيعة معتقداتهم. ونشر وترجم مركوليوث مكاتبات أبى العلاء وعلق عليها تعليقات قيمة، وكتب سيرة مسهبة له (أكسفورد سنة 1898 م) ولم يبق إلا القليل من مؤلفاته الأخرى التى تبلغ حوالى الستين مؤلفاً. وقد حدث جدل طويل حول عقيدة أبى العلاء فى حياته، وهو وإن لم يعدم من يدافع عنه، فقد عده الكثيرون من معاصريه زنديقًا، وشاعت عنه هذه الصفة منذ ذلك الوقت. والشواهد على ذلك من مصنفاته غامضة متناقضة، ويقال إنه صنف كتابا عنوانه "الفصول والغايات" قلد فيه القرآن (كولدتسيهر Muhamm. Studien ج 2، ص 403) ولكنه هاجم بشدة ابن الراوندى فى رسالة الغفران، لأنه قام بنفس هذا العمل، كما انه أخذ بعقيدة أهل السنة فى إعجاز القرآن. وهو دىان بدا أنه تحدث فى بعض شعره فى اللزوميات كما يتحدث المسلم الورع، وقد فسر هذا على عدة وجوه، ولكن أعجبها الفرض الذى يقول إن أفكاره كانت مقيدة بصعوبة القافية التى التزمها فى أشعاره، وليس أمامنا إلا القول بأنه كان قى أعماقه متشككاً قوى الشك، وأن معظم أقواله البارزة تتجه هذا الاتجاه، والراجح أن الفقرات التى تدل على إيمانه، كان يقصد بها ذر الرماد فى أعين النقاد، أو ربما كان فى بعض الأحيان يضع شكوكه موضع الشك، ولم ير بأسا فى أن يكون لقوسه وتران. والذى يقرأ له يذكر لوسيان - Lu cian كما يذكر لوكريتوس وكان أبو العلاء يؤمن بالتوحيد بيد أن إلهه ليس إلا قدرا غير مشخص، كما أنه لم يأخذ بنظرية الوحى الإلهى، فالدين عنده من صنع العقل الإنسانى ونتيجة للتربية والعادة. وكان الشاعر يهاجم مراراً

أبو الفتوح الرازى

وتكراراً أولئك الذين يستغلون استعداد العامة لتصديق الخرافات بقصد اكتساب السلطة والمال، ولم يقبل أية صورة من صور الحياة الأخرى، وكان ينظر إلى الفناء على أنه خلاص سعيد من الحياة الفانية وقد حمله تشاؤمه الشديد على الاعتقاد بأن الإثم كل الإثم إنما هو إنجاب الأبناء وتعريضهم لجميع ألوان الشقاء التى يتعرض لها كل حى. ولم تكن فلسفة أبى العلاء سلبية كلها، فقد كان يؤثر الورع والاستقامة على الصوم والصلاة وقد وصف ذلك بقوله إن الرجل الصحيح الإيمان هو الذى يحارب الشر متمنطقا بحزام الزهد، لابسًا لباسه الذى يشبه لباس الأسد. ويجب على كل شخص أن يتبع ما يلهمه إياه العقل والوجدان، وهما خير هاد إلى الحقيقة. والراجح أن يكون قد تأثر فى اعتقاده بتحريم ذبح الحيوان لأكله أو تعذيبه وفى غير ذلك من الآراء المشابهة، بالفلسفة الهندية، وهو يقول إنه أصبح نباتيا فى الثلاثين من عمره، أى قبل رحيله إلى بغداد، مدفوعا فى ذلك إلى حدما بدافع الاقتصاد (مجلة الجمعية الأسيوية الملكية، سنة 1902 م ص 319 - 320) ولقد امتنع عن الإجابة عن هذا السؤال: على أى أساس من الإنصاف أن نصمه بالنفاق، ولو أن هناك شواهد متعددة تدل على أنه كان يعتبر نفسه حرا فى اصطناع النفاق فى أى مسألة تتصل بالدين إذا تراءى له أن يفعل ذلك. المصادر: انظر غير المصادر المذكورة فى صلب المادة: Gesch. d. arab. Liter.: Brkelmann جـ 1، ص 255. [نيكلسون Nicholson] أبو الفتوح الرازى مفسر فارسى للقرآن الكريم، عاش بين سنتى 480 و 525 هـ (1087 - 1131 م) على وجه التخمين. ومن تلاميذه المتكلمان الشيعيان المشهوران: ابن شَهْراسوب، وابن

أبو فراس الحمدانى

باكويه الذى يصفه فيقول إنه عالم وواعظ ومفسر للقرآن الكريم ورجل تقى. ويروى الشُسْترى (مجالس المؤمنين) أنه كان معاصرا للزمخشرى الذى كان يستشهد به باعتباره شيخه، وقد يعلل هذا نزوع تفسيره نزعة الاعتزال. وقد أثبت محمد القزوينى أن تفسير الرازى لا يمكن أن يرجع إلى ما قبل سنة 510 هـ (1116 م). ويزعم أبو الفتوح أنه كان حفيدا للصحابى نافع بن بُدَيْل: وكتابه "روض الجنَان ورَوْح الجَنان" (طبعة طهران سنة 1905 م فى مجلدين، وطبعة سنة 1937 م فى مجلدين، وطبعة سنة 1937 م فى ثلائة مجلدات) من أقدم التفاسير الشيعية التى كتبت بالفارسية إن لم يكن أقدمها. وقد صرح فى مقدمته بأنه فضل كتابته بهذه اللغة لأن من يعرفون العربية كانوا أقلية. والتفسير الذى صدره بمقدمة فى علم التفسير، يتناول النحو والبلاغة والأحكام الفقهية والشرعية والروايات الخاصة باسباب نزول الآيات، ويمكن أن نلمس فى ذلك أثر تفسير الطبرى. والنزعة الشيعية فيه أخفت من نزعة التفاسير الفارسية المتأخرة. ويقال إن أبا الفتوح كتب أيضا شرحا على "شهاب الأخبار لمحمد بن سلامة القضاعى" (انظر بروكلمان، ج 1، ص 343). المصادر: (1) Storey قسم 1، رقم 6. (2) Masse H. فى Melanges W. Marcais, باريس سنة 1950 م، ص 243 وما بعدها. خورشيد [ماسيه H. Masse] أبو فراس الحمدانى شاعر عربى، ولد عام 320 هـ (932 م) وهو ابن عم سيف الدولة أمير حمص المعروف برعايته للآداب. وكان أبو فراس واليًا من قبل هذا الأمير على

مَنْبج. وقد أمضى حياته، شأن سيف الدولة، فى المنازعات التى قامت على الحدود مع الروم فى آسيا الصغرى. وفى عام 348 هـ (959 م) سقط أسيرًا فى أيديهم وأخذ إلى الخَرْشَنَة على الفرات، ثم نجح فى الفرار، والمرجح أنه استطاع ذلك بعد أن قفز قفزة جريئة من محبسه. واعتقل للمرة الثانية عام 351 هـ (962 م) وسيق إلى القسطنطينية وسجن فيها عدة أعوام. ونظم فى تلك المدة مراثى مؤثرة رثى بها أفراد أسرته، ومن بينها مرثيته المشهورة فى أمه التى ترجمها آلوارت (Ahlwardt فى- Uber poesie unt poetik, der ara ber ص 44). وبعد عام من خلاصه من السجن، توفى سيف الدولة، فحاول أبو فراس أن ينصب نفسه أميرا على حمص، بيد أن الجنود التى أنفذها ابن سيف الدولة هزمته، وسقط فى ميدان القتال عام 357 هـ (968 م). وتمتاز أشعاره بطابع شخصيته القوى الواضح، وهى إلى حد ما يوميات عن مغامراته ولو أنها لا تختلف فى أسلوبها عن أشعار معاصريه، وإن كنا لانجد فيها ما نجد فى شعر المتنبى هو: مبالغة وإطناب. وجمع ديوانه ابن خالَوَيْه المتوفى عام 370 هـ (980 م). وطبع فى بيروت عام 1873 م، كما طبع مع شروح بقلم نخلة قففَاط فى نفس هذه المدينة عام 1900 م، وقد ترجم بعض أشعاره إلى الألمانية روكرت Ruckert في Symmikta: Lagarde ص 206 - 208، وانظر أيضا R. Dvorak: Der arab Dichter Abu Firas unt seine poesie فى أبحاث مؤتمر المستشرقين الدولى العاشر، ب 3، ص 69 - 83 الكاتب نفسه: Abu Firas ein arab. Dichter -und Held,mit Thalabi Auswahl seiner poe zie فى text und Ubersetz ung migeteilt ليدن 1895 م، انظر أيضا فلهوزن Gotting Gelehrt. Anzeing Wellhausen سنة 1896 م، ص 173 - 176). المصادر: (1) الثعالبى: يتيمة الدهر، ج 2، ص 22 - 62.

(2) Culturgesch. des: A. Von Kremer Orients unter d. Chalifen ج 2، ص 381 - 386. (3) Gesh d. arab: Brockelmann Litt ج 1، ص 89. [بروكلمان Brokelmann] + أبو فراس الحمدانى: كنيته الحارث بن أبى العلاء سعيد بن حمدان التغلبى: شاعر عربى ولد سنة 320 هـ (932 م) بالعراق فيما يرجح. وقد قتل سعيدا الذى كان شاعرا أيضا ابن أخيه ناصر الدولة حسن فى محاولة احتلال الموصل سنة 323 هـ (935 م). وانتقلت أم أبى فراس، وكانت أم ولد رومية، بصحبة ابنها إلى حلب بعد أن فتحها ابن عم الشاعر سيف الدولة سنة 333 هـ (944 م) وفيها نشَئ تحت رعاية سيف الدولة، وتزوج سيف الدولة من أخته أيضا. وفى سنة 336 هـ (947 - 948 م) أقيم واليا على مَنْبج (ثم على حَرَّان من بعد) حيث أبلى البلاء الحسن، بالرغم من شبابه، فى المنازعات التى دارت مع القبائل النزارية بديار مضر وبادية الشام. وكذلك صحب كثيراً سيف الدولة فى حملاته على الروم (البوزنطيين) ووقع فى الأسر سنة 348 هـ (951 م) ولكنه أفلح فى الفرار من محبسه فى خَرْشَنة بالقفز بجواده إلى الفرات. وفى سنة 351 هـ (962 م) أسر مرة أخرى فى منبج أثناء حملات الروم التى كانوا يمهدون بها لحصار حلب وحمل إلى القسطنطينية وظل فيها بالرغم من توسلاته لسيف الدولة حتى تم تبادل الأسرى سنة 355 هـ (966 م). وهنالك أقيم واليا على حمص. وقد حاول أبو فراس بعد سنة من وفاة سيف الدولة أن ينتقض على ابن سيف الدولة وخليفته) وهو فى الوقت نفسه ابن عمه) أبى المعالى، ولكنه هزم وأسر وقتل، قتله قائد أبى المعالى، قَرْغَوَيه فى الثانى من جمادى الأولى سنة 357 هـ (4 أبريل سنة 968 م). ويرجع الكثير من شهرة أبى فراس إلى صفاته الشخصية، فقد كان أنيق

المظهر من بيت نبيل شجاعا كريما يمتدحه معاصروه فيقولون إنه كان سباقا إلى كل مكرمة (ولو أنه كان أيضا أنانيا طموحا إلى حد التهور)، وكان يعيش مثالا للفروسية العربية التى عبر عنها فى شعره. والراجح أن هذه الفكرة التى ينطوى عليها القول الشائع الذى أطلقه ابن عبّاد "بدئ الشعر بملك (يعنى امرأ القيس) وختم بملك (يعنى أبا فراس) ". وآثاره الأولى قصائد على النهج القديم انصرف بها إلى مدح نبل أسرته وحسن بلائه فى القتال (وخاصة رائيته التى من 335 بيتا، وهى تروى تاريخ البيت الحمدانى) أو الإشادة بنفسه، وقطع غزلية قصيرة فى موضوع الحب أو الصداقة على النهج العراقى. والأولى مشهورة بصدقها واستقامة غرضها وجيشانها الطبيعى بالحياة إذا قيمست بما خصَّ به المتنبى منافسه الأكبر فى بلاط سيف الدولة من مجازات محكمة، والثانية معاتبات رشيقة متكلفة ليس فيها ابتكار. وجدير بالذكر أيضا قصائد أبى فراس الشيعية السافرة يسخر بها من العباسيين. والحق أن قصائده التى قالها فى محبسه المعروفة بالروميات هى التى تقوم عليها شهرته بشكل أخص. وفى هذه القصائد يعبر أبو فراس تعبيرا مؤثرا بليغا عن حنين الأسير إلى وطنه واصدقائه ويمتزج هذا التعبير بشئ غير قليل من مدح النفس ومعاتبة سيف الدولة على تأخره فى افتدائه وشكاوى مرة من إهمال شأنه. وبعد وفاته جمع ديوانه وشرحه بالاعتماد على الشاعر نفسه فى الكثير شيخه وصديقه ابن خالويه المتوفى سنة 370 هـ (980 م). على أن مخطوطات الديوان يختلف بعضها عن بعض اختلافا كبيرا فى المتن وفى الترتيب مما يحملنا على القول بأن نسخا أخرى كانت بلا شك متداولة ومنها على الراجح نسخة البَبَّغَاء المتوفى سنة 398 هـ (1008 م، انظر التنوخى، المصادر). وجميع الطبعات القديمة المعيبة (بيروت سنة 1873, 1900، 1901 م) قد أبطلتها الطبعة النقدية التى

أبو الفرج الإصفهانى

قام بها سامى الدَهان (فى ثلاثة مجلدات، بيروت سنة 1944 م) وزودها بمصادر وافية. المصادر: (1) التنوخى: نشْوار المحاضرة، ج 1، لندن سَنة 1921 م، ص 110 - 112. (2) الثعالبى: يتيمة الدهر، ج 1، ص 22 - 62) القاهرة، ج 1، ص 27 - 71). (3) وانظر أيضا الطبعة المزودة بترجمة ومقدمة التى قام بها Abu Firas ein arab. Dichter und: R. Dvorak Held ليدن سنة 1895 م. (4) ابن خلكان: الوفيات، رقم 146. (5) Brokelmann ج 1، ص 88، قسم 1، ص 142 - 144. (6) Sayfa Daula (recueil: M. Canard de textes الجزائر- باريس سنة 1934 م، الفهرس. (7) الكاتب نفسه: Hist. de la Dy nastie des Hamnides ج 1، الجزائر سنة 1951 م، ص 379، 395، 596 وما بعدها، 669، 763، 772، 796، 810، 824. (8) H. Ritter فى Oriens، سنة 1948 م، ص 377 - 385. خورشيد [جب H. A.R. Gibb] أبو الفرج الإصفهانى على بن الحسين بن محمد بن أحمد القرشى الإصبهانى أو الإصفهانى): مؤرخ عربى من نسل الأمويين، ولد فى إصفهان عام 284 هـ (897 م)، درس فى بغداد ثم عاش عيشة الأديب، الجوال، وحظى برعاية سيف الدولة، ثم إسماعيل بن عباد والمهلبى وهما من وزراء بنى بويه، كما نال رعاية الأمويين في الأندلس، مع أنه لم يسع إلى ذلك شخصيا. وتوفى أبو الفرج فى الرابع عشر من ذى الحجة عام 356 هـ (21 نوفمبر عام 967 م).

وأهم تصانيفه، ولم يصل إلينا غيره، مصنفه المشهور "كتاب الأغانى" جمع فيه الأغانى التى كانت شائعة فى عصره مع ذكر شئ عن ناظميها وأنسابهم التى كانت تبدو له ذات قيمة وكان قد جمع قبل هذا المصنف مجموعة أكبر من الأغانى ذكر ألحانها من غير أن يعلق عليها. وقد بدأ أبو الفرج كتاب الأغانى بذكر المائة الصوت التى دوّنها بأمر هارون الرشيد: إبراهيم الموصلى (انظر Frank DyerChester فى مجلة الجمعية الأمريكية للدراسات الشرقية، ج 16، ص 221، 274) وإسماعيل بن جامع، وفليح بن العوراء وهم اْشهر المغنين فى عهد الرشيد والتى غناها إسحاق بن ابراهيم فى عهد الخليفة الواثق. ويلى ذلك منتخبات من الأغانى خاصة بالذكر منها اْغانى الخلفاء وأبنائهم. كما ذكر مع كل صوت لحنه كما غناه إسحاق بن إبراهيم الموصلى. وأضاف إلى ذلك إشارات مستفيضة عن الشعراء والملحنين والمغنين ذكوراً وإناثاً. ولم يلزم أبو الفرج فى هذا الكتاب نظامًا معيناً، ومع ذلك فإنه لا يعتبر أهم مرجع للتاريخ الأدبى إلى القرن الثالث الهجرى فحسب، بل يعتبر أيضا أهم مصدر لتاريخ الحضارة. وطبع هذا الكتاب فى عشرين مجلدًا ببولاق عام 1285 هـ، كما ظهرت طبعة أخرى له بالقاهرة عام 1905 - 1906 م فى 21 مجلدا. وقد ملأ فلهاوزن، Wellhausen الفراغ الذى كان فى المجلد الرابع عشر من المخطوط المحفوظ بميونخ برقم 470. (Zeitschr, Deutsch. Morg. Ges d. ج 1، ص 145 - 151) ونقل برونو Brunnow قطعا من مخطوطات وضمها إلى الجزء الواحد والعشرين من كتاب الأغانى الذى طبع فى ليدن عام 1888 م. ونشر كويدى Guidi فهرسا عاما لهذا الكتاب بعنوان Tables: Alph betiques du Kitab hl' Agani ليدن 1895 - 1900 م، وظهرت القطع التى أضافها برونو والفهرس الذى وضعه كويدى في طبعة القاهرة ولم تتعد طبعة كوسكارتن Kos- egarten المجلد الأول الذى ظهر بعنوان - Alii Ispahanesis liber Cantienarum mag

nus جريفسفالد سنة 1840 م. ومن بين النسخ الحديثة المنقحة لهذا الكتاب نسخة صاحب "لسان العرب" محمد بن المكرم الأنصارى المتوفى عام 711 هـ (1311 م) ولها أهمية خاصة لأنها تكمل المعلومات التاريخية والأدبية التى استقاها من مصادر أخرى (انظر Die ,arab Handschr .. zu Gotha رقم 2136، Supplement: Rieu رقم 1280). المصادر: (1) Die Geschichts: Wiistenfeld chreiber der Arabaer رقم 132. (2) Gesch d. arab: Brockelmann Litt ج 1، ص 146. [بروكلمان Brokelmann] + أبو الفرج الإصبهانى (أو الإصفهانى) على بن الحسن بن محمد ابن أحمد القرشى؛ مؤرخ عربى وأديب وشاعر، ولد سنة 384 هـ (897 م) فى إصفهان من أعمال فارس، وإليها كانت نسبته، إلا أنه من أصل عربى قح من قريش، وعلى التدقيق فهو مروانى أموى، وكان مع هذا شيعيا؛ درس فى بغداد حيث قضى معظم حياته فى ظل البويهيين وخاصة الوزير المهلبى. وقد لقى أحفل ترحيب فى حلب ببلاط الأمير سيف الدولة الحمدانى. وكانت وفاته ببغداد فى الرابع عشر من ذى الحجة سنة 356 هـ. (20 نوفمبر 967 م). وأجل كتبه شأنا كتاب الأغانى، وقد قضى فى تصنيفه -حسب قوله- خمسين عاما. وفى هذا الكتاب جمع أبو الفرج الأغانى التى اختارها بأمر من الرشيد (الموسيقيون المشهورون إبراهيم الموصلى وإسماعيل بن جامع وفليح بن أبى العوراء، وراجعها من بعدهم إسحاق بن إبراهيم الموصلى) وأضاف أبو الفرج أغانى آخرين مثل معبد وابن سريج وخلفاء وذراريهم. وقد بين لكل أغنية لحنها، وإن كان هذا هو أقل ما اشتمل عليه الكتاب. فلقد أضاف معلومات وفيرة عن الشعراء الذين نظموا هذه الأغانى وساق تفصيلا عن حياتهم واستشهد بكثير من أبياتهم، كما تكلم عن الملحنين وألحانهم. هذا إلى ما زودنا به من تفصيلات كثيرة عن القبائل

العربية القديمة وأيامها وحياتها الاجتماعية وحياة البلاط فى عهد الأمويين، وحال المجتمع أيام الخلفاء العباسيين وخاصة هارون الرشيد، وما كانت عليه بيئة الموسيقيين والمغنين. وصفوة القول فإن "الأغانى" يعرض لنا الحضارة العربية جمعاء من الجاهلية إلى نهاية القرن الثالث الهجرى (التاسع الميلادى) هذا إلى ما أسداه إلينا صاحب الأغانى من فضل آخر بانتهاجه سنة الكتاب العرب واستشهاده بفقرات طويلة لكّتاب قدامى لم تصلنا مؤلفاتهم ومن ثم فإن كتابه مرجع أيضا لتطور الأسلوب العربى. ولقد ظهرت الطبعة الأولى من الأغانى فى بولاق سنة 1285 هـ (1868 م - 1869 م) فى عشرين مجلدا، يضاف إليها حتما مجلد آخر هو المجلد الحادى والعشرون الذى نشره برونو. the twenty- first volume of: R. Brunnow the kitab-al- Aghani, ليدن سنة 1888 م) وعما قيل من أن هناك ثغرة انظر فلهاوزن (j. wellhausen فى Zeitschr Deutsch. Morgenal. Gesells سنة 1896 م، ص 145 - 151؛ Tables: Guidi ليدن سنة 1895 - 1900 م) وظهرت طبعة ثانية على غرار الطبعة الأولى ومعها المجلد الحادى والعشرون وفهارس كويدى، القاهرة 1323 هـ (1905 - 1906 م؛ وانظر أيضا محمد محمود الشنقيطى: تصحيح، القاهرة 1334 هـ = 1916 م) وثمة طبعة ثانية أكثر صحة من هاتين الطبعتين بدئ بها فى القاهرة سنة 1927 م. وهناك مصنف آخر لأبى الفرج انتهى إلينا، وهو "مقاتل" الطالبيين وأخبارهم"، وهو كتاب فى التاريخ كتب سنة (313 هـ = 923 م)، وينتظم تراجم لأحفاد أبى طالب ابتداء من جعفر بن أبى طالب إلى الحفيد المتم السبعين، (توفى زمان المقتدر 295 هـ - 320 هـ = 908 م - 932 م) الذين لقوا حتفهم لأسباب سياسية وكذلك الذين أدركتهم المنية وهم فى السجن أو مستترون.

أبو قير

وهذا الكتاب طبع على الحجر بطهران سنة 1307 هـ، وصف حروفا فى النجف سنة 1353 هـ. وطبعة بومباى سنة 1311 هـ على هامش كتاب فخر الدين النجفى "منتخب فى المراثى والخطب" لا تشمل غير النصف الأول من هذا الكتاب فحسب. ومن بين التصانيف التى فقدت والتى يجب أن نذكرها كتبا فى الأنساب، وكتاب أيام العرب الذى ذكر فيه سبعمائة وألف يوم من هذه الأيام. وكذلك جمع أبو الفرج دواوين أبى تمام والبحترى وأبى نواس. المصادر: (1) ابن خلكان: الوفيات، رقم 351. (2) ياقوت: إرشاد الأريب، ج 5، ص 149 - 168. (3) الخطيب البغدادى: تاريخ بغداد، جـ 11، ص 398 - 400. (4) Brockelmann، جـ 1، ص 146؛ قسم 1، ص 335 - 226. (5) وثمة ترجمة لحياته جيدة فيها شواهد من شعره وتشمل معلومات عن كتاب الأغانى وردت فى مقدمة الطبعة الثانية لهذا الكتاب، جـ 1، ص 15 - 37 (والمعلومات الخاصة بالمذهب تقتضى التصحيح). (6) وانظر عن مخطوطات الأغانى H Oriens Ritter سنة 1949 م، ص 376 وما بعدها. (7) وانظر عن المنمنمات التى تمثل مشاهد منه D. S. RIce فى Burlington Magazine سنة 1953 م، ص 128 وما بعدها. الأبيارى [ناليّنو M. Nallino] أبو قير (بو قير) اسم عدة أماكن فى مصر: 1 - فرضة مصرية صغيرة على شاطئ البحر المتوسط، عدد سكانها 1168 نسمة، وقد سمى باسمها الخليج والجزيرة (وتسمى كذلك جزيرة نلسن) والبحيرة القريبة منها (انظر رقم 4). وتبعد، أبو قير ثلاثة وعشرين كيلو متراً شرقى الإسكندرية على طريق رشيد الحديدى وهى من ضواحى الإسكندرية وتابعة لها من الوجهة الإدارية، وكانت

فيما سبق تابعة لدمنهور عاصمة مديرية البحيرة، ولم يرد ذكر أبو قير - التى قد تكون عين مدينة بوكيرس Bukiris القديمة- فى مصنفات جغرافى العرب القدماء، ومع ذلك فإن أبا الفداء والقلقشندى عرفا بحيرة "أبو قير" التى سميت باسم الفرضة. أما تاريخها فى العصور الوسطى فلا نعرف عنه إلا غارة الفرنجة عليها عام 764 هـ (1362 - 1363 م). وقد اشتهرت أبو قير عقب الوقعة البحرية الكبرى المسماة باسمها والتى نشبت فى خليج أبو قير فى أول أغسطس عام 1798 م. ولقد دمر الإنكليز فى هذه الوقعة بقيادة نلسن الأسطول الفرنسى الذى كان يحمى حملة بونابرت على مصر. وبعد ذلك بعام انتصر بونابرت بالقرب من أبى قير على الترك الذين نزلوا إليها فى الخامس والعشرين من يوليه عام 1799 م.، أخيرًا نزلت الحملة الإنكليزية بالقرب من هذه الفرضة فى 8 مارس عام 1803 م وقضت نهائيًا على حكم الفرنسيين لمصر. المصادر: (1) على مبارك: الخطط الجديدة، جـ 10، ص 13 وما بعدها. (3) الجبرتى: عجائب الآثار، القاهرة سنة 1297 هـ، جـ 3، ص 1 وما بعدها، الطبعة الفرنسية لهذا الكتاب، القاهرة - باريس، ص 80 - 94. (3) Dicion, geogr.de. L Egypte عام 1898، ص 24. (4) - Relations des cam: A. Berthier pagnes du general Bonaparte en Egypte et en Syrie (5) History of the: Sir R.T Wilson British expedition to egypt. (6) وللاستزادة من المصادر انظر Bibliographie Napoleons: Kircheisen 50 وما بعدها. 2 - بليدة صغيرة فى مصر السفلى تابعة لسرنباى من أعمال رشيد فى مديرية البحيرة (انظر Diction والمصادر المذكورة فى رقم 1).

3 - مكان صغير فى مصر العليا تابع لمدينة أرمنت من أعمال الأقصر فى مديرية قنا (انظر المصادر المذكورة سالفًا). 4 - كانت توجد فيما مضى بحيرة كبيرة بهذا الاسم مساحتها ثلاثون ألف فدان خلف مدينة أبو قير (انظر رقم 1). وكانت هذه البحيرة فى أيام الحملة الفرنسية (كانت تسمى فى ذلك العهد ب 1 "النمعدية" أيضًا) لا تزال متصلة بالبحر. وربما كانت المياه فى بعض العصور تخترق السهل الضيق الممتد جهة الشرق والذى يفصل الآن هذه البحيرة عن بحيرة أدكو. وتحد هذه البحيرة من جهة الغرب بلسان خصب كان يخترقه خليج الإسكندرية. وهو ترعة المحمودية الآن. وتقع بحيرة مريوط إلى الغرب، وهى البحيرة التى جفت فى العصور الوسطى، وغمرها الإنكليز بالمياه ثانية أثناء حصارهم للإسكندرية عام 1801 م. وقد تسربت مياه أبى قير وقتذاك إلى الأراضى الخصبة، ثم قطعت صلة البحيرة بالبحر وجففتها عام 1888 م شركة إنجليزية. وهى الآن أرض زراعية ذات محصول. وتذكر المصادر العربية أن بحيرتى أبو قير وإدكو كانتا أرضا خصبة أيام الفراعنة، كما كان جزء منهما أرضا زراعية فى عهد الخلفاء. وتذهب الأسطورة فيما يختص بأصل هاتين البحيرتين، إلى أن امرأة أحد الفراعنة، وكانت تملك هذه الأراضى. طلبت فجأة العشور على الكروم التى زرعت فيها، فلما عجز الفلاحون عن دفع ما عليهم أمرت بغمرها بالمياه. . بيد أن القول الشائع على الألسنة هو أن هاتين البحيرتين قد نشأتا من قلة العناية بالقنوات وتحويل مصب النيل وشدة المد والجزر فى فصل الربيع، ويقال إن البحر طغى فى مثل هذا الفصل على هذه الأرض عام 730 هـ (1320 م). المصادر: (1) على مبارك: كتابه المذكور. (3) القلقشندى ترجمة فستنفلد، ص 29، 99.

(3) أبو المحاسن، طبعة Juynd و Matth جـ 1، ص 50. (4) Etat, modrne Expedition L Egypte جـ 2، 1، ص 912، 482 وما بعدها، جـ 2 ب، ص 82. (5) Egyptian irrigation: w. Willcocks الطبعة الثانية، ص 245، وفى مواضع مختلفة. 5 - أبو قير أو بوقيران: اسم جبل خرافى (أو مكان فوق جبل) فى مصر تجتمع عليه الطيور كل عام ويضع كل واحد رأسه فى شق الصخر إلى أن يموت أحدها ويظل معلقا، ويذكر ياقوت وغيره أن الطيور التى تجتمع على هذا الجبل كانت تسمى بوقير، كما كان الجبل يسمى "جبل الطير". ويقع هذا الجبل بالقرب من أنصنا فى مصر العليا. المصادر: (1) أبو المحاسن: كتابه المذكور، جـ 1، ص 45. (2) ياقوت: المعجم، جـ 21، ص 31. (3) القزوينى، طبعة فستنفلد، جـ 1، ص 168. (4) المكتبة الجغرافية العربية، طبعة ده جوية، جـ 7. [بيكر C. H. Beker] + أبو قير، أو بوقير: بلدة صغيرة على ساحل البحر المتوسط، وعلى بعد 15 ميلا شرقى الإسكندرية، وتقوم على خط حديدى يربط الإسكندرية برشيد، وأقدم مؤرخ عربى وصف موقع أبى قير هو الإدريسى. على أن ثمة نصوصا عربية عن مصر القديمة تشير قبل الإدريسى إلى تشييد منار هناك، وكذلك يذكر الرحالة الأوربيون على التحقيق أبراجا فى هذا الطريق كانت تستخدم معالم لسالكيه. ويتحدث يوتيخيوس عن مرور أسطول الخلاص إلى أبى قير، وهو الأسطول الذى استدعى من طرسوس ليحمى مصر من الفاطميين. ويروى على مبارك رواية لم يستوثق من سندها تقول إن القرصان الأوروبيين أغاروا على أبى قير فى 27 شعبان سنة 764 هـ (11 يونيه 1363 م) وحملوا معهم حوالى ستين شخصا من السكان ودللوا عليهم فى

صيداء. وكانت فترة الحملة التى شنها بونابرت على مصر هى التى جعلت قير مشهورة، وذلك نتيجة لانتصار نلسون البحرى فى غرة أغسطس سنة 1798 م، والقضاء على الجيش التركى فى 25 يولية سنة 1799 م. وفى أبى قير نزل إلى البر فى 8 مارس سنة 1801 م الجيش الإنكليزى الذى قدر له أن ينهى الاحتلال الفرنسى. وأخيرا غدت أبو قير مرة أخرى قاعدة للإنكليز فى مارس سنة 1807. م وكان فى أبي قير وقتذاك مرسى جيد ومأوى مأمون، أما القرية نفسها فكانت بائسة. وقد اعتقد أميلينو Amelineau خطأ أنه عثر على اسم أبو قير فى أخبار القديسين اليعاقبة، ذلك أن الإشارة فى هذه الأخبار تتصرف إلى كنيسة فى مصر القديمة كرست للأب كيروس. وقد درس إتيين كومب Etienne combe بالتفصيل مشكلة طريق الإسكندرية - رشيد كما درس البحيرات التى على طول الساحل وأمدنا بمصادر حافلة من الكتاب العرب والرحالة الأوربيين. وفى كتاب كومب الصيغ المختلفة التى ترسم بها أبو قير ووصف ممل لرحلة تقتضى المرء بعض المشقة، إذ لا مناص له من أن يقطع منطقة رملية لا زرع فيها ولا ناس، يتناثر فيها هنا وهناك عدد قليل من أشجار النخيل يخفف من هذه الصورة الموحشة. والبحيرات الثلاث هى من الغرب إلى الشرق: مريوط وأبو قير وأدكو. والوصف الوحيد لبحيرة أبى قير ورد فى كتاب "صبح الأعشى" مفصلا بعض التفصيل، على أنه يشير إلى رخاء منطقة أبى قير على اعتبار أن ذلك من أخبار الماضى. وكان بعض الطيور يعيش على شواطئ البحيرة التى كانت مياهها تكتظ بالسمك. وكان سمك "البورى" الذى يصاد هناك من موارد الغذاء التى كان يعيش عليها أهل الإسكندرية، وكانت تقوم على شواطئ البحيرة بعض الملاحات الكبيرة يصدر إنتاجها إلى أوربا. وكان ثمة رصيف متين يفصل بحيرة أبو قير عن بحيرة مريوط، وكان

يدعم فى كثير من الأحيان. وشقت بمحاذة هذا الرصيف قناة المحمودية ومد الخط الحديدى من القاهرة إلى الإسكندرية. ومنذ سنة 1887 م جففت بحيرة أبي قير وزرعت أرضها. المصادر: (1) ابن عبدالحكم، طبعة Torrey ص 40. (2) Eutychius، جـ 2، س 81. (3) المقريزى الخطط، Memoires Pubfrance lies par les members de l inst France D Archeologie Orientale du Caire جـ 46، ص 82. (4) Synaxaire Patrologia orientalis جـ 3، ص 404. (5) , Geographi: Amelineau ص 6، 579، 581. (6) U. Monneret villared في Buld, letin la societe de geographie, Egypte جـ 13, ص 74، 76. (7) Alexandire musul-: E, combe mane في Bulletin de la societe de geographie d Egypte جـ 15، ص 201، 238، ج 16، ص 111 - 171، 269 - 292. (8) L Egypte turque, hist: Deherain de la nation egyptienne جـ 5، ص 275، 277، 281 - 285، 433؛ 440، 445، 518 - 519، لوحة 11. (9) - Les campagnes navales de: Durand Viel Mohammed Aly جـ 1، ص 49، 63، 65، لوحة 10، 11، 13، 14. وثمة أماكن أخرى فى مصر تحمل اسم أبى قير وليس لها أهمية. على أن مما يجدر ذكره خانق بوقير (بوقيران - بوقيرات) فى جبل الطير بمصر الوسطى شمالى المنيا. ويربط كتاب العرب هذا المكان بأسطورة عجيبة، ذلك أن هذا الجبل كانت تلتقى فيه فى يوم معلوم من كل عام طيور تسمى بوقير. وتضع هذه الطيور رؤوسها فى شق الجبل فيطبق على واحد منها، ويظل هذا الطائر معلقاً ويموت هناك.

أبو لهب

المصادر: (1) Materiaux: J. Maspero & Wiet pour servir a la geogeraphie d Egypte Memoires publies par les members de l Institut France. d, Archeologie Orientale, du caire، جـ 36 ص 64 - 66. خورشيد [فيت. G. Wiet]. أبو لهب كنية أطلقها القرآن الكريم (سورة المسد، آية 1) والمسلمون بصفة خاصة على عم من أعمام النبى وخصم من ألد خصومه، واسمه الحقيقى عبد العزى ابن عبد المطلب، وهو اسم استكرهه النبى [- صلى الله عليه وسلم -] للوثنية الظاهرة فيه. وقد ظل هذا الرجل حتى وفاته من أشد خصوم النبى [- صلى الله عليه وسلم -] فى مكة، ويمكننا أن نفسر هذه الخصومة التى تخالف أشد المخالفة الصلات العصبية التى تربط الأسرة عند العرب بأن زوجته أم جميل بنت حرب بن أمية كانت أخت أبى سفيان، أكبر زعيم من خصوم النبى [صلى الله عليه وسلم] فى هذه المدينة حتى عام 8 هـ. وعلى آية حال فقد أظهرت هذه المرأة كل صنوف العداء نحو النبى [صلى الله عليه وسلم]، وأثارت عليه حقد زوجها، لأننا نجد فى سورة المسد -علاوة على العقاب الذى سيناله أبو لهب- إشارة إلى ما ستلاقيه فى النار من عذاب وهوان. وسورة المسد هى كما يأتى: " {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1) مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (2) سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ (3) وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4) فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ (5)} ". ويتضح من سياق هذه السورة أن معنى الآية الرابعة هو أن هذه المرأة ستجمع فى جهنم الحطب الذى سيوقد تلك النار (البيضاوى، فى تفسير هذه الآية (¬1) وليس معناها أنها كانت تجمع فى حياتها الحطب، أو بعبارة أخرى الحسك، وتنثره فى طريق النبى [صلى الله عليه وسلم] كما يقول ¬

_ (¬1) الذي في البيضاوي معني هذه الآية هو أنها ستحمل الحطب جهنم فقط، أما أنها حملته في حياتها ونثرته في طريق النبي [- صلى الله عليه وسلم -] فقد ذكره علي سبيل التعليل لا علي أنه وجه في تفسير الآية كما بدأ الكاتب المادة.

بعض المفسرين (انظر على وجه المثال: الطبرى، جـ 3، ص 193؛ البيضاوى الموضع نفسه) ولا أنها كانت كثيرًا ما تهين النبى [- صلى الله عليه وسلم -] وتعيره بفقره. ويذهب كثير من محدثى العرب، اعتمادًا على رواية ابن عباس، إلى أن سبب نزول هذه السورة العدائية التى تتنبأ بعذاب أبي لهب هو أن النبى [- صلى الله عليه وسلم -] بعد أن نزلت الآية 314 من سورة الشعراء {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} نادى وهو على "الصفا" (فى روايات أخرى "منى") قومه بمكة قائلا: "أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا بسفح هذا الجبل تريد أن تغير عليكم صدقتمونى؟ " قالوا: نعم، قال: "فإنى نذير لكم بين يدى عذاب شديد" فاقترب منه أبو لهب وقال: "تبًا لك! ألهذا دعوتنا؟ " فنزلت سورة المسد "تبت يدا .. ". ولا تختلف رواية ابن إسحاق عن عباد اختلافا كبيرا عن هذه الرواية. ويروى ابن إسحاق رواية أخرى نقلها عنه ابن هشام، هى أن أبا لهب فاه بعبارة فيها احتقار للنبى [- صلى الله عليه وسلم -] فى مناسبة أخرى، وكان ذلك بحضور هند بنت عتبة، جاء فيها من ألفاظ السباب "تبًا". على أنه لا شك فى أن يكون قد سبق ذلك جملة مواقف عدائية أساء فيها أبو لهب إلى النبى [- صلى الله عليه وسلم -] مما جعل محمدًا [- صلى الله عليه وسلم -] يسخط على عمه مثل هذا السخط الشديد الذى لا شفقة فيه، مع أن أبا لهب كثيرا ما وقف فى صف أخيه أبى طالب عندما عادى أبو طالب أهل مكة فى ظرف سابق، وبذلك يكون قد وقف فى صف النبى [- صلى الله عليه وسلم -] بطريق غير مباشر (ابن هشام، ص 344) وتعتبر هذه السورة مكية (وتب فعل ماض يدل على المستقبل، انظر شرح البيضاوى على سورة المسد) بل ويعتبرها نولدكه Noldeke من أقدم السور المكية. ولكن نص الآية الثانية {مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ} - شأن القرآن فيما يماثل هذه العبارة- يدل على حدث وقع من قبل (انظر سورة الأعراف آية 46؛ الحجر، آية 84؛ الشعراء، 7، وفى آيات أخرى) ولو أنه عنى المستقبل لاستعمل "يغنى" كما هو المعتاد دائمًا، أضف إلى ذلك أن استعمال "ما أغنى"

للدلالة على المستقبل لا مثيل له فى القرآن، وإذن فهذه الآية تفصح عن نشوة الانتصار بهلاك أبى لهب الذى حدث قبل نزولها (انظر وفاته فيما بعد) وتدل على أنها نزلت بعد وقعة بدر بقليل من الزمن. ولم يشهد أبو لهب هذه الوقعة بنفسه إما لأنه كان مريضًا كما تقول بعض الروايات، وإما لأنه تشاءم من رؤيا سيئة رأتها عاتكة كما تقول روايات أخرى، وأرسل بدلا منه عاصى بن هشام الذى كان أبو لهب قد ربح جميع أمواله فى الميسر فاستبعده نظير دينه. وقد فاخر الشاعر الفضل بن العباس اللهبى بن حفيد أبى لهب بهذا الحادث الأخير فى شعر له (انظر الأغانى، جـ 15، ص 7). ولما بلغت أخبار هذه الوقعة السيئة مسامع أبى لهب، ثار غضبًا على مبلغها إياه وعلى زوجه، وتوفى بعد ذلك بقليل من الزمن (بسبعة أيام كما يروى ابن هشام) بالعدسة. ومما أروى غضب المسلمين أن أبناءه لم يجرءوا على القرب من جثمانه بعد هلاكه، وتركوه حتى أنتن، ولما أمروا بأن يدفنوه لم يحتفل الناس بجنازه الاحتفال اللائق (ابن اسحاق فى الأغانى جـ 4، ص 33: تفسير البيضاوى، المسد، آية 2) وجاء فى رواية فردة أنه توفى بعد ذلك بمدة طويلة، أى حوالى عام 8 هجرية، لأنه كان قد وعد آخر كهان الإلهة عزى -قبل وفاته- بأنه سيرعى حمى هذه الإلهة، وليست هذه الرواية جديرة بالاعتبار: أولًا لأن أبا لهب لم يذكر قط فى غير هذه الرواية بعد عام 2 هـ (624 - 623 م) ثانيًا لأن ابن سعد يذكر فى حديث يرفعه إلى ابن عباس أنه عند فتح مكة عام 8 هـ (639 - 630 م) قبل النبى [- صلى الله عليه وسلم -] إسلام ابنى أبى لهب: عتبة ومعتب، اللذين حاربا فى صفه فى غزوة حنين. فليس هناك إذن موضع للقول بأن أباهما كان لا يزال حيًا فى ذلك الوقت أو قبله بقليل. ويوصف أبو لهب بأنه رجل عظيم الجثة غليظها، سريع الغضب، جمع ثروة طائلة ليدفع بها عادية الأيام كما يقال (القرآن الكريم، سورة المسد، آية 2). وكان ابنه عتبة قد تزوج قبل

أبو مدين

الإسلام بابنة للنبى [- صلى الله عليه وسلم -]. ولكنه طلقها واعتنق النصرانية لما بعث محمدًا [- صلى الله عليه وسلم -]. وقد لعنه النبى [- صلى الله عليه وسلم -]، ولذلك يقال إن سبعاً أو ضبعاً افترسه وهو فى طريقه إلى بلاد الشام. ولكن لا تتفق هذه الرواية مع ما قبل عن أمر إسلامه عام 8 هـ (انظر ما تقدم) ولامع الرواية التى تقول إنه توفى بعد ذلك بمدة طويلة عام 8 هـ (699 - 700 م) ومن المحتمل أن يكون هناك خلط بين عتبة وابن آخر لأبى لهب. وكان الشاعر الفضل بن العباس ابن عتبة اللهبى حفيدًا لعتبة المذكور (الأغانى، جـ 15، ص 2 - 11). المصادر: (1) ابن هشام، طبعة فستنفلد، جـ 1، ص 69، 231 وما بعدها، 244. 430، 461. (2! الطبرى، جـ 1، ص 1204170 وما بعدها، 1329، جـ 3، ص 2343. (3) الواقدى: كتاب المغازى (فلهوزن) ص 42، 351. (4) البيضاوى: تفسيره لسورة المسد. (5) الطبرى: التفسير، جـ 30، ص 191 وما بعدها. (6) البغوى (تفسير) والبخارى والواحدى فى Das Leben und: Sprenger die Lehre das Mohammed جـ 1، ص 526. (7) Gesch, des qorans: Noldeke ص 72. [بارث J. Barth] أبو مدين شعيب بن الحسين الأندلسى: صوفى أندلسى مشهور، ولد فى قطنيانة إحدى قرى إشبيلية، وتوفى عام 594 هـ (1197 - 1198 م) ودفن بالعباد بالقرب من تلمسان، وهو من أسرة مغمورة وكان أبواه فقيرين، بدأ أبو مدين منذ حداثته بحفظ القرآن الكريم فى بلده جريًا على مألوف القوم السائر، ثم تعلم صناعة النسج، ولما أحس من نفسه الميل نحو الدرس أقبل عليه بحماسة زائدة، فنزح عن وطنه إلى فاس

ليأخذ عن علماء من المغاربة جذبته اليهم شهرتهم. ولا نعرف الزمن الذى انتقل فيه أبو مدين إلى فاس، ويحتمل أن يكون ذلك قد حدث فى أخريات دولة المرابطين، أو فى بداية الموحدين، وإذا جاز لنا أن نحكم من العلوم التى كانت تدرس حينذاك فى جامعات فاس، ومن أبرزها علم الحديث، فإنا نستطيع القول بأن المغرب كان وقتئذ تحت سلطان الموحدين. ويظهرنا كتاب التراجم من العرب على أن أبا مدين كان متفننًا فى علوم الإسلام المختلفة، نقليها وعقليها. ونرى مما تقدم أن أبا مدين كان بفاس فى الوقت الذى انبعثت فيه مذاهب الموحدين فى بلاد المغرب، ونهضت فيه العلوم الكلامية والفقهية بتأثير تلك المذاهب، ولكن يظهر أن الطالب الأندلسى الحدث لم يبد أى ميل نحو هذه الأنظار الجديدة، لأن ذوقه وجهه إلى التصوف بصفة خاصة، وهداه إلى سلوك هذا الطريق الشيخ أبو يعزى الذى بلغ به إلى مرتبة الوصفى الكامل بالصيام والصلاة وأقصى ضروب التقشف. ولم يجد أبو مدين -لفقره المدقع- آية صعوبة فى قطع علائقه وملذاته الزائلة، فتنقل متدرجًا فى كل مراتب الصوفية حتى بلغ مرتبة "القطب" و"الغوث". وبعد أن مكث عدة أعوام بفاس انتقل الصوفى الشاب إلى مكة حيث لقى -كما يقال- الولى الكبير عبد القادر الجيلانى فارتبط به بصلات الود، وأتم بإرشاده علومه الصوفية. ولما عاد أبو مدين من المشرق انصرف إلى تعليم الصوفية فى بلاد المغرب. فاستقر فى بجاية ناسكًا نسكًا شديدًا، وسرعان ما اشتهر بولايته وعلمه، وهرع إليه الناس من أقصى البلاد يسألونه ويأخذون عنه. وكان له قبل نزوحه من فاس كرامات، وأظهر مثلها أثناء رحلته فى المشرق وبعد عودته إلى بجاية. وكانت تعاليم أبى مدين الصوفية التى قام بنشرها فى بجاية تخالف مذاهب فقهاء الموحدين فى تلك المدينة،

فقلق هؤلاء من شهرته التى أخذت تذيع يومًا بعد يوم، ومن مريديه الذين تزايد عددهم، فبيتوا النية على اغتياله. ولما علم السلطان الموحدى أبو يوسف يعقوب المنصور بأمر هذا العالم الزاهد طلب إلى عامله بجاية أن يبعث به إلى مراكش ليتولى نقاشه بنفسه، فصدع أبو مدين بأمر السلطان عن طيب خاطر، وخرج فى ركب من مريديه يطلب عاصمة الموحدين بعد أن ودع تلاميذه ولكن عاجلته المنية وهو فى رحلته هذه على شاطئ نهر إسر، على بعد فراسخ معدودات من مدينة تلمسان، ودفن -كما أوصى- برباط العباد، قرب تلمسان، ولا يزال قبره بالعباد إلى الآن يزوره الناس من كل حدب وصوب. ويمكن أن نلخص تعاليم أبى مدين كلها فى هذا البيت الذى كان يردده دائمًا كما يقول يحيى ابن خلدون: "الله قل وذر الوجود وما حوى ... إن كنت مرتداً بصدق مراد". وقد وصل أبو مدين بالتزامه الشديد بهذا المبدأ إلى أقصى مراتب الصوفية فتجردت نفسه التجرد كله، واتحد بالله -الذى كان يحده إلى آخر نسمة من حياته بقوله: "الله الحق"- اتحادًا تامًا. وآثار أبى مدين التى كتبها عبارة عن قليل من الأشعار الدينية الصوفية و"وصية" و"عقيدة" (انظر فهرس المخطوطات العربية للمكتبة الأهلية بباريس، رقم: 1230، 10؛ 3410؛ 4585، ورقة 15. وكذلك فهرس مخطوطات المكتبة الأهلية بالجزائر، رقم 376، ورقة 39؛ 599، ورقة 3، 938، ورقة 1 - 9؛ 1859؛ ورقة 73). وقد دفن أبو مدين مشيعًا بجموع حاشدة من أهل تلمسان، وكان جنازه فرصة ليظهر أهل تلك المدينة فيها تقديرهم الكبير للصوفى. وصار أبو مدين منذ ذلك ولى تلمسان وحاميها، وازدهرت هذه المدينة ببركاته، كما نمت مدينة العباد حول قبره. وبنيت قبة أبى مدين بعد وفاته بقليل من الزمن بأمر السلطان

الموحدى محمد الناصر. وأخذ بعده كثير من الأمراء والملوك الذين حكموا تلمسان يضيفون الشئ الكثير إلى زخارف قبره المبارك. وقد بنى السلاطين المرينيون أصحاب تلمسان فى القرن الرابع عشر الميلادى إلى جانب قبره كثيرًا من المنشآت الفخمة التى لا يزال بعضها باقيًا إلى اليوم نذكر منها بصفة خاصة الجامع والمدرسة. المصادر: (1) ابن أبى زرع: القرطاس، طبعة فاس 1303 هـ، ص 194؛ ترجمة بومييه Beaumier ص 385 - 386. (2) أحمد الغبرينى: عنوان الدراية، Notices et extraits du Eu-: Gherbonneau nouan ed- diraia باريس سنة 186 م، ص 4. (3) يحيى بن خلدون: بغية الرواد Hist. des Beni Abdel-Wad rois de: Bel) Tlemcen، الجزائر سنة 1904 م) الأصل ص 23 - 25؛ الترجمة، ص 80 - 83. (4) أحمد بابا: نيل الابتهاج، فاس 1317 هـ، ص 107 - 112. (5) محمد بن مريم: كتاب البستان، وانظر Revue africaine Delpech فى رقم 164، ص 135. (6) المقرى، ليدن سنة 1855 م، جـ 1، 829، 884. [بل A. Bel] + أبو مدين شعيب بن الحسين الأندلسى، هو الصوفى الأندلسى الشهير، ولد حوالى سنة 520 هـ (116 م) فى قطنيانة، وهى بلدة صغيرة على مسيرة 30 كيلو مترا تقريبًا شمالى الشمالى الشرقى لإشبيلية، ونشأ فى عائلة متواضعة جدًا، وتعلم صنعة النسج، ولكنه درس القرآن مدفوعًا بنزوعه الشديد إلى العلم، وما إن تيسر له الأمر حتى شخص إلى المغرب لإتمام تعليمه، وفى فاس تتلمذ على أئمة من الشيوخ ترجع شهرتهم إلى تقواهم وتقشفهم أكثر من رجوعها إلى تفقههم

فى علوم الدين، مثل أبى يعزى الهزميرى، وعلى بن حرزهم، والدقاق. والدقاق هو الذى خلع عليه الخرقة التى تشهد على أنه سلك طريق الصوفية. ولكن مرشده الحق إلى سلوك الطريق هو أبو يعزى، وبإذن شيخه هذا رحل إلى المشرق، وهناك وفق إلى استيعاب ما أثر من الغزالى وكبار الصوفية. وربما يكون قد لقى فى مكة عبد القادر الجيلانى المتوفى سنة 561 هـ (1166 م)؛ ثم عاد إلى المغرب واستقر فى بجاية حيث عرف بتعليمه وحياته المثالية. وبلغت شهرته مسامع السلطان أبي يوسف يعقوب المنصور من بنى مؤمن، وخشى السلطان على ما يظهر من سلطانه الدين الخارج على مذهب الموحدين فدعاه إلى بلاطه. فلما أصبح على مرأى البصر من تلمسان أقعده المرض وتوفى سنة 594 هـ (1197 م) ودفن حسب وصيته الصريحة فى العباد وهى قرية على مشارف تلمسان كان يؤمها النساك كثيرا فيما يظهر، ثم أصبحت بعد دفنه فيها مكانًا له بركته الخاصة. وإذا كانت المكانة التى يشغلها أبو مدين فى الإسلام بالمغرب عظيمة الأهمية، فإن هذا لا يرجع فى حقيقة الأمر إلى مؤلفاته، إذ لم يؤثر عنه إلا بعض قصائد فى التصوف، ووصبة وعقيدة (انظر A. Bel)؛ وإنما استحق مرتبة "القطب" و"الغوث" و"الولى" على ما نقله عنه مريدوه وما ينسب إليه من حكم، وتشيد حكمه بكمال حياة التقشف، والزهد فى خيرات الدنيا، والتواضع، والتوكل المطلق على الله. وقد جرى أبو مدين على القول: "لا ينفع مع الكبر عمل ولا يضر مع التواضع بطالة" وكثيرًا ما كان يردد هذا البيت: الله قد وذر الوجود وما حوى ... إن كنت مرتدًا بصدق مراد والحق إنه ليس لمذهبه فى التصوف أصالة؛ وإنما يمكن تعليل نجاح هذا المذهب وسلطانه الممتد على الزمن

باستطاعته التوفيق بين نزعات مختلفة وبطيعة المجتمع الذى تلقاه. ويقول برنشفك R. Brunschving. ": " إن فضله الكبير ونجاحه العظيم يرجعان إلى أنه استطاع أن يوائم مواءمة موفقة بين شتى المؤثرات التى تأثر بها على نحو يفهمه مستمعوه. والتصوف المعتدل الذى أدخله الغزالى قبله بقرن فى الإسلام على مذهب أهل السنة من أجل نخبة من الخاصة. أصبح بعد بفضل أبى مدين يوافق عقلية المؤمن فى شمال إفريقية سواء كان من العامة أو من الخاصة. لقد أمدنا أبو مدين بغير معقب بمفتاح التصوف فى شمالى إفريقية". وتنسب إليه كتب المناقب كرامات، وقد اتخذته تلمسان حيث توفى، وليًا لها. وأصبح ضريحه مركزًا لعمارة جامعة (مسجد العباد سنة 737 هـ = 1339 م؛ ومدرسة سنة 747 هـ = 1347 م، وقصر صغير، وحمام) أنشأ معظمها سلطان فاس أبو الحسن المرينى صاحب تلمسان، ولا يزال هذا الضريح يؤمه بالزيارة كثير، أهل الريف من إقليم وهران وشرقى مراكش. المصادر: (1) ابن مريم: البستان، طبعة بن شنب، الجزائر سنة 1326 هـ (1908 م) وترجمه Provenzali إلى الفرنسية، الجزائر سنة 1910، ص 115 وما بعدها. (2) الغبرينى: عنوان الدراية، طبعة ابن شنب، الجزائر سنة 1910 م. (3) ابن خلدون (يحيى): تاريخ بن عبدالواد، ترجمة A. Bel. بعنوان. Hist des B. Abd el- Wad.، الجزائر سنة 1904 م، جـ 1، ص 80 - 83. (4) أحمد بابا: نيل الابتهاج، فاس سنة 1917 م، ص 107 - 112. (5) Vie du celebre marabout J.J.J Barges Sidi abu Medien، باريس سنة 1884 م. الأب قنواتى [مارسيه، G. Marcais]

أبو نصر الفارابى

أبو نصر الفارابى أعظم فلاسفة الإسلام قبل ابن سينا، وهو تركى المنتسب، واسمه محمد بن محمد بن طَرْخان أبو نصر الفارابى. ولد فى وَسيج وهى محلة صغيرة منيعة فى إقليم فاراب (أطرار) فيما وراء النهر. ويقال إن أباه كان قائدًا، وانتقل هو إلى بغداد يدرس على الطبيب النصرانى يوحنا بن حَيْلان، وتعلم صحبة أبى بشر متى النصرانى النسطورى الذى اشتهر بترجمته للكتب اليونانية، ثم التحق ببلاط سيف الدولة الحمدانى صاحب حلب، وعاش فى كنفه عيشة المتصوفة، واصطحبه هذا الأمير فى فتحه مدينة دمشق، وتوفى أبو نصر بها عام 339 هـ (950 م) بالغًا من العمر ثمانين عامًا. واشتهر أبو نصر بصفة خاصة بشروحه على مؤلفات أرسطو، وقد أكسبته هذه الشروح لقب "المعلم التانى"، وأرسطوطاليس هو المعلم الأول " فشرح كتب "المقولات" و"العبارة" و"القياس" و"البرهان" و"الجدل" و"المغالطة" و"الخطابة" و"الشعر"، أى أنه شرح جميع الكتب التى يتألف منها المنطق بأوسع معانيه. وقدم لهذه المجموعة المنطقية بشرح لكتاب "الإيساغوجى" لفرفوريوس. أما فى الأخلاق فقد شرح كتاب أرسطو فى "الأخلاق إلى نيقوماخوس". وشرح فى علم النفس "كتاب النفس" للإسكندر الأفروديسى. وشرح فى باب العلم "طبيعيات أرسطو" وكتابيه فى "الآثار العلوية" و"السماء والعالم" وكتاب "المَجَسْطِى" لبطلميوس. ولم تقتصر مؤلفات الفارابى بأية حال على شروح كتب اليونان بل له كثير من الكتب الأصيلة الخاصة. فله فى علم النفس والإلهيات رسائل فى "العقل والمعقول" و"النفس" و"قوى النفس" و"الواحد والوحدة" و"الجوهر" و"الزمان" و"الخلاء" و"المكان" و"المقاييس". وقد دعا الفارابى إلى رأى يبدو اليوم عجيبًا شاذًا تبرره نزعة فلاسفة المشرق إلى توحيد المذاهب المختلفة. ذلك

هو أن الفلسفة القديمة يجب أن تكون واحدة أو على الأقل ينبغى ألا يكون هناك تناقض بين قطبيها الكبيرين اللذين يمثلانها وهما أرسطو وأفلاطون. فمذهباهما يجب ألا يكونا سوى التعبير عن حقيقة واحدة بأسلوبين مختلفين. وكتب الفارابى فى هذا المعنى عدة رسائل: "كتاب الجمع بين رأيى الحكيمين أفلاطون الإلهى وأرسطوطاليس" و"أغراض أفلاطون وأرسطو" و"كتاب التوسط بين أرسطوطاليس وجالينوس"، ويجب أن نلاحظ أن فيلسوفنا كان يعتقد بصحة نسبة كتاب "أثولوجيا" إلى أرسطوطاليس، وهو كتاب منحول، فى الأفلاطونية الجديدة، كتب على نهج تاسوعات أفلوطين. وقد أدى هذا الخطأ إلى أن يكون أبو نصر فكرة خاطئة إلى حد بعيد عن مذهب المشّائين. وقد نشر ديتريتشى Dieterici تسع رسائل صغيرة للفارابى أهمها "رسالة فصوص الحكم" وهى تشتمل على أنظار كثيرة كتبت فى إيجاز، وكانت كثيرة الذيوع عند المشارقة. ولها شرح كتبه إسماعيل الحسينى الفارابى أحد كتاب القرن الخامس عشر الميلادى. وقد طبع هذا الشرح بالمطبعة العامرة عام 1291 هـ وجعله هورتن M. Horten موضوعًا لدراسته. ونشر ديتريتشى للفارابى غير تلك الرسائل "رسالة آراء أهل المدينة الفاضلة" وهو كتاب هام يقع فى أربعة وثلاثين فصلاً تأثر فيه فيلسوفنا الإسلامى بأفلاطون، وبين فيه كيف يتصور نظام المدينة الفاضلة: فهذه المدينة يتولى أمرها الحكماء، وغايتها محاكاة الكمال الذى فى المدينة السماوية، فيعداد أهلها للحصول على السعادة الأخروية. وليس لهذه النظرية إلا نفع عملى قليل ولكن لها بعض الأهمية فى موضوع الإلهيات. وكان غرض الفارابى، شأن غيره من فلاسفة مدرسته، أن يحيط بجميع العلوم. ويظهر أنه كان عالمًا بالرياضيات بارعًا وطبيبًا لا بأس به. وكتب كذلك فى العلوم الخفية، كما كان إلى جانب هذا موسيقيًا متفننًا ندين له بأهم رسالة عن نظرية الموسيقا

الشرقية، وكان يوقع على المزهر ويؤلف الألحان. وقد أثارت عبقريته إعجاب سيف الدولة، ولا يزال دراويش المولوية يحفظون أغانى قديمة تنسب إليه. ومذهب أبى نصر مذهب المدرسة التى عرفت فى الإسلام بـ "الفلاسفة" أى مذهب الأفلاطونية الجديدة فى صورته الإسلامية. وهذا المذهب كان الكندى قد بدأ يعبّده من قبل، ووصل به ابن سينا فى مصنفاته إلى أكمل صورة من بعد. ومن المرجح أن الفارابى قد خالف الكندى وابن سينا فى بعض المسائل، ولكن من العسير أن نحددها. ويجب أن نقف موقف التحفظ إن لم يكن موقف الشك عند بسط تفاصيل مذهبه. فمؤلفاته لم تصل إلينا جميعها وإنما وصل إلينا جانب ضئيل منها. ثم إن أسلوبه غامض بعض الشئ، فكثير من رسائله التى بين أيدينا عبارة عن حكم مقتضبة غاية الاقتضاب يتلو بعضها بعضًا فى غير ترتيب. زد على ذلك أننا لا نستطيع أن نأمن التناقض فى مصنفات كثيرة يظهر فيها مرة بعد أخرى اثر أرسطو وافلاطون وأفلوطين. بل لا يمكن أن تخلو من بعض التناقض أيضًا للك الفكرة الأساسية فى مذهبه التى تنحو إلى التوفيق بين أرسطو وأفلاطون من جهة، وبين هذه الفلسفة الناجمة عن التوفيق والعقيدة الإسلامية من جهة أخري. وقد اعتقد ده بور M. T. J . de Boer أنه يستطيع أن يدل على مواطن الخلاف البَيِّن بين أبى نصر وغيره من أعضاء مدرسة "الفلاسفة" وخاصة الرازى المشهور الذى عاصره. وهذا الخلاف على ما يرى ده بور ينحصر فى أن مذهب أبى نصر يعتمد على القياس والنظر ويقوم بأكمله على المنطق الخالص، بينما تعتمد فلسفة الرازى على التجربة والاستقراء وتتجه دائماً نحو الأمور المادية المشخصة. ولست أعتقد أن هناك حقيقة مذهبين مختلفين، لأن مذهبيهما شقان أو مظهران لمذهب واحد أعم منهما: فقد تناول الرازى الجوانب المادية المشخصة من المذهب لأنه كان طبيبًا وطبيعيًا مشهورًا، بينما تناول الفارابى الجوانب المجردة منه

لأنه كان أميل إلى المنطق والرياضيات والأنظار الصوفية. ونجد هذين الشقين ملتئمين فى فلسفة ابن سينا. على أننى بينتُ فرقاً بين أبى نصر وابن سينا فى موقف التصوف من مذهبيهما. فالتصوف لا يظهر فى مذهب ابن سينا إلا فى آخره تاجاً يتوِّجه، وهو جزء منفصل تمام الانفصال عما عداه من أجزاء مذهبه، وقد عالجه بمهارة فائقة على أنه فصل من فصول فلسفته التى كان عليه أن يبسطها من وجهة موضوعية بحتة. والأمر على نقيض ذلك عند الفارابى، فالتصوف يتخلل جميع مذهبه، وعبارات المتصوفة شائعة تقريبًا فى كل أقواله، وكأنما التصوف عنده ليس نظرية من النظريات وإنما هو حالة ذاتية. وقد ساهمت هذه الحالة الذاتية فى جعل مذهبه غامضا بعض الشئ. ومن المعروف أن ابن سينا أكثر وضوحًا وأسد منهجًا وأقوم نظامًا من الفارابى، وقد بلغت الفلسفة الإسلامية بمصنفاته إلى أكمل صورها؛ نلمس هذا التباين فى وضوح الفكرة عند تعرضهم لمسألة هامة هى مسألة خلود كل نفس على انفرادها. فالإنسان على الحقيقة هو النفس الناطقة أو "العقل" الذى يشرف عليه عالم الروح والمعانى أى "العقل الفعال" ودلك العقل هو ما يبقى من الإنسان بعد موته ولكن هل يبقى متحد، بالعقل الفعال؟ أم يظل مستقلاً بذاته حافظًا لمشخصاته؟ كتب أبو نصر بعض فقرات على وجه يجعلنا نعتقد بأنه كان من أنصار الرأى الأول، ومع ذلك فلا سبيل إلى الشك فى أنه كان يعتقد بخلود كل نفس على انفرادها، فهناك فى كتابه "المدينة الفاضلة" فقرة يبين فيها أن النفوس الخيرة تصل إلى المدينة السماوية، وأن كل واحدة منها تذوق من اللذة ما يعدل عدد النفوس كلها. وقد زعم ابن طُفَيْل أيضًا -وكان لا يميل إلى أبى نصر على ما يظهر- أن فيلسوفنا كان متشككًا فى خلود كل نفس على انفرادها (S. Munk: مقاله عن الفارابى فى Dic- tionnaire (des Sciences philosophiques) وهذا الاتهام يجب أن يعزى سره إلى بعض فقرات كتبها الفارابى على وجه ناقص غامض.

وقد أشار ده بور أيضًا إلى فارق آخر بين الفارابى وغيره من فلاسفة مدرسته، وهو أن ابن سينا لم يجعل المادة صادرة عن الله كما جعلها الفارابى. ويقول هذا الكاتب إن الفارابى تصور المادة على أنها فائضة عن الله بتنقلها فى أوساط روحية مختلفة. ولست أعتقد أن هذا الرأى صائب، ذلك لأن الفارابى فى رسالته المسماة مبادئ الموجودات، التى بقيت لنا ترجمتها العبرية بقلم موسى بن نبون طبعة فبليبوفسكى Philoppowski فى الكتاب السنوى ليبسك سنة 1948 م) يذكر سلسلة المبادئ على وجه يجعلها أشبه شئ بالفيض: إذ يفيض عن الله العقل الأول أو العلة الأولى، ويفيض عن هذه عقول الأفلاك على ترتيبها وآخرها العقل الفعال. ويتلو ذلك النفس الكلية ثم الصورة ثم المادة آخر الأمر. تتمشى إلهيات ابن سينا مع هذا الترتيب. والمادة التى نتحدث عنها هنا هى جوهر العالم الذى يحمل إمكانه. فالعالم يبدأ وجوده من هذه المادة وليس يخرج مباشرة من العدم الصرف. والأفلاك السماوية التى تستمد حياتها من نفوسها إنما قد حركها المحرك الأول، وليس هذا المحرك هو الله نفسه ولكنه العقل الأول الصادر عنه. وحاول الفارابى التوفيق بين أرسطوطاليس وأفلاطون فى مسألة قِدم العالم. ففى رسالته المسماة "الجمع بين رأى الحكيمين أفلاطون الإلهى وأرسطوطاليس" زعم أن أرسطو لم يعتقد بقدم العالم: فالخالق أبدع العالم دفعة واحدة فى غير زمن، ثم حركة المحرك الأول فنشأ "الزمان" عن حركة الأفلاك. وبعبارة أخرى يكون الزمان متأخرًا بالذات عن وجود العالم بالفعل. ومع هذا فإن فلاسفة هذه المدرسة قد ذهبوا إلى أن اللاتناهى من جهة الماضى أمر ممكن: فوفقًا لابن سينا لا يمكن أن يوجد فى آن واحد (بالفعل) عدد لا يتناهى، ولكن يمكن أن يوجد عدد لا يتناهى إذا لم تكن أجزاؤه موجودة معا بالفعل فى آن واحد. فيمكن أن يقال إن

الأفلاك السماوية قد تحركت حركات غير متناهية فى عددها فى الماضى، وعلى هذا فالزمان قديم. ولكن يجابه هذا الرأى مشكلة، وهى أن نفوس الأشخاص الذين انقضت حياتهم لا تزال باقية بالفعل لأنها غير فانية، وعلى هذا يكون هناك عدد لا يتناهى من الأنفس موجود بالفعل فى آن واحد. والفارابى فى رسالته "المدينة الفاضلة" يتحدث مع ذلك عن النفوس فى العالم الآخر كما لو كان عددها متناهيًا. ولا يمكننا على وجه التحقيق أن نقول إن هؤلاء الفلاسفة لا يتناقضون أحيانًا. وهم يشرحون بثقة متساوية مذاهب فلاسفة كثيرًا ما تتعارض فيما بينها فيحدث عن ذلك بالضرورة بعض القلق وعدم التثبت فى مذاهبهم الخاصة. المصادر: (1) Das Buch der Ring-: H.Morten steine Farabis mit dem Kommentar des Emir Ismail el Hoseini el- Farani ubersetzt und erlautert (Beitrage zur Gesch. der Philosophie des Mittelalteres جـ 5) مونشتر سنة 1906 م، وفى هذا المقال ترجمة للفارابى، ص 18 - 28. (2) Al-Farabi: M. Steinschneider des arabischen philosophen Leben und schriften (Memoires d Acad. Imperiale des Sciences de st. petersbourg جـ 13، رقم 4) سانت بطرسبرغ سنة 1869 م. (3) Alfarabis phi-: Dieterici losophische Abhandlungen، (ليدن سنة 1809 م، وفى هذا الكتاب تسع رسائل صغيرة للفارابى). (4) Alfarabis Abhandlung.: Dieterici der Musterstaat (ليدن سنة 1895 م، وفى هذا الكتاب النص العربى). (5) Die Staatsleitung: Bronnie (ليدن سنة 1904 م). (6) Gesch der phi-: T J. de Boer losophie im Islam، (شتوتكارت سدة 1901 م، النسخة الانكليزية، لندن سنة 1903 م) انظر الفهرس. (7) Avicenne: Carra de Vaux باريس سنة 1900 م، ص 91 - 116.

أبو نواس

(8) die lehre von der: m. worm beitrage في anfagslosingkeit der welt zur geschichte der philosophie des mittelalters جـ 3، (مونشتر سنة 1900 م). (9) gesch d. arab: brockelman litt جـ 1 ص 210 - 213؛ ولمعرفة الترجمات العبرية يمكن الرجوع إلى مادة الفارابى فى the jewish encyclopedia جـ 1، نيويورك سنة 1901 م، ص 374 - 375. [كارا ده فو b. carra de vaux] أبو نواس الحسن بن هانئ الحكمى: أحد فحول شعراء العرب. ولد بالأهواز عام 130 هـ (747 م) أو كما تقول مصادر أخرى عام 145 هـ (762 م). وكانت أمه جُلَبَّان تغسل الصوف، وكان يرى فى نفسه أنه أقرب إلى الفرس منه إلى العرب. وقد أمضى سنى شبابه بالبصرة والكوفة حيث درس على اللغويين أبى زيد وأبى عبيدة وعلى الراوية خلف الأحمر. ويظهر أن الشاعر والِبة بن الحُباب الأسدى الذى اتصل به أبو نواس اتصالاً مزريًا (انظر عن فحش الأول بالغلمان ابن رشيق: العمدة ص 43؛ كما يوجد حوار شعرى بينه وبين أبى نواس فى ديوان الأخير طبعة آصف، ص 31 - 32) كان له تأثير كبير على شاعرنا، ولو أن هذا التأثير قد أفسد خلقه. ويقال إنه أتم تحصيله للغة بانتجاعه الصحراء عامًا: وأمضى سنى رجولته فى بغداد وقربه هارون الرشيد والأمين، أما المأمون فقد غضب عليه، ويقال إن هذا الخليفة حرم عليه أن يقول الشعر فى الخمريات (زهر الآداب، جـ 2، ص 12 - 13) وكان للغلمان -إلى جانب الخمر- شأن كبير فى حياة أبى نواس. على أنه عزف فى شيخوخته عن ملاذ الدنيا وقصر فنه على الزهد. ويقال إن عدم انقطاعه عن الهجاء قد أودى آخر الأمر بحياته، ذلك لأن بنى نَوْبَخْت -وهى أسرة معروفة- قد نكلوا به تنكيلاً ذهب بحياته انتقامًا منه لهجاء قاله فيهم. وتختلف الروايات فى ذكر عام وفاته فتذكر عام

190 هـ (806 م) و 195 هـ (810 م) و 196 هـ (811 م) و 198 هـ (813 م) و 199 هـ (814 م). وأهم ما فى شعره خمرياته التى حاول فيها أن يضارع الوليد بن يزيد، أو عدى بن زيد -بطريق غير مباشر- ذلك أنه اتخذهما مثالاً له. وقد هذا بنوع خاص حذو معاصره الحسين بن الضحّاك الباهلى الذى لا شك أننا لا نستطيع أن نجد بينه وبين شاعرنا فوارق روحية واضحة. ويقال إنه انتهب لنفسه بيتًا من أشعار الحسين لنفس الأسباب التى دفعت الفرزدق إلى أن ينتهب لنفسه بيتًا من أشعار ابن ميّادة (زهر الآداب جـ 2، ص 16) ولقد نزع المغثون المتأخرون من أرباب الشوارع إلى إضافة جميع أشعار الخمر والغلمان إلى أبي نواس (الديوان، مخطوط بفينا، ورقة 162 أ) ومدائحه التى تبدو فيها الصنعة بوضوح قليلة القيمة بعكس مراثيه التى نجد فيها عاطفة عميقة وحزنًا مؤثرًا يجعلنا نغتفر بعض ما فيها من نقائص كالتكلف فى اللغة والمبالغة المعهودة فى الشرق. وفى أشعاره الغزلية من العاطفة والشاعرية الصادقة بقدر ما فيها من الإباحية والتبذل. أما هجاؤه فعنيف جاف فى بعض الأحايين، يظهر فيه الذكاء الحاد ولكنه من نوع وضيع فى كثير من الأحيان. ويمكن أن نلاحظ الظاهرة الأخيرة فى مجونياته. بيد أن شعره فى العتاب يظهرنا من جديد على نزعة من نزعات الجد (A. von Kremer: culturgesch. des orients unter den chalifen جـ 3، ص 371) ويجب أن نذكر إلى جانب زهدياته أشعاره فى الصيد التى تبدو مبتكرة عند النظرة الأولى، ولكن لا بد أن له فى هذا الضرب من الشعر أسلافًا نسج على منوالهم ولم تصلنا أخبارهم، حتى ولو تجاهلنا وصفه لحيوانات البادية التى كثيراً ما ترد فى قصائد القدماء. أما أشعاره التى تنبأ فيها على أسلوب رمزى والتى نظمها مع الرقاشى مداح البرامكة (الأغانى، جـ 15، ص 35) على أسلوب عَقب الليثى، ونسباها إلى أبى يس الحَاسب وهو شخصية تمثل البلاهة، والتى اعتبرت فيما بعد من نظم الأخير (الجاحظ، البيان والتبيين، جـ 3، ص 7

وما بعدها) فلم تدمج فى الديوان. وقد جمع هذا الديوان كثيرون منهم الصولى المتوفى عام 335 هـ (946 م) جمعه فى عشرة فصول؛ وحمزة بن الحسن الإصفهانى (فى خزانة الأدب، جـ 1، ص 168، يرد اسمه على هذا النحو: على بن حمزة الإصبهانى، والراجح أن يكون فى ذلك خلط بينه وبين جامع ديوانى ابى تمام والبحترى). ونسخة هذا الأخير أكثر سعة وأقل تحقيقًا، وقد هاجمها المهلهل ابن يموت بن مُزَرِّد الذى كان على قيد الحياة حوالى عام 332 هـ (943 م) برسالة عنوانها "سرقات أبى نواس" (درنبورغ، فهرس الاسكوريال، جـ 2، رقم 772). ونشر الورات Ahlwardt الجزء الأول فقط من ديوان أبى نواس Die Weinliedr)، كريسفالد سنة 1861 م). وطبع طبعة حجرية بالقاهرة عام 1277 هـ، وطبع فى بيروت عام 1301 هـ (أهى كاملة؟ ؛ إذ ليس بين يدى إلا الباب الأول وهو باب المدائح، وقد طبع فى مكان مجهول بمطبعة جمعية الفنون عام 1301 هـ). وطبعه محمود افندى واصف على نفقة إسكندر آصف مع بعض تعليقات وشروح للثانى بالقاهرة عامى 1898 و 1905 م. وترجمه إلى الألمانية فون كريمر (von kremer بعنوان: Diwan des abu nowas des grossten lyrischen dichters der araber فينا 1885 م). المصادر: (1) الأغانى، جـ 16، ص 148 - 151؛ جـ 18، ص 2 - 29. (2) ابن الأنبارى، ص 99 - 113 (3) ابن خلكان (طبعة فستنفلد) رقم 163. (4) orient und occident: th noldeke جـ 1، ص 367 وما بعدها. (5) culturgesch. des: A. von Kremer orient unter d. chalifen جـ 3، ص 369 وما بعدها. (6) A. Wunsche في nord und siid سنة 1891 م، ص 182 - 197 (7) gesch. d. arab. litt.: Brockelmann جـ 1، ص 15. [بروكلمان Brockelmann]

+ أبو نُوَاس الحسن بن هانئ الحَكَمى: أعظم شعراء العرب شهرة عصر العباسيين؛ وكان مولده بالأهواز فيما بين سنتى 130 - 145 هـ (747 - 762 م)، ومات ببغداد فيما بين سنتى 198 - 200 هـ (813 - 815 م؛ وهكذا يقول حمزة الإصفهانى، مخطوط، مكتبة فاتح، رقم 3773؛ ورقة 6 ظهر). وإذ كان ديوانه يحتوى مرثية للأمين المتوفى سنة 198 هـ (873 م) فجعل وفاته فى تواريخ أسبق من ذلك أمر بعيد الاحتمال. وينتمى أبوه إلى جيش مروان الثانى آخر الأمويين، وكان مولى للجَراح بن عبد الله الحكمى الذى انحدر من سعد بن العشيرة القبيلة العربية الجنوبية، ومن هنا نسبة أبى نواس وكراهيته للعرب الشماليين. وكانت أمه جُلُبّان (كُلْبان) فارسية. وحين كان جد صغير رحل إلى البصرة ثم إلى الكوفة بآخرة. وكان أستاذه الأول والبة بن الحُباب الذى يقال إنه كان على صلة غرامية به. وبعد موت والبة (انظر المرثية التى قيلت فيه، الديوان، القاهرة سنة 1898 م، ص 132) أصبح تلميذًا للشاعر والراوية خلف الأحمر. وأفاد معرفة بالقرآن الكريم والحديث، ودرس على النحاة أبى عبيدة وأبى زيد وغيرهما، ويقال أيضًا إنه أمضى، وفق التقليد القديم، بعض الوقت بين البدو كى ينمى معرفته باللغة. وحين انتهى أبو نواس من التحصيل جاء بغداد ليحظى بحظوة الخليفة بمدائحه؛ وهو وإن حظى بالقليل فى بلاطه، غير أنه نال حظوة أحسن عند البرامكة. وبعد نكبة البرامكة اضطر إلى الهرب إلى مصر حيث نظم مدائح لرئيس ديوان الخراج الخطيب بن عبد الحميد. وعلى آية حال فسرعان ما أصبح قادرًا على العودة إلى بغداد الحبيبة إليه حيث أمضى عندئذ أشرق سنى عمره نديمًا للأمين، حتى مع منع الأمين له مرة من شرب النبيذ وسجنه له لهذا. وثمة روايات مختلفة حول موته؛ تقول رواية إنه مات فى السجن، إذ كان قد أرسل إليه بسبب بيت جدف فيه؛ وتقول أخرى فى منزل امرأة صاحبة حان؛ وتقول ثالثة فى بيت أسرة

نَوْبَخْت الشيعية المتضلعة. وقد اتصل بهذه الأسرة، لاسيما بإسماعيل بن أبى سهل النوبختى، بصداقة وثيقة، غير أن هذه الصداقة لم تمنعه من أن ينظم فيه هجاء جارحًا (الديوان، ص 171). وعلى هذا فالتأكيد بأن النوبختيين قتلوه مجرد فرية فيما يرجح، وخاصة أن هذه الأسرة عنَّت نفسها حتى بآخرة بجمع أشعار أبى نواس وأفاد حمزة الإصفهانى بالأخبار الماخوذة عنهم (انظر مخطوط مكتبة فاتح، رقم 3773، ورقة 3 وجه). ونقَّاد الأدب العربى أنفسهم يعدّون أبا نواس ممثل شعراء المدرسة الحديثة (المحدثين): "كما كان امرؤ القيس عند القدامى كان أبو نواس عند المعاصرين" (مكتبة فاتح رقم 3773، ورقة 7 ظهر)؛ وليس على الأكثر غير بشّار بن بُرْد من يمكن أن يباريه. ومع أن مدائح أبى نواس بقيت بعامة تستخدم القالب التقليدى (انظر مثلًا: الديوان، ص 77، المديحة المعروفة باسم "المنهوكة" التى قيلت فى الفضل بن الربيع والتى خصها ابن جنِّى بشرح مستفيض) فإن القوالب القديمة، لاسيما قوالب النسيب، اتخذت على خلاف ذلكء هدفًا لسخريته، واستهل مرة دون تمهيد: "لا أندب الربع قفرًا غير مأنوس. . ." (مكتبة الفاتح، رقم 3775، الورقة 12 ظهر) وبدلاً من بكائه المكان السالف العامر بالمحبوب فإنه يبكى الحانات لدثورها ويندب غيبة الندماء نأيا وشتاتًا (انظر أيضًا القصيدة التى ترجمها H. Ritter في Orientalia جـ 1، إستانبول سنة 1932 م). وكان أبو نواس أجود ما يكون فى تغنيه بالخمر واللواط، ولم يكن قادرًا فحسب على أن يتغنى بمباهج كل فى جرس متجدد دومًا، بل صور كذلك مغامراته فى ذلك الميدان فى واقعية ساخرة، كما لم يتورع عن سخريته بنفسه كما فعل فى وصف اللطمات التى تلقاها من أيدى الشبان الذين كان يسكرهم ليعبث بهم (انظر مثلا: مكتبة فاتح، رقم 3775، ورقة 21). ومثل هذا سخرية مراثيه التى نظمها فى رثاء بدنه الذى هذه المرض (الديوان، ص 131). وأقر أبو نواس بخطيئاته فى

صراحة ملحوظة، وكثيرًا أيضًا ما دعا قرناءه لأن يندموا ندمه، وطلب من هؤلاء الذين يلوهونه أن يتركوه وشأنه، إذ إن لومهم لا يغريه إلا بالمزيد، كما اعتزم ألا يصلح مناهجه حتى اللحد. وكان يباهى بأنه لم يترك شيئًا مما يغضب الرب إلا الشرك (الديوان، ص 281) وسخر بجميع نظم الإسلام. ولم تكن أشعاره ضد الإسلام مستمدة على أية حال من أسس عقلية، ولكنها كانت عن حبه للمتعة التى كانت أحكام الإسلام سدًا دونها. وأخيرًا عقد آماله بمغفرة الإله وعدّ نفسه كذلك أقل شأنًا من أن يؤاخذه الله بأعماله (مكتبة الفاتح، رقم 3775 الورقة 16). وقصائده فى الزهد لا تغنى فى البرهنة على أنه تاب فى شيخوخته، وقد تكون نظمت فى أحوال عارضة، أو كانت قصائد مناسبات ترجع إلى دوافع خاصة، وإلا فثمة أيضًا متناقضات صريحة فى الديوان، ولا ينبغى أن تتخذ أدلة على تغير الرأى أو مجانبة الفجور، فأبو نواس كان أكثر اهتماما بالصورة اللامحة لأفكاره منه بالقنوع بالفكرة نفسها. وقصائد حب النساء قليلة إذا قيست بتلك التى فى عشق الغلمان، وقيل إن أبا نواس لم يقع غير مرة واحدة فى حب فتاة مولاة تسمى جَنان. ولقد صح أن حمزة الإصبهانى أنكر هذه فى إصرار وساق ثبتاً طويلاً لنساء ادعى أن أبا نواس كان يحبهن (مكتبة الفاتح، رقم 3774، ورقة رقم 76 وجه)، غير أن هذه لم تكن غير أسماء أخذت من قصائده وقد تكون كذلك وهمية. وديوان أبى نواس ينتظم، للمرة الأولى فى تاريخ الأدب العربى، بابًا خاصًا يحتوى على طَرْديَات، وأكثر ما تصف كلاب الصيد والصقور والخيل، وكذلك أيضًا أنواعًا مختلفة من الصيد، وهى ملحوظة لغناها بمفرداتها اللغوية. وكان لأبى نواس نماذج لهذا الضرب من وصف الحيوانات فى الشعر البدوى القديم، غير أنه اصطنع لها فيما يظهر ضربًا مستقلاً أبعد ابن المُعْتَز فى تنميته بعد ذلك. ولغة أبى نواس وإن كان قد استخدم فيها عبارات معاصرة دارجة، فهى فى الجملة سليمة. والأخطاء التى

زل فيها كانت شائعة من قبل بين أسلافه. (انظر Arabiya: J. Fuck ص 51 وما بعدها). وفى بعض مجموعات من قصائده كلمات أعجمية تتكرر كثيرًا جدًا (انظر مثلًا "دشت بيابان، الفاتح رقم 3775 ورقة 29، ففيها تركيب كامل لمضاف ومضاف إليه) وفى الجملة فقد أثرت الحضارة الفارسية تأثيرًا ملحوظًا فى شعره (انظر Gabrieli في oriente moderno, سنة 1953 م، ص 283) وكثيرًا ما نجده يشير إلى أبطال من التاريخ الفارسى، غير أن هذه لا تحمل فى الحق دلالة خاصة إذ كان العرب القدامي لهم الآخرون ذكر، ومن الصعب أن يسمى أبو نواس شاعرًا شعوبيا، فآثاره لا يستشف منها غير العناصر الثقافية للعصر العباسى التى انتشر فيها شيئًا فشيئًا أثر الطابع الإيراني. وكانت صورة أبى نواس فى خيال العالم العربى مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بتلك التى كانت لهارون الرشيد الذى يمثل بدوره أبهة الخلافة. وعلى هذا دخل فى ألف ليلة وليلة ولا يزال إلى اليوم الشخصية المحببة فى القصص الشعبى حيث يقوم فى الأكثر مقام مضحك البلاط (انظر zur herkunft der urform eij: A. Schaade niger Abu Nuwas Geschichten in 1001 Zeitschr. der Deutsch, Mor- في nacht genl Gesells, سنة 1934 م، ص 259 وما بعدها؛ الكاتب نفسه: - Wei teres zu Abu Nuwas in 1001 nacht فى Zeitschr. der Deutsch. Morgenl. Gesells سنة 1936 م، ص 602 وما بعدها؛ Abu Nwas in life and: W. H. Ingrams Legend، لندن سنة 1933 م، انظر Schaade: فى Orientalische Literaturzeitung، سنة 1935 م، ص 525 - 527). ولم يقم أبو نواس نفسه بجمع أشعاره، وعلى هذا ضاع الكثير منها من ناحية، وعلى الأخص قصائده التى كتبت فى مصر فإنها بقيت غير معروفة فى العراق (انظر مخطوط مكتبة الفاتح رقم 3773، ورقة رقم 4 ظهر)؛ ومن ناحية أخرى فقد عزى إليه باطلاً كثير من الأشعار ولاسيما فى الخمر وفى

اللواط. وديوانه موجود بتنقيحات عدة والتنقيحان الأكثر شهرة من هذه التنقيحات تعزيان إلى الصولى وحمزة الإصبهانى (انظر عن الأخير: - E. Mitt Mitteilungen des Sem- orien- في woch tal. sparacher, westasiat studien، سنة 1909 م، ص 156 وما بعدها) وعلى حين هدف الصولى إلى استبعاد الأشعار المزيفة كلها ورتب القصائد ضمن الأبواب القائمة بذاتها على نظام هجائى لا يختلف، فإن حمزة كان أقل بصرًا بالنقد حتى أن المرء لا يستطيع أن يعرف أبدًا إذا ما كانت القصيدة المشكوك فيها سوف لا يتضح آخر الأمر أنها صحيحة. وعلى هذا فإن ما جمع يكبر عن مجموع الصولى بما يقرب من ثلاث مرات، ويضم نحوًا من 1500 قصيدة فى 13000 بيت. هذا إلى ما أضافه إلى كثير من الأبيات من أخبار نفتقدها عند الصولى، كما أضاف إلى بعض الأبواب شرحًا؛ كما ضمنها أيضًا مجموعة ما يسمى رسالة الشآمى فى سرقات أبى نواس، وجّهت إليه من مُهلْهل بن يَمُوت. واعتمدت طبعة الوارت فى الخمريات تنقيحات الصولى، على حين أن طبعة القاهرة سنة 1898 م اتخذت أساسها حمزة. ونحن اليوم نملك لكلا التنقيحين مخطوطات، لاسيما فى إستانبول، أحسن من تلك التى كانت متاحة فى ذلك العهد لهذه الطبعات. المصادر: (1) الطبعات: diwan: W. Ahiwardt d Abu Nuws I, Die Wienlieder، كريسفالد سنة 1861 م؛ وقد طبعت على الحجر فى القاهرة سنة 1277 هـ؛ وطبعت فى بيروت سنة 1301 هـ؛ وطبعة إسكندر آصف، القاهرة سنة 1898 م، 1905 م؛ وطبعة محمود كامل فريد، القاهرة سنة 1932 م؛ وطبعة النَبْهانى، القاهرة سنة 1322 - 1323 هـ؛ وطبعة 1. ع. الغزالى، القاهرة سنة 1953 م. (2) حديقة الإيناس فى شعر أبي نواس، بومباى سنة 1312 هـ. (3) منصور عبد المتعالى: الفكاهة والائتناس فى مجون أبى نواس، القاهرة سنة 1316 هـ.

(4) الترجمات: Di-: A. Von Kremer wan des Abu Nuwas, des grossten lyrischen rischen Dichter der Araber، فينا سنة 1855 م. (5) مصادر فى سيرته: ابن قتيبة: كتاب الشعر، ص 501 - 552. (6) ابن المعتز: طبقات الشعراء المحدثين، سلسلة كب التذكارية، ص 87 - 99. (7) المرزبانى: الموشح، القاهرة سنة 1294 هـ، ص 263 - 289. (8) ابن الأنبارى: نزهة الألبّاء، ص 96 - 103 (9) الخطيب البغدادى: تاريخ بغداد، جـ 7، 436 - 449. (10) ابن خلكان، رقم 169. (11) كتاب محدثون كتبوا عنه: بروكلمان، جـ 1، ص 74 - 76، قسم 1، ص 114 - 118، 940؛ جـ 3، ص 1193. (12) الكاتب نفسه، المادة الأولى التى كتبها عن أبى نواس فى هذه الدائرة. (13) H. Ritter. فى. I. A .. (14) ابن منظور: أخبار أبى نواس، تاريخه، نوادره، شعره، مجونه، القاهرة سنة 1924 م. (15) أبو العباس مصطفى عمّار: أبو نواس، حياته وشعره، طبعة القاهرة، غير مؤرخه. (16) عمر فروخ: أبو نواس شاعر هارون الرشيد ومحمد الأمين، جـ 1، دراسة ونقد، بيروت سنة 1932 م. (17) عبد الرحمن صدقى: أبو نواس، القاهرة سنة 1942. (18) OB Abu NUWAS I: V. Rosen ego poesii فى pamiati Akademika v. R. R.OZENA موسكو لينينغراد، سنة 1947 م، ص 57 - 71. (19) Abu Nuwas poeta: F Gabrieli oriente Moderna abbaside، سنة 1953 م، ص 279 - 296.

أبو الهذيل

أبو الهذيل محمد بن الهُذَيْل العَبْدى العَّلاف: من أهم شيوخ المعتزلة، ولد عام 135 هـ (752 - 753 م) وأصله من البصرة، وكان مولى لقبيلة عبد القيس، رحل إلى بغداد، ودرس فيها على أحد تلاميذ واصل بن عطاء. واشتهر كثيرًا بحسن الجدل والمناظرة. ويروى المسعودى (المروج، ياريس، ب 8، ص 301) أنه لما عاد إلى بغداد عام 204 هـ استدعاه المأمون إلى بلاطه، كما استدعى النَّظَّام وهو أحد المعتزلة المشهورين، ليناظرا أنصار مذهبهما أو خصومه. وذكر الشهرستانى (طبعة كيورتن، ص 141) مناظرات أخرى جرت بينه وبين هشام ابن الحكم الذى كان يأخذ ببعض آراء المشبهة فى مسألة "الله". وكثيرًا ما يذكر أن أبا الهذيل توفى عام 335 هـ (849 - 850 م) وهذا مما يجعلنا نقول إنه عاش مائة عام هجرى. مع أن أبا المحاسن (طبعة كوينبول وغيره، جـ 1، ص 711) اعتمد على رواية للذهبى فذكر أن وفاة هذا المتكلم كانت فى ذلك التاريخ، إلا أنه تعرض فى موضع آخر فى شئ من التفصيل لأبى الهذيل (الكتاب المذكورص 671) فقرر أنه توفى عام 226 هـ (480 - 481 م)، ويظهر أنه ينبغى أن نرجح القول الأخير. ولم تصل إلينا مصنفات أبي الهذيل، ولكننا نعرف طرفا من آرائه مما ذكره الشهرستانى والإيجى. ويقرر الشهرستانى أنه خالف تعاليم المعتزلة فى عشر مسائل، تتصل بالإلهيات والاستطاعة والأخلاق. ففى الإلهيات أثبت أبو الهذيل لله صفات مخالفًا بذلك رأى المعتزلة الذين أنكروها، ولكنه جعلها عين ذات الله: فالله عالم بعلم وعلمه ذاته، قادر بقدرة وقدرته ذاته إلخ. . . وعلى هذا فإن الصفات تكون من لوازم الذات الإلهية. ويشبهها الشهرستانى بالأقانيم المعروفة فى لاهوت النصارى، وهو تشبيه يعسر علينا فهمه، اللهم إلا إذا تذكرنا الطريقة التى جرت عليها الأدرية فى تشخيص الصفات. أما فيما يختص بمسألة إرادة الله فقد فرق أبو الهذيل بين الإرادة والشئ المراد، وفرق فوق

ذلك بين الإرادة الخالقة والإرادة المُشَرِّعة. فإرادة الخلق هى الخلق فى ذاته، وهذه الإرادة التى تتميز عن الشئ المخلوق ليست فى مكان. وكان أبو الهذيل أول من أحدث هذه المقالة وتابعه عليها المعتزلة لتوهم. وذهب فى تقسيم "كلام" البارى عين ما ذهب إليه فى تقسيم الإرادة: فكلمة الخلق يعبر عنها بقول "كن" وهى عين الخلق وليس لها مكان تحل فيه، والكلمة المشرعة التى تشتمل على السنن والنواهى والوحى تحل فى محل حلولاً بالعَرَض. أما فى مسألة القدر فقد اعتقد أبو الهذيل بطبيعة الحال بالإرادة الحرة، شأن المعتزلة جميعًا، ولكنه خالفهم فقط فى أن أفعال الإنسان فى الآخرة كلها جبرية. فالحركات فى الآخرة كلها ضرورية خلقها الله. إذ لو لم تكن كذلك لاحتاج الأمر إلى التكليف. وفوق ذلك فإن هذا المتكلم ذهب إلى أن الحركات فى العالم الآخر سوف تنقطع وأن العباد سيصيرون إلى سكون دائم، يرى البعض فيه لذة لهم ويرى البعض الآخر فيه آلامًا. وهذا الرأى لا يقوم على أساس دينى وإنما يستند إلى أصل منطقى، وهو أن أبا الهذيل لم ير أنه يمكن أن تكون هناك حركة بدون بداية أو نهاية. أما فيما يتعلق بفترة الحياة فقد ذهب إلى مذهب معتدل فى القضاء والقدر: فالإنسان لا يموت إلا إذا حان أجله ولو كان موته نتيجة حادث مفاجئ. أما فى الأخلاق فقد تعرض أبو الهذيل لبحث المسألة الناجمة عن مسئولية الإنسان الخلقية ومعرفة اللحظة التى يوجد فيها الفعل، فهو لا يعترف إلا بالفعل التام الحدوث، فحال "يفعل" عنده غير حال "فعل". هذا فيما يتعلق بأفعال الجوارح، والأمر كذلك فى أفعال القلوب: فالرغبة أو الإرادة لا توجد تامة ما دامت تنقص الجوارح القدرة على تنفيذها. وهناك فكرة أخلاقية أخرى يمكننا أن نسميها بالقانون الطبيعى، فهذا المتكلم يذهب إلى أن الإنسان القادر على التفكير الذى عاش قبل نزول الوحى تجب عليه معرفة الله وبعض الشئ عن المسائل الخلقية، وذلك بالدليل النظرى، فإذا

أخفق فى الوصول إلى هذه المعرفة استوجب العقوبة أبدًا. والمعتزلة يشاركونه إلى حد كبير هذا الرأى. المصادر: (1) الشهرستانى، طبعة كيورتن، ص 34 - 37) (Haarbrucker، جـ 1، ص 48 - 53). (2) Die Mutazilliten oder: H. Steiner die Freidenker im Islam، لييسك سنة 1865 م. (3) The History of phi-: de Boer losophy in Islam لندن سنة 1903 م. (4) Avicenne: Carra de Vaux باريس سنة 1900 م. (5) Statio quinta et sexta oppendix libri Mevakif, auctore Adhod ed- Din el- lgi، ليبسك سنة 1848 م. (6) كتاب المواقف، الأستانة 1239 هـ. (7) al- Mu tazilah: T. W. Arnold لييسك سنة 1902 م. + أبو الهذيل العلّاف، محمد بن الهذيل بن عبيد الله بن مَكحول، ونسبته العَبْدى لأنه كان مولى لعبد القيس: أول متكلم معتزلى، ولد فى البصرة حيث كان يقيم فى حى العلافين، ومن هنا نسب إليهم: وتاريخ مولده مشكوك فيه؛ فيقال إنه سنة 135 هـ (752 - 753 م) أو سنة 134 هـ (751 - 752 م) بل يقال سنة 131 هـ (748 - 749 م). وفى سنة 203 هـ (818 - 819 م) أقام ببغداد، وتوفى فى سن عالية بسامراء سنة 226 هـ (840 - 841 م)؛ وتذهب رواية إلى أن وفاته كانت فى أيام الواثق (227 - 332 هـ = 842 - 847 م) وتذهب أخرى إلى أنها كانت سنة 235 هـ (849 - 850 م) فى أيام المتوكّل. وقد كان تلميذًا غير مباشر لواصل بن عطاء، إذ درس على صاحب لواصل هو عثمان الطويل، وكان إلى ذلك أديبًا مثل واصل. وقد أشادوا خاصة بعلمه الواسع بالشعر، ورويت عنه بعض الأحاديث.

وكان علم الكلام الذى ورثه عن مدرسة واصل لا يزال بعدُ أوليَّا، يقوم فى جوهره على الجدل ومن ثم فإن هذا العلم عارض بطريقة غير منهجية فيما يظهر: حَشَوية العامة من المسلمين والمحدّثين، ومذهب الجبر الذى كان يؤيده الأمويون لأسباب سياسية، وتأليه على الذى كان يدعو إليه غلاوة الشيعة. ومضى أبو الهذيل فى هذا الجدل، وكان فى الوقت نفسه أول من خاض المناظرات التى قامت فى عصره، وكان مستعدًا لذلك استعداد، فائقًا بفضل عقله الفلسفى ورجاحة تفكيره وفصاحته، حتى لقد أصبح المدافع عن الإسلام ضد الأديان الأخرى وضد التيارات الفكرية الكبيرة للعصر السابق له، ألا وهى الثنوية، التى كان يمثلها الزرادشتية؛ والمانوية؛ وغيرهم من الغنوصية؛ والفلاسفة الذين استوحوا الإغريق، والدهرية الذين كان يمثلهم بخاصة أنصار العلوم الطبيعية؛ ثم أخير، المسلمين المتزايدى العدد الذين تأثروا بهذه الأفكار الدخيلة: وهم الشعراء الذين كانوا يبطنون المانوية مثل صالح ابن عبد القدوس، والمتكلمون المحدثون الذين كانوا قد اعتنقوا بعض المذاهب الغنوصية والفلسفية، وغيرهم. والظاهر أن أبا الهذيل لم يبدأ فى دراسة الفلسفة إلا عندما أدرك سن النضوج، ففى حجه (ولا يعرف متى حج) لقى بمكة المتكلم الشيعى هشام بن الحكم وناقشه فى آرائه الحشوية التى يبدو فيها أثر الغنوصية. وعندئذ فقط بدأ يدرس كتب الدهرية. وقد لاحظ المؤرخون المتأخرون بعض وجوه الشبه بين مذهبه فى صفات الله وفلسفة أمباذقليس المزيَّف التى وضعها الأفلاطونيون المحدثون والفلاسفة الطبيعيون فى أواخر الزمن القديم. والواقع أن مصادره الفلسفية كانت من ذلك النوع الذى تمثله بصفة عامة أرسطيّة القرون الوسطى. وقد اجتذبه هؤلاء الفلاسفة كما نفّروه، وكان وهو يدافعهم قد اصطنع مناهجهم وطريقتهم فى النظر إلى المسائل. كان مفكر، فطريًا لا سلطان لتقليد عليه فعرض للمسائل النظرية بإقدام جعله لا يتردد حتى فى بحث المحال، وهذا هو السر فى كل ما يتصف

به مذهبه الكلامى من عدم النضوج والافتقار إلى التوازن، وما تتميز به أيضًا محاولاته من جدة. فقد كان أول من أثار كثيرًا من المسائل الأساسية التى كان على جميع المعتزلة المتأخرين أن يكابدوها. وقد بلغت وحدانية الله وروحانيته وتنزهه فى مذهب أبى الهذيل الكلامى أقصى درجة من التجريد، فالله واحد لايشبه بأى وجه مخلوقاته، وهو ليس بجسم (بخلاف قول هشام بن الحكم) وليست له هيئة ولا صورة ولا حد. والله عالم بعلم، قادر بقدرة، حى بحياة، قديم بقدم، بصير ببصر. . . إلخ (بخلاف الشيعة الذين يقولون إن الله هو العلم إلخ)، ولكن علمه وقدرته. . إلخ هى ذاته (بخلاف المذهب الكلامى الذى عليه الناس والذى يقول إن الصفات الإلهية أشياء خارجة عن الذات)، وهذه صيغ قصد بها التوفيق لم ترض عنها الأجيال المتأخرة. والله موجود فى كل مكان بمعنى أنه يدبر كل شئ وتدبيره نافذ فى كل مكان، وهو لا يرى، وسيراه المؤمنون بقلوبهم فى العالم الآخر. وعلم الله لا نهاية له فيما يخص علمه ذاته، أما علمه بخلقه فمحدود بحدود خلقه وخلقه له كلٌ ينتهى إليه، (وإذا لم يكن ينتهى لما كان له كل)، وينطبق هذا على القدرة الإلهية. وقد جهد أبو الهذيل فى أن يوفق بين قول القرآن بالخلق من العدم ومذهب أرسطو فى الكون الذى يقول إن العالم بعد أن حركه الله قديم لأن الحركة قديمة قدم المحرك الأول نفسه. ومع تسليمه بأن الحركة هى مبدأ الكون فإنه يصرح بأن الكون خلق على نحو ما بيّن القرآن، ومن ثم فإن الحركة أيضًا ستبلغ نهايتها وتنقطع، وهذه النهاية جعلها الله فى العالم الآخر بعد اليوم الآخر، وإذ تنقطع الحركة تصير الجنة والنار إلى سكون دائم خمودا، وتجتمع اللذات فى ذلك السكون لأهل الجنة وتجتمع الآلام فى ذلك السكون لأهل النار. وهذا المذهب العجيب الذى تقول الرواية إن أبا الهذيل نفسه أنكره، قد أجمع على رفضه كل المتكلمين المسلمين معتزلة وغير معتزلة، ولم تخف عليهم العواقب الخطيرة التى تترتب على أقواله فى علم الله الكلى

وقدرته الكلية. وفيما يخص أفعال الله فإن أبا الهذيل يقول إن الله قادر على الشر والجور ولكنه لا يفعلهما لرحمته وحكمته. والله يسع أفعال الإنسان الشريرة ولكن ليس هو فاعلها. فالإنسان قادر على اقترافها وهو مسؤول عنها، بل هو مسؤول أيضًا عن عواقب أفعاله التى تحدث على غير إرادته. (نظرية التولد التى كان أبو الهذيل أول من قال بها). فالكائن المسؤول هو الإنسان على إطلاقه روحًا وجسدًا. وأبو الهذيل هو الذى استحدث فى أنظار المعتزلة فكرة "أعراض" الأجسام وفكرة الجوهر؛ وهاتان الفكرتان اللتان كان لهما فى الأصل مدلول مادى خالص قد جعلهما أبو الهذيل أساسًا لعلم الكلام الحق وعلم الكون وعلم الإنسان Anthropologie وعلم الأخلاق. وهذا أكثر ما استحدث أصالة وأشده خطورة، إذ هو الذى صبغ المذهب المعتزلى بصبغته الميكانيكية، فالحياة والنفس والروح والحواس الخمس كلها أعراض، ومن ثم فهى لا تدوم، بل إن الروح نفسها لا تدوم. وأفعال الإنسان يمكن أن تقسم إلى حالين وكلا الحالين حركة، وقال بتقديم الأولى فيفعل بها فى الحال الأولى وإن لم يوجد الفعل إلا فى الحال الثانية، فحال "يفعل" غير حال "فعلت"، فالعبرة إذن بالفعل الذى يحدث. والفعل الإلهى يفسر بمذهب الأعراض: فكل فعله فى العالم هو خلق سلسلة لا تنتهى من أعراض تحل فى الأجسام. على أن بعض الأعراض ليست فى مكان ولا فى جسد مثل الزمان والإرادة الإلهية. وهذه الإرادة هى عين كلمة "كن" التى تتعلق بالخلق الأبدى، وهى تتميز عن "المُراد" وعن "الأمر" الإلهى الذى يستطيع الإنسان أن يطيعه أو يخالفه (على حين أن سلطان كلمة الخلق "كن" مطلق: "كن فيكون" سورة البقرة، الآية 117). وأولئك الذين لم يعرفوا ما نزل به القرآن وعملوا عملاً صالحًا أوصى به القرآن فقد أطاعوا الله دون أن تنعقد نيتهم على ذلك (المذهب القائل "طاعة لا يراد الله بها" وقد نسب فى غير ذلك من مصادر إلى الخوارج).

والقرآن عرضٌ خلقه الله، ومن حيث أنه مكتوب يتلى أو يحفظ فهو موجود فى أماكن مختلفة فى وقت واحد. وفى مسألة "المنزلة بين المنزلتين" فإن أبا الهذيل قد اتخذ موقفًا يتفق والحالة السياسية فى عصره، فلم ينكر أحدًا من المقاتلين فى صف على ولكنه فضَّل عليا على عثمان. وقد نال الحظوة لدى المأمون فدعاه إلى بلاطه ليشارك فى المناظرات الكلامية. أما مؤلفات أبى الهذيل فقد ضاعت كلها. وكان لأبى الهذيل أثناء حياته الطويلة سلطان عظيم فى تطور علم الكلام، وقد جمع حوله عددًا كبيرًا من المريدين من مختلف الأجيال، أشهرهم النظّام وإن كان قد تشاحن مع شيخه لسبب أنظاره الهدامة فى الجوهر الفرد. وأدانه أبو الهذيل وكتب عدة رسائل فى حقه. ونذكر من مريدى أبى الهذيل أيضًا يحيى بن بشر الأرجانى والشحّام وغيرهما. وظلت مدرسته قائمة مدة طويلة، بل إن الجُبّائى قد اعترف بعدُ بفضل مذهب أبى الهذيل فى علم الكلام بالرغم من المسائل العديدة التى كان يختلف فيها معه. ومن المؤسف أن مذهب أبى الهذيل فى الكلام قد تعرض لحقد مرتد عن الاعتزال هو ابن الراوَنْدى المشهور الذى شوه هذا المذهب فى كتابه "فضيحة المعتزلة"، وذلك بنقده فى كثير من الأحيان نقدًا رخيصًا غاية الرخص. وقد نقل هذا التشويه على علاته البغدادى فى كتابه "الفرق بين الفرق"، كما نجده يتردد كثيرًا فى المختصرات التى كتبت عن المعتزلة. ونحن لا نستطيع أن نكشف القناع عن فعلة ابن الراوندى وأن نخرج بفكرة دقيقة عن المقاصد الحقيقية لمذهب أبى الهذيل إلا إذا استعنّا بكتاب "الانتصار" الذى ألفه الخيّاط وسل فيه سيف الثقد الصارم على ابن الرواندى وقد نقل الأشعرى فى "مقالات الإسلاميين" أقواله فى حيدة جديرة بالإعجاب وفقًا للمأثور من مذهب المعتزلة. أما الشهرستانى فقد أقام عرضه على المأثور المتأخر لمذهب المعتزلة، معتمدًا فيما يظهر على الكَعْبى خاصة.

المصادر: (1) الخطيب البغدادى: تاريخ بغداد، جـ 3، ص 366 - 370. (2) المسعودى: مروج الذهب، الفهرس. (3) ابن خلكان، رقم 617. (4) ابن المرتضى (The: T. W Arnold Mu tazila)، الفهرس (5) ابن قتيبة: تأويل مختلف الحديث، القاهرة سنة 1326 هـ، ص 53 - 55. (6) الخيّاط: الانتصار، طبعة نيبرج، الفهرس. (7) الأشعرى: مقالات الإسلاميين، طبعة ريتر Ritter، الفهرس. (8) البغدادى: الفرق بين الفرق، الفهرس. (9) ابن حَزْم: الفِصَل، جـ 2، ص 193، 487؛ جـ 4، ص 83 وما بعدها، 192 وما بعدها إلخ. (10) المُطَهّر المقدسى: البدء والتاريخ، طبعة إيوار Huart، فهرس الترجمة. (11) الشهرستانى: كتاب المِلَل والنِحَل، طبعة كيورتن، ص 34 - 37. (12) صاعد الأندلسى: طبقات الأمم، طبعة شيخو، بيروت سنة 1912 م، ص 21. (13) المقريزى: الخطط، جـ 2، ص 346. (14) Beirtrage zur is-: S Pines lamischen Atomlehre، برلين سنة 1936 م [وقد ترجمه إلى العربية الدكتور محمد عبد الهادى أبو ريدة بعنوان: "مذهب الذرة عند المسلمين وعلاقته بمذاهب اليونان والهنود، القاهرة سنة 1946 م]. (15) Muslim Theol-: A. S Tritton ogy، لندن سنة 1947 م. (16) L. Garder et. M. M Anawati: introduction a la theologie Musulmane، ياريس سنة 1948 م [وقد ترجمه إلى العربية الدكتور فريد جبر والشيخ الدكتور صبحى صالح بعنوان "فلسفة الفكر الدينى بين الإسلام والمسيحية"،

أبو هريرة

بيروت، دار العلم للملايين، فى ثلاثة أجزاء، سنة 1967 - 1969 م). (17) ا. ن. نادر: فلسفة المعتزلة، الإسكندرية سنة 1950 - 1951 م. الأب قنوانى [نيبرج H. S. Nyberg] أبو هريرة من عشيرة سُلَيمْ بن فَهْم، من قبيلة أزْد إحدى قبائل العرب الجنوبية، وهو أحد صحابة الرسول المتحمسين لإذاعة أقواله وأفعاله، ويعرف عادة بكنيته "أبى هُرَيْرَة"، وقد وصلت إلينا جميع الروايات المتعلقة باسمه الحقيقى فى الجاهلية والإسلام وهى تختلف فيما بينها اختلافًا شديدًا. ففى أوثق الروايات يتردد اسمه بين عبد الرحمن بن صخر (انظر النَوَوى، طبعة فستنفلد، ص 770) وعُمَيْر بن عامر (ابن دريد: كتاب الاشتقاق ص 295): ويقال إنه كنى بأبى هريرة لحدبه على الهررة. وقد قدم إلى المدينة فى أيام غزوة خيبر عام 7 هـ (629 م) فاتصل بالنبى - صلى الله عليه وسلم - ولزمه منذ ذاك، ويقال إنه كان يعيش أول أمره من عمل يده. وقد شجعته ملازمته للنبى - صلى الله عليه وسلم - على أن يروى عنه بعد وفاته من الأحاديث أكثر مما رواه غيره من الصحابة. وتقدر الأحاديث التى تضاف إليه بخمسمائة وثلاثة آلاف حديث، لاريب أن عددًا كبيرًا منها قد نُحل له. ونجد بين الذين رووا عن أبى هريرة كثيرًا من أكابر الإسلام فى عهده الأول. وقد اختلق الناس قصة تبرر اعتقادهم بعصمة ذاكرته عن الوقوع فى الخطأ، تلك الذاكرة التى استطاع أن يستوعب بها عددًا عظيمًا من الأحاديث، فقالوا إن النبى - صلى الله عليه وسلم - لفه بيده فى بردة بسطت بينهما أثناء حديثهما وبذلك ضمن أبو هريرة لنفسه ذاكرة تحفظ كل ما سمع؛ وتروى هذه القصة أيضا دليلًا على صداقته الوثيقة للنبى - صلى الله عليه وسلم -. وقد استعمله عمر على البحرين اعترافًا منه بفضله فى إذاعة الأحاديث. ولما عزل من هذا المنصب وأراده الخليفة على العمل ثانية، أبى وآثر أن يعيش فى المدينة كما يعيش عامة الناس. ومن المستبعد أن مروان الذى كان يقدره من نواح عدة استعمل هذا الشيخ على المدينة. وتوفى أبو

هريرة عام 57 أو 58 هـ (676 - 678 م) بالغًا من العمر 78 عامًا. وتظهرنا طريقة روايته للأحاديث التى ضمنها أقل الأشياء شأنًا بأسلوب مؤثر على ما امتاز به من روح المزاح، الأمر الذى كان سببا فى ظهور كثيرا من القصص (ابن قتيبة، طبعة فستنفلد، ص 142). ويظهر أن علمه الواسع بالأحاديث التى كانت تحضره دائمًا (تشغل الأحاديث التى رواها أبو هريرة أكثر من 213 صحيفة فى "مسند" ابن حنبل: جـ 2، ص 228 - 541) قد أثار الشك فى نفوس الذين أخذوا عنه مباشرة، والذين لم يترددوا فى التعبير عن شكوكهم بأسلوب ساخر (انظر أيضًا البخارى: فضائل الأصحاب، رقم 11). وقد اضطر أحيانًا إلى أن يدفع عن نفسه تقوّل الناس. وقد وصفه شيرنكر بأنه "المتطرف فى الاختلاق ورعًا (¬1) ". ويجب أن نلاحظ أيضًا أن كثيرًا من الأحاديث التى تنسبها الروايات إليه إنما قد نحلت له فى عصر متأخر. المصادر: (1) مسلم: صحيح، جـ 5، ص 202 (ليس فى كتابى البخارى والترمذى شئ خاص عن فضائل أبى هريرة). (2) ابن الأثير: أسد الغابة جـ 5، ص 315. (3) Das Leben und die: Sprenger Lehre des Mohammad، جـ 3، ص 83. (4) Abh zur arab, philol.: Golziher جـ 1، ص 49. (5) الكاتب نفسه فى. Zeitschr. d Deutsch Morgenl. Gesells المجلد 50، ص 487. (6) Mohammad: D. S Margoliouth ص 352. [كولدتسيهر Goldziher] + أبو هريرة الدوْسى اليمانى: صحابى كان اسمه عبد شمس فلما أسلم سمى عبد الرحمن؛ وقد اجتمع فى اسمه عدة أقوال؛ وكُنى أبا هريرة لأنه كان يلعب بهرة صغيرة وهو يرعى غنم أهله. ولما قدم المدينة كان النبى (صلى ¬

_ (¬1) يريد أنه كان يختلق الأحاديث بدافع الورع لا بدافع الكذب،

الله عليه وسلم) فى غزوة خيبر سنة 6 هـ (629 م). وأسلم أبو هريرة ولزم النبى - صلى الله عليه وسلم - على شبع بطنه، وكان من الفقراء الذين لقبوا بأهل الصُفَّة. وكان بارًا بأمه، وقد أقنعها بالإسلام. وأقامه عمر - رضى الله عنه- والياً على البحرين ولكنه أقاله واستصفى مالًا كثيرًا كان فى حوزته، ثم دعاه عمر إلى استئناف عمله فأبى. ويقال إن مروان أقامه نائبًا له عندما غاب عن المدينة، على أن ثمة رواية أخرى تزعم أن معاوية هو الذى أنابه. وقد اشتهر أبو هريرة بالتقوى وحب المزاح. ويقال إنه توفى سنة 57 أو 58 أو 59 هـ، فإذا صدق أنه صلى على عائشة عند وفاتها سنة 58 هـ لوجب أن تكون وفاته سنة 58 هـ (678 م) أو سنة 59 هـ وقد بلغ الثامنة والسبعين. وأسلم أبو هريرة قبل وفاة النبى - صلى الله عليه وسلم - بأقل من أربع سنوات، ومع ذلك فإنه أكثر من الحديث عن النبى - صلى الله عليه وسلم - حتى لقد قدرت الأحاديث التى رواها بخمسمائة وثلاثة آلاف حديث. وقد شمل مسند أحمد بن حنبل 213 صحيفة من الأحاديث التى رواها (المسند، جـ 2، ص 228 - 541). وروى الحديث عن أبى هريرة 800 محدث أو أكثر. وثمة رواية -تروى باختلافات يسيرة- وتفسر كيف كان أبو هريرة يكثر الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يقول أبو هريرة إن الآخرين كان يشغلهم القيام على أموالهم، أما هو فقد لزم النبى - صلى الله عليه وسلم - وسمع منه أكثر مما سمعوا، وإن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال له أن يبسط رداءه فبسطه ثم قال له أن يضمه إلى صدره فضمه فما نسى حديثًا بعد. وقد اضطر أبو هريرة إلى الدفاع عن نفسه حيال الشكوك التى ساورت الناس حول الأحاديث التى رواها. ومن المستحيل أن نتثبت: هل وقع هذا الأمر فعلا أم أنه اخترع للتغلب على الشكوك التى ساورت الناس من بعد فى الأحاديث التى رواها. والأحاديث المنسوبة إليه فيها مادة لا يمكن أن تكون صحيحة، ولكن يصعب علينا أن نقر ما نعته به شيرنكر بقوله: إنه

المنافق الورع من الطراز الأول، لأن الأحاديث التى رفعت إليه ليست كلها بالضرورة من روايته؛ فقد لا يكون أبوهريرة أكثر من سند موات نسبت إليه أحاديث وضعت فى زمن متأخر عنه. والمظنون أن أبا هريرة روى أخبارًا كثيرة عن النبى - صلى الله عليه وسلم -، على أن الصحيح منها قد يكون عددًا صغيرًا من ذلك الحشد الهائل من الأحاديث التى رفعت إليه. وقد ظهر كثير من الأحاديث التى رويت عنه فى صحيحى البخارى ومسلم. المصادر: (1) ابن قتيبة: المعارف، ص 141. (2) الكاتب نفسه: عيون الأخبار، جـ 1، ص 53. (3) الدولابى: الكنى والأسماء، حيدر آباد سنة 1322 - 1323 هـ، جـ 1، ص 11. (4) ابن عبد البر: الاستيعاب، حيدر آباد سنة 1336 هـ، ص 697. (4) ابن الأثير: أسد الغابة، جـ 5، ص 315 - 317. (6) النووى: تهذيب الأسماء، طبعة فستنفلد، ص 760. (7) الذهبى: تذكرة الحفاظ، جـ 1، ص 31 - 35. (8) ابن حجر: الإصابة، القاهرة سنة 1358 هـ = جـ 4، ص 200 - 208. (9) تهذيب التهذيب، جـ 12، ص 262 - 267. (10) V Handbook: Wen sinck . (11) Das Leben and: A Sprenger dis Lehre des Muhammed. جـ 3، ص 83 - 95. (12) Mohammed: D. S. Margoliouth ص 352. (13) der Deutsch. (Y e Zeitschr .Morgenl. Ceslls، سنة 1895 م، 487. (14) أما "الصحيفة" المنسوبة إلى همام بن منبه والتى تشمل أحاديث منقولة عن شيخه أبى هريرة فقد نشرها م. حميد الله فى مجلة المجمع العلمى العربى بدمشق، سنة 1953 م، ص 96 وما بعدها. خورشيد [روبسون J. Robson]

أبو يزيد البسطامى

أبو يزيد البسطامى (بايزيد) طَيفْور بن عيسى بن سروشان البسطْامى: من أشهر الصوفية المسلَمين، قضى حياته فى بسْطام من أعمال قومس فيما عدا فَترات قصيرة اضطر فيها إلى العيش بعيدًا عن بلده لعداوة المتكلمين من أهل السنَّة له؛ وتوفى فى بسطام سنة 261 هـ (874 م) أو سنة 264 هـ (877 - 878 م)، وقد ذاع أن ألْجايتو محمد خدُابَنْدَة الإخشيدى بنى ضريحا فوق قبره سنة 713 هـ (1313 م). ولم يكتب أبو يزيد شيئًا، على أنه قد انتهى إلينا نحو خمسمائة قول من أقواله، بعضها جريء كل الجرأة يستشف منه أن الصوفى بلغ بالمجاهدة حالة الفناء فى الله فأصبح "عين الجمع". وقد جمع هذه الأقوال ورواها أهل حضرته وزواره وخاصة مريده وتابعه أبو موسى (الأول) عيسى بن آدم أكبر أبناء أخيه آدم، وقد تلقى عنه الصوفى البغدادى الشهير الجنيد أقوالا من هذا القبيل باللغة الفارسية وترجمها إلى العربية (كتاب النور، ص 108، 109، 122). وأهم من أخذ عن أبى موسى هو ابنه موسى بن عيسى الملقب "عَمّى" وعنه نقل مأثوره طيفورٌ الأصغر بن عيسى الذى لا نتبين بوضوح موضعه من شجرة نسب الأسرة، وغيره من الرواة، ويجب أن نذكر بخاصة من بين زوار أبى يزيد الذين دونوا أقواله أبا موسى (الثانى) الدبَيلى، وهو من دبيل بأرمينية (انظر كتاب النور، ص 55) وأبا إسحق إبراهيم الهروى المعروف بـ "إستنبه" وهو تلميذ إبراهيم بن أدهم (حلية الأولياء، ج 10، ص 43 - 44)، والصوفى المشهور أحمد بن خدرويه الذى زاره فى الحج. وكان أبو يزيد صديقًا لذى النون المصرى، وقد كتب الجنيد شرحًا لأقواله بقيت أجزاء منه فى كتاب "اللمع" للسراج. وأكمل مصدر لحياة أبى يزيد وأقواله هو"كتاب النور فى كلمات أبى يزيد طيفور" لأبى الفضل محمد بن على بن أحمد بن الحسين بن سهل السهلجى البسطامى المولود سنة 389 هـ (998 - 899 م) والمتوفى سنة

476 هـ (1084؛ وقد نشر هذا الكتاب فى طبعة غير موفقه كل التوفيق عبد الرحمن بدوى: شطحات الصوفية، القاهرة سنة 1949 م، جـ 1)، ومن أهم أسانيد السهلجى: أبو عبد الله محمد بن عبد الله الشيرازى بن بابويه الكاتب المشهور لسيرة الحلاج الذى توفى سنة 442 هـ (1050 م) والذى لقيه السهلجى سنة 419 أو 416 هـ (كتاب النور، ص 138)؛ وشيخ المشايخ أبو عبد الله محمد بن على الداستانى (الهجويرى: كشف المحجوب، الفصل 12)، أما كتاب "القصد إلى الله" المنحول للجنيد فيشمل تنميقًا لقصة "معراج" أبي، يزيد (An: R. A .Nicholson of Early Arabic Uersion Of the Miadraj s Abu Yazid al- Bistam . في Islamica سنة 1926 م، ص 402 - 415) وكان شيخ أبي يزيد فى التصوف صوفيًا جاهلا باللغة العربية اسمه أبو على السندى، لم يجد أبو يزيد بدًا من أن يلقنه من آيات القرآن ما يقيم به فرضه، وجازاه السندى على ذلك بإرشاده إلى التوحيد، ولا نستبعد كل الاستبعاد أن تكون بعض مؤثرات هندية قد أثرت فى أبى يزيد عن طريق شيخه هذا. وقد كان أبو يزيد -على خلاف المتصوفين المتأخرين أبى إسحق الكازرونى وأبى سعيد بن أبى الخير- منطويًا على نفسه كل الانطواء، فلم يقم مثلهم بخدمة الفقراء، ولكنه كان مستعدًا لأن يخلص الناس من النار بأن يتحمل من أجلهم العذاب، بل لقد مضى إلى حد أن يجد من الأقوال ما ينقد عذاب جهنم الذى أعد لمن حلت بهم النقمة وهم ليسوا آخر الأمر إلا قبضة من تراب. وكان شعوره بجلال الله يملأ شعاب نفسه مقترنًا بشعور من الخشوع والخشية لله حتى ليحس فى حضرته بأنه زنديق يكاد يهم بإلقاء زنار المجوس، وكان شوقه ينصرف إلى مجاهدة نفسه مجاهدة دائبة (أو على حد تعبيره "أنا حداد نفسى) حتى يحررها من جميع الحجب التى تحول بينه وبين الوصول إلى الله. وهو يصف هذه المجاهدة وصفا ممتعًا جدًا

يكشف فيه عن نفسه بأقوال فيها تشبيهات غاية فى العظمة؛ فالدنيا، والزهد، والعبادات، والكرامات، والذكر، بل المقامات، ليست فى نظره غير حجب تحجبه عن الله، وحين خرج آخر الأمر من إنسيته بالفناء كما تنسلخ الحية من جلدها، بلغ المقام المطلوب وعبر عن هذا التغير فى وعيه بنفسه بتلك الشطحات المشهورة التى أثارت ثائرة معاصريه وصدمت مشاعرهم: "سبحانى ما أعظم شأنى" "طاعتك يارب أعظم من طاعتى لك" "أنا العرش والكرسى" "أنا اللوح المحفوظ" "كنت اطوف حول البيت أطلبه فلما وصلت إليه وجدت البيت يطوف حولى" وفى تفكره حلق بقفزات في العالم العلوى غير المحسوس، فأخذ عليه أنه ادعى أنه عرج به إلى السماء كما هى الحال فى معراج النبى - صلى الله عليه وسلم -. وقد زينه الله أثناء هذه القفزات بوحدانيته، وألبسه إنّيته، ولكنه أمسك عن أن يظهر للناس وهو على هذه الحال؛ أو أنه طار بجناحى الديمومية فى فضاء اللاكيفية، ونزل على أرض الأزلية وراى شجرة الأحدية فتحقق أن هذا كله كان وهما أو أن نفسه كانت كل ذلك. . إلخ. وقد واجه فى كل هذه الأقوال على ما يظهر المشكلة القصوى فى كل تصوف. وثمة أسطورة متأخرة فى الزمن تجعله يحل فى يسر ألغازًا طرحت عليه فى دير للنصارى مما حدا بجميع سكان الدير إلى الدخول فى الإسلام: المصادر: (1) السراج: اللمع، طبعة نيكلسون، ص 380 - 393، والفهارس. (2) السُّلَمى: طبقت الصوفية، القاهرة سنة 1953 ام، ص 67 - 74. (3) أنصارى هروى: طبقات الصوفية، مخطوط نافذ باشا، رقم 425، في 138 - 41 ب. (4) جامي: نفحات الأنس، طبعة Nassau Lees، ص 62 وما بعدها. (5) أبو نعيم: حلية الأولياء، جـ 10، ص 33 - 42.

(6) القشيرى: الرسالة، القاهرة سنة 1318 م، ص 16 - 17. (7) الهجويرى: كشف المحجوب، الفصل 11، رقم 12 (8) عبد الرحمن بدوى: شطحات الصوفية 1، ، أبو زيد البسامى، القاهرة سنة 1949 م، ويشمل كتاب النور للسهلجى وما يقابله من نصوص فى مرآة الزمان لبسط بن الجوزى، ونفحات الأنس لجامى، وطبقات السلمى، والأسطورة الخاصة بالرهبان. (وقد تناول هذه الأسطورة A. A. J. Arbery Bistami Legend Society في Royal Asiatic سنة 1938 م، ص 89 - 191؛ وهذه الأسطورة توجد أيضًا فى مخطوط أيوب مهرشاه سلطان، ص 202، 443؛ وفاتح رقم 5334؛ وفاتح بالعربية رقم 5381). (9) روزبهان بقلى: شرح الشطحيات، مخطوط شهيد عالى بشا، رقم 1342، ص 14 ب - 26 ب. (10) ابن الجوزى: تلبيس إبليس، ص 364 وما بعدها. (11) العطار: تذكرة الأولياء، طبعة نيكلسون ص 134 وما بعدها. (12) ابن خلكان، طبعة بولاق سنة 1275 هـ، جـ 1، ص 339. (13) نور الله الششترى: مجالس المؤمنين، مجلس 6. (14) الخوانسارى: روضات الجنات، ص 338 - 341. (15) A. Nicholson Journal of: R. the Royal Asiatic Society فى سنة 1906 م، ص 325 وما بعدها. (16) Essai Mystique mu: Massignon sulmane ياريس سنة 1922 م، ص 243 - 256. (17) وتوجد صورة لقبره فى صنيع الدولة محمد حسن خان: مطلع الشمس، طهران سنة 1301 هـ، جـ 1، ص 69 - 70. (18) Die Kunst der is-: E. Diez lamischen Volker برلين سنة 1917 م، ص 69.

أتاتورك

أتاتورك (مصطفى كمال): مؤسس الجمهورية التركية وأول رؤسائها، ولد فى سلانيك سنة 1881 م، وتوفى باستانبول فى العاشر من نوفمبر سنة 1938 م. وفقد مصطفى أباه وهو بعد صغير جدًا، فأشرفت على أمر تعليمه أمه زبيدة هانم؛ وقد دخل المدرسة التجهيزية العسكرية بسلانيك، فأضاف أحد أساتذته اللقب "كمال" إلى اسمه. وفى سنة 1895 م دخل المدرسة العسكرية بمناستر، ثم التحق بمثيلتها فى استانبول سنة 1899 م، حيث بدأ يهتم بالحياة السياسية ويلعب دورًا فعالاً فى حركات المعارضة السرية التى أوجدها استبداد السلطان عبد الحميد. وحصل على إجازة الأكاديمية الحربية باستانبول سنة 1905 م فأرسل إلى دمشق برتبة نقيب حيث أقام جماعة "وطن وحريت" أى الوطن والحرية. ولما عاد من سلانيك لم يسهم فى نشاط حركة الاتحاد والترقى إلا من بعيد. واشترك فى الدفاع عن طرابلس عندما غزاها الايطاليون سنة 1911 - 1912 م؛ وعين ملحقًا عسكريًا ببلغاريا، وأبلى فى الحرب العظمى الأولى بلاءً حسنًا فى معارك الدردنيل (سنة 1915 م) وكذلك فى القتال الذى دار وهو قائد جيش فى القوقاز سنة 1916 م، وفى فلسطين سنة 1917 م، وزار ألمانيا زيارة قصيرة ثم عاد إلى قيادة الجيش السابع فى فلسطين الذى انسحب به إلى المنطقة التى تقع شمالى حلب حيث كان وقت هدنة مدروس (30 أكتوبر سنة 1918 م). ولم يوافق مصطفى كمال على الشروط الهمجية التى فرضتها هذه الهدنة واصطدم بالسلطان محمد السادس. واستدعى إلى استانبول حيث وضعت مشاعره الوطنية على محك الاختبار الشديد، ثم عين مفتشًا للجيش المرابط شمالى أرضروم (أرزن الروم) فى 30 أبريل سنة 1919 م. وفى التاسع عشر من مايو أرسى فى صامصون وقد استقر عزمه على القتال فى سبيل الاستقلال التام لتركية الذى كانت تهدده مؤامرات الحلفاء بالاعتماد على الجنود الذين ظلوا مخلصين له. وفى 22 يونية أصدر منشورًا من أماشية يدين به 435

حكومة السلطان والصدر الأعظم داماد فريد باشا. وأعلن فى المؤتمرين اللذين عقدهما فى أرضروم (23 يولية) وفى سيواس (4 سبتمبر) المطالبة باستقلال تركية ووحدتها. واستطاع أن يكتسب لقضيته عددًا من الشخصيات السياسية والعسكرية، فعقد أول اجتماع للمجلس الوطنى الكبير (بُويُوك ملَّتْ مجلسى) فى أنقرة، فانتخبه هذا المجلس رئيسًا للجمهورية، وبدأ الصراع مع حكومة استانبول ومع الحلفاء، وخاصة اليونانيين (1920 - 1922 م). وكان لدوره الحاسم فى الحملات التى شنت على اليونانيين الفضل فى منحه لقب غازى بمعرفة هذا المجلس. وقد أقرت هدنة مدانية التى عقدت فى 11 أكتوبر سنة 1922 م انتصار مصطفى كمال، وفى أول نوفمبر سنة 1922 م صوت المجلس الوطنى على إلغاء السلطنة. وأعطى مؤتمر لوزان (نوفمبر سنة 1922 م - يولية سنة 1923 م) الاستقلال التام لتركية كما عين حدودها الوطنية. وأعلن المجلس الوطنى الثانى فى 29 أكتوبر سنة 1923 م الجمهورية، وكانت أغلبية أعضاء هذا المجلس من حزب الشعب (خلق فرقه سى) الذى أسسه مصطفى كمال (أصبح من بعد حزب الشعب الجمهورى: جمهوريت خلق بارتيسى)؛ وانتخب هو رئيسا للجمهورية، وهو منصب كان يعاد انتخابه لتوليه حتى وفاته، وعين عصمت باشا (عصمت إينونو) رئيسًا للوزراء وأصبحت أنقرة عاصمة تركية. وصوت على إلغاء الخلافة فى الثالث من مارس سنة 1924 م. وقد تميزت السنوات الأولى للجمهورية التركية بتصميم مصطفى كمال العارم على صبغ البلاد بالصبغة الحديثة، وتحريرها من الوصاية الاقتصادية الأجنبية ووسمها بالسمة الدنيوية. واعتمد مصطفى على حزب واحد مخلص له كل الإخلاص ففرض دستورًا وضع فى الواقع كل السلطات فى يد رئيس الجمهورية (30 أبريل سنة 1924 م). وصبغ البلاد بالصبغة الدنيوية - بإبطال المحاكم الشرعية ومدارس القرآن وطرق الدراويش،

وتحريم لبس الطربوش، وإلغاء للك المادة من الدستور التى تعلن أن دين الدولة الرسمى هو الإسلام - قد اقترن بفتن محلية (كردستان وإقليم إزمير) وردود فعل فى بعض الدوائر السياسية، ولكن هذه الحركات سرعان ما أخمدت. ومضى صبغ البلاد بالصبغة الحديثة يسير جنبًا إلى جنب مع صبغها بالصبغة التركية، وذلك بتأميم الشركات الأجنبية وتنشيط الزراعة والصناعة، وإنشاء المصارف الوطنية، وتطوير وسائل المواصلات، وإصلاح الحروف الهجائية، ومنح المرأة حق التصويت وسن مجموعة من القوانين المدنية والجنائية والتجارية الجديدة. وكانت قرارات مصطفى كمال يصدق عليها المجلس الوطنى بلا معارضة، فينشرها فى أرجاء البلاد الممثلون المحليون لحزب الشعب وبيوت الشعب (خلق أولرى). وقد حرك ذلك الأمة بأسرها وتشبعت بالأفكار الجديدة. ثم صدر قانون فى نوفمبر سنة 1934 م يطلب من جميع المواطنين أن يستعملوا ألقاب أسرهم؛ وأطلق المجلس الوطنى لقب "أتاتورك" على مصطفى كمال. وفى ميدان السياسة الخارجية أظهر مصطفى كمال ميله إلى الإسلام، وإن كان قد عقد العزم على الدفاع عن استقلال البلاد؛ وعقد معاهدات صداقة أو تحالف مع الدول المجاورة والدول الكبرى. وأبرم اتفاقًا مع اليونان ورومانيا ويوغوسلافيا (اتفاق البلقان الودى) فى 9 فبراير سنة 1934 م. وقد امتد هذا الاتفاق شرقًا بفضل اتفاق سعد آباد (بين تركية والعراق وإيران وأفغانستان فى يولية سنة 1937 م). وتوفى مصطفى كمال فى 10 نوفمبر سنة 1938 م فى استانبول، وحزنت عليه الأمة بأسرها، فقد رأت فيه محرر البلاد ومجدد شبابها. وأقيم له ضريح مؤقت فى متحف السلالات البشرية بأنقره. وفى 10 نوفمبر سنة 1953 م نقلت رفاته فى احتفال مهيب إلى الضريح الرحيب الذى أقيم تكريمًا له فى قصبة البلاد. وكان مصطفى كمال رجلًا لا يحب بطبيعته أنصاف الحلول، يضيق

بالمعارضة ولا يعرف هوادة فى فرض مطالبه على نفسه وعلى الناس؛ وكان هدفه الوحيد تجديد بلاده والنهوض بها إلى مراقى العظمة. وكان يعارض السلطنة والإسلام فسعى دون رحمة إلى قمعهما لأنه كان يرى أنهما مسؤولان عن اضمحلال الإمبراطورية العثمانية. وقد أدى به حبه المشتعل لبلاده إلى الاشتداد فى معاملة الأقليات التى استقرت فى تركية طويلًا ومعاملة وجوه الأتراك الذين كانت جريرتهم أنهم لم يستجيبوا لكل أفكاره السياسية. على أن أتاتورك قد وسم نظام الحكم التركى الجديد بالطابع العميق لشخصيته. وما من مجال لخلفائه لأن يعاودوا النظر فى عمله اللهم إلا فى مسألة الدين وصبغ النظام بالصبغة الديموقراطية. المصادر: (1) يجد القارئ ثبتًا كاملًا بالمصادر التى تتناول أتاتورك فى إسلام أنسيكلوييدياسى، جـ 1، عدد 10, استانبول سنة 1949 م. (2) وثمة مراجع زيادة على ذلك: أتاتورك: نطق (1919 - 1927 م) مجلد 1, 2، استانبول سنة 1934 م؛ وثمة ترجمة إنكليزية لحديث أدلى به الغازى مصطفى كمال، ليبسك سنة 1929 م. (3) أتاتوركك صويله وديمجلرى (1919 - 1938 م) استانبول سنة 1945. (4) برهان جاهد: غازى مصطفى كمال، استانبول سنة 1930 م. (5) ضياء شاكر: أتاتوركك حياتى، إستانبول سنة 1938 م. (6) يعقوب قدرى قره عثمان أوغلى: أتاتورك، استانبول سنة 1946 م. (7) Souvenirs du Gazi: J. Deny Moustafa Kemal Pacha في Revue des etudes Islamiques سنة 1927 م, جـ 1 ص 119 - 136؛ جـ 2, ص 145 - 222. (8) Moustafa Kemal ou: P. Gentizon LOrient en marche، باريس سنة 1929 م.

الاثنا عشرية

(9) Mustapha Kemal: H.E. Worthmam of Turkey، نيويورك وبوسطن سنة 1930 م. (10) The Grey Wolf: H. Armstrong Mustafa Kemal. An Intimate study of a dictator، لندن سنة 1933 م؛ نيويورك سنة 1933 م. (11) Kemal Ataturk: H. Melzig، فرانكفورت على الماين سنة 1937 م. (12) أنور ضيا قارال: تورك إنقلابنك ماهيتى وأونمى، استانبول سنة 1937 م. (13) جوتهارد باشكه ونيازى رجب آقصو: تورك إنقلابى تاريخى قرونولوزيسى، مجلد 1 - 2، استانبول سنة 1939 - 1941 م. (14) ويجب أن نضيف إلى المصادر المستفيضة الواردة في إسلام أنسيكلوبيدياسى، جـ 1، عدد 10، ص 800 - 8004: تاريخ وثيقة لرى، السلسلة الجديدة، جـ 1 عدد 1. (15) أغسطس سنة 1955 م، ص 1 - 15. (16) حرب تاريخى وثيقة لرى دركيسى، الأرقام 1 - 10، سبتمبر سنة 1952 م - ديسمبر سنة 1954 م. (17) Belleten، مجلد 20، رقم 80، أكتوبر سنة 1956 م. خورشيد [مانتران R-Mantran] الاثنا عشرية (من اثنى عشر): اسم يطلق في مقابل "السبعية"، [وهم أتباع الأئمة السبعة] على الشيعة الذين يقولَون بوجود سلسلة من اثنى عشر إمامًا، كما يقولون إن الإمامة قد انتقلت من على الرضا إلى ولده محمد التقى، ثم إلى ابنه على النقى، ثم إلى ابنه الحسن العسكري الزكى، وأخيرًا إلى محمد المهدي، الذي استتر وسوف يظهر في آخر الزمان معلنًا قيام الساعة فيملأ الأرض عدلًا. وترتيب الأئمة الاثنى عشر كما يفي: (1) على المرتضى، (3) الحسن المُجْتَبى، (3) الحسين الشهيد، (4) على زين العابدين السَجّاد، (5) محمد الباقر، (6) جعفر الصادق، (7) موسى الكاظم، (8) على الرضا،

(9) محمد التقى. (10) على النقى، (11) الحسن العسكري الزكى، (12) محمد المهدي الحجة. وهذا هو ترتيب الأئمة الذين استقر عليهم الرأى منذ القرن الخامس الهجري (الحادى عشر الميلادى) بيد أن هذه الفرقة لم تكن على الدوام متفقة فيما بيبها، فلقد كانت في وقت من الأوقات منقسمة إلى ما لا يقل عن إحدى عشرة فرقة ليس لها أسماء خاصة بها، بل كانت تتميز إحداها عن الأخرى بما يلى: الأولى قالت إن الحسن العسكري لم يمت ولكنه غائب فقط؛ والثانية قالت إن الحسن قد مات ولا ولد له ولكنه يجئ بعد الموت؛ والثالثة قالت إن الحسن قد مات وأوصى إلى جعفر أخيه؛ والرابعة قالت إن الحسن قد مات دون أن يترك وارثًا له في الإمامة؛ والخامسة قالت إن محمد بن على هو الإمام؛ والسادسة قالت إن للحسن ابنًا ولد قبل وفاة أبيه بسنتين واسمه محمد؛ والسابعة قالت إن للحسن ابنًا ولكنه ولد بعد موت أبيه بثمانية أشهر؛ والثامنة قالت بصحة وفاة الحسن من غير أن يعقب نسلًا، وألا امام بعده على أهل الأرض لمعاصيهم؛ والتاسعة قالت إن الحسن قد ولد له ابن ولكنه غير معروف؛ والعاشرة قالت إن الحسن قد مات ولا بد للناس من إمام، ولا يعلم أهو من ولد الحسن أم من ولد غيره؛ والحادية عشرة توقفت عند على الرضا، وهي تنتظر الحجة (الإمام الأخير)، ومن ثم سميت الواقفية أعنى أولئك الذين توقفوا عن الحكم في موت الإِمام. وكان يطلق عليهم أول الأمر القَطْعيّة (قطيَعية) وهؤلاء -على عكس الواقفية - قطعوا بوفاة الإِمام، أو -كما يقول البعض- إنهم توقفوا في سلسلة الأئمة عند موسى الكاظم ولد جعفر لكي يجعلوا الإمامة في أنساله فقط. وهناك غير أولئك وهؤلاء جماعة تقول بإمامة أحمد بعد أبيه موسى من غير الاعتراف بعلى الرضا. ويقال إن محمدًا ولد الأخير كان صغير السن عند وفاة أبيه، ولذلك لم يكن في استطاعته أن يتلقى عنه مناهج الإمامة. ويعترف آخرون بإمامة محمد هذا, ولكنهم اختلفوا في أى ولديه أحق بالامامة أهو موسى أم

على؟ . وبعد على نشأ نفس هذا الاختلاف بين جعفر والحسن. ولُقِّب الذين قالوا بإمامة الحسن العسكري من خصومهم بالحمَارِيّة لأنهم وصموا الحسن بالجهل. وَبعد وفاة الحسن، قال البعض بإمامة جعفر، ويقال إنه ابن جارية، والحسن في اعتقادهم لم يخلف ولدًا. والصفوية الذين يدعون أنهم من سلالة موسى الكاظم، جعلوا مذهب الشيعة -أو مذهب الاثنى عشرية بنوع أدق- المذهب الرسمى في فارس. وقد أمر الشاه إسماعيل الصفوى بعد اعتلائه العرش عام 906 هـ (1500 م) الخطباء في أذربيجان أن تكون الخطبة باسم الأئمة الاثنى عشر، كما أمر المؤذنين أن يضيفوا إلى الأذان صيغة الشيعة وهي: "أشهد أن عليا ولىّ الله". وأمر الجند أن يقتلوا كل من يعارض ذلك. ولمذهب الاثنى عشرية أهمية كبرى عند الفرس، فلقد نظروا إلى هؤلاء الأئمة كما نظر النصارى إلى أقانيمهم، وقالوا إن في أيديهم مقادير العالم، عليهم حفظه وهدايته، الخلاص معهم والهلاك بدونهم (Religions et: Gobineau philosophies ص 60). وطاعتهم والتوسل إليهم أمران واجبان، وهناك صلوات خاصة بهم. ويوم الأحد مقدس عندهم من أجل علىّ وفاطمة، والساعة الثانية من كل يوم مقدسة من أجل الحسن، والثالثة من أجل الحسين، والرابعة من أجل زين العابدين، وهكذا. وللذين يزورون قبورهم أجر معلوم. المصادر: (1) الفَرْق بين الفِرَق، طبعة محمد بدر، ص 47. (2) ابن حزم، انظر Friedlaender: The Heterodoxies of the Shiites، انظر الفهرس (3) الشهرستانى: الملل، ص 17، 128 ترجمته Haarbucker، ص 25، 193. (4) أبو المعالى: بيان الأديان في Ghrest. Pers: Scheter، جـ 1, ص 161، وما بعدها، 184، وما بعدها. (5) الديار بكرى: الخميس، جـ 2، ص 286 - 288.

الاجتهاد

(6) مطهر بن طاهر المقدسي، (ينسب خطأ للبلخى): كتاء البدء، طبعة وترجمة Huart، جـ 5، سنة 1916 م، ص 132، وما بعدها. (7) ابن بابويه القُمْى: كتاب كمال الدين ... إلخ Moller طبع جزء منه في Beitr z. Mahdilehre des Islam، هيدلبرغ سنة 1901 م. (8) على البحرانى: منار الهدى، ص 314، وما بعدها (9) خواندمير: حبيب السير، جـ 4، ص 3، 34. (10) Vorlesungen: Goldziher [إيوار Cl. Huart] الاجتهاد لغةً بذل الوُسع في طلب المقصود، واصطلاحًا استفراغ الفقيه الوسع ليحصل له "ظَنّ" بقضية أو حكم فقهى (كشاف اصطلاحات الفنون ص 198؛ لسان العرب، جـ 4، ص 109، س 19 وما بعده) ويكون ذلك "بالقياس" على القرآن والسنة. وقد استعمل لفظ "الاجتهاد" في أول الأمر بمعنى "القياس" وخاصة في "رسائل" الشافعي (طبعة القاهرة سنة 1312 هـ، ص 127، س 7 وما بعده "باب الإجماع") فهو في كلامه عن "الاجتهاد"، يذكر أولا الآية 148 من سورة البقرة ثم يدلل على أنها تتضمن وجوب اتباع كل فرد رأيه الخاص في تعيين موضع القبلة. وإذن فهو في الحقيقة يستعمل هنا "الاجتهاد" بمعنى "الرأى". والمجتهد هو الذي يبذل وسعه ليحصل له "ظن"، على نقيض "المُقَلِّد" الذي يقول عنه السبكي في كتابه جمع الجوامع: هو"من يأخذ بمذهب غيره دون دليل"، وورد في حديث للنبى - صلى الله عليه وسلم - أن للمجتهد أجرًا إذا أخطأ وأجرين إذا أصاب (Goldziher فى Zeitschr. d. Deutsch. Mor- genl Ges.، جـ 53 ص 649). فالاجتهاد إذن لا يقتضى عدم الوقوع في الخطأ، ونتيجته دائمًا "ظن" ولذلك كان الخطأ محتملًا. ولا يصبح الاجتهاد معصومًا عن الخطأ إلا إذا اتفق عليه المسلمون جميعًا فصار "إجماعًا" (فيما يتعلق بإمكان وقوع المجتهد في الخطأ. انظر

شرح التفتازانى على "عقائد" النسفى، طبعة القاهرة سنة 1321 هـ، ص 145 وما بعدها). ولكن سرعان ما ضاق هذا المعنى الواسع للاجتهاد فأصبح لفظ "الاجتهاد" يدل على معنى خاص هو اجتهاد أولئك الذين لهم الحق في تقرير أحكام يجب أن يأخذ بها غيرهم. وقد حدث في هذا الموضوع خلاف بين المتكلمين والفقهاء استدعته طبيعته، ولا يزال يوجد إلى اليوم من المتكلمين من يقول إن الإنسان لا يصل بالتقليد إلى إيمان منجّ (انظر مثلًا فضالى: كفاية العوام، في مواضع مختلفة، وترجمة ماكدونالد في كتابه - Develop ment of Muslim Theology ص 315 - 351) ومع ذلك فقد كان الفقهاء جميعًا -منذ قرون كثيرة- يعتبرون مقلدين وإن تفاوتوا في درجة التقليد، ذلك لأن المسلمين عندما أخذوا في عصور متأخرة ينظرون في نشأة المذاهب الأربعة خصوا بالاجتهاد كله مؤسسى تلك المذاهب وبعض من عاصرهم، فقد كان من حق هؤلاء أن يلتمسوا لكل ما يعرض لهم من مسائل حلا برأيهم الخاص، معتمدين في ذلك على القرآن والسنة والقياس والاستحسان والاستصلاح والاستصحاب إلخ ... إذ كان كل منهم مجتهدًا "مطلقًا". ثم جاء بعدهم من حذا حذوهم ولكن في حدود المذهب الذي يقلدونه، فسبيَّن هؤلاء "فروع" المسائل كما حدد الأئمة "أصول" الفقه وجمعوا لها "النصوص". وكان مجتهدو المذهب يطلقون كلمة "وجه" على المعنى الذي يفيده ضمنًا نص الإمام. ثم جاء بعدهم كذلك من كان أقل شأنًا، وهم أولئك الذين كان من حقهم -بما لهم من علم بمذاهب المتقدمين- أن يفتوا فيما يعرض عليهم من المسائل، وقد أطلق عليهم "المجتهدون بالفتوى"، ومع إن كل مجتهد هو مفت على نحو ما، إلا أن المجتهد بالفتوى ليس إلا مفتيًا فقط، على هذا كان أمر الاجتهاد في الجملة. بيد أنه كان يظهر من حين إلى آخر أفراد يدفعهم الطموح وإنكار الجمود إلى الرجوع للاجتهاد بمعناه الأول، فسوغوا لأنفسهم أن يجتهدوا برأيهم معتمدين على النصوص الأولى، من هؤلاء ابن تيمية المتوفى عام 728 هـ وهو حنبلى المذهب (Die Za-: Goldziher

الأجل

hiriten، ص 188 وما بعدها)، والسيوطى المتوفى عام 911 هـ الذي اجتمع له مع صفة الاجتهاد أنه "مجدد" عصره. وقد ذهب السيوطى إلى أنه يجب ألا يخلو زمن من مجتهد واحد على الأقل (Gharacteristik .. us: Goldziher Suyutis، ص 19 وما بعدها) كما أنه يجب أن يكون على رأس كل مائة سنة مجدد. وهناك غيرهما كالإمبراطور أكبر، ولكنه كان زنديقًا (Goldziher: Vorlesungen ص 311). ولا يزال يوجد إلى الآن في بلاد الإسلام الشيعية مجتهدون بالإطلاق لأنهم يعتبرون دعاة للإمام المحتجب، وبذلك يختلف شأنهم تمامًا عن شأن العلماء عند أهل السنة. فأولئك ينقدون أعمال الشاه ويهيمنون عليها, وليس الشاه إلا نائبًا للإمام المنتظر وقائمًا على أوامره أثناء غيبته. وعلى عكس ذلك شأن علماء أهل السنة الذين يعتبرون خدامًا للحكام (Vorlesungen: Goldziher، ص 215 - 218، 223، 285). المصادر: (1) القرافى: شرح تنقيح الفصول في الأصول، طبعة القاهرة سنة 1306 هـ، ص 18 وما بعدها، ويوجد على هامشه شرح أحمد بن قاسم على شرح المحلى على "ورقات" الجوينى، ص 194 وما بعدها. (2) Le droit musul: Snouck Hurgronje mans فى Rev. de lHist. des Religion جـ 37 في مواضع مختلفة. (3) وانظر استعراض هذا المؤلف أيضًا لكتاب Mohammedanisches: Sachau Rechi قوله Zeitschr. d. Deutsch. Morgenl Ges، ب 53 ص 139 وما بعدها. (4) Handb. d. Islam. Ges.: Juynboll، ص 32 وما بعدها. [ماكدونالد D. B. Macdonald] الأجل غاية الوقت، ويقال أجل لغاية الحياة التي كتبها الله على الأحياء سواء أكانوا أفرادًا أم جماعات، وهي غاية لا تستأخر ساعة ولا تستقدم. (سورة الأعراف، الآية 34؛ سورة يونس، الآية 49؛ سورة النحل، الآية 61؛ سورة العنكبوت، الآية 53؛ سورة نوح، الآية 14). قال الله تعالى: {وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ

مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ} (سورة فاطر، الآية 11). وآجال الناس لا تنقص بذنوبهم (سورة فاطر، الآية 45؛ سورة الشورى، الآية 14) ولو أننا نستطيع أن نستنتج من جهة أخرى مما أنزل من الوحي أن الناس قد يعاقبون بتقصير آجالهم وقد يؤخرون إلى أجل مسمى إذا تابوا (سورة هود، الآية 3؛ سورة إبراهيم، الآية 10). وما أكثر ما يتبع القرآن الأجل بلفظ "مسمى" توكيدًا بأنه غاية الحياة التي كتبها الله على وجه لا يقبل التغيير (سورة الزمر، الآية 42؛ سورة المؤمن، الآية 67، وفي آيات أخرى) مثل قوله تعالى {وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} (سورة الشورى: الآية 14). ويطلق الأجل المسمى كذلك على المدة التي كتبت على الظواهر الطبيعية الجارية على منوال ثابت {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} (سورة لقمان الآية 29؛ سورة فاطر، الآية 13؛ والزمر، الآية 5). وكثيرًا ما يطلق الأجل المسمى كذلك على المدة المكتوبة لبقاء الدنيا (سورة الأنعام، الآية 2، الآية 61؛ سورة فاطر، الآية 45). وبعد انقضاء الأجل المسمى للدنيا يبدأ البعث لا يستقدم ساعة ولا يستأخر، ويمكننا أن نقول إن المفسرين يميلون إلى حمل "الأجل المسمى" على نهاية الدنيا كلما وجدوا إلى ذلك سبيلا. وقد أدى ما جاء في الدين عن الأجل إلى جملة مسائل كانت موضع جدل عنيف بين الفرق الإسلامية، ونشأت حولها عقائد مختلفة وخاصة فيما يتعلق بالمسائل الآتية: هل يدخل انقطاع الحياة فجأة في حدود ما كتبه الله من أجل؟ . وهل الموت بالقتل هو أجل من الآجال التي كتبها الله والتي يعلم بها منذ الأزل؟ (الأمر كذلك عند الأشاعرة وأبى الهذيل العلاف، انظر Zeitschr. d. Deutsch Morgent Geselisch جـ 30، ص 21) أو إذا كان الله قد قدر لعبد من عباده أجلًا ما فقتل قبل غاية أجله فهل كانت حياته تمتد به حتى أجلها إذا لم يحدث له هذا الحادث المفاجئ؟ وهل القاتل مختار في فعله ومستقل فيه عن إرادة الله؟ (المعتزلة، وهنالك فى "رسائل" الخوارزمى إلمامة بالآراء المختلفة في الأجل، إستانبول سنة

1297 هـ ص 108). ويستطيع أنصار هذا الرأى الأخير أن يدافعوا عن مذهبهم: بأنه إذا جاز رأى مخالفيهم فإنه يكون من التناقض والظلم الثأر من القاتل أو القصاص منه على أي وجه. ويتعرض كذلك أصحاب الفرق في كلامهم عن الأجل للمسائل الآتية: إلى أي حد يطيل الله الأجل أو يقصره ثوابًا على طاعة أو عقابًا على معصية؟ والجواب عن هذه المسألة يستخرج من التوفيق بين الآيات القرآنية التي سبق أن ذكرناها، وهو يرد مسألة الأجل إلى ما دار من جدل حول موضوع "البداء" وهناك وجه آخر من اوجه مسألة الأجل وهو الخاص بموت الجماعات من الأحياء نتيجة للكوارث العامة كالحروب والاضطهادات. وقد كوَّن بحث هذه المسائل منذ ظهور مصنفات في العقائد عند المسلمين بابًا خاصًا في تلك المصنفات كما في كتاب الأشعرى "الإبانة في أصول الديانة". (حيدر آباد سنة 1310 هـ، ص 72) وكتاب "المواقف" للإيجى (إستانبول سنة 1266 هـ، ص 525) وغيرهما من الكتب. وقد بسط ابن أبي الحديد بالتفصيل الخلاف بين الفرق الإسلامية في هذا الموضوع في شرحه على "نهج البلاغة" وهو الكتاب الذي ينسب خطأ إلى على، واقتطف دلدار على الشيعي من هذا الشرح بعض نبذ في فصل قيم له في كتابه "عماد الإسلام في علم الكلام" (طبعة لكهنؤ، سنة 1319، جـ 2، ص 149 - 153). وقد بحثت الفلسفة الدينية اليهودية هذه المسألة أيضًا من نفس الوجهة التي بحثها المسلمون (انظر D. Kaufmann في Zeitschr. d. Deutsch Morgent. Geseilsch.، جـ 49، ص 73 - 84، نما S.Poznanski في Monatsschr. f. Gesch. d. Judent، جـ 44، ص 142 - 143. [كولدتسيهر I. Goldziher] + الأجل: الأمد المحدد لحياة إنسان أو تاريخ وفاته. وقد نوقش هو والرزق على اطراد في علم الكلام المبكر. والفكرة في أن تاريخ وفاة الإنسان ثابت ترجع ظنًا إلى فكرة سبقت الإِسلام. والكلمة "أجل" مستخدمة في القرآن بطرق مختلفة، مثال ذلك تصور الجنين في الرحم (سورة

الحج، الآية 5) والمدة التي كان على موسى أن يخدمها من أجل زوجته (سورة القصص، الآية 28) وتاريخ استحقاق الدين (سورة البقرة، الآية 282) وغيرها. وقد وقَّت الله لخلق السموات والأرض والشمس والقمر أجلا (سورة الأحقاف، الآية 3: سورة الزمر، الآية 5 وما بعدها)، وبهذا يرتبط مجئ اليوم الآخر. وقد استخدمت في الأكثر خاصة لأمد الوجود الذي قدَّره الله للأمم (سورة المؤمنون، الآية 43 وما بعدها) وللأفراد (سورة المنافقون، الآية 10 وما بعدها، سورة الأنعام، الآية 2). وهذا الأجل لا يقدم ولا يؤخر، وثبوته يفسر لم لا يعاقب الآثمون في الحال {وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ} (سورة فاطر، الآية 11). والأجل لا ينقص حتى مع ارتكاب الخطيئة (سورة فاطر، الآية 45؛ سورة الشورى، الآية 14). على أننا قد نخلص من هذا إلى أن محمدًا (¬1) - صلى الله عليه وسلم - فترض نقص الأجل عقوبة، ولكنه قد يرد إلى طوله الأول مع التوبة (سورة هود، الآية 3؛ سورة إبراهيم، الآية 11). وما أكثر ما يؤكد القرآن أن كلمة الأجل هي مدة الحياة التي لا تنقص فيتبعها الله بالوصف "مسمى" (سورة الزمر، الآية 42؛ سورة غافر، الآية 67، إلى غير هذا من الآيات): "ولولا كلمة سبقت من ربك" (سورة الشورى، الآية 14). وهذا النعت نفسه يطلق على جريان الظواهر الطبيعية غير المتغير (سورة لقمان، الآية 29؛ سورة فاطر، الآية 13؛ سورة الزمر، الآية 5). وكثيرًا ما يوصف أيضًا أجل الدنيا المقضى بهذا الوصف المقرر (سورة الأنعام، الآية 2، 61؛ سورة فاطر، الآية 45). ويلحظ المرء في تفاسير القرآن الجنوح إلى الإشارة بالأجل المسمى ما أمكن إلى زمن انتهاء الدنيا. ولوفق ما جاء في الحديث (البخاري، كتاب القدر، الباب الأول؛ مسلم، كتاب القدر، الباب الثالث، وغير ذلك) فإن الأجل والرزق اثنان من أشياء أربعة مكتوبة على الإنسان حين يكون في الرحم. وذهب بعض السابقين من المعتزلة فيما يظهر إلى أن الإنسان الذي يموت في فاجعة لم يبلغ اجله ¬

_ (¬1) ما كان أحرى كاتب المادة أن يقضي في مناقشة نصوص القرآن دون هذا اللمز الذي أقحمه إقحامًا ليس هذا مكانه فنخصه بتعليق هنا، هذا وسيجد القارئ في أكثر من موضع من هذه الدائرة ردودًا مستفيضة على هذه المسألة.

الذي قدره الله له. وقد يكونون قالوا هذا لكراهيتهم أن ينسبوا إثم القتل إلى الله، كما قالوا إن الرزق الذي هو من المتاع المنهوب لا يكون من عند الله. وفي مثل الآية 67 من سورة غافر يمكن أن يفسر الأجل على أنه الزمن الطبيعى، أو كما قالوا: "الزمن سبق في علم الله أنه قاض نحبه عنده ولو لم يكن قد قتل" (انظر الإبانة) على أن هذا الرأى يخالف الشعور المتأصل بأن أجل الموت محدد. وحتى أبو الهذيل يقول إن الإنسان إن لم يقتل فلقد كان حريًا أن يموت على وجه آخر. ويصر النجار على أنه على آية صورة كان الموت فالإنسان يموت عند أجله؛ وقد تتبعه خصوم عقيدة القدر ومعهم الأشعرى. وحاول الكعبى أن يتجنب نسبة الشر إلى الله بالتفرقة بين الموت والقتل. ولم يثر جديد بعد ذلك، وكرر المتكلمون الموضوعات القديمة. وعن "الأجل" يعرض العقائديون للمسائل الآتية: إلى أي مدى يطيل الله الأجل أو ينقصه ثوابًا على الطاعة أو عقابًا على المعصية على الولاء؟ والجواب عن هذه المسألة ينتهى بالتوفيق بين الآيات القرآنية المذكورة آنفًا، وهو يرد مسألة الأجل إلى ما دار من جدل حول موضوع "البداء". وثمة وجه من وجوه مسألة الأجل وهو الخاص بفناء مجموعات عظيمة من الأحياء بفعل الكوارث الطبيعية والحروب والاضطهادات وغيرها. وتعالج الفلسفة الدينية اليهودية المشكلة من وجهة النظر نفسها. المصادر: (1) الأشعرى: مقالات الإِسلاميين، طبعة Ritter، ص 356 وبها مصادر أخرى ص 285. (2) الكاتب نفسه: الإبانة، القاهرة سنة 1348 هـ، ص 59 (حيدر آباد سنة 1321 هـ، ص 76؛ ترجمته W. C. Klein، نيوهافن سنة 1940، ص 115 - 117. وقد سقط من المتن شيء. (3) البغدادى: أصول الدين، إستانبول سنة 1346 هـ = 1938 م، ص 142 - 144. (4) الغزالى: اقتصاد، قطب 4، باب 2، فصل 2، مسألة. (5) الشهرستانى: نهاية الأقدام، طبعة Guillaume، ص 416. (6) الإيجى: المواقف، القاهرة سنة 1325 هـ، جـ 8، ص 170.

إجماع

(7) التفتازانى: شرح العقائد النسفية، القاهرة سنة 1335 هـ, ص 108 (ترجمة E. E. Adler، نيويورك، سنة 1950 م، ص 94). (8) ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة، وقد استشهد به أيضًا دلدار على في عماد الإِسلام في علم الكلام، لكهنؤ سنة 1319 هـ، جـ 2، ص 149 - 153. (9) Free Will and pre -: W. M. Watt destination in early Islam، لندن سنة 1948 م، ص 16 - 18، 29، 66، 108، 146. (10) Maimonides uber die Le: G. Weil bensdauer، بازل سنة 1953 م. الأبيارى [كولد تسيهر- وات Goldziher - W. M. Wattt] إجماع إجماع. أحد الأصول الأربعة التي تقوم عليها العقيدة الإسلامية، ويعرف بأنه اتفاق "المجتهدين" (هم الذين لهم الحق بفضل ما أوتوا من علم أن يقرروا حكمًا برأيهم: انظر مادة "اجتهاد") من الأمة بعد وفاة الرسول في كل عصر وفي كل أمر ديني. ولما كان هذا الاتفاق لا يحدث عن طريق هيئة من الهيئات أو مجمع من المجامع بل يحدث بالطبيعة ومن تلقاء ذاته، فإن وجوده في مسألة من المسائل لا يُعرف إلا إذا نظرنا إلى الماضي ورأينا أنه قد حدث بالفعل اتفاق فيها، وعند ذلك يسلم بهذا الاتفاق ويسمى "إجماعًا". وعلى هذا النحو تقررت رويدًا رويدًا بعض المسائل التي كانت موضع جدل، وتصبح المسألة التي تقرر على هذا النحو جزءًا أساسيًا من العقيدة يعد إنكاره كفرًا (انظر Uberigma: Goldziher فى Nachr. K. Ges. Phil. hist. kl. Wiss. Gottingen سنة 1916 م، ص 81 وما بعدها) ويصبح كل إجماع كهذا "حجة" في زمنه وفي الأزمان التالية؛ وقد يكون الاتفاق في القول فيسمى "إجماع القول"، أو في العمل فيسمى "إجماع الفعل"، أو في الصمت الذي يدل على القبول فيسمى "إجماع السكوت" أو"التقرير" (انظر ما يشبه هذا التقسيم في "سنة" الرسول). ولا يدخل في الإجماع اتفاق العوام، كما أن رواية صحابى واحد كانت ملزمة

للأجيال اللاحقة، وهذا هو رأى الشافعي في أول أمره قبل انتقاله إلى مصر، ولكنه رأى لا يقول به أحد الآن. وقد أخذ المسلمون منذ صدر الإِسلام بمبدأ عام في الإجماع وإن اختلفت صوره: فقد اعتمد فقه مالك بن أنس إلى حد كبير على اتفاق أهل "المدينة"، بلدة النبي، وهذا إجماع محلى. وكثيرًا ما كان يعول على إجماع أهل المدينتين الكوفة والبصرة (أهل الأمصار) ومن كان فيهما من حشود الرجال المحنكين الذين اشتركوا في الفتوحات الإسلامية الأولى؛ وكان إجماع الصحابة بطبيعة الحال أمرًا مأخوذًا به عند الأجيال اللاحقة بصفة قطعية. والشافعي وحده هو الذي جعل من هذا المبدأ العام "أصلًا" مقررًا يعتمد عليه إلى جانب الأصول الثلاثة الأخرى. وإذ كان الإجماع لايتعرض للمسائل التي لم تبت فيها الأصول الأخرى فإنه قد أصبح هو الذي يطبع بطابع التوكيد ما يقرره أصل آخر. ويرجع هذا الشأن الذي للإجماع إلى "العصمة" من الوقوع في الخطأ، وهي ميزة خص الله بها المسلمين. ويقال عادة في كتب الشافعي: إن كذا وكذا من القرآن الكريم أو السنة هو الأصل المعتمد عليه في أمر كذا "قبل" الإجماع وينكر الوهابيون اليوم تعميم هذا المبدأ (يتبعون في ذلك المذهب الظاهرى الذي اندرس الآن) ويقصرون الإجماع على اتفاق الصحابة. وهناك "فِرَق" -كالشيعة والإباضية- لا تدخلَ بطبيعة الحال في "إجماع" أهل السنة. ومنطوق هذا المبدأ الذي قرره الفقهاء هو كما ذكرناه آنفًا؛ ولكن تطبيقه كان في الحقيقة أوسع من ذلك. والحديث النبوى الذي يعد أساس الإجماع هو: "إن أمتي لا تجتمع على ضلالة"، يضاف إليه الآية 115 من سورة النساء التي يتوعد فيها الله "من يتبع غير سبيل المؤمنين"، والآية 143 من سورة البقرة {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} (انظر شرح البيضاوى)؛ وعلى هذا فإنه يكون في مقدور الناس أن يخلقوا بطريقة تفكيرهم وأعمالهم عقائد وسننا، لا أن يسلموا بما تلقوه عن طريق آخر فحسب. وبفضل الإجماع أصبح ما كان في أول أمره "بدعة" (أي فعلة مخالفة للسنة وبذلك تكون ضلالة) أمرًا مقبولًا

نسخ السنة الأولى. فالتوسل بالأولياء مثلًا صار عمليًا جزءًا من السنة، وأعجب من هذا أن الاعتقاد بعصمة النبي قد جعل "الإجماع" ينحرف عن نصوص واضحة في القرآن الكريم (¬1). فلم يقتصر الإجماع هنا على تقرير أمور لم تكن مقررة من قبل فحسب بل غيّر عقائد ثابتة وهامة جدًا تغييرًا تامًا. وعلى هذا فهو يعد اليوم عند الكثيرين -مسلمين وغير مسلمين- وسيلة فعالة للإصلاح. فهم يقولون إن المسلمين يستطيعون أن يجعلوا من الإِسلام ما شاءوا على شريطة أن يكونوا مجمعين. على أن الآراء غير متفقة فيما يمكن أن ينتظر للإجماع، فكولدسيهر (Vorlesungen، ص 96) الذي درس تاريخ الإجماع يعتقد أنه يمكن أن يكون له شأن كبير، على خلاف سنوك هركرونى (Politique: Snouk Hurgronje musulmane de La Hallande ص 42، 60) الذي يرى أن "الفقه" قد جمد، ولذلك فلا رجاء في الإجماع. المصادر: (1) الشافعي: الرسالة، طبعة القاهرة سنة 1312 هـ، ص 125 وما بعدها. (2) القرافى: شرح تنقيح الفصول في الأصول، طبعة القاهرة سنة 1376 هـ ص 140 وما بعدها، وانظر على هامشه شرح أحمد بن قاسم على شرح المحلى على "ورقات" الجوينى، ص 156 وما بعدها. (3) كشاف اصطلاحات الفنون، ص 238 وما بعدها. (4) Zahiriten: Goldziher ص 42 وما بعدها. (5) الكاتب نفسه: Muh. Studien، جـ 2، ص 85، 139، 214، 284. (6) وله أيضًا: Vorlesungen، انظر الفهرس. (7) Le droit Musul: Snouck Hurgronje mam فى Rev. de l hist. des Religions المجلد 37، ص 15 وما بعدها، ص 174 وما بعدها (8) Joynbull: Handb. des Islam. Ge setzes ص 46 - 49. [ماكدونالد D. B. Macdonald] ¬

_ (¬1) لعل كاتب المادة يريد أن يقول إن اعتقاد الناس بعصمة النبي [- صلى الله عليه وسلم -] جعلهم يأخذون بحديثه "إن أمتي لا تجتمع على ضلالة، مهما كان إجماعهم مخالفًا لنصوص القرآن، الكريم وهو يعجب لإجماع الناس على أمور مخالفة للقرآن الكريم اعتمادًا على الاعتقاد بعصمة النبى [- صلى الله عليه وسلم -] في هذا الحديث الذي يعد أساس الإجماع.

أحد

أُحُد جبل على نحو ثلاثة أميال من شمالى المدينة، اشتهر للمعركة التي دارت هناك في السنة الثالثة للهجرة والتي انتهت بما لا يحب محمد [- صلى الله عليه وسلم -] وهو جزء من سلسلة عظيمة من التلال التي تمتد من الشمال إلى الجنوب حيث تنتشر شرقًا على السهل مكونة مجموعة مستقلة من التلال. والجدر الصخرية المحاطة بنجد على هيئة مثلث قائم الزاوية -ليست بذات شناخيب "رؤوس" كما يقول ياقوت- والتي "ترتفع وكأنها أشبه بكتل من حديد"، (بيرتون) فوق السهل مقفرة تمامًا من الأشجار والنباتات، وكل ما هنالك أن صفحة الجدار الجنوبى تشقها مهواة كان لها نصيب حاسم في المعركة. والأرض المحيطة صخرية مغطاة بالحصباء، لكن إلى أقصى الجنوب ثمة قليل من حقول القمح وبساتين يرويها جدول صغير. غير أن هذه قد تغمرها في بعض الأحيان عواصف ممطرة مفاجئة حتى إن الحجاج الوافدين من المدينة لا يستطيعون أن يبلغوا التل. والمكيون الذين أخذوا يعدون للثأر من هزيمة بدر عسكروا في حقول القمح التي سبق ذكرها قريبًا عند العِرض أو الجُرف، وكانت هذه الحقول عندهما مليئة بالقمح الناضج فأمدت حيواناتهم بالعلف. وقد استكره محمد [- صلى الله عليه وسلم -] على ترك المدينة ليلقى عدوه في الحقل المكشوف، وكان هذا على غير إرادته وعلى غير ما نصح به الشيوخ، فمضى بلا عائق إلى ما وراء معسكر العدو وصف عسكره على سفح التل جاعلًا ظهورهم إليه، وكان تخطيط العدو لا يقل عن ذلك غرابة. وقد رأى محمد [- صلى الله عليه وسلم -] أولًا أن حمية أتباعه سوف تحقق له نصرًا أشبه بذلك يوم بدر. غير أن الرماة الذين أقامهم النبي فوق التل آمرًا إياهم في جلاء بأن يحولوا دون مهاجمة العدو لجناح الجيش وبألا يتركوا مراكزهم، كانوا غير قادرين على أن يضبطوا أنفسهم حين رأوا المعسكر المكي يُغنم فخفوا ليروا ما يمكنهم أخذه، وبنظرة خاطفة رأى خالد بن الوليد في الحال مكان الضعف، وحين هاجمه سرعان ما

انقلبت الكفة. وحين انتشرت الشائعة بأن محمدًا [- صلى الله عليه وسلم -] سقط قتيلا أخذ المسلمون في التخاذل، ثم عم الهرب أخيرًا. وفي الحق إن محمدًا [- صلى الله عليه وسلم -] لم تنله غير جراحات وأن نفرًا من أتباعه أفلحوا في إخفائه في المهواة. ومن حسن الحظ أن المكيين الذين كانوا أقل تجربة بالشئون العسكرية لم يعرفوا كيف يصلون نصرهم وأخذوا في الرجوع إلى ديارهم. وبهذا نجا النبي [- صلى الله عليه وسلم -] من أسوأ العواقب، وقدر له أن يحزن لفقد كثيرين من أتباعه من بينهم عمه حمزة الذي أحس حسرة خاصة لفقده. وليس من السهل أن نحصل على فكرة واضحة عن معاملة القتلى، إذ إن النقول تختلف أشد اختلاف. فيقال إن المدينيين أحضروا موتاهم أول الأمر إلى المدينة، غير أن النبي [- صلى الله عليه وسلم -] سرعان ما منع هذا؛ وبعض هذه النقول يسمى قبرًا عامًا وضع فيه حفظة القرآن في الصف الأول، وأما عن الآخرين فقد دفن الشهداء فرادى أو اثنين اثنين أو ثلاثة ثلاثة، وبعض المراجع تقول إن المقابر العامة المزعومة لشهداء أحد هي في الحقيقة لأولئك البدو الذين ماتوا جوعًا في حكم عمر (الواقدي، ترجمة فلهوزن، ص 143). وعلى أية حال فالأخبار كلها متفقة في ميلها إلى تمجيد حمزة. ويقال إن النبي [- صلى الله عليه وسلم -] كبّر عليه أولًا، وإن جثث الموتى الآخرين وضعت إلى جانبه واحد، إلى جانب الآخر وصلى عليهم محمد [- صلى الله عليه وسلم -] سبعين مرة، وكان يضمّن اسم حمزة الصلاة على كل جثة جديدة. وكان النبي [- صلى الله عليه وسلم -] يذهب بعد ذلك إلى أحد كل سنة ليزور قبر حمزة والقبور الأخرى، وهكذا فعل الخلفاء الأولون أيضًا، ويقال إن محمدًا [- صلى الله عليه وسلم -] أمر النساء في ندب كل ميت من الأنصار أن يبدأن بندب حمزة، وبهذا غدا أحد من أعظم الأماكن شهرة لحج المسلمين. وبنى مسجد على قبر حمزة؛ وقد ذكره المقدسى، وهو يقع إلى الخلف من بئر قريبة من مقابر الشهداء الآخرين. وثمة وصف مختصر لابن جبير في القرن السادس الهجرى (الثاني عشر الميلادى) وقد ذكر قبل كل شئ مسجد حمزة إلى الجانب الجنوبى من التل على مسيرة ثلاثة أميال إلى الشمال من المدينة. والمسجد مبنى على مقبرته

والضريح إلى الشمال منه في مكان مكشوف؛ وتلقاءه تقع مقابر الشهداء الآخرين، وتلقاءهم الكهف الذي أوى إليه النبي [- صلى الله عليه وسلم -] وهو فى الجزء الأسفل من التل. وحول مقابر الشهداء جدار منخفض من التراب الأحمر يعزى إلى حمزة وعنده يطلب الناس البركة. وخير الأوصاف الحديثة هو وصف بوركارت الذي زار المكات سنة 1814 م بعد أن أتى عليه الوهابيون، ومن وصفه يمكن أن ننقل الآتى: "على نحو ميل من المدينة يقوم مبنى من الحجارة والآجر مخرب حيث ثمة صلاة قصيرة تتلى في ذكر ما فعله محمد [- صلى الله عليه وسلم -] في هذا المكان حين وضع عليه درعه وخرج لمقاتلة العدو. وإلى بعيد من هذا حجر كبير إليه فيما يقال استند محمد بضع دقائق فى طريقه إلى أحد ... وإلى الشرق من هذا الحزن نجد الأرض المؤدية إلى الجبل قاحلة صخرية وبها رابية على منحدرها يقوم مسجد من حوله نحو من اثنى عشر بيتًا مخربًا كانت قبلا دورًا خلوية لمتعة أهل المدينة الأثرياء، وإلى القرب منها صهريج ملأه ماء المطر. والمسجد مبنى مربع صلد, على مساحة صغيرة. وقد أزال الوهابيون قبته، غير أنهم أبقوا على المقبرة. والمسجد يضم مقبرة حمزة ومقابر المبرزين من الرجال الذين قتلوا في المعركة، أعنى مصعب بن عُمَيْر، وجعفر بن شَمّاس (غير مذكور في الأخبار) وعبد الله بن جحش. والمقابر في ساحة صغيرة مكشوفة، وثمة أكوام من التراب حواليها أحجار قليلة مبعثرة تشبه تلك التي في البقيع، وإلى جانبها رواق صغير يستخدم مصلى. وغير بعيدء في الطريق إلى الجبل وعلى قيد مرمى طلقة فحسب، قبة صغيرة تشير إلى المكان الذي فيه رمى محمد [- صلى الله عليه وسلم -] في المعركة بحجر ... وعلى مسافة قصيرة من هذه القبة التي تدمرت كسائر المبانى الأخرى، ثمة مقابر لاثنى عشر آخرين من أشياع النبي [- صلى الله عليه وسلم -] الذين قتلوا في المعركة ... وكثيرًا ما يزور أهل المدينة أحد ضاربين خيامهم في الدور الخربة حيث يمكثون أياما قلائل, لاسيما الناقهون من الأمراض، الذين نذروا خلال مرضهم أن يذبحوا شاة إكرامًا لحمزة

إن ظفروا بالشفاء. وفي سنة من السنين (في يوليو كما أعتقد) احتشد السكان هناك حشودًا، وبقوا أيامًا ثلاثة، وكأنها أيام عيد الولى. وثمة أسواق منتظمة قائمة هناك، وهذه الزيارة تكون للمدينة ملهاة من ملاهيها الرئيسية العامة". وفي الأزمنة الحديثة يسجل "ويفل Wavell" أن إنشاء الخط الحديدى إلى المدينة في سنة 1906 م أحدث بلبلة بين البدو أن فيما أدت إليه إلى تنصل بني على -الذين كان عليهم حماية الحجاج الذين يزورون قبر حمزة- من تحمل أية مسئولية، على حين أنهم لم يضعوا أية عقبات في طريق الحجاج. ولقد أباح الوهابيون الذين يحكمون اليوم شمالى الجزيرة العربية، الحج ولكنهم منعوا التوسل بالأماكن المقدسة جميعًا. المصادر: (1) الإصطخرى، المكتبة الجغرافية العربية، جـ 1، ص 18. (2) المقدسي، المكتبة الجغرافية العربية، جـ 3، ص 82. (3) ياقوت: المعجم، طبعة فستنفلد، ص 77. (4) ابن هشام، طبعة فستنفلد، ص 557 وما بعدها. (5) الطبرى، طبعة ده غويه، جـ 1، ص 139 وما بعدها. (6) الواقدي، ترجمة فلهوزن، ص 101 وما بعدها. (7) ابن سعد، طبعة سخاو، جـ 2، قسم 1، ص 25 وما بعدها، جـ 3، قسم 1، ص 4 وما بعدها. (8) Reisen in Arabien: Burckhardr، ص 553 وما بعدها، (9) A Pilgrimage to Mekka: Burton طبعة تذكارية سنة 1893 م، جـ 1، ص 423 وما بعدها. (10) A. Modern Pilgrim: Wavell سنة 1908 م، ص 62 وما بعدها. (11) Annali dell Islam: Caetani جـ 1، ص 540 - 566. الأبيارى [بول Fr. Buhl]

الإحرام

الإحرام مصدر أحْرَم، والأصل "حرم"، ومعناه المنع كما فى لسان العرب (جـ 15، ص 11) وضده "الإحلال". وقد أصبح لفظ الإحرام لفظًا اصطلاحيًا للدلالة على الإمساك عن أمر من الأمور بدائع دينى, والممسك على هذا الوجه يسمى "مُحْرِم"، فالصائم مثلًا يسمى محرمًا، علىَ أن لفظ الإحرام لا يستعمل إلا للدلالة على حالتين: حالة الإمساك عند العمرة أو الحج، وحالة الإمساك عند الصلاة. ويمكن استعمال هذا اللفظ فى معنى ثالث للدلالة على اللباس الذى يرتدى عند أداء الحج أو العمرة. 1 - الإحرام للحج والعمرة: ينص الشرع على أن الحاج يثاب إذا أحرم منذ بدء رحلته إلى مكة. ولما كان هذا الأمر شاقًا فقد جرت العادة ألا يحرم الحاج إلا عند اقترابه من الحَرَم. ولكن يحدث فى كثير من الأحوال أن الحجاج الذين ينتقلون على البواخر يُحْرِمون بمجرد وصولهم إلى جدة. وقد بيّن الشرع بعض المواقيت التى يستطيع فيها الحاج أن يحرم وهي ذو الحُلَيْفَة للقادمين من المدينة، والجُحْفَة للقادمين من الشام ومصر، وقَرْن المنازل للقادمين من نجد، ويَلَمْلَم للقادمين من اليمن، وذات عرْق للقادمين من العراق. ومن يتأخر إحَرامه عن هذه المواقيت وجبت عليه الفدية، ويقال أيضًا للميقات "مَهَلّ" أي الموضع الذى يبدأ فيه الإهلال، والإهلال هو الدعاء "لبيك، لبيك". وعلى هذا يستعمل لفظ الإهلال بمعنى لفظ الإحرام فيقال مثلًا: أهل بالحج بمعنى أحرم بالحج، ويوجب الشرع كذلك على القاطنين داخل البقاع التى تحدها المواقيت الإحرام فى ديارهم (التنبيه، طبعة كوينبول ص 72) إذا اعتزموا الحج، أما إذا أرادوا العمرة فيجب عليهم الانتقال إلى حدود "الحِلّ" وهم ينتقلون عادة إلى "التَنْعيم" التى يسميها المحدثون خطأ "العمرة" للاعتمار فيها. ولما كان المرء لا يستطيع أن يحرم إلا بعدأن يجتنب كل ما يعده الشرع نجسًا، كان عليه قبل الإحرام أن يقوم بالشعائر المندوبة كالغسل وتخضيب الأظافر (¬1) والتطيب وغيرها، وتلك ¬

_ (¬1) المعروف هو تخضيب اليدين إلى الكوعين للمرأة.

شعائر كانت تتصل قديمًا بالصلوات التي يقصد بها طرد الشياطين. وكثيرًا ما يقص الشخص شعره ويحف لحيته ويقلم أظافره (A Pilgrimage: Burton لندن، سنة 1857 م، جـ 2، ص 133، 377؛ البتنونى، الرحلة الحجازية، الطبعة الثانية، ص 172؛ وانظر عن مغزى قص الشعر ما سيأتى بعد). ثم يرتدى المرء ثوبًا خاصًا غير مخيط، ويتكون هذا الثوب من قطعتينْ "الإزار" وهو ثوب يستر الجسم من السرة إلى الركبتين؛ و"الرداء" وهو ثوب يرسل على الكتف الأيسر والظهر والصدر ويعقد طرفاه عند الجانب الأيمن، ويسمى الرداء "وشاحًا" لطريقة عقده. وقد ندب الشرع أن يكون لون هذين الثوبين أبيض، ويجوز توشيتهما أيضًا بالخطوط الحمراء (انظر الصورة الموجودة في كتاب، Burton جـ 2، أمام ص 58). ونلاحظ أن ثوب الإحرام كان الثوب المقدس عند قدماء الساميين، إذ إن الجزء الأعلى من الثوب الذي كان يرتديه الكاهن الأعظم في "العهد القديم" كان غير مخيط كما يقول يوسفوس (Antiq: Josephus جـ 2، 7، س 4) ويرتدى كهنة اليهود الأفود (الصُّدرة) حول الحرقفتين والمعيل حول الكتفين. ونجد لهذا شبيهًا في الإسلام عند الصلاة وفي تكفين الميت. وكذلك كان العرب في جاهليتهم عندما يستنبئون كاهنهم يلبسون رداء ومئزرًا، كما كان الزهاد المتأخرون يرتدون مثل هذا الثوب (Goldziher في Wierner Zeitschr. F. Kunde des Mor - genlandes، جـ 14, ص 138، 338. Reste: Wellhausen, الطبعة الثانية، ص 122): يضاف إلى ذلك أن اللون الأبيض يعد مقدسًا في كثير من الأديان، فكان في أول الأمر دليلًا على الحداد (انظر Wilken: Verpreide Ges- chriften طبعة V. Ossenbruggen، جـ 3، ص 416 - 422) ثم اتخذ بعد ذلك رمزًا للتقديس، لذلدُ كان أفود الكهان وأردية الزهاد بيضاء (انظر Some: J. Wensinck Semitic rites of mourming and religion فى Verhandl. der Kon. Akad. van DI Nieuwe Reeks. Westenschappen، 18، رقم 1). فلباس الإحرام والحالة هذه قديم جدًا ولا يرجع أصله إلى الإسلام، زد

على ذلك أن لبس الحذاء محرم كذلك، وأقصى ما يسمح به هو لبس النعل. وهذه أيضًا عادة سامية قديمة: فقد كان اليهود يسيرون في حدادهم حفاة الأقدام كما كان يفعل كهنتهم. ويجب على المحرم أيضًا ألا يغطى رأسه, وربما كانت هذه عادة من عادات الحزن قبل الإسلام (انظر سفر حزقيال، الإصحاح 24، الآية 17). وليست النساء في حاجة إلى ارتداء ملابس خاصة، ولكن في العادة يرتدين ثوبًا طويلًا يرسل من الرأس إلى القدمين، بينما يحجبن وجوههن -التى كان يجب أن تسفر (¬1) - بنوع من النقاب (انظر الرسم الموجود في كتاب Burton, جـ 2، ص 58). ويضلى المحرم ركعتين ثم ينوى نية الحج. ويمكن أن تكون النية على ثلاثة أوجه لأن الإحرام إما أن يكون: (أ) للحج أو للعمرة, ويقال له حينئذ "إفراد": (ب) للعمرة، ولو أنه يقوم أيضًا بالحج ويقال له "تمتع" (بالعمرة إلى الحج). (جـ) لكل من العمرة والحج معًا، ويقال له "قِران". وهناك مؤلفات إسلامية عدة تبحث عن أصل وقيمة هذه الأوجه الثلاثة من النية. وتختلف المذاهب الأربعة في قدر الثواب الذي يثاب به المرء على كل نية من هذه النيات ولفظ "التمتع" مأخوذ من آية قرآنية (سورة البقرة، الآية 196 {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ}) ثم أصبح بعد ذلك اصطلاحًا. وقد ذهب سنوك هركرونى (Het Mek-: Snouck Hurgronje kaansche Feesi، ص 86 وما بعدها) إلى أن قيود الإحرام قد غدت قاسية في نظر النبى [- صلى الله عليه وسلم -]، لذلك نجده أثناء مكثه في مكة قبل الحج يتحلل من هذه القيود، فلما نظر إليه صحابته نظرة عتاب واستفهام نزلت الآية: {وَأَتِمُّوا ¬

_ (¬1) عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبى [- صلى الله عليه وسلم -] قال: "لا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين" وفي رواية قال: سمعت النبى [- صلى الله عليه وسلم -] ينهى النساء في الإحرام عن القفازين والنقاب وما مس الورس والزعفران من الثياب". (راوه أحمد وأبو داود)

الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (سورة البقرة، الآية 196). وعلى ذلك فإن ما تراءى للنبى [- صلى الله عليه وسلم -] ومعاصريه أنه إهمال يستوجب التكفير قد غدا في نظر الأجيال اللاحقة أمرًا مباحًا. والحجاج الذين يبلغون مكة قبل الحج بوقت طويل يتخلصون مما حرم عليهم "بالتمتع" فهم يخلعون ملابسهم بالإحرام عقب الانتهاء من العمرة ولكنهم يعودون فيرتدونها عند اقتراب موعد الحج. والتمتع محرم على الذين عندهم هدى للفدية (سورة البقرة، الآية 199) (¬1) وكانت العمرة في الأصل تحدث في شهر رجب، وتذكر بعض الروايات أن العمرة إبان الحج لم تكن معروفة في الجاهلية. وبعد النية تبدأ التلبية التي تردد بقدر المستطاع ولا يفرغ منها إلا بعد حلق الشعر في العاشر من ذى الحجة. وقد منع الشرع المحرم من جملة أمور: النكاح والتطيب وإراقة الدم والصيد، كما حرم عليه اقتلاع النبات. ونلاحظ بهذه المناسبة أن بعض الأديان السامية يحرم النكاح في حالات أخرى غير الإحرام، ونخص بالذكر من هذه الأديان ما يقول بالتوحيد. وكان إهمال العناية بالبدن ظاهرة معروفة بين الشعوب السامية في الأحوال الدينية، وتصور لنا الروايات أن النادبات في الجاهلية كن قذرات ذوات شعر أشعث (ديوان الخنساء، طبعة شيخو، بيروت سنة 1896 م، ص 28، البيت الرابع). ويمتنع اليهود مدة حدادهم عن الاستحمام وتقليم الأظافر. ويذكرون أن الحجاج في الجاهلية وفي عصر النبي كانوا يضمخون شعورهم بالأدهان وقت الإحرام تخفيفًا لوطأة ¬

_ (¬1) الذي يفهم كان الآية أن التمتع يجوز ويجبر بفدية.

القذارة (صحيح البخاري كتاب الحج، الباب 126؛ مسلم، مع شرح النووى، القاهرة سنة 1283 هـ، جـ 3، ص 205؛ وانظر لسان العرب، جـ 4، ص 391). وفي حديث ذكره ابن ماجه (باب ما يوجب الحج) أن النبي [- صلى الله عليه وسلم -] عندما سئل من هو الحاج أجاب أنه هو "الأشعث التَفِل. وربما كان مغزى هذه الشعائر بما فَيها قص الشعر عند بدء الإحرام هو أن كل ما ينمو فوق الجسم إبان هذه الفترة إنما هو للحج. وكثيرًا ما يحدث في نهاية الإحرام أن يضحى الإنسان بشعره. وقد يكون لسعى المرء أن يغم شخصه على الناس شأن في هذه الأمور. وليس على المحرم أن يصوم، ولكن هناك جملة أحاديث يثبت بعضها ذلك وينكره بعضها الآخر، وربما كانت هذه الشعيرة من شعائر الزهد مرتبطة بغيرها من الشعائر في الأزمان القديمة. وعند ما ينتقل المحرم من ميقاته إلى مكة يقوم فيها بالطواف والسعى وقد يشرب من ماء زمزم، ويقص شعره إذا كان الإحرام بقصد العمرة فقط؛ إما إذا كان بقصد الحج فلا يقص شعره ولا يحف لحيته إلا في العاشر من ذى الحجة في مني بعد أن تنتهى مناسك الحج، ويستطيع الحاج بعد ذلك أن يرتدى لباسه العادى، على أنه قد جرت العادة أن يرتدى ثيابًا جديدة (Travels: Burckhardt، لندن سنة 1829 م، جـ 2، ص 60). وقد قضى الشرع بطواف آخر بمكة، ولهذا فإن كثيرًا من الحجاج لا يرتدون لباسهم العادى إلا بعد هذا الطواف، وأخيرًا فإن الحاج عندما يترك هذه المدينة المحرمة يقوم بعمرة الوداع، ولهذا فهو يذهب إلى التنعيم ويصلى ركعتين ثم يعود إلى مكة ليقوم بالطواف والسعى، ثم يخلع عنه لباس الإحرام نهائيًا. 2 - الإحرام للصلاة: وهنا أيضًا لا يدخل الإنسان الصلاة إلا إذا كان طاهرًا في ثياب نُصّ عليها، ووقف خلف سُتْرَة. وتستهل الصلاة بالتكبير، ويقال له أيضًا "تكبير الإحرام"؛ وعند ذلك تبدأ الصلاة التي لا تصح إلا مع هذا الإحرام، إذ يجب على الإنسان أن يجتنب كل ما يفسده، أي أن يجتنب كل

فعل أو قول لا تقتضيه الصلاة. ويخص الفقهاء بالذكر من هذه الأفعال التحية وتكلف العطاس والسعال والضحك وكل ما يتصل بالنكاح وأخباث البدن، وكانت هذه الأمور وغيرها تنسب قديمًا إلى فعل الشياطين والأرواح. وكثيرًا ما يقال إن الملائكة تكون حاضرة إبان هذا الإحرام (انظر تفسير سورة بني إسرائيل، الآية 78). وتنتهى الصلاة بتسليمتين أولاهما إلى اليمين والأخرى إلى اليسار. ويقول بعض الفقهاء إن الغرض من التسليمتين: الأولى هو خروج المرء من الصلاة وتحية من معه، أما الأخرى فلتحية من معه فقط. وقد اختلفوا فيمن معه: فقال البعض إنهم الملائكة الذين لبوا تكبيرة الإحرام والذين ينصرفون عند تسليمة الإحلال. ولما كان المصلى يخاف من الوقوع تحت تأثير الشياطين بعد خروجه من حرمة الصلاة فإنه يدفعها بما يسمى "القُنوت" (انظر: Goldziher في. Orient Studien. Theod. Noldeke gewidomet جـ 1، ص 223 وما بعدها). المصادر: (1) كتب الفقه والحديث، باب الحج. (2) كتب الفقه، باب الصلاة. (3) Reste arabischen Hei-: Wellhausen dentums، الطبعة الثانية، ص 122 وما بعدها. (4) Het Mek-: Snouck Hurgonje Kaansche Feesi ص 68 وما بعدها. (5) Handb. des Islam Ge-: Juynboll setzes ص 143 وما بعدها. (6) Lectures on: W. Robertson Smith the religion of the Semites الطبعة الثانية، ص 481 وما بعدها. (7) رحلة كل من Burckhardt و Burton. (8) H. Kazem Zadeh فى Revue du Monde Musulman جـ 19، ص 198 وما بعدها. (9) Some Semitic Rites: A. J. Wensinck of mourning and Religion فى Verhandl. der جـ 18. (10) Der Islam: A. J. Wensinck نشره Becker، جـ 8، ص 229 - 232. [فنسفك A. J. Wensinck]

أحمد

أحمد من أسماء النبى محمد [- صلى الله عليه وسلم -]، واسم علم عند المسلمين، وهو ببنيته إما مأخوذ من: محمود وحميد، بمعنى الأكثر أو الأعظم استحقاقًا للحمد؛ وإما من: حامد، وهذه أقلها احتمالا، والمعنى: الأكثر أو الأعظم حمدًا لله. على أنه إذا استخدم علما فإنه يكون متميزًا عن غيره من الصيغ الاشتقاقية الأخرى التى تتصل به، بما فى ذلك الاسم محمد. وهو لم يرد إلا عرضًا بين عرب الجاهلية وكان عندهم أقل شيوعًا من محمد. وفى النقوش الصفوية الشمالية العربية لمشارف الشام يبدو أن ثمة أسماء بهذه البنية مختصرات لمركبات من اسم الله مثل "حمد الله". أما أن يصدق هذا على العربية الفصيحة فى الحجاز فموضع شك. والأساس فى استعمال أحمد عند المسلمين هو القرآن (سورة الصف، الآية 6): {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ}. وليس ثمة نظير واضح لهذه الآية فى الإنجيل. ومن ثم قيل إن أحمد هو ترجمة بركلوتوس، أي المشهور. وهي بدورها قد تكون تحريفًا لبَرَكليتوس الوارد فى سفر يوحنا (الإصحاح 14، الآية 16؛ الإصحاح 15، الآية 23 - 27). ولكن تاريخ النص وترجمات الإنجيل مضافًا إلى ذلك أن بركلوتوس لم يكن مشهورًا فى اليونانية التى كانت معاصرة، كل هذا يدل على أن ذلك مستحيل، وفى الحق إن المسلمين لم يطلقوا على محمد اللقب المبشر به قبل منتصف القرن الثانى للهجرة (انظر ابن هشام، ص 150، فى روايته عن ابن إسحاق) ولكن المصطلحين المستعملين هما الكلمة الإغريقية بَرَكليتوس، أو ترجمتها الآرامية الصحيحة مِنَحِّمانا؛ والقول بأنهما واحد لا يعتمد إلا على تشابه الجرس بين الكلمة الآرامية والاسم محمد. والظاهر أن القائلين بهذا هم النصارى الذين أسلموا. ومع أن المسلمين قد استعملوا الاسم "محمدا" منذ حياة النبى [- صلى الله عليه وسلم -] إلى ما بعد ذلك، وأن صيغ: محمود وحَمِيد وحُمَيْد، وردت فى القرن الأول الهجرى

أيضًا، فإن استعمال كلمة "أحمد" علمًا بين المسلمين يبدو أنه لم يبدأ إلا حوالى سنة 125 هـ (740 م) ومن ذلك انتهى إلى أن كلمة "أحمد" فى القرآن (سورة الصف، الآية 6) لا تؤخذ على أنها اسم علم بل على أنها صفة (ومن ثم قد تحتمل هذه الآية إشارة غامضة إلى سفر يوحنا، الإصحاح 14، الآية 12) وأنها لم تفهم على أنها اسم علم إلا بعد ما قيل إن محمدًا هو برقليط، وعلى ذلك فإن الإشارات العارضة إلى النبى [- صلى الله عليه وسلم -] بأحمد فى شعر القرن الأول الهجرى تؤول على أنها من ضرورات الشعر، والأحاديث التى تروى أن اسم النبى [- صلى الله عليه وسلم -] هو أحمد (ابن سعد، جـ 1، قسم 1، ص 64) تقدم تفسيرًا غير واضح فى جميع الأحوال. ولكن تردد المسلمين أصلًا فى استخدام اسم أحمد نجد له مبررًا كافيًا فى استعمال الكلمة فى صيغة التفضيل ولو أنها كانت منذ البداية اسم علم. المصادر: (1) Das Leben and die: A. Sprenger Lehre des Mohammed, جـ 1، سنة 1861 م، ص 158 وما بعدها. (2) Gesch. des Qor. جـ 1، ص 9، تعليق. (3) H.Grimme فى Zeitchrift Fur Semi- tistik، سنة 1928 م، ص 24 وما بعدها. (4) E. A. Ficher فى Ber. Verh. Sachs Ak. Wiss. Phit. hist. Kt، سنة 1932 م، رقم 3. (5) M. W. Watt فى Muslim World سنة 1953 م، ص 110 وما بعدها. الأبيارى [شاخت J. Schacht] تعليق على مادة "أحمد" إن التبشير بالنبى العربي [- صلى الله عليه وسلم -] سبقت به كتب سماوية سبقًا عامًا وسبقًا خاصًا، وأعنى بالسبق العام الذى جاء يحمل الإشارة إليه [- صلى الله عليه وسلم -] ولا يحمل التنويه باسمه. ومن هذا الشق الأول ما جاء فى التوراة على لسان موسى عليه السلام فى وصيته مبشرًا بعيسى [عليه السلام] ثم بالنبى العربى [- صلى الله عليه وسلم -] من بعده، وذلك حين يقول موسى: "جاء الرب من سيناء وأشرق من ساعير واستعلى من فاران".

وفى هذا إشارة إلى ظهور الرسل الثلاثة: موسى وعيسى ومحمد عليهم السلام، فسيناء موطن موسى عليه السلام؟ وساعير -التى هي جبال فلسطين- حيث ظهر عيسى عليه السلام؛ وفاران -التى هي مكة- موطن محمد صلى الله عليه وسلم. وقد أورد هذا ياقوت فى كتابه معجم البلدان فى رسم "فاران" وقال: فاران: كلمة عبرانية معربة، وهي من أسماء مكة. وقيل: اسم لجبالها ... ثم قال: ومجئ الرب من سيناء تكليمه لموسى عليه السلام، وإشراقه من ساعير -وهي جبال فلسطين- هو إنزاله الإنجيل على عيسى عليه السلام، واستعلاؤه من فاران: إنزاله القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم. وانظر فى ذلك أيضًا: صفة جزيرة العرب للهمدانى، والإعلام بأعلام بيت الله الحرام للنهروانى. وتذكر التوراة (الآية الثانية عشرة، الإصحاح الثامن عشر، السفر الخامس، سفر التثنية): "أقيم لهم نبيًا من وسط إخوتهم مثلك". وما نظن هذه الآية تشير إلى عيسى عليه السلام، إذ كان من بني إسرائيل، وإنما هي لا شك وصفت هذا النبى على أنه من إخوتهم، أي من بني إسماعيل، فنحن نعلم أن محمدًا [- صلى الله عليه وسلم -] من ولد إسماعيل، وإسماعيل أخو إسحاق، وإسحاق جد بني إسرائيل. ولست أذهب إلى هذا التأويل غير معتمد على دليل، بل دليلى من التوراة نفسها، فهي تبين هؤلاء الإخوة، وذلك حيث تقول: هؤلاء هم بنو إسماعيل ... وسكنوا -أي بنو إسماعيل- من حويلة إلى أشور التى أمام مصر حينما تجئ نحو أشور أمام جميع إخوته نزل (سفر التكوين، الإصحاح 35، الآيات 16 - 18)، وكذلك حيث تقول: "وتدعين اسمه إسماعيل ... وأمام جميع إخوته يسكن (سفر التكوين، الإصحاح 16، الآيتان 11، 12). هذا ما جاء فى التوراة عن الشق الأول، وإليك ما جاء فى الإنجيل عنه، فقد جاء فى رؤيا يوحنا اللاهوتى (الإصحاح التاسع عشر، الآية 11): "ثم رأيت السماء مفتوحة وإذا فرس أبيض

والجالس عليه يدعى أمينًا وصادقًا وبالعدل يحكم ويحارب". ومن يكون هذا المبشر به بعد عيسى عليه السلام، والذى وصف بالأمين وبالصادق، غير محمد [- صلى الله عليه وسلم -]؟ وجاء كذلك في رؤيا يوحنا اللاهوتى (الإصحاح التاسع عشر، الآية 15): "ومن فيه يخرج سيف ماض لكي يضرب به الأمم ... وهو يدوس معصرة خمر". وما أظننى إلا على التأويل الحق حين أقول: إن هذه الآية تحمل إشارتين صريحتين، إحداهما عن كلام الله الذي أجرى به تعالى لسان محمد [- صلى الله عليه وسلم -] وخرج من فيه أقوى مضاء من السيف في حجته وقطعه؛ وثانيهما ما جاء به الإسلام من تحريم الخمر، وما كانت محرمة على عهد عيسى عليه السلام، فلقد روى أنه صير الماء خمرًا في عرس قانا، كما حكى عنه أنه قال عن الخمر إنها دمه. هذا ما جاء عن الشق الأول، وهو العام، في التوراة والإنجيل. وأما ما جاء عن الشق الثاني فيهما، وهو الذي فيه تنويه بالاسم، فإليك إجماله: جاء في التوراة عن الترجمة العبرية (كمبردج سنة 1934 م): "وعن إسماعيل سمعتك، هأنا باركته وأيمنته بمادماد" (سفر التكوين، الإصحاح السابع عشر، الآية 20). واهولى بمادماد: حصد [- صلى الله عليه وسلم -]. يقول ابن قيم الجوزية في كتابه: جلاء الأفهام (ص): وأما قول كثير من المفسرين إن المراد بهذين الحرفين: جدًا جدًا، ولكون لفظة "ماد" قد جاءت مفردة في التوراة بمعنى: جدًا، فهذا لا يصح، لأجل الباء المتصلة بهذا الحرف، فإنه ليس من الكلام المستقيم قول القائل: أنا أكرمك بجدًا ... وإذا كان هذا الحرف قد نقل من التوراة الأزلية وفيها هذا الحرف موصولًا بالباء، علم أن المراد غير ما ذهب إليه من قال هي بعنى "جدَّا" إذ لا تأويل يليق بها غير هذا التفسير، بدليل ما جاء في التوراة في غير هذا الموضع عن ولد إسماعيل: إنه يلد اثنى عشر شريفًا، ومن شريف واحد يكون شخص يسمى بمادماد. فقد صرحت التوراة أن هذين الحرفين اسم علم لشخص شريف معين من ولد إسماعيل، فبطل قول من قال إنه بمعنى

المصدر للتوكيد، فإن التصريح بكونه اسم عين يناقض من يدعى أنه اسم معنى". ويقول عياض فى كتابه "الشفاء" (جـ 3، ص 439): "ومن أسمائه صلى الله عليه وسلم فى الكتب السالفة: ماذ ماذ، ومعناه: طيب طيب". وقيده البرهان فى كتابه "المقتفى"، وكذا الخفاجى شارح "الشفا"، والقسطلانى فى كتابه "المواهب اللدنية"، والسهيلى فى كتابه "الروض الأنُف". وظاهر أن الترجمة العربية التى بين أيدينا هي على هذا الوجه الذى استبعده ابن قيم الجوزية، ففيها: "وأما إسماعيل فقد سمعت لك فيه ها أنا أباركه وأثمره وأكثره كثيرًا جدًا اثنى عشر رئيسًا يلد، وأجعله أمة كبيرة" (سفر التكوين، الإصحاح 17، الآية 30). وبعد نص التوراة هذا يجئ نص الإنجبلي يسوقه ابن هشام فى كتابه "السيرة" (1: 348، طبعة الحلبى) ناقلًا عن ابن إسحاق: "وقد كان، فيما بلغني عما كان وضع عيسى بن مريم فيما جاءه من الله فى الإنجيل لأهل الإنجيل من صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، مما أثبت يحنس الحوارى لهم، حين نسخ لهم الإنجيل عن عهد عيسى بن مريم عليه السلام, فى رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم أنه قال: من أبغضنى فقد أبغض الرب, ولولا أنى صنعت بحضرتهم صنائع لم يصنعها أحد قبلى ما كانت لهم خطيئة، ولكن من الآن بطروا وظنوا أنهم يعزوننى -أى يغلبوننى- وأيضًا للرب, ولكن لا بد من أن تتم الكلمة التى فى الناموس: أنهم أبغضونى مجانا -أى باطلًا- فلو قد جاء "المنحمنا" هذا الذى يرسله الله إليكم من عند الرب وروح القدس، هذا الذى من عند الرب خرج، فهو شهيد علىّ وأنتم أيضًا؛ لأنكم قديمًا كنتم معى، فى هذا قلت لكم لكيما لا تشكوا". والمنحمنا، بالسريانية: محمد: وهو بالرومية: البرقليطس. وهذا النص الذى ساقه ابن إسحاق نقلًا عن أصل قديم يعزى إلى يحنس الحوارى، يسوقه إلينا النص العربي المترجم عن اليونانية (كمبردج سنة

1934 م): "الذى يبغضنى يبغض أبى أيضًا. لو لم أكن قد عملت بينهم أعمالًا لم يعملها أحد غيرى لم تكن لهم خطية. أما الآن فقد رأوا وأبغضونى أنا وأبى. لكي تتم الكلمة المكتوبة فى ناموسهم إنهم أبغضونى بلا سبب. ومتى جاء المعزى الذى سأرسله أنا إليكم من الأب روح الحق الذى من عند الأب ينبثق فهو يشهد لي (إنجيل يوحنا، الإصحاح الخامس عشر، الآيات 23 - 26). ولقد جاءت كلمة "المعزى" مرة أخرى قبل هذه فى الإصحاح الرابع عشر من إنجيل يوحنا أيضًا الآية 16: "وأنا أطلب من الأب فيعطيكم معزيًا آخر ليمكث معكم إلى الأبد". وإن صح أن الأصل فى الموضعين واحد، فتكون هذه الكلمة هي مكان "المنحمنا" السريانية و"البرقليطس" الرومية. ويقول الخفاجى فى شرح الشفا، عن "المنحمنا" (2: 440) نقلًا عن البرهان فى كتابه "المقتفى"، وكذا الصفدى فى "التذكرة" وابن سيد الناس فى سيرته: "وهو بالسريانية: محمد، وبالرومية: البرقليطس". على نحو ما نقل ابن إسحاق. ويقول القسطلانى فى المواهب اللدنية: "فمعناه بالسريانية: محمد". ويزيد الزرقانى شارح المواهب: فمعناه: روح القدس. وأما عن البارقليط، فيقول عياض (438: 2) وهو يذكر أسماء الرسول صلى الله عليه وسلم: وروح الحق، وهو معنى البارقليط فى الإنجيل. وقال ثعلب: البارقليط الذى يفرق بين الحق والباطل. ويقول الخفاجى شارح الشفاء: والذى عليه أصحاب الإنجيل أن معناه: المخلص، وعبارة الإنجيل: إنى ذاهب إلى أبى وأبيكم ليبعث إليكم الفارقليط (ذكر بالباء وبالفاء). ويقول الدوانى فى شرح هياكل النور: هو لفظ عبرانى، معناه: الفارق بين الحق والباطل. ويقول السيوطى فى الرياض الأنيقة: معناه الحامد، أو الحماد. ويقول ابن الأثير فى كتابه "النهاية" "فرق": إن اسمه -عليه الصلاة والسلام - فى الكتب السالفة: فارق ليطا، أى يفرق بين الحق والباطل.

وثمة حديث يروى عن ابن عباس رضي الله عنه أن [- صلى الله عليه وسلم -] قال: اسمى فى القرآن محمد وفى الإنجيل أحمد وفى التوراة أحيد؛ لأنى أحيد أمتي عن نار جهنم. وانظر لهذا: الشفاء (2: 440) وشرح المواهب (3: 188) وتهذيب الأسماء واللغات للنووى (1: 22). ويروى مسلم فى كتاب الفضائل فى الباب الرابع والثلاثين فى أسمائه [- صلى الله عليه وسلم -] (4: 1828 م، طبعة الحلبى) حديثًا يرفع إلى محمد بنْ جبير ابن مطعم عن أبيه: أن النبى [- صلى الله عليه وسلم -] قال: أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الماحى الذى يمحى بي الكفر، وأنا الحاشر الذى يحشر الناس على عقبى، وأنا العاقب. والعاقب: الذى ليس بعده نبى. ويقول ابن هشام فى سيرته (1: 166، طبعة الحلبى): ويزعمون أن آمنة بنت وهب حين حملت برسول الله [- صلى الله عليه وسلم -] كانت تحدث أنها أتيت حين حملت برسول الله [- صلى الله عليه وسلم -] فقيل لها: إنك قد حملت بسيد هذه الأمة فإذا ما وقع إلى الأرض فقولى: أعيذه بالواحد من شر كل حاسد، ثم سميه محمدًا. ويقول السهيلى فى كتابه "الروض الأنُف": وبه -أى بمحمد- سماه جده عبد المطلب، وذلك أنه لما قيل له: ما سميت ولدك؟ قال: محمد، فقيل له: كيف سميته باسم ليس لأحد من آبائك وقومك؟ فقال: لأنى أرجو أن يحمده أهل الأرض كلهم. وذلك لرؤيا كان رآها عبد المطلب. وينسبون إلى عبد المطلب فى ذلك شعرًا قاله حين التمس حفيده فلم يجده، وكان عندها ابن خمس سنين، وكانت حليمة قد رجعت به لترده إلى أهله، فاضلها فى الناس، فالتمسته فلم تجده، فأتت عبد المطلب فأخبرته، فقام عند الكعبة ينشد، بعد أن التمسه هو الآخر فلم يجده: لا هم أد راكيي محمدًا ... أده إلىّ واصطنع عندي يدا أنت الذى جعلته لى عضدا ... لا يبعد الدهر به فيبعدا أنت الذى سميته محمدا

وتجد ابن سعد فى كتابه "الطبقات" (64، 61: 1، طبعة مصر) ينقل خبرًا يرفعه إلى أبى جعفر محمد بن علي، وهو ابن الحنفية، قال: أمرت آمنة، وهى حامل يرسول الله [- صلى الله عليه وسلم -]، أن تسميه أحمد. وينقل ابن سعد أيضًا خبر، مثل هذا يرفعه إلى ابن الحنفية أيضًا "الطبقات 1: 64 - 65) أنه سمع علي بن أبى طالب يقول: قال رسول الله [- صلى الله عليه وسلم -] سميت أحمد. ولقد سماه القرآن الكريم "أحمد" فى موضع واحد، حيث جاء على لسان المسيح مبشرًا به {وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} (الصف: 6). وسماه محمدًا فى مواضع أربعة، قال تعالى: (وما محمد إلا رسول) آل عمران: 144. وقال تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} الأحزاب: 40، وقال تعالى: {وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ} محمد: 2، وقال تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ} الفتح: 29. وثمة سورة من سور القرآن الكريم، وهى السورة السابعة والأربعون، تحمل اسم محمد، ويذكر الإربلى عمر ابن محمد فى كتابه "وسيلة المتعبدين إلى متابعة سيد المرسلين" نقلا عن ابن عباس مائة وثمانين اسمًا للرسول [- صلى الله عليه وسلم -]. ويذكر الزرقانى أكثر من أربعمائة. ويرفعها ابن العربي إلى ألف (شرح المواهب، 3: 112). ويعقب الزرقانى: هي أوصاف مدح، فلا تضاد العلمية فيها الوصفية. ويضيف ابن قيم الجوزية: إن محمدًا علم وصفة فى حقه [- صلى الله عليه وسلم -]، وإن كان علمًا محضًا فى حق غيره. ويجلو ابن سعد (الطبقات 1: 66) ذلك بيانًا فيذكر حديثًا يرفعه إلى أبى هريرة، قال: قال رسول الله [- صلى الله عليه وسلم -]: يا عباد الله، انظروا كيف يصرف الله عني شتمهم ولعنهم -يعني قريشًا؛ قالوا: كيف يا رسول الله؟ قال: يشتمون مذممًا ويلعنون مذممًا، وأنا محمد. ويقول ابن قيم الجوزية (جلاء الأفهام: 113): إن اسم النبى [- صلى الله عليه وسلم -] فى

التوراة: محمد، كما هو فى القرآن: محمد، وأما المسيح فإنه سماه أحمد، كما حكاه الله عنه فى القرآن، فإذن تسميته بأحمد وقعت متأخرة عن تسميته محمدًا فى التوراة، ومتقدمة على تسميته محمدًا فى القرآن، فوقعت بين التسميتين محفوفة بهما، وهذان الاسمان صفتان فى الحقيقة، والوصفية فيهما لا تنافى العلمية، وإن معناهما مقصود. ومن هذا التمهيد نتبين: 1 - أن التبشير بالنبى العربى فى الكتب السماوية حقيقة مقررة. 2 - وأن هذا التبشير: (أ) عام، يحمل الوصف دون التنويه بالموصوف. (ب) خاص، يجلو الموصوف. 3 - وأن هذا العام بما يحمل يتفق وما كان عليه النبى العربى، وأنه يمهد لذلك الخاص، ولذا قدمناه. 4 - وأن هذا الخاص الذى ينوه بالموصوف لايخرج فى مدلوله عن مسمى محمد وحامد، أى محمد وأحمد. 5 - وأن ما ألقى فى روع آمنة، يستوى فيه أن يكون الذى طلب إليها أن تسميه به: محمدًا أو أحمد. إذ الموصوف بهما لا يختلف بينهما. 6 - وأن ما سماه به جده عبد المطلب عن رؤيا كان استملاءً من هذا الوصف العام وهو الحمد، وكلا اللفظين محمد وأحمد مؤد. 7 - وأن ما جاء فى القرآن على لسان عيسى (عليه السلام) من هذا الوصف العام، وكذا اللفظين أحمد ومحمد مؤد، لهذا كان لا بد من كلمة عن مدلول اللفظين وأدائهما، وهو ما سنطالعك به بعد قليل. والمتقصى لمن تسموا بهذا الاسم أو ذاك، أعنى محمد، أو أحمد، قبل الرسول صلى الله عليه وسلم، لا يجد منهم إلا قلة، ذكرهم عياض فى الشفاء (2: 412) ونقلهم عنه الزرقانى فى "شرح المواهب 3: 158)، وهم: 1 - المسمون بأحمد: أحمد بن غُجيان -بغين معجمة، على وزن سفيان- وقال عنه: لا أصل له. وقيل: تسمى فى الجاهلية قبل الإسلام بزمن

طويل- وأحمد بن ثمامة الطائى، وأحمد بن دومان البكيلى، وأحمد بن زيد بن خراش السكسكى، ومن القبائل: بنو أحمد، فى همدان؛ وبنو أحمد، فى بكيل؛ وبنو أحمد، فى طيئ. وأول من تسمى بهذا الاسم بعد الإسلام فيما يقال: أحمد بن عمرو بن تميم الفراهيدى، أبو الخليل النحوى. 2 - المسمون بمحمد: محمد بن آحيحة بن الجلاح الأوسى، محمد بن مسلمة الأنصاري، محمد بن براء البكرى، محمد بن سفيان بن مجاشع التميمى، محمد بن حمران الجعفى، محمد بن خزاعة السلمى. ولقد قصرهم السهيلى -أعنى من تسموا بمحمد- على ثلاثة، وجعلهم مغلطاى فى سيرته ثمانية، وجعلهم القسطلانى خمسة عشر. ولعل الدافع إلى هذه التسمية أو تلك كان التيمن بما يحمد، وما من شك فى أن هذه الأوصاف المحمودة كان لها وجودها فى البيئة العربية على حال ما، وقد تكون تلك الدلالات التى حملتها الكتب المقدسة بمعنى هذا الاسم أو ذاك لها هي الأخرى أثرها، وما بعدت البيئة العربية عن جيران لها من يهود ونصارى. وما يدرينا لو تقصينا أن نجد من تسموا بهذين الاسمين أو بأسماء قريبة منهما لم يبعدوا كثيرًا عن هذا المحيط المؤله، وإذ كانت البيئة العربية فى جاهليتها غارقة فى الوثنية إلى الأذقان لهذا لم تقبل على هذا اللون من التسمية إقبالها على غيره مما يحمل طابع ما دانوا به. ولقد ذهب بعض كتاب السيرة السابقون إلى أن هذا كان صونًا للاسم من أن يشارك فيه حتى لا تقع الشبهة، وأن الله منع ذلك بحكمته. وهذا الذى ذهبوا إليه -لو صح- لا يقوم دليلًا، إذ حسبنا أن نجد واحدًا تسمى بهذا الاسم أو ذاك، فما بالك وهم غير واحد، وقد يكون ثم غيرهم لم تصلنا أسماؤهم. ثم إليك ما وعدنا به من كلمة عن مدلول اللفظين وأدائهما: فالاسمان -محمد وأحمد- واقعان على المفعول، وهو المختار، فأحمد على هذا يعني أنه [- صلى الله عليه وسلم -] يحمد أكثر مما يحمد غيره وأفضل مما يحمد غيره، وذلك أبلغ فى مدحه وأتم معنى.

ولو أريد بأحمد معنى الفاعل لسمى: الحماد، وهو الكثير الحمد، كما سمى محمدًا، وهو المحمود كثيرًا, فإنه [- صلى الله عليه وسلم -] كان أكثر الخلق حمدًا لربه، فلو كان اسمه باعتبار الفاعل لكان الأولى أن يسمى: حمادًا. ثم إن الاسمين إنما اشتقا من أخلاقه وخصائله المحمودة التى لأجلها استحق أن يسمى محمدًا وأحمد، فهو الذى يحمده أهل الدنيا وأهل الآخرة، ويحمده أهل السماء والأرض، فلكثرة خصائله المحمودة التى تفوت عدد العادين سمى باسمين من أسماء الحمد يقتضيان التفضيل والزيادة فى القدر والصفة (جلاء الأفهام 107 - 108). وينقل القرطبي فى تفسيره (18: 38 - 84): وأحمد: اسم نبينا [- صلى الله عليه وسلم -] وهو اسم علم منقول من صفة لا من فعل. فتلك الصفة هي "أفعل" التى يراد بها التفضيل، فمعنى أحمد، أى أحمد الحامدين لربه. وأما محمد [- صلى الله عليه وسلم -] فمنقول من صفة أيضًا، وهى فى معنى محمود، ولكن فيه معنى المبالغة والتكرار، فالمحمد هو الذى حمد مرة بعد مرة. كما أن المكرم من كرم مرة بعد مرة، وكذلك الممدح ونحو ذلك. ويقول ابن قيم الجوزية: والفرق بين محمد وأحمد من وجهين: أحدهما: أن محمدًا هو المحمود حمدًا بعد حمد، فهو دال على كثرة حمد الحامدين له، وذلك يستلزم كثرة موجبات الحمد فيه، وأحمد أفعل تفضيل من الحمد، يدل على أن الحمد الذى يستحقه أفضل مما يستحقه غيره، فمحمد زيادة حمد فى الكمية، وأحمد زيادة فى الكيفية، فيحمد أكثر حمد وأفضل حمد حمده البشر. والوجه الثاني: أن محمدًا هو المحمود حمدًا متكررًا، وأحمد هو الذى حمده لربه أفضل من حمد الحامدين غيره. فدل أحد الاسمين "محمد" على كونه محمودًا, ودل الاسم الثاني، وهو"أحمد" على كونه أحمد الحامدين لربه، وهذا هو القياس. فإن أفعل التفضيل والتعجب عند جماعة البصريين لا يبنيان إلا من فعل الفاعل ولا يبنيان من فعل المفعول، بناء على أن أفعل التعجب

والتفضيل إنما يصاغان من الفعل اللازم لا من المتعدى، ولهذا يقدرون نقله من "فعل" بفتح العين وكسرها إلى بناء "فعل" بضم العين. ونازع فى ذلك آخرون، وقالوا: يجوز بناء فعل التعجب والتفضيل من فعل الفاعل ومن الواقع على المفعول، تقول العرب: ما أشغله بالشئ، وهذا من: شُغل به، على وزن سئل - فالتعجب من المشغول بالشيء لا من الشاغل. ويقول ابن قيم الجوزية فى كتابه "زاد المعاد": وأما أحمد، فهو اسم على زنة أفعل التفضيل مشتق أيضًا من الحمد، وقد اختلف الناس فيه: هل هو بمعنى فاعل أو مفعول: فقالت طائفة: هو بمعنى الفاعل، أى حمده لله أكثر من حمد غيره له، فمعناه: أحمد الحامدين لربه. ورجحوا هذا القول بأن قياس أفعل التفضيل أن يصاغ من فعل الفاعل لا من الفعل الواقع على المفعول، ولهذا لا يقال: ما أضرب زيدا, ولا زيد أضرب من عمرو، باعتبار الضرب الواقع عليه؛ ولا ما أشربه للماء، وآكله للخنزير؛ لأن أفعل التفضيل وفعل التعجب إنما يصاغان من الفعل اللازم. ومضى بعد ذلك يلخص ما قاله قبل فى "جلاء الأفهام". وقال عياض ("الشفاء"، 2: 408 - 409): فأما اسمه أحمد، فأفعل، مبالغة فى صفة الحمد، ومحمد مفعل، مبالغة من كثرة الحمد، فهو [- صلى الله عليه وسلم -] أجل من حَمد، بالبناء الفاعل - وأفضل من حُمد، بالبناء للمجهول. هذا بعض ما قيل عن محمد وأحمد، اشتقاقًا ومعنى، وهو يؤيد ما قلناه قبل، وأنهما على معنى، إن لم يكن واحدًا، فهو أقرب إلى ذلك، لهذا لم يكن الخلاف حول التسمية بهذا أو ذاك مما يخلق قضية. وبعد، فلقد تخلفت التسمية بعد الرسول بهذين الاسمين، وقد قدمنا أن أول من تسمى بأحمد هو والد الخليل. وإذا علمنا أن ميلاد الخليل كان حوالى سنة 100 هـ أدركنا أن هذه التسمية كانت مع أواخر القرن الأول الهجرى لم تتخلف عنه كثيرًا. وما نظن التسمية

أحمد البدوى

بمحمد هي الأخرى تخلفت عن ذلك كثيرًا, ولقد كان هذا طبيعيًا بين بيئة مسلمة أكبرت أن تتسمى باسم الرسول أول الأمر هيبة ثم أقبلت على التسمى به تيمنا, ولعل تلك الهيبة كان معها شيء من الحرج الذى علق فى النفوس لما روى من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان فى السوق، فقال رجل: يا أبا القاسم، فالتفت صلى الله عليه وسلم, فقال الرجل: لم أعنك, إنما دعوت فلانا, فقال صلى الله عليه وسلم: سموا باسمى ولا تكنوا بكنيتى. وحين يستمع المسلمون إلى هذا النهي الجزئى فقد يبعدون ويأخذون أنفسهم بأعم منه تحرجًا، ولعل هذا هو الذى أخذ به الناس أولًا، حتى إذا ما استقامت لهم المعانى أقبلوا يتيمنون باسم الرسول فإذا كثرة أسمائهم من اسمه الشريف. ولعلى بهذا التعقيب الموجز أكون قد جمعت كل ما يتصل بما أثاره الدكتور شاخت، وتركت بين يدي القارئ كلمة فيها تفصيل وبيان لكل ما أوجز فيه وشك. إبراهيم الإبيارى أحمد البدوى أكبر أولياء مصر، ومحل تقدير أهلها منذ قرون، ويقال إنه من نسل على، انتقل أجداده إلى مدينة فاس حوالى عام 73 هـ (692 م) عندما اضطربت أحوال الجزيرة العربية، وولد أحمد بفاس فى زقاق الحَجَر, والراجح أن ذلك كان عام 596 هـ (1199 - 1200 م) وهو فيما يظهر أصغر سبعة من الأولاد أو ثمانية. وكانت أمه تدعى فاطمة، أما أبوه فلم تذكر الروايات من أمره شيئًا. والمترجم له هو أحمد بن علي بن إبراهيم، وتتصل سلسلة نسبه بعلى، بل تمتد إلى معد وعدنان، وله جملة ألقاب فسرت المصادر بعضها وأهملت تفسير بعضها الآخر, فقد لقب "البدوى" لأنه كان يلبس اللثام على عادة بدو إفريقية، (أما عن اللقب ذى اللثامين فانظر ما سيأتى) ولقب أيضًا فى مكة بـ "العطاب" (الفارس المقدام ولم تفهم بعض المصادر هذا اللفظ المغربى) ويظهر أن لقبه "أبا الفتيان" معناه نفس معنى "العطاب" وإن لم تشر المصادر إلى ذلك، ولقب

فى مكة أيضًا بـ "الغضبان" كما قيل له "مهارش الحرب" و"أبو العباس" وربما كان هذا الاسم الأخير محرفًا عن أبى الفتيان. ودعاه الناس لصوفيته بـ "القدسى" و"القطب" و"الصامت" كما دعى فى عصر متأخر بـ "أبى فراج" (انظر ما سيأتى بعد عن مغزى هذا اللقب). وقد حج بيت الله مع أسرته وهو بعد طفل واستغرقت رحلة الحج أربعة أعوام يجعلها الرواة بين عامى 603 و 607 هـ (1206 و 1211 م)؛ وذكرت الروايات استقبال البدو الحافل لهذه الأسرة، أما مصر فلم تذكر عنها شيئًا. وتوفى أبوه بمكة، ودفن بالقرب من باب المعلاة، ولما شب أحمد امتاز بالفروسية والفتوة ومن ثم لقب بالعطاب وأبى الفتيان. ولاشك أنه حدث له حوالى عام 627 هـ (1230 م) ما غير مجرى حياته، فقد قرأ القرآن بالأحرف السبعة، ودرس قليلًا من الفقه الشافعي، وعكف على العبادة ولم يقبل عرضًا قدم له بالزواج، وجاء عن هذا الموضوع فى مخطوط برلين (رقم 10104، ورقة رقم 19 ب) ما معناه أنه قد كتب له ألا يتزوج إلا من الحور العين. واعتزل الناس وعاش فى صمت لا يفصح عما يجول فى نفسه إلا بالإشارة، وأصبحت تغشاه حالة "الوله" فى كثير من الأحيان، وتذكر بعض المصادر أن رحلته إلى مكة لم تكن إلا نتيجة رؤيا رآها بينما تذكر، مصادر أخرى ثلاث رؤى متعاقبات جعلته يرحل (شوال 633 هـ - يونيو - يولية 1236 م) إلى العراق حيث كان أحمد الرفاعى المتوفى عام 570 هـ (1174 - 1175 م) وعبد القادر الجيلانى المتوفى عام 561 هـ (1165 - 1166 م) موضع تقدير الناس الذين ظلوا جيلين يعدونهما أعظم أولياء الله، فهاجر أحمد مع أخيه الأكبر حسن إلى العراق. وقد غدت الروايات التى تتحدث عنه منذ هذه الهجرة مليئة بالمبالغات قليلة الوضوح. وزار الأخوان غير قبرى القطبين المذكورين قبور غيرهما من الأولياء، نذكر منهم: الحلاج المتوفى عام 309 هـ (921 - 922 م) وعدى ابن مسافر الهكارى أبا الفضائل المتوفى عام 558 هـ (1163 - 1163 م). وقد

أثرت هذه الزيارات فى نفس أحمد، واتجه وجدانه الديني اتجاهًا جديدًا، فقد عرض عليه الرفاعى والجيلانى صاحبا "مفاتيح البلاد" أن يقاسماه إياها, ولكنه أعرض عنهما قائلًا إنه لا يقبل تلك المفاتيح إلا من الفتاح. ثم إنه انتصر على فاطمة بنت يرى التى كانت تسلب الرجال أحوالهم ورفض الزواج منها. وقد أورد كتاب "الجواهر" وغيره قصة لقائه لهذه المرأة على وجه أخاذ رائع. وبعد عام (634 هـ = 1236 - 1237 م) رأى أحمد رؤيا أخرى سافر بعدها إلى طنطا (طندتا) بمصر، حيث بقى بها حتى وفاته، أما أخوه حسن فعاد من العراق إلى مكة. وتلونت حياة أحمد فى طنطا بآخر ألوانها وأروعها, وقد وصفت تلك الحياة على الوجه الآتى: "فصعد إلى سطح غرفته [فى إحدى الدور الخاصة]، وكان طول نهاره وليله قائمًا شاخصًا ببصره إلى السماء وقد انقلب سواد عينيه بحمرة تتوقد كالجمر، وكان يمكث الأربعين يومًا وأكثر لا يأكل ولا يشرب ولا ينام". ومن الواضح أن أحوالًا كهذه وغيرها مستعارة من حياة نساك الهند (اليوجا). ولقى فى طنطا وما جاورها أصدقاء كما لقى خصومًا، وقد دفعته حاجته إلى مداواة عينيه إلى أن يتصل بعبد العال الذى كان يافعًا فى ذلك الوقت ثم صار فيما بعد خليفة له. وله كرامات وخوارق ذكرت المصادر الكثير منها بشيء من التفصيل. وقد أخملت شهرة أحمد منذ وصوله طنطا كل من كان فيها من الأولياء، وأبى حسن الإخنائى أن يعترف بأحمد فارتحل عن طنطا؛ وخضع له سليم المغربى فاستطاع بذلك أن يظل فى هذه المدينة، بينما دعا أحمد على حاسده "وجه القمر" فخرب مزاره واعتزله الناس, ويقال إن معاصره الملك الظاهر بيبرس كان يقدره وأنه قبل قدميه. ولما كان تلاميذه قد اعتادوا المكث فوق السطح معه فقد سموا لذلك بـ "السطوحية" أو"أصحاب السطح"، وتصفه الروايات فى ذلك الوقت بأنه كان ضخمًا قويًا عريض العظام قمحى اللون (وهو اللون الغالب على سكان شمالى مصر, أما المراكشيون فلونهم فى الغالب أدكن من ذلك) أقنى الأنف عليه شامتان، وتظهر فى وجهه أثر ثلاث نقط من الجدرى

وندبة بين عينيه من طعنة موسى، وكان يلبس بشتا من الصوف الأحمر وعمامة اعتاد ألا يخلعها للغسل حتى تذوب، وقد احتفظ خليفته بطرف من عمامة له واتخذه شعارًا، وأثر عنه أنه كان يقسم بـ "وعزة ربى"، ويظهر أنه قد أحس فى أخريات حياته أنه قد ملك على أهل مصر زمامهم، وهذا ما أفهمه من رواية الشعرانى (جـ 1، ص 247، س 34 وما بعدها) عنه أنه قال "سواقىّ تدور على البحر المحيط لو نفد ماء سواقى الدنيا كلها لما نفد ماء سواقىّ". وكان يقوم الليل على تلاوة القرآن كما كان يأتم به إمامان فى الصلاة. أما فيما يتعلق بحاله فقد قيل إن "حضوره أكثر من غيابه". وبعد أن عاش فى طنطا على هذا المنوال إحدى وأربعين سنة توفي فى الثانى عشر من ربيع الأول عام 675 هـ (24 أغسطس 1276 م) أى أنه توفي فى اليوم الذى توفى فيه رسول الله [- صلى الله عليه وسلم -]. ويؤخذ من سلوك أحمد البدوى أنه كان من طبقة الدراويش الدنيا الذين هم أشبه شيء بطائفة "اليوجا" فى الهند، كما كانت شخصيته ضئيلة القدر من الوجهتين العقلية والأدبية، وقد وصل إلينا من ثمار عقله ما يأتى: 1 - حزب (فهرس مكتبة برلين، جـ 3، ص 411، رقم 3881). 2 - صلوات، وقد شرحها عبد الرحمن بن مصطفى عيدروس (من عام 1135 - 1192 هـ = 1722 - 1778 م) وهو أحد مشاهير الصوفية فى القرن الثانى عشر الهجرى (الثامن عشر الميلادى) بعنوان "فتح الرحمن" (انظر فهرس الكتبخانة المصرية, ج 7، ص 78). 3 - وصايا، وجهها بخاصة إلى عبد العال أول خلفائه. والأقوال والعظات التى وردت فى هذه الوصايا، هي جمل عامة ليس لها إلا طابع شخصى ضئيل، ولهذا فهي تتقق مع الآراء الأساسية للزهاد المسلمين فى جميع عصورهم، بل يشبه بعضها مذاهب غير المسلمين فى الزهد والتصوف. ونحن نشك فى أن تكون هذه الآراء ثمرة من ثمار أحمد الروحية وفى إمكان اتفاقها وذوقه الصوفى. وأول الوصايا ما يحث على التمسك

بالقرآن والسنة، وهو يمتدح قيام الليل تعبدًا كثير المدح، ويقول إن ركعة واحدة فى الليل تعدل ألف ركعة فى النهار، وهو ينزل "الذكر" منزلة كبيرة على أن يكون ذلك بالقلب، فإذا لم يكن كذلك كان شقشقة. وأقصى ثمار الذكر "الوجد" ويحصل على هذا الوجه: فى حالة الاتصال بالله يفيض نور إلهى على قلب العابد يقشعر له بدنه، ويغشاه الوجد حينئذ، ويتعلق بالله التعلق كله، والإيمان هو أثمن شئ، وأكثر الناس إيمانًا أتقاهم. أما تعاليمه الخلقية وتعاليم أتباعه فيمكن استخلاصها مما ذهبوا إليه من أن طريقتهم تعتمد على القرآن والسنة والحق والطهر والصدق والصبر على المكروه والوفاء بالوعد، وذهبوا كذلك إلى القول: "لا تشمت بمصيبة أحد من خلق الله تعالى، ولا تنطق بغيبة ولا نميمة، ولا تؤذ من يؤذيك، واعف عمن ظلمك، وأعط من حرمك"، ونجد للإنجيل أثرًا واضحًا فيما ذهبوا إليه من: "أشفق على اليتيم، واكس العريان وأطعم الجيعان، وأكرم الغريب والضيفان، عسى أن تكون عند الله من المقبولين". وقالوا كذلك: "إياك وحب الدنيا، فإنه يفسد العمل الصالح كما يفسد الخل الزيت". وهم يرون أن الشيخ فى قومه كالنبى فى أمته وقد سموا عامة المتصوفة "القوم" بينما أطلقوا على غيرهم من الناس "الخلق" على أن الاسم الشائع للمتصوفة هو"الفقراء". ولسنا نفهم مغزى قول أحمد: "إن الفقراء كالزيتون، وفيهم الصغير والكبير، ومن لم يكن له زيت فأنا زيته"، وهذا يخالف قول يوحنا المعمدان (الإصحاح 15، الآية 2). وبعد أن توفي أحمد أصبح عبد العال الذى لازمه منذ طفولته أربعين عامًا خليفة له، وحمل آثاره وهى "البشت" الأحمر ولثامه وعلمه الأحمر، وابتنى خلوة حول قبره صارت على مر الأيام مسجدًا كبيرًا. ويظهر أنه كان صارمًا مع أتباعه، ورتب "الشعائر" وتوفى عام 733 هـ (1332 - 1333 م). ويظهر أن الاحتفال بمولد أحمد وتقدير الناس لهذا الولى فى البلاد الأخرى قد تزايد بسرعة وإن لم يخل ذلك من معارضة ومقاومة. فقد كان العلماء فى جملتهم يعادون التصوف

من جهة، كما كان رجال الدولة يناهضون المتصوفة الذين ينازعونهم السيادة من جهة أخرى، ويفسر لنا هذا ما يروى من أنهم تآمروا مرتين على قتل خليفة البدوى (ابن إياس، ج 2، ص 61، س 15 - 16؛ جـ 3، ص 78، س 14)، ومن العلماء الذين عادوا أحمد فى بداية أمره والذين أصبحوا فيما بعد من أتباعه: ابن دقيق العيد المتوفى عام 702 هـ (1302 - 1303 م) وابن اللبان المتوفى عام 739 هـ (1338 - 1339 م) ويروى أنه حدث فى عهد خليفتيه الأولين اختلاف بين أتباع البدوى. فنحن نقرأ فى حوادث عام 850 هـ (1446 - 1447 م) أنه قد أعيد الاحتفال بمولد أحمد بعد أن أهمل (ابن إياس، جـ 2، ص 30، س 5). وكان السلطان قايتباى من مقدرى أحمد المتحمسين، وقد زار قبره عام 888 هـ (1483 م)، ثم وسع مقامه فيما بعد (ابن إياس، جـ 2، ص 217، س 7؛ ص 301، س 15)، وكان خلفاء البدوى يسيرون فى موكب سلاطين المماليك الدينية جنبًا إلى جنب مع كبار علماء الدين فى الدولة. أما فى عهد الحكم العثمانى فيظهر أن الاحتفال بالبدوى قد فقد روعة مظاهره لأنها لم تكن تتفق مع الأنظمة الصارمة التى وضعها الأتراك؛ ولكن هذه النظرة السياسية لم تستطع أن تحول دون تقدير المصريين له، فهو أكبر أولياء مصر ومفرج كل الكروب منذ عهد طويل. ويذكر من كراماته تحريره لأسرى المسلمين من أيدى النصارى ومن ثم سمى "مجيب الأسارى من بلاد النصارى" ويحتفل فى مصر بمولده ما لا يقل عن ثلاث مرات كل عام على الأقل تستلفت تواريخها نظر الباحثين فى تاريخ الأديان، فمن الواضح أن هذه الموالد تجرى وفقًا للتقويم القبطى أو بصفة عامة وفقًا للسنة الشمسية؛ فالمولد الكبير يحدث فى مسرى (أغسطس) والوسيط، ويسمى كذلك مولد "الشرنبلالى" فى برمودة (مارس - أبريل) والأصغر، ويسمى أيضًا مولد "الرجبى" أو"لف العمامة" فى أمشير (فبراير). وواضح أن موافقة وفاته عام 675 هـ لتاريخ مولد النبى [- صلى الله عليه وسلم -] من جهة، وحدوثها فى شهر أغسطس من

السنة الشمسية من جهة أخرى ليستا إلا صدفة، ومن الطبيعى أيضًا أن نتساءل: أليس تاريخ وفاة البدوى هذا مجرد استنتاج؟ ويجب أن نلاحظ أيضًا أن أعياد الربيع والخريف عند عرب الجاهلية هي فيما يرجح أساس تواريخ هذه الموالد. ولعل من المتعذر دحض هذا الفرض كما يقال من أن مولد الرجبى إنما سمى كذلك نسبة إلى رجل مجهول هو الشيخ رجب، وأن المولد الوسيط له أساس تاريخى سابق (على مبارك، ص 50، س 25 وما بعده). وبينما المولدان الأصغر والوسيط ليسا فى جوهرهما إلا سوقين كبيرين، فإن المولد الكبير - إذا تجاهلنْا أهميته التجارية- عبارة عن احتفال ديني سياسى بكل ما فى ذلك من معنى, تقدم فيه النذور وتقام الصلوات والدعوات والأذكار والحضرات وينتهى بركبة (أو ركوب) الخليفة فى جموع أتباعه للطواف فى أرجاء طنطا. وأتباع البدوى منتشرون فى جميع أرجاء مصر ويعرفون بـ "الأحمدية" وشارتهم العمامة الحمراء. والبيومية والشناوية وأولاد نوح والشعيبية فروع للأحمدية. ويعتبر أحمد البدوى منذ أمد طويل "قطبًا" هو وعبد القادر الجيلانى وأحمد الرفاعى وإبراهيم الدسوقى. ولا يفوتنا أن نذكر من كبار محبيه عبد الوهاب الشعرانى المتوفى عام 937 هـ (1565 م) وهو من أسرة مغربية كأحمد البدوى ولكنها استوطنت مصر. وقد لقب الشعرانى نفسه: "الأحمدى" نسبة إلى أحمد البدوى (Vollers. فهرس مكتبة لييسك، رقم 353)، وزار قبره أكثر من مرة، وأدخله فى عداد كبار الصوفية، واتصل به فى رؤاه. وفى إحدى هذه الرؤى وصف أحمد الشعرانى بأنه نور المتصوفة الذى لا يخبو، وأنه أخلص من يعتقد بعقده (Rev. Africaine جـ 14, سنة 1870, 299 م). ومن عجائب الحياة الدينية حقًا أن يتأثر رجل مثل الشعرانى بسحر البدوى مع أن البدوى دونه من الوجهتين العقلية والأدبية.

وبالجملة لا يمكننا إطلاقًا أن نفهم أهمية أحمد من الوجهة التاريخية إذا قصرنا دراستنا على شخصيته وحدها، ولكنا نستطيع ذلك إذا قلنا إنه -باعتباره من المتصوفة والأولياء- قد تركزت فيه شتى رغائب معاصريه وميولهم بل ورغائب الذين سبقوه وجاءوا بعده أيضًا. فقد أدخله الناس فى ميدان الأساطير من مناح عدة. وسبق أن ذكرت أن من المحتمل أن تكون تواريخ موالد أحمد بقية من أعياد الجاهلية. وأنا الآن أميل إلى الاعتقاد بأن النضال الذى ذكرناه بين أحمد البدوى وفاطمة بنت يرى والذى لم يفسر بعد، أعمق من أن يكون مقصورًا على ترويض امرأة. وقد لاحظ ماسبيروه Maspero وإيبرز Ebers وكولدسيهر Goldziher أن التوسل بأحمد خالطته عناصر مصرية قديمة. ونضيف إلى ما فى هذا التوسل من مظاهر تنافى الأخلاق لاحظها كولدسيهر. وإنى أميل إلى القول بوجود أثر أسطورى فى القصة التى رواها الشعرانى وغيره عن لثامى أحمد، إذ مسألة يومًا تلميذه وخليفته فيما بعد: عبد المجيد، أن يرفع لثامه ليرى وجهه فحذره قائلًا: "منظرة برجل" فلما أصر كشف له اللثام الفوقانى فصعق (قارن هذه القصة بالقصة التى تروى عن ابن جلا والتي لم يعرف العرب القدماء معناها ومبناها؛ الطبرى، ج 2، ص 864، س 2؛ ص 866، س 9؛ الكامل، طبعة رايت Wright، جـ 1، ص 128، س 18، ص 215، س 14؛ ابن يعيش، ص 73، س 12؛ البيضاوى، جـ 1، ص 299، س 25, Archiv. F. Religionswissensch, جـ 9، سنة 1906 م، ص 83، 177). وكانت الدعوات توجه لأحمد البدوى من جميع نواحى القطر المصرى، ولم تكن الموالد التى تقام له مقصورة على مدينة طنطا بل تعدتها إلى القاهرة فى كثير من الأحيان -عند الأحمدية مثلا، أضف إلى هذا أنها كانت تقام فى القرى الصغيرة أيضًا مثل برمبال (على مبارك، جـ 9، ص 37، س 24). ويصعب أن نتثبت مما إذا كانت الأضرحة والمقامات التى تنسب إلى السيد البدوى

تمت إليه حقيقة بسبب. فلقد اكتشفتُ ضريحًا ينسب للسيد البدوى بين "ترب الصحابة" بالقرب من أسوان، كما ذكر بورخارت Burckhardt وليًا بنفس الاسم قرب طرابلس بالشام (كتابه عن الشام، ص 166) وهناك ولى آخر بالقرب من غزة (Muh. Studien: Goldziher جـ 2، ص 328؛ Zeitscher. d. Deutschen، Palastiana - Vereins جـ 11، ص 152، 158). ويمكننا أن نعتمد إلى حد كبير على الروايات التى ذكرت عن السيد أحمد البدوى مع ما يشوبها من المسحة الأسطورية. وكل الروايات القديمة تتحدث عن أخ له يدعى حسنا عاش معه فى مكة ثم فارقه بعد هجرتهما إلى العراق. ونستطيع أن نستخلص مكانة أحمد فى القرن التاسع الهجرى (الخامس عشر الميلادى) من أن المقريزى وابن حجر العسقلانى قد خصا سيرته بفصلين (فهرس مكتبة برلين جـ 3, ص 218، 335، س 6؛ جـ 9، ص 483، 10101) وكذلك فعل السيوطى (حسن المحاضرة، طبعة القاهرة سنة 1299 هـ، جـ 1, ص 299 وما بعدها). أما الكلمة التى خصه بها الشعرانى فى طبقاته فتفيض بتبجيله وتقديره (الطبقات؛ الطبعة الحجرية، القاهرة سنة 1299 هـ، جـ 1، ص 245 - 251). وفى عام 1028 هـ (1619 م) صنف رجل من خدام مقام هذا الولى يدعى عبد الصمد زين الدين كتاب "الجواهر السُنّية (السَنيّة؟ ) فى الكرامات والنسبة الأحمدية"، وأورد فيه كل ما يستحق الذكر فى هذا الموضوع (انظر المخطوطات الموجودة فى مكتبات كوتا ولييسك وبرلين وباريس وهذا الكتاب طبع بالقاهرة بالحجر وبالحروف عام 1305 هـ إلخ .. ) ولم يعتمد هذا الكاتب فى مصنفه هذا على الكتب المذكورة فحسب بل أخذ أيضًا عن مصادر مجهولة علاوة على ما أخذه من أمثال أبى السعود الواسطى، وسراج الدين الحنبلى، ومحمد الحنفى، كما أخذ عن "نسبة" يونس (يقول البعض يوسف) ابن عبد الله المسمى بازبك الصوفى، وربما كان أزبك هذا هو صاحب "نسب البدوى" (ورقة

127) الذى لا يعلم مؤلفه (انظر فهرس الكتبخانة المصرية جـ 5، ص 167). ولقد تكلم عبد الصمد فى أول الكتاب عن حياة أحمد والمصادر التى اعتمد عليها ووصف إكرام خلفائه ومريديه له ثم تحدث عن وفاته وأورد مراثى إخوته وأخواته فيه وعقب على ذلك بكلامه عن مولده وكراماته ووصاياه وأضاف إليها قصائد عديدة قيلت فيه ورتبها على حروف المعجم، وهى لشهاب العلقمى، وشمس البكرى، وعبد العزيز الدرينى المتوفى حوالى عام 690 هـ (1291 م) وعبد القادر الدنوشرى وغيرهم، وختم الكتاب بحديثه عن مريديه وعن الكلمات الثمانى التى فاه بها السيد فى أول سنى حياته والتى أصبح بعدها "صماتًا". وهناك كتاب آخر أقل أهمية من كتاب عبد الصمد هو"النصيحة العلوية فى بيان حسن طريقة السادة الأحمدية" (انظر فهرس مكتبة برلين جـ 9، ص 484، 10164). لمؤلفه على الحلبى المتوفى عام 1044 هـ (1634 - 1635 م). وكان أكبر هم هذا الكاتب أن يمتدح زهد السيد البدوى ويطرى فقراءه. ويوجد غير هذين المصنفين مخطوط آخر (المتحف البريطانى، الملحق، رقم 639، ورقة 27 من المخطوط) لمؤلف مجهول يتحدث عن مناقب أحمد (انظر أيضًا، فهرس مكتبة برلين، جـ 9، ص 466، 10064، س 7، ورقة 3). وآخر كتاب طبع عن أحمد هو"النفحات الأحمدية والجواهر الصمدانية" لمؤلفه حسن رشيد الشهدى الخفاجى (القاهرة، سنة 1331 هـ، ص 316). وكتب كثير من المؤلفين عن أحمد مع غيره من الأقطاب، مثال ذلك ما كتبه محمد بن حسن العجلونى (حوالى عام 899 هـ = 1494 م، انظر فهرس مكتبة برلين، جـ 1، 60، 163) وأحمد بن عثمان الشرنوبى (حوالى عام 950 هـ = 1543 م، انظر أيضًا الفهرس المشار إليه آنفًا، جـ 3، ص 226، 3371). وهناك قصيدة قصيرة عن أحمد ترجع إلى عام 1175 هـ (فهرس مكتبة برلين. جـ 5، ص 29، 5432؛ جـ 7، ص 197، 8115،

3). وقد كتب عنه بعض الكتاب المتأخرين مثل على مبارك (جـ 13، ص 48 - 51) وهؤلاء اعتمدوا كثيرًا على الشعرانى وعبد الصمد (انظر Brock Modern Egyptians: E. w. Lane Gesch. d. arab. Litter: elmann جـ 1، ص 450). [فولرز K. Vollers] + أحمد البدوى، ويلقب بأبى الفتيان: أشهر ولى عند المسلمين بمصر، وظل هذا شأنه حوالى سبعمائة عام. ويطلق عليه الناس فى كثير من الأحيان لقب "السيد" فحسب. ولقبته أغنية قيلت فى تمجيده (طبعة ليتمان) بشيخ العرب لأنه كان يلبس لثامًا مثل بدو المغرب. وأحمد البدوى الصوفى يلقب بالقطب. والراجح أن أحمد ولد فى فاس سنة 596 هـ (1199 - 1200 م)، ويظهر أنه كان أصغر سبعة أو ثمانية من الأولاد، وكانت أمه تدعى فاطمة، واسم أبيه على (البدرى)، ولم تذكر صنعة أبيه، وكان نسبه يرفع إلى علي بن أبى طالب. وقد مضى أحمد وهو فى شرخ شبابه صحبة أسرته للحج إلى مكة، وبلغوها بعد أربع سنوات من الرحلة، ويقال إن ذلك كان بين سنتى 603 - 607 هـ (1206 - 1311 م)، وتوفي أبوه فى مكة، ويروى أن أحمد قد أحسن ركوب الخيل فى مكة حتى غدا فارسًا مغوارًا, ومن ثم لقب هناك، فى قول الروايات، بالعطاب والغضبان. وقد يكون لقبه "أبو العباس" تحريفًا وقع فى كتابة "أبى الفتيان"، ولعل اللقب أبا الفتيان فيه الكثير من معنى العطاب. ومن الألقاب التى لقب بها من بعد: "الصمات" و"أبو فراج" أى المحرر ويقصد بذلك محرر الأسرى. وحوالى سنة 627 هـ (1230 م) كابد أحمد تحولا باطنيا، فقد قرأ القرآن بالقراءات السبع ودرس شيئًا من الفقه الشافعي، وانقطع للعبادة ورفض عرضًا للزواج، واعتزل الناس وأخلد إلى الصمت لا يتكلم إلا بالإشارة. وتذهب بعض الروايات إلى أن أحمد رأى سنة 633 هـ (1236 م) ثلاث رؤى متعاقبات دعته إلى زيارة العراق، فشخص إليها صحبة

أخيه الأكبر حسن، وزار أحمد وأخوه قبرى الوليين القطبين أحمد الرفاعى وعبد القادر الجيلانى كما زار قبور غيرهما من الأولياء. ويقال إن أحمد استطاع وهو فى العراق أن يروض المرأة الجموح فاطمة بنت يرى التى لم تخضع من قبل لرجل، وقد عرضت عليه الزواج فأبى. وصيغ من هذه الحادثة قصة مغرقة فى الخيال والعاطفة بلغة العرب الدارجة، ولعل هذه القصة تعود إلى الأساطير المصرية القديمة. وفى سنة 634 هـ (1236 - 1237 م) رأى أحمد رؤيا أخرى دعته إلى الرحلة إلى طنطا بمصر، وعاد أخوه حسن من العراق إلى مكة. وفى طنطا دخل أحمد فى آخر وأهم فترة فى حياته، وقد وصفت طريقته فى الحياة على النحو الآتى: صعد أحمد فى طنطا إلى سطح دار من الدور الخاصة وظل قائما بلا حراك محملقًا فى الشمس حتى احمرَّت عيناه وتوقدتا كأنهما جمرتان. وكان يصمت أحيانًا فيطيل الصمت وينخرط أحيانًا فى صراخ متصل. وقد وجد الأولياء الذين كان الناس لا يزالون يقدسونهم عند وصول أحمد إلى طنطا (أمثال الحسن الإخنائى، وسالم المغربى ووجه القمر) أن أحمد قد أخملهم، ويقال إن معاصره السلطان الظاهر بيبرس المملوكى كان يقدره وأنه قبل قدميه، وقد قدم عليه فتى يدعى عبد العال عندما كان يبحث عن دواء يداوى به عينيه الموجوعتين، وأصبح هذا الفتى من بعد موضع ثقته وخليفته. ومن ثم كنى السيد البدوى فى الأدب الشعبيّ بأبى عبد العال. وتوفى أحمد فى الثانى عشر من ربيع الأول سنة 675 هـ (24 أغسطس سنة 1276 م). وقد ألف أحمد البدوى: 1 - حزبًا. 2 - مجموعة صلوات شرحها عبد الرحمن بن مصطفى العيدروسى بعنوان "فتح الرحمن". 3 - وصايا تتضمن عظات يغلب عليها الطابع العام. وخلفه بعد مماته عبد العال المتوفى سنة 733 هـ (1332 - 1333 م)، وقد

أقام عبد العال مسجدًا فوق قبره. وكان تقدير أحمد وزيارة قبره بطنطا يستنكرهما فى كثير من الأحيان العلماء ذوو الثقافة العالية وغيرهم من خصوم الصوفية. وكان بعض هؤلاء الخصوم ممن عارضوا التصوف بجميع أشكاله، وبعضهم من السياسيين الذين أبوا أن يتحكم الصوفية فى الناس. ونحن نسمع بمقتل خليفة للبدوى فى مناسبتين (ابن إياس، جـ 2، ص 61؛ جـ 3، ص 78). وفى سنة 852 هـ (1448 م) حمل العلماء وأهل الورع من السياسيين السلطان الظاهر جقمق على منع الزيارة إلى طنطا, ولكن الحكم الذى أصدره هذا السلطان لم يكن له من الأثر لأن الناس أبوا أن يتخلوا عن عاداتهم القديمة. والظاهر أن السلطان قايتباى كان من المعجبين بهذا الولى (ابن إياس، جـ 2، ص 217، 301). وقد تضاءلت فى عهد الحكم العثمانى مظاهر الأبهة التى كانت تلازم الاعتقاد فى الولى أحمد، ذلك أنها كانت تتعارض مع الأحكام التركية الشديدة. على أن هذا الاتجاه السياسى لم ينتقص من تقدير المصريين لأحمد. وتعد طريقة الدراويش الأحمدية التى أسسها هو من أهم الطرق الشعبية فى مصر هي والرفاعية والقادرية والبيومية. وكانت شعارات الأحمدية وعمائمهم حمرا. وللأحمدية فروع عدة مثل البيومية وغيرها. والمكان الذى يزار فيه أحمد هو مسجد طنطا الذى أقيم فوق قبره؛ ويقول عنه لين (An Account: E. W. Lane of the Manners and Customs of Modern Egyptians سنة 1846، جـ 1، ص 328): "والقبر فى أيام المواسم السنوية الكبرى يجتذب من القاهرة ومن غيرها من أنحاء الوجه البحرى الأخرى عددًا من الزوار يكاد يماثل ما يؤم مكة من الحجاج القاصدين من جميع أرجاء العالم الإسلامى". ويذهب كثير من الحجاج القاصدين مكة إلى طنطا أولًا، ومن ثم قيل إن أحمد هو"باب النبى". والموالد الثلاثة الكبرى التى تقام لأحمد هي: 1 - مولد فى السابع عشر أو الثامن عشر من يناير. 2 - مولد فى الاعتدال الربيعى أو حوالى ذلك. 3 - بعد مضى شهر تقريبًا من

الانقلاب الصيفى حين يزداد النيل زيادة كبيرة وقبل أن تفتح السدود أو القنوات. وهذه الموالد هي كما يقول لين: "أسواق كبيرة وأعياد دينية أيضًا" وتواريخها تحسب بالسنة القبطية، وأغلب الظن أن فى هذه الأعياد والزيارات رواسب من الشعائر المصرية القديمة والمسيحية. وتاريخ المولد الأول يطابق تاريخ عيد الغطاس عند المسيحيين. ويذهب كولدسيهر (Muh. Stud.: Goldziher، جـ 2، ص 338) إلى وجود صلة بين موالد طنطا والمواكب المصرية القديمة لبوباسطس التى وصفها هيرودوت. ولا تقام الموالد للسيد البدوى فى أماكن أخرى من مصر وفى القاهرة فحسب، بل تقام أيضًا فى القرى الصغيرة (انظر على باشا مبارك: الخطط التوفيقية، جـ 9، ص 37). ويُشك بعض الشك فى أن جميع الأضرحة التى تحمل اسم "البدوى" هي لأحمد. ومثل هذه الأضرحة نجدها بالقرب من أسوان، وفى سورية بالقرب من طرابلس (J.L. Burchkardt: Syria ص 166) وفى غزة (Goldziher: Muh. Stud. جـ 2، ص 338؛ Zeitschrift des Deutschen Palastinavereins؛ جـ 11، ص 152, 158). وثمة كثير من الروايات تروى فى مصر عن أحمد البدوى: منها كرامات وهو بقيد الحياة، وكرامات تأتى من قبره؛ وكرامات تجعله يحيى الموتى؛ وكرامات يخص بها أولئك الذى يحيون موالده. وتدل الأغنية التى سجلها ليتمان (انظر المصادر) فى القاهرة عن مبلغ اعتقاد كثير من الناس فيه حتى اليوم. وفى هذه الأغنية تروى كرامات لأحمد لا يكاد يصدقها العقل. ويقال أيضًا إنه بدأ يتكلم من يوم أن ولد، وإنه كان أكولًا لا حد لنهمه، وقد اشتهر خاصة برد الأسرى والمفقودين والأمتعة، ومن ثم لقب، "جايب اليسير" أى جالب الأسير، وإذا نادى مناد عن فقد طفل أو حيوان أو متاع استغاث بأحمد البدوى؛ ويذكر سبور (Spoer فى Zeitscher. der Deutsch. Morgent. Ge

سنة 1914 م، ص 243) خبر كرامة لهذا الولى وقعت فى فلسطين. المصادر: التراجم: (1) المقريزى، مخطوط، برلين 3350، رقم 6. (2) ابن حجر العسقلانى، مخطوط برلين 10101. (3) السيوطى: حسن المحاضرة، القاهرة سنة 1299 هـ، ج 1، ص 229. (4) الشعرانى طبقات الصوفية، القاهرة سنة 1299 هـ ج 1، ص 245 - 251) وكان الشعرانى من المعجبين بالولى، وقد لقب نفسه بالأحمدى" انظر Call. Leipzig: Vollres رقم 353). (5) عبد الصمد زين الدين: الجواهر السنية فى الكرامات الأحمدية، وقد طبع مرارًا (وهذا المصنف الهام الذى كتب عام 1028 هـ = 1619 م، يستشهد بكتب أخرى مفقودة علاوة على الكتب التى ذكرنا). (6) على الحلبى المتوفى سنة 1044 هـ = 1634 - 1635 م: النصيحة العلوية فى بيان حسن طريقة السادة الأحمدية، مخطوط، برلين 10104. (7) حسن راشد المشهدى الخفاجى. النفحات الأحمدية، القاهرة سنة 1321. (8) قصة سيدى أحمد البدوى وما جرى له مع الثلاثة الأقطاب. (9) قصة السيد البدوى مع فاطمة بنت برى وما جرى بينهما من العجائب. (10) قصة السيد البدوى مع فاطمة بنت برى وما جرى لهما من العجائب والغرائب (والمصنفات الثلاثة الأخيرة رسائل صغيرة طبعت فى القاهرة؛ والثانية والثالثة منهما متنهما متماثل إلى حد كبير). والسيد البدوى يُتناول كثيرًا بالجمع بينه وبين أقطاب آخرين مثل. (11) محمد بن حسن العجلونى (حوالى عام 899 هـ = 1494 م) مخطوط ببرلين رقم 163.

أحمد جودت باشا

(12) وأحمد بن عثمان الشرنوبى (حوالى عام 950 هـ - 1543 م)، مخطوط ببرلين رقم 337. (13) وثمة قصيدة قيلت فى أحمد، برلين رقم 5432، 8115/ 3. (14) على مبارك: الخطط الجديدة، ج 13، ص 48 - 51، وجل اعتماده على الشعرانى وعبد الصمد. (15) وقد نشر ليتمان Littmann وترجم: "مديح السيد البدوى وبيان كراماته العظيمة" بعنوان- il Ahmed Ein Leid auf den and Agypitichen Natingen heilonal Badawi، ماينز سنة 1950 م. (16) Brockelmann، ج 1، ص 450؛ قسم 1، ص 808. خورشيد [فولرز وليتمان Littmann - Vollres] أحمد جودت باشا من علماء الترك البارزين وسياستهم وهو من أسرة لقبت بقطاع الرقاب أصلها من قرن كليسا، ثم استوطنت لوفجه (جنوبى بلونة) منذ أوائل القرن الثامن عشر، وحارب أحد أجداده بطرس الأكبر عند نهر بروث، واشتغل جد آخر بالإفتاء وقد حج أبوه وجده إلى مكة، وولد أحمد جودت عام 1238 هـ (1822 - 1823 م) وتعلم مبادئ العلوم الإسلامية فى مسقط رأسه، ولكن سرعان ما اجتذبته الأستانة التى كانت مركز النشاط العقلى عام 1255 هـ (1839 - 1840 م) ودأب على الدرس واستغرق فى علم الكلام، والفلسفة، والأدب العربى، والرياضيات، وطبقات الأرض، وعلم النجوم، كما حذق الفارسية على أيدى الدراويش والشاعر فهمى؛ وبعد أن درس مدة أربعة أعوام فقط -وهى فترة عجيبة فى قصرها- جاز الامتحان بتفوق، ومنكنه أن يجد لتوه عملا، وأن يتقاضى أجرًا؛ وحصل بعد ذلك بمدة قصيرة على إجازة مكنته من القيام بالتدريس فى أحد مساجد العاصمة التركية، وما إن أتم شرح ديوان صائب حتى استطاع أن يدخل فى سلك التدريس بمصلحة المعارف، كما استطاع أن ينال منصب مدير حلقات البحث فى المدارس المتوسطة العامة.

واشترك مع مولاه فؤاد فى البعثة المشهورة إلى بخارست عام 1448 م، وبعد عودته كتب هو وفؤاد -وكانا فى بروسة- القواعد العثمانية التى تعتبر أساس النحو فى اللغة التركية، وترجمها إلى الألمانية (كلكرن، هلسنكفورث عام 1855 م)، ثم صحب فؤاد هذا فى رحلة قصيرة إلى مصر. وفى عام 1270 هـ (1853 - 1854 م)، أى خلال حرب القريم، كلفه السلطان عبد المجيد كتابة تاريخ عام للأتراك من صلح كوجوق قينارجه إلى القضاء على الإنكشارية (من عام 1826 - 1774 م). واستطاع أن يقدم لمولاه فى العام التالى المجلدات الثلاثة الأولى التى كتبها فى عبارة طلية وأسلوب حماسى فكافأه على ذلك بتعيينه مؤرخًا للدولة، كما كافأه على مصنفه الثانى "المعاملات الإسلامية" - الذى ظهر بعد ذلك بعامين بعنوان "النص الثابت" والذى قوبل عند ظهوره بالتهليل والإكبار - بأن عينه عضوًا فى هيئة العلماء التى كانت تقوم فى ذلك الوقت بتنقيح القانون المدنى كما أقامه ناظرًا على لجنة الأملاك. ولازمه التوفيق فأخذ يتدرج فى المناصب العالية، نخص بالذكر منها منصب الوزارة الذى ضحّى من أجله بلقب مؤرخ الدولة عام 1281 هـ (1864 - 1865 م) ومنصب رئيس اللجنة التى كانت وظيفتها تنقيح القانون المدنى (1284 هـ) تلك اللجنة التى ظهر نشاطها عند توليه رياستها وقد ولى حكم حلب وبروسة ومرعش ويانينا على التعاقب، وأصبح بعد ذلك واليًا على الشام مرتين، ثم ناظرًا للمعارف ثلاث مرات، ثم ناظرًا للحقانية مرتين، والداخلية والتجارة مرة، ثم وكيلا للمجلس المخصوص. وخير عمل قام به كان فى أثناء نظارته للمعارف، إذ أدخل الروح العصرية فى المدارس العامة. وبعد أن اعتزل مناصب الحكومة قضى بقية حياته الطويلة موفور الصحة والنشاط مشغوفا بالقراءة التى كان ينفق فيها جل وقته, حجم التواضع وقد دلتنا مؤلفات أبنائه وبناته على أنه كان أبا مخلصًا وقضى نحبه بعد مرض لم يمهله طويلا فى بيته الريفى فى ببك على شاطئ البسفور فى ليلة الخامس والعشرين من مايو عام 1859 م.

وله -إلى جانب مصنفه القواعد العثمانية الذى ظل ينشر كاملا وملخصًا فى طبعات منقحة على الدوام- مصنفان لغويان آخران يستحقان الثناء هما "معيار سداد" و"آداب سداد" وهما مقدمتان فى الأسلوب الأدبى. وكان يجيد اللغة العربية والفارسية قراءة وكتابة كاللغة التركية سواء بسواء، كما كان يحذق الفرنسية والبلغارية، وقد بقى القليل من أشعاره وهى تمتاز بالبساطة، وإن كانت أقرب إلى الصناعة منها إلى الشاعرية على الرغم من خلوها من الأخطاء. وقد أكمل وطبع أثناء نظارته الثانية للحقانية (1293 - 1294 هـ - 1876 - 1877 م) أكبر عمل قضائى فى عصره وهو القانون المدنى التركى. واشتهر أحمد جودت خاصة بالتاريخ]. ففي أواخر عهد السلطان عبد العزيز وعند ما لهجت الأفواه جميعًا بالثناء عليه أتحف أحمد جودت الشعب التركى بألمع درة فى عالم المصنفات الشرقية ألا وهى "قصص الأنبياء وتاريخ الخلفاء" وهو مصنف ختمه بمقتل الخليفة عثمان وكل من يحاول فى الوقت الحاضر دراسة الأدب القومى -ولو كان يعيش فى أقصى الأقاليم التركية- عليه أن يبدأ أولا وقبل كل شئ بقراءة هذا الكتاب ولكن المصنف الذى خلد اسمه فى عالم التأليف حقا هو كتابه فى تاريخ تركية المسمى "وقائع دولت عليّه" الذى تناول فيه الحوادث من عام 1188 - 1124 هـ (1774 - 1825 م) ويقع فى اثنى عشر مجلدًا طبعت الطبعة الأولى منه فى الأستانة عام (1271 - 1301 هـ) وتكرر طبعه فيما بعد، ما ظهرت الطبعة الأخيرة منقحة تنقيحًا سياسيًا. ولم يعتمد أحمد جودت فى تاريخه على المحفوظات الرسمية فحسب، بل اعتمد أيضًا على مؤرخى الدولة أمثال واصف وأنورى وأديب ونورى ويرتو وعاصم وشانى زاده، كما اعتمد فى بعض المناسبات على المؤرخ العربى الكبير الجبرتى وغيره. وبالرغم من أنه كان يكتب فى عصر سيطرت فيه فرنسا على نصف القارة

الأوربية فإنه لم يرجع إلى أى مصدر فرنسى سوى مذرات نابوليون التى كتبها فى سانت هيلانة وأعاد صياغة مصنفات أسلافه، بيد أنه كان مستقلا فى الرأى إلى حد أن سرده للحوادث كان يتسم بطابع عبقريته وعقله الناضج وفى أثناء حكم عبد المجيد وعبد العزيز تمكن أحمد من الرجوع إلى المحفوظات الرسمية، ولكن يلوح لنا أنه لم يرجع إليها فى تأليفه المجلدات الثلاثة الأخيرة. كما نستطيع أن نقول بصفة عامة إنه رتب الحوادث ترتيبًا زمنيًا، ولو أنه كان من المهارة بحيث لم يمزج الحروب بالحوادت المحلية مزجًا عشوائيا فى سبيل المحافظة على الترتيب الزمنى. ولم يكن أسلوبه مشرقا، بل سار فى المجلدات الخمسة الأولى على طريقة المؤرخين القدماء فكان أسلوبه خطابيًا فخما ثم تنحى عن هذأ الأسلوب فجأة فى أوائل المجلد السادس، فتوخى البساطة التى بدأ الكتاب يتوخونها فى هذا العصر. على أننا نستطيع أن نعتمد على هذا المصنف بوجه عام، وكان يذكر فى إلماته السريعة بالقرون الماضية حوادث ليست بذات بال ويجعل منها غزوات موفقة وانتصارات حاسمة فى حين أنه مرّ مر الكرام على هزيمة الترك المنكرة التى كان من نتائجها ضياع المجر بأجمعها من أيديهم ولكننا نستطيع مع ذلك أن نغتفر له مثل هذا التجاهل إذا أخذنا المؤرخ تاكيتوس Tacitus نموذجا ومثالا. وكان أحمد جودت باشا مقتنعًا تمام الاقتناع بفائدة دراسة التاريخ فى التربية فهو يحذر مواطنيه دائمًا من فساد الإدارة عند الشرقيين، كما كان يوجه اهتمامه إلى عهود التقدم مهما تضاءلت يستعرضها فى إيجاز بليغ ويجعل منها وسيلة لإنهاض وطنه؛ يظهر هذا بصفة خاصة فى أفكاره القيمة التى وردت كثيرًا فى المجلدات الخمسة الأولى، ولعل أكثر ما كان يضجره هذا الانتقال الفجائى من الركود التام إلى النشاط العجيب الذى كان يتمثل جليًّا فى القرون الماضية وليس هناك شخص تأخذه الحماسة لانتصارات العلم أكثر من أحمد جودت باشا كما أنه يفيض وطنية عندما يشيد

بما قامت به تركية من فتوح فى ميدان الحضارة، كالفصل بين السلطات الحربية والمدنية الذى تم فى القرن التاسع عشر، وتركيز الإدارة وإصلاح العملة على يد الدولة. أما فى ميدان السياسة الخارجية فلم يكن هناك شئ أكثر تأثيرا فى نفسه من أن يرى تركية تتحالف مع النمسا على روسا، لأن هاتين الدولتين وكلتاهما من الجنس الذى تمتزج فيه الدماء الصقلبية بغيرها، ليس أمامهما سوى الاتفاق بدل التنابذ إذا أرادنا أن تواجها طغيان فكرة الجامعة الصقلبية. ونذكر أيضًا من مصنفات أحمد جودت باشا بصفة خاصة بيان العنوان، ومعلومات نافعة، وتقويم الأدوار، ثم إتمامه لترجمة ابن خلدون إلى التركية. المصادر: (1) جمال الدين وأحمد جودت: عثمانلى تاريخ ومؤرخلرى، الأستانة سنة 1341 هـ. (2) إسماعيل حقى: كتَّاب الترك فى القرن الرابع عشر، سنة 1308 هـ (3) جورجى زيدان: مشاهير الشرق ب 2، ص 153 وما بعدها [سوسهايم K. Sussheim]. 1 - أحمد جودت باشا: من أئمة الكتَّاب ورجال الدولة العثمانيين، ولد فى 28 جمادى الآخرة سنة 1237 هـ (22 مارس سنة 1822 م) فى لوفجه (لوفك) بشمالى بلغاريا حيث كان أبوه حاجى إسماعيل أغا عضوًا فى مجلسها الإدارى وكان أقدم جد له معروف قد نبت فى قوقلرى (قرق كليسا)، واستقر فى لوفجه بعدأن اشترك فى حملة نهر بروث سنة.1711 م وقد أظهر أحمد فى سن باكرة مقدرة خارقة وجلدا عجيبًا، فلما بلغ سنة 1839 م سن السابعة عشرة أرسل إلى "مدرسة" فى إستانبول ليمضى فى تعليمه وهناك تابع أحمد مناهج "المدرسة" التقليدية ولم يكتف بدراسة الرياضيات الحديثة بل صرف وقت فراغه أيضًا فى دراسة الفارسية على الشاعر سليمان فهيم وشرع هو نفسه فى نظم الأشعار

بالأسلوب التقليدى ومن فهيم تلقى اسمه الشعرى (مخلص) جودت وأضافه من ثم إلى اسمه. وحصل أحمد على الإجازة (إجازت) التى تبيح له الالتحاق بالسلك القضائى، ثم تقاضى أول مرتب له ولكنه لم يعين رسميًا فى منصب القاضى إلا سنة 1260 هـ (1844 - 1845 م). وعندما تسنم مصطفى رشيد باشا أريكة الصدارة العظمى سنة 1846 م، وطالب بأن يشغل منصب شيخ الإسلام عالم واسع الأفق مزود بالقدر اللازم من العلم بالشريعة الذى يؤهله لأن يضع على خير وجه مشروعات القوانين والنظم (نظامنامه) التى فكر فى إصدارها، وقع اختياره على جودت ومن يومها إلى حين وفاة رشيد باشا مضت أربع عشرة سنة ظل فيها جودت وثيق الصلة به لقد أقام فى منزله وغدا مؤدبا لأولاده وفى هذه الأثناء تعرف أحمد أيضًا بعالى باشا وفؤاد باشا، واضطلع بفضل نفوذ رشيد بمهام سياسية وإدارية وفى أغسطس سنة 1850 م حصل على أول وظيتفة بالمعنى الصحيح إذ أقيم ناظرًا لدار المعلمين وعضوا فى مجلس المعارف (مجلس معارف) بوصفه كبير كتاب عصره. وفى أثناء نظارته لدار المعلمين التى انتهت فيما يبدو فى السنة التالية حقق جودت إصلاحات فى دخول الدار والإنفاق على الطلبة الذين يلتحقون بها وامتحاناتهم. وقد كتب بوصفه كاتب سر مجلس المعارف تقريرا أدى إلى إنشاء "أنجمن دانش" فى يولية سنة 1851 م التى كرس جهده لخدمتها بعد أن صحب فؤاد باشا فى زيارته الرسمية لمصر فى مارس سنة 1852 م، وبدأ خير كتبه: "تاريخ وقائع دولت عليه" الذى أتم المجلدات الثلاثة الأولى منه أثناء حرب القريم تحت رعاية هذه الجمعية، ولما قدم هذه المجلدات إلى السلطان عبد المجيد رقى إلى رتبة السليمانية وفى فبراير سنة 1855 م عين مؤرخا للدولة (وقعة نويس) وفى سنة 1856 م أقيم "ملآ" لغلطة. وفى سنة 1857 م نال رتبة بك فى السلك القضائى وفى هذه الأثناء أى وقت

الحرب، عين عضوا فى لجنة ألفت لوضع كتاب عن أحكام الشريعة فى المعاملات التجارية، على أن هذه اللجنة حلت بعد أن نشرت كتاب البيوع فقط. وفى سنة 1857 م ألحق بمجلس التنظيمات وتولى الصدارة فى وضع قانون (قانوننامه) جنائى جديد، وشارك بوصفه رئيسا لـ "أراضى سيئة قومسيونى" فى وضع قانون (قانون ننامه) عن الـ "تابو" (وهى ضريبة زراعية). ولما توفى رشيد باشا سنة 1858 م اقترح عالى باشا وفؤاد باشا على جودت وجوب تركه سلك العلماء والانتقال إلى سلك الحكومة بقبوله منصب والى ودين على أنه لم يخط هذه الخطوة إلا بعد ذلك بثمانى سنوات أخرى، وإن كان فى هذه الأثناء قد كلف مرتين ببعثتين إداريتين "مندوبا فوق العادة" الأولى فى خريف عام 1861 م إلى إشقودرة، والثانية (صحبة قائد يلى أمر فرقه) فى صيف سنة 1865 م إلى قوزان فى إقليم طوروس لتهدئة الخواطر فى هذه المناطق بإدخال الإصلاحات المطلوبة. وقد بلغ من نجاحه فى البعثة الأولى أن أرسل فى مارس 1863 م "مفتشا" إلى البوسنة مع منحه رتبة قضائية هي "قاضى عسكر" الأناضول، وهناك نجح مرة أخرى نجاحا مشهودا فى إعادة النظام وذلك فى الثمانية عشر شهرا التالية. وفى أثناء هذه المدة عين أيضًا عضوا فى لجنة إصلاح الجريدة الرسمية "تقويم وقائع" ثم عضوا فى "مجلس والا". وقد ترك أحمد جودت سلك العلماء فى يناير 1866 م عندما اعتزل منصب "وقعة نويس"، واستبدل برتبة "العالم" مرتبة الوزارة" وأقيم واليا لولاية حلب طبقا لتشكيلها الجديد بمقتضى قانون "الولايات"، على أنه استدعى إلى قضية البلاد فى فبراير سنة 1868 م ليلى رئاسة "ديوان أحكام عدلية"، وهو إحدى الهيئيتين اللتين حلتا وقتذاك محل "مجلس والا" و"شوراى دولت" ويرجع معظم الفضل فى استحداث المحاكم النظامية إلى الجهود التى بذلها جودت وهو يلى رئاسة الديوان المذكور كما يرجع إلى تلك الجهود انقسام هذا الديوان بمرور

الزمن إلى "محكمة تمييز" و"محكمة استئناف" وجعل رئاسته وزارة وقد حدث فى المدة الأولى لتوليه وزارة العدل أن وضع منهجا قضائيا يدرسه القضاة فى الوزارة لزيادة تثقيفهم وتحسين الإجراءات القضائية كما بدأ فى وضع مجموعة قوانين على أساس الفقه الحنبلى تحت رعاية جمعية ألفت لهذا الغرض وقد عمد جودت فى الحصول على الموافقة على وضع هذه المجموعة التى تقوم على الأحكام الإسلامية إلى الاستعانة بفؤاد باشا وشرووانى زاده رشدى باشا لمواجهة معارضة عالى باشا الذى كان يؤيد اقتباس القانون المدنى الفرنسى. وظل جودت باشا (وكان قد منح لقب الباشوية وقتئذ) وزيرا للعدل حتى نهاية أبريل سنة 1870 م، وما وافى هذا التاريخ حتى كان قد أتم نشر أربعة مجلدات من المجلة على أنه ما إن أتم المجلد الخامس حتى كان قد صرف عن الوزارة ولو أنه أقيم واليا على بروسه، ثم لم يلبث أن صرف عن هذا المنصب أيضًا وبقى جودت بعيدا عن الوظائف حتى أغسطس من العام التالى، وهنالك دعى إلى رئاسة الجمعية المشرفة على وضع مجموعة القوانين (المجلة) ومصلحة التنظيمات من "شوراش دولت" وفى غضون هذه الفترة نشر المجلد الخامس من المجلة، كما نشر المجلد السادس الذى لم يكن لجودت فيه يد وكانت المآخذ على هذا المجلد هى السبب الأكبر فى استدعائه، فبادر لتوه إلى استدراك ذلك بإصدار نسخة جديدة، ومن هذا التاريخ حتى نشر المجلدات الأخيرة من المجلة، استمر جودت يشرف على وضع مجموعة القوانين، ولو أنه استخدام أيضًا فى مناصب هامة شتى، بعضها فى الولايات. وكان من أهم هذه المناصب تعيينه فى أبريل سنة 1873 م وزيرا للمعارف، وقد حقق وهو يلى هذه الوزارة إصلاحا فى المدارس الابتدائية للصبيان (صبيان مكتبلرى)، ووضع مناهج للمدارس الرشدية وللمدارس الإعدادية التى كانت بعد فى دور التكوين، وهى خطوات استوجبت تأليف كتب زولية جديدة للتعليم كتب بنفسه ثلاثة منها على أنه حدث بعد تعيين حسين عونى باشا صدرا أعظم -وكان

حسين فيما يظهر يتدبر من قبل فى خلع السلطان عبد العزيز- أن أقيم جودت واليا على يانينا فى الثانى من نوفمبر سنة 1874 م لإبعاده عن قصة الدولة على اعتبار أنه من المعارضين المحتملين لهذه الحركة، ولم يرد جودت إلى منصبه الأول إلا فى يونيه من العام التالى عقب سقوط حسين عونى وفى نوفمبر سنة 1875 م عين للمرة الثانية وزيرا للعدل وحقق بذلك نقل المحاكم التجارية إلى وزارته وكانت حتى ذلك الحين تابعة لوزارة التجارة. ولكنه أثار سخط محمود نديم باشا أثناء توليه الصدارة العظمى للمرة الثانية، بمعارضته له فى منخه امتيازات جمركية للرأسماليين الأجانب فأرسل جودت أولا فى جولة تفتيشية بالروملّى فى هارس سنة 1876 م، ثم أقيل من وزارة العدل وكان على وشك المضى إلى الشام واليا عليها؛ وإذا بمحمود نديم يسقط من الصدارة العظمى ويدعى جودت لتولى وزارة المعارف للمرة الثالثة. ولم يكن لجودت أى شأن فى عزل السلطان عبد العزيز الذى وقع فى آخر هايو، ولما جلس السلطان عبد الحميد الثانى على العرش عاد جودت فى نوفمبر إلى وزارة العدل وهنالك استفحلت الوحشة بين مدحت باشا وبينه وتأصلت نتيجة لما عدّه مدحت موقفا رجعيا من جودت حيال الدستور أثناء المناقشات التى كان قد بدأ جودت يساهم فيها: ومع ذلك فإن مدحت قد أبقى جودت فى منصبه طوال توليه الصدارة العظمى، ولم يترك هذا المنصب إلى وزارة الداخلية المنشأة حديثاً إلا بعد سقوط مدحت وحلول ساقزالى أدهم باشا محله وظل جودت وزيراً للداخلية خى اقتربت الحرب بين تركية والروسيا من النهاية سنة 1877 م، وكان يعارض تورط الباب العالى فيها، وتولى وزارة الأوقاف الشاهانية مدة قصيرة ثم أقيم للمرة الثانية واليًا على الشام. وقضى جودت فى الشام تسعة أشهر اكتسب خلالها معرفة خاصة

بهذه المنطقة وأخمد بشخصه فتنة أخرى فى قوزان. وفى ديسمبر من السنة نفسها حل محله مدحت، واستدعى جودت إلى الآستانة ليلى أمر وزارة أخرى أيضًا هى وزارة التجارة، ولما صرف الصدر الأعظم خير الدين باشا عن منصبه فى أكتوبر سنة 1879 م تولى جودت باشا رئاسة مجلس الوزراء عشرة أيام، ولما تولى الصدارة كوجوك سعيد باشا عين جودت للمرة الرابعة وزيرًا للعدل. وكانت هذه المرة بعدُ هى أطول مرة شغل فيها المنصب إذ قضى جودت فيه ثلاث سنوات وقد أحيل مدحت للمحاكمة فى عهد ولايته لهذه الوزارة، وكان أحمد فيما يظهر قد اتهمه من قبل بممالأة النصارى عن خيانة، على أن الظروف جعلته يتنكب طريقه، ذلك أنه كان فيما سبق رئيسا للقوة التى نيط بها القبض على مدحت وإشخاصه إلى الآستانة، وقد اقتضاه ذلك أن يسافر شخصيًا إلى أزمير فى شأن هذه المهمة. وانتهت ولايته الرابعة لوزارة العدل فى نوفمبر سنة 1882 م بتعيين أحمد وفيق باشا صدر، أعظم ولم يرد إلى منصبه هذا فيليه للمرة الأخيرة إلا فى يونية سنة 1886 م، وقد شغله هذه المرة أربع سنوات؛ اختير خلالها أيضًا عضوًا من ثلاثة أعضاء فى المجلس الخاص الذى ألفه السلطان عبد الحميد لمناقشة المشاكل السياسية، كما رأس لحجنة أقيمت لوضع فرمان يشمل شتى التعديلات فى النظم الخاصة بحكم كريت بعد إخماد فتنة سنة 1989 م وفى مايو سنة 1890 م استقال من الوزارة للخلافات التى قامت بينه وبين الصدر الأعظم كامل باشا وفى أثناء السنوات الثلاث عشرة الباقية من حياته -وقد قضى تسعا منها معتكفا- صرف جودت جل اهتمامه إلى التأليف بشتى ضروبه بما فى ذلك كتابة المجلدات الأخيرة من تاريخه وتوفى أحمد فى 25 مايو سنة 1895 م، بعد مرض قصير فى قصره (يالى) فى ببك. وقد كشف جودت فى سلوكه وفى أعماله عن مزيج عجيب من التقدمية

والمحافظة فبينما هو ينادى دائمًا بزيادة تنوير أفهام المجتمع العثمانى، ويستنكر بشدة أى مظهر من مظاهر الجهل والتعصب وحب الذات بين الطبقة الحاكمة، إذ بنظرته تتأثر فى جوهرها بالتعليم الذى تلقاه فى "المدرسة" ومن ثم نجده فيما كتب أيام صدر حياته ينتقد ما فى معاصريه من وجوه النقص بنغمة مأمولة، على حين يكشف فى خريف حياته عن خيبة أمله فى التنظيمات بلغة مرة فى كثير من الأحيان. وربما بدا لنا أن السبب فى هذا التبدل فى نظرته يرجع فى بعضه على الأقل إلى صدامة مع مدحت الذى كان يجابهه خاصة بالسخرية من عجزه فى اللغة الفرنسية ومن ثم قصوره فى معرفة الفكر الأوربى. ولذلك يظهر أنه كان تحت رحمة الظروف على تفاوت فى شدتها، بل كان فوق ذلك كله واقعًا تحت سيطرة الدور الخسيس الذى لعبه فى محاكمة مدحت، باتخاذه موقفًا رجعيًا يتسق تمام الاتساق مع الروح التى كانت تسود نظام الحكم الحميدى، وكتب التاريخ هى أهم الكتب العديدة، التى ألفها جودت وثمة ثلاثة من تواريخه تستحق الذكر خاصة بصرف النظر عن كتابه "قصص أنبيا وتواريخ خلفا" وهو مصنف تعليمى فى 12 مجلدًا (يبدأ بآدم وينتهى بالسلطان مراد الثانى) وقد صنفه فى آخر حياته؛ و"قريم وقوقاز تأريخجه سى" (يعتمد فيه جل الاعتماد على "كلبون وخانان " لحليم كراى" وهذه التواريخ هى: (1) تاريخه المعروف عامة باسم "تاريخ جودت" وهو أيضًا فى 12 مجلدًا تشمل الفترة من سنة 1774 م إلى سنة 1826 م (أى من معاهدة كوجوك قينارجه إلى إلغاء الإنكشارية)، وقد مضت ثلاثون سنة بين بدئه فيه وانتهائه منه، تغيرت فى أثنائه نظرته بالتغيرات المعاصرة الكبرى التى طرأت على الحياة العثمانية ويتمثل هذا بخاصة في اصطناعه ابتداء من المجلد السادس أسلوبًا أبسط وأقل تمسكًا بالتقاليد وقد التزم جودت بخطة الكتاب الأصلية فى معظم الطبعات المختلفة

التى خرجت إلى الناس وهو ماض فى تأليفه مع إدخال تصويبات عليها وإضافة زيادات ولكن الكتاب كله قد تغير تغيرًا أساسيًا فى طبعته الأخيرة (ترتيب جديد) التى تمت ما بين سنة 1885 م وسنة 1891 - 1892 م، فأصبح المجلد الأول كله مقدمة (2) "تذاكر جودت" وهى مجموعة من المذكرات كتبها عن الحوادث المعاصرة بوصفه مؤرخ الدولة (وقعة نويس)، وسلم معظمها لخلفه لطفى، ولم يبق مما سلمه إلا أربع تذكرات، نشرت فى تاريخ عثمانى (تورك) تاريخى أنجمنى مجموعة سى (الأعداء من 44 - 47) وفى يكى مجموعة (ج 2، ص 454).، والمذكرات التى استبقاها محفوظة بالخط فى "شهر وانقلاب موزه سى" بإستانبول، وقد كان عليها اعتماد ابنته فاطمة عليه خانم فى كتابها: "جودت باشا وزمانى" (3) مصنفه "معروضات" وهو سلسلة طويلة من الملاحظات رفعها إلى السلطان عبد الحميد بناء على طلبه، ويتناول فيها حوادث الفترة من سنة 1839 م إلى سنة 1876 م، فى خمسة أجزاء، وقد نشرت الأجزاء الثانى والثالث والبرابع فى "تاريخ عثمانى (تورك) تاريخى أنجمنى مجموعة سى" (الأعداد 78 - 80 - 82، 84، 87 - 89، 91 - 93)، واتضح. أن الجزء الأول فقد أما الجزء الخامس فيتحدث عن مصير عبد العزيز. وآثار جودت الأدبية الخالصة ترجع إلى الأيام التى قضاها فى "المدرسة" وليس لها إلا شأن قليل. ومعظم الأشعار التى جمعها بناء على رغبة السلطان عبد الحميد فى ديوان (ديوانجه) نظمت فى ذلك الوقت المبكر. وأهم من هذه الآثار ما كتبه فى نحو اللغة التركية: "قواعد عثمانية" (كتب النسخة الأولى منه بالاشتراك مع فؤاد باشا سنة 1850 م)؛ وله مقدمة لهذا الكتاب كتبها لصبية المدارس الإبتدإئية سماها "قواعد تركية" (1292 هـ = 1875 م) ومصنفاته الأخرى هى: بلاغت عثمانيه" وهو كتاب فى أوليات

البلاغة ألفه لطلبته فى مدرسة الحقوق؛ "تقويم أدوار" (1387 هـ -1870 - 1871 م) أثار فيه لأول مرة مسألة إصلاح التقويم؛ إكماله للترجمة التى قام بها بيرى زاده محمد صائب لمقدمة ابن خلدون إلى اللغة التركية، وقد تأثر بها جودت كثيرًا فى كتاباته فى التاريخ؛ وكان جودت أيضًا هو الباعث على نشر مجموعة القوانين المعروفة بالدستور ما بين سنتى 1862 - 1863 م؛ وكذلك كانت له الصدارة، كما بينا من قبل، فى وضع "مجلة أحكام عدلية". المصادر: (1) إسلام أنسيكلوييدياسى، مادة جودت باشا بقلم على أولمز أوغلى (2) أبو العلا ماردين: مدنى حقوق حبهه سندن أحمد جودت باشا، إستانبول أو نيفرسته سى حقوقه فاكولته سى مجموعه سى، سنة 1947 (3) محمود جواد: معارف أميّه نظارتى تاريخيه تشكيلات وإجراءات، ج 1، ص 47، 52، 128، 136 - 139، 149، 163 - 173 (4) عثمان إركين: تركيا معارف تاريخى" ص 316، 317، 319، 370 - 371، 390 - 391 (5) ابن الأمين محمود كمال عنان: صوك تورك شاعرلرى، ص 236 - 240. (6) الكاتب نفسه: عثمانلى دورنده صوك صدر أعظملر، ص 345، 355، 387. (7) أ. أوزون جارصيلى: مدحت ورشدى باشلرك توقيفلرينه داير وثيقة لر" الفهرس (8) م. ز. باك آلين: صوك صدر أعظملر وباشو كيللر، ج 1 - 2، الفهرس (9) جرجى زيدان: تراجم مشاهير الشرق. خورشيد [بوون H. Bowen]

أحمد بن طولون

أحمد بن طولون مؤسس الدولة الطولونية وهو أول ولاة مصر والشام الذين لم يكونوا تابعين للخلافة إلا بالاسم، وقد حذا حذوه مؤسسو جميع الدويلات التى قامت على أنقاض الخلافة. وكان أبوه طولون واحدًا، من الرقيق الذين جلبوا إلى بلاط بغداد عام 200 هـ (815 - 816 م). وسرعان ما ارتقى إلى منصب رفيع. ويقال إنه رزق بولده أحمد فى الثالث والعشرين من رمضان عام 220 هـ (20 سبتمبر سنة 835 م) أو بعد ذلك التاريخ بقليل. ونال أحمد حظًا وافر، من التعليم الحربى والدينى، وتلقى بعض علومه الدينية فى طرسوس، وقد أتيحت له فرصة التبريز فى سن مبكرة، ونال الحظوة لدى الخليفة المستعين الذى حبس فيما بعد وقام أحمد على حراسته. ولم يشترك أحمد فى اغتيال هذا الخليفة، بل هو على العكس من ذلك قد احتفل بجنازته ثم عاد إلى مواطنيه الترك فى سامراء. وبعد ذلك بقليل أقطعت ديار مصر إلى بايكباك زوج أمه، فاستخلف هذا ابن طولون لينوب عنه فى حكمها، فدخل أحمد الفسطاط فى الثالث والعشرين من رمضان عام 254 هـ (15 سبتمبر 868) م. وحاول أحمد قبل كل شئ، أن يجمع إلى القيادة الحربية الإشراف على الأمور المالية التى كانت فى يد ابن المدبر، وهو رجل مهر فى تدبير الشئون المالية، ولكنه أغضب الناس بما فرضه من ضرائب جديدة، فعمد ابن المدبر إلى مناوأة ابن طولون. وتنازع كلاهما السلطة مدة طويلة، بنفسيهما فى مصر وبطريق أتباعهما فى سامراء. وكان أحمد قويا بمواهبه وأعوانه، ومع ذلك فقد ظل يصارع أربع سنوات حتى نجح فى إبعاد ابن المدبر عن مصر، وسرعان ما هيمن أحمد على مالية البلاد وصار من ثم مطلق اليد فى الميزانية وذلك بتدبير أداء جزية منتظمة. وقد أتاحت له الفرصة المواتية قبل ذلك أن يؤلف جيشًا مستعدًا لخوض غمار المعارك؛ فقد سمح له الخليفة أن يشترى عددًا عظيمًا من الرقيق لإخماد فتنة قامت ببلاد الشام (عهد الخليفة إلى شخص

آخر القيام بهذا الأمر فيما بعد) وأصبح هذا الرقيق عماد جيوشه، واستطاع أن يزيد فى عددهم حتى بلغوا مائة ألف رجل. وتمكن ابن طولون -بفضل نظام الجاسوسية الذى وضعه- من فضح الدسائس التى كانت تحاك حوله بمصر أو فى بلاط الخليفة قبل أن يستفحل أمرها، وكان لا يتردد فى اصطناع الرشوة أو العنف فى سبيل القضاء عليها. وأصبح نفوذ أحمد بن طولون حوالى نهاية عام 258 هـ (871 - 872 م) شيئًا يخشى بأسه فى سامراء، بعد أن ضمت إليه الإسكندرية وبرقة والأقاليم الواقعة على تخوم الديار المصرية. واستعادت الحكومة المركزية سلطانها من جديد فى نفس ذلك الوقت تقريبًا عندما أناب الخليفة المعتمد أخاه الموفق للإشراف على أمور الدولة. وفى الحق أن الموفق لم يشرف إلا على النصف الشرقى من الدولة، بينما ترك النصف الغربى -ومنه مصر- فى يد المفوض ولد الخليفة، ولكن لما تحرج موقف الموفق فى ثورة الزنج رغب فى أن يستحوذ على خراج مصر، فأنكر عليه ذلك أحمد بن طولون، وفشلت المحاولة التى بذلت لإرغامة على ذلك، للعجز الكبير فى أموال الحكومة المركزية، ولما توفى والى الشام عام 264 هـ (877 - 878 م) احتل أحمد بلاد الشام دون أن يجسر أهلها على معارضته، ففتحت الرملة ودمشق وحمص وحماة وحلب أبوابها أمامه، ولم يدخل عنوة إلا أنطاكية، وقد عكرت عليه نشوة هذا الانتصار فتنة ابنه العباس الذى أنابه عنه فى مصر، فعاد أحمد مسرعا إلى وادى النيل وقبض ثانية على ناصية الأمور فيه، وهكذا أصبح واليًا على الشام ومصر، وقد أشارت إلى ذلك العملة التى سكت منذ عام 266 هـ (879 - 880 م). وبلغت الخصومة المتأصلة بين أحمد ابن طولون والموفق أقصى حدودها عندما انحاز لؤلؤ قائد الجيوش الطولونية ببلاد الشام إلى الموفق، ولكى يفسد أحمد عليهما هذا الأمر ألح على الخليفة المعتمد -الذى كان كالسجين فى يد أخيه الموفق- أن يلتجئ إلى مصر، وبادر هو نفسه إلى الشخوص إلى بلاد الشام، ولكن الموفق حال دون

التقائهما فى آخر لحظة، فأخذ أحمد يدافع عن الخليفة السجين، ونادى بسقوط الموفق فى دمشق بعد أن حصل على فتوى أجمع عليها الفقهاء من أنصاره، ومع ذلك لم يفكر فى امتشاق الحسام لفك عقال الخليفة، بل رأى أن يغتنم هذه الفرصة للتخلص من البقية الباقية من سلطان الحكومة المركزية عليه. أما الموفق فقد نصب واليًا جديدًا على مصر والشام، ولكنه ظل واليًا بالاسم فقط، ولم يجسر الموفق كذلك على الاحتكام إلى السيف، واكتفى الاثنان بتبادل السباب من فوق منبريهما كل فى وطنه. وبعد ذلك بقليل مهد الموفق للصلح على أن تظل الحال رسميا على ما هى عليه، وما كادت تبدأ المفاوضات حتى مرض أحمد فى غزوة له بشمال الشام، وتوفى فجأة فى ذى القعدة عام 27 هـ (مايو 884 م). ويرجع توفيق أحمد فى حياته إلى مقدرته وحظه، وإلى الصلات الودية التى أنشأها مع جيرانه. وأراد أحمد أن يحتفظ بسلطانه فعمد منذ بداية أمره إلى تدعيم حكومته بجيش قوى، كان الترك والزنج قوامه؛ ولم يكن من المستطاع الاحتفاظ بهذا الجيش إلا بعد زيادة الموارد المالية، لذلك عنى عناية خاصة بتدبير الإدارة ومالية البلاد، وأوقف أحمد تدفق الأموال إلى بغداد فاستطاع أن يطلق يده فى إنفاق هذه الأموال على مرافق البلاد وبخاصة على العمائر، كما تمكن بطبيعة الحال من أن يظهر بلاطه فى مظهر فخم رائع، وأصبحت الفسطاط مدينة كبيرة فخمة، ونشأ إلى جانبها حى جديد هو القطائع، وأسس جامع ابن طولون وغيره من المنشآت العامة، وعلى هذا الوجه مهد أحمد سبيل النجاح الذى سلكته الأسرة الطولونية رغم مناوأة الحكومة المركزية لها. وتدل جميع مظاهر هذه الأسرة على أنها كانت تنزع فى كل الأمور إلى محاكاة الأنظمة التى أدخلها الفرس فى بغداد وسامراء. وكانت هذه الأسرة فاتحة عهد جديد فى حياة مصر الثقافية. المصادر: (1) الطبرى، ج 3، ص 1670 وما بعدها.

(2) اليعقوبى، طبعة هوتسما، ج 2، ص 615 وما بعدها. (3) ابن سعيد، طبعة فولرز Vollers فى Semitist.Studien: Bezold ج 1 (4) المقريزى، الخطح، ج 1، ص 313 وما بعدها؛ ج 3، ص 178 وما بعدها. (5) ابن خلدون: العبر، ج 4، ص 297 وما بعدها. (6) أبو المحاسن طبعة كوينبول وغيره، ج 2، ص 1 وما بعدها. (7) ابن إياس، ج 1، ص 27 وما بعدها. (8) Egyrt: Marcel، فصل 6 وما بعده. (9) Gemaldenesaal: Hammer- Purgstall. (10) Die Statthalter uon: Wilstenfeld Agypten (11) Abul Abbasi Am-: T. Rooda .edis Tulounidarum primi uita et res gestae (12) Die Islam im mor -: A Muller gen und Abendland ج 1، ص 557 وما بعدها. (13) History OF Egypt: Lane- Poole ص 59 وما بعدها. (14)، The Life and work of: Corbet Ahmad Ibn Tulun مجلة الجمعية الآسيوية الملكية، سنة 1891، ص 527 وما بعدها. (15) Beirrage zur: C.H.Bccker GESH AGYPTEN ج 2، ص 141 - 198. [بكر C.H.Bccker] + أحمد بن طولون: مؤسس الدولة الطولونية وأول والٍ مصرى مسلم ضم الشام إليه. وكان بتبعيته الاسمية فحسب للخليفة مثالا للمماليك الأتراك الذين جندوا منذ أيام هارون الرشيد فى الخدمة الخاصة للخليفة وكبار عمال الدولة، وسرعان ما استطاعوا بطموحهم ونزعة التآمر عندهم واستقلالهم، أن يصبحوا السادة الحقيقيين لبلاد الإسلام، ويقال إن والد أحمد كان أرسل مع الخراج من والى بخارى إلى الخليفة المأمون حوالى سنة 200 هـ (815 - 816 م) وارتقى حتى ولى أمر حرس الخليفة الخاص.

ولد أحمد فى رمضان سنة 220 هـ (سبتمبر سنة 855 م) وتلقى تدريبه العسكرى فى سامراء ثم درس العلوم الدينية من بعد فى طرسوس. ونال بفضل شجاعته الحظوة لدى الخليفة المستعين الذى اختار عند خلعه سنة 135 هـ (866 م) أن يمضى إلى منفاه فى حراسة أحمد. ولم يكن لأحمد يد فيما حدث بعد من قتل المستعين، والراجح أن السبب فى ذلك أنه لم يدع إلى المشاركة فى هذا القتل. وأقطع الخليفة المعتز سنة 354 هـ (868 م) مصر القائد التركى باكباك الذى تزوج أرملة طولون، وأقيم أحمد نائبا لزوج أمه ودخل الفسطاط فى الثالث والعشرين من رمضان سنة 254 هـ (15 سبتمبر سنة 868 م). وانشغل أحمد فى السنوات الأربع التالية بالسعى إلى انتزاع الإشراف على الإدارة من ابن المدبر ناظر المالية القوى البارع الذى ضاق المصريون بابتزازاته التى لا تطاق ومكره وجشعه فكرهوه، واشتجر النزاع بينهما إلى غايته بوساطة عملائهما وأقربائهما بسامراء فى الغالب، وانتهى بإقصاء ابن المدبر. ولما قتل باكباك أقطعت مصر "يرجوخ" الذى كان قد زوج بنتًا من بناته لأحمد بن طولون، وثبت أحمد فى منصبه نائبًا للوالى ووكل إليه حكم الإسكندرية وبرقة وغيرهما من نواحى الحدود التى كانت حتى ذلك الحين خارج سلطانه. وأمدت فتنة أماجور والى فلسطين أحمد بفرصة الحصول من الخليفة على تفويض بشراء عدد كبير من المماليك لإخضاع هذا المتمرد. صحيح أن هذه المهمة قد نيطت من بعد بغيره، إلا أن هذا الجيش السليم كان عماد سلطان ابن طولون، فقد أصبح لمصر للمرة الأولى قوة حربية كبيرة مستقلة عن الخلافة. واستطاع أحمد بفضل هداياه الكريمة أن ينال الحظوة لدى رجال البلاط العباسيين، ونجح فى إلغاء أمر أصدره الخليفة باستدعائه. وكان ابن طولون، وليس خليفة ابن المدبر، هو الذى وجه إليه الخليفة مطالبه بانصبة مصر فى تزويد خزائن مال الخلافة. ووكل الخليفة أمر القيام على الشئون المالية بمصر والتخوم الشمالية إلى أحمد حتى يستطيع أن ينتفع بهذه

الأنصبة شخصيًا بكتمان مقدارها عن أخيه الموفق. وفى سنة 258 هـ (872 م) حل جعفر -ابن الخليفة، الذى لقب من بعد بالمفوض- محل يردوخ فى إقطاع مصر. وكان المعتمد قد بايع لأخيه الموفق بالخلافة بعد ابنه، وقسّم الإمبراطورية بين هذين الوريثين للعرش، فكان من نصيب الموفق الولايات الشرقية إقطاعا له، وخص المفوض الولايات الغربية، وأقيم للمفوض نائب هو موسى بن بغا التركى ليعاونه فى الحكم. والحق إن الموفق كان يباشر السلطة العليا. على أن الخلافة كانت تتهددها من الشرق الهجمات والحركات الرامية إلى الاستقلال، ومن الجنوب فتنة الزنج التى شغلت جيوش الموفق، وكان الموفق فى الوقت نفسه -وهو الرجل الوحيد الذى يستطيع الوقوف فى وجه ابن طولون- مهدد فوق ذلك بالاضطرابات التى طرأت على الحكم وبالمنازعات الداخلية بينه وبين الخليفة من جهة، وبينه وبين قواد الكتائب التركية من جهة أخرى. كانت هذه هى حال الخلافة فى الوقت الذى اختاره ابن طولون للسعى إلى الاستقلال بعد أن سيطر على الشئون المالية لأملاكه. وقد رأى الموفق -القائد الأعلى للحملات التى شنت على الزنج- أن طول هذه الحملات وتكاليفها الباهظة تعطيه الحق فى طلب معونة مالية من جميع الولايات التابعة للخلافة، وتسلم الموفق من ابن طولون مبلغًا من المال لم يرضه، فأنفذ جيشه بقيادة موسى بن بغا سنة 263 هـ (877 م) لإقصائه عن حكم مصر، ولكن مطالب الجنود والمخاوف التى أثارتها فى النفوس جيوش ابن طولون أدت إلى التخلى عن هذه المحاولة. وهنالك تشجع ابن طولون على احتلال الشام سنة 264 هـ (878 م) متذرعًا بالمشاركة فى الجهاد والدفاع عن حدود آسية الصغرى ضد الروم، ولكنه اضطر إلى العودة إلى مصر بعد وقت قصير ليعالج الفتنة التى أثارها ابنه عباس، وكان قد أقامه نائبًا له فى حكم مصر. وبدأ ابن طولون، بعد الحملة الشآمية يضيف اسمه إلى اسمى

الخليفة وجعفر على السكة الذهبية (ويجب أن نلاحظ أن ابن طولون دأب على الاعتراف بالخليفة المعتمد نفسه، وربما كان ذلك لسبب واحد هو أنه كان لا حول له ولا قوة). وفى سنة 269 هـ (882 م) دعا أحمد الخليفة إلى أن يلجأ إلى مصر ضيفًا عليه فيها، وأراد بذلك أن يركز السلطة الشرعية كلها فى مصر وأن ينال شرف المنقذ للخليفة الذى أصبح وقتئذ خليفة بالاسم دون الفعل. على أن محاولة المعتمد أحبطت، وأقام الموفق إسحق بن كنداج واليًا على مصر والشام. ورد أحمد بن طولون على ذلك بأن أعلن فى مجلس من الفقهاء عقد فى دمشق إسقاط حق الموفق فى أن يلى الخلافة. ولم يكن من الموفق إلا أن أجبر الخليفة بلعن أحمد فى المساجد، وفعل أحمد المثل فى حق الموفق بمساجد مصر والشام. صحيح أن الموفق انتصر آخر الأمر فى إخماد فتنة الزنج، إلا أنه سعى إلى إقرار الحالة الراهنة آملًا أن ينال من أحمد بالرفق والسياسة ما لم ينله بالحرب. ورد أحمد ردًا مرضيًا على الخطوات الأولى التى بذلها الموفق للتقرب، ولكن المنية أدركته فى ذى القعدة سنة 270 هـ (مارس سنة 884 م). ونجاح أحمد لا يرجع إلى مواهبه، ومهارته، وقوة جيوشه من مماليك الترك والسودان فحسب، بل يرجع أيضًا إلى فتنة الزنج التى حالت بين الموفق وبين التفرغ لمجابهة فعال أحمد العدوانية. وقد وجه ابن طولون إصلاحاته الزراعية والإدارية نحو تشجيع الفلاحين على زراعة أراضيهم فى إقبال وحماسة بالرغم من الضرائب الثقيلة التى كانت لا تزال مفروضة على محاصيلهم، ووضع حدًا لابتزازات القائمين على الإدارة المالية سعيًا إلى تحقيق المغانم الشخصية. ويرجع السبب الجوهرى فى رخاء مصر تحت حكم ابن طولون إلى أن الجزء الأكبر من موارد الدولة لم تعد تستنزفه الحكوهة المركزية فى بغداد ومن ثم استخدمت هذه الموارد فى إنعاش التجارة والصناعة وإقامة حى جديد

أحمد بن محمد بن حنبل

شمالى الفسطاط (القطائع) أصبح فى عهد الطولونيين مقر الحكم وأنشئ فيه مسجد ابن طولون الكبير. المصادر: (1) البلوى: سيرة أحمد بن طولون، طبعة كرد على. (2) ابن سعيد: المغرب، طبعة زكى محمد حسن وسيدة الكاشف وشوقى ضيف، ونشره Vollers فى Fragmente ous dem Mughreb. (3) الطبرى، ج 2، ص 1670 وما بعدها. (4) اليعقوبى، طبعة هوتسما، جـ 2، ص 615 وما بعدها. (5) المقريزى: الخطط، ج 1 ص 313 وما بعدها. (6) أبو المحاسن، طبعة القاهرة، جـ 3؛ ص 1 وما بعدها. (7) ابن إياس، ج 1 ص 37 وما بعدها. (8) Egypte: Marcel، الفصل 6 وما بعده. (9) statthalter Din: Wustenfeled von Agypten ج 3 وما بعده. (10) The Life and work of: Corbet Journ of the Ahmad Ibn Tulun ROYAL ASIASTIC SOCIETY سنة 1891 ص 527 وما بعدها (11) History of Egypt: lane POOPLE سنة، 1891، ص 59 وما بعدها. (12) C.H.Becker Geschicht Agyptens Beirrage zur: ، ج 3 ص 149 - 198. (13) Egyptinne History de la Nation: wiet (14) les Tulunides: Zaky M.Hassan باريس سنة 1937. خورشيد [زكى محمد حسن Zaky M.Hassan] أحمد بن محمد بن حنبل ويعرف بابن حنبل من بنى شيبان: فقيه إسلامى مشهور ولد ببغداد فى ربيع الأول عام 164 هـ (نوفمبر سنة 780 م)، ودرس أول أمره فى مسقط رأسه حتى عام 183 هـ (799 م) ثم

رحل بعد ذلك لطلب العلم فقدم العراق ثم الشام فالحجاز وانتهى باليمن؛ وعنى فى هذه الأسفار بدراسة الحديث بنوع خاص. ولما عاد إلى مسقط رأسه حضر دروس الشافعى فى الفقه وأصوله من عام 195 إلى 197 هـ (810 - 813 م). وقد حددت أقوال أهل الحديث القدامى وجهة تفكيره فى العقيدة والفقه على نحو ثابت لم يتغير. وأتاحت له الفرص بعد ذلك أن يبرهن على ثباته هذا فى عهد الخلفاء المأمون والمعتصم والواثق (218 - 234 هـ - 833 - 849 م) عندما أقرت الدولة "عقائد" المعتزلة وأنزلتها المنزلة الأولى وأخذت بالشدة كل الفقهاء الذين لم يقولوا فى غير تحفظ بمذهب خلق القرآن وكان ابن حنبل أحد هؤلاء الفقهاء الذين أصابتهم المحنة. فقد سيق مكبلًا بالأغلال للمثول بين يدى المأمون بطرسوس، ولكن بلغه فى الطريق نعى هذا الخليفة. وفى عهد خليفته المعتصم احتمل فى صبر بالغ ما ناله من إيذاء وسجن دون أن يتسامح فى شئ من عقائد السلف. ولم تكف الدولة عن إيذاء ابن حنبل إلا فى عهد المتوكل عندما أخذت تعود إلى مذهب أهل السنة، فقد قدَّره هذا الخليفة فى مناسبات مختلفة ودعاه إلى بلاطه وأجرى معاشًا على أسرته دون علم منه وقد جذب علمه وورعه واستمساكه الذى لا يلين بالسنة جمهرة من التلاميذ والمعجبين إليه، وتوفى ابن حنبل ببغداد فى الثانى عشر من ربيع الأول عام 124 هـ (31 يولية سنة 855 م)، ووصف كتّاب سيرته دفنه وصفًا أسطوريًا. وقبره الذى نسج حوله كثير من الخوارق Muhomm.Stid Goldziher)، ج 1، ص 257) وكان يقوم بين "مقابر الشهداء" فى يحيى الحربية ببغداد، ظل مدة طويلة محل تقديس الناس كأنما هو قبر ولى، فلما خرب فيضان نهر دجلة هذا القبر حوالى آخر القرن السابع الهجرى (الثالث عشر الميلادى) تحول تقديس الناس إلى قبر ابنه عبد الله الذى كان يوجد بين مقابر قريش قرب باب التبن ورممه تيمور عام 695 هـ (1295 - 1296 م). ومنذ ذلك الوقت اختلط الأمر بين القبرين وتحولت الشعائر الدينية التى كانت تقام لأحمد إلى ابنه عبد الله Baghad during the Ab-: G.Le Strange baside Caliphate، ص 166).

وقد اشتهر من مصنفات أحمد بن حنبل نوع خاص كتابه المسمى "المسند" وهو كتاب جامع فى الأحاديث (طبع بالقاهرة عام 1131 هـ فى ستة مجلدات) جمعه ابنه عبد الله من دروسه، وزاد عليه من عنده "زوائد". ويشتمل هذا الكتاب على عدد يتراوح بين ثمانية وعشرين ألفا وتسعة وعشرين ألفا من الأحاديث (zeitschr .d.Deutsch. Morg Ges Goldzhier ج 1 ص 465 - 506 M.Hartmann DIE TRADENTEN ERTER SCHICHT IN MUSAND MITTEL.DES DIS Ahmad ibn Hanbal seminar fur Orient Sprachen zu Berlin العام التاسع. ج 2، برلين سنة 1906 م) وزاد أيضًا على مصنف أبيه "كتاب الزهد". وكان كتاب "المسند" -الذى صنفت فيه الرسائل الكثيرة الفرعية وأخذت منه المختصرات- موضوع دروس فى الدين لا تنقطع. ويذكر فى القرن الثانى عشر الهجرى (الثامن عشر الميلادى) أن جماعة من أهل التقى أتموا قراءة هذا الكتاب حتى نهايته فى ست وخمسين جلسة عند قبر النبى - صلى الله عليه وسلم - فى المدينة (المرادى: سلك الدرر، جـ 4، ص 60). ونشر له غير المسند "كتاب الصلاة" وما يلزم فيها" (طبعة حجرية غير مؤرخة فى بومباى" وطبعة الخانجى فى القاهرة عام 1223 هـ). ويستشهد الفقهاء الحنابلة كثيرًا برسالة جدلية كتبها فى السجن عنوانها "الرد على الزنادقة والجهمية فيما شكت فيه من متشابه القرآن" وقد أنكر فيها أحمد "التأويل" الذى استحدثه المعتزلة؛ كما يستشهدون بكتاب له اسمه "كتاب طاعة الرسول" الذى بين فيه ما ينبغى اتباعه عندما يبدو الحديث متعارضًا مع بعض آيات القرآن. ولقد قرر ابن حنبل عقائده فى مصنفه "كتاب السنة". ولما كان ابن حنبل قد عنى بتتبع أسانيد الحديث أكثر من العناية بأصول الفقه، فإن بعض الفقهاء -كالطبرى مثلًا- لم يعتبره حجة فيصلًا فى مسائل الفقه، ومن ثم كان تحامل الحنابلة الشديد على الطبرى (kern فى zeitschr .d.Deutsch. Morg Ges، ج 55، ص 67، وراجع طبعته لكتاب "الاختلاف" ص 13 وما بعدها)

والحق إن ابن حنبل لم ينشئ مذهبًا خاصًا فى الفقه، ولكنه أفصح عن وجهة نظره فى مسائل فقهية معينة سأله عنها تلاميذه، نذكر منها على سبيل المثال "مسائل صالح" وهى المسائل التى وجهها إليه ابنه صالح، وكذلك أجوبته على مسائل تلميذه حرب (ابن قيم الجوزية: الطرق الحكمية فى السياسة الشرعية، القاهرة سنة 1317 هـ، ص 251، 293 وما بعدها). وقد بلغت فتاواه التى استطاع ابن قيم أن يرجع إليها نحو عشرين سفرًا (هداية الحيارى، القاهر: 1323 هـ، ص 121)، ورتب بعض تلاميذه فى حياته أنظاره الفقهية، تخص بالذكر منهم أبا يعقوب إسحاق الكوسج الذى كان يرجع إلى ابن حنبل مباشرة كلما أشكل عليه الأمر؛ (الذهبى: تذكرة الحفاظ، ج 2، ص 105)؛ ثم يجئ بعد ذلك بقليل أبو بكر الخلال "مؤلف علم أحمد ابن حنبل وجامعه ومرتبه؛ (الكاتب نفسه، ب 3، ص 7) المتوفى فى بغداد عام 131 هـ (923 - 924 م)، وقد ذكر كتاب أبى بكر هذا ابن قيم الجوزية المتوفى عام 175 هـ (1350 م) فى كتابه "أعلام الموقعين" (انظر ذيل الطبرى: المعجم الصغير، ص 271) مع أنه لم يقرأ هذا الكتاب فيما يظهر. والتعاليم التى نمت على أساس أنظار ابن حنبل والتى عرفت بالمذهب الحنبلى قد أجمع أهل السنة على أنها أحد المذاهب الأربعة المعترف بها. ولما كان ابن حنبل من "أهل الحديث" فإنه لم يأخذ بـ "الرأى" إلا عند الحاجة الماسة، وهنا أيضًا كان يستخرج الأحكام من النصوص كلما أمكنه ذلك، وقد حمله هذا على شدة العناية بالحديث، وكان فى بعض الأحيان يعتمد على أحاديث ضعيفة فى تكوين أحكامه، ولم يبلغ مذهب من مذاهب أهل السنة فى إنكار "البدع" مبلغ المذهب الحنبلى، ومن ثم اشتط أنصاره فى التمسك بالشعائر الدينية والروابط الاجتماعية وفاقوا أهل المذاهب الأخرى فى التشدد والتعصب. وتتصل عقائد أهل هذا المذهب بعقائد السلف الذين عاشوا قبل الأشعرى، بل لقد اضطر الأشعرى نفسه عند تكوينه مذهبه أن يستند فى مواضع عدة إلى مذهب ابن حنبل، بغية اكتساب المسلمين إلى جانبه، وصرح أيضًا بأنه يتفق

تماما مع تعاليم ابن حنبل وأنه تجنب كل ما يتعارض ومذهب هذا الإمام (ابن عساكر؛ zur Gesch - al -As aria: Spitta، ص 133، ونجد مجموع عقائد ابن حنبل مختصرة فى كتاب عبد القادر الجيلى: الغنية لطالبى طريق الحق، مكة سنة 1314 هـ، ج 1، ص 48 - 66). والحنابلة -الذين لا يمثلهم الآن إلا نفر قليل من المسلمين- كانوا حتى القرن الثامن الهجرى (الرابع عشر الميلادى) أكثر من ذلك انتشارًا فى بلاد الإسلام. وذكر المقدسى أنه رآهم فى أصفهان والرى وشهرزور وغيرها من بلاد فارس، وكانت شعائرهم فى هذه البلاد تتميز بالغلو فى صوره المختلفة، فقد كانوا -قبل كل شئ- يشيدون بذكر الخليفة معاوية (المقدسى، طبعة ده غويه، ص 365، س 13؛ 384، س 14؛ 399، س 6؛ 407، س 13). وهذا التعلق بذكر الخليفة الأموى قد لا يكون بطبيعة الحال منصرفًا إليه بصفته رجلًا ورعا ولكن بصفته الخليفة الذى اعترف به أهل السنة. ويمكن أن نفسر على هذا النحو أيضًا تعلق الحنابلة بابنه يزيد ZETSch - D . DEUTSCH. MORG. GES) ج 53، ص 646، التعليق). أما فى الشام وفلسطين فإن المذهب الحنبلى الذى أدخله فيهما عبد الواحد الشيرازى فى القرن الخامس الهجرى (الثانى عشر الميلادى، انظر كتاب: الأنس الجليل، ص 263) ظل باقيا حتى القرن التاسع الهجرى (السادس عشر الميلادى؛ انظر. ZETSch - D . DEUTSCH. MORG. GES) ج 3، ص 364). وقد أحصى مجبر الدين وهو حنبلى توفى عام 927 هـ (1521 م) - فى كتابه الأنس الجليل الذى ذكرناه وشيكا (ص 592 وما بعدها) أشهر حنابلة فلسطين من القرن السادس إلى القرن التاسع الهجرى (الثالث عشر- السادس عشر الميلادى). وكان فى هذه الفترة أيضا ظهور تقى الدين بن تيمية (661 - 728 هـ - 1263 - 1328 م) فى بلاد الشام، الذى أحدث ضجة كبرى. فقد استأنف هذا الفقيه النضال فى سبيل المذهب الحنبلى، فانكر التأويل وحرم البدع كزيارة القبور والتوسل بالأولياء وغير ذلك (انظر 3 ZETSch - D . DEUTSCH. MORG. GES) ج 52 ص

540 - 563؛ ج 53، ص 51 - 67)، وكان نضاله هذا ضد المذاهب التى سادت طويلًا قبل ذلك. ولكنه خرج بعمله هذا على مقتضيات الإجماع عند أهل السنة فاضطهد، وخسر المذهب الحنبلى بسقوطه خسارة عظمى. وظل يمثل المذاهب الأربعة رسميًا -ومنها المذهب الحنبلى- قضاة فى كل الأمصار الإسلامية حتى قيام الدولة العثمانية؛ فلما امتد سلطان هذه الدولة أصابت المذهب الحنبلى ضربة قاضية، وأخذ هذا المذهب منذ ذلك الوقت يتضاءل شيئًا فشيئًا، ولو أنه كان يعتبر عنصرًا هامًا من عناصر مذهب أهل السنة فى البقاع المتفرقة التى ظهر فيها. ويمثل هذا المذهب فى الجامع الأزهر عدد يسير من الشيوخ والطلاب (رواق الحنابلة). وفى عام 1906 م - حين كان عدد شيوخ الأزهر 312 شيخًا وعدد طلابه 9069 - كان يمثل المذهب الحنبلى منهم ثلاثة شيوخ وثمانية وعشرون طالبًا. على أن المذهب الحنبلى ظهر فى القرن الثامن عشر الميلادى فى صورة جديدة قوية بظهور الوهابيين الذين نتبين فى مذهبهم أثر تعاليم ابن تيمية. وفيما يلى أهم شيوخ الحنابلة الذين ظهروا فى العصور المتعاقبة: أبو القاسم عمر الخَرَقى المتوفى عام 334 هـ (945 - 946 م) الذى لا يزال يوجد إلى اليوم مختصره فى الفقه الحنبلى؛ وعبد العزيز بن جعفر (282 - 363 هـ = 895، 896 - 973، 974 م) الذى ظل كتابه "المقنع" قرونًا عديدة أساسا للمختصرات والشروح (طبع بعنوان "الروض المرتع فى شرح زاد المستقنع"، دمشق سنة 1303 هـ؛ انظر مجلة المشرق، ج 4، ص 879)؛ وأبو الوفاء على بن عقيل المتوفى عام 515 هـ (1122 - 1121 م) الذى اشتهر بأنه صاحب مدرسة منتجة؛ وعبد القادر الجيلى (471 - 156 هـ - 1078 - 1166 م) الذى كان صوفيًا كبيرًا، ونصيرًا، مخلصًا من أنصار ابن حنبل" وأبو الفرج بن الجوزى (508 - 597 هـ - 1114 - 1115 - 1200 م)؛ وعبد الغنى الجماعيلى المتوفى عام 600 هـ (1203 - 1204 م)؛ وموفق الدين بن قدامة المتوفى عام 620 هـ

(1223 م) الذى كثيرًا ما يتدارس الناس شرحه على مختصر الخرقى المسمى "المغنى"؛ وتقى الدين بن تيمية الذى اشتهر بالجدل والمناظرة، وتلميذه الوفى محمد بن قيم الجوزية المتوفى عام 175 هـ (1350 - 1351 م) وقد اشتهر كلاهما بصرامة عقائده وبشدة وطأته على من يعتقد غير معتقدهما، ونستطيع أن ندرس مذهب الحنابلة مما طبع أخيرًا بالقاهرة من مؤلفات هذين الفقيهين. وقد نشأ فى القرن الحادى عشر الهجرى (السابع عشر الميلادى) عدد من مشاهير فقهاء الحنابلة فى قرية بُهُوت فى المحلة الكبرى بمصر، نذكر منهم عبد الرحمن البهوتى المتوفى عام 1051 هـ (1641 - 1642 م) وتلميذه محمد البهوتى المتوفى عام 1088 هـ (1677 - 1678 م). وقد عاش كل منهما بالقاهرة ودرس بها. ويعتمد فى دراسة المذهب الحنبلى بالجامع الأزهر على كتاب "نيل المآرب" (وهو شرح على "دليل الطالب" لمؤلفه مرعى بن يوسف، المترسل المعروف، المتوفى عام 1030 هـ = 1621 م) الذى صنفه عبد القادر بن عمر الدمشقي المتوفى عام 1135 هـ (1625 م) وطبع فى بولاق عام 1288 هـ. وقد كتب أبو الفرج عبد الرحمن بن رجب المتوفى عام 795 هـ (1393 - 1393 م) "طبقات الحنابلة" وهو لا يزال مخطوطًا (انظر kat leipziq: vollers رقم 708). وأثبتت فهارس دار الكتب المصرية عددًا وافرًا من المصنفات التى ألفت فى الفقه الحنبلى (ج 3، ص 293 - 301). (انظر غير ما ذكرنا: w.M. Patton Ahmad ibn Hanbal and the Mahna، (ليدن سنة 1897 م)، ومقالة عن هذا الكتاب لكولدسيهر zeitschr .d.Deutsch. Morg Ges ج 52، ص 155 وما بعدها، وانظر لكولدسيهر أيضًا مقالة فى المجلة نفسها، ج 62، بعنوان zur Gescg. der hanbalit . Bewegungen Gescg. der d. arab Litter . Brockelmann جـ 1، ص 181 وما بعدها). [كولدتسيهر Goldziher]

+ أحمد بن حنبل، "إمام بغداد": متكلم وفقيه ومحدث مشهور (164 - 241 هـ = 780 - 855 م) ومن أعظم الشخصيات حيوية فى الإسلام؛ وقد أثر ابن حنبل فى التطور التاريخى للإسلام وفى نهضته الحديثة؛ وأسس أحد المذاهب السنية الأربعة الكبرى وهو المذهب الحنبلى، وكان عن طريق تلميذه ابن تيمية الجد الأول للوهابية، وقد أوحى أيضًا إلى حد ما بحركة الإصلاح المحافظة للسلفية. 1 - حياته: كان أحمد بن حنبل عربيا من بنى شيبان من ربيعة، وكان له دور فعال فى غزو العراق وخراسان، وقد نزحت أسرته، التى كانت تقيم أول الأمر فى البصرة، إلى مَرْو مع جده حنبل بن هلال والى سرخس فى عهد الأمويين وواحد من أوائل دعاة العباسيين. ولد أحمد فى ربيع الثانى سنة 164 هـ (ديسمبر سنة 780 م) بعد أشهر قلائل من نزوح أبيه محمد بن حنبل -الذى كان منخرطًا فى جيش خراسان- إلى بغداد حيث توفى عقب ذلك بثلاث سنين. على أن أحمد ورث ملكًا قليلًا لأسرته أتاح له حياة متواضعة ولكنها تغنيه عن الناس. وقد درس أحمد فقه اللغة والشريعة والحديث فى بغداد، ثم انصرف منذ عام 179 هـ (795 م) إلى دراسة الحديث؛ وفى طلبه جد مرتحلا إلى العراق والحجاز واليمن والشام؛ ويجب أن نطرح ما قيل من زيارته لإيران وخراسان بل إلى المغرب الأقصى، لأن ذلك يدخل فى باب الأساطير، وكان أحمد قد زار الكوفة سنة 183 هـ، وأقام فى البصرة أكثر من ذلك، فقد زارها أول مرة سنة 186 هـ، ثم عاد إليها سنة 190، وسنة 194 هـ، وسنة 200 هـ. وتردد على مكة أكثر، فقد أدى فريضه الحج خمس مرات: سنة 187، وسنة 191، وسنة 196، وسنة 197 هـ (وأعقبت حجه فى هذه السنة "جاورة" فى المدينة) وسنة 198 هـ وقد أعقبتها هذه المرة أيضًا (مجاورة) أخرى دخلت به فى سنة 199 هـ، ومن بعدها زار المحدث عبد الرزاق فى صنعاء (المناقب، ص 22 - 23؛ الترجمة، ص 13 - 24).

وكانت دراساته للفقه والحديث على عدد كبير من الشيوخ بقيت أسماؤهم (المناقب، ص 33 - 36؛ الترجمة، ص 13 - 24). وفى بغداد حضر دروس القاضى أبى يوسف المتوفى سنة 182 هـ (798 م)، ولم يتأثر أحمد بأبى يوسف تأثرًا كبيرًا؛ وكذلك درس بانتظام على هشيم بن بشير تلميذ إبراهيم النخعى، وذلك من سنة 179 إلى سنة 183 هـ (المناقب، ص 52؛ البداية، ج 10، ص 183 - 184). وكان إمام شيوخه من بعد سفيان بن عيينة المتوفى سنة 198 هـ (813 - 814 م) وهو الحجة الأكبر لمدرسة الحجاز. أما أشهر شيوخه فهما: عبد الرحمن بن مهدى البصري المتوفى سنة 198 هـ (813 - 814 م)، ووكيع ابن الجراح الكوفي المتوفى سنة 197 هـ (812 - 813 م). على أن تكوين أحمد الفقهى يرجع فوق كل شئ، كما يقول ابن تيمية (منهاج السنة، ج 4، ص 143) إلى مدرسة الحديث ومدرسة الحجاز؛ ومن ثم لايمكن أن يعد ببساطة -كما يقال أحيانًا- تلميذ، للشافعى الذى عرف أحمد آثاره الفقهية، أو قل عرف على الأقل بعضًا منها، وإن كان لم يلقه فيما يظهر إلا مرة واحدة، وكان ذلك فى بغداد سنة 195 هـ (البداية، ج 10، ص 251 - 255، 326 - 327). والسياسة التى انتهجها المأمون حوالى نهاية حكمه بتأثير بشر المريسى، وهى تأييد الدولة لمذهب المعتزلة قد أحدثت فى حياة أحمد فترة من المحنة أكسبته من بعد صيتًا مدويًا. وقد أنكر أحمد بشدة القول بخلق القرآن وهو قول يعارض مذهب أهل السنة. فلما سمع المأمون بذلك، وكان فى طرسوس، أمر بأن يشخص إليه أحمد ومعارض آخر هو محمد بن نوح. فكبلا بالأصفاد وحملا إليه، وما إن غادرا الرقة إليه حتى بلغهما نبأ وفاة الخليفة، فأعيدا إلى بغداد، وتوفى ابن نوح فى الرحلة، ولما وصل ابن حنبل قصبة الدولة سجن أولًا فى اليسارية، ثم فى دار عُمارة، ثم سُجن أخيرًا فى السجن العام بدرب الموصلى (المناقب، ص 308 - 317؛ الترجمة، ص 40 - 56؛ البداية، ج 10، ص 272 - 280).

وكان المعتصم، الخليفة الجديد، ميالًا إلى الكف عن هذه المحنة، إلا أن القاضى المعتزلى أحمد ابن أبى دؤاد أقنعه؛ فيما يقال، بأن من الخطر على سلطان الدولة أن تتخلى عن موقف اتخذته بعد رسميًا. ومن ثم استدعى أحمد للمثول بين يدى الخليفة فى رمضان سنة 319 هـ، ولكنه مضى يرفض القول بخلق القرآن رفضا باتًا، فضرب بشدة ثم سمح له بالعودة إلى داره بعد حبس استمرَّ فى جملته نحوا من سنتين. وعاش أحمد فى عزلة طوال خلافة المعتصم، وامتنع عن إلقاء الدروس فى الحديث، ولما تولى الواثق الخلافة سنة 337 هـ (843 م) حاول أحمد أن يستأنف دروسه، ولكنه لم يلبث أن آثر الانقطاع عنها، وإن لم يكن قد منع رسميًا من إلقائها، وذلك خشية أن يتعرض لنقمة القاضى المعتزلى؛ ولذلك ظل على اعتكافه، بل لقد كان يعمد فى بعض الأحيان إلى الاختفاء -كما يقال- فرارًا من أعدائه (المناقب، ص 348 - 349). ولما رد المتوكل لمذهب أهل السنة مكانته السابقة بعد توليه الخلافة سنة 232 هـ (847 م) استطاع أحمد أن يستأنف نشاطه فى التدريس؛ ومع ذلك فإنه لم يظهر فى زمرة المحدثين الذين أقامهم الخليفة سنة 334 هـ للرد على الجهمية والمعتزلة (المناقب، ص 356). وقد أدى اختفاء أئمة الشخصيات التى تصدرت فى أيام المحنة إلى تمهيد الطريق لقيام عِشْرَة بين الخليفة وبين الفقيه المستقل الرأى، وأقيل أحمد بن دؤاد من منصبة سنة 237 هـ (852 م)، بل لقد قيل فى بعض الروايات إن خلفه ابن أكثم قد أوصى به أحمد لدى الخليفة (البداية، ج 1، ص 315 - 316، 319 - 339). وأبدى أحمد تقاربًا للبلاط لأول مرة فلم يوفق، وقد ظل تاريخ هذا التقارب وظروفه غامضين (المناقب، ص 359 - 362) ثم دعا المتوكل أحمد إلى البلاط فى سامراء سنة 227 هـ. والظاهر أن الخليفة كان يريد منه أن يعطى دروسًا فى الحديث للأمير الصغير المعتز، ويمكن أيضًا أن نفترض أن الخليفة قد طافت بذهنه فكرة الاستعانة بالفقيه المشهور فى رد مذهب أهل السنة إلى ما كان عليه. وأتاحت هذه الرحلة إلى

سامراء لابن حنبل فرصة الاتصال بشخصيات البلاط دون لم ن يتعرض لخطر التساهل من جانبه. وتبدى الروايات التى انتهت إلينا أنه قوبل عند وصوله بالترحاب من الحاجب وصيف وأنزل بقصر إيتاخ الفخم وحمّل بالهدايا وقدم إلى المعتز، ولكنه أعفى أخيرًا -بناء على طلبه- من أن يكلف بأية مهمة خاصة بالنسبة لسنه وضعف صحته، وعاد إلى بغداد بعد إقامة قصيرة دون أن يلقى الخليفة (المناقب، ص 373 - 378؛ الترجمة، ص 58 - 75؛ البداية، ج 10، ص 314، 316، 337 - 340). وتوفى أحمد بن حنبل فى ربيع الأول سنة 241 هـ (يولية سنة 855 م) فى الخامسة والسبعين بعد مرض قصير، ودفن فى مقابر الشهداء بالقرب من باب حرب. والروايات التى أحاطت بوصف جنازته، وإن كان بعضها يدخل فى باب الأساطير، إلا أنها تعطينا فكرة عن مشاعر الجماهير الصادقة نحوه، وقد كان قبره مشهدًا لمظاهرات من الولاء المتأجج مما حمل السلطات المدنية على حراسة مقبرته (المناقب، ص 409 - 418؛ الترجمة، ص 75 - 82؛ البداية، ج 10، ص 340 - 343)؛ وأصبح هذا القبر من أكثر الأماكن فى بغداد احتشادًا بالزائرين. وقد زوده الخليفة المستضئ سنة 574 هـ (1178 - 1179 م) بنقش يمجد ذلك المحدث المشهور ويصفه بأنه أصدق مدافع عن السنة (البداية، ج 12، ص 300). ومحا هذا النقش فيضان لدجلة حدث فى القرن الثامن الهجرى (الرابع عشر الميلادى؛ انظر Le Strange: Baghdad، ص 166). وأعقب أحمد من كل من زوجتيه ابنًا واحدًا: صالحًا وعبد الله، علاوة على ستة أولاد من سراريه لا نعلم عنهم شيئًا غير ذلك (المناقب، ص 298 - 306). ويقال إن صالحًا (ولد فى بغداد سنة 202 هـ - 818 - 819 م، وتوفي وهو قاض لإصفهان سنة 266 هـ - 879 - 880 م) قد نشر جزءًا كبيرًا من فقه أبيه (الطبقات، ج 1، ص 173 - 176). وكان عبد الله معنيا بالحديث خاصة، وعن طريقه نشر الجزء الأكبر من آثار أحمد؛ وتوفى عبد الله فى بغداد ودفن بمقبرة قريش، وإلى قبره تحول

تقديس الناس الذى كان منصرفًا إلى قبر أبيه عندما انمحى هذا القبر من بعد (الطبقات، ج 1، ص 180 - 188). وكلا الابنين اللذين كانا متصلين اتصالًا وثيقا بالحياة العقلية لأبيهما يعدان من أهم منشئى ذلك البنيان المجمع الذى يضم المذهب الحنبلى. 3 - آثاره: أشهر آثار أحمد بن حنبل مجموعة الأحاديث المسماة "المسند" (الطبعة الأولى، القاهرة سنة 1311 هـ). وكان أحمد يولى هذا الأثر عناية عجيبة، إلا أن ابنه عبد الله هو الذى جمع ورتب ذلك الحشد الحاشد من المادة، وأضاف إليه هو نفسه بعض الزيادات. وروى تلميذ أحمد البغدادى: أبو بكر القطيعى المتوفى سنة 368 هـ (978 - 979 م) المسند برواية عبد الله مع بعض الزيادات. وقد رتبت الأحاديث فى هذه المجموعة الحاشدة بحسب الموضوعات كما فى صحيحى البخارى ومسلم، ولكنها منسوبة إلى أسماء أول من رواها. ومن ثم كانت هذه الأحاديث طائفة من المسانيد الخاصة تراكمت بعضها على بعض، وهى تشمل أحاديث أبى بكر، وعمر، وعثمان، وعلى وأئمة الصحابة، وتنتهى بمسانيد الأنصار والمكيين والمدنيين وأهل الكوفة والبصرة والشآميين. وهذا الترتيب وإن كان يفصح عن جهد عقلى صادق، إلا أنه قد جعل من العسير أن ينتفع به إلا الحفاظ، ومن ثم أعيد هذا الترتيب فى بعض الأحيان، إذ نجد المحدث ابن كثير فى كتاب فى جامع المسانيد العشرة"، قد رتب بترتيب أسماء الصحابة الأبجدى الأحاديث الواردة فى "مسند" ابن حنبل، وفى الكتب الصحاح الستة، والطبرانى "المعجم"، ومسندى البزار وأبي يعلى الموصلى (الشذرات، جـ 6، ص 231). ويتبع ابن زكنون المتوفى سنة 837 هـ (1432 - 1434 م؛ انظر الشذرات، ج 7، ص 222 - 223) فى مصنفه "كتاب الدرارى" ترتيب كتب صحيح البخاري، ولهذا المصنف ميزة كبيرة هى أنه أدخل ضمن الأحاديث التى يرويها مقتطفات عدة من كتب الحنابلة وخاصة ابن قدامة وابن تيمية وابن القيم. وهذا المصنف الضخم كان

ذخيرة لعدة طبعات من كتب المتون الحنبلية فى الخمسين السنة الأخيرة. وفى نطاق الحديث يعد) حمد بن حنبل "مجتهدًا مستقلًا، وقد كان قادر، -كما يقول ابن تيمية (المنهاج، ج 4، ص 143) - على أن "يختار لنفسه" من ذلك الحشد من الأحاديث والأقوال التى تلقاها عن شيوخه. ولا يمكن بوجه من الوجوه أن نقول فيه ما قاله الطبرى من أنه محدث فحسب وليس فيه شئ من "الفقيه" الذى يعنى بالأحكام القياسية. ذلك أنه -كما بين ابن عقيل من قبل- "قد خرج عنه [أى من أحمد بن حنبل] اختيارات بناها على الأحاديث بناء لا يعرفه أكثرهم، وخرج عنه من دقيق الفقه ما ليس نراه لأحد منهم". ويجب ألا يكون "أصحاب الحديث" متعارضين من حيث الأصول تعارضًا شديدًا مع "أصحاب الرأى"، وذلك أن من العسير أن نخرج من الأحاديث بمفهوم ما، أو نحل متناقضاتها وخلافاتها، أو نستنبط منها ما يمكن أن يستنبط من أحكام، إلا إذا استعنا فى ذلك بأقل قدر ممكن من الحكم الشخصى. والرسالتان الأساسيتان اللتان نستطيع بهما أن ندرس موقف أحمد بن حنبل من العقائد هما الرسالة القصيرة المسماة: "رد على الجهمية والزنادقة"، و"كتاب السُنّة" (طبعت الرسالتان معًا فى القاهرة طبعة غير مؤرخة؛ وطبعت رواية أطول لكتاب السنة فى مكة سنة 1349 هـ). ويشرح ابن حنبل فى الرسالة الأولى ويرد على أقوال جهم ابن صفوان الذى اعتنق آراءه -التى ذاعت ذيوعًا كبيرًا فى خراسان- بعض تلاميذ أبى حنيفة وتلاميذ عمرو ابن عبيد. أما فى رسالته "كتاب السنة" فهو يعيد النظر فى بعض المسائل الكلامية التى سبق إثارتها فى رسالة الرد على الجهمية ويحدد بشكل قاطع موقفه هو من جميع مسائل العقيدة الجوهرية (انظر أيضًا الطبقات، ج 1، ص 24 - 36). ومن كتبه الأخرى فى العقيدة التى انتهت إلينا: "كتاب الصلاة" (القاهرة سنة 1323 هـ، وسنة 1347 هـ) فى أهمية صلاة الجماعة وأحكام إقامتها على وجهها، وقد رواه تلميذ من أقدم تلاميذه وهو مهنًا بن يحيى الشامى واختاره من الفهرس

الذى صنفه القاضى أبو الحسين بمراجع فى التراجم (الطبقات، ج 1، ص 345 - 380). ويجب أن نلاحظ أن له مخطوطين لم يطبعا هما: "المسند من مسائل أحمد بن حنبل" (انظر بروكلمان قسم 1، ص 311) الذى رواه أبو بكر الخلال، ويحتمل أن يكون قطعة من "كتاب الجامع" (انظر ما سيأتي) وهو مهم فى دراسة آراء ابن حنبل السياسية الدينية؛ و"كتاب الأمر" الذى رواه غلام الخلال (مخطوط بالظاهرية). وفى "كتاب الورع" (القاهرة سنة 1340 هـ؛ وقد ترجم جزءًا منه G.H. Bosquet et P. Charles-Dominique Hesperis فى سنة 1952 م، ص 97 - 112) نجد آراء أحمد فى مسائل يبدو فيها الورع لازمًا فى رأيه، وقد نسقت هذه الآراء فى صورة ملاحظات مرتبة ترتيبًا إجماليًا، وأضاف إليها راويها أبو بكر المروزي آراء الفقهاء الآخرين فى هذه المسائل نفسها أو فى مسائل تتصل بها مدافعا عن ذلك فيما يظهر ببيان أن أقوال أحمد فى الشبهات التى تساور أهل التقى وفى حياة الزهد والتعبد، يمكن أن تقارن بأقوال معاصرية إبراهيم بن أدهم، وفضيل بن عياض، أو ذى النون وترجحها. ومما يلاحظ أن هذا الكتاب (انظر Abd al-Jalil Aspects interieurs de l Islam ص 228 تعليق 193) قد أمعن فى الاستشهاد به أبو طالب المكي فى كتابه "قوت القلوب"، كما نقل عنه بعد الغزالى فى كتابه "إحياء علوم الدين". المسائل: كان أحمد بن حنبل يرجع إليه فى المسائل التى تتصل بالعقائد والأخلاق والفقه على اختلاف أنواعها، ولعله لم يمنع تدوين آرائه منعًا قاطعًا كما تقرر بعض الروايات، وإن كان من المحقق أنه حذر سائله من تدوين آرائه إذ يحتمل فى هذه الحالة أن تحل محل قواعد السلوك التى مرجعها إلى القرآن والسنة. وهو يخالف الشافعى فى أنه لم يسع قط إلى عرضها عرضًا منتظمًا على اعتبار أنها داخلة فى مادة المذهب. ويجب أن ننظر إلى الغرض الأساسى من مذهبه على ضوء أنه ردة على تدوين الفقه. أما وقد كان الفقه

الإسلامى فى صورته الأولية شرعة تقوم فى أساسها على الرواية الشفوية تترك فى تفريعاتها العامة مجالًا واسعًا للاختلافات الشخصية، فإن أى تدوين منتظم لهذا الفقه -بفرضه مثلًا فى حدود تفكير فقيه بعينه من فقهائه أو تجميده بالتدوين- يغير من صفته الذاتية. وكان تدوين ردوده على المسائل وترتيبها على الأبواب العامة للفقه من عمل ولديه صالح وعبد الله وعمل غيرهما من تلاميذ ابن حنبل الذين نذكرهم فيما يلى: 1 - إسحاق بن منصور الكوسج المتوفى سنة 251 هـ (865 - 866، الطبرى، ج 1، ص 133 - 135)؛ 2 - أبا بكر الأثرم المتوفى سنة 260 هـ (873 - 874 م) أو سنة 273 هـ (886 - 887 م؛ جـ 1، ص 66 - 74)؛ 3 - حنبل بن إسحاق المتوفى سنة 273 هـ (ج 1، ص 143 - 145)؛ 4 - عبد الملك الميمونى المتوفى سنة 274 هـ (887 - 888 م؛ ج 1، ص 212 - 216)؛ 5 - أبا بكر المروذى المتوفى سنة 275 هـ (888 - 889؛ ج 1، ص 56 - 63)؛ 6 - أبا داود (ج 1، ص 156 - 163، طبع بالقاهرة سنة 1353 هـ السجستانى المتوفى سنة 275 هـ، ج 1 ص 156 - 163، طبع بالقاهرة سنة 1353 هـ = 1934 م)؛ 7 - حربا الكرمانى المتوفى سنة 280 هـ (873 - 874 م؛ ج 1، ص 145 - 146)؛ 8 - إبراهيم ابن إسحاق الحربي المتوفى سنة 285 هـ (898 - 899 م؛ ج 1، ص 86 - 93). وثمة مجموعات أخرى أيضًا" ثم إن طبقات ابن أبى يعلى تشمل إجابات رد بها ابن حنبل على عدة زوار له. وهذه المواد المتفرقة جمعها فى "كتاب الجامع لعلوم الإمام أحمد" تلميذ لأبي بكر المروذى هو المحدث أبو بكر الخلّال المتوفى سنة 131 هـ (923 - 924 م) الذى كان يدرس ببغداد فى مسجد المهدى (الطبرى، ج 2، ص 12 - 15؛ تاريخ بغداد، ج 5، ص 112 - 113). وقد أحسن ابن تيمية تقدير ما كان للخلال من شأن، إذ قال (كتاب الإيمان، ص 158) إن مصنفه "كتاب السنة" هو أوفى مرجع ممكن لمعرفة "الأصول الدينية" فى عند أحمد بن حنبل،

كما أن مصنفه "كتاب فى العلم" هو أقيم خزانة يرجع اليها فى دراسة "الأصول الفقهية" عند أحمد. وهذه ألمصنفات هى بلا شك فروع لكتاب الجامع أو تناول جديد له. ويقول ابن قيم الجوزية (أعلام الموقعين، القاهرة، ج 1، ص 31) إن "كتاب الجامع" يقع فى عشرين مجلدًا. وهذا الكتاب، فيما نعلم الآن، مفقود إلا قطعة منه أشرنا إليها آنفا. على أنه تغلغل فى حصيلة ابن تيمية وابن قيم، ومن ثم فإن دراسة هذين الكاتبين تعوضنا بعض التعويض عن فقده إذ تعيننا هذه الدراسة على تقدير فكر ابن حنبل. وقد أتم ما صنفه ابن الخلال تلميذه عبد العزيز ابن جعفر المتوفى سنة 363 هـ (973 - 974 م) الذى اشتهر بغلام الخلال، ولم يرض عبد العزيز فى جميع الأحوال بشروح شيخه لأفكار ابن حنبل، ومع أن مصنفه "زاد المسافر" هو دون "كتاب الجامع" شأنًا إلا أنه يشمل طائفة من الزيادات التى يرجع إليها فى كثير من الأحيان. والخلافات التى أبقى عليها هذا "المجموع" فى عرض أفكار ابن حنبل هى التى تفسر لماذا يفرق الحنابلة بين "نص" صاحب المذهب، والروايات المنسوبة إليه، و"التنبيهات" التى أدلى بها، وبين "الأوجاه" فحسب التى ارتآها تلاميذ ابن حنبل. ويذكر ابن الجوزى له (المناقب، ص 191) تفسيرًا يعتمد على مائة وعشرين ألف حديث، وغير ذلك من مصنفات فقدت الآن (انظر أيضًا Brockelmann، ج 1، ص 193؛ قسم 1، ص 309 - 310). 3 - مذهبه: عانى المذهب الحنبلى أحيانا من شغب بلِن بعض أتباعه نشأ من تعصب قليل فى النظرة، كما عانى من إسراف فى الحرفية التزمه أتباع آخرون عن جهل أو تحد، وقد تعرض فى مراحل تاريخه لعدة معارضين أقوياء من أهل المذاهب الأخرى المختلفة الذين تتعارض مبادئهم معه فكان هؤلاء إذا أمسكوا عن تعمد الانتقاص منه، اتحدوا فى مهاجمته أو أحاطوه بستار من الشكوك الماكرة. ولم يحفل مستشرقو الغرب به إلا قليلًا، ولم يكونوا فى حكمهم بأقل من ذلك شدة.

وقد أصبح الرأى المستقر هو أن مذهب ابن حنبل فيه قول بوجود الله مع المغالاة العنيفة فى الاستمساك بالتشبيه؛ وفيه سلفية ممعنة فى المذهبية إلى حد لا يمكن أن يتيح لها البقاء، وروح من التعصب مشتعل بالهياج العصبى، وافتقار أصيل إلى التواؤم الاجتماعى، وضرب من العجز المقيم لتقبل النظام المقرر. والدراسة المباشرة لآثاره تدل على أننا يجب ألا نلتمس الأغراض المسيطرة على تعاليمه من هذه الأحكام العامة على مذهبه. صفات الله: الله عند ابن حنبل هو الله الذى جاء فى القرآن. والاعتقاد بالله هو الاعتقاد بالصفات التى وصف بها نفسه فى كتابه. ومن ثم يجب أن نسلم بأن صفاته: السميع والبصير والمتكلم والقادر والمريد والحكيم وغيرها، هى حق، كما أن الصفات الأخرى جميعًا التى تدخل فى "المتشابه" -كالكلام عن يده وعرشه ووجوده فى كل مكان ورؤية المؤمنين له يوم البعث- كلها أيضًا حق. وأخذًا بالحديث يجب أن نسلم أيضًا بأن الله سبحانه يتنزل إلى السماء الدنيا فى ثلث الليل الأخير ليستمع إلى دعوات عباده, كما يجب أن نسلم فى الوقت نفسه بظاهر لفظ القرآن (سورة الإخلاص) إن يقول إن الله أحد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد؛ (كتاب السنة، ص 37؛ كتاب المناقب، ص 155). ومن ثم أنكر ابن حنبل بشدة قول الجهمية بالتعطيل وتأويل القرآن والحديث، كما أنكر فى شدة لا تقل عن ذلك تشبيه المشبهة وسلك معهم فى مناظراته الجهمية راميًا إياهم بأنهم مشبهة بلا وعى منهم. ويجب -فى عقيدة أحمد فى الله- أن يوْمن المرء بالله "بلا كيف" ويترك لله فهم أسراره تعالى، ويطرح دقائق علم الكلام فى تناوله للعقائد لأنها تنطوى على الغرور والخطر (كتاب السنة، ص 37؛ المناقب، ص 155 - 156). وكان هذا الموقف غاية فى البساطة وغاية فى القوة أيضًا من حيث النظرة القرآنية حتى أن الأشعرى حين تخلى عن مذهب المعتزلة أخذ يسعى، إما عن لطف فى التدبير وإما عن تقبل

صادق النية، إلى الاستظلال براية ابن حنبل قبل أن يرجع إلى عقيدته الأولى فى أمور بعينها، وأخذ تلاميذه على تعاقبهم يتوسعون فى هذا الرجوع فى مسائل الصفات والقرآن وشرعية أقوال المتكلمين فى العقائد. القرآن: والقرآن هو كلام الله غير مخلوق، وقولك إن القرآن كلام الله ووقوفك عند ذلك رفض لاتخاذ موقف، وهذا يدخلك فى زندقة الواقفية، وهى بحكم ما تثيره من شك إثم أكبر من زندقة أصرح من ذلك هى زندقة الجهمية (كتاب السنة، ص 37 - 38) ولا يفهم من القرآن أنه المعنى المجرد وحسب، بل يفهم منه أيضًا القرآن بحروفه وكلماته وتعابيره وأفكاره، القرآن فى واقعه الحى كله، وهو الذى تحير طبيعته فى ذاته أفهامنا. اللفظ بالقرآن: من العسير أن نحدد موقف ابن حنبل من هذه المسألة، وتقرر بعض الروايات أنه كان يرى أن اللفظ بالقرآن غير مخلوق. وفى كتاب السنة (ص 38) لا يزيد ابن حنبل على القول: "ومن زعم أن ألفاظنا بالقرآن وتلاوتنا له مخلوقة، والقرآن كلام الله فهو جهمى". وهو إذ يذم، من حيث المبدأ، اللفظية اللذين يقولون بأن اللفظ بالقرآن مخلوق، لا يتخذ خطوة إيجابية أخرى فى تكوين مذهبه مما حير الحنابلة المتأخرين. ويرى ابن تيمية أن هذه المسألة هى أولى المسائل التى قام من حولها انقسام حق فى الرأى بين القدماء (انظر، Taymiyya Essoi sur ... bn H.Laoust ص 172)، ويقرر أن ابن حنبل توقف حيالها. ويسوق ابن تيمية نفسه فى رسالته "الواسطية" قاعدة تنطوى على الحذر بدت فى نظره متمشية مع روح المذهب الحنبلى: "إذا قرأ الناس القرآن أو كتبوه فى المصاحف لم يخرج بذلك عن أن يكون كلام الله، فإن الكلام إنما يضاف حقيقة إلى من قاله مبلغًا مؤديًا". أصول الفقه عنده: يخالف ابن حنبل الشافعى فى أنه لم يكتب رسالة فى أصول الفقه، ولا يمكن أن نسلم بأن الآثار المتأخرة المشهورة لمدرسته، وهى الآثار التى صنفت بإحكام العارف بأصول الصنعة فى جو من المناظرة مع

المذاهب الأخرى، تعبر عن أفكاره تعبيرًا دقيقًا. ذلك أن مذهبه هو نفسه، كما نستطيع أن نتبينه من "المسائل"، أكثر أولية من التخريجات المحكمة المتأخرة، ولكنه يتميز بأنه وضع المبادئ الأولى لأصول الفقه فى مذهبه. القرآن والسنة: يقول مذهب ابن حنبل بأنه يعتمد فوق كل شئ على القرآن مع الأخذ فيه بظاهر اللفظ لا بالتأويل، كما يعتمد على الحديث. ويستفاد من رواية ابن حنبل نفسه (المسند، ج 1، ص 56 - 57) أنه كان يهدف إلى أن يجمع فى مسنده الأحاديث المشهورة فى زمانه. ومن ثم نجد فى مجموعته هذه، على حد مصطلحه هو، أحاديث ثبتت حجيتها على نحو سليم ومن ثم جاز أن تسمى "صحيحة"، وأحاديث ليس لها نصيب من القبول إلا ظن بحجيتها وما من سبب يقينى يدعو إلى رفضها باعتبارها "ضعيفة"، أو قل "أحاديث صحيحة" و "أحاديث حسنة" إذا أخذنا بالتصنيف الذى قرره الترمذى. وإنما حدث فى وقت متأخر عن ذلك كثيرًا، حين بلغ ابن الجوزى بنقد الحديث غاية الصرامة من حيث أصوله، أن وجه اللوم إلى ابن حنبل لقبوله أحاديث موضوعة، وقد نفى عنه هذه التهمة كثير من المحدثين مثل ابن تيمية وابن حجر العسقلانى. والرأى الذى أخذ يسود الآراء فى هذا الشأن هو أنه توجد فى المسند إلى جانب الأحاديث الصحيحة أحاديث حسنة "أو" "غريبة"، ومع ذلك فإن هذه الأحاديث الحسنة أو الغريبة ليس فيها مع التشدد ما لا يمكن قبوله. فتاوى الصحابة والإجماع: وللقرآن والسنة تتمة تتمثل فى مرجع ثالث يستقى منهما ويكملهما وهو فتاوى الصحابة. والأسباب التى تدعم فى نظر أحمد شرعية هذا المرجع الجديد فى العقائد واضحة، هى أن الصحابة كانوا يعلمون ويدركون ويطبقون أحكام القرآن والسنة على نحو أسلم من الأجيال المتأخرة، وجميع هؤلاء الصحابة أهل للاحترام والتوقير. كما أن النبى - صلى الله عليه وسلم - قد نصح المسلمين فى وصيته بأن يسيروا على سنته وعلى سنة الخلفاء الراشدين الذين سيخلفونه

وأن يتجنبوا جميع البدع. وحيثما اختلف الصحابة كان من اليسير التماس الرأى الأصوب بالرجوع إلى القرآن والسنة وإعلاء أحكامهما على كل حكم (المناقب، ص 161). أما من حيث التفضيل فإن أحمد بن حنبل قد بدأ بأبى بكر ثم عمر ثم أصحاب الشورى الذين اختارهم عمر لأن كلا منهم أهل للخلافة وكلا منهم إمام، وهؤلاء هم: عثمان، وعلى، والزبير، وطلحة، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبى وقاص، ثم من شهدوا بدرا، ثم المهاجرون ثم الأنصار (كتاب السنة، ص 38؛ المناقب، ص 159 - 161). وهذا المذهب السنى الذى يوفق بين الأقوال المتعارضة يعترف بفضل على وشرعية خلافته، ولكنه يرد أيضًا اعتبار خصومه وأولهم معاوية الذى كان شأنه فى التمكين للإسلام يشيد به الحنابلة دائما ولا يوجبون بالضرورة إهمال أحكامه. وأحكام التابعين تستأهل أيضًا أن تدخل فى الاعتبار من حيث هى شاهد على التفسيرات الممدوحة. والإجماع فى مثل هذه المسائل العقائدية يعبر عن انعقاد الرأى على حقيقة تقوم على القرآن والسنة، ولكنه لا يكون فى ذاته، بالمعنى الصحيح، مصدرًا مستقلاً من مصادر الفقه. فالجماعة قد تقع فى الخطأ كلها إن لم تهتد بنور الوحى الذى أتى به الحديث (انظر ص 239 - 242). وظيفة المفتى: أول واجب يفرض على المفتى هو الالتزام فى أمانة بالتراث الروحى الذى رواه الشيوخ، واجتناب آية نزعة للاستحداث أو الابتداع. ومن ثم ينكر ابن حنبل الرأى، أى التطوع بإبداء رأى شخصى (أبو داود: المسائل ص 275 - 277) ولكنه لم يجعل ذلك قاعدة من قواعد السلوك تقتضى الوقوف أمام النصوص موقفًا جامدًا بإطلاق يستحيل على المرء أن يقفه؛ ولم يرفض أحمد القياس ولكنه لم يقدر كل التقدير قيمته من حيث هو أداة لتكوين مذهب أو الكشف عن قاعدة كما فعل ابن تيمية وابن القيم من بعد متأثرين بمؤثرات عقلية. وقد أكثر أحمد من الأخذ بالاستصحاب، وهو طريقة فى التدليل

تقوم على استدامة إثبات الحالة الفقهية ما لم تقم ظروف تقتضى تغييرها؛ وكذلك بالذرائع وهى طريقة أخرى فى التدليل، وذلك أن الله إذا كلف العباد أمرًا، فكل ما يتعين وسيلة له مطلوب بطلبه، وإذا نهى الناس عن أمر، فكل ما يؤدى إلى الوقوع فيه حرام أيضًا. وفكرة "المصلحة" التى تبيح تحديد الحالة الفقهية أو التوسع فيها تنطبق أيضًا على مذهب أحمد، وان كان لم يفعل ما فعله ابن تيمية وتلميذه الطوفى من التوسع فى استعمالها وتنظيم هذا الاستعمال. ولنكرر هنا تشبيها قال به ابن قيم فإنه فيما يبدو يملو خير تمثيل العناية المزدوجة التى أبداها ابن حنبل بالحديث وبالواقع: أن المفتى كالطبيب، فالطبيب يجب عليه أن يجعل علاجه موائمًا لحالة المريض, والمفتى يجب عليه أن يجتهد فى أن يستنبط من مراجع الفقه العلاج الخلقى الذى يجب أن يطبق على حالة بعينها. ومن ثم فإن شيوخ الحنابلة إذ كفوا بإطلاق عن فتح باب الاجتهاد فما ذلك إلا لأنهم رأوا أن استمرار الاجتهاد لا محيص عنه لفهم المبادئ الفقهية وتطبيقها. الخلافة والعرب: إن آراء ابن حنبل السياسية: التى يرد بها أساسا على الخوارج والشيعة (الروافض) تؤكد أولًا وقبل كل شئ شرعية أن تكون الخلافة فى قريش: "والخلافة فى قريش ما بقى من الناس اثنان، ليس لأحد - من الناس أن ينازعهم فيها، ولا نقر لغيرهم إلى قيام الساعة؛ (كتاب السنة، ص 35). وقد دافع عن العرب حين كانت الشعوبية محتدمة فى أيامه ولكنه لم يقل بتفوقهم: "ونعرف للعرب حقها وفضلها، وسابقتها، ونحبهم بمحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم. سب العرب نفاق، وبغضهم نفاق" (المصدر السابق، ص 38)، نفاق لأن وراء هذا السب أو البغض كان يكمن غرض أخفى من ذلك، هو القضاء على الإسلام بإحياء الإمبراطوريات القديمة أو إعادة صور حضارية أخرى. وقد اعتمد ابن حنبل على السنة التى سنها أبو بكر وعمر فى قوله بشرعية أن يعهد للخليفة إلى من يخلفه، على أن

أى عهد من هذا القبيل لا يكون ناجزًا إلا إذا أعقبته مبايعة يقسم فيها الإمام والممثلون المفوضون للرأى العام على الإخلاص المتبادل احترامًا لكلام الله (Essai، ص 287) , أما رأى ابن حنبل فى واجبات الإمام فيتبع المخطوط العامة للشروح الفقهية، وهو يترك للإمام، فى إطار أحكام القرآن والسنة، حرية واسعة فى أن يتخذ للمصلحة جميع ما يراه ضروريا للنهوض المادى والأدبى بالمجتمع. وفى هذا تكمن بذرة للك الفكرة الهامة ألا وهى "السياسة الشرعية" التى أصّلها ابن حنبل وابن تيمية وابن قيم الجوزية. وأعضاء الجماعة يدينون بالطاعة للإمام، فلا يجوز لهم المعارضة فى حكمته "والجهاد ماض، قائم مع الإمام، بر، أو فاجرًا، ولا يبطله جور جائر، ولا عدل عادل. والجمعة والحج والعيدان: مع الأئمة، وإن لم يكونوا بررة عدولًا أتقياء. ودفع الصدقات. والأعشار والخراج والفئ، والغنائم: إلى الأمراء، عدلوا فيها أو جاروا" (كتاب السنة، ص 35). فإذا سعى الأمير إلى معصية الله وجب أن يواجه فى هذا الشأن بعدم الطاعة، بلا دعوة إلى إثارة فنتة مسلحة لا يمكن تبريرها ما دام الإمام يقيم الصلاة فى أوقاتها. على أن كل عضو من أعضاء الجماعة عليه واجب آخر هو أن يأمر، فى حدود علمه وقدرته، بالمعروف وينهى عن المنكر. ومن ثم وجب على الفقهاء، بحكم ولا يتهم، أن يحيوا السنة وأن يجعلوا الرأى العام متيقظًا دائمًا، ويفرضوا على الإمام اتباع أحكام الدين دون أن يخرجوا عن حدود الطاعة له. روح الجماعة: تقوم سياسة أحمد على لم شمل الجماعة ووحدة العقيدة، وهو يعارض فكرة الجماعة فى الفتنة، بل لقد ذهب فى مسألة "التكفير" إلى حد اتخاذ موقف سمح فيه شئ من تساهل المرجئة، ذلك أنه يقول بأنه لا ينبغي أن يخرج عن الإسلام أى مسلم يرتكب الذنب إلا إذا استند فى ذلك على حديث يؤخذ بظاهر لفظه (كتاب السنة، ص 35 - 36)، ولا يذكر فى هذا الخصوص إلا ثلاثة ذنوب تقتضى التكفير وهى: ترك الصلاة، وشرب الخمر، ونشر الآراء المتزندقة التى

تعارض عقائد الإسلام، واقتصر فى ذكر الزنادقة على الجهمية والقدرية. أما عن التكفير بمعناه الصحيح فهو يستعيض عنه بالكف المستمر عن معاشرة الزنادقة فى نطاق الجماعة: "ولا أحب الصلاة خلف أهل البدع، ولا الصلاة على من مات منهم" (كتاب السنة، ص 35 - 36). الأخلاق: يسيطر التشدد فى المسائل الخلقية على مذهب ابن حنبل سيطرة تامة، فعنده أن غاية الأفعال هى غبادة الله. وهو يقرر بما يخالف المرجئة أن الإيمان "قول وعمل ونية وتمسك بالسنة" (كتاب السنة، ص 34). ومن ثم فالإيمان "يزيد وينقص"، وهو يقتضى ارتباطا كاملا من المخلوق حتى أن أى مؤمن لا يستطيع أن يقرر شيئًا إلا على الاستثناء فيستدرك: "إن شاء الله". ونخرج من هذا بأن الإيمان ليس جملة من الشعائر وإنما هو يقتضى مجموعة معقدة من العقائد الخلقية، يقتضى: إخلاصًا تامًا فى عبادة الله، وإنكارًا للدنيا، وتهذيبًا للمشاعر، ونزعة إلى الزهد، وشجاعة أدبية تقوم على ترك ما تحب إلى ما تخشى (الفتوة)؛ وخشية لله، وعقلا متشككًا يتجنب الشبهات (المناقب، ص 194 - 269). ومن ثم فإن عقيدة ابن حنبل ليس فيها شئ من الفيهقة التى تستمسك فى أمور الشرع بالحرفية. العبادات والمعاملات: ليس المقام - هنا مقام التحليل المستفيض للأحكام الأصولية التى تكون "الفروع" عند ابن حنبل فى الميدانين اللذين يندرجان تحت هذه الفروع وهما العبادات والمعاملات أو العادات، ذلك أن العرض المنهجى لها الذى ورد فى المختصر للخرقى لم يزد على نقل آراء فريدة لابن حنبل وترتيب محدود لأرائه. ويصدق هذا على كتاب العمدة لابن قدامه، على قيمته بالنسبة لمن يريد أن يعرف شيئًا عن المذهب الحنبلى فى القرن السابع الهجرى الموافق الثالث عشر الميلادى (انظر Precis de droit d lbr Qudama، دمشق سنة 1950 م). ولكن ثمة قاعدة هامة جدًا أبرزها ابن تيمية، وهى فيما يبدو لنا تمثل الحنبلية الأولى: ما من شئ يمكن أن

يقال إنه يفرض على الناس واجبات اجتماعية إلا العبادات التى أمر بها الله صراحة، ثم العكس، وهو: ما من شئ حرمه الشرع إلا العبادات التى حرمها الله فى القرآن وفى السنة، وهذا هو المبدأ الذى أجمله ابن تيمية قائلًا قولته "توقيف فى العبادات وعفو فى المعاملات" أى الصرامة المسرفة فى تطبيق العبادات والسماحة الواسعة فى جميع مسائل المعاملات (Essai، ص 444)، ولذلك يجب أن تترك حرية واسعة للطرفين فى وضع شروط العقد وخاصة فيما يتعلق بالإجراءات بحيث لا يمكن إلغاء آية أحكام فيه إلا إذا كانت مخالفة لصريح القرآن والسنة فى الميسر والربا. وقد رد ابن حنبل فى كتاب السنة (ص 38) على المحاسبى فى قوله بأن السعى الحر إلى الربح الشريف واجب دينى. على أنه فى العبادات لم يقل إلا بشرعية ما نص عليه القرآن والسنة وعلى الوجه الذى جاء به هذا النص. ولا يرجع تشدد المذهب الحنبلى إلى روح التعبد والعناية بالتفاصيل التى يسعى هذا المذهب إلى مراعاتها فى أداء الفرائض الدينية، بقدر ما يرجع إلى إنكاره الاعتراف بأية قيمة شرعية لصور العبادة التى استحدثها "اجتهاد" الزهاد والمتصوفة، أو حتى بالأحكام الاعتسافية التى تحكم بها السلطات الإدارية. وهذه النظرة المعادية للبدع (بقايا الوثنية، وما ابتدعته الأجيال المتأخرة، وتسللات الحضارات الدخيلة) قد تجلت بعنف شديد فى البربهارية والوهابية الأولى. المصادر: التراجم: (1) فصل فى كتاب أبى بكر الخلال المتوفى سنة 131 هـ (923 - 924 م) عن تاريخ المذهب الحنبلى، لم يبق منه إلا صفحات قلائل فى المكتبة الظاهرية بدمشق. (3) كتيب أبى بكر البيهقي المتوفى سنة 458 هـ (1065 - 1066 م) وقد استشهد ابن الأثير فى مصنفه البداية، ج 10، ص 234 - 243، بفقرات كبيرة منه (وثمة ترجمة منسوبة أيضًا للهروى المتوفى سنة 481 هـ الموافقة 1088 - 1088 م)؛ وهنالك سيرتان موسعتان هما:

الأخطل

(3) ابن الجوزى: مناقب الإمام أحمد بن حنبل، القاهرة سنة 1349 هـ = 1931 م. (4) الذهبي: قطعة من تاريخه الكبير، نشرها منفصلة أحمد محمد شاكر: ترجمة الإمام أحمد، القاهرة سنة 1365 هـ - 1946 م أعيد طبعها فى المجلد الأول من المسند). وهاتان الترجمتان تشتملان على وثائق وافرة ترجع إلى ولدى ابن حنبل وتلاميذه الأولين، ومع ذلك فإنه يغلب عليهما المديح وتفتقران إلى ضبط التواريخ. دراسات: (5) Ahmed ibn Hanbal: W.M.Patton and the Mihna، ليدن سنة 1897 م. (6) Goldziher: : Zur Geschichte handalitsischen Bewgungen فى zeitschr، Morgenel .Gesells der Deutsch سنة 198، ص 1 - 28. (7) مادة أحمد بن حنبل فى الطبعة الأولى وهى مثبتة قبل هذه المادة الجديدة. (8) محمد أبو زهرة: ابن حنبل، القاهرة سنة 1949 م. خورشيد {لاوست، H.Laoust] الأخطل شاعر عربى نصرانى، ولد فى حدود عام 640 م بالحيرة (الأغانى؛ ج 7، ص 170) أو فى صحراء الشام غير بعيد من الرصافة حيث كانت تنزل عشيرته (انظر ديوان الأخطلء طبعة سنة 1891 - 1892، ص 82، س 1؛ الأغانى، ج 11، ص 55 - 60)، وهو غِياث بن الصَلْت بن طاِرقة، وينتسب إلى عشيرة بنى جُشَم بن بكر التغلبية (الديوان ص 176، 178؛ الأغانى، ج 7، ص 169؛ مجلة المشرق، سنة 1904، ص 479) وهى من أشهر عشائر العرب. وكانت أمه ليلى من قبيلة إياد النصرانية، ولما كان قد اختار لنفسه لقب "الأخطل" فلا بد أنه لم ير فيه ما يكره. ودعاه خصومه بـ "دَوْبَل" (الديوان ص 1) وكنى باسم ابنه الأكبر مالك. وقد عاش ومات نصرانيًا لأنه انحدر من قبيلة تغلب النصرانية. وإذا أحوجنا الأمر إلى دليل فحسبنا هجاء جرير له، ولا نجد للنصرانية فى ديوانه إلا أثرًا ضئيلًا، بل هى لم تمسس قرارة نفسه شأن جميع الأديان بين الأعراب.

وقد ورد فى ديوانه ذكر القديس سرجون والصليب والرهبان والدعوات النصرانية؛ ويقابل هذا بعض العبارات الإسلامية الشائعة التى تدلنا على أثر البيئة الإسلامية فيه (الديوان، ص 1، 78، 119، 184، 204؛ ديوانه طبعة سنة 1905، ص 171، س 6؛ الأغانى ج 7، ص 173). وكان يظهر بين الناس وفى عنقه صليب من ذهب على عادة النصارى من الأعراب، ويولّى وجهه شطر المشرق فى صلاته. وكان يتناول القربان المقدس ويقبل بخضوع ما كان يفرضه عليه كاهنه من عقوبات علنية. ولما دعاه الخليفة إلى الإسلام رفض فى إباء (الديوان ص 154) وهجا خصومه من المسلمين بقوله: "فما الدين حاولتم ولكن دعاكم إلى الدين جوع" (الديوان، ص 315، س 13) ومع ذلك فلم يكن أكثر مراعاة للتعاليم النصرانية، ذلك أنه طلق امرأته ثم تزوج طالقًا وتلك سنة شائعة عند النصارى من العرب. ولنا أن نتساءل: هل عاشر الأخطل قينة حباه بها ابن زياد؟ (الديوان، ص 181، س 13) يقول ذلك مركوليوث، ولكنه لم يقم الدليل عليه (Mohammed: Margoliouth ص 40). وكان الأخطل مسرفًا فى الشراب، وهو أمر لم يتأثر فيه بالأقدمين الذين عرفهم وقلدهم، بل كان يشرب لأن النصارى رأوا فى الخمر ما يميزهم عن المسلمين. على أن الأخطل كان يرى هو وكثير من رفاقه من المسلمين (الأغانى، ج 8، ص 15؛ جـ 9، ص 88، ج 11، ص 39) أن الخمر مصدر للإلهام الشعرى. فكان يختلف فى نفر من بنى هاشم وابن لعثمان (الديوان، ص 27، س 6؛ ديوانه المطبوع سنة 1905، ص 174) إلى حوانيت الخمر. ويظهر أنه من العسير أن نغتفر له اتصاله بالقيان الفاجرات طوال حياته إن تسامحنا فغفرنا له نسيبه وهو حب عذرى لا فحش فيه أصبح من موضوعات الشعر المألوفة (مجلة المشرق ص 479). وديوانه عفيف؛ عدا بعض أبيات واقعية إلى حد بعيد (انظر ديوانه طبعة سنة 1905 م، ص 105، 106، 109، 110، 165، س 15). وأى شئ هى إذا قيست بما عرف عن فحش العرب فى الهجاء؟ وحسبنا هجاء جرير

والفرزدق وحميدة الأنصارية، (الأغانى، ج 8، ص 139 - 140). وكان الأخطل -شأن بنى تغلب- ممن أخذوا بمذهب الطبيعة الواحدة، ولم يمنعه هذا من أن يكون صديقًا لأسرة ابن سرجون الملكانية ذات النفوذ الواسع. ولما طلب يزيد بن معاوية إلى كعب ابن جُعَيْل شاعر الأمويين أن يهجو الأنصار، أشار عليه بشاعر حدث من قبيلته هو الأخطل، فوفق الأخطل إلى هجاء مقذع (الديوان، ص 134) كاد يودى بحياته لولا تدخل يزيد. ومنذ ذلك العهد شارك الخليفة مائدته وصحبه إلى مكة، وشرع فى مدح الأمويين: يزيد وعبد الله بن معاوية (انظر شروح ديوانه، ص 167، 176، وانظر أيضًا ديوانه المطبوع عام 1905، ص 63 - 72؛ ومع ذلك فقد ذكرت فيه وقعة مرج راهط التى وقعت بعد عهد يزيد) وخالد بن يزيد، وكذلك عمالهم: زياد وأبنائه والحجاج وغيرهم. ولما اتخذه عبد الملك شاعرًا للدولة الأموية (الأغانى؛ ج 12، ص 172، 176) أخذ يتغنى بمدح هذا الخليفة وأقربائه: عمر ابن عبد العزيز وابنيه الوليد وسليمان. نم أشاد بذكر عثصان (الديوان، ص 39 س 6؛ 192 - 194). وهجا أعداءهم من العلويين وآل الزبير والأنصار (الديوان، ص 58 - 64، 73 - 76، 93 - 94، 264، 277، 278، 289 وما بعدها) والقيسية، الله بن خاصموا بنى مروان منذ وقعة مرج راهط. فياله هن شاعر سياسى يقربه أصحاب السلطان ويخشاه المعارضون! ولأشعاره فى هذه الناحية قيمة تاريخية عظيمة نجد فيها آثار الجاهلية ونزعات عصره؛ كما أظهرنا بترفعه واستقلاله على تسامح الأمويين الذين كانوا عربًا قبل أن يكونوا مسلمين. (المشرق، ص 478؛ 482). بيان الأثر الذى تركه هذا النصرانى يمثل لنا مظهرًا من مظاهر عصر الانتقال الله الذى كانت تمر به الأمة العربية فى ذلك الوقت. وجاء فى ديوانه (طبعة سنة 1905. ص 170 - 171) أن عبد الله ابن جرير البَجَلى (وليس الجبلى كما فى هذه الطبعة) قد انضم نهائيًا إلى الأمويين. وظلت الخصومة بين الأخطل وجرير حية فى تاريخ الأدب. وكان الأول قد تفوق بصفة عامة

على خصمه جرير الذى كان أقل منه اقذاعا وأكثر لغوًا، ونقائضهما موضوع إقذاعًا. ويؤلف الأخطل وجرير والفرزدق "الطبقة الأولى" من الشعراء، وهى طبقة متفردة لم يجد نقاد العرب منذ ظهور الإسلام ما يقارن بها. ولكن النقاد لا يتفقون دائما فى المفاضلة بين هؤلاء الشعراء، والواقع أن هذا الموضوع كان مثار مناقشات متصلة عند نحاة العصر العباسى (البيهقى: المحاسن، ص 457). فلو لم يكن الأخطل نصرانيًا هاجم الإسلام فى أشعاره لأجمع هؤلاء النحاة على تفضيله. وأسلوب الأخطل جزل رصين يذكرنا بالشعر الجاهلى؛ وشعره فى الهجاء والخمريات لا يضارعه فيه أحد. أما فى المدح فقد سمت به شاعريته إلى مرتبة لم يبلغها أضرابه الذين أسفّوا فى المدح. ونجد فى هذا التغلبى أخلاق رجل البلاط، مع أن نظرته للحياة كانت نظرة البدوى الذى يؤثر الظعن على الإقامة فى دمشق (الديوان، ص 121، س 6) ونعتقد أن ندرة ما فى أشعاره من الفحش الذى انغمس فيه أضرابه تفصح عن نصرانيته أكثر مما يفصح عنها حديثه. ولهذا استطاع الأخطل أن يقول كما قال نُصَيْب (الأغانى، ج 1، ص 145) أن الفتاة العذراء لا تتحرج من قراءة ديوانه. ويمكننا أن نأخذ عليه - كما نأخذ على الشَمّاخ والحُطَيْئَة (الأغانى، ج 8، ص 102) - التكلف الظاهر فى بعض قصائده وجمودها والتواءها: فلم يكن الأخطل شاعرًا مطبوعًا، بل لم يحرص على أن يكون كذلك. وتعتبر قصيدته فى مدح الأمويين درة اشعاره (الديوان، ص 98 - 112) نجد فيها ذلك البيت الذى مجد فيه حلم خلفائهم: شمْسُ العداوة حتى يستقاد لهم ... وأعظم الناس أحلامًا إذا قدروا (الديوان، ص 104، س 8). وإذا كان الأخطل قد قلد القدماء وانتهب أشعارهم، فإنه لم ينتهبها قط بتلك الصفاقة التى عرفت عن الفرزدق؛ وهو يتغنى فى جزء من ديوانه (الديوان، ص 16، 129، 133، 135، 268 - 269؛ ديوانه المطبوع عام 1905، ص 167 - 169؛ وانظر أيضًا أشعار القُطَامى ص 2، 8، 9، 10، 13) بتقلبات حروب قبيلته مع القيسية الذين ناصروهم على كلب بادئ الأمر. واشترك الأخطل فى هذه

الحروب وفقد فيها ابنه، وهو يؤكد لنا أنه أظهر فى تلك الحروب شجاعة نادرة (الديوان، ص 27) وكم فى هذا الفخر من مبالغة؛ فلم يكن الأخطل من رجال الحرب، ذلك أنه فر من النزال الدموى يوم البِشْر وكان هو مثيره بإقذاعه فى الهجاء (القطامى ص 23، س 40، 43). ولما تخلى عبد الملك بن مروان عن حمايته أنشد: فإن لا تغيرها قريش بملكها ... يكن عن قريش مُسْتَمَاز ومَزْحَل (الديوان، ص 11) وهو بيت فيه ثورة لايدانيه إلا البيت الذى أعلن فيه الأخطل أن عبد الله بن سعيد بن العاص التغلبى الخامل الذكر أهل للإمارة، وكان هذا أخا لرجل حاول خلع الخليفة عبد الملك. على أن جرأة الأخطل لم تفقده رضا الخليفة. وكان الوليد الأول (ولم يكن شاعره عدىّ بن الرقاع متحمسًا فى إعجابه بالأخطل؛ انظر الأغانى، ج 8، ص 179، 184) وإن قل حظه من الثقافة يظهر غيرة على الإسلام (الأغانى، ج 7، ص 69، س 2). وقد احتكم بنو بكر وبنو تغلب إلى الأخطل -وكان النزاع قد نشب بينهما منذ رقت طويل (الديوان، طبعة سنة 1905 م، ص 161 - 162) - فنطق الأخطل بحكمه فى المسجد. ولاشك أن الأخطل قد توفى قبل نهاية عهد الوليد بن عبد الملك، بينما يقول ابن عبد ربه (العقد الفريد، ج 1، ص 155، ج 2، ص 70). أن العمر قد امتد به إلى عهد عمر بن عبد العزيز، ولاشك فى أنه خدع فى ذلك بأبيات (الديوان، ص 277 - 278) قيلت قبل ولاية عمر. وإذا صح لنا أن نجعل وفاته حوالى عام 640 م فإن الأخطل يكون قد بلغ عامه السبعين، وتكون حياته الشعرية قد دامت أربعين سنة تقريبًا. ولم يذكر له أحفاد. المصادر: (1) صالحانى: ديوان الأخطل، بيروت سنة 1891 - 1892 م. (2) صالحانى: ديوان الأخطل، وهو صورة شمسية طبعت عن نسخة مخطوطة بغداد، بيروت سنة 1905 م. (3) صالحانى: مجلة المشرق، سنة 1904، ص 475 وما بعدها.

(4) الأغانى، مواضع مختلفة لاسيما جـ 7، ص 169 - 188. (5) ابن قتيبة: كتاب الشمر، طبعة ده غويه، ص 286. (6) السيوطى: المزهر، جـ 2، ص 217. (7) ابن عبد ربه: العقد، جـ 2، ص 53. (8) باريس سنة 1895 م، ص 1 - 208) مقتطف من المجلة الأسيوية، سنة 1895 م. (9) (مقتطف من مجلة سنة 1904) (10) e 3 rw,.nmauceMo'awn - d Kwide: Vficocr ص 397 - 404. (11) des Mora جـ 5، ص 160 وما بعدها، جـ 15، ص 1 وما بعدها. [لامنس] + الأخطل: لقب الشاعر العربى غياث بن غَوْث بن الصَلْت الذى توفى فيما يرجح قبل عام 92 هـ (710 م). وهو ينتسب إلى قبيلة تغلب الكييرة التى كانت تنزل شمالى الشام وظلت جميعًا النصرانية آخذة بمذهب الطييعة الواحدة. وقد ارتبط من ناحية أمه لبلى بقبيلة نصرانية أخرى هى قبيلة إياد. ولد الأخطل إما فى الحيرة (انطر الأغانى، الطبعة الأولى، جـ 7، ص 170) وإما بالقرب من الرصافة ولا نعرف تاريخ ولادته على التحقيق، ولعله كان حوالى سنة 20 هـ (640 م)؛ وظل الأخطل على النصرانية طوال حياته، فلم يتأثر بما بذل وجوه بنى أمية من جهود لإدخاله فى الإسلام. ومع أنه كان يقول بالطبيعة الواحدة للمسيح، إلا أنه احتقط بعلاقاته الطيبة مع أسرة سَرْجُون الملكانية. وتثبت بعض سماته فى شعره غيرته على مذهبه، بل هى تعبر عن بعض الفخر باستمساكه به (ديوانه، فى مواضع مختلفة). على أن القيم الخلقية التى كان

يؤمن بها لم تكن تختلف اختلافا بينًا عن قيم المجتمع الذى عاش فيه. فهو قد هجر زوجته وتزوج من امرأة مطلقة. والظاهر أنه كان مدمنًا على الشراب ينفق وقته فى الحانات مع قيان مغنيات مستهترات. وكان الأخطل يتقلب مع الأسر الحاكمة، ففى عهد معاوية غاص فى لجج السياسة، وكان يلزم صحبة يزيده الأول ويثنى عليه فى مدائحه، وكذلك كان شأنه مع غير يزيد من وجوه القوم مثل زياد والحجاج. وفى عهد عبد الملك أصبح فى واقع الأمر الشاعر الرسمى للخليقة (الأغانى، الطبعة الأولى، جـ 7، ص 172 - 176). وظل فى خدمة خلفاء عبد الملك وحمل فى شعره على جميع خصوم الأمويين (انظر الديوان، ص 58، 73، 93، 204، 277 وما بعدها) وقد بين لامنس بجلاء القيمة التاريخية لهذا الشعر. وقد استغرق حياة شاعرنا العملية كلها التهاجى باللفظ بينه وبين معاصره الشاعر جرير - وقد ناصره فى هجائه هذا الفرزدق للخصومة التى كانت قائمة بين هذا الشاعر وجرير، مع أن الفرزدق كان أيضًا تميميًا كجرير. ويكاد يكون من المستحيل أن نفصل بين أخبار هؤلاء الرجال الثلاثة. ومن الواضح أن الأخطل وجريرا قد احتفظا فى هذا المجال بسنة الجاهلية ولم يخرجا عن التعبير عن مشاعر قبيلهما الخاص. وتبين أشعار الأخطل فى هذا الشأن كيف تنبثق الموضوعات البدوية القديمة من ثنايا الستار الدينى الذى يغشاها. ويبدو أن الأخطل لم ينل من الحظوة فى عهد الوليد الأول مثل ما نال من قبل (انظر الأغانى، جـ 7، ص 179 وما بعدها) والراجح أنه توفى قبيل نهاية خلافة الوليد ولم يعقب. وقد انتهت إلينا أشعار الأخطل برواية السُكّرى الذى صنفها مستعينًا بالمادة التى جمعها ابن الأعرابى (انظر، قسم 1، ص 94؛ الفهرست ص 78، 158) - وهذه الرواية ميسورة فى طبعات غير مستوفاة، فنجد طبعة صالحانى لديوان الأخطل (بيروت سنة 1891 - 1892 م) قد

أكمل بعضها صالحانى نفسه فى طبعته للديوان ببيروت سنة 1905 م (صورة شمسية من مخطوط بغداد) وكرفينى فى طبعته للديوان ببيروت سنة 1906 م (نقلا عن مخطوط اليمن). وأراد الشاعر أبو تمام أن يجئ بمقابل للنقائض بين جرير والفرزدق فجمع فى القرن الثالث عشر الهجرى (التاسع الميلادى) النقائض بين جرير والأخطل وسماها "نقائض جرير والأخطل" وهى تسوق المنابذات الكلامية بين الغريمين، وثمة مخطوط من مصنفه هذا فى إستانبول. وأشعار الأخطل مثل أشعار جرير والفرزدق تكمن جذورها فى الحوادث المعاصرة، وهى تصور ثارات عصرهم وخصوماته السياسية، وتتمثل فيها دائما التقاليد البدوية. ويشمل ديوان الأخطل مدائح فى صورة القصائد وطائفة كبيرة من شعر الحكمة. وتشبه قوالبه الشعرية ومصطلحاته الجامدة ولغته سائر الشعراء المعاصرين إلا فى القليل. ومن المرجح كثيرًا (كما قال بشار) إن الصيت الذى ناله الأخطل فى حياته كان مرجعه إلى افتتان عرب ربيعة به لأنهم طربوا إذ وجدوا فيه نصيرًا قويًا يقف فى وجه عرب بكر وتميم (انظر المَرْزُبانى: الموشح، ص 138). فلما حدث بعد أن أقامت الأوساط الأدبية فى العراق لها مثالًا فى الشعر، جرى الذوق الغالب على الموازنة بين شعر الأخطل والفرزدق وجرير؛ واستسلم الناس لهذا الذوق فى "التقييم النسبى للمزايا" الذى غلب على العلماء المشارقة فى القرون الوسطى، وقد أصبح هذا اللون من الموازنة النقدية موضوعًا ملحًا للمناظرة استعرضه الهمذانى فى مقاماته التى كتبها فى أواخر القرن الرابع الهجرى (العاشر الميلادى). ويجوز أنه حدث فى تاريخ متقدم يرجع إلى نهاية القرن الثانى الهجرى (الثامن الميلادى) أو إلى أوائل القرن الثالث الهجرى (التاسع الميلادى) أن أظهر نحويو البصرة والكوفة ولغويوهما تفضيلهم للأخطل (انظر أحكام أبى عبيدة، والأصمعى، وحماد الراوية التى ذكرها الأغانى على سبيل المقارنة، جـ 8 من الطبعة الثالثة، ص 84، وما بعدها، 291، 305).

أخلاق

والظاهر أن الأخطل لم يحتفظ بمكانته فى الأدب العربى فى نظر الأجيال المتأخرة (مثال ذلك الرأى الذى يجنح إلى الحذر الذى أبداه طه حسين فى كتابه "حديث الأربعاء"، جـ 2، ص 77 وما بعدها). وحتى اليوم لم يكن الأخطل موضوع دراسات فى الغرب إلا من حيث سيرته. المصادر: (1) الأغانى، الطبعة الأولى، جـ 7، ص 169 - 188 = الأغانى الطبعة الثالثة، جـ 8، ص 280 - 320. (2) المرزبانى: الموشح، ص 132 وما بعدها. (3) Notice sur: Caussin de Perceval les poetes Akhtal, Ferazdaq et j، ar فى. Jour. As جـ 13، ص 289 وما بعدها؛ جـ 15, ص 5 وما بعدها. (4) فى، سنة 1894، ص 94 - 176، 193 - 241، 381 - 465. (5) الكاتب نفسه Omayade Mo'awia Ter عنم regne du Calife, بيروت، سنة 1908 م، ص 397 - 404. (6) Der Wein in al-: 1. Krachkowskiy Fests-: G. Jacob ,i Akhtal's Gedischter chr ص 146 - 164. (7) وثمة تفصيلات أخرى فى بروكلمان، جـ 1، ص 49 - 52؛ قسم 1، ص 83 وما بعدها. (8) Raccolta di Scritti: C.A. Nallino . جـ 6، ص 73 - 76 La Litterature) -arabe des origins a 1'epoque de la dy .umayyade ءْ nastie, ترجمة بلا، باريس سنة 1950 م، ص 115 - 120) خورشيد [بلاشير R. Blachere] أخلاق " أخلاق" جمع خُلُق: والأخلاق هى صفات الإنسان الأدبية، وعلم الأخلاق هو هذه الصفات معروضة على وجه تعليمى .. ونجد كثيرًا من النبذ عن الأخلاق فى عدة فروع مختلفة من كتب الأدب: نجدها عند الشعراء، ونجدها فى

الأمثال والقصص؛ ولا حاجة بنا إلى القول بأننا نجدها فى القرآن وتفاسيره وفى الأحاديث؛ ونجدها كذلك عند الفقهاء الذين تبدو الأخلاق عندهم يحثًا فى حالات الضمير الجزئية (¬1) ونجدها أخيرا عند المؤرخين ورواة الأخبار الذين يتحدثون عن الأخلاق كلما دعت الظروف إلي ذلك. ولكن علم الأخلاق منفصل عن كل هذا قائم بذاته، وليس مقتطفًا من مختلف المصنفات. هو فى الحقيقة علم يتصل بالمتوارث من الفلسفة اليونانية، سواء أكانت هذه الوراثة شفوية نقلتها المدارس الفلسفية والأديرة فى مصر والشام وفارس، أم كانت مدونة فى الكعب التى وصلت إلينا والتى أحياها المترجمون. وقد عرف حاجى خليفة علم الأخلاق فقال: "قسم من الحكمة العملية" (حاجى خليفة، طبعة فلوكل جـ 1، ص 200) وهذا التعريف يتضمن التفريق بين الفلسفة العملية والفلسفة النظرية، وهو أمر سبق وجوده عند أفلاطون، ولكن العرب عرفوه بصفة خاصة من المدارس الفلسفية المختلفة التى تناقلت فيما بينها هذا الرأى. وأضاف حاجى خليفة راويًا عن ابن صدر الدين الشروانى المتوفى عام 1036 هـ (1626 - 1627 م) وهو قاض من أصحاب الوزير نصوح ومؤلف كتاب "الفوائد الخاقانية" أن علم الأخلاق: "هو علم بالفضائل وكيفية اقتنائها لتتجلى النفس بها، وبالرذائل وكيفية توقيها لتتخلى عنها. فموضوعه الأخلاق والملكات والنفس الناطقة من حيث الاتصاف بها" وهذا القول يحد إذن علم الأخلاق فى دراسة منهجية للفضائل والرذائل، وبذلك لا يكون علم الأخلاق سوى الفلسفة الخلقية المعروفة عند المشائين. وهناك اعتراض مبدئى يوجه إلى إمكان تحقق جزء من هذا العلم: ذلك أنه لما كان خلق كل إنسان هو قوام شخصه وذاته، فإنه يبدو أن الخلق مغروز فى طبيعة الإنسان نفسه ¬

_ (¬1) حالات الضمير الجزئية ترجمة (من أى حالة) ومعناه أن هناك حالات جزئية لا تنطبق عليها المبادئ العامة التى يقررها علم الأخلاق لما تثيره فى الضمير من التردد بين واجبين ظاهريين ومن ثم تحتاج كل حالة منها إلى حكم خاص.

ولا يمكن أن يتغير. فيمكن إذًا أن يوجد علم يصف هذه الأخلاق، ولكن لا يمكن أن توجد صناعة تغيرها. ينسب حاجى خليفة هذا الاعتراض إلى ابن صدر الدين، ونجده عند كثير من علماء الأخلاق: عند يحيى بن عدى والغزالى ونصير الدين الطوسى مثلاً. وقد دعم ابن صدر الدين هذا الاعتراض بقوله المحكم: "السيرة تقابل الصورة وهى لا تتغير". وقد أجاب عن هذا الاعتراض بأن الأخلاق بعضها طبيعى والبعض الآخر مكتسب بالعادة فأما الطبيعى فهو ثابت، وأما المكتسب بالعادة فيمكن تغييره. وهذا القول الذى يتقق مع المتوارث من الفلسفة الإغريقية يؤيده الحديث الشريف: "بعثت لأتمم مكارم الأخلاق، . وهذه الشبهة والرد عليها نجدهما بالتقريب عند الغزالى ولكن فى صورة أكثر قوة وتفصيلاً. ويجب أن لا نخلط علم الأخلاق -كما سبق تعريفه- بما سماه العرب "الأدب". فالأدب أقل عمقًا من علم الأخلاق وأكثر شمولًا منه؛ لأن معنى هذا اللفظ يتضمن ثقافة أدبية حسنة لا سبيل إلى عدها بين الفضائل أو على الأقل بين أمهات تلك الفضائل. ويتصل بعلم الأخلاق "النصائح" و"الوصايا" ويندرج تحت هذين الموضوعين كثير من الأقوال التى تضيفها المؤلفات العربية إلى شخصيات هامة والتى تتضمن مبادئ خلقية، ولكنها ليست عرضا لعلم الأخلاق على أسلوب منهجى، وعلى هذا فإن هذه الأقوال يجب أن توضع إلى جانب الأمثال والحكم. ولنشر هنا على سبيل المثال إلى وصايا نزار المتوفى عن أربعة أولاد، وقد ذكرها الأصمعى (مجانى الأدب، بيروت، سنة 1896 م، جـ 1، ص 53). ويعنى علم الأخلاق فى جوهره بالإنسان على وجه العموم، ولكنه مع ذلك توجد رسائل فى الأخلاق تتصل بصنف خاص من الناس، أهمها ما يتصل بأخلاق ذوى السلطان، وهذه تدخل فى باب السياسة التى اعتبرها العرب كما اعتبرها قدماء الفلاسفة فرعًا من الأخلاق، ولكنه فرع هام جدير بأن يفرد له بحث خاص. وتوجد كذلك

رسائل فى خلق أهل الورع. ولكن هذه الرسائل لاتتصل فى الواقع بعلم الأخلاق، لأن علم الأخلاق -إذا نظرنا إليه فى ذاته- يجب أن يتميز عن التصوف والزهد. ولسنا نعرف على وجه التحقيق أى كتب اليونان فى علم الأخلاق وصلت إلى العرب: فقد روى أن إسحاق بن حنين نقل كتاب الأخلاق إلى نيقوماخس لمؤلفه أرسطو فى اثنى عشر مجلدًا بعنوان "كتاب الأخلاق"؛ ولكن كتاب الأخلاق إلى نيقوماخس لا يقع إلا فى عشرة مجلدات، فهل لنا أن نفرض أنه قد أضيف إلى الترجمة العربية كتاب هو "المقالات الكبار فى الأخلاق"، أو نقول إن ما روى عن هذا الكتاب تحريف لرواية أخرى تذهب إلى أن إسحاق بن حنين -لا حنين بن إسحاق- قد نقل شرح فورفريوس على كتاب الأخلاق إلى نيقوماخس فى اثنى عشر مجلدًا، وهذا العدد نفسه إنما صار كذلك بإضافة كتابى "المقالات الكبار فى الأخلاق" أيضا ونحن نعلم إلى ذلك أن إسحاق بن حنين قد نقل شروح ثامسطيوس إلى السريانية، وربما كان قد نقلها إلى العربية أيضا. وقد عرف الفارابى كتاب الأخلاق إلى نيقوماخس والمقالات الكبار فى الأخلاق و"المقالات الصغار فى الأخلاق" التى كتبها أرسطو إلى أوذيمس. وللفارابى نفسه شرح على بعض هذه الكتب. وقد شرح ابن رشد بعد ذلك كتاب الأخلاق إلى نيقوماخس ونقل رجل يدعى ابن الخمَار كتابًا فى الأخلاق، يذهب فنريش Wenrich إلى أنه عين كتاب أرسطو فى الأخلاق. ولا توجد فى دور كتبنا الترجمة العربية لكتاب أرسطو. ويروى أن الطبيب أبا الفرج عبد الله بن الطيب المتوفى عام 435 هـ (1043 م) شرح كتاب أرسطو المذكور؛ وقد بقى لهذا الطبيب مقالة لأرسطو فى الفضيلة ترجمها من السريانية إلى العربية. أما مؤلفات أفلاطون فى الأخلاق فإنها تتصل بالسياسة أكثر منها بالأخلاق البحتة، وحسبنا أن نذكر هنا أن كتابه "النواميس" قد ترجمه حنين ابن إسحاق كما نقله يحيى بن عدى. ولا نعرف من كتب فلوطرخس فى

الأخلاق غير كتاب الرياضة الذى ترجمه قسطا بن لوقا، وقد نسب إلى أفلاطون كتاب فى "أدب الصبيان" نقله أبو عمرو يوحنا بن يوسف؛ وقد رأى فنريش: Wenrich دون أن يستند إلى سند قوى- أن يصحح هذه النسبة فيجعل الكتاب لفلوطرخس بدلًا من أفلاطون. وعرف العرب من المدرسة الفيثاغورسية "المذهَبات" وهى أشعار تدخل فى باب الحكم، كما عرفوا منها حكم الفيلسوف سكندوس Secundus واستبقى ابن مسكويه رسالة طريفة فى الأخلاق عنوانها "لغز قابس" وهو كتاب يظهر أنه رواقى (طبعة Elichmann فى ليدن عام 1640 م الجزائر سنة 1898 م). وهناك رسالة منهجية فى الأخلاق تغلب عليها النزعة الأفلاطونية هى "معاتبة النفس" (طبعها باردنهور Hermetis tri-: Bardenhewer -smegisti qui apud Arabes fertur de cas Ratione animae libellum، بون سنة 1873 م) تنسب حينا إلى هرمس الهرامسة المثلث بالحكمة، وينسبها حينا آخر ابن أبى أصيبعة إلى سقراط وإلى أفلاطون، كما تنسب فى مخطوط بمكتبة بودليان Bodleian إلى أرسطو ولكن بعنوان "زجر النفس" ولا نعرف أصل هذه الرسالة. أما باردنهور فيعتقد أنها من تصنيف مسلم ويقارنها برسائل إخوان الصفاء، بينما يميل شتينشنيدر (Die: Steinschneider -arabischen Ubersetzungen aus deco Grie o rhisrhen، ص 23) إلى اعتبارها مصنفًا يونانيًا لنصرانى شرقى. ولنذكر إلى جانب "الوصايا" المختلفة و"كتاب التفاحة"، وهو محاورات منتحلة بين أرسطو عند احتضاره وتلاميذه نسج فيها على منوال محاورات فيدون: رسالة فى تدبير المنزل كتبها رجل نصرانى توجد بمكتبة الإسكوريال، وكتابا لعلى بن رضوان المتوفى عام 453 هـ (1061 م) أو 460 هـ (1068 م) وهو ضرب من الترجمة الذاتية أودع فيه فصلاً فى الأخلاق والسياسة، وقد نسب هذا الكتاب فيما بعد إلى أرسطو وترجم إلى العبرية. كما نذكر رسالة فى الأدب

يقال إن أرسطو كتبها إلى الإسكندر توجد بالمتحف البريطانى (الفهرس، ص 203) وانظر فيما يختص بهذه الترجمات سواء أكانت حقيقية أم منتحلة (ليبسك سنة 1842 م؛ جـ 12، ليبسك سنة 1893 م) والمسلمون الذين كتبوا فى الأخلاق بطريقة منهجية قليلون، والذين اشتهروا منهم إنما اشتهروا جميعًا -على التقريب- بما كتبوه فى غير الأخلاق، وفى هذا ما يدفعنا إلى القول بأن الأخلاق باعتبارها علمًا مستقلاً قائمًا بذاته لم يلق الحظوة عند المسلمين. وهناك ثلاثة عناوين تتكرر عندهم على وجه ظاهر أكثر من غيرها، هى: "كتاب الأخلاق". وقد مر الآخلاق، و، مكارم الآخلاق". وقد مر بنا من قبل هذا التعبير الآخير، والكتب التى تذكر يهذا العنوان هى فى العادة كتب فى أخبار الأنبياء وغيرهم تنزع إلى الحض على الفضائل المختلفة وتمجيدها. وأول أخلاقيى العرب هو ابن المقفع المترجم المشهور لكتاب "كليلة ودمنة" وأهم الأخلاقيين بعده: إخوان الصفاء وابن مسكويه والغزالى ونصير الدين الطوسى صاحب الكتاب المعروف "أخلاق ناصرى"، ونضيف أيضًا كتابى "أخلاق جلالى" و"أخلاق كاشفى" وهما كتابان واسعا الانتشار فى بلاد الشرق (انظر باريس سنة 1902 م). وليس من السهل أن نلخص فى قليل من السطور ما جاء فى هذه الكتب من التعاليم الخلقية، فلنكتف هنا إذن بذكر يعض ما يعده الأذهان لدراسة هذا النوع من الكتب. يترتب على ما لاحظناه سابقًا من أن معظم أخلاقيى الإسلام اشتهروا فى الغالب بمصنفات فى غير الأخلاق، أن تعاليمهم الخلقية إنما هى صورة من طبيعة تقكيرهم وتصنيفهم الشائعة فى باقى مؤلفاتهم، وعلى هذا فإن للمؤلف

الصوفى تعاليم فى الخلق غير تعاليم المؤلف الدينى، ويخالف المؤلف الدينى الفيلسوف، والفيلسوف الشاعر والمؤرخ. ثم إننا إذا عرفنا المدرسة الفلسفية التى ينتسب إليها مؤلف ما، فإن من السهل أن نعرف إذا كانت تعاليمه الخلقية أقرب إلى تعاليم أفلاطون أو تعاليم أرسطو أو إلى تعاليم أصحاب الحكم والأقوال المأثورة، أو آباء الكنيسة؛ فنحن نجد فى الكتاب المسمى "معاتبة النفس" -وقد لا يكون هذا الكتاب من تأليف رجل مسلم- وصفًا للفضائل على أسلوب أفلاطونى، فأمهات الفضائل فيه هى: الحلم والحكمة والشجاعة. ونجد الفضائل عند نصير الدين الطوسى الذى ينتسب إلى مدرسة الفلاسفة مقسمة وموصوفة على نحو ما هى عليه عند المشائين وفلاسفة العصور الوسطى، ولو أن هذا المؤلف أفرد "للعدالة" مكانة هامة وعالجها على نحو أفلاطونى. -ونجد عند الغزالى- الذى هاجم الفلاسفة والذى يشبه إلى حد كبير آباء الكنيسة فى طبيعة تفكيرهم دقة فى التحليل وعمقًا فى النظر وحوارة فى العاطفة خالية من التنظيم والترتيب، ولكنها تذكرنا بمجاهدة رجال الدين فى سبيل رياضة النفس. ونجد عند الإبشيهى بنوع خاص محاولة مشكورة فى ربط عدد كبير من الحقائق الجزئية المستمدة من الحوادث التاريخية ربطًا فلسفيًا. وهناك صفات مشتركة بين هؤلاء الأخلاقيين جميعًا: فهم ينزلون بعض الفضائل منزلة خاصة كالإيثار والقناعة بما قسم وضبط اللسان والصبر. وهذه الفضائل كثيرًا ما تذكر فى كتبهم، وهى تنم عن روح الإسلام بصفة خاصة. وهم يشتركون كذلك فى اعتبار الرذائل أمراضًا نفسية، وفى تشبيه الأخلاق بالطب، ويبلغ مذا التشبيه كماله عند المتصوفة الذين يشبهون الطبيب الروحانى بطبيب الأجساد. وعلى هذا فعلم الأخلاق هو صناعة مداواة الأمراض وحفظ الصحة. وغايته الحصول على السعادة، وتلك غاية رسمها أرسطو وأفلاطون. وتلاحظ كذلك عند هؤلاء المؤلفين نزعة -كنزعات فلاسفة العصور الوسطى-إلى تقسيم الفضائل تقسيمًا منهجيًا -ويقوم هذا التقسيم على تحليل قوى

النفس، فلكل قوة فضيلتها ورذيلتها، وتعتبر الرذيلة حينًا ضد الفضيلة، وحينًا آخر يذهب الأخلاقى إلى أن هناك رذيلتين إحداهما نتيجة الإفراط والأخرى نتيجة التفريط وهما طرفان وسطهما الفضيلة، وذلك هى نظرية "الوسط بين الطرفين" المعروفة. وهناك فضائل أخرى غير ما تقدم عنى بها المسلمون: كبهجة النفس والتسامى فى النظر والكرم وعرفان الجميل والتسامح والرفق والعفة. أما الرذائل المذمومة فهى: الكذب والحسد والغضب والتهور والكبرياء. وكثيرًا ما تفرد الفصول الخاصة بالكلام فى الصداقة، ومعاشرة الناس، والواجبات الخلقية التى ينبغى أن تكون عليها كل طبقة من طبقات الناس. المصادر: (1) حاجى خليفة، فى كلامه على الأخلاق. (2) ابن أبى الربيع: كتاب سلوك المالك فى تدبير الممالك، القاهرة سنة 1286 هـ. (3) ابن مسكويه فى تهذيب الأخلاق، القاهرة سنة 1298 - 1299 هـ. (4) الماوردى: أدب الدنيا والدين، الآستانة، 1299 هـ؛ القاهرة 1309 - 1310 هـ. (5) الغزالى: كتاب أيها الولد. (6) الغزالى: كيمياء السعادة، بكلكتة ولكنهؤ وبومباى، وترجمه إلى الإنكليزية Albany ,9 Homes. نيويورك سنة 1873 م. (7) الكاتب نفسه: ميزان العمل. ترجمة عبرية، طبعة Godentha, سنة 1839 م. (8) نصير الدين الطوسى: أخلاق ناصرى، طبع فى بومباى، كلكتة، لكنهؤ، لاهور وغيرهما. (9) جلال الدين الدَوَّانى: أخلاق جلالى (أو لوامع الإشراق). (10) حسين واعظ كاشفى: أخلاق محسنى، طبع عدة مرات فى الشرق. (11) على بن عمر الله: أخلاق علائى، طبعة بولاق سنة 1248 هـ

(12) وانظر dr ran. PhiloL، فيما يختص بالمؤلفات الفارسية التى كتبت عن الأخلاق، جـ 2، ص 348 - 349 والفهرس، جـ 2، ص 722، مادة أخلاق. [كارا ده فو] + الأخلاق (جمع خلق) (1) عرض للأخلاق فى الإسلام. (2) الأخلاق الفلسفية. (1) عرض للأخلاق فى الإسلام. 1 - لم يتخذ علم الأخلاق فى الإسلام صورته إلا تدريجًا، ولم يستقر المأثور الخلقى بعناصره المختلفة فى ثوبه النهائى قبل القرن الخامس الهجرى (الحادى عشر الميلادى)، وهو فى ذلك يخالف ما حدث فى العالم اليونانى، ذلك أن الأخلاق العامة فيه قد هذبها التفكير الفلسفى وأعاد صياغتها من غير أن تقع بينهما فرقة، ومن غير أن يبدو عليها أثر محسوس لأى مذهب دخيل، ومن ثم انتهى الأمر إلى أن أصبحت الفلسفة تعبر عن القيم الأخلاقية التى تحكم حيوات الطبقات المثقفة. أما فى الإسلام فقد ظهرت الأخلاق فى اكتمالها مزاجًا طريفًا، موفقًا بصفة عامة، لتقاليد العرب فى الجاهلية وتعاليم القرآن وعناصر غير عربية ترجع فى جوهرها إلى أصول فارسية ويونانية دخلت فى التكوين الإسلامى العام أو اندمجت فيه. وامتداح "الخلق الحسن" والقيمة المعزوة إليه شائع بين السلفيين والمتصوفة والفلاسفة، وأولئك الكتاب الذين يستهدفون بذل النصائح العملية للحكام وعمال الدولة. غير أن آراءهم فى الكمال الخلقى مستقى من مصادر جد مختلفة، ولو أنهم يحاولون جميعًا أن يوفقوا بين هذه اللآراء وبين مثل الإسلام الأساسية (وهى فى ذاتها غير جامدة) منتهجين فى ذلك شتى الطرق. ومن ثم فإن هضم هذه النزعات المختلفة، بل المتعارضة فى بعض الأحيان، وتوحدّها آخر الأمر قد امتد زمنًا طويلًا. 2 - ولعل من الخطأ أن نذهب إلى أن ضروب الأخلاق المختلفة التى تبدت فى الأدب على تعاقب العصور من

عصر الشعراء الجاهليين حتى القرن الخامس الهجرى (الحادى عشر الميلادى) تمثل عملية تراكم للأنماط، بمعنى أن كل نمط جديد كان بمجرد ظهوره يحل محل نمط آخر أقدم منه أو ينسخه، بل لقد كان الأمر على العكس من هذا، فقد تعايشت هذه الطبقات مدة طويلة على تفاوت فى ذلك؛ ولما ظهر الإسلام لم تنقرض بحال السنة القبلية لعرب الجاهلية التى تقوم على المعاملات والعادة، وهى السنة التى وصفها كولدتسيهر (جـ 1) وغيره (مثل بشر فارس: Les Arabes avant l'Islam، ياريس سنة 1932 م). ومنذ أن أصبح الأدب الجاهلى آخر الأمر جزءًا من الآداب العربية الرفيعة لم تنس كل النسيان قط القيم الخلقية التى عبر عنها: وهى العِرض، والحماسة والروح القبلية، وإكرام الضيف والصبر والحلم والمروءة ومن البين أن دعوة محمد صلى الله عليه وسلم قد أحدثت كذلك تغييرًا أساسيًا فى القيم الخلقية التى أصبحت تقوم على ما إباحه الدين الجديد وعلى خشية الله والخوف من يوم الحساب، فالشفقة والعدل والرحمة والرأفة والسماحة والحلم والإخلاص والأخوة بين المؤمنين من الفضائل الجديدة التى حلت محل الأخلاق القبلية، وقد غدت هذه الفضائل أركان مجتمع أخلاقى أو قل أنها كانت على الأقل البرنامج المرسوم لهذا المجتمع. واتسع الخلق الدينى القرآنى من بعد وفصَل تفصيلاً ضافيًا، فعل ذلك المحدثون فى صورة الأحاديث التى تعتمد صراحة على السنّة او قل الخلق الكامل للرسول، وأكملوا فى كثير من الأحيان هذا المصدر بأحاديث الصحابة واقتباس مواد من المأثورات الثقافية للديانات القديمة. ولا نستطيع أن نقدر ما للحديث من شأن فى تكوين المثل الأخلاقية العامة للجماعة الإسلامية والمحافظة عليها فى كل العصور وفى جميع الأقطار. زد على ذلك أن الحديث كان أكبر دعامة للهيكل الخلقى للفقه الإسلامى النامى، وهو الذى قامت عليه أركان عملية التوحدَ التى أشرنا إليها

آنفًا، ويمكن أن نقول بصفة عامة أن مجموح الحديث كله هو السفر الذى يضم يين دفتيه أصول الأخلاق الإسلامية من حيث أن الرأى الإسلامى الغالب يقول بأن أداء الواجبات الدينية على وجهها السليم وفهم العقيدة فهما صحيحًا هما جزآن لا ينفصلان من الحياة الخلقية. على أننا نجد فى إطار هذا الهيكل الشامل بعض صور خلقية تُدرج على وجه أخص تحت مصطلح الأدب مع أنها تحمل فى هذا النص الدينى القديم مفهومًا خلقيًا على التحديد (انطر على سبيل المثال: ، ماده أدب) - وثمة ما يغرى المرء على الظن بأن إصطناع هذا المصطلح للدلالهَ على الأخلاق الفارسية الأصل المتباينة البواعث التى أفاض فيها كتاب القرن الثانى الهجرى (القرن الثامن الميلادى؛ انظر الفقرة 4 من هذه الماده) هو الذى أدى إلى أن يستبدل بالأدب المصطلح "أخلاق"، وهو مصطلح يظهر فى مختلف الأخبار عند الثناء على مكارم الأخلاق (انطر، ص 11 أ، وبشر فارس: مكارم الأخلاق، سنة 1937 م، ص 417 = مباحث عربية، القاهرة سنة 1939، ص 21 وما بعدها) وحديث الرسول الذى اتخذه الكتّاب المتأخرون شاهدا على الأخلاق الإسلامية "بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" لم يرد فى كتب الأحاديث الصحاح (بشر فارس: الكتاب المذكور). وتحت هذا العنوان صنفت عدة مجموعات من الأحاديث الخلقيه منذ القرن الثالث الهجرى (التاسع الميلادى)، مثل ابن أبى الدنيا (جـ 1، ص 160) والخرائطى قسم 1، ص 250) والطَبَرْسى (جـ 1، ص 513؛ قسم 1، ص 709) - والطبرسى هو الكتاب الشيعى المأثور فى هذا الموضوع (انظر أيضًا: بشر فارس، ص 411 - 412). 3 - وتهذيب الفكر الأخلاقى وتطويره على أساس الحديث قد مضيا فى طريقهما بفضل الحركتين الدينيتين اللتين بدأتا فى النماء فى نطاق الإسلام السنى فى القرن الثالث الهجرى (التاسع الميلادى). فمن جهة نجد فى أوساط المتكلمين أن الصراع بين النزعة

المنكرة للجبر عند المعتزلة وما أعقبها من إصرار متكلمى المعتزلة على الحكم الخلقى على الأشياء والمسؤولية الشخصية قد أثارا مناقشة واسعة فى هذه الموضوعات وتحليلًا لها، وبفضل هذه الحركة المعتزلية التى اتصلت بدورها بالفكر اليونانى والكتب اليونانية المتأخرة التى تدافع عن المسيحية، وبفضل ردّ أهل السنة عليها مهد الطريق لتقبل الأخلاق الفلسفية اليونانية وأصبح ذلك ممكنًا. ونجد من جهة أخرى أن حركة الصوفية المناهضة للعقل والموسومة بالزهد قد استحدثت نمطًا من الأخلاق الإسلامية مختلفًا بعض الاختلاف، واستطاع هذا النمط أن يكون له سلطان متزايد حتى لقد أوشك آخر الأمر أن يسيطر على العالم الإسلامى. وغدًا الفقر وإذلال النفس والإنكار المطلق للذات هى أرفع القيم فى الحياة عند دعاة الصوفية. وحسبنا فى هذا المقام أن نذكر إمامًا من أئمة الكتاب الصوفية المتقدمين وهو المُحاسبى المتوفى سنة 213 هـ (857 م) الذى كان له أثر حاسم فى الغزالى حين جعل الغزالى التصوف جزءًا ثابتًا من الأخلاق الإسلامية فى كتابه العمدة "إحياء علوم الدين" (انظر M. Smith: An Early Mystic of Baghdad لندن سنة Journ. of the Royal As. soc 1935 م وسنة 1936 ص 65). 4 - لقد كان دخول الفكر الفارسى الأخلاقى فى التراث الإسلامى سابقًا على معرفة المسلمين للأخلاق عند اليونان. وخير ممثل للفكر الفارسى المذكور هو ابن المقفع؛ وإذا صرفنا النظر عن كتابه "كليلة ودمنة" الذى يستأهل الذكر فى هذا المقام، فإن معظم هذا الفكر الفارسى نجده فى كتابين ينسبان إليه: "الأدب الكبير" (انظر الترجمة الفرنسية بقلم C. F. Detsree, بروكسل سنة 1902 م، نقلا عن الترجمهَ الهولندية التى قام بها C'- van Vloten` الترجمة الألمانية بقلم i cher فى tal. Sprachen, Westasiat. St alien, سنة 1917) م و"الأدب الصغير" (الترجمة الألمانية بقلم، سنة 1915 م)، وقد شك فى صحة نسبتهما إليه وإن كان لم ينكر هذه النسبة كل من ريختر

(G. Richter فى sl، سنة 1930 م، ص 278) وكابرييلى (Gabriel فى Rivista؛ al فى 4 studi orient، سنة 1932 م، ص 219 وما بعدها). وهذان الكتابان (انظر أيضا مادة "اردشير بزرجمهر") لا يقومان على أى مبدأ فلسفى، بل هما يذكران القارئ بالخطابة اليونانية، فيبذلان النصيحة عن سبل النجاح للحكام وعمال الدولة المدنيين والأشخاص الذين يريدون التقدم فى الحياة. والإشارات الإسلامية الموجودة فى هذا الأدب نادرة وشكلية وإن كانت الصلة بين هذا المأثور والدين تُؤكِّد باطراد. ومن ثم ينظر إلى الإسلام على اعتبار أنه دين دولة يرتبط بالسلطة العليا ارتباط الدين بالسلطة السياسية فى الدولة الفارسية القديمة (انظر: les Sassanides: A.Christensen L'Iran s 5. الطبعة الثانية، كوبنهاغن، سنة 1944 م، الفصل الثالث): "الدين والدولة شقيقان". وهذه النصيحة التى تبذل فى أسلوب طلى مؤثر فى النفس تعتمد على اعتبارات انتهازية وعلى الاعتراف بالقوة التى يعرف العاقل كيف يسوسها على الوجه السليم. على أن هذا التراث الأدبى الدخيل الأصل قد طوّع للمثل الإسلامية على تفاوت فى ذلك، ثم دخل آخر الأمر فى الهيكل المقرر للأدب الإسلامى فى كتاب "عيون الأخبار" لابن قتيبة المتوفى سنة 276 هـ (889 - 890 م). وهذا الكتاب - الذى يمكن أن نقول إنه أوفى موجز شامل فى الأخلاق الإسلامية- قد جمع ووحَد إلى حد عجيب ذخيرة القرآن والحديث والجاهلية والفرس فى الأخلاق، واستطاع -باستبعاد العناصر الناشزة من الأخلاق فى الجاهلية وعند الفرس- أن يحدد ويوحد بصفة عملية العناصر التى يتركب منها البناء الأخلاقى السنَّى فى مرحلته السابقة للفلسفة والتصوف. وهناك ضروب من الأدب تتصل بهذا مثل "مرايا الملوك" والحكمة الشعبية التى تتبدى فى الأمثال. 5 - ولقد استحدثت الأخلاق الفلسفية المستقاة من اليونان أول ما استحدثت على يد الأوساط المحدودة التى انصرفت إلى دراسة الفلسفة. ودرست تفصيلات نموها بين الفلاسفة

المسلمين فى القسم الثانى من هذه المادة. وأحدثت الأخلاق الفلسفية، كما بُيِّن فى الفقرات من 8 إلى 10 من هذا القسم، أثرًا فى كتب الأدب، بل إن ثمة أمرا يزيد عن ذلك فى أهميته زيادة كبيرة، وهو أن الأخلاق الفلسفية على الصورة التى أبرزها بها مسكويه وجدت قبولًا تامًا عند متكلم مسموع الكلمة كالغزالى، وبذلك اندمجت فى التراث الدينى. وقد عُرف مذهب مسكويه أيضًا عن طريق آخر هو المؤلفات الفارسية لكتاب مثل الطوسى والدوّانى. على أن الأخلاق الصوفية الصرف أصبح لها بفضل فحول الشعراء الفرس سلطان ضخم فى العالم الإسلامى الشرقى بما فى ذلك تركية، وهو سلطان كان يقابله ويدغمه فى جميع البلاد ما كان للطرق الصوفية من مكانة اجتماعية عظيمة الشأن وتغلغل أعضائها من غير المتصوفة فى جميع الطبقات. 6 - وقد كان للتحول القوى عن الصوفية فى أوساط المسلمين السنيين أثناء القرن الأخير أثر موازٍ له فى الفكر الإسلامى الأخلاقى، فقد انتقض على السلبية المطلقة التى تتسم بها الأخلاق عتد المتصوفة وجتح إلى الاتجاه نحو أخلاق فعالة عبر عنها بشئ من التحفظ زعماء من أمثال جمال الدين الأفغانى ومحمد عبده، كما عبر عنها آخرون فى أسلوب معتزلى أصرح. وفى خارج الأوساط الدينية، أثارت هذه النزعة نفسها -يدعمها ما أحدثته الفلسفات الغربية من أثر، وتقترن بها التطورات الداخلية الاجتماعية والسياسية- أنماطًا من النظر الأخلاقى أكثر ثورية، وخاصة عند عالم الاجتماع التركى ضيا كوك آلب والشاعر الهندى محمد إقبال، على أن من الأصوب أن ننظر إلى جميع هؤلاء على اعتبار أنهم يملكون مراحل انتقال فى الفكر الإسلامى الحديث. الأب قنواتى [فالتزر وجب walm- Gibb] (2) الأخلاق الفلسفية 1 - تعد الأخلاق فى تصنيف فروع الفلسفة المختلفة هى و"العلم المدنى" Politics و"تدبير المنزل" جزءا من الفلسفة العملية، ويصف

حنين بن إسحاق فى رسالته عن الترجمات السريانية والعربية كتاب "فى الأخلاق" لجالينوس فيقول إن جالينوس يتناول فيه "الأخلاق" على اختلافها ودلالاتها وعلاجها (طبعة rgs، رقم 119؛ وانظر رسائل سنيكا، جـ 95، ص 65)، ويكاد الغزالى يستعمل نفس الكلمات اذ يقول (المنقذ من الضلال، ص 99) إن الأخلاق فرع من الفلسفة يشمل "حصر صفات النفس وأخلاقها وذكر أجناسها وأنواعها، وكيفية معالجتها ومجاهدتها". وهذا التعريف نفسه يرد بعد فيما رواه حاجى خليفة فى مادة أخلاق عن ابن صدر الدين الشروانى المتوفى سنة 1036 هـ. (1626 - 1627 م): "هو علم بالفضائل وكيفية اقتنائها لتتحلى النفس بها، وبالرذائل وكيفية توقِّيها لتتخلى عنها، فموضوعه الأخلاق والملكات والنفس الناطقة من حيث الاتّصاف بها". والأخلاق من حيث هى مذهب فلسفى لم تجتذب أول الأمر إلا أوساطًا محدودة من أشخاص اهتموا بالفلسفة اليونانية. فلما أكد القائلون بهذه الفلسفة أن الأخلاق الفلسفية لا يقصد بها مخالفة الإسلام بل تكملته أو تثبيته أمكن إدماج هذه الأفكار آخر الأمر فى التراث الدينى والاحتفاظ ببعض سلطانها حتى فى القرون المتأخرة. 2 - سلكت الفلسفة الأخلاقية اليونانية فى بلوغها العرب طرقًا شتى تقاربت فى النهاية، ذلك أن أمهات الكتب التى أثِرَت عن أيام اليونان القديمة وقرئت فى المدارس الفلسفية المتأخرة -مثل جمهورية أفلاطون، وطيماوس، والقوانين- قد عرفت فى نصها الأصلى وشروحها ومختصراتها وعرف "كتاب الأخلاق إلى نيقوماخس" لأرسطو الذى يضم بين دفتيه أحد عشر مجلدًا، من ترجمة إسحاق بن حنين له. وقد اكتشفت المجلدات الثامن والتاسع والعاشر والحادى عشر من النص العربى المطابقة للمجلدات من 7 - 10، بحسب التقسيم المأثور للكتاب، فى مخطوط مراكشى (انظر o A.J. Arberry فى Oriental and African Studies. سنة

1955 م، ص 1 وما بعدها). ويشتمل هذا المخطوط نفسه على موجز لكتاب الأخلاق إلى نيقوماخس بقلم نيقولاوس الدمشقى (القرن الأول قبل الميلاد). وقد نقل شرح فورفريوس (انظر كتاب الفهرست و Vie de Porphyre J. Bidez، كاند وليبسك سنة 1913 م، ص 56 - 58) وأفاد منه فيما يرجح إفادة عظيمة مسكويه فى كتابة الفصول الثالث والرابع والخامس من كتابه "تجارب الأمم" (انظر الفقرة 7 فيما يلى). وكان العرب يعرفون أيضًا موجزًا يونانيًا متأخرًا لكتاب الأخلاق إلى نيقوماخس (موجز السكندريين) ومنه مقتطفات فى مخطوط بمكتبة تيمور باشا (أخلاق 290، رقم 16). وقد ترجم هذا الموجز إلى اللاتينية هرمان الجرمانى سنة 1234 أو 1244 م (Aristotles Latinus. جـ 2، كمبردج سنة 1955 م، ص 1308). وقد كتب الفارابى شرحًا على مقدمة كتاب الأخلاق إلى نيقوماخس أشار إليه الكتاب الأسيان من أعيان القرن الثانى عشر (انظر Al-Farabi: M. Steinschneider سانت بطرسبرغ سنة 1869 م، ص 60). وشرح ابن رشد الأوسط الذى كتب سنة 1177 م محفوظ فى ترجمة لاتينية قام بها هرمان نفسه سنة 1240 م (انظر، جـ 2، ص 1308) وفى ترجمة عبرية ترجع إلى سنة 1321 م قام بها صموئيل ابن يهوذا من أهل مرسيليا (hebr Uber-: M. Steinschneider ص 217). ومن الكتب اليونانية غير المعروفة كثير، فى التراث الغربى وإن كانت واسعة الانتشار فى العالم العربى رسائل ثلاث لجالينوس: (1) رسالة: "فى الأخلاق" وقد فقد أصلها اليونانى ولم تبق إلا فى ثوبها العربى (الموجز العربى الذى نشره فى مجلة كلية الآداب بالجامعة المصرية، مجلد 5، جـ 1، وانظر s R. Walter فى Quarterly سنة 1949 م، ص 82 وما بعدها؛ الكاتب نفسه فى Harvard Theological Review، سنة 1954 م، ص 243 وما بعدها؛ sical Quarterly، سنة 1956 م).

(2) "تعريف المرء عيوبه" (انظر. Graec جـ 5، ص 4، 11؛ حنين: رسالة، رقم 118). (3) "انتفاع الأخيار بأعدائهم" (فقد أصلها اليونانى وبقيت ترجمة حنين رقم 121). وقد استشهد مسكويه برسالة لثامسطيوس وأخطأ فى ذكر اسمها. وثمة رسالة أخرى منسوبة له بقيت باللغة العربية (نشرها لويس شيخو فى مجلة المشرق، سنة 1920 م، ص 887 - 889، ترجمها Arch. de Philosophie سنة 1924 م، ص 15 وما بعدها). ولاشك أنه كانت هناك كتب يونانية متأخرة أخرى انتهى إلى العرب بوساطتها الفكر اليونانى الأفلاطونى الأوسط تشوبه مسحة قليلة من الأفكار الأفلاطونية المحدثة. ومن الرسائل الأخرى التى درسها العرب فى الفلسفة الأخلاقية السابقة للأفلاطونية المحدثة رسالة فى "لغز قايس" the Platonist التى نقلها مسكويه فى كتابه "جاوذان خرد" (طبعة بدوى، ص 229 وما بعدها؛ وهناك نسخ منفصلة قام بها El is. ليدن سنة 1640 م و Rene Basset , الجزائر سنة 1898 م) ورسالة بريسون الفيثاغورى المحدث فى تدبير المنزل. (obwwc: ). ولم يبق إلا ترجمتها العربية التى أمعن مسكويه فى الاستشهاد بها (طبعة Pless، هيدلبرغ سنة 1928 م)؛ "المذهبات" المنسوبة إلى فيثاغوراس والمقالة المنحولة لأفلاطون فى تأديب الأحداث هما وثيقتان فيثاغوريتان تأثر بهما مسكويه (انظر senthal فى prienmlia, سنة 1941 م، ص 104 وما بعدها, 383 وما بعدها). 3 - والظاهر أن رسائل الكندى الفلسفية (الفهرست، رقم 190 - 191، 193 - 196؛ وانظر أيضًا Racentha: Al-.Sarakhsi جـ 2 أ، ص 10 - 12، 16 - 17) قد قدرها الكتّاب المسلمون اللاحقون؛ وأفاد مسكويه (التهذيب، ص 70 وما بعدها) وابن سينا وغيرهما من رسالته "كتاب دفع الأحزان" (طبعة: H. Ritter-R-Waltzer , Studi su Kind رومة سنة 1938 م؛ M . Pohlenz , فى Gouinger Gelehrte

سنة 1938 م، ص 404 وما بعدها). وربما كان مسكويه (ص 61) قد نقل شاهدًا آخر من كتاب الكندى المفقود "فى الأخلاق" وهذا الكتاب عرفه الغزالى أيضاً (F. Rosenthal فى lia سنة 1940 م، ص 186 وما بعدها). ولا يشذ الكندى (انظر "الحدود" فى الرسائل طبعة أبو ريده، ص 177 - 178 وغير ذلك من مواضع فى رسائله) عن الفلاسفة الرواقيين جالينوس وغيره من الفلاسفة اليونانيين، ذلك أنه اعتمد فى فلسفته الأخلاقية على تقسيم النفس إلى ثلاث نفوس أو قوى: هى النفس الناطقة والنفس الانفعالية والنفس المشتهية، وعلى التحديد الأفلاطونى لأمهات الفضائل وهى الحكمة والشجاعة والعفة والعدالة ويرتبط كل من هذه الفضائل بدوره بعدد من الفضائل الفرعية. ويمكن أن يقارن هذا التقسيم، مع خلاف فى التفصيلات، بالتقسيم الرواقى للفضائل والرذائل أو بكتاب "فى الفضائل والرذائل" المنحول لأرسطو (بروكلمان، قسم 1، ص 884). وقد اقترن عنده التعريف الأرسطى للفضيلة بأنها وسط بين طرفين بنزعة أفلاطونية (انظر فرفوريوس، الفصل 32، ص 2 و: معانى النفس، ص 20) والراجح -فيما يبدو لنا- أن مسكويه قد اعتمد فى الفصل الأول من كتابه "تهذيب الأخلاق" على دراسة الكندى للفضائل والرذائل، ولو أن الشواهد الميسورة لنا فى كتبه القليلة الباقية قليلة بشكل واضح. ويمكننا أن نقول بصفة عامة إنه ليس فى فلسفة الكندى العامة المائلة إلى الأفلاطونية أية نزعة متطرفة من الأفلاطونية المحدثة، وتمتزج فى فلسفته هذه العناصر الأفلاطونية والمشائية والرواقية على نحو ليس غريبًا عن الرسائل الأخلاقية العامة فى العالم اليونانى المتأخر وما بعده. 4 - وتعتمد رسالة قسطا بن لوقا النصرانى "فى الطبائع" وهى التى تناول فيها أسباب الخلاف بين الناس فى أخلاقهم وطرق حياتهم ورغباتهم الخلقية (طبعة الأب شباط P. Sbath فى Bulletin de I'Institut Egyptien, سنة

1941) على التقسيم الأفلاطونى الثلاثى للنفس كما تعتمد بعامة على آراء نجدها عند جالينوس. 5 - والظاهر أن رسالة الكندى "كتاب الطب الروحانى" فقدت، ولكن بحث الرازى الرائع للموضوح نفسه ميسور فى نسخة نقدية للنص العربى ra Philosophical طبعة kraus ص 15 - 196؛ الترجمة الإنكليزية التى قام بها. دول لندن سنة 1950 م) وقد كتب هذا البحث -كما ينتظر من هذا المسلم" الأفلاطونى" - بنزعة افلاطونية قاطعة، ولا أثر فيه للعناصر الأرسطية التى نجدها فى الكندى ومسكويه. ويجب أن يدرس مع دفاعه المستقى من سيرته الذاتية عن الأسلوب الفلسفى فى الحياة). opera، ص 98 - 111؛ الترجمة الفرنسية التى قام بها. p kraus فى Orienwlia سنة 1935 م، ص 300 وما بعدها؛ الترجمة الإنكليزية التى نشرها Arberry: Asiatic Review سنة 1949). على أن تفسير الرازى للفلسفة الأخلاقية عند اليونان لم يؤثر فى المجرى الرئيسى للاخلاق الفلسفية فى الاسلام. 6 - وتعرض رسالة الفيلسوف اليعقوبى يحيى بن عدى، "فى تهذيب الأخلاق" صورة أخرى للفكر اليونانى وليس فيها أية أفكار مسيحية متميزة كما أنها خلت من أثر أرسطو كما هى الحال عند الرازى. وتعتمد هذه الرسالة على التقسيم الثلاثى الأفلاطونى للنفس، ولكنها لا ترجع على التخصيص الفضائل الإحدى والعشرين والرذائل المقابلة لها إلى النفوس الثلاث ولا تخضعها لأمهات الفضائل الأربع ومقابلاتها (التى أثبتت ضمنها). والراجح أن هذا التقسيم يعتمد فى النهاية على أصل يونانى مفقود ينتسب للفلسفة السابقة للأفلاطونية المحدئة. أما الفصل الأخير فى هذه الرسالة الخاص بالكلام على الإنسان الكامل الذى يعتمد فى حياته على مطالب نفسه العاقلة ويروض نفسه على أن يحب كل إنسان من البشر، فإنه يجمع بين النزعتين الرواقية والأفلاطونية المحدثة ولا يختلف كثيرا عن أفكار الفارابى.

7 - وأعظم الكتب أثرًا فى الفلسفة الأخلاقية هو كتاب "تجارب الأمم" لمسكويه المتوفى سنة) mfr (1030 م؛ وثمة تحليل لمحتوياته فى كتاب ده بور، ص 507 Donaldson j. ص 127 - 133؛ أما الترجمة الإنكليزية لهذا الكتاب التى أعدها. (. ول M. Craig فهى تحت الطبع). ويرفض مسكويه رفضا قاطعا أن يدخل الشعراء الجاهليين فى عداد المعلمين ولكنه لا ينكر التراث الفارسى فى الأخلاق، وهو يؤكد فى عدة نظرات تستلفت النظر أن الفلسفة الأخلاقية اليونانية تتفق مع العقائد الأساسية للإسلام. على أنه يحاول أن يوائم بين الحقيقة التى جاء بها الوحى والحقيقة الفلسفية على أساس من الفكر العقلى. ولهذا السبب لا يستطيع مفكر دينى صريح أن يتقبل آراءه إلا إذا مال بها ميلًا خاصًا. أما الكتاب اليونان القلائل الذين يذكرون بالاسم أو تنقل عنهم شواهد مطولة، فجميعهم من القرون المتأخرة للإمبراطورية الرومانية، وهم جالينوس) انظر الفقرة 2 آنفا)، وبرايسون (فى التأديب الصحيح للصبيان، انظر 560 المصدر المذكور) وفرفوريوس فى شرحه كتاب الأخلاق لأرسطو، وثامسطيوس الذى استشهد به فالتبس اسمه بسقراط (انظر nthal فى Culture سنة 1940 م، ص 403). وترد فى نص هذه الكتب المتأخرة إشارات إلى أرسطو وأفلاطون. ومع أن الكندى لا يذكر بالاسم إلا مرتين فحسب، فإن مسكويه فيما يرجح مدين للكندى إلى حد كبير (انظر الفقرة 3 آنفاً). وهو ينقل فى الفصول الثالث والرابع والخامس من كتابه نقلاً أدخل فى النقل الحرفى ما كتبه أفلاطونى محدث فى شرح بعض أقسام من كتاب الأخلاق إلى نيقوماخس مما يذكر المرء بالتعاليم الأخلاقية للمشائين المتأخرين والشروح الباقية لكتاب الأخلاق دون أن تكون هذه الفصول مطابقة لأى منها. على أنه يبرز فى الوقت نفسه العناصر الأفلاطونية فى كتاب الأخلاق مما يجعل أرسطو أصرح فى نزعته الأفلاطونية من حقيقته. وقد كان فضل مسكويه على هذه الشروح الموروثة، إن كان له فضل على الإطلاق، هو زيادة التنويه بهذه الأنظار الأفلاطونية المحدثة

لهذه الفلسفة الأخلاقية إذا صرفنا النظر عن بيانه لإمكان المواءمة بين الفلسفة اليونانية وبين الإسلام (انظر: R. Walzer Miskawaih's Tahdhib Al of ASPesTs som Akhlaq فى رومة سنة 1956 م). 8 - وقد لاحظ ده بور أثر الأخلاق الفلسفية فى كتب الأدب، واختار لذلك مثلا دالاً هو"كتاب أدب الدنيا والدين، للماوردى المتوفى سنة 450 هـ (1058 م) فقد عرض فيه الماوردى المادة الأخلاقية الماثورة وبعث فيها الحياة وجددها بإدخال مواد من القرون المتأخرة تشمل أفكارًا فى الفلسفة والزهد، وجمع بين هذه الأفكار وبين المواد القديمة على نحو لا يلتزم خطة أو منهجاً، ولكنه ساقها مساقاً لا يختلف عما انتحاه الغزالى من بعد (انظر الترجمة الألمانية لكتاب بقلم Rescher سنة 1932 - 1933 م) 9 - وقد ذهب الغزالى المتوفى سنة 505 هـ (111 م) فى طريقة المزج هذه إلى مدى أبعد من ذلك بكثير وأوثق صلة بالجوهر، ذلك أنه استبعد من جهة العناصر الشكلية والسطحية المحضة من عناصر التراث الأدبى، وأقام بيانه من جهة أخرى على أساس متين من التحليل الروحى النافذ الذى نمَّاه أئمة الصوفية (انظر القسم 2، الفقرة 3 فيما سبق). ومن الواضح أنه رأى فى الوقت نفسه أن كتاب مسكويه معقول فى ذاته مؤيد بالبرهان، ويسلم بأن ما جاء فيه لا يتعارض مع الكتاب ولا مع السنة. ومن ثم أصبحت الأفكار الفلسفية اليونانية الأصل التى يناقشها مسكويه ويشرحها جزءاً من المذهب التهذيبى المقرر بصفة عامة الذى نجده فى إحياء علوم الدين. ويعتمد الغزالى فى كتاب رياضة النفس -وهو الكتاب الثانى من المربع الثالث من الاحياء- على تهذيب الأخلاق لمسكويه. وأثر مسكويه واضح أيضاً لا يخطئه النظر فى غير ذلك من كتب الغزالى، كما أن مذهبه فى الأخلاق قد اندمج آخر الأمر فى صميم التراث الدينى (انظر: A-7 - Wensinck؛ Pencee de Ghazal، باريس سنة 1946 م، وخاصة الفصل الثانى؛ . m

Plessner: الكتاب المذكور، فينا سنة 1925 Al Ghazzali,: Rittert, Das Elixier der Gluckseligeit فينا سنة 1925 م. 10 - إلى أى حد نجح الغزالى فى التاثير على كتب الأخلاق المتأخرة وعلى التفكير من بعده بمزجه بين تلك العناصر؟ لاتزال هذه المسألة تتطلب البحث. والشواهد الأدبية تفيد لأول وهلة أن تأثيره -إذا كان له تأثير- كان غير مباشر، وأن النزعات المختلفة للفكر الأخلاقى استمرت تعيش جنباً إلى جنب. ومضى كتاب مسكويه يحدث أثره، وخاصة فى المصنفات الفارسية. فقد اقتفى نصير الدين الطوسى الشيعى الآخذ بمذهب ابن سينا أثر ابن سينا أو مسكويه عن كثب، كما يصرح هو نفسه فى القسم الخاص بالأخلاق من كتابه "اْخلاق ناصرى (تم سنة 633 هـ = 1233 م؛ انظر الكتاب المذكور). وبعد ذلك بقرنين جاء الدوانى المتوفى سنة 907 هـ (1501 م) صاحب كتاب "أخلاق جلالى" (الترجمة الإنكليزية وعليها تعليقات قيمة بقلم o- Y Practical Philosophy: W.F.Thompson of the Muhammadan People، لندن سنة 1839 م؛ وثمة تحليل موجز للكتاب بقلم Donaldson ص 184) فتخير مادته الأساسية من كتاب الطوسى، ولكنه يشير أيضا إلى الغزالى بوصفه مرجعاً إسلامياً إضافياً. المصادر: بالنسبة للقسمين (1)، (2) من المادة لم يكتب بعد تاريخ شامل للأخلاق فى الإسلام (1) Studies in: D. M Donadson Musli,n Ethics، لندن سنة 1953 م وله قيمة لا تقدر. (2) وثمة عرض موجز ولكنه موقظ للأذهان فيما كتبه T.J. de Boer فى مادة + Ethics and Moralit عند المسلمين فى Hasting: Encyclopaedia of Religion and Ethics ج 5، سنة 1912 م. وثمة مواد متفرقة فى عدد من الكتب. وعلاوة على المواد التى ذكرت فى هذه المادة من الدائرة فإن وجوها مختلفة لموضوع الأخلاق قد تناولها:

إخوان الصفاء

(3) Studien zur Ges-: G. Richter -chichte der alteren arabischen Fus tenspiegel لييسك سنة 1923. (4) The Religious: D.B. Macdonald life in Islam , Attitude and. شيكاغو سنة 1946 الخ. (5) la cite musutl: L. Gardet d man ياريس سنة 1954 م. الأب قنواتى [فالتزر R. Walzer] إخوان الصفاء فى النصف الثانى من القرن الرابع الهجرى (العاشر الميلادى 373 هـ = 983 م) ظهرت جماعة سياسية دينية ذات نزعات شيعية متطرفة، وربما كانت إسماعيلية على وجه أصح. وأعضاء هذه الجماعة التى اتخذت البصرة مقراً لها كانوا يطلقون على أنفسهم "إخوان الصفا" لأن غاية مقاصدها كانت السعى إلى سعادة نفوسهم الخالدة، بتضافرهم فيما بينهم، وبغير ذلك من الطرق، وخاصة العلوم التى تطهر النفس. ولسنا نعرف شيئا عن نشاطهم السياسى، أما جهودهم فى التهذيب النظرى فقد انتجت سلسلة من الرسائل رتبت ترتيباً جامعاً لشتات العلوم متمشياً مع الأغراض التى قامت من أجلها الجماعة. ويغلب القول بأن هذه الرسائل جمعت ونشرت فى أواسط القرن الرابع الهجرى (العاشر الميلادى) تقريباً. وهى تبلغ 52 رسالة (تشمل طبعة بومباى 52 رسالة وهى فى هذا تتفق مع ماورد فى فهرس الموضوعات المثبت فى أولها، كما تتفق مع آخر ماورد فى الرسالة" الأولى منها، ولكننا نستدل من الرسائل الأخيرة من القسم الرابع منها على أن عددها 51 رسالة فقط) ويذكر من مؤلفيها: أبو سليمان محمد بن مُشير البُسْتى المشهور بالمقدسى، وأبو الحسن على بن هارون الزَنْجانى، ومحمد بن أحمد النَهْر جورى، والعوفى، وزيد بن رفاعة. ولا نستطيع أن نعرف الآن شيئا أكثر من هذا، لأن إخوان الصفاء كانوا يميلون إلى التعبير عما يجول فى نفوسهم بأسلوب غير صريح. والآراء

التى تضمنتها هذه الرسائل على قدر ما أمكننا تحقيقه، مستمدة من موْلفات القرنين الثامن والتاسع الميلاديين. ونزعتهم الفلسفية هى نزعة قدماء مترجمى الحكمة اليونانية والفارسية والهندية وجامعيها الذين يأخذون من كل مذهب بطرف. ويستشهدون فى هذه الرسالة بهرمس وفيثاغورس وسقراط وأفلاطون أكثرمن استشهادهم بأرسطو طاليس، ذلك أن أرسطو عندهم أقل مقاماً من هؤلاء فهم يعدونه منطقياً ومؤلفاً لكتاب "أثولوجيا" الأفلوطينى و"كتاب التفاحة". ولا نجد فى رسائل إخوان الصفاء أثراً للفلسفة المشَّائية الحقيقية التى بدات بظهور الكندى. ومن خصائص نزعتهم الفلسفية أنهم لم يأخذوا شيئا من الكندى، ولو أنهم أخذوا من أحد تلاميذه الذين انحرفوا عن مذهبه، وهو المنجم البهرج أبو معشر المتوفى عام 273 هـ (885 م). وليس معنى ذلك أنهم لم يكونوا على دراية بمصنفات الكندى ومدرسته. وتدلنا الترجمة اللاتينية التى كتبت فى القرون الوسطى للرسالة الثالثة عشرة على أنها من تأليف "محمد تلميذ الكندى" (انظر T.7. de فى. f Gesch. d. Philns ج 13، سنة 1899 م ص وما بعدها). وقد أخذت هذه الرسائل من كل مذهب فلسفى بطرف. والمحور الذى تدور عليه هو فكرة الأصل السماوى للأنفس وعودتها إلى الله، وقد صدر العالم عن الله، كما يصدر الكلام عن المتكلم أوالضوء عن الشمس؛ ففاض عن وحدة الله بالتدرج: العقل. ومن العقل النفس ثم المادة الأولى، ثم عالم الطبائع، ثم الأجسام، ثم عالم الأفلاك، ثم العناصر، ثم مايتركب منها وهى المعادن والنبات والحيوان. والمادة فى هذا الفيض تبدو أساساً للتشخيص ولكل شر ونقص. وليست النفوس الفردية إلا أجزاء من النفس الكلية، تعود إليها مطهرة بعد الموت، كما ترجع النفس الكلية إلى الله ثانية يوم المعاد. والموت عند إخوان الصفاء يسمى البعث الأصغر، بينما تسمى عودة النفس الكلية إلى بارئها البعث الأكبر.

ويذهب إخوان الصفاء إلى أن الأديان كلها فى جميع العصور وعند جميع الناس يجب أن تتفق وهذه الحكمة. وغرض كل فلسفة وكل دين هو أن تتشبه النفس بالله بقدر ما يستطيعه الإنسان. وقد أولوا القرآن تأويلاً رمزيا لكى يتمشى مع هذا التصور الروحى للأديان، كما أولوا بعض القصص غير الدينية تأويلاً رمزياً مثل قصص كتاب "كليلة ودمنة". وقد بين كولدتسيهر كيف أن اسم "إخوان الصفاء" قد أخذ من قصة الحمامة المطوقة التى تذهب إلى أن الحيوانات إذا صفت أخوتها وتبادلت المعونة فيما بينها تستطيع الفكاك من شباك الصياد وغيرها من المخاطر. وقد كتبت هذه الرسائل الاثنتان والخمسون فى أسلوب مسهب فيه تكرار وحض على الفضيلة. وهذه الرسائل تشبة فى الظاهر موسوعة فى العلوم المختلفة. والجزء الأول من هذه الرسائل يحتوى على أربع عشرة رسالة تعالج مبادئ الرياضيات والمنطق، بينما يعالج الجزء الثانى الذى يحتوى على سبع عشرة رسالة العلوم الطبيعية بما فيها علم النفس. أما الرسائل العشر التى يتضمنها الجزء الثالث فتبحث فيما بعد الطبيعة. وتتناول الرسائل الإحدى عشرة الأخيرة التصوف والتنجيم والسحر. وقد فصل الكلام فى الرسالة الخامسة والأربعين من الجزء الرابع على نظام هذه الجماعة وطبيعة تكوينها. المصادر: نذكر علاوة على المصادر التى ذكرها بروكلمان فى كتابه المعروف، ج 1، ص 214؛ طبعة سنة 1898 م. (1) Gesch. der Phi-: T.J. Boer losophie im Islam . ص 76 - 89 (2) Uber die Bemn-: I. Goldziher Islam nung der "Ichwan al-Safa" in e ج 1؛ ص 22 - 26. (3) la date de la: Louis Massignon ". composition de "Rasail Ikhwan al-s 6 afa, ج 4؛ ص 324 [ده بور De Boer .j t]

إدريس [عليه السلام]

إدريس [عليه السلام] اسم نبى ورد ذكره فى القرآن مرتين: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (56) وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا} (سورة مريم، الآية 56 وما بعدها)؛ {وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ} (سورة الأنبياء، الآية 86) ولم يقصد من هذه الآيات أن تميط اللثام بحال عن هذه الشخصية، بل إن الاسم نفسه ظل مدة طويلة لغز، عند المستشرقين حتى جاء نولدكه فرجح أنه هو"أندرياس" (Assyriologie، جـ 17، ص 84 وما بعدها). وزعم "هارتمان" R. Hartmann (المجلة نفسها، جـ 24، ص 314 وما بعدها) أن أندرياس هذا الذى رفع مكانًا عليًا ليس إلا طاهى الإسكندر، ذلك الطاهى الذى كتب له الخلود. ويذهب مؤلفو المسلمين إلى أن أندرياس هذا هو أخنوخ المذكور فى التوراة، وهو شخص كتب له الخلود أيضًا كما يذهب القصص، أو دخل الجنة حيا حسبما تذكر المصادر اليهودية. وما يضيفه كتاب العرب المذكورون إلى ادريس [عليه السلام] إنما يرجع بنوع خاص إلى مصادر يهودية متأخرة منحولة. ولأخنوخ المذكور فى التوراة ثلاث صفات بارزة تتردد فى القصص الإسلامية المصوغة على مثال قصص اليهود (سفر التكوين، الإصحاح الخامس، الآية 23 - 24): وهى: 1 - ورعه، 2 - تعميره 365 سنة على الأرض، وفى هذا ما يشير إلى أنه كان بطلاً من أبطال الأسطورة الشمسية، 3 - رفعه إلى السماء. واسم "أخنوخ" نفسه -الذى توحى حروفه معنى "المُلهم"- قد أثر أيضًا على ما يرجح فى تكوين القصص التى حيكت حوله. أما فيما يتعلق بهذه المسألة الأخيرة فإن إدريس [عليه السلام] يبدو فى المصنفات الإسلامية ملهمًا بالعلوم والفنون، فقد كان أول من خط بالقلم وأول من خاط الثياب وارتداها، وكان الإنسان قبله يرتدى الجلود. فهو إذا "راعى" الخياطين وأحد الرعاة السبعة الذين يرعون النظام النقابى. وكان أيضًا أول

من برع فى الطب ونظر فى علم النجوم وحساب السنين والأيام. أما من جهة الورع، فقد كان أول من امتطى الفرس للجهاد فى سبيل الله ضد أحفاد قابيل المفسدين. ومن جهة النبوة، كان أول من نزل عليه جبريل [عليه السلام] بالوحى. ويروى أن ثلاثين صحيفة أوحيت إليه على هذا النحو. ويمكن الرجوع إلى تاريخ ابن القفطى خاصة (طبعة ليبير ص 1 وما بعدها) إذا أردنا أن نتتبع أعماله باعتباره نبيًا وملكًا. وسمى إدريس [عليه السلام] لغزارة علمه بما نزل من الوحى قبله، وهو علم توصل إليه بالدرس الكثير، ولكن دراية البيضاوى بفقه اللغة العربية جعلته ينكر اشتقاق إدريس [عليه السلام] من الدرس، ولو أن هذا الاشتقاق ممكن فى أخواتها من اللغات. ولابد أن ورعه قد أثار إعجاب الملائكة، فقد سأل ملك الموت الله أن يزور إدريس، فجاءه على صورة إنسان ودعاه فى الليل إلى مائدته، ولكن إدريس [عليه السلام] أبى، فكرر ملك الموت دعوته تلك مرتين متتاليتين، وهى المرة الثالثة سأله ادريس [عليه السلام] عن شخصه، فلما أجابه طلب إليه إدريس أن يقبض روحه فقُبض ساعة من الزمن، ثم استردها مرة أخرى، ثم طلب إليه كذلك أن يرفعه إلى السماء ليراها ويرى الجنة، فلما بلغ الجنة أبى أن يخرج منها وتعلق بنخلة واعتصم بآيتين من القرآن أولاهما {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ}، وقد ذاقه هو من قبل، والثانية {وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ} ولذلك فقد تشبث هو بالبقاء فى الجنة فأبقاه الله فيها، وسيعود منها إلى الأرض ثانية. وكما يعيش هو وعيسى [عليه السلام] فى السماء خالدين، يعيش الخضر وإلياس [عليه السلام] خالدين فى الأرض. والذى يجعل إدريس [عليه السلام] فى هذه القصة بطلًا من أبطال الأسطورة الشمسية هو أن روحه قبضت عند مغيب الشمس. ونجد فى رواية أخرى لهذه القصة عدة نواح تشير إلى صلته بالأسطورة الشمسية. ففى ذات يوم -أثناء رحلة له- اشتدت عليه حرارة الشمس، فسأل الله أن يخفف وطأتها رحمة بالذى يطوى كل يوم رحلة قدرها خمسمائة سنة تحت هذه

الحرارة (يعنى ملك الشمس). وسأل إدريس [عليه السلام] هذا الملك أن يؤخر أجله، فحمله هذا الملك نحو مشرق الشمس وأبلغ سؤله ملك الموت، ولم يستطع هذا الملك أن يجيب سؤله، فأطلعه ملك الشمس على يوم موته. ولما فتح ملك الموت ديوانه لم يجد فيه وفاة إدريس، ففسر الملك ذلك بأن وفاة إدريس يجب أن تكون عند شروق الشمس. وقد وجده ملك الشمس ميتًا بالفعل عندئذ. ومع ذلك فإن إدريس خالد لا يموت، ومعنى ذلك -لو عبرنا عن الأسطورة الشمسية باللغة الجارية- أن الشمس تموت كل يوم وتحيا، أى أنها خالدة. وما زالت ناحية أخرى من نواحى صلة إدريس بالأسطورة الشمسية ماثلة للأذهان فى تفسير "المكان العلى" الوارد فى الآية 56 من سورة مريم، بأنه ملك الشمس. ويجعل إدريس أيضًا عين إلياس والخضر. ويقال إن اليونان عرفوه باسم فرْمُز أو كما يقول ابن العبرى (تاريخه، طبعة بوكوك Pncnke. ص 9) هرمس الهرامسة المثلث بالحكمة. وقد وردت معلومات وافية عن هذا الموضوع فى تاريخ ابن القفطى. وتتفق الروايات الإسلامية مع بعض الآيات الواردة فى سفر الرؤيا، فى أن إدريس قد مر بجهنم. أما فيما يختص بصلة الحرانيين بإدريس هرمس فانظر - Chwolsohn: Die Ssabier and der Ssa(hismus. الفهرس). المصادر: (1) تفاسير القرآن. (2) الطبرى: تاريخ الأمم والملوك، جـ 1، ص 172 وما بعدها. (3) اليعقوبى طبعة هوتسما، جـ 1، ص 8 وما بعدها، ص 166. (4) المسعودى، طبعة ياريس، جـ 1، ص 73. (5) ابن الأثير، طبعة تورنبرغ، جـ 1، ص 44. (6) الثعلبى: قصص الأنبياء، القاهرة عام 1290 هـ، ص 43 وما بعدها. (7) الدياربكرى: تأريخ الخميس، طبعة القاهرة سنة 1283 هـ، ص 66 وما بعدها.

(8) أبو زيد: كتاب البدء والتاريخ، طبعة إيوار، جـ 3، ص 11 وما بعدها. (9) blische Legenden der: Weil a Muselmanner ص 62 وما بعدها. (10) Die Chadhir leg-: 1. Friedlander ende and de Alexanderroman. ليبسك، 1913 انظر الفهرس مادتى أخنوخ وإدريس. (11) بسط مدد التوفيق (Bibliothek طبعة مجلد 11 ص 94، 96، 268 وما بعدها). [فنسنك Wensinck] تعليق على مادة "إدريس" [عليه السلام] ورد ذكر أنبياء كثيرين فى القرآن الكريم، ولكن ليس على سبيل الحصر ولا التاريخ، بل على سبيل الوعظ بأحوال الأولين والتنبيه على سنن الله فى الأمم أجمعين. فقد ذكر الله تعالى أنه لم يحرم أمة من رسول فقال {وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ} وصرح بأنه دكر بعضا منهم وأغفل بعضا فقال تعالى: {مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ}، وبين فى أكثر من موطن أن أولئك الأنبياء والرسل كانوا رجالًا كسائر الرجال، وإنما خصّوا بالوحى لتعليم الناس وإرشادهم فقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ} وقال تعالى {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أ} وقال فى خاتم رسله محمد صلى الله عليه وسلم {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} وقد كافح القرآن كل ميل كان فى الناس لتأليه انبيائهم أو الغلو فى تنزيههم، وقرر الأصوليون عندنا أن الأنبياء منزهون عن الكبائر دون الصغائر التى تبدر منهم بحكم بشريتهم فيتبعونها بما يمحو أثرها من استغفار أو صلاة أو أية قربة من القربات. كانت التوراة موردًا تستمد منه تواريخ كثير من الأمم التى كانت معاصرة لبنى اسرائيل، ولذلك جاء الكلام عنها مطبوعا بطابع الإسرائيليات وقد سرى إلى مؤرخينا شئ من الإسرائيليات وخاصة فيما يتعلق بتاريخ الأنبياء. وقد نصح نقدتنا بوجوب الحذر الشديد من الثقة المطلقة

بهذه الروايات. ومهما كانت الأحوال فإن القرآن لا يلزمه شئ من هذه الإسرائيليات، ولو نقلها بعض المسلمين فى تفاسيرهم للكتاب، فإن القرآن ذكر النبوة والرسالة وبين أنهما مرتبتان بشريتان لا تقتضيان لمستحقيهما الارتفاع إلى درجة الألوهية ولا تخرجانهم عن دائرة الحالات الإنسانية، حتى قرر أن الأعمال الخارقة للعادة لا تصدر منهم إلا بإذن من الله لهم فهى ليست ذاتيه فيهم. والمسلم مكلف، إن نظر فى تواريخ الأنبياء. أن يتبع الأسلوب القرآنى من التمحيص والتحقق والبعد عن الظنون إلا ما نص الكتاب على أنه معجزة فتلك يعزوها إلى قدرة الله الذى لا يعجزه شئ فى الأرض ولا فى السماء. بعد هذه المقدمة نقول إن المسلم لا يهمه أن يعرف من أمر إدريس [عليه السلام] أكثر من أنه كان صديقًا نبيًا، وأنه كان من الصابرين، وأن الله رفعه مكانًا عليًا كما ذكر عنه فى الكتاب. فأما ما وراء هذا مما ذكره المفسرون من أنه كان سبط شيث وجد أبى نوح عليه السلام، وما ذكره المستشرقون من أن إدريس [عليه السلام] هو أندرياس الذى كان طاهيًا للإسكندر، أو أنه أندرياس المذكور فى التوراة، وأنه عمر أكثر من ثلاثمائة سنة فكل هذا لا يلزم القرآن منه بشئ، وإن قاله مفسر فإنه يفعل ذلك باسم التاريخ لا باسم القرآن ولا باسم الدين، ولذلك فهو يعقب على مثل هذا بقوله: والله أعلم. والذى ينظر فى كتب المسلمين يرى هذا الأسلوب ماثلًا فيها فى صورة لا يمكن الاشتباه فيها، خذ مثالًا لذلك ما كتبه العلامة البيضاوى فى تفسير آية إدريس، فقد قال فى تفسير قوله تعالى: {وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا} يعنى شرف النبوة والزلفى عند الله وقيل الجنة وقيل السماء السادسة والرابعة. فانظر كيف فسر الكلام الإلهى بما يتبادر إلى الفهم منه لأول وهلة ثم لم يرد أن يوصد الباب فى وجه أصحاب الآراء المختلفة، فذكر أن بعضهم فسر مكانًا عليا بالجنة وبعضهم بالسماء، ولكن لاحظ أنه ذكر هذه الآراء بصيغة

الإدريسى

تدل على ضعف القول وأثبت المعنى الأول بصيغة التحقيق. يقول كاتب المادة التى نرد عليها من هذه الدائرة أن لأخنوخ المذكور فى التوراة ثلاث صفات بارزة توجد أيضًا فى الأقاصيص الإسلامية المصوغة على مثال الأقاصيص اليهودية وهى: (1) الورع. (2) التعمير ثلاثمائة وخمسًا وستين سنة. (3) والرفع إلى السماء، نقول إن هذا الكلام يشعر بأن كتاب الإسلام مشحون بالأقاصيص التى من هذا النوع والواقع اْنه ليس فيه واحدة منها. محمد فريد وجدى الإدريسى أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الله بن إدريس الحمودى (انظر الدولة الحمودية) الحسنى، المعروف "بالشريف" الإدريسى، لأنه كان من نسل النبى - صلى الله عليه وسلم - ولد عام 493 هـ (1100 م) بسبته، وتوفى عام 560 هـ (1166 م) وهو تاريخ ورد بنوع خاص فى فهرست الكتب العربية المحفوظة بالقاهرة (جـ 5، ص 166) تلقى العلم بقرطبة، ومن ثم لقب أيضًا بالقرطبى (انظر المكتبة الصقلية Biblioteca Arabo ص 610، والنسخة الإيطالية 2' Versions Italiana، ص 487، أما "ابن الث [ث] رى"، وهى الكنية أو النسبة التى رواها عن ابن بشرون: عماد الدين فى "الخريدة" فلا نعلم معناها) بعد). وبعد أسفار مختلفة، استقر زمنا طويلا فى بلاط الملك النورماندى "روجر الثانى" فى بالرموز، ولذلك لقب أيضا بالصقلى، وقد أتم فى بالرمو قبيل وفاة هذا الملك (548 هـ = 1154 م) وصفه للكرة الأرضية المصنوعة من الفضة فى كتابه المشهور باسم "كتاب رجار" أو لكتاب الرجارى" أو"نزهة المشتاق فى اختراق الآفاق"، وهو الكتاب الذى نشر بعضه مع إحدى وسبعين خريطة،

والذى ترجمه إلى الفرنسية ترجمة كثيرة الخطأ أمديه جوبير - AmLdLe Jauu bert (عام 1836 - 1840 م) وصنف الإدريسى أيضًا لغليوم الأول (11154 - 1166 م) كتابًا كبيرًا فى الجغرافية عنوانه "روض الأنس ونزهة النفس" أو "كتاب الممالك والمسالك"، ولم يبق من هذا المصنف إلا مختصر أوغلى على باشا باستانبول (رقم 688، وكان أول من أشار إليه منذ سنوات هورفتز Horovitz عندما كان ينقب فى مكتبات إستانبول باحثًا عن مخطوطات فى التاريخ) وطبع مختصر بسيط "كتاب رجار" فى رومة حوالى عام 1952 م بعنوان "نزهة المشتاق فى ذكر الأمصار والأقطار والبلدان والجزر والمدائن والآفاق"، كما نشرت ترجمته اللاتينية الناقصة التى قام بها المارونيان كابرييل سيونيتا Ic Jonnes Hesronita عام 1619 بعنوان Geographia Nubiensis (قرأ خطأ ما ورد فى أول كلامه عن منابع النيل فى الإقليم الأول، القسم الرابع: "أرضنا" بدلا من "أرضها ولا شك فى أن الدراسات العربية فى حاجة ماسة إلى نشر كتاب الإدريسى الذى لم يعد أعظم مصنفات العصور الوسطى فى الجغرافية، مع ترجمته وشرحه، وعمل خرائط هامة له، على أن يعتمد فى ذلك على المخطوطات المعروفة لنا الآن فى مكتبات باريس (مخطوطان) وإستانبول (مخطوط واحد فى آيا صوفيا فقط) لله أما البيانات المختصرة الواردة فى فهارس مكتبات إستانبول الأخرى فإنها لا تشير إلى طبعة رومة عام 1952 أو إلى طبعة جوبيرا)! وبتروغراد القاهرة. وإنى لأفكر منذ زمن فى أن أنشر المخطوط الصغير الوحيد المحفوظ بإستانبول والذى توجد لدىّ نسخة شمسية منه. المصادر: (1) Geographie d'Abaulfeda: Reinaud المقدمة العامة، ص 113 - 122، و 310 - 316.

(2) Storia die, Muslmani di -: A Sicilia جـ 3، ص 452 - 460 و 662 - 668. (3) blioteca Arabo-Sicula: Am جـ 1، ص 26 - 28؛ جـ 2، ص 387 - 489. (4) Description de: Dozy et de Goeje L'Afrique et del, Espagne, ليدن سنة 1866 م. (5) AAO، Espana: Saavedra 1885 م. (6) L'Itatla descritta nel "Libro del -Edrisi, testo ara ى" " re RuRRero compilato bo pubblicato con versione e note da j Amairie e Schiaparelli رومة سنة 1878 - 1883 م. (7) Contribution a L'etude: Blochet de la Cartographie chez les Muslmans, بون سنة 1898 م Bulletin du)) (L'Academie d'Hippone) مع خريطتين بالألوان لشمالى إفريقية للإدريسى. (8) Om och ur den arabiska: Brandel f، geografen Idroisi أبسالا عام 1894 م. (9) Edrisiana . L Triest,: Seybold . Deutsch. Morn. Ges جـ 63، عام 1909، ص 591 - 596. (10) الكاتب نفسه: Analecta Arabo Centenario Amari italics. فى سنة 1910، جـ 2، ص 411. (11) Gesch der byz-: : Krumbacher antin.Litteratur، ص 411. (12) Oriental. Kongress Flo-: Lagus N .re جـ 1، ص 395 - 401. (13) Sinnland: Noldeke دربات عام 1873 (14) Rerum Normannicarum: Seippe fontes arabi، كرستيانا سنة 1893 (15) Madagascar: Grandidier (خريطة الإدريسى). (16) ptolemaeus and: H.V. Mzhik t o die Karten der arab, Geographer سبع لوحات، ثلاث منها للإدريسى، فينا سنة 1915 (Mitteilungen. der .geogr-Gesell فينا سنة 1915، المجلد 58، الجزء الثالث). (17) Hamushalbinse: W.Tomaschek (القرن الثانى عشر)

أدوية

ص 113, عام 1886 م. (18) Le Maroc: Massignon (\ A. الجزائر 1906 م. (19) Histoire de la Me-: Leclerc decme arabe، جـ 2، ص 65 - 70: "كتاب المفردات". (20) s Wustenfeld فى f ugl. Erdkunde جـ 1، عام 1842 م، ص 41. (21) Geographie du Moy-: Lelewel en-age سنة 1852 - 1857 م. (22) Dictionnaire Universel: Samy ص 182. [تسيبولد C.F. Seybold] أدوية " أدوية" (ع) جمع دواء: يقول ابن سينا فى كتابه "القانون" إن العرب يقسمون الأدوية إلى "مُفْرَدة" و "مركَّبة"؛ ويطلقون على الأخيرة أيضًا الأقراباذين. وتنقسم الأدوية المركبة أيضًا تبعًا لخواصها إلى: حارة وباردة ورطبة ويابسة، وهذا يطابق أقسام الحرارة فى الجسم الإنسانى. وتنقسم الأدوية المفردة كذلك إلى أولى وثانية، تبعًا لمزاجها الطبيعى: أهو يتكون من عنصر واحد أو من عدة عناصر. فاللبن مثلًا يعد من الأدوية المفردة الثانية لأنه يتكون من الماء والجبن والدهن. وتعرف آثار التركيب إما بالمران وإما بالمضاهاة. فالدواء الواحد قد يكون أثره حار، فى الجسم الإنسانى وبارد، فى جسم الأسد والحصان. ويعرف الدواء باعتبار آثاره بالأسماء الآتية: (1) مُلَطِّف (2) مسخن (3) محلل (4) جالى (5) مُخَشِّن (6) مَفَتِّح (7) مُرْخى (8) منضج (9) هاضم (10) كاسر الرياح (11) مقطِّع (12) جاذب (13) لاذع (14) مُحَمِّر (15) مُحكِّك (16) مُقَرع (17) مُحرّ (18) أكّال (19) مُفَتِّت (20) مُعَفِّن (21) كاو (22) قاشر (23) مبرد (24) مُقَوّ (25) رادَع (26) مُغَلِّظ (ضد ملطف) (27) مُفْجِج (28) مخدّر

(29) مُرَطِّب (30) مُنَفخِّ (31) غَسّال (32) مُوَسِّخ للقروح (33) مَزّاق (34) مُمَلِّس (ضد مخشن) (35) مُجَفِّف (36) قابض (37) عاصر (38) مُسَدِّد (39) مُغْرٍ (40) مُدْمِل (41) منبت للحم (42) خاتم (43) قاتل (44) سم (45) ترياق (46) باذ زهر (47) مشِلّ (48) مُدِرّ (49) مُعَرِّق. وتبين الأمثلة الآتية كيف أن هذه المصطلحات محددة، تبدأ تعريفاتها جميعًا بهذه العبارة "هذا دواء خاصيته هى ... " مثال ذلك أنهم يقولون فى تعريف المنضج (رقم 8) "هو دواء خاصيته إنضاج الأخلاط بالحرارة أثناء الهضم، وله كذلك قوة قابضة تقهر الأخلاط وتمنعها بالقوة من التحلل وفى هذا فسادها". ويقولون فى المفجج (رقم 27): "هو الهاضم (رقم 9) والمنضج (رقم 8)، وهو دواء خاصيته أن يمنع ببرودته تأثير الحرارة الطبيعية والحرارة الخارجية، ويؤثر فى الأطعمة والأخلاط بحيث يمنع هضم الأولى ونضج الثانية". ويقولون فى تعريف القاتل: "إنه دواء يغير المزاج تغييرًا خبيثًا"؛ وفى السم: "إنه يفسد الأخلاط بفعله "؛ وفى الترياق والباذزهر: "إنهما يحفظان على الذهن نشاطه ووضوحه". وفى بعض الأحيان يضيفون إلى حدود هذه المصطلحات أسماء بعض العقاقير؛ فمثلًا يضيفون إلى تعريف الملطف: الزوفا والزعتر والبابونج؛ وإلى تعريف المحلل: جندبادستر: وإلى تعريف المخشن: إكليل الملك؛ وإلى تعريف القاتل: الفاربيون والأفيون؛ وإلى تعريف السام: زهر الكشاتبين. وأحيانًا تحل كلمة "معروف" محل التعريف كما هى الحال فى لفظ مرطب. وفى ابن سينا إثنا عشر جدولًا ذكر فيها بإيجاز الحالات التى تنجم عن فعل الأدوية كالتلوين والانتفاخ والبثور والجروح والتقرح، وكالحالات التى تصاب فيها الأعضاء مثل الرأس والعينين وجهاز التنفس والصدر والهضم والإفراز، وكالحالات التى تنجم عنها حص أو تسمم. ويختم هذا الباب بثبت أبجدى للأدوية المفردة.

وللعرب مؤلفات قديمة فى هذا الموضوع ابتدأت منذ أخذوا ينقلون كتب اليونان الطبية، فلإسحاق بن حنين المشهور "كتاب الأدوية المفردة" (ابن القفطى، طبعة ليبير، ص 8، س 8) ولثابت بن قره الحرانى كتابان فى هذا الموضوع: (1) كتاب فى أجناس ما تنقسم إليه الأدوية (2) كتاب فى أجناس ما توزن به الأدوية (ابن القرطبى، ص 119) ولابن البيطار (المتوفى عام 646 هـ = 1248 م) كتاب عنوانه، جامع مفردات الأدوية والأغذية"، وكان أول ما عرف عن هذا الكتاب ترجمته الألمانية غير القيمة التى قام بها v. Sontheimer بعنوان - nstellung fiber die Krafte der be - einfachen Heil-und Nah kannten rungsmittil (شتوتكارت، سنة 1870 - 1872) ثم نصه العربى الذى طبع فى بولاق عام 1875. وقد ترجمه أخيرًا. Leclerc الطبيب الجهادى الفرنسى بعنوان Traite des Simpels (باريس سنة 1883) مع تعليقات وفهرس. ويعد جامع، بن البيطار أهم مصنفات العرب فى هذا الموضوع، لأنه يجمع إلى العلم العملى سرد الأسماء، فهو يحتوى على اكثر من ثلاثة آلاف اسم. ومصنف شتينشيندر (M. Steinschneider: n der Araber Weiner a Heit mittelname 1 Zeit. schrf 7 d. Kunde d. Norg جـ 11) الذى يحتوى على أكثر من 2043 اسما يقوم ايضًا على أساس دراسة عميقة للمصادر. [ليبير J. Lippert] + أدوية: جمع دواء، وهو كل مادة يمكن أن تؤثر فى جسم الإنسان، وكل عقار يستخدم علاجًا أو سمًا. وقد أخذ علماء الأقراباذين المسلمون بأفكار اليونانيين فميزوا بين الأدوية المفردة (hkgfk) والأدوية المركبة (apaxa) انظر عن الأدوية المركبة مادة "أقراباذين". والأدوية بحسب أصولها تنقسم إلى: "نباتية" و"حيوانية" و"معدنية". ويعتمد علم المسلمين بالصيدلة على معارف اليونانيين شأنه فى ذلك شأن الطب، وثمة عنصر من مأثور الفرس

يظهر فى تسمية أدويته. ونجد فى كثير من الأحوال أن هذه الأسماء الفارسية للنباتات والعقاقير التى لايزال بعضها مستعملًا (انظر على سبيل المثال "معجم أسماء النبات" لأحمد عيسى بك، القاهرة، سنة 1930) قد ترجع إلى أيام مدرسة جنديسابور الطبية المشهورة التى ازدهر فيها العلم اليونانى على أرض فارسية. وقد بدأ هذا العلم يحدث أثرًا فعالًا فى المسلمين سنة 148 هـ (765 م) حين استقدم الخليفة المنصور كبير أطباء بيمارستان جنديسابورجر جيس بن بختيشوع ليطب له. ونقل علم اليونان بالصيدلة عن طريق الترجمات السريانية للكتب العمدة التى ألفها ديسقوريديس، وجالينوس، وآوريباسيوس، وبولس الإيكينى. وقد كان من شأن الفكرة التى قال بها ديسقوريديس وعبر عنها بجلاء العالم الإيرانى العظيم البيرونى فى كتابه فى الصيدلة الذى ذكرناه بعد -وهى أن لكل نبات من حيث النظر، قيمة طبية سواء عرفت هذه القيمة فعلًا أو لم تعرف- أن حملت المؤلفين فى الصيدلة على أن يضمنوا كتبهم أوصافًا للنبات لها قيمة خالصة من حيث هذا العلم، مقتبسين فى ذلك من أبى حنيفة الدينورى خاصة. ولذلك لم يكن فى مأثور المسلمين أية تفرقة واضحة بين المادة الطبية -أى كتب الأدوية المفردة وما إلى ذلك- وبين علم النبات. ويقول حنين بن إسحق فى رسالته عن فهرس كتب جالينوس (Jhnr div - syrischen and arabischen Galen (Ubersetzungen (Bergstrasser(رقم 53) أن المقالات الخمس الأولى من كتاب الأدوية المفردة لجالينوس قد ترجمها إلى السريانية ترجمة غير مرضية يوسف الخورى ثم ترجمها أيوب (أيوب الرهاوى؛ حوالى سنة 765 - 835 م)، ثم ترجمها آخر الأمر ترجمة موجزة (؟ ) حنين نفسه، وأنه قد قام أيضًا بترجمة عربية للمتن. أما الجزء الثانى فقد ترجمه إلى السريانية سرجيس (سرجيس الرشعيناوى المتوفى سنة 536؛ وثمة مخطوطة من المتن فى المتحف البريطانى، رقم 1004) وصحح الترجمة حنين ونقلها

إلى العربية ابن أخته حبيش (وقد ترجم أيضًا كتاب الأدوية المركبة إلى السريانية بمعرفة حنين، وترجمه إلى العربية حبيش؛ انظر حنين: الرسالة، رقم 79). أما المختصر وكتاب "إلى أونافيس" لأوريباسيوس فقد نقلهما (إلى العربية؟ ) حنين الذى ترجم أيضًا، هو وعيسى بن يحيا، إلى السريانية المقالة الأولى من الكناش الكبير Collectiones (ذكر ابن أبى أصيبعة الكناش الكبير فى جـ 1، ص 10؟ )؛ وهذه الترجمات فقدت، وإن كان الكتاب المتأخرون يستشهدون بها كثيرًا. ويقدر الأطباء المسلمون تقديرًا عظيمًا "الكناش فى الطب" لبولس الإيكينى، ويرجع هؤلاء الأطباء إلى ترجمة (مختصرة؟ ) لكتبه السبعة صنعها حنين (الكناش فى الطب، الفهرست، ص 293؛ الكناش الثريا، ابن أبى أصيبعة، جـ 1، ص 103). ولم يبق أى مخطوط منها بالعربية، ولكن ثمة شواهد كثيرة منها ترد فى كتب المؤلفين المتأخرين. ويقول ابن العبرى (فى تاريخه The Chronography, ترجمة. Budg أوكسفورد سنة 1932، 57) إن أهرن القس كتب مجموعه الطبى باليونانية، وترجم كتابه هذا إلى السريانية وله ترجمة عربية قام بها ماسَرْجِس (ماسرجويه). ويستشهد الكتاب فى الصيدلة كثيرًا بكُنَّاش أهرن القس، وكان لمؤلفه صيت كبير فى العلم (الجاحظ: كتاب الحيوان، القاهرة سنة 1356، جـ 1، ص 250). وماسرجس (ماسرجويه؛ انظر Steinschneider فى Zeitschr. der Deutsch. Morgen. Gesells, سنة 899، ص 428 - 434) الذى هو أول من نقل الكتب الطبية إلى العربية، كان أيضًا مؤلف كتابين: واحد فى الغذاء، والآخر فى العقاقير، ولعلهما هما عين المقالتين اللتين أضيفتا إلى نقوله لأهرن (ابن القفطى، ص 80). ونمت الصيدلة سريعًا فى البلاد الشرقية من العالم الإسلامى بعد أيام حنين، فقد أحصى قرابة مائة كاتب عربى فى المادة الطبية فى فهارس ابن النديم وابن أبى أصيبعة وابن القفطى.

ويمثل نحو ثلاثين من هؤلاء بمخطوطات فى المكتبات الشرقية والغربية؛ ولم يدرس العلماء الغربيون إلا عددًا قليلًا من هذه الكتب. ومن المحقق أن هذه النصوص العربية سوف تثبت أهميتها فيما يختص بتاريخ المتن اليونانى لجالينوس. وبمرور الزمن دخلت عدة مئات من أسماء الأدوية المفردة التى يجهلها اليونانيون فى مادة العلم الذى نقله اليونانيون إلى تلاميذهم العرب والفرس (وإن شاء القارئ قائمة أولية بهذه الأدوية فليرجع إلى L. Leclerc: Histoire de la medecine arahe. باريس سنة 1876 م، جـ 2، ص 232 - 233). ولم يكن بد من أن يحدث خلط شديد فى مصطلح الأدوية نتيجة للتدفق الكبير للأسماء العربية والإيرانية واليونانية والهندية للنباتات والعقاقير التى شاع استعمالها من حيث النظر ومن حيث العمل. وبمرور الزمن كتبت عدة كتب لتحديد المدلولات الصحيحة لهذه الأسماء وتصنيف المترادفات. وكانت النقول عن ديسقوريدس التى تمت فى بغداد قليلة الفائدة من الناحية العملية للقراء، ذلك أن الأسماء اليونانية إنما اقتصر على رسمها فى معظم الأحوال بالحروف العربية. وقد أدخل العلماء الأندلسيون المرادفات العربية على المتن فى منتصف القرن العاشر الميلادى. وحوالى هذا الوقت جاء المترجم العربى للكناشة السريانية التى صنعها يوحنا بن سرابيون (ابن أبى أصيبعة، جـ 1، ص 109) بالمرادفات العربية لطائفة كبيرة من الأسماء اليونانية والسريانية للأدوية المفردة الواردة فى الكناشة. (مخطوط بآياصوفيا، رقم 3716؛ Les noms arabes dans Se-: P. Guigues rapion فى سنة 1905 - 1906). ومن أهم الكتب النثرية التى ألفت باللغة الفارسية كتاب "الأبنية عن حقائق الأدوية" لأبى منصور موفق بن على الهروى، وهو يشرح فيه مصطنعًا الترتيب الأبجدى الأسماء العربية والفارسية والسريانية لأربعة وثمانين وخمسمائة دواء مفرد (طبعة. Selifymann، فينا سنة 1859؛ الترجمة

الألمانية بقلم AC- Achundow، دوريات سنة 1893). ومن المحقق أن أهم كتاب فى مترادفات الأدوية كتب فى المشرق هو كتاب البيرونى (361 - 440 هـ = 972 - 1048 م): "الصيدنة فى الطب" (Das Vorwort, zur Dro- A. Meyerhof -genkunde des Beruni, Quellen and Studi en zur Gesch. der Naturwiss. and der . Med جـ 3، برلين سنة 1933؛ الكاتب نفسه فى Bulletin de I'Institut Egyptien, سنة 1940، وما بعدها، 157 وما بعدها). وبصرف النظر عن المخطوطين الموجودين من الترجمة الفارسية لهذا الكتاب، فقد انتهى الكتاب نفسه إلينا فى مخطوط وحيد مشوه ببروسة، على هيئة مسودة للمؤلف، والراجح أنه كتبها وقد طعن فى السن ولم يتمها هو نفسه قط وهى تشمل فى حالتها الناقصة هذه.720 مادة مرتبة حسب الترتيب الأبجدى العربى المألوف، وتتناول المفردات النباتية والحيوانية والمعدنية مع ملاحظات عن أسمائها باليونانية والسريانية والهندية والفارسية وغيرها من اللغات الإيرانية، وتعليقات لغوية عن مدلولات أسماء النبات ومرادفاتها المستعملة فى الشعر العربى، وشواهد وافرة من كتب الطب والنبات (وكثير منها غير معروف لنا) عن صفة العقار وأصله، وأبداله وما إلى ذلك. ولا شك أن هذا الكتاب يستاهل دراسات أخرى. وحسبنا أن نذكر أهم الكتب العديدة التى كتبت عن الطب فى الشرق واحتوت فصولًا عن الصيدلة؛ فكتاب "فردوس الحكمة" لعلى بن ربن الطبرى الذى كتب سنة 235 هـ (850 م؛ طبعة م. ز. صديقى، برلين سنة 1928)؛ يستشهد بترجمات حنين وتلاميذه وله قيمة خاصة من حيث أنه يقصد إلى تقديم الطب الهندى أيضًا (انظر A. Siggel فى، برلين سنة 1950)؛ والموسوعة الطبية الكبيرة المسماة "الحاوى" لأبى الرازى (250 - 313 هـ = 864 - 925) حافلة بأسماء العقاقير. والفصل المناظر لذلك فى كتاب ابن سينا الضخم: "القانون

فى الطب" (طبعة بولاق سنة 1294 هـ) يتناول ثمانمائة دواء. والكتاب العاشر من "ذخيرة خوارزمشاهى" الذى لم يطبع بعد، موسوعة طبية كتبها زين الدين إسماعيل الجرجانى فى القرن السادس الهجرى (الثانى عشر الميلادى) تحتوى على مقالة خاصة فى أسماء العقاقير وفعلها. وقد كانت أوصاف ديسقوريدس وأبى حنيفة الدينورى على التحقيق غير كافية فى كثير جدًا من الحالات لتمييز النبات. ومن ثم فإن عدم وجود المصطلحات الفنية، وهى حاجة أحس بها المسلمون كما أحس بها أهل العلم القدماء، قد رفعت إلى أقصى حد من قيمة تلك الحيلة التى اهتدت إلى رسم أشكال النباتات. وقد استحدث هذا النهج فى الأزمان القديمة العشاب قراطيواس Crateuas من أعيان القرن الأول قبل الميلاد، وقد انتقل بعض مرادفات أعشابه وأشكالها إلى النسخة المهذبة من آثار ديسقوريدس الماثلة فى المدونة المعروفة باسم Juliana Anica codex التى دونت سنة 512 م (وقد أدخلت فيها أيضا مرادفات عربية على يد أناس من المتأخرين). وقد كانت النسخة المزودة بالرسوم لآثار ديسقوريدس التى أهداها الإمبراطور البوزنطى إلى عبد الرحمن الثالث فى قرطبة سنة 948 م هى التى أوحت بدرس المتن فى الأندلس دراسة جديدة أتت بأطيب الثمرات (وانظر عن المخطوطات المزودة بالرسوم لكتب ديسقوريديس مادة "ديسقوريديس"). وقد أخبرنا ابن أبى أصيبعة (جـ 2، ص 216 - 219) أن استاذة رشيد الدين المنصور بن الصورى المتوفى سنة 639 هـ 1241 م) أعد كتابا فى الأعشاب مزودًا بأشكال مستقاة من النباتات الحية. أما عن الفصل الخاص بالنبات لابن فضل الله فانظر كتاب بشر فارس (lustre du XIV siecle, Archeologica Orien talia in Memoriam E. Herzfeld سنة 1952، ص 84 وما بعدها). وقد كان سكان شبه الجزيرة الإيبيرية المسلمون ورثة بلاد اشتهرت فى الزمن القديم بثروة نباتية ومعدنية

نافعة فى تحضير الأدوية. على أن العلم بالأدوية فى الأندلس كان فى أول الأمر مجلوبًا من المشرق، وكان الطلاب المغربيون يشخصون إلى بغداد ليدرسوا الطب. وقام دافع قوى للدراسات الصيدلية فى الأندلس بفضل النسخة المنقحة لديسقوريديس، ولم تنقطع الإضافات إلى العلم بالأدوية المفردة منذ نهاية القرن العاشر الميلادى (انظر Esquisse: M. Meyerhof ,anique chez les Musubnans d'Espagne سنة 1935، ص 1 - 41). وكان أول من كتب كتبًا فى الأدوية المفردة بالأندلس هو عبد الرحمن بن إسحق بن الهيثم، وسليمان بن حسان المعروف بابن جلجل، وقد انضم كلاهما إلى الراهب نقولاس وغيره من الأطباء والنباتيين الذين كانوا يدرسون متن ديسقوريديس. وقد كتب ابن جلجل كتابًا عن الأدوية المفردة التى لم يذكرها ديسقوريديس (مخطوط أوكسفورد، هيد 34، ورقة 197 - 201). وتضم الموسوعة الطبية الكبرى "التصريف" لأبى القاسم الزهراوى المتوفى حوالى عام 400 هـ (1009 م) فى الكتاب السابع والعشرين منها مقالة فى الأدوية المفردة ومرادفاتها وأبدالها. ونحن لانعرف عن حياة أبى بكر حامد ابن سمجون إلا أقل القليل، وكل ما نعرفه عنه أنه كان طبيبًا بارزًا فى أيام الحاجب المنصور المتوفى سنة 392 هـ (1002 م). وقد ظهر حديثًا كتابه المشهور فى أقوال الأطباء والفلاسفة القدماء والمحدثين فى الأدوية المفردة (انظر Ibn Sa- T. Kahle n and sein Drogenbuch, Docuinen islamica inedita برلين سنة 1952، ص 25 وما بعدها). واشمل الكتب العمدة فى الأدوية المفردة (وعلم النبات) التى أخرجت فى الأندلس هو الكتاب الذى صنفه الغافقى -والراجح أن ذلك كان فى النصف الأول من القرن السادس الهجرى (الثانى عشر الميلادى) - والمجلد الأول منه موجود فى مخطوطين مزودين بالأشكال (انظر M. Meyerhof فى Bulletin de 1'Institut Egyptien. سنة

1941، ص 13 وما بعدها؛ وقد اكتشف الكتاب كله فى بلاد طرابلس). وقد صنع نسخة مختصرة منه أبو الفرج ابن العبرى النصرانى (طبعة - M. Mey erhof & G.P. Sobhy, القاهرة سنة 1932 - 1938، ولم تتم بعد). والمنهج والترتيب اللذان اتبعهما ابن سمجون والغافقى فى ذكر المواد هما بعينهما ما فعله الإدريسى المتوفى سنة 560 هـ (1166 م). ففى كتابه فى الأدوية المفردة (يوجد النصف الأول منه فى مخطوط بمكتبة الفاتح، رقم 3610 بإستانبول) جاء بمادة مستفيضة من المرادفات بعدة لغات (انظر M. Meyerhof فى Gesch. der Math. der Naturwiss. and der .Technik سنة 1930، ص 45 وما بعدها، 225 وما بعدها؛ الكاتب نفسه فى Bulletin de I'Institut Egyptien سنة 1941، ص 89 وما بعدها). أما عن الفصل الذى عقده ابن رشد على الصيدلة فانظر الصورة الشمسية للكتاب الرابع من "الكليات" التى نشرها. البستانى (طنجة سنة 1939). وقد جمع ابن البيطار المتوفى سنة 646 هـ (1248 م) فى موسوعته المطولة "الجامع لمفردات الأدوية والأغذية" (وثمة نسخة سيئة من المتن العربى طبعت فى بولاق سنة 1291 هـ؛ الترجمة الفرنسية التى قام بها Notices et Extraits de la Bib-: L. Leclerc liotheque Nationale، جـ 23، 25، 26 سنة 1877 - 1893) كل ما تيسر له من المعلومات، مستشهدًا بنحو مائة وخمسين مؤلفًا من ديسقوريديس إلى شيخه هو -أبى العباس النباتى- الذى ينقل ابن البيطار عن "رحلته" الشئ الكثير. ولاريب فى أن ابن البيطار كان يعرف معظم هذه الكتب رواية عن مراجع فى الطبقة الثانية، وفوق هؤلاء جميعًا الغافقى. ويتناول ابن البيطار فى 2324 مادة حوالى 1400 من العقاقير والنباتات المختلفة، منها أربعمائة كانت خافية على اليونانيين. ويمكن أن نضيف أيضًا إلى هذه الكتب -التى كتبت فى المغرب واشتملت على أوصاف للعقاقير وإرشادات عن

الأذان

استعمالها- عددًا آخر من الكتب تضم قوائم بمفردات أدرجت لشهرح معنى الأسماء المختلفة للأدوية المفردة والعقاقير المذكورة؛ مثل "شرح أسماء العقار" للمتكلم والفيلسوف والطبيب اليهودى المشهور موسى بن ميمون (1135 - 1204 م)، وقد نشره مايرهوف بالقاهرة سنة -1940 م؛ وكتاب "تحفة الأحباب" المجهول المؤلف الذى نشره رينو وكولان H.P.J. Re) (et . .3. Colin فى الرباط سنة 1934 م، وهو يتناول بخاصة الأسماء الشائعة فى مراكش، والراجح أن هذا الكتاب ألف فى القرن الثامن عشر. المصادر: (1) M. Meyerhof فى مقدمته لكتاب ابن ميمون: شرح أسماء العقار. (2) ومن شاء قائمة بالعقاقير فليرجع إلى Steinschneider: Wiener Zeits- Lss mittelnamen der Araber far die Kunde des Morgenlandes، جـ 11 (2043 مادة). خورشيد [ليون B. Lewin] الأذان اصطلاح معناه المناداة للصلاة فى أوقاتها الخمس وفى يوم الجمعة. وتقول الرواية الإسلامية إن النبى [- صلى الله عليه وسلم -] تشاور مع صحابته بعد دخوله المدينة مباشرة فى العام الأول أو الثانى للهجرة فى خير الطرق لتنبيه المؤمنين إلى وقت الصلاة، فاقترح بعضهم أن يوقدوا لذلك نارًا أو ينفخوا فى بوق أو يدقوا ناقوسًا (مثل قطعة طويلة من الخشب تضرب بقطعة أخرى، وكان يستعمله المسيحيون فى الشرق للتنبيه إلى الصلاة)؛ ولكن واحدًا من المسلمين هو عبد الله بن زيد أخبر أنه رأى فى المنام رجلًا يدعو المسلمين إلى الصلاة)؛ من سقف المسجد، وامتدح عمر هذه الطريقة فى الدعوة إلى الصلاة. ولما اتفق رأى الجماعة على هذا الأذان أمر النبى باتباعه. ومن ذلك الوقت أخذ بلال ينادى المؤمنين إلى الصلاة بهذا الأذان الذى

يستعمله العالم الإسلامى إلى وقتنا هذا. والأذان عند أهل السنة من المسلمين سبع عبارات، السادسة منها تكرار للأولى: 1 - الله أكبر. 2 - أشهد أن لا إله إلا الله. 3 - اْشهد أن محمدًا رسول الله. 4 - حى على الصلاة. 5 - حى على الفلاح. 6 - الله أكير. 7 - لا إله إلا الله. وتردد العبارة الأولى أربع مرات متتاليات (المالكية ترددها مرتين) كما تردد كل عبارة من العبارات الأخرى مرتين، ما عدا العبارة الأخيرة وهى "لا إله إلا الله" فينادى بها مرة واحدة فقط. وبعد أن يؤذن بالعبارتين الثانية والثالثة مرتين يرفع الصوت بها عند المرة الثالثة. وهذا الترجيع ممدوح فى الشرع. أما الحنفية فتنكره. ويضاف إلى أذان الصبح عبارة "الصلاة خير من النوم" التى تردد مرتين (تثويب) بين العبارتين الخامسة والسادسة، ولكن الحنفية يذكرونها فى الآخر. ويختلف أذان الشيعة عن أذان أهل السنة فى أنه يزيد على الأخير بعبارة ثامنة هى "حى على خير العمل" التى يؤذن بها بين العبارتين الخامسة والسادسة، وهى العبارة التى كانت على الدوام شعار الشيعة حتى إنه إذا نودى بها من مآذن مدينة من مدن أهل السنة عرف السكان أن الحكومة أصبحت شيعية (انظر سنوك هر كرونى: ka، جـ 1، ص 63؛ ده ساسى: Crestomathie arabe جـ 1، ص 60، 169) والشيعة يرددون العبارة الأخيرة مرتين. وعلى المسلم إذا سمع الأذان أن يردد عباراته، ولكنه يقول: "لا حول ولا قوة إلا بالله" بدل العبارتين الرابعة والخامسة، كما يقول: "صدقت وبررت" بدل التثويب فى أذان الصبح.

ويتبع الأذان تثويب أوصى به الشرع وحدده، ولا يترك هذا التثويب إلا فى صلاة المغرب لقصر المدة بين الأذان والصلاة. وليس للأذان نغم خاص، بل إن كل مؤذن يستطيع أن ينغمه كما يهوى، ويتخذ له نغمًا معروفًا على شرط واحد هو ألا يفسبد التنغيم صحة النطق بالألفاظ (قال سنوك هركرونى فى كتابه السابق، جـ 3، ص 87: "يسمع المرء فى مكة نغمات مختلفة للأذان فى وقت واحد: فالأذان فيها كتلاوة القرآن فن راق تشتد به عناية الناس"). ولا نجد من الفقهاء من يرفض تنغيم الأذان إلا بين الحنابلة، وينهج الوهابيون هذا النهج؛ والإباضية أيضًا لا ينغمون الأذان (انظر عن تنغيم الأذان مادة "غناء"). وعلى كل مسلم -سواء أكان منفردًا أم مع جماعة- أن يجهر بالأذان عند قيامه للصلاة داخل البيت أو خارجه كما نص على ذلك الشرع (انظر Mekkanische: Snouck Hurgronje Sprichworter and Redensarten، ص 87 = dragen tot de taal, land-en volkenk van ned.-hulie، المجموعة الخامسة، جـ 1، ص 519). وينادى إلى الصلوات المعروفة الأخرى -كصلاة العيدين والصلاة عند الكسوف والخسوف وغيرها- بعبارة واحدة هى "الصلاة جامعة"، ويقال إن هذه العبارات كانت شائعة فى عهد النبى - صلى الله عليه وسلم - (انظر كولدتسيهر. Zeitschr. d. Deutsch. Morgenl. Gesellsch, جـ 49، ص 315). ونجد فى خطط المقريزى (جـ 2، ص 269 وما بعدها) معلومات هامة عن التغيرات التى دخلت على عبارات الأذان فى مختلف الأزمنة والأماكن منذ صدر الإسلام. ولما كان ذكر الشهادة يتردد فى الأذان، فقد جرى المسلمون على أن

الأردن

يهمسوا بالأذان فى أذن الطفل اليمنى عند ولادته وفى آذان الناس الذين يقال إن الجن تمسهم (انظر سنوك هر كرونى: كتابه السابق، جـ 2، ص 138). ويسبق الصلاة فى المسجد مباشرة نداء ثان هو "الإقامة" وهو يتضمن نفس عبارات الأذان. المصادر: (1) البخارى: صحيحء كتاب الأذان، ترجمة y Houdas و Marcais الفرنسية، جـ 1، ص 209 وما بعدها. (2) Mishcat-ul-: A. N. Mattews Masahih، جـ 1، ص 141 وما بعدها. (3)، Handleiting: Juynboll . (4) Tableau general de: d'Ohsson d'Empire Othoman - جـ 1، ص 175 وما بعدها. (5) Souiuiario del dirtto: 1. Guidi alechita di Khalil Ibn Ishaq جـ 1، ص 50 وما بعدها. (6) Le Precis de droit . Laoust A o ,d'1 bn Qudama ص 18. (7) Droit musubnan . er, جـ 1، ص 66 وما بعدها. [كوينبول] الأردن * بالعبرية "ها"يردين" ووردت فى الترجمة اليونانية السبعينية للتوراة، وفى "يوسفوس" Josephus (جـ 70) وفى "بليناس" Pliny إلخ باسم ايارْدانوس واشتقاق هذا اللفظ غامض وذهب البعض إلى أنه مستعار (إيازانواس اسم نهر فى إقريطش) وقد سمى هذا النهر بعد الحروب الصليبية بـ"الشريعة الكبيرة" (الشريعة: مورد ¬

_ (*) تبلغ مساحة الأردن حوالى 500 ر 37 ميل مربع وهى فى موقع متوسط من بلدان الشرق الأوسط وعاصمتها عمان وقد برزت باسمها الراهن "المملكة الأردنية الهاشمية" منذ عام 1947، ويتولى عرشها حاليا الملك حسين تبعا لنظام الحكم الوراثى فى أسرة الملك عبد الله بن الحسين فى الذكور من أولاد الظهور. المحرر

الشاربة) ولا يزال هذا الاسم هو الغالب بين البدو. 1 - يتألف الأردن من اجتماع ثلاثة جداول هى: الحصبانى ونهر بانياس، وبعد تلاقيها بقليل يصل نهر الأردن إلى ناحية الحولة ويجرى فى بحرة الخيط (يقول دالمان Dalaman إن بحرة الحولة ليست إلا مستنقعًا فى الشمال ينبت فيه البردى) ويهبط وادى نهر الأردن بعد ذلك هبوطاً شديداً نحو الجنوب حتى يجرى فى بحيرة طبرية التى ينخفض سطحها عن مستوى البحر المتوسط نحو 862 قدماً. ويعرف الوادى بعد ذلك باسم "الغور" ابتداء من الطرف الجنوبى لبحيرة طبرية حتى مرتفع يقع على مسيرة ثلاث ساعات من جنوبى البحر الميت. وهنا يمتاز النهر بصفات تخالف صفات نصفه الأعلى. فهو يجرى فى سهل من الغرين الأبيض البراق كثير المنعطفات يبدو للناظر من عل أنه شريط أخضر ملتو، ذلك لأن ضفاف النهر تكسوها النباتات الكثيفة التى تحجب مجراه. والسهل فيما عدا ذلك خلو من النبات، وتوجد عدة واحات كثيرة الخصب (حدائق الأردن، انظر الطبرى ج 1، ص 1232. وانظر مادة "ريحا") عند سفح التلال التى على الشاطئ الغربى للنهر. ويصب الأردن فى البحر الميت (بحر لوط) الذى ينخفض عن سطح البحر نحو 1292 قدما، وتبلغ أعمق نقطة فيه 2600 قدم. وليس لهذا البحر أى مخرج فى جنوبه أو غربه، ولم يكن له شئ من هذا فى كل العصور. وتتبخر المياه التى يصبها فيه نهر الأردن ومقدارهاِ 1300 مليون جالون يومياً بفعل الحرارة القائظة، ولذلك فإن منسوب مياه هذا البحر باق على حاله رغم التغيرات الفصلية الطفيفة، ومن ثم فإن الحياة مستحيلة فى هذا البحر بسبب بقاء الأملاح والمعادن الذائبة فيه على حالها مع تبخر المياه. ويسمى المنخفض الواقع جنوبي البحر الميت "العربة" وترتفع الأرض هنا كثيراً، ولكنها تنحدر ثانية إلى مستوى خليج العقبة.

ونذكر هنا فروع نهر الأردن: فهو بعيد خروجه من بحيرة طبرية يلتقى عن شماله بالجدول الهام "الشريعة الصغيرة" أو شريعة المناضرة الذى كان يسمى قديمًا اليرموك، ثم يلتقى أبعد من ذلك جنوباً بنهر الزرقاء (كان يعرف قديمًا باسم يبق) الذى يصب فى الأردن عند الدامية. ويلتقى عن يمينه بنهر جالوت الذى ينبع من عين جالوت ويمر ببيسان وينتهى بالأردن. ولا يصلح نهر الأردن للملاحة بسبب تياراته وتعدد منعرجاته وكثرة المناطق الضحلة المياه فيه. على أن جملة من هذه المناطق الضحلة كانت حتى فى العصور القديمة مخاضات تصل بين الأراضى الواقعة شرقيه والأراضى الواقعة إلى الغرب منه. فكانت بذلك تصل بين شاطئ البحر المتوسط ومصر من جهة ودمشق من جهة أخرى. وتوجد إلى الشمال من بحيرة طبرية خمس مخاضات وإلى الجنوب منها أربع وخمسون مخاضة، وهى تكثر إلى أقصى حد قبالة بيسان وتذكر هذه المخاضات فى "العهد القديم" "معبر" أو "معبرة" ولسنا نعرف على سبيل الجزم هل اتخذ بنو إسرائيل المعديات لعبورها أم لا، وعلى كل حال فإن هذا لم يثبت بالنص الغامض الوارد فى سفر صموئيل الثانى (الإصحاح 19، الآية 19). ومن جهة أخرى فإنه من العسير أن تتصور كيف استطاع بنو إسرائيل فى قتالهم مع الآراميين فى الأراضى التى كانت شرق الأردن أن يعبروا بجنودهم وخيولهم وعرباتهم (سفر الملوك الأول، الإصحاح 22، الآية 35) نهر الأردن عن طريق هذه المخاضات، أما كيف فعلوا ذلك (ترى أبا أرماث؟ ) فإننا لم نخبر. وقد كان من الممكن إذا اقتضت الضرورة أن يعبروا النهر سباحة (سفر المكابيم الأول، الإصحاح 9، الآية 48) ولكن السباحة فى هذا النهر تحتاج إلى مهارة وبأس لشدة تياره. ومن المحقق أنه لم تكن هناك جسور فى ذلك الوقت لأنه لم يبدأ فى تشييدها إلا فى عهد الروم: وللمخاضة الواقعة إلى الجنوب بقليل

من إقليم الحولة شهرة خاصة, لأن طريقًا يبدأ منها فيمر بالقنيطرة وينتهى بدمشق. ولا يؤخذ من الخريطة التى وضعها "طومسن" P. Thomsen) فى Z. D. P. V. ج 10، ص 33) أنه كان فى هذا المكان طريق رومانى، ولكن كثيراً ما كان يتردد ذكر هذه المخاضة فى العصور الوسطى باسم Vadum Jacobi (نقل الاسم خطأ من سفر التكوين، الإصحاح الثانى والثلاثون، آية 22) وكان لها أهمية استراتيجية كبيرة فى الحروب الصليبية، فقد هزم عندها نور الدين بلدوين الثالث عام 1157 م. وابتنى بلدوين الرابع حصناً جنوب المعبر عام 1178 م. ولكن صلاح الدين أخذه عنوة وخرَّبه فى العام التالى. وقد بنى بعد ذلك جسر ذو ثلاث طاقات من كتل كبيرة من حجر البازلت فى موقع هذه المخاضة نفسها (انظر الصورة المبينة فى z.n.p.v ج 13، ص 74). والمعروف أن هذا الجسر كان موجوداً عام 1450 م والراجح أنه بنى قبل ذلك بكثير. واسم هذا الجسر وهو "جسر بنات يعقوب" إنما يشير إلى اسم المخاضة اللاتينى Vadum Jacobi, وقد يسترعى هذا الاسم انتباهنا إذا عرفنا أن يعقوب لم تكن له بنات كثيرات. والراجح أن من أهم الطرق بين دمشق والجهات الواقعة إلى الغرب من نهر الأردن كان دائمًا هو ذلك الطريق المار بـ "فيق" (أو أقيق وربما أفق Aphek؛ انظر سفر الملوك الأول، الإصحاح 20، الايتان 26, 30؛ الإصحاح 13، الآية 22) إلى الطرف الجنوبى من بحيرة طبرية، حيث كانت توجد مخاضة تعترض نهر الأردن عند خروجه من تلك البحيرة، وتوجد إلى جنوب هذه المخاضة بقليل أطلال قنطرتين من الحجر هما "أم القناطر" و"جسر السد" ولسنا نعرف شيئًا عن تاريخهما, ولكن الراجح أن إحداهما هى القنطرة الواقعة إلى جنوب البحيرة التى اْشار إليها المقدسى عند وصفه لبحيرة طبرية والتى قال عنها ياقوت إنها "ذات طاقات كثيرة تزيد على العشرين". ونحن نجد فى عهد متأخر يرجع إلى

القرن الرابع عشر الميلادى رجلا مثل "ده بالدنسل" W.de. Baldensel يقص علينا أنه عبر نهر الأردن فوق قنطرة فى هذا الموضع (Biblical Re-: Robinson searches in Palestine, الطبعة الثانية، ج 3). وتوجد على قرب وثيق من التقاء اليرموك بالأردن قنطرة تسمى "جسر المجامع" يبدأ منها طريقان أحدهما إلى مكيس والآخر إلى إربل فى سفح تلال قرن صرطبة. ونجد أيضًا إلى الجنوب من ذلك قنطرة أخرى هى جسر الدامية تقوم الآن فوق أرض جافة؛ لأن الأردن شق له هنا مجرى جديداً، وقد بنى هذه القنطرة السلطان العالي الهمة بيبرس المملوكى, عام 1266 م كما ابتنى عدة قناطر غيرها فى مواضع أخرى (Rohricht فى AR- chives de L'orient lat, ج 1/ 2 ص 382؛ Clennont Ganneau, فى J.A. السلسلة الثامنة، المجلد 10، سنة 1887 م، ص 518). ومن أكثر الجسور استعمالًا الجسر الواقع إلى الشمال من أريحا الذى يؤدي إلى وادى نمرين. وهناك قليل من التفصيلات التى لها بعض الأهمية فى الأوصاف المختصرة التى ذكرها جغرافيو العرب عن نهر الأردن، فقد ذكر المقدسى أن النهر غير صالح للملاحة، وروى ياقوت عن مصدر قديم أن الأردن على بحيرة طبرية كان يسمى الأردن الكبير، بينما كان يسمى فيما بين طبرية والبحر الميت الأردن الصغير, والراجح أن فى هذا القول خلطاً بين الأردن واليرموك. وذكر أيضًا مزارع قصب السكر التى كان يرويها النهر فى كورة الغور، وذكر الدمشقى الينابيع الحارة القريبة من بحيرة طبرية والمجامع حيث يلتقى اليرموك بالأردن، وقد وصف أيضًا الظاهرة الغريبة التى تشاهد عند مصب هذا النهر، فالأردن يصب ليلا ونهاراً فى البحر الميت دون أن يكون لهذا البحر منفذ تتسرب المياه منه، ومع ذلك فإن مياه البحر لا تزيد شتاء ولا تنقص صيفا. ويقول ابن خرداذ به (المكتبة الجغرافية العربية ج 6، ص 219) والجغرافيون الذين نحوا منحاه إن الطريق الرئيسى بين دمشق ومصر

يمر بـ"أفيق" إلى الجنوب من بحيرة طبرية ثم حول طبرية إلى بيسان. على أن الطريق كان فى القرن الرابع عشر الميلادى يخترق جزءًا من عجلون، إذ يهبط المرء من بيسان إلى وادى الأردن حتى يبلغ المجامع، ثم يمر فوق الجسر ليسير فى الطريق إلى أربد. وابتدأ فى القرن الخامس عشر الميلادى استعمال طريق أجنح من ذلك إلى الشمال يتجه إلى الشرق من العاصمة الجديدة "صفد" عابراً نهر الأردن فوق جسر بنات يعقوب ماراً بـ"نعران" وإلـ "قنيطرة" إلى دمشق. وظل هذا الطريق هو المألوف، وقد عبد أخيراً بعد أن أصلح الطريق الموصل إلى هذا الجسر والآخذ منه. 2 - كورة الأردن العربية التى تعرف باسم"جند إلأردن" هى عين فلسطين الثانية Palestina Secunda المعروفة فى التقسيم القديم لهذه الأقاليم؛ وتشمل هذه الكورة الجليلين ووادى الأردن والجزء الغربى من الأراضى الواقعة إلى الشرق من الأردن. وقد استولى أبو عبيدة بن الجراح عام 14 هـ (635 م) على معظم بلاد هذه الكورة. واستولى على بقيتها خالد بن الوليد وعمرو بن العاص. وهناك روايات تذهب إلى أن شرحبيل هو الذى فتح هذه البلاد وقد أخذت كلها بحد السيف عدا طبرية التى سلمت فى ظروف شائنة، والراجح أن ذلك كان سببًا فى جعلها عاصمة بدلًا من"بيت شان" skythopolis ونستطيع أن نعرف حدود هذه الكورة من أسماء البلدان التى ذكرها جغرافيو العرب ومؤرخوهم، فقد ذكر البلاذرى: طبرية وبيسان وقدس وعكا وصور وصفورية، وتوجد فى شرقى الأردن: سوسية وأقيق وجرش وبيت رأس والجولان والسواد (؟ ) والبلاد كما يذكرها اليعقوبى هى: طبرية وصور وعكا وقدس وبيسان، وفى شرقى الأردن: فحل وجرش وسواد (؟ ) ويذكر ابن الفقيه: طبرية السامرة (نابلس) وبيسان، وعكا وقدس، وصور وفى شرقى الأردن: فحل وجرش. ويذكرها المقدسى على النحو الآتى: طبرية، وقدس وصور وفرذية، وعكا، واللجون

وكابل وبيسان، وفى شرقى الأردن: أذرعات,. ويوردها الإدريسى على النحو التالى: طبرية، واللجون، والسامرة (نابلس) وبيسان، وأريحا، وعكا والناصرة، وصور؛ وفى شرقى الأردن: زغار، وعمتا، وهيبس (يابس؟ ) وجدر، وآبل، وسوسية. وفى رواية ياقوت: طبرية، وبيسان وصفورية، وصور وعكا، وفى شرقى الأردن: بيت رأس، وجدر ... إلخ. ويتضح من هذه الروايات المختلفة أن حدود هذه الكورة لم تبق على حال واحدة. أما فيما يتعلق بخراج كورة الأردن، فقد ذكر مؤلفو العرب الأرقام الآتية (انظر مادة فلسطين"): كان الخراج حوالى نهاية القرن الثامن الميلادى 96 ألف دينار، وفى عهد المأمون 97 ألفًا ويقول ابن خرداذبه وابن الفقيه إنه كان 350 ألفاً. ويذكر قدامة أنه كان 109 آلاف، واليعقوبى أنه كان 100 ألف، والمقدسى أنه كان 170 ألف دينار (انظر Z. D. P. V, ج 7, ص 225). وفى إبان الحروب الصليبية، ألغيت التقسيمات السابقة لهذه الكورة. وأقام خلفاء صلاح الدين بدلها ممالك مختلفة. فكانت أهم ممالك الأردن مملكة "صفد" التى كانت تشمل -علاوة على بلدة عرفت بهذا الاسم نفسه- النواحى الآتية: مرج عيون، واللجون. وجنين، عكا, وصور"، أى جميع البلدان التى إلى الغرب من الأردن. ونجد فى كتاب "المثير" الذى صنفه شهاب الدين المقدسى عام 1351 م والذى كثيرًا ما نقل الكتَّاب عنه، تقسيمًا آخر يجعل للغور والأراضى التى إلى الغرب من الأردن أهمية كبرى، وهى حوران وعاصمتها طبرية، ونواحى الغور واليرموك وبيسان. المصادر: (1) المقدسى: المكتبة الجغرافية العربية، جـ 3، ص 19, 161, 184. (2) الإدريسى فى Z. D. P. V., جـ 8, ص 120. (3) ياقوت: المعجم، جـ 1، ص 200.

(4) الدمشقى، طبعة مهرن، ص 107. (5) أبو الفداء، طبعة رينو وده سلان، ص 48. (6) البلاذرى، طبعة ده غويه ص 115 وما بعدها، 126, 131. (7) الطبرى طبعة ده غويه، جـ 1، ص 2090, 2108. (8) اليعقوبى: المكتبة الجغرافية العربية، جـ 7, ص 327 وما بعدها. (9) ابن الفقيه: المكتبة الجغرافية العربية، جـ 5,ص 116, 226. (10) المقدسى: المكتبة الجغرافية العربية، جـ 3, ص 154, 189. (11) الإدريسى فى Z. D. P. V., جـ 8, ص 139. (12) ياقوت: المعجم، طبعة فستنفلد، جـ 1, ص 201. (13) ابن خرداذبه: المكتبة الجغرافية العربية، جـ 6, ص 78, 246. (14) historical geog-: G.A smith raphy of the Holy Land, لندن سنة 1909. (15) Die Landesnatur Pa-: Schwobel lastinas جـ 1، سنة 1914، ص 45، وما بعدها. (16) Bibilical Researches: Robinson in Palestine, جـ 3. (17) Der Scholan: Schumacher فى Z. D. P. V جـ 9، ص 165 وما بعدها، 216. (18) الكاتب نفسه: der sudliche ba- san, المجلة المذكورة، جـ 20، ص 65 وما بعدها. (19) Geschichte des Ko-: Rohricht nigreiches Jerusalem ص 289, 382 وما بعدها, 386 وما بعدها. (20) Die Strasse Von: R. Hartmann nach Kaira Damaskus فى Z. D. M. G. ب 64، ص 665 وما بعدها. (21) Palestina unter: R. Hartmann den Arabern, ص 14, 16.

أردهان

أردهان بلدة فى أقصى الشمال الشرقى لتركية، على خط عرض 41 ْ 8 َ شمالا، وخط طول 42 ْ 42 َ شرقًا، وعلى نهر كوروجاى الذى أصبح نهر الكوره (نهر الكُرّ)، وترتفعِ 1800 متر فوق سطح البحر، وكانت أردهان فى وقت من الأوقات قصبة سنجق فى إيالة قارص، وقد قضت معاهدة سان استيفانو سنة 1878 م بالنزول لروسيا عن البلدة والناحية المحيطة بها هى وقارص: وفى الثالث والعشرين من فبراير سنة 1921 م نزل عنها مرة أخرى لجورجيا (الكرج)، وظلت من يومها تركية، وهى قصبة قضاء فى ولاية قارص. وقد بلغ عدد سكان البلدة سنة 1945 م: 6182 نفسًا، والقضاء 49699 نفسًا. المصادر: (1) حاجى خليفة (كاتب جلبى): جهاننما، ص 407. [خورشيد أتيشنر Fr. Taeschner] آران (*) (ألبانيا) الاسم العربى لألبانيا القديمة، وتكتب فى كثير من الأحيان الران (بالاْرمنية ألو نقع)، ويطلق كتَّاب الإغريق المتأخرون أيضًا على هذا القطر اسم أريانيا بدلًا من ألبانيا، وعلى أهله ¬

_ (*) يبلغ عدد السكان فى جمهورية ألبانيا المعاصرة 3,374,000 نفس الكثافة. 304 فى الميل المربع. وتشكل المناطق الحضرية 36 % من السكان. التكوين العرقى: الألبان (الجج GEGS فى الشمال والتوسك Tosks فى الجنوب) 90 % اليونانيون 8 %. اللغات الرئيسية: الألبانية واليونانية الدين: 70 % مسلمون. اليونان الأورثوذكس 20 % الأروام الكاثوليك 10 %. الحكومة: ديمقراطية، وتنقسم إلى 26 مديرية (محافظة) وقد ظهرت ألبانيا كدولة مستقلة سنة 1912 م وتم إعلان الجمهورية سنة 1920 م م لكن الملك زوج الأول zog 1 حكم فى الفترة عن 1925 م إلى 1939 م أى حتى الغزو الإيطالى. وقد اعتلى الحزب الشيوعى سدة الحكم سنة 1944 م معلنا تحالفه على الاتحاد السوفيتى. ثم كانت هناك فترة قطعية وخصام على الاتحاد التحالف مع الصين التى قدمت عدة ملايين عن الدولارات كمساعدة، وقلت هذه المساعدات الصينية بعد سنة 1974 م، وانقطعت نهائياً سنة 1978 م عندما هاجمت ألبانيا السياسة الصينية بعد موت ماو زيدونج mao zedong, وخلال السبعينات عن هذا القرن حدثت حركات تطهير (تخلص من العناصر المناوئة) اتسمت بالقوة.

أريانوى بدلًا من ألبانوى: ويذهب ماركار (Eran.rhahr: Marquart, ص 117) إلى أن هذين الإسمين هما والاسم العربى المتأخر للقطر يمكن إرجاعها إلى الصيغة الفارسية. وكان هذا القطر فى الأصل يشمل فى عهده القديم -الذى عرف فيه باسم ألبانيا- نفس المنطقة التى كان يشملها أيام أن عرف باسم أرّان، ذلك أنه كان يمتد من الدرنبد فى الشمال الشرقى إلى تفليس فى الغرب، ويدخل فى ذلك نهر الرَّس فى الجنوب والجنوب الغربى (الإصطخرى، طبعة ده غويه، ص 190). أما الكتَّاب الذين أتوا بعد ذلك فيقولون إن أران لا تشمل إلا الأرض التى"بين شروان وآذربيجان" (هكذا قال ياقوت، جـ 2، ص 132, س 5) أو "من ضفة الرس إلى الكُرّ بين هذين النهرين" (هكذا قال حمد الله قزوينى فى " Schefer: سياسة نامه، الملحق، ص 226). وقد وصف العرب مدينة بتراف Patrav (وتعرف عندهم باسم بَرْذَعة) على نهر تارتار (فى ياقوت، جـ 1، ص 560، س 7: ثرْثُور) غير بعيد مصبه فى نهر الكُرّ، وهى المدينة التى حلت فى القرن السادس الميلادى محل الحاضرة القديمة كعولك (فى بطلميوس: جبلة، وفى بليناس: كبلكلة، وعند العرب: قَبَلَة)، فقالوا إنها قصبة أرّان وأعظم مدينة فى القوقاز بأسرها. وكان سكان ناحية برذعة مازالوا يتكلمون بالأرانع، أى باللغة الألبانية، فى القرن الرابع الهجرى الموافق العاشر الميلادى (الإصطخرى، طبعة ده غويه، ص 192، س 2)، ولم يكن المسلمون قد طردوا بعد النصارى الألبان من ألبانيا إلى غير رجعة، فقد ذكر المقدسى (طبعة ده غويه، ص 376 س 6 - 8) أن معظم سكان مدينة شابَران (وهى الآن خرائب على مسيرة حوالى 15 ميلا جنوبى شرقى قوبة الحديثة) ومدينة شكى. وتعرف الآن باسم نوخا) من ¬

_ وتولى الحكم أنور خوجة لأربعة عقود حتى مات فى 11 أبريل 1985 م، وقد أتاحت الحكومة بعد موته قدرًا أكبر من حرية التعبير، بل وحرية السفر للخارج ابتداء من عام 1990 م، وعملت الحكومة على تحسين علاقاتها بالعالم الخارجى. وقد أدت انتخابات مارس 1991 م إلى عودة الشيوعيين للحكم مرة أخرى لكن الاضطرابات والاعتراضات التى اعقبت ذلك أدت إلى تكوين حكومة ائتلافية تضم غير الشيوعيين، وفى انتخابات سنة 1992. م نجح سالى بيريشا sali bersha كأول رنيس غير شيوعى منذ الحرب العالمية الثانية. د. عبد الرحمن الشيخ

المسيحيين. كما أن الكنيسة الألبانية لم تكن قد تنازلت عن المطالبة بالاستقلال عن أمها الكنيسة الأرمنية. وقد فتحت الران فى عهد عثمان (644 - 656 م) على يد سلمان بن ربيعة الباهليّ، على أن الخزر انتقموا منها بعد ذلك كثيرًا. وترجع أقدم سكة عربية ضربت فى الران إلى سنة 90 هـ (708 - 709 م) وضم هذا الإقليم هو وأملاك العرب الأخرى فى القوقاز فى ولاية واحدة، وقد جرت الحال بإطلاق اسم أرمينية على هذه الأقاليم الموحدة، لو أن الولاة كانوا يقيمون فى معظم الأحوال برذعة بوصفها أكبر مدينة فى أرمينية. وكان بيت الملك الألبانى القديم قد انقرض منذ أمد طويل. والظاهر أن بيت مهر كان الفارسى الذى كان قد قام فى هذه البلاد حوالى نهاية القرن السادس الميلادى واعتنق المسيحية بعد ذلك ببضع عشرات من السنين لم يكن يحكم إلا جزء، من أرمينية. ففي العهد العربى كانت منطقة نفوذ هؤلاء الأمراء الملقبين باللقب الفارسيّ إيرانشاه تتميز عن شروان (ويقول العرب أيضًا شَرْوان، وجرى الفرس بعد ذلك على رسمها شاروان) وهى منطقة نفوذ الشروانشاه أى الأرض التى بين نهر الكُرَ وبحر قزوين)، ويعرف الإير انشاه أيضا بـ "بطريق الران" (اليعقوبى، طبعة هوتسما، جـ 2، ص 562). وقد قتل "ورز تردت" آخر أمراء بيت مهركان على يد قريب له يعرف باسم نرسه (نرسى عند العرب) سنة 821 - 822 م وحدث فى عهد المعتصم (833 - 842 م) أن بدد سهل بن سنباط شمل جيش الوالي الأفشين الذى كان قد استولى على الران (اليعقوبى، جـ 2، ص 579؛ البلاذرى، طبعة ده غويه، ص 211). على أن سهلا هذا سرعان ما أدى بعد ذلك خدمة جليلة للحكومة العربية (223 هـ = 837 - 838 م) بتسليمه بابك، وقد كافأه الخليفة على ذلك فثبته فى منصب البطريق (الطبرى، طبعة ده غويه، جـ 3، ص 1232). وجاء فى تاريخ ألبانيا الذى ألفه موسى كلنكتوسعى (انظر الترجمة الروسية لهذا الكتاب بقلم بتكانيان، سانت بطرسبرغ، سنة 861 م، ص 266) أن سهلا قد عين إيرانشاه (بالأرمينية إيرانشاهيك).

ويروى المسعودى (مروج الذهب، جـ 2، ص 69) أنه حدث فى أيامه أن إيرانشاه محمد بن يزيد أقام نفسه حاكمًا على بلاد شروان بعد وفاة شروانشاه على بن الهيثم، واتخذ لنفسه هذا اللقب. ولما توفى عبد الله ابن هشام أمير الدربند زوج أخت محمد بن يزيد هذا أو زوج ابنته (عبد الله فى نسخة باريس؛ وفى بعض المخطوطات عبد الملك؛ وجاء فى السكة هشام بن محمد حكم دربند سنة 330 هـ الموافقة 941 - 942 م) ضم محمد هذه المدينة إلى أملاكه (مروج الذهب، جـ 2، ص 5)، وبذلك تكون جميع أجزاء ألبانيا القديمة قد توحدت، ولكن رواية المسعودى هذه لم يؤيدها أى مصدر آخر. فابن حوقل (طبعة ده غويه، ص 250, 254) يذكر شروانشاه محمد أحمد الأزدى معاصر مرزبان بن محمد وإلى آذربيجان المتوفى عام 346 هـ 957 - 958 م)، ولكنه لا يذكر هذا الرجل فى أى موضع آخر من كتابه، ثم هو لا يقول إلى أى مدى تمتد ولاية الأزدى غربًا. وظلت أران فى القرون التالية منفصلة عن شروان سياسيًا، وحكمتها أسرة من بيت كردى هو بنو شدَّاد. وكانت قصبتها آنئذ هى كنجة (جنزة، وهى اآن يليساو تيول الحديثة). أما القصبة القديمة برذعة فقد انتقم منها الروس سنة 332 هـ (943 - 944 م) انتقاماً مروعاً لم تفق من جرائره. ويصف ياقوت برذعة فيقول إنها قرية لا شأن لها, ولما دالت دولة بنى شدّاد القليلة الشأن (لم تذكر حتى فى ابن الأثير) ضمت أرّان مباشرة إلى آذربيجان، ولم يقم فيها منذ ذاك بيت يختص بحكمها. واستترك أهل أران شيئًا فشيئا منذ عهد السلاجقة، شأنهم فى ذلك شأن أهل آذربيجان وشروان والدربند. وقد جرت الحال منذ العهد المغولى بإطلاق الاسم التركى قره باغ على الجزء الجنوبى منها. وما وافى هذا العهد حتى كان الاسم أران قد غدا من التراث الأدبى فحسب. ومن شاء معرفة أران بعد ذلك فليرجع إلى مادة جنزة،

المصادر: (1) zur: A. Manandian Beitragae albanischen Geschichte، ليبسك 1897 م. (2) Marquartdes: Eranshahr nach der ographie des Ps. Moses Xorenac' i، برلين سنة 1901 (abh der kon ges. des wiss zu gottigen phil n.f جـ 3, رقم 2) ص 116 وما بعدها. (3) ليبسك سنة 1903 م، ص 457 وما بعدها. خورشيد [بارثلد W.barthold] + أرّان: الاسم الذى جرى إطلاقه فى العصور الإسلامية على ناحية فيما وراء القوقاز بين نهر الكر ونهر الرس. على أنه استخدم فيما قبل الإسلام للدلالة على شرقى ما وراء النهر بأسره (آذربيجان السوفيتية الحالية) أى أبالنيا فى مصطلح القدماء (انظر مقال "البانيا" فى Pauly - Wissowa)؛ وما وافى القرن الخامس عشر الميلادى حتى كان الاسم أرّان قد بطل تردده على ألسنة الناس، ذلك أن هذه المنطقة اندمجت فى آذربيجان. وأصل الاسم أران، وبالكرجية "رانى" وباليونانية "ألبانوى" وبالأرمنية ألو نقع (أى الشعب)، غير معروف (يجد المرء عند الكتاب القدماء الصيغة أريان، وفى المراجع العربية الـ"ران" وكانت الأرض التى بين هذين النهرين تعد قبل سنة 387 م جزءًا من أرمينية يشمل ولايات: أردزخ و"أو تى" و"بعيتكران". ولما قسمت أرمينية بين اليونانيين والساسانيين سنة 387 م ضمت الولايتان الأوليان إلى ألبانيا. أران) والثالثة إلى بلاد فارس وهذا سبب من أسباب الخلط فى مدلول أران ذلك أن الأرمن إنما يقولون إن أران هى الأرض التى إلى الشمال من نهر الكُر فحسب. وما وافى القرن السابع الميلادى حتى كان سكان "أران الكبرى" قد اختلطوا بغيرهم اختلاطا تامًا حتى كان من المتعذر على المرء أن يتحدث عنهم حديث الشعب المتميز على أن

الإصطخرى (ص 192) وابن حوقل (ص 349) يذكران "الرانية" على اعتبار أنها لغة كان لا يزال يتحدث بها الناس فى مدينة برذعة فى القرن العاشر الميلادى. وقد اصطنع العرب المسميات الرومانية الأرمينية فتوسعوا فيها وجعلوا شرقى ما وراء القوقاز بأسره تابعًا لأرمينية الأولى (ابن خرداذبه، ص 122؛ البلاذرى، ص 194). ولما ظهر العرب فى هذا القطر وجدوه مقسمًا بين عدة أمراء صغار كان بعضهم يدين بالولاء للخزر وخاصة بعد سقوط الساسانيين. وقد تنصرت أران بفعل أرمينية، وكانت فى عهد الخلافة الأموية خاضعة بالاسم لحكم أمراء أرمينية الذين كانوا بدورهم خاضعين للعرب. والحق إن أران قد نعمت بقدر كبير من الاستقلال بحكم أنها كانت على التخوم الإسلامية معرضة لغارات الخزر وحكمهم. والحملات العربية الأولى بقيادة سلمان بن ربيعة وحبيب بن مسلمة فى نهاية خلافة عمر والسنوات الأولى من خلافة عثمان، استطاعت أن تخضع بالاسم ببلقان، وزوجته وقبلة، وشمكور، وهى حواضر أران. ثم قاتل العرب الخزر والأمراء المحليين قتالاً متصلاً (البلاذرى، ص 203؛ الطبرى، جـ 1, ص 2889 - 2891). واستتب الحكم العربى فى أران بعد الفتنة العربية الأولى فى خلافة معاوية، ولكن الخزر ظلوا يغيرون على جنوبى جبال القوقاز. وفى خلافة عبد الملك توحدت كنيسة أران المسيحية، التى كانت قد إنضمت إلى الكنيسة اليونانية الأرثوذكسية، ومع الكنيسة الأرمنية بفضل رجال الدين الأرمن وبمعونة العرب وموافقتهم (انظر: J. Muyldermans an Armenia La domination arahe، لوفان سنة 1927، ص 199). أما عن الولاة الأمويين لأرمينية بما فيها أران فانظر البلاذرى (ص 205 - 209). وفى ولاية مسلمة بن عبد الملك الذى أقامه الخليفة هشام سنة 107 هـ (725 - 726) جلبت إلى أران حاميات عربية كبيرة، واتخذت برذعة قاعدة للعمليات الحربية ضد الخزر (انظر عن الحملات التى

شنت على الجزر: The: D. M. Dunlop history of the Jewish Khazars برنستون سنة 1954، ص 60 - 87"؛ : f. gabrieli Califfatn di Hisham II, الإسكندرية سنة 1935, ص 74 - 84). وحلت الهزيمة الحاطمة بالخزر واستتب حكم العرب تماماً فى ولاية مروان بن محمد آخر الخلفاء الأمويين، وذلك من عام 113 إلى عام 126 هـ (731 - 744 م). وفى عهد الحكم الأموى والعباسى فى أران ظلت الدول الأرمنية والأرانية تحتفظ بما يشبه الاستقلال فى ظل العرب، فكانت الضرائب تؤدي بالعملة الإسلامية، ونحن نجد سكة باسم أران على الدراهم العباسية فى وقت متقدم يرجع إلى سنة 145 هـ (762 م) وكانت دار هذه السكة فى برذعة أو فى ببلقان. وما وافى عام 207 هـ (822 م) حتى وجدنا عملة تحمل اسم مدينة أران، والظاهر أن هذه السكة قد أهملت على ما يظهر بعد عام 226 هـ (840). وكان العرب يطلقون على الحاكم المحلى من بيت مهران القديم لقب بطريق أران، وقد اغتيل آخر أفراد هذا البيت وهو ورز تردت سنة 821 أو 822 م. وحدث بعيد ذلك أن بسط أمير شكى- شمالي نهر الكر، ويدعى سهل ابن سنباط- سلطانه على أران بأسرها معلنا استقلاله عن الخلافة، وقد عاد الوفاق بينه وبين العرب بتسليمه بابك المتمرد إليهم بعد أن التجأ هذا إليه. وقد رحل هو وابنه وخليفته بعد ذلك إلى سامرا حوالى عام 854 م عندما نفى والى أرمينية الجديد بغا كثير من الأمراء المحليين، وفى هذه الفترة تدخل أمراء شروان ودربند فى أران، ولكن بنى الساج كانوا هم أقوى الحكام نفوذاً فى أران. وقد عامل حكام أرمينية من بنى الساج السكان المسيحيين لما وراء القوقاز معاملة قاسية بصفة خاصة فى نهاية القرن التاسع وأوائل القرن العاشر الميلاديين، ولكن الأسر المحلية ظلت تحكم وخاصة شمالى نهر الكر (ابن حوقل، ص (348). وحكم مرزبان بن محمد بن مسافر أران كما حكم أذربيجان من سنة 941 إلى سنة 957 م، وكان معظم أمراء أران من أقياله. وفى عهده خرب الروس أرباض برذعة سنة 943 م. ثم وقعت أران تحت سلطان بنى شداد أصحاب جَنزة

(كنجة)، وكان أقوى أعضاء هذه الأسرة أبا الأسوار شارون بن فضل بن شداد الذى حكم من عام 441 إلى عام 459 هـ (1049 - 1067 م). وفى سنة 468 هـ (1075 م). بعث ألب أرسلان واحدًا من قواده هو سوتكين ليحكم أران خلفًا لدولة بنى شداد واستقرت القبائل التركية وأولها الغز فى أران، وأخذت اللغة التركية تحل محل اللغات الأخرى فى استعمال الناس. والظاهر أن بلقان حلت محل برذعة فى العصر التركى إذ أصبحت أهم مدن أران، ولكن برذعة خربها المغول سنة 1221 م. ثم غدت جنزة زعيمة مدن أران. وفى عهد المغول ضمت أران إلى أذربيجان وأصبح وال واحد يلى أمر الولايتين. وازدادت سرعة صبغ البلاد بالصبغة الإسلامية وبالصبغة التركية بعد الغزو المغولى، وأصبحت الأرض التى بين النهرين تسمى قرة باغ. ولما تمت غزوات تيمور الذى فعل الكثير فى سبيل البناء وإصلاح القنوات، لم تعد أران إلا ذكرى فى مخيلة الناس وغدت أمورها داخلة فى تاريخ أذربيجان. المصادر: (1) روى موسى الكلنكتواقى باللغة الأرمنية التاريخ الدينى للأراميين (تفليس، سنة 1912). (2) وانظر عن محتوياته: A. Manadian Geschicte Baitrage Zur albanischen, ليبسك سنة 1897, ص 48. (3) وانظر عن تاريخها قبل الإسلام Eranshahr: J. Marquart, ص 117. (4) وانظر عن جغرافيتها: G. Le Strange، ص 176 - 179. (5) وحدود العالم، ص 398 - 406. (6) وانظر عن تاريخ أران فى صدر الإسلام L' Armemie entre: P J. Laurent By- zance et L' islam، باريس سنة 1919 م. (7) وانظر عن سهل بن سنباط: Bulletin of Caucasica IV: Minorsky فى the -School of Orietal Studies, London In stitution ص 504 - 529. (8) وانظر عن بنى شداد Studies: Minorsky in Caucasian History، لندن سنة 1953 م. (9) ونجد كثيرًا من التفصيلات عن المسميات والمسائل اللغوية فى مادة أران فى إسلام أنسيكلوبيدياسي، بقلم زكى وليد طوغان. خورشيد (فراى R, N. Frye)

الأرقم

الأرقم وهو الأرقم (= أبو عبد الله) بن عبد مناف (ابن أبى الأرقم) بن أسد (أبو جندب) بن عبد الله: صحابى من عشيرة مخزوم، وهى من أغنى عشائر مكة وأكثرها احترامًا، وتنتسب أمه أميمة إلى قبيلة خُزَاعة، وقد اعتنق الإسلام وهو حدث، وكان من أوائل الذين آمنوا؛ ومع أن بنى مخزوم كانوا من أشد الناس عداوة للرسول - صلى الله عليه وسلم - إلا أن ذلك لم يمنع الأرقم من أن يكون من أخلص أنصاره حتى إنه قدَّم داره للنبى - صلى الله عليه وسلم - أيام محنته ليجتمع فيها المسلمون، وفيها وجد النبى - صلى الله عليه وسلم - مكاناً آمناً صالحاً لنشر دعوته. وفى هذا الوقت أخذت الجماعة الإسلامية فى النمو وانضم إليها رجال كثيرون منهم حمزة وعمر. وما إن أسلم عمر حتى ترك النبى - صلى الله عليه وسلم - دار الأرقم، ولم تذكر لنا الروايات على وجه التحقيق تاريخ التجاء النبى - صلى الله عليه وسلم - إلى هذه الدار ولا مدة مكوثه فيها, ولكننا نستطيع القول بأن ذلك كان بين عام 615 وعام 617 م. ولم يذكر ابن هشام شيئًا عن دار الأرقم ولكن ذلك لا يمنع من أن يكون قد ألم بقصة هذه الدار، وكذلك عرف الطبرى هذه القصة وأرخ بها، ولكنه لم يذكرها قط فى حديثه عن سيرة النبى - صلى الله عليه وسلم -. وقد هاجر الأرقم مع المهاجرين وأقام فى المدينة فى دار من حى بنى زُرَيق يعرف ببيت الأرقم أيضًا. ويقال إن النبى - صلى الله عليه وسلم - هو الذى أقطعه هذه الدار، وقد آخى النبى - صلى الله عليه وسلم - أيضًا بين الأرقم وأبي طلحة (زيد). ويظهر أنه احتفظ، شأن الكثيرين من مهاجرى الصحابة، بحبه واحترامه لعشيرته فى مكة، ولما غنم المؤمنون فى وقعة بدر سيف المرزبان ومتاع بنى عائد المخزومى عرفه الأرقم وطلبه من النبى - صلى الله عليه وسلم -. وقد شهد الأرقم فى المدينة المشاهد الهامة كلها, ولم يكن له فيما يظهر شأن كبير فى تاريخ النبى - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك. وكان سعد بن أبى وقاص صديقا حميما له. ومهما يكن من شئ فقد أوصى الأرقم سعداً بالصلاة عليه عند وفاته. وتوفى الأرقم عام 54 أو 55 هـ (674 - 675 م) بعد أن نيَف على الثمانين ورزق بابنه عثمان من أَمة، وهو جد أسرة كبيرة عاش فرع منها فى الشام. وقد أصبحت للمدة التى قضاها النبى - صلى الله عليه وسلم - فى بيت الأرقم أهمية

خاصة فى التأريخ الإِسلامى لمعرفة ترتيب السابقين إلى الإسلام لما لهؤلاء السابقين من مكانة وفضل بين المسلمين. وأخذ المؤمنون بعد ذلك يجلون الأرقم ويعظمون داره القائمة على تل الصفا وتعرف عادة بدار الأرقم أو دار الإسلام، وظلت فى حوزة أحفاده الذين جعلوا منها داراً للأسرة إلى زمن الخليفة المنصور الذى أجبرهم على أن يبيعوها إياه لتسكن فيها أسرته. وقد سكنتها مدة من الزمن الخيزران أم هارون الرشيد، ومن ثم أطلق عليها أيضًا "دار الخيزران". وقد رممت البناية المعروفة بدار الأرقم وأعيد بناؤها مراراً، نعرف ذلك من الكتابات المنقوشة هناك، ولا يزال الحجاج يزورونها إلى الآن. المصادر: (1) Das Leben and die: Sprenger LEher des Mohmmed . (2) Annal dell' Islam: Caetani, الفهرس، انظر هذه المادة. (3) على بهجت فى Bull. de. l'inst. . Egypte السلسلة الخامسة، المجلد الثانى، ص 68 ,11. [ركندورف Reckendorf] + الأرقم: صحابي قديم للنبى - صلى الله عليه وسلم - اشتهر بالأرقم بن أبى الأرقم، وكنى بأبي عبد الله؛ وكان اسم أَبيه عبد مناف، وينتسب إلى عشيرة مخزوم ذات الجاه فى مكة. ويُختلف فى اسم أُمه، والقول الغالب أنها من قبيلة خُزَاعة أما وقد جعلت وفاة الأرقم سنة 53 هـ (673 م) أو سنة 55 هـ (675 م) فى سن تربو على الثمانين فلابد أن يكون ولد حوالى عام 594 م، وأن يكون قد آمن وهو جدّ حدث لأنه كان من السابقين إلى الإسلام، وتزعم رواية أنه كان فى السابعة حين أسلم، وتقول أخرى أنه كان فى الثانية عشرة. وقد أتيح للأرقم أن يقدم داره على تل الصفا لتكون فى خدمة النبى - صلى الله عليه وسلم - ولكن الأسباب التى أتاحت له ذلك لم تذكر وربما كانت قد واتته سنة 614 م. وأصبحت هذه الدار مركزاً للجماعة الجديدة حتى بعد إسلام عمر بن الخطاب. ويكرر ابن سعد أن دخول الداخلين فى الإسلام وغير ذلك من الأحداث وقعت فى دار الأرقم والنبى - صلى الله عليه وسلم - ملازم لها أو قبل دخوله فيها، على أن ابن هشام يسكت عن ذلك،

إرم ذات العماد

وهاجر الأرقم إلى المدينة مع النبى - صلى الله عليه وسلم -، وشهد بدرًا وغيرها من الوقائع الكبرى ولكنه لم يبرز فيها أى تبريز. وظلت داره -التى اشتملت على مسجد أوقبَّة- فى يد الأسرة حتى اشتراها منها الخليفة المنصور، ثم انتقلت إلى الخيزران أم هارون الرشيد، وأصبحت مشهورة بدار الخيزران. المصادر: (1) ابن سعد، جـ 3، قسم 1، ص 172 - 174. (2) ابن الأثير: أسد الغابة، جـ 1، ص 59. (3) ابن حجر: الإصابة، طبعة كلكتة سنة 1856 - 1873 م، جـ 1، ص 205. (4) الواقدى (ترجمة J. well- hausen بعنوان Mohammed in madina برلين سنة 1882 م، ص 67). (5) Chroniken der: F. Wustenfeled Stadt Mekka 1861 م, جـ 3، ص 112 - 440. (6) Annali: Caetani جـ 1، ص 261 وبه مصادر أخرى. خورشيد [مونتجمرى وات Montgomery Watt .w] إرم ذات العماد لم ترد فى القرآن الكريم إلا فى سورة الفجر، الآية الثامنة: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ}. ويمكن أن تفسر الصلة بين عاد وإرَم فى هذه الآيات على وجوه مختلفة كما فعل المفسرون فى إفاضة: فإذا اعتبرت إرم مقابلة لعاد، فإنه من الواضح أن تعتبر إرم أيضًا اسمًا لنفس القوم من الناس. ويمكن والحالة هذه أن يفهم من العماد معنى قوائم الخيام. ويقول مفسرون آخرون إن العماد إنما تشير إلى الشأن الرفيع الذى كان لقوم إرم, وهو أسلوب فى توكيد هذه الرفعة؛ أما إذا كانت الصلة بين إرم وعاد صلة إضافة، فالراجح أن تكون إرم ذات العماد تعبيرا جغرافيا يدل على مكان الاستيطان، وهذا هو الرأي السائد بين المسلمين. على أن الآراء قد اختلفت اختلافًا كبيرًا فى الشرق والغرب فيما يشير إليه هذا التعبير. ويرى ياقوت أن الرأى الغالب هو أن ذات العماد صفة لدمشق ويقال إن جَيْرون بن سعد بن عاد نزل بها وابتنى مدينة تحليها عمد من الرخام، وقد استغل لوث loth هذه

الرواية فى تدعيم رأيه القائل بأن اسم إرم لا يتصل إلا بالروايات الآرامية. على أن المسلمين كثيرًا ما يجعلون إرم تشير إلى جنوب بلاد العرب الذى كان قوم عاد ينتسبون إليه أيضا. وكان لعاد ابنان: شدَّاد وشدَيد، فلما مات شديد خلص الأمر لشداد وملك المعمورة ودانت له ملوكها. ولما سمع بحديث الجنة ابتنى على مثالها مدينة فى بعض صحارى عدن، وكانت حجارتها من الذهب والفضة وأسوارها محلاة بالحجارة الكريمة ... الخ. ولما أنكر شداد ما دعاه إليه النبى هود وعزم على الخروج إلى مدينته، جاءته صرخة من السماء قضت عليه وعلى قومه وهم على مسيوة يوم من إرم، وغارت تلك المدينة فى جوف الرمل. وفى الرواية التى ذكرها المسعودى (جـ 3، ص 421) لا ينتهى تاريخ هذه المدينة على هذا الوجه المحزن، فقد رغب شداد فى أن يبتنى ما يماثلها فى موضع مدينة الإسكندرية. فلما أسس الإسكندر الأكبر مدينة الإسكندرية بعد ذلك، وجد فيها آثار بناء عظيم ذى عمد كثيرة من الرخام على أحدها نقش اسم شداد بن عاد بن شداد بن عاد، وأنه شيد هذه المدينة على مثال إرم ذات العماد، ولكن الله أهلكه وحذر كل إنسان من القيام بمثل هذا العمل العظيم. ومن اليسير أن نلاحظ أن هذه الرواية قد أخذت من قصة الإسكندر (Callisthenes Pseudo, طبعة ميلر, جـ 1، ص 33) التى تذهب إلى أنه قد كشف عند تشييده الإسكندرية معبداً فيه مسلات عليها نقش يشير إلى الملك سيسنخيس Sesonkhis الذى حكم المعمورة. يضاف إلى هذا أن التحذير الذى ورد فى النقش الذى يشير إليه المسعودى يتمشى مع قصة الإسكندرية إلى حد بعيد: ومن ثم يجب أن لا ننتظر من هذه الرواية أن تدلنا على موقع إرم. على أنه لا بد أن نلاحظ كذلك أن الطبرى أيضًا فى تفسيره يذكر ذلك الرأى القائل بأن إرم هى عين الإسكندرية. وروى أيضًا أن رجلا يقال له عبد الله بن قلابة كان يطلب جملين ندّا منه فوقف صَدفة على مكان تلك المدينة التى ساخت فى الأرض، فحمل إلى معاوية من خرائبها شيئًا من المسك والكافور واللؤلؤ، ولكن كل هذه الأشياء استحالت ترابا عند تعرضها للهواء. فاستدعى معاوية كعب الْأَحبار وسأله عن خبر هذه المدينة فأجاب كعب على

الفور: إنها إرم ذات العماد، يدخلها فى زمانك رجل صفته كذا؛ وكانت تلك الصفات تنطبق كل الانطباق على عبد الله. ومما تجدر ملاحظته تلك السخرية التى لم يستطع المسعودى إخفاءها عند روايته هذه القصة (المروج، جـ 4، ص 88) ويقول علماء الإسلام إن إرم ذات العماد كانت قرب عدن، أو بين صنعاء وحضرموت، أو بين حضرموت وعُمان. ويجب أن نلاحظ أن صيغة إرم من لغة أهل اليمن، فقد ذكر الهمدانى جبلا وبئرا يعرفان بنفس الاسم فى جنوبى بلاد العرب. وهذا الرأي يدفع ما ذهب إليه لوث Loth من وجود صلة بين إرم والآراميين. وواضح أنه ليس لنا أن نسلّم بما ذهبت إليه الرواية الإسلامية من أن هناك صلة بين قوم إرم (آرم) وإرم ذات العماد. وتاريخ الكشف عن قبر أسرة عاد بن إرم أورده ميلر فى Akad. Wien .Sitz. ber المجلد 86، ص 134 وما بعدها). المصادر: (1) تفاسير سورة الفجر، الآية 8. (2) المسعودى طبعة باريس، جـ 2 ص 421؛ جـ 3, ص 271؛ جـ 4, ص 88. (3) الطبرى، جـ 1، ص 214، 220, 331, 784. (4) القزوينى: آثار البلاد، طبعة قستنفلد، ص 9 - 10. (5) ياقوت: المعجم، مادة إرم. (6) الديار بكرى: خميس، القاهرة سنة 1283, جـ 1 ص 76. (7) الثعلبي: قصص الأنبياء، القاهرة سنة 1290 هـ، ص 125 - 130. (8) الهمداني، طبعة ميلر، انظر الفهرس. (9) D. H. muller: .Die Burgen u Schlosser ص 418. (10) Essai sur: Caussin de Perceval L'histoier. جـ 1، 14. (11) Leben: Sprenger جـ 1, and lehre Muhammeds ص 505 - 518. (12) Loth فى. Zeitschr.d Deutsch Ges .Morg جـ 35، ص 625 وما بعدها. (13) La ville d` Iram: Mlle. groff الجزائر سنة 1891 م، ص 50 - 64. [فنسنك A. J. Wensinck]

إريتريا

إريتريا مستعمرة إيطالية يمكننا تقسيم سكانها ثلاثة أقسام: قسم من البدو، وقسم من الحضر، وقسم بين بين. وقد تكون فى القبيلة الواحدة طائفة من البدو وأخرى من الحضر وثالثة بين أولئك وهؤلاء. وتذهب رواية يعتقد الرأي الغالب بصحتها إلى أن أول من استوطن هذا الصقع قبائل ثمان وقدت عليه الواحدة بعد الأخرى، ولكننا لا نعرف شيئًا محدداً موثوقا به عن أصل هذه القبائل أو ترتيب نزوحها، على أنه يتضح من هذه الرواية أن إريتريا كانت آهلة بالسكان دائمًا، وأن هؤلاء السكان كانوا عرضة للتحول من البداوة إلى الحضارة، ومن الرعى إلى الزراعة. هذا فى السلم، أما فى الحرب فإن التحول لا يصدر عن نظام أو تدرج وإنما هو أقرب إلى الفوضى والإضطراب اللذين يظلان عدة قرون، وهكذا تقوم بمرور الزمن مراكز جديدة فى أنحاء جديدة تندمج شيئًا فشيئاً فى الجماعات التى يتفاوت نصيبها من الاستقرار. ومعظم سكان إريتريا فى الوقت الحالي من الجنس الحامى الذى كان يظهر بأوضح مميزاته وخصائصه أيام الحضارة المصرية القديمة فى بقاع متعددة من المنطقة التى تكوّن الآن هذه المستعمرة الإيطالية. بيد أن هذا النقاء الجنسى تأثر كثيراً بالأسباب والدوافع التى أشرنا إليها. ومهما يكن من شئ فإن عدد القبائل الثمان -كما تذهب ¬

_ (*) يبلغ عدد السكان: ... ر .. 2 ر 3 نفس. الكثافة: 70 فى الميل المربع. الأعراق: التجرانيون Tegraus 50 % التجرى والكوناما - Tigre & Kuna ma 40 % عفار 4 %. اللغة: 7 لغات محلية. الديانة: الغالبية مسلمون وهناك مسيحيون. الحكم: بعد الاستقلال تولى إيسياس أفورقى المولود سنة 1945 م الحكم فى 24 مايو سنة 1993 م. وكانت إريتريا جزءًا من مملكة أكسوم الأثيوبية، ثم أصبحت مستعمرة إيطالية فى الفترة من 1890 إلى 1941 م ثم استولت عليها بريطانيا. وبعد فترة من الحكم البريطانى بإشراف الأمم المتحدة عادت إريتريا كجزء من اتحاد فيدرالى مع أثيوبيا سنة 1952 وفى 1962 م أعلنت أثيوبيا ضمها ضماً نهائيًا إليها (كمديرية أو ولاية) وأدى هذا إلى ثورات دامية استمرت 31 سنة طالب خلالها الاريتريون بالاستقلال. فتم إعلان إريتريا دولة مستقلة فى 24 مايو 1993 م. د. عبد الرحمن الشيخ

رواية القدماء -قد رفعه علماؤهم إلى عشر قبائل أو خمس عشرة قبيلة أو أكثر. وما من شك فى أن ثمة فروقاً واضحة فى اللغة والعادات بين سكان إريتريا، سواء أكان هؤلاء السكان قد انحدروا من جد واحد أم لم يكونوا. والعنصر الغالب هم الأحباش الذين يقطنون الهضبة، وهم عين التكرينه الذين يعيشون فى الجانب الآخر من حدود الدولة الإثيوبية. وأحباش هذه المستعمرة لا يكاد عددهم يبلغ ... ر 110 نسمة، ولديهم ثقافة تقوم على نظام أبوى حسن. وجميعهم من الرعاة والمزارعين ويكّونون جماعات مستقرة فى القرى يجاور بعضها بعضًا فى العادة، وهى لذلك صغيرة. ويرجع هذا إلى فقر الأقاليم التى يعيشون فيها. ومتوسط عدد كل جماعة من هذه الجماعات حوالى 125 نسمة. ويقول دانيللى ومارينيللى إنه على الرغم من غلبة القرى الصغيرة والصغيرة جداً على هذا الإقليم فإن بعضها يكثر سكانه، إذا استثنينا المدن التى يعود ازدهارها إلى الاستعمار الأيطالى. وآيمَّا كان أمر هذه القرى فليس من المحتمل أن يزيد السكان فى إحداها عن 1000 نسمة. وأنت تشاهد ما يشابه هذا فى الولايات الحبشية التى تقع فى حدود مستعمرة إريتريا. وهناك أيضًا جماعتان من المزارعين المستقرين تعيشان فى القرى، هما الكونامة (يبلغ عددها نيفا وثلاثة عشر ألفًا) والدارْيه (سكانها ... ر 7 نسمة تقريبًا). وتقول الروايات إن هاتين الجماعتين تنتسبان إلى الجنس الحامى، وإنهما من أقدم من استوطنوا هذه المستعمرة، وهم يمتزجون بعض الامتزاج بأهل السودان. ومع أن الأحباش من النصارى فإن الدارْيه والكونامة وثنيون. أما باقي سكان إريتريا فمعظمهم من البدو والقبائل التى تعيش بالرعى، كما أن أغلبيتهم تدين بالإِسلام، ونخص بالذكر من هؤلاء بنى عامر وهم خليط من أجناس متعددة، وكانوا يعيشون على تربية الماشية، ويقسمون حياتهم بين الجبل والبحر، وهم يتكلمون عادة البضوية، وعددهم حوالى 40 ألف

نسمة. ثم الهَبب وغيرها من القبائل المتحالفة التى تعيش بين بنى عامر والبحر، ويبلغ عدده 24 ألف نسمة. وهم من الرعاة الرحل ويتكلمون بالتكره. ثم قبائل المنسة والمارية والسَبْدرات والتورها والهاسو والدناقل والدهلكى والأنكنه وغيرها. وكل هذه القبائل قديمة أتت فى الأصل من مرتفعات إثيوبية، ولكنها اختلطت بالمصريين واليونان من المستعمرين الذين دخلوا البلاد عن طريق البحر. والبيلانى الذين يقطنون وادى تشرن يكّونون جزءاً هاما من هذه الأقوام، وهم منقسمون إلى أقباط وكثالكة ومسلمين، ولا يعيشون عيشة البداوة التى تحياها القبائل السالفة. وتجاور قبائل البت تاكويه (4000 نسمة) والبكينه (1000 نسمة) والمنسة: قبيلة البيلانى، أما الأساورتة 9000 نسمة) والمنيفرى (5000 نسمة) والهاسو (1500 نسمة) فهى قبائل يدوية ترعى الماشية وتهتم بعض الاهتمام بالزراعة وتدين بالإسلام. وينتسب سكان إقليم دناقل إلى جنس آفار وعددهم 13000 نسمة فى الأراضى الايطالية واغلب الظن أن يكون هؤلاء السكان قبائل امتزجت بالمستعمرين من اليونان والمصريين، وجلهم من البدو الذين يدينون بالإسلام. أما الجزائر فليست عامرة بالسكان فى جميع أنحائها، ويبلغ عدد هؤلاء السكان حوالى 2500 نسمة، وقد انحدروا من أصول مختلفة، وهم يعتمدون فى معاشهم على صيد الأسماك واللؤلؤ. ويعيش حوالى 10000 نسمة من السكان السامى الأصل على شاطئ مَسّاوَة فى قرى متجاورة. وبلغ سكان عدد مستعمرة إريتريا الإيطالية- وفق تعداد عام 1905 م - 944 ر 274 نسمة 177 ر 152 نسمة من المسلمين و 853 ر 102 نسمة من القبط و 362 ر 12 من الوثنيين و 255 ر 7 من الكثالكة و 297 من البروتستانت. ولا تشمل هذه الأرقام السكان البيض ولا جماعات الدناكل الذين يعيشون داخل الحدود التى عينت عام 1908 م. وإذا أدخلنا هؤلاء فى حسابنا أصبح عدد

السكان جميعًا ... ر 282 نسمة، وليس ... ر 300 نسمة أو أكثر كما ذهبت بعض المراجع غير الرسمية التى صدرت قبل هذا الإحصاء. ولنذكر فيما يلى الأديان التى تتمثل فى هذه المستعمرة، مراعين فى ذلك أهمية كل دين وعدد أتباعه: (1) الإسلام بمذاهبه الأربعة: الحنفى والشافعى والمالكى والحنبلى، (2) القبطية، (3) الكاثوليكية، (4) الإنجيلية والأرثوذكسية، (5) اليهودية والبوذية. والإِسلام هو أسرع هذه الأديان إلى نفوس الناس وأكثرها انتشاراً. ويقوم بالحكم فى هذه المستعمرة مأمورون و"مقيمون"، وقد قسمت المستعمرة لهذا الغرض إلى خمس مأموريات تشمل الجزء الأوسط من هذه البلاد، وخمس مقيميات تشمل الأقاليم الواقعة على الحدود. أما القضاء فى هذه المستعمرة فمرجعه إلى القانون الجنائى الذى صدر به مرسوم ملكى فى 14 مايو عام 1908. وكان كل فرد يعتبر قبل صدور القانون المدنى من رعايا هذه المستعمرة حتى ولو لم يكن إيطاليا أو تابعًا لدولة معترف بها، وسواء أكان ممن ولدوا فيها أم ممن ينتسبون لأجناسها وقبائلها، وكان يعتبر من رعاياها أيضًا كل فرد من أبناء إفريقية وكل واحد من أهالى أمم البحر الأحمر ممن قاموا بواجباتهم نحو الحكومة أو ممن عاشوا فى هذه المستعمرة عامين متصلين. وكذلك كان شأن كل أجنبى لا ينتسب لأمة لها ما للأوروبيين من حضارة. ويقوم بالقضاء بين الأهلين أولا أمراؤهم ثم جماعات الشيوخ والنبلاء، ثم شيوخ الكوَر والقبائل ثم القضاة والمأمورون والمقيمون الذين ينظرون فيما يرفع إليهم من استئناف احكام القضاة وشيوخ الكوَر والقبائل والأمراء مع استثناء القضايا التى تقع فى اختصاص المحاكم. وتحاول الحكومة فى هذه المستعمرة أن تزيد من نفوذ الموظفين العاديين مع مراعاة الفروق الدينية والجنسية بين مختلف السكان من غير البيض. وقد أدخلت القوانين الإيطالية فى هذه المستعمرة مع تعديلها وتغييرها بما

يتفق وحالة البلاد من الوجهة الاقتصادية والقانونية والحياة اليومية والعادات ويعترف القانون الإيطالى -فى حدود- بأهم شعائر الناس الدينية. أما مع المسلمين فهم يطبقون الشرع كما ورد فى القرآن وكما فسره الفقهاء الذين تعترف بهم كل قبيلة مع التوفيق بين روح الشرع وروح التشريع الإيطالى. ويطبق القانون الإيطالى فى الأحوال الجنائية كما يطبق العرف فى الأحوال المدنية: فى البيع والحضانة والعادة وخاصة فيما يتعلق بالمسلمين لاسيما فى أحوال الزواج. ويتمتع المسلمون فى هذه البلاد بحرية تامة فى إقامة شعائر الدين. المصادر: (1) Geografia della: A. Mulazzani Colonia Eritrea, فلورنسة. (2) La Dancalia set-: D.Odorizzi tentrionale, أسمرة سنة 1909. (3) Ri-: G.Dainelli and o. Marineli -sultati scientifici di un viaggio nella Colo nia Eritrea سنة 1912. (4) La colonie de: A. Baldacci i'Erythree, بروكسل سنة 1910. (5) G.Dainelli 0. Marinelli and A. Bibliografia geografica della Co-: Mori Ionia Eritrea سنة 1891 - 1906, فلورنسة سنة 1907. (6) Ministero degli Affari Esteri: Raccolta di pubblicazioni colonials ital- iane and and Racccolta cartoRrafica, رومة سنة 1911. [بالداتشى A.Baldacci] + إرتيريا: صقع يسكنه عدد لا بأس به من المسلمين، فى شمالى شرق إفريقية مشرف على البحر الأحمر، يرتبط بإثيوبيا منذ سنة 1952 م برباط فيدرالى، وقد إندمج اندماجا تامًا فى الأمبراطورية الإثيوبية منذ سنة 1962 م. (1) كوّنت إريتريا بصفة عامة من الناحية الجغرافية والتاريخية والسلالية جزءًا من وحدة أكبر سنتناولها فى مادة "الحبش". وسنركز كلامنا بعدُ بصفة خاصة على تلك السمات والمظاهر الإسلامية التى تنفرد بها

إريتريا بمدلوها الضيق. وقد سمى الإيطاليون سنة 1890 م إريتريا بهذا الاسم (نسبة إلى Mare Erythraeum) تعبيراً عن نمو ممتلكاتهم (بدأ سنة 1869 م) بشرائهم ثغر أساب على ساحل البحر الأحمر، و"بحر مدر" (أى إقليم البحر) أو"مأرب ملّاش" (أى ما وراء نهر مأرب) الحبشى. وتشبه إريتريا من الشمال والغرب مثلث الزوايا (وتضم قرابة ... ر 50 ميل مربع من الأراضى المختلفة السمات أشد الاختلاف) على حدود السودان، ويطل شرقيها على البحر الأحمر، ويحد ركنها الجنوبى الشرقى بلاد الصومال الفرنسى حيث يمتد الحد القديم بينها وبين إثيوبيا فى اتجاه شمالى غربى على طول غور دَنقْلىَ ثم يساير خط مأرب -بلسه. وتكوين البلاد الطبيعى تميزه الكتلة الجبلية الوسطى المترامية الأطراف (ارتفاعها ما بين 6500 - 8000 قدم فوق سطح البحر) التى تمتد جنوبا حتى تدخل فى إثيوبيا وتكتنفها سهول قائظة الحرارة من الشرق والغرب والشمال. (2) السكان: باستثناء الجَبرت تعيش الأغلبية الغالبة من المسلمين الاريتريين فى تلك الأقاليم الحارة الشَّرقية والغربية والشمالية، ويبلغ عددهم حوالى نصف مليون نسمة من مجموع عدد السكان البالغ قرابة ... ر 100 ر 1 نسمة يقبض العنصر المسيحى القائل بالطبيعة الواحدة من بينهم على معظم السلطة السياسية. وعلى حين يتركز النصارى والجبرت فى الهضاب الوسطى المكتظة بالسكان ويتحدثون بالتكرينية فإن الأغلبية الغالبة من المسلمين -سواء أكانوا من المقيمين أم من البدو الظاعنين- يعيشون فى الأغوار المتناثرة السكان ويتكلمون "التكره" والعربية فى نطاق محدود جداً. وهم سلالة البجة أو غيرها من القبائل الكوشية والمهاجرين اليمنيين الأولين. وبنو عامر هم أكبر حلف قبلي، ويبلغ عددهم حوالى ... ر 60 شخص و (30000) آخرين فى السودان ويشغلون جزءاً كبيراً من غربى إريتريا، ويديون بالولاء لشيخ أعظم، هو الـ "دكلاك" ويعترفون بالزعامة الدينية للأسرة الميرغنية. وفى

التلال الشمالية يكون الهبب والآدتكلس، والآدتمريام حلف بيت أسكده القبلى، ويقيم الآد شيخ مضاربهم بين الهبب والآدتكس، ويزعمون إنهم سلالة أسرة مكية ولكن معظم هذه الذكريات القبلية لا يمكن إثباتها والبيلان (أو البوكوس) فى منطقة كرن قبيلتان كبيرتان (بيت تركه وبيت تكوه). ويعيش الساهو على طول المنحدر وسفوح التلال المؤدية إلى حلف الدناقل القبلى الذى يعيش فى الغور القاحل المترامى الأطراف وراء ساحل البحر الأحمر، وهو من أشد بقاع العالم حرارة وإمحالا. أما سكان ثغر مصوَّع (وأركيكو وأساب) فمشاع بين الأجناس وتشمل أفراد قبائل من التلال، ودناقل، وسودانيين وعربا، وهنود، وجماعات من أصل تركى، والموحد بينهم هو الإسلام. وكان سكان جزائر دهلك القاحلة القائمة تجاه ساحل مصوع من أوائل أهل شرقى إفريقية للذين دخلوا فى الإسلام، ويكشف كثير من شواهد القبور التى عليها نقوش بالحروف الكوفية عن هذه الصلة الإسلامية القديمة. (3) وتاريخ إريتريا متشابك كل التشابك مع تاريخ إثيوبيا وجنوبى جزيرة العرب من ناحية أخرى حتى أصبح من العسير علينا أن نخلص منه بالسمات المتميزة القليلة التى يتسم بها ماضى إريتريا .. وقد استقر مهاجرو جنوبى بلاد العرب على طول ذلك الجزء من الساحل الغربى للبحر الأحمر الذى يعرف الآن بإريتريا. ومن هناك توغلوا بعد فى الداخل وأقاموا مملكة أكسوم التى ترك آثاراً كثيرة جداً فى تربة إريتريا. ثم أصبحت إريتريا من بعد القاعدة التى مدت منها مملكة أكسوم سيادتها على شقة عريضة من ساحل جنوبى غرب جزيرة العرب. وكان هناك أيضًا السبيل الكبير الذى تدفقت منه أسباب الاحتكاك العدائية والثقافية بمروة وحضارتها. وأصبحت إريتريا. بحكم كونها الولاية البحرية التقليدية لإثيوبيا ومنفذها الوحيد إلى البحر، مكان، وثوب يشن منه المسلمون هجومهم الذى أدى إلى نشوب صراع استمر قرونًا، ويتخذ منه البرتغاليون قاعدة للتحرير من هذه السيطرة العربية. وفى القرن العاشر

الهجرى (السادس عشر الميلادى) كانت مصُوَّع وأركيكو القاعدة التى حاول منها الأتراك أن يغزوا الهضبة المسيحية (وهو حادث بقي ماثلاً فى لقب "نائب أركيكو" وممثل السلطان العثمانى). قد حارب المصريون مرارًا فى القرن التاسع عشر الميلادى ليقيموا لأنفسهم موطئ قدم ثابت فى إريتريا حتى أنزل بهم الإمبراطور يوحنا هزيمة حاسمة بالقرب من كورة سنة 1876 م وقد شن السير روبرت نابير - Sir Robert Na pier حملته الناجحة على تيودر (سنة 1876 - 1868 م) من خليج زولا، وكون الإيطاليون جاهدين مستعمرتهم من تلك الأجزاء من الولاية البحرية التى كان الامبراطور منليك الثانى الشوُهَي، على خلاف سلفه يوحنا التكرى، عاجزاً عن القتال فى سبيلها أو غير راغب فيه. وقد أنفذ الايطاليون جيوشهم من إريتريا إلى أثيوبيا مرتين فى أربعين عامًا حتى طردوا منها آخر الأمر أثناء الحرب العالمية الثانية ومن سنة 1941 م إلى سنة 1952 م تولت أمر إرتيريا إدارة بريطانية عسكرية، وهى فترة تجلت أثناءها من أول الأمر الأطماع الإسلامية والمسيحية. وكان ثمة خطة ترمي إلى التخلص من إريتريا بوصفها وحدة سياسية مصطنعة فيدمج غربها الإِسلامي فى السودان والوسط المسيحى فى إثيوبيا، غير أن هذه الخطة انهارت آخر الأمر حين قررت هيئة الأمم المتحدة سنة 1950 م جعل إرتيريا وحدة فيدرالية مستقلة استقلالاً ذاتيا تحت سيادة التاج الإثيوبى. وهذه التسوية القلقة أدت شيئًا فشيئًا إلى امتصاص إثيوبيا الكامل لإريتريا، ذلك أن أية ضمانات دستورية كان خليقة أن تعجز عن صيانة كيانها الاقتصادى أو السياسي وتتمتع الأقلية الإسلامية الكبيرة بحرية معقولة من التعبير الدينى والسياسى فى الأمبراطورية المسيحية. (4) اللغات: التكرينية والتكري كلتاهما خلفتا الإثيوبية السامية (كعريز) ويتحدث بالأولى جبرت الهضاب، أما اللغة الثانية فهى اللسان الأول للمسلمين فى الأغوار الغربية والشرقية وفى التلال الشمالية. وتعرف التكرى فى مديرية كسلا بالسودان باسم "الخاصية". ولم تدرس بعد دراسة مستفيضة الخلافات اللهجية فى

نطاق التكرى. ولا تستطيع التكرى أن تفاخر بأن لها أدباً مكتوباً، كما أن العربية لها مكانة بين المسلمين والتجار تعوز التكرى. وقد كان القرار الذى اتخذته الحكومة الأريترية سنة 1952 م يجعل التكريتية والعربية اللغتين الرسميتين لإريتريا -بالرغم من أن معظم المتحدثين بالتكرى لا يعرفون من العربية إلا القليل، أو قل إنهم لا يعرفونها على الإطلاق- قراراً أملته السياسة وتحقيق الهيبة، ولم يمله الحكم السليم. واللغتان الرئيسيتان غير الساميتين اللتان يتحدث بهما مسلمو إرتيريا هما البدوية والبلينية. (5) الدين: لقد كان الإسلام قوة فى إريتريا الحبشة منذ بعث محمد صلى الله عليه وسلم بعض أتباعه الأولين ملتجئين إلى النجاشى، وقد حمل الضغط الذى مارسه المسلمون من البحر الأحمر طوال القرون الوسطى، الأحباش على القتال فى سبيل مذهبهم فى النصرانية، على أن الإسلام فى إريتريا وفى إثيوبيا لم يستطع -بالرغم من بلوغ عدد المسلمين فيهما قرابة نصف السكان- أن يخترق الدرع الواقى لمذهب القائلين بالطبيعة الواحدة وتغيير كيانه الجوهرى. بل إن الأمر جرى على عكس هذا، ذلك أن الجَبَرْت كانوا قد هضموا كل الهضم النمط الثقافى واللغوى للحياة الحبشية التقليدية حتى أن عقيدتهم بدت مفارقة لكيان الإسلام. ومع ذلك فإن الإسلام لا يزال يتقدم بين الأقوام الكوشية والنيلية فى مناطق الأغوار، ولكنه لايتقدم خطوة بين أهل الهضاب. والدعوة الإسلامية للناس كافة لها سحر خاص فى جميع تلك الأقاليم التى لم تطبق فيها تطبيقا صادقا الرسالة المتفردة الوطنية لمذهب القائلين بالطبيعة الواحدة المسيحى. قد رسخت القادرية رسوخاً فى المناطق الساحلية لإريتريا. وخاصة فى مصوغ والأرض المناوحة لساحلها. ولكن أوسع الطرق نفوذا فى إريتريا هى بلا شك الميرغنية أو الختمية، وقاعدتها فى كسلا، وهى سائدة فى الأقاليم الغربية, وخاصة بين بنى عامر والهبب وغيرهما من القبائل الإسلامية. ووفقا للتعداد الإيطالى سنة 1931 م تبلغ نسبة "المذاهب" فى: 65 % من

المالكية، و 26 % من الحنفية، و 9 % من الشافعية. ومع أن الشريعة تخضع بصفة عامة للقانون العرفى بين الكثير من القبائل، فإنها لاتزال سائدة فى المناطق الحضرية، وقد شجعت الحكومة الدنيوية، سواء الأوربية أو الإثيوبية، على نمو القانون المدنى الإِسلامى وإقامة محاكم "القضاة". المصادر: (1) (reale societa geogr. ital) africa orientali بولونيا سنة 1936 م. (2) british mil. administration rac- es tribes of Iretrea أسمره سنة 1943 م. (3) Guide: Chamber of Commerce book of Ethiopia أديس أبابا سنة 1954 م. (4) chi e? dell' eritrea: أسمرة سنة 1952 م. (5) di-: C. Conti Rossini principi di ritto consuetudinario dell' Eritrea رومة سنة 1916 م. (6) eritrea فى. inciclopedia italiana (7) Guida dell' Africa Orientale ميلانو سنة 1938 م. (8) A Short History: S.H. Longrigg of Eritera، أوكسفورد سنة 1945 م. (9) The Ethiopian Em-: N. Marein dire-Federation and laws روتردام سنة 1954 م. (10) Desert and for-: L.M. Nesbitt est (Exploratian Danaki of the Danaki مجموعة بنكوين سنة 1955. (11) Le Popolazioni in-: A.Pollera digene dell' Eritrea بولونيا سنة 1935 م. (12) British mili-: Rennel of Rodd tars administration of occupied territories 1941 - 7,in Africk, لندن سنة 1948 م. (13) Tensa'a Eritrea Ityopyawit (إصلاح اريتريا)، أديس أبابا سنة 1952 م. (14) eritrea,: G.K.N. trevaskis 1941 - 1952, لندن سنة 1960 م. (15) Islam in: J.S. Trimingham Ethiopia , أوكسفورد سنة 1952 م. (16) The Ethiopians: E.Ullendorff, لندن سنة 1960 م. خورشيد [أولنّدوروف E.ullendorff]

الأزهر الشريف (جامع وجامعة)

الأزهر الشريف (جامع وجامعة) العصر الفاطمى كان بمصر قبل الفتح الفاطمى، ثلاثة مساجد جامعة، هى جامع عمرو ابن العاص، الذى أسس سنة 21 هـ، وسمى فى عهد إزدهاره "تاج الجوامع" ولما تقادم به العهد، سمى الجامع العتيق. ويقع شمالى حصن بابليون الذى كانت تقيم فيه حامية الروم وقت الفتح الإسلامى. ولما أصبحت مصر خاضعة للخلافة العباسية، بنى واليها الفضل بن صالح فى سنة 169 هـ مسجد العسكر بجوار دار الإمارة؛ فأصبح هذا المسجد ثانى المساجد الجامعة فى مصر؛ وظل قائمًا فى مكانه حتى تخربت مدينة العسكر، ونقل أنقاضها بدر الجمالى، وزير الخليفة المستنصر بالله الفاطمى، إلى مدينة القاهرة لتعميرها على أثر الثورة التى أذكى نارها الأتراك. ولما استقل أحمد بن طولون بولاية مصر فى سنة 263 هـ، بنى مسجده المعروف باسمه على جبل "يشكر" فى الجهة الجنوبية من القاهرة الحالية، والجهة الشمالية من العسكر. ويرجع السبب فى بنائه إلى ضيق مسجد العسكر بالمصلين من أتباع أحمد ابن طولون وجنده، فضلَا عن حرصه على التقريب إلى الله تعالى. وكانت هذه المساجد الجامعة الثلاثة، تعد رمزاً لسيادة الإسلام الروحية فى مصر، ومنبراً للدين الجديد؛ فجامع عمرو بن العاص كان يمثل ظهور الإسلام فى مصر، وانضواء تلك البلاد تحت الحكم العربى. وقد اتخذ مقراً للقضاء، يجلس به قاضى القضاة يومين كل أسبوع، ويعقد به ديوان الخراج، وتتلى فيه المنشورات، ثم غدا بعد قليل مركزاً لدراسة الدين الإسلامى واللغة العربية. أما جامع العسكر فإن فى إقامته إلى جانب جامع عمرو، أكبر دليل على نجاح الدعوة العباسية فى مصر، وإنضمام تلك البلاد إلى حوزة العباسيين. كذلك الحال فيما يتعلق بجامع أحمد بن طولون؛ فنستطيع أن نقول: إن إقامته بمدينة القطائع ترجع

إلى الرغبة فى إظهار سلطان الدولة الطولونية وسيادتها. ولما أسس جوهر الصقلى مدينة القاهرة فى اليوم السابع عشر من شهر شعبان سنة 358 هـ، بعد أن إستولى على مدينة مصر (الفسطاط)، رأى ألا يفاجئ المسلمين الذين يدينون بمذهب أهل السنة فى مساجدهم بشعائر المذهب الفاطمى، خشية إثارة حفيظة المصريين عليه؛ ومن ثم عول على بناء مسجد يكون رمزاً لسيادة الفاطميين على مصر، فشرع فى بناء الجامع الأزهر فى الرابع والعشرين من جمادى الأولى سنة 359 هـ (970 م)، وكمل بناؤه فى التاسع من رمضان سنة 361 هـ (972 م). وأقيمت فيه صلاة الجمعة لأول مرة فى اليوم السابع من رمضان من هذه السنة. سمى الجامع الأزهر فى باديء الأمر بجامع القاهرة، نسبة إلى العاصمة الجديدة التى أنشاها جوهر. وهناك ما يدل على أن هذه التسمية هى التى كانت تغلب عليه طوال العصر الفاطمى؛ ذلك أن معظم مؤرخى هذا العصر، يذكرونه دائمًا باسم جامع القاهرة. أما تسميته بالجامع الأزهر، فيظهر أنها اطلقت عليه فى عصر العزيز بالله الفاطمىَ، بعد إنشاء القصور الفاطمية، التى كان يطلق عليها اسم القصور الزاهرة. وقال آخرون إنما سمى بذلك لما سيكون له من الشأن العظيم، والمكانة "الكبرى" بازدهار العلوم فيه. على أنه ليس ببعيد أن يكون الفاطميون الذين ينتسبون إلى فاطمة بنت الرسول - صلى الله عليه وسلم - سموه الأزهر، إشادة بذكر جدتهم فاطمة الزهراء. وقد استمر هذا الجامع يعرف بهذين الاسمين حتى عصر المقريزى فى أوائل القرن التاسع الهجرى, ثم تقلص الاسم القديم، وغلب عليه اسم الجامع الأزهر. لم ينشأ الجامع الأزهر فى بداية الأمر ليكون جامعة أو معهداً للدراسة، بل أنشئ ليكون مسجداً للخلافة الفاطمية، ومركزاً لنشر دعوتها. وقد حرص الفاطميون منذ اتخاذهم مصر مقراً لخلافتهم على تنظيم دعوتهم، وتدعيم وسائل نشرها؛ فعينوا لها رئيسا، يعرف بداعى الدعاة، اشترطوا

فيه أن يكون عالمًا بمذاهب أهل البيت. وكان يعاونه اثنا عشر نقيبًا، ونواب فى سائر البلاد. ومن أهم أعماله رياسة الدعوة الإسماعيلية؛ وأخذ العهد على المريدين، إما مباشرة وإما بوساطة نوابه فى مصر، وفى غيرها من البلاد التى ساد فيها المذهب الإسماعيلى؛ والإشراف على محاضرات مجالس الدعوة فى المكان المخصص له بقصر الخليفة وبالجامع الأزهر. وكان يقرأ على الناس مصنفاته، ويتصل به دعاة الإسماعيلية، ويتلقون منه الأوامر، ويقدمون له ما أعدوه للمحاضرة فى أصول المذهب الإسماعيلى. وكانت مجالس داعى الدعاة تفرد للناس، كل حسب طبقته "فكان لآل على مجلس، وللخاصة وشيوخ الدولة مجلس، ولمن يتصل بالقصور من الخدم وغيرهم مجلس، وللعامة والوافدين على البلد مجلس، وللحرم خواص الخليفة مجلس، وللنساء فى جامع القاهرة، المعروف بالجامع الأزهر، مجلس. وقد وجه الخليفة المعز لدين الله الدعوة الإسماعيلية توجيهاً علمياً؛ فكان يؤلف الرسائل والمحاضرات التى تتضمن أصول المذهب الإسماعيلى وخصائصه، ويبعث بها إلى قاضى قضاته أبى حنيفة النعمان المغربى، فيلقيها على الناس. يحدثنا هذا القاضى فى كتابه "المجالس والمسايرات" بأنه "لما فتح المعز لدين الله للمؤمنين باب رحمته، وأقبل عليهم بوجه فضله ونعمته، أخرج إلىّ كتابًا من علم الباطن، وأمرنى أن أقرأه عليهم فى كل يوم جمعة فى مجلس فى قصره المعمور بطول بقائه؛ فأكثر اجتماع الناس، وغص بهم المكان، وخرج احتفالهم عن حد السماع، وملأوا المسجد الذى أمر باجتماعهم فيه". كان لأبى حنيفة النعمان المغربى وأبنائه، وهم جميعاً من رجال القضاء والأدب، الفضل الأكبر فى نشر الثقافة المذهبية، التى تتصل بالدعوة الإسماعيلية. وقد عاصر أبو حنيفة النعمان الفاطميين بالمغرب، وكان مالكى المذهب، ثم تحول إلى المذهب الإسماعيلى، وقدم إلى مصر هو وأبناؤه فى ركب المعز. ويذكر ابن خلكان فى كتابه "وفيات الأعيان" أنه

كان من أهل العلم والفقه والدين؛ وله عدة مصنفات منها: كتاب "المجالس والمسايرات"؛ وهو إلى جانب ما ورد فيه عن تاريخ الخلفاء الفاطميين (المهدي والقائم والمنصور والمعز)، يعد من أهم كتب الدعوة الإسماعيلية؛ إذ استمد مؤلفه مادته من الإِمام المعز؛ ويتميز بسهولة أسلوبه، وانسجام ألفاظه ومعانيه. ومن كتب أبى حنيفة النعمان فى الفقه الإسماعيلى كتاب "دعائم الإسلام، فى ذكر الحلال والحرام، والقضايا والأحكام". وقد استغل النعمان ميوله المذهبية فى تأليف هذا الكتاب، حتى إننا نراه يضيف إلى قواعد الإسلام الخمس: الولاية، وهى حب أهل البيت، والطهارة. وكان الخلفاء الفاطميون يكتبون لداعى الدعاة عهداً يوضحون فيه الخطة التى يجب عليه أن يحتذيها فى عمله. وكان يعقوب بن كلس، وزير الخليفة العزيز بالله، من أشهر علماء الدعوة الفاطمية" وله أثر كبير فى نشاط الحياة العقلية فى مصر. وبلغ من تفوق يعقوب بن كلس فى دراسة الفقه الفاطمى، أنه ألف فيه عدة كتب، منها كتاب فى الفقه، يتضمن ما سمعه من المعز والعزيز" وهو يشمل فقه الإسماعيلية، وكتاب "مختصر الفقه"؛ وهو المعروف بالرسالة الوزيرية. ويحدثنا المقريزى "أن الناس كانوا يفتون بكتابه فى الفقه، كما درس فيه الفقهاء بجامع مصر". ويرجع إلى الوزير يعقوب بن كلس الفضل فى إسباغ الصفة الجامعية على الأزهر؛ فقد أشار فى سنة 378 هـ على الخليفة العزيز بتحويله إلى معهد للدراسة، بعد أن كان مقصوراً على إقامة الصلاة، ونشر الدعوة الفاطمية؛ فاستاذنه فى أن يعين بالأزهر بعض الفقهاء للقراءة والدرس، على أن يعقدوا مجالسهم بهذا الجامع فى كل جمعة من بعد الصلاة حتى العصر؛ فرحب العزيز بذلك، ورتب لهؤلاء الفقهاء -وكان عددهم خمسة وثلاثين- أرزاقاً شهرية؛ وأنشأ لهم داراً للسكنى بجوار الأزهر؛ وخلع عليهم فى يوم عيد الفطر؛ كما أجرى عليهم ابن كلس أيضًا، أرزاقًا من ماله الخاص.

ظهرت فكرة الدراسة بالجامع الأزهر فى أواخر عهد المعز لدين الله الفاطمى"ففي صفر من سنة 365 هـ (أكتوبر 975 م) جلس قاضى القضاة أبو الحسن على بن النعمان المغربى فى الجامع الأزهر، وأخذ يشرح كتاب "الاقتصار" الذى وضعه أبوه، ويمليه على الناس. ويشمل هذا الكتاب مسائل فقهية، استمدها من أئمة أهل البيت؛ فكانت هذه أول حلقة للدرس بالجامع الأزهر؛ كما أن أخاه أبا عبد الله محمد ابن النعمان جلس فى ربيع الأول من سنة 835 هـ بقصر الخليفة لقراءة علوم أهل البيت. ثم توالت حلقات بنى النعمان فى الأزهر بعد ذلك؛ وكانت دروسا مذهبية. على أن الجامع الأزهر بدأ يأخذ مكانته فى النهوض بالحياة الثقافية، فى مصر، وبخاصة ما يتعلق بالثقافة المذهبية، التى تتصل بالدعوة الفاطمية، منذ عهد الخليفة العزيز بالله، إلى أن بُنى جامع الحاكم بأمر الله؛ فانتقل إليه الفقهاء لإلقاء دروسهم. كان نظام الحلقة الدراسية هو أساس الدراسة فى الأزهر؛ فيجلس الأستاذ ليقرأ درسه فى حلقة من تلاميذه والمستمعين إليه. وتنظم الحلقات طبقا للمواد التى تدرس؛ فيجلس الفقهاء فى المكان المخصص لهم من أروقة الجامع، وأمامهم الطلبة يصغون إليهم. وتنحصر أساليب التدريس فى الأزهر فى الإملاء والشرح والمناقشة؛ فيملى الأستاذ الموضوعات التى أعدها، ويشرح ما يصعب على الطلبة فهمه، ويجيز لهم المناقشة. وكان بعض الأساتذة يقتصرون أحيانًا على تدريس كتاب يقرأ منه الطلبة، ويتولى الأساتذة الشرح. وكان الأستاذ لا يقوم بالتدريس فى الجامع الأزهر إلا بعد أن يستأذن من الخليفة أو من ينوب عنه، حتى يُمنع من ليس أهلًا له. وفى بعض الأحيان كان الخلفاء يعينون أساتذة بالجوامع، كما فعل الخليفة العزيز بالله الفاطمى؛ فقد عين بعض الفقهاء بالجامع الأزهر، وأجرى عليهم الأرزاق. وكان داعى الدعاة ونقباؤه أساتذة معينين من قبل الدولة لتدريس المذهب الفاطمى فى

قصر الخلافة، وفى الجامع الأزهر، وغيره من المساجد. وكان يدرس بالجامع الأزهر إلى جانب المذهب الفاطمى، العلوم النقلية والعقلية، وقد جرت العادة على تدريس العلوم النقلية، التى عبر عنها ابن خلدون بأنها مختصة بالملة الإسلامية وأهلها؛ وتشمل علم التفسير، وعلم القراءات، وعلم الحديث، والفقه، وعلم الكلام، والنحو واللغة. وكانت هذه العلوم تدرس فى الصباح. أما العلوم الأخرى فكانت تدرس بعد العصر، فيذكر القلقشندى أن الفقهاء فى الجامع الأزهر كانوا يتحلقون فيه يوم الجمعة بعد الصلاة، إلى أن تصلى صلاة العصر. ومن أشهر العلماء الذين درسوا بالأزهر ابن زولاق؛ وهو الحسن بن إبراهيم المتوفى فى سنة 387 هـ. وقد ذاعت شهرته لسعة اطلاعه فى التاريخ. وكان صديقا للمعز وابنه العزيز؛ لذلك وقع عليه الاختيار ليقوم بالتدريس فى الجامع الأزهر. ومن تصانيفه: كتاب "فضائل مصر"؛ وكتاب "قضاة مصر"، الذى جعله مؤلفه ذيلاً لكتاب القضاة لأبي عمر الكندي؛ وكتاب سيرة محمد ابن طغج الأخشيد المسماة "العيون الدعج"، التى نقلها ابن سعيد فى كتابه "المغرب فى حلى المغرب". ومن الكتاب والمؤرخين، الذين كانت لهم صلات علمية بالجامع الأزهر، الأمير المختار عز الملك محمد بن عبد الله المسبحى، المتوفى سنة 420 هـ؛ وهو مصرى المولد والنشأة؛ وكان من أقطاب مصر فى العلم والسياسة والإدارة؛ وأخذ بقسط وافر من العلوم السائدة فى مصر؛ وشغف بتدوين التاريخ ودراسة الأدب؛ وبلغ عدد مصنفاته ثلاثين، منها: كتابه "التاريخ الكبير" المسمى "تاريخ مصر". ومنهم أيضًا أبو عبد الله القضاعى، الذى ولد بمصر فى أواخر القرن الرابع الهجرى، وتوفى بها فى سنة 454 هـ. وقد ألف عدة كتب فى الفقه والتاريخ, نخص بالذكر منها كتاب: "مناقب الإمام الشافعى واخباره", وكتاباً فى خطط مصر، سماه "المختار، فى ذكر الخطط والآثار"، يتضمن تاريخ مصر

العصر الأيوبى والعصر المملوكى

والقاهرة. وكان هذا الكتاب عونًا للمقريزى على كتابه "المواعظ والاعتبار، فى ذكر الخطط والآثار". ومن العلماء الذين كانت لهم صلات بالجامع الأزهر: أبو على محمد بن الحسن بن الهيثم، الذى نشأ بالبصرة، وعنى بدراسة الرياضيات والفلسفة والهندسة، ولم يلبث أن أصبح عالما متقنًا لعلوم كثيرة. وقد ولاه الخليفة الحاكم بأمر الله بعض الدواوين. ولما توفى الخليفة استوطن ابن الهيثم قبة على باب الجامع الأزهر، واشتغل بالتصنيف والنسخ والإفادة. وكان له خط قاعد فى غاية الصحة. ولم يزل على ذلك إلى أن توفى سنة 436 هـ. ومن معاهد الدراسة بمصر، التى قامت إلى جانب الجامع الأزهر، دار الحكمة التى أسسها الخليفة الحاكم بأمر الله الفاطمى فى سنة 395 هـ. وقد أطلق عليها هذه التسمية رمزاً إلى الدعاية الشيعية؛ لأن مجالس الدعوة كانت تسمى مجالس الحكمة. وقد زود الحاكم هذه الدار بمكتبة، عرفت باسم دار العلم، حوت الكثير من الكتب فى سائر العلوم والآداب، من فقه ونحو ولغة، وكيمياء وطب، وسمح لجميع الناس بالتردد عليها. وكان الطلاب يتلقون فى دار الحكمة، إلى جانب فقه الشيعة، كثيراً من علوم اللغة والفلك والطب والرياضة والفلسفة والمنطق. وهكذا اختلفت مناهج التعليم فى هذا المعهد عن مناهج التعليم فى الجامع الاْزهر؛ إذ كانت تغلب على مناهج الأزهر الصبغة الدينية. وصفوة القول إن الحركة العلمية فى مصر، فى العصر الفاطمى، سارت بخطى واسعة نحو التقدم والارتقاء؛ فظهرت بها طائفة من الفقهاء والمؤرخين والعلماء والفلاسفة والأدباء، الذين أسهموا فى النهضة الثقافية، التى تجلت فى هذا العصر، وكان للأزهر الفضل الأكبر فيها. العصر الأيوبى والعصر المملوكى قضى صلاح الدين الأيوبى على الدولة الفاطمية فى سنة 567 هـ. (1171 م)، وأعاد مصر إلى حظيرة

الخلافة العباسية السنِّية. فكان من الطبيعى -وهو فى سبيل قضائه على المذهب الشيعي وإحياء المذهب السنى- أن يمنع الخطبة من الجامع الأزهر. وكان صلاح الدين قد قلد قاضى القضاة صدر الدين عبد الملك بن درباس الشافعى وظيفة القضاء، فعمل بمقتضى مذهب الإِمام الشافعى؛ وهو أنه لا يجوز إقامة خطبتين للجمعة فى بلد واحد؛ فأبطل إقامة الجمعة بالجامع الأزهر، وأقرها بالجامع الحاكمى، بحجة أنه أوسع رحاباً. وقد شيد صلاح الدين -تحقيقا لسياسته فى القضاء على المذهب الشيعي- مجموعة من المدارس السنية، ففي سنة 566 هـ (1170 م) أنشأ -وهو وزير للخليفة العاضد الفاطمى- المدرسة الناصرية بجوار مسجد عمرو ابن العاص لتدريس الفقه الشافعى. وفى العام نفسه أنشأ على مقربة منها مدرسة لتدريس الفقه المالكي، عرفت بالمدرسة القمحية، نظراً لما كان يغدق على مدرسيها وطلابها من قمح تغله ضيعتها بالفيوم. وفى سنة 572 هـ (1176 م) أنشأ صلاح الدين المدرسة الصلاحية بجوار مسجد الإِمام الشافعى لتدريس فقه الشافعية، والمدرسة السيوفية للفقهاء الحنفية. وتوالى إنشاء المدارس فى مصر والقاهرة على أيدى السلاطين والأمراء الأيوبيين، فأنشأ الملك العادل، أخو صلاح الدين، المدرسة العادلية للفقهاء المالكية، وأقام تقى الدين عمر المدرسة التقوية، المعروفة بمنازل العز؛ وأنشأ القاضى الفاضل المدرسة الفاضلية للشافعية والمالكية. وشيد السلطان الكامل، ابن العادل، مدرسة خصصت لتدريس علوم الحديث؛ وأقام السلطان الصالح نجم الدين أيوب المدرسة الصالحية لتدريس المذاهب السنية الاْربعة. وفى هذه المدارس الأيوبية جرى تدريس بعض العلوم المساعدة، مثل النحو والبلاغة وعلم الهيئة، إلى جانب الفقه والحديث والتفسير والقراءات وغيرها من العلوم الشرعية. وقد نافست هذه المدارس الأيوبية الأزهر منافسة شديدة، واجتذبت إليها العلماء والأساتذة، لوفرة أوقافها، واستئثارها برعاية سلاطين بنى أيوب

وأمرائهم. وكان من أثر ذلك أن مر الأزهر خلال عصر الدولة الأيوبية بمرحلة من الركود، بعد أن كان مركز، مهما للعلوم الدينية وغيرها. على أن قطع خطبة الجمعة من الجامع الأزهر لم يبطل صفته الجامعية؛ فقد ظل محتفظا بصفته معهداً للبحث والدرس. ومن العلماء الذين قصدوه حينذاك عبد اللطيف البغدادي، الذى قدم إلى مصر فى سنة 589 هـ (1193 م) فى عهد السلطان الأيوبى العزيز عثمان بن صلاح الدين، والذى قام بالتدريس فيه بضعة أعوام حتى سنة 595 هـ (1198 م). ومن العلماء الذين كان لهم نشاط علمى فى الأزهر فى العصر الأيوبى، الشيخ زكى الدين المنذري الشافعى، والشيخ شمس الدين الأيكى، والمحدث سعد الدين بن الحارثيّ الحنبلي، والشيخ شهاب الدين السهروردى، والمؤرخ شمس الدين بن خلكان، صاحب كتاب (وفيات الأعيان)، الذى ألقى بعض دروسه فى الجامع الأزهر، عندما زار القاهرة فى سنة 637 هـ (1239 م). وتجدر الإشارة إلى أن المصادر التاريخية لم تذكر أن أحد، من سلاطين بنى أيوب عنى بالجامع الأزهر من الناحية المعمارية؛ فلم تتناوله يد الإصلاح والإعمار طيلة حكمهم. وظل الجامع الأزهر معطلا من إقامة الخطبة حوالى مائة عام، منذ عهد صلاح الدين الأيوبى وعلى وجه التحديد منذ سنة 567 هـ (1171 م)، حتى تم تجديده وأعيدت الخطبة فيه؛ وذلك فى عهد السلطان المملوكى الظاهر بيبرس البندقدارى فى سنة 665 هـ (1266 م). فى تلك السنة رأى الأمير عز الدين أيدمر الحلِّى نائب السلطنة -الذى كان مقيماً فى قصره المجاور للجامع الأزهر- أن يتقرب إلى الله بالعمل على تجديد عمارة الأزهر، وإحياء مآثره. وبالإضافة إلى المقصورة التى شيدها الأمير أيدمر الحلى، قام الأمير "بيلبك الخازندار" بإنشاء مقصورة أخرى كبيرة فى الجامع الأزهر، رتب فيها جماعة من الفقهاء لقراءة الفقه على مذهب الإِمام الشافعى، ومحدِّثا لشرح الأحاديث النبوية؛ ورتب

به سبعة قراء لقراءة القرآن الكريم، ومدرساً؛ ووقف على ذلك الأوقاف الكثيرة. وعندما تم تجديد الجامع الأزهر تحدث الأمير أيدمر مع السلطان بيبرس فى إعادة الخطبة إليه. وأقيمت صلاة الجمعة فى الجامع الأزهر فى 18 ربيع الأول سنة 665 هـ (17 ديسمبر 1266 م). واهتم السلطان الظاهر بيبرس بعمارة الأزهر؛ ولاتزال الزخارف الجصية الدقيقة، التى أجراها باقية تعلو المحراب القديم حتى اليوم، وكذلك الكسوة الخشبية التى كانت تغطى طاقيته بزخارفها. كذلك أقام السلطان بيبرس منبراً لم يبق منه إلا لوحته التذكارية المحفوظة بمتحف الجزائر. وسرعان ما استرد الأزهر مكانته بوصفه مركزاً مهما للدراسات الإسلامية وغيرها، وأصبح مقصداً للطلاوب الذين توافدوا إليه من سائر أنحاء العالم الإسلامى، وبخاصة عندما أصبحت القاهرة قبلة العلماء والفقهاء والطلاب، بعد أن غزا المغول بلاد المشرق الإسلامى، وبعد أن سقطت بغداد فى أيديهم فى سنة 656 هـ (1258 م)، واضمحلت معاهد العلم فى بلاد الأندلس. وحدث فى العصر المملوكى امتداد مكانى للأزهر بوصفه جامعًا وجامعة؛ وذلك بإنشاء مدرستين فى النصف الأول من القرن الثامن الهجرى (المدرسة الطيبرسية والمدرسة الأقبغاوية)، ومدرسة ثالثة (المدرسة الجوهرية) فى النصف الأول من القرن التاسع الهجرى. ففي سنة 709 هـ (1309 م) انتهى الأمير علاء الدين طيبرس الخازندار، نقيب الجيوش بالديار المصرية فى عهد السلطان الناصر محمد بن قلاوون، من بناء مدرسته التى عرفت بالمدرسة الطيبرسية. وذكر المقريزى فى خططه أن هذه المدرسة كانت من المدارس الملحقة بالجامع الأزهر، وقرر بها الأمير طيبرس درسا للفقهاء الشافعية. وأنشأ بجوارها ميضأة وحوض ماء سبيل ترده الدواب، وتأنق فى رخامها وتذهيب سقوفها.

أما المدرسة الأقبغاوية، التى كانت أيضًا من ملحقات الأزهر، فقد أنشأها فى سنة. 740 هـ (1339 م) الأمير علاء الدين أقبغا عبد الواحد، مقدم المماليك فى عهد السلطان الناصر محمد بن قلاوون. وذكر المقريزى وابن تغرى بردى وغيرهما أن موضع هذه المدرسة كان دارًا للأمير الكبير أيدمر الحلى. وعندما تم بناء المدرسة قرر فيها الأمير أقبغا درسا للشافعية، ودرسا للحنفية، ورتب لها ما يلزمها من المستخدمين. وظلت هذه المدرسة عامرة إلى زمن المقريزى المتوفى فى سنة 845 هـ (1442 م)؛ ويشغلها الآن جزء من مكتبة الجامع الأزهر. وفى سنة 761 هـ (1360 م) جدد الأمير سعد الدين بشير -بإذن من السلطان الناصر- عمارة الجامع الأزهر، ورتب فيه مصحفًا، وجعل له قارئًا. وقرر فى الجامع الأزهر درسا للطلاب من الحنفية، يجلس مدرسهم لإلقاء الفقه فى المحراب الكبير، ووقف على ذلك كله أوقافًا جليلة. وفى عصر سلطنة المماليك الجراكسة قام السلطان الظاهر برقوق فى سنة 784 هـ (1382 م) بتولية الأمير بهادر، مقدم المماليك السلطانية، نظارة الجامع الأزهر. وأصدر السلطان برقوق مرسومًا يقضى بأن من مات من مجاورى الجامع الأزهر عن غير وارث شرعى، وترك شيئًا، فإنه يأخذه المجاورون بالجامع. ونقش ذلك المرسوم على لوحة من الرخام، وضعت عند الباب الغربى الكبير. ويعد هذا المرسوم ظاهرة مهمة فى تاريخ الأزهر بوصفه جامعة؛ فقد جعل طلبة الأزهر أسرة واحدة، وربط بينهم برباط كرباط النسب. وفى أيام السلطان سيف الدين جقمق أنشأ الأمير جوهر القنقبائى الجركسى الخازندار سنة 844 هـ (1440 م) مدرسته الجوهرية، التى كانت من ملحقات الجامع الأزهر. وحرص سلاطين المماليك بعد عهد السلطان قايتباى على الاهتمام بالأزهر وعلمائه وطلابه. وتحتوى كتب التاريخ على تراجم كثير من العلماء الذين كانوا يقومون بالتدريس فى الجامع الأزهر فى العصر

المملوكى، ومنهم -على سبيل المثال- على بن يوسف بن جرير اللخمى الشطنوفى، شيخ الإقراء بالديار المصرية، المتوفى سنة 713 هـ (1313 م). وقد ذكر السيوطى أنه تصدر للإقراء بالجامع الأزهر، وتكاثر عليه الطلبة. وعندما قدم الرحالة ابن بطوطة إلى مصر سنة 726 هـ (1326 م)، زار الجامع الأزهر، وأشار إلى بعض علمائه، ومنهم قوام الدين الكرماني، وشمس الدين الأصبهانى، الذى كان إمام عصره فى المعقولات؛ وشرف الدين الزواوى المالكى. ومن علماء الأزهر فى العصر المملوكى أيضاً قنبر بن عبد الله السبزوانى، المتوفى فى سنة 801 هـ (1399 م)، وكان ماهراً فى العلوم العقلية؛ وبدر الدين محمد بن أبى بكر الدمامينى، المتوفى سنة 827 هـ (1424 م)، الذى تصدر بالجامع الأزهر لإقراء النحو، مع تفوقه فى النظم والنثر والفقه وغيره. ويعد القرن التاسع الهجرى (الخامس عشر الميلادى) العصر الذهبى للأزهر؛ إذ إحتل الجامع الأزهر مكانة مرموقة بين مدارس القاهرة وجوامعها، وأصبح المدرسة الأم، أو الجامعة الإسلامية الكبرى, التى لا تنافسها أية جامعة أخرى. وأصبحت أمنية كل عالم من علماء المسلمين أن يحاضر فى الجامع الأزهر. ويتضمن كتاب السخاوى (الضوء اللامع) تراجم مشاهير العلماء الذين قاموا بالتدريس فى الجامع الأزهر فى القرن التاسع الهجرى. ومن المعروف أن العلامة ابن خلدون قدم إلى مصر فى سنة 784 هـ (1382 م)، ونال شرف التدريس بالجامع الأزهر. وقد أشار ابن خلدون نفسه إلى ذلك، واتصل ابن خلدون بكثير من العلماء والمؤرخين فى مصر. وأدت اتصالاته بعلماء مصر ومؤرخيها إلى تكوين مدرسة كبيرة للدراسات التاريخية وغيرها. ومن تلاميذ تلك المدرسة المقريزى المتوفى فى سنة 845 هـ (1442 م)، وابن حجر العسقلانى، المتوفى فى سنة 852 هـ (1448 م)، وأبو المحاسن بن تغرى بردى، المتوفى فى سنة 874 هـ (1470 م)، والسخاوى، المتوفى فى سنة 901 هـ (1497 م). وجلال الدين

السيوطى، المتوفى فى سنة 911 هـ (1505 م) وغيرهم. ونظام الدراسة بالأزهر كان يسير تبعًا لنظام الحلقات الدراسية، الذى اشتهر بمصر منذ القرن الثانى للهجرة. وكان الأستاذ يجلس ليقرأ درسه فى حلقة من تلاميذه والمستمعين إليه، وتنظم الحلقات فى الزمان والمكان طبقا للمواد التى تدرس. وكانت مناصب التدريس بالجامع الأزهر، مثل غيرها فى الجوامع والمدارس الكبرى فى العصر المملوكى، من المناصب العلمية والدينية الرفيعة، كما يستدل من نماذج التوقيعات (المراسيم) الصادرة لبعض المدرسين، التى أوردها القلقشندى فى الجزء الحادى عشر من موسوعته (صبح الأَعشي فى صناعة الإنشا). وتوضح توقيعات التدريس المسائل العلمية التى كان يمكن للأستاذ تدريسها للطلبة، سواء من الفقه أو الحديث أو التفسير أو اللغة أو النحو أو غير ذلك. كما كانت وظيفة التصدير، أى الجلوس بصدر المجلس للتدريس، من أهم وظائف التدريس بالجامع الأزهر فى العصر المملوكى. وقد أورد القلقشندى فى موسوعته نسخة توقيع بتصدير الشيخ شهاب الدين أحمد الأنصارى، الشهير بالشاب التائب بالجامع الأزهر. إما الطلاب فقد تمتعوا فى الجامع الأزهر بحرية اختيار المواد التى يدرسونها؛ وكثيراً ما إعتمد هذا الاختيار على مكانة المدرس وشهرته العلمية. ويظل الطالب يحضر دروس أحد المدرسين حتى يأخذ كفايته من العلم، فينتقل إلى مدرس آخر وهكذا. وإذا أتم الطالب دراسته، وتأهل للفتيا والتدريس، أجاز له شيخه ذلك، وكتب له إجازة (شهادة) يذكر فيها اسم الطالب وشيخه ومذهبه وتاريخ الإجازة وغير ذلك من فضائل الطالب ومقدرته العلمية. ويذكر فيها أيضًا ما قرأ على أستاذه من كتب أجاز له أن يقوم بتدريسها. وقد تقتصر الإجازة على الإذن بتدريس مادة معينة، أو مذهب فقهى معين، والإفتاء به. وتتوقف قيمة الإجازة على سمعة الشيخ- الذى صدرت عنه، ومكانته العلمية. وأورد القلقشندى فى الجزء الرابع عشر من موسوعته

(صبح الأعشى) نماذج من الإجازات العلمية بالفتيا والتدريس والرواية وغيرها. ويستدل منها على كتب الدراسة التى كانت تدرس فى الجامع الأزهر وغيره من مدارس مصر فى العصر المملوكى، منها: كتب الحديث الستة؛ وهى كتب البخارى ومسلم وأبى داود والترمّذى والنسائى وابن ماجه، والمسانيد، وهى مسند أحمد ومسند الشافعى وغيرهما. ومن الكتب أيضًا (عمدة الأحكام) للحافظ عبد الغنى، و (شذور الذهب) للشيخ جمال الدين بن هشام، و (المنهاج فى فقه الإمام الشافعى) لأبي زكريا النووي، وكتاب (الأربعين حديثًا) للشيخ محيى الدين النووي، و (الورقات فى الأصول) لإمام الحرمين, و (اللمحة البدرية فى النحو) للشيخ أثير الدين أبى حيان وغير ذلك من الكتب، مثل (جامع الجوامع)، و (البدر المنير فى تخريج الأحاديث). وكان للأزهر مكتبة عامرة كبيرة منذ العصر الفاطمى. وفى العصر المملوكى- ومن المحتمل فى القرن التاسع الهجرى، إن لم يكن قبل ذلك- أصبح لكل رواق كبير من أروقة الأزهر، مثل رواق المغاربة، ورواق الشوام، مكتبة عامرة بالكتب؛ وذلك لتيسير البحث والدرس للمجاورين المنتمين إلى كل رواق. واحتوت خزانة الكتب فى بعض الأروقة على بضعة آلاف مجلد. وقد آلت معظم هذه الكتب إلى الأزهر عن طريق الوقف. أما المصادر المالية التى كان يعتمد عليها الأزهر بوصفه جامعًا وجامعة, فقد وفر الخلفاء الفاطميون للطلبة بالجامع الأزهر كل ما يعينهم على الدرس والتحصيل، ورتبوا لهم الأرزاق والجرايات وغيرها، وذلك عن طريق الهبات. وعندما برزت صفة الأزهر الجامعية وكثرت حلقاته الدراسية بتوالى السنين، بدأ الاهتمام بشئون علمائه وطلابه، وكثرت الأعطيات والصلات؛ إذ وقف الفاطميون أراضى زراعية وممتلكات كثيرة، لكي يضمنوا مورد، ثابتًا لعمارة المساجد والجوامع، بما فى ذلك الجامع الأزهر. فقد عدت الدولة الفاطمية نفسها مسئولة عن الأعمال الخيرية العامة والمؤسسات الدينية.

العصر الحديث

وفى عصر المماليك كثرت أوقاف السلاطين والأمراء على الجامع الأزهر، وأصبحت متحصلات هذه الأوقاف تشكل صفة الموارد المالية الثابتة للإنفاق عليه وعلى علمائه وطلابه. وكان لهذه الأوقاف الفضل الأول فى احتفاظ الجامع الأزهر بشهرته العلمية، وفى استمراره مركزاً للحركة العلمية فى مصر والعالم الإسلامى قرونًا طويلة. العصر الحديث ظل الأزهر يؤدي رسالته بوصفه جامعًا يؤمه الناس للصلاة، وجامعة لدراسة شتى العلوم الإسلامية. واطمأن المصريون إلى الدروس التى تلقى فى رحابه وحول أعمدته؛ وذلك لما اتسمت به نظم الدراسة من طابع الحرية العلمية. وكان كثير من المجاورين يطالعون قبل حضورهم إلى حلقة الدرس ما قد يصل إلى أيديهم، أو يقع تحت أبصارهم، مما يمت إلى درسهم بصلة. وكانت العادة أيضًا أن أنجب الطلاب، أو المعيد منهم، يطالع للباقين درس شيخهم حتى يكونوا مستعدين لما سيلقيه عليهم. ولم تكن الدراسة طبقا لخطة مُحَددة، أو منهج موضوع، بل كان الأمر متروكا للشيخ فى اختيار الكتب التى يدرسها. وكان لهذه الحرية المطلقة، التى تمتع بها الأزهريون فى دراستهم، أثر بالغ فى تكوين علمائهم الأفذاذ. وكان التعليم بالأزهر، حتى عصر محمد على، على ثلاث مراحل: المرحلة الأولى: يبدأ الطالب فيها بحفظ القرآن، وتعلم القراءة والكتابة. وقد يدرس إلى جانب ذلك شيئًا من حساب المقاييس والموازين؛ فإذا انتهى الناشئ من ذلك، انتقل إلى مرحلة تالية. وغالباً ما يتلقى الناشئ هذه الدراسة الأولية فى أحد المساجد أو الكتاتيب، فى قريته أو حيه، أو فى الجامع الأزهر. المرحلة الثانية: وفيها يظل الطالب تحت إشراف أستاذه الذى يلقنه دروسا فى القراءة وكتابة الموضوعات الإنشائية التى يتدرج فيها من السهولة إلى الصعوبة، متمشيا فى ذلك مع النمو العقلى للتلميذ. وفى هذه المرحلة يكون التلميذ قد حفظ القرآن الكريم، فامتلأت به نفسه، وتقوم لسانه.

وأظهر ما فى هذا الأسلوب التعليمى أنه لا يبدأ بتعليم القواعد والتعاريف والكليات فى اللغة إلا بعد أن يكون الطالب قد تذوق هذه اللغة وتكون لديه ملكة وذوق. المرحلة الثالثة: وفيها يدرس الطالب علوم الدين، من فقه وحديث وتفسير وتوحيد وأخلاق وما إليها، كما يدرس علوم اللغة العربية من نحو وصرف وبلاغة وغير ذلك من العلوم العربية. وفى بعض الأحوال كان فريق من الطلاب يدرسون علوم الطبيعة والرياضيات والفلك والهندسة والطب؛ وكان علم الطب يطالعه الطلاب بالأزهر حتى عصر محمد على. وقد كانت لعبد الرحمن الجبرتى المؤرخ عناية بدراسة الطب؛ فقد كتب ملخصًا لتذكرة داود الأنطاكى فى الطب، ما زالت مخطوطة فى مكتبة الأزهر حتى الآن. ولم يكن هناك ما يُلزم طلبة العلم بالاتجاه إلى العلوم الطبيعية والرياضية والطبية وغيرها من العلوم العقلية، فأهمل الطلاب دراستها، إلا من وجدت لديه الرغبة الشخصية، والدافع الذاتى، لدراستها، من أمثال الشيخ أحمد الدمنهورى 1190 هـ، والشيخ حسن الجبرتى 1188 هـ. والشيخ حسن العطار 1250 هـ، وغيرهم ممن تاقت نفوسهم إلى دراسة هذه العلوم. ولا جدال فى أن المدة التى سبقت الحملة الفرنسية كانت مرحلة وصل فيها التخلف الثقافى إلى أبشع صوره، ومع ذلك فتاريخ الجبرتى حافل بالإشارات إلى آفاق المعرفة المتنوعة لدى الشيوخ فى تلك الحقبة، على نحو ينفى الصورة الشائعة عن ذلك العصر نفياً تاماً. وعندما هبطت الحملة الفرنسية أرض مصر، أدرك علماء الأزهر بعد الشقة بينهم وبين الغرب المسيحى، ولهذا وجدنا من نادى بعودة العلوم الوضعية إلى الأزهر، أمثال: عبد الرحمن الجبرتى، وإسماعيل الخشاب، وحسن العطار، ومن بعدهم رفاعة الطهطاوى، تلميذ العطار. وكان للعطار ولع بقراءة الكتب المترجمة من اللغات الأوروبية، خصوصًا فى علمى التاريخ والجغرافيا:

حتى اشتهر عنه ذلك. والعطار نفسه يقول فى هذا المنبع من منابع ثقافته: ؛ وقع فى زماننا أن جلبت كتب من بلاد الإفرنج، وترجمت باللغة التركية والعربية، وفيها أعمال كثيرة، وأفعال دقيقة، اطلعنا على بعضها، وقد تتحول تلك الأعمال بواسطة الأصول الهندسية، والعلوم الطبيعية، من القوة إلى الفعل". فالعطار كان من أوائل من نادوا بتطوير الأزهر فى العصر الحديث لكي يساير التطور العلمى. وقد تولى العطار مشيخة الأزهر فى سنة 1246 هـ، وظل بها إلى أن توفى فى سنة 1250 هـ (1834 م). ويكفيه شرفاً أنه كان أول رائد للحركة الإصلاحية للأزهر؛ وهى الحركة التى اطردت بعد ذلك من عام 1872 م حتى عام 1961 م. نظر محمد على فى بداية عهده إلى الأزهر على أنه مؤسسة وطنية لها خطرها، فوضع يده على أوقافه وموارده ولم يفكر فى إصلاحه وإنهاضه، وآثر أن يصرف كل اهتمامه إلى إنشاء مدارس جديدة، يربى فيها جيلاً من المصريين يدينون بالولاء له، ويكون هو ولى نعمتهم - على نحو ما شاء أن يلقبه المصريون. واتجهت سياسة محمد على إلى عزل الأزهر عن الحياة العصرية، بدعوى أن الأزهر لا يسمح بتدريس العلوم الحديثة، وأنشأ المدارس الحديثة معزولة عن التراث القومى والثقافة العربية؛ ونجم عن ذلك أن ابتعد الأزهر عن الحياة العامة الجديدة. ولقد كان الأزهر وحده هو التربة الصالحة لاحتضان المعرفة الحديثة وتطويرها فى شكل ثقافة وطنية. والدليل على ذلك أنه عندما بدأ محمد على نظام المدارس الحديثة، واختار نخبة من طلبة النظام الجديد، وقرر إرسالهم فى بعثة إلى أوروبا, واختار لهم، حرصاً على تقاليد البلاد، فقيهًا يعلمهم الصلاة- كان هذا الأزهرى وحده (الشيخ رفاعة الطهطاوى) هو الذى تمثل الحضارة الغربية، وترك بصماته على الفكر العربى حتى مطلع القرن العشرين. ولقد أدرك رفاعة الطهطاوى خطأ محمد على فى عدم تطوير الأزهر، وكان على حق فى توجيه اللوم إلى محمد على, لأنه أهمل

التعليم بالأزهر، ولم يتناوله بالتطوير الذى يجعله يواكب العصر. بدأت روح الإصلاح تدب فى الأزهر منذ عام (1872 م) فى عصر الخديو إسماعيل؛ وكان يتولى مشيخة الأزهر يومئذ الشيخ محمد العباسى المهدي منذ عا م (1871 م). وهو أول من جمع بين الإفتاء ومشيخة الأزهر، ونال احترام الخديو إسماعيل، الذى كان يرجع إلى رأيه فى كل ما له علاقة بالشريعة الإسلامية. وقد بدأ على يده إصلاح نظام التعليم بالأزهر، فقد أنشأ نظاما للامتحان لتخريج العلماء والمدرسين فى سنة (1872 م)، وألّف لهذا الغرض لجنة برياسته من ستة من كبار العلماء، اثنان منهم من الشافعية، وهما: الشيخ خليفة الصفتى، والشيخ أحمد شرف الدين المرصفى؛ واثنان من المالكية وهما: الشيخ أحمد الرفاعى، والشيخ أحمد الجيزاوى، واثنان من الحنفية وهما: الشيخ عبد الرحمن البحراوى، والشيخ عبد القادر الرافعي. وكانت مهمة هذه اللجنة امتحان المرشحين للعالمية فى مختلف العلوم المقررة، وإعطاء الناجحين منهم إجازة العالمية. بعد أن توفى الخديو توفيق، وجلس عباس حلمى الثانى على كرسى الخديوية فى عام (1892 م) , وكان متبرما ضجراً من الإِنجليز، اتصل به الشيخ محمد عبده، وكان -بحكم تربيته فى الأزهر- يعرف أهميته الإسلامية العالمية، وكان أدرى الناس بمواطن الخلل فيه، فسعى إلى إصلاحه. وقد قال مرة لصديقه وتلميذه الشيخ محمد رشيد رضا: "إن إصلاح الأزهر أعظم خدمة للإسلام؛ فإن إصلاحه إصلاح لجميع المسلمين، وفساده فساد لهم، وإن أمامه عقبات وصعوبات من غفلة المشايخ ورسوخ العادات القديمة عندهم، وإن هذا الإصلاح لا يتم إلا فى زمن طويل، وإنه على الرغم من أن الإصلاح بدأ فى عصر إسماعيل، إلا أنه لم يحصل شئ يذكر حتى الآن, وإنه لا أمل فى خدمة الإسلام عن طريق السياسة دون التربية التى توحد قوى الأمة". اتصل الإمام محمد عبده بالخديو الجديد، وأراد أن يعرض عليه خطة لإصلاح الأزهر. وكانت خطة الإمام

تتلخص فى إنشاء قانون تمهيدى للإصلاح، يديره مجلس مؤلف من كبار علماء المذاهب الأربعة فى الأزهر (الشافعى والحنفي والمالكى والحنبلى)، ينتخبون انتخابا، على أن ينضم إليهم الإمام هو وصديقه الشيخ عبد الكريم سلمان، على إنهما من قبل الحكومة، ولا دخل لشيخ الأزهر، ولا للمجلس المرتقب فى انتخابهما, ولا فى استبدال غيرهما بهما. وكان محمد عبده يحب أن يجرى الإصلاح فى الأزهر باقتناع كبار شيوخه، ورضا أهله، لكي يتم الإصلاح دون معارضة وإثارة للحساسيات التى عطلت الإصلاح بالأزهر زمنًا طويلاً. وكان على رأس الأزهر يومئذ الشيخ محمد الإنبابى، شيخ الأزهر، وكان مريضًا، وقد كثرت شكوى الأزهريين من سوء إدارته لشئون الأزهر، ورفعوا العرائض إلى الخديو، مفعمة بأن شيخهم عاجز عن إدارة شئونه، وغير ذلك من الطعن، وطلبوا تغيير الأوضاع، فعينت الحكومة الشيخ حسونة النواوى وكيلاً للأزهر فى 7 من جمادى الآخرة سنة 1312 هـ بعد أن أخذت عليه العهد بإقامة النظام الجديد، والاتفاق مع الشيخ محمد عبده على الإصلاح. وصدر الأمر العالى بتشكيل مجلس إدارة الأزهر فى 6 من رجب 1312 هـ, وبدأت الهيئة الجديدة تعمل جاهدة فى الإصلاح المرتقب، وأهمل أمر شيخ الأزهر، الشيخ الإنبابى، فسعى العقلاء إليه لإقناعه بالاستقالة، فاستقال، بعد أن ظل متشبثا بها نحو ستة أشهر من إنشاء مجلس إدارة الأزهر. وكان مجلس إدارة الأزهر بداية عهد جديد. وقد حفلت مدة عضوية الإمام محمد عبده وصديقه عبد الكريم سلمان بإنجازات كثيرة، كان على رأسها وضع أول قانون لمرتبات علماء الأزهر. ثم وضع نظام للتدريس والامتحان بالأزهر، وبيان علوم الوسائل وعلوم المقاصد. وقد عكف الإمام محمد عبده على وضع هذا النظام. وكان مجلس إدارة الأزهر يتكون من الشيخ حسونة النواوى رئيسا، والشيخ سليم البشرى المالكى، والشيخ عبد الرحمن الشربينى الشافعى، والشيخ يوسف الحنبلى. ولم يحضر الشيخ عبد الرحمن الشوبينى

لأنه عارض الإصلاح؛ وكان قد استقال قبل شروع المجلس فى عمله، ولم يقبل بعد ذلك عملَا فى إدارة الأزهر إلا بعد إجماع النية على إقصاء الشيخ محمد عبده من مجلس الإدارة، والعودة بالأزهر إلى منهجه القديم. وقد اختاره الخديو لمشيخة الأزهر، وانتصر أنصار القديم، وعملوا على إثارة الشغب بين طلاب الأزهر عندما أشاعوا بينهم أن التطوير الحديث مخالف لأعراف الأزهر، وصوروا العلوم الحديثة التى أدخلها الشيخ محمد عبده إلى الأزهر فى صورة الجناية على الدين. ويذكر بعضهم أن الخديو عباس، الذى شجع الإمام على فكرة تطوير الأزهر، هو الذى عاد فانقلب عليه، وشجع عليه خصومه فى الأزهر. وقال الخديو فى الاحتفال بخلع الكسوة على الشيخ عبد الرحمن الشربينى، شيخ الأزهر الجديد: "إن الجامع الأزهر قد أسس وشيد على أن يكون مدرسة دينية إسلامية .. فلا يشتغل علماؤه وطلبته إلا بتلقى العلوم الدينية النافعة، البعيدة عن زيغ العقائد، وشغب الأفكار, لأنه هو مدرسة دينية قبل كل شئ". وخرج الشيخ محمد عبده من منصب الإفتاء، ومنصب إدارة الأزهر، وصدرت المراسيم بعد خروجه باختيار شيخين من الحزب المناوئ القديم لأكبر المناصب الدينية فى مصر، وهما منصب الإفتاء، ومنصب مشيخة الأزهر، فعين الشيخ عبد القادر الرافعي مفتياً للديار المصرية، وعين الشيخ عبد الرحمن الشربينى شيخًا للجامع الأزهر. وقد صرح شيخ الأزهر الجديد برأيه فى إصلاح الأزهر فى حديث نشرته صحيفة" الجوائب المصرية" فقال: "إن غرض السلف من تأسيس الأزهر إقامة بيت لله، يعبد فيه، ويؤخذ فيه شرعه، ويؤخذ الدين كما تركه لنا الأئمة الأربعة رضوان الله عليهم. وأما الخدمة التى قام بها الأزهر للدين، ولا يزال يؤديها، فهى حفظ الدين لا غير، وما سوى ذلك من أمور الدنيا وعلوم الأعصر فلا علاقة للأزهر به، ولا ينبغى له". ولا شك أن مجلس إدارة الأزهر قام بإنجازات كثيرة فى أثناء عضوية الشيخ محمد عبده؛ ففضلاً على أنه وضع أول قانون لمرتبات علماء الأزهر،

وضع لائحة جديدة لترتيب درجات المدرسين، وأخرى للنظام الإدارى للأزهر والجامع الأحمدى بطنطا، وأعد مناهج مناسبة للتدريس لطلبة زاوية العميان بالأزهر. وأهم من ذلك أنه وضع قانوناً لتطوير نظام الامتحان بالأزهر؛ وصدر الأمر بذلك فى سنة 1314 هـ, وقد جاء فى الباب الرابع من هذا القانون أن الامتحان ينقسم إلى قسمين: امتحان شهادة الأهلية، وامتحان شهادة العالمية. فأما امتحان شهادة الأهلية فيكون لمن قضى ثماني سنوات فأكثر، ودرس ثمانية علوم من العلوم الأزهرية على الأقل. وتؤلف لجنة الامتحان له من ثلاثة من العلماء برئاسة شيخ الأزهر. وأما امتحان شهادة العالمية فيكون لمن قضى فى الأزهر اثنتى عشرة سنة فأكثر، وتلقى علوم التوحيد والأخلاق والفقه وأصول الفقه والتفسير والحديث والنحو والصرف والمعانى والبيان والبديع والمنطق ومصطلح الحديث والحساب والجبر والعروض والقافية. وتؤلف لجنة الامتحان من ستة من علماء الأزهر، وتكون درجات العالمية ثلاثًا: أولى وثانية وثالثة. ومن ينجح فى امتحان شهادة الأهلية يكون له الحق فى وظائف الإمامة والخطابة وتدريس الوعظ بالمساجد؛ ومن ينجح فى امتحان شهادة العالمية يكون له الحق فى التدريس بالأزهر وفى الوظائف العالية. وهذا القانون الذى أصدره مجلس إدارة الأزهر، والذى وضعه الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده؛ قد دفع طلاب العلم إلى الاجتهاد، وانتظم تقدمهم لطلب الامتحان، ولم يفضل أحد على أحد. وبذلك بدأ الأزهر يسرع الخطى نحو التطوير. القانون رقم (10) لسنة 1911: انفرط عقد النظام الذى وضعه الشيخ محمد عبده بخروجه من مجلس إدارة الأزهر، ثم وفاته فى سنة (1905 م)؛ فجدت بعد ذلك أحداث وفتن، وحاولت الحكومة إنشاء مدرسة للقضاء الشرعي بعيداً عن الأزهر؛ وصدر بها قانون فى سنة 1907 م. وشعر الأزهريون بأن الحكومة أصبح

لها مدرسة لتخريج معلمى العربية هى دار العلوم، ومدرسة لتخريج القضاة. وخاف القائمون على الأزهر من تقلص ظله، ومن عدم إقبال الناس عليه، حيث لم يبق بعد ذلك للعلماء إلا وظائف الإمامة والخطابة فى المساجد؛ ففكروا فى إعادة تنظيم الأزهر لإدخال مواد أكثر ومناهج أطول، وانتهى الأمر بهم إلى وضع القانون رقم 10 لسنة 1911 م. وهذا القانون من أهم قوانين الأزهر؛ حيث تناول الدراسة وجعلها مراحل، وجعل لكل مرحلة نظاما وعلوما، وزاد فى مواد الدراسة، وحدد اختصاص شيخ الأزهر، وأنشأ هيئة تشرف على الأزهر تحت رئاسة شيخه، تسمى (مجلس الأزهر الأعلى)، وأوجد هيئة كبار العلماء؛ وجعل لها نظاما خاصاً؛ ونص على أن يكون لكل مذهب من المذاهب الأربعة التى تدرس فى الأزهر شيخ، وبكل معهد من المعاهد مجلس إدارة؛ وجعل للموظفين نظاما فى التعيين والترقية والتأديب والإجازات، وللطلاب شروطا فى القبول، وحدوداً للعقوبات والمسامحات؛ ونظم الامتحانات والشهادات. ولعل أهم حسنات هذا النظام الجديد هو إنشاء هيئة كبار العلماء. وكان المقصود من إنشائها أن يتفرغ أعضاؤها لدراسة أمهات الكتب فى العلوم القديمة، فتأخذ فى دراستها بالطريقة القديمة فى التدريس، ولا تتقيد بشىئ مما تتقيد به فى النظام الحديث. وقد كلف كل عالم من هذه الهيئة بتدريس العلم الذى يرى أنه أكمل فيه من غيره، على أن يلقى فيه ثلاثة دروس على الأقل فى كل أسبوع، وأن يكون درسه فى وقت يمكن أن يحضر فيه عدد كبير من العلماء، ليعرفوا الطريقة الأزهرية القديمة فى التدريس، بعد أن كاد النظام الحديث ينسيهم لها بما اختصره فيها. وكان المجلس الأعلى للأزهر برئاسة الشيخ سليم البشرى، شيخ الأزهر. وقد زاد الإقبال على الأزهر بعد قانون 1911 م، وأنشئت معاهد أخرى فى عواصم المديريات، حتى صار عدد الطلاب فى سنة (1917 م) أكثر من

عشرين ألفاً. ويذكر الشيخ محمود أبو العيون فوائد هذا النظام فيقول: "وهذا القانون لم يخل من الفائدة؛ لأن تعلم التاريخ والجغرافيا والرياضة ومبادئ الطبيعة والكيمياء قرب طلبة الأزهر من تلاميذ المعاهد الأخرى، وغير عقليتهم، ووسع أفقهم؛ وإدخال المطالعة والمحفوظات والإنشاء أوجد من أهل الأزهر عدداً كبيراً من الكتاب والشعراء، ومكن لهم من القدرة على الخطابة والوعظ. غير أن الأزهر كثرت به الشكوى بعد ذلك من مسألة استهانة المعاهد بالامتحان الشفوى، واعتماد الطلبة على الحفظ والاستظهار، وجدت الحاجة لإدخال بعض التعديلات عليه. القانون رقم 49 لسنة 1930: وضع هذا القانون الشيخ محمد الأحمدى الظواهرى، الذى تولى مشيخة الأزهر فى أكتوبر سنة 1929 م, ووكل إليه النظر فى مشروع قانون للجامع الأزهر والمعاهد الدينية، فوضعه؛ وأنشئت بمقتضى هذا القانون الكليات الأزهرية الثلاث، وهى كليات الشريعة، وأصول الدين، واللغة العربية. وقد نص القانون على جواز إنشاء كليات أخرى، وأن التعليم فى الأزهر ينقسم إلى أربعة أقسام: ابتدائى، ومدته أربع سنوات؛ وثانوى، ومدته خمس سنوات؛ وعال، وهو بالكليات الثلاث، ومدته أربع سنوات. وقد توسع الأزهر -بناء على هذا القانون- فى دراسة العلوم الحديثة كالحساب والهندسة والجبر والطبيعة والكيمياء والتاريخ الطبيعى والمنطق والتاريخ والجغرافيا والأخلاق والتربية الوطنية. ومع أن هذا القانون خطا بالأزهر خطوات سريعة نحو النظام الجامعي الحديث، وجه إليه كثير من النقد؛ لأنه قسم الثقافة الإسلامية تقسيما عجيبا؛ فإن الشريعة لا تستغنى عن الكتاب والسنة؛ لأنها قائمة عليهما؛ والقرآن وعلومه، والسنة وعلومها لابد لفقههما من اللغة العربية لسانًا وأدباً وتاريخاً، والكتاب والسنة لا يستغنيان عن اللغة العربية لسانًا وأدباً، لتوقف فهمهما على معرفة اللغة، وإدراك خصائصها وأسرارها. وبعبارة أخرى فقد فَصَلت الدراسة فى الكليات الجديدة بين علوم

مرحلة التطوير

الوسائل التى يحتاج إليها المبتدئ فى الأزهر، وعلوم المقاصد التى يصل إليها بعد تحصيله لعلوم الوسائل. القانون رقم 26 لسنة 1936: جعل هذا القانون التعليم فى الأزهر أربعة أقسام: 1 - القسم الابتدائى، ومدته أربع سنوات، ويدرس فيه الطالب العلوم الدينية واللغوية، وعلوم التاريخ والجغرافيا والرياضيات والصحة والرسم والخط. 2 - القسم الثانوى، ومدته خمس سنوات، ويدرس فيه الطالب العلوم الدينية واللغوية، والمنطق وأدب البحث، والطبيعة والكيمياء والأحياء والتاريخ والجغرافيا. 3 - القسم العالي فى ثلاث كليات، ومدة الدراسة بها أربع سنوات: (أ) كلية الشريعة، وتدرس بها علوم الشريعة. (ب) كلية أصول الدين، وتدرس بها علوم القرآن والتفسير والحديث والتوحيد والفلسفة والأخلاق والتاريخ الإسلامى. (جـ) كلية اللغة العربية، وتدرس بها علوم اللغة العربية والفلسفة والاجتماع. وتمنح هذه الكليات الثلاث خريجيها الشهادة العالية. 4 - الدراسات العليا للحصول على شهادة العالمية من هذه الكليات الثلاث فى تخصصاتها المختلفة، وهى على درجتين: (أ) شهادة العالمية مع الإجازة فى التدريس أو القضاء أو الدعوة والإرشاد، وتعادل الماجستير. (ب) شهادة العالمية مع لقب أستاذ، وهى تؤهل الحاصلين عليها للقيام بالتدريس فى الكليات وفى أقسام التخصص، وتعادل الدكتوراة. مرحلة التطوير فى الثانى عشر من المحرم سنة 1381 هـ الموافق الخامس من يوليو سنة 1961 م أصدرت الحكومة القانون رقم 103 لسنة 1961 م بشأن إعادة تنظيم الأزهر والهيئات التى يشملها؛ وعرف هذا القانون باسم (قانون التطوير). وقد نص فى الباب الأول

منه، وفى مادته الثانية، على أن "الأزهر هو الهيئة العلمية الإسلامية الكبرى؛ التى تقوم على حفظ التراث الإسلامى ودراسته وتجليته ونشره، وتحمل أمانة الرسالة الإسلامية إلى كل الشعوب، وتعمل على إظهار حقيقة الإسلام وأثره فى تقدم البشر، ورقى الحضارة، وكفالة الأمن والطمانينة وراحة النفس لكل الناس فى الدنيا والآخرة؛ كما تهتم ببعث الحضارة العربية والتراث العلمى والفكرى للأمة العربية، وإظهار أثر العرب فى تطور الإنسانية وتقدمها؛ وتعمل على رقى الآداب وتقدم العلوم والفنون وخدمة المجتمع والأهداف القومية والإنسانية والقيم الروحية، وتزويد العالم الإسلامى والوطن العربى بالمختصين وأصحاب الرأي فيما يتصل بالشريعة الإسلامية والثقافة الدينية والعربية ولغة القرآن، وتخريج علماء عاملين متفقهين فى الدين يجمعون -إلى الإيمان بالله والثقة بالنفس وقوة الروح- كفاية علمية وعملية ومهنية، لتأكيد الصلة بين الدين والحياة، والربط بين العقيدة والسلوك، وتأهيل عالم الدين للمشاركة فى كل أسباب النشاط والإنتاج والريادة والقدوة الطيبة، وعالم الدنيا للمشاركة فى الدعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة؛ كما تهتم بتوثيق الروابط الثقافية والعلمية مع الجامعات والهيئات العلمية الإسلامية والعربية والأجنبية. ومقره القاهرة؛ ويتبع رياسة الجمهورية". وفى بقية المواد ينص القانون على أن "شيخ الأزهر هو الإمام الأكبر، وصاحب الرأي فى كل ما يتصل بالشئون الدينية والمشتغلين بالقرآن وعلوم الإسلام؛ وله الرياسة والتوجيه فى كل ما يتصل بالدراسات الإسلامية فى الأزهر وهيئاته، ويرأس المجلس الأعلى للأزهر". وينص القانون كذلك على أن "يختار شيخ الأزهر من بين هيئة مجمع البحوث الإسلامية، أو ممن تتوافر فيهم الصفات المشروطة فى أعضاء هذه الهيئة؛ ويعين بقرار من رئيس الجمهورية، فإن لم يكن قبل هذا التعيين عضوا فى تلك الهيئة، صار بمقتضى هذا التعيين عضوا فيها".

وكذلك نص القانون على أن يكون للأزهر وكيل يُختار بذات الطريقة والنظام والشروط التى يختار بها شيخ الأزهر؛ ويقوم مقامه عند غيابه. وهيئات الأزهر القائمة هى: المجلس الأعلى للأزهر، ومجمع البحوث الإسلامية، وجامعة الأزهر، والمعاهد الأزهرية. ويكون للمجلس الأعلى للأزهر -طبقا لهذا القانون، وطبقا للائحة التنفيذية للقانون، الصادرة بقرار رئيس الجمهورية رقم 250 لسنة 1975 م، فى شئون العلم والتعليم- اختصاص التخطيط، ورسم السياسة العامة لكل ما يحقق الأغراض التى يقوم عليها الأزهر، ويعمل لها، فى خدمة الفكرة الإسلامية الشاملة، ورسم السياسة التعليمية التى تسير عليها جامعة الأزهر، والمعاهد الأزهرية، والأقسام التعليمية، فى كل ما يتصل بالدراسات الإسلامية والعربية، واقتراح المواد والمقررات التى تدرس لتحقيق أغراض الأزهر، واقتراح إنشاء الكليات والمعاهد الأزهرية، والأقسام التعليمية. ويكون لمجمع البحوث الإسلامية البحث العميق الواسع فى الفروع المختلفة للدراسات الإسلامية، والعمل على تجديد الثقافة الإسلامية، وتجريدها من الفضول والشوائب وآثار التعصب السياسى والمذهبى، وتجليتها فى جوهرها الأصيل الخالص، وتوسيع نطاق العلم بها لكل مستوى وفى كل بيئة، وتحقيق التراث الإسلامى ونشره، وبيان الرأى فيما يجد من مشكلات مذهبية أو اجتماعية تتعلق بالعقيدة، وحمل تبعة الدعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة، ومعاونة جامعة الأزهر فى توجيه الدراسات الإسلامية فى مرحلة الدراسات العليا والإشراف عليها والمشاركة فى امتحاناتها، ورسم نظام بعوث الأزهر إلى العالم، والبعوث الوافدة من العالم إليه. ويكون لجامعة الأزهر اختصاص "بكل ما يتعلق بالتعليم العالي فى الأزهر، وبالبحوث التى تتصل بهذا التعليم أو تترتب عليه، وتقوم على حفظ التراث الإسلامى ودراسته وتجليته ونشره، وتؤدى رسالة الإسلام إلى

الناس، وتعمل على إظهار حقيقته وأثره فى تقدم البشر، وكفاله السعادة لهم فى الدنيا وفى الآخرة. كما تهتم ببعث الحضارة العربية والتراث العلمى والفكرى والروحى للأمة العربية، وتعمل على تزويد العالم الإسلامى والوطن العربى بالعلماء العاملين الذين يجمعون إلى الإيمان بالله والثقة بالنفس وقوة الروح والتفقه فى العقيدة والشريعة ولغة القرآن - كفاية علمية وعملية ومهنية، لتأكيد الصلة بين الدين والحياة، والربط بين العقيدة والسلوك، وتأهيل عالم الدين للمشاركة فى كل أنواع النشاط والإنتاج والريادة والقدوة الطيبة، وعالم الدنيا للمشاركة فى الدعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة، فى داخل الجمهورية العربية المتحدة وخارجها، من ابناء الجمهورية وغيرهم؛ كما تعنى بتوثيق الروابط الثقافية والعلمية مع الجامعات والهيئات العلمية الإسلامية والعربية والأجنبية". وتقوم المعاهد الأزهرية على "تزويد تلاميذها بالقدر الكافي من الثقافة الإسلامية، وإلى جانبها المعارف والخبرات التى يتزود بها نظراؤهم فى المدارس الأخرى المماثلة، ليخرجوا إلى الحياة مزودين بوسائلها؛ وإعدادهم الإعداد الكامل للدخول فى كليات جامعة الأزهر، ولتتهيأ لهم جميعاً فرص متكافئة فى مجال العمل والإنتاج، كما تتهيأ لهم الفرص المتكافئة للدخول فى كليات الجامعات المصرية الأخرى، وسائر الكليات ومعاهد التعليم العالى بمصر". وقد سجلت المذكرة الإيضاحية لمشروع القانون أن الأزهر قام بدور عظيم فى تاريخ العلم والإِسلام، ووقف قلعة شامخة فى وجه كل المحاولات الاستعبادية والاستعمارية، وأن التقاليد العلمية فى الأزهر كانت أساساً للنظام الجامعى والتقاليد الجامعية فى كل بلاد الدنيا. ولما كان العصر الحاضر بحاجة إلى التركيز على مجالات التخطيط للبناء والعمل والإنتاج والنهوض فى الأطر التطبيقية، وجب النظر إلى تخريج مواطنين فى الأزهر يملكون -مع الخبرة- معارف دينية صحيحة،

وعقيدة واعية، سواء منهم المصريون والوافدون على الأزهر للتزود بالعلم فى أروقته ومعاهده. لهذا وجب أن ينهض الأزهر بهذا العبء، على أساس المبادئ الآتية: أولًا: أن يبقى الأزهر وأن يُدْعمَ، ليظل أكبر جامعة إسلامية، وأقدم جامعة فى الشرق والغرب. ثانيًا: أن يظل -كما كان من أكثر من ألف سنة- حصناً للدين والعروبة، يرتقي به الإسلام ويتجدد ويتجلى فى جوهره الأصيل، ويتسع نطاق العلم به فى كل مستوى وفى كل بيئة، ويُذادُ عنه كل ما يشوبه، وكل ما يُرْمىَ به. ثالثا: أن يخرج علماء قد حصلوا كل ما يمكن تحصيله من علوم الدين، وتهيئوا بكل ما يمكن من أسباب العلم والخبرة للعمل والإنتاج فى كل مجال من مجالات العمل والإنتاج؛ فلا تكون كل حرفتهم أو كل بضاعتهم هى الدين. رابعاً: أن تتحطم الحواجز والسدود بينه وبين الجامعات ومعاهد الْتعليم الأخرى، وتزول الفوارق بين خريجيه وسائر الخريجين فى كل مستوى، وتتكافأ فرصهم جميعًا فى مجالات العلم ومجالات العمل. خامساً: أن يتحقق قدر مشترك من المعرفة والخبرة بين المتعلمين فى جامعة الأزهر والمعاهد الأزهرية وسائر المتعلمين فى الجامعات والمدارس الأخرى- مع الحرص على الدراسات الدينية والعربية التى يمتاز بها الأزهر منذ كان- لتتحقق لخريجى الأزهر الحديث وحدة فكرية ونفسية بين أبناء الوطن، ويتحقق بهم للوطن وللعالم الإسلامى نوع من الخريجين، مؤهل للقيادة فى كل مجال من المجالات الروحية والعلمية. سادساً: أن توحد الشهادات الدراسية والجامعية فى كل الجامعات ومعاهد التعليم. هذه الأسس كلها كانت -وما زالت- موضوعة فى أيد أمينة قادرة على تحويلها إلى واقع، وإن اختلفت الاجتهادات والتطبيقات فى مدى هذا الأمر الواقع وجدواه، والوصول به إلى نهايته. ولعل فيما ألفَه الأزهر

والأزهريون من نوع ما من أنواع العزلة فيما مضى مؤشرا على التزام الأزهر بالمحافظة؛ وهو التزام اضطرته إليه المواقف الدفاعية فيما مضى عبر القرون، ولا نجد له وجهاً وجيهاً فى عصرنا هذا، الذى يعد بحق عصر الإنطلاق. وأياً كان الأمر فقد أسفر التطبيق منذ صدر القانون فى سنة 1961 م، حتى سنة 1983 م - عن عدة أمور فى الإطار العلمى التعليمى: أولاً: فى جامعة الأزهر: وصل عدد الكليات المفتوحة للدراسة أربع وثلاثين كلية: أربع كليات للشريعة والقانون فى القاهرة وأسيوط وطنطا ودمنهور. ست كليات لأصول الدين والدعوة الإسلامية؛ كليتان فى القاهرة، وكلية واحدة فى كل من أسيوط وطنطا والمنصورة وشبين الكوم. ست كليات للغة العربية فى القاهرة وأسيوط والزقازيق والمنصورة وشبين الكوم ودمنهور. كلية للدراسات الإسلامية والعربية للبنين فى القاهرة. كلية للبنات فى اسيوط. ثلاث كليات للدراسات الإسلامية والعربية للبنات فى القاهرة والإسكندرية وسوهاج. كليتان للتجارة بالقاهرة، إحداهما للبنين والأخرى للبنات. كليتان للعلوم بالقاهرة، إحداهما للبنين والأخرى للبنات. كليتان للطب (البشرى) بالقاهرة، إحداهما للبنين والأخرى للبنات. كلية للصيدلة للبنين بالقاهرة. كلية لطب الأسنان للبنين بالقاهرة. كلية للدراسات الإنسانية للبنات بالقاهرة. كلية للزراعة للبنين بالقاهرة. كلية للهندسة للبنين بالقاهرة. كلية للغات والترجمة للبنين بالقاهرة. كلية للتربية للبنين بالقاهرة. وصدرت قرارات جمهورية بإنشاء كلية للتربية فى شبين الكوم -وأربع

كليات للعلوم والطب وطب الأسنان والصيدلة فى أسيوط، وتتهيأ لافتتاحها بإعداد هيئة التدريس والأبنية حسب الخطة العلمية للإنشاء. ومجموع هذه الكليات تسع وثلاثون كلية. وفى كليات الشريعة يكون التخصص فى الفقه المذهبى، والفقه المقارن، والسياسة الشرعية، وأصول الفقه. وفى كليات أصول الدين والدعوة يكون التخصص فى العلوم القرآنية، وعلوم السنة، والدعوة الإسلامية، والعقيدة. وفى كليات اللغة العربية يكون التخصص فى اللغويات العربية، وأصول اللغة، والأدب، والنقد الأدبى، والبلاغة، والتاريخ، والحضارة الإسلامية، والصحافة والإعلام. وفى كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنين يكون التخصص فى علوم الفقه، وعلوم الأصول، وعلوم اللغة العربية. وهذه الكلية مقرها مسجد الجامع الأزهر، وتعد استمراراً لحلقات الدراسة التى عرفها الأزهر منذ إنشائه. وكلية البنات باسيوط، وكليات الدراسات الإسلامية والعربية للبنات، فى كل منها شعبة للدراسات الإسلامية (بفروعها)، وأُخرى للدراسات العربية (بفروعها). وينتظر أن تنمو كلية البنات بأسيوط لتشتمل على فروع أخرى، كالطب والتجارة والعلوم الأساسية واللغات وغيرها. والتخصص فى كليات التجارة فى المحاسبة، وإدارة الأَعمال، والإحصاء. وفى كليات العلوم، فى الفيزياء، والكيمياء، والأحياء، والجيولوجيا، والنبات، وعلم الحيوان، والرياضيات .. إلخ. وفى كلية الزراعة أقسام للعلوم الزراعية المرتبطة بالأرض والمحاصيل والبساتين والإنتاج الزراعى. وفى كلية الهندسة أقسام للهندسة المدنية والعمارة والميكانيكية والكهربية والألكترونية .. إلخ. وفى كلية اللغات والترجمة أقسام للغات غير العربية، مثل الإنجليزية,

والفرنسية، والألمانية، والأسبانية، والتركية، والعبرية، والفارسية، والأردية، واللغات الإفريقية. وتضم كلية التربية أقسامًا تعليمية فى اللغة العربية، والدين الإسلامى، والمواد إلاجتماعية، والرياضية، والعلمية، بالإضافة إلى الأقسام التربوية فى التخطيط، والإدارة، والمناهج، وتعليم الكبار، وعلم النفس. ولقد سارت الكليات الإسلامية على منهج الكليات فى الأزهر القديم، مع إضافات اقتضاها التطوير، لتزويد عالم الدين بالخبرة والمعرفة التى تمكنه من المشاركة فى نهضة المجتمع. أما الكليات التى استحدثت فإنها تسير على منهج الكليات المناظرة فى الجامعات المدنية، مع تحصيل قدر من علوم الدين فى الفقه والتفسير والحديث والتاريخ؛ وحفظ قدر من القرآن الكريم؛ وهذا من شأنه أن يؤهل الطالب للسلوك الأمثل، والقدوة الطيبة، فى المجتمع الذى يعمل به. والإِسلام فى أساسه لا يفرق بين علم الدين وعلم الدنيا, لأنه دين اجتماعى بطبيعته، ينظم حياة الدنيا وحياة الآخرة، ويفرض على كل مسلم أن يتعلم، وأن يبتغى فيما آتاه الله الدار الآخرة، ولا ينسى نصيبه من الدنيا، ويكون محسنًا كما أحسن الله إليه. ومن أَجل هذا ازداد حرص المؤسسات التجارية والمالية والإدارية والصناعية وغيرها فى مصر وخارج مصر على الاستفادة من هؤلاء الخريجين. ثانياً: المعاهد الأزهرية: كانت هذه المعاهد قبل صدور قانون التطوير تسمى (المعاهد الدينية العلمية الإسلامية)، وكانت تنقسم إلى أقسام ابتدائية وثانوية، ومدة الدراسة فى الأقسام الابتدائية أربع سنوات، وفى الأقسام الثانوية خمس سنوات، والدراسة فى كل منهما دراسة عامة شاملة علوم الدين وعلوم الحياة الدنيا بقدر مقبول وذى جدوى وفائدة ملموسة. وكان الطلاب يلتحقون بالأقسام الابتدائية من سن الثانية عشرة، بعد أنا يجتازوا امتحانا فى حفظ القرآن الكريم كله، والكتابة والخط والإملاء والحساب.

فلما صدر القانون سمى الأقسام الابتدائية معاهد إعدادية، والأقسام الثانوية معاهد ثانوية، وأطلق اسم المعاهد أو المدارس) الابتدائية على الكتاتيب ومدارس تحفيظ القرآن الكريم المنتشرة فى أرجاء مصر، على أن يتولاها الأزهر، ويشرف عليها إشرافاً فنياً، للنهوض بحفظ القرآن الكريم. وبقيت الدراسة فى المعاهد الأزهرية الإعدادية لمدة أربع سنوات، حتى تم تعديلها إلى ثلاث سنوات، رعاية للمناظرة بينها وبين مدارس وزارة التربية والتعليم. وتدرس هذه المعاهد مواد (الفقه - التوحيد - التفسير - الإنشاء والمطالعة والنصوص - النحو والصرف - السيرة - الخط والإملاء - تجويد القرآن الكريم وتسميعه - اللغة الأجنبية - التاريخ - الجغرافيا - الرياضيات - العلوم العامة والصحة - التربية الفنية - التربية الرياضية - الأشغال اليدوية للبنين - العلوم العملية للبنات). وفى المعاهد الأزهرية الثانوية ظلت مدة الدراسة خمس سنوات حتى تم تخفيضها إلى أربع سنوات, لأن الطلاب مكلفون - بالإضافة إلى مقرراتهم الأصلية - مقررات مدارس وزارة التربية والتعليم. ومواد الدراسة هى (الفقه - التفسير - الحديث - التوحيد - النحو والصرف - البلاغة - الإنشاء - أدب اللغة - العروض - المطالعة - المنطق - استذكار القرآن الكريم - اللغة الأجنبية - المجتمع - التاريخ - الجغرافية - الجيولوجيا - الفلسفة - الرياضيات - الطبيعة - الكيمياء - علم الأحياء - التربية الفنية - الدراسات العملية - التربية الرياضية). هذا هو التعليم الثانوى العام؛ وينقسم إلى قسم أدبى وقسم علمى من أول لحظة الالتحاق بالمعهد. ويتشعب القسم العلمى فى السنة الثانية إلى شعبة للعلوم، وأخرى للرياضيات؛ وهو نظام سبقت بتطبيقه إدارة المعاهد الأزهرية. وإلى جانب هذا التعليم العام يوجد التعليم النوعى فى معاهد لتأهيل المعلمين للمرحلة الأولى، وفى معاهد للقراءات تعد حفظة القرآن لإجادة أدائه،

وتعلم أحكامه، ووجوه القراءات. وتمنح هذه المعاهد شهادات فى التجويد والقراءات والتخصص. وتسمح اللائحة بإنشاء معاهد فنية: تجارية وصناعية وزراعية وغيرها. ولا يزال أمر إنشائها قيد البحث، نظراً لما تحتاج إليه هذه المعاهد الفنية من إمكانات خاصة، وتجهيزات ذات مستوى مكلف. وللفتاة نصيب غير قليل من هذا كله. وبلغت جملة المعاهد الأزهرية فى مصر -حسب آخر إحصاء- أكثر من ألف ومائتى معهد، يزيد عدد طلابها على ثلثمائة ألف طالب وطالبة. وهذا بخلاف أكثر من ألفى كتاب فى أنحاء مصر المختلفة. يستقبل الأزهر كل عام أعداداً وفيرة من الطلاب الوافدين من مختلف أنحاء العالم، على منح وعلى غير منح؛ وهؤلاء يلحقون بالمعاهد السالفة. وقد أنشئ لهم أيضا (معهد البعوث الإسلامية) بالقاهرة من قسمين: إعدادى وثانوى، وتقرر فى عام (1983 م) إنشاء معهد آخر للبعوث الإسلامية فى مدينة الإسكندرية، لمواجهة التزايد فى عدد هؤلاء الطلاب. وتقوم مدينة البعوث الإسلامية بإيواء هؤلاء الطلاب ورعايتهم ثقافياً واجتماعياً ورياضياً. وليس من باب المبالغة القول بأن هذه المدينة تعد بمثابة هيئة أمم طلابية لمختلف الجنسيات. وتقع مدينة البعوث الإسلامية بالقاهرة فى حى العباسية، على مساحة ثلاثين فداناً (126 ألف متر مربع)، وتضم أربعين عمارة سكنية، عدا المسجد والمكتبة والمستشفى، وقاعات الاستذكار والترفيه، والمغاسل، والملاعب، وغيرها من المرافق. وتتسع المدينة حالياً لأكثر من أربعة آلاف طالب. وللمدينة فرع فى الإسكندرية، يستغل فى النشاط الرياضى والاجتماعى والرحلات. وهناك معاهد فى خارج مصر، تسير على مناهج معاهد الأزهر، ويمدها الأزهر بالكتب والبرامج، ويشرف على بعضها إشرافاً فنياً، ويدير امتحاناتها، ويمنح المؤهلات

لخريجيها، فى كل من: غزة بفلسطين، والصومال، ونيجيريَا، وتشاد، وتنزانيا، وزنجبار. ثالثاً: مجمع البحوث الإسلامية: يضم مجمع البحوث الإسلامية عدة أروقة بحثية، وإدارات تنظيمية؛ وتعمل كلها متعاونة فى سبيل الرقى بالبحث العلمى فى الدراسات الإسلامية، وتجديد الثقافة الإسلامية، وتجريدها من الفضول والشوائب، وتجليتها فى جوهرها الأصيل الخالص، وتحقيق التراث ونشره، وتوسيع نطاق العلم بالإسلام والثقافة الإسلامية. وفى الداخل ينتشر آلاف الوعاظ فى مدن مصر وقراها للوعظ والإرشاد والإعلام الدينى فى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة. وكذلك يعير الأزهر الدول الشقيقة والمؤسسات التعليمية فى الخارج المعلمين والوعاظ، وقد بلغ عددهم -حسب آخر إحصاء- أكثر من أربعة آلاف، تشرف إدارة البعوث الإسلامية بالأزهر على اختيارهم وتأهيلهم، ليؤدوا الواجب عليهم أداء طيبًا، كما تشرف هذه الإدارة على الطلاب الوافدين، وإعداد المناهج الدراسية لهم. وتشرف إدارة الثقافة الإسلامية بالأزهر على مراجعة المصحف الشريف، والتصريح بطبعه وتداوله، ومراجعة ترجمات معاني القرآن الكريم، وعلى فحص المصنفات الإسلامية، أو التى تتعرض للإسلام، قبل نشرها وتداولها وعرضها، كما تشرف على ترجمة المؤلفات والدراسات العبادة التى تكتب عن الإسلام باللغات الأجنبية، وعلى نشر البحوث العلمية، وبخاصة تلك التى يحققها أعضاء مجمع البحوث الإسلامية. وقد عني المجمع بثروة كبيرة من هذه البحوث، ومنها: (أ) بحوث فى علوم القرآن والسنة: - القرآن فى التربية الإسلامية، - التفسير بالرأي، - المحكم والمتشابه من القرآن، - القراءات بين حقيقة التوقيف ودعوى الاجتهاد، - جمع القرآن وثبوته بالقطع واليقين، - رسم المصاحف العثمانية، - ذكرى نزول القرآن وتحقيق

فى تاريخه، - مكانة السنة فى بيان الأحكام الإسلامية، - الحديث وقيمته العلمية والدينية. (ب) بحوث فى العقيدة: - العقيدة الإسلامية كما جاء بها القرآن الكريم، - الدين ضرورة لتقدم المجتمع، - موقف الإسلام من الفلسفة، - كيف نكافح الاغتراب والبدعة السيئة، - علاقة الإسلام بالأديان الأخرى. (جـ) بحوث فى مجال التشريع: - الاجتهاد: ماضيه وحاضره، - التلفيق بين أحكام المذاهب، - الذبائح التى تنحر فى موسم الحج، - الهدى وطرق انتفاع الفقراء بلحمه، - الفكر التشريعى الإسلامى واختلافه باختلاف الشرائع، - نشأة الفقه الاجتهادى وتطوره، - نظرة إلى العقوبة فى الإسلام، - التجديد والاجتهاد وما جد من تيارات فكرية معاصرة، - الاتباع والابتداع فى مقام الاستصلاح والاستحسان، - الولاية المقيدة للسلطة العامة فى الإسلام. (د) بحوث فى مجال الاقتصاد والمال: - الملكية الفردية والملكية الخاصة وحدودهما، - الموارد المالية فى الإسلام، - المعاملات المصرفية، - طرق استثمار الأموال وموقف الإسلام منها، - الزكاة والصدقة، - الاقتصاد الإسلامى والاقتصاد المعاصر، - نحو اقتصاد إسلامى، - التكامل الاقتصادى فى الإسلام، - الأسس الاقتصادية التى تقوم عليها بعض المصارف المصرية، - حكم الربا فى نظر الشريعة الإسلامية، - شركات التأمين من وجهة نظر الشريعة الإسلامية، - حكم الشريعة الإسلامية على شهادات الاستثمار، - التأمينات، - أهمية الاقتصاد الإسلامى، - التكامل الاجتماعى فى الإسلام. (هـ) بحوث فى العلاقات الدولية: - العلاقات الدولية فى الإسلام، - النظرة العالمية فى الإسلام، - الإسلام والتفرقة العنصرية، - الإسلام ووحدة العرب. (و) بحوث فى الجهاد: - الشهيد فى الإسلام، - الإسلام والحرب النفسية، - الجهاد بالمال فى

نظر الإسلام، - العمل الفدائى فى نظر الإسلام، - الجهاد والاستشهاد فى سبيل الله والتولى يوم الزحف، - الجهاد، - إرادة القتال فى الجهاد، - الجهاد طريق النصر، - الجهاد فى الإسلام. (ز) بحوث خاصة بفلسطين: - فلسطين وإسرائيل والرد على مزاعم اليهود، - الوحدة الإسلامية، - بنو إسرائيل قبل الإسلام، - العنصرية أساس قيام إسرائيل، - محنه حقوق الإنسان فى إسرائيل، - الإسلام والمعركة مع إسرائيل، - الدين والدولة فى إسرائيل، - المسلمون ومشكلة فلسطين، - مكانة بيت المقدس فى الإسلام، - جوهر القضية الفلسطينية، - اليهود من كتابهم المقدس أعداء الحياة الإنسانية، - اليهود كما تحدث عنهم القرآن الكريم، - الإسراء وفلسطين ودولة اليهود. (ح) بحوث فى الدعوة الإسلامية: - العرب وإنتشار الإسلام، - الدعوة الإسلامية إلى غير الملايويين، - وظيفة المسجد فى المجتمع المعاصر، - الدعوة الإسلامية فى أفريقيا الوثنية، - الدعاية المنظمة وأثرها الفعَّال، - موقف الإسلام والمسلمين فى أوروبا فى ضوء العقيدة، - الدعوة الإسلامية وكيف نوجهها، - وحدة الثقافة الإسلامية ودور اللغة العربية. (ط) بحوث فى الحضارة الإسلامية: - فلسفة الحرية فى الإسلام، - نظام الحسبة، - معالم الفكر الإسلامى فى التفكير الأوروبي الحديث والمعاصر، - مقومات الحضارة الإسلامية، - أثر الحضارة الإسلامية فى رقى البشرية وسعادتها، - القرآن وتجديد المجتمع، - موقف الإسلام من الرق فى العصر الحاضر، - حقوق الإنسان بين النظرية والتطبيق فى الحضارة الإسلامية وفى حضارة الغرب، - تحديد أوائل الشهور القمرية,- المجتمع الإنسانى فى ظل الإسلام، - حقوق الإنسان فى الإسلام، رعاية الإسلام للقيم والمعانى الإنسانية الحريات والحقوق فى الإسلام - الدين الإسلامى دين الإنسانية، - الوظيفة الاجتماعية للحقوق فى الإسلام، - الإسلام والعلم,- كفاية الشريعة الإسلامية فى تثبيت التعامل واستقراره.

(ى) بحوث فى شئون المجتمع والتربية والأسرة والشباب: - تنظيم الأسرة والنسل، - مكانة المرأة فى الإسلام، - تربية الشباب، - شبابنا المثقف أمام الإيمان والتدين، - التربية الخلقية للشباب، - الدين وحماية الشباب من الانحراف، - الإسلام والشباب، - التربية الخلقية والاجتماعية فى السنة النبوية، - التربية الدينية التى يحتاج إليها العالم المعاصر، - ملامح المجتمع المثالى، - الإسلام وحل مشكلات المجتمع المعاصر، - الموقف التربوى المعاصر، - ضرورة تقييد أساليب التربية بأصول الدين. وعلى رأس هذه الجهود قام الأزهر بعمل عظيم حسبة لله تعالى. وذلك هو طبع المصحف الشريف بقراءة حفص "عن عاصم" طباعة خاصة، تلتزم بالرسم العثمانى، وتحافظ على الوقفات المنضبطة. والشكل الكامل، والسلامة المطبعية. وقد أشرف الأزهر على مصحفه بمعرفة رجال بصراء من أهل العلم والقراءات والخبرة، وصدرت منه حتى الآن ثلاث طبعات فى أحجام متنوعة لإرضاء كافة الرغبات، وزاد ما وزع منها على أنحاء العالم الإسلامى على مئات الألوف. وأنشأ الأزهر مطبعة خاصة لمصحفه هذا، زودها بالأجهزة والمعامل والأدوات والورق الممتاز؛ وكان لتبرعات كثير من أهل الخير فى داخل مصر وخارجها أثر كبير فى المضى بهذا المشروع العظيم. وعلى قمة هذه الجهود أيضًا ما عرف باسم (تقنين الشريعة)، ونعنى بها صياغة الأحكام والقواعد والمبادئ الفقهية فى صورة مواد قانونية، مع وضع الشروح التفسيرية لها. وقد قام الأزهر بتقنين مذاهب أبى حنيفة والشافعي ومالك وأَحمد بن حنبل، كل على حدة، لتتيسر مناظرتها ومقارنة بعضها ببعض، للأخذ منها بما هو أيسر على الناس. وهذا العمل الكبير تدرسه الآن الهيئة التشريعية فى مصر، ليصدر عنها فى صورة (قوانين) يكون معمولاً بها -بإذن الله- من تاريخ صدورها، بدلاً من القوانين الوضعية، فى المعاملات التجارية، والعقوبات، والمرافعات، ونظام التقاضى، وغيرها.

أروقة الأزهر الشريف

أروقة الأزهر الشريف من التقاليد التى اشتهر بها الأزهر إنه خصص لكل طائفة من طلابه رواقا يقيمون فيه إقامة مجانية دائمة طوال سنوات دراستهم. والرواق جناح أو عدة حجرات أو حجرة واحدة تخصص لإقامة الطلبة. وكان للطلبة المصريين القادمين من خارج القاهرة رواق خاص بهم، وللطلبة الوافدين من كل قطر من أقطار العالم الإسلامى، رواق يفرد لهم. وكانت الأروقة تنقسم قسمين رئيسيين: أروقة المصريين، وأروقة الغرباء والأخيرة هى أهم الأروقة وأكثرها عددًا وإعداداً. وإلى جانب التقسيم الجغرافى للأروقة, كان هناك تقسيم آخر يقوم على أساس المذهب الدينى الذى يعتنقه الطالب, إذ كان بعض الواقفين يشترطون ألا تصرف إيرادات الأوقاف المرصودة لرواق معين إلا للطلبة الذين هم من أتباع مذهب معين. فمثلاً كان رواق المغاربة لا يقبل إلا الطلبة المغاربة, الذين يعتنقون المذهب المالكى. وكانت بعض أروقة الغرباء تكتظ بالطلبة القادمين من بلاد كان السفر بينها وبين مصر مُيسراً، كالشام وشمالى أفريقية، مثل رواق الشوام ورواق المغاربة، فى حين كان عدد الطلبة قليلاً نسبياً فى أروقة أخرى نظراً لقدومهم من بلاد نائية جداً بالنسبة لوسائل المواصلات فى ذلك الوقت؛ وكان السفر شاقاً ومكلفاً للقادمين من بلاد كالصين، والروسيا، وأفغانستان، وأندونيسيا، والملايو، والفلبين. أما أروقة المصريين فكان عدد طلبتها يختلف كثرة وقلة تبعًا لاختلاف درجة الوعى الدينى والعلمى، وتبعا لكثرة الأوقاف المحبوسة عليها، وغزارة الموارد المالية التى تدرها؛ إذ كانت بعض الأروقة تقدم الجراية فحسب، ويقدم بعضها الآخر بجانب الجراية رواتب نقدية فى أول كل شهر هجرى. وكان لكل رواق رئيس يسمى (شيخ الرواق)، ينتمى إقليمياً إلى طلبة الرواق، وبفضل من كان مدرساً بالأزهر. وكان شيخ الرواق يرعى مصالحهم، وتخاطبه الجهات المسئولة فى شئونهم، سواء

شيخ الأزهر، أو ناظر الأزهر، أو شيوخ المذاهب، كشيخ الشافعية، أو شيخ المالكية. وقد يتصل به مباشرة المسئولون من خارج الأزهر. ومن هنا لطلبة الأروقة شبه حصانة تحول دون مساءلتهم إلا عن طريق شيوخ الأروقة، وكان لأى طالب أن يتصل بشيخ رواقه إذا نزل به ضيم فيذود عنه. وكان لكل رواق أوقاف، يصرف شيخ الرواق ما تغله على طلبة الرواق. وإذا كان للرواق أوقاف متعددة تدر كثيراً، كان له أن يعين جابياً لتحصيل إيرادها، وكاتباً لضبط حسابات الموارد والمصارف، وبواباً لحراسة الرواق، حتى لا يتسلل أحد إلى أمكنة الطلبة. وكان شيخ الرواق يعين غالبًا ناظراً على أوقاف رواقه. وكان لشيخ الرواق وكيل يسمى النقيب، يحتفظ بسجلات للرواق تضم أسماء الطلبة، واسم البلدة التى وفد منها كل طالب، وتاريخ التحاقه بالرواق، والمذهب الذى ينتمى إليه، والدراسات التى يتلقاها، واسم الشيخ الذى يدرس عليه. وكان النقيب يشرف على الجابى والكاتب، ويعد مسئولاً عن مكتبة الرواق والمطبخ وسائر مرافق الرواق. نذكر هنا -منعا لأى التباس- أن هناك فرقًا بين الأروقة بوصفها نظاماً هندسياً معمارياً فى مبنى الجامع، والأروقة من حيث هى مساكن للطلبة. فالأروقة بمعناها الأول هى المكان المحصور بين صفين من البوائك، التى تمثل جزءًا من مبنى الجامع منذ أن بناه جوهر. وكان عددها وقتذاك أحد عشر رواقاً, ولكنها اً تستخدم مساكن للطلبة فى ذلك الوقت المبكر. وهذا هو منشأ الالتباس الذى وقع فيه بعض المؤرخين والباحثين حين ذكروا أن الأروقة، بوصفها مساكن للطلبة، كانت نظاما قديمًا عاصر الأزهر منذ إنشائه، استناداً إلى أن الخليفة العزيز بالله أخذ باقتراح وزيره ابن كلَّس تنظيم دراسة علمية بالأزهر تضم 35 فقيهًا ورئيسهم، تجرى عليهم الدولة الرواتب، وتعد لهم داراً لسكناهم. وتدل ملابسات هذا الحادث على أنه كان بعيداً عن الفكرة التى قام عليها نظام

الأروقة بوصفها مساكن لطلبة الأزهر, كما أن هذه الحادثة لم تتكرر فى العصرين الفاطمى والأيوبى، فضلاً على أن الخليفة العزيز لم يأمر بإيوائهم داخل الجامع، بل بنى لهم دار، بجوار الأزهر. ولم يبدأ استخدام الأروقة مساكن للطلبة إلا فى عصر متأخر هو عصر دولتى المماليك البحرية والشراكسة، ثم شهد العصر العثمانى نشاطاً ملحوظاً فى إنشاء أروقة جديدة. وانكمشت بعد ذلك حركة بناء الأروقة فى عصر محمد على وخلفائه؛ فلم يشيد محمد على سوى رواق السنَّارية لطلبة "سنار" الوافدين من السودان؛ أما رواق الحنفية فقد شرع عباس الأول فى بنائه, وأتمه راتب باشا؛ وأما الرواق العباسى فقد بنى على عهد الخديو عباس حلمى الثانى, وإحتفل بافتتاحه فى سنة 1315 هـ (1897 - 1898 م). كانت الأروقة تكفل للطلبة حياة متكاملة فى جوانبها العقلية والروحية والجسمية؛ وكان لكل رواق كبير مكتبة يشرف عليها قيِّم. وكان فى معظم الأروقة أماكن تسمى خلوات، يتعبد فيها الطلبة. وكان طلبة الأروقة يحرصون على تلاوة ما يتيسر من القرآن الكريم فرادى فى جميع ليالي الأسبوع، وفى ليلة أو أكثر من ليلة كانوا يقرأون القرآن العظيم قراءة جماعية، وفقا لنظام الرَّبعات. وكانوا يستذكرون دروسهم ليلًا فى ضوء قناديل تستمر موقدة طوال الليل. وكانت الأروقة تظل مفتوحة طوال شهور السنة، بما فيها العطلة السنوية، وهى أشهر رجب وشعبان ورمضان، فضلَا عن العطلات الموسمية، كعيد الأضحى، والمولد النبوى الشريف. وكان يسمح لمن شاء من الطلبة بالإقامة المتصلة طيلة سنوات دراستهم. وكان يستفيد من هذه الرخصة الطلبة الغرباء والمصريون على السواء. وكان يحول دون عودة الطلبة الغرباء إلى أوطانهم كثرة نفقات السفر، وبعد الشقة، وطول الوقت. أما المصريون فكانوا فريقين: طلبة أقاصى الصعيد، وكانوا لا يرجعون عادة إلا بعد إنتهاء دراستهم،

فيستقبلهم ذووهم بحفاوة، ويقيمون لهم الولائم. ويتمثل الفريق الثانى فى بعض طلبة الوجه البحرى وأقاليم الصعيد القريبة، وكانوا يقضون العطلة فى القاهرة، يتلون القرآن الكريم فى السهرات الدينية، ويترددون على مكتبات الأروقة، وينسخون الكتب الصغيرة استعداداً للعام الدراسى المقبل. وكان الطلبة الغرباء يلتحقون بالأزهر فى سن تجاوز العشرين عامًا، بعد أن يكونوا قد اكتسبوا قسطا من العلم فى بلادهم، ليستكملوا دراساتهم العليا. وكانوا فى حياتهم الخاصة والعلمية يترفعون عن الصغائر، ويحافظون على كرامتهم، وكانت تربطهم بزملائهم المصريين أواصر المودة. وكان من عادة الطلبة الغرباء أنَّهم إذا اعتزم أحدهم العودة إلى بلاده بعد إنتهاء دراسته أن يقيم قبيل سفره حفلاً فى رواقه، يدعو إليه طلبة الرواق، وأصدقاءه من طلبة الأروقة الأخرى، وشيوخ الأروقة، وبعض العلماء. وكان الرواق يُضاء بالشموع، ويجتمع فيه المدعوون بعد صلاة العشاء، ويبدأ الحفل بتلاوة آيات من القرآن الكريم، ثم يطاف عليهم بأكواب من الشراب، وأطباق من الحلوى والنقل ثم القهوة. ويلقى بعض زملاء الطالب قصائد وخطباً، يشيدون فيها بغزارة علمه وسمو أخلاقه، ويتمنون له توفيقا فى حياته. ويرد عليهم الطالب بكلمة شكر؛ وينتهى الحفل بتلاوة آيات من القرآن الكريم. لعل أهم خصيصة من خصائص أروقة الأزهر أنها لم تطبق سياسة التمييز العنصرى على الطلبة الغرباء، ولم تأخذ بنظام الطبقية، فكانت الأروقة تستقبل بنى الإسلام دون تمييز عنصرى أو طبقى أو لونى أو اقتصادى. وكانت سياسة الباب المفتوح، التى أخذت بها الأروقة فى قبول الطلبة، تطبيقا عمليا لمبادئ الإسلام. وقامت الأروقة بدور بارز فى دعم الترابط بين الشعوب الإسلامية فى المشرق والمغرب. وكان لها فى سبيل دعم هذا الترابط وسيلتان: كانت الوسيلة الأولى جبهة شعبية واسعة، تمثلت فى الطلبة الغرباء؛ وكان هؤلاء

يعودون إلى أوطانهم بعد انتهاء دراستهم، يحملون تقديرًا عميقا لأساتذتهم فى الأزهر، ويحتفظون بصداقات لزملائهم الطلبة المصريين، ويكتنزون فى عقولهم حصيلة علمية غزيرة اكتسبوها خلال عكوفهم على الدراسة فى الأزهر سنوات طوالاً، ثم كانوا يظفرون بتقدير عميق من مواطنيهم، وسرعان ما يشغلون المناصب القيادية فى مجالات القضاء والإفتاء والتدريس وغير ذلك من المراكز المرموقة، ويحتفظون بأجمل الذكريات عن السنوات التى أمضوها فى أروقة الأزهر، وعن الأوقات التى قضوها دارسين فى الحلقات الدراسية على أيدى العلماء. ويظل الأزهر بأروقته وحلقاته وعلمائه الأفذاذ مقرونًا فى أذهانهم بذكر مصر فى مجال الضيافة، ومجال الريادة فى الدراسات العليا، الدينية واللغوية والأدبية. ولا يلبث أن يشد الرحال إلى مصر مواطنون آخرون، لينهلوا العلم من موطنه فى الأزهر، ويسيروا على نهج من سبقوهم، ثم ينطلقوا عائدين إلى أوطانهم، ناشرين الثقافة الإسلامية. وتسير عجلة الزمان، ويتوالى توافد الطلبة من أرجاء العالم الإسلامى كافة على الأزهر وأروقته. أما الوسيلة الأخرى فى دعم الترابط بين الشعوب الإسلامية فقد تمثلت فى الصفرة الممتازة فى المجتمعات الإسلامية فى المشرق والمغرب، ونعنى بها كبار علماء المسلمين، وقد بهرتهم المكانة العلمية التى سما إليها الأزهر فى عصر دولتى المماليك البحرية والشراكسة، وفى العصر العثمانى؛ فوفدوا إليه، وبعد أن ينزلوا ضيوفا على بعض كبار علماء الأزهر، كانوا ينتقلون إلى أروقة الطلبة الوافدين، حيث ينزل كل عالم فى الرواق المخصص لأبناء إقليمه. ويستأنفون نشاطهم العلمى؛ فيتصدرون الحلقات الدراسية؛ فإذا فرغوا منها انصرفوا إلى الأروقة، عاكفين على التأليف العلمى. وعلى هذا النحو كانوا يقضون بقية حياتهم فى الأزهر وأروقته، حتى يدركهم الموت، أو يعودوا إلى أوطانهم. ومن أشهر هؤلاء ابن خلدون، وشمس الدين الفنارى، والمقرى، والزبيدى، وابن سودة المرى الفاسى.

مكتبة الأزهر الشريف

ويتضح لنا -فى النهاية- أن الأروقة تعد قطعة من التاريخ العلمى والاجتماعى للأزهر. ويصعب على الباحث الذى يؤرخ للأزهر أن يتجاهل دورها فى انفتاح الأزهر على العالم الإسلامى. مكتبة الأزهر الشريف جاء فى كتاب "أخبار مصر" لابن ميسر أنه قد أسند إلى داعى الدعاة أبى الفخر صالح منصب الخطابة بالجامع الأزهر مع خزانة الكتب وذلك فى أخبار سنة 517 هـ وإسناد الإشراف على خزانة الكتب إلى داعى الدعاة، وهو رئيس دينى بعد قاضى القضاة، شاهد على قيمتها وأهميتها. وذكر المقريزى "أن الحاكم أمر بنقل نصف الكتب التى كانت بدار الحكمة إلى الجامع الأزهر، والباقي إلى مسجده ومسجد المقس". وقد أشارت، "خطط المقريزى" إلي أن عدد الكتب بدار الحكمة بلغت مائة ألف كتاب، ولنا أن نستنتج من هذا أن مكتبة الأزهر كانت تحوى أكثر من خمسين ألف كتاب. وقد صارت مكتبة الأزهر من أشهر المكتبات فى العالم؛ يعرفها أهل البصر بالكتب، والباحثون من الشرق والغرب، ويشيرون إلى ما فيها من نفائس المخطوطات فى مؤلفاتهم عن الكتب والمكتبات، مثل "بروكلمان" وغيره. وهى ثانية المكتبات فى مصر من حيث عدد ما فيها من الكتب، واحتواؤها على كثير من نوادر المؤلفات والمخطوطات. وقد كان من نظم الأزهر فى القديم نظام الأروقة، وكان لكل رواق مكتبة خاصة يتم الانتفاع بها بالطريقة التى يراها أهل الرواق. وكذلك كان لبعض المساجد والمدارس القديمة التابعة للأزهر مكتبات على هذا النحو، كمسجد شيخون، ومسجد محمد أبى الدهب، وغيرهما. وكان فيما تناوله الإمام محمد عبده من إصلاح الأزهر إنشاء مكتبة أزهرية عامة، تعيد مجد مكتبته القديمة، وتجمع شتات الكتب المتفرقة فى الأروقة والمساجد، وتحفظ التراث العلمى الذى خلفه علماء الأزهر وغيرهم فى العصور المتوالية من الضياع، ذلك أن كثيراً من

نفائس الكتب التى كانت مودعة بمكتبات الأروقة تسرب إلى أيدي علماء أوروبا عن طريق سماسرة الكتب، فضلاً عن تعرض كثير منها للحشرات والأتربة؛ فتلفت أوراقها، وبليت ومزقت وخرمت وقطعت جلودها, ولم يسلم منها كتاب إلا فى النادر. وحوالى سنة 1270 هـ (1853 م) أمر ديوان عموم الأوقاف بجرد مكتبات المساجد والتكايا وأروقة الأزهر وحاراته, وقيدت جميعها فى سجلين جامعين، خصص أولهما لمكتبات الجامع الأزهر، وثانيهما لمكتبات المساجد والتكايا. وقد بلغ مجموع المجلدات فى ذلك الوقت فى مكتبات أروقة الأزهر وحاراته 18564 مجلد. فإذا رجعنا الآن إلى هذا السجل التاريخى لا نجد من أثمن الكتب وأنفسها إلا أسماءها. وتقدم الأستاذ الإمام بفكرة إنشاء المكتبة إلى مجلس إدارة الأزهر، فنالت القبول من أعضائه، وبخاصة المغفور له الشيخ حسونة النواوى, شيخ الجامع الأزهر إذ ذاك؛ وقد وهبها مكتبته الخاصة الشيخ عبد الكريم سلمان، الذى كان عضداً قويًا للأستاذ الإمام فى حركات إصلاح الأزهر. وقد تحققت الفكرة فى أول المحرم سنة 1314 هـ (1897 م)، بعد أن لاقى صاحبها عناء عظيمًا فى إقناع أهل الأروقة بفائدتها. وعلى الرغم مما بذله من محاولات فى هذا السبيل، فقد امتنع أهل بعض الأروقة عن ضم مكتباتها إلى المكتبة, كرواق الأتراك، ورواق المغاربة. وقد ضُمت مكتبة الصعايدة إلى المكتبة العامة فى سنة 1936 م، وضمت مكتبة رواق الأحناف فى سنة 1956 م. وقام المباشرون للتنفيذ بتذليل صعوبات جمة فى ترميم الكتب وإصلاحها وترتيبها، للحالة السيئة التى كانت عليها فى خزائن الأروقة كما أسلفنا، وفى ترتيبها فى أماكنها الجديدة، وتوزيعها على الفنون المكتبية. وقد ضمت هذه المكتبة عددًا من أجود المصاحف خطاً وورقاً، وكتباً فيها من الفوائد وعلوم التجويد ما لا يوجد فى سواها، وغير ذلك كثير. ولم يكتف الأستاذ الإمام فى تكوين المكتبة بما جمع من مكتبات الأروقة، بل دعا العظماء والعلماء، إلى المشاركة فى

فضل تكوينها، فاستجاب لدعوته بعض من علية الناس، ووهبها الشيخ حسونة النواوى، شيخ الجامع الأزهر، مكتبته الخاصة، ووهبها ورثة المرحوم سليمان باشا أباظة مكتبة والدهم، وهذه المكتبة هى أنفس المكتبات الخاصة بالمكتبة الأزهرية. وتشغل المكتبة الآن ستة مواقع متفرقة داخل الجامع الأزهر، وهى: المدرسة الأقبغاوية، والمدرسة الطيبرسية، والرواق العباسى، ورواق الأتراك، ورواق المغاربة، ورواق الشوام. وبالمدرسة الأقبغاوية المكتبة العامة بجميع فنونها، وبها أيضًا بعض المكتبات الخاصة، وفى قبتها الخارجية مكتب مدير المكتبة، وبدهليزها إدارة المكتبة وقاعة المطالعة. وبالمدرسة الطيبرسية طائفة من كتب العلوم التى تدرس غالباً فى الأزهر؛ وكانت تعار للطلاب على هيئة ملازم من الكتاب. وبالرواق العباسى بعض المكتبات الخاصة، وبعض الفنون التى ضاقت بها المدرسة الأقبغاوية؛ وقد أعدت به قاعة للمطالعة، تتسع لعدد كبير من المطالعين. وهذه الأماكن جميعها لم تنشأ أصلاً لتكون مكتبات؛ لهذا فهى الآن غير وافية بالغرض الذى تستخدم فيه، ومفتقدة إلى كثير من الجوانب التى يجب توافرها فى أبنية المكتبات. ولقد تنبه إلى ذلك الأستاذ الأكبر الشيخ محمد مصطفى المراغى، حين ولى مشيخة الأزهر فى سنة 1928 م، فوضع ضمن مشروع مبانى الجامعة الأزهرية مشروع بناء خاص بالمكتبة، تلاحظ فيه الحاجات اللازمة فى بناء المكتبات، وقد ظل هذا المشروع يتعثر فى طريق التنفيذ، حتى رأى الأزهر إقامة هذه المكتبة فى حديقة الخالدين (الدراسة) حيث يجرى العمل فيها الآن. ومكتبة الأزهر -كغيرها من المكتبات العامة- تزود روادها، على اختلاف أعمارهم ومستوياتهم، بالمواد العلمية فى جميع فروعها، وإن كان يغلب عليهم أنهم على مستوى خاص من الثقافة، وأن قصدهم منها الرجوع إلى المصادر

النادرة من المخطوطات والمطبوعات، التى تحتويها المكتبة، ويعز عليهم الحصول عليها فى المكتبات الأخرى. والمكتبة الأزهرية لا تقصر رسالتها على أهل الأزهر من العلماء والطلاب، بل تفتح أبوابها لمحبى الاطلاع، ورواد المعرفة، على اختلاف أجناسهم ودياناتهم ومعاهدهم؛ يطالعون فيها ما يشاءون، ويستعيرون منها ما يشاءون، فى حدود ما تسمح به أنظمة المكتبة، وتتبادل هذه المكتبة مع المكتبات الأخرى المخطوطات النادرة، لنسخها أو تصويرها. ويستعين الناشرون بمخطوطاتها للمقابلة عليها عند النسخ والطبع، وقد قضى بها بعض المستشرقين مدداً طويلة فى المراجعة والتمحيص، وتعد المكتبة الأزهرية بمثابة الأم لمكتبات الكليات والمعاهد فى القاهرة والأقاليم؛ تغذيها بالكتب اللازمة لها فى جميع الفنون، وبخاصة الكتب التى نفدت طباعتها، أو تعسر شراؤها لندرة وجودها فى المكتبات التجارية، كما أنها تمد لجنة الفتوى بالأزهر، ومجلة الأزهر، ولجان مجمع البحوث الإسلامية بالمراجع اللازمة. كان عدد الكتب التى بدأت بها المكتبة فى سنة 1897 م لدى الشروع فى تنظيمها 7703 كتاب. ويبلغ عدد كتبها الآن 79123 كتاب، تقع فى 183668 مجلد، موزعة على الفنون الآتية: المصاحف - القراءات - علوم القرآن - التفسير - مصطلح الحديث - الأصول - فقه أبى حنيفة - فقه مالك - فقه الشافعى - فقه ابن حنبل - المواريث - حكمة التشريع - الفقه العام - علم الكلام - المنطق - آداب البحث - الفلسفة - التصوف - آداب وفضائل - اللغة - الصرف - النحو - الوضع - البلاغة - العروض والقوافى - الأدب - التاريخ - تقويم البلدان (الجغرافيا) - الأخلاق والتربية والاجتماع - القوانين واللوائح - الطب - الحساب - الهندسة - الجبر والمقابلة - الفلك - الهيئة - الأدعية والأوراد - تعبير الرؤيا - الحرف والرمل - الفراسة والكف - الخط والرسم والإملاء - الاقتصاد السياسى - التجارة والصناعة - مسك الدفاتر - الزراعة - الطبوغيرافيا - الكيمياء والطبيعة - الفروسية والفنون الحربية

- الموسيقى - الصور والرسوم - النِحَل الإسلامية - الشرائع غير الإسلامية - الدوريات - الإحصائيات والنشرات والتقارير - المعارف العامة - اللغات الأجنبية - اللغات الشرقية. هذا عدا ما تضمه مكتبات الأروقة بالأزهر (رواق المغاربة وعدد مجلداته 3386 مجلد - ورواق الأتراك وعدد مجلداته 5051 مجلد - ورواق الشوام وعدد مجلداته 2100 مجلد). وهذه المكتبات بها نوادر من المخطوطات، وبخاصة مكتبة رواق المغاربة. ظلت المكتبة الأزهرية منذ إنشائها دون فهارس حتى سنة 1943 م، حين بدأ القائمون على أمر المكتبة وضع فهارس تفصيلية لها، وعانوا فى ذلك كثيراً من الصعاب، حتى صدر الجزء الأول من الفهارس، وهو فهرس أبجدى، يمتاز عن أمثاله من الفهارس باستيفاء البيانات عن موضوعات الكتب، مع ذكر مواليد المؤلفين ووفياتهم. وقد عني بالمخطوطات عناية خاصة، ولاسيما ما يتعلق منها بالناحيتين العلمية والفنية، وذلك ببيان ما عليها من سماعات وإجازات وتصحيحات، وما فيها من نقوش وزخارف تمثل روح الفن فى العصر الذى تؤرخه. وقد صدر الفهرس تباعاً فى ستة أجزاء؛ ثم صدر الجزء السابع منه، وهو ملحق للجزأين الثانى والثالث، فى سنة 1962 م؛ وصدر الجزء الثامن، وهو ملحق للجزء الخامس، فى سنة 1978 م؛ وتقع هذه الأجزاء فى 4650 صفحة. وقد أُهدى هذا الفهرس إلى الجامعات العلمية فى مصر والأقطار العربية وبعض جامعات أوروبا وأمريكا وآسيا، وإلى بعض المبرزين من العلماء فى هذه الأقطار. ويبلغ عدد المخطوطات بالمكتبة الأزهرية أربعة وثلاثين ألف مخطوط تقريبًا، يرجع تاريخها إلى القرن الثالث الهجرى وما بعده. ومن نوادر هذه المخطوطات قطعتان من مصحف كتبتا فى سنة 465 هـ، ومصحف مخطوط كتب سنة 528 هـ، ومصحف مخطوط كتب فى سنة

741 هـ. أما مخطوطات القرن التاسع وما بعدُه من المصاحف فهى كثيرة جداً. ومن نوادر كتب القراءات: الرعاية لتجويد القراءة، وتحقيق لفظ التلاوة- كتب سنة 557 هـ؛ واللآلئ الفريدة، فى شرح القصيدة "الشاطبية" -كتب سنة 706 هـ، وشرح الشاطبية للجعبرى- كتب سنة 739 هـ, وطيبة النشر لابن الجزري، عليها خطه- كتب فى سنة 847 هـ. ومن نوادر كتب التفسير: تفسير غريب القرآن للسجستانى- كتب فى سنة 514 هـ، وتفسير سورة الفاتحة لابن جزى الأَنْدلسى -كتب فى سنة 726 هـ, والكشاف للزمخشرى- كتب فى سنة 654 هـ من نسخة المؤلف، والتعريف والإعلام، فيما أبهم فى القرآن من الأسماء والأعلام، للسهيلى- كتب فى سنة 743 هـ, الجزء الأول من القول الوجيز، فى أحكام الكتاب العزيز، لأبي العباس السمين، بخط المؤلف المتوفى فى سنة 756 هـ. ومن نوادر كتب الحديث: غريب الحديث لابن سلام، المتوفى فى سنة 311 هـ, والجزء الرابع من مسند أبى عوانة- كتب سنة 617 هـ -, والجزء الأول من الإلمام، فى أحاديث الأحكام، لابن دقيق العيد- كتب فى سنة 731 هـ, وتحفة الأشراف، بمعرفة الأطراف، للمزى، المتوفى فى سنة 742 هـ, -كتب فى سنة 725 هـ، والتوشيح، على الجامع الصحيح، "البخارى" للسيوطى- كتب فى سنة 960 هـ. ومن نوادر كتب الفقه: عمدة الطالبين لابن الوزير -كتب فى سنة 603 هـ بخط المؤلف، وزاد الملوك، لابن المظفر؛ جعله مؤلفه هدية للسلطان قلاوون- كتب فى سنة 860 هـ، وتفصيل عقد الفرائد، لابن الشحنة، بخط المؤلف فى سنة 895 هـ، وحاشية الحموى على شرح الأشباه والنظائر، بخط المؤلف فى سنة 1097 هـ. ومن نوادر كتب التاريخ: رسوم دار الخلافة، للصابى -كتب فى سنة 455 هـ، ومعجم ما استعجم؛ للبكرى، فى تقويم البلدان- كتب فى سنة 596 هـ؛ والمجمع المؤسس، للمعجم

شيوخ الأزهر

المفهرس، لابن حجر، بخط المؤلف -فى سنة 829 هـ, وإنباء الغمر، بأنباء العمر، للحافظ ابن حجر العسقلانى، المتوفى فى سنة 852 هـ كتب فى سنة 879 هـ, ومسودة حسن المحاضرة، للسيوطى، بخطه، واقتطاف شقائق النعمان من رياض الوافى بوفيات الأعيان- كتب فى سنة 990 هـ بخط المؤلف، وأربعة وعشرون جزاً من تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر، وآثار الأُوَل، فى ترتيب الدول، للحسن بن العباس، بخط المؤلف فى سنة 709 هـ. ومكتبة الأزهر الآن صورة مشرفة للأزهر بوصفها مكتبة إسلامية كبرى، تستقبل العلماء والباحثين وطلاب العلم والمعرفة من البلاد الإسلامية والعربية ومن بلدان العالم قاطبة. شيوخ الأزهر شيخ الإسلام: يطلق هذا اللقب على من تمكن من فقه الإسلام وعلومه. وأقدم من أُطلق عليهم هذا اللقب من السلف الصالح كانوا من التابعين، مثل سعيد بن المسيب المخزومى والحسن البصرى والليث بن سعد وسفيان الثورى وعبد الله بن المبارك. على أن هذا اللقب أصبح يأخذ طريقة نحو الرسمية عندما طلب نظام الملك وزير السلطان ملك شاه فى أصفهان من فخر الدولة وزير الخليفة المقتدى أن يمنح الخليفة الإمام الهروى لقب شيخ الإسلام، وكان ذلك سنة 474 هـ، ثم أصبح هذا منصباً رسمياً بديلاً للمفتى فى الخلافة العثمانية. وفى مصر كان يتم إختيار شيخ الإسلام بالاختيار والاتفاق بين الشيوخ، ثم يخلع السلطان عليه الحلة إعلاناً بتعيينه فى منصب شيخ الأزهر. منصب شيخ الأزهر: يذكر على باشا مبارك فى كتابه (الخطط التوفيقية) أنه لما كان الأزهر كثير الطلبة والمدرسين كان من اللازم إقامة من يسوس أمورهم، ويفصل فى قضاياهم، ويضبط مرتباتهم، ويقيم شعائرهم، وهو فى الحقيقة شيخ فقهاء القطر بتمامه. كانت المشيخة أول الأمر للسادة المالكية، ثم للسادة الشافعية، ثم للسادة

الشيخ الإمام محمد الخراشى

الحنفية، ثم انتقلت بين المذاهب الفقهية المختلفة، فلم تعد مشيخة الأزهر مقصورة على مذهب واحد. وبدأت هذه المشيخة رسميا بإسنادها للشيخ محمد عبد الله الخراشى. الشيخ الإمام محمد الخراشى هو الشيخ محمد بن عبد الله الخراشى .. ولد فى بلدة (أبو خراش)، مركز شبراخيت، محافظة البحيرة، فى عام 1010 هـ (1601 م). كان شيخ المالكية فى عصره، ورعا، تقيًا، متقربا إلى الله بالعلم وخدمة الدين. تلقى علومه على يد نخبة من العلماء الأعلام، منهم والده الشيخ جمال الدين عبد الله ابن على الخراشى، والشيخ إبراهيم اللقاني، وغيرهما. درس العلوم المقررة بالأزهر: الدينية واللغوية، والتاريخ والسيرة النبوية، والعلوم النقلية كالمنطق والوضع. مكث عشرات السنين, يتلقى العلم ويلقنه. ومن تلامذته بعض مشايخ الأزهر, كالشيخ عبد الباقي القلينى، والشيخ إبراهيم الفيومى، وغيرهما. عرف بالتواضع, دماثة الخلق، وكرم النفس. وكان زاهدا متقشفا. انتقل إلى رحمة الله فى سنة 1101 هـ (1690 م). من آثاره العلمية: رسالة فى البسملة. فتح الجليل (فى الفقه المالكى). الشرح الكبير فى الفقه أيضا. حاشية على إيساغوجى (فى المنطق). الفرائد السنية فى حل ألفاظ السنوسية (فى التوحيد) الأنوار القدسية (فى التوحيد). الشيخ الإمام إبراهيم البرماوى هو الشيخ إبراهيم بن محمد بن شهاب الدين بن خالد البرماوى، نسبة إلى "برما"، من قرى محافظة الغربية. تلقى تعليمه الدينى على شيوخ الأزهر فى الشريعة واللغة قام بالتدريس فى الأزهر, وتتلمذ على يديه كثير من العلماء مثل الشيخ الإمام إبراهيم الفيومى سادس شيوخ الأزهر. ظل يواصل نشاطه فى التدريس حتى تولى مشيخة الأزهر فى سنة 1101 هـ (1690 م) انتقل إلى رحمة الله فى سنة 1106 هـ (1694 م).

الشيخ الإمام محمد النشرتى

من آثاره العلمية: حاشية على منظومة فى مصطلح الحديث حاشية على شرح ابن قاسم فى الفقه الشافعى حاشية على شرح الرحبية فى المواريث. الشيخ الإمام محمد النشرتى هو الشيخ محمد النشرتى. ولد فى قرية "نشرت" بمحافظة الغربية (كفر الشيخ حالياً) تعلم فى الأزهر، وعمل مدرساً به ونبغ فى هذا المجال، وكثر مريدوه فصار زعيماً لعلماء المالكية فى عصره. وقد كان هذا سببًا فى إتجاه الأنظار إليه لتولى المشيخة بعد الشيخ البرماوى، وكان ذلكَ عام 1106 هـ (1694 م) حرص على حلقة الدرس حتى بعد توليه المشيخة إلى أن لقى ربه كان يهتم بتلاميذه وقد تأثروا به، وأستفادوا من علمه، وكان من بينهم تلميذه الشيخ عبد الباقي القلينى، الذى تولى المشيخة من بعده ساعده توليه المشيخة والاستمرار فى التدريس مدة أربعة عشر عامًا على أداء رسالته التربوية نحو تلاميذه على خير وجه انتقل إلى رحمة الله عام 1120 هـ (1708 م). الشيخ الإمام عبد الباقى القلينى هو الشيخ عبد الباقى القلينى، من كبار المالكية نشأ فى قلين بمحافظة كفر الشيخ، وتلقى العلم على كبار علماء الأزهر من أمثال الشيخ البرماوى والشيخ النشرتى بعد أن أتم دراسته أخذ طريقه إلى التدريس فى الأزهر، ونال تقدير تلامذته، وعنى بالمراجع القديمة، فوجه تلاميذه إلى استخراج كنوز معارفها، وكان يعينهم على فهم ما استغلق عليهم منها تولى المشيخة عام 1120 هـ (1708 م) انتقل إلى رحمة الله عام 1132 هـ (1719 م). الشيخ الإمام محمد شنن من زعماء الأزهر المرموقين. وقد اشتهر قبل توليه المشيخة -إلى جانب علمه- بالثراء العريض. على أن هذا الثراء لم يشغله عن أداء رسالته العلمية. انتقل إلى رحمة الله عام 1133 هـ (1721 م) الشيخ الإمام إبراهيم الفيومى ولد عام 1602 هـ (1652)، تلقى علومه بالأزهر، وتتلمذ على الشيخ

الشيخ الإمام عبد الله الشبراوى

الخراشى، وكان معيداً له. يعد الشيخ الفيومى من علماء الحديث والمتبحرين فى اللغة؛ تتلمذ عليه الكثير من العلماء الأفذاذ كالشيخ الدمياطى والشيخ الصعيدى. كان عالماً ورعاً، من كبار عُلماء المالكية المشهود لهم بالورع والتقوى كَرَسَ حياته وجهوده لخدمة العلم والدين، وكان يولى التدريس فى الأزهر القسط الأوفى من العناية والاهتمام. تولى المشيخة سنة 1133 هـ (1721 م). انتقل إلى رحمة الله عام 1137 هـ (1725). من آثاره العلمية: شرح على العزية فى فن الصرف، وهو فى مجلدين. الشيخ الإمام عبد الله الشبراوى ولد الشيخ عبد الله بن محمد الشبراوى عام 1091 هـ (1680 م)، وتلقى تعليمه بالأزهر، فأخذ عن كبار علمائه. ومن أساتذته الأجلاء الشيخان القلينى والفيومى. كان من بيت علم وفضل، وعرف بكرم النفس قضى عمره فى تحصيل العلم وشتى فنون المعرفة، وكان شغوفا باقتناء الكتب النفيسة مما كان له أثره البارز فى تكوين شخصيته العلمية والأدبية، حتى صار من كبار علماء الشافعية فى عصره. كانت له اهتمامات أدبية ظهرت فى العديد من مصنفاته التى تركها. تولى المشيخة فى سنة 1137 هـ (1725 م) انتقل إلى رحمة الله عام 1171 هـ (1757 م). من آثاره العلمية: مفاتح الألطاف فى مدائح الأشراف (ديوان شعر). شرح الصدر فى غزوة بدر (تاريخ). عنوان البيان ونسيان الأذهان (فى البلاغة). عروس الآداب وفرحة الألباب (فى تقويم الأخلاق). نصائح الحكام وتراجم الشعراء مخطوطة. الشيخ الإمام محمد الحفنى ولد الشيخ محمد بن سالم بن أحمد الحفنى "الشافعى" بقرية حفنة - بمحافظة الشرقية - عام 1100 هـ (1689 م)، وتلقى تعليمه بالأزهر، وعرف بالعلم والورع. تولى المشيخة عام 1171 هـ (1757 م). قال عنه الجبرتى: "كان رحمه الله قطب رحى الديار المصرية، ولا يتم أمر من أمور الدولة وغيرها إلا باطلاعه وإذنه". انتقل

الشيخ الإمام عبد الرءوف السجينى

إلى رحمة الله عام 1181 هـ (1767 م) من آثاره العلمية: حاشية على الجامع الصغير للسيوطى (فى الحديث). حاشية على شرح الأشمونى (فى النحو). حاشية على شرح السمرقندى على الرسالة الوضعية العضدية (فى الوضع). رسالة فى التقليد فى الفروع (فى أصول الفقه). الثمرة البهية فى أسماء الصحابة البدرية (فى التاريخ). حاشية على البسط الماردينى للياسمينية (فى الجبر والمقابلة). الشيخ الإمام عبد الرءوف السجينى هو الشيخ عبد الرءوف بن محمد بن عبد الرحمن بن أحمد السجينى (الشافعى)، نسبة إلى قرية "سجين"، من قرى محافظة الغربية. ولد عام 1154 هـ (1741 م) نشأ وتربى فى بيت علم وفضل، فقد أخذ عن عمه الشيخ شمس الدين السجينى العلم فى الأزهر، ثم خلف عمه فى التدريس فى الأزهر. بعد وفاته عرف بالعلم والتقوى والحكمة والحزم. واختير للمشيخة عام 1181 هـ (1767 م). انتقل إلى رحمة الله عام 1182 هـ (1768 م)، بعد أن ساس الأزهر مدة قصيرة، سياسة حكيمة. الشيخ الإمام أحمد الدمنهورى هو الشيخ أحمد بن عبد المنعم بن يوسف الدمنهورى "الشافعى". ولد عام 1101 هـ (1689 م) بمدينة دمنهور، عاصمة البحيرة ونسب إليها. تلقى تعليمه فى الأزهر، ودرَّس المذاهب الفقهية الأربعة، ودرس فيها جميعا تولى المشيخة سنة 1182 هـ (1768 م) كان عالماً جليلا أحاط بجميع العلوم والفنون تقريبًا، وألَّف فيها. انتقل إلى رحمة الله سنة 1190 هـ (1778 م). من آثاره العلمية: حلية اللب المصون (فى البلاغة) رسالة عين الحياة فى استنباط المياه (فى الجيولوجيا) القول الصريح فى علم التشريح (فى الطب) القول المفيد لمعانى درة التوحيد (فى التوحيد) عقد الفرائد فيما للمثلث من فوائد (فى الهندسة). الدرة اليتيمة فى الصنعة الكريمة (فى الكيمياء).

الشيخ الإمام أحمد العروسى

الشيخ الإمام أحمد العروسى ولد الشيخ أحمد بن موسى بن داود العروسى "الشا فعى" عام 1133 هـ (1721 م)، بقرية منية عروس، مركز أشمون، محافظة المنوفية، ونسب إليها تلقى تعليمه على شيوخه الأجلاء فى الأزهر، فدرس التفسير على الشيخ الشبراوى، وأخذ عن حسن الجبرتى العلوم العقلية (الرياضيات والجبر والمقابلة)، كما أخذ التصوف عن السيد مصطفى البكري، وحذق علوم اللغة والفقه والحديث كان معيداً للشيخ الصعيدى، فاقتبس من علمه الغزير، وأخذ عنه خلق العلماء وجرأتهم وشجاعتهم، واتسم بالتقوى والورع تبوأ منزلة سامية بعلمه وصلاحه وتقواه وتسامحه وانتصاره للحق تولى المشيخة عام 1192 هـ (1778 م) احتج على موقف أحمد أغا الوالي عندما أساء إلى أهل الحسينية، وانتهى الأمر بعزل الوالي وتعيين غيره. وحضر الوالي الجديد إلى الأزهر واسترضى المشايخ انتقل إلى رحمة الله عام 1208 هـ (1793 م). من آثاره العلمية: شرح على نظم التنوير فى إسقاط التدبير (فى التصوف) حاشية على الملوى على السمرقندي (فى البلاغة). الشيخ الإمام عبد الله الشرقاوى هو الشيخ عبد الله بن حجازى بن إبراهيم الشرقاوى، ولد بقرية الطويلة، من قرى محافظة الشرقية، عام 1150 هـ (1737 م) حفظ القرآن الكريم فى قريته، ثم رحل إلى القاهرة، فتلقى تعليمه فى الأزهر على يد أعلام العلماء كالملوى والجوهرى والصعيدى والحفنى والدمنهورى تولى المشيخة عام 1208 هـ (1793 م) فى مرحلة من أهم مراحل التاريخ المصرى، حيث عاصر الثورة ضد الفرنسيين، وكان فى مقدمة زعماء الشعب، وواحداً من عشرة هم أعضاء مجلس الشورى الذى تقرب به نابليون إلى الشعب المصرى عاش ثورة الشعب المصري وانتفاضته، وأبلى بلاء حسناً فى حفاظه على الأزهر وحمايته انتقل إلى رحمة الله عام 1227 هـ (1812 م).

الشيخ الإمام محمد الشنوانى

من آثاره العلمية: التحفة البهية فى طبقات الشافعية (تراجم فقهاء الشافعية) فتح المبدى شرح مختصر الزبيدي فى الحديث) حاشية على كتاب التحرير للشيخ أبى زكريا الأنصارى (فى الفقه الشافعى) الجواهر السنية فى شرح العقائد المشرقية (توحيد) مختصر مغنى اللبيب لابن هشام (فى النحو) تحفة الناظرين فيمن ولى مصر من الولاة والسلاطين (تاريخ). الشيخ الإمام محمد الشنوانى هو الشيخ محمد بن على بن منصور الشنوانى. ولد بقرية شنوان، من قرى محافظة المنوفية درس بالأزهر، وعمل بالتدريس، كشأن علمائه، وتتلمذ على كبار العلماء مثل الصعيدى والدردير والبراوى وغيرهم كان متواضعًا، بعيدًا عن المزاحمة على المناصب. ومع ذلك فقد كان ذا شهرة علمية كبيرة مما دفع بمنصب شيخ الأزهر إليه كان لا يتردد فى إسداء النصيحة إلى الوالى، ولاسيما محمد على باشا، عندما أراد الاستيلاء على الأراضى، رغم أنه كان عزوفا عن الاتصال بالحكام كان من قادة المقاومة الوطنية للحملة الفرنسية تولى المشيخة عام 1227 هـ (1812 م) انتقل إلى رحمة الله عام 1233 هـ (1818 م). من آثاره العلمية: الجوهرة (فى التوحيد) حاشية على مختصر البخارى (فى الحديث) حاشية على السمرقندية (فى البلاغة) حاشية على العضدية فى آداب البحث (فى الوضع). الشيخ الإمام محمد العروسى هو الشيخ محمد أحمد العروسى الشافعى، ولد بالقاهرة ودرس بالأزهر، كما تلقى العلم على يد أبيه الشيخ أحمد العروسى، وجلس مكانه للتدريس بالأزهر كان محبوبًا من الجميع، وعرف باللباقة والمرونة كان يواصل التدريس لطلابه من الصباح حتى المساء، ولعل هذا ما صرفه عن التأليف. ولكنه ترك رجالاً تأثروا به ونهجوا نهجه. تولى المشيخة عام 1233 هـ (1818 م). انتقل إلى رحمة الله عام 1245 هـ (1829 م).

الشيخ الإمام أحمد الدمهوجى

الشيخ الإمام أحمد الدمهوجى ينسب إلى دمهوج، وهى قرية من قرى محافظة المنوفية، إلا أنه ولد بالقاهرة عام 1170 هـ (1756 م) تلقى تعليمه بالأزهر، ثم تولى التدريس فيه. وكان منقطعًا للعلم والعبادة تولى المشيخة عام 1245 هـ (1829 م). كان معروفًا بدقته العلمية وترفعه عن مظاهر الحياة وشواغلها. مما جعله يتفرغ كاملاً للدرس والعبادة، فكانت حياته علمية دينية خالصة. انتقل إلى رحمة الله عام 1246 هـ (1830 م). الشيخ الإمام حسن العطار هو الشيخ حسن بن محمد العطار، من أصل مغربى. ولد بالقاهرة فى عام 1182 هـ (1768 م) كان والده عطارًا، وكان يستخدم ابنه فى حانوته، وكان الابن شغوفا بالعلم، فتلقى تعليمه بالأزهر خفية فى بادئ الأمر. ولما رأى والده نبوغه وسرعة تفوقه أعانه على الدراسة، فجد فى التحصيل، وتلقى تعليمه على أيدى نخبة من العلماء منهم الشيخان الأمير والصبان وغيرهما. عاصر إحتلال الفرنسيين لمصر فأفاد من علماء الحملة، وارتحل إلى الشَّام وأوربا، واتسعت دائرة معارفه حتى شملت "المنقول والمعقول" فضلًا عن إلمامه بالتركية والفرنسية حتى عد نموذجا للعالم الأزهرى المتنوع الثقافات. يعد بحق رائدا من رواد النهضة، حيث تتلمذ على يده جيل من الرواد، كرفاعة الطهطاوى، ومحمد عياد الطنطاوى وغيرهما، وهو صاحب شعار "إن بلادنا لا بد أن تتغير أحوالها ويتجدد بها من المعارف ما ليس فيها" بعد رحلاته وعودته، أنشأ جريدة "الوقائع المصرية"، وأشرف على تحريرها تولى مشيخة الأزهر بعد أن ذاع صيته فى 1246 هـ (1830 م)، وظل بها حتى توفاه الله فى عام 1250 هـ (1834 م) ألف فى الشعر والنثر والمنطق والفلك والطب والطبيعة والكيمياء والهندسة وصفه الجبرتى بأنه: "قطب الفضلاء وتاج النبلاء ذو الذكاء المتوقد والفهم المسترشد الناظم الناثر، الآخذ من العلوم العقلية والأدبية بحظٍ وافر".

الشيخ الإمام حسن القويسنى

من آثاره العلمية: حاشية العطار على التهذيب (فى علم المنطق). حاشية العطار على إيساغوجى (فى علم المنطق). رسالة فى كيفية العمل بالاسطرلاب. ديوان شعر. مقالات فى الطب والجراحة. الشيخ الإمام حسن القويسنى هو الشيخ برهان الدين حسن بن درويش بن عبد الله بن مطاوع القويسنى. ولد بقرية قويسنا، محافظة المنوفية، وكان كفيف البصر, ولكنه كان مجداً مثابراً فى تحصيل العلم، حتى قفز إلى الصف الأول من العلماء. كان ورعا زاهدا منقطعا للدرس والعبادة، واختير شيخًا للأزهر عقب وفاة الشيخ العطار سنة 1250 هـ (1834 م) حتى لقى ربه سنة 1254 هـ (1838 م). تخرج على يديه كثير من الاْعلام، منهم الباجورى والذهبى والطهطاوى وغيرهم. من آثاره العلمية: رسالة فى المواريث (فقه)؛ شرح على متن السلم (منطق). الشيخ الإمام أحمد عبد الجواد السفطى ولد بقرية "سفط"، محافظة بنى سويف، ثم قدم إلى القاهرة، وتلقى تعليمه بالأزهر على يد بعض الأعلام مثل الشيخ الدمهوجى والشيخ الشنوانى. عكف على الدرس والتحصيل، وضرب المثل فى الجد والمثابرة، حتى وصل إلى قمة من القمم العلمية والفقهية. ولى المشيخة سنة 1254 هـ (1838 م). انتقل إلى رحمة الله عام 1263 هـ (1847 م). الشيخ الإمام إبراهيم الباجورى ولد الشيخ إبراهيم بن محمد بن أحمد الباجورى فى الباجور، محافظة المنوفية سنة 1198 هـ (1784 م). قدم إلى القاهرة, وتلقى علومه بالأزهر على جماعة من أفاضل العلماء منهم الشيخ الشرقاوى والشيخ القويسنى. تولى التدريس وألف فى عدة فنون، وظل يباشر دروسه حتى بعد توليه المشيخة سنة 1263 هـ (1847 م). كان حريصاً على كرامة العلماء، وكان يحضر بعض دروسه حاكم مصر. ولما

الشيخ الإمام مصطفى محمد العروسى

تقدمت به السن, وهو مضطلع بأعباء المشيخة، عين هيئة للقيام بأعباء المشيخة برياسة الشيخ مصطفى العروسى، وعضوية الشيخ أحمد كيوة العدوي المالكى، والشيخ إسماعيل الحلبي الحنفى، والشيخ خليفة الفشنى الشافعى، والشيخ مصطفى الصاوى الشافعى. وظلوا قائمين مقامه حتى توفاه الله سنة 1277 هـ (1860 م). من آثاره العلمية: حاشية على متن الجوهرة (فى التوحيد). حاشية على المختصر السنوسى (فى المنطق). حاشية على متن السمرقندية (فى البلاغة). فتح الفتاح على ضوء المصباح (فى الفقه). فتح الخبير اللطيف فى التصريف (فى الصرف). الشيخ الإمام مصطفى محمد العروسى * ولد الشيخ مصطفى بن محمد بن أحمد العروسي عام 1213 هـ (1798 م). تلقى العلم على يد والده شيخ الأزهر، وكان جده الشيخ أحمد العروسى شيخًا للأزهر كذلك. عرف بالعلم والتقوى والحزم والحرص على النظام، فهابه العلماء، وخاصة الطلاب، فمضى فى طريق الإصلاح، وتحقق على يده كثير من الأنجازات التى تدل على بعد البصر والحكمة. تولى المشيخة عا م 1281 هـ (1864 م)، ولكنه مالبث أن عزل فى سنة 1287 هـ (1870 م). انتقل إلى رحمة الله عام 1293 هـ (1876 م). من آثاره العلمية: شرح على الرسالة القشيرية (فى التصوف). كشف الغمة وتقييد معاني أدعية سيد الأمة. العقود الفرائد فى بيان معاني العقائد. الشيخ الإمام محمد المهدى العباسى ولد الشيخ محمد بن محمد أمين بن محمد المهدى العباسى بالإسكندرية عام 1243 هـ (1827 م)، فقرأ بها القرآن الكريم، ثم حضر إلى القاهرة، فأتم حفظه، وتلقى تعليمه على عدد من العلماء المشهورين منهم الشيخ إبراهيم السقا والشيخ خليل الرشيدى. تولى منصب الإفتاء، وهو لا يزال طالبًا. تولى المشيخة إلى جانب منصب الإفتاء عام 1287 هـ (1870 م). بدأ عهده فى المشيخة بتنظيم شئون الأزهر، وأعاد لأهل الأزهر حقوقهم، ثم وضع قانونا

الشيخ الإمام شمس الدين الإنبابى

للتدريس فى الأزهر، وقانونا آخر لتنظيم الامتحان. لم يتجاوب مع الثورة العرابية، فعزل من المشيخة عام 1299 هـ (1882 م)، ثم أعاده الخديو إليها وبقى فيها حتى عام 1304 هـ (1887 م)، ولكنه ما لبث أن اختلف مع الخديو فطلب إعفاءه من منصبه وأجيب إلى طلبه. انتقل إلى رحمة الله عام 1315 هـ (1898 م). من آثاره العلمية: الفتاوى المهدية (فى الفقه)؛ رسالة فى تحقيق ما استتر من تلفيق (فى الفقه). رسالة فى مسألة الحرام (على مذهب الحنفية). الشيخ الإمام شمس الدين الإنبابى هو الشيخ شمس الدين محمد بن محمد بن حسن الإنبابى. ولد بالقاهرة سنة 1240 هـ (1824 م)، وحفظ القرآن، وتلقى علومه بالأزهر على يد عدد من العلماء الأجلاء منهم الشيخ الباجورى والشيخ السقا والشيخ البولاقى. تولى التدريس بالأزهر بعد أن أجازه أساتذته، فلفت إليه الأنظار بسعة إطلاعه، وغزارة مادته، وحسن بيانه. انتخب أمينا للفتوى فى عهد الشيخ الإمام مصطفى العروسى، ثم وكيلا عنه فى إدارة الأزهر. تخرج على يديه كثير من الأعلام منهم الشيخ الإمام حسونة النواوى، والببلاوى، والجيزاوى. تولى المشيخة مرتين: الأولى سنة 1299 هـ (1882 م)، أثناء الثورة العرابية، ولكنه استقال فى العام نفسه. أعيد تعيينه سنة 1304 هـ (1887 م)، وظل بها حتى استقال فى سنة 1312 هـ (1896 م)، لأسباب صحية. انتقل إلى رحمة الله فى عام 1313 هـ (1896 م). من آثاره العلمية: تقرير على حاشية العطار على الأزهرية (فى النحو) تقرير على حاشية السجاعى على القطر (فى النحو). تقرير على حاشية الأمير على الشذور (فى النحو). تقرير على حاشية على ابن عقيل (فى النحو). تقرير على شرح الأشمونى (فى النحو) تقرير على حاشية البرماوى (فى الفقه) .. الشيخ الإمام حسونة النواوى هو الشيخ حسونة بن عبد الله النواوى. ولد فى قرية نواى، مركز ملوى، محافظة المنيا ونسب إليها. تلقى

الشيخ الإمام عبد الرحمن النواوى

علومه بالأزهر على أفاضل العلماء، كالشيخ الإنبابى فى العلوم العقلية والشيخ البحرى فى الفقه الحنفي. عين فى مسجد محمد على بالقلعة لتدريس الفقه، وكذلك فى مدرسة دار العلوم، ومدرسة الحقوق. تولى المشيخة عام 1313 هـ (1896 م)، وبقى بها حتى عام 1317 هـ (1900 م) حيث تركها، ثم عاد فتولاها مرة أخرى عام 1327 هـ (1909 م) , وعاد فتركها فى السنة نفسها. يعد الشيخ حسونة النواوى ثانى اثنين جمعا بين المشيخة والإفتاء، إذ أسند إليه الإفتاء سنة 1315 هـ (1898 م). وضع قانوناً لتنظيم الأزهر اشتمل على ستة أبواب. عارض الحكومة فى تعديل قانون المحاكم الشرعية، وجواز دخول قضاة أهليين إليها. وقد تسبب ذلك فى إبعاده عن منصبه. أنشأ المكتبة الأزهرية والرواق العباسى. فتح المجال للإمام الشيخ محمد عبده لمتابعة تنفيذ قوانين الإصلاح. انتقل إلى رحمة الله تعالى عام 1343 هـ (1924 م). منح اسمه وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى بمناسبة الاحتفال بالعيد الألفى للأزهر. من آثاره العلمية: سلم المسترشدين فى أحكام الفقه والدين. الشيخ الإمام عبد الرحمن النواوى ولد بقرية نواى، سنة 1255 هـ (1839 م). حفظ القرآن الكريم، وارتحل إلى القاهرة، وتلقى علومه بالأزهر، وتتلمذ على علمائه الأفاضل كالشيخ البحرواى والشيخ السقا والشيخ الإنبابى. بعد أن أتم دراسته اتجه إلى الوظائف العامة خارج الأزهر، ونال ثقة الجميع فى جميع الوظائف التى أسندت إليه، ومنها: - - إمامة فتوى مجلس الأحكام عام 1280 هـ؛ قضاء مديرية الجيزة عام 1290 هـ؛ قضاء مديرية الغربية عام 1296؛ العمل بالمحكمة الشرعية الكبرى عام 1306 هـ؛ الإفتاء بالحقانية عام 1313 هـ؛ اشتهر بالعلم والعدل والنزاهة، فوقع عليه الاختيار للمشيخة سنة 1317 هـ (1900 م)، ولكن مدته لم تطل، إذ عاجلته المنية بعد شهر واحد.

الشيخ الإمام سليم بن أبى فراج البشرى

الشيخ الإمام سليم بن أبى فراج البشرى ولد فى محلة بشر، من قرى محافظة البحيرة، عام 1248 هـ (1832 م). تلقى علومه بالأزهر على يد علمائه الأجلاء كالشيخ الباجورى والشيخ عليش والشيخ الخنانى الذى استخلفه فى قراءة أمهات الكتب مع تلاميذه، فباشر عمله فى التدريس، وذاع صيته، وتخرج على يده كثير من الأزهريين النابهين. بجانب تدريسه للعلوم فى الأزهر كان شيخًا ونقيبا للمالكية وعضوا فى مجلس إدراة الأزهر. ولى المشيخة عام 1317 هـ (1900 م) واستقال من المنصب عام 1320 هـ (1902 م)، ثم عين مرة ثانية وفقا لشروطه عام 1327 هـ (1909 م)، وبقى بالمنصب حتى لقى ربه عام 1330 هـ (1916 م). على الرغم من أعبائه فى المشيخة ونقابة المالكية، لم يترك التدريس والتأليف وقيادة الحركة الإصلاحية. كانت له مواقف تشهد بشجاعته، وبعد نظره وحكمته مما رفع من شأن الأزهر علماء وطلابا. من آثاره العلمية: حاشية تحفة الطلاب لشرح رسالة الآداب (فى الأدب). حاشية على رسالة الشيخ عليش (فى التوحيد). شرح نهج البردة. الاستئناس فى بيان الأعلام وأسماء الأجناس (فى النحو). الشيخ الإمام على محمد الببلاوى ينسب إلى بلده ببلا، بمحافظة أسيوط، حيث ولد سنة 1251 هـ (1835 م)، وحفظ القرآن الكريم، ثم سافر إلى القاهرة ليتلقى تعليمه بالأزهر على يد أعلامه مثل الشيخ الإنبانى والشيخ عليش والشيخ الأسيوطى. باشر التدريس بالأزهر والمسجد الحسينى، وعمل بدار الكتب، ووصل إلى نظارتها سنة 1299 هـ (1882 م)، ثم نحى عنها بعد أحداث الثورة العرابية، حيث كان صديقاً لشاعرها البارودى. عين نقيبا للأشراف سنة 1213 هـ، وأبلى فى تنظيم نقابة الأشراف أحسن البلاء، وجمع إليها مشيخة المسجد الحسينى. عين شيخا للأزهر بعد استقالة الشيخ البشرى سنة 1320 هـ (1902 م). تجاوب مع الشيخ محمد عبده فى

الشيخ الإمام عبد الرحمن الشربينى

نظرته الإصلاحية، مع يقينه أن هذا مصدر خطر له من جهة الخديو. ولما اتضح له أن الأمور لا تبدو مواتية قدم استقالته فى سنة 1323 هـ (1905 م)، وانتقل إلى رحمة الله فى السنة نفسها. من آثاره العلمية: إعجاز القرآن (مقالات نشرها فى روضة المدارس). رسالة فى فضائل ليلة النصف من شعبان. الشيخ الإمام عبد الرحمن الشربينى هو الشيخ عبد الرحمن بن محمد بن أحمد الشربينى. تلقى تعليمه بالأزهر، واشتهر بالتعمق فى دراسة المصادر القديمة. أخذ مكانة فى التدريس بالأزهر، وأصبح معروفا بالعكوف على القديم من كتب التراث. كان من أنصار القديم ومناوئا للجديد، ولهذا وقف ضد تيار الإصلاح الذى حمل لواءه الشيخ محمد عبده لجأ إليه الخديو ليقضى على الإصلاح ودعاته بعد أن يئس من الشيوخ السابقين الذين أبوا أن يستجيبوا له. كان الشيخ الشربينى مشفقا على الأزهر من الانغماس فى العلوم الحديثة واهماله لعلومه الأصلية. تولى المشيخة عام 1323 هـ (1905 م). قدم استقالته عندما أساء الخديو استخدام موقفه ضد الإصلاح عام 1324 هـ (1906 م). انتقل إلى رحمة الله عام 1926 م. من آثاره العلمية: تقرير على حاشية البناني (فى أصول الفقه). تقرير على حاشية ابن قاسم مع شرح شيخ الإسلام زكريا على البهجة الوردية (فى الفقه). فيض الفتاح على شرح المفتاح (فى البلاغة). الشيخ الإمام أبو الفضل الجيزاوى ولد بقرية وراق الحضر. من قرى محافظة الجيزة، سنة 1264 هـ (1847 م)، وتلقى تعليمه بالأزهر على يد أفاضل العلماء مثل الشيخ عليش، الشيخ العدوي والشيخ الإنبابى وغيرهم. عين عضوا فى إدارة الأزهر فى عهد الشيخ البشرى، ثم وكيلا للأزهر سنة 1326 هـ (1908 م)، ولم يترك التدريس طوال هذه الفترة. تولى المشيخة سنة 1335 هـ (1917 م).

الشيخ الإمام محمد مصطفى المراغى

عاصر أحداث الثورة المصرية سنة 1919 م، وما تلاها من صراع بين الشعب ومستعمريه وحكامه، وقاد مسيرة الأزهر فى خضم تلك الأحداث حتى لقى ربه سنة 1346 هـ (1927 م). استصدر قانونا فى سنة 1923 م تقدم به خطوة نحو الإصلاح، يتضمن: 1 - خفض كل مرحلة من مراحل التعليم بالأزهر إلى أربع سنوات. 2 - إنشاء أقسام للتخصص فى التفسير والحديث والفقه والأصول والنحو والصرف والبلاغة والأدب والتوحيد والمنطق، والتاريخ والأخلاق. ويلتحق بها من يحصل على العالية. 3 - تأليف لجنة لإصلاح التعليم فى الأزهر انتهت إلى وجوب تدريس العلوم الرياضية التى تدرس بالمدارس المدنية. منح اسمه وسام العلوم والفنون من الطَّبقة الأولى بمناسبة الاحتفال بالعيد الألفى للأزهر. من آثاره العلمية: الطراز الحديث فى فن مصطلح الحديث. حاشية على شرح العضد فى أصول الفقه. كتاب تحقيقات شريفة. الشيخ الإمام محمد مصطفى المراغى ولد بالمراغة، من مراكز سوهاج، سنة 1298 هـ (1881 م). حفظ القرآن الكريم، ثم حضر إلى الأزهر فتلقى علومه على كبار علمائه مثل الشيخ محمد عبده، وقد تأثر به وأفاد منه علما ومنهجا فى الإصلاح. اتسم الشيخ المراغى بسعة الأفق، ولم يكن يكتفى بدراسة الكتب، بل جعل يقبل على كل مصادر المعرفة. بعد أن حصل على العالمية سنة 1904 م عمل بالقضاء فى السودان، ثم تدرج فى المناصب حتى عين رئيسا للمحكمة الشرعية العليا سنة 1923 م، ثم عين شيخًا للأزهر 1928 م واستقال عام 1929 م، ثم عاد إلى المشيخة مرة ثانية عام 1935 م، وبقى بها حتى وفاته سنة 1945 م. كان مولعا بالإصلاح فى كل مجال عمل فيه؛ ففى حقل القضاء شكل لجنة لتنظيم لائحة الأحوال الشخصية برياسته، ولم يتقيد بمذهب أبى حنيفة كما كان المتبع آنذاك، وكان فى هذا متأثراً بنزعة شيخه الأستاذ الإمام محمد عبده. تزعم الدعوة إلى فتح باب

الشيخ الإمام محمد الأحمدى الظواهرى

الاجتهاد وتوحيد المذاهب حتى تتوحد الأمة. دارت بينه وبين أغاخان سنة 1938 م محادثات بهدف تكوين هيئة للبحث الدينى تستهدف التضامن بين الهيئات التعليمية فى العالم الإسلامى، والعمل على تبسيط قواعد الدين الإسلامى وتعاليمه، ومحاولة التوفيق بين المسلمين على اختلاف مذاهبهم، وتأكيد الروابط فيما بينهم. فى مشيخة الأزهر ألف لجاناً لدراسة قوانين الأزهر والعمل على إصلاحها، كما شكل لجنة من كبار العلماء تتولى الإفتاء فيما يعرض عليها من أمور المسلمين. عدل فى نظام هيئة كبار العلماء، وأضاف شروطاً لإختيار أعضائها وأسماها جماعة العلماء. أنشأ مراقبة للبحوث والثقافة الإسلامية عام 1945 م، وتختص بالنشر والترجمة والعلاقات الإسلامية والبعوث الإسلامية والدعاة. منح اسمه وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى بمناسبة الاحتفال بالعيد الألفى للأزهر. من آثاره العلمية: الأولياء والمحجورون. نال بها عضوية هيئة كبار العلماء (فى الفقه). تفسير جزء تبارك. بحث فى وجوب ترجمة معاني القرآن الكريم. مباحث لغوية وبلاغية. الشيخ الإمام محمد الأحمدى الظواهرى ولد بقرية "كفر الظواهرى"، بمحافظة الشرقية سنة 1295 هـ (1887 م)، ونشأ فى بيت علم وصلاح. حصل على العالمية من الدرجة الأولى، ودرس بمعهد طنطا الأحمدى، وذاع صيته من الناحيتين العلمية والصوفية. ألف كتابه (العلم والعلماء)، وفيه دعوة إلى الإصلاح، تلك التى كان يقف لها الشيخ الشربينى بالمرصاد. عين شيخًا لمعهد طنطا، وكان متحمسا للإصلاح، وانعكس ذلك على المعهد وطلابه، ثم عين عضوا بالمجلس الأعلى للأزهر. تولى المشيخة عام 1348 هـ (1929 م) فأقبل على الإصلاح، وصدر القانون رقم 49 لسنة 1930 م الذى تضمن إنشاء كلية الشريعة وكلية أصول الدين وكلية اللغة العربية، وتخصص المادة لتخريج مدرسين للكليات، وتخصص المهنة (الدعوة - القضاء - التدريس). تضمن القانون كذلك تأليف هيئة تسمى

الشيخ الإمام مصطفى عبد الرازق

مجلس الأزهر الأعلى، ولها حق النظر فى اللوائح والقوانين برياسة شيخ الأزهر وعضوية الوكيل والمفتى ومشايخ الكليات. انتقل إلى رحمة الله تعالى عام 1944 م. مُنح اسمه وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى بمناسبة الاحتفال بالعيد الألفى للأزهر. من آثاره العلمية: العلم والعلماء فى الإصلاح. رسالة الأخلاق الكبرى. السياسة والأزهر (مقالات ومذكرات). الوصايا والآداب. مقادير الأخلاق. الشيخ الإمام مصطفى عبد الرازق ولد الشيخ مصطفى بن حسن بن أحمد بن محمد عبد الرازق بقرية "أبو جرج"، من قرى محافظة المنيا، سنة 1304 هـ (1885 م)، وحفظ بها القرآن الكريم، ثم حضر إلى القاهرة حيث تلقى تعليمه بالأزهر على أيدى علمائه الأجلاء ومنهم الأستاذ الإمام محمد عبده. توطدت الروابط بين الإمام محمد عبده وبين والده حسن باشا عبد الرزاق، وكان ذا ثقافة دينية أزهرية، فضلا عن مكانته الاجتماعية والسياسية. تأثر الشيخ مصطفى بالإمام محمد عبده تأثرا كبيرا، ودفعه ذلك إلى الاهتمام بتراث الشيخ جمال الدين الأفغانى أيضًا. نبغ الشيخ مصطفى فى دراسته، ونال شهادة العالمية من الدرجة الأولى. عين للتدريس بمدرسة القضاء الشرعي، ولكن طموحه دفعه إلى الاستزادة من العلم، فارتحل إلى فرنسا ليجمع إلى ثقافته ثقافة الغرب من خلال جامعة السوربون، وأفاد من دراسته فى الفلسفة والآداب. عاد ليتدرج فى الوظائف، سكرتيرا لمجلس الأزهر سنة 1916 م، ثم مفتشا فى المحاكم الشرعية سنة 1921 م، ثم أستاذاً للفلسفة فى كلية الآداب سنة 1927 م. تقلد منصب وزارة الأوقاف عدة مرات، ثم تقلد المشيخة سنة 1945 م. صادفته عدة صعاب لدى توليه المشيخة. ومضى الشيخ فى طريقه للإصلاح، واستطاع أن يجمع حوله العلماء. ولكن عاجلته المنية سنة 1947 م. من آثاره العلمية: ترجمة فرنسية لرسالة التوحيد للشيخ محمد عبده بالاشتراك مع الأستاذ ميشيل برنارد. رسائل بالفرنسية عن معنى الإسلام

الشيخ الإمام محمد مأمون الشناوى

ومعنى الدين فى الإسلام. التمهيد لتاريخ الفلسفة. فيلسوف العرب والمعلم الثانى. الإمام الشافعى. الإمام محمد عبده. بحث فى حياة البهاء زهير وشعره. الشيخ الإمام محمد مأمون الشناوى ولد فى "الزرقا"، من مراكز دمياط حاليا سنة 1878 م. ولما أتم حفظ القرآن حضر إلى القاهرة وتلقى تعليمه فى الأزهر، ونال إعجاب أساتذته الأعلام، ومنهم الشيخ محمد عبده، والشيخ الإمام أبو الفضل الجيزاوى. نال شهادة العالمية سنة 1906 م، اشتغل بالتدريس بمعهد الإسكندرية حتى سنة 1917 م. ثم عين قاضيا شرعيا. لما ذاع صيته العلمى والخلقى اختاره المسئولون إماما للسراى الملكية. بعد صدور قانون تنظيم الأزهر سنة 1930، عين عميدا لكلية الشريعة، ثم عضوا فى جماعة كبار العلماء سنة 1934 م، فوكيلا للأزهر مع رياسته للجنة الفتوى سنة 1944 م. وفى سنة 1948 م عين شيخا للأزهر. وسع من دائرة البعثات للعالم الإسلامى، وأرسل النوابغ لانجلترا لتعلم اللغة الإنجليزية توطئة لإيفادهم الى البلاد الإسلامية التى تتخاطب بالإنجليزية. أفسح المجال أمام الوافدين إلى الأزهر مع طلاب البعوث، ويسر لهم الإقامة والدراسة. اختط للمعاهد الدينية خطة تغطى عواصم الأقاليم، حيث افتتح فى عهده خمسة معاهد جديدة. وصل إلى اتفاق مع وزارة المعارف ليكون الدين الإسلامى مادة أساسية بالمدارس، وأن يتولى تدريسها خريجو الأزهر. أسهم فى الحركة الوطنية سنة 1919 م بقلمه ولسانه. انتقل الى رحمة الله فى سنة 1950 م. منح اسمه وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى بمناسبة الاحتفال بالعيد الألفى للأزهر. الشيخ الإمام عبد المجيد سليم ولد سنة 1882 م في قرية "ميت شهالة"، من قرى المنوفية، وتلقى تعليمه بالأزهر على يد علمائه الأفاضل، ومنهم الإمام الشيخ محمد عبده. حصل على العالمية من الدرجة الأولى عام 1908 م. عاصر أحداث وطنه وشارك فيها وشغل الكثير من المناصب الدينية

الشيخ الإمام إبراهيم إبراهيم حمروش

فى الأزهر والقضاء الشرعى والإفتاء، وكان لآرائه الدينية صدى بعيد فى العالم الإسلامى كافة. أشرف على الدراسات العليا فى الأزهر، ورأس لجنة الفتوى وأسهم فى إصلاح الأزهر. أثر عنه اشتغاله بالتقريب بين المذاهب الإسلامية. وله فى هذا المجال كثير من المراسلات مع علماء البلاد الإسلامية. كان فقيها حرا لا يتقيد بمذهب معين، وإنما يتعمق الأدلة، وهو فى هذا متأثر بأستاذه الإمام محمد عبده. انتقل إلى رحمة الله 1954 م. منح اسمه وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى بمناسبة الاحتفال بالعيد الألفى للأزهر. من آثاره العلمية: فتاويه، وتبلغ بضعة عشر ألف فتوى. مقالاته وآراؤه ودراساته فى الصحف والمجلات، وبخاصة "رسالة الإسلام". الشيخ الإمام إبراهيم إبراهيم حمروش ولد فى قرية "الخوالد" مركز إيتاى البارود، محافظة البحيرة، سنة 1880 م، ونشأ بها، فحفظ القرآن الكريم، ثم حضر إلى القاهرة، وتلقى تعليمه بالأزهر. درس على أعلام العلماء كالشيخ محمد عبده والشيخ أبو خطوة والشيخ بخيت وغيرهم. حصل على العالمية من الدرجة الأولى سنة 1906 م. عمل مدرسا فى الأزهر، ثم قاضيا فى المحاكم الشرعية، ثم شيخا لمعهد أسيوط سنة 1928 م، ثم شيخا لمعهد الزقازيق، ثم عميدا لكلية اللغة العربية عند إنشائها سنة 1932 م، ثم شيخا لكلية الشريعة سنة 1944 م. كان رئيسا للجنة الفتوى، وعضو مجمع اللغة العربية منذ انشائه سنة 1932 م. تولى المشيخة فى سبتمبر سنة 1951 م، وأعفى من منصبه فى فبراير سنة 1952 م، إثر أحد مواقفه الوطنية. انتقل إلى رحمة الله فى نوفمبر 1960 م. منح اسمه وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى بمناسبة الاحتفال بالعيد الألفى للأزهر. من آثاره العلمية: عوامل نمو اللغة (بحث نال به عضوية جماعة كبار العلماء). فصول ودراسات فى مجلة المجمع اللغوى. مقالات وأبحاث عديدة فى الصحف والمجالات.

الشيخ الإمام محمد الخضر حسين

الشيخ الإمام محمد الخضر حسين ولد بمدينة "نفطة" بتونس سنة (1293 هـ، 1876 م)، وحفظ القرآن الكريم، ثم التحق بجامعة الزيتونة 1307 هـ (1889 م)، ونال شهادة العالمية سنة 1321 هـ (1903 م). تولى التدريس فى الزيتونة، وأنشأ مجلة السعادة العظمى سنة 1321 هـ، ثم ولى قضاء بنزرت بتونس عام 1324 هـ (1905 م) إلى جانب التدريس والخطابة بمسجدها، ثم استقال وعاد إلى الزيتونة للتدريس بها ثانية. وفى سنة 1325 هـ اشترك فى تأسيس "الجمعية الزيتونية". عين مدرسا فى سنة 1326 هـ بمدرسة الصادقية، وهى المدرسة الثانوية الوحيدة فى القطر التونسى. كرس قلمه وبيانه لمحاربة الاستعمار، وتنقل بين أقطار عربية وغربية كثيرة حتى استقر به المقام فى القاهرة، حيث حصل على العالمية من الأزهر، وأصبح من علمائه وأساتذته. تجنس بالجنسية المصرية، وشارك فى النشاط العلمى والعملى، وعين رئيسا لتحرير مجلة الأزهر عام 1349 هـ (1931 م). عين عضوا بمجمع اللغة العربية منذ إنشائه. فى سنة 1366 هـ صدرت مجلة لواء الإسلام فعهد إليه برياسة تحريرها. فى سنة 1370 هـ تقدم برسالة (القياس فى اللغة العربية) ونال بها عضوية جماعة كبار العلماء. تولى مشيخة الأزهر فى سنة 1371 هـ (1952 م)، واستقال لأسباب صحية سنة 1373 هـ. انتقل إلى رحمة الله سنة 1377 هـ (سنة 1958 م). منح اسمه وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى بمناسبة الاحتفال بالعيد الألفى للأزهر. من آثاره العلمية: كتاب القياس فى اللغة العربية. نقض كتاب "الإسلام وأصول الحكم ". نقض كتاب "فى الشعر الجاهلى". ديوان "خواطر الحياة". الشيخ الإمام عبد الرحمن تاج ولد بأسيوط سنة 1896 م، وحفظ القرآن، ودرس مبادئ العلوم الدينية والعربية، ثم التحق بمعهد الإسكندرية

الشيخ الإمام محمود شلتوت

الدينى سنة 1910 م، ونال شهادة العالمية سنة 1923 م. عين مدرسا بمعهد أسيوط، ثم نقل إلى معهد القاهرة سنة 1931 م، ثم عين مدرسا بكلية الشريعة سنة 1933 م، ثم عين عضوا بلجنة الفتوى ممثلا للمذهب الحنفى. سافر فى بعثة الأزهر إلى جامعة السوربون بفرنسا، وعاد ليعين فى كلية الشريعة فى قسم تخصص القضاء الشرعى، وعضوا بلجنة الفتوى. نال عضوية جماعة كبار العلماء برسالته "السياسة الشرعية" ثم عمل أستاذا للشريعة الإسلامية بكلية حقوق عين شمس، واختير عضوا فى لجنة الدستور، وعين شيخا للأزهر سنة 1954 م. أخذ خطوة فى طريق الإصلاح، فقرر تدريس اللغات الأجنبية، وظل شيخا للأزهر إلى أن عين وزيرا. فى سنة 1963 م أصبح عضوا بمجمع اللغة العربية. منح وسام الجمهورية من الطبقة الاْولى عام 1955 م. انتقل إلى رحمة الله سنة 1955 م. منح اسمه وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى بمناسبة الاحتفال بالعيد الألفى للأزهر. من آثاره العلمية: البابية وعلاقاتها بالإسلام (بالفرنسية) رسالة الدكتوراه. السياسة الشرعية فى الفقه الإسلامى (رسالة عضوية كبار العلماء). الأحوال الشخصية فى الشريعة الإسلامية. مذكرة فى الفقه المقارن. حكم الربا فى الشريعة الإسلامية. شركات التأمين من وجهة نظر الشريعة الإسلامية. الشيخ الإمام محمود شلتوت ولد فى "منية بنى منصور"، مركز إيتاى البارود، محافظة البحيرة. حفظ القران الكريم، ثم تلقى تعليمه بمعهد الإسكندرية، حيث التحق به سنة 1906 م، وحصل على العالمية سنة 1918 م. عمل مدرسا بمعهد الإسكندرية الدينى سنة 1919 م، وهى سنة الثورة المصرية، فجاهد فيها بقلمه ولسانه. لما تولى المشيخة الإمام المراغى نقله إلى القاهرة مدرسا بالقسم العالى، وكان من أعوانه فى الإصلاح الذى أراده للأزهر. فى عهد الشيخ الظواهرى فصل من عمله، واشتغل بالمحاماة سنة 1931 م. مع عودة الشيخ المراغى أعيد

الشيخ الإمام حسن مأمون

إلى عمله سنة 1935 م مدرسا بكلية الشريعة، فوكيلا لها. مثل الأزهر فى (مؤتمر القانون الدولى المقارن) بلاهاى سنة 1937 م. حظيت رسالته "المسئولية المدنية والجنائية فى الشريعة الإسلامية" بالتقدير والإعجاب، واكتسبت الشريعة الإسلامية واللغة العربية على يده شهرة وذيوعا. فى سنة 1946 م عين عضوا فى مجمع اللغة العربية. فى سنة 1950 م عين مراقبا عاما للثقافة والبحوث الإسلامية بالأزهر، فنهض بها ووثق صلاتها بالعالم الإسلامى. فى سنة 1957 م، عين وكيلا للأزهر، وتولى المشيخة عام 1958 م. صدر فى عهده قانون تطوير الأزهر رقم 103 لسنة 1961 م حيث تكونت جامعة الأزهر بكلياتها العلمية التجريبية الجديدة، بالإضافة إلى كلياتها القديمة. انتقل إلى رحمة الله سنة 1383 هـ (1963 م). منح اسمه وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى بمناسبة الاحتفال بالعيد الألفى للأزهر. من آثاره العلمية: فقه القرآن والسنة. مقارنة المذاهب. منهج القرآن فى بناء المجتمع. القرآن والمرأة. القرآن والقتال. الفتاوى. تنظيم العلاقات الدولية فى الاسلام. الإسلام عقيدة وشريعة. رسالة الأزهر. الشيخ الإمام حسن مأمون ولد فى سنة 1894 م فى بيت علم ودين، فحفظ القرآن، والتحق بالأزهر، وبعد حصوله على الثانوية التحق بمدرسة القضاء الشرعى وتخرج منها سنة 1918 م. عمل بالقضاء الشرعى، وترقى فيه حتى أصبح قاضيا عاما، وذاعت شهرته، فتم تعيينه قاضى قضاة السودان سنة 1941 م، ثم عاد إلى القضاء الشرعى بمصر سنة 1947 م، وتدرج فى مناصبه حتى منصب رئيس المحكمة العليا الشرعية سنة 1952 م. عين مفتيا سنة 1955 م. وفى سنة 1964 م تولى مشيخة الأزهر، وظل فى منصبه حتى ثقل عليه المرض فاستعفى من منصبه فى سبتمبر سنة 1969 م. منح وسام الجمهورية من الطبقة الأولى عام 1970 م انتقل إلى رحمة الله عام 1970 م. منح اسمه وسام العلوم

الشيخ الإمام الدكتور محمد الفحام

والفنون من الطبقة الأولى بمناسبة الاحتفال بالعيد الألفى للأزهر. من آثاره العلمية: الفتاوى. دراسات وأبحاث فقهية. السيرة العطرة. الجهاد فى الإسلام. الشيخ الإمام الدكتور محمد الفحام ولد فى الإسكندرية سنة 1894 م، وحفظ القرآن الكريم، وتلقى تعليمه بمعهد الإسكندرية الأزهرى، وواصل دراسته بالأزهر، ونال شهادة العالمية سنة 1922 م. عين مدرسا للعلوم الرياضية بمعهد الإسكندرية بجانب العلوم الدينية والشرعية، ثم نقل إلى كلية الشريعة مدرسا للمنطق والبلاغة سنة 1935 م. سافر فى بعثة إلى فرنسا سنة 1936 م، وعاد منها يحمل الدكتوراه من السوربون سنة 1946 م. عمل مدرسا بكليات جامعة الأزهر، وجامعة الإسكندرية، ثم تولى عمادة كلية اللغة العربية سنة 1959 م. تولى المشيخة عام 1969 م. فى عام 1972 م انتخب عضوا بمجمع اللغة العربية. وفى عام 1973 م استعفى من المشيخة، فأجيب إلى طلبه. منح وسام الجمهورية من الطبقة الأولى عام 1973 م. انتقل إلى رحمة الله عام 1980 م. منح اسمه وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى بمناسبة الاحتفال بالعيد الألفى للأزهر. من آثاره العلمية: رسالة الموجهات (فى المنطق). سيبويه وآراؤه (فى النحو). المسلمون واسترداد بيت المقدس. الشيخ الإمام الدكتور عبد الحليم محمود ولد سنة 1910 م فى قرية "أبو حمد"، مركز بلبيس، بمحافظة الشرقية. حفظ القرآن الكريم، ثم التحق بالأزهر سنة 1932 م. حصل على العالمية سنة 1932 م، ثم سافر إلى فرنسا حيث حصل على الدكتوراه سنة 1940 م، فى الفلسفة الإسلامية. بعد عودته عمل مدرسا بكليات الأزهر، ثم عميدا لكلية أصول الدين سنة 1964 م. وعضوا ثم أمينا عاما لمجمع البحوث الإسلامية، فنهض به وأعاد تنظيمه. عين وكيلا للأزهر سنة 1970 م، فوزيرا للأوقاف وشئون الأزهر، ثم تولى مشيخة الاْزهر سنة 1973 م. ألف لجنة لتقنين الشريعة

الشيخ الإمام الدكتور محمد عبد الرحمن بيصار

الإسلامية فى صيغة مواد قانونية، ليصدر بها قانون من مجلس الشعب. فى عهده تضاعف عدد المعاهد الابتدائية والإعدادية والثانوية، كما زادت كليات جامعة الأزهر زيادة واضحة. انتقل إلى رحمة الله عام 1978 م. منح اسمه وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى بمناسبة الاحتفال بالعيد الألفى للأزهر. من آثاره العلمية. التصوف عند ابن سينا. فلسفة ابن طفيل. الإسلام والعقل. التصوف الإسلامى. الحارث بن أسد المحاسبى (رسالة الدكتوراه بالفرنسية). الفلسفة اليونانية (مترجم عن الفرنسية). الشيخ الإمام الدكتور محمد عبد الرحمن بيصار ولد بقرية "السالمية"، مركز فوه، بمحافظة كفر الشيخ، سنة 1910 م. حفظ القرآن، والتحق بالأزهر، حتى حصل على العالمية سنة 1939 م. حصل على العالمية مع لقب أستاذ فى العقيدة والفلسفة سنة 1945 م. عين مدرسا بكلية أصول الدين سنة 1946 م، ثم سافر فى بعثة علمية إلى انجلترا، وحصل على الدكتوراه من جامعة إدنبره. عاد إلى كلية أصول الدين أستاذا، ثم سافر إلى أمريكا مديرا للمركز الإسلامى بواشنطن سنة 1955 م، ثم عاد سنة 1959 م إلى كلية أصول الدين، ثم اختير رئيسا لبعثة الأزهر فى ليبيا سنة 1963 م. عين أمينا عاما للمجلس الأعلى للأزهر سنة 1968 م، فأمينا عاما لمجمع البحوث الإشلامية سنة 1970 م. عين وكيلا للأزهر سنة 1974 م، ثم وزيرا للأوقاف سنة 1978 م، ثم شيخا للأزهر فى سنة 1979 م. منح قلادة الجمهورية عام 1981 م. انتقل إلى رحمة الله فى سنة 1982 م. من آثاره العلمية: الوجود والخلود فى فلسفة ابن رشد. العقيدة والأخلاق فى الفلسفة اليونانية. العالم بين القدم والحدوث. رسالة عن الحرب والسلام فى الإسلام (بالإنجليزية). الشيخ الإمام جاد الحق على جاد الحق ولد بقرية "بطرة"، مركر طلخا، دقهلية سنة 1917 م. حفظ القرآن الكريم، وتعلم بكتاب القرية، ثم التحق بالجامع الأحمدى بطنطا سنة 1930 م.

الشيخ الإمام محمد سيد طنطاوى

درس بكلية الشريعة حتى حصل على الشهادة العالية سنة 1943 م. التحق بتخصص القضاء الشرعى، وحصل على العالمية مع الإجازة فى القضاء الشرعى سنة 1945 م. عين بعد تخرجه بالمحاكم الشرعية فى يناير 1946. وتدرج فى المناصب أمينا للفتوى بدار الإفتاء سنة 1952 م، فقاضيا فى المحاكم سنة 1954 م، فرئيس محكمة سنة 1971 م. عمل مفتشا قضائيا بوزارة العدل، وظل يشغل هذا المنصب حتى عين مفتيا للجمهورية سنة 1978 م. اختير عضوا بمجمع البحوث الإسلامية سنة 1980 م. فى يناير سنة 1982 م عين وزيرا للدولة للأوقاف. عين فى مارس سنة 1982 م شيخًا للأزهر. منح وسام النيل بمناسبة الاحتفال بالعيد الألفى للأزهر. من آثاره العلمية: الأحكام القضائية التى اشتملت على بحوث واجتهادات فقهية فى التطبيق. البحوث الفقهية والتقارير الفنية فى التفتيش على أعمال القضاة بالمحاكم. الفتاوى: مع مجموعة الفتاوى الصادرة عن دار الإفتاء المصرية منذ سنة 1895 م. الشيخ الإمام محمد سيد طنطاوى - ولد بقرية سُليم الشرقية - مركز طما - محافظة سوهاج - فى 28 من أكتوبر سنة 1928 م. - تلقى تعليمه الأساسى بقريته، وبعد أن حفظ القرآن الكريم، التحق بمعهد الإسكندرية الدينى سنة 1944 م، وبعد انتهاء دراسته الثانوية، التحق بكلية أصول الدين وتخرج فيها سنة 1958 م ثم حصل على تخصص التدريس سنة 1959 م، ثم على الدكتوراه فى التفسير والحديث بتقدير ممتاز فى 5/ 9/ 1966 م. - عين مدرسا بكلية أصول الدين سنة 1968 م، ثم عميدا لكلية أصول الدين بأسيوط سنة 1976 م، ثم عميدا لكلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنين سنة 1985 م ثم مفتيا لجمهورية مصر العربية فى 28/ 10/ 1986 م. ثم عين شيخا للأزهر الشريف فى 8 من

ذى القعدة سنة 1416 م الموافق 27 من مارس سنة 1996 م. من مؤلفاته: - "التفسير الوسيط للقرآن الكريم": فى خمسة عشر مجلدا - وفى أكثر من سبعة آلاف صفحة. - "بنو اسرائيل فى القرآن والسنة": ويقع فى مجلدين، وتزيد صفحاته على ألف صفحة وقد طبع عدة طبعات. وقد تناول فى المجلد الأول منه: تاريخ بنى اسرائيل فى مختلف عصورهم ثم تحدث عن منهاج القرآن فى دعوة أهل الكتاب إلى الإسلام ومظاهر إنصافه لهم، ثم عن مسالك اليهود فى العهد النبوى لكيد الإسلام والمسلمين. ثم عن لقاء السيف بينهم وبين المسلمين ثم عن نِعم الله -تعالى - عليهم وموقفهم الجحودى من هذه النعم. وفى المجلد الثانى تحدث فضيلته عن: رذائلهم كما صورها القرآن الكريم. ثم عن دعاواهم الباطلة وكيف رد القرآن عليها. ثم عن وعيد الله. تعالى - وعقوباته لهم، ثم عن فلسطين ومراحل الغزو الصهيونى لها. -"معاملات البنوك وأحكامها الشرعية": وقد طبع هذا الكتاب حتى الآن ثلاث عشرة طبعة ويقع فى زهاء ثلاثمائة صفحة. - "الدعاء": وهو كتاب تناول فيه فضيلته معنى الدعاء - آدابه - فضله حديث القرآن عنه - شروطه - فوائده - الدعاء والقضاء والقدر - نماذج من الدعاء المستجاب - جوامع الدعاء من القرآن والسنة - أدعية مأثورة فى أحوال مختلفة - خاتمة ورجاء. - السرايا الحربية فى العهد النبوى: وهو كتاب اهتم به ببيان معنى السرية والغزوة وعدد الغزوات والسرايا .. وأهداف السرايا. - "القصة فى القرآن الكريم": وقد صدر منه حتى الآن كتابان: أولهما عن قصة آدم ونوح - عليهما السلام - وثانيهما عن قصة: هود وصالح وإبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب ويوسف - عليهم السلام. هذا، ولفضيلته سوى هذه المؤلفات كثير من البحوث والمقالات التى شارك

أسامة بن زيد

بها فى المؤتمرات العلمية. وتحت الطبع: - أدب الحوار فى الإسلام. - الاجتهاد فى الأحكام الشرعية. - أحكام الحج والعمرة. - الحكم الشرعى فى أحداث الخليج. - تنظيم الاْسرة ورأى الدين. المصدر: كتاب الأزهر الشريف فى عيده الألفى 359 - 1403 هـ/970 - 1983 م إصدار الأزهر الشريف، طبع هيئة الكتاب، القاهرة 1985 م. [د. خلف عبد العظيم الميرى] أسامة بن زيد " أسامة" بن زيد بن حارثة الكلبى الهاشمى محمد: من موالى رسول الله، وأمه أمة حبشية تدعى بركة أم أيمن (¬1) ولد بمكة فى العام الرابع من بعثة الرسول وتذكر الروايات شواهد عن حب النبى له وهو طفل، وقيل إنه لقب "حِبّ رسول الله وابن حِبّه" (¬2) وقد انضم إلى المقاتلين فى طريقهم إلى أحُد، ولكنه عاد قبل الوقعة لصغر سنه ولما سأله النبى عما نسب إلى عائشة (حديث الإفك) ذكرها بالخير، وقد أجرى عليه معاشًا بعد وقعة خيبر (¬3). وفى العام الثامن للهجرة أردف النبى وراءه اسامة عند ذهابه إلى مكة ودخل معه الكعبة. وقاتل أسامة بشجاعة وقعة حُنَيْن: وفى العام الحادى عشر للهجرة بعث النبى أسامة على راس جيش ليثأر لأبيه زيد الذى قتل فى غزوة مُؤْتَه وبالرغم من الطعن فى حداثة سنه، فقد أصر النبى فى مرضه الأخير على الإسراع فى بعث أسامة ولكن الجيش عاد لما علم بوفاة النبى وكان أسامة من بين الذين اشتركوا فى تجهيز الرسول. وقد نزل الخليفة الجديد على إرادة النبى فأمر الجيش بالمسير، مع أن القبائل كانت حينذاك ثائرة. ووصل ¬

_ (¬1) وهى حاضنة النبى [- صلى الله عليه وسلم -]. (¬2) أى حبيب رسول [- صلى الله عليه وسلم -] وابن حبيبه. (¬3) أى جعل له سهما فى الثمر والقمح من ريع الأرض التى أفاءها الله على رسوله [- صلى الله عليه وسلم -] بخيبر [انظر سيرة ابن هشام ص 771، 776 طبعة فستنفلد].

أسامة البَلْقاء من أعمال الشام، وهى التى قتل فيها أبوه وأغار على قرية أُبْنىَ (التى تعرف الآن بخان الزيت). وقد بعث انتصار أسامة البشر فى نفوس أهل المدينة بعد أن أحزنتهم حروب الردة، وأصبح لانتصاره من الأهمية مالا يتفق مع قيمته الحقيقية، بل واعتبر فيما بعد فاتحة للحملة التى وجهت لغزو الشام. وفى العام نفسه ولاه أبو بكر إمرة المدينة بينما كان يحارب فى وقعة ذى القَصَّة (¬4) وفى العام العشرين للهجرة فرض له أربعة آلاف درهم، وهو يساوى نصيب من شهد غزوة بدر، وذلك لحب النبى له ولاْبيه. وبويع عثمان بالخلافة فى بيت فاطمة بنت قيس الفهرية كان له ضلع فى هذا الحادث، وكان يشايع الخليفة الذى وهبه قطعة من الأرض وأرسله إلى البصرة عام 34 هـ ليدرس الموقف السياسى فيها. وبعد وفاة عثمان أبى أسامة مبايعة علىّ، فهاجمه أنصار على فى المسجد بالمدينة وأساءوا إليه وعاش بعد ذلك فى عزلة فى وادى القرى ثم فى المدينة وتوفى فى الجُرْف حوالى عام 54 هـ ودفن بالمدينة. ولأسامة مقام بين رواة الحديث ومع أن حياته السياسية لم تكن ذات شأن كبير إلا أنها خلت على ما يظهر - من التجريح ولسنا نعرف شيئًا عن ثروته (¬5) وكان أسامة يشبه أمه، فقد كان أسود أفطس الأنف وتوكيد الروايات لحب النبى له يرجع من ناحية إلى ¬

_ (¬4) انظر تاريخ الطبرى (جـ 3، ص 225 طبعة مصر). (¬5) ولكن يظهر من مجموع الروايات التى فى ترجمته وفى كتب التاريخ التى يذكر فيها ما نال من غنائم وأعطيات: أنه كان من الأغنياء الموسرين.

الرغبة فى التقليل من شأن بيت على (¬6). ومن ناحية أخرى إلى إظهار أن النبى كان ديمقراطيًا حقًا بريئًا من التعصب للون (¬7) المصادر: (1) ابن سعد، جـ 4، قسم 1 ص 42 - 51 (2) البلاذرى، ص 273، 451 (3) الخزرجى: خلاصة التهذيب، الطبعة الأولى، القاهرة سنة 1322 هـ، ص 22 (4) ابن الأثير: أسد الغابة، جـ 1، ص 64 (5) الطبرى، طبعة دى جويه، جـ 1، ص 2943، 2952، 3072، 3124؛ جـ 3، ص 2344، 2440 (6) ابن هشام، طبعة فستنفلد، ص 560، 734، 776، 970، 984، 999، 1008، 1018 (7) Annali deu' Islom: Caetani عام 11 للهجرة، فقرة 3 - 5، 9 - 12، 73، 106 - 111، 23 للهجرة، فقرة 156، رقم 1 (8) liednikoff palestina , جـ 1، ص 363 - 384: Muhammed in Medina Wellhausen، ص 33، 434، 436 (10) ¬

_ (¬6) هذه أكذوبة سخيفة، فإن المسلمين يعرفون فضل على عليه السلام وفضل أهل بيته، وهو ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأهل بيته هم زوجه فاطمة عليها السلام، وهى بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وابناه: الحسن والحسين عليهما السلام. وهم أحب الناس إلى الرسول كما هو ثابت فى كل كتب السنة، وفى عقيدة كل مسلم. (¬7) هذه والتى قبلها دسيستان ليشك الناس فى صحة رواية الاحاديث، وليظن القارئ أن هذه الروايات إنما وضعها الراوون لمقاصد فى أنفسهم، ومن الأسف أننا نرى كثيرين من الذين يسمون بأسماء المسلمين يفترون بمثل هذا الكلام، ويذهبون إلى مثل هذه الآراء وإنما الاحاديث روايات صحيحة جاءت عن رواة موثوق بهم بعد أن فحصها أئمة الاسلام الكبار، وعرفوا الراوى الثقة والراوى الذى ليس بثقة فقبلوا ما وثقوا به واطرحوا ما لم يحز عندهم شيئا من الاطمئنان إليه. وقد تواترت الروايات عن أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم وكرمه وتواضعه ومساواته بين المسلمين ويكفى فى هذا أن يصفه الله الذى أرسله فى القرآن الكريم بقوله {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} صلى الله عليه وسلم. أحمد محمد شاكر

أستاذ

Fatima: Lammens ص 20، 28، 31، 72، 103 - 106، 140 [فكَا V. Vacca] أستاذ كلمة فارسية معناها الرئيس والمعلم ورب الصنعة، وقد انتقلت هذه الكلمة إلى العربية بجمعها أستاذون وأساتذة، وهى تدل أيضًا على الخصى والموسيقى، ودفتر الأستاذ، وهى فى اللغة الحديثة المعلم بصفة خاصة، واستخدمت الصيغة المركبة "أستاذ دار" لقبًا لعامل من أكبر عمال سلاطين المماليك. ونحن نصادف أيضًا الصيغ المختصرة: أستى، وأسطى، وأوسطى والجمع أستوات، وأسطوات، وأوسطوات؛ وهى تطلق فى القاهرة على الحوذى. المصادر: (1) معاجم Vullers و Lane و Dozy (2) L.arabe Parlato in Egitto: C. A. Nallino الطبعة الثانية، ميلانو سنة 1913 م , ص 185 - 186. خورشيد [فنسنك A.J.W] استخارة دعاء المرء الذى لم يعتزم أمرًا بعد يسأل به الله أن يخير له فى عمل ما، كسفر أو غيره. وهذا اللفظ اشتق من الفعل "خار" وخاصة كما نجده فى قولهم: "اللهم خِرْ لرسولك" (الطبرى، جـ 1، ص 1832، س 6)؛ و"خِر له " (ابن سعد، جـ 3، قسم 3، ص 73، س 11؛ ص 75، س 3). و"خار الله لى" (ابن سعد، جـ 8، ص 93، س 35). ويروى أنهم كانوا يقولون فى الجاهلية: "استَخرِ الله فى السماء يخر لك بعلمه فى القضاء" (ابن سعد، جـ 8، ص 171، س 18؛ القالى: الأمالى، جـ 3 ص 106) ولكن يصعب علينا أن نسلم بأن مثل هذا القول يرجع إلى هذا العهد. والاستخارة فى الإسلام عبارة عن صلاة طويلة نوعاً ما تسبقها ركعتان (صلى ركعتى الاستخارة، السبكى: طبقات الشافعية، جـ 6، ص 175، س 6 هامش)، ويورد البخارى نص هذه الصلاة وينسبها إلى النبى (كتاب التوحيد، رقم 10، الدعوات رقم 48، طبعة كوينبول juynboll، جـ 4، ص

202، 450، ابن ماجة، طبعة دهلى عام 1282 هـ، ص 99 هامش). على أن نقدة الحديث يشكون فى صحة ذلك (مثل ابن حجر الهيتمى. الفتاوى الحديثة، القاهرة سنة 1307 هـ، ص 210). ويذكر الترمذى (طبعة بولاق سنة 1397 هـ.، جـ 2 ص 266) بدل النص الذى تكلمنا عنه حديثًا قصيرًا هو "اللهم خر لى واختر لى" (انظر الذهبى: ميزان الاعتدال، طبعة لكنهو سنة 1884، جـ 1، ص 315، س 4) ولو أن هذا أيضًا حديث ضعيف. ويذكر النووى الآيات القرآنية التى تقرأ فى الر كعتين (النووى: الأذ كار، ص 56). ويقول العوفى فى "لب الألباب " (طبعة براون، جـ 1، ص 210، س 12) إن الناس تذهب إلى المسجد لتصلى فيه صلاة الاستخارة (نماز استخاره) ولكن هذا ليس فرضًا. والقاعدة هى أن يتلى دعاء الاستخارة لكل أمر على انفراد قبل أن تنعقد عليه النية، ولا تعمل الاستخارة بالجملة كان يتلى الدعاء فى الصباح لجميع المسائل التى تتجمع خلال اليوم (العبدرى: المدخل، جـ 3، ص 240). وتدل الروايات التى أسلفنا ذكرها على أن الاستخارة كان معمولا بها فى العبادات الإسلامية منذ أقدم العصور. ويذكر صاحب الأغانى (جـ 19، ص 92، س 3 وما بعده) أقدم مثل للاستخارة، وربما كان هذا المثل لا يعتمد على الحديث الذى أشرنا إليه. ويقول الشاعر العجاج فى مدح الحجاج (الديوان، رقم 12، 83؛ أراجيز العرب، ص 120) إنه لم يكن يفعل شيئًا إلا بعد استخارة ربه (إلا ربه استخارا). وعندما ولى عبد الله بن طاهر العراق، كتب إليه أبوه يوصيه بالاستخارة فى جميع أعماله (طيفور، كتاب بغداد، ص 49، س 7، ص 52، س 3 والهامش، ص 53، س 4)، وفى المصنفات العربية شواهد عدة على استعمال المسلم للاستخارة فى كل عمل جليلا كان أو تافهًا، خاصًا كان أو عامًا. وكذلك نجد الفاتحين يستخيرون ربهم قبل خروجهم إلى الحرب، وهم يعتقدون أنهم يكسبون بالاستخارة رضاء ربهم. وفى الحق أن الاستخارة كانت صورية فى بعض الأحيان، كما استخار معاوية ربه عندما عهد بالخلافة إلى

يزيد من بعده (الأغانى جـ 18، ص 72، س 6). وقد مزق الخليفة سليمان الوثيقة التى تجعل الخلافة من بعده لولده أيوب، عندما أحس بأنه لم يستخر ربه فى هذا العمل (ابن سعد، جـ 5، ص 247، س 6). وظل المأمون يستخير ربه شهرًا قبل أن يستعمل عبد الله بن طاهر طيفور (ابن سعد ص 34، س 6؛ انظر صلاة الاستخارة التى جهر بها المقتدر عند استخلافه وهى أربع ركعات: عريب، طبعة ده غويه، ص 22، س 12). وفى قصة "أنس الوجود وورد فى الأكمام" الواردة فى ألف ليلة وليلة، نجد أم ورد فى الأكمام تصلى ركعتى الاستخارة كى يلهمها الله الخير فى غرام ابنتها (الليلة 373 طبعة بولاق، 1279 هـ, جـ 2، ص 269). وكانوا أحيانا يختارون للطفل الاسم الذى يقول به المستخير فى هذا الأمر (Mekka: Snouck Hurgronje جـ 2، ص 139، س 1). وليس بنا من حاجة إلى أن نذكر أمثلة توضح أن الاستخارة كانت كذلك تدعم المسائل الكلامية التى تثار فى المسائل الدينية الخطيرة (النووى: تهذيب الأسماء، طبعة فستنفلد، ص 237، س 3). وكثيرا ما يذكر المؤلفون فى مقدمات كتبهم أن الاستخارة كانت المبرر والدافع لهم على نشر هذه المؤلفات (الذهبى: تذكرة الحفاظ، جـ 2، ص 288، س 1. وهناك قصة -لا تستند بطبيعة الحال إلى أساس تاريخى- تذهب إلى أن عمر بن عبد العزيز لم يسمح بنشر مصنف أهرن بن أعين، وكان محفوظا فى مكتبته، إلا بعد أن أبقاه معلقا مدة أربعين يومًا انتظارًا لنتيجة الاستخارة التى يقوم بها فى مصلاه (ابن أبى أصيبعة، جـ 1، ص 163). وطريقة تأدية الاستخارة كما حددتها العبادات (استخارة شرعية) يصحبها بوجه عام وفى العبادة الحقة جميع) نواع الطرق الأخرى التى لم ينص عليها الحديث كتوقع الإلهام الإلهى فى الرؤيا (أككويماسيس باليونانية) عقب القيام بالصلاة (Snouck Mekka: Hurgronje جـ 2، ص 6 تعليق

رقم 4 Magie et Religion dans l' Doutte ,: Afique du Nord ص 413)، أو تدعيم الاستخارة عن طريق الاقتراع بأن يكتب على جذاذات ما يفيد الإقدام والإحجام ثم يقرع بينها (الطبرى: مكارم الأخلاق، القاهرة سنة 1303، ص 100). وقد أنكر هذه البدع بشدة رجال الدين من السنيين الغيورين (العبدرى: كتابه المذكور، جـ 3، ص 91 وما بعدها). وهناك أيضًا استخارة بفتح الصحف (الضرب ... فى المصحف ... وتقديم استخارة، فى ابن بشكوال، ص 43؛ الفرج بعد الشدة، جـ 1 ص 44). ونجد قصة عن هذا الموضوع فى القزوينى (طبعة فستنفلد، جـ 2، ص 113، س 18 وما بعده). ويستخدم الفرس فى الاستخارة كتبا أخرى غير القرآن (انظر السيوطى: بغية الوعاة، ص 10؛ 17) مثل ديوان حافظ أو المثنوى لجلال الدين الرومى (انظر فهرس بانكيبور جـ 1، رقم 151). ويحرم الثقات من أهل السنة تحريما باتًا استخدام القرآن فى الاستخارة (الدميرى: كتاب الطير، جـ 2، ص 119، س 8 وما بعده، طبعة بولاق سنة 1284 هـ؛ مرتضى: إتحاف السادة المتقين، القاهرة، سنة 1311 هـ، جـ 2، ص 285). وقد أدى استعمال القرآن فى الاستخارة إلى أن الناس أخذوا يتفاءلون به، ونجد فى كتاب لين (Manners and Customs: Lane, الفصل الحادى عشر، جـ 1، ص 328) معلومات عن هذه المسألة. وهناك مثل يقول: "ما خاب من استخار ولا ندم من استشار" (ورد على اعتبار أنه حديث فى الطبرانى: معجم صغير، طبعة دهلى، ص 304). وصنف أبو عبد الله الزبيرى فى بداية القرن الرابع الهجرى (العاشر الميلادى) "كتاب الاستخارة والاستشارة" (النووى: تهذيب الأسماء ص 744، س 3). المصادر: (1) الغزالى: إحياء علوم الدين، بولاق سنة هـ، جـ 1، ص 197. (2) مرتضى: إتحاف جـ 3، ص 467 - 469. (3) وكذلك الأجزاء الخاصة بالاستخارة فى كتب الفقه.

إسحاق [عليه السلام]

(4) المجلة الأسيوية، سنة 1961 م، جـ 1، ص 201، تعليق 2؛ سنة 1866 م، جـ 1، ص 447. (5) Bibliomancy, Divination: Phillott Superstitons among the Persians فى Journ. As. soc of Bengal سنة 1906 م، جـ 2، ص 399 وما بعدها. (6) Bulletin de la Societe de Giographie d'Oran 1908، جـ 28، عدد رقم 1 [كولدسيهر J. Goldziher] إسحاق [عليه السلام] واسمه فى التوراة إبساك وذكر التلمود (روش هش شانا، ص 11) أن مولده كان فى عيد الفصح. أما رواية المسلمين فتذهب إلى أنه ولد فى ليلة عاشوراء (الثعلبى ص 60، الكسائى ص 150) وأن الله وعد به إبراهيم قبل ولادته بعام (وتجد هذه الرواية كذلك فى النسخة المحررة من التكوين، 45). وكان إبراهيم لا يأكل إلا إذا شارك طعامه الفقراء والمساكين. وحبس الضيف عنه خمسة عشر يومًا -كما قال الثعلبى (ص 48) أو ثلاثة أيام كما قال الكسائى (ص 146) - ثم جاءه ثلاثة غرباء فجاء لهم بعجل حنيذ وقربه إليهم فأمسكوا أيديهم عنه (انظر سورة هود، الآية الثالثة والسبعين) وقالوا لا نأكل طعامًا إلا بثمن. قال فإن لهذا ثمنا: هو أن تذكروا اسم الله تعالى على أوله وتحمدوه على آخره (الثعلبى، المصدر نفسه، النسخة المحررة من التكوين، 54) فبشروه بإسحاق. وضحكت سارة، لأنها كانت بنت تسعين وابراهيم ابن مائة وعشرين سنة. فقال إبراهيم: هو لله إذن ذبيح [يرجح أن هذه السمات أصلها فى رواية المدرش (النسخة المحررة من التكوين، 55، تكوين تانخوما، 40)]. ولما بلغ إسحاق السابعة من عمره ذهب إلى السعى. وأمر إبراهيم فى منامه بأن يقدم قربانا إلى الله. فلما أصبح ذبح عجلا وفرق لحمه على الفقراء. وسمع فى الليل صوتا يقول إن الله يريد أن تذبح ابنك فانتبه من نومه مذعورا و {قَالَ يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ} (الآية الأولى بعد المائة من سورة الصافات)، {قَالَ يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا

تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} (الآية الثانية بعد المائة). فأخذ حبلا ومدية وانطلق به إلى الجبل. وقال إسحاق يا أبت اشدد رباطى حتى لا أضطرب، واكفف عنى ثيابك حتى لا ينتضح عليها دمى وتراه أمى فتحزن، ولا تنظر إلى وجهى وأنت تذبحنى حتى لا تدركك رقة (الكسائى والثعلبى المذكوران، وهما يتفقان فى روايتهما مع النسخة المحررة من التكوين، 56؛ انظر أيضا سفر هياشار، ووييرا وبرقى لربّا إليعزر، 33). يا أبت عوضك الله عنى خيرًا. وإن رأيت أن ترد قميصى إلى أمى فافعل عسى أن يكون أسلى لها عنى. ولا تنظر إلى أولاد من سنى حتى لا تحزن. ووضع إبراهيم السكين على قفاه ولكنها انقلبت ثلاث مرات. ونودى إبراهيم: {قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا} (الآية الخامسة بعد المائة من سورة الصافات). ورأى إبراهيم كبشًا، قيل إنه الكبش الذى قربه هابيل وذبحه قربانا إلى الله (أبوث، 5، يرقى لربّا إليعزر، 32؛ والكسائى). وشاع بين الناس أن إسحاق كان لقيطا تبناه إبراهيم، فخلق الله إسحاق على شكل ابراهيم حتى كان كل منهما يشبه الآخر تمام الشبه، ولكن إبراهيم كان أشيب (بابا، 87؛ النسخة المحررة من سفر التكوين، 52؛ الكسائى ص 152). ولما كان القرآن لا يصرح باسم الذبيح فى الآيات التى ذكرناها فقد نسب كثير من علماء المسلمين قصة الذبح إلى إسماعيل (الزمخشرى والبيضاوى: الطبرى جـ 1، ص 291؛ ابن الأثير، جـ 1، ص 88؛ الثعلبى ص 55 - 56؛ الكسائى ص 150). ولكن يمكن أن يقال -كما يقرر الثعلبى- إن الصحابة والتابعين من عمر بن الخطاب إلى كعب الأحبار وكذلك أقدم الروايات لم تختلف عن رواية التوراة فى هذا الموضوع. المصادر: (1) الزمخشرى، جـ 1، ص 244. (2) البيضاوى، جـ 1، ص 233. (3) الثعلبى، قصص الأنبياء، طبعة القاهرة، سنة 1312 هـ، ص 48 - 60. (4) الكسائى: قصص الأنبياء، ص 136 - 140.

(5) الطبرى، طبعة ليدن، جـ 1، ص 272 - 292. (6) ابن الأثير جـ 1، ص 87 - 89. (7) Griinbaum: Beitrage ص 110 - 120. (8) Abraham in der arab.: Eisenberg Legende 1912، ص 30 - 31. (9) Encyclop. Hebrew نيويورك، جـ 5، ص 18، مادة Isak. [أيزنبرج J. Eisenberg] تعليق على مادة "إسحاق" (1) جاء فى هذه المادة: إسحاق واسمه فى التوراة (إيساك) وهو تحريف دعا إليه أن الأوروبيين ليس فى لغتهم (حاء) فترجمت هكذا -وهى فى الأصل العبرى (يصحق) ومعناها بالعربى (يضحك) واللغة العبرية ليس فيها ضاد فهم يبدلون الضاد المعجمة صادا مهملة كما فى قولهم (أرص) فى (أرض) وبعضهم ينطقها (آرتص) ومعلوم أن القاف والكاف قريبتا المخوج - وذلك أن أمه أسمته يصحق لأنها قالت (قد صنع الله لى ضحكا كل من يسمع يضحك لى) ف 7 - 21 تكوين- والنص العبرى هكذا (وتومر سارا صحوق عسا لى الهوهيم كل هشوييتع يصحق لى) وترجمتها: وقالت سارا ضحكا عمل لى الرب كل سامع يضحك لى. (2) أما رواية المسلمين فتذهب إلى أنه ولد ليلة عاشوراء- أقول إن هذا كله تخرص ولا يوجد بأيدى أحد ممن ذهب إلى ذلك سند يعول عليه. (3) وتجد هذه الرواية كذلك فى تفسير الإصحاح الخامس والأربعين من سفر التكوين. أقول إن الإصحاح المذكور ليس فيه شئ من ذلك وإنما ذكر الوعد لها بالولادة قبل حصول ذلك بعام فى ص 18 تكوين. (1) وقالوا: لا نأكل طعامًا إلا بثمن، قال: فإن لهذا ثمنا هو أن تذكروا اسم الله تعالى على أوله وتحمدوه على آخره (الثعلبى، نفس المصدر).

أقول إذا كان الثعلبى ذكر ذلك فى هذا الموضع فقد أخطأ؛ لأن سفر التكوين لم يذكر ذلك بل ذكر أنهم أكلوا. وأما القرآن فقد ذكر أنهم لم يأكلوا. نعم قد قرأت فى كتاب من كتب الأدب العبرى حكاية إبراهيم مع شيخ هرم ضافه ابراهيم وأطعمه ثم طلب منه أن يحمد الله فأبى وقال: لا أعرف الله وأنا أحمد إلهى الذى فى بيتى. فانتهره إبراهيم وطرده ثم ندم على ذلك لأن الرجل له مائة سنة يأكل خير الله ويعبد غيره والله لم يقطع عنه رزقه ولم يطرده أفاطرده لأ كلة واحدة أكلها من عندى - ولم يكن ذلك فى شأن الملائكة. (5) وأمر إبراهيم فى منامه بأن يقدم قربانا إلى الله الخ. هذه الرواية لا توجد فى القرآن ولا فى التوراة بل الذى فيها أن الله امتحنه فقال: يا إبراهيم فقال: هانذا. فقال: خذ ابنك وحيدك الذى تحبه إسحق واذهب به إلى أرض الموريا وأصعده هناك محرقة على أحد الجبال الذى أقول لك إلخ. وأما القرآن فقد جاء فيه - {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ (101) فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى} إلخ. فلم تكن هناك رؤيا بعد رؤيا. (6) ولما كان القرآن لا يصرح فى الآيات التى ذكرناها باسم الذبيح الخ. أقول أن التوراة والقرآن متضافران على أن الذبيح انما هو إسماعيل لا إسحاق. فنص عبارة التوراة (خذ ابنك وحيدك الذى تحبه إسحاق) والناظر فى هذا الكلام يجده متناقضا لا يستقيم إلا بحذف كلمة إسحاق التى حشرت فى الكلام حشرًا فإن الولد الذى أمر ابراهيم بذبحه وصف بأنه وحيده وما كان إسحاق وحيدا لإبراهيم فى يوم من أيام حياته بل الذى أتى عليه وقت كان فيه وحيدا لإبراهيم هو إسماعيل وحده. ولاشك عندى فى أن اليهود حشروا لفظ إسحاق دون أن يتنبهوا إلى أن يحذفوا كلمة (وحيدك). وقد جاء

لفظ وحيدك بدون لفظ إسحاق فى ف 16 من ص 33 تكوين ونص عبارته (إنى من أجل أنك فعلت هذا الأمر ولم تمسك ابنك وحيدك) وغرض اليهود من ذلك أن يثبتوا أن أباهم إسحاق هو الذى جاد بحياته ليكون قربانا لله ولم يمانع وهو فى سن الحداثة وميعة الصبا وأنه هو الذى يتبارك به جميع أمم الأرض، مع أن الحقيقة أن الذبيح والعهد كان بإسماعيل وقد صرح بهذا فى إنجيل برنابا. أما فى القرآن فالعالم بأسلوبه المتأمل فى نسقه لا يجد شكًا فى أن الذبيح إنما هو إسماعيل - اسمعوا ما جاء فى سورة الصافات: {وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ (99) رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (100) فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ (101) فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102) فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَاإِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ (106) وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (108) سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ (109) كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (110) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (111) وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (112) وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ (113)}. ولا شك عندى فى أن الضمير فى قوله "وباركنا عليه " يعود على الغلام الحليم الذى كان ذبيحًا ولا يمكن أن يعود إلى ابراهيم لأن البركة على ابرإهيم بركة على إسحاق فيكون ذكر إسحاق عبثًا لا ترضاه أرباب العربية وكذلك ياباه قوله {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا} فإن ذرية إبراهيم يغنى عن التعرض لذريهّ إسحاق إذ ذرية إسحاق هم ذرية ابراهيم بلا شك. عبد الوهاب النجار

إسحاق بن حنين بن إسحاق العبادى

إسحاق بن حنين بن إسحاق العبادى أبو يعقوب، ولد حنين بن إسحاق: طبيب وفيلسوف اشتهر بصفة خاصة بنقل المؤلفات اليونانية إلى اللغة العربية وخاصة كتب الفلسفة والرياضيات. كان مقربا من الخليفتين المعتمد والمعتضد ومن القاسم بن عبيد الله وزير المعتضد؛ توفى فى بغداد فى ربيع الثانى عام 298 أو 299 هـ (نوفمبر عام 910 أو 911 م). ونذكر من بين المؤلفات الهامة التى نقلها إلى اللغة العربية ما يأتى: أصول الهندسة لأقليدس، وأصلحه فيما بعد ثابت بن قُرَّة. وكتاب المعطيات لأقليدس كذلك، وكتاب المجسطى لبطلميوس وقد أصلحه أيضًا ثابت بن قرة، وكتاب الكرة والأسطوانة لأرشميدس، وكتاب الأشكال الكريّة لمنالاس، وكتاب سوفسطس لأفلاطون مع شرح أولمييودورس [ألامقيدورس]. ونقل إسحاق من كتب أرسطو: المقولات، الجدل، العبارة أو التفسير، الخطابة، السماء والعالم، الكون والفساد وجزء من كتاب ما بعد الطبيعة. وقد نشر J.Th. Zenker بعض هذه التراجم بعنوان: - Aristotelis Cat -egoriae cum versione arabica Isaaci Hon eini et variis lectionibus textus graeci e version arab. ductis (ليبسك سنة 1846). ولا نستطيع هنا أن نبين أى هذه الكتب نقل عن السريانية وأيها نقل مباشرة عن اليونانية، بل نحيل ذلك إلى المصادر المذكورة فى نهاية المادة. ولسنا نعرف كذلك على وجه التحقيق اذا كان بعض هذه التراجم قام به إسحاق أو أبوه حنين. المصادر: (1) الفهرست، طبعة ميلر، ص 258، 298. (2) ابن خلكان، طبعة القاهرة سنة 1315 هـ - جـ 1، ص 66، وترجمة ده سلان، جـ 1 ص 187. (3) ابن أبى أصيبعة، طبعة ميلر، جـ 1، ص 200. (4) Die arab Uber-: Steinschneider

إسحاق الموصلى

setzung n aus d. Griech (Centralblatt f. d. Bihliothekwesen) الملحق رقم 12، ليبسك سنة 1983؛ Zeitschr. d. . Deutsch. Morgenl. Gesellsch, جـ 5، ص 116 - 119. (5) Gesch d. arab.: Brockelmann . Litt جـ 1، ص 206. (6) Abhandlungen. z. Gesch: Suter d. math. Wissensch، جـ 10، ص 39. [سوتر H. Suter] إسحاق الموصلى أبو محمد إسحاق بن إبراهيم بن ماهان "ميمون " بن بهمان: أعظم موسيقيى العصر العباسى الأول، كان ابن موسيقى مشهور ولد فى الرّىّ سنة 501 م، انظر Brockelmann: : Cesch. d. Arab. Litt . جـ 1، ص 78 - 84) من أصل فارسى شريف، وإن كان أبوه قد ولد وتعلم فى الكوفة بين بنى تميم (أو بنى دارم؛ انظر الفهرست)؛ وتلقى إسحاق تعليما فائقا فقد درس الحديث على هشَيْم بن بشير، والقرآن على الكسائى والفرّاء، والأدب على الأصمعى وأبى عبيدة المثِنَّى ودرس الموسيقى على خاله زَلْزَل وعاتكة بنت شُهْدَة وأبيه. وكان أول من أظل إسحاق بعطفه هارون الرشيد ويحيى بن خالد البرمكى وأولاده. وقد اشترى يحيى لهذا الوسيقى الفاره دارًا ومنحه مائة ألف درهم لتأثيثها. ولما ولّى الفضل بن يحيى البرمكى على خراسان سنة 794 - 795 أجازه بألف دينار على بيت قاله إسحاق بهذه المناسبة. واستمرت عطايا الخلفاء والأشراف تنهال على إسحاق وسرعان ما غدا واسع الثراء كأبيه. على أنه كان كريمًا مسماحًا يجود بثروته، وكان الأعرابى الفقيه اللغوى ممن أجرى عليهم إسحاق معاشا. ولما توفى إبراهيم أبوه أصبح الناس يعدونه الموسيقى الأول فى زمانه، وأغدق عليه الخلفاء: الأمين والمأمون والمعتصم والواثق والمتوكل الثناء وآيات التشريف. وقد قال المأمون إنه لولا شهرة إسحاق بالغناء لولاه القضاء. وكان إسحاق فى حفلات

البلاط يقف فى زمرة العلماء والأدباء، ويباح له أن يرتدى اللباس الخاص بالفقهاء. وقال الواثق إنه ما غناه إسحاق قط إلا ظن أنه قد زيد له فى ملكه. ولما توفى هذا الموسيقى العظيم صاح المتوكل: "ذهب صدر عظيم من جمال الملك وبهائه وزينته". وكان إسحاق، من حيث براعته فى كل فنون الموسيقى، يشغل مكانًا مشهود، فى حوليات الموسيقى العربية. صحيح أن صوته لم يكن بإجماع الآراء فى حلاوة أصوات معاصريه الآخرين. إلا أن فنه الرفيع كان يكتسح أمامه كل شئ. وقد وضعه أحد النقاد فى مكانة بين ابن شرَيْج ومعبد. ويقال إنه أول من لجأ إلى "التخنيث". أما فى الضرب على العود فقد كان فريدًا فى بابه، ويروى كتاب الأغانى كثيرًا من النوادر فى هذا الباب. وكان فى كل ألحانه يبدأ بالنغم الحاد القوى، ومن ثم لقب بالملسوع. وقد جاء فى كتاب الأغانى ثناء على عبقريته: "وكان إسحاق أعلم أهل زمانه بالغناء وأنفذهم فى جميع فنونه وأجودهم صنعة". صحيح أنه لم يكن من العلماء أصحاب النظريات فى الموسيقى مثل الكِنْدى وغيره الذين أفادوا من الترجمات التى صنعت للمؤلفين اليونان، إلا أنه استطاع - نظرًا وعملا- أن يفرغ الموسيقى العربية القديمة التى كان يخشى عليها الضياع، فى منهج محدد، وربما كان صنيعه هذا هو أعظم مأثرة له فى ميدان الفن. وكان إسحاق إلى ذلك موضع التقدير شاعر، ولغويا وفقيها ومصنفا، وكذلك ذاع صيته بفضل ألف ليلة وليلة، ويحصى له الفهرست قرابة أربعين كتابًا، معظمها فى الموسيقى والموسيقيين وخاصة "كتاب الأغانى الكبير"، على أن له كتبًا أخرى تكشف عن اتساع أفق عنايته، مثل "كتاب أخبار ذى الرّمَّة" و"كتاب جواهر الكلام " و"كتاب تفضيل الشعراء" و"كتاب مواريث الحكمة"، ويصف الفهرست إسحاق فيقول: "وكان إسحاق راوية للشعر والمآثر .... وكان مع ذلك شاعرًا حاذقًا بصناعة الغناء مفننا فى علوم كثيرة".

إسراء

وكانت مكتبة إسحاق من أعظم المكتبات فى بغداد، غنية خاصة بكتب اللغة. وكان من تلاميذه ابن خُرْداذْبَه وزِريّاب وعمرو بن بانة؛ وقد كتب سيرته ابنه حمّاد، وكان هو نفسه محدثًا وصاحب تآليف (الفهرست، ص 142 - 143). المصادر: (1) كتاب الأغانى، طبعة بولاق، ص 52 - 131. (2) الفهرست طبعة ليبسك سنة 1871 - 1872 م، 141 - 143. (3) ابن عبد ربّه: العقد الفريد، القاهرة سنة 1305 هـ، جـ 3، ص 188. (4) النويرى: نهاية الأرب جـ 5، ص 1 - 9. (5) notices: Caussin De Perceval Anecdotiques Les Principaux Musiciens Arabes فى Journ. As سنة 1873 م، ص 569. (6) Abu Nuwds: Ahlwardt، ص 13 - 19. (7) Ibrahim,: Barbier de Meynard fuls de Mehdi فى journ. As.، سنة 1896 م، ص 201 وما بعدها. (8) محمد كامل حجاج: الموسيقى الشرقية، القاهرة سنة 1924 م، ص 25 وما بعدها. (9) History of Arabian-: Farmer sic، لندن سنة 1929 م، ص 124 وما بعدها. (10) الكاتب نفسه Misical In fluence: Historial Facts for the Arabuan لندن سنة 1930 م، ص 247 وما بعدها، والفهرس. خورشيد [فارمر H. G.Farmer] إسراء ورد هذا المصطلح فى القرآن فى سورة الإسراء، الآية الأولى {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}. ولسنا نعرف إذا كانت هذه

الآية هى فى الأصل من سورة الاسراء أم إنها كانت فى باديء الأمر من سورة أخرى، وليس بنا من حاجة إلى البحث فيما يمكن أن يكون معناها الحقيقى. ومهما يكن من شئ فإننا نلاحظ أن الروايات فسرت هذه الآية على ثلاثة أوجه فحسب: 1 - تذهب أقدم هذه الروايات، وقد اختفت من التفاسير الحديثة، إلى أن هذه الآية تشير إلى صعود محمد صلى الله عليه وسلم إلى السماء: وأهم ما فى هذه الروايات (البخارى، طبعة القاهرة 1278 هـ، جـ 2، ص 185 "باب كان النبى تنام عينه ولا ينام قلبه" رقم 2؛ مسلم، طبعة بولاق، 1290 هـ، جـ 1، ص 59؛ الطبرى: التفسير، الطبعة الأولى جـ 15، س 3؛ وانظر der Islam جـ 6، ص 14، 14) هو أنها احتفظت أيضا بالمعنى البدائى لقصة الصعود التى صورت على أنها بداية لتعاليم النبوة التعبدية (mohammed, s: Bevan Ascension To Heaven؛ ص 56؛ der Islam Schrieke: ، جـ 2، ص 1 وما بعدها، وهذا القول يفسر عبارة "المسجد الأقصى" بالسماء، وفى الحق إن الرواية القديمة تستعمل فى كثير من الأحيان كلمة "إسراء" مرادفة لكلمة "معراج" (Der Islam جـ 6، ص 14). 2 - والرواية الثانية، وهى الوحيدة فى جميع التفاسير المتأخرة، تفسر "المسجد الأقصى" ببيت المقدس. وليس هناك سبب بيّن لهذا التفسير. ويظهر أنه أوحت به سياسة الأمويين التى رمت إلى تعظيم بيت المقدس على حساب مكة التى كان يحكمها حينذاك عبد الله بن الزبير (كولدتسيهر Muh Stud جـ 2، ص 55 وما بعدها؛ Der Is- lam، جـ 6، ص 13 وما بعدها). ويبدو أن الطبرى قد رفض الأخذ بهذا التفسير، وهو لا يذكره فى تاريخه بل يظهر إنه كان أميل إلى تأييد التفسير الأول (Der Islam جـ 6، ص 2، 5 , 6 , 12، 14، وفى الطبرى: التاريخ، جـ 1، ص 1175 وما بعدها تجد فقرة يظهر أنها تمثل رأى المؤرخ الذى بناه بعد امتحان الأدلة التى أتيحت له، انظر Bevan. كتابه المذكور آنفا، ص 57).

وتتفق الروايتان الأولى والثانية فى تفسير كلمة "عبد" الواردة فى الآية الأولى من سورة الإسراء بمحمد صلى الله عليه وسلم، ويظهر أن هذا صواب (Der Islam، جـ 6، ص 13، تعليق رقم 6). وأقر "الإجماع" هذين التفسيرين، ولما ظهر تفسير الأمويين وفق الإجماع بينه وبينهما بأن أعطى لكلمة "إسراء" مدلولا خاصًا هو"الرحلة الليلية إلى بيت المقدس" وإذ فقد "الصعود" مدلوله الأصلى تغير تاريخه وقالوا بحدوثه فى تاريخ متأخر وأصبح من الممكن الجمع بين القصتين كما فعل ذلك ابن إسحاق فى كتاب السيرة (Bevan: كتابه المذكور آنفا ص 54) وهو أقدم كتب السيرة. وقصة الرحلة الليلية إلى بيت المقدس هى كما يأتى: كان النبى محمد صلى الله عليه وسلم نائمًا ذات ليلة بالقرب من الكعبة بمكة (أو فى بيت أم هانئ، Der Islam. جـ 6، ص 11 وما بعدها) فأيقظه جبريل وأتاه بحيوان ذى جناح يسمى البُرَاق (Bevan: المصدر المذكور آنفا، ص 59، 57، 55؛ Der Islam جـ 6، ص 12 وما بعدها، وانظر كذلك المصادر المذكورة فى هذه المجلة) ولما اعتلى محمد هذا الحيوان رحل مع جبريل إلى بيت المقدس، وصادفا فى طريقهما عدة قوى مختلفة خيّرة وشريرة (مشكاة المصابيح، طبعة دهلى سنة 1267 هـ، ص 521 وما بعدها؛ البغوى: مصابيح السنة، طبعة القاهرة سنة 1294 هـ، جـ 2، ص 179 وفيه تحشيات للتوفيق) وزارا الخليل وبيت لحم (النسائى: السنن، طبعة القاهرة سنة 1321 هـ، جـ 1، ص 77 وما بعدها؛ النويرى: المخطوط المحفوظ بليدن، رقم 2، ص 93، س 7 - 10) وقابلا فى بيت المقدس إبراهيم وموسى وعيسى (عليهم السلام)، وقد وصف البخارى هذه المقابلة (البخارى، طبعة القاهرة سنة 1278 هـ، جـ 2، ص 147). وصلى محمد عليه الصلاة والسلام بهؤلاء الأنبياء وهذا يدل على تقدمه على جميع

الأنبياء الذين اجتمعوا هناك. 3 - أما التفسير الثالث للآية الأولى من سورة الإسراء فيعتمد على الآية الثانية والستين من السورة نفسها إذ وردت فيها كلمة الرؤيا بمعنى الإسراء وهذا يتضمن أن الرحلة الليلية لم تكن رحلة حقيقية؛ وإنما كانت رؤيا. ولما وقف محمد صلى الله عليه وسلم بالحِجْر، رأى بيت المقدس. ووصف لقريش ما رآه فلم يصدقوه (البخارى، جـ 2، ص 221؛ جـ 3، ص 102؛ مسلم، جـ 1، ص 62؛ تفسير الطبرى، جـ 15، ص 5، س 62؛ ووضعت القصة على نحو يوفق بين التفسيرين الثانى والثالث، وذلك كما يأتى: سافر محمد صلى الله عليه وسلم ليلا إلى بيت المقدس، ثم عاد ووصف فى مكة ما رآه فلم تصدقه قريش، بل وأنكر ذلك منه بعض المسلمين. وحاول محمد التدليل على صدق روايته ولكنه نسى التفصيلات، فاراه الفه بالفعل بيت المقدس (Der Islam جـ 6، ص 15 وما بعدها). وقد تبسطوا فى سرد هذه القصة فى المؤلفات المتأخرة المطولة (Der Islam in morgen - and: A. Muller Abendland جـ 1، ص 86 - 87). ويقال إن النبى خاطب الله فى السماء سبعين ألف مرة مع أن الرحلة كلها تمت على وجه السرعة بحيث إنه لما رجع كان فراشه ما زال دافئًا وكان الكأس الذى قلبه بقدمه عند إسراعه فى الرحيل ما زال نديًا. وقد اختلف علماء المسلمين فيما إذا كان الإسراء حدث فى نوم محمد صلى الله عليه وسلم أم فى يقظته وفيما إذا كان أسرى بروحه أم بجسده، ويذهب أهل السُّنة إلى أن الإسراء كان بالجسد إبان يقظته. ويؤيد الطبرى فى تفسيره (جـ 15، ص 13) هذا الرأى تأييدًا قاطعًا معتمدًا على البراهين الآتية: 1 - إن لم يكن النبى قد أسرى بجسده، فإن الإسراء لا يعطينا دليلا على نبوته، ولم يكفّر الطبرى من لم يسلم بهذه القصة.

2 - جاء فى القرآن أن الله أسرى يعبده ولم يقل إنه أسرى بروح عبده. 3 - إذا كان النبى أسرى بروحه فقط لم تكن هناك حاجة إلى البراق لأن الحيوان يحمل الأجسام لا الأرواح (Bevan: الكتاب المذكور آنفا، ص 60؛ Schrieke: Der Islam، جـ 6، ص 13؛ وانظر تفاسير الطبرى والبيضاوى والبغوى). ويفضل المتصوفة والفلاسفة التفسير الرمزى (كولدتسيهر: - Ge -shichet der Philosphie im Mittelatter, Kul tur der Gegenwan - جـ 1، 5 ص 319). المصادر: (1) Muhammed,s Ascension: Bevan to Heaven فى Beihefte zur Zeitschrift fur die altestam Wissenschaft، جـ 27، ص 51 وما بعدها. (2) Die Himmeisreise Mu-: Schrieke hammed فى Der Islam جـ 6، ص 1 وما بعدها، وانظر أيضًا المصادر المذكورة فى هذه المجلة الأخيرة. [شريك B. Schrieke] تعليق على مادة "إسراء" وضع القرآن قانونًا ساميًا لحرية العقل وقال {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} (¬1). ويجب على الانسان أن لا يتبع غير سبيل العلم والعقل، كما يجب عليه أن يجرد نفسه من كل أثر للتقليد المذموم بلسان القرآن والعقل، وأن يكون فى البحث العلمى حر الرأى. ويجب على العلماء أن يتلقوا البحث العلمى الحر بصدر رحب، فمسألة الإسراء من المسائل التى ارتبكت فيها الأفكار واخللفت الآراء بثلاثة: (1) أن الإسراء كان بصعود النبى صلى الله عليه وسلم إلى السماء بجسده. (2) أن النبى صلى الله عليه وسلم أحاط بروحه الزكية على أسرار من العالم المحجوب، ووصل إلى عالم رفيع ¬

_ (¬1) سورة الإسراء.

من العلم فى دلك الليلة وأزيح له النقاب عن كثير من المجهولات. (3) أنه كان رؤيا رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم. أخذ (شريك Schrieke) كاتب هذه المادة خلاصة ما ذكر فى كتب القدماء من المفسرين والمحدثين من غير تامل أو نظر فى دلائل الآراء والنصوص الواردة فيها لتظهر له الحقيقة، بل إنه لا يخلو من ميل إلى تشويه حقائق الإسلام المضيئة (¬2). أما القول الأول فلا يقره العلم ولا يصدقه العقل، فإن العقل -كما يقول القرآن- يرى أن الله تعالى أحاط بالوجود وهو محضه الذى هو أقرب إلينا من حبل الوريد، كما أنه أحاط بكل شئ علما وأحصى كل شئ عددًا وتنزه عن أن يكون فى جهة من الجهات حتى يشار إليه أو يتلقاه أحد فيها والسموات مطويات بيمينه. والقرآن لا يصرح بأن الإسراء كان بجسده الشريف. إنما ظهر هذا القول لأن عدة من الصحابة رضى الله عنهم لما رأوا فى النبى صلى الله عليه وسلم من الآيات الباهرات من صدقه وأمانته وخلقه العظيم وعلمه بأسرار الأمور خضعوا له غاية الخضوع بدرجة لم يكونوا لشدة إيمانهم به يتأملون فى نبل أقواله المتضمنة للأسرار أو الرموز التى كانت الظروف توجبها أحيانا (¬3). روى الطبرى عن ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: علمت ما فى السماء والأرض وشرح الله صدرى فأفضى إلىّ بأشياء لم يؤذن لى أن أحدثكموها (¬4) وكان صلى الله عليه وسلم يشير إلى بعض الأمور أحيانًا حسب استعداد المخاطب لسماعها، ولا يصرح بما هو فوق عقله واستعداده. أضف إلى ذلك أننا إذا نظرنا إلى ¬

_ (¬2) انظر إلى قوله: ويقال أن النبى خاطب الله فى السماء إلى قوله نديا. (¬3) وبذلك أشير فى كلامه [- صلى الله عليه وسلم -]. (¬4) طبرى س 28 جـ 27.

ما ورد من طريق الصحابة والمفسرين منسوبًا إلى النبى صلى الله عليه وسلم فى هذه المسألة من جميع نواحيها نجد ما يهدينا إلى أن الإسراء كان بالروح. روى الطبرى عن محمد بن كعب القرظى عن بعض أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم قال: قلنا يا نبى الله، هل رأيت ربك؟ قال: لم أره بعينى ورأيته بفؤادى مرتين ثم تلا {دَنَا فَتَدَلَّى} (¬5) وروى أيضًا عن أبى نمر قال: سمعت أنس بن مالك يحدثنا عن ليلة المسرى برسول الله صلى الله عليه وسلم أنه عرج جبريل برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السماء السابعة ثم علا بما لا يعلمه إلا الله حتى جاءا لسدرة المنتهى ودنا الجبار رب العزة فتدلى حتى كان قاب قوسين أو أدنى (¬6). فإنا نجد أن آية (دنا فتدلى) تفسر فى قول أنس بن مالك بمسألة الإسراء، كما نجد فى قول النبى صلى الله عليه وسلم حين يسأل عن رؤية ربه اتجاهًا لهذه الآية لأنه يدلوها عقيب هذا السؤال إلى مسألة الإسراء ثم نظام هذه الآية فى سورة النجم نجد ضوءًا يهدى إلى الحق وهو قوله تعالى {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} فينسب المرئى وهو انكشاف الحقائق العلمية إلى الفؤاد وبذلك تعرف أن الإسراء كان بالروح وإلا كان ينسب المرئى إلى البصر دون الفؤاد. على أن فى نفس النصوص المروية عن بعض الصحابة ما يدل بل يصرح بذلك: يقول الطبرى فى روايته إن جبريل شق ما بين نحره صلى الله عليه وسلم حتى فرج عن صدره وجوفه فغسله من ماء زمزم حتى أنقى جوفه ثم أتى بطست من ذهب فيه نور محشو إيمانا وحكمة فحشا به جوفه وصدره ولغاديده ثم أطبقه (¬7). ويروى أيضًا عن أبى هريرة أن جبريل جاء إلى النبى صلى الله عليه ¬

_ (¬5) طبرى جـ 27 ص 27. (¬6) طبرى جـ 15 ص 26. (¬7) طبرى جـ 15 ص 4.

وسلم ومعه ميكائيل فقال جبريل لميكائيل: ائتنى بطست من ماء كيما أطهر قلبه وأخرج له صدره قال فشق عن بطنه فغسله ثلاث مرات واختلف إليه ميكائيل بثلاث طسات من ماء زمزم فشرح صدره ونزع ما كان فيه من غل وملأه حلمًا وعلمًا وحكمة وإيمانًا ويقينًا وإسلامًا وختم ما بين كتفيه بخاتم النبوة. وفى صحيح البخارى عن صعصعة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: أتانى آت فاستخرج قلبى ثم أتيت بطست من الذهب مملوء إيمانًا فغسل قلبى ثم حُشى ثم أعيد (¬8). والنظر الدقيق والتأمل الصادق فى هذه النصوص يهدى إلى أن الإسراء كان بروحه، لأن العقل والنقل لا يقرّان بأن الشق من جبرائيل كان لجسمه الشريف ولا يشك فيه عاقل، ثم هل يقر العلم والعقل أن الإيمان والعلم والحكمة والحلم والإسلام واليقين مما توضع فى طست من الذهب، وهل صفة الغل تغسل بالماء، وهل هذه الأمور التى ذكرت فى ابتداء الإسراء إلا شواهد بأنه كان بالروح؟ وفى رواية الطبرى أيضا (¬9) أن النبى صلى الله عليه وسلم مر بعير من أعيار قريش بواد من تلك الأودية فنفرت العير وفيها بعير عليه غرارتان سوداء وزرقاء حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم إيلياء فأتى بعد حين بقدح خمر وقدح لبن فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم قدح اللبن، فقال له جبريل (هديت إلى الفطرة، لو أخذت قدح الخمر لغوت أمتك). وهل يبقى بعد ذلك شك فى أن هذه الأمور تشير إلى إسراء حصل له صلى الله عليه وسلم بروحه واتصل بمقام من العلم الرفيع وكان منه قاب قوسين أو أدنى؟ وفى كلام حكماء الإسلام الإلهيين ما يعلل مسألة الإسراء فلسفيًا بما لا ¬

_ (¬8) طبرى جـ 3 ص 345 مطبعة مصر. (¬9) طبرى جـ 15 ص 5.

يدع للشك إليه سبيلا. يقول صدر الدين محمد بن إبراهيم الفيلسوف الشيرازى (¬10) فى كتابه (مفاتيح الغيب) فى المفتاح الرابع من مراتب الكشف: قد تكون المكاشفة على سبيل الملامسة، وهى بالاتصال بين النورين. كما قال ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: رأيت ربى فوضع كفه بين كتفى فوجدت بردها بين ثديىّ فعلمت ما فى السموات ثم تلا {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ}. يقول صدر الدين: رآه صلى الله عليه وسلم بالتجلى والمكاشفة، ومنبع هذه المكاشفات هو القلب الإنسانى أى نفسه الناطقة المنورة بالعقل العملى المستعمل بحواسه الروحانية. وللنفس فى ذاتها عين وسمع كما أشير إليه: فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التى فى الصدور. وهذه الحواس الروحانية هى أصل هذه الحواس الجسمانية، فإذا ارتفع الحجاب بينها وبين هذه الخارجية يتحد الأصل فيشاهد بهذه الحواس ما يشاهد بها (أى فى المكاشفة بهذا المعنى يرى القلب كما ترى العين). والروح تشاهد جميع ذلك بذاتها، لأن هذه الحقائق يتحد فى مرتبتها عند كونها فى مقام العقل كل الموجودات. وهذه المكاشفة القلبية أعلى مراتب الكشف، ويسمى بالشهود الروحى. فهى بمثابة الشمس المنورة بثمرات مراتب الروح وأراضى الجسد، فهو بذاته أخذ من الله العليم الحكيم المبانى الحقيقية من غير واسطة على قدر استعداد المكاشف، انتهى. وبذلك يستقيم المعنى ونعرف سر قوله تعالى: {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} الوارد فى نظام آيات سورة النجم فى هذا المعنى. أبو عبد الله الزنجانى ¬

_ (¬10) وهو من كبار الحكماء وضعت فى شخصيته وآرائه رسالة.

إسرائيل

إسرائيل اسم جد بنى إسرائيل. ذكر مرة واحدة فى القرآن إلى جانب الاسم الشائع "بنو إسرائيل" للدلالة على قوم إسرائيل. وفى الآية السابعة والثمانين من سورة آل عمران {كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ}. ويقول المفسرون إن تحريم ما حرم من الطعام كان نتيجة لبغى بنى إسرائيل. ويقول بعضهم إن جد بنى إسرائيل إنما حرم على نفسه أكل لحوم الإبل وألبانها؛ وقيل كان به عرق النسا يؤرقه بالليل ويتركه بالنهار؛ فنذر إن شفى لم يأكل أحب الطعام إليه، وكان ذلك أحبه إليه. وقيل فعل ذلك للتداوى بإشارة أطبائه، فأمسك عن أكل عرق النسا وامتنع عن أكل كل ما هو عرق. وكلمة عرق ترجمة لكلمة "كيد" Gid العبرية؛ أما "النسا" فنقل للكلمة العبرية نشه Nashe . ويشير هذا إلى القصة المعروفة التى وردت فى الإصحاح الثانى والثلاثين من سفر التكوين والتى تتحدث عن نقل فخذ يعقوب على يد ملك.، تفسر هذه القصة: لم لا يأكل بنو إسرائيل عرق النسا حتى اليوم. وتبقى بعد هذا مسألة هى: كيف أن امتناع يعقوب عن أكل لحوم الإبل وألبانها يصبح فرضًا على بنى إسرائيل. ويقول البعض فى هذا إن نبيا كيعقوب له بطبيعته حق الاجتهاد. ويقول البعض الآخر إن الله أجاز ليعقوب وضع هذه القاعدة. وكل ما نجده بعد هذا فى القرآن خاصًا ببنى إسرائيل يرد تحت اسم يعقوب. ويظهر أن محمدًا كان أول الأمر يعتبر يعقوب ابنا لإبراهيم فعندما زفت البشرى لسارة جاء فى القرآن الكريم {فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} (الآية 71 من سورة هود، سنوك هو كرونى: Het. Mek- kansche Feasi، ص 32) ويبادر المفسرون إلى إيضاح أن كلمة "وراء" التى وردت فى الآية يجب أن تشير إلى الحفيد وفقًا للاستعمال العربى. وورد فى القرآن الكريم أن يعقوب لما حضره الموت أوصى بنيه بالتمسك بملة إبراهيم (سورة البقرة، الآية 126

وما بعدها) ونزل الوحى على يعقوب كباقى آبائه (سورة البقرة، الآية 130 وما بعدها) وتحيط الأساطير الإسلامية بأهم ما فى سيرة يعقوب. على أننا لا نعرض هنا إلا للروايات المتعارضة والتى لم ترد فى الكتاب المقدس. وكان يعقوب فى الحقيقة أكبر من أخيه التوأم عيص (عيسو). ولما جاء أوان الوضع اقتتل الغلامان فى بطن أمهما. إذ أراد يعقوب أن يخرج قبل عيص فقال عيص: والله لئن خرجت قبلى لأعترضن فأتأخر فى بطن أمى فأقتلها. فتأخر يعقوب وخرج عيص قبله. ونجد هذه القصة أيضا فى كتب اليهود. وبعد أن فقد يعقوب البركة التى ينالها الولد البكر فرّ إلى خاله. وكان بختبئ بالنهار خوفًا من عيص، ويسرى فى الليل ومن ثم سمى إسرائيل. ولم تعرف الروايات الإسلامية تغير هذا الاسم إلى Pnuel . أما عن زواجه بأختين فيقال إن موسى كان أول من أبطل ذلك. ولكن يقال أيضا إن يعقوب لم يتزوج راحيل إلا بعد وفاة ليا. المصادر: (1) الشروح المختلفة للآيات القرآنية المذكورة سالفًا. (2) الطبرى، تاريخ الأمم والملوك، جـ 1، ص 353 وما بعدها. (3) اليعقوبى، طبعة هوتسما، جـ 1، ص 26 وما بعدها. (4) الثعلبى: قصص الأنبياء، القاهرة 1290 هـ، ص 88 وما بعدها. [فنسنك A.J.Wensinck] تعليق على مادة "إسرائيل" يجدر بنا أن نبين ما يراه ثقات العلماء فى هذه المسألة، فإن المعلومات التى ذكرها أصحاب الدائرة فيها مشوهة يرد عليها ما ذكروه من الاعتراض. ذكر النبى [- صلى الله عليه وسلم -] أن ما حرم على بنى إسرائيل من الطيبات كان لظلمهم وبغيهم {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا} إلى قوله {ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ}، {فَبِظُلْمٍ

مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ}. فغاظ ذلك اليهود فزعموا أن ما حرم عليهم كان محرمًا فى القديم على نوح ومن بعده من الأنبياء إلى أن انتهى التحريم إليهم. وغرضهم تكذيب الرسول فى شهادته عليهم بأن ما حرم عليهم حرم لظلمهم وبغيهم. فبيّن الله أن كل الأطعمة كانت حلالا لبنى إسرائيل من قبل أن تنزل التوراة إلا ما حر. إسرائيل على نفسه وهو العرق فتبعه بنوه فى تحريم العروق تأسيًا به. أما بقية المطعومات من لحوم الإبل وألبانها مما حرم على بنى إسرائيل فقد كان حلا قبل أن تنزل التوراة ثم حرمت عليهم لظلمهم وبغيهم، وقد أمره الله أن يتحاكم معهم فى إثبات ذلك إلى التوراة فقال: {قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}. يجتهد بعض المستشرقين أن يضرب القرآن الكريم بعضه ببعض وأن يجعل بين آياته تنافيا ليصل من ذلك إلى أنه من عند محمد [- صلى الله عليه وسلم -] المحدود علمه لا من عند الإله الذى أحاط بكل شئ علما، ويأبى الله إلا أن يقيم بجانب كل دعوى من هذا القبيل ما يفسد دعواهم وينقض طعنهم فيظهر القرآن الكريم مستويًا لا اعوجاج فيه ولا تفاوت، يصدق بعضه بعضًا - ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرًا. من ذلك ما ذكروه فى هذا الموضع، فهم يرون أن محمدًا [- صلى الله عليه وسلم -] كان يرى أول الأمر أن يعقوب بن إبراهيم، ويستدلون على ذلك بآية {فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} يذهبون إلى أن معني الآية فبشرناها بإسحق ويعقوب ابنين لها من إبراهيم إلا أن يعقوب أصغر من إسحق، ثم رأى بعد ذلك أنه ابن لإسحق وأن إبراهيم جده بدليل الآية 126 من سورة البقرة {أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} وإنما ذهبوا إلى أن اعتقاده بنوة يعقوب لإبراهيم كان أول أمره ثم تغير اعتقاده أخير، لأن الآية التى تدل على أن يعقوب ابن لإبراهيم مكية والآية التى تدل على أنه ابن لإسحاق مدنية، والمكى قبل المدنى.

إسرافيل

والذى يرد عليهم ما ذهبوا إليه أن آيات مكية مما جاء بها محمد [- صلى الله عليه وسلم -] أول الأمر تدل على أنه ابن لاسحاق: ورد فى سورة يوسف المكية {إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَاأَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ (4) قَالَ يَابُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ (5) وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}: وورد فى سورة إبراهيم المكية {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ} ولم يقل إسماعيل وإسحاق ويعقوب. وورد فى سورة الذاريات المكية أن البشرى كانت بولد واحد {فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ}: ومن ذلك يعلم أن محمدا صلى الله عليه وسلم كان يعتقد أول أمره وآخره فى يعقوب عقيدة واحدة وهى أنه ابن لإسحاق وأن جده إبراهيم كما نطقت بذلك الآيات المكية والمدنية. وأما الآية {فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} فقد فهموها على وجهها لأن (من وراء إسحاق) خبر مقدم و (يعقوب) مبتدأ مؤخر، وجئ بهذه الجملة فى هذا الموضع ليبين أن إبراهيم سيبقى عقبه فهو سيولد له ويولد لولده. وعن الشعبى أنه قيل له: أهذا ابنك؟ فقال: نعم من الوراء وكان ولد ولده. أما بقية ما ذكروه عن إسرائيل مع أخيه (عيسو) فروايات إسرائيلية نقلها بعض المسلمين فى كتبهم ولسنا نعرض هنا إلا لما كان اعتراضًا على القرآن الكريم أو السنة الثابتة. محمد عرفة إسرافيل اسم ملك من رؤساء الملائكة، والراجح أن اسمه مأخوذ من الاسم العبرى "سرافيم " كما يتضح من الاسمين المختلفين اللذين وردا فى تاج العروس (جـ 7، ص 375) وهما "سرافيل" و"سرافين". وتغير الحرف الأخير فى نهاية الاسم أمر ليس خارجًا

أسطرلاب

عن المألوف، وهذا الملك هائل الحجم: فبينما قدماه تصلان إلى ما تحت الأرض السابعة إذ تبلغ رأسه عمد عرش الرحمن، وله اربعة أجنحة أحدها فى المغرب والثانى فى المشرق وواحد يغطى جسده وواحد يتقى به جلال الله، وجسمه مغطى بالشعر والأفواه والألسنة. وهو يعتبر الملك الذى يقرأ قضاء الله من اللوح المحفوظ ويبلغه إلى الموكل به من رؤساء الملائكة، وهو ينظر إلى جهنم ثلاث مرات فى النهار ومثلها فى الليل ويزعج من الأسى ويبكى بكاء مرًا حتى لتغمر دموعه الأرض. وقد سمى بصاحب الصور فذلك لأنه يمسك بالصور فى فمه دوامًا حتى يستطيع أن ينفخ فيه متى أمر الله النفخة التى تبعث الناس من قبورهم. ويقال أيضًا إن إسرافيل هو أول من يبعث يوم القيامة ويقف على الصخرة المقدسة فى بيت المقدس ويعطى الإشارة التى تعيد الموتى إلى الحياة. وحسبما يروى أن موسيقاه ستطرب سكان الجنة. المصادر: (1) الكسائى: عجائب الملكوت، مخطوط بليدن ,ورنر رقم 538، ورقة 4 وما بعدها. (2) الطبرى، جـ 1، ص 1248 وما بعدها، ص 1255. (3) الغزالى: الدرة الفاخرة، طبعة كوتييه، ص 42. (4) Muhammed Es-: M . Wolf chatologie، ص 9، 49. (5) The Koran, Preliminary: Sale Discourse، ص 49. (6) Die Chadhirlegende: Friedlande und der Alexander 171، 208 . . (7) Manners and Customs: Lane , لندن سنة 1899 م. . [فنسنك A. J Wensinck] أسطرلاب أو اصْطُرلاب (انظر ضبط هذه الكلمة فى ابن خلكان، طبعة فستنفلد رقم 779. والطبعة المصرية ص 746). وكلمة اسطرلاب يونانية الأصل من

أسترلابوس، أطلقت على عدة آلات فلكية تنحصر فى ثلاثة أنواع رئيسية بحسب ما إذا كانت تمثل مسقط الكرة السماوية على سطح مستو أو مسقط هذا المسقط على خط مستقيم أو الكرة بذاتها بلا أى مسقط ما. 1 - والأسطرلاب أول ما صنع هو الأسطرلاب السطحى أو المُسَطح، ويسمى بالعربية كذلك "ذات الصفائح". وهو أداة من المعدن سهلة الحل يشبه شكلها صورة قرص يتراوح قطره من 10 سنتيمترات إلى 20 سنتيمترًا، وله عروة اسمها الحَبْس تتصل بحلقة أو علاقة تصلح فى تعليق الأداة بحيث تكون رأسية الوضع. وأبسط أسطرلابات هذا النوع، وهو الذى كان عرفه الإغريق والسوريون من قبل، يتألف من الأجزاء الآتية: (أ) الأم، وهى قرص أو صفيحة مستديرة ذات حافة تعرف بالكُفَّة أو الحَجْرة أو الطوق تعطى أداة الأسطرلاب شكل العلبة وتحتوى الصفائح الباقية، ويسمى سطحها الدائرى الداخلى (بالوجه) والخارجى (بالظهر). (ب) الأقراص المستديرة الأخرى أو الصفائح (مفردها صفيحة) يبلغ عددها عادة تسعًا داخل الأم. (جـ) العنكبوت أو الشبَكة، وهى صفيحة موضوعة فوق أخواتها فى مكانها من الأم وتكون مثقبة على قدر المستطاع بحيث لا يضر التثقيب بمتانتها ومتوعها وعلى وجه يبقى معه فيها ظاهرا رسم منطقة فلك البروج ومواقع النجوم الرئيسية وأسمائها. وهذه الشبكة تتألف من شرائط معدنية قطعت فى شكل فنى تنتهى بأطراف عديدة تشير إلى مواضع النجوم، ويسمى الطرف شَطْبَة أو شظية. (د) المسطرة أو العضَادة التى تدور حول مركز الظهر. ويعَدل طولها قطره، ولها ذراعان ينتهيان بشطبة أو شظية، ولكل منهما لبنْة مثقوبة، وتسمى كذلك دفة أو هدفًا، وتوضع بحيث يمكن لأشعة الشمس أن تخترق ثقبى اللبنتين. (هـ) المحور أو القطب، وهو يخترق مركز جميع القطع ويضمها جميعًا. ورأس المحور فى ظهر الأسطرلاب وفى

طرفه الآخر محبس صغير يمنعه من الانفلات من موضعه يسمى الفرس. وإلى جانب الصفائح (جـ) رسم المسقط الاستريوغرافى فى القطب للمقنطرات أى الدوائر المتوازيات مع الأفق، وللدوائر الرأسية أى دوائر السموت، ولخط الاستواء والدائرة الكسوفية بالنسبة إلى خط معين من خطوط العرض الأرضية. وفى هذا المسقط تكون عين الراصد فى أحد قطبى الكرة، ومستوى المسقط مماسا للقطب المقابل وموازيا لمستوى خط الاستواء. ولنوع من الأسطرلاب صفيحة تبين بالنسبة لخط معين من خطوط العرض الأرضية مسقط دوائر الوضع. وتلك الأسطرلابات مستعملة فى استخراج حساب النجوم المعبر عنه بـ "التسيير". وهناك أسطرلابات غير هذه تصلح صفيحتها لجميع العروض وتسمى لهذا السبب جامع العروض أو الصفيحة الآفاقية أو الجامعة. ولكن وجوه استعمالها لم تكن تامة الوضوح. ويسمى الأسطرلاب - طبقًا لتقسيم مقنطرات جميع الصفائح (ب) إلى درجتين فدرجتين أو ثلاث درجات فثلاث أو خمس فخمس أو ست فست أو تسع فتسع أو عشر فعشر- بالأسطرلاب التام أو النصفى أو الثلاثى أو الخمسى أو السدسى أو التسعى أو العشرى. وعلى كل حال فإن الأسطرلاب السطحى الشائع الاستعمال ينقسم إلى شمالى وجنوبى تبعا لما إذا كان مستوى المسقط مماسا للقطب الشمالى أو القطب الجنوبى من الكرة. والأول هو أكثر شيوعًا بطبيعة الحال. وبإضافة علامات أخرى إلى الصفائح وتغيير علامات البروج فى الشبكة، تيسر الحصول على أسطرلابات شمالية وجنوبية معًا سميت- وفقا للشكل الوهمى الذى جمعت فيه علامات البروج فى الشبكة- بالطبلى نسبة إلى الطبل أو الآسى أو السرطانى أو المسرطن أو الصدفى أو الثورى أو الشقائقى ... الخ. والراجح أن يكون الأسطرلاب الزورقى المنسوب إلى أحمد السِجْزى (حوالى عام 400 هـ - 1009 م) من أسطرلابات هذا النوع.

وكان الأسطرلاب الكامل يحمل إلى جانب العلامات الأخرى دائرة المعادلة الشمسية. وهناك أسطرلابات مسطحة قائمة على أساس مسقط مخالف للمسقط الأستريوغرافى، ولكن ينبغى اعتبارها من المنشآت النظرية التى لا مجال لها فى ميدان التطبيق العملى. نذكر منها على سبيل المثال الأسطرلاب الذى تخيله أبو الريحان البيرونى وأسماه الأسطرلاب الأسطوانى نسبة إلى مسقطه ونسميه نحن الآن بالأسطرلاب ذى المسقط الجانبى. ومساقط دوائر الكرة فى هذا الأسطرلاب مرسومة على هيئة خطوط مستقيمة ودوائر وقطاعات ناقصة. أما الأسطرلاب المسطح الذى وصفه أبو الريحان البيرونى الآنف الذكر فى كتابه الموسوم بكتاب "الآثار الباقية" (ص 358 - 359) فالظاهر أنه لا يعدو أن يكون خريطة للنجوم فى مساقطها القطبية المتساوية الأبعاد بعضها عن بعض. أعنى أن يكون قطب الدائرة الكسوفية مركزًا للمسقط، وأن تكون خطوط العرض الموازية لهذه الدائرة دوائر متحدة المركز ومتساوية الأبعاد بعضها عن بعض، وأن تكون دوائر العروض أنصاف أقطار متساوية الأبعاد بعضها عن بعض. ويعطى الأسطرلاب بالرصد النظرى المستقيم ارتفاع نجم ما، وبالتالى مقدار ما انقضى من ساعات النهار والليل. ويمهد السبيل بعد هذا إلى حل جميع مسائل علم الفلك الكرى دون الالتجاء إلى العمليات الحسابية. ويصلح إلى جانب ما تقدم لأداء العمليات الجيوديزية الخاصة بقياس الأرض مثل حساب بُعد مكان يتعذر الوصول إليه وارتفاع بناء وعمق بمر يكون من الميسور قياس قطرها ... الخ. وبدهى ألا ينتظر الضبط المطلق من أداة بالغة من صغر الحجم مبلغ الأسطرلاب، ولا يمكن بسبب حركة مبادرة الاعتدالين وتناقص ميل الدائرة الكسوفية، أن يكون صالحًا ولا مفيدًا إذا انقضت على صنعه سنوات كثيرة وعهد طويل. وكل علامة من علامات الصفائح (ب) لا تصلح إلا لخط واحد من خطوط العرض الأرضية. ومن ثم يكون لزاما وجود عدد كبير من الصفائح لكى

يتيسر استخدام تلك الأداة لكل خطوط العرض. ولقد وفق للتغلب على هذه الصعوبة عالم من علماء الأندلس وهو الزرقالة (Arzachel) الذى استطاع أن يحول الأسطرلاب من أسطرلاب خاص إلى أسطرلاب عام باستبداله من المسقط القطبى الأستريوغرافى المسقط الأفقى الأستريوغرافى. وبمقتضى هذا التحويل يكون موضع عين الراصد فى نقطتين من نقط الأفق إحداهما شرقية والأخرى غربية، أى فى نقطتى الاعتدالين، ويكون مستوى المسقط هو بعينه مستوى الدائرة الكبرى المارة بنقطتى الانقلابين. ويكون مسقطا نصفى الكرة السماوية متطابقين تمام التطابق بحيث تكفى الدلالة عليهما بعلامة واحدة. وقد سمى أسطرلاب الزرقالة فى شكله النهائى "العبّادية" نسبة إلى عباد ملك إشبيلية (461 - 484 هـ - 1068 - 1091) فإن هذه الأداة اختصرت فآل أمرها إلى صفيحة واحدة وقطعتين أخريين تتصلان بها. ويرى فى وجه الصفيحة بشكل مسقط أستريوغرافى أفقى، خط الاستواء ومداراته، ودوائر ممراته، كما ترى الدائرة الكسوفية بدوانر عرضها ودوائر طولها. وعلى هذا النمط لا يصلح هذا الأسطرلاب لتعيين أى خط من خطوط العرض الأرضية فحسب، بل يقوم أيضا مقام الشبكة فى الأسطرلابات الأخرى بسبب تراكب مساقط نصفى الكرة السماوية تراكبًا تامًا ومطابقتها لإحداثيات الدائرة الكسوفية والنجوم الرئيسية. وفى مركز الوجه المدرج مسطرة مثبتة تسمى بالأفق المائل وهى تقوم بكل ما تقوم به الصفائح (ب) الموجودة فى الأسطرلاب العادى. فإذا أميلت هذه المسطرة كثيرأ أو قليلا بالنسبة لخط الاستواء فإنا نحصل على بيان أفق المكان المرئى، ونستطيع حينئذ أن نستنتج من أقسامه بُعد الجرم السماوى عن الأفق شرقًا وغربًا. وبظهر الصفيحة المفردة الآنفة الذكر توجد العضادة كما توجد العلامات التى فى الأسطرلابات العادية، غير أن الزرقالة أضاف إلى ذلك الأسطرلاب دائرة القمر التى تؤذن بتتبع حركات هذا الجرم التابع للأرض فى مجراه، كما أضاف إليه مربعًا لحساب المثلثات

يبين للباحث على الفور الأظلال المبسوطة والمنكوسة للزوايا المقيسة منسوبة إلى نصف قطر مقسم إلى 12 جزءًا. وقد سمى العرب هذا الأسطرلاب البسيط المنقح "بالصفيحة الزرقالية" وهو الذى ذاع فى أوروبا واشتهر باسم Saphaea أى الصفيحة. وهناك صنف آخر من أسطرلاب الزرقالة يعرف بالصفيحة الشكازية أو الشكارية لم يصل إلينا عنه إلى اليوم أى بيان من البيانات الصريحة الواضحة. 2 - الأسطرلاب الخطى ويسمى أيضًا "عصا الطوسى"، نسبة إلى مخترعه المظفر بن المظفر الطوسى المتوفى عام 610 هـ) (1213 - 1214 م) وهو يشبه بهيئته مسطرة الحساب، فإن مسقط الأسطرلاب العادى للكرة المسطحة يقع فيه على خط من خطوط سطحه المستوى بنفسه. فهذه الأداة تمثل إذن خط تقاطع سطح الهاجرة مع سطح مسقط أسطرلاب الكرة المسطحة. وتشير النقط المعلمة على العصا إلى الصعودات المستقيمة والمائلة، كما تشير إلى أقسام الدائرة الكسوفية والمقنطرات .. إلخ. وفى الأسطرلاب خيوط مربوطة بالعصا، وهى تصلح لقياس الزوايا .. وبواسطة هذا الأسطرلاب يتيسر إجراء العمليات المألوف عملها بالأسطرلاب السطحى، ولكن بغير الدقة الملحوظة فى هذا الأخير. 3 - الأسطرلاب الكرى أو الأكرى ويسمى Astrolabio redondo فى تواليف ألفونسو العاشر ملك قشتالة المؤلفة باللغة الأسبانية. وهذا الأسطرلاب يمثل الحركة اليومية للكرة بالنسبة لأفق مكان معلوم دون التجاء إلى المسقط. فهو إذن صالح لقياس ارتفاعات الكواكب عن الأفق وتعيين الزمن، وحل طائفة من مسائل علم الفلك الكرى. ويتألف هذا الأسطرلاب من القطع الآتية: (أ) كرة معدنية رسمت فيها الدائرة الكسوفية وخط الاستواء وأفق مكان معين بمقنطراته ودوائر ارتفاعه وكذا أوضاع النجوم الثوابت الرئيسية. وقسمه اليوم إلى ساعات زمنية وانقلابية، وخطوط العرض لأماكن ما من الأرض.

(ب) العنكبوت أو الشبكة وهى نصف كرة معدثية تلامس الكرة تمام الملامسة فى جميع نقطها، وهى مثقبة تثقيبًا لا يبقى معه منها سوى الدائرة الكسوفية التى تنزل منها فى منزلة الحافة، وهواضع النجوم الرئيسية ونصف خط الاستواء. (جـ) صفيحة معدنية ضيقة تنطبق تمام الانطباق على سطح الشبكة، ومثبتة فى القطب الاستوائى بأحد طرفيها، على أن يبقى الطرف الآخر مرتكزًا دائمًا على خط الاستواء. (د) عقرب موضوع عموديًا على الصفيحة المعدنية. (هـ) محور يخترق الكرة والشبكة والصفيحة المعدنية فى اتجاه القطبين الاستوائيين (¬1). المصادر: (1) Memoire sur les: L. A. Sedillot instruments astronomiques des Arabes باريس سنة 1841 م، ص 141 - 194. (2) Ueber ein in der: F. Woepcke -Kgl. Bikl . zu Berlin befindliches Ar abisehes Astrnlabium . فى - Abh. der ma them Kl. der KRI. Akd d. Wissensch zu Berlin، عام 1858 م ص 1 - 31. (3) Di due Astrolabi in: A, de Schio caratteri Cutici occidentals trovati: in Va ldagno، البندقية سنة 1880 م، فى هذا المؤلف رسم الأسطرلاب الشمالى وصفيحة الزرقالة وفهرس للأسطرلابات العربية المستعملة فى أوروبا. (4) H. Sauvaire et J. de Rey Pail-hade: .Sur une Mere d'Astrolabe Arabe etc المجلة الآسيوية، المجموعة التاسعة جـ 1، ص 5 - 76. 185 - 231. (5) L'Astrolabe li-: : Carra de Vaux neaire ou baton d'Et-Tousi المجلة الأسيوية، المجموعة التاسعة، جـ 5 ص 464 - 516. (6) البيرونى: الآثار الباقية، طبعة سخاو Sachau، ص 357 - 362 وانظر: M. Florini , فى della Societa Geografica Italian Rnlletinn. المجموعة الثالثة، جـ 4، ص 287 - 294. ¬

_ (¬1) تفضل بمراجعة هذه المادة الأستاذ محمد مسعود. اللجنة

إسلام

(7) Libros del saber de Astronomia deI rey D Alfonso X de Castilla مجريط 1863 - 1867، جـ 2، الأسطرلاب العادى والأسطرلاب الكرّى، جـ 3 صفيحة الزرقالة. (8) Description of a: W. H. Morley planispheric Astrolabe, constructed for shah Sultan Husain Safawi لندن سنة 1856 م. [نالينو C.A. Nallino] إسلام هو الاسم الذى يطلقه المسلمون فى كل قطر على عقيدتهم. ومعنى هذه الكلمة الخضوع أو الاستسلام [لله]. وقد وردت فى القرآن الكريم ثمانى مرات كقوله تعالى {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} (سورة آل عمران، آية 17) وقوله تعالى {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (سورة المائدة آية 5) وقوله تعالى {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ} سورة الأنعام آية 125) وسيكون مقالنا هذا مقصورًا على وصف إحصائى لانتشار الدين الإسلامى فى الأقطار المخللفة فى الوقت الحاضر. أما فيما يتعلق بالكلام على عقائد هذا الدين وفرائضه وتطور عقيدته إلخ ... فإنا نحيل القارئ إلى مادتى "الله" و"محمد [- صلى الله عليه وسلم -] وغيرهما. وكذلك فى الكلام على سير المسلمين وتاريخهم وجغرافيتهم الخ .. نطلب إلى القارئ الرجوع إلى المواد المختلفة المناسبة لكل مقام. وقد قدر عدد المسلمين فى العالم تقديرات متباينة، وهى تختلف من 175 مليونًا إلى 270 مليونًا. ولكن هناك جانبا كبيرًا من الشك يحيط بكل تقدير، لأن كثيرًا من الأقطار التى يكثر فيها المسلمون لم يعمل بها قط إحصاء دينى، ولهذا فإنه يعوزنا فيها الإحصاء الدقيق. وهذا على وجه خاص هو الحال فى البلاد التى كانت منبع الإسلام، وكل تقدير لعدد السكان المسلمين ما هو إلا من قبيل التخمين. ويمكننا أن نعتمد بعض الاعتماد على الاحصائيات التى عملت فى المناطق الواقعة تحت النفوذ الأوربى، فقد ذكر أن عدد سكان عدن والجزر المجاورة لها مثل جزيرة

يريم وسقطرى وغيرهما يبلغ ... ر 56 نسمة، وعدد سكان جزائر البحرين يبلغ 89.000؛ أما تقدير عدد السكان فى الأجزاء المستقلة من بلاد العرب مثل نجد وحضرموت وغيرهما، الذى يذهب إلى أن عدد سكانها يبلغ 2.500.000 نسمة حسب تقدير زويمر 3.500.000 حسب تقدير هارتمان، وعدد سكان الحجاز واليمن وكانا تحت حكم الترك، 1.050.000 فكلها تقديرات اجتهادية. على أن العرب ليسوا محصورين فى حدود بلاد العرب وحدها، فمنذ بداية القرن الثالث الميلادى أخذ العرب يهاجرون جماعات متفرقة إلى الشمال، وكان من نتائج هذا أن استقروا تدريجًا فى فلسطين والشام وبلاد الجزيرة ثم استغلوا فيما بعد النزاع الذى نشب بين الروم والفرس، فهاجرت طوائف كثيرة من البدو واستقرت فى المناطق الخصبة الواقعة على حدود بلادهم الأصلية القاحلة؛ وحركة الهجرهّ هذه بلغت غايتها بانتشار الجنس العربى انتشارًا واسعًا وساعد ذلك فتوحات القرن السابع الميلادى التى انتهت باستيلاء العرب على بعض الولايات البوزنطية الغنية وإخضاع بلاد الفرس بأكملها. وانتشرت لغة العرب تدريجًا فى معظم بلاد الشام ومصر وشمالى إفريقية، وهذا دليل على تغلغل الدم العربى فى سكان هذه البلاد. واستمر تيار الهجرة، وإن يكن فى غير تواصل، فهاجر كثير من العرب إلى إفريقية عن طريق البحر الأحمر واتجه تيار آخر من تيارات الهجرة نحو الشرق عن طريق المحيط الهندى، ولم يأت منتصف القرن الثامن الميلادى إلا وقد وصل تجار العرب إلى الصين، وكان منهم عدد كبير فى كانتون. وهناك محلات تجارية للعرب متفرقة فى جزائر الملايو، وقد استقرت جماعات صغيرة من العرب فى عهود تاريخية مختلفة على شواطن الهند البريطانية، وذهب أفراد منهم إلى معظم جهات العالم الإسلامى، وبخاصة ما كان الوصول إليه منها ميسورًا عن طريق البحر. على أنه لم يحاول قط تقدير جملة هؤلاء العرب الذين يعيشون خارج حدود شبه الجزيرة العربية باعتبارهم طوائف منفصلة عن

السكان المسلمين مع أنهم جزء من هؤلاء السكان. ولدينا إحصاءات دقيقة لبعض الأقطار الأسيوية الخاضعة للحكم الأوروبى، ففى الهند -حيث يعنى ببيان التنوع فى الاعتقادات الدينية- بلغ عدد المسلمين حسب تعداد عام 1911 م: 66.647.299 نسمة من مجموع السكان البالغ 315 مليونًا (¬1) والمسلمون فى الهند يزدادون بنسبة أكبر من نسبة ازدياد الهندوس، ففى العشر السنوات التى انتهت بعام 1901 م كانت نسبة الزيادة فى الهنود جميعا 2.4 % فى حين أنها كانت 8.9 % فى المسلمين منهم، وفى العشر السنوات التى تلتها زاد عدد المسلمين بنسبة 6.7 % بينما كانت الزيادة فى الهندوس 5 % فقط، وربما كانت الدعوة إلى الإسلام بعض السبب فى هذه الزيادة، ولكن يبدو أن العامل الأقوى للزيادة المطردة فى عدد المسلمين هو أن عاداتهم الاجتماعية أشد ملاءمة لكثرة المواليد من عادات الهندوس. فقيود الزواج عندهم أقل، وكثيرا ما تتزوج أراملهم، والانتقال من دين إلى دين نادر، ولكن الذين يتحولون من الإسلام إلى النصرانية فى شمال الهند -وبخاصة فى البنجاب- يعدون بالآلاف (- The Mohammedan World of to day ص 170، 924). وقد تحول عدد من المسلمين الذين يجرى فى عروقهم دم الهندوس إلى الهندوسية متأثرين بدعوة مبشرى آريا سَماج أما فى جزيرة سيلان فبالرغم من الصلات التجارية القوية التى تربط العرب بهذه الجزيرة فإن الإسلام لم ينتشر فيها انتشارًا واسعًا. وفى عام 1912 م بلغ عدد المسلمين 284.000 من جملة عدد سكانها البالغ أربعة ملايين، وتعوزنا الإحصاءات الوافية عن شبه جزيرة الملايو والجزر الواقعة هناك، ويقدر زويمر أن عدد سكان ولايات الملايو المتحدة والجماعات التى تقطن المضايق من المسلمين يبلغ 673.159 بينما يقدر هارتمان ضعف هذا العدد تقريبًا. وقد دخل الإسلام إلى ملَقَا من ناحية الهند وانتشر على طول الطريق ¬

_ (¬1) بلغ مجموع المسلمين فى الهند حسب تعداد عام 77.1921 مليونا (وجهة الإسلام، ص 109 - 111). اللجنة

التجارى الذاهب إلى جاوة وغيرها من جزر الأرخبيل. وفى عام 1905 م كان عدد المسلمين فى جزر الهند الهولاندية 35.043.25 منهم 29.605.653 فى جاوة (¬1) ويقال إن هذا العدد آخذ فى الازدياد بسرعة نظرًا لدخول كثير من الوثنيين من سكان البلاد فى الإسلام. ومن جهة أخرى نجد البعوث التبشيرية المسيحية قد نجحت فى السنوات الأخيرة فى تنصير عدد من مسلمى جاوة، ويقال إن أكثر من ثلثمائة مسلم يتنصرون كل عام وفى سنة 1906 م كان عدد المسلمين الذين اعتنقوا المسيحية 18000 (The Mohammedan World of to - day ص 237). أما فى سومطرة فإن هيئات التبشير تزعم أنها نصرت 6500 وعمّدت 1150 من المسلمين، وذلك منذ سنة 1860 م (نفس المصدر، ص 222، 228). ولم ينجح الإسلام فى توطيد نفوذه فى سيام، غير أنه انتشر بعض الشئ فى الشمال لاتصال سكانه بأهالى ولايات الملايو، وفى المدن الساحلية أيضا لاتصال سكانها بأهالى أرخبيل الملايو، وليست جملة المسلمين فى سيام بأكثر من 300.000 وفى بعض الجهات الأسيوية الأخرى الخاضعة للحكم الأوروبى نجد أن عدد المسلمين فى الممتلكات الفرنسية بالهند الصينية 1.146.000 من عدد السكان البالغ 17.800.000 نسمة، وفى المستعمرات الروسية الأسيوية- بما فيها بلاد القوقاز- يبلغ عدد المسلمين 11.966.700 نسمة من جملة عدد السكان البالغ 25.000.000 تقريبا. وفى جزائر الفيلييين الخاضعة للحكم الأمريكى يبلغ عدد المسلمين 277.547 من جملة السكان البالغة ثمانية ملايين ونصف المليون. ولكننا إذا انتقلنا إلى الممالك التى تفتقر إلى طرائق الإحصاء الدقيق على المنهج الأوروبى فإنه يخامرنا كثير من الشك فى إحصاءاتها، فقد زعمت بعض هيئات التبشير المسيحية أن عدد المسلمين فى بلاد الفرس لا يتجاوز خمسمائة ألف من عدد السكان البالغ خمسة ملايين؛ أما بلاد الأفغان فيظن ¬

_ (¬1) بلغ عدد المسلمين جاوة 43.000.000 وجهة الإسلام، الترجمة العربية، ص 154).

أن عدد المسلمين فيها نحو أربعة ملايين. وكانت أول محاولة جدية لإحصاء المسلمين فى بلاد الصين، للك المحاولة التى قام بها برومهول Broomhall ودولونى D'Ollone وقد قدر أولهما عدد المسلمين بـ 8.421.000 (Islam ,China ص 215) بينما يذهب الثانى إلى أن عددهم أربعة ملايين فقط (Rechercher sur les Musulmans Chinois ص 430)، وهذان التقديران يباينان مباينة تامة المبالغة فى التقديرات التى عملت فى القرن التاسع عشر والتى ذهبت إلى أن عدد المسلمين فى الصين كان عشرين أو ثلاثين مليونا، بل ذهبت إلى القول أيضا بأن عددهم كان سبعين مليونا، على أن بعض هيئات التبشير المسيحية تعتبر أن أحدث التقديرات أقل كثيرًا من الواقع. ولكن مهما تكن نسبة المسلمين فى الصين إلى عدد سكان البلاد، فمن الراجح أن عددهم كان أكبر بكثير قبل حدوث المذابح التى اضطهد فيها المسلمون فى ثوراتهم الكبيرة اضطهادًا كبيرًا وقد أحصى دولونى هذه الثورات (المصدر السابق ص 436) ويقال إن ملايين من المسلمين هلكوا فيها. أما فى بلاد التبت فيقال إن عدد المسلمين فيها 28.500 معظمهم جاءوا من الصين وكشمير، وقليل منهم من تحول عن دينه إلى الإسلام أو تحول أسلافهم عن دينهم إلى الإسلام. ولم يكثر المسلمون فى بلاد اليابان، فقد اعتنق الإسلام فى السنوات الأخيرة نحو مائتى يابانى فى بلاد اليابان نفسها، أما جزيرة فرموزه ففيها 25.500 مسلم. أما فيما يختص بأقدم الأقطار الإسلامية التى يشملها الحكم العثمانى فى آسية فى الوقت الحاضر (¬1) - إذا استثنينا منها الجهات المستقلة فى بلاد العرب- فقد عملت تقديرات مختلفة لعدد المسلمين فيها. ويقول هارتمان إن عددهم 11.190.000، أما زويمر فيذهب إلى أن عددهم 12.278.800، ولكنا مضطرون إلى اعتبار أن هذه التقديرات تقريبية بحتة لعدم وجود ¬

_ (¬1) كان هذا وقت كتابة المادة.

الإحصاءات الدقيقة (A' de la Jonquriere: Histoire nde LEmpire Ottoman باريس سنة 1914، ص 457 وما بعدها). وإفريقية هى القارة التى تلى آسية مباشرة فى كثرة السكان المسلمين. ولكننا نفتقر كل الافتقار إلى البيانات التى تخول لنا صدق الحكم فى هذا الموضوع، فإن التقديرات التى عملت عن عدد المسلمين فى إفريقية، بما فى ذلك أحدثها عهدًا، تقدر عددهم تقديرًا يتراوح بين 42 مليونًا و 76 مليونًا وأدق هذه التقديرات كلها هو تقدير الأستاذ وسترمان Westermann .D الذى أخذ به زويمر، وهو يذهب إلى أن عدد المسلمين فى إفريقية يبلغ 42.039.349 موزعين على الوجه الآتى: 500.000 فى بلاد الحبشة (¬1) و10.269.445 فى مصر (¬2) و 280.000 فى ليبريا، أما بقية أقطار هذه القارة فهى مستعمرات أوروبية ونجد فى معظمها إحصاءً دقيقًا. وعدد المسلمين هى المستعمرات البلجيكية 60.000، وفى المستعمرات الفرنسية 15.085.000 وفى المستعمرات الألمانية 1.480.000 وفى المستعمرات البريطانية 12.539.904، وفى المستعمرات الإيطالية 1.365.000، وفى المستعمرات البرتغالية 330.000، وفى المستعمرات الأسبانية 130.000. وإحصاء المسلمين فى البلاد الإفريقية اجتهادى بالضرورة، إلا أننا مع هذا نستطيع ألاعتماد بعض الشئ على تعداد المسلمين فى الممالك التى كل سكانها منهم مثل: مراكش وعدد المسلمين فيها 3.100.000 (¬3) من جملة عدد السكان البالغ 3.220.000 (¬4) وكذلك فى الجهات التى أسلم فيها قسم من السكان بجملته مثل قبيلة الهوسا وقبيلة الفلبه، وما زال الإسلام آخذًا فى الانتشار بين القبائل الوثنية، وفى كل عام يزداد عدد المسلمين بمن يدخل فى دينهم من هؤلاء الوثنيين. ¬

_ (¬1) بلغ عددهم سنة 1950: 4.500.000 (¬2) بلغ عددهم سنة 1950: 18.900.800 (¬3) بلغ عددهم سنة 1950: 7.900.000. (¬4) بلغ عددهم سنة 1950: 8.410.000.

أما فى أوروبا فالأمر على عكس ذلك، لأن نفوذ الإسلام فيها آخذ فى الاضمحلال. وليس فى الإمكان تقدير عدد سكان الأندلس فى أزهى عصورها الإسلامية، على أن عدد المسلمين واليهود معاً بلغ عام 1492 م ما يربو على مليونين، وعندها طرد فيليب الثالث البقية الباقية من المسلممين عام 1609 - 1615 م كان عدد من ترك البلاد حوالى 500.000 انظر: The Mnriscos of Spain: H. C Lea ص 359، لندن 1091 م). وفى الوقت الحاضر نجد أن المسلمين فى أوروبا ينحصر وجودهم غالباً فى الروسيا وفى البلدان التى كانت جزءاً من أملاك الدولة العثمانية فى أوائل القرن التاسع عشر. ويبلغ عدد المسلمين فى روسيا أوربا حوالى 3.500.000 (¬1) ولكن لم يكن هناك تعداد دينى فى الإمبراطورية الروسية منذ 1897 م ومعظم هؤلاء المسلمين من الجنس المغولى. ولكن الإسلام انتشر إلى حد كبير بين القبائل الفنية Finnish . مثل الجرمس Chere miss والفوتياك Votiaks والَجَواش Chu vash وقد زاد عدد الداخلين فى الإسلام منذ صدور مرسوم عام 1905 م الذى كفل حرية المعتقد. والاحصاءات الدينية الخاصة بشبه جزيرة البلقان تعوزها الدقة إلى حدّ كبير، بل إن التقديرات الرسمية لا تخلو مما يثير الشك الكثير من ناحية تلفيقها كى تلائم بعض المصالح الدينية والعنصرية. ويقال أن عدد المسلمين فى تركية أوروبا بلغ عام 1900 م حوالى 3.200.000 فى حين كتب هارتمان عام 1909 م أن عددهم 3.295.000، وعددهم فى بلغاريا 603.876 من مجموع السكان البالغ حوالى أربعة ملايين ونصف مليون، أما فى رومانيا فيبلغ عدد المسلمين حوالى 43.700 يعيش معظمهم فى دبروجه. وفى الصرب عام 1910 م كان عددهم 14.435، وفى الجبل الأسود 14.000، ويقال إن مجموع مسلمى ألبانيا بلغ 23.4000 منهم. ¬

_ (¬1) كان ذلك وقت كتابة هذه المادة.

12.000 من الغجر و 40.000 من الصرب و 26.000 من الألبان. ولا يزال فى بلاد اليونان 24.000 مسلم بينما نقص عددهم فى جزيرة إقريطش إلى 27.852 وكانوا عام 1909 م حوالي 23.496 مع أنهم كانوا عام 1881 م يزيدون عن 73.000. وفى البوسنة والهرسك كان بين سكان الصرب الوطنيين 612.137 مسلماً، أما فى أجزاء الإمبراطورية النمساوية الأخرى ففيها غير هؤلاء 1.450 مسلماً. أما فى البلاد الأوربية الأخرى - وخاصة فرنسا وبريطانيا العظمى- فكان بها بعض الجماعات الإسلامية الصغيرة مبعثرة هنا وهناك، ومعظم أفرادها من أصل إفريقى أو أسيوى وإقامتهم فى تلك البلاد موقوتة. وقد زادت الهجرة والنشاط التجارى 8.000 مسلم إلى عدد السكان فى أمريكا الشمالية و 166.000 فى أمريكا الوسطى والجنوبية، بما فى ذلك جزائر الهند الغربية حيث نجد 10.499 مسلماً فى ترنداد و 3.000 فى جاميكا. أما فى أستراليا فهناك 195.000 مسلم يعيش معظمهم فى بيرث، perth. المصادر: (1) Verbreitung des: Hubert Jansen Landern der Isldms in den verschiedenen Erde، برلين سنة 1897 م وهو أول من حاول أن يعطينا إلمامة إحصائية شاملة عن المسلمين، إلا أن أرقامه مبالغ فيها غالباً، وقد أثبتت الأبحاث الحديثة أن التقدير القريب من الصواب ينقص كثيراً عن الأرقام التى أعطاها. (2) Der Islam Ges-: Martin mann chichte Glaube - Rechi، ليبسك سنة 1909 م، وهو يعطينا إحصاءات تفصيلية ولكنه لا يذكر المصادر التى استقى منها. (3) ويعطينا S.M Zwemer فى الفصل الثالث من كتابه Mohmmed or Christ لندن، سنة 1916 م تعداداً لعدد المسلمين فى العالم مع ذكر المصادر التى أخذ عنها. (4) وهناك أبحاث منفصلة عن إحصائيات بعض البلاد الإسلامية:

مثل: (أ) Islam in Ghina: M. Broomhall لندن سنة، 1910 م (ب) S.Bobrovnik Moslems in Russia: off فى The Moslem World المجلد الأول، لندن سنة 1911 م. (جـ) Westermann . D: Der Islam in West -und Zentr al - Sudan (Die Welt des Is - (Iams، جـ 1، ص 85 وما بعدها، برلين 1913 (د) Statistik: G. Kampffimeyer -Mohammedaner auf der Bal der kanhalhinsel and in nsterreich، جـ 1، ص 32 - 33. (5) أما عن إفريقية وآسية فانظر Mohammedan World of to - day The نيويورك سنة، 1960 م. (6) وتعطينا كل من الحكومتين البريطانية والهولندية تفصيلات عن انتشار الإسلام فى ممتلكاتهما فى النشرات الرسمية التى تذيعانها كل عشر سنوات Kaloniaal Verslag, Census of india (7) والاحصائيات الدينية ترد فى The Statesman's Year Book، التى تطبع سنويا فى لندن. (8) وفى مجلة العالم الإسلامى التى تصدر بالفرنسية مقالات مدعمة بالإحصائيات الخاصة بعدد المسلمين فى أقطار مختلفة (انظر الفهرس العام الخاص بمجلداتها من 1 - 16، باريس 1912 م). [أرنولد T.W. Arnold] كلمة إسلام (¬1) أصلها - معناها - تطوراتها أ - النظريات المختلفة فى صلة المعنى الشرعى لكلمة "إسلام" بالمعنى اللغوى الأصلى: 1 - مقدمة فى تسمية الدين المحمدى بـ "الإسلام" -المعانى الشرعية أو الدينية ووثاقة الصلة بينها وبين المعانى اللغوية. 2 - جملة آراء الإِسلاميين فى المعنى اللغوى الذى يرجع إليه المعنى الشرعى للفظ "إسلام" على ما ذكره الرازى. 3 - آراء المحدثين فى ذلك مع تعليق على هذه الآراء: جولدتسيهر، أرنولد، بابنجر، سيد أمير على، إدوارد سل، كارا دى فو. * * * ¬

_ (¬1) تفضل الاستاذ الشيخ مصطفى عبد الرازق بهذا المقال توفية لهادة "إسلام".

1 - الدين الذى جاء به محمد بن عبد الله النبى العربى المولود بمكة سنة 571 م المتوفى بالمدينة سنة 632 م معروف باسم "الإسلام" منذ عهده الأول. وقد يسمى السلم بكسر السين والسَلْم بفتحها علىَ ما ذكره "لسان العرب". وهذه الأسماء الثلاثة هى ألفاظ عربية المادة والصيغة، فلها عند العرب معان هى حقائق لغوية. ولما استعملت النصوص المقدسة الإسلامية هذه الألفاظ فى الدلاله على الدين الإسلامى، كان ذلك بالضرورة تصرفاً فى المعنى اللغوى الأصلى. وقد جرى عرف العلماء على تسمية الألفاظ المستعملة فى معان وضعها لها الشرع بالأسماء الشرعية كالصلاة والزكاة، والحج، وكالإيمان، والكفر وربما خص ما يتعلق بالعقائد مثل الإيمان، والكفر والإسلام، بالأسماء الدينية. ويذكرون فى كتب أصول الفقه خلافاً فى الأسماء الشرعية نفياً وإثباتاً فى الوقوع على معنى أن ما استعمله الشارع من أسماء أهل اللغة كالصوم، والإيمان، هل خرج به عن وضعهم إلى وضع مستحدث، أم لم يخرج به عن وضعهم، وإنما استعمله استعمالا مجازياً جارياً على أساليبهم؟ قال بالأول القاضى أبو بكر الباقلانى المتوفى سنة 404 هـ (1013 م)، وقال بالثانى المعتزلة والخوارج والفقهاء. ويستفاد من هذا البحث الذى فصّله سيف الدين أبو الحسن على الآمدى المتوفى سنة 583 هـ (1186 م) فى كتاب "الأحكام فى أصول الأحكام" (جـ 1، ص 48 - 61) أن علماء الإسلام يعتبرون المعانى الشرعية متفرعة من المعانى اللغوية وثيقة الصلة بها. 2 - وقد عني المفسرون، والمتكلمون واللغويون، وغيرهم من الباحثين برد المعنى الشرعى للفظ "إسلام" إلى أصله اللغوى. وجمع الفخر الرازى المتوفى سنة 606 هـ (1209 م) فى تفسيره جعلة المذاهب فى ذلك فقال: "وأما الإسلام ففى معناه فى أصل اللغة ثلاثة أوجه:

الأول - أنه عبارة عن الدخول فى الإسلام أى فى الانقياد والمتابعة، قال تعالى {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ} (سورة 4، النساء مدنية الآية 94) أى لمن صار منقاداً لكم ومتابعاً لكم. والثانى - من أسلم أى دخل فى السلم كقولهم: أسنى، وأقحط. وأصل السلم السلامة. الثالث - قال ابن الأنبارى المتوفى سنة 328 هـ (938 هـ): المسلم معناه المخلص لله عبادته، من قولهم: سلم الشيء لفلان خلص له، فالإِسلام معناه "إخلاص الدين والعقيدة لله تعالى" جـ 2، ص 423، المطبعة الخيرية. عام 1308 هـ). 3 - أما المحدثون فجمهرة المستشرقين منهم ترى أن اسم "إسلام" يرجع إلى معنى من الطاعة والخضوع غير إرادى، أى التسخير لإرادة قاهرة. يقول جولدتسيهر: "إسلام بمعنى خضوع، أى خضوع المؤمن لله. وهذه الكلمة - التى هى أوفى من كل كل كلمة غيرها فى تعيين المنزلة التى جعلها محمد [- صلى الله عليه وسلم -] للمؤمن فى علاقته بمعبوده - عليها طابع ظاهر من الشعور بالتبعية لقدرة لا تحيط بها حدود، ويجب على الإنسان أن يستسلم لها متبرئاً من كل حول له وقوة". ("عقيدة الإسلام وشريعته"، ص 2). ويشير إلى مثل ذلك القول "أرنولد" فى الفصل الذى كتبه عن "الإسلام" فى دائرة المعارف الإسلامية. ولا يختلف ما ذكره "بابنجر" فى الفصل الذى كتبه عن الإسلام فى كتاب "أديان العالم" عن كلام "جولدتسيهر" فى شئ. وقد تنبه "سيد أمير على" الهندى إلى أن أمثال هؤلاء المستشرقين اعتبروا معنى الانقياد الذى فسر به لفظ "إسلام" انقياداً مطلقاً لإرادة لا حدود لسلطانها ولا كسب لأحد معها، فجاء يبين فى كتابه "روح الإسلام" أن ليس فى استعمال كلمة إسلام لغة أو شرعًا ما يدل على معنى الانقياد المطلق والخضوع المتضمن لمعنى الجبر كما يفرضه عادة أكثر الباحثين من علماء الغرب. على أن "سيد أمير على" يقرر

أن المعنى الشرعى "للإسلام" هو الكد فى تحرى الرشد والتماس الفلاح بتزكية النفس، كما يؤخذ من الآيات 14 س 72 - الجن مكية، 7 - 10 س 91 - الشمس مكية. وذلك يستلزم معنى الطاعة الإرادية ظاهرا وباطناً. "والرشد" هو الهدى والفلاح، وهو الذى يهدى إليه القرآن الكريم من تصديق خبر الله وامتثال أمره كما فى كتاب "مفتاح دار السعادة" لابن قيم الجوزية المتوفى سنة 751 هـ (جـ 1، ص 40، 42). وبهذا البيان يتضح ما فى كلام (إدواردسل) من التعسف فى تأويل رأى أمير على. (مقال (دوارد سل عن الإسلام فى دائرة المعارف الدينية والخلقية جـ 7). يرى إدوارد سل أن اعتبار المؤلفين الأوربيين أن لفظ "إسلام" يعبر عن الإذعان التام لإرادة الله فى كل شئون العقائد والأحكام توسع فى فهم معنى اللفظ، إذ هو إنما يدل على معنى أخص من الإذعان المطلق، فهو إنما يدل على الإذعان العملى، ويستشهد بقول "سيد أمير على" إن الإسلام هو تحرى الرشد. ثم يحاول إدوارد سل أن يجعل جملة ما ورد فى القرآن الكريم من لفظ "إسلام" ومشتقاته مؤدياً معنى الانقياد الظاهر والطاعة بالجوارح. ويزعم أن المفسرين يبدو أنهم مجمعون على استعمال اللفظ فى معنى آلي، ويقول إن هذا يتفق مع عدم ورود كلمة "إسلام" فى السور الأولى، إذ هى لم ترد إلا ثمانى مرات منها ست فى السور المدنية واثنتان فى السور المكية الأخيرة. ويرجع ذلك إلى أن أركان الدين العملية لم تصر جزءا منه على وجه قاطع حتى كوَّن محمد [- صلى الله عليه وسلم -] دينه فى المدينة. ويخلص من ذلك إلى أن لفظ "إسلام" عندما ينظر إليه من وجهة النظر المحمدية يفقد كثيرا من جماله الروحى الذى تجمع حول فكرة الخضوع التام لإرادة الله ويصبح مؤيداً للمبدأ اليهودى القائل بأن المهم ليس هو روح الشريعة، بل المهم هو مراعاة الأداء الصوري لواجبات ظاهرة خاصة. ودعوى "إدوارد سل" أن كلام سيد أمير على يفيد قصر الإسلام خضوع الجوارح دون خضوع القلب لا يمكن

يؤخذ من عبارات سيد أمير على وليس فى كتابيه ما يؤيدها. ومحاولة إدوارد سل أن يجعل جملة ما ورد فى القرآن الكريم من لفظ "إسلام" وما اشتق منه مؤديا معنى الانقياد الظاهر والطاعة بالجوارح فقط، محاولة لا تقوم على أساس، لأن ما ذكر فى القرآن الكريم من لفظ "إسلام" وما اشتق منه مقابلا للإيمان ومخالفا له بحيث يدل الإسلام على العمل الظاهر، والإيمان على التصديق، لا يعدو ثلاث آيات على ما ورد فى كتاب "حجج القرآن" لأبي الفضل أحمد بن المظفر الرازى الحنفى (أتم كتابه سنة 630 هـ = 1232 م) أو لا يعدو أربعًا كما هو الواقع، إذ ترك صاحب الكتاب ى 5 س 66 التحريم مدنية. إما إجماع المفسرين على استعمال لفظ "إسلام" فى معنى آلي فغير صحيح كما يتضح لكل مطلع على التفاسير المختلفة للقرآن، وسيأتى ما يؤيد ذلك فيما يلى. وعدم ورود لفظ "إسلام" فى السور الأولى لا يُنتج ما يريد أن يستنتجه المؤلف، فقد وردت فى القرآن صيغة اسم الفاعل من أسلم فى 39 آية المكيات منها 24 والمدنيات 15، وبعض هذه المكيات فى سور غير متأخرة كما فى ى 35 س 68 - القلم مكية وهى السورة الثانية فى ترتيب نزول القرآن على ما نقله صاحب الفهرست عن نعمان بن بشير، وكما فى ى 14 س 72 - الجن مكية التى ورد فيها الفعل أيضًا. ولكاراً دى فو رأى فى معنى كلمة "إسلام" وأصلها يبينه على الوجه الآتى: كان من يتبع إبراهيم يسمى حنيفاً، ومعناه المائل، لأنهم مالوا عن عبادة الأصنام التى كانت قد فشت فى العالم، أو يسمى المسلم أى الذى يجدد ويصون الشئ سالما، ذلك بأنهم جددوا أو صانوا التوحيد الخالص؛ وتفسير مسلم بأنه المستسلم لله أو المسلم نفسه لله أبعد غوراً فى التصوف من أن يكون المعنى الأصلى (كارا دى فو: مفكرو الإسلام، جـ 3، ص 55). وهذا الرأى غير وجيه من الناحية اللغوية، فإنه ليس فى مادة "إسلام"

ولا صورتها ما يؤيده على مقتضى أصول اللغة وقواعد الاشتقاق، وما علمنا بأن من مدلولات هذه المادة التجديد أو الصون ولا رأينا أن صيغة أفعل تفيد أحد هذين المعنيين. ب - النظرية الراجحة: 1 - المعنى اللغوى الذى يمكن أن يعتبر الأصل الأصيل لمعانى مادة "سلم" جميعها وباقى المعانى اللغوية. 2 - المعنى الشرعى للفظ "إسلام" وما اشتق منه - نظريات المسلمين فى هذا المعنى الشرعى: أ - رأى من يذهب إلى أن للإسلام معنى شرعياً واحداً هو الإيمان. ب - رأى القائلين بأن للإسلام معنيين شرعيين. جـ - مذهب من يرى أن لفظ "إسلام" له ثلاثة معان شرعية. 3 - أثر الفرق الإسلامية فى هذا الخلاف بل كونه من عملها. 4 - الإشكال الذى يزعمون أنه دعا العلماء الإِسلاميين لأن يجعلوا للفظ "إسلام" معانى شرعية مختلفة - حل هذا الإشكال: القرآن يستعمل صيغاً مختلفة من مادة "سلم" فى معانيها اللغوية الحقيقية، ويستعمل بعض هذه الصيغ أيضًا فى معنى شرعى واحد غير متعدد مرتبط بالأصل الأول لمادة "سلم" 5 - الدليل على أن معنى الإسلام الشرعى هو خلوص العقيدة. 6 - ما حدث من التطور فى المعنى الشرعى للفظ "إسلام" -آثار المعنى الشرعى الأول فيما جد من التطور. 1 - من تأمل فيما ذكره اللغويون من معانى مادة "سلم" على اختلاف ألفاظها وصيغها متحرياً البحث عما يصلح أن يكون أصلا تتفرع عن سائر المعانى، وجد فى كتب اللغة المعتبرة مثل كتاب "الاشتقاق" لابن دريد و"الصحاح" للجوهرى و"المفردات فى غريب القرآن" للراغب الأصفهانى و"لسان العرب" لابن منظور و"المصباح المنير" للفيومى: السلام بكسر السين والسلم بكسر اللام الحجارة الصلبة، سميت بذلك

لسلامتها من الرخاوة، والواحدة سلمة، واستلم فلان الحجر الأسود هو افتَعل من السلِمة، وأن السلَم بفتحتين شجر عظيم له شوك ورقه القرظ يُدبغ به، واحده سلَمة بفتحتين أيضاً، كأنما سمى بذلك لاعتقادهم أنه سليم من الآفات، ويقال منه سلَمت الجلد بفتح اللام أسلِمه بكسرها إذا دبغته بالسّلَم. ولعل هذه المعانى هى التى ينبغى أن تكون الأصل الأول لمادة "سلم" وعنها تفرعت جميع الاستعمالات الأخرى. ذلك بأن هذه المعانى هى أمور مادية محسوسة قريبة إلى حياة البداوة، فهى أجدر أن تكون أصلًا لوضع المعانى المجردة. وقد ولّد العرب من هذه المعانى معانى أخر وضعية حقيقية قائمة على معنى الخلوص الذى هو ملحوظ فى المعانى الأولى. وهذه المعانى الحقيقية المولدة هى: 1 - معنى الخلوص من الشوائب الظاهرة أو الباطنة. وفى معاجم اللغة أن السلْم بفتح فسكون، والسلَم بفتحتين، والسِلْم بكسر فسكون، والسلام والسلامة، تكون بمعنى الخلوص والتعرى من الآفات الظاهرة أو الباطنة. 2 - معنى الصلح والأمان. ويقول اللغويون: إن السلْم والسلْم بكسر السين وفتحها لَغتان فى الصلح، يذكران ويؤنثان كالسلام. 3 - معنى الطاعة والإذعان. فالسلَم بفتحتين على ما فى كتب اللغة، والسلم بفتح فسكون، والسلْم بكسر فسكون: الاستسلام والإذعان والطاعة. ويردّ اللغويون السلام الذى هو من أسماء الله والسلام بمعنى التحية والدعاء، إلى معنى الخلوص والسلامة من المكاره، والآفات. ورد السّلَم بمعنى السلف إلى هذا المعنى غير عسير. وفعل أسلم يستعمل فى اللغة على وجهين: أحدهما: أن يستعمل لازما. والثانى: أن يستعمل متعدياً. واللازم يكون بمعنى الدخول فى السلم بمعنى الصلح أو الطاعة. وقد ذكر علماء الصرف أن صيغة أفعل اللازم

تأتى بمعنى الدخول فى شئ كأصبح بمعنى دخل فى الصباح، وأقحط: دخل فى القحط، وأعرق دخل فى العراق. وأما المتعدى فصيغة أفعل فيه للتعدية وهى تصيير الفاعل قبل دخول الهمزة مفعولا، فأسلم الشيء لفلان منقول بالهمزة عن سلم الشيء لفلان خلص له من غير منازع كسلمه له تسليما المنقول بالتضعيف، وحقيقة معناه أخلصه له وجعله له سالماً. ولفظ "إسلام" مصدر أسلم لازماً كان أو متعدياً، فهو صالح للدلالة على كل ما يدل عليه الفعل من المعانى السالفة. هذه هى جملة المعانى اللغوية لمادة "سلم" وما تفرع عنها، وقد ورد فى القرآن الكريم استعمال كثير من صيغ هذه المادة فى معانيها اللغوية: فورد معنى الخلوص والبراءة من الشوائب الظاهرة والباطنة فى الآية 71 من السورة 2 - البقرة مدنية، وفى الآية 89 س 26 - الشعراء مكية، وورد فى غير هاتين الآيتين أيضاً. وجاء معنى الصلح فى مثل الآية 35 سورة 47 - محمد مدنية، والآية 61 س 8 - الأنفال مدنية. واستعمل القرآن الكريم بعض صيغ هذه المادة فى معنى الانقياد والخضوع كما فى الآية 26 س 37 - الصافات مكية. 2 - على أن القرآن الكريم استعمل لفظ "إسلام" وفعله والوصف منه فى معنى شرعى خاص. وقد اختلفوا فى هذا المعنى الشرعى على مذاهب ثلاثة: 1 - قال قائلون إن الإسلام هو الإيمان. والإيمان باتفاق أهل العلم من اللغويين وغيرهم التصديق كما فى لسان العرب، وذهب هذا المذهب الفخر الرازى فى تفسيره عند آية {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} الإسلام" مستدلا عليه. ب - قال آخرون إن لفظ "إسلام" يطلق فى لسان الشرع على معنيين: أحدهما الإيمان، والثانى معنى أعم من الإيمان وهو الانقياد بالقلب أو بالظاهر. وقد نقل هذا المذهب النووى فى شرحه على صحيح مسلم، عن الخطابى.

ومن القائلين بأن لفظ "إسلام" يطلق فى لسان الشرع على معنيين من يفسر هذين المعنيين بما فسرهما به الراغب الأصفهانى. فأحد المعنيين دون الإيمان، وهو الاعتراف باللسان. والثانى: فوق الإيمان، وهو أن يكون مع الاعتراف باللسان اعتقاد القلب، ووفاء بالفعل، واستسلام لله فى جميع ما قضى وقدّر (المفردات فى غريب القرآن الكريم). جـ - وقال قائلون إن الإسلام يطلق شرعا على ثلاثة معان. وعلى ذلك جرى الغزالي فى الإحياء، وهذه المعانى الثلاثة هى: أولا: إطلاق الإسلام بمعنى الاستسلام ظاهراً باللسان والجوارح مع إطلاق الإيمان على التصديق بالقلب فقط، وبذلك يكون الإيمان والإِسلام مختلفين. ثانياً: أن يكون الإسلام عبارة عن التسليم بالقلب والقول والعمل جميعًا، ويكون الإيمان عبارة عن التصديق بالقلب، فالإيمان أخص من الإسلام. ثالثاً: أن يجعل الإسلام عبارة عن التسليم بالقلب والظاهر جميعًا، وكذا الإيمان، وعلى هذا فالإسلام والإيمان مترادفان. 3 - وأثر الفرق الإسلامية ظاهر قوى فى هذا الخلاف المرتبط بمسألة احتدم فيها النزاع بين الفرق، وهى مسألة الكفر بارتكاب الكبيرة. فالأشعرية لا يكفّرون أحدا من أهل القبلة بذنب يرتكبه ما لم يرتكبه مستحلا له غير معتقد تحريمه، خلافا للخوارج القائلين بأن مرتكب الكبائر يكفر ويزول عنه الإيمان، وخلافا للقدرية والمعتزلة القائلين بأنه يخرج من الإيمان ولا يدخل فى الكفر فيكون بين الكفر والإيمان (الإبانه للأشعرى ص 10 وشرح الفقه الأكبر لأبى منصور الماتريدى المتوفى سنة 333 هـ ص 2 - 4 طبع الهند) بل إن الفرق جعلت مسألة المعنى الشرعى للإسلام والإيمان من أسس نزاعها صراحة، فالأشعرى يقول فى الإبانة: "ونقول إن الإسلام أوسع من الإيمان، وليس كل إسلام إيمانا" ص

10. ويقول الطبرسى الشيعي فى تفسيره "مجمع البيان": "والإسلام والإيمان بمعنى واحد عندنا وعند المعتزلة" جـ 1، ص 175 طبعة فارس سنة 1304 هـ. فالخلاف على هذه المسألة إنما هو فى الحقيقة من تمحلات الفرق والتماسها دقائق البحث اندفاعاً وراء جموح النظر، فهو مصطنع اصطناعاً. 4 - ولكنهم يريدون أن يلتمسوا سبباً لهذا الخلاف فى القرآن الكريم نفسه، وعندهم أن منشأه أن علماء الإسلام وجدوا فى آيات القرآن الكريم ما ذكر فيه الإسلام مقابلا للإيمان على وجه يشعر بالتغاير بينهما (ى 14 س 49 - الحجرات مدنية، ى 5 س 66 - التحريم مدنية، ى 35 س 33 - الأحزاب مدنية، ى 69 س 43 - الزخرف مكية) كما وجدوا فى آيات ما يدل على أن الإسلام والإيمان واحد (ى 84 س 10 - يونس مكية، ى 35 و 36 س 51 - الذاريات مكية، ى 17 س 49 - الحجرات مدنية). وقد أرادوا التحلل من هذا الإشكال بأن جعلوا للإسلام فى لسان الشرع معانى مختلفة. على أن الأمر لا يدعو إلى ذلك، فإن القرآن الكريم استعمل من مادة "سلم" صيغاً كثيرة فى معانيها اللغوية كما استعملها العرب، ولكنه استحدث للفظ "إسلام" وما اشتق منه معنى واحداً شرعياً استعمله فى آيات غير قليلة، وهذا المعنى هو التوحيد وإخلاص النفس لله وحده لا يكون فيها لغيره شريك يعبد ويسمى إلهاً، وهو معنى مولد من المعنى اللغوى الذى هو الخلوص والسلامة، قال ابن دريد فى كتاب الاشتقاق (جـ 1، ص 22): "واشتقاق المسلم من قولهم أسلمت لله أى سلم له ضميرى". أما سائر استعمالات القرآن الكريم لهذه المادة فاستعمالات لغوية جارية على الأوضاع والاستعمالات العربية الحقيقية، وقد ذكر ما يفيد ذلك الزمخشرى فى الكشاف عند تفسير آية {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ}. 5 - والدليل على أن معنى الإسلام الشرعى هو التوحيد وإخلاص الضمير لله من وجوه: أحدها: أن القرآن الكريم يقرر أن الدين واحد على لسان جميع الأنبياء

وهو الإيمان بما يجب الإيمان به، وإنما تختلف الشرائع أى الأحكام العملية (ى 13 س 42 - الشورى مكية. يراجع تفسير الطبرى والكَشاف والرازى والبيضاوى، ى 90 س 6 - الأنعام مكية. يراجع الكشاف، ى 48 س 5 - المائدة مدنية. يراجع الطبرى ويراجع كتاب "مفتاح السعادة" الطبعة الأولى بمصر جـ 2 ص 126، 127، وكتاب "حجة الله البالغة" جـ 1 ص 68 - 69). ودين الله الواحد الذى لا يدخله النسخ ولا يختلف باختلاف الأنبياء هو فى عرف القرآن الكريم المسمى إسلاماً (ى 19 و 20 س 3 - آل عمران مدنية. يراجع الكَشاف، وى 84 و 85 س 3 - آل عمران مدنية. يراجع الكشاف أيضا، ى 3 س 5 - المائدة مدنية) وهذه الآية الأخيرة نزلت يوم عرفة فى حجة الوداع، قالوا: ولم يعش النبى بعدها إلا 81 ليلة. وهى تدل على أن الدين الذى هو الإسلام هو التنصيص على قواعد العقائد والتوقيف على أصول الشرائع التى كملت فى القرآن الكريم. أما الأحكام العملية فهى تختلف باختلاف الأنبياء والأمم، وقد تتغير بتغير المظان، ولم يجمعها القرآن الكريم إلا إجمالا بتبيينه الأصول التى تستمد منها تلك الأحكام ولم تكن كملت عند نزول الآية (ويراجع تفسير البيضاوى لهذه الآية، والموافقات للشاطبى جـ 3، ص 62، جـ 4، ص 116، 117). وقد ثبت بما ذكرناه أن الدين فى عرف القرآن الكريم هو الإيمان بالأصول الدينية التى هى حقائق خالدة لا يدخلها النسخ ولا يختلف فيها الأنبياء، وأن الإسلام هو هذا الدين إذ لا دين غيره عند الله. ثانيها: أن صيغة "إسلام" وردت فى القرآن الكريم مضافة وغير مضافة فى ثمانى آيات، ست منها مدنية وآيتان مكيتان، أما المكيتان فهما ى 125 س 6 - الأنعام مكية وى س 39 - الزمر. والآيتان صريحتان فى أن الإسلام فيهما هو الإيمان الخالص الذى موضعه الصدر أى القلب. أما الآيات المدنية فهى ى 7 س 61 - الصف. وتفسير "الإسلام" فى هذه الآية بالإيمان تدل عليه الآيات اللاحقة دلالة ظاهرة وى 74 س 9 - التوبة. والإسلام فى هذه الآية مذكور فى

مقابلة الكفر. وقد قوبل الإسلام وما يشتق منه فى القرآن الكريم بالكفر كما فى هذه الآية وى 80، س 3 - آل عمران مدنية وى 2، س 15 - الحجر مكية، وبالشرك فى آيات عديدة منها ى 67، س 3 - آل عمران ى 14، س 6 - الأنعام مكية، ثم ى 17، س 49 - الحجرات مدنية، وهى من الآيات التى ذكرها كتاب "حجج القرآن" فى حجج القائلين بأن الإيمان والإسلام واحد، وى 19، س 3، ى 85، س 3، ى 3 س 5. وقد بين الزمخشرى وغيره من المفكرين فى تفسير هذه الآيات أن الإسلام فيها هو التوحيد وإسلام الوجه لله. وذلك يقتضى أن لفظ "إسلام" لم يرد فى القرآن الكريم إلا مستعملا فى معناه الشرعى مرادفا للإيمان. ثالثها: أن القرآن الكريم سمى أتباع دين محمد [- صلى الله عليه وسلم -] "الذين آمنوا" فى آيات، منها ى 62، س 2 - البقرة مدنية، ى 69، س 5 - المائدة مدنية، ى 17 س 2 - الحج مدنية، كما سماهم "المسلمين" فى آيات، منها ى 78، س 22 - الحج مدنية، ى 102 س 2 مدنية. وفى ذلك إشعار بأن معنى الإيمان والإِسلام متفق غير مختلف. 6 - وإذا كات الإسلام فى عرف القرآن الكريم هو القواعد الأصولية التى يجب الإيمان بها والتى جمعها القرآن الكريم كاملة بحيث يعرف الإسلام بأنه هو ما أوحاه الله إلى نبيه محمد [- صلى الله عليه وسلم -] فى القرآن الكريم وأمره بتبيينه للناس كما تشير إليه ى 44، س 16 - النحل مكية، فقد تطور استعمال لفظ "الإسلام" إلى ما يشمل الأصول الاعتقادية والفروع العملية، وتطور استعمال لفظ الدين كذلك. فأصبح تعريف الدين عن المسلمين هو: "وضع إلهى سائق لذوى العقول باختيارهم إياه إلى الصلاح فى الحال والفلاح فى المآل" وهذا يشمل العقائد والأعمال. (كشاف اصطلاحات الفنون). ومع هذا التطور فقد بقيت بين المسلمين آثار العرف الشرعى إلى اليوم. فهم يقسمون الدين إلى فروع وأصول، باعتباره منقسما إلى معرفة هى الأصل وطاعة هى الفرع. ويقولون إن العقائد يقينية، فلا بد أن تكون ثابتة بطريق دينى يقينى قطعى وهو القرآن الكريم وحده، إذ هو المقطوع به وحده فى الجملة والتفصيل.

أما الأحكام العملية فيكفى فيها الظن (شرح المواقف، جـ 1، ص 38، الموافقات جـ 4، ص 3). ويقولون إن النسخ لا يكون فى مسائل علم الكلام، وإنما يكون فى مسائل الفقه. ثم إن الخلاف بين المسلمين فى شئون الأحكام العملية ليس له خطر الخلاف فى الأمور الاعتقادية. فالآراء المتباينة فى الأولى تسمى مذاهب، وأتباع كل مذهب يعتقدون أن مذهبهم صواب يحتمل الخطأ ومذهب غيرهم خطأ يحتمل الصواب. بل يرى بعضهم أن الحق يتعدد فى المسائل الاجتهادية باعتبار أن الله لم يكلف الناس إلا بأن يبذلوا جهدهم فى تحرى الصواب فما وصلوا إليه بجهدهم فهو بالنسبة لهم الحق لا يجوز العدول عنه. ولست تجد شيئًا من ذلك فى أمور العقائد التى يؤدى الاختلاف فيها إلى تفرق الفرق يكفر بعضها بعضاً، والحق فى مسائل العقائد واحد لا يتعدد وكل ما سواه باطل. أحسن الفروض بالنسبة لصاحبه أن يعذر فينجو من عقاب الأخذ بالباطل. ("فصول البدائع، فى أصول الشرائع" للفنارى، جـ 2، ص 417، 424). هذا، والأعمال البدنية نفسها لا يكون لها اعتبار فى دين المسلمين بحسب صورها الظاهرة، وإنما هى معتبرة بالنيات والهيئات النفسانية التى هى مصدرها. يراجع كتاب "حجة الله البالغة" (جـ 1، ص 4) وفى القرآن الكريم: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ} (ى 37 س 22 - الحج مدنية). ويروى عن النبى حديث هو أحد الأحاديث التى عليها مدار الإسلام، وقال الشافعى وأحمد: إنه يدخل فيه ثلث العلم، وهو من أصح الأحاديث النبوية وأشهرها حتى زعم بعضهم أنه متواتر (شرح القسطلانى على البخاري، جـ 1، ص 55) اعترافا بمكانته بين السنن تجده فى فاتحه كتب الحديث المعتبرة كصحيح البخاري وصحيح مسلم. هذا الحديث هو: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى". مصطفى عبد الرازق

أسماء

أسماء بنت الخليفة أبَى بكر واسم أمها قَتْلة أو قُتَيْلة بنت عبد العُزَّى. وهى الأخت الكبرى لعائشة، ولدت قبل الهجرة بسبع وعشرين سنة، ولقبت بذات النطاقين لأنها لم تجد ما تشدّ به زاد النبى [- صلى الله عليه وسلم -] وأبيها عند الهجرة فشقت نطاقها وشدّت به الزاد. وهى من السابقات إلى الإسلام، تزوجت فى صدر الإسلام الزبير بن العوام وهو أيضا من أوائل من اعتنقوا هذا الدين، وعندما وجد الزبير نفسه فى ضيق شديد اضطرت أسماء إلى أداء أعمال شاقة حقيرة، على أن زوجها قسا فى معاملتها. ولم تصحبه فى هجرته إلى الحبشة. ولما هاجر النبى [- صلى الله عليه وسلم -] وأبو بكر واختفيا فى الغار ثلاثة أيام كانت أسماء تزودهما بالطعام والشراب كل مساء. وقد عاشت بعد الهجرة مع أكبر أبنائها عبد الله بن الزبير فى قُباء بالقرب من المدينة وأصبحت أماً لأول مؤمن ولد بعد الهجرة. وكان لها خمسة أبناء وثلاث بنات. وقد طلقها الزبير من بعد فعاشت مع ابنها عبد الله وشاركته ما قاساه من تقلبات الدهر. وعلمت بمقتله (73 هـ = 692 م) وهى فى المائة من عمرها، ومع أنها عميت إلا أنها احتفظت بحضور ذهنها. ولم يسمحوا لها بدفن جثة ابنها المشوهة وماتت بعد هذا الحادث بأيام قلائل. المصادر: (1) des Leben Und Di. Leh-: Sprenger re Des Mohammed، الفهرست. [ركندورف Reckedorf] أسماء: ابنة الخليفة أبى بكر من زوجته قُتَيْلَة بنت عبد العُزى بن عامر ابن لؤى، وكانت الأخت غير الشقيقة لعائشة ومن أوائل الذين دخلوا فى الإسلام بمكة. ولما خرج النبى [- صلى الله عليه وسلم -] مهاجرا من مكة مع أبى بكر شقّت أسماء نطاقها فجعلت واحدة لسُفْرَته والأخرى عصاما لقرْبته، وهذا هو السبب المأثور لتلقيبها بذاتَ النطاقين. وتزوجت أسماء بعد الهجرة الزبير ابن العوام. واشتهر ابنهما عبد الله بأنه أول من ولد فى الجماعة الإسلامية بالمدينة. ولدينا عدة حكايات تتحدث عن

إسماعيل [عليه السلام]

تقواها وانكارها لذاتها، ولا يروى عنها أكثر من ذلك إلا القليل عن مسلكها الشجاع قبل وفاة ابنها عبد الله بن الزبير وبعد وفاته. وينسب إليها فيما يتصل بذلك حديث عن النبى [- صلى الله عليه وسلم -] يذم فيه "الكذابيْن" اللذين يخرجان من ثقيف وهما المغيرة بن شعبة والحجاج ابن يوسف. وتوفيت فى مكة بعد ذلك سنة 73 هـ (693 هـ). المصادر: (1) Ghronographia Is-: L. Caetani lamirn سنة 73 للهجرة، فصل 26. (2) ابن سعد جـ 8، ص 182 - 186. (3) ابن حنبل: المسند القاهرة سنة 1313 هـ، جـ 6، ص 344 - 355. [خورشيد [جب H. A. R. Gibb] إسماعيل [عليه السلام] " إسماعيل" بن إبراهيم: ذكر عدة مرات فى القرآن، فقد جاء فى الآية 130 من سورة البقرة والآية 78 من سورة آل عمران والآية 161 من سورة النساء أن الوحى قد نزل عليه. وجاء فى الآية 55 من سورة مريم أنه " .... كان رسولًا نبياً وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة .... ". وتصوير إسماعيل على هذا النحو يتفق تمام الاتفاق مع ما ذكره محمد [- صلى الله عليه وسلم -] عن ملة إبراهيم. وقد جاء فى الآية 127 من سورة البقرة أن إسماعيل وإبراهيم وإسحاق من آباء يعقوب، وجاء فى الآية 119 من سورة البقرة أن الله عهد إلى إسماعيل وإبراهيم تطهير البيت الحرام. ولا تذكر الروايات شيئًا البتة عن رسالة إسماعيل أو عن نزول الوحى عليه، ولم توضح صلته بنشر ملة إبراهيم. وجاء فى الروايات أن إبراهيم أولد هاجرَ إسماعيلَ وكان أول بنيه، وأنه كان سببًا فى النزاع بين هاجر وسارة. وقد أرادت سارة أن تشوه هاجر فثقبت أذنيها، وأصبح ذلك عادة متبعة عند النساء. وقيل أيضاً إن إسماعيل وإسحاق كانا يتناضلان فى بعض الأحيان. ثم اشتدت غيرة سارة فحملت إبراهيم على أن يذهب بهاجر وإسماعيل إلى بلاد العرب، وكانوا فى سفرهم تقودهم "السكينة" أو يقودهم جبريل

كما جاء فى روايات أخرى (انظر فيما يختص بالسكينة , The Novel of the. Earth .verh. Kon. Akad, V. Wetenschappen Afd. Letterkunde, Nieuwe Reeks جـ 17، رقم 1، ص 60 وما بعدها. وقد أعان إسماعيل أباه إبراهيم فى بناء البيت الحرام بعد أن حفرا أساسه. فلما أتما بناء البيت الحرام ترك إبراهيمُ هاجرَ وابنها إسماعيلَ فى تلك الأرض القاحلة يقاسيان آلام العطش. وأخذت هاجر تسعى بين الصفا والمروة باحثة عن الماء وسعت مرات متعددة بينهما، وكان ذلك أصلا للسعى. ثم جاء جبريل وقال لها: من أنت؟ [قالت: سرية إبراهيم، تركنى وابنى ها هنا] قال: وإلى من وكلكما؟ [قالت: وكلنا إلى الله تعالى] (¬1). وكان الطفل إسماعيل قد فرغ صبره وأخذ يدحض الأرض بقدميه أو بإصبعه، فنبعت عين ماء هى زمزم فجعلت هاجر تفحص الأرض بيدها عن الماء وكلما اجتمع منه شئ أخذته فى سقائها، ولو لم تفعل ذلك لكانت زمزم عينا سائحة. ويقال كذلك إن جبريل هو الذى ضرب الأرض، بقدمه ففارت عين زمزم. وكانت قبيلة جُرْهُم تقطن حينذاك بالقرب من البيت الحرام. وبعد أن ماتت هاجر تزوج إسماعيل امرأة من جرهم، وجاء إبراهيم فى غيبة إسماعيل فلم تحسن امرأة إسماعيل لقاءه. ولما جاء إسماعيل أبلغته امرأته كلمات قالها لها إبراهيم ففهم منها إسماعيل أن أباه أراد منه أن يطلقها، فطلقها ثم تزوج امرأة أخرى من جرهم. ثم جاء إبراهيم مرة أخرى وأقر هذا الزواج الجديد. وتذهب الروايات الإسلامية إلى أن إبراهيم وهاجر دفنا فى الحجْر ببيت الله الحرام، وهذا تشريف اختَص به أكثر الأنبياء لأن النبى [- صلى الله عليه وسلم -] ينتسب إلى أرض الأنبياء. وتعرف الروايات الإسلامية تلك القصة التى وردت فى سفر التكوين، الإصحاح 22، غير أن كثيرًا من علماء ¬

_ (¬1) ما بين الأقواس المربعة ليس فى الأصل الافرنجى.

الدين يؤكدون أن الذبيح (¬1) كان إسماعيل وليس إسحاق، وهم يدعمون هذا الرأى بأقوال عبد الله بن عمر وابن عباس والشعبى ومجاهد وغيرهم. ويروى أيضًا أن عمر بن عبد العزيز سأل يهوديًا أسلم عن هذا الخلاف، فأجابه: إن الذبيح هو إسماعيل وإن اليهود تعلم ذلك ولكنهم يحسدونكم ويدعون أن الذبيح كان إسحاق. هذا ويعتبر إسماعيل أبا العرب الذين كانوا فى شمال الجزيرة. ويذهب علماء الأنساب عند العرب إلى أن العرب ينقسمون ثلاثة أقسام: العرب البائدة، والعرب العاربة، والعرب المستعربة. ويقولون إن إسماعيل هو جد العرب المستعربة وهم يرجعون بنسبهم إلى عدنان. وهناك اختلافات فى إيراد سلسلة النسب التى تربط عدنان بإسماعيل، على أنها تتفق أحيانًا مع ما ورد فى سفر التكوين، الإصحاح الخامس والعشرين. المصادر: (1) تفاسير الآيات القرآنية الواردة فى صلب المادة. (2) تاريخ الطبرى، جـ 1، ص 275 وما بعدها وانظر الفهرس أيضًا. (2) المسعودى: مروج الذهب، طبعة باريس، جـ 1 ص 85 - 87. (4) مطهر بن طاهر: البدء والتاريخ، جـ 3، طبعة باريس سنة 1903 م، ص 60 - 65. (5) الثعلبى: قصص الأنبياء، طبعة القاهرة سنة 1290 هـ، ص 69 وما بعدها 88 - 90. ¬

_ (¬1) القول الراجح عن أئمة الإسلام وعلمائه أن الذبيح هو إسماعيل؛ لأنه هو أول ولد بشر به إبراهيم وهو أكبر من إسحق، وقد أمر إبراهيم بذبح "وحيده" وفى بعض روايات أهل الكتاب "بكره" وهذا لا يصدق إلا على إسماعيل، لأن إسحق ولد بعد إسماعيل بأكثر من عشر سنين. قال الإمام الحافظ ابن كثير فى تفسيره (جـ 7، ص 146): "وقد ذهب جماعة من أهل العلم إلى أن الذبيح هو إسحاق، وحكى ذلك عن طائفة من السلف حتى نقل عن بعض الصحابة رضي الله عنهم أيضاً. وليس ذلك فى كتاب ولا سنة، وما أظن ذلك تلقى إلا عن أحبار أهل الكتاب. وأخذ ذلك مسلماً من غير حجة، وهذا كتاب الله شاهد ومرشد إلى أنه إسماعيل. فإنه ذكر البشارة بغلام حليم وذكر أنه الذبيح، ثمَّ قال بعد ذلك (وبشرناه بإسحق نبياً من الصالحين) ولما بشرت الملائكة إبراهيم بإسحق قالوا (إنا نبشرك بغلام عليم) وقال تعالى (فبشرناه بإسحق ومن وراء إسحاق يعقوب) أى يولد له فى حياتهما ولد يسمى يعقوب فيكون من ذريته عقب ونسل. ولا يجوز بعد هذا أن يؤمر بذبحه وهو صغير، لأن الله تعالى قد وعدهما بأنه سيعقب ويكون له نسل. فكيف يمكن بعد هذا أن يؤمر بذبحه صغيراً؟ وإسماعيل وصف ها هنا بالحليم لأنه مناسب لهذا المقام. "أهـ".

الإسماعيلية

(6) أبو الفداء، طبعة فليشر، ص 192. (7) ابن قتيبة: المعارف، طبعة فستنفلد، ص 18، 30. (8) Die Chroniken der Stadt Mekka، طبعة فستنفلد، فى مواضع مختلفة. (9) سيرة عنتر، طبعة القاهرة سنة 1306 هـ، جـ 1، ص 35 - 38. (10) Biblische Legenden der: Weil musulmanner، طبعة فرانكفورت سنة 1845 م، ص 82 - 93. (11) Neue Beirage zur: Grunbaum semitischen Sagenkunde، ليدن سنة 1893 م، ص 120 - 111. [فنسنك A.J.Wensinck] الإسماعيلية فرقة من الشيعة سميت بهذا الاسم لأنها وقفت بسلسلة الأئمة عند إسماعيل، الابن الأكبر لجعفر الصادق الإمام السادس، وقد جعلوا الإمامة بعد جعفر لابنه إسماعيل، وكان جعفر قد استخلف إسماعيل، ولكنه عاد فاستخلف ابنه الثانى موسى لأنه لقى إسماعيل ثملا. ولكن الإسماعيلية لم يسلموا بنزع الإمامة من إسماعيل لأنهم كانوا يرون أن الإمام معصوم، وأن شرب الخمر لا يفسد عصمته، وأنه لا يجوز لله أن يأمر بشئ ثم ينسخه على نقيض ما قرر جعفر. وتوفى إسماعيل فى المدينة عام 143 هـ (760 - 761 م) أى قبل وفاة أبيه بخمسة أعوام ودفن فى مقبرة بقيع الغَرْقَد. وأراد جعفر أن يؤكد وفاة ابنه بأقوال شهود عديدين، ولكن أتباع إسماعيل لم يسلموا بموته وزعموا أنه كان حياً بعد وفاة أبيه بخمس سنوات وأنه رئى فى سوق البصرة حيث وضع يده على مُقعد فأبرأه. وقد ترك أبناء إسماعيل المدينة لما لحقهم من الاضطهادات السياسية التى حاقت بالعلويين، فذهب محمد وهو الابن الأكبر إلى اقليم دَماوَنْد بالقرب من الرَى واختفى هناك، واختبأ أبناؤه فى خراسان، وبعد ذلك ذهبوا إلى قَنْدَهار ثم إلى الهند وما زالوا هناك إلى اليوم، وذهب أخوه على إلى الشام وبلاد المغرب. وكان أبناء إسماعيل يبعثون وهم فى البلاد التى اختبأوا فيها،

بالدعاة إلى العالم الإسلامى ليدعوا الناس إلى مذهب الباطنية الذى ينهض على تأويل القرآن، ومن أشهر دعاتهم ميمون الملقب بالقَداح الذى أصبح ولده عبد الله رأس فرقة القرامطة. واستعان عبد الله برجل من أغنياء الفرس يعرف بمحمد بن الحسين ويلقب بزيدان. وكان محمد هذا يزعم أنه وجد فى الحكم النجومى انتقال دولة الإسلام إلى دولة الفرس، فحاول نشر دعوة عبد الله الدينية والاجتماعية فى وقت معا بين الفرس (الفهرست، ص 168؛ : O . Loth morgen[andische Forchungen, ص 307؛ storia dei Musulmani di Si- M. Amamari cilia، ص 114). وفى أواخر القرن الثالث للهجرة أقام عبيد الله بن محمد المهدي -الذى بايعه بربر قبيلة كتامة بالإمامة- الدولة الفاطمية أو العبيدية فى بلاد المغرب، التى لم تلبث أن انتقلت إلى مصر. الإسماعيلية فى فارس: ولد الحسن بن الصَبّاح فى الرَّى وتعلم فيها تعاليم الباطنية ثم رحل إلى مصر فى عهد الخليفة المستنصر عام 471 هـ (1078 - 1079 م) للتفقه فى هذا المذهب. وبعد أن أقام فى مصر نحو عام ونصف العام أخرج منها فعاد إلى فارس ليبث الدعوة فيها. وتسلل إلى قلعة ألموت خفية فى 6 رجب عام 483 هـ (4 سبتمبر عام 1090 م) وكان له فيها أتباع عديدون. واتخذ من تلك القلعة معقلا له، وقام هو وأتباعه بعدة غارات على الأماكن المجاورة، واستولى مباغتة على الحصون الموجودة فيها وبنى حصوناً جديدة. ويقال إنه أنشأ هناك حدائق غناء كان الفدائيون يتمتعون فيها بالملاذ التى يتوقعون التنعم بها فى الفردوس. ولكن الأرجح أن جنتهم تلك كانت محض خيال يصوره لهم الحشيش الذى كانوا يدخنونه. ولما رأى السلطان السلجوقى ملكشاه أن وجود الإسماعيلية فى هذا المعقل كبير الخطر، عهد إلى الأمير أرسلان طاش بمحاربة الحسن بن الصَبّاح (485 هـ = 1092 م) فحاصر قلعة ألموت ولكنه هزم هزيمة منكرة إذ خرج عليه الإسماعيلية ليلًا من القلعة

وفاجأوه بالقتال. وفى هذا العام نفسه حاصر قزل صاريغ، أحد قواد السلطان، قلعة ديره وهى مركز آخر من مراكز الدعوة الإسماعيلية، ولكنه لم يظفر منها بطائل. على أن وفاة السلطان ملكشاه وضعت حداً لتلك المحاولات: وقبل وفاة ملكشاه بأربعين يوماً قتل فدائى يدعى ظاهر أرانى الوزير نظام الملك. وكان ذلك أول هذه الاغتيالات الخفية التى روعت العالم الإسلامى. وفى عام 495 هـ (1102 م) استولى اثنان من أتباع الحسن بن الصباح وهما الرئيس المظفر وكيابُزرُ كميد على قلعتى كردْ كوه ولمسر (ويذكرها حمد الله الَمستوفى فى نزهة القلوب، ص 61 باسم لنبسر). وأوفد السلطان محمد، نظام الدين أحمد لمحاربة الإسماعيلية فظل سبع سنوات يخرب ديارهم حول قلعة ألموت، ثم أرسل بعده الأتابك أنوشتكين شير كير وكاد يستولى على قلعة لمسر وقلعة ألموت فى أواخر عام 511 هـ (أبريل عام 1118 م) ولكن موت السلطان صرفه عن القتال. وسالم سنجر الإسماعيلية خوفاً ورهبة بعد أن رأى خنجراً ألقاه أحد الفدائيين على الأرض أمام عرشه. ولما توفي الحسن بن الصباح فى 26 ربيع الأول عام 518 هـ (12 يونيه سنة 1124 م)، خلفه كيابزر كميد فى الحكم دون أن يعكر صفوه شئ إلى أن توفي فى 26 جمادى الأولى عام 532 هـ (11 مايو 1138 م). ثم خلفه ولده محمد فى الحكم على نفس المنوال إلى أن توفي عام 557 هـ (1162 م)، واستحدث ابنه حسن - ويقولون فيه: "على ذكره السلام"- بدعا فى مراسم الإسماعيلية فوضع المنبر قبالة القبلة عام 559 هـ (1164 م) وكانت السُّنة تقضى بوضعه على يسار المحراب. وادعى أنه من سلالة نزار ولد المستنصر وأنه لذلك يستحق الإمامة. ويقول أتباعه إنه إمام بالنص، وفى نهاية العام الرابع من حكمه قتله صهره وهو من أسرة بنى بويه فى حصن لمسر. وقد ثار له ولده محمد الثانى إذ قتل أفراد أسرة القاتل، وظل فى الحكم دون منازع تسعة وأربعين عاماً. وبينما نجد محمداً الثانى هذا يسير على نهج أبيه فى الحكم نجد ابنه جلال الدين

حسن الثالث على العكس منه يعلن عند اعتلائه العرش عزمه على إعادة توطيد شرائع الدين الإسلامى القويم، فأمر ببناء المساجد من جديد وأن يقوم الناس بصلاة الجماعة يوم الجمعة، ولهذا سمى "نَوْمُسْلمان" أى المسلم الجديد، وتوفى جلال الدين مسموماً كأبيه. وكان علاء الدين محمد الثالث يبلغ من العمر تسع سنوات فقط عند وفاة أبيه. وقد اضطر هذا الابن إلى اعتزال الحياة العامة لحداثة سنه ولفقده جزءا من دمه فى حادث وقع له فى العام الخامس من حكمه، وعاش معتكفا فى قصره إلى أن قتل فى لحظة كان فيها ثملا بتحريض ولده ركن الدين خورشاه وذلك فى آخر ذى القعدة عام 651 هـ (21 يناير سنة 1254 م). وأمر إمبراطور المغول القائد هولاكو بهدم معقل هؤلاء المتعصبين الخطرين عام 654 هـ (1256 م) فحاصر قلعة ميمون (ميمون دز) حيث كان ركن الدين. وقد سلم ركن الدين نفسه فأسر واقتيد إلى بلاط منكو الذى أبى أن يراه، ثم قتل بعد ذلك عند شواطن نهر سيحون أثناء رجوعه. وسلمت قلعة ألموت، وأما قلعة كرْدكوه فقد ظلت تقاوم ثلاث سنواتَ وانمحت آخر آثار الإسماعيلية فى قوهستان [كوهستان] فى عهد خان المغول أبى سعيد الذى أرسل بعثة لهداية الناس فى قاين. وأخرج كذلك شاه رخ بن تيمور، آخر أتباع تلك الطائفة من هذا الإقليم، ولم يكن موضع شبهة هناك إلا فئة قليلة من الجند والدراويش. الإسماعيلية فى الشام: استقر الإسماعيلية فى هذا القطر بُعيد استقرارهم فى جبال الديلم، ووجدوا فى حلب حوالى نهاية القرن الحادى عشر الميلادى فى أيام الأمير السلجوقى رضوان بن تتش الذى اعتنق مذهبهم على يد طبيب عالم بالنجوم. وكان أول ضحاياهم صهر هذا الأمير، وهو الأمير جناح الدولة حسين صاحب حمص، فقد قتل أثناء سيره لمهاجمة الكونت سنت جيلز St. Gilles ليكرهه على فك حصار حصن الأكراد، قتله وهو يصلى ثلاثة من الفرس تزيوا بلباس الصوفية. ولم ينقض وقت طويل حتى توفي ذلك المنجم فجأة (وربما قتل غيلة). وانتقل سلطانه إلى رفيق له من أصل فارسى أيضًا وهو أبو طاهر

ابن الصائغ، وفى عام 499 هـ (1106 م) خادع الإسماعيلية الفرنجة واستولوا على حصن أفامية " Apamaea"، ولكن سرعان ما عاد الصليبيون إليه. وأدى تطرف الإسماعيلية وغلوهم إلى الإيقاع بهم فذبحوا فى حلب عام 507 هـ (1113 م) ونجا الداعية إبراهيم فحاول الاستيلاء على شَيْزَر الواقعة على نهر العاصى Orontes عند انصراف النصارى إلى الاحتفال بأحد أعيادهم، وبالرغم من نجاحه فى مفاجأة المدينة فإن سكانها، وكان يقودهم الأمراء من بيت منقذ، استولوا ثانية على "الباشورة" وتسلقوا الأسوار بواسطة الحبال التى أدلاها لهم نساء المدينة اللائى بقين فيها. واستعاد الإسماعيلية شيئًا من سلطانهم فى حلب، ومع هذا فإن إيلغازى حال بينهم وبين الاستيلاء على قلعة الشريف. وفى 23 رمضان عام 515 هـ (5 ديسمبر عام 1121 م) قتل فدائيو الإسماعيلية الوزير الفاطمى الأفضل بن بدر الجمالى. وثار أهل ديار بكر على الإسماعيلية وقتلوا الدعاة الذين بعثوا بهم إلى تلك المدينة عام 518 هـ (1124 م)، ولكن استيلاء الإسماعيلية على حصن بانياس وطد مركزهم. ولما أراد طغتكين صاحب دمشق إنقاذ صاحبه بهرام من سوء معاملة أهل دمشق له، ولاه على ذلك الحصن. وثار أهله على بهرام فقاتلهم عام 522 هـ (1128 م). ثم خلفه إسماعيل الفارسي، ولما ذبّح أتباعه فى دمشق (15 رمضان عام 523 هـ = 1 سبتمبر عام 1129 م) سلم حصن بانياس للصليبيين. وأراد الإسماعيلية أن يعوضوا هذه الخسارة فاشتروا حصن قدموس من صاحبه سيف الملك بن عمران عام 527 هـ (1132 م). وقد وجد بنيامين التطيلى بعد ذلك العهد بعشرات قليلة من السنين أن ذلك الحصن كان مقر زعيم هذه الطائفة، الذى استولى بخديعة على حصن مَصْياث (مصياف). وكان للإسماعيلية فى ذلك الوقت ما لا يقل عن ستة حصون فى الشام، أو عشرة كما يقول وليم الصوري. وأراد الداوية أن يثأروا لقتل ريموند الأول حاكَم طرابلس فأغاروا على الإسماعيلية وأكرهوهم على أداء الجزية.

وكان على رأس الإسماعيلية فى ذلك العهد (منذ عام 1169) راشد الدين سنان بن سليمان زعيم الحشاشين الذى جاء من جوار البصرة وتعلم فى قلعة ألموت. وأسرف الإسماعيلية فى إتيان المنكرات فثار عليهم أهل مدينة الباب الواقعة بين مدينتى بُزاعَة وحلب وأخرجوهم من منازلهم وطاردوهم إلى مكان سحيق (انظر أيضًا: ابن جبير، طبعة رايت وده غوية، ص 249 وما بعدها). وفى 11 ذى القعدة عام 571 هـ (22 مايو 1176 م) نجا صلاح الدين من مكيدة دبَّرها الإسماعيلية لقتله بفضل الزرد الذى كان يحيط بقلنسوته. وأراد أن يثأر منهم بحصاره لمصياث، ولكنه عدل، عن ذلك لتعب جيوشه. وربما كان سبب هذا العدول أيضًا اتقاء وعيد الحشاشين. ويظهر أن صلاح الدين سالَم خصومه لأن المعاهدة التى عقدها مع ريتشارد قلب الأسد شملت بلاد الإسماعيلية أيضًا. وفى 13 ربيع الآخر عام 588 هـ (29 أبريل عام 1192 م) اعتدى رجلان من الإسماعيلية على كونراد صاحب صور Tyre وقتلوه عند عودته من مأدبة دعاه إليها أحد الأساقفة، وقتلوا أيضًا فيما بعد رايموند الابن الأكبر لبوهيمند الرابع أمير أنطاكية بينما كان فى كنيسة أنطرسوس. وقبل أن يقتل هولاكو ركن الدين خورشاه سيد قلعة ألموت، استكتبه كتاباً لقواده فى حصون الشام يأمرهم فيه بتسليم تلك الحصون إلى المغول. وكان المغول قد حاصروا بالفعل أربعة من تلك الحصون بمجرد ظهورهم فى الشام فى 658 هـ (1260 م). ولكن سرعان ما استعادها أصحابها عند انتصار قطز سلطان المماليك. وفتح هذه الحصون فتحاً كاملا السلطان بيبرس فيما بين سنة 668 وسنة 671 هـ (1270 - 1273 م). ومنذ ذلك التاريخ أقر الإسماعيلية بالخضوع لسلطان مصر ودأبوا على تقديم "حشاشيهم" إلى الولاة الذين يرغبون فى استخدامهم. ويقول ابن بطوطة (طبعة باريس، جـ 1، ص 166 - 167) إنهم كانوا فى خدمة الملك الناصر محمد بن قلاوون.

الإسماعيلية في الهند

الإسماعيلية في الهند يسمونهم فى الهند الخوجة أو المولى، وزعيمهم أغاخان، ولقبه الرسمى صاحب السمو أغاسير سلطان محمد، وهو رجل مشغوف بالرياضة، محب للأسفار، يحرر مقالات فى مجلة القرن التاسع عشر ومجلة الشرق والغرب وله فى السياسة مقام عظيم. وكان فى سنة 1906 م رئيساً للوفد الذى أوفده مسلمو الهند إلى نائب الملك. وأغاخان من نسل الأئمة السابقين. ويرد نسبه مباشرة إلى أبى الحسن الذى حكم كرمان فى عهد الأسرة الزندية ثم اعتزل حكمها، واعتكف فى ضيعته "مَحَلات" التى كان يملكها بالقرب من قُمّ. وكان ابن أبى الحسن -واسمه شاه خليل الله، ويسمى أيضًا سيد كهكى- قد قتل فى يزد عام 1871 م. وزوج فتح على شاه ابنته من أغاخان محلاتى ابن شاه خليل الله. ولما ثار عام 1838 اضطر إلى ترك كرمان ولجأ إلى السند وهناك وجد بعض الإسماعيلية النزاريين، وذهب بعد ذلك إلى بومباى وبونا وبنكلور. وسلطان محمد هو ابن أغاخان محلاتى، ورث عن أبيه حبه للرياضة. انتشار الاسماعيلية فى الوقت الحاضر: مازال فى الشام عدة الآف من الإسماعيلية يسكنون قلعة مصياث وقلعة قدموس وغيرهما، وهم وادعون يخلصون الولاء للدولة العثمانية (¬1). وكانت غارة النصيرية على حصن مصياث سببا فى كتابه المخطوط الذى نشره وترجمه ستانيسلاس كويار Fragments re-: Stanislas Guyard latifs 'a la doctrine des Ismaelis , فى - No tices et Extraits، جـ 23، ص 1 سنة 1874 م). ويقطن الإسماعيلية فى فارس ناحية مَحلات بالقرب من قُمّ، وقد ذكرناها من قبل. ويقطنون فى أواسط آسية: بَذَخشْان وخوقند وقره تكين وكذلك فى ناحية بالقرب من بلخ. ويعرف الإسماعيلية فى أفغانستان باسم مُفتْدى. ويوجد منهم عدد كبير كافرستان (واديى جلال آباد وكمر) وكذلك فى الولايات العديدة الواقعة فى حوض نهر جيحون الأعلى (سارى ¬

_ (¬1) كان ذلك وقت كتابة هذه المادة.

قل، وخان، وياسين). وفى الهند 99.476 نسمة من الإسماعيلية فى أقاليم أجمير ومروارة وراجبوتانا والبنجاب وكشمير، و 52.658 نسمة فى بومباى وبروده وكورك (تعداد الهند سنة 1901 م، جـ 1، ص 561 وما بعدها). وليس جميع أفراد الإسماعيلية من أتباع أغاخان، ومن البوهرا (¬1) الذين يقطنون كجرات قبيلة الداودية، وهم إسماعيلية يتألف منهم الجانب الأكبر من السكان (130.000 نسمة؛ مجلة العالم الإسلامى Rev. du Monde Musulman جـ 10 ص 472). ويكثر عدد الإسماعيلية فى عمان، وهم متفرقون فى جميع البلاد. ولهم حى خاص بهم فى مَطرْح بالقرب من مَسْقَط. ويوجد الإسماعيلية كذلك فى زنجبار وفى تنجانيقا. ويعدون هناك بعشرات الألوف، وعددهم آخذ فى الازدياد بكثرة من يدخل فى مذهبهم. عقيدة الإسماعيلية: ينكر الاسماعيلية إنكاراً تاما صفات الله ويقولون إنه فوق متناول العقل. وإن العقل عاجز عن إدراك كنهه، وتذهب الإسماعيلية إلى القول بأن الله لم يخلق العالم خلقاً مباشراً وإنما أبدع العقل الكلى بعمل من أعمال الإرادة وهو"الأمر" وأن العقل الكلى محل لجميع الصفات الإلهية، وهو عندهم الإله ممثلا فى مظاهره الخارجية، ولما كانت الصلاة لا يمكن أن تؤدى لكائن لا يدرك فهى تؤدى فى رأيهم لمظهره الخارجى، أى العقل الذى أصبح بذلك الإله الحقيقى عند الإسماعيلية. وبما أنه ليس فى مقدور الإنسان أن يصل إلى معرفة ذات الله، وإنما يعرف العقل وحده، لهذا يسمى الإسماعيلية العقل الحجاب أو المحل أو الصلة أو النفس أو الأول. وهم يقولون إن العقل أبدع النفس الكلية وخاصتها الرئيسية الحياة كما أن العلم خاصة العقل. وإذا كان العقل غير كامل فى علمه فهو يحاول بالضرورة ¬

_ (¬1) مسلمون يسكنون غريب الهند.

بلوغ الكمال فتحدث عن ذلك حركة مضادة لحركة الصدور (¬1). ويذهبون أيضًا إلى أن المادة الأولى صدرت عن النفس وأن المثل توجد فى العقل. ويقول الإسماعيلية أيضًا إن هناك كائنين واجبين هما المكان والزمان وإن اتحاد الوجودات الخمسة فى العقل تحدث عنه حركات الأفلاك والطبائع. وهم يعللون ظهور الإنسان بحاجة النفس الكلية إلى بلوغ العلم الكامل حتى تسمو إلى مرتبة العقل الكلى، وإذا ما بلغت هذه المرتبة تبطل كل حركة، ولبلوغ السعادة يجب على الإنسان تحصيل العلم، ولا يمكن أن يتأتى له ذلك إلا بحلول العقل الكلى فى إنسان هو النبى [- صلى الله عليه وسلم -] وفى الأئمة الذين يخلفونه، والعقل الحال يسمى عندهم "ناطقاً" وتسمى النفس الحالَة "أساساً"، والأول هو فى رأيهم النبى [- صلى الله عليه وسلم -] الذى يبلغ الكلام المنزل، أما الثانى فهو الذى يفسره معتمداً على التأويل. وأركان الإسماعيلية الثلاثة الأخيرة هى الإمام والحجة الذى يعهد إليه بالتدليل على صدق رسالة الأساس، ثم الداعى. وهم يقولون إن محمداً هو الناطق وعلياً هو الأساس. وهناك عدة مراتب للمجتهدين فى مذهب الإسماعيلية (كانت سبعاً ثم أصبحت تسعًا)، وكان الداعى لهذا المذهب يبدأ بأن يسأل المبتدئ فى معضلات الفقه الإسلامى (وتلك هى الطريقة المألوفة عند طائفة الباطنية) ثم يجعله بالتدريج يتفق وإياه على أن هذه المسائل من السهل الإجابة عنها بالتفسير الرمزى وتأويل القرآن. وكان للناتج من حساب القيم العددية لأحرف الهجاء أهمية كبرى عند الإسماعيلية (انظر Fragments: St.Guyard، جـ 2؛ ) فإذا ما اقتنع المبتدئ بقوة حجة الداعى طلب إليه أن يقسم ليخفيَن ما يلقن من الأسرار التى سوف يلقنه إياها، ثم يلقنه أن سلامَة النفس تتوقف على طاعة الإمام طاعة عمياء فى أمور الدين والدنيا. ولا تصل أغلبية المجتهدين فى هذا المذهب إلى ما بعد المرتبتين الأولى ¬

_ (¬1) الصدور هو فيض الكائنات عن الخالق جل وعلا وعلى هذا تكون الحركة المضادة لحركة الصدور مقصودا بها سمو العقل إلى الخالق.

والثانية من مراتب التلقين، وقلما يصل الدعاة إلى المرتبة السادسة ويطمح قليل من الأفراد الممتازين فى الوصول إلى المرتبة العليا من مراتب التلقين. والجنة فى معتقد الإسماعيلية رمز إلى حالة النفس التى حصلت العلم الكامل، ويرمز بالجحيم إلى حالة الجهالة، ويقولون إنه لم يحكم على نفس قط بالجحيم الأبدى، ولكن النفس تعود ثانية إلى الأرض بالتناسخ إلى أن تعرف الإمام الموجود فى العصر الذى عادت فيه إلى الأرض وتأخذ عنه المعارف الدينية، وليس وجود الشر بواجب فى معتقدهم، ولكنه سوف يختفى يوماً ما عندما تتشبه الكائنات كلها بالعقل الكلى شيئًا فشيئاً. وعلى الرغم مما اشتهر به الإسماعيلية من أنهم سفاكون للدماء، للك الشهرة التى لوثت سمعتهم، فإنه يجب ألا يدور بخلدنا أن جرائمهم للك كانت من لوازم عقيدتهم، بل إننا نرى فى ذلك نوعاً من الغلو فى السلطة السياسية المطلقة التى جعلها مؤسسو هذا المذهب لأنفسهم، وقد لاحظ روسو (Annales des voyages جـ 14، ص 286) أن الإسماعيلية الذين عرفهم كانوا أناساً كرماء من ذوى الدماثة لا يخشون الأسفار نشطين فى ديارهم مستمسكين بدينهم الذى يختلف كثيراً عن عقيدة السلف، وهم شجعان إذا دعتهم الملمات مطيعون لزعمائهم. المصادر: (1) الفهرست، جـ 1، ص 186 وما بعدها. (3) الشهرستانى، طبعة كيورتن، ص 145 وما بعدها، ترجمتة Haarbucker جـ 1 ص 219 - 230. (3) ابن حزم: الفِصَل جـ 2، ص 116. (4) The Heterodoxies: L. Friedlander of the Shiites، انظر الفهرس. (5) Streitschr des Ga-: L.Goldziher Batiniiia - Sekte zali gegen die، ليدن 1916. (6) ابن الأثير، طبعة تورنبرغ، جـ 10، ص 213 وما بعدها. (7) المقريزى: الخطط، بولاق سنة 1270 م، جـ 1، ص 391 وما بعدها.

(8) ابن خلدون المقدمة طبعة - Qua tremere, جـ 1 ص 362 - 364 ترجمة ده سلان، جـ 1، ص 409 - 41. (9) ابن خلدون: العبر، جـ 5، ص 26. (10) ميرخواند: روضة الصفا، جـ 4، ص 61 - 71. (11) Ghrestomathie Per-: Schefer sane جـ 1، ص 177 وما بعدها. (12) خواندمير: حبيب السير، جـ 2، الجزء الرابع، ص 69 - 81. (13) منجم باشى: جـ 2، ص 468 وما بعدها. (14) Histoire des: C.d ohsson mongols جـ 3، ص 141 - 203. (15) Essai sur 1' hist de: Dozy l 'Islamisme، ص 257 وما بعدها. (16) Herrschende: A.von Kremer Ideen، ص 166 وما بعدها. (17) Le Messianisme et l': E. Blocht heteodoxie Musulmane ص 54 وما بعدها. (18) Nouvelles Re-: Defremery cherches sur les Ismaeliens فى المجلة الأسيوية، المجموعة الخامسة، جـ 3، ص 373 وما بعدها (1854) جـ 5، ص 5 وما بعدها. (19) - Essai sur 1'histoier des Ismae liens ou Batinienc de La Perse. المجلة الأسيوية، المجموعة الخامسة، جـ 8، ص 353 وما بعدها (سنة 1856)، جـ 15، ص 103 وما بعدها، 1860. (20) Fragments: Stanislas Guyard, وكذلك un Grand maitre de l'order des Assassins فى المجلة الأسيوية، المجموعة السابعة، جـ 9، وما بعدها. (21) Gesch der As-: J.v. Hammer sassinen شتوتكارت 1818، الترجمة الفرنسية، باريس سنة 1833. (22) Revue du Monde Musulman, جـ 1، ص 48 وما بعدها جـ 2، ص 371 وما بعدها؛ جـ 10، ص 465 وما بعدها، جـ 12، , ص 214 وما بعدها، 406، وما بعدها، جـ 24، ص 202 وما بعدها. (23) Der Islam etc: A.Muller جـ، 1، ص 888 - 593، 595 وما بعدها، 609، 627، 630، 637 وما بعدها، جـ 2، ص 61، 98 - 106، 155،

وما بعدها، 230 وما بعدها، 246 وما بعدها. (24) Literary Hsi-: Edw. G Browne tory of Persia جـ 1، ص 391 وما بعدها، جـ 2، ص 204 وما بعدها، وانظر كذلك الفهرس. [إيوار GL. Huart] + الإسماعيلية: فرقة إسلامية انشعبت من الشيعة، وقد انقسمت عدة فروع يختلف بعضها كل عن الآخر فى أقواله، ويشار إليها فى التواريخ التى كتبت فى أزمان مختلفة بأسماء مختلفة، وأقدمها (من القرن الثالث إلى القرن الخامس الهجرى = من القرن التاسع إلى القرن الحادى عشر الميلادى) القرامطة (وهى تسمية مخطئة)؛ والباطنية (من القرن الرابع الهجرى الموافق العاشر الميلادى، وما بعده فى كتب العرب)؛ والسبعية؛ والتعليمية؛ والملاحدة (وهى تسمية مسيئة، المصنفات الفارسية، القرن السادس الهجرى = القرن الثانى عشر الميلادى وما بعده). . . إلخ. وتسمى الإسماعيلية الآن فى فارس "مريدان آغا خان محلاتى"؛ وفى آسية الوسطى ملائى أو مولائى؛ وفى الهند: الخوجوات (النزارية)، والبوهرا أو البهرة (المستعلية) إلخ ... 1 - تاريخ الحركة: نشأت الإسماعيلية رسمياً فرعاً قائماً بذاته من الشيعة بعد وفاة إسماعيل بن الإمام جعفر الصادق قبل سنة 148 هـ (765 م) بوقت غير طويل؛ وقد أبى الإسماعيلية أن يعترفوا بالمستخلف الجديد وهو موسى الكاظم أخو إسماعيل. وإنما نقلوا ولاءهم إلى ابن إسماعيل وخليفته محمد وخلفاء محمد هذا. ولسنا نعرف شيئًا موثوقاً به عن تاريخ هذه الفرقة مدة تقرب من المائة والخمسين عاماً، أى إلى نهاية القرن الثالث الهجرى (التاسع الميلادى)، بل إن أسماء الأئمة الذين خلفوا محمد بن إسماعيل وترتيبهم أمر مشكوك فيه. والرواية الفاطمية تذكرهم كما يأتى: عبد الله، وأحمد، وحسين؛ والرواية الفارسية النزارية: أحمد، ومحمد، وأحمد؛ والرواية الهندية النزارية: أحمد، ومحمد، وعبد الله؛ والرواية الدرزية:

إسماعيل الثانى، محمد، أحمد، عبد الله، محمد، حسين، وأحمد (أى سبعة بدلا من ثلاثة). قبل أن يسفر الإسماعيلية على مسرح التاريخ، ظهر فى الوقفة الثانية للقرن الثالث الهجرى (التاسع الميلادى) بجنوبى أرض الجزيرة فرقة القرامطة الذين كان يخلط بينهم وبين الإسماعيلية عن قصد أو غير قصد. ولما كان القرامطة قد أثاروا كراهية الأمم الإسلامية لهم بغارات النهب والسلب التى كانوا يشنونها، فإن مثل هذا الخلط قد أضر بقضية الفاطميين. وما تزال أقوال القرامطة الحقة فى الدين وطبيعة علاقاتهم بالأئمة الإسماعيلية غامضة كل الغموض. على أن من الحقائق التى لامراء فيها أن القرامطة كانوا فى مجرى تاريخهم القصير كله يقفون موقف العداء من الإسماعيلية، وكذلك كان الإسماعيلية يعدونهم أعداءهم الألداء. والقول الجاري هو أن تنظيم القرامطة والإسماعيلية الذين يلتبسون بهم، ينسب إلى عبد الله بن ميمون القدّاح، وتكاد الكتب أو الروايات الإسماعيلية لا تحتفظ له بأية ذكرى. وإنما يعدّه كتاب "زاد المعانى"، المتأخر الذى يرجع إلى القرن التاسع الهجرى (الخامس عشر الميلادى) سليلا لسلمان الفارسى وقرينا لإمامين مستترين من المتقدمين. ولم يصل الينا كتاب واحد من كتبه حتى إذا افترضنا وجودها، ولا أشير إلى أنها فى المراجع الإسماعيلية المأثورة، وهذا هو ما قاله لى بعض علماء الإسماعيلية. وقد يكون لسكوت هذه الكتب عنه أسباب مختلفة حقا، ولكنها لا تكاد تدعم القول بأنه هو المنشئ الحقيقى للفرقة كما تقول القصة. ومهما يكن من شئ فإن فرقة الإسماعيلية كانت منظمة تنظيما حسنا بالفعل حوالى نهاية القرن الثالث الهجرى (التاسع الميلادى)، ولها جذور راسخة فى فارس واليمن والشام، كما كانت تنتشر بسرعة فى شمالى إفريقية. والحق إن تاريخ المهدي وغيره من الخلفاء الفاطميين معروفة حق المعرفة. وكانت الدعوة الناشطة القوية تباشر خلال القرن الرابع الهجرى (العاشر الميلادى)، وما وافى منتصف

القرن الخامس حتى كانت الإسماعيلية صلبة العود من المحيط الأطلسى إلى الأركان السحيقة من العالم الإِسلامي ونعنى بها ما وراء النهر وبذَخشْان والهند، وكانت قوية بصفة خاصة فى فارس: فى ولايات بحر الخزر وآذربيجان، والرّىَ، وقومس، وإصفهان، وفارس وخوزستان، وكرمان، وكردستان، وخراسان؛ وكان فى طبس، وطرُشيز، وقوهِستان، وغزنة وبذخشان وما وراء النهر مراكز هامة للدعوة. وقد خرج من فارس أئمة الفلاسفة الإسماعيلية والأصحاب الأصلاء لمذاهبها مثل أبى يعقوب السجستانى المتوفى حوالى سنة 331 هـ (942 م) وأبى حاتم الرازى المتوفى حوالى ذلك الوقت، وحميد الدين الكرمانى المتوفى حوالى عام 410 هـ (1019 م)، والمؤيد الشيرازى المتوفى سنة 470 هـ (1077 م)؛ ويمكن أن نضيف إلى هذه الطائفة ناصر خسرو والحسن بن الصَبَّاح. وكانت الإسماعيلية تضطهد فى كل مكان باعتبارها حركة سياسية خطيرة، ولكن أسباب تدهورها السريع بعد نجاحها الباهر لا تكمن فى هذا. ذلك أن أخطر ما هز كيانها هو الخلافات التى دبت بين طبقة مشايخ المذهب، بل بين أسر الأئمة أنفسهم. وكانت أول فُرقة خطيرة هى ما أحدثته الحاكمية أى الدروز الذين لم يصدقوا بوفاة الحاكم سنة 411 هـ (1021 م) بل انتظروا رجعته، ولم يكن لهذه الفرقة إلا شأن سياسى محلى. أما الفُرقة الثانية التى أحدثها النزارية فكانت نكبة. ذلك أنه لما توفي المستنصر فى الثامن عشر من ذى الحجة سنة 487 (29 ديسمبر سنة 1094) سُلب الأخ الأكبر نزار العرش، إذ انتزعه منه أخوه المستعلى يعاونه أمير الأمراء وكان موقف دوائر الإسماعيلية فى مصر أجنح إلى العداء، ولم يستطع نزار أن يجد سنداً يدعم مركزه فاعتقل وقتل هو وابنه فى السجن بأوامر من أخيه وأثار الخبر غضبا جائحا فى الشام وفى جميع أرجاء المشرق، وانفصلت أغلبية كبيرة

عن الجماعة واحتفظوا بولائهم للـ "نص" الأول. وكذلك لم يحرك إسماعيلية مصر، المستعلية، ساكناً عندما انقرض نسل أئمة الفاطمية فى مصر. ذلك أن الآمر اغتيل سنة 524 هـ (1130 م؛ وتجعل المصادر الإسماعيلية وفاته سنة 526 هـ = 1132 م) فاستتر ابنه ووريثه الطفل "الطيب" (يشك المؤرخون كثيراً فى وجوده). ولم يعد الخلفاء الفاطميون الأربعة الأواخر على مصر أئمة ولم يدّعوا هم أنفسهم ذلك، وكانت الخطبة باسم القائم الإمام المنتظر الذى سيظهر فى اليوم الآخر. ولا يزال أتباع السنّة الفاطمية، وهم المستعلية، يعتقدون أن الأئمة، خلفاء الطيب، يعيشون فى استتار تام بمكان ما، ولسوف يظهرون أنفسهم حين يحين الوقت. ونقل مركز حكم المستعلية إلى اليمن حيث يحكم الجماعة "الداعى المطلق"، وقد اختفت الإسماعيلية من مصر ومن شمالى إفريقية بسرعة عجيبة؛ وظلت فى اليمن ضئيلة الشأن حوالى خمسمائة عام، ولكن الأمور اختلفت كل الاختلاف فى الهند، ذلك أنه ما وافت بداية القرن الحادى عشر الهجرى (السابع عشر الميلادى) حتى كانت الجالية الإسماعيلية هناك قد زادت زيادة عظيمة، وازداد خطرها ازدياداً كبيراً عن الجماعة الأصلية واقتضى الأمر نقل مقر الدعاة إلى الهند. وقد اقترن هذا النقل بفُرقة أخرى نشأت من المنافسات التى دبت بين مشايخ الإسماعيلية، ذلك أنه لما توفي الداعى السادس والعشرون: داود بن عجب شاه سنة 999 هـ (1591 م) فى أحمد آباد، تبعت أغلبية الإسماعيلية (الداودية) داود بن قطب شاه وعدَوه داعيهم السابع والعشرين، أما الحزب اليمنى فقد استمسك بسليمان بن الحسن (السليمانية). والداعى السليمانى الحالى (¬1) الذى يقيم فى اليمن هو الداعى الخامس والأربعون (على محسن، والداعى الداودى يقيم فى بومباى) والداعى الواحد والخمسون هو طاهر بن محمد (انظر عن أسماء الدعاة عند الفرعين ¬

_ (¬1) كان ذلك وقت كتابة هذه المادة

A Chronological hist.: Asaf A.A Fyzee of the Imams and Da,is of the Musta, lian Isnailis فى J.B.B.R.A.S، سنة 1934، ص 45 - 56). وكانت ثمة انشعابات كثيرة أصغر من هذه، ولكنها ليست بذات أهمية. ويجب أن نلاحظ أنه لا توجد خلافات عقائدية بين الداودية والسليمانية. النزارية: جاء فى الرواية الإسماعيلية التى تنطوى فيما يظهر على عنصر كبير من الحقيقة، أن الهادي ولد نزار قتل هو وأبوه فى السجن. ولكن ابنه الوليد ووريثه المهتدى قد حمله خدم أمناء إلى ألموت فى فارس حيث نشأه الحسن بن الصباح فى خفاء بالغ، ولما مات المهتدى سنة 557 هـ (1162 م) اعتلى ابنه القاهر بأحكام الله الحسن (تضع النسبة المأثورة للنزارية فى الوقت الحالى بدله أمامين: القاهر والحسن) العرش جهرة، وفى السابع عشر من رمضان سنة 559 هـ (8 أغسطس سنة 1164) أعلن "قيامة القيامات". وقد استن لاتباعه عبادة روحية تنتقض من قيمة "الظاهر"، وتناسب أولئك الذين نجوا ودخلوا الجنة الروحية. وأغلب الظن أن حالة المؤمنين فى هذه الجنة هى الأصل الحقيقى للأسطورة المشهورة عن الحديقة التى زرعها الحسن الصباح على صخور ألموت الممحلة ليقلد بها الجنة ويغوى بها أتباعه. وتاريخ أربعة آخرين من "خداوندية" ألموت (وهم علاء الدين أو ضياء الدين، وجلال الدين، وعلاء الدين الثانى، وركن الدين خورشاه) معروف إلى حد ما (وخير هوجز لهذا التاريخ أورده E.G Browne فى كتابه Lierary History of Persia، جـ 2، ص 453 - 460). وكان عدد النزارية فى الشام كبيراً، وكانوا قد لعبوا دوراً هاماً فى حرب الصليبيين فى جانب صلاح الدين بقيادة زعيمهم الموهوب رشيد الدين سنان (557 - 588 هـ = 1162 - 1192 م؛ انظر Un Grand: stan Guyard Maitre des Assassins فى Jour . As، سنة 1877، ص 324 - 489). وقد أخفى شمس الدين محمد ولد ركن الدين خورشاه بعناية وهو بعد طفل. وكان شمس الدين وخلفاؤه أمام

أمرين: إما أن يعيشوا فى استتار تام أو يظهروا بمظهر مشايخ الصوفية، وهو الأرجح، ذلك أن عدد هؤلاء المشايخ كان كبيرا فى ذلك الوقت. وكان كثير منهم يشغلون مناصب بارزة: ولاة لبعض الأقاليم يتصاهرون مع الملوك الصفوية .. وغير ذلك ومن المؤسف أنه لم تصل إلينا بعد إلا تفصيلات وتواريخ قليلة. وتذكر بعض المصادر الأئمة الذين خلفوا شمس الدين مباشرة كما يأتى: مؤمن شاه وابنه قاسم شاه، ولكن النسبة الرسمية تغفلهما؛ ثم يليهما: قاسم شاه الثانى، وإسلام شاه الأول، وإسلام شاه الثانى، والمستنصر بالله الثانى، وعبد السلام، وغريب ميرزا، وبو ذرّ على، ومراد على (فى نهاية القرن العاشر الهجرى فيما يرجح = القرن السادس عشر الميلادى)، وذو الفقار على (أوائل القرن الحادى عشر الهجرى = القرن السابع عشر الميلادى)، ونور الدهر على (حوالى سنة 1056 هـ = 1646 م)، وخليل الله الأول، وعطاء الله نزار، وسيد على، وحسن بك (= أبو الحسن على) وهو معاصر لنادر، وقاسم على شاه، وسيد حسن على (= باقر على) المتوفى فى أوائل القرن الثالث عشر الهجرى (آخر القرن الثامن عشر الميلادى)؛ وقد خلفه ابنه خليل الله الثانى الذى قلم فى يَزد سنة 1232 هـ (1817 م). وقد تزوج ابن هذا حسن على شاه ابنة فتح على شاه قاجار وأقيم والياً على كرمان، ولكنه اضطر إلى الهرب إلى الهند سنة 1298 هـ (1881 م). وعاش خلف هذا الإمام: على شاه فى بومباى وتوفى سنة 1303 هـ (1885 م). واشتهر ابنه إمام النزارية: سلطان محمد شاه بين الجمهور بلقب أغاخان. وقد ترك نزارية الهند، أو الخوجوات الهندوسية واعتنقوا مذهب النزارية حوالى القرن الثامن الهجرى (الرابع عشر الميلادى). وكتبهم الدينية مؤلفة بالسندية والكجراتية، وهى تتبع إلى حدا ما القيم الهندوسية فى الشكل أكثر من اتباعها للفارسية، كما تحتفظ أيضًا ببعض المصطلحات الدينية والفلسفية الهندوسية. 2 - التوزيع الحالى للإسماعيلية (¬1): يوجد النزارية فى سورية بالقرب ¬

_ (¬1) وكان ذلك وقت كتابة المادة.

من حماة؛ وفى فارس: بولايتى خراسان وكرمان؛ وفى أفغانستان: بشمالى جلال آباد وفى بذخشان؛ وفى التركستان الروسية والصينية: بنواحى جيحون الأعلى وفى يارقند وغير ذلك، وفى شمالى الهند: فى جترال، وكلكت، وهونزه وغيرها؛ وفى غربى الهند: فى السند وكجرات وبومباى وغيرها، وتوجد جالياتهم فى جميع أرجاء الهند، وفى إفريقية الشرقية وغير ذلك من الأنحاء. وقد يبلغ مجموع النزارية حوالى 250.000 نفس. ويعيش البوهرا، أو المستعلية الهنود، فى كجرات ووسط الهند وبومباى خاصة. ويبلغ عددهم وفق آخر تعداد للهند: 212.000 نسمة، وثمة جاليات كثيرة منهم فى إفريقية الشرقية؛ ويبلغ عدد السليمانية منهم مئات قليلة أما الباقي فمن الداودية. ولا يزال فى اليمن آلاف قليلة، من الإسماعيلية وأغلبيتهم من السليمانية. 3 - المذهب: المعلومات التى اتخذت حتى الآن أساساً لمعرفتنا بمذهب الإسماعيلية -وهى التى استقيت من كتب مختلفة كتبها المؤرخون ومن أرّخوا للبدع من أهل السنة - تبدو ضئيلة الفائدة إذا هى قورنت بالكتب الإسماعيلية الأصلية الأصلية. فقد بدت الوقائع فيها مختلطة مشوهة محرفة عن قصد أو عن غير قصد حتى إن استخلاص الحقيقة من الزيف يقتضى وقتا طويلًا، وخير ما نفعل فيما يبدو هو أن نتركها فى الوقت الحاضر، ونسوق هنا أبرز الوقائع المستقاة من الكتب الأصلية ومن السنّة المذهبية. ونحن لا نعلم شيئًا عن المرحلة الأولية لعقائد الإسماعيلية، شأننا فى ذلك شأن أقدم مرحلة فى مذهب الشيعة، إذ نحن لا نعرف عن هذه، المرحلة إلا أقل القليل. ويجوز لنا أن نتصور أن جميع فرق الشيعة المتقدمة كانت لا تختلف إحداها عن الأخرى (بما فما ذلك الفرق السنية أيضًا) إلا فى القليل، باستثناء مسألة سلسلة الأئمة، ذلك أن الخصائص العقائدية لهذه الفرق

لم تظهر فى أغلب الظن إلا بعد ذلك. ومن الوقائع المشهورة أن الكتاب العمدة فى فقه الإسماعيلية وهو كتاب "دعائم الإسلام" للقاضى النعمان المتوفى سنة 363 هـ (973 م) قريب كل القرب من مذهب الاثنى عشرية حتى إن كثيراً من متكلمى هذا المذهب الأثبات يعدونه من الكتب التى تنتمى إليهم. ولم يبق الآن من كتب الإسماعيلية السابقة لعهد الفاطميين إلا القليل جداً، وأقدم ما نعرف منها يرجع إلى أوائل القرن الرابع الهجرى (العاشر الميلادى). ويبدو المذهب فيها، من حيث الظاهر والباطن، نامياً كل النمو مستقراً استقراراً لا بأس به، ومن المستحيل فى الوقت الحاضر أن نتبين من وضع أساسه ومتى كان ذلك. وقد علمنا مما سبق أن القصة الجارية التى تقول بأن المذهب نشأ نتيجة للحقد الشيطانى الذى كان يضمره عبد الله بن ميمون القداح، هى قصة بعيدة الاحتمال جداً فيما يظهر. وربما اقتربنا من الحقيقة أكثر إذا ذهبنا إلى أن تكوين المذهب كان تدريجيا وأنه نبع من ذاته. والمدة التى كان المذهب الإسماعيلى فيها ينمو ما بين القرنين الثانى والثالث الهجريين (الثامن والتاسع الميلاديين). كانت -إن شئت الدقة- مدة اشتد فيها الاهتمام بالعلم والفلسفة اليونانيين حتى شاع بين الطبقات المثقفة للمسلمين من جميع المذاهب وخاصة بين الشيعة. ولعلنا نذكر أيضًا أن فى هذه المدة بالذات وضع أساس المنهج الإسلامى فى العلوم والطب والمبادئ الفلسفية تحت رعاية الخلفاء العباسيين الذين شجعوا نقل كتب العلم اليونانى. ولم يمض إلا وقت قصير حتى وجدنا أن هذه العناصر التى دخلت مذهب الإسماعيلية قد تقبلها بعامة أشد المسلمين تقى، وكذلك كان تقبلها بين مذاهب الصوفية، وعند أئمة علماء الكلام. أما السبب الذى جعل مذهب الإسماعيلية يشتهر كل هذه الشهرة بالمروق والنزعات المناهضة للإسلام فيجب التماسه فى أمرين مختلفين: الأول أن الإسماعيلية إذ بلغوا فى ظل الفاطميين مستوى ثقافياً رفيعاً قد بذلوا محاولات للمواءمة بين مبادئ

الإسلام وأقصى ما بلغه العلم فى زمانهم، فسبقوا بذلك الأرجاء الأقل ثقافة من العالم الإسلامى سبقاً أوسع خطى من أن يُلحق. والثانى أن الصراع والمنافسة السياسيين قد حرّفا -عن قصد فى كثير من الأحيان- مذهبهم وأظهراه فى صورة سيئة، كما يتبين لنا من الكتب التى أرَّخت للبدع. المذهب الرسمى للفاطميين: وهو يقوم على "ظاهر" وهو الشريعة، وباطن. أما الظاهر فهو صورة من الإسلام محافظة كل المحافظة تشبه من وجوه كثير شعائر الإثنى عشرية، ولكنها تتفق فى بعض المسائل مع مذهب أهل السنة. والاستمساك بالصلاة والصوم وكل ما قضت به الشريعة كان فرضا على الجميع: "لا باطن بلا ظاهر". ومما يستأهل الملاحظة أن كل من أرخوا للبدع قد أغفلوا هذه الناحية من المذهب الإسماعيلى كل الإغفال مؤثرين قصصهم هم. و"الباطن" الذى كان فرضا على كل إسماعيلى يقوم على تأويل آيات من القرآن، وبعض الأحاديث، وعلى أحكام دينية قصد بها إثبات الأصل الإلهى للإمامة واقتصار حق القيام بها على الفاطميين. ومما يصح أن نشير إليه أن المثال الذى كانت الإسماعيلية تصبو إليه دائماً قوامه تلك الصورة من الدين التى توائم مستوى تعليم المؤمن وعقليته. مذهب الباطن: إن الطالب الذى تأثر بالقصص المألوفة التى ترمى المذهب الإسماعيلى الباطنى بالخروج الشديد على الدين والنزعات المناهضة للإسلام خليق بأن يخيب أمله خيبة مرة حين يقرأ أشد كتب الإسماعيلية إيغالا فى الباطن مثل "راحة العقل" لحميد الدين الكرمانى، وبعض "المجالس" الباطنية للمؤيد الشيرازى، و"كنز الولد" لإبراهيم الحامدى و"ذخيرة" على بن محمد بن الوليد، و"زهر المعانى" لعماد الدين إدريس وغيرها من الكتب. وهذه الكتب تثبت إثباتا لا يعتوره أى شك أن المبادئ الأساسية فى أرفع مذهب

باطنى كانت هى أركان الإسلام، ونعنى بها الإيمان الذى لا يتزعزع بوحدانية اللهَ وأن محمدا رسول الله، وأن القرآن الكريم منزل .. . إلخ وما من شك أيضًا فى أن مؤلفى هذه الكتب لم يكن لهم غرض سوى تطوير المبادئ الأولية للإسلام وصقلها وجعلها مقبولة جذابة لعقل الإنسان المثقف المتفحص المعقد الذى قطع شوطا طويلا أبعده عن عقلية العرب البسيطة فى القرن السادس الميلادى. ومذهب الباطن يقوم على ركنين: الأول تأويل القرآن الكريم والشريعة الذى برع فيه القاضى النعمان وجعفر بن منصور اليمن. والثانى، وهو أهم من الأول بكثير، الحقائق أى ذلك المنهج الإسماعيلى فى الفلسفة والعلم الذى يتسق مع الدين ويكشف عما ينطوى عليه باطنه من أسرار. وهذا المذهب ثمرة مُثلى للعقل الإسلامى فى القرن الرابع أو الخامس الهجرى (العاشر أو الحادى عشر الميلادى) وهو يشبه من عدة وجوه فلسفة الفارابى. وأبرز عناصر المذهب الإسماعيلى هى الفلسفة الأفلاطونية الجديدة المستقاة على نحو غير مباشر من تاسوعات أفلوطين، أو من شراحه المتقدمين، ولكن من بعض النسخ المتأخرة التى زيفت إلى حد كبير واختلطت بمسائل مختلفة الأجناس. وقد حاولت الإسماعيلية -شأن بعض المذاهب النصرانية واليهودية- أن تجد فى الفلسفة الأفلوطينية حلا يوفق بين فكرة التوحيد واثنينية العالم الظاهر. وكان منهج العلم اليونانى القديم - الذى كان فى مكنة أفلوطين أن يبنى عليه مذهبه- قد تغير تغيراً كبيراً قبيل القرن العاشر، ذلك أن كثيراً من نظرياته كان قد نسى، وظلت كتب يونانية كثيرة مجهولة للمسلمين، كما أن كثيراً من الزيف كان شائعًا. ومن ثم فإن الفلسفة الطبيعية للإسماعيلية، بما فيها من أفكار عن العالم العضوى والعالم غير العضوى، وعلم النفس، وعلم الحياة وما إلى ذلك، كانت تعتمد إلى حد ما على أرسطو، كما يعتمد جزء منها على الفيثاغورية الجديدة وغير

ذلك من الأنظار القديمة. على أننا لا نجد عند الإسماعيلية إشارات إلى هذه الكتب اليونانية الأصلية، وإنما نجد فحسب ذكراً غامضا لـ "الحكماء اليونانيين"، وهذا الذكر نادر جداً. ونجد عندهم كثيراً من الزيادات أخذوها من العلم المنحط المأثور عن العصور المتأخرة، فى صورة معتقدات أولية تنجيمية وكيماوية ورمزية سحرية، وأنظار عن القوى الخفية والسحرية للأعداد والحروف وما إلى ذلك. والحق إن هذا كله مألوف لكل طالب يدرس ثقافة القرون الوسطى الأولى. ولا نجد فى الإسماعيلية إلا آثاراً باهتة جداً من المانوية، أما المسيحية فيها فنحسها إحساسا أقوى من ذلك. وكتاب الإسماعيلية يتوخون عامة الدقة إلى حد مشهود حين يستشهدون بالأسفار المسيحية، مبدين أنهم رجعوا إلى الأسفار الحقيقية، ولم يلجئوا إلى أوهامهم فحسب كما فعل معظم الكتاب من أهل السنة. ومن يرد أن يكون فكرة أصيلة عن "الحقائق" فإنه يستطيع أن يفيد فائدة كبيرة إذا قرأ بإمعان دائرة المعارف المشهورة "إخوان الصفاء" التى طبعت مراراً وترجم ودرس جزءا منها المرحوم الأستاذ ديتريصى. ويعد المستعلية هذا الأثر تصنيفا جمعه ثانى الأئمة المستترين "أحمد"؛ والشواهد المأخوذة منه شائعة فى كتب الحقائق. ومن ثم فإن هذا المذهب -كما نستطيع أن نتبين- ليس فيه من الأصالة أو الأشياء غير المعروفة إلا القليل جدًا. والشئ الوحيد الأصيل فيه هو الطريقة التى جمعت بها كل هذا المواد المختلفة الأجناس وأدمجت فى الإسلام. على أن "الحقائق"- حتى فى هذا الصدد - تشبه شبها كبيرا الأنظار الصوفية التى لا تختلف عنها إلا فى مصطلحاتها وفى أن الصوفية تقبل على سبيل القطع المذهب الأفلوطينى فى الشطح بينما تنكره الإسماعيلية إنكاراً. ويصح لنا أن نلاحظ أن المستعلية يؤمنون إيماناً راسخاً بأن هذا كله قد كشف عنه أئمتهم، وأنه ما من أحد سوى هؤلاء الأئمة أنفسهم قد أوتى هذا

العلم، بل إن هذا العلم خليق أن يستغلق على أفهام الغير. ونحن نجد حتى البوهرا الآن يقفون عن عمد بمعزل عن العلم الحديث الذى يعدونه زندقة. هيكل المذهب: تؤكد "الحقائق" تأكيدا شديدا التوازى بين الكون والإنسان، وهنا تبلغ الحقائق بالتوحيد الإسلامى أقصى مداه، ولا تصف الله (الغيب تعالى) بصفات تعتمد على ما ألفت الحواس، فالواحد أبدع بأمر من مشيئته الأزلية أول (سابق) فيض (مُنْبَعَثَ)؛ وهو فى مذهب أفلوطين "عقل الكل"؛ وثانى الفيوضات وهو الذى صدر عن السابق هو"نفس الكل" وهى الركن الثالث فى الثالوث الأفلوطينى الأصلى. وهنا يظهر تطور جديد حدث فيما يظهر نتيجة لجهد بذل فى التوفيق بين هذه الفكرة وبين مذهب بطلميوس، فقد أضيفت "عقول" أخرى قليلة هى عقول متحركة لأفلاك مختلفة أى لأفلاك النجوم الثوابت، وكوكبات منطقة البروج، والكواكب الخمسة، والشمس والقمر، والأخير هو العقل الموكل بالأرض "العقل الفعّال" وهو الخالق الحقيقى للـ "صورة" ويسمى "المبدع الثانى" وإليه نقلت كل التبعات التى وضعها المذهب الأفلاطونى على عاتق "نفس الكل". وللصورة التى تحدث بفعلها فى الهيولى (أولا باليونانية) عالم الظاهر لها اصولها الكاملة التى أبدعت على منوالها. ومن الواضح أن هذا القول نقل لنظرية أفلاطون فى المثل التى فهمت فهما خاطئاً، وهو هنا الجسر الذى يصل بين الفلسفة والدين. وإذا كان ثمة أصل كامل للبشر هو الإنسان الكامل، فإنه يجب أن يوجد فى هذا العالم، وبغير ذلك لا يمكن أن يوجد الإنسان. ولكن من يمكن أن يكون هذا الإنسان الكامل إن لم يكن هو المختار خاتم رسل الله وخيرهم: رسوله محمد؟ ولما كان الإنسان هو تاج الخلق والإنسان الكامل هو تاج البشرية فإن الرسول هو إذن "عقل الكل"، وأقنوم "نفس الكل" لا يمكن أن يكون إلا "الوصى" أى منفذ وصية النبى [- صلى الله عليه وسلم -] وهو علىّ، والأئمة الموكلون دائما بهذا

العالم هم أقانيم "العقل الأخير". والنفس -من حيث هى صورة الإنسان- تنتمى إلى العالم الروحى الأعلى، ولكنها تخالط "الكون والفساد" وبمشاركتها أقرب جوهر علوى، وهو الإمام، تستطيع النفس أن تصعد وتعود إلى مصدرها الأولى فتبلغ منتهى الخلاص. والطريق إلى هذه المشاركة هى "العبادة العلمية" أى تحصيل العلم الذى كشف عنه الأئمة وطاعة أوامرهم، ومن هنا القول بأن من يمت دون أن يعرف إمام عصره مات كافرًا. وظل هذا المذهب جامدا فى السنّة التى درج عليها المستعلية، ولكن النزارية عدلوه تعديلا طفيفاً، ولم يشجع الفاطميون الأفكار المتطرفة، وبدا "الإمام" فى مصنفاتهم الأولى صنوا للـ "خليفة" أو يكاد. وقد زعم الفاطميون أنهم نواب مؤسس الدين النبى محمد (صلى الله عليه وسلم)، أما النزارية فقد تأثروا -فيما يرجح- بالأفكار الصوفية فأبرزوا الحياة الروحية، وانتقصوا من "الظاهر" وجعلوا "نور" الإمامة المبدأ الأسمى. واعتبروا مبدأ الإمامة، أو الهداية الربانية، أزلياً سابقاً على الخلق، ولا يمكن أن يخلو العالم من إمام وإلا هلك فوراً. فالإمام هو أقنوم أمر الله أو كلمته، أو هو"كُنْ" الواردة فى القرآن الكريم. والإمام الأول فى أوائل "دور" محمد هو علىّ، وذريته هم خلفاؤه. والحسن -الذى يعده المستعلية أول إمام - قد استبعد من قائمة الأئمة لأنه كان ينوب عن أخيه، وظل النبى محمد (صلى الله عليه وسلم) هو"عقل الكل"، ولكن "نفس الكل" قد تأقنمت بالـ "حجة" (كان فى عهد الفاطميين واحد من الإثنى عشر شيخاً أو الأربعة والعشرين شيخاً)، وكان الحجة -بصفة عامة- من أقرباء الإمام الأقربين، وكان فى بعض الأحيان امرأة أو طفلا. وقد أوتى الحجة علمًا لدنيا خارقاً من علم الإمام، وهو يهدى المؤمنين. ولا توجد فى كتب الإسماعيلية الصحيحة أو سنتهم آية آثار لـ "مراتب فى التلقين" تشبه المراتب التى عند الماسونية، لكل مرتبة منها سرها. ومن الواضح أن الكشف

عن المنهج الباطنى كان، فيما يظهر، لا يعتمد إلا على المستوى العلمى والمستوى العقلى. والراجح أن طبقات المشايخ "حدود الدين" كانت تتمشى مع "التلقين" فى أقدم عهود المذاهب فحسب، عندما كان العلم مقصورا على طبقة المشايخ، ثم تغيرت "الحدود" من بعد، أو استبدل بها منهج آخر. وكانت المراتب الرئيسية هى: "المستجيب" أى المُلَقَن، و"المأذون" أى المُجاز للتدريس، و"الداعى" أى الواعظ، و"الحجة" و"الجزيرة". أما الرقم سبعة فهو من الأرقام الخفية فهناك دورات من سبعة أئمة، وكذلك دورات الأنبياء الكبار لكل سبعة آلاف سنة (آدم، نوح، إبراهيم، موسى، عيسى، ومحمد، ولكل منهم "وصى"، أما السابع "فهو القائم" المنتظر) ... إلخ. والمذهب الفقهى الذى أقامه القاضى النعمان وحفظه المستعلية، لم يطرأ عليه أى تطور آخر. ويختلف تقويم المستعلية عن التقويم الإسلامى العام، بأنه يسبقه بيوم أو يومين؛ لأن بداية الشهر القمرى فيه تحسب فلكيا، ولا تعتمد على رؤية القمر. المصادر: (1) لقد كتب الكثير عن الإسماعيلية، ولكن لم يعتمد منه على المصادر الصحيحة إلا القليل جدًا وخير المصادر حتى سنة 1922 أوردها L.Massignon: فى Esquisse d' une bibligraphie Qarmate 1922 فى - Or. Studies presented to Pro fessor E. G. Browne . (2) وثمة ملخص للمعلومات التاريخية فقط فى: O,Leary: A Short the Fatimid Kalifate History of لندن سنة 1923. وانظر عن كتب الإسماعيلية المشار إليها فى هذه العجالة. (3) A Guide to Ismaili: W. Ivanow Literature، لندن سنة 1933. وانظر عن مذهب النزارية. (4) An Ismailistic Work: W. Ivanow by Nasiru'ddinTusi فى Journ of the Royal As. Sociery سنة 1931، ص 527 - 564. وانظر عن الفقه الإسماعيلى. (5) Ismaili Law: Asaf A. A. Tyzee of wilts بومباى سنة 1933. خورشيد [إيفانوف W. Ivanow]

إشبيلية

إشبيلية " إِشبِيلْيَة" بالإسبانية سِفيلاً Sevilla. وينسب إليها فيقال الإشبيلى: مدينة كبيرة فى الأندلس يربو عدد سكانها على 150.000 نسمة، وهى قصبة الإقليم المعروف بهذا الاسم. وكانت فيما مضى عاصمة مملكة إشبيلية، وهى ترتفع عن سطح البحر حوالى 45 قدمًا وتقع فى واد فسيح الجنبات على الضفة اليسرى لنهر الوادى الكبير الذى يفصلها عن ضاحية طرْيانَة. ومع أن هذه المدينة تبعد عن البحر مسافة ستين ميلا إلا أن لها جميع خصائص الثغور، لأن النهر عندها بطئ التيار ويصل المدّ إلى ما بعدها. Aequoreus omnis للشاعر اللاتينى ومناخها دفئ جاف. وكان إقليم إشبيلية يشمل فى العهد الإسلامي الحوض الأدنى لنهر الوادى الكبير ويمتد شرقاً إلى جبل الأرك وقادس وغربًا إلى وادى آنا فى إقليم غنى أخصبه النهر الكبير. ومنحدرات جبل الشرف التى تقع فى جوار القصبة مباشرة خصبة تنبت فيها أشجار التين والزيتون المشهورة ثمارها فى جميع أنحاء الأندلس. وما فتئ جغرافيو العرب يشيدون بذكر خصوبة الإقليم وثروته، وكان هذا الإقليم هو الوحيد فى شبه الجزيرة الذى يزرع فيه القطن، كما كانت صادراته من الأهمية بمكان، ومن أهم الحاصلات الأخرى قصب السكر والزعفران. وكان الإقليم مكتظاً بالسكان، ويقول الإدريسى إنه كان به ما لا يقل عن 8000 قرية تعتمد كلها على العاصمة. واسم إشبيلية مشتق من الاسم القديم إسيالس Hispalis وهو من أصل أيبيرى استبقاه الرومان للمدينة. وبعد أن فتحها يوليوس قيصر عام 45 ق م أصبح لها شأن كبير فى عهد الرومان. وقد أطلق عليها هذا القائد Colonic Julia Romula. وكانت فى عهد الإمبراطورية -هى وقرطبة أو بايتيس Baetis وطالقة Italaic على التعاقب - عاصمة لأقليم

قرطبة Baetica؛ ثم أصبحت بعد ذلك مملكة للوندال عام 411 م، كما أصبحت من عام 441 م مقر ملوك القوط الغربيين حتى جاء أثانا كلده - Athan agilde عام 567 م فنقل مقر حكمه إلى طليطلة. ويقول بعض المؤرخين إن مدينة إشبيلية سقطت فى ربيع عام 94 هـ (712 م) بعد وقوع شذونة وقرمونة Carmona فى أيدى المسلمين إثر حصار دام شهرًا، ولعلها سقطت فى مدة أطول إذا أخذنا بالوصف المفصل للفتح الذى جاء فى "أخبار مجموعة" الذى لا نعرف مؤلفه. والتجأت طائفة من المسيحيين إلى باجة Beja, وأسكن الفاتح موسى بن نصير جماعة من اليهود إشبيلية وترك بها حامية أمر عليها عيسى بن عبد الله الطويل المدنى، كما استعمله على المدينة، ثم حاصر ماردة Merida . وفى يوليه من السنة عينها قام مسيحيو إشبيلية بفتنة، يعاونهم فى ذلك إخوانهم من أهل باجة ولَبْلَة Niebla، إلا أن عبد العزيز بن موسى بن نصير نجح فى قمعها واستعاد المدينة نهائياً وأعمل القتل فى الثوار. ولما قفل موسى راجعًا إلى المشرق أصبح عبد العزيز والياً على الأندلس واختار إشبيلية حاضرة له وفيها تزوج أرملة لذريق - لا ابنته كما يروى عادة - إكلونه Egilona التى عرفها مؤرخو العرب باسم أيلو أو أم عاصم، وأقام فى كنيسة سنت روفينة وابتنى فى قبالتها مسجداً، وهناك قتله الجنود فى رجب من عام 97 هـ (مارس سنة 719 م) بتحريض الخليفة سليمان. وبعد وفاة عبد العزيز نقل العرب مقر حكمهم إلى قرطبة، ومع ذلك ظلت إشبيلية من أغنى مدائن الأندلس. والحق إن إشبيلية كانت أقل مدن الأندلس تأثرًا بالفاتحين، وما من شك فى أن أهلها دخلوا الإسلام فى بطء. وكانت المدينة مصطبغة إلى حد كبير بالصبغة الرومانية أو القوطية، وظلت أسماء أعلام هذه المدينة أمدا طويلا تدل

على هذا الأصل المشترك. وساعد انتشار الإسلام فى شبه الجزيرة على ازدهار التجارة والزراعة، وزادت بذلك أهمية ثغرها إشبيلية. وعند تقسيم الأندلس مقيميات وإقطاعات وقعت إشبيلية من نصيب جند حمص أنزلهم فيها عام 125 هـ (742 م) العامل أبو الخَطار حُسام بن ضِرار الكلبى، كما أنزل فى نفس الوقت جند دمشق مدينة إلبيرة Elvira, وجند الأردن مدينة مالقة Malaga. وأنزل جند قنَّسْرِين مدينة جَيّان Jaen, وجند فَلسطين مدينة شَذُونة، وجند مصر مدينة تُدْمير (مُرْسية)، ويطلق على إشبيلية أَحياناً اسمَ حمص (ياقوت: معجم البلدان، انظر آخر مادة "حمص"). ولما استتب الأمر للخلافة الأموية بالأندلس فى عهد عبد الرحمن الداخل ابن معاوية وخلفائه من بعده، نيطت إشبيلية بعماله مثل العامل المقتدر عبد الملك بن عمر. وكانت إشبيلية -شأن غيرها من المدائن- مشهدًا للفتن فى كثير من الأحيان. وفى عام 149 هـ (766 م) أخمدت الفتنتان اللتان قام بهما سعيد اليحصُبى المّطَرى اللّبْلى وأبر الصباح ابن يحيى اليحصبى. وفى عام 156 هـ (773 م) كان على الخليفة أن يقضى على المحاولة الاستقلالية التى قام بها العامل عبد الغافر -أو عبد الغفار- اليمنى وحياة بن مُلامِس أو مُلابِس. وأقام عبد الرحمن الثانى حول المدينة سورًا محصنًا كما شيد فيها مسجدًا جامعًا. وفى عهده استولى القراصنة النرمانديون (المجوس عند العرب) على مدينة إشبيلية للمرة الأولى عام 230 هـ (844 م). فقد غزيت المدينة بعد حصار قصير واضطر الخليفة إلى تنظيم جنده لاستعادة المدينة، وحمل الغزاة على الفرار فى الوقعة الفاصلة المعروفة باسم وقعة طَلْياطة. وشيد

عبد الرحمن الثانى داراً للصنعة خشية سقوط المدينة ثانية فى أيدى المجوس كما ابتنى مراكب سريعة، ولم يمنع هذا من وجود صلات ودية بينه وبين ملك المجوس، بل لقد أسفر يحيى بن الحكم الغزال إلى بلاط هذا الملك. وفى عهد ولده محمد هاجم النرمانديون الأندلس مرة أخرى عام 245 هـ (859 م) ولكن الراجح أن يكون النرمانديون الذين عسكروا عند مصب نهر الوادى الكبير لم يذهبوا إلى إشبيلية بل ذهبوا مباشرة للاستيلاء على الجزيرة الخضراء - Al geciras . ومع ذلك يفترض ابن خلدون والنميرى أن النرمانديين نزلوا إلى إشبيلية فى ذلك الوقت (انظر على الأخص Recherches Les Normandes en Espagne: R.Dozy ص 256 - 263، ص 279 - 284). وفى عهد الخليفة عبد الله اضطربت المدينة مدة طويلة من جراء أطماع وتدابير الأسرتين اليمنيتين الكبيرتين: بنى خلدون وبنى حجاج، وكان لهما أملاك واسعة وموال فى جميع أرجاء البلاد، وكانوا يبغضون أسيان إشبيلية الذين دخلوا فى الإسلام، كما كانوا يبغضون خلفاء قرطبة الأمويين. وما إن اعتلى عبد الله العرش حتى ألّب زعيم الأسرة الأول كُرَيْب بن خلدون جميع بلاد الشرف وضم تحت لوائه زعيم بنى حجاج وغيره من زعماء جنوبى الأندلس من العرب والبربر وعاث فى جميع أنحاء إشبيلية بالسيف والنار، ولكنه قضى بعد ذلك عام 278 هـ (891 م) على المارقين فى إشبيلية، وأحيانًا كان الخليفة يعاونه فى ذلك. وأصبحت السلطة للعرب فى هذه المدينة. ولم ينفذ الخليفة إليهم حملة إلا بعد أربعة أعوام. وفى عام 286 هـ (899 م) تنازعت الأسرتان بعد أن كانتا فى صفاء فانتصر إبراهيم بن الحجاج وقتل كُريبًا، وبعد أن تحالف إبراهيم مع الثائر المشهور عمر بن حفصون خضع آخر الأمر لخليفة قرطبة. بينما كان يستمتع

فى إشبيلية بسلطان لا حدّ له ووطد حكمه فيها، وكان الشعراء المبرزون والمغنى المعروف قمر زينة بلاطه. وقد بدأ الأمن يستتب فى الأندلس عندما عاد إبراهيم إلى الولاء لبنى أمية. ومرت إشبيلية فى عهد الخليفة العظيم عبد الرحمن الثالث بفترة سلام ورخاء وإن لم تكسف نور قرطبة، كما ظلت على خضوعها للسلطة المركزية. ولكن أظهر عصور إشبيلية وأهمها من الوجهة السياسية هو العصر الذى تلا سقوط الخلافة الأموية حين أصبحت حاضرة بنى عباد المستقلين منذ عام 414 هـ (1023 م). وكان مؤسس هذه الأسرة، وهو القاضى أبو القاسم محمد الأول، ابنًا للفقيه الأندلسى اللخمى المشهور إسماعيل بن عباد، واستولى على السلطان واعترف فى أول الأمر بسيادة السلطان الحَمُّودى يحيى بن على ولكنه سرعان ما خلع عن كاهله هذه السيادة الاسمية، ولما توفى أبو القاسم عام 434 هـ (1042 م) خلفه ابنه أبو عمرو عبّاد المعروف بالمعتضد وحكم سبعة وعشرين عامًا امتازت بأعمال القسوة والغدر، ومد ملكه على حساب الإمارات المتاخمة له غربًا وجنوبًا، ولم يصمد له إلا باديس الزِّيرى ملك غرناطة، وتوفى عام 461 هـ (1068 م). وقد اشتهر ابنه أبو القاسم محمد الثانى، ولقبه المعتمد، بمواهبه وتذوقه للشعر، وفى عهده أصبحت إشبيلية ملتقى الفحول من علماء عصره، واستولى على قرطبة من بنى جوهر، ولكنه سرعان ما اصطدم بأطماع ملك قشتالة الأذفونش (ألفونسو) الثالث Alfonso فاضطر إلى طلب النجدة من سلطان المرابطين بالمغرب يوسف بن تاشفِين فعبر إليه يوسف فى الثانى عشر من رجب عام 479 هـ (23 أكتوبر 1086 م) وانتصر انتصارًا باهرًا فى الزَلاقة، وما إن عاد المرابطون إلى مراكش حتى عاود المسيحيون الهجوم، فاضطر المعتمد إلى الذهاب إلى سلطان لَمْتونة يطلب النجدة

مرة أخرى فأعانه يوسف. ولكن لم يمض وقت طويل حتى اغتصب مملكته واستولى على ثروته. وفى عام 484 هـ (1091 م) سقطت إشبيلية وقرطبة والمرية Almeria ومُرْسِيَة Murcia ودانية Denia فى يد قائده سِير بن أبى بكر بن تاشفين، ونهب جنود البربر المدينة من أقصاها إلى أقصاها وهدموا قصور بنى عبّاد، وأسر المعتمد ونفى إلى مراكش ومات فى أغمات عام 488 هـ (1095 م) بعد أن بث أشجانه فى مراث حظيت من المتأدبين بالشهرة والذيوع، واشتهر بالكرم والشجاعة والعلم. وقد جمع دوزى جميع الوثائق التى تتعلق بإشبيلية فى عهد بنى عبّاد (Scrintnrum Arahum loci de Ahhadidis فى ثلاثة مجلدات، ليدن سنة 1846 - 1863) وحكم القائد المرابطى سِير إشبيلية من قِبل سيده، وأضحت -شأن جميع مدائن الأندلس- تحت حكم سلاطين المغرب. وفى رجب عام 526 هـ (مايو 1132 م) غزت قوة من نصارى طليطلة ما جاور إشبيلية، وقتل فى هذا العراك عامل المدينة عمر بن مَكُور. واغتبط أهل إشبيلية عندما جاءهم خبر سقوط المرابطين وقيام دولة الموحدين، وحاصر بَرّاز بن محمد المَسوفى قائد السلطان عبد المؤمن مدينة إشبيلية بعد أن غزا الجنوب الغربى من شبه الجزيرة، واستولى عليها فى شعبان عام 541 هـ (يناير 1147 م) وألجأ حامية المرابطين إلى الفرار. وفى العام التالى ذهب جماعة من وجوه إشبيلية لمبايعة سلطان الموحدين يتزعمهم القاضى أبو بكر بن العربى الذى توفي فى مدينة فاس أثناء عودته. واستعمل عبدُ المؤمن على المدينة يوسفَ ابن سليمان الموحدى، كما استعمل عليها عام 551 هـ (1156 م) ابنه أبا يعقوب يوسف نزولا على رغبة أهلها وظل عليها إلى أن خلف أباه عام 558 هـ (1163 م). وقد أصبحت إشبيلية فى عهده قاعدة لقوات الموحدين بالأندلس، وبقى

أبو يعقوب هناك من عام 568 هـ (1172) إلى عام 571 هـ (1175 م) ولما غادرها ولىّ عليها اخاه أبا إسحاق إبراهيم مع القائد محمد بن يوسف بن وانُودِين وأمير البحر عبد الله بن جامع. وفى إشبيلية قام أبو يعقوب عام 580 هـ (1184 م) بإعداد القوة لحملة شنترين Santarem التى لقى فيها حتفه. وأعاد ابنه أبو يوسف يعقوب المنصور (580 - 595 هـ = 1184 - 1199 م) جيش الموحدين إلى إشبيلية ثم رجع إلى مراكش بعد أن استعمل على المدينة الزعيم الحفصى أبا يوسف، واستقدمه أبو يوسف فعاد إلى إشبيلية عام 586 هـ (1190 م) كى يستعيد شِلْب Silves من أيدى النصارى الذين كانوا قد استولوا عليها عنوة، وبعد أن انتصر أبو يوسف يعقوب انتصارًا مبينًا على الأذفونش الثامن صاحب قشتالة فى الأرك فى 8 شعبان عام 591 هـ (19 يوليه 1195 م) أقام مدة طويلة بإشبيلية، وفى أثناء إقامته هذه سجن الفيلسوف القرطبى المشهور ابن رشد. ولم يعد إلى مراكش إلا قبل وفاته بعام واحد أى عام 594 هـ (1198 م). وفى عهد هذين السلطانين كانت إشبيلية تضاهى ما كانت عليه فى أزهى عهود بنى عَبَاد، وكانت فى تلك الفترة احفل بالسكان من قرطبة. وابتنى فيها سلاطين الموحدين وكبار رجال دولتهم القصور، كما زاد عدد المساجد والحمامات والنزل والأسواق زيادة كبيرة. وشيد فى عهد أبى يعقوب المسجد الكبير الجديد على الموقع الذى قامت عليه بعد ذلك الكنيسة الموجودة إلى الآن والتى شيدت فى القرن الخامس عشر الميلادى. ويقول صاحب روض القرطاس (طبعة تورنبرغ، ص 138) إن بناء هذا المسجد كان عام 567 هـ (1172 م) بينما ورد فى كتاب الحُلَل المَوْشِئة الذى لا يعرف مؤلفه (طبعة تونس، ص 120) أنه شيد عام 572 هـ (1176 - 1177 م). ويروى ابن أبى زرع أن بناء هذا المسجد

استغرق أحد عشر شهرًا، وهذا أمر بعيد الاحتمال فيما يبدو. ويروى المؤلف نفسه أنه قد بنى فى العام نفسه قنطرة على نهر الوادى الكبير وقصبتان وأسوار وخنادق وأرصفة على شاطئ النهر وجسر معلق. ولم يبق من مسجد الموحدين الكبير بإشبيلية إلا صحنه ويعرف الآن باسم (- Patio de los Na ranjos ومعناها صحن أشجار البرتقال) مع باب يطلق عليه اسم - Puer ta del Perdon، وأهم ما بقى منه المئذنة المشهورة المعروفة باسم الخيرالدا - Gi ralda (وسميت كذلك لأن عليها شعارًا دينيًا يدور مع الريح، ولفظة Girar الإسيانية معناها يدور). وهذه المئذنة مساحة قاعدتها ثلاث وأربعون قدمًا مربعة، وهى بصفة عامة أقل شأنًا من مئذنة جامع حَسّان برباط الفتح ومئذنة جامع الكُتْبيين بمراكش اللتين شيدتا فى الوقت نفسه. وهى مبنية من الآجر، وسمك جدرانها سبع أقدام تتخللها نوافذ رؤوسها على النمطين العربى والقوطى الغربى. وحولت منارة المسجد التى تقوم من قاعدة المئذنة إلى برج للناقوس، ويبلغ ارتفاع البرج ما يربو على ثلاثمائة قدم. وفى عام 609 هـ (1212 م) جمع خليفة المنصور -وهو محمد الناصر الموحدى- جيشا عرمرمًا كى يستعيد الجزء الذى استولى عليه النصارى من الأندلس، ولكنه انهزم فى الخامس عشر من صفر من السنة نفسها (16 يوليه) عند حصن العُقاب Las Navas de Tolosa وعاد السلطان وجنده إلى إشبيلية فى حالة يرثى لها. وبعد ذلك بقليل، فى عهد يوسف الثانى المستنصر الموحدى، شيد عامله أبو العلا عام 617 هـ (1220 م) برجًا على ضفة الوادى الكبير لحماية النهر وقصر السلطان (ويسمى الآن ألكازار (Alcazar وقد أعاد بناءه فى القرن الرابع عشر بدْرو الطاغية، واحتفظ باسمه العربى "برج الذهب" فأطلقوا عليه

بالإسبانية Torre del Oro. ومازال قائما جزؤه الأسفل المكون من اثنتى عشرة طبقة بعضها فوق بعض تتوجها أبراج أصغرها على القمة. وبعد بضعة أعوام أصبحت إشبيلية معقل السلطان إدريس المأمون الموحدى، فلما نزح عنها إلى مراكش عام 626 هـ (1228 - 1229 م) استولى على المدينة الثائر محمد بن يوسف بن فود الذى استطاع فى آخر الأمر أن يطرد الموحدين من الأندلس جملة. واستطاع فرديناند الثالث -بفضل الحلف الذى عقده مع محمد الأول بن الأحمر أول سلاطين غرناطة من بنى نصر- أن يحاصر إشبيلية 1247 م حصارًا دام ستة عشر شهرًا، ثم سقطت المدينة فى غرة شعبان عام 646 هـ (9 نوفمبر 1248 م) أو بعد ذلك بأربعة اْيام فى روايات أخرى. وأبقى على حياة السكان المسلمين وسمح لهم بالهجرة إلى إفريقية وإلى الأجزاء الإسلامية من الأندلس. وفى الأعوام التالية حاول سلاطين الأسرة المرينية بمراكش استعادة المدينة من النصارى، إلا أن محاولاتهم باءت بالفشل. وفى عام 674 هـ (1275 م) خرّب السلطان أبو يوسف يعقوب بن عبد الحق إقليمى إشبيلية وشريش Jerez بعد أن هزم جيش القائد دون نونو ده لارا Don Nuno de Lara ولكنه سرعان ما اضطر إلى رفع الحصار عن هذه الحاضرة. وفى حملته الثانية على الأندلس عام 676 هـ (1278 م) وصل مرة أخرى إلى أسوار إشبيلية وخرّب إقليم الشرف Al-jarafe ثم واصل غزواته التى وردت بالتفصيل فى روض القرطاس حتى عام 684 هـ (1285 م) واضطر دون سانخو Don Sancho إلى أن يعقد صلحًا دام حتى عام 690 هـ (1290 م) أى إلى عهد خليفة أبى يوسف وابنه أبى يعقوب يوسف. ولما هزم أبو الحسن على -وهو من الأسرة نفسها- عند أسوار جزيرة طريف Tarifa ضاع كل أمل للمسلمين فى استعادة المدينة.

وليس لدينا من الفراغ ما يسمح لنا بتعداد جميع أعيان المسلمين الذين عاشوا أو ولدوا بمدينة إشبيلية. ونكتفى بذكر الشعراء ابن حمديس وابن هانئ وابن قُزْمان، والمحدث ابن العربى وصاحب السير أبو بكر بن خير. المصادر: (1) الإدريسى، طبعة وترجمة دوزى ودي غويه ص 178 من الأصل، ص 215 من الترجمة. (2) ياقوت: معجم البلدان، طبعة فستنفلد. (3) ابن عبد المنعم الحميرى: الروض المعطار، وهو مخطوط لم يطبع بعد، انظر مادة إشبيلية. (4) أبو الفدا: تقويم البلدان، طبعة رينو وده ساون، باريس سنة 1840. ص 174 - 175 (5) Extraits inedits re-: E. Fagnan latifs au Maghreb, الجزائر سنة 1924، ص 75، 137، 209. (6) أخبار مجموعة، مجريط سنة 1867، ص 16 - 18 من النص، ص 28 - 30 من الترجمة. (7) ابن العِذارى: البيان المغرب، طبعة دوزى، ترجمة فانيان، المجلد الثانى. (8) ابن الأثير: الكامل، طبعة تورنبرغ وترجم بعضه فانيان (Annales du Maghreb et de L'Espagne، الجزائر 1901)، الفهرس. (9) المراكشى: المعجب، طبعة دوزى وترجمة فانيان، الفهرس. (10) المَقَّرى: نفح الطيب، طبعة ليدن، جـ 1، ص 99. (11) ابن أبى زرع: روض القرطاس. (12) ابن خلدون: العبر، طبعة وترجمة ده سلان. (13) Histoire des Musul-: Dozy mans d'Espagne . المجلد الثانى والرابع.

(14) الكاتب نفسه: Recherches sut i'histoire la litterature Arabes d'Espagns باريس - ليدن سنة 1881، جـ 1، ص 53 - 57، ص 359 - 264. (15) D ecadenciay de-: F. Codera -saparicion de los Amorauides en Es pana، سرقسطة سنة 1899 م، ص 14، 284. (16) Lerchundi Simonet: Crestomatia Arabigo - espondo, غرناطة سنة 1881، ص 40 - 41. (17) Diccionario geo-: Madoz graico-estatistico - his - torico de Espana المجلد 14، مجريط سنة 1849، ص 209 - 434. (18) Anales ec-: Ortiz de Zuniga lesiasticos y seculares de la ciudad de seuilla. إشبيلية سنة 1893 وما بعدها، المجلد السادس. (19) Seuilla mon-: Gestoso y perez umental y artistica إشبيلية سنة 1889 - 1892 فى ثلاثة مجلدات. (20) Antiguedades: Rodrigo Cara y principado de la ilustrisima ciudad de Seuilla , إشبيلية سنة فى 1896 فى مجلدين. (21) de Seuilla y pue-: Guichot blos importantes de su prouincia إشبيلية فى سبعة مجلدات. (22) Rodrigo Amador de los Rios: Inscrincinnes arahes de Seuilla، مجريط سنة 1875. (23) Estudio Descriptiuo: Contreras - de los monumentos arabes de G ra nada,Seuilla y Cordoba، مجريط سنة 1855. (24) Moorish Remains: A.f. Calvert in Spain لندن سنة 1906. [ليفى يروفنسال. S. Le va-Provencal]

الأشعرى أبو الحسن

الأشعرى أبو الحسن الأشعرى أبو الحسن على: متكلم مشهور، ولد بالبصرة عام 260 هـ (873 - 874 م) وهو من نسل ابى موسى الأشعرى. وسلسلة نسبه الكاملة هى: على بن إسماعيل بن إسحاق بن سالم بن إسماعيل بن عبداللهَ بن موسى بن بلال بن أبى بردْة. ظل الأشعرى حتى الأربعين من عمره تلميذًا متحمسًا للجُبَّائى المتكلم المعتزلى وفى ذلك العهد انفصل عن أستاذه وسلك طريقه الخاص بعد أن اختلف واياه فى مسألة "الصلاح والأصلح". على أن سييتا Spitta يرى أن قصة هذا الخلاف اخترعت لغرض ما، ويرجح أن الأشعرى لما عكف على دراسة الحديث وضح له ما بين رأى المعتزلة وروح الإسلام من تناقض. ومهما يكن من شئ فإن الأشعرى أصبح منذ ذلك الوقت نصيرًا لرأى أهل السنة على رأى المعتزلة، وصنّف كثيرا من الكتب أيد فى بعضها رأى أهل السنة وهاجم فى البعض الآخر آراء المعتزلة. ويقول ابن فورك إن مصنفات الأشعرى، أبو الحسن الأشعرى بلغت حوالى الثلاثمائة مصنف. ويسمى ابن عساكر ثلاثة وتسعين منها، وقد اورد سبيتا هذه المصنفات وعلق عليها فى (Zur: Spitta Geschichte Abu L'Hasan at - Ashari ص 63 وما بعدها) ولم يصل الينا من كتب الأشعرى إلا عدد قليل ذكره بروكلمان فى كتابه (Geschichte der arab. Litteratur. جـ 1، ص 195)، وقد طبع كتاب "الإبانة عن أصول الديانة" فى حيدر آباد عام 1321 هـ (1903 م) مع تذييلات ثلاثة، وطبع منها كذلك عام 1323 هـ "رسالة فى استحسان الخوض فى الكلام". ويستضعف البعض مذهب الأشعرى من الوجهة الفلسفية (انظر Beitre: Goldzihet age Zur Litteraturgeschichte der shia. sit- zunksberichte، فينا، المجلد 78، ص 472 - 473) والأشعرى شافعى المذهب قضى السنوات الأخيرة من حياته فى بغداد وبها توفى عام 324 هـ (934 م). واشتهر الأشعرى بتغلبه على ما كان عليه علماء المسلمين السابقون من كراهة الجدل فى العقائد، وتمكن بفضل هذا الجدل من الانتصار على المعتزلة

وغيرهم من رؤساء الفرق التى كانت تتهم بالمروق. والأشعرى من ثم هو مؤسس علم الكلام. لأن رجال السنة القلائل الذين سبقوه فى معاناة هذا الأمر كان حظهم من العلم قليلا، وكانت بعض قضاياهم ضعيفة. وصادف رأى الأشعرى قبولا وبخاصة عند الشافعية، والتف حوله طائفة من التلاميذ نبغ منهم كثير من علماء الدين المبرزين الذين نشروا مذهبه وكملوه. وأشهر هؤلاء: الباقلانى وابن فورَك والإسفرايينى والقشَيرى والجوينى (إمام الحرمين) ثم الغزالى. على أن آراء الأشعرى لم تصادف عند غير الشافعية ما لقيته عند الشافعية من قبول. وكان الحنفية يؤثرون رأى الماتُريدى الذى عاصر الأشعرى، وكان يخالفه فى بعض مسائل الفروع. واستمسك الحنابلة بآراء السلف وظلوا خصومًا لمذهب الأشعرى. وعارض هذا المذهب فى بلاد الأندلس ابن حزم وكان علماء الأشعرية يُضطهدون فى عهد طغرل بك أول ملوك السلاجقة بتحريض من الوزير الكُنْذرى، على أن خلفه نظام الملك لم يلبث أن قضى على هذا الاضطهاد. وازداد مذهب الأشاعرة انتشارًا وقوة بصفة عامة، وكان من أهم العوامل فى ذلك مصنفات الغزالى بوجه خاص، وكان ابن تومرت، مؤسس دولة الموحدين، عضدًا قويًا لمذهب الأشاعرة فى بلاد المغرب. وانتهى الأمر إلى أن أصبح علم الكلام عند الأشعرى يلقن فى مدارس أهل السنة، وسكن صوت المعارضة التى لقيها فى بداية الأمر. المصادر: (¬1) (1) ابن خلكان، طبعة فستنفلد، رقم 440. (2) الفهرست، طبعة فولكل، جـ 1 ص 181. (3) الشهرستانى، طبعة كيورتن، ص 65. ¬

_ (¬1) مصادر أخرى لترجمة ابى الحسن الأشعرى: ابن خلكان طبعة بولاق (جـ 1 ص 411) وطبقات الشافعية لابن السبكى، جـ 2 ص 245 - 301 وتاريخ بغداد للخطيب، جـ 11 ص 346 - 347 وكتاب "تبيين كذب المفترى فيما نسب إلى الإمام ابى الحسن الأشعرى"، تأليف الحافظ الكبير ومؤرخ الشام ابى القاسم بن عساكر المتوفى عام 571 هـ. وهذا الكتاب فى مجلد، وصفحاته 436 وطبع بدمشق سنة 1247 هـ وهو من أهم المصادر. أحمد محمد شاكر

(4) Zur Geschichte Abu' L: Spitta Hasan al - Ashan (5) Expose' de la reforme: Mehren de L' Islamisme etc فى أعمال مؤتمر المستشرقين الثالث، سانت بطرسبرغ، ص 167. (1) Zur Geschichte des: Schroiner Asaritentums فى أعمال المؤتمر الدولى الثامن للمستشرقين، القسم الأول ص 79. (7) Development of Muslim: Macdonald Theology etc ص 187 وما بعدها. + الأشعرى، أبو الحسن على بن إسماعيل: متكلم ومؤسس مذهب الكلام السنى الذى ينسب إليه، ويقال إنه ولد سنة 360 هـ (873 - 874 م) بالبصرة، وكان الثامن من أعقاب الصحابى أبى موسى الأشعرى، ولا نعرف عن حياته إلا القليل. وكان الأشعرى من خيرة تلاميذ الجُبّائى رأس المعتزلة بالبصرة، وربما كان خليقا بأن يخلفه لو لم يترك المعتزلة وينضم إلى أهل السنة. وهذا التحول من جانبه يجعلونه سنة 300 هـ (912 - 913 م). وفى أخريات حياته انتقل الأشعرى إلى بغداد وتوفى بها سنة 324 هـ (935 - 936 م). وتروى قصة تحول الأشعرى هذا بروايات تختلف كثيرا فى التفصيل. ويقال إنه رأى النبى [- صلى الله عليه وسلم -] فى شهر رمضان ثلاث مرات وإنه أمر أن يستمسك بالسنة القويمة. واعتبر الأشعرى أن هذه الرؤيا قاطعة. ولما كان أهل السنة ينكرون "الكلام" فقد تركه هو أيضا. على أنه أنبئ فى الرؤيا الثالثة بأن يستمسك بالسنة القويمة ولا يترك الكلام. وأيا كانت صحة هذه القصة فإنها تصف فى إيجاز موقف الأشعرى، فهو قد ترك نظريات المعتزلة فى العقائد إلى نظريات خصومهم مثل أحمد بن حتبل الذى أعلن الأشعرى أن يتبعه. ولكنه ينافح عن مبادئه الجديدة على نفس النمط الذى يصطنعه المعتزلة فى التدليل العقلى. وأهم المسائل التى يعارض الأشعرى فيها المعتزلة: 1 - يقول الأشعرى إن لله صفات أزلية مثل العلم والبصر والكلام، وإنه عالم بعلم بصير ببصر متكلم بكلام، وينكر المعتزلة أن لفه صفات ويقولون إنه عالم بذاته بصير بذاته متكلم بذاته.

2 - قال المعتزلة إن ما جاء فى القرآن مثل يد الله ووجهه يجب أن تفسر على انها "لطفه" و"ذاته" ... إلخ أما الأشعرى فمع تسليمه بانه ليس فى ذلك شئ من المفهوم التجسيدى فإنه يرى أن هذه الصفات حقيقة لا نعلم طبيعتها بالدقة. وهو يرى مثل هذا الرأى فى استواء الله على العرش. 3 - ويعارض الأشعرى المعتزلة فى مساْلة خلق القرآن، ويقرر أن كلام الله، والكلام صفة أزلية، ولذلك فإن القرآن غير مخلوق. 4 - ويعارض الأشعرى المعتزلة أيضا فى أن الله لا يمكن أن يُرى بالأبصار لأن فى ذلك تشبيها يقتضى أن يكون له جسحم وتحيز، وقال إن رؤية الله فى دار القرار حق وإن كنا لا نعلم كيف يكون ذلك. 5 - ويخالف الأشعرى المعتزلة فى توكيدهم حقيقة اختيار الإنسان فى أفعاله، دلك أنه يصر على القول بأن الله قادر على كل شئ، فكل خير أو شر معلق بمشيثته، وهو يخلق افعال العباد بأن يخلق فيهم القدرة على فعل أى فعل (ينسب إلى الأشعرى نفسه بصفة عامة مبدأ "الكسب" الذى اختص به الأشعرية فيما بعد ذلك، على أنه لم يكن -فيما يظهر- يؤمن بهذا المبدأ وإن كان على علم به، انظر. . Joum. Royal. As. Soc سنة 1943 م، ص 246) 6 - خالف الأشعرى المعتزلة فى قولهم بالمنزلة بين المنزلتين، وهو أن المسلم مرتكب الكبيرة لا يعد مؤمنا ولا كافرا، وجزم بأنه يظل مؤمنا، وإن كان معرضا للعذاب فى النار. 7 - وقد أكد الأشعرى حقيقة ظواهر شتى من علم الآخرة، مثل الحوض والبرزخ والميزان ولشفاعة النبى [- صلى الله عليه وسلم -]، أما المعتزلة فقد أنكروها أو أولوها تأويلا عقليا. ولم يكن الأشعرى أول من استعان بالكلام فى الدفاع عن مذهب أهل السنة، فنحن نجد الحارث بن اسد المحاسبى من بين أولئك الذين سبقوا إلى بذل مثل هذه المحاولات. على أن الأشعرى كان فيما يظهر أول من استعان بالكلام استعانة تقبّلها فريق كبير من أهل السنة، ثم إنه كانت له ميزة أخرى هى

أنه كان على علم وثيق مفصل بآراء المعتزلة (كما يتبين فى كتابه الوصفى: مقالات الإسلاميين، استانبول سنة 1929 م، انظر R.Strothmann فى Islam جـ 19، ص 193 - 242). وقد أصبح أتباعه الكثيرون يعرفون بالأشعرية او "الأشاعرة" وإن كان معظمهم قد اختلف معه فى بعض المسائل. وإن منهج الأشعرى فى التدليل فى عين القارئ الأوربى لا يخعلف للنظرة الأولى عن منهج أتباع أحمد بن حنبل المغالين فى المحافظة، ذلك أن كثيرا من حججه يقوم على تفسير القرآن والحديث (انظر Muslim Greed: A. J. Wensin، ص 191 كمبردج سنة 1932 م). على أن السبب فى ذلك كان مرجعه إلى أن خصومه أيضا -بما فيهم المعتزلة أنفسهم- قد استعانوا بحجج من هذا القبيل، وأن الأشعرى كان يعتمد دائما على مخاطبة عواطف المرء لا عقله. ومع ذلك فإن خصومه حين يسلمون بدليل عقلى صرف فإن الأشعرى كان لا يتردد فى استخدامه فى دحض أقوالهم. وما إن تقرر جواز معر هذه الحجج، وفى نظر كثير من المتكلمين على الأقل، حتى استطاع الأشعرية أن ينموا هذا الجانب من منهجه وانتهى الأمر فى القرون المتأخرة بأن أصبح الكلام عقليا تمامًا. على أن هذا كان بعيدا أشد البعد من مزاج الأشعرى نفسه. المصادر: (1) اللمع ورسالة استحسان الخوض فى علم الكلام، طبعة وترجمة R.C.McCarthy، بيروت سنة 1953 م: The Theology of AL - Ash'ari: (2) الإبانة، طبعة حيدر آباد سنة 1321 هـ ... إلخ، القاهرة سنة 1348 هـ وترجمة W.G.Klein نيوهافن سنة 1940 (انظر W. Thomson فى Muslim World، جـ 32، ص 242 - 260) (3) ابن عساكر: تبيين كذب المفترى، دمشق سنة 1347 هـ (لخصه مكارثى: المصدر المذكور، و A. F.Mehren فى أعمال المؤتمر الدولى الثالث

الأشعرى أبو موسى

للمستشرقين، حـ 2 ص 167 - 332). (4) Zur Geschichte .... Al -: W. Spitta Achari ليبسك سنة 1876 م. (5) Vorlesungen: Goldziher، الطبعة الثانية، ص 112 - 132. (6) Development: D. B . Macdonald of muslim Theology نيويورك سنة 1903. (7) Muslim Theology A. S.Tritton، لندن سنة 1947 م، ص 166 - 174 وبه مصادر أخرى. (8) Free Will: W. Montgomery Watt and Predestination in Early Islam لندن سنة 1948 م، ص 135 - 150. (9) In-: L. Gardet et M. M Anawati troductionala Thelogie Musulmane باريس سنة 1948، ص 52 - 60. (10) Studia Islamiea J. Schacht جـ 1، ص 33 وما بعدها. خورشيد. [مونتجمرى وات Montgomery watt] الأشعرى أبو موسى ابن قيس صحابى وقائد حربى، ولد حوالى عام 614 م. وقد غادر أبو موسى اليمن جنوبى بلاد العرب بحرا هو وجملة من إخوته وأفراد قبيلته (بنى أشعر) وانضم إلى النبى [- صلى الله عليه وسلم -] بخيبر أيام الحملة المشهورة على يهود هذه الواحة سنة 7 هـ (628 م) ليقسم له يمين الولاء (ومن ثم فإن المعلومات التى جاءت بها بعض المصادر- مثل ابن حجر: التهذيب، جـ 2، ص 1265 - قائلة بأنه كان واحدا من المهاجرين إلى الحبشة، غير صحيحه على أرجح الاحتمالات؛ انظر ابن عبد البر: الاستيعاب، حيدر آباد سنة 678 - 679، رقم 678). وفى سنة 8 للهجرة 630 م) شهد وقعة حنين (الطبرى، جـ 1، ص 1667). وأوفد سنة 10 هـ (631 - 632 م) إلى اليمن هو ومعاذ ابن جبل لينشر دعوة الإسلام فيها، وكان من عمال النبى [- صلى الله عليه وسلم -] ثم أبى بكر فى هذا الأقليم. وولاه عمر البصرة عندما استدعى المغيرة بن شعبة من منصبه سنة 17 هـ (638 م؛ انظر الطبرى، جـ 1، ص 2529؛ وانظر أيضا ص 2388)

وأقامه عمر واليا على الكوفة سنة 22 هـ (642 - 643 م) تحقيقا لرغبة أهلها، واستبقاه عليها شهورا قلائل حتى أعاد تولية المغيرة عليها (الطبرى، جـ 1، ص 2678) ثم رده إلى البصرة. ونظم أبو موسى، وهو عامل على البصرة، فتح خوزستان ونهض به ما بين سنتى 17 - 21 هـ (638 - 642 م) ويجب أن يعد فاتح هذه الأقاليم (Annali: Caetani حوادث سنة 16، فقرة 261). وقد وقعت قصبته سوق الأهواز (أو الأهواز فحسب) فى يده فى وقت مبكر يرجع إلى سنة 17 هـ (638 م) ولكن الحملة استمرت ولاقت عدة صعاب، ذلك أنه لم يكن بد من إخضاع مدن هذا الإقليم المحصنة واحدة فى إثر واحدة، واقتضى الأمر إعادة الاستيلاء عليها بعد سنة 21 هـ (642 م) وهو تاريخ سقوط الحاضرة الثانية لخوزستان وهى تستر (ويقال شستر وششتر). وشهد أبو موسى أيضا فتح الجزير ة. (نهاية 18 - 20 هـ = 639 - 641 م) موحدا قواته وقوات عياض بن غنم، وكذلك اشترك فى الحملة على الهضبة الإيرانية حيث ذكر أنه شهد وقعة النهروان. وينسب إليه فتح عدة مدائن (الينور، وقم، وقاشان وغيرها). وثمة حادثة هامة تنبئ بأن التذمر من أبى موسى كان محيقا بالفعل سنة 26 هـ) 646 - 647: الطبرى، جـ 1، ص 2829, حيث ورد ذكر عصيان بين جنوده فى حوادث سنة 29 هـ، والحق أن ذلك وقع سنة 26 Annali Caetani: سنة 26، فقرة 38). ولكن أسوأ احتجاج على المساوئ التى اقترفها أبو موسى حمله إلى المدينة وفد من أهل البصرة سنة 29 هـ (649 - 650 م؛ الطبرى، جـ 1، ص 2830) , ومن ثم قرر الخليفة عثمان أن يولى مكانه على البصرة عبد الله بن عامر. ومهما يكن من شئ فإن أبا موسى كان قد اكتسب احترام أهل الكوفة حتى طالبوا بإعادة توليته على الكوفة إذ طردوا واليها سعيد بن العاص سنة 34 هـ (654 - 655 م؛ الطبرى، جـ 1، ص الأغانى الطبعة الأولى، ب 11، (ص 31)، وكان واليا عليها أيام اغتيال عثمان. فلما بويع على أقسم له أبو موسى يمين الولاء باسم الكوفيين (الطبرى، جـ 1، ص 3089، المسعودى: مروج الذهب، ص 296 وما بعدها)

محتفظا بمنصبه على حين أقصى غيره من ولاة عثمان (اليعقوبى، جـ 2 ص 208). ولما نشبت الحرب بين على وعائشة وطلحة والزبير دعا رعاياه أن يلزموا الحياد (الطبرى، جـ 1، ص 3139؛ الدينورى، ص 153 وما بعدها .. الخ) ولم يتزحزح عن موقفه هذا على الرغم من الضغط الذى تعرض له. وانتهى ذلك بأن طرده شيعة على من الكوفة فى أول فرصة لاحت لهم (الطبرى، جـ 1، ص 3145 - 3149؛ 3152 - 3154) وكتب الخليفة إليه رسالة عزل صيغت فى أشد العبارات قسوة (الطبرى جـ 1، ص 3173؛ المسعودى: مروج الذهب، جـ 4، ص 308؛ وانظر اليعقوبى، جـ 2، ص 20)، على أنه أمنه بعد ذلك بأشهر قلائل (نصر بن مزاحم المنقرى: وقعة صفين، طبعة عبد السلام هارون، القاهرة سنة 1365 هـ، ص 572، الطبرى، جـ 1 ص 3333). وقد كان أبو موسى أحد الحكمين اللذين أقيما فى صفين سنة 37 هـ (657 م) ليبتا فى النزاع بين على ومعاوية، أو قل إن شئت الدقة إنه كان الحكم المختار ليمثل عليا الذى أجبره أنصاره على اختيار أحد المحايدين، لوثوقهم التام بأن الحكم سيكون فى صالحهم (انظر عن تفصيلات التحكيم مادة "على بن طالب ") وبعد اللقاء الذى تم فى أذرح انسحب أبو موسى إلى مكة، ولكن لما أنفذ معاوية بسر بن أرطاة لاحتلال المدينتين المقدستين سنة 40 هـ (660 م) خشى الأشعرى انتقامه لأنه كان قد عارض فى أذرح مبايعة معاوية بالخلافة، وقد جاء فى بعض المصادر أنه عمد إلى الفرار، فطمأنه بسر (انظر Annali: Caetani سنة 40 هـ، فقرة 8، تعليق 3 فى شأن الروايات المختلفة عن هذه الحادثة الهامة). ولم يشترك أبو موسى بعد ذلك بنصيب فى السياسة كما يتبين من التردد فى تحديد تاريخ وفاته (جعل سنة 41، 42، 50، 52، 53 هـ؛ وأرجح التواريخ هو سنة 42 هـ). وقد أثنى الثناء العاطر على تلاوته للقرآن وصلواته، ذلك أنه كان ذا صوت ندى (ابن سعد: الطبقات، جـ 2/ 2، ص 106) ولكننا نذكر فوق ذلك كله أن اسمه ظل متصلا بالدراسات القرآنية، لأنه جمع مصحفا بقى محليا بعد جمع مصحف عثمان المعتمد بعامة

الأشعرية

(انظر Milieu Pasrien: Ch. Pellat ص 73 وما بعدها). المصادر: (1) جميع الأخبار والتواريخ الخاصة بصدر الإسلام، وجميع الكتب التى تترجم للأعلام من الأولين تتحدث عن أبى موسى، وقد أشرنا إلى أهمها فى صلب المادة. (2) وتوجد شواهد عدة فى Cae- Chronographia islamica: tani، سنة 42، ص 479. (3) الكاتب نفسه Annali، لفهارس، وجـ 7 - 10، فى مواضع مختلفة. (4) ابن أبى حديد: شرح نهج البلاغة، القاهرة سنة 1329 جـ 3، ص 287 - 289، 291، 291، جـ 4، ص 199، 237. (5) وانظر عن فتع خوزستان: Skizzenund Vorrbeiten: J.Wellhausen, جـ 6، برلين سنة 1899، ص 94 - 113. خورشيد [فاكلييرى L.Veccia Vaglieri] الأشعرية مذهب كلامى، والأشعرية أتباع أبى الحسن الأشعرى ويقال لهم أيضًا الأشاعرة (ولم يدرس تاريخ هذا المذهب إلا قليلا، ويجب أن نعد بعض الأقوال الواردة فى هذه المادة موقوتة). التاريخ الظاهر: اجتذب الأشعرى فى العقدين الأخيرين من حياته، عددًا من التلاميذ وبذلك تأسست مدرسة له. وكان موقف المدرسة الجديدة من العقائد عرضة للهجوم من عدة أوساط، فإذا تجاوزنا المعتزلة، نجد أن طوائف من متكلمى اهل السنة قد هاجموا الأشاعرة. فالحنابلة رأوا أن فى استخدام الأشاعرة للحجج العقلية بدعة مستنكرة. ونجد من جهة أخرى أن الماتُريديَّة الذين كانوا يدافعون عن مذهب السنة بالطرق العقلية، وقد وجدوا أن بعض مواقف الأشاعرة تبدو ممعنة فى المحافظة (انظر النقدات التى وجهها عضو متقدم من فرقة الماتريدية فى "شرح الفقه الأكبر" المنسوب إلى الماتريدى). والواضح أن الأشعرية، رغم هذه المعارضة، غدت المذهب السائد فى

أنحاء الخلافة العباسية التى يتحدث أهلها بالعربية (وربما صدق هذا أيضًا على خوزستان). وكان الأشاعرة بوجه عام على وفاق مع المذهب الشافعى فى الفقه (ولو أن مذهب الأشعرى الخاص فى الشريعة غير واضح)، على حين كان منافسوهم: الماتريدية، قد ثبتوا -أوكادوا- على الحنفية. وحوالى منتصف القرن الخامس الهجرى (الحادى عشر الميلادى) اضطهد الأشعرية على يد سلاطين بنى بويه الذين كانوا يميلون فى عقيدتهم إلى مجموع من أقوال المعتزلة والشيعة، وانقلبت الآية بقدوم السلاجقة، وتلقى الأشاعرة العون الرسمى -وخاصة من الوزير الكبير نظام الملك- ونظير ذلك بذلوا العون العقلى للخلافة على الفاطميين فى القاهرة. ومن وقتها حتى أوائل القرن الثامن الهجرى -فيما يحتمل- أصبحت الأشعرية تكاد تكون هى مذهب أهل السنة، وظلت حالها كذلك بوجه من الوجوه حتى الوقت الحالى. ولم يكن للردّة الحنبلية التى كان محورها ابن تيمية المتوفى سنة 728 هـ (1327 م) إلا سلطان محدود. ومع ذلك فمن أيام الشيخ السنوسى المتوفى سنة 895 هـ (1490 م) تقريبًا لم يعد أئمة المتكلمين يعدون أنفسهم منتسبين إلى الأشعرية، إذ كانوا فى الواقع يتخذون ما يرون من أقوال المذاهب على الرغم من أنهم كانوا يبجلون الأشعرى وأعيان مذهبه ويعترفون بهم. وأئمة الأشعريه هم: الباقلانى المتوفى سنة 403 هـ (1013 م)، وابن فورَك (أبو بكر محمد بن الحسن) والمتوفى سنة 406 هـ (1105 - 1016 م)، والإسفرايينى المتوفى سنة 418 هـ (1027 - 1028 م)، والبغدادى عبد القاهر بن طاهر المتوفى سنة 429 هـ (1037 - 1038 م) والسُمْنانى المتوفى سنة 444 هـ (1052 م)، وإمام الحرمين الجوُيَنْى المتوفى سنة 478 هـ (1085 - 1086 م)، والغزالى أبو حامد محمد المتوفى سنة 505 هـ (1111 م)، ومحمد بن تومَرْت المتوفى حوالى سنة 525 هـ (1030 م) والشَهْرَسْتانى المتوفى سنة 548 هـ (1153 م)، وفخر الدين الرازى المتوفى سنة 606 هـ (1210 م)، والإيجى المتوفى سنة 756 هـ (1355 م)، والجُرجانى المتوفى سنة 816 هـ (1413 م).

التطور الداخلى: لا يعرف إلا القليل عن آراء الأشعرية فى نصف القرن التالى لوفاة صاحب المذهب؛ والباقلانى هو الشخص الوحيد الذى بقى كتَابه، وهو ميسور لنا، وما وافى زمنه حتى ذاع أن الأشعرية يأخذون ببعض أنظار المعتزلة (وخاصة نظرية أبى هاشم فى "الحال") وأنهم ربما تأثروا بنقدات الماتريدية. وثمة مسألة واحدة كانت مدرسة الأشعرى قد بدأت تختلف فيها عن الأشعرى نفسه، وهذه المسألة هى تفسير صفات التجسيد التى أطلقت على الله، مثل يده ووجهه واستوائه على العرش، ذلك أن الأشعرى كان قد قال فيها إنها يجب ألا تؤخذ بظاهر اللفظ أو بالتأويل بل تؤخذ بـ "لا كيف "، ولكن البغدادى والجوينى أولا "يده" بأنها "قدرته" ووجهة بأنه "ذاته" أو"وجوده", وكان موقف معظم الأشاعرة المتاْخرين مشابهًا لذلك (انظر Some Muslim Dis-: Montgomery Watt cussions of Anthropomorphism فى Transactions of the Glasgow University Oriental Society - جـ 13، ص 1 - 10) زد على ذلك اْننا بينما نجد الأشعرى يصر على أن "الكسب" مخلوق فيؤكد بذلك قدرة الله على كل شئ غامطًا مسؤولية الإنسان عن أفعاله، نجد أن الجوينى قد استطاع أن يبين أن مذهب الأشعرية فى ذلك "مذهب وسط". وحوالى منتصف القرن الخامس الهجرى (الحادى عشر الميلادى) طرأ تغيير على المذهب، ذلك أن ابن خلدون (ترجمة ده سلان، جـ 3، ص 61) يتحدث عن الغزالى على أعتبار أنه أول المجددين، ولاشك أن مرجع ذلك إلى حماسته للقياس الأرسطى، ولكننا نجد عند الجوينى من قبل آثار تقدم فى المنهج (انظر Gardet et Anawati: الكتاب المذكور، ص 73 من أسفل). على أن الغزالى هو الذى غاص فى أنظار ابن سينا وغيره من الفلاسفة حتى استطاع مهاجمتهم بأسلوبهم بنجاح ساحق. ولم يسمع عن الفلاسفة زيادة على ذلك إلا القليل، ولكن منطقهم الأرسطى وكثيرًا من آرائهم الأفلاطونية الجديدة فيما وراء الطبيعة قد اندمجت منذ ذلك الوقت فى تعاليم الأشعرية. ولم تلبث هذه التعاليم أن صبغت بالصبغة العقلية على محمل سئ، بل إن بعض الآراء -

أصحاب (صحابة)

التى يشك فى سنيتها -قد أخذت وشغلت المقدمة الفلسفية فراغًا أكبر وعناية أكثر من النظريات الكلامية الصرف (وخاصة فى الإيجى وشارحه الجرجانى). وختامًا يجوز لنا أن نقول إن المذهب قد اختفى فى وهج من الفلسفة. المصادر: (1) انظر أيضًا المصادر عن الاْشعرى وغيره من أهل المذهب. (2) ابن عساكر: تبيين كذب المفترى، دمشق سنة 1347 هـ (انظر مادة الأشعرى عن ترجمة هذا الكتاب بمعرفة MacGarthy and Mehren.) (3) Zur Geschichte: M. Schreiner des As'aritei turns فى Actes du 8 e Congr. des Orient جـ 1 أ، ص 79 وما بعدها. (4) Les Penseurs de: Garra de Vaux L'Islam باريس سنة 1923، جـ 4، ص 133 - 194. (5) Intro-: L. Gardet et M. M Anawati duction d Theologie Musulmane باريس سنة 1948 وخاصة ص 52 - 76. خورشيد [مونتجمرى وات W.Montgomery watt] أصحاب (صحابة) (ومفرده صاحب)، أو "صحابة" ومفردها صحابى): اصطلاح فى الإسلام أطلق بوجه خاص على صحابة النبى. وكان هذا الاسم يطلق فى أول أيام الإسلام على أولئك الذين اتصلوا بالنبى زمنًا ما واشتركوا معه فى غزواته، ثم اتسعت دائرة الصحابة فيما بعد شيئًا فشيئًا، ولم تقتض هذه التسمية وجوب اتصال الصحابى بالنبى اتصالا فعليا. وعد من الصحابة أيضًا المؤمنون الذين لقوا النبى فى حياته ورأوه ولو زمنا قصيرًا دون أن يوضع سن هؤلاء موضع الاعتبار (انظر ما ذكره كولدتسيهر- Muh. Studi en جـ 2 وص 240 عن اختلاف الآراء فى هذا التعريف) ويتفق مع هذا التحديد الأخير التعريف الشائع فى كتب الفقه (القسطلانى، جـ 6، ص 88). ويقال إن آخر صحابة النبى هو عامر بن وائلة الكنانى أبو الطفيل (أسد الغابة، جـ 3، ص 97؛ جـ 5 ص 333) الذى توفى بعد سنة مائة من الهجرة

بزمن قصير. ولابد أنه كان طفلا صغيرا عندما رأى النبى لأنه لم يولد إلا فى العام الذى حدثت فيه غزوة أحد. وكان فى الثامنة من عمره (¬1) عندما لقى الرسول (Zeitschr.d. Deutgch. Morgenl Gesellsch. جـ 23، ص 595). ويسلك الرواة أيضا فى سلك الصحابة، المؤمنين من الجن الذين كانوا على صلة بالنبى كما تقول القصة. وللصحابة فى نظر أهل السنة مكانة عالية بين المؤمنين. فإن ما لم يذكر فى القرآن من الشريعة يؤخذ عنهم ويعتمد فيه على روايتهم إذ أنهم هم الذين سمعوا قول النبى وشاهدوا أفعاله، وأساس الحديث هو ما ثبتت صحته مما نقلوه عن قول النبى أو شاهدوه من أفعاله. والحديث الذى يتصل إسناده إلى الصحابة يسمى "مسندًا" وإذا ثبت عن الصحابى عمل يوافق سنة صحيحة كان عمله شاهدًا للسنة القويمة التى يجب على المؤمن اتباعها دائمًا، وقد جعلتهم صلتهم بالنبى وما كان لهم من شأن فى توطيد الاسلام محل تقدير المؤمنين منذ نشاة هذا الدين؛ وسب الصحابة أو احتقارهم جريمة لا تغتفر ويعاقب من يسب الصحابة بالجلد، ومن أصر على سبهم كان جزاؤه القتل. والصحابة طبقات على رأسها الخلفاء الأربعة الراشدون بحسب ترتيب توليهم الخلافة. والى جانب الخلفاء الأربعة ستة آخرون من الصحابة أكد لهم النبى وهم أحياء أن مثواهم الجنة "العشرة المبشَّر لهم بالجنة" ومن هؤلاء تتألف طبقة خاصة من الصحابة. وهناك طبقات أخرى تتفاوت فى المرتبة بتفاوت نوع الأعمال التى اشتركت فيها مع النبى: فمنهم المهاجرون الذين هاجروا إلى المدينة؛ والأنصار، وهم أهل المدينة الذين بدأ اشتراكهم فى نصرته بعد الهجرة؛ والبدريون الذين شهدوا غزوة بدر ... إلخ. وقد جمع النووى فى شرحه مسلم (جـ 5، ص 161) (¬2) الآراء المختلفة المتعلقة بطبقات الصحابة. ¬

_ (¬1) عبارة أسد الغابة."أدرك من حياة النبى صلى الله عليه وسلم ثمانى سنين، وانظر شرحنا على ألفية السيوطى فى المصطلح (ص 215 - 218 و 229) طبعة عيسى الحلبى بمصر. (¬2) هذا رقم طبعة مصر سنة 1383 هـ ـ -وهو يوافق (جـ 15 ص 148 - 1949) من طبعة محمد عبد اللطيف بمصر سنة 1349 هـ

وقد تفرد الشيعة دون أهل السنة بخصومتهم القوية للصحابة، للك الخصومة التى وصلت بهم إلى حد التعصب المثير للكراهية، ذلك لأن الشيعة يرون أن الخلفاء الأول اغتصبوا حق علىّ وأهل بيته فى الخلافة بموافقة الصحابة. أما أهل السنة فإنهم إذا ذكروا صحابيًا أو كتبوا عنه، شفعوا اسمه "بالترضية" أى قالوا: رضى الله عنه. وتعنى مصنفات أهل السنة عناية كبرى بذكر فضائل أصحاب النبى أو مناقبهم. وتفرد أكثر كتب الحديث المبوبة فصلا خاصا لذكر المناقب. وقد صنف أيضًا كثير من الكتب التى جمعت أسماء جميع الصحابة مع ذكر سيرهم وبيان الأحاديث المسندة إليهم. وبين هذه المصنفات خلافات كثيرة، وينسب إلى عبد الباقى بن قانع مولى بنى أمية المتوفى فى بغداد عام 351 هـ (962 م) كتاب "معجم الصحابة" (الذهبى: طبقات الحفّاظ، جـ 3، ص 99) وأهم من كتب فى سير الصحابة هو أبو عبد الله بن منده المتوفى عام 395 هـ (1004 - 1005 م)، وأبو نُعيْم الإصفهانى المتوفى عام 435 هـ (1038 - 1039) وأبو عمر ابن عبد البر النَمرى القرطبى المتوفى عام 463 هـ (1070 - 1071 م) وهو صاحب كتاب "الاستيعاب فى معرفة الأصحاب " (طبع فى حيدر آباد عام 1318 هـ فى مجلدين). وقد علق على هذا الكتاب السبكى تعليقات نقدية فى كتابه "طبقات الشافعية" (جـ 6، ص 135) (¬1)، وابو موسى محمد بن ابى بكر الإصفهانى المتوفى عام 581 هـ (1185 - 1186 م) وقد جمع عز الدين ابن الأثير الجزرى المتوفى عام 630 هـ (1232 - 1233 م) ما ورد فى كتب المتقدمين وعلق عليه وأكمل ما نقص منه ثم نشره فى كتابه ¬

_ (¬1) لم يعلق ابن السبكى على كتاب الاستيعاب بشئ، وإنما هو ينقل فى ترجمة الحافظ عبد المؤمن بن خلف الدمياطى سؤالا من الحافظ على بن محمد اليونينى للحافظ الدمياطى فى ذكر اثنين من الصحابة شهدا بدرا. واحتج اليونينى لذلك بأن ابن عبد البر ذكرهما فى الاستيعاب فيمن شهد بدرا ووصف ابن عبد البر بأنه أمام أهل المغرب بل والمشرق أيضًا) فاجاب الحافظ الدمياطى بنفى شهودهما غزوة بدر، ثم انتقد كتاب استيعاب باستدراك بعض أوهام وقعت فيه. انظر طبقات الشافعية لابن السبكى (جـ 6 ص 133 - 138). أحمد محمد شاكر

أصحاب الأخدود

الكبير المسمى "أسد الغابة فى معرفة الصحابة" (القاهرة سنة 1286 هـ فى خمسة مجلدات) يضاف إلى ذلك كتاب الذهبى المسمى "تجريد أسد الغابة" (حيدر آباد، سنة 315 هـ فى مجلدين أحصى فيهما 8809 صحابى). وهناك مرجع أوفى من كل هذه الكتب هو كتاب أبو الفضل بن حجر العسقلانى المتوفى عام 852 هـ (1448 - 1449 م) واسمه "الإصابة فى تمييز الصحابة" (طبعة كلكتة فى أربعة مجلدات، عام 1853 - 1894؛ وطبع فى مصر فى ثمانية مجلدات عام 1323 - 1325) [كولد تسيهر Goldziher] أصحاب الأخدود جاء ذكرهم فى سورة البروج، الآية الرابعة وما بعدها. ويروى المؤرخون المسلمون فى كلامهم على أصحاب الأخدود أن ذا نُوَاس ملك اليمن كان متعصبًا لليهودية غير متسامح مع النصارى، فدعاهم إلى اليهودية وخيّرهم بين ذلك والقتل فاختاروا القتل. فخدّ لهم الأخدود وأحرقهم فيه. ولهذه القصة ما يؤيد بعضها ويكملها فى المصادر النصرانية، فإنها تقول إنه لما لم يستطع الكوشيون إرسال والٍ من قبلهم إلى اليمن بسبب حلول فصل الشتاء، استولى على السلطة ذو نواس الذى تسميه المصادر بأسماء مختلفة، وكان ذو نواس متحمسًا لليهودية فاضطهد النصارى. وحاصر نجران، حتى رذا وقعت فى يده حنث بوعده، وعذب النصارى الذين ظلوا على عقيدتهم بالنار والحديد. على أنه لم يرد فى روايات النصارى ذكر للأخدود. ويقرب من هذه الروايات ما ذكر شمعون من بيت أرشام وكاتب غير معروف فى Roisconade . ووصلت أخبار تلك الحوادث إلى الشام فى ربيع عام 524 م، وعلى هذا يحتمل أن تكون تلك الحوادث قد حدثت فى أواخر عام 523 ميلادية. وهناك تفسيرات أخرى لهذه القصة، فيقول البعض إن أصحاب الأخدود هم دانيال وأصحابه (الطبرى: تفسير الآية)

ويرى رجحان هذه الرواية كيكر Geiger فى كتابه (Was hat Mohamm ص 192) ولوث Loth فى (Zeitschr.d. Deutsch Morgenl. Gcsel، جـ 35، ص 121). ويقول الثعلبى فى رواية له إن أصحاب الأخدود ثلاثة: ذو نواس فى اليمن، وأنطاخيوس فى الشام، وبختنصر فى فارس). المصادر: (1) ابن هشام، طبعة فستنفلد، جـ 1، ص 925. (2) التفاسير المختلفة للآية الرابعة وما بعدها من سورة البروج. (3) المسعودى: مروج الذهب، باريس، جـ 1 ص 129 وما بعدها. (4) Essai sur: Caussin de Perceval L'histoire des Arahes جـ 1، ص 128 وما بعدها. (5) Geschichte der Araber: Noldeke und Perser zur Zeitder Sasanide ليدن سنة 1879 م، ص 185 وما بعدها. (6) Bibliotheca orien-: Assemannus talis، جـ 1، ص 364 وما بعدها. (7) La lettera di Simeone ves-: Guidi couo di Bet-Arsam sopra imartiri ameriti Memarie dell' Accademia dei Lincei سنة 1881، ص 471 وما بعدها). (8) Anecdota grae-: Boissonade ca جـ 5، وما بعدها. (9) Zeitschr. d. Deutsch. Mor-: Fell genl. Gesellsch. جـ 35، ص 1 وما بعدها. (10) Litterature syriaque: Duval ص 136 وما بعدها. (11) الثعلبى: قصص الأنبياء، القاهرة سنة 1297 هـ، ص 421 وما بعدها. [فنسنك A. J. Wensicnk] + أصحاب الأخدود مصطلح ورد فى أوائل سورة البروج من القرآن يصعب فهمه؛ ونص الآيات من 4 - 8 من هذه السورة: {قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ (4) النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ (5) إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ (6) وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ}. ويقول المفسرون والمؤرخون القدامى للقرآن إن الإشارة فى هذه الآيات إلى

اضطهاد النصارى فى نجران على يد ملك جنوب بلاد العرب اليهودى ذى نواس (انظر هذه المادة) ذلك الاضطهاد الذى يُجعل فى سنة 523 م من حيث هو واقعة تاريخية مقررة. ويقال إن الشهداء النصارى حرّقوا أحياء فى أخدود خدّ بخاصة لهذا الغرض، وترتبط هذه الآيات أحيانًا بالقصة التى ترجع أخيرًا إلى "أتون النار المتقدة" الوارد فى سفر دانيال، الإصحاح الثالث. على أن هذه الآيات يجب أن تفهم بمعنى يتصل بعلم الآخرة كما استبان كرمته Grimme وبيّن هوروفتز على التدقيق؛ فنحن نعرض لمشهد من مشاهد الحساب المأثور فى القرآن. وأصحاب الأخدود كفار مآلهم إلى النار جزاء لهم على ما اقترفوا فى حق المؤمنين (الآية 7). والاعتراضات التى أثارها آهرنز (K. Ahrens . فى Zeitschr .der Deutsch, Morgenl, Gesells, سنة 1930، سنة 1930 ,ص 49) وبلاشير (Le Coran A. Blachere جـ 1، ص 120) على هذه التفاسير ليست حاسمة. وتبقى بعدُ صعوبة تفسير كلمة "الأخدود" ويذهب موبك A.Morbeg إلى وجود أثر فيه للعبارة العبرية"كى هنّوم " بمعنى النار، وإن كان يتحفظ فى قوله هذا تحفظًا شديدًا (Legenden، ص 21؛ انظر Speyer، ص 424) ويقول بل R. Bell: " قد يكون فى مصطلح أصحاب الأ خدود إشارة فرعية إلى قتلى قريش فى بدر الذين ألقيت جثثهم فى بئر" (The Qur'an، جـ 2، ص 646) وكلا التفسيرين فيه نظر. المصادر: (1) تفاسير القرآن لسورة البروج، الآيات من 4 - 7، وخاصة تفسير الطبرى، القاهرة سنة 1321 هـ. جـ 30، ص 72 - 75 (انظر Loth فى , Zeitschr ,der Deutsch, Morgenl, Gesells, سنة 1881، ص 610 - 622) (2) ابن هشام، طبعة فستنفلد، ص 24. (3) الطبرى: التاريخ، جـ 1، ص 922 - 925

أصحاب الرأى

(4) Geschichte der Araber: Noldeke und Perser zur zeit der Sasaniden, سنة 1879، ص 182 - 187. (5) المسعودى: مروج الذهب، جـ 1، ص 129. (6) الثعلبى: قصص الأنبياء، القاهرة سنة 1292 هـ من 380 - 382. (7) Essai sur L'his: Caussin de Perceval toire des . Arab جـ 1، ص 128 (8) Acta Sanctorum Octobris T. X. بروكسل سنة 1861، 721 - 762. (9) Fell فى Zeitschr der Deutsch Morgenl, Gesells سنة 185، ص 1 - 74. (10) In Lettera di simeone: I. Guidi vescovo di Beth-Arsham sopra martiri .. omeriti, Raccolta di Scr، جـ 1، سنة 195، ص 1 - 60. (11) The Book of the: A. Moberg Himyarites؛ لوند سنة 1924، وخاصة ص 43 - 47، 56. (12) الكاتب نفسه: Ueber einige Christliche Legenden in der islamischen Tradition، لوند سنة 1930، ص 18 - 21. (13) Litterature syriaque: Duval سنة 1907، ص 136 - 141. (14) Der Ursprung des: T. Andrae Islams and das Christentum، أوبسالا سنة 1926، ص 11 - 13. (15) Christliches im Qo-: K.Ahrens ran فى , Zeitschr. der Deutsch, Morgenl Gesell, سنة 1930، ص 148 - 150 ز (16) Koranische Un-: J. Horovitz tersuchungen، سنة 1926، ص 12، 92. (17) Die biblischen: U. Speyer Erzdhlungen un Qoran، كرافنهاينشن، ص 424. خورشيد [باريه R. Parel] أصحاب الرأى ويقال أيضًا "أهل الرأى": اسم أطلقه أهل الحديث للانتقاص من قدر خصومهم من فقهاء الشرع. وكان الرأى فى الأصل يدل على القول السديد، ويطلق على ذلك العنصر من التدليل البشرى سواء كان يقوم على

منهج دقيق أو على رأى شخصى أو حكمى وقد استخدهه الفقهاء الأولون لاستنباط أحكام فى مسائل شرعية. على أن "أهل الحديث" الذين قاموا لمعارضة المذاهب القديمة فى الشرع يعدون "الرأى"مخالفًا للشرع. وهم بصفة خاصة يرون أن من الخطأ القول بما جرى أتباع المذاهب القديمة على القول به من إنكار الأحاديث المروية عن النبى بالاعتماد على الرأى. ونتيجة لنجاح هذا الموقف فى أصول الفقه، فإن كل طائفة جنحت إلى وصف من يجعلون للرأى الشخصى فى أية مسألة بذاتها نطاقًا أوسع مما جعلوا بأنهم "أصحاب الرأى" وأصبح من المستحيل على أولئك الذين يستخدمون "الرأى" أن يتبينوا موقفهم وأن يبرروه بالمقاييس الإسلامية. وما من مذهب قط من المذاهب الشرعية سمى نفسه -أو رضى بأن يسمى نفسه- "أصحاب الرأى"، والتفرقة بين أهل الحديث وأصحاب الرأى تفرقة صناعية إلى حد كبير. وفى رأى أهل الحديث أن أبا حنيفة ومذهبه ومالكا ومذهبه ينتسبون إلى أصحاب الرأى، وقد سماهم بذلك حقا الشافعى وابن قتيبة وغيرهما، ولأسباب عارضة أصبح أبو حنيفة ومذهبه الهدف الأول لهجوم أهل الحديث، وأدى هذا إلى قيام رأى خاطئ بأنهم خير من يمثل أصحاب الرأى. وبلغ الأمر إلى حد وضع تحذيرات من الرأى، مع الذكر الصريح فى بعض الأحيان لأبى حنيفة وأتباعه، على لسان الرسول وصحابته وخلفائهم ومن ثم أصبحت هذه التحذيرات من الأحاديث. المصادر: (1) الشافعى: كتاب الأم، جـ 7، فى مواضع مختلفة. (2) الدارمى: السنن، الفصول التمهيدية. (3) ابن قتيبة: المعارف، طبعة فستنفلد ص 248 وما بعدها. (4) الكاتب نفسه: مختلف الحديث، ص 62 وما بعدها. (5) الخطيب البغدادى: تاريخ بغداد، جـ 13، ص 323 وما بعدها (حملة على أبى حنيفة). (6) الشهرستانى، ص 161 (7) Sachau فى Sitzungsber. AK.

أصحاب الكهف

Wien, Phil. Inst. Classe سنة 1870، ص 713 وما بعدها. (8) Gultur-: Von Kremer geschichte جـ 1، ص 490 وما بعدها. (9) Zdhiriten: Goldziher ص 2 وما بعدها. (10) الكاتب نفسه: Muh. Studien, جـ 2، ص 74 وما بعدها (ترجمة Bercher Etudes sur la traition Islamique ص 88 وما بعدها. (11) Instituzioni: Santillana جـ 1، ص 46 وما بعدها. (12) Origins of Mu-: J.Schacht Jurisprudence hammedan ص 98 وما بعدها، وفى مواضع مختلفة. (13) الكاتب نفسه Esquisse d'une histoire du droit musulman، ص 53 خورشيد [شاخت J. Schacht] أصحاب الكهف يريد القرآن بهذا الاسم الإشارة إلى الفتية الذين جرت العادة فى الغرب على تسميتهم "نوام أفسوس السبعة". ويقص القرآن الكريم قصتهم فى سورة الكهف (الآية الثامنة وما بعدها) فيقول إن بعض الفتية من مدينة كانت تعبد الأوثان ظلوا وحدهم يعبدون الله مخلصين، وهربوا إلى كهف يطل بابه على ناحية الشمال، وهناك ضرب الله على آذانهم فناموا ومعهم كلبهم "لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارًا ولملئت منهم رعبا"، ولبثوا فى كهفهم ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعا، ثم بعثهم الله فبعثوا بأحدهم إلى المدينة ليشترى لهم طعامًا. ولا يذكر القرآن الكريم عنهم أكثر من هذا، إلا أنه زيد على ذلك أن عددهم ثلاثة أو خمسة أو سبعة، وأن الغرض من هذه القصة هو تمكين الاعتقاد فى البعث. على أن المؤرخين والمفسرين ذكروا عن أهل الكهف شيئا كثيرًا. والروايات المختلفة التى أوردها الطبرى (طبعة ده غويه، جـ 1، ص 775 وما بعدها؛ التفسير، جـ 15، ص 123 وما بعدها) يتفق أكثرها على القول بأن عددا من الفتية نبذوا عبادة الأوثان واعتنقوا

المسيحية فى مدينة الروم (اليونان أو آسية الصغرى) ثم فروا من تلك المدينة وأووا إلى كهف، وكان معهم كلب عجزوا عن إبعاده، وناموا فى هذا الكهف، ثم جاء الملك الوثنى داقيوس (ويسمى أيضا داقينوس وداقيانوس) ومعه أتباعه للقبض عليهم، ولكن لم يستطع أى واحد منهم دخول الكهف، فبنى عليهم داقيوس باب الكهف ليموت الفتية جوعًا وعطشًا ونسى الناس أمرهم بعد ذلك. وفى يوم من الأيام. بعث أحد الرعاة برجاله وأمرهم بفتح الباب ليتخذ من الكهف حظيرة لغنمه، ولما دخل رجاله الكهف لم يروا أول الأمر الفتية الذين بعثهم الله فى الأجل الذى ضربه ليقظتهم، وعند ما استيقظوا كانوا لا يزالون يملؤهم الفزع والرعب من الخطر الذى نجوا منه. فعمدوا إلى الحيطة وبعثوا باحدهم إلى المدينة ليشترى لهم طعامًا، ولم يعرف بائع الطعام النقود التى دفعها إليه الفتى، فساقه إلى الملك وهناك تبين كل شئ: فقد نام الفتية ثلاثمائة سنة وتسعا، وكانت الوثنية قد انقرضت خلال هذه المدة وحلت النصرانية محلها. وفرح الملك بأصحاب الكهف فرحًا عظيمًا لأن بعثهم أيد عقيدة دينية كان البعض يشك فى صحتها، وهى أن الناس يبعثون بالجسد والروح معًا. ولم يكد الفتى يعود إلى الكهف ثانية حتى ضرب الله على آذانهم مرة أخرى، فشيدوا فى ذلك المكان كنيسة. ولعل فيما ذكرناه الكفاية، غير أننا نريد أن نورد رواية أخرى تنسب إلى وهب بن منبه (الطبرى، طبعة ده غويه جـ 1، ص 878, وما بعدها: ابن الأثير طبعة تورنبرغ، جـ 1، ص 254 وما بعدها) وتقول هذه الرواية "إنه جاء حوارى من أصحاب عيسى إلى تلك المدينة وأراد أن يدخلها فقيل له إن على بابها صنما، لا يدخلها أحد حتى يسجد له، فلم يدخلها وأتى حمامًا قريبًا من المدينة فكان يعمل فيه، فرأى صاحب الحمام البركة على قدومه، وعلقه الفتية فجعل يخبرهم خبر السماء والأرض وخبر الآخرة حتى آمنوا به وصدقوه. فكان على ذلك حتى جاء ابن الملك بامرأة فدخل بها الحمام فعيره الحوارى فاستحيا، ثم رجع مرة أخرى فعيره فسبه وانتهره، ودخل الحمام ومعه

المرأة فماتا فى الحمام. فقيل للملك: إن الذى بالحمام قتلهما، فطلبه الملك فلم يجده، فقال: من كان يصحبه؟ فذُكر له الفتية فطلبهم فهربوا إلى الكهف مع صاحب لهم وتبعهم كلبهم أيضًا". ثم تتفق هذه الرواية مع الروايات الأخرى فى بقية القصة. وقد زادت المصادر التى أوردت هذه القصة كثيرًا من المعلومات التاريخية والجغرافية غير أن الكثير منها متناقض، وبعضها لم يتيسر تعليله حتى الآن تعليلًا مقبولًا. وسنتكلم الآن على أهم هذه المعلومات فنقول: إن الملك الوثنى الذى اضطهد النصارى كان يسمى داقيوس (249 - 251). أما الملك النصرانى الذى بعث الفتية فى عهده فهو الملك تيودوسيوس الثانى (408 - 450) وهذا لا يتفق مع ما ورد فى القرآن من أن أصحاب الكهف لبثوا فى كهفهم ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعًا (¬1). ولا مع الروايات الأخرى التى تذهب إلى اْنهم لبثوا فيه 372 عامًا. وهناك أمر آخر عظيم الأهمية هو معرفة المدينة التى حدثت فيها هذه القصة. تقول المصادر الغربية إنها حدثت فى مدينة أفسوس Ephesus وتتفق معها فى هذا بعض المصادر الشرقية أيضًا. على أن العرب يعرفون مدينتين بهذا الاسم: إحداهما المدينة المعروفة، والأخرى مدينة عربسوس القديمة فى كبادوكيا وكانت تسمى أيضا أبسوس وتسمى اليوم بربوز. فهل كانت مدينة أبسوس هذه هى المسرح الذى وقعت فيه تلك الحوادث الحقيقية أو التى أوحى بها الخيال؟ أما ده غويه فيؤيد هذا الرأى معتمدًا على براهين استمدها من الكتب التى تقول بذلك. وفى الحق إن بعض الرحالة قالوا إنهم رأوا فى مدينة أبسوس هذه ¬

_ (¬1) الذى ألاحظه أن عبارة دائرة المعارف الإسلامية كعبارة أكثر المفسرين تعتبر أن قوله تعالى {وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا} خبر عن مدة مكث اهل الكهف فى كهفهم منذ دخلوه إلى أن استيقظوا. ولكنى أفهم غير ذلك وأقول إن قوله (ولبثوا الخ) معمول لقوله (سيقولون ثلاثة إلخ) فهو من مقول السائلين وليس خبرا من الله تعالى ولذا اتبع ذلك القول بقوله (قل الله أعلم بعدتهم ما يعلمهم إلا قليل). وعلى ذلك فالقرآن لم ينص على عدد أهل الكهف ولا على المدة التى مكثوها فيه قبل أن يعثر عليهم -بل أمر الله رسوله أن يقول عن عددهم (ربى أعلم بعدتهم) وأن يرد عليهم حين يقولون (ولبثوا فى كهفهم ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعا) بقوله (الله أعلم بما لبثوا) وقد ورد هذا القول عن ابن عباس. عبد الوهاب النجار

كهفًا كانت به جثث ثلاثة عشر رجلًا قد تيبست (ياقوت: المعجم، جـ 2، ص 806؛ المقدسى، ص 103 ابن خرداذبه، ص 106، 110، البيرونى: الآثار الباقية، طبعة سخاو ص 290)، وفوق هذا فقد تضمنت مجموعة النصوص المتعلقة بتاريخ السلاجقة (طبعة هوتسما، جـ 4، ص 152) ما ينص صراحة على أن عربسوس هى مدينة "أصحاب الكهف والرقيم ". وربما كان اكتشاف هذه الجثث الثلاث عشرة هو الأصل الأول لقصة أهل الكهف ثم حرف الناس أبسوس فيما بعد إلى أفسوس. وهناك مسألة أخرى هامة أيضًا، هى معرفة معنى "أصحاب الكهف والرقيم " التى وردت فى القرآن. ذهب الكثيرون إلى أن الرقيم هو اسم الكلب، وذهب آخرون إلى أن الرقيم هو اللوح الذى نقشت عليه قصة أصحاب الكهف. أما جغرافيو العرب فيرون أن الرقيم اسم مكان، فابن خرداذبه مثلا يقول إن الكهف الذى كانت فيه الجثث اسمه الرقيم وأن قصة أصحاب الكهف حدثت فى أفسوس. أما المقدسى فيرى أن الثلاثة عشر رجلًا الذين وجدت جثثهم فى الكهف كانوا أصحاب الكهف، ويروى أن الرقيم هى جهة فى شرق الأردن قريبة من عمان، ويقال إن هذه الجهة كانت مسرحًا لحادث شاذ حدث لثلاثة من الرجال. وقد زار الكهف الذى كان فيها كلرمون كانو - Clermont Gan neau وهو يرى أن هذه الجهة هى التى جاء ذكرها فى القرآن الكريم. ولسنا ندرى أى شأن للكلب فى قصة أصحاب الكهف ولا مكان جبل أنخليوس (ويرسم على أشكال مختلفة) وليست المصادر متفقة فى عدد الفتية ولا فى أسمائهم. وقد ظهرت قصة أصحاب الكهف لأول مرة فى الشرق فى كتاب سريانى يرجع تاريخه إلى القرن الخامس، ذكرها ديونيس من تل مهرة، ووردت عند الغربيين فى كتاب تيودوسيوس عن الأرض المقدسة. وأسماء الفتية فى هذه المصادر أسماء يونانية، وليس هناك اتفاق على ما إذا كانت الرواية التى ذكرها ديونيس قد نقلت عن اليونانية أم أنها كتبت بالسريانية من أول الأمر.

وقصة اصحاب الكهف مشهورة ذائعة فى الآداب الشرقية والغربية على حد سواء. راجع فى هذا الصدد كتاب جون كوخ John Koch الذى حاول أن يجعل لهذه القصة أصلا فى الأساطير. المصادر: (1) Dionysli Telmaharensis Ghronici Liber Primus طبعة تولبرغ، ص 161، 131. (2) Testi orientali inediti so-: Guidi Efeso Acad. dei)pra i sette dormienti di 1885 - 1884 Lincei) (3) Anecdota Syriaca: Land جـ 1، ص 38، جـ 3، ص 78. (4) الطبرى، طبعة ده غويه، جـ 1، ص 775 وما بعدها. (5) الطبرى: تفسير القرآن، جـ 15، ص 123 وما بعدها. (6) ده غويه: المكتبة الجغرافية العربية، فى مواد الرقيم، أبسوس، أفسوس، طرسوس. (7) ياقوت: المعجم، فى مواضع مختلفة. (8) ابن الأثير، طبعة تورنبرغ، جـ 1، ص 254 وما بعدها. (9) البيرونى: الآثار الباقية، طبعة سخاو، ص 190. (10) القزوينى، طبعة فستنفلد، جـ 1، ص 161 وما بعدها. (11) المقريزى: تاريخ السلاطين المماليك، ترجمة Quatremere، جـ 1، ص 2، 142. (12) Noldeke فى - Gotting Gel . An zeigen سنة 1886، ص 453. (13) De legende der ze-: de Goeje Efeze Versl en Meded)ven slapers van Akad. Amesterdam, Letterk, 4 Reeks, Deel CIV ص 9 وما بعدها. (14) De Sie-: John Koch benschlaferlegende, ihr Ursprung und ihre Verbreitung؛ سنة 1883. (15) De situ terrae sanc-: Theodosius tae، طبعة Gildemeister، ص 27. (16) الدميرى: حياة الحيوان، مادة كلب.

الإصطخرى

(17) الثعلبى: قصص الأنبياء، القاهرة سنة 1297، ص 394 وما بعدها. (18) Etudes a': Clermont Ganneau Archeologie orientale جـ 3، ص 295. (19) Historisch- to- M. Tomaschek Euphrat und pographisches vom o beren aus ost - Kappadokien , فى - Kiepert- Fests chrift، برلين سنة 1898. (20) Palestine under: G. le Strange , the Molsems 274 - 286. (21) . Brockelmann فى Mitt. d. Sem f.Or Sprachen جـ 4، ص 228. (22) Heller فى Revue des etudes Juives جـ 49، ص 190 وما بعدها. (23) Beitrane zur Sie-: Huber benschlaferlegende, الجزء الثالث، ليبسك سنة 1903 - 1904. [فنسنك A. J.Wensinck] الإصطخرى أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الفارسى: جغرافى عربى لا نجد ذكرًا لسيرته فى أى كتاب، ذلك لأن كتاب تقويم البلدان المنسوب إليه والمعروف بعنوان "المسالك والممالك" -وهو المجلد الأول من المكتبة الجغرافية العربية التى نشرها ده غويه- لم يقدم له بذكر سيرته. ومع هذا فقد أظهر ده غويه أن كتاب الاصطخرى لم يكن سوى نسخة جديدة لمصنف سابق كتبه أبوزيد البلخى، وهذا بالضبط ما فعله ابن حوقل (انظر هذه المادة) فقد اتخذ من كتاب الإصطخرى أساسًا لمصنفه حين عدل عن تصحيح كتاب الإصطخرى الذى لقيه عام.240 هـ (951 - 952 م) وطلب إليه أن يصححه. ومن ثم فإن من المحقق على أقل تقدير أن الإصطخرى قد عاش بلا شك فى النصف الأول من القرن الرابع الهجرى (العاشر الميلادى). والأصل الذى نشره مولر J. A. Moeller فى تاريخ متقدم يرجع إلى عام 1839 لم يكن سوى موجز لهذا الكتاب. المصادر: (1) Die Istakhri-Balkni Frage: De Goeje فى Zeieschr. d. Deutschen Morgenl Gesellsch جـ 15، ص 42 وما بعدها.

الأصمعى

الأصمعى أبو سعيد عبد الملك بن قُرَيْب: لغوى عربى. توفى سنة 213 هـ (828 م) وثمة تواريخ أخرى عن وفاته فى ياقوت: إرشاد الأريب، والكتاب المتأخرين؛ وتاريخ ميلاده الذى كثير، ما يعين أنه سنة 123 هـ (740 م) يقال إنه لم يكن معلومًا له هو نفسه (انظر: إرشاد الأريب، ص 6، 86) والأصمعى نسبة إلى أصمع أحد أجداده أما عن الباهلى فهى نسبة إلى القبيلة القيسية السيئة السمعة الباهلة، تلك النسبة التى أشار إليها فى شعر هجائى شاعر معاصر (انظر: ابن المعتز، طبقات الشعراء، ص 130، والسيرافى، ص 58). وفى خبر أنه جعل نفسه واحدًا من نسل بنى أعصر بن سعد بن قيس عيلان (انظر القالى: الأمالى، ص 1، 171). وهذا العالم ومعاصره أبو عبيدة وأبو زيد الأنصارى كوّنوا ثالوثًا يدين إليه اللغويون المتأخرون بأكثر من يعلمون عن التأليف المعجمى والشعر. وكانوا جميعهم تلاميذ لأبى عمرو بن العلاء زعيم اللغوين بالبصرة. ومن بين تلاميذهم العديدين الجاحظ الأديب، وقد خلف فى مصنفاته مآثر من علمهم. وقد تميز الأصمعى بذاكرة مذهلة، وبعقل ناقد غير معهود. وقد اضطلع عن أستاذه أيضًا بوعى ضابط بالحدود الثابتة للمعرفة اللغوية (انظر نقلا عن أبى عمرو اقتبسه السيوطى: المزهر، جـ 1، ص 323). ومنهج تقصى الأخبار عن البدو فى الأمور التى تخص النحو والتأليف المعجمى -الذى يبدو أنه نما فى البصرة بتوجيه أبى عمرو- اضطلع به تلاميذه. وثمة ثبت ساقه ابن النديم فى الفهرست (ص 43) بأسماء أساتذة البصرة البدو (انظر المزهر، جـ 2، ص 401). وفى البصرة عرف العامة عنايته بالدرس واستطاعوا أن يهدوه إلى حيث يجد- شيخًا على علم تام باللغة (انظر المزهر، جـ 2، ص 307) وتروى الأخبار أيضا عن رحلاته فى البادية يطوف بالبدو ويجمع الشعر من أفواههم، وكان وهو لا يزال شابًا يسعى إليه

الطلاب الحريصون على أن يأخذوا عنه، وكان مجلسه واسع الشهرة. ومن بين فروع اللغة التى نمت من قبل كان التأليف المعجمى هو الذى اجتذب موهبته بنوع خاص، مع أنه كان يقال إن أبا زيد كان يفوقه فى النحو، وأن الخليل يئس منه فى تلقى العروض (انظر ابن جنى: الخصائص، ص 367). وثمة روايات عدة عن الظروف التى جاءت بالأصمعى إلى بغداد وبلاط هارون الرشيد، ففى رواية رواها المرزبانى ونقلها عنه اليافعى (جـ 2، ص 66) أنه لقى الخليفة من قبل فى البصرة. وقد استقدمه محمد الأمين وهو ولى للعهد ثم قدمه للخليفة الوزير الفضل بن الربيع (تاريخ بغداد، جـ 10، ص 411) ويقول الجهشيارى (الوزراء، ص (189) إن الذى قدمه الخليفة هارون الرشيد هو جعفر بن يحيى البرمكى. وقد اْغدق البرامكة عليه النعم الجزيلة (انظر ابن المعتز كتابه المذكور، ص 98) على أن هذا لم يمنعه من هجائهم بعد أن حلت النقمة بهم (انظر الجهشيارى، ص 206) وقد جعلته صلته الوثيقة بجعفر يخشى على حياته نفسها حين علم بسقوط جعفر سنة 187 هـ (803 م؛ وانظر الجهشيارى ص 206). وفى رأى الأصمعى أن إسحاق بن إبراهيم الموصلى غريمه فى البلاط كان أكثر منه نجاحًا فى الحصول من الخليفة على جوائز عاجلة لقاء زكانته (انظر الأغانى، الطبعة الأولى، جـ 5، ص 77؛ الحصرى: زهر الآداب، الطبعة الثانية، ص 1014؛ إرشاد الأريب، جـ 2، ص 205). وقد وردت فى العقد الفريد لابن عبد ربه جملة من النوادر والملح التى كان الأصمعى يروّح بها عن الخليفة، والظاهر أن الأصمعى عاد إلى البصرة بعد وفاة الخليفة هارون الرشيد. وجاء فى شاهد منقطع أنه توفى فى مرو (انظر ابن خلكان، رقم 389). وقد شاعت بين تلاميذ الأصمعى وفى أوساط البصرة والكوفة المعنية عدة قصص رواها هو أو رويت عنه ووجدت سبيلها إلى الأخبار الأدبية.

ولاشك أن بعضها فيه ملامح موثوق بها عن شخصيته، ومن ذلك ما روى من أنه أصر على أن يعيش عيشة الفقراء فى أوج حياته العملية على الرغم من أنه كان يملك مالا كثيرًا. وقد نأى عما أثر عن الفرس من ترف وآثر الحياة البسيطة التى تنسب فى الروايات لعمر ابن الخطاب والحسن البصرى إذ كانت تمثل له الأسلوب العربى الخالص فى المعيشة (انظر الجاحظ: البلغاء، طبعة الحاجرى، ص 186). ولاشك أن الأقوال العديدة التى رواها عن عامة البدو رجالا ونساء كان المقصود بها ألا تبين بلاغة هؤلاء القوم البسطاء فحسب بل تبين أيضا ماتتميز به حياتهم البسيطة من تقوى خالصة. وإن جنوحه إلى الرثاء الوجدانى الجياش بالعواطف -حتى إنه لم يرو فيما يقال شعرًا فى الهجاء قط- يتفق مع تمجيده للجنس العربى استجابة لمشاعره الدينية. وفى الأخبار: وهو ينقل فيما حدّث به من أحاديث صحيحة عن الحسن البصرى، ومما يتفق مع روحه التى ذكرناها له، تلك الأحاديث العديدة التى تحدث بها بادئًا بعبارة: سمعت بدويًا يقول فى صلاته. وفى كتب الكتاب المتأخرين تسيطر هذه السمات الشعورية على شخصية الأصمعى، ونحن نجدها فى القصة الخيالية التى قيلت على لسانه فى أحاديث ابن دريد الخيالية (انظر القالى: الأمالى، الطبعة الأولى جـ 2، ص 7). وفى "محاضرات الأبرار" لابن العربى يحدث فقيه البصرة اللغوى حديث معاصره المصرى الصوفى ذى النون حول لقاءاته مع البدو الفقراء والصبيان الذين كشفوا له عن أسرار الحب الإلهى فى بصيرة عجيبة خارقة (انظر الكتاب المذكور، جـ، ص 81، 133)، ويتفق معاصروه السنيون والكتاب المتأخرون على أنه كان سنيًا محافظًا. ويقول إبراهيم الحربى المتوفى سنة 285 هـ (888 م) إنه لم يكن بين فقهاء اللغة البصريين من أنصار السنة الصرحاء إلا أربعة، كان أحدهم الأصمعى (انظر تاريخ بغداد، جـ 10، ص 418؛ ابن الأنبارى، ص 170) وتستدل الرواية على تقواه بشاهد هو أنه كان يتجنب

الإثم بالتزام السكوت المطبق حيال أى سؤال لغوى يتضح أنه قد يكون له أى مساس بقراءة القرآن أو بنص الحديث (وقد أورد كتاب المزهر، جـ 2، ص 325 قائمة بالشواهد على ذلك) وعلى حين نجد أن دراسة اللغة عند أبى عمرو وأبى عبيدة تعتمد على دراسة القرآن فإن الأصمعى كان يفرق بين كونه قارئًا للقرآن، وكونه نحويًا وراوية للشعر. وقد نسج على منوال شيخه نافع وقراء المدينة فأحجم أيضًا عن التعرض للتفسير (انظر عن هذا الموضوع Two Muqaddimas to the Qu- ranic Sciences، طبعة A.Jeffery القاهرة سنة 1954، ص 183 وانظر المزهر، جـ 2، ص 416؛ إرشاد الأريب، جـ 1، ص 26). وفى هذه الناحية كان الأصمعى يعارض موقف المعتزلة والقدرية الذين كانوا -فى قوله- يفسرون القرآن برأيهم كما فعل أبو عبيدة فى كتابه "المجاز" (انظر ارشاد الأريب، جـ 2، ص 389 جـ 7؛ ص 167). ومن حيث رواية الشعر كان الأصمعى وجيله متأثرين فى الصميم بالراويتين الكبيرين حماد الراوية وخَلَف وكان الأصمعى يرى فى جلاء المآخذ المتصلة بشخصيتيهما اللتين لا يُطمأن اليها (انظر إرشاد الأريب، جـ 4، ص 140؛ المزهر، جـ 2، ص 406؛ بلاشير، ص 99) وأراد الأصمعى أن يجمع فى صورة كاملة محددة قصائد فحول الشعراء الجاهليين فراح يبحث عن أشخاص لهم العلم الراسخ بالرواية. وقد استن فى عمله منهجًا نقديًا ذاع أمره فى زمانه وهو يقوم على العلم الواعى بصفة شبه الجزيرة العربية وبأنساب القبائل، وفوق هذا كله اللغة والنحو. وقد روى تلاميذه عنه هذه الملاحظات النقدية فوجدت سبيلها إلى كتب الشراح المتأخرين. فعلى الأساس الذى وضعه الأصمعى أعد تلاميذه ابن حبيب وعلى بن عبد الله الطوسى ثم السكرى خر الأمر الصورة النهائية لدواوين الشعر. ونستطيع أن نخرج بفكرة عن ذوق الأصمعى الأدبى من الاثنتين والسبعين قطعة من شعر الشعراء الجاهليين وشعراء صدر الإسلام التى جمعها فى

ديوانه المعروف بالأصمعيات (Sammiungen alter arabischer: Ahlwardt Dichter جـ 1، برلين سنة 1902). أما بخصوص نقد الشعر فقد استشهد الكتاب المتأخرون بعدة أقوال للأصمعى ففى كراسة تعرف بفحولة الشعراء (طبعة Torrey فى Zeitschr. der Deutsch Morgenl Gesells, سنة 1911، ص 487 - 516) جمع تلميذه أبو حاتم السجستانى إجابات أجاب بها شيخه عمن يعد فحلا من الشعراء. وعلى حين نجد الأصمعى يقول إن أبا عمرو لم يسمع عنه قط أنه استشهد بشاعر إسلامى (ابن رشيق: العمدة، جـ 1، ص 3) فإن تلميذه يقدر الشعراء الجدد الذين ملكوا ناصية اللغة (انظر على سبيل المثال ابن الجراح: الورقة، ص 60؛ وانظر عن نقد المولَّدين J.Fiick: ، ص 22). وتطبيقًا للمواد المعجمية الغنية التى استخدمتها الأساليب المنهجية التى اصطنعها فقهاء اللغة منذ البداية الأولى لهذه الدراسات فى العراق، وهى تصنيف المواد المتشابهة، ألف الأصمعى سلسلة من الرسائل سجل عناوينها كتاب الفهرست (ص 55). وفى كتابه "جزيرة العرب"- الذى فقد وإن كان ياقوت قد استشهد به كثيرًا فى معجمه - يبدو الأصمعى فى كثير من الأحيان أنه جمع معلومات عن وصف الأرض من مشاهداته هو (انظر على سبيل المثال معجم البلدان، جـ 1، ص 505). أما عن حجم رسائله فإننا نعلم نقلا عن الفهرست وحده أن كتابه "غريب الحديث " كتبه فى مائتى ورقة. على أن عددًا من رسائله قد انتهى إلينا (انظر بروكلمان، جـ 1، ص 104؛ قسم 1، ص 164) ويبدو من الواضح أن هذه النماذج من تصانيف الأصمعى المعجمية لا تمثل الصورة الأخيرة لما جمع، وهذا يظهر حين يوازن المرء مثلا بين المادة الهزيلة فى "كتابه النبات والشجر" (طبعة هافنر، بيروت سنة 1898) وبين المادة الغنية فى هذا الموضوع التى نقلها أبوحنيفة الدينورى فى "كتاب النبات" عن الأصمعى. ومن تلاميذ الأصمعى الذى عرف أنه راويته أبو نصر أحمد بن حاتم

الباهلى. ويقال إنه هو الذى حدث ثعلبًا بكتب شيخه (انظر: إرشاد الأريب، جـ 2، ص 140). ويذكر أيضا أنه ممن حدث بكتبه أبو عبيد القاسم فقد قسم كتب الأصمعى فصولا وزاد عليها بعض معلومات ناقلا عن أبى زيد الأنصارى ولغويى البصرة (انظر إرشاد الأريب، جـ 6، ص 16). وكان عمدة المعجميين المتأخرين فى معلوماتهم عن المواد التى جمعها الأصمعى هو "معجم تهذيب اللغة" للأزهرى. وفى المقدمة ذكر الأزهرى (طبعة Zettersteen , فى M.O سنة 1920. ص 1) المصادر الأصلية والفرعية التى أخذ منها مواده. المصادر: (1) السيرافى: أخبار النحويين البصريين Biographies des grammairiens de l'ecnle de Basra طبعة كرنكو، باريس - بيروت " سنة 1936، ص 58 - 68. (2) الفهرست، ص 55 - 56. (3) الرَبَعى: المنتقى من أخبار الأصمعى، طبعة التنوخى، دمشق سنة 1936. (4) تاريخ بغداد، جـ 10، ص 410 - 420. (5) ياقوت: إرشاد الأريب، فى مواضع مختلفة. (6) الأغانى، الفهارس. (7) ابن الأنبارى: النزهة، ص 150 - 172. (8) ابن خلكان، رقم 389. (9) اليافعى: مرآة الجنان، جـ 2، ص 64 - 77) (10) السيوطى: المزهر" الطبعة الثانية، فى مواضع مختلفة. (11) الكاتب نفسه: البغية، ص 313. (12) وثمة إشارات كثيرة أخرى فى الكتب العربية. (13) Muh. Studien: Goldziher جـ 1، ص 115, 199، جـ 2، ص 171. (14) Brockelmann جـ 1، ص 104، قسم 1، ص 164 - 165. (15) Litt: R.Blachere جـ 1، ص 113، 142، 149.

(16) Le milieu basrien et: G. Pellat la formation du Gahiz، ص 134. الأبيارى [ليون B.Lewin] + الأصمعى أبوسعيد عبد الملك بن قُرَيب: من أئمة مشاهير علماء اللغة. ولد بالبصرة عام 122 هـ - (740 م) وتوفى عام 213 هـ (828 م) ونسبته إلى جدّ له يدعى الأصمع، وقد نشأ فى ظروف مضطربة وانكب على التحصيل فى جد ونشاط فى مسقط رأسه، وأفاد من دروس الخليل وأبى عمرو عيسى بن عمر، وأبى عمرو ابن العلاء، وسرعان ما لم صبح شيخًا يسمع له الناسى فى ذلك البلد، وأنجب من مشاهير التلاميذ أمثال أبى الفضل الرياشى وأبى عبيد وأبى حاتم السجستانى وأبى سعيد السُكَّرى، وقد وعت ذاكرته العجيبة جميع فروع المعرفة فى عصره، كما كان متضلعًا فى لغة البدو ولهجاتهم، وعلى دراية تامة بفنون الشعر، أما فى اللغة فكان يفوق معاصريه، فلم يكن يلحق به فى هذا الميدان أحد. ووصلت شهرته إلى أسماع هارون الرشيد فاستدعاه إلى بلاطه ببغداد وجعله مؤدبًا للأمين، وهناك تزعّم الحياة العقلية الناشطة التى كان يحياها بلاط الخليفة، وبينما كان موضع الاحترام فى ذلك البلاط، ترك بغداد حاملا ثروته التى جمعها بحسن تدبيره، وأمضى بقية حياته فى مسقط رأسه البصرة. وبقى لنا من مؤلفات الأصمعى العربية الشئ الكثير، بعضها مخطوط، نذكر منه إلى جانب رسائله المشهورة: "كتاب الفَرَس" و"كتاب الأراجيز" و"كتاب الميسر" وغيرها، وهذه المخطوطات موجودة فى مجموعة بعض الأفراد ببغداد (انظر Texte zur: Haffner arabischen Lexikographie 1905 م، المقدمة ص 5) وهى لذلك لا يمكن أن تكون موضوع دراسة علمية. والأصمعى يتناول موضوعاته فى شئ من التعسف دون أن يحيط بها تمام الإحاطة، ولكنها مع ذلك يُعتمد عليها،

لأنها خلاصة دراساته، يدلنا على ذلك القصة الشائعة التى تقول: إن الأصمعى كسب فى مناظرة بينه وبين اللغوى المشهور أبى عبيدة جوادًا من الوزير الفضل بن الربيع. ومما يبرهن على الشهرة الفائقة التى تمتع بها الأصمعى أننا نرى غالب مصنفى العرب يستقون منه، حتى إننا نستطيع أن نستخرج بعض كتبه مما , رووه عنه. وهو لم يقتصر فى مصنفاته على إيراد أبيات منفردة من الشعر العربى القديم على سبيل التمثيل، بل أورد أيضًا دواوين وقصائد برمتها، فإليه يرجع الفضل فى جمع دواوين غالب الشعراء التى وصلت إلينا إلى جانب مجموعته المعروفة بـ "الأصمعيات". المصادر: (1) Gesch. der Arab.: Brockelmann Litt؛ جـ 1، ص 104، والحاشية ص 514. (2) عن رقم 3 "كتاب الخيل" يجب حذف التعليق (= كوبريلتي - 1360؟ ). (3) عن رقم 5 "كتاب الإبل" يجب اضافة: طبعة Haffner فى Zur Texte arab. Lexikogr ليبسك سنة 1905، ص 66 - 157. (4) عن رقم 6 "كتاب الأضداد" ومخطوط فينا لا يتضمن إلا جزءًا يمكن إتمامه خصوصًا أن لدينا جزءًا آخر فى سانت بطرسبرغ، والمخطوط بتمامه بالمجموعة الخاصة ببغداد التى سبق أن أشرنا إليها ويمللك كاتب المادة نسخة منه. (5) أما 8، 9 فهما نفس الرسالة المعروفة "كتاب النبات والشجر". (6) أما رقم 10 "كتاب الدارات" فيجب أن نضيف هنا: طبعة Haffner: Texte zur arabischen Lexikographie, ليبسك سنة 1905، ص 158 - 232. (7) رقم 12 "كتاب الكَرْم والنخل" نشره Haffner فى المشرق، سنة 1902. ص 882. (8) Sammlungen Alter ar-: Ahlwardt ahischer Dichter,I. El-A'cmaijjat، برلين 1902. [هافنر A.Haffner]

أصول

أصول جمع أصل. يطلق هذا اللفظ على مصطلحات مختلفة أشهرها تدل على ثلاثة فروع للعلوم الإسلامية، وهى: أصول الدين وأصول الحديث وأصول الفقه. وعلم أصول الدين مرادف لعلم الكلام أما علم أصول الحديث فيقصد به مصطلح الحديث وطرائقه ويسمى علم أصول الفقه غالبا علم الأصول فقط، وهو العلم بمبادئ الفقه الإسلامى: 1 - ويعرّف علم أصول الفقه فى تصنيف العلوم الإسلامية بأنه العلم بقواعد الفقه الإسلامى باعتبار أنه العلم بالأدلة التى تؤدى إلى تقرير الأحكام الشرعية. والذى يبرر وجود هذا العلم هو أن الإنسان لم يخلق عبثًا (سورة المؤمنين، الآية 115) وأنه لا يترك سدى (سورة القيامة، الآية 36) وإنما تنظم الأحكام الشرعية أعماله جميعًا. على أنه ليس من الميسور أن يوجد حكم خاص لكل عمل شخصى، ولهذا يعتمد على الأدلة فى استنباط الأحكام الشرعية. وتنقسم هذه الأدلة حسبما انتهى إليه الأمر إلى أربعة أنواع: الكتاب والسنة والإجماع والقياس وفى أصول الفقه لا يهمنا كثير، معرفة المصادر المادية للشريعة الإسلامية بقدر ما يهمنا الوقوف على الأسس الشكلية للعادات الشخصية. وعلى هذا فإن الأصول الأربعة تتضمن الشرط العام للإجماع والقياس إلى جانب المصدرين الماديين وهما الكتاب والسنة اللذان يعتبران من جهة قوتهما الشرعية لا من جهة مادتهما، ولا يعترف بمصادر أخرى لا تقل شأنًا من الناحية التاريخية عن تلك الأدلة الأربعة. وتطور هذه المصادر التى اعترف بها وغيرها هما لم يعترف به كان على النحو التالى: 2 - إن اْول مصادر الشرع فى الإسلام وأكثرها قيمة هو الكتاب: وليس هناك من شك فى قطعية ثبوته وتنزهه عن الخطأ على الرغم من إمكان

سعى الشيطان لتخليطه (¬1) (سورة الحج، الآية 51؛ انظر Noldeke Schwally: ¬

_ (¬1) كنا -ولا نزال- نرى أن أنفس ما يقتبس عن الغرب فى الدراسات الشرقية والاسلامية، إنما هو أساليب البحث العلمى، وطرائق النقد الدقيق الحر المنتظم. ولكنا نشهد بين الفينة والفينة، أن تلك الأساليب، وهاتيك الطرائق، تلتوى وتضطرب، بين أيدى رجال من المجلين فيهم، فلا يكاد يصلحها إلا ملحظ دقيق قد جرى عليه المشارقة فى دراستهم لتلك الشئون، التى هم أهلها الأولون، وأولو الرأى فيها، كما سنشهد فى مواضع النظر من هذه المادة. وكاتب مادة "أصول" فى دائرة المعارف الاسلامية، عالم أقام فى مصر قلب الشرق دهرًا يغدو ويروح بين أهل العربية، وأصحاب تأويل القرآن، ودارسى الأدب، فتهيا له من سبيل العلم بذلك، ما عز على غيره، بل إنه قام فى أقوى معاهد الدراسة الأدبية الحديثة بمصر: قام فى كلية الآداب، يدرس فقه العربية لأبنائها، ويحدث عن سر اللباب من كيانها، وروح الحياة فى وجودها مما لا ينكشف إلا لخاصة العارفين بها، الذين افتقدتهم فى الشرق كله فلم تجدهم؛ ومن هنا كان أمل العلم فيه كثيرًا، وعتب الحق عليه فى سلامة أساليب التفكير، عتب على وزان ذلك الأمل ومقداره، وإنه لعظيم. يقول الأستاذ "شاخت" إن المسلمين لم يشكوا فى قطعية ثبوت القرآن، وتنزهه عن الخطأ على الرغم من إمكان سعى الشيطان لتخليطه؛ ويستشهد لذلك بآية 51 - 52 فى المصحف المكى- من سورة الحج، ولا يزيد على ذلك بل يحيل على تاريخ القرآن لنولدكه. فالمسألة عنده تقررت وهو قد اطمأن إليها وساقها نتيجة نقدية مسلمة" وآية الحج هى {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}. وليس موضع شهادتها لما يراه الكاتب، إلا ما قد يذكره المفسرون فى سبب نزولها من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما اعرض عنه قومه، وساقوه، وخالفه عشيرته ولم يشايعوه على ما جاء به، تمنى لفرط ضجره من إعراضهم، ولحرصه وتهالكه على إسلامهم أن لا ينزل عليه ما ينفرهم لعله يتخذ ذلك طريقًا إلى استمالتهم، واستنزالهم عن غيهم وعنادهم، فاستمر به ماتمناه حتى نزلت عليه سورة النجم وهو فى نادى قومه وذلك التمنى فى نفسه، فأخذ يقرؤها فلما بلغ قوله: {وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى} ألقى الشيطان فى أمنيته التى تمناها أى وسوس إليه بما شيعها به فسبق لسانه على سبيل السهو والغلط إلى أن قال: تلك الغرانيق العلى، وإن شفاعتهن لترتجى، وروى الغرانقة؛ ولم يفطن له حتى أدركته العصمة، فتنبه عليه، وقيل نبهه جبريل عليه السلام؛ أو تكلم الشيطان بذلك فأسمعه الناس؛ فلما سجد فى آخرها، سجد معه جميع من فى النادى، وطابت نفوسهم "- الزمخشرى جـ 2 كشاف ص 65 ط أميرية. هذا ما قد يقال إنه السبب فى النزول، وقد يروى بما يخالف هذا اللفظ وينتهى فى جملته إلى ماسبق. طبرى جـ 17، ص 131 وما بعدها بطرائق مختلفة. تلك هى القصة، وغاية ما يتعلق به المتعلق فى القول بتخليط الشيطان، قصة قديمة الوجود كما هى قديمة النقد تولاها العلماء بالهدم، منذ عهد محمد بن إسحق فى القرن الثانى الهجرى، إلى عهد الأستاذ الإمام محمد عبده فى القرن الرابع عشر؛ ونالوها بصنوف مختلفة من التوهين الحاطم. أ - فنقدوا سندها نقدًا مرًا، إذ سئل عنها محمد بن إسحق (150 هـ) فقال: هذا سن وضع الزنادقة، وصنف فى ذلك كتابًا (أبو حيان: البحر المحيط جـ 6، ص 381) وابن إسحق نفسه قد قيل فى الثقة به ما قيل، فكيف بما يعده هذا المصنف من وضع الزنادقة! كما قال البيهقى

Geshichte de Qorans، جـ 1 ص 100)، كما أنه ليس من شك أيضًا فى أنه ¬

_ (458 هـ): هذه القصة غير ثابتة من جهة النقل، ثم أخذ يتكلم فى أن رواة هذه القصة مطعون فيهم، وقد روى البخارى فى صحيحه أنه صلى الله عليه وسلم قرأ سورة النجم، وسجد فيها المسلمون والمشركون الإنس والجن. وليس فيها حديث الغرانيق (نيسابورى هامش جـ 17، طبرى، ص 105) كما قال أبو حيان فى تفسيره- الموضع السابق-: "وليس فى الصحاح ولا فى التصانيف الحديثة شئ مما ذكروه، فوجب إطراحه، ولذلك نزهت كتابى عن ذكره فيه"، وكذلك قال فى توهين سند هذه الرواية القاضى عياض. وأبو بكر ابن العربى وغيرهم، كل هذا الجانب أن الروى فيها مرسل- أى سقط من سنده من بعد التابعى، والجمهور يتوقف عن الاحتجاج به- وحسبنا ذلك من طرق نقد سند هذه القصة، فالقوم كذلك: (ب) نقضوا منها من نواحى مختلفة، منها: 1 - مناقضتها القرآن من مثل قوله {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ} الحاقة (69) آية 44 - 46، وقوله {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} النجم (53) آية 3 - 4. والعجب أن هذه الآية فى صدر السورة التى يحكى أن التخليط كان فيها. وقوله {قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ} يونس (10) آية 15، ونحو هذه الآيات- أبو حيان والنيسابورى فى الموضعين السابقين، وغيرهما أيضًا. 2 - مناقضتها معقولات تنتهى إلى مسلمات دينية: من منافاة العصمة، وارتفاع الثقة بالوحى وما إلى هذا مما لا أفيض فيه, مؤثرًا الانتقال إلى ضرب من نقد المتن هو أمس بكاتب المادة، من حيث هو عالم عربى، وفقيه لغوى، وهذا الضرب هو: 3 - نقدها بمناقضة اعتبارات عقلية محضة لا تتوقف على مسلمات دينية، ثم من تلك الاعتبارات ماهو عقلى صرف ومنها ما هو تاريخى ومنها ماهو أدبى. فالعقلى الصرف، أنها ليست إلا خيرًا واحدًا، وخبر الواحد لا يعارض الدلائل النقلية والعقلية المتواترة (الفخر الرازى: مفاتيح الغيب، جـ 4، ص 572). ثم من الاعتبارات التاريخية ملاحظة أن الرسول [- صلى الله عليه وسلم -] بمكة- حيث تروى القصة لم يتمكن من القراءة والصلاة عند الكعبة ولاسيما فى محفل غاص. ومنها أن معاداة المشركين الرسول [- صلى الله عليه وسلم -] كانت أكبر من أن يغتروا بهذا القدر فيخروا سجدا قبل أن يقفوا على حقيقة الأمر (نيسابورى فى الموضع السابق، الفخر الرازى فى الموضع السابق). ومن الاعتبارات الأدبية ما يسوقه القاضى عياض بقوله "ووجه ثان، وهو استحالة هذه القصة نظرًا وعرفًا، وذلك أن الكلام لو كان كما روى لكان بعيد الالتئام، متناقض الأقسام، ممتزج المدح بالذم، متخاذل التأليف والنظم، ولما كان النبى صلى الله عليه وسلم ومن بحضرته من المسلمين وصناديد المشركين ممن لا لا يخفى عليه ذلك، بل هذا لا يخفى على أدنى متأمل فكيف بمن رجح حلمه، واتسع فى باب البيان ومعرفة فصيح الكلام علمه"! (القاضى عياض: الشفاء جـ 2 ص 130 طبعة الهند) وهذا القول يوضحه النظر فى السياق من سورة النجم وأنه تعييب للآلهة وحط من شأنها {إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى} (23 النجم) فكيف يقحم قبل هذا قوله "تلك الغرانيق العلى، وأن شفاعتهن لترتجى"؟ ! وكيف يوضع هذا وسط ذلك السياق، فيسيغه المشركون، بل يعجبون به ويطربون له, ويسجدون مع النبى [- صلى الله عليه وسلم -] ويشاع إسلامهم جميعًا! وفى المقام بعد ذلك نفى الله لشفاعة الملائكة فى قوله {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى} (آية 26 النجم) فكيف ترتجى شفاعة أصنامهم حين تنفى شفاعة الملائكة على هذا النحو، وكيف يتلاءم هذ فى المزاج الأدبى لأساطين القول، الذين تحدوا بالقرآن! بل لأى عربى!

وصل إلينا من غير تحريف (انظر المصدر المذكور آنفًا، جـ 1 ص 261؛ جـ 2، ص 93) على الرغم من نسيان الرسول لعدة من آيات الكتاب (سورة ¬

_ ومن الاعتبارات الأدبية التى ينقد بها متن تلك القصة كذلك، ما ساقه الأستاذ الإمام رحمه الله- فى بحث له قيم ألم فيه بطائفة من نقد القدماء، ورفض القصة، وفسر آية الحج هذه بما يستقيم دون اتصال بالسبب المزعوم فى نزولها، والبحث المذكور منشور فى المجلد الرابع من مجلة المنار (ص 81 - 99) وذلك الملحظ الأدبى الناقض لمتن للك القصة هو: أن العرب لم يرد فى نظمها، ولا فى خطبها، ولا نقل عن أحد بطريق صحيح، أنها وصفت آلهتها بالغرانيق، وليس من معانى الكلمة شئ يلائم صفة الآلهة والأصنام حتى يطلق عليها فى القرآن (المنار م 4 ص 99). فتلك الاعتبارات الأدبية وحدها، دون نظر إلى شئ وراءها، مما لا يليق أن يهمله من رجح حلمه، واتسع فى فقه اللغة علمه؛ حتى يحتج بعدها وبعد غيرها من قوى النقد بآية الحبم المذكورة على إمكان سعى الشيطان لتخليط القرآن. وتلك كلها مظاهر النقد فى الأسلوب القديم، فكيف بدقة الأساليب الغربية الحديثة! ! ! * * * على أنك إن تهدر ذلك كله؛ وتقبل مع الأستاذ كاتب مادة "أصول " قصة الغرانيق، فلن تجد بذلك، الطريق للاستشهاد بآية الحج 52 على إمكان سعى الشيطان لتخليط القرآن. نعم تكون القصة وحدها شاهدًا على وقوع هذا مرة على النحو الذى ترويه، وتكون سببًا للنزول له أثره فى تفسير الآية، لكن مع ذلك كله لا تكون شاهدًا على هذه الدعوى، فى إمكان سعى الشيطان لذلك، لوجوه: 1 - أن الآية- على أن هذا سبب النزول، وعلى فرض تخليط الشيطان على الأنبياء- ليست حديثًا عن تخليط حصل لنبى الاسلام [- صلى الله عليه وسلم -] ولا فيها إشارة إليه؛ "وإلى هذا يشير أبو حيان -فى الموضع السابق- اذ يقول "وهذه الآية ليس فيها إسناد شئ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، إنما تضمنت حالة من كانوا قبله من الرسل والأنبياء، "إذا تمنوا" فليست الآية دليلا -فى حساب البحث العلمى- على تخليط خاص بالقرآن. ولا يفوتك أن تلاحظ أن الآية تقول {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ} فتعمم، ولكن الكاتب يخص القرآن بإمكان سعى الشيطان لتخليطه، وذلك ما نمسك عن تعليله. 2 - أن معنى الآية- مع تسليم هذا السبب وتوجيه تفسيرها بمقتضاه- إنما هو أن ما يقع من التخليط الشيطانى مؤقت، لا يلبث أن ينسخه الله، ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم. فهو إمكان مؤقت لا يترك أثرًا، فلا يتجه مع هذا الاستدلال بالآية على إمكان التخليط. وليس بشئ عندى ما قاله البيضاوى- أنوار التنزيل جـ 4، ص 58 - ونقله عنه الأستاذ الشيخ محمد عبده فى بحثه المشار إليه آنفًا موافقًا له فيه؛ من أن خطر عدم الوثوق بالقرآن لا يندفع بقوله تعالى {فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ} إذ يكون الكلام فى الناسخ كالكلام فى المنسوخ يجوز "إلقاء الشيطان فيه ". وليس هذا القول بشئ بعد قول الله إنه يحكم آياته، وأنه يجعل ذلك فتنة ليجعل ما يلقى الشيطان فتنة للذين فى قلوبهم مرض، الآية. وإذا قرر الله أنه يحكم فلا محل للقول فى إمكان الإلقاء فى الناسخ كما كان الإلقاء فى المنسوخ لأن الأول مقصود لحكمة. 3 - أن الذين فاتهم نقد هذه الآية من المفسرين، وكبوا فى هذا المقام كالزمخشرى والطبرى لم يجدوا فى هذا غضاضة، بل عدوا المسألة كما ورد فى الآيات محنة وابتلاء؛ وقال الزمخشرى "وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق من ربك " أى يعلموا أن تمكين الشيطان من الإلقاء هو الحق من ربك والحكمة- كشاف جـ 2، ص 65 - وما ذلك إلا لأن الآية -مع السبب المزيف- لا يقبل أن يستنتج منها أكثر مما استنتجه البيضاوى- فى الموضع السابق- إذ يقول "والآية تدل على جواز السهو على الأنبياء، وتطرق الوسوسة إليهم، . فليست مع تسليم هذا التخليط كله فى سبب النزول المزيف حجة لإمكان سعى الشيطان لتخليط القرآن تخليطًا ينقض على المسلمين القول بقطعية ثبوته؛ ولا لهذا شيء من الأساس، الذى يجعل عالمًا يلقيه حجة مسلمة، وقولة مفروغًا منها؛ حرر الله عقولنا من أسر الهوى! وتمام القول فى تفسير الآية وربطها بالسياق، ونقد سائر الرواية فيما نزل من آيات، لأسباب تتصل بهذه القصة وما إلى ذلك، لا محل للقول فيه هنا وإنما يستوفى فى مظانه. أمين الخولي

البقرة الآية 100، سورة الأعلى، الآية 6 وما بعدها) (¬1) ولا يتعارض مع حجة ¬

_ (¬1) يقول الكاتب إن النبى [- صلى الله عليه وسلم -] قد نسى عدة آيات من القرآن الكريم وهذا لا يتفق مع دعوى المسلمين أن القرآن الكريم وصل إلينا من غير تحريف، ويستشهد لنسيان الرسول [- صلى الله عليه وسلم -] عدة آيات من القرآن بآية 100 من سورة البقرة ولعلها ليست إلا آية 106 فى المصحف المكى، وهى؛ {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}؛ كما يحتج لذلك بآية 6 من سورة الأعلى، وهو ولا شك يريد آيتى 6، 7 من هذه السورة وهما {سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى (6) إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى}. وهو احتجاج واضح الدخل وإليك إجمال القول فى بيان ضعفه وسوء حاله: عن الآية الأولى: 1 - فى آية {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا .. } قد فسرت الآية بالمعجزة، وما يؤيد الله به الأنبياء من الدلائل على نبوتهم. وهو من معنى الآية لغة؛ ويقويه جد التقوية ختم الآية بأن الله على كل شئ قدير؛ والتعقيب بأن له مُلك السموات والأرض وأن لا ولى من دونه ولا نصير، ثم القول فى إرادتهم أن يسألوا رسولهم كما سئل موسى من قبل من الآيات والدلائل المؤيدة والمعجزات؛ وهذا الرأى فى تفسيرها هو الذى ارتضاه الأستاذ الإمام وأوضح أوجه تأييده له- تفسير المنار جـ 1، ص 416 وما بعدها؛ وورد فى هذا الوضع تعليق من المرحوم صاحب المنار، أن هذا الرأء، قد سبق إليه ابن عربى فى تفسير له. ولا أخال الفقيه اللغوى كاتب مادة "أصول " ألا يجد بمزاجه الأدبى فى العربية قوة هذا الرأى وعذوبته. وعلى هذا التفسير تخرج الآية من موضوع النسيان تمامًا. وإن لم يرقه هذا الوجه فى تفسيرها فليقدر على فرض أن المراد من الآية القرآنية، ما يأتى: 2 - أن كلمة "ننسها" فى آية البقرة، فيها أكثر من إحدى عشرة قراءة- أبو حيان: البحر المحيط جـ 1، ص 334 - وفيها عدة معان، فهى بمعنى التأخير، أو بمعنى الترك، أو من النسيان المعروف؛ - الطبرى: 1 - 379 وما بعدها، وكشاف 1، ص 229 وأبو حيان فى الموضع السابق وغيرهم من المفسرين. وإذا كانت الكلمة تحتمل هذه المعانى فكيف تحكم الكاتب فجعلها للنسيان فقط وطوى كل هذا فى استشهاده واحتجاجه؟ ! على أنّا لو فرضنا أنها من النسيان فقط. فسنجد: 3 - أنها ليست شاهدًا مطلقًا على دعواه أن النبى [- صلى الله عليه وسلم -] نسى آيات، وأخل هذا بصيانة الكتاب عن التحريف؛ لأن الكلام فى إنساء الله إياه، لا فى نسيانه هو؛ وإنساء الله له الآية كعدم، إيحائها، وهو بالنسيان بعد ذلك يؤدي رسالته أما لو أراد الله إبلاغها فنسيها ولم يؤدها فهذا هو المحرف للوحى، وليس هو المذكور فى الآية: إلا أن يتحكم فى اختيار قراءة بعينها ويرفض ما عداها ولو لم تكن من القراءات القوية، على أنه إن يرد ذلك فسنسايره أيضًا فنرى: 4 - أنه على أبعد التنزل والمسايرة، ومع فرض قصر الكلمة فى الآية على "تنسها" بتاء الخطاب وهو أبلغ ما يطمع فيه المستشهد، على هذا كله لا تشهد الآية لا على وقوع النسيان، ولا على الإخلال بصيانة الكتاب عن التحريف. أما أنها لا تشهد بوقوع النسيان فعلا؛ فلأن الكلام على صورة الشرط- ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير ... - وكل ما تفيده حصول الجواب إن حصل الشرط، لا وقوع الشرط فعلا، فكلمات الشرط تدخل على المستحيل مثل: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} ولئن أشركت ليحبطن عملك، خطابًا للنبى [- صلى الله عليه وسلم -]. ونظير هذا أن تقول: ما ينصف الأستاذ يصل إلى الحق، تريد وقوع هذا بوقوع ذاك، وليس من معناه وقوع الإنصاف من الأستاذ فعلا، وهذا الملحظ قديم أورده المفسرون- بيضاوى جـ 1، ص 178 - نيسابورى جـ 1: هامش الطبرى ص 360 - فمعنى الآية: إن تنس تلاف الله نسيانك. وأما أن الآية لا تشهد بشئ من الإخلال بصيانة الكتاب عن التحريف، فهو أن الله يحدث أنه مراقب الرسول [- صلى الله عليه وسلم -] مشرف على الحال، مبدله بما ينساه خيرًا منه،

القرآن القاطعة كذلك أن بعض آياته المتأخرة تنسخ ما قبلها "الناسخ والمنسوخ" (سورة البقرة، الآية 100، سورة النحل الآية 103 وما بعدها" Noldeke-Schwally الكتاب المذكور آنفا، جـ 2، ص 52 وما بعدها) وكان هم المفسرين المتأخرين للتخلص من المتناقضات العديدة الواردة فى القرآن ¬

_ فهو عالم بنسيانه، مغتفر له إياه، معوض له عما ينسى؛ فالآية على عكس ما يريد الأستاذ شاهدة -بفرض أن هذا تفسيرها وعلى كل هذا التنزل والتسليم - على عناية زائدة بمراقبة التبليغ، وإصلاح شأنه، فكيف جعلها الكاتب شاهد نسيان وتحريف! ! ! عن الآية الثانية فى آيتى الأعلى (6 و 7) قد فسر النسيان كذلك بمعنى ترك العمل، فالمعنى أنه لا يترك العمل إلا بما شاء الله ترك العمل به فينسخه- طبرى جـ 30، ص 98، وبهذا تخرج الآية من موضوع احتجاج الكاتب " وإن أبى إلا قصرها على معنى النسيان، فالاستثناء منه -إلا ما شاء الله- قد فسر بأنه استثناء غير حقيقى، وذلك لأوجه، منها: 1 - أن الاستثناء إنما هو لاظهار قدرة الله، وأن عدم نسيان الرسول [- صلى الله عليه وسلم -] منحة من الله له وتفضل يؤيده به، ولهذا المقام نظائر قرآنية، أريد فيها بيان قدرة الله، وعدم مشيئه الله وقوع الأمر المقدور، المؤثر على مهمة الرسول [- صلى الله عليه وسلم -] وشخصيته، صو آيتى 86، 87 من سورة الاسراء (17) ولئن شئنا لنذهبن بالذى أوحينا إليك، ثم لا تجد لك به علينا وكيلا، إلا رحمة من ربك إن فضله كان عليك كبيرًا " مع القطع بأن الله لم يشأ ذلك؛ ومثل آية 65 من الزمر (39) {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}. ومحال أن يشرك النبى [- صلى الله عليه وسلم -]- الفخر، جـ 6، ص 527، ط بولاق، الأستاذ الامام: تفسير المنار جـ 1، ص 419. 2 - أن هذا الاستثناء بالمشيئة قد استعمل فى أسلوب القرآن للدلالة على الثبوت والاستمرار فهو استثناء صلة فى الكلام وليس ثم بشئ أريد إخراجه؛ وشواهد هذا الأسلوب القرآنى قوله عن أهل النار {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} وقوله فى أهل الجنة {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} آيتا 107 و 108 من سورة هود (11). ولعل منه كذلك قوله {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا إِلَّا مَا شَاءَ} الأعراف (7) آية 188 ويقول الطبرى -فى الموضع السابق -وقد عزا هذا الرأى فى الاستثناء إلى بعض أهل العربية- ولعله يريد الفراء كما سماه أبو حيان- "قال: وأنت قائل فى الكلام، لأعطينك كل ما سألت إلا ما شئت، وإلا أن أشاء أن أمنعك، والنية أن لا تمنعه ولا تشاء شيئًا، قال: وعلى هذا مجارى الايمان يستثنى فيها ونية الحالف اللمام". وأقول هنا- على شئ من الاستطراد: وقد حققت فى درس الأخلاق أن الاستثناء المطلوب فى آيتى 22، 23 من الكهف (18): {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ... } إنما معناه التاكيد وتقرير العزم، كما تشهد بذلك أوجه أصولية وأدبية ليس هنا موضع بيانها. وقد أخذ الزمخشرى المعنى السابق فى تفسير الاستثناء فقال " .... والغرض نفى النسيان رأسًا كما يقول الرجل لصاحبه: أن سهيمى فيما أملك إلا فيما شاء الله، ولا يقصد استثناء شئ، وهو من استعمال القلة فى معنى النفى. وان لم يرتض الطبرى وأبو حيان هذا المعنى، فقد أيده الأستاذ الامام، بل اقتصر عليه فى تفسير سورة الأعلى، وإليه أميل، وقوته واضحة - أبو حيان: البحر، جـ 8، ص 459 - كشاف جـ 2، ص 538، تفسير المنار جـ 1، ص 419 - تفسير جزء عم، ص 68 * * * وهناك أوجه أخرى لا تنقصها القوة، لبيان أن

والتى تصور لنا تدرج محمد فى نبوته (¬1) , إما بما عمدوا إليه من التوفيق فيما بينها، وإما بالاعتراف بأن الآيات المتأخرة تنسخ ما قبلها، وذلك فى ¬

_ الاستثناء غير حقيقى، كما أن هناك أوجه بيان الاستثناء الحقيقى دون ترتب محظور على ذلك- راجع المصادر القديمة السابقة، وبخاصة الفخر والكشاف. على أنى أختصر الطريق، فاقول لكاتب المادة: لتكن الكلمة من النسيان بمعنى عدم الذكر لا غيره، وليكن استثناءٌ حقيقيًا قصد به إخراج شيء، فمع ذلك كله لا شاهد فى آيتى الأعلى على وقوع النسيان من الرسول فعلا ولا على الاخلال بصيانة الكتاب من التحريف، وبيانه على نحو ما أسلفنا فى آية البقرة، أن كل ما ذكرت إنما هو أن الرسول [- صلى الله عليه وسلم -] لاينسى إلا بمشيئة الله، لا أنه نسى فعلا، فإن نسى بعد ذلك فليس ذلك نقصًا فيه وليس لنسيانه أثر ما دام ذلك بمشيئة الله، كما دلت آية البقرة على جواز النسيان لا قوعه، وعلى أن الله مبدله بما ينساه خيرًا منه. هذا أبعد ما فى الآيات على تسليم مالا يحتمل التسليم، فلا محل مطلقا للاحتجاج بها على وقوع النسيان وتحريف القرآن، ثم تلك مواضع رث القول فيها وبلى قديمًا وحديثًا حتى لم تبق صالحة لأن يمس بها القرآن اليوم باحث باسم العلم أمين الخولى (¬1) يرى الكاتب أن وقوع النسخ فى القرآن يتعارض مع قطعية ثبوته. وهذا مالا يظهر وجهه، وإذا كان لما تعلق به الكاتب آنفا من التخليط والنسيان شبه من شبهة فليس يظهر شيء من ذلك فى النسخ، إذ هو -كما سنذكر- ليس إلا تدريجًا فى التشريع على وفق ناموس الترقى الذى يسود الكون، وليس لمساس النسخ بقطعية الثبوت وجه إلا أن يكون ذلك الذى قيل قديمًا من لزوم البداء أى ظهور شيء كان خافيًا على الله. وتلك شبهة واهية. وقد مل القول فيها كذلك، وواضح رد القدماء عليها بأن النسخ لم يكن إلا اتباعًا لمصلحة الخلق لا تغير، لعلم الله؛ والشرائع إنما قصد بها مصالح الناس الدينية والدنيوية، فتبدلت الخطابات بحسب تبدل المصالح كالطبيب يراعى أحوال العليل، فراعى الله ذلك فى خلق بمشيئته وإرادته، فخطابه هو الذى يتبدل وعلمه وإرادته لا تتغير- القرطبى: الجامع لأحكام القرآن "بتصرف" جـ 2، ص 64؛ والنيسابورى، والفخر وغيرهم من المفسرين عند تفسير آية "ما ننسخ" التى سبق الحديث عنها. على أنه كان يجب على الباحث العصرى العالم أن يقدر أن طوائف من المسلمين المتأخرين قد أنكروا جواز النسخ وفسروا الآيات المقول بنسخها تفسيرًا يتوقف على القول بالنسخ وفيه الكثير من الدقة، وهذا الرأى مبسوط فى كتب التفسير: القرطبى والنيسابورى فى المواضع السابقة، وغيرهما من المفسرين، كما هو مبسوط فى كتب الأصول التى اتصل بها كاتب المادة ولا بد. فعلى القول بوقوع النسخ فعلا فى القرآن الكريم، لا يظهر له تأثير فى قطعية الثبوت على ما سبق بيانه؛ وعلى القول بعدم جواز النسخ يسقط الإيراد من أساسه. ويشتد تعسف الكاتب فى وصفه الملاحظة الدقيقة التى فى الآيات المختلف عليها- إما على انها تدريج واما على القول بعدم نسخها- وصفة ذلك بأنه تناقض كان من هم المفسرين التخلص منه؛ على أنك إن تغتفر له هذا الاطلاق فلن ترى وجهًا علميًا لقوله إن هذه المتناقضات تصور لنا تدرج النبى [- صلى الله عليه وسلم -] فى نبوته فإنها تصور التدريج حقًا ولكن أتدريج التشريع أم تدريج المشرع؟ أما عمل المشرع فظاهر فى تدرجه ولكن هل ذلك تدرج للنبى؟ [- صلى الله عليه وسلم -] وهل يعتبر تدريج المعلم والمدرب والمروض والطبيب فى العناية بمن يعلم أو يدرب أو يطيب صدى لتغيير فى نفسه؟ . لا شك أن ذلك غير الواقع. وهب -تساهلا- أن هذا المظهر يحتمل تدرج النبى [- صلى الله عليه وسلم -] وتدرج الشرع فكيف تحكم الكاتب وجعله مظهر تدرج النبى لا غير؟ لا ندرى على أى أسلوب علمى يعتمد الكاتب فى ذلك، حتى يقرر أن التبديل يمثل توقى النبى [- صلى الله عليه وسلم -] فى نبوته ولا يمثل ترقية فى إعداد أمته وتلطفه فى تربيتها.

الحالات التى يشتد فيها التناقض بين تلك الآيات. ولم يكن قصد محمد خلق نظام يضبط به حياة أتباعه، أو وضع أصول هذا النظام على الأقل (¬1) بل ظل القانون العربى القديم -الذى تضمن كثيرًا من العناصر الدخيلة من رومية إقليمية وبابلية، ويمنية- يسير فى الإسلام سيره الطبيعى، ودخلت عليه بعض التغيرات لتلائم بينه وبين الظروف الإقليمية للبدو وأهل مكة وهى مدينة تجارية، وأهل المدينة وهى مركز زراعى. وكان هم محمد فى التشريع قاصرًا على تصحيح بعض المسائل مدفوعًا إلى ذلك باعتبارات دينية. وذلك لأن الأحكام التى تمس الحياة الاجتماعية تقوم أيضا على أساس دينى. وفى مثل هذه المسائل كانت الحوادث الخارجية هى الدفاع إلى معالجة أكثرها. ويبلغ عدد الآيات المعروفة باسم الآيات الشرعية ما بين خمسمائة وستمائة آية، بما فيها الآيات الخاصة بالعبادات العامة والأمور الحربية ¬

_ (¬1) يحكم الكاتب بأنه لم يكن قصد الرسول عليه السلام خلق نظام او وضع، صول هذا النظام على الأقل إلخ. وهذا الحكم على القصد غريب فى حساب المنطق العلمى، مهما يكن للاستاذ من قدرة على تبين النوايا والمقاصد، وهذا الحكم، شد غرابة حين ترى الواقع الخارجى من حياة الرسول [- صلى الله عليه وسلم -] شاهدًا على وضع هذا النظام وتقرير، أصوله فقد أخذ من حوله بنظامه ثم بعث بعوثه لتعليم هذا النظام، وولى قضاته ليحكموا به، وسأل بعضهم كيف يعملون فى أخذ الأحكام لما يعرض لهم من أقضية فقالوا نلتمس الحكم فى القرآن، وإلا ففى سنتك وإلا فاجتهاد برأينا. ولا حاجة بنا للاستشهاد على ذلك، فهو أشهر من أن يستشهد له. ثم ما يذكره الكاتب بعد ذلك من سير العرف السير الطبيعى، وتعديله بما يلائم .. إلخ ليس فى شيء من الشهادة. لما ادعاه من عدم القصد إلى وضع نظام .. ولا معنى لإيراده إلا أن يكون الكاتب قد اعتد هذه الحسنة فى متابعة نواميس الاجتماع البشرى وعدم الإعنات بالاصلاح سيئة، ومن رأيه، أن التشريع ووضع النظام أو وضع أصول النظام على الأقل لا يكون إلا بقلب أوضاع الحياة للمجتمع المُرد تنظيمه وسلخ الأمة من ماضيها وتجريدها من وراثتها وتقاليدها، وهو مالا معنى للمناقشة فيه. وإني لأعرف أن القول بعدم قصد الرسول [- صلى الله عليه وسلم -] إلى وضع نظام ... إلخ قد قال به قبل ذلك بعض هؤلاء القوالين من دارسى الإسلاميات، لكن فى غير هذه المناسبة ولغير هذا الشاهد وإن لم يكن أقوى منه هنا. ولن تقصد الإطناب فى ذلك. ولكنما أشير إلى صنيع الكاتب فى تتبع متفرقات الشبه التى عرض بضعة منها فيما لا يجاوز الصفحة وعرضها قلقة فى مكانها تلتمس منزلًا غير مادة أصول الفقه، وحسب القارئ هذه الاشارة لئلا يتبدد عليه البحث. أمين الخولى

والسياسية. على أن جوانب هامة من التشريع الخاص بالعبادات -كشعائر الصلاة مثلا- لم ينظمها القرآن وإنما احتُذى فيها حذو النبى [- صلى الله عليه وسلم -] واهتُدى فيها بهداه. كما أن بعض الأحكام التى وضعها محمد [- صلى الله عليه وسلم -] لم ترد فى القرآن، وهى عادة قليلة الأهمية، ولم تطبق تطبيقًا عامًا بالرغم من صدورها عن النبى [- صلى الله عليه وسلم -] (انظر- Noldeke Schwally المصدر المذكور آنفًا، جـ 1، ص 260). ومن أول الأمر لم توضع حجية النبى [- صلى الله عليه وسلم -] فى الإسلام موضع الشك حتى فى الأمور التى لم ينص عليها الكتاب. ولكن فى الوقت نفسه كانت أفعاله تعتبر بشرية بحتة حتى ما مس منها أمور الدين، فكانت بهذا لا تعتبر معصومة عن الخطأ (¬1). ونقدت هذه الأفعال أكثر من مرة. وكأن الكتاب نفسه يلومه أحيانًا على بعض أفعاله (سورة 61، الآية 1). 3 - وبموت النبى [- صلى الله عليه وسلم -] انتهى بالطبع التشريع الذى كان يقوم على التنزيل أو على حُجية النبوة، وكان من الطبيعى أن يحاول الخلفاء الأول السير بالأمة الاسلامية على سنة منشئها مسترشدين فى ذلك برأى كبار صحابة الرسول [- صلى الله عليه وسلم -]. وكانت المبادئ التى استرشدوا بها هى ما ورد فى الكتاب وماصح من أحكام الرسول [- صلى الله عليه وسلم -] فيما يرد له ذكر فى الكتاب. ولما حاولوا ¬

_ (¬1) يقول الكاتب إن أفعال الرسول [- صلى الله عليه وسلم -] التى تمس أمور الدين لا تعتبر معصومة من الخطأ، وهذا القول- على إطلاقه- غير صحيح، إذ المقرر أن أفعال الرسول عليه السلام، وإذا ما كانت عن وحى لا تحتمل الخطا مطلقًا، وإذا كانت عن اجتهاد -والمختار أنه عليه السلام يجتهد فيما لا نص فيه من أمور الدين وغيرها- الآمدى: إحكام جـ 4، ص 222 وما بعدها - فإذ ذاك قد يقع فيها الخطأ وحينئذ تنقد. وأصوليو الحنفية حين يقسمون الوحى إلى ظاهر وباطن، ويريدون بالوحى الباطن اجتهاد الرسول [- صلى الله عليه وسلم -] يقولون: إن الوحى الظاهر لا يحتمل الخطأ، لا ابتداه ولا بقاء، والباطن- الاجتهاد -يحتمل الخطأ ابتداء لا بقاء- صدر الشريعة ابن مسعود: التوضيح فى أصول الفقه جـ 2، ص 16. على أن الكاتب يناقض نفسه فيما بعد هذا بقليل، حين يقول: "وإذا كان الجانب الأكبر من الفقه ينهض على سنة محمد [- صلى الله عليه وسلم -] .. فقد اعتبر المسلمون أن السنة منزهة عن الخطأ" فإن أفعال الرسول عليه السلام من السنة التى يعتبرونها منزهة عن الخطأ كما يقولون. فكيف كانت هنا غير معصومة عن الخطأ عندهم حتى فيما يمس امور الدين، وكانت هناك معتبرة عندهم منزهة عن الخطأ؟ ! أمين الخولى

بسط هذه المبادئ المحدودة نوعًا ما انتهى بهم الأمر إلى التوسع فى تأويلها توسعًا خرج بها عن معناها الأصلى، وربما كان سببا فى ظهور أحاديث جديدة. وفى الوقت نفسه لم يكن الخلفاء- باعتبارهم رؤساء للدولة وخلفاء للنبى [- صلى الله عليه وسلم -]- محرومين من الجهود التشريعية بل ومن تغيير أحكام النبى [- صلى الله عليه وسلم -] (انظر ماسبق). وربما صح تاريخيًا ما تقوله الروايات من أن أبا بكر كان يحتذى حذو النبى [- صلى الله عليه وسلم -] فى هذا الأمر، بينما كان عمر أكثر ميلا إلى التعديل والتغيير. على أن الصلة بالقانون العرفى ظلت كما هى دون تغيير، حتى بعد أن تعرض لكثير من المؤثرات الأجنبية نتيجة للفتوح العظيمة فى العراق والشام ومصر. 4 - ولما جاء بنو أمية وانتقل مقر الحكم إلى دمشق، فقدت جماعات المؤمنين فى المدينة- التى كانت مقر الحكم قبل ذلك- كل نفوذ فعلى فى أمور الحكومة، فأخذوا يكرسون أنفسهم فى حمية وحماسة لتصوير المثل الأعلى لما يجب أن تكون عليه الأشياء، وكان ذلك المثل مباينًا لما كانت عليه فى الواقع. وكان القانون العرفى يسود أقاليم الخلافة المتعددة دون منازع، ويتطور جنبا إلى جنب مع النظام الفعلى للقضاء. وذلك لأن خلفاء بنى أمية إلى عهد عمر بن عبد العزيز كانوا بوجه عام لا يميلون كثيرًا إلى تغيير ذلك القانون العرفى وإنشاء مقاييس تنهض على أساس دينى. وقامت مبادئ التشريع الإسلامى لأول مرة فى المدينة ثم فى العراق والشام. وأولئك الرجال الصالحون الذين عملوا بادئ الأمر دون أن تكون لهم خطة مرسومة أو منهج معين، كانت غايتهم تصحيح مادة القوانين التى كانت موجودة عند ذاك، والتوفيق بينها وبين مبادئ الدين الإسلامى وسلكها فى نظام خاص، واستمدوا آرائهم الدينية من الكتاب والحديث اللذين كانوا يتقيدون بهما. وكانوا يحتجون أيضًا باقوال الصحابة وأفعالهم (صحيحها ومنحولها) (¬1) ويعتبرون أنفسهم خلفاء لأولئك الصحابة، وإذا اتفق كثرة ¬

_ (¬1) أول ما يلاحظ أن الكاتب فى كلامه هنا عن أقوال الصحابة وأفعالهم، يضع بين قوسين كلمتى "صحيحها ومنحولها" كما أنه عندما يذكر فيما بعد هذا

الصحابة على عمل ما، كانت له حُجية خاصة يعتد بها كما كان للمبدأ الذى يتفقون عليه أثرا كبيرًا فى التقريب شيئًا فشيئًا بين الأراء الشخصية والحجية، إذا كان الجانب الأكبر من الفقه ينهض على سنة محمد (صحيحها وزائفها) فقد إعتبر المسلمون أن السنة منزهة عن الخطأ. ومن الصعب أن تجد هذا الرأى فى القرآن (سورة آل عمران، الآية 29؛ سورة النساء، الآية 62؛ سورة النحل، الآية 46؛ سورة ¬

_ بقليل سنة محمد [- صلى الله عليه وسلم -] التى ينهض الجانب الأكبر من الفقه الإسلامى عليها. يتوخى كذلك أن يضع بين القوسين كلمتى صحيحها وزائفها، فهذا الحرص المريب. لا يقوم على أساس من النظر العلمى لأنه إن أراد من هذا القول، أن الفقهاء قد فات فى نقدهم للسنة شئ من المنحول والزائف فجائز عقلا أن يكون ذلك ولا يقول بعصمة الفقهاء أحد، ولكن ليس هكذا يطلق القول. على أن الكاتب لم يبين قوله هذا حتى بمثال. وإن أراد من هذه العبارة أنهم قصدوا إلى المنحول والزانف فاعتمدوا عليه فهذا باطل لا يتهمهم به أحد، وإن أراد ادعاءه. فليس بهذه السهولة يلقى ويكرر! ! فعليه أن يوضع قوله ويحتج له ... ونعود بعد ذلك إلى قوله عن أقوال الصحابة وأفعالهم، فهو يذكر: إنهم كانوا يحتجون بأقوال الصحابة وأفعالهم ... إلخ وهذا ليس صحيحًا. لأن أقوال الصحابة من حيث هى أقوال الصحابة لا يحتج بها وإنما يحتج بها من حيث هى سنة عن الرسول عليه السلام. والأصوليون فى الأخذ بها قد جروا على دقتهم، ففرقوا الفرق العميق بين عبارات الأداء لهذه الأقوال واختلفوا حولها، فعندهم: أن قول الصحابى: قال رسول الله [- صلى الله عليه وسلم -] كذا مما يختلف فى أنه عن النبى [- صلى الله عليه وسلم -] أولا؛ وقول الصحابى: سمعت رسول الله يأمر بكذا وينهى عن كذا مما يختلف فى كونه حجة، وقوله: من السنة كذا قد اختلف فى جمله على سنة الرسول - الآمدى: إحكام، جـ 2، ص 135 - 139. ثم مذهب الصحابى المجتهد قد اتفقوا على أنه لا يكون حجة على غيره من الصحابة المجتهدين ولو كان إمامًا أو حاكمًا أو مفتيًا، واخطفوا فى كونه حجة على التابعين ومن بعدهم من المجتهدين، والمختار أنه ليس بحجة مطلقًا. ثم يعد القول بأن مذهب الصحابى ليس حجه واجبة الاتباع، قد اختلقوا فى أنه يجوز لغيره من المجتهدين تقليده أولا، والمختار امتناع ذلك مطلقًا: - الآمدى: الأحكام. جـ 2، ص 485 - 486، جـ 4، ص 208 - 209. وهذا ابن حزم يضع الصحابة فى رأس من لا يقلد. فيقول بعباراته القوية المعروفة " .. أو وجد، أى الإنسان - نفسه تحكم فيما نازعت فيه أحدًا دون رسول الله صلى الله عليه وسلم من صاحب فمن دونه فليعلم أن الله تعالى قد أقسم - يريد قوله تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ} الآية - وقوله الحق أنه ليس مؤمنا، وصدق الله تعالى. وإذا لم يكن مؤمنا فهو كافر، ولا سبيل إلى قسم ثالث، وليعلم أن كل من قلد من صاحب أو تابع أن مالكًا وأبا حنيفة والشافعى، وسفيان، والأوزاعى، وأحمد وداود رضى الله عنهم متبرئون منه فى الدنيا والآخرة ويوم يقوم الأشهاد" - ابن حزم: الأحكام جـ 1، ص 99. وليس القول فى أفعال الصحابة على غير هذا التقدير لأقوالهم فلا احتجاج بهذه الأفعال من حيث هى أفعال صحابة، إلا أن يتعلق الكاتب فى ذلك بما يذكره المالكية من عمل أهل المدينة كما سيشير إليه بعد، وليس النظر لهذا العمل من حبث هو عمل الصحابة خاصة، فلا وجه معروف لما ذكر هنا. أمين الخولى

الأحزاب، الآية 21؛ سورة النجم، الآية 3) وإن كان قد نص عليه صراحة فى الحديث. وصيغ الجزء الأكبر من نتائج هذه الأفعال والأقوال فى شكل أحاديث نسبت إلى النبى [- صلى الله عليه وسلم -]. وهذه الزيادة العظيمة فى مادة الحديث، التى جاءت أيضًا من مصادر أخرى، أدخلت فى الشريعة الإسلامية عناصر جديدة متعددة، وبخاصة العناصر التى ترجع إلى أصل إسرائيلى. وكان من أثر هذا أن أصبح للفقه الإسلامى بعض خصائص معينة، منها: اعتباره مفسرًا وموضحًا للفرائض المجملة التى فرضها الله، وجاءت على لسان الرسول [- صلى الله عليه وسلم -]، وإنكار إمكان التطور أو وضع التشريع بعد وفاة النبى، وهذا يباين التطور التاريخى واعتبار سنة النبى بعد الكتاب مباشرة فى المنزلة، لا فى القوة؛ وتخلصوا من المتناقضات التى ظهرت بالطبع فى الحديث أكثر من ظهورها فى القرآن بنفس الوسيلة التى اتبعوها فى التخلص من المتناقضات التى وردت فى القرآن، وكذلك بواسطة نقد الإسناد ومن المهم أن نلاحظ أنهم اخفوا نقدهم لمادة الحديث وراء نقدهم للإسناد نفسه (¬1)، أما القانون العرفى الذى أصبح له صبغة ¬

_ (¬1) يلاحظ أول الأمر أن الكاتب يحيل على مادة "إسناد"؛ وليس فى هذه المادة شئ عن نقد الإسناد مطلقًا- انظر الترجمة العربية للدائرة مجلد 3 ص 94 لكنما يوجد فى مادة "حديث" مجلد ص 200 وما بعدها من النسخة الألمانية كلام عن نقد السند، وتلك ملاحظة ليست كبيرة الأهمية، لكننا أشرنا إليها بيانا للحقيقة ولنوفر على القارئ الرجوع إلى ما أشار إليه الكاتب فى مادة "إسناد". وبعد فمسالة نقد المتن قد دار حولها القول عند الغربيين؛ وجاز ذلك إلينا، فجرى على أسلات أقلام شرقية ولم يصب ما يلزمه من دقيق الملاحطة، ومن أجل ذلك نرى أن نوسع القول فى تلك المسألة بعض الشئ. ولعل أسبق من قصدى للإفاضة فى هذا الأميركايتانى Caetani فى كتابه "الحوليات الاسلامية Annali dell' Islam إذ عقد فى الجزء الأول منه فصلا عنوانه "ملاحظات نقدية عن القيمة التاريخية لأقدم ما روى من السنة عن شئون الرسول [- صلى الله عليه وسلم -]؛ وفيه عرض للسنة سندها ومتنها بما عرض له؛ وكان مما جاء فى نقد المتن قوله فى آخر فقرة (15) عمن بعد الصدر الأول من المحدثين ما ترجمته " ... كل قصد المحدثين ينحصر ويتركز فى واد جدب ممحل من سرد الأشخاص الذين نقلوا المروى؛ ولا يشغل أحد نفسه بنقد العبارة والمتن نفسه ". كما يقول فى فقرة (16) " .. لكن إذا كان الإسناد كامل النظام محتويا أسماء حسنة، استبعد كل اشتباه وسوء ظن" وفى فقرة 18 يقول: "سبق أن قلنا إن المحدثين والنقاد المسلمين لا بحسرون على الاندفاع فى التحليل النقدى للسنة إلى ما وراء الإسناد، بل يمتنعون عن كل نقد للنص، إذ يرونه احتقارا لمشهورى الصحابة وقحة ثقيلة الخطر على الكيان الإسلامى"، " ... إذا كان الإسناد من الصحابى فى النهاية حتى مؤلف المجموع الحديثى (بخارى أو مسلم مثلا) كان الأساس قويا، وصار نص السنة قسما من الوحى

إسلامية تختلف قوة وضعفا، فقد اعتبر ذا أساس قائم بذاته وبخاصة فى المسائل التى لا تثير الريب والشكوك من الوجهة الدينية وتعتبر سنة ¬

_ الإلهى ولهذا لا يناقش، فإن كان الاسناد على غير نظام كان النص تقريبا كذلك، ولا يمكن اعتباره موثوقا به " ولذا فأى امتحان له غير مفيد من هذا الارتباك الغريب؛ ومن ذلك الخلط بين الانساني - يعنى به السند- والإلهى -يريد به السنة المروية- نشأت كل الأغلاط فى السنة الاسلامية" ... ثم يطنب فى هذا المقام بما لا يتجاوز هذه المعانى. وها هو ذا كاتب مادة "أصول" يقول هنا: "ومن المهم أن نلاحظ أنهم أخفوا نقدهم لمادة الحديث وراء نقدهم للإسناد نفسه"؛ وهو مخفف مما قاله كايتانى آنفا. ثم جاز هذا المعنى إلى المشرق، فقال الأستاذ أحمد أمين، فى الجزء الثانى من ضحى الإسلام ص 130 - 131، ما هو تسليم بجملة هذه الملاحظة؛ إذ يقول "وفى الحق أن المحدثين عنوا عناية تامة بالنقد الخارجى -يريد نقد السند- ولم يعنوا هذه العناية بالنقد الداخلى". ثم يقول "ولكنهم لم يقوسعوا كثيرأ فى النقد الداخلى، فلم يعرضوا لمتن الحديث: هل ينطبق على الواقع أولا؟ مثال ذلك ما رواه الترمذى عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "الكمأة" من المن وماؤها شفاء للعين، والعجوة من الجنة وهى شفاء من السم". فهل اتجهوا فى نقد الحديث إلى امتحان الكمأة؟ وهل فيها مادة تشفى العين؟ أو العجوة وهل فيها ترياق؟ " ثم يذكر أن أبا هريرة جرب عصير الكمأة مرة فشفى العين ويقول "ولكن هذا لا يكفى لصحة الحكم، فتجربة جزئية نفع فيها شئ مرة لا تكفى منطقيًا لاثبات الشئ فى ثبت الأدوية، إنما الطريقة أن تجرب مرارًا، وخير من ذلك أن تحلل لتعرف عناصرها، فإذا لم يكن التحليل فى ذلك العصر ممكنا فلتكن التجربة مع الاستقراء، فكان مثل هذا طريقًا لمعرفة صحة الحديث أو وضعه". وكل هذا الذى) سلفناه موضع للمناقشة .. فنرى قول كايتاني " .. إذا كان الإسناد كامل النظام استبعد كل اشتباه " إذا كان الاسناد من الصحابى حتى مؤلف المجموع السنى كان نص السنة قسما من الوحى الالهى، ولذا لا يناقش إلخ"، فنرى هذه الأقوال وما يشبهها فى كلامه من تقرير دوران قوة الحديث مع قوة السند وجودًا وعدمًا تنقضها قاعدة مشهورة عند علماء أصول الرواية هى قولهم "وأعلم أنه لا تلازم بين الاسناد والمتن إذ قد يصح السند أو يحسن لاستجماع شروطه من الاتصال والعدالة والضبط، دون المتن لشذوذ أو علة. وقد لا يصح السند ويصح المتن من طريق آخر"- الأجهورى: حاشيته على شرح البيقونية ص 26، 27 وهى قاعدة مشهورة توجد فى المختصرات الصغيرة لمصطلح الحديث، ونقضها لعبارات كايتانى واضح لا يعوزه الشرح. ثم نرى قوله أيضًا "ما من أحد شغل نفسه بنقد النص نفسه"، وقوله "إن المحدثين والنقاد المسلمين لا يجسرون على الاندفاع فى التحليل النقدى للسنة إلى ما وراء الاسناد، بل يمتنعون عن كل نقد للنص .. إلخ " فنرى أن أشياء كثيرة من عمل المحدثين تبطل هذا القول، منها. 1 - ما أسلفناه من صريح قولهم فى عدم ربط السند بالمتن، وذكر أشياء تؤثر على المتن بعد صحة السند كالشذوذ مثلا. وسنعود إليه بكلمة قريبًا. 2 - إعطاؤهم الحديث ألقابًا اصطلاحية من صفات خاصة بالمتن دون السند، كتسميتهم الحديث "بالشاذ" أو "المقلوب" أو "المضطرب" أو "مدرج المتن" أو "المحرف" أو "المصحف" ونحو ذلك من أسماء لا مرد لها إلا اعتبارات فى المروى نفسه تبين فى علم الحديث دراية، ولا نطيل بشرحها. 3 - وضعهم قواعد لنقد المتن، تصل من الحرية العقلية إلى حد بعيد، وتقوم حينا على اعتبارات عقلية صرفة، وحينا على معان أدبية فنية؛ وحينا تعتمد على مقررات شرعية.

الصالحين أحيانًا شاهدًا له قيمته كالسنة النبوية. 5 - وكانت طلائع تأملاتهم فى علم الأصول فى أواخر هذا العصر أى فى بداية القرن الثانى الهجرى (الثامن الميلادى)، وقد حرك هذه التأملات ظهور علم خاص للحديث بجانب علم الفقه. وقد أنكر المحدثون على الفقهاء إدخالهم عنصر العقل الإنسانى فى ¬

_ أ) فمن الاعتبارات العقلية الجريئة: أن كل خبر يناقض صريح العقل، حيث لا تأويل فهو باطل- على القارئ وابن حجر العسقلانى: شرح نخبة الفكر ص 126، 127 وحسب عشاق الحرية العقلية الصحيحة أن من المقررات الاسلامية إخضاع نص القرآن نفسه للعقل وقولهم "ولو تعارضت آية فى دليل عقلى فإن الدليل العقلى يكون حاكما عليها"- الآمدي: الأحكام، جـ 3، ص 226. ب) ومن المعانى الفنية التى حكموها فى نقد السند، اعتبارهم ركاكة لفظ الحديث أو ركة معناه علامة على وضعه .. إلخ جـ) ومن الاعتبارات الدينية التى تقوم على جعل المقررات الشرعية وحدة معقولة متماسكة متوافقة، أن عدوا من علامات وضع الحديث مخالفة القرآن أو السنة المتواترة أو الاجماع القطعى .. إلخ - النخبة وشرحها فى الموضع السابق. 4 - أنهم نقدوا المتون الحديثية بالفعل نقدًا مطبقًا على الأصول النظرية السابقة التى قرروها. ومن حسن الاتفاق أن قد سقنا لذلك كله أمثلة من نقد المتن فى التعليقة الأولى من تعليقنا على هذه المادة، وهى الخاصة بما يروى من سبب نزول آية 52 من سورة الحج. أفيقول كايتانى بعد هذا لهؤلاء إنهم لم يجرءوا على الاندفاع فى النقد إلى ما وراء السند، أو يقول شاخت إنهم أخفوا نقدهم لمادة الحديث وراء نقدهم للسند. وأما الأستاذ أحمد أمين، فقد أغفل ما يستحق الملاحظة الهامة من اعتبارات، منها: 1 - أن علم الحديث علمان: علم الحديث دراية، وعلم الحديث رواية. والأول هو علم أصول الحديث. وهو المراد عند الاطلاق، وهذا مع عنايته بالسند، لم يخل من نقد المتن على نحو ما بيناه فى مناقشة الغربيين آنفًا، والأستاذ قد ذكر فى أقسام الحديث باعتبار نقد السند، القسم المسمى بالشاذ، وقد ذكرناه قريبا ووعدنا بكلمة عنه؛ وليس الشاذ إلا ما روى مخالفًا لما رواه الثقات، فهو لقب جاء الحديث من النظر فى المروى ومقابلته بغيره، وليس كما عدد الأستاذ من مظاهر نقد السند. ولئن كان أصحاب علم الحديث دراية قد أصابوا من نقد المتن. ووضعوا قواعده، فليس عندهم وحدهم يلتمس نقد المتن، ولا يكتفى فى الحكم على ذلك بعملهم، بل إن ذلك يكثر عند النظر فى محتويات الحديث ومشتملات متنه، وهذا عمل العلم الثانى من علوم الحديث، وهو علم الحديث رواية، الذى يصون عن الخطأ فى نقل ما أضيف إلى النبى - صلى الله عليه وسلم - ويبين كيفية الاقتداء به فى أفعاله، وهذا البحث تتعدد ميادينه فتتنوع، فتارة تكون فقهية، وطورًا تكون خلقية، وأن تكون اعتقادية، وحينا تكون فى تفسير القرآن، وما إلى ذلك من الدراسات الدينية، وأما الجانب الدنيوى العملى من الحديث فلنا إليه رجعة قريبة. وعند علماء هذه العلوم -ولو لم يعرفوا باسم المحدثين- يحكم على نصيب المتن من النقد عند المسلمين، فيقال بعد ذلك إنهم عنوا به عناية تامة أو لا. ولعله بالنظر فى ذلك يتضح وجود روح نقدية قوية ظاهرة للمتن. ففى الفقهاه ترى المالكية مثلا- وهم ممن لزموا الحديث واشتهروا بالمحافظة فيه- يخالفون فى تقرير الأحكام الفقهية غير قليل مما يرويه الإمام مالك نفسه فى الموطأ، وقد أحصى ابن حزم من ذلك صفحات فى كتابه الأحكام (جـ 2، ص 100 - 114).

التشريع الذى يجب ألا يعتمد إلا على الكتاب والحديث باعتباره ممثلا لسنة النبى [- صلى الله عليه وسلم -] وردّ الفقهاء على هذا بأن عقل الانسان (الرأى) لابد منه لاستنباط الأحكام الشرعية، وأورد كل من الفريقين أحاديث يؤيد بها رأيه، وكان الجدل منذ أول الأمر يعني بالشكل أكثر من عنايته بالموضوع وكثيرًا ما كان جدلا حول الألفاظ لا غير. وكان من نتيجة هذا، الاعتراف العام بأن الرأى لابد منه فى الفقه، وكانت المذاهب المتعددة تتفاوت فى اعتمادها على نص الحديث، على أن النتائج كانت واحدة فى كل مكان. ومنذ ¬

_ وليست تلك المخالفة إلا لاعتبارات فى تمحيص المتن وفحصه ثم الحنفية الذين، فسحوا المجال للقياس قد قرروا فى أصولهم أن الراوى المعروف بالرواية إذا لم يكن معروفًا بالفقه كأبى هريرة وأنس، إن وافق مرويه قياسًا ما، يقبل، وإن لم يوافق قياسًا يردّ، وردّوا بالفعل من الحديث ما لم يوافق قياسًا (صدر الشريعة: التوضيح جـ 2، ص 5 - 6). ومثل هذا من الفحص النقدى نراه فى العقائد والتفسير والأخلاق وما أشبه ذلك من الدراسات الدينية. على أنه يجب قبل الحكم على هذا النقد للمتن فى الأمور الدينية أن يلاحظ ما يأتى: 1 - أن نقد السند خطوة أولى بطبيعتها، إذ ليس للشهادة قيمة إلا من الثقه بالشاهد، والرواية والشهادة صنوان، فإذا ما توافر مثل عناية القوم بنقد السند، ودقة ما اشترطوه فى الراوى من ضبط ويقظة، وصلاح وبراءة من الهوى، فقد صارت الحاجة إلى نقد المتن قليلة بطبيعتها. ولعلنا لا نجد متنًا خليقًا بالثقة، إلا وسنده أخلق بذلك، وفيه مخالص متعددة من المتن. وهذا هو الحديث الذى ساقه الأستاذ أحمد أمين مثال الحاجة إلى نقد المتن أو المجال لذلك النقد: نجد أن فى نقد سنده إراحة منه- رغم وجوده فى الصحاح إذ ليس كل ما فيها سليم - فهو مروي عن سعيد ابن زيد، وقد قالوا فيه: "إنه ضعيف" و"ليس بحجة يضعفونه فى الحديث" و"ليس بالقوى" (الذهبى: ميزان الاعتدال، جـ 1، ص 371 على أن مثل هذا الحديث فى موضوعه يخرج من باب، وسع من هذا جدًا كما سنبينه. 2 - أن ما يمس الأمور الدينية لا يرجع فى نقده إلى أساليب التجربة والتحليل، لأن طبيعته لا تقبل ذلك ولا تمكن منه، فهو يمس أمورًا غير مادية، وقد ينتهى إلى غيبى وغير منظور، وإن رجع النقد فيه إلى اعتبارات نظرية محضة، فهى غير محدودة ولا يقف الخلاف فيها عند حد، ولا يهون الاتفاق عليها بل إنها لا تنضبط انضباط نقد السند والأصول التى نيط بها، فوجب لذلك أن يكون نقد المتن ثانوى المركز، بعد نقد السند. وهكذا يهديك ما قدمناه: من تفرق نقد المتن فى أبحاث متعددة، وما تقتضيه طبيعته من تأخير إلى أن ليس من اليسير القول مع الأستاذ بأنهم "عنوا عناية تامة بالنقد الخارجى، ولم يعنوا هذه العناية بالنقد الداخلى" وأنهم "لم يتوسعوا كثيرًا فى النقد الداخلى". * * * هذا ما يقال فى نقد المتن الخاص بالأمور الدينية ووراء ذلك باب، وسع منه يجب النظر إلى قولهم فيه قبل الاحتجاج لتركهم نقد المتن بحديث "الكماة والعجوة" السابق: ذلك هو أن الأمور الدنيوية لا تعتبر من مهام الرسول التى يسوق فيها بيانًا، كما يشهد بذلك حادث أبرْ النخل المعروف وقوله: ما كان من أمر دينكم فإلىّ وما كان من أمر دنياكم فأنتم أعلم به، أو كما قال.

النصف الأول من القرن الثانى الهجرى (الثامن الميلادى) ظهرت ثلاثة ألوان من الفقه فى ثلاثة مراكز: الحجاز والعراق والشام. وكان للأسباب الجغرافية أثر كبير فى انتشارها، وتأثر هذا الانتشار بتطور الحياة والعقيدة فى نواح متماسكة. كما تأثر بالاختلافات الأساسية فى أصول مادة التشريع فى الأقاليم المختلفة. وكانت هذه الاختلافات طليعة لما جاء بعدها من مذاهب مالك وأبى حنيفة والأوزاعى واعتمدت مدرسة الحجاز كثيرًا على الحديث. أما مدرسة العراق فكان أكثر اعتمادها على الرأى وفى هذه الأحوال كان للآراء التى يقول بها كثرة العلماء فى المدينة -أو الحرمين: مكة والمدينة، أو فى البصرة- قيمتها الخاصة. وظهرت حوالى منتصف القرن الثانى الهجرى (الثامن الميلادى) أول المطولات التى كتبها البارزون من أتباع هذه المدارس الثلاث وبخاصة مدرستى الحجاز والعراق. وهذه المطولات تيسر لنا الوقوف على اتجاههم العقلى. ويعتمد ما نقرره هنا على نتائج دراسة موطأ مالك، وهو المصنف الوحيد الذى كان موضع دراسة من بين هذه المطولات. وبذل مالك عناية كبرى لتقرير إجماع العلماء من أهل المدينة. وهذا التصور الذى كان يقصد به فى الأصل أن الاجماع هو رأى الغالبية لا غير (كما هو الحال فى علم القراءات الذى استعار هذا الاصطلاح من الفقه، انظر Geschichte: Noldeke - Bergstrasser ¬

_ وهذه الشئون الطبية التى منها حديث هذه الكماة والعجوة، قد أعلن فيها ابن خلدون رأيًا قديمًا قويمًا حين يقول فى المقدمة بعد ذكره ما كان للعرب الجاهليين من طب "والطب المنقول فى الشرعيات من هذا، وليس من الوحى فى شئ، وإنما هو أمر كان عاديًا للعرب، ووقع فى ذكر أحوال النبى صلى الله عليه وسلم من نوع ذكر أحواله التى هى عادة وجبلة، لا من جهة أن ذلك مشروع على ذلك النحو من العمل، فإنه صلى الله عليه وسلم إنما بعث ليعلمنا الشرائع، ولم يبعث لتعريف الطب ولا غيره من العاديات وقد وقع له فى شأن تلقيح النخل ما وقع، فقال أنتم أعلم بأمور دنياكم. فلا ينبغى أن يحمل شئ من الطب الذى وقع فى الأحاديث الصحيحة المنقولة على أنه مشروع، فليس هناك ما يدل عليه، اللهم إلا إذا استعمل على جهة التبرك، وصدق العقد الإيمانى فيكون له أثر عظيم فى النفع، وليس ذلك فى الطب المزاجى، وإنما هو من آثار الكلمة الإيمانية، كما وقع فى مداواة المبطون بالعسل، (ص 431، ط عبد الرحمن محمد). فإذا كان الصحيح من الأحاديث لا يفيد علمًا ماديًا، فلا محل بعد ذلك لطلب التجربة أو التحليل أو الاستقراء لمعرفة صحة مثل حديث الكماة والعجوة، فوق أنه كما قلنا لا يقوم على سند سليم. وأن لا محل لانكار نقدهم المتن، أو إخفانه وراء نقد السند، وأنه من الدقة بحيث لا يطلب فيه ما يطلب فى نقد السند. أمين الخولى

des Qorans , جـ 3، ص 130 وما بعدها وص 135) أصبح هنا يدل على كثرة العلماء كثرة تقرب من الإجماع. وكان مالك فى الوقت نفسه يأخذ بحجية عمل أهل المدينة، وهو ليس بحال من الأحوال عين سنة النبى [- صلى الله عليه وسلم -]. والإجماع وعمل أهل المدينة يرتبطان فى نظره أشد ارتباط. ويمثل لنا كتابه مقدار ما وصلوا إليه فى عهده فى المدينة من صبغ القانون العرفى بالصبغة الإسلامية، كما يبدو ذلك من مقابلة ذلك العصر بما جاء بعده. وقد بلغت هذه الصبغة غايتها الآن. ولا شك فى أن المصنفات العظيمة التى كتبها الشيبانى كان لها فى العراق أثر يشابه أثر مصنفات مالك فى المدينة. 6 - والشافعى المتوفى عام 204 هـ (820 م) هو واضع علم الفقه الإسلامى. وفضله هو أنه بعث اليقظة فى الفكرة الفقهية الإسلامية فأصبحت علمًا، وأنه لا يبرهن عند الحاجة إلى الدلائل وابتغاء الوصول إلى نتائج عملية فقط، بل يبرهن دائمًا ومبدئيًا، ويبحث أيضا شروط الاحتجاج التشريعى وطرقه بوجه عام. وقد خطا بعلم أصول الفقه خطوات هامة اعتمدت على تطور هذا العلم قبل الشافعى. وقد انتهى الشافعى إلى ما انتهى إليه أهل العراق من قبل فى تعريف "السنة" بأنها مصدر للتشريع باعتبارها فعل النبى [- صلى الله عليه وسلم -]، كما عرف الإجماع بأنه الرأى الذى أخذ به كثرة المسلمين، واعتبره مصدرًا ثانويًا لإيضاح المسائل التى لا يمكن تقريرها من الكتاب وسنة النبى [- صلى الله عليه وسلم -]، وهو يؤيد حجية الإجماع باعتبارات عامة وأحاديث تأمر بالتمسك برأى أمة المسلمين. ولم يكن الشافعى يعلم إلى ذلك الوقت بالحديث الذى ذكر كثيرًا فيما بعد وهو "لا تجتمع أمتى على ضلالة". وكان صبغ القانون بالصبغة الإسلامية قد تم بوجه عام قبل مالك، غير أن الشافعى بذل جهدًا عظيمًا فى تنظيمه. وللوصول إلى ذلك الغرض انصرف الشافعى -إلى حد ما- عن الطريق المألوف فى التفكير الفقهى. ولم يكن الشافعى واضع طريقة القياس، غير أنه كان له كبير الأثر فى تنشئته والتوسع فى تطبيقه. وطريقة القياس هى بالضرورة طريقة الرأى،

اصطنعها تحت اسم القياس، لأن الناس كانوا أقل نفورا من هذا الاسم. على أنه من الواضح أنه قد حدّ من استعمال هذه الطريقة، ويظهر أن أهل العراق استعملوا القياس للتخلص من الأحاديث الضعيفة وأحاديث الآحاد. وحاول الشافعى أيضًا وضع قواعد معينة لاستعمال القياس، ولكنه كان قليل التوفيق فى ذلك. ولم يتغلب القياس حتى فى العصور المتأخرة -وبالرغم من التحديدات فى طريقته- على الغموض الذى يجعله مجردًا من القوة القاطعة فى الإقناع. ويظهر أن القياس عند الشافعى مرادف للاجتهاد فى معناه القديم، ذلك المعنى الذى كان يجعل الاجتهاد مرادفًا للرأى أى استعمال الفقيه لعقله. وكان اهل العراق وكذلك أهل الحجاز يستعملون الاستحسان كنوع من أنواع الرأى. والاستحسان عبارة عن الانحراف عن النتيجة التى نتوقعها بحق من القياس، لاعتبارات عقلية أو عملية إلخ. وقد هاجم الشافعى طريقة الاستحسان فى عنف، لأنها طريقة ذاتية، وقال بصحة القياس وحده. وبهذه الطريقة، صبغ الشافعى علم الأصول بالصبغة الاسلامية فى روية وتبصر. 7 - إن التطور الذى حدث بعد الشافعى عند المدرسة المعتبرة، انتهى إلى أن الكتاب والسنة والاجماع والقياس هى الأصول الأربعة للفقه، ويفهم هذا التطور فقط من تتبع تاريخ هذه الأصول، ومن تطورات إضافية مفصلة. من هذه التطورات استقرار الصلات المتبادلة بين الكتاب والسنة، فقد كان الشافعى يرى أن السنة تبين أحكام الكتاب وأن القرآن لا ينسخه إلا القرآن، وأن السنة لا تنسخ إلا بالسنة. وكان البعض، قبل الشافعى وجميع من جاء بعده، يرى أنه من الممكن أن ينسخ الكتاب بالسنة، فكانوا بهذا لا يضعون السنة فى منزلة الكتاب فحسب، بل فى منزلة فوقه. على أن النتائج الفقهية العملية لم تكد تتأثر بهذه الاختلافات النظرية. أما الإجماع فكانوا فى العصور المتأخرة لا يكتفون فيه برأى كثرة المسلمين، ولكنهم كانوا يطلبون

اتفاق جميع الفقهاء الذين يعيشون فى وقت واحد من عصر ما، وكان هذا الاتفاق ملزمًا للأجيال المقبلة. ولكنهم لم يقصدوا من الاجماع أبدًا معناه الحرفى. والاجماع بهذا المعنى لم يظل تابعًا للقرآن والسنة فحسب، بل اعتبر مؤيدا لهما نظرًا للاعتقاد العام فى تنزهه عن الخطأ، ذلك الاعتقاد الذى نشأ من اعتبارات عامة ومن النص عليه فى الحديث الذى ذكرناه من قبل وتذكر أيضا لتأييد ذلك آيات فى القرآن مثل الآية 98 من سورة آل عمران والآيتين 85، 115 من سورة النساء. بل إنهم جعلوا للإجماع، آخر الأمر، قوة نسخ أحكام الكتاب والسنة، كما حدث مثلا فى مسألة التوسل بالأولياء والاعتقاد فى عصمة الأنبياء. وهناك أبواب هامة من التشريع الإسلامى تقوم على الاجماع وحده، مثل: الخلافة واعتبار سنة النبى [- صلى الله عليه وسلم -]، ملزمة للمسلمين، والأخذ بالقياس إلخ. وجملة القول فى هذا الموضوع إن التشريع الاسلامى كله يستمد سنده من الاجماع المنزه عن الخطأ الذى يضمن صحة التشريع واتفاقه مع المعنى الصحيح المقصود من الكتاب والسنة. وقد فهم الطبرى (310 هـ = 923 م) الاجماع فى جوهره على هذا النحو. وذلك هو رأى أهل السنة بوجه عام، ولكن المالكية وحدهم يعرفون الاجماع بأنه أولا إجماع الصحابة، وثانيًا إجماع جيلين من بعدهم يسمونهم التابعين وتابعى التابعين، فهو عندهم إذن كعمل أهل المدينة، موطن السنة الصحيحة. على أن المالكية يجعلون لهذا الإجماع أيضًا نفس القوة التى أعطاها له الآخرون. وبعض الحنابلة والوهابيين وكذلك الظاهرية الذين سنتكلم عنهم فيما بعد، قصروا الإجماع على اتفاق صحابة النبى [- صلى الله عليه وسلم -]؛ وقد أدى هذا إلى اختلاف عظيم فى العقيدة. أما الأباضية من الخوارج فلا يقرون إلا اتفاق فرقتهم ويطلبون إجماعهم جميعًا. وفى الوقت نفسه كان هناك عدة آراء مختلفة عن الاجماع فى العصر المتقدم. فبعد

الشافعى عارض القياس داود الظاهرى (المتوفى عام 270 هـ = 883 م) ومدرسته معارضة قوية، وأنكر القياس والرأى وقال إن الكتاب والسنة يفسران بظاهرهما فقط، ولكن الظاهرية لم يستطيعوا التقدم دون أن يلجؤوا إلى الاستنباط الذى حاولوا أن يجعلوه مفهومًا من النص بالفعل. على أن هذه المدرسة التى عاشت إلى القرن التاسع الهجرى (الخامس عشر الميلادى) لم يكتب لها الاستمرار ونفوذ الأثر، ولا نزال نجد أيضا بعض خصوم القياس والرأى حتى بين مثل الشافعية البخارى (المتوفى عام 256 هـ = 870 م) والغزالى (المتوفى عام 505 هـ = 1111 م) الذى كان يطبق القياس عمليًا فى العهد الذى كان متصوفًا فيه على الأقل، ولكنه من الناحية النظرية كان لا يرى أن القياس له ما للكتاب والسنة من قوة (كولدتسيهر: Zahiriten ص 182 وما بعدها). على أن القياس قد اعترف به أخيرًا دون منازعة وأقره الحنابلة والوهابية والأباضية الخوارج أيضا. ويستعمل الشافعية وكذلك بعض الأحناف فى الاستصحاب نوعًا آخر من القياس المألوف أكد فى طريقته، وهو يعتبر عند الشافعية قائمًا بذاته. وقد اتبع الحنفية المذاهب الأخرى فى إطلاق لفظ القياس على الرأى بمعناه القديم، ولكنهم يتمسكون بالاستحسان على عكس الشافعية. وما زال المالكية يسلمون به، ولكنهم على وجه عام يؤثرون تسميته بالاستصلاح وهو نوع من القياس يقرر ما يعتبر أنه أصلح. ويأخذ الشافعية كذلك بالاستصلاح وينكرون الاستحسان فى شدة مقتفين فى ذلك أثر إمامهم، والواقع أن الطريقتين متماثلتان. وبالنسبة للتعسف الذى أدى فى الغالب إلى طرح نتائج القياس عندما كان يعتبر من الضرورى أو من المرغوب فيه التخلص من قيود النظر، فقد عارض الكثيرون كلا من الطريقتين، ولم ينعقد الإجماع قط على اعتبارهما من أصول الفقه. وتتفق فرقة الأثنى عشرية من الشيعة (الإمامية) مع أهل السنة فى

اعتبار الكتاب والسنة من أصول الفقه، على أنهم لايقولون بحجية سنة الرسول [- صلى الله عليه وسلم -] فقط وإنما يضيفون إليها أيضا سنة الأئمة الأثنى عشر الذين تضمن عصمتهم صحة التشريع كما هو الحال فى الإجماع عند أهل السنة. أما فيما يختص برواية السنة فللشيعة عدة كتب فى الحديث تختلف اختلافًا جوهريًا عن كتب أهل السنة. وقد انكروا بوجه خاص جميع الأحاديث والتقارير التى ترجع فى حجيتها إلى الخلفاء الثلاثة الأول قبل على، كما رفضوا الأحاديث التى تجعل عليًا تاليًا لهؤلاء الخلفاء. ولا يرى الشيعة حاجة إلى أصول أخرى بعد تعليم الإمام. ومع ذلك فإنه يوجد عندهم فى فترة غيبة الإمام الأخير أصلان يقابلان الأصلين الأخيرين عند أهل السنة (أى القياس والاجماع). على أننا نجد فى هذا العهد نفسه أن الإخباريين لا يعتمدون إلا حجية الكتاب والسنة وحدهما، ويحاولون إرجاع جميع الأحكام إلى أحاديث الأئمة مع الحد ما أمكن من الاستنباط العقلى، وهم يطلبون فوق ذلك عند تفسير آية من آيات الكتاب حديثًا يتصل بتلك الآية. ومن جهة أخرى نجد أن مدرسة الأصوليين التى كانت تستمتع بشهرة عظيمة لانتشار آرائها انتشارًا كبيرًا تقول بأن العقل ركن ثالث من أركان الأصول، ولكنهم كانوا ينازعون فى القياس. والخلاف بينهم وبين أهل السنة خلاف فى التسمية لا غير. أما الأصل الرابع عندهم فهو اتفاق كثرة الفقهاء منذ بدء غيبة الإمام الأخير. وبينما السنة يمكن أن تنسخ السنة بل وتنسخ الكتاب أيضًا فإن هذا الإجماع لا يمكن أن ينسخ إلا الأحاديث المطعون فيها. ويعتبر الشيعة فى الوقت نفسه من المصادر الثانوية فى الأصول: الاستصحاب وطريقتى الاستنباط الشبيهتين به المعروفتين بالاشتغال والبراءة، وكذلك اختيار القاضى لرأى من بين عدة آراء ممكنة. 8 - والإجماع قوى الجذور فى

القانون العرفى، معترف به بالفعل رسميًا فى بعض العناصر الهامة للعبادات حتى وإن تعارض هذا الإجماع مع الكتاب والسنة (انظر ما سبق). على أنه يجب ألا نغالى مع هذا، فى تقدير صلاحيته فى تدرج التشريع الإسلامى ورفض الأحكام القديمة وإدماج عناصر جديدة. كما أنه من الراجح أن تدرجه لم يمنع البدع ولم يشجعها، فإن العناصر العديدة الغريبة التى يشتمل عليها التشريع الإسلامى دخلت فيه قبل أن يكون للإجماع ذلك السلطان على الفقه فى جملته. ومن جهة أخرى فإن الاستحسان والاستصلاح يهيئان إمكان اعتبار القانون العرفى، ولو أن هذا الاعتبار أخذ يقل على مر الزمن. وكانوا يحاولون فى بعض المواضع جعل العرف أصلا خامسًا إلى جانب الأصول الأربعة المعترف بها، نجد هذا حتى فى القرن الخامس الهجرى (الحادى عشر الميلادى). وكان يعتبر من المندوب إليه على وجه عام ألا تجعل القوانين المأخوذة من الكتاب والسنة متعارضة مع العرف المتبع، وأن يصبغ ذلك العرف بالصبغة الشرعية ما أمكن للتخلص من الوقوع فى الإثم (ist جـ 15، ص 213). على أن الفقه لم يعترف اعترافًا عامًا مباشرًا بالعرف ولم يجعل له حتى ولا مقامًا ثانويًا. وما نجده من النقاش فى العرف العام والعرف الخاص وصلتهما بالإجماع وصفتهما التشريعية إنما هو نقاش نظرى. وفى الحالات التى تشير فيها الشريعة إلى العرف أو العادة قلما يقصد بتلك الإشارة العادات الشرعية. ولم يعترف بأن القانون العرفى ملزم حتى فى الحالات التى لم ينص الفقه فيها على حكم ما. فمثلا الرأى السائد فى جزائر الهند الشرقية الهولاندية الخاص بمساواة الشريعة والعادة يبعد بنا تمامًا عن تعاليم الفقه، فإنه يكاد يجعل جميع العبادات خاضعة للقانون العرفى، ولكنه لا يجعل له مكانًا أبدًا فى طريقته النظرية. وقد بذل الفقهاء المالكية المتأخرون جهدًا عظيمً -وبخاصة فقهاء شمالى إفريقية- فى التوفيق بين آرائهم وبين العبادات الجارية وجعلوا هذا مبدأ لا يشذون

عنه. ومهما يكن للقانون العرفى والعناصر الشرعية الدخيلة من شأن وسلطان طبيعى فى العهد المتقدم للتشريع الإسلامى، فقد كان من الصعب جدًا أن يتقدم أكثر من ذلك وبخاصة منذ أن وصل الاعتراف النظرى بالأصول إلى شكله النهائى. 9 - ولما كان الفقه قد تطور بالفعل فى بسط جميع أركانه الجوهرية قبل قيام نظرية الأصول، فإن العناصر التى كانت سببًا فى نشاته لا يمكن أن تذكر فى وضعها التاريخى الصحيح. على أنه حتى من وجهة نظر تنظيم الدراسات عند المسلمين نجد لهم فى الفقه منذ عهد طويل موقفًا نظريًا بحتًا، فالمجتهد وحده له حق تطبيق الأصول أى حق الاجتهاد فى استنباط الأحكام الشرعية من الأصول. على أن إجماع أهل السنة قد انعقد على أن الاجتهاد قد انقضى أمده منذ عهد طويل. وأن الفقهاء جميعًا لا بد لهم من الأخذ بأدنى مراتب التقليد وذلك فإن كثيرًا من الفقهاء لا يتعمقون فى دراسة الأصول بل يقنعون بالتعليقات الموجزة التى كتبت من حين لحين والتى تضيفها كتب الفقه إلى المناقشات الخاصة بالأحكام المختلفة. ومع هذا فهناك عدة مصنفات عن الأصول، وهى تكوّن علمًا من العلوم النقلية عند المسلمين. وكتب أهل السنة فى الأصول تتناول -حسب وجهة نظر المؤلف- بين مسائل أخرى الكلام على الكتاب والسنة والإجماع من ناحية صحتها وترتيبها بالنسبة لأغراض الفقه، والقواعد الخاصة بتفسيرها وهى تذكر عادة بالتفصيل، وتتناول الناحية الشكلية والمادة الشرعية، وكذلك الأحكام والتقريب بين المتناقضات الواردة فى الأصول، إما بالتوفيق بينها وإما بنسخ البعض بالبعض الآخر، وطرق استعمال القياس وغير ذلك. وجرت العادة بأن تختم كتب الأصول بالكلام على الاجتهاد والتقليد. وأول كتب الأصول هو رسالة الشافعى وإن كانت لا تتفق والترتيب الذى ذكرناه. ونخص بالذكر من بين المؤلفات المهمة التى صنفت فى العصور المتأخرة والتى شرحت كثيرًا ما يلى: (1) إمام الحرمين الجوينى (المتوفى

عام 478 هـ - 1085 م): كتاب الورقات فى أصول الفقه. (2) البزدوى (المتوفى عام 482 هـ - 1089 م): كنز الوصول إلى معرفة الأصول. (3) صدر الشريعة الثانى (المتوفى عام 747 هـ - 1346 م): التنقيح والتوضيح. (4) السبكى (المتوفى عام 771 هـ -1369 م): جمع الجوامع. (5) ملّاخسرو (المتوفى عام 885 هـ -1840 م): مرقاة الوصول ومرآة الأصول. وأساس الأصول عند الشيعة هو حجية الإمام، وهى عندهم كالإجماع عند أهل السنة، وما زال الاجتهاد موجودًا عندهم. المصادر: أهم مصادر تاريخ الأصول هى: (1) Die Zdhiriten: Goldziher (2) Verspreide: Snouck Hurgronje Geschriften المجلد الثانى. (3) Isl.: Bergstrasser جـ 14، ص 76 وما بعدها. (4) Development of Mus-: Macdonald lim Theology ص 65 وما بعدها. (5) وذكر Juynboll فى Handleiding ص 32 وما بعدها، الطبعة الثالثة، معلومات مختصرة عن الرأى الشائع مع تعليقات تاريخية. (6) وذكر فى Santillana فى Istituzioni ص 25 وما بعدها معلومات أوفى، كما أورد ثبتا بمصادر أخرى. (7) أما أهم المصادر العربية عن الأصول فقد ذكرها حاجى خليفة، طبعة فلوكل جـ 1، رقم 835 وما بعدها. (8) طاشكبرى زاده: "مفتاح السعادة"، طبعة حيدر آباد سنة 1910 جـ 2، ص 53 وما بعدها. (9) الكاتب نفسه: موضوعات العلوم، كتبه بالتركية وترجمه كمال الدين، الآستانة سنة 1313 هـ ص 634 وما بعدها. [يوسف شاخت Joseph Schacht]

أضحى

أضحى [جمع أضحاة] وهى كالإبل والغنم وذوات القرن التى تنحر فى ضحى يوم الأضحى وهو اليوم العاشر من ذى الحجة، وتعتبر لحومها صدقة توزع على الفقراء، ومع ذلك فإن للمضحى أن يأكل من أضحيته. وصفات الضحية وطريقة نحرها فصّلت بدقة فى كتب الفقه. والقيام بالتضحية فى منى عادة جاهلية أقرها أيضًا الإسلام فى سورة الحج (الآية 34 - 37) (¬1) [ولا شك فى أن الشرع لا يفرض الضحية على أحد إلا إذا اضطره إلى ذلك نذر أو إثم (¬2)، ] وكانت الأنعام التى تساق للهَدْى فى هذا العيد تجعل لها علامة بأن تقلد بالنعال القديمة أو بأن يشرط جلدها (¬3). الأضداد جمع ضد: وهى الكلمات التى يعرفّها علماء اللغة العرب بأن لها معنيين أحدهما نقيض أو مضاد للآخر، نحو باع، وهى تدل على البيع والشراء، بل إن كلمة ضد نفسها من الأضداد، ففى مثل "لا ضد له" لا تفيد المخالف، وإنما تفيد المثل؛ والأضداد فى رأى علماء اللغة قسم خاص من "المُشْتَرِك" بفرق واحد هو أن المشترك يتحد فى اللفظ ويختلف فى المعنى بينما الأضداد يباين المعنى الأول فيها المعنى الثانى تمام المباينة. وقد تناول العرب هذه الناحية من اللغة بالدقة والشغف اللذين تناولوا بهما النواحى اللغوية الأخرى وأفردوا لها فصولا فى كتب عامة (مثل السيوطى: المزهر، بولاق، جـ 1، ص 186 - 193؛ ابن سيده: المخصص، جـ 13، ص 258 - 266) وخصّوها برسائل قائمة بذاتها. وقد أحصى هذه الرسائل لأول مرة ردسلوب (Die Arabischen: Redslob Worter Mit. entgegengesetzter Bedeutung. جوتنجن 1873 ص 7 - 9، ويجب أن ¬

_ (¬1) هذا غير صحيح، فإن التضحية فى منى فى أيام الحج (وتسمى الهدى) كانت من شريعة سيدنا ابراهيم عليه السلام، وكذلك شعائر الحج. ثم جاء الإسلام باقرارها ونفى ما زاده المشركون فيها من أعمال الجاهلية الوثنية. (¬2) الإثم هنا هو ما يقع من الحاج من المخالفات للاحرام ويجبر بذبح يسمى (فدية) ولا يسمى ضحية. (¬3) هذا ليس فى الضحية، وإنما هو الهدى الذى يسوقه المحرم بالحج أو العمرة من الحل إلى الحرم. وكان اشعاره بالدم أو تقليده أمارة على أنه مساق ومهدى للببت الحرام فلا يعتدى عليه. أحمد محمد شاكر

نستبعد اسم الجاحظ من المصادر التى ذكرها ردسلوب). ونحن إذ عرفنا بعض هذه المصنفات من الشواهد المنقولة منها فإنه قد انتهت إلينا رسائل تحمل اسم "كتاب الأضداد" كتبها الكتّاب الذين سنذكرهم بعد، وقد نشرت أجزاء منها: (1) قُطْرب المتوفى سنة 206 هـ (821 م؛ طبعة Islamica: H.Kofler سنة 1932. (2) الأصمعى المتوفى سنة 216 هـ (831 م؛ طبعة Drei ar-: A.Haffner abische Quellenwerke uber die Addad بيروت سنة 1913، ص 45 - 61. (3) أبا عُبَيْد المتوفى سنة 223 هـ (837 م؛ انظر Brockelmann قسم 1، ص 167). (4) أبا حاتم السجستانى المتوفى حوالى سنة 250 هـ (864 م) طبعة هافنر: المصدر المذكور ص 71 - 157. (5) ابن السكيِّت المتوفى سنة 243 هـ (857 م) طبعة هافنر: الكتاب المذكور، ص 163 - 209. (6) أبا بكر بن الأنبارى المتوفى سنة 327 (939 م) طبعة هوتسما، ليدن سنة 1881؛ القاهرة سنة 1325 هـ. (7) أبا الطيب الحلبى المتوفى سنة 381 هـ (991 م؛ انظر بروكلمان، قسم 1، ص 190). (8) الصغانى المتوفى سنة 650 هـ (1252 م؛ انظر هافنر: كتابه المذكور، ص 221 - 248). ولا يؤخذ بالرأى الذى ظل سائدًا منذ عهد بعيد والذى يقول إن اللغة العربية- بخلاف جميع اللغات السامية الأخرى- تشمل عددًا عظيما من الأضداد، ذلك لأننا إذا استبعدنا جميع الكلمات التى ليست بأضداد حقيقية أو الموضوعة فى غير مواضعها، لا يبقى من الأضداد فى اللغة العربية إلا القليل، وهذا ما دعا المبرّد (مخطوط بليدن رقم 437، ص 180) وابن درستويه الذى نقل عنه السيوطى (جـ 1، ص 191) إلى الإسراف فى القول إلى حد إنكار وجود الأضداد فى اللغة العربية إنكارًا تامًا، ومع ذلك فقد أحصى ابن الأنبارى

فى كتابه أربعمائة من الأضداد ولكنه بالرغم من هذه الكثرة أغفل "أنكر" و"ولى " وغيرهما. وأشار "ردسلوب" من قبل بوجوب استبعاد عدد كبير من الأضداد بحجة أن مصنفى العرب توسعوا كثيرًا فى فهم كلمة "أضداد" أو جمعوا -فى شئ كثير من التصنع أو التكلف- عددا كبيرًا منها. ويجب أن نلاحظ: (1) أن معظم الكلمات التى أوردها كانت معروفة عند العرب، أو شائعة بينهم، بمعنى واحد فقط؛ أما المعنى المخالف فلم يرد إلا فى روايات نادرة، وربما كانت موضع الشك، ولو لم يكن الأمر كذلك لكثر الالتباس فى حديث الناس، على أن ابن الأنبارى قد أنكر فى مقدمة كتابه (ص 1) إمكان وقوع أى التباس. (2) يجب أن نلاحظ الضد فى المعنى اللغوى الذى تدل عليه الكلمة وهى مفردة ومن الخطأ البين أن نلاحظ المعانى التى تدل عليها الكلمة فى التراكيب المخللفة ويحكم عليها بالضد تبعا لذلك (ابن الأنبارى: كتابه المذكور، ص 167 - 168). (3) وتخرج من باب الأضداد الحروف مثل إن ومن وأن وأو وما وهل، ولا قيمة للاستدلال بأن "إن" مثلا معناها إذا الشرطية وما النافية، أو الإمكان والنفى بعبارة أخرى، وكذلك لا قيمة لما يقال من أن بعض الصيغ الفعلية مثل كان أو يكون تدل على أزمتة مختلفة، أو أن الأعلام مثل إسحاق وأيوب ويعقوب قد تكون لها معان ثانوية أخرى. (4) ولا حصر للصيغ التى قد تدخل أحيانًا فقط فى باب الأضداد نحو "كأس" التى تفيد الإناء كما تفيد الشراب الذى فيه، ونحو "نحن" التى تفيد المتكلم المفرد والجمع، ونحو جميع صيغ "فاعل" التى ترد أيضا بمعنى "مفعول" مثل وامق وخائف، وصيغ "فَعيل" التى تفيد أيضًا معنى فاعل مثل أمين، وصيغ المبالغة التى تتكون من أسماء الفاعل والمفعول للفعل الثلاثى والمزيد، والثلاثى اللازم الذى يفيد التعدية أحيانًا مثل زال وغيرها. وهذه الحالات كلها ليست فى الواقع من الأضداد.

(5) وكذلك ليس من الأضداد الكلمات التى تستعمل فى أحيان معينة اهتزاءً أو تهكمًا، مثل يا عاقل للمجنون، أو تفاؤلا، ملو يا سالم للمريض. لأن استعمال هاتين الاستعارتين موقوف على اختيار المتكلم. (6) ويظهر التعسف والافتعال على أشدهما آخر الأمر فى إدخال العرب فى باب الأضداد كلمات ملو"تَلْعة" التى معناها المسيل من الماء والمرتفع من الأرض، لأن الماء يهبط والأرض ترتفع. ومعظم الشواهد التى أوردها ابن الأنبارى تنطبق عليها واحدة أو أكثر من الملاحظات التى مرت بنا، ولذلك يجب ألا تعد من الأضداد، وهكذا لا يبقى من الأضداد بعد هذا إلا القليل. وقد حاول العرب أنفسهم تفسير هذه الظواهر، إلا أن تفسير، واحد، يستحق منا الاهتمام، وهو التفسير الذى يريدنا على أن نرجع لأصل الكلمة الذى يؤخذ الضدان منه (ابن الأنبارى: كتابه المذكور، ص 5، س 20 وما بعده؛ المزهر، جـ 1، ص 193). أما التفسيرات الأخرى فتعلل المعانى الموجودة بالفعل، وترى أن الأضداد عبارة عن معان مستعارة من ناحية أصول الكلمات بعضها من بعض (ابن الأنبارى: كتابه المذكور، ص 7؛ المزهر: جـ 1، ص 194 س 4). أو تحاول إيجاد صلة، سقيمة فى كثير من الأحيان، بين المعانى، فالعرب يقولون -مثلا- إن "بعض" تأتى بمعنى كل، لأن كل الشئ ما هو إلا بعض من شى، آخر (ابن الأنبارى: كتابه المذكور، ص 6). وقد بذل آبل (Uber den Ge-: C.Abel gensinn der Urworte. ليبسك سنة 1884؛ وأعيد طبع هذا البحث فيما نشره بعنوان Sprachwissenchaftlichen Abhandlungen . ليبسك سنة 1885) محاولة للوصول إلى تفسير لظاهرة الأضداد اللغوية بصفة عامة مبتدئًا بنظرة واحدة فحسب. وفى رأيه أن الكلمات التى استخدمها الأولون لم تكن تعابير عن أفكار معينة غامضة، ولكنها كانت أقرب إلى وصف صلة متبادلة بين متضادين، مثال ذلك أن فكرة

"القوى" لا يمكن أن تفهم إلا بمقارنتها بفكرة "الضعيف"، وكان طرفا التضاد إنما يميز بينهما تدريجا بتغييرات صوتية. ولم يأخذ اللغويون بنظرية آبل، ولكنها وجدت قبولا لدى علماء التحليل النفسى. وكذلك حاول كوردس R. Gordis): mutually opposed meaning Words of فى Am.J.Semit Lang، سنة 1938 ص 270 - 280) أن يجد تفسيرًا يصدق على جميع الأضداد، فبدأ بالنظريات الأنثروبولوجية الحديثة، وربط الأضداد بالمحرمات والقوى الطبيعية الخارقة وانتهى فى ذلك إلى القول: "إن الأضداد من جميع النواحى هى فى حديث الناس ليست إلا بقايا من طرائق التفكير عند البدائيين". والرأى السائد فى علم اللغات بصفة عامة يخالف مثل هذه النظريات، إذ يقول إن الأضداد لا يمكن تفسيرها إلا على ضوء مبدأ واحد، هو أن الكلمات من أصلها لها معنى محدد. ومن ثم فإن فى كل ضد معنى يجب أن يعد أصليا ومعنى يعد فرعيا. ومهمة علم اللغات أن يتتبع فى كل حالة التغير التدريجى للمعنى، ولو أنه يتضح للبادرة الأولى أن الوقائع لا يمكن أن تقوم فى جانب كل ضد. والحق إن لغويى العرب سبق أن سلموا من حيث النظر بهذا المبدأ وهو "الأصل لمعنى واحد"، أما أن كتبهم لم تسهم فى حل هذه المشكلة إلا بأيسر اليسير على الرغم من وفرة المادة التى بين أيديهم، فمن أسبابه أن تفسير الأضداد لم يكن مسألة علمية بمقدار ما هو مسألة عملية صرف، ذلك أن أول ما كان يعنى به العرب هو أن يعدوا ثبتًا كاملًا على قدر الإمكان بجميع كلمات الأضداد التى تستخدم فى الحياة اليومية وفى الأدب. ولذلك نجدهم فى كثير من الأحيان إنما يستهدون بالتوافق الظاهرى، ومن قبيل ذلك أنهم جعلوا من بين الأضداد كلمة. (1) "مودٍ" أى هالك والأصل ودى. (2) ومودٍ أى قويّ شديد، من الأصل أدى. وقد فسر كيس (F. Giese فى - Un tersuchungen uber die addad auf Grund von Stellen aus Altarabischen Dichtern

برلين سنة 1894) معظم الأضداد الواردة فى الشعر القديم وكيف انتقل معناها الأصلى إلى الضد بتصنيفها فئات شتى من حيث علم المعانى. (1) الاستعارة: مثل ناء تأتى بمعنى نهض مثقلا بالحمل كما تأتى أيضا بمعنى بعد به، ومثل ناهل التى تقال للعطشان والريان. (2) تصاحب المعانى المتضادة بالذهن: مثل "بين" التى تفيد الفراق كما تفيد الوصال وفقا لحالة الشخص الذى يكون إما مفترقًا وحده عن جماعته أو متصلا بجماعة أخرى، ومثل "جَلَل" ومعناها يدحرج، ومن ثم جاءت بمعنى ثقيل، كما تأتى بمعنى يتدحرج فى سرعة. ويرتفع، ومن ثم جاءت بمعنى حقير وخفيف. (3) قصر الفكرة على معنى الإصلاح أو الإفساد على التوالى: مثل رَمّ العظْم بمعنى قوى حين يكون فيه النخاع، وبمعنى ضعف حين يكون العظم رميما. (4) المفروض أن الكلمات التى تفيد الانفعال أو اللون يكون معناها الأصلى الثابت "انفعل" سواء أكان هذا الانفعال لشئ حسن أو سيئ مثل "راع" التى تأتى بمعنى خاف أو بمعنى أعجب؛ ومثل "طَرب" التى تأتى بمعنى حرن أو بمعنى فرحَ؛ وكذلك رجا وخاف، ومثل "ذفرى" و"بنة" التى تدل على الرائحة الطيبة كما تدل على الرائحة المنتنة. ومن هذا الضرب الكلمات التى تفيد الظن بمعنييه اليقين والشك نحو ظن وحسب وخال (ابن الأنبارى: كتابه المذكور، ص 8 وما بعدها؛ Landau كتابه المذكور، ص 189 وما بعدها). (5) وكان من أثر الثقافة فى كثير من الأحيان أن تباينت الكلمات التى تدل فى الأصل على معنى واحد مثل باع وشَرَى اللتين كان معناهما الأصلى تبادل. (6) المشتق من الأسماء وخاصة فى "فعَل" و"أفعل" وكان معناهما فى الأصل إحداث الحدث بالشئ المراد، ولذلك يمكن استعمالها فى الإيجاب والسلب نحو"فرّع" التى تأتى بمعنى صعد كما تأتى بمعنى انحدر، قارن بينها وبين "شيريش سقيل" فى

العبرية. أضف إلى ذلك أن عدم وجود حروف الجر المركبة فى اللغة العربية يؤدى إلى كثير من الالتباس (السيوطى: كتابه المذكور، ص 189) مثل وَلَى التى تأتى بمعنى أقبل كما تأتى بمعنى أدبر، ومثل سمع التى تأتى بمعنى وقع الكلام فى الأذن، وتأتى بمعنى أجاب، وكذلك وجود كثير من الكلمات المتقاربة فى النطق أو المشتركة فى الأصل مما يحملنا على تفسيرها بمعنيين) Landau: كتابه المذكور، ص 186 وما بعدها) مثل "أمم" والأصح "أيم" - التى تدل على الأمر العظيم والحقير، ومثل "مأتم" التى تطلق على مجمع النساء فى الحزن أو الفرح، ومثل "زوج" التى تقال للرجل والمرأة. والأضداد الناجمة عن اختلاف اللهجات مهمة وقد أورد لغويو العرب الشواهد على ذلك مثل "سُدْفَة" وهى الظلمة فى لغة تميم والنور فى لغة قيس، ومثل "وثَب" التى تفيد قعد (بالعبرية "ياشبه") فى لغة حمير ونهض فى لغة العرب عامة وكذلك سامِد وقَرْء. ويمكن أن نلاحظ وجود ظاهرة الأضداد فى اللغات السامية كلها، ومن ثم فإن رسالة لانداو (Die: E. Landau -gegensinnigen Worter im Alt - and Neu hebraischen، برلين سنة 1896) كان لها شأن أيضا فى فهم الأضداد فى العربية. وأشمل دراسة وأخضعها لمقاييس النقد فى هذا الموضوع هى دراسة نولدكه (Worter mit: Th. Noldeke Gegensinn (Addad) فى Neue Beitrage Zur semitishen sprachwissenchafi ستراسبورغ، سنة 1910 , ص 67 - 108)، فقد درس فيها وفسر من حيث الاشتقاق اللغوى ومن حيث علم المعانى 177 ضدًا بإبراز التغيرات المتشابهة فى المعنى، ومدخلا فى اعتباره أصول الأضداد فى اللهجات العربية، وفى العبرية وفى الأرامية وفى لغات الحبشة ويصنف نولدكه عددًا كبيرًا من التغيرات فى فئات معينة من حيث المعانى، ولكنه أحجم عامدًا عن أن يلتمس مبدأ ثابتًا أو ترتيبًا معينًا، ويقرر صراحة "أن القواعد الثابتة والعامة فى علم المعانى أقل ظهورًا منها فى علم

الأصوات" وأن "الحقيقة المتنوعة للغة الإنسان تقاوم كل المحاولات التى تبذل لوضعها فى قواعد". وتوجد الأضداد فى جميع اللغات كما يفهم ضمنا من مناقشتنا السالفة للموضوع، وقد لفت كرِمْ من قبل الأنظار إلى ذلك (Jacob Kleinare Aufsaltze: Grimm. جـ 7، ص 367) ويمكننا أن نجد أمثلة هامة على ذلك فى نيروب (Das Leben: K. Nyrope der Worter؛ ترجمة ونوجه R.Vogt) ونوجه النظر بصفة خاصة إلى ملاحظات واكرنا كل فى فقرة من بحثه (- J. Wack: ernagel Vorlesugen fiber Syntax: بازل سنة 1928، جـ 2، ص 235)، أما ملاحظاته فى غير هذا من الموضوعات فتهمل [فايل Weill] تعليق على مادة الأضداد الضّدان هما الأمران الوجه ديان المتقابلان فى المعنى اللذان لا يجتمعان فى وقت واحد لشئ واحد، وقد يتخلفان عنه معًا، كالحلاوة والملوحة والسواد والبياض. والتضاد يبحث عنه فى اللغة من ناحيتين مختلفتين: الأولى ناحية أنه مظهر من مظاهر الكلام فى تأديته الأغراض والمعانى التركيبية. والثانية أنه من مظاهر اللغة نفسها فى تأدية المعانى الأولية للمفردات. والتضاد بالمعنى الأول يذكر فى مواضع كثيرة من العلوم، فيذكر فى المجاز على أنه علاقة من العلاقات المصححة لاستعمال اللفظ فى غير معناه الحقيقى، ويذكر فى التشبيه على أنه وجه من وجوه الشبه، ويذكر فى البديع على أنه من المحسنات، ويذكر على أنه مادة لذلك كله فى متن اللغة وما يتصل به كالمقدمات اللغوية لعلم الأصول. وحيثما يذكر التضاد من هذه الناحية لا يُتحرَى فيه المعنى الدقيق المتقدم لكلمة الضد بل يتوسع العلماء فى تلمس الضدية وتحقيق معناها على أى اعتبار يسهل أداء الغرض. أما الناحية الثانية فهى التى تحتاج إلى البحث والتمحيص. وقد بحث العلماء فى التضاد من الناحيتين جميعا وألفوا فى الأضداد كتبا، ولكنهم حين عالجوا ذلك فى

التواليف غلبت عليهم الناحية الأولى فذكروا كثيرًا من الأمثلة للأضداد منها ما هو فى المفرد كالقُرْء قالوا أنه للطهر والحيض معًا ومنها ما هو فى الفعل. قالوا: ظن تكون للشك واليقين والرجحان جميعًا. ومنها ما هو فى التراكيب قالوا: تهيبت الطريق وتهيبتنى الطريق بمعنى، وهذا من الأضداد. ومنها ما هو فى المتعلقات مثل رغب عنه ورغب فيه. ومع غلبة الناحية الأولى عليهم لم يفتهم التكلم فى الناحية الثانية ومعالجتها بالبحث والإدلاء فيها بالآراء المختلفة، ما يمنع منها وجود الأضداد بهذا المعنى فى اللغة، وما يجيز. فإذا جارينا وجهة النظر الأولى لم يكن لنا أن نلاحظ شيئًا على ما ذكروه من الأمثلة المختلفة لأن معنى الضد لا يلزم أن يتحقق فى كل واحد منها تمامًا. ويظهر أن شمول البحث فى للك التواليف العربية للناحيتين معا متلاصقتين متتابعتين إبهم على كاتب المادة وأمثاله فذكر الملاحظات التى ذكرها والتى منها هو جدير بالاعتبار إذا قصرنا البحث على وجهة النظر الثانية. وإذا نحن اتجهنا بالبحث الوجهة الثانية كان علينا أن نأخذ فيها برأى ركين. وقبل أن نستعجل هذا الرأى بالمنع أو الجواز ينبغى ألا يعزب عنا أن التضاد مناف لطبيعة اللغة وأنه لا يسهل التفاهم بين الناس، فمن الصعب أن نقبل أن المعانى الأولية المتضادة يتفاهم الناس عنها بلفظ واحد. والصعوبة التى تنشأ من التضاد أكبر جدًا من التى تنشأ من الاشتراك، وإذا قيل أن القرائن توضح المراد كان هذا تسليما حقا بمنافاة التضاد لطبيعة اللغة لأن الاعتماد على القرائن ليس من طبيعة اللغات فى سذاجتها وإنما هو طور آخر فوق ذلك. ولن نتعجل الرأي بوجود الضد فى اللغة بهذا المعنى أو عدم وجود -وإن لم نعدم لكل رأى أنصارًا- حتى نستعرض الطوائف التى استخلصناها مما ذكروا من أمثلة الأضداد. وقد وجدناها على كثرتها لا تعدو عشر طوائف:

الطائفة الأولى - أمثال: راع أبهج وأخاف، والذفر للطيب والنتن، والصارخ للمغيث والمستغيث، والطرب للحزن والفرح. وأمثلة هذه الطائفة أكثر من أمثلة ما عداها، ولو أردنا تحقيق الضدية تمامًا فى هذه الطائفة لعز علينا درك ذلك لأن المعنى متحقق فى كل من المتعلقين على حد سواء. فكل من المغيث والمستغيث يصرخ، وليس صراخ أحدهما ضدًا لصراخ الآخر بل كل منهما فرد من أفراد الصراخ، ولا يمكن أن يقال أن أفراد المتواطئ تكون أضدادًا فإن هذا محال. وإن جاز لنا أن نعتبر ما فى هذه الطائفة من التضاد لكانت الأوصاف كلها أضدادًا، فإن بياض اللبن ضد لبياض الطباشير لأن الطباشير ضد اللبن كالمغيث ضد المستغيث، ولا يمكن أن يجتمع الطباشير واللبن فلا يجتمع بياضاهما فهما ضدان وهذا هراء. بل يعدو الأمر الأوصاف إلى كل التراكيب التقييدية وغير التقييدية لأن كل مركب يفيد معنى لا يمكن أن يجتمع مع معنى يفيده تركيب مغاير قلت المغايرة أو كثرت، وحينئذ نصير إلى أمر عسير إذ لا تكون اللغة كلها إلا أضدادًا وإذ لا بحث إلا بحث الأضداد. الطائفة الثانية - أمثال: كأس للإناء وللشراب ملء ذلك الإناء، والسليم للصحيح والملدوغ، والناهل للريان والعطشان، والمفازة لمحل الفوز والصحراء القاحلة محل الهلاك. واذا طبقنا بسائط علوم اللغة على أمثلة هذه الطائفة وجدنا المعنى الثانى مجازيا لكلمة والأول هو المعنى الحقيقى ليس غير. ومعنى الضدية لا يتحقق بين الحقيقة والمجاز لأنهما لا يتساويان فى فهمهما من الكلمة وإنما الذى يفهم هو المعنى الحقيقى فقط ولا يفهم المعنى الثانى إلا بقرينة وبالانتقال من المعنى الأول حتما فيفوت معنى الضدية. ولو جاز لنا أن نعتبر هذه الطائفة من الأضداد لصرنا إلى العنت والإرهاق لأن كل لفظ فى اللغة له استعمالات تجوزية إذ لا بد لكل معنى حقيقى من معنى آخر مجازى له ولو المعنى الذى يلزم عنه فتكون اللغة كلها من الأضداد.

وبهذا يكون صدر الملاحظة الرابعة فى مادة الكاتب باطلا إذ يقول إنها قد تدخل أحيانًا فى باب الأضداد وفوق هذا فهذا الصدر متضارب مع عجز هذه الملاحظة ونهايتها، وتكون الملاحظة الخامسة صحيحة ولكنها عين الرابعة لأن الكل من باب الحقيقة والمجاز ما عدا صيغ "فاعل " وأمثالها وللك سترد فى طائفة أخرى. الطائفة الثالثة - أمثال: وثب عند حمير "قعد" وعند غير حمير "نهض"، سجد عند طيئ "انتصب" وعند غير طيئ "انحنى"، ولمق عند بنى عقيل "كتب" وعند قيس "محا" والسدفة عند بنى تميم " الظلمة" وعند قيس "الضوء". وجلى أن التضاد لا يتحقق إلا إذا اعتبرنا اللغتين معًا، واعتبارهما معا مخل بأصل التضاد، إذ لابد فيه من وضع واحد، وليس ذلك فى اللغتين بل كل منهما بوضع خاص قد يجهله صاحب الوضع الآخر تمام الجهل، ولا يمنع من ذلك أن كلا من اللغتين عربى ولا يمنع منه أيضا تسمية كل منهما لهجة، فاتصالهما بالعربية وتسمية كل منهما لهجة ثابت مع وجود هذا الجهل بأحد الوضعين وهو محقق لوجود الوضعين فى المعنيين، يدل على ذلك ما تتناقله كتب الأدب أنه خرج رجل من بنى كلاب -أو من بنى عامر بن صعصعة- إلى ذى جدن، فأطلع إلى سطح والملك عليه، فاختبره فقال له: ثب، فقال: ليعلم الملك انى سامع مطيع. ثم قفز من السطح فمات، فسأل الملك: ما شأنه؟ فقيل له إن الوثب فى كلام نزار الطمر، فقال الملك: ليست عربيتنا كعربيتهم، من ظَفَّر حَمَّر. (يعنى من وصل ظفار فلينطق بلغة حمير). فلو كان العربى يعرف هذا المعنى الثانى لجلس فاستجاب للملك ونجا من الموت. وما مثل اعتبار التضاد من لهجتين إلا كمثل اعتباره بين لغتين مستقلتين لأن المدرك فى الجميع واحد وهو تعدد الوضع المفيد لتعدد المعنى؛ فهل يسوغ لنا أن نقول إن كلمة (رِجْل) من الأضداد لأنها تنطق فى العرَبية والفرنسية سواء ومعناهما مختلف، فهى فى العربية عضو من أعضاء الإنسان وفى الفرنسية regle المسطرة والقاعدة.

واعتبار وحدة اللغة فى التضاد نص عليه علماء اللغة الذين عالجوا "باب التضاد"، فصاحب "الجمهرة " قال: الشعب الافتراق والشعب الاجتماع وليس من الأضداد وإنما هى لغة لقوم. الطائفة الرابعة - مثال: باع للبيع والشراء وشرى للبيع والشراء، وكتابة لما يقع من الكاتب ولما يقع على المكتوب، ومثل المولى للسيد ولابن العم وللخادم. ومعنى الضدية لا يكاد يوجد فى شئ من أمثلة هذه الطائفة لأن المصادر والأمور النسبية جميعًا يصح أن تنتسب إلى أى طرف من الطرفين، وإذا كان المعنى النسبى متساويًا بالنسبة إليهما سواء كان اسمه متحدًا كالولاء فإنه ارتباط ودّى يكون من السيد لخادمه كما يكون من الخادم لسيده وكما يكون من القريب للقريب ولذا يكون كل منهما مولى، وإذا اختلفت حالة ذلك المعنى النسبى بالنسبة للطرفين كان اسمه حين ينسب إلى واحد منهما غير اسمه حين ينسب إلى الآخر، أما هو فشئ واحد: فباع ليس معناها كما يزعمون بادل التى تجعلها من الطائفة الأولى، وإنما معناها مدّ باعه بالشئ للآخر وهذا العمل نسبة بين المادّ والممدود والممدود له، فكل من المتبادلين يمدّ يده بما فيها ليعطيه للآخر. وحينئذ يكون كل منهما بائعًا، ولما كثر التعامل وترتيب آثار مختلفة على طرفى هذا العمل صار معناه حين ينسب إلى أحدهما غير معناه حين ينسب إلى الآخر، ولهذا جعل لكل منهما اسم خاص، فهو بائع إذا رغب عما فى يده من السلعة ومشتر إذا كان راغبًا فيها، ولا يضر جعل القواميس مصدر باع معنى مد يده واويا ومصدرها فى البيع والشراء يائيًا، فمصدر رأى بالعين رؤية وهو واوى وبالاعتقاد رأى وفى المنام رؤيا. والولادة حين تنسب إلى الوالد تكون أبوة وإلى المولود تكون بنوة وهى هى العلاقة بين الوالد والمولود لا تتغير، وكذلك الكتابة هى الحالة التى بين الكاتب والمكتوب، ولما كانت نسبتها إليهما على حد سواء لذلك لم تتغير سواء أكانت مصدر الفعل المبنى للفاعل أو مصدر المبنى للمجهول، فمعنى الضدية على كل حال فى شئ من المعانى النسبية لا يتحقق.

الطائفة الخامسة - أمثال: أمين للمؤتمِن صاحب الأمانة وللمؤتمَن الذى أودعت عنده، ومختار للذى وقع منه الاختيار والذى وقع عليه، وقريع للكريم والمرذول، ومن هذا الباب بالإيجاز جميع الصيغ التى تتوافق منطقًا وتختلف تصريفًا. ولا جرم أن دعوى التضاد فى هذه الطائفة إنما هو اعتبار للنغمة الصوتية فقط مع تناسى حقيقة الكلمة ومقياسها، فمختار الذى أصله مختير بكسر الياء لا يمكن أن يقال إنه مختَار الذى أصله مختيَر بفتحها، ومن ثم تكون دعوى التضاد فى هذه الطائفة أشبه بالهذر منها بالحقائق العلمية لأن التضاد إنما يتصل بالمعانى لا بالأنغام. الطائفة السادسة - أمثال: رغب فيه أحبه ورغب عنه كرهه، راغ عليهم أقبل وراغ عنهم أدبر، وانصرف إليهم تفرغ لهم وانصرف عنهم اشتغل بغيرهم. وجلى ألا تضاد فى شئ من الرغبة أو الروغ أو الانصراف، إنما الضدية بين معنى فى وعن فى الأول وعلى وعن فى الثانى وإلى وعن فى الثالث، وهذه الحروف ألفاظ مختلفة ليست من الضدية التى نبحث عنها فى شئ، فأين اللفظ الذى له معنيان متقابلان؟ ! الطائفة السابعة - أمثال: نسوا الله فنسيهم، فالأولى الترك غفلة والثانية الترك عمدا، رضى الله عنهم ورضوا عنه فالرضا من الله ليس فعلا قلبيا وهو من الناس غيره من الله على أى حال يتصور. والتضاد بهذا المعنى عملى محض أى متجه إلى وجهة النظر الأولى وهو ما يفيده اللفظ فى التراكيب، والنسيان ليس له إلا معنى واحد، ولم يسم ما حصل من الله تعالى نسيانًا إلا حين ذكر فى جوار ما حصل من الناس على طريقة المشاكلة، ولا يمكن أن يكون شئ من هذا وأمثاله فى وجهة النظر الثانية التى نبحثها للأضداد. الطائفة الثامنة - أمثال: إن للإثبات والنفى، وإذ للماضى والمستقبل، وإذا للماضى والمستقبل، وصيغة فاعل لاسم الفاعل واسم المفعول، وصيغة فعيل للفاعل والمفعول، ومثل أرديت الرجل بمعنى أهلكته وارديت الرجل بمعنى

أعنته ورجل مودٍ تام الأداة ورجل مودٍ هالك. ودعوى التضاد فى هذه الطائفة تهافت لأن معنى اللفظ لا تضاد فيه لأن الأوضاع مختلفة. فما النافية ليست هى ما الموصولة حتى نعقد تضادًا أو غير تضاد بين المعنيين. وأرديت الأولى فعلها ردى والثانية فعلها ردًا فيكون المتعدى منها بالهمزة أردأته أى جعلت له ردأ ثم تخفف الهمزة فتصير أرديته فتتفق مع الأولى فى النطق ولكل منهما مادة خاصة ووضع خاص، وكذلك مود الأولى من الأداة وأصلها مؤد وإذًا خففت الهمزة صارت مود فتوافق الثانية المأخوذة من ودى بمعنى هلك، فليس ثمة لفظ واحد له معنيان بوضع واحد. والفرق بين هذه الطائفة وبين الطائفة الخامسة اختلاف المادة هنا واتحادها هناك. الطائفة التاسعة - أمثال: خبت النار بمعنى ركدت قالوا وهى فى قوله تعالى: {كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا} بمعنى التهبت لأن نار جهنم لا تخبو أبدا؛ شاة درعاء مقدمها أبيض ومؤخرها أسود؛ المأتم مجتمع النساء فى الفرح والمأتم مجتمع النساء فى الحزن. والتضاد فى هذه الطائفة ضحك لأنه لا يتصل بالمعنى ولا يتصل باللفظ فلم يأت واحد منهما بشئ من التضاد، وإنما نشأ التضاد من مجرد تفسير اللفظ وتعبير المعبر فنار جهنم تخبو بالنسبة إلى درجاتها حتما، فالله تعالى يقول: {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ}. والنار التى تشتعل فيها الجلود أشد فى هذا الوقت حماسة منها فى وقت نضج الجلود ضرورة انتهاء المدد الذى يذكيها ويشعلها كما قال تعالى {وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ}؛ والجلود من الناس فهى من الوقود ومتى قل الوقود خبت النار فمجرد تفسير القائل خبت بحميت هو الذى أتى بالتضاد المزعوم؛ وكذلك لو قلنا الشاة الدرعاء ما فيها بياض وسواد كأنها للبس درعًا لم يبق للتضاد أثر لأن التفسير والعبارة التى خلقت التضاد زالت فزال التضاد بزوالها واذ نقول المأتم جماعة النساء لم يكن فى المأتم تضاد.

الطائفة العاشرة - أمثال: بعض للبعض والكل، لأن الشئ كل لما هو أقل منه، بعض لما هو أكثر منه، وممثل لم أسئ إليك ولم تسئ إلىّ، فله معنيان نفى الإساءة منهما معًا لاثبات الاساءة منهما معًا. وهذا هو التعسف بعينه وهو فى كلمة البعض والكل ظاهر، وفى مثل التركيب الثانى يستفاد المعنيان حقيقة ولكن فى وقتين مختلفين وبتأويل الواو على معنيين متباينين فإذا كانت الواو عاطفة كانت الإساءة منتفية منهما معًا، وإذا كانت الواو للحال كانت نافية لحصول الإساءة من الأول فى وقت عدم حصولها من الثانى وتفيد تعريضًا إثبات الاساءة من الأول عند ما حصلت من الثانى، والمعنى على الأول لم يسئ واحد منا لأخيه وعلى الثانى إنى لم أسئ إليك فى الوقت الذى لم تسئ إلىّ فيه وإنما أسات إليك جزاء ما أسات إلىّ. ومسلم جدًا أن هذين تركيبان مختلفان وأن تشابها فى الصورة ولا يمت أحدهما إلى الآخر بسبب من أسباب القرابات المعنوية التى ينشأ الضد عنها. ولو ساغ لامرئ أن يعتبر أمثال هذه الطائفة من التضاد لكانت الألفاظ الدالة على المعانى النسبيه كلها من قبيل التضاد، فكل إنسان والد بالنسبة لابنه ومولود بالنسبة لأبيه، والعالم كله مجموعة أجناس وأنواع بعضها فوق بعض ومنسوب بعضها إلى بعض فلا نكاد حينئذ نجد لفظًا ليس من الأضداد. وبعد هذا الذى قدمنا من استعراض الطوائف المتقدمة نجدنا صائرين فى طريق إنكار وجود الأضداد بالمعنى العلمي البحت المتجرد عن اعتبار التراكيب وملابساتها ولا مفر من ذلك. وقديمًا أنكر كثير من العلماء وجود الأضداد بهذا المعنى. قال فى المزهر للسيوطى فى بحث الأضداد: أنكر ناس هذا المذهب (ص 186 - جـ 1). وقال: قال: آخرون إذا وقع الحرف على معنيين متضادين فالأصل لمعنى واحد ثم تداخل على جهة الاتساع (ص 193) وقال ابن درستويه أنكر هذا (ص 191 - جـ 1). وقال: قال

آخر وإذا وقع الحرف على معنيين متضادين فمحال أن العربى أوقعه عليهما بمساواة بينهما. ولكن أحد المعنيين لحىّ من العرب والمعنى الآخر لحى غيره ثم سمع بعضهم لغة بعض فأخذ هؤلاء عن هؤلاء وهؤلاء عن هؤلاء. ومن ثم تسقط الملاحظات التى أبداها كاتب المادة وتصبح فاقدة القيمة العلمية سواء منها ما يقبله كالذى فعله (كيس) وما يرده كالذى فعله (آبل). كذلك تعبير الكاتب عن عمل العرب المجيد فى التضاد العملى بأنه محاولة لتفسير هذه الظواهر يكون غمطا لهذا العمل الذى هو فاخر فى الوجهة التى يتجهها ويكون خلطا من الكاتب لنظرية الضد العملية بالنظرية العلمية وتطبيقًا لأحكام إحداهما على أحكام الأخرى، وذلك غير سديد. والأضداد الناجمة عن اختلاف اللهجات لا تكون مهمة البتة ولا مفيدة شيئا من ناحية الضدية، وقيمة ما قاله الكاتب فى هذه الناحية تضاءلت إلى لا شئ. ولا اعتبار لعلاقة كلمة "وثب" العربية فى لهجتها الحميرية وغير الحميرية بكلمة "ياشبه" العبرانية لأن هذه العلاقة إن أفادت شيئا فى تطور اللغات السامية أو العربية فقط فهى تفيده من حيث قرابة وثب فى أى لهجة من لهجتيها واتصالها بكلمة "ياشبه" العبرية، ولا دخل لهذه العلاقة فى التضاد. وكثير من الكلمات الفرنسية يشترك مع الكلمات الإنجليزية فى نشوئهما معًا عن كلمة لاتينية فهل يحقق هذا المعنى شيئًا من الترادف بين كلمة (Composition) الفرنسية وكلمة (Composition) الإنجليزية؟ ويخطئ الكاتب كثيرًا حين يظن أن العرب نظروا إلى الأضداد نظرًا عمليًا فقط، فقد تبين أنهم نظروا كلا النظرين وأدوا إلى كل نظر حقه. ولم يعن العلماء العرب بحل مشكلة الأضداد لأنه لا توجد عندهم أضداد حتى تكون لها مشكلة تحل. وبعد فإن ناسًا قد عرضوا للتضاد كما يعرض للمسائل المنطقية يستدل لها بالدليل العقلى فزعموا أن اللغة لا بد أن

يطرقها الاشتراك ومنه التضاد لأن الاْلفاظ محصورة والمعانى غير محصورة، فوجب استعمال اللفظ لأكثر من معنى حتى يتأتى التعبير عن المعانى جميعها، وفى هذا الخطأ الفاحش لأن البحث فى اللغات لا يكون من نواحى سوق الأدلة العقلية البحتة، ثم هم غفلوا عن أننا قد استحدثنا من الأعداد التسعة البسيطة ما لا يكاد يحصى من الأعداد. ومن ذا الذى يستطيع أن يقول إن حاجة الإنسان من المعانى غير محدودة؟ وفوق هذا كله غفلة كبيرة عن الواقع فقد أهمل اللسان العربى آلاف الصيغ التى كانت تنجم من وضع الحروف الهجائية جميع المواضع الممكنة فالاستدلال هكذا على أتم فساد. ثم بعد فإن الطوائف العشر مستفيضة فى اللغات غير العربية، وإننا لنستعرضها من اللغة الفرنسية: فالطائفة الأولى مثل: Vous mettez vos vetements، أى تلبس ملابسك، وتقول هذه الجملة لمن تراه يخلع ملابسه ويضعها مثلا فى الحقيبة Vous mettez vos vetements dans la valise أى تخلعها وتضعها فى الحقيبة وذلك لأن (mettez) معناها تضع، ووضع الملابس على الجسد كوضعها فى الحقيبة. والطائفة الثانية مثل: garcon للولد وللخادم الكبير. ومثل: Je bois une tasse. J'achete une tasse الطائفة الثالثة - قد مثلنا لها أثناء المقال فإنه لا فرق بين لهجتين وبين لغتين. الطائفة الرابعة مثل Cousin فأنت Cousin لابن عمك وابن عمك Cousin لك، فهى كلفظ المولى سواء بسواء. الطائفة الخامسة مثل: Quelle foule! sur le trottoir فمعنى quelle التعجب، ويقال Queue heure est - il? ومعنى quelle الاستفهام. الطائفة السادسة مثل: Je pars du Je pars pour la France, Caire فكلمة (pars) فى الأول بمعنى غادر وفى الثانى بمعنى توجه وذلك بمساعدة المتعلقات (de) فى الأول و (pour) فى الثانى، فهى مثل رغب عنه ورغب فيه.

الطائفة السابعة مثل: Je Pa le و Dieu parle فكلام الناس بحرف وصوت وكلام الله تعالى بلا صوت ولا حرف. الطائفة الثامنة مثل: mal بمعنى مرض مع malle بمعنى حقيبة، فهما وإن توافقا لفظًا لكنهما ليسا من مادة واحدة، والاختلاف فى الكتابة لا قيمة له لأن اللغة لغة قبل أن تكون مكتوبة. الطائفة التاسعة مثل: Le feu s' eteint فإذا قيل هذا فى جانب جهنم وادعى مفسر أنها هناك بمعنى تلتهب صدق التمثيل. الطائفة العاشرة مثل: Dites moi ou je و Dites moi, ou je parle فمعنى الأولى: قل لى أين أتكلم، ومعنى الثانية: قل لى وألا تقل لى أتكلم وهما معنيان لا يجتمعان، ولكنهما أيضا لا يكونان لتركيب واحد ... واننا لنتحدى الذين يزعمون أن فى اللغة أضدادا ونباهلهم بجميع كلمات اللغة العربية أن ياتونا بلفظ واحد له معنيان متقابلان بوضع واحد، فإن لم يفعلوا -ولن يفعلوا- فليس فى اللغة تضاد. وقبل أن نختتم المقال نجد الحق يدعونا إلى التنبيه إلى ملاحظتين كبيرتين: الأولى: أن الكاتب ذكر فى صدر المقال أن كلمة الضد نفسها من الأضداد، ففى مثل "لا ضد له" لا تفيد المخالف وإنما تفيد المثل، وكلامه هكذا جار مجرى الكلمات العلمية المسلم بها والجمل التى يطلع عليها الإنسان فيفهم منها معنى قد فرغ منه العلماء. ولم يذكر كلمة الضد على أنها من باب التضاد إلا ابن الأنبارى ثم عقّب عليها بقوله: وهذا عندى قول شاذ لا يعمل عليه (¬1) حتى قال: والذى ادعى من موافقة الضد للمثل لم يُقم عليه دليلا تصح به حجته. فالأمانة العلمية كانت تقضى على الكاتب ألا يسوق كلامه هذا المساق، على أنها فى ذلك التركيب لا تفيد المثل أبدا. الملاحظة الثانية - أننا لا نفتأ نجد غير المسلمين الذين يكتبون عن العرب ¬

_ (¬1) هذا نصه ولعلها يعول عليه.

الاعتقاد

لا يزالون يتوثبون للنيل من الاسلام لأدنى مناسبة. ونسأل الكاتب: متى بدأ العرب تدوين علوم اللغة؟ ألم يكن ذلك فى الثلث الأول من القرن الأول للإسلام؟ أو لم يكن ذلك حوالى سنة 25 هجرية؟ ؟ ألم يبدأ بتدوين النحو على بن أبى طالب وهو هو من صدر الاسلام وسمعه وبصره؟ وأيا ما كان الأمر، فالمسائل العلمية يجب أن تكون خالصة لوجه العلم لا غمز فيها ولا تلميز. عبد الفتاح بدوى الاعتقاد التصديق بأن الشئ هو كذلك. وقد يفيد الظن فقط بما يطابق فى الإنكليزية "" athinking وفى الألمانية " glauben" وقد يفيد أيضا الاقتناع التام. وتستعمل هذه الكلمة أيضًا بصفة خاصة للدلالة على قبول العقائد الدينية ((Supplement: Lane, Dozy وفى هذا المعنى يرادف الاعتقاد التصديق، أى الاعتقاد الجازم فى صدق الشئ، ويمتاز عن الإيمان بأن البعض يقولون إن الايمان يشمل "العمل و" الإقرار"، ويذهب التفتازانى فى شرحه للعقائد النسفية (طبعة القاهرة سنة 1321 هـ ص 7) إلى أن الأحكام الشرعية بعضها متعلق بكيفية العمل وتسمى "فرعية وعملية"، والبعض الآخر متعلق بالاعتقاد وتسمى "أصلية واعتقادية" (الباجورى: حاشية على شرح ابن قاسم، القاهرة سنة (1321 هـ. جـ 1، ص 20؛ حاشية على متن السنوسية، القاهرة سنة 1283 هـ، ص 11 - 12؛ Les prolegomenes theol de Se-: Luciani noussi ص 4 وما بعدها: كشاف اصطلاحات الفنون مادة حكم). فالاعتقادات تستعمل غالبا بمعنى العقائد. ولم يكن من السهل تحديد المعنى الدقيق لهذا اللفظ، وقد أورد كشاف اصطلاحات الفنون Dict of) Techn Terms ص 954) استعمالين له: أولهما وهو الشائع المعروف ومعناه "التصديق الجازم" والثانى وهو قليل الاستعمال ويفيد الاقتناع أو اليقين. والأول حكم عقلى جازم ولكنه يقبل التشكيك، أما الثانى فحكم قطعى أو راجح يقوم على العلم ويخرج الشك والظن. ويسمى أحيانًا العلم اليقينى

اعتكاف

وهو يخرج الجهل المركب. ويقسم البعض الاعتقاد بمعناه الأول إلى قسمين: أحدهما ما يطابق الحقيقة، والثانى مالا يطابقها. [ماكدونالد D.B Macdonald] اعتكاف اسم يطلق على عادة دينية أهم خصائصها أن يعتزل المؤمن فى مسجد بعيدًا عن الناس. ويعتبر الاعتكاف سنة؛ ويورد بين الأعمال الصالحة التى توصى كتب الفقه بعملها فى العشرة الأيام الأخيرة من شهر رمضان حتى يكون للمؤمن حظ فى بركات ليلة القدر. وتقول الروايات الإسلامية إن النبى [- صلى الله عليه وسلم -] أيضًا جرى على قضاء الثلث الأخير من شهر رمضان صائمًا فى المسجد بالمدينة (انظر فيما يختص بليلة القدر: سورة الدخان، الآية 2، وسورة القدر، الآيات 1 - 5، وسورة البقرة، الآية 181. ولم يستقر الرأى على تعيين الليلة التى تعتبر ليلة القدر. ويذهب أكثر علماء المسلمين إلى أنها لابد (¬1) أن تلتمس فى إحدى الليالى العشر الأخيرة من شهر الصوم (وبخاصة إحدى ليالى الوتر الخمسة 21، 23، 25، 27، 29 رمضان). ويذهب آخرون إلى أنه ليس هناك ما يشير إلى أن ليلة القدر هى إحدى ليالى ذلك الشهر، وهذا هو رأى أبى حنيفة. المصادر: (1) انظر الأبواب الخاصة بشهر الصوم والاعتكاف فى مجموعة كتب الأحايث وكتب الفقه. (2) الدمشقى: رحمة الأمة فى اختلاف الأئمة؛ طبعة بولاق، عام 1300، ص 50 (3) Handbuch des: Th. W Juynboll islam Gesetzes، ص 125. [جوينبول Th.W. Juynboll] الأعراف جمع عرف، وهو ما ارتفع من الشئ: سور تحدث عنه القرآن فى ¬

_ (¬1) ليس بين المسلمين من يرى أن ليلة القدر لابد أن تكون فى العشر الأواخر من رمضان كما يقول الكاتب وإنما الذى ورد فى الحديث الشريف أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: التمسوها فى العشر الأواخر من رمضان. عبد الفتاح بدوى

الأعشى

مشهد من مشاهد الحساب فى الآخرة (سورة الأعراف، الآية 46) يفصل بين أصحاب الجنة وأصحاب النار: { ... وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ ... } ... " (انظر الآية 48 من هذه السورة: "أصحاب الأعراف"). وتفسير هذه الآية مثار جدل؛ يذهب بل Bell مذهبًا مشكوكًا فيه فيقول إن الأعراف هى الإعراف ويترجم الآية بما يأتى: "ويهيمن على الإعراف رجال يعرفون ... "؛ ويذهب أندريا T. Andrae إلى أن "أصحاب الأعراف" هم فيما يرجح أصحاب المراتب العليا فى الجنة: "الذين يستطيعون أن يشرفوا بأنظارهم على الجنة والنار جميعًا، . وربما كانت الإشارة فى هذه الآية تنصرف إلى رسل الله خاصة الذين يعودون إلى العمل فى اليوم الآخر للتمييز بين الصالح والطالح. والتفسير المأثور هو أن "أصحاب الأعراف" هم فاعل الجملة التى جاءت فى آخر الآية 46: " لم يدخلوها" وفى الآية 47 من السورة نفسها. ووفقًا لذلك يكون مقام هؤلاء، إلى حين على كل حال، لا فى الجنة ولا فى النار، وإنما هم فى مقام أو حالة وسط. ونتيجة لهذا التفسير جعل للأعراف معنى البرزخ. المصادر: (1) الطبرى: التفسير، القاهرة سنة 1321 هـ جـ 7، ص 126 - 129. (2) The Men of the A'raf A. Bell فى مجلة Muslim World، سنة 1932 ص 43 - 48. (3) Der Ursprung des: Tor Andrae Islams and Christentums. أبسالا سنة 1926، ص 77 وما بعدها. خورشيد [باريه R.Paret] الأعشى أبو بصير ميمون بن قيس البكرى، من قبيلة قيس بن ثعلبة، شاعر مشهور من المخضرمين لقّب الأعشى الأكبر للتمييز بينه وبين سائر الشعراء الذين كانوا يحملون هذا اللقب. وقد لقّب الأعشى لبيت فى معلقته (1) (طبعة LYALL، كلكته، عام 1894، جـ 5، ص 20). ولسنا نعرف العام الذى ولد فيه، أما وفاته فكانت حوالى عام 629 بعد الميلاد. ومع أنه حضر الإسلام وأنشأ قصيدة فى مدح محمد [- صلى الله عليه وسلم -] إلا أنه لم

يدخل فى الدين الجديد. ولا يمكن أن يعد الأعشى نصرانيًا صادقًا بالرغم من اعترافه بأنه من القائلين بالطبيعة الواحدة ومن صلاته القوية بالنصرانية، تلك الصلات التى نشات من تردده على بلاط الحيرة، وبالرغم من صلاته بجيرانه الأدنين أيضًا. يجئ الأعشى بعد امرئ القيس باعتباره الشاعر العربى القديم الذى جاب كثيرًا من الآفاق وأفاد من ذلك توسيع مداركه، وكان هذا سببًا فى كثرة إشاراته إلى الحوادث التاريخية وكثرة الألفاظ الدخيلة عنده ولاسيما الفارسية منها، وكانت خمريات الأعشى وعدّى بن زيد نموذجًا للشعراء الذين جاءوا بعدهما وأنشأوا قصائد فى الخمر. المصادر: (1) بروكلمان Gesch .d. arab. Litter جـ 1، ص 37. (2) Zwei Gedichte von al A': Geyer sha طبعة فينا سنة 1905. (3) Al - A' spa's Lob-: H. Thorbecke gedischt auf Muhamed فى Morgeni. For- shungen [هافنز A. Haffner] + الأعشى ميمون بن قيس: شاعر عربى بارز من قبيلة قيس بن ثعلبة من بكر ابن وائل؛ ولد قبل عام 570 م فى "دُرْنا" وهى مكان فى واحة مَنْفُوحَة جنوبى الرياض، وتوفى بهذا المكان بعد سنة 625 م. وكان يعانى، كما يدل لقبه، علّة فى عينيه؛ وقد كفّ بصره تماما وهو بعد فى عنفوان حياته. وخرج الأعشى ساعيا وراء الثروة فى شبابه، وظل سنوات مرتحلا، يشتغل بالتجارة فيما يرجح، وزار فى طريقه الجزيرة العليا والسفلى، والشام، وجنوبى جزيرة العرب والحبشة. فلما كف بصره عاش من صنعته يتكسب بشعر المديح، وعلى ذلك ظل يرتحل، فشخص إلى والى الحيرة إياس بن قبيصة (611 م)، وإلى حضرموت ليرى قيس ابن معديكرب (والد الأشعث)، والى هَوْذَة بن على أمير جَوّ، وهى من قرى اليمامة. وكان قد حاول من قبل أن يجرب حظه فى شعر المديح فى أيامه الأولى ولكن قصيدته رقم (¬1) التى أشار فيها بالنصر المثلث ¬

_ (¬1) هذا البيت هو: ائن رأيت رجلا أعشى أضر به ... ريب المنون ودهر مفند خبل اللجنة

الذى أحرزه الأسود أمير الحيرة (أخو الملك النعمان) لم تكن موفقة فيما يظهر. وانغمس الشاعر فى السياسة انغماسًا شديدًا، ذلك أنه لما سقط الملك النعمان سنة 501 أو 502 م كان البَكْريون قد بدأوا غاراتهم على أرض العراق المزروعة بمحاذاة حد الفرات حيث كان الأعشى يقيم فيما يظن مع بنى شيبان بن ثعلبة الأقوياء الذين كانوا يشاركون بنى قيس بن ثعلبة المتبَدِّين المنطقة التى كانوا هم يهاجرون اليها صيفًا، وقد هدد الأعشى بإلحاق الهلاك والدمار بوادى الفرات فى ردّ جرئ على كسرى الثانى الذى كان قد طالب بالرهائن. وبمثل هذا من شجاعة واجه قيس بن مسعود زعيم بنى شَيبان حين التجأ قيس إلى البلاط متاثرًا بالهزائم الكبيرة التى نزلت به (قصيدة 34، 26) ومن ثم جاز القول بأن الشاعر قد ساعد على نشوب وقعة ذى قار سنة 605 م. وإذا كانت الأشعار الشوارد المحزمة رقم 5، والأرقام من 32 - 50 تشير حقا إلى إياس بن قبيصة، فإن الأعشى يكون أيضا ذا نشاط فى ذلك التغير الذى لم يلبث أن أعاد المنتصرين فى ذى قار إلى الخضوح للنفوذ الفارسى. وقدر الشاعر فى موطنه هو لصالح الأمير الشرعى هرعة الذى كان يدين له بالفضل وسخر من الغاصب الحارث ابن وعلة (الأشعار 7، 4 - 6، 30) وفى هذه الأثناء كان قد ترك بنى شيبان منحازًا بنى قيس بن ثعلبة، لأنه رأى أن بنى شيبان قد دنسوا شرف قبيلته (الأشعار 6، 9). ومن ثم شعر بإساءة شديدة عندها وجه إليه الاتهام فى موطنه بعد ذلك بسنين قليلة وخسر بذلك القضية. والحق أن الأعشى كان مستعدًا كل الاستعداد للوصول إلى محل سلمى حتى واجهه خصمه بشويعر اسمه جهنام والتقى الاثنان فى سوق قرب مكة، وهنالك أثار عليه جهنام طائفة من الرعاع أطبقوا عليه بالسياط وكعوب الحراب، ولكنه أخرسه بأشعاره التى أطلق فيها الأعشى لأول مرة شيطانة "مسحل" (14، 38، 15). وقد أتيحت للأعشى مرة من قبل فرصة التخلص من مأزق خطير بقصيدة ارتجلها ارتجالا (عن السموأل، وتدخل الأعشى من بعد فى العراك الذى نشب بين عامر بن الطفيل وعلقمة بن علاثة سواء برضاهما أو بغير رضاهما (18، 19). وقد دافع عن عيينة وخارجة من بنى فزارة (غطفان، ضد زبان بن سيار وهو زعيم

ذائع الصيت من القبيلة نفسها (27، 37، انظر Orins، 7، 302) والراجح أن ذلك حدث فى أوائل العشرينيات. وقد كان الأعشى نصرانيا كما يتبين من الأشعار 1، 7، 3، 32، 54، 5، 62 - 64، 13، 69، 34، 13. وقد تعلم الأعشى فى الحيرة حيث كان المأثور من الأساطير والشعر أوسع نطاقًا من مأثور أى قبيلة أخرى بالذات، وأسلوبه بلاغى، وفى بعض الأحيان متكلف (وخاصة فى القصيدة رقم 1)، ويتصل بهذا إثاره لوقع اللفظ وللكلمات الدخيلة (الفارسية) الطنانة، وكذلك حبه للخواتيم المؤثرة فى النفس، ونجده أحيانا يتناول موضوعات القصيدة التقليدية تناول المتحكم الذى لا يبالى. وهو شغوف بضروب مختلفة من التورية، مثال ذلك أنه فى عبارة "حريرة ودع" 1، 9) يهئ الأذهان لتكرار الموضوع فى قصيدة 6 باللجوء إلى إدخال الشعار فيها وحسب. وثناؤه على مكة ومدحه زعماء غطفان (20، 27 - 37) اللذان لا يحملان أى معنى فيما يظهر إذا تجاوز هذا الغرض، يدلان على تنقلات الأعشى الذى كانت لديه فى الحالين أسباب وجيهة لتحاشى موطنه. وتفصح الأبيات الأولى من المكان الذى تصادم فيه مع جهنام، وتكشف الأبيات الثانية عن عزمه على المضى فى خصومة زبان الذى اسقطه من مديحه فى زعماء غطفان. والظاهر أن الأثر المباشر للشاعر قد اقتصر على تلاميذه (النصارى) ومزيفى شعره المجهولين الذين كانوا يعولون على الحصول على رعاية الأشعث. وتشمل آثارهم جل الجزء الثانى من ديوانه (رقم 52 - 82) وإن كان الجزء الأول أيضا يشمل كثيرًا من الأشعار المشكوك فى صحة نسبتها إليه. المصادر: (1) ديوان الأعشى، طبعة Geyger (سلسة التذكارية، المجموعة الجديدة، جـ 6) لندن سنة 1928 م. (2) بروكلمان، 37 G، رقم 1، ص 65 - 67. (3) محمد بن سلام: الطبقات، ص 18. (4) , Oriens: Caskel 7، ص 302. خورشيد [كاسكل W.Caskel]

أعيان

أعيان جمع "عين" بمعنى "السيّد"؛ وتستعمل فى كثير من الأحيان بمعنى الشخص البارز فى عهد الخلافة وفى عهد غيرها من النظم الإسلامية (انظر الكتاب المشهور "وفيات الأعيان " لابن خَلَّكان). ونشأ من استعمال "أعيان" أول الأمر بمدلول يقتصر على أبرز السكان فى مركز من المراكز أو حى من أحياء مدينة أن هذا المصطلح الذى غلب استعماله بالمفرد قد اكتسب فى عهد الحكم العثمانى معنى أكثر تحديدًا، فقد أصبح يطلق فى القرن الثامن عشر الميلادى على أولئك الأفراد من الأعيان الذين كانوا يمارسون لأول مرة نفوذًا سياسيا وكان لهم كيان وظيفى. وثمة عامل من عوامل تسنم هؤلاء لهذا النفوذ هو استحداث الباب العالى فى القرن السابع عشر الميلادى لمزارع "المالكانه" الالتزامية أى المزارع التى تؤجر لملتزميها مدى حياتهم، ذلك أن كثيرًا من هذه المزارع قد التزم بها مثل هؤلاء الأعيان المحليين الذين لم تقتصر فائدتهم منها على انتعاش حالتهم المالية بل تجاوزت هذه الفائدة إلى حد السيطرة الفعلية على المراكز التى تنتسب إليها هذه المزارع. وأثناء الحرب بين الروس والعثمانيين سنة 1767 - 1774 كان معظم اعتماد الباب العالى على الأعيان فى جميع أرجاء البلاد فى رصد الاعتمادات للجيش وتزويده بالمجندين. وقد اعترف بهم رسميًا فى حينه ممثلين مختارين للشعب أمام الحكومة، وزوّدهم ولاة الأقاليم بوثائق عرفت باسم "أعيانلق بيوريلديسى" لقاء أداء رسم هو الـ "أعيانيه ". وقد نقل هذا الاختصاص فى التعيين من الولاة إلى الصدر الأعظم سنة 1779، وكان الولاة قد أساءوا استخدام هذا الحق. وتقرر سنة 1786 إلغاء نظام الـ "أعيانلق" إلغاء تامًا. فلما شبت الحرب مرة أخرى فى السنة التالية، ألفى الباب العالى نفسه عاجزًا -كما حدث من قبل- عن الاستغناء عن عون هؤلاء الأعيان المحليين. ومن ثم أحييت "الأعيانلق" فى

حينه. وقد ظهر كثير من الأعيان فى الروملّى والأناضول إبان حكم سليم الثالث ومصطفى الرابع ومحمود الثانى، وكان لهم شأن فى شئون الدولة العثمانية يشبه كل الشبه شان الديره بكيه ذلك أنهم كانوا يتحدّون الباب العالى مددًا طويلة ويحكمون المراكز التى بسطوا عليها سلطانهم حكما مستقلا فى الواقع، ولو أنهم كانوا فى كثير من الأحيان يزودون الجيش العثمانى بالمجندين فى حالة الحرب. وربما كان أشهر هؤلاء باسوان اوغلى (وقد كان ابن عين من الأعيان وإن لم يكن هو نفسه من الأعيان بالمعنى الدقيق للفظ) والبيرقدار مصطفى باشا (وكان قد أصبح من الأعيان فى مستهل حياته العملية) واسماعيل بك السيروزى وكان جل هم السلطان محمود الثانى فى النصف الأول من حكمه منصرفًا إلى فل نفوذ الأعيان وبكوات ديره فى الولايات. المصادر: (1) إسلام أنسيكلوبيدياسى، هذه المادة بقلم أ. حقى أوزون جارشيلى. (2) Tableau de: Mouradiea d' ohsson l'Empire Ottoman جـ 7، ص 286. (3) أحمد جودت: تاريخ، جـ 10، ص 87، 116 - 118، 147 و 191، 194، 197، 209، 216. (4) لطفى: تاريخ، جـ 1 ص 11 - 12. (5) مصطفى نورى: نتائج الوقوعات، جـ 3، ص 74؛ جـ 4، ص 35 - 36، 42، 71 - 72، 98 - 99. (6) أحمد راسم: عثمانلى تاريخى، جـ 3، ص 1029؛ جـ 4، ص 1663 - 1664، 1714. (7) عثمان نورى: مجلة أمور بلديَّة، جـ 1، إستانبول سنة 1922، ص 1654 وما بعدها. (8) Moustafa Pasha: A.F.Miller Bayraktar. (9) -Ottomans - Kaya Imperia v Na chale XIX vxeka موسكو سنة 1947، ص 363 - 365. (10) أ. حقى أوزون جارشيلى: عالمدار مصطفى باشا، إستانبول سنة 1942، ص 2 - 7.

أغا

(11) Islam-: H.A.R Gibb & H.Bowen is Society and the West . أكسفورد سنة 1950، جـ 1، الفهرس خورشيد [بووِن H. Bowen] أغا ومعناها فى اللغة التركية الشرقية الأخ الأكبر، وعند قبيلة ياقوت "أكا" معناها أب (Jnxcrintinac de: V. Thomsen dechifrees I'Orkhon ص 98 س 17 - 18، أكا) ومنها كيبلكر أغاسى ومعناها الجد أو العم، وفى لهجة الجواش معناها الأخت الكبرى. ومعنى أغا فى التركية العثمانية الرئيس أو الشيخ أو السيد، ويحمل هذا اللقب الآن صغار الضباط إلى رتبة نقيب وكذلك يطلق لقب أغا على خصيان القصر السلطانى. وكان يمنح فيما سبق للضباط العظام. وكان عدد الـ "ركاب أغالرى" -وهم الضباط الذين يسيرون فى ركاب السلطان- ستة وهم: "بستانجى باشى"، ورئيس الإصطبلات، ورئيس الحجاب .. الخ. وكان أغا قره قولاق -وهو من ضباط الحرس- فى خدمة أغا الإنكشارية، وكان يراقب من برج مرتفع أحياء الآستانة المختلفة، ففى حالة شبوب النار مثلا فى جهة من الجهات يسرع باستطلاع الخبر ثم يبادر بإبلاغه إلى السلطان. وكان أغوات القصر ينقسمون إلى سود يطلق عليهم "قره أغالر" وبيض يطلق عليهم "آق اغالر"، ولا وجود الآن إلا للأغوات السود ويسمى رئيسهم "قيزلر" أغاسى ومعناها "أغا البنات " ويلقب بصاحب السعادة ورتبته تلى الصدر الأعظم، وشيخ الإسلام. وكان رئيس الأغوات البيض يسمى فيما مضى "قيواغا". أما أغا الإنكشارية "يكى جرى أغاسى" فكان قائد هذا الجيش، وكانت له الأسبقية على جميع الضباط وكذلك على وزراء الدولة. وفى عهد المغول أطلق هذا اللقب أيضا على أميرات البيت المالك (Hist. des Mongols: Quatrembre ص 309، ص 40) ويكتب الفرس هذه الكلمة "آقا" وينطقونها عادة "آغا" كما

كان يفعل الأتراك العثمانيون (Seyyid Ali-Mohammed: A.L.M Nicalas dit le Rab. باريس سنة 1905، ص 161, تعليق 125). المصادر: (1) Versuch eines Wor-: W. Radloff terb . جـ 1، ص 134. (2) Etymolog Worterb.: H.Vambery d.turko - tatar Sprachen، ص 6. (3) Diction.: Barbier de Meynard turc Francais، جـ 1، ص 74. (4) Tableau de l,empire: D,Ohsson Ottoman جـ 7، ص 14 وما بعدها، ص 54 وما بعدها، ص 313 - 353 [إيوار Cl. Huart] + أغا: كلمة استعملت بعامة فى اللغة التركية الشرقية بمعنى "الأخ الأكبر" وهى تقابل فى بعض الأحيان "إينى" أى "الأخ الأصغر". ولكن "آكا" فى لهجة قبيلة ياقوت تدل على "الأب " (انظر V.Thomsen: -In Dechifreec l.Orkhon scriptions de، ص 98 "آقا")، وفى كيبل كرأغاسى تدل على الأب والعم؛ وفى لغة الجواش بمعنى الأخت الكبرى. أما عند المغول فقد ظهرت هذه الكلمة من قبل مستعملة لقبا من ألقاب التشريف، وذلك أن أميرات الأسرة الإمبراطورية كن يلقبن بها (انظر Histoire des Mon-: Quatreme gols، 39 - 41) . وأغا فى التركية العثمانية "وتنطق عادة "آئا" بل "آ") معناها "الرئيس" و"السيد" وتدل فى بعض الأحيان على (مالك الأرض)؛ وهى تطلق أيضا على رئيس الخدم فى منزل وترد مقرونة بكثير من الكلمات مثل: "جارشى أغاسى" (مفتش السوق) و"خان أغاسى" (رب الخان) و"كوى أغاسى" (شيخ القرية) و"أغا بك" (الأخ الأكبر -انظر ما سبق- أو الأكبر مقامًا أو سنًا). وأغا، من حيث هى لقب، ظلت تطلق حتى عهد الإصلاح -بل بعد ذلك فى بعض الأحيان- على أشخاص كثيرين

متفاوتى الشأن فى خدمة الحكومة، وكان هؤلاء فى الغالب يشغلون وظائف ذات صبغة عسكرية أو قل إنهم كانوا على الأقل فى وظائف غير وظائف أمناء السر، فيقابلون بذلك الأفندى خاصة. وكان أشهر الأغوات من هذا القبيل هم أغوات الإنكشارية "يكى جرى أغاسى" ومعظم ضباط الجيش القائم الذى يقابله الجيش الإقطاعى؛ والأوزنكى أو الر كاب أغالرى، وأغلبية الضباط العاملين فى خدمة القصر السلطانى فى داخله وفى خارجه. على أن كخيا (كتخدا) الصدر الأعظم كان يلقب أيضًا بلقب أغا، دهان كانت واجباته إدارية وكتابية بحتة، ومن ثم فإن كلمة أفندى كانت تضاف فى حالته عادة إلى لقب أغا فكان يسمى "أغا أفنديمز". وهكذا كان شأن رؤساء الخصيان العاملين فى القصر السلطانى فكان يطلق عليهم "باب السعادت أغاسى". أو"قابى أغاسى" (أى الأغوات البيض)، و"دار السعادت أغاسى" أو"قيزلر أغاسى" (أى) الأغوات السود"، وكذلك الأغوات الذين فى خدمة "والدة سلطان" وأميرات البيت المالك. ومن ثم جرت الحال بأن يعرف الخصيان الذين يستخدمهم عمال الدولة أو أهل اليسار باسم "حريم أو خادم أغالرى" حتى أصبحت كلمة أغا وحدها تدل فى بعض الأحيان على "الخصى". ولما أبطل نظام الإنكشارية وأنشأ السلطان محمود الثانى "العساكر المنصورة"، جرت العادة بأن يلقب بلقب "أغا" الضباط الأميون حتى رتبة القائمقام وأن يلقب الضباط المتعلمون الذين يساوونهم فى الرتبة بلقب أفندى. وظل هذا العرف جاريا بين الناس حتى زوال الحكم العثمانى. وكان يوجد حتى إقامة الدستور رتبة عسكرية بين اليوزباشى والبكباشى تسمى "قول أغاسى (أى قائد جناح). وأغا -التى ترسم فى كثير من الأحيان "آقا"- تستعمل أيضا فى الفارسية، وهنا تعود الكلمة فى بعض الأحيان إلى مدلولها "الخصى" كما فى حالة أول ملوك القاجار بخاصة آغا محمد شاه.

أفغانستان

المصادر: (1) Versuch eines War-: Radloff " terbuch d.Turko - Tatar Sprachen , جـ 1، ص 5 - 6. (2) Etymologisches: H. Vambery Worterbusd.0.Turko ' Tatar sprachen (3) Dictionnaire: Pavetede Courteille Turec - Oriental، 24. (4) A Trkish and English: Redhouse Lexicon، سنة 1921، 146. (5) عطا: تاريخ، فى مواضع مختلفة، وخاصة الاقسام المبتدئة بصفحة 7، 30، 72، 138، 157، 182، 205، 209، 257، 290. (6) Tableau de l'Em-: M. d' Ohsson pire Ottoman جـ 7، وانظر الفهرس. (7) إسلام أنسيكلوبيدياسى، مادة أغا. (8) Gibb & Bowen: Islamic Society، and the West جـ 1، 1، الفهرس خورشيد [بووِن H. Bowen] أفغانستان * (1) جغرافيتها، (2) أجناسها، (3) لغاتها، (4) دينها، (5) تاريخها. ¬

_ * يبلغ عدد السكان: 16.903.000 نفس الكثافة: 97 فى الميل المربع التركيب العرقي: 38 % من الباشتون 25 % من الطاجيق، 6 % من الأوزبك، 19 % من الهازارا اللغات الرئيسية: - لغة الباشتو 38 % - لغة الدارى (الفارسية) التى يتحدث بها الطاجيق والهازار 50 %. - اللغة الأوزبكية التركية 11 %. الدين: الاسلام: - المذهب السنى 85 %. - المذهب الشيعى 15 %. نبذة عن المساحة والوصف الجغرافى: تبلغ مساحتها 251.825 ميل مربع، وتقع جنوب شرق قارة آسيا، شمال غرب شبه القارة الهندية. جيرانها: باكستان إلى الجنوب والجنوب الشرقى، وايران إلى الغرب، تر كمانستان وطاجيقستان وأوزبكستان إلى الشمال، وتلامس الصين فى حد قصير جدا، فى الشمال الشرقى. الوصف الجغرافى بإيجاز: فى معظمها جبلية، وكثير منها فوق 4.000 قدم فوق سطح البحر، أما قمم هندوكوش فتبلغ 16.000 قدم فوق سطح البحر، وتصل إلى الشرق من كابول إلى 25.000 قدم ولممر خيبر أهمية عظمى فى التجارة مع باكستان، ويبلغ طول هذا الممر 35 كيلومتر، المناخ جاف وفى باكستان نطاق صحراوى. =

(1) جغرافيتها القطر الذى يعرف الآن بأفغانستان لم يحمل هذا الاسم إلا منذ منتصف القرن الثامن عشر حين استتبت السيادة فيه للجنس الأفغانى؛ وكان من قبل أقاليم مختلفة تحمل تسميات متمايزة، ولكن القطر لم يكن وحدة سياسية محددة، كما أن أجزاءه لم تكن ترتبط فيما بينها بأى رباط يميزها من حيث الجنس واللغة. وكان المعنى الأول للاسم لا يتعدى مدلوله "بلاد الأفغان"، وهى رقعة من الأرض محدودة لم تكن تضم كثيرًا من أجزاء الدولة الحالية، وإن كانت تشمل أقاليم كبيرة تتمتع الآن باستقلالها أو تدخل فى حدود باكستان. وأفغانستان، فى تكوينها الحالى تحت حكم ملوك من الباركزائى (أمراء فيما سبق)، تتكون من صقع غير منتظم الشكل بين خطى عرض 29 ْ 30 َ و 38 ْ 30 َ درجة شمالا، وبين خطى طول 61 ْ و 75 ْ درجة (أو 71 ْ 30 َ درجة شرقًا إذا اسقطنا للك الشقة الطويلة من الأرض المعروفة باسم "وَخان"). ¬

_ = أهم المدن: كابول، العاصمة. الحكومه: تولى برهان الدين ربانى الحكم فى 28 يو نيو 1992, وفى أفغانستان 30 مديرية (ولاية). فى 1978 حدث انقلاب دموى يسارى موالٍ للاتحاد السوفيتى ووقع قادة الانقلاب اتفاق اقتصاديا عسكريا مع الاتحاد السوفيتى. وفى ديسمبر 1979 بدأ الاتحاد السوفيتى فى تقديم المساعدات عبر خط جوى كثيف للانقلاب. وبدأت حرب شرسة بين اليساريين والقوات السوفيتية من ناحية والمسلمين المناهضين لهذا الاتجاه، وتفيد التقارير أن حوالى 15.000 كتيبة سوفيتية قد أبيدت فى هذه الحرب على أيدى المسلمين المناهضين والذين عرفوا بالمجاهدين الأفغان. وفى 14 إبريل 1988 تم توقيع معاهدة بوساطة الأمم المتحدة تقضى بانسحاب القوات السوفيتية، واعتبار أفغانستان دولة محايدة وإعادة اللاجئين. ومع هذا استمر "المجاهدون الأفغان" فى الحرب ضد القوات السوفيتية طالما هى فى أفغانستان. وفى 15 فبراير 1989 تم الانسحاب النهائى للقوات السوفيتية. وبدأت الحرب بين الفصائل الافغانية والحكومة الموالية للسوفيت. وفى 28 أبريل بات واضحا أن كفة الفصائل الانتمانية الاسلامية قد حققت السيادة على حكومة نجيب أن الموالية للسوفيت. ومنذ 1979 سقط فى هذه الحروب مليونان سنة من الأفغان، بينما غادر ستة ملايين بلادهم أفغانستان. وبعد خروج السوفيت وانتصار الثوار نشبت المعارك بين الفصائل المختلفة. وفى 28 يونيو 1992 أصبح برهان الدين رباني رئيس للبلاد إلا أن المعارك الضارية استمرت حول كابول وأماكن أخرى سنة 1994 و 1994. وفى منتصف 1944 كان لا يزال هناك ثلاثة ملايين أفغاني لاجئين فى باكستان وإيران. ومن المتوقع أن يظل الصراع قائما بين تيارين: التيار الغسلامي المتشدد، والتيار الأقل تشددا، كما لا يخلو الصراع من أبعاد عرقية. [د. عبد الرحمن الشيخ]

التكوين الجيولوجى: هذا القطر هو الجزء الشمالى الشرقى من الهضبة الإيرانية الكبيرة (ويحده من الشمال الغور الأسيوى الأوسط، والى الشرق منه تمتد سهول السند والولاية الشمالية الشرقية الباكستان القائمة على الحدود، ويهبط القطر إلى الجنوب والغرب منحدرًا حتى يندمج فى الصقع المنخفض الذى يشغل الجزء الأسط من الهضبة، وهو يتصل من جانبه الجنوبى الشرقى بمجموعة جبال بلوجستان. والحاجز الشمالى من الهضاب هو سلسلة الجبال التى تمتد غربًا من البامير بما فيها حافتها البارزة "بند تركستان " التى يمتد فيها وراءها بسيط من الرمال ورواسب الطمى حتى يبلغ نهر جيحون. وفى الشرق ينحدر القطر انحدارًا فجائيًا نحو نهر السند. ومن ثم فلسوف نرى أن القطر كله، باستثناء سهل التركستان المكون من رواسب الطمى، ينتسب إلى الهضبة، التى هى فى ذاتها تكوين جيولوجى متأخر من العصر الثلاثى قوامه الحجر الرملى والحجر الجيرى. وكان الجزء الشمالى الشرقى من الهضبة فيماسبق جزءًا من محيط كبير يصل غور بحر قزوين بسهول باكستان. والثوران الذى رفع الأرض لا يزال يعمل عمله، ويرى هولدخ أن الخوانق العجيبة فى مبلغ عمقها ترجع إلى أن فعل التآكل فى الأنهار أبطأ من أن يتمشى مع حركة الثوران التى ترفع الأرض. التقسيم السياسى: يتبع التقسيم السياسى للقطر التقسيم الطبيعى. كابل: تشمل ولاية كابل الأودية المرتفعة الخصيبة حول المجارى العليا لأنهار كابل ولو غَر وتكاو ونهر غزنة، كما تشمل الجزء الأسفل من وادى كابل قرب جلال آباد؛ وكانت غزنة (انظر هذه المادة) فيما سبق أهم مدينة فى هذه المنطقة، ولكن كابل حلت محلها فى الأربعمائة السنة الماضية. وقد اعترف بكابل مقرًا للحكم فى عهد أباطرة المغل، واتخذها الملوك الدرّانية قصبة لهم بدلا من قندهار. ومنافستها القديمة يشاور هى المركز الطبيعى للقبائل التى تعيش فى السهول القريبة من نهر السند، ولكنها اقتطعت من أفغانستان منذ أن

انتزعها السيخ سنة 1834 م، وأصبحت من سنة 1848 م إلى سنة 1948 م جزءًا من الهند البريطانية. قندهار: تشمل قندهار الولاية القديمة زمين داور، كما تشمل الوديان السفلى لأنهار هلمند، وترنك، وأرغنداب، وأرغسان، التى هى أهم مواطن الدرّانية. وكانت المدينة الحديثة قندهار القائمة على نهر أرغنداب قصبة الولاية منذ القرن الرابع عشر الميلادى، وقد حلت محل مدن قديمة مثل كرشك وبست. سيستان: هى الكورة الحارة الخصبة الواقعة حول هامون؛ على أن جزءًا كبيرًا منها يتبع فارس؛ وهى لا تشمل على مدن كبيرة. هراة: وتشمل ولاية هراة وادى هرى رود الخصيب والاقليم المكشوف الممتد بين جبال هزاره وحد فارس، كما تشمل جزءًا كبيرًا من هذه الجبال تسكنها قبيلتا هزارة وجهار أيماق. وقصبة الولاية مدينة هراة التى هى من اهم المدائن فى تاريخ الشرق. وبالرغم من أن هذه المدينة قد فقدت مجدها القديم فإنها لا تزال مكانًا هامًا ويجب أن يكون هذا شأنها، ولاشك أنها سوف تنمو نموًا عظيمًا بفضل الأمن وتحسن أسباب المواصلات. وسبزوار أيضًا مدينة مزدهرة فى جنوبى الولاية. هزارستان: هى اقليم قبيلتى هزاره" و"جهار أيماق" الذى يقوم فى الكتلة الجبلية التى يحدها من ناحية الشمال كوه بابا، ويحدها من الغرب إقليم هراة؛ ومن الشرق والجنوب وادى هلمند. وهى البلاد التى عرفت قديمًا باسم غور، والراجح أن خرائب مدينة غور تحدد موقع القصبة القديمة فيروزكوه حيث كان الملوك الغورية يحكمون فى القرن الثانى عشر الميلادى؛ وليس فيها الآن مدينة ذات شأن. تركستان: تعرف البلاد التى تمتد شمال كوه بابا حتى نهر جيحون بالتركستان، وقصبتها القديمة بَلْخ قد فقدت شأنها القديم، أما المراكز الحالية للإدارة فهى مزار شرف و"طاش قورغان" و"ميمنة". بذخشان: يعرف ببَذخْشان الإقليم الذى يقوم شمالى هندوكُش وشرقى

التركستان بمحاذاة الضفة اليسرى لنهر جيحون، ويروى هذا الإقليم نهر "قُنْدز" وروافده. وخان: يقوم أقصى من ذلك شرقًا الوادى الجبلى الطويل المعروف بوَخَان وهو يمتد حتى جبال بامير. نورستان: منطقة جبلية من هندوكش تقوم شمالى وادى كابل وغربى كونر ويسكنها الكافرية، وقد عرفت هذه المنطقة بكافرستان، ولكن اسمها تعدل إلى نورستان بعد غزوة عبدالرحمن خان سنة 1897 م. (2) أجناسها ينقسم سكان أفغانستان إلى المجموعات الرئيسية التالية: (1) الأفغان، (2) التاجيك والإيرانيين، (3) المغول الترك، (4) سكان هندوكش الهنديين الآريين. (1) الأفغان: انظر المادة السابقة. (2) التاجيك: وهو الاسم العام لسكان أفغانستان الذين يتحدثون باللغة الفارسية، ويطلق عليهم أيضًا "الدهكانية"و"الدهوارية" فى الشرق والجنوب، وهم قرويون؛ وكذلك يتكلم الفارسية سكان معظم المدن. وليس للتاجيك نظام قبلى، إلا فى بعض أصقاع قاصية، والتاجيك فى القرى مستأجرون للأرض مسالمون. وهم فى هراة وسجستان امتداد مباشر لفرس بلاد فارس، أما فى شمالى أفغانستان (من مَيْمَنَة إلى بَذَخْشان) فإنهم يتصلون بتاجيك الاتحاد السوفيتى. ويشغلون فى جنوبى شرق أفغانستان بعضًا من أخصب الكور الزراعية حول منطقة غزنة وفى إقليم كابل (كوه دامن وبنجشير وغيرهما). وهم من حيث علم الجنس الإنسانى مختلطون أشد الاختلاط، على أن تاجيك بذخشان من سكان التلال وتاجيك شمالى أفغانستان هم بصفة عامة من الجنس الألبى. والراجح أن كثيرًا من التاجيك جنوبى هندوكش ينتمون إلى الجنس الإيرانى الأفغانى. ومع ذلك فإن بعض تاجيك بذخشان من سكان التلال لا يزالون يحتفظون بلغاتهم الإيرانية القديمة. ويصدق هذا على البراجية شمالى كابل والأورْمُرِئة فى وادى لوكر. وقد انحدر

القزلباش من الترك الفرس الذين أسكنهم نادر كابل وهراة. (3) القبائل التركية والمغولية: تكوّن القبائل التركية فى شمالى أفغانستان فريقًا هامًا - أو قل مسيطرًا - من السكان؛ وقد استقر معظم الأوزبكية فى القرى والمدن، وقد قدّر جارنك - Jar ring عددهم بخمسمائة ألف نسمة تقريبًا. وإلى الغرب منهم، بين أندخوى وبالا مرغاب، نجد البدو التركمان وخاصة إلى "إرسرّية" (ويرتفع عددهم فيما يقدر إلى 200.000 نسمة). ويعيش فى يامير الأفغانية حوالى 300.000 نسمة من البدو القرغيز. وتمثل بعض القبائل التركية الأخرى أيضًا فى أفغانستان. وأغلب الظن أن الأتراك النازلين فى كوهستان [فوهستان] وكوه دامن شمالى كابل قد تخلوا الآن عن لغتهم القومية. وفى الكتلة الجبلية الوسطى -من غزنة إلى هراة ومن شمالى باميان إلى منتصف هلمند- تسكن قبائل من أصل أو جنس مغولى أو تركى مختلط، وتنتشر هذه القبئل حتى تدخل فى فارس أيضا. والجزء الشرقى من هذا الصقع هو موطن الهزارية أو "البربرية". وهم يتشعبون عدة قبائل: الداى -كُندى، والداى- زنكى، والجاغُرِى وغيرها. وقد استقر الهزارية فى القرَى، وسكن زعماؤهم السابقون ذوو السلطان العظيم فى قلاع النبلاء؛ وهم شيعيون، وكانوا يحتفظون بما يشبه الاستقلال حتى عهد الأمير عبد الرحمن، وقد اتهمهم جيرانهم السنيون بممارسة شعائر "إطفاء المصابيح " المخزية والتسهل فى الآداب الجنسية بصفة عامة. فلما أخضعهم الأمير الأفغانى آخر الأمر سعى كثير منهم إل الالتجاء إلى كَوَطَّة وغيرها من الأماكن خارج أفغانستان. ويشتغل عدد كبير من الهزارية عمالا فى كابل وغيرها من المدن. وفيهم بلا شك سمات من الجنس المغولى ولكنهم فى العادة يتميزون عن الأوزبكية الذين تزداد وجوههم فلطحة عن الهزارية. وأقصى من ذلك غربًا، على جانبى هرى رود، نجد الجهار أيماق، ومعنى الاسم: القبائل الأربع السنيين، وهو مصطلح يستخدم فيما يظهر بشئ من التساهل

ولكنه يشمل عادة التَيْمَنِيَّة (جنوبى هرى رود) والفيروز كوهية (شمالى هذا النهر) والجمشيدية (كوشك) والتيمورية (غربى هراة فى فارس) والهزارية (قلعة نو)، والراجح أنهم لا يلتبسون بالهزارية الشرقيين؛ ويظن فى كثير من الأحوال أن الهزارية انحدروا من جنود جنكيز خان، على أن الاحتمال الأرجح أن عناصر مغولية، وتركية إلى حد ما، قد احتلت شيئًا فشيئًا الأراضى التى خربها هو وخلفاؤه (انظر Bacon: المصدر المذكور). (4) الهنود الآريون والكافرية: وأهم القبائل الهندية الأوروبية "الدردية" فى أفغانستان هم البشائية (ويعرفون محليًا أيضًا بالدهكانية) فى كوهستان كابل ولَغْمان ووادى كونر الأسفل. وهم بقايا سكان كابشه ونكرهاره الهنود والبوذيين القدماء. وهناك أيضًا بعض جماعات صغرى من أصل هندى آرى فى إقليم كونر. ويسكن نورستان (كافرستان فيما سبق) عدد من القبائل تتميز لغويًا من الهنود الأوروبيين الأقحاح وقد غزا هؤلاء آخر الأمر عبد الرحمن سنة 1896 م، وأدخلوا فى الأسلام، وظل بعض القبائل الدردية أيضا على الوثنية حتى عهود حديثة بعض الحداثة. ويسمى الكافرية الآن النورستانية أو الجديدية أى الداخلون الجدد فى الإسلام. وكانت ديانتهم القديمة شِرْكًا من طراز هندى، وعبادة مجموعة من الآلهة تختلف من قبيلة إلى قبيلة. وليس بين أيدينا شاهد على أنهم من أصل إغريقى كما يقال على سبيل التأكيد فى بعض الأحيان. وكان جيرانهم يقسمونهم إلى "سياه بوش" أى ذوى الأردية السواء (الكاتبة والكامبة) و"سعيد بوش، أى ذوى الأردية البيضاء (الوايكلية والأشكونية والبرسونية والبرونيوية). ويضم الكافرية من حيث الجنس عناصر شرقية ودينارية وشمالية علاوة على جنس قصير ذى رؤوس مستطيلة له صلة بسكان غربى الهمالايا. ونسبة أصحاب الدم الأشقر مرتفعة بين بعض القبائل. وثمة بعض الجاط فى أفغانستان، ويوجد قليل من الكوجرية فى وادى

كونر. أما الهندوس فقد استقروا تجارا ومسلفى نقود فى كابل ومدن أخرى، وزراع حدائق فى كوه دامن شمالى كابل. (3) اللغات يذكر بابر إحدى عشرة لغة يتحدث بها القوم فى إقليم كابل، وعدد اللغات الحقيقى فى قطر أفغانستان كله أكبر من هذا بكثير. ويتحدث معظم السكان باليشتو أو بالفارسية، وكل منهما لغة إيرانية. اللغات الإيرانية الأخرى: معظم اللهجات الفارسية التى يتحدث بها فى أفغانستان من الشعبة الشرقية التى تحتفظ بالتفرقة بين خاصة المجهول: e و o والمعروف i و u . وتندمج هذه اللهجات بإقليم هراة فى الشعبة الغربية، وتتسم لهجة الهزارية بسمات خاصة بها. أما لهجة البلوجى فهى تجاوز -أو تكاد- الحد إلى الصحراوات الجنوبية. والأورمرية فى وادى لوغر جنوبى كابل فى طريقها إلى الاندثار، ولكن القوم لا يزالون يتحدثون بها فى كانكرام بوزيرستان. وفى شمالى هندوكش بجبال بذخشان، بقيت اللغات المعروفة بلغات يامير أو غلجه على أن من المرجح أنها تنكمش وتحل محلها بالتدرج الفارسية التاجيكية. وهذه اللغات تشمل المُنْجى التى يتحدث بها "يِدْغَه " فى جترال) ولغة وهى التى عفى عليها الزمن فى وَخان (وهى تمتد إلى كلكت وجترال)، والسنكليجى والزيباكى، والإشكاشمى عند ثنية نهر جيحون وفى وادى وردوج الأعلى؛ والشُغْنى، والروشانى فى وادى جيحون شمالى "إشْكاشم". الهندية الآرية والكافرية: ونحن نجد، إلى جانب اللهندا التى يتحدث بها الهنود، عددًا من اللغات واللهجات الهندية الآرية على مشارف نورستان فى شمالى شرق أفغانستان؛ وهى تنتسب إلى الشعبة الدردية من الهندية الآرية، وأهمها البشائى التى لها عدة لهجات تختلف فيما بينها اختلافا واسعا، وهى غنية فى ميدان الشعر الشعبى، ففى وادى كونر لصق حد جترال، يتحدث القوم بالكاور باتى. أما اللغات الكافرية (كاتى، ووايكلى،

وأشكون، وبرسون) فلها مكانة مستقلة بعض الاستقلال، ولاشك أنها انشعبت من الهندية الآرية فيما قبل العهود الفيدية، ولكن هذه اللغات تكتظ الآن بعناصر هندية آرية خالصة. لغات ليست هندية آرية: يتحدث باللهجات التركية الأوزبكية التركمانُ والقرغيزُ فى شمالى أفغانستان. وقد تخلى معظم الهزارية الآن عن لغتهم القديمة، والراجح أن هذا هو الحال بالنسبة للجهار أيماقية. ولكن ماكنزى F. Mackenzie كان لا يزال قادرًا (استنادًا إلى اتصال شخصى) سنة 1951 م على أن يجمع قوائم بكلمات تشمل كثيرًا من الألفاظ المغولية الأصل من بين الهزارية فى بيهسود والمغول فى شمالى ميمنة. ويقال إن بعض البدو غربى مزار شريف لا يزالون يتحدثون بالعربية، ويصدق هذا أيضًا على بعض العرب فى تاجيكستان. (4) الدين منذ دخول الكافرية فى الإسلام أصبح جميع سكان أفغانستان تقريبًا من المسلمين، وأغلبيتهم العظمى من أهل السُّنة. أما الشيعة فهم الهزارية والقزلباش وكيانية سيستان (سجستان) وهراة، وقليل من القبائل البطهانية على الحدود (التورية، وبعض بطون من الأوركزائى وبنكش إلى جانب أشراف تراه) وبعض الكوهستانية والبذخشية. والاسماعيلية من هؤلاء هم سكان بذخشان (ويدخل فيها شُغْنان ووَخان وغيرهما) وكثير من بشائية لغمان والوديان المتاخمة، ويطلق البذخشية على أنفسهم لقب الملّائية وعرف البشائية بالعلى إلهية (انظر Guide to Ism: Ivanow، ص 9). وقد يكون بين البطهانية الشيعة بعدُ أتباع فى الخفاء للزنديق الكبير بايزيد أنصارى. والإسلام على مذهب أهل السنُّة ثابت مكين فى أفغانستان، والشريعة الإسلامية فيها مرعية. ويؤخذ الهنود والشيعة بالتسامح، أما الأحمدية فلا يسمح لهم بدخول البلاد، كما أن بعثات التبشير انمسيحية محرمة، ويقدس الناس أولياء أفغانستان وقبورهم. وكثيرا ما كان للملاوات بين القبائل

البطهانية على الحدود شأن هام فى السياسة المحلية وفى إعلان الجهاد. خورشيد [موركنستيرن G. Morgenstierne] (5) التاريخ 1 - ما قبل الإسلام إن البقاع التى تعرف الآن بأفغانستان كانت تسكنها قبائل إيرانية أثناء الهجرات الآرية فى الألف الأول والألف الثانى قبل الميلاد، وقد أدخلها قورش فى الإمبراطورية الأكمينية وتنازعها بعد غزوات الإسكندر (انظر Alexander the Great: W. W. Tarn, كمبردج سنة 1948 م) أهل بلخ (Bactri) المتأغرقون والفرثيون (انظر The Greeks in Bac-: W. W. Tarn tria and India، كمبردج سنة 1952 م). وفى القرن الأول قبل الميلاد حدث تدفق جديد للقبائل الإيرانية تحت زعامة قبيلة يوه تشى الكوشية. والامبراطورية الكوشية - التى بلغت أوج عزها بزعامة كوجولا كادفيسس فى القرن الأول الميلادى وبزعامة كانشكا فى القرن الثانى (انظر- ln History of Cambridge dia، سنة 1935 م؛ R .Ghirshman Begram. Recherches archeologiques et historique sur les Kouchans القاهرة سنة 1946 م) قد سقطت آخر الأمر فى يد الساسانيين وعلى رأسهم شابور الثانى (سابور)، والراجح أن ذلك حدث فى منتصف القرن الرابع الميلادى. وحدث بُعيد سنة 350 م أن وقع ضغط من العناصر المغولية التركية من ناحية الشرق على قبائل يوه تشى التى بقيت فى كاشغريا، فدفع هذه القبائل الى الظهور فى بكتريا (بلخ) يعاونها حلف من قبائل من اصل متقارب تعرف بالجيونية (انظر Les Chi-: R. Ghirshman onites-hephtalites، القاهرة سنة 1948 م ص 69 وما بعدها). وسار سابور لملاقاة الغزاة على الرغم من الحرب التى كانت قائمة بينه وبين رومة، ولكنه اضطر إلى التصالح معهم وإسكانهم فى بكتريا وأقاليمها الخارجية لقاء معاونتهم له على الرومان. ولم يلبث كِدَرا ملك يوه تشى - أو "الكوشانيين الصغار" أن مد فتوحه الى جنوبى هندوكش. وضم باروبا ميساد وكندهاره. وإلى وقت هذا التوسع يجب

أن نُرجع قيام قبيلة من الجيونية والزابلية فى غزنة. وقد أدت الجهود التى بذلها كِدَرا لدعم استقلاله إلى صدام جديد مع سابور، وانحاز الجيونية فيه إلى سابور؛ وفقد كدرا مملكته، والراجح أنه فقد حياته. وانتقلت باكتريا إلى أيدى الجيونية المعروفين بالهياطلة نسبة إلى اسم بيتهم الحاكم. وحوالى سنة 400 م كانت الأراضى التى إلى الشمال من هندوكش وجنوبيها فى حوزة الهياطلة الجيونية الذين شعبتهم سلسلة الجبال شعبتين، ولو أن الشعبة الجنوبية كانت تعترف بسيادة الشعبة الشمالية، ومع ذلك فقد ظلت الشعبتان على ولاتهما للساسانيين وبقيت هذه التبعية ما بقى البيت الحاكم الفارسى قويا، على أنه ما وافى مستهل القرن الخامس الميلادى حتى استغل الهياطلة المصاعب التى تعانيها فارس فى نضالها مع رومة وفى دفاعها عن ممرات القوقاز ضد الترابرة وحاولوا أن ينفضوا عن كاهلهم هذه التبعية ولم ينالوا من وراء ذلك إلا العودة إلى الخضوع على يد بهرام كور فى نفس الوقت الذى أوقف فيه ملوك كوبتا ضغطهم تجاه الهند. وكان منتصف القرن الخامس الميلادى نقطة تحول فى العلاقات بين فارس والهياطلة. ففى عهد فيروز أحرز الهياطلة سنة 484 م نصراً كاد أن يحيلهم من أتباع لإيران إلى سادة لها، وظل الساسانيون يؤدون لهم جزية أكثر من نصف قرن. وإنما حدث حوالى سنة 560 م أن ظهر على مسرح الحوادث فى أواسط آسية قوم جدد هم الأتراك الغربيون، فعقد تحالف بينهم وبين كسرى الأول أدى إلى زوال دولة الهياطلة الكبرى (انظر عن علاقاتها مع الساسانيين Christen L,LRAN SOUS: A, Les SasanIDES الطبعة الثانية 1944 م). وحذت حذو الهياطلة مملكة زابل، أو مملكة الجيونية الجنوبيين. ففى نهاية القرن الخامس الميلادى حكمت أسرة جديدة البلاد التى إلى الجنوب من هندوكش. وقد قام ملكاها: تورامانا ومهراكولا (حوالى 515 - 544 م) بغزوات واسعة النطاق فى الهند. وكان الملك الثانى منصرفاً إلى عبادة إله

شمسى هو مهره، وقد خلف وراءه ذكرى اضطهادات فظيعة استمرت حتى قضى عليه حلف وطنى هندى. وقد سبق اختفاء مملكة الجيونية الجنوبيين بسنوات قلائل القضاء على سيادة الهياطلة فى البقاع الشمالية. ولما تحطمت هاتان المملكتان ظلت أراضيهما فى يد عدد من الأمراء الصغار أصبح بعضهم أقيالا للساسانيين، وبعضهم أقيالا للأتراك. وقد تمثلت الحالة السياسية لشرقى أفغانستان حوالى منتصف القرن السابع الميلادى وفى وصف الرحلات التى قام بها الجوّاب الصينى هيوون تسانغ، فقد ورد فيه -لأول مرة فى مصدر تاريخى- شعب الأفغان بصيغة "بلاد أبئوكين" الواقعة فى الجزء الشمالى من جبال سليمان (انظر. A In Vieille route de I'Inde de: Foucher Bactres a Tariln جـ 2، باريس سنة 1947 م, ص 235، 252، تعليق 17). وبعد زيارة هيوون تسانغ لها بوقت قصير حطمت أسرة تانغ الحاكمة الصينية الأتراك الغربيين وبسطت سيادتها على الأراضى التى إلى الغرب من بامير. وانقضى قرن كامل (659 - 751 م) ظلت فيه ست عشرة مملكة شمالى هندوكش وجنوبيها تعترف بسلطان الأمبراطور الصينى اعترافاً أقرب إلى الاعتراف الأسمى منه إلى الاعتراف الفعلى. أما الفاتحون العرب الذين اجتاحوا إيران بسرعة شديدة، فقد أوقفوا فى هذا الجزء من أفغانستان لما أبداه آخر الملوك الصغار الباقين من مقاومة عززتها الفق والخلافات التى نشبت بين القبائل الغازية، ولم يحرز الإسلام انتصاره الأخير جنوبى هندوكش إلا فى نهاية القرن التاسع الميلادى. ومهما يكن من شئ فإن عنصر الهياطلة لم يختف دون أن يترك آثارا فى التكوين السلالى لأفغانستان الحديثة، ولايزال يوجد فى بذخشان جماعة مهمة تحمل اسم "هَيطَل" أما عن التاريخ القديم فى جوهره فانظر أيضاً: M. McGovern w: Tge early empires of Central Asia , سنة 1939 م. خورشيد [غرشمان R. Ghirshman]

ب - تاريخها الإسلامى حتى قيام الدولة الأفغانية الوطنية: حتى العصر المغولى: الأراضى التى تكون أفغانستان الحديثة كانت تتبع فى الألف السنة الأولى من التاريخ الإسلامى ولايات مختلفة، ومع أن هذه الولايات المجاورة قد جرت عليها فى كثير من الأحيان نفس التقلبات فإنها لم تكن فى أى وقت وحدة مستقلة. وكذلك لم يُقِم الأفغان دولة خاصة بهم حتى أيام ميرويس بعامة، وأيام أحمد شاه درانى بخاصة. وحسبنا هنا أن نلم إلماما وجيزاً بهذا القطر. فى أيام الفتوح الإسلامية لم تلبث الولايات التى كانت تابعة للإمبراطورية الساسانية أن اجتيحت، وقد اخترقت موجة من الفتح سجستان، ولكن المحاولات التى ظلت تبذل خلال القرون الثلاثة الأولى لغزو كابل من هذه القاعدة لم تؤد إلى نتائج باقية حتى قيام الدولة الصفَارية. وقد قاومت ولاية كابل الاصطباغ بالصبغة الإسلامية مدة أطول من سائر الولايات الإسلامية الشرقية، ولم يتحقق هذا تمام التحقيق إلا فى عهد الغزنويين، وفى منتصف القرن الرابع الهجرى (العاشر الميلادى) انتزع ألب تكين غزنة من حاكمها السابق لَويك، وغزا زابلستان وأقام امارة مستقلة ورثها ابنه إسحق ثم ورثها مولى له هو بلكاتكين، ثم ورثها مولى آخر هو سبكتكين مؤسس الدولة الغزنوية. وكان مقر هذه الدولة فى غزنة، ومن هذه المدينة خرج محمود أعظم الحكام الغزنويين، فى حملاته على بلاد فارس غربا والهند شرقاً. ومع أن الاسم "أفغان" قد ظهر لأول مرة عند المؤرخين حوالى هذا الوقت، فإن البيت الحاكم الغزنوى لم يكن بأى وجه بيتاً أفغانيا قوميا. والراجح أن الجيوش كان معظمها من الأتراك. ولما سار محمود إلى بلخ لقتال الحاكم القره خانى كان جيشه -فى رواية العتبى- يتألف من هنود وخلج وأفغان وغزنويين، والمقصود بالغزنويين بلاشك الإيرانيون التاجيك: فى ولاية غزنة. وفى سنة 414 هـ (1023 م) هاجم محمود أفغانَ سليمان كوه ونهب منازلهم.

وما أشرفت حياة محمود على النهاية حتى كان يحكم ممتلكات واسعة تشمل غربى خراسان وجزءًا من بلاد الجبال وطبرستان. كما يشمل فى الشرق الينجاب كله. وكان نفوذه ناحية الشمال يمتد إلى ما وراء نهر جيحون، بينما يتألف مركز هذه الممتلكات من جميع البلاد التى تعرف حالياً بأفغانستان. وكان لشخصية هذا الفاتح العظيم أثر عميق، فقد أصبح بوجه من الوجوه بطلاً قومياً فى البلاد التى كانت قلب إمبراطوريته. وقد اضطر بهرام شاه (511 - 552 هـ = 1118 - 1157 م) إلى الاعتراف بسيادة السلاجقة؛ ثم ازدادت قوة زعماء الغور شيئًا فشيئًا وطردوا الغزنويين بعد صراعات طويلة. والراجح أن البيت الحاكم الغورى كان من أصل تاجيكى. وقد وقفت الغزوات التى شنها الغز والخوارز مشاهية فى طريق تقدم هذه الأسرة، وبذلك فقد الغوريون سلطانهم فى موطنهم هم، ولكنهم نجحوا فى إقامة امبراطورية فى الهند ورثها مواليهم الأتراك. وقد اضطر جلال الدين منكوبرتى السليل الأخير لبيت الخوارز مشاهية أن ينسحب أمام المغول بقيادة جنكيز خان بعد مقاومة شديدة. المغول والكرت: غزا تولى بن جنكيز هراة وسيستان (سجستان)، وغزا أكداى أيضا بلاد الغور واتخذ منها قاعدة لحملاته فغزا جبال فيروز كوه وغرشستان، كما غزا سهول كرمسير وسيستان. وأطيح بالملوك الغوريين ودمرت فيروز كوه عن آخرها. وبذلك تولك وبعض المعاقل الجبلية بعض المقاومة ولكن بلا جدوى. وكان الأمير محمد الغرشستانى سليل الملوك الغوريين من ناحية الأم - بطلاً من أبطال المقاومة فى الغور. وقد قتل فى حصن أشْير سنة 620 هـ (1223 م). وكان مؤسسو بيت كرت الحاكم من سلالته، وأدمج الجزء الأكبر من أفغانستان فى الإمبراطورية المغولية. على أن زعيما تركيا فى الشرق هو سيف الدين حسن فرلغ حاول مدة من الزمن الاستيلاء على باميان وغزنة والغور، وربما كان هذا الزعيم تحالف من قبل مع جلال الدين منكوبرتى.

ولا شك انه قد مارس سلطانه سنة 622 هـ (1225 م) وهى السنة التى ضرب فيها السكة باسم الخليفة الظاهر. وفى سنة 636 هـ (1238 م) خضع سيف الدين هذا لأكداى ووضع تحت مراقبة "شحنة" مغولى. على أنه طرد عبر وادى كرم إلى الهند، وفى السند حكم هو وابنه ناصر عشرين سنة أخرى. وقد اتخذت غزنة ووادى كرم قاعدة شن منها المغول غاراتهم الأخرى على الهند. ولم نسمع عن الأفغان فى هذه الحركات، وربما كانوا لم يبلغوا بعد شمالا وادى كرم. ولما توفى أكداى قسمت إمبراطورية المغول ووقعت أفغانستان من نصيب إيلخانية فارس. وفى ظل سلطانهم تسنمت السلطة أسرة حاكمة تاجيكية هى الأسرة الكرتية وحكمت الجزء الأكبر من البلاد ما يقرب من مائتى سنة. وكان تيمور هو الذى قضى على دولة الكرت الذين كانوا يملكون آخر جهد بذله العنصر التاجيكى فى الغور وهراة لإقامة دولة مستقلة فى بلادهم. ومن هذا التاريخ حتى قيام الأفغان فى القرن الثامن عشر الميلادى لم تتولَّ الحكم فى أفغانستان أية أسرة وطنية. تيمور والتيمورية: وقد نكبت سجستان بتخريب مروع أثناء غزوة تيمور. ولم للبث كابل وقندهار -وكان قد بدأ يكون لهما شأن- أن أخضعتا وأصبحت البلاد كلها جزءاً من إمبراطورية تيمور. وفى سنة 800 هـ (1397 م) ولى تيمور وجهه ناحية الشرق وترك حفيده يير محمد والياً على كابل وغزنة وقندهار، وأقطع ابنه مملكة خراسان وقصبتها هراة. وهاجم يير محمد أفغانَ سليمان كوه ثم تقدم إلى الهند. ولما بلغ تيمور خبر المقاومة التى لقيها يير فى مُلْتان سار هو نفسه من أندراب مخترقاً جبال هندوكش ثم انثنى عند لغمان ليهاجم سياه بوش وكافرية كتور. وبعد هذه الحملة أغار على الأفغان المتمردين ثم عبر نهر السند. وقد مر تيمور بـ "بانو" فى سيره خارج البلاد وفى طريق عودته. ومن ثم فالراجح أنه اتخذ طريق "توجى" الذى يخط بلاد الغلزائى والوزيرى. ولم نسمع أن الأفغان كانوا يعملون فى جيشه، ولو أن هذا الجيش كان فيه تاجيك.

ولما توفى تيمور سنة 807 هـ (1405 م) كان بير محمد يحكم فى كابل. على لم ن خليلاً هو الذى استحوذ على عرش الامبراطورية. وقد انتهت الحرب التى لم عقبت ذلك بقتل بير محمد. ولم يلبث خليل أن أقصى عن العرش وأصبح شاهْرُخ هو الحاكم الأعلى - وكان عهد الذى دام أربعين سنة تقريبا عهد سلام استطاعت فيه البلاد أن تفيق من أعمال التخريب التى حلت بها فى السنوات الأخيرة. وخلف شاهرخ ألغ بك فعبد اللطيف فعبد الله فبابرميرزا، وحكم كل منهم مدة قصيرة، وفى سنة 861 هـ (1456 م) اعتلى العرش أبو سعيد، ولكن مُلك خراسان وأفغانستان كان موضع نزاع بينه وبين حسين بيقرا. وقد هزم حسين سنة 870 هـ (1465 م)، ولكن أبا سعيد توفى بعد سنتين، ولم ينل خلفه سلطانُ أحمد خراسانَ بحال، وحكم حسين بيقرا بلا منازع من قصبته هراة، حكم خراسان وسيستان وغور وزمين داور. وقد بلغت هراة فى عهدى شاهرخ وحسين بيقرا الطويلين اوج شهرتها قاعدة للشعر والعلم والفن. وفى السنوات الأخيرة من عهد حسين بيقرا هدد حاكم من الشمال سلطان شيبانى وأزابكته النامى، على حين أظهرت الأجزاء الأخرى من أفغانستان ميلا إلى الانقسام إمارات قائمة بذاتها وان كان لا يحكمها امراء من أهلها. ومكن بابر لنفسه فى كابل، واتخذ لقب "بادشاه". وكانت كابل حتى ذلك الوقت تحت حكم أعضاء من البيت التيمورى يتفاوت حظهم من الاستقلال. وكان مقيم بن أرغون قد استولى عليها وشيكا حين ظهر بابر أمامها واحتلها سنة 901 هـ (1505 م). وظلت كابل تحت حكم بابر وخلفائه أباطرة الهند أكثر من مائتى سنة حتى فتحها نادر شاه. بابر، أرغون، الأوزبكية، شاه إسماعيل: وكان قيام أسرة أرغون أعظم من ذلك خطراً على مملكة خراسان. ذلك أن مؤسسها ذا النون بك أرغون سليل الإيلخانية ووالى غور وسيستان قد تلقى أيضاً بعد هزيمة قبيلتى هزارة ونيكودارى إقليمى زابلستان وكومسير. واتخذ ذو النون قندها

رقصبة له واستقل بأمر نفسه وبسط حكمه بمعاونة ابنه شاه بك جنوبا حتى ممر بولان وسيوستان، بل لقد بلغ به الأمر أن غزا هراة سنة 904 هـ (1498 - 1499 م) وجند جيشه من سكان غور وزمين داور وقندهار، ومن التاجيك والأفغان فيما يرجح. وغزا ابنه مقيم كابل كما بينَّا من قبل، وإن كانت غزوته لها لم تدم إلا مدة قصيرة. على أن غزوة شيبانى قد أثبتت زوال سلطان ذى النون بك، فقد قتل فى المعركة الأولى مع الأوزبكية، واحتل شيبلنى هراة سنة 913 هـ (1597 م). وهنالك وقع ابنا ذى النون -شاه بك ومقيم- بين بابر وشيبانى. فقد ادعى بابر، ومعه بعض الحق، أنه وريث إمبراطورية تيمور وتقدم مغيراً على قندهار، على حين تحالف أمراء أرغون على هم القديم شيبانى. وهزمهم بابر واستولى على قندهار، وترك عليها واليا من قبله هو ابنه ناصر ميرزا الذى لم يلبث ان هاجم شيبانى. وكان بابر بشخصه فى طريقه إلى هراة لتنسيق إجراءات الدفاع ضد الأوزبكية مع سلطان حسين، وهنالك سمع بوفاة سلطان حسين، فانضم إلى أبناء سلطان فى حملتهم على المرغاب، ثم زار هراة وعاد شتاءً بالطريق الجبلى إلى كابل، وكانت هذه رحلة لقى فيها وهو وجنوده شدائد عظيمة. عاد بابر إلى كابل سنة 912 هـ (وائل سنة 1507 م) فى غز الوقت المناسب للقضاء على مؤامرة خطيرة أفرخت بين أقربائه. ثم تابع حملته على قندهار فى الصيف، وما وافى شهر جمادى الأولى سنة (سبتمبر سنة 1507) حتى كان قد رجع إلى كابل ليجهز لحملة على الهند، وما إن بدأها حتى أعاده على أعقابه الخبر بأن قندهار قد سقطت وأن الأرغوتيين قد أعادهم شيبانى إلى الحكم. وكان بابر عندما بلغه هذا الخبر مشتبكا بالفعل فى حرب مع قبائل جكدلك وننكرهار الأفغانية، وهى قبائل كانت قد استقرت حديثا فى وادى كابل. ولقى بابر مشقة عظيمة فى الثبات فى كابل نفسها، ذلك.

أن سلطانه كان مهددا بفتنة وعصيان. وكان شيبانى وقتذاك مستحوذا على خراسان، وسيداً على قندهار، ولكن سلطانه كان آخذا فى الاضمحلال. وعانت جيوشه بلاء شديدا أثناء حملة شتها على جبال غور, وقد هدده من الغرب ملك محارب آخر هو الشاه اسماعيل مؤسس المملكة الصفوية. وفى سنة 916 هـ (1510 م) غزا إسماعيل خراسان وهزم شيبانى وقتل بالقرب من مرو. وانتقلت هراة إلى حوزة إسماعيل وفرضت عليها مبادئ الشيعة باضطهاد شديد. وهنالك تحالف بابر مع إسماعيل واسترد إلى حين أملاكه الوراثية فى آسية الوسطى تاركا مملكة كابل لأخيه ناصر ميرزا. على أن هذا التحالف لم يقابل بالترحيب، وسخر منه الأوزبكية. ولقى بابر هزيمة منكرة بالقرب من غز دوان سنة 918 هـ (1512 م) نجا منها بجلده بشق النفس، ولم يجد آخر الأمر بدا من الارتداد منقلبا إلى كابل التى وجدها فى حالة اضطراب شديد، وكان عليه أن يجمد عدة فتن بين جنوده من المغل وبين القبائل الأفغانية، وكان اليوسفزالى قد هبطوا من الجبال إلى وادى بشاور وطردوا أسلافهم الدلازاكية من جبال باجَوْر وسوات. وقد أخمد بابر حركتهم بشدة واسترد باجور بمذبحة عظيمة. وقد اضطر بابر أيضا إلى إخماد فتن نشبت بين الهزارية. ثم صرف همه إلى قندهار حيث كان شاه بك أرغون لايزال مستتبا فى الحكم؛ وحاول عبثا أن يتفاهم مع الشاه إسماعيل واعتقل فى هراة ولكنه هرب من أسره ومضى من وقتها يحاول أن يقيم له مملكة فى السند، وكان قد غزاها بمساعدة بعض القبائل البلوجية سنة 917 هـ (1511 م)، وقد بذل بابر محاولتين للاستيلاء على قندهار حتى نجح فى ذلك أخيرا سنة 928 هـ (1522 م)، وعند ذلك نقل شاه بك مقر قيادته إلى شال (كَوَطَّة) صيفا وسيبى شتاءً، ومضى يتابع تنفيذ خططه فى السند، على حين ظلت ولاية قندهار كلها فى يد بابر، وهنالك أحس

بابر بأنه من القوة بحيث يستطيع أن يشرع فى مجموعة من التدابير انتهت بالاطاحة بمملكة الأفغان اللودية فى الهند. وكان دائما يؤثر كابل على سهول الهند، وق دفن بغزنة حيث يقوم عمود شاهدا على قبره. أفغانستان بين إمبراطوريتى المغل والصفويين: ودخلت أفغانستان فى عهد أكثر استقرارا فى ظل سلطان امبراطوريتى الهند وفارس العظيمتين اللتين اقتسمتاها. وقد ظلت هراة وسجستان مع فارس ولو أن أحوالهما ظلت مدة تعكر صفوها الغارات الأوزبكية؛ وبقيت كابل جزءا من امبراطورية المغل على حين كانت قندهار تتبع حينا هذه الأمبراطورية وحينا للك. وأخذ سلطان أباطرة المغل يقتصر شيئاً فشيئاً على جنوبى هندوكش. وإلى الشمال منها استطاع سليمان ميرزا، الذى كان قد أقامه بابر واليا على بذخشان، أن يقيم ما يشبه البيت الحاكم المستقل، وظلت بقية البلاد فى يد الشيبانية، وتوفى إسماعيل سنة 930 هـ (1524 م) وبابر سنة 937 هـ (1530 م) وخلف بابر ابنُه همايون وتولى إخوته كامران وهندال وعسكرى أمر ولايات أخرى فقد اتحدت كابل وقندهار مع البنجاب تحت حكم كامران. أما بخصوص الجانب الفارسى فإن طهماسب خليفة اسماعيل كان قد أقام أخاه سام ميرزا واليا على هراة. وكان الصفويون يعدون قندهار اقطاعا ملحقا بمملكة خراسان التى كانت وقتئذ فى حوزتهم؛ ويعتبرون احتلال أباطرة المغل لها اغتصابا. وفى سنة 931 هـ (1535 م) قام سام ميرزا بهجوم مفاجئ عليها، ولكنها قاومته بنجاح، وبعد ثمانية أشهر وصل كامران ورفع عنها الحصار. وفى غيبة سام غزا الأوزبكية بقيادة عبد الله خراسان، واستولى للمرة الثانية على هراة البائسة ونهبت؛ واستردها طهماسب وخلع سام وهاجم بنفسه قندهار وفتحها، ولكن كامران استردها. وفى هذه الأثناء فقد همايون عرشه فى الهند نتيجة لقيام الأفغان السور بقيادة شبرشاه، وفى سنة 950 هـ (1543 م) اتخذ طريقه من السند مخترقا الصحراء الممتدة جنوبى قندهار حتى بلغ سجستان وفارس

حيث أكرم وفادته الشاه طهماسب. وفى سنة 952 هـ (1545 م) استطاع بقيادة جيش فارسى أن يضرب الحصار حول قندهار التى كان يرده عنها أخوه عسكرى من قبل كامران، واستولى عليها بعد مقاومة طويلة. وقد نفذ همايون اتفاقه مع طهماسب فسلم المدينة للفرس، ولكن هذا الفعل منه أثار السخط بين أتباعه، فاسترد قندهار آخر الأمر من الفرس وعامل هذه الولاية معاملته جزءا من أملاكه فأغضب ذلك طهماسب غضبا شديدا. ولم يلبث همايون أن استولى على كابل واسترد ابنه الصغير أكبر الذى كان قد بلغ آنئذ الثالثة من عمره. ومضت الحرب بين الأخوة فى السنوات القليلة التالية بلا نتيجة حاسمة. فقد استرد كامران كابل مرتين ولكنه لم يستطع أن يستبقيها طويلا. ويقال إنه أبرز الأمير الصغير أكبر فى إحدى المناسبات مكشوفا على الحصون. ثم قضى بعض الوقت بين قبائل. مهمند وخليل الأفغانية وحرضها على سلب وادى كابل. ثم سلم آخر الأمر لهمايون سنة 961 هـ (1553 م) فسلمت عيناه. وبذلك استولى همايون على مملكته وقندهار وأحس أنه بلغ من القوة ما يستطيع به أن يحاول معاودة غزو الهند، وانتهى ذلك بانتصاره عل ملوك سور ولكنه لم يلبث أن توفى سنة 963 هـ (1556 م) متأثراً بحادث: وبينما كان الملك الشاب أكبر مشغولاً بإتمام غزو الهند من جديد انتهز طهماسب الفرصة سنة 965 هـ (1558 م) واستولى قندهار، وظلت تحت الحكم الفارسى حتى سلمها الأمير مظفّر حسين لأكبر بعد ذلك بثمان وثلاثين سنة أى سنة 1003 هـ (1621 م). واستردها الشاه عباس ولكن خلفه الشاه صفى الأول فقدها مرة أخرى، فقد سلمها واليها فى عهده على مروان خان لشاه جهان سنة 1058 هـ (1648 م) وكذلك أخذت كرشك بعد أن ضرب عليها حصار، واحتلت زمين داور. وفى سنة 1058 هـ (1648 م). قاد الملك الفارس الشاب عباس الثانى جيشاً وهاجم قندهار واستولى عليها، وكانت سنة إذ ذاك ست عشرة سنة فحسب، ولم تعد هذه المدينة قط جزءاً من أملاك الامبراطورية المغلية. وقد حاولت

جيوش شاه جهان عبثاً أن تستردها. وشن كل من الأميرين المتنافسين أورنكزيب ودارا شكوه حملة عليها، ولكنهما باءا هما الاثنان بالخيبة، وبفشل الحملة الأخيرة سنة 1062 هـ (1652 م) لم تبذل فى سبيل استعادتها أية حملات أخرى. وإذا انستثنينا التقلبات التى مرت بقندهار، فليس أمامنا من تاريخ أفغانستان أيام كانت مقسمة بين إمبراطورية المغل وإمبراطورية الصفويين إلا القليل. وكانت القبائل الأفغانية تزداد نفرا وسلطانا بإطراد، والراجح أن هذه الأيام كانت هى الفترة التى انتشر فيها الأبدالية والغلزائية من جبالهم إلى الأراضى الأكثر خصوبة فى وديان قندهار وزمين داور وترنك وأرغنداب. وبتدهور مكانة وسلطان الأجناس التاجيكية التى تحملت وطأة الغزوات المغولية واحتلال معاقلها الجبلية فى غور على يد شعب شبه مغولى تهيأت الفرصة أمام الجنس الأفغانى للبروز. ولم يتأثر الأفغان كثيرا فى جبالهم الشرقية بالغزاة الذين كان همهم الأول شق طريقهم عابرين الممرات لسلب الهند، كما أن حاجة السكان المعهودة إلى منفذ لعددهم المتزايد -مما حملهم على الانتشار فى سهول الهند من ناحية الشرق- قد أدت أيضا بالقبائل الرعوية إلى الانتشار غرباً. وظلت القبائل الجبلية تمارس حياة تكاد تخلو من أى نظام؛ وكانت الحكومة المغلية فى كابل تحكم بالاسم فحسب، ولكن سلطانها الفعلى انحصر فى الوديان المكشوفة، مثال ذلك ما حدث سنة 994 هـ (1686 م) إذ منى جيش أكبر بهزيمة منكرة على يد يوسفزائية سوات وباجور، ولقى القائد راجا بيريل مصرعه. ثم هزم رابا مان سنغ من بعد الجبليين ولكنهم لم يغزوا فى الحق قط، وكانوا فى كثير من الأحيان يغيرون على السهول وينحازون فى بعض الأحيان إلى هذا الجانب أو ذاك من بيوت الحكم المتنازعة، مثال ذلك انتصار اليوسفزائية لقضية الأمير شجاع المطالب بالعرش فى نزاعه مع أورنكزيب. وعندما كان شاه عالم الأول قبل جلوسه على العرش عامل أورنكزيب على كابل سنة 1114 هـ (1072 م) حدث أن أحد

قواده -وهو بُرْدِل خان، وكان أفغانياً- قد قمر هو وجميع جنده أثناء محاولته المرور من خوست إلى كابل، فاضطر أورنكزيب إلى أن يرشو القبائل ليظل الطريق مفتوحا بين كابل ويشاور. الأبدالية والغلزائية ونادر شاه: وقد بذر تقلب الحكم المستمر فى قندهار بين الهند وفارس بذور الفرقة والتآمر ومكّن القبائل القوية أن تضرب إحداهما بالأخرى، ومن ثم نجح الأبدالية قرب قندهار فى الحصول على امتيازات من الشاه عباس الأكبر واعترف بزعامة "سدو" أصبحت أسرته السدوزائية هى الأسرة الحاكمة، غير أن سوء مسلكهم أدى إلى إجلاء بعض هذه القبيلة إلى ولاية هراة. وقد أدى هذا الإبعاد إلى بسط قبيلة غلزائى نفوذها بالقرب من قندهار، وظل سلطانها يزداد حتى اعتلاء الامبراطور شاه عالم الأول العرش، وهنالك بدأ غلزائية قندهار يتآمرون معه على الحكومة الفارسية. وانكشفت المؤامرة، وأنفذ كوركين خان الزعيم الكرجى إلى قندهار على رأس جيش، وأسر ميرويس الزعيم الغلزائى. على أن ميرويس استطاع، وهو فى الأسر، أن يكتسب ثقة ملك الفرس الشاه حسين، فسمح له بالعودة إلى قبيلته. وسرعان ما غدر بكوركين خان بأن دعاه إلى مأدبة وقتله واستولى على قندهار وأحبط كل المحاولات التى بذلت لإخضاعه وتوفى بعد ذلك بقليل وخلفه أخوه عبد العزيز إلا أنه أظهر ميلاً إلى الخضوع لفارس فقتله محمود بن ميرويس وأقام نفسه حاكماً. وفى هذا الوقت نفسه أصبح ذلك الفريق من قبيلة أبدالى الذى يقطن ولاية هراة سيدا عليها فى الواقع، وهزم هؤلاء الأبدالية جيشاً قوياً سير عليهم بقيادة صفى قلى خان وظلوا صامدين حتى أيام نادر شاه، بل استطاعوا أن ينتزعوا فراه من الغلزائية بعد أن غزا هؤلاء فارس. وبينما كان محمود الغلزائى يقاتل فى فارس، انتشر الابدالية فى خراسان وضربوا الحصار على مشهد. ولم تكن الدولة الغلزائية بحال مهيأة لحكم بلاد كفارس، ولم تكن وراءهم قوات كافية لمواجهة أية حركة قومية حقة، بل هم كانوا قد فقدوا عون ولاية قندهار عندما

خلف أشرف ابن عمه محمودا الذى كان أخوه قادرا على الاحتفاظ بقندهار. وكذلك ظل الأبدالية مستقلين فى هراة. ولذلك فإن نادراً لما أقام نفسه زعيما لحركة قومية لم تلبث حكومة أشرف أن انهارت، ولم ينجح من الغلزائية ليبلغ وطنه إلا العدد القليل. وقتل أشرف وهو هائم على وجهه فى بلوجستان سنة 1142 هـ (1729 م)؛ وهنالك وجه نادر قوته إلى الأبدالية يتزعمهم ملك محمود خان الذى كان مستحوذاً على مشهد سنة 1142 هـ 1728 م) وهزمهم هزيمة منكرة وأسر منهم عددا كبيرا. على أنه قدر مواهبهم الحربية وضمن تأييدهم بردهم إلى موطنهم القديم قرب قندهار الذى أقصى منه الغلزائية عندما سنحت له الفرصة فنفاهم إلى ولاية هراة، ولكن لم يستقر فيها منهم إلا العدد القليل إن يكن قد استقر فيها أحد على الاطلاق، ولا نجد أثراً لهم الآن هناك. ولما نادى نادر شاه بنفسه ملكا على فارس ضرب الحصار على قندهار فقاومته سنة ثم سقطت آخر الأمر سنة 1150 هـ (1738 م) وتحطم سلطان الغلزائية تماماً، ولكن نادر شاه اتخذ حيال القبائل الأفغانية عامة وحيال الأبدالية خاصة سياسة التراضى وجند أعداداً كبيرة منهم فى جيشه: والتجأ كثير من الغلزانية إلى ولاية كابل من ولايات الامبراطورية الهندية، ولم يتلق نادر شاه أى رد على احتجاجاته فسار نحو كابل فسقطت فى يده لتوها سنة 1151 هـ (1738 م)، ومن ثم اقتطعت آخر الأمر من إمبراطورية المغل. وآخر تاريخ معروف لأية سكة ضربها الامبراطور محمود شاه فيها هو سنة 1138 هـ (1725 م). والظاهر أن نادر شاه لم يستعمل سكة كابل، بل ضرب سكة فى قندهار سنة 1150 هـ (1737 م) وهى سنة غزوته، كما أن ثمة سكة أخرى ضربت فى نادر آباد (شيدت اثناء الحصار. خارج قندهار) تشير بلا شك إلى مدة الحصارو، هنالك اصبحت افغانستان كلها فى قبضته وأتاحت له القاعدة اللازمة لغزوته للهند سنة (1152 هـ) (1739 م). وبانتصاره على محمود شاه آلت إليه جميع الأراضى المغلية الواقعة غربى نهر السند بما فيها بشاور وديره جات

وأصبحت له السيادة على "الكلهور" -أى الحكام العباسيين للسند- والسيطرة على ولاية كابل. ولما عاد من دلهى سنة 1152 هـ (1740 م) عبر نهر السند أول الأمر عند "أتك" وهاجم اليوسفزائية الذين كانوا يثيرون الاضطراب ثم مضى إلى كابل، ومنها انحدر عن طريق وادى كرم وإقليم بنكش واخترق ديره جات إلى السند، ثم عاد مخترقا ممر بولان إلى قندهار ومنها إلى هراة. وظل بقية حياته يعتمد اعتمادا كبيراً على جنود. الأفغان ولم يعتمد إلا قليلا على جنوده الفارسية الذين كان يزْوَرَ عنهم بحكم أنه كان سنى المذهب. وكان للأبدالية بنوع خاص الحظوة عنده، وارتقى زعيمهم الشاب إلى رتبة رفيعة فى جيشه. وتقول الروايات أن نادراً نفسه تنبأ بأن أحمد سوف يصبح ملكاً بعده. ولما اغتال الفرس والقزلباش نادر شاه كان أحمد شاه فى فرقة قوية من الأبدالية على مقربة من مكان الحادث، فاغتصب قافلة محملة بالأموال ثم سار إلى قندهار حيث نادى بنفسه ملكاً. (3) الدولة الأفغانية الوطنية: (أ) البيت السدوزائى الحاكم: أقام أحمد شاه نفسه ملكاً على قندهار واستولى على الجانب الشرقى كله من امبراطورية نادر حتى نهر السند، وسرعان ما سقطت هراة، وفى الفترة الهامة التى تقوضت فيها دعائم المملكة الفارسية، بسط أحمد شاه حمايته على شاهرخ حفيد نادر شاه الذى كان أعداؤه قد سملوا عينيه، وأقام له إمارة فى خراسان. وكانت هذه الولاية فى الواقع جزءاً من أملاك أحمد شاه وابنه تيمور شاه اللذين ضرب كل منهما السكة باسمه من حين إلى حين فى مشهد، ولكن شاهرخ ظل يحكم بالاسم حتى اعتقل على يد آغا محمد قاجار بعد وفاة تيمور شاه. على أن هراة عوملت معاملة الجزء القائم بنفسه من المملكة الدرانية، وظلت مملكة خراسان القديمة مقسمة بين فارس وأفغانستان. وجعل أحمد شاه قندهار قصبة لملكه وسماها أحمد شاهى، وهو الاسم الذى ضربه هو وخلفاؤه على سكتهم؛ واتخذ لنفسه لقب "در دُرَان"، وأصبحت قبيلته

الأبدالية تعرف باسم "درّانى". وكانت أسرته منذ أمد طويل محط الأنظار، فاستطاع بفضل هذا وبفضل ما كان عليه من كياسة وعلو همة أن يوطد سلطانه، فقد عامل القبائل برفق، واعتمد فى موارده على الحروب الخارجية أكثر من اعتماده على الضرائب. وكان الدرّانية يفخرون به ويتبعونه عن رضا، ولكنهم لم يكونوا بالقوم الذين يسهل قيادهم، ولذلك فإن ابنه تيمور شاه نقل قصبته إلى كابل التى كان معظم سكانها من التاجيك. ولم ينافس أحمد شاه فى فتوحاته الهندية نادر شاه، فحسب بل بزه فيها أيضا، ومد أملاكه إلى ما وراء نهر السند بكثير، وضم إليها ولايات كشمير ولاهور وملتان، أى أنه ضم الجزء الأكبر من الينجاب وبسط سلطانه على الداودبوتراوية فى بهاولبور. ولقد فتح أحمد الهند عدة مرات، واحتل دلهى أكثر من مرة، وكانت هزيمته للمراطها فى بانيبت سنة 1174 هـ (1761 م) نقطة تحول فى تاريخ الهند، ولكنه لم يضم إلى أملاكه أية ولايات تقع فيما وراء البنجاب. وكانت حروبه مع السيخ متصلة لا تنقطع وقد انتهت بفقد ولاية البنجاب، وكذلك أعلن خان كلات ناصر خان البراهوئى -وكان من أمراء أحمد المقطعين- استقلاله سنة 1172 هـ (1758 م)؛ وحاصر أحمد شاه كلات فلم يظفر منها بطائل، فلما دعى إلى الهند قنع بخضوعها له خضوعا اسميا بحتاً. على أن ناصر خان عاون أحمد شاه في حروبه بخراسان، وأسهم بقدر كبير فى انتصاره على كريم خان زند سنة 1182 هـ (1768 م). وفى هذه الحرب انضم الأمير الأفشارى الضرير إلى كريم خان وآواه فى مشهد التى قهرها أحمد بضرب الحصار عليها. ومن شاء زيادة فى التفصيل فليرجع إلى مادة "أحمد شاه درّانى" وتوفى أحمد فى مرغاب بالتلال القريبة من قندهار سنة 1187 هـ (1773 م) تاركاً لخلفه إمبراطورية مترامية الأطراف غير مأمونة. وكان تيمور شاه قد تولى فى حياة أبيه مناصب ذات خطر مثل "نظام" لاهور وملتان، وهو منصب تدل عليه

شواهد من مجموعة متمايزة من العملة. ولما توفى أحمد شاه كان تيمور شاه فى هراة، ولم يستطع أن يستولى على قندهار إلا بعد أن قبض على أخيه سليمان -الذى كان قد أقيم لمنافسته- وقتله. ولم يلبث أن نقل قصبته إلى كابل، وحكم عشرين عاماً خالية من الأحداث اضمحلت فيها قوة المملكة وتزعزع استقرارها، وإن كانت أطرافها لم تنتقص. وكان سلطان الحكومة المركزية على الولايات القائمة فى الأطراف واهية. وازدادت قوة السيخ واستولوا على ملتان سنة 1196 هـ (1781 م)، ولكن تيمور استردها فى السنة نفسها. وفى السند أطيح بشيوخ الإقطاع الكلهوراوية وحل محلهم أمراء بلوج من قبيلة تالْبُر (وغلب عليهم اسم التالبرية)، وقد شن هؤلاء الأمراء الحرب على جيوش تيمور شاه من سنة 1197 هـ إلى سنة 1201 هـ (1782 - 1786 م) وظلوا مستقلين على الرغم من خضوعهم له بالاسم. وهاجم تيمور أيضا أمير بخارى معصوم المنغيتى الذى كان يعتدى على ولاية التركستان وخاصة مرو، فخضع ليتمور بالاسم هو الآخر ولكنه احتفظ بجميع فتوحاته. وكانت قد شبت أيضا فتنة فى كشمير ثم أخمدت، وفى الداخل كان سلطان عشيرة باركزائى من الدرانية يتعاظم شيئا فشيئا. وتوفى تيمور شاه سنة 1207 هـ (1793 م) وخلفه ابنه زمان شاه الذى ظل فى الملك حتى خلعه أخوه محمود شاه عام 1215 هـ (1800 م). وعلى قصر عهد زمان شاه فإنه استطاع أن يجمع فيه من الجرائم والحماقات ما هو كفيل بإغراق المملكة الدرانية. وكانت المنافسة بينه وبين أخويه محمود وشجاع الملك تضعف مركزه فى الداخل، وكان القاجار يهددون ملكه فى خراسان ويتهدره الشاه مراد المنغيتى فى الشمال، ويتحداه فى الجنوب خان كلات وأمراء السند، ومع ذلك لم يحجم عن استنفاد جهده فى محاولات حمقاء لمنافسة أحمد شاه فى فتوحاته بالهند والظهور بمظهر المدافع عن الاسلام ضد السيخ والمراطها. وأدى فعله هذا إلى الاصطدام بالإنكليز الذين كان سلطانهم ينمو بسرعة حتى أصبحوا القوة الغالبة فى شمالى الهند. وفى عام 1209 هـ

(1795 م) توقفت غزوته الأولى عند حسن أبدال عندما بلغه الخبر بأن آغا محمد قاجار قد استولى على مشهد وقتل الشيخ الضرير شاهرخ. وهدأت ثائرته عندما وصلت بعثة من قبل الملك الفارسى وبدأ يقوم بغزوته الثانية للهند، غير أن انتقاض محمود فى هراة قطع هذه الغزوة. وما إن أحمد هذه الفتنة حتى غزا الينجاب، ووصل فى هذه المرة إلى لاهور وخضع له السيخ خضوعا اسمياً وكان يتزعمهم آنذاك رنجيت سنغ، ولكن عدوان القاجار المتكرر فى خراسان حمله على الرجوع مرة أخرى. وفى هذه الأثناء كان محمود يتنقل فى البلاد يتآمر على أخيه مع الساخطين فى هراة وقندهار، وكان من بينهم زعيم عشيرة باركزائى "باينده خان" الملقب "سرفرازخان" الذى كان ينفس على الوزير وفاء دار خان السلطة التى يتمتع بها. واكتشفت المؤامرة فقتل باينده خان، وفر ابنه فتح خان لاجئا إلى محمود فى خراسان وأغراه بالارتماء فى أحضان قبيلة درانى استدراراً لعطفها لأنها كانت تكره زمان شاه (كانت أم زمان شاه من اليوسفزائية، أما أم محمود فكانت فوفلزائية من الدرّانية). وأثبتت النتيجة صحة هذه النصيحة؛ إذ استولى محمود على قندهار على حين كان المفتون زمان شاه يتجهز لحملة أخرى على الهند. وسار محمود إلى كابل ففر زمان شاه، ولكنه لم يلبث أن اعتقل وسملت عيناه سنة 1215 هـ (1800 م). وبينما كان محمود يرقى عرش كابل كان شجاع الملك ينادى بنفسه ملكاً فى بشاور، وقد ساعده على ذلك فتنة أثارتها الغلزائى على محمود؛ وفي عام 1218 هـ (1803 م) استولى شجاع الملك على كابل وسجن محمودا وأطلق سراح أخيه الشقيق زمان شاه الضرير. وظلت قندهار مدة من الزمن فى يد ابن محمود: كامران يؤيده فتح خان، ولكن فتح خان اصطلح مع شجاع على شروط مراعياً مصلحته هو وخضع له، غير أنه لم يرض بنصيبه ولم يلبث أن أقام ملكاً منافسا لشجاع فى شخص قيصره شاه بن زمان شاه. وانقضت السنوات القليلة التالية فى مؤامرات لا تنقطع، تقلب فيها فتح خان بسرعة فى نصرته

للطامعين فى الملك، فتارة يؤيد محموداً وكامران وتارة يؤيد قيصر، على حين التنفد شجاع الملك قوته فى إنفاذ الحملة تلو الحملة على السند وكشمير. وأخيراً هزم فتح خان -الذى كان يؤيد آنئذ محموداً- شجاع الملك عند "نِمْلة" سنة 1224 هـ (1809 م) ففر شجاع الملك إلى الهند وبذلك بدأ العهد الثانى لمحمود فى الحكم على أن محمودا كان يعتمد اعتمادا مطلقاً على فتح خان فاستفحل سلطانه، وتولى أخوه دوست محمد منصباً رفيعاً، وأصبح أخ ثان له هو محمد أعظم واليا على كشمير، وأخ ثالث يدعى "كوهَنْدل" والياً على قندهار. وكانت هراة قَد غدت مستقلة تحت حكم أمير آخر فأعاد فتح خان ودوست محمد فتحها سنة 1232 هـ (1816 م). ولم يلبث دوست محمد أن استثار عداوة كامران الذى كان قد أصبح والياً من الولاة، ذلك أنه اقتحم حريم كامران وأهان أخته. وهنالك فر إلى كشمير وأنزل كامران انتقامه بفتح خان فسمل عينيه ثم قتله بموافقة محمود. على أن الأفغان كانوا يعجبون أشد الإعجاب بفتح خان على الرغم من غدره وعدم استقامته، فلم يجد أخوه دوست محمد أية صعوبة فى تجهيز جيش قوى هزم به محمودا شنة 1235 هـ (1818 م) قرب كابل. وفقد محمود كابل ولم يستردها من بعد قط، واحتفظ لبهراة حتى توفى سنة 1245 هـ (1829 م) وظل كامران يحكم هناك حتى قتل سنة 1258 هـ (1842 م). [لونكويرث ديمر Dames M. Longworth] (ب) البيت الباركزائى (أو المحمدزائى): وتنتسب المحمدزائى -وهى فرع من باركزائى قندهار الدرانية- إلى محمد، وهو معاصر لملك سدو زعيم العشائر الأبدالية عاش معه بين قبيلته الصغيرة في أرغسان جنوبى شرق قندهار حوالى سنة 1000 هـ (1591 م). واتخد أعقابه لقب الزعيم بين القبائل الباركزائية فى قندهار وبرزوا مع حاجى جمال خان ابن حاجى يوسف بن بارو بن محمد الذى عمل فى ظل أحمد شاه وتوفى سنة 1184 هـ (1770 - 1771 م). وقد أدى ابنه ياينده

خان خدمات جليلة لتيمور شاه فى قمعه لحركات العصيان، ولكنه أعدم فى قندهار سنة 1214 هـ (1800 م) للمؤامرات التى دبرها مع محمود لشاه زمان. وقد تر باينده عدداً من الأبناء أقيم أكبرهم فتح خان وزيراً ولقب بشاه دوست بمناسبة احتلال محمود لكابل سنة 1215 هـ (1800 م). وبازدياد سلطان المحمدزائى تعارضت أطماعهم مع أسرة سدوزائى الحاكمة وأغرق ذلك أفغانستان فى نضال وإهراق للدماء حتى استطاع دوست محمد أن يطرد محموداً من كابل بعد قتل أخيه هو فتح خان سنة 1234 هـ (1818 - 1819 م). وما وافى هذا الوقت حتى كان زعماء باركزائى قد سيطروا على معظم البلاد، فحكموا أول الأمر باسم ملوك شتى من أسرة سدوزائى كانوا العوبة فى يد غيرهم، ملر أيوب وسلطان على (اتخذ اسم سلطان محمود على سكته). وظلت الأمور تجرى على هذا المنوال حتى سنة 1254 هـ (1838 م) وهنالك اتخذ دوست محمد رسمياً لقب "أمير كابل". ولكن لم يلقب بالشاه أو الملك لا هو ولا أحد من خلفائه حتى جاء حبيب الله. وفى السنوات الأولى من حكمه فُقدت سريعا الولايات الخارجية للامبراطورية فقد استولى السيخ على ملتان سنة 1233 هـ (1813 م)، وعلى كشمير سنة 1235 هـ (1819 م)، وعلى ديره غازى خان فى السنة نفسها، وعلى ديره إسماعيل خان سنة 1236 هـ (1821 م). وقاومتهم بشاور فى ظل سردار سلطان محمد -أخى دوست محمد- مدة طويلة ولكنها سقطت سنة 1250 هـ (1834 م). ومحا أمراء السند باستيلائهم على "شكاربور" آخر مظهر من مظاهر السيادة الأفغانية، وسقطت كذلك بلخ شمالى هندوكش. وبذلك أصبح دوست محمد حاكماً لمملكة أفغانية موحدة، وساعده على دعم سلطانه فقدان الولايات الخارجية التى كانت دائماً مصدر ضعف للملوك السدوزائية. وكان دوست محمد لا يأخذه إلّ ولا

رحمة فى سبيل بلوغ غايته، ومع ذلك فقد اشتهر بالعدل وكان محبوباً بين الأفغان. وقد عاقت نجاحه المنافسات المحتومة بينه وبين إخوته. وجعل دوستُ كابلَ قصبةً لمملكته، فى حين احتفظ كوهندل خان بقندهار وأحبط محاولة بذلها شجاع الملك السدوزائى لاستعادتها سنة 1350 هـ (1834 م). واستولى الفرس على هراة بعد قتل كامران بيد وزيره يار محمد خان سنة 1258 هـ (1842 م) ولم يستردها دوست محمد إلا سنة 1280 هـ (1863 م) قبيل وفاته. وبعد أن أخفق شجاع الملك فى قندهار حاول الاستعانة بالبريطانيين، وأدت الحوادث السياسية إلى حصوله عليها فى النهاية. وقد فشل بيرنز - Al exander BURNES فى مفاوضة دوست محمد لعقد معاهدة معه، وازداد نفوذ روسيا فحمل ذلك الحكومة الهندية على تأييد مطالب شجاع الملك. وفى ذلك الوقت، أى فى سنة 1253 هـ (1837 م) كان الفرس قد حاصروا هراة، ودار فى الأوهام أن عملياتهم الحربية كان يوجهها الروس فتولى ضابط بريطانى الإشراف على الدفاع عنها، وبذلك بلغت الأزمة غايتها، وتقدم جيش انكليزى هندى مخترقاً السند وممر بولان إلى قندهار فى نهاية سنة 1254 هـ (فبراير سنة 1838 م) واستولى على المدينة ثم سار إلى كابل. وهرب محمد إلى بخارى وأقيم شجاع الملك على عرش كابل فى غرة جمادى الآخرة سنة 1255 هـ (17 أغسطس سنة 1839 م). وقام دوست محمد ببعض العمليات الحربية الفاشلة فى الشمال، ثم سلم نفسه للبريطانيين فى السنة التالية وحمل إلى كلكتة. وكان عهد شجاع الملك عهد اضطراب وقلاقل. وانسحب الجيش البريطانى الهندى من كابل سنة 1841 م، وكاد أن يباد عن آخره فى انسحابه بممر "خرد كابل"، وكان يقود هذه العمليات الحربية محمد أكبر خان ابن دوست محمد. وظل البريطانيون يحتفظون بجلال آباد وقندهار، وعادوا

إلى احتلال كابل فى خريف عام 1258 هـ (1842 م). وقتل شجاع قبيل ذلك، ونادى الفوفلزائية بابنه فتح جنك وان كان الباركزائية عارضوهم فى ذلك. ولم يلبث البريطانيون أن تركوا أفغانستان وصحبهم فتح جنك ومعه زمان شاه الشيخ الضرير، وكان لايزال بعدُ على قيد الحياة، لأنه كان يعلم أنه لا يستطيع وحده الاحتفاظ بملكه فيها. وأعيد دوست محمد إلى أفغانستان لأنه كان الرجل الوحيد الذى يستطيع أن يقيم فيها حكومة وطيدة الأركان. وأعيد أبناؤه وإخوته إلى إماراتهم، ولكن الشقاقات ظلت تمزق من حين إلى حين وحدة العشيرة، بل إن أكبر خان -الذى أصبح آنئذ وزيراً -كان على علاقات سيئة بأبيه حتى وفاته سنة 1266 هـ - (1849 - 1850 م). وحافظ دوست على علاقاته الطيبة بالبريطانيين، اللهم إلا فى الفترة التى حدثت فيها حرب السيخ عام 1849 م، إذ جلبت الفرقة الأفغانية على نفسها السخرية من جراء فرارها السريع بعد معركة كجرات، زد على ذلك أو دوست محمد لم يؤيد البريطانيين أى تأييد أثناء عصيان الجيش الهندى سنة 1857 م)، وصرف همه إلى تقوية بلاده ففتح ما بين سنتى 1267 و 1272 هـ (1850 - 1855 م) بَلْخ وخُلْم وقُنْدز وبذخشمان. وفى سنة 1280 هـ (1863 م) وفق إلى طرد الفرس من هراة، وتوفى هناك بعد استردادها مباشرة. وكان دوست ملكاً صالحاً على الرغم من أخطائه الواضحة. ولم يلبث خامس أبنائه شير على -وكان دوست قد عهد اليه- أن اشتبك فى فتنة بينه وبين أخويه الأكبرين محمد أعظم ومحمد أفضل ومع عبد الرحمن بن محمد أفضل القدير القوى العزم. وهزم شير على سنة 1283 هـ (1866 م). وفقد كابل أول الأمر ثم قندهار. وتولى الحكم أفضل ثم أعظم حتى سنة 1285 هـ (1868 م)، ولكنهما لم يستوليا قط على هراة، إذ خرج منها محمد يعقوب بن

شير على وتقدم فى هذ. السنة فاسترد لأبيه قندهار وكابل. وأصبح شير على آنئذ مسيطرا على أفغانستان كلها، واعترفت به الحكومة الهندية، وقابل نائب الملكة لورد مايو فى أمباله سنة 1286 هـ (1869 م). على أنه لم يرض عن المعاملة التى عومل بها، ذلك أنه لم يستطع الحصول على وعد محدد بتأييده على الدول الأخرى. وفى هذا الوقت اعتقل ابنه محمد يعقوب صاحب الأطماح واستاء من محاولة نائب الملكة التدخل لصالحه، وقبل أن يتولى ضابط من البريطانيين أمر التحكيم فى حدود سجستان التى كاند لنازعه فيها فارس. وانتهى هذا التحكيم سنة 1290 هـ (1873 م) بمنح فارس جزءًا كبيرا من أخصب الأراضى، وكان هذا سبباً آخر من أسباب استيائه. وأخيراً بدأ يفاوض الرس ورفض أن يستقبل سفارة بريطانية. وأدت هذه الأمور إلى قيام حرب السنوات 1878 - 1880 م. واستولى الجيش البريطانى على كابل، وهرب شير على إلى مزار شريف حيث توفى سنة 1296 هـ (1879 م؛ وقد هزم جيشه المنظم على النمط الأوربى اللورد روبرتس فى ممر بَيْوار. وأطلق سراح محمد يعقوب من سجنه ونودى به أميراً بعد فرار والده فى ربيع الأول سنة 1296 هـ (فبراير - مارس سنة 1879 م)، وقد لقى القوات البريطانية المتقدمة عند "كَنْدَ مَك". وعقد هناك معاهدة فى 4 جمادى الآخرة (26 مايو) نزل بمقتضاها للهند البريطانية عن أراض معينة بالقرب من ممر بولان ووادى كرم، ووافق على أن يستقبل بعثة بريطانية فى كابل. وبعد أشهر قلائل شبت فتنة فى كابل انتهت بذبح أعضاء هذه البعثة التى كان يرأسها السير لويس كافانيارى - Sir Louis Ca vagnan. وأدى ذلك إلى قيام الحرب من جديد، فاستولى روبرنس على كابل مرة أخرى، ولكن جيشاً قبلياً يقوده محمد جان والملآ مشك عالم حاصره فيها؟ وهزم هذا الجيش فخلع يعقوب خان ونفى من الهند، وعرض الحكم على عبد الرحمن فقامت فى قندهار حكومة مستقلة. وسار قسم من الجيش فى قندهار إلى كابل بقيادة ستيورات تمهيدا للجلاء عن البلاد. فلما اخترق منازل الغلزائى هاجمته قوة كبيرة من

أهل هذه القبيلة، ولم تنزل بها الهزيمة إلا بعد قتال مستيشى. وما إن نودى بعبد الرحمن أميراً حتى كان ابن من أبناء شير على هو أيوب قد استكمل جمع جيش فى هراة، وسار به إلى قندهار، وهزم قوة إنكليزية هندية صغيرة عند "مَيْوَند" وحاصر قندهار. فأسرع روبرتس من كابل وهزم أيوب. وبعد ذلك انسحب الجيش البريطانى وولى عبد الرحمن على البلاد كلها بما فيها قندهار سنة 1297 هـ (1880 م). وقد حافظ عبد الرحمن على وحدة أفغانستان واستقلالها على الرغم من المشاكل التى صادفته فى الداخل والخارج فلما أدركته المنية فى 15 جمادى الآخرة سنة 1319 هـ (أول أكتوبر سنة 1. 9 ام) سلم ابنه حبيب الله سلطانا لا ينازعه فيه منازع. وبعد اعتلاء حبيب الله العرش بقليل عقدت معاهدة بين الروس والبريطانيين أزالت المخاوف من أن تضم دولة منهما أراضى من أفغانستان أو تتدخل فى شئونها. وفى سنة 1323 هـ (1905 م) أيد الأمير المعاهدة التى سبق أن عقدها أبوه مع حكومة الهند البريطانية، تلك المعاهدة التى كفلت لهذه الحكومة الإشراف على العلاقات الخارجية لأفغانستان نظير إعانة سنوية قدرها ثمانية عشر "لخّ" من الروبيات (160.000 جنيه انكليزى). أما فى الداخل فلم يعكر شئ تقريبا صفو السلام والأمن، وحقق التعليم بعض التقدم. والتزمت أفغانستان أثناء الحرب العالمية الأولى سياسة الحياد. وفى 18 جمادى الأولى سنة 1337 هـ (20 فبراير سنة 1919 م) أطلق الرصاص على حبيب الله خان فى معسكره بقلعة كوش فى لغمان. ونادى أخوه نصر الله بنفسه خليفة له، ولكن الابن الثالث للأمير الراحل أمان الله اعتقله وسجنه، وكان أمان الله قد حصل على تأييد الجيش. ولم يلبث أمان الله خان أن فتح باب العداوات مع الهند البريطانية، ولكنه سعى بعد شهر فقط إلى عقد هدنة، واعترف رسمياً باستقلال أفغانستان فى معهدة راولبندى فى 11 ذى القعدة سنة 1337 هـ (8 أغسطس سنة 19918 م)، وعقدت معاهدات جديدة مع

الاتحاد السوفيتى وبريطانيا العظمى سنة 19921 م، على أن التوتر استمر على الحد الشمالى حتى سنة 1922 م، وعلى الحدود الجنوبية الشرقية حتى سنة 1924 م. وفى سنة 1922 م صدر دستور فى جمعية وطنية (لوه جركا) أعقبه سنة 1924 م قانون ادارى، وتلت ذلك سنة 1924 م إجراءات لتوفير التعليم العالى للمرأة. ولما شبت نار فتنة فى خوست بزعامة الملأ عبدالكريم ألغيت الإجراءات الأخيرة وعدلت قوانين التجنيد فى مجلس وطنى آخر (يولية سنة 1924 م) وأخمدت الفتنة آخر الأمر. على أن الملك أمان الله الذى اتخذ لقب الملك فى ديسمبر سنة 1926 م، قد دعا فى جمعية وطنية ثالثة بعد عودته من رحلة فى الهند وأوروبا والاتحاد السوفيتى وتركية (من ديسمبر سنة 19927 م إلى يولية سنة 19928 م)، إلى اصدار دستور آخر، وإعلان برنامج للإصلاحات الاجتماعية والتعليمية. ونشأ من ذلك قيام سلسلة من الفتن القبلية خرج خلالها قاطع طريق تاجيكى اسمه باججه سقاو -ثم لقب من بعد بحبيب الله خان- من كوه دامن واستولى على كابل فى يناير 1929 م، وفر أمان الله إلى قندهار وباءت محاولاته لاستعادة كابل بالهزيمة على يد أنصار حبيب الله من الغلزائية فى أبريل - مايو سنة 1929 م، وفى هذه الأثناء كانت هراة قد احتلها تاجيكى آخر يدعى عبد الرحمن. وهناك تبنى قضية المحمدزائية فرع بعيد من فروع القبيلة انحدر من باينده خان يتزعمه قائد جيش سابق كان يعيش فى الأسر وهو نادر خان (ابن محمد يوسف خان بن يحيى خان بن سلطان محمد خان أخى دوست محمد). واستطاع نادرخان بعد عدة محاولات فاشلة أن يجند سراً جيشاً من الوزيرية والمسحودية استولى بقيادة أخيه شاه ولى خان على مدينة كابل حيث تودى بنادر خان ملكاً ولقِّب بنادر شاه فى اليوم الثانى عشر من جمادى الأولى

سنة 1348 هـ (16 أكتوبر سنة 1929 م). وسلَّم حبيب الله وقتل. واقتضى نشر لواء الأمن وتهدئة الخواطر فى البلاد سنتين أخريين، وظل السخط يسرى بين مؤيدى أما الله السابقين، وكان أكثرهم نشاطاً أسرة جرحى فى لوغر. وقد أدى إعدام زعيمها إلى قيام نزاع دموى اغتيل أثناءه الملك نادر شاه فى قصر دلكشا فى 20 رجب سنة 1352 هـ (8 نوفمبر سنة 1933 م). ونودى بابنه محمد ظاهر الذى كان فى سن التاسعة عشرة خليفة له على يد إخوة نادر شاه الذى ظل أكبرهم سردار محمد هاشم خان يمارس الوصاية الفعلية على العرش حتى سنة 1946 م. وقد أخمدت بشدة عدة فتن قبلية اشتعلت فى الأعوام التالية، ونفذ فى دأب برنامج فعال للتطور العسكرى والتعليمى والاقتصادى. وفى سنة 1934 م. دخلت أفغانستان هيئة الأمم وأبرمت سنة 1937 م ميثاق سعد آباد مع تركية والعراق وإيران، وأجريت مفاوضات سنة 1936 م لعقد اتفاق تجارى مع الاتحاد السوفيتى. والتزمت أفغانستان فى الحرب العالمية الثانية الحياد الدقيق مرة أخري وسويت المنازعات الباقية على الحدود سنة 1947 م، فسويت مسألة الحد الشمالى مع الاتحاد السوفيتى، وسوى النزاع مع إيران على نهر هلمند بالتحكيم الأمريكى. على انه حدث منذ قيام باكستان فى السنة نفسها أن ظلت مشكلة قبائل "الحد الشمالى الغرب" المتمردة التى استمرت قرنا تعكر صفو العلاقات بين أفغانستان والهند البريطانية - تفسد الصلات كذلك بين الدولتين الإسلاميتين. خورشيد [لونكويرث ديمز وجب Dames-Gibb]

أفندى

أفندى كلمة تركية عثمانية استعيرت من الإغريقية البوزنطية "أفنتاس" (انظر Du Cange) التى أخذت من الكلمة اليونانية القديمة "أيثنتاس" أى السيد والمولى: اصطلاح فى لغة القانون استعمله كل من فرينيقوس Phrynicus وبوليبيوس Polybius ويوروبيدس Europides فى هذا المعنى. ولقب "أفندى" يمنح للأشخاص المثقفين ثقافة واسعة. ويطلق لقب "أغا" على عامة الناس وصغار الضباط يطلق عليهم لقب أفندى عندما يتمون تعليمهم. ومعنى "أفندم" السيد أو السيدة وتختصر عادة وفى حالة المزاح فيقال "أفم"، ويطلق على قاض إستانبول أيضا لقب إستانبول أفنديسى. وكان "رئيس أفندى" -أى رئيس الكتاب - يقوم على وزارة الخارجية قبل الإصلاح. وكان السلطان ينادى أحياناً بـ"أفندمز" أى مولانا. وأطلق المصريون لقباً مشابهاً هو "أفندينا" على الخديوى. ولقب "أفندى" هو لفظ عثمانى خالص، وقد شاع فى جميع البلاد التى ظهر فيها النفود العثمانى. المصادر: (1) Efendi: T.Psichari فى Melanges Havel، ص 387 - 427. (2) A. de. Biberstein Kazimirski: 1 Dictionnaire Arab-Francais جـ 1، ص 41. (3) Diction: Barbier de Meynard(r Turo Francois , جـ 1,ص 42 - 43. [إيوار: Ci. Huart] إقامة هى النداء الثانى الذى ينادى به المؤدن المسلمين فى المسجد إلى الصلاة قبل كل صلاة فى أوقاتها الخمس، وقبل صلاة الجمعة. وتعين الإقامة اللحظة التى تبدأ الصلاة فيها، وعباراتها هى بعينها عبارات الأذان وتردد الحنفية عبارات الإقامة كما فى الأذان تماماً. أما المذاهب الفقهية الأخرى فتنطق بها مرة واحدة فقط مع استثناء

التكبيرة التى تردد فى أول الإقامة وفى آخرها. وبعد "حىَّ على الفلاح" التى تكرر مرتين ينطق بعبارة "قد قامت الصلاة" مرتين. وتعتبر الإقامة فى كتب الفقه سنة، وتسن الإقامة عند كل صلاة وإن كان المصلى منفرداً، ويقول متفُوخ (Zur Entstehungs-: E. Mittwoch - geschichte des islamischen Gebts and kul - tus, Abh. d, kgl. presuss. Akad d. Wis sensch. 1913 phil. hist. .kl. تعليق 2، ص 24) إن المسلمين استعاروا عبارات الإقامة من البركات التى تتلى فى صلاة اليهود، فى حين يقول بيكر (Zur Geschichte des Is-: C.H.Becker lamischen Kultus, Der Islam. جـ 3) ص 389) أنها نشأت من الأذان الذى نسج فيه على منوال القدّاس عند النصارى) انظر المقريزى: الخطط، ب 2، ص 271, س 14 - 15). وتدل الإقامة على فعل المؤذن الذى يتبعه بدء الصلاة (انظر فيما يختص بهذاالمعنى اللغوى برولكمان Festschr. E. Schau -: Brockelmann سنة 1915 م ن ص 314 - 230؛ Der Islam: J. Weiss . ج 7 سنة 1916 م، ص 131 - 136؛ انظر عبارة "أقام الصلاة أقيمت الصلاة" فى حاشية التنبيه للشيرازى: طبعة كو ينبول " البخارى: صحيح، أذان، رقم 23 - 24). ومع ذلك فإن الإقامة فى كتب الفقه تفسر أيضاً بالنداء الذى يقصد به دعوة المسلمين إلى النهوض للصلاة (الباجورى، طبعة بولاق، 1307 هـ، ص 167، س 12). المصادر: انظر زيادة على كتب الحديث والفقه: الدمشقى رحمة الأمة فى اختلاف الأئمة، بولاق 1300 هـ، ص 14 وما بعدها. [جوينبول Th.W.Jyhnboll] تعليق على مادة "إقامة" نقل أصحاب دائرة المعارف فى مادة "إقامة" عن متفوخ اْن المسلمين استعاروا عبارات الإقامة من البركات التى تتلى فى صلاة اليهود، ونقلوا عن بيكر أن الإقامة نشأت من الأذان الذى نسج فيه على منوال القداس عند النصارى، ثم قالوا (انظر المقريزى

جـ 2، ص 271، س 14 - 15) وهذا يفهم منه أن فى المقريزى ما يدل لهذين القولين. وكل ذلك غير مسلم لهم، وكان ينبغى أن يبينوا الصلة التى بين الإقامة والبركات التى تتلى فى صلاة اليهود، والصلة التى بين الأذان والقداس عند النصارى لنعلم قيمة دعواهم بأن المسملين استعاروا الإقامة من البركات، وبأن الأذان نسج فيه على منوال القداس. والذى فى صحيح البخارى وكتب السير يفيد أن الأذان شَرع مُراعى فيه عدم التشبه بالهيود والنصارى، فقد نقل البخارى عن ابن عمر: أن المسلمين حين قدموا المدينة كانوا يجتمعون فيتحينون الصلاة، ليس ينادى لها، فتكلموا يوماً فى ذلك، فقال بعضهم: اتخذوا ناقوساً مثل ناقوس النصارى، وقال بعضهم: بل بوقا مثل قرن اليهود، فقال عمر: أولا تبعثون رجلا ينادى بالصلاة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا بلال، قم فناد بالصلاة. وقد رجعنا إلى الجزء الثانى من الخطط للمقريزى فى الموضوع الذى عينوه فلم نجد فيه ما يدل على ما قالوا. وقد أردنا أن نتعرف منشأ هذا الاشتباه، فرأينا المقريزى فى ص 172 من الجزء الثانى عرض للتسبيح فى الليل على المآذن -الذى ابتدع فى مصر فى عصر متأخر ولم يكن عند سلف الأمة- فقال: وأول ما عرف من ذلك أن موسى بن عمران إلخ، وذكر ما يدل على أن اليهود كانوا يقومون عند ثلث الليل الأخير ويقولون نشيداً منزلا بالوحى، فيه تخويف وتحذير وتعظيم لله وتنزيه له تعالى إلى وقت طلوع الفجر. فلعلهم وهموا فظنوا المقريزى يتكلم عن أولية الأذان وهو إنما يتكلم عن أولية التسبيح الذى يفعل فى الليل على المآذن كما قدمنا. وما قالوه فى بيان المذاهب الفقهية الأخرى غير مذهب الحنفية فى صفة الإقامة لا ينطبق على مذهب الإمام مالك، فإن ألفاظ الإقامة عنده مفردة حتى "قد قامت الصلاة" - وليس عنده من ألفاظها ما يثنى إلا التكبير. محمد عرفة

اقتباس

اقتباس معناها طلب القبس وهو الشعلة أو الجمرة من نار أخرى (انظر سورة طه، آية 10؛ سورة النمل، آية 7؛ سورة الحديد آية 13) ثم استعيرت الكلمة لطلب. العلم. أما معناها اصلطلاحى فى علم البلاغة فهو أن يضمن الكلام شيئا من القرآن الكريم او الحديث دون الإشارة إلى ذلك، فإذا أشير إلى المقتبس منه وضمن الاقتباس فى الشعر سمى ذلك "عقداً" وإذا كان الاقتباس من الشعر وليس من القرآن الكريم أو الحديث ووضع فى شعر آخر سمى ذلك "تضمينا". ويجوز فى الاقتباس أن يحتفظ بالوضع الأصلى للعبارة المقتبسة أو يدخل عليها التغيير. وهناك خلاف كبير فى جواز هذا، والمالكية لا يجوزون الاقتباس بصفة عامة فى حين يجوزه آخرون فى حالات خاصة منها الوعظ والصلاة والمديح متبعين فى ذلك سنة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وهو مكروه عندهم فى الشعر. ومع ذلك فغير هوْلاء يسمحون به حتى فى الشعر ويشترطون لذلك حسن النية، ومن المحظور تماماً تحريف كلام الخالق بحيث ينسب للمخلوق أو استعمال الآيات القرآنية فى المجون. ولكننا فى الواقع نجد أن مثل ذلك الاقتباس وتلك الإشارات كانت كثيرة الشيوع حتى فى المصنفات المعيبة مثل كتب الباه، كما أن الخلاف فى كتابة البسملة قبل الشعر (ابن

إقطاع

رشيق: العمدة، طبعة القاهرة، عام 1325 هـ, جـ 2، ص 237) لم تكن له نتيجة عملية (¬1). وقد ذكر الفهرست (ص 104، س 12) (¬2) كتاب المقتبس للمدائنى المتوفى عام 215 أو 225 هـ وكتاباً آخر (¬3) للمرزبانى (الفهرست ص 133، س 25) ولكننا لا نعرف على التحقيق ما إذا كان للاقتباس فى هذين المصنفين هذا المعنى الاصطلاحى. وفى كتاب "أساس الاقتباس" لاختيار الدين المتوفى عام 928 هـ (بروكلمان Brock elmann، ج 2، ص 103) جعل الاقتباس يشمل الأمثال والأشعار بل والحكايات القصيرة (¬4). المصادر: (1) Dict. of techn. terms، ص 1187. (2) Rhetorik der Araber: Mehren، ص 140، 136، 100، 201. (3) Rhetorique et Pro-: Garcin de Tassy sodie ص 202 (4) لسان، جـ 8، ص 48. [مكدونالد. D.B. Macdonald] إقطاع ومعناها فى البلاد الإسلامية: 1 - منح الأرض التى لا مالك لها فى مقابل الخراج أو العشور. 2 - منح غلة الأرض فى مقابل إعطاء شئ أو ضمانة لبيت المال. والإقطاع إما أن يكون: 1 - إقطاع إقليم بأكمله لعامل من العمال، كإقطاع الخليفة مصر لابن طولون نظير جزية يؤديها، أو إقطاع جزء من الأرض نظير العشر أو الخراج أو خراج الأجرة أو جزية الرءوس التى أصبحت فيما بعد خراج جزية. 2 - تخصيص دخل قطعة من الأرض أجراً أو معاشاً. ثم اتسع مدلول الإقطاع حتى استعمل للدلالة على جمع الضرائب والمكوس والجزية والمكوس المفروضة على الأنهار والقنوات. ثم استعمل الإقطاع بعد ذلك للدلالة على الإقطاع ¬

_ (¬1) هذا الخلاف لا معنى له ولم يرد فى الكتاب والسنة يمنع من كتابة البسملة قبل الشعر. (¬2) توافق (ص 192، س 16) واسم الكتاب هناك (كتاب المقتبس فى أخبار النحويين البصريين وأول من تكلم فى النحو وألفه وأخبار القراء والرواة من أهل البصرة والكوفة ومن نزل منهم مدينة السلام ووصفه ابن النديم بأنه حوالى الثمانين ورقة، فهذا واضح أنه ليس من باب الاقتباس الاصطلاحى المفسر هنا. (¬3) وهذا ايضا ليس مطابقا تماما للمراد من المعنى الاصطلاحى. بل إن مؤلف الكتاب -مطبوع فى الأستانة سنة 1298 ثم طبع بمصر- أتى فيه باَيات قرآنية وأحاديث نبوية وحكم من الشعر والنثر ونحو ذلك. فهو مجموعة أدبية مقتبسة من أصول الأدب، بمعنى الاقتباس اللغوى فقط. (¬4) توافق ص 181 - 188 طبعة الوطن بمصر سنة 1298 هـ

الحربى بنوع خاص وقد أورد الماوردى فى مصنفه "الأحكام السلطانية" (طبعة إنكر Enger، بون سنة 1853، الباب السابع عشر، ص 330 - 343) (¬1) عرضاً نظرياً لقواعد الإقطاع، وميز فى مستهل كلامه بين إقطاع التمليك وإقطاع الاستغلال وذكر الشروط التى تقطع الأرض بمقتضاها. والأرض على ثلاثة أنواع: أ - موات، وهى الأرض التى لا أثر فيها للزرع ولا مالك لها، وهى تقطع لمن يعد بزرعها ولا يدفع شيئاً عنها ثاوثة أعوام (يقابل هذا ما يسمى Em- phyteusis عن الرومان) وهو يدفع بعد ذلك أجراً عنها يحدد بالتزايد، ولكن الأرض كانت توزع فى الغالب نظر أجر محدد يرون أنه غير قابل للزيادة (انظر Die Entstehung von Uskr: Becker and kharag-Land فى المصادر) 9 وإذا لم يعمل على إحيائها فيمكن أن تؤخذ منه فى نهاية السنوات الثلاث إلا إذا كان ذلدُ لعذر ظاهر، وإما أن يقطع الأرض لمدة طويلة مع حق التصرف فيها فى مقابل مبلغ معين يدفعه، فهى ملك له بصورة من الصور وان كانت الأرض عامرة ثم خربت فصارت مواتاً فإن كانت جاهلية كان حكمها حكم ما سبق، وإن كانت إسلامية فقد اختلفوا فيها. ب - واذا كانت الأرض عامرة لها مالك فقد تقطع لشخص ما إذا كانت فى بلد معادية ووعد بإقطاعها قبل الفتح. ويصبح المقطع أحق الناس بما أقطع بعد الفتح. إذا هرب أصحابه أو هلكوا. والأرض المفتوحة التى ليست ملكاً خاصاً- كأن تكون من أملاك الحاكم السابق أو مملوكة للسكان الذين هربوا - يضم جزء منها إلى بيت المال، وهى تؤجر ولا تملك. أما الأجزاء الأخرى فتصبح أرض خراج، وهى إما أن ¬

_ (¬1) هذه العبارة غير واضحة ولا صحيحة. وعبارة الماوردي "أما العشر فإقطاعه لا يجوز، لأنه زكاة لأصناف يعتبر وصف استحقاقها عند دفعها اليهم، وقد يجوز ألا يكونوا من أهلها وقت استحقاقها. لأنها تجب بشروط يجوز ألا توجد فلا تجب، فإن وجبت وكان مقطعها وقت الدفع مستحقا كانت حوالة بعشر قد وجب على ربه لمن هو أهله - صح وجاز دفعه اليه، ولا يصير دينا له مستحقا حتى يقبضه، لأن الزكاة لا تملك إلا بالقبض فان منع من العشر لم يكن له خصما فيه، وكان عامل العشر بالمطالبة أحق".

تكون أرض فَىْء وتحبس وبذلك تؤجر فقط ولا تصبح ملكاً خاصا للمقطَع، وإما أن تظل فى يد مالكها (غير المسلم) وهى لا تقطع، والخراج المأخوذ عنها يحل محل الجزية. والأرض التى تضاف إلى أملاك الدولة -لموت صاحبها دون وارث- شأنها شأن الأملاك العامة، ويذهب بعض الفقهاء إلى أن للحكومة حق التصرف فيها، وفى هذه الحالة إما أن تصبح إقطاع تمليك كما يذهب البعض الآخر. 2 - إقطاع استغلال، وهو إنما يكون عوضا وضمانا لما ينبغى أن يدفعه بيت المال للرعية، ولهذا ينبغى أن يكون ما يستحقه الشخص فى بيت المال معلوماً مقداره قبل الإقطاع حتى إذا أرادت الدولة أن تقطعه ما يستغله أعطته ما تكون غلته موازنة للاستحقاق. وهناك فرق بين: 1 - إقطاع العشر، وهو غير جائز، لأن العشور من أنواع الزكاة، وهى إنما يعلم مقدارها عند الأداء، وأما العشور فإنها إنما تؤدى فى آخر العام، وهكذا لا يتفق التاريخان (1). ب - واقطاع الخراج: ولا يمنح مال الخراج -للأسباب التى ذكرناها آنفاً- لأى فرد فى مقابل الزكاة. ولهذا السبب نفسه فإن أهل المصالح ممن ليس لهم رزق مفروض، والذين ينصبون إلى أجل غير مسمى لا يصح لهم أن يقطعوا مال الخراج. وعلى النقيض من ذلك فإن رجال الجيش أخص الناس بإقطاع الخراج فى مقابل أعطياتهم المقدرة لأن التسوية ميسورة فى الحال ويجوز إقطاع خراج الأجرة لعدة سنين على أن يكون رزق المقطع معلوم القدر. واذا بقى المقطَع على حال السلامة طول المدة فهو على استحقاق للإقطاع، وإذا مات يعود الإقطاع إلى بيت المال ويتناول ذراريه أرزاقهم من موارد أخرى. وإذا أصيب المقطع بالزمانة -فيكون باقى الحياة مفقود الصحة- فإن حق الانتفاع برزقه يسوى وفقا للعرف المتبع، فإما أن يستمر فى تناول الإقطاع وإما أن يعطى معاشاً من موارد أخرى. ولا إقطاع مدى الحياة، ولا

حق للذرارى فى وراثته لأن ذلك يحول بين الدولة وبين السيادة المالية لأنها بذلك تفقد حق التصرف فى الإقطاع. والإقطاع مدى الحياة دون حق التوريث جائز إذا كان العرف المتبع يسمح للمقطَع إذا أصابته الزمانة أن يتناول رزقه كاهلا. وهذه هى آراء الماوردى فى جملتها. أما فيما يختص بإقطاع المعادن [وهى البقاع التى أودعها الله جواهر الأرض] فيمكن الرجوع إلى نهاية الفصل المذكور فى كتاب الماوردى. وهذا المؤلف لم يتحدث عن إقطاع الأرض للمسلمين على أنها أرض عشر، ونحن نعلم أن هذا النوع من الإقطاع كان شائعاً فى البلاد الإسلامية (وقد فصل بيكر Becker بنوع خاص هذا الإقطاع فى Steuerpacht etc ص 81 وما بعدها، انظر المصادر، وقارن فى هذا الكتاب أنظمة الإقطاع الشرقية بالغربية). وذكر الماوردى أن إقطاع الخراج كان موافقاً لأهل الجيش بنوع خاص، والحق إن الاقطاعات الحربية نشأت عن هذا النظام، وكان الجند والأمراء يأخذون إيجارها ضماناً لجميع أرزاقهم أو بعضها، ولما كان الإيجار يزيد فى غير نظام أخذوا بالتدريج الأرض نفسها، وظلت هذه الحال مائة وثلاثين سنة من عهد بنى بويه (انظر هذه المادة) إلى حكم السلطان ملكشاه (465 - 485 هـ = 1073 - 1092 م) ووزيره نظام الملك (انظر بيكر Steuerpacht: Becker، ص 89) وقد أقطع هذا الوزير الولايات للجند ووزعها على أنها دخل وإيراد، وعدل السلاجقة هذا النظام فجعلوا الإقطاعات وراثية فى مقابل الخدمة العسكرية، ذلك لأنهم كانوا قبيلة من البدو همهم اجتذاب أكبر عدد ممكن إلى الجيش، وظنوا أنهم بذلك يضمنون لأنفسهم جيشا موالياً مخلصاً (المقريزى: الخطط، جـ 2، ص 216. ذكر أن جندياً فى جيش الأمير السلجوقى أتابك نور الدين صاحب حلب [541 - 569 هـ = 1146 - 1174 م] قال: "الإقطاعات أملاكنا، يرثها أولادنا" الولد عن الوالد، فنحن نقاتل عليها" (¬1) وكان الأمر على ¬

_ (¬1) عبارة المقريزى فى الخطط (ج 3، ص 351 طبعة مصر سنة 1335 هـ) كان الملك العادل نور الدين محمود ابن زنكى رحمه الله إذا مات الجندى أعطى اقطاعه لولده، فإن كان صغيرا رتب معه من يلى أمره حتى يكبر، فكان أجناده يقولون ... الخ (وبه اقتدى كثير من ملوك مصر فى ذلك).

هذا المنوال عند أتابكة الشام والأيوبيين. وكان المغول يتبعون أيضاَ النظام الوراثى للإقطاع نظير الخدمة العسكرية، على خلاف ما كان فى عهد المماليك (انظر Becker: مادة " مصر") إذ كانت جميع البلاد التى تحت حكم سلطان المماليك- ما عدا الملكيات الخاصة والأوقاف والأراضى الموات والصحارى- ملكاً إقطاعيا للسلطان، وكانت هذه الأرض مقسمة إلى 24 قيراطا فى عهد السلطان قلاوون (678 - 769 هـ = 1279 - 1290 م): أربعة منها للسلطان يهب منها لمن يحب من حرسه وقواده وجنده، وعشرة للأمراء، ومثلها للجند. وكان الأمراء كذلك يخصصون قيراطا من نصيبهم لجندهم. وكان يعاد توزيع الأرض من حين إلى آخر بعد مسحها مرة كل ثلاثين سنة على الأقل وكثيراً ما كان يجدد التوزيع إذا نشب خلاف، وذلك عندما يستولى كبار الأمراء فعلاً على إقطاعات واسعة مستحدثين بذلك نظام الملكيات الكبيرة، أو عندما يمتنع صغار الأمراء عن إقطاع الجند، وكان السلاطين يأمرون بمسح الأرض من جديد كى يقطعوا مماليكهم، مثال ذلك ما فعله السلطان لاجين (1696 - 698 هـ = 12996 - 1299 م) الذى أخذ أربعة عشر قيراطا من الإقطاعات المخصومة بحرسه. وعندما مسحت الأرض فى عهد السلطان الناصر محمد (715 هـ = 1315 م) اختص السلطان بعشرة قراريط واختص الأمراء وجندهم بأربعة عشر قيراطاً. وظهر خلاف آخر فى عهد أسرة المماليك الأولى أيام السلطان المسرف الكامل شعبان إذا استبدل الجند إقطاعاتهم أو باعوها إلى أفراد آخرين ودفعوا نظير ذلك مبالغ جسيمة لبيت المال، وأسس ديوان خاص بهذا النظام هو "ديوان البدل" (انظر تفصيلات أخرى عن هذا الموضوع فى سوبرنهايم Sobernheim: Materiaux pour un corpus Inscr. arab، جـ 2، رقم 44) ولكن هذا النظام الفاسد لم يعمر طويلا، ووصفه الأخباريون بأنه عمل ظالم غير شرعى. ولما فتح السلطان سليم الأول الشام ومصر عام 922 هـ (1516 م) مسح الأرض من جديد وقسمها من حيث هى أملاك وإقطاعات سلطانية وفقاً للنظم

العثمانية. وعمل بنظام الوراثة شيئاً فشيئا كما كانت الحال فى البلاد العثمانية. وكان محمد على أول من جرذ المماليك وصغار الأمراء من إقطاعاتهم شيئاً فشيئاً، وأدخل نظام الأجور المباشرة للجند. وكان سلاطين الأتراك يَدَّعون بعض الأرض المفتوحة لأنفسهم، ويمنحون خلصائهم ضرائب بعض اللواءات بأكملها (ملكانه ميريه) وكان الوالى الذى يمنح إقطاعاً بهذه الطريقة يحصل على ضرائبه وغيرها ويقدم إلى السلطان فى مقابل ذلك عدداً معينا من الجند بقدر اتساع ولايته؛ ثم تغير ذلك النظام فصار الوالى يدفع جزية معلومة للباب العالى، ولهذا كثيراً ما كان الباشوات يستقلون تقريباً عن الباب العالى، فقامت أسر صغيرة فى الشام وحمص وبعلبك ولبنان ونابلس وكانت الإقطاعات الصغيرة تسمى بأسماء مختلفة حسب مساحتها، فكان من أسمائها "زعامت" مشتقة من كلمة "زعيم" أى زعيم الجيش، و "تيمار".ويختلف عدد الجند الذين يقدمونهم للسلطان بالنسبة لغنائمهم. وكانت هذه الإقطاعات وراثية تقسم وفقا لبعض القوانين بين أبناء المقطَع ووثته نظير القيام بالخدمة العسكرية. ويمكن أن يقال إن السلطنة العثمانية كلها كانت تتألف من إقطاعات حربية، وأدت هذه الحال بمرور الزمن إلى ضعف الدولة لما كان يسببه هذا النظام من التفكك. وقد ألغى هذا النظام تدريجاً "بالتنظيمات" التى أدخلها السلطان عبد المجيد والتى مهد السبيل لها السلطان محمود الثانى (1223 - 1255 هـ = 1808 - 1839) واستقر النظام نهائياً بقانون الملكية العقارية الذى سن عام 1856 وفرضت الخدمة العسكرية على جميع المسلمين من عام 1839 م. ولا يزال هناك بعض إقطاعات وراثية يمنحها كل سلطان جديد لكبار رجال دولته (¬1). المصادر: (1) الماوردى: الأحكام السلطانية، طبعة إنكر، بون سنة 1853. (2) بدر الدين محمد بن إبراهيم بن جماعة: تحرير الأحكام فى تدبير أهل ¬

_ (¬1) كان ذلك قبل الانقلاب التركى الذى قام به الغازى مصطفى كمال.

الاسلام، انظر فولرز: Kat.: Vollers ,Hand-Schriften der Univ. BibL .. der Islam لييسك 1906، رقم 399. (3) إبراهيم الحلبى: ملتقى (مجمع الأنهر فى ملتقى الأبحر) بولاق سنة 1287 هـ وكتب الفقه الأخرى. (4) المقريزى: الخطط، جـ 1، ص 87 وما بعدها، جـ 2، ص 215 وما بعدها. (5) أبو يوسف: كتاب الخراج، بولاق سنة 1302 هـ. (6) ابن الجيعان: كتاب التحفة السنية فى أسماء البلاد المصرية، القاهرة سنة 315 هـ. (7) ابن مماتى: كتاب قوانين الدواوين، القاهرة سنة 1299 هـ. (8) Die Entstehung: C. H. Becker (A f .von Ushr-und Kharag-Land Zeitschr ,.A Assyr جـ 18، ص 301 وما بعدها، سنة 9904 - 1905. (9) Steuerpacht and Lehnswesen فى Der lslam ص 82 - 92، سنة 1914. (10) La pro-: M. Van Berchem، priete territorials جنيف سنة 1886 وفيه نبذ كثيرة من البلاذرى. (11) Hartmann Zur Wirts-: M.: rsgechichte des altesten Islam فى Orient Lit. Zeitung جـ 7، رقم 11 و 12 Das arabische: Wellhausen (12) Reich and sein Stunz، برلين 1902، وعلى الخصوص عهد عمر بن عبد العزيز. (13) Recherches sur la con-: Worms stitution de la propriete territoriale dans les pays musulmans فى المجلة الأسيوية، المجموعة الثالثة جـ 14، سنة 1842، المجموعة الرابعة، جـ 1، سنة 1842 مع إشارات إلى ممالك إسلامية مختلفة. (14) Das Eigentumsrecht nach: Tornauw .muslimishen Recht Ges فى zeitschr.d . Deutsch. morgenl جـ 36. (15) C.H. Becker مادة "مصر" فى هذه الدائرة. (16) Kogabeg's Abhandlung: Behrmann iiber den Verfall des osmanischen Staatsgebaudes Zeitschr. d. Deutsch , فى MorgenL Ges جـ 15. (17) Etude sur La pro-: M. Belin .priete fonciere etc، المجلة الأسيوية،

أكدرية

المجموعة الخامسة، جـ 18 سنة 1861 م، 19، 1862. (18) الكاتب نفسه: regime des fiefs militaires dans I'Islamsime فى المجلة الأسيوية، المجموعة السادسة، جـ 15 سنة 1870. (19) Gurlzuge der: A GurLAND -Agrarverfassung pol muhammedarischen u,itih دوريات سنة 1907 م. (20) Tab-: MORADgean d' Ohsson Leau de L'Empire OTTOMOn، جـ 7، ص 243، 250، 279، 374 (21) DE LA LEGISLATIon fon-: Padel ciere nllnmane, باريس سنة 1954 م. (22) Recherches: Sylvestre de Sacy de la nature et .sur les revolutions du droll sere, Memoires de 1'institut de France royal، جـ 1، ص 5، 7 (23) das: A.Von Tischendorf Lehnswesesen in den moslemischen Staaten لييسك سنة 1872 م. [سوبر نهايم M. sobemheim] أكدرية اسم يطلق على مسألة فقهية مشهورة عويصة من مسائل الميراث تدخل فى "المسائل الملقَّبة"، وهى: إذا ماتت المرأة عن (1) زوجها (2) أمها (3) جدها، و (4) أختها سواء أكانت شقيقتها أم أختها لأبيها، فيكون نصيب الزوج من ميراثها النصف, والأم الثلث (القرآن الكريم، سورة النساء آيتى 12 - 13) ويبقى السدس للجد والأخت. وإذا ورث الجد والأخت معاً كانا من العَصَبات أى أن الأخت ترث نصف نصيب الجد ويرث الأثنان كل ما يبقى من الميراث عندما يستوفى أصحاب الفرائض فرائضهم. ووفقاً للتفسير الشائع للآية الثانية عشرة من سورة النساء، للجد الحق دائماً أن يطالب بسدس التركة، وعندئذ لا تأخذ الأخت شيئاً ما، وهذا هو رأى الحنفية، فهم يقولون إن الجد فى هذه المسألة حجب الأخت حجْب حرمان، ولكن المذاهب الفقهية الأخرى ترى أن الجد والأخت فى هذه المسألة لا يعتبران من العصبات بل هما ينالان

النصيب الذى حدده لهما القرآن الكريم بنفس الطريقة التى يرث بها الزوج والأم. وعلى هذا يكون التقسيم كالآتى: الزوج: يرث نصفاً يساوى ثلاثة أسداس. الأم: ترث الثلث يساوى سدسين. الجد: يرث السدس يساوى السدس. الأخت: ترث النصف يساوى ثلاثة أسداس. وبوساطة العَوْل تقسم المسألة على تسعة بدلا من قسمتها على ستة، وبذلك: ينال الزوج ثلاثة أتساع. تنال الأم تسعين. ينال الجد تسعاً. تنال الأخت ثلاثة أتساع. ومن حيث أن الأخت بعد ذلك كله ليس لها الحق إلا فى نصف نصيب الجد فيجب أن نعود إلى تقرير النسبة الصحيحة بين نصيبهما، فهما معاً يرثان أربعة أتساع أى أثنى عشر من سبعة وعشرين، والجد ينال ثمانية من سبعة وعشرين، والأخت تنال أربعة منها. وتختلف آراء الفقهاء فى علة تسمية المسألة "أكدرية" فجماعة يرون أنها من الكُدرة لأن الرأى فيها أكدر غير واضح، أو لأن الأسس المسلم بها عامة ليست واضحة فى هذه المسألة. ويميل آخرون إلى الأعتقاد بأن أكدر اسم رجل وكل إليه عبد الملك بن مروان هذه المسألة، على أنه لاتزال توجد تفسيرات كثيرة من هذا القبيل. المصادر: (1) تاج العروس، جـ 3، ص 518. (2) المطرّزى: المُغْرِب فى ترتيب المعرب، هذه المسألة. (3) لسان العرب ب 6، ص 450. (4) الدمشقى: رحمة الأمة فى اختلاف الأئمة، بولاق سنة. 1300 هـ، ص 96. (5) ابن حجر الهيثمى: التحفة، القاهرة 1282 هـ، جـ 3، ص 15. (6) كتب الفقه الأخرى. (7) Instituzioni: Satillana` جـ 2، ص 517. (8) الكاتب نفسه malecheta de Khalil Ibn Ishaq. جـ 2 ميلانو سنة 1919 م، ص 823. [جوينبول Juynboll]

ألف ليلة وليلة

ألف ليلة وليلة عنوان أشهر مجموعة عربية للقصص: كان العرب منذ أقدم العصور -كجميع المشارقة- مشغوفين بالاستماع إلى القصص الخيالى، ولكن ضيق (¬1) أفقهم العقلى بعض الضيق جعلهم يأخذون معظم مادة هذه القصص عن غيرهم، أمثال الفرس والهنود، تدلنا على ذلك الروايات الخاصة بالنضر (¬2) التاجر الذى كان يناوئ النبى، ففى القرنين السابع والثامن لميلاد المسيح بدأ الاتصال بين العرب وفارس وما يليها من البلاد الشرقية، وجدّوا فى نقل مادة القصص والأساطير عن هذه البلدان. ولسنا نستطيع -على التحقيق- تتبع مراحل السند لهذه القصص، ماخلا القليل منها مثل: كتاب كليلة ودمنة، لأن القصة أو ما يدخل فى بابها لم تكن من صناعة الأديب إذ ذاك: ونمت الحضارة العربية وتعددت جوانبها فى القرون التالية، وألفت قصص مبتكرة فى حواضر العالم الإسلامى. وأخذ فن القصة مع غيره من مظاهر التطور العقلى ينتقل شيئا فشيئا من المشرق إلى المغرب، نجد هذا كله ممثلا فى كتاب ألف ليلة وليلة، وهو أكبر مجموعة عربية للقصص وأكثرها تنوعا، ففيه العناصر الدخيلة الشرقية الأصل إلى جانب العناصر العربية الخالصة، والحق إن قصة هذا الكتاب تؤلف فصلا مشهوداً من تاريخ تطور الحضارة الشرقية عامة. على أن ندرة المعلومات الخاصة به تضطرنا إلى أن نجمل الحديث عنه، فلا نبلغ من الدقة ما نريد. ولم يبدأ البحث الجدى فى أصل هذا الكتاب إلا فى أوائل القرن التاسع عشر، وأول عالم أسهب فى بحث هذا ¬

_ (¬1) الحكم على العرب بضيق الأفق العقلي فيه غلو وسوء تعبير، فإن لم يكن لهم حظ وافر من القصص فقد إتسعت عقولهم لكثير من ألوان الأدب. (¬2) يشير إلى قصة النضر بن الحارث الذي أسر يوم بدر وأمر النبى عليا بقتله صبرا لأنه كان يروى اخبار الفرس والروم لأهل مكة معارضا بذلك ما جاء فى القرآن من أخبار عاد وثمود قدحا فى النبوة. وليس فى ذلك حجة على افتقار العرب فى القصص كما أراد الكاتب.

الموضوع هو سلفسترده, ساسى - Sil verstre de Sacy واضع فقه اللغة العربية الحديث (انظر ما كتبه فى Journal des Savants , سنة 1817، ص 678 ثم فى Recherches sur l'origine du recueil des contes intitules les mille et une nuits ياريس سنة 1829، ورسالته بنفس العنوان فى Memoires de I'Academie des سنة 1833 م، ص 30). وقد أنكر إمكان قيام فرد واحد بتأليف هذا الكتاب، وسلمّ فى المقالين الأخيرين اللذين ذكرناهما بأنه ألف فى عهد متأخر جداً، ورفض آخر الأمر رفضاً باتاً الرأى القائل بوجود عناصر هندية وفارسية فيه، وزعم لذلك أن الفقرة التى وردت فى كتاب المسعود بهذا الصدد منحولة له، ونحن ننقلها إليك لما لها من الشأن العظيم فى تاريخ هذا الكتاب: قال المسعودى حين عرض لأخبار شدّاد بن عاد ومدينته إرَم ذات العماد: "إن هذه أخبار موضوعة من خرافات مصنوعة، نظمها من تقرب من الملوك برواياتها، وإن سبيلها سبيل الكتب المنقولة إلينا والمترجمة إلينا من الفارسية والهندية والرومية (وفى رواية أخرى الفهلوية بدل الهندية) مثل كتاب هزار أفسانه، وتفسير ذلك بالفارسية خرافة ويقال لها (أفسانه)، والناس يسمون هذا الكتاب ألف ليلة (وفى روايتين أخريين ألف ليلة وليلة) وهو خبر الملك والوزير وابنته شهر زاد وجاريتها دنيا زاد". وخالف يوسف فون هامر Joseph von Hammer ده ساسى فقال بصحة رواية المسعودى بجميع ما يترتب عليها من نتائج) Wiener Jahrbucher، سنة 1819، ص 236؛ Journal Asiatique, المجلد الأول، جـ 10، المجموعة الثالثة، جـ 8، مقدمة: - Die nacht liberstzten Er zahlungen der Tausend and einen Nacht، شتوتكارت سنة 1923).

أما وليم لين William Lane الذى أجاد ترجمة جزء من الف ليلة وليلة فقد حاول أن يثبت أن هذا الكتاب ألفه بأكمله مؤلف واحد، وأنه كتب بين 1475 و 1525 م (مقدمة the arabian Nights Entertainments، لندن سنة 1839، 1841 م). وفى السنوات الأخيرة انبرى ده غويه De Goeje لتلخيص المناقشة التى دارت حول الموضوع) De arabische Nachivertelingen فى - encyclopondia Bri , tannicn جـ 23 ص 316) فوازن بين الفقرة التى أوردها محمد بن إسحق الوراق فى الفهرست والتى جاء بها أن هزار أفسانه قيل إنه ألّف لحميا ابنة الملك بهمن وبين الفقرة التى أوردها الطبرى (جـ 1، ص 188) وجعل فيها إستر أماً لبهمن وأطلق اسم شهر زاد على حميا، ثم حاول ده غويه أن يوجد صلة بين هيكل ألف ليلة وبين كتاب إستر. وتوسع ميلَر فى بسط هذه الفكرة) Zu dan Marchen der- A. Muller Tausend and einen Nacht فى rezz- nobergers Beitrage جـ 22، ص 222) وفطن إلى أن الكتاب يتكون من طبقات متعددة، وقال إن إحداها ألفت فى بغداد وإن الأخرى، وهى أكبر وأوسع، كتبت فى مصر. وأخذ نولدكه Noldeke بنظرية الطبقات وفصلها تفصيلا ادق، إذ وضع مقاييس للموازنة نتوسل بها إلى تمييز كل طبقة منها) Zu den e;gyptischen Nnrchen فى - Zeitchr. d. Deutch. Mnr genl. Gesellech جـ 42، ص 68). وأثارت هذه البحوث أو يسترب (Studier over 1001 nat: Oestrup, كوبنهاغن سنة 1891, الترجمة الروسية لهذه الرسالة ; Izsledowanie o .nochi 1001 موسكو سنة 1905 م) فحاول أن يصنف القصص المستقلة فى ثلاث طبقات، تشمل الأولى هيكل الكتاب والقصص المأخذوة عن الكتاب الفارسى هزار أفسانه، وتضم الثانية القصص التى اخذت من بغداد، وتجمع الثالثة القصص التى أضيفت إلى الكتاب فى مصر؛ وقال فى الوقت نفسه بوجود قصص أضيفت إلى الكتاب فى زمن متأخر جدلم مثل قصة البطولة والفروسية الضافية التى تتحدث عن

عمر بن النعمان وولديه، غير أن تسيبولد Seybold خالف الرأى الذى يقول بأن هذه القصة إضافة متأخرة (- verz. . der arab. Hss. der kg! . Uni versitatsbibliothek zu Tubingen. توبنكن سنة 1907 م، ص 75). وجاء كرمسكى Krimskj فذيل الترجمة الروسية لرسالة أو يسترب بتعليقات نقدية. وتابع شوفان Chauvin تحليل الأقسام التى تتألف منها الطبقة الكبيرة، فبيَن أنْ الطبقة المصرية تتألف من قسمين أحدهما يهودى الأصل) (la recension 4 gyptienne des mille et une nuit , بروكسل سنة 1899)؛ وأورد شوفان (انظر ما كتبه فى Bibilographie des ouvrages arabes وفى بعض الرسائل المخللفة) ورينيه باسيه Rene Bassei (Notes sur les iooi nuits فى revue des Traditions Populaires، جـ 13 - ، ص 37، 303) ملاحظات قيمة فى مسائل معينة تتصل بهذا الكتاب. أما وقد وصلنا فى البحث إلى هذه المرحلة فإننا نستطيع أن نقرر فى كثير من الثقة "أن النواة الأصلية لكتاب ألف ليلة وليلة مأخوذة عن كتاب قصص فارسى يعرف بكتاب "هزار أفسانه" ربما نقل إلى العربية فى القرن الثالث الهجرى، وأن مادة هذه القصص معظمها من أصل هندى"، ووجوه الشبه التى نجدها بين كتب هندية وفارسية لاشك فى أنها أقدم من الأصل العربى، وبين نواة ألف ليلة وليلة تمدنا بمقاييس نستطيع أن نميز بها قصص هذه الطبقة القديمة. وهذا التشابه صنفان، فهو طوراً يكون صورة مطابقة للنص العربى، وطوراً ينحصر فى ملامح متفرقة من السهل تمييزها، وكلما كانت هذه الملامح بارزة واشتد اتصالها ببناء القصة وموضوعها زادت قيمة فى نظرنا. ولدينا إلى جانب هذا مقاييس خارجية خالصة؛ كذكر الأسماء والنظم الفارسية القديمة. وقد حاول لين Lane الدفاع عن النظرية القائلة بالأصل العربى لكتاب ألف ليلة وليلة فبالغ فى تقدير هذه المقاييس الخارجية بمقدار ما وجد فيها من تأييد لنظريته. ومن

الأيسر علينا أن نعلل كيف أن قصاصاً أو نساخاً عربياً وضع أسماء وإشارات عربية تتلاءم والأحوال العربية المعاصرة له من أن نتفهم علة ورود الأسماء الفارسية القديمة، اللهم إلا إذا فرضنا أن هذه الأسماء عبارة عن بقايا مرحلة قديمة من مراحل التطور، ولذلك فإن المقاييس الخارجية التى تتصل بالهند وفارس تعتبر أهم نسبياً من غيرها، فقصاص العرب كانوا يعرفون كيف يطبعون القصة الأجنبية بالطابع المحلى، وكيف يوفقون بينها وبين ما يحيط بهم، غير أنه كانت تعوزهم الحاسة القصصية الفنية الواعية التى تمكنهم من أن يصبغوا الشئ الوطنى بالصبغة الأجنبية ويكسبوه جو بلاد غير بلادهم. وفى القصة الأولى التى يتكون منها هيكل الكتاب نجد كلا من المقياسين اللذين يثبتان وجود الأصل الأجنبى فيه جنباً إلى جنب، فاسما شاه زمان وشهريار وغيرهما أسماء فارسية, كما أن خيانة زوجى الأميرين الأخوين التى انتهت برحلة أحدهما تشبه القصة الهندية "كاتها سارت ساكارا" (انظر British and Foreign Review، جـ 21، يولية سنة. 1840 م، . ص 266) وكذلك القصص الصغيرة الثلاث التى وردت عرضاً فى نواة الكتاب، والتى تتحدث عن التجار الذين يفهمون لغة البهائم والوحوش لها نظائر فى الأدب الهندى. والتشابه الملحوظ بين الطريقة التى تدمج بها بعض القصص فى هيكل ألف ليلة وليلة وبين الطريقة التى تنتهجها الكتب الهندية له أهمية خاصة، فإن إدماج قصة فى قصة من خصائص الأدب الهندى، وهو أمر مشاهد فى "المهابهاراته" والـ "بنجه تنتره" و "ولله ينجه ومساتى" وغيرها، ولا يحفل الهنود بما فى هذه الطريقة من بُعد عن الواقع ومنافاة لطبيعة الأشياء، فإنهم يظهرون من حين إلى حين أشخاصاً يتكلمون أو يستمعون فى حين أن طبيعة موقفهم من القصة تتنافى مع هذا. والباعث الأول لكتاب ألف ليلة وليلة هو اكتساب الوقت وثنى المتهور عن عزمه. وهذا موجود أيضاً فى قصة

الوزراء السبعة الهندية الأصل، ونلحظ هذا بصورة أخرى فى القصة الهندية "صو كاسابتاتى" ففيها تحول الببغاء الأريبة بين زوجة صاحبها وبين زيارة خليلها فى غيبة زوجها بأن تشغلها فى البيت بجزء من قصة تسرده عليها كل يوم وتختمه دائماً بقولها: "سأقص البقية غد، إذا بقيت فى البيت الليلة"، وهكذا لا تستطيع الزوجة تنفيذ مأربها حتى يعود زوجها. وهذه الطريقة فى تكوين هيكل القصص شائعة فى الهند نادرة فى غيرها. ولسنا نعرف بين المصنفات القديمة كتاباً واحداً اتبع فيه هذا النهج اللهم إلا كتاب أوفيد (Meta-Ovid morphosis) . ويمكن اتخاذ هذا النهج مقياسا نميز به الأصل الهندى لأجزاء خاصة من ألف ليلة وليلة. وليس الأمر مقصوراً على ذلك بل إنه يتعداه إلى الأسلوب، فمن لوازم الكتب الهندية الشعبية قولها: "لا تفعل ذلك وإلا أصابك ما أصاب فلانا" فيسأل السامع: "وكيف ذلك؟ " فيجيب القاص برواية القصة، وهذا الأسلوب نفسه مستعمل فى ألف ليلة وليلة، وقولهم "وكيف ذلك؟ " فى بداية القصة ترجمة حرفية للعبارة السنسكريتية "كاتهام إتات"، ونحن نميل إلى افتراض أن هذه العبارة بالذات موجودة فى هزار أفسانه كما توجد أيضا فى الأصل الهندى الذى أخذ عنه هذا الكتاب. فالقصص التى فى أوائل جميع النسخ المخطوطة والمطبوعة من كتاب ألف ليلة وليلة -كقصص التاجر مع العفريت، والبنات مع الحمال، والصعاليك الثلاثة، والأحدب- كلها شاهدة على الطريقة التى يقوم بها الكتاب على هيكل، لأن فيها السمات التى تذكرنا بالقصص الهندية القديمة، ومن للك السمات الحيلة التى لجأ إليها الصياد فى إعادة العفريت إلى القمقم بعد أن كان قد أطلق سراحه، فهى مشابهة للترجمة المغولية لقصة "سمهه سند فترمساتى" أى قصة "أرجى برجى خان" ومشابهة لقصة أهل الجنوب المعروفة بـ "بنجه تنتره" التى ترجمها ديبوا Duhois .

ومن السمات التى تذكرنا بالقصص الهندية أيضا الصراع بين الثعبان الأبيض والثعبان الأسود وكلاهما عفريت، فإننا نجد له شبها فى قصص التتار التى من أصل هندى، وليست من أصل إسلامى كما ذهب إلى ذلك ناشرها يافيه ده كورتاى Pavet de Cour teille (المجلة الآسيوية، المجموعة السابعة، ص 259)، وكذلك الصراع بين العفريت والأميرة الساحرة، إذ أن له شبها قوياً بالترجمة المغولية لقصة "وتله بنجه ومساتى" (Benfey: Panchatantra جـ 1، ص 411)، ومنها أيضا قصة الملك والحكيم دوبان (¬1)، وكيف قتل هذا الحكيم الملك بكتاب دهنت أوراقه بالسم، فتلك عادة شائعة بين الهنود (انظر De rebus: Gildemeister ص 89). وهناك من جهة أخرى تشابه فى الملامح بين عدد من الحكايات الأولى من كتاب ألف ليلة وليلة يجعلنا لا نسلم بسهولة بأن هذه الحكايات كانت فى الأصل متفرقة على الصورة التى وصلت إلينا، بل من الراجح أن تكون كل حكاية من هذه الحكايات المأخوذة من هزار أفسانه قد أصابها تغيير كبير فيما بعد. والحكايات الأخرى التى لا شك فى أصلها الهندى الفارسى هى: 1 - حكاية الحصان المسحور، فقد وردت بها أسماء فارسية مثل سابور، وأعياد فارسية مثل النيروز والمهرجان. ويمكننا أن نرد الفكرة التى تقوم عليها هذه الحكاية إلى قصة "بنجه تنتره" (انظر Benfey، كتابه المذكور آنفا، جـ 1، ص 161). 2 - حكاية حسن البصرى (وقد ورد فى ترجمة هابشت وهاجن Habicht et Hagen اسم بطل هذه الحكاية "عاصم الصباغ" بدلا من حسن الصائغ، وربما كان هذا ناشئا عن التباس بين الصائغ والصباغ). وأهم ما فى هذه القصة سرقة الريش، والحيلة التى تغلب بها بطل القصة على الرجال الذين كانوا يتنازعون الميراث وتوسل بها إلى استرجاع محبوبته الهاربة. وهاتان السمتان من أصل هندى (انظر Benfey، كتابه المذكور ص 263) ثم ذاعتا بعد ذلك فى الشرق (انظر. Zeitschr. d ¬

_ (¬1) روبان فى قراءة أخرى

, Deutsch Morgent Ges جـ 6، ص 536 , Avadanas: Stanislas Julien , ياريس سنة 1859 م، جـ 2، ص 74). وصدر قصة حسن البصرى والجزء الأكبر منها يتردد ثانية فى كتاب ألف ليلة وليلة فى حكاية جان شاه المتداخلة فى حكاية حاسب كريم الدين وملكة الحيات، وهى حكاية ربما امتزج أصلها بعناصر يهودية. أما حكاية جان شاه فقد كتبت على نسق قصة أقدم منها ولكنها ضعيفة من الناحية الفنية. ومن الغريب أن قصة حاسب كريم الدين نسبها إلى هزار أفسانه أحد الكتاب فى مقال نشره بمجلة أدنبره (Edinburgh Review , عدد يولية سنة 1886 م، ص 166) فى حين أنه ينكر إنكاراً باتاً أن ألف ليلة وليلة له أصل فارسى. وإذا نحن لم نعوّل كثيراً على المقاييس الجمالية البحتة فإنا نستطيع أن نقول فى كثير من الثقة إن هذه الحكاية بما فيها من تهويل سخيف وتكرار ممجوج لم تقتبس من نفس المصدر الذى أخذت منه الحكايات المحبوكة الجيدة السبك مثل حكاية الحصان الأبنوس وحسن البصرى وغيرهما. 3 - وحكاية سيف الملوك هى الحكاية الوحيدة فى كتاب ألف ليلة وليلة التى نجد فى الفارسية حكاية كاملة تقابلها تمام المقابلة. وقد ذكر لين Lane المخطوطات الفارسية التى توجد فيها هذه الحكاية (- Arabian nights en, tertainments جـ 2، ص 744). 4 - حكاية قمر الزمان والأميرة بدور. 5 - حكاية الأمير بدر والأميرة جوهر السمندلية. 7 - حكاية أردشير وحياة النفوس، ونجد هذه الحكاية أيضا بشكل آخر فى مخطوطات ألف ليلة وليلة، نجدها فى حكاية عمر بن النعمان. وبالرغم مما قرره تسيبولد فإنى أرى أنها إضافة متأخرة إلى هيكل كتاب ألف ليلة وليلة ونجد هذه الحكاية أيضا فى حكاية تاج الملوك والأميرة دنيا التى تطابق حكاية أردشير وحياة النفوس مطابقة تكاد تكون حرفية. ولسنا نستطيع أن نقطع بوجود صلة بين حكاية على شير وبين الأصل

الفارسى، فإن حكاية نور الدين على وذات الزنار التى نرجح أنها متأخرة عنها. وحكاية نور الدين هذه نجدها أيضا فى ألف ليلة وليلة. ولا نستطيع أيضا أن نقرر وجود صلة بببن الأصل الفارسي وبين حكايتى الأخوات الغيورات وأحمد وباري بانو، وهاتان الحكايتان لانجدهما إلا فى ترجمة كلان C: alland لكتاب ألف ليلة وليلة. وعلى هذا فإن هذه القصص التى أخذت من كتاب هزار أفسانه هى التى تكونت هنها نواة كتاب ألف ليلة وليلة ثم تجمعت حول هذه النواة فى أراضى عربية طبقات مختلفة من الحكايات. وأول طبقة من هذه الطبقات بغدادية يتردد فيها اسم هارون الرشيد، وبعض حكايات هذه الطبقة من وحى الخيال، والبعض الآخر عبارة عن حوادث تاريخية زيد فيها وأعيدت صياغتها مثل حكاية أبى الحسن أو النائم اليقظان التى نجد أصلها التاريخى فيما رواه الإسحاقى (Lane: كتابة المذكور، جـ 2، ص 376) وكذلك نجد أن كثيراً من الحكايات التى ذاعت عن أبى نواس وأبى دلامة قد أصبحت من الروايات الأدبية. ويجب ألا ننسى أن اسم الرشيد كان قد أصبح منذ وقت قديم رمزاً للعصر الذهبى الغابر تُفعل فيه الأعاجيب وتحاك حوله الأساطير. وعلى هذا فمن الخطأ أن نكتفى بورود اسمه فى حكاية من الحكايات فننسبها إلى هذه الطبقة. وفى مثل هذه الحالة يجب أن يكون اعتمادنا على المقاييس الداخلية. وإذا صرفنا النظر بطبيعة الحال عن كثير من التفصيلات التى لابد أن تظل موضع الشك فإنا نستطيع أن نقول بصفة عامة إن الأقاصيص الهينة الجيدة السبك التى تمثل حياة الطبقة الوسطى وتقوم على مشكلة من مشكلات الحب ويكون حلها على يد الخليفة هى من الطبقة البغدادية، أما حكايات الصعاليك وحكايات الجن -وهذه فى الغالب ضعيفة الأسلوب - فهى من طبقة مصرية متأخرة.

ومما يجدر ذكره أن الجن فى الحكايات الهندية والفارسية القديمة يفعلون ما يفعلون من تلقاء أنفسهم، أما الجن فى القصص المتأخرة فيخضعون دائما لطلسم أو لغيره. وعلى هذا فإن صاحب الطلسم هو الذى يسيطر على مجرى الأمور دون الجن والعفاريت. اما الحكايات البغدادية فليس للسحر دخل فيها. وقد بين نولدكه أن حكايات الصعاليك فيها عنصر مصرى خالص (Zeitscher. d. Deutsch. Morg.: Noldeke .Gess . جـ 42,ص 68). والمثل القديم على هذا النوع هو القصة المشهورة التى رواها هيرودوتس عن كنز الملك رامبسينيت Rhampsinil فإنا نجد شبهاً طريفاً لجزء من هذه القصة فيما حكاه المقدمون الثمانية للسلطان بيبرس فى كتاب ألف ليلة وليلة (طبعة هابشت وفليشر Habicht & Fleishcer , جـ 11، ص 375). ونحن نرجح ما حاو ل أن يثبته شوفان من أن الجزء الأخير من الطبقة المصرية بما فيه من حكايات مبتذلة عن السحر من وضع يهودى مصرى (La recension Egyptienne des: Chauvin Mille et une nuit، بروكسل 1899) وحكايات هذه الطبقة المتأخرة هى أضعف ما فى الكتاب من الوجهة الجمالية. وفوق هذه الطبقات الأربع التى سبق أن بينا انه لا يمكن تمييز بعضها عن بعض بالدقة، اشتمل كتاب ألف ليلة وليلة على عدد من القصص الكبيرة والأقاصيص الصغيرة. وهذه القصص الكبيرة ترد كل واحدة منها فى نسخة دون الأخرى. ويظهر أنها أضيفت إلى الكتاب لا لشئ إلا ليبلغ عدد الليالى التى دَل عليها اسمه. من هذه الحكايات حكاية الوزراء السبعة وهى من أصل هندى مستقل والحكايات التى نسجت على منوالها، مثل حكاية الوزراء العشرة وحكاية الوزراء الأربعين وحكاية جليعاد وشماس. أما نسبة حكايات السندباد البحرى إلى كتاب ألف ليلة وليلة فمحل بحث. ويظهر أنها وضعت فى عهد بلغت فيه بغداد والبصرة غاية ما وصلتا إليه من ازدهار. وربما كانت هذه الحكايات فى الأصل كتابا قائماً بذاته.

ومن الحقائق المعروفة أن ثمة بعض حكايات مصرية قديمة جداً وحكايات يونانية، والحكايات اليونانية تشبه حكاية السندباد فى مادتها. وهناك حكايات لم تكن فى أصل كتاب ألف ليلة وليلة مثل الحكاية الطويلة التى تتحدث عن فروسية عمر ابن النعمان وولديه، وحكايه شول وشمول (طبعة تسيبولد Seybold، لييسك سنة 1902) وحكايتين تعليميتين تختلف كل واحدة منهما عن الأخرى اختلافا بينا وهما حكاية الحكيم هيكر، وهى يهودية الأصل، وحكاية الجارية تَوَدد التى أصبحت فيما بعد كتابا يقبل الشباب فى أسيانيا على قراءته، واسمه - La Dan 7 ella Te, odor Tudur، وتيودور أو شدور تصحيف لكلمة تودد من السهل إيضاحه بالاعتماد على فن الكتابات القديمة (Historia de la li-: Ticknor terata espanoola, traducida por pascuat de Gayangos Y Enriquo de Vedia . جـ 2، ص 554). والإضافات الأخيرة التى أضيفت إلى هذا الكتاب الضخم حدثت فى مصر، والرجح أن ذلك كان فى أواخر عهد المماليك، ولعلها وضعت فى القاهرة لكثرة , ورود أسماء صحيحة لأماكن فيها. وهذا الرأى يمكن استنتاجه أيضا من لغة هذا الجزء، فهى تشبه اللغة العربية فى عصورها المتأخرة وتقرب فى كثير من الوجوه من اللغة المصرية الدارجة. على أن واضعى هذا الجزء لم يوفقوا تماماً فى محو الفروق الأصلية البارزة بين أسلوب الجزء الأصلى وأسلوب ما أضافوه إليه، وكذلك تختلف النسخ المختلفة اختلافا بينا فى هذا الصدد. وقد حاول شوفان - Chau vin فى كتابه المذكور آنفاً أن يعين على وجه التدقيق شخصية الرجل الذى وضع الطبقتين المصريتين، وهو يرى أنه يهودى دان بالإسلام. ولكنا نرى أن عدد الكتاب والقصاص الذين اشتركوا فى إعادة صوغ ألف ليلة وليلة فى عصور متعاقبة كانوا من الكثرة

بحيث أن الكشف عن عمل كل مؤلف منهم على حدة أصبح من الأمور المعقدة التى لا يجرؤ كاتب على التعرض لحلها. وقد جاء فى الفقرة التى ذكرناها عن المسعودى أن الكتاب الفارسى هزار أفسانه الذى ترجم إلى العربية ترجمة حرفية معناه ألف خرافة وأنه سمى بدل ذلك ألف ليلة. أما اسم ألف ليلة وليلة الذى أطلق من بعد على الكتاب فيرجع إلى أن العرب -كغيرهم من الشرقيين بصفة عامة- يتطيرون من الأعداد الزوجية كما سبق أن بين ذلك كلدميستر Gildmeister (المصدر نفسه). وربما كان لميلهم المألوف إلى نوع من التسجيع فى تسمية الكتب دخل أيضا فى تغيير اسم الكتاب. وكما أن الكتاب الفارسى هزار أفسانه لم يشتمل بالدقة على ألف خرافة، وهذه التسمية العددية إنما قصد بها عدد كبير من الحكايات غير معين، كذلك الحكايات التى وردت فى كتاب ألف ليلة وليلة لم تكن فى الأصل مقسمة إلى ألف ليلة وليلة وإنما وضُع هذا التقسيم فى العصور المتأخرة. وهذا يبدو جليا من اختلاف النسخ فى هذا الموضوع اختلافا كبيراً. ولقد كانت الرغبة فى إكمال عدد الليالى فى الكتاب هى الباعث إلى الزيادات الكثيرة التى أدخلت عليه. أضف إلى هذا أن شهرة اسم كتاب ألف ليلة وليلة جعلت النساخ يميلون إلى أن يضيفوا إلى ما اشتملت عليه المخطوطات كل ما هو دخيل وعجيب. وأحسن مثل على هذه المخطوطات مخطوط ياريس رقم 1728. ويشتمل الجانب الأكبر من حكايات ألف ليلة وليلة على شواهد شعرية تطول أحياناً وتقصر أحياناً، وتتميز الطبقة البغدادية بكثرة ما يرد فيها من الأشعار. والطريقة المتبعة فى الكتاب هى وضع هذه الشواهد على لسان المتحدث، وذلك فى جميع الفقرات التى يريد القاص فيها أن يعبر عن عاطفة قوية سواء أكانت عاطفة حزن أم سرور، فيجعل المتحدث يستهل كلامه بالشعر. وهذه الأشعار فى أغلب الحالات ليست بوجه من الوجوه أداة لاستمرار الحديث، ولكنها -كالأشعار التى ترد فى القصص التمثيلية الهندية- عبارة عن مواضع للتوقف تفيض أحيانا بالحكم والتأملات. وفى هذا دليل كاف

على أن هذه الأشعار ليست قديمة قدم بقية المتن، وإنما أضيفت إليه فى وقت متأخر. ويعزز هذا الاستنتاج تكرار ورود هذه الشواهد بعينها فى مواضع متشابهة، وربما عززه أيضا ذكر كثير من الأشعار المختلفة التى تؤدى المعنى نفسه، والوصل بينها بالعبارة المشهورة "وقال أيضاً فى المعنى"، وهناك أمثلة كثيرة من الأشعار التى تبدو سخيفة على لسان المتحدث إما لخطأ فيها أو لأنها نابية عن موضعها. ولم يذكر اسم الشاعر صاحب الأبيات المقتبسة إلا فى حالات نادرة. والشعراء الذين كثر ذكرهم: أبو نواس وابن المعتز وإسحق الموصلى، أما فى أغلب الأحوال فتترد , هذه الصيغة: "وقال الشاعر". وأغلب الأشعار من تاريخ متأخر، وهى على وجه العموم أكثر وضوحاً وبساطة من الشعر العربى القديم. وتنقسم مخطوطات ألف ليلة وليلة إلى ثلاث مجموعات مختلفة كما بين بروكلمان نقلا عن زوتنبرغ Zotenberg (Gesch. d. arab. litter، جـ 2، ص 60. المجموعة الأولى أسيوية وهى الأقدم. وجميع مخطوطات هذه المجموعة ناقصة إلا واحدة منها، وتشتمل على الجزء الأول من الكتاب فقط، ثم مجموعتان مصريتان متأخرتان. والإختلاف بين هذه المخطوطات كبير جداً، وإن كان فى نسخ مخطوطات المجموعة الأولى أقل أهمية. وقد أعطانا بروكلمان ثبتا بطبعات هذا الكتاب وترجماته إلى اللغات الأوربية. وأكمل كريمسكى Krymski هذا الثبت وتوسع فيه فى مقدمته للترجمة الروسية لبحث أو يسترب (Studier). وذكر شوفان مصادر كثيرة فى كتابه (Bibliographie des ouvrages A rabes جـ 4، ص 12 - 130). وأكمل ترجمات هذا الكتاب وأدقها ترجمة برتون Burton إلى الإنكليزية (بنارس- لندن، سنة 1885، وقد طبعت أخيراً بالألمانية فى " Inselverlarlag")، والترجمة الفرنسية التى قام بها ماردروس Mardrus (باريس سنة 1899 وبعد ذلك).

وما زالت طبعة بولاق العربية التى صدرت عام 1251 هـ أحسن الطبعات -وهى فى مجلدين- وان كانت الطبعة المصرية الأخيرة التى طبعت فى القاهرة فى أربعة مجلدات أصغر حجماً وأسهل تداولا لأنها طبعت عدة مرات. [أويسترب j. oestru] ألف ليلة وليلة: ظهر كتاب ألف ليلة وليلة لأول مرة فى أوربا فى الترجمة الفرنسية التى قام بها أنطوان كلّان - An toine Galland (سنة 1646 - 1715 م) وسماها Les Mille et une nuit وصدرت فى اثنى عشر مجلداً (باريس سنة 1704 - 1717 م) وقد ظهر منها قبيل عام 1706 م سبعة مجلدات، وظهر المجلد الثامن سنة 1709 م، والمجلدان التاسع والعاشر سنة 1712 م، والحادى عشر والثانى عشر سنة 1717 م أى بعد وفاة كلّان بعامين. وكان البطء فى ظهور المجلدات الأخيرة راجعاً إلى الصعوبات التى لاقاها كلّان فى الحصول على مادة الكتاب الذى يترجمه، وإلى أنه لم يكن يهتم كثيراً بهذه الناحية من نواحى عمله العلمى. كان كلّان قصاصاً موهوباً بصيراً بالقصة الجيدة بارعاً فى إعادة روايتها، وأدى هذا إلى نجاح ترجمته. وكان موفقا أيضا من ناحية المادة التى وقعت فى يده. وقد بدأ بترجمة السندباد البحرى من مخطوط أصله غير محقق ثم عرف أنها جزء من مجموعة كبيرة من الحكايات اسمها ألف ليلة وليلة. وأسعده التوفيق إلى حد عجيب بعد ذلك بأن جاءه من الشام نسخة خطية لهذا الكتاب فى أربعة مجلدات، هى أقدم النسخ المعروفة وتشتمل على أحسن ما بقى من متن الكتاب. ومازالت المجلدات الثلاثة الأولى من هذه النسخة الخطية محفوظة فى المكتبة الأهلية بباريس. أما المجلد الرابع فكان مصيره الضياع. واستنفذ كلّان هذه المجلدات الثلاثة الأولى -التى لا تزال فى متناولنا حتى الآن- فى المجلدات السبعة الأولى من ترجمته، ثم أضاف إليها حكايات السندباذ وقمر الزمان، أخذها عن نسخ مخطوطة غير محققة الأصل. ووقف كلّان عند هذا الحد ثلاث سنوات لنفاد المادة التى يعتمد عليها فى

الترجمة، إلى أن اضطره ناشر كتبه إلى استئناف العمل وذلك بأن نشر دون إذنه المجلد الثامن الذى يشتمل على حكاية غانم التى ترجمها كلّان عن مخطوط لا يعرف أصله وعلى حكايتى زين الأصنام وخده اداد اللتين ترجمهما بتى ده لاكروا Petis de la Croix لنشرهما فى كتاب ألف يوم ويوم Mille et nn jour، لم يجد كلّان ما يترجمه بعد ذلك فتوقف للمرة الثانية. وكان قد أخذه الكلال والسأم من هذا العمل كله. ولكن حدث سنة 1709 أن صادف كلاّن ماروينا من حلب اسمه حنا، كان قد جاء به إلى باريس بول لوكا Paul Lucas , فأدرك فى الحال أنه لقى قصاصا لأحسن القصص. وأخذ حنا يحكى لكلاّن حكايات عربية وهو يكتب خلاصات لبعضها فى يومياته ثم أعطاه حنا بعض هذه الحكايات مكتوبة، وبهذا اكمل كلّان مجلداته الأربعة الأخيرة. وقد ذكر فى يومياته تفصيلات وافية عن هذا الموضوع. واختفت مخطوطات حنا، ولكن منذ ذلك العهد ظهر مخطوطان لحكاية علاء الدين ومخطوط لحكاية على بابا. وهذا هو أصل الليالى التى عرفتها أوربا والتى لا يزال أغلب قرائها فى الترجمة الفرنسية وفى الترجمات الكثيرة التى نقلت عنها يعرفونها باسم الليالى العربية، واذا أردت زيادة فى البيان فارجع فى ذلك إلى: (His-: Hermann Zotenberg -torie d'Ala Al-Din ou la lampe Mer , veilleuse باريس سنة 1887 = Notices - et ertraits des manuserits de la Rib liotheque du Roi , باريس سنة 1887، جـ 28 ن عدد 1، ص 167 - 320) وفيه أيضا دراسة وافية لمخطوط من مخطوطات كتاب ألف ليلة وليلة ولما كتبه كلاّن فى يومياته؛ وإلى فكتور شو فان: (Biblio-: Victor Chauvian graphie Arabe . جـ 4، لييج سنة 1900، وإلى A bid-: D.B. Macdonlad - liographical and literary Study of the ap -pearance of the Arabian Nights in Eu grope وفى مجلة The Library Quarterly جـ 2، عدد 4، أكتوبر سنة 1932، ص 387 - 420). وظلت أوربا أكثر من قرن تعتبر أن الليالى هى ترجمة كلاّن، ولحسن

الحظ أنه كان موفقاً فى مصدريه: المصدر المخطوط والمصدر المروى. ولكن ظهرت فى الوقت نفسه مخطوطات أخرى تتصل بالليالى عن قرب أو بعد، وقد ترجم منها ونشر عدة ملحقات لترجمة كلاّن. وكما أن مخطوطات الليالى نفسها قد عظم بينها الاختلاف فيما اشتملت عليه من الحكايات، كذلك كارْ النقلة على استعداد لإدماج أية حكاية عربية فى كتاب ألف ليلة وليلة. وقد أصبح الموضوع كله -لعدم وجود أصل ثابت ومتن معتمد- يحيط به الشك والزيف. والملحقات الآتية -التى نشرت أحياناً على انفراد وأحيانا متصلة بطبعات كلاّن- لها شأن فى ذاتها، وباعتبار أنها تمثل اهتمام ذلك العصر بهذا الكتاب. وإذا أردت زيادة فى البيان فارجع إلى شوفان (المصدر المذكور، جـ 4 ن ص 82 - 120). ففى سنة 1788 م ظهرت سلسلة من الحكايات العربية ملحقة بكتاب - Cab inet des Fees، ص 38 - 41 نقلها إلى الفرنسية دنيس شافيس Denis Chavis . وهو كاهن سورى جاء به من رومة إلى باريس البارون ده بريتاى de Baron Breteuil بناء على تكليف الحكومة الفرنسية، وصقل كازوت Cazontte ترجمته الفرنسية. وكان الفضل لشافيس هذا فى حصولنا أيضا على مخطوطين لحكاية علاء الدين. وبفضل اهتمام الناس فى ذلك الوقت بموضوع الليالى كله ظهرت ما بين 1792 م وسنة 1794 م ثلاث ترجمات إنكليزية لهذا الملحق الذى ترجمه شافيس وصقله كازوت. وفى سنة 1795 م نشر وليام بيلو William Beloe فى الجزء الثالث من كتابه Miscellanies بعض الحكايات العربية التى حكى له ترجمتها ياترك رسل Patrick Russell مؤلف كتاب The Natural history of Aleppo الذى نشر عام 1794 م. وفى سنة 1800 م ترجم جوناثان سكوت Jonathan Scott فى كتابه، Tales necdotes and Letters بعض الحكايات عن مخطوط لكتاب ألف ليلة جاء به من الهند جيمس أندرسون James Anderson.

وكان وليام أوزلى William Ousley قد نشر شواهد كثيرة من هذا المخطوط بين سنة 1797 م وسنة 1798 م فى كتابه Oriental Collections . وفى سنة 1811 م نشر ترجمة إنكليزية لكتاب كلاّن وأضاف إليها مجلداً ثالثاً يشتمل على حكايات جديدة أخذها عن مخطوط Wortley Montague. وكان كوسان ده يرسيفال Caussin de Prerceval قد أضاف سنة 1806 م جزأين من ملحقه وهما المجلدان الثامن والتاسع إلى الطبعة التى أصدرها لكتاب كلاّن، وفى هذين المجلدين نشر ترجمة أدق للمخطوط الذى اشتمل على الحكايات التى ترجمها شافيس وصقلها كازوت Cazotte . أما إدوار كوتييه Edouard Gauttier فقد ذهب أبعد من هذا فى الطبعة المعتمدة التى أصدرها لكتاب كلاّن بين سنة 1822 م وسنة م، فإنه -إلى جانب المجلدين السادس والسابع اللذين اشتملا على حكايات جديدة أخذت من مصادر جمة- أطلق يده فى كتاب كلاّن وأضاف إليه حكايات أخرى. أما الملحق الذى أصدره فون هامر Von Hammer فقد امتاز بأسانيد أمكن، كما امتاز بدقة التحرى فى اختيار الحكايات. حصل فون هامر فى مصر على مخطوط لمتن الكتاب عرف باسم "نص زوتنبرغ"، وقد أصبح هذا النص -بفضل طبعه عدة مرات- النص المعتبر لكتاب ألف ليلة وليلة. وترجم فون هامر من هذا النص إلى الفرنسية بعض الحكايات التى لم ترد فى كتاب كلاّن. ولكن هذه الترجمة الفرنسية ضاعت ولم يبق لنا منها إلا ما نقله عنها تسنسرلنك Zinserling إلى الألمانية وأصدره فى ثلاثة مجلدات عا 1823 م، والترجمة الإنكليزية لكتاب تسنسرلنك التى قام بها لام Lamb وأصدرها فى ثلاثة مجلدات 1826 م، ثم ترجمة فرنسية لهذا الكتاب أيضا قام بها تريبيتيان Trebutien وأصدرها فى ثلاثة مجلدات عام 1828 م. وفى عام 1825 م أصدر هابشت Habicht فى بروسلاو كتاب ألف ليلة فى خمسة عشر مجلداً زاعماً أن كتابه ترجمة جديدة لليالى، ولكنه كان فى الواقع عبارة عن كتاب كلاّن مضافاً إلى

ملحقات كوسان Caussin وكوتييه - Gaut tier وسكوت Scott وخاتمة قيل إنها أخذت عن مخطوط تونسى. وفى العام نفسه بدأ هابشت فى إصدار النص العربى الذى سنتبسط فى الحديث عنه. واعتمد فايل Weil على هذا النص، وبدأ يترجمه ترجمة جديدة صدرت فى أربعة مجلدات بين سنة 1837 وسنة 1841. ولكن بطء هابشت فى إصدار النص العربى وما كان يلقاه من متاعب مع ناشر كتبه، كل ذلك دفع فايل Weil إلى أن يعتمد على كتاب كلاّن فى إتمام الترجمة التى كان يقوم بها، وأخذ فايل بعض الحكايات أيضاً من مخطوطات كوتا - Go tha، غير أنه لم يرض عن كتابه إلا عندما أصدره للمرة الثالثة بين سنة 1866 وسنة 1867 معتمداً على طبعة هابشت وطبعة بولاق. وفى هذه الأثناء كان الجدل قد احتدم حول أصل كتاب ألف ليلة وليلة وتاريخه، وكان هذا الجدل يشوبه العنف فى بعض الأحيان. كان فون شليكل W.Von Schlegel .A العالم فى اللغة السنسكريتية يقول إن كتاب ألف ليلة أصله هندى. ولا يذهب أحد الان هذا المذهب، لأنه قد تبين أن حكايات هذا الكتاب لها أصلان: أصل عربى وأصل فارسى. هذا إلى أنها تشتمل على موضوعات مأثورات شعبية شائعة بين الأمم. أما نواة الكتاب وحدها فقد ثبت أنها من أصل هندى قديم، أثبت ذلك كوسكان. Em Cosquin , فى (Revue Bibilque عدد يناير - أبريل سنة 91909). ويرزيلسكى J.Przyluski فى (Journal Asiatque)، سنة 1924، ص 101 - 137). وانتقلت هذه النواة إلى الأساطير الشعبية الفارسية، وتأثر بها كتاب إستر، وأصبحت نواة لكتاب الليالى الفارسية. وانتقلت هذه الحكاية فى صورة أخرى قائمة بذاتها إلى شمالى إفريقية وأصبحت أصلا لمجموعة من الحكايات العربية اسمها "مائة ليلة وليلة" (انظر G audefroy-Demombynes: Les Cent et une Nuits، طبعة باريس من غير تاريخ، ولها مقدمة قيمة فى فن القصة). وقد تبسطت فى الكلام على هذا الموضوع فى مقالى الذى نشر تحت

عنوان Earlier Hist. of the Arab. nights فى مجلة الجمعية الملكية الأسيوية Journal of the Royal Asiatic Society، عدد يولية سنة 1942 م، ص 355 وما بعدها. ولكن النواحى الجوهرية فى هذه المناقشات الأولى حول ألف ليلة وليلة قد تناولها ده ساسى وفون هامر. أماده ساسى فلم يكن موفقا فى موقفه، فقد طغى عليه ما لاحظه على مخطوطات الكتاب من طابع مصر فى عصورها الوسطى حتى غاب عنه أن للكتاب تاريخا سابقاً طويلاً يرجع به إلى بلاد الفرس. ولهذا لم يأت ده ساسى فى الواقع بشئ جديد. أما فون هامر فقد أخرج إلى النور أهم روايتين تتحدثان عن التاريخ القديم لكتاب ألف ليلة وليلة: مثل رواية المسعودى فى مروج الذهب (طبعة ياريس، جـ 4، ص 59 وما بعدها). ورواية الفهرست (طبعة فلوكل، ص 304 ما بعدها). وقد تبسط شوفان Chauvin فى الكلام على الخلاف فى أصل الكتاب فى الجزء الرابع من كتابه، ص 1 وما بعدها. وقد بدئ أيضاً فى طبع النص العربى فى أوربا وفى الشرق. فبينما كان وليم جونز William Jones فى أكسفورد حصل من صديق له من العلماء فى حلب على مخطوط غير كامل ضاع الآن، إلا أنه يشبه كل الشبه مخطوط كلّان. وقد طبع جون رتشادسون John Richardson أجزاء من هذا المخطوط فى كتابه "الأجرومية العربية" The Arabic Grammen الذى أصدره عام 1767 م، ثم استخرج جوزيف هويت Joseph Whit صورة شمسية للمخطوط كله وطبع نموذجاً منه (Bible. Arabica: Schnurrer، ص 487, رقم 420). وجاء باتريك رسل Patrick Russell من حلب بمخطوط آخر للكتاب فى مجلدين وهو غير كامل إلا أنه يشبه أيضا مخطوط كلّان ويكاد يساويه فى الحجم. والجزء الأول من هذا المخطوط محفوظ الآن فى مكتبه جون ريلانذز " John Rylands Liberary" وكتب باتريك رسل عن مكانة الليالى فى كتابه - Nat ural History of Aleppo، الذى أصدره عام 1794,كما نشر خطاباً طويلا فى

مجلة جنتلمان Gentleman's Magazine، عدد فبراير سنة 1799. يصف فيه مخطوطه، وكانت هذه المجلة حينذاك قد أخذت تنشر منذ عامين رسائل فى موضوع ألف ليلة وليلة". والحديث عن مخطوط باتريك رسل يجرنا بطبيعة الحال إلى الكلام عن أول سعى لطبع الكتاب بنصه العربى. لأنه لاشك فى أن النسخة التى سميت "طبعة كلكتة الأولى" للمائتى ليلة (طبعة كلكتة فى مجلدين عام 1814 وعا م 1818، ثم أعيد طبعها على الحجر عام 1829) ليس من شك فى أن هذه النسخة مأخوذة مع شئ كثير من التصرف من مخطوط باتريك. وقد تحدثت عن المشكلة البالغة التعقيد الخاصة بأصل هذه النسخة فى مقالى Classification of some MSS of the Arabian Nights الذى نشر فى كتاب E.G.Browne ص 307, 313 وما بعدها. وهناك جزء من طبعة كلكتة مأخوذ من كتاب لانجلس " L.Langel«الذى سما 5 - Les Voyages des Sind-Badh le ma rin et la Ruse des Femmes وطبعه فى ياريس سنة 1813 ملحقاً بكتاب آجرومية اللغة العربية Grammaire de«"la langue Arabe الذى ألفه سافاري " Savary"، ثم طبعه مرة أخرى منفصلا فى سنة 1814 م. وترجم راسموسن J.L. Rasmussen طبعة كلكتة الأولى إلى اللغة الدنماركية، وأصدر ترجمته بكوبنهاغن فى أربعة مجلدات عام 1824. وثانية المحاولات لطبع النص العربى كانت على يد مكسمليان هابشت - Maxi milian Habichl . فقد أخرج فى برسلاو ثمانية مجلدات من كتاب ألف ليلة وليلة بين سنة 1825 وسنة 1838. ثم أصدر فليشر Fleischer المجلدات المجلدات الأربعة الباقية بين سنة 1842 وسنة 1843. ومن العسير أن نتلطف فى القول عند الكلام عن هذه الطبعة، فإن فليشر قد خلق عامدلم أسطورة أدبية، وأصاب بالاضطراب العظيم تاريخ كتاب ألف ليلة, ذلك أنه سجل على صفحة العنواق من كتابه أنه نقله عن مخطوط تونسى " - Nach einer Hands chrift aus Tunis، ولم يكن هذا صحيحاً،

فلم يكن يملك مخطوطاً تونسياً، وليس هناك أى دليل على أن تونس قد وجد بها حقا مخطوط لكتاب ألف ليلة. ووقف هابشت على كثير من القصص العربى، جاءه من مصادر مختلفة، فنسج منه متناً جديداً لكتاب ألف ليلة، ناهجاً فى الكثير الطريق نفسه الذى نهجه فى الترجمة التى تحدثنا عنها من قبل. وخير ما نستطيع أن نقوله فيه هو أنه طبع مخطوطاته على أصلها دون أن يعنى بتصحيحها أية عناية، فجاء كتابه غثا بكل ما فى هذه الكلمة من معنى. أما جل الطبعات الأخرى فقد أصلحها طائفة من الشيوخ وصححوا لغتها. وأهم الحكايات الواردة فى طبعة هابشت أخذت بطريقة غير مباشرة من مخطوط كلّان Galland، وقد تبسطت فى الكلام عن هذا فى مقالى الذى نشرته عن كتاب هابشت فى مجلة الجمعية الملكية الأسيوية، الصادرة فى يولية سنة 1909 م، ص ,685 - 704. وفى مقالى " Classification" الذى أشرت إليه آنفاً. أما جميع النصوص العربية الأخرى فقد أخذت عن النص المصرى الحديث جدا. والفضل فى تحقيق هذا يرجع إلى زوتنبرغ الذى وصل إلى هذا الرأى بعد دراسة جميع المخطوطات التى كانت موجودة واستطاع الحصول عليها وموازنتها بالمخطوط المصرى. وهناك دليل آخر ظاهرى يؤيد هذا الرأى، ففى شهر يوليو سنة 1807 كان سيتزن Seetzen فى القاهرة، وكتب فى يومياته (Reisen، جـ 3، ص 188) يقول: إن أسلان Asselin كشف أن مخطوطات ألف ليلة وليلة المتداولة فى مصر قد جمعها واحد من الشيوخ. وأن هذا الشيخ توفى منذ 26 عاماً. ولسوء الحظ ترك أسلان فى يومياته بياضا مكان اسم هذا الشيخ. ثم أضاف إلى هذا أن المجموعة الأصلية التى وصلت إلى يد الشيخ كانت تشتمل على مائتى ليلة، وأنه جمع حكايات بقية الليالى من حكايات متفرقة معروفة، وذكر أسلان أنه اعتزم أن يكتب رسالة عن ذلك النص.

ولم يشر زوتنبرغ إلى ما كتبه سيتزن فى يومياته، ويظهر أن أسّلان لم يكتب مقاله أيضاً، ولكنا نجد فى هذه الراوية دليلا واضحا يؤيد الرأي الذى ذهب إليه زوتنبرغ، ذلك الرأى الذى أخذت تعززه المخطوطات المرة بعد الأخرى، وسنتحدث عن ذلك فيما بعد. وعلى هذا يمكننا أن نقول بثبوت النص المصرى الذى كشفه زوتنبرغ. أما الطريقة التى اتبعها ذلك الشيخ المجهول فى زيادة عدد الليالى واطالتها فقد تكلمت عنها فى مقالى Classification of " some MSS of the Arabian Nights . الذى أشرت إليه من قبل. وأول طبعة للمخطوط المصرى هى الطبعة المعروفة باسم "طبعة بولاق الطبعة الأولي التى صدرت , 1251 هـ (1835 م، أما طبعة بولاق الثانية فقد صدرت عام 1279 هـ. وهاتان الطبعتان عينتا النص المعتبر الليالى، وصدر عنهما كثير من الطبعات الشرقية. وأخرجت مطبعة الآباء اليسوعيين فى بيروت طبعة أخرى للكتاب معتمدة على أحد المخطوطات المصرية بعد أن هذبت عباراته، وأصدرته فى خمسة مجلدات بين سنة 1888 وسنة 1890, وأرسلت نسخة من المخطوط المصرى إلى الهند وطبعها مكناتن - W.H. Mac naght بكلكتة فى أربعة مجلدات بين سنة 1839 وسنة 1842. وتسمى هذه الطبعة عادة "طبعة كلكتة أو"طبعة كلكتة الكاملة". والمجلد الأول من هذه الطبعة عبارة عن المجلد الأول من طبعة كلكتة الأولى والنص الوارد فى طبعة برسلاو بعد أن زيد فيه. وقد أعيد طبع هذه النسخة على الحجر فى بومباى وصدرت فى أربعة مجلدات عام 1297 هـ وقد نقلت جميع الترجمات الأحدث من ذلك إلى اللغات الأوربية من النص المصرى الذى كشفه زوتنبرغ. وكذلك الجزء الذى ترجمه فون هامر إلى الفرنسية، والذى أسلفنا الكلام فيه، أخذ من نسخة من المخطوط المصرى الذى اشتراه فى مصر، وكان ذلك فى مستهل القرن التاسع عشر. وقد فصل فون هامر الكلام عن مخطوطه وغيره من المخطوطات فى مقدمته للترجمة

الألمانية التى قام بها تسنسرلنك وصدرت فى شتوتكارت وتوبنكن عام 1823. ومن الواضح أن نسخاً كثيرة من المخطوط المصرى كانت تباع فى مصر فى ذلك الوقت. ثم بدأت فى الظهور ترجمة إنكليزية تختلف عن هذه الترجمة كل الاختلاف. وكان قد قام بها هنرى تورنس Henry Torrens معتمداً على طبعة مكناتن. وظهر المجلد الأول فى كلكتة ولندن عا 1838, أما مقدمته فقد كتبت فى سملا بالهملايا فى 31 يولية سنة 1838، واشتمل هذا المجلد على الخمسين الليلة الأولى فقط، وكانت هذه أول محاولة -بعد كلاّن- لإصدار الليالى فى ثوب أدبى. ولما أعلن عن ترجمة لين Lane امتنع تورنس Torrens عن إتمام ترجمته. ولكن جون ياين John Payne كتب يقول: إنه لم يكن ليترجم كتاب ألف ليلة لو أن تورنس أتم الترجمة التى بدأها. أما ترجمة لين فغير كاملة، ولكن عليها تعليقات وافية قيمة جداً. وقد بدأ ظهورها فى أجزاء سنة 1839 وتم إخراجها فى سنة 1844. وهذه الترجمة نقلت عن طبعة بولاق الأولى مع إشارات إلى طبعة برسلاو. أما الترجمة التى قام بها "ياين" لطبعة مكناتن فكاملة. وقد صدرت فى تسعة مجلدات بين سنة 1882 وسنة 1884. وفى سنة ظهر من هذه الترجمة ثلاثة مجلدات أخرى تشتمل على حكايات وردت فى طبعة برسلاو وفى طبعة كلكتة الأولى. ثم صدر المجلد الثالث عشر فى سنة 1889 مشتملا على حكايتى علاء الدين وزين الأصنام. وقد طبعت هذه الترجمة عدة طبعات كاملة منذ توفى "ياين" فى سنة 1916. وقد ترجم "سير رتشارد برتون" Sir Richard Burton طبعة مكناتن. ولكنه اعتمد كثيرلم على ترجمة "ياين"، بل نقل منها نقلاً حرفيا فى كثير من الأحيان. وصدرت هذه الترجمة فى عشرة مجلدات، عام 1885. ثم ألحق بها ستة مجلدات أخرى صدرت بين سنة 1886 وسنة 1888. وأعيد طبع هذه الترجمة عدة مرات.

وقد تكلم عن الصلة العجيبة بين ترجمة "باين" وترجمة "برتون": "توماس رايت" Thomas Wright فى كتابه عن سيرة "سير رتشارد برتون" Life of Sir Richard Burton الذى صدر فى مجلدين، بلندن عام 1906, وكتاب "سيرة جون ياين" Life of John Payne الذى صدر فى لندن عام 1919. وقد حاولت المقارنة بين هذه الترجمات الإنكليزية فى مقالى On translating the Arabian Nights الذى نشر فى مجلة Nation الصادرة فى نيويورك بتاريخ 30 أغسطس و 6 سيتمبر سنة 1900. وبين سنة 1895 وسنة 1897 ظهر فى fUniversal Bibliothek: Reclam 24 مجلداً صغيراً لترجمة ألمانية قام بها مكس هننك Max Henning عن طبعة بولاق. وهى ترجمة مهذبة العبارات نوعاً، ولكنها اختزلت العدد إلى النصف. وقد اشتملت المجلدات السبعة عشر الأولى على كتاب الليالى أما المجلدات السبعة الباقية ففيها إضافات عدة، ترجم معظمها من ترجمة "برتون". وفى سنة 1899 أخذ الدكتور ماردروس Mardnis J.C. فى ترجمة الكتاب إلى اللغة الفرنسية مصرحاً بأن ترجمتة مأخوذة من طبعة بولاق التى صدرت فى سنة 1835. وقد صدرت ترجمته فى ستة عشر مجلدا ولكنه أدمج فيها حكايات غير حكايات ألف ليلة أخذها من مصادر مختلفة ولم يكن يتقيد فى ترجمته بشئ. وفوق هذه الترجمات التى تكلمنا عنها، ترجم "فنسنت بلاسكو إيبانيز" Vincente Blasco Ibanez الكتاب إلى اللغة الأسبانية وترجمة "يوويزماثرز" E.Powyes Mathers إلى اللغة الإنكليزية، وهناك ترجمة بولندية ولكنها غير كاملة. وهناك ترجمة علمية ألمانية تباين هذه الترجمات كل المباينة، وهى الترجمة التى قام بها إينوليتمان Enna Littmann . وأصدرها بلييسك فى ستة مجلدات بين سنة 1921 وسنة 1928 وترجمة ليتمان هذه ترجمة كاملة لطبعة مكناتن استعان فيها بطبعتى مصر

وبرسلاو. وفيها ايضاً تذييلات تشمل الحكايات التى زيدت فى طبعة كلّان، نقلها ليتمان عن أحسن أصولها الشرقية. وترجمة ليتمان لا تقل عن ترجمة لين Lane وترجمة ياين إن لم تكن أعظم قيمة منهما. ولقد بينا من قبل أن زوتنبرغ - Zo tenberg هو الذى خطا أول خطوة فى كشف تاريخ ألف ليلة عندما عرف النص المصرى الحديث وعين مخطوطاته بعد أن درس هذه المخطوطات وتناولها بالنقد والتمحيص. ولما أتم عمله هذا، ظهر فى وضوح أنه إلى جانب المخطوطات الكاملة التى تشتمل على ذلك النص المصرى المتأخر، توجد مخطوطات أخرى كثيرة غير كاملة تمثل الجهود العديدة التى فشل معظمها فى الوصول إلى نصوص كاملة. ومن الجلى أن أفراداً كثيرين ممن آلت إليهم أجزاء يشتمل معظمها على عدد قليل من أوائل الليالى، جمعوا حكايات مستقلة بعضها إلى بعض وأضافوها إلى ما وصل إليهم من أصل كتاب ألف ليلة بعد أن قسموا هذه الحكايات إلى ليال أيضاً. ولدينا أمثلة على هذه الجهود فى مخطوط "ورللى مونتاجو" Worley Montague المحفوظ فى مكتبة بودليانا Bodleian ومخطوط "رينهارت" Reinhardt المحفوظ فى مكتبة جامعة ستراسبورغ. Strassburg أما مخطوط "ورتلى مونتاجو" فيتفق فى محتوياته مع مخطوط كلّان إلى آخر حكايات الحمّال، ثم يختلف عنه بعد ذلك اختلافاً بينا. ومع ذلك فهو مخطوط حديث جداً، ويظهر منه أنه لم يكن هناك نص متفق عليه فى أواسط القرن الثامن عشر. ويتفق مخطوط رينهارت مع مخطوط ورتلى مونتاجو فى هذا الشأن. والذى ينقصنا الآن هو وصف أقدم هذه المخطوطات وتناولها بالدرس، ومحاولة تصنيفها مثل مخطوط كلّان، ومخطوط الفاتيكان، وأقدم مخطوط فى مكتبة رايلندز Rylands ومخطوط توبنكن Tubingen إلخ.

ولقد حاولت هذا فى مقالى - Clas sification الذى أشرت إليه من قبل، ثم استوفى دراسة هذا الموضوع دراسة قيمة. "رودي باريت" Rudi pare فى كتابه. Der Ritter-Roman von 'Umar an Nu'man، الذى أصدره فى توبنكن عام 1927, وفي كتابه Friiharische Lie- besgeshichi الذى أصدره فى برن فى العام نفسه. ومع ذلك يوجد إلى جانب المخطوطات التى ورد بها صراحة أنها من كتاب ألف ليلة، عدد عظيم من المخطوطات المستقلة التى تشتمل على حكايات ربما أضيفت أو لم تضف إلى كتاب ألف ليلة. وأول شئ نقرره فى شأن هذه المخطوطات هو أنها كانت مستقلة، وأن الحكايات التى وردت فيها يجب ألا تعد مستخرجة من كتاب الليالى، بل العكس هو الأصح. وهذا القول ينطبق أيضاً على مخطوط الحكايات الذى اكتشفه "ريتر" H.Ritter فى الآستانة ولم يطبع بعد. ويرجع تاريخ هذا المخطوط إلى القرن الثالث عشر أو الرابع عشرء، وفيه خمس حكايات جاءت فى النص المصرى الذى حققه زوتنبرغ (انظر - Anhang to Litt mann's translation جـ 6، ص 692 وص 702 وما بعدها). وهناك بطبيعة الحال كثير من الكتب الصغيرة الرخيصة التى تشتمل على حكايات متفرقة من كتاب ألف ليلة، وهذه الحكايات مستخرجة من الكتاب حقا. ويتضح لنا من، هذه الطريقة التى اتبعت فى تكبير الكتاب بالزيادات التى أضيفت إليه أن بعض الحكايات التى يبدو أنها من أصل فارسى أو بغدادى لم تكن بالضرورة واردة فى نص بغدادى قديم، بل وربما تكون قد أضيفت إلى الكتاب فى عصر متأخر. ومن الأسباب التى أدت إلى كثرة الخلط فى هذا الموضوع هو أن كثيراً من العلماء توهموا -دون أن يتنبهوا لذلك- أن النص المصرى الذى كشفه زوتنبرغ هو كتاب ألف ليلة، وأن البحث عن تاريخ هذا الكتاب ينبغى أن يبتدئ بالبحث فى ذلك النص. قال ده

ساسى De Secy صراحة بهذا الرأى الذى أفسد عليه جهوده جميعا، وكان كذلك عنصراً من عناصر الغموض فى تفكير "لين" بل هو يبدو أيضاً فى قوة ووضوح فى المادة التى كتبها ده غويه De Goeje فى الطبعة التاسعة والعاشرة والحادية عشرة من دائرة المعارف البريطانية (انظر ايضاً De Gids عدد سبتمبر سنة 1886 م). على أنه يظهر أن أوغست ميلر - Au gust Muller كان رائد القول برأى حر جديد، يبدو هذا فى بحثه الذى كتبه إلى ده غويه ونشره فى مجلة Bes- senberger's Beitrage , جـ 13، ص 224 - 244) , فى مقال آخر أكثر انتشاراً نشره فى - Die deutsche Runds chau، جـ 13 ,10 يولية 1887 م، ص 77 - 96". وهذان البحثان كتبا قبل مقال زوتنبرغ. وهناك فاصل عظيم بين مصادر المأثورات الشعبية التى وردت فى نواة القصة الهندية القديمة وبين ما ورد من هذه المأثورات فى النص المصرى. ولكن ربما وصل بينها ما ذكره ثلاثة من المؤرخين: أما أولهم فالمسعودى الذى قال فى كتابه مروج الذهب (انتهى من تأليف هذا الكتاب سنة 947 م ثم أعاد النظر فيه سنة 957 م) حين عرض لأخبار شداد بن عاد ومدينته إرَم ذات العماد: "إن هذه أخبار موضوعة من خرافات مصنوعة، نظمها من تقرب من الملوك برواياتها. وإن سبيلها سبيل الكتب المنقولة إلينا والمترجمة إلينا من الفارسية والهندية والرومية (وفى رواية أخرى الفهلوية بدل الهندية) مثل كتاب هزار أفسانه. وتفسير ذلك بالفارسية خرافة ويقال لها (أفسانه)، والناس يسمون هذا الكتاب "ألف ليلة وليلة". وقد وصف المسعودى نواة هذا الكتاب وصفاً يدل على أنه كتاب الليالى الذى عرفناه. ومعنى هذا أن كتاب ألف ليلة الذى كان موجوداً فى عصر المسعودى كان يعتبر ترجمة لكتاب قصص فارسى، غير أنه لا سبيل لنا إلى معرفة الحكايات التى كان يشتمل عليها.

ويذكر لنا نفس هذه المعلومات مع زيادة فى البيان والتفصيل كتاب الفهرست الذى ألف حوالى سنة 987 م (طبعة فلوكَل، جـ 1، ص 304 وما بعدها). وقد تكلم صاحب هذا الكتاب عن أول من صنّف الخرافات وجعل لها كتباً، وصلة ذلك بالأسمار التى كانوا يتسامرون بها إذا جن الليل، وبيّن أنواعها. ثم أيّد كتاب الفهرست أن ألف ليلة أصله فارسى "ويحتوى على ألف ليلة وعلى دون المائتى سمر". ويقرر أن الكتاب نقل إلى العربية وأنهم صنفوا فى معناه ما يشبهه، ولكن صاحب الفهرست لم يذكر لنا الحكايات التى اشتمل عليها الكتاب وإن كان ما ذكره عن نواته يدل على أن الكتاب هو كتاب ألف ليلة الذى عرفناه. وفوق هذا لدينا شاهد على أن حكايات الليالى التى وصلت إلينا -من مخطوط كلّان إلى النص المصرى- من أصل عربى لاشك فيه وليست من أصل فارسى. ذلك أننا نجد الحكاية الأولى -أى حكاية التاجر مع الجنى، للك الحكاية التى تروى أن ثلاثة قابلوا التاجر مصادفة فأنقذوا حياته من يدى الجنى بما حكوه له من حكايات- نجد هذه الحكاية يرويها المفضل بن سلمة المتوفى عام 250 هـ (865 م) فى الكتاب الذى صنفه فى الأمثال وسماه "الفاخر" (طبعه storey , ص 137 - 140). وهذه الحكاية عربية الطراز، تمت إلى الصحراء بنسب واضح، وتباين مباينة تامة الحكاية التى تسبقها مباشرة والتى هى من أصل فارسى ظاهر. ويظهر أن هذه الحكاية العربية حلت محل أخرى فارسية. والإشارة التاريخية الثانية إلى كتاب ألف ليلة تقول بوجود الكتاب فى مصر فى عهد الخلفاء الفاطميين. فقد ذكر ذلك مؤلف اسمه القرطى (انظر بروكلمان - Geschichte der arabishen Lit، teratur جـ 2، ص 698 وما بعدها) ألف كتابا فى تاريخ مصر على عهد الخليفة العادل الفاطمي (555 - 567 هـ = 1160 - 1171). غير أن القُرطى لم يبين لنا أيضاً الحكايات التى كان يشتمل عليها كتاب ألف ليلة فى ذلك العهد، ولكنه قال فقط: إن الكتاب كان يسمى ألف ليلة وليلة، وكان ذائعاً معروفاً.

وإذا أردت زيادة فى الايضاح فارجع إلى كتابى Earlier History، ص 262 وما بعدها وإلى الترجمة التى قام بها ليتمان (Anhang ص 692 وما بعدها). والمخطوط الذى نقل عنه كتاب ألف ليلة هو مخطوط كلّان، ويظهر أن النص المصرى الذى اكتشفه زوتنبرغ مأخوذ عن نسخة تتمشى مع هذا المخطوط. ولكن لا يمكن أن يكون مخطوط كلّان هو نفس كتاب ألف ليلة الذى كان موجوداً فى عصر الفاطميين، ذلك لأن فيه كثيراً من الإشارات إلى أمور تاريخية يرجع عهدها إلى ما بعد عصر الفاطميين، فمثلا نجد فى حكاية البنات مع الحمال ذكراً لكتاب (¬1) توفى مؤلفه عام 590 هـ) (1193 م). وورد فى حكاية نور الدين على وبدر الدين حسن (¬2) من الاشارات ما جعل وليم بوبر William Popper يقرر فى بحثه الذى نشره فى المجلة الأسيوية (عدد يناير سنة 1926 م، ص 1) أن هذه الحكاية لا يمكن أن تكون قد كتبت قبل عهد الظاهر بيبرس (650 - 676 هـ = 1260 - 1277 م) , بل يرى أنها كتبت بعد سنة 706 هـ. ومن الواضح أن حكايات الأحدب كتبت بعد أن استولى هولاكو على بغداد عام 656 هـ (1258 م). وهناك إشارات عن خطط مدينة القاهرة لا يمكن أن تكون قد حدثت قبل سنة 745 هـ (1344 م)، ويرى الأستاذ بوبر أن ورود اسم النقيب بركات فى هذه الحكاية يجعل تاريخها بعد سنة 819 هـ (1416 م). وفوق هذا كله ينبغى أن يكون قد مر زمن طويل ذاعت فيه هذه الحكايات واشتهرت حتى أخذت وأضيفت إلى نسخة من كتاب ألف ليلة. وعلى هذا فإن مخطوط كلّان ليس مخطوطاً لكتاب ألف ليلة الذى عرفه العصر الفاطمى. ومن ثم يمكننا أن نقول الآن إجمالا إن ما لدينا من الليالى -ونعنى بالليالى ¬

_ (¬1) الشاطبية فى علم القراءات. (¬2) هكذا فى الأصل ولعلها حكاية الوزيرين شمس الدين ونور الدين.

كل مجموعة من الحكايات التى أضيفت إلى نواة الكتاب - هو مايلى: أولا - الأصل الفارسى هزار أفسانه ومعناه "ألف خرافة". ثانياً - ترجمة عربية لكتاب هزار أفسانه. ثالثاً - نواة قصة هزار أفسانه وما أضيف إليها من حكايات مقطوع بأنها عربية الأصل. رابعاً - الليالى التى كتبت فى عصر فاطمى متأخر والتى يشهد القُرطى بشهرتها. خامساً - نص مخطوط كلّان، ويتبين من ملاحظات وردت فيه أن هذا المخطوط كان فى طرابلس الشام عام 943 هـ (= 1536 م)، وفى حلب عام 1001 هـ (= 1592 م) وربما كان أقدم من هذا، وقد كتب فى مصر. ولم تحل إلى الآن مشكلة الصلة بين هذا المخطوط وغيره من المخطوطات القديمة المستقلة التى أسلفنا الكلام عنها، ويوجد على الأقل ستة من هذه المخطوطات ينبغى بحثها. وقد وصف نولدكه Noldeke محتويات الليالى التى وردت فى النص المصرى الذى اكتشفه زوتنبرغ وتناولها بالدرس فى مجلة: (- Zeitschrift der Deutsch Mor genlandischen Geselschaf , جـ 52، ص 68)، ثم كتب عنها فى حياته الطويلة المرة بعد الأخرى. وكتب عنها أو يسترب Oestrup فى كتابه Studier الذى أصدره فى كوبنهاجن عن عام 1891، وقد ترجم هذا الكتاب إلى الألمانية وزاد فيه وعلق عليه "ريشر" O.Rescher ونشر هذه الترجمة فى شتوتكارت عام 1925 ونقله كريمسكى Krymski إلى الروسية، وكتب له مقدمة ونشره فى موسكو عام 1904. كما لخصه بالفرنسية وعلق عليه إميل كالتييه Emile Galtier وأصدره فى القاهرة عام 1912. وكتب "ريشر" عن كتاب ألف ليلة بحثا بعنوان Studier نشره فى مجلة Der Islam, العدد التاسع، ص 1 - 94, كما كتب عنه "هوروفتز" Hor- ovitz مقالا نشره فى مجلة Islamic Culture. التى صدرت بحيدر آباد فى

يناير سنة 1927 م، وكتب عنه مقالات أخرى متفرقة. أما ليتمان فكتب عن ألف ليلة فى المقدمة التى صدر بها الترجمة الألمانية وفي كتاب Tausendundein Nacht in der Arabischen Literatur الذى أصدر , فى توبنكن عام 1923 م. وليس من الميسور لنا أن نتكلم فى هذا المقام على ما كتبه هؤلاء جميعا، ولكننا نستطيع أن نقرر بعض الأمور العامة فنقول: أولا - إن موضوعات المأثورات الشعبية المشتركة بين الأمم لا يصح أن نعتبرها شاهداً على أصل هذه المأثورات ونخص به بناء على هذا أمة معينة، فإن عملا كهذا قد يدفعنا إلى القول بأن كتاب ألف ليلة صينى أوأصل ينتسب إلى الهوتنتوب، وأن القصة التى ذكر فيها السمسم المقشور كتبت فى جنوبى إفريقية. ثانياً - إذا عرفنا أن حكاية وردت فى النص المصرى الذى اكتشفه زوتنبرغ Zotenberg، ووجدت أيضا قائمة بذاتها، فيكاد يكون من المحقق أن هذا النص القائم بذاته هو نص أصيل. وعلى هذا فإن ورود حكاية فارسية أو بغدادية فى مخطوط زوتنبرغ لا يدل على وجود نسخة فارسية أو بغدادية لكتاب ألف ليلة وإنما يدل على أن هذه الحكاية أضيفت إلى نص زوتنبرغ. ثالثاً - إن الحكايات التى تنم عن قدرة أدبية شخصية تستحق فى دراستها من هذه الناحية عناية أعظم مما لقيت حتى الآن، فمثلا من هو ذلك الفنان أو الفنانون المصريون الذين كتبوا قصص معروف وجودر وأبو قير؟ ومن الذى ابتكر حكايات الأحدب وحكاية مزين بغداد؟ ومن هو الذى كتب قصة علاء الدين بالعربية؟ فإن هذه الحكايات جميعاً فيها من الواقعية المباشرة الإنسانية ما يرى القراء الغربيون أنه يباين كل المباينه فى القصص الفارسى والهندى من بعد عن الواقع، وهى من طبقة القصص الذى نجده بالعبرية فى كتاب العهد القديم. وما هى سيرة أولئك الرجال وكيف كانوا يعيشون ويكتبون؟ أولئك الأفذاذ فى الأدب الشرقى.

هذه الأمور وأشباهها من مسائل الأدب الخالص قد تعرضت لها فى المادة التى كتبتها عن "الحكاية"، فارجع إليها إن شئت. وينيغى أن نضع موضع الاعتبار ما ذكره صاحب الفهرست من أسماء كتب الأدب القصصى, وياحبذا لو أن مخطوط الحكايات الذى كشفه ريتر H.Ritter فى الأستانة طبع بأكمله. وليس هذا المخطوط من مخطوطات كتاب ألف ليلة وليلة، ولكنه يرجع إلى المصدر الذى خرجت منه مادة هذا الكتاب. [ماكدونالد D. B.Macdonlad] + ألف ليلة وليلة: يخطو الدهر دائباً فى وناء وكبرياء وصمت، فيعفو الأثر ويفرى الحجر ويبرى الحديد، وتنال يده العابثة كل شئ فى حياة المرء بالتغيير والنقص إلا شيئا واحداً يلوذ منه بسواد القلب فيستقر فى قراره، ويكمن كمون السر فى دخيلته وإضماره، أريد به ذكريات الصبا وأحلام الحداثة، فهى باقية والجسم يتخونه البلى، ثابتة والعيش تزعزعه الأحداث، ناضرة والمنى يصوّحها اليأس، مشرقة والنفس يغشاها من الهم ظلام وسحب. ومن منا لايذكر أول بيت أبصر فيه الوجود، وأول ملعب عرف فيه الرفيق، وأول مكتب رأى فيه المعلم، وأول موعد لاقى فيه الحبيب؟ ومن منا لا يذكر ساعات السمر اللذيذة الهادئة، فى غرفة النوم الوثيرة الدافئة، حيث كان أطفال الأسرة يتجمعون حول الجدة الحنون أو الأم الرءوم أو الظئر الحانية، فينصتون فى سكون وشوق إلى ما تقصه عليهم من روائع الأسمار وبدائع الأقاصيص، وهم من طلاوة الحديث وجاذبية الحادث وبشاشة المحدث فى حال لا يصف الشعور بها غير الشاعر، ثم لا يلبث هذا الرحيق العجيب أن يخدر الأعصاب الطفلية الرقيقة، فتغفو تحت جناح الكرى، وتسمع بقية الحديث الشهى فى الحلم! هذه الأقاصيص الشائقة التى كانت لعقولنا الصغيرة سحرا، ولعواطفنا

المشبوبة سكراً، ولقلوبنا الغضة فتنة، هى نوع من الأحلام والأمانى، تراءت فى ليل الحياة الطويل، ثم تجمعت فى ذاكرة الزمن القديم وتنقلت من عهد إلى عهد، ومن مهد إلى مهد، ومن بلد إلى بلد، تحمل فى طواياها نفحات الحكمة المشرقة العالية، وعطور الأزمن البعيدة السعيدة، فوجودها أثر لوجود الإنسان، لأنها ظاهرة طبيعية من ظواهره كالغناء والشعر والرقص فلا تعرف لها أولية، ولا تحدد فى الغالب لظهورها علة. ولكن علماء الأساطير يزعمون أنها نشأت فى الهند، وهاجرت منها إلى بلاد الفرس، ثم رحلت إلى بلاد العرب، ثم استقر بها النوى فى أقطار الغرب، وفى كل مرحلة من هذه المراحل كانت تصطبغ بصبغة البيئة، وتتأثر بخصائص الجنس، وتتسم بسمات العقيدة. وأما أبطالها الذين وجدوا على الرغم من قانون الوجود، ونازعوا أبطال التاريخ ثوب الخلود، فقد كان لبعضهم ولاشك حظ من الحياة، وشهرة بملازمة الأسفار، وملابسة الغير، فتحدث الناس أولا بما فعلوا، ثم سرجوا حول أسمائهم وأنبائهم الأكاذيب والأعاجيب، حتى أصبحوا أعلاما على شخصيات متميزة فى البطولة والحرب والحب والحيلة والكرم، كدعد وليل فى الشعر، وأبى نواس وجحا فى التنادر. أما أكثر الأبطال فمن خلق الخيال، ابتدعهم رموز، للمثل الأعلى، أو القدر العابث، أو الجد العاثر، أو السلطان الجائر، أو الهوى المتسلط، أو الأمل الآسى، أو الحظ السعيد. + القصاص: وما زلت أذكر مجلى من مجالى الأنس فى القاهرة كان جمعة القلوب وألفة النفوس ومستجم الخواطر فعصفت به ريح المدنية الحديثة. ذلك منظر المحدث أو القصَاص أو المسامر أو الشاعر فى مقهى الحى، وهو فى حلته الشرقية الضافية. فوق صفته الخشبية البالية العالية، وقد تجمع بين يديه وعن يمينه وعن شماله أوزاع العاهة وشيوخ المحلة يستجمون من كلال العمل اليومى برشف القهوة العربية وتدخين النرجيلة oilc

العجمية، وتبادل العواطف الأخوية، ثم الاصغاء المشترك إلى (أبى درويش) وهو يقص بصوته العريض المتئد وجرسه الهادئ المتزن، حروب "عنترة" أو وقائع "أبى زيد" أو مخاطر "ابن ذى يزن" فينقلهم بقوة تمثيله أو بحسن ترتيله على جناح الخيال إلى عصور هوْلاء الأبطال، فيشهدهم مجد البطولة وسلطان الحب وفلن السحر وبطش المردة. ثم يرى الخبيث أن فورة الحماسة أو الشوق قد طفت فى النفوس لوقوع البطل فى أسر أو شدة، فيسكت ليجمع النقوط من السمار والنظار، فلا يجد هؤلاء مندوحة عن تعجيله ليعجل هو إلى اطلاق البطل من إساره، وانقاذ الجمهور من شدة قلقه ومرارة انتظاره. هذا الرجل الذى صورته هذه الصورة المتقاربة، هذا الرجل الذى ينام النهار ويجلس الليل يحدث أربع ساعات متعاقبة، هذا الرجل الفكة اللبق الحافظ الواعظ هو الأثر التاريخى والنموذج الحقيقى لذلك القصّاص البارع الذى خلف لنا كتابنا العالمى الخالد "ألف ليلة وليلة". ويرجع تاريخ هذا القصّاص إلى صدر الاسلام، والفضل فى وجوده كان أيضاً للقرآن الكريم، فقد اشتمل على مجملات من أخبار القرون الخالية والنذر الأولى، وكان أعلم القوم يومئذ بتفصيلها من أسلم من أهل الكتاب كتميم الدارى ووهب بن منبه وكعب الأحبار وعبد الله بن سلام. فكان هؤلاء ومن أخذ عنهم يجلسون إلى الناس فى المساجد، يفصلون ما فى كتاب الله من قصص الأنباء، ويسرفون فى تهويل هذه الأنبياء، ابتغاء للعبرة والتماساً للموعظة. ووافق هذا الضرب من الوعظ هوى النفوس فازداد إقبال الناس عليه، وكثر إفك القصاص فيه، حتى طردهم أمير المؤمنين على من المساجد ما خلا الحسن البصرى. ولكن دهاة السياسة رأوا سلطان هذا الفن على العقول، وقوة أثره فى توجيه الميول، فاتخذوه لساناً للدعاية وسبيلا

لافتعال الأحاديث واختلاق الأقاصيص فى الأغراض الحزبية المختلفة. بدأ بذلك معاوية فولى رجلا على القصص كان إذا صلى الصبح جلس يذكر الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، ثم دعا للخليفة وحزبه، ودعا على أهل خصومته وحربه. وكان هو إذا انتقل من صلاة الفجر جلس إلى القاصّ حتى يفرغ من قصصه، وكان ولاته وقواده يقدمون القصَاص فى بعض حروبهم ليقصوا على المقاتلة أخبار الشهداء وما وُعدوا به من حسن الجزاء. فعل ذلك الحجاج فى العراق، وجاراه فيه من حاربهم من زعماء الفرق. فقد ذكر ابن الأثير فى حوادث سنة 77 هـ أن عتاب بن ورقاء سار فى أصحابه قبيل المعركة يحرضهم على القتال ويقص عليهم. ثم قال: أين القصّاص؟ فلم يجبه أحد. فقال: أين من يروى شعر عنترة؟ فلم يجبه أحد. وسار الشعر والقصص فى ركاب السياسة جنبا إلى جنب، يشبهان على الناس وجوه الرشد، ويموهان على العقول صور البطل. والقصّاص كانوا فى ذلك أشد وطاة على الحق، لأنهم ينسبون ما يفترون إلى التاريخ أو إلى الدين. فلما هدأت ثائرة الأحزاب، وسكنت طائرة الفتن. ونضجت العقول، عاد القصاص إلى المسجد فوجد الواعظ قد غلبه على مكانه، والعالم قد فطن إلى كذبه وبهتانه، والخليفة قد استغنى عنه برواته وندمائه، فانقلب إلى العامة يسامرهم فى أملائهم وأعراسهم بما أثر من أيام العرب، ونقل من أساطير العجم، من أخبار الفتوح. وانتشر القصّاص فى العواصم العربية حتى صاروا من ظواهر اجتماعها، وحاجة من حاجات عامتها ورعاعها، واشتدت هذه الحاجة حين انفجرت الدواهى على العالم الاسلامى فى أواخر العصر العباسى وبعده من عنف المتسلطين من السلاجقة، وعسف المتغلبين من المغول، وغزو المتعصبين من الفرنك، فطلبهم العامة تفريجاً للكرب، والخاصة تشجيعاً على الحرب. ولكنهم كانوا فى مصر أبرع صناعة وأنفق بضاعة وأرفع مكانة لأن طبيعة إقليمها ونظام اجتماعها وطباع سكانها كانت تعين على ذلك.

وكان أول من تولى القصص الرسمى فى عصر سليمان بن عنتر التجَسيبى سنة 38 هـ، تولاه مع القضاء ثم أفرد به، ثم تعاقبت القصاص من بعده فى مصر على اختلاف بينهم فى القدرة والغرض، فكانوا أصداء للعقيدة، وأبواقاً للسياسة، تسمعون منهم فى كل عهد لهجة، ولكل دولة سنداً وحجة، وترون ذلك أقوى ظهوراً فى عهد الفاطميين، فقد كان يعقوب بن كِلِّس وزير المعز يعتمد على المناظرات فى نشر فقه الشيعة، وعلى القصص فى جذب القلوب لأهل البيت. وكان مقتل الإمام "على" ومأساة الإمام "الحسين" موضوع المنابر والسوامر فى شهرى رمضان والمحرم. وقيل إن ريبة حدثت فى قصر "العزيز بالله" فتناقلتها الأفواه ورددتها الأندية، فطُلب إلى شيخ القصاص يومئذ يوسف بن إسماعيل (¬1) أن يلهى الناس عنها بما هو أروع منها، فوضع قصة عنترة ونشرها تباعاً فى اثنين وسبعين جزءاً سمرت بها مجالس القاهرة منذ ذلك الحين إلى اليوم، وهى إلياذة لا ينازعها هذا الشرف إلى الآن عمل فنى آخر. وفى القرن الرابع للهجرة كانت فورة هذا الفن ونهضته فى بغداد والقاهرة, ففى عهدى المقتدر بالله العباسى والعزيز بالله الفاطمى، كان القصّاص الحكوميون والشعبيون يحتشدون لوضع الأخبار، ويتنافسون فى جمع الأسمار من الوراقين والرحالين والعامة. ولكن القصص فى العراق كان من عمل الكتاب، يصورون فيه أنبل عواطف الناس وأجمل مواقف الحياة، ويلقونه زهوراً وعطورا فى مجالس الخلفاء وسوامر الملوك , فكانت بلاغة المحدث وجلالة السامع ونبالة الموضوع تطبع القصة بطابع الجمال والاعتدال والقصر، وتنزع بها إلى السليقة العربية المجبولة على الإيجاز والقصد فى الشعر والخطب والرسائل والقصص. ¬

_ (¬1) وقيل إنه الشاعر الطيب أبو المؤبد محمد بن الصانع الجزرى وممن قال بهذا الرأى الأستاذ كرسان برسيفال الذى طبع لهذه السيرة ملخصا فى باريس.

فما جمعه ووضعه الجهشيارى وابن دلان وابن العطار فى القرن الرابع من الأقاصيص فى الحب الطروب والترف المسرف، وما وضعه من قبل هؤلاء سهل بن هارون وعلى بن داود وأبان ابن عبد الحميد من الأسمار فى الأمثال الرمزية والحكمة العالية والسياسة الرشيدة، وما صنعه من قبل هؤلاء عيسى بن دأب وهشام الكلبى والهيثم ابن عدى من الأخبار فى الهوى العذرى والسخاء العربى فى الإسلام والجاهلية، كل أولئك موسوم بسمة العقلية العربية الخالصة من حذف الفضول وترك الاستطراد وقلة المبالغة. أما القصص فى مصر فكان غالباً من عمل القصاصين والمسامرين، يلفقونه من الكتب ويتلقفونه من الأفواه، ويحدثون به الدهماء فى المجالس العامة. ورزق هؤلاء القصاص على قدر ما عندهم من القصص، فإذا ما انقطع أحدهم عن الحديث لنضوب معينة انقطعت به أسباب العيش، فهم لذلك مضطرون إلى تطويل الموضوع بالاستطراد وبسط الحادث بالتزيد، وجذب القلوب بالإغراب والمبالغة. ومن ثم اتخذ الأدب القصصى فى مصر شكلا لا عهد للأدب العربى به، ذلك هو شكل القصة بالمعنى الذى نفهمه من كلمة Rnman فى إصطلاح الفرندُ، فإن المعروف الشائع من قبل إنما كان المثل Fable، والأقصوصة. Conte والحكاية Nouvelle وهذه الأنواع قد تولد بعضها من بعض على نحو ما يرى الأستاذ "برونتيير" Bru- netiere من تطبيق مذهب دارون على الأنواع الأدبية، فالأقصوصة نشأت من المثل، والحكاية نشأت من الأقصوصة، باتساع الخيال وفعل المبالغة وحكم الزمن. ولكن القصة العربية قد تأخر نشوءها إلى القرن الرابع حتى ظهرت بمصر، لأن عملها يقتضى التطويل والتحليل والعلم بطبائع الناس وأوصاف الشعوب. والعرب فى عهودهم الأولى كانوا أبعد بطبيعتهم ومعيشتهم عن هذه الأمور، ثم كانوا فى عصور التحضر والاستقرار يؤثرون الخاصة بأدبهم، فيضطرون

فى حضرة الملوك أن يراعوا أدب الحديث، فلا يغرقوا فى الحادث حتى يجانب العقل، ولا يسهبوا فى السمر حتى يجاوز المجلس، ولا يسفوا فى القول حتى يصادم الخلق. أما القصاص المصرى فقد تهيأت له الأسباب اللازمة لخلق القصة: كان سمير الأوزاع والعامة فلم يتقيد معهم بقوانين الخلق ولا بقضايا المنطق ولا بوقائع التاريخ، فهو يصطنع اللهجة الصريحة، ويستعمل الألفاظ القبيحة، ويبالغ فى الخلط والتلفيق، قصداً إلى الإغراب والتشويق، ويعتمد غالبا على المفاجآت القوية، ويستطرد كثيراً إلى الحوادث العرضية، ثم يصادم الوقائع ويشوه الحقائق لأنه يجهلها، والجمهور الذى يسمعه لا يعلمها، فاستطاع بذلك أن يزور أغلب الحوادث، ويجمع شتى الأحاديث، ويترك لنا هذه المجموعة القصصية التى كانت ولا تزال للخاصة مبعث لذة، وللعامة مصدر ثقافة. كان القصَّاص المصرى يعتمد على ما يصدر عن بغداد من الأقاصيص الموضوعة والمنقولة، والروايات القديمة الصحيحة والمدخولة، ثم يضيف إلى ذلك ما تنوقل فى مصر وما تجمع من الأخبار من التجار والرحالين والبحارين، فقد كان هؤلاء بعد عودتهم من البلدان النازحة يدونون ما رأوا من الأعاجيب، كما فعل اليعقوبى وابن فضلان وبزرُك بن شهريار مثلا، ثم يحدثون بها الناس، كأن يقولوا لهم مثل ما حكاه ابن خُرْداذْبَة من أن فى بعض الأمم رجالا عراض الوجوه، سود الجلود، لا تزيد قامة أطولهم على أربعة أشبار، وفى جلودهم نقط حمر وصفر وبيض، وأن فيهم من له أجنحة يطير بها، ومن رأسه كرأس الكلب، وجسمه كجسم الثور أو الأسد، وما جاء فى كتاب "المستطرف" من أن فى "البلغار" من طوله أكثر من ثلاثين ذراعاً، يأخذ الفارس تحت إبطه كما تأخذ الطفل الصغير، ويكسر ساقه بيده كما تقطع حزمة البقل. وما رأى الرحالون بالطبع هذه الأشياء، وإنما رأوا صورها على الآثار التى خلفها البابليون والفراعنة والرومان والفرس فظنوها حقيقة.

كان القصّاص يتناول هذه الأخلاط فيؤلف منها قصة كثيرة الفصول والفضول، تدور حوادثها على بطل واحد، ولكنها تعرض من قبيل الاستطراد إلى حوادث شتى لا يصلها بحياة البطل إلا صلة واهية. ولما هبت الأعاصير الهوج بالبربرية الجامحة، فأطفأت منائر بغداد وزعزعت عرش الخلافة وعبثت العجمة الجاهلة بتراث العرب من علم وادب وخلق ودين، وعدت ذئاب الغرب باسم الصليب على الشام ومصر تنبح الهلال الآفل وتنهش المجد الطريد، رآينا القصة المصرية تصور هذه الحياة الحزينة تصويراً عجيبا، ورأينا القصاص قد اتسع خياله بقدر ما ضاق علمه، فهو يخلق بلاداً لم توجد ويتصور حوادث لم تقع، ويعتمد فى العمل على الجن والسحر والخوارق. فبين القرنين السادس والثامن من الهجرة، ظهرت فى مصر سلسلة من القصص الطويلة الجذابة غفلا عن أسماء مؤلفيها، لأن القصاص المحترفين إنما كتبوها لأنفسهم فيما أرجح، ثم توارثوها خلفا عن سلف حتى بلغت عهد المطبعة فنشرت على شكلها دون اسم ولا وسم ولا تعريف. وأشهر قصص هذا الدور سيف بن ذى يزن، والأميرة ذات الهمة، وفيروز شاه. فاما أنها كتبت فى هذى العهود فذلك واضح لأدنى نظر من لغتها وأسلوبها وما تدور عليبما من عادات واعتقادات وصور, وأما أنها كتبت بمصر فذلك ثابت من أماكن وقائعها وأسماء أشخاصها، فأبطالها عاشوا جميعا بمصر، حتى الذين لم يروها أقدموهم اليها. ولقد كان للحروب الصليبية أثر ظاهر فى نسج هذه القصص فى هذا الدور، فإن العواطف الدينية والحماسة القومية التى ألهبتها فى قلوب المسلمين هذه الغارات قد حملت القصّاص على أن يتملق هذه العواطف ويغذيها بما يلفق من الأشعار والأخبار فى فضائل الجهاد والاستشهاد والصدق والصبر. فسيف بن ذى يزن كان حنيفاً مسلما يقتحم المعاقل والأرصاد على الوثنية والشرك فى معالم الأرض ومجاهلها

وهو يقول: "لا إله إلا الله، إبراهيم خليل الله"، وكذلك سائر الأبطال فى سائر القصص إلا أنهم كانوا بعد الإسلام لا قبله. وبين القرنين الثامن والعاشر كان حكم المماليك بفساده وحكم الأتراك باستبداده، قد أتيا على ما بقى من أركان الاجتماع، وحللا أواصر الأخلاق والطباع، فظهر حينئذ ذلك القصص الوضيع الذى يمثل هذه الحال بحقارتها وسفالتها، ويصور تلك البيئة بخرافاتها وجهالتها، كالقصص الذى يدور على "على الزيبق"، و"أحمد الدنف"و"حسن شومان" "دليلة المحتالة". وأصبح أسلوب القصاص فى هذا الدور دائراً بين الجهالة والقحة، فهو يستعمل فى قصصه لغة مبتذلة وتراكيب فاحشة وجملاً محفوظة ووقائع واحدة يرددها فى كل قصة، ويكررها فى كل مناسبة. وكانت شهوة السهر والسمر قد بلغت مداها فى ذلك الحين لتغلب البطالة على أهل القاهرة، واعتماد الناس فى جمع الثروة على الحيلة والشعوذة والسحر والقدر. فتكدسوا فى السوامر حول القصص، وقد تجمع لهؤلاء من خلال القرون ذخيرة وفيرة من الأساطير والأسمار، فهبوا يدونونها كما دونت للك السير من قبل، فكان مما ذون فى تلك الحقبة الغريبة كتاب ألف ليلة وليلة. وألف ليلة وليلة كتاب شعبى تمثلت فيه طوائف الشعب وطبقاته، وتراءت من خلاله ميوله ونزعاته، وتكلمت فيه أساليبه ولهجاته، فهو -كالشعب وكل شئ للشعب - قد لقى من جفوة الخاصة وترفع العلية أذى طويلا: أغفله الأدب فلم يتحدث عنه، واحتقره الأدباء فلم يبحثوا فيه، ورآه محمد بن إسحق المعروف بابن النديم فقال إنه غث بارد، لأنه نظر إليه نظره إلى الأدب الأرستقراطى الذى يصور ترف الخيال وجمال الصناعة، فلما حقق العصر الحديث تغلب الديمقراطية وسيادة الشعوب، واستتبع ذلك عناية أصحاب المذهب الإبداعى (الرومانتكيين) فى الغرب بحياة السوقة والدهماء عنايتهم بحياة الملوك

والنبلاء وهب رواد الاستعمار وعشاق الآثار ينقبون عن فولكور (¬1) الشرق، أخذ أدباؤنا -بحكم التقليد والعدوى- يعطفون على أدب السواد، فدونوا اللغة العامية، وجمعوا الأغانى الشعبية، ونظروا بعض النظر فى فن القصص وسمعوا فى رجفة من الدهش إلى قول الأوربيين: إن فى أدبنا الموروث كنزلم دفينا من هذا النوع له فى أدبهم أثر قوى وشأن نابه. ولكنهم لم يخلدوا بادىَ ذى بدئ إلى هذا القول بثقة، واستكثروا على هذا الكتاب الخرافى السوقى أن يذكر فى الكتب ويوضع فى المكاتب، وينبه الناس فضله، ويهنأ العرب بإنتاجه، حتى رأينا بعيوننا أنه نقل منذ أوائل القرن الثامن عشر إلى كل لغة، وحل الموقع الأول من كل أدب، وظفر بإعجاب النوابغ من كل أمة حتى قال فولتير إنه لم يزاول فن القصص إلا بعد أن قرأ ألف ليلة وليلة أربع عشرة مرة، وتمنى القصصى الفرنسى "استندال" أن يمحو الله من ذاكرته ألف ليلة وليلة حتى يعيد قراءته فيستعيد لذته. ثم قرأنا أن أقلام المستشرقين أخذت تتجادل منذ أوائل القرن التاسع عشر فى أصله وتكشف عن مناحى جماله وفضله، وحينئذ أخذت خاصتنا تقرؤه وتسمعه، ومطابعنا الراقية تصححه وتطبعه، وأدباؤنا المترفعون يشيرون إليه فى تاريخ الأدب. ولكنهم -إلى اليوم- لم يدرسوه دراسة علمية تكشف عن لبابه، وهو -على الرغم من جميع ما فيه- قد سجل على توالى القرون أطوار اجتماعنا، وصور بالألوان الزاهية مخللف أخلاقنا وطباعنا، وأتم نقص التاريخ الذى تجاهل الشعب والأدب الذى احتقر العامة. مؤلف الكتاب وزمن تأليفه وسبب تسميته: ذهبت جهود الباحثين باطلا فى تحقيق هوية المؤلف، لأن هزار أفسانه نقل إلى العربية غفلا لم يسمّ واضعه، ثم غشيته الطبقتان البغدادية والمصرية على التدريج، فكان كل قصاص يكتتب لنفسه ما سمع وجمع فى عصره من ثمرات القرائح وقطرات الأقلام دون أن ¬

_ (¬1) كلمة انكليزية يراد بها في الأدب الأورربى مجموع التقاليد والأساطير والأشعار الشعبية لأمة من الأمم.

يسندها إلى راوٍ أو يعزوها إلى مؤلف. وقد اختلف العلماء فى أن يكون المؤلف واحداً أو جماعة، ولست أرى لهذا الخلاف وجها، فإن الكتاب تكون على اليقين من أعمال مستقلة، ثم نما بالاتفاق على توالى الحقب، فوضعه وتكوينه إذن عمل جمع، وجمعه وتدوينه عمل فرد، وتحليله إلى الأعمال الفردية المتعاقبة أمر فوق القدرة ومن وراء الإمكان. أما التاريخ الذى قرّ فيه على هذا الوضع الأخير فهو النصف الأول من القرن العاشر من تاريخنا. ومن الممكن أن نحصره منه فى السنوات العشر الواقعة بين سنتى 923 و 933 هـ وهما توافقان سنتى 1517 و 1526 م من التاريخ المسيحى. وقد حصره الأستاذ "وليم لين" بين سنتى 1475 و 1525 للميلاد أى فى مدى خمسين سنة، فوافقناه فى الغاية وخالفناه فى البدء، ولم نر هذا الرأى اعتباطاً من جهة ولا استنباطاً من النص الظنين من جهة أخرى، وإنما اعتمدنا فى تحقيقه على دليل مادى، وهو أن الأستاذ الفرنسى كلّان قد أخذ ينشر ترجمة الكتاب لبلاط الملك لويس الرابع عشر سنة 1704 م، وقد نقله عن نسخة عربية مخطوطة أرسلت إليه من سورية بعد سنة 1700 م، وهى مكتوبة بمصر غفلا من التاريخ، ولكن الذى نقلها إلى الشام وهو من طرابلس، كتب عليها بخطه أنه امتلكها سنة 943 هـ ثم انتقلت من يده إلى آخر من حلب فكتب عليها أيضاً تاريخ هذا الانتقال وهو سنة 1001 م، فيكون الكتاب إذن قد تم قبل 943 بزمن نقدره كما قدره "لين" بعشر سنين. هذا من جهة الطرف الأعلى، أما من جهة الطرف الأدنى فإنا نجد ذكر القهوة المعروفة يتردد فى بعض الحكايات كحكاية أبى قير وأبى صير وحكاية على نور الدين ومريم الزنارية مثلا، وذلك لا يكون قبل العقد الأول من القرن العاشر، لأن القهوة لم تنتشر فى الشرق إلا فى هذه المدة؛ ثم نجد لفظ الباب العالى وبعض النظم العثمانية تذكر فى حكايات أخرى

كحكاية معروف الإسكافى وهى قطعة مصرية قطعا، والعثمانيون لم يستولوا على مصر قبل سنة 923، فيكون الكتاب إذن قد دوّن بعد هذه السنة وقبل سنة 933. وقد سمى العرب هزار أفسانه ألف ليلة، ولو أرادوا الترجمة الأمينة لقالوا ألف خرافة أو أسطورة، فعدولهم عن العنوان الصحيح يدلنا على أحد أمرين: إما أن الليلة كانت فى اصطلاحهم ترادف الأسطورة باعتبارها زمنا لها، وذلك ما نستطيع استنباطه من قول محمد بن إسحق الوراق "ابتدأ أبو عبد الفه الجهشيارى صاحب كتاب الوزراء بتاليف كتاب اختار فيه ألف سمر من أسمار العرب والعجم والروم وغيرهم، كل جزء قائم بذاته لا يتعلق بغيره، وأحضر المسامرين فأخذ منهم أحسن ما يعرفون ويحسنون، واختار من الكتب المصنفة فى الأسمار والخرافات ما يحلى بنفسه، فاجتمع له من ذلك أربعمائة ليلة وثمانون ليلة سمر تام يحتوى على خمسين ورقة أو أقل أو أكثر ... " وإما أن يكون كذلك عدد الألف فى الأصل إنما أريد به التكثير لا التحديد، وأحْرِ به أن يكون كذلك، فإن ابن النديم قد رآه بتمامه مراراً وقال إن فيه دون المائتى سمر، وهو اليوم بطبقاته وزياداته واستطراداته لا يتجاوز 264 حكاية قسمها المؤلف على ألف ليلة وليلة تقسيما فيه عبث الهزل أو سخف الصناعة، فإن شهر زاد يدركها الصباح دائما ولما يمض على حديثها غير بضع دقائق. أما زيادة الليلة على الألف فمن عمل القرن السادس، لأن النسخة التى رآها القُرطى بمصر على عهد الخليفة العاضد الفاطمى كانت تحمل اسم ألف ليلة، ويقول "كلد ميستر" فى تعليل زيادة الليلة إن العرب يطيّرون بالأعداد الزوجية، وهو زعم غريب ما رأينا فى تاريخنا ولا فى أدبنا ما يؤيده. ولقد ظل الكتاب أكثر من قرنين يسمى ألف ليلة، وكان الجهشيارى يريد أن يسمى كتابه ألف سمر، وعندنا ألفية ابن معطى وألفية ابن مالك.

وأغرب من هذا الزعم أن يؤيده "أويسترب" فى دائرة المعارف ويزيد عليه أن ميل الناس فى تلك العصور إلى التسجيع فى عناوين الكتب كان من البواعث أيضاً على هذه التسمية. وليس فى قولنا ألف ليلة وليلة تسجيع ولا مزاوجة. والغالب -فى رأيى- أن الليلة إنما زيدت فوق الألف لإفادة الكمال كطفحة الإناء وسقطة الميزان. طريقة الكتاب وأسلوبه: كانت طريقة العرب فى القصص أن يسردوا الأسمار والأحاديث على نمط يجعل كل حكاية قائمة بذاتها لا يربطها بما يسبقها ولا بما يلحقها علاقة. وترون ذلك واضحاً فى أمثال لقمان وكتب النوادر. فلما نقلت الأقاصيص الهندية إلى العربية فى القرن الثالث عن طريق الفارسية ادخلت فى أدبنا القصصى طريقة طريفة تجعل الحكايات سلسلة متماسكة الحلقات متعاقبة الخطوات متتابعة النسق، وذلك على ضربين: الأول أن تتعلق جميع الحكايات بحكاية أصلية تكون فاتحة لبدايتها وسبباً لروايتها ابتغاء التعويق عن فعل مالا يحل، وذلك فى العربية مذهب كتاب الوزراء السبعة، وكتاب كليلة ودمنة، وأغلب كتاب ألف ليلة وليلة، وهو فى الفارسية مذهب بختيار نامه، وقصة جهار درويش، وقصة نوروز شاه، وكتاب طوطى نامه، وأنوار سهيلى مثلا. والضرب الثانى أن تروى الحكايات موزعة فى الكتاب على عدة أبواب بحيث تكون الحكاية فى أى باب من هذه الأبواب مقدمة لحكاية الباب الذى يليه. ومن هذا الضرب فى أدبنا "كتاب سلوان المطاع فى عدوان الأتباع" لابن ظفر الصقلى المتوفى سنة 565 هـ، وكتاب "فاكهة الخلفاء ومفاكهة الظرفاء" لأحمد ابن عربشاه الدمشقى المتوفى سنة 854 هـ، وفى أدب الفرس كتاب "مرزبان نامه" لمرزبان بن رستم بن شروين، وقد ترجمه ابن عربشاه واستمد منه، ذلك فضلا عن الطريقة الفارسية التى احتذيناها فى الأقاصيص الغرامية المطولة، فألف ليلة وليلة يجرى على ثلاثة طرق: يجرى على الطريقة الهندية فى الحكايات المتداخلة المتسلسلة كحكايات

الأصل، وحكاية البنات الثلاث والصعاليك الثلاثة، وحكاية الخياط والأحدب والطبيب، وحكاية جان شاه، وحكاية وردخان .. إلخ. ويجرى على الطريقة الفارسية فى الحكايات المفردة المجردة، كحكايات العشاق فى بعض أقاصيص الأصل وما جرى مجراها من حكايات الطبقة البغدادية، فإنها مضروبة على قالب القصص الفارسى فى الاعتماد على الحب الوهمى الذى يصيب ظرفاء الشباب على أثر طيف يزور فى الكرى، أو صورة تعرض فى الطريق، أو حكاية تلقى فى المجلس. ثم يجرى على الطريقة العربية الخالصة فى الأقاصيص الصغيرة المقتبسة من كتب الأدب، كحكاية حاتم الطائى وحكاية معن بن زائدة وحكاية إبراهيم بن المهدى وحكاية خالد بن عبد الله القسرى مثلا. أما أسلوبه فيختلف باختلاف الزمان والمكان والجنس والشخص، فإذا حكمنا عليه فإنما نحكم على جملته لا تفصيله، ونتوخى الصفات العامة فى نقده وتحليله .. فهو فى عمومه أسلوب سهل المأخذ، مطرد السياق، سوقى اللفظ، مبسوط العبارة، كثير الفضول، كثير التضمين، جرئ الإشارة، لا يعرف الكفاية ولا يقنى الحياء، ولا يصطنع التحفظ لأن سبيله سبيل العامة، فهو يسايرهم فى ثرثرتهم وفضولهم وسذاجتهم وصراحتهم وبلادتهم. ولا يستطيع أن يكون إلا كذلك: يسير سير الأعرج المفلوج وراء المذهبين الكتابيين اللذين راجا على التعاقب فى عهده، وهما مذهب ابن العميد فى العراق ومذهب القاضى الفاضل فى مصر، فهو يسرف فى السجع، ويكثر من اقتباس الأمثال وتضمين الملح، ويتظرف أحياناً بذكر مصطلحات النحو على سبيل التشبيه أو التورية، كقوله فى قصة قمر الزمان الثانية: "باتا على ضم وعناق، وإعمال حرف الجر باتفاق، واتصال الصلة بالموصول، وزوجها كتنوين الإضافة معزول". وهو يغالى فى تضمين الأبيات فى خلال الحكايات ويمعن فى ذلك غالباً حتى يمل، وترصيع النثر

بالشعر أسلوب لا يألفه الأدب العربى ولا الأدب الفارسى وإنما هو ميزة من مزايا الأدب الهندى أيضاً. اقتبسه الفرس ثم نقله كتابهم إلينا فى منتصف العصر العباسى وروّجه فى عهد بنى بويه مؤلفو القصص ومنشئو الرسائل والمقامات كابن العميد والصاحب والبديع والخوارزمى ومن ترسم خطاهم أو سار على هداهم. إن خير ما يمتاز به أسلوب ألف ليلة وليلة هو الوضوح والصدق والصراحة والجاذبية، فالمعانى تسبق الألفاظ إلى الذهن، والصور تسبق الوصف إلى الخاطر، والشوق يبعث اللذة ويثير الاهتمام ويحرك الانتباه ويوثق صلة السامع أو القارئ بموضوع القصة. على أن القصّاص يعالج التصوير والحوار بدقة وبراعة فى كل ما يتصل بأحوال الشعب وأخلاق العامة، فإذا سما إلى مقام الملوك والخاصة خانته قدرته، وغلبت عليه بيئته وطبيعته، فيفقد ما يسمى فى الفن الكتابى بالصبغة المحلية، وهى أن يسند إلى الشخص ما يلائم طبيعته وطبقته وبيئته من قول أو فعل: فالأقاصيص الهندية والفارسية تشوبها روح القصَاص الإسلامية كحكاية قمر الزمان ابن الملك شهرمان، والحكايات البغدادية تظهر فيها اللهجة المصرية كحكاية ابن الحسن الخليع، ثم نراه يُجرى على لسان الخليفة الرشيد ما يأبى عليه جلاله وكماله أن يقوله، ويجعله يفعل مالا يجوز فى العقل أن يفعله كأن ينادى وزيره جعفراً بقوله: ياكلب الوزراء! ويكلفه فى قصة الفتاة المقطعة بالعثور على القاتل فى مدى ثلاثة أيام وإلا شنقه هو وأربعين من بنى برمك، وكأن يخلع فى حكاية على نور الدين مع أنيس الجليس حلة الملك ويرتدى مرقعة بالية قذرة لكريم الصياد فيفيض قملها على أطرافه، ويسيل قذرها على فنكبيه وأعطافه، ولو أن ما كلف به الرشيد من التعب المزرى كان لضرورة ملجئة لوجدنا له مساغاً من الفن، ولكنه جشمه ما جشمه ليتسنى للخليفة أن يسمع غناء أنيس الجليس وهى فى قصر من قصوره وفى ضيافة خادم من خدمه. فهو يدخله فى هذا الزى الزرى على

الحبيب والبستانى ليقدم إليهم ما معه من السمك فيكلفوه شيَّه فى المطبخ فيشويه! ! وكثيراً ما تدفع القصاص شهوة الأغراب إلى تجاوز المبالغة المعقولة، فتفوته من الفن صفة الإمكانية، وهى أن يلبس القصصى الحوادث الخيالية ثوب الحقيقة فيقرب ما بينها من الظروف ويمهد لها أسباب الوقوع حتى لا تتنافر والعقل والعلم والعرف والتقاليد، والأمثلة على هذا العيب مستفيضة فى كل قصة. وفى الكتاب طائفة هن الحكايات قد استوفت شروط الفن القصصى كلها، كقصة الصياد والجن، وقصة مزين بغداد، ومقدمة حكايات السندباد وقصة على بن بكار وشمس النهار. هذا إذا نظرنا إلى الأسلوب فى جملته وعمومه، أما إذا تتبعناه باللمح الخاطف فى نواحى الكتاب وجدناه -فيما بقى هن الأقاصيص الهندية والفارسية وما جرى مجراها هن الحكايات المحدثة المقلدة- بين السذاجة أبله الأشارة، لأنها هن نوع الخوارق التى تدخل على القلوب الغريرة، ولا تظفر إلا بتصديق العقل البسيط، فهو جار مع طبيعتها، متفق اللون مع صورتها؛ وفى الطبقة البغدادية تراه متين العبارة، عفيف اللفظ، حسن السبك، دقيق الوصف، كثير السجع، قليل الفضول، لأنه فى الغالب مكتوب يحْذى على المثُل العليا من قصص الفرس وتاريخ العرب. وقد يسف فى بعض الأقاصيص إسفافا قبيحا، فيثقل بسخفه على الطبع، وينبو بضعفه عن الذوق، كما تراه فى قصة الخليفة مع النائم اليقظان مثلا. أما الأسلوب فى الطبقة المصرية فهو فى قسمها الأول -وخاصة الأقاصيص المكتوبة منه- أشبه شئ باسلوب الطبقة البغدادية مع اتساع فى السجع وجرأة على الحشمة، والغالب عليه التقليد، فتارة يجرى على منهاج الطريقة الهندية كما نرى فى حكاية ورد خان والملك جليعاد، وتارة ينسج على منوال الطريقة الفارسية كفعله فى قصة قمر الزمان الثانية، وحكاية مسرور وزين المواصف، وقد يجرى فى مجراه الخاص من التهكم الساخر

والمزاح المضحك فيكون رقيقاً كما نراه فى قصة الأحدب، وخاصة فى مزين بغداد. ولكنه فى القسم الثانى وفى سائر القصص الإلقائية التى ألفها القصاص ليلقوها فى السوامر مهلهل النسج، عاص اللفظ، مرذول المبالغة، سئ التلفيق، شديد الوطأة على الحياء والمروءة لصدوره عن قصاصين محترفين جهلاء يتملقون فيه شهوات العامة بالأفحاش ويستفزون فضول الجمهور بالمبالغة. فلسفته ومراميه: إن من يطلب من ألف ليلة وليلة فلسفة خاصة وفكرة عامة ووجهة مشتركة كان كمن يطلب من كافة الناس عقيدة واحدة وطبيعة ثابتة وأغراضاً متفقة، فهو- كما قلنا من قبل -كتاب شعبى يصور الحياة الدنيا كما هى لا كما ينبغى أن تكون، فإذا رأينا مذاهبه تتناقض، ومراميه تتعارض، وآراءه تختلف، فذلك لأن المجتمع الذى يصوره كذلك. ولم يكن الكتاب نتاج قريحة معلومة، ولا نتيجة خطة مرسومة حتى نلتمس فى جوانبه الدوافع والنوازع والغاية، إن هو إلا صدى يتردد خافتا لعقائد الشرق القديم وعقلياته وعاداته. ففى الفلسفة نراه يتأثر بالأفلاطونية الحديثة والأخلاق الإسلامية، فيدعو إلى القناعة باليسير والعزوف عن الدنيا، والاعتدال فى اللذة، والمبالغة فى الحذر، والتفويض المطلق للقدر، فروحه من هذه الجهة تتنافر وصوره البراقة ووسائله الطماحة وحوادثه المغامرة. ثم نراه فى أقاصيص أخرى -ولا سيما الحديثة- يزين الأنانية، ويرتضى القسوة ويتشوف إلى المكاسب الدنيئة، ويشره إلى اللذة الخسيسة، ولا يكاد يعتقد بالعواطف الكريمة. وقد يصور المتاع الحسى واللهو الجموح بما لا يتمثل فى الذهن إلا على سبيل الخيال، كالذى يحكيه عن فتى من أبناء الملوك أرسى إلى جزيرة كل من فيها من تجار وصناع نساء كأنهن اللؤلؤ المكنون، فقضى بينهن فى هذا النعيم أياما اقل ما أصاب فيها من اللذة أنه كان يلقى الشبكة فى الماء على سبيل اللهو، فتخرج إليه من الأصداف خريدة من بنات الجان، كأنها حورية من حور

الجنان إلخ. فإذا اختبرناه فى السياسة والاجتماع- رأيناه "ملكياً" يقيم فى كل مدينة عرسا، وينصب على كل مجتمع من الأحياء ملكا، حتى الحيات والحشرات والطيور والوحوش والقردة "ديمقراطياً" يشرك اللك والصعلوك فى متع الحياة ومجالى الأنس، "عائلياً" يبنى نظام البيت وتأثيل المجد على الزوجة والولد، لذلك تجدونه يستهل معظم أقاصيصه بحنين الوالدين إلى النسل، وفزعهما إلى الله أو إلى المنجم من داء العقم. وقد يسمو مغزاه إلى الفلسفة الاجتماعية العالية، مثال ذلك حكاية السندباد والحمّال، فالحمال يئوده الحمل الفادح، وينهكه الحر اللافح، فيلقى حمله على مسطبة أمام بيت من بيوت التجار، يتردد إليه النسيم الرطيب، وتفوح منه روائح العطر والطيب، ثم يرى عظمة ذلك التاجر فى كثرة خدمه وغلمانه، ويسمع تغريد البلابل والفواخت فى بستانه، ويصغى إلى رنين أوتاره وغناء قيانه، وينشق أفاويه الطعام الشهى من صحافه وألوانه، فيرفع طرفه الحائر إلى السماء ويقول: سبحانك يارب! لا اعتراض على حكمك ولا معقب لأمرك! أين حالى من حال هذا التاجر؟ ؟ أنا مثله وهو مثلى، ولكن حمله غير حملى إ! على أن أسوأ ما سجله ألف ليلة وليلة من ظلم الإنسان وجور النظم هو القسوة الجائرة على المرأة، فإن حظها منه منكود وصورتها فيه بشعة، وكيف تنتظر من كتاب بنى على خيانة المرأة أن ينصف المرأة؟ إن شهر زاد المسكينة إنما تسهر جفنها، وتكد ذهنها لتقص على الملك شهريار أعجب القصص ابتغاء الحظوة لديه حتى تدرأ القتل عن نفسها والخطر عن بنات جنسها. ومن الخطل الأليم أن يسند القصّاص كل هذه النقائص إلى النساء على لسان واحدة منهن فى مقام الدفاع عنهن، وأن يجرى على فمها فى حضرة الملك تلك الكلمات الجريئة المخزية فى وصف بهيميه الرجل! أما تصوير الكتاب لمظاهر الاجتماع الشرقى فى القرون الوسطى من العادات والأخلاق والمراسم فى السوامر والولائم والأعراس والمآتم والأسواق والمحاكم

فقد بلغ الغاية من ذلك كله، إلا أن الطبقة المصرية فى هذا الباب كما قلنا أصدق وأجمع، لأن القصاص -وهم مصريون- تكلموا عن علم ووصفوا عن رويه ونقلوا عن سماع. أما الطبقة البغدادية فقد عبث بها القصاص وشابوها بلهجاتهم وعاداتهم، ولكنها مع ذلك حرية بثقة الباحث إذا استطاع تنقيتها من شوائب البهرج والدخيل. بقى علينا أن نعرف وجهة كتابنا فى الدين، وليس من العسير على القارئ العادى أن يتبين تلك الوجهة، فإن فى كل صفحة من صفحاته دليلا على أنه مسلم صادق الإيمان، قوى العقيدة، يأخذ تقاليد الدين -صحيحة أو مشوبة- مأخذ العاص الواثق المطمئن، فلا يبحث ولا يستنبط ولا يطبق، حتى فى مقام الحكمة والموعظة لا يكاد يذكر حديثا أو آية، وإنما يستند فى ذلك إلى مأثور الشعر ومنثور الحكم، فسبيله فى الدين إذن أن يدعو إليه ويهتف به ويتعصب له. لذلك نراه لا يتحدث إلا عن المسلمين، ولا يتخذ أشخاصاً لقصصه -حتى الأجنبية منها- إلا من المسلمين، فإذا كان أحد الجنة أو الناس غير مسلم واضطر إلى الَحديث عنه انتهى به إلى الإسلام أو دبر له عقبى سيئة وذلك نادر، كما فعل فى حكاية مسرور المسيحى وزين المواصف وزوجها اليهوديين، فالحبيب والحبيبة أسلما فورفت عليهما ظلال النعيم والحب، وظل الزوج يهوديا فدفنته امرأته حياً. وألف ليلة وليلة بعد ذلك سنَى لا يكاد يعرف فرقة أخرى من فرق الإسلام، حتى الشيعة -وكان لهم على عهده فى مصر دولة الفاطميين، وفى العراق نفوذ البُوَيهيين- لم يذكرهم إلا فى حكاية علاء الدين وهى مكتوبة بمصر على عهد المماليك. ولقد دل حين تعرض لهم فى هذه القصة على جهالة قبيحة أو دعاية سيئة، فقد أشار فى موضع منها إلى أن الروافض كانوا يكتبون اسمى الشيخين على بواطن الأعقاب، وقال فى موضع ثان: إن الرشيد سأل الرجل الذى همّ باغتياله وهو يلعب الكرة والصولجان فنجّاه أصلان بن علاء الدين! أما أنت مسلم؟ فقال: كلا، وإنما أنا رافضى.

وقال فى موضع ثالث: إن أهل بغداد كانوا يغلقون الأبواب خوفاً من الروافض أن يلقوا الكتب فى دجلة. أحمد حسن الزيات + ألف ليلة وليلة: عنوان أشهر مجموعة عربية من الحكايات الخرافية وغيرها من القصص؛ وكثيراً ما يسمع المرء اليوم عبارة "مثل قصة خيالية من قصص ألف ليلة"، والحق إن القصص الخيالية هى أبرز جزء فى هذه المجموعة. وقد كان العرب -شأن جميع المشارقة- يتذوقون القصص الخيالية منذ أقدم العصور. ولما كان الأفق العقلى للعرب الأقحاح -فى العصور القديمة قبل ظهور الإسلام- يميل إلى الضيق، فإن مادة هذه الليالى قد استقيت فى جوهرها من الخارج أى من فارس ومن الهند كما نتبين من أخبار منافس النبى صلى الله عليه وسلم التاجر النضر (¬1). وفى العصور المتأخرة عن ذلك نمت الحضارة العربية فأصبحت أكثر غنى وشمولا، فقوى بطبيعة الحال النفوذ الأدبى الوافد عليها من البلاد الأخرى. ولا يلبث القارئ الواعى لألف ليلة أن يتولاه العجب من تعدد محتوياتها وتنوع أشكالها، فهى تشبه بوجه ما مرجاً شرقيا يحفل بأزهار جميلة مختلفة تخالطها أعشاب قليلة. على أن القارئ سوف يلاحظ أن هذه القصص تشمل ميداناً مترامى الأطراف، فثمة قصص عن الملك سليمان وملوك فارس الأقدمين وعن الإسكندر الأكبر وعن الخلفاء والسلاطين، وثمة قصص عن المدافع والقهوة والتبغ. ظهورها فى أوربا: ينتظم المجموعةَ كَها قصةٌ هى هيكل القصص أو نواتها، وهذا كان معروفا فى إيطاليا أيام القرون الوسطى. وتوجد آثار منه فى رواية لكيوفانى سيركامبى Giovanni Sercambi (1347 - 1424 م) وفى قصة أستولفو وكيوكوندو Astolfo و Gincondo التى رويت فى المقطوعة الثامنة والعشرين من "أورلاندو فيوريوزو" Orlando Furioso لأريوستو (بداية القرن السادس عشر الميلادى). وربما كان الرحالة الذين زاروا المشرق هم الذين أتوا بهذه المعرفة إلى إيطاليا. ¬

_ (¬1) سبق أن رددنا على هذا القول فى صدر هذه المادة.

ولكن ألف ليلة وليلة كلها انتقلت إلى أْوربا فى القرنين السابع عشر والثامن عشر. فقد نشرها للمرة الأولى العالم والرحالة الفرنسى جان أنطوان كلّان Jean Antoine Galland (1646 - 1715), ذلك أن كلّان استطاع فى تجواله بالشرق الأوسط كاتباً لسر السفير الفرنسى ثم جامعا للتحف للمتاحف بوصفه وكيلا عن الهواة، أن يعرف عالم الشرق، وقد انصرف همه إلى جمع عدد كبير من الحكايات والقصص الخيالية التى تروى هناك. وبعد عودته إلى فرنسا بدأ ينشر سنة 1704 مجلداته المعنونة: Les Mille et une nuits, contes arabes traduits en Francais . وما وافى عام 1706 حتى صدر منها سبعة مجلدات، وصدر المجلد الثامن سنة 1709 , والمجلدان التاسع والعاشر سنة 1712, والمجلدان الحادى عشر والثانى عشر سنة 17 ى بعد وفاة كلّان بسنتين. وإن هذا التأخير فى ظهور المجلدات الأخيرة ليدل على الصعوبات التى لقيها كلّان فى العثور على مادة القصص وعلى عدم احتفاله بالجانب العلمى من عمله. كان كلّان قصاصاً بالفطرة يتذوق القصة الجيدة وله براعة فى رواية القصة ومن ثم فهو قد طوع ترجمته لذوق القراء الأوربيين، يغير أحيانا فى النص العربى ويوضح الأمور الغريبة على الأوربيين، ولذلك حازت ترجمته لليالى نجاحا عظيما. على أنه كان إلى ذلك موفقاً فى المادة التى وقعت بين يديه, فقد بدأ بترجمة قصة السندباد الملاح من مخطوط غير محقق الأصل، ثم علم أن هذا المخطوط كان جزءاً من مجموعة كبيرة من القصص تعرف بألف ليلة وليلة ثم كان من حسن حظه أن أرسلت إليه من سورية أربعة مجلدات من مخطوط لهذا الكتاب كُشف على يد نابيا أبوت Nabia Abbott فيما عدا قطعة صغيرة منه، وهو أقدم مخطوط فيما يعرف ويشمل خير نص بقى لنا، ولا تزال المجلدات الثلاثة من هذا المخطوط محفوظة فى المكتبة الأهلية بياريس، أما الرابع فقد ضاع. وقد استنفد كلّان فى المجلدات السبعة الأولى من ترجمتة المجلدات الثلاثة من النص العربى التى بقيت لنا وأضاف قصة السندباد وقمر الزمان

من مخطوطات غير محققة الأصل ومن ثم توقف كلّان عن العمل ثلاثة أعوام حتى أجبره ناشره على إصدار المجلد الثامن بلا تحقيق، وهو يشمل قصة غانم وقد ترجمها كلّان من مخطوط غير محقق الأصل، وقصتى زين الأصنام وخداداد وقد ترجمهما يتى ده لاكروا وقصد بهما أن تنشرا فى كتابه Mille et un إول jours، ونضبت المادة تماماً من كلّان مرة أخرى فتوقف عن العمل، وكان قد تعب أيضاً ومل الأمر كله. ولكنه لقى سنة 1709 رجلا مارونيا من حلب يدعى حنا كان قد استقدمه إلى ياريس الرحالة بول لوكاس، واكتشف كلاّن للوهلة الأولى أنه عثر على مصدر يروى له مادة القصص. وراح حنا يروى له قصصاً بالعربية وكلان يسجل فى يومياته ملخصات لبعضها. على أن حنا زوده ببعض المخطوطات أيضاً، وبذلك تمت المجلدات الأربعة الأخيرة من ترجمة كلّان، وقد بيتت "يومياته" ذلك بجميع تفصيلاته. واختفت مخطوطات حنا، على أن مخطوطين عربيين خاصين بقصة علاء الدين ظهرا إلى عالم النور، وظهر كذلك مخطوط عن قصة على بابا. وهذا إذن هو أصل الكتاب الذى جعل "الليالى" تعرف فى أوربا وتسمى فى النص الفرنسى وفى جميع الترجمات عن الفرنسية "الليالى العربية" لدى جمهرة كبيرة من القراء (انظر تفصيل ذلك فى Histoire d'Ala' al-: H. Zotenberg -quelques ma؟ din ... avec Notices sur -nuscrits des Mille et une nuits et la tra duntinn dv C: allanti. باريس, ويشمل هذا النص العربى لقصة علاء الدين ودراسة لبعض مخطوطات "الليالى" وما سجله كلّان فى يومياته، وانظر أيضاً Bibliographie arabe: V.Chauvin . جـ 4، لييج سنة 1900, A bibliographical study: D.B. Macdonlad of the 3 first appearance of the Arabian Library Quarterly Nights in Europe, The. المجلد 2، عدد 24 أكتوبر سنة 1932, ص 387 - 430). وظلت ترجمة كلّان الفرنسية أكثر من قرن تدل على "الليالى" فى أوربا، بل إن قصتين من قصصه لا يعرف نصهما العربى قد ترجمتا إلى اللغات الشرقية. على أنه قد ظهرت فى هذه الأثناء مخطوطات أخرى تتصل بألف ليلة إتصالاً يتفاوت قرباً وبعدًا،

وبالاعتماد على هذه المخطوطات ترجمت ونشرت عدة ملاحق لترجمة كلاّن. وكما أن مخطوطات ألف ليلة نفسها تختلف اختلافاً عظيماً فيما يتعلق بالقصص التى تحتويها كذلك كان هؤلاء المترجمين على استعداد لإلحاق أية قصة عربية بألف ليلة. والملاحق الآتية -التى ظهر بعضها مستقلا وبعضها ملحقاً بطبعات كلاّن- لها أهمية فى ذاتها بوصفها دلائل على اهتمامات القراء فى تلك الأيام (ومن شاء تفصيلات أو فى عن هذه الملاحق جميعا فليِرجع إلى Biblio-: Chauvin E graphie جـ 4 , ص 82 - 120). وفى سنة 1788 ظهرت على هيئة ملحق لكتاب Cabinet des Fees (المجلدات 38 - 41) سلسلة من الحكايات ترجمها عن العربية دنيس شافى Denis Chavis . ومما له مغزى بالنسبة لاهتمامات القراء فى تلك الأيام بموضوع ألف ليلة وليلة أنه ظهرت ما بين عامى 1792 - 1794 ثلاث ترفجمات إنكليزية مستقلة لهذا الملحق. وفى سنة 1795 نشر وليام بلو Liam Beloe فى المجلد الثالث من كتابه Miscellanies بعض القصص العربية التى نقلها له شفويا باتريك راسل - Pat L rick Russell مؤلف كتاب History of Aleppo (سنة 1794). وفى سنة 1800 ترجم جوناثان سكوت athan Scott فى كتابه and Ietter.c بعض قصص نقلها من مخطوط لألف ليلة أحضره من الهند جيمس اندرسون james Anderson وفى سنة 1811 أضاف إلى طبعته لنسخة إنكليزية من ترجمة كلاّن مجلداً من قصص جديدة نقلها من مخطوط هو مخطوط ووتلي لبهى مونتاكو ague[المحفوظ الآن فى أوكسفورد. وكان كوسان ده يرسيفال Perceval سنة 1806 قد أضاف بالفعل مجلدين من ملحق طبعته لترجمة كلّان. على أن إدوارد كوتييه Fdnuard Gauttier قد ذهب إلى أبعد من هذا فى طبعته المعتمدة لكلان (1822 - 1825) , ذلك أنه لم يكتف بالمجلدين المحتويين على قصص جديدة استقاها من جميع أنواع المصادر بل أطلق لنفسه الحرية فأدخل غيرها فى تضاعيف ترجمة كلّان لألف ليلة. أما فون هامر (Von Hammer: Die noch nicht iibersetzen Erzahungen

der Tausend and einen / Nacht, شتوتكارت) فقد كان أثبت منه سنداً واستخدام نسخة حقيقية من ألف ليلة، ذلك أنه حصل فى مصر على مخطوط منها يعرف الآن بنسخة زوتنبرغ المصرية أصبح -بطبعاته العديدة- النص الشائع لألف ليلة (انظر طبعات هذا النص فيما يلى). وقد فقدت الترجمة الفرنسية التى قام بها فون هامر لعدد من القصص لم ترد فى نسخة كلاّن، ولكن تسنسر لنك - Zin serling (سنة 1823) ترجمها إلى الألمانية ونقلها إلى الإنكليزية لام Lamb سنة 1826، وترجمها إلى الفرنسية تريبوتيان Trebutien سنة 1828 وفى سنة 1825 بدأ هابشت M.Habicht بنشر خمسة عشر مجلداً مصرحاً بأنها ترجمة جديدة لألف ليلة، ولكنها فى الواقع كانت تضم نسخة كلاّن مع بعض الملاحق نقلا عن كوسان وكوتييه وسكوت وخاتمة زعم أنها نقلت عن مخطوط تونسى؛ وبدأ هابشت أيضاً ينشر نصاً عربياً. واعتمد فايل Weil على هذا النص ثم على نسخة كلّان من بعد، وعلى مخطوطات محفوظة ففى مكتبة كوتا، وعلى نص مطبوع فى مصر، ونشر ترجمته ما بين سنتى 1837 - 1867. الطبعات والترجمات: أهم الطبعات العربية لكتاب ألف ليلة وليلة هى: - طبعة كلكتة الأولى: وعنوانها The Arabian Nights Entertainments; In the Original Arabic, published under the Patronage of College of Fort Willam, by -Shuekh Uhmud bin Moohummud Shir ee wanee ul Yumun. كلكتة، المجلد 1، سنة 1814؛ المجلد 2، سنة 1818. وهذه الطبعة لا تضم بين دفتيها إلا المائتى ليلة الأولى وقصة السندباد الملاح. 2 - طبعة بولاق: وهى طبعة عربية كاملة طبعت سنة 1251 هـ (1835 م) عن مخطوط (عثر عليه فى مصر) بالمطبعة الأميرية التى أنشأها محمد على ببولاق قرب القاهرة. 3 - طبعة كلكتة الثانية بعنوان The Laila or the Book of the Thousand ALif Nights and one Night, Commonly known as "The Arabian Nights Entertainmentso"

now, for the first time, published complete in the Original Arabic, from an Egyptian manuscript brought to India by the late , Major Turner, editor of the Shah-Nameh . Edited by W.H. Macnaghten, Esq؛ فى أربعة مجلدات، كلكتة سنة 1839 - 1842. 4 - طبعة برسلاو: Tausend und - Eine Nacht Arabisch. Nach einer Hands .chrift aus Tunis herausgegeben von Dr Maximilian Habicht, Professor and der). knoiglichen Universitat zu Breslau (etc .nach seinem Tode fortgesetzt von M -Heinrich Leberecht Fleischer, or dentlichen Prof. der morgenlandischen ,Sprachen and der Universitat Lepipzig برسلاو سنة 1825 - 1843. وقد درس ماكدونالد D.B. Macdonald قيمة هذه النسخة فى مقاله عن نسخة هابشت). Journal Roy.As. Soc، سنة 1909، ص 685 - 704 (وفى مقال آخر له) Classification of some A Preliminary .MSS of the Arabian Nights, in the E.G Browne Volume، كمبردج، سنة 1922 , ص 304 (. ورأيه - الذى هو رأى خبير - هو أن هابشت قد أقام عن قصد أسطورة أدبية وأصاب بالاضطراب العظيم تاريخ ألف ليلة؛ ذلك أنه لم يكن ثمة وجود قط لنسخة تونسية، وقد أقام من بعض القصص الكثيرة التى وصلت إليه من كثير من المصادر نسخة جديدة لألف ليلة على نفس النحو تقريباً الذى أقام به ترجمته التى وصفناها من قبل. على أن ماكدونالد اعترف بأن نصوص هابشت قد نقلها بالحرف دون أن يبذل فى تصحيحها أية محاولة، ومن ثم جاءت "مبتذلة" بالمعنى الدقيق للكلمة، على حين أن جميع النسخ الأخرى قد صححت نحوياً ولغوياً بمعرفة بعض المشايخ الدارسين. 5 - نسخ بولاق والقاهرة المتأخرة: فى النصف الثانى من القرن التاسع عشر وفى بداية القرن العشرين طبع عدة مرات النص الكامل لطبعة بولاق الأولى الذى هو فى جوهره نفس طبعة كلكته الثانية. وهذه الطبعات تمثل نسخه زوتنبرغ المصرية التى هي ثمرة

تصنيف قام به شيخ من الشيوخ فى القرن الثامن عشر كما يستدل من ملاحظة لسيتزن) Reisen: U.J. Settzen durch Syrien, Palastina, Phonicien, die Transjordan Lander. Arabia Petraea und Unter-Aegyten , برلين سنة 1854 - 1855 جـ 3، ص 88)؛ واسم هذا الشيخ غير معروف، ولكن ملاحظة سيتزن تؤيد نظرية زوتنبرغ. وقد نشرت مطبعة الجزويت ببيروت نسخة قائمة بذاتها ولكنها مختصرة نقلا عن مخطوط آخر للنسخة نفسها (1888 - 1890). ومن النسخة المصرية أخذت جميع الترجمات الغربية الحديثة. وبدأت ترجمة لين Lane فى الظهور أجزاء سنة 1839 , وتمت سنة 1841 , وهذه الترجمة غير كاملة ولكنها حافلة بتعليقات وافية عظيمة القيمة، وقد نقلت عن طبعة بولاق الأولى. أما ترجمة باين Payne المأخوذة من نسخة ماكناتن Macnaghten , فكاملة، وقد طبعت طبعة خاصة، وظهرت فى تسعة مجلدات من سنة 1882 إلى سنة 1884 , وألحق بها ثلاثة مجلدات إضافية شملت حكايات وردت فى طبعة برسلاو وطبعة كلكتة الأولى سنة 1884 ومجلداً هو الثالث عشر (سنة 1889) يضم قصتى علاء الدين وزين الأصنام. وقد أعيد طبع ترجمة باين عدة مرات منذ وفاته وتعتمد ترجمة سير ريتشارد بيرتون - Sir Richard Bur ton، المأخوذة أيضاً عن طبعة ماكناتن، على ترجمة باين اعتماداً كثيراً بل تنقلها فى كثير من الأحيان حرفياً (عشرة مجلدات سنة 1885)؛ وستة مجلدات إضافية من سنة 1886 إلى سنة 1888, وقد طبعت هذه الترجمة كاملة عدة مرات علاوة على طبعة سميذرس Smithers وطبعة زوجة بيرتون (انظر عن العلاقة العجيبة بين نسختى باين وبيرتون: Life of Sir: Thomas Wright Richard Burton, فى مجلدين، لندن سنة 1906 , و Life of John Payne, لندن سنة 1919؛ وانظر عن محاولة عمل تقدير مقارن بين الترجمات الإنكليزية السابقة On Translating the: Macdonald Arabian Nights فى مجلة The Nation , نيويورك عددى 30 أغسطس و 6

سبتمبر سنة 1900). وقد نشر ماكس هننك) Max Henning فى - Reclam's Uni` versal-Bibilothek سنة 1895 - 1897) ترجمة ألمانية فى أربعة وعشرين مجلداً صغيراً؛ وهى ترجمة مختصرة بعض الاختصار أقرب إلى الركاكة ولا تورد إلى نصف الشواهد الشعرية. وتشمل السبعة عشر مجلداً الأولى الليالى نقلا عن طبعة بولاق، أما المجلدات من 18 - 24 وهى الملاحق المختلفة فمترجمة عن نسخة بيرتون. وفى سنة 1899 بدأ ماردروس J.C. Mardrus ترجمة فرنسية لليالى اعترف صراحة بأنها منقولة عن طبعة بولاق سنة 1835. وليست ترجمته بالترجمة التى يوثق بها، وهى تضم قصصاً من جميع المجموعات الأخرى فضلا عن ألف ليلة. زد على ذلك أن ثمة ترجمات أخرى لألف ليلة بالأسبانية والإنكليزية والبولندية والألمانية والدانمركية والروسية والإيطالية. وقد قام بالترجمة الأسبانية بلاسكو إيبانيز - Vincente Rlac co ibanez , وقام بالإنكليزية بوويز ماثرز Powys Mathers؛ والترجمة البولندية غير كاملة. وقد ظهرت الترجمة الألمانية التى قام بها إينو ليتمان Eno Littman بليبسك فى ستة مجلدات ما بين سنتى 1921 و 1928 , وأعيد طبعها لأول مرة فى فيسبادن سنة 1953، ولثانى مرة فى المدينة نفسها سنة 1954؛ وهى تشمل الترجمة الكاملة لطبعة كلكتة الثانية كما تشمل القصص الآتية: علاء الدين والمصباح السحرى نقلا عن مخطوط باريس الذي نشره زوتنبرغ (انظر ما سبق)؛ و "على بابا والأربعين حرامى" نقلا عن مخطوط أكسفورد الذي نشره ماكدونالد (Journ. Roy. As. Soc , سنة 1910 ,ص 221 وما بعدها؛ سنة 1913 , ص 41 وما بعد ها)؛ والأمير أحمد وبارى بانو نقلا عن بيرتون وهى ترجمة إنكليزية لنسخة هندوستانية استقيت من كلآن؛ وأبى الحسن أو النائم اليقظان نقلا عن نسخة برسلاو؛ وحيلة النساء نقلًا عن طبعة كلكتة الأولى؛ وختام الرحلة السادسة للسندباد ورحلته السابعة نقلا عن طبعة كلكتة الأولى؛ وملحقاً فى قصة مدينة النحاس؛ وختام قصة السندباد

والوزراء السبعة؛ وقصة الملك الظاهر ركن الدين بيبرس البندقدارى والحراس الستين نقلا عن نسخة برسلاو؛ والأخوات الغيورات نقلا عن نسخة بيرتون وكلآن؛ وزين الأصنام نقلا عن مخطوط بباريس نشره كروف F.Groff؛ ومغامرة الخليفة الليلية؛ وخداداد وإخوته؛ وعلى خواجه وتاجر بغداد، نقلا عن نسخة بيرتون وكلآن. وقد نشرت ترجمة أو يستروب إلى الدنماركية فى كوبنهاجن سنة 1927؛ وظهرت الترجمة الروسية بقلم كراتشكوفسكى سنة 1934. والترجمة الإيطالية بقلم كابرييلى سنة 1949. مشاكل أصل ألف ليلة ونموها: عندما عرفت ألف ليلة وليلة لأول مرة فى أوربا لم تحقق إلا غرضاً واحدا هو تسلية القراء الأوربيين. على أن العلماء الغربيين بدءوا فى أوائل القرن التاسع عشر الميلادى يهتمون بأصل ألف ليلة وليلة. وقد ناقش سلفستر ده ساسى منشئ فقه اللغة العربية الحديث هذه المسألة فى عدة رسائل) - Journal des Sa vants سنة 1817 , ص 687؛ Recherces sur l`origine du recueil des contes in- titulés les Mille et une nuits باريس سنة 1829؛ وفى Mémoires de l'Academie des Inscriptions et Bells-Letters جـ 10 , سنة 1833, ص 30). وقد أنكر بحق أن يكون الذي كتب ألف ليلة مؤلفاً واحداً؛ ورأى أن الكتاب قد كتب فى زمن متأخر جداً خلواً من العناصر الفارسية والهندية. ومن ثم فإنه قال بأن الفقرة التى وردت فى كتاب مروج الذهب للمسعودى (كتب سنة 336 هـ = 947 م) وأعيد تحريره سنة 346 هـ = 957 م منحولة؛ وقد نشر باربييه ده مينار هذه الفقرة بالعربية والفرنسية) Les prairies d'or , جـ 4، ص 89) ونصها كما يأتى: "إن هذه أخبار موضوعة من خرافات مصنوعة، نظمها من تقرب من الملوك برواياتها، وإن سبيلها سبيل الكتب المنقولة إلينا والمترجمة إلينا من الفارسية والهندية (وفى رواية أخرى الفهلوية بدل الهندية) والرومية مثل كتاب "هزار أفسانه"، وتفسير ذلك بالفارسية خرافة ويقال لها أفسانه والناس يسمون هذا الكتاب ألف ليلة (وفى

روايتين أخريين ألف ليلة وليلة) وهو خبر الملك والوزير وابنته شهر زاد وجاريتها دنيا زاد (فى روايات أخرى مرضعتها؛ وفى مخطوطات غيرها: ابنتيه) ". أما كتاب الفهرست لمحمد بن إسحق ابن أبي يعقوب النديم الذى كتب سنة 377 هـ (987 م)؛ طبعة فلوكل، جـ 1، ص 304) فقد ذكر "هزار أفسانه" وساق ملخصا لقصة النواة فيه، ويضيف كتاب الفهرست أن أبا عبد الله ابن عبدوس الجهشيارى المتوفى سنة 33 اهـ (942 م) وصاحب كتاب الوزراء بدأ يصنف كتابًا اختار فيه ألف قصة من قصص العرب والفرس والروم وغيرهم من الشعوب، وقد جمع الجهشيارى أربعمائة وثمانين قصة ولكنه توفى قبل أن يبلغ غرضه ويكملها حتى يبلغ بقصصها ألفا. وقد خالف ده ساسى de Sacy جوزيفُ فون هامر) - Joseph von Ham Wiener Jahrbücher: mer` سنة 1819. ص 236، Jour. As. , السلسلة الأولى جـ 10: السلسلة الثالثة جـ 8؛ مقدمة بحثه - übersetzten Er Die noch nicht zahlungen, انظر ما أسلفنا بيانه) وأكد صحة فقرة المسعودى بجميع ما يترتب عليها من نتائج. وحاول وليام لين أن يثبت أن كتاب ألف ليلة كله من عمل كاتب واحد وأنه كتب فى الفترة ما بين سنتي 1475 و 1525) William Lane: -Preface to the Arabian Nights Entertain ments , لندن سنة 1839 - 1841). واستانف المناقشة ده غويه) de De Arabische Nachtvertellingen,: Goeje De-Gids، سنة 1886 , جـ 3 ,385؛ The Thousand and one Nights فى دائرة المعارف البريطانية، جـ 23، ص 316) فقارن بين الفقرة التى وردت فى الفهرست والتى جاء فيها أن هزار أفسانه قد كتبت فيما يقال لهُماى (وفى رواية هُمانى) ابنة الملك بهمن وبين الفقرة التى جاءت فى الطبرى (القرن التاسع الميلادى، جـ 1، ص 688) والتى أطلقت على إستر أمَّ بهمن وأطلقت اسم شهر زاد على هماى، وحاول اعتمادًا على ذلك أن يبين أن القصة النواة فى ألف ليلة تتصل بكتاب إستر. والظاهر أن ميلر كان رائدًا لرأى

أكثر تحرراً من ذلك فى رسائله) Sendschreiben: Auguste Müller (عن هذا الموضوع إلى ده غويه de Goeje): Bezzenbergers , جـ 13 , ص 222) وفى المقال الذى نشره (فى Die deutsche Rundschau، جـ 13، عدد 10 يولية سنة 1887، ص 77 - 96) فقد فطن إلى وجود عدة طبقات فى ألف ليلة: طبقة يظن أنها كتبت فى بغداد، على حين ردَّ طبقة أخرى أكبر من الأولى إلى أصل مصرى. وقد بلوَر نولدكه فكرة وجود عدة طبقات فى الكتاب بدقة أكبر من ذلك) Zu den': Th. Noldeke aegyptischen Marchen فى Zeitscher. der Deutsch. Morgenl. Gesells . سنة 1888، ص 68) وحدد تحديداً تقريبيا النصوص التى نستطيع بها أن نميز كل طبقة من الأخرى. وقد وصف نولدكه محتويات الليالى ودرسها عدة مرات. وبحث أويستروب له أهمية خاصة فى هذا الصدد) Studier over 1001 Nat: Oestrup، كوبنهاغن سنة 1891 (، فقد ترجم إلى الروسية بمعرمْة كريمسكى) Krymski: Izsliedowanie o 1001 noche، موسكو سنة 1905 وقد صدّرت الترجمة بمقدمة طويلة) وترجمه إلى الألمانية ريشر) " Oestrups Studien über: Rescher 1001 Nacht" aus dem Danischen, nebst cinigen Zusatzen, شتوتكارت سنة 1925) ونشر كالتييه Galtier ملخصاً فرنسياً له مع تعليقات فى القاهرة سنة 1912. وثمة مناقشات أخرى بارعة لهذا الموضوع ساقها هوروفتز وخاصة فى مقالته الآتية: ) Die Entstrhung von Tau-: Horovitz sendundeine Nacht فى مجلة The Review of Nations , عدد 4 أبريل سنة 1927؛ الكاتب نفسه فى Islamic Culture , سنة 1927؛ وانظر أيضاً: Tau-: Littmann -sendundeine Nacht in der arabischen Lit teratur توبنكن سنة 1923؛ وانظر أيضاً Die Entstehung und Geschichte von Tausendundeine Nacht فى مقدمة Anhang ترجمة ليتمان السالفة الذكر). وقد اكتشف بمعرفة نابيا أبوت أقدم شاهد على وجود كتاب ألف ليلة وليلة (A Ninth-Century Frag-: Nabia Abbott ment of the "Thousand Nights": New Light on the Early History of the Arabian

Nights, Journal of the Near Eastern، Studies سنة 1949). وذكر الكتاب بعد ذلك المسعودى ثم الفهرست وفى القرن الثانى عشر الميلادى كانت تعرف فى مصر مجموعة من القصص باسم "ألف ليلة وليلة" نستبين ذلك من رجل يدعى القُرْطى كتب تاريخاً لمصر فى عهد آخر الخلفاء الفاطميين (1160 - 1171 م)؛ وقد نشر الغزولى المتوفى سنة 815 هـ (1412 م) فى مجموعته قصة من ألف ليلة وهو أمر فطن إليه تورى) Torrey فى - Journal of the American Oriental So ciety , سنة 1894 , ص 42). وعثر ريتر A. Ritter على مخطوط فى إستانبول يرجع إلى القرن الثالث عشر أو الرابع عشر الميلادى، ويشمل هذا المخطوط أربع حكايات من النسخة المصرية، ولم يذكر أنها جزء من ألف ليلة، وستنشر هذه الحكايات وتترجم بمعرفة فهر Wehr بالاعتماد على الدراسات التى قام بها فون بولمرينك A.von Bulmerincq , ثم ياتى بعد ذلك مخطوط كلآن ومخطوطات أخرى من ألف ليلة تغطى المدة من القرن الخامس عشر الميلادى إلى القرن الثامن عشر الميلادى. ومن ثم فنحن نعلم أنه كان يوجد جزء بغدادى وجزء مصرى على الصورة المالوفة لليالى. وقد صنف أويستروب القصص القائمة بذاتها ثلاث طبقات: الطبقة الأولى منها تشمل الحكايات الخيالية الماخوذة من كتاب هزار أفسانه الفارسي ومعها القصة النواة فى الكتاب؛ أما الطبقة الثانية فهي تلك القصص المستقاه من بغداد؛ وأما الطبقة الثالثة فهي القصص التى أضيفت إلى صميم الكتاب. وقد أدخلت فيه- على سبيل المثال- الرواية الطويلة الحافلة بالحب والخيال والبطولة، رواية عمر النعمان، وذلك عندما أخذ بالمدلول الحرفى لعنوان الكتاب وهو "ألف ليلة وليلة". ولكن قصة "سول وشمول" التى وردت فى مخطوط محفوظ بتوبنكن هو -بصريح العبارة- جزء من الليالى نشره تسيبولد على هذا الاعتبار، فلم تكن قط على التحقيق جزءاً متمماً لليالى لأنه يرد فيها خبر مسلم يعتنق النصرانية، على حين أن المسلم فى الليالى لا يخرج أبداً عن إسلامه إلى أي دين آخر، وإنما يحدث فى كثير من الأحوال أن يخرج النصرانى أو الزرداشتى أو الوثنى عن عقيدته إلى عقيدة أخرى.

والصور الآتية لليالى هى التى قررها ماكدونالد) The Ear-: Macdonald lier history of the Arabian Nights فى Jour. Roy.As.Soc. سنة 1924 , ص 353 ومابعدها) قاصدًا بذلك آية مجموعة من القصص تدخل فى هيكل الكتاب الذى نعرفه: (1) الكتاب الفارسى الأصل "هزار أفسانه" أي القصص الألف (2) نسخة عربية من هزار أفسانه (3) القصة النواة فى هزار أفسانه تتبعها قصص من أصل عربى (4) الليالى التى ترجع إلى العهد الفاطمى المتأخر والتى يشهد برواجها القُرْطى (5) التهذيب الذى عمل لمخطوط كلآن. ويستدل من تعليقات فى هذا المخطوط أنه كان فى طرابلس الشام سنة 943 هـ (1536 م) وفى حلب سنة 1001 هـ (1512 م)، وقد يكون أقدم من ذلك بطبيعة الحال، على أنه كُتب فى مصر. ولا تزال تقوم إلى اليوم من غير حل مسألة الصلات بين هذا المخطوط وغيره من المخطوطات القديمة القائمة بذاتها: ويوجد من هذا القبيل -فى قول ماكدونالد- ستة مخطوطات على الأقل يجب دراستها. وقد ورد عند نابيا أبوت (انظر ما سبق) الست الصور الآتية من كتاب الليالى: (1) ترجمة لكتاب هزار أفسانه ترجع إلى القرن الثامن الميلادى؛ وقول بأن هذه الترجمة هى فى أغلب الاحتمالات ترجمة كاملة حرفية ولعلها كانت تعرف باسم "ألف خرافة" (2) رواية إسلامية من القرن الثامن الميلادى لهزار أفسانه عنوانها "ألف ليلة"، وربما كانت هذه الرواية كاملة أو مجزوءة (3) نسخة مركبة من "ألف ليلة" ترجع إلى القرن التاسع الميلادى، وهى تضم بين دفتيها مواد فارسية وعربية، ومع أن معظم المواد الفارسية فيها مأخوذة من هزار أفسانه فإنه ليس ببعيد أنها أخذت من غيرها من كتب القصص وخاصة كتاب سندباد وكتاب شماس. وأما المواد العربية فهي لم تكن -كما بيَّن ليتمان من قبل- من القلة أو التفاهة بمقدار ما وهم ماكدونالد (4) كتاب "ألف سمر" لابن عبدوس من القرن العاشر الميلادى، وليس من الواضح هل كان الغرض من هذا الكتاب أن يشتمل فيما يشتمل على جميع القصص الشائعة فى ألف ليلة ويحل غيرها محلها أم لا؟ (5) مجموعة ترجع إلى القرن الثانى عشر

الميلادى زيدت عليها مواد من كتاب ألف سمر وحكايات أسيوية ومصرية من تأليف مصرى محلى. وأرجح الاحتمالات أن تغيير عنوان الكتاب إلى "ألف ليلة وليلة" يرجع إلى هذا العهد. (6) المراحل الأخيرة من هذه المجموعة النامية من القصص التى تمتد إلى صدر القرن السادس عشر الميلادى. ومن أبرز الزيادات عليها قصص البطولة التى تشيد بقتال المسلمين للصليبيين. وربما كانت فارس والعراق قد أسهمتا فى المجموعة ببعض الحكايات المتأخرة الخاص معظمها بالشرق الأقصى وذلك فى أعقاب الفتح المغولى لهذه الأصقاع فى القرن الثالث عشر الميلادى. وقد ختم الفتح الأخير للشام ومصر المملوكيتين على يد سليم الأول (1512 - 1520 م) الفصل الأول فى تاريخ ألف ليلة العربية فى موطنها الشرقى. وربما كان العنوان "الحكايات الألف" قد غير إلى"ألف ليلة" عندما جمع العرب بين القصة النواة والقصص الأخرى. ولا يمكن أن يكون ذلك قد تم فى وقت متأخر عن القرن التاسع الميلادى,. وقد كانت "الحكايات الألف" تدل فى الأصل على عدد كبير من الحكايات؛ وعلى هذا النحو قيل إن شهر زاد قد جمعت "ألف كتاب". وفى نظر البسطاء يدل العدد مائة نفسه على رقم كبير، وقولنا "قبل مائة عام " يدل فى نظر المؤرخين المشارقة أنفسهم على معنى يساوى"منذ زمن طويل"، ولذلك فإن الرقم 100 لم يكن يؤخذ بلاشك بمعناه الدقيق، وإنما كان الرقم 100 يكاد يدل على "عدد لا يحصى من السنين". وقد كان كتاب ألف ليلة الذى كان معروفا فى بغداد قلما يحتوى على ألف ليلة قائمة بذاتها. ولكن لماذا غير العنوان من "ألف ليلة" إلى "ألف ليلة وليلة"؟ . ربما كان بعض السبب فى ذلك يرجع إلى الكراهية الخرافية للأعداد التى تقبل القسمة على عشرة، وهى خرافة شائعة بين العرب كما هى شائعة عند غيرهم من الشعوب. على أن الاحتمال الغالب هو أن ذلك يرجع أيضًا إلى تأثير الاصطلاح التركى "بك بر" أي الألف وواحد الذى يطلقونه للدلالة على العدد الكبير. وفى الأناضول يقوم أثر يعرف باسم "بك بركليسه" أى "الألف الكنيسة وكنيسة" ولكن لا

يوجد هناك منها عدد بمثل هذه الكثرة. وفى استانبول مكان يعرف باسم "بك برديرك" أى "الألف العمود وعمود"، ولكن لا يقوم فيها إلا عدة عشرات منها. والجناس الحرفى التركى "بك بر" يشير إلى الأصل فى المصطلح الفارسى "هزاريك" أى "1001" وإلى عنوان "ألف ليلة وليلة". وقد كانت فارس والجزيرة والشام وغيرها من بلاد الإسلام الشرقية واقعة تحت نفوذ الترك، ومن ثم فإن العنوان "ألف ليلة وليلة" كان مدلوله فى أول الأمر لا يتعدى "عدد كبير من الليالى"، ولكن حدث من بعد أن أخذ بمدلول العنوان الحرفى وأصبح من المحتم اضافة عدد كبير من الحكايات إلى الكتاب ليبلغ عدد الليالى الف ليلة وليلة. العناصر المختلفة الداخلة فى تكوين الكتاب: إذا سلمنا إذن بأن الهند وفارس والجزيرة ومصر، والأتراك بوجه من الوجوه، كانت لهم مشاركة فى أصل الليالى فإننا يجب أن نذهب إلى أن مواد مستقاة من جميع هذه البلاد والشعوب تدخل فى هذه الليالى. وأول المقاييس الخارجية الدالة على ذلك هى أسماء الأعلام. فثمة أسماء هندية مثل السندباد، وأسماء تركية مثل على بابا وخاتون؛ أما الأسماء: شهر زاد ودينازاد (دنيازاد) وشاه زمان فأسماء فارسية وهى ترد، كما بين ده غويه، فى الأساطير الفارسية. وكذلك بهرام ورستم واردشير وشابور (سابور) وكثير غيرها فإنها فارسية. ومع ذلك فإن أغلب الأسماء عربية: منها أسماء عربية قديمة كانت تستعمل بين البدو، ومنها أسماء إسلامية متأخرة. وترد الأسماء الرومية والأوروبية فى حالات قليلة، وذلك فى القصص التى تتناول الصلات بين المسلمين والبوزنطيين (الروم) والفرنجة. وتشير الأسماء المصرية إلى أماكن وإلى شهور بصيغتها القبطية. أما الأسماء العبرية فيذكر منها بصفة خاصة سليمان وداود، وكلاهما له شأن هام فى الأخبار الإسلامية، وعلاوة على هذين يذكر آصف وبرخيا وبلوقيا وغيرهم. ولكن يجب ألا تعول تعويلًا كبيراً على الأسماء لأن الكثير جدًا من قصص الكتاب تغير فيها الأسماء إلى أشخاص آخرين، كما يحدث كثيرًا أن يكون لأشخاص غير مسمين دور فيها.

على أن الطريقة التى تقوم على قصة تكون هيكل القصص أو نواتها -وهى طريقة شائعة جدًا فى الهند، نادرة كل الندرة فى غيرها من البلاد- لدليل على وجود أصل هندى لبعض أجزاء ألف ليلة؛ ومن لوازم الكتب الهندية الشعبية أن تقول: "لا تفعل ذلك وإلا أصابك ما أصاب فلانا" فيسأل السامع: "وكيف ذلك؟ " وهنالك يبدأ المحذِّر قصته. وقد درس أويستروب العناصر الأجنبية لليالى فى عناية، ومن أهم ما كشف عنه أن العفاريت أو القوى الخارفة فى الخرافات الإيرانية تتصرف من تلقاء نفسها مستقلة عن غيرها، أما فى القصص المتأخرة من ألف ليلة وليلة، وخاصة تلك القصص التى استقيت من مصر، فإنه يهيمن عليها فى جميع الأحوال طلسم أو تعويذة سحرية، ومن ثم فإن صاحب الطلسم أو التعويذة يسيطر على تطور الحوادث ولا يسيطر عليها الجن أو العفاريت. ولا يتسع المكان هنا إلا لتلخيص العناصر الأجنبية فى ألف ليلة اختصارًا موجزًا. إن القصة النواة -أو القصة التى هى هيكل ألف ليلة- هندية الأصل؛ أما أن هذه النواة تتكون من ثلاثة أجزاء مختلفة كان كل منها فى الأصل قصة مستقلة، فأمر بيَّنه إمانويل كوسكان) Etudes folk-: Emmanuel Cosquin loriques باريس سنة 1922، ص 265)، وهذه الأجزاء هى: (1) قصة الرجل تحزنه زوجة خائنة فيأتسى إذ رأى هذا المصير المحزن ينزل برجل من وجوه القوم (2) قصة العفريت أو المارد تخونه زوجه أو أسيرته مع كثير من الرجال على نحو يتسم بأشد الجرأة، وهى نفس الحكاية التى يحكيها الوزير السابع فى قصة السندباد الحكيم (3) قصة الفتاة الأريبة تبرع فى رواية القصص فتتحاشى شرا يهددها أو يهدد والدها أو يهددهما جميعا. والجزء الثالث من هذه الأجزاء هو الذى ينتسب فيما يظهر إلى القصة النواة الأصلية كما بيّن المسعودى وكتاب الفهرست. وفيها إذن لم يعرف إلا الملك القاسى والابنة الأريبة للوزير وحاضنتها المخلصة. ومن الراجح أن قصة الابنة الأريبة للوزير قد انتقلت فى تاريخ متقدم من الهند إلى فارس وهناك صبغت بالصبغة الفارسية وضمت إلى الجزئين الآخرين من

القصة النواة. وثمة عدد من قصص ألف ليلة من أصل هندى، مثل قصة الأتقياء التى تذكرنا بالأولياء البوذيين أو الجيتاويين، والخرافات الخاصة بالحيوان، وسلسلتى قصص السندباد الحكيم وجليعاد وشماس. ونجد الموضوعات الهندية كاملة فى فقرات مختلفة من ألف ليلة مثل قصة الجواد المسحور، والتسميم بأوراق كتاب (بمعرفة الطبيب دوبان) وهى عادة تشير إلى ما درج عليه الهنود) Scriptorum Arabum De: Gildmeister Rebus Indicis loci et opuscula، بون سنة 1838 ص 89)، وكل ذلك قد انتقل إلى فارس قبل أن ينتقل إلى العرب. وهناك جملة يعتد بها من القصص أصلها فارسى، وخاصة تلك الخرافات التى تتصرف فيها الأرواح أو الجن والجنيات كلّ مستقلا عن الآخر (انظر ما سبق). والقصص التى أحصاها أويستروب على اعتبار أنها هندية فارسية الأصل هى القصص الآتية: (1) قصة الجواد المسحور (2) قصة حسن البصري (3) قصة سيف الملوك (4) قصة قمر الزمان والأميرة بدور (5) قصة الأمير بدر والأميرة جوهر السمندلية (6) قصة أردشير وحياة النفوس. ومن أقوال أو يستروب يتبين أن الصلة بين قصة على شار وبين أصلها الفارسى غير محققة، علما بأن قصة على شار تشتمل على عدة تفصيلات تتردد فى القصة التى يرجح أنها متأخرة عنها فى الزمن وهى قصة نور الدين على والفتاة ذات الزنار، وهذه القصة ترد أيضا فى ألف ليلة: أما قصة الفتيات الغيورات وقصة أحمد وبارى بانو اللتان لا تردان إلا فى نسخة كلآن ففيهما طابع قوى يوحى بأنهما فارسيًّا الأصل، ولكننا لا نعرف بعدُ النماذج الفارسية الأصلية التى نسجتا على منوالها. وبغداد تقع فى إقليم بابل القديم، ومن ثم فإن الراجح أن الأفكار البابلية القديمة بقيت قائمة هناك حتى العهود الإسلامية، وربما كانت قد انعكست فى ألف ليلة، بل إن قصة حيقار الحكيم كلها -التى تبدو فى بعض المخطوطات جزءًا من ألف ليلة- أصلها من بلاد الجزيرة القديمة، ولعلها ترجع إلى القرن السابع قبل الميلاد، وقد تسربت عن طريق الأدبين اليهودى والنصرانى

إلى الأدب العربى. والخضر -صاحب الشباب الخالد- له أصل بابلى. وربما كانت رحلات بلوقيا وماء الحياة الذى كان يفتش عنه الأمير أحمد تعكسان موضوعات من ملحمة كلكمش البابلية. ومع ذلك فمن المرجح أن خضرا وماء الحياة قد انتقلتا إلى العرب عن طريق قصة الإسكندر، وأن رحلات بلوقيا قد عرفوها عن طريق الأدب اليهودى. وفوق ذلك كله نجد أن الحكايات التى تتردد فى ألف ليلة كثيرًا عن الخلفاء العباسيين وبلاطهم وكذلك بعض الحكايات عن رعاياهم تنتسب إلى النسخة البغدادية من ألف ليلة. والراجح أن قصة السندباد الحكيم قد استقرت فى شكلها النهائى ببغداد، وأن قصة عمر بن النعمان تضم بين دفتيها مواد من فارس ومن الجزيرة ومن الشام. وتشير قصة عجيب وغريب إلى الجزيرة وإلى فارس. وقد نشأت قصة الجارية البارعة تودد فى بغداد كما أنه قد أعيد صوغها من بعض الوجوه فى مصر. والمحقق أن قصص بلوقيا والسندباد الحكيم، وجليعاد وورد خان كانت معروفة فى بغداد. ولكن ليس ثمة شاهد معين على أن جميع هذه القصص كانت أجزاء من نسخة بغداد. ويصدق هذا على القصص الأربع الواردة فى مخطوط إستانبول الذى عثر عليه ريتر Ritter .H (انظر ما سبق) فهو يضم بين دفتيه أربع قصص من ليالينا ولكنه لا يشير إلى ألف ليلة وليلة. وهذه القصص هى: (1) قصة الرجال الستة أى الاخوة الستة وحلاق بغداد (2) قصة جلنار وفتاة البحر (3) قصة بدور وعمير بن جبير (4) قصة أبي محمد الكسلان. أما القصص التى يفترض أن أصلها مصرى فهي القصص التى تروى فيها الحيل البارعة للصوص والصعاليك. وا القصص التى تتحدث عن الأرواح والجن الذين يظهرون بمظهر الخدام لطلسمات أو تعاويذ سحرية، والقصص التى يمكن أن نسميها القصص البرجوازية والتى يشبه بعضها الروايات الحديثة التى يدور موضوعها حول العشق. وكل هذه القصص ترجع بطبيعة الحال فى شكلها الحالى إلى أيام سلاطين المماليك والحكم التركى فى مصر، ومع ذلك فإن بعض

الموضوعات ترجع إلى مصر القديمة، ذلك أن الصعلوك الأريب على الزيبق وصاحبه أحمد الدنف نجد أصلهما ماثلا فى القائد المأجور أماسيس، وكذلك نجد كنز رهابسينيث ماثلا فى قصة على الزيبق كما بيّن نولدكه. وربما كان أصل الكاتب القرد فى قصة سيدات بغداد الثلاث ماثلا فى توت المصرى القديم، الذى، وهو كاتب الآلهة المصرية القديمة الذى يصوَّر دائما على هيئة القرد، أو فى هنومان قائد القردة فى كتاب "الرامايانا" الهندى. وذهب بعضهم أيضا إلى أن القصة القديمة -التى تتحدث عن المصري الذى نجا من سفينة غارقة- لها صلة برحلات السندباد، وأن قصة فتح يافا على يد مقاتلين مصريين اختفوا فى غرائر تتردد فى قصة على بابا. على أن هذه الصلات ليست قريبة الاحتمال (انظر Tau-: Littmann -sendundeine Nacht in der arabischen Lit eratur , ص 22. وانظر عما يمكن أن يكون هناك من تأثيرات إغريقية فى ألف ليلة كتاب كرونباوم) Medieval Is-: Von Grunbaum lam، شيكاغو سنة 1946 , الفصل الثامن وعنوانه Greece in the Arabian Nights). الصور الأدبية المختلفة فى ألف ليلة: يبقى أن نسوق بيانا موجزا بالأشكال الأدبية المختلفة الماثلة فى ألف ليلة. ومن المستحيل فى هذا المقام بطبيعة الحال أن نذكر كل قصة من القصص جميعا كما اتبع فى مقدمة ترجمة ليتمان) Anhang: Littmann (وقد وجد أن أهم هذه الأشكال ستة: (1) خرافات (2) روايات وقصص (3) أساطير (4) حكايات تهذيبية (5) حكايات فكاهية (6) نوادر. وحسبنا أن نضرب أمثلة قليلة على كل شكل: 1 - تشتمل القصة النواة على ثلاث خرافات هندية، وإلى هذا الشكل الأدبى تنتسب القصص التى تأتى فى أول جميع المخطوطات (التاجر والجن، الصياد والجن، الحمّال، الدراويش الثلاثة وسيدات بغداد الثلاث، الأحدب). وهذه القصص نفسها شواهد على طريقة القصة النواة وفيها سمات تذكرنا بالنماذج الهندية الأصلية بل تذكرنا ببعض الموضوعات التى لها نظائر فى القصص الواردة من الشرق الأقصى،

وأشهر هذه القصص هى قصة علاء الدين والمصباح السحرى وقصة على بابا. ومن الشواهد الأخرى قصة قمر الزمان وبدور، وقصة الأخوات الغيورات وقصة الأمير أحمد وبارى بانو، وقصة سيف الملوك، وقصة الحسن البصرى، وقصة زين الأصنام. 2 - وأطول الروايات هى رواية عمر ابن النعمان وأولاده، وقد درسها باريت) Der Ritterroman von': Paret` Umar an-Nu'mân توبنكن سنة 1927 (وكريكوار وكوسنس H.Gregoire & R.) Gossens فى - Zeitschr. der Deutsch. Mor genl. Gesells سنة 1934، ص 213: - Byzantinisches Epos und arabishcer Rit terroman وقصة عجيب وغريب هى نموذج الرواية الإسلامية الشعبية. أما قصص الحمال والثلاث بنات، وعلاء الدين أبي الشامات، ونور الدين وشمس الدين، ونور الدين ومريم الفتاة ذات الزنّار فيمكن أن نسميها الروايات أو القصص "البورجوازية" وكذلك قصة أبي قير وأبى صير. وهنا نستطيع أن نضيف قصص الحب، وقد احتوت الليالى على جملة كبيرة منها، تشمل ثلاث مجموعات: (أ) وهى تتحدث عن الحياة العربية القديمة أيام الجاهلية (ب) وتتحدث عن الحياة الحضرية فى بغداد والبصرة، وعن قصص حب فتيات أو جوار فى المدن أو فى قصور الخلفاء (ج) وتتحدث عن قصص حب من القاهرة تتسم فى بعض الأحيان بالعبث (انظر بيرن سنة 1927). ويمكن أن نذكر فى هذا المقام أيضا قصص الصعاليك وجوّابى البحار (أما عن قصة على الزيبق فانظر ما أسلفنا بيانه) وهناك عدة قصص قصيرة عن الأوصياء رويت أمام حكام مصر. وتقوم قصة السندباد الحكيم على كتاب "عجائب الهند" الذى يشتمل على مغامرات وتلفيقات لبحارة التقطهم ربان فارسى من البصرة فى القرن العاشر الميلادى. والجزء الأول من قصة أبي محمد الكسلان مكوّن من قصص بحارة وموضوعات حكاياتهم الخرافية. 3 - وهناك أساطير عربية قديمة أدخلت فى ألف ليلة مثل: حاتم الطائى،

إرم ذات العماد، ومدينة النحاس ومدينة لبدة وهى تشير إلى فتح العرب شمالى إفريقية. وتشير أساطير أخرى إلى رجال ونساء أتقياء، ومن بينهم أتقياء من بني إسرائيل (ولا يقتضى هذا نسبتها إلى كتاب يهود). أما أسطورة الأمير التقى الذى كان ابنا لهارون الرشيد ثم غدا درويشا، ففيها أثر من أسطورة ألكسيوس المشهورة. 4 - والحكايات والخرافات والأمثال التهذيبية معروفة لدى عدة شعوب، وقد وجدت سبيلها إلى الليالى أيضا حيث يبدو على معظمها أنها نشات فى الهند مثل السلسلتين الطويلتين للسندباد الحكيم، وجليعاد وورد خان، وكثير من الخرافات التى تدور حول الحيوانات على أنه قد أعيد صوغها فى القوالب العربية: وتنتسب إلى هذا الشكل الأدبى القصة الطويلة عن الجارية تودد (وفى أسبانيا: لادونسلاّ تيودور La doncella Teoder , وفى الحبشة: تَوْدد) بما يتصف به من أصل يرجح أنه يونانى، وقد أصاب هوروفتز كبد الحقيقة فى دراسته هذا الأصل. 5 - والخرافات الفكاهية هى قصص أبي الحسن أو النائم اليقظان، والخليفة والصياد، وجعفر البرمكى والبدوى الشيخ، وعلى الفارسى، والقصة الأخيرة مثال لقصة الأكاذيب؛ وفى قصتى معروف الإسكافى والأحدب سمات فكاهية كثيرة. 6 - ومجموعة النوادر تشمل فى هذا المقام جميع القصص التى لا تدخل فى مجموعة من المجموعات السابقة. ومن جملة النوادر قصتا الأحدب والحلاق وإخوته، وتتكوّن منهما مجتمعتين رواية فكاهية من طراز عظيم. ويمكن تقسيم سائر النوادر ثلاث مجموعات: مجموعة الحكام، ومجموعة الأجواد، ومجموعة انتزعت من الحياة الإنسانية العامة. ومجموعة الحكام تبدأ بالإسكندر الأكبر وتنتهى بسلاطين المماليك، وقليل منها يشير إلى ملوك فارس، وتشير جملة كبيرة منها إلى الخلفاء العباسيين وفوق هؤلاء جميعا هارون الرشيد الذى أصبح الحاكم الأمثل فى نظر المسلمين. وربما يكون بعض هذه النوادر لم ينشأ فى بغداد بل نشأ فى مصر وهناك نسب إليه. أما الأجواد الذين تتحدث عنهم ألف ليلة فهم بخاصة: حاتم الطائى، ومعن بن زائدة، والبرامكة. وأما مجموعة

النوادر المنتزعة من الحياة الإنسانية العامة فهى من عدة أصناف فهى تتحدث عن الغنى والفقير، والشيوخ والشباب والحالات الجنسية الشاذة (مثل وردان والمرأة صاحبة الدب، والأميرة والقرد) وعن الخصيان من أهل السوء، وعن القضاة الظلمة والقضاة النابهين، وعن نظار المدارس السفهاء (وهم صنف معروف فى الأدبين اليونانى والرومانى كما هو مأثور فى الحكايات المصرية العربية الحديثة). أما قصة المغامرة الليلية للخليفة التى نشرها كلآن دون سواه فهى تشمل ثلاث نوادر طويلة رويت فى إفاضة واختلطت بموضوعات من موضوعات الخرافات. وفى طبعة كلكتة الثانية من ألف ليلة 1420 قصيدة أو قطعة من الشعر بحسب قول هوروفتز) Horovitz فى Festschrift Sachau , برلين سنة 1915، ص 375 - 379)، تكرر منها عدد يبلغ 170 قصيدة أو قطعة يجب حذفها، فيبقى من الشعر 1250 دخل فى ألف ليلة. وقد استطاع هوروفتز أن يثبت أن هذه الشواهد الشعرية التى أدخلت على ألف ليلة واستطاع هو أن يتعرف على قائلها، ترجع إلى حقبة بين القرنين الثانى عشر والرابع عشر الميلاديين أى إلى الفترة المصرية من تاريخ ألف ليلة. وهذه القصائد والأشعار من ذلك الطراز الذى تستطيع أن تحذفه دون أن يخل بسياق النصوص النثرية لليالى ومن ثم فإنه قد أضيف إليها فى عهد متأخر. المصادر: (1) ذكرت فى صلب المادة. (2) ويجب أن نلفت النظر بخاصة إلى Studier: Oestrop والترجمة ذات التعليقات التى قام بها ريشر Rescher لهذا البحث؛ انظر ما سبق أن بيناه. (3) motifs des: N.Elisséef Thémes et Mille et une Nuit بيروت، سنة 1949. (4) المصادر المستفيضة التى زودنا بها Brocklemann . جـ 2، ص 72 - 74، قسم 2، ص 59 - 63. (5) وانظر عن أثر ألف ليلة وليلة فى الأدب الأوربى: The Legacy of Islam ص 199 وما بعدها. (6) - Cassel's Encyclopacdia of Lit' erature هذه المادة. خورشيد [ليتمان Littmann.E]

الله (جل جلاله)

الله (جل جلاله) الرب الأعلى عند المسلمين (*) ¬

_ (*) ورد فى التعريف أنه علم على الإله المعبود بحق، الجامع لكل صفات الكمال، تفرد سبحانه وتعالى بهذا الاسم لا يشركه فيه غيره. واختلف اللغويون فى لفظه فقيل: إنه علم غير مشتق، فهو اسم موضوع هكذا لله عز وجل وليس أصله "إلاه" ولا "لاه"، وليس من الأسماء التى يجوز فيها اشتقاق فعل، كما يجوز فى الرحمن والرحيم. وقيل إنه مشتق وأصله "إلاه" , ثم دخلت عليه الألف واللام، فقيل "الإلاه"، ثم حذفت همزته تخفيفا لكثرة الاستعمال وأدغم اللامان مع التفخيم. وبين لفظى: الله والإله فروق فى الاستعمال. قالوا؛ ويجوز أن ينادى اسم الله وفيه لام التعريف وتقطع همزته تفخيما فيقال: يا الله، وقد توصل فيقال يالله، ولا يجوز يا الإله على وجه من الوجوه مقطوعة همزته أو موصولة. ولام لفظ الجلالة مفخمة إلا أن يكون ما قبله مكسورًا، فترفق، مثل: بالله. وقد تحذف مدَّة اللام، قال أبو الهيثم: قالت العرب باسم الله. بغير مدة اللام وفى اللسان: أقبل سيل جاء من أمر الله ... يحرد حرد الجنة المغله [يحرد: يقصد] ويقال فى التعجب: لاه أبوه، أى لله أبوه بحذف لام التعجب وأل، قال ذو الإصبع العدوانى: لاه ابن عمك لا أفضلت فى حسب ... عنى ولا أنت ديّانى فتخزونى [تخزونى: تقهرنى] وحكى أبو زيد: الحمد لاه رب العالمين. وقال الأزهرى: لا يجوز فى القرآن إلا (الحمد لله رب العالمين) بمدة اللام، وإنما يقرأ ما حكاه أبو زيد الأعراب، ومن لا يعرف سنة القرآن. وقد نحتوا من لفظ الجلالة مع غيره من الكلمات، فقالوا البسملة، والحمدلة والحوقلة، فى باسم الله، والحمد لله، ولا حول ولا قوة إلا بالله. وقالوا فى المدح والتعجب: لله درك، ولله أبوك، ومعناها ولله أنت! ! أما "اللهم": ترد: للدعاء: ومعناها يا الله، وفى القرآن الكريم: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ}، "آل عمران: 26"، وفى الحديث: " ... اللهم اهد قومى فإنهم لا يعلمون."، وقال أبو خراش الهذلى: إن تغفر اللهم تغفر جما ... وأى عبد لك لا ألما؟ قال الخليل، وسيبويه، وكثير من النحاة: إن الميم المشددة عوض عن "ياء" النداء، ولذلك لا يجتمعان، فلا يقال: يا اللهم، وذلك من خصائص هذا الاسم، وريما اجتمعا فى ضرورة الشعر. [المعجم الكبير - مادة الله]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ وقد ورد فى الموسوعة العربية الميسرة: الله: اسم للألوهية التى تعترف بها الديانات الثلاث الكبرى، اليهودية والمسيحية والإسلام، والله فى الإسلام لفظ قرآنى عربى، يرجح أنه لا يرجع إلى أصل آرامى، وقد وصف الله جل وعلا فى الإسلام بالصفات التى تعرف بالأسماء الحسنى. ومنها: الملك، القدوس، السلام , المؤمن، المهيمن، العزيز، الجبار، الغفار، القهار، السميع، البصير، الخبير، الصمد، القادر، الرزاق، الظاهر، إلى آخر صفات الكمال، وهى أسماء مختلفة لحقيقة واحدة، ثابتة فى القرآن الكريم. وقد استعملت التوراة أسماء مختلفة للدلالة على الذات الإلهية، أشهرها كلمة "يهواه" التى عدل عنها تعظيما وإجلالا واستبدل بها كلمة "أدوناى" بمعنى "مولاى". وأعظم الأسماء الحسنى التى وردت فى التوراة كلمة "الوهيم" ومعناها "الوه" .. وكذلك وردت كلمة "ال" فى العهد القديم اسما للذات الإلهية. وهى فى الأعم الأغلب مركبة مع كلمة أخرى مثل "اليشع". وتدل فكرة الألوهية بوجه عام على الموجود اللامتناهى، الخير المطلق، الخالق، العليم القدير. والعقل البشرى بقواه الذاتية يستطيع أن يثبت وجود الله عن طريق الاستدلال المنطقى من ناحية، وتأمل مخلوقات الله من ناحية أخرى، وقد أقام فلاسفة الدين، وخاصة توما الأكوينى، عدة براهين لإثبات وجود الله تتلخص فى خمسة، وهذه البراهين لها أصول عند أرسطو، ولكن القصد عندهما يختلف اختلافا جوهريا، ويسمى، الدليل الأول "دليل الحركة" وينتهى إلى ضرورة وجود محرك أول لا يتحرك، هذا المحرك الذى لا يتحرك هو الله، ويقوم الدليل الثانى على أن الموجود المتحرك يحتاج إلى علة فاعل، وينتهى إلى أن الله هو العلة الأولى، ويعتمد الدليل الثالث على فكرة الواجب والممكن والممتنع ويخلص إلى أن الله واجب الوجود. أما الدليل الرابع فيعتمد على فكرة الغائية، وأن نظام الطبيعة يقتضى موجودا عاقلا يوجه الأشياء إلى غايتها، وكذلك يؤدى العقل إلى وصف الذات الإلهية بعدة صفات، سلبية تنفى عنه مالا يليق به من ناحية الكمال المطلق وثبوتية تعتبر من مظاهر هذا الكمال، فهو ليس بجسم ولا هو مركب، بل وجوده عن ذاته، وبذا تسقط فكرة وحدة الوجود، وصفاته الثبوتية ضربان، أحدهما يعبر عن الذات من حيث هى مثل الكمال المطلق والخير المحصن والوجود اللامتناهى، وأنه واحد، لا شريك له، والآخر يعبر عن صلة الله بمخلوقاته كالعلم والقدرة والعدل، وهى تختلف عن صفات المخلوقات المماثلة أشد الإختلاف، أى أن الله ليس مصدر النظام وكفى، ولا مصدر الحركة الأولى وكفى، ولكن الله خالق كل شيء، و "هو بكل خلق عليم" ليس له مثيل فى الحسن ولا فى الضمير، بل له "المثل الأعلى" و "ليس كمثله شيء". [الموسوعة العربية الميسرة الطبعة الأولى. القاهرة. مادة الله] [د. خلف عبد العظيم الميرى]

أ - عقيدة الجاهليين فى الله: مما لا شك فيه أن العرب قبل محمد [صلى الله عليه وسلم] قالوا بوجود إله على نحو ما، سموه "الله" أو "الإله"، وعبدوه نوعًا من العبادة. وهذه الكلمة إما أن تكون من أصل عربى صحيح، وإما أن تكون آرامية الأصل مشتقة من كلمة "ألاها" ومعناها الله. وليس يعنينا الآن أن نفحص عما إذا كان "الإله" فى نظرهم يمثل فكرة مجردة، أم أنه كان يمثل تدرجهم فى تصور إله معين مثل هُبَل. (انظر ما كتبه فى هذا الموضوع Reste arabischen Heident-: Wellhausen ums، الطبعة الثانية، ص 117 وما بعدها، وكذلك ما كتبه نولدكه عن العرب فى الجاهلية فى Dic-: Hasting tionary of religion and ethics . جـ 1، ص 662). أما فى هذا المقام فيكفينا أن نستشهد على تصور أهل مكة لله بما ورد فى القرآن. فقد جاء فيه أنهم كانوا يقولون أن الله هو الخالق الرازق (سورة الرعد الآية 16 *؛ سورة العنكبوت، الآية 61 ,63؛ سورة لقمان، الآية 25 *؛ سورة الزمر، الآية 38؛ سورة الز خرف، الآية 9 * والآ ية 87. وجاء فى الآية 17 من سورة الرعد) والآية 63 من سورة العنكبوت حكاية عن أهل مكة أنهم كانوا يؤكدون أن الله هو الذى ينزل من السماء ماء) وكانوا يجأرون إلى الله إذا مسهم الضر (سورة يونس الآية 22؛ سورة النحل الآية 53؛ سورة العنكبوت، الآية 65؛ سورة لقمان، الآية 32) وهذه الآيات تؤلف كلا لا ينفصل ولا يكاد يكون لكل واحدة منها وزن وهى منفردة (¬1). وكانوا يعترفون بالله ويقسمون به جهد أيمانهم (سورة الأنعام، الآية ¬

_ (¬1) هذه الآيات التى استشهد بها الكاتب متصلة المعنى مطردة السياق فى مكانها من سورتها، ويظهر أنه حين ارتأى هذا الرأى لم يكن قد استوعب معانى الآيات وأدرك دلالاتها، ولعله اعتمد على الفهارس التى ضمت المعانى المتحدة فى القرآن الكريم وعنى بجمعها بعض المستشرقين. جاد المولى إيضاح الآيات التى بجوارها (*) فى هذه الصفحة تم ضبطها على المصحف الشريف طبعة الأزهر وكانت أرقامها فى الطبعة الأصلية 17 , 24 ,137 وأثبتنا ما نراه صوابا. [المحرر]

109؛ سورة النحل، الآية 38؛ سورة فاطر، الآية 42) ويجعلون له نصيبا من الحرث والأنعام مميزًا عن أنصبة الآلهة الأخرى (سورة الأنعام، الآية 138,139 *) وكانوا يقولون إن الله لم يحرم عليهم قط أن يشركوا به، (سورة الأنعام، الآية 148؛ سورة النحل، الآية 35) (¬1)، وكانوا يقولون أيضًا بوجود آلهة أخرى تخضع لله انصرفوا إلى عبادتها فى حمية وحماسة. وليس (¬2) من السهل دائمًا أن نميز بين آرائهم وبين تفسير محمد - صلى الله عليه وسلم - لهذه الآراء، وبخاصة بين الألفاظ التى استعملوها هم، والألفاظ التى استعملها هو. ومما لا شك فيه أنهم اعتبروا بعض الآلهة بنات لله (¬3) (سورة الأنعام، الآية 100؛ سورة النحل، الآية 57؛ سورة الصافات الآية 149؛ سورة النجم، الآية 21)؛ مثل اللات والعزى ومناة أو منات. (انظر سورة النجم، الآية 19, 20). وذهب البعض إلى أن اللات (¬4) تحريف لكلمة "اللهَ". وجعلوا لله بنين أيضًا (سورة الأنعام، الآية 100)، على أننا لا نستطيع أن نقول أكان أهل مكة قد أطلقوا على هؤلاء الآلهة لفظ "شركاء" (¬5)، وربما كانت تسميتهم لهم "بالملائكة" ¬

_ (¬1) ورد فى الأصل أنها سورة الصافات الآية 168 وهو خطأ صوابه ما أثبتناه لأنه لا يوجد فى سورة الصافات آية بهذا المعنى وهو موجود فى سورة النحل آية 35. المحرر (¬2) لا يخفى على القارئ أن الكاتب جرى على أن القرآن من عمل محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا الأساس تقوم بحوثه، ويعوزها التثبت والإنصاف. جاد المولى (¬3) لم يرد أن العرب جعلوا آلهتهم بنات الله، وما جاء فى القرآن إنما هو عن زعمهم أن الملائكة بنات لله. وأما الرد على من جعل لله البنين فإن المقصود به النصارى وبعض فرق اليهود. (¬4) هذه الدعوى خاطئة من جهة النقل. فإن الذى فى كتب التفسير عند قوله تعالى {وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ ... } أنهم اشتقوا "اللات" من "الله". وفى تفسير سورة النجم: "اللات" مؤنث "الله". على أن هذه الأقوال ضعيفة. والذى رواه البخارى عن ابن عباس " أن اللات كان رجلا يلت السويق للحاج". محمد حامد الفقى (¬5) القرآن صريح فى أن المشركين أطلقوا على الأصنام اسم الشركاء لله تعالى فقد جاء فى سورة الأنعام الآية 136" {وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلَا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} ومن هذا يتجلى أن الكاتب لم يقف على ما جاء فى القرآن فدراسته ناقصة. جاد المولى

أقل احتمالا. وكان أهل مكة فى جميع الأحوال العادية يعبدون هذه الآلهة دون الله، كما كانوا يؤثرونها بالقرابين دونه ويرجحونها عليه (سورة الأنعام، الآية 138 * وما بعدها)، وكانوا يقولون إنها على الأقل كانت تشفع لهم عنده. (سورة النجم، الآية 26) على أنهم لم يكونوا على يقين من أن هذه الآلهة كانت قادرة على الخلق (سورة الرعد، الآية 16 *. ولهذا كانوا يرجعون إلى الله إذا مسهم الضر لأنهم كانوا لا يشكون فى قدرته على الخلق. كما أنه من المحقق أن أهل مكة جعلوا بينه وبين الجنّة نسبا (سورة الصافات، الآية 158؛ انظر استعمال كلمة نسب فى سورة الفرقان الآية 54 *، وسورة "المؤمنون"، الآية 101 *)، وجعلو هم شركاء لله (سورة الأنعام، الآية 100)، وقدموا لهم القرابين، (سورة الأنعام، الآية 128) , وكانوا يعوذون بهم (سورة الجن، الآية 6). ولسنا نعلم علم اليقين هل كانت قد وجدت لديهم فكرة عن الملائكة، أو أنهم جعلوهم شركاء لله، وربما كان هذا تفسيرًا من عند محمد - صلى الله عليه وسلم - (¬1) (سورة الأنعام، الآية 100؛ سورة الطور، الآية 39 *). أما محمد - صلى الله عليه وسلم - فإن رأيه واضح فى هذه الأمور: فإنه إلى جانب قوله بوجود الله يقول بوجود الملائكة ووجود الجن مع الشيطان، وأن الشياطين كانت على صلة بالجن والملائكة، وهذه (¬2) الكائنات هى التى كان أهل مكة يجأرون إليها فى الواقع، ولكنها لم تكن تملك لهم نفعا ولا ضرًا (سورة الإسراء، الآية 56 *). أما اعتبارهم هذه الكائنات إناثًا وتسميتهم لها بأسماء، فهو إفك ظاهر البطلان. ويبدو من هذا أنه مهما يكن الأمر بمكة فى عهدها الأول، ومهما يكن الأمر فى بقية بلاد العرب، ومهما يكن أصل الأسماء التى أطلقوها على هذه الكائنات ¬

_ (*) وردت فى الأصل 137. (*) الآيات التى بجوارها * كانت فى الأصل 17، 56، 103 , 28 وأثبتنا ما نراه صوابا على المصحف الشريف طبعة الأزهر. المحرر (¬1) إنا نعجب من صنيع هذا الكاتب فبينما يعتمد على نصوص القرآن الكريم ويطمئن إليها فى بحوثه إذا به يخلط ويعد بعض الآيات تفسيرا من عند النبى - صلى الله عليه وسلم - ولا يستند فى دعواه إلى دليل. جاد المولى (¬2) لم يعرف عن العرب أنهم عبدوا الشياطين، إنما كان بعضهم يعبد الجن، وبعضهم يعبد الملائكة. ثم إن الآية التى أشار إليها الكاتب فى الأصل 58 لا علاقة لها بما أشار إليه. وصوابها ما أثبتناه. محمد حامد الفقى

- فإن الدين فى مكة أيام محمد لم يكن وثنية ساذجة، بل كان أشبه بالعقيدة المسيحية التى جعلت للقديسين والملائكة مقامًا بين الله وعباده. وقد كان محمد - صلى الله عليه وسلم - يرى أنه جاء مصلحًا يدعو إلى عقيدة أكثر بساطة وقدمًا ويعيد الملائكة والجن إلى مكانهم الصحيح. ب - عقيدة محمد - صلى الله عليه وسلم - فى الله: تبدو عقيدة محمد بسيطة واضحة فى الركن الأول من أركان الإسلام، وهو شهادة أن لا إله إلا الله. ومعنى هذا عند محمد - صلى الله عليه وسلم - وعند أهل مكة هو أن الله وحده هو الإله الحق دون سائر الآلهة التى كان يعبدها أهل مكة. وشهادة أن لا إله إلا الله لم تتعرض لماهية الله، وإنما تعرضت فقط لبيان مقامه. وعلى هذا فكلمة "الله" كانت ولا تزال اسم العلم الذى يطلق على الخالق عند المسلمين. وهى تقابل كلمة "يهوه" Yahwe عند اليهود، لا كلمة "إلوهيم" Elohim . وليس لكلمة "الله" جمع، وإذا أراد المسلمون الكلام عن الآلهة بالجمع فإنهم يلجئون إلى جمع كلمة "إله". وهى اسم جنس يرجح أن كلمة "الله" اشتقت منه. وكان محمد - صلى الله عليه وسلم - يستعمل هذا الجمع عند كلامه عن الآلهة الأخرى، التى كان أهل مكة يشركونها مع الله، (سورة الأنعام، الآية 19)، وقد حذا حذوه المسلمون فى ذلك، ولو أنهم آثروا أن يطلقوا على تلك الآلهة اسم الأصنام أو الأوثان تمييزًا لها: (انظر مادة "الله" فى - Hast Dictionary of religion and ethics: ing . على أنه وإن كان اسم "الله" واحدًا عند أهل مكة وعند محمد - صلى الله عليه وسلم - فإن تصورهم لحقيقة الله لابد أن يكون مختلفا اختلافًا بينًا. ومن الواضح أن أهل مكة على وجه عام لم يكونوا يخافون الله، وإنما خوفه كان من أركان عقيدة محمد - صلى الله عليه وسلم -. وكان أهل مكة يظنون الله بعيدًا عنهم بعدًا عظيمًا، فى حين أن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - كان يقول إن الله قريب جدًا فى كل لحظة، بل هو أقرب إلى الناس من حبل الوريد، (سورة ق، الآية 16). ولم يتردد أهل مكة فى عصيان الله وعبادة آلهة أقل شأناً. وقد عرّف محمد - صلى الله عليه وسلم - الله بأنه الملك، المنتقم الغيور وأنه سيحاسب الناس

من غير شك ويعاقبهم فى اليوم الآخر. وبذا تحولت تلك الفكرة عن الله إلى ذات لها خطر عظيم. وينبغى لنا الآن أن نتبسط فى الكلام على هذه الذات، ومن حسن التوفيق أن لوازم السجع (¬1) فى وصف الله بعدة صفات يتردد ذكرها كثيرًا فى القرآن الكريم (سورة الأعر اف، الَا ية 180 *؛ سورة الإسراء، الآ ية 110؛ سورة طه، الآية 8 *؛ سورة الحشر، الآية 24) وتبيَّن شغف محمد - صلى الله عليه وسلم - بهذه الصفات وشدة تمسكه بها. وكانت الفطرة السليمة هى التى دفعت المسلمين بعد محمد - صلى الله عليه وسلم - إلى جمع هذه الصفات وتقديسها. وهذه الصفات تعبر عن حقيقة الله عند محمد أحسن مما تعبر عنها الصفات التى ذكرها علماء الكلام فى القرون الوسطى ... (انظر عن أسماء الله الحسنى المقال الذى كتبه Redhouse فى. Jour. of the Roy. As. Soc سنة 1880، جـ 12، ص 1 - 69). جـ - الله فى ذاته: تبدو أسماء الله الحسنى لأول وهلة مجموعة من الألفاظ الدالة على التجسيم والعبارات الميتافيزيقية، ومع ذلك فإن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - عندما يتحدث عن يدى الله (سورة المائدة، الآية 64 *؛ سورة ص، الآية 75)، أو عن قبضته (سورة الزمر، الآية 67)، أو عن أعينه (سورة القمر الآية 14)، أو عن وجهه (سورة البقرة، الآيتان 115 و 272 *؛ سورة الأنعام، الآية 52؛ سورة الكهف، الآية 28 * إلخ .. )، أو عندما يصفه بالاستواء على العرش (سورة طه، الآية 5 * وغيرها) فإنه ينبغى ألا نرد ذلك إلى العقيدة القائلة بالتجسيم، ¬

_ (¬1) كان يجمل بالكاتب قبل أن يلقى الكلام جزافا عن القرآن أن يدرس اللسان العربى وأطواره التاريخية وتطبيق ما جاء من الفواصل فى القرآن على قواعد السجع وأنواعها، وتكفى شهادة قريش فى سجع القرآن وفواصله، وأنه فى أعلى طبقات البلاغة. ويظهر أن الكاتب قرأ أن كُتّاب اللسان العربى فى العصور المتأخرة كانوا يفسدون المعانى فى سبيل الألفاظ ويتكلفون السجع فأجرى حكمه على عصور البيان العربى وأدرج فيها القرآن. جاد المولى (*) الآيات التى بجوارها * كانت فى الأصل 179 , 7, 69, 109, و 274, 27, 4 وتم ضبطها فيما أثبتناه تصويبا. المحرر

لأن الصفات فى هذا الوضع أقرب إلى مجازات. وإذا راعينا المصطلحات الفنية فإنا لا نجد فى هذه الأوصاف سوى المجاز. أما التجسيم والتشبيه فكان ظهورهما عند المفسرين المتأخرين. وهذا هو الحال فى العبارات الميتافيزيقية. وقد استطاع محمد - صلى الله عليه وسلم - أن يصف الله بصفات واضحة معينة، مثل الأول والآخر والظاهر والباطن (سورة الحديد، الآية 3) وأنه القيُّوم (سورة البقرة، الآية 255 *؛ سورة آل عمران، الآية 2 *). أما صفة "واجب الوجود" فقد نشأت عند علماء الكلام المتأخرين، فالله إذًا هو الواحد الحى (سورة البقرة، الآية 255 *؛ سورة آل عمران، الآية الثانية *، إلخ ... )، المتعال (سورة الرعد، الآية 9 *)، العليم الواسع (سورة البقرة، الآية 247 *، الخ ... )، القادر (سورة البقرة، الآية. 20 *، إلخ .. ) الغنى (سورة البقرة، الآية 267 وغير ها)، البديع (سورة البقرة، الآية 117 *؛ سورة الأنعام، الآية 101)، الباقى (لم ترد هذه الصفة فى القرآن، ولكن الفعل المشتق منه كثيرًا ما يرد فى القرآن مسندا إلى الله)، الصمد (سورة الإخلاص، الآية الثانية) ويقابلها فى اليونانية "أباكس ليكومينون "، ولم يكن المفسرون المتقدمون يعرفون أصل هذه الكلمة ومعناها الصحيح على وجه التحقيق؛ انظر الطبرى، جـ 30، ص 196, س 7). ومن صفاته أيضًا العزيز والعظيم والقهار (سورة يوسف، الآية 39، وغيرها)، والمتكبر (سورة الحشر، الآية 23؛ وهى صفة نقص إذا أسندت إلى غير الله) والكبير والحميد، والمجيد، (سورة هود، الآية 73 *؛ سورة البروج، الآية 15، وهى صفة يوصف بها القرآن، أما صفة "الماجد" فلم يرد ذكرها فى القرآن) والكريم، وذو الجلال والإكرام، (سورة الرحمن، الآية 78)، والجليل (هذه الصفة لم يرد ذكرها فى القرآن، ولكن كثيرًا ما ¬

_ (*) الآيات التى بجوارها (*) فى هذه الصفحة كانت 256 ,1 ,256 , الآية الأولى، 10 ,248 , 19 , 265 , 3 ,76 وأثبتنا ما نراه صوابا. المحرر

يرد معناها فى ألفاظ أخرى)، والقوى والمتين (سورة الذاريات، الآية 58)، والعليم واللطيف (سورة الأنعام، الآية 103 وغيرها)، والخبير (ترد فى القرآن كثيرًا)، والحكيم والسميع والبصير والملك القدّوس، (سورة الحشر، الآية 23، سورة الجمعة، الآية الأولى). وصفة القدّوس وحدها من أسماء الله الحسنى ولكنها لا ترد إلا مع كلمة ملك، ولسنا نعرف على وجه التحقيق المعنى الذى يريده محمد [- صلى الله عليه وسلم -] من كلمة قدّوس، ولعلها من صفات التنزيه، ويستعمل مصدر هذه الكلمة بمفرده للدلالة عى روح القدس "جبريل" وعلى الأرض المقدسة والوادى المقدس الذى لقى فيه موسى [عليه السلام] ربه والملائكة الذين يسبحون الله. ويذهب المفسرون إلى أنها من صفات "التنزيه". ومن أسمائه أيضًا السلام (سورة الحشر، الآية 23). وهذه الصفة لم ترد إلا فى الآية 23 من سورة الحشر. ويرى المفسرون أن معناها "السلامة" أى البراءة من النقائص والعيوب، وهو تفسير محتمل. ومن صفاته أيضًا "العدل". وهذه الصفة لم ترد إلا فى الحديث. ولكنها جديرة بأن تعد من الصفات، لأنه لا يوجد من أسماء الله الحسنى ما يؤد معناها. وأقرب الصفات إليها صفة "خير الحاكمين" (سورة الأعراف الآية 87 *؛ سورة يونس، الآية 109؛ سورة يوسف، الآية 80. ومن صفاته كذلك "البر" (سورة الطور الآية 28)، ونور السموات والأرض (سورة النور، الآية 35). ومن صفاته أيضاً "الحق"، وترد كثيرًا فى القرآن الكريم عند الكلام على كنه رسالة محمدًا [- صلى الله عليه وسلم -] "الحق من ربك" كما أنها ترد مقرونة باسم الله (سورة طه، الآية 114 *؛ سورة الحج، الآية 6، 62.؛ سورة النور، الآية 25 سورة لقمان، الآية 30، وجاء فى هذه الآيات أنه "الملك الحق" و "هو الحق"). ¬

_ (*) الآيات التى بجوارها (*) كانت فى الأصل 85، 113، 61 وأثبتنا ما نراه صوابا. المحرر

هذه الصفات تصور الله كائنًا غنيًا بنفسه، أبديًا واسع القدرة والمعرفة، محيطًا بكل شيء وأنه الحق وحده. د - صلة الخالق بخلقه: يأتى بعد ذلك الكلام عن صلة الخالق بخلقه، لأنه لا موجود سوى الله وما خلق. فالله هو الخالق (سورة الحشر، الآية 24 وما بعدها)؛ البارئ سورة البقرة، الآية 54 *)، والمصور (سورة الحشر *، الآية 24)، والمبدئ والمعيد، وهذان الاسمان ليسا من الصفات التى فى القرآن ولكن معناهما كثيرًا، ما يرد فيه (سورة العنكبوت، الآية 19 *؛ سورة البروج، الآية 13)؛ والمحيى (سورة فصِّلت، الآية 39، وكثيرًا، ما يرد هذا المعنى فى القرآن)، والمميت (لم يستعمل هذا الاسم صفة فى القرآن ولكن معناه كثير الورود فيه، سورة الحجر، الآية 23)، والوارث، (سورة ألحجر، الآية 23 *)، والمحصى (لم يستعمل هذا الاسم صفة فى القرآن الكريم ولكن معناه كثير الورود فيه، انظر سورة يس، الآية 12 *؛ سورة النبأ، الآية 29)، والباعث (لم يستعمل هذا الاسم صفة فى القرآن ولكن معناه كثير الورود فيه)، والجامع (سورة آل عمران، الآية 9 *؛ سورة النساء، الآية 140 *)، والمقيت (سورة النساء، الآية 85 *)، والحافظ (سورة الطارق، الآية 4)، والملك (كثيرًا ما ترد هذه الصفة فى القرآن الكريم)، ومالك الملك (سورة آل عمران, الآية 26 *)، والوالى (سورة الرعد، الآية 45 *)، والمقتدر (سورة الكهف، الآية 45 *) وغيرها)، والجبَار (سورة الحشر، الآية 23) واستعملت هذه الكلمة فى تسعة مواضع أخرى صفة لذم بعض الرجال مقرونة بهذه الكلمات: عنيد، شقىً، عصىً، متكبر (انظر الصفة الأخيرة عند إطلاقها على الله). يتبين لنا من تلك الصفات أن الله هو الخالق المطلق المدبر الحاكم المهلك المعيد المحصى، وأنه لا قوة إلا قوته، ولا سلطان غير سلطانه. وهناك بعض ¬

_ (*) الآيات التى بجوارها (*) فى هذه الصفحة كانت أرقامها: 51، سورة النجم، 18، الثالثة 11، 7، 129، 87، 25، 43 وأثبتنا ما نراه صوابا. المحرر

العبارات التى تطلق على ذات الله المنزهة ولكنها تدل على الذم إذا أطلقت على الأفراد، إذ هم لا يشاطرونه صفة التنزه. والفه هو الرافع المعز المذل المانع النافع المؤخر المقدم القابض الباسط الضار. ومن الواضح أن هذه الأسماء الأخيرة لم ترد صفات فى القرآن ولكن مصادرها كثيرًا ما تقرن باسم الله. هـ - صلة الله بالإنسان: يأتى بعد ذلك الكلام عن الله وصلته بالإنسان. فالله هو الرحمن الرحيم، وهاتان الصفتان أكثر الصفات شيوعًا، وتردان فى بداية كل السور إلا واحدة. وكان محمدًا - صلى الله عليه وسلم - فى وقت ما يستعمل صفة "الرحمن" اسم علم مرادف لكلمة "الله". واعتبر أهل مكة ذلك من مبتكراته (انظر خبر صلح الحديبية وما جاء فيه من أن أهل مكة رفضوا الصيغة التى تضمنت الرحمن الرحيم، وتمسكوا بالصيغة المكية القديمة "باسمك اللهم"؛ انظر تفسير البيضاوى لسورة الفتح الآية 26؛ ابن هشام، طبعة فستنفلد، ج 1. ص 747). ويظهر أن محمدًا [- صلى الله عليه وسلم -] قد أخذ هذه الصيغة عن جنوبى بلاد العرب (¬1) (انظر بحث مورتمان وميلرَ Mordtmann Weiner Zeitschr. F. die فى & d. Muller Kunde d Morgeni , ج 10، ص 285 وما بعدها). على أن محمدًا [- صلى الله عليه وسلم -] لم يكن يريد من هذه العبارة صيغتها فحسب، بل كان يريد منها الإفصاح عن تلك الفكرة التى كانت من بين الأفكار التى شغلت باله أكثر من غيرها، والتى تمثل الإنسان بين يدى الله باديًا ¬

_ (¬1) الذى يفهم من كلام الكاتب أنه يريد أن البسملة كلها اقتبست فى ظنه من جنوبى الجزيرة، يعنى اليمن، وهذا خطأ ظاهر، ولا دليل عليه أصلا، وإنما الذى اوجب عنده شيئًا من الشبهة أنه رأى فى بعض النقول أن أهل اليمامة أطلقوا لفظ "رحمان" على المتنبى الكاذب مسيلمة، فقالوا "رحمان اليمامة" كما فى أول تفسير الكشاف وغيره من الكتب، ولكن هذه الشبهة ضعيفة جدًا، لأن مسيلمة إنما ادعى النبوة فى أواخر حياة النبى صلى الله عليه وسلم، فاراد أتباعه أن يعظموه بهذا الوصف غلوا فى الكفر، وقد أخذوا هم هذا الوصف عن القرآن، ولم يثبت سماع هذه الكلمة قبل ورودها فى القرآن. محمد حامد الفقى

فى حقيقته، مقرا بخطاياه، مجردا من كل حول وقوة. وهذه الفكرة تتمثل فى صفتى "الرحمن الرحيم" أكثر من غيرهما من الصفات. واشتق من الغفران ثلاث صفات تزداد الواحدة منها قوة على الأخرى هى الغافر، (سورة الأعراف، الآية 155 *؛ سورة غافر، الآية الثالثة) *، والغفور (وترد كثيرًا فى القرآن)، والغفار (سورة طه، الآية 82 * وغيرها). والله هو العَفُوُّ (سورة النساء، الآية 43 * وغيرها) " والحليم (ترد كثيرًا فى القرآن الكريم). والتَّواب (سورة البقرة، الآية 37 * وغيرها، وهذه الصفة تطلق على الانسان أيضًا)، والشكور (سورة الفرقان، الآية 62 * وغيرها، وتطلق هذه الصفة على الإنسان كذلك، ويقول المفسرون إنها عند ما يوصف بها الله يكون معناها أنه يجازى الناس على حمدهم له)؛ والصبور (وهذه الصفة لم ترد فى القرآن ولكن معناها ورد فيه كثيرًا). وهناك صفتان من صفات الأفعال أيضًا هما الرءوف (سورة البقرة، الآية 143 * وغيرها)، والودود (سورة هود، الآية 90 *؛ سورة البروج، الآية 14). ومن صفاته أيضًا الرقيب (سورة النساء، الآية الأولى وغيرها)، والحسيب (سورة النساء، الآية 86 *؛ سورة الأحزاب، الآية 39). والشهيد (ترد كثيرًا فى القرآن). ويتصف الله كذلك باعتبار صلته بالانسان بأنه المؤمن. (وعند ما تطلق على الانسان يكون معناها "المصدق") والمهيمن (سورة الحشر، الآية 23)، والهادى (ترد كثيرًا فى القرآن الكريم) والوكيل (ترد كثيرًا فى القرآن الكريم)، والولى (ترد كثيرًا فى القرآن الكريم). وهذه الصفة الأخيرة تطلق كذلك على الانسان، وهى أساس الاعتقاد فى الأولياء فى الإسلام. وهذا الاسم الأخير معناه الحرفى: القريب أو الرفيق أو الصاحب وعلى ذلك يكون معناه السيد أو المولى. ¬

_ (*) الآيات التى بجوارها (*) كانت أرقامها فى الأصل 154، الثانية، 84، 46، 35، 27، 138، 92، 88 وأثبتنا ما نراه صوابا. المحرر

ومن الأولياء تتألف طبقة خاصة كما يستدل على ذلك من الآية 10 سورة يونس وفى الآية 62 * * {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}. فالله هو المنتقم، (/ ترد هذه الكلمة صفة فى القرآن؛ انظر سورة المائدة، الآية 95 *)، والفتّاح (سورة سبأ، الآية 26 *، ويرد معناها فى صيغ أخرى) ومعناها الحاكم بين الخلق، المميز بين الحق والباطل، ويقصد بها أيضًا الذى يفتح باب الرزق والظفر. وكل ما يصيب الناس إنما يصيبهم من الله لأن كل شيء فى قبضته، فهو الوهّاب (سورة آل عمران، الآية 8 *) الرزاق (سورة "الذاريات، الآية 58، وكلمة الرزّاق / ترد إلا فى هذه الآية فقط، ولكن فكرة افتقار العباد فى الرزق إلى الله ترد كثيرًا فى القرآن الكريم)؛ والمجيب (سورة هود، الآية 61 *) وفكرة الضراعة والدعاء ترد كثيرًا فى القرآن الكريم؛ والمعطى، والمغنى (وقد فسرت تفسيرًا متأخرًا بمعنى الذى يبسط الرزق)، ولسنا نجد هاتين الصفتين فى القرآن، ولكن معناهما يرد واضحًا فيه (انظر سورة طه، الآية 50 *؛ وسورة النساء الآية 130 *). و- صلة الإنسان بالله: يبدو مما تقدم أن صلة العبد بالله صلة افتقار، فهو محتاج إلى عفوه وحلمه. والله هو الرقيب على العبد، الحسيب عليه. ولكنه أيضًا هو المهيمن على العباد يعينهم ويهديهم. فهو مصدر الرزق بأوسع معانيه، وهو يفعل كل شيء دون واسطة ولهذا وصف بهذه الصفات. وإرادة الله علة كل ما فى الوجود، "يضل من يشاء ويهدى من يشاء" سورة النحل، الآية 93 *؛ سورة فاطر الآية 8، سورة المدثر، الآية 31 *). وكل ما يستطيعه الإنسان هو أن يرجو الله أن يهديه سواء السبيل، وأن يخافه، ويسلم أمره إليه، ويسأله) لا يجعله من الذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم وكانوا فى الآخرة من الخاسرين (سورة الحشر، الآية 19.). ¬

_ (*) الآيات التى بجوارها (*) 96، 25، 6، 64، 52، 129، 95، 34 وتم ضبطها فيما تراه صوابًا. (* *). أضيف رقم الآية لاقترانها بالنص. المحرر

وكان محمد [- صلى الله عليه وسلم -] يعبّر عن كل أمر كما كان يراه فى وقته، وكما كان يقتضيه الحال. فالله تارة رءوف ودود صبور (انظر ما سبق). وتارة يقول: "وما خلقت الجن والأنس إلا ليعبدون. ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون. إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين" (سورة الذاريات، الآيات 56 - 58). والله هو المتكبر الجبار وهو النافع الضار: {مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ}، (سورة الأعراف، الآية 178 *). وربما لا تكون الصفات التى ذكرناها متناقضة، ولكن ورود كل منها على حدة وتوكيد فكرة الطبع كان له أثر كبير فى تطور العقيدة الإسلامية فيما بعد. كان محمدًا [- صلى الله عليه وسلم -] إذن يؤمن بالله إلى درجة بعيدة. وكان هذا الإيمان محور الدين الذى يدعو إليه. على أنه ربما كان من الأصوب أن نقول إنه كان يفنى فى الله. وقال دون تردد أن الله كان ولم يكن شيء قبله وسيوجد وقت لا يوجد فيه أيضًا غير الله. واذا كانت هذه الفكرة قد وضعت فى أسلوب مبين، فمن الراجح أنه كان يقبلها لأنها تعلى الله فوق خليقته. وفى الحق أن بعض أقوال محمد قد عبرت فى قوة عن وجود الله وجودًا مطلقًا، حتى إنها كانت كافية لتحديد وتفسير التطور الذى أخذ به المسلمون القائلون بوحدة الوجود فيما بعد. وهذا يبدو لنا بصفة خاصة فى عبارة "وجه الله"، التى أثرت فيه تأثيرًا، عميقًا. وكلمة "وجه" التى يرد ذكرها كثيرًا فى القرآن الكريم معناها "نفس، أو ذات" إذا أطلقت على الإنسان (انظر سورة البقرة، الآية 115 *؛ سورة آل عمران، الآية. 20 * سورة النساء، الآية 125 *؛ سورة الأنعام، الآية 79؛ سورة يونس، الآية 105؛ سورة الروم، الآيتين 30 * و 43 *؛ سورة لقمان، الآية 22 *؛ سورة الزمر، الآية 24 *؛ وربما كان هذا هو أصل استعمال هذه الكلمة فى هذا المعنى). أما إذا أطلق لفظ "الوجه: على الله فإن الاستعارة الأصلية تزداد قوة ووقعًا، ولو أن معناها هو من غير شك، "ذات الله". ¬

_ (*) الآيات التى بجوارها (*) كانت أرقامها فى الأصل 177، 106، 18، 124، 76، 29، 42، 21، 25، وتم ضبطها فيما أثبتناه. المحرر

والناس يعملون مدفوعين بإرادة وجه الله، (انظر سورة البقرة، الآية 272 *؛ سورة الرعد، الآية 22؛ سورة الليل، الآية 20) فهم يريدون وجهه (سورة الأنعام، الآية 52 *؛ سورة الكهف، الآية 28 *، سورة الروم، الآيتين 38 * و 39 *؛ ويعملون له (سورة الإنسان، الآية 9)؛ {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ}، (سورة البقرة، الآية 115 *)؛ و {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} (سورة القصص، الآية 88). و {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ}، (سورة الرحمن، الآية 26 و 27 * (ولو أبدلنا فى هذه الآيات كلها كلمة "وجه" بكلمة "ذات" ما تغير المعنى. ولكن محمدًا [- صلى الله عليه وسلم -] كان يدرك من غير شك ما فى عبارة "وجه الله" من قوة وجمال. وقد أقام الصوفية فيما بعد أساس نظرياتهم على هذه العبارة. أما المفسرون فقسموا الموجود إلى ممكن وواجب، وقالوا إن الكائنات كلها ممكنة الوجود، أما الله فهو وحده "واجب الوجود"؛ وعلى هذا يمكن أن تطلق صفة العدم على الكائنات، لأن قبولها للفساد يجعل مصيرها إليه. ترك محمد [- صلى الله عليه وسلم -] إذن حل هذه المسألة للمسلمين من بعده. وكان عليهم أن يوفقوا بين ذات الله العظيمة ووجوده المنفصل عن الكون انفصالا متميزًا، وبين صنعه المباشر الذى فسروه تفسيرًا يقرب كثيرًا من نظرية الصدور. وزاد المسألة تعقيدًا بعض آيات القرآن الكريم التى جعلتهم يعتقدون أن ما سوى الله عدم بالضرورة. ويمكننا أن نقول هنا اجمالًا إن علماء الكلام فى القرون الوسطى أخذوا بفكرة "الذات" وميزوا الله عن مخلوقاته إلى حد أنه أصبح من العسير عليهم أن يفسروا كيف يمكن الله أن يؤثر فى الكون. وبعملهم هذا ارتقوا بعقيدتى "التنزيه" و"المخالفة" أى أنهم نزهوا الله عن جميع الصفات القابلة للتغير، وأثبتوا لصفاته أنها تخالف بالضرورة نفس هذه الصفات إذا أطلقت على البشر. وعلى عكس هذا ¬

_ (*) الآيات التى بجوارها (*) تم ضبطها فيما نراه صوابا وكانت فى الأصل 274، 27، 27، 38، 109، 26. المحرر

نجد أن تاريخ التصوف عبارة عن فناء الكون تدريجًا فى الله، حتى يمكن القول بأن الله هو الكل ... وقد ورد فى القرآن الكريم رأيين متقابلين عن فعل الله أوردهما فى بساطة عظيمة: أحدهما يجعل إرادة الله متصرفة فى أفعال العباد، والآخر يجعل للإنسان قسطًا من الاختيار. ثم جعلت الأحاديث صفات الله أكثر وضوحًا، وفصلت الكلام فى صلته بالملائكة والجن، نجد هذا كثيرًا فى صحيح البخارى وبخاصة فى كتاب التوحيد وبدء الخلق. ونجد فيه كذلك الكلام عن وجه الله وعن عرشه وعن خلق السموات والأرض. وجاء فيه أيضًا أن الله يتنزل إلى السماء الدنيا فيقول: "من يدعونى فاستجيب له؛ من يستغفرنى فاغفر له؟ (¬1) " (كتاب التوحيد: صحيح البخارى، طبعة القاهرة , 1312 هـ، ج 4، ص 179). وترد كذلك قصة آخر من يدخل الجنّة من أهل النار، إنفس المصدر، ج 4، ص 172، 173) (¬2) وفى الآخرة، يمسك الله الأرض على إصبع، والسموات على إصبع، ثم يقول: "أنا الملك، أين ملوك الأرض؟ " إنفس المصدر، ج 4، 167 و 181 (¬3). ثم يضع قدمه فى النار ليفسح فيها مكانًا. إنفس المصدر، ج 4، ص 167 - 175) (¬4). وورد الكلام عن عينه فى القرآن الكريم تارة بالمفرد وتارة بالجمع (سورة هود الآية 37، سورة طه الآية 39، سورة ¬

_ (¬1) حديث النزول: عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يتنزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين ييقى ثلث الليل الآخر فيقول: "من يدعونى فأستجيب له؛ من يسألنى لأعطيه؟ : من يستغفرنى فأغفر له؟ ". (¬2) عن أبى هريرة: أن الناس قالوا: يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؛ ..... ويبقى رجل مقبل بوجهه على النار، هو آخر أهل النار دخولًا الجنّة، فيقول: أى ربى، أصرف وجهى عن النار ... فلا يزال يدعو حتى يضحك الله منه، فإذا ضحك منه قال له أدخل الجنّة. (¬3) عن عبد الله: أن يهوديًّا جاء إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد، إن الله يمسك السموات على إصبع، والأرضين على إصبع، والجبال على إصبع، والشجر على إصبع، والخلائق على إصبع، ثم يقول: أنا الملك. فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه. ثم قرأ {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ}. وعن أبي هريرة، عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "يقبض الله الأرض يوم القيامة ويطوى السماء بيمينه ثم يقول: أنا الملك، أين ملوك الأرض؟ ". اللجنة (¬4) عن أنس، عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "لا يزال يلقى فيها تقول هل من مزيد حتى يضع فيها رب العالمين قدمه، فينزوى بعضها إلى بعض ثم تقول: قد قد لعزتك وكرمك".

المؤمنون الآية 27، سورة الطور الآية 48، سورة القمر الآية 14) *. وجاء فى الحديث أنه ليس باعور كالمسيح الدجال (¬1). ز - مذاهب المسلمين فى ذات الله: كان لمذهج "التوحيد" المكان الأكبر فى النظر الكلامى عند المسلمين، وقد نشأ هذا من أن الذات الإلهية كانت محور الدين الذى جاء به محمد [- صلى الله عليه وسلم -]، كما نشأ أيضًا من المؤثرات التى أثرت فى تطور هذا الدين من بعد، ولا سيما المباحث الإلهية عند اليونان بما فيها من عناية بذات الله، على الخلاف من الكنيسة اللاتينية التى كانت مسألة الخطيئة أكبر مسائلها، وعلى الخلاف من مذاهب المصلحين واتجاهها إلى البحث فى الكتب المقدسة. وكذلك أقوال محمد [- صلى الله عليه وسلم -] كان لها أثر فى تكييف المناظرات التى جاءت فيما بعد. ونظرا لضعف التمكن فى النظر العقلى، والاقتصار فيه على جانب واحد لم يستطع المتكلمون أن يستخلصوا من ذلك إلا مذهبًا فى ذات الله يقوم على التشبيه الخالص، أو على وحدة الوجود الحقيقية، أو على العقل الصرف الذى لا يجعل لغيره مجالًا. وبيّن أنه يستحيل علينا تتبع هذا التطور فى ذاته فى مقال كهذا، وكل ما نستطيع هو أن نذكر مختلف المذاهب والمؤثرات التى تأثرت بها، والنتائج التى وصلت إليها. وإنى أشير على من أراد الأسهاب والوقوف فى دقة أكبر على العلاقات التاريخية أن يرجع إلى كتابى Development of Moslem Theolc . etc ص 119 - 287. ويظهر أن الفتن التى حدثت فى الإسلام كانت أول ما حفز الناس إلى رفع التعارض البيّن. فقد اضطروا إلى أن يسألوا أنفسهم: من هو المسلم على الحقيقة؛ وما هو الإيمان؛ وما هو الاعتقاد الذى ينبغى أن يعتقد فى الله؛ وتسأءلوا أيضًا عن مسئولية الإنسان [عن أفعاله] وعن إرادة الله التى هى ¬

_ (*) كان فى الأصل سورة الفرقان الآية 40 وتم ضبط السياق فيما أثبتناه بين القوسين من المصحف الشريف طبعة الأزهر. المحرر (¬1) عن عبد الله، قال: ذكر الدجال عند النبى - صلى الله عليه وسلم - فقال "إن الله لا يخفى عليكم، أن الله ليس بأعور وأشار بيده إلى عينه، وأن المسيح الدجال أعور العين اليمنى كان عينه عنبة صافية". اللجنة

فوق كل شئ؟ وطبيعى، أن قومًا ذهبوا إلى البراءة من كل من يخالفهم حتى فى أقل الفروع. على حين أن الظروف السياسية حدت بغيرهم إلى الاكتفاء بالظاهر، تاركين ما وراء ذلك لله الذى يعلم وحده ما تخفى القلوب، وكذلك نشأت المرجئة تقول بإرجاء مثل ذلك المسائل إلى اليوم الآخر. أما فى مسألة الاختيار فقد ظهر المتطرفون إلى جانب من أرادوا التوسط والقصد فى الأمر، وكانت الأحزاب السياسية المتخاصمة يتسع صدرها لما يقولون أو يضيق به، فنشأت القدرية والجبرية. وكان إلى جانب هذا أيضًا، ينشأ اعتقاد - وإن لم يسمّ باسم - بأن الكلام صفة واجبة لله. على أنه ينبغى ألا نخلط بين صفة الكلام والقول بالتجسد فى الكلمة، وعلى كل حال فإن الأمر يحتاج إلى تحديد دقيق. ومؤثر آخر هو الفلسفة اليونانية: كان المشتغلون بها من المسلمين يريدون الوصول إلى العلل الأولى للأشياء، وقد نهجوا طريق الفلسفة ووصلوا إلى الكلام فى ذات الله. وكان يتحتم عليهم أن يحافظوا على التوحيد من الوجهتين الفلسفية والدينية، ولكن فى سبيل الإبقاء عليه آلت الذات الإلهية شيئًا فشيئًا إلى، مر مجرد، لا يمكن حده، فمثلا كان محمد [- صلى الله عليه وسلم -] يقول إن الله "عالم"، فيجب أن تكون له صفة العلم، ولكن بم يتعلق العلم؟ أبشئ فى ذات الله، أم بشئ غير ذاته؟ إن كانت الأولى ففى ذاته تعدد، وإن كانت الثانية فعلمه متعلق بشئ غير ذاته، فلا يكون علما واجبًا، فلا يكون مالك الصفة واجب الوجود. وبيّن أن إثبات الوحدانية لله، وقيامه بذاته ينافى وصفه بصفات الإيجاب. وفى هذا التطور تظهر ثلاثة اتجاهات وتبقى دائمًا، فهناك النقل: أى قبول العقائد لأنها اتبعت ثم لقنت من قبل، وأصحاب النقل يسمون "أهل الحديث" فهم يأخذون بالأدلة السمعية المستمدة من الكتاب والسنة والإجماع. وعندهم أن العقل لا يجوز أن يرجع إليه لا فى النقد ولا فى التأويل. بل أوجبوا الإيمان بما بلغهم كما هو، فمثلًا يقرءون فى القرآن الكريم {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ

اسْتَوَى} (سورة طه، آية 5 *) فيقولون إن الإيمان بذلك واجب كما هو من غير خوض فى معناه، ولا سؤال عن كيفيته، ولا تشبيه لاستواء الله باستواء الإنسان. وقد نشأ من هذا عبارتهم المشهورة "بلا كيف ولا تشبيه". وقد ظهر اتجاهان: أحدهما لجمهور المسلمين، والثانى لجماعة أكثر منهم تشددًا فى الأخذ بالمنهج المنطقى، وهنا ظهر القول "بالمخالفة": كل ما هو لله فهو مخالف لما للإنسان، ولا يجوز أن نظنه مثله، ويسمى هذا أيضًا "بالتنزيه" أى تنزيه الله عن صفات المخلوقين.، وقد وقفت هذه الفكرة عند حد كان يمكن بعده أن تصبح فكرة تامة عن الله. هو مخالف للمخلوقات. نعم. ولكن الله يجب أن يكون بحيث نستطيع أن نعقله. وليس ما نعقله عن ذاته من هذه الأسماء والعبارات خطأ بالضرورة. لا نعرف من صفاته ما هو، بل شيئًا قريبًا من ذلك. غير أن آخرين ذهبوا إلى أبعد من هذا فقالوا: بل لا نستطيع من هذه العبارات أن نحصّل فكرة عن ذات الله، فذاته سرّ لا يعرف أبدًا، ولا نظن أن الأسماء تعطينا شيئًا عنه. يقول القرآن الكريم إن الله {أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} (سورة الأعراف الآية 151 *: سورة يوسف الآية 64، 92؛ سورة الأنبياء الآية 83). ولكن هذا لا يدل على أن صفة الرحمة التى يتصف بها الله، تشبه صفة الرحمة التى يتصف بها الإنسان بأى وجه من الوجوه. وما نراه فى الكون يبطل هذا التشابه. سمى الله نفسه بهذا الاسم، أما ما يدل عليه الاسم فهو أمر لا نقدر على معرفته، ولا يسوغ لنا الخوض فيه. على أنه كانت توجد خلافات كثيرة أقل من ذلك شأنًا تتراوح بين مجرد الحث على التمسك بعقيدة السلف دون غلو فى البحث فى ذات الله، وبين رأى القائلين بأن واجب الوجود لا يمكن أن يعرف. غير أن هذا المنزع الأخير لم يؤد عند المسلمين إلى موقف اللاأدريين، بل أدى إلى الاعتماد على حجية رأى السلف. ¬

_ (*) جاء رقم الآيتين اللتين بجوار كل منهما 4، 150. المحرر

ويظهر أن المسلمين فى هذا العصر يغلب عليهم الميل إلى الرأى الأخير. على أنه إذا كانت أراء المتكلمين الأولين تُقيل لقدمها وإلف الناس لها فإن علم الكلام النظرى يميل اليوم إلى التنزيه شيئًا فشيئًا. أما النزعة الثانية فهى النزعة العقلية: يسلم المتكلمون جميعًا بضرورة الرجوع إلى العقل، غير أنهم يختلفون فى كونه حجة صحيحة فيما يتعلق بأحكام العقائد. وقال المعتزلة صراحة بتحكيم العقل فى النظر المدينى، وأنشأوا مذهبهم الكلامى مستندين إلى العقل، وقد رأينا أنهم فى كلامهم عن ذات الله تغالوا فى نفى الصفات لأنها تفضى إلى نفى التوحيد، وأقل ما ذهبوا إليه فى نفيها هو أن الصفات هى نفس الذات لا أنها فى الذات، غير أنهم كانوا أميل إلى إنكارها جملة، وإلى القول بأن الله ذات مجردة يصعب تعقلها. هذا إلى أنهم أنكروا القضاء السابق لأنه مناف للعدل. وكان إنكارهم لرؤية الله فى دار القرار من آثار غيرتهم على تنزيهه. فالأصول الثلاثة: العدل والتوحيد والتنزيه هى أصول مذهبهم بالإجمال، أسسوها ودافعوا عنها بالطريقة الكلامية، وكان اصطناعهم لهذه الطريقة مما دفع أهل الحديث فيما بعد إلى اتخاذ نفس وسائلهم. على أن مذهبهم الكلامى كان مجرد دفاع عن العقائد لأنها كانت قد وضعت وسلم بها الناس. ولكن هذا لم يمنع من محاولتهم بناء العقائد من جديد، غير أنهم لم يفلحوا إلا فى صوغها فى صورة جديدة. ولم يقبل أهل السنّة طريقة المتكلمين قبولًا تامًّا إلا فى أوائل القرن الرابع الهجرى، وخصوصًا على يد الأشعرى. وبعد ذلك وضع علم الكلام الذى يوفق بين الدين والعقل، ولم ينكره إلا المتطرفون من أهل الحديث. ومذهب الأشعرى فى صورته النهائية لم يحد قيد شعرة عن مذهب أهل السُّنة، فلم يخرج عن العبارة المشهورة "بلا كيف ولا تشبيه". والشطر الأول من هذه العبارة موجه ضد المعتزلة، والثانى

ضد مذهب التجسيم، أما فى مسألة الاختيار، فإنه نهج طريقًا وسطًا، وقال بمذهب لا يزال مشكلة إلى اليوم، ويقوم هذا المذهب على أن للمخلوق قدرة على اكتساب أفعاله بحيث تجعلها له، وإن كان الذى يخلقها فى الحقيقة هو الله. واتّبع أصحاب الأشعرى مذهبه فى العقيدة من غير أن يحيدوا عنه أنملة، ولكنهم فصَلوا آراءه فى المسائل الإلهية حتى جعلوها مذهبًا كاملًا أخذ صيغته الأخيرة على يد الباقلانى المتوفى عام 403 هـ (1012 - 1013 م)، فيما يتعلق بذات الله وبالعالم وعلاقة أحدهما بالآخر. ويمكن تصورها على هذا النحو (انظر Develop-: Macdonald ment of Muslim Theology ص 201 وما بعدها). عرّف الباقلانى العلم بأنه معرفة الشيء على ما هو عليه فى ذاته ... وأكد الإسلام عجز العقل عن إدراك ذات الله، لأن الإنسان عاجز عن معرفتها بما أوتى من قدرة، فيجب علينا أن نقبل ما جاءنا من عند الله ونؤمن به. نصل الآن إلى النزعة الثالثة وهى طريق الكشف أو التصوف: لا تكون معرفتنا لله يقينية كاملة إلا إذا كان أساسها الروح، لذلك ذهب المسلمون إلى أن روح الإنسان تستطيع أن تصل إلى الله وتعرفه من غير واسطة، وهذه القدرة فى الروح أمر مكمل لما جاء للناس على ألسنة الأنبياء. ظهرت نزعة التصوف عند المسلمين من أول أيام الإسلام، ولا تزال باقية إلى اليوم، وكانت تظهر بدرجات وصور تتفاوت من مجرد التعبد إلى أعلى مرتبة فى الغيبة عن الخلق، والفناء فى الله، وإلى القول بوحدة الوجود. وكانت هذه النزعة الصوفية فى القرون الأولى للإسلام عامة بين المسلمين يذهب إليها كل منهم على حدة، ويجاهر بتأييدها كثيرون من فحول المتكلمين، وتؤدى بين حين وآخر إلى آراء تغلو فى القول بوحدة الوجود، حتى لقد أنكرها بعض كبار

العلماء بسبب مثل هذه الزلات، ولكنها ظلت هن غيرأن تندمج فى جملة العقائد الإسلامية، وكانت تختلف فى مظهرها بين الزهد والنظر العقلى. وكانت غايتها معرفة الله بطريق العبادات أو اتباع أهل التصوف مستعينة على ذلك بالتأثير فى نفس المريد أو بالايحاء الذاتى أو غيرهما. وكانت المهمة التى نهض لها الغزالى (المتوفي عام 505 - هـ (1111 - 1112) أن أقام بناء مذهب صوفى لطف فيه هن القول بوحدة الوجود أو هو قضى عليه قضاء تامًّا. وجعل كشف أهل التصوف مصدرًا من مصادر علم الكلام الإسلامى إلى جانب النقل والعقل. استخدم الغزالى العقل فى نقد العقل، وفى البرهنة على أن الانسان لا يستطيع أن يصل بالعقل إلى صريح الحق، واستخدم النقل فى تهذيب خيال أهل التصوف وفى القبض على عنانه، وبنى مذهبه الكلامى على مشاهدات المؤمن لنفسه بعد تهذيب هذه المشاهدات وإصلاحها على هذا النحو الذى بيناه. غير أنه فيما يتعلق بذات الله اتبع رأى محمدًا [- صلى الله عليه وسلم -] ولم يحد عنه شيئًا. والله عند الغزالى إرادة، وكان يشاهد فعل الله ويلمسه فى كل ما حوله من أشياء. وقد يكون الغزالى صاحب مذهب فى علم النفس أساسه: أنا أريد فأنا موجود. نفخ الله فى الانسان من روحه (سورة الحجر، آية 29؛ سورة ص، آية 72) والنفس الإنسانية تخالف كل شئ فى هذا الكون لأنها جوهر روحانى؛ هى مخلوقة، ولكنها ليس لها صورة وليس لها حجم ولا مكان، وهى فى هذه القطيعة على الأرض تصبو إلى العالم الإلهى، ولذلك تشتاق نفوسنا إلى الله. ورغم ما فى هذه الآراء من نفى المخالفة بين الخالق والمخلوق، فلا شك أنها قريبة جدًّا من رأى محمدًا [- صلى الله عليه وسلم -] ولذلك صار الغزالى عند جمهور المسلمين، ولا يزال إلى اليوم أعظم الفقهاء، ومقامه عند المسلمين مثل مقام القديس أوغسطين أو القديس توماس

الأكوينى عند المسيحيين، وإذا ما خالفه أحد متكلمى الإسلام اليوم، فإنه يؤثر أن يصف الرأى الذى يرفضه بأنه فهم خافى لرأى الغزالى الحقيقى، ولذلك يدرس المسلمون كتابه "إحياء علوم الدين" بشغف عظيم إلى جانب مذاهب أهل الحديث الراسخة. ولما كانت النزعات الثلاث تتمثل جميعًا فى مذهب الغزالى، ولما كان جميع المسلمين اليوم -ما عدا المتطرفين- يأخذون بما يقوله الغزالى فى أمر العقائد الإسلامية ويقدرونه تقديرًا كبيرًا، فيحسن أن نرجع إلى الرسالة القدسية التى كتبها فى بيت المقدس وأدمجت فى كتاب الإحياء بعد ذلك (ج 2، ص 86 وما بعدها من طبعة القاهرة): تبيّن هذه الرسالة مذهب جمهور المسلمين فى ذات الله بيانًا حسنا ومن أسف أنها لم تترجم وأن المقام لا يسمح بذكر ترجمتها. وكل ما نستطيعه هو أن نشير إلى تحليل واف لها فى Algayel: Asin Palacios سرقسطه، سنة 1901، ج 1، ص 233 - 283 وإلى تحليل قصير لها فى كتاب الأستاذ كارًا دى فو Carra de Vaux عن الغزالى، باريس، 1902 ص 97 وما بعدها، وأشير أيضًا -فيما يتعلق بترجمة كثير من عقائد المسلمين الأخرى- إلى كتابى Development of Muslim Theology ص 293 - 351. والعقائد الإسلامية -كما تقررها الرسالة القدسية - تصطبغ بصبغ ثلاث خاصة، غير أن الماتريدى المتوفى 333 هـ (935 م) وهو معاصر قريب للأشعرى أسس فرقة لا تزال تعاليمها موجودة، وهم يعدون من أهل السنة, اتبعوا رأى أبي حذيفة (المتوفى 150 هـ = 767 م). ولذلك يسمون الحنفية غالبًا، ومعظمهم من الترك. وتجد فى كتابنا المتقدم الذكر ص 308 وما بعدها عقيدة أصحاب الماتريدى بتمامها كما تجدها فى العقائد النسفية. ونستطيع أن نلخص ما جاء فيها خاصًا بذات الله كما يلى: 1 - أضاف الماتريدى إلى صفات الله الأزلية صفة "التكوين". ومن الصفات الدالة عليها الخلق والإحياء والرزق والإماتة، وتسمى هذه الصفات

الأفعال، وهى حادثة عند الأشعرية ولكنها قديمة عند الماتريدى لأنها مثل صفة التكوين. وفى هذا محاولة ظاهرة لإيجاد علاقة بين الله الذى لا يتغير وبين العالم المتغير. 1 - كان الأشعرى يقول بالاكتساب وهو لا يعدو شرحا لكيفية الاختيار فى الإنسان، أعنى أن الله يخلق فى الإنسان شعورًا بأنه مختار، ولكن الماتريدى أبدل الاكتساب بالاختيار، وقال إن الإنسان يثاب ويعاقب على أفعاله الاختيارية ثم هو يترك المسألة عند هذا الحد. 3 - ولكن الأفعال كلها رغم هذا تكون بإدارة الله، غير أن الله إنما يرضى عن الخير دون الشر. 4 - إذا كلف الله عباده شيئًا أعطاهم القدرة عليه، وهذا هو أساس التكليف. 5 - صفات الله ثابتة لا تتغير، والتغير إنما يحصل فى المخلوقات فتنعم وتشقى والعكس. وهذا التغير هو فى نعيم المخلوقات وشقائها وليس تغيرًا فى إرادة الله. وهذا يتضمن القول بأن الله لا يتغير وأن العالم يتغير. 6 - وقد لاحظ أحد أصحاب الماتريدى أنه ليس فى مذهب الأشاعرة ما يمنع عقلا من خلود المؤمنين فى النار أو خلود الكافرين فى الجنّة، وهو خلاف ما يروى عن الأشاعرة. فعلى حين أن المعتزلة أوجبوا على الله أن يثيب العباد ويعاقبهم بالعدل، فإن أصحاب الماتريدى قالوا فقط إن الله يتنزه عن الجور لأن الجور لا يليق بحكمته. ولا نجد ما يدعونا إلى أن نذكر من الفروق بين رأى الغزالى وبين آراء المعتزلة فوق ما ذكرنا، والغزالى فى رسالته يهاجمهم بنوع خاص، ويدحض قولهم بنفى الصفات وما أوجبوا على الله من فعل الأصلح لعباده، ومن نفى الكلام عنه، ونفى رؤيته فى دار القرار. أما أدلة الغزالى على أن العالم مخلوق فهى موجهة للفلاسفة الأرسططاليسيين الأفلاطونيين الذين قالوا بقدم العالم، على أن الغزالى نفسه لم يكن يذهب إلى أن هذه الأدلة كافية، لأنه إنما عرف أن العالم مخلوق لأنه أدرك الخالق من طريق الذوق إدراكًا روحيًا من غير

واسطة، وليرجع القارئ إلى وصف الغزالى لأطوار حياته الدينية وما أحس به فى كل طور فى كتابه "المنقذ من الضلال". وهو فى رده على المشبهة أكثر هوادة، ولكنه يعجب من حكمة الله الخفية فى ترك بعض مخلوقاته فى حجب الجهالة، بحيث لا يستطيعون أن يدركوا الفرق بين التقدم النسبى والمطلق (فصل فى كلام الله). وهو كثيرًا ما يوجه إليهم النقد المر لإصرارهم على الخطأ فى استعمال الألفاظ، وإن كانت عقائدهم سليمة من الخطأ، فمثلًا يستعمل الكّرامية لفظ جوهر بالإضافة إلى الله ظانين أن الجوهر "موجود لا فى مكان" ولكنه "موجود فى ذاته"، والحنابلة والكرامية جميعًا استعملوا لفظ الجسم بالإضافة إلى الله بمعنى شئ "موجود" أو "موجود فى ذاته"، وعامة المجسَّمة ذهبوا إلى القول بأن لله جهة، وهو تفسيرهم لمعنى استوائه على العرش، غير أن الغزالى يقرر أخيرًا (أصل 1 أصل 6) تقريرًا لا يحتمل الشك أن الخالق منزه عن صفات المخلوقين. ويصعب أن نوفق بين هذا وبين الأجزاء الأخيرة من كتابه، عند بيانه للأساس الصوفى الذى تقوم عليه العقائد، ثم بينه وبين تفسير الغزالى للآية التى تنص على أن الله نفخ فى الإنسان من روحه (سورة الحجر، آية 29 وسورة ص، آية 72)، وتفسيره لحديث إن الله خلق آدم على صورته (انظر الإشارة المتقدمة لكتاب المضنون الصغير ص 2 وما بعدها). غير أن الغزالى فى الكتاب نفسه يثير هذه المسألة: قد يقول قائل: أليست مثل هذه الآراء فى نفس الإنسان مما ينفى مخالفة الله للحوادث ويؤدى إلى التشبيه؛ يجيب الغزالى عن هذا إنفس المصدر، ص 9) بأن التشبيه إنما يتعلق بأخص وصف الله، مثل كونه قيومًا فهذه صفة ذاتية له، أما ما عدا هذا فهو لله ولكنه ليس صفة ذاتية، وليس هذا فحسب، بل إن الأشياء ليس لها من ذاتها إلا العدم، أما وجودها فمكتسب من غيرها. أما وجود الله فهو واجب غير مستفاد، والقيومية لله وحده. وهذا

هو المعنى الباطن للنهى عن التشبيه، هو ينهى عن التشبيه المادى ولكنه أفسح مجالًا للتأويلات الصوفية. والغزالى فى كتاب آخر له (إلجام العوام عن علم الكلام، ص 47 وما بعدها) يبين ما للتنزيه فى وصف الله من خطر يؤدى بالعامة إلى الإلحاد، وما فى استعمال الألفاظ المشتركة وضروب التمثيل من خطر يجرهم إلى التشبيه. وخطر التنزيه عنده أكبر، وهو يوصى أن يخاطب الناس بلغة وبأمثلة يستطيعون أن يفهموها. فلابد من الاقتصاد فى التعليم، وليس معنى هذا أنه يجب أن يعلموا شيئًا على غير حقيقته، بل توجد مسائل لا يحسن الخوض فيها معهم. ولم يكن للغزالى -كمتصوف- بدّ من أن يكمل هذا المذهب، فوضع له ما يحتاج من أسس فى الفصول التالية من كتابه، وخصوصًا فى كلامه عن أسرار القلب، هو يبين كيف يرى الله ويعرفه بالقلب. جاء فى الحديث أن من عرف نفسه فقد عرف ربه، وهذا هو الأساس الذى تقوم عليه حياة التصوف؛ ولكنا هنا ننتقل من علم الكلام إلى الدين ومن القول فى ذات الله إلى التحليل النفسى للعقائد، وأشير على القاريء بأن يرجع إلى محاضراتى عن ; The religious attitude and life in Islam ما العقيدة ذاتها فنستطيع أن نقول بالإجمال إنها لم تتغير حتى الآن. بيان عقيدة كل مسلم اليوم تجمع مختلف المذاهب من تنزيه وتشبيه وفناء صوفى على نسب متفاوتة. المصادر: انظر إلى جانب المصادر المذكورة فى صلب المقال: (1) Gesch. d. Herrsch.: A.V. Kremer Jdeen des Islams لييسك سنة 1868. (2) De strijd. over het: M.Th. Houtsma al-Aseir Dogma in den Islam tot op al، ليدن سنة 1875 م. (3) Muhammedanische Stud-: Goldziher ien، هال سنة 1889 - 1890. (4) Zahiriten Die لييسك سنة 1884 م. (5) - Materialien zur Kenntniss der Al mohadenbewegung in Nordafri . ca - Deutsch. Morgent. Ge Zeitchr, d, sellsch. ج 41 ص 30 وما بعدها).

(6) haden (Zeitcher - Die Bekenntniess formeln der Alm -Deutsch. Morgnl. Ge .f sellsch جـ 44، ص 168 وما بعدها). (7) d'Ibn Toumert le livre" الجزائر سنة 1903 م. (8) Beitrage zur mu-: Krehl -hammedanischen Dogmatik sit d.KS.Ges.d Wiss zungsberichte ,hist-Classe. ج 37 ليبسك سنة 1885 م). (9) Beitrage zur Charakteristik der Leh- re vom Glauben im Islam. لييسك سنة 1877 م. (10) Kitab al-Qadr: A.de Vlieger، ليدن سنة 1903 م. (11) The Faith of Islam: Edward Sell . لندن سنة 1896. (12) Haarbrucker. Asch- TH Schahrastani's Religionspartheien and -Philosphen-Schulen unberstzt Und erk، Lart، هال سنة 1850 - 1851 م. (3) Mutaziliten: H.Steiner, ليبسك سنة 1865 م. (14) Th Mutazil: T.W.Arnold . لييسك سنة 1902 م. (15) Muhammad Iqbal The: Shaikh Development of Metaphysics in Persia, لندن سنة 1908 م. (16) Irdja: G.van Vloten(Zeitschr Morgenl Gesellsck ج 45، ص 181 وما بعدها (17) Zur Geschichte Abu-l'-: W.Spitta Masan al - Ashari's لييسك سنة. (18) - Zur Geschichte des: M.Schreiner Asharitenthuns (Actes du VIII Congr. In tern. d. Oriental ج 1، ص 77 وما بعدها، ليدن سنة 1891 م). (19) - Beitrage zur Geschichte der theo logischen Bewegungen `im Islam Gesellsch , . Deutsch Morgenl d Zeitschr ج 52، ص 463 وما بعدها: 513 وما بعدها، ج 53، ص 51 وما بعدها. (20) Grimme: - Teil Ein Mohammed,ll, in den Koran leitung مونستر سنة 1895. (21) Avicenne: de vaux .. وباريس سنة 19 ... (22) Moslem Doc-: S.M. Zweemer The trine of God إدنبرة سنة 1905. [ماكدونالد D.B.Macdonald]

تعليق على مادة "الله" (جل جلاله) (1) التحقيق، أن لفظ الجلالة جرى فى الدلالة على معناه مجرى الأعلام وكل ما ذكر فى اشتقاقه وتصريفه لا وجه له. (2) لقد تورط الكاتب فى هذا المقام تورطًا ألجأ إليه عدم وقوفه على مذاهب العرب ودياناتها فى الجاهلية واعتقاده أن أهل مكة خاصة كانوا على عقيدة واحدة عبر عنها بقوله "إنها أشبه بالعقيدة المسيحية التى جعلت للقديسين والملائكة مقامًا بين الله وعباده، وحقيقة الواقع أن أهل مكة -كبقية العرب- كانوا مختلفين فى الدين والعقدة، وقد تكفل القرآن الكريم ببيان عقائدهم المختلفة فى آيات متفرقة فتراءى للكاتب أن القرآن الكريم يعبر عن عقيدة واحدة، ومن ثم أخذ ينسب -بغير حق- لبعض الآيات التناقض والاضطراب. تتميمًا للفائدة نورد للقراء مذاهب العرب فى الجاهلية وبيان القرآن الكريم فيها: فطائفة منهم أنكروا الخالق -وهم الدهريون- وإليهم يشير قوله تعالى: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ ... }، وطائفة ثانية قالوا بالخالق وأنكروا البعث والنشور، وإليهم يشير قوله تعالى: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} إلى آخر الآية ... وطائفة ثالثة قالوا بالخالق وبالدار الآخرة وأنكروا الرسل وبعث الأجسام وإليهم يشير قوله تعالى: {وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا}، "أبشر يهدوننا؛ " وقوله جل شأنه: {أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ}. وهذه الطائفة تنقسم قسمين: ففريق منهم -وهم الذين يعتقدون بوجود الملائكة- يقولون: "لولا أنزل عليه ملك" الآية ... وفريق آخر -وهم الذين لا يعتقدون بوجود الملائكة - كانوا يعتقدون بالأصنام يعبدونها على أنها وسائل وشفعاء عند الله، وهم دهماء العرب. ولكل قبيلة أو بضع قبائل صنم خاص هو معبودهم الذى يلجئون إليه، وإليك بيان كل قبيلة والصنم الخاص بها:

كان (ود) لقبيلة كلب وهو بدومة الجندل، وكان (سواع) لقبيلة هذيل، وكان (يغوث) لقبيلة مذحج ولقبائل من اليمن، وكان (يعوق) لقبيلة همدان، وكان إنسر) لذى الكلاع بأرض حمير، وكانت (اللات) لثقيف بالطائف، وكانت (العزى) لقريش وجميع بنى كنانة وقوم من بنى سليم، وكانت (مناة) للأوس والخزرج وغسان، وكان لهم جميعا صنم هو أعظم أصنامهم يسمونه (هُبَل) وضعوه على ظهر الكعبة، وكان لبنى ملكان من كنانة صنم يقال له (سعد) وهو الذى قال فيه قائلهم: أتينا إلى سعد ليجمع شملنا ... فشتتنا سعد فلا نحن من سعد وهل سعد إلا صخرة بتنوفه ... من الأرض لا يدعو لغى ولا رشد هذا وقد كان من أهل مكة فى الجاهلية من يؤمن بالله واليوم الآخر وينتظر أن يبعث الله رسولًا للعباد، ومن هؤلاء عبد المطلب، كان يقول: والله أن وراء هذا الدار دارًا يجزى فيها المحسن بإحسانه والمسئ يعاقب بإساءته. ومنهم زيد بن عمرو بن نفيل؛ كان يسند ظهره إلى الكعبة ويقول: أيها الناس هلموا إلىّ فإنه لم يبق على دين إبراهيم أحد غيرى. ومنهم قس بن ساعدة؛ كان يقول: كلا ورب الكعبة ليعودن ماباد، ولئن ذهب ليعودن يومًا. ومنهم عامر بن الظرب؛ كان يقول: إنى أرى أمورًا شتى وحتى. قيل له: وما حتى؟ قال: حتى يرجع الميت حيًا ويعود اللاشئ شيئًا. ولذلك خلقت السموات والأرض. ثم إن من العرب من كان يهوديًّا، ومنهم من كان نصرانيًا، ومنهم من كان يصبو إلى الصابئين ويعتقد فى الأنواء. (3) يحوم الكاتب من بعيد حول عقيدة الإسلام فى التنزيه والتوحيد التى جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم، فبعد أن يكاد يصل إلى كنه هذه العقيدة التى تبدو فيما ورد من الآيات القرآنية الكريمة إذا هو يرجع فلا يقوى على إدراكها تمام الإدراك لبعده عن

اللسان العربى، وحقيقة الواقع أن القرآن الكريم قد شرح هذه العقيدة وحللها بما لم يسبقه دين من الأديان، فهو يقرر أن الله ذات لا كالذوات التى ينالها الحس ويدركها العقل، فهو ليس بمادة ولا متصل بالمادة إلا اتصال الإيجاد والتدبير. فمحال أن يدرك العقل كنهه لأن العقل لا يدرك إلا ما هو مادة أو متصل بها ولابد من صلة بين المدرك والشئ الذى يدركه حتى يمكن أن تتحقق بينهما نسبة الإدراك. وكل ما أمكن العقل أن يدركه هو آثار هذه الذات التى أرشدت إلى وجودها وهذه الآثار هى التى حددت معانى الأسماء والصفات، وأقرب مثل لهذا "الكهرباء" فإنه لا يشك أحد فى وجودها ولم يمكن معرفة حقيقتها إلى اليوم، وكل ما أمكن معرفته هو آثارها من نور وتحريك وغير ذلك. على أن هذه الصفات ليست كالصفات التى تراها قائمة بالبشر لأنه ما دام الموصوف متغايرًا بالكنه فلا يمكن أن تكون الصفات متفقة فى حقيقتها. وغاية الأمر أن ضرورة الدعوة إلى معرفة الله وإرشاد الخلق إلى وجوده هى التى جعلت الدين يخاطب الناس بما يعرفونه بينهم من الصفات. (4) تبين لك مما أسلفنا أن اتصاف الله بهذه الصفات ليس كاتصاف البشر بها وأن هذه الصفات نفسها ليست كنظائرها من صفات البشر. فإذا صح الحكم على وصفك إنسانًا بأنه ظاهر وباطن معًا بأن هذا تناقض فإنه لا يصح هذا الحكم على وصف الله بهاتين الصفتين. (5) القدوس هو المنزه عن كل وصف يدركه حس أو يتصوره خيال أو يسبق إليه وهم أو يختلج به ضمير أو يقضى به تفكير. وكما يقال قدس العبد فى علمه وإراداته بمعنى ارتقى علمه عن الحسيات وارتقت إرادته عن الشهوات فصار لا يشابه الحيوان فى إدراكه ولا يماثله فى شهواته فكذلك معنى القدوس بالنسبة لله فقد تنزه عن أن يشاركه أحدٌ فى صفة من صفاته. (6) السلام هو الذى تسلم ذاته عن العيب وصفاته عن النقص وأفعاله عن

الشر فليس فى الوجود سلامة إلا وهى منتسبة إليه، والمراد من سلامة أفعاله عن الشر يعنى الشر المطلق المقصود لذاته لا لخير حاصل فى ضمنه أعظم منه وليس فى الوجود مطلق بهذا المعنى. (7) نور السموات والأرض يعنى مظهر الكون العام ومخرجه من ظلمة العدم إلى نور الوجود، وهذا شئ معنوى محض ليس من جنس صورة المذبح المضاء ولا ما يوقده النصارى فى كنائسهم وأديرتهم كما تخيله الكاتب. (8) علمت مما ذكرناه فى صفة القدوس والسلام والنور أن لا غموض فى شئ منها، وعجز الكاتب عن الوصول لهذه المعانى لا يخليه من المسئولية فى تهجمه على دعواه الغموض فيها بالباطل. (9) البارى هو الذى خلق الخلق وقدره تقديرًا. وهذا المعنى يساعد عليه الاشتقاق فى اللغة العربية، فزعم الكاتب أنه مأخوذ من اللغة العبرية، مستعمل دون أن يقصد منه معنى خاص، زعم فاسد. وخلاصة القول أن دراسة الكاتب للدين الإسلامى دراسة ناقصة مهوشة وكل ما ذكره من التناقض والاضطراب فمنشؤه عدم قدرته على فهم مرامى القرآن الكريم والأحاديث فى تصوير عقيدة التوحيد والتنزيه وشرح الأسماء والصفات. ولا أزال أكرر أن المدلولات اللغوية لما ورد من أسماء الله الحسنى وصفاته ليست متصورة إلا لتقريب المعنى إلى أفهام الناس وتصويره لهم. محمد عاشور الصدفى * * * يبدو لمن قرأ مقال هذا المستشرق أنه لم يطلع على الآيات القرآنية الكريمة التى فيها أسماء الله وصفاته، وإنما أخذ أرقامها من الفهارس فقط، أو لعله قرأها ولم يتدبرها ولم يفقه معانيها. وقد يكون له فى هذا شئ من العذر، فإنه يقرأ فى لغة لم يتقنها ولم يمرن عليها لسانه ولا تفكيره، فلا يصل إلى شئ من أسرار معانيها وبلاغتها، أضف إلى ذلك سمو القرآن الكريم فى

عبارته إلى أعلى درجات البلاغة والإعجاز، مما كان سببًا فى اختلاف كثير من علماء الإسلام، أهل اللغة وأبناء العربية. وبقى مما هاجم به الكاتب الشريعة الإسلامية، أن عمد إلى أساس من أقوى دعائمها -وهو الأحاديث النبوية- يحاول هدمه بالتشكيك فيه. لم يأت الكاتب بأى دليل يؤيد طعنه على صحة الأحاديث وثبوتها إلا رأيه ورأى أخ له هو المستشرق (كولد سيهر) ثم إثارة الشكوك بكلمات جوفاء لا طائل تحتها، كادعائه أن من الواضح أن هناك أحاديث كثيرة لا يمكن أن تكون صدرت عن النبى صلى الله عليه وسلم، وأن محاولة وجود شئ فى الحديث يمكن القطع بصحة نسبته إليه تاريخيًا - محاولة فاشلة، وأن الفرق الإسلامية لما اختلفت فى الآراء أخذ كل فريق منها يضع لم أحاديث يؤيد بها رأيه، وأن الأحاديث التى فيها مشابهة لما ورد فى القرآن الكريم مشكوك فيها أيضًا. وكدعوى كولدسيهر "أن الأحاديث ليست فى الواقع إلا سجلا للجدل المدينى فى القرون الأولى، ومن ثم كانت قيمتها التاريخية، ولكن هذا السجل مضطرب، كثير الأغلاط التاريخية، وفيه معلومات مضللة لم تؤخذ من مصادرها الأولى"، إلى آخر ما ألقاه من دعاوى، وما أثاره من شكوك. وقد عنى المسلمون بحفظ أسانيد شريعتهم من الكتاب والسنة، بما لم تعن به أمة قبلهم، فحفظوا القرآن الكريم، ورووه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم متواترًا، آية آية، وكلمة كلمة، وحرفًا حرفًا، حفظًا فى الصدور، وإثباتًا بالكتابة فى المصاحف حتى رووا أوجه نطقه بلهجات القبائل ورووا طرق رسمه فى الصحف، وألفوا فى ذلك كتبًا مطولة وافية. وحفظ المسلمون أيضًا عن نبيهم كل أقواله وأفعاله وأحواله، وهو المبلغ عن ربه والمبين لشرعه، والمأمور بإقامة دينه. وكل أقواله وأفعاله بيان للقرآن الكريم، وهو الرسول المعصوم والأسوة الحسنة. قال تعالى فى

صفته: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} (سورة النجم الآية: 3 و 4) وقال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (44)} سورة النحل، الآية 44 وقال أيضًا {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ... } سورة الأحزاب، الآية 21. وكان عبد الله بن عمرو بن العاص يكتب كل شئ يسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنهته قريش، فذكر ذلك للرسول [- صلى الله عليه وسلم -] فقال: "اكتب فوالذى نفسى بيده ما خرج منى إلا حق" ففهم المسلمون من كل هذا أنه يجب عليهم أن يحفظوا عن رسولهم كل شئ، وقد فعلوا، وأدوا الأمانة على وجهها، ورووا الأحاديث عنه، بعضها متواتر إما لفظًا ومعنى، واما معنى فقط، وبعضها بالأحاديث الصحيحة الثابتة، مما يسمى الحديث الصحيح والحديث الحسن، ولم يحتجوا فى دينهم بغير هذه الأنواع، التى لا يعارض فيها إلا جاحد أو مكابر. ومعنى "المتواتر" عند علماء المصطلح والأصول وغيرهم أنه خبر يرويه جمع من الناس يمتنع اتفاقهم وتواطؤهم على الكذب، عن جمع كثير مثلهم، وهكذا طبقة بعد أخرى، حتى يصل إلى النبى صلى الله عليه وسلم، فهذا لا يمكن أحدًا أن يشك فى صحته وثبوته، اللهم إلا أمثال الكاتب من المستشرقين وأتباعهم، وهذا النوع من التواتر كثير جدًّا فى السُّنة، والقليل منه متواتر بلفظه ومعناه، وأكثره متواتر بالمعنى، كعدد الصلوات الخمس، وعدد الركعات فى كل صلاة، ومثل كثير من معجزات النبى صلى الله عليه وسلم، وإن حاول بعض الناس فى هذا العصر إنكار المعجزات المادية. ومعنى "المشهور" أنه حديث يرويه رواة ثقات صادقون، طبقة عن طبقة حتى يصل إلى النبى صلى الله عليه وسلم، على أن لا يقل عدد الرواة فى كل طبقة عن ثلاثة، وهذا أيضًا كثير جدًّا فى السُّنة، باللفظ وبالمعنى، وفى الحقيقة إن المتواتر قسم من هذا النوع - المشهور -ولكنه أعلى أقسامه فى الثبوت-، فجعل نوعًا على حدة. وباقى الأحاديث الصحيحة بعد ذلك يسمى "آحادًا"، فى اصطلاحهم، وهو الحديث الذى رواه الراوى الثقة

الصادق عن مثله طبقة بعد طبقة، حتى يصل إلى النبىى - صلى الله عليه وسلم -، يخبر كل واحد من هؤلاء الرواة باسم الذى أخبره ونسبه، وكلهم معروف الحال والعين والعدالة والزمان والمكان ليس فى أحد منهم مغمز فى دينه، ولا مطعن فى صدقه وأمانته، مع التحرى والضبط لما رووه كلمة كلمة، وحرفاً حرفاً، وإن كان مروياً بالمعنى، ثم وصلت هذه الأحاديث الصحيحة، المعروف نَقَلتها، الموثوق برواتها، وإلى أئمة هذا الفن الذين تفرغوا لدرسها ونقدها، فنقدوا أحوال الرواة وتراجمهم واحداً واحداً، ونفوا رواية كل من كانت روايته موضع شك، ومن كان صدقه وأمانته موضع ريبة، مهما ضؤلت. وجمعوا هذه الأحاديث فى الكتب، ورواها الناس عنه رواية مستفيضة منتشرة، تبلغ حد التواتر إليهم، وأكثر هذه الأحاديث منقول بنقل الكافة من الناس عن مثلهم إلى أن يصل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فهو داخل فى المتواتر أو فى المشهور، وإما إلى أحد الصحابة، وإما إلى أحد التابعين، وإما أحد الأئمة الأعلام الذين أخذوا عن التابعين أو الذين أخذوا عن أتباع التابعين، وكلهم موضع الصدق والثقة، لا مغمز فى واحد منهم، وكما قال الإمام أبو محمد بن حزم: "هذا نقل خص الله تعالى به المسلمين دون سائر أهل الملل كلها، وأبقاه عندهم غضاً جديداً على قديم الدهور ... فلا تفوتهم زلة فى كلمة فما فوقها فى شئ من النقل، إن وقعت لأحدهم، ولا يمكن فاسقاً أن يقحم فيه كلمة موضوعة، ولله تعالى الشكر" وقد كتب فى (الملل والنحل) فصلا بديعاً طريفاً فى هذا البحث، أفاض فيه القول كعادته (ج 2 ص 81 - 84)، وقارن فيه بين طرق الإثبات التاريخى لأسانيد الشريعة الإسلامية وبين طرق الإثبات لأسانيد غيرها، ولو أردنا الدفاع عن شريعتنا بالهجوم على غيرها لنلقنا كلامه كله، ولكننا لا نرضى أن نسير فى هذا الطريق. إن أئمة هذا الفن -فى الحديث- احتاطوا أشد الاحتياط فى النقل، فكانوا يحكمون بضعف الحديث لأقل

شبهة فى سيرة الناقل الشخصية، أما إذا اشتبهوا فى صدقه، وعلموا أنه كذب فى شئ من كلامه فقد رفضوا روايته وسموا حديثه "موضوعاً". أو "مكذوبا" وإن لم يعرف عنه الكذب فى رواية الحديث، مع علمهم بأنه قد يصدق الكذوب. وكذلك توثقوا من حفظ كل راو، وقارنوا رواياته بعضها ببعض، وبروايات غيره، فإن وجدوا منه خطأ كثيراً، وحفظاً غير جيد ضعفوا روايته وإن كان لا مطعن عليه فى شخصه ولا فى صدقه خشية أن تكون روايته مما خانه فيه الحفظ. وقد حرروا القواعد التى وضعوها لقبول الحديث، وحققوها بأقصى ما فى الوسع الإنسانى، احتياطاً لدينهم، ونفياً للخطأ عن سنة نبيهم، فكانت قواعدهم التى ساروا عليها أصح القواعد للإثبات التاريخى وأعلاها وأدقها، وإن أعرض عنها كثير من الناس وتحاموها بغير علم منهم ولا بينة. ثمَّ جمعوا هم ومن جاء بعدهم كل ما وصل إليهم من روايات فى الحديث، صحيحة أو ضعيفة، مع بيان قوتها أو ضعفها فى أكثر الأحوال، وبعضهم جمع فى كتابه أحاديث صحيحة واقتصر عليها كالبخارى ومسلم، رضي الله عنهما، وكتاباهما أصح الكتب ثبوتاً بعد القرآن الكريم، وأحاديثهما لا شك فى صحة شئ منها عند العلماء بهذا الشأن، وبعض العلماء عنى بجمع الأحاديث التى ثبت أنها مكذوبة على النبى - صلى الله عليه وسلم - ليحذر الناس منها. وجمعوا أيضاً كل ما وصل إلى علمهم من أسماء الرواة وأنسابهم وأحوالهم وتفاصيل تراجمهم، ليكون الباحث على بينة من بحثه فى صحة الحديث، وألفوا فى كل هذا الدواوين الكبار فى مئات من المجلدات بل آلاف، مما لا نجد النزر اليسير منه عند آية أمة من سائر الأمم. أفبعد هذا العمل الضخم، والإنتاج الهائل العظيم يأتى أولئك المستشرقون ليسحروا أعين الناس، ويستهووا

عقولهم، ويضعوا الغشاء على أبصارهم. إن المطَّلع على أقوال هؤلاء الناس يراهم يقبلون من الأحاديث أضعفها سنداً وأوهاها رواية، إذا وافق رأيهم وهواهم، وإن كان فى كتاب من كتب التاريخ أو السير أو غيرها بدون إسناد، ويحكمون بالكذب والوضع على أكثر الأحاديث الصحاح، مما أجمع المسلمون على صحته وثبوته، ولن تجد لهم قاعدة أو خطة يسيرون عليها فى قبول الأحاديث أو رفضها وكما ترى كاتب هذه المادة: يزعم أن الأحاديث التى تجد فيها مشابهة لما ورد فى القرآن مشكوك فيها! ! وهذا أقبح ألوان الافتراء، وأسقط أنواع الاستدلال، فإن المعقول الواضح أن الحديث الذى يوافق معنى القرآن، ويؤيده القرآن الكريم يكون معناه ثابتاً عن النبى - صلى الله عليه وسلم - وإن لم يثبت لفظه ولم يقم إسناده، ولكن القوم لا يرمون إلى التحقيق العلمى، والبحث العقلى وإنما يرمون إلى التشكيك، ثم إلى الشك. أحمد محمد شاكر الأسماء الحسنى: وهى الأسماء القدسية: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} (سورة الأعراف الآية: 180). {لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} (سورة طه، الآية: 8؛ سورة الحشر، الآية 24، وغيرها). والورعون من المسلمين يعظمون دوما سر الاسم الذى هو فى الوقت نفسه يفصح عن المسمى ويحجب الإسم. المطلب الكلامى: وثمة باب فى علم التوحيد أفرد للأسماء الحسنى. والمشكلة القائمة هل يمكن لأحد أن يسمى الخالق؟ ثم عن الإله، ماذا تعنى الأسماء التى له؟ أوليات: ما هو الاسم؟ هل هو مطابق للمسمى وللاسمية؟ استعمال الأسماء القدسية: جواب رواة الحديث المأثور عن متزمتى الأشاعرة هو أن الأسماء القدسية لا يمكن أن يسمى بها الله إلا عن توقيف به ندرك أن الله ذاته قد صرح به فى القرآن، ثم وردت به السنة. ووروده فى هذه الأخيرة على هذا النحو يجب أن يكون محدداً بحديث

صحيح أو حسن. ويجيز بعضهم الحكم الممكن المستنبط من إجماع. أما عند المعتزلة والكرّامية فإن العقل إذا أثبت صفة (سواء أكانت من صفات الوجود أو السلب أو الفعل) تصح للرب جاز أن يطلق عليه اسم يدل عى اتصافه بها، وردت به النصوص أم لم ترد. وهذه حال من تخصيص الاسم عن طريق العقل الإنسانى. ويجيز الغزالى هذا التخريج لتلك الصفات التى يقول إنها تعين دلالة زائدة على الذات ولا يجيزها فى الأسماء الدالة على الذات المقدسة نفسها. وللباقلانى الأشعرى تخريج بين بين تبعه عليه كثير من الأشاعرة المتأخرين، وهو: إذا كان النص أو الأثر يعطى صفة للرب، أو يخبرنا عن فعل له (ولكن فى هذه الأحوال فحسب) لوفق قواعد اللغة، فمن الممكن للمرء تسميته بالاسم المناظر، حتى ولو لم تنص عليه النصوص. ويلزم المرء أن يستثنى خاصة الأسماء غير المنزّلة التى تستدعى تصوراً منافياً للكمال الإلهى المطلق (فلا يجب أن يسمى الرب عارفاً، إذ المعرفة تعنى أن ثمة سهواً غلب، كما يجب ألا يسمى فقيهاً ولا عاقلا. . . إلخ) وبوفق هذه المقولات التى أصبحت شائعة فإن الأسماء لهذا يجب أن تكون إما منزلة، أو على الأقل ترجع إلى جذم منزل. مسألتان واردتان: أ) الأسماء سرمدية فى قول الأشاعرة، وهذا على الضد من قول المعتزلة الذين يعدونها محدثة. ب) منحى الماتريدية من الأحناف أنها -أى الأسماء- سواءٌ شأنا وفضلا (انظر: الفقه الأكبر، جـ 2، ص 26)؛ منحى الأشاعرة: أن بينها درجات فى الأثر الإلهى، والاسم: الله له الأسبقية (أو كما يميل الصوفية إلى القول بأن بعض أسماء أخرى لها الأسبقية، لا تدرك إلا بتجربة جديدة معروفة للداخلين فى الطريقة، ويصدق هذا أيضاً على الاسم نفسه الذى لا يحاط به). الأسماء التسعة والتسعون: يذكر حديث مروى عن أبى هريرة: "إن لله تسعة وتسعين اسما، مائة إلا واحداً. إنه وتر يحب الوتر، من أحصاها دخل

الجنة". وتلاوة هذه الأسماء فى تدبر أصبحت فى الإِسلام من عظمى العبادات الكادة. والمسلم الورع يكررها متدبراً إياها مستعيناً عادة بحبات السُبْحة التسع والتسعين، عدا الوهابيين الذين يخالفون هذه العادة على أنها بدعة مذمومة. ويظهر أن ثمة عادة سريانية (مسيحية) استخدمت السبحة لعد مسردة من الأسماء القدسية التى كانت أقصر كثيراً من المسردة الإسلامية. والمسلمون يجعلون لهذه الأسماء التسعة والتسعين مكانة ملحوظة، فهى تفصح فى وضوح كاف عن إيمان المسلم الورع بربه، وماذا يعنى له الاسم الأعلى "الله" الذى هو فى ذاته يطوى الأسماء الأخرى جميعها. وسوف نستنبط ثانية المسرد الأكثر قبولاً عادة بالاستناد إلى الحديث مع تفسير وشرح مختصر، وبما أن الفسحة لا تتيح لنا أن نتتبع استعماله تاريخياً فسوف نتناوله فى صورته الأخيرة، كما ورد فى أكثر تفاسير القرآن (سورة الإسراء، الآية 110) وكما يتردد لفظ الجلالة "الله" على حدة فإنَّه يكون الاسم المتم المائة إذا أريد هذا (وعلى هذا تفسير الجلالين) ولكنه يعد أحياناً أول المسرد. وفى هذه الحال فإن الاسم السابع والستين "الواحد" يعدل عنه ويدمج فى الاسم الثامن والستين "الأحد". (المراجع الرئيسية: المقصد الأسنى للغزالى، طبعة القاهرة من غير تاريخ، وخاصة الصفحات 23 - 72؛ المواقف لعضد الدين الإيجى بشرح الجرجانى: "شرح المواقف" طبعة القاهرة 1325 هـ = 1907، مجلد 8، ص 211 - 217, الذى هو نفسه يشير إلى الغزالى وإلى سيف الدين الآمدى). والترتيب المألوف يمكن إقراره على النحو الآتى: الأسماء الثلاثة عشر الأولى (أو من الاسم الثانى إلى الاسم الرابع عشر حين يبدأ المسرد بالله) ترجع إلى الإحصاء القرآنى للآيات (سورة الحشر الآيات 22 - 24)، والترتيب التالى يبدو أنه غالباً لتقوية الذاكرة، وهو مقيد بتقفيات وروابط فعلية.

مسرد الأسماء الحسنى التسعة والتسعين: 1) الله: اسم يختص به الرب، يدل على الرب نفسه وقد لا يستعمل فى شئ آخر. 2 و 3) الرحمن الرحيم: يعتمدان على صفة الإرادة، وكلاهما يتضمن المعنى نفسه. وعلى آية حال فعند الغزالى: الرحمن غير الرحيم فى أنه يستعمل للرب وحده (إذ الرحيم تذكر بالرحمن، والذى هو من الأسماء الحسنى). 4) الملك: يدل على استغناء (صفة سلب) عن كل الأشياء، وتبعية كل شئ للرب (صفة إيجاب) وكمال القدرة القدسية (من صفات القدرة). 5) القدوس: فى معنى الانفصال (من صفات السلب) وهى تشير إلى: أ) الخلو من كل عيب. ب) أنه لا بالحدس ولا بالرؤية يدرك غيب الرب. 6) السلام: أ) مالك السلام الذى لا شية فيه (من صفات السلب. ب) واهب السلام والخلاص عند بدء الخلق وفى وقت البعث (من صفات الوجود). جـ) سيظهر بركة السلام على خلقه (من صفات الكلام). 7) المؤمن: أ) بالنظر إلى هذا الاسم فإن أئمة الكلام تكلموا عن إيمان الله "غير المخلوق" فى ذاته، وعقب الإيجى أن الله مؤمن بمقدار ما يضع من إيمان فى ذاته ويعدل ما يكون من إيمان فى ذاته ما يضفيه على رسوله، يعنى أنه يوثق نفسه ويوثق رسله بيقينه الأسمى؛ أى يكمل إما بتوثيق ذاته ورسوله (من صفات الكلام) وإما بالفعل بخلق البرهان الخارق. ب) وقد يسمى الرب أيضاً مؤمناً عند حوارييه أصلاً من أصول الأمان. 8) المهيمن: أ) الشاهد دوماً، الذى يحيط بكل شئ (من صفات المعرفة). ب) مشاركة لأمين، تجعل بمعنى مخلص، صادق فى كلامه (من صفات الكلام). 9) العزيز: أ) صفة سلب تعنى عند الغزالى نادر ثمين جداً صعب المنال، وهكذا الرب لا وجود لمثله حتى إنه لا نظير له مطلقاً، ضرورى حتى إنه لا شئ يوجد إلا به، غير ممكن إدراكه فهو وحده يعرف نفسه. وعند الإيجى لا أب له ولا أم ولا مكان يحتويه ولا شئ يشبهه. ب) من صفات الفعل؛ يعاقب من يشاء؛ وهو الذى يملك أن يجازى على الأفعال. 10) الجبار: فلا يمكن أن يصمد له شئ أو إرادة. وفى معنى آخر للأصل

جبر: الذى يعمد إلى الحق. الذى يعيد ما يخص خلقه حسبما يشاء، وعلى وفق الأحوال؛ وهى من صفات الفعل أو السلب والإيجاب معاً، وترادف عظيماً فى المعنى. وعلى هذا فهو منزه من كل نقص. 11) المتكبر: كل شئ يبدو حقيراً قياسا إلى ذاته؛ وعند الإيجى والجرجانى: معناه قريب جداً من عظيم. 12) الخالق و 13) البارى: عند الإيجى والجرجانى معنى واحد: المنشئ. خالق الأشياء. 14) المصور: المدبر. الذى ينظم صور الأشياء. وهذه الأسماء الثلاثة الأخيرة تعتمد على صفات الفعل. والغزالى يحللها أكثر دقة، والثلاثة كلها تتضمن السلوك من العدم إلى الوجود، الأولى للعزم وفقاً للقدر، والثانية للوجود لذا ناسب تسميتها وجوداً، والثالثة لتنسيق الأشكال وفقاً لخير السُّنن. والأسماء من الثانى إلى الرابع عشر جاءت على نفس الترتيب فى القرآن الكريم (سورة الحشر، الآيات: 22 - 24) ثم الأسماء التالية مصنفة أفضلية حسب تنغيم الصوت. 15) الغفَّار: الذى يعلم كيف يتجاوز عن الحكم بالعقاب والغفار من صفات الإرادة. 16) القهار (من صفات الأفعال السلبية). 17) الوهاب: (صفة وجود). 18) الرزاق: يُعنى بدءاً بالحاجات الطبيعية لكل إنسان (الجرجانى) وكذلك أيضاً الحاجات الروحانية للمخلوقات المفكرة (الغزالى)، من صفات الفعل، 19) الفتّاح: (ثلاثة ألوان من المعانى تبعاً لاختلاف ما يتضمنه الجذم): أ) الظافر الذى يقهر المصاعب ويجلب النصر (من صفات الوجود). ب) الحَكَم، سواء أصدر حكمه (من صفات الكلام) أو جعل الحكم معلوماً (من صفات الإرادة) جـ) الكاشف الذى يكشف للناس ما يظل مغيباً عنهم (الغزالى). 20) العليم: اسم مرتبط ارتباطاً تاماً بصفة العلم التى هى من صفات الماهية (ذاتى)؛ صفة حقيقية مشاركة فى قول الجرجانى. والأسماء الستة الآتية على حين ترجع إلى أصول قرآنية فهى لم ترد فى القرآن الكريم بنصها، وهى لهذا تعد تواترية (نقلية) وهى مسوقة أزواجاً

على التضاد والترابط معا، وتوضح عطاياه سبحانه التى لا مقابل لها على الإطلاق. 21) القابض. و 22) الباسط و 23) الخافض. و 24) الرافع و 25) المعز و 26) المذل و 27) السميع 28) البصير: الله يسمع ويرى كل الأشياء وفقاً لصفتين من صفات الذات أكدهما القرآن الكريم. 29) الحَكَم: فى وضعه حكم ملكوته صورة من الحكمة والتدبر (الغزالى) متصلة بصفات المعرفة والكلام والفعل. 30) العدل: لا قبيح يصدر عنه (من صفات السلب. 31) اللطيف: الذى يخلق فى عباده نعمة اللطف ليكونوا فى عون بعضهم (من صفات الفعل). 32) الخبير: أ) الحكيم، وهى قريبة جداً من العليم، فى معنى العلم بأسرار قلوب الخلق (من صفات المعرفة). ب) الذى يختار، والذى يقضى مختاراً (من صفات الكلام). 33) الحليم: الذى يمهل العقاب (من صفات السلب). 34) العظيم: (انظر المعنى الوارد مع الجبار)؛ عند الغزالى: الذى وراء حدود إدراك الإنسان تماماً كالأرض والسماء اللتين لا يحاط بهما بلمحة واحدة. 35) الغفور: أ) عند الإيجى والجرجانى: مشابهة فى المعنى للغفار تماماً مثل الرحمن الرحيم فهما متشابهان فى المعنى. ب) عند الغزالى: الغفار يؤكد أن الرب يعفو حتى عن الخطايا المتكررة مع أن الغفور تحمل على الإطلاق ودون قيد عفو الرب السرمدى. 36) الشكور. وفى المعنى الاستعارى مأخوذة من شُكر. أ) الذى يعطى كثيراً لقاء قليل (من صفات الفعل). ب) ويثنى على كل من يطيعه (من صفات الكلام). 37) العلى: عند الإيجى: مرادفة للمتكبر، وعند الغزالى: الذى رتبته فوق رتبة المخلوقات. 38) الكبير: عند الإيجى: مرادفة للمتكبر وللعلى وعند الغزالى: مرادفة للعظيم. 39) الحفيظ: معنى قريب من عليم عند الإيجى، فإن الحفظ نقيض الإهمال والسهو، ولهذا كان لها أصل فى العلم: أ) الرب حافظ، متصل الفعل، وبهذا يرقب الكون أجمع، دون أن تكون رعايته للأشياء واحداً

بعد الآخر (من صفات السلب). ب) يؤكد دوام المخلوقات بحفظ يحميها من العاديات (من صفات العمل). 40) المقيت: أربعة ألوان من المعانى: أ) منبع القوة، لأنه يخلق الغذاء (المادى والروحى)، وهى مرادفة للرزاق (الغزالى). ب) الفاصل الذى يقضى ولا يرد قضاؤه (من صفات القدرة). جـ) الشاهد الذى يعلم الغيب (من صفات المعرفة) د) الحاضر. 41) الحسيب: أ) الذى يعطى ما يكفى لأنه يخلق لعباده ما هو كاف لهم (من صفات الوجود). ب) الذى يسأل بكلماته من يتبع الشرع الحساب عما عمل من حسنات وسيئات (من صفات الكلام). 42) الجليل: أ) عند الغزالى: إظهار جلال الصفات الإلهية الذى يميز هذا الاسم عن الكبير والعظيم، بمعانيهما المتقاربة. ب) وعند الإيجى: مرادف للمتكبر. جـ) وعند الجرجانى: موصوف بصفات الجلال والجمال. 43) الكريم: أربعة ألوان من المعانى: أ) ذو الجود (من صفات الفعل). ب) الذى يقدر قدر الجود (من صفات القوة). جـ) منه يفيض جميع السمو (من الصفات الإضافية). د) الذى يغفر الذنوب. 44) الرقيب: قريب فى المعنى من حفيظ (ومن ثم فهو مشتق من معنى عليم) ويؤكد الغزالى أن ملاحظته للأشياء لازمة دائمة لا يغفل عنها. 45) المجيب: الذى يجيب دعوات الضارعين؛ وعند الغزالى: الذى يعجل فيكفى الخلق ما يحتاجون؛ الذى يسعفهم. 46) الواسع: الذى يشمل بكرمه كل الأشياء، ويبسط جوده إلى كل موجود. علمه بكل معلوم. قدرته على كل شئ يمكن أن يعزم عليه، على الإطلاق ودون حاجة إلى الالتفات على التوالى للأشياء (الجرجانى)، 47) الحكيم: مرادف للعليم (الإيجى) ذو الحكمة، ذو العلم بالأشياء كما تقع منه وبنتائج الأفعال على ما هو ملائم. ب) الحازم فى حكمه، الذى يطابق بين السلامة التامة فى رعايته لهداية العالم وبين المنفعة فى تنفيذ شرائعه. 48) الودود: أ) الذى يحب الحسن من خلقه ويدبره لهم دون عوض. ب) ترجع إلى الصفة التى منها يتوجه الثناء الذى يثنى به على المؤمن والجزاء الذى يعطيه إياه. 49) المجيد: أ) الجميل

الأفعال، الوافر الإحسان. ب) الثناء الذى يستحقه يختص به وحده 50) الباعث: الذى يحيى كل مخلوق يوم النشور (هذا الاسم وحده له أصل تواترى) 51) الشهيد: أ) الذى يعلم الغيب ب) الذى هو حاضر (انظر المعنى الثالث للمُقيت). 52) الحق: تدل على العدل (من الصفة ذاتها). أ) ضرورى بجوهره. ب) صادق حقاً فى كلامه. جـ) إليه يرجع الصدق، الجلى. 53) الوكيل: الذى يوكل إليه كل شئ: الذى يرعى حاجات الخلق كلها. 54) القوى: الذى يملك القوة على الأشياء جميعها. 55) المتين: الذى لا حد لقوته. 56) الولى: فى معنى المعين. الحامى، وأيضاً القابض على زمام الملكوت. 57) الحميد: المستحق للحمد (من صفات الإضافة) 58) المحصى: الذى يدرك الأشياء المعدودة ويعرفها معرفة شاملة (العليم) وله القدرة عليها (القادر). 59) المبدئ: الخالق المطلق للكائنات الذى منته للخير البحت. 60) المعيد: الذى يهيئ الخلق للعودة بعد فنائهم: 61) المحيى. 62) المميت: الذى يسبب الحياة والموت. 63) الحى: إحدى صفات الذات فى المعنى الظاهر (الإيجى)؛ الرب فاعل ورقيب فلا أحد يؤثر فيه على أية حال، ولا أحد يمكنه أن يراه دون أن يموت، فهو حى فى أعلى درجات الحياة وأعظمها كمالا، بسبب كماله المطلق فى تأثيره وعلمه (الغزالى). 64) القيوم: الباقى فى ذاته وبذاته دون أى سبب آخر للوجود غير ذاته (من صفات السلب). ب) الذى يسوس المخلوقات ويسويها، ولا أحد يوجد دونه. 65) الواجد: الذى لا يعوزه شئ ولا يحتاج إلى شئ (من صفات السلب). 66) الماجد (من صفات الإضافة) إليه السلطة والقوة (ملاحظة: أكثر العادين يزيدون هنا. الواحد، الفرد. والغزالى والإيجى اللذان يحذفانه يذكران المعنى مرتبطاً بشروح الأسماء الآتية): 67) الأحد، من صفات الذات العليا، الصفة ذاتها التى للكمال القدسى تختلف عن الواحد كما يأتى: الأحد الفرد بذاته، تجرد مطلق للذات، الغلبة وانقطاع النظير للصفات القدسية؛ الواحد، الرب الفرد؛ لا رب آخر. 68) الصمد: أ) الحاكم الذى يحكم

(من صفات الإضافة). ب) معنى قريب من الحليم، الذى لا تعنيه ولا تغضبه أعمال خصومه (من صفات النفى)، جـ) السامى المقام جداً. د) الذى يتضرع إليه الإنسان ويتوسل (من صفات الإضافة). هـ) المصمت الذى لا جوف له ولا أجزاء يمكن أن ينقسم إليها. 69) القادر. 70) المقتدر. 71) المقدم. 72) المؤخر: الذى يقرب ويبعد؛ الذى يدنى إليه كل من يريد ويطلعه على قربه ويبعد ويهمل كل من أراد. 73) الأوَّل. 74) الآخِر. هو قبل كل شئ ولا شئ قبله، هو بعد كل شئ ولا شئ بعده (السبب الأول. فعال بات - عند الغزالى - من صفات السلب) 75) الظاهر، 76) الباطن: أ) عرف بالبرهان القاطع (من صفات الإضافة). ب) الذى تتجلى سيطرته على كل الأشياء (من صفات الفعل)؛ خفى. أ) محجوب عن الحواس (من صفات السلب)، ب) الذى يعلم الأشياء الخفية (من صفات العلم)، 77) الوالى، الحاكم (الإيجى). 78) المتعالى: مرادف للعلى ولكن مع إضافة معنى النصر، 79) البَر: الذى يحدث البر ليعمل عمله فى القلب ويكون منبع المنافع. 80) التواب: 81) المنتقم. 82) العَفُو. 83) الرؤوف (معنى قريب من رحيم، عند الغزالى). 84) مالك الملك، 85) ذو الجلال والإكرام: معنى قريب من الجليل فى رأى الإيجى والآمدى. 86) المقسط. ويخص ذلك الغزالى بيوم الحساب 87) الجامع أ) المؤلف بين الكائنات على حسب تماثلها وتباينها وتضادها (الغزالى). ب) الذى يجمع بين الغرماء يوم الحساب (الإيجى - الجرجانى). 88) الغنى. 89) المغنى. 90) المانع (اسم تواترى فحسب) الدافع الواقى، متصل بالحافظ الحارس اليقظ، والحافظ تبرز فكرة الحراسة والحماية؛ والمانع فكرة منع المصائب وصدها. 91) الضار، 92) النافع: اسمان تواتريان فقط، فهما يفصحان عن أن السيئة والحسنة، والخسران والربح، والضر والنفع، تعزى إلى الله وحده. 93) النور: أ) له فى ذاته برهان جلى تام. ب) هو الذى يجعل الأشياء كلها جلية واضحة، بإخراجه إياها من العدم إلى الوجود. 94) الهادى: الذى يخلق

الهدى فى قلوب المؤمنين، ويهدى كل كائن عاقلاً أو غير عاقل، إلى غايته. 95) البديع: أ) الذى خلق وأبدع دون مثال سبق ب) الذى هو ذاته أول على الإطلاق ولا شئ يشبهه. 96) الباقى: 97) الوارث: الذى يستمر وجوده بعد فناء الخلق، وإليه يرجع كل ما تملكه مخلوقاته. 98) الرشيد: 99) الصبور، معنى قريب من الحليم (اسم تواترى فحسب). هذا هو مسود الأسماء الحسنى التسعة والتسعين؛ وثمة مسارد أخرى تزيد أحياناً على هذا العدد. فبعضها يعد: الرب، والمنعم، والمعطى، والصادق، والستار ... إلخ. وصفوة القول أن ثمة دراسات عدة للأسماء القدسية التى تذهب فى تصنيفها حسب الصفات (وعلى هذا الغزالى، المقصد، ص: 72) مع ميل مقصود إلى إسباغ لون من التأمل الروحى على هذا الغرض. وثمة أمثلة كثيرة لهذا فى التصوف، ومن ثم فلم يعد هذا الأمر مسألة إيراد شرح لهذه الأسماء الحسنى التسعة والتسعين بمقدار ما هو تطبيق لجميع قواعد التوقيف واللغة لتبجيل هذا السر القدس. المصادر. (1) علاوة على الكتاب العرب الذين ورد ذكرهم فى صلب المادة فإنَّه ينبغى الرجوع إلى تفاسير القرآن الكريم الكبرى، والرسائل الكثيرة جداً عن الكلام، الفصل الخاص بالأسماء الحسنى. (2) ونسوق مثالاً من كثير عن تأمل صوفى من الصوفية فنحيل القاريء إلى: ابن عطاء الله السكندرى: القصد المجرد فى معرفة الاسم المفرد، القاهرة، طبعة الأزهر، سنة 1348 هـ = 1930 م. (3) مراجع باللغات الأوربية Muslim Creed: A.J.Wensinck كمبردج سنة 1932، ص 196، 239. (4) وثمة مسردة لا تمثل الأسماء الحسنى خير تمثيل فى J. Windrow Islam and Christian Theology: Sweetman مجلد 1، ج 1، مطبعة لاتّرويرث، سنة 1945، ص 215 - 16. (5) El justo medio en: Asin Palacios - la Crencia, compendio de teologia dog

matica de Algazel (وهى ترجمة كتاب الاقتصاد تعقبها ترجمة أجزاء من المقصد مع التعليق عليها) مدريد سنة 1929، ص 435 - 471. (6) Les Noms, titres: Y. Moubarac et attributs de Dieu dans le Coran et leurs -correspondants et epigraphie sud semitique فى Museon، سنة 1955، ص 86 وما بعدها. الأبيارى [كارديه L.Gardet] تعقيب على "مادة الأسماء الحسنى" فى المادة -مع إلمامها بأطراف الموضوع- إيجاز مسرف طوى فى طياته التفسير المشبع الذى يجب أن يتصل بكل اسم من الأسماء الحسنى. والمادة فى إيجازها هذا - تكاد لا تعد مرجعاً مجزئاً، إذ هى ليست غير نظرة فى هذه الأسماء مجموعة مع موازنة عابرة بين بعضها البعض، كما أنه ثمة شروح أوردت وأهمل غيرها، وفى هذا الذى ترك تتمة وجلاء، وثمة إحالات إلى مواد هى تمهيد لهذا المقال، وكان لا بد من أن توجز هنا إيجازاً، إذ هى المدخل إليه والمقال عليها ينبنى، وهى إلى هذا لم توف فى أمكنتها التوفية كلها. لهذا كان لابد لهذا التعقيب من تمهيد يشمل الكلام عن الاسم والمسمى والتسمية فى إيجاز غير مخل، يكون مدخلا إلى الكلام عن الأسماء الحسنى. وإذ كنت أرى أنه لابد من أن يستوى مع هذا المقال شرح واف للأسماء الحسنى نقى من الشوائب، لكى يغنى به القاريء، ولا يجتزيء بهذه النظرة التى هى أقرب للرأى منها إلى العرض الأمين، لهذا وذاك رأيت أن أعقب ممهداً لهذا التعقيب بما ذكرت حتى أغنى القاريء بحاجته عن الأسماء الحسنى، ولا أعنيه الرجوع إلى مرجع آخر، إلا فيما ندر وكان فوق حاجة المستفيد عامة، فأقول: قال التفتازانى: الاسم، هو اللفظ المفرد الموضوع لمعنى، وهو يعم جميع أنواع الكلمة. والمسمى، هو المعنى الذى وضع الاسم بإزائه. والتسمية، هى وضع الاسم للمعنى. وقد يراد بها ذكر الشئ باسمه، فيقال: سمى زيدا، ولم يسم عمراً.

وفى "جامع الرموز"، عند الكلام على جواز اليمين باسم الله تعالى: الاسم عرفاً لفظ دال على الذات والصفة معاً، كالرحمن والرحيم؛ والله اسم دال على ذات الواجب، فهو اسم للذات. وقال الأشعرى: قد يكون الاسم عين المسمى، أى ذاته من حيث هى، نحو "الله"، فإنَّه اسم علم للذات من غير اعتبار معنى فيه، وقد يكون غيره، نحو "الخالق" و"الرازق"، مما يدل على نسبة إلى غيره، ولا شك أن تلك النسبة غيره، وقد يكون لا هو ولا غيره، مثل "العليم" و"القدير"، مما يدل على صفة حقيقية قائمة بذاته، فإن تلك الصفة لا هو ولا غيره، فهكذا الذات المأخوذة منها. وقال الآمدى: اتفق العقلاء على المغايرة بين التسمية والمسمى، وذهب أكثر أصحابنا إلى أن التسمية هى نفس الأقوال الدالة، وأن الاسم هو نفس المدلول. وذهب ابن فورك إلى أن كل اسم هو المسمى بعينه، فقولك الله، دال على اسم هو المسمى، وكذلك قولك عالم وخالق، فإنَّه يدل على ذات الرب الموصوف بكونه عالماً وخالقاً. وقال بعضهم: من الأسماء ما هو عين كالوجود والذات؛ ومنها ما هو غير كالخالق، فإن المسمى ذاته والاسم هو نفس الخلق، وخلقه غير ذاته؛ ومنها ما ليس عيناً ولا غيراً، كالعالم، فإن المسمى ذاته والاسم علمه الذى ليس عين ذاته ولا غيرها، فهو لم يُرد بالتسمية اللفظ وبالاسم مدلوله، كما أريد بالوصف قول الواصف وبالصفة مدلولها. وقد اعتبر ابن فورك ومن وافقه المدلول المطابقى، وأرادوا بالمسمى ما وضع الاسم بإزائه، فقالوا: إن الاسم نفس المسمى. وأراد بعضهم بالمسمى ما يطلق عليه الاسم، وجعل المدلول أعم من المطابق، وعد فى أسماء الصفات المعانى المقصودة، وزعم أن مدلول الخالق الخلق، وأنه غير ذات الخالق، وذلك لأن صفات الأفعال غير الموصوف، وأن الصفات التى لا عينه ولا غيره هى التى يمتنع انفكاكها عن موصوفها.

وأراد الأشعرى بالمسمى ما يطلق عليه الاسم، أعنى الذات، واعتبر المدلول المطابقى، وحكم بغيرية هذا المدلول، أو بكونه لا هو ولا غير، باعتبار المدلول التضمنى. وذهب المعتزلة إلى أن الاسم هو التسمية. وذهب أبو نصر بن أيوب إلى أن لفظ الاسم مشترك بين التسمية والمسمى، فيطلق على كل منهما، ويفهم المقصود بحسب القرائن. وذهب الرازى إلى أن الاسم هو المسمى. وعن الغزالى أنه مغاير لهما، لأن التسمية وطرفيها مغايرة قطعاً: (من شرح المواقف). وقال أبو البقاء: كل كلمة تدل على معنى فى نفسها ولا تتعرض لزمان فهى الاسم ... والاسم مسماه ما سواه، أو هو مسماه، أو مسماه لا هو ولا ما سواه. ثم قال: والاسم لغة ما وضع لشئ من الأشياء ودل على معنى من المعانى، جوهراً كان أو عرضاً، فيشمل الفعل والحرف أيضاً، ومنه قوله تعالى {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا} أى أسماء الجواهر والأعراض كلها؛ واشتقاقاً هو ما يكون علامة للشئ ودليلا يرفعه إلى الذهن، من الألفاظ والصفات والأفعال؛ وعرفاً هو اللفظ الموضوع لمعنى، سواء كان مركباً أو مفرداً، مخبراً عنه أو خبراً أو رابطة بينهما. ثم قال: والاسم أيضاً ذات الشئ قال ابن عطية: ذات ومسمى وعين واسم بمعنى. وقال: الاسم أيضاً الصفة، يقال: الحق والخالق والعليم أسماء الله تعالى، وهو رأى الأشعرى، والمسمى هو المعنى الذى وضع الاسم بإزائه، والتسمية هى وضع الاسم للمعنى. وقد يراد بالاسم نفس مدلوله، وبالمسمى الذات من حيث هى هى؛ وبالتسمية نفس الأقوال؛ وقد يراد ذكر الشئ باسمه، كما يقال: سمى زيداً ولم يسم عمراً. وقال: والاسم إن دل على معنى يقوم بذاته فهو اسم عين، كالرجل والحجر؛ وإلا فاسم معنى، سواء كان

معناه وجودياً كالعلم، أو عدمياً كالجهل. ومثل زيد وعمرو، هو اسم علم، ومثل رجل وامرأة، هو اسم لازم، أى لا ينقلب ولا يفارق، ومثل صغير وكبير، هو اسم مفارق؛ ومثل كاتب وخياط، اسم مشتق، ومثل غلام جعفر، وثوب زيد، هو اسم مضاف، ومثل فلان أسد، هو اسم مشبه؛ ومثل أب وأم، هو اسم منسوب يثبت بنفسه ويثبت غيره؛ ومثل حيوان وناس، اسم جنس. والاسم -باعتبار معناه- على ستة أقسام، فنحو: زيد، جزئى حقيقى؛ ونحو: الإنسان، كلى متواطئ؛ ونحو: الوجود، كلى مشكك؛ ونحو: العين، مشترك؛ ونحو: الصلاة، منقول متروك؛ ونحو: الأسد: حقيقى ومجاز. ووقوع الاسم على الشئ باعتبار ذاته كالأعلام، وباعتبار صفة حقيقية قائمة بذاته، كالأسود والأبيض والحار والبادر، وباعتبار جزء من أجزاء ذاته، كقولنا للحيوان: إنه جوهر وجسيم، وباعتبار صفة إضافية فقط، كقولنا للشئ: : إنه معلوم ومفهوم ومذكور ومالك ومملوك، وباعتبار صفة سلبية كالأعمى والفقير، وباعتبار صفة حقيقية مع صفة إضافية، كقولنا للشئ: إنه عالم وقادر، فإن العلم عند الجمهور صفة حقيقية ولها إضافة إلى المعلومات، وكذا القدرة صفة حقيقية ولها إضافة إلى المقدورات؛ وباعتبار صفتين: حقيقية وسلبية، كشجاع وهى الملكة وعدم البخل؛ وباعتبار صفتين: إضافية وسلبية، كالأول، لأنه سابق لغيره ولم يسبقه غيره؛ وقيُّوم، لأنه غير محتاج إلى غيره ومقوَّم لغيره؛ وباعتبار الصفات الثلاث كالإله، لأنه دال على وجوبه لذاته وعلى إيجاده لغيره وعلى تنزيهه عما لا يليق به. والاسم الواقع فى الكلام قد يراد به نفس لفظه كما يقال: زيد معرب، وضرب فعل ماض، ومن حرف جر؛ وقد يراد به نفس ماهية المسمى، مثل: الإنسان نوع، والحيوان جنس؛ وقد يراد به فرد، نحو: جاءنى إنسان، ورأيت حيواناً، وقد يراد جزؤها، كالناطق؛ أو عارض لها كالضاحك.

ولا يبعد أن يقع اختلاف واشتباه فى أن اسم الشئ نفس مسماه أو غيره، وفى مثل كتبت زيداً، يراد به اللفظ، ومثل: كتب زيد، يراد به المسمى؛ وإذا أطلق بلا قرينة ترجح اللفظ أو المسمى، كما فى قولك: زيد حسن، فإنه يحتملهما بلا رجحان، فالقائل بالغيرية يحمله على اللفظ، وبالعينية على المسمى. وعند النحويين غير المسمى، إذ لو كان إياه لما جازت إضافته إليه، إذ الشئ لا يضاف إلى نفسه. والاسم هو اللفظ المعلق على الحقيقة، عيناً كانت تلك الحقيقة أو معنى، تمييزاً لها باللقب ممن يشاركها فى النوع. والمسمى هى تلك الحقيقة، وهى ذات ذلك اللقب، أى صاحبه؛ فمن ذلك: لقيته ذات مرة، والمراد الزمن المسمى بهذا الاسم، الذى هو مرة. والدليل على التغاير بينهما أيضاً ثبوت كل منهما. حال عدم الآخر، كالحقائق التى ما وضعوا لها اسما بعينه، وكألفاظ المعدوم والمنفى، وكالأسماء المترادفة المشتركة، فإن كثرة المسميات ووحدة الاسم فى المشترك، وبالعكس فى المترادف، توجب المغايرة، لا سيما أن الاسم أصوات مقطعة وضعت لتعريف المسميات، وتلك الأصوات أعراض غير باقية. والمسمى قد يكون باقياً، بل قد يكون واجب الوجود لذاته. وإطلاق الاسم بمعنى الصفة على ما مدلوله مجرد الذات، بلا معنى زائد، محل نظر، فإن قيل: لو كان الاسم هو المسمى لاستقام أن يقال: إن الله اسم، كما يستقيم القول بأن الله مسمى، واستقام أن يقال بأنه عبد اسم الله، كما يستقيم القول بأنه عبد الله. قال صاحب "الكافى": السبيل فى مثله التوقيف، ولم يرد التوقيف بأن اسم الله هو الله، ولا بأن عبد اسم الله عبد الله. والمحكى عن المعتزلة أن الاسم غير المسمى. ولفظ الاسم فى قوله تعالى (سبح اسم ربك) و (تبارك اسم ربك) مقحم. قال أبو البقاء: ولنا أن تلكما الآيتين دليل على أنهما واحد، إذ لو كان الاسم

غير المسمى لكان أمراً بالتسبيح لغير الله، وعلى هذا إذا قال: زينب طالق، واسم امرأته زينب، يقع على ذات المرأة لا على اسمها. وإذا استعمل بمعنى التسمية يكون غير المسمى لا محالة، فجواب: ما اسمك؟ زيد، لأن ما لغير العقلاء، وجواب: من زيد؟ أنا، بالإضافة إلى الذات. فالاسم هو مدلول اللفظ لا اللفظ، يقال: زيد هذا الشخص، وزيد جاء، ولو كان هو اللفظ لما صح الإسناد، نعلم أنه غير المسمى خارجاً لا مفهوماً. وأما اللفظ الحاصل بالتكلم، وهو الحروف المركبة تركيباً مخصوصاً، فيسمى بالتسمية. ثم إن الاسم إما أن يوضع لذات معينة من غير ملاحظة معنى من المعانى معها، مثل الإبل والفرس، وإما أن يوضع لذات معينة باعتبار صدق معنى ما عليها، فيلاحظ الواضع تلك الذات باعتبار صدق ذلك المعنى عليها، ثم يوضع الاسم بإزاء تلك الذات فقط، خارجاً عنها ذلك المعنى، أو بإزاء الذات المتصفة بذلك المعنى، داخلا ذلك المعنى فى الموضوع له، فيكون المعنى سبباً باعثاً للوضع فى هاتين الصورتين، مع أنه خارج فى الصورة الأولى داخل فى الثانية. وكل من هذه الأقسام الثلاثة اسم يوصف ولا يوصف به، إذ مدلوله الذات المعينة القائمة بنفسها، ممتنعة القيام بغيرها، حتى يوصف بها الغير. وإما أن يوضع لذات مبهمة يقوم بها معنى معين، على أن يكون قيام ذلك المعنى بأية ذات كانت من الذوات مصححاً للإطلاق. فهذا القسم هو الصفة، إذ مدلوله قائم بغيره لا بنفسه، لأنه مركب من مفهوم الذات المبهمة والمعنى. . وقيام المعنى بغيره ظاهر، وكذا الذات المبهمة معنى من المعانى، إذ لا استقلال له بنفسه فيقوم بغيره. والضابط فيه هو أن كل ذات قامت بها صفات زائدة عليها فالذات غير الصفات، وكذا كل واحد من الصفات غير الآخر إن اختلفت بالذوات، بمعنى أن حقيقة كل واحد والمفهوم منه، عند انفراده، غير مفهوم الآخر لا محالة. وإن كانت الصفات غير ما قامت به من الذات فالقول بأنها غير مدلول الاسم المشتق منها أو ما وضع لها وللذات من

غير اشتقاق، وذلك مثل صفة العلم بالنسبة إلى مسمى العالم أو مسمى الإله. فعلى هذا، وإن صح القول بأن علم الله غير ما قام به من الذات لا يصح أن يقال إن علم الله غير مدلول اسم الله أو عينه، إذ ليس هو عين مجموع الذات مع الصفات، ولعل هذا هو المراد بقول بعضهم إن الصفات النفسية لا هى ولا هى غيره. وعلى هذا فالإله اسم لا وصف، مع أنه صالح للوصفية أيضاً لاشتمال معناه على الذات المبهمة القائمة بها معنى وعيناً. والدليل على ذلك جريان الأوصاف عليه وعدم جريانه على موصوف، والسبب فى ذلك كونه فى أصل وضعه لذات معينة بإعتبار وصف الألوهية، ومعلوم أن الذات المعينة قائمة بنفسها لا يحتمل قيامها بغيرها حتى يصح إجراء اللفظ الدال عليها على موصوف ما. وهذا هو الفرق بين الاسم والصفة. ويقول الجرجانى فى شرح المواقف: الاسم الذى يطلق على الشئ إما أن يؤخذ من الذات، بأن يكون المسمى به ذات الشئ وحقيقته من حيث هى، أو من جزئها، أو من وصفها الخارجى أو من الفعل الصادر عنه، فالمأخوذ من الوصف الخارجى الداخل فى مفهوم الاسم فجائز فى حقه تعالى، سواء كان الوصف حقيقياً كالعليم، أو إضافياً كالماجد بمعنى العالى، أو سلبياً كالقدوس، وكذا المأخوذ من الفعل كالخالق. وأما المأخوذ من الجزء كالجسم للإنسان فمحال، لانتفاء التركيب فى ذاته، فلا يتصور له جزء حتى يطلق عليه اسمه. أما المأخوذ من الذات، فمن ذهب إلى جواز تعقل ذاته جوّز أن يكون له اسم بإزاء حقيقته المخصوصة، ومن ذهب إلى امتناع تعقلها لم يجوز، لأن وضع الاسم لمعنى نوع من تعقله ووسيلة إلى تفهيمه، فإذا لم يمكن أن يعقل ويفهم، فإنه لا يتصور اسم بإزائه. وفيه بحث، لأن الخلاف فى تعقل كنه ذاته ووضع الاسم لا يتوقف عليه، إذ يجوز أن يعقل ذات ما بوجه ما. ويوضع الاسم لخصوصية يقصد تفهيمها باعتبار ما لا بكنهها، ويكون

ذلك الوجه مصححاً للوضع وخارجاً عن مفهوم الاسم، كما فى لفظ الله، فإنه اسم علم له، موضوع لذاته من غير اعتبار معنى فيه. وفى شرح القصيدة الفارضية فى علم التصوف: الأسماء تنقسم باعتبار الذات والصفات والأفعال إلى: الذاتية كالله، والصفاتية كالعليم، والأفعالية كالخالق. وتنحصر باعتبار الأنس والهيبة عند مطالعتها فى الجمالية كاللطيف، والجلالية كالقهار. والصفات تنقسم باعتبار استقلال الذات بها إلى: ذاتية، وهى سبعة: العلم والحياة والإرادة والقدرة والسمع والبصر والكلام؛ وباعتبار تعلقها بالخلق إلى: أفعالية، وهى ما عدا السبعة. ولكل مخلوق سوى الإنسان حظ من بعض الأسماء دون الكل، كحظ الملائكة من اسم السبوح والقدوس. ولذا قالوا: نحن نسبح بحمدك ونقدس لك. وحظ الشيطان من اسم الجبار والمتكبر، ولذلك عصى واستكبر، واختص الإنسان بالحظ من جميعها، ولذلك أطاع تارة وعصى أخرى، وقوله تعالى {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا} أى ركب فى فطرته من كل اسم من أسمائه لطيفة وهيأه بتلك اللطائف للتحقق بكل الأسماء الجلالية والجمالية، وعبر عنهما بيديه، فقال لإبليس {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} وكل ما سواه مخلوق بيد واحدة لأنه إما مظهر صفة الجمال كملائكة الرحمة، أو الجلال كملائكة العذاب. وعلامة التحقق باسم من أسماء الله أن يجد معناه فى نفسه، كالمتحقق باسم الحق، علامته ألا يتغير بشئ، كما لم يتغير الحلاج عند قتله تصديقاً لتحققه بهذا الاسم. وفى الإنسان الكامل: أسماء الله تعالى على قسمين، القسم الأول هى الذاتية كالأحد والواحد والفرد والصمد والعظيم والحى والعزيز والكبير والمتعال وأشباه ذلك. والقسم الثانى هى الصفاتية، كالعليم والقادر، ولو كانت من الأسماء النفسية، وكالمعطى والخلاق، ولو كانت من الأفعالية. ويقول التهانوى: اعلم أن تسميته تعالى بالأسماء توقيفية، أى يتوقف إطلاقها على الإذن فيه وليس الكلام فى أسماء الأعلام الموضوعة فى اللغات إنما

النزاع فى الأسماء المأخوذة من الصفات والأفعال. وقال القاضى أبو بكر: كل لفظ دل على معنى ثابت لله تعالى جاز إطلاقه عليه به بلا توقيف، إذا لم يكن إطلاقه موهما لما لا يليق بكبريائه، ولذا لم يجز أن يطلق عليه لفظ العارف، لأن المعرفة قد يراد بها علم تسبقه غفلة، وكذا لفظ الفقيه والعاقل والفطن والطبيب ونحو ذلك. وقد يقال: لابد مع نفى ذلك الإيهام من الإشعار بالتعظيم حتى يصح الإطلاق بلا توقيف. وقال القاضى أبو بكر: لابد من التوقيف، وهو المختار، وذلك للاحتياط، فلا يجوز الاكتفاء فى عدم إيهام الباطل بمبلغ إدراكنا، بل لابد من الاستناد إلى إذن الشرع. فإن قلت: من الأوصاف ما يمتنع إطلاقه عليه تعالى مع ورود الشرع بها، كالماكر، أجيب بأنه لا يكفى فى الإذن مجرد وقوعها فى الكتاب أو السنة بحسب اقتضاء المقام ورعاية أدب. وسياق الكلام، بل يجب أن يخلو عن نوع تعظيم. وقال الغزالى: الحق أن الاسم غير التسمية وغير المسمى، وأن هذه ثلاثة أسماء متباينة غير مترادفة ولا سبيل إلى كشف الحق فيه إلا ببيان معنى كل واحد من هذه الألفاظ الثلاثة مفرداً، ثم بيان معنى قول: هو هو، ومعنى قولنا: هو غيره. وكل علم تصديقى، أعنى علم ما يتطرق إليه التصديق أو التكذيب، فإنه لا محالة لفظه قضية تشتمل على موصوف وصفة ونسبة لتلك الصفة إلى الموصوف، فلابد وأن تتقدم عليه المعرفة بالموصوف وحده على سبيل التصور لحدها وحقيقتها، ثم المعرفة بالصفة وحدها على سبيل التصور لحدها وحقيقتها، ثم النظر فى نسبة الصفة إلى الموصوف، أنها موجودة له أو منفية عنه، فمن أراد مثلا أن يعلم أن الملك قديم أو حادث، فلابد وأن يعرف أولاً معنى لفظ الملك، ثم معنى القديم والحادث، ثم ينظر فى إثبات أحد الوصفين للملك أو نفيه عنه، فلذلك لابد من معرفته معنى الاسم ومعنى المسمى، ومعنى التسمية، ومعرفة معنى هو هو، والهوية والغيرية حتى يتصور أن يعرف بعد ذلك أنه هو أو غيره.

وحد الاسم وحقيقته أن للأشياء وجوداً فى الأعيان ووجوداً فى الأذهان ووجوداً فى اللسان. أما الوجود فى الأعيان فهو الوجود الأصلى الحقيقى، والوجود فى الأذهان هو الوجود العلمى الصورى، والوجود فى اللسان هو الوجود اللفظى الدليلى؛ فإن السماء مثلا لها وجود فى عينها ونفسها، ثم لها وجود فى أذهاننا ونفوسنا، لأن صورة السماء تنطبع فى أبصارنا ثم فى خيالنا حتى لو عدمت السماء مثلا وبقينا لكانت صورة السماء حاضرة فى خيالنا. وهذه الصورة هى التى يعبر عنها بالعلم، وهو مثال المعلوم، فإنه محاكٍ للمعلوم وموازٍ له، وهو كالصورة المنطبعة فى المرآة فإنها محاكية للصورة الخارجة المقابلة لها. فالعلم إذن مثال الذهن فى المعلوم. وأما الوجود فى اللسان فهو اللفظ المركب من أصوات قطعت أربع تقطيعات، يعبر عن القطعة الأولى بالسين، وعن الثانية بالميم، وعن الثالثة بالألف، وعن الرابعة بالهمزة، وهو قولنا: سماء. فالقول دليل على ما هو فى الذهن، وما فى الذهن صورة لما فى الوجود مطابقة له. ولو لم يكن وجود فى الأعيان لم تنطبع صورة فى الأذهان. ولو لم تنطبع صورة فى الأذهان لم يشعر بها إنسان، ولو لم يشعر بها الإنسان لم يعبر عنها باللسان. فإذن اللفظ والعلم والمعلوم ثلاثة أمور متباينة لكنها متطابقة متوازية. والإنسان مثلا من حيث إنه موجود فى الأعيان يلحقه أنه نائم ويقظان وحى وميت وماشٍ وقاعد وغير ذلك، ومن حيث إنه موجود فى الأذهان يلحقه أنه مبتدأ وخبر وعام وخاص وجزئى وكلى وقضية وغير ذلك؛ ومن حيث إنه موجود فى اللسان يلحقه أنه عربى وعجمى وتركى وزنجى وكثير الحروف وقليلها، وإنه اسم وفعل وحرف وغير ذلك. وهذا الوجود يجوز أن يختلف بالأعصار ويتفاوت فى عادة أهل الأمصار. فأما الوجود الذى فى الأعيان والأذهان فلا يختلف بالأعصار والأمم البتة.

والمراد بالاسم هنا الذى فى اللسان دون الذى فى الأعيان والأذهان. وإذا عرفت أن الاسم إنما يعنى به اللفظ الموضوع للدلالة، فاعلم أن كل موضوع للدلالة فله واضع ووضع وموضوع له. ويقال للموضوع له: المسمى، وهو المدلول عليه، من حيث إنه يدل عليه، ويقال للواضع: المسمى؛ ويقال للوضع: التسمية. وقد يطلق لفظ التسمية على ذكر الاسم الموضوع، كالذى ينادى شخصاً يقول: يا زيد، فيقال: سماه، وإن قال: أبا بكر، يقال: كنّاه. وكان لفظ التسمية مشتركاً بين وضع الاسم وبين ذكر الاسم، وإن كان الأشبه أنه أحق بالوضع منه بالذكر. ويجرى الاسم والتسمية والمسمى مجرى الحركة والتحريك والمتحرك والمحرك. وهذه أربعة أسام متباينة تدل على معان مختلفة، فالحركة تدل على النقلة من مكان إلى مكان، والتحريك يدل على إيجاد هذه الحركة، والمحرك يدل على فاعل الحركة، والتحرك يدل على الشئ الذى فيه الحركة، مع كونه صادراً من فاعل كالمتحرك الذى لا يدل إلا على المحل الذى فيه الحركة ولا يدل على الفاعل. ثم قال: ومن ظن أن الاسم هو المسمى، على قياس الأسماء المترادفة، كما يقال: الخمر هى العقار، فقد أخطأ، لأن مفهوم المسمى غير مفهوم الاسم، إذ الاسم لفظ دال والمسمى مدلول، وقد يكون غير لفظ، ولأن الاسم عجمى وتركى وعربى، أى موضوع العجم والترك والعرب، والمسمى قد لا يكون كذلك. والاسم إذا سئل عنه قيل: ما هو؟ والمسمى إذا سئل عنه قيل: من هو؟ وإذا سمى الجميل باسم قبيح، قيل اسم قبيح ومسمى حسن، وإذا سمى باسم كثير الحروف ثقيل المخارج، قيل اسم ثقيل ومسمى خفيف. والاسم قد يكون مجازاً والمسمى لا يكون مجازاً. والاسم قد يتبدل على سبيل التفاؤل والمسمى لا يتبدل، فهذا كله يعرفك أن الاسم غير المسمى. وقد يقال: إن الاسم هو المسمى، على معنى أن المسمى مشتق من الاسم،

فيدخل فيه كما يدخل السيف فى مفهوم الصارم. وهذا إن قيل به فيلزم عليه أن يكون التسمية والمسمَّى والاسم كله واحداً، لأن الكل مشتق من الاسم ويدل عليه. وهذا مجازفة من الكلام، إذ الاسم دلالة، وله مدلول هو المسمى، ووضعه فعل فاعل مختار، وهو التسمية، ثم إن المسمى ليس اسما بصفة، ولا التسمية اسما بصفة، فيصح هذا التأويل. فالاسم والتسمية والمسمى ألفاظ متباينة المفهوم مختلفة المقصود، يصح على الواحد منها أن يقال له: هو غير الثانى لا أنه هو، لأن الغير فى مقابلة: الهو هو. والمذهب القائل بتقسيم الاسم إلى ما هو المسمى، وإلى ما هو غيره، وإلى ما هو هو ولا هو غيره، فأبعد المذاهب عن السداد، إلا أن يراد به مفهوم الاسم، فيقال: مفهوم الاسم قد يكون ذات المسمى وحقيقته وماهيته، وهى أسماء الأنواع التى ليست مشتقة، كقولك: إنسان وعلم وبياض، وما هو مشتق فلا يدل على حقيقة المسمى بل يترك الحقيقة مبهمة ويدل على صفة له، كقولك: عالم وكاتب. وقد يقال: إنما اضطر القائلون إلى القول بأن الاسم هو المسمى حذرا من القول بأن الاسم هو اللفظ الدال بالاصطلاح فيلزمهم القول بأن الله تعالى لم يكن له اسم فى الأزل إذ لم يكن لفظ ولا لافظ، فإن اللفظ حادث. ولقد فاتهم أن معانى الأسماء كانت ثابتة فى الأزل ولم تكن الأسماء؛ لأن الأسماء عربية وعجمية حادثة. وقد سبقت الإشارة إلى أن الأشياء لها ثلاث مراتب فى الوجود أحدها فى الأعيان، وهذا الوجود الموصوف بالقدم فيما يتعلق بذات الله تعالى وصفاته، والثانى فى الأذهان وهذا الوجود حادث إذ كانت الأذهان حادثة، والثالث فى اللسان وهى الأسماء، وهذا الوجود أيضاً حادث بحدوث اللسان. وقد يقال: فقد قال تعالى {مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ} ومعلوم أنهم ما كانوا يعبدون الألفاظ التى هى حروف مقطعة، بل كانوا يعبدون المسميات.

فنقول: إن المستدل بهذا لا يفهم وجه دلالته ما لم يقل إنهم كانوا يعبدون المسميات دون الأسماء فيكون فى كلامه التصريح بأن الأسماء غير المسميات، إذا لو قال قائل: العرب كانت تعبد المسميات دون المسميات لكان متناقضاً، ولو قال: نعبد المسميات دون الأسماء كان غير متناقض، فلو كانت الأسماء هى المسميات لكن القول الأخير كالأول. ثم يقال أيضاً: إن اسم الآلهة التى أطلقوها على الأصنام كان اسما بلا مسمى؛ لأن المسمى هو المعنى الثابت فى الأعيان من حيث دل عليه اللفظ، ولم تكن للأصنام آلهة ثابتة فى الأعيان ولا معلومة فى الأذهان، بل كانت أساميها موجودة فى اللسان فكانت أسماء بلا معان، ومن سمى باسم الحكيم ولم يكن حكيما وفرح به قيل: فرح بالاسم، إذ ليس وراء الاسم معنى، وهذا هو الدليل على أن الاسم غير المسمى، لأنه أضاف الاسم إلى التسمية وأضاف التسمية إليهم فجعلها فعلا لهم، فقال (أسماء سميتموها) يعنى أسماء حصلت بتسميتهم وفعلهم وأشخاص الأصنام لم تكن هى الحادثة بتسميتهم. فإن قيل: فقد قال تعالى {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} والذات هى المسبحة دون الاسم؛ قلنا. الاسم ها هنا زيادة على سبيل الصفة. وقد استدل القائلون بأن الاسم غير المسمى بقوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} وبقوله - صلى الله عليه وسلم -: إن لله سبحانه تسعة وتسعين اسما، مائة إلا واحداً، من أحصاها دخل الجنة، قالوا: لو كان الاسم هو المسمى لكان مسمى تسعاً وتسعين، وهو محال، لأن المسمى واحد. وقد يقولون: إن المراد بالاسم هنا التسمية، وهو بعيد أيضاً، إذ أن التسمية ذكر الاسم أو وصفه، ثم إن التسمية تتعدد وتكثر بكثرة المتسمين، وإن كان الاسم واحداً، كما أن الذكر والعلم يكثر بكثرة الذاكرين والعالمين، وإن كان المذكور والمعلوم واحداً، فكثرة التسمية لا تفتقر إلى كثرة الأسماء، لأن ذلك يرجع إلى أفعال المسمين، فما أريد بالأسماء ها هنا التسميات، بل

أريد الأسماء، والأسماء هى الألفاظ الموضوعة الدالة على المعانى المختلفة. وثمة مسألة أثارها صاحب المقال، وهى ذلك الترادف الذى أشار إليه بين بعض الأسماء الحسنى. ونحن نورد هنا ما رد به الغزالى، قال: وهذا مما أستبعده غاية الاستبعاد مهما كان الاسمان من جملة التسعة والتسعين، لأن الاسم لا يراد لحروفه بل لمعانيه، والأسامى المترادفة لا تختلف إلا حروفها، وإنما فضيلة هذه الأسامى لما تحتها من المعانى، فإذا خلت عن المعانى لم يبق إلا الألفاظ. والمعنى إذ دل عليه بألف اسم لم يكن له فضل على المعنى الذى يدل عليه باسم واحد، فبعيد أن يكمل هذا العدد المحصور بتكرير الألفاظ على معنى واحد، بل الأشبه أن يكون تحت كل لفظ خصوص معنى، فإذا رأينا لفظين متقاربين فلابد فيه من أحد أمرين. أحدهما: ألا يبين أن أحدهما خارج عن التسعة والتسعين، مثل الأحد والواحد، فإن الرواية المشهورة عن أبى هريرة ورد فيها الواحد، وفى رواية أخرى ورد فيها الأحد بدل الواحد، فيكون مكمل العدد معنى التوحيد، إما بلفظ الواحد أو بلفظ الأحد، فأما أن يقوما فى تكميل العدد مقام اسمين والمعنى واحد، فهو بعيد جداً. الثانى: أن نتكلف إظهار مزية لأحد اللفظين على الآخر ببيان اشتماله على دلالة لا يدل عليه الآخر، مثاله لو ورد الغافر والغفور والغفار، لم يكن بعيداً أن تعد هذه ثلاثة أسام، لأن الغافر يدل على أصل المغفرة فقط، والغفور يدل على كثرة المغفرة بالإضافة إلى كثرة الذنوب، حتى إن من لا يغفر إلا نوعاً واحداً من الذنوب فلا يقال له الغفور، والغفار يشير إلى كثرة غفران الذنوب على سبيل التكرار، أى يغفر الذنوب مرة بعد أخرى، حتى إن من يغفر الذنوب جميعاً ولكن أول مرة، ولا يغفر العائد إلى الذنب مرة بعد أخرى لم يستحق اسم الغفار. ثم قال: وهذا القدر من التفاوت يخرج الأسامى من أن تكون مترادفة وتكون من جنس السيف والمهند والصارم، لا من جنس الليث والأسد. فإن عجزنا فى بعض هذه الأسامى المتقاربة عن هذين المسلكين فينبغى أن

نعتقد تفاوتاً بين معنى اللفظين. فإن عجزنا عن التنصيص على خصوص ما به الافتراق كالعظيم والكبير مثلا فإنه يصعب علينا أن نذكر وجه الفرق بين معنييهما فى حق الله تعالى، ولكنا مع ذلك لا نشك فى أصل الافتراق، ولذلك قال تعالى: الكبرياء ردائى، والعظمة إزارى. فرق بينهما فرقاً يدل على التفاوت، وإن كان كل واحد من الرداء والإزار زينة للإنسان، ولكن الرداء أشرف من الإزار. وكذلك العرب فى استعمالها تفرق بين اللفظين، إذ يستعمل الكبير حيث لا يستعمل العظيم، ولو كانا مترادفين لتواردا فى كل مقام، تقول العرب: فلان أكبر سناً من فلان، ولا تقول: أعظم سناً. فهذه الأسامى، وإن كانت متقاربة المعانى فليست مترادفة. وعلى الجملة يبعد الترادف المحض فى الأسماء الداخلة فى التسعة والتسعين، لأن الأسماء لا تراد لحروفها ومخارج أصواتها، بل لمفهوماتها ومعانيها. وكذا أشار صاحب المقال إلى المعانى المختلفة التى يحتملها الاسم الواحد، ونحن نسوق هنا رأى الغزالى فى ذلك، قال: الاسم الواحد الذى له معان مختلفة، وهو مشترك بالإضافة إليها، كالمؤمن مثلا، فإنه قد يراد به التصديق، وقد يشتق من الأمن، ويكون المراد إفادة الأمن والأمان، فهل يجوز أن يحمل على كلا المعنيين حمل العموم على مسمياته، كما يحمل العليم على العلم بالغيب والشهادة والظاهر والباطن وغير ذلك من المعلومات الكثيرة؟ وهذا إذا نظر إليه من حيث اللغة فبعيد أن يحمل الاسم المشترك على جميع المسميات حمل العموم إذ العرب تطلق اسم الرجل وتريد به كل واحد من الرجال، وهذا هو العموم، ولا تطلق اسم العين وتريد به عين الشمس والدينار وعين الميزان والعين المتفجرة من الماء والعين الباصرة من الحيوان، وهذا هو اللفظ المشترك. بل تطلق مثل ذلك لإرادة أحد معانيه، وتميز ذلك بالقرينة. إلى أن قال: ولا نذكر لكل اسم إلا معنى واحداً نراه أقرب ونضرب عما عداه صفحا إلا إذا تصرف الشرع فيه من الألفاظ، فلا يبعد أن يكون من وضعه وتصرفاته إطلاق اللفظ لإرادة

جميع المعانى، فيكون اسم المؤمن بالشرع محمولا على المصدق، ومفيداً الأمن بوضع الشرع لا بوضع لغوى، كما أن اسم الصلاة والصوم قد اختص بتصرف الشرع ووضعه. وننتقل بعد هذا إلى الأسماء الحسنى وبيان معانيها فى ظل ما قدمنا، إذ ما جاء فى المقال غير مجزيء، والقاريء به لا يغنى، كما أن فيه تجاوزا كثيراً عما هو شائع متعارف، واكتفاء بشئ من أشياء، فنقول: الأسماء الحسنى وهى التى اشتملت عليها رواية أبى هريرة، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن لله تسعة وتسعين اسما، مائة إلا واحداً. إنه وتر يحب الوتر، من أحصاها دخل الجنة. هو الله الذى لا إله إلا هو الرحمن الرحيم الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكير الخالق الباريء المصور الغفار القهار الوهاب الرزاق الفتاح العليم القابض الباسط الخافض الرافع المعز المذل السميع البصير الحكم العدل الخبير الحليم العظيم الغفور الشكور العلى الكبير الحفيظ المقيت الحسيب الجليل الكريم الرقيب المجيب الواسع الحكيم الودود المجيد الباعث الشهيد الحق الوكيل القوى المتين الولى المحصى المبديء المعيد المحيى المميت الحي القيوم الواجد الماجد الباطن الوالى المتعال البر التواب المنتقم العفو الرؤوف مالك الملك ذو الجلال والإكرام المقسط الجامع الغنى المانع الضار النافع النور الهادى البديع الباقى الوارث الرشيد الصبور. الله: اسم للموجود الحق لصفات الإلاهية، المنعوت بنعوت الربوبية، المنفرد بالوجود الحقيقى، فإن كل موجود سواه غير مستحق للوجود بذاته، وأن ما استفاد الوجود منه فهو من حيث ذاته هالك، ومن جهته التى تليه موجود هالك إلا وجهه. والأشبه أنه جاء فى الدلالة على هذا المعنى مجرى الأسماء الأعلام. وهو أعظم الأسماء التسعة والتسعين لأنه دال على الذات الجامعة لصفات الإلاهية كلها حتى لا يشذ منها شئ، وسائر الأسماء لا تدل آحادها إلا على أصل المعانى من علم أو قدرة أو فعل

أو غيره، ولأنه أخص الأسماء، إذ لا يطلقه أحد على غيره لا حقيقة ولا مجازا، وسائر الأسماء قد يسمى به غيره، كالقادر والعليم والرحيم. الرحمن الرحيم: اسمان مشتقان من الرحمة، والرحمة تستدعى مرحوما، ولا مرحوم إلا وهو محتاج. والذى تنقضى به حاجة المحتاج من غير قصد وإرادة وعناية بالمحتاج لا يسمى رحيما. والذى يريد قضاء حاجة ولا يقضيها، فإن كان قادرا على قضائها لا يسمى رحيما إذ لو تمت الإرادة لوفى بها، وإن كان عاجزا فقد يسمى رحيما ياعتبار ما اعتاده من الرقة ولكنه ناقص. وإنما الرحمة التامة إفاضة الخير على المحتاجين وإرادته لهم عناية بهم. والرحمة العامة هى التى تتناول المستحق وغير المستحق، ورحمة الله تامة عامة. والرحمن أخص من الرحيم، ولذلك لا يسمى به غير الله، والرحيم قد يطلق على غيره فهو من هذا الوجه قريب من اسم الله الجارى مجرى العلم، وإن كان هذا مشتقا من الرحمة قطعا، ولذلك جمع الله بينهما فقال: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} فلزم من هذا، ومن حيث إنه لا ترادف فى الأسماء المحصاة أن يفرق بين معنى الاسمين، والمفهوم من الرحمن نوع من الرحمة أبعد من مقدورات العباد. فحظ العبد من اسم الرحمن صرفه إن كان ذا غفلة إلى الله بالوعظ والنصح، والنظر إلى العاصى بعين الرحمة، وحظه من اسم الرحيم إغناؤه وسد حاجته. الملك: هو الذى يستغنى فى ذاته وصفاته عن كل موجود ويحتاج إليه كل موجود، بل لا يستغنى عنه شئ فى شئ، لا فى ذاته ولا فى صفاته، ولا فى وجوده ولا فى بقائه، بل كل شئ فوجوده منه أو مما هو منه، وكل شئ سواه فهو مملوك فى ذاته وصفاته، وهو مستغن عن كل شئ فهذا هو الملك المطلق. القدوس: المنزه عن كل وصف يدركه حس أو يتصوره خيال أو يسبق إليه وهم أو يختلج به ضمير أو يقضى به تفكير. ولا يقال: منزه عن العيوب

والنقائص، لأن نفى الوجود يكاد يوهم إمكان الوجود، وفى ذلك الإيهام نقص. السلام: الذى تسلم ذاته عن العيب وصفاته عن النقص وأفعاله عن الشر، فكل سلامة فى الوجود معزوة إليه صادرة منه. المؤمن: الذى يعزى إليه الأمن والأمان بإفادته أسبابه وسده طرق المخاوف. ولا يتصور أمن إلا فى محل الخوف، ولا خوف إلا عند إمكان العدم والنقص والهلاك. والمؤمن المطلق هو الذى لا يتصور أمن وأمان إلا ويكونان مستفادين من جهته، وهو الله تعالى. فلا أمن فى العالم إلا وهو مستفاد بأسباب هو متفرد لخلقها والهداية إلى استعمالها، فهو الذى أعطى كل شئ خلقه ثم هدى، فهو المؤمن المطلق حقاً. المهيمن: القائم على خلقه بأعمالهم وأرزاقهم وآجالهم، وذلك باطلاعه واستيلائه وحفظه، وكل مشرف على كنه الأمر مستول عليه حافظ له فهو مهيمن عليه. والإشراف يرجع إلى العلم، والاستيلاء إلى كمال القدرة، والحفظ إلى العقل، فالجامع بين هذه المعانى اسمه المهيمن ولن يجمع ذلك على الإطلاق والكمال إلا الله تعالى، ولذلك قيل إنه من أسماء الله تعالى فى الكتب القديمة. العزيز: الخطير الذى يقل وجود مثله وتشتد الحاجة إليه ويصعب الوصول إليه، فما لم يجتمع عليه هذه المعانى الثلاثة لم يطلق عليه اسم العزيز، فكم من شئ يقل وجوده ولكن إذا لم يعظم خطره ولم يكثر نفعه لم يسم عزيزا، وكم من شئ يعظم خطره ويكثر نفعه ولا يوجد نظيره، ولكن إذا لم يصعب الوصول إليه لم يسم عزيزاً، كالشمس مثلا فإنها لا نظير لها، والأرض كذلك، والنفع عظيم فى كل واحدة منهما والحاجة شديدة إليهما، ولكن لا توصفان بالعزة، لأنه لا يصعب الوصول إلى مشاهدتهما. فلابد من اجتماع المعانى الثلاثة. ثم لكل واحد من المعانى الثلاثة كمال ونقصان، فالكمال فى قلة الوجود أن يرجع إلى واحد، إذ لا أقل من الواحد، ويكون بحيث يستحيل وجود مثله، وليس هو إلا الله تعالى، فإن الشمس وإن كانت

واحدة فى الوجود فليست واحدة فى الإمكان فيمكن وجود مثلها فى الكمال والنفاسة. وشدة الحاجة أن يحتاج إليه كل شئ فى كل شئ حتى فى وجوده وبقائه وصفاته، وليس ذلك على الكمال إلا لله تعالى. فلا يعرف الله تعالى إلا الله تعالى، فهو العزيز المطلق الحق لا يوازيه فيه غيره. الجبار: الذى تنفذ مشيئته على سبيل الإجبار فى كل أحد، ولا تنفذ فيه مشيئة أحد. والذى لا يخرج أحد عن قبضته، وتقصر الأيدى دون حمى حضرته، فالجبار المطلق هو الله تعالى فإنه يجبر كل أحد ولا يجبره أحد، ولا مثنوية فى حقه فى الطرفين. المتكبر: لا يرى العظمة والكبرياء إلا لنفسه ففإن كانت هذه الرؤية صادقة كان التكبر حقا وكان صاحبها متكبرا حقا، ولا يُتصور ذلك على الإطلاق إلا لله تعالى، فإن كان ذلك التكبر والاستعظام باطلا، ولم يكن ما يراه من التفرد بالعظمة كما يراه كان التكبر باطلا ومذموما. وكل من رأى العظمة والكبرياء لنفسه على الخصوص دون غيره كانت رؤيته كاذبة ونظره باطلا، إلا الله سبحانه وتعالى. الخالق البارئ المصور: خالق من حيث إنه مقدر؛ وبارئ من حيث إنه مخترع موجد؛ ومصور من حيث إنه مرتب صور ما يخترع أحسن ترتيب؛ فليس ثمة ترادف كما يظن، وأن الكل يرجع إلى الخلق والاختراع؛ بل كل ما يخرج من العدم إلى الوجود فيفتقر إلى التقدير أولا، وإلى الإيجاد على وفق التقدير ثانيا، وإلى التصوير بعد الإيجاد ثالثا، فالله تعالى هو المقدر والموجد والمزين، فهو الخالق البارئ المصور، فهو باعتبار لإيجاد على وفق التقدير خالق، وباعتبار مجرد الإيجاد والإخراج من العدم إلى الوجود بارئ. والإيجاد المجرد شئ والإيجاد على وفق التقدير شئ آخر، وهذا يحتاج إليه من يبعد رد الخلق إلى مجرد التقدير. فأما اسم المصور فهو له من حيث إنه رتب صور الأشياء أحسن ترتيب وصورها أحسن تصوير، وهذا من أوصاف الفعل.

الغفار: الذى أظهر الجميل وستر القبيح. والذنوب من جملة القبائح التى سترها بإرسال الستر عليها فى الدنيا والتجاوز عن عقوبتها فى الآخرة. والغفر هو الستر. القهار: الذى لا موجود إلا هو مستمر تحت قهره وقدرته، عاجز فى قبضته. الوهاب: الذى كثرت عطاياه وهباته مع خلوها عن الأعواض والأغراض. ولن يُتصور الجود والعطاء والهبة إلا من الله تعالى، فإنه هو الذى يعطى كل محتاج ما يحتاج إليه، لا لعوض ولا لغرض عاجل ولا آجل. والجواد الحق هو الذى تفيض منه الفوائد على المستفيد لا لغرض يعود إليه. الرزاق: الذى خلق الأرزاق والمرتزقة وأوصلها إليهم، وخلق لهم أسباب التمتع بها. والرزق رزقان: رزق ظاهر، وهو الأقوات والأطعمة، وذلك للظواهر، وهى الأبدان، ورزق باطن، وهى المعارف والمكاشفات، وذلك للقلوب والأسرار، وهذا أشرف الرزقين، فإن ثمرته حياة الأبد، وثمرة الرزق الظاهر قوة الجسد إلى مدة قريبة الأمد. والله المتولى لخلق الرزقين، المتفضل بالإيصال إلى كلا الفريقين، ولكنه يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر. الفتاح: الذى بعنايته ينفتح كل مغلق، وبهدايته ينكشف كل مشكل. فتارة يفتح الممالك لأنبيائه ويخرجها من أيدى أعدائه، ويقول: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا}، وتارة يرفع الحجاب من قلوب أوليائه ويفتح لهم الأبواب إلى ملكوت سمائه وجمال كبريائه، ويقول: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا}. ومن بيده مفاتح الغيب ومفاتيح الرزق فبالحرى أن يكون فتاحا. العليم: أن يحيط علماً بكل شئ ظاهره وباطنه، دقيقه وجليله، أوله وآخره، عاقبته وما تحته. وهذا من حيث الوضوح والكشف على أتم ما يمكن فيه، بحيث لا يتصور كشف أظهر منه، ثم لا يكون مستفادا من المعلومات بل تكون المعلومات مستفادة منه. القابض الباسط: الذى يقبض الأرواح عن الأشباح عند الممات،

ويبسط الأرواح فى الأجساد عند الحياة، ويقبض الصدقات من الأغنياء ويبسط الأرزاق للضعفاء، ويقبض القلوب فيضيقها بما يكشف لها من تعاليه وجلاله، ويبسطها بما يتقرب إليها من بره ولطفه. الخافض الرافع: الذى يرفع أولياءه بالتقريب ويخفض أعداءه بالإبعاد، ومن يرفع مشاهدته عن المحسوسات والمتخيلات وإرادته عن ذميم الشهوات، فقد رفعه إلى أفق الملائكة المقربين، ومن قصر مشاهدته على المحسوسات وهمته على ما تشاركه فيه إليها ثم من الشهوات فقد خفضه إلى أسفل السافلين، ولا يفعل ذلك إلا الله تعالى، فهو الخافض الرافع. المعز المذل: الذى يؤتى الملك من يشاء ويسلبه ممن يشاء. والملك الحقيقى فى الخلاص عن ذل الحاجة وقهر الشهوة ووصم الجهل. فمن رفع الحجاب عن قلبه حتى شاهد جمال حضرته ورزقه القناعة حتى يستغنى بها عن خلقه، وأمده بالقوة والتأييد حتى استولى بها على صفات نفسه، فقد أعزه وأتاه الملك عاجلا، وسيعزه فى الآخرة بالتقرب. ومن مد عينيه إلى الخلق حتى احتاج إليهم، وسلط عليهم الحرص حتى لم يقنع بالكفاية، واستدرجه حتى اغتر بنفسه وبقى فى ظلمة الجهل فقد أذله وسلبه، وذلك صنع الله تعالى كما يشاء حيث يشاء، فهو المعز المذل، يعز من يشاء ويذل من يشاء. السميع: الذى لا يغرب عن إدراكه مسموع وإن خفى، يسمع حمد الحامدين فيجازيهم، ودعاء الداعين فيستجيب لهم، والسمع فى حقه عبارة عن صفة تنكشف بها المسموعات. الَحكَم: الحاكم والقاضى المسلم الذى لا راد لحكمه ولا معقب لقضائه. ومن حكمه فى حق العباد: أن ليس للإنسان إلا ما سعى، وأن سعيه سوف يرى. وأن الأبرار لفى نعيم وأن الفجار لفى جحيم. ومعنى البر والفاجر بالسعادة والشقاوة أن يجعل البر والفجور سببا يسوق صاحبهما إلى السعادة والشقاوة، كما جعل الأدوية والسموم أسبابا تسوق متناوليها إلى

الشفاء والهلاك. وإذا كان معنى الحكمة ترتيب الأسباب وتوجيهها إلى المسميات كان حكماً مطلقا، لأنها مسببة كل الأسباب جملتها وتفصيلها، ومن الحكم يتشعب القضاء والقدر. فالحكم هو التدبير الأول الكلى والأمر الأول الذى هو كلمح البصر. والقضاء هو الوضع الكلى للأسباب الكلية الدائمة. والقدر هو توجيه الأسباب الكلية بحركاتها المقدرة المحسوبة إلى مسبباتها المحدودة بقدر معلوم لا يزيد ولا ينقص، ولذلك لا يخرج شئ عن قضائه وقدره. العدل: الذى يصدر منه فعل العدل المضاد للجور والظلم. ولن يعرف العادل من لم يعرف عدله، ولا يعرف عدله من لم يعرف فعله. اللطيف: من يعلم دقائق المصالح وغوامضها، وما دق منها وما لطف، ثم يسلك فى سبيل إيصالها إلى المستحق سبيل الرفق، فإذا اجتمع الرفق فى العقل واللطف فى العلم تم معنى اللطف. ولا يُتصور كمال ذلك فى العلم والعقل إلا لله تعالى. فأما إحاطته بالدقائق والخفايا فهو أن الخفى مكشوف فى علمه كالجلى من غير فرق. وأما رفقه فى الأفعال ولطفه فيها فمعرفته عن طريق معرفة تفاصيل أفعاله ودقائق الرفق فيها. فهو تعالى من حيث دبر الأمور حكم، ومن حيث أوجدها خالق، ومن حيث رتبها مصور، ومن حيث وضع كل شئ فى موضعه عدل، ومن حيث لم يترك فيها دقائق وجوه الرفق لطيف، ومن لطفه بعباده أنه أعطاهم فوق الكفاية وكلفهم دون الطاقة، ومن لطفه أنه يسر لهم الوصول إلى سعادة الأبد بسعى خفيف فى مدة قصيرة، وهى العمر، فإنه لا نسبة لها بالإضافة إلى الأبد. الخبير: الذى لا تعزب عنه الأخبار الباطنة، ولا يجرى فى الملك والملكوت شئ ولا تتحرك ذرة ولا تسكن، ولا تضطرب نفس ولا تطمئن، إلا ويكون عنده خبره. وهو بمعنى العليم، لكن العلم إذا أضيف إلى الخفايا الباطنة سمى خبرة وسمى صاحبها خبيرا. الحليم: الذى يشاهد معصية العصاة ويرى مخالفة الأمر ثم لا يستفزه غضب ولا يعتريه غيظ ولا

تحمله على المسارعة إلى الانتقام مع غاية الاقتدار عجلة. العظيم: مالا يتصور أن يحيط العقل بكنه حقيقته، وذلك هو العظيم المطلق الذى جاوز حدود العقول حتى لم تتصور الإحاطة بكنهه؛ وذلك هو الله تعالى. الغفور: بمعنى الغفار، ولكنه ينبئ عن نوع مبالغة لا ينبئ عنها الغفار. فإن الغفار مبالغة فى المغفرة، بالإضافة إلى مغفرة متكررة مرة بعد أخرى. فالفعال ينبئ عن كثرة الفعل. والفعول ينبئ عن جودته وكماله وشموله، فهو غفور بمعنى أنه تام الغفران كامله حتى يبلغ أقصى درجات المغفرة. الشكور: الذى يجازى بيسير الطاعات كثير الدرجات، ويعطى بالعمل فى أيام معدودة نعيما فى الآخرة غير محدود. ومن جازى الحسنة بأضعافها يقال إنه شكر تلك الحسنة، ومن أثنى على المحسن يقال أيضاً إنه شكره، فإذا نظرنا إلى معنى الزيادة فى المجازاة لم يكن الشكور المطلق إلا الله تعالى، لأن زيادته فى المجازاة غير محصورة ولا محدودة، فإن نعيم الجنة لا آخر له. وإذا نظرت إلى معنى الثناء فثناء كل مثن على غيره، والرب تعالى إذا أثنى على أعمال عباده فقد أثنى على فعل نفسه، لأن أعمالهم من خلقه، فإن كان الذى أعطى فأثنى شكورا، فالذى أعطى وأثنى على المعطى فهو أحق بأن يكون شكورا، فثناء الله تعالى على عباده كقوله {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ} وكقوله {نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} وما يجرى مجراه، وكل ذلك عطية منه. العلى: الذى لا رتبة فوق رتبته، وجميع المراتب منحطة عنه، وذلك لأن العلى مشتق من العلو، والعلو مأخوذ من العلو المقابل للسفل، وذلك إما فى درجات محسوسة كالدرج والمراقى وجميع الأسماء الموضوع بعضها فوق بعض، وإما فى المراتب المعقولة للموجودات المترتبة نوعا من الترتيب العقلى، فكل ماله الفوقية فى المكان فله العلو المكانى، وكل ما له الفوقية من الرتبة فله العلو فى العلو، والدرجات العقلية مفهومة كالدرجات الحسية، ومثال الدرجات العقلية هو التفاوت الذى بين السبب والمسبب، والعلة

والمعلول والفاعل والمفعول والقابل والمقبول والكامل والناقص، فإذا قدرت سببا فهو سبب لشئ ثان، وذلك الثانى سبب لثالث، والثالث لرابع إلى عشر درجات مثلا، فالعاشر واقع فى الرتبة الأخيرة فهو الأسفل الأدنى، والأول واقع فى الدرجة الأولى من السببية فهو الأعلى، ويكون الأول فوق الثانى فوقية بالمعنى لا بالمكان. والعلو عبارة عن الفوقية. والموجودات لا يمكن قسمتها إلى درجات متفاوتة فى العقل إلا ويكون الحق تعالى فى الدرجة العليا من درجات أقسامها حتى لا يتصور أن تكون فوقه درجة، وذلك هو العلى المطلق، وكلها سواه فيكون عليا بالإضافة إلى ما دونه، ويكون دنيا وسافلا بالإضافة إلى ما فوقه. ثم إنه تبعا لقسمة العقل فالموجودات تنقسم إلى ما هو سبب وإلى ما هو مسبب، فالسبب فوق المسبب فوقية بالرتبة. فالفوقية المطلقة ليست إلا لمسبب الأسباب. وكذلك ينقسم الموجود إلى ميت وحى، والحى ينقسم إلى ما ليس له إلا الإدراك الحسى، وهو البهيمة، وإلى ما له مع الإدراك الحسى الإدراك العقلى. والذى له الإدراك العقلى ينقسم إلى ما يعارضه فى معلومات الشهوة والغضب، وهو الإنسان، وإلى ما يسلم إدراكه عن معارضة المكدرات. والذى يسلم ينقسم إلى ما يمكن أن يبتلى به ولكن رزق السلامة كالملائكة، وإلى ما يستحيل ذلك فى حقه وهو الله تعالى، فهو العلى المطلق. الكبير: ذو الكبرياء، أى كمال الذات، وكمال الذات كمال الوجود، وكمال الوجود يرجع إلى شيئين: أحدهما دوامه أزلا وأبدا. وكل وجود مقطوع بعدم سابق أو لاحق فهو ناقص، ولذلك يقال للإنسان إذا طالت مدة وجوده: إنه كبير، أى كبير السنن. طويل مدة البقاء، ولا يقال: عظيم السن. والكبير يستعمل فيما لا يستعمل فيه العظيم، فإن كان ما طال مدة وجوده مع كونه محدود مدة البقاء كبيرا، فالدائم الأزلى الأبدى الذى يستحيل عليه العدم أولى بأن يكون كبيرا. والثانى أن وجوده هو الوجود الذى يصدر عنه وجود كل موجود، فإن كان الذى تم وجوده فى نفسه كاملا وكبيرا

فالذى حصل منه وجود جميع الموجودات أولى بأن يكون كاملا وكبيرا الحفيظ: الحافظ جدا. والحفظ على وجهين: أحدهما إدامة وجود الموجودات وإبقاؤها، يضاده الإعدام. والله تعالى هو الحافظ للسموات والأرض والملائكة، والموجودات التى يطول أمد بقائها، والتى لا يطول أمد بقائها مثل الحيوان والنبات. والوجه الثانى، وهو أظهر معنى الحفظ. صيانة المتعاديات والمتضادات بعضها عن بعض. والتعادى والتضاد ظاهر بين الحرارة والبرودة، وكذا بين الرطوبة واليبوسة، وسائر الأجسام الأرضية المركبة من هذه الأصول المتعادية، إذ لابد للحيوان من حرارة غريزية لو بطلت لبطلت حياته، ولابد له من رطوبة تكون غذاء لبدنه، ولابد له من برودة تكسر سورة الحرارة حتى تعتدل ولا يحترق. وهذه متعاديات متضادات وقد جمع الله بينها فى إهاب الإنسان وبدن الحيوان والنبات وسائر المركبات، ولولا حفظه إياها لتنافرت وتباعدت وبطل امتزاجها وأضمحل تركيبها وبطل المعنى الذى صار مستعدا لقبوله بالتركيب والمزاج، وحفظ الله إياها بتعديل قواها مرة وبإمداد المغلوب منها. أما التعديل فهو أن يكون مبلغ قوة البارد مثل مبلغ قوة الحار، فإذا اجتمعا لم يغلب أحدهما الآخر بل يتدافعان، إذ ليس أحدهما بأن يَغلب أولى من أن يُغلب، فيتقاومان ويبقى قوام المركب بتقاومهما وتعادلهما وهو الذى يعبر عنه باعتدال المزاج. والثانى إمداد المطلوب منهما بما يعيد قوته حتى يقاوم النار. المقيت: خالق الأقوات وموصلها إلى الأبدان، وهى الأطعمة، وإلى القلوب وهى المعرفة، فيكون بمعنى الرازق إلا أنه أخص منه، إذ الرزق يتناول القوت وغير القوت. والقوت ما يكتفى به فى قوام البدن. أو المستولى على الشئ القادر عليه. والاستيلاء يتم بالقدرة والعلم، ويدل عليه قوله تعالى: {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا} أى مطلعا قادرا، فيكون معناه راجعا إلى القدرة والعلم. ويكون

بهذا المعنى وصفه بالمقيت أتم من صفته بالقادر وحده وبالعالم وحده، لأنه دل على اجتماع المعنيين، وبذلك يخرج الاسم عن الترادف. الحسيب: الكافى. وهو الذى من كان له كان حسبه. والله تعالى حسيب كل أحد وكافيه. وهذا وصف لا تتصور حقيقته لغيره، فإن الكفاية إنما يحتاج إليها المكفى لوجوده ولدوام وجوده ولكمال وجوده. وليس فى الوجود شئ هو وحده كاف لشئ إلا الله تعالى، فإنه كاف لكل شئ لا لبعض الأشياء، أى هو وحده كاف يتحصل به وجود الأشياء ويدوم به وجودها ويكمل. فالكفاية إنما حصلت بهذه الأسباب، والله وحده هو المتفرد بخلقها لأجله. فهو وحده حسب كل أحد وليس فى الوجود شئ وحده هو حسب شئ سواه، بل الأشياء يتعلق بعضها ببعض وكلها يتعلق بقدرة الله تعالى. الجليل: الموصوف بنعوت الجلال. ونعوت الجلال هى الغنى والملك والتقدس والعلم والقدرة وغيرها من الصفات التى تقدمت. فالجامع لجميعها هو الجليل المطلق الموصوف ببعضها جلالته بقدر ما نال من هذه النعوت. فالجليل المطلق هو الله تعالى فقط. فالكبير يرجع إلى كمال الذات. والجليل يرجع إلى كمال الصفات. والعظيم يرجع إلى كمال الذات والصفات جميعا منسوبا إلى إدراك البصيرة إذا كان بحيث يستغرق البصيرة ولا تستغرقه البصيرة، ثم صفات الجلالة إذا نسيت إلى البصيرة المدركة لها سميت جمالا وسمى المتصف بها جميلا. واسم الجميل فى الأصل وضع للصورة الظاهرة المدركة بالبصر مهما كانت، بحيث تلائم البصر وتوافقه، ثم نقل إلى الصورة الباطنة التى تدرك بالبصائر، حتى يقال سيرة حسنة جميلة، ويقال خلق جميل، وذلك يدرك بالبصائر لا بالأبصار، فالصورة الباطنة إذا كانت كاملة متناسبة جامعة جميع كمالاتها اللائقة بها كما ينبغى وعلى ما ينبغى فهى جميلة بالإضافة إلى البصيرة الباطنة المدركة لها، وملائمة لها ملاءمة يدرك صاحبها عند مطالعتها من اللذة والبهجة والاهتزاز أكثر مما يدركه الناظر بالبصر الظاهر إلى الصور الجميلة. فالجميل الحق المطلق هو الله

تعالى فقط، لأن كل ما فى العالم من جمال وكمال وبهاء وحسن فهو من أنوار ذاته وآثار صفاته وليس فى الوجود موجود له الكمال المطلق الذى لا شوبة فيه لا وجودا ولا إمكانا سواه، ولذلك يدرك عارفه والناظر إلى جماله من البهجة والسرور واللذة والغبطة ما يستحر معها نعيم الجنة. وجمال الصور المبصرة؛ بل لا مناسبة بين جمال الصورة الظاهرة وبين جمال المعانى الباطنة المدركة بالبصائر. فإذا ثبت أنه جليل وجميل، فكل جميل فهو محبوب ومعشوق عند مدرك جماله، فلذلك كان الله تعالى محبوبا ولكن عند العارفين، كما تكون الصور الجميلة الظاهرة محبوبة عند المبصرين. الكريم: الذى إذا قدر عفا، وإذا وعد وفى، وإذا أعطى زاد على منتهى الرجاء، ولا يبالى كم ولمن أعطى، وإن وقعت حاجة إلى غيره لا يرضى، وإذا جفا عاتب وما استقصى، ولا يضيع من لاذ به والتجأ، ويغنيه عن الوسائل والشفعاء، فمن اجتمع له جميع ذلك لا بالتكلف فهو الكريم المطلق، وذلك هو الله تعالى فقط. الرقيب: العليم الحفيظ، فمن راعى الشى حتى لم يغفل عنه، ولاحظه ملاحظة دائمة لزوما، لو عرفه الممنوع عنه لما أقدم عليه، سمى رقيبا. وكأنه يرجع إلى العلم والحفظ، ولكن باعتبار كونه لازما دائما، وبالإضافة إلى ممنوع عنه محروس عن التناول. المجيب: الذى يقابل مسألة السائلين بالإسعاف ودعاء الداعين بالإجابة، وضرورة المضطرين بالكفاية، بل ينعم قبل النداء، ويتفضل قبل الدعاء، وليس ذلك إلا لله تعالى، فإنه يعلم حاجة المحتاجين قبل سؤالهم. وقد علمها فى الأزل. فدبر أسباب كفاية الحاجات بخلق الأطعمة والأقوات، وتيسير الأسباب والآلات، الموصلة إلى جميع المهمات. الواسع: مشتق من السعة، والسعة تضاف مرة إلى العلم إذا اتسع وأحاط بالمعلومات الكثيرة، وتضاف أخرى إلى الإحسان وبسط النعم، وكيفما قدر، وعلى أى شئ نزل. فالواسع المطلق هو الله تعالى، لأنه إن نظر إلى عمله فلا ساحل لبحر معلوماته، وإن نظر إلى إحسانه ونعمه فلا نهاية لمقدوراته. وكل

سعة وإن عظمت تنتهى إلى طرف، والذى لا يتناهى إلى طرف فهو أحق باسم السعة، والله تعالى هو الواسع المطلق، لأن كل واسع بالإضافة إلى ما هو أوسع منه ضيق. وكل سعة تنتهى إلى طرف فالزيادة عليها متصورة، وما لا نهاية له ولا طرف فلا تُتصور عليه زيادة. الحكيم: ذو الحكمة. والحكمة عبارة عن معرفة أفضل الأشياء بأفضل العلوم. وأجل الأشياء هو الله تعالى، فهو لا يعرفه كنه معرفته غيره، فهو الحكيم الحق لأنه يعلم أجل الأشياء بأجل العلوم، إذ أجل العلوم هو العلم الأزلى الدائم الذى لا يتصور زواله، المطابق للمعلوم مطابقة لا يتطرق إليها خفاء وشبهة، ولا يتصف بذلك إلا علم الله تعالى. والحكيم أيضاً من يحسن دقائق الصناعات ويحكمها ويتقن صنعتها، وكمال ذلك ليس إلا الله تعالى فهو الحكيم الحق. الودود: الذى يحب الخير لجميع الخلق فيحسن إليهم ويثنى عليهم، وهو قريب من معنى الرحيم، لكن الرحمة إضافة إلى مرحوم، والمرحوم هو المحتاج والمضطر، وأفعال الرحيم تستدعى مرحوماً ضعيفاً. وأفعال الودود لا تستدعى ذلك. بل الإنعام على سبيل الإبتداء من نتائج الود، فكما أن معنى رحمته تعالى إرادته الخير للمرحوم وكفايته له، وهو منزه عن رقة الرحمة، فكذلك إرادته الكرامة والنعمة وإحسانه وإنعامه وهو منزه عن ميل المودة، لكن المودة والرحمة لا تراد فى حق المرحوم والمودود إلا لثمرتها وفائدتها لا للرقة والميل، فالفائدة هى لباب الرحمة والمودة وروحهما وذلك هو المتصور فى حق الله تعالى دون ما هو مقارن لهما وغير مشروط فى الإفادة. المجيد: الشريف ذاته الجميل أفعاله الجزيل عطاؤه ونواله، فكما أنا شرف الذات إذا قارنه حسن الفعال سمى مجداًص، وهو الماجد أيضاً، ولكن أحدهما أدل على المبالغة، وكأنه يجمع معنى اسم الجليل والوهاب والكريم. الباعث: الذى يحيى الخلق يوم النشور، ويبعث من فى القبور ويحصل ما فى الصدور. والبعث هو النشأة الآخرة. ومعرفة هذا الاسم موقوفة على

معرفة حقيقة البعث، فالموت ليس عدماً إذ القبر ليس إلا حفرة من حفر النيران أو روضة من رياض الجنان، والموتى إما سعداء، وأولئك ليسوا أمواتاً، وإما أشقياء، وهم أيضاً أحياء، ولذلك ناداهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد وقعة بدر. والبعث ليس إيجاداً مبتدأ مثل الإيجاد الأول، بل هو إنشاء آخر لا يناسب الإنشاء الأول أصلاً. الشهيد: يرجع معناه إلى العليم مع خصوص إضافة، فإنه تعالى عالم الغيب والشهادة. والغيب عبارة عما بطن والشهادة عما ظهر، وهو الذى يشاهد، فإذا اعتبر العلم مطلقاً فهو العليم، وإذا أضيف إلى الغيب والأمور الباطنة فهو الخبير، وإذا أضيف إلى الأمور الظاهرة فهو الشهيد. وقد يعتبر مع هذا أن يشهد على الخلق يوم القيامة بما علم وشاهد منهم. الحق: هو فى مقابلة الباطل، والأشياء قد تستبان بأضدادها، وكل ما يخبر عنه فإما باطل مطلقاً وإما حق مطلق، وإما حق من وجه وباطل من وجه. فالممتنع بذاته هو الباطل مطلقاً، والواجب بذاته هو الحق مطلقاً، والممكن بذاته الواجب بغيره هو حق من وجه وباطل من وجه، فهو من حيث ذاته لا وجود له فهو باطل. وهو من جهة غيره مستفيد للوجود، فهو من الوجه الذى يلى مفيد الوجود موجود، فهو من ذلك الوجه حق ومن جهة نفسه باطل، ولذلك كل شئ هالك إلا وجهه. وهو كذلك أزلا وأبدا ليس فى حال دون حال لأن كل شئ سواه أزلا وأبداً من حيث ذاته لا يستحق الوجود، ومن جهته يستحق، فهو باطل بذاته حق بغيره. فالحق المطلق هو الموجود الحقيقى بذاته الذى منه يأخذ كل حق حقيقته. وقد يقال أيضاً للمعقول الذى صادف به العقل الموجود حتى طابقه إنه حق، فهو من حيث ذاته يسمى موجوداً، ومن حيث إضافته للعقل الذى أدركه على ما هو عليه يسمى حقاً. فأحق الموجودات بأن يكون حقاً هو الله تعالى، وأحق المعارف بأن يكون حقاً هو معرفة الله تعالى، فإنه حق فى نفسه، أى مطابق للمعلوم أزلا وأبداً، ومطابقته لذاته لا لغيره، لا كالعلم بوجود غيره. فإنه لا

يكون إلا ما دام ذلك الغير موجوداً، فإذا عدم عاد ذلك الاعتقاد باطلاً. وذلك الاعتقاد أيضاً لا يكون حقاً لذات المعتقد لأنه ليس موجودا لذاته بل هو موجود لغيره. ويطلق ذلك على الأقوال فيقال قول حق وقول باطل. وعلى ذلك فأحق الأقوال قول لا إله إلا الله لأنه صادق أبداً وأزلا لذاته لا لغيره، فإذن يطلق الحق على الوجود فى الأعيان وعلى الوجود فى الأذهان، وهو المعرفة، وعلى الوجود وهو المعرفة، وعلى الوجود الذى فى اللسان، وهو النطق، فأحق الأشياء بأن يكون حقاً هو الذى يكون وجوده ثابتاً لذاته أزلا وأبداً، ومعرفته حقاً أزلا وأبداً، والشهادة له حقاً أزلا وأبداً. وكل ذلك لذات الموجود الحقيقى لا لغيره. الوكيل: الموكول إليه الأمور. والموكول إليه ينقسم إلى من وكل إليه بعض الأمور وذلك ناقص، وإلى من وكل إليه الكل وليس ذلك إلا الله تعالى. والموكول إليه ينقسم إلى من يستحق أن يكون موكولا إليه لا بذاته ولكن بالتوكيل والتفويض، وهذا ناقص لأنه فقير إلى التفويض والتولية، وإلى من يستحق بذاته أن تكون الأمور موكولة إليه والقلوب متوكلة عليه لا بتولية وتفويض من جهة غيره؛ وذلك هو الوكيل المطلق. والوكيل أيضاً ينقسم إلى من يفى بما يوكل إليه وفاء تاماً من غير قصور، وإلى من لا يفى بالجميع. والوكيل المطلق هو الذى الأمور موكولة إليه، وهو ملىّ بالقيام بها وفىّ بإتمامها، وذلك هو الله تعالى فقط. القوى المتين: القوة تدل على القدرة التامة. والمتانة تدل على شدة القوة. فالله تعالى من حيث إنه بالغ القدرة تامها قوى. ومن حيث إنه شديد القوة متين. الولى: المحب الناصر، فيقمع أعداء الدين وينصر أولياءه. الحميد: المحمود المثنى عليه، فهو الحميد لنفسه أزلا، ويحمد عباده له أبداً. المحصى: الذى يحصى المعلومات ويعدها ويحيط بها. والمحصى المطلق هو الذى ينكشف فى علمه حد كل معلوم وعدده ومبلغه. والعبد وإن أمكنه

أن يحصى بعلمه بعض المعلومات فإنه يعجز عن حصر أكثرها. المبدئ المعيد: الموجد. والإيجاد إذا لم يكن مسبوقاً بمثله سمى إبداء وإذا كان مسبوقاً بمثله سمى إعادة. والله تعالى هو الذى بدأ خلق الناس ثم هو الذى يعيدهم، أى يحشرهم. والأشياء كلها منه بدأت وإليه تعود، وبه بدأت وبه تعود. المحيى المميت: أى لا خالق للموت والحياة إلا الله تعالى، فلا محيى ولا مميت إلا هو. والإيجاد إذا كان هو الحياة يسمى فعله إحياء، وإذا كان هو الموت سمى فعله إماتة. الحى: الفعّال الدرّاك. فما لا فعل له أصلاً ولا إدراك فهو ميت. وأقل درجات الإدراك أن يشعر المدرك بنفسه، فما لا يشعر بنفسه فهو الجماد والميت. فالحى الكامل المطلق الذى هو تندرج جميع المدركات تحت إدراكه، وجميع الموجودات تحت فعله، حتى لا يشذ عن علمه مدرَك ولا عن فعله مفعول. وكل ذلك لله تعالى، فهو الحى المطلق، وكل حى سواه فحياته بقدر إدراكه وفعله. ثم إن الأحياء يتفاوتون فمراتبهم بقدر تفاوتهم. القيوم: القائم بنفسه مطلقاً، الذى تكتفى ذاته بذاته ولا قوام له بغيره، ولا يشترط فى دوام وجوده وجود غيره، والذى يقوم به كل موجود فلا يتصور للأشياء وجود ولا دوام وجود إلا به، لأن قوامه بذاته وقوام كل شئ به. والأشياء تنقسم إلى ما يفتقر إلى محل كالأعراض والأوصاف، فيقال فيها إنها ليست قائمة بأنفسها، وإلى ما لا يحتاج إلى محل فيقال إنه قائم بنفسه كالجواهر. إلا أن الجوهر وإن كان قائماً بنفسه مستغنياً عن محل يقوم به فليس مستغنياً عن أمور لابد منها لوجوده وتكون شرطاً فى وجوده فلا يكون قائماً بنفسه لأنه يحتاج فى قوامه إلى وجود غيره. الواجد: الذى لا يعوزه شئ. والذى لا يحضره ما لا تعلق له بذاته ولا بكمال ذاته لا يسمى واجداً، بل الواجد ما لا يعوزه شئ مما لابد له منه، وكل ما لابد منه فى صفات الإلهية وكمالها فهو

موجود لله تعالى، فهو بهذا الاعتبار واجد، وهو الواجد المطلق، ومن عداه إن كان واجداً لشئ من صفات الكمال وأسبابه فهو فاقد لأشياء، فلا يكون واجداً إلا بالإضافة. الماجد: بمعنى المجيد، كالعالم بمعنى العليم، لكن الفعيل أكثر مبالغة. الأحد: الذى لا يتجزأ ولا يتثنى. أما الذى لا يتجزأ فكالجوهر الواحد الذى لا ينقسم، فيقال إنه واحد بمعنى أنه لا جزء له. والله تعالى واحد بمعنى أنه يستحيل تقدير الانقسام فى ذاته. وأما الذى لا يتثنى فهو من لا نظير له. فإن كان فى الوجود موجود ينفرد بخصوص وجوده تفرداً لا يتصور أن يشاركه غيره فيه أصلاً فهو الواحد المطلق أزلا وأبداً. والعبد إنما يكون واحداً إذا لم يكن له نظير فى أبناء جنسه فى خصلة من خصال الخير وذلك بالإضافة إلى أبناء جنسه وبالإضافة إلى الوقت؛ إذ يمكن أن يظهر مثله فى وقت آخر، وبالإضافة إلى بعض الخصال دون الجميع، فلا وحدة على الإطلاق إلا لله تعالى. الصمد: الذى يصمد إليه فى الحوائج ويقصد إليه فى الرغائب؛ إذ ينتهى إليه منتهى السؤدد. وعن الحسن وعكرمة والضحاك وابن جبير: الصمد: المصمَت الذى لا جوف له. وهذا لا يجوز على الله تعالى. القادر المقتدر: ذو القدرة، لكن المقتدر أكثر مبالغة. والقدرة: المعنى الذى يوجد به الشئ متقدراً بتقدير الإرادة، والعلم واقعاً على وفقهما. والقادر هو الذى إن شاء فعل وإن شاء لم يفعل، وليس من شرطه أن يشاء لا محالة. والقادر المطلق هو الذى يخترع كل موجود اختراعاً ينفرد به ويستغنى فيه عن معاونة غيره، وهو الله تعالى. وأما العبد فله قدرة على الجملة لكنها ناقصة، إذ لا يتناول إلا بعض الممكنات ولا يصلح للاختراع، بل الله تعالى هو المخترع لمقدورات العبد بقدرته مهما هيّأ جميع أسباب الوجود المقدورة. المقدم والمؤخر: الذى يقرّب ويُبعد، ومن قربه فقد قدمه ومن أبعده فقد أخره. والقدام تارة يكون فى المكان وتارة يكون فى الرتبة، وهو مضاف لا

محالة إلى متأخر عنه، ولابد فيه من مقصد هو الغاية بالإضافة إليه يتقدم ما يتقدم ويتأخر ما يتأخر. والمقصد هو الله تعالى. والمقدم عند الله هو المقرب. وكل متأخر فهو مؤخر بالإضافة إلى ما قبله مقدم بالإضافة إلى ما بعده. والله تعالى هو المقدم والمؤخر لأنك إن أحلت تقدمهم وتأخرهم على توفيرهم وتقصيرهم وكمالهم فى الصفات ونقصهم، فمن الذى حملهم على التوفير بالعلم والعبادة بإثارة دواعيهم؟ ومن الذى حملهم على التقصير بصرف دواعيهم إلى ضد الصراط المستقيم؟ وذلك كله من الله تعالى. فهو المقدم والمؤخر، والمراد هو التقديم والتأخير فى الرتبة. الأول والآخر: الأول يكون أولاً بالإضافة إلى شئ والآخر يكون آخراً بالإضافة إلى شئ، وهما متناقضان، فلا يتصور أن يكون الشئ الواحد من وجه واحد بالإضافة إلى شئ واحد أولاً وآخراً جميعاً. والله تعالى أول إذ الموجودات كلها استفادت الوجود منه. وأما هو فموجود بذاته ما استفاد الوجود من غيره. وهو آخر إذ هو آخر ما ترتقى إليه درجات العارفين وكل معرفة تحصل قبل معرفته فهى مرقاة إلى معرفته والمنزل الأقصى معرفة الله تعالى فهو آخر بالإضافة إلى السلوك، أول بالإضافة إلى الوجود، فمنه المبدأ أولاً وإليه المرجع والمصير آخراً. الظاهر الباطن: الظاهر يكون ظاهراً لشئ وباطناً لشئ، ولا يكون من وجه واحد ظاهراً وباطناً، بل يكون ظاهراً من وجه واحد بالإضافة إلى إدراك، وباطناً من وجه آخر، فإن الظهور والبطون إنما يكونان بالإضافة إلى الإدراكات. والله تعالى باطن إن طلب من إدراك الحواس وخزانة الخيال. ظاهر إن طلب من خزانة العقل بطريق الاستدلال. البر: المحسن. والبر المطلق هو الذى منه كل مبرة وإحسان. والعبد إنما يكون براً بقدر ما يتعاطاه من البر. التواب: الذى يرجع إلى تيسير أسباب التوبة لعباده مرة بعد أخرى بما يظهر لهم من آياته ويسوق إليهم من تنبيهاته ويطلعهم عليه من تخويفاته وتحذيراته حتى إذا اطلعوا بتعريفه على غوائل الذنوب استشعروا الخوف

بتخويفه رجعوا إلى التوبة فرجع إليهم فضل الله تعالى بالقبول. المنتقم: الذى يشدد العقاب على الطغاة وذلك بعد الإعذار والإنذار، وبعد التمكين والإمهال وهو أشد للانتقام من المعاجلة بالعقوبة. العَفوّ: الذى يمحو السيئات ويتجاوز عن المعاصى. وهو قريب من الغفور، لكن الغفور ينبئ عن الستر، والعفو ينبئ عن المحو. الرؤوف: ذو الرأفة، والرأفة شدة الرحمة. مالك الملك: الذى تنفذ مشيئته فى مملكته كيف شاء وكما شاء إيجاداً وإعداماً وإبقاءاً وإفناءاً. والملك، ها هنا، بمعنى المملكة. والمالك بمعنى القادر التام القدر. ذو الجلال والإكرام: الذى لا جلال ولا كمال إلا وهو له، ولا كرامة ولا مكرمة إلا وهى صادرة منه. فالجلال له فى ذاته، والكرامة فائضة منه على خلقه. وفنون إكرامه خلقه لا تكاد تنحصر وتتناهى. الوالى: الذى دبر أمور الخلق وتولاها. والولاية تشعر بالتدبير والقدرة والفعل وما لم يجتمع جميع ذلك له لم ينطلق اسم الوالى عليه، ولا والى للأمور إلا الله تعالى، فإنه المنفرد بتدبيرها أولاً، والمتكفل والمنفذ للتدبير بالتحقيق ثانياً، والقائم عليها بالإدامة والإبقاء ثالثاً. المتعالى: بمعنى العلىّ مع نوع من المبالغة. المقسط: الذى ينتصف للمظلوم من الظالم. وكماله فى أن يضيف إلى إرضاء المظلوم إرضاء الظالم، وذلك غاية العدل والإنصاف، ولا يقدر عليه إلا الله تعالى. الجامع: المؤلف بين المتماثلات والمتباينات والمتضادات. المانع: الذى يرد أسباب الهلاك والنقصان فى الأديان والأبدان بما تحملته من الأسباب المعدة للحفظ. وكل حفظ فمن ضرورته منع ودفع. والمنع إضافة إلى السبب المهلك والحفظ إضافة إلى المحروس عن الهلاك، وهو مقصود

المنع وغايته، إذ كان المنع يراد للحفظ والحفظ لا يراد للمنع. فكل حافظ دافع مانع وليس كل مانع حافظاً إلا إذا كان مانعاً مطلقاً لجميع أسباب الهلاك والنقص حتى يحصل الحفظ من ضرورته. الضار النافع: الذى يصدر منه الخير والشر والنفع والضر، وكل ذلك منسوب إلى الله تعالى. النور: الظاهر الذى به كل ظهور، فإن الظاهر فى نفسه المظهر لغيره يسمى نوراً ومهما قوبل الوجود بالعدم كان الظهور لا محالة للوجود، ولا ظلام أظلم من العدم. فالرئ عن ظلمة العدم بل عن إمكان العدم، والمخرج كل الأشياء من ظلمة العدم إلى ظهور الوجود جدير أن يسمى نوراً. والوجود نور فائض على الأشياء كلها من نور ذاته فهو نور السموات والأرض. الهادى: الذى هدى خواص عباده أولاً إلى معرفة ذاته، وهدى عوام عباده إلى مخلوقاته حتى استشهدوا بها على ذاته، وهدى كل مخلوق إلى ما لابد منه فى قضاء حاجاته. البديع: الذى لا عهد بمثله. فإن لم يكن بمثله عهد لا فى ذاته ولا ف صفاته ولا فى أفعاله ولا فى كل أمر راجع إليه فهو البديع المطلق، وإن كان شئ من ذلك معهوداً فليس ببديع مطلق، ولا يليق هذا الاسم مطلقاً إلا بالله تعالى فإنه ليس له قبل فيكون مثله معهوداً قبله. وكل موجود بعده فحاصل بإيجاده وهو غير مناسب لموجده. فهو بديع أزلا وأبداً. الباقى: الموجود الواجب وجوده بذاته، ولكنه إذا أضيف فى الذهن إلى الاستقبال سمى باقياً، وإذا أضيف إلى الماضى سمى قديماً، والباقى المطلق هو الذى لا ينتهى تقدير وجوده فى الاستقبال إلى آخر ويعبر عنه بأنه أبدى. والقديم المطلق هو الذى لا ينتهى تمادى وجوده فى الماضى إلى أول، ويعبر عنه بأنه أزلى. الوارث: الذى ترجع إليه الأملاك بعد فناء الملاك، وهو الله سبحانه، إذ هو الباقى بعد فناء خلقه وإليه مرجع كل شئ ومصيره. الرشيد: الذى تنساق تدبيراته إلى غاياتها على سنن السداد من غير إشارة

مشير وتسديد مسدد وإرشاد مرشد، وهو الله تعالى. الصبور: الذى لا تحمله العجلة على المسارعة إلى الفعل قبل أوانه، بل ينزل الأمور بقدر معلوم، ويجريها على سنن محددة لا يؤخرها عن آجالها المقدرة لها، ولا يقدمها على أوقاتها، بل يودع كل شئ فى أوانه على الوجه الذى يجب أن يكون وكما ينبغى. وهذه الأسامى ترجع إلى ذات وسبع صفات، كما يقول أهل السنة. والصفات وإن كانت سبعاً فالأفعال كثيرة، وبهذا امتنع الترادف، وتضمن كل اسم معنى، فمنها ما يدل على الذات، أو على الذات مع سلب، أو على الذات مع إضافة، أو على الذات مع سلب وإضافة، أو على واحدة من الصفات السبع، أو على صفة وسلب، أو على صفة وإضافة، أو على صفة فعل، أو على صفة فعل وإضافة، أو سلب، فهذه عشرة أقسام: 1 - فما يدل على الذات، مثل الله. 2 - وما يدل على الذات مع سلب، مثل القدوس والسلام والمغنى والأحد. 3 - وما يرجع إلى الذات مع إضافة، مثل العلىّ والعظيم والأول والآخر. 4 - وما يرجع إلى الذات مع سلب وإضافة، مثل الملك والعزيز. 5 - وما يرجع إلى صفة، مثل العليم والقادر والحىّ والسميع والبصير. 6 - وما يرجع إلى العلم مع إضافة، مثل الخبير والحكيم والشهيد. 7 - وما يرجع إلى القدرة مع زيادة وإضافة مثل القهار والقوى والمقتدر. 8 - وما يرجع إلى الإرادة مع إضافة أو مع فعل، مثل الرحمن والرحيم والرؤوف. 9 - وما يرجع إلى صفات الفعل، مثل الخالق والبارئ والمصور. 10 - وما يرجع إلى الدلالة على الفعل مع زيادة، مثل المجيد والكريم. * * * وأسماء الله تعالى من حيث التوقيف ليست مقصورة على تسعة وتسعين، بل ورد التوقيف بأسام سواها، ففى رواية أخرى عن أبى هريرة إبدال لبعض هذه الأسامى بما يقرب منها،

وإبدال بما لا يقرب. فأما الذى يقرب فالأحد بدل الواحد، والقاهر بدل القهار، والشاكر بدل الشكور. وأما الذى لا يقرب فالهادى والكافى والدائم والبصير والنور والمبين والجميل والصادق والمحيط والقريب والقديم والوتر والفاطر والعلام والمليك والأكرم والمدبر والرفيع وذو الطول وذو المعارج وذو الفضل والخلاق. وقد ورد أيضاً فى القرآن الكريم ما ليس متفقاً عليه فى الروايتين جميعاً كالمولى والنصير والغالب والقريب والرب والناصر؛ ومن المضافات كقوله: شديد العقاب، وقابل التوب، وغافر الذنب، ومولج الليل فى النهار، ومولج النهار فى الليل، ومخرج الحى من الميت، ومخرج الميت من الحى. وقد ورد فى الخبر أيضاً: السيد، إذ قال رجل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يا سيد، فقال: السيد هو الله تعالى. وقد ورد أيضاً فى الخبر: الديان والحنان والمنان. ولو جوز اشتقاق الأسامى من الأفعال المنسوبة إلى الله تعالى فى القرآن بنحو قوله تعالى: يكشف السوء ويقذف بالحق، ويفصل بينهم، فاشتق من ذلك: الكاشف، والقاذف بالحق، والفاصل، لخرج ذلك عن الحصر. والوقوف عند التسعة والتسعين هو مجاراة للعادة واتباع للرواية المشهورة عن أبى هريرة فى الصحيحين، وإنه ليروى عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قوله: أسألك بكل اسم سميت به نفسك أو أنزلته فى كتابك أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به فى علم الغيب عندك. وعلى هذا فالحديث الوارد فى الحصر، قد يكون التخصيص فيه لحصول الاستظهار بها لكفايتها. وقيل إن اختصاص هذه الأسماء التسعة والتسعين بالذكر هو لأنها تجمع من المعانى المنبئة عن الجلال ما لا يجمع من ذلك غيرها، ثم إن فى هذا الإحصاء قصداً إلى جمع ما يعسر على الجماهير جمعه. هذا وأئمة من مثل الإمام أحمد والبيهقى قد ضعّفوا رواية أبى هريرة، إذ عنه روايتان وبينهما تباين ظاهر فى الإبدال والتعبير، ولأن

روايته ليست تشتمل على ذكر حنان ومنان وجملة من الأسماء التى وردت الأخبار بها، ولأن الذى أورد فى الصحيح هذا العدد، وهو قوله - صلى الله عليه وسلم - أن لله تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة، وأما ذكر الأسامى فلم يرد فى الصحيح بل وردت به رواية غريبة وفى إسنادها ضعف. ويقول على بن حزم: صح عندى قريب من ثمانين اسماً يشتمل عليها الكتاب والصحاح من الأخبار، والباقى ينبغى أن يطلب من الأخبار بطريق الاجتهاد. ولعل ابن حزم على هذا قد استضعف الحديث الذى فيه عدها، أو عدل عنه إلى الأخبار الواردة فى الصحاح وإلى التقاط ذلك منها. * * * والصفات والأسامى المطلقة على الله تعالى تقف على التوقيف. ويجبر القاضى أبو بكر أن تكون بطريق العقل إلا ما منع منه الشرع أو أشعر بما يستحيل معناه على الله تعالى. وذهب أبو الحسن الأشعرى إلى أن ذلك موقوف على التوقيف فلا يجوز أن يطلق فى حق الله تعالى ما هو موصوف بمعناه إلا إذا أذن فيه. ويقول الغزالى: كل ما يرجع إلى الاسم فذلك موقوف على الإذن، وما يرجع إلى الوصف فذلك لا يقف على الإذن، بل الصادق منه مباح دون الكاذب، ولا يفهم هذا إلا بعد فهم الفرق بين الاسم والوصف. ثم يقول الغزالى: فالاسم هو اللفظ الموضوع للدلالة على المسمى، فزيد مثلاً اسمه زيد، وهو فى نفسه أبيض وطويل، فلو قال له قائل: يطويل ويا أبيض فقد دعاه بما هو موصوف به وصدق، ولكنه عدل عن اسمه، إذ اسمه زيد دون الطويل والأبيض. ولذلك لم يكن لنا أن نضع لإنسان اسماً لم يسم به. وإذا لم يكن لنا أن نسمى إنساناً، أى لا نضع له اسماً، فكيف نضع لله اسماً؟ وأما إباحة الوصف، فالوصف خبر عن أمر، والخبر ينقسم إلى صدق وكذب. والشرع قد دل على تحريم

الكذب فى الأصل، والكذب حرام إلا بعارض، ودل على إباحة الصدق فالصدق حلال إلا بعارض. وكما أنه يجوز لنا أن نقول فى زيد: إنه موجود، لأنه موجود، فكذلك فى حق الله تعالى، ورد به الشرع أو لم يرد. وكما أننا لا نقول لزيد: إنه طويل أشقر، لأن ذلك ربما يبلغ زيداً فيكرهه، لأن فيه إيهام نقص، فكذلك لا نقول فى حق الله تعالى ما يوهم نقصاً البتة. فأما مالا يوهم نقصاً فذلك مطلق ومباح بالدليل الذى أباح الصدق مع السلامة عن العوارض المحرمة، ولذلك قد يمنع من إطلاق لفظ فإذا قرنت به قرينة جوزناه. فلا يقال لله تعالى: يا مذلّ، ونقول: يا معزّ يا مذلّ، فإنه إذا جمع بينهما كان وصف مدح، إذ يدل على أن طرفى الأمور بيديه. وكما أنا إذا نادينا إنساناً فإما أن نناديه باسمه أو بصفة من صفات المدح، وإذا استخبرنا عن صفاته لا نذكر ما يكرهه إذا بلغه وإن كان صدقاً لعارض الكراهية، وإنما يكره ما يقدر فيه نقصاً. وكذلك إذا استخبرنا عن مجرى الأشياء ومسكنها ومسودها ومبيضها قلنا: هو الله تعالى، ولا نتوقف فى نسبة الأفعال والأوصاف إليه إلى إذن وارد فيه على الخصوص، بل الإذن قد ورد شرعاً فى الصدق، إلا ما يستثنى عنه بعارض. والله تعالى هو الموجود والموجد والمظهر والمخفى والمسعد والمشقى والمبقى والمغنى، وكل ذلك يجوز إطلاقه وإن لم يرد فيه توقيف. ويقول الغزالى: فإن قيل: فلم لا يجوز أن يقال له العارف والعاقل والفطن والذكى وما يجرى مجراه؟ قلنا: إنما المانع من هذا وأمثاله ما فيه من إيهامات، وما فيه إيهام لا يجوز إلا بالإذن كالصبور والرحيم والحليم، فإن فيه إيهاماً ولكن الإذن قد ورد به، وأما هذا فلم يرد به الإذن، والإيهام فيه أن العاقل هو الذى له معرفة تعقله، أى تمنعه. والفطنة والذكاء يشعران بسرعة الإدراك لما غاب عن المدرك، والمعرفة قد تشعر بسبق فكرة، فلا يمنع عن إطلاق شئ منه إلا شئ مما ذكرنا، فإن حقق لفظ لا يوهم أصلا بين المتفاهمين، ولم

يرد الشرع بالمنع منه جاز إطلاقه قطعاً. المصادر: إحياء علوم الدين للغزالى - البحر المحيط لأبى حيان - تهذيب اللغة للأزهرى - الجامع لأحكام القرآن للقرطبى - شرح البيضاوى على أسماء الله الحسنى - شرح المواقف للجرجانى - فتح القدير للشوكانى - كشاف اصطلحات الفنون للتهانوى - الكشاف للزمخشرى - كشف الأسما فى شرح أسماء الله الحسنى لتقى الدين - لسان العرب لابن منظور - المقصد الأسنى للغزالى - المواقف للإيجى. إبراهيم الأبيارى * * * + الله، الإله الواحد، الخالق، مالك يوم الحساب: هو محور الفكر الإسلامى، وهو العلة الوحيدة لوجوده. وقد كان الله معروفاً عند العرب فى الجاهلية؛ كان إلهاً من الآلهة المكِّية، وربما كان الإله الأكبر، ومن المؤكد أنه كان إلهاً خالقاً (سورة الرعد، الآية 16؛ سورة العنكبوت، الآيتان 61، 63؛ سورة لقمان، الآية 25؛ سورة الزمر، الآية 38؛ سورة الزخرف، الآية 87). وكان الله من قبل معروفاً وصفاً بالإله (وهو الاشتقاق المرجح، وثمة قول آخر بأنه مشتق من الكلمة الآرامية "ألاها"). ولكن الفكرة المبهمة عن وجود إله أعلى التى كانت تتضمنها فيما يظهر العقيدة المكِّية قد أصبحت عقيدة يؤمن بها الكافة وديناً متسامياً. وقد حولتها الدعوة القرآنية إلى تأكيد وجود الله الحى الواحد الأعظم. 1 - الله فى القرآن وثمة خبر إسلامى بأن سورة العَلَق هى أول سورة نزلت على النبى محمد - صلى الله عليه وسلم -: ومن ثم كانت الرسالة التى كُلف بها من أول الأمر تبشيراً بكلمة "الله" (سورة العلق، الآيتان 1، 3). والله - كما أخبر محمد - صلى الله عليه وسلم - فى هذه السورة الأولى - هو {رَبُّكَ} (سورة العلق، الآية 1) خالق الإنسان، الأكرم: {عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} (سورة

العلق، الآيات 3 - 5)؛ والفاتحة القرآنية العظيمة "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ" (انظر ترجمة R. Blacher (تفتتح بها الدعوة وتتكرر على رأس كل سورة، وربما كانت تتضمن إشارة إلى الرحمن قبل الإسلام فى جنوبى الجزيرة العربية، وأن الرحمن يجب أن يؤخذ على اعتبار أنه اسم علم مقدس. وتبقى الحقيقة التى مفادها أن أصل الكلمة "ر ح م" أصبح يدل - على مر القرون الإسلامية - على مفهوم "الإحسان والرأفة والرحمة على وجه الدقة، وأن التعبير "رحمة الله أصبح عند الكتّاب الروحانيين أقرب ما يكون إلى التوسل بالأسرار الإلهية فى صلاتها بالإنسان. ومن هنا كانت دعوة محمد - صلى الله عليه وسلم - منذ البداية - تأكيداً بأن الله هو المنعم الخالق الكريم يهدى الناس على لسان رسول يرى على نحو خاص أنه الرب. (أ) المسائل الكبرى سنتقبل -من الناحية التاريخية- الفروق المسلم عموماً بوجودها بين الفترات الملكية الثلاث والفترة المدينية (مع بعض اختلافات فى التفصيلات؛ انظر نولدكه وكرمه وبلاشير) وهى فروق تتفق إجمالاً مع بعض الأخبار الإسلامية. والعقيدة الإسلامية قد اعتبرت نص القرآن دائماً أنه كلمة الله يبينها للإنسان، ويقول الله فيها ما يريد هو أن يقوله عن نفسه: فالله هو {الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ} (سورة الرحمن، الآيات 1، 2، 3، 4) خاطب بالقرآن المتقين {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ. . . .} (سورة البقرة، الآيتان 2، 3). ويظل الله غيباً لا يدركَ (سورة الشورى، الآيتان 51، 52)؛ ويتجلى فى كماله السامى وفى تصريفه لهذا العالم. وأفعاله تعالى تأكيد لسره الذى لا تدركه الأفهام: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ ... } (سورة الأنعام، الآية 103). وليس من السهل أن نستخلص الموضوعات الخاصة بالله دون أن نتعرض لخطر إفساد النسق نفسه الذى عليه السور والآيات، وأبعد من ذلك يسراً أن نصنفها. ويبدو أن السائد منها

ثلاثة، وإن كان من الواجب أن نتناولها فى جملتها: 1 - إله الخلق، والحساب، والعقاب: هو خالق كل شئ (سورة الرعد، الآية 16) وهو البديع، يخلق ما يشاء (سورة الشورى، الآية 49؛ سورة المائدة، الآية 17)، وإنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون (سورة يس، الآية 82؛ سورة هود، الآية 107)، وهو مصدر الخير جميعاً وأحكم الحاكمين (سورة التين، الآية 8). وتبين أقدم السور ربوبيته على خلقه -وخاصة على بنى الإنسان- كما تبين صفتيه الحكم والملك المطلقين. وتتلقى العقول والقلوب الصدمة الأخيرة بخبر يوم الدين (انظر سورة التحريم كلها)، واقتراب الساعة (سورة النجم، الآيتان 56، 57؛ سورة القمر، الآيات رقم 1 وما بعدها) التى لا يعلمها إلا الله (سورة النازعات، الآيات من 42 - 44؛ سورة الزخرف، الآية 85). وقد تختلف طريقة هذا الوعظ، ولكنها لا تختلف من حيث جوهر مضمونها أبداً ذلك أن اختلاف الموضوعات لا يتصل بالله فى ذاته بمقدار ما يتصل بين الله وجماعة المؤمنين وهى تقوم على ما يواجههم من عقبات وما يبتلون به من طوائف متعاقبة، ومن ثم على سبيل المثال الطائفتان المختلفتان: وهم المصطفون ومن حق عليهم العذاب (انظر سورة البروج) فى نهاية الفترة المكية الأولى، وفكرة "المنافقين" (وهى الفكرة الغالبة فى الفترة المدينية) الذين يستهزيء الله بهم (سورة البقرة، الآية 15). والسور المكية فى الفترتين الأوليين تؤكد النذير بقيام يوم الدين، ويتجلى الله فيها أساساً الحكم الذى لا مُعقب لكلمته قد أوتى الحكم لأنه الخالق الذى لا تملك حياله نفس لنفس شيئاً (سورة الانفطار الآيات من 17 - 19، وهى تلى منطقياً الآيات من 6 - 8 إلخ). ويستأنف موضوع الجزاء مرة ثانية فى السور المدنية (سورة الأحزاب الآية 64؛ سورة النور الآيتان 24، 25 إلخ). وتبدو على المشهد هنا وهناك تغيرات لا شك فيها. ونجد فى مكة دعوة

غليظة فى القول قصد بها إيمان الناس بالغيب الإلهى وأن الله هو الحَكم والخالق مع الاعتماد فى ذلك على تأكيدات تتسم بالترتيل الذى يقرع الأذن؛ وفى المدينة عود إلى هذا الغيب نفسه ينشد ذكر القلب متخذاً إياه شاهداً على ما للحياة اليومية نفسها من شأن فى الحياة الآخرة، وحاثًّا المسلمين على أن يذكروا الساعة دائماً فى كل أفعالهم، وبذلك يحضهم على الإيمان. ونفس الاختلافات والترديدات لموضوع واحد تحدث فى تصوير تصرف الله فى تاريخ البشرية. فتحكى السور المدينية فى تفصيل دقيق قصة آدم وتمضى إلى قصص الأنبياء من نوح إلى عيسى عليهم السلام وتذكر ما لإرادة الله من شأن بالنسبة للمؤمنين. ولكن هذه الإرادة تظهر فى هذه السور متممة لقدر الله الثابت الذى ينزل بالناس من حين إلى حين، ذلك القدر الذى يحيط بكل شئ داخل الزمن وخارجه كما جاء فى الدعوة الواردة من قبل فى السور المكية؛ فالله هو الذى يحيى ويميت (سورة الليل، الآية 13؛ وهو موضوع يرجع إليه دائماً فيما بعد مثل سورة الحجر، الآية 23؛ سورة البقرة، الآية 258. . . إلخ). ومن السور الأولى نفسها دعى نوح (سورة النجم، الآية 52) وإبراهيم وموسى (سورة النازعات، الآية 15؛ سورة النجم، الآيتان 36، 37) وقبائل ثمود (سورة الشمس، الآيات من 11 - 14؛ سورة النجم، الآية 51. . . إلخ). وفى الفترة المكية الثانية يدبر الله للأمم، ذلك أن ثموداً وعاداً تختلطان بإشارات إلى يوم الحساب (سورة الحاقَّة) وتنتمى إلى الفترتين المكيتين الثانية والثالثة الأخبار المستفيضة عن تاريخ الأنبياء، ويختلط بهذا الموضوع حساب الأمم، ويتردد باستمرار حساب كل فرد على حدة. 2 - الله الأحد الواحد فى ذاته: فى جميع السور الأولى، الله: هو ربك، ومن ثم قيل إنه الخالق، المنعم، المعين، الحكم، وهو الأعلى (سورة الأعلى، الآية 1). وقد أطلقت عليه هذه الأسماء بالنظر إلى هذه الصفات لربوبيته التى لها بعض الصلة

بالإنسان. والصفة الخاصة بربوبيته، التى أصبحت محور الإسلام. وتحتوى سورة الطور (الآيتان 39، 43) على لوم المكيين الذين جروا على أن يجعلوا لله شركاء وبنات، فالله واحد سبحانه: {إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ} (سورة الصافات، الآية 4) مخاطباً بذلك المؤمنين. وتؤكد هذه الفكرة فى ثنايا الكتاب كله وتتكرر باستمرار فى العصر المدينى (مثال ذلك سورة البقرة، الآية 163) , وهى جوهر الدعوة إلى الله، فقد كان النبى - صلى الله عليه وسلم - يردد دائماً: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ} [سورة فصلت: 6 ... إلخ]. على أنه ورد فى آية من الفترة المكية الأولى توكيد ربما كان أقوى مما تقدم بأن الله واحد فى ذاته، ففى علاقته بالإنسان واحد أحد، (سورة الإخلاص، الآية 1). وواحد وأحد، اسمان يردان معاً فى التوحيد وسموه المطلق. وهذا هو معنى الشهادة فى الإسلام. ومنذ زمن متقدم يرجع إلى سورة المزمِّل -التى كانت السبب على ما تقوله الأخبار فى إسلام عمر- ظهر التوكيد "لا إله إلا هو" (سورة المزمل، الآية 9). وتعلن الفترة المكية الثانية: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا} (سورة طه، الآية 14) وأن سر هذه "الأنا" هو الحق (سورة طه، الآية 114؛ سورة الكهف، الآية 44). وأخيرا فإن السورة القصيرة (الإخلاص) المشار إليها بسورة التوحيد بمعناه الأمثل: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} هى تأكيد لوحدة طبيعته المقدسة على هذا النحو وأن سر ذاته لا يدرك كنهه (سورة "المؤمنون"، الآية 91). 3 - الله قادر على كل شئ ورحيم وهذا الوجه المزدوج لسر الله فى علاقته بخلقه: وهو كونه رب العالمين (سورة التكوير، الآية 29) فى قدرته التى لا نزاع فيها على كل شئ وإحسانه الذى يتسم بالمغفرة، يتردد فى جميع الفترات التى نزل فيها القرآن

على السواء مع فروق فى ظلال المعنى والتأكيد عليه. وقدرته على كل شئ هى صفته التى بينت أولاً، فهو {بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ} (سورة المعارج، الآية 40؛ وانظر أيضاً سورة المزمل، الآية 9)، على أن هذه الصفة بالذات هى التى تحض المؤمن على أن يتخذه تعالى وكيلاً (انظر سورة المزمل، الآية 9) وتعظم من شأن تلك القدرة على الرحمة والغفران التى يؤكدها النص تأكيداً. وأسماء الرحمن، والرحيم، والغفور، والغفار هى من الصفات التى يغلب ذكرها فى القرآن الكريم. والذى نلفت إليه النظر هنا أولاً هو من ناحية قدرة الله على كل شئ، ومن ناحية أخرى إسلام الذين نذروا أنفسهم لله بالتهجد وبالتسليم بقدرته على كل شئ. وفى نص من الفترة المدينية (سورة المائدة، الآية 3) يجعل هذا الإسلام للدين نفسه، على أن سور الفترة الأولى التى تتحدث من قبل عن الآخرة جاء فيها حضّ للمؤمن على أن يتحدث بنعمة الله (سورة الضحى، الآية 11). والله هو الملجأ والهادى (سورة الضحى، الآيتان 7، 8). وكل سورة الرحمن (نزلت فى الفترة المكية الثانية فى قول كرمه Grimme. مع آيات أخرى زادت عليها من بعد فى قول بل Bell) تعلن غضب الرحمن ذى الجلال والإكرام على الذين يكذبون بآلاء ربهم. (ب) آيات الله وأسماؤه وهكذا يبين الله للإنسان دائماً، عن طريق أنبيائه (عليهم السلام)، السر المكنون لعظمته التى تفوق الوصف، ويطلب منه أن يؤمن بها ويؤمن بهيمنته الواضحة على الخلق جميعاً، وكماله المطلق اللذين تجلت بهما هذه العظمة، فهو الأول والآخر، والظاهر والباطن (سورة الحديد، الآية 3). فأولاً: ما دام الإنسان قد تلقى ما أنزل الله عن ذلك فإنه يجب عليه أن يتبين "آيات الكون" التى هى "آيات الله". والحق إن خلق الرحمن للعالم ليس فيه من "تفاوت" (سورة الملك، الآيتان 3، 4) حتى أن الإنسان ليخشى عليه أن يعبد هذا النظام والترتيب

الرائعين لهذا الخلق، على أنه يجب عليه أن يفطن إلى أنه ما من شئ فى هذا النظام وذلك الترتيب إلا ويفنى ويزول. وكما حدث للنبى إبراهيم (عليه السلام) فإن عقل الإنسان، بهدى من الله، لا مناص من أن يستخلص من الأشياء التى تفنى وتتغير الدليل الدامغ للوجود الواجب والسامى للخالق. لذلك كان التفكر فى آيات الكون واجباً دينياً فرضه الله على عقول الناس (سورة البقرة، الآيتان 118, 164؛ سورة آل عمران الآية 191؛ سورة الأنعام الآية 98؛ سورة الرعد، الآيتان 2، 3؛ سورة النور، الآيات 44 - 55. . . إلخ). ويعلّم القرآن الكريم أيضاً أنه لا يبقى إلا الله؛ { ... كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ ... } (سورة القصص، الآية 88؛ سورة الزمر، الآية 68؛ سورة الرحمن، الآيتان 26، 27. . . إلخ). وعندما تحل الساعة يهلك الله الخالق، ومن ثم المحيى والمميت، كل شئ ثم يعيد خلقه يوم الحشر. (سورة ق، الآيات 42 - 44؛ سورة الحشر، الآية 2). وقد صور نظام الكون الحالى وترتيبه الرائع تصويراً بحيث يدعو المرء إلى أن يخر ساجداً لقدرة الله الذى يحيى ويميت (سورة السجدة، الآية 15؛ سورة فصّلت، الآية 37). وآيات كمال الله التى تجعل علوّه يتجلى فى نظام العالم هذا هى نفسها التى يكشف عنها الله، وهى فى جوهرها الأسماء التى يجعلها لنفسه {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} (سورة الأعراف، الآية 180؛ سورة الإسراء الآية 110؛ سورة طه، الآية 8). ولقد استخرج المتدينون المسلمون -فى عناية- هذه الأسماء من نص القرآن الكريم وأكملوها من الحديث وهى 99 أسماً ولم يكفوا قط عن تذكرها والتفكر فيها. ونحن لا نرغب فى هذا المقام أن نحلل الأسماء الحسنى تحليلاً ضافياً (انظر المسرد الكامل لهذه الأسماء فيما ذكر آنفاً تحت عنوان "الأسماء الحسنى" من هذه المادة) على أننا نستطيع أن نقول أن ما سنذكره بعد هو المباحث الرئيسية التى تنبثق من هذه الأسماء (سنقصر همنا هنا على إشارة

واحدة عن كل اسم، أو قل عن أقدم هذه الأسماء بصفة عامة): فالله هو الواحد الأحد (انظر ما سبق)، الحى القيوم (سورة طه، الآية 111)، العظيم (سورة الحاقة، الآية 33 وتتردد فى آيات أخرى من القرآن الكريم)، العلى الكبير (سورة لقمان، الآية 30)، النور (نور على نور، سورة النور، الآية 35)، الحكيم (سورة الإنسان، الآية 30، وتتردد فى آيات أخرى من القرآن الكريم)، العزيز (سورة البروج، الآية 8 وتتردد فى آيات أخرى من القرآن)، القدير (سورة الملك، الآية 1 وتتردد فى آيات أخرى)، البديع (سورة الأنعام، الآية 101)، الخالق (سورة غافر، الآية 62)، الخلاّق (سورة يس، الآية 81)، ليس كمثله شئ (سورة الشورى، الآية 11)، السميع البصير العليم (انظر مثلاً سورة الشورى، الآيتان 11، 12 وتتردد هذه الصفات فى آيات أخرى) شهيد (¬1) (سورة البروج، الآية 9 وتتردد هذه الصفة فى آيات أخرى)، الرزاق (¬2) (سورة الذاريات، الآية 58)، الرحمن (سورة النبأ، الآية 37 وتتردد هذه الصفة كثيراً فى آيات أخرى)، الولى (سورة الجاثية، الآية 19)، الوكيل (سورة المزمل، الآية 9 وتتردد هذه الصفة فى آيات أخرى)، الكريم (سورة الدخان، الآية 49)، الرحيم (سورة الطور، الآية 28، وتتردد هذه الصفة كثيراً فى القرآن الكريم)، الغفور (سورة المزمل، الآية 20 وتتردد هذه الصفة فى القرآن)، الغفار (سورة طه، الآية 82)، الرؤوف (سورة آل عمران، الآية 30)، الودود (سورة البروج، الآية 14)، خير الحاكمين (سورة يونس، الآية 109). وتتردد كثيراً أمثال هذه المصطلحات، وقد يجئ التأكيد على واحد أو آخر منها مرة فى الفترة المكية ومرة فى الفترة المدينية، على أنها تتردد كلها تقريباً فى سور كل من الفترتين، وكثيراً ما يبدأ النص القرآنى بتوكيدات خلابة تجبه المؤمن مثل القول بأن الله الصمد (سورة الإخلاص، الآية 2)، ¬

_ (¬1) ورد فى الأصل شاهدا وهذا خطأ صوابه فى الآية "شهيد". (¬2) ورد فى الأصل الوهاب وهذا خطأ صوابه فى الآية "الرزاق".

وكثيراً ما يبدأ النص أيضاً بمثل رمزية تؤكد وتثبت بما يحمله أسلوبها الرمزى فى التعبير من صدق واقعى. مثال واحد: تحيط قدرته السامية بأصغر فعل يأتيه أصغر ما خلق من أشياء وعبارة القرآن الكريم فى ذلك هى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [الأنعام: 59]. ويرد فيه أيضاً: {. . وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ. .} [فاطر: 11]. وهكذا يهيأ العقل تهيئة قوية للتعرف على الوجود الكامل لله فى كل عمل بشرى وكل ما يصدر عن القلب البشرى، لأنه خلق كل عمل مهما كان (سورة الصافات، الآية 96) ولأنه على نحو خاص قريب من الإنسان الذى خلقه (سورة سبأ الآية 50)، يعلم ما فى الصدور، وهو أقرب إلى الإنسان من حبل الوريد (سورة ق، الآية 16). (جـ) طائفتان من الآيات هناك ملاحظات حول طائفتين من الآيات أثارت على مر القرون خلافات عدة: 1 - العقاب وقضاء الله: قدرة الله على كل شئ تتجلى فيما يريده للعالم، وتتأكد فى "القدرة"؛ والإنسان، مثل جميع المخلوقات، ينتمى إليه تعالى. ولكن فى نفس الوقت تتأكد قدرته على كل شئ قدرة أعدل الحاكمين، والمجازى المنصف، وعلى الإنسان أن يعرف أن كل امرئ سيحمل وزر أفعاله من ثواب على حسناته وعقاب على سيئاته (سورة البقرة، الآية 286). وما أكثر ما قيل وقرر للبادرة الأولى أن القرآن الكريم يحتوى على مجموعة من الآيات "المتناقضة"، والحقيقة أنه ليس هناك تناقض على الإطلاق، وإنما الموجود هو توكيدات متقابلة متكاملة الغرض منها هداية القلوب إلى الموقف المطلوب الذى يتخذه الإنسان من الله. والقدرة الإلهية على كل شئ هى فى الحق قدرة واحدة، فالله لا يُحَاسب على ما يفعل" كما جاء فى الخبر الإسلامى، على أننا يجب فى هذا المقام أن نلزم الحذر فيما يتعلق بأسلوب

الدعوة القرآنى. فالقرآن لا يتخذ موقفاً من المشكلة الكلامية الخاصة بالقدر، ولا المشكلة الفلسفية الخاصة بطبيعة الاختيار. فهو يثير سر العلاقات بين المخلوق والخالق. وكذلك فإنه لا يتخذ موقفاً من طبيعة الشر: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات: 96] وهو تأكيد طبق كثيراً من بعد على كل فعل يصدر عن الإنسان؛ ومع ذلك فإن {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ ... } [النساء: 79]. وليس فى هذا شئ يقتضى التسليم بالطبيعة الإيجابية للشر. ولا تنسى آيات القرآن الكريم عن التصريح بأنه لا مهرب لشئ من الله ومن إرادته وقدرته وأن الله أيضاً هو الذى يأتى بالعقاب، بل إن فكرة العقاب نجدها مسيطرة على نحو ما. فهو يثيب الذى اتقى ويعاقب {الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى} [الليل: 16] ويلعن أولئك الذين يمنعون الماعون (سورة الماعون، الآية 7). ويلاحظ الأستاذ بلاشير فى فهرسه (جـ 3، ص 1223) أن هناك ما بين مائتى آية وثلثمائة آية تنذر بالعقاب بالمحاسبة على أفعال الإنسان. وفى يوم القيامة تجزى كل نفس بما كسبت: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 7 - 8]. فضرورة الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر هى من الأوامر الأولى، ويجوز للمرء أن يقول إنها هى المبداة على الجميع، ما دام أن الدعوة إلى الخير التى لها الصدارة هى الجهر بالإيمان بالواحد، أى الإسلام الصادق. ولا يوجه هذا الأمر إلى كل إنسان على حدة فحسب، وإنما يوجه على وجه التحديد إلى جماعة المؤمنين بصفتهم هذه (سورة آل عمران، الآيتان 104، 110 ... إلخ)، والإنسان يجازى على الصعيد الدنيوى بمقدار طاعته لأوامر الله على هذه الأرض الفانية. أما على الصعيد الأبدى لأوامر الله الباقية فإن المشهد يتغير، إذ لا يمكن أن يؤثر شئ على إرادة الله ولا على أمره. والمصطفون هم الذين يختارهم الله: { ... إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ ... } [آل عمران: 73]

سورة المائدة، الآية 54؛ سورة الحديد، الآية 21؛ سورة الجمعة، الآية 4) وهو الذى يعز من يشاء ويذل من يشاء (سورة آل عمران، الآية 26). ثم يجئ فى القرآن مع التوكيد الشديد { .. فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ .. } (سورة إبراهيم الآية 4؛ سورة النحل، الآية 93؛ سورة فاطر، الآية 8؛ سورة الأنعام، الآيتان 39، 125)، ومن يضله الله لا يجد من دونه ولياً ولا مرشداً (سورة الإسراء، الآية 97؛ سورة الكهف، الآية 17؛ سورة الزمر، الآيتان 23، 37 سورة الأعراف، الآية 186، سورة الرعد، الآية 33). وترد فى القرآن الكريم مرتين هذه الصورة ذات التركيب السامى القريبة كل القرب من سفر أشياء، الآيتان 9، 10 (¬1): {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا} [الكهف: 57] و{أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} [الجاثية: 23] وأول هذين النصين (سورة الكهف، الآية 57) يبرز إبرازاً بيناً الفعل الإلهى الذى يختم على السمع والقلب، وخطأ من تولى عن آيات الله، أما الثانى (سورة الجاثية، الآية 23) فإنه يختتم بدعوات إلى الإصلاح، وتقرر الآية 19 من هذه السورة أن الظالمين بعضهم لبعض. ومسئولية الإنسان وقدره الله على كل شئ وقضاؤه المحتومان، هذان المنحيان من مناحى التفكير يلتقيان فى التوكيد النهائى على الحساب. وهذا الأسلوب فى تناول الغيب هو الذى تجلى للتفكير الإسلامى فى العصور المتأخرة فى أقوى صورة. 2 - الآيات التى فيها تشبيه بالإنسان: والطائفة الأخرى من الآيات ¬

_ (¬1) سبق أن رددنا على مثل هذه الأقوال فى غير موضوع من هذه الدائرة وحسبنا أن نقول أن القرآن مصدقا لما بين يديه من التوراة والإنجيل.

ذات أسلوب أخاذ قد يبدو -إذا أخذ بمعناه الحرفى المطلق- أنه ينسب صفات الإنسان وأفعاله إلى الله. وهذه الطائفة هى الآيات "المتشابهة" بخلاف الآيات المحكمة المستقرة المعنى استقراراً بيَّناً؛ ومن ثم {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (سورة طه، الآية 5؛ سورة الحديد، الآية 4 ... إلخ) {وَجَاءَ رَبُّكَ} (أى التحرك فى مكان؛ سورة الفجر، الآية 22) ويد الله (سورة الفتح، الآية 10؛ سورة الذاريات، الآية 47) ووجه الله (سورة الرحمن، الآية 27) وأعين الله (سورة هود، الآية 37؛ سورة الطور؛ الآية 48؛ سورة القمر الآية 14). وإنما ذكرنا هذه النصوص لأنها كانت فيما بعد موضوع خلاف فى التفسير وفى الكلام. (د) خاتمة ودعوة القرآن الكريم إلى الله تدور كلها على محور واحد هو تأكيد وحدانيته وأحديته وعلوه وبقائه وكماله المطلق. وطبيعة الذات الإلهية التى لا تدرك تؤكد فى يقين جازم؛ فالله القادر على كل شئ، القريب لا يمكن أن يدرك إلا "بكلمته" وأسمائه وصفاته وأفعاله وملكيته المطلقة للملك التى يكشف عنها هو ذاته. والحق إن الله يتجلى فى هيمنته على كل المخلوقات. وصفتاه الخاصتان بعلمه المحيط وقدرته على كل شئ تعزيان إلى علمه وقدرته الظاهرين، أما القول بوحدانيته فيدخل فى وحدة طبيعة الذات الإلهية، فالله فى ذاته يظل هو "المغيب" المحجوب. واسم الله فى نظر الإسلام، هو -كما يقول ماكدونالد فى صدر هذه المادة- اسم العلَم الدال على الله، فهو يعبر فى ذلك عن ألوهيته الواحدة التى تعز على المشاركة. ولكن هل يحق للمرء وصف هذا الرب بأنه إله شخصى؟ هذا السؤال لم يكن له مكان بين المشاكل التى واجهها علماء الكلام عند المسلمين، وإنما الذى أثاره إثارة لها وزنها هم دارسو الإسلام من الغربيين (انظر مقال ماكدونالد فى صدر هذه المادة الذى

يتحدث فيه عن "شخصية الله القاهرة"). ولكن الإسلام لن يقول أبداً إن الله شخصى أو شخص. والمسلمون يشمئزون من هذا القول الذى يقول به الدارسون الغربيون، ولا مراء فى أنهم يتخذون منه موقف الإنكار الإيجابى. ونحن نجد فى هذا المقام لبساً ذا حدين: (أ) من حيث المفردات: لم يطرأ على كلمة شخص فى الفلسفة العربية التغيير الذى طرأ على الكلمة اليونانية "أوبوستاسيس" أو الكلمة اللاتينية برسونا Persona. فكلمة "شخص" دائماً تدل فيما تدل على الصورة المجملة للفرد، ولا يوجد عندهم مصطلح أحسن لمفهوم هذه الكلمة غير هذا. زد على ذلك أنها تناسب جيداً الشخص المخلوق ولكنها توحى بفردية محدودة. (ب) الفكرة نفسها من حيث إطلاقها على الله: المسلم يشعر عموماً بعزوف شديد عن أن يدخل فى حدود هذه الكلمة طبيعة الله التى لا تدرك. ولكن هذا اللبس يتلاشى إذا بيّنا أن مفهوم "الإله الشخصى" فى اللغات الهندية الأوربية يتضمن الكمال المطلق. والله موجود فى ذاته، لا نستطيع معرفة ماهية ألوهيته؛ والله شخصى لأنه كامل ومصدر الكمال، ويتميز تماماً عن باقى المخلوقات ومناط الإيمان والعبادة. وهذا بالضبط هو ما يدعو إليه القرآن. وإذا كان هذا المفهوم يترك ماهية حياة الله مكنونة فى سرها، فإنما يكون ذلك لتأكيد كلمة الله التى يبلغها للناس عن طريق الأنبياء وتأكيد المنزع القلبى المتطلب من المؤمن. فالله الملك الحكم العادل الجبار (سورة الحشر، الآية 23) هو فى نفس الوقت أيضاً الوكيل والمنعم والرءوف. ويطلب القرآن الكريم من المؤمن حين يواجه هذا الغيب الذى لا يدرك أن يلوذ بالتقوى (سورة التوبة، الآية 109) والبر، وهو مماثل للتقوى (سورة البقرة، الآية 189) والشكر (فى صيغة الفعل كما جرى قول القرآن الكريم فى كثير من الأحيان وخاصة فى الفترة المدينية) والتوكل (ويتردد كثيراً فى القرآن الكريم بصيغة الفعل مثل (سورة النساء الآية 81).

ومخافة الله كما وردت فى القرآن الكريم هى السجود أمام قدرته على كل شئ العزيزة على الإدراك؛ {أَمَّا مَنْ طَغَى} [النازعات: 37] فإنهم وحدهم هم الذين يصبح خوفهم فزعاً من العقاب (سورة القيامة، الآية 25)، وأما المصطفون فهم: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [البقرة: 3] وهم الذين يبتغون وجه الله {إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى}، ويستعمل هذا التعبير الجميل كثيراً [الليل: 20] فإنهم يجدون فى الله وكيلاً وهادياً، ومآبا (سورة آل عمران، الآية 14؛ سورة النبأ، الآية 39). 2 - التطور فى الحديث والكلام. سنجمل فى القسم الثالث أبرز مواقف المدارس الإسلامية فى نظرتها إلى الله. وحسبنا الآن أن نصرف غايتنا إلى جملة المشكلات ووزن علم الكلام عند أهل السنة. والعلم المأثور الذى يتناول المسائل الإلهية هو علم الكلام أو علم التوحيد (انظر ما يلى عن بعض النقدات التى أثيرت فى الإسلام حول شرعية هذا العلم) ولسوف نتناوله فى صورته المقررة مفترضين معرفة أصوله التاريخية والمؤثرات التى مرت به، وتكوين المدارس المختلفة مع تذكرة عن الكلام فى عهد الأمويين: 1) المرجئة، والقدرية، والجبرية؛ 2) المعتزلة، والأصل سياسى (القرن الأول الهجرى = القرن السابع الميلادى) ثم مذهبى (القرنان الثانى والثالث الهجريان = القرنان الثامن والتاسع الميلاديان) وقد انتصروا فى عهد المأمون ثم عدوا من بعد "زنادقة" وظل هذا حالهم عدة قرون؛ 3) منذ القرن الرابع الهجرى (العاشر الميلادى) نجد الاتجاهين: الأشعرى الرسمى والحنفى الماتريدى، وتختلف النتائج باختلاف المواقف حيال الصلة بين العقل والشرع، أو بين العقل والنقل والتقليد أو بين الأدلة العقلية والأدلة السمعية.

ثم دعم علم الكلام نفسه بعلمين دينيين آخرين: 1) علم الحديث الذى زوده بنصوص أخذت مأخذ البراهين القاطعة وهى تتناول موضوعاً أو آخر من الدعوة التى جاء بها القرآن تناولاً رائعاً أو قل إنه قصصى (انظر كتب الصحاح الستة وخاصة كتاب التوحيد من صحيح البخارى). وتتحدث عدة أحاديث من ناحية عن رحمة الله ومغفرته: "إن رحمتى تغلب غضبى" أو "إن رحمتى سبقت غضبى" (البخارى، التوحيد 169، 175)، ومن الناحية الأخرى عن ملكية الله المطلقة: "أنا الملك أين ملوك الأرض" (المصدر السابق، 167، 181)، وتذكر من ناحية مسئولية الإنسان (نصوص فى البخارى أو مسلم: كتاب القدر) ومن ناحية أخرى يتحدث عن القدر (مثال ذلك الحديثان اللذان يذكران كثيراً وهما: "إن قلوب الناس بين إصبعين من أصابع الرحمن" و"خلقت هؤلاء للجنة ولا أبالى وهؤلاء للنار ولا أبالى"، وثمة أحاديث كثيرة لها أثر كبير فى تكوين الأفكار الشائعة والنظرة العامة إلى الله. 2) وعلم التفسير كان له شأن رئيسى فى استعمال الآيات القرآنية التى تتكلم عن الله. وقد أفادت مدارس الكلام بطرق مختلفة من الحديث والتفسير. وإذا أشرنا إلى مشاكل الكلام (وهى فى أساسها من أصل معتزلى) نجد مبدأين يتعلقان بالله مباشرة: (1) مبدأ التوحيد؛ (2) مبدأ العدل، أى عدل الله فى مجازاته الإنسان على أفعاله. وقد خالف المعتزلة أحرار الفكر فى زمانهم فظهروا بمظهر "أهل التوحيد والعدل". واستمرت هذه المشكلات تؤثر فى المدارس المتأخرة، ولم تختلف عنها إلا فى عناوينها. وقد أطلقت الرسائل المأثورة العظيمة للأشاعرة والماتريدية (مثل شرح المواقف للجرجانى، والمقاصد للتفتازانى وغيرهما) على المبدأ الأول "وجود الله وصفاته"، وعلى المبدأ الثانى

"أفعاله تعالى". وإليك أهم المسائل التى تثار حول الاثنين: (أ) التوحيد 1 - وجود الله تتفق كل المدارس فى الاستشهاد بالآيات (انظر ما سبق) التى تهيب بالعقل أن يتفكر فى آيات الكون ويرقى من ذلك إلى إثبات وجود الخالق؛ ولكن: (أ) يقول المعتزلة إن ذلك يقتضى التزاماً فطرياً فى طبيعة العقل سابقاً لسنَّ الشريعة. (ب) ويقول الماتريدية إن العقل كان خليقاً بكفايته أن يتوصل إلى معرفة الله، ولكنه توصل إليها فعلاً بسن الشريعة. (جـ) أما الأشاعرة فعندهم أن استخدام العقل والتدليل العقلى فى التوصل إلى معرفة الله هو التزام شرعى (منزل) بحت (انظر الجرجانى: شرح المواقف، القاهرة سنة 1325 هـ = 1907 م جـ 1، ص 251 وما بعدها). وبعبارة أخرى: أنه لو لم تفرض الشريعة هذا الالتزام لما كان فى مقدور العقل البشرى قط أن يتوصل إلى وجود الله (الغزالى: الاقتصاد، القاهرة، طبعة غير مؤرخة، ص 77 - 78) ومن ثم فإن تأكيد وجود الله عند الأشاعرة عامة هو ثمرة استدلال عقلى يمليه استدلال شرعى. وعلى آية حال كانت طبيعة هذا الالتزام فإن المدارس تجمع على رأى واحد فى الاستدلال العقلى نفسه. وهذا يتضمن برهاناً على وجود الله -بدء الخلق- يتصل وطبيعة العالم المحدث الفانى، كما يخبر القرآن الكريم، ويمكن للعقل أن يقتنع به. أما فى علم الكلام فالبداية والنهاية الزمنيتان هما حقيقتان ثابتتان. وثمة إذن استدلال ينبثق، دون عبارة وسط مجمع عليها، من القصور المطلق للمخلوق إلى الوجود الواجب للخالق، الذى يوجد وحده منذ الأزل وقائم بنفسه وحده (حقائق علمت من القرآن الكريم، وعقليات). وهذا الاستدلال فى الأيام الأولى لعلم الكلام (المعتزلة والأشاعرة) وضع فى عبارتين على أنه جزء من المحاجّة. وقد أخذ فى الغالب عند المتكلمين المتأخرين الذين تأثروا بمنطق أرسطو، شكلاً من أشكال الاستنتاج القياسى (كلا الشكلين فى الجوينى). ويساق البرهان فى جميع الرسائل على أنه برهان قاطع. ونادراً

ما يأخذ -متأثراً بمؤثرات ناشئة من الفلسفة- شكل البرهان بالوجود منذ أن كان الوجود بالمعنى الدقيق؛ فالعالم محدث، وهذه العبارة فى مقالات علم الكلام تبقى قريبة جداً من معناها الاشتقاقى عن البدء الزمنى (انظر كتب فنسنك، وس. بوركاى - S. de Beaure cueil. المذكورة فى الفهرست، عن البراهين على وجود الله). 2 - صفات الله (أ) العلاقات بين الذات والصفات: وتعد هذه من أشد مباحث الجدل. وقد التزم بعض أهل الحديث القدامى بحرفية النصوص وتصدوا لكل بحث يمكن أن يسمى عقلياً، وسماهم معارضوهم -الذين هوّلوا من جمود من كانوا يهاجمون- بالمجسمة، كما سموهم بالحشوية، تحقيراً. ورموهم بالتشبيه مشبهين الله بالمخلوقين. وعلى العكس من هذا مسجد المعتزلة -حرصاً منهم على تنزيه فكرة التوحيد- التنزيه الذى طبقوه تطبيقاً صارماً. فعلى الإنسان أن ينكر، كما يأمر القرآن الكريم، أن الله يشبه أى مخلوق. والجهمية - تلامذة جهم بن صفوان - أنكروا فعلاً وجود الصفات، والله يعرف بقدرته الخفية على كل شئ فحسب. ونجد من ناحية أخرى التنزيه عند المعتزلة، قد أخذ بالنظرة التى تؤمن بإله مهيمن، وسلموا بالصفات القدسية، عن العلم، والقدرة، والكلام ... إلخ. غير أنهم زعموا أنها هى هى الذات، وهذا بالنسبة لهم كان لا يكاد يزيد عن كونه خلافاً لفظياً. وكذلك قالت مدارس أهل السنّة بالتنزيه، فهم ينكرون أن يكون لله شبيه ما، فهو لا جسم ولا جوهر (بمعنى أن الجسم محدود) ولا هو عرض، ولا هو يحتويه مكان ... إلخ (ومما تجب ملاحظته أن الكرّامية قد عرفوا الله بأنه جوهر، وكان مفهومهم بهذا أنه قائم بذاته). والتعديل الذى أدخله الأشاعرة -الذى يطلق عليه اسم الحل السعيد - قد نأى كذلك عن نزعة المعتزلة فى إثبات كل شئ بالعقل، وعن حرفية المجسمة. وكان هذا مذهباً شهر "بلا

كيف ولا تشبيه"، ورمى تنزيه المعتزلة ببلوغه مبلغ التعطيل مجرداً الصفات من كنهها أجمع، وعلى حين يميز الأشاعرة، من قِبلهم، الكنه الحق للصفات، منذ أن أخبرنا بها القرآن الكريم، غير أنهم يجزمون بأن هذا الكنه لا يمكن أن يعرض الوحدانية الإلهية الكاملة للظنون. وقد عارضه المعتزلة والفلاسفة فى آن واحد، واتبعوا الغزالى. ثم انتهوا بآخرة إلى هذه المقاربة. الصفات قائمة بذات الله، وليست هى الله، وليست شيئاً آخر غيره. وهناك حل من هذا القبيل بسطه بعض الأشاعرة الذين ظلوا ملتزمين لنظرية الأحوال التى قال بها أبو هاشم المعتزلى، مثل الجوينى (القرن الخامس الهجرى = القرن الحادى عشر الميلادى) وقد خالفه فى هذه المسألة من يعرفون بأصحاب المدرسة الحديثة (القرنان السادس - السابع الهجرى = القرنان الثانى عشر والثالث عشر الميلادى) مدرسة فخر الدين الرازى، والجرجانى وغيرهما. و"الحال" قائمة بشئ موجود ولكنها ذاتها لا توصف وجوداً ولا عدماً، وعلى هذا النحو فهمت العلاقة الإلهية بين الذات والصفات. وهذه المشكلة الكلامية العويصة وطأت لها أداة فلسفية مضت تجاهد لتحسين حالها والتقدم فى سبيلها، وإن كانت تصاب فى بعض الأحيان بالعثرات. ومن ثم فإننا مع مستهل النزعة الحنفية الماتريدية نجد فى كتاب الفقه الأكبر الثانى (ونصه من أيام الأشعرى) أن الله شئ. ومع أن هذا القول كان خليقاً بأن يكون موضع الاستهزاء من بعض المتكلمين المتأثرين بالفكر اليونانى، كما عرفه القدماء، فإن من الواضح أن القول المذكور يجب أن يفهم بمعنى الحقيقة الثابتة. فالله شئ لا كالأشياء ولكنه واجب الوجود (الفقه الأكبر الثانى، مادة؛ Muslim: Wensinck Creed كمبردج 1932، ص 190). وقد آثر الماتريدية بصفة عامة ألا يفرقوا بين صفات الله وذاته وإنما قالوا: إن الله عالم وله علم قائم به بمعنى أنه باق ... إلخ وبذلك يؤكدون الأسماء القدسية (العالم، المريد، القدير، المتكلم).

(ب) مسردة الصفات. والمبدأ الهادى فى ذلك هو ألا نثبت لله صفة لم ترد بنصها فى القرآن، والمبدأ التوحيدى هو أن نكل هذا إلى الله، وتبسيط الأمر بالاستعانة بكتابه. على أن معظم فقهاء الكلام يقولون إنه لا يعد خروجاً عن النص الانتقال مثلاً من صيغة اسم الفاعل إلى الاسمية، كما تنص على ذلك قواعد اللغة. ومن ثم نشأت على مر القرون مسردة من الصفات بدأت أولاً بعدم الالتزام فى سردها بترتيب خاص (كما فى الإبانة للأشعرى) ثم فصلت ونسقت فيما بعد منذ أيام الجوينى إلى ما بعد ذلك. والترتيب الذى اتبع، بل الأسماء نفسها فى الواقع، تختلف باختلاف المدارس. وإذا أخذ بأحد الآراء الشائعة فإنا نسوق المسردة الآتية: 1 - صفة الذات: الوجود. وإذا قيل عن الله فإنه ليس غير ذاته. 2 - صفات ذاتية أو نفسية: وهى تقسم أحياناً إلى: (أ) صفات نفى تؤكد علوه تعالى: القدم؛ البقاء؛ المخالفة للحوادث؛ القيام بنفسه. (ب) صفات معان: القدرة؛ الإرادة؛ العلم؛ الحياة؛ الكلام؛ السمع؛ البصر؛ الإدراك؛ وينكر بعضهم أن هذه من صفاته. 3 - صفات معنوية: وإذا أخذت بظاهر اللفظ فإن معناها: القدير؛ المريد؛ العالم. 4 - صفات الأفعال: الرؤية، الخلق، أى العالم المحدث (وهو التكوين عند الماتريدية)؛ الأمر، والقدر والقضاء، وصلتهما بالعلم الإلهى والإرادة الإلهية تختلف باختلاف المدارس (رضى، وخاصة عند الماتريدية) ... إلخ. ويتفق الأشاعرة والماتريدية فى القول بأن صفات المعانى باقية حتى إذا كانت تتعلق بمحدث. وهم يخالفون المعتزلة الذين يقولون مثلاً (مدرسة البصرة) بأن علم الله بأفعال العباد المختارة محدث له بداية. على أن الأشاعرة والماتريدية يتجاوزون فى صفات

الأفعال صفتى البقاء والبدء. والماتريدية بصفة عامة يعدونهما باقيتين. وجميع هذه الصفات -إلا أربع- تقوم على العقليات. لقد أتى بها القرآن الكريم ولكن العقل البشرى يستطيع إثباتها. أما الصفات الأربع الأخرى، وهى الرؤية والكلام والسمع والبصر (ويدخل الإدراك فى ذلك أحياناً) فتقوم على السمعيات ولا نعلمها إلا من التنزيل. (جـ) صفتان خلافيتان: الرؤية (صفة الرؤية) والكلام صفتان موضع جدل عنيف. ويفهم من رؤية الله أنها تكون بالأبصار. ويسلم أهل التقى من السلف بذلك تسليماً مطلقاً مفسرين إياها بالمعنى الذى ورد فى القرآن الكريم (سورة القيامة، الآيتان 22، 23) وفى عدة أحاديث. ولم يكن إنكار المعتزلة لها إنكاراً مطلقاً بأقل من تسليم هؤلاء السلفيين بها، ذلك أنهم يلجأون إلى التأويل (انظر ما يلى) فى تفسير النص القرآنى. ويقول الأشاعرة والماتريدية من الحنفية بالرؤية، ولكنهم يؤكدون أنها "بلاكيف". فكل امرئ سوف يرى الله بعينيه يوم الحساب. والمصطفون سوف يرونه رؤية خاطفة فى الجنة. ولكنهم لن يروه رؤية المرء لشئ يقوم فى حيز وله حدود. ومن المستحيل تخصيص طريقة هذه الرؤية (الإبانة، طبعة القاهرة، سنة 1348 هـ، ص 14؛ الفقه الأكبر الثانى، ص 17). وصفة الكلام، وهى من الصفات السمعية، لها أهمية كبرى، إذ هى الوسيلة التى يتجلى الله بها لعباده. والمعتزلة يجعلون من الكلام صفة محدثة مخلوقة، لا لشئ إلا أنها تتجلى فى زمان (ومن ثم القول بأن القرآن الكريم مخلوق). فالقرآن الكريم كلام الله، ولكن كلام الله محدث. وقد ثبت الأشاعرة عند ذلك الموقف الذى أدى إلى سجن ابن حنبل وتعذيبه، فرأوا فى صفة الكلام أنها نفسية تقوم بذات الله نفسه. ومن ثم كانت نظرية القرآن غير مخلوق (انظر الإبانة ص 20 - 22) ولكن هذه المدرسة فرقت بينه وبين اللفظ به، أى بين الكتاب وتلاوته على

أفواه الناس. وفى القرن الثامن الهجرى (الرابع عشر الميلادى) تفكر ابن تيمية فى هذا الأمر محييا مذهب السلف الصالح فوجد أن كلاً من المعتزلة والأشاعرة قد فاتتهم أشياء. فأكد ثانية أن ذاتية كلام الله الذى يعبر عنه تعالى هو قائم بذاته. (الفتاوى، القاهرة 1349 هـ، جـ 5، ص 265 - 267). 3 - الآيات المتشابهة إن تعظيم النص القرآنى مقترناً بغيب الله الواحد الذى لا يدرك لم يلبث أن واجه الفكر الإسلامى بالمسألة العويصة الخاصة بالآيات المتشابهة التى تشبه الله فى الظاهر بالمخلوقين، ترى هل نسلم بها تسليماً أم أنه ينبغى لنا أن نؤولها؟ (أ) لقد أخذ القدامى من أهل الحديث هذه الآيات بظاهر اللفظ، على أنه من خطل القول، أن نرميهم بتهمة التجسيد فى غير تحديد. فقد قال الأشاعرة أنفسهم بصحة نظرة القدماء الذين انصرفوا عن كل تأويل ولجأوا إلى التوحيد أو التسليم لله. ولكن لا يعلم أحد المفهوم الذى أضفاه الله على هذه المصطلحات. وهذه النظرة نسبت خاصة إلى مالك بن أنس. وقد لا يكون من الواجب أن نضيف إلى ذلك أن نظرة من هذا القبيل قد أصبحت "تجسيدية" لمجرد أنها حاولت أن تقيم من هذه المسألة صورة ذهنية وتبررها تبريراً غير متسلسل. ولكنها لم تصبح كذلك لأنها لم تدخلها فى صميم العقيدة. (ب) ولكن مدارس المعتزلة من جانبها أرادت أن تبرر بالجدل فكرة المسلمين عن الله فى مواجهة "إله الفلاسفة" الذى ألهه اليونان، فأكدوا من ناحية وحدانية الله، وأكدوا من ناحيةٍ أخرى إيمانهم بالميزان العقلى، فأدى ذلك بالمعتزلة إلى التوسع فى التأويل. وكان ممثلهم فى التأويل هو الزمخشرى الذى اتخذ فى سبيل تحقيق أغراضه طريقة الطبرى اللغوية. وعلى ذلك أصبحت الآية {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: 22 - 23] هى فيما ذهب إليه الجبائى: "وجوه جميلة تصبو إلى ربها المنعم. ويمكن إنكار رؤية الله دون مخالفة القرآن. وقد رجع فى ذلك إلى

المجاز، كما رجع إلى فقه اللغة. فرأوا فى الميثاق الذى أخذه الله على بنى آدم منذ الأزل (سورة الأعراف: 169) "مجازاً" كما فعلوا فى جميع الآيات التجسيدية. (جـ) وقد استنكر الأشاعرة الأولون هذا اللجوء إلى العقل فى التفسير. ففى رأيهم أن هذه المصطلحات التشبيهية -بما فيها الاستواء على العرش والحركة- ليست إلا تعبيرات عن أفعال وصفات تتفق مع جلال الله ولكنا لا نعلم طبيعتها ولا كيفيتها، وليس بينها وبين ما يقابلها من أفعال الإنسان أى شبه. وهذا هو ما اصطلحوا عليه بقولهم "بلاكيف". وكثيراً ما يختلط الموقف بموقف القدماء، وقد قال بهذا إمام المذهب الأشعرى نفسه. (د) وقد دخلت فى علم الكلام بعد نظرة أخرى التقطت من المعتزلة، وخاصة من معارضة الفلاسفة، وقد عرفت هذه النظرة بنظرة المحدثين، فأبيح التأويل. وهكذا فعل الجوينى وفخر الدين الرازى وغيرهما، ففسرت يد الله بأنها العناية التى يبسطها على البشر، وقالوا إن أعينه تدل على شدة عنايته وحراسته ... إلخ (الرازى: كتاب أساس التقديس، القاهرة سنة 1327 هـ، ص 149) وثمة تأويل مجازى قد يدخل فيه الرمز إذا دعت الحال، وهو قريب كل القرب مما أثر عن المعتزلة مع الخلافات الآتية: 1 - اعتبرت نظرة القدماء صحيحة (انظر أساس التقديس، الفصل الأخير). 2 - عدت آيات التجسيد دون سواها على التخصيص مجازات، حيث إن المعنى الظاهر قد يؤدى إلى استحالة حقيقية. وهذا هو الموقف الذى اتخذه الطبرى من قبل، ولكن رؤية الله، وأزلية الميثاق قد تأكدتا بمعناها الدقيق وفقاً لعقيدة الأشاعرة. (ب) أفعاله تعالى مشكلة العدل والجزاء أتى القرآن بالحقيقتين الكبيرتين، وهما قدرة الله على كل شئ ومسئولية الإنسان، وأن الصالحات يثاب عليها والطالحات تجازى. وقد جاهد المفكرون المسلمون بلا كلل لإيجاد حل لهذا

التناقض الظاهر، وكان ذلك موضوع المناظرات الأولى التى يرتد زمنها إلى دمشق، بين الجبرية والقدرية والمرجئة، وورثت مدارس الكلام الكبرى ذلك عنهم. 1 - يؤكد المعتزلة حرية الإنسان، وهو يأتى أفعاله بالقدرة التى أودعها الله فيه ابتداء، والله يعلم هذه الأفعال الاختيارية، ولكن الله يثيب الإنسان أو يعاقبه على هذه الأفعال بكل إنصاف فهو الحكم العدل. وهو تعالى لا يأتى فعلاً بلا غرض أو غاية محددة، ففى الكون نظام مدبر. وهو النظام البديع الذى يتحدث عنه القرآن الكريم، نظام له غاية، ولذلك كانت ثمة غايات وسط تخضع لغاية ليس بعدها غاية؛ وثمة أسباب تؤثر تأثيراً فى أغراضها، وثمة حسن وقبيح فى طبيعة الأشياء يسبقان ذلك التبسيط الذى جاءت به الشريعة المنزلة. والله قد أوجب على نفسه أن يفعل الأصلح وهو لا يريد الشر ولا يأمر به. وإرادته وأمره سيان، والشر يخلقه الإنسان كما يخلق المدلولات الخلقية لأفعاله. وقد افترق معتزلة البصرة ومعتزلة الكوفة حول فكرة "الأصلح" الذى يفعله الله دائماً وحول التوسع فى هذه الفكرة. 2 - واستنكرت مدرسة الأشاعرة محاولة تبرير أفعال الله. ذلك أن الله تعالى: لا يحيط به عقل، فهو الحكم العدل، لأنه يفعل ما يريد، وهو لا يلتزم بشئ وما يفعله هو الأصلح لا لأنه ألزم نفسه به هذا الإلزام وإنما لأنه فعله، إذ لا وجود للحسن وللقبيح من الناحية الخلقية سابقاً على ما جاءت به شريعة الله، وليس الله بعاجز عن أن يبدل الحسنة سيئة والسيئة حسنة (الجرجانى، شرح المواقف، جـ 8، ص 182). والحق إن الغزالى والرازى قد فطنا إلى معنى عقلى فى "الحسن" و"القبيح". فطن له الرازى من حيث الوجود فحسب (المحصل، القاهرة، طبعة غير مؤرخة، ص 147؛ كتاب الأربعين، القاهرة سنة 1353 هـ، ص 249) وفطن له الغزالى من حيث الصفات الحسية التى فطرت عليها الأشياء (الغزالى: الاقتصاد، القاهرة، طبعة غير مؤرخة، ص 67).

والله كما جاء فى القرآن الكريم {يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ... } وكل شئ معلق بقضائه تعالى موكول إلى إرادته التى تحيط بالأشياء جميعاً، على حين أن قدره الذى ينفذ بأمره هو "صفة للفعل المحدث" تحدد فى زمان الأشياء التى "كانت" فى انتقالها من اللاوجود إلى الوجود، والقدر كما يقول الجرجانى (التعريفات، طبعة فلو كل، سنة 1845 هـ، ص 181): "وجود الموجودات متفرقة فى الأعيان بعد حصول شرائطها". ويقول أيضاً: "القدر خروج الممكنات من العدم إلى الوجود واحداً بعد واحد مطابقاً للقضاء، والقضاء فى الأزل والقدر فيما لازال" (المصدر نفسه). ويقتضى هذا أن المرء يجب أن يفرق بين الإرادة والأمر، إذ الأمر هو الذى يتصل بطاعة الإنسان طاعة مباشرة، فالله يشاء ضلال الكافر ويخلق هذا الضلال فيه، ومع ذلك يأمره بالإيمان. أما أفعال الإنسان الحرة "الاختيار" فحالة خاصة تتعلق بمبادئ أعم من ذلك. فالله هو خالق أفعال الإنسان أية كانت، وقد فسر نص ما ورد فى القرآن الكريم {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} بمعنى الخلق من العدم. صحيح أن الإنسان يخامره شعور بمسئوليته يحصى عليه الحسن والقبيح من الأفعال التى يأتيها كما يقول القرآن الكريم صراحة، وأنه تعالى يثيبه أو يعاقبه كما وعد. فقد أوتى الإنسان "الكسب" أو "الاكتساب" (سورة البقرة، الآية 281؛ سورة الطور، الآية 21). وفى نهاية القرن الماضى وجد الباجورى أن القاعدة الآتية قاعدة واجبة، وهى: الإنسان ملزم فى صورة مختار (حاشية على الجوهرة، القاهرة سنة 1352 هـ = 1934 م، ص 62) ومن ثم فإن الإنسان على مستوى التجربة يجب عليه أن يمضى فى أفعاله كأنما هو حر، ولكن يجب عليه أن يعلم أن كل شئ يأتيه فهو من الله، فإذا فعل الحسن فإنما فعله لأن الله برحمته شاء هذا، وإذا فعل قبيحاً فإنما لأن الله بعدله قد شاء هذا. وهذا الإنكار للحرية الداخل فى مبحث علم الوجود يتفق مع كفاية "الأسباب" بما يخالف بدعة نظرية

المعتزلة (كفاية الأسباب قدرة يخلقها الله)، ويخالف الحتمية المحضة للعلل التى قال بها الفلاسفة، (السنوسى: المقدمة، الجزائر سنة 1908, ص 108 - 109؛ الباجورى: الكتاب المذكور، ص 58). أما الأشاعرة فلا أثر عندهم للكفاية فى الأسباب، إذ الله لم يكتب الدوام للوجود، وإنما هو سلسلة غير متصلة من خلق يحدث فى كل وقت، وسلسلة زمنية من تحقق القضاء الأزلى. ففى كل وقت يخلق الله ثم يخلق العالم والكل الفانى المتوحد عرضاً، الذى هو الإنسان وكل فعل من أفعاله. وعالم الأفعال "الحرة" هو والكون فى كليته سلسلة غير متصلة من قدر الله الذى لا يدرك، وما العلل إلا الوسائل أو الدلائل على إرادة الله، والشريعة هى "سنة الله". (وظل هذا المصطلح مستعملاً عند محمد عبده فى رسالة التوحيد، القاهرة سنة 1353 هـ، ص 7)؛ إنها هى السنة التى يستطيع بها الله فى جميع الأحوال أن يبدل كما فعل مثلاً حينما شاء أن يأتى بالبرهان على رسالة رسله عليهم السلام فجاء "بالمعجزات". وعند معظم الأشاعرة -ولا نقول كلهم على الإطلاق- نظرية فى الكون تتفق مع نظرية عدم استمرار الأشياء. وكل شئ حشد من ذرات متصلة أو منفصلة أو متحدة بقدر الله. وإذا كان حقاً أن الباقلانى (القرن الرابع الهجرى = القرن العاشر الميلادى) قد قال بأن نظرية الذرات مساوية فى "الجوهر" (ماسينيون) للعقائد التى جاء بها القرآن، فإنه فى رأينا قد بالغ حتى رأى فى ذلك ما يمثل نظرة الأشاعرة المأثورة عنهم أصدق تمثيل، بل يمثل أكثر من ذلك مذهب جميع أهل السنة فى الإسلام. وهذه النظرية الطبيعية الكلامية فى الذرة هى فى الواقع معتزلية الأصل (أبو الهذيل؛ انظر أبحاث Horten & Pines) وتتفق إذن كبير اتفاق مع "القدرة" التى اهتدى أنها للإنسان على أفعاله. وثمة نزعة متميزة عرف بها الأشاعرة، الباقلانى، والإيجى، والجرجانى (مع بعض الخلافات) وعرف بها المحافظون الجامدون، مثل السنوسى، واللقانى، والباجورى، فقد ظل هؤلاء يأخذون

بنظرية الذرة فى الأعراض على اعتبار أنها أكثر التفاسير قبولاً لقدرة الله على كل شئ فى هذا العالم. وثمة اتجاه آخر تأثر أصحابه إلى حد قليل بنظرات الفلسفة الخلافية، فمروا على هذه النظرات مروراً عابراً ولم يثيروا حولها شيئًا (الغزالى، فخر الدين الرازى أو عدلوها تعديلًا كبيراً، وإن كانوا قد ظلوا يؤكدون النظريات المألوفة عن قضاء الله وقدره وعن فكرة الاكتساب البسيطة بالنسبة للإنسان. 3 - وكان بعض الماتريدية (أبوحفص النسفى، والتفتازانى) من القائلين بنظرية الذرة. ولكننا نود أن نبرز إبرازاً خاصاً النظرة التى تتصل بالنفس اتصالاً أكثر وثاقة، تلك النظرة التى رأت على ضوئها مدرسة الحنفية الماتريدية بعامة العلاقات بين القدر وبين حرية الإنسان. فالقدر والقضاء من البداية لم يصبحا بعد يتصلان بإرادته تعالى بل بعلمه. وقد خالفت هذه المدرسة الأشاعرة فكان القدر عندها هو الباقي أما القضاء فيتعلق بالوجود فى زمان. ومن ثم كان القضاء عندهم علماً أزلياً يعلم به الله من قديم الأزل الحسن والقبيح والصفات السيئة فى مخلوقاته، على حين كان القضاء هو إيجاد الله لهذه الأشياء نفسها التى خلقها بحكمته وكماله (انظر عبد الرحيم ابن على، نظم الفرائض، الطبعة الثانية، غير مؤرخة، ص 28 - 30؛ الباجورى، الجوهرة، ص 66) وترى أغلبية الماتريدية أن فى الأشياء حسناً يقاس بالعقل وقبحاً من حيث الوجود ولايتصل اتصالاً مباشراً بالأخلاق. وفى ميدان الأخلاق فإن الله هو الذى يخلق بلا واسطة "أصل" أفعال الإنسان الاختيارية، ولكن قدرة الإنسان هى التى تكسبها صفة الحسن أو القبح (ويجب أن نلاحظ أن الرازى فى كتاب الأربعين، ص 277، والجرجانى فى شرح المواقف، جـ 8، ص 147 ينسبان هذه النظرية -التى يقول بها ماتريدى- إلى الباقلانى) فكل ما يحدث مرهون بإرادة الله وإنما الحسن هو الذى يقوم على "رضاه" والله لم يوجب على نفسه العدل، كما يقول المعتزلة، وفعله لا يكون عدلاً لأنه يشاؤه، وإنما لأنه -كما

يقول الأشاعرة - فوق كل عدل بعلمه وحكمته، وهو تعالى لا يكون غير عادل. 4 - وما بنا من حاجة إلى أن نتتبع الجهود الوافرة التى بذلها علماء الكلام لتدعيم حججهم وتبرير الاعتراضات التى كانت تظهر دوماً. وقد قام أولئك الذين لم يرتضوا النظرية الأشعرية فى الكسب بتبريرات أكثر غموضاً. ومن ثم نشأت نظرية الاستطاعة وهى شائعة بين الأشاعرة والماتريدية؛ (انظر الجوينى: الإرشاد، طبعة Lascani، سنة 1938، ص 122 - 196 - 125 - 201؛ الجرجاني: التعريفات، ص 18 ... إلخ)؛ ونظرية "التولد" أو "التوليد"؛ ونظرية التوفيق أى تيسير الأفعال وخاصة الأفعال الصالحة، والإيمان والطاعة التى يخلقها الله فى الإنسان بلطفه تعالى وضدها وهو الخذلان (أى أن تخلق فى الإنسان القدرة على العصيان، طبقاً لتعريف التفتازانى الماتريدى فى كتابه المقاصد، طبعة إستانبول، ص 118 وما بعدها). ونستطيع أن نرى فى هذه الجهود تحليلاً طبق على مشاكل شديدة التعقيد حتى إن هذه الجهود يمكن أن تكون قد بدت فى نظر أولئك الذين أرادوا أن يظلوا ثابتين على ما كان يحيط بالسلف الصالح من هالة محجبة والذين أنكروا إثبات العقيدة بالتدليل كأنما هى رياضات تدعو إلى اليأس (انظر الجرجانى: شرح المواقف، جـ 1، ص 34 - 35) وهو أمر تطلع الأشاعرة المتأخرون إلى أن يفعلوه. وكان للكلام خصومه الألداء (بصرف النظر عن معارضة الفلاسفة) فى شخص أنصار المذهبين الحنبلى والظاهرى، الذين اقترنت أقوالهم بأقوال أهل السلف وأساءوا الظن باللجوء إلى العقل فى مسائل العقيدة. وكان الغزالى أيضاً قاسياً كل القسوة فى عرض حديثه عن الكلام. على أننا نجد أحياناً بين هؤلاء الخصوم أشد القواعد تواتراً فى تحليل العلاقات بين الفعل الاختيارى وقدرة الله على كل شئ. وهكذا نجد أن ابن حزم الظاهرى (القرنان الرابع والخامس الهجرى =

القرنان العاشر والحادى عشر الميلادى) -الذى أنكر أن تكون للعقل قدرة على القياس (نستطيع هنا أن نتحدث عن قول ابن حزم بالمذهب الاسمى، ولكنه ليس مذهباً اسمياً يدور حول قيمة اللغة ذات الأثر وقواعدها) والذى كان يرمى إلى الاستمساك بنص الكتب المنزلة - قد أنكر الكسب الذى قال به الأشاعرة حيث إن نصوص الكتاب كما يقول (الفِصَل، القاهرة سنة 1347 هـ, جـ 3، ص 48) لا تجيز أن الإنسان يخلق أفعاله كما يقول المعتزلة ولا الاكتساب الذى وهبه الله إياه كما يقول الأشاعرة. ولكن نقضه كله لهذه النظريات العارضة، هذا النقض الذى وإن كان أبعد ما يكون عن التسلسل الفكرى (انظر الكتاب المذكور 51 - 52) غير أنه ناضج سديد، وهو فى نفس الوقت قد عرض فى إجمال رأياً شخصياً سديداً فيما يتصل "بالاستطاعة". (انظر المصدر المذكور، ص 21 - 26، 31). والغزالى، ولا نعنى هنا الغزالى فى كتابه الاقتصاد الذى عنّى نفسه بعرض نظريات الأشاعرة أو النهوض بها متنقصاً مع ذلك من حدود علم الكلام (ص 7 - 8) وإنما نعنى الغزالى فى كتابه التهافت بل الإحياء بخاصة (القاهرة، طبعة سنة 1352 هـ = 1933 م، جـ 4، ص 269) حيث يقوم بتحليل نفسى نافذ كل النفوذ لموضوع الاختيار والصلات بين العقل والإرادة فى الفعل الاختيارى، وهو يدافع عن تصور للاختيار لا يقاس بالعقل ويؤكد أن الله وحده الذى يفعل "من غير غرض" هو صاحب الاختيار والصلات بين العقل والإرادة فى الفعل الاختيارى المطلق، اختيار متصور كأنما هو اختيار إنسانى يرتفع إلى مقام الأبدية. وما يسميه المتكلمون الكسب هو مرحلة وسطى (الإحياء، جـ 4، ص 220) ليست مجال مشاركة فى الاختيار الإلهى، فالإنسان يأتى الفعل ضرورة بمعنى أن كل شئ يحدث له لا يصدر عنه وإنما يصدر عن آخر، فهو يفعل عن اختيار بمعنى أنه هو "محل" الفعل المختار، يفعل فعله غير مدافع بعد أن يقرر العقل، وهذا الأخير ليس إلا صورة.

وقد قال الغزالى بهذه القاعدة التى يحسن ألا نفسرها تفسيراً فضفاضاً، وهى أن الإنسان مجبر على الاختيار (انظر المصدر المذكور). وهذه العناية بالتحليل قد تناقصت حتى اختفت فى الرسائل المتأخرة التى لم تكد منذ القرن الخامس عشر تزيد عن ترديد القواعد التى صيغت فى الماضى. وقد أراد الشيخ محمد عبده فى نهاية القرن التاسع عشر أن يحرر نفسه من جدل علم الكلام فاقتصر على قوله: "أما البحث فيما وراء ذلك من التوفيق بين ما قام عليه الدليل -من إحاطة علم الله وإرادته وبين ما تشهد به البداهة من عمل المختار فيما وقع عليه الاختيار- فهو من طلب سر القدر الذى نهينا عن الخوض فيه، والاشتغال بما لا تكاد تصل العقول إليه". (رسالة التوحيد، ص 61). 3 - نظرات إسلامية مختلفة إلى الله ونختار هنا من أبرز هذه النظرات بعض الاتجاهات. 1 - علم الكلام عند الإسماعيلية: وثمة كلام كثير يقال عن عقائد الفرق، من الخوارج فى الإسلام إلى الشيعة. وسنقصر عنايتنا على مذهب الإسماعيلية الذى كانت له علاقات ثقافية كثيرة جداً بأغلبية أهل السنة. وقد اندمجت فى علم الكلام عند الإسماعيلية نزعة مزدوجة أثرت فيه: مذهب المعتزلة (الذى ظل يؤثر فى الشيعة) ومذهب الأفلاطونية الجديدة، ومن ثم أثرت الفلسفة فيه بعض التأثير. ولا نكاد نعرف شيئاً عن مرحلة التطور الأولى نفسها لهذا العلم أو جهوده لتحديد موقف أصيل من الأفكار الإسلامية مثل "كن" و"قدر" وغير ذلك. وظلت هذه الأفكار البدائية فى هذه المرحلة على حالها حتى جاء أبو عبد الله النسفى (القرن الرابع الهجرى = العاشر الميلادى) فوضعها وضعاً جديداً فى مذهب يأخذ كثيراً من الأفلاطونية الجديدة ومذهب الفيض. وظل النظر فى هذه المسائل يتطور ويتزود باتجاهات جديدة بفضل أبى حاتم الرازى وأبى يعقوب السجستانى وناصر خسرو والكرمانى (وقد وجد شتيرن أنه قد

تأثر فيما يرجح بالفارابى فى قوله بالعقول العشرة). وعن طريق إخوان الصفاء قدر للإسماعيلية أن تؤثر فى كثير من الفلاسفة بل فى علماء الكلام من أهل السنة حتى جاءت الحملة التى شنها نصير الدين الطوسى تأييداً لابن سينا. التوكيد على غيب الله الذى لا يدرك وقد نشأ مذهب كلامى كامل سلبى؛ وأصبح من غير الممكن أن ينسب إلى الله فى ذاته اسم أو صفة. بل إن "التوحيد الصحيح" لا ينسب لله تعالى حتى الوجود نفسه (بالفارسية: هسْى). والأسماء التى جاءت فى القرآن إنما تدل على أنها هى ذاته (انظر: إدريس القارصى، القرن الثامن الهجرى = القرن الرابع عشر الميلادى) وقد جعل الأمر، والكلمة والإبداع والعلم، أقانيم؛ فالله ليس بباق، وليس هو لازال، وإنما الباقى هو أمره وكلمته، والذى لا زال هو خلقه الذى فاض عنه بأمره (المقريزى: الخطط، جـ 1، ص 395 الذ ى استشهد به Juda b. Nissim ibn: G. Vajda Malka، باريس سنة 1945، جـ 7، الفصل الأول) ويظل الله هو الذى لا يمكن للأفهام أن تدركه بحال (ناصر خسرو). ويندرج لغز التشبيه والتعطيل فى مذهب إنكارى يجعل إثبات الصفات ينصرف إلى الكلمة أو الأمر أو إلى العقل الأول أو الكلى. ويجعل الكرمانى العقل الأول هو الكلمة، ويجعل الإبداع صفة من صفاته تعالى. والحق إن مذهب النسفى وخلفائه فى الفيض قد أقام واسطة هى العقل الكلى الذى صدر عنه العالم بفيوضات متعاقبة، وتجد أصداء هذا فى كتاب "قصوص فى الحكمة" (وهو كتاب يجب أن ينسب بعد أبحاث S. Pines فى REI سنة 1951، ص 121 - 124، إلى ابن سينا وليس إلى الفارابى) وتستمر هذه الأصداء عند الغزالى فى "المطاع" من مشكاة الأنوار. وقد تعلقت المشاعر الدينية للإسماعيلية بطائفة من الأقانيم الغنوصية، فالإرادة والأمر يكونان فى بعض الأحيان مرتبتين روحيتين أسمى من العقل الأول. وما أكثر ما تجعل الإرادة والأمر والكلمة سواء، ويجعل

العقل الكلى أو الأول فى ذاته "مجلى لله" فوق الأفهام يعز التعبير عنه ويتحقق بأمره تعالى. وهذه الأنظار متأصلة فى التأويل الرمزى (المعنى الباطن لآيات القرآن الكريم) تتزود من الأساطير الإيرانية مباشرة. وقد استبطنها من بعد بعض الشيعة بل السنية والصوفية. 2 - الفلسفة: وفى الفلسفة اكتسب المصطلح "إلهيات" (الذى اصطنعه علم الكلام) الشيوع من حيث إنه يدل على جملة من المسائل عن الله، ولم تصبح مادة هذه المسائل هى مادة علم الكلام، لقد جاءت من اليونان، وخاصة من أرسطو، ولكنها سادت على الأقل فى الفلسفة الشرقية (وخاصة عند الفارابى وابن سينا) بإلهام عظيم من الأفلاطونية الجديدة (كتاب الإلهيات المنحول لأرسطو). وكان لسلطان القرآن الكريم بعض الأثر فى مادة هذه المسائل (وخاصة علم الله سبحانه وتعالى بالأشخاص) ولكن لا داعى يدعونا إلى أن نبسط هذه المسائل بالتفصيل كما فعلنا بالنسبة لعلم الكلام، وحسبنا أن نذكر أن ابن سينا يثبت وجود الله توسلا بالدليل القائم على حدوث العالم بمعناه الدقيق ولم يغفل الدليل القائم على "فكرة الوجود". (انظر الإشارات، طبعة Forget. ص 146) وقد أعانتهما أداة الفلسفة الأكثر مرونة فى إثبات الصفات بعيداً عن الذات الإلهية متوسلين بتفرقة "معنوية" بسيطة لها أساس من الحقيقة. ويجب أن نذكر فى هذا المقام نزعة باطنية معرفتنا بها غير كاملة تأخذ عدة أقوال من المذهب الإسماعيلى مأخذ الإنكار (وسائط: إخوان الصفا، والتوحيدى، ثم فى زمن متأخر النزعة الإسماعيلية التى بينها S. Pines. والخاصة ببعض نسخ من إلهيات أرسطو؛ انظر REI، ص 7 وما بعدها). ولا يزودنا الفلاسفة برسائل عن العدل ولا عن أفعاله تعالى، فهم على خلاف علماء الكلام يؤكدون (أو يتصدون لإثبات) خروج العالم إلى حيز الوجود بفيض واجب صادر عن إرادة (انظر مادة "الإسماعيلية") وأنه باق

إلى أجل، عالم ليست له بداية أو نهاية "ممكن" فى ذاته، محدث فى مرتبة الذات واجب فى مرتبة الوجود، والعناية شريعة الفيض نفسه وهى قائمة ضرورة بعقل الله الأزلى. والأسباب لا يمكن أن تعجز فى أن تفعل فعلها فى أعراضها، ولم تعد ثمة أية مشكلة عن اختيار الإنسان حيال قدرة الله على كل شئ (النجاة، ص 302). وأياً كان الحل الذى يتخذ ببقاء نفوس الأفراد فإن العقل الفعال يكون وسيطاً بين الله والإنسان فى مرتبة العلم ومرتبة الفيض، إذ هناك طبقات للعقول العاقلة حتى المعلول الأول ويحيط بهذه العقول العقل الكلى. وعند ابن سينا طبقة من النفوس تقابل هذه العقول، وقد أنكر هذا ابن رشد. والظاهر أن ابن رشد إنما كان من الفلاسفة الذين توسلوا بالفلسفة فى العودة إلى العلم الإلهى بالأشخاص بأعيانها وهو ما شدد القرآن الكريم فى الدعوة إليه. أما الأمر المعلق فهو موقف العقيدة كله من الله. ولا مراء فى أن الفلاسفة كانوا مسلمين وظلوا مسلمين. ومع أن نظرياتهم نفسها قد تعدل أو يوفق بينها وبين ما أكده القرآن، فإن الله الذى يدعون إليه هو الله الذى ندركه بالعقل ونهتدى إليه فى أسمى الحالات بومضة من ومضات الحدس. وقد تصدوا لإثبات (وتدخل فى ذلك فكراتهم عن التجلى، وهو لحظة عابرة يوفق الإنسان فيها إلى الواجب الكلى) أن الله المدرك بالعقل والله الذى نزل به القرآن يتفقان اتفاقاً كلياً. ولكنها ليست مسألة صحة عقيدة تستخدم العقل سنداً فى نطاقها. فهم يتناولون الفلسفة من ناحية والشريعة من ناحية أخرى مصدرين يتساويان قيمة. والمسألة المعلقة فى هذا المقام هى بيان أنهما يتفقان. وقد بلغوا هذه الغاية بالتأويل فلسفياً ورمزياً معاً، فالله هو الأول والسابق وهو الواجب الوجود، والله عند أئمة الفلاسفة تصور لوجود متعال واجب كامل، وهو العقل الأسمى والحب الأسمى، صدر عنه العالم بفيض ضرورى مراد. وصفوة القول أنه غرض لا يتصل بالعقيدة بمقدار ما يتصل بالتجربة الفلسفية والحدس الخصب.

وقد أدى ما أظهروه من جد فى متابعة أبحاثهم واستدلالاتهم (بالرغم مما وقعوا فيه من أخطاء) إلى أن أدخلوا فى صميم الثقافة الإسلامية ما أغناها حقاً. وقد أثر تحليلهم للمسائل فى بعض الأحيان فى الفكر الدينى نفسه. ولكننا نجد أنفسنا فى هذا المقام قد دخلنا فى ميدان آخر مخالف لسر الله الحى الذى لا يدرك الذى استوجب به القرآن الكريم طاعة المؤمنين. 3 - الكلام: ونعود الآن إلى مدارس الكلام السنية. وما من شك أن الفلاسفة احتقروا جدل "المتكلمين" الذين جعلوا الشريعة أشتاتاً، كما يقول ابن رشد (فصل المقال، طبعة وترجمة Gauthier، الجزائر، سنة 1942، ص 29). ذلك أن لطائفهم ومجادلاتهم مضطربة فى كثير من الأحيان، وبراهينهم الفلسفية محل مناقشة، ولكنهم عندما تصدوا على هذا النحو إلى الدفاع عن العقائد ضد أولئك الذين شكوا، فإن الذى كان يدخل فى دفاعهم على التحقيق هو الله سبحانه وتعالى كما تصوره العقيدة الإسلامية. والمعتزلة -كالأشاعرة سواء بسواء- رجال دين أولاً وفلاسفة ثانياً (أحمد أمين، ضحى الإسلام، القاهرة سنة 1362 هـ = 1943 م، جـ 7 ص: 204). ومع ذلك فإن الاتجاهين الباطنين لعلم الكلام عند المعتزلة وعند أهل السنة مختلفان. صحيح أن المعتزلة بدءوا بالقرآن الكريم وعدل الله السامى ولكن فكرتهم عن العقل باعتباره مقياساً للشريعة وسلطان العلوم الأجنبية عليهم من بعد قد أديا بهم إلى إقامة العقيدة كلها على فكرة أن الله يمكن إثبات وجوده بالعقل الإنسانى، وقد قصدوا فى دعم إثبات الوجود المثالى وتنقيته ولكن تشددهم فى القول بالتنزيه بلغ بهم الغاية إلى إضعاف فكرة الصفات الإلهية نفسها. ولم يكن الأشاعرة بمخطئين حين أخذوا عليهم ذلك، ثم حدث من بعد أن سر التوحيد الإلهى قد بدا كأنما أحيط بتصور يتفق وما عليه البشر، وعبر عنه بالأسلوب لا شك، ولكن الأفهام تدركه مباشرة مجزأ. ونحن نجد شيئاً يشبه هذا فى التصوف ماثلاً فى رياضات الجنيد، ويتصل بهذا ويكمله فى الوقت نفسه

العدل الإلهى، فقد أضفى عليه بوجه من الوجوه صبغة بشرية، فقد كانت فيه لمسة من فكرة القاضى العادل عند البشر ارتقى بها إلى مقام البقاء. وأصول رد الأشاعرة على هذا لم تكن بحال من الأحوال إنكاراً خالصاً لنصيب المؤمنين فى كل توسع طرأ على مادة العقيدة؛ وقد صور تحول الأشعرى على أنه رجوع إلى النزعة التى يكنها السلف وتصريح بالتزام مذهب ابن حنبل (انظر الإبانة، ص 9) على أن الأشاعرة قبلوا التحدى فى الصراع الجدلى وأدى بهم هذا إلى الإيغال فى هذا الميدان، أدى بهم إلى أن يصقلوا أنفسهم دوماً؛ أدى بهم إلى الدخول فى تعقيدات لا تنتهى، ونشأت عن ذلك جملة من المسائل لم تصل إلى حد قط نتيجة لتنوع الاعتراضات وقيام المدارس المعارضة. ووسط هذه الغمرة من الحجج أصبح من العسير فى بعض الأحيان أن نتتبع ذلك التسليم الكامل فى مواجهة العقيدة الساطعة بالله الواحد الخالق الحكم التى تجدها فى سور القرآن الكريم. ونفى الاختيار عند الإنسان بحقيقته الوجودية قد صرف كثيراً من نزعات التفكير نحو القول بالإرادة الإلهية متصورة على هذا النحو، وقد تحدد هذا أكثر بعد القرن الخامس عشر الميلادى، ذلك أن متكلمى الأشاعرة (أو الماتريدية) لم يسعوا إلى تجديد مذهبهم ليلحقوا بخصومهم المعاصرين، ذلك التجديد الذى كان فيما يظهر أول ما تدعوهم حاجة الدفاع عنه، بل جمدوا فى رسائل ذوات قوالب لا تتغير. وهذا الخطر بالشلل المحيق كان بلا شك من أهم الاعتبارات المؤدية إلى ما نجده عند محمد عبده من نزعة تشبه اللاأدرية. وهنا يكمن فيما نعتقد تعليل النظر إلى علم الكلام نظرة فيها ما يشبه الازدراء (يرتفع فى بعض الأحيان إلى المعارضة العنيفة) وقد أظهر ذلك على السواء خلفاء "السلف الصالح" الذين تمثلهم على الأخص النزعة الحنبلية وأقوال المتصوفة. 4 - التصوف: ونحن لا نطمع هنا أن نحلل الأصول الدينية للمدارس الصوفية المختلفة أو اتجاهاتها بكل ما

فيها من حدود دقيقة (انظر عن القرون الأولى Passion d' Al-: L.Massignon Halladj باريس سنة 1522؛ Lexique Technique، الطبعة الثانية، باريس سنة 1954) والشئ الجدير بالملاحظة أننا لم نعد نتناول جهداً عقلياً منصرفاً إلى واجب الوجود كما فى الفلسفة أو جهداً غير متصل كما فى الكلام لالتماس حجج قاطعة أو مقررة لعقيدة القرآن الكريم فى الله، وإنما الذى يتضمنه سعينا هنا هو رياضة روحية أو قل حياة مع الله لم تلبث أن فهمت على أنها رياضة فى الوحدة وتحقيقاً باطنياً للتوحيد. وهناك بعض الصوفية كالحلاج والترمذى أعادوا التفكر فى الأصول العقائدية للحقبة التى عاشوها، وبعضهم كالحسن البصرى يمكن أن نسميهم "شبه معتزلة" لأنهم توسعوا فى نقطة من النقاط، وآخرون مثل ابن كرام أضفوا اسمهم على مدرسة من مدارس الكلام، وبعضهم وصلوا أنفسهم بالطريقة الحنبلية فى التفكير، وثمة صوفية كثيرون من الشيعة وهناك صوفية كثيرون من أهل السنة لم يتصدوا بأى وجه من الوجوه لعلم الكلام عند الأشاعرة. وأخيراً نجد كثرة كثيرة منهم وخاصة منذ القرنين السابع والثامن الهجريين (الثالث عشر والرابع عشر الميلاديين) استجابوا لنزعات أفلاطونية حديثة تقول بوجود الذرات. وسننصرف من وجهة النظر التى تعنينا إلى استخلاص الاتجاهات الكبرى للصوفية طبقاً لتصنيف التزمه ماسينيون: (أ) وحدة الشهود: وهو المذهب الذى قال به الحلاج. والظاهر أنه قد ألهم أيضاً كل صوفى تأثر بالمذهب الحنبلى. والاتحاد بالله يتحقق فى قلب الصوفى بشهوده تعالى وشهود سر وحدته. ويظل الله تعالى ووحدته المطلقة فيما يتصل بجميع خلقه هو الغرض الأكبر من العقيدة. ولكن شهود الله تعالى يتحقق بالعشق (فى ذاته تعالى، العشق هو كنه الذات، هكذا يقول الحلاج) وبالعشق تتحقق المناجاة بين قلب المؤمن والله إلى أن يبلغ الأنَيَّة، التى تفنى المناجاة فى الوحدة دون أن تفسدها. ومن المعروف حق المعرفة ما كان فى القرن الثالث الهجرى (القرن التاسع الميلادى) من معارضة العقيدة الإسلامية المقررة للوحدة التى تتحقق

بالعشق (والزعم أن ذلك يستند إلى سورة آل عمران، الآية 29، وسورة المائدة، الآية 59) أجل وحدة الشهود هذه فى اثنينيتها. مرحلتان متوسطتان: والغزالى فى الإحياء (القرن الخامس الهجرى = القرن الحادى عشر الميلادى) الذى جعل للتصوف حق الوجود بين العلوم الدينية المقررة، قد وحد فى شئ من التخير من هنا ومن هناك، بين القيم العقائدية المتطورة للأشاعرة وبين القيم الروحية لمحبة الله، بين التوكل وبين الفضائل الزهدية التصوفية المختلفة. وثمة مرحلة أخرى متوسطة أعظم أهمية هى حركة الإشراق وقولها بالفيض، وهى حركة لا تقوم بحال على القول الخالص بالذرة. والشخصية العظيمة لإمام الإشراق السهروردى الحلبى (القرن السادس الهجرى = القرن الثانى عشر الميلادى) التى درسها كوربان H. Corbin دراسة جيدة جداً تمثل خير تمثيل الشوق إلى الاتحاد الذى يؤدى إلى التحقق فى مقام المعرفة. ولكن الصورة الظاهرة للأسطورة الإيرانية أتاحت له فى أفق البصيرة الشعرية النافذة أن يترك الشهود لعليائه. (ب) وحدة الوجود: وقد قيض لها أن تسيطر على التصوف المتأخر منذ ابن عربى (القرنان السادس والسابع الهجريان = القرنان الثانى عشر والثالث عشر الميلاديان) وقد فطن ابن تيمية إلى أثر ابن سينا فى ذلك (وتنقصه) وكان تفطنه لذلك بنية التعديل والتكملة لا الرفض. ويمكن للمرء أن يقول إن الغزالى فى كتيباته التى ألفها بآخرة، الغزالى الذى أشرب الفلسفة بل مذهب الإسماعيلية، هو رائد هذه الفرقة، وفيها يلتقى القول الأفلاطونى المحدث بالذرة، كما جاء فى إلهيات أرسطو المنحولة له، بالنزعة الأشعرية التى تنصرف إلى إثبات الإله الواحد فتجرد الخلق من كل وجود فعلى متميز. فالعالم المخلوق إنما هو عالم فان بالقياس إلى الله المتوحد بوجوده المتوحد بفعله. ويقول الصوفية إن كل وجود تجريبى ظاهرى يجب أن يفنى فى الوجود الواحد الباقى، أى فى الله. ويفسر أنصار مذهب الذرات فى الوجود الآية 85 من سورة الإسراء

فيقولون إن الروح هى فيض مباشر من الأمر الإلهى ومن ثم فهى فيض من ذات الله. وانظر فى ذلك نص الغزالى الذى أشرنا إليه من قبل (وقد ناقش نسبته إليه: Au-: W. Montgouery Watt -thenticily of Works attributed to At Gha zali فى. Royal Asiat. Soc .Journ سنة 1952، 1، 2) ونعنى به "الرسالة اللدنيّة" (القاهرة سنة 1353 هـ = 1934 م، ص 25) وقد تتبعنا بعض الإشارات المختلفة كل الاختلاف فتيسر لنا هنا شئ يشبه الصدى لقولة أفلاطون "التماس الواحد فينا"، بل القولة الهندية "إنك لهو" مع طرح المسائل التاريخية. والرياضة الصوفية الأرفع هى إذن رياضة "اتحاد"، تفهم على أنها تحقق، وهى تبرز للوهلة الأولى سبيلها المختارة بالاعتماد على تأويل رمزى غنوصى لنصوص التنزيل. ولم تثر "وحدة الوجود" بين الفقهاء والمتكلمين ما أثارته وحدة الشهود من معارضة فى القرن الثالث الهجرى (التاسع الميلادى). على أن المرء لا يستطيع أن ينسى مبلغ القوة التى تدفع بها وحدة الشهود المتوكل فى طريق الرياضة الروحية بمعناها الدقيق. 5 - السلف الصالح: كان التزام كثير من متصوفى القرون الأولى بالعقيدة يسير على سنة "السلف الصالح". ففى هذه القرون كان بين الصوفية وأهل الحديث فى كثير من الأحيان تداخل، ذلك أنه لم تكن ثمة مسألة خاصة بمدرسة يُنتْمى إليها بالرغم من أن هؤلاء القوم كثيراً ما استظلوا براية السنة الحنبلية. وإنما كانت مسألة نظرة تقوم على ما تكنه الصدور. وهذا الرجوع إلى السلف يجب أن يفهم على أنه تم عن اختيار أكثر مما تم عن مراعاة للتسلسل الزمنى: فنحن نجد ذلك فى القرن الرابع عشر الميلادى عند ابن تيمية بمقدار ما نجده فى أوائل القرن الأول الهجرى. ونجده مرة أخرى مقعّداً تغلب عليه نزعة تنكر الصوفية عند الوهابيين والوهابيين الجدد وعند السلفية المحدثين وتلاميذهم المعاصرين (ويشمل ذلك إلى حد ما بعض الجماعات الدينية).

وهذه النزعة رفعت صوتها فى كثير من الأحيان مناهضة لمراوغات علم الكلام ودقائقه، ومناهضة للإسراف فى الثقة بالأدلة العقلية أو الجدلية. وقد أباح الأنصارى فى كتابه "ذم الكلام" للمسلم الانصراف عن تفسير الصفات الإلهية وألا ينزلق إلى الطريق المسدود الذى انزلق إليه الأشاعرة يضعون الحواشى على النصوص ويفرقون بين الصفة وحال وجودها (انظر هذا الشاهد عند الأنصارى فى ابن تيمية: الفتاوى، جـ 5، ص 275 - 278). وشخصية الأنصارى الصوفى نفسها كافية لبيان أن وجود نزعة للاستمساك بسنة السلف الصالح لايبرر إنكار التصوف جملة كما يحدث كثيراً اليوم، فيخلطه فى يسر بين "وحدة الشهود"، و"وحدة الوجود" وبين وحدة الوجود وانحرافات جماعات الطرق. والذى يبقى ثابتاً مؤكداً هو الاعتقاد فى الله المتعالى يكلم الناس على لسان أنبيائه ورسله عليهم السلام، ولا يكشف عن ذاته بأكثر من الأسماء الحسنى التى هى "حجاب الاسم"، وهى عقيدة لا تسأل الله أن يجلو عن ذاته وتستمسك بكلمته وتسلم له تعالى، وذلك بفعل تفرد الله به ويكون شاهداً على قدرته وعلى مسئولية عباده عما يفعلون. ومن ثم فإن ما ينطوى عليه المؤمن هو حقاً تسليم نفسه تسليماً كلياً لا تشوبه شائبة فى تهجده لله الذى لا يسأله عما يفعل وإنما يعرف من كلمته تعالى أنه أحكم الحاكمين والمعين الذى ليس معه معين. والظاهر أن هذا الذى ينطوى عليه المؤمن وأجملنا القول فيه فيما سبق هو أبرز علامات عقيدة المسلم فى الله، وأنه أولاً وقبل كل شئ هو ما يكنه المسلم فى قلبه عندما يجهر باسم الله. وما من تفصيل يقتضيه الأمر هنا. ففى كل عصر وجد "أحرار فى الفكر" و"متشككون" و"منكرون"، وفى كل عصر قامت أبحاث عقلية فى الإلهيات كما كثر فى الإسلام الكلام عنها فى غير اتصال. ويظهر أن الفكر المعاصر قد تنازعته من جميع الجهات اتجاهات مختلفة من الفلسفات الحديثة كما تنازعه من قبل الفكر اليونانى والفكر الإيرانى. وقد يكون الوقت الآن يقتضى قيام كلام جديد أو قل مذهب جديد فى

التبرير الدفاعى ينهض بإعادة النظر على نطاق واسع فى المسائل والمشكلات الخاصة. على أنه قد يكون من الممكن تجنب المزالق التى انزلق إليها علم الكلام القديم ويتم ذلك فقط بالتجاوز عن المظاهر المتناقضة للمشاكل المثارة، وبالرجوع الخالص لله الواحد الحى رب العالمين مالك يوم الدين، وهذا هو ما دأب دوماً كثير من المؤمنين المخلصين وحملة القرآن على أن يحيوا به. المصادر: 1 - كتب إسلامية بارزة: (أ) كتب ذكرت فى صلب المادة للبخارى، ومسلم، والأشعرى، وابن سينا، وابن حزم، والجوينى، وأبى حامد الغزالى، وابن رشد، وفخر الدين الرازى، وابن تيمية، وسعد التفتازانى، والجرجاني، والسنوسى، والباجورى، وعبد الرحيم بن على، ومحمد عبده، وأحمد أمين. (ب) كتب أخرى: (1) الخياط: الانتصار، طبعة نيبرج، القاهرة سنة 1344 هـ = 1925 م. (2) الأشعرى: اللمع، طبعه وترجمه إلى الإِنجليزية The Theol-: R.J. Mearthy ogy of AI - Ash'ari، بيروت سنة 1953، ص 6 - 74 - 6 - 103. (3) الباقلانى: التمهيد، طبعة الخضيرى وأبو ريدة، القاهرة 1366 هـ = 1947 م، ص 152 - 159. (4) عبد القاهر البغدادى: أصول الدين، إستانبول سنة 1346 هـ = 1928 م، الفصول 3 - 6. (5) الجوينى: الشامل (مخطوط سنة 1290 هـ، بدار الكتب المصرية، القاهرة) ص 150 - 189. (6) أبو حفص النسفى: العقائد، طبعة Gureton سنة 1843. (7) الشهرستانى: كتاب الملل والنحل، طبعة بدران، القاهرة سنة 1370 هـ = 1951 م، وخاصة ص 8 - 11. (8) نهاية الإقدام طبعة Guillaume، أوكسفورد سنة 1934. (9) البيضاوى: طوالع الأنوار (القاهرة سنة 1324 هـ = 1905 م)، الكتاب الثانى، الفصول 1 - 3.

(10) أبو البركات النسفى: العمدة، طبعة Cureton سنة 1843 م. (11) أبو ريدة إبراهيم بن سيار النظام، القاهرة سنة 1365 هـ = 1946 م، ص 80 - 98. 2 - كتب غربية: (أ) قبل سنة 1910 م، انظر مصادر ما كتبه ماكدونالد عن الله فى صدر هذه المادة. (ب) كتب أحدث (1) Le: Blachere Coran باريس سنة 1947، 1949، 1951. (2) Vajda, Wensinck و Mas- signon الذين ذكروا فى صلب المادة. (3) انظر أيضاً Die Phi-: M. Horten Iosophischen Ansichten von Razi und Tusi، بنون سنة 1910؛ Die Spekulative und positive Theologie im islam noch Razi und Tusi، ليبسك سنة 1912؛ Die - Philosophischen Systeme der Spek ulativen Theologen im Islam، بون 1912 (4) bis: J. Hell Von Mohammad Ghazali يينا سنة 1915. (5) H.S. Nyberg: مادتا "المعتزلة" و"النظام" فى دائرة المعارف الإسلامية، الطبعة الأولى. (6) Vorlesungen: Goldziher الطبعة الثانية (7) Les Preuves de: A. J. Wensinck -l'existence de Dieu dans la theologie mu sulmane، أكاديمية أمستردام، سنة 1936. (8) Beitrage zur Is-: S. Pines (A lamischen Atomlehre، برلين سنة 1936. (9) Essai sur les doc-: H. Laoust trines sociales et politiques de Teki-d-Din Ahmed b. Taimiya، القاهرة سنة 1939، ص 153 - 178. (10) Nallino: Scritti، جـ 2، ص 10 - 18، 432 - 436. (11) Die fruhiaslamische: 0. Pretzl Atomenlehre IsL.، سنة 1931، ص 117 - 130؛ Die fruhislamische At- tributenlehre سنة 1940 (12) Nathanael b. Al-: S. Pines et la theologie ismaelienne Fayyumi فى Etudes historiques juives القاهرة سنة 1946. (13) Ghazali et: S. de Beaurecueil Saint Thomas d'Aquin فى Bulletin de d'Archeologie Orien- l'Institut Francais

tale du Caire، سنة 1947 جـ 229 - 238. (14) Muslim Theol-: A. S. Tritton ogy، لندن سنة 1947، فى مواضع مختلفة من الأقسام المعقودة على المواد: God و Capacity و Man (15) Islam: J. Windrow Sweetman and Christian Theology, لندن سنة 1945 - 1947، جـ 1، ص 17 - 22، 93 - 117 ترجمة "الفوز الأصغر" لابن مسكويه) جـ 2، ص 66. (16) Intro-: Gardet et Anawati musulmane duction a la theologie, باريس سنة 1948 (17) Free Will and: W. Montgomery Predestination in Early Islam، لندن سنة 1948. (18) انظر مواد "إله" و"خدا" و"تنرى". الأبيارى وزايد [كارديه L. Gardet] تعقيب على مادة "الله" هذان مقالان عن الله عز وجل، تضمنت أولهما الطبعة الأولى من دائرة المعارف الإسلامية، وتضمنت ثانيهما الطبعة الثانية، كتب أولهما ماكدونالد D. B. Mac- donald كتب ثانيهما كارديه. L. Gardet ولم يكن "ماكدونالد" جاداً فى بحثه بقدر ما كان "كارديه". أراد "ماكدونالد" أن ينال من محمد - صلى الله عليه وسلم - والإِسلام، فدخل إلى ذلك من منافذ هيأها له خياله واستنباطه فحاد عن حق كثير: من أجل ذلك عقب عليه معقبون كثيرون جاءت تعقيباتهم برمتها هنا كما ذكرت من قبل. وقد جاء مقال "كارديه" يكاد يكون رداً على ذلك المقال الذى سبق به "ماكدونالد"، فوفى "كارديه" حيث قصر "ماكدونالد" واستوعب حيث لم يستوعب ولم يشتت عليه الغرض أطراف البحث فاجتمع له ما لم يجتمع له، وإذ كان باحثاً يقصد إلى الجد فقد خلا مقاله من تلك الشائبات التى امتلأ بها مقال ماكدونالد. والمعقب على ماكدونالد علماً لا يجد خيراً مما عقب به "كارديه" إذ فيه الاستقصاء المصحح، غير أنه لا تزال ثمة هنات وتخرصات فى مقال "ماكدونالد" لم يتناولها "كارديه" منها حديثه عن الجزيرة العربية ديانة قبل

محمد - صلى الله عليه وسلم -، وحديثه عن لفظ "الله" اشتقاقاً، ثم عبثه فى عرضه لصفاته تعالى. من أجل هذا الذى بقى لنا عن "ماكدونالد" ومن أجل أن الموضوع بعد مقال "كارديه" لا يزال يحتاج إلى كلمة متصلة عن "الله" عز وجل، نترك جانباً تتبع علماء الكلام فى اختلافاتهم وتشتت آرائهم، والتأريخ لهذا الاختلاف وهذا التشتت، إلى الاستقراء الذى تجتمع لنا منه تلك الكلمة المتصلة التى يخلص فيها القاريء إلى تعرف "الله" متخففاً من تلك الخلافات المشتتة. وما من شك فى أن القضية قبل أن يدخل فيها علماء الكلام بخلافاتهم وتأويلاتهم كانت قضية أيسر ما تكون على العقول والأفهام تكاد تجمع عليها الفطر السليمة ولا تختلف فيها. والغريب أن هذا الخلاف على اتساعه وتشعبه يكاد لا يمس من جوهر القضية شيئاً، هذا إذا استبعد منه الجانب المريب الذى دخل عن قصد أو عن جهل. من أجل هذا كله أسوق تعقيبى هذا، فأقول: لقد كان للعربى ساكن الصحراء دينه الذى أملاه عليه حذقه ودهاؤه رغم بدائيته، فلقد عبد أرباباً لا حصر لها من النجوم والكواكب، كما كان يعبد أصناماً من الحجر، وكان ضالاً بين هذه كلها لا يعرف إلى أيها يفزع مع الملمات، ولم يكن يؤمن بالأبدية ولا بحياة بعد الموت، غير أنا وجدنا من هؤلاء البدو من كان له شبه إيمان بتلك الحياة الآخرة، وهؤلاء هم الذين تحدثنا عنهم الأخبار بأنهم كانوا يربطون جمالهم إلى جوار قبورهم ولا يقدم لها طعام ولا شراب إلى أن تلحق بهم لتكون مطاياهم إلى دار الخلود. وكانت مكة محط عبادة الأصنام، وكانت فيها حول الكعبة قبل الإسلام جملة من الأصنام تمثل معبودات أولئك البدو، منها: اللات، والعزى، ومناة. وما من شك فى أن عبادة الأصنام كانت قديمة فى الجزيرة العربية، فلقد ذكر هيرودوت "اللات" وقال: إنها من أكبر أرباب العرب. وفى ظل هذه البلبلة الدينية التى فرقت الناس شيعاً لكل معبودهم، كانت ثمة نفرة من هذا الهراء وكان ثمة نفر

أخذوا يتطلعون إلى منقذ يأخذ بأيديهم من هذا الضلال، ولم يكن الأمر أمر منقذ غير مؤيد من الله، فلقد كان فى الجزيرة قبيل الدعوة الإسلامية بقليل بعض المتألهين الذين لم يقروا للأصنام بعبادة، مثل: ورقة بن نوفل، وعبيد الله ابن جحش، وعثمان بن الحويرث، وزيد ابن عمرو بن نفيل، ولكنهم لم يبلغوا أن يأخذوا بيد الناس لينقذوهم من الضلال إلى الهدى، وليجمعوهم حول كلمة التوحيد، لأن الأمر كما قلت لك كان يقتضى غيرهم ممن تؤيده السماء. ولقد تولت السماء محمداً - صلى الله عليه وسلم - واختارته ليكون صاحب هذه الدعوة، وليكون نبى هذه الأمة، ليجمعهم على إله واحد، هو الله تعالى. قال أبو الهيثم، وقد سئل عن اشتقاق اسم الله تعالى لغة: كان حقه إلاه، أدخلت الألف واللام تعريفاً، فقيل الإلاه، ثم حذفت العرب الهمزة استثقالا لها، فلما تركوا الهمزة حولوا كسرتها فى اللام، التى هى لام التعريف، وذهبت الهمزة أصلاً فقالوا: أللاه، فحركوا لام التعريف التى لا تكون إلا ساكنة، ثم التقت لامتان متحركتان، فأدغموا الأولى فى الثانية فقالوا: الله. والجذم "أل هـ" قديم فى العربية، ولا يمنع هذا القدم من أن تكون ثمة مشاركة ومشاكلة بينه وبين نظائر له فى اللغات الشقيقة كالعبرية والسريانية أو الآرامية، وكما استخدم هذا الجذم فى العربية كان مستخدماً فى اللغات الشقيقة. ومن ثم كان فى العربية كلمة إله، وكانت تعنى قبل الإسلام ما كان يعبده العرب من أصنام وغيرها، ويقابله فى العبرية ألوهيم. أما لفظ "الله" فالذى لا شك فيه أنه لم يكن شائعاً على الألسنة قبل الإسلام شيوع لفظ إله، وأكثر ما ورد منه من ذلك كان على ألسنة المتألهين من الشعراء أمثال أمية بن أبى الصلت، من ذلك قوله: الحمد لله ممسانا ومصبحنا ... بالخير صبحنا ربى ومسانا وقوله: هو الله بارئ الخلق والخلق كلهم ... إماء له طوعا جميعاً أعبد وقوله: أرسل الله بعد ذاك عذاباً ... جعل الأرض سفلها أعلاها وعلى ألسنة نفر غيرهم، من ذلك قولهم فى الإعجاب: لله درك، وقولهم

فى القسم: ايم الله، وايمن الله؛ ثم قولهم فى الدعاء: اللهم، ثم قولهم ألاه، يريدون الله، وقد تأولوا هذا الحذف بأنه جاء من توهم أن الألف واللام لما كانت للتعريف جاز حذفها، فكانت منها هذه الصورة: لاه، ثم قالوا: لاهم، كما قالوا: لاه أبوك: وحين احتضن الإسلام هذا اللفظ، خص به ذلك المعبود بحق، وأصبح لفظاً قرآنياً لله تعالى وحده، حين تكون ثمة إشارة إلى الآلهة المعبودة دونه، فجعلت لها لفظ إلاه أو آلهة وخصته تعالى بهذا الاسم، من ذلك قوله تعالى {وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ} وقوله تعالى {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً}. والقرآن الكريم، إذا ذَكر "إله" -وهو يريده تعالى - ذكره مع قرينة، نحو قوله تعالى {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ} أما إذا جمع كانت هذه التفرقة من إطلاق إله وآلهة على تلك المعبودات التى تعبد من دونه وإفراده تعالى بلفظ الله. فلفظ "الله" على أية حال لفظ استصفاه القرآن الكريم، وكان لفظاً قرآنياً لذلك المعبود بحق الذى لا إله غيره. والإِسلام قد جلّى هذا المعبود بحق وعرف به تعريفاً شاملاً لا يليق بغيره، ولا يشاركه فى غيره، تعريفاً لا بلبلة فيه ولا غموض، تعريفاً يتفق والفطر السليمة، وهذا الجلاء تجمعه أحكام أملاها القرآن الكريم، وتصدى للتدليل عليها الصفوة من علماء الكلام، وهى: 1 - وجوده تعالى: وإن الذى لا يشك فى أصل الوجود يعلم أن كل موجود إما متحيز وإما غير متحيز، ثم إن كل متحيز إن لم يكن فيه ائتلاف فهو جوهر فرد، وإن ائتلف مع غيره سمى جسماً، وإن غير المتحيز إما أن يستدعى وجوده جسماً يقوم به، وهى الأعراض؛ أو لا يستدعى جسماً يقوم به، وهو الله تعالى. فالله موجود، والعالم موجود به وبقدرته، وهذا مدرك بالدليل لا بالحس. والدليل إلى هذا أن كل حادث فلحدوثه سبب، والعالم حادث، فلزم أن يكون له سبب. ونعنى بالحادث ما كان معدوماً ثم صار موجوداً. ووجود هذا الحادث قبل أن وجد قد يكون محالاً أو ممكناً، وباطل أن يكون محالاً، لأن المحال لا يوجد قط، ولسنا نعنى بالممكن غير ما يجوز أن يوجد

ويجوز ألا يوجد، ولكنه لم يكن موجوداً، لأنه ليس يجب وجوبه لذاته، إذ لو وُجد وجوده لذاته لكان واجباً لا ممكناً، بل إنه قد افتقر وجوده إلى مرجح لوجوده على العدم حتى يتبدل العدم وجوداً. ثم إن كل جسم أو متحيز لا يخلو عن الحوادث، لأنه لا يخلو عن الحركة والسكون، وهما حادثان. 2 - قدمه تعالى: فهو سبب لهذا العالم، وإن لم يكن قديماً لكان حادثاً، ولو كان حادثاً لافتقر إلى سبب آخر، وكذلك السبب الآخر، ويتسلسل إما إلى غير نهاية وهو محال، وإما أن ينتهى إلى قديم لا محالة يقف عنده، وهو الذى نطلبه ونسميه خالق العالم. ونعنى بقول قديم أن وجوده غير مسبوق بعدم ولفظ القديم لا يحمل إلا إثبات موجود ونفى عدم سابق. ثم إن القدم ليس معنى زائداً على الذات، وإلا لزم من ذلك أن يكون تعالى قديماً بقدم زائد عليه، فيتسلسل القول إلى ما لا نهاية. باق: فإن ما ثبت قدمه استحال عدمه. لأنه لو انعدم لافتقر عدمه إلى سبب. وكما يفتقر تبدل العدم بالوجود إلى مرجح للوجود على العدم، فكذلك يفتقر تبدل الوجود بالعدم إلى مرجح للعدم على الوجود، وذلك المرجح إما فاعل بعدم القدرة أو ضد أو انقطاع شرط من شروط الوجود، ومحال أن يحال على القدرة، إذ لوجود شئ ثابت يجوز أن يصدر عن القدرة، فيكون القادر باستعماله فعل شيئاً والعدم ليس بشئ، فيستحيل أن يكون فعلاً واقعاً بأثر القدرة، فقد يقال: فاعل العدم هل فعل شيئاً؟ فإن قيل: نعم، كان محالاً، لأن النفى ليس بشئ. وباطل أن يقال: إنه بعدمه ضد، لأن الضد إن فرض حادثاً اندفع وجوده بمضاده القديم، وكان ذلك أولى من أن ينقطع به وجوده القديم. ومحال أن يكون له ضد قديم كان موجوداً معه فى القدم ولم يعدمه، وقد أعدمه الآن، وباطل أن يقال: انعدم لانعدام شرط وجوده، فإن الشرط إن كان حادثاً استحال أن يكون وجود القديم مشروطاً بحادث، وإن كان قديماً

فالكلام فى استحالة عدم الشرط كالكلام فى استحالة عدم المشروط، فلا يتصور عدمه. ليس بجوهر متحيز، لأنه قد ثبت قدمه، ولو كان متحيزاً لكان لا يخلو عن الحركة فى حيزه أو السكون فيه، وما لا يخلو عن الحوادث فهو حادث. ليس بجسم، لأن كل جسم فهو متألف من جوهرين متحيزين، وإذا استحال أن يكون جوهراً استحال أن يكون جسماً. ليس بعرض، إذ العرض ما يستدعى وجوده ذاتاً تقوم به، وذلك الذات اسم أو جوهر، ومهما كان الجسم واجب الحدوث كان الحال فيه حادثاً أيضاً لا محالة، إذ يبطل انتقال الأغراض، وصانع العالم قديم فلا يمكن أن يكون عرضاً. ليس فى جهة مخصوصة من الجهات الست. فالجهات تستحيل على غير الجواهر والأغراض، إذ الحيز معقول وهو الذى يختص الجوهرية، ولكن الحيز إنما يصير جهة إذا أضيف إلى شئ آخر متحيز. والجهات الست: فوق وأسفل وقدام وخلف ويمين وشمال، فمعنى كون الشئ فوقنا هو أنه فى حيز يلى جانب الرأس، ومعنى كونه تحت أنه فى حيز يلى جانب الرجل وكذا سائر الجهات، فكل ما قيل فيه إنه فى جهة فقد قيل إنه فى حيز مع زيادة إضافة. منزه عن أن يوصف بالاستقرار على العرش، فإن كل متمكن على جسم ومستقر عليه مقدر لا محالة، فإنه إما أن يكون أكبر منه أو أصغر أو مساوياً، وكل ذلك لا يخلو عن التقدير، وأنه لو جاز أن يماسه جسم من هذه الجهة لجاز أن يماسه من سائر الجهات، فيصير محاطاً به، ثم إنه لا يستقر على الجسم إلا جسم ولا يحل فيه إلا عرض، والله تعالى ليس بجسم ولا عرض. ويقول مالك بن أنس، وقد سئل عن معنى قوله تعالى {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} فقال: الاستواء معلوم والكيفية مجهولة والسؤال عنه بدعة، والإيمان به واجب. والاستواء فى الآية فهو نسبته للعرش لا محالة ولا يمكن أن يكون

للعرش إليه نسبة إلا بكونه معلوماً أو مراداً، أو مقدوراً عليه، أو محلاً مثل محل العرض، أو مكاناً مثل مستقر الجسم. ولكن بعض هذه النسبة يستحيل عقلاً وبعضها لا يصلح اللفظ للاستعارة به له، فإن كان فى جملة هذه النسبة -مع أنه لا نسبة سواها- نسبة لا يخيلها العقل ولا ينبو عنها اللفظ، فليعلم أنها المراد. أما كونه مكاناً أو محلاً كما كان للجوهر والعرض، فاللفظ يصلح له ولكن العقل يخيله كما سبق، وأما كونه معلوماً ومراداً، فالعقل لا يخيله ولكن اللفظ لا يصلح له، وأما كونه مقدوراً عليه وواقعاً فى قبضة القدرة ومسخراً له، مع أنه أعظم المقدورات ويصلح الاستيلاء عليه، لأنه يتمدح به وينبه به على غيره الذى هو دونه فى العظم، فهذا مما لا يخيله العقل ويصلح له اللفظ، فأخلق بأن يكون هو المراد قطعاً. أما صلاح اللفظ له فظاهر عند الخبير بلسان العرب. أنه تعالى مرئى: وهذا لوجوده ووجود ذاته، فليس ذلك إلا لذاته، فإنه ليس لعقله ولا لصفة من الصفات، بل كل موجود ذات، فواجب أن يكون مرئياً، كما واجب أن يكون معلوماً بالقوة لا بالفعل، أى هو من حيث ذاته مستعد لأن تتعلق الرؤية به، وأنه لا مانع ولا مخيل فى ذاته، فإن امتنع وجود الرؤية فالأمر خارج عن ذاته. والبارى سبحانه موجود وذات، وله ثبوت وحقيقة، وهو يخالف سائر الموجودات فى استحالة كونه حادثاً أو موصوفاً بما يدل على الحدوث، أو موصوفاً بصفة تناقض صفات الإلهية من العلم والقدرة وغيرهما، فكل ما يصح لموجود فهو يصح فى حقه تعالى، إن لم يدل على الحدوث ولم يناقض صفة من صفاته، والدليل عليه تعلق العلم به، فإنه لما لم يؤد إلى تغير ذاته ولا إلى مناقضة صفاته، ولا إلى الدلالة على الحدوث، سوى بينه وبين الأجسام والأعراض فى جواز تعلق العلم بذاته وصفاته، والرؤية نوع علم لا يوجب تعلقه بالمرئى تغير صفة، ولا يدل على حدوث، فوجب الحكم بها على كل موجود. فإن قيل: فكونه مرئياً يوجب كونه بجهة، وكونه بجهة يوجب كونه عرضاً

أو جوهراً، وهو محال، ونظم القياس: أنه إن كان مرئياً فهو بجهة من الرأس، وهذا اللازم محال، فالمفضى إلى الرؤية محال. قيل: إن القول بأن كل مرئى فهو بجهة من الرأس، إما أن يكون بضرورة أو بنظر، ولا سبيل إلى دعوى الضرورة، وأما النظر فمنتهاهم أنه لم ير إلى الآن شئ إلا وكان بجهة من الرأس مخصوصة، ويقال: فما لم ير فلا يحكم باستحالته، ولو جاز هذا لجاز للمجسِّم أن يقول: إن الله تعالى جسم، لأنه فاعل، وإننا لم نر إلى الآن فاعلاً إلا جسما. ويجب ألا تحمل الرؤية على أنها حالة تساوى الحالة التى يدركها الرائى عند النظر إلى الأجسام والألوان، ولكن الواجب أن نحصل معنى هذا اللفظ فى الموضع المتفق، وأن نحذف منه ما يستحيل فى حق الله سبحانه وتعالى: والحاصل: أن الرؤية تدل على معنى له محل وهو العين، وله متعلق وهو اللون والقدر والجسم. أما المحل فليس بركن فى صحة هذه التسمية، فإن الحالة التى ندركها بالعين من المرئى لو أدركناها بالقلب أو بالجهة مثلاً لأمكننا أن نقول: قد رأينا الشئ وأبصرناه وصدق كلامنا، فإن العين محل وآلة لا تراد لعينها بل لتحل فيه هذه الحالة، فحيث حلت الحالة تمت الحقيقة وصح الاسم. ولنا أن نقول: علمنا بقلبنا أو بدماغنا، إن أدركنا الشئ بالقلب أو بالدماغ. وأما المتعلق بعينه فليس ركنا فى إطلاق هذا الاسم، وثبوت هذه الحقيقة، فإن الرؤية لو كانت رؤية لتعلقها بالسواد لما كان المتعلق بالبياض رؤية، ولو كان لتعلقها باللون لما كان المتعلق بالحركة رؤية، ولو كان تعلقها بالعرض لما كان المتعلق بالجسم رؤية، فدل أن خصوص صفات المتعلق ليس ركناً لوجود هذه الحقيقة وإطلاق هذا الاسم، بل الركن فيه من حيث إنه صفة متعلقة أن يكون لها متعلق موجود أى موجود كان، وأى ذات كان. فإذن الركن الذى الاسم مطلق عليه هو الأمر الثالث

وهو حقيقة المعنى من غير التفات إلى محله ومتعلقه. وقوله تعالى: {لَنْ تَرَانِي} إنما هو دليل على عدم معرفة موسى - عليه السلام - الله لوقوع وقت ما هو جائز فى نفسه، والأنبياء عليهم السلام لا يعرفون من الغيب إلا ما عرفوا. وقوله تعالى: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ}، أى لا تحيط به ولا تكتنفه من جوانبه كما تحيط الرؤية بالأجسام. أنه تعالى واحد، وكونه تعالى واحداً يرجع إلى ثبوت ذاته ونفى غيره. والواحد قد يطلب ويراد به أنه لا يقبل القسمة؛ أى لا كمية له ولا جزء ولا مقدار، والبارى تعالى واحد بمعنى سلب الكمية المصححة للقسمة عنه، فإنه غير قابل للانقسام إذ الانقسام لما له كمية، والتقسيم تصرف فى كمية بالتفريق والتصغير، وما لا كمية له لا يتصور انقسامه. وقد يطلق ويراد أنه لا نظير له فى رتبته، فهو تعالى لا ند له، فأما أنه لا ضد له فظاهر إذ المفهوم من الضد هو الذى يتعاقب مع الشئ على محل واحد، ولا تجامع، وما لا محل له فلا ضد له، والبارى سبحانه لا محل له فلا ضد له. ومعنى أنه لا ند له تعالى أن ما سواه هو خالقه لا غير، إذ لو قدر له شريك لكان مثله فى كل الوجوه أو أرفع منه أو كان دونه، وكل ذلك محال، فالمفضى إليه محال. ووجه استحالة كونه مثله من كل وجه أن كل اثنين هما متغايران، فإن لم يكن تغاير لم تكن الاثنينية معقولة، فإنا لا نعقل سواءين إلا فى محلين أو فى محل واحد فى وقتين، فيكون أحدهما مفارقاً للآخر ومبايناً له ومغايراً، إما فى المحل وإما فى الوقت. والشيئان تارة يتغايران بتغاير الحد والحقيقة، كتغاير الحركة واللون، فإنهما وإن اجتمعا فى محل واحد فى وقت واحد فهما اثنان، إذ أحدهما مغاير للآخر بحقيقته، فإن استوى اثنان فى الحقيقة والحد، كالسواءين فيكون الفرق بينهما إما فى المحل أو فى الزمان، فإن فرض سواءان مثلاً فى جوهر واحد فى محال واحدة كان محالاً، إذ لم تعرف

الاثنينية، ولو جاز أن يقال هما اثنان ولا مغايرة لجاز أن يشار إلى إنسان واحد ويقال إنه إنسانان بل عشرة، وكلها متساوية متماثلة فى الصفة والمكان وجميع العوارض واللوازم من غير فرق، وذلك محال بالضرورة. فإن كان ند لله سبحانه مساويًا له فى الحقيقة والصفات استحال وجوده، إذ ليس مغايره بالمكان، إذ لا مكان ولا زمان، فإنهما قديمان وإن ارتفع كل فرق ارتفع العدد بالضرورة ولزمت الوحدة، ومحال أن يقال: يخالفه بكونه أرفع منه، فإن الأرفع هو الإله، والإله عبارة عن أجلّ الموجودات وأرفعها، والآخر المقدر ناقص ليس بالإله. وإن كان أدنى منه كان محالًا، لأنه ناقص. فلا يتصور اثنان متساويان فى صفات الجلال إذ يرتفع عند ذلك الافتراق ويبطل العدد. أنه تعالى قادر، إذ كل فعل محكم فهو صادر من فاعل قادر، والعالم محكم فهو إذن صادر من فاعل قادر. أنه تعالى عالم، يعلم جميع الموجودات والمعدومات. والموجودات منقسمة إلى قديم وحادث، والقديم ذاته وصفاته. ومن علم غيره فهو بذاته وصفاته أعلم، فيجب ضرورة أن يكون بذاته عالمًا وصفاته، إن ثبت أنه عالم بغيره، ومعلوم أنه عالم بغيره لأن ما ينطلق عليه اسم الغير فهو صنعه المتقن وفعله المحكم المرتب، وذلك يدل على قدرته على ما سبق. وأنه تعالى حى، وكون العالم القادر حياً ضرورى، ولا يعنى بالحى إلا ما يشعر بنفسه ويعلم ذاته وغيره، ثم كيف لا يكون العالم بجميع المعلومات القادر على جميع المقدورات حيًا؟ أنه تعالى مريد لأفعاله، وبرهان ذلك أن الفعل الصادر منه مختص بضروب من الجواز لا يتميز بعضها عن البعض إلا بمرجح، ولا تكفى ذاته للترجيح، لأن نسبة الذات إلى الضدين واحدة فما الذى خصص أحد الضدين بالوقوع فى حال دون حال، وكذلك القدرة لا تكفى فيه، إذ نسبة القدرة إلى الضدين واحدة، وكذلك العلم لا يكفى، لأن العلم يتبع المعلوم ويتعلق به على ما هو عليه، ولا يؤثر فيه ولا يغيره.

فإن كان الشئ ممكناً فى نفسه مساوياً للممكن الآخر الذى فى مقابلته، فالعلم يتعلق به على ما هو عليه، ولا يجعل أحد الممكنين مرجحاً على الآخر، بل يعقل الممكنين ويعقل تساويهما. والله تعالى يعلم أن وجود العالم فى الوقت الذى وجد فيه كان ممكناً وأن وجوده بعد ذلك وقبل ذلك كان مساوياً له فى الإمكان، لأن هذه الإمكانات متساوية، فمن العلم أن يتعلق بها كما هو عليه، فإن اقتضت صفة الإرادة وقوعه فى وقت معين تعلق العلم بتعيين وجوده فى ذلك الوقت لعلة تعلق الإرادة به، فتكون الإرادة للتعيين علة، ويكون العلم متعلقاً به تابعاً غير مؤثر فيه، ولو جاز أن يكتفى بالعلم عن الإرادة لاكتفى به عن القدرة، بل كان ذلك يكفى فى وجود أفعالنا حتى لا نحتاج إلى الإرادة، إذ يترجح أحد الجانبين بتعلق علم الله به، وكل ذلك محال. وقد يقال: إن القدرة كما لا تناسب أحد الضدين فالإرادة القديمة أيضاً لا تتعين لأحد الضدين، فاختصاصها بأحد الضدين ينبغى أن يكون بمخصص، ويتسلسل ذلك إلى غير نهاية، إذ يقال الذات لا تكفى للحدوث، إذ لو حدث من الذات لكان مع الذات غير متأخر، فلا بد من القدرة، والقدرة لا تكفى، إذ لو كان للقدرة لما اختص بهذا الوقت وما قبله وما بعده فى النسبة إلى جواز تعلق القدرة بها على وتيرة، فالذى يخصص هذا الوقت هو الإرادة. وقد يقال: إن الإرادة لا تكفى، فإن الإرادة القديمة عامة التعلق كالقدرة، فنسبتها إلى الأوقات واحدة، ونسبتها إلى الضدين واحدة، فإن توقع الحركة مثلاً يدل على السكون، لأن الإرادة تعلقت بالحركة لا بالسكون. فإن قيل: وهل كان يمكن أن تتعلق بالسكون؟ فإن قيل: لا، فهو محال، وإن قيل: نعم، فهما متساويان، أعنى الحركة والسكون فى مناسبة الإرادة القديمة، فما الذى أوجب تخصيص الإرادة القديمة بالحركة دون السكون؟ فيحتاج إلى مخصص، ثم يلزم السؤال فى مخصص المخصص، ويتسلسل إلى غير نهاية. ويتفرع على هذا أقوال أربعة:

فقائل يقول إن العالم وجد لذات الله سبحانه وتعالى، وأنه ليس للذات صفة زائدة البتة. ولما كانت الذات قديمة كان العالم قديماً، وكانت نسبة العالم إليه كنسبة المعلول إلى العلة، وهذا قول الفلاسفة. وقائل يقول إن العالم حادث، ولكن حدث فى الوقت الذى حدث فيه لا قبله ولا بعده، لإرادة حادثة حدثت له لا فى محل، فاقتضت حدوث العالم، وهذا قول المعتزلة. وقائل يقول: حدث بإرادة حادثة حدثت فى ذاته، وهذا قول يقول بكونه محلا للحوادث. وقائل يقول: حدث العالم فى الوقت الذى تعلقت الإرادة القديمة بحدوثه فى ذلك الوقت، من غير حدوث إرادة ومن غير تغير صفة القديم، وهو قول أهل الحق. فأما من يقول بقدم العالم فهذا محال، لأن الفعل يستحيل أن يكون قديماً، إذ معنى كونه فعلًا أنه لم يكن ثم كان، فإن كان موجوداً مع الله أبداً فكيف يكون فعلًا؟ بل يلزم من ذلك دورات لانهاية لها، وهو محال. وأما من يقول بقول المعتزلة فقد جعل البارئ تعالى مريداً بإرادة حادثة لا فى محل، وهذا باطل، ثم كيف أن الإرادة حدثت فى هذا الوقت على الخصوص؟ فإن كانت بإرادة أخرى فالسؤال فى الإرادة الأخرى لازم وبتسلسل إلى غير نهاية، وإن كان لا بإرادة فليحدث العالم فى هذا الوقت على الخصوص لا بإرادة، فإن افتقار الحادث إلى الإرادة لجوازه لا لكونه جسماً أو إسماً أو إرادة أو علماً، والحادثات فى هذا متساوية. وأما من يقول بحدوث الإرادة فى ذاته تعالى لا متعلقة بذلك الحادث، فقد جعلوا الله تعالى مريداً بإرادة فى غير ذاته كما جعلوه تعالى محلا للحوادث، وهذا يوجب حدوثه. والقائل بقول أهل الحق يعنى أن الحادثات تحدث بإرادة قديمة تعلقت بها فميزتها عن أضدادها المماثلة لها. أنه تعالى سميع بصير، وهذا ثابت شرعاً وعقلاً. أما شرعاً فالآيات القرآنية

الدالة على ذلك كثيرة، منها قوله تعالى {وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}. ولا يصح أن يقال: إنما أريد العلم لأن فى هذا صرفاً لألفاظ الشارع عن موضوعاتها المفهومة السابقة إلى الأفهام، إذ كان يستحيل تقديرها على الموضوع، ولا استحالة فى كونه سميعاً بصيراً، بل يجب أن يكون كذلك. وقد يقال: إن وجه استحالته أنه إن كان سمعه وبصره حادثين كان محلاً للحوادث، وهو محال، وإن كانا قديمين فكيف يسمع صوتاً معدوماً وكيف يرى العالم فى الأزل، والعالم معدوم، والمعدوم لا يرى؟ قيل: فالله يعلم الآن أن العالم كان موجوداً قبل هذا، فكيف علم فى الأزل أنه يكون موجوداً، وهو بعد لم يكن موجوداً؟ فإن جاز إثبات صفة تكون عند وجود العالم، علماً بأنه كائن، وفعله بأنه سيكون، وبعده بأنه كان، وقبله بأنه سيكون، وهو لايتغير عبر عنه بالعلم والعلمية، جاز ذلك فى السمع والسمعية والبصر والبصرية. وأما عقلا، فمن المعلوم أن الخالق أكمل من المخلوق، ومعلوم أن البصير أكمل ممن لا يبصر، والسميع أكمل ممن لا يسمع، فيستحيل أن نثبت وصف الكمال للمخلوق ولا نثبته للخالق. ولا يلزم عن هذا الإدراك الحاصل بالشم والذوق واللمس، على أن فقدها نقصان ووجودها كمال فى الإدراك، والمحققون يصرحون بإثبات أنواع الإدراكات مع السمع والبصر والعلم، الذى هو كمال فى الإدراك، دون الأسباب التى هى مقترنة بها فى العادة من المماسة والملاقاة، فإن ذلك محال على الله تعالى. وأنه تعالى متكلم، وعلى هذا إجماع المسلمين. وبرهانه أن الإنسان يسمى متكلماً باعتبارين أحدهما بالصوت والحرف، والآخر بكلام النفس الذى ليس بصوت وحرف، وذلك كمال، وهو فى حق الله تعالى غير محال، ولا هو دال على الحدوث، فكلام الله تعالى صفة قديمة قائمة بذاته.

ثم إن هذه الصفات السبع، وهى القدرة، والعلم، والحياة، والإرادة، والسمع، والبصر، والكلام، ليست هى الذات، بل هى زائدة على الذات، فصانع العالم تعالى عالم بعلم، وحى بحياة، وقادر بقدرة، وهكذا فىِ جميع الصفات. والأسامى التى تسمى بها الله تعالى أربعة: الأول: ما لا يدل إلا على ذاته، كالموجود، وهذا صادق أزلا وأبداً. الثانى: ما يدل على الذات مع زيادة سلب، كالقديم، فإنه يدل على وجود غير مسبوق بعدم أزلا، والباقى، فإنه يدل على الوجود وسلب العدم عنه آخراً؛ وكالواحد، فإنه يدل على الوجود وسلب الشريك، وكالغنى، فإنه يدل على الوجود وسلب الحاجة، وهذا أيضاً يصدق أزلا وأبدا، لأن ما يسلب عنه يسلب لذاته فيلازم الذات على الدوام. الثالث: ما يدل على الوجود وصفة زائدة من صفات المعنى، كالحى والقادر والمتكلم والمريد والسميع والبصير والعالم، وما يرجع إلى هذه الصفات السبع، كالآمر والناهى والخبير ونظائره، فذلك أيضاً يصدق عليه أزلا وأبداً. الرابع: ما يدل على الوجود مع إضافة إلى فعل من أفعاله كالجواد والرازق والخالق والمعز والمذل وأمثاله. * * * وللإمام محمد عبده فى الصفات: إذا قدرنا عقل البشر قدره وجدنا غاية ما ينتهى إليه كماله إنما هو الوصول إلى معرفة عوارض بعض الكائنات التى تقع تحت الإدراك الإنسانى حسًا كان أو وجداناً أو تعقلا، ثم التوصل بذلك إلى معرفة مناشئها وتحصيل كليات لأنواعها والإحاطة ببعض القواعد لعروض ما يعرض لها، أما الوصول إلى كنه حقيقة ما فمما لا تبلغه قوته لأن اكتناه المركبات إنما هو باكتناه ما تركبت منه وذلك ينتهى إلى البسيط الصرف وهو لا سبيل إلى اكتناهه بالضرورة وغاية ما يمكن عرفانه منه هو عوارضه وآثاره. خذ أظهر الأشياء وأجلاها كالضوء، قرر الناظرون فيه له أحكاماً كثيرة فصّلوها فى علم خاص به ولكن لم يستطع ناظر أن يفهم ما هو

ولا أن يكتنه معنى الإضاءة نفسه، وإنما يعرف من ذلك ما يعرفه كل بصير له عينان وعلى هذا القياس. ثم إن الله لم يجعل للإنسان حاجة تدعو إلى اكتناه شئ من الكائنات وإنما حاجته إلى معرفة العوارض والخواص ولذة عقله إن كان سليما إنما هى تحقيق نسبة تلك الخواص إلى ما اختصت به وإدراك القواعد التى قامت عليها تلك النسب، فالاشتغال بالاكتناه إضاعة للوقت وصرف للقوة إلى غير ما سبقت إليه. اشتغل الإنسان بتحصيل العلم بأقرب الأشياء إليه وهى نفسه، أراد أن يعرف بعض عوارضها وهل هى عرض أو جوهر؟ هل هى قبل الجسم أو بعده؟ هل هى فيه أو مجردة عنه؟ كل هذه صفات لم يصل العقل إلى إثبات شئ منها يمكن الاتفاق عليه وإنما مبلغ جهده أنه عرف أنه موجود حى له شعور وإرادة، وكل ما أحاط به بعد ذلك من الحقائق الثابتة فهو راجع إلى تلك العوارض التى وصل إليها ببديهته. أما كُنه شئ من ذلك -بل وكيفية اتصافه ببعض صفاته- فهو مجهول عنده ولا يجد سبيلا للعلم به. هذا حال العقل الإنسانى مع ما يساويه فى الوجود أو ينحط عنه، بل وكذلك شأنه فيما يظن من الأفعال أنه صادر عنه كالفكر وارتباطه بالحركة والنطق، فما يكون من أمره بالنسبة إلى ذلك الوجود الأعلى؟ ماذا يكون اندهاشه بل انقطاعه إذا وجه نظره إلى ما لا يتناهى من الوجود الأزلى الأبدى؟ النظر فى الخلق يهدى بالضرورة إلى المنافع الدنيوية ويضئ للنفس طريقها إلى معرفة مَن هذه آثاره وعليها تجلت أنواره وإلى اتصافه بما لولاه لما صدرت عنه هذه الآثار على ما هى عليه من النظام. وتخالف الأنظار فى الكون إنما هو من تصارع الحق والباطل، ولابد أن يظفر الحق ويعلو على الباطل بتعاون الأفكار أو صولة القوى منها على الضعيف. أما الفكر فى ذات الخالق فهو طلب للاكتناه من جهة وهو ممتنع على العقل البشرى لما علمت من انقطاع النسبة بين الوجودين ولاستحالة التركب فى ذاته وتطاول إلى ما لا تبلغه القوة البشرية من جهة أخرى فهو عبث ومهلكة، عبث لأنه سعى إلى مالا يدرك، ومهلكة لأنه يؤدى

إلى الخبط فى الاعتقاد لأنه تحديد لما لا يجوز تحديده وحصر لما لا يصح حصره. لا ريب أن هذا الحديث وما أتينا عليه من البيان كما يأتى فى الذات من حيث هى يأتى فيها مع صفاتها فالنهى واستحالة الوصول إلى الاكتناه شاملان لها فيكفينا من العلم بها أن نعلم أنه متصف بها. أما ما وراء ذلك فهو مما يستأثر هو بعلمه ولايمكن لعقولنا أن تصل إليه، ولهذا لم يأت الكتاب العزيز وماسبقه من الكتب إلا بتوجيه النظر إلى المصنوع لينفذ منه إلى معرفة وجود الصانع وصفاته الكمالية، أما كيفية الاتصاف فليس من شأننا أن نبحث فيها فالذى يوجبه علينا الإيمان هو أن نعلم أنه موجود لا يشبه الكائنات، أزلى، أبدى، حى، عالم، مريد، قادر، منفرد فى وجوب وجوده وفى كمال صفاته وفى صنع خلقه، وأنه متكلم، سميع، بصير وما يتبع ذلك من الصفات التى جاء الشرع بإطلاق أسمائها عليه. أما كون الصفات زائدة على الذات، وكون الكلام صفة غير ما اشتمل عليه العلم من معانى الكتب السماوية، وكون السمع والبصر غير العلم بالمسموعات والمبصرات ونحو ذلك من الشؤون التى اختلف عليها النظار وتفرقت فيها المذاهب فمما لا يجوز الخوض فيه إذ لا يمكن لعقول البشر أن تصل إليه، والاستدلال على شئ منه بالألفاظ الواردة ضعف فى العقل وتغرير بالشرع لأن استعمال اللغة لا ينحصر فى الحقيقة ولئن انحصر فوضع اللغة لا تراعى فيه الوجودات بكنهها الحقيقى وإنما تلك مذاهب فلسفة إن لم يضل فيها أمثلهم فلم يهتد فيها فريق إلى مقنع، فما علينا إلا الوقوف عند ما تبلغه عقولنا وأن نسأل الله أن يغفر لمن آمن به وبما جاء به رسله عليهم السلام ممن تقدمنا. * * أما عن أفعاله تعالى، فقد أجملها الغزالى فى كتابه "الإحياء" فى أصول، وإليك موجز ما قال: الأصل الأول: العلم بأن كل حادث فى العالم فهو فعله وخلقه واختراعه، لا خالق له سواه ولا محدث له إلا إياه، خلق الخلق وصنعهم، وأوجد قدرتهم وحركتهم، فجميع أفعال عباده مخلوقة له ومتعلقة بقدرته.

الأصل الثانى: أن انفراد الله سبحانه باختراع حركات العباد لا يخرجها عن كونها مقدورة للعباد على سبيل الاكتساب، بل الله تعالى خلق القدرة والمقدور جميعاً، وخلق الاختيار والمختار جميعاً. فأما القدرة فوصف للعبد وخلق للرب سبحانه وليست بكسب له. وأما الحركة فخلق للرب تعالى ووصف للعبد وكسب له، فإنها خلقت مقدورة مقدرة هى وصفه، وكانت للحركة نسبة إلى صفة أخرى تسمى قدرة، فتسمى باعتبار تلك النسبة كسباً، وكيف تكون جبرا محضاً وهو بالضرورة يدرك التفرقة بين الحركة المقدورة والدعوة الضرورية؟ أو كيف يكون خلقاً للعبد وهو لا يحيط علماً بتفاصيل أجزاء الحركات المكتسبة وأعدادها؟ وإذا بطل الطرفان لم يبق إلا الاقتصاد فى الاعتقاد، وهو أنها مقدورة بقدرة الله تعالى اختراعاً، وبقدرة العبد على وجه آخر من التعلق يعبر عنه بالاكتساب. وليس من ضرورة تعلق القدرة بالمقدور أن يكون بالاختراع فقط، إذ قدرة الله تعالى فى الأزل قد كانت متعلقة بالعالم ولم يكن الاختراع حاصلاً بها، وهى عند الاختراع متعلقة به نوعاً آخر من التعلق، فيه يظهر أن تعلق القدرة ليس مخصوصاً بحصول المقدور بها. الأصل الثالث: أن فعل العبد وإن كان كسباً للعبد فلا يخرج عن كونه مراداً لله سبحانه، فلا يجرى فى الملك والملكوت طرفة عين ولا لفتة خاطر ولا فلتة ناظر إلا بقضاء الله وقدرته، وبإرادته ومشيئته، ومنه الخير والشر، والنفع والضر، والإسلام والكفر، والعرفان والنكر، والفوز والخسران، والرشد والغواية، والطاعة والعصيان، والإيمان والشرك، لا راد لقضائه، ولا معقب لحكمه، {يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ}. ويدل عليه من جهة النقل قول الأمة قاطبة. ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن؛ وقول الله عز وجل {أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا}. ويدل عليه من جهة العقل أن المعاصى والجرائم إن كان الله يكرهها ولا يريدها، وإنما هى جارية على وفق إرادة العدو إبليس، لعنه الله، مع أنه عدو لله سبحانه، والجارى على وفق إرادة

العدو أكثر من الجارى على وفق إرادته تعالى، فليت شعرى كيف يستجيز المسلم أن يرد ملك الجبار ذى الجلال والإكرام إلى رتبة لو ردت إليها رياسة زعيم ضيعة لا ستنكف منها. والمعصية هى الغالبة على الخلق، وكل ذلك جار عند المبتدعة على خلاف إرادة الحق تعالى، وهذا غاية الضعف والعجز، تعالى رب الأرباب عن هذا علواً كبيراً. ثم مهما ظهر أن أفعال العباد مخلوقة له صح أنها مرادة له. فإن قيل: فكيف ينهى عما يريد ويأمر بما لا يريد؟ قلت: الأمر غير الإرادة، إذ يصح لك أن تأمر مولى لك لا يريد امتثال أمرك لتثبت عذرك لدى السلطان عن ضربك إياه على مخالفته لك. ولولا هذا الأمر لدى السلطان لم يكن العذر ممهدا، ولو كنت مريداً لامتثاله لكنت مريداً لهلاك نفسك، وهذا محال. الأصل الرابع: أن الله تعالى متفضل بالخلق والاختراع، ومتطول بتكليف العباد ولم يكن الخلق والتكليف واجباً عليه؛ ولا يقال: وجب عليه ذلك لما فيه من مصلحة العباد، فهو محال، إذ هو الموجب والآمر والناهى. وكيف يتهدف لإيجاب أو يتعرض للزوم وخطاب. والمراد بالواجب أحد أمرين: إما الفعل الذى فى تركه ضرر، إما آجل أو عاجل. وإما أن يراد به الذى عدمه إلى محال، كما يقال: وجود المعلوم واجب، إذ عدمه يؤدى إلى محال، وهو أن يصير العلم جهلاً. فإن أريد بأن الخلق واجب على الله بالمعنى الأول فقد عرضه للضرر، وإن أريد به المعنى الثانى فهو التسليم، إذ بعد سبق العلم لابد من وجود المعلوم، وإن أريد به معنى ثالث، فهذا مالا يفهم. الأصل الخامس: أنه يجوز على الله سبحانه أن يكلف الخلق ما لا يطيقونه، ولو لم يجز ذلك لاستحال سؤال دفعه، وقد سألوا ذلك فقالوا {رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ}. الأصل السادس: أنه لله عز وجل إيلام الخلق وتعذيبهم من غير جرم سابق، ومن غير ثواب لا حق، لأنه متصرف فى ملكه، ولا يتصور أن يعدو تصرفه ملكه، والظلم هو عبارة عن

التصرف فى ملك الغير بغير إذنه، وهو محال على الله تعالى، فإنه لايصادف لغيره ملكاً حتى يكون تصرفه فيه ظلماً، ويدل على جواز ذلك وجوده، فإن ذبح البهائم إيلام لها. وما صب عليها من أنواع العذاب من جهة الآدميين لم تتقدمه جريمة. فإن قيل: إن الله تعالى يحشرها ويجازيها على قدر ما قاسته من الآلام، ويجب ذلك على الله سبحانه؛ قيل: من زعم أنه يجب على الله إحياء كل نملة وطئت حتى يثيبها على آلامها فقد خرج عن الشرع والعقل، إذ يقال: وصف الثواب والحشر بكونه واجباً عليه، إن كان المراد به أنه يتضرر بتركه فهو محال، وإن أريد به غيره فهو غير مفهوم إذ فيه خروج عن المعانى التى للواجب. الأصل السابع: أنه تعالى يفعل بعباده مايشاء، فلا تجب عليه رعاية الأصلح لعباده، إذ لا يجب عليه شئ سبحانه، بل لا يعقل فى حقه الوجوب، فإنه لا يسأل عما يفعل وهم يسألون. الأصل الثامن: أن معرفة الله سبحانه واجبة بإيجاب الله تعالى وشرعه، لا بالعقل، لأن العقل وإن أوجب الطاعة فلا يخلو إما أن يوجبها لغير فائدة، وهو محال، فإن العقل لا يوجب العبث، وإما أن يوجبها لفائدة وغرض، ولذلك لا يخلو إما أن يرجع إلى المعبود، وذلك محال فى حقه تعالى، فإنه يتقدس عن الأغراض والفوائد، وإما أن يرجع ذلك إلى غرض العبد، وهو أيضاً محال، لأنه لا غرض له فى الحال، بل يتعب به وينصرف عن الشهوات بسببه، وليس فى المآل إلا الثواب والعقاب. ويقول الإمام محمد عبده: أفعال الله صادرة عن علمه وكل ما صدر عن علم وإرادة فهو عن الاختيار ولا شئ مما يصدر عن الاختيار بواجب على المختار لذاته، فلا شئ من أفعاله بواجب الصدور عنه لذاته، فجميع صفات الأفعال -من خلق ورزق وإعطاء ومنع وتعذيب وتنعيم- مما يثبت له تعالى بالإمكان الخاص. فلا يطوفن بعقل عاقل -بعد تسليم أنه فاعل عن علم وإرادة- أن يتوهم أن شيئاً من أفعاله واجب عنه لذاته كما هو الشأن فى لوازم الماهيات أو فى اتصاف الواجب بصفاته مثلاً فإن ذلك هو التناقض البديهى الاستحالة كما سبق الإشارة إليه:

بقيت علينا جولة نظر فى تلك المقالات الحمقى التى اختبط فيها القوم اختباط إخوة تفرقت بهم الطرق فى السير إلى مقصد واحد حتى إذا التقوا فى غسق الليل صاح كل فريق بالآخر صيحة المستخبر، فظن كل أن الآخر عدو يريد مقارعته على مابيده فاستحر بينهم القتال ولازالوا يتجالدون حتى تساقط جلهم دون المطلب، ولما أسفر الصبح وتعارفت الوجوه رجع الرشد إلى من بقى وهم الناجون ولو تعارفوا من قبل لتعاونوا جميعاً على بلوغ ما أملوا ولوافتهم الغاية إخواناً بنور الحق مهتدين. نريد تلك المقالات المضطربة فى أنه يجب على الله رعاية المصلحة فى أفعاله وتحقيق وعيده فيمن تعدى حدوده من عبيده وما يتلو ذلك من وقوع أعماله تحت العلل والأغراض، فقد بالغ قوم فى الإيجاب حتى ظن الناظر فى مزاعمهم أنهم عدوه واحداً من المكلفين يفرض عليه أن يجهد للقيام بما عليه من الحقوق وتأدية مالزمه من الواجبات تعالى عن ذلك علواً كبيراً، وغلا آخرون فى نفى التعليل عن أفعاله حتى خيل للممعن فى مقالاتهم أنهم لايرضونه إلا قلباً يبرم اليوم ما نقضه بالأمس، ويفعل غداً ما أخبر بنقيضه اليوم، أو غافلاً لا يشعر بما يستتبعه عمله سبحان ربك رب العزة عما يصفون وهو أحكم الحاكمين وأصدق القائلين، جبروت الله وطهارة دينه أعلى وأرفع من هذا كله. اتفق الجميع على أن أفعاله تعالى لا تخلو من حكمة وصرح الغلاة والمقصرون جميعاً بأنه تعالى منزه عن العبث فى أفعاله والكذب فى أقواله، ثم بعد هذا أخذوا يتنابزون بالألفاظ ويتمارون فى الأوضاع ولا يدرى إلى أى غاية يقصدون. فلنأخذ ما اتفقوا عليه ولنرد إلى حقيقة واحدة ما اختلفوا فيه حكمة كل عمل ما يترتب عليه مما يحفظ نظاماً أو يدفع فساداً -خاصاً كان أو عاماً- لو كشف للعقل من أى وجه لعقله وحكم بأن العمل لم يكن عبثاً ولعباً، ومن يزعم للحكمة معنى لا يرجع إلى هذا حاكمناه إلى أوضاع اللغة وبداهة العقل. لا يسمى ما يترتب على العمل حكمة ولا تتمثل عند العقل بمثالها إلا إذا كان ما يتبع العمل مراداً لفاعله بالفعل وإلا لعد النائم حكيماً فيما لو صدرت

عنه حركة فى نومه قتلت عقرباً كاد يلسع طفلاً أو دفعت صبياً عن حفرة كاد يسقط فيها بل لوُسم بالحكمة كثير من العجماوات إذا استتبعت حركاتها بعض المنافع الخاصة أو العامة، والبداهة تأباه. من القواعد الصحيحة المسلمة عند جميع العقلاء أن أفعال العاقل تصان عن العبث ولا يريدون من العاقل إلا العالم بما يصدر عنه بإرادته ويريدون من صونها عن العبث أنها لاتصدر إلا لأمر يترتب عليها يكون غاية لها، وإن كان هذا فى العاقل الحادث فما ظنك بمصدر كل عقل ومنتهى الكمال فى العلم والحكم؟ هذه كلها مسلمات لا ينازع فيها أحد. صنع الله الذى أتقن كل شئ وأحسن خلقه مشحون بضروب الحكم، ففيه ماقامت به السماوات والأرض وما بينهما وحفظ به نظام الكون بأسره وما صانه عن الفساد الذى يفضى به إلى العدم، وفيه ما استقامت به مصلحة كل موجود على حدته خصوصاً ما هو من الموجودات الحية كالنبات والحيوان ولولا هذه البدائع من الحكم ما تيسر لنا الاستدلال على علمه. فهذه الحكم التى نعرفها الآن بوضع كل شئ فى موضعه وإيتاء كل محتاج ماله إليه الحاجة، إما أن تكون معلومة له مرادة مع الفعل أم لا، لا يمكن القول بالثانى وإلا لكان قولا بقصور العلم إن لم تكن معلومة أو بالغفلة إن لم تكن مرادة، وقد سبق تحقيق أن علمه وسع كل شئ واستحالة غيبه أثر من آثاره عن إرادته، فهو يريد الفعل ويريد ما يترتب عليه من الحكمة ولا معنى لهذا إلا إرادته للحكمة من حيث هى تابعة للفعل، ومن المحال أن تكون الحكمة غير مرادة بالفعل مع العلم بارتباطها به فيجب الاعتقاد بأن أفعاله يستحيل أن تكون خالية من الحكمة وبأن الحكمة يستحيل أن تكون غير مرادة إذ لو صح توهم أن ما يترتب على الفعل غير مراد لم يعد ذلك من الحكمة كما سبق. فوجوب الحكمة فى أفعاله تابع لوجوب الكمال فى علمه وإرادته وهو مما لا نزاع فيه بين جميع المتخالفين، وهكذا يقال فى وجوب تحقق ما وعد وأوعد به فإنه تابع لكمال علمه وإرادته وصدقه وهو

أصدق القائلين، وما جاء فى الكتاب أو السنة مما قد يوهم خلاف ذلك يجب إرجاعه إلى بقية الآيات وسائر الآثار حتى ينطبق الجميع على ما هدت إليه البديهيات السابق إيرادها وعلى ما يليق بكمال الله وبالغ حكمته وجليل عظمته. والأصل الذى يرجع إليه كل وارد فى هذا الباب قوله تعالى الآيات 16 - 18 سورة الأنبياء {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ. لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ. بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ}. وقوله {لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا} أى لصدر عن ذاتنا المتفردة بالكمال المطلق الذى لا يشوبه نقص وهو محال و"إن" فى قوله "إن كنا فاعلين" نافية، وهو نتيجة القياس السابق. بقى أن الناظرين فى هذه الحقائق ينقسمون إلى قسمين: فمنهم من يطلب علمها لأنه شهوة العقل وفيه لذته، فهذا القسم يسمى المعانى بأسمائها ولا يبالى جوز الشرع إطلاقها فى جانب الله أم لم يجوز فيسمى الحكمة غاية وغرضاً وعلة غائيّة ورعاية للمصلحة وليس من رأيه أن يجعل لقلمه عناناً يرده عن إطلاق اسم متى صح عنده معناه، وقد يعبر بالواجب عليه بدل الواجب له غير مبال بما يوهمه اللفظ. ومنهم من يطلب علمها مع مراعاة أن ذلك دين يتعبد به واعتقاد بشؤون لإله عظيم يعبد بالتحميد والتعظيم ويجب الاحتياط فى تنزيهه حتى بعفة اللسان عن النطق بما يوهم نقصاً فى جانبه فيتبرأ من تلك الألفاظ مفردها ومركبها فإن الوجوب عليه يوهم التكليف والإلزام وبعبارة أخرى يوهم القهر والتأثر بالأغيار ورعاية المصلحة توهم إعمال النظر وإجالة الفكر وهما من لوازم النقص فى العلم والغاية والعلة الغائيّة والغرض توهم حركة فى نفس الفاعل من قبل البدء فى العمل إلى نهايته وفيها ما فى سوابقها ولكن الله أكبر. * * * وثمة للغزالى فى كتابه "الإحياء" كلمة جامعة تكاد تلخص هذا كله، بقوله:

إنه تعالى ليس بجسم ولا صورة، ولا جوهر محدود مقدر، وإنه لا يماثل الأجسام لا فى التقدير ولا فى قبول الانقسام، وإنه ليس بجوهر ولا تحله الجواهر، ولا بعرض ولا تحله الأعراض، بل لا يماثل موجوداً ولا يماثله موجود، ليس كمثله شئ ولا هو مثل شئ، وأنه لا يحده المقدار ولا تحويه الأنظار، ولا تحيط به الجهات، ولا تكتنفه الأرضون ولا السموات، وأنه مستو على العرش على الوجه الذى قاله، وبالمعنى الذى أراده، استواءً منزهاً عن المماسّة والاستقرار، والتمكن والحلول والانتقال، لا يحمله العرش بل العرش وحملته محمولون بلطف قدرته، ومقهورون فى قبضته، وهو فوق العرش والسماء، وفوق كل شئ إلى تخوم الثرى، فوقية لا تزيده قرباً إلى العرش، كما أنه رفيع الدرجات عن الأرض والثرى وهو مع ذلك قريب من كل موجود، وهو أقرب إلى العبد من حبل الوريد، وهو على كل شئ شهيد، إذ لا يماثل قربه قرب الأجسام، كما لا تماثل ذاته ذات الأجسام، وأنه لا يحل فى شئ، ولا يحل فيه شئ، تعالى عن أن يحويه مكان، كما تقدس عن أن يحده زمان، بل كان قبل أن خلق الزمان والمكان، وهو الآن ما عليه كان، وأنه بائن عن خلقه بصفاته، ليس فى ذاته سواه، ولا فى سواه ذاته، وأنه مقدس عن التغير والانتقال لا تحله الحوادث، ولا تعتريه العوارض، بل لايزال فى نعوت جلاله منزها عن الزوال، وفى صفات كماله مستغنياً عن زيادة الاستكمال، وأنه فى ذاته معلوم الوجود بالعقول، مرئى الذات بالأبصار، نعمة منه ولطفاً بالأبرار فى دار القرار، وإتماماً منه للنعيم بالنظر إلى وجهه الكريم. وأنه تعالى حى قادر، جبار قاهر، لا يعتريه قصور ولا عجز، ولا تأخذه سنة ولا نوم، ولا يعارضه فناء ولا موت، ذو الملك والملكوت، والقوة والجبروت، له السلطان والقهر والخلق والأمر، والسموات مطويات بيمينه، والخلائق مقهورون فى قبضته، وأنه المتفرد بالخلق والاختراع، المتوحد

بالإيجاد والإبداع، خلق الخلق وأعمالهم، وقدر أرزاقهم وآجالهم، لا يشذ عن قبضته مقدور، ولا تعزب عن قدرته تصاريف الأمور، لا تحصى مقدوراته، ولا تتناهى معلوماته. وأنه تعالى عالم بجميع المعلومات، محيط بما يجرى من تخوم الأرضين إلى أعلى السموات، وأنه عالم لا يعزب عن علمه مثقال ذرة فى الأرض ولا فى السماء، بل يعلم دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء فى الليلة الظلماء، ويدرك حركة الذر فى جو الهواء، ويعلم السر وما أخفى، ويطلع على هواجس الضمائر، وحركات الخواطر، وخفيات السرائر، بعلم قديم أزلى لم يزل موصوفاً به فى أزل الآزال، لا بعلم متجدد حاصل فى ذاته بالحلول والانتقال. وأنه تعالى مريد للكائنات، مدبر للحادثات، فلا يجرى فى الملك والملكوت قليل أو كثير، صغير أو كبير، إلا بقضائه وقدره وحكمته ومشيئته، فما شاء كان ومالم يشأ لم يكن، بل هو المبديء والمعيد، الفعّال لما يريد، لا رادّ لأمره، ولا معقب لقضائه، ولا مهرب لعبد عن معصيته إلا بتوفيقه ورحمته. ولا قوة له على طاعته إلا بمشيئته وإرادته، وأن إرادته قائمة بذاته فى جملة صفاته، لم يزل كذلك موصوفاً بها، مريداً فى أزله لوجود الأشياء فى أوقاتها التى قدرها فوجدت فى أوقاتها، كما أراده فى أزله من غير تقدم ولا تأخر، بل وقعت على وفق علمه وإرادته من غير تبدل ولا تغير، دبر الأمور لا بترتيب أنصار، ولا تربص زمان، فلذلك لم يشغله شأن عن شأن. وأنه تعالى سميع بصير، يسمع ويرى، لا يعزب عن سمعه مسموع وإن خفى، ولا يغيب عن رؤيته مرئى وإن دق، ولا يحجب سمعه بعد، ولا يدفع رؤيته ظلام، يرى من غير حدق وأجفان ويسمع من غير أصمخة وآذان، كما يعلم بغير قلب، ويبطش بغير جارحة، ويخلق بغير آلة، إذ لا تشبه صفاته صفات الخلق، كما لا تشبه ذاته ذوات الخلق.

وأنه تعالى متكلم، آمر ناه، واعد متوعد، بكلام أزلى قديم قائم بذاته لا يشبه كلام الخلق، فليس بصوت يحدث من انسلال هواء أو اصطكاك أجرام ولا بحرف ينقطع بإطباق شفة أو تحريك لسان، وأن القرآن والتوراة والإنجيل كتبه المنزلة على رسله عليهم السلام، وإن القرآن الكريم مقروء بالألسنة، مكتوب فى المصاحف، محفوظ فى القلوب، وأنه مع ذلك قديم قائم بذات الله تعالى، لا يقبل الانفصال والافتراق، بالانتقال إلى القلوب والأوراق، وأن موسى عليه السلام سمع كلام الله بغير صوت ولا حرف، كما يرى الأبرار ذات الله تعالى فى الآخرة من غير جوهر ولا عرض. وإذا كانت له هذه الصفات كان حياً، عالماً، قادراً، مريداً، سميعاً، بصيراً، متكلماً، بالحياة والقدرة والعلم والإرادة والسمع والبصر والكلام، لا بمجرد الذات. وأنه تعالى لا موجود سواه إلا وهو حادث بفعله، وفائض من عدله، على أحسن الوجوه وأكملها، وأتمها وأعدلها، وأنه حكيم فى أفعاله، عادل فى أقضيته، لا يقاس عدله بعدل العباد، إذ العبد يُتصور منه الظلم بتصرفه فى ملك غيره، ولا يُتصور الظلم من الله تعالى فإنه لا يصادف لغيره ملكاً حتى يكون تصرفه فيه ظلماً، فكل ما سواه من إنس وجن، وملك وشيطان، وسماء وأرض وحيوان، ونبات وجماد وجوهر وعرض، ومدرك ومحسوس، حادث اخترعه بقدرته بعد العدم اختراعاً، وأنشأه إنشاء بعد أن لم يكن شيئاً، إذ كان فى الأزل موجوداً وحده ولم يكن معه غيره، فأحدث الخلق بعد ذلك إظهاراً لقدرته، وتحقيقاً لما سبق من إرادته، ولما حقّ فى الأزل من كلمته، لا لافتقاره إليه وحاجته، وأنه متفضل بالخلق والاختراع والتكليف، لا عن وجوب، ومتطوَّل بالإنعام والإصلاح لا عن لزوم، فله الفضل والإحسان والنعمة والامتنان. وأنه عز وجل يثيب عباده المؤمنين على الطاعات بحكم الكرم والوعد لا بحكم الاستحقاق واللزوم له. إذ لا يجب عليه لأحد فعل، ولا يتصور منه ظلم، ولا يجب لأحد

عليه حق، وأن حقه فى الطاعات وجب على الخلق بإيجابه على ألسنة أنبيائه عليهم السلام لا بمجرد العقل، ولكنه بعث الرسل وأظهر صدقهم بالمعجزات الظاهرة، فتلقّوا أمره ونهيه، ووعده ووعيده، فوجب على الخلق تصديقهم فيما جاءوا به. ويكاد يتمم هذا ويكمله ما قيل عن أفعال العباد، يقول الإمام محمد عبده: وكما يشهد سليم العقل والحواس من نفسه أنه موجود لا يحتاج فى ذلك إلى دليل يهديه ولا معلم يرشده، كذلك يشهد أنه مدرك لأعماله الاختيارية يزن نتائجها بعقله ويقدرها بإرادته ثم يصدرها بقدرة ما فيه. ويعد إنكار شئ من ذلك مساوياً لإنكار وجوده فى مجافاته لبداهة العقل. فإن كان قد هداه البرهان وتقويم الدليل إلى أن حوادث الكون بأسره مستندة إلى واجب وجوده واحد يصرفه على مقتضى علمه وإرادته خشع وخضع ورد الأمر إليه فيما لقى، ولكن مع ذلك لا ينسى نصيبه فيما بقى. فالمؤمن كما يشهد بالدليل وبالعيان أن قدرة مكوّن الكائنات أسمى من قوى الممكنات يشهد بالبداهة أنه فى أعماله الاختيارية -عقلية كانت أو جسمانية- قائم بتصريف ما وهب الله له من المدارك والقوى فيما خلقت لأجله. وقد عرف القوم شكر الله على نعمه، فقالوا: هو صرّف العبد جميع ما أنعم الله به عليه إلى ما خُلق لأجله. على هذا قامت الشرائع وبه استقامت التكاليف، ومن أنكر شيئاً منه فقد أنكر مكان الإيمان من نفسه، وهو عقله الذى شرّفه الله بالخطاب فى أوامره ونواهيه. ودعوى أن الاعتقاد بكسب العبد لأفعاله يؤدى إلى الإشراك بالله وهو الظلم العظيم دعوى من لم يلتفت إلى معنى الإشراك على ما جاء به الكتاب والسنة، فالإشراك اعتقاد أن لغير الله أثراً فوق ما وهبه الله من الأسباب الظاهرة، وإن لشئ من الأشياء سلطاناً على ما خرج عن قدرة المخلوقين، وهو اعتقاد من يعظم سوى الله مستعيناً به فيما لا يقدر العبد عليه. هذا هو الشرك

الذى كان عليه الوثنيون ومن ماثلهم فجاءت الشريعة الإسلامية بمحوه وردّ الأمر فيما فوق القدرة البشرية والأسباب الكونية إلى الله وحده، وتقرير أمرين عظيمين هما ركنا السعادة وقوام الأعمال البشرية: الأول: أن العبد يكسب بإرادته وقدرته ما هو وسيلة لسعادته. والثانى: أن قدرة الله هى مرجع لجميع الكائنات وأن من آثارها ما يحول بين العبد وبين إنفاذ ما يريده وأن لا شئ سوى الله يمكن له أن يمد العبد بالمعونة فيما لم يبلغه كسبه. فالإيمان بوحدانية الله لا يقتضى من المكلف إلا اعتقاد أن الله صرفه فى قواه، فهو كاسب لإيمانه ولما كلفه الله به من بقية الأعمال، واعتقاد أن قدرة فوق قدرته ولها وحدها السلطان الأعلى فى إتمام مراد العبد بإزالة الموانع أو تهيئة الأسباب المتممة، مما لا يعلمه ولا يدخل تحت إرادته. أما التطلع إلى ما هو أغمض من ذلك فليس من مقتضى الإيمان وإنما هو من شره العقول فى طلب رفع الأستار عن الأسرار. والأفعال الإنسانية الاختيارية لا تخرج عن أن تكون من الأكوان الواقعة تحت مداركنا، وما تنفعل به نفوسنا عند الإحَساس بها، أو استحضار صورها، وهذا يشابه كل المشابهة ما تنفعل به عند وقوع بعض الكائنات تحت حواسنا أو حضورها فى مخيلاتنا، وذلك بديهى لا يحتاج إلى دليل. فمن الأفعال الاختيارية ما هو معجب فى نفسه تجد النفس منه ما تجد من جمال الخلق، ومنها ما هو قبيح فى نفسه يحس منه ما يحس من رؤية الخلق المشوه، ومنها ما هو قبيح لما يعقبه من الألم، وما هو حسن لما يجلب من اللذة أو دفع الألم. ومن الأفعال الاختيارية ما يحسن باعتبار ما يجلب من النفع وما يقبح بما يجر إليه من الضرر، ويختص الإنسان بالتمييز بين الحسن والقبيح بهذا المعنى إذا أخذ من أكمل وجهاته. وقلما يشاركه فيه حيوان آخر اللهم إلا من

أحط جهاته، وهو خاصة العقل وسر الحكمة الإلهية فى هبة الفكر. فالناس متفقون على أن من الأعمال ما هو نافع ومنها ما هو ضار، وبعبارة أخرى منها ما هو حسن ومنها ما هو قبيح، ومن عقلائهم وأهل النظر الصحيح والمزاج المعتدل منهم من يمكنه إصابة وجه الحق فى معرفة ذلك، ومتفقون كذلك على أن الحسن ما كان أدوم فائدة وإن كان مؤلما فى الحال وأن القبيح ما جرّ إلى فساد فى النظام الخاص بالشخص أو الشامل له ولمن يتصل به وإن عظمت لذته الحاضرة. ولكنهم يختلفون فى النظر إلى كل عمل بعينه اختلافهم فى أمزجتهم وسحنهم ومناشئهم وجميع ما يكتنف بهم، فلذلك ضربوا إلى الشر فى كل وجه وكل يظن أنه إنما يطلب نافعاً ويتقى ضاراً، فالعقل البشرى وحده ليس فى استطاعته أن يبلغ بصاحبه ما فيه سعادته فى هذه الحياة اللهم إلا فى قليل ممن لم يعرفهم الزمن، فإن كان لهم من الشأن العظيم ما به عرفهم أشار إليهم الدهر بأصابع الأجيال، وقد سبقت الإشارة إليهم فيما مر. وليست عقول الناس سواء فى معرفة الله تعالى ولا فى معرفة حياة بعد هذه الحياة، فهم وإن اتفقوا فى الخضوع لقوة أسمى من قواهم وشعر معظمهم بيوم بعد هذا اليوم ولكن أفسدت الوثنية عقولهم وانحرفت بها عن مسلك السعادة، فليس فى سعة العقل الإنسانى فى الأفراد كافة أن يعرف من الله ما يجب أن يعرف ولا أن يفهم من الحياة الآخرة ما ينبغى أن يفهم ولا أن يقرر لكل نوع من الأعمال جزاءه فى تلك الدار الآخرة، وإنما قد تيسر ذلك لقليل ممن اختصه الله بكمال العقل ونور البصيرة وإن لم ينل شرف الاقتداء بهدى نبوى ولو بلغه لكان أسرع الناس إلى اتباعه وهؤلاء ربما يصلون بأفكارهم إلى العرفان من وجه غير ما يليق فى الحقيقة أن ينظر منه إلى الجلال الإلهى. ثم من أحوال الحياة ما لا يمكن لعقل بشرى أن يصل إليه وحده وهو تفصيل اللذائذ والآلام وطرق المحاسبة على الأعمال ولو بوجه

ما. ومن الأعمال ما لا يمكن أن يعرف وجه الفائدة فيه لا فى هذه الحياة ولا فيما بعدها - كصور العبادات كما يرى فى أعداد الركعات وبعض الأعمال فى الحج فى الديانة الإسلامية وكبعض الاحتفالات فى الديانة الموسوية وضروب التوسل والزهادة فى الديانة العيصموية، كل ذلك مما لا يمكن للعقل البشرى أن يستقل بمعرفة وجه الفائدة فيه ويعلم الله أن فيه سعادته، لهذا كله كان العقل الإنسانى محتاجاً فى قيادة القوى الإدراكية والبدنية إلى ما هو خير له فى الحياتين إلى معين يستعين به فى تحديد أحكام الأعمال وتعيين الوجه فى الاعتقاد بصفات الألوهية ومعرفة ما ينبغى أن يعرف من أحوال الآخرة وبالجملة فى وسائل السعادة فى الدنيا والأخرة، ولا يكون لهذا المعين سلطان على نفسه حتى يكون من بنى جنسه ليفهم منه أو عنه ما يقول وحتى يكون ممتازاً على سائر الأفراد بأمر فائق على ما عرف فى العادة وما عرف فى سنة الخليقة ويكون بذلك مبرهناً على أنه يتكلم عن الله الذى يعلم مصالح العباد على ما هى عليه ويعلم صفاته الكمالية وما ينبغى أن يعرف منها والحياة الآخرة وما أعد فيها فيكون الفهم عنه والثقة بأنه يتكلم عن العليم الخبير معيناً للعقل على ضبط ما تشتت عليه أو درك ما ضعف عن إدراكه، وذلك المعين هو النبى عليه الصلاة والسلام. بهذا التعقيب قصدت -غير ما قدمت- أن أضع صورة كاملة حية لله عند المسلمين، خالية من الخلافات، وإنما تجمع الرأى العام السليم، وأن أجعل من تلك الصورة المتكاملة فرصة لمن تعز عليه المراجع، فيطالعها هنا فى يسر غير موزع بين خلافات لا طائل تحتها، ثم يطالع فيها غير المسلم هذا المنظر الرائع من تقديس وتنزيه لرب العالمين، وهذا الخضوع والخشوع لله، وهذه كلها سر الانقياد والطاعة، والتزام الخير وتجنب الشر، والضرب فى سبيل الفلاح، لبلوغ تلك الغاية التى صرح بها القرآن الكريم {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}. إبراهيم الأبيارى

اللهم

اللهم صيغة عربية قديمة للنداء معناها يا الله، ويقال أحياناً لاهم (zur: noldeke grammatik et Classe arabe، ص 6). ونحن نميل إلى الشك فيما افترضه فلها وزن) Reste arabischen: Welhaussen Heidentums، الطبعة الثانية ص 200) من أن هذا النداء كان فى الأصل ينادى به الله الذى يسمو على آلهة العرب فى الجاهلية ولا يشبهها، لأن كل إله يمكن أن ينادى على هذا النحو: واستعملت كلمة "اللهم" فى الصلوات والأضاحى وعقد الأحلاف وفى الدعوات واللعنات) Abhandlungen Z: Goldziher! arab. Philo. جـ 1، ص 25 وما بعدها؛ انظر عبارة "اللهم حى": الأخطل رقم (3 - 7) أما عبارة "باسمك اللهم" التى يقال إن أمية بن أبى الصلت هو أول من استعملها كما ورد فى الأغانى (جـ 3، ص 187) والتى كانت تصدر بها المعاهدات المكتوبة، فقد أبدل النبى [- صلى الله عليه وسلم -] بها غيرها لأنها من عبارات الجاهلية (¬1) (ابن هشام، جـ 1، ص 747؛ Skeizen u. Vorarb.: Wehlhaussen، جـ 4، ص 104) على أن عبارة "اللهم" بقيت ولم يجد المسلمون فى استعمالها حرجاً (وردت فى القرآن الكريم: سورة آل عمران، آية 26؛ سورة الزمر، آية 46؛ كما وردت "سبحانك اللهم" فى سورة يونس، آية 10). وكذلك بقيت عبارة "اللهم نعم" وهى جواجـ 1 لذى يستحلف بقول الحق (الطبرى: جـ 1، ص 1723، س 3، 9). أما فيما يختص بعبارة "اللهم منك وإليك أو لك" التى تقال فى الأضاحى فانظر Goldziher فى مجلة Zeitschr. d. Deutsch. Morgenl Gesellsch . العدد 38، ص 95 وما بعدها). [بول F. Buhl] ¬

_ (¬1) ليس هذا تعليلا صحيحا، فإن كلمة "باسمك اللهم" مما يجوز استعماله قطعا، لأنه ابتداء باسم الله سبحانه وتعالى. وإنما استعمل النبىى - صلى الله عليه وسلم كلمة "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ" بدلا منها لأنها ابتدئت بها سور القرآن الكريم ثم صارت كأنها شعار إسلامى فى الكتابة والقراءة وفى كل عمل يعمله المسلم، فهى أفضل فى الاستعمال، وواجبة فى قراءة القرآن لا يجوز غيرها، ولكن ليس هذا دليلا على منع استعمال "باسمك اللهم" فى بعض الأحيان. وقد استعملها النبىى - صلى الله عليه وسلم فى كتابة العهد بينه وبين قريش حين أبوا كتابة الشعار الإسلامى. وهذا واضح من قصة المعاهدة (ابن هشام. ص 746 وما بعدها).

إله

إله هذا اللفظ هو من غير شك نفس اللفظ العبرى، وفيه نواجه أيضاً مشكلة الاشتقاق النهائى التى تعترضنا فى اللفظ العبرى (Encyclopaedia Biblica, جـ 3، عمود 3323 وما بعده؛ Drowin- Driver- Briggs: Hebrew Lexicon، ص 42 وما بعدها؛ Kleinere Schr: Fleischer، جـ 1، ص 154 وما بعدها). وسنقصر كلامنا فى هذه المادة على الناحية العربية: كان أهل مكة فى الجاهلية يذهبون إلى أن "الله" اسم علم، وقد أخذ المسلمون عامة بهذا الرأى ما عدا قليلا منهم قالوا إنه صفة (الرازى: مفاتيح الغيب، القاهرة سنة 1307 هـ، جـ 1، ص 83، س 24 وما بعده) على أن الرازى قال فى كتابه المذكور إن الخليل وسيبويه وجمهرة الأصوليين يرون أن كلمة الله من المرتجل، أى ليست مشتقة. وأيد الرازى هذا الرأى بحجج مختلفة ويروى الرازى أيضاً أن البعض يقول إن كلمة الله مشتقة من أصل سريانى أو عبرى. ويقول بعض العلماء من أهل الكوفة إنها مشتقة من كلمة الإله، بينما يذهب غيرهم من أهل البصرة إلى أنها مشتقة من "لاه" ومعناها تستر أو ارتفع ومصدرها "ليه". وفى الحق إن الرازى لم يكن لديه شك فى أن كلمة الإله مشتقة، ولو أنها تطورت فى الاستعمال فأصبحت فى الواقع اسم علم ترادف لفظ الله، ثم استقر رأى المسلمين فيما بعد على أن كلمة الله اسم علم، وأنها مشتقة أو منقولة، ورجحوا اشتقاقها من كلمة الإله فى معنى أو آخر من معانيها. وعلى هذا فإن كلمة الإله استعملت للدلالة على المعبود أياً كان، وتكون أداة التعريف هنا للعهد، كما أنها استعملت أيضاً للدلالة على ذات الجلالة، ثم إستثقلت الهمزة فى هذا اللفظ الذى يكثر استعماله فحذفت للتخفيف، وأصبع الاسم "الله" ثم صار اسم علم وهو بهذا الرسم. على أن كلمة إله بمعنى معبود ظلت تستعمل نكرة فى كلام العرب. ولم ترد كلمة الإله (بأل) فى القرآن. وإن كانت كلمة الله تدل فى بعض الآيات على معنى الإله أى المعبود.

(انظر تفسير سورة الأنعام، الآية الثالثة فى "الكشاف" للزمخشرى، طبعة Less ص 394؛ وتفسير سورة القصص، الآية 70 فى المصدر نفسه، ص 1064). ثم استعملت كلمة الإله بعد ذلك فى المعنيين اللذين أشرنا إليهما، واستعملها الفقهاء وما زالوا يستعملونها للدلالة على معنى الألوهية. وقد ذكرت ثمانية اشتقاقات لكلمة إله (الرازى، جـ 1، ص 84 - 86؛ البيضاوى طبعة فليشر، جـ 1، ص 94) ويمكن ردها جميعاً فى الواقع إلى ما يلى: 1 - ألَه أى عَبد ويقول الزمخشرى (الكشاف ص 8) إن ألَه وتألّه واستأله مشتقة من الله. 2 - أله أى تحيّر لأن العقول متحيرة فى إدراكَ كنهه، ووَلِه لها نفس المعنى. 3 - أله إلى أى فزع إلى، فيقال أله الرجل إلَى الرجل يأله إليه إذا فزع إليَه من أمر نزل به، أو اتجه إليه لشدة شوقه اليه. وآلهه أى أجاره وأمّنه، وولِه لها نفس المعنى أيضاً. ويفضل أهل البصرة القول بأن كلمة الله مشتقة من لاه فى معنييها المختلفين وهما ارتفع واحتجب. ولم يذكر الزمخشرى سوى الاشتقاقين الأولين، وإن كان يفضل الثانى منهما. وربما كانت وله التى ذكرناها فى الاشتقاقين الأول والثانى هى أصل كلمة الله. ويمكن الرجوع إلى كتاب المفصل (طبعة بروكلمان) فيما يختص بهذه الاشتقاقات المختلفة. المصادر: (1) تفسير الطبرى، جـ 1 ص 40. (2) غرائب النيسابورى على هامش الطبرى، ص 53، 63، وقد أخذ عن الرازى ولكنه صحح بعض أخطائه وتوفى حوالى عام 710. (3) تفسير أبو السعود على هامش الرازى، ص 18، 19. (4) لسان العرب، جـ 17، ص 358. (5) مادة "الله" فى هذه الدائرة. (6) كلمة "الله" فى Dict of Re: Hastings ligion and Ethics. [ماكدونالد D.B. Macdonald]

إلياس [عليه السلام]

إلياس [عليه السلام] هو النبى يليا المذكور فى التوراة، ورد ذكره مرتين فى القرآن؛ فقد جاء من غير تفصيل فى الآية 85 من سورة الأنعام "وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس كلٌّ من الصالحين"، وحكى تاريخه فى سورة الصافّات (الآيات 123 - 130) على النمط المألوف فى إيراد قصص الأنبياء جميعاً فى القرآن؛ ولابد أن يكون محمد (- صلى الله عليه وسلم -) قد عرف عنه أكثر من ذلك نستنتج هذا من ورود كلمة "بَعْل" التى اختلف المفسرون فى تأويلها: فبعضهم يرى أنها تدل على إله أو صنم سميت به مدينة "بعلبك". وذهب البعض الآخر إلى أنها تدل على امرأة عبدها بنو إسرائيل. وقد رُسم إلياس (عليه السلام) "إل ياسين" فى الآية 130 من سورة الصافات. ولقى المفسرون فى تأويل هذا الاسم كثيراً من العناء. ويتضح من سياق الآيات أنه رسم كذلك لضرورة السجع. ويذكر المفسرون فى تفسير الآية 123 وما بعدها من سورة الصافات، وكذلك كتّاب التاريخ العام وجامعو قصص الأنبياء عن إلياس (عليه السلام) ما يلى: إنه كان يعيش فى عهد الملك أحاب ورسمه الثعلبى "لاجَب". وكان لهذا الملك زوجة تدعى إزابل (¬1). (ورد اسمها فى صيغ مختلفة)، وآمن الملك بإلياس وصدقه، أما بنو إسرائيل فكانوا لا يطيعونه، وكانوا يعبدون بعل. على أن هذا الملك ارتد إلى دينه الأول وهو يقول [لإلياس] إن غيره من الملوك عبدوا الأوثان وكانوا على مثل ما هو عليه، ومع هذا كانوا مملَّكين منعَّمين. فدهش إلياس لقوله، وسأل الله أن يمكنه من خزائن السموات، فحبس عنهم ماءها ثلاث سنين، وهو مختف فى موضع يأتيه رزقه فيه. وذهب إلياس (عليه السلام) إلى بنى إسرائيل وطلب إليهم أن يدعوا أصنامهم لتزيح عنهم البلاء، فإن لم تفعل، فليس لهم إلا أن يتجهوا إلى الله. ولم تستجب آلهتهم دعاءهم. وتضرع إلياس إلى الله فأنزل من السماء ماء. على أن بنى إسرائيل لم يتحولوا مع هذا ¬

_ (¬1) وردت "آزبيل" فى الثعلبى: قصص الأنبياء طبعة القاهرة، 1348 هـ، ص 168. اللجنة

عن دينهم. وحنق إلياس عليهم لإصرارهم على الكفر، فدعا الله أن يريحه منهم. ثم خرج إلياس مع تابعه أليسع فظهر له فرس من نار. فركبه وارتفع به إلى السماء، وأليسع يصيح من خلفه. وجعل الله من إلياس كائناً آخر إذ كساه الريش، وأصبح نورانيًا، ونزهه عن الشهوات فكان إنسياً ملكياً، سماوياً أرضياً، وهذه هى رواية الطبرى. أما رواية الثعلبى فأكثر تفصيلا: قال إن أربيل زوج لاجب لا يوجد على الأرض أفحش منها، وكان لها كاتب، رجل مؤمن يكتم إيمانه. ونجد فى هذه الرواية -كما فى التوراة- أن قصة نبت، ويسمى أيضاً مزدكى وهو تصحيف لمردخاى Mordechai هى السبب فى أن قام إلياس بدعوة الملك إلى الإيمان. وغضب الملك عليه فلحق بالشعاب وقضى فيها سبع سنين. واتفق أن مرض أحب أبناء لاجب إليه. وقيل إن إلياس كان السبب فى مرضه فخرج أربعمائة من سدنة (بعل) يريدون قتله ووقف إلياس (عليه السلام) بينهم يدعوهم إلى الإيمان، فرجعوا إلى الملك، وقد ملئوا من إلياس رعبا. وأوفد اليه الملك خمسين جنديا يزعمون له أنهم آمنوا بدعوته، ودعا إلياس ربه أن يحصبهم بالنار إذا كانوا كاذبين، فأجاب الله دعوته. ثم أرسل الملك اليه فئة أخرى أصابها ما أصاب الأولى. وأرسل إليه لاجب آخر الأمر كاتب زوجه المؤمن فى جماعة من المخادعين ليستدرجوه، فأوحى الله إلى إلياس (عليه السلام) أن يذهب مع الكاتب لينقذ حياته من الموت. ولما وصلوا إلى القصر مات ابن الملك، وشغل الملك بذلك عن إلياس (عليه السلام) فعاد سالماً دون أن يلحظ أحد. ولما سئم إلياس من المكث فى الجبل هبط إلى بيت أم يونس النبى (عليه السلام)، وكان يونس حينذاك طفلا اخترمه الموت فبعثه إلياس (عليه السلام) حياً. وعاد بعد ذلك إلى الجبال، ثم دعا الله أن يحكمه فى المطر سبع سنين. واستجاب الله له، ولكن إلى ثلاث سنين وكان الطير يحمل إليه خلالها طعامه وشرابه. وأصيب بنو إسرائيل بالمجاعة إلا امرأة واحدة استطاع إلياس بما حباه الله من معجزة أن يزودها بالدقيق والزيت.

أما بقية ما رواه الثعلبى من قصة إلياس وشفائه لأليسع وغير ذلك فعين ما رواه الطبرى. وقد وصف الثعلبى أيضاً إلياس بأنه إنسى سماوى يظهر للخلق على الأرض. ويروى الثعلبى أن إلياس لقى رجلا فى الأردن تحدث إليه ثم انصرف عنه راكباً بعيره. وفى القرآن قصة عن إلياس آخر ولو أنه لم يصرح باسمه، لا تصل الرواية بينه وبين إلياس النبى ولكنها تصل بينه وبين الخضر. فنرى فى سورة الكهف (الآية 65 ومابعدها) أن موسى وفتاه كانا يصيدان السمك، فلقيا عبدا من عباد الله الصالحين. وأراد موسى أن يتبعه، فقال له هذا الرجل المجهول: إنك لن تستطيع معى صبراً. ولما انطلقا فى سبيلهما أتى هذا الرجل الصالح بأعمال تدل فى ظاهرها على قسوة مذمومة. وكان موسى يلومه فى كل مرة على عمله، فما كان من هذا الرجل الصالح آخر الأمر إلا أن تخلى عنه بعد أن برر له كل عمل أتى به. وكان موسى يظن أن ما أتاه العبد الصالح كان عملا غير صالح. وتذكر الأساطير اليهودية رحلة لإلياس مع يوشع بن ليفى أتى فيها إلياس بمثل ما عمل ذلك العبد الصالح الوارد ذكره فى القرآن. وفى هذه القصة أظهر إلياس ليوشع الذى سخط على فعاله أنه تعجل وأخطأ فى الحكم عليه. والتشابه بين القصتين عظيم حتى أنه لا يدع مجالا للشك فى أن القصة الواردة فى القرآن أصلها القصة اليهودية. أما الرجل الصالح من عباد الله الوارد ذكره فى القرآن فقد قال المفسرون إنه الخضر. ونلاحظ هنا أن البيضاوى يقول فى تفسيره لسورة الكهف (الآية 65) "الجمهور على أنه الخضر، وقيل أليسع، وقيل إلياس" وهذا الخلط بين إلياس والخضر له خطره. وتستطيع أن نذكر شبهاً آخر بين القصتين فقد جاء فى التوراة أن إلياس (عليه السلام) رفع إلى السماء، ولهذا عده المفسرون المسلمون من الخالدين كالخضر. وربما أوضح لنا هذا اسم

الخضر. فكلمة "الخضر" ليست سوى لقب الرجل الذى كان يسمى بليا أو يليا، أعنى إلياس. ونجد فى رواية أخرى أن إلياس والخضر توأمان، لا من حيث النسب، ولكن من حيث جهودهما ورسالتهما بين الناس. فقد ذهبا معا إلى عين الحياة وشربا منها، ولم يرد هذا الخبر أول ما ورد إلا فى أسطورة الإسكندر ذى القرنين. وهذا الخبر يؤكد خلود إلياس. وفسر اسمه كذلك بأنه "الآس" وهو رمز الخلود. وعاش إلياس والخضر حتى شهدا أول ما نزل الوحى على محمد، وعندها سألا الله أن يقبضهما إليه. ولكن محمداً قال لهما: "ياخضر عليك أن تعين أمتى فى البَرّ، وأنت يا إلياس عليك أن تعينها فى البحر". والشائع هو أن الخضر سيد البحر وإلياس سيد البَرّ، وهما يصومان رمضان من كل سنة فى بيت المقدس، ثم يحجان إلى مكة، دون أن يعرفهما إلا من شاء الله له ذلك، وطعامهما الكرفس والكمأة. وبعد الحج يأخذ كل واحد منهما من شعر الآخر. ثم يفترقان وكل منهما يثنى على صاحبه. وقيل إن كل من يقول (سَرْق، حَرْق غَرْق) ثلاث مرات فى الصباح والمساء، يكون بمنجاة من السرقة والحريق والغرق، كما يكون بمنجاة من الشيطان والثعابين والعقارب، ويلتقى الخضر وإلياس كل مساء عند سور ذى القرنين وهناك يطيران فى الهواء. وتقول الأسطورة اليهودية إن الخضر يحوم فى الهواء ويساعد الناس فى كل مكان. وإلى جانب قصة الخضر، نجد عند المسلمين أيضاً، قصة إدريس (أخنوخ)، ويقال أحيانا إن إلياس هو إدريس نفسه. وذُكرت لإلياس أنساب مختلفة، ولكنها أجمعت كلها على أن إلياس هو إدريس، وترده عادة إلى هارون فيقال إنه إلياس بن فنحاص بن عيزار بن هارون وهو جده. وربما يكون اسم أبيه قد اشتق من كلمة "تِسبى" التى حرفت إلى "نسبى" فـ "يسى" ثم إلى ياسين. ونلاحظ أيضاً إن إلياس كثيراً ما يقال إنه القديس جرجس، مثله فى ذلك مثل الخضر. ومن المحتمل أن يكون سبب ذلك هو أن القديس جرجس يعتبر أيضاً حارساً للناس.

المصادر: (1) التفاسير المختلفة لسورة الأنعام الآية 85 وسورة الصافات الآية (123 - 130) وسورة الكهف الآية (64). (2) تاريخ الطبرى، طبعة ده غوية، جـ 1، ص 415، 540 وما بعدها. (3) الديار بكرى: تأريخ الخميس، جـ 1، ص 107. (4) الثعلبى: قصص الأنبياء، القاهرة سنة 1290 هـ، ص 221 وما بعدها. (5) الطبرى، طبعة زوتنبرغ، جـ 1، ص 409 - 411، ص 373. (6) Die Chadhirle-: Friedlander gende und der Alenderroman، ليبسك- برلين سنة 1913 م. (7) Was hat Mohammed aus: Geiger judenthamo aufgenommen dem، ليبسك سنة 1902 م، ص 187 وما بعدها، وانظر بخصوص الأسطورة اليهودية عن إلياس كتاب. (8) Beth ha-Middrash: Jellinek جـ 5، ص 133 - 135. [فنسنك A.J. Wensinck] تعليق على مادة "إلياس" من يقرأ المعارف التى ذكرتها دائرة المعارف الإسلامية عن إلياس ونسبتها إلى المسلمين يخيل إليهم أن المسلمين قوم يعوزهم النقد العلمى والبحث التاريخى، فهم يصدقون كل ما يقال لهم، ولا يمحصون الروايات، فجاءت معارفهم من أحط المعارف فهم يعتقدون أن من قال (سَرْق، حَرْقَ، غَرْق) كل يوم ثلاث مرات فى الصباح والمساء يكون بمنجاة من السرقة والحريق والغرق والشيطان والثعابين والعقارب، ويعتقدون أن إلياس والخضر خالدان، وأن محمداً [- صلى الله عليه وسلم -] طلب من أحدهما أن يعين أمته فى البر وطلب من الآخر أن يعين أمته فى البحر إلى آخر ما ذكرته الدائرة. وكان على أصحاب الدائرة أن يعلموا أن الكتب العربية منها معتمد ومنها غير معتمد يجرى مجرى القصص والروايات، وأن المسلمين يعلمون لكل منها قيمته، وأن قصص الأنبياء للثعلبى الذى كثيراً ما تنقل عنه دائرة المعارف من القسم الثانى، وأنه يقرؤه العامة للتسلية وقطع الوقت، ولا يراه الخاصة

من الكتب الصحيحة المعتمدة التى محصت رواياتها واقتصر فيها على الصحيح. أما كتاب ابن جرير الطبرى فقد كان غرض مؤلفه أن يجمع الروايات التى كانت فى زمنه سواء فيها ما كان إسرائيلياً وما كان غير إسرائيلى، وترك للناظر أن ينقدها ويتخير منها الصحيح وينفى الزائف الباطل، وقد جاء العلماء بعده فخرّجوا رواياته واقتصروا منها على الصادق الصحيح. ويكفى أن نقول هنا إن خلود الخضر وإلياس يرده قوله تعالى: "وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد". وقد اعتمد المسلمون عدم خلودهما؛ فقد أنكر البخارى أن يكون الخضر حياً وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية عنه فقال: لو كان الخضر حياً لوجب عليه أن يأتى إلى النبى [- صلى الله عليه وسلم -] ويجاهد بين يديه ويتعلم منه. وسئل إبراهيم الحربى عن بقائه فقال: من أحال على غائب لم ينتصف منه، وما ألقبى هذا بين الناس إلا الشيطان. وقد روى مسلم فى صحيحه أن رسول الله [- صلى الله عليه وسلم -] قال قبل موته: ما من نفس منفوسة يأتى عليها مائة سنة وهى حية. أما ما ذكروه من أن من يقول (سَرْق غَرْق حَرْق) نجا من السرقة إلخ فهذا لا أصل له عند المسلمين، وإن عقلاءهم لا يعتقدونه ولا يتعلقون بمثل هذه الوهميات، ولعلهم رأوها فى تلك الكتب العامية أو تلقفوها من ألسنة العوام. ولقد ذكروا فى هذه المادة بعض دعاوى لم يقيموا عليها دليلا لنتمكن من مناقشته فرأينا تجردها من الدليل مغنيا لنا عن نقضها، مثال ذلك: زعمهم أنَّ محمداً حرّف اسم إلياس إلى (الياسين) فى سورة الصافات آية 130 لضرورة السجع وأن المفسرين لقوا فى تأويل ذلك كثيراً من العناء. وليس كما زعموا، لأن إلياس اسم أعجمى والأعجمى من الأسماء قد تفعل به العرب ذلك كما تقول ميكال وميكائيل وميكائين بإبدال اللام نونا، قال الشاعر: قالت وكنت رجلا فطيناً ... هذا لعمر الله إسرائينا محمد عرفه

إمام

إمام من أمَّ؛ ومعناها فى الأصل الرئيس وخاصة الدليل الذى يقود القافلة. وهى ترادف الحادى، ومنها كل شخص أو شئ يتخذ دليلا أو قدوة، مثال ذلك إمام الغلام فى المكتب، وهو ما يتعلم كل يوم، (لسان العرب: جـ 14، ص 291). وترد فى القرآن بمعنى المثل والدليل والقدوة والمشابه (سورة البقرة، الآية 118؛ سورة الحجر، الآية 79؛ سورة الفرقان، الآية 74؛ سورة يَس الآية 12). ومنذ ظهور الإسلام تطلق هذه الكلمة على الرجل الذى يصلى بالناس. وكان الإمام أول الأمر هو النبى [- صلى الله عليه وسلم -] أو من ينيبه عنه فى غيبته. وبعد وفاته حل محله فى الإمامة الخلفاء أو عمّالهم، وأصبحت الإمامة فى الصلاة إحدى المهام الأساسية للحاكم. وإسناد السلطة إلى عمال الأقاليم يظهر فى صورة واضحة للجميع عند ما يؤم نائب الخليفة الناس فى الصلاة. ويخلع فقهاء المسلمين لقب الإمام على رأس الجماعة الإسلامية وهو زعيم الأمة فى الدين والدنيا، ويسمى عادة بالخليفة لأنه يخلف النبى. والإمام يتزعم المسلمين فى أمور الدين وبيده أزمّة الجماعة التى يرأسها، ويطلق على هذا المنصب "الإمامة الكبرى" تمييزاً له عن "الإمامة الصغرى" وهى وظيفة من يؤم الناس فى الصلاة. ويجب أن يُختار الإمام، وقد طبق هذا على الأقل مع الخلفاء الراشذين وعند الخوارج. ويجب أن تتوافر الصفات الآتية فى الذين يختارون الخليفة: 1 - العدالة الجامعة لشروطها. 2 - العلم الذى يتوصل به إلى معرفة من يستحق الإمامة على الشروط المعتبرة فيها. 3 - الرأى والحكمة المؤديان إلى اختيار من هو أصلح للإمامة، وبتدبير المصالح أقوم وأعرف. وليس لأهل الاختيار الذين يعيشون فى بلد الحاكم امتياز شرعى ما، ولكنهم فى الواقع -كما جرت التقاليد- يقومون بالاختيار عن بقية الأمصار، وعلى كافة الأمصار أن تقر هذا الاختيار. وأمّا أهل الإمامة فيجب أن تتوافر فيهم الشروط الآتية: 1 - العدالة على

شروطها الجامعة. 2 - العلم المؤدى إلى الاجتهاد فى النوازل والأحكام. 3 - سلامة اللسان. 4 - سلامة الحواس من السمع والبصر وسلامة الأعضاء من نقص يمنع عن استيفاء الحركة وسرعة النهوض. 5 - الرأى المفضى إلى سياسة الرعية وتدبير المصالح. 6 - الشجاعة والنجدة المؤدية إلى حماية البيضة وجهاد العدو. 7 - النسب، وهو أن يكون من قريش وتنعقد له الإمامة بالبيعة. ويضيف الشيعة إلى هذا أن الإمام يجب أن يكون من بيت النبى [- صلى الله عليه وسلم -]، وعلى هذا فاختيار الإمام محصور فى ذرية علىّ وفاطمة. وهم يذهبون إلى أن علياً قد نصب إماماً بنص أعلن عند غدير خُمّ، والإمامة وراثية فى ذريته، وينحصر الاختيار فيمن يبايع منهم بالإمامة. وهى مسألة أثارت الخصومات فى بيت النبى. وهناك من الفرق من أخرجت ذرية الحسن من ميدان الاختيار وقالت بحق ذرية الحسين وحده فى الإمامة لتزوجه من إحدى بنات يزدجرد الثالث آخر ملوك الساسانيين، وهم يقولون بعصمة الإمام وأتم سلسلة للأئمة هى الاثنا عشرية. ويرى الزيدية أن النصوص المؤدية لإمامة علىّ لا تشير إلى شخصه مباشرة، وإنما تشير إلى صفاته المميزة له كإمام، وهم على ذلك يقولون إنه من المحتمل أن نقع فى الخطأ عند تحديد صفات الإمام، وإن الأمة لها شرعاً أن تختار الشيخين "أبا بكر وعمر" ولكن علياً أحق بالإمامة وقد فضل الأولان وإن يكن علىّ أحق منهما. وليس للإمام حق تعيين خلفه إلا أن الإماميّة يرون أن الإمام يجب أن يعرف خلفه وأن يعينه. ويذهب الغلاة إلى تأليه الإمام (ابن خلدون: المقدمة طبعة كاترمير Quatremere، جـ 1، ص 355 وما بعدها، ترجمة ده سلان، جـ 1، ص 400 وما بعدها، وانظر أيضاً مادة "الزيدية"). ولكل مسجد إمام، وقد يكون للمسجد الجامع أكثر من إمام واحد، ويكون الإمام من عمال المدينة أحياناً، وعليه أن يرعى الأخلاق، وأن يحافظ على الأمن فى الحى الذى مسجده فيه، وكان له فى الدولة العثمانية حق إعطاء

شهادات "علم الخبر" فى النقل العقارى والحكم فى المسائل المدنية وغيرها. وللتخلص من اللبس بين مدلولى كلمة "إمام" يطلق الفرس على الذى يصلى بالناس لفظ "بيش نماز" وهى ترجمة حرفية للكلمة العربية "إمام". ويطلق على كل واحد من واضعى المذاهب الأربعة فى الإسلام لقب "الإمام". أضف إلى ذلك أن أبا حنيفة كان يعرف بين تلاميذه بالإمام الأعظم. ويطلق هذا اللقب كذلك على سوق بالقرب من بغداد كان اسمه أول الأمر "الرصافة" وهو المكان الذى دفن فيه أبو حنيفة (Cl. Huart: ,Hist. de. Baghdad ص 14)، ثم أصبح لفظ إمام يخلع على كل العلماء الذين وضعوا المذاهب المختلفة (¬1). المصادر: (1) الماوردى: الأحكام السلطانية، طبعة إنكَر Enger ص 3 - 33، ترجمة Os- trorog جـ 1، ص 100 وما بعدها. (2) المسعودى: مروج الذهب، طبعة باريس، جـ 1، ص 70 وما بعده، جـ 6، ص 24 وما بعدها. (3) ابن خلدون: المقدمة، جـ 1، ص 342 وما بعدها ترجمة ده سلان، جـ 1، ص 384. (4) محمد صادق حسن خان: إكليل الكرامة فى تبيان مقاصد الإمامة، بهوبال سنة 1294 هـ. (5) of techn. Terms.Dict- كشاف اصطلاحات الفنون، طبعة شبرنكَر، جـ 1، ص 92. (6) Gesch. der herrsch: V. Kremer Ideen des Islams، ص 309 وما بعدها، 392 وما بعدها. (7) Development of: D.B. Macdonald Muslim Theology، انظر الفهرس. (8) Handb. des is-: Th. W. Juynboll Lam Gesetzes، ص 82 وما بعدها، 322 - 336. (9) Vorlesungen: Goldziher ص 82 وما بعدها، 280 وما بعدها. [إيوار Cl. Huart] ¬

_ (¬1) كلا، بل إن كلمة (الإمام) من الوجهة العلمية كانت تطلق على كل العلماء الذين يقتدى بهم فى الدين من المجتهدين، ومنهم الأئمة الأربعة وغيرهم، فلم تكن الكلمة خاصة بهم فى أول الأمر، وإنما خصصت أخيرا بعد شيوع تقليد الأربعة، وصار ذلك اصطلاحا خاصا عند بعض المتأخرين فقط. أحمد محمد شاكر

الأمان

الأمان إذا عاش غير المسلم فى أرض إسلامية فعلى أولى الأمر من المسلمين حمايته سواء أكان ذمياً أو أمّنه مسلم. . والشريعة الإسلامية تفرض على كل مسلم -الرجل والمرأة، الحر والعبد- أن يؤمّن غير المسلم. وقد جاء فى الحديث: "ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم". ويجوّز المالكية والحنابلة للقصّر أن يمنحوا الأمان ما داموا قد بلغوا التمييز. المصادر: (1) شرح السرخسى لكتاب السير الكبير للشيبانى، فهرس المخطوطات العربية بليدن، رقم 373، وقة 55. (2) البغوى، مصابيح السنة، بولاق سنة 1294 هـ, جـ 2، ص 55 وما بعدها. (3) الشوكانى، نيل الأوطار، جـ 7، ص 232 - 234. (4) الماوردى، طبعة إنكر Enger، ص 85. (5) الشعرانى: الميزان الكبرى، القاهرة سنة 1279 هـ، حـ 3، ص 199. (6) Mischcat Al-: A.N.Matthews Masabih . جـ 2، ص 275 - 277. (7) Kresmarik فى Zeitschr. d. Deutsch , Morgenl. Gesellsch , جـ 58، ص 88. (8) Mohammed ed Jo-: A.J. Wensinck den to Medina، 87 - 89. [جوينبول Th. W. Juynboll] + الأمان: السلامة، الحماية، صك الأمان، الملجأ: والمستأمِن؛ الشخص الذى حصل على أمان. والمصطلح لم يرد فى القرآن، وهو مأخوذ من سورة التوبة، الآية 6: "وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه" (وانظر أيضاً سورة النحل، الآية 112). وفى كتب محمد [- صلى الله عليه وسلم -] إلى القبائل العربية ورد أمان (أو أمانة) مرادفاً لعهد وذمة وجوار. ونظام الأمان هو فى الحق امتداد لنظام عربى سابق على الإسلام هو الجوار الذى كان به الغريب المقصى من حيث المبدأ من جماعته الخاصة، يحصل على حماية حياته وممتلكاته من فرد من جماعة لا ينتمى

إليها، ثم حماية الجماعة جملة (انظر Institutions du droit public Mu-: E. Tyan sulman، جـ 1، ص 60 وما بعدها) وهذا كله يرجع إلى آثار سامية (انظر فى العبرية "كير"). وقد أحل محمد [- صلى الله عليه وسلم -] محل الوحدة القبلية، الوحدة العقائدية، وقرر فى النظام المعروف بالعهد المدينى (السنة الأولى أو الثانية بعد الهجرة) أن ذمة الله واحدة وأن المؤمنين يجير عليهم أدناهم (ابن هشام، ص 342) ومثل هذه الأقوال نقلت عن النبى [- صلى الله عليه وسلم -] فى الأحاديث (Handbook: Wensinck، مادتا "ذمّة" و"جار"). ومستهل سورة التوبة الذى فيه الآية المذكورة آنفاً يكّون جزءاً يفصّل مدى عهود الأمان بين المؤمنين والمشركين (Le Coran: Blachere, الترجمة، جـ 2، ص 1076 (والكتب المتصلة بالدعوة من النبى [- صلى الله عليه وسلم -] والخلفاء الأولين وأمرائهم، سواء أكانت حقيقية أو غير حقيقية (انظر Documents sur la di-: M.Hamidullah plomatie Musulmane باريس سنة 1935 وبه مصادر) تكاد تقتصر فى عنايتها على منح الأمان الدائم، الذى يُكتسب إما باعتناق الإسلام، وإما بالخضوع السياسى للدولة الإسلامية، وثمة على الأقل شاهد على معاملات المسافرين الأجانب معاملة آمنة (ابن سعد جـ 1، قسم 2، ص 371). ولكن الأمان بمدلوله الاصطلاحى المتأخر لم يكن بعد يتميز عن الفكرة العامة للذمة، وحين تُوسع فى الشريعة الإسلامية كان هذا التمييز. والأمان فى الشريعة الإسلامية هو المعاملة الآمنة، أو تعهد بأمان، به الحربى غير المسلم الذى فى دار حرب يصبح فى أمن بمقتضى أحكام الشرع على حياته وممتلكاته لمدة محدودة، وكل مسلم، رجلا أو امرأة، قد بلغ الرشد، وحتى العبد، وفقاً لمعظم المذاهب، فهو أهل لأن يعطى أماناً صحيحاً. لفرد أو لعدد محدود من الحربيين. والإمام وحده هو الأهل لأن يعطى أماناً لجماعات غير محدودة مثل سكان مدينة بأجمعها، أو صقع، أو للتجار كلهم. والأمان الذى يعطى على وجهه يكون شرعياً سواء كانت حال الحرب الأساسية قائمة بين المسلمين والجماعة التى إليها ينتمى الحربى

المعنى، أو كانت أوقفت إلى حين باتفاق أو هدنة. ويمكن أن يعطى الأمان مشافهة بأى أسلوب أو بأية إشارة جلية. وللمستأمن الحق فى أن يذهب بما يملك إلى مأمنه حيث لا يتعرض لاعتداءات مباغتة من المسلمين حين ينقضى أجل أمانة (أو قبل هذا) أو عند آخر سنة قمرية (عند الشافعية أربعة أشهر) من حصوله عليه، ما لم يؤثر أن يبقى فى صقع إسلامى بين أهل الذمة. والسفراء السياسيون المعروفون، والذين يستطيعون إثبات ذواتهم، كانوا كذلك يستمتعون بالأمان تلقائياً. ولم يكن هذا حقاً للتجار أو لركاب سفينة غرقت. والمستأمن خلال مدة إقامته فى صقع إسلامى يكون بوجه عام أشبه بالذمى فى القانون المدنى. وفى قانون العقوبات فإن المذاهب الإسلامية تتفاوت لاختلافات كثيرة فى التفاصيل عن إخضاعه لحد العقوبات المطابق للذمى، أو عن جعله مسئولا مدنياً فحسب. وعلى أية حال فإن المستأمن إذا تصرف ضد مصلحة المسلمين، أو أساء التصرف كان للإمام أن ينهى أمانه ويبعده إلى حيث مأمنه. ومعاملات الأمان المشاكلة التى يعطيها الحربيون لمسلم فى صقعهم لا تسمى أماناً ولكن إذناً. ومن حيث العمل فإن كتب الأمان للأفراد كانت مقررة منذ العهد الأخير للأمويين (104 - 108 هـ = 723 - 726 م) إلى ما بعد ذلك. وأقدم ما منح من أمان بمعناه الصحيح كان خاصا لجماعات بأكملها، لغرض السفر أو التجارة جاء مضمناً فى الكتب بين حكام مصر من المسلمين وبين النوبيين والبّجة، من 31 هـ (651 - 652 م) و 104 - 116 هـ (722 - 734 م) على الولاء وثمة مراسيم من العهد المتأخر فى القلقشندى، صبح الأعشى جـ 8، ص 321 (ملخصة فى Bei- Bjor kman trage Zur Geschichte der Staatskanzlei im islamischen Agypten هامبورغ سنة 1928، ص 170). وقد ذكر القلقشندى أيضاً كتب أمان صادرة من أولياء أمر سياسيين مسلمين إلى مسلمين، وساق نماذج لاسيما عن المدة الأخيرة. وهذه كانت براءات محضة صادرة إلى العصاة. كانت فيها على التدقيق نوافل ¬

_ (*) الهوامش تلى المقال.

أو مجاوزة للشرع. ومع ذلك فإن هذه الكتب صدرت مراراً؛ والمؤرخون يسوقون أمثلة عديدة من هذا النوع من الأمان الذى كان ينقض فى بعض الأحيان دون مبالاة منذ العهد العباسى الأول إلى ما بعده. ومن ناحية أخرى فإن نظام الأمان لم يجعل فقط صلات سياسية (Deux episodes des: M. Canard relations diplomatiques arabebyzantines au Xe .siecle، فى B. Et. Or. جـ 13 ص 51 - 69) بل تجارة بين العالم الإسلامى والعالم المسيحى إلى منتصف القرن السادس الهجرى (الثانى عشر الميلادى)، وكانت كتب الأمان تمنح فى اطراد إلى التجار والحجاج. ويظن أن الأمان فى العقيدة الإسلامية تطور عن أسس عربية قديمة وأسس إسلامية. ومنذ نهاية القرن السادس الهجرى (الثانى عشر الميلادى) إلى ما بعده، ومع التوسع التجارى عبر البحر المتوسط فإن نظام الأمان حلت محله من حيث العمل اتفاقات دولية بين الدولتين المسيحية والإسلامية منحت الأجانب أمناً أكثر وحقوقاً أكثر. وثمة تشابهات طبيعية فى التفاصيل. وحتى المصطلح "أمان" فإنه يستعمل أحياناً فى التراجم العربية للمعاهدات. وكان العلماء المسلمون حين يدعون ليفتوا فى مسائل تثيرها هذه التشابهات لايشغل بالهم إلا اصطلاح أمان (انظر An Un-: A.S. Atiya published XVI th Century Fatwa فى- Studi en Zur Geschichte und Kultur des Nohen und Fernen Ostens [P.Kahle Festschrift]، ليدن سنة 935، ص 55 - 68) ومع أن هذه المعاهدات التى كانت سبباً بآخرة فى الامتيازات الأجنبية لم تنشأ عن فكرة الإسلام فى الأمان، ولكنها تمثل صورة من المعاهدات التى ظهرت إلى حيز الوجود بين المدن التجارية فى إيطاليا والإمبراطورية البوزنطية والدول الصليبية. المصادر: مراجع: (1) أبو يوسف المتوفى سنة 182 هـ: كتاب الخراج، طبعة بولاق سنة 1302 هـ، والقاهرة سنة 1346 هـ؛ وترجمة E.Fagnan، باريس سنة 1921. (2) الكاتب نفسه: الرد على سير الأوزاعى (وهو دفاع عن أقوال أبى حنيفة المتوفى سنة 150 ضد أقوال الأوزاعى المتوفى سنة 157 هـ).

امرؤ القيس

(3) الكتاب نفسه مع شروح للشافعى فى مؤلف الشافعى المتوفى سنة 204 هـ: كتاب الأم جـ 7، بولاق سنة 1325 هـ، ص 303 - 336. (4) محمد بن الحسن الشيبانى المتوفى سنة 189 هـ: كتاب السير الكبير، مع شرح للسرخسى المتوفى سنة 483، فى أربعة مجلدات، حيدرآباد، سنة 1335 - 1336 هـ؛ والترجمة التركية بقلم محمد منيب عينتابى صنعها سنة 1213 هـ، فى مجلدين، إستانبول سنة 1241 هـ. (5) يحيى بن آدم المتوفى سنة 203: كتاب الخراج، ليدن سنة 1886. والقاهرة سنة 1347 هـ. (6) أبو عبيد المتوفى سنة: 224 هـ: كتاب الأموال، القاهرة سنة 1353 هـ. (7) الطبرى المتوفى سنة 310 هـ: اختلاف الفقهاء، طبعة شاخت، ليدن سنة 1933. (8) كتب الفقه فى باب الجهاد. (9) الشوكانى: نيل الأوطار، جـ 8، سنة 1344 هـ؛ ص 179 - 183 (ويناقش فيه أحاديث متعددة ومبادئ). دراسات: (1) Das islamische: W.Heffening Fremdenrecht، هانوفر سنة 1925 (وهو يحل محل الدراسات السابقة، ولكن يجب أن نرجع إليه فى حذر، انظر Bergstasser فى. lsl جـ 15، ص 311؛ ويشمل مقتطفات من كتب الزيدية). (2) Muslim Conduct: M.Hamidullah of State، نسخة منقحة، لاهور سنة 1945؛ ص 117 وما بعدها، 192، 200 - 203. (3) Islamische Vol-: N.Kruse , kerrechtslehre كوتنكن سنة 1953. (4) War and Peace in: M.Khadduri the Law of Islam بالتيمور سنة 1955، ص 162 - 169، 225, 243. الأبيارى [شاخت J.Schacht] امرؤ القيس - هو حُنْدُجُ بن حُجْر، شاعر عربى من قبيلة كنْدَة التى هاجرت من اليمن، عاش فى اَلقرن السادس الميلادى. وقد أنشأ جده حجر آكل المرار حوالى 480 م إمارة بنجد اضمحلت فى عهد

خلفائه. وكان امرؤ القيس من العشاق الذين يميلون إلى العبث، ويقال إن أباه حجراً طرده لتشبيبه بفاطمة بنت الُعبَيْد من قبيلة بنى عذّرَة. ويروى أيضاً أن أباه أمر مولى له يدعى ربيعة أن يقتله ولكن ربيعة ذبح جؤذرا صغيراً وأتاه بعينيه (ابن قتيبة: كتاب الشعر، ص 48، س 7 - 11). وهلك حجر فى الوقعة التى حدثت بينه وبين قبيلة بنى أسد الثائرة، ففقد امرؤ القيس بذلك ملكه، وهام على وجهه ومن ثم لقب بالملك الضلِّيل، ثم تبعه أعداؤه فاستجار بالسموَءَل أمير تيماء، وكان يعيش فى حصن الأبلق، ويدين بدين وسط بين المسيحية واليهودية. وعمل الإمبراطور يوستنيانوس بنصيحة الحارث بن أبى شمر الغسّانى والى بادية الشام، فدعا امرأ القيس إلى القسطنطينية حوالى عام 530 م ليستعين به على الفرس. ومكث هذا الشاعر طويلا بالقسطنطينية ثم استعُمل على الشام وعلى القبائل التى تعيش هناك على الحدود، ومن ثم لُقب بلقب فيلارق Phylarck أى الوالى، ولكنه توفى فى أنقرة فيما بين عامى 530 و 540 م أثناء رحيله لتولى منصبه هذا (انظر Noldeke فى مادة معلقات فى دائرة المعارف البريطانية). وتزعم الرواية العربية أن يوستنيانوس أراد أن يثأر لشرفه الذى لوثه امرؤ القيس بتغريره بابنته فخلع عليه حلَّة فظهرت فى جسمه قروح، ومن ثم عرف بذى القروح، والحق إنه لم يكن ببلاط يوستنيانوس أو ببلاط خلفه يوستنيوس أميرة لها نفس الأوصاف التى ذكرها امرؤ القيس. ويقال أن امرؤ القيس هو أول من قصَّد القصائد ووضع قواعد للشعر العربى، كما كان أول من أنشأ القصائد التى يستوقف فيها الشاعر خليليه ليبكيا معه وبذلك كان مقصوراً على الرجز. إلا أننا نشك فى أن أشعاره قد وصلت إلينا فى وزنها الأصلى وإن كان السير تشارلز ليال Sir Charles Lyall قد بين أن استعماله لضرب نادر من بحر البسيط واتفاقه فى طرائق الشعر مع عبيد بن الأبرص دليل على صحة ما وصل إلينا من شعره. وكان امرؤ القيس حر الفكر، يدلنا على ذلك أنه عندما رأى القدر يحول بينه وبين الثأر لأبيه، رمى رأس

الصنم ذى الخَلَصة بمدينة تَبَالة بالأسهم الثلاثة التى يستقسم بها. وامرؤ القيس معناها رجل من بنى قيس، ولو أننا لا نعرف على التحقيق أكانت قيس رفيقة للإلهة مناة أو أنها اسم لمعبدها (Nabataische Ins-: Euting chriften aus Arabien رقم 2؛ : ph . Berger Histoire de l'ecriture, ص 274 وما بعدها؛ Corpus inscr. Semit، جـ 2، ص 198؛ Hist. des Arabes: Duassaud avant I'Islam، ص 125: Welhausen; Reste arab. Hidentums ص 67). وهناك قصيدة من قصائده محفوظة بالمجموعة المعروفة بالمعلقات، وقد نقلها إلى اللغة اللاتينية فارنر L. _Warner ونشرها لت Lette فى ليدن عام 1748، ونقلها إلى اللغة الإنكليزية جونز. Sir W Jones، لندن سنة 1782، وأعاد طبعها كلوستون Clouston فى Arabian poetry كلاسكو عام 1881 م ص 1 - 14، وطبعها جونسون Johnson فى لندن عام 1894؛ ونقلها إلى اللغة السويدية بولمير B.M.Bolmeer، لندن عام 1824؛ وإلى الفرنسية ده ساسى de Sacy فى Mem. de l'acad. des Iinscr. المجلد 1، ص 411؛ وكوسان ده برسيفال Caussin de Perceval فى Essai sur l'histoire des Arabes، جـ 2، ص 326 - 332 ورو Raux؛ ونقلها إلى اللغة الألمانِية هارتمان Hartmann عام 1802 ونولدكه وجاندز Noldeke & Gandz وإلى الروسية موركس Murkes . ومعظم طبعات امرئ القيس عليها شرح للزَوْزَنى (طبعت لأول مرة بمعرفة Hengstenberg فى بون عام 1823) وطبع لت Lette مقتطفات من شرح النحاس للمعلقة فى ليدن عام 1748 م. وطبعه كاملا ا. فرنكل E.Frenkel فى هال عام 1876 م. وطبع Lyall. Ch شرح التبريزى لهذه المعلقة فى A Commentary on Ten Ancient Arabic poems، كلكته سنة 1894 م. وشرح فرسك المعلقة باللغة التركية، الآستانة عام 1316 هـ. وقد طبع ده سلان De Slane ديوان امرئ القيس بباريس عام 1837 م La: Diwans d'Amro l Kais وطبعه آلوارت

The Diwans of the Six An - Ahlwardt .cient Arabic Poets etc، لندن سنة 1870 م، ص 115 وما بعدها، وطبع ببومباى عام 1313 هـ. وطبع مع شرح عاصم بن أيوب البطليوسى بالقاهرة عام 1282 - 1307 - 1324 هـ، وترجمه إلى اللغة الألمانية بتصرف Am-: Fr. Ruckert rilkais, der Dichter und Konig, شتوتكارت وتوبنكن عام 1843. المصادر: (1) الأغانى، جـ 8، ص 62 وما بعدها. (2) ابن قتيبة: كتاب الشعر، طبعه ده غويه، ص 37 وما بعدها. (3) Poetes a abes chretiens: Cheikho, ص 6 - 69. (4) ابن أبى الخطاب: جمهرة، ص 29 - 47. (5) البغدادى: خزانة الأدب، جـ 5 فهرس كويدى Guidi . (6) العباسى: معاهد التنصيص، ص 5 - 7. (7) ابن بدرون، طبعة دوزى، ص 117 - 120. (8) الميدانى: مجمع الأمثال: فى مواضع مختلفة. (9) ابن نباتة: سرح العيون، بولاق سنة 1278 هـ، ص 181 - 183. (10) السيوطى: شرح شواهد المغنى، ص 6 - 9. (11) فقرات فى الحماسة للبحترى الذى صور ونشر بليدن سنة 1909 م، وطبعه شيخو عام 1910. انظر الفهرس. (12) Imruulkaisi Mu'allaka: F.A.Muller هال سنة 1869. (13) Th. Noldeke فى Sitzungsber der Akad. in Wien phil. Hist K.، جـ 101، جـ 140، 1899 م. (14) Die Mu'allaqa des Imrul, quis ,Ubers. and erkl. von S. Ganz فى- Sit .zunjsber. Wien Akad, pihl. Hist جـ 170، سنة 1913 م. (15) Griffini. Una nuova qasida at-: E tribuita ad Imru'l-Qies فى Riv. di Studi oriient، جـ 1، ص 595 وما بعدها. (16) Imru'alqais Munsarih-: R.Geyer - .Qasidah auf ishu, - Zeitschr. d Deutsch. Morgenl. Gesellsch، جـ 68 ص 547 وما بعدها، ص 720.

أمة

(17) إسكندر أغا: روضة الأدب، بيروت سنة 1858، ص 25 - 33. (18) الكاتب نفسه: تزيين نهاية الأرب، بيروت سنة 1867، ص 59 - 66. (19) Arabie: Desvergers، ص 129 - 130. (20) Caussin de Perceval: Essai. جـ 2، ص 302 - 332. (21) Femmes Arabes: Perron، ص 91 - 101. (22) Bemerkungen uber die: Ahlwardt Aechthedit er alten arab. Gedichte كريسفالد سنة 1872 م. ص 72 وما بعدها. (23) الكاتب نفسه uber Poesie und: Poetik der Araber، كوتا 1856، ص 10 - 11. (24) Poesie arabe ante-: R. Basset islamique باريس سنة 1880 فى مواضع مختلفة. (25) H.Derenbourg فى - Etudes de cri d'histoire tique et، جـ 7 من La Bib - liotheque de 1'Ecole des Hautes Etudes، قسم العلوم الدينية. (26) Arabskaia Literatura: Krymskii، موسكو سنة 1911 م ص 162 - 177. (27) Translations of an-: Sir C.Lyall Poetry cient Arabian، ص 103 - 106. (28) دواوين عبيد بن الأبرص إلخ ص 4 وما بعدها. (29) Gesch der arab.: C.Brockelmann Litter، جـ 1 , ص 24. (30) Litterature Arabe: Huart , ص 10. (31) Pizzi Letteratura A: I.، ص 39. (32) A Literary History of: Nicholson Arabs the ص 103 - 107. [إيوار Huart] أمة هى الكلمة التى وردت فى القرآن للدلالة على شعب أو جماعة، وهى ليست مشتقة من الكلمة العربية "أمّ"، بل هى كلمة دخيلة مأخوذة من العبرية "أُمّا" أو من الآرامية "أُميِّثا"، لذلك فلا صلة مباشرة بينها وبين كلمة أمة التى تدل على معان أخرى مثل "حين من الزمن" (سورة هود آية 8؛

سورة يوسف، آية 45) أو "الجيل"، وهذه نجدها فى القرآن أيضاً (سورة الزخرف آية 22 وما بعدها). وقد تكون الكلمة الأجنبية دخلت لغة العرب فى زمن متقدم بعض الشئ (انظر ما يقوله هوروفتز عن نقش الصفا. رقم 52، ص 407). ومهما يكن من شئ فإن محمداً [- صلى الله عليه وسلم -] أخذ هذه الكلمة واستعملها وصارت منذ ذلك الحين لفظاً إسلامياً أصيلا (1) *. والآيات التى وردت فيها كلمة أمة -وجمعها أمم- فى القرآن مختلفة المعنى بحيث لا يمكن تحديد معناها بالتدقيق. على أنه مما لا شك فيه أنها تدل دائماً على فئة أو طائفة من الناس تربطهم أواصر الجنس أو اللغة أو الدين، وهم داخلون فيمن سيحاسبهم الله على ما كسبوا فى هذه الحياة. ونجد دلائل تؤيد هذا المعنى حتى فى الآيات التى وردت فيها كلمة أمة من غير نسبة إلى شئ ما مثل آية 164 من سورة الأعراف؛ وآية 23 من سورة القصص. ويطلق لفظ الأمة للدلالة على الجيل فى آيات متفرقة (سورة الأعراف، آية 38؛ وسورة فصّلت، آية 25؛ سورة الأحقاف، آية 18)، بل وعلى جميع الكائنات الحية (سورة الأنعام، آية 38). ويراد بهذا اللفظ دائماً عند إطلاقه على هذه الكائنات أنها داخلة فيمن سيحشرون للحساب وأنها أهل للجزاء. وأطلق لفظ الأمة شذوذاً فى آية واحدة (سورة النحل، آية 120) للدلالة على فرد هو إبراهيم [عليه السلام]. ومعنى لفظ الأمة هنا أيضاً الإمام كما يقول علماء اللغة. أو أن إبراهيم [عليه السلام] سمى أمة بصفته رئيس الجماعة التى أنشأها؛ وذلك بإطلاق لفظ الكل على الجزء، وفيما عدا هذا يدل لفظ الأمة دائماً على جماعات كبيرة، أو على الأقل على جماعات تنطوى فى غيرها أكبر منها (2). وقد أرسل الله لكل أمة رسولا (سورة الأنعام، آية 42؛ سورة يونس، آية 47؛ سورة الرعد، آية 30؛ سورة النحل آية 43، سورة المؤمنون، آية 44 و 45؛ سورة العنكبوت، آية 18؛ سورة غافر آية 5) أو نذيراً (سورة فاطر، آية 24 و 42) يهديهم إلى الصراط المستقيم. ولكن هؤلاء الرسل ¬

_ (*) الهوامش تلى المقال فى التعليق.

أوذوا وكذبِّوا كما وقع لمحمد [- صلى الله عليه وسلم -] (سورة المؤمنون آية 44، وسورة العنكبوت، آية 18، وسورة غافر آية 5). ولذلك فسيكونون يوم القيامة شهداء على من كذبهم وآذاهم (سورة النساء آية 41، سورة النحل آية 84 و 89، سورة القصص آية 75، سورة البقرة الآية 143). وكل أمة ستحشر للحساب (سورة الأنعام، الآية 108؛ سورة الأعراف آية 37، سورة يونس، آية 45، سورة الحجرء آية 5، سورة المؤمنون آية 43، سورة النمل، آية 83، سورة الجاثية، آية 27). وفى الأمم المختلفة قوم أجابوا دعوة الرسل فاهتدوا إلى الصراط المستقيم، وآخرون لم يؤمنوا بما جاءوا به، (سورة النحل الآية 36) ويصدق هذا بنوع خاص على أهل الكتاب. ويسمى المهتدون من أهل الكتاب أمماً (سورة آل عمران، آية 113، وما بعدها، سورة المائدة، آية 66، سورة الأعراف آية 159، سورة البقرة، آية 128 و 134, سورة الأعراف، آية 168 و 181، سورة هود، آية 48)، وهم طوائف صغيرة فى جماعات كبرى. وكثير، ما يتعرض محمد [- صلى الله عليه وسلم -] لبحث مسألة اختلاف الناس أمماً بعد أن كانوا أمة واحدة. ويرى أن السبب الحقيقى لهذا الاختلاف هو إرادة الله التى لا نحيط بها: {وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ}. (سورة يونس، آية 19، انظر سورة المائدة، الآية 48، سورة هود، آية 118، سورة النحل الآية 93، سورة الشورى، الآية 8). ويقال أحياناً إن سبب الاختلاف هو بغى الناس وشقاقهم (سورة البقرة آية 213, سورة الأنبياء آية 93، سورة المؤمنون، آية 53). وفى آية أخرى يرجع السبب إلى انقسام بنى إسرائيل إلى اثنتى عشرة أمة (سورة الأعراف، آية 160، انظر أيضاً آية 168). ويظهر أن أقوال محمد [- صلى الله عليه وسلم -] هذه إنما كانت إجابة على اعتراضات أثارها خصومه من أهل الكتاب. وما

كان النبى [- صلى الله عليه وسلم -] ليتعرض لهذه المسألة الصعبة من تلقاء نفسه. أما فيما يتعلق بأمة محمد [- صلى الله عليه وسلم -] خاصة، فنستطيع أن نتبين بعض الاختلاف والتبدل فى معنى كلمة أمة، والمسألة هنا أسهل لأننا نعالج إلى حد ما مسألة تاريخية. كان محمد [- صلى الله عليه وسلم -] فى أول رسالته يعتبر العرب عامة ومواطنيه من أهل مكة أمة قائمة بذاتها. وكما أن الله أرسل رسله ومنذريه إلى الأمم السالفة، فهو قد أرسل محمداً ليبلغ رسالة الله إلى الأمة العربية، ويبين لها طريق النجاة، ولم يكن قد بعث فيها رسولا من قبل. وقد كذب وأوذى أشد الإيذاء، شأن من سبقه من الرسل. وبعد أن قطع النبى [- صلى الله عليه وسلم -] علاقاته مع أهل مكة الوثنيين، وهاجر هو وأصحابه إلى المدينة، أسس جماعة جديدة تجعل أهل المدينة جميعاً، جماعة سياسية واحدة، بما فيهم المسلمون ومن لم يستجيبوا إلى دعوته الدينية. وينص كتاب النبى [- صلى الله عليه وسلم -] بين المهاجرين والأنصار الذى وضعت فيه أسس هذا الحلف نصاً صريحاً على أن أهل المدينة جميعاً يكونون أمة (ابن هشام ص 341 وما بعدها، ص 342 وما بعدها). على أن الصبغة السياسية الغالبة فى هذه الأمة الجديدة إنما كانت مؤقتة. فلم يكد محمد [- صلى الله عليه وسلم -] يحس أن مركزه قد توطد فى المدينة ويرى انتصاره فى حروبه مع كفار مكة، حتى استطاع أن يخرج من جماعته السياسية الدينية أهل المدينة، الذين لم يعتنقوا الدين الذى جاء به. وبمرور الزمن صارت أمته تتألف من المسلمين وحدهم، وصار يعتبر المسلمين أمة، ويؤكد صفاتهم الخلقية والدينية (سورة آل عمران، آية 104، 110)، ويعتبرهم غير أهل الكتاب الذين كان محالفاً لهم. وبدأ محمد [- صلى الله عليه وسلم -] يميل شيئاً فشيئاً إلى أهل مكة وإلى الكعبة خاصة (انظر فى هذا سورة البقرة، آية 119 وما بعدها، وخصوصاً آية 122، سورة الحج،

الآيات 34 و 35 و 67)، كان رجوعه إلى فكرته الأولى فى إنشاء أمة تشمل العرب جميعاً رجوعاً ظاهرياً، فالحقيقة أن النتيجة الأخيرة التى وصل إليها تختلف اختلافاً جوهرياً عن النقطة التى بدأ منها؛ فإن فكرة إنشاء أمة عربية -وهى الفكرة التى أخذها محمد [- صلى الله عليه وسلم -] أول الأمر قضية مسلمة- لم تتم إلا بعد جهد عظيم. على أنه إذا كانت الأمة التى أنشاها أول الأمر هى من العرب، فقد كان هذا أمراً ثانوياً. أما الأمر الجوهرى فهو الأساس الدينى الذى قامت عليه، فبعد أن كانت أمة من العرب، صارت أمة من المسلمين، ولا عجب أنه لم يكد محمد [- صلى الله عليه وسلم -] يموت حتى انتشرت إلى ما وراء جزيرة العرب وأصبحت بمرور الزمن وحدة كبيرة تشمل أجناساً وأمماً مختلفة. المصادر: (1) An Arabic English Lex-: E.W.Lane icon. جـ 1، ص 90. (2) Koranische Un-: J.Horovitz tersuchung، طبعة برلين وليبسك سنة 1926، ص 51 - 53. (3) الكاتب نفسه Jewish Proper: names and Derivatives in the Koran Hebrew Union College Annual)) جـ 2، سينسناتى سنة 1925 ص 145 - 227 وص 190. (4) K. Ahrens فى مجلة Z.D.M.G.NF.G . عدد 9 ص 37. (5) Das Leben Mu-: Buhl - Schaeder hammeds، طبعة ليبسك سنة 1930، ص 209 - 212 (انظر مراجع أخرى، ملحوظة رقم 24)، 277، 343 - 345. (6) Der islam: Snouck Hurgronje Chantepie de la Saussaye Lehrbuch) (der Religions geschichte ص 658 - 660 وما بعدها. ولمعرفة ما يتعلق بكلمة أمة فى الحديث انظر المراجع المذكورة مادة Community فى كتاب A Handbook of Early: A.J.Wensinck

Muhammedan Tradition طبعة ليدن 1927. [ر. باريه R.Paret] تعليق على مادة "أمة" (1) يزعم كاتب المادة أن هذه الكلمة دخيلة فى اللغة العربية، مأخوذة من العبرية أو الآرامية، وهذه دعوى عريضة يدعيها هؤلاء الناس دائماً فى كل كلمة عربية يوجد بمعناها كلمة فى لغة أخرى وتتفقان فى حرفين فأكثر، ولو بتقارب المخارج فى الحروف أو مع التصحيف والتحريف، وما نراه بعيداً عنهم أن يدعوا مثل ذلك إن اتفقتا فى حرف واحد! وليس من شك فى أن الكلمة مستعملة فى لغة العرب قبل الإسلام وقبل نزول القرآن، ومع ذلك فإن الكاتب خشى أن يسترسل فى ادعائه فرضى أن يقر باحتمال دخولها فى لغة العرب "فى زمن متقدم بعض الشئ! ! ". ومن الثابت تاريخياً أن اللغة العربية واللغة العبرية متشابهتان أو متقاربتان، ولم يمكن الجزم بأيتهما أسبق وأقدم من الأخرى فتكون المتأخرة فرعاً من السابقة، أو بأنهما كلتيهما فرعان من لغة أخرى أقدم منهما. فلا يسوغ الجزم فى أية كلمة بأنها مأخوذة من إحدى اللغتين لأختها، وإن كنا نرجح أن العربية أسبق وأقدم من العبرية ترجيحاً فقط. وقد كانت فى جزيرة العرب أمة ضخمة، حينما جاء إبراهيم عليه السلام إلى مكة بأم ولده هاجر ومعهما ابنهما إسماعيل عليه السلام، (انظر قصص الأنبياء لأستاذنا الشيخ عبد الوهاب النجار ص 136 - 137 من الطبعة الثانية). وقد كانت لهذه الأمة لغة قطعاً، وليس هناك دليل على أنها لغة أخرى غير العربية التى بقيت حية نامية متوارثة فيهم إلى عصر النبوة ثم إلى عصرنا هذا ثم إلى ما شاء الله. وما يدرينا لعل إبراهيم اقتبس كثيراً من ألفاظ هذه اللغة إلى لغته حين كان يزور ابنه فى مكة ويبنى معه الكعبة المقدسة بأمر ربه، ولعل جوار الأمتين وتواصلهما بالتجارة ونحوها له أثر فى

انتقال بعض الكلمات من إحدى اللغتين إلى الأخرى، إن لم تكونا معاً من أصل واحد، وإن لم تكن العبرية فرعاً محرفاً من اللغة العربية. ولسنا نرضى أن نجزم فى هذا بشئ، ولكنا ندل على تمحل هؤلاء الناس وتحكمهم فى النظريات بغير دليل ولا برهان. (2) وقد ادعى الكاتب أن كلمة "أمة" التى وردت فى آيات القرآن لا يمكن تحديد معناها بالتدقيق، وهذا مما يعذر فيه، فإنه يبحث فى لغة غير لغته، ولن يصل إلى تحقيق ألفاظها ومعانيها، وإلا فأصل معنى الكلمة محدود، واختلاف المراد بها فى الآيات مرجعه إلى القرائن الدالة على المعنى الذى هو داخل فى المعنى الأصلى للكلمة، وهناك مثالا لذلك قول الإمام الراغب الأصفهانى فى المفردات ص 21: "الأمة: كل جماعة يجمعهم أمر ما: إما دين واحد، أو زمان واحد، أو مكان واحد سواء أكان دلك الأمر الجامع تسخيراً أم اختياراً، وجمعها أمم. وقوله تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ} أى كل نوع منها على طريقة قد سخرها الله عليها بالطبع، فهى من بين ناسجة كالعنكبوت، وبانية كالسرفة، ومدخرة كالنمل، ومعتمدة على قوت وقته كالعصفور والحمام، إلى غير ذلك من الطبائع التى تخصص بها كل نوع. وقوله تعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً} أى صنفاً واحداً وعلى طريقة واحدة فى الضلال والكفر- ثم قال تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ} أى قائماً مقام جماعة فى عبادة الله، نحو قولهم: فلان فى نفسه قبيلة، وروى أنه يحشر زيد ابن عمرو بن نفيل أمة واحدة. قد يستغرب القارئ نقل نص أقوال الراغب، إد أنها تقارب فى الجملة ما نقله الكاتب هنا من معانى الكلمة وهذا صحيح، ولكنى إنما نقلته لأدل على الفرق بين اللونين من التعبير: الراغب رجل عالم مسلم كبير، فهو يكتب كتابة علمية مبنية على المعروف له من لغة

العرب مما وجده فى كتب من سبقه من أئمة اللغة، ومن أقوال المفسرين وغيرهم، وهم حفظة اللغة والدين، وكاتب هذه المادة رجل مستشرق، أى أنه يبحث فى موضوع متعلق بلغة ليس له إلمام بأسرارها، ولذلك فهو يحاول أن يلقى فى روع القارئ أن معانى هذه الكلمة فى القرآن غير محدودة وغير واضحة! ! نحن لا نرغم الكاتب ولا غيره أن يصدق بالإسلام، ولا أن يؤمن بنبوة محمد [- صلى الله عليه وسلم -]، ولا أن يعتقد أن القرآن كتاب من عند الله، ولكنا نستطيع أن نحمله على احترام الحقائق التاريخية، وعلى احترام المنطق الصحيح، بالحجة والبرهان. لست أظن أنه هو أو غيره بمستطيع ادعا أن محمداً صلى الله عليه وسلم لم يكن عربيا خالص النسب، وأنه كان فى عصر لم تختلط العجمة بألسنة العرب ولغتهم، وأنه كان أفصحهم وأعلمهم باللغة، وقد أتى قومه وهم أساطين البلاغة بهذا الكتاب، وتحداهم بأقصر سورة منه أن يأتوا بمثلها، وخاطبهم بلغتهم التى كانوا بها يفخرون، فآمن منهم من آمن، وكفر من كفر، ولكنا لم نسمع أن واحداً، منهم أنكر عليه شيئاً من لغة القرآن، أو زعم أنه يضطرب فى تحديد معنى الكلمات وأنه خرج عن المعانى المعروفة عندهم للألفاظ المفردة وحدها، أو للألفاظ متحدة مع غيرها فى تركيب الجمل، ولو كان شئ من هذا لكان أهون عليهم أن يردوا به قوله من أن يقولوا: {وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} سورة الأنفال الآية: 32، وقد قالوا حين سمعوا القرآن يتلى عليهم: {قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} سورة الأنفال الآية: 31 ولم يقولوا إن هذا ليس مما يوافق لغتنا وأنت تدعى أنه كتاب عربى مبين. أحمد محمد شاكر

أم كلثوم

أم كلثوم إحدى بنات النبى [- صلى الله عليه وسلم -]، وتذكر عنها الروايات أقل مما ذكرت عن أختها رقية، وهو عبارة عن ترديد لما ورد عن رقية. ويقال إن أم كلثوم تزوجت ابناً لأبى لهب، ولكنه طلقها قبل أن يدخل بها نزولا على إرادة أبيه، وقد عرضنا لهذه المسألة فى مادة "رقية" وفيها يتضح أن أم كلثوم تزوجت حقاً أحد أبناء أبى لهب، مما يؤيد هذا التفسيرُ الشائعُ لكنيتها. ومن الطبيعى أن يستبعد المتأخرون ما قيل عن وجود حفيد للنبى [- صلى الله عليه وسلم -] من أم كلثوم، هذا ولا نجد ذكراً لزواجها إلا من عثمان، فقد تزوجها بعد وفاة زوجته رقية -وهى أختها- فى أثناء غزوة بدر - وتوفيت أم كلثوم فى العام التاسع للهجرة دون أن تعقب ولداً. المصادر: (1) ابن هشام: طبعة فستنفلد، ص 151. (2) ابن سعد: جـ 8، ص 25 وما بعدها. (3) الطبرى، طبعة ده غوى، جـ 3، ص 2302. (4) Fatima et les filles: H. Lammens de Mahomet، 1912 م، ص 3 وما بعدها. [بول Fr. Buhl] أم الولد هى الأمة التى تلد ولداً من مولاها: (1) كان نظر العرب إلى الولد الذى يولد من هذا الاتصال قد بدأ يتغير شيئاً ما قبيل الإسلام، فأخذ يحل نوع من النظام محل الزواج غير المقيد ومحل التسرى، وسمت نظرتهم إلى الزواج من المرأة الحرة، واهتموا بالنسب من ناحية الأم. على أن هذا التحول صحبه انحطاط مركز أبناء الإماء، وكانوا عادة يلحقون فى التسمية بأمهاتهم لا بآبائهم، ولا يتحررون إلا إذا اعترف بهم أباوهم. ومع أن هذا ظل مرعياً على الدوام، إلا أنهم لم يتساووا بالأبناء الشرعيين فى الحقوق، وثار الجدل حول منع الأمة من أن تلد

من سيدها خشية، أن يرث الولد عن أمه صفات الرقيق. وكانت مكانة، أم الولد منحطة حتى أنهم كانوا يطلقون عليها اسم أم الولد، بينما يطلقون على الحرة لقب أم البنين. ولم يكن مركز المرأة التى تسبى فى الحرب يختلف كثيراً عن مركز الأمة، وإن كان الزواج كثيراً ما يحدث فى هذه الحالة عوضاً عن التسرى، ويعتبر أبناؤها أحراراً، وإن لم تكن لهم جميع حقوق الأحرار، وجرت العادة بإلحاقهم فى التسمية بأمهاتهم، وكثيراً ما حاول العرب إزالة هذه الوصمة بإحلال الزواج الشرعى محل ذلك الاتصال غير المنظم بين الرجل والمرأة. (2) وظلت الحال على هذا المنوال فى الإسلام دون تغيير جوهرى بادئ الأمر. وأباح القرآن التسرى مما ملكت يمين الرجل وذلك فى آيات عدة تناولت الصلات الجنسية المشروعة وتمييزها عن الزنا (سورة النساء، الآية 3، 27 وما بعدها؛ سورة المؤمنون، الآيات 5 - 7؛ سورة المعارج، الآية 30، وكل هذه الآيات مدنية؛ وانظر ما أشار إليه نولدكه وشوالى Noldeke-Schwally: Gesch- d- Qorans جـ 1). أما الآيات 49 إلى 52 من سورة الأحزاب التى وجه فيها الخطاب إلى النبى [- صلى الله عليه وسلم -] فقد أحل له فيها ما ملكت يمينه مما أفاء الله به عليه. وعلى ذلك فإن الإسلام لم يفرق من الوجهة النظرية بين الأمَة والسبية، وليس ذلك مستغرباً بعد الذى ذكرناه. أما من الناحية العملية فإن النظرة القديمة إلى السبية ظلت على ما كانت عليه (فلهاوزن - Well hausen: Vakidi، ص 178؛ الكاتب نفسه فى N.G.W Gott سنة 1839 م، ص 436؛ وهذه الحالة الخاصة ليست محققة من وجهة التاريخ ولكن لها دلالتها). ولم يحدد القرآن مكانة أم الولد، والمحقق أن النبى [- صلى الله عليه وسلم -] لم يشرع أى نظام يغير من مكانتها، أو مكانة أبنائها، ولا يمكننا أن نتخذ عتقه لمارية عندما ولدت له إبراهيم سُنَّة عامة (ابن سعد، جـ 8، ص 155، س 18؛ ص 156، س 4) وإن كانت هذه الحادثة لها صلة بالأحاديث الخاصة بأم الولد، وقد تكون الرواية التى ذهبت إلى أن

النبى - صلى الله عليه وسلم - اعترف بابن مارية بعد تردد طويل، معقولة من ناحية موضوعها، وإن كانت غير معقولة من ناحية الصيغة التى وردت فيها (¬1). (2) وكان الخليفة عمر أول من سن أن أم الولد تصبح حرة من تلقاء نفسها إذا مات عنها السيد فلا يجوز بيعها أو شراؤها. ويجب أن نتلمس أصل هذه السنة فى حديث رواه أبو داود (عتاق، باب 8) (¬2) وابن حنبل ــــجـ 6، ص 360) وثبتت صحته فى رواية أخرى (كنز العمال، جـ 4، 5126). وتقول هذه الرواية إن امرأة باعها عمها فى الجاهلية وأنجبت ولداً من سيدها، فلما مات عنها أريد بيعها وفاء لدينه، فشكت حالها إلى النبى - صلى الله عليه وسلم -، فأمر الموكل بالميراث أن يعتقها وعوضه عنها بعبد. ولاحظ ابن حنبل بحق أن التعليلات المختلفة لتصرف النبى - صلى الله عليه وسلم - فى هذا الحادث كانت سبباً لما نتج من اختلاف فيما بعد. وليس من شك فى أن هذا التصرف كان خاصاً بهذا الحادث وحده. وهناك حديث أورده البخارى (عتق، باب 8 وغيره) (¬3) والطحاوى (شرح معانى الآثار: جـ 2، ص 66) ¬

_ (¬1) نص الرواية فى طبقات ابن سعد (ج 8، ص 154 - 155) "عن أنس بن مالك قال: كانت أم إبراهيم سرية للنبى - صلى الله عليه وسلم - فى مشربتها، وكان قبطى يأوى إليها ويأتيها بالماء والحطب، فقال الناس فى ذلك: علج يدخل على علجة؟ فبلغ ذلك رسول - صلى الله عليه وسلم - فأرسل على بن أبى طالب فوجده على نخلة. فلما رأى السيف وقع فى نفسه، فألقى الكساء الذى كان عليه، وتكشف، فإذا هو مجبوب، فرجع على إلى النبى - صلى الله عليه وسلم - فأخبره: فقال: يا رسول الله، أرايت إذا أمرت أحدنا بالأمر ثم رأى فى غير ذلك أيراجعك؟ قال: نعم، فأخبره بما رأى من القبطى، فقال: وولدت مارية إبراهيم، فجاء جبريل عليه السلام إلى النبى - صلى الله عليه وسلم - فقال: السلام عليك يا أبا إبراهيم، فاطمأن رسول الله إلى ذلك". وهذا هو الذى يسميه كاتب البحث "ترددا طويلا" فى اعتراف الرسول - صلى الله عليه وسلم - بابنه من مارية. كما اعتاد أمثاله أن يتوسعوا فى تحميل الكلام مالا يحتمله، ومذا هو الذى دعاه لأن يزعم أن الرواية، غير معقولة فى الصيغة التى وردت فيها"، وذلك أنه لا يريد أن يسلم بأى شئ يدل على نبوة النبى - صلى الله عليه وسلم - والوحى إليه وخطاب جبريل له. (¬2) رواه أبو داود (برقم 3953 ج 4، ص 26 طبعه مصطفى محمد) وهو نفس الحديث الذى يشير إليه الكاتب بعد ذلك نقلا عن كنز العمال، ولعله ظن أن هذه رواية أخرى تؤيد تلك، وهما حديث واحد. (¬3) البخارى بشرح فتح البارى (ج 5، ص 118 - 119) طبعة بولاق). أحمد محمد شاكر

يتصل بالجدل الذى ثار حول أبوة الولد الذى تنجبه الأمة. فسعد بن أبى وقاص اعتبر الولد الذى أنجبه أخوه عُتبة، من أمة له ابناً غير شرعى نزولاً على وصية عتبة أما عبد بن زَمْعة فاعتبره ابناً شرعياً. وبالرغم من مشابهة الولد لعتبة. فقد حكم النبى - صلى الله عليه وسلم - وفقاً لقاعدة "الولد للفراش". وعظم الاختلاف فى تفسير هذا الحديث (انظر الشراح، وخاصة شرح العينى على البخارى)، على أن هذا لا يمنع أن يكون صحيحاً فى جوهره. ومن المحقق أن الرواية التى وردت فى الطحاوى (جـ 2، ص 67) ليست صحيحة، وعلى أية حال لا نجد فيها ذكراً لعتق هذه الجارية. (4) والسنة التى استنها عمر تؤيدها عدة روايات، ولو أن تفصيلاتها تختلف فيما بينها كما أنها مشوبة بالأساطير (انظر بوجه خاص كنز العمال، جـ 4، 5118، 5122، 5124؛ الصنعانى: سبل السلام، كتاب البيوع، رقم 11) (¬1). وإذا تركنا جانباً البحث فى هل كانت سنة عمر مسبوقة بأحكام أخرى (كنز العمال، جـ 4، رقم 5115) فإن القصة التى تذهب إلى أن عمر أمر بعتق أم الولد إذا أنجبت ولدا (انظر الخوارزمى: جامع مسانيد الإمام الأعظم، جـ 2 ¬

_ (¬1) الأثر عن عمر الذى الذى يزعم الكاتب أنه مشوب بالأساطير رواه الحاكم فى المستدرك (ج 2، ص 458) ونصه: "عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: كنت جالسا عند عمر بن الخطاب رضى الله عنه إذ سمع صائحة. فقال: يايرفأ، انظر ما هذا الصوت، فانطلق فنظر ثم جاء فقال: جارية من قريش تباع أمها، فقال عمر: ادع لى أو قال: على بالمهاجرين والأنصار، قال: فلم يمكث إلا ساعة حتى امتلأت الدار والحجرة، قال: فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد، فهل تعلمونه كان مما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم القطيعة؟ قالوا: لا، قال: فإنها قد أصبحت فيكم فاشية، ثم قرأ {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ} "سورة محمد الآية: 22" ثم قال: وأى قطيعة أقطع من أن تباع أم امرئ فيكم وقد وسع الله لكم قالوا: فاصنع ما بدا لك، قال: فكتب فى الآفاق: أن لا تباع أم حر، فإنها قطيعة، وأنه لا يحل" وهذا أثر صحيح، صححه الحاكم والذهبى، ونسبه فى سبل السلام لابن المنذر وابن عساكر أيضاً. ولست أرى وجها لزعم الكاتب أنه مشوب بالأساطير، فإنه يحكى قصة لا غرابة فى شئ منها. أحمد محمد شاكر

ص 166؛ كنز العمال جـ 5، رقم 5116) لابد أن تكون قد نشأت من الجدل الذى ثار حول هذه المسألة فيما بعد، وذلك لأن سنه عمر لم تضع حداً لها، بل إنها سببت بعض المنازعات فى عهد عثمان، (كنز العمال، جـ 4، رقم 5112) (المصدر السابق، رقم 5129 - 5131). وقيل إن ابن عباس الصحابى كان يعارض رأى عمر على وجه خاص. وفى الجدل الذى ثار حول هذه المسألة ردّ البعض سنة عمر إلى النبى (المصدر السابق رقم 5135 و 5137). وقال آخرون إن عليا وابن عباس كانا يريان رأى عمر (المصدر السابق رقم 5132؛ ابن عباس المصدر نفسه رقم 5039 و 5041 ابن حنبل، جـ 1، ص 303، ابن عباس عن النبى - صلى الله عليه وسلم -، الدرامى، ص 18 وص 38؛ ابن ماجه، عتق، باب 2؛ ابن سعد، جـ 8، ص 155، س 20؛ ابن حنبل جـ 1، ص 317). وأصر البعض من ناحية أخرى إصراراً شابه العنف أحياناً على أن النبى - صلى الله عليه وسلم - أقرّ بيع أم الولد (ابن ماجه، المصدر المذكور؛ ابن حنبل، جـ 3، ص 321؛ الطيالسى رقم 2220; كنز العمال، جـ 4، رقم 5125 و 5127). واستدل آخرون على ضد هذا الرأى بأن صحابة النبى - صلى الله عليه وسلم - وافقوا على رأى عمر (أبو داود، عتاق، باب 8؛ العينى على البخارى، عتق، باب 8). ولم يكن هذان الرأيان كل ما ذكر فى هذا الموضوع، فقد ذكر رأى آخر نسب إلى عمر أيضاً. ونسبت بعض الأحاديث رأيا مشابها للنبى - صلى الله عليه وسلم -، ولكن من السهل أن نستخرج منها معنى آخر. (انظر ابن ماجه، عتق، باب 2، ابن سعد، جـ 8 ص 155، س 17، وكلاهما روى عن ابن عباس؛ وانظر أيضاً كنز العمال، جـ 4، رقم 5128). وينسب إلى علىّ أنه قال: للمولى أن يعتق أم ولده إذا أراد وأن يعتبر عتقها مقابل الصداق (كنز العمال، جـ 4، رقم 5133). ويرى ابن مسعود أن أم الولد يجب أن تعتق من رأس مال ابنها "وهذا الابن يعتبر حراً" (العينى، كتابه المذكور). وهذان الرأيان فرعان من الرأى الأصلى.

وإذا نظرنا فى هذه الأحاديث نظرة نقدية نجد أنه لا يُجرح منها إلا الحديث الذى ذكرناه فى الفقرة الثالثة، وهو حديث لا يخلو من الغموض، ولذلك فإنه يفضل عادة الاستشهاد برأى عمر واتخاذه حجة على وجهة النظر التى سادت فيما بعد. (5) وقد استطاع العينى (البخارى، عتق، آخر الباب الثامن) أن يعطينا سبعة آراء مختلفة فى أم الولد إلى جانب رأى عمر وذلك فى زمن الفقهاء المتقدمين قبل نشأة المذاهب: 1 - يجوز للسيد أن يعتق أم الولد [أو غيرها من الرقيق] مقابل مال يأخذه (فتكون كالمكاتبة). 2 - ويجوز بيع أم الولد من غير قيد ولا شرط. 3 - ويجوز لسيدها بيعها فى أى وقت إبان حياته، فإذا لم يبعها ومات عنها تصبح حرة (وتعتبر مدبرة، ويقال إن الشافعى أخذ بهذا الرأى). 4 - ويجوز بيعها سداداً لدين سيدها المتوفى. 5 - ويجوز بيعها، ولكن إذا كان ولدها على قيد الحياة عند وفاة أبيه، فإنها تعتق وتحسب من نصيب الولد فى التركة وترث معه. 6 - ويجوز بيعها على شرط أن تعتق ولا يجوز بغير هذا الشرط. 7 - أنها أن عتقت وأبقت لم يجز بيعها، وإن فجرت أو كفرت جاز بيعها (ويقول المُزنَى إن الشافعى لم يقطع برأى فى هذا الموضوع) (¬1). وفى ذلك الوقت نفسه، كان الرأى الذى يذهب إلى أن أم الولد لا يصح بيعها وإنما تصبح حرة عند وفاة سيدها قد اجتذب إليه كثيرين من المؤيدين منهم: الحسن البصرى وعطاء ومجاهد والزُّهرى وإبراهيم النَّخَعى وغيرهم (انظر الخوارزمى: كتابه المذكور، جـ 2، ص 167، كتاب الآثار، ص 71، ص 102). ¬

_ (¬1) لا أدرى من أين جاء الكاتب بهذا النقل عن المزنى، والذى فى شرح العينى على البخارى (ج 13، ص 92 طبعة المطبعة المنيرية) نقلا عن الشافعى أنه منع بيعها فى أكبر كتبه، وأنه أجاز بيعها فى بعض كتبه، ثم نقل عن المزنى قال "قطع -يعنى الشافعى- فى أربعة عشر موضعا من كتبه بأن لا تباع" قال العينى: "وهو الصحيح من مذهبه وعليه جمهور أصحابه".

ويُرجع فى المسائل المعينة التى تثار فى الوقت الحاضر لأول مرة إلى المصادر القديمة، كما يُرجع فى الرأى الخامس إلى ابن مسعود وابن عباس وابن الزبير، وفى الرأى السادس إلى عمر (كنز العمال، جـ 4، رقم 5123)، ويرجع إليه كذلك فى تفصيلات أخرى (الموطأ، عتق، باب 8، رواية الشيبانى، كتاب البيوع، باب بيع أمهات الأولاد، الخوارزمى، كتابه المذكور آنفاً ... إلخ). (1) وفى العهد الذى تكونت فيه المذاهب أخذ بالرأى القائل بأن أم الولد لا يصح بيعها أبو حنيفة وأبو يوسف وزُفَر والشيبانى وأضرابهم كالأوزاعى والثورى والحسن بن صالح والليث بن سعد وكذلك مالك (انظر الموطأ، الموضع المذكور، المدونة، جـ 8، ص 23) وأبو ثور وابن حنبل. وهذا هو الرأى الذى انتهى إليه الشافعى فأخذ به أصحابه وتلاميذه، وكان قد ذهب قبل ذلك إلى الرأى القائل ببيع أم الولد معتمداً فى ذلك على حديث صحيح (العينى على البخارى، عتق، باب 8، النووى، مجموع، جـ 9، ص 243، انظر كذلك الفقرة الخامسة من هذه المادة). واستخلصوا القول بعتق أم الولد بثلاثة طرق (النووى، كتابه المذكور). وعلى هذا يكون لدينا أربعة آراء مختلفة تنسب إلى الشافعى (انظر الشوكانى: نيل الأوطار، كتاب العتق، باب أم الولد، رقم 7). وعلى هذا يكون لدينا أربعة آراء مختلفة تنسب إلى الشافعى (انظر الشوكانى: نيل الأوطار، كتاب العتق، باب أم الولد، رقم 7). ويذهب داود والظاهرية والإمامية والاثنا عشرية والمعتزلة (الشوكانى، كتابه المذكور) إلى جواز بيع أم الولد، ولو أن الاثنا عشرية يرون أحياناً عتقها إذا كانت فى حوزة سيدها عند وفاته، وكان ابنها منه حياً. ومع أن المذاهب الأربعة ذهبت آخر الأمر إلى عدم جواز بيع أم الولد، إلا أن وقوع الإجماع فى هذا الأمر كان موضعاً للشك أحياناً (الصنعانى، كتابه المذكور، رقم 12، الشوكانى، كتابه المذكور) وللتأكيد أحياناً أخرى (النووى، كتابه المذكور). وإذا خالف القاضى فى حكمه هذه الآراء فإنه يجد ما يؤيد الرأى الذى يذهب إليه (انظر النووى كتابه المذكور ... إلخ).

7 - وكثيراً ما عمدوا إلى العزل ليحولوا دون ولادة الإماء، ولهذا نجد كثيراً من الجدل فى العزل عند كلامهم على أم الولد. وقد جمع فنسنك Wensinck أهم مراجع الحديث المتعلقة بهذا الموضوع فى كتابه: Handbook of early (¬1) .Mohamenedan Tradition وحسبنا أن نقول هنا أن العزل عن الإماء كان جائزاً. ويجوز للسيد أن ينكر أبوته لابنه من أم الولد حتى لا يجعلها أم ولده (¬2)، ويرجع هذا إلى ما كان عليه الحال فى الجاهلية (انظر الفقرة الأولى من هذه المادة). وهذه المسألة لم يوضع لها حكم قاطع، كما هى الحال فى الاعتراف بأبوة الابن من الزوجة الشرعية (انظر فنسنك: كتابه المذكور، مادة "ولد" ومادة "لعان")، ومع هذا فقد حاولوا تقييد حق الأب فى إنكار أبوته لابنه من أم ولده. وتنسب إلى عمر وإلى ابن عمر أحاديث تنفى حق أى رجل وطئ جاريته فى إنكار أبوته لابنها حتى لو احتج فى هذا بأنه عمد إلى العزل، أو قال بإمكان وجود أب آخر للولد. اتفق على هذا المالكية والشافعية. أما الأحناف فيذهبون إلى أن أبوة الولد وصفة الأمة باعتبارها أم ولد إنما تقوم على اعتراف السيد. ويوردون فى صدد هذا بعض الأحاديث التى تذكر أن ابن عباس وزيد بن ثابت أنكرا أبوتهما للأولاد الذين أنجباهم من أمتيهما بحجة استعمالهما للعزل. وقد ناقش الطحاوى هذا الموضوع وأورد الأحاديث الخاصة به (انظر الطحاوى: كتابه المذكور - ص 66 - 68). ولا خلاف بين المسلمين على أن الولد الذى يولد للرجل من أمته حر متى ثبتت أبوته له. وكان هذا أمراً مسلما به ¬

_ (¬1) هو الكتاب الذى ترجمه الأستاذ (محمد فؤاد عبد الباقى) وسماه (مفتاح كنوز السنة) وهذا البحث فيه فى مادة (العبيد ص 331) ومادة (العتق ص 333). (¬2) هذا غير صحيح. ولا يجوز للمسلم أن ينفى ولده الذى تحقق أبوته سواء أكان من زوجته أم من أمته ولكنه إذا نفاه وكان من حرة وجب اللعان، وإن كان من أمته فلا يجب اللعان، ولكنه يكون آثما كبيرا لأنه رمى امرأة بريئة بالباطل والبهتان. أما إذا وثق أنه ليس ابنه فإنه لا اثم عليه فى نفيه عنه، ومرجعه فى ذلك إلى دينه وأمانته، والله مطلع على سريرته. أحمد محمد شاكر

فى الجدل الذى ثار حول أم الولد، واعتبر حجة لعدم جواز بيعها. وطبيعى أن نستنتج من هذا أن اعتراف الأب بأبناء التسرّى (انظر الفقرة الأولى من هذه المادة) كان قبيل الإسلام عُرفاً يتبعه العرب. ويظهر أن استمرار النزاع فى أبوة ابن السرية نشأ فى الواقع عن تحسن مركز أم الولد فى الإسلام تحسناً كبيرا على حساب سيدها. 8 - وقد ذكرت التعاليم الفقهية تفصيلات فى أم الولد نجملها فيما يلى: كل أمة وإن كانت على غير الإسلام، أنجبت ولداً من سيدها. ولو بعد وفاته، تعتبر أم ولد وتصبح حرة متى توفى عنها سيدها. فلا يجوز بيعها وفاء لدين على ميراثه، ولا تعتبر جزءاً من ثلث التركة الذى يجوز الوصية فيه. وإذا أوصى لها سيدها بجزء من ماله فلها أن تحصل عليه. يدل على ذلك ما جرى عليه العرف منذ عهد عمر (انظر الدارمى: وصايا، باب 37) (¬1). وجميع أبناء أم الولد، شرعيين كانوا أم غير شرعيين، الذين تلدهم من غير سيدها بعد حملها منه، ويصبحون أحراراً كذلك بالطريقة نفسها. أما الذين تلدهم من سيدها فيولدون أحراراً وتكون الأمة أم ولد خلال الحمل أيضاً. واختلفت الآراء فى إجهاض أم الولد؛ واختلفت كذلك فى زواج الرجل من أمة غير مسلمة وحملها منه ثم بيعه لها، وكذلك فيما إذا أحبل الرجل أمة مملوكة لابنه. وعندها يكون متوقعاً أن تصبح أم الولد حرة فإنها تبعا لذلك لا يجوز بيعها أو إجارتها. وإذا اقترفت جرماً فإن بيع سيدها لها لا يعفيه من تحمل تبعه عملها. وتظل أم الولد فى غير ذلك أمة لا حق لها فى التملك. وما يدفع من الدية أو الأرش لما يلحقها من الضرر يكون من حق سيدها. وتختلف الآراء فى زواج سيدها منها دون رضاها. وعلى أية حال، فإن للسيد وَطْأها وإستخدامها وأخذ أجر عملها. ولكن المالكية يرون أنه لا يجوز للسيد أن يرهقها بالعمل (¬2)، ويقولون إنه لا يملك ¬

_ (¬1) الدرامى (ج 2، ص 423 طبعة دمشق). (¬2) كل المسلمين يقولون بأنه لا يجوز إرهاق الرقيق بالعمل. سواء فى ذلك المالكية وغيرهم.

تأجيرها. واختلفت الآراء كذلك فى المركز الشرعى لأم الولد المكاتبة وغير المسلمة إذا دخلت فى الإسلام. ومن المسلّم به جواز بيع أم الولد سداداً لدين على سيدها استدانه قبل أن تحمل منه، وهى فى رأى الأحناف والمالكية تفقد حقها فى الحرية أيضاً إذا قتلت سيدها عمداً، ويرى الأحناف أنها فى هذه الحالة تكون عرضة للقصاص، أما إذا كان القتل عن غير عمد فلا يصيبها شئ. ويذهب المالكية إلى أن أم الولد إذا قتلت سيدها عمداً تصبح أمة لورثته ولهم أن يقتلوها أو يبقوا عليها. فإذا أبقوا عليها تجلد مائة جلدة وتسجن سنة. أما الشافعية فيرون أنها ينبغى أن تدفع الدية فى كلتا الحالتين. ولكن الحنابلة اختلف قولهم: فهناك رواية تقول بدفعها لدية لا تزيد على ثمنها أو ديتها، ورواية أخرى تقول بدفع ثمنها فقط. ولا يختلف رأى الإمامية من الشيعة عن هذا كثيراً (انظر Querry: Droit musulman جـ 2، ص 147 وما بعدها). (9) وفى الفقه الإسلامى تفرقة دقيقة بين الزواج والتسرى تبلغ من الدقة درجة يستحيل معها أن يتزوج السيد من أمة. ومن النادر الخروج على هذه القاعدة، ويقال أن شداد بن حكيم المتوفى عام 210 هـ -وهو من أصحاب زُفَر- كان إذا ابتاع أمة تزوج منها بحجة أنها ربما كانت حرة (انظر عبد القادر: الجواهر المضيئة، جـ 1، رقم 668؛ ابن قُطلوبغا، طبعة فلوكل، ص 81). وذكر صاحب الفهرست (ص 27، س 15) فى تحفظ: أن الطحاوى المتوفى عام 322 هـ, صنّف كتاباً جّوز فيه الزواج من الإماء (والراجح أنها إماء الزوج نفسه). ولا يمكننا التحقق من صحة هذه القصص فالقصة الأولى وردت ضمن مجموعة من الحكايات وتقوم الثانية على السماع لا غير. وليس من الضرورى أن نتلمس آثار العرف الجاهلى القديم فى تحول التسرى إلى الزواج (انظر الفقرة الأولى من هذه المادة) فى هذه القصص. فقد تفسر القصة الأولى بما يبديه رجال الدين عادة من تحفظ كبير فى

أمور الدنيا (¬1). وقد تُعلّل القصة الثانية بالمجاملة التى تنسب إلى الطحاوى عند كلامه عن الأمراء. (10) وبالرغم من تحسن مركز أم الولد خلال تطور الفقه الإسلامى، فقد ظل النفور من زواج الأمة وإيلادها، وهو نفور قديم، قائماً أمداً طويلا. وهناك حديث من الأحاديث التى تذم التسرى ظل إلى زمن البخارى (إيمان، باب 37؛ عتق، باب 8؛ مسلم، إيمان، حديث 1، 5، 7) وهذا الحديث لاشك فى أن خصوم العباسيين هم الذين وضعوه ثم حُرِّف عن معناه، وكان فيه آخر صدى للاتجاه الجاهلى القديم؛ وتغيرت الأحوال الاجتماعية عنه تغيراً تاماً فتقررت المساواة المطلقة بين الأبناء الذين يولدون من زوجة حرة وبين أبناء السرية منذ عهد طويل. المصادر: (1) ابن قدامة: المغنى، جـ 12، ص 488 وما بعدها. (2) Le Berceau de I'Islam: Lammens ص 276 - 306. (3) Kinship and Mar-: Robertson Smith riage in early Arabia، الطبعة الثانية، ص 89 - 91. (4) Wellhausen: N.G.W، سنة 1893 م، ص 435 وما بعدها. (5) Mekka: Snouck Hurgronje. جـ 2، ص 136. (6) Wensinck: - Handbook of Early Mu hamnedan Tradition . (7) Handleiding: Juynboll الطبعة الثالثة، ص 236 وص 238. (8) Handbuch: Juynboll، الطبعة الثانية، ص 206 وص 236. (9) Muhammedanisches Recht: Sachau، ص 127 وص 166 وما بعدها. (10) Instituzioni: Santillana، جـ 1، ص 123 وما بعدها. (يوسف شاخت Joseph Schacht] تعليق على مادة "أم الولد" انظر إلى كاتب المادة كيف يجزم بأنه لاشك فى أن خصوم العباسيين هم الذين وضعوا هذا الحديث! ولو ذهبت ¬

_ (¬1) ليس هذا خاصا برجال الدين، بل كل مسلم يجب عليه التورع والاحتياط فى الحلال والحرام، وكان أكثر الرقيق مشكوكا فى صحة امتلاكه، خشية أن يكون حر الأصل، أو أعتقه مالكه ثم نسى أو تعمد أن يدلس ويبقيه رقيقا. وكلمة شداد بهذا المعنى فإنه كان يقول: "لعلها حرة أو جرى كلام على لسان أربابها".

تسأله عن دليله على ما يقول لسكت، أو لأتى لك بكلمات جوفاء لا تنطبق على أى قاعدة علمية أو تاريخية، ثم اسأله ما علاقة العباسيين بهذا الحديث حتى يكون تاريخهم أو سيرتهم أو سياستهم دليلا على وضعه فى زعمه؟ . إن للحديث النبوى قواعد وضعها أئمة الحفاظ، وهى أوثق القواعد العلمية وأدقها فى الإثبات التاريخى، وقد احتاطوا أشد الاحتياط فى نقد رواة الأحاديث، وفى نقد ما رووه، وإنما يدرك قيمة عملهم ويستوثق منه ويطمئن إليه قلبه - من مارس قواعدهم وتشبعت نفسه منها، وصار له فيها ملكة فنية، كما يكون ذلك فى كل علم من العلوم. وبعد: فإن الحديث الذى يجزم الكاتب بوضعه حديث صحيح جداً، اتفق على روايته البخارى ومسلم فى كتابيهما الصحيحين، وهما أصح الكتب بعد القرآن الكريم، وهما اللذان لا مطعن فى صحة حديث من أحاديثهما عند العارفين من أهل العلم، وقد رواه غيرهما أيضاً بأسانيد صحيحة. وهو حديث سؤال جبريل عليه السلام للنبى صلى الله عليه وسلم عن أمور الإسلام والإيمان وعن أشراط الساعة، وفيه أن من أشراطها "أن تلد الأمة ربها" أى تلد المملوكة سيدها. وفى شرح هذا الحديث كلام طويل، والحديث معروف لأكثر المسلمين، فقد رواه البخارى (جـ 1، ص 105. 155، فتح البارى، طبعة بولاق) من حديث أبى هريرة، ورواه مسلم أيضاً (جـ 1، ص 17 - 18) من حديث عمر بن الخطاب، ونقله النووى من حديث عمر فى الأربعين النووية، وهو الحديث الثانى منها. وعن ذلك اشتهر عند الكافة حتى العوام، وحديث أبى هريرة رواه البخارى أيضاً فى مواضع أخرى من صحيحة. ورواه أيضاً ابن ماجه، ورواه أبو داود والنسائى من حديث أبى ذر وأبى هريرة، وحديث عمر رواه أيضاً أبو داود والترمذى والنسائى وابن ماجه وأبو عوانة وابن خزيمة فى صحيحيهما، وكذلك الإمام أحمد فى مسنده والطبرانى، وقد ورد الحديث

أيضاً من رواية أنس بن مالك، رواه البزار بإسناد حسن. ومن حديث جرير بن عبد الله البجلى، رواه أبو عوانة فى صحيحه، ومن حديث ابن عباس، ومن حديث أبى عامر الأشعرى، رواهما الامام أحمد فى مسنده. وانظر تفصيل الكلام على طرقه وأسانيده فى شرح العينى على البخارى (جـ 1، ص 283 - 284) وفى شرح الأربعين لابن رجب (ص 16 - 17) وفى كثير من كتب السنة وشروحها. فهؤلاء الرواة الثقات والأئمة والصحابة كلهم فى نظر كاتب المادة كذابون وضّاعون، لماذا؟ . لأنه يعتقد أنهم خصوم للعباسيين. ثم يريد الكاتب فى آخر المادة أن يوهم بأن الحديث الذى ظل إلى عصر البخارى ومسلم (منتصف القرن الثالث الهجرى) وضعه خصوم العباسيين، وأن ذلك دليل على التفرقة فى نظر المسلمين فى ذلك العصر بين أبناء الحرة وبين أبناء الأمة. وهذا رمى بالقول على عواهنه، لا يؤيده أى نص تاريخى، ولا أى نظر سليم، بل كان المسلمون -من أول الأسلام، فى عهد النبىى - صلى الله عليه وسلم -، ثم من بعده فى سائر عصور الإسلام- لا يفرقون بين أبنائهم من الحرائر والإماء، وآية ذلك أن إبراهيم كان الابن الوحيد للنبى صلى الله عليه وسلم فى أواخر حياته، وكان بهذه الصفة معززاً مكرماً، وقد حزن الرسول - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون أشد الحزن عند موته طفلا. وأن أكثر الصحابة فى عصره وبعد عصره كان لهم أبناء من الحرائر والإماء، ولم نسمع شيئاً عن التفرقة بينهم. وانظر تراجمهم فى كتاب (الطبقات الكبير) لابن سعد تجده يذكر فى ترجمة كل صحابى أبناءه - إن كان له عقب - ويذكر أم كل واحد منهم، حرة أو أمة، على قدم المساواة، وانظر ترجمة سيد التابعين وسيد المسلمين فى عصره، وهو (زين العابدين على بن الحسين بن على بن أبى طالب) فى طبقاته ابن سعد (جـ 5 ص 156) وفى ابن خلِّكان (جـ 1، 403) وفى التهذيب (جـ 7، ص 304). أحمد محمد شاكر

أمير المسلمين

أمير المسلمين لقب كان المرابطون أول من اتخذه، للتمييز بينه وبين لقب "أمير المؤمنين" وكان يلقب به الأمراء المستقلون، على أن المرابطين ظلوا يعترفون بسلطان العباسيين ولم يفكروا فى أن يخلعوا على أنفسهم لقب الخلافة، فأسسوا بهذا منصبًا أشبه بالخلافة وجعلوا لهم لقباً خاصاً. وجاء أمراء إفريقية والأندلس بعد ذلك فاتخذوا لأنفسهم تارة لقب أمير المسلمين، وتارة لقب أمير المؤمنين، وبهذا استطاعوا أن يزعموا لأنفسهم الحق فى تولى خلافة مستقلة، أو الاعتراف بسلطان أجنبى عليهم. المصادر: (1) califiens: M. van Berchem Titres d'Occident فى المجلة الأسيوية، السلسلة العاشرة، جـ 9، ص 245 - 335. [فنسنك A.J.Wensinck] أمير المؤمنين كان عمر بن الخطاب أول من لقب بهذا اللقب، وحذا حذوه فى الشرق الخلفاء من بنى أمية ومن بنى العباس، وكذلك خصومهم الذين ادعوا الخلافة لأنفسهم كالعلويين والقرامطة والفاطميين. ولم يبدأ صغار الأمراء فى الشرق فى اتخاذ هذا اللقب إلا بعد أن سقطت بغداد عام 656 هـ (1258 م). وانتشر استعمال هذا اللقب فى المغرب فاتخذه بنو رستم والأغالبة وبنو زيرى وبنو حمّاد، والأمويون بعد سنة 316 هـ. (928 م). واتخذه كذلك بعض صغار الملوك فى الأندلس. أما الملوك الذين ظلوا يعترفون بسلطان العباسيين كالمرابطين فقد اكتفوا بأن اتخذوا لأنفسهم "أمير المسلمين" أما الموحدون خصوم المرابطين فقد أقاموا فى إفريقية خلافة مستقلة ولقبوا أنفسهم بلقب أمير المؤمنين، وفعل ذلك إلى حد ما أيضاً بنو حفص والمرّينيون وبنو زيّان. وظل شرفاء المغرب وسلاطين الترك يتخذون هذا اللقب. ويمكننا أن نضيف إلى هذا أن عبد الله بن جحش لقب بهذا اللقب فى سريته إلى نخلة فى العام الثانى للهجرة. المصادر: (1) califiens: M. van Berchem Titres d'Occident فى المجلة الأسيوية،

السلسلة العاشرة، جـ 11، ص 245 - 335 وفيه إحصاء بالمصادر. [فنسنك A.J. Wensinck] + أمير المؤمنين: لقب اتخذه عمر ابن الخطاب بعد بيعته بالخلافة. وأمير، من حيث هو مصطلح يدل على شخص وكل إليه القيادة (الأمر) وخاصة القيادة العسكرية، يدخل بهذا المعنى العام فى تركيب "أمير المؤمنين" للدلالة على قواد الحملات الإسلامية المختلفة سواء فى حياة الرسول أو بعدها مثل: سعد بن أبى وقاص الذى قاد جيش المسلمين فى قتاله الفرس فى القادسية. على أن الأرجح أن اتخاذ عمر له يمكن أن نربطه بالآية القرآنية: { ... أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ... } (سورة النساء، الآية 59). وقد اقتصر استعمال "أمير المؤمنين" منذ هذا الوقت حتى نهاية الخلافة كنظام، لقباً للخليفة من حيث المراسم السياسية، وكان إطلاقه على حاكم يتضمن عند أهل السنة مطالبة بالخلافة سواء بمعنى الخلافة العام (كما كانت الحال عند الأمويين والعباسيين والفاطميين والشيعيين) أو من حيث هو يتضمن سلطة إسلامية مستقلة (كما كانت الحال عند الأمويين فى الأندلس منذ سنة 316 هـ = 1928 م. [انظر Trente-Sept let- E. Levi-: Provencal tres officielles almohades فى Hesp سنة 1941، ص 1 وما بعدها] وعدد من بيوت الحكم الصغرى فى الأندلس قبل الغزو الموحدى وبعده. وكانت الخلافة المؤمنية قد طالب بها أمراء بنى حفص بإفريقية منذ سنة 650 هـ (1253 م)، ولم يلبث سلاطين المماليك بمصر أن اعترفوا بها باعتبارها الخلافة العامة بعد زوال الخلافة العباسية ببغداد سنة 656 هـ (1258 م) وظلوا على ذلك حتى أقاموا الفرع الجديد من الخلافة العباسية فى مصر وفى المغرب نازع الحفصيين دعواهم فى الخلافة بنو مرين فى مراكش الذين اتخذوا أيضاً لقب "أمير المؤمنين" فى القرن الثامن الهجرى (الرابع عشر الميلادى) وتبعهم فى ذلك جميع من خلفهم من الأسر الحاكمة فى مراكش. وقد فسر الفقهاء السياسيون لقب "أمير المؤمنين" بمعنى عام دون الإشارة بخاصة إلى تولى أمر الجهاد ما ظل حق إعلان الجهاد فى يد الخليفة. على أن ارتباطه بتطبيق الجهاد فعلا ظل

قائماً فى الدوائر الإسلامية الأخرى وخاصة بين الزيدية، وبهذا المعنى استعمله السلاطين العثمانيون الأولون أحياناً (انظر H.A.R.Gibb فى المصادر)، ولكن هذا اللقب لم يتخذه خلفاؤهم رسمياً من حيث هو يتضمن حقاً فى الخلافة العامة حتى بعد فتح السلطان سليم الأول مصر 922 هـ (1517 م). وبهذا المعنى أيضاً اتخذه كثير من أمراء الجيوش الإسلامية فى غربى إفريقية، ولا يزال مستعملا لقباً لخلفائهم فى شمال نيجيريا. أما بين الشيعة، فإن الإمامية بعامة، يقصرون هذا اللقب على علىّ بن أبى طالب، ويطلقه الإسماعيلية على الخلفاء الفاطميين بحسب عقيدة كل فرقة فى كل واحد منهم. وأما الزيدية فتجعل الحق الشرعى فيه لكل علوى يسعى إلى دعم حقه بقوة السلاح (ومن ثم استعمال أئمة اليمن للقب فى الوقت الحالى) (¬1). وأما الخوارج فلم يستعملوا هذا اللقب إلا نادرًا، ويستثنى من ذلك بنو رسم أصحاب تاهرت. ومن النادر أن يطلق هذا اللقب مجازًا على أئمة العلماء، ومن أمثلة ذلك: شُعْبَة بن الحجاج الذى لقّب: "أمير المؤمنين فى الرواية" (أبو نُعَيَمْ: حلية الأولياء، جـ 7، ص 144) , والنحوى أبو حيّان الغرناطى الذى لقب: "أمير المؤمنين فى النحو" (المقَّرى: نفح الطيب = Analectes ص 826). المصادر: (1) Titres cali-: M. van Berchem fienns d'Occident فى. Jour. As، سنة 1907، جـ 1، ص 245 - 235. (2) Institutions de Droit: E. Tyan public muselman، 1 عن الخلافة، باريس سنة 1954، وخاصة ص 198 وما بعدها. (3) Some Considera-: H.A.R. Gibb .. tions etc فى Archives d'Histore et de Droit Orientate جـ 3، فيترن سنة 1948، ص 401 - 410. (4) انظر أيضاً الكتب العامة تحت مادة "خليفة". خورشيد [جب H.A.R. Gibb] ¬

_ (¬1) كان ذلك وقت كتابة المادة، وقد أصبحت اليمن اليوم جمهورية.

أمية بن أبى الصلت

أمية بن أبى الصلت شاعر عربى من قبيلة ثقيف، كان يعيش فى الطائف، وأبوه أبو الصلت عبد الله، وأمه رقُيَّة بنت عبد شمس ابن عبد مناف. وهو حفيد أبى سفيان وابن عم عُتْبَة وشيبة اللذين قتلا فى وقعة بدر، ويمتُّ بصلة وثيقة إلى بيوتات قريش فى مكة. وتدل قصيدة له فى رثاء القرشيين الذين قتلوا فى بدر (أوردها ابن هشام، ص 531 وما بعدها) على أنه كان حيا فى سنة 624 م والمروى أنه توفى فى العام الثامن أو التاسع للهجرة. والأخبار مختلفة فى موقفه بالنسبة للنبى وللإسلام، ولعل الأرجح أنه لم يلق النبى، وأبى أن يصدق بدعوته، يؤيد هذا ما يتجلى فى قصيدته المذكورة من عطف على قريش. والقصائد والمقطوعات التى وصلت إلينا منسوبة إلى أمية، والتى جمعها شولتس F.Schulthess وزاد عليها باور E.Power يمكن قسمتها بحسب موضوعها قسمين كبيرين. أصغرهما يتكون من قصائد وأبيات قيلت فى مدح أشخاص، وبخاصة فى مدح رجل من أغنياء مكة هو عبد الله بن جُدْعان، وهى لا تختلف فى جوهرها عن نظائرها عند غيره من شعراء العرب القدماء. أما القسم الأكبر الذى يبدأ بالقصيدة الثالثة والعشرين من طبعة شولتس F_Schulthess، فيدل دلالة كاملة على النزعة التى يمكن تسميتها بالحنيفية، وأساسها القول بإله واحد هو "رب العباد". ونرى فيها صوراً شبيهة بالوحى عن مقام الله وملائكته، وحكايات عن الخلق وآراء تتعلق بيوم القيامة والجنة والنار. وفيها دعوة إلى عمل الخير وإشارات إلى عِبَر أخذ بعضها من أخبار العرب، عن عَاد وثمود، وبعضها من قصص التوراة عن الطوفان وإبراهيم ولوط وفرعون. وابن أبى الصلت مولع إلى جانب هذا برواية الحكايات على السنة الحيوان. ونلاحظ فى شعره أيضاً

ذكراً للأعمال السحرية (كالسحر للاستسقاء - انظر القصيدة الرابعة والثلاثين قرب آخرها). والآراء الدينية ومعالجة هذه الموضوعات فى كلام أمية مطابقة لما جاء فى القرآن إلى حد كبير. ويكاد الاتفاق يقع كلمة كلمة فى كثير من الأقوال (انظر أبحاث Frank-Kamentzky)، ولهذا أثيرت بالطبع مسألة اعتماد أحد القولين على الآخر فيذهب إيوار Huart إلى أن أشعار أمية بن أبى الصلت التى تتضمن قصصاً من قصص التوراة مذكورة عند المقدسى فى "كتاب البدء" -وهو الكتاب الذى نسب خطأ إلى البلخى - هى من المصادر الصحيحة التى استمد منها القرآن رأساً. على أن صحة نسبة هذه القصائد إلى أمية أمر مشكوك فيه، شأن أشعاره فى ذلك شأن الشعر العربى القديم بوجه عام. ولكن لا توجد أسباب قوية تدعو إلى الشك فى نسبة مجموع القصائد التى تناقلها الرواة منسوبة إلى أمية، اللهم إلا القصائد التى أضيفت اليها فى العصر الإسلامى، والتى تروع الإنسان بما فيها من محاباة (كالقصيدة الثالثة والعشرين فى مدح محمد) وقصائد أخرى فطن الرواة إلى أنها غير صحيحة النسبة إليه. أما القول بأن محمدا - صلى الله عليه وسلم - قد اقتبس شيئاً من قصائد أمية فهو زعم بعيد الاحتمال، لسبب بسيط هو أن أمية كان على معرفة أوسع بالأساطير التى نحن بصددها كما كانت أساطيره تختلف فى تفصيلاتها عما ورد فى القرآن، وفى هذا حجة أيضاً على أن أمية لم يقتبس شيئاً من القرآن الكريم وإن كان هذا غير مستحيل من الوجهة التاريخية؛ فقد ورد فى إحدى الروايات (الأغانى، جـ 3، ص 187 س 10) أن أمية كان أول من قرأ كتاب الله. ويمكن أن نعلل مشابهة قصائد أمية لما جاء فى القرآن بحقيقة لا تحتمل شكا: هى أنه فى أيام البعثة المحمدية، وقبلها بقليل من الزمان، انتشرت نزعات فكرية شبيهة بآراء الحنيفية، واستهوت الكثيرين من أهل الحضر، وخصوصاً فى مكة والطائف، وكانت تغذيها وتنشطها تفاسير اليهود للتوراة،

وأساطير المسيحيين، مما كان معروفاً ومتداولا فى تلك البقاع وجنوبى الجزيرة فى جهات متفرقة منعزلة. ويعلل لنا هذا ما يعرض من اختلاف بين ما جاء فى القرآن وما ورد فى أشعار أمية. وأمية وغيرهما من رجال الدين -كزيد بن عمرو وورقة ومسلمة- اقتبسوا جميعاً من مصادر واحدة، سواء أكانت مدونة كما يرى شولتس Schulthess أم مروية كما ذهب إليه نولدكه Noldeke. (انظر المصادر) وقد أبان تور أندريا Tor Andrae حديثاً أنه ليس بين قصائد أمية الدينية ما هو صحيح النسب إليه، وأنه يجب أن يعتبر من انتحال مفسرى القرآن الأولين وهم القصاص كالسدُّى وابن عباس وغيرهما. المصادر: (1) توجد شذرات من الديوان المفقود وعليها شرح لمحمد بن حبيب فى الخزانة، جـ 1، ص 119 وما بعدها. (2) المقدسى: كتاب البدء، طبعة كليمان إيوار. (3) كتاب الأغانى، جـ 1، ص 199 وما بعدها. (4) وتوجد معلومات كثيرة متفرقة فى كتاب الحيوان للجاحظ وفى القواميس (وثبت المصادر يوجد كاملا فى ديوان أمية طبعة شولتس Schulthess). (5) Or Studien' No: Fr. Schulthess . J deke-Festschr - عام 1906، ص 71 - 89. (6) الكاتب نفسه: Umaija ibn Abis Salt die Gedicht fragmente، طبعة ليبسك سنة 1911، وقد راجعها الأستاذ عدد 28، ص 159 Z.A. فى Noldeke وما بعدها. (7) The Poems of Umayya b.: E.Power suggestions and، Abi'l Salt, additions rectifications فى M.F.O.B جـ 1 (سنة 1906) ص 145 وما بعدها. (8) Unters. uber: J.Frank - Kamenetzky U.B. abi'l Salt deas Verhaltins der dem Qoran Zugeschriebenen Ged. Zun

طبعة كيرشهاين سنة 1911 (رسالة جامعية). (9) Mem_ de l'Acad. des in-: Cl. Huart scriptions et Bells-lettres، سنة 1904؛ الكاتب نفسه فى T.A. سنة 1924، ص 125 - 167. (10) Die Entstehung des: Tor Andrae Islams und das Christentum فى - Kyr kohistorik Arrsskrift، أيسالا سنة 1926، ص 48 وما بعدها. [هـ. هـ. براو H.H. Brau] تعليق على مادة "أمية بن أبى الصلت" لدينا دليل عظيم الخطر يدل على أن النبى - صلى الله عليه وسلم - لم يقتبس من أمية بن أبى الصلت ولا من غيره ما أتى به من القرآن الكريم، ولم يكن شعر أمية ولا غيره مصدراً من مصادره. ذلك الدليل هو أن النبى - صلى الله عليه وسلم - أتى بالقرآن وفيه من أخبار الأولين ما لم يكونوا يعلمون، وفيه من المواعظ والنذر مالا عهد لهم به، وقد تحداهم وجعله دليلا على أنه من عند الله. وقد اجتهد المخالفون المعاصرون للتنزيل أن يجدوا للقرآن مصدراً فلم يفلحوا، وقد جعلوا من مصادره رجلا أعجمياً كان بمكة. قال الله مبيناً قيلهم ومفنداً ما قالوا: {إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ}. فلو كانت مشابهة بين شعر أمية والقرآن لجعله المشركون مصدراً من مصادره أو على الأقل لقالوا إن الأخبار التى نذكرها وتقول: {مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا} قد ذكرها أمية بن أبى الصلت فى شعره، ولكنهم لم يجعلوها مصدراً من مصادره ولم يقولوا له شيئاً مما ذكرناه. فهذا يدلنا على أنه لم تكن مشابهة بين شعر أمية والقرآن المجيد، وهذا الدليل يخرج بنا إلى نتيجة أخرى وهى أن الأشعار المنسوبة إلى أمية فى أخبار القرون الأولى وما شابه ذلك ليست له بل نحله الرواة إياها، وإنك تقف على ذلك إذا قرأتها فستدرك فيها الصنعة وسترى فيها ضعف المولدين ولا ترى فيها قوة الجاهلين. محمد عرفة

بنو أمية

بنو أمية هم بيت الخلافة من سنة 41 إلى 132 هـ (661 - 750). ويسمون الأمويين لأن معاوية بن أبى سفيان الذى أسس دولتهم كان سيد الفرع الأكبر من أبناء أمية بن عبد شمس. وبعد أن خرجت الخلافة من هذا الفرع على أثر وفاة معاوية الثانى، بقى للدولة اسمها القديم لأن الخلافة إنما انتقلت لسيد فرع آخر، هو مروان بن الحكم بن أبى العاص. ولكى يتيسر للقارئ متابعة الموضوع وفهمه سنذكر فيما يلى أسماء خلفاء بنى أمية وتاريخ ارتقاء كل منهم عرش الخلافة: معاوية بن أبى سفيان: تولى الخلافة فى ربيع الأول أو الآخر أو جمادى الأولى عام 41 هـ (يولية - سبتمبر سنة 661 م). يزيد بن معاوية: تولى الخلافة فى رجب عام 60 هـ (أبريل سنة 680). معاوية (الثانى) بن يزيد: تولى الخلافة فى ربيع الأول عام 64 هـ (نوفمبر سنة 683). مروان بن الحكم: تولى الخلافة فى ذى القعدة عام 64 هـ (يونية سنة 684). عبد الملك بن مروان: تولى الخلافة فى رمضان عام 65 هـ (أبريل سنة 685). الوليد بن عبد الملك: تولى الخلافة فى شوال عام 86 هـ (أكتوبر سنة 705). سليمان بن عبد الملك: تولى الخلافة فى جمادى الآخرة عام 96 هـ (فبراير سنة 715). عمر (الثانى) بن عبدالعزيز: تولى الخلافة فى صفر عام 99 هـ (أكتوبر سنة 717). يزيد (الثانى) بن عبد الملك: تولى الخلافة فى رجب عام 101 هـ (فبراير سنة 720). هشام بن عبد الملك: تولى الخلافة فى شعبان عام 105 هـ (يناير سنة 724). الوليد (الثانى) بن يزيد الثانى: تولى الخلافة فى ربيع الثانى عام 125 هـ (فبراير سنة 743).

يزيد (الثالث) بن الوليد بن عبد الملك: تولى الخلافة فى رجب عام 126 هـ (أبريل سنة 744). إبراهيم بن الوليد بن عبد الملك: تولى الخلافة فى ذى الحجة عام 126 هـ (أكتوبر سنة 744). مروان الثانى بن محمد بن مروان: تولى الخلافة فى صفر عام 127 هـ (ديسمبر سنة 744). ويسمى الأستاذ فلهاوزن - Well hausen كتابه المأثور عن العصر الأموى "الإمبراطورية العربية"، وهو يريد بهذا أن يبين أن الخلافة الأموية تتجلى فيها محاولة العرب أن يمكنوا سلطانهم فى الدنيا كدولة، على حين أن أمر الدين كان ثانوياً فى هذه المحاولة. على أن الصورة العامة التى رسمها فلهاوزن لتاريخ بنى أمية لا تزال صحيحة وإن كان قد مضى عليها ثلاثون عاماً. وقد فصَّل "لامنس" Lammens فيما كتبه من بحوث كثيرة مملوءة بالعلم الغزير الصورة الإجمالية التى وضعها فلهاوزن، والتى تمثل الحقائق من بعيد تمثيلا تقريبياً. ووفق "كايتانى" Caetani فى تفصيل إشارة أخذها عن فينكلر تفصيلا علميًا قد يكون مبالغاً فيه، وقد بين ما نشأ عن تعاظم شأن العرب بعد دخولهم فى الإسلام، وتكلم على الهجرات المسلحة التى قامت بها قبائل الصحراء إلى شمالى جزيرتهم ليستوطنوا بلادًا أكثر خصوبة من بلادهم. على أنه مع هذا كله لا يزال المؤرخون المحدثون الذين يكتبون فى تاريخ الأمويين يتتبعون الهيكل الذى وضعه فلهاوزن. وإذا كان فى الصورة الشائقة التى رسمها هذا المؤرخ ما يحسن تعديله فذلك هو أنه علا فى تقدير الناحية السياسية لتاريخ العرب، كأنما يجب على الباحث أن يسلم بأن خلفاء بنى أمية أرادوا بأعمالهم التى حفظها لهم التاريخ أن يحققوا ما كانوا يشعرون به شعورًا قوياً من آراء قومية سياسية خالصة (انظر ملاحظات Becker فى Ist جـ 9، ص 95 - 99). ونحن وإن كنا لا نشك فى أن العرب كانوا يشعرون بقوميتهم، ولاسيما فى العصر الأموى (انظر Muh .st.: Goldziher جـ 1، ص

101 - 146)، فإننا اليوم مقتنعون بأن تأثير العنصر اللاشعورى فى إظهار ما كمن من جهود الفرد لا يقل عن تأثير العنصر الشعورى، ويجب فى هذا الأمر أن نقرر أن فلهاوزن ومن ترسم آثاره تحيّفوا من شأن العامل الدينى. فالحق إنه إذا كانت نزعات أهل التقى بعيدة كل البعد عن سلائل أشراف مكة الذين حاربوا الإسلام فى أوائل حياته، وإذا كان يجب على الإنسان أن يسلم بأن فى بقاء السلطان فى أيديهم بقاء لسادة الجاهلية ولنزعات من كان يشتغل بالتجارة فى تلك البلاد، فلا شك فى أننا نستهدف لأن نخطئ الحق فى تاريخ بنى أمية إذا تجاهلنا أن انتصار الحركة العربية انتصارًا لم يسمع بمثله من قبل إنما تم تحت لواء الدين الذى جاء به القرآن الكريم. ولا يستطيع مفكر، حتى أحدث المفكرين وأشدهم غلوًّا فى الشك، أن يتجاهل هذه الحقيقة التى لا يمكن الفرار منها. ولابد أن خلفاء بنى أمية -كأهل عصرهم وبلادهم- كانوا يعتقدون فى قرارة نفوسهم أن انتشار الدين الإسلامى ونمو سلطانهم السياسى صنوان لايفترقان. ولابد أنهم كانوا على يقين من أن خصومهم السياسيين من الشيعة أو من الخوارج كانوا أيضًا خصومًا للسنة النبوية. وقد وعت لنا الكتب التى خلفها لنا المؤرخون ما يدل دلالة لا يتطرق إليها الشك على اقتناع خلفاء بنى أمية بذلك. وإذا كانت التواريخ التى كتبت بعد سقوط دولتهم، والتى كان أصحابها متأثرين بالآراء السائدة بين أهل التقى، تقرن ذكر الأمويين بالسخط واللعنة، فينبغى ألا ننسى حقيقة لاريب فيها: هى أن الإسلام إنما توطدت أركانه ديناً تدين به الأمم فى أيام حكمهم، وكان بعض ذلك بتأثيرهم. على أن التاريخ الذى تغلب عليه روح الدين، والذى أصبح تاريخ الإسلام الرسمى فى عهد بنى العباس يعيب على الأمويين أشياء كثيرة، حتى أنه يرميهم بالتقصير فى أداء الفرائض الدينية، وأنهم نبذوا روح الدستور الإسلامى فى الحكم، ذلك الدستور

الذى أقامه محمد - صلى الله عليه وسلم - على أساس الدين، وأنهم أحلوا الملك محل الخلافة. وفى هذه التهمة نجد صدى الروح الدينية التى لا تجعل السلطان على الأرض إلا لله. وفى الحق أن نظام الحكم العربى، حتى أيام أبى بكر وعمر، كان بعيدا عن الانطباق على المثل الأعلى للحكم الدينى الذى وضعته المذاهب الفقهية فيما بعد. وقد أبان هذه الحقيقة لامانس وكايتانى فيما كتبا من بحوث. غير أن هذين الصحابيين الجليلين كان لهما مكانة عظيمة. فحال ذلك، فى أول عهد الخلافة، دون نشوء نظرية دستورية تعارض النظام القائم، وإن لم يفلح فى إسكات المعارضة التى تركزت فى على ابن أبى طالب. فلما جاء عثمان كان حكمه دليلا على الانتصار الصريح لحزب بنى أمية الذى تحيّف من حق السابقين الأولين إلى الإسلام. وهنا فقط بدأ الناس يلاحظون الأمر الواقع الذى كان يخالف الحق، والذى هيأ لأولئك الذين ناصبوا الإسلام العداء عند بدء دعوته، أن يقطفوا هم ثمار هذا الدين الجديد. وكان الناس يعتبرون ذلك خروجاً على "حقوق الله" قضى به أصحابه على العمل الذى وضعه النبى - صلى الله عليه وسلم - وتنكروا له. ويسهل علينا أن نرى أن اتفاق الرأى على مقاومة النظام الجديد قد جمع بين الغضب الذى كان يجيش فى نفوس أهل الورع من أبطال الدين الفتى وشهدائه، وبين مطامح إيجابية لقوم حاولوا أن يحفظوا لأسرة النبى - صلى الله عليه وسلم - وأهله المقام الممتاز الذى جعله لهم مؤسس الدولة الجديدة التى تقوم على أساس من الدين. وقد وجد الذين كانوا يريدون أن يجعلوا شرعية الحكم مستمدة من الدين، وكذلك الذين كانوا يرون أن شرعية الحكم مقصورة على أسرة النبى - صلى الله عليه وسلم -، وجد هؤلاء وأولئك فى على بن أبى طالب بطلا يؤيدونه جميعاً. وكان لعلى أن يزهو بنجاح مبدئى عندما بويع بالخلافة فى المدينة، ثم تغلب على الكوفة واحتلها، وسرعان ما أحرز النصر فى البصرة على طلحة والزبير وعائشة الذين اتحدوا عليه، وكذلك تغلب حزبه فى مصر، وخيل

للناس أن هذا كله قد وضع فى يده السلطان على بلاد العرب كلها. وكان علىّ فى نزاعه مع معاوية يمثل حقوق الدولة ضد ما يطالب به معاوية والأمويون من الثأر لمقتل عثمان. ولكن الموقف الذى وجد علىّ نفسه فيه، إثر هوادته مع قتلة عثمان، هو الموقف الذى استغله معاوية بمواهبه السياسية العالية استغلالا تجلى فيه الدهاء، وسرعان ما قسم خصوم بنى أمية قسمين جديدين: فهناك الخصومة الدينية التى لا تقبل المصالحة، والتى بلغت أوجها فى مذاهب الخوارج والمتطرفين، وهناك أيضاً الشيعة الذين كانوا يبررون دعوتهم بقولهم إن الخلافة يجب أن تكون فى بيت النبى- صلى الله عليه وسلم -. وكان هذا الانقسام من حسن طالع الأمويين، فمثلوا دور المعتدلِين الذين أرادوا أن يحافظوا على القانون والنظام أمام حروب العصابات التى كانت تبيد العراق، وجعلوا البلاد قادرة على أن تجنى ثمرات الفتوح. ولكن، متى رشح الناس معاوية لمنصب الخلافة بصفة جدية فعلية؟ لا تزال هذه النقطة غامضة، وآراء المؤرخين فيها مختلفة، فمنهم من يقول أنه رشح للخلافة منذ بدأ النزاع بينه وبين على، أى فى عام 37 هـ، ومنهم من يجعل ذلك بعد وفاة علىّ عام 40 هـ، وأيًّا ما كان الأمر فإن هذا الترشيح أثار مشكلة غاية فى الدقة والحرج: ذلك أن السلطة العليا على المؤمنين قد أسندت إلى رجل لم يكن من بين أصحاب النبى - صلى الله عليه وسلم - السابقين. والاختلاف فيما يقرره المؤرخون فى هذا الأمر هو فى ذاته شاهد على الاضطراب الذى كان سائدًا بلا شك حينما أفضى سياق الحوادث فجأة إلى حل يخالف العرف المتبع فى تنصيب الخليفة. والحق إن سخط الفقهاء الذين لايأبهون لما تقضيه حاجات التطور التاريخى له ما يبرره من حيث النظرية الشرعية. فإن خلافة معاوية فاتحة عهد. جديد من كل وجه فى تاريخ الإسلام الدستورى: فلم يعد الخليفة هو المنفِّذ لسنة النبى - صلى الله عليه وسلم -، الذى شاهدها من أول أمرها وعمل على استمرارها، بل صار لمنصبه شأن أكبر من ذلك، إذ أصبح الشخصية البارزة فى العالم العربى،

وكبير سادة القبائل من حيث القوة الحربية. وأصبح من حيث نفوذ أسرته ومن حيث مكانته الشخصية ملكاً على الحقيقة وإن لم يكن الملك لقبه الرسمى، أو هو حاكم على نظام الطغاة كما فهمه اليونان. وهذا هو الموقف الغامض الذى ظل قرناً من الزمان، أعنى طوال العصر الأموى، وهو الذى مهد السبيل للدعاية الشيعية التى قدر لها أن تنتهى بفوز المبدأ الشرعى وبسقوط "الدولة" العربية. ومن العسير علينا أن نحكم على مقدار شعور معاوية بصعوبة الموقف. وإذا اقتصرنا على بعض مظاهر سياسته، وهى فى العادة سياسة يتجلى فيها الحذق وبعد النظر، فإننا نميل إلى أن نستخلص من ذلك أنه لم يقدر كل ما يمكن أن يكون للعامل الدينى من شأن فى النزاع السياسى. على أننا لا ننكر أنه حاول أن يصالح أبناء خصمه على، فأفلح مع الحسن ولكنه كان أقل توفيقا مع الحسين. وكان معاوية فى الجملة شديد التقدير والاحترام لأسرة النبى [- صلى الله عليه وسلم -] جميعاً: علويين وعباسيين، وللأنصار الذين كانوا يفخرون بأنهم "أنصار النبى" [- صلى الله عليه وسلم -] على أن معاوية لم يذهب إلى حد الإغضاء عن فرض يمين الولاء على من كان يرتاب فى أمرهم (لعنة أبى تراب)؛ وهذا عمل ممقوت يشبه أن يكون مقدمة لمحنة العباسيين، وقد أحفظ قلوب الناس على بنى أمية فأسروا لهم البغضاء، وكان ضرره عليهم أكبر من نفعه لهم. ثم إن معاوية أخطأ بأن أطلق يد زياد بن أبيه فى العراق يتبع سياسة قمع لا تعرف الرحمة، وهى سياسة تخالف السياسة التى جرى عليها معاوية، والتى يستطيع أن يجرى عليها بنفسه فى العراق بما كان يعرف من أسرار اللين الذى يجد سبيله إلى القلوب. ومما هو جدير بالملاحظة أن معاوية لم يذهب بنفسه إلى العراق طوال مدة حكمه البالغ عشرين سنة، ولم يوثق بينه وبين أهلها علاقات شخصية. وكان معاوية إلى جانب هذا مقيدًا فى الشام بمشكلات خطيرة جلبها عليه تنظيم الدولة، وأول هذه المشكلات تنظيم علاقة الحاكم بأسرته وبالقبائل.

ولم يقصِّر معاوية -جرياً على عادة العرب، أو خضوعاً لشعور إنسانى عام - فى أن يرى أن قرابته أفادوا كثيراً من الحظ الذى أصابه. ولكنه كان يحذر من الوقوع فى الخطأ الذى وقع فيه عثمان، فلم يصبح أسيراً لقبيلته. ومما هو جدير بالملاحظة أن أهم الولايات أسندت إلى ولاة من غير بنى أمية. ولا عبرة بزياد بن أبيه الذى كان حاكم العراق المستبد، فإن قرابته لمعاوية قرابة وهمية خالصة. وهو إذا كان قد ولى أخاه عتبة على مصر بعد وفاة عمرو بن العاص، فإنه عندما مات عتبة، ولم يكد يمضى عليه فى هذا المنصب عام كامل، لم يعين أموياً آخر مكانه. وقد أظهر معاوية كل ما عنده من مواهب سياسية عالية فى أمر علاقته برؤساء القبائل الذين كانوا يستنفزهم أتفه الأمور للخروج والعصيان. وهؤلاء الرؤساء -على ما فيهم من قلة الاستعداد للخضوع إلى سلطان رجل من قريش، أو لما لأمير المؤمنين من مكانة دينية- جعلوا منصب الخليفة شبيها بمنصب الحاكم الأوروبى فى عهد الإقطاع. وكانت غاية معاوية من صبره وطول أناته فى العمل على أن ينال تأييد رؤساء القبائل وانضمامهم إلى صفه -وما كان فى مقدوره أن يقضى بالقوة على نفوذهم- هى أن يقوى سلطانه من جهة، وأن يبلغ من جهة أخرى الغاية الكبرى التى أراد أن يحققها قبل وفاته، وهى مبايعة رجال القبائل لابنه يزيد. وقد أفلح فى أخذ يمين البيعة منهم قبل أن يوافيه الأجل، وبهذا نجح فى جعل الخلافة وراثية. وهذا هو الذى يجب أن نعتبره أكبر نجاح محسوس لسياسة معاوية، وإليه يرجع الفضل فى بقاء خلافة الأمويين قرناً رغم الثورة التى وقعت بعد موت يزيد. ولكن الموقف ظل مزعزعاً حتى بعد أن توطد المبدأ الذى يجعل الخلافة فى بيت بنى أمية بصفة جدية قاطعة! على أن هذا المبدأ إنما اكتسب بفضل ما كان لمعاوية من مكانة شخصية. وآية ذلك أنه لم يكد يموت حتى هبّ الحسين ليرفع لواءه باعتباره صاحب الحق الشرعى فى الخلافة؛ على حين ظهر عبد الله بن الزبير بمظهر المدافع عن حق جزيرة

العرب التى أحاق بها الإهمال، وعن ذكرى الصحابة الأولين. وكان انتهاء أمر الحسين بمأساة قتله فى كربلاء، تلك المأساة التى تركت ذكرى للاستشهاد فى سبيل الله استغلها خصوم الأمويين فيما بعد. وقضى مقتل الحسين على معارضة العلويين قضاء وقتيا، وكان مركز الأمويين خليقا بأن يزداد قوة لو أن الأجل امتد بيزيد، أو لو أنه ترك ابنا كبيراً يخلفه عن جدارة واستحقاق بدلا من معاوية الثانى الذى كان لا يزال طفلا. على أنه إذا كان يزيد على غير ما ينسبه له أهل الورع من المؤرخين من فساد فى الخلق وضعف فى الدين، فلا شك أنه لم يكن له ما كان لأبيه من صفات ممتازة، وإن لم تكن تعوزه الهمة ولا الذكاء لمواصلة أعمال أبيه. على أن تكوّن الإمبراطورية المترامية الأطراف لم يكن وليد خطة مرسومة أيام الفتوح الأولى. وعدم وجود منهج معين لإدارة هذه الممتلكات الواسعة المتباينة أحدث سلسلة من المشكلات لم يكن لمعاوية بد من معالجتها بما عرف عنه من نزوع إلى تناول الأمور على طريقة الواقعيين. وهناك قصة تقول إن عمر وضع دستوراً للحكم، ولكن هذه القصة إذا لم تكن من وحى الخيال، فإن الخطط التى وضعها عمر لا تمثل فى الواقع إلا بذرة ضغيرة للتنظيم المالى والمدنى اعتمدت عليها الإمبراطورية الإسلامية فيما بعد. ومن أسف أننا نجد تاريخ حياة معاوية مملوءاً بالتفاصيل القصصية، ولكنه قاصر كل القصور فيما يتعلق ببيان الطريقة التى سار عليها فى إدارة الدولة. ولا نستطيع أن نعرف معاوية من حيث هو حاكم لدولة إلا من ملاحظات قليلة غير كافية. وتراخت حركة الفتوح الإسلامية، فنشأ عن ذلك تلك المقاومة القوية التى قام بها الروم (البوزنطيون) لصد تقدم العرب بعد أن هددوهم فى آسية الصغرى وفى أوربا. على أن حملات المسلمين المتوالية التى وجهوها إلى آسية الصغرى والتى أظهرت سيوفهم أمام أبواب القسطنطينية، والإغارات البحرية التى قاموا بها فى بحر

الأرخبيل وعلى شواطئ صقلية: كل هذه سجلت لهم انتصارات محلية لم تصل إلى نتيجة حاسمة. وكانت هجمات الأساطيل البوزنطية على شواطئ الشام يشد أزرها ثورات سكان الجبال فى لبنان قد جعلت معاوية يرى من الحكمة أن يوقع هدنة بشروط لا ترضى ما يشعر به العربى من الأنفة وعزة النفس (عام 57 هـ). وانتصر العرب فى الشرق أكثر مما انتصروا فى الغرب: فكانت جيوش المسلمين جادة فى اختراق سهول فارس الشرقية، وصارت مصر فى إفريقية قاعدة حربية تسيَّر منها الحملات إلى الغرب والجنوب. ولكنهم لم يملكوا فى هذه الجهات إلا قليلا من الأراضى امتلاكاً تاماً كانت هذه الحملات -كما كان الحال من قبل- يوكل القيام بها إلى عمَّال الولايات، وكانت تتم بجهود القبائل التى استوطنت هذه الولايات بعد الفتوح الأولى، وهم المهاجرون. أما جيش الخليفة نفسه فكان يدخره للحروب التى يشنها على البوزنطيين ولحماية نفسه ممن قد يخرجون عليه فى بلاده. ويرجع الفضل فى انتصار بنى أمية فى الحرب الأهلية التى نشبت عام 64 هـ إلى قيام هذه القوى موالية لهم أشد الولاء. على أن معالجة المنية ليزيد مكنت ابن الزبير من الامتداد إلى بلاد العراق وتدخلت فى ذلك عداوة الشيعة التى كانت وحدها سبباً فى فتنة العراق فيما بعد. ثم حدث ما يحدث دائماً فى أوقات الأزمات، فإن جميع المشكلات التى اختفت وانكمشت أيام حكومة معاوية من غير أن ينتهى أمرها تماماً ظهرت من جديد فى صورة خطيرة ملحة: فهناك القبائل التى لا تخضع للسلطان بما فيها من نزعات العصبية والعناية بالمصلحة الخاصة، وهناك أمر العلاقة بين الشعوب المحكومة وبين المتغلبين عليها، يضاف إلى هذا تضارب المصالح والميول بين الشام والعراق ووسط جزيرة العرب. وقد استطاع معاوية بدهائه أن يكبح جماح هذه القوى المتنازعة كلها، ولكنها استعادت كل قوتها بل هى قد زادت

شدة بتأثير الحروب الدينية. وكان معاوية قبل موته قد نال تأييد قبيلة كلب العظيمة فى الشام بأن تزوج من ابنة بَحْدل بن أُنَيْف، وهى أم يزيد. واستمر تأييد هذه القبيلة للفرع الآخر من الأمويين وزعيمه الحكم بن أبى العاص بن أمية. وحلّ هذا الفرع محل بنى سفيان فى السيادة على القبيلة، ومع هذا فقد قامت محاولة ضعيفة كان غرضها حفظ الخلافة فى بنى سفيان بجعل خالد أخى يزيد الأصغر خليفة له. ولما ولى الخلافة مروان بن الحكم، كان عند ذاك رجلا قد حنكته السنون؛ واستطاع فى حياته الطويلة أن يعرف المنازعات التى بين القبائل والمنافسات والدسائس التى وقعت بين الصحابة الذين كان كل منهم يريد ميراث النبى [- صلى الله عليه وسلم -] لنفسه. ثم كان انتصار مرج راهط (عام 64 هجرية) على قبيلة قيس التى أفلح ابن الزبير فى أن ينال تأييدها له فى ثورته. وكان هذا الانتصار سببًا فى أن دان الشام بالطاعة لمروان وانضمت إليه مصر بعد أن كان قد تغلب فيها الحزب المعادى لبنى أمية. ولكن سرعان ما مات مروان بعد هذا النجاح الأخير فترك لابنه عبد الملك عبئًا عظيما، هو إخضاع وسط الجزيرة والعراق. تبوأ عبد الملك منصب الخلافة على غير انتظار فظهرت منه نزعة جديدة إلى جعل الخلافة وراثية فى أبنائه بانتظام: وكان هذا هو برنامج معاوية، وهو مخالف تمام المخالفة لسنة العرب فى اعتبار السلطان من حق القبيلة فى جملتها. وكان أكبر غرض رمى إليه عبد الملك وكل من جاء بعده تقريبًا فى سياستهم الأسرية هو حفظ وراثة الملك فى أبنائهم وحرمان الأقارب منها. ثم قامت الخصومات بين الخليفة وخصومه وبين هؤلاء وبين الثائرين من الشيعة والخوارج، وامتدت هذه الخصومات إلى أقصى بلاد فارس وخراسان، وتجلت فيها نزعات العصبية فى القبائل بكل قوتها. وكانت كل قبيلة تتخذ شارة لها لواء الفريق الذى تنضم إليه من بين المتخاضمين. وأكبر شاهد على هذا دواوين شعراء هذا العصر وما يقترن بها من قصص تاريخية.

وفى وسط هذه الخصومات المضطربة ساعد عبد الملك حسن الحظ فوفق إلى رجلين من الطراز الأول فى المقدرة أحرزا له النصر: أحدهما المُهَلَّب وهو من شيعة ابن الزبير القدماء، ولكنه انضوى تحت لواء الغالب كما فعل زياد من قبل. والثانى رجل يفوقه فى سمو المواهب وفى الإخلاص هو الحجاج. نهض الحجاج بهمة لا رحمة فيهما ولا أنانية يريد أن يعيد للدولة سلطانها على جميع القبائل والأحزاب التى تريد السلطان لنفسها. وعقلية الحجاج تكاد تكون فى مظهرها غريبة عن الطبيعة العربية، وهو يشبه أن يكون طليعة أو صورة رائدة لوزير العصر العباسى، وكان يفوق أمثاله من رجال الاستبداد الذين جاءوا بعده. لم يكن الحجاج يعرف سيدًا له غير الخليفة، أو مصلحة الدولة كما نقول فى العرف الحديث، ووطد العزم على أن يخدم سيده بكل الوسائل الممكنة. وقد أحاط المؤرخون اسمه بالكراهية متخذين مبررًا لهم من آراء الحجاج والوسائل التى لجأ إليها فى إنجاحها ويرى البعض أن الحجاج كان رجلا مؤمناً حقاً، وأنه كان من أنصار استمرار السنة النبوية فى إقامة الدولة على أساس دينى وهذه السنة تتصل بفكرة أن الحكم حق إلهى. كانت خلافة عبد الملك كلها -بفضل نفوذ الحجاج القوى- لا تعدو العمل على إقامة ملكية مطلقة؛ والنزعة التى لم تكن الأيام قد تهيأت لها أيام معاوية، وإن كان زياد قد مهد لها قبل الحجاج، بدت ممكنة أيام عبد الملك الذى اتجه فى الكثير من أعماله المتواصلة إلى هذه الغاية. وأول شئ قام به هو إضعاف سلطان ولاة الأمصار وقطع علاقاتهم بالقبائل: وقد طبقت هذه السياسة بأكبر نجاح فى أقصى الولايات الشرقية وأبعدها عن مركز الخلافة، وفى تلك الولايات ظلت الروح الحربية فى القبائل حية بسبب الحروب التى شنت على الترك والفرس: قمع الحجاج حركة أتباع المهلب والأشعث التى أرادوا بها الحصول على الاستقلال، فمكّن الوحدة السياسية للدولة، وعمل على أن يجعل الولاة موظفين لا غير.

وكان الحجاج يعتبر نفسه خادماً لسيده بالرغم من أنه كان يحكم نصف الإمبراطورية. وكان تأسيسه لمدينة واسط وإقامته للزنج فى بطائح البصرة وسائل قصد بها أن يضعف من شوكة العنصر القبلى، على أن مصر لم يتيسر إنزالها إلى هذه المرتبة وإتباعها لمركز الخلافة، لأنها كانت تتمتع بمركز مستقل بعض الاستقلال عن الحكومة المركزية منذ أيام عمرو بن العاص. وكان لمصر شأن أساسى فى سلامة الشام، فرأى عبد الملك أن يولى عليها أخاه عبد العزيز من غير رقيب، وأراد بهذا أن يحافظ على مبدأ الوحدة فى الإمبراطورية مع احترام رغبة المصريين فى الاستقلال. غير أن عبد العزيز رأى نفسه نائبًا عن الملك واعتبر هذا سلماً للخلافة. وقام عبد الملك بأعمال أخرى أراد بها توحيد الدولة: فأنشأ نظام الإحصاء المالى وأراد به أولا أهل الذمة، ولكن الأمر انتهى بفرضه على المسلمين أنفسهم. ثم جعل اللغة العربية اللغة الرسمية للدولة، وأصلح نظام النقد، وشيد المبانى والأعمال الصحية ولاسيما فى العراق ومصر ووسط جزيرة العرب، واستطاع فى عشرين سنة تولى الخلافة فيها أن يظهر الإمبراطورية العربية بمظهر يقرب من الدولة الملكية شيئاً فشيئاً. وكان هذا عملا بالنظام الذى رسمته السنة الإسلامية الصحيحة. وفى الحق إن نزعة عبد الملك إزاء الدين تمتاز بانتعاش روح التقوى، فى الظاهر على الأقل، وبالشدة فى معاملة غير المسلمين، وكانت هذه الشدة ناشئة إلى حد كبير عما تطلبته سياسة عبد الملك من مال. ونعتقد أنه أراد بها أن يتحاشى بقاء "دولة فى داخل الدولة". ويجب أن نعتبر ما فعله عبد الملك من الحصول على تنازل أخيه عبد العزيز عن حقوقه فى الخلافة لأبناء الخليفة دليلا على نزعته إلى الملكية. فلما مات عبد العزيز زالت الصعوبة فخلص العرش للوليد بن عبد الملك. ولكن مشكلة وراثة الخلافة كانت تتجدد عند كل خليفة جديد، ولم ينته أمرها حتى فى عهد العباسيين.

ونستطيع أن نقرر باختصار أن خلافة عبد الملك عملت على تقوية الامبراطورية العربية بقدر ما كانت تسمح الظروف. على أن انقسام الأحزاب المتطلعة للخلافة أيام ابن الزبير والأشعث شجع الخوارج على الفتنة ... وبعد أن عادت إلى الدولة وحدتها ظهرت أساليب القمع الشديدة التى جرى عليها الحجاج فأضعفت حركة الخوارج، إن لم تكن قد قضت عليها قضاء مبرماً. أما الشيعة، وقد هزموا فى ميدان الكفاح الظاهر، فقد لجأوا إلى الدعوة السرية، ولم تثمر هذه الدعوة ثمرتها إلا بعد زمان طويل. وكانت دعوة الشيعة فى دورها السرى قد جمعت إليها عناصر كثيرة غير متجانسة كان من شأنها أن تطبع تطور السياسة الإسلامية والدين الإسلامى فيما بعد بطابع خاص. ولكن هذا كان سرًا لم تكشف عنه الأيام إلا فيما بعد. أما فى ذلك الحين فإن استتباب النظام فى الداخل أحدث انتعاشاً عظيما فى حركة الفتح، فقويت السياسة التى ترمى إلى توسيع الإمبراطورية. وهذه السياسة التى جرى عليها عبد الملك فى الشرق والغرب آتت أبهر نتائجها فى عهد خلفائه الأقربين. وأخمدت ثورة البربر العظيمة التى قام بتنظيمها كُسَيْلَة ومن بعده الكاهنة. وتوطد الحكم العربى فى شمالى إفريقية فقضى على ما بقى من الحكم البوزنطى ومهد السبيل لفتح الأندلس. أما فى الشرق فرغم أن الفتوحات الواسعة التى قام بها قتيبة بن مسلم لم تبدأ إلا عام 86 هـ فى أوائل حكم الوليد، فإننا نجد المسلمين قد واصلوا التقدم فى آسية الغربية فى عهد عبد الملك. وكان من أعظم نتائج ذلك دخول الترك فى الإسلام، وكانوا سادة المستقبل. أما النزاع مع البوزنطيين فقد ظل من غير أن تتغير صبغته، ورغم أن العرب تقدموا فى أرمينية وأخضعوا كورها فإنهم لم يفلحوا فى تثبيت قدمهم فى آسية الصغرى، وكانت الأساطيل اليونانية لا تفتأ تغير على شواطئ الشام. ولكن الإسلام كان فى تقدم مطرد، ودخلت فى المدنية

الإسلامية الناشئة شعوب وأجناس لم يكونوا كالفلاحين الآراميين أو القبط الذين قُضى عليهم أن يتعربوا دون مقاومة، أو يظلوا أقلية دينية لا روح لها، بل دخلت فى الإسلام أمم كالبربر والترك، وهى أمم حربية قوية البأس، شديدة التمسك بقوميتها، رضيت بقبول الإسلام ديناً. ولكنها لم تقبل العربية قومية لها. ويرجع الفضل فى معظم النجاح الذى أحرزه الإسلام فيما بعد إلى هاتين الأمتين اللتين تقع إحداهما على الطرف الشرقى من الإمبراطورية العربية، والأخرى على طرفها الغربى. واليهما أيضًا يرجع إحداث تغيير جوهرى فى المدنية الإسلامية. وقد شهد الوليد فى خلافته ثمرة الجهود الطويلة التى بذلها عبد الملك وظلت شخصية الحجاج القوية تتعهدها. وانتصر المسلمون انتصارات عظيمة على يد مسلمة بن عبد الملك القائد الأموى الذى حاصر القسطنطينية، وموسى بن نصير فاتح الأندلس، وقتيبة بن مسلم. ويدل الجامع الأموى بدمشق وغيره من العمائر الكثيرة العظيمة على مبلغ قوة الأمويين، ولكن مسألة وراثة الملك فتحت باب الأزمة من جديد، وتغلب فى هذه المرة المبدأ "العربى" فأسندت الخلافة إلى سليمان بن عبد الملك دون ابن الوليد، واستمر الكفاح بين الخليفة الذى أراد أن يجعل الحكم فى أبنائه وبين إخوته الذين أرادوا أن يجعلوه قائماً إلى آخر أيام بنى أمية، وكان من أثر ذلك أن انحطت مكانة الأسرة. ثم إن نتائج الإسراف الذى حصل فى عهد عبد الملك وابنه الوليد بدأت تشتد وطأتها على خلفائهم. وظهرت الأزمة الاقتصادية كما ظهرت مشكلة الموالى الذين دخلوا فى الإسلام. ثم جاء عمر ابن عبد العزيز، وأهل السنة يعتبرونه ممن أعز الله بهم الإسلام ويستثنونه من اللعنة التى ألحقوها بكل خلفاء بنى أمية. وأحسَّ عمر أنه لابد من سياسة تعتمد على إدماج العناصر المختلفة لتجنب نكبة خطيرة يكون فيها القضاء على مستقبل الإسلام وعلى مستقبل البيت الأموى. والأثر العميق الذى تركه عهد عمر فى تاريخ الإسلام -رغم أن مدة حكمه لم تزد على عامين- يدل على أن هذا الخليفة كان ذا صفات

عالية. دقيق الحس فى إدراك الحقائق الواقعة. ويدهشنا أن نرى فى هذا العصر نفسه نظامًا من المبادئ والأحكام الدينية بلغ حد الكمال مع أن طلائعه لم يكن قد مضى عليها أكثر من جيلين، وقد تكونت العقلية الدينية والفقهية فى الإسلام فى نهاية القرن الأول، وطبعت بطابع لم تكن لتفقده طوال العصور المتعاقبة. لأن هذا النظام كان يمثل تنفيذ ما نادى به محمد [صلى الله عليه وسلم] واتتصار دعوته انتصارًا تامًا. وحاول عمر بن عبد العزيز أن يوفق بين مطالب الدولة السياسية والمالية وبين احترام تقاليد الدين، وهو فى هذا له فضل السبق على العباسيين، وربما كان فيما فعله أصدق منهم إيمانًا. ورغم أننا يجب أن نعتبره قد أخفق فى أعماله المتعلقة بمستقبل الأسرة فإن إصلاحاته المالية مهدت السبيل إلى معاملة العرب والموالى على قدم المساواة، وساعدت أكثر من أى شئ آخر على إدماج سلالة الفاتحين بسلالة المغلوبين. ولاشك أن العصر الثالث فى مجد الدولة الأموية -وهو عهد هشام- يرجع إلى جهود عمر النافعة. واستمرت الفتوح خلال العشرين سنة التى حكمها هشام سائرة على الخطة القديمة الشاملة؛ فاستمرت فى الغرب رغم ثورة البربر العظيمة عام 113 هجرية، وفى الشرق أيضًا. وتقدم العرب حتى وصلوا إلى قلب بلاد الغال Gaul وبدأ البحر المتوسط يتحول إلى بحيرة عربية، وأخضع الترك للمرة الثالثة بعد أن بدءوا يحاولون التملص من نير الحكم العربى بعد عزل قتيبة وموته. ولما مات هشام كانت الخلافة الأموية فى أوج عظمتها، ويكاد الإنسان لا يصدق أنه بعد أشهر قليلة وقعت الدولة -التى كان يظهر أنها بنيت بناءً محكمًا على سلطة الخليفة- فى هرج شامل، وذهبت فريسة للفوضى. ولا شك أن المؤرخين أصابوا إلى حد ما إذ جعلوا لفساد أخلاق الوليد الثانى تأثيراً عظيماً فى قلب النظام القائم ولكن أخطاء شخص واحد لا تكفى فى تعليل ظهور كل علامات الانحلال دفعة

واحدة، وينبغى أن نلتمس الأسباب -كما هى الحال عادة- فى العوامل ذاتها التى أظهرت خلافة هشام فى مظهر الرخاء والتقدم. استغل هشام إلى أقصى حد إصلاحات عمر المالية، وأثقل كاهل المسلمين وأهل الذمة من رعيته على السواء، تشهد بذلك الثورات التى كان سببها الضرائب الفادحة، وكان البؤس -وهو دائمًا قرين التطرف- سببًا فى إحياء مذهب الخوارج؛ ووصل هذا المذهب إلى الشام فكانت هذه ظاهرة جديدة لم يسبق لها مثيل. وفى الشام تمرد الجند الذين كانت تقوم على كواهلهم قوة الأمويين الحربية؛ فخرجوا على النظام ساخطين على نزعة الحكومة الظاهرة إلى الحكم الاستبدادى شيئاً فشيئاً. ثم ظهرت حركة الشيعة مرة أخرى فى العراق علانية، ويدل على ذلك المحاولة التى قام بها زيد بن على بن الحسين (123 هـ) ولكنها فشلت فشلا يرثى له. وكان اتساع الفتوحات المتزايد سببًا فى أن أصبحت البلاد القاصية بعيدة عن إشراف السلطة المركزية. وظهرت السخائم القبلية ظهورًا عنيفًا واختلطت بالفوارق الدينية. ونجحت الدعاية الشيعية السرية نجاحًا سريعًا فى أقصى خراسان رغم جهود نصر بن سيار العظيمة لإيقافها. ونستطيع أن ندرك بعد هذا كله كيف أن تذمر الناس من فساد أخلاق الوليد وجد تربة خصيبة ينمو فيها ويستفحل أمره، وخصوصًا بعد أن نادى الوليد بتعيين ابنيه وارثين للخلافة بمجرد ارتقائه العرش؛ فكان ذلك قاضيًا على آمال الطامعين فى الخلافة من أبناء عبد الملك. ثم ثار جند الشام والأردن فرفعوا يزيد الثالث إلى الخلافة؛ وقتل الوليد. ولم يفلح يزيد ولا أخوه إبراهيم الذى خلفه بعد شهور قليلة فى إخماد الفوضى التى كانت تنتشر فى جميع أجزاء الامبراطورية. ثم نهض الخوارج وعلى رأسهم الدَّقاق بن قيس الشيبانى فاستولوا على الكوفة. ومرت سنوات قليلة كان يبدو فى أثنائها أن نجاة الدولة ستكون على يد أمير من البيت الحاكم بعيد عن أبناء القابضين على مقاليد الأمور، ذلك هو

مروان بن محمد حفيد مروان بن الحكم. كان مروان بن محمد حاكمًا لأرمينية، وأنشأ جيشا مواليًا له فى أثناء الحروب الطويلة التى انتصر فيها على البوزنطيين. جاء إلى الشام ليشد أزر أبناء الوليد فى المطالبة بحقوقهم، فلما وجد أن الغاصبين قتلوهم نادى بنفسه خليفة. وبعد شهور قليلة أخمد الثورة فى الشام، وقضى على المناوئين له من أعضاء البيت الأموى، ثم استولى على مصر والعراق، ومهمته فى السنين الثلاث الأولى من خلافته تشبه مهمة جده مروان وعمه عبد الملك من بعض الوجوه. ولكن الظروف كانت أقسى عليه مما كانت عليهما: فقد انحلت عروة العصبية التى كانت تربط الأمويين، وضعفت شوكة أسرتهم، وزادت فى الوقت نفسه ثقة خصومهم فى النصر. وعلى حين كان أسلافه يقاتلون جيوشًا ضعيفة العدة كجيوش ابن الزبير، أو عصابات يائسة كالتى كانت للشيعة الذين فروا من نكبة كربلاء، كان مروان يحارب جنودًا زادتها الحروب مع الترك صلابة، وكان يحارب جيوش خراسان الفارسية يقودها أبو مسلم الخراسانى، وكان بنو العباس من وراء ذلك يتأهبون للظهور فى الميدان. وخلع الشيعة القناع عام 130 هـ: وسرعان ما فتحت فارس وخراسان، ثم احتل الغزاة العراق فى العالم التالى، وظهر العباسيون بدعوتهم فجأة، ونادوا بأبى العباس عبد الله خليفة فى الكوفة. ثم هزم هذا الخليفة الجديد مروان على نهر الزاب، وأرسل أعوانه يطاردونه فى الجزيرة والشام. وهزمه مرة أخرى فى مصر حيث قتل آخر خلفاء بنى أمية فى 27 من ذى القعدة سنة 132 هـ (7 من يولية سنة 750 م)، وقتل أعضاء البيت الأموى. وقامت فى الشام حركة لمساعدة أبى محمد السفيانى فلم تأت بطائل، وكان فرار عبد الرحمن بن معاوية بن هشام من المدينة إلى إفريقية ومنها إلى الأندلس ختام المأساة التى صاحبت سقوط أسرة معاوية ومروان. ولا ريب فى أنه من المبالغة أن نقول إن سلطان العرب ينتهى بسقوط دولة الأمويين، وأن ندعى على بنى العباس

أنهم صبغوا العالم الإسلامى بالصبغة الفارسية. فالحقيقة أن أسرة الخلافة بقيت عربية. وليس ذلك فحسب، بل ظل ولاة الأقاليم وقواد الجيش يختارون من العرب مدة تقرب من قرن. ومن جهة أخرى فإن من الحقائق الثابتة أن صبغ الإسلام بالصبغة الدولية -أى كون العرب لم يعودوا هم العنصر الفعال وحدهم فى تنظيم الدولة وترقية المدنية- كان قد بدأ قبل ذلك، ولو على الأقل فى صورة نظرية، عندما سوت إصلاحات عمر بن عبد العزيز بين العرب والموالى. ثم إن دخول هذه العناصر المتباينة فى الإسلام جعل لها نصيبًا فى تكوين المدنية الإسلامية التى يحق لنا أن نعتبرها عربية، وإن تكن الأبحاث التحليلية فى الخمسين سنة الماضية قد أثبتت أن معظم العوامل التى كونتها أجنبية. ذلك أن اللغة العربية ظلت تصبغ هذه المدنية بصبغة واحدة. وليس هذا فحسب بل إن العناصر المكونة لها امتزج بعضها ببعض تحت التأثير العربى، ولاشك أن الفضل فى طبع هذه المدنية المكونة من عناصر متنوعة بالطابع العربى يرجع إلى الأمويين. ومن أسف أننا الآن لا نستطيع أن نتعرف بالتفصيل العوامل الأولى التى غرست البذور التى لم نر ثمراتها إلا فى عهد العباسيين. على أننا نلاحظ أن المدنية الإسلامية بلغت أوج ازدهارها فى النصف الثانى من القرن الثانى، لا فى الدين وحده بل فى العلوم والفنون، وهذا يدل دلالة واضحة على أن انتقال العرب إلى المدنية لم يكن موقوتًا بمجئ بنى العباس، بل إنه بدأ قبل ذلك. والذى يبهر الإنسان فى مدينة العصر الأموى وجود العالمين القديم والجديد جنبًا إلى جنب على نحو ما نلاحظه دائمًا فى عصور الانتقال: فكانت العقلية العربية وعادات العرب وشعر الفرزدق وجرير والأخطل لا تزال باقية مقبولة عند الناس، وعندما بدأت عناية أهل الحديث والمؤرخين واللغويين تتجه إلى الآثار الأدبية التى أوحت بها الصحراء والتى عرفوها من شواهد جليلة لعصر قد انقضى؛ بل إن النظام الإدارى الذى جرى عليه العباسيون هو فى جوهره نظام الأمويين الذى أنشأوه

على أساس الأنظمة البوزنطية والساسانية. ونصيب يحيى ابن برمك فى إضافة شئ جديد أقل بكثير مما ينسبه له المؤرخون. ونختم القول فى هذا بأن الأمويين لم يستطيعوا أن يجعلوا الإمبراطورية العربية المترامية الأطراف وحدة متجانسة، وهذا هو الذى عجز العباسيون أيضًا عن تحقيقه. وقد استطاع هؤلاء أن يكملوا توحيد العالم الإسلامى من الوجهتين العقلية والمعنوية وكان الأمويون قد شرعوا فى هذا من قبل. ويستطيع القارى أن يجد تفصيل ما لم نستطع بحثه فى هذه المادة، فيما كتب عن أسماء الأشخاص والأماكن المتصلة بتاريخ هذا العصر. المصادر: لا نسطيع أن نذكر جميع المصادر التى يرجع إليها فى هذا الموضوع الواسع، ولذلك سنقتصر على الكتب التاريخية العامة. وقد ذكر ل. كايتانى مصادر تاريخ بنى أمية فى كتابه Chronographica Islamica, طبعة باريس، عام 1912، ص 461 - 1617، وهو كنز عظيم القيمة، ولكن ليس له فهرس. وفيه إلى جانب المصادر العربية جميع المصادر السريانية واليَونانية واللاتينية والأرمينية والصينية. وتوجد نصوص هامة حقًا لم تنشر حتى الآن، ولاشك أن أهمها مؤلف عظيم للبلاذرى اسمه "أنساب الأشراف"، لم ينشر إلا جزء صغير منه، نشره آلوارت (Anonyme arab.: W.Ahlwardt Greifswald 1883. Cronik etc) وتقوم بنشر الكتاب الآن جامعة القدس، ونرجو أن نجد فيه بعض بقايا التاريخ الأموى التى طغى عليها مؤرخو بنى العباس المتعصبون، وبعض هذه البقايا حفظ فى تاريخ كتبه مؤرخ عربى أندلسى هو البياسى واسمه "الأعراب بالحروب فى صدر الإسلام" (انظر M.S. O. S.J. Horovitz سنة 1907 ص 22 - 27) وهو كتاب جدير بالنشر. ونأسف لأننا لا نجد فى مؤلف كايتانى المتقدم ما يمكن أن يوصلنا إليه البحث العلمى فى دواوين الشعراء وما عليها من شروح، وأهمها النقائض لجرير والفرزدق. وربما نجد فى هذه الدواوين شيئاً لم نعرفه من قبل (وقد

قام لامانس بأبحاث كثيرة من هذا النوع). وأوراق البردى مصدر آخر عظيم الأهمية وإن كان محدود المجال؛ وأهمها الأوراق التى تحمل اسم قرة بن شريك. وقد رأينا أن من الكتب العامة التى لها قيمة أساسية فى تاريخ العصر الأموى كتاب الأستاذ J. Wellhausen: الذى انتفع بكتاب الطبرى لأول مرة واسمه Das arabische Reich und sein sturz طبعة برلين، سنة 1902، وكتابه Die religios- politischen Oppositionsparteiene im alten Im alten Islam (Abh.G.W.Gott.,V.,1901) Islam وكتابه Die Kampfe der Araber in mit den Romaern (nacrichten G.W. (1901,.der Zeit der Umaijaden Gott ولايقل شأن هذين الكتابين عن الكتاب الأول فيما يختص بناحيتين جوهريتين فى تاريخ العصر الأموى (: A Gibb H. The Arab Conquest in entral Asia طبعة لندن عام 1923 James G., Forlony) Fund,II وفى هذا الكتاب دراسة جيدة لنقطة أخرى لها أهمية تاريخية عظيمة، ومن أسف أن فتوحات إفريقية لم تدرس على هذا النحو. وللأب لامانس بحوث كثيرة ومع أنها لا تشمل كل تاريخ الخلافة الأموية، فلا يستغنى عنها باحث لكثرة ما فيها من تفاصيل وللتعمق الشديد فى بحث المسائل التاريخية وهى: . Etudes: M.F.B.O sur le regne du Calife omaiyade Moawia I جـ 1 - 3؛ Ziad Ibn Abihi vice-roi de I'Iraq R.S.O., جـ 4، califat de Razid Le ,.Ire M.F.O.B جـ 4 - 6: le Etudes sur Omaiyades siecle des، بيروت 1930. وهناك مصادر أخرى منها مقالات C.H.Becker فى Islamstudien جـ 1 طبعة ليبسك 1924 وكذلك كتابه Beitrage zur Geschichte Aegyptens unter dem Islam ج 2 طبعة ستراسبورغ سنة 1903، وهذان الكتابان ساعدا مساعدة عظيمة على إيضاح مكانة الخلافة الأموية فى التاريخ. [ج. ليفى دى لا فيدا Levi de Vida] الأمويون فى الأندلس يقول المؤرخون العرب إن بنى أمية -أو بنى مروان، وهم أبناء الأمويين فى الشام- أسسوا إمبراطورية إسلامية فى بلاد الأندلس وحكموها من القرن

الثامن إلى القرن الحادى عشر متخذين قرطبة عاصمة لهم. وعودة الأمويين إلى الحكم فى أقصى المغرب من بلاد الإسلام بعد أن قضى عليهم العباسيون فى المشرق حادث من أروع الحوادث فى تاريخ العرب فى العصور الوسطى. وهذه الأسرة هى التى ساعدت على فصل بلاد الأندلس الإسلامية عن باقى بلاد العرب وجعلتها وحدة سياسية حقيقية، وهى التى طبعت هذه البلاد بالطابع الشامى فوق ما لها من مسحة اجتماعية خاصة. وبفضل همة أمرائها استطاعت أن تقاوم مشروعات العباسيين ثم الفاطميين. ولم تلن قناتها إلا أخيرًا بعد أن أنهكتها الحروب، لأنها أخفقت فى كبح جماح الجنود المرتزقة، ولم توقفهم عند حدودهم قبل أن يستفحل الأمر فمكنتهم من إقامة دكتاتورية وراثية إلى جانبها. ويمكن أن نقسم تاريخ الأمويين فى الأندلس إلى ثلاثة عصور كبرى: (1) عمر الأمراء المستقلين فى قرطبة (2) وعصر الخلافة (3) وعصر تدهور الأسرة وسقوطها. وسنتكلم عن ذلك باختصار. ثبت بتاريخ الأمويين فى الأندلس (1) عبد الرحمن الأول الملقب بالداخل: حكم من 138 - 172 هـ (756 - 788 م). (2) هشام الأول: حكم من 172 - 180 هـ (788 - 796). (3) الحكم الأول: حكم من 180 - 206 هـ (796 - 822). (4) عبد الرحمن الثانى: حكم من 206 - 238 هـ (822 - 852). (5) محمد الأول: حكم من 238 - 273 هـ (852 - 886). (6) المنذر: حكم من 273 - 275 هـ (886 - 888). (7) عبد الله: حكم من 275 - 300 هـ (888 - 912). (8) عبد الرحمن الثالث الناصر لدين الله: حكم من 300 - 350 هـ (912 - 961). (9) الحكم الثانى المستنصر بالله: حكم من 350 - 366 هـ (961 - 976).

(10) هشام الثانى المؤيد بالله: حكم من 366 - 399 هـ (976 - 1009) ومن 400 - 403 هـ (1010 - 1013). (11) محمد الثانى المهدى: حكم من 399 - 400 هـ (1009 - 1010). (12) سليمان المستعين بالله: حكم من 399 - 407 هـ (1009 - 1016). (13) عبد الرحمن الرابع المرتضى: حكم من 407 - 409 هـ (1017 - 1019). (14) عبد الرحمن الخامس المستظهر بالله: حكم فى 414 هـ (1023). (15) محمد الثالث المستكفى بالله حكم من 414 - 416 هـ (1023 - 1025). (16) هشام الثالث المعتد بالله: حكم من 318 - 422 هـ (1027 - 1031). (1) عصر الأمراء المستقلين فى قرطبة يذكر المؤرخون فى العادة أن عبد الرحمن الأول بن معاوية بن هشام الذى يلقبونه بالداخل أسس إمارة أموية فى قرطبة عام 138 هـ (756 م). وبينما بنو العباس يضطهدون أهله وعشيرته استطاع، وهو لايزال فتى، أن يفر خفية إلى فلسطين ومنها إلى مصر وإفريقية يصحبه مولاه بدر، وسرعان ما اضطر إلى الفرار من القيروان حيث تعرض لاضطهاد الوالى عبد الرحمن بن حبيب، وذهب إلى المغرب فلبث زمنًا فى تاهرت مقيما فى قصر بنى رستم. وأكرمته قبائل بربرية كثيرة منها مكناسة ونفزة. وظهرت من عبد الرحمن رغبة فى الاشتغال بالسياسة منذ أن وطئت قدمه أرض إفريقية. وكان يشجعه على ذلك مولاه بدر، ولكن مطامعه السياسية لم تجد فى المغرب أرضًا صالحة فاتجه نظره بالطبع إلى الأندلس. كان عبد الرحمن رجلا قوى الاستعداد شديد الذكاء مرهف الحس فى الأمور السياسية فاستطاع أن يستغل المنافسات التى ظلت سنين عديدة فى إحداث شقة واسعة بين بنى قيس اليمانية الذين استوطنوا بلاد

الأندلس. ثم إنه لم يجد مشقة فى كسب تأييد أتباع بنى أمية الذين جاءوا قبله ببضع سنين مع بلج بن بشر وكان عددهم يقرب من الخمسمائة انتشروا بين الجند فى البيرة وجيان جنوبى شرق الأندلس. وكان حاكم بلاد الأندلس فى ذلك الحين يوسف بن عبد الرحمن الفهرى، الذى كان يستمد سلطانه من زعيم بنى قيس فى الأندلس وهو الصَّميل الكلابى. ولما رأى عبد الرحمن أن الوقت قد تهيأ لأن يدخل بلاد الأندلس مطالبًا بالحق فى الملك، غادر المغرب ونزل فى المنُكبَّ " Alminecar" فى ربيع الثانى عام 138 هـ (سبتمبر عام 755) ولقى من الترحيب فوق ما كان يرجو، ووقف لمناهضة يوسف الفهرى. وبعد اجتماعات وحروب ومفاوضات -يستطيع القاريء أن يرجع إلى تفاصيلها فى كتب مؤرخى العرب- نودى بعبدالرحمن أميرًا فى العاشر من ذى الحجة عام 138 (15 مايو سنة 756) فى مدينة قرطبة وهى المقر القديم لحكام العرب. وحكم عبد الرحمن مؤسس الإمارة الأموية فى قرطبة مدة تزيد على ثلاثة وثلاثين عامًا، قضى أول هذه المدة فى توطيد مركزه فى العاصمة. وذاعت أخبار نجاحه فى بلاد المشرق كلها، فأتى إلى بلاد الأندلس سيل متدفق من أتباع الأمويين وأنصارهم ليقوموا بنصيبهم فى إعادة دولة بنى أمية فى الأندلس بعد أن سقطت فى الشام. ولكن سرعان ما نشأت اضطرابات سياسية كان لابد لأمير قرطبة من التغلب عليها، فكان عليه أولا أن يخضع يوسف الفهرى الذى لم يرضى بالهزيمة فحاول أن يستولى على قرطبة بعد أن جمع حوله فئة من الأتباع، ولكنه هزم 141 هـ (758 م) وقتل فى العام التالى فى إقليم طليطلة. وظلت الفتن تنتشر فى كل نواحى الأندلس من وراء ستار، كما كانت الحال أيام الولاة. وكانت الاضطرابات تنشأ باستمرار يوقظها طوائف المولدين من الأسيان الذين دخلوا فى الإسلام حديثا. وفوق هذا كان البربر والعرب لا يلقون سلاحهم بسبب الأحقاد القبلية، فكان لابد لعبد الرحمن من أن يخمد

فتن اليمانية وبنى فهر الذين انضووا تحت لواء العلاء بن مغيث الجذامى عام 146 هـ (763 م)، ثم فتن البربر يقودهم شقيا الذى ثار فى شنتبرية عام 152 هـ (769 م) وحال دون انتشار أى اضطراب فيها. وفى النصف الثانى من حكم عبد الرحمن الأول اتحد بعض كبار العرب فى شرقى الأندلس واستنجدوا بشرلمان، فعبر شرلمان جبال البرانس بنفسه على رأس جيش، وحاصر سرقسطة عام 162 هـ (778 م) ولكن سرعان ما اضطر إلى العودة إلى الرين، فرفع الحصار، ومنى فى رجوعه إلى فرنسا بالهزيمة المشهورة التى تقترن بذكرى رولاند والتى نشأت عن كمين نصبه له الباسك عند ممر رونسفو. وانتهز عبد الرحمن فرصة عودة شرلمان فحاصر سرقسطة بدوره واحتلها عا م 164 هـ (780 م) ولكن احتلاله لها كان قصير الأجل. ثم وجه حملة ضد الباسك كللت بالنجاح. ولما مات مؤسس الدولة الأموية الجديدة عام 172 هـ (788 م) كانت مملكة قرطبة قد قامت على أساس قوى من الوجهة السياسية ومن حيث سيادتها لبقاع معينة، وصار لها جيش قوى. ونجاح ذلك الرجل الذى خرج على وجهه من الشام، وقدرته العجيبة على إنشاء مملكة لنفسه ونشر السلام فيها، نالا إعجاب كل مؤرخى العرب فلقبوه "صقر قريش". وكان نشر السلام فى ربوع المملكة الجديدة أكبر همّ لخلفاء عبد الرحمن الأول. وبعد موته انتقل الحكم إلى ابنه هشام الأول فلم يزد حكمه على السبع سنين إلا قليلا، لأنه مات شابًا عام 180 هـ (796 م). وكان لابد له أولا من التغلب على إخوته الذين أرادوا الاستئثار بالحكم فأرسل حملتين صائفتين عامى 177 هـ (793 م) و 179 هـ (795 م) إحداهما ضد نربون والأخرى ضد جليقية Galicia. والمؤرخون يذكرون أن هشاما الأول كان أميرًا نبيلا جم الفضل، ويأسفون لأن حكمه لم يطل. وجاء بعده ابنه الحَكم الأول فلبث فى الحكم ستة وعشرين عامًا،

ولا نعرف على وجه اليقين إن كان هو الذى أدخل مذهب المالكية فى الأندلس أم أبوه. والمذهب الذى كان متبعًا حتى ذلك الحين فى تلك البلاد هو مذهب الأوزاعى، وأيا ما كان الأمر فإن الفقهاء لم يصر لهم شأن خطير وكلمة مسموعة عند الحاكم إلا عندما آل الأمر إلى الحكم. وكان هذا الأمير -خلافًا لأبيه- قليل الميل إلى الفقهاء، وسرعان ما وقف فى وجههم وأثبت لهم قدرته على مخالفة آرائهم. ولكن الفقهاء صمموا على مقاومته فانضموا إلى فريق آخر من المتذمرين هم المولدون، وصاروا -إلى حد ما، وباسم الإسلام- أبطالا للقومية الأسبانية. وكان الحكم رجلا قوى الهمة ثابت العزم فأدت معارضتهم له إلى سلسلة من الإجراءات القاسية اتخذها الحكم بشدة لا هوادة فيها فى الجزء الأكبر من حكمه. وقامت أول فتنة فى قرطبة ذاتها عام 189 هـ (805 م). فقام متآمرون من الأشراف يستحثهم الفقهاء، وحاولوا أن يخلعوا الحكم عن العرش ولكن مؤامرتهم اكتشفت، وقمع الحكم أولئك الثائرين بشدة عظيمة، وفى العام التالى استولى الحكم على " Merida" ماردة، وأخمد فتنة أخرى فى قرطبة أراق فيها الدماء. وفى عام 191 هـ (807 م) وقعت فى طليطلة وقعة الحفرة المشهورة، وكان أهل هذه المدينة من أول الحكم الأموى فى ثورة لاتهدأ حتى تقوم، فأرسل الحكم اليهم عمروس ليحكم وكان من رجاله المخلصين، فنصب كمينًا لسادة طليطلة بعد أن أقر سيده هذه الخطة، ولم يحرج منه أحد على قيد الحياة. على أن الذى يكشف عن عزيمة حفيد عبد الرحمن التى لا تلين هى وقعة الربض. ووطّن الحكم عزمه ليقضين على جراثيم الفتنة فى العاصمة قضاء مبرمًا، فجمع حوله حرسًا من الجنود المرتزقة يسمون "الخُرْس". وأقاموا حكم الإرهاب فى قرطبة، وظل التذمر فى زيادة مستمرة، وفى عام 202 هـ (817 م) نشبت ثورة واسعة النطاق فى الضاحية الجنوبية للعاصمة على شاطئ الوادى الكبير، وذلك أن الفقهاء بزعامة

يحيى بن يحيى أهاجوا الدهماء فقام هؤلاء يحاولون أن يأخذوا قصر الأمير، ولكن سرعان ما طوقتهم جنود الحكم وأخذوا عليهم السبل. وقرر الأمير لساعته أن ينفى من أرض الأندلس كل سكان ربض قرطبة الذين نجوا من المذبحة، فهاجر عشرون ألف أسرة ذهب ثلثاهم إلى مصر ومنها إلى "إقريطش"، وذهب الباقون إلى فاس واستوطنوا الحى الذى يسمى عدوة الأندلس. ثم هدم الربض وحظر على الناس أن يعيدوا بناء شئ فيه. وأثّر إخماد الفتنة -على هذه الطريقة العنيفة- فى العالم الإسلامى تأثيرًا كبيرًا حتى أن المؤرخين يسمون الحكم الأول "بالربضى". وقد أنفق الحكم معظم أيام حكمه فى القضاء على الفتن الداخلية التى كان يوقد نارها المولدون المتذمرون يحرضهم الفقهاء من وراء ستار، واستطاع بهمته أن يتغلب على كل شئ. ولكن لما كان باله مشغولا بالمشاكل الداخلية دائمًا لم يستطع أن يحمى ثغور بلاده حماية كافية فى طول أيام حكمه؛ ولهذا نجد مملكتى أشتورية وجليقية تتقدمان نحو الجنوب تقدما واضحا، وانتزع دوق أكويتانيا برشلونة من يد المسلمين عام 185 هـ (801 م). ثم جاء بعد الحكم ابنه عبد الرحمن الثانى فكان مخالفًا لأبيه كل المخالفة. وامتد حكمه من 206 إلى 238 هـ (822 - 862 م). وكان ضعيفًا جدًا، فلم يستطع أن يقبض على زمام الأمور. ونشأ عن عهد هذا الأمير الضعيف أن تجددت الحركة القومية. ففى عهده وجد المستعربون من أهل الأندلس الذين ظلوا على دينهم المسيحى أن فى قدرتهم أن يخرجوا على الأمير بتحريض إيولوجيو Eulogio والفارو- Al varo. فلما أرادت الحكومة الإسلامية أن تقمع ثورتهم هبط على الأندلس -وخصوصًا على قرطبة- بين عامى 236 - 238 هـ (850 - 852 م) سيل من المتطوعين يريدون الاستشهاد فى سبيل الدين، ودعا الأمير الأموى مؤتمرًا حاول أن يصد هذا التيار. وكان على الأمير -إلى جانب مقاومة

الجماعات المسيحية المناوئة له- أن يتغلب على ثورات جديدة قام بها المولدون، فكان لابد له من أن يستعيد ماردة وطليطلة بالقوة. وفى عهده أيضًا ظهر فى الأندلس لأول مرة النورمانديون الذين يسميهم المسلمون "المجوس". وفى عام 230 هـ (844 م) استولى غزاة النورمانديين على إشبيلية، وعقدت هدنة بين قائدهم وبين أمير قرطبة الذى أرسل إليهم سفيرًا هو يحيى بن الحكم الغزّال. ولما مات عبد الرحمن الثانى عام 238 هـ (852 م) خلفه على عرش قرطبة ابنه محمد الأول، فحكم إلى عام 273 هـ (886 م)، وامتاز عهده بثورات داخلية متوالية كانت تزداد رغم قسوته؛ فقام المستعربون بثورة عند توليه الملك. وبدأ الأمير يضطهد الطوائف المسيحية فاستغاث مسيحيو طليطلة بليو أوردونيو الأول " Leo Ordono" فسير إليهم جيشًا على رأسه الكونت بيرزو " Bierz" وقطعت جنود المسلمين عليه الطريق عام 240 هـ (854 م) فى موقعة وادى سليط. ولم تقف ثورات المسيحيين إلا عام 245 هـ (859 م) وبعد موت إيولوجيو وليوقريطيا " Leocritia". ولكن زادت القلاقل السياسية فى إمارة قرطبة، وأخذت حركات العصيان تظهر شيئاً فشيئا فى جميع الولايات التى كانت خاضعة نظريًا لقرطبة. وكان يقود هذه الحركات المولدون الذين ظهروا فى ثوب حكام مستقلين وأبطال قوميين. وظل أمراء قرطبة مشغولين حتى أول القرن العاشر بثورات أشراف المولدين وبدعاوى البيوتات العربية الكبيرة بعد ذلك. وفى عهد محمد الأول بدأت ثورة طويلة الأجل فى جنوب غربى الأندلس كان على رأسها زعيم مستقل هو عمر ابن حفصون. وسرعان ما صار له السلطان المطلق على جميع البلاد الجبلية التى تقع بين رُنْدَة " Ronda" ومالقة. وأنشأ مقرًا له فى قلعة بباشتر " Bobastro" الحصينة، وظل ينازع الحكومة الإسلامية المركزية إلا فى فترات هدنة قصيرة. وسرعان ما اعترف الثائرون فى كل بلاد الأندلس أنه زعيمهم غير مدافع.

وكان حكم المنذر ابن محمد الأول وخليفته قصير الأمد (273 - 275 هـ = 886 - 888 م)، قضاه كله فى محاربة ابن حفصون الذى كان نفوذه يزداد يومًا بعد يوم، وفى محاصرة قلعة بباشتر التى كانت خليقة بأن تتكلل بالنجاح لولا أن المنية عاجلت الأمير. ويظهر أنه مات مسمومًا بيد أخيه عبد الله الذى تولى الحكم بعده. أما عن حكم عبد الله (275 - 300 هـ = 888 - 912 م) فيقال بحق أنه مرحلة هامة فى إعادة السكينة إلى مملكة قرطبة، رغم أن عهده يبدو خافت النور بالنسبة لعظمة عهد حفيده وخليفته عبد الرحمن الثالث الملقب بالناصر. ولا شك أنه كان شديد القسوة فى قمع كل من أراد خلعه عن العرش ولو كانوا إخوته، شأنه فى هذا شأن كل أمراء ذلك العهد. ولكنه كان يواجه أخطارًا عديدة، ويكافح حركات اضطر أسلافه إلى مكافحتها وكانت تزداد قوة إلى أيامه، واستغرقت ثورة ابن حفصون وحدها معظم أيام حكمه. ومن جهة أخرى فإن إشبيلية، رغم قربها من قرطبة، كانت على وشك أن تخرج على الحكم الأموى. وكان الحزب الأسبانى والحزب العربى فيها يُضعفان باستمرار سلطة الحاكم الذى ترسله قرطبة. وكانا يطلقان على المدينة طوائف البربر الذين كانوا ينزلون فى الجبال المجاورة. ثم اشتدت عداوة القبائل العربية الكبرى كبنى حجاج وبنى خلدون، وصارت تقض مضجع الأمير شيئاً فشيئًا. وكان رؤساء هذه القبائل أصحاب أراض واسعة، ولهم أتباع مخلصون كثيرون يستطيعون تسليحهم إذا استلزم الأمر ذلك. ولم يكد عبد الله يستقر على عرش الإمارة حتى قام كريب بن خلدون رئيس القبيلة الثانية وأهاج إقليم الشرف كله، وضم إليه زعيم بنى حجاج. ثم عقد محالفة مع الأمير واتفق معه على مهاجمة المولدين فى إشبيلية وأنزل بها الدمار عام 278 هـ (891 م)، ولكن خضوعه كان قصير الأمد. وفى عام 286 هـ (899 م) وقعت منازعات بين زعماء الأسرتين الكبيرتين

فى إشبيلية. وبعد أن تخلص إبراهيم ابن حجاج من كُرَيب منافسه، عقد محالفة مع ابن حفصون قائد الثورة فى الجنوب الشرقى، واستطاع عبد الله أن يخضع ابن حفصون، ولكنه اضطر إلى منحه امتيازات عديدة حتى أنه أصبح فى الواقع مستقلا بحكم إشبيلية. وفى هذا العصر زاد نفوذ الأشراف -وهم حكام إقطاعيون كانوا يتبعون أمير قرطبة من الوجهة النظرية- فساعد ذلك على إضعاف سلطانه. وكان أهم هؤلاء الأشراف صاحب سرقسطة وإقليش ووشقة وأكسونبة Ocsonoba فى الجنوب الغربى. اما ابن حفصون فإنه بعد أن أظهر شيئاً من الخضوع فى أول حكم عبد الله عاد إلى مناوأة الحكومة، وساعده مسيحيو قرطبة ورئيسهم الكونت سرفاندو، فامتد سلطانه إلى الجنوب حتى أصبحت العاصمة نفسها مهددة بالخطر، ولم يكن بد من الركون إلى العمل الحازم. وفى عام 278 هـ (891 م) زحف الأمير عبد الله على حصن بولي poly جنوبى قرطبة - واسمه الآن أكَولار Agwlar - وكان ابن حفصون قد اتخذه مقرًا له، وأرغم هذا الثائر على الالتجاء إلى قلعة بباشتر، وكان هذا النجاح سببًا فى تقوية سلطان الأمير، وساعده على إخضاع كورات إستجه وأرشذونة وإلبيرة وجيَّان مدة قصيرة. وظل الأمير إلى آخر حكمه ينشر السلام فى بلاده ويصل فى ذلك إلى نتائج مختلفة، ولكن همته لم تفتر، ولم يدع خصومه الثائرين يهدأ لهم بال، ونجح بالتدريج فى توطيد سلطانه، وفصم عروة خصوم بنى أمية. لما مات فى صفر عام 300 هـ (912 م) كان الموقف أكثر استقرارًا من ذى قبل. فقد مهد السبيل إلى نشر السلام فى ربوع الأندلس، وكان من أنشط العاملين على ذلك. وجاء حفيده فأكمل فى الجزء الأول من حكمه ما بدأه عبد الله. (2) خلافة الأمويين فى الأندلس لما تولى عبد الرحمن الثالث بن محمد الأمر بعد جده عبد الله، كان فى الثالثة والعشرين من عمره. ورغم أنه كان

فتى فإن جده اختاره خليفة له لما كان له من عظيم الصفات، فكان اختيارًا صادف أهله. وليس فى تاريخ العصر الإسلامى فى الأندلس عهد أزهى وأبهر من عهد عبد الرحمن الثالث. كان حكمه طويلا، فقد حكم نصف قرن: من 300 - 350 هـ (912 - 961 م)، فتمكن الأمير من تنفيذ سياسته تنفيذا متواصلا منقطع النظير، وساعدته هذه المزايا على أن يخمد مراكز الثورة المختلفة التى كانت لاتهدأ فى الأندلس، منذ أن دخلها المسلمون؛ وظلت البلاد هادئة عشرات السنين. وفى عهد عبد الرحمن الثالث وخليفته الحكم الثانى، وفى العهد الذى كان الأمر فيه فى قبضة المنصور والمظفر الدكتاتورين العامريين، بلغ ملك المسلمين فى الأندلس أوج عظمته، ولم تستطع الأندلس بعد ذلك أن تصل إلى النفوذ السياسى والمدنية الزاهرة اللذين بلغتهما فى عهد هذين الأميرين، ولا فى أن يكون لها الشأن الأول فى الغرب وأوروبا وإفريقية. ولا نريد تفصيل القول فى عهد عبد الرحمن الثالث، بل حسبنا أن نقتصر على دراسة أهم ما فيه. ونستطيع أن نقسمه إلى عصرين كبيرين: أولهما عمر إعادة السلام إلى البلاد، وقد تم فيه تحقيق الوحدة السياسية فى الإمبراطوية القرطبية. والعصر الثانى أطول من الأول، وأكثر ما يميزه الاشتغال بالشئون الخارجية وبالعلاقات بالممالك المسيحية فى الشمال، وبشمالى إفريقية الذى كان يحكمه الفاطميون. ولما اعتلى عبد الرحمن الثالث العرش، بدأ فى العمل، ورسم لنفسه برنامجًا يقوم على القضاء على الثورات التى كانت تروى أرض الأندلس بالدماء منذ قيام الدولة الأموية، وعلى أن يشل سلطان أشراف العرب الأقوياء، وأن يحمى الثغور الإسلامية فى الشمال. وقد نفذ برنامجه جزءًا جزءًا. وفى العام الأول من حكمه استولى على إستجة، ودك حصونها. وقام بغزوة أخرى كانت نتيجتها الاستيلاء على قلعة مونتليون Monteleon الحصينة، ونشر السكينة فى إقليمى جَيَّان

وإلبيرة. وظل يخضع جنوب الأندلس إلى عام 305 هـ (917 م)، فخضعت له إشبيلية وبعدها قرمونة. ثم مات عمر ابن حفصون قائد الثورة الهرم، وحاول أبناؤه جعفر وسليمان وحفص أن يستمروا فى الكفاح، ولكن لم تكن لهم ثقة عظيمة فى نجاح أسلحتهم. وكانت النتيجة أن استولى عبد الرحمن على بباشتر بعد أن حاصرها بنفسه عام 315 هـ (أوائل 928 م)، وسقطت طليطلة آخر حصن للثورة بعد ذلك بخمس سنين. وكان أسلاف عبد الرحمن قد اضطروا إلى أن يمنحوها نوعًا من الاستقلال السياسى، ولكنه ضيق عليها الخناق حتى سلمت أخيراً عام 320 هـ (932 م). على أن الأمير لم يغفل فى الوقت نفسه عن مطامع الملك المسيحية فى الشمال، ولاسيما مملكة ليون التى رسمت لنفسها برنامجاً للتوسع العمرانى، والتى كان يحكمها أوردونيو الثانى، وهو أمير طموح نشيط. واستولى أوردونيو على قلعة الحنش فى جنوب ماردة Merida. وبعد ذلك بقليل تمكن بمساعدة سانخو ملك (نبارة) نافار، من أن يرسل حملة إلى إقليمى تطيلة وفلتييره Valtierre. ولكن عبد الرحمن الثالث صد تقدمهما وأحرز انتصارات متوالية فى عام 308 هـ (920 م) بأن استولى على قلاع أوسمه وشنت اشتبان وكلونية وقرقر وقلهرة ومويز وانتصر فى وادى جنقويرة. وبعد ذلك بأربع سنين اعتدى أهل ليون من جديد، فانتهز الأمير فرصة الاضطرابات التى قامت فى ذلك البلد المسيحى بسبب ولاية الملك بعد أوردونيو الثانى، وأصلح الموقف لمنفعته فى حرب كللت بالنصر. وكان عبد الرحمن طوال الجزء الأول من حكمه يرقب الحوادث فى إفريقية عن كثب ويقيم الحصون على الشواطئ، وينظم أسطولا قويا، وهو بذلك يستعد لغزوات الفاطميين التى قد تقع بعد أن أتى ضدهم أعمالا تدل على عداوة ظاهرة. ولكى يبرز هذه العداوة فى صورة أقوى، اتخذ لنفسه

لقب أمير المؤمنين عام 316 هـ (929 م) بعد أن كان أسلافه، بل هو نفسه، من قبل قانعين بلقب الإمارة فقط. وكانت المملكة القرطبية الصغيرة قد صارت فى الوقت نفسه إمبراطورية إسلامية عظيمة، وتمت بذلك عودة الخلافة الأموية إلى الأندلس، بعد أن انقضى أمرها فى دمشق، واتخذ لنفسه أيضاً لقباً تشريفياً فسمى نفسه الناصر لدين الله (انظر Espagne musulmane: E. Levi Provencal du Xeme siecle، طبعة باريس 1932 م، ص 45 وما بعدها). وبعد ذلك بقليل استولى الخليفة عام (931 م) على قلعة سبتة وهى على شاطئ إفريقية، وعين لها حاكماً وأقام بها حامية، وكان هذا مبدأ غارة الأمويين على المغرب الأقصى. وقبل ذلك بعدة سنين كان حكام مملكة نكور قد طلبوا الانضواء تحت لواء الخليفة الأموى فأجيبوا إلى ذلك. على أن الناصر لم يقف عند هذا الحد واستطاع أن يضم إلى جانبه أمراء الولايات الصغيرة الذين كانوا يحاولون مقاومة غزاة الفاطميين، واستطاع بفضل محالفة عقدها مع المغراوة أن يخضع كل بلاد المغرب الأوسط ماعدا إقليم تاهرت. ولا نرى لعبد الرحمن فى الجزء الثانى من عهده أعمالا كثيرة قام بها بنفسه. على أن الأحزاب أخذت تنشأ حينذاك فى قلب الإمبراطورية قرطبة المتحدة الهادئة. ولم يكن لها شأن يذكر فى أول أمرها، ولكنها صارت أخيرًا سببًا لاضطرابات عظيمة فى الشئون الداخلية للخلافة. وكان من هذه الأحزاب حزب الصقالبة وحزب البربر. والصقالبة أسرى أخذوا فى شرقى أوربا وإيطاليا وشمالى الأندلس، وسرعان ما صاروا طائفة كبيرة فى قرطبة، نجدهم فى عهد الناصر يتبوءون مناصب عالية فى الدولة، بل وفى الجيش. ويظهر أن الخليفة استعان بالصقالبة -الذين أيدوه فى أول الأمر- فى الحد من سطوة أشراف العرب

القدماء، بل وفى محو آثارها؛ فمثلًا نجد الخليفة فى 327 هـ (939 م) يسند قيادة حملة حربية هامة إلى"نجدة الصقلبى". ولكنه ندم على ذلك فيما بعد؛ لأن جنود المسلمين فى هذه المرة ذاقت أول نكبة إبان حكمه: هزمهم أهل ليون وحلفاؤهم أهل نبارة بقيادة رميرو الثاني، وكان ذلك فى شنت مانكس والخندق. ومن ذلك الحين كانت سياسة الناصر إزاء الممالك المسيحية مقصورة على انتهاز كل فرصة ممكنة، سياسة منطوية على اليقظة والحذر. ثم نشبت الحرب الأهلية فى شمالى أسبانيا بسبب الحقد المتأصل بين رميرو الثاني وفرنان أمير قشتالة. ولما مات ملك ليون اقتلر ولداه - أوردونيو Ordono الثالث وسانخو sancho - على الملك. ولكى يتفرغ أولهما للتغلب على أخيه الذى كانت تؤيده قشتالة، عقد مع عبد الرحمن معاهدة سلام فى صالح الخليفة، وتعهد بأن يدفع له جزية منتظمة. ولما مات أوردونيو الثالث عام 955 هـ خلفه سانخو. ونظرًا لكراهية الأشراف له وهزيمته أمام جيوش الخليفة، اضطر إلى أن يلجا إلى بمبلونة مع توتا ملكة نبارة العجوز. وبعد ذلك لجأ إلى عبد الرحمن الناصر ليساعده على استعادة مملكته التى استولى عليها أوردونيو الرابع، فبدأت المفاوضات وأتى سانخو وتوتا إلى قرطبة يطلبان العون من الخليفة، واضطر ملك ليون أن ينزل عن عشر قلاع فى مقابل إمداد الخليفة له بجنود ساعدته على أخذ سمورة عام 959 م، أوبيط Oviedo فى السنة التالية. على أن خطر الفاطميين الذى كان يهدد الأندلس لم تختف كل معالمه؛ ففى عا م 343 هـ (954 م) أرسل الخليفة الفاطمى المعز وإليه على صقلية ليغير على ثغور الأندلس. وأجاب الناصر على ذلك بأن أمَّر"غالبا" -وهو واحد من أنصاره المخلصين- على أسطول يتألف من سبعين سفينة، سارت وأحرقت مرسى الخرز، قرب القلعة على ساحل إفريقية الشمالية. ومات عبد الرحمن الثالث الناصر فى اليوم الثاني من رمضان عام. 350 هـ (15 مايو 961 م) وكان فى الثالثة والسبعين من عمره.

ثم جاء بعده ابنه الحكم الثانى المستنصر بالله، وولى الخلافة وهو يقارب الخمسين، فواصل أعمال أَبيه. وكان ملكًا ورعا. عالمًا، يقترن اسمه خاصة بمسجد قرطبة؛ لأنه وسعه وزينه بالزخارف، وأنفق عليه مبالغ طائلة وأحضر له مهرة الصناع وغالى المواد من بلاد البحر المتوسط ومن بوزنطة. وكان أكبر همّ أَبيه متجهًا إلى تشييد المبانى العامة وإقامة الحصون، وبنى مدينة الزهراء على مسافة ثلاثة أميال شمالى غريب قرطبة لتكون مقرًا له. وكانت محبة الحكم الثانى للعلم سببًا فى أن يميل إلى الحياة الهادئة من أول الأمر، ولكن المؤرخين يبالغون فى تصويره خليفة لا يعنى بالأمور السياسية. وكان على الحكم أن يحافظ على الحالة التى ترك أبوه البلاد عليها، فلم يكن عليه إلَّا أن يراقب سير دواليب الحكومة من غير اضطراب. وقد نفذ برنامج أَبيه، وكان مترسما لخطاه فى أن لايظل متفرجًا لا يبدى حراكا أمام ما يقع فى شمالى أسبانيا وفى إفريقية. واستقبل الحكم الثانى أخا سانخو - واسمه أوردونيو الشرير Ordono the Wicked - استقبالًا فخمًا، وصار بالتدريج راعيًا لكل الأمراء المسيحيين فى الشمال كأنهم ولاة يتبعون له. وكان ساعده الأيمن فى السياسة حاجبه"المصحفى" وكبار الصقالبة، ولعله أسرف فى الثقة بهم إسرافًا يستحق عليه اللوم. وظلت الحكومة الأموية تبذل نشاطًا عظيمًا على شواطئ إفريقية، وكان يظن أن خطر الفاطميين قد زال عند ما رحل المعز إلى مصر، ولكن ممثليه بني صنهاج عادوا إلى مناوأة ولاة بني أمية فى إفريقية الشمالية. ومن جهة أخرى ظل أمراء الأدارسة فى إقليمى طنجة وأصيلا موالين للفاطميين، وقد قاوم حسن بن قَنُّون مقاومة طويلة، ولكنه أخذ فى قلعته"حجر النسر" وأرسل أسيرًا إلى قرطبة. ويمتاز عهد الحكم الثانى بتجدد محاولة النورمانديين (انظر المجوس) للدخول فى أسبانيا عام 355 هـ (966 م).

ثم أحس الحكم الثانى ببلوغه الكبر، فصار أكبر همه أن يحفظ الخلافة فى أبناء الأمويين. ولم يكن له سوى ابن واحد لا يزال فتى وهو هشام، فأخذ له من النَّاس البيعة ليتولى الخلافة من بعده، ومات بعد ذلك فى الثالث من صفر سنة 366 (الأول من أكتوبر سنة 986). وعهد هشام الثانى المؤيد بالله ثالث خلفاء بني أمية فى الأندلس هو عصر قيام دكتاتورية وراثية فى بني عامر. وقبضهم على السلطة المدنية والحربية، بعد زحزحة الخليفة إلى قصره وتجريده من الاضطلاع بمهام السياسة. والظروف التى نشأ فيها هذا الوضع الجديد بعد وفاة الحكم الثانى معقدة جدًا ولكنها معروفة تمامًا .. وحسب القول بأن ذلك الحاجب المشهور أبقى للخليفة الناشئ استعمال السلطة العليا من الوجهة النظرية ومع ذلك فإنه -مع مطامعه التى لم تكن تقف عند حد- لم يفكر فيما يظهر تفكيرًا جديًا فى خلعه والجلوس مكانه. فكانت كل الأعمال الرسمية تسير باسم هشام الثانى، ويظهر أنه لم يبد أقل ميل إلى مقاومة نفوذ بني عامر فى بلاده، والحقيقة أن ضعف الخلافة الأموية لم يظهر إلا بعوإن ذهب المنصور. وواصل المنصور سياسة عبد الرحمن الثالث والحكم الثانى باسم هشام الثانى، وطبعها بشخصيتة القوية، وأقام المنصور فى غربى بلاد البربر شبه نظام للحماية بحيث صارت نفقات إفريقية أقل ضغطا على ميزانية الخليفة. وكان المنصور قائدَا مظفرًا، شديد العداوة للممالك المسيحية، وكان يوجه ضدها الحملات فى كل عام تقريبًا حفظًا لهيبته. ونذكر من هذه الحملات حملة قطالونية عام 374 هـ (985) التى هزم فيها الكونت بوريل found Borrel. واستولى على برشلونة. وبعد ذلك بثلاث سنين تحول المنصور إلى ليون وحاكمها برموره الثانى - Ber mura II الذى خالف معاهدة بينه وبين قرطبة؛ فاستولى على قلمرية وليون وسمورة.

وكان للمنصور فخر الانتصار فى حملته الشهيرة على جليقية وفيها استولى على شئت ياقب فى 2 شعبان سنة 387 (10 أغسطس سنة 997). وفى عام 392 هـ (1002 م) قاد جيوشه إلى قشتالة فاستولى على قنالش Canates وسان ميلان ديلا كوجولا ومات فى مدينة سالم وهو عائد من حملته الظافرة فى السنة نفسها. تدهور الخلافة الأموية وسقوطها بعد موت المنصور عين هشام الثانى ابنه عبد الملك حاجبًا له، وكان قبل ذلك بسنين قد اشتهر فى إفريقية. وظلت بلاد الأندلس خلال السنين الست الأولى من استيلائه على السلطان يسودها السلام. وعزز عبد الملك جيش الخليفة بجنود جدد استحضر أكثرهم من إفريقية، وقام بحملات كثيرة ضد ممالك الشمال. ففى عام 393 هـ (1003) سير حملات متوالية على قطالونية، وفى عام 395 هـ (1005) وجهها إلى جليقية، وفى عام 396 هـ (1006) إلى بمبلونة، وفى عام 397 هـ (1007) إلى أهل قشتالة فهزمهم فى كلونية. وبعد هذه الحملة التى فاز فيها أخيرًا لقب نفسه بلقب تشريفى هو المظفر بالله. ورغم معارضة صامتة كانت فى قرطبة ضد استبداد بني عامر، ورغم مؤامرات عديدة قضى عليها سريعًا، فإن عبد الملك المظفر عمل على إطالة أَجل الخلافة الأموية بضع سنين. وكانت حياته شاذة من غير شك، ولكنها كانت بعيدة عن الأخطار الكبيرة فى الداخل أو الخارج، على أنه سرعان ما مات، ويقال إنه مات مسموما بإيعاز أخيه عبد الرحمن الذى خلفه بموافقة هشام الثانى الخليفة الضعيف. وكان عبد الرحمن ابنًا للمنصور من أميرة مسيحية تزوج بها هى ابنة سانخو Sancho ملك نبارة، ولذلك كان الحاجب الجديد يسمى سانخويلو Sanchuelo أى سانخو الصغيره وبعد قبضة على زمام الأمر بقليل من الزمن

جلب على نفسه كراهية شديدة من أهل قرطبة لتجاوزه الحدود التى حذر أبوه وأخوه قبله من مجاوزتها، فقد اعتز بتأييد جنود البربر فاستولى عليه جشع لم يكبح جماحه، وفكر فى أن يكون خلفًا لهشام الثانى وأن يلقب نفسه بلقب الخلافة، وكان الخليفة من الضعف بحيث أجاب طلب عبد الرحمن. وفى عام 399 هـ (1008) صدر مرسوم بجعل عبد الرحمن وليا للعهد على عرش قرطبة. وأثار هذا الإعلان البلاد جميعًا على بن ي عامر؛ فقام حرب المتذمرين، وزاد عددهم زيادة كبيرة بعد هذا الآمر الذى لم يكن يتوقعه أحد. وتولى القيادة أمراء بني أمية المحرومون من العرش، فانتهزوا سفر عبد الرحمن بن أبي عامر فى حملة على جليقية وأشعلوا الثورة فى العاصمة، وحاصروا قصر الخليفة وأرغموه على أن ينزل عن العرش لحفيد الناصر، وهو محمد بن هشام بن عبد الجبار الذى نودى به خليفة ولقب المهدي عام 399 هـ (1008). وأخلى الخليفة الجديد قصر بني عامر المسمى المدينة الزهراء وجعله دكا، وبعد ذلك بأيام أسرع عبد الرحمن راجعًا إلى قرطبة فقبض عليه على مسافة قليلة من العاصمة هو وحليفه المخلص الكونت كاريون Carrion Count ثم قتل. ومن ذلك الحسين إلى سقوط الخلافة -الذى لم يكن بعيدًا- سادت الحرب الأهلية فى قرطبة وإمبراطورية الخلفاء، وزاد العنصر البربرى بجنود صنهاجة التى أتى به ابن وعامر من إفريقية، وكان له شأن كبير فى الاضطرابات التى جاءت بعد ذلك. وبدلا من أن يعمل المهدي على مصالحة رؤساء الجنود المرتزقة أسخطهم بما أبداه لهم من الجفاء والاحتقار، ولا سيما بطرده عددًا كبيرًا من الأفريقيين من ديوان الجند، فانضم المتذمرون من دهماء قرطبة إلى هؤلاء المطرودين، واستمالوا أهل البلاد، وسرعان ما نادوا بخلافة أمير جديد هو سليمان بن الحكم بن سليمان بن عبد الرحمن الناصر ولقب المستعين بالله. واستولى البربر مع الخليفة

الجديد على قلعة رباح Calatrava ووادى الحجارة، وحاولوا عبثًا فى مدينة سالم أن يضموا القائد "واضحًا" إلى حركتهم، ولكنهم لجئوا إلى أهل قشتالة وأفلحوا فى استمالتهم، ثم عادوا إلى قرطبة بعد أن أمدهم أهل قشتالة بالقوة والمؤونة. وعجز المهدى عن صد زحفهم فوقعت العاصمة فى أيديهم، وقام زعيم صنهاجة زاوى بن زيرى بإجلاس سليمان المستعين على عرش الخلافة. على أن المهدى لم يعترف بالهزيمة، فاستعان بواضح وبكونت ريموند حاكم برشلونة والكونت أرمنجود حاكم أرجيل، وأغار على سليمان المستعين وأنصاره من البربر فى عقبة البقر جنوبى قرطبة، فأخذ عليهم السبل، وعاد ظافرًا إلى العاصمة بعد أن نهبها أهل قطالونية، ولكن البربر جمعوا شملهم واستولوا على ما بين البحر المتوسط ونهر الوادى الكبير. وعذب أهل قرطبة وما حولها. وأمام هذه الحوادث ألقى أهل قرطبة على خليفتهم المهدى تبعة الشرور التى حلت بهم، بعد أن صار ضعفه واضحًا لهم، فدبرت مؤامرة ذبح المهدى فيها، وأعيد هشام الثانى إلى العرش (ذو الحجة سنة 400 = يولية سنة 1010). وكان أول ما عني به هشام بعد عودته إلى الملك هو أن يعين واضحًا كبيرًا لوزرائه وأن يصالح البربر، فأبى هؤلاء وعادوا إلى حصار قرطبة، وظلت الحال على ذلك إلى عام 1013 م. وقد خلف لنا مؤرخو العرب تفاصيل وافية عن المؤامرات التى حيكت شباكها فى قرطبة، كما خلفوا لنا قصصًا كثيرة عن المحاصرين. واضطر أهل قرطبة آخر الأمر إلى التسلم، وأرغمهم البربر على تجديد يمين البيعة لسليمان المستعين. عين سليمان البربر فى مناصب الحجاب والوزراء، وأصاب أهل قرطبة اضطهاد لم يسبق له مثيل، وذهب آخر من نجا من الصقالبة الذين كانوا أيام بنى عامر إلى اللحاق بأقربائهم فى شرقى بلاد الأندلس. واتفق أهل قرطبة

على أن يسلموا مقاليد أمورهم إلى على بن حمود حاكم سبتة Ceuta' وهو من العلويين الطامحين - فانتهز عليّ فرصة تفرق البربر الذين كانوا يؤازرون المستعين، وزحف على قرطبة، واستولى عليها ونادى بنفسه خليفة عليها (406 هـ = 1016 م) وقتل المستعين. ولكن على ابن حمود قتل بعد ذلك بقليل ولم تكن السنون التالية لذلك أقل اضطرابًا، وطالب بالعرش بعد عليّ قاسمٌ بن حمود وابن أخيه يحيى بن على، وكان يطالب به من الأمويين عبد الرحمن الرابع بن محمد المرتضى، وعبد الرحمن الخامس المستظهر، ومحمَّد الثالث المستكفى، وهشام الثالث المعتد، وكانوا يقتسمون سلطانا مزلزل الدعائم حتى عام 420 هـ (1030 م). على أن بلاد الأندلس كلها ملت تغير الحكومة المستمر، وعزم أهل قرطبة على إلغاء الخلافة إلغاء تامًا. واختفى هشام الثانى، ويجوز أنه قتل أثناء إغارة على القصر أو هرب منه كما قيل، فترك الأندلس وذهب ليقضى ما بقي من أيامه مستخفيًا فى الشرق، ويصعب القطع والتدقيق فيما انتهت إليه حياته الخالية من العظمة. وأيا ما كان الأمر فإن دولة الأمويين فى الأندلس أخذت تتمزق بعد وحدتها السياسية منذ بدء القرن الحادى عشر، وسرعان ما أعلنت ولايات أسبانيا الإسلامية استقلالها تحت سلطان حكام من الأسبان أو الصقالبة أو البربر، وتكونت ممالك صغيرة يعرف عهدها بعهد ملوك الطوائف؛ أما قرطبة فسرعان ما صارت شبه جمهورية صغيرة تحولت بسرعة فى عهد بنى جهور وصار لها شأن. وعلى أى حال فإن بضع عشرات من السنين كانت كافية لهدم الدولة الوطيدة الأركان التى أقام بناءها أمراء بنى أمية العظام وأكبرهم عبد الرحمن الناصر، وهو من أعظم حكام العصور الوسطى وحكام الإسلام.

ملوك بنى أمية فى الأندلس هشام معاوية (1) عبد الرحمن الأول (2) هشام الأول (3) الحكم الأول (4) عبد الرحمن الثانى (5) محمد الأول (6) المنذر (7) عبد الله (8) عبد الرحمن الثالث (9) الحكم الثانى (10) هشام الثانى (11) محمد الثانى (12) سليمان (13) عبد الرحمن الرابع (14) عبد الرحمن الخامس (15) محمد الثالث (16) هشام الثالث المصادر: كان تاريخ بنى أمية فى الأندلس موضع عناية المؤرخين، فكتبوا فيه كتبًا كثيرة فى بلاد الأندلس ذاتها فى عهد بنى أمية وبعدهم أيضًا، ومن أسف أن الأيام لم تحفظ لنا كل هذه الكتب التى كان أهمها كتب الرازى وابن حيان. كتب أحمد بن محمد الرازى -الذى عاش فى النصف الأول من القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادى) - تاريخًا لملوك الأندلس الإسلامية أسماه "أخبار ملوك الأندلس"، وكان هذا الكتاب أكبر مصدر للمؤرخين من بعده. ونستطيع أن نذكر من المراجع التى كتبت فى الوقت نفسه الكتب الآتية، وذلك على حسب ترتيبها التاريخى: (1) كتاب لا يعرف مؤلفه واسمه: أخبار مجموعة (ترجمه إلى الأسبانية ونشره E. Lafuente y alcantra بمدريد 1867 بعنوان Ajbar machmua, cronica anonima del riglo XI، وهو تاريخ شائق يمثل الحوادث تمثيلا جيدًا، حافل بمعلومات يظهر أنها بريئة من الأساطير المختلطة بتاريخ المسلمين فى الأندلس حتى أيام عبد الرحمن الثالث. (2) كتاب افتتاح الأندلس لابن القوطية القرطبي المتوفى عام 368 هـ (977 م)

وهو يشمل تاريخ المسلمين فى الأندلس إلى أيام الناصر. وقد طبع فى مناسبات كثيرة، وترجمت أجزاء منه، وترجمه كله أخيرًا Ribera فى مدريد عام 1926. (3) ولحيان بن خلف بن حيان -وهو مؤرخ كبير تُوفِّي عام 496 هـ (1076 م) - كتاب عظيم اسمه "المقتبس فى تاريخ الأندلس" وآخر اسمه المتين. ولكن لم يخلص إلينا من ذلك إلا مخطوط لجزء واحد يتناول عهد الأمير عبد الله وهو محفوظ فى مكتبة بودليانا (وقد نشره Melchor. M. Atuna بعنو أن: ، - a L'his Textes arabes relatifs roire de L'occident musulman جـ 3، باريس 1932). وتوجد فى مكتبة الأكاديمية بمدريد نسخة من مخطوط وجد فى الآستانة يشمل جزءًا من عهد الحكم الثانى. ولحسن الحظ حفظت منه مقتبسات كثيرة فى كتب المؤرخين الذين جاءوا بعد ذلك وخصوصًا ابن بسام فى كتابه المسمى الذخيرة. (4) ولنذكر أَيضًا مما كتب فى الأندلس ذاتها "تاريخ قادس" من أعمال قرطبة لصاحبه الخشافى (ترجمه ونشره Ribera .J بعنوان Historia de los fueces de Cordoba، مدريد سنة 1914). (5) وبين سنة 1883 وسنة 1895 نشر J.Ribera و F. Codera كتاب Bib- liotheca arabio-hispona فى عشرة أجزاء جمعا فيه ما صنفه كتاب التراجم من أهل الأندلس. ولكن لا شك أن أوفى المراجع الخاصة بتاريخ الأمويين فى قرطبة كتابان متأخران نسبيًا أحدهما يرجع إلى القرن الرابع عشر وهو كتاب ابن عذارى المراكشى، وثانيهما يرجع إلى القرن السابع عشر وهو كتاب المقري، ويسمى الأول "البيان المغرب فى أخبار ملوك الأندلس والمغرب" وقد عرف من هذا الكتاب ثلاثة أجزاء اثنان منها يتناولان الأندلس، ويشمل أولهما تاريخ شبه الجزيرة منذ الفتح العربى إلى وفاة الحاجب المنصور بن أبي عامر. وهذا الجزء يعيد -كما أبان دوزى- كل الجزء الخاص بالأندلس فى كتاب لمؤرخ قرطبى من مؤرخى القرن العاشر هو عريب بن سعد الذى أكمل تاريخ الطبرى حتى انتهى به إلى عصره

(نشر دوزى كتاب عريب بعنوان Afrique et de 1'Espagane in- l' Histoire de titulee al Byano l - mogrib, طبعة ليدن سنة 1848 - 1851 وترجمة إلى الفرنسية E. Fagnan ونشره فى الجزائر سنة 1901 - 1904، وترجم بعضه إلى الأسبانية Fernandez Gonzalez, غرناطة 1862). والجزء الثانى يتناول تاريخ سقوط خلافة بنى أمية من أيام عبد الملك العامري وتاريخ ملوك الطوائف وقد عشر على هذا الجزء ونشره (بعنوان Tex- tes arabes relatifs a L'histoire de l'Occident musulman جـ 2، باريس 1930). والكتاب الثانى ليس أقل من "البيان المغرب" شأنًا فى دراسة تاريخ بنى أمية، وهو كتاب "نفح الطيب" للمقرى المغربى، نشر نصفه الأول دوزى وديجاوكربل ورايت بعنوان Analectes sur l'histoire et la litterature des arabes d'Espagne, ليدن 1855 - 1861 (وطبع فى بولاق سنة 1279 هـ وفى القاهرة ونشر مختصرًا له بالإنجليزية P. de Gayangos بعنوان The History of the Muhammedan Dynasties in Spain, لندن سنة 1840 - 1843. ويخصص ابن خلدون جزءًا من كتابه العبر لتاريخ بنى أمية فى الأندلس (طبعة القاهرة جزء 4, ص 116 - 155) على نحو ما فعل المؤرخون المتقدمون كابن الأثير فى كتابه الكامل (ترجمه F. Fagnan بعنوان (maghreb et de L'Espagne الجزائر سنة 1901) والنويرى فى كتابه نهاية الأرب History of Spain وقد نشره مع ترجمة أسبانية M.Gaspar Remiro فى غرناطة 1917 - 1919). ويمكن إكمال هذه العجالة فى المصادر العربية المتعلقة بتاريخ بنى أمية بالرجوع إلى كتاب F. Pons Boigues وهو قيم جدًا وإن أصبح اليوم من المراجع القديمة وهو - Ensayo bio - bib liografico sobre los historiandores y geografos arabigo- espanoles طبعة مدريد 1898, وإلى مختصر جيد كتبه Barrau - Dihigo واسمه Recherches sur l'hisotire Politique du royaume asturien تورز سنة 1921, ص 55 - 78. [ا. ليفى بروفنسال E. Levi - Provencal]

الأنبار

الأنبار مدينة على الضفة اليسرى لنهر الفرات، وعلى خط طول 43 ْ 43 َ شرقًا، وخط عرض 33 ْ 22.5 َ شمالا. ويجعل مؤرخو العرب المسافة بينها وبين بغداد على طريق البريد اثنى عشر فرسخًا (عشرة فى رواية ياقوت؛ انظر Streck: Babylonien، جـ 1، ص 8) ويقدرها موسل Musil (ص 248) باثنين وستين كيلو مترًا (38 ميلا). وتقوم الأنبار على النتوء الشمالى الغربى للسواد فى سهل ذى زرع بالقرب من الصحراء وبالقرب من أول قناة صالحة للملاحة تأخذ من الفرات إلى دجلة (نهر عيسى) وتهيمن على معبر هام على نهر الفرات (انظر Musil. ص 267 - 269 , 307 Strang Le فى Jour of the Roy. As. Soc، سنة 1895، ص 66). وترجع المدينة إلى العهد السابق للعهد الساسانى، ويقول مارسك Maricq إنها عين مشيك أو مسَكين، ولكن الجغرافيين العرب (البلاذرى، 249 - 250؛ ابن خرداذبه، ص 7؛ قدامة، ص 235) يفرّقون بين الاثنتين. أما القول بأن الأنبار من أصل بابلى (Explorations in Bible: Hilprecht Lands، فيلادلفيا سنة 1903، ص 298) فيفتقر إلى تأييد من أعمال التنقيب، ولو أننا يمكن أن نشاهد شمالى السهل مأخذ قناة قديمة ومحلة أوّلية (تل أسود حوالى 3000 ق م). وقد فطن سابور الأول (شابور، سنة 241 - 272 م) إلى أهمية الأنبار -من حيث هى رأس نظام الرى فى السواد والباب الغربى (من ناحية الإمبراطورية الرومانية) للقصبة- فأعاد بناءها، وجعلها مدينة ذات حامية مزودة بخطين من التحصينات وقلعة، وسماها فيروز سابور (بيروز شابور، أى شابور المظفّر) تخليدا لذكرى انتصاره على كورديان الرابع Gordian سنة 243 هـ Samarra: Herzfeld)، ص 12؛ Marciq, ص 47؛ وانظر المقدسى: البدء والتاريخ؛ حمزة، ص 49؛ الدينورى، ص 51). ويخطئ كتّاب آخرون فيرجعون الاسم إلى سابور الثانى (الطبرى، جـ 1، ص 839؛ ¬

_ (*) هوامش هذا المقال عبارة عن تعليقات تالية له وهى وما يليها نقد تفصيلى لما جاء فيه.

يَاقوت، جـ 1، ص 367؛ جـ 2، ص 919؛ حمد الله مستوفى، ص 37). ويظهر اسمها الرسمى بصيغة بيريسابورا عند أميّانوس ماركليّنوس Ammianus Marcellinus , وبصيغة "بيرسابورا" فى اليونانية عند زوسيموس Zosimos . وكذلك تستعمل الكلمة فى السريانية وعند اليهود. وقد احتفظ العرب بالاسم "فيروز سابور" للدلالة على الطسوّج الذى يكتنفها والتابع لولاية (أستان) العلَى (Lands: Le Strange , ص 56 - 66 Streck؛ جـ 1، ص 16, 19). والاسم أنبار (أى الهرى أو صومعة القمح فى الفارسية) دخل فى الاستعمال مع القرن السادس الميلادى بالنظر إلى الأهراء القائمة فى القلعة (Marciq, ص 115 - 116؛ البلاذرى، ص 296؛ ياقوت، جـ 1، ص 368, 749). وكانت مدينة الأنبار مترامية الأرجاء عامرة بالسكان، كما كانت المدينة الثَّانية فى العراق (أميانوس، جـ 24، ص 2)؛ وكانت مقر أسقف يعقوبى وأسقف نسطورى (انظر I.Guidi فى Zeitschr. der Deutsch. Morgenl. Ge sells جـ 43, ص 413) ومركزا يهوديًا هامًا (Musil, ص 3569؛ Marciq، ص 114؛ Jews in Bablonia: Newman , ص 14) وقد لعب البرج دورًا هامًا فى حملة الإمبراطور يوليان على فارس. وفتحت الأنبار فى وقت متقدم يرجع إلى سنة 12 هـ (634 م) على يد خالد، فقد طرد الحامية الفارسية وعقد معاهدة مع السكان (البلاذرى ص 245؛ الطبرى، جـ 1، ص 2059؛ Musil, ص 295, 308 - 390). وقد بنى المسجد الثالث فى العراق بالأنبار، بناه سعد بن أبي وقَّاص (البلاذرى، ص 289 - 290) ولما طلب منه عمر أن يقيم "دار هجرة" فى العراق فكر سعد أول الأمر فى الأنبار، ولكنه غير رأيه لأن الحمى والبراغيث كانا يوبئان المدينة (الدينورى ص 131؛ الطبرى؛ جـ 1، ص 2360). وقد طهَر الحَجَّاج قناة الأنبار (البلاذرى، ص 274 - 275, 333). وفى سنة 134 هـ (752 م) نقل أبو العباس مقر حكمه إلى الأنبار وشيد لجنده الخراسانية مدينة على نصف

فرسخ (حوالى 2.5 كليو متر) أعلى الأنبار، وأقام فى وسطها قصرًا (البلاذرى، ص 287؛ الدينورى، ص 273؛ الطبرى، جـ 3، ص 80)؛ وتوفى أبو العباس هناك، وهناك دفن (اليعقوبي، جـ 1، ص 434؛ البلاذرى، ص 283 وانظر المقدسى: البدء والتاريخ، جـ 4، ص 97). وأقام المنصور فى هذه المدينة قبل أن يؤسس بغداد سنة 145 هـ (762). وأقام الرشيد فى الأنبار مرتين (سنة 180 هـ = 799 هـ, 187 هـ = 803 م) وكان بعض سكانها من سلالة الخراسانية (الدينورى، ص 38؛ اليعقوبى، جـ 1، ص 510؛ الطبرى، جـ 3، ص 678). ويمكننا أن نحكم من خراجها بأن الأنبار كانت لا تزال زاهرة فى العقود الأولى من القرن الثالث الهجري (التاسع الميلادى؛ انظر ابن خرداذبه، ص 8، 42؛ قدامة، , ص 237). ولما ضعفت الخلافة تعرضت الأنبار لغارات البدو، فقد هاجموا المدينة سنة 269 هـ والطسّوج سنة 286 هـ (الطبرى؛ جـ 3، ص 2048, 2189). وقد أدى استيلاء أبي طاهر القرمطى عليها وتخريبها سنة 315 هـ (927 م) إلى سرعة اضمحلالها (المسعودى: التنبيه والإشراف، ص 382). وفى سنة 319 هـ (929 م) أحدث البدو بها تخريبًا كبيرًا (عريب، ص 158). ويصف الإصطخرى (ص 73) المدينة بأنها بلدة متواضعة وإن كانت عامرة، وأن الناظر لا يزال يشاهد بها بقايا العمائر التى أقامها أبو العباس. ويقول ابن حوقل (ص 277) إن الأنبار كانت تضمحل، ويروى المقدسى (ص 123) أن عدد سكانها كان قليلا. وكان معظم سكانها يشتغلون بالزراعة، ولكن المدينة كان لها بعض الأهمية التجارية لوقوعها على الطريقين البرى والنهرى الموصلين إلى الشَّام (اليعقوبى، ترجمة Wiet، ص 250؛ ابن حوقل، ص 166؛ Strange Le فى Journ of the Royal As Soc، سنة 1895، 14, 71؛ ابن خرداذبه، ص 154) كما كان بها بناة للسفن. وثمة حكايته أوردها ابن الساعي (597 هـ = 1200 م، ص 19 - 20) تبين أن المدينة كانت مقسمة أحياء وكل حى مسؤول عنه "شيخ". وفى سنة 1262 م نهب القائد المغولى

كربوقا الأنبار وذبح كثيرًا من سكانها (المقريزى: السلوك، طبعة كاترمير، جـ 1، قسم 5، ص 171 - 173) وظلت الأنبار فى عهد المغول مركزًا إداريًا. وقد شق الجويني قناة بالقرب من الأنبار حتى النجف. وكان لا يزال يشار إلى الأنبار فى النصف الثانى من القرن الثامن الهجري (الرابع عشر الميلادى؛ انظر الأَوْزَاعِيّ: العراق، جـ 1، ص 204, 337, 548) كقاعدة لطسّوج. وكان يحيط بها سور من اللبن (يشاهد جزء منه عند الطرف الشمالى للأطلال). وتقوم أطلال الأنبار على مسيرة خمسة كيلومترات من شمالى غريب الفالوجة (انظر Samarra: Musil, ص 13) وهى تمتد من الشمال الغربى إلى الجنوب الشرقى ومحيطها شكل غير مستو يبلغ حوالى ستة كيلومترات. وقد احتفظت الأطلال بالاسم الأنبار (Musil, ص 174؛ Obenneyer، ص 219؛ Ward فى Hebraica، جـ 2، شيكاغو سنة 1885, ص 83 وما بعدها). والبقايا بناء مربع محصن بنى باللبن الفرثى المجفف فى الشمس وهى تشاهد فى الركن الشمالى الشرقى. ويقوم المسجد على مسيرة نحو كيلومتر من الجنوب الغربى لهذا البناء، وينتمى إلى عهد العمارة الإسلامية الأولى, وهو مستطيل الشكل، له صف من الأعمدة على جوانبه الثلاثة وخمسة صفوف من الأعمدة على الجانب المواجه للقبلة. ونهر القرمة -أو السَّقْلاويَة- الذى يترك الفرات إلى الغرب من هذه البقايا لا يمكن أن يقال (فى الجزء القديم من مجراه) إنه هو نهر عيسى (انظر - Herz fe 1 d, ص 13؛ Le Strange فى Journ. . Roy. As. Soc, سنة 1895 , 70) ذلك أن نهر عيسى قد كشف عنه فى عهد العباسيين وهو ينشعب على مسيرة فرسخ أسفل الأنبار. والأرجح أن يقال إن نهر السقلاوة هو نهر الرفُيل الذى عرف أيام الجاهلية، وكان يجرى جزء منه فى مهد قناة قديمة (Musil, ص 268؛ Maricq, ص 116؛ سهراب، 123؛ الخريطة التى أعدتها إدارة المساحة العراقية سنة 1934؛ ومقياس رسمها 1: 50,000). والظاهر أن هذه القناة فقدت شأنها فى العهود الإسلامية.

المصادر: (1) expedition for the: Chesney The Tigris Survey of the river Euphrates and, لندن سنة 1857، جـ 2، ص 438. (2) Bewsher فى J.G.S، سنة 7681, ص 174. (3) Erdkunde: K.Ritter, جـ 10، ص 145, 147. (4) Auzsuge aus sy-: G. Hoffmann risch. Akten pers. Martyrer, ليبسك سنة 1880, ص 83, 88. (5) Gesch. d. Perser: Th. Noldeke und Araber ص 57. (6) Pauly-Wissowa, جـ 1، سنة 1780 - 1795، جـ 20، 1950. (7) Le Strange , ص 25، 65. (8) The Middle Euphrates: A.Musil, نيويورك سنة 1927. (9) A. Maricq & E. Honigmann: Sur Researches sur les Res Gestae divi Saporis، بروكسل سنة 1953، ص 116 - 117. خورشيد [شترك- دورى M.Streck-A.A.Duri] مطابع الهيئة المصرية العامة للكتاب رقم الإيداع بدار الكتب 9787/ 1995 3 - 4579 - 01 - 977 I.S.B-N

الأنبارى

الأنبارى (الأنباري، أبو بكر): محمد بن القاسو الأصح أن يقال ابن الأنباري): محدث ولغوى، وهو ابن أبي محمد (انظر المادة التالية) ولد فى 11 رجب سن 1 هـ (3 يناير سنة 885) وتوفى فى ذى الحجة سنة 328 (أكتوبر سنة 940). وقد تتلمذ أبو بكر على أبيه وعلى ثعلب، ودرس فى حياة أَبيه بالمسجد نفسه، واشتهر بذاكرته الفذة وزهده الشديد. وقد بقي من كتبه: (1) "الأضداد"، طبعة هوتسما، ليدن سنة 1881. (2) "الزاهر". (3) "الإيضاح فى الوقف والابتداء"، وهو يتناول الآيات من القرآن التى استُبدل بالهاء فيها تاء، والراجح أنه مستخلص من كتاب "الهاءات فى كتاب الله". (4) "مختصر فى ذكر الألفات". (5) "المذكر والمؤنث". أما شرحه للمعلقات (انظر عن مخطوطاته: بروكلمان، قسم 1، ص 35) فقد نشر منه ريشر - Res cher الأجزاء التالية: (1) طرفة، إستانبول سنة 1329 هـ (1911 م). (2) عنترة فى Rivista degli Studi , orientali جـ 4 - 5. (3) زهير فى Le Monde Oriental سنة 1913 - ص 137 - 195. وقد ذكر ابن الأثير فى مقدمة "النهاية" كتاب الأنبارى "غريب الحديث" بين مراجعه. المصادر: (1) الفهرست، ص 75. (2) الزبيدى: الطبقات, ص 111 - 112. (3) الأزهرى فى Le Monde Oriental، سنة 1920، ص 27. (4) الخَطيب البغدادى: تاريخ بغداد، جـ 3، ص 181 - 186. (5) الأنبارى: النزهة، ص 330 - 342. خورشيد [بروكلمان Brockelmann]

+ الأنبارى، أبو محمد القاسم بن محمد ابن بشَار: محدّث ولغوى، وتوفى سنة 304 هـ (1916 م) أو سنة 305 هـ (917 م). وقد كتب شرحًا على المفضَّليات نقحه ابنه محمد (انظر - The Mufaddaliyyat .. according to the re commentary of Abu the cension and with M. AI-Q.b. M. Al-Anban، طبعة. Ch. H Lyall , أوكسفورد سنة 1918 - 1921). المصادر: (1) الفهرست، ص 75. (2) الزُّبَيْدى: طبقات، ص 144. (3) الخَطيب البغدادى: تاريخ بغداد، جـ 12، ص 440 - 441. (4) ياقوت: إرشاد الأريب، جـ 6، ص 196 - 198. (5) ابن القفطى: إنباه الرواة، جـ 3، ص 28. (6) بروكلمان، قسم 1، ص 37. خورشيد [هيئة التحرير] + الأنبارى، عبد الرحمن بن محمد ابن عبيد الله بن أبي سعيد كمال الدين أبو البركات: لغوى عربى، ولد عام 513 هـ = 1119 م, ودرس اللغة فى المدرسة النظامية ببغداد، وتتلمذ فيها على الجَواليقى والشَجَرى، واشتغل فيها بعد ذلك بتدريس اللغة. ولم يترك الأنبارى بغداد قط، ولكنه اعتزل العالم فى أواخر حياته وكرس نفسه للعلم والعبادة وتوفى فى التاسع من شعبان عام 577 (19 ديسمبر سنة 1181). وأهم مصنفاته كتاب "نزهة الألبّاء فى طبقات الأدباء" (طبع على الحجر بالقاهرة عام 1294 هـ) سرد فيه تراجم اللغويين فأصبح بمثابة تاريخ لفقه اللغة العربية منذ نشأته حتى أيامه. أما رسالته النحوية السهلة المسماة "كتاب أسرار العربية" فقد نشرها تسيبولد C.F.Seybold فى ليدن عام 1886. وأورد كل من كوشوت (Koshut فى Funf Streibfragen der Bas- rebser and Kufenser؛ فينا 1877) وكركاس (W.Girgas فى shizze des Gram- ¬

_ * البيرونى: الآثار الباقية ص 23.

mat etc, بالروسية عام 1873 م، ص 46 - 66) وكركاس وروزن (Girgas et de Rosen فى Arabsh- Khrestom سانت بطرسبرغ سنة 1876 ص 435 - 455) وفايل (G. Welli فى Zeitschr f. As- syriologie، جـ 30، ص 56 وما بعدها) مختارات من كتاب الأنبارى المسمى "كتاب الإنصاف فى مسائل الخلاف بين النحويين البصريين والكوفيين" الذى كتبه لتلاميذه، وتوجد نسخ خطية من هذا المصنف فى ليدن (. Catal . cod. or. Bibl. acad. Lugd. Bat. جـ 1، طبعة عام 1886 م, رقم 169) والإسكوريال (Les: Hsc. Derenbourg mss. de l'Bat.1، طبعة عام 1886 م, رقم 119) وفى جامع يكى بإستامبول (رقم 1060). وتوجد له أيضًا بعض مصنفات نحوية أقل شأنًا محفوظة فى ليدن (Catal. رقم 170 - 171) وباريس (de Cat. des. Mss. ar. de la Bibl. nation-: Slane ale رقم 1013, 1014) والإسكوريال (درنبورغ، جـ 3، ص 772, 774). وللأنبارى رسائل أخرى لا توجد إلا مخطوطة؛ فله رسالة فى النحو اسمها "الميزان" ومعجم يسمى "الزهور" ذكره عبد القادر البغدادي فى كتابه "خزانة الأدب" (بولاق سنة 1299 م جـ 2، ص 352، س 14)، ومصنفه المعروف باسم "الكتاب الفائق فى أسماء المائق" الذى ذكره الأنبارى فى كتاب "النزهة" (ص 38، س 3)، ومصنفه "كتاب الوقف والابتداء" وقد ذكره السيوطي فى كتابه "شرح شواهد المغنى" (القاهرة سنة 1322 هـ، ص 158، س 26) وكذلك كتابه فى تفسير الأحلام. المصادر: (1) ابن خلكان، بولاق سنة 1299, ص 135 رقم 432. (2) الكتبى: فوات الوفيات، بولاق سنة 1299 هـ , جـ 1، ص 262. (3) Die Ges-: Wustenfeld chichteschreiber der Araber رقم 269. (4) Gesch. d. Arab.: Brockelmann Litter جـ 1، ص 281. [بروكلمان Brockelmann]

إنجيل أو أنجيل

إنجيل أو أنجيل (1) * تحزيف للكلمة اليونانية إياكيليوس، ويبدو لنا من القرآن ومن مصنفات كثير من الكتاب المسلمين أن المسلمين كانوا على شئ من العلم بالإنجيل. ومن اليسير أن نبين مدى علمهم هذا بإيراد بعض الشواهد. على أنه من العسير فى كثير من الأحيان أن نحدد بشكل قاطع -وليس عن طريق الاستنباط فحسب- كيفية وقوفهم على تلك المعلومات. وليس من شك فى أن بعض ما وقفوا عليه وصل إليهم شفاها فى المناظرات أو المحادثات الودية التى كانت تجرى بين المسلمين والنصارى. ولم يسجل التاريخ إلا القليل عن نقل المعلومات إلى المسلمين بهذه الطريقة. وهناك وسيلة أخرى لمعرفة المسلمين بالإنجيل، فإن النصارى الذين أسلموا أدخلوا فى الإسلام بعض الآراء النصرانية التى ظلت عالقة فى أذهانهم. ونلمس للنصرانية تأثيرًا آخر ظهر فى التصوف عند نشأته الأولى، ففى تعاليمه المبكرة آثار منها. (انظر - D' Ohs son الغزالى, طبعة باريس سنة 1902). وقد يصح لنا أن نقول إنه كان بين مسلمى العرب من كانوا ينشدون المعرفة للمعرفة، وأنهم جريا وراء هذه المعرفة قرءوا ترجمات عربية للإنجيل قام بها النصارى. وسنذكر فى إيجاز ما عرفناه عن هذه الترجمات، ثم نتبع هذا بما ورد من الإنجيل فى القرآن أو فى مصنفات المؤلفين: ترجم نصارى العرب الإنجيل عن اليونانية والسريانية والقبطية. والترجمة التى عملت عن اليونانية تمت فى عهد متقدم جدًا، كما يدل على هذا قدم المخطوطات الخاصة بها (مكتبة الفاتيكان؛ - Arab 13 and Museo Borgiano propaganda) والتي يرجع عهدها إلى القرن الثامن الميلادى، ويذكر ابن العبرى أن هناك ترجمة أقدم من هذه الترجمات قام بها البطريق يوحنا -وهو من القائلين بالطبيعة الواحدة- وكان ذلك بأمر الأمير العربى عمرو بن سعد بين سنتى 631 و 640 (2) وكتب جرجس أسقف القبائل العربية فى بابل -وكان معاصرًا ¬

_ (*) الهوامش فى التعليقات التى تلى المقال.

وصديقا ليعقوب الرهاوى - تعليقات على الكتب المقدسة. ويرى شبرنكر Sprenger أن فى كتاب محمد بن إسحاق، (طبعة فستنفلد، ص 149 وما بعدها) فقرة مأخوذة من ترجمة للإنجيل تمت قبل الإسلام (انظر Das Leben des Mohammed , جـ 1، ص 113 - 132). وهذه الفقرة تتضمن الفقرات 23 - 27 من الإصحاح الخامس عشر من إنجيل يوحنا. وكلمة "المنحمنا" التى وردت فيها -ويقابلها فى اليونانية كلمة باراكليتوس- ليست عربية ولا سريانية، وإنما هى من اللغة الفلسطينية القديمة (3). على أننا إذا كنا لا نستطيع أن نقول إن هذه الترجمات ترجع إلى مثل هذا العهد القديم، فإنا نرى أن الترجمات الأولى التى نقلت عن اليونانية ترجع على الأقل إلى ما بعد الفتح الإسلامى وما تلاه من انتشار اللغة العربية. وهناك ترجمة أخرى للإنجيل قديمة جدًا نقلت عن السريانية، ويوجد مخطوط لها محفوظ فى ليبسك. ويذهب كلدميستر Gidemeister إلى أنها عملت بين سنتي 750 و 850 م (انظر: Des Evangeliis, ص 35). وعلى هذا نستطيع أن نقول إن المسلمين عرفوا منذ عهد متقدم أهم كتب العهد الجديد من ترجمات عربية لها. وفى اللغة العربية، إلى جانب الأناجيل "الصحيحة" كتب منحولة وهى: إنجيل الصبوة، وإنجيل القديس يعقوب ورؤيا القديس بولس وعظة القديس بطرس وأخرى لسيمون ورسالة فى استشهاد القديسين يعقوب وسيمون. هذا إلى رسائل أخرى صغيرة يظهر أن المسلمين لم يكونوا على علم بها. ويقول ديفال R. Duval فى كتابه المسمى La Lit terature Syriaque, (طبعة ياريس 1899، 96) إن رؤيا القديس بطرس وضعت باللغة العربية فى القرن الثالث عشر الميلادى. وكان محمد - صلى الله عليه وسلم - أكثر معرفة بالأناجيل ... ولم تصل إليه تلك المعرفة من مصادر مسيحية خالصة، وإنما نقلت إليه على يد يهود اعتنقوا النصرانية، ويستدل على هذا بنوع القصص الذى ورد فى القرآن وقد

تكيف بقصص أولئك الذين سماهم محمد "الحنيفيين" وقيل إنهم كانوا على دين إبراهيم. وهذا الموضوع ليس إلا مسألة فرعية من المسألة العامة الخاصة بأصل الإسلام ومصادره. وكان الشعر أيضًا وسيلة من الوسائل التى انتقلت بها آراء النصارى إلى المسلمين. فعند ظهور الإسلام كان الشعراء يترددون على الحيرة، وكانت تربطهم بنصارى العرب خير الصلات، فنقبوا إلى بلاد العرب ما سمعوه من القصص فى حانات الحيرة. نذكر من هؤلاء: زيد بن عمرو بن نفيل وأمية بن أبي الصلت الذى كان واسع العلم بالقصص اليهودى أيضًا (4). وظل الشعر أمدًا طويلًا همزة الوصل بين المسلمين والنصارى. ولسنا نجهل الحفاوة التى قوبل بها الأخطل الشاعر النصراني فى بلاط الأمويين. وكان الطب وأعمال الحكومة من الوسائل التى وثقت الصلات بين المسلمين والنصارى. وحسبنا أن نذكر هنا اسم سرجيوس منصور الذى كان كاتبًا لأربعة من الخلفاء، وهو أبو يوحنا الدِّمشقيّ، وكذلك كتاب النصارى الذين استخدمهم حكام المسلمين، وظلوا كذلك إلى أن منعهم الوليد بن عبد الملك من الكتابة باليونانية. ولنعد الآن إلى ما كنا بسبيله من كلام عن القرآن. يرد كثيرًا فى القرآن ذكر عيسى ومريم والإنجيل؛ ومحمد [- صلى الله عليه وسلم -] يعرف الفرق الجوهرى بين الإنجيل والقرآن فى مسائل الأخلاق، وبخاصة فى الرأفة والرحمة (انظر سورة الحديد، آية 27). وعنده فكرة ما عن التشبيه الخاص بالزارع الذى يبذر البذور (5) (سورة الفتح، آية 29)، وعما جاء فيه من الوعد بإرسال رسول آخر (انظر سورة الأعراف، آية 157، وإنجيل يوحنا، الإصحاح السادس عشر، فقرة 7)، وأن الإنجيل جاء مصدقا للتوراة (انظر سورة المائدة، آية 46). وذكر من معجزات عيسى إبراءه للأعمى والأبرص وبعثه للموتى. والأخبار الإنجيلية التى يظهر أنها كانت أكثر شيوعًا فى البيئة التى شب فيها النبى هى الروايات الخاصة بالبشارة (6). وجاء فى القرآن أن

الملائكة قالت: {يَامَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ} انظر سورة آل عمران، آية 42 وانظر أيضًا إنجيل لوقا، الإصحاح الأول، فقرة 28). وجاء فيه أيضًا تصديق بأن المسيح ولد من أم عذراء (انظر سورة الأنبياء، آية 91). والقرآن فى إنكاره لصلب المسيح يقول قول الطائفة النصرانية التى تسمى الدوسيتية. (انظر فى ذلك سورة النساء، آية 157؛ سورة آل عمران، آية 55)، والقصة الموجزة التى وردت فى القرآن عن رفع المسيح تجعل حياته منتهية فى اللحظة التى تجعلها الأناجيل بدءًا لآلامه (انظر الزمخشري، طبعة ليس، جـ 1، ص 169) [وطبعة مصطفى محمد، جـ 1، ص 192]. وقد ذكر القرآن دعوة الحواريين فى سورة آل عمران (آية 52)، ولهذه الدعوة صلة بالرهبانية (انظر سورة الحديد، آية 27) التى نجد شبها لها فى رسائل إخوان الصفاء. وذكر القرآن عجيبة من العجائب التى جرت على أيدى الحواريين عند ما أنزل المسيح لهم مائدة مغطاة من السماء {(113) قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} سورة المائدة، آية 114, وانظر كذلك، أعمال الرسل، الإصحاح العاشر، الفقرة التاسعة وما بعدها]. وذكر القرآن كذلك قصة خلق المسيح لطير من الطِّين، (سورة آل عمران، آية 49 وسورة المائدة، آية 110) وهذه القصة مأخوذة من إنجيل صبوة المسيح. أما تسمية المسيح بآدم الثانى فنجد فى القرآن ما يقرب منها وذلك فى سورة آل عمران، آية 59 (7). وعبارة {وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ} التى وردت فى سورة البقرة، آية 87 فيها خلط بين روح القدس وبين جبريل (8). وفوق هذا فإن المفسرين قد أفاضوا فى الكلام على القصص الذى ورد فى القرآن متصلا بالعهد الجديد وبخاصة ما كان منه متصلا بطفولة مريم. وصور القرآن العذراء فى صورة جذابة لا تكاد تختلف كثيرًا عن تصوير النصارى لها. أما كلامه عن المسيح فعلى عكس هذا لم يكن قاطعًا كل

القطع، وقد جعله فى صورة أقل من الصورة التى نجدها له فى الإنجيل، فهو فى القرآن لا يعدو أن يكون نبيًا صالحًا. على أن محمدًا لم يجرده من اسم "المسيح" (سورة النساء، آية 171 - 172) , ولم يرد فى القرآن ذكر للشخصيات الأخرى التى جاءت فى العهد الجديد اللهم إلا يحيى [يوحنا المعمدان] وزكريا. ونجد أن كثيرًا من مؤرخى المسلمين كانوا على علم واسع بالأناجيل. فقد ذكر اليعقوبى شيخ مؤرخى العرب فقرات من الأناجيل فى كتابه. ولم يخف المسعودى -الذى كان شغوفا بالبحث والتنقيب- صلته بالنصارى، وهو يروي لنا أنه زار فى الناصرة كنيسة يقدسها النصارى حيث أخذ عنهم كثيرًا من القصص الواردة فى الإنجيل. وكان المسعودى يعرف شيئًا عن ميلاد المسيح فى بيت لحم، وطفولته فى الناصرة، وما جاء فى إنجيل متى (الإصحاح الثالث، فقرة 17) من أن صوتا من السموات كان يقول "هذا هو ابنى الحبيب". وقد ذكر هذه الرواية فى شئ من الاختلاف. وسمع كذلك قصة زيارة المجوس للمسيح عندما كان طفلا كما وردت فى الإنجيل وغيره من المصادر. وأورد قصة دعوة الحواريين كما هى، وذكر أسماء أصحاب الأناجيل الأربعة وتحدث عن هذه الأناجيل كأنه رآها وذكر خلاصة دقيقة لها. ومع هذا فإن المسعودى يشك بعض الشك فى هذه الأناجيل بينما يتحدث عنها القرآن فى احترام عميق. وكان المسعودى كذلك محيطا كل الإحاطة بسيرة الحواريين، وذكر مرتين استشهاد القديس بطرس والقديس بولس، ولكنه ذكر أن بولس استشهد على نحو لم يستشهد عليه إلا بطرس وحده. ويقول المسعودى إن القديس توما كان الحوارى الذى ذهب إلى الهند. ويظهر أن المسلمين كانوا يعرفون توما أكثر من غيره من الحواريين ما عدا بطرس. وعلمهم بالقديس بولس نفسه أقل من علمهم بسيرة بطرس (9). أما البيرونى فكان أكثر معرفة من المسعودى. وقد أخذ عن النساطرة عندما صنف كتابه "الآثار الباقية عن القرون الخالية". وكان يعرف كثيرًا من

نصوص الأناجيل وكذلك تفسير الإنجيل لداذيشوع (10) Dadjesu (ورد هذا الاسم Jesudad, انظر Litt. syriaque: Duvat, الطبعة الثَّانية، ص 84) وهو يتحدث عن هذه النصوص فى شئ من النقد. ويرى البيرونى أن الأناجيل الأربعة عبارة عن أربع نسخ، وهو يوازن بينها وبين نسخة التوراة عند اليهود ونسختها عند النصارى، ونسختها عند السامرة، ويلاحظ أن هناك خلافًا كبيرا بين هذه الأناجيل الأربعة. ويورد البيرونى نسب يوسف بالتفصيل كما ورد فى إنجيل متى وفى إنجيل لوقا، ويبين فى عبارة شائقة كيف يعلل النصارى الاختلاف بين الروايتين. ويذكر بعد ذلك أن أصحاب مَرْقِيون وأصحاب ابن ديصان وأصحابَ مانى كانت عندهم أناجيل أخرى. ويرى أن أناجيل أصحاب مرقيون وأصحاب ابن ديصان تخالف فى بعض أجزائها أناجيل النصارى، أما إنجيل أصحاب مانى فيشتمل على خلاف ما عليه النصارى من أوله إلى آخره. وإزاء هذه الخلافات الكثيرة يقول البيرونى إنه "لا يوجد من الأناجيل إذن من كتب الأنبياء ما يعتمد عليه" (*) وتحتوى الترجمة الفارسية لتاريخ الطبرى على قصص من العهد الجديد مذكورة فى توسع أكثر من نصها العربى، وهى تشابه ما جاء عنها فى قصص الأنبياء، وفيها بعض تفصيلات عن الآلام مثل قصة سيمون وخيانة واحد من الحواريين لم يذكر اسمه، ووقوف مريم تحت الصليب (11). ويحتفظ المؤلف فى بقية روايته برأى المسلمين الذى يذهب إلى أن شخصًا آخر اسمه يهوذا Josua صلب مكان المسيح. وأورد فى كلامه عن الحواريين الرواية التى تقول إن يوحنا ذهب إلى الرها. ونجد فى كتب التصوف إشارات عدة إلى الإنجيل، بل نجد فيها أيضًا أن أصحاب هذه الكتب كانوا على علم بتفسير آباء الكنيسة لبعض أجزاء الإنجيل. على أن ما يذكره متصوفة المسلمين من أقوال المسيح لا يطابق ما جاء فى الإنجيل. نضرب لذلك مثلًا مما ذكره الغزالى من الأقوال المنسوبة إلى المسيح؛ بينما

أن السهروردى قد أورد نصا كاملا دقيقا عن التشبيه الخاص بالزارع الذى يبذر البذور. وقد اشتملت رسائل إخوان الصفاء على فقرات ممتعة عن صلب المسيح يفترضون صحتها، وكذلك عن البعث واجتماع الرسل فى العشاء الأخير وانتشارهم فى الأرض. وذكروا صراحة أفعال الرسل باسم أفعال الحواريين (12). والمؤلفات الفلسفية تحتوى كذلك على طائفة كبيرة من المناظرات التى جرت بين المسلمين والنصارى. وحسبنا أن ذكر هنا أَبا على عيسى بن زرعة الذى كتب فى سنة 387 هـ ردا على أبى القاسم عبد الله بن أحمد البلخي، وكذلك يحيى ابن عدي وهو من علماء النصارى وكان من تلاميذ الفارابى، فإنه كتب دفاعا عن المسيحية أهداه إلى الشيخ أبى عيسى محمد بن الوراق. كما رد على اعتراض الكندى على القول بالتثليث. والمسلمون على وجه عام يحترمون الأناجيل ويبجلون عيسى [عليه السلام] ومريم. المصادر: يمكن الرجوع إلى المصادر التالية فيما يختص بالترجمات العربية النصرانية: (1) Verions arabes des Evan-: Guidi giles فى - Atti de l'Acade. de: Lincen Sci philosophiques ences morales et، المجموعة الرابعة، جـ 4، سنة 1888. (2) Die christilch arabische: G. Graf Literatur bis zur frankischen Zeit فرايبورغ سنة 1905. (3) Beitr zur christl. -: H. Goussen .arab Literaturgesch., Die christlarab Litt. der Mozoraber جـ 4 ليبسك سنة 1909. (4) Die Uberlieferung: S.Euringer -der arab. Ubers des Diatessarons, Bib lische Studien جـ 17، الكتاب الثانى، برلين سنة 1912. (5) K.Vollers et E.von Dobschutz: . Ein. spanisch - arab. Evangelienfrag فى - Zeitschrift der Deutsch. Morgenl Ge sellsch، جـ 56، ص 633؛ وانظر كذلك مادة "ابن العسال".

(6) De Evangelis in: Gildemeister arabicum et Simplici Syriaca translatis commentatio academica، بون 1865. ويمكن الرجوع إلى المصادر التالية فيما يختص بالمناقشات حول الإنجيل: (1) Disputatio Pro-: Van den Ham religione Mohammedanorum adversus Christianos ليدن سنة 1890. (11) Uber Mu-: Goldziher -hammedanische Polemik gegen Ahl al Kitab فى. Zeitschr. d. Deutsch. Morgenl، . Gesells جـ 32 , ص 341. ويمكن الرجوع إلى المصادر التالية عن أثر العهد الجديد فى الحديث: (1) Mohammedanische: Goldziher Studien جـ 2، ص 382 ومابعدها، Ha- dith und Neues Testament. (1) المؤلف نفسه Neutestamentl Ele- mente in der Traditionslitt. des Islam فى Oriens christianus 1902، ص 390 وما بعدها. ويرجع إلى المصادر التالية عن الأناجيل المنحولة: (1) إنجيل الصبوة، Evang. In- fantiae طبعة سيك H.Sike , أترخت سنة 1697. (2) Codex apocrnov Test: Thilo, الطبعة الثانية، باريس سنة 1863. (3) Les Evangiles ap-: G. Brunet ocryphes الطبعة الثانية، باريس 1763. (4) Litt. Syriaque: R.Duval, الطبعة الثانية، باريس 1900. (5) P.Dib فى La Revue de l'Orient Chretien سنة 1905، ص 418 - 423 وهو يستشهد بالترجمات العربية للعهد الجديد المنقولة عن القبطية والسريانية. ويرجع إلى المصادر التالية عن الشعراء: (1) Poetes arabes: P.L.Cheikho Chretiens، بيروت سنة 1890 - 1891. (2) Le chantre des Om-: Lammens iades فى. Journ Asiat، المجموعة التاسعة جـ 4، عام 1894.

(3) Une nouvelle: Clement Huart source du Qoran فى Journ. Asiat المجموعة العاشرة، عام 1904. (4) Umaiya ibn Abi-S.Salt: Power فى faculte Orientale Melanges de la جـ 1، ص 197 وما بعدها، بيروت سنة 1906. المصادر المذكورة فى صلب المادة: (1) اليعقوبى، طبعة هوتسما، جـ 1، ص 74 - 89. (2) Der Auszug aus den: Klamroth -Ya ,Evangelien bei dem arab. Historiker -kubi, Festschrz. Einweihung des Wilhelm Gymnasium، همبورغ سنة 1885. (3) G.Smit: bij Bijbel en Legende schrijver Yakubi den Arabischen, ليدن سنة 1907. (4) المسعودى، ترجمته وطبعه Pavet de Courteille و Bardier de Meynard . (5) البيرونى: الآثار الباقية عن القرون الخالية، Chronology ترجمة Sa- Chau. (6) تاريخ الطبرى، ترجمة Zo- tendberg 1867 - 1874. (7) السهروردى: عوارف المعارف على هامش إحياء علوم الدين للغزالى، القاهرة سنة 1312 هـ. (8) Die Abhandlunhen der Ichwan es-Safa طبعة Dieterici, برلين سنة 1886، ص 594 وما بعدها. [كارا ده فو B.Carra De Vaux] تعليق على مادة "إنجيل" مما لا ريب فيه أن القرآن حاج اليهود والنصارى حجاجا دينيًا قويًا فى مواضع كثيرة، وصحح لهم كثيرًا من عقائدهم وسلوكهم التى كانوا يظنونها دينا، وأبان لهم عن وجه الحق فيها. وإن هذا الموقف الدينى الذى وقفه القرآن لا يستطيعه إلا أحد رجلين: إما رجل عكف طيلة حياته على درس الشئون الدينية والكتب السماوية ورأى أقوال أساطين الدين والشراح، وساير العقيدة وتطورها فى عصورها المختلفة،

وما دخل عليها من التشويه والتحريف وكان له مع ذلك بصر نافذ، يبطل الباطل، ويحق الحق. وهذا أيضًا ربما لا يقارب ما وصل إليه القرآن الكريم, لأن هذا الحق الذى أظهره فى الدينين اليهوديّ والمسيحى قد غشيته سحب كثيرة من الأباطيل، وطال عليه الأمد، فظن دينا، وقد حالت هذه الغواشى بين الناظر وبين الوصول إلى هذا الحق. وإما رجل ينطق عن الله العالم بكل شئ، الذى رأى شرعه قد تلاعبت به ظلمات البشر، وغشيه سحاب مركوم، فنطق على لسان من أيده بإرجاع الحق إلى نصابه والنظرية الإسلامية تعتقد الثانى، والمخالفون يعتقدون الأول، وقد حاول المخالفون أن يرجعوا ما جاء فى القرآن الكريم إلى تعليم، وما فى هذا الفصل بعض هذه المحاولات. ونحن نلاحظ أنه لما أعجز الكاتبين أن يثبتوا أن محمدًا [- صلى الله عليه وسلم -] قد درس الإنجيل جمعوا بينه وبين المسلمين، وأخذوا يثبتوا أنهم كانوا على علم بالإنجيل. وكل ما أتوا به من أدلة لا يثبت أن محمدًا [- صلى الله عليه وسلم -] كان يعلم الإنجيل، وإنما يثبت أن بعض المسلمين فى عصور متأخرة كانوا يعلمونه؛ لأن أقدم ترجمة عربية باعترافهم -وهى أقدم من تلك الترجمة التى تمت فى عهد متقدم جدا- كانت كما نقلوا عن ابن العبرى بين سنة 631 وسنة 641, ومحمد [- صلى الله عليه وسلم -] ولد فى يوم 20 أبريل سنة 571 م وتوفى يوم 8 يونيو سنة 632 م، فالترجمة التى ذكروها لم تتم فى عهده ولم ينتفع بها فى الجدال الذى احتدم بينه وبين أهل الأديان المخالفة طول عمره. وكل ما شككوا به ليصلوا إلى أن محمدًا [- صلى الله عليه وسلم -] كان يعلم الإنجيل تدفعه سيرته وحياته التى عرفت بالتفصيل لا بالجملة. فقد نشأ أميًا بين أميين لا علم يدرسونه، ولا كتب يقرءونها, ولا أساتذة تثقفهم، ولا فلاسفة تعلمهم، ثم قال لهؤلاء الدارسين الكاتبين أهل الذكر والعلم: إلىّ إلىّ، أصحح لكم عقائدكم، وأنقح لكم تاريخكم، وأهذب لكم علومكم، وأضعكم على الجادة التى

كنتم عليها يوم نزل دينكم. وقد وفى بما قال وكان عندما وعد، وما ذاك إلا أنه من عند مَن علّم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم. {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ}. محمد عرفة تعليقات على مادة "إنجيل" (1) أى بفتح الهمزة وبكسرها، أما الكسر فإنه اللغة المعروفة والقراءة المشهورة فى القرآن. وأما الفتح فإنه روى عن الحسن أنه قرأ (وليحكم أهل الأنجيل [5: 47]. قال الزمخشري فى الكشاف (1: 342 طبعة مصطفى محمد): "فإن صح عنه فلأنه أعجمى خرج لعجمته عن زنات العربية". وقال صاحب اللسان: "وليس هذا المثال فى كلام العرب. قال الزجاج: ولقائل أن يقول: هو اسم أعجمى، فلا ينكر أن يقع بفتح الهمزة, لأن كثيرا من الأمثلة العجمية يخالف الأمثلة العربية". وهذه القراءة المنسوبة للحسن فى الكشاف واللسان لم أجد لها إسنادًا يؤيد صحة روايتها, وليست فيما حكى من القراءات الشاذة التى اطلعنا عليها، فهى لغة ضعيفة وقراءة غير جائزة. والعرب إذا عرّبت الأعلام اجتهدت فى صوغها على أوزان كلماتها، أو تصرفت فى كثير من حروفها حتى تدمجها فى لغتها، إنقاء للعربية من لكنة اللغات الأعجمية، وحرصا على ألسنة العرب أن تشيع فيها الرطانة الأعجمية. خلافا للقاعدة التى وضعها مجمع اللغة العربية (انظر مجلة الرسالة فى السنة الرابعة ص 558) وهى قاعدة ظاهرة الغلط، ولعلنا نوفق إلى تفصيل ذلك فى مقام آخر إن شاء الله. فهذه الكلمة بكسر الهمزة ليست تحريفًا للكلمة اليونانية كما زعم الكاتب، وغنما هى نقل عنها على ما اعتاده العرب فى نقل الأعلام. (2) لم نجد فيما بين أيدينا من كتب التاريخ أميرا يسمى "عمرو بن سعد"، ونقل ابن العبرى لا يكفى فى إثبات مثل

هذا إذا لم يوجد ما يؤيده من المصادر الأخرى الموثوق بها. (3) يريد الكاتب بكتاب ابن إسحاق: سيرة ابن هشام التى روى فيها كتاب ابن إسحاق، والعبارة التى أشار إليها لا يمكن أن يفهم منها أنها منقولة من ترجمة تمت قبل الإسلام، بل الراجح من فهمها أنها قطعة ترجمها بعض الناس ولم ينقلها من كتاب مكتوب مترجم, لأنه يقول بالحرف الواحد: "وقد كان فيما بلغني عما كان وَضَعَ عيسى بن مريم فيما جاءه من الله فى الإنجيل لأهل الإنجيل من صفة رسول الله [- صلى الله عليه وسلم -] مما أثبت يُحَنَّس الحوارى لهم حين نسخ لهم الإنجيل من عهد عيسى ابن مريم فى رسول الله [- صلى الله عليه وسلم -] أنه قال" إلخ. فهذا التعبير- عند من يفهم العربية ويعرف طرق المتقدمين فى الرواية والنقل- يعلم منه أن بعض الناس نقل من الإنجيل البشارة بمحمد صلى الله عليه وسلم إلى العربية فى عصر ابن إسحق, وبلغ ذلك ابن إسحق، إما من المترجم وإما من غيره نقلا عنه. ولذلك لم بسم الذى أبلغه، إذ كانوا لا يحتجون فى كتبهم وروايتهم إلا بأهل العدالة والثقة من المسلمين، فهؤلاء الذين يذكرون من شيوخهم فى الرواية بأسمائهم. ولو كانت كما يزعم شبرنكر منقولة من ترجمة للإنجيل قبل الإسلام لما تحرج ابن إسحق من ذكر ذلك صريحا، إذ يراه برهانا أقوى وتأييدًا كاملًا للبشارة الصحيحة بالنبى عليه السلام. وكلمة "المُنْحَمنّا" ضبطت فى طبعة وستنفلد بضم الميم الأولى وبفتحها مع إسكان النون وفتح الحاء المهملة وفتح الميم الثانية وتشديد النون، ولسنا نجزم بصحة هذا الضبط أو خطئه. (4) دعوى الكاتب أن زيد بن عمرو ابن نفيل كان يسمع من القصص فى حانات الحيرة- دعوى لم نجد ما يؤيدها, ولم نر نقل ذلك فيما بين أيدينا من المصادر، فلا ندرى من أين جاء بها، ولعلها من إلقاء القول على عواهنه. وانظر ترجمته فى الإصابة (3: 31 - 32) والأغانى (3: 123 - 128 طبعة دار الكتب المصرية) (5) هذه هى الترجمة الحرفية لكلام الكاتب، ولسنا نعرف ماذا يريد بهذا

الكلام ولا إلام يشير من مواضع الأسفار التى يسمونها الأناجيل. وأما الآية التى أشار إليها فنصها: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا}. والشطء -بفتح الشين وإسكان الطاء، وبفتح الطاء أيضًا مع المد وبدون المد: هو فراخ السنبلة أو النخلة التى تنبت حول الأصل. (1) هذا الكلام مبهم وغير محدود المعنى، إنما هو ادعاء أن هناك أشياء من الإنجيل كانت شائعة فى العصر الذى نشأ فيه النبى [- صلى الله عليه وسلم -] ولن يستطيع الكاتب ولا غيره أن يقيم أى برهان تاريخى يؤيد هذا الذى يدعيه. ثم ماذا يريد بالأخبار الخاصة بالبشارة؟ أيريد بها بشارة المسيح عليه السلام بمحمد [- صلى الله عليه وسلم -]؟ ! أم يريد شيئًا آخر عجز عن الإفصاح عنه؟ ! اللهم غفرا. (7) ليس فى القرآن الكريم تسمية المسيح عليه السلام بآدم الثانى، ولا ما يقرب من هذا المعنى. ويظهر أن الكاتب لم يفهم معنى الآية التى يشير إليها، ونصها: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}. فهذا تشبيه عيسى بآدم فى بدء خلق كل منهما، إذ خلق آدم من غير أبى ولا أم، وخلق عيسى من غير أب وإن كان له أم. فعيسى يشبه آدم من وجه دون وجه فى هذا المعنى، ولا يكون ذلك إشارة إلى تسميته "آدم الثانى" ولا مسوغا لها. وإنما الآية جاءت فى الرد على النصارى الذين غلوا فى عيسى وادعوا أنه ابن الله، وجعلوا له شيئًا من صفات الألوهية، وغلوا فى دينهم كما قال الله تعالى: {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ

انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ .. }، سورة النساء الآية 171. فأقام الله عليهم الحجة ورد عليهم حين غلوا فى شأنه إذ ولد من غير فحل، بأن آدم -وهم يؤمنون به وببدء خلقه-: شأنه أغرب, لأنه خلق من غير فحل ومن غير وعاء. (8) لا ندرى ماذا يريد الكاتب بهذه العبارة الخارجة عن حدود البحث العلمى. فإن "جبريل" عَلَم على ملك كريم، آمن المسلمون بوجود. عن إخبار الله لهم فى كتابه، وعن أخبار رسوله محمد صلى الله عليه وسلم -، وهو من الغيب الذى أمروا بالإيمان به، وكذلك آمن به أهل الأديان السماوية الأخرى. والقرآن الكريم نزل بلغة العرب، والرسول خاطب الناس بها، وفى لغة العرب كلمة "روح" وكلمة "قدس" وهما معروفتا المعنى عندهم، وتأتى كلمة "القدس" وصفا لغيرها، وقد يضاف الموصوف إلى صفته فى لغة العرب، وبذلك كان معنى "روح القدس": الروح المقدسة الطاهرة أو نحو ذلك. قال الزمخشرى فى الكشاف (1: 80 طبعة مصطفى محمد): "بروح القدس: بالروح المقدسة، كما تقول حاتم الجود، ورجل صدق، ووصفها بالقدس كما قال: وروح منه: فوصفه بالاختصاص والتقريب -: للكرامة". فإطلاق هذا التعبير على جبريل لا يزيد على أنه وصف له بأنه روح مقدسة مطهرة، بمقتضى وضع العرب الألفاظ للمعانى، وليس فى هذا الإطلاق أى تداخل بين المعاني حتى يسيغ الكاتب لنفسه أن يعبر عن الرسول الكريم هذا التعبير السيئ المنكر، وكأنه يزعم لنفسه -وهو الأجنبى عن لغة العرب- أنه أعلم بها من أهلها, وليس بنافعه ذلك شيئًا إلا أن يدل القارئين على مقدار علمه بما يكتب، كما فعل أخ له من قبل، رددنا عليه فيما مضى. وأما الاصطلاح المسيحى فى إطلاق كلمة "روح القدس" فإنه استعمال خاطئ، لا يكون حجة على القرآن الكريم، ولا على لغة العرب، وذلك: أن النصارى يزعمون أن إلههم ثلاثة أقانيم -تعالى الله عن ذلك علوا كبيرًا- ولهذه الأقانيم فى لغاتهم - العبرية أو

السريانية أو اللاتينية أو اليونانية أو ما شئت من لغات- ألفاظ تدل على هذه المعاني التى يريدونها، فجاء منهم الذين ترجموا أقوالهم وكتبهم وعلومهم وترجموا هذه المعاني المدلول عليها بألفاظ أعجمية، فأطلقوا عليها ألفاظا عربية لها معان أخرى فى لغة العرب. فسموا هذه "الأقانيم": "الأب والابن وروح القدس"، وكانت هذه الترجمة، وكان هذا الإطلاق بعد ظهور الإسلام وانتشاره، وكان ذلك من أناس ليسوا من العرب الخلص، وليسوا حجة فى اللغة العربية، فلا يكون عملهم أكثر من أنه خطأ صرف، ولا يكون حجة على لغة العرب، ولا على الاستعمال العربى للألفاظ، فضلًا عن أن يكون حجة على القرآن الكريم، وعلى سيد العرب وأفصحهم محمد صلى الله عليه وسلم. وهذا واضح بديهى لا يحتاج إلى شرح وتفصيل: لغة أطلق فيها ألفاظ على معان، ثم يأتي ناس من غير أهلها ويطلقون بعض ألفاظها على معان أخرى غير ما دلت عليه فى تلك اللغة: أيكون ذلك دليلا على خطأ اللغة الأصلية؟ أم يكون دليلا على جهل الناقل وخطئه فقط؟ ! وأكثر من هذا: إذا فرضنا صحة ما يحاول الكاتب وأمثاله ادعاه من نقل كتبهم وأقوالهم إلى لغة العرب قبل الإسلام: هل يكون تعبير الناقلين من اللغات الأعجمية وإطلاقهم الألفاظ على المعانى حجة على الاستعمال العربى الصحيح؟ الجواب بالقول الصريح: كلا. لأن الناقل إلى لغة العرب إن كان أعجمى الأصل فإنه لا يحتج بكلامه عند العرب، وإن كان عربى الأصل كان غير حجة أيضًا، لاختلاط لغته بغيرها من اللغات، فإن علماء العربية لا يحتجون بغير العربى الخالص الذى لم تخالط لغته لكنة أعجمية، سواء ذلك فى المفردات أم فى التركيب -أعنى فى إثبات اللفظ العربى- أم فى قواعد النحو والصرف والبلاغة وغيرها، ولذللُ رفضوا الاحتجاج بالشعر والنثر من أقوام نشئوا فى الحواضر بعد اتصال الأعجام بالمسلمين، ثم رفضوا الاحتجاج بكلام المولدين مطلقا.

(9) أما أن اليعقوبى والمسعودى وغيرهما من علماء المسلمين كانوا على علم بهذه المؤلفات التى تسمى "الأناجيل" فهذا شئ معروف مشهور، نسلم به، ونزيد عليه أنهم كانوا يعرفون كل المعرفة كيف ألفت هذه الكتب، ويعرفون قيمتها التاريخية، كما سنذكر قريبًا إن شاء الله. ولكن تعبير الكاتب عن المسعودى قد يوهم بعض القراء أن له صلة حقيقية بالنصارى والكنائس من الوجهة الدينية، وهذا ما لا أصل له ولا شبهة. وانظر نص كلام المسعودى فى تاريخه بعد ذكر مولد المسيح عليه السلام، قال (1: 29 - 30 طبعة بولاق): وكان من أمره ما ذكره الله عَزَّ وَجَلَّ فى كتابه، واتضح على لسان نبيه محمد [- صلى الله عليه وسلم -]، وقد زعمت النصارى أن أشيوع الناصرى -يريد المسيح- أقام على دين من سلف من قومه يقرأ التوراة والكتب السالفة فى مدينة طبرية من بلاد الأردن فى كنيسة يقال لها المدراس ثلاثين سنة، وقيل تسعا وعشرين سنة، وأنه فى بعض الأيام كان يقرأ فى سفر أشعياء، إذ نظر فى السفر إلى كتاب من نور فيه: أنت نبيى وخالصتى، اصطفيتك لنفسى. فأطبق السفر ودفعه إلى خادم الكنيسة، وخرج وهو يقول: الآن تمت المشيئة لله فى ابن البشر. وقد قيل: إن المسيح عليه السلام كان بقرية يقال لها ناصرة من بلاد اللجون من أعمال الأردن، وبذلك سميت النصرانية. ورأيت فى هذا القرن -كذا فى الأصل, ولعله فى هذه القرية- كنيسة تعظمها النصارى، وفيها توابيت من حجارة فيها عظام الوتى، يسيل منها زيت ثخين كالُّرب، تتبرك به النصارى. وأن المسيح مر ببحيرة طبرية وعليها أناس من الصيادين والقصارين. وقد ذكر أن ميروحنا وشمعون وبولس ولوقا هم الحواريون الأربعة الذين تلقوا الإنجيل، فألفوا خبر عيسى عليه السلام وما كان من أمره وخبر مولده، وكيف عمده يحيى بن زكريا، وهو يحيى المعمدانى، فى بحيرة طبرية، وقيل فى بحر الأردن الذى يخرج من بحيرة طبرية ويجرى إلى البحيرة المنتنة، وما فعل من الأعاجيب, وأتى من المعجزات، وما قالت اليهود إلى أن رفعه الله عز وجل إليه وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة. وفى

الإنجيل خطب طويل فى أمر المسيح ومريم عليه السلام ويوسف النجار: أعرضنا عن ذلك, لأن الله عز وجل لم يخبر بشئ من ذلك فى كتابه، ولا أخبر به محمد نبيه [- صلى الله عليه وسلم -]. هذا نص كلام المسعودى الذى يكاد الكاتب يصوره بصورة مريبة فى نظر المسلمين، وهو من ذلك برئ. وانظر إلى مقدار الثقة بنقل هذا الكاتب إذ ينسب إلى المسعودى أنه نقل عن الإنجيل أن صوتا من السماء كان يقول: "هذا هو ابنى الحبيب" فى حين أن الذى نقله المسعودى عن بعض نصارى عصره أن عيسى رأى وهو يقرأ فى السفر كتابًا من نور فيه "أنت نبيى وخالصتى" إلخ، ثم لا يتحرج أن يسمى هذا التناقض البين بين الروايتين "شيئًا من الاختلاف" فأين إذن كل الاختلاف؟ ! والذى نقلناه عن المسعودى هو كل ما ذكره فى "مروج الذهب" عن الأناجيل، وهو الذى سماه الكاتب "خلاصة دقيقة لها"! ! ! (10) لم يفهم الكاتب كلام البيرونى لوقوع خطأ فيه من الناسخ أو المصحح. فإنه قال فى (ص 9) ما نصه: "وذكره داذ يشوع فى ترجمته للإنجيل شعيا. والله أعلم". وهذا كلام غير واضح ولا مفهوم، ولا متصل بالسياق الذى قبله ولا بالذى بعده، فإن أصل الباب هو فى المواسم أو الأعياد التى يستعملها "النصارى الملكائية فى المشهور السريانية" (ص 288) فأخذ يسرد كل شهر من هذه المشهور ويذكر فى كل منها أيام المواسم بأسماء أصحابها عندهم، ويسمى هذه المواسم "الأعياد والذكارين" (ص 288 س 17) ويسمى كل واحد منها باسم "ذكران" فيقول مثلا "ذكران حنين الأسقف الشَّهيد تلميذ بولس، ومن رسومهم فى هذه الذكارين أنهم يذكرون صاحبه ويدعون له ويثنون عليه، ويتضرعون إلى الله باسمه، ويسمون كل مولود يولد فيه وبعده إلى الذكران الآخر باسمه، وربما قسم الذكارين بعضهم على بعض، فيقولون: فلان صاحب ذكران فلان فإذا كان الذكران اجتمعوا عنده فأضافهم وأطعمهم" (ص 288 س 19 - 23). ففى هذا الموضوع الذى نقل منه الكاتب فلم يفهم ما نقل: تجد

البيرونى يذكر شهر "أيار" (ص 296) ويذكر أيامه إلى أن يقول (ص 298 س 22): "وفى اليوم التاسع ذكران أشعيا النَّبِيّ" ثم يذكر فى أول (ص 299) العبارة التى أوهم فيها الكاتب، ثم يقول: "وفى العاشر ذكران ديونسيوس الأسقف". فهذا السياق كله يدل على أن كلمة "وذكره داذ يشوع" محرفة عن "وذكران يشوع" وأن كلمة "فى ترجمته للإنجيل شعيا" محرفة أيضاً, ولعل صوابها "فى ترجمة الإنجيل لشعيا" أو نحو ذلك. وعلى كل حال فإن هذا ينفى قطعًا وجود ترجمة أو تفسير للإنجيل لشخص اسمه "داذ يشوع" وأن البيرونى اطلع عليه. وإنما أتى الكاتب من تحريف النسخة المطبوعة، ومن عدم تحققه بما يكتب أو تفهمه لما يقرأ. ثم إن الكاتب ادعى أن البيرونى "أخذ عن النساطرة عندما صنف كتابه الآثار الباقية"، وأنا آسف إذ أقول: إن هذا غير صدق. (11) ليس لهذا شئ من الأهمية، وهو لا يدل إلا على أن المترجم إلى الفارسية لا ثِقَة به، وأنه لم يكن أمينًا فى ترجمته. (12) مما يؤسف له أن الكاتب صدق هذه المرة فى نقله عن "رسائل إخوان الصفا" فإنهم ذكروا أكذوبة صلب المسيح [عليه السلام] فى الرسائل (ج 4 ص 97 طبعة مصطفى محمد) فخرجوا بذلك من عداد المسلمين, لأنهم نقلوا على سبيل الجزم شيئًا نفاه الله سبحانه فى القرآن الكريم، وكذب قول من ادعاه: {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا. بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} سورة النساء الآية 157, 158. تعليق ونقد على مقال "إنجيل" بعد نقد أغلاطه تفصيلا فى مواضعها لم أقرأ فيما قرأت من مقالات "دائرة المعارف الإسلامية" مقالا مضطربًا كهذا المقال. فإن كاتبه خلط فيه خلطا غريبًا، فشرّق وغرب، وأسهب وأوجز، وأشار وصرح، وهو يدور فى حلقة مفرغة

لا يدرى أين طرفاها, ولا يعرف كيف يخرج منها، وقد وضع نصب عينيه غاية يرجو الوصول إليها، ثم يعجز عن إدراكها، إذ كانت خيالا يضطرب فى ذهنه، ليس لها وجود فى حقائق التاريخ. فهو يحاول أن يثبت أن الدين الإسلامى مقتبس من الكتب التى يسمونها عندهم "أناجيل"، وأن النبى [- صلى الله عليه وسلم -] كان على علم بها أو بشئ منها، فجاءت فى القرآن الكريم أشياء من الإنجيل كما يزعم، وأن المسلمين عرفوا هذه الكتب فذهبوا ينقلون عنها علومهم ودينهم، ويزعم أن النبى [- صلى الله عليه وسلم -] "كان أكثر معرفة بالأناجيل المخولة منه بالأناجيل، ولم تصل إليه تلك المعرفة من مصادر مسيحية خالصة، وإنما نقلت إليه على يد يهود اعتنقوا النصرانية" وأن الشعراء عند ظهور الإسلام كانوا يترددون على الحيرة، "فنقلوا إلى بلاد العرب ما سمعوه من القصص فى حاناتها"، إلى آخر ما تهافت فيه ليرجعه إلى شئ واحد سماه: "المسألة العامة الخاصة بأصل الإسلام ومصادره". ثم ذهب يضطرب به القول الكريم، فتارة يشير إلى بعض آيات من القرآن فيها ذكر مريم وعيسى وغير ذلك مما يظن أنه يتفق والمروى عندهم أو يخالفه، وتارة يذكر "الطب وأعمال الحكومة" وأنها من الوسائل التى وثقت الصلات بين المسلمين والنصارى، وتارة يذكر بعض معجزات النبى [- صلى الله عليه وسلم -] الثابتة بالأحاديث الصحيحة ليحاول أن ينسبها إلى أصول عندهم، حتى يتهيأ له أن يشكك القارئ ثم يوهمه أن المسلمين أخذوها عن النصارى ونسبوها إلى نبيهم على أنها معجزات له، ثم يزداد اضطرابا، فيذكر بعض مؤرخى المسلمين ويصفهم بأنهم "كانوا على علم واسع بالإنجيل" ويحرف فى تلخيص كلامهم حتى يوقع فى نفس القارئ أنهم كانوا يحتجون بهذه الأسفار، ويعتبرونها مصادر صحيحة لبعض التاريخ, ثم يناقض نفسه فينقل عن البيرونى أنه قال: "لا يوجد من الأناجيل إذن من كتب الأنبياء ما يعتمد عليه". ويغلبه ما يجد فى نفسه من الحرص على رأيه حتى

يغفل عن خطأ من الناسخين فى نسخة البيرونى فينسب إليه أنه كان يعرف تفسير الإنجيل لرجل اسمه "داذ يشوع"، وهو شخص لم يوجد قط، وإنما أتى من خطأ النسخة، ولو حرص على التحقيق العلمى ما وقع فى هذه الغلطة الشنيعة. ولكنه نسى بجوار هذا أن يذكر كثيرًا من علماء المسلمين الذين اطلعوا على هذه الأناجيل وأبانوا فيها من اختلاف وأخطاء وألفوا فى ذلك كتبًا وافية، كابن حزم وابن تيمية وابن قيم الجوزية والقرافى، وغيرهم ممن قبلهم وممن بعدهم. وأخيرًا يدعى أن المسلمين على وجه عام يحترمون الأناجيل، وأن الترك يسمونها "الإنجيل الشريف" وأن كثيرًا منهم "يؤثرون الإنجيل على القرآن الكريم دون أن يجهروا بهذا الرأى" ويحتج لذلك برجل تركى ارتد عن الإسلام فى عهد سليمان الأول فحكم بقتله جزاء ردته. وهى كما ترى أقوال متهاترة، لا يأخذ بعضها بناصية بعض، ولا يدل مجموعها على شئ له قيمة علمية. وهذه مسائل شائكة، الخوض فيها قد يثير النفوس، ويوغر الصدور, ولو شاء القائل منا أن يقول، لوجد مجال القول ذا سعة، ولكنا لسنا من دعاة الفتنة، ولا ممن يحرصون على الجدال. وقد دأب أمثال هذا الكاتب على مهاجمة الإسلام والعدوان عليه فى عقائده، ومحاولة إثارة الشكوك فى الحقائق التاريخية الثابتة، التى تتعلق بالإِسلام. وليس علينا من بأس أن نقف موقف الدفاع بالقول الرقيق المؤدب، لإقرار الحق فى نصابه، وخدمة خالصة للعلم الصحيح. أن الاتصال العقلى والفكرى بين المسلمين وبين أهل الكتاب -من اليهود والنصارى- لا يستطيع أحد أن ينكره، وقد كان اليهود بجوار المسلمين فى المدينة حتى أجلاهم عنها عمر، وكان المسلمون قد فتحوا مصر والشام وغيرهما من الأقطار التى كان يدين أهلها بالنصرانية، وكان أهل الكتاب أهل ذمة للمسلمين وفى حمايتهم، يرفرف عليهم عدل الإسلام ونصفته، وكانوا يدخلون فى دين الله أفواجا راضين مختارين، مما رأوا من كرم المسلمين،

بعد أن ذاقوا ألوان الظلم والعذاب من زعمائهم ورؤسائهم. ولكنه كان فى أول أمره اتصالا فى الشئون العامة الدنيوية، ولم يوجد اتصال علمى بالمعنى المفهوم إلا فى أواخر القرن الثانى للهجرة تقريبًا عند البدء فى نقل كتب الأوائل إلى اللغة العربية، وكان ذلك مقصورا على الفلسفة وفروعها والطب وما أشبه هذا, ولم تترجم إلى اللغة العربية الكتب الدينية ولا القصص (الروايات)، ولعله قد ترجم شئ من التوراة والأناجيل تراجم نادرة محصورة بين اليهود والنصارى الذين نشئوا فى الدولة العربية، ليسهل عليهم معرفة دينهم إذا عسر عليهم قراءتها باللغات التى كانت بها، وأما أن تكون هذه التراجم معروفة لعلماء المسلمين ودهمائهم، كما يريد الكاتب وأمثاله أن يرجفوا به: فذاك شئ غير ثابت ولا معروف فى التاريخ الإسلامى. ولذلك لم يجد كاتب هذا المقال سندًا يؤيد به وجود تراجم للإنجيل إلا الترجمة التى قال عنها إنها نقلت عن السريانية، ونقل عن "كلدميستر" أنه يرى أنها ترجمت بين سنتي (750 و 850) أى بين سنتي (132 و 235 هجرية) ويظهر من هذا أنها غير ثابتة التاريخ, وأن هذا التاريخ الذى نسبت إليه ظن فقط، ونحن لم نر هذه النسخة المترجمة فلا نستطيع الجزم بشئ فى صحة هذا النقل وهذا التاريخ أو عدم صحتهما. وأما الترجمة التى يدعى ابن العبرى أنه "قام بها البطريق يوحنا بأمر الأمير عمرو بن سعد بين سنتى 631 و 640 م" -أى ما يوافق السنة التى قبل الهجرة إلى السنة 18 هـ-: فهذا شئ لا سند له ولا قيمة، وأبو الفرج بن العبرى ليس حجة فى مثل هذا النقل، ولا يوثق بشئ ينقله عن عصر بينه وبينه أكثر من (600 سنة) ولم يسنده إلى نقل يقارب العصر المنقول عنه، فإنه عاش بين سنتي 623 و 685 هـ، ثم هذا ابن العبرى رجل متعصب معروف بالتحامل على العرب وعلى المسلمين، وهو صاحب الحكاية الباطلة التى نقلها عن حرق عمرو بن العاص مكتبة الإسكندرية، حتى إن الدكتور (بتلر) صرح بأنه "ليس من دليل على أصل

هذه الرواية أقدم من أيام أبى الفرج" (انظر فتح العرب لمصر تعريب الأستاذ فريد أبو حديد ص 350 طبعة سنة 1933) فمثل هذا الرَّجل غير ثِقَة ولا مأمون على النقل، حتى لو نقل شيئًا عن عصره أو ما يقاربه، فضلا عن تفرده بنقل يستند إلى ما قبل عصره بمئات السنين. وأما كل ما أرجف به الكاتب ليصل إلى ما يدعيه من معرفة النبى صلى الله عليه وسلم بما يسمونه "الأناجيل" وبأن "هذا الموضوع ليس إلا مسألة فرعية من المسألة العامة الخاصة بأصل الإسلام ومصادره" فإنه شئ لا يثبت أمام النقد، ولا تؤيده آية حقيقة من حقائق التاريخ. وقد كان النصارى من قبل الإسلام بمئات السنين مختلفين فى صحة الكتب التى يطلقون عليها اسم "الأناجيل" وهى أكثر من سبعين كتابًا، حتى تحكم فيهم الزعماء والرؤساء فى مجمع "نيقية" فى القرن الرابع الميلادى، فاعتبر"المجمع أن هذه الكتب الأربعة المعروفة الآن هى الأناجيل الصحيحة. وبذلك صارت الكتب الرسمية للدين المسيحى، واعتبر ما عداها منحولا أو غير صحيح، وهذه الكتب التى اعتبرت منحولة غير مشتهرة وغير معروفة تفصيلا إلا قليلا، فمن أين يعرفها العرب قبل الإسلام وعند بدء ظهوره؟ ! وكان النبى [- صلى الله عليه وسلم -] رجلا أميا لا يقرأ ولا يكتب، كما ثبت بالتواتر الصحيح فى التاريخ, وكما نص الله عليه فى القرآن الكريم، وقد أقمنا الحجة على ذلك فيما مضى من الدائرة ثم أنعم الله عليه بالنبوة والرسالة، وبعثه إلى الناس كافة بهذا القرآن الكريم، وجعله مصدقًا لما بين يديه من التوراة والإنجيل وكتب الأنبياء السابقين، إجمالا لها من غير تفصيل، وجعل كتابه "مهيمنا" على هذه الكتب، أى رقيبًا عليها كلها، كما قال تعالى فى سورة المائدة (آية 48): {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ}: وهذا الرَّجل الأمى لم يقرأ شيئًا من كتبهم، ولم يبلغه من الكتب التى فى أيدى النصارى -مع ما فيها من الاختلاف- قليل ولا كثير، ومع ذلك

فإنه لا يذكر إنجيل عيسى عليه السلام فى القرآن إلا باللفظ المفرد "إنجيل" فلو كان هذا القرآن من عند غير الله، وكان النبى [- صلى الله عليه وسلم -] عرف هذه الروايات: لجاء التعبير عنها فى القرآن ولو مرة واحدة بلفظ الجمع "أناجيل" وهى التى كانت ولا تزال معروفة عند النصارى، من صحيح فى زعمهم ومنحول. ثم انظر فى شأن هذا الرجل الأمى [- صلى الله عليه وسلم -] لو كان يعرف هذه العشرات من الكتب التى تسمى"أناجيل" وأراد أن يحقق أمرها، ويعرف الزيف منها من الصحيح، ويحكم فيها حكما قاطعًا صحيحًا، ويأتي بكتاب ثبت مهيمن عليها رقيب: فإلى أى أنواع من الثقافة والعلوم الدينية والتاريخية والأثرية يحتاج؟ ! . وهل كانت هذه العلوم كلها موجودة فى كتب مؤلفة قبل بدء الإسلام، سواء باللغة العربية أم بغيرها من اللغات؟ ! وكم من السنين يستغرق تعلم ذلك ومعرفته فقط؟ ! وأين كان أعداؤه من المشركين وأهل الكتاب، إذا كان قد تعلم كل هذه العلوم، ودرسها الدراسة الكاملة التى تمكنه من الحكم بتحريف كتبهم ونسيانهم {حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ}؟ ! نعم إن بعض المشركين زعم أنه تعلم بعض الشيء من غيره، وقد حكى الله ذلك فى القرآن عنهم، ثم ردّ عليهم قولهم بأقوى رد، فخرست ألسنتهم وألسنة غيرهم، فلم يدع ذلك أحد منهم ولا من أهل الكتاب بعد ذلك، مع كفرهم به وعداوتهم له، وتربصهم به وبالمسلمين أن يجدوا حجة تنصرهم عليهم، إذ علموا أنهم لو عادوا إلى هذه الدعوى لكانت حجتهم داحضة، ودعواهم كاذبة، فإنه نشأ بينهم وعرفوا تاريخ حياته وأحواله تفصيلا وإجمالا, ولم يجدوا من يصدقهم من أهل عصرهم المشاهدين الحاضرين فى أنه تعلم كل هذه العلوم والشرائع من بعض القارئين والكاتبين فى مكة. وقد اتصل المسلمون بالنصارى واليهود بعد الفتح العربى للبلاد اتصالا وثيقًا، وقامت فى بعض الأوقات حرب الجدال الدينى بين الفريقين واحتدمت، ومع ذلك فإنه لم يزعم أحد -فيما نعلم- من أعداء المسلمين أن القرآن

مقتبس كله أو بعضه من التوراه أو الأناجيل أو الآراء المسيحية، إلا فى هذه العصور المتأخرة، حينما ضعف شأن الدول الإسلامية ماديا، وقام المستشرقون - وفى أعقابهم المبشرون- بالهجوم العلمى على المسلمين، بعد إن وضعوا أيديهم على أكثر بلاد الإسلام، {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ. هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} سورة التوبة الآية 32 و 33. وبعد: فإن الله تعالى يقول فى سورة النحل، الآية 103 - 105 وهى سورة مكية: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ. إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ لَا يَهْدِيهِمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ. إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ}. قال الفخر الرازى فى تفسير هذه الآيات (ج 4، ص 185 - 186 الطبعة الأولى ببولاق): "اعلم أن المراد من هذه الآية حكايته شبهة أخرى من شبهات منكرى نبوة محمد [- صلى الله عليه وسلم -]. وذلك أنهم كانوا يقولون إن محمدًا [- صلى الله عليه وسلم -] إنما يذكر هذه القصص وهذه الكلمات لأنه يستفيدها من إنسان آخر ويتعلمها منه - ثم ذكر اختلاف الروايات فى اسم هذا البشر وقال: وبالجملة فلا فائدة فى تعديد هذه الأسماء والحاصل أن القوم إتهموه بتعلم هذه الكلمات من غيره ثم إنه يظهرها من نفسه ويزعم أنه إنما عرفها بالوحى وهو كاذب فيه، ثم إنه تعالى أجاب عنه بأن قال: {لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ}. ثم قال فى تقرير أوجه الرد عليهم وتكذيبهم: "الأول: أنهم لا يؤمنون بآيات الله وهم كافرون، ومتى كان الأمر كذلك كانوا أعداء للرسول [- صلى الله عليه وسلم -]، وكلام العدى ضرب من الهذيان، ولا شهادة لمتهم. الثانى: أن أمر التعليم لا يتأتى فى جلسة واحدة، ولا يتم فى الخفية، بل التعلم إنما ينم إذا اختلف المتعلم إلى المعلم أزمنة متطاولة ومددًا متباعدة، ولو كان الأمر كذلك لاشتهر فيما بين الخلق أن محمدًا عليه السلام

يتعلم العلوم من فلان وفلان. الثالث: أن العلوم الموجودة فى القرآن كثيرة، وتعلمها لا يتأتى إلا إذا كان المعلم فى غاية الفضل والتحقيق، فلو حصل فيهم إنسان بلغ فى التعليم والتحقيق إلى هذا الحد لكان مشارًا إليه بالأصابع فى التحقيق والتدقيق فى الدنيا! ! فكيف يمكن تحصيل هذه العلوم العالية والمباحث النفسية من عند فلان وفلان؟ ! واعلم أن الطعن فى نبوة رسول الله [- صلى الله عليه وسلم -] بأمثال هذه الكلمات الركيكة يدل على أن الحجة لرسول الله [- صلى الله عليه وسلم -] كانت ظاهرة باهرة، فإن الخصوم كانوا عاجزين عن الطعن فيها, ولأجل غاية عجزهم عدلوا إلى هذه الكلمات الركيكة". إن محمدًا [- صلى الله عليه وسلم -]-وقد ثبت لك أنه لم يتعلم شيئًا من كتب الأديان السابقة، ولم يدرس شيئًا من العلوم والمعارف- يخبرنا عن الله سبحانه أنه يقول فى شأن النصارى وكتبهم: {وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [سورة المائدة، الآية 14]. أيمكنك أن تتصور أن هذا الأمى يحكم الحكم القاطع الصريح البين بأن النصارى نسوا الكثير مما ذكرهم به عيسى عليه السلام من نفسه ومن علمه بدون وحى من الله؟ ! إن الذى يأتى بهذا القرآن وبما فيه من تشريع تقطعت دونه أعناق الأمم وبما فيه من توحيد وتمجيد لله، وبما فيه من القصص والأخبار الصادقة، وبما فيه من المواعظ والحكم، وبما فيه من مكارم الأخلاق، هذا القرآن الذى أعجز الإنس والجن أن يأتوا بسورة من مثله، وهو الهدى ودين الحق- أقول: إن الذى يأتى بكل هذا فى كتاب واحد لن يعقل أن يكون تعلمه من كتب يحكم هو عليها بأنها محرفه مبدلة، أو كلمات يسمعها عرضًا على ألسنة بعض أهل الكتاب فى جزيرة العرب، أو نقلا عن بعض الشعراء الذين يتبعهم الغاوون، وهم فى كل واد يهيمون، وهم يقولون ما لا يفعلون. ومن المضحك، بل مما يؤسف له، أن كاتب المقال لم يصن قلمه فى مثل هذا

البحث -الذى يزعمه بحثًا علميا- عن ذكر الحانات. وكان الأجدر به أن يفقه أن ما يتحدث به السكارى فى الحانات، وخاصة الشعراء منهم، لا يصلح أن يكون أساسا لدين عظيم يهدى إلى الله، ويعلم الناس الشرائع والمكارم، ويدعو إلى إعلاء كلمة الله، وإلى نشر الفضيلة وحرب الرذيلة، هالى النهي عن الخمر والميسر وغيرهما من المنكرات، ويصفها بأنها رجس من عمل الشيطان. وقد كان الأولى به، وهو يشرح مادة "إنجيل"، أن يذكر تاريخ هذه الكتب التى بأيديهم أولا، ثم يدعى بعد ذلك ما شاء من الدعاوى، ولكنه -فيما نظن- أحجم عن ذلك لئلا يكون نقضا لكل ما يدعيه. وقد ذكر أستاذنا الإِمام العلامة السيد محمد رشيد رضا الكثير من تاريخها فى مواضع متعددة من تفسيره، وكان رحمة الله من أعلم الناس فى هذا العصر بتاريخها وبدراستها، هو وأستاذنا العلامة الكثير الشيخ عبد الوهاب النجار. وهاك قطرة من غيث مما قاله السيد رشيد (جـ 6، ص 287 - 288 من التفسير): "بيّن الله لنا أن النصارى نسوا حظا مما ذكروا به كاليهود، وسبب ذلك أن المسيح عليه السلام لم يكتب ما ذكرهم به من المواعظ وتوحيد الله وتمجيده والإرشاد لعبادته، وكان من اتبعوه من العوام، ومثلهم حواريوه، وهم من الصيادين، وقد اشتد اليهود فى عداوتهم ومطاردتهم، فلم تكن لهم هيئة اجتماعية ذات قوة وعلم، تدوّن ما حفظوه من إنجيل المسيح وتحفظه. ويظهر من تاريخهم وكتبهم المقدسة أن كثيرًا من الناس كانوا يبثون بين الناس فى عصرهم تعاليم باطلة عن المسيح، ومنهم من كتب فى ذلك، حتى إن الذين كتبوا كتبا سموها الأناجيل كثيرون جدا، كما صرحوا به فى كتبهم المقدسة وتواريخ الكنيسة. وما ظهرت هذه الأناجيل الأربعة المعتمدة عندهم الآن إلا بعد ثلاثة قرون من تاريخ المسيح عند ما صار للنصارى دولة بدخول الملك قسطنطين فى النصرانية، وإدخاله إياها فى طور جديد من الوثنيه. وهذه الأناجيل عبارة عن تاريخ ناقص للمسيح، وهى متعارضة متناقضة

مجهولة الأصل والتاريخ, بل وقع الخلاف بينهم فى مؤلفيها واللغات التى ألفوها بها. وقد بيّنا فى تفسير أول سورة آل عمران حقيقة إنجيل المسيح، وكون هذه الكتب لم تحو إلا قليلا منه، كما تحتوى السيرة النبوية عندنا على القليل من القرآن والحديث. وهذا القليل من الإنجيل قد دخله التناقض والتحريف" ثم ذكر الأدلة على ذلك تفصيلا، ثم قال (ص 301 - 302): "فثبت بهذا البيان الوجيز صدق قول القرآن المجيد: فنسوا حظا مما ذكروا به. وثبت به أنه كلام الله ووحيه، إذ ليس هذا مما يعرف بالرأى حتى يقال إن النبى [- صلى الله عليه وسلم -] قد اهتدى إليه بعقله ونظره. كيف وقد خفى هذا عن أكثر علمائنا الأعلام عدة قرون لعدم اطلاعهم على تاريخ القوم". وقال أيضًا فى تفسير قوله تعالى فى سورة آل عمران: {نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ} (جـ 3، ص 158): "أما لفظ الإنجيل فهو يونانى الأصل، ومعناه البشارة، وهو يطلق عند النصارى على أربعة كتب، تعرف بالأناجيل الأربعة، وهى ما يسمونه العهد الجديد، وهو هذه الكتب الأربعة مع كتاب أعمال الرسل، أى الحواريين، ورسائل بولس وبطرس ويوحنا ويعقوب ورؤيا يوحنا، أى على المجموع، فلا يطلق على شئ مما عدا الكتب الأربعة بالانفراد. والأناجيل الأربعة عبارة عن كتب وجيزة فى سيرة المسيح عليه السلام وشئ من تاريخه وتعليمه، ولهذا سميت أناجيل. وليس لهذه الكتب سند متصل عند أهلها، وهم مختلفون فى تاريخ كتابتها على أقوال كثيرة، ففى السنة التى كتب فيها الإنجيل الأول تسعة أقوال، وفى كل واحد من الثلاثة عدة أقوال أيضًا، على أنهم يقولون إنها كتبت فى النصف الثانى من القرن الأول للمسيح، لكن أحد الأقوال فى الإنجيل الأول أنه كتب سنة 37 ومنها أنه كتب سنة 64 ومن الأقوال فى الرابع أنه كتب فى سنة 98 للميلاد، ومنهم من أنكر أنه تصنيف يوحنا، وإن خلافهم فى سائر كتب العهد الجديد لأقوى وأشد".

"وأما الإنجيل فى عرف القرآن فهو ما أوحاه الله إلى رسوله عيسى ابن مريم عليه السلام من البشارة بالنبى [- صلى الله عليه وسلم -] الذى يقيم الشريعة والحكم والأحكام، وهو ما يدل عليه اللفظ، وقد أخبرنا سبحانه أن النصارى نسوا حظا مما ذكروا به كاليهود، وهم أجدر بذلك، فإن التوراة كتبت فى زمن نزولها، وكان الألوف من الناس يعلمون بها، ثم فقدت، والكثير من أحكامها محفوظ معروف، ولا ثقة بقول بعض علماء الإفرنج من أن الكتابة لم تكن معروفة فى زمن موسى عليه السلام. وأما كتب النصارى فلم تعرف ولم تشتهر إلا فى القرن الرابع للمسيح عليه السلام, لأن أتباع المسيح عليه السلام كانوا مضطهدين بين اليهود والرومان، فلما أمنوا باعتناق الملك قسطنطين النصرانية -سياسة- ظهرت كتبهم، ومنها تواريخ المسيح المشتملة على بعض كلامه الذى هو إنجيله، وكانت كثيرة، فتحكم الرؤساء حتى اتفقوا على هذه الأربعة، فمن فهم ما قلناه فى الفرق بين عرف القرآن الكريم وعرف القوم فى مفهوم التوراة والإنجيل تبين له أن ما جاء فى القرآن هو الممحص للحقيقة التى أضاعها القوم، وهى ما يفهم من لفظ التوراة والإنجيل. ويصح أن يعد هذا التمحيص من آيات كون القرآن موحى به من الله، ولولا ذلك ما أمكن ذلك الأمى الذى لم يقرأ هذه الأسفار والأناجيل المعروفة ولا تواريخ أهلها - أن يعرف أنهم نسوا حظا مما أوحى إليهم وأوتوا نصيبًا منه فقط، بل كان يجاريهم على ما هم عليه ويقول الأناجيل لا الإنجيل. ثم إن من فهم هذا لا تروج عنده شبهات القسيسين الذين يوهمون عوام المسلمين أن ما فى أيديهم من التوراة والأناجيل هى التى شهد بصدقها القرآن". "وقال الأستاذ الإِمام -يريد الشيخ محمد عبده- فى تفسير هذه الجملة: المتبادر من كلمة "أنزل" أن التوراة نزلت على موسى مرة واحدة، وإن كانت مرتبة فى الأسفار المنسوبة إليه فإنها مع ترتيبها مكررة، والقرآن لا يعرف هذه الأسفار ولم ينص عليها. وكذلك الإنجيل نزل مرة واحدة، وليس هو هذه الكتب التى يسمونها أناجيل، لأنه لو أرداها لما أفرد الإنجيل دائما مع

أنها كانت متعددة عند النصارى حينئذ". وقال الأستاذ العلامة الشيخ عبد الوهَّاب النجار في كتاب قصص الأنبياء (ص 465 - 466 طبعة ثانية: "أين يوجد اليوم إنجيل المسيح - عليه السلام - الذي ذكره القرآن الكريم؟ إن الإنجيل الذي أتى به المسيح وسلمه إلى تلاميذه وأمرهم أن يبشروا به لا يوجد الآن، وإنما توجد قصص ألفها التلاميذ وغير التلاميذ، لم تسلم من المسخ والتحريف بالزيادة والحذف". وإن شئت معرفة تاريخ هذه الأسفار الأربعة التي تسمى الأناجيل ومقدار ما فيها من التناقض والاختلاف، ومقدار الوثوق بها من الوجهة التاريخية، ثم قيمتها العلمية عند علماء الإِسلام فاقرأ الجزء الثاني من كتاب (الفصل في الملل والأهواء والنحل) للإمام الحافظ الحجة أبي محمَّد بن حزم المتوفى سنة 456 وكتاب (الجواب الصحيح) لشيخ الإِسلام ابن تيمية المتوفى سنة 728 وكتاب (هداية الحيارى) للإمام المحقق ابن قيم الجوزية المتوفى سنة 751 وكتاب (الأجوبة الفاخرة) للعلامة الكبير شهاب الدين القرافي المتوفى سنة 684 وكتاب (الفارق بين المخلوق والخالق) لصاحب السعادة الحاج عبد الرَّحْمَن بك أفندي باجه جى زاده، وكتاب (دين الله في كتب أنبيائه) للعلامة الدكتور محمَّد أفندي توفيق صدقى رحمه الله، وكتاب (قصص الأنبياء) لأستاذنا، الشيخ عبد الوهَّاب النجار، وما كتبه المرحوم الإِمام السيد محمَّد رشيد رضا في التفسير والمنار، وأخيرًا كتاب (الإنجيل والصليب) تأليف الأب عبد الأحد داود الأشورى العراقي، وقد ترجمه عن التركية أحد الأفاضل من مسلمى العراق وطبع في القاهرة سنة 1351. وإذا كانت عقيدة المسلمين من عصر النبوة إلى الآن أن هذه الكتب محرفة مبدلة، أو مصنوعة موضوعة، فكيف يتصور ذو عقل أنَّهم يأخذون عنها دينهم؟ ! أو أن يدخل في أذهانهم وآرائهم بعض ما يقرءونه أو يسمعونه منها، وهم يرون رسولهم [- صلى الله عليه وسلم -] قد جاءهم بالدين الحق، وترك في أيديهم كتابًا جعله إمامًا لهم لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وأبان لهم في

سنته كل ما احتاجوا إليه في شئون دينهم ودنياهم، وهم يسمعون حكم الله في الكتب التي عند أهل الكتاب أنها محرفة لا يوثق بها، ويسمعون قول النَّبِيّ [- صلى الله عليه وسلم -]: "لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم، وقولوا: آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إليكم" وهذا حديث صحيح رواه البُخَارِيّ من حديث أبي هريرة (انظر فتح الباري 8: 129 و 13: 282 و 430 طبعة بولاق)، ويقرءون حديث جابر ابن عبد الله: "أن عمر أتى النَّبِيّ [- صلى الله عليه وسلم -] بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب فقرأه عليه فغضب وقال: لقد جئتكم بها بيضاء نقية، لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق فتكذبوا به أو بباطل فتصدقوا به. والذي نفسي بيده لو أن موسى - عليه السلام - كان حيا ما وسعه إلَّا أن يتبعنى". رواه الإِمام أَحْمد وابن أبي شيبة والبزار، وإسناده صحيح (انظر الفتح 13: 281). وهذا المعنى متواتر عند المسلمين معلوم من الدين بالضرورة. وكان المسلمين في تشريعهم وفقههم مستقلين تمام الاستقلال بكتابهم وسنة نبيهم [- صلى الله عليه وسلم -]، لم يتأثروا في شيء من ذلك بكتب النصارى ولا بقوانين الرومان، ولا بغيرها من آراء من سبقهم، يعرف ذلك من توسيع في دراسة الشريعة الإِسلامية وأصولها من الكتاب والسنة، وقد يخفى على من قصر دراسته ومعرفته على كتب الفروع الفقهية فيخدعه ما يرى فيها من شبه ببعض القواعد القانونية عند غير المسلمين. وبعد هذا البيان الموجز لا أراني في حاجة إلى مناقشة الكاتب تفصيلا في المواضع التي زعم أن القرآن اتفق مع الأناجيل فيها أو خالفها، وأن للعهد الجديد أثرًا في الحديث، أو في كتب الصوفية أو غيرها، وقد دمرنا الأساس الذي بنيت عليه هذه الدعاوى الباطلة: {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ. يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} سورة المائدة، الآية 15 و 16. أَحْمد محمَّد شاكر

الأندلس

الأندلس (*) (1) الاسم العربي لشبه جزيرة إيبيريا (2)؛ كان أول ظهوره عند العرب، وأصله مشوب ببعض الغموض شأنه في ذلك شأن الاسمين القديمين: إيبيريا عند اليونان وأسبانيا (3) عند الرومان. ويجدر بنا ألا نحفل كثيرًا بالاشتقاق الذي ذهب إليه العرب بإرجاع اللفظ إلى أسماء الأجداد الأول وقولهم إن البلاد سميت باسم أندلس بن طوبال بن يافث. وقد تكون هناك صلة بين هذا الاسم وبين اسم القبيلة الجرمانية "الفندال"، وفي هذه الحالة يفترض أنَّه مشتق من "فنداليشا" Wandalicia. وربما كانت صيغة فنداليشيا تطلق على إقليم بتيقا Baetica)) (4) القديم الذي احتله الفندال ما يقرب من عشرين سنة (411 - 429 م) أو على ثغر ترادكنا Traducta الذي عبر منه الفندال إلى إفريقية. ويقول بعض الكتاب العرب إنه عين البلد الذي عرف فيما بعد باسم القائد المغربي طريف، ولكن من المرجح أن تكون ترادكتا هي الجزيرة الخضراء Algeciras, ويكون الفاتحون من العرب البربر وفقًا لهذه النظرية قد أطلقوا اسم المدينة الصغيرة أو الإقليم على المنطقة التي عرفها الرومان والقوط باسم "بتيقا" ثم على شبه الجزيرة بأسرها القتى سرعان ما دانت لهم بما فيها من ولايات فرنسا الجنوبية، وهي: سبتمانيا أي من جاليا الأربونية (5) إلى نهر الرون. ولما أخذ النفوذ العربي في شبه الجزيرة بالاضمحلال البطئ وبدأ الأسبان يسترجعون البلاد في عهد بلاى Pelayo (من عام 718) استمروا في الكفاح أكثر من ثمانية قرون، فقد اسم الأندلس -الذي كان يطلق على مساحة كبيرة من الأرض- مدلوله بالتدريج. ولبثت الأقاليم الجنوبية التي ظلت في حوزة العرب تعرف به من وقت إلى آخر، ثم لم يعد يعرف به بعد ذلك سوى إقليم صغير هو مملكة غرناطة، كما أن نصارى أشبانيا الشمالية كانوا يجهلون اسم الأندلس جهلا تامًّا، وكانوا يطلقون على الجزء العربي الجنوبي الاسم القديم إسبانيا Hispania أو سبانيا spania، أما موطنهم الشمالي فأطلقوا عليه أسماء خاصة مثل أشتورش Asturias)) (6) ¬

_ (*) الهوامش تلي المقال مباشرة.

وليون Leon (7) وقشتالة Castille وأرغون Aragon (8) .. إلخ، وهذا يطابق ما رواه الإدريسي، ص 174 (Re: Dozy cherches sur l'Histoire et la Litt de Espagne l' الطبعة الثالثة. جـ 1، ص 301 - 303؛ أبو الفداء: تقويم البلدان، ترجمة رينو Reinaud, جـ 2، ص 224؛ Die Alhambra: Gosche ص 45؛ مراصد الاطلاع، طبعة جويبول، جـ 4، ص 178). وقد أخذ العرب بما جاء في مصور بطلميوس المضطرب البعيد عن الدقة، ولم يكن من السهل عليهم التحقق من الحدود الخارجية التي رسمها للبلاد المختلفة، ولذلك كثيرًا ما وصفوا الأندلس بأنها ذات شكل مركن على مثال المثلث، أركانه Punta Marroqui طرف مراكش وجزيرة طريف على بحر الزقاق- "كات إكسوخين" باليونانية (مضيق جبل طارق) - في الجنوب، ورأس الطرف Finistere في الشمال الغربي ورأس كريوش Creus وثغر Fanum Veneris) Vendres - هيكل الزهرة) في الشمال الشرقي. ويعتبر أحيانًا الشاطئ بأكمله من جزيرة طريف إلى كريوش (المراكشي: المعجب ص 4) أو إلى طرُّكونة وبرشلونة الحد الجنوبي، بينما سلسلة جبال البرتات- التي يزعم أنها تسير من الجنوب إلى الشمال ورسمت كذلك في المصورات- تعتبر الحد الشرقي. ثم إن العرب كانوا على صواب كثير عندما أطلقوا فيما بعد اسم شرق الأندلس على الجزء الذي عرف بعدئذ بمملكتي بلنسية ومرسية، وكثيرًا ما قالوا إن الحد الغربي على المحيط الأطلسي يبدأ من جزيرة طريف وينهى بطرف القديس فنسان (9) أو طرف رقة Cahn de Roca (10) بالقرب من لشبونة. وقد أطلقوا على المحيط الأطلسي اسم بحر الظلمة أو الظلمات والبحر المظلم والبحر المحيط الأعظم والأوقيانوس والقاموس والبحر الغربي (11) تمييزًا له عن البحر الشرقي أو الرومي والشامي والمتوسط. والحد الشمالي يبدأ من طرف رقة ويدور حول ركن جليقية ويصل إلى جبال البرتات بالقرب من فونترابى Fuenterrabia (12) والبرتات

تعرف أَيضًا بجبل البرتات (13) أو بالجبل الحاجز الفاصل بين الأندلس والإفرنجة، كما تعرف سلسلة جبال قشتالة باسم جبل الشارات Sierra (14) وسلسلة جبال سييرا نيفادا Sierra Ne- vada بجبل الثلج أو جبل شلير (15). أما فيما يختص بأوصاف الأندلس والمصورات التي عملت عنها ونشرت مثل مصورات شبرونر Spruner ومنكه Menke (جـ 2, 188) ودرويسن عام 1894 م، والمصورات الموجودة في Au- Der Islam im Morgen: gust Muller Abendland جـ 2 وخاصة في Stanley The Moors in Spain: Lane Poole، جـ 2، طبعة 1887 م فكلها مع الأسف بعيدة عن الدقة مليئة بالأخطاء التي وصلتنا منذ أيام الغزيرى Casiri وكوند Conde وصوصه Sousa جوبير Jau- bert وكايَانكوس Gayangos وهامر Hammer ومهرن Mehren وغيرهم. ولم يتناول دوزى الجانب الجغرافي من الأندلس ولم يتحر هذا المؤرخ النَّاقد العظيم الدقة التامة في تحقيق الأسماء الخاطئة والمحرفة في القسم الخاص بالأندلس من كتاب الإدريسي [نزهة المشتاق في اختراق الآفاق]. وقد نشر النص العربي مع ترجمته الفرنسية بعنوان Description de l'Afrique et de l' Espogne par Idrisi, وعلق عليه وذيَّله بالحواشي دوزى وده غويه (ليدن 1886 م، وانظر فيما يختص بهذا الكتاب La Geografia de: E. Saavedra Eespana del Edrisi , مجريط 1881 - 1889) وربما كانت هذه الأخطاء راجعة إلى نسخة الإدريسي الأصلية. ونحن إذا صححنا التفاصيل وقمنا بتحقيق الأسماء والمواقع المشتتة في مؤلفات دوزى (وخاصة كتاب Observations -geographiques sur quelques An ciennes localites de l'Andalousie في Recherches في الطبعة الثالثة، جـ 1، ص 295 - 347) وفي مصنفات سافدرا وسيمونيه وإكويلاز Eguilaz وقديرة Codera وباسيه فإننا في الواقع لا نكون قد سرنا إلَّا خطوات قليلة في سبيل تأليف كتاب علمي في جغرافية الأندلس. وعلى ذلك فمن الضروري أن نجمع كل الملاحظات التي كتبت في هذا الموضوع المتشعب من جميع المصادر

التي وصلت إلينا سواء أكانت مطبوعة أم غير مطبوعة مما صنفه العرب من مؤرخين وجغرافيين، ومن كتب التراجم ودواوين الشعر، ثم نرتب هذا كله ونوازن بعضه ببعض ونضعه تحت محك النقد والتحليل ونتخذ منه نواة لوصف جغرافي حديث للأندلس، وأساسا لإعداد مصورات جغرافية جديدة. ولسنا نستطيع أن نستعين بالتحقيقات البعيدة عن العلم والنقد التي قام بها جماعة من العلماء تبدأ بالغزيرى Casiri (16) وكوند Conde وغيرهم وتنتهي بهامر ومهرن، وحسبنا دراسة المجموعة التي لم تمحص، والتي تتكون من 833 اسما من أسماء الأماكن في شبه جزيرة إيبيريا في صيغ مضللة محرفة، وهي المجموعة التي ضم شتاتها هامر من غير نقد أو اختيار بما عرف عنه من الجنوح إلى تأليف المطولات ونقلها من الغزيرى وكوند وجوبير Jaubert وكايانكوس Gayangos وضيَّع سدى أربعًا وسبعين صفحة من مجلة - Sit zungsberichte der Wiener Akademie, 1854 م. وإذا انتقلنا إلى التاريخ فإننا نجد العالم العظيم دوزى قد نبذ ظهريًّا جميع مؤلفات كوند وغيره قبل تصنيف كتابه النفيس - Histoire des Musulmans d' Es pagne واستعان بالمصادر العربية بعد أن حققها ونشرها، ومع ذلك فعلينا أن نفتح صفحة جديدة في البحث الجغرافي قبل أن نتمكن من تصنيف كتاب علمي في وصف الأندلس. وقد أوضحت ببعض الأمثلة الطريقة التي يجب أن تتبع، وهي تشمل من غير شك الدراسة المقارنة لمصادر القرون الوسطى لاتينية وأسبانية من غير أن نغفل المصنفات القديمة، وبينت كيف نستخرج النتائج من المصادر العربية، وكيف نستعين بهذه النتائج في تصحيح أسماء الأماكن القديمة وتحديد مواقعها، (انظر Or- = Abixa = Otobesa El Puigcisco Code- = opesa Y Anixa ra، سرقسطة 1904 م، ص 115 - 119؛ Monchichique et Arrifana d'Algarve chez les auteurs arabes في O Archevlogo Portugues, جـ 8، 1903 م؛ Zur spanisch- ar abischen Geographie Die Provinz Cadiz في R. Die Geographische ': Hauptmann

- Katalog. 8 Hage von Zallaka - Sacral (1195) ias (1086) und Alarcos في Reuue Hispanique عام 1906 م؛ وانظر أَيضًا Tobonymia Arabe: David Lopes de Portugal في Revue Hispanique عام 1902 م). وإبان استعادة الأسبان للأراضي التي كانت في حوزة العرب, وبخاصة بعد الاستيلاء على غرناطة 1492 م ذهب الكثير من المصنفات القيمة -التي تتحدث عن التاريخ وتقويم البلدان عامة والأندلس بخاصة- ضحية التعصب الأعمى. ويجب كذلك أن تجمع المواد المتعلقة بالأندلس والمبعثرة في شمالي إفريقية وسائر بلاد المشرق ثم توضع في متناول كثير من العلماء والجغرافيين والمؤرخين لترجمتها ترجمة نقدية مصحوبة بالتعليقات المفصلة، كما يجب أن يدُرس بهذه الطريقة كل ما وردت فيه إشارة إلى الأندلس من التراث الجغرافي والتاريخي للعرب مبتدئين بالنبذ القصيرة التي كتبها ابن خرداذبه عام 846 م، ثم بمصنفات اليعقوبي وياقوت وغيرها وبالمكتبة الجغرافية التي نشرها ده غويه من عام 1870 إلى عام 1894 بنوع خاص، وأخيرًا بالمصنف الضخم الذي صنفه أَحْمد المقَرّى المغربي في دمشق من عام 1628 إلى عام 1630 م، وقد جمعه من مائة مصدر عربي، ويمكن أن يقال عنه إنه دائرة معارف في موضوع الأندلس. ولا عبرة بترجمة كايانكوس لهذا الكتاب الحافل بالمعلومات وعنوانها The History of the Mohammedan Dynasties in Spain (في مجلدين، عام 1840 - 1843 م) لأنها بعيدة كل البعد عن الدقة وخالية من التمحيص، ولا يمكن التعويل عليها، زد على ذلك أن المترجم تحاشى الصعاب بتجاهلها وينبغي أن تجمع كل الأسماء والإشارات الجغرافية من المعاجم العربية الضخمة الخاصة بتراجم العلماء والأنساب؛ لأن غالبها يتناول عددًا كبيرًا من رجالات الأندلس, وهي تثبت ازدهار الأدب في تلك الربوع، وأهم هذه المصنفات بلا ريب هو "المكتبة الأندلسية" (Bib-Coders liotheca Arabico Hispann) التي تضم

في مجلداتها العشرة تراجم أندلسية، ولكن المؤسف حقًّا أن يتفشى في هذه المكتبة الخطأ والتحريف في أسماء الأماكن. وسنجمل القول في تاريخ الأندلس؛ فإنَّه يبدأ باحتلال العرب السريع لشبه الجزيرة من عام 92 هـ (711 م) فصاعدًا، وقد مزجت قصة هذا الفتح بالكثير من الأساطير، وقام به أول الأمر -أي إلى عام 755 م- عمال من قبل خلفاء بني أمية في دمشق يربو عددهم على العشرين، ولم يكن يلبث الواحد منهم في الحكم إلَّا قليلا. وقد توغل العرب في شجاعة إلى أن وصلوا إلى قلب فرنسا عند مدينتي تور وبواتييه Tours - Poitiers(عام 732 م) ثم نشبت الفتنة بين عرب الشمال والجنوب وبين البربر. وفي عام 756 م قامت إمارة قرطبة -أي الأندلس- منفصلة عن العباسيين، على يد عبد الرَّحْمَن الأول الملقب بالداخل، وهو أمير أموي فر من الاضطهادات التي مزقت شمل أسرته. ومن عام 912 إلى عام 961 م -أي في عهد عبد الرَّحْمَن الثالث الذي جلس على عرش الخلافة عام 929 م- وصلت هذه الدولة إلى أوج عظمتها، ثم أخذت في التدهور السريع وخاصة بعد وفاة الأمير الموهوب المنصور الحاجب وهو أعظم ساسة الأندلس وقوادها، بل يمكننا أن نعتبره بسمارك القرن العاشر. وفي عام 1031 م تلاشت هذه الدولة القديمة وحلت محلها دويلات قصيرة العمر حكمها أمراء يعرفون في التاريخ بملوك الطوائف، كان أغلبهم على جانب عظيم من الثقافة. وبعد عام 1086 م -أي بعد العام الذي انتصر فيه على النصارى يوسف بن تاشفين في واقعة الزلاقة Sacralias شمالي شرق بطليوس- اجتاحت الأندلس قوة المرابطين الغاشمة، وهم بربر من مراكش، ثم قضت على المرابطين في إفريقية والأندلس معًا من عام 1145 إلى عام 1150 طائفة دينية وسياسية هي دولة الموحدين التي أخذت تضمحل هي الأخرى تدريجيًّا بعد الهزيمة التي منيت بها في واقعة العُقاب - Las Navas de To losa عام 1212 م.

وبعد عام 1236 م انحصر سلطان العرب في إمارة غرناطة المشهورة الناشطة. وبالرغم من حماية الجبال لهذه الإمارة، فإنَّها اعترفت بسلطان قشتالة، ثم سقطت عام 1492، وتلا ذلك، وبخاصة بين عامي 1568 و 1570، ثورة الموريسكو Moriscoes(*) وفي عام 1609 طرد المستعربون Les Mozarabes المدجنون Les Mude- jares واليهود ولا يتسع المجال هنا للإفاضة في هذا التاريخ الطَّويل، وحسبنا أن نحيل القارئ إلى المواد الخاصة التي تبحث في شتى جوانب هذا الموضوع، مكتفين ببيان الدول المختلفة التي حكمت الأندلس مع ذكر اسما حواضرها: بنو أمية وحاضرتهم قرطبة وحكموا من عام 756 - 1031 م. بنو عباد وحاضرتهم إشبيلية وحكموا من عام 1023 - 1091 م. بنو جهور وحاضرتهم قرطبة وحكموا من عام 1031 - 1070 م. بنو حمود وحاضرتهما مالقة وحكموا من عام 1035 - 1057 م. بنو زيرى وحاضرتهم غرناطة وحكموا من عام 1015 - 1090 م. بنو برزال وحاضرتهم قرمونة وحكموا من عام 1029 - 1067 م. بنو بكر وحاضرتهم وَلْيَة وحكموا من عام 1011 - 1051 م. بنو يحيى وحاضرتهم لبلة وحكموا عام 1023 - 1051 م. بنو مزين وحاضرتهم شلب وحكموا من عام 1028 - 1051 م. سعيد بن هارون وابنه وحاضرتهما شنتمرية الغرب وحكمًا من عام 1016 - 1052 م. بنو الأفطس وحاضرتهما بطليوس وحكموا من عام 1022 - 1092 م. بنو ذي النُّون وحاضرتهم طليطلة وحكموا من عام 1036 - 1085 م. بنو عامر وحاضرتهم بلنسية وحكموا من عام 1021 - 1065 م. ¬

_ (*) الموريسكو Moriscoes هم الرعايا المسلمون الذين دخلوا في حماية النصارى.

بنو هود وحاضرتهم سرقسطة وحكموا عام 1021 - 1065. بنو هود وحاضرتهم سرقسطة وحكموا من عام 1039 - 1110 م. بنو رزين وحاضرتهم شنتمرية الشرق أو شنتمرية ابن رزين وحكموا من عام 1011 - 1103 م. بنو القاسم وحاضرتهم الفنت - Alpu ent وحكموا من عام 1025 - 1092 م. بنو صمادح وحاضرتهم المرية وحكموا من 1044 - 1091 م. (انظر البيان التاريخي الموجود في Histoire: dozy, اليل، وقد أخد هذا البيان عن ستانلي لين بول Stanley The Muharnmedan Dy-: Lane - Poole nasties. المختصر، لندن 1894؛ An- Monedas de: tonio Vievs y Escudero Las dinastias Arabigo - espanolas, مجريط 1879 م ومقالاته المختلفة Juan Cat-: de Dios de la Rade Y Delgado alogo de monedas arabigas espanolas que se conseruan en el museo ar- queologico nacional مجريط 1892؛ Catalogue Des musl-: H. Lavoix manes monnaies de la Bibliotheque nationale Espagne Et Afrique, باريس 1891). ولدينا عن تاريخ الأندلس ما بين عامي 711 - 1110 م كتاب دوزى القيم Histoire Des Musulmans d'Espagne، ليدن 1861, الترجمة الألمانية، ليبسك 1874 وقد ترجم F. De Castro إلى اللغة الأسبانية في مجلدين، إشبيلية- مجريط، 1877 - 1878 م، والمختصر الذي قام به ميلر A. Muller. ويجب أن نرجع في المسائل التي كثر حولها الخلاف والنقط التي ثار حولها الجدل إلى البحوث الحديثة مثل بحث Estudio sobre la in-: Saaverda Espana vasion de los Arabes en مجريط 1892 الذي يذهب فيه إلى أنَّه من المحتمل أن يكون لذريق Rodrigo قد فرعقب الوقعة التي حدثت بينه وبين البربر في إقليم البحيرة عام 711 م وقاتل قتال الشجعان في الشمال الغربي حتَّى عام 713 ولقى حتفه في هذا القتال أثناء قتاله مع موسى في

وقعة Tamames & Segoyuela جنوبي سلمنقة، ويؤيد هذا الرأي الموضع المعهود لقبره في فيزيو Vizeu في شمال البرتغال (انظر Pe-: Saavedra layo، مجريط 1906؛ Juan Menendez: Leyendas del ultimo rey godo, مجريط، 1906). أما عصر المرابطين والموحدين وعصر بني نصر وبني الأحمر (1232 - 1492) في غرناطة -أي المدة ما بين القرنين الثاني عشر والخامس عشر الميلاديين- فيحتاجان إلى جهود مؤرخ آخر مثل دوزى يكون همه الأول الاستفادة التامة من المراجع العربية ولا شك أننا نرحب بالمقالات المتفرقة مثل Decadencia y de-: Codera saparicion de los Almoravides en Cnleccion Estudios arabes - Espana, جـ 3، سرقسطة 1899 م لأنها تزودنا بالمواد التي يجب أن نضعها موضع النقد والتحليل. كما أن ترجمات فانيان Fagnan لكثير من المصنفات العربية الخاصة بتاريخ الأندلس والمغرب تعود علينا بالفائدة الجزيلة وهذه الترجمات هي L'histoire des Almohades diapres: Abd el- Wahid Merrakechi, الجزائر 1893؛ Chronique des Almohades et des Hafcides attribuee a Zerkechi, قسنطينة 1895؛ Annales: Ibn el Athir Maghred et de l' Espagne du الجزائر 1898 - 1901 Histoire de l'Afrique , -et de l'Espagne intitulee al Bayano' l Moghrib لابن عذارى، جـ 1، الجزائر 1901، جـ 2, 1904 م,. En Nodjoum - Relatifs au Magh ez Zahira Extraits reb والترجمة الأخيرة عبارة عن فقرات ترجمها فانيان من كتاب أبي المحاسن ابن تغرى بردى، قسنطينة 1907، ومن المؤسف أن أسماء الأماكن في جميع الترجمات السالفة لم تحقق تحقيقًا كافيًا. وامتازت المرحلة الأخيرة التي دامت 800 عام بالنضال الشريف في سبيل استعادة الأندلس الجميلة، وهي دون غيرها قد أوحت إلى المؤرخين مرة إثر أخرى تصنيف المؤلفات التي تتراوح بين اندفاع العاطفة والجد العلمي. ويجب أن تنال هذه المؤلفات نصيبها من

الاهتمام عند تدوين تاريخ نهائي لغرناطة والحمراء، وهذا ما فعله de L. Eguilaz Gayangos في كتابه Resena Hitsorica de la Conquista del reino de -Granada porlos Reyes Cotalicos se gun los cronistas arabes, الطبعة الثَّانية غرناطة 1894 وهو من أحدث البحوث في هذا الموضوع. أما عن جغرافية مملكة غرناطة الصغيرة فكتاب سيمونيه المتوفى عام 1897 ما زال العمدة، ولو أننا يجب أن نتناول كثيرًا مما ورد في طبعته الثَّانية بشيء من الحيطة ونضعه موضع النقد (Simonet: -Descrincion del Reio de Granada sa cada de los autores arabes, مجريط 1860، الطبعة الثَّانية عام 1872 م) وكذلك يجب أن نرجع إلى كتاب قيم آخر للمؤلف نفسه فيما يختص بتاريخ الأندلس في العهد العربي عامة (Historia de los Mozarabes: Simonet de Espana deducida de Los mejores y - mas autenticns testimonios de Ins Es critores cristianos y arabes, مجريط 1897 - 1903, المجلد 13 في - Mem -orias de la Real Academia de la His toria الثمان والخمسين صفحة من المقدمة مضافة إلى التسعمائة والست والسبعين صفحة من الأصل). ولا يوجد بين التواريخ التي وضعت عن البلاد والأماكن المشهورة بالأندلس سوى عدد قليل له قيمة تاريخية مثل Bosquejo: Alvara Campaner y Fuertes historico de la dominacion islamita en las Islas Baleares (بالما 1888 م، وانظر عن هذا الكتاب Estudios: Codera criticos de historia arade espanola Collecion de Estudios arabes, جـ 7، سرقسطة 1903 م، ص 249 - 301؛ Les Benou Ghanya, der-: Alfred Bel niers representants de l'Empire alma -ravide et leur lutte contre l'empire Al mohade، باريس 1903 م) و Mariano gaspar Remiro Historia de Muricia musulmana, سرقسطة 1905 وغيره. كتاب Altamira الحديث الشامل: His- totia de Espana y de la ciuilizacion espanola, جت 1 - 3 برشلونة، طبعات 1900, 1902, 1906, وهو يتحدث

عن تاريخ الأندلس حتَّى عام 1700 م مفيد في بعض الأحيان، ولو أنَّه اعتمد في كلامه عن العهد العربي على مصادر ثانوية، ويجب أن نتناول ما جاء به في حيطة ونضعه موضع النقد. وقد اعتمد Th Linder في الغالب على A.Miiller في إلمامته الجيدة عن الأندلس - Welrgesch. seit der Vol kerwanderung جـ 2، شتوتكارت- برلين 1902، ص 102 - 140). وينبغي لنا أن نذكر من بين المؤلفات التي تتحدث عن المصادر ما يأتي: F. Ensayo bio- biblio-: Pons Boigues Los his- graphico sobre Esapnoles toriadores y geografos arabigo Gesch. arab. d. Liter وهذا الكتاب يتحدث أَيضًا عن أدباء الأندلس ولو أن تراجمه- وخاصة في المجلد الأول غير مستوفاة في كثير من الأحيان؛ ويعطينا Shack في كتابه Poesie und - Kunst der Araber in Spanien und Si cilen الطبعة الثَّانية شتوتكارت 1877 أحسن وصف للشعر الوافر الذي تغنى به شعراء الغزل الأندلسيون وأضرابهم من عرب المغرب وللفن المغربي الذي يتجلى في عمائرهم التي تتميز بكثرة الزخرف (نقوش على النمط العربي ومقرنصات وزخرفة خطية) ويغلب فيها الميل إلى الزخرفة على الميل إلى الإنشاء والبناء. وقد تعقب شاك Shack تطور العمارة مبتدئًا بالجامع الكبير بقرطبة (786 م) ومنتهيًا بالتحفة الفنية المعروفة بالحمراء. وأحسن الصور الخاصة بهذه العمائر وأحفلها بالألوان هي التي وردت في Moorish: Calvert , remains in Spain (Cordoua, Sevilla (Toledo, Granada, 1906 - 1907. ولم تخط الأبحاث التي تتناول كيفية ومدى تأثير حضارة العرب في الأندلس على الغرب سوى بضع خطوات، وهذا ينطبق مثلًا على المسألة التي لم تحل بعد، وهي الخاصة بمدرسة النقلة بطليطلة والشأن الذي كان لذلك اللون الجديد من الأدب اليهوديّ الذي أنتجه يهود الأندلس وازدهر في كنف الإِسلام. (انظر أَيضًا تقارير تسيبولد السنوية التي بدأ بنشرها عن المراجع

تعليقات على مادة "الأندلس"

منذ عام 1891 Romanischer Vollmoller Jahresbericht: الكاتب نفسه Die arab. Sprache in den roman. Landem roman Philologie Grundriss. der في Grober: ، جـ 1، 1904 م,، ص 515 - 523؛ نفس المؤلف Hispano -Arabica: في - Zeitschr. der Deutsch. Morgenl. Ge . sellsch، جـ 63 ص 350 - 364. وانظر أَيضًا مقال بلاد العرب والعجمية). [تسيبولد C.F. Seybold] تعليقات على مادة "الأندلس" (1) الأندلس: كلمة أعجمية جرى على الألسن أن تلزمها الألف واللام؛ غير أن البعض يحذفونهما وبخاصة في الشعر ومن ذلك: سألت القوم عن أنس فقالوا بأندلس وأندلس بعيد وقد أصاب مؤلف المادة إذ لم يأخذ بما ذهب إليه بعض المؤلفين العرب القدماء من أن الأندلس سميت كذلك نسبة إلى أندلس بن طوبال بن يافث، فقد اعتادوا التسليم بالروايات البعيدة عن الصواب لما فيها من طرافة تستهويهم، ومنها قولهم: إن أندلس بن طوبال هذا كان يصاحبه أخ له يدعى سبت بن يافث فنزل العدوة المقابلة للأندلس بالمكان المعروف الآن باسمه وهو سبتة. وسيجد القارئ مثل هذه الرواية في الحاشية رقم 3 التي ستأتي بعد فيما يتعلق بأصل تسمية أسبانية، وهو بعيد عن موطن الصواب الذي هو عين ما أشار إليه كاتب المادة من أن كلمة أندلس مشتقة من الفندال الذين استولوا على هذه البلاد حقبة من الزمن. وفي نفح الطيب للمقرى -وهو قريب مما عليه إجماع المحققين الآن-: "أول من سكن الأندلس قوم يعرفون بالأندلس -أي الفندال- بهم سمى المكان فعرب فيما بعد بالسين، كانوا هم الذين عمروها وتناسلوا فيها وتداولوا ملكها دهرًا على دين التمجس، ثم أخذهم الله بذنوبهم ففر أكثرهم فأقفرت الأندلس منهم وبقيت خالية فيما يزعمون مائة سنة وبضع عشرة سنة".

(2) إيبيريا Iberie والإيبيريون Les Iberes من اليونانية Iberi: شعب مجهول الأصل والمصدر عاصر في أسبانيا القديمة دول القلت Celtes والفينيقيين واليونان والرومان وقد انتشر في أسبانيا كلها وجنوبي فرنسا، فالإيبيريون على هذا الحساب هم أقدم أمم غربي أوربا. وفي تحقيقات العلماء ما يثبت أنَّهم من أسبانيا انتشروا في فرنسا كلها فإيطاليا وبريطانية العظمى. ومع هذا فإن اسم إيبريا لم يشمل في فرنسا سوى الأراضي غريب نهر الرون. وقد ظهرت أمة القلت في فرنسا فاكتسحت أمامها الإيبريين إلى أسبانيا حيث اختلطت أنساب الفريقين بعضها ببعض فنشأت أمة جديدة أسميت القلتيبيريين Celtiberes، وذكر ديودورس الصقلي المؤرخ هذا الاختلاط فقال: إن القلت والإيبيريين قضوا في المحاربات ردحًا طويلا من الزمن ثم تصالحوا وخلطوا أنسابهم فتولد منهم شعب جديد. وقد اختلف المحققون في أصل الإيبيريين وسبب دخولهم أسبانيا، فقال بعضهم: إنهم أغاروا عليها من الشمال والبعض الآخر إن الإغارة جاءت من الجنوب. وذهب غيرهم إلى أنَّهم انحدروا من أهل أسبانيا النازلين على ضفاف نهر إبْرُ: (بسكون الباء والهاء وضم الراء) L'ebre أو Ibe'rus . وفي آسيا على مقربة من بلاد فارس قوم يدعون بالإيبيريين كإيبيريى أسبانيا سواء ويقول فريق من العلماء إنهم لا شأن لهم بهؤلاء، ولكن المغفور له أَحْمد زكى باشا ذكر في تحقيق له أن نقود قديمة ضربت بشارة إيبيريى آسيا وهي الذئب الأغبر - وجدت في حفائر أسبانيا وأنها الدليل على أن من هؤلاء انحدر الإيبيريون الأسبانيون على أثر هجرتهم إلى أسبانيا بطريق البحر. (3) أشبانية: Espagne أسماها الرومان Hispania وكانت تسمى من قبلهم Hese'rie أي بلاد المغرب أو المغرب. وقال المقري في سبب تسمية أشبانيا بهذا الاسم: "إنه لما صار ملك الأندلس إلى عجم رومة وملكهم أشبان بن طيطش سميت الأندلس أشبانية، وقد ذكر بعضهم أن اسمه أَصبهان فأحيل بلسان العجم. وقيل بل كان

مولده بأصبهان فغلب اسمها عليه. وهو الذي بنى إشبيلية. وكانت أشبانية اسما خالصًا لإشبيلية التي كان ينزلها أشبان ثم غلب الاسم بعده على الأندلس كله فالعجم الآن يسمونه أشبانية لآثار أشبان هذا فيه". انتهى كلام المقرى، ونقول إنه من قبيل كلام الذين زعموا أن الأندلس وسبتة إنما سميتا باسمى أندلس وسبت ابنى طوبال بن يافث وهو كثير امتلأت به كتب التاريخ العربية القديمة مثل قولهم إن إفريقية سميت كذلك باسم فاتحها أفريقش من أمراء اليمن، وهو قول ظاهر الفساد البطلان لأقل تأمل وأيسر تمحيص، وإنما سميت إفريقية بهذا الاسم من أفراغن Afraghen اسم قبيلة بربرية نزلت حول مدينة قرطاجة بتونس فأسميت باسمها في العصور الماضية. (4) بتيقا باللاتينية Baetica وبالفرنسية Betique: شطر أشبانيا القديمة الذي كان يخترقة النهر الكبير Guadalquivir ويحده من الشمال إقليم أناس Anas ومن الشرق طركونة Tar- ragone ومن الجنوب البحر المتوسط وبحر الظلمة (الأطلنطى) بحيث يضم في نطاقه القطر الذي كان معروفًا بأندلس وإقليم غرناطة وجزءًا من قشتالة الجديدة والبرتقال. ووصف بليناس Pline ذلك القطر بخصب الأرض وبأنه كان على عهد الرومان ينقسم أربع دوائر قضائية في قادس وقرطبة وإستجة وإشبيلية. وكان به في ذلك العهد 135 مدينة عامرة من أشهرها إشبيلية Hispalis وطرطوشة Tar- tessus وقرطبة Corduba وأصطبه As- tapa وقادس Gades ومالقة Malaca وأنتقيرة Antaquera (والأسماء الإفرنجية هنا مرسومة برسمها القديم). وكان يسكن تلك المدن أقوام اتصلوا بالفينيقيين والقرطاجيين قبل أن يحتكوا بالرومان فبتيقا هذه بحدودها الآنفة هي التي هبطها قوم الفندال المنحدرين من ألمانيا ومن ثم عزيت إليهم فأسميت فنداليشيا -كما ذكره مدون المادة- ثم حرف هذا الاسم على توالى الزمن إلى Andalousia أي الأندلس. (5) الأربونية: نسبة إلى أربون،

وهي إحدى مدن جنوبي فرنسا الآن فيما يلي جبال البرانس Pyrenees على مسافة 55 كيلو مترًا من قرقشونة - Car cassonne وأصل رسمها بالفرنسية Nar- bonne أي نربون فحرفها العرب وكانت من منضماتهم بعد اختراقهم تلك الجبال إلى أربونة. وقد وردت بهذا الرسم في معجم ياقوت الذي قال: "أربونة بلد في طرف الثغر من أرض الأندلس بينها وبين قرطبة- على ما ذكره ابن الفقيه- أَلْف ميل". وهي في عهدنا الشاهد بندر مقاطعة أود Aude وشهرتها بجودة عسلها وخمرها وبأنها مسقط رأس طائفة من قياصرة رومة. (6) أشتورش: أوردها ياقوت الحموي في معجمه بالسين بدل الشين في موضعيها، وقال إنها بضم الهمزة وأنها حصن من أعمال وادي الحجارة بالأندلس أحدثه محمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن الحكم بن هشام الأُموي صاحب الأندلس، عمره في نحو العدو. (7) ورد تعريب كلمة Le' in في المصنفات العربية على ضربين أحدهما (لاون) وقد ذهب إليه الإدريسي وغيره، والآخر (ليون) بمقتضى منطوقه الإفرنجي، وإلى هذا الرسم ذهب المقرى في مواضع شتى من كتابه نفح الطيب إذ قال في أحدها: "ومعادن الفضة بناحية إفرنجة وليون". وكانت مملكة ليون القديمة متصلة بمملكة أشتورش ثم انفصلت منها في سنة 915 م وانضمت إلى قشتالة مرتين إحداهما في القرن الحادي عشر والأخرى في الثالث عشر. وكانت مملكة ليون القديمة تضم ضمن حدودها من ولايات أسبانيا بحسب التقسيم الحاضر: ليون وبلد الوليد وشلمنقة وسمورة (ويقال أَيضًا: زمورة). وكلمة Le'on تسمى بها أَيضًا الجزيرة التي تقوم عليها مدينة قادس بجنوب أسبانيا. (8) كلمة Argon عربّها العرب على وجهين: الأول أرجون بالجيم ورد في نزهة المشتاق للإدريسي وغيره، والثاني بالغين وقد ذكره المقرى في جملة مواطن من نفح الطيب إذ قال في أحدها: "والإقليم الخامس يمر على طليطلة وسرقسطة وما في سمتها إلى

بلاد أرغون" غير أنَّه في مواطن ذكرها بالجيم وهذا يفيد أن عرب الأندلس كانوا يجمعون بين الوجهين في رسمها، فاختر لنفسك ما يحلو. ولا تخلط أرجون مدينة إقليما بمدينة أرجونة لمجرد التشابه اللفظي، فإن أرجونة بلد ناحية جيان Jaen بالأندلس الأصيل أي بالنصف الجنوبي من أشبانيا، أما أرجون ففي أقصى النصف الشمالي منها إذ تتصل حدودها الشمالية بجبال البرانس من غير فاصل وأرجون هو في الأصل اسم نهر ينحدر من تلك الجبال ويصب في نهر إبره Ibre فأسمى واديه الأعلى باسمه الذي سرى فيما بعد على الأراضى الفسيحة والولايات الكبيرة التي انضمت إلى هذا الوادي وتألفت منها مملكة أرجون وامتدت من جبال البرانس شمالا إلى جبال كونكة Cuenca (قونكة أَيضًا) جنوبا ثم إلى بلنسية شرقًا غير أنها لم تلبث على مر الأجيال أن تجزأت إلى ولايات ومقاطعات نذكر منها مقاطعة وشقة Huesca ومقاطعة سرقسطة Sar- agosse وغيرهما. (9) طرف القديس فنسان Cap de st Vincent: هكذا يسمونه في الجغرافيا الحديثة، وكان الأشبانيون يسمونه من قبل "طرف الغرب" Promontoire L'Algarve بالإضافة إلى ولاية أو بلاد "الغرب" Algarve L' التي يتألف منها القسم الجنوبي من البرتغال فكلمة- Al garve إذن كلمة عربية أصلها الغرب بالإبدال من حرف الباء حرف V. وقد كان ملوك البرتغال- الذين أخضعوا المغرب الأقصى (مراكش) لحكمهم عهدًا ما يتلقبون بملوك الغربين Les rois de deux Algarves يريدون بلاد الغرب البرتغالية الآنفة الذكر وبلاد المغرب الأقصى. وسبب تسمية طرف الغرب برأس أو طرف القديس فنسان أن هذا القديس قتل في بلنسية في عهد قيصر الرومان دقلطيانوس المشهور بجوره واضطهاد المسيحية وألقيت جثته في العراء كي تنهشها الضوارى وتفترسها الجوارح ولكن قيل: إن غرابًا هبط فحرسها ومنع عنها عادية هذه الحيوانات. وفي عهد

الخليفة عبد الرَّحْمَن الأول الأُموى نقل أهل بلنسية الجثة إلى طرف الغرب وبنوا عليها كنيسة اشتهرت فيما بعد بكنيسة الغراب وسمى طرف الغرب من هذا الحين برأس القديس سان فنسان. (10) Cabo de Roca بالبرتغالية و Cap de la Roche بالفرنسية: رأس على ساحل مقاطعة إشبونة داخل في البحر إلى غربها في ارتفاع 142 مترًا. كان في عهد الرومان يسمى - Tarium Mag num ومعناه باللغتين البرتغالية والفرنسية رأس الصخرة أو طرفها وقد كان في استطاعة العرب أن يسموه في العربية بما يطابق هذا الاسم ولكنهم آثروا تعريبه بلفظه فقالوا "طرف رُقة" بضم الراء وفتح القاف المشددة. (11) اجتمعت للأقيانوس الأطلنطي -المنسوب إلى أطلنطيد، وهو قارة قالوا إنها كانت ظاهرة على سطحه ثم غاصت- أسماء كثيرة هي التي ذكرها محرر المادة. ونحن نضيف إليها وصف الإكليلي -نسبة إلى الإكليل- ذكر أَحْمد بن ماجد الربان العربي الملقب بأسد البحر في إحدى رسائله في علم البحر سبب وصفه بالإكليلي فقال لأنه يكلل العالم. (12) فونتارابى بالفرنسية Fon- tarahie وبالإسبانية Fuenterrabia وباللاتينية الجديدة Fons repalus اسم مدينة عند سفح جبل جيزكى Jaizqui وعلى مقربة من مصب أحد الأنهر في خليج الانقليشيين (خليج بسكاى أو غسقونيا) تجاه بلدة هنداى Hindaye الفرنسية ويشتق ذلك الاسم باختلاف أوضاعه من كلمة ondarralia التي تفيد في لغة البشكنس Le Basque معنى "مخاضة الرمل" ذلك لأن الرمال في منطقتها تختفي وتظهر بفعل المد والجزر، وتحمل قصورها الجليلة شارات أصحابها من الأشراف والنبلاء السابقين وبها عقد الملك لويس الرابع عشر زواجه من الأميرة مارى لويز. وفي مقالعها حجر الطباعة وحجر الطواحين. (3) جبال Pyrenees الفاصلة بين فرنسة وأشبانية بين البحر المتوسط وخليج الإنقليشيين (بسكايه): أسماها العرب جبال البرانس، ووجد لها أحد محققينا اسما آخر وهو "البرنات" بنون

بعد الراء وهو خطأ صوابه البرتات بالتاء لا بالنون أي أبواب الجبال ومنافذها التي مر العرب منها لاقتحام أرض فرنسة. وكتب مؤلف هذه المادة لتفسير معنى البرتات الجملة الآتية: Monts des ports (puertos) أي "جبال الموانئ" وفسر كلمة ports الفرنسية منها بكلمة (Puertos) الأسبانية واضعًا إياها بين قوسين وهذه الكلمة الأسبانية تفيد بلا نزاع معنى حلوق الجبال gorges de Montagnes وأبوابها ومنافذها التي توصل من جنبها إلى الجانب الآخر وهذا المعنى هو المراد لا الموانئ إذ لا موانئ في الجبال. وفي التقسيم الإدارى للقطر الأشباني أيام العرب أطلق اسم "البرتات" على إقليم من أقاليمه الشمالية يتصل بجبال البرانس في جزئها الذي يحتوي تلك الحلوق أو المنافذ أو الأبواب. ولجبال البرانس اسم آخر أشار إليه مؤلف المادة وهو "الحاجز" وقد ذكره الحجارى في كتابه المسهب حيث قال: "إن طول الأندلس من الحاجز إلى إشبونة ألف ميل" وقال: "ومسافة الحاجز أربعون ميلا -والصواب 312 ميلا- وهذا عرض الأندلس عند رأسها ولقلته سميت جزيرة وإلا فإنها ليست بجزيرة على الحقيقة لاتصال هذا القدر بالأرض الكبيرة" أي قارة أوروبا. وقال ابن سعيد: "وهنالك الحاجز الذي يفصل بين الأندلس والأرض الكبيرة وفي هذا المكان جبل البرت -مفرد برتات- الفاصل في الحاجز المذكور وفيه الأبواب" أي الحلوق التي مر منها عرب الأندلس لشن الغارة على فرنسة. (14) معنى كلمة Sierra في اللغة الأشبانية "المنشار" ومعناها أَيضًا الجبل أو سلسلة الجبال لأنها تشبه في تعاقبها أسنان المنشار. وقد نقل عرب أشبانية إلى لغتهم كلمة Sierra مفرغة في قالب "شارة" للمفرد و"شارات" للجمع. وفيما صنفوا من كتب الجغرافيا أن جبل الشارات المسمى الآن باللغة الفرنسية Monts des sierra هو الجبل العظيم الذي يأخذ من ظهر مدينة سالم Medinaceli إلى أن يأتي قرب مدينة قلمرية Coimhre في آخر الغرب أي في

آخر بلاد البرتغال وفي التقسيم الإدارى لأشبانية على عهد العرب أطلق اسم إقليم الشارات على إقليم يتصل بجبل الشارات وهذا الإقليم يلي إقليم بلاطه Plata وفيه من المدن: طلبيرة Ta- lavera ومجريط Majerit أو Ma- drid والفهمين ووادي الحجارة Guadalajarra وأقليش Ucles ووبذة Huete . وقال الإدريسي في نزهته: "جزيرة الأندلس مقسومة من وسطها في الطول بجبل طويل يسمى الشارات فما خلفه في جهة الجنوب يسمى أشبانية وما خلفه في جهة الشمال يسمى قشتالة" هذا وقمة الجبل تسمى في اللغة الأسبانية Cerro فلا تخلطها باسم الجبل في اللغة بعينها وهو sierra فلا تخلطها باسم الجبل في اللغة بعينها وهو sierra كما قدمناه. (115) أسمى العرب سلسلة جبال Sierra Nevada بجبل الثلج أو جبل شلير (بضم ففتح فسكون) الذي قال ياقوت في التعريف به: "إنه جبل بالأندلس من أعمال إلبيرة Elvira لا يفارقه الثلج شتاء ولا صيفا" وفي وصفه قال أحد المغاربة وقد مر به: يحل لنا ترك الصلاة بأرضكم ... وشرب الحميا وهو شيء محرم فرارًا إلى نار الجحيم فإنَّها ... أخف علينا من شلير وأرحم وجبل الثلج هذا أو جبل شلير أعلى جبال أشبانية إذ هو يسمو على أرفع قمة في جبال البرانس بقدر 152 مترًا ولذا يراه الرائي من مدينة وهران بقطر الجزائر كما تُرى سواحل إفريقية من أعلاه على بعد 200 كيلو متر أي أكثر من المسافة بين القاهرة والإسكندرية على خط مستقيم وتمتد سلسلته من إقليم غرناطة إلى إقليم المرية Almeria في طول 150 كيلو متزا وعرض 15 إلى 30 كيلو مترًا. ومن "ثلوجه الهطالة"- وهذا هو المعنى الدقيق لكلمة Nevada في اللغة الأشبانية- تتولد المياه التي تغذى نهر شنيل (Genil الفرنسية و - Xe nil بالأشبانية) وهو النهر الذي يجرى قبلى مدينة غرناطة ويسوى في نظر أهلها أَلْف نيل كنيل مصر, لأن اسمه مركب مزجى من حرف (ش) الذي كان ولا يزال يعدل 1000 بحساب الجمل عند المغاربة ثم من (نيل) وهو نيل مصر. وأعلى قمم جبل شلير القمة

المشهورة باسم Cerro Mula Hacen أي قمة مولاى حسن الذي دالت دولة العرب نهائيًا في الأندلس ودك ركنها ثُلَّ عرشها في عهد ابنه أبي عبد الله الذي يسميه الإفرنج Boabdil آخر ملوك بنى الأحمر وأخر ملوك العرب في الفردوس المفقود. (16) الغزيري: هو ميخائيل الغزيري من غزير إحدى قرى لبنان على مقربة من بيروت، مستشرق ولد في طرابلس الشَّام سنة 1710 م من أبوين مارونيين وتوفى في مجريط (مدريد) يوم 12 مارس سنة 1791 م. وقد تلقى العلم في رومية وتخصص في درس اللغات السامية وبرع فيها فعين مديرًا لمكتبة الإسكوريال فتوفر فيها على درس المخطوطات العربية التي تحتويها هذه المكتبة وأودع ثمرات بحوثه كتابًا عنوانه Bibliotheca arabico hispana escurialensis طبع بمجريط سنة 1760 - 1770 م في مجلدين. وقد استدرك درنبورغ Derenberg على كثير من مواد هذا المصنف في كتاب ألفه تحت عنوان Les Manuscrits arabes de L'Escurial وطبعه بباريس سنة 1884 م. محمَّد مسعود. + الأندلس، أو جزيرة الأندلس: مصطلح جغرافي كان يدل في العالم الإِسلامي- حتَّى نهاية العصور الوسطى- على شبه جزيرة إيبيريا، أي أسبانيا والبرتغال الحديثتين. (أولًا) معنى التسمية الاصطلاحية للفظ الأندلس. (ثانيًا) إلمامة بجغرافيتها. (ثالثًا) معالم جغرافيتها التاريخية. (رابعًا) سكان الأندلس. (خامسًا) تطورها. (سادسًا) إلمامة بتاريخ الأندلس؛ ملحق: الأندلس في شمال إفريقية. (سابعًا) الإِسلام في الأندلس. (ثامنا) الأدب الأَنْدلسي والثقافة الأندلسية. (تاسعًا) الفن الأَنْدلسي. (عاشرًا) العربية الأسبانية.

أولًا - معنى التسمية الاصطلاحية للفظ الأَنْدلسي. يرتبط اسم الأندلس فرضًا باسم الوندال (الأندليش) الذين أطلقوا على بايتيكا اسم "ونداليشيا" عندما عبروا شبه جزيرة إيبيريا قبل غزوهم لشمالى إفريقية. وورد ذكر الأندلس في عهد متقدم يرجع إلى مستهل عام 98 هـ (716 م) على دينار مكتوب بلغتين، والنقش اللاتيني فيه يورد لفظ "أسبانيا" مرادفًا للأندلس؛ وهذا اللفظ أو صنوه "هسيانيا" كانا هما اللفظين الوحيدين اللذين استعملهما الإخباريون اللاتين الأسبان الأوائل للدلالة على شبه جزيرة إيبيريا باعتبارها كلا واحدا أي على الأسبانيتين المسيحية والإِسلامية. ومن جهة أخرى يبدو أن استخدام الكتاب العرب لمصطلح الأندلس كان دائمًا مقصورًا على أسبانيا الإِسلامية مهما كانت رقعتها التي تتناقص باضطراد بسبب عودة المسيحيين إلى غزوها (Reconquista). وقد استخدم مصطلح الأندلس حتَّى عندما انحصرت سلطة المسلمين في شبه الجزيرة في إمارة غرناطة النصرية الضئيلة للدلالة على رقعة هذه المملكة الصغيرة وحدها ومن جهة أخرى نجد أن الإخباريين المسلمين استخدموا مدة من الزمن أسماء (بالصيغة العربية) إشبانيا (هسيانيا - إسبانيا) وأسماء الإمارات المسيحية التي تكونت نتيجة عودة المسيحيين إلى غزو الأندلس، وهي: ليون (Leon) وقشتالة أو قَشَتيلةَ (Castile, Castilla) وبرتقال (Portugal) وأراغون (Aragon) ونبارة (Navarre). ومن اسم الأندلس (ترد أحيانًا صيغة الأندلس وبخاصة في أزجال ابن قزمان) يشتق المصطلح السلالي "أندلسي" والمصطلح الجماعى "أهل الأندلس" واستبقى هذا المصطلح في الاستعمال الحديث للدلالة على المنطقة الجغرافية التي تكونت من إقليم البحر المتوسط الأدنى (المناطق الساحلية والأراضي الجبلية) المناظرة، من الشرق إلى الغرب، للصقع الممتد من ولاية المرية Almeria الحديثة إلى ولاية ولبة Huelva وإلى إقليم أندلوسيا Andalusia الطبيعي (أندالوثيا بالأسبانية) ويسمى

سكانه أندولوثيين Anduluces (ومفرده أندالوز). المصادر: (1) Hist Esp mus: Levi -Provenca, جـ 1، ص 71 - 73. (2) الكاتب نفسه Esp mus. Xe siecle, ص 5 - 6. (3) Ch. Les Vandales et Courtois L'afrique، باريس سنة 1955 م، ص 56، 57، تعليق رقم 1. ثانيًا - معالم الجغرافية التاريخية للأندلس 1 - أوصاف الأندلس: إن كتب الجغرافيين العرب (مشارقة ومغاربة) التي وصلت إلينا، هي عماد معلوماتنا عن الأندلس في العصور الوسطى وتطورها واستغلال مواردها الطبيعية. وهناك أولًا: كتب المسالك التي نشرها دى غويه في المكتبة الجغرافية العربية (BGA) وهي لا تفرد إلا حيزا محدودا لأسبانيا، وأقدمها كتب ابن خرداذبه واليعقوبي وابن الفقيه وابن رسته، وتشمل أوصافًا موجزة إيجازًا يحمل المرء على أن يفترض أن الأندلس كانت حتَّى القرن الرابع الهجري (القرن العاشر الميلادي) ولاية إسلامية غير معروفة إلَّا قليلا للمشرق الإسلامي. ومنذ عودة الخلافة المروانية في قرطبة يصبح التوثيق الجغرافي للأندلس منهجيًّا، وإن ظل يفتقر إلى البسط في شيء كثير من التفصيل. وتعنى البيانات التي أوردها الإصطخري المتوفى 322 هـ (934 م) عن الأندلس بالزراعة والتجارة، وتصف أربعة عشر دليلا للسفر في داخل شبه الجزيرة. وكان معاصره ابن حوقل أفضل منه حظًّا، فقد زار أسبانيا شخصيًّا وحصل على معلومات وثيقة مسايرة للعصر بالاستفهام ممن عندهم الخبر اليقين وهو في الطريق، والحق إن صورة الأندلس التي كشف عنها قلم هذا الكاتب المناصر للفاطميين تتسم بالتحيز في كثير جدًّا من الأحوال، ومع ذلك فهي أول وصف معقول وكامل مترابط في آن واحد وصل إلينا عن مملكة قرطبة. وجدير بالاهتمام كذلك البيان الذي ساقه المقدسي الفلسطيني (نهاية القرن العاشر)، فهو يسوق

أقوالا هامة من الواضح أنها تقوم على ما استقاه من مصدر وثيق -على الرغم من أنَّه هو نفسه لم يقم بزيارة الجزيرة- تتناول بصفة خاصة الحياة الفكرية واللغة وفن القياس والكيل والتجارة في البلاد. ومنذ عهد الخلافة وفي القرون التالية نجد أن جميع الأوصاف التي كتبت أولًا في الغرب من الأندلس تدين بالفضل للوصف الذي وضعه الإخباري القرطبي المشهور أَحْمد الرَّازي المتوفى عام 344 هـ (955 م) والمشرقي الأصل؛ على رأس تاريخه الكبير عن الأندلس، وهو الآن مفقود، وقد رجع بعض الكتاب إلى هذا المصدر يستشهدون به دون أن يقروا بذلك, نخص بالذكر منهم ياقوت في كتابه معجم البلدان. ولا نعرف وصف الرَّازي إلَّا من نسخة قشتالية نشرها عام 1852 م كايانكوس P.de Gayangos واستقاها من نسخة برتغالية أنجزت حوالي مستهل القرن الرابع عشر بأمر دنيس ملك البرتغال (1279 - 1325 م) وقد ترجمها كاتب هذه المادة إلى الفرنسية وحاول أن يستعيد أصلها العربي (في And، سنة 1953 م، ص 51 - 108). وهكذا يتضح أن خطة "وصف" أَحْمد الرَّازي، قد اتخذت هيكلا لمعظم الأوصاف التي تلتها على الرغم من أنها أجملت معالمها فحسب. ومن مفاخر أهل الأندلس الوصف الذي قام به الأَنْدلسي أبو عبيد البكري المتوفى عام 487 هـ (1094 م) والذي فقد لسوء الحظ وإن كان يمكن استعادته إلى حد كبير من الملاحظات عن الأندلس التي وردت في كتاب الروض المعطار للمصنف المغربي ابن عبد المنعم الحميري وهو من أعيان القرن السابع الهجري (القرن الرابع عشر الميلادي) وقد أفاد الحميري أَيضًا من مادة كتاب الشريف الأدريسي. ويجب أن يضاف إلى هذه القائمة -علاوة على مجموعات عجائب المخلوقات الخاصة بالأندلس التي تضمنها كتابًا القزويني والدمشقي- التعليقات التي جمعها المقرى المغربي (القرن السابع عشر) في المجلد الأول من كتابه "نفح الطيب"،

وهذه التعليقات تستفيض في بعض الأحيان استفاضة كبيرة. المصادر: (1) إلمامه عامة في levi- Provencal: Hist. Esp. Mus، حـ 3, ص 233 - 239. (2) أوصاف الأندلس التي ظهرت في كتب المكتبة الجغرافية العربية، وهي: ابن خرداذبه وابن رسته (الترجمة الفرنسية التي قام بها. G Wiet القاهرة سنة 1937، ص 217 - 221). (3) الإصطخرى: المكتبة الجغرافية العبية، حـ 5، ص 46 - 46. (4) ابن حوقل: المكتبة الجغرافية العربية، جـ 2، ص 74 - 79 ويجب أن يدرس في طبعته الجديدة التي نشرها جـ. هـ. كرامرز H. Kramers J.، ليدن سنة 1938 م، جـ 1، ص 108 - 17. (5) المقدسيّ: المكتبة الجغرافية العربية، جـ 3، ص 215 - 48. (الترجمة الفرنسية التي قام بها ش. بلا Ch. Pellat، الجزائر سنة 1950 م). (6) وأكمل كتاب ظهر في ميدان التأليف الجغرافي للأندلس على الرغم مما به من نقص، هو كتاب J.Alemany La Geografia de la Peninsula: Bolufer iberica en escritores arabes، غرناطة سنة 1921 م (مستخرج من Rev. del -Centro de Est. hist. de Granada y su re ino) (7) وانظر أَيضًا الإدريسى: نزهة المشتاق (دوزى وده غويه، Description de L'Afrique et I'Espagne, ليدن سنة 1866 م، المتن ص 165 - 214؛ والترجمة الفرنسية ص 197 - 266. (8) La Peninsule: E.Levi - Provencal iberique au moyen age d'apres le Kitab al Rawd al - Mitar - ليدن سنة 1938. 2 - جغرافية الأندلس الطبيعية طبقًا للرواية الجغرافية الإِسلامية: يذهب الرازي إلى أن الأندلس هي طرف الإقليم الرابع تجاه الغرب، وإنها صقع ترويه غالبًا عديدة وينابيع عذبة. وبعد هذا التصريح يشرع الجغرافيون عادة في كيل عبارات التقريظ ويفردون حيزًا كبيرًا للفضائل الأسبانية على طريقة إيزيدور الإشبيلي.

والأندلس مثلثة الشكل، وكل زاوية من هذا الملك تطابق مكانًا مشهورًا في روايات الأسطورة الأسبانية. ويقوم معبد قادس "صنم قادس" في رأس الزاوية عند الجنوب الغربي، أما الزاوية الثَّانية فتقع على خط عرض جزر البليار بين نربونة وبوردو (كذا)، والزاوية الثالثة في الشمال الغربي تطابق برج هرقل Torre de Hercules قرب قورنية. وهذه الآراء توضحها بعض التوضيح أَيضًا خرائط كتابي المسالك لابن حوقل والإدريسي. وقد فطن الرَّازي بوضوح إلى إحدى الخصائص التي تتميز بها البنية الطبيعية لشبه الجزيرة: وهو يرى وجوب التمييز بين أسبانيا الغربية وأسبانيا الشَّرقية واضعًا في الاعتبار الفروق في اتجاه الرياح وسقوط المطر ومجرى الأنهار. ففي أسبانيا الغربية تنساب الأنهار نحو المحيط الأطلسي وتحمل الرياح الغربية المطر إليها. ويصدق العكس على أسبانيا الشَّرقية حيث تسود الرياح الشَّرقية وتتدفق الأنهار نحو الشرق. وكثيرًا ما ترد معالم أخرى للدلالة على بعض مواقع "المثلث" الذي تكونه الأندلس، وهي رأس سانت فنسنت في الطرف الجنوبي الغربي للبرتغال، ويسمى بالعربية "كنيسة الغراب" وهيكل الزهرة في المقابل - Port - Ven) (dres. وعند الاقتراب من الأندلس من جهة قارة أوروبا أو غاليش أو الأرض الكبيرة، يجب أن يعبر المرء جبال البرانس باجتياز باب أو أبواب أخرى أو "بَرتات" للوصول إلى أرض الغسقونين (البشكونش) أو إلى أرض الإفرنج. ويمكن من هناك بلوغ شواطن الأطلس الذي يسمى بحر الظلمات أو البحر الأخضر أو البحر المحيط. وقد اقتحم هذا المحيط الخطر عدد من الملاحين المجازفين واشتغلوا بالتجارة الساحلية من أرض السود وجزر الكنار أو "الجزر الخالدات" حيث حدود بريطانية. ويعرف البحر المتوسط باسم "البحر الكبير" و"البحر المتوسط". أو "بحر تيران Tyrrhenian Sea .

وفي رأى الرَّازي أنَّه لا توجد إلا ثلاث سلاسل جبلية في أسبانيا تخترق شبه الجزيرة من بحر إلى آخر ولا تقطع واحدة منها نهرا. وأولى هذه السلاسل هي سييرا مورينا، وتسمى جبال قرطبة، وهي ترتفع من ساحل البحر المتوسط في الشرق وتنتهي في الغرب على المحيط الأطلسي. والثانية هي سلسلة جبال البرانس بين نربونة وجليقية. والثالثة تقطع أسبانيا بانحراف من طرطوشة إلى لشبونة، وهي تطابق سلسلة الجبال المستعرضة المسماة الشارات، كما جاء في كتاب الإدريسي. ومهما يكن من أمر فإن الجغرافي يجد لزامًا عليه أن يذكر علاوة على هذا سييرا نيفادا (جبل شيلر Mons Solarius) وسرانيا المالقية (جبل ريه) الذي يمتد إلى الجزيرة الخضراء Algeciras. وأهم نهر في الأندلس هو نهر الوادي الكبير المعروف أَيضًا باسم النهر الأعظم، ونهر قرطبة، ويشار إليه أحيانًا باسمه القديم نهر بيطى (Beatis) ويبلغ طوله 310 ميلًا، وهو نهر بايتيكا أخصب جزء في شبه الجزيرة، ويروى قرطبة وإشبيلية، وأهم روافده هو وادي سنجيل أو شنيل الذي ينساب مخترقًا غرناطة ولوشة وإستجة؛ ووادي شوش، والوادي الأحمر. وقد أطلق عليه هذا الاسم بسبب لون مياهه الضارب إلى الحمرة؛ ووداي بلون. ويبلغ طول نهر وادي آنا في جملته 320 ميلا، وهو ينبع من نقطة لا تبعد عن منبع نهر الوادي الكبير، ويسير جانب من مجراه تحت الأرض ثم يظهر من جديد في منطقة قلعة رباح، ويصب في المحيط الأطلسي عند أخشونبة. وينبع وادي تاجه من جبال طليطلة، ويقطع من مجراه 580 ميلا ثم يصب في المحيط الأطلسي عند لشبونة. وإلى الشمال منه أَيضًا يجرى وادي دويره وطوله 780 ميلا، وتغذيه بضعة روافد، ثم يصب في المحيط الأطلسي عند أوبورتو (برتقال). وهناك نهر مهم آخر يصب في المحيط الأطلسي وهو نهر منيو (منهو بالبرتغالية) الذي يخترقه جليقية من الشرق إلى الغرب ويبلغ طوله 300 ميل.

ولا يذكر الرَّازي من الأنهار التي تصب في البحر المتوسط إلَّا نهر وادي شقوره الذي ينبع قرب منابع الوادي الكبير ونهر إبره (Rio Ebro)، وينبع الأخير عند فنتنبرة Fontibre، في قشتالة العليا، ثم يبلغ أخيرًا البحر غير بعيد من طرطوشة قاطعًا مسافة قدرها 204 أميال. ولنهر إبره روافد عديدة منها نهر جلق الذي ينحدر من جبال السيرطانيين. 3 - الأسماء الاصطلاحية للأقسام الحضرية والإقليمية في الأندلس: الأندلس مشهورة، في جميع عهود تاريخها الإسلامي، بعدد مراكزها الحضرية، وهي بهذا تتباين مع الفقر النسبى في شمالي إفريقية فيما يختص بالمناطق السكانية المعادلة لها في الأهمية. وقد بقيت كل المدن الرومانية تقريبًا بعد الفتح العربي واستمرت في الازدهار. ومن جهة أخرى فإن المدن الجديدة التي أسسها الفاتحون لم تكن كتيرة، وكانت تشيد دائمًا -أو تكاد- لأسباب استراتيجية أو لتكون قواعد ساحلية يقصد بها الحد من المطامع العدوانية للفاطميين في غربي البحر المتوسط؛ فنجد، مثلًا، أن مرسية قد حلت محل مدينة إللو Ello القديمة، وأن المريَّة كانت في مبدأ الأمر مجرد مركز ساحلى لرصد حركات العدو قبل أن تتطور في القرن العاشر وتصبح محطة بحرية ودار صناعة. وفي معظم الحالات بقيت الأسماء اللاتينية القديمة للأماكن في الواقع دون أن تمس، مثال ذلك أن كردوبا أصبحت قرطبة، وهسبالى أصبحت إشبيلية، وقيصر أوغسطا أصبحت سرَقسْطة، وفالنسيا أصبحت بلنسية؛ أو اتخذت في غير ذلك صيغة التصغير، مثال ذلك أن توليتوم Toletum, أصبحت طليطلة. وقد كانت أسماء الأماكن التي لها أهمية تاريخية توريات في الأصل، مثال ذلك أن أوسيلى Ocili أصبحت مدينة سالم Me- dinacelli التي تسببت في الوجود الأسطورى لمؤسس موهوم يدعى سالمًا، أما المدن التي أطلقت عليها أسماء عربية وصفية فكانت هي الاستثناء من القاعدة، مثل الجزيرة الخضراء Al- geciras . وحملت بعض الأماكن اسم القبيلة العربية أو البربرية التي سكنتها

بعد الفتح: مثل بلى (Poley) وغافق شمال قرطبة، ومكناسة (Mequinenza) في أراغون. وثمة عدة أماكن في شرق الأندلس اتخذت أسماء كانت تطلق على "محطات" واقترنت باسم عربي خاص، وهذا يدل على عمق ما لحقها من تأثير عربي، مثل: منزل عَطّاء (Mislata) ومنزل نصر (Masanasa) في ضواحي بلنسبة .. وصيغت أسماء كثير من الأماكن في إقليم بلنسية على غرار أسماء قبائل بإضافة كلمة بنى إلى اسم الجد الأكبر (انظر Levi - Provencal، .Hist. Esp. Mus , جـ 3، ص 326 - 328). وفي العصر الذي كتب فيه أَحْمد الرَّازي وصفه للأندلس كانت الأندلس- أي أسبانيا الإسلامية- يفصلها عن أسبانيا المسيحية خط من الحدود يعد منطقة حرام، تحدها من الجوانب على طول حدودها ثلاثة ثغور: الأعلى والأوسط والأدنى. وكان كثير من المناطق في شبه الجزيرة قد فصل بالفعل في نهاية الأمر عن الأندلس منذ أخليت تحت ضغط البوادر الأولى لإعادة الغزو المسيحى، مثل الثغر الأسباني في الشرق، وإقليم الباسك في الوسط، والساحل الكانتبرى في الغرب. ولم تكن الحملة الشهيرة التي شنها المنصور العامري على شنت ياقب - San) (tiago de Compostela إلَّا غارة قصد بها مجرد الاستعراض دون أن يكون لها أثر حاسم. ومن ثم فقد العالم الإِسلامي نهائيًا إبان عهد الخلافة جزءًا من أسبانيا, ولم يسع إلى استعادته. ومهما يكن من أمر فإن التنظيم الإقليمى للأندلس ظل كما هو ولم يتغير. ويرجع تاريخ هذا التنظيم إلى القرن الثامن الميلادي، ولذلك كان سابقًا على استعادة المروانيين للخلافة. وكان يقوم على كور لكل منها قصبة وحاكم وحامية. وتختلف قوائم الكور في عهد الخلافة اختلافًا كبيرًا، ويورد المقدسيّ بيانًا غير كامل يضم 18 اسمًا فقط، أما ياقوت فيحصى منها 41، وهو رقم يقارب الرقم الذي ذكره الرَّازيّ الذي يصف 37 كورة على التوالى. وأورد

الإدريسي فيما بعد تقسيما لا يقوم على كور، ولكن على"الأقاليم" التي ليس لها مدلول إدارى، وقدم أسماء كثيرة لا بد أن ننكرها في حزم باعتبارها منحولة. وبالاستفادة من المعلومات التي أوردها الرَّازي الذي انتهج نظامًا يتمركز حول العاصمة، والمعلومات التي ذكرها البكري، يمكن بسهولة تحديد المعالم الرئيسية لكل كورة هامة في التنظيم الإقليمى على عهد الخلافة. وكان يطلق على الكورة عادة الاسم نفسه الذي يطلق على قصبتها فيما عدا بعض استثناءات لوحظت فيما يلي: كانت أهم كورة هي كورة قرطبة وتحدها من الشمال كورة فحص البلوط (Llano de los Pedroches أي "هضبة البلوط") وكان أهم موضع فيها غافق (ولا شك في أنها بلالكازار الحديثة Belalcazar: انظر F.Hernandez, . في. And، سنة 1944, ص 71 - 109). وعلى الجانب الآخر من سهل قرطبة الغريني (القنبانية، لاكامبينيا الحديثة - La Cam piua) إلى الجنوب من الوادي الكبير تقع الكور الصغيرة: قبرة، وإستجه. وبعدها غربًا كانت تقوم أقاليم قرمونه وإشبيلية ولبله الغنية. أما كورة أخشونبة وقصبتها شلب فكانت تطابق الغرب (غريب الأندلس -أي الحد الجنوبي للبرتغال الحديثة- على المحيط الأطلسي). وتقع شمالي هذا الإقليم كورة باجة. وكان الجزء الواقع في أقصى الجنوب من الأندلس منقسما إلى أربع كور: مَورْور، وشَذوُنةَ، والقصبة قلَشأنةَ، والجزيرة الخضراء وتاكرَنُا، والقصبة رنُدْةَ وبعدها شرقًا كورة مالقةَ التي كانت تسمى رَيهُ، وكانت قصبتيا أرْجُذوُنةَ، وكانت متاخمة لكورة إلبيرة وهي (Iliberris سابقًا)، وتقع إلى الغرب قليلا من غرناطة الحديثة: وكانت كورة إلبيرة تتاخم كورتى جَيّان وبَجّانةَ، وقد نقلت قصبتها إلى المرية في عهد الحكم الثاني. وكان شرقي الأندلس على البحر المتوسط مقسما من الجنوب إلى الشمال إلى ثلاث كور كبرى: تُدمير، وهي المملكة القديمة للأمير تيودميرَ القوطى وقصبتها؛ وشاطبة وبَلنَسْيةَ اللتين كانتا تمتدان حتَّى قال وادي إبره. أما في

داخل البلاد فيما وراء سلسلة جبال قرطبة (سييرا مورينا) فكانت منطقة طليطلة تكون كورة امتدت شرقًا بضم كورة شَنتْبَرْية وقصبتها أقليج. والراجح أن جزائر البليار (الجزائر الشَّرقية) كانت في عهد الخلافة كورة منفصلة. وفي النصف الغربي من الأندلس ينطبق هذا الذي ذكرناه على الأقاليم التي كانت قد استتب فيها الأمن حديثًا ماردَة، وبطليوس، وشنترين ولشبونة (الأشبونة) وربما قُلُمِرْية. وكانت تسع كور منها تعرف "بالمجنَدَّة" لا تزال تتمتع بمركز ممتاز في عهد الخلافة لأن أراضيها أقطعها الأمير أبو الخطار الكلبي عام 125 هـ (742 م) للجند الشامية الذين استقدمهم القائد بلج بن بشر إلى الأندلس، وكانت هذه الكورة هي كورة إلبيرة, وقد أقطعت للجند الدمشقيين، وَريّه التي أقطعت لجند الأردن، وشذونة التي أقطعت لجند فلسطين، وَلبْلةَ وإشبيلية وقد أقطعتا لجند حمص، وجيان التي أقطعت لجند قنَسرْين، وباجة وأخشونبة, ومرسية أيَضًا، لجند مصر. وأورد الرَّازي عددًا من الكور المتطرفة في إقليم الثغور العليا: طرَّكوُنة المتاخمة للإردة وبربطانية ومعقلها بربشترو، ووشقة وتطيلة، ومدنها المحصنة في طرسونة وأرنوط وقلهرة وناجرة. المصادر: (1) Description: Levi - Provencal La de l'Espagne d'Ahmed al - Razi, في. And، مجلد 18، سنة 1953، في مواضع متفرقة، من. Hist. Esp .mus جـ 3، فصل 7 (4) و 13. وانظر أَيضًا المواد الخاصة بهذه المدن المختلفة. رابعا - سكان الأندلس إن عدم وجود إحصاءات يعتمد عليها وصمت الجغرافيين يعوقان القيام بأي تقدير، ولو كان نسبيًا, لعدد سكان الأندلس في العهد الذي امتدت فيه رقعتها الجغرافية إلى أقصى حد، أي في نهاية القرن العاشر الميلادي. وإذا أخذ المرء بالتقدير القائم على الحدس والتخمين بأن تعداد السكان كان حوالى عشرة ملايين في عهد القوط

الغربيين قبيل الفتح العربي، فإنَّه ظل بلا ريب كما هو على وجه التقريب بسبب قلة عدد المسلمين المهاجرين من أجناس أخرى مع ترجيح زيادة نسبة سكان الحضر والقرى عن العناصر الريفية. ومن جهة أخرى يمكن إضفاء أهمية أكبر على الفرض الذي يذهب إلى أن توزيع السكان على مختلف مناطق شبه الجزيرة كانت تمليه دائمًا البيئة الطبيعية، وأن كثافة السكان في آية منطقة معينة كانت تتوقف على ارتفاع الإقليم وطبيعته وعلى المناخ وخصوبة التربة وإمكان ريها. ولا يعد من قبيل المبالغة أن نقول على سبيل التخمين أن أقاليم الأندلس التي يقيم فيها اليوم أقل عدد من السكان كانت على نفس هذا الوضع في عهد خلافة قرطبة. ومن بين العناصر المكونة لسكان الأندلس المسلمين يجب التمييز بين جماعة المسلمين الجدد -أي الأسبانيين الذين اعتنقوا الإِسلام بعد الفتح نتيجة لتحولهم عن دينهم القديم على تفاوتهم في المبادرة إلى ذلك- وبين العناصر التي تنتمى إلى أجناس أخرى. ومن بين هذه العناصر الأخيرة التي توطنت في البلاد نتيجة لموجات المهاجرين المتتابعة وإن كانت قليلة العدد، يبدو أن عنصر البربر كان أهمها جميعًا، والظاهر أن البربر لم يأتوا من جميع بلاد البربر، ولكنهم جاءوا من أقاليم المغرب الدانية من الأندلس، وهي جبل مراكش والريف. وأما البربر الذين جاءوا من الجانب الآخر لمضيق جبل طارق عندما كانت الظروف السياسية والاقتصادية مواتية لا تضطرهم إلى العودة إلى بلادهم الأصلية على جناح السرعة، فقد دفعهم إلى الأراضى الجبلية المهاجرون العرب الذين تألفت منهم الطَّبقة الأرستقراطية لكي ينعموا وحدهم دون سواهم بحق التحكم في أخصب البقاع بالأرض الأندلسية. وقد يُظن -إستنادًا إلى بعض المعلومات التي أوردها كتاب مثل ابن حزم، وخاصة في كتابة الجمهرة- أن مستعمرات البربر لم تشغل إلَّا بعض أراض متفرقة من المنطقة الساحلية، وأنهم اضطروا إلى الاستقرار في الميزيتا. وما إن توطدت أقدامهم حتَّى استعرب هؤلاء البربر الأندلسيون إلى حد أنَّهم انصرفوا عن

استخدام لهجاتهم الأصلية. وظل الأمر كذلك حتى نهاية القرن العاشر الميلادي، وهناك حدث تدفق جموع أخرى من الجند من جراء تجنيد المرتزقة من البربر على نطاق واسع في المغرب الأوسط والشرقى، ومن ثم دخل إلى الأندلس جماعة من أهالى شمالي إفريقية عجلوا بتقويض بناء الخلافة وتجمعوا جماعات سلالية كونت في القرن التالي طائفة البربر التي تقابل طائفة الأندلسيين. والعنصر العربي في الأندلس لم يكن قط إلَّا أقلية. أما الأغلبية فقد دخلت البلاد إما في عهد الفتح أو في خلال السنوات التالية، وازدادت قوة فيما بعد بعناصر طارئة من الجند الشاميين وبالمهاجرين الذين أقبلوا زرافات من آسية في عهد استعادة المروانيين للخلافة في الأندلس. ولعل العرب كانوا أصلا لا يتجاوزون بضعة آلاف قبل زواجهم من النساء الوطنيات، وقد أنتج نظام "الولاء" عددًا لا يستهان به من النَّاس الذين ادعوا, خطأ أو صوابًا، أنَّهم من أصل عربي. ومن المسلم به على آية حال أن العرب كانوا يمثلون عنصرًا عدوانيًا مشاغبًا في القرون الأولى من تاريخ الأندلس، وأنهم قد احتفظوا لأنفسهم بأجود الأراضى على الرغم من احتقارهم للعمل في فلاحة الأرض، وتركوا للمستعمرين المشاركين لهم في المحصول مهمة فلاحة الأرض، وكانوا يؤدون لهم أجورهم نصيبًا من المحاصيل يتفق وما عملوا. وهناك عنصر ثالث دخيل على المجتمع الأَنْدلسيّ لا مفر من الإشارة إليه هنا على الرغم من أنَّه لم يكن إلَّا نسبة ضئيلة إلى حد ما من السكان, وهذا العنصر يضم العبيد والصقالبة. فالعبيد الذين جلبهم النخاسون من السودان إلى أسبانيا لم يكونوا في النهاية حرسا من المرتزقة يتزايد عددهم باطراد فحسب، بل هم قد امتزجوا أَيضًا بباقى سكان المدن نتيجة الزواج من نساء العبيد اللائى حظين بتقدير خاص وكن مطلوبات من الرجال بسبب ما يمتزن به من فضائل ومهارة في الشؤؤن المنزلية. ومن جهة أخرى فإن الصقالبة- الذين كانوا من الأسرى

في القارة الأوروبية، من ألمانيا إلى بلاد الصقالبة، أو كانوا من الأسرى الذين اعتقلوا أثناء حملات "الصائفة" على حدود الأندلس إبان العهد الثاني من الخلافة- قد أصبحوا، بصفة خاصة في قرطبة، طائفة كبيرة العدد نشيطة كان لها وزنها الكبير في اقتصاد الدولة القرطبية، كما أسهموا إلى حد كبير في انهيارها السريع. وعلى الرغم من أن البربر والعرب والعناصر الإِسلامية الأجنبية الأخرى كان لهم شأن كبير، فإنهم كانوا أقل عددًا بكثير من جماعة المسلمين الجدد الأسبان الذين كانوا أعظم منهم شأنًا والذين عرفوا في الأندلس باسمى جنس هما "المُسالمة" أو "المولدّون" بنوع خاص. وهؤلاء هم الأسبانيون الذين اعتنقوا الإِسلام بعد الفتح لكي يتمتعوا بمركز شخصي أفضل من مركز الذمي. وهذا الاستعراب الكامل السريع لكل من دخلوا في الإِسلام، الذين أظهروا في أغلب الأحوال إخلاصًا عظيمًا صادقًا له، يعد ظاهرة ملفتة للنظر. وفي خلال فترة قصيرة اندمج المولدون في المجتمع الإِسلامي، وأتاحوا لحكام البلاد بحسن استغلالهم لخدماتهم أن يرأبوا الصدع الناتج من نقص المهاجرين من قدامى المسلمين. وسرعان ما انصهر كثير من المولدين في بوتقة المجتمع الأَنْدلسيّ، بل هم قد نسوا أصلهم الأسباني (الإيبيرى أو القوطي) على الرغم من أنَّهم كانوا يحملون في كثير من الأحوال أسماء أعجمية. وأدى التعايش في ظل الإِسلام بين العناصر المختلفة الأصول من السكان إلى اندماجهم بالتدريج، وهي عملية ساعد عليها انتهاج سبيل واحد، وإيقاع واحد في الحياة، وازدواج اللغة الذي وضع -على الأقل- اللغة العربية الأندلسية والعجمية في الحياة اليومية على قدم المساواة. وانقسم سكان الأندلس المسلمون -الذين كانوا يتألفون من عناصر متعددة الأصول وإن كانوا قد أصبحوا بالتدريج متجانسين نسبيًا- إلى عدد معين من الطبقات الاجتماعية على غرار ما حدث في بقية العالم الإِسلامي: طبقة خاصة، وطبقة عامة. وتضم الأولى

الأسر النبيلة الكبرى التي كثيرًا ما كانت ألقابها تمنح لها بالوراثة، بينما كانت الطَّبقة الوسطى تتألف من التجار وملاك الأراضي الصغار، وسرعان ما أصبحت نوعا من البورجوازية المدنية، وإن كانت بدون مواثيق أو حصانات. وعلى النقيض كانت العامة في المدن وبخاصة في الريف جمهورًا يتعرض للمضايقات الشديدة من السلطة. ولما كانت تعوزنا في الواقع معلومات عن القانون الزراعي الذي كان ساريًا في الأندلس، فإننا مضطرون إلى أن نفترض وجودًا لم يكن منه بد لطبقة من الدهماء في الريف، تتألف من عَمَلة المياومة الذين ارتبطوا بالأرض وعاشوا حياة تعسة، ولا يستطيعون في الغالب التخلص من حالة الاستعباد التي كانوا عليها. وكان المعاهدون في المجتمع الأَنْدلسي يؤلفون جزءًا مهما من السكان يضم المسيحيين واليهود على السواء, وكان الأولون يتجمعون عادة في طائفة تعرف باسم المستعربين Mozarabes, وكلهم ينتمون إلى ذلك الجزء من السكان الأسبان الذين رفضوا أن يتخلوا عن عقيدتهم وقت الفتح ليعتنقوا دين الفاتحين. وكانت طوائف المستعربين في المدن الكبيرة على الأقل، وبخاصة قرطبة وإشبيلية وطليطلة، تخضع لنظام في حماية السلطة الإسلامية المركزية وتحت إشرافها، وكان لها زعيم مسؤول أمام تلك السلطة هو القومس، وكان يطلق عليه أحيانًا اسم المدافع أو الحامي، يمارس سلطات مأمور الشرطة على طائفته، وكان منوطًا بجباية الضرائب مسؤولا عنها يعاونه قاض خاص هو "قاضي العجم" أو الرقيب عليهم، يفض المنازعات بين المستعربين. وظلت أرض الأندلس حتَّى نهاية القرن الحادي عشر الميلادي مقسمة إلى نفس المناطق الكنسية، كما كان الأمر في عهد القوط الغربيين، أي إلى ثلاث مطرانيات: (طليطلة، ولوزيتانيا، وبايتيكا) على رأس كل منها كبير أساقفة، ولكل منها أسقفية وعدة أبرشيات، وقد حفظ لنا البكري التفصيلات فيما يسميه "قسمة قسطنطين" وبقيت لنا أسماء بضعة أعيان من أندر أقطاب الكنيسة في

الأندلس على عهد الخلافة وطائفة المستعربين بقرطبة هي التي يتوافر لنا عنها أكبر قدر من المعلومات، وإن كانت هذه الطائفة ليست أهم الطوائف من الناحية العددية. ومعلوماتنا أقل عن عدد جماعات اليهود ونشاطهم في مدن الأندلس التي كان بكل منها حي لليهود (حارة أو مدينة اليهود، وبالأسبانية Juderia)، وفي الوقت نفسه نجد في القرن الحادي عشر، وبخاصة في المملكة الزيرية بغرناطة، أن الدور الذي لعبه مأمور الضرائب والصرافون اليهود، وأهمهم عائلة بني النَّغْرلَّا، وقتل الآمنين من المواطنين بلا حساب في غرناطة على أثر اغتيال ولي العهد الأمير بلكين ابن باديس بن حبوس بن زيرى، وما نسب للطائفة اليهودية الكبيرة التي كانت هي الجزء الأكبر من السكان في مدينة أليُسّانة من فضل في اقتصاد دولة غرناطة الصغيرة، كل أولئك قد أدى إلى الاعتقاد بأن يهود الأندلس في كل مراحل إعادة الغزو، سواء في خدمة المسلمين أو المسيحيين، قد قاموا بدور نشيط في البلاد بصفتهم مستشارين وسفراء، وأنهم كانوا يتحكمون في أسباب التجارة بين الأندلس والقارة الأوربية من جهة، وبين المشرق الإِسلامي من جهة أخرى. وقد ينتظر الكثير في هذا الصدد من دراسة الوثائق التي تيسر الحصول عليها من خزانة كنيسة اليهود في القاهرة. المصادر: (1) توجد المادة التي ذكرناها فيما سبق باختصار في شيء كثر من التفصيل مصحوبة بمصادر في Hist. Esp.mus: Levi-Provencal، جـ 3، ص 163 - 232. (2) انظر أَيضًا للكاتب نفسه: Esp mus، القرن العاشر، ص 18 - 39, وفي مواضع متفرقة. (3) Historia: F. J. Simonet de los Moz- arabes de Espana مدريد سنة 1897 - 1903. (4) - Les Mozarabes: F. de las Ca gigas، مدريد سنة 1947 - 1949.

(5) H.Graetz Geschichte der Juden: مجلدات 5 - 7، ليبسك سنة 1871 - 1873. (6) الكاتب نفسه: Les Juifs d'Espagne, الترجمة الفرنسية التي قام بها Stenne، باريس سنة 1872 (7) de- Los Rios Politica y religiosa J.Amador los Judios de Espana Historia Sociay: de Portugal، مدريد سنة 1875. خامسًا - تطور الأندلس كان الجغرافيون هم الذين زودونا في الأصل بمعلومات تتفاوت في تفصيلها عن الطريقة التي كانت تزرع بها أرض الأندلس وتستغل بها مواردها النباتية والمعدنية. كما أن بين أيدينا مراجع اصطلاحية مستفيضة إلى حد لا بأس به تتمثل في مصنفات في علم الزراعة من عصور مخللفة وبخاصة كتب التغنرى وابن وافد وابن بصال وابن ليون وابن العوام. ويجب علينا أن نذكر "التقويم القرطبي لعام 1961 م" الذي نشره دوزى Dozy عام 1837 على اعتبار أنها في الوقت نفسه نسخة متأخرة بلا شك نسبت إلى المورخ القرطبي عريب بن سعد ومن سوء الطالع أن هذه المصادر الاصطلاحية لا تزودنا في الواقع بمعلومات عن طرق الزراعة وعن عقود الإيجار، وإن كانت بعض كتب الفقه تزودنا عن هذه المسائل بمعلومات غامضة كل الغموض لا يمكن الاعتماد عليها تمامًا. 1 - الزراعة: وقد كان ثمة تفرقة، كما هي الحال في أسبانيا اليوم، بين الأرض الجافة (Secano بالأسبانية = بعل بالعربية) والأرض المروية (regadio بالأسبانية = سقى بالعربية) فالأولى تخصص لزراعة الحبوب ونظرًا لقلة خصوبة الأرض والظروف المناخية غير المواتية فإن زراعة الحبوب كانت عاجزة كل العجز عن أن تمد السكان بحاجتهم من القمح والحبوب الأخرى التي تستخدم في صنع الخبز، ونتيجة لذلك كانت الأندلس، في بعض فترات القحط، تعتمد على واردات القمح من شمالي إفريقية. وكانت بعض أنواع القمح الأَنْدلسيّ (طليطلة) تحظى بشهرة خاصة. وقد استخدم الطحانون طواحين تدار بالخيول أو طواحين مائية (رحى).

وكانت هناك مساحات شاسعة من البلاد وبخاصة في أندلوسيا وإقليم الشرف تغطيها أشجار الزيتون، وكانت صناعة زيت الزيتون دائمًا رائجة هناك. وكانت طرق استخلاصه بدائية، بيد أن كميات الزيت المنتجة كانت تزيد أحيانًا عن حاجات النَّاس هناك، فيصدر الفائض منه إلى بقية أنحاء العالم الإسلامي. ويبدو أن زراعة الكروم، مثل سائر أشكال الزراعة البعلية، كانت تمارس على نطاق واسع. وكانت الأعناب تستخدم في الطهي، وكانت السلطات فوق ذلك تسمح في الواقع بشرب النبيذ، وكان بيعه منظمًا. ومهما يكن من أمر فإن الأندلسيين سرعان ما حققوا لأنفسهم تفوقًا لا نظير له في مجال المحاصيل التي تحتاج إلى ري مناسب، على الرغم من أنَّه لا يمكن أن ينسب إليهم فضل اختراع نظام الري الذي استخدموه، وخاصة في شرقي الأندلس، والذي لا يزال قائمًا دون أن يلحقه تعديل جوهري. وأبسط شكل للري هو ذلك الذي يتم بمساعدة شبكة من قنوات الري (ساقية، وبالأسبانية acequia) التي تتشابك في السهول الساحلية في إقليمي مرسية وبلنسية والتي يعتمد تدفق المياه فيها تمامًا على الاختلافات في مستوى الارتفاع. وكانت حقوق الماء يحددها العرف طبقًا لشريعة لها طبيعة أبوية، ولا تزال سارية حتَّى اليوم. ولم يكن من الميسور القيام بالري في الأراضي الأكثر ارتفاعًا, وفي وديان الأنهار مثل وادي آنا ووادي تاجه ووادي إبره، إلَّا بمساعدة آلات رفع الماء التي كانت تسمى بحسب طرازها ووظيفتها باسم "ناعورة" (noria بالأسبانية والفرنسية) أو سانية (acena بالأسبانية). وكان هذا الري يستخدم في زراعة الخضر وغرس الأشجار، ويتبارى الجغرافيون في الإشادة بفواكه الأندلس: الكرز والتفاح والكمثرى واللوز والرمان، وخصوصًا التين الذي اشتهرت منه أنواع عديدة في أسبانيا وفي بعض المناطق الساحلية الضيقة المستورة سترا يفوق العادة، كان من الممكن تنمية محاصيل من النوع الذي يزرع في المناطق الحارة

مثل: قصب السكر والموز، وكانت أحراج النخيل في ألش من المناظر المألوفة في البلاد. وأخيرًا فإن زراعة الأعشاب العطرية والنباتات التي تدخل في صناعة الأقمشة كانت تتم أَيضًا على نطاق كبير، مثل الزعفران والعصفر والكمون والكزبرة والفوَّة والحناء من جهة، والكتان والقطن من جهة أخرى. وازدهرت تربية دودة القز، وبخاصة في المنطقة الواقعة بين غرناطة والبحر المتوسط. وقد أفرد الجغرافيون في أوصافهم حيزا قليلا لتربية الحيوانات التي تستخدم في الركوب والجر أو الحيوانات التي يؤكل لحمها. وكانت الخيول تربى في الأراضي المكسوة بالحشائش في الحوض الأدنى لنهر الوادي الكبير، كما كانت البغال الأندلسية تحظى فعلا بشهرة كبيرة في عهد ابن حوقل، وكانت الماشية والأغنام والماعز تربى في كل مكان للإفادة من المراعي القليلة المتاحة. وكان النَّاس يقومون بتربية النحل لإنتاج العسل. وكانت منطقة الغابات في الأندلس تستغل لسد احتياجات المدن وبخاصة من الفحم النباتي وكانت أشجار الصنوبر الكثيرة على حافة الميزيتا تقطع لاستخدامها دعامات لصواري السفن. أما الأراضي الفسيحة الشبيهة بالسهوب في الجنوب الشرقي فكانت تزود البلاد بأشجار النخيل القصيرة ونبات الحلفاء التي كانت تستخدم في صناعة السلال، وفي أغراض منزلية مختلفة. 2 - استغلال المعادن: ليس من شك في أن غنى أرض الأندلس بالمعادن كان يبرر استغلال المعادن منذ أقدم العصور، وقد استمر هذا العمل في عهد الإِسلام، وكان إلى جانب الذهب المستخرج من الرمال التي تحمل الذهب في بعض الأنهار، عروق من الفضة والحديد تستخرج من مناجم في شمالي قرطبة، وكانت هناك رواسب من الزنجفر تستغل في المعدن وأوفيخو، وكان النحاس يستخرج من مناجم حجر النَّار في إقليم ولبة. وكانت معادن السبب وكبريتات الحديد

والرصاص وكبريتور الرصاص تستخرج أَيضًا. كما كانت أسبانيا الإِسلامية مشهورة برخامها وأحجارها الكريمة. وأفاد الأندلسيون -مثل الرومان قبلهم- من كثير من الينابيع الحارة التي لا تزال كلها تقريبًا تحتفظ باسمها القديم: االحامَّة. وكان استغلال مناجم الملح الصخري ورواسب الملح على الساحل في قادس والمرية ولقنت صناعة مزدهرة. وكان النَّاس يشتغلون بالصيد متوسلين خاصة بشباك الخيوط والمضربة، وكانت أسماك السردين والتونة تصاد بكميات كبيرة. المصادر: (1) المعلومات السابقة ترد في توسع وإفاضة في كتاب Hist Esp.mus.: Levi-Provencal القرن العاشر، ص 157 - 94. (2) وانظر أَيضًا للكاتب نفسه: Esp. mus. Xe, Siecle، ص 157 - 194. (3) انظر عن الفترة من القرن الحادي عشر إلى القرن الثالث عشر كتاب C.E.Dubler uber das Wirtschaftsleben auf der iberischen Halbinsel uom Xl zum XIlI. Jahrhundert جنيف- زيورخ سنة 1943 (3) A.Carbonel La mineria y la meta- Musulmanos en Es lurgia entre los: T.F. pana، قرطبة سنة 1929. سادسًا - إلمامة عامة لتاريخ الأندلس ليس في ميسورنا هنا إلَّا أن تقدم موجزًا لتطور تاريخ الأندلس أثناء القرون السبعة لاحتلال المسلمين لشبه جزيرة إيبيريا. ولزيادة الإيضاح سوف نقسم هذا الموجز إلى عدد من الأقسام التاريخية التي تتيح تقديم رواية مرتبطة تاريخيًّا دون الحاجة إلى ذكر الحوادث بتفصيل أكبر في معظم الحالات. (1) فتح الأندلس. (2) تاريخ الأندلس حتَّى استعادة المروانيين للخلافة. (3) المملكة المروانية في قرطبة. (4) الخلافة والحكم العامري المطلق. (5) انهيار الخلافة المروانية وتقسيم مملكة الأندلس.

(6) ممالك ملوك الطوائف حتَّى معركة الزلاقة. (7) أسبانيا في عهد المرابطين. (8) أسبانيا في عهد الموحدين وتقدم المسيحيين في إعادة غزوها. (9) المملكة النصرية في غرناطة وختام إعادة الغزو. 1 - فتح الأندلس: يعد فتح الأندلس من أعظم الفتوح التي قام بها العرب في القرن الأول للإسلام، نظرًا للسرعة التي تم بها. والأخبار التي وصلتنا عن المراحل المتعاقبة للفتح التي أن إلى بسط سلطان المسلمين على شبه جزيرة إيبيريا بأسرها قصيرة بصفة خاصة، ولا يمكن الاعتماد عليها، ذلك أن الأساطير لم تلبث أن غشت الحقيقة التاريخية بقناع يكاد من الصعب النفوذ إليها دائمًا ومن الواضح أن العرب أفادوا في الوقت الملائم من ضعف مملكة القوط الغربيين في أسبانيا فوجهوا إليها اهتمامهم، وأنهم وجدوا تعاونًا صادقًا من كثير من الأسبان أنفسهم الذين كانوا راغبين في أن يطرحوا عن كاهلهم نير العبودية الذي أصبح بالنسبة لهم عبئًا لا يطاق، والاستعانة بالعرب في التخلص منه. وكانت الفرصة مغرية عندما كان سلطان العرب في شمالىي مراكش قد توطد وشيكا، وكان منصب والى إفريقية والمغرب في يدي موسى بن نصير. ويرجع الفضل في فتح الأندلس إلى هذا الوالى ونائبه مولاه طارق بن زياد. ويبدو من المؤكد أن موسى بن نصير نفسه استقر عزمه على محاولة احتلال أراض جديدة على الجانب الآخر من مضيق جبل طارق قبل أن يبعث بالأمر إلى الخليفة الأُموى في دمشق؛ واتخذ موسى هذه الخطوة نتيجة للوعود التي تلقاها من نائب الإمبراطور في مدينة سبتة التي ظلت في حوزة البوزنطيين على الرغم من سقوط قرطاجنة حديثًا في أيدى المسلمين. وسّهل هذا النائب، وهو الكونت يوليان، للمسلمين النزول لأول مرة على أرض أسبانيا, ولم يكن هذا النزول إلَّا غارة فحسب قام بها طريف قائد البربر على

جزيرة طريف في رمضان سنة 91 هـ (يولية سنة 710 م). وشجع نجاح الغارة التي قام بها طريف، طارقًا نائب موسى بن نصير، على الاستعداد للحرب بقوة هجومية مكونة من 7.000 رجل وطدت أقدامها على أرض الأندلس قرب جبل طارق بمساعدة أسطول الكونت بوليان الصغير في شهر رجب أو شعبان من سنة 92 هـ (أبريل- مايو سنة 711 م). ووقعت المعركة الحاسمة بين قوة المسلمين المهاجمة والجيوش النظامية [. . .] (*) القوط الغربيين بعد بضعة أسابيع، [. . . .] (*) 28 رمضان سنة 92 هـ (19 يولية سنة 711 م) في وادي لكه (وادي بربط) وانتهت بكارثة القوط الغربيين الذين اضطربوا وولوا فرارًا، بينما قرر طارق أن يزحف إلى الإمام. وسقطت مدن المملكة القوطية واحدة إثر أخرى: فقرطبة استولى عليها عتيق يدعى مغيثا في مستهل عام 93 هـ (أكتوبر سنة 711 م) وسقطت طليطلة دون مقاومة. ولما كان موسى بن نصير تواقًا ألا يدع طارقا ينفرد وحده لكل المجد الذي يضفيه الفتح. فإنَّه دخل أسيانيا بعد ذلك بوقت قصير في رمضان عام 93 هـ (يولية سنة 712 م) على رأس قوة من 18.000 رجل أغلبهم من العرب، واستولى على أشبيليه ثم ماردة في شوال سنة 94 هـ (يونية- يوليه 713) والتقى موسى بطارق عند طليطلة، ومن هناك زحف ليحتل سرقسطة. وفي ذلك الوقت تلقى أمر الخليفة الوليد بالعودة مع طارق إلى الشَّام، فغادرا أسبانيا التي كانت قد فتحت كلها تقريبًا ولم يعودا إليها قط. 2 - تاريخ الأندلس حتى استعادة المروانين للخلافة: ليس من شك في أن شخوص موسى بن نصير إلى الشرق يفتح فترة تبوأ فيها عدد من الولاة الواحد بعد الآخر مناصب حكام البلد الذي فتح حديثًا وخولوا من قبل حكومة دمشق سلطات يباشرونها أو تولوا مناصب نواب للوالي بالاسم في القيروان، وهي فترة يكتنفها الظلام إلى أقصى حد، بعثت فيها المنافسة بين العشائر العربية في أسبانيا، وأدت إلى أعظم بلبلة سياسية وتميزت فحسب

_ (*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: مسح بالمطبوع

بيان بولاة الأندلس المسئولين أمام الخلفاء في دمشق

بمحاولات عديدة لبسط سلطان المسلمين على الأقليم الغالي (الاستيلاء على برشلونة وجيرون ونربونة) والقيام بغارة على أهالي نربونة وتولوز سنة 100 - 102 هـ (719 - 721 م) , وفي عام 725 م أنفذت حملة إلى وادي نهر الرون حتَّى برغنديا، وانتهت آخر حملة كبيرة قام بها الوالي عبد الرَّحْمَن الغافقي الذي قتل أثناء المعركة بهزيمة المسلمين على يد شارل مارتل دوق الفرنجة في "بلاط الشُّهداء" وهي معركة غلب عليها اسم معركة بواتييه ووقعت في رمضان سنة 114 هـ (أكتوبر سنة 732 م). بيان بولاة الأندلس المسئولين أمام الخلفاء في دمشق 1 - عبد العزيز بن موسى بن نصير، خلف أباه عقب وفاته سنة 94 هـ (712 - 713 م, واغتيل في رجب سنة (مارس سنة 716 م). 2 - أَيُّوب بن حبيب اللخمي (97 هـ - 716 م) ومدة ولايته ستة شهور. 3 - الحر بن عبد الرحمن الثَّقَفيّ (تولى الأندلس سنة 97 - 100 هـ (716 - 719 م). 4 - السمح بن مالك الخولاني، تولاها من رمضان سنة 100 هـ - ذو الحجة سنة 102 هـ (719 - 721 م). 5 - عنبسة بن سحيم الكلبي، تولاها من سنة 102 - 107 هـ (721 - 726 م). 6 - عذرة بن عبد الله الفهرى، تولاها سنة 107 هـ (726 م). 7 - يحيى بن سلامة الكلبي، تولاها من سنة 107 - 110 هـ (726 - 728 م). 8 - حذيفة بن الأحوص القيسي، تولاها سنة 110 هـ (728 م). 9 - عثمان بن أبي نسعة الخثعمي، تولاها من سنة 110 - 111 هـ (728 - 729 م). 10 - الهيثم بن عبيد الكلاني، تولاها سنة 111 هـ (729 - 730 م). 11 - محمَّد بن عبد الله الأَشجعيّ، تولاها من سنة 111 - 112 هـ (730 م).

12 - عبد الرَّحْمَن بن عبد الله الغافقي تولاها من سنة 112 - 114 هـ (730 - 732 م). 13 - عبد الملك بن قطن الفهرى تولاها من سنة 114 - 116 هـ (732 - 734 م). 14 - عقبة بن الحجاج السلولي، تولاها من سنة 116 - 123 هـ (734 - 741 م). 15 - عبد الملك بن قطن (للمرة الثَّانية) حتَّى سنة 123 هـ (741 م). 16 - بلج بن بشر القشيرى، تولاها من سنة 123 - 124 هـ (741 - 742). 17 - ثعلبة بن مسلمة العاملي، تولاها سنة من 124 - 125 هـ (742 - 743 م). 18 - أبو الخطار الحسام بن ضرار الكلبي، تولاها من سنة 125 - 127 هـ (743 - 745 م). 19 - ثوابة بن سلمة الجذامي، تولاها سنة من 127 - 129 هـ (745 - 746 م). 20 - يوسف بن عبد الرَّحْمَن الفهرى، تولاها من سنة 129 هـ (746 م) - سنة 138 هـ (756 م)، وهو تاريخ إعلان البيعة لعبد الرَّحْمَن الأول. المصادر: (1) بالنسبة للفقرتين 2.1): المصادر والمراجع مذكورة بالتفصيل في - Levi Hist. Esp.mus.: Provencal جـ 1، ص 8، تعليق 2، المصدر نفسه ص 1 - 89 ويحتوي على رواية مفصلة عن فتح الأندلس وعهد الولاة. (2) انظر أيضا Recherches: Dozy, الطبعة الثالثة، جـ 1، ص 831. (3) Estudio sobre la: F saavedra inuasion de los Arabes en Espana, مدريد سنة 1892. 3 - المملكة المروانية في قرطبة (138 - 300 هـ = 756 - 912 م): إن الظروف التي صاحبت وصول عبد الرَّحْمَن بن معاوية المطالب بالخلافة إلى أسبانيا، ومكنته من أن يكسب لقضيته عددًا كبيرًا من الأتباع

بيان بأمراء الأندلس حتى مبايعة عبد الرحمن الثالث

والأَنْصار من أسرته، وانتهت بهزيمة الوالي يوسف بن عبد الرَّحْمَن الفهرى قرب قرطبة حيث بويع عبد الرَّحْمَن أميرًا للأندلس في اليوم العاشر من ذي الحجة عام 138 هـ (15 مايو سنة 756 م). بيان بأمراء الأندلس حتَّى مبايعة عبد الرَّحْمَن الثالث 1 - عبد الرَّحْمَن الأول بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان، ولد عام 113 هـ (731 م)، وأمير الأندلس من عام 138 هـ (756 م) إلى عام 172 هـ (788 م). 2 - هشام الأول بن عبد الرَّحْمَن الأول، ولد عام 139 هـ، (757 م)؛ أمير للأندلس من عام 172 هـ (788 م) حتَّى وفاته في 3 صفر عام 180 هـ (17 أبريل سنة 796 م). 3 - الحكم الأول بن هشام الأول، ولد عام 154 هـ (770 م)، وأمير الأندلس من عام 180 هـ (796 م) حتَّى وفاته في 25 ذي الحجة سنة 206 هـ (21 مايو سنة 822 م). 4 - عبد الرَّحْمَن الثاني بن الحكم الأول، ولد عام 176 هـ (792 م)؛ وأمير الأندلس من عام 206 هـ (822 م) حتَّى وفاته يوم 3 ربيع الثاني عام 238 هـ (22 سبتمبر سنة 852 م). 5 - محمَّد الأول بن عبد الرَّحْمَن الثاني، ولد عام 207 هـ (823 م)، وأمير الأندلس من عام 238 هـ (852 م) حتَّى وفاته يوم 28 صفر عام 273 هـ (4 أغسطس سنة 886 م). 6 - المنذر بن محمَّد الأول، ولد عام 229 هـ (844 م)، وأمير الأندلس من عام 273 هـ (886 م) حتَّى وفاته يوم 15 صفر عام 275 هـ (29 يونية سنة 888 م). 7 - عبد الله بن محمَّد الأول، شَقِيق الخليفة السابق، ولد عام 229 هـ (844 م) وأمير الأندلس من عام 275 هـ (888 م) حتَّى وفاته في غرة ربيع الأول عام 300 هـ (16 أكتوبر سنة 912 م). ومن بين المعالم المشهورة لهذه الفترة التي تولى فيها بنو مروان إمارة

الأندلس واستمرت أكثر من قرن ونصف قرن، إدخال المذهب المالكي إلى الأندلس إبان حكم هشام الأول الذي استتب فيه السلام، وجهود الأمراء طوال الفترة بأكملها تقريبًا في علاج الفتن التي كان قد أثارها البربر والعرب في الثغور وإعلان الجهاد على حدود المملكة. وأدت المحاولات التي بذلت للإطاحة بالحكم الأول (وبخاصة "فتنة الربض" الشهيرة) في مناسبات عديدة إلى وضعه في موقف خطير. وفضلا عن هذا فإن حركة إعادة الغزو على يد المسيحيين نجحت بالتدريج نتيجة للروح العدائية لأمراء أشتوريش وليون الأوائل، وإفرنج الثغر الأسباني (وانتهت أخيرًا بسقوط برشلونة). وانفرجت الأزمة الداخلية إلى حين على يد عبد الرَّحْمَن الثاني الذي حارب في وقت واحد الإفرنج والغسقونيين في وادي إبره وسحق ثورة المستعربين في قرطبة (عام 850 - 859 م) وألقى في البحر الأردمانيين -أو المجوس- الذين نزلوا على ساحل إشبيلية. وهذا الحاكم العظيم خالف "التقليد الشَّامي" الذي أدخله إلى أسبانيا جده الأكبر عبد الرَّحْمَن الأول، ونظم الدولة على النمط العباسي. وواصل عمله ابنه محمَّد الأول، على أن حركة العصيان التي قام بها عبد الرحمن بن مروان الجليقي قد تجددت أثناء حكمه، وقامت فتنة عمت جنوبي الأندلس بأسره بزعامة عمر بن حفصون واستمرت إبان العهود التالية، زد على ذلك أنَّه نشب في أيام الأمير عبد الله قتال خطير بين العرب والمولدين في إقليمي البيرة وإشبيلية. المصادر: (1) Hist Esp.mus: Levi Provencal, جـ 1، ص 91 - 396 مع تفصيلات عي المصادر والمراجع. (2) Hist Mus.Esp: Dozy, الطبعة الثَّانية، مجلد 2، وقد عفى عليه الزمن الآن. 4 - الخلافة والحكم العامري المطلق: انظر بالنسبة لحكم عبد الرَّحْمَن الثالث ناصر الذي كان طويلًا مثمرًا، وعودة الخلافة القرطبية، والسياسة

الداخلية والخارجية: Levi Provencal: .Hist. Esp; mus جـ 3، ص 1 - 164. ولم يكن حكم عبد الرَّحْمَن الثالث الذي دام خمسين, عامًا هو ذروة حكم بني مروان في شبه الجزيرة فحسب، بل لقد كان أَيضًا أزهى العصور في تاريخ المسلمين بالأندلس. ولما تُوفي عبد الرَّحْمَن في 22 رمضان سنة 350 هـ (4 نوفمبر سنة 961 م) خلفه ابنه الحكم الثاني، وكان يبلغ من العمر زهاء خمسين عامًا, وظل في الحكم حتَّى تُوفي في 3 صفر سنة 366 هـ (أول أكتوبر سنة 976 م). وكان حكم الحكم الثاني أَيضًا موفقًا ومزدهرًا. ولقد كانت قرطبة كما وصفتها الشاعرة الساكسونية هرسويذا Hroswitha " زينة الدنيا" كما وجدت في الوقت نفسه في شخص أمير مثل الحكم الثاني -الذي كان أديبًا محبًا للكتب- يحفزها إلى أن تصبح أعظم مركز ثقافي للغة والأدب والفقه في العالم الإِسلامي بأسره لذلك العهد، والتمست أسبانيا المسيحية منه الحكم، وبدا أن حركة إعادة الغزو قد كبح جماحها إلى غير رجعة. ولما تُوفي الحكم الثاني لم يترك خلفًا له إلَّا ابنا صغيرًا لا يصلح للحكم هو هشام الثاني الذي ولد عام 354 هـ (965 م) وكان ثمرة زواج الخليفة من "أم ولد" غسقونية هي صبح. وما إن أحبطت دسائس القصر حتَّى أصبح الطريق ممهدًا أمام رجل طموح عالى الهمة، لم يلبث أن قبض على زمام السلطة ووجّه أقدار الخلافة بيد من حديد: ألا وهو "الحاجب" المشهور محمَّد بن أبي عامر الذي لقب بالمنصور فيما بعد. ولن نعيد هنا بالتفصيل مراحل الحياة المشرقة لابن أبي عامر التي أوصلته بسرعة إلى أرفع المناصب، بيد أن هذا السياسي المتوقد الذكاء أظهر أنَّه قائد بارع وعالم بفنون الحرب ينهض بمشروعاته في عزم ونجاح. وقام المنصور بهجمات متتالية في "جهاده" ضد الممالك المسيحية في الشمال، وأوقع بها هزائم شديدة، بل نجح في الاستيلاء على هيكل سانت جيمس الشهير في كومبوستلا (Santiago. شنت ياقب) وتدميره أثناء الحملة التي قام بها عام 387 هـ (997 م) ضد جليقية.

ومات المنصور في مدينة سالم يوم 27 رمضان سنة 392 هـ (9 أغسطس سنة 1002 م) في طريق عودته من حملة فاصلة وجهها إلى قشتاله الشمالية. وترك الأندلس سليمة لم تمس، بل استطاع أن يبسط النفوذ السياسي للأندلس على بلاد البربر الغربية بأسرها. منتهجًا في هذا السياسة التي سار عليها عبد الرَّحْمَن الثالث، والحكم الثاني. وكان من أبرع ما حققه المنصور أنَّه احترم طوال حياته أبهة الخلافة، وحافظ على بعض امتيازاتها سليمة لا تمس من أَجل مولاه هشام الثاني الذي كان يحكم البلاد بالاسم دون الفعل, وأورث هشام نفس سلطات "الحاجب" الابن الأثير للمنصور عبد الملك الذي خلف أباه واتخذ لنفسه لقب التشريف "المظفر" وظل عبد الملك يتولى السلطة حتَّى تُوفى عام 399 هـ (1008 م) وكانت وفاة عبد الملك بن أبي عامر وحلول شقيقه عبد الرَّحْمَن محله إيذانًا بوقوع اضطرابات وبيلة في الخلافة الأندلسية سرعان ما عجلت بسقوطها. المصادر: (1) Hist. Esp.mus.: Levi-Provencal, جـ 2، ص-- 290. 5 - انهيار الخلافة المروانية وتقسيم مملكة الأندلس: أدت سياسة المنصور العسكرية إلى إدخال عدد كبير من بربر شمالي إفريقية المرتزقة إلى الأندلس، أصبحوا بعد وفاته ووفاة خلفه بؤرة تموج بالاضطراب ضد الأندلسيين أنفسهم، وضد كتلة الصقالبة القوية. وقد أشعل فتيل الثورة الرغبة المحمومة التي أبداها عبد الرَّحْمَن سانخويلو في أن يعهد إليه بالخلافة بعد الخليفة هشام الثاني (ربيع الأول عام 339 هـ - نوفمبر 1008 م)، وقد قوبل هذا العهد باستياء شديد في قرطبة ونفذ أنصار محمَّد بن هشام بن عبد الجبار المطالب بعرش بني مروان حكم الإعدام في الحاجب العامري قرب قرطبة يوم 3 رجب عام 399 هـ (3 مارس عام 1009) إثر مؤامرة دبرت له (عبد الرَّحْمَن بن أبي عامر).

بيان بآخر الخلفاء في قرطبة

ومرت مملكة قرطبة منذ ذلك الوقت بفترة كانت نحسًا على مصيرها: وعجل بسقوط الخلافة نهائيًّا المطالبون بالعرش والمنكرون عليهم هذا الحق يؤيدهم البربر أو أعداء البربر. بيان بآخر الخلفاء في قرطبة 1 - هشام الثاني بن الحكم الثاني المؤيد بالله، تولى من عام 366 - 399 هـ (976 - 1009 م): 400 - 403 هـ (1010 - 1013 م). 2 - محمَّد الثاني بن هشام بن عبد الجبار المهدي، تولى سنة 399 هـ (1009 م). 3 - سليمان بن الحكم بن سليمان بن عبد الرَّحْمَن الثالث المستعين، تولى من سنة 399 هـ (1009 م) -403 هـ (1013 م). 4 - عبد الرَّحْمَن الرابع بن محمَّد بن عبد الملك بن عبد الرَّحْمَن الثالث المرتضى، تولى سنة 408 هـ (1018 م). 5 - عبد الرَّحْمَن الخامس بن هشام بن عبد الجبار المستظهر، تولى 414 هـ (1023 - 1024 م). 6 - محمَّد الثالث بن عبد الرَّحْمَن بن عبيد الله بن عبد الرَّحْمَن الثالث المستكفى، تولى من سنة 414 - 416 هـ (1024 - 1025 م). 7 - هشام الثالث بن محمَّد بن عبد الملك بن عبد الرَّحْمَن الثالث المعتد، تولى من سنة 420 - 422 هـ (1029 - 1031 م) الخلفاء الحمَّوديون 1 - علي بن حمَّود، تولى من سنة 407 - 408 هـ (1016 - 1018 م). 2 - القاسم بن حمود، تولى من سنة 408 - 413 هـ (1018 - 1023 م). ولم تنتظر طوائف الأندلسيين والصقالبة والبربر حتَّى تنهار الخلافة القرطبية، بل قسموا الأندلس إلى عدد كبير من الدويلات لم يقدر لمعظمها أن تبقى إلَّا فترة عابرة، ولم يبرز من بينها إلَّا كتل سياسية كبيرة قليلة هي ممالك بني عبّاد في إشبيلية، وبني الأفطس في بطلبوس، وبني زيري في غرناطة، وبني ذي النُّون في طليطلة، وبني هود في سرقسطة.

المصادر: (1) Hist. Esp. mus: Levi- provencal جـ 2, ص 291 - 241 (والمصادر المذكورة ص 291 تعليق رقم 1). 6 - ممالك الطوائف حتى معركة الزلاقة: يتميز تاريخ أسبانيا في القرن الحادي عشر الميلادي بالجهود القوية التي بذلت لإعادة الغزو، تلك الجهود التي استنهضها ملوك مسيحيون من ذوي الهمة والقدرة، كانوا يدركون يومًا بعد يوم الضرورة الملحة لإعادة توطيد الموحدة القومية على حساب الإِسلام. وتاريخ ما حدث في "خل الممالك التي نشأت عن تقطيع أوصال الخلافة الأندلسية تاريخ يبعث بخاصة على الضمير ويفتقر إلى الأهمية. وهو، كما صوره الإخباريون، يرسم صورة للشعب المستمر، من مصالح متعارضة إلى منافسات ومنازعات دائمة ليس من الممكن دائمًا العثور على خيط نهتدى به في خضمها. والحق إن الجماعات الشعوبية التي تنتمي إليها الأسرات الحاكمة، والتي بقيت بعد غيرها من الجماعات التي استوعبها خصومها الأقوياء، قد احتدم الخلاف بين بعضها البعض، فحارب الأندلسيون البربر، وحارب الصقالبة الطائفتين معًا. ولم يمض وقت طويل حتى تبدد الأمل في استعادة الخلافة، وأثار الضعف المتزايد لكل دويلة من هذه الدويلات شهوة الملوك المسيحيين الذين كانوا يتقاضون منها جزية باهظة، وانتهج هذه السياسة بصفة خاصة الملك ألفونسو السادس الذي نجح بحيلة السياسي البارع في احتلال طليطلة دون إراقة دماء (سنة 1085 م) وفي أن يقيم من نفسم حكما يفض المنازعات بين ملوك الطوائف. واستفحل الخطر فاضطر ملوك الطوائف، راغبين أو كارهين، إلى طلب المساعدة من المرابطين. وجاءت لحظة التحول الحاسمة بتدخل جيوش شمالي إفريقية بقيادة الأمير يوسف بن تاشفين الذي هزم قوات ألفونسو السادس في موقعة الزلاقة يوم 22 رجب عام 479 هـ (2 نوفمبر سنة 1086 م). ولم تكن ثمة متابعة لهذا النصر، إذ سرعان ما سئم يوسف بن

تاشفين مشهد الانشقاق يمزق صفوف الملوك الأندلسيين وعقدهم اتفاقيات صلح مع الملوك المسيحيين، فخلعهم عن عروشهم واحدًا بعد الآخر، وضم القسم الأكبر إلى ممتلكاته. وأصبحت الأندلس منذ ذلك الوقت ولاية متابعة للمغرب. المصادر: (1) انظر البيانات الدقيقة عادة التي أوردها A.Prieto y Vives في كتابه Los -Taifas, estudio historico Reyes de -nvmicmntirn de lnos Mncuhnnnec es panoles en el siglo v de la hegira (XI de C .j له مدريد سنة 1926 (2) وانظر أيضًا لل Hist. Mus Esp: Doz, الطبعة الثانية، مجلد 3 (3). Hist, de la esp. mus , A. Gonzalez Palencia 54 - 69. v - الأندلس في عهد المرابطين: تم احتلال المرابطين للأندلس بالاستيلاء على بلنسية سنة 495 هـ (1102 م) التي كانت قد سقطت في يدي السِّيد القمبيطور رودريكو دياز سنة 478 هـ (1085 م)، وبتسليم سرقسطة قصبة آل هود عقب وفاة المستعين سنة 503 هـ (1110 م). ثم صادفت الأندلس، على الرغم من سيطرة جماعة الفقهاء، عدة عقود من الرخاء تميزت بنجاح لا نزاع فيه أحرزته جيوش المرابطين (انتصار أقليش 502 هـ = 1108 م) التي لم تستطع مع ذلك أن تستعيد طليطلة. وسقطت سرقسطة نفسها في يدي ألفونسو المحارب سنة 152 هـ (1118 م)، وازداد ضغط النصارى على الأندلس وحقق نجاحًا أعظم لأن ابن يوسف بن تاشفين وخلفه سرعان ما أصبح عاجزا عن إبداء مقاومة جادة لمظاهر الثورة التي كانت تبدو من كل جانب. وحان الوقت لتغيير آخر في من يحكمون الأندلس. المصادر: (1) - La Espana del Cid: R.Menendez Pi dal طبعة منقحة، هدريد سنة 1947 (2) F.Codera Decadencia y desaparicion de: das Almorovides en Espana سرقسطة سنة 1899. 8 - الأندلس في عهد الموحدين وتقدم إعادة الغزو: مضت فترة دامت ثلاثين عاما في منتصف القرن الثاني

عشر، تبلورت خلالها بعض الحركات واتخذت نموذجًا جديدًا من "ممالك الطوائف"، ثم خضعت الأندلس لسلطان أسرة بني عبد المؤمن في مراكش وظلت قبضة الموحدين مقلقلة ما يقرب من قرن على تلك الأجزاء من شبه الجزيرة التي كانت لا تزال تتبع العالم الإسلامي. وكانت حركة إعادة الغزو تكسب أرضًا جديدة كل عام، فقد احتل رامون بيرنكير الرابع في قطالوتيا مدينة طرطوشة، ثم مدينة لاردة، ولكن المخطط الأكبر لحركة إعادة غزو الأندلس، كان هو ألفونسو الثامن ملك قشتالة - (1158 - 1214 م) الذي استولى على شلب ويابرة وقونكة. ولم يكن لانتصار المسلمين في وقعة الأرك على يد الخليفة الموحدي أبي يوسف يعقوب في 8 شعبان عام 591 هـ (18 يوليو سنة 1195 م) أثر باق، ذلك أنه لم يكن يمضي عليه أقل من خمسة عشر عاما حتى تحالف النصارى وأنزلت جيوش مشتركة من قشتالة وليون ونبارة وأراغون هزيمة ساحقة بالمسلمين في وقعة العقاب (لاس نافاس دي تولوزا) يوم 15 صفر سنة 609 هـ (17 يوليو سنة 1212 م) أعقبها سقوط أبذة وبياسة. وتم الاستيلاء على قرطبة بعد أقل من ربع قرن، وأعقبه استيلاء جاك الأول ملك أراغون على بلنسية سنة 636 هـ (1238)، وفرديناند الثالث على إشبيلية سنة 646 هـ (1248 م). 9 - المملكة النصرية في غرناطة ونهاية إعادة الغزو: استمرت "مملكة غرناطة" أكثر من قرنين ونصف قرن الأرض الوحيدة في شبه جزيرة إيبيريا التي ظلت تخضع لسلطان حاكم مسلم على الرغم من الأجزاء المتتالية التي اقتطعت منها؛ وهذه المملكة التي يحدها البحر المتوسط من جبل طارق إلى المرية لم تمتد في الداخل إلى ما وراء كتل جبال شارات رندة وشارات إلبيرة. واستولى جد الأسرة النصرية (أو بنو الأحمر) ومؤسسها محمَّد الأول الغالب بالله، على غرناطة سنة 635 هـ (1237 - 1238 م) وشيد قلعة أطلق عليها اسم الحمراء واتخذها قصرًا له. ورضى في الوقت نفسه أن يؤدي الجزية باعتباره تابعا لفرديناند الأول

الأندلس في شمالي إفريقية

ملك قشتالة، ثم لخلفه ألفونسو العاشر، ومنذ ذلك الوقت كانت سياسة ملوك غرناطة تقوم على تحقيق توازن حرج في تحالفهم مع النصارى، أو مع بني مرين في مراكش الذين تدخلوا عسكريًّا في أرض الأندلس واحتلوا مراكز معينة مثل طريف، وأثبتت الحوادث شيئًا فشيئا أن التعاون المراكشي كان وهمًا من الأوهام. فقد لقى السلطان أبو الحسن هزيمة منكرة على وادي سليط سنة 741 هـ (1340 م). وظلت غرناطة تحتفظ بشيء من هيبتها بوصفها عاصمة، وبفضل آثارها وندواتها الأدبية التي برز فيها رجال من أمثال لسان الدين بن الخطيب. وفي القرن التالي، ومع ظهور الملكين الكاثوليكيين فرديناند الأراغوني، وإيزابلا ملكة قشتالة، أصبح هجوم النصارى يتم في تناسق تام ويوجه على نطاق واسع. فسقطت لوشة عام 1486 م، وبالش- مالقة والمرية في العام التالي، وبسطة عام 1489 م. وأخيرًا استسلمت غرناطة للملكين الكاثوليكيين في 2 ربيع الأول عام 897 هـ (3 يناير سنة 1492 م). [ليفي بروفنسال Levi - Provencal] + الأندلس في شمالي إفريقية كلمة "الأندلس" -من حيث هي اسم جنس- مشهورة بخاصة في مصطلح شمالي إفريقية، حيث تدل على ذلك العنصر من السكان المسلمين الذي ترجع أصوله إلى أسبانيا. والعنصر الأندلسيّ بصفة عامة لا يظهر ظهورًا بارزًا إلا ابتداء من نهاية القرن الخامس عشر الميلادي تقريبا, ولكن الأمر هنا لا يقتضينا أكثر من التعرض لذروة اتجاه تاريخي طويل. وفي خلال التاريخ الإسلامي في أسبانيا، كانت الهجرة إلى المغرب في كثير من الأحوال وسيلة من وسائل سكان الأندلس للخلاص من أزمة داخلية. ثم إن المصالح التجارية والخارجية الأندلسية لعبت أيضًا دورًا كبيرًا في وفود العناصر الأسبانية الإِسلامية إلى المناطق الساحلية في غربي بلاد المغرب ووسطها. ومنذ منتصف القرن الثاني عشر تقريبًا، وحين كانت الكوارث التي نزلت بالمسلمين في غربي الأندلس سببًا في تدفق سيل من المهاجرين على قصر

الكتامة (القصر الكبير) , ثبت أن تقدم إعادة الغزو له أهمية متزايدة، ولو أنه لم يكن بأي حال من الأحوال السبب الوحيد للهجرة إلى شمالي إفريقية. وازدادت حركة الهجرة انتشارًا، بازدياد تفكك أسبانيا الإِسلامية، حتى القرن الخامس عشر، وهنالك وقعت الأحداث الخطيرة التي أنذرت بسقوط غرناطة، وقد ثبت أن هذه الأحداث كانت بداية حركة تشتت حقيقية أحدثت في شمالي إفريقية آثارًا لها قيمتها. وما إن انتهى القرن السادس عشر حتى كان عدد الأندلسيين المبعدين عن وطنهم إلى أرض المغرب كبيرا إلى الحد الذي يمكن اعتبارهم معه أقلية لها شأنها بين سكان المغرب. وحل القرن السابع عشر، وجاء معه بتطورات جديدة، ولن يقضي بنا وقت طويل حتى نرى نتيجة طرد العرب الأسبانيين جملة. ويقال إن أعددا كبيرة انطلقت من المواني التي أقلعوا منها إلى فاس وتلمسان، ولكن نسبة كبيرة من هؤلاء تعرضت للموت أو للسلب والنهب بأيدى القبائل العربية. ونجح كثير من الآخرين في الانضمام إلى مواطنيهم في الجزائر وفي تونس حيث كان عثمان داي يشجع على انتهاج سياسة الهجرة، فكان المهاجرون يتدفقون عليها زرافات. ويمكن رسم صورة تفصيلية لا بأس بها للأندلسيين الذين استقروا على هذا النحو في تونس في القرن السابع عشر. لقد كانت حالتهم تختلف إلى حد ما. عن حالة أسلافهم في القرن الثالث عشر الذين اشتهروا بالدور السياسي العظيم الذي قاموا به في الدولة الحفصية، وظهروا في صورة جماعة متفردة منظمة تنظيما عالئا تخضع لرئيس يسمى "شيخ الأندلس"، ويبدو أنهم قد تمتعوا في مجتمعاتهم القروية ببعض الحقوق الشرعية وحظ كبير من الاستقلال في الحكم المحلي. وليس من شك في أن احتكار صناعة "الشاشية" الناجحة والمنظمة تنظيمًا جيدًا قد أتاحت لهم تعديل النظام الاقتصادي حتى أصبح "أمين الشوَّاشة" قانونًا هو أمين التجارة، يرأس محكمة تجارية تخضع لها كل الطوائف الحرفية، وكان أعضاؤها -فيما عدا اثنين فقط- يختارون من

الشواشة الأندلسيين. وفي مجال الزراعة انصرفت مهارة الأندلسيين، التي احتضنها عثمان داي المثقف، إلى استغلال الأراضي الخصبة في الشمال، حيث طبق العرب الأسبانيون باقتدار معرفتهم بالري وأساليب الزراعة الفنية على زراعة الأشجار وفلاحة البساتين. وكان إنتاج الحرير الخام ونقله وصناعة الأقمشة والمنسوجات والسلع الموشاة في القرنين السادس عشر والسابع عشر من الخصائص الكبرى التي يتميز بها المنفيون، مثال ذلك أن صناعة الحرير في الجزائر كان معظمها في أيديهم، وقد أسهمت إسهاها كبير، في ثراء المدينة ومن جهة أخرى فإن الكثير مما يمكن إن يكونوا قد أسهموا به في المغرب قد ضاع. وفي مراكش، مثلًا، كان السعديون ينشدون غالبا الاستفادة منهم قوة عسكرية. وبالنسبة للباقين يعد اشتغالهم بالقرصنة وتجارة الرقيق مسئولا لا محالة عن اختفاء المهارات المأثورة. ومهما يكن من أمر فإن آثارهم لا تزال باقية في كثير من المجالات، وكثير من أهالي شمالي إفريقية يعلنون في فخر أنهم من أصل أندلسيٍّ، وهو أمر واضح في كثير من الحالات من أسماء أسعرم. سابعًا- الإِسلام في الأندلس كانت الأندلس دائمًا معقل المالكية وقاعدة للسنية منذ مستهل القرن التاسع عندما اعتنق مذهب المدينة وحل محل مذهب الأوزاعي ولم يكن هناك احتمال بتوطيد دعائم شعائر أخرى في العهد المرواني؛ لأن المذهب الجديد كان يلقى تأييدًا رسميًّا من حكام البلاد، وقمعت كل منزعات الخوارج والشيعة في مراحلها الأولى، ولم يستطع الأندلسيون أن يوجهوا نشاطهم في مجال الكلام والفقه إلا نحو التوسع في رسائل الفروع والتمسك الدائم بالتقليد. ومهما يكن من أمر فإنه من الواضح أن مدرستي الشافعية والظاهرية تسللتا في القرنين الثالث والرابع الهجريين (التاسع والعاشر الميلاديين)، وإن كان من المسلم به أن هذا قد حدث بصورة طفيفة. وكان ممثل المدرسمة الظاهرية في الأندلس القاضي المنذر بن سعيد البلوطي المتوفى 355 هـ (966 م) حتى وجدت "حامل لوائها" في شخص ابن حزم المشهور وكذلك كان واضحًا أن مذهب المعتزلة قد صادف بعض

الانتشار في بعض العهود، وهو يطابق ما حدث من إحياء لنزعات الزهد التي كان ممثلها الأساسي هو الفيلسوف القرطبي بن مسرة المتوفى سنة 319 هـ (931 م). أما الممثلون للمالكية الأندلسية الذين وصلت إلينا أسماؤهم وبلغتنا مصنفاتهم أحيانا، فإنهم جمع كبير. وكلهم تقريبا كتبت نبذ عن سيرهم في المجموعات التي نشرت في المكتبة الأندلسية: - Bibliotheca Arabico - His) (pana؛ فلما سقطت الخلافة تمسك الناس بالشريعة وقدروها أكثر من ذي قبل, وكثيرًا ما أصبحت طبقة الفقهاء قسما من السكان يتمتع بأكبر قدر من النفوذ والنشاط وبخاصة في عهد المرابطين. ويمكن القول بأن الأندلس، من وجهة نظر العقائد، لم تتأثر بدعاية الموحدين إلا نادرًا، وظلت للمالكية فيها اليد العليا حتى النهاية. المصادر: إلمامة عامة في Levi Provencal: : Hist Esp Mus جـ 3, ص 453 - 488. د. يونس [ليفى يروفنسال E. Lkvi - Prov- encal] ثامنًا: الفن الأندلسيّ: لقد كانت شبه جزيرة إيبيريا منذ العصور القديمة منطقة صالحة لنمو المؤثرات الشرقية فيها، بفضل موقعها الجغرافي الذي يحيط بالطرف الغربيّ للبحر المتوسط، وبفضل غلبة خصائص منطقة هذا البحر عليها. وشاهد ذلك قول سارتون بأن توافر دين مشترك ولغة مشتركة -وهما العاملان اللذان يحدثان أقوى الروابط بين الشعوب- قد دعم العلاقات بين المنطقتين، وهي علاقات أفادت أيضًا من الفرض الديني الذي قضى بالحج إلى مكة. ووصلت الاتجاهات والأشكال الفنية إلى شبه الجزيرة الإيبيرية من الشرق عبر فترة امتدت ثمانية قرون، وبعض هذه الاتجاهات نمت فأصبحت أسمى درجة وأفسح مدى مما كانت عليه في بلدها الأصيل. وفي الفن الأندلسيّ أصداء من الفن البوزنطي ومناطقه الثقافية في الشام وبلاد ما بين النهرين وفارس ومصر وإفريقية. وصيغ فن العصور الوسطى في الشام وفي أرض شبه جزيرة إيبيريا على غرار فن رومة

الإمبراطورية. وإن رجوع بعض أشكال الآثار الفنية في هذين القطرين إلى زمن واحد يشير أحيانا إلى أصلهما المشترك ولا يدل على وجود علاقة مباشرة بين الاثنين. ومع ذلك فإن الحضارة في شرق البحر المتوسط قد تطورت دون أن يوقفها شيء منذ القرون الأولى للعصر المسيحي وأثناء القرون الأولى من الإِسلام، على حين أن شبه جزيرة إيبيريا والغرب -بصفة عامة- قد كابدا أزمات شديدة وتعرضا لانحلال كبير في معيار حضارتهما. ولا نعرف كثير، من التفاصيل عن مرحلة انتقال أسبانيا من حكم القوطيين -حين تجلى افتقارها إلى التجانس واضمحلالها من ضعف مقاومتها للغزاة -إلى حكم المسلمين. ففي المجال الفني تعوزنا التحف الفنية والآثار الباقية من هذا العهد الغامض والعصور الإِسلامية التالية له, ونشأ عن هذا أن الثغرات في كثير من الحالات يجب أن تسد عن طريق الحدس والتخمين. وقد تطور الفن الأندلسيّ واتخذ له طابعا أصيلا مميزًا. وحدث أثناء فترة الاتصال بالشق بين القرنين الثاني والتاسع الهجريين (الثامن والخامس عشر الميلاديين) أن شيدت هناك بعض الآثار التي تنفرد بجمال لا يضارع، وكمال وأصالة لا نجدها بقيت في أي بلد إسلامي آخر. فمسجد قرطبة المتفرد ببنائه البارع وبثراء زخرفته؛ وقصور مدينة الزهراء التي لا تسامى في فنها وفخامتها؛ وقصر الجعفرية في سرقسطة، الذي يمتاز بإبداع عجيب وبذخ في زخرفته، والذي يجري العمل في الوقت الحاضر لاستعادة بنائه، وبرج الخير الدة، وهو منارة أثرية تعد من أجمل الآثار في العالم الإسلامي؛ وأخيرا هناك قصر ضخم هو قصر الحمراء في غرناطة، لا يزال محتفظًا بحالته على نحو عجيب على الرغم من رهافته الشديدة، وقد تجمع فيه فن العمارة وبدع الطبيعة من ماء جار وخضرة يانعة لتجعل منه مشهدا من أعظم مشاهد العالم إلهامًا.

العمارة: الأمويون: ومع افتقارنا إلى العمائر القديمة، فإننا يجب أن نبدأ دراسة العمارة الإِسلامية في الأندلس من أقدم جزء في مسجد قرطبة الذي شيده عبد الرحمن الأول بين عامي 168 و 170 هـ (784 - 786 م) أي في فترة تبلغ ثلاثة أرباع القرن بعد غزو شبه الجزيرة وفتحها. وقبيل وفاة هذا الأمير لم يكن باقيًا على اكتمال بناء المسجد إلا اللمسات الأخيرة، وقد قام بإتمامها ابنه هشام (172 - 180 هـ = 788 - 796 م). ويحتل هذا المصلى القديم الجانب الشمالي الغربيّ من البناء الذي لا يزال قائمًا حتى اليوم. والمسجد مستطيل الشكل، وجدرانه من الحجر، وهو مقسم إلى إحدى عشرة مقصورة تتجه من الشمال إلى الجنوب بحيث تكون عمودية على جدار القبلة، والمقصورة الوسطى أكبر من المقصورات الأخرى، ويفصل المقصورات بعضها عن بعض أعمدة من الرخام أخذت من المبانى الرومانية أو القوطية الغربية. وعلى التيجان ترتكز حدائر مربعة الشكل، وهي بدورها تحمل كتل حجرية مستطيلة. والنتوء محمول استعراضا بوساطة مساند بارزة وينتهي من أعلى بحديرة. ودعائم العقود متصلة طوليا بصفين من العقود. والعقود السفلي على شكل حدوة الفرس، وهي معلقة ولا تدعم شيئًا، وفوقها صف ثان من عقود شبه دائرية تبرز من الحدائر وتحمل الجدران. وباستخدام هذه الطريقة في البناء أمكن إقامة بناء ضخم على أعمدة رشيقة مع الاستفادة إلى أقصى حد من المساحة الداخلية وتحقيق رؤية المؤمنين للإمام بوضوح، وهو يؤمهم في الصلاة. ولما كان عرض الدعائم قد زاد بالنسبة لارتفاعها، فقد أصبح من الميسور أن تحمل الأسقف وأن توضع في سمك الجدران ميازيب لتصريف مياه المطر. وطريقة البناء بعقود مزدوجة متراكبة مما يضفى على مسجد قرطبة جمالا أصيلا وطابعا فريدًا في عمارة القرون الوسطى لا نجدهما في أي مسجد آخر، ففي المساجد الأخرى ذات الأعمدة

تحمل العقود التي تفصل المقصورات عروق خشبية تضفى عليها مظهر المباني الموقوته. ومن عجيب أننا نجد في قرطبة في النصف الثاني من القرن الثامن مثل هذا البناء الكامل، نظرًا للعجز الظاهر في المهارة المعمارية الذي يوحى به استخدام أعمدة كانت أصلًا في عمائر أقدم عهدًا. وقد بذلت محاولات متكررة لإثبات أصل هذه الأشكال، ويمكن أن تكون طريقة استخدم العقود المزدوجة قد استلهمت من المنشآت الرومانية المعمارية، كالقناطر المعلقة مثلًا. وقد استخدم الحجر مادة للبناء في العمارة الشامية، وكذلك في العمارة القوطية الغربية بأسبانيا. وكثيرًا ما نجد ترتيب الحجارة المنحوتة على التعاقب واتخاذها رباطا ماثلا في العمائر الرومانية في الشرق والغرب، وقد ورثت ذلك من العمائر اليونانية. وعممت العمارة القوطية الغربية استخدام عقد حدوة الفرس، وتوجد نماذج منه في العمارة الرومانية والإِسلامية الشرقية، وإن كانت أقل منها في شبه الجزيرة. وكان الاستخدام المتبادل للحجر والآجر في سنجات العقود شائعا في العمارة الرومانية، وعنها نقلته العمارة البوزنطية، وتكمن أصالة مسجد عبد الرحمن الأول في خطبة بنائه وتنسيقه العام بما يضمه من مقصورات متوازية عديدة وزيادة المقصورة الوسطى في الحجم عن الأخريات كما هو الحال في المساجد الشرقية، وربما يكمن ذلك أيضًا في عضائد الجدار، بل لعله يكمن في الحزوز المدرجة التي تتوجها. وقد أقتضى ازدياد السكان في قرطبة في عهد عبد الرحمن الثاني (206 - 238 هـ = 822 - 852 م) توسيع المسجد، وامتدت رقعة المقصورات جنوبا بهدم المحراب، ونقب جدار القبلة. والجزء الذي أضيف يتبع خطوط البناء القديم، ولكننا نجد من بين العدد الكبير من التيجان التي أخذت من العمائر الأقدم منه أحد عشر تاجا نحتت بإتقان لهذا الغرض واستلهم في نحتها النماذج القديمة المأثورة. وهناك أربعة تيجان من المحراب نقلت بعد إلى مسجد الحكم

الثاني، وهذه التيجان الأخيرة لا تقل إتقانا عن التيجان الرومانية، وهي تدل على وجود مصنع يعمل به نخبة من الصناع المهرة. وبدأت هذه الأعمال عام 218 هـ (833 م). وأول صلاة أقيمت في المسجد قبل بناء المحراب الجديد كانت سنة 234 هـ (848 م)، ولكن البناء لم يكن تم عند وفاة عبد الرحمن الثاني، وقد أكمله ابنه وخلفه محمَّد الأول عام 241 هـ (855 م) وهو تاريخ يظهر في نقش على باب القديس اسطفان الذي استلهم الفنان في زخارفه المستدقة ولا شك موضوعات الفسيفساء الرومانية، وهذه الزخارف من الطراز البوزنطي. وترك عبد الرحمن الثالث (300 - 350 هـ = 912 - 961 م) في المسجد الجامع تذكار، لحكمه الطويل المجيد بتشييد مئذنة أثرية جديدة سنة 340 هـ (951 م) مربعة القطاع مثل المآذن الشامية. وبويع عبد الرحمن الثالث بالخلافة عام 326 هـ (936 م) وبدأ في بناء المدينة الملكية المعروفة باسم مدينة الزهراء عند سفح الشارات على مسيرة أقل من خمسة أميال من قرطبة، وسار العمل في تشييدها قدما حتى عام 365 هـ (976 م)، وهي مدة قدرها أربعون عامًا بلغت فيها عظمة الخلافة الأندلسية وسلطانها ذروتهما، كما تشهد بذلك الأطلال المشوهة لقصور هذء المدينة مقر البلاط وعمال الحكومة، وتوسيع مسجد قرطبة بناء على ما أشار به الحكم الثاني. وأجزاء مدينة الزهراء التي كشف عنها حتى الآن هي أطلال المساكن المبنية بالحجر والدواوين وقاعات الاستقبال، وتقع هذه القاعات في نهاية أفنية وتتألف من عدة مقصورات متوازية تفصلهما عقود على هيئة حدوة فرس قائمة على أعمدة على نسق البازيليكا الكبيرة الشائع في الشرق، وفي سبيل زخرفتها تأججت نفسا الخليفتين بنار الطموح ينشدان إقامة عمائر لا نظير لها بذخًا وفخامة، فجلبا لتحقيق ذلك مواد وصناعا مهرة من الطرف الآخر للبحر المتوسط. ولقد زالت الأسطح والسقوف، ذلك أن مدينة الزهراء نهبت

وأحرقت عدة مرات في السنوات الأولى من القرن الحادي عشر، واستخدمت فيما بعد محجرًا حتى عهد قريب، ولكن لا يزال فيها جانب من الأوجه الحجرية والرخامية لجدران كثير من الحجرات، والعديد من الأعمدة والتيجان من المواد نفسها، ورصف من الحجر والرخام والآجر. ووجه هذه المباني الرائع الزخرف عهد به إلى صناع مهرة بعضهم جاء من شرقي البحر المتوسط، صحيح أنهم كانوا على درجة مختلفة وأساليب فنية متباينة في أشغال الحجر والرخام، بيد أنهم كانوا بصفة خاصة عارفين بالخصائص العامة للنقوش البارزة ذات البعدين التي تعتمد على وحدات زخرفية نباتية (هناك بعض الوحدات الزخرفية الهندسية البسيطة القليلة التي ترجع إلى أصل بوزنطي) ومعظمها لم يبعد كل البعد عن موضوعات الكروم. وشوك اليهود التي اشتقت منها. وهناك قاعة فخمة اكتشفت عام 1944، والعمل يجري حاليا في إعادة بنائها؛ لأنه وجد بين أطلالها كثير من النقوش البارزة من الأوجه المزخرفة للجدران الداخلية، وقد زخرفت منذ 342 هـ إلى 345 هـ (953 - 957 م). واشتغل الصناع المهرة أنفسهم الخارجون من قصور الزهراء في توسيع المسجد الجامع في قرطبة، وهذا العمل الذي شرع فيه الحكم الثاني قد بدئ في تنفيذه عام 350 (961 م)، وأكمل الجانب الرئيسي منه عام 355 هـ (966 م) وكان لصناع الفسيفساء الذين طلبوا من إمبراطور بوزنطة فضل في زخرفته؛ وهناك أثر شرقي ملحوظ في القبوات الأربع للعقود المتقاطعة في الامتداد على الرغم من أنه لم يكتشف بعد في الشرق نموذج يضارعها تم في تاريخ أقدم منها. والراجح أن الزيادة في ارتفاع جدران بعض النوافذ لإفساح المجال لإقامة مشكاوات قد أخذ عن مساجد إفريقية في القرن التاسع على الرغم من أن عقود هذه المساجد من أصل بوزنطي. والعقود المتقاطعة بالتساوي في المسقط الأفقي وليس في الفراغ هي مخرمات مكشوفة تحمل القباب بأسلوب فني في الإنشاء عبقري بارع. وبعض العقود

المتوجة من أصل عباسي، وهناك أيضًا عدد من العقود المنقوصة. وأصبحت العقود المتوجة منذ ذلك الوقت تتصل بعقود متقاطعة، وهذا هو أحد الموضوعات المحببة في الفن الأندلسيّ، وكانت تستخدم للزخرفة فحسب جريًا على عمل شائع في الفن الإسلامي بأسره غير أنه بلغ أوجه في الأندلس. وفي هذا التوسع الذي يرجع إلى عهد الحكم الثاني والذي يعد في الواقع مسجدًا جديدًا ملاصقا للمسجد الأولى، أشكال زخرفية خارقة في روعتها ممتزجة ببريق وهاج من الألوان تغطي الجدران والقبوات المصنوعة من الفسيفساء الجياشة بالحياة، مع "توريقات" عربية نحت معظمها في الصخر وطلى مهدها باللون الأحمر وعليه نقوش بضروب أخرى من اللون الأزرق، ورخام معرق في الأعمدة وقواعدها. ومسجد الحكم الثاني -مثل قاعة عبد الرحمن الثالث في الزهراء- شاهد على فن يستخدم موارده إلى أقصى حد، فن بلغ الذروة، فن يعبر عن عظمة الخلافة في قرطبة تعبيرا لا نجد له نظيرًا في الغرب المعاصر له. والتوسيع الثالث والأخير الذي طرأ على هذا المسجد الجامع هو الذي شرع فيه المنصور الواسع النفوذ وزير هشام الثاني، وقد نفذ بين عامي 377 و 380 هـ (987 - 990 م). وحافظ على وحدة الكل بتكرار دعامات العقود والعقود المتشابكة وبنائها على غرار المنشآت الأصلية دون إضافة آية سمة جديدة، ولكن هذا التوسع جاء دون الأصل فخامة وطرازا. وتكشف الأبواب عن عمل بذل لتوحيد الأساليب الفنية المختلفة للزخرفة التي تظهر بوضوح في مدينة الزهراء، وإن كانت النتيجة تثير في النفس الكآبة والملل. ولا تزال هناك آثار قليلة للعمل الذي تم خلال عهد ملوك الطوائف في السنوات الأخيرة من القرن الخامس الهجري (القرن الحادي عشر الميلادي). وتدل النصوص والآثار التي بقيت على أن التقسيم، في المساجد إلى مقصورات عمودية على جدار القبلة مع التوسل بعقود على هيئة حدوة فرس مقامة على أعمدة، يتكرر. وقد جنح أمراء الطوائف إلى تشييد القصور أكثر من جنوحهم

إلى إقامة دور للعبادة، ذلك أنهم عجزوا عن مجاراة أسلافهم حكام الأندلس الموحدة في السلطان أو في الثراء، بيد إنهم حاولوا محاكاتهم، على الأقل من ناحية المظهر، في قصورهم الفاخرة. وشيدوا، بدل الجدران المبنية بالحجر الصلد، جدرانًا بنيت بالطين والآجر، وحلت محل أوجه الحجر والرخام المزخرف بطريقة التوريق الزخرفة في الجص، واستبدل بالأعمدة الرخامية أعمدة خشبية كما يرى في قصر القصبة بمالقة. وهكذا يخفى تعدد الألوان فقر الداخل تحت نقاب زائل من البذخ والأبهة. وكان النقص في الفخامة والمتانة والافتقار إلى العظمة المعمارية لا يعوضهما المظهر الجميل اللطيف الذي اتسمت به مباني القرن الخامس الهجري (الحادي عشر الميلادي) فحسب، بل يعوضهما أيضًا إدخال الماء الجاري في القاعات والأفنية، وغرس النباتات في الأفنية، ولا شك أن ذلك كان بتأثير الشرق، عن طريق إفريقية فيما يحتمل. والفن الزخرفي الذي كان ينشد إخفاء الفقر في بناء هذه القصور كان هو الخلف المباشر لفن عصر الخلافة. وإن كان قد صحبه تطور نحو الفن الباروكي، وهو فن إسباني في جوهره، وذلك بتحويل العناصر المعمارية لقرطبة ومدينة الزهراء إلى عناصر أخرى زخرفية بحتة تقوم على أشكال متشابكة ومعقدة وزخارف غزيرة. والقصر الذي بناه المقتدر بن هود (441 - 474 هـ = 1049 - 1081 م) بجوار سرقسطة مباشرة يمثل خير تمثيل الفن الذي عرف عن عصر ملوك الطوائف. وكان القرن السادس الهجري (الثاني عشر الميلادي) -أي في الفترة التي بسلط فيها المرابطون والموحدون سيادتهم على الأندلس -من أخصب العصور في الفن الإسلامي المغربي، وهو في الوقت نفسه من العصور التي حدث فيها أعظم تمثل للأشكال التي خرجت من شرق البحر المتوسط. وظل المرابطون -وهم أولئك البدو البربر من إفريقية الذين خلا وفاضهم

من التقاليد الثقافية- على هامش النزعة الفنية، بيد أن الاتحاد السياسي بين الأندلس وبلاد البربر فترة تربو على قرن (القرن السادس = الثاني عشر الميلادي، والسنوات الأولى من القرن السابع الهجري = الثالث عشر الميلادي)، وهو الاتحاد الذي تم أولًا في عهد المرابطين ثم في عهد الموحدين، انتهى إلى انتشار الفن الأندلسيّ عبر مضيق جبل طارق إلى أقاليم تغلب عليها الحضارة الريفية وليست فيها مراكز حضرية كبيرة. ويكشف بناء مساجد المرابطين ما طرأ عليها من تغيرات بالقياس إلى المساجد الأندلسية الأولى، ولعل هذا كان نتيجة لتأثير بلاد ما بين النهرين. فبدلا من الأعمدة -التي كانت حتى ذلك الوقت تفصل المقصورات- بنوا عمدًا من الآجر، وأدى هذا إلى ازدياد رسوخ البناء وأتاح لهم فرصة الاستغناء عن العروق الخشبية، وإن كان هذا قد أدى أيضًا إلى فقدان في مساحة الفراغ وضعف في وضوح الرؤية، ويبدو المصلى المشيد على دعامات من الآجر دائمًا كئيبًا ومملا إذا قورن بالمصلى الذي يقوم على أعمدة. ولم يبق في الأندلس مسجد واحد من المساجد التي بناها المرابطون. ولعل المساجد الجامعة في تلمسان والجزائر، الخالية أصلا من الزخارف، قد شيدت في السنوات الأخيرة من القرن الخامس الهجري (الحادي عشر الميلادي) قبل أن يصل التأثير الأندلسيّ إلى الشاطئ الإفريقى. وقد حدث هذا في عهد علي بن يوسف (500 - 537 هـ = 1106 - 1143 م)، فقد ازدان خلاله المسجد في تلمسان بزخارف أندلسية رائعة وغزيرة تكسو وجه المحراب والجدران وقبة المقصورة السابقة له. وقد أكملت هذه الزخرفة في قول نقش بخط النسخ هو جزء من هذه الزخرفة، سنة 350 هـ (1136 م). وقام علي بن يوسف حوالي عام 529 هـ (1135 م) بتوسيع مسجد القرويين في فاس، وهو لا يزال محرمًا على غير المسلمين، وفي هذا المسجد عقود متقاطعة من الواضح أنها من أصل قرطبي وقبوات من المقرنصات

(في الأسبانية Mocarabes) يرجع أصلها إلى بلاد الفرس أو العراق، وهي تعبر بعض المقصورات. والحق إن ما تتسم به هذه الزخرفة من كمال عجيب يكشف عن أن هذا العمل لم يكن التجربة الأولى في ممارسة هذه العناصر المجلوبة من الخارج. وخير ما يمثل أسلوب المرابطين في الزخرفة هو قبة البروديين بمراكش، ولعلها شيدت بين عامي 514 و 526 هـ (1120 - 1130 م). والجزء الأوسط من هذا البناء الصغير المستطيل الشكل تغطيه قبة صغيرة من الآجر المقوس. وفي داخل القبة ثمانية عقود متقاطعة على هيئة تشبه عقود القبة التي تغطى المقصورة التي قبل المحراب في مسجد قرطبة. والعقود مختلطة المخطوط في هذا النموذج المراكشي، وتتألف من تيجان وقسي وزوايا قائمة، والأوجه التي تضمها بين مستويات عقودها يكسوها -مثل كل الأوجه الأخرى تقريبا- توريق دقيق من الجنة يحيط بمراوح كبيرة. وهذا صنع أندلسيّ يتميز بفخامة فوق التصور وخيال خصيب، وهو يعبر بأسلوب بليغ عن النزعة المناهضة للكلاسية إلى التجزئة والإسراف في الزخرف، وهي النزعة التي تنبثق في مواسم في مجرى تاريخ الفن الأندلسيّ. أما الموحدون الذين كانوا مثل أسلافهم يفتقرون إلى التقاليد الثقافية، تحكمهم نزعة الزهد التي تملكتهم وأنكرت كل ترف وكل إسراف بما يتفق مع حركة تهدف إلى إحياء ما كان عليه الإِسلام في أول عهد من طهر ونقاء، فقد أثرت نزعتهم هذه في التطور الفني بوضع قيود صارمة على الزخرفة ردتها إلى ضروراتها الجوهرية، وجعلت لها نطاقا محددًا تحديدًا دقيقا يقوم على أسس عامة بسيطة. ولم يبق مصلى واحد مما بناه الموحدون في الأندلس، ولذلك فإننا لا نعرف هل امتدت هذه الخصائص إليها أيضًا؛ وبقايا المسجد الجامع في إشبيلية الذي أكمل بناؤه في عهد يعقوب المنصور (572 - 594 هـ = 1176 - 1198 م) تحملنا على أن نفترض أنها تكشف عن زخارف أفخم

من الزخارف التي أبقى عليها الزمن في المغرب. وأثر الموحدون في التطور الفني في نواح أخرى أيضًا، فقد ألهمتهم ذكرى ما كانت عليه الخلافة القرطبية من عظمة ماثلة في عمائرهم فشيدوا مساجد ضخمة روعي فيها تناسق النسب وحسن التخطيط، ومآذن متينة عالية، وأبواب مدن تتسم بالكبر، وأقواس نصر حقيقية تكريمًا لأسرتهم المالكة. ويظهر في بقية قصور المرابطين والموحدين طرازان من الأفنية بلغا فيما بعد درجة معجبة من التطور في فن غرناطة: الطراز الأول هو الفناء ذو السبيلين المستعرضين يحدثان أربعة أحواض مربعة للنبتات وتبرز على الجوانب القصيرة جواسق (القصر الصغير في مرسية القديمة)، والطراز الثاني هو الذي يضم رواقًا واحدًا على جانب واحد أو جانبين منه (الجبس في قصر إشبيلية). وتستخدم العمارة العسكرية للموحدين في الأندلس خططا مأخوذة من العمارة البوزنطية لم تكن قد عرفت بعد في المغرب، كالأبواب المقوسة (أسوار بطليوس وإشبيلية ولبلة)، وأبواب المدينة الضخمة، والأبراج المضلعة (قاصرش وبطليوس وإشبيلية)، والأبراج الخارجة عن الأسوار (قاصرش وبطليوس وإستجة). ووصل من الشرق مع المقرنصات الخط النسخ (زخارف جصية في مورور بغرناطة، وفي القصر الصغير بمرسية) خزف مزجج أو مبرنق استخدم للزخرفة المعمارية من الخارج. وأول نموذج عرف من ذلك في الأندلس يوجد في برج الذهب بإشبيلية (617 هـ - 1220 - 1221 م). وبعد سقوط إمبراطورية الموحدين كانت آخر قاعدة للمسلمين في أسبانيا هي مملكة غرناطة الصغيرة التي أسست قبل منتصف القرن السابع الهجري (القرن الثالث عشر الميلادي) بقليل وقصر الحمراء الذي يحظى بشهرة عالمية هو وجميع العمائر

الأخرى الباقية تقريبا من هذا العهد الأخير، وهي لا ترجع إلى تاريخ أقدم من القرن الثامن الهجري (الرابع عشر الميلادي). والفن المأثور عن بيت بني نصر -أو فن غرناطة- هو مرحلة أخيرة مشرقة للإسلام في شبه الجزيرة احتفظ بمركزه إلى حد ما على هامش الفن الرسمي لأسرة الموحدين، وقد أثراه فن الموحدين وبعض الفنون المجلوبة من الشرق دون إغفال التغيرات التي طرأت عليه مع المتقدم الجامد للزمن. وهذا الفن يمثل أيضًا في مظهره الزخرفي إحياء التقليد الوطني في استخدام الزخرفة الكثيفة المسطحة الرقيقة بعد انحراف الموحدين القصير الأمد عن ذلك؛ ونحن لا نعرف مدى انتشار هذا التقليد في الأندلس. وقد زين صناع غرناطة المهرة الأيام الأخيرة لحضارة مشرفة على الزوال بأبدع نماذج لما تستطيع كان تأتي به عبقرية الإنسان وفنه في مجال الزخرفة، ذلك أنهم صنعوا بمواد فقيرة هشة كتلا ضخمة قوية بسيطة وأجرامًا معمارية بحتة مثل برج قمارش وباب العدل في الحمراء، وإنشاءات لطيفة منسقة تتسم بالأصالة مثل فناء قصر البركة، وأروقة داخلية خططت بمهارة مثل تلك التي رتبت على التدريج من بهو الأسود إلى قاعدة درجة في القصر الملكي بغرناطة، وقد شيدوا في الوقت نفسه تحصينات أهم من تحصينات الموحدين الأندلسية التي أبقى عليها الزمن. وازدادت غرناطة ثراء بالعمائر العامة، من دور وقصور منمقة بفن شائق بديع. وكان لكل مبنى -من المساكن المتواضعة إلى القصور الملكية التي تكتنف المدينة- أفنيته ونافوراته وأحواضه وأرصفته المكسوة بالقرميد الزاهي اللون وزخرفته الجصية وسطوحه الخشبية التي ضمت بمهارة. وفي قصر الحمراء الملكي -الذي احتفظ به على نحو عجيب على الرغم من رهافة بنائه الشديدة- يتجلى فن غرناطة ويكتسب خصائصه المتسمة

بالفخامة والعظمة. فبهو البركة وبهو الأسود اللذان شيدا في منتصف القرن الثامن الهجري (الرابع عشر الميلادي) هما تطور على الولاء للأنماط ذات الأروقة المعمدة التي أقيمت على جوانب قصيرة ولها سبيلان مستعرضان مما أثر عن عهد المرابطين. وتحدث المقرنصات في قصر الحمراء قبوات مركبة تغطى المنحنيات الخارجية للعقود وتقوم بدور الحدائر وتغطى وجه بعض التيجان، وفوق الوزرات المصنوعة من اللكاط البراق (فسيفساء من القرميد الملون)، نجد جدران الحجرات قد كسيت بحشوات جصية تبدو كالسجاجيد، وقد اشتملت هذه الحشوات على وحدات زخرفية نباتية (أوراق منقسمة إلى وريقات أصغر حسب تقاليد المرابطين، وأخرى ناعمة مأخوذة من زخرفة الموحدين) مختلطة برسوم هندسية مركبة ونقوش بالخطين الكوفي والنسخ. وثمة ثروة هائلة من الزخرفة في قصر الحمراء، بيد أن قلة عدد النقوش البارزة والترتيب المنسق على الجدران داخل الحشوات يتحاشى أي إحساس بزحمة زخرفها زحمة تخل بنسقها، فالكل متناسق خفيف الظل يسر الناظرين. وكانت غرناطة في الوقت الذي كانت تقام فيه هذه القصور تثرى ببناء سلسلة من العمائر ذات الشأن: الفندق (Alhondiga Nueva) والمدرسة التي أكملت سنة 750 هـ (1349 م) والمارستان، أي مصحة المجانين (767 - 768 هـ = 1365 - 1367 م). وهذه المباني الثلاثة -ولم يبق منها إلا الأول- تطابق خطط البناء الأجنبية ولكن شكلها يمثل الطراز المحلي. وفي النصف الأول من القرن التاسع الهجري (الخامس عشر الميلادي) الذي يقترن بالاضمحلال السياسي الأخير لغرناطة نجد فن غرناطة قد عجز عن التزود بمدد جديد من شرقي البحر المتوسط وأنهك قواه النزوع إلى الرفاهات واللطائف المعجبة وإن كانت عقيمة، ذلك أنه أخذ يكرر نفسه ويعيش في نطاق الماضي فحسب، فأصبح بذلك

يدور في قالب فارغ. وظل هذا الفن قائما في صورته المتحجرة هذه بالمغرب عدة قرون، ونكاد نقول إنه لا يزال يعيش على هذا النحو إلى اليوم. ولقد عمدت التجارة -التي كان معظمها في يد اليهود والشاميين- إلى أن توزع في جميع أرجاء الأندلس الكثير من المنتجات والفنون الزخرفية والصناعية المعروفة في الشرق، وكان نقل عدد منها يسيرًا. وفي عهدي عبد الرحمن الثاني وابنه هشام الأول، غلبت نزعة إلى الترف الرفيع والبهرج في قرطبة بتأثير بغداد وبوزنطة. وسرعان ما نمت في الأندلس صناعة المنسوجات والمجوهرات ومنتجات العاج والخزف والأثاث ... إلخ، منتجات تقلد المنتجات المستوردة لإرضاء مطالب الجمهور الغفير من العملاء في بلاد المسلمين والممالك النصرانية في شبه الجزيرة وشمالي جبال البرانس. وكانت النسخة أحيانا مطابقة للأصل مطابقة يصعب معها القول: هل خرجت بعض الأصناف من بلاد واقعة في الطرف الآخر من البحر المتوسط أم صنعت في الأندلس؟ ومن المستحيل، في حالة المشغولات البرونزية المختلفة على النمط الفاطمي، أن نقطع: هل صنعت في مصر أم في الأندلس. ولا نستطيع أن نقول على وجه اليقين: هل خرجت بعض المصنوعات من مصانع العباسيين أو من مصانع الأندلس إلا بعد فحص دقيق كل الدقة. ولم يهن نشاط المصانع الأندلسية في القرن الخامس الهجري (الحادي عشر الميلادي)، ولكن ذلك حدث في القرن التالي فحسب عندما وضع تزمت الخلفاء الموحدين الأوائل قيدًا على ذلك وخاصة فيما يتصل بالمصانع السلطانية. وعلى النقيض من هذا وصلت الحرف الصناعية إلى ذروة من التطور والروعة في مملكة غرناطة على الرغم من صغر رقعتها. ولم يتقصر أمر هذه الصناعات على سد حاجات بلاط عرف بالتبذير والإسراف، بل إن تصدير منتجات أرباب هذه الحرف ساعد على إعانة عدد من السكان كبير كانوا مضطرين إلى أداء جزية باهظة إلى ملك قشتالة. وكان الأثاث الديني في الأندلس -ابتداء من القرن الرابع الهجري (العاشر

الميلادي) على الأقل على درجة من الفخامة والإتقان تفوق التصور. وقد كتب مؤرخ في القرن الثامن الهجري (الرابع عشر الميلادي): "إن أمهر أرباب الحرف متفقون في الرأى على أن منابر مسجد قرطبة ومسجد الكتبية في مراكش هي أبدع المنابر على الإطلاق. والمشارقة -كما يتبين من منشآتهم- ليسوا خبراء في الحفر على الخشب" وفي رواية للإدريسي أن منبر المسجد الجامع في قرطبة لا نظير له في العالم، وقد صنع في عهد الحكم الثاني. ويوصف بأنه نموذج لا يبارى لفن صنع الأثاث الرفيع المطعم بالعاج والخشب الرقيق. أما منبر الكتبية، فقد صنع في قرطبة بين عامي 534 هـ (1139 م) و (538 هـ (1143 م). وهو مكسو بزخرفة رقيقة تتألف من أشكال هندسية متشابكة في ألواح مطعمة مكونة من قطع خشبية صغيرة ثمينة ذات ألوان مختلفة تحف بها قشرة رقيقة من العاج، بينما تملأ المحفورات الخشبية النفيسة الفراغات بين المخطوط الزخرفية المتشابكة. ومن أعظم الأمجاد الفنية للخلافة علب المجوهرات والقوارير المصنوعة من العاج التي يجب البحث عن سوابقها في مجال الثقافة البوزنطية. وكانت هذه الأدوات تصنع في مصانع البلاط في القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي) والنصف الأول من القرن الخامس الهجري (الحادي عشر الميلادي)؛ والتوريقات هي السمة الغالبة في زخرفتها، على الرغم من أنه لم يكن هناك نقص في رسوم الحيوانات والكائنات البشرية التي ترجع أصولها في بلاد ما بين النهرين إلى عهود سابقة على الإِسلام. وكذلك حققت صناعة الخزف تطورًا فريدًا في الأندلس، وكان يصنع في عهد الخلافة ما يعرف باسم "خزف مدينة الزهراء" أو "خزف مدينة إلبيرة" ذلك أن عدة نماذج منه وجدت بين أطلال هاتين المدينتين. وكانت الزخرفة على خلفية بيضاء تتكون من أشكال مرسومة باللون الأخضر (أكسيد النحاس) في إطار أسمر داكن (من

المنجنيز). وهذا الخزف من أصل بوزنطي، ولكنه تطور مستقل بنفسه في الأندلس. وورد من العراق وإيران القاشاني الذهبي الثمين، وهناك شاهد من القرن الخامس الهجري (الحادي عشر الميلادي) على صناعته في الأندلس، ومع ذلك قد تكون صناعته هناك أقدم من هذا التاريخ. وبلغت الأصول الفنية لهذا الترف أقصى درجات تطورها وكمالها في القرن الثامن الهجري (الرابع عشر الميلادي) بإخراج منتجات فريدة في شكلها ونفاستها مثل زهريات ملقا الرائعة التي تفخر بها تلك المتاحف والمقتنيات التي تشمل نماذج نادرة أبقى عليها الزمن. وبعضها لا نجد عليه إلا زخرفا من الذهب، وفي البعض الآخر تمتزج الزخرفة الذهبية باللون الأزرق. ولدينا كسر من الخزف من القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي) تفصل بين ألوانها أطر من صفائح رقيقة (cuerda Seca) يبدو أنها صناعة أسبانية، ومن جهة أخرى هناك فخار منقوش غير مزجج يبدو أنه لم يظهر إلا في القرن السادس الهجري (الثاني عشر الميلادي). وهناك عدة نماذج من "الديباج" المشهور استوردت من بغداد وهي تدل على أوج ازدهار صناعة الحرير في القرون الوسطى، وهذه النمادج محفوظة في أسبانيا. ويرد ذكر أقمشة شآمية - sir) ico) وبوزنطية (Grecisco) في وثائق عديدة عن أسبانيا النصرانية في القرنين الرابع الهجري (العاشر الميلادي) والخامس الهجري (الحادي عشر الميلادي) وهي تدل على أن الأقمشة الفاخرة الصادرة من الشرق قد وصلت إلى أسبانيا. وكان في إشبيلية وقرطبة في القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي) مصانع تنتج "الطراز"، أي الأقمشة الحريرية والأقمشة المقصبة المصممة خصيصًا لصنع أردية تلبس في

الاحتفالات. وكانت الأقمشة والأردية تعد من أثمن الهدايا. وحظيت أنوال المرية بشهرة كبيرة في عهد المرابطين. وفي خلال ذلك العهد كان التقليد الساساني المتبع في الزخرفة لا يزال ساريا، وكان يتألف من دوائر متماسة وتصاوير لحيوانات منسقة داخلها في تناسب على الأصول الفنية والأسلوب المتبعين في القصبة العباسية. وحرم ملوك الموحدين "الطراز" واختفت الدائرة آنذاك من الأقمشة الحريرية، وحلت محلها زخارف هندسية وزخارف مكونة من خطوط مستقيمة ومنحنية، ومتوازيات أضلاع وأشكال كثيرة الأضلاع على هيئة نجمة .. إلخ. وأخيرًا حدث منذ القرن السابع الهجري (الثالث عشر الميلادي) أن غلبت زخرفة تقوم على شرائط متوازية تحمل عناصر منقوشة وهندسية، وتعد الأقمشة الحريرية في غرناطة من هذا الطراز. وقد أشرنا من قبل إلى المشغولات البرونزية في عصر الخلافة، من مصابيح إلى ثريات وقناديل وميازيب على هيئة حيوانات، وهاونات ومواقد للبخور .. إلخ. كما أشرنا إلى صعوبة إثبات منشئها الأصلي بسبب مشابهتها للمشغولات البرونزية الفاطمية. ويتضح كمال الأصول الفنية للأشغال المعدنية في القرن السادس الهجري (الثاني عشر الميلادي من رقائق البرونز المحفورة والمنقوشة التي تغطي الأوراق الخشبية في باب رواق المسجد الكبير بإشبيلية، ومقارع أبوابه الفخمة المصنوعة من البرونز المصبوب أو المنقوش التي لا تزال موجودة في نفس البقعة التي صنعت فيها. وقد احتفظت المتاحف والمقتنيات بنماذج من أساور فضية مطروقة يرجع تاريخ صنعها إلى عهد الخلافة. والأسلوب الفني للطرق أقل شيوعًا في صياغة الذهب التي تغلب فيها المصوغات المزركشة المخرمة وخيوط سلكية تكون تركيبات مرصعة بالأحجار الكريمة أو قطع الزجاج، وهذا الأسلوب الفني بقى

حتى الأيام الأخيرة في مملكة غرناطة وهناك عدة سيوف من هذا الطراز مثل سيف أبي عبد الله المحفوظ في المتحف الحربي بمدريد، وهو رائعة من روائع الصياغة يتميز برشاقة متناهية، مقبضه مصنوع من العاج ومطلى بالفضة المذهبة وفيه زخرفة تقوم على الصياغة المزركشة، والتطعيم بالمينا الكثيرة الألوان المثبتة في إطارات. المصادر: (1) Early Muslim X. A. C. Creswell Architecture جـ 2، أكسفورد سنة 1940. (2) Manuel d'art musul-: G. Marcais man, L'architecture جـ 2/ 1، باريس سنة 1926 - 1927. (3) arte arabe: M. Gomez Moreno El espanol hasta los Almohades, Arte i mozarabe في , Ars Hispaniae جـ 3، مدريد سنة 1951. (4) art hispano mau-: H. Terrasse L' resque, des origins au XIIe siecle, تور سنة 1932. (5) Arte al-: L. Torres - Balbas mohade, Arte nazari Arte Mudjar في Ars Hispaniae جـ 4، مدريد سنة 1949 والمجلد 4 عن Historia de Es- pana . طبعة Menendez pidal مدريد سنة 1957. د. يونس [ل. تورس بالباس - L . Torre-, Ral bas] عاشرًا - العربية الأندلسية 1 - تعد العربية التي يتحدث بها الناس في شبه جزيرة إيبيريا أفضل اللهجات العربية التي جاءت بعد اللغة الفصحى بالنسبة لفترة القرون الوسطى. وفي تاريخ متقدم يرجع إلى القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي) كتب العالم اللغوي

الزبيدي الأشبيلي رسالة عن أخطاء الكلام التي يقع فيها العامة بالأندلس. وفي منتصف القرن السادس الهجري (الثاني عشر الميلادي) نظم ابن قزمان بعض أزجال حافلة بالفوائد اللغوية والاجتماعية، وقد بقى الجانب الأكبر منها؛ كما نظم المتصوف الشسترى أيضًا في القرن السابع الهجري (الثالث عشر الميلادي) أزجالا يعرف الناس منها دواوين عديدة. ومما يؤسف له أن طبيعة الموضوعات التي تناولتها هذه الأزجال المنظومة باللهجة الدارجة تدل على أنها أقل أهمية من الموضوعات التي تناولها الزجال السابق. وفي منتصف القرن الثالث عشر أيضًا أن إعادة غزو النصارى لمملكة بلنسية ومتطلبات الدعوة الدينية بين السكان المسلمين إلى وضع مفردات لغوية كثيرة لا يعرف من ابتدعها، وذلك باللغتين العربية واللاتينية، واللغتين اللاتينية والعربية، وقد نشرت هذه المفردات. وفي نهاية القرن التاسع الهجري (الخامس عشر الميلادي) أن إعادة غزو مملكة غرناطة إلى أن يجمع الراهب بدرو دى ألكالا بدوره شعرًا ومفردات لغوية، وقدم المفردات العربية في نسخة مكتوبة بالحروف الرومانية، وهذا المصنف الأخير قيم بصفة خاصة، ولكن النصوص المنثورة من هذا الشعر مخطئة في كثير من الأحيان. وهذه هي المصادر الأساسية الوحيدة، ومع ذلك توجد مصادر ثانوية كثيرة وهي. ناظمو أزجال أقل من هؤلاء شأنا، وعدة "خرجات" من الموشحات. أما بالنسبة للنثر فهناك وثائق في المحفوظات ورسائل خاصة وقوائم حسابية ... إلخ. وأخيرًا يشير مصنفو الكتب الفنية المحررة باللغة العربية الفصحى فيما يتعلق بالمفردات اللغوية إلى أسماء عديدة باللهجة الدارجة: وهم مؤرخون وجغرافيون وأطباء وعلماء نبات وعلماء زراعة، ومصنفون في الحسبة .. إلخ.

وثمة مبرر للافتراض بأن العربية الأندلسية لا بد أن تكون قد خرجت من عداد اللغات الحية حوالي نهاية القرن العاشر الهجري (السادس عشر الميلادي) ولعل تاريخ زوالها يختلف باختلاف الولايات. وعلى أية حال فإن العرب الأندلسيين الذين أخرجوا من أسبانيا ووصلوا إلى تونس ومراكش حوالي عام 1610 كفوا، فيما يبدو، عن الحديث باللغة العربية وأخذوا يتحدثون باللغة الأسبانية. ومن ثم تكون الفترة التي كان الناس فيها يتحدثون بالعربية في شبه جزيرة إيبيريا قد استمرت ثمانية قرون. وهذه المدة الطويلة، مع تقسيم البلاد إلى وحدات طبيعية وسياسية منفصلة، إلى جانب اختلاف طبائع السكان العرب، كل هذا كان حريًا فيما يبدو أن يساعد على تكوين لهجات عربية قائمة بذاتها كما حدث داخل إطار اللغة الرومانية، ولكن الظاهر أن هذا لم يحدث. حقًّا إن الوثائق التي في حوزتنا متباينة من حيث الزمن والمكان، وهي لهذا تقف حجر عشرة في طريق عقد أي مقارنة تستحق الجهد. وليس في الإمكان القيام بأكثر من محاولة التمييز بين لهجات الجنوب (إشبيلية وقرطبة وغرناطة) ولهجات الشرق (بلنسية ومرسية) ولهجات الثغور (أراغون). وليس في حوزتنا فيما يختص بطليطلة إلا وثائق تسجيلية مدبجة في صيغة متخلفة أشد التخلف من اللغة الفصحى. وصفوة القول أن العربية الأندلسية، بقدر ما نستطيع أن نقول، قد احتفظت فيما يظهر بدرجة عالية من التجانس. ولكن يجب ألا ننسى أن وثائقنا الوحيدة ترتبط بلهجات أهالي المدن، ومن المحتمل أن اللهجات الريفية -التي يتحدثها الناس الذين كانوا أقل نزوعا إلى التنقل من سكان المدن- قد تكون أكثر تفاوتا. وعلى الرغم من أن العربية الأندلسية قد اندثرت حوالي نهاية القرن العاشر الهجري (السادس عشر الميلادي) من حيث هي لغة حديث، فإنها بقيت في القصائد التي لا تزال

تستخدم "كلمات" للألحان الأندلسية التي يعزفها ويغنيها سكان المدن من تونس إلى مراكش. (2) الخصائص العامة: 1 - الصوتيات: الحروف الساكنة: كما هو الحال في جميع اللهجات التي جاءت بعد اللغة الفصحى، يمثل الحرف الجانبي (ض) صوتيا بحرف (ظ) أو استثناء بحرف (د). وبقيت الحروف التي تنطق من بين الثنايا: ت، د، ذ -حتى أواخر القرن الخامس عشر على الأقل -غرناطية. ويظهر أن حرف ج كان أصلًا حرفا احتكاكيًا: ج = ز، وفي ابن قزمان ومفردات بلنسية لا تدغم أداة التعريف، أما في مفردات غرناطة فتدغم، وهي في هذه الحالة يمكن أن تطابق النطق بحرف "ز" أو مع ترقيق العنصر الإطباقي الأول. وفيما يختص بحرف القاف هناك شاهد على وجود "قاف مرققة" في النطق الأسباني، ولكننا لا نعرف بالضبط ماهية هذا "الترقيق". وإلى جانب الحروف الساكنة في العربية الفصحى توجد في العربية الأندلسية الحروف التالية، وهي عادة في الكلمات المستعارة من اللغة الرومانية (أو تطورات من الطبقة الدنيا): حرفا ب، ج اللذان يكتبان بالعربية على التعاقب ب وجّ، وحرف G (روماني قديم أو إيبيري قوطي غربي) يرسم: غ، وهذا يخلق مشكلة لعلماء اللغة الرومانية. وهناك نزعة تستحق الذكر، تلاحظ بصفة خاصة في حرف ج، إذ يحذف حرف ن الأخير بعد حرفي "أي" مثل: أي "أين؟ " وبي " بين"، وشهرى, أي "شهرين". الحروف المتحركة: الحركات: يجب أن ننتظر رسم حرف ج في الحروف الرومانية لكي نكون فكرة عن التغيرات الطفيفة في نظام الحركات: الفتحة تتحول إلى إمالة a / e والكسرة تخفف: i / e والضمة تخفف: u / o، وتحكمها طبيعة الحروف

الساكنة السابقة أو التالية. وهذا هو الموقف اليوم إلى حد كبير في اللهجة المغربية. وكانت الحركات في المقاطع المفتوحة ثابتة نسبيا حتى نهاية القرن الخامس عشر. والحركة الوحيدة التي تعرضت للحذف هي الحركة التي تحدث في المقطع الثاني من مقطعين مفتوحين داخليين: يتكلم ويتخاصموا ودَخَلْت. وحركة الفتحة هي الغالبة بين الحركات. والحركة الغالبة في الأسماء هي حركة الفتحة المسألة مهما كانت طبيعة الحرف المتحرك المشدد السابق. وهي أيضًا الحركة في المقطع الأول من أسماء الآلة من الوزن القديم مِفْعَل وحركة المقطع الأخير في صيغ التصغير. وفي الأفعال تظهر الفتحة في بداية فعل الأمر لضمير المتكلم: أكتب! وفي بداية الأفعال المعتلة في صيغ الخماسي والسداسي والسباعي والثماني والمكون من عشرة حروف. وبالقياس إلى التلفظ في الأفعال الصحيحة تظهر هذه الخصيصة أيضًا في الأفعال المعتلة من كل الصيغ المشتقة (ما عدا الثلاثي أحيانا) وفي صيغتي الرباعي على السواء. ويبدو أن كثيرًا من الحركات (غير ممدودة ودائما غير مشددة) تفصل مجموعات الحروف الساكنة التي يصعب نطقها، وهذه المجموعة قد تكون ابتدائية (وهي عملية معروفة في اللغة العربية الفصحى) مثل أفرنطال بمعنى "أمامي" أو نهائية مثل: "كتبت - لك" يضاف إلى هذا في الشعر أن حركة فاصلة تظهر بكثرة بعد كلمة تنتهي بالحروف cvc وتتلوها كلمة تبدأ بحرف ساكن. ويمكن أن تكون داخلية كما يحدث في حالة أسماء من نوع راف ر 2 ر 2 التي يكون فيها حرف ر 2 إما ر أول أو ن أو م أو ب أو همزة مثل "شغَل" للشغل, و "عِجَل" للعِجْل، و"شغَل "للشغْل، و"رَطَب" للرَطْب، و"حمَر" للأحْمَر، وابِنْ زهَرْ لابْن زهر.

الحروف الممدودة: يميل تتالي حرفي المد الألف والواو في الأسماء إلى أن يصبحا أي وأو. وحرف الألف الممدودة إذا لم يدعمه حرف ساكن يميل إلى أن يصبح من الحروف الحلقية. والمرحلة التي وصل إليها عن تقبل شديد هي الفتحة الممالة الممدودة، ويستخدم حرف الألف العربي بانتظام في "الخَمْيادو" (*) ليرسم حركة الحرف الروماني المتحرك e. وفي مفردات غرناطة يحتفظ بهذا النطق الأخير لحركة الألف الممدودة في المفردات اللغوية المدونة. وفي الكلمات (من غير الأفعال) التي تعد من المفردات اللغوية الدارجة يصل النطق اللهوي الأقصى إلى الياء الممدودة في "بيب" بمعنى باب إذ تكتب هذه الكلمة بالياء وليس بالألف. حروف العلة المدغمة: لا تزال حروف العلة المدغمة أي ai وأو au باقية في صيغها الصحيحة فيما عدا بعض كلمات الوصل: كفْ، كَفْ = كَيفَ؛ لسْ، لَسْ = لَيْسَ. الشكلة: لا نعرف هذه إلا فيما يتعلق بالقرن الخامس عشر، نتيجة للتعليقات التي قام قام بها ب. دى ألكالا p.de Alcala وجمعها ودرسها أ. شتيكر A.stiger وتبين عدة مخطوطات غرناطية مكتوبة بالحروف العربية أن الحركات في المقاطع المفتوحة تصبح حروفًا ممدودة بفعل تشديد الشكلة. ب- الصرف: الفعل: لا يوجد ضمير المخاطبة للمؤنث. وفي الزمن التام نجد أن الكاسعة التي تدل على ضمير المخاطبين هي: تُم. وفي الفعل الناقص تكون ضمائر على وزن نكتِّبٌ. وفي ضميري المتكلم والمخاطب للفعل التام نجد أن الأفعال "المضعفة" في صيغة ضمير المتكلم تتبع التصريف القديم: "حَلَلْتٌ أي فَتَحْتٌ". وفي حالة الفعل المتضمن ¬

_ (*) Jamiados Al هم أولئك المسلمون الذين ظلوا في أسبانيا بعد سقوط غرناطة وتكلموا السبانية ولكنهم استمروا في كتابتها بحروف عربية.

حرف"ر 3" المرقق يكون الجمع الناقص على وزن "يمسوا" أي يخرجوا و"يلتقو" أي يتقابلوا. وفي الصيغ المشتقة التي تشمل ضمير المخاطب تكون صيغة الفعل الناقص بالألف مثل صيغة التام. وقد ثبت استخدام المبنى للمجهول مع تغيير الحركة، ولكن هذا لا يحدث إلا في صيغة المتكلم، وأحيانا يحاكى بالسباعي. وبينما نجد أن معظم اللهجات التي استقرت فعلا قد ابتدعت صيغة للمضارع الدال على الحاضر، فإن العربية الأندلسية قد أبدعت مضارعًا عارضا يقوم أيضًا بوظيفة صيغة شرط لم يتحقق (بعد جملة اعتراضية بلو) وصيغة تمن، ويتكون من الفعل الناقص مسبوقا بكلمة كن (وفي مفردات غرناطة: كِنْ) التي يسكن آخرها والتي فيها يدغم حرف النون الأخير عادة بفعل الحرفين المزيدين ت، ى. والتفعيلات الخاصة بالفعل الصحيح لصيغ الخماسي والسداسي هي أتفَعل وأتْفاعَل، وهي مشتقة على نحو فرعي من الفعلين المعتلين يتفَعَّل ويتفاعل. ولدينا على الأساس نفسه أتْفَعْلَل بالنسبة لصيغة المخاطب في الرباعي. ويلاحظ في هذه الصيغ أن حرف الزيادة ت لا يدغم في المخارج المطبقة من بين الثنايا فحسب، بل يدغم أيضًا في حروف الصغير: س، ز، ش. وفي الحرفين الاحتكاكيين: س، ج. وتستخدم في الجملة الاسمية حروف وصل مختلفة للنفي مشتقة من الحروف القديمة لَيس، لَسْ، لِسْ، بأس، وإس المستعملة في مفردات غرناطة. وأخير، يبدو أن استعمال الكاسعة "شي" لتأكيد الاستفهام أو النفي غير معروف. الأسماء: توجد في الواقع أداة للتنكير مثل "وحد الفرس" أي "فرس ما" وواضح أن المثنى مهجور، وهو لا يستعمل إلا في أجزاء الجسم التي توجد أزواجا وفي الكلمات التي تعبر عن القياس. وصيغ المجموع أفعل

وأفْعِلَة هي التي تستعمل عادة. أما صيغة مفاعيل فلا تستعمل إلا مع كل مفرد يكون الحرف المتحرك الثاني فيه ممدودًا. وتصغير الكلمات الثلاثية التي لا يكون فيها الحرف الأوسط أو الأخير ممدود، يكون على وزن فعَيل مثل "كلَيب" أي الكلب الصغير (مذكر) ولكن يقال "كليبة" للكلبة الصغيرة (مؤنث). وفي حالة التركيب تؤول نهاية الكلمة وهي الفتحة إلى أت. الأعداد: بالنسبة لرقم "2" نجد كلمة "زوج" يتبعها الجمع. وتحتفظ الأعداد من رقم 11 إلى 19 في حالتها المطلقة بالنهاية - أر. الصفات: يلاحظ في اللهجة الغرناطية أن تصغير اسم على وزن فُعَيْعَل يصاغ للنعوت التي على وزني كبير وأحمر. الضمائر: ضمير المخاطب المفرد يكون بصيغ: أنت، أتَّ، أتْ، وضمير الغائب له صيغ مختصرة هي: هو، هي، هم؛ وهي تؤدي في الغالب وظيفة حروف الوصل في الجملة الاسمية. ومن جهة أخرى توجد الصيغ الممدودة: هوَتْ، هِيَتْ، هُمَتْ (صيغ للتوكى). وبالنسبة لضمير المتكلمين هناك كثير من الصيغ المختلفة: نحَنْ، نِحِنْ، نِحِنْتْ في مفردات غرناطة. والضمائر المنعكسة على صيغة أنا أنسى "أنا نفسي" وربما تؤدي كلمة نفسي. ونجد آثار اللكاسعة- آه في ضمير الغائبة (بعد حرف ساكن). الأسماء الموصولة: أكثرها استعمالا هو "الذي" وهو مبنى. ونجده أحيانا يظهر في صورة "أدى" ابتداء من أزجال ابن قزمان، وهو يرد في مفردات غرناطة، وبصيغة غامضة هي أللى، ويحدث أن نجد بين اسم نكرة وبين صفة أو جملة (اسمية وفعلية) تصف هذا الاسم أداة وصل مبنية: "أن" وقد يكون لهذا ارتباط بالتنوين القديم في استعمال متطور جدًّا: "لحية- أن بيظه" أي لحية بيضاء؛ و"عينان- أن سود" أي: عينان سودوان؛ و"حواجب- أن رقاق" أي حواجب رقيقة؛ و"كلمت- أن

فيها قاف" أي كلمة فيها حرف قاف؛ "قط -أن مذا- ل) قطة ضاعت منى؛ و"وقت- أن تذكر" أي في اللحظة التي يذكر فيها اسمك. جـ - ف الجر: تستخدم كلمة متاع / متاع حرف جر يدخل، في الإعراب، على المفعول المعرف (اسما أو ضميرا) عندما تبدو الإضافة قبيحة. وتوجد الصيغة المختصرة. مَتَى / مِتِى) أي متى بين اسمين. ويستعمل حرف الجر "مع" للتعبير عن معنى يطابق معنى الفعل "يملك". ويصبح هذا الحرف قبل الكاسعات الشخصية التي تبدأ بحرف متحرك؛ ماع-: "ماع قطاع" أي عنده مال. أما حرف الجر "ذ" الذي يصادفه المرء غير قليل في النصوص الطليطلية فهو مجرد حرف منقول عن حرف الجر de في اللغة الرومانية. كلمات وصل نحوية: يجب ملاحظة ما يأتي: "أشحال؟ " أي كم؟ ؛ و "بحال" أي مثل، و"ذاب" أي الآن؛ و"حرمة ف أش" أي ما السبب؟ و"مكاى" أي على آية حال، أو على الأقل؛ و"يدا" بمعنى أيضًا أو كذلك؛ و"نعمه" و"سرف" و"أكداس"؛ أي جدًّا أو كثيرا؛ و"شوى" أي قليلا؛ و"فوات" أي متأخرًا؛ و"إكنان" أي إذا "للدلالة على إن كان" وياعلا .. أي إن شاء الله .. (أتنم). د. مفردات: نوجه النظر إلى ما يأتي فحسب: "دُقام" أي فم؛ و"أج" أي وجه؛ والجمع "قطاع" أي نقود فضية؛ و"ولد" أي والد؛ و"مقارب" أي فقير أو سيئ؛ و"أكحل" أي أسود. المصادر: (1) النصوص: (1) Le Divan d'Ibn Quz-: De Gunzburg man. كراسة رقم 1، (وهي الكراسة الوحيدة التي ظهرت): نسخة مصورة من الكراسة الوحيدة، برلين سنة 1896. (2) El Cancionero de aben Quz-: Nyki man ` مدريد سنة 1933 (والنص

السابق مكتوب بالحروف الرومانية مع ترجمة لمختارات من الأزجال). (3) انظر العرض الوارد في Hesp, سنة 1933, ص 165. (4) Yocabulista in Arabico: Schiaparelli فلورنسة سنة 1871. Arte para li-: Pedro de Alcala (5) - geramente saber la lengua arauigo - Vocxbulista araugio en Tetra cas tallana غرناطة سنة 1505 (نسخة مصورة أصدرتها - Hispan is Society of America، نيويورك سنة 1928). (6) طبعة ثانية نقح فيها جزء من الطبعة الأولى Pe-: Paul de Lagarde tri Hispani de lingua Arahica libn duo , كوتنكن سنة 1883. (7) Martin de Ayala: - Doctrina, en len gua araniga y castellan, بلنسية سنة 1556 (نسخة مصورة نشرها Roque Chabas, بلنسية سنة 1911). (8) المخطوط العربي رقم 3. سنة 1389) من Fagnan cataligue of the Bibliothegue - Musee d'Alger تبين أنه يتكون من ترجمة إلى العربية الأندلسية قام بها أحد رجال الدين ويدعى - Bartolme Dor ador, في وادي آش، مأخوذة عن النص القشتالي الذي كتبه في عام 1555 م. دى أيالا M.de Ayala, وكان آنئذ أسقف وادي آش. (9) يافل: مجموع الأغاني والألحان من كلام الأندلس، الجزائر، طبعة غير مؤرخة. (ب) دراسات خاصة: (10) Carta de Ahenaboo en: M.Alarcon arabe granadino , . في Miscelanea de estudios y textos arabe.s, مدريد سنة 1915. (11) Glosario de: M. Asin Palacios Vnces romances, مدريد- غرناطة سنة 1943. (12) Sur une charte hispano: G.S. Colin

1312 lslarabe de، سنة 1927 جـ 3. (13) الكاتب نفسه: Les voyaelles de dis unction dans l'arahe de Grenade ز au Xve siecle، في Memorial Basset PT . H- E M.، باريس سنة 1928, ص 211. (14) الكاتب نفسه: Notes sur l' arabe d'Aragon، في Islanica, مجلد 4، ص 159، سنة 1928. (15) الكاتب نفسه: Les trois inter- edentales de 1'arabe hispanique في. Hesp سنة 1930, ص 91. (16) الكاتب نفسه Un doument noveau sur l'arabe dialectal d'Occident au , Xlle siecle في Hesp سنة 1931، جـ 1. (17) Glosario: De Eguilaz, غرناطة سنة 1886 (يحتوي على الكلمات العربية التي انتقلت إلى الأسبانية الرومانية). (18) Los mozarabes: Gonzalez Palencia de Toledo en los siglos XII y Xll 4 مجلدات، مدريد سنة 1926 - 1930. (19) Glosario: Simonet, مدريد سنة 1888 (يحتوي على الكلمات الإيبيرية واللاتينية المستخدمة في العربية الأندلسية). (20) A.Steiger: - Contribucion a la fonet ... ica del hispano - arabe، مدريد سنة 1932 (انظر C. R. Colin في. Hesp سنة 1933, ص). (21) La negacion Katt en el: Neuvonen cancionero de Ibn Quzman, في Studia Orienta[in, جـ 17, 9, هلسنكى سنة 1952. (22) Un ncuevo texto: L.Seco de Lucena en arabe dialectal grenadine , في al، Anadus-, جـ 20، سنة 1955، ص 153. د. يونس [ج. س كولان Gs. Colin]

إندونيسيا

إندونيسيا (*) لا نعرف الكثير عن الحياة السياسية أو نوع الحكومة في مدن إندونيسيا ¬

_ (*) يبلغ عدد السكان: 200.410.000 نفس. الكثافة: 270 في الميل المربع، المناطق الحضرية: 31 %. الأعراق: جاويون 45 % ساندانيسيون 14 % مادوريس Madurese . 7.50 % مالاويون 7.5 %. اللغة: الأندونيسية (باهاسا أندونيسيا) وهي اللغة الرسمية بالإضافة للإنجليزية والهولندية والجاوية. الدين: الإِسلام (87 % مسلمون). العملة: الروبية (وفقا لتحويلات مارس 1994 (2.140 روبية أندونيسية = دولار أمريكي واحد). انتشر الإِسلام في أندونيسيا عن طريق التجارة البحرية وحقق انتشارا في القرن الخامس عشر للميلاد وأصبح دين غالبية السكان في القرن السادس عشر للميلاد. وحل الهولنديون محل البرتغاليين في التجارة في المنطقة في القرن السابع عشر وأحكموا السيطرة على جاوه سنة 1750 ولم يلحقوا بحكمهم بقية الجزر الأندونيسية تماما إلَّا في مطلع القرن العشرين وبذلك توحدت تحت حكمهم المنطقة المعروفة اليوم باسم أندونيسيا للمرة الأولى. وبعد الاحتلال الياباني لأندونيسيا 1942 - 1945 قام الوطنيون بزعامة سوكارنو وهتا Hatta بإعلان استقلال أندونيسيا وبعد أربع سنوات من الكفاح المسلح تخلت هولندا عن حكم البلاد في 27 ديسمبر 1949، وتم إعلان الجمهورية في 17 أغسطس سنة 1950 وأصبح سوكارنو رئيسا للبلاد. وظلت جزيرة إيريان الغربية West Irian في غينيا الجديدة في قبضة الهولنديين. وبعد أن رفضت هولندا سنة 1957 مبدأ التفاوض حول هذه الجزيرة (إيريان الغربية) صادرت أندونيسيا الممتلكات الهولندية. وتبنت الأمم المتحدة خطة اعتمدت سنة 1962 لحل الأزمة، وفي سنة 1963 أعادت الأمم المتحدة هذه الجزيرة المتنازع عليها إلى أندونيسيا. وفي 1969 أقر زعماء القبائل في ايريان الغربية برغبتهم في البقاء ضمن أندونيسيا رغم وجود بعض المعارضة. وكان سوكارنو قد قام بحل البرلمان سنة 1960 وفي سنة نصب رئيسا مدى الحياة، وعقد تحالفات مع الكتلة الشيوعية. وقامت القوات المسلحة الأندونيسية المسلحة بأسلحة روسية بشن غارات على ماليزيا عامي 1964 , 1965 التي كان سوكارنو يعارض في قيامها. وفي 1965 تم إفشال محاولة انقلاب عسكرية. وقد نسب نظام الحكم حركة الانقلاب إلى الحزب الشيوعي. وتم إعدام أكثر من 300.000 شيوعي. وفي سنة 1968 أصبح سوهارثو قائد القوات المسلحة هو رئيس البلاد فربط بلاده بالغرب. وفي ديسمبر 1975 غزت القوات الإندونيسية تيمور الشرقية Fast Timor وخلصتها من الحكم البرتغالي وضمتها إلى أندونيسيا سنة 1976. وقد أصبح اقتصاد أندونيسيا متينا بفضل صادرات النفط والاستقرار السياسي. [د. عبد الرحمن الشيخ]

وبلدانها في العهود القديمة قبل الإِسلام سواء في القصبات الملكية مثل عواصم ما ترام القديمة أو مجوباهيت من بعد، أو في المراكز المدنية التجارية مثل توبان وجرسيك أو بالمبانغ. وليس ثمة دليل حتى الآن على وجود أي صورة من صور الحكم المحل الحقيقي أو استقلال ذاتي خول للأنظمة العامة ذات الأصول المحلية. ولما توغل الإِسلام بالتدريج منذ القرن السابع الهجري (الثالث عشر الميلادي) في سومطرة بأسرها وجاوة وفي كثير من المناطق الأخرى من جزر الأرخبيل، استمر ذلك الافتقار إلى الأنظمة العامة المحلية في البلدان والمدن ولم تكن هذه كبيرة ولا متعددة، وتذكر المصادر الأروبية وغير الأوروبية على السواء في القرنين السادس عشر والسابع عشر أن سكان المدن، أو المدن التجارية في الحضر، كان يحكمها موالي السلاطين أو الأمراء، وأن مدنهم لم تكن لها أبدًا شخصية اعتبارية من الناحية القانونية. ولم يكن للمدن الوطنية في الماضي البعيد أو في الأزمنة الحديثة أي تأثير خلاق في تطور القانون كما كان للبلدان والمدن في أوروبا الغربية عن طريق سلطاتها التشريعية أو محاكمها الخاصة. وأنشئت بعض المؤسسات المدنية على النمط الغربيّ في القرن السابع عشر في المدن التي حكمتها شركة الهند الشرقية الهولندية أو أسسها هذه الهيئة صاحبة السلطة قانونا (مثل باتافيا)، ومنها الويسكامر Weeskamer (مجلس لرعاية شئون الأيتام)، الذي ربما يتردد ذكره لأنه بقى بعد الشركة نفسها: وعادت هذه المؤسسات إلى الظهور من جديد في التشريع العام للقرنين التاسع

عشر والعشرين في القانون المدني الذي يطبق على الأوربيين وغير الإندونيسيين من سكان الأرخبيل. وعندما أصبحت هذه الجزر من مملكة الأراضي الواطئة الجديدة (1816) بعد سقوط الشركة وبعد انتهاء فترة الفراغ التي أعقبت الحكم البريطاني، أدخل نظام حكم يتسم بالمركزية الشديدة ويتفرد بالرسمية. وظل هذا النظام قائمًا لم يتغير حتى نهاية القرن التاسع عشر، وهنالك بدأت بعض الأفكار عن "اللامركزية"، تحمل طابع العصر، بتأثير إخصائيين مشهورين في الاستعمار. وعلى الرغم من تقديم عدة مشروعات بقوانين عام 1894 الأعوام التالية -وهي مشروعات لم تعرض على المجلس النيابي- فإن ما يسمى بقانون اللامركزية Indische decentralis itiewet لم يصدر قبل عام 1903. وكان هذا القانون يرمي إلى هدف مزدوج: أولًا تمهيد الطريق لإنشاء مجالس محلية وإقليمية عامة، وثانيًا الحصول على الإيرادات المالية التي تستخدمها هذه المجالس (لن نتناول هنا المجالس الإقليمية). ومن ثم فإن هذا القانون لم يستهدف القيام بإصلاحات الضروب الكثيرة من الأنظمة الريفية الإندونيسية والوطنية حقًّا: وفي هذا المجال استمر كل شيء يقوم على العرف (عادات) وصيغت له لوائح خاصة. وقد نص هذا الباب من القانون (بين أشياء أخرى) على كيفية إنشاء بلديات في الحضر. واصطبغت بالصبغة الغربية من كثير من الوجوه مدن كبيرة مثل باتافيا (جاكارتا الآن) وسورابايا وسمارانغ وباندونغ وأماكن أخرى لها طابع مدني، وكانت الغالبية العظمى ومن

الأوربيين والصينيين وعدة جماعات أخرى من غير الإندونيسيين تعيش هناك، بل إن السكان الإندونيسيين كثيرًا ما كانوا يختلفون في الأصل والعادات واللغة. وكان للعمل والنشاط الصناعي للغربيين مراكز هناك. وفي هذه التجمعات الكبيرة نصف الغربية ونصف الشرقية ووجهت المشكلات المألوفة التي توجد في المدن الكبيرة، وقد أمكن تدبير أمرها وحلها على يد السلطات البلدية والخدمات البلدية بطريقة أفضل مما لو تعرض لها موظفو المرافق المدنية العامة للحكومة المركزية، وأصدر الحاكم العام قرارات باتخاذ إجراءات قانونية أخرى في سنة 1905، حققت ما كان يرمي إليه القانون الأساسي، وأصبحت باتافيا بلدية. وكان أعضاء مجلسها البلدي في مرحلتها الأولى يعينون من قبل الحاكم العام ولا ينتخبون. وكان الحاكم المقيم في باتافيا هو رئيس المجلس رسميا: حصلت ميستر- كورنيليس وبويتنزورغ (جاتنغارا وبوغور الآن) أيضًا على مجالس بلدية عام 1905. وتطور هذا النظام الجديد بالتدريج بحيث أصبحت كل المدن والبلدان في جاوة وكذلك في كثير من المدن في أماكن أخرى (مدان وباماتنغسيانتار وبادانغ ومكاسر ومينادو إلخ). بلديات، بينما أصبح من الممكن منذ عام 1918 أن يقوم السكان ذوو الأهلية بانتخاب أعضاء هذه المجالس. ومنذ عام 1925 أعطى التصويت لكل مواطن من المذكور في بلدية بإحدى المدن في جاوة، بلغ سن الرشد وله دخل سنوي قدره 300 جلدر، على الأقل، ويستطيع القراءة والكتابة باللغة الهولندية أو الملايوية أو آية لغة وطنية أخرى. أما في المقاطعات الخارجية

فكانت هناك قواعد أخرى سارية المفعول. وحولت هذه البلديات بالمدن إلى هيئات لها شخصية اعتبارية. واشتملت وجوه نشاط البلديات في المدن المحدودة نوعا ما على أمور مثل الطرق والشوارع والمنتزهات والبالوعات ومرفق إطفاء الحريق وأعمال المنفعة العامة ومرفق الصحة العامة. وهكذا. أصبح في الإمكان إصدار لوائح بلدية. وفي عام 1916 صدر قانون جديد أتاح للحكومة تعيين شيوخ المدينة (burgemeesters) في تلك المدن أو البلدان التي تعتبر في حاجة إلى مثل هذا الموظف (كما في هولندة إذ كان شيخ المدينة يعين من قبل الحكومة المركزية). وكانت الحكومة المركزية تدفع لهم رواتبهم. وكانت خزانة البلدية تسترد نسبة منها, ولما كانت هذه البلديات في المدن تعد مناطق قائمة بذاتها على النمط الغربيّ في نطاق العادات التي لها قوة القانون فقد بدا من المناسب، في العقدين الأولين من وجودها على الأقل، ألا يعين فيها إلا شيوخ المدينة الأوربيون. وكان معاونو البلدية Wethonders يختارهم المجلس من بين أعضائه. ويؤلفون برئاسة شيخ المدينة اللجنة التنفيذية للمجلس، ولم تبدأ الحكومة في تعيين الإندونيسيين شيوخًا للمدينة إلا في العقد الأخير قبل الحرب العالمية الثانية. وتتمسك جمهورية إندونيسيا الحالية بمبدأ اللامركزية وكذلك بمبدأ الاستقلال الذاتي والحكم المحلي في المادة 131 من دستورها المؤقت. ومهما يكن من أمر فلم تتخذ بعد إجراءات قانونية تجعل لهذا المبدأ نتيجة عملية. أما بالنسبة لجاوة على الأقل فقد أصدرت جمهورية إندونيسيا السابقة (بالعامية: جمهورية جوكجه) قانونا عام 1984 (المادة 22)، ترتب الأجزاء

المستقلة ذاتيًا من البلاد ثلاث مراتب، (1) مقاطعات (3) كابوباتن أو ولايات ومدن كبيرة (3) بلديات صغيرة بالمدن ووحدات ريفية، وترتب على المادة 142 من الدستور المؤقت السابق ذكره (- nn dang-undang dasar Repubilk Indonesia الصادر في 17 أغسطس سنة 1950) إن كل اللوائح السابقة التي لم تلغ صراحة أو تغير تعد بمثابة مراسيم أو لوائح أصدرتها الجمهورية. ولهذا إن القواعد الجوهرية في تشريع ما قبل الحرب بشأن البلديات بالمدن لا تزال سارية المفعول على الرغم من أن شيوخ المدينة يطلق عليهم الآن رسميا اسم واليكوتا Walikota وأصبح للمجلس البلدي نفوذ في تعيين هؤلاء الحكام، بينما يتحتم أن ينتخب كل السكان من الجنسين، الذين بلغوا سن الثامنة عشرة أو تزوجوا في تاريخ قبل هذه السنن, أعضاء المجالس البلدية: (ولا حاجة هنا إلى الحديث عن الحالة الخاصة والمؤقتة في جاكارتا حيث تعين الحكومة 24 عضوًا من أعضاء المجلس). المصادر: (1) - Staatsinstellingen van: Ph. Klei nijes Nederlands-Indie, الطبعة الخامسة (1929)، مجلد 2، فصل (19. (2) - De Nederlandsch: H. Westa In dische Staatsregeling, الطبعة الثانية (سنة 1934)، ص 278 وما بعدها. (3) Logemann Het Saatsrecht .J. H: van Indonesia، سنة 1954، ص 158 - 192. (4) The formaton: A. A. Schiller of federal Indonesia , سنة 1955، ص 138 - 147. د. يونس [ج. برنس J. Prins]

أنس

أنس " أنس بن مالك، أبو حمزة: أحد كبار المحدثين، قدمته أمه لخدمة النبي [- صلى الله عليه وسلم -] بعد الهجرة، ويذكر عن نفسه أنه كان في العاشرة من عمره وقتذاك. وقد حضر غزوة بدر ولكنه لم يشترك فيها، ولذلك فهو يعد من المجاهدين، وظل يخدم النبي [- صلى الله عليه وسلم -] إلى أن قبض، واشترك بعد ذلك في الفتوح، في عام 65 هـ (684 م) أمَّ الناس بالصلاة في البصرة من قبل الخليفة الثائر عبد الله بن الزبير. ولامه الحجاج على انضمامه إلى الثائر عبد الرحمن بن الأشعث، كما سبق أن انضم إلى خصمي الأمويين: على والزبير. ومع أنه كان مبجلا لصحبته للنبي [- صلى الله عليه وسلم -] إلا أن الحجاج لم يتورع عن أن يضع الحبل المبصوم بخاتمه حول رقبته عام 72 هـ (691 م). ويقال مع ذلك إن الخليفة عبد الملك اعتذر له عما بدر من الحجاج من فعل مشين. وتوفي أنس بالبصرة بعد أن عمَّر طويلا. واختلفت الرواية في تقدير عمره بين 97 و 107 سنين. أما تاريخ وفاته فالمشهور أنه كان بين عامي 91 و 93 هـ (709 - 711 م). وهو يعد أعظم المحدثين، ويقال إن أبا حنيفة رفض اتخاذه حجة في الحديث والأحاديث وتوجد مجموعة كبيرة من أحاديثه في مسند أحمد بن حنبل. المصادر: (1) ابن حنبل: المسند، جـ 1، ص 92 وما بعدها. (2) البلادزى طبعة له غويه، ص 381. (3) الطبري: طبعة له غويه جـ 1 ص 2409 - 2559 جـ 2, ص 465, 588. (4) ابن قتيبة: المعارف، طبعة فستنفلد ص 175.

تعليق على مادة "أنس"

(5) النووي: طبعة فستنفلد ص 166. (6) ابن الأثير: أسد الغابة طبعة القاهرة سنة هـ، جـ 1 ص 127 وما بعدها. (7) ابن حجر: الإصابة، جـ 1، ص 138. (8) ابن خلكان، ترجمة ده سلان، جـ 2، ص 588. (9) الدميرى: حياة الحيوان، ص 350. [فنسنك A.J Wensinck] تعليق على مادة "أنس" لم أجد ما يؤيد النقل الذي نقله المستشرق "فنسنك" عن أبي حنيفة، والمعروف عند علماء المصطلح، بل عند عامة العلماء، من أتباع أبي حنيفة وغيره من الأئمة -أن الصحابة كلهم عدول، وقد خالف بعض العلماء في الأخذ برواية بعض الصحابة خلافًا لا يقام له وزن، ولكن أنس بن مالك ليس ممن اختُلف في الأخذ بروايته. وأما زعم الكاتب أن روايته لحديث المعراج فيها قصص خيالي: فإنه زعم باطل لا دليل عليه؛ لأن رواية أنس أيدت برواية كثير من الصحابة غيره، بل إن الحديث في مجموعه ورد متواتر، لا شك في صحته، وقد جمع الحافظ ابن كثير في تفسيره أكثر الروايات الواردة فيه بأسانيدها (جـ 5 , ص 107 - 143). غاية الأمر أن الحديث دل على معجزات للنبي [- صلى الله عليه وسلم -] لا يريد الكاتب أن يصدق بصحتها، فهذا شيء مرجعه لعقيدته، لا نتحكم فيها, ولكن لا علاقة له بالقواعد الصحيحة الدقيقة التي يرجع إليها في صحة الأحاديث وضعفها كما بيّنا ذلك في شأن اسم "الله" جل وعلا، وفي مقدمة شرحنا على كتاب "اختصار علوم الحديث" للحافظ ابن كثير. أحمد محمَّد شاكر

الأنصار

الأنصار (*) لقب الذين آمنوا بالنبي [- صلى الله عليه وسلم -] من أهل المدينة وآووه وأيدوه بعد هجرته من مكة، ويقال لهم أحيانا "أنصار النبي". وقد يكون هذا اللفظ جمعا لكلمة نصير التي لم ترد قط في هذا المعنى الشرعي. وينسب إلى الأنصار فيقال للمفرد أنصاري، وهو مشتق من الجمع. والأنصاري يطلق على الرجل من سلالة الأنصار, ويستعمل صفة، وجمعه "أنصاريون" (1). ويبدو التشابه الموجود بين لفظ أنصار ونصارى، فمن قبل أطلق عيسى على الحواريين "أنصار الله" (2) (سورة آل عمران آية 52؛ سورة الصف، آية 14)، وكثيرا ما ردد النبي (صلى الله عليه وسلم) أن المؤمنين يجب أن يكونوا أنصار الله, وهو يخص الأنصار والمهاجرين بأنهم السابقون إلى الإِسلام وقد تبعهم باقي المؤمنين (سورة التوبة، آية 100). وإذا استثنينا الآية 117 من سورة التوبة فإن الآية 100 منها هي الآية الوحيدة التي أطلق فيها لفظ الأنصار بصفة مباشرة على المؤمنين من أهل المدينة. ونجح محمَّد [- صلى الله عليه وسلم -] في تحبيب الإِسلام إلى فريق من رجال المدينة الذين كانوا يتوجهون إلى مكة حاجين، وذلك في وقت تحرج مركزه فيه من جراء الدعوة التي كان يبشر بها, وما إن اطمأن لتأييدهم حتى هاجر إلى المدينة عام 622 م ولقى هو وجماعته ما كانوا ينتظرون من عون. وكان عدد من هؤلاء يعيشون على الكفاف، فاضطروا إلى الاستعانة في الرزق بإخوانهم من أهل المدينة, وآزر الأنصار النبي [- صلى الله عليه وسلم -] أيضًا في نشر دعوته، وكان غالب أتباعه في أول الأمر من قبيلة الخزرج بالمدينة، وعلى ذلك فإذا قيل الأنصار كانت هذه القبيلة هي المقصودة. أما قبيلة الأوس فقد وقفت من النبي [- صلى الله عليه وسلم -] موقفا محايدا (3). كانت جماعة المؤمنين تنقسم إذن إلى مهاجرين وأنصار، ولكن محمدا [- صلى الله عليه وسلم -] قد جاهد من أول الأمر في أن ¬

_ (*) الهوامش تلي المقال في التعليقات.

يصل ما بينهما وذلك بمؤاخاته بين أفرادهما. وكان أخص صحابة النبي [- صلى الله عليه وسلم -] من المهاجرين وبقيت بين الأنصار بعض المنازعات القبلية وإن لم تبلغ قط ما كانت عليه من حدة (4). وسيطرت روح التضحية على الأنصار فكانوا يغيثون الفقير بالرغم مما في ذلك من إثقال لكاهلهم. وفيما عدا ذلك نجد الأنصار قد قصروا مساعدتهم أول الأمر على الذود عن الدين، ولم يساهموا في الحروب الأولى التي وجهت إلى مكة. وكانت قلة حماسهم في المبادرة إلى الجهاد كثيرا ما تقلق بال النبي [- صلى الله عليه وسلم -] حتى آثر الاعتماد على عون الله (5). وأخذ الأنصار يناصرون النبي [- صلى الله عليه وسلم -] شيئًا فشيئا: كان عليهم تأييده في دعوته وعدم مساعدة خصومه، مثال ذلك أنهم أمروا بأن يكونوا عيونا للنبي [- صلى الله عليه وسلم -] على الكفار، على أنهم في الوقت نفسه احتفظوا -إلى حد ما- بحقهم في إبداء الرأي، طالبوا بتوقير أشخاصهم، وهو أمر أقرهم عليه النبي [- صلى الله عليه وسلم -]، وقد تحقق لهم ما ورد في القرآن الكريم من أن الله ينصر من ينصره. فما أن خلص الأنصار من المحن حتى تحسنت حالهم بتدفق الغنائم على المدينة ورواج تجارتها. ولما استولى المسلمون على مكة خشى الكثيرون من الأنصار أن ينقل النبي [- صلى الله عليه وسلم -] عاصمته إليها ولكنه بدد مخاوفهم بقوله إنه يريد أن يعيش حيث يعيشون ويموت حيث يموتون (6)، ومن الواضح أنه لم يكن ليجد مؤيدين يطمئن إليهم في آية بلدة كما وجد الأنصار في المدينة. ومع هذا فقد قدر لهم أن يروا أشراف مكة الذين ذهبوا في مناوأة النبي [- صلى الله عليه وسلم -] ينعمون برضاه (7). وبعد أن قبض النبي [- صلى الله عليه وسلم -] كان جمهور المسلمين ينتخبون الخليفة في أول الأمر، ولكن لم ينل أحد من الأنصار شرف الخلافة. وأصبحوا مضرب المثل في التقوى وظلوا مخلصين لذكرى النبي [- صلى الله عليه وسلم -] مبرَزين في علم الحديث. وكانت هذه الفضائل هي التي رد بها الأنصار على تفاخر أهل مكة بجاههم، وكانوا يشيدون كذلك

تعليقات على مادة "الأنصار"

بأنهم وحدهم الذين آووا المؤمنين في محنهم وبأن النبي [- صلى الله عليه وسلم -] اعترف لهم بهذا الفضل. وكان الأنصار، كما كان أهل قريش، يرجعون كرم محتدهم إلى ما كان عليه أجدادهم الأشراف، وردوا على اعتزاز القرشيين بنسبهم بقصة ممتعة يحتمل أن تكون وضعت لهذا الغرض في ذلك العهد، تتحدث عن تاريخهم القديم ومجدهم الغابر في موطنهم الأصلي من جنوبي جزيرة العرب. ويحتمل أن تكون التفرقة بين عرب الشمال وعرب الجنوب التي وضعها النسابون ترجع في أغلبها إلى خيال الأنصار التي دفعتهم إليه المغيرة. (Muhammedanische Sudien: Goldziher , جـ 1، ص 93 وما بعدها). ومع هذا كله كان لقب الأنصار هو أهم ما فاخروا به حتى إنهم آثروه على أسماء قبائلهم المدنية المشهورة. المصادر: (1) Das Leben and die: A. Sprenger Der: Muller (2) Lehre des Mohammad Islam im Morgen and Abendland Anna-: Caetani (4) Muhammed: Grimme Mu-: D.S.Margoliouth (5) li dell'Islam hammed and the rise of Islam (6). H Mohammed and die Seinen: Reckendorf . [ركندورف Reckendorf] تعليقات على مادة "الأنصار": (1) ليس في الكلمة معنى شرعي ومعنى غير شرعي، بل هي كلمة استعملت في معناها اللغوي على الحقيقة، كسائر أنواع الاستعمال اللغوي، فكل أناس نصروا شخصا معينا أو عقيدة خاصة -كانوا أنصارا لمن قاموا بنصره. فالكلمة استعملت هنا في معناها اللغوي الحقيقي، وأطلقت على بعض أفراد مدلولها, ولذلك قال في لسان العرب: "النصير الناصر، قال الله تعالى: نعم المولى ونعم النصير. والجمع أنصار، مثل: شريف وأشراف. والأنصار أنصار النبي صلى الله عليه وسلم، غلبت عليهم الصفة، فجرى مجرى الأسماء، وصار كأنه اسم الحي، ولذلك أضيف إليه بلفظ الجمع، فقيل أنصاري". (2) هذه دعوى غريبة لا توافق أي دليل، ولا نجد لكاتبها وجهًا يستند إليه

ولا على سبيل الشبهة، فإنه يرمى بذلك الأمة العربية، في أوج فصاحتها وبلاغتها، بأنها لا تفرق بين كلمتين تشابهتا في بعض الحروف وهما كلمتان مختلفتا المعنى: إحداهما عربية خالصة، مرجعها إلى مادة "نصر" التي اشتقت منها مشتقاتها، والأخرى نسبة شاذة على غير قياس إلى كلمة) عجمية الأصل، هي علم جامد لا يشتق منه شيء، وهي كلمة "ناصرة" اسم قرية قيل إن المسيح عيسى - عليه السلام - ولد فيها أو نشأ بها, ولن يشتبه الأمر بين الكلمتين على أجهل عربي بلغة قومه، فضلا عن القرآن الكريم، وهو معجزة العرب، وقد جاء به سيدهم وأفصحهم وأعلمهم بالعربية، وصدع به قوما كان جل فخرهم بالفصاحة والبلاغة. ثم ماذا يرى الكاتب من البأس في وصف الحواريين رضي الله عنهم بأنهم "أنصار الله"؟ ! هل يرى في هذا الوصف مذمة تعيبهم أو منقصة تلحقهم أراد أن يبرئهم منها؟ ! أما نحن فنصدق ما حكاه الله عن نبيه عيسى - عليه السلام - وعن الحواريين من أنهم كانوا أنصار الله، نصروا نبيهم عيسى في مواقف الشدة ضد أعدائه وأعداء دينه، وآمنوا به وصدقوه، ونصروا ما جاء به من توحيد الله وتنزيهه، ومن الدعوة إلى الحق، فكانوا بذلك أنصار الله. (3) ادعى الكاتب في هذا الموضع دعاوى لا توافق شيئًا من الحقائق التاريخية الثابتة، فإنه لم يزعم أحد قط إن لقب "الأنصار" إذا أطلق كان المقصود به الخزرج فقط، بل الأوس والخزرج كلاهما أطلق عليهما اسم الأنصار، وإنما رأى الكاتب كلمة فنقلها على غير وجهها, ولعله لم يصل إلى حقيقة معناها في اللغة العربية، ونصها في مسند الإِمام أحمد بن حنبل (جـ 3، ص 460 - 462) في قصة بيعة العقبة الثانية من رواية ابن إسحاق عن معبد بن كعب بن مالك عن أخيه عبيد الله عن أبيهما كعب بن مالك وكان ممن شهد العقبة: إن العباس بن عبد المطلب حضر مع النبي صلى الله عليه وسلم لقاءه الخزرج والأوس في موعدهم بالشعب. قال كعب: "فلما جلسنا كان العباس بن

عبد المطلب أول متكلم، فقال: يا معشر الخزرج، قال: وكانت العرب مما يسمون هذا الحي من الأنصار الخزرج: اوسها وخزرجها". وهذا حديث إسناده صحيح، رواه ابن هشام في السيرة من رواية ابن إسحاق أيضا (ص 294 - 297 طبعة أوروبا) ونقله الحافظ بن كثير في تاريخه عن ابن إسحاق (جـ 3، ص 160) ونقله الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد عن مسند الإِمام أحمد وعن الطبراني (جـ 6، ص 42 - 45)، فلم يفهم كاتب المادة وجه الكلام، وظن أن إطلاق اسم "الخزرج" على الأوس والخزرج معناه أن "الأنصار" لقب الخزرج وحدهم، وفاته أن الخزرج كانوا في ذاتهم أكثرية في المدينة، وأن الأوس كانوا أقل منهم عددا, ولذلك كان العرب يسمون الفريقين "الخزرج" كعادتهم في التغليب بالكثرة أو بالشهرة أو ما إلى ذلك، كقولهم "العمران" و"القمران" ونحوهما. وكذلك نقل الكاتب "أن الأوس وقفت من النبي [- صلى الله عليه وسلم -] موقفا محايدا إلى آخر ما ألقاه هنا كأنه حقيقة تاريخية مقررة: فإنه شيء لم نجد له مثيلا ولا شبيها مما في أيدينا من كتب التاريخ والسير والأحاديث، ولا نرى شبهة له في نقله هذا، وإن الأوس كانوا والخزرج سواء في نصرة النبي صلى الله عليه وسلم ودعوته إلى الإقامة بين أظهرهم، وكان الحاضرون من الأنصار في بيعة العقبة الأولى 12 رجلًا منهم رجلان من الأوس، ثم شهد بيعة العقبة الثانية 73 رجلًا وامرأتان، منهم 11 رجلًا من الأوس انظر المصادر المتقدمة وغيرها من كتب السيرة) وشهد غزوة بدر 314, رجلًا، منهم 83 من المهاجرين و 61 من الأوس 170 من الخزرج انظر سيرة ابن هشام، ص 485 - 506، وتاريخ ابن كثير، جـ 3، ص 314). (4) قال الله تعالى في الآية 103 سورة آل عمران في شأن الأنصار: {وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}. وقال في الآيتين 62، 63 سورة الأنفال: {وَإِنْ

يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} وخطب رسول الله صلى الله عليه وسلم الأنصار فكان مما قال: "يا معشر الأنصار، ألم أجدكم ضلالا فهداكم الله بي؟ وكنتم متفرقين فألفكم الله بي؟ وعالة فأغناكم الله بي؟ " فكلما قال شيئًا قالوا: الله ورسوله أمّن. ونقل ابن إسحاق وغيره: أن آية آل عمران نزلت في شأن الأوس والخزرج، وأنهم كاد يثور بينهم القتال بدسيسة من بعض اليهود، فأتاهم النبي صلى الله عليه وسلم فجعل يسكنهم ويقول: "أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم؟ "، وتلا عليهم هذه الآية، فندموا على ما كان منهم واصطلحوا وتعانقوا وألقوا السلاح رضي الله عنهم، انظر تفسير ابن كثير (جـ 2، ص 200 - 208) فهذا الذي يشير إليه كاتب المادة، وهو حادث بسيط لا أثر له في إثارة الإحن السابقة، والأحقاد الماضية، بعد الإخاء والصفاء، ولكنه ابتلاء واختبار، ثبت الله فيه قلوبهم على الإيمان والألفة والمحبة، وكان سببا في نزع ما لعله بقى في نفوس بعض الأفراد من الشحناء والبغضاء، رضي الله عنهم. (5) هذا كلام ليس فيه شيء من التحقيق العلمي، ولا هو مما يوافق أدب التحدث عن الأنبياء. فإن النبي صلى الله عليه وسلم أعلم الناس بالله، وأرجاهم له، وأشدهم خشية لله، واعتمادا عليه، ولا يعتمد إلا على الله، ولا يرجو النصر إلا من عنده سبحانه وتعالى، وليس في شيء من الصدق أن الأنصار لم يجاهدوا، فإن كل الروايات متضافرة على خلاف هذه الدعوى الباطلة: فروى ابن إسحاق في شأن غزوة بدر: أن النبي صلى الله عليه وسلم استشار الناس فأشار عليه كثير من المهاجرين بلقاء قريش وقتالهم، وقال ابن إسحاق: "ثم قال رسول الله [- صلى الله عليه وسلم -]: اشيروا علي أيها الناس، وإنما يريد الأنصار، وذلك أنهم عدد الناس، وأنهم حين بايعوه بالعقبة قالوا: يا رسول الله إنا بُرءَاءُ من ذمامك حتى تصل إلى

ديارنا، فإذا وصلت إلينا فإنك في ذمتنا نمنعك ما نمنع منه أبناءنا ونساءنا فكان رسول الله [- صلى الله عليه وسلم -] يتخوف أن لا تكون الأنصار ترى عليها نصره إلا ممن دهمه بالمدينة من عدوه، وأن ليس عليهم أن يسير بهم إلى عدو من بلادهم. فلما قال ذلك رسول الله [- صلى الله عليه وسلم -] قال سعد بن معاذ: والله لكأنك تريدنا يا رسول الله؟ قال: أجل، قال: فقد آمنا بك وصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق. وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة، فامض يا رسول الله لما أردت، فنحن معك، فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك، وما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن نلقى عدونا غدا، إنا لصبر في الحرب، صدق عند اللقاء، لعل الله يريك منا ما تقر به عينك، فسر بنا على بركة الله" انظر سيرة ابن هشام (ص 434 (435 وتاريخ ابن كثير (ص 362) وطبقات ابن سعد (ج 2، ق 1، ص 8) ومغازى الواقدي (ص 44). وروى الإِمام أحمد في المسند بإسناد صحيح عن حميد عن أنس بن مالك قال: (لما سار رسول الله [- صلى الله عليه وسلم -] إلى بدر خرج فاستشار الناس فأشار عليه أبو بكر رضي الله عنه، ثم استشارهم فأشار عليه عمر رضي الله عنه فسكت، فقال رجل من الأنصار: إنما يريدكم، فقالوا: يا رسول الله، والله لا نكون كما قالت بنو إسرائيل لموسى - عليه السلام -: "اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون" ولكن والله لو ضربت أكباد الإبل حتى تبلغ برك الغماد لكنا معك) (المسند، رقم 12047, ج 3 ص 105) ورواه أيضًا بإسناد آخر صحيح عن حميد عن أنس (رقم 12986, ج 3، ص 188) ورواه أيضًا بإسناد صحيح عن ثابت عن أنس (رقم 13330 و 13729، ج 3، ص 220، 257 - 258). وكان أنس بن النضر بن ضمضم، عم أنس بن مالك، لم يشهد مع النبي [- صلى الله عليه وسلم -] يوم بدر، قال أنس بن مالك: "فشق عليه وقال: في أول مشهد شهده رسول الله [- صلى الله عليه وسلم -] غبتُ عنه؟ ! لئن أراني الله مشهدا فيما بعد مع رسول الله [- صلى الله عليه وسلم -] ليرين الله ما أصنع، قال: فهاب

أن يقول غيرها، قال: فشهد مع رسول الله [- صلى الله عليه وسلم -] يوم أحُد، فاستقبل سعد بن معاذ، فقال له أنس: يا أبا عمرو، أين؟ واهًا لريح الجنة، أجده دون أحُد. قال: فقاتلهم حتى قتل، فوجد في جسده بضع وثمانون من ضربة وطعنة ورمية، فقالت أخته عمتي الرُّبَيِّعُ بنت النضر: فما عرفت أخي إلا ببنانه، ونزلت هذه الآية 23 سورة الأحزاب {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} قال: فكانوا يرون أنها نزلت فيه وفي أصحابه" رواه الإِمام أحمد (في المسند رقم 13047 و 13117 و 13693 ج 3 ص 194 و 201 و 253) ورواه (ج 6، ص 16 - 17, فتح الباري). فهذه الأحاديث الصحيحة -وهي من رواية أنس بن مالك، وهو أنصاري- صريحة في أن قومه لم ينكصوا عن الجهاد، ولم يترددوا في بذل أنفسهم وأموالهم في سبيل الدعوة إلى الله، وإلى الدين الحق الذي آمنوا به، وعاهدوا نبيهم على السمع والطاعة والنصر والتأييد، وحسبنا هذا لندل على بطلان ما ادعاه كاتب هذه المادة. (6) روى مسلم في صحيحه (جـ 2، ص 63) عن أبي هريرة في شأن غزوة الفتح قال في حديث: "فقالت الأنصار بعضهم لبعض: أما الرجل فأدركته رغبة في قريته ورأفة بعشيرته. قال أبو هريرة: وجاء الوحي، وكان إذا جاء لا يخفى علينا فإذا جاء فليس أحد يرفع طرفه إلى رسول الله [- صلى الله عليه وسلم -] حتى ينقضي الوحي. فلما انقضى الوحي قال رسول الله [- صلى الله عليه وسلم -]: يا معشر الأنصار، قالوا: لبيك يا رسول الله، قال: قلتم أما الرجل فأدركته رغبة في قريته؟ قالوا: قد كان ذلك. قال: كلا، إني عبد الله ورسوله، هاجرت إلى الله وإليكم، والمحيا محياكم والممات مماتكم، فأقبلوا إليه يبكون ويقولون: والله ما قلنا الذي قلنا إلا الضَّنَّ بالله وبرسوله، فقال الله [- صلى الله عليه وسلم -]: إن الله ورسوله يصدقانكم ويعذرانكم". وانظر سيرة ابن هشام (ص 824) والسيرة الحلبية (ج 3، ص 128 طبعة بولاق)، والمواهب اللدنية جـ 1، ص 157، طبعة الشرفية)، وشرح المواهب للزرقاني (ج 2، ص 397, طبعة بولاق). (7) هذا غير صحيح، فإن النبي [- صلى الله عليه وسلم -] عفا عن مناوئيه من قريش كرما منه وفضلًا، وقال لهم: "اذهبوا

فأنتم الطلقاء" وهم قومه وعشيرته، ومع ذلك فإنه عاد إلى دار هجرته مع أنصاره وفاء بوعده لهم، واتباعا لأمر ربه في إمضاء هجرته، ولعل الكاتب يشير إلى قسمة غنائم حنين، إذ أعطى رسول الله [- صلى الله عليه وسلم -] من الغنائم لقريش ولم يعط الأنصار شيئًا، فقال ناس من الأنصار: "يغفر الله لرسول الله، يعطى قريشا ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم؟ " فبلغ ذلك رسول الله فأرسل إلى الأنصار ولم يدع معهم غيرهم، وسألهم فقال: "ما حديث بلغني عنكم؟ " فقال فقهاء الأنصار: "أما رؤساؤنا فلم يقولوا شيئًا، وأما ناس منا حديثة أسنانهم فقالوا: يغفر الله لرسول الله، يعطى قريشا ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم؟ " فقال رسول الله [- صلى الله عليه وسلم -]: "فإني لأعطى رجالا حديثي عهد بكفر أتألفهم، أما ترضون أن يذهب الناس بالأموال وتذهبون بالنبي إلى رحالكم؟ فوالله لما تنقلبون به خير مما ينقلبون به" قالوا: "يا رسول الله، قد رضينا". رواه البخاري. وفي رواية أخرى عند البخاري ومسلم أن رسول الله [- صلى الله عليه وسلم -] قال: "إن قريشا حديثو عهد بجاهلية ومصيبة، وإني أردت أن أجبرهم وأتألفهم، أما ترضون أن يرجع الناس بالدنيا وترجعون برسول الله إلى بيوتكم؟ " قالوا: "بلى"، قال: "لو سلك الناس واديا وسلكت الأنصار شعبا لسلكت شعب الأنصار". وانظر تاريخ ابن كثير (ب 4، ص 356 - 357). فهذا التألف لقلوب المؤلفة قلوبهم لا يعطي المعنى الذي أراد أن يرمى إليه الكاتب، بل هو سياسة عليا، وخلق كريم. أحمد محمَّد شاكر. + الأنصار: التسمية المألوفة التي أطلقت على أولئك القوم من أهل المدينة الذين نصروا النبي [- صلى الله عليه وسلم -] للتفرقة بينهم وبين المهاجرين، وهم أتباعه من أهل مكة. ولما دخل العرب عامة في الإِسلام بطل استعمال الاسم القديم. الأوس والخزرج (وكان يطلق عليهم مجتمعين بنو قَيلَة)، وحل محله الاسم "الأنصار"، والمفرد الأنصاري (انظر القرآن، سورة التوبة، الآية 100 و 101 و 117.)، وبذلك أشيد بذكر الخدمات الأولى التي أداها أولئك القوم من أهل المدينة لقضية الإِسلام. ومن المحتمل أن يكون لقب "الأنصار" جمع "نصير" ولكن المفرد نصير لم يستعمل في الاصطلاح قط،

وللفعل نصر معنى بذل العون لشخص على عدوه الذي أساء إليه. وهذا كاف لتعليل السبب في إطلاق اسم الأنصار على مسلمي المدينة (قيل لهم أحيانا: "أنصار النبي"). ولكن اختيار هذا الاسم ربما يكون قد تم بتأثير التشابه بينه وبين النصارى، أي المسيحيين (انظر القرآن الكريم، سورة الصف، الآية 14: "يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله كما قال عيسى ابن مريم للحواريين من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله .. "؛ وانظر سورة آل عمران، آية 52) (*). وكانت أولى صِلات محمد [- صلى الله عليه وسلم -] الفعالة بمكة عندما حج سنة 620 م هو وستة من الخزرج. على أن الإصلاح بين الأوس والخزرج كان من بين أهدافه، ومن ثم فإنه أصر فيما يظهر على أن تكون الأوس ممثلة في المفاوضات. وجاء في الأخبار المأثورة عن بيعة العقبة الأولى وبيعة العقبة الثانية أن ستة أو نحو ذلك ممن عاهدوا النبي [- صلى الله عليه وسلم -] كانوا من الأوس. وقد قاست المدينة الكثير من جراء التقاتل بين هاتين القبيلتين مما يحملنا على القول بأن المبادرة إلى تقبل دعاوي النبي [- صلى الله عليه وسلم -] كانت -من بعض الوجوه- راجعة بلا شك إلى رجاء خامر القوم بأن يستطيع أن يعيد السلام بينهما إلى نصابه ويحافظ عليه. ونحن نجد كثيرا من الغموض في التفصيلات، ولكن من الواضح أن معظم أهل المدينة، فيما خلا اليهود، قد دخلوا في البيعة معه، وأهم من خالفوا عشائر أربع هي: خطمة، ووائل، وواقف، وأمية بن زيد، وبعض من عشيرة خامسة هم عمرو بن عوف. وكان هؤلاء جميعًا على صلة وثيقة باليهود. ويجب أن نفرق بين هؤلاء المشركين وبين المنافقين؛ لأن المنافقين كانوا من أطراف البيعة مع النبي محمَّد [- صلى الله عليه وسلم -] ثم نقضوا عهودهم من بعد. وبالرغم من هذه النقائض فإن الأوس كان لهم شأنهم بين الأنصار، والحق إن إمام الأنصار حتى وفاته في السنة الخامسة للهجرة (627 م) كان هو سعد بن معاذ سيد عشيرة عبد الأشهل الأوسية. ويبين الجدول الآتي عدد الرجال من ¬

_ (*) سبق أن رد الأستاذ الشيخ أحمد محمَّد شاكر على هذه المسألة في صدر هذه المادة.

العشيرة ... ع 1 ... ع 2 ... ب ... ن عبد الشهل ... 1 ... 3 ... 15 ... 35 ظفر ... - ... - ... 5 ... 23 حارثة ... - ... 3 ... 3 ... 23 عمر بن عوف ... 1 ... 5 ... 40 ... 28 أوس مناة (خطمة) ... - ... - ... - ... 12 الأوس المجدوع ... 2 ... 11 ... 63 ... 121 النجار ... 3 ... 11 ... 56 ... 83 الحارث ... - ... 7 ... 19 ... 30 بنو الحلبي, القواقة ... 3 ... 6 ... 25 ... 21 ساعدة ... - ... 2 ... 9 ... 12 سلمة ... 2 ... 29 ... 43 ... 54 زريق ... 2 ... 4 ... 16 ... 16 بياضة ... - 3 ... 7 ... 12 الخزرج المجموع ... 10 ... 62 ... 175 ... 228 مختلف العشائر الذين شهدوا بيعة العقبة الأولى (ع 1) وبيعة العقبة الثانية (ع 2) ووقعة بدر (ب). والعمود الأخير (ن) يذكر عدد نساء العشيرة اللآتي أشار إليهن ابن سعد جـ 8). ويمكن أن نستخلص من ذلك دليلًا عاما على قوة العشيرة في مجموعها. وتوحي هذه الأرقام بأن عشائر مثل بني النجار وبني سلمة، كان لها دور رئيسي في التقرب من النبي [- صلى الله عليه وسلم -] , وكانت هذه القبائل كثيرة العدد، ولكنها لم تخرج قوادا عظاما في الحرب. ولم يشهد قطبا المدينة لذلك العهد -وهما سعد بن معاذ وعبد الله بن أبي- بيعة العقبة، كما أن عشيرتيهما (عبد الأشهل وبني الحُبْلى) لم تمثلا التمثيل الكافي فيها. وتختلف المصادر الأولى فيما بينها حول مسألة: هل اشترك الأنصار في آية حملة من حماوت المسلمين الصغيرة الأولى. على أن الأنصار كانوا ثلاثة أرباع من شهدوا بدرا على وجه التقريب. أما عن قوادهم، فقد كان سعد بن معاذ أشدهم غيرة في نصرة الإِسلام. وكان أسيد بن حضير (وليس عبد الله بن أبي بالذات) وسعد بن عبادة هما اللذين لم يشهدا بدرا (وكان أسيد بن حضير منافسا لسعد بن معاذ

في زعامة عبد الأشهل. وقد ظل عبد الله بن أبي حتى حصار المدينة على الأقل (5 هـ = 627 م) يحاول أن يحول دون نمو سلطان النبي [- صلى الله عليه وسلم -] ولكن الآخرين ربطوا مصيرهم بالنبي بعد يوم بدر. وفي اجتماع لمناقشة "حديث الإفك" الذي دار حول (السيدة) عائشة، كان من الواضح أن سيد الخزرج قد أصبح هو سعد بن عبادة، ولا شك في أنه قد اعترف به بعد ذلك، أي بعد وفاة سعد بن معاذ، زعيما للأنصار كلهم، وظل هؤلاء من أركان سلطان النبي محمَّد [- صلى الله عليه وسلم -]، وإن كان قد حدث حوالي غزوة تبوك سنة 9 هـ (م 630) أن تردد فريق صغير منهم نحوه. وأخذت المشاحنات القديمة بين الأنصار تنمحي من الأذهان رويدا رويدا أثناء إقامة النبي [- صلى الله عليه وسلم -] في المدينة، وأخذ الأنصار يحسون بأنهم وحدة واحدة وخاصة حيال المهاجرين الذين قلما كانوا يصهرون إليهم. وكانت الفرقة بين الأوس الخزرج عاملا له شأن عابر في تاريخ متأخر يرجع إلى الاجتماع الذي عقد بعد وفاة النبي [- صلى الله عليه وسلم -] وبويع فيه أبو بكر بالخلافة، ولكن لم يسمع شيء عن هذه الفرقة من بعد. واضمحل نفوذ الأنصار عقب الفتوح بالرغم من مقامهم الجليل بين طبقة الأشراف الإِسلامية الجديدة. وقد عارض معظمهم عثمان وأيد عليا. ثم كان من أمرهم بعد ذلك أن أصبحوا "معارضة من أهل التقى" للأمويين وانتصروا للعباسيين. على أن الأنصار كانوا قبل تولى العباسيين مقاليد السلطة قد اندمجوا إلى حد كبير في آل قريش وغيرهم من القبائل التي استقرت في المدينة. المصادر: (1) ابن هشام. (2) ابن سعد، جـ 3، قسم 2. (3) Annuli: Caetani: جـ 1، 1/ 2. (4) Mhannned at Medina: W. Montgomery Watt, أوكسفورد، سنة 1956. خورشيد (وات- W. Montgomery Watt) .

الأنطاكي

الأنطاكي (داود بن عمر الضرير) طبيب عربي ولد في أنطاكية، وهو ابن رئيس قرية سيدي حبيب النجار. ومع أنه كان ضرير، فقد قام بأسفار طويلة، منها سفره إلى آسية الصغرى، وفيها تعلم اللسان اليوناني عملا بنصيحة الطبيب الفارسي الذي شفاه من مرض عان منه طويلًا، وذلك ليستطيع أن يقرأ مصادر العلم الذي عني به في لغتها الأصلية، ثم ذهب بعد ذلك إلى دمشق والقاهرة. وتوفي في مكة عام 1008 هـ (1599 م) بعد أن أقام بها أقل من عام. وأشهر كتبه مختصر جامع لكل فنون الطب تبع فيه ابن البيطار وهو "تذكرة أولى الألباب والجامع للعجب العجاب" (طبعة القاهرة , 1308 - 1309 هـ - 1890 - 1891 م) وله ذيل بقلم أحد تلاميذه، وعلى هامشه رسالة في معالجة الأمراض عنوانها "النزهة المبهجة في تشحيذ الأذهان وتعديل الأمزجة" (انظر لكلرك Leclerc في Notices traits، جـ 23 ص 13). ونظرًا لأن فن العشق كان يعتبر في ذلك الزمان من لواحق علم الطب، فقد كتب الضرير تلخيصًا لكتاب محمَّد السراج (المتوفى عام 500 هـ = 1106 م) في العشق اسماه "تزيين الأسواق بتفصيل (ترتيب) أشواق العشاق" (طبعة بولاق سنة 1281، 1291 هـ، القاهرة سنة 1279، 1305 , 1308 هـ؛ انظر Chrestom. arab.: Kosegarten ص 22؛ Ideen: A. V. Kremer ص 408؛ Goldziher في Sit - .Phil. hist , zungsber. d. wien. Akademie .clasce جـ 7. ص 514 وما بعدها). وإلى جانب رسائل مختصرة قليلة في الطب كتب أيضًا رسالة في حجر الفلاسفة اسمها "رسالة في الطائر والعقاب" (Cat de mas. ar-de Sian: de la. Bibl. Nationale رقم 2625, س 8). ورسالة في إدخال أحكام النجوم في علم الطب اسمها "أنموذج في علم الفلك" (المصدر نفسه، رقم 2357، س 2). المصادر: (1) المحبى: خلاصة الأثر. جـ 3، ص 140 - 149. (2) Histoire de la: Leclerc medecine arabe, جـ 2، ص 304

(3) Geschichte der: Wustenfeld Naturforscher arab. Aerzte and رقم 275 (4) Gesch. d.: Brockelmann .arah. Litter، ب 2، ص 364. (5) حسن عبد السلام: ذخيرة العطار وتذكرة داود في ضوء العلم الحديث، القاهرة سنة 1366 هـ (1947). [بروكلمان وفرنيه - Rrnckelmann Vernet] الأنطاكي" يحيى بن سعيد بن يحيى، أبو الفرج: طبيب عربي ومؤرخ، وهو نصراني، على مذهب الملكانية ومن أقرب أقرباء أوتيخوس السكندري المعروف بسعيد بن البطريق. والراجح أنه ولد حوالي سنة 980 م، وقضى في مصر الفترة الأولى من حياته ما بين الخامسة والثلاثين والأربعين. وقد قارف الخليفة الحاكم كثيرًا من الاضطهادات أنزلها بالمسيحيين، وفي سنة 404 هـ (1013 - 1014 م) أخذته نوبة من نوبات المرؤة فسمح للمسيحيين بمغادرة مصر، وفي سنة 405 هـ (1014 - 1015 م) استقر يحيى بن سعيد على أرض من أراضي الروم (البوزنطيين) هي أنطاكية وعاش فيها من ثم. وهنالك لقى سنة 455 هـ (1063 م) الطبيب ابن بطلان، وعمر يحيى ولم تدركه المنية إلا سنة 458 هـ (1066 م). وغلبت على يحيى شهرة المؤرخ وأن له "ذيلا" لتاريخ إخبارى لأوتيخوس يبدأ بسنة 326 هـ (938 م)، ونشر النسخة الأولى من هذا الذيل سنة 397 هـ (1006 - 1007 م) ثم عد لها معتمدًا على مصادر تاريخية جديدة قبيل سنة 405 هـ (1014 - 1015 م)، وكان بين يدي يحيى في أنطاكية كتب جديدة، فعاود مراجعة تاريخه وأكمله تدريجًا ببيانا الحوادث المعاصرة ولم يترك فرصة إلا اغتنمها للحصول على مادة تحقق غرضه. وما من مخطوط من المخطوطات التي لدينا من كتابه يرجع إلى ما بعد سنة 425 هـ (1034 م)، ومع ذلك فإن تاريخه فيما يرجح استمر إلى ما بعد هذا التاريخ وأنه وصل به إلى عام 455 هـ، بل ربما إلى عام 458 هـ. ولا يصف يحيى بن سعيد الحوادث سنة بسنة، ولكنه يرتب مادته عهود الخلفاء (يبدأ بالعباسيين ثم الفاطميين) وبحسب الأقطار. وقد أظهر اهتماما خاصا بمصر والشام، والإمبراطورية البوزنطية (الروم)

واهتمامًا معتدلًا ببغداد، ولكنه لا يذكر شمالي إفريقية إلا عند كلامه عن الفاطميين الأولين. ولم يكتف يحيى بالاستعانة بالمصادر الإِسلامية فحسب، بل هو قد اعتمد أيضًا على المصادر اليونانية والمصادر المسيحية المحلية التي عرفها في أنطاكية. وكتابه حافل بالمعلومات التأريخية، وهو يسوق في معظم الحالات التأريخ الهجري والتأريخ السلوقي، وقد أخذ التأريخ السلوقي من المصادر ثم حول إلى التاريخ الهجري، والراجع أنه هو الذي فعل ذلك. وتاريخ يحيى مهم جدًّا بالنسبة لتاريخ الشام والجزيرة وبوزنطة في القرنين الرابع والخامس الهجريين (العاشر والحادى عشر الميلاديين)، وكذلك هو مهم لمصر في عهد الفاطميين، وينصرف ذلك بطبيعة الحال أيضًا إلى حياة الأوساط المسيحية وإلى الشئون الكنسية. ومن العسير أن نجد حلا لمشكلة المصادر التي اعتمد عليها والصلة بين تاريخه والتواريخ الإخبارية العربية لذلك العهد، المصادر: توجد هذه المصادر في النبذة التي كتبت عن يحيى في النسخة الفرنسية من كتاب Byzance et le s: A. Vasiliev Arabes جـ 2 من - La dynastie ma cedoniene , والجزء الثاني من Ex- trais des sources Arabes بقلم Canard . بروكسل سنة 1950، وقد استعين في هذه النبذة بالبحث الجوهري الذي كتبه A V.Rosen في كتابه: 3 The , Emperor Basil the Bulgar slayer -Extracts from the Chronicle of rah ya of Antioch وهو بالروسية، سانت بطرسبرغ سنة 1883 م، وقد لخصه تلخيصا موجزًا Vasiliev . في النسخة الروسية من Byzance et les Arabes، جـ 2، سانت بطرسبرغ سنة سنة 1902 م، ص 58 - 59. والطبعة الوحيدة الكاملة من كتاب يحيى هي التي أعدها لويس شيخو والبارون كاراده فو وحبيب الزيات: . GSCO, Script. ar . السلسلة الثالثة، باريس سنة 1909 م؛ أما طبعة وترجمة Patrologia orientalis) Vasiliev, جـ 18، سنة 1924؛ جـ 23، سنة 1932) فتقف عند سنة 404، انظر أيضًا Gesch. der christl. arab.: G.Graf Litteratur جـ 2، ص 49 - 51. خورشيد [كانار Canard]

أنوشروان

أنوشروان الرسم العربي للقب كسرى الأول (الطبري، طبعة له غويه، جـ 1، ص 862). وترسم هذه الكلمة أنوشغ روان في الفهلوية وأنوش روان (ذو الروح الخالدة) في لغة اليازند Pazend, ثم أصبحت ترسم في الفارسية نوشيروان (انظر الفردوسي)، وهي تفسر -فيما يرجح- بأنها "نوشين روان" أي "ذو الروح اللطيفة) (برهان قاطع). وقد أطلق اسم أنوشروان على عدة أشخاص في الإِسلام (يذكر زامباور أربعة منهم) وبخاصة علي ابن لمنوجهر، وعلي بنت من بنات محمود الغزنوي الذي كان أميرا لجرجان من سنة - 420 - 434 هـ (1029 - 1042 م؛ ابن الأثير جـ 9، ص 262) وعلى أنوشروان بن خالد بن محمَّد الكاشاني. المصادر: (1) L, Iran sous Les: A. Chistensen Sassanide.s لفصل 8. (2) Zambaur الفهرس، مادة أنو شروان. [ماسيه H. Masse] . أهل البيت يستند الشيعة وعامة المسلمين المتشيعين لعلي - رضي الله عنه - إلى الآية 33 من سورة الأحزاب للقول بأن تسمية أهل البيت يقصرونها على عليٍّ وفاطمة وأبنائهما ونسلهم، ويجعلون لهم أسمى الفضائل الخلقية والروحية والمكانة الأولى في الإمامة السياسية والدينية في الإِسلام. ويغالي العلويون في هذه الآراء مغالاة تختلف قوة وضعفا تبعًا للبيئات التي يعيشون فيها. وأشار ابن سعد إلى أن تسمية أهل البيت (جـ 4، قسم 1، ص 59، س 15) تطلق على أسرة النبي [- صلى الله عليه وسلم -] تمييزا لهم عن المهاجرين والأنصار (¬1). أما مفسرو أهل السنة ¬

_ (¬1) الذي في ابن سعد في هذا الموضع قصة فيها أن المهاجرين والأنصار اختلفوا في سلمان الفارسي، كل فريق يريد أن يعمل معه في حفر الخندق "وكان رجلًا قويا" فقال كل فريق منهم "سلمان منا" وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال حينئذ "سلمان منا أهل البيت" وهذا حديث ضعيف الإسناد، ورواه الحاكم أيضًا باختصار في المستدرك (3: 598) وأن صح فإنما هي كلمة تكريم لسلمان، لا يفهم منها في لغة العرب أن أهل البيت فريق آخر غير المهاجرين والأنصار بل هم من المهاجرين جميعًا. أحمد محمَّد شاكر

أهل الحل والعقد

فيجعلون تسمية أهل البيت تتسع من وجوه شتى لتشمل فروع بني هاشم وما لهم من موال، وكان لا يحق لهم بحكم الشريعة أَن يأخذوا الصدقة (انظر القدوري في كتابه: المختصر، قازان، سنة - 1880 م، ص 23؛ النووي: النهاية، طبعة فاندنبرغ جـ 2، ص 305) وابن قاسم الغزى (كتاب فتح القريب، طبعة فاندنبرغ ص 252). والتأويل المعتمد عند معظم أهل السنة لا يقصر معنى أهل البيت علي بني هاشم بمعنى ضيق أو واسع، بل يعتبر من أهل البيت كل أزواج النبي [- صلى الله عليه وسلم -] وأبنائه، وكذلك عليا زوج ابنته، وهذا يعارض تفسير العلويين لمعنى أهل البيت؛ (انظر تفسير سورة الأحزاب، آية 33، وتفسير البخاري: فضائل الأصحاب، رقم 30، القسطلاني، ب 6، ص 151). وفي كتاب ابن حجر الهيثمي المسمى "الصواعق المحرقة" (طبعة القاهرة، سنة 1312 هـ , ص 87 وما بعدها) بحث واف لما تدل عليه عبارة "أهل البيت". [كولدتسيهر Goldziher] أهل الحل والعقد هم ممثلو الجماعة الإِسلامية الذين ينوبون عنها في مبايعة خليفة أو أي حاكم آخر وخلعه، ويجب أن يكونوا من المسلمين الذكور البالغين الأحرار العدول وأن يكونوا قادرين على أن يدلوا بحكمهم في خير من يتولى هذا المنصب، ولا يتطلب الأمر عددا محددا من الناخبين، والرأى الغالب أن البيعة تصح بناخب واحد وحسب في حضرة شاهدين عدلين: وهذا هو الرأى من حيث النظر" والواقع أن الذي حدث في تاريخ الإِسلام جميعًا هو أن أهل الحل والعقد كانوا هم الأشخاص الذين كان بيدهم السلطة السياسية في قصبة الدولة يشاركهم في هذا الأمر وجوه القوم وأئمة فقهاء الدين. وقد رأى المجددون والمصلحون في بعض الأحيان أن أهل الحل والعقد هم الجماعة كلها أو الأمة ومعها البرلمان أو طائفة أئمة الدين. المصادر: (1) Handbuch: Juynboll ص 332

أهل الصفة

(2) الكاتب نفسه Handleiding , 335 (3) Califat dans la doc-: H.Laoust Le trine de Rashid Ridn, بيروت سنة 1938. الفهرس، تحت هذه المادة (4) Institutions du droit pub-: F.Tyan , lic, musulman - جـ 1، باريس سنة 1953 ص 172 وما بعدها, 334 وما بعدها. (5) La Cite musulinae: L. Gardet. باريس سنة 1954، الفهرس تحت هذه المادة. خورشيد [هيئة التحرير] أهل الصفة ويسمون نادرًا أصحاب الصفة وأحيانا أصحاب الظلة: هم أصحاب رواق المسجد، كان بين مسلمي مكة الذين صحبوا النبي [- صلى الله عليه وسلم -] في هجرته إلى المدينة وبين المهاجرين إلى المدينة من جهات أخرى طائفة لم يحملوا من ديارهم ما يقيم أودهم، وآخرون تركوا بلادهم التي كانوا يعملون فيها فأصبحوا فقراء يعانون آلام الجوع ولا يجدون ملبسا ولا مأوى، ولم يستطع إحسان أنصار المدينة أن يقضى على الفاقة التي كانت تغمر الأحياء التي يقطنونها، وفي أثناء ذلك كان إذا جن الليل يوضع في صحن دار النبي [- صلى الله عليه وسلم -] وعاء فيه شعير محمص كان يشترى من مال المسلمين ليأكل منه الجائعون، وكان الذين لا يجدون مأوى يلجؤون إلى الصفة، وهي الجزء الشمالي من المسجد. وكان ذا سقف وليس له ما يستر جوانبه. ومن أجل هذا كانوا يسمون أيضًا "ضيوف الإِسلام". على أنه يقال أيضًا إن قوما من المهاجرين المعدمين لم يدخلوا الصفة قط. ويختلف الرواة في عددهم (10، 30, 70, 92, 93, 400 شخص). ذلك أنهم كانوا يختلفون من آن لآخر، ولأن عددهم كان أول الأمر كبيرًا. وكان أهل الصفة من حيث قبائلهم غرباء في المدينة، فكان منهم مثلًا: أبو ذر الغفاري وأبو سعيد اليمني (¬1)، وحذيفة العبسي, وواصلة الليثي. وكان بينهم موال مثل أبي مويهبة، وعمار، ¬

_ (¬1) لا يوجد في الصحابة من يسمى (أبا سعيد اليمني) فلعل الاسم تصحف على كاتب المادة فلم يحسن قراءته بالعربية. أحمد محمَّد شاكر

أهل الكتاب

وبلال الحبشى، وخباب، وسلمان الفارسي وصهيب الرومى. ولا يفوتنا أن نذكر أن أبا هريرة كان من أكثرهم اتصالا بالنبي [- صلى الله عليه وسلم -]، ويقال إن سعد بن أبي وقاص، هو أحد الصحابة العشرة الذين كانوا أقرب الناس إلى النبي [- صلى الله عليه وسلم -]، حل بالصفة مرة. ويقول كثير من المتكلمين إن ما ورد في القرآن (سورة البقرة آية 273, 274. وسورة الأنعام آية 52، وسورة الكهف، آية 28، وسورة الشورى، آية 26) يشير إلى أهل الصفة. وزاد احترام الناس لأهل الصُّفَّة بعد ووضعوهم فوق العشرة (انظر ما تقدم) وربما كان ذلك بسبب خطأ في الاشتقاق اللغوي، إذ اعتبروهم مؤسسي التصوف، على أن آخرين ذهبوا يؤكدون أن الإِسلام ساوى بين الناس جميعًا، واستندوا في تدعيم هذا الرأي إلى نصوص القرآن وقالوا إنه لا فضل لأحد على آخر إلا بالتقوى. ومما تذكره عنهم الروايات أنهم سمعوا حديث النبي محمَّد صلى الله عليه وسلم مع ربه ليلة الإسراء، والإسراء كما نعلم حدث في مكة، وقد كتب عن أهل الصفة أبو نعيم الأصفهاني (المتوفى عام 430 هـ = 1038 م) في كتابه "حلية الأولياء (1) " وألف تقى الدين السبكي المتوفى عام 756 هـ (1355 م) كتابًا عنوانه "التحفة في الكلام على أهل الصفة" وكتب أبو عبد الرحمن السلمى كتاب "تاريخ أهل الصفة". وقد أصبح اسم أهل الصفة يطلق فيما بعد على قوم متنقلين لا مأوى لهم. [ريكندورف Reckendorf] أهل الكتاب يسمى محمَّد [- صلى الله عليه وسلم -] (¬1) اليهود والنصارى بهذا الاسم تمييزا لهم عن عبدة الأوثان، وذلك لأن لهم كتبا منزلة هي التوراة والزبور والإنجيل، وهم وإن كانوا يتناقلونها مبدلة عن أصولها، إلا أن اعترافهم بها يجعل لهم مكانا ممتازا ¬

_ (¬1) لقد سماهم الله من كتاب القرآن الكريم أهل الكتاب.

بالنسبة لعبدة الأوثان. وعندما خضع أهل الكتاب للمسلمين جعل لهم محمَّد (1) [- صلى الله عليه وسلم -] حرية العبادة دون الوثنيين مقابل أدائهم الجزية (انظر سورة التوبة، الآية 29). وإذا واظبوا على أداء الالتزامات الخاصة المفروضة عليهم ضمن لهم ذلك حماية الحكومة الإِسلامية، بوصفهم المعاهدين أو أهل الذمة. ويعد التقصير في حماية أهل الكتاب إنّما كبيرا في الإِسلام. وبالطبع لا يمكن أن يتخذ ما فعله النبي [- صلى الله عليه وسلم -] ببنى النضير وبني قريظة مثلًا يقاس عليه: على أنه رغم نزعة التعصب التي كان يُعَبَّر عنها بعبارات شديدة، كانت القاعدة المتبعة في معاملة الذميين هي التي وردت في الحديث المروى عن النبي [- صلى الله عليه وسلم -]: "من آذى يهوديا أو نصرانيا كنت خصما له يوم القيامة" (البلاذرى، ص 162). وكان أولو الأمر من المسلمين يطلبون إلى قواد جيوشهم الزاحفة للفتح وإلى عمال الولايات من قبلهم أن يسمحوا لأهل الكتاب الذين يخضعونهم بإقامة شعائرهم الدينية، وأن يعاملوهم بالرحمة. أما الشروط الخاصة فقد ظهرت أول صورة لها في وثيقة تعرف "بعهد عمر" الذي قيل إنه عقده مع نصارى بيت المقدس؛ على أنه من المؤكد أن هذه الوثيقة وضعت في عصر متأخر عن أيام عمر (انظر Memoire: De Goeje 4 sur la conquete de la Syrie الطبعة الثانية ص 140 وما بعدها). وكانت هذه الوثيقة أساس التشريع الإسلامي المتعلق بأهل الديانات الأخرى. وكانت أكبر المسائل المتعلقة بحرية إقامة الشعائر الدينية هي: إلى أي حد يجوز لأهل الكتاب أن يقيموا بيوتا للعبادة جديدة أو يحتفظوا بالقديم منها؟ وكانت هذه المسألة دائما سببا في تجديد المعاهدات. وقد ظهر الخلاف بين أصحاب المذاهب الفقهية في الحقوق الدينية لأهل الكتاب وإن كانوا على اتفاق من حيث المبدأ. وأكبر الخلاف بينهم كان في أمر ذبائح أهل الكتاب (هل يحل للمسلم أن يأكل مما يذبحونه؟ ) وفي مناكحتهم (هل يجوز للمسلم أن يتزوج امرأة كتابية؟ ).

وكان قول المسلمين بأن الكتب التي بين أيدي أهل الكتاب محرفة، وأنهم أخفوا الصحيح منها (سورة البقرة، الآية 75، سورة آل عمران" الآيات 64 - 66 سورة المائدة، الآية 15، سورة الأنعام، الآية 91)، واعتقادهم أن محمدا ورسالته وانتصار العرب والإِسلام قد بشرت بها الكتب المنزلة عند اليهود والنصارى، وأنهم طمسوا هذه البشائر بتأويلات خاطئة، كل هذا كان سببا في ظهور كتب كثيرة ألفت في الطعن علي أهل الكتاب، وأخذ متكلمو المسلمين جل مادتها ممن دخل في الإِسلام من أهل الأديان الأخرى، واشتد الجدل مع اليهود خاصة في القول "بنسخ الشريعة" الذي يقول به المسلمون وينكره اليهود. وقد وسع الإِسلام من أول الأمر مدلول لفظ "أهل الكتاب" فجعله أكثر شمولا من مدلوله الأول، وما كان مثل هذا التوسع ليتم إلا بازدياد التسامح الديني، أما المسألتان اللتان أشرنا إليهما من قبل (وهما المتعلقتان بطعام أهل الكتاب والزواج منهم) فلم تكونا موضع بحث قط بالنسبة لغير أهل الكتاب الحقيقيين. المصادر: (1) Handleding, T. W. Juynboll ص 341 - 346. (2) Mohammed: Wensinck en de Jo- ' eden to Medina ليدن سنة 1908 م، (3) وفيما يتعلق بالتشريع المتعلق بأهل الكتاب انظر: المجلة الآسيوية سنة 1852 م وما كتبه Bethauser في مجلة Revue des Etudes Juives عدد 30 ص 6 وما بعدها. (4) Dhimmis and Mos- R. Gottheil، , Lems in Egyp في Old Testament and - R. Harp Semitic studies in memory of W. er، شيكاغو سنة 1928 م جـ 2، ص 351 وما بعدها. (5) Polem. und ap-: Steinschneider ologet liter . Abh fur die Kunde des) atur: in arab sprache morgenl,: جـ 6، عدد 3)، وانظر إلى جانب ذلك ما كتبه كولدتسهير. Zeitsehr. d. Deutsch M 1401 nl, Gesellsch'-، عدد 32 ص 341 - 387. [كولدتسيهر Goldziher]

الأوائل

الأوائل جمع "أول"، ويستخدم اللفظ اصطلاحيا للدلالة على أفكار شتى، مثل "المعلومات الأولية" للظواهر الفلسفية أو الطبيعية، و"القدامى" الذين عاشوا في الجاهلية وصدر الإسلام، و"المخترعين الأوائل" للأشياء (أو الأشياء التي تبتدع أو تنجز أولًا). وفي هذا المعنى الأخير، يدل المصطلح دلالة خاصة على فرع صغير من التأليف الإسلامي يمت بصلة للأدب وأدب التاريخ والدين، وبين المسلمين أنفسهم لا يعرف "الأوائل" بأنه علم قائم بذاته يتصل بالتاريخ والأدب إلا حاجي خليفة الذي عاش في القرن العاشر الهجري (السابع عشر الميلادي)؛ طبعة Flugel, جـ 1، ص 490، استانبول سنة 1941 - 1943 م، العمود 1996). وكان التطلع إلى معرفة أصول الأشياء قد رسخ في الوعى التاريخي للساميين الأقدمين وانتقل إلى العرب، وعند المسلمين أن معرفة "الأوائل" في اتصالها بتاريخ محمَّد [- صلى الله عليه وسلم -] وصدر الإِسلام كانت موضوعا من الموضوعات ذات الأثر البعيد من حيث الشرع ومن حيث العمل وذلك من نواح كثيرة، وحظيت هذه المعرفة من قبل بالالتفات في أقدم ما نعرف من كتب عن سيرة النبي محمَّد [- صلى الله عليه وسلم -]، وقد بررت العادات الإِسلامية مثل حف الشارب واستعمال السواك ونحوهما بنسبة مباشرتها أول الأمر إلى أكابر أئمة الدين في الماضي، (انظر الثعالبي: لطائف المعارف طبعة De Jong ص 6). ومع ازدياد الأهتمام بالتاريخ عند المسلمين، ولا نعنى التاريخ السياسي فحسب، بل نعنى بذلك تاريخ الحضارة والعلوم أيضًا (انظر بصفة خاصة الملاحظات التي استهل بها كل فصل من فصول الفهرست، عن أصل العلوم التي يتناولها ذلك الفصل بالذات)، سرعان ما كان يتبادر إلى الذهن السؤال: من كان الأول؟ وينطبق هذا على كل موضوع يمكن تصوره، وكان الجواب يمثل دائما، على أن مصنفات الأوائل تعد تعبيرا رائعا عن النظرة الثقافية والحس التاريخي لأصحابها، وهي

حافلة بمادة قيمة وبصر يسترعى الاهتمام. وهذا الموضوع يستهوى عقول دائرة واسعة من الناس. وأقدم ما نعرف من الأمثلة على كتب الأوائل عند المسلمين يرجع إلى مستهل القرن الثالث الهجري (القرن التاسع الميلادي)، ويقال إن المصنف الكبير لأبي بكر بن أبي شيبة المتوفى سنة 235 هـ (= 849 م؛ انظر Brockelmann قسم 1، ص 215) يحتوي في خاتمته (أو قرب خاتمته) على فصل عن الأوائل استخدمه الشبلى مصدرا له في مصنفه "محاسن الوسائل إلى معرفة الأوائل"، ويبدو أنه يتحدث عن الأوائل في فجر الإِسلام وأصول تاريخ المسلمين وعاداتهم، وقد بقيت نهاية هذا الفصل في مخطوط برلين رقم 9409؛ ولم نستطع الرجوع إلى المجموعات الكبيرة من "المصنف". وفي الفترة نفسها كتبت مصنفات بعنوان "كتاب الأوائل" كتبها هشام بن الكلبي (ياقوت، إرشاد الأريب، جـ 7، ص 252) والمدائنى (الفهرست ص 104)، والحسن بن محبوب (الفهرست، ص 221) , وقد ذكر ياقوت ثبتا بمصنفاته في كتابه ("إرشاد الأريب، جـ 2، ص 32) في ترجمته لأحمد الرقى، ثم كتب في الموضوع نفسه أيضًا رجل يدعى سعيد بن سعدون العطار (الفهرست، ص 171) , ولا نعرف تاريخ حياته؛ ولم يبق لنا شيء من هذه المصنفات أو يستشهد بها في كتب الأوائل المتأخرة، ومن ثم فإن من المشكوك فيه أشد الشك أن تكون هذه المصنفات قد عالجت موضوع "الأوائل" بالمعنى الذي تناولناه به هنا (أو أنها على آية حال قد احتوت بعض مادة الأوائل)، ويظهر مما جاء في الوصف الذي أتى به كتاب الفهرست (ص 133 (أن كتاب الأوائل الذي صنفه المرزبانى من أعيان القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي) لم يتحدث عن المبدعين الأوائل بل تحدث عن تاريخ الفرس الأقدمين وعن المعتزلة. وفي أواخر القرن الثالث الهجري (التاسع الميلادي) أفرد ابن قتيبة في كتابه المعارف (طبعة wustenfeld ص 273 - 277) فصلًا عن الأوائل في نص تاريخي (انظر أيضًا الثعالبي

المتأخر عنه في الزمن: المصدر المذكور، ص 3 - 17) , وقد ظهر فصل عن الأوائل في نص أدبى يرجع إلى مستهل القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي)، وذلك في كتاب البيهقي: المحاسن (طبعة Schwally , 392 - 396), وكتب أبو عروبة، والطبراني المتوفى عام 360 هـ (= 971 م؛ Brockelmann , قسم 1، ص 279) حوالي هذا الوقت نفسه مصنفات عن "الأوائل" في علم الكلام. وقد زودتنا كتب "الأدب" برسالتها الأولى التي تناولت بها هذا الموضوع في "كتاب الأوائل" لأبي هلال العسكري المتوفى سنة 395 هـ (1005 م)، وهو يزعم أنه لم يسبقه أحد في هذا المضمار، ويقتصر على مادة استقاها من تاريخ العرب والمسلمين مع إدخال بعض الشواهد الفارسية وشواهد من التوراة، ويتجاهل المعلومات الثقافية والعلمية اليونانية، وقد أفلح في أن يقلل بجلاء من شأن ما ذهب إليه المؤرخون المسلمون من أن كل إبداع هام جيد يرجع إلى عصر الجاهلية وصدر الإِسلام، على حين أن العصور التالية لم يصدر عنها بصفة عامة إلا إبداعات تافهة غير مرغوب فيها، وظل كتاب العسكري عمدة يستشهد به كثيرا وكان أساسا لما بذل من جهود متأخرة في هذا الشأن، مثال ذلك مصنفات الأوائل التي ظهرت في القرن الثامن الهجري (الرابع عشر الميلادي) للعتائقى والسيوطى (انظر Brnckelmann جـ 1، 132, قسم 1، ص 193). والظاهر أنه حدثت ثغرة في التأليف في موضوع "الأوائل" دامت حوالي قرنين من الزمان، فقد توفر لنا في مستهل القرن السابع الهجري (الثالث عشر الميلادي) كتاب: "غاية الوسائل إلى معرفة الأوائل" للموصلى (انظر Brockehmann قسم 1، ص 597, H. Rit- ter في Oriens، سنة. 1950 م، ص 80)؛ وثمة رسالة في التاريخ قوامها طريقة الأوائل وهي كتاب المحاسن الذي سبقت الإشارة إليه، وهو من تصنيف الشبلي الذي عاش في القرن الثامن الهجري (الرابع عشر الميلادي، انظر Brnckelmann جـ 2، ص 90، الكتاب نفسه، قسم 2، ص 82؛ A History of Muslim: F. Rosenthal

Historiography ص 129, تعليق 1)، وهو مصنف حافل بالمعلومات، ويبدو أن جهود الشبلى الأدبية قد واصلها الشاعر ابن خطيب داريا (انظر - Brock elmann , جـ 2، ص 17، الكتاب نفسه، قسم 2، ص 7؛ حاجى خليفة طبعة FlUgel؛ جـ 1, ص 490)؛ على أن ميل النزعة الكلامية لبعض علماء القرن التاسع الهجري (الخامس عشر الميلادي) قد وجدت ما يعبر عنها في كتب الأوائل التي صنفوها والتي ربما نهجوا فيها نهج ابن حجر في مصنفه "إقامة الدلائل على معرفة الأوائل" (ولم نعثر عليه بعد، انظر حاجى خليفة: المصدر المذكور)، وهكذا صنف أبو بكر ابن زيد الجراعى (الصيغة غير محققة، وقد توفي سنة 883 هـ = 1478 م؛ انظر السخاوى: الضوء اللامع، جـ 11، ص 32) مصنفه كتاب الأوائل (مخطوط ببرلين رقم 9368) متبعا على تفاوت فصول علم الحديث؛ وفعل السيوطي الشيء نفسه في كتابه المفيد "الوسائل إلى معرفة الأوائل"، الذي يعتمد إلى حد ما على كتاب العسكري، قد أفاد على دده البوسنوى المتوفى سنة 1007 هـ (1589 م؛ انظر Brock elmann جـ 2، ص 635) الكتاب نفسه، قسم 2، ص 635) بدوره من مصنف السيوطي، الذي ضمن كتابه أيضًا "الأواخر" على سنة بعض الكتاب المتأخرين (انظر فيما يتصل بهذا الموضوع: السخاوى: الإعلان، دمشق سنة 1349 = 1930 - 1931 م؛ F. Ro senthal، المصدر المذكور، ص 214؛ وعن كاتب آخر أفاد من السيوطي انظر. G Vaida . في. R.S.Q، سنة 1950 م، ص 3)؛ وثمة مؤرخ عظيم عاش في ذلك الزمن هو ابن طولون المتوفى سنة 953 هـ (= 1546 م)، فقد كتب ابن طولون "عنوان الرسائل في معرفة الأوائل" (مخطوط بالقاهرة، مكتبة تيمور، تاريخ رقم 1467؛ انظر ابن طولون: الفلك المشحون، دمشق، سنة 1348 هـ = 1929 - 1930 م). وتناول هذا الموضوع نظما في مصنف عنوانه "وسائل السائل إلى معرفة الأوائل" (انظر حاجى خليفة طبعة Flugel، جـ 6، ص 435)، والظاهر أن هذا المصنف محفوظ في القاهرة المجاميع رقم 474, الأوراق

48 (ب) - 36 (ب) وقد عرف هذا الكاتب في مخطوط القاهرة باسم شمس الدين محمَّد بن محمَّد بن (أبي) اللطف، وهو إما الأب وإما الابن، وقد توفي الأب سنة 971 هـ (= 1564 م)، والابن سنة 993 هـ (= 1585 م؛ انظر ابن العماد: الشذرات؛ Brokelemann. جـ 2، ص 367, الكتاب نفسه، قسم 2، ص 394)؛ واستمر الاهتمام الأدبى بهذا الموضوع موصولا إلى الأزمنة الحديثة" (انظر م. الطهرانى: الذريعة إلى تصانيف الشيعة، جـ 2، ص 481). المصادر: (1) De Kitab Al-Awa'il: R. Gosche . Eine literarhistorische Studie (2) هال سنة 1867 م، ويتضمن طبعة لجزء صغير من السيوطي. (3) السيوطي: الوسائل إلى معرفة الأوائل، القاهرة سنة 1950 م؛ ولم يطيع مصنف من مصنفات الأوائل المستقلة بذاتها بتمامه حتى الآن. (4) Brockelmann جـ 1، ص 132؛ قسم 1، ص 193, قسم 3، ص قسم 1، ص 279، قسم 1، ص 597، جـ 2، ص 90، قسم 2، ص 82، جـ 2، ص 203، قسم 2، ص 197 جـ 2، ص 203، قسم 2، ص 197, جـ 2، ص 562، قسم 2 ص 635. (5) y A.J. Wensinck غيره Con. cordance, جـ 1 , ص 134. (6) Catalogue Berlin: Ahlwardt. أرقام 9368 - 9376 على أن معظم المصنفات المذكورة تحت رقم 9376 ليست من مصنفات الأوائل). (7) MMIA، سنة 1941 م، ص 357 - 9 عن القسم الذي يعالج الأوائل في عبد الرحمن البسطامى (Brockelmann, جـ 2، ص 300، قسم 2، ص 323 (: الفوائح المسكية. (8) وقد تناول القلقشندى في مصنفه "صبح الأعشى"، جـ 1، ص 412 - 436, الأوائل بوصفهم جزءًا من المعرفة التاريخية للكاتب. (9) نص سريانى وجيز عن العهد الإِسلامي في: . Verzeichniss d. Syr. Hss , E. Sachau برلين سنة 1899. صبحى [روزنتال F. Rosenthal]

الأوزاعي

الأوزاعي أبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو: هو الإِمام الأكبر للمدرسة الشامية القديمة في الشريعة, , وقد أخذت نسبته من الأوزاع، وهي ضاحية من ضواحي دمشق نسبت إلى قبيلة من جنوبي بلاد العرب، أو إلى أوزاع من بطون كانت تعيش هناك (ابن عساكر: تاريخ دمشق، طبعة المنجد، جـ 2، سنة 1954 م، ص 44؛ ياقوت، جـ 1، ص 403). وقد أسر جد له في اليمن (المسعودي: مروج الذهب، جـ 6، ص 214): ويظهر أن الأوزاعي ولد في دمشق، ودرس بعض دراساته على الأقل في اليمامة، وكان قد مضى إليها في خدمة الحكومة. ثم شخص من بعد إلى بيروت حيث توفي عن سبعين عاما تقريبا سنة 157 هـ (774 م)، ودفن في قرية (حنتوس) قرب بيروت، ولا يزال قبره فيها يراه الناس (Heffening ص 148، تعليق 4). وكتب الأوزاعي التي أهداها إلى تلاميذه وذكر الفهرست (ص 277) منها "كتاب السنن في الفقه" و"كتاب المسائل في الفقه" لم تصل إلينا في صورتها الأصلية. ومن المظنون أن مسنده (حاجى خليفة، طبعة فلوكَل، رقم 12006 (قد جمع في تاريخ متأخر، شأن سائر المجاميع التي من هذا القبيل. على أن آراء الأوزاعي يستشهد بها كثيرا جدًّا: (1) في كتاب "الرد على سيرة الأوزاعي" (القاهرة سنة 1357 هـ، وعليه أيضًا تعليقات للشافعي في كتاب الأم، طبعة بولاق سنة 1325 هـ، ص 303 - 336, حاجى خليفة، طبعة فلوكَل، رقم 251) وهو رد على انتقادات الأوزاعي لآراء أبي حنيفة. وكانت نسخة أصلية من "كتاب السير" للأوزاعى بقلم أحد تلاميذه المباشرين لا تزال موجودة في القرن الحادي عشر الهجري (السابع عشر الميلادي؛ انظر Heffening ص 149) (2) وفي "كتاب اختلاف الفقهاء" للطبرى (طبعة F . Kern, القاهرة سنة 1902 م، ليدن سنة 1933 م). وتمثل آراء الأوزاعي -بصفة عامة- أقدم الحلول التي اتخذتها الشريعة الإِسلامية. وسمة القدم التي يتصف بها مذهبه تجعل من المحتمل أن يكون الأوزاعي، وهو نفسه معاصر لأبي

حنيفة، قد احتفظ بآراء أسلافه الذين هم في نظرنا مجرد أسماء ظهرت في الجيل الذي قبله. وتدليله العقلي المنهجى، وإن كان واضحًا اعتماده على "السنة القائمة"، ويقصد هو بذلك سنة المسلمين المتصلة التي تبدأ بالرسول [- صلى الله عليه وسلم -] يدعمها الخلفاء الراشدون والخلفاء الذين جاءوا من بعدهم الأئمة؛ وهذه هي "سنة الرسول [- صلى الله عليه وسلم -] ", ويقارن الأوزاعي هذه النظرة المثالية للسنة بسنة الحكم الواقعية، ويجعل "السلف الصالح" ينتهى بمقتل الخليفة الأموى الوليد الثاني بن يزيد الثاني سنة 126 هـ (744 م) والفتنة التي تلت ذلك، وبهذا شمل السلف الصالح في نظره معظم عهد الأمويين، ويقترب الأوزاعي أشد الاقتراب -في تصوره هذا للسنة وفي غير ذلك من الوجوه- من مذهب العراقيين القدماء. ولم يظهر الأوزاعي بعد أي أثر من ذلك الشعور المعادى للأمويين الذي راج في عهد العباسيين، وكان موقفه من العباسيين خليقا بأن يكون منطويا على الفتور (ويتجلى هذا في حكاية رويت عن لقائه بالفاتح العباسى عبد الله بن علي، انظر Barthold . في Isl، ج 18، ص 244). ومع ذلك فقد نجح الأوزاعي في كسب احترام الحكام الجدد وتقديرهم، وبخاصة الأمير المهدي خليفة المستقبل، وكان قد لقيه فيما يبدو. والالتماسات التي قدمها الأوزاعي لهذا الأمير وللخليفة المنصور ولأصحاب النفوذ من رجال البلاط باسم المسجونين السياسيين وباسم الجمهور في بيروت وباسم غيرهم (ابن أبي حاتم: تقدمة المعرفة، ص 187 وما بعدها) صحيحة بلا شك، أما القول بأن ابن سراقة (والى دمشق من قبل الخليفة الأموى الوليد الثاني والأمير العباسى عبد الله بن على، انظر الصفدى: أمراء دمشق، طبعة المنجد، دمشق سنة 1955 م، ص 55) قد حمل الأوزاعي على القدوم من بيروت إلى دمشق (انظر ابن أبي حاتم: كتابه المذكور، ص 187) فقول يصعب أن يتمشى مع القليل الذي نعرفه من سيرة الأوزاعي. وقد ذكر ياقوت (جـ 1، ص 785، مادة بيروت) طائفة من تلاميذ الأوزاعي أبرزهم الوليد بن مزيد المتوفى سنة 203 هـ. وقد حدث لمذهب

الأوزاعي الشخصى في الفقه ما حدث للمذاهب الأخرى، إذ اتخذته مدرسة الشاميين القديمة وقالت به، ولم يسد هذا المذهب في الشام فحسب، بل ساد أيضًا في المغرب بما في ذلك الأندلس قبل أن يحل محله مذهب مالك في المغرب حوالي منتصف القرن الثالث الهجري (التاسع الميلادي)، وفي الشام حوالي نهاية القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي؛ انظر J. Lopez Ortiz: La reception de la escuela malequi en Espana مدريد سنة 1931 م، ص 16 وما بعدها. juristas his-: R. Castejon Calderon Los pano-musulmanes مدريد سنة 1948 م، ص 32, 43 وما بعدها Heffening ص 148, Barthold فيه كتابه المذكور، وتبين الحكايات التي تروى عن غلبة الأوزاعي على مالك في الناظرة (ابن أبي حاتم: كتابه المذكور، ص 185) النزاع بين المذهبين. المصادر: (1) ابن سعد، جـ 6، قسم 2، ص 185. (2) ابن قتيبة: المعارف، طبعة فستنفلد، ص 249. (3) الطبري، جـ 3، ص 2514. (4) ابن أبي حاتم الرازي: تقدمة المعرفة، حيدر آباد سنة 1952 م، ص 184 وما بعدها. (5) الكاتب نفسه: كتاب الجرح والتعديل، جـ 2، قسم 2، حيدر آباد سنة 1953، ص 266. (6) أبو نعيم: حلية الأولياء، جـ 6، القاهرة سنة 1936 م، ص 135 وما بعدها. (7) السمعانى، ص 53 ظهر. (8) ابن عساكر: تاريخ دمشق (مخطوط؛ انظر يوسف العش: فهرس مخطوطات دار الكتب الظاهرية [تاريخ]، دمشق سنة 1947 م، ص 113). (9) النووي: تهذيب الأسماء، طبعة فستنفلد، (كوتنكن سنة 1842 - 1847 م، ص 382 وما بعدها. (10) ابن خلكان: وفيات الأعيان، ترجمة عبد الرحمن. (11) الذهبي: تذكرة الحفاظ جـ

الأوس

1، حيدر آباد سنة 1333 هـ, ص 168 وما يعدها. (12) ابن كثير: البداية والنهاية، القاهرة سنة 1351 - 1358 هـ جـ 10، ص 115 وما بعدها. (13) ابن حجر العسقلانى: تهذيب التهذيب، جـ 6، حيدر آباد سنة 1326 هـ، ص 238 ما بعدها. (14) كاتب مجهول: محاسن المساعى، طبعة شكيب أرسلان، القاهرة سنة 1352 هـ (انظر Spies O. في zs، سنة 1935 م، ص 189 وما بعدها). (15) Das islamische: W. Haffening Fremdenrecht هانوفر سنة 1925 م، ص 148 وما بعدها. (16) zur arabischen: O Spies Beitrage Lieraturgeschichte , ليبسك سنة، 1932 م، ص 52. (17) of Mus J. Schacht The Origins: Lim Jurisprudence الطبعة الثانية، أوكسفورد، الفهرس: مادة أوزاعى. خورشيد [شاخت J. Schacht]. الأوس قبيلة بالمدينة، وهذا الاسم مختصر لأنه حذف منه اسم إله مضاف إليه الراجح أنه "مناة", فإن من الأوس بطنا كانت تسمى "أوس مناة" ثم سميت بعد الإِسلام "أوس الله". أما نسب القبيلة فهو: أوس بن حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر بن حارثة بن امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن بن عبد الله بن الأزد .. إلخ .. ويقول العرب إن الأوس لم يسموا أنفسهم بني حارثة وإنما سموا أنفسهم بني قيلة نسبة إلى أمهم، ولهذا القول ما يؤيده من الوقائع، ويقال أيضًا إن اسم الخزرج -وهي قبيلة بينها وبين الأوس صلة نسب- قد يطلق في كثير من الأحيان فيشمل الأوس في مدلوله. وكانت الأوس في الزمان القديم تنقسم خمسة أفخاذ هم: عمرو بن عوف، والنبيت، وجُشَم، ومُرَّة، وامرؤ القيس. ومن بقايا الأفخاذ الثلاثة الأخيرة تكونت عشيرة جديدة أطلق عليها اسم القبيلة الكبرى "أوس الله" أو "الأوس" فقط.

وانقسمت أوس الله إلى أربعة بطون: الخطمة وهي أقوى البطون وهم: جشم الأولون وأمية ووائل، وكانوا يسمون قبل ذلك مرة، وواقف وهم في الحقيقة امرؤ القيس من قبل، وفي فخذ النبيت بطن هو ظفر، وكان يسمى أيضًا كعب بن الخزرج. ومن ثم كان بعض الخزرج بين الأوس. وكان الأوس يسكنون بلادا واسعة تحيط بالخزرج من الشرق والجنوب. تاريخ الأوس: كان الموطن الأولى للأوس بلاد اليمن، وبعد أن عاشوا مع الخزرج في سلام بين القبائل اليهودية، وكان أكثر اليهود بين الأوس مفرقين، ولكن كان منهم عشيرتان قويتان مستقلتان هما بنو النضير وبنو قريظة الذين اتحدوا مع الأوس وساعدوهم مساعدة حقيقية في حروبهم مع الخزرج. على أنه عندما بدأ النبي [- صلى الله عليه وسلم -] حربه لاستئصال شأفة اليهود آخر الأمر. كانت الأحقاد والبغضاء بين أفخاذ الأوس المدنية وأسرهم قد أنهكتهم وكسرت شوكتهم، وأحدث هذا تغييرا كبيرا في قوتهم وفي مواطنهم، فهاجر بعضهم بقضهم وقضيضهم، ونزلت أسر منهم في أرض غيرها، وأبيد بعضهم، وانضم الكثيرون منهم إلى الخزرج. وقد نشبت حروب طويلة بين الأوس والخزرج واستمرت عشر سنين، كانت تشترك فيها أحيانا القبيلة كلها وأحيانا لا يشترك فيها إلا فريق قليل. واستمرت هذه الحرب التي قاتل فيها الأخ أخاه واستحكمت حلقاتها قبيل الهجرة حينما وقع يوم بعاث، وفيه انتصر الأوس رغم أن الأحقاد القديمة كانت قد هدّت من قواهم. وكان الفضل في ذلك النصر للمعونة التي تلقاها الأوس من عرب ليسوا من المدينة، ومن القبيلتين اليهوديتين اللتين أسلفنا ذكرهما. ولم يكن للأوس نصيب في المفاوضات الأولى التي جرت في مكة بين محمد [- صلى الله عليه وسلم -] وبين أهل المدينة، ولكنهم اشتركوا في العهد الذي عاهدوا فيه بحماية النبي [- صلى الله عليه وسلم -] والذي مهد السبيل لاستيطان النبي محمَّد [- صلى الله عليه وسلم -] المدينة. ولما حث النبي [- صلى الله عليه وسلم -] معظم أتباعه على مؤاخاة أهل المدينة بعد وصوله إليها بقليل -كان بين أهل المدينة قليل من الأوس. وظل الكثير

منهم بمعزل عن الإِسلام، -إلى حين- وكانوا أحيانا مصدر تعب للنبي [- صلى الله عليه وسلم -] وكذلك حيادهم في جهاده الدينى وغير ذلك (*)، ولكنهم اعتنقوا جميعًا الإِسلام بالتدريج، بل اعتنقته الأسر اليهودية التي كانت مندمجة فيهم سياسيا. ولما توفي النبي محمَّد [- صلى الله عليه وسلم -] وكاد انتخاب خليفة له يفضى إلى إراقة الدماء، ساعد الأوس على انتخاب أبي بكر. ديانتهم: كانوا أيام الجاهلية يعبدون مناة أكبر آلهتهم. وقد حدث قبيل الهجرة تجديد في الديانة الوثنية أدخله أبو عامر الراهب الذي لم يقنع بزعامة "أوس الله" في القتال، وقد قوى شأنه في الأوس وفي بني عمرو بن عوف ولكنه لم يستطع الثبات أمام قوة الإسلام. وشهدت أوس الله أبا عامر حانقا ثابتا في معاداته لمحمد [- صلى الله عليه وسلم -]، حتى أنه ذهب إلى مكة الوثنية مع خمسين من قبيلته. وظل أتباعه المخلصون في المدينة على اتصال به سرا في المسائل الدينية، ولكنهم لم يجرؤوا على اللحاق به، كما كان يرجو ذلك بعد هزيمة المسلمين في جبل أحد. وكان أبو عامر عند ذاك يحارب في صفوف أهل مكة، ويظهر أنهم [في بادئ الأمر] رضوا بقبول الإِسلام مصطبغا بتعاليم أبي عامر، ولكن النبي محمدا [- صلى الله عليه وسلم -] أبي عليهم ذلك أو أن يعتزلوا ويتعبدوا في مسجد خاص بهم، ومن ثم حسنت عقيدتهم الإِسلامية منذئذ. المصادر: (1) السمهودى: خلاصة الوفاء، ترجمة فستنفلد Ge.schichte de Stadt Medina der Ab- Gottinger Gesellsch. d. Wissensch hanandl . جـ 9. (2) وأكبر مرجع هو: Welihausen Medina vor Skizzen and Vorarbeiten) dens Islam عدد 4 , ص 3 - 63). (3) Annali dell'Islam: Caetani . [ريكندورف Reckendorf]

أوغندة

أوغندة (*) بلاد في إفريقية الشرقية الإستوائية شمالي بحيرة فكتوريا، وسميت بهذا الاسم نسبة إلى مملكة بوغندة البنتوية التي هي أحد الأقاليم الأربعة التي تتألف منها أوغندة. وكلمة أوغندة معناها في لغة السواحلية "بلاد باغندة" لأن البادئة "أو" في اللغة السواحلية معناها "بلاد كذا" وقد استعملت مكان البادئة "بو" التي تدل على نفس المعنى، وأطلق اسم أوغندة أول الأمر على مملكة "متيسه" التي اكتشفها "سبيك" J.H. Speke سنة 1862 م، ثم أصبح على مر الزمن يطلق على أوغندة كلها متمشيا مع امتداد النفوذ البريطانى في بوغندة. (أ) جغرافية أوغندة: تمتد بلاد أوغندة على وجه التقريب بين خطى عرض 1 ْ جنوبا و 4 ْ شمالا، وبين خطى طول 30 ْ و 35 ْ شرقي كرينوتش، ومساحتها 204 ر 94 أميال مربعة، منها 13.616 ميلا مربعة مغطاة بالمياه، ويبلغ ارتفاعها عن سطح البحر 4000 قدم، وبها جبل إلغون في الشرق وارتفاع قممه 14.000 قدم. وفي غربيها هضاب تورو ويبلغ ارتفاعها 5000 قدم، وهي ترتفع حتى سلسلة جبال "رونزورى" التي يغطى الثلج ¬

_ (*) يبلغ عدد السكان 19.559.000 نسمة بكثافة سكانية 213 في الميل المربع، والمناطق الحضرية 11 % والمجموعات العرقية تشمل: بانتو، نيليون، نيليون حاميون، حاميون، قبائل سودانية، اللغات الرئيسية [الإِنجليزية (رسمية) سواحيلية. الأديان 66 % ـ مسحيون، 16 % مسلمون، طبيعيون بنسب أقل، ورغم أن هذه التقديرات وردت في إحصاءات عالمية، فيرجح أن يكون المسلمون أكثر عددًا، حيث وصلها الإِسلام منذ فترات مبكرة، ووجدت فيها مملكة إسلامية عريقة. نظام الحكم جمهورى ويرأس الدولة الرئيس يورى كاجوتا موسيفينى Ynweri Kaguta Museveni المولود سنة 1944 م والذي شغل منصبه في 29 يناير 1986 م، وتنقسم إلى عشر مديريات والعاصمة كامبالا Cambala وقد استقلت أوغنده في 9 أكتوبر 1962 م وهي عضو في الأمم المتحدة ومنظمة الموحدة الإفريقية والجات والكومنولث وقد صدر مشروع دستورى بالتعددية الحزبية في 1992 م. د. عبد الرحمن الشيخ

قممها، وأعلى هذه المتيمم جبل ستانلى، ويبلغ ارتفاعه 16.816 قدما. وفي جنوبي غريب أوغندة جبال توجد أعلى قممها في إقليم "مفمبيرو" " Mfumbiro" البركانى، ويبلغ ارتفاع بعضها ما بين 11.000 و 15.000 قدم. وإذا استثنينا بعض الجبال على حدود الكونغو البلجيكية، غربي النيل، على خط عرض 2 ْ و 15 ْ شمالا، فإن المستوى العام لارتفاع الجزء الشمالي من هذه البلاد قد تأثر بنظام تصريف مياه النيل، ولهذا لا يزيد ارتفاعه على 3000 قدم. وتغذى بحيرة فكتوريا، وهي على ارتفاع 3726 قدما، النيل عند مساقط ريبون التي اكتشفها سبيك سنة 1862, وهي تعتبر منبع هذا النهر. أما بحيرة ألبرت فهي على ارتفاع 2028 قدما، وهي جزء من الحدود الغربية لأوغندة، ويغذيها نهر سمليكى الذي يخرج من بحيرتى جورج وإدوارد ثم يصب في نهر النيل شمالي بحيرة فكتوريا. وعلى هذا فأوغندة قطر عند منابع النيل الأبيض. والنيل يكوّن النظام الرئيسى لتصريف المياه في البلاد كلها. ومناخ أوغندة أكثر اعتدالا من مناخ البلاد الاستوائية الأخرى. إذ أن متوسط أعلى درجات الحرارة فيها هو 80 فهرنهيت ومتوسط أقلها 60 فهرنهيت. وقد يصل متوسط أعلى درجات الحرارة في المنخفضات الشمالية إلى 90 فهرنهيت. ويختلف مقدار ما يسقط فيها من الأمطار اختلافا بينا؛ ففي الساحل الشمالي لبحيرة فكتوريا نيانزا يبلغ متوسط ما يسقط من الأمطار 65 بوصة تقريبا، وتغزر الأمطار عند منحدرات جبل إلغون وعند جبل تورو. وتقل الأمطار في شمالي أوغندة قلة تجعل الأحوال الجوية قريبة الشبه بأواسط السودان. ويزرع شجر الموز في الأقاليم التي تكثر فيها الأمطار، وهو الغذاء الأساسي لأهل تلك البلاد، ويزرع أيضًا في تلك الأقاليم بعض الحبوب الأخرى. والنبات في أرض أوغندة مختلف في وفرته ففي بعض أجزائها نبات قليل متفرق مما ينبت في الصحراء, وفي غيرها غابات استوائية كالموجودة في

حوض الكونغو. وفي جبال إلغون ورونزورى منطقة ينبت فيها نبات ألبى، ولهذه المنطقة شأن كبير. وجزء كبير من باود أوغندة عبارة عن مراع خصبة من منطقة السفانا. (ب) سكان أوغندة: بلغ عدد سكان هذه البلاد سنة 1920: 3.410.857 نسمة منهم 1995 أوروبيا و 12.539 آسيويا. وهبط عدد سكان البلاد في تعداد سنة 1921 إلى 2.848.735 نسمة؛ منهم 267.522 بروتستانتيا و 255.014 كاثوليكيا و 98.000 مسلم و 2.228.199 وثنيا. ويبلغ عدد سكان إقليم بوغندة 774.753 نسمة منهم 72.263 مسلمًا، بينما نجد أن المسلمين من أهل باغندة تبلغ نسبتهم 75 % وينقسم السكان من حيث الجنس -كما ذكر سلكمان Seligman - إلى ثلاثة أقسام، هم: البنتو في الشرق، والساميون الحاميون، ثم النيليون، والبنتو الذين يسكنون شرقي البلاد لا نعرف منهم معرفة جيدة إلا قوم الباغندة، ويظهر أن أقواما حامية من الرعاة قد هاجرت منذ عدة قرون في فترات متعاقبة إلى هذا الجزء من إفريقية وأسسوا مملكة "كتارة" الكبيرة وسيطروا على البنتو المشتغلين بالزراعة، وانقسمت هذه المملكة على الأيام إلى الأقسام الثلاثة الموجودة الآن: مملكة أنكولة التي يغلب عليها الجنس الحامى، ومملكة بنيورو، وفيها اختلط الحاميون الأصليون بالبنتو، ومملكة بوغنده، وفيها حدث اختلاط كبير بين الحاميين والبنتو وإن كانت الأسرة الحاكمة من الحاميين. ويمثل أنصاف الحاميين عدة قبائل مثل كارموجونك وإيتسو، في حين يمثل الجنس النيلى قبائل أشولى ولنغو وغيرهما من القبائل التي تسكن شمال غربي أوغندة. تاريخها: اكتشف بيرتون Burton وسبيك Speke بحيرة فيكتوريا عام 1859 م، واكتشف سبيك وكرانت Grant منابع النيل ومساقط ريبون عام 1862 م. ووصل ستانلى Stanley إلى أوغندة عام 1875 م وكتب رسائله المشهورة التي وصف فيها مملكة بوغندة وكان يسودها العرب المشتغلون

بالنخاسة ولا يعبأ أهلها بالإسلام، بل كانوا على استعداد لقبول الإرساليات التبشيرية التي كان لها أكبر الأثر في تكييف مستقبل هذه المملكة. وقد وصل فريق من المبعوثين البروتستانت إلى أوغندة عام 1877 م متبعين الطريق الذي اتبعه العرب من زنجبار (بر الزنج)، وجاء بعدهم عدد من قساوسة الفرنسيين عام 1879 م. وفي الوقت نفسه عَيَّن خديو مصر السير صمويل بيكر الذي كان قد اكتشف بحيرة ألبرت عام 1864 م، حاكما عاما للسودان وزوده بالتعليمات اللازمة للقضاء على النخاسة التي كان يشتغل بها الترك والعرب، وكان مركزهم غندكرو، وأبعد محلاتهم على مسيرة خمسة عشر يوما ناحية الجنوب، فوصل صمويل بيكر إلى بنيورو عام 1872 م، وضمها إلى السودان. وخلفه على حكم السودان غردون، فأرسل المبعوثين إلى مملكة بوغندة، ولقى ستانلى أحدهم في بلاط متيسه ملك بوغندة، وأخذ منه رسائله المشهورة وحملها معه إلى إنكلترة وكان أمين باشا حاكما على الأقاليم الاستوائية من السودان المصري بما فيها القسم الشمالي من أوغندة عند قيام ثورة المهدي، فقطع كل اتصال بينه وبين الخرطوم، وأنقذه ستانلى. وثار فريق من جنود أمين باشا بقيادة ضابط مصرى يدعى سليم بك، وظلوا في "تورو" التي دخلت فيما بعد في نطاق ما عرف من بعد اليوم بالكنغو البلجيكية. وكان الطريق الذي يصل ممباسا بالداخل- مارًا بما عرف بعد بمستعمرة كينيا قد فتحه العرب. وفي عام 1889 أرسلت الشركة الإنكليزية الامبراطورية الإفريقية الشرقية حملة إلى أوغندة لضمها إليها، وانتهت المفاوضات التي قامت بين إنكلترة وألمانيا، والتي كان الغرض منها تقسيم الساحل الشرقي والبلاد الداخلية، بضم أوغندة إلى بريطانيا. وفي عام 1890 أمر الكابتن لوكارد Lugard وهو اللورد لو كارد فيما بعد، وكان مشتغلًا ببناء عدد من الحصون على الساحل - أن يتوجه إلى أوغندة لتثبيت مركز الشركة هناك وخلع النصارى والمسلمون "موانجه"، خليفة

متيسه، ففر إلى الطرف الجنوبي لبحيرة فيكتوريا حيث احتمى ببعض الإرساليات الكاثوليكية، وأقيم مكانه "كيويوا". وسرعان ما ضاق المسلمون بالملك الجديد لأنه رفض الأخذ بتقاليديهم، فنادوا بأخيه "كالما" ملكا على البلاد، واتعظ هذا بما حل بأخيه فادعى الإِسلام، واجتهد في أن يجبر الفلاحين على الأخذ بعادات المسلمين، ومنها الختان، مما أدى إلى خروج عدد كبير من النصارى إلى أنكوله. فاستدعى البروتستانت موانجه، الذي تمكن بمساعدة الكثيرين من اتباعه من هزيمة جيش المسلمين ودخول العاصمة، وتراجع المسلمون إلى بنيورو ومنها قاموا بغزوات كثيرة لبوغنده. ولما توفي كالما اختاروا مبوجو أخا متيسه ملكا عليهم. وعند وصول لوكارد إلى أوغندة أجبر موانجا على توقيع معاهدة مؤقتة، ولكى يحصل على قوة يستطيع الاعتماد عليها اتفق مع سليم بك قائد الجنود الذين بقوا هناك من جيش أمين باشا، فالحق بعض هؤلاء السودانيين بالخدمة في بوغندة أما الباقون فقد أرسلهم إلى حصون بنيورو وتورو ولم تكن الرقابة على السودانيين الذين استقروا في الحصون كاملة، بل تركوا وشأنهم تحت إشراف ضباط من جنسهم، ولذلك لم يقوموا بمعاونة الدعوة الإِسلامية بين الفلاحين المجاورين. وفي عام 1892 م رأت الشركة الإنكليزية الإمبراطورية الإفريقية الشرقية التخلى عن هذه المملكة لكثرة نفقاتها إلا إذا عاونتها الحكومة الإنكليزية. وقد رفضت الأخيرة ذلك أول الأمر، ولكنها ألغت قرارها هذا خضوعا منها للرأى العام الذي كانت تستثيره جمعية التبشير الكلسية من جهة واقتناعا بما قدم إليها من براهين تدل على توقع الرخاء لذلك البلاد، من جهة أخرى. وبدأت بالأشراف على الشركة عام 1894 م عندما أبرمت معاهدة وقتية مع الملك موانجا. وفي عام 1897 م شبت عدة فتن، ذلك لأن موانجا لم يخضع قط لهذا النظام الجديد، وكان يدبر المؤامرات سرا، ثم فر إلى "بُدو" حيث رفع راية العصيان، بيد أن الجنود السودانية

ألحقت به الهزيمة ففر إلى الأراضي الألمانية. وكان مكدونالد مشتغلًا في ذلك العين في السكك الحديدية هناك فعُهد إليه أن يمسح بلادا جديدة لم تكشف بعد قرب بحيرة رودلف، فاحتاج إلى حامية كبيرة، ولذلك أرسلت إليه الجنود السودانية التي كانت مشتغلة بالقتال المستمر في بقاع مختلفة. وخفضت أعطيات الجنود وساءت حالتهم النفسية، فانتهز فريق منهم الفرصة وجاهر بالعصيان. وأرسلت الرسل إلى باغندة الإِسلامية وبذلت المساعى لتحريض زعيمها مبوجو على الانضمام إلى الثائرين الذين قد يولونه العرش، ولكن مبوجو رفض هذا التحريض وظل مخلصا لبريطانيا بالرغم من عقيدته الدينية. ولم يكن رفضه قائما على عدم الرغبة في الانضمام إلى الثوار فحسب، بل كان يعلم أيضًا أنه لن يتولى العرش لكونه، وفقا لعادات قومه، الابن الأكبر للملك السابق. وتحرجت الأمور بانضمام موانجا إلى "كبريجا" ملك بنيورو في محاولته طرد الإنكليز من البلاد أثناء قيام الجنود بالعصيان، وانتهى الأمر بإخماد الفتنة والقبض على هذين الملكين ونفيهما إلى سيشل. وتمتعت البلاد منذ عام 1899 بسلام دائم. وفي الحق أن قصة بوغندة وما أحاط بها من مشكلات هي قصة أوغندة بأسرها. ومن أقليم بوغندة أخذ الإنكليز يدخلون القبائل الأخرى في طاعتهم، إما بإظهار سلطانهم الحربي وإرسال الحملات الصغيرة لاخضاعها حينا، وإما بالتوغل السلمى في معظم الأحيان. دخل الإِسلام بلاد أوغندة من الشاطئ الشرقي ومن الشمال بعد توغل العرب فيها من الساحل الشرقي، وكانت لهم الغلبة عند وصول سبيك إلى بلاط متيسه، وتمكن قوم باغندة- وهم جنس ذكى ناشط اتخذ له لونا من ألوان الحكم بفضل البنادق التي أخذوها من العرب في مقابل العبيد والعاج- من السيطرة على القبائل المجاورة، وطمحوا أيضًا إلى أن يتعلموا من العرب سر الكتابة لأنهم أدركوا مقدار ما يصيبونه من قوة بمقتضى هذا التعلم. ورفض العرب بادئ الأمر إجابتهم إلى ما طلبوا

وأفلحوا في إدخال بعضهم في الإِسلام، ولكن سرعان ما وصلت الإرساليات المسيحية التبشيرية إلى بأغندة، فرأى هؤلاء أن أعضاء تلك الإرساليات على تمام الاستعداد والرغبة في تعليمهم الكتابة وإمدادهم بالمعارف التي تزيد في ثقافتهم، وشعر العرب أنهم بذلك يفقدون مكانتهم فطلبوا المدرسين من الإقليم الساحلي، وفتحوا المدارس التي تعلم الأطفال كتابة اللغة "السواحلية" بالحروف العربية. والتصادم بين الإِسلام والنصرانية هو في الواقع تصادم بين ثقافتين مختلفتين، وغلبة المسيحية في نهاية الأمر تعود في الغالب إلى ما قامت به الإرساليات التبشيرية من تعبيد طرق التعليم لأهالى هذه البلاد. ولم يكن هناك أثر كبير لنفوذ الإِسلام الذي دخل البلاد من ناحية الشمال، فقد اهتم الترك والعرب بادئ الأمر بجلب العبيد من القبائل الهمجية، وتمكن الجنود وأتباع حكام الأقاليم وغيرهم من موظفى السودان من تحويل القليلين إلى الإِسلام؛ أما السودانيون، وكلهم من المسلمين ومن بقايا جيش أمين باشا، فلم يكن لهم أثر يذكر على الأهالى الوطنيين، ولو أنهم كانوا يعيشون جماعات متفرقة في أنحاء البلاد، كما كانوا في وقت من الأوقات العمود الفقرى للجيش والشرطة في تلك الربوع. ولكن الإِسلام انتشر حديثًا في إقليم النيل الغربيّ الذي يسكنه الجنس النيلى بفضل شخصية القليلين من زعماء تلك المنطقة الذين اعتنقوا الإِسلام وشجعوا التعليم وفتحوا المدارس، بيد أنه يوجد إلى جانبهم عدد كبير من الوثنيين الذين اعتنقوا المسيحية، وحظوابنصيب أوفر من التعليم بفضل إشراف الأوربيين. المصادر: نذكر إلى جانب الكتب الخضر التي تصدرها وزارة المستعمرات: (1) التقارير السنوية لحاكم أوغندة. (2) التقرير الإحصائى لعام 1921 والمقال الذي كتبه Sir Harry Johnston في دائرة المعارف البريطانية الطبعة الرابعة عشرة.

(3) Handbook Of: H.R. Wallis Uganda, الطبعة الثانية لندن سنة 1920، وفي هذا الكتاب مصادر أخرى. (4) Naval Intelligence Division Admiralty, Handbook Of Uganda Protectorate، أكسفورد عام 1921. (5) The Uganda: Harry Johnston Protectorate، لندن سنة 1902, وهو لمحة عامة عن تاريخ تلك البلاد وجغرافيتها. (6) The Albert: Sir Samuel Baker Nyanza، لندن سنة 1866. (7) In Darkest . Af- .H. M. Stanley .ricn لندن سنة 1893. (8) The Rise Of Our: Lord Lugard East African Empire، لندن سنة 1893. (9) الكاتب نفسه The Story of The Uganda Protectorate، لندن سنة 1900. (10) Early: Frederick Jackson Days in East Africa، لندن سنة 1930. (11) Equatoria: C. H. Stigand, لندن سنة 1923, وفي هذا الكتاب مصادر أخرى. Preaching: Sir T.W. Arnold (12) Of Islam، الطبعة الثانية، لندن سنة 1913, ص 344. ويمكن الرجوع إلى المصادر التالية فيما يختص بالسلالات البشرية: (1) The Baganda J. Roscoe, لندن سنة 1911. (2) الكاتب نفسه The Bakitara كمبردج سنة 1923. (3) الكاتب نفسه The Bagesu كمبردج سنة 1924. . (4) The Lango J.H. Driberg, لندن سنة 1923. (5) الكاتب نفسه The East African .Problem لندن سنة 1930. ويمكن الرجوع إلى كتب النحو التي نشرها في لندن. S.P.C.k عن اللغات المختلفة في تلك البلاد. التحرير [هادون B. Haddon. E]

أولاد البلد

أولاد البلد هو المصطلح الذي استعمل أيام المهدية السودانيين للتعريف بالأشخاص المنحدرين من أصول قبائل النهر الشمالية، الذين يعتبر الدناقلة والجعليون أعلاهم شأنا. وكان الكثير من أولاد البلد يقطنون جوار النيل عينه، بصفة مستديمة أو مؤقتة، بعيدين عن مراكز قبائلهم، وكان الدناقلة صناع فلك وملاحين، وخاصة على النيل الأبيض، وقاموا هم والجعليون بدور هام تجارا ونخاسين في كردفان وبحر الغزال ودارفور. وقد وجد محمَّد أحمد المهدي منهم عونا كبيرا، وخاصة أولئك الذين كانوا قد تفرقوا غربا وجنوبا، وعلى العموم فقد تكونت منهم تحت قيادته طبقة حاكمة، فلما مات المهدي في يونيه سنة 1885 م، أقصاهم خلفه عبد الله، شيئًا فشيئا، عن مناصبهم الرئيسية، وإن ظلت الوظائف الكتابية والثانوية تغص بهم حتى انتهى أمر المهدية. ومن بين أولاد البلد. يمتاز الأشراف، وهم أقرباء المهدي، ويتبعون اسميا الخليفة محمَّد شريف، وفي عام 1886 م حاولت هذه الجماعة أن تسقط عبد الله فلم تنجح. وهزم المهدية عند توشكى في إغارتهم على مصر بغية فتحها، فأوهى ذلك من قوة أولاد البلد وهنا شديدا، ذلك أنهم كانوا قوام هذه الحملة العسكرية التي هلك منها خلق كثير، من بينهم قائدهم عبد الرحمن النجومى. وفي سنة 1891 م قامت ثورة من الأشراف والدناقلة في أم درمان، أحبطها عبد الله، وأتبعها بأعمال قمع شديدة. وفي سنة 1879 م ثار جعليو المتمة بقيادة زعيمهم عبد الله سعد، واتصلوا بالقوات المصرية الإنكليزية بقيادة كتشنر، فقام جيش مهدوى بقيادة محمود أحمد فأخمد الفتنة ونهب المدينة. المصادر: وردت إشارة خاصة إلى هذا المصطلح في كتاب ألفه. Wingate (J .F.R (Ohrwalder , لندن سنة 1893 م: Ten years captivity in the Mahdi's Camp عبد القادر [هولت P.M. Holt]

أولاد الشيخ (بنو حمويه)

أولاد الشيخ (بنو حمويه) كانوا في الأصل أسرة إيرانية من الصوفية وفقهاء الشافعية، هاجر فرع منها إلى الشام، وأصبح ذا نفوذ لدى أواخر الملوك الأيوبيين، وهم الملك الكامل 615 - 635 هـ (1218 - 1238 م) وأولاده. وأقدم من عرف من أفراد هذه الأسرة هو أبو عبد الله محمَّد بن حمويه (بالفارسية: حموية) الجويني، الذي توفي عام 530 هـ (1135 - 1136 م)، وكان فقيهًا صوفيًّا ذائع الصيت، كتب عدة كتب عن الباطنية (السمعانى؛ ابن الأثير، جـ 11، ص 30؛ أبو الفرج ابن الجوزي: المنتظم، حيدر آباد، جـ 10، ص 63 - 64, ياقوت: جـ 2، ص 425؛ حاجى خليفة، طبعة فلوكل، جـ 3، ص 612, رقم (7231) ونزح حفيده عماد الدين أبو الفتح عمر بن علي (المتوفى سنة 577 هـ = 1181 م) إلى دمشق، وفي عام 563 هـ (1174 م) عينه نور الدين (541 - 569 = 1146 - 1174 م) مفتشًا على جميع المعاهد الصوفية في دمشق وسماه وحمص وبعلبك وأماكن أخرى في الشام، ومن ثم أصبح الجد لفرع هذه الأسرة في مصر والشام" وإن بقيت الصلات مع الفرع الإيراني كما كانت عليه (سبط ابن الجوزي: مرآة الزمان، حيدر آباد ص 272). ومن أشهر هؤلاء أخوه عبد الواحد المتوفى عام 588 هـ (1192 م؛ ابن الفرات، جـ 7، ص 164) وابن أخيه الأكبر، سعد الدين محمَّد المتوفى عام 650 هـ (1252 م؛ وانظر سبط ابن الجوزي، ص 651). وكان لعماد الدين عمر وابنان: شيخ الشيوخ صدر الدين أبو الحسن محمَّد (543 - 617 هـ = 1148 - 1220 م) وقد ولد في خراسان وحضر مع أبيه إلى دمشق وأصبح خليفته، وتزوج من ابنة القاضي المعروف بن أبي عصرون المتوفى سنة 585 هـ (1189 م؛ انظر ابن خلكان رقم 334, ترجمة سلان", جـ 2، ص 32 , - 35)، ورزق منها بأربعة أولادا اشتهروا باسم أولاد "بنو" شيخ الشيوخ، وقد شخص صدر الدين من بعد إلى مصر، وكان صديقا للسلطان الملك العادل (595 - 615 هـ = 1198 - 1218 م) فناط به الملك العادل نفس

المناصب التي كانت له في دمشق، ومات في الموصل في طريقه إلى بغداد سفيرًا للملك الكامل. وفي عام 593 هـ (1196 م) ذهب أخوه الأصغر، تاج الدين أبو محمَّد عبد الله (572 - 642 هـ = 1177 - 1244 م) إلى المغرب، والتحق بخدمة السلطانين الموحديين المنصور يعقوب) 580 - 595 هـ = 1184 - 1198 م) والناصر محمَّد (595 - 610 هـ = 1198 - 1213 م) سبع سنوات في وظيفة عسكرية، وبعد رجوعه استقر في دمشق، ونهج نهج أبيه وأخيه، فعمل مفتشًا على معاهد الصوفية في دمشق، وألف عدة كتب في التاريخ: لم يبق منها غير عناوينها، ورأى ابن خَلكَان في دمشق في سنة 668 هـ (1269 م) نسخة بخط يده لأحد كتبه عن الأندلس (ابن خَلكِّان: رقم 839 , ترجمة "ده سلان"، جـ 4، ص 337). وتقوم شهرة هذه الأسرة على أولاد صدر الدين الأربعة، وخاصة على فخر الدين يوسف؛ وقد ولد فخر الدين حوالي 580 هـ- 11840 م)، وانخرط في سلك السياسة، وأرسلة الكامل مبعوثا له لدى الخليفة عام 614 هـ (1217 م) ونال الشهرة لبراعته في السياسة، فقد قام بالسفارة للكامل لدى بلاط فردريك الثاني، الإمبراطور الهوهنشتاوفنى - Ho hinstaufen من عام 624 هـ (1229 م) حتى إبرام معاهدة أورشليم في 18 من فبراير سنة 1229 م، وقد أصبح فخر الدين خلال هذه الفترة صديقا للإمبراطور وأخذ الإمبراطور يناقشه حتى في أمور لا تمت للسياسة، وكتب له رسالتين بعد عودته إلى إيطاليا (ابن نظيف الحموى: تاريخ المنصورى، نشره Bibl. Sic App.: M.Amari, جـ 2، ص 25). وشغل فخر الدين عدة مناصب رفيعة في الفترة الأخيرة من حكم الملك الكامل، وكان عضوًا في مجلس الوصاية في دمشق، بعد موت الملك الكامل في رجب سنة 635 هـ (فبراير- مارس سنة 1238 م). فلما عاد إلى القاهرة، عزله الملك العادل الثاني ابن الكامل (635 - 737 هـ = 1238 - 1240 م) رغم جليل خدماته، بل وزج به في السجن. وبقى مقصيًا عن الخدمة حتى عام 643 هـ

(1246 م) حين رد إليه الملك الصالح نجم الدين أيوب بن الكامل، خلف الملك العادل وأخوه، جميع ما فقده من آيات التشريف، وجعله قائدًا عامًّا للجيش المصري. وفي عام 1249 م، هدد لويس التاسع، ملك فرنسا، بالهجوم على مصر فعهد إلى فخر الدين الدفاع عنها، فلما اجتاح الفرنجة الدلتا، ضحى فخر الدين بدمياط وارتد بجيشه جنوبًا إلى المنصورة، وتوفي الملك الصالح بعيد ذلك (يوم الاثنين 14 من شعبان عام 647 هـ 22 = من نوفمبر سنة 1249 م) فأقامته السلطانة شجرة الدر وصيًّا في غياب السلطان الصغير "المعظم تورانشاه" بن نجم الدين أيوب، وتقدم الصليبيون في هذه الأثناء ببطء نحو المنصورة وعبروا النيل في هجوم مفاجئ، ودخلوا المدينة، وقتل فخر الدين في المعركة يوم الخميس رابع ذي القعدة عام 647 هـ (الثامن من فبراير عام 1250 م). ولم يبدأ إخوة فخر الدين الثلاثة -وهم: عماد الدين عمر، وكمال الدين أحمد، ومعين الدين حسن- نشاطهم السياسي إلا في أخريات أيام الملك الكامل، إذ كانوا يقومون قبل هذا بتدريس المذهب الشافعي في دمشق، وكانوا أيضًا من أعضاء مجلس الوصاية بعد موت الكامل بدمشق، وبفضل نفوذ عماد الدين عمر، ابن أخي السلطان السابق انتخب الجواد يونس بن مودود بن العادل (توفي عام 641 هـ = 1243 م) نائبًا للملك على دمشق، ولما تآمر الجواد على العادل الثاني، أنفذ السلطان عماد الدين ثانية إلى دمشق ليرغم الجواد على التنازل، ولكنه ما كاد يصل إلى دمشق حتى قُبض عليه وقتل في 26 من جمادى الأولى 636 هـ (الرابع من يناير عام 1239 م). أما كمال الدين أحمد، أقل الإخوة الأربعة شهرة، فقد أقامه الصالح عام 637 هـ (1339 م) سفيرًا لمفاوضة الكونت ثيوبالد -حاكم يافا- وملك نافار في عقد معاهدة صلح، ثم أقامه من بعد قائدًا عاما ليسترد دمشق، ولكن الجواد والناصر داود بن المعظم (المتوفى سنة 656 هـ = 1258 م) هزماه في ذي القعدة من عام 638 هـ

(مايو / يونية سنة 1241 م) وأخذاه أسيرًا ومات بعد ذلك بسنة في 13 من صفر عام 640 هـ (12 من أغسطس عام 1242 م) في غزة. وعين الصالح أخاهم الأصغر معين الدين حسنًا وزيرًا عام 637 هـ (1240 م) وبعد أربع سنوات أصبح ممثلا له وقائدًا عامًّا للجيش في الحملة التي شنت لاسترداد دمشق. وبدأ الحصار في أواخر سنة 642 هـ (يونية عام 1241 م). وبعد ستة أشهر أجبر معين الدين عماد الدين إسماعيل بن العادل (توفي عام 648 هـ = 1250 - 1251 م) على تسليم قصبة الشام التي ظلت في يده منذ عام 637 هـ (1239 م) وذلك في مقابل بعلبك وبصرى وبعض الأماكن الأخرى. وعاش معين الدين بعد هذا الفوز أشهرًا قليلة ومات بالتيفود في 24 من رمضان عام 643) الثاني عشر من فبراير سنة 1246 م). ومن بين هذين الابنين لتاج الدين محمَّد عرف أكبرهما سعد الدين خضر (529 - 674 هـ = 1196 - 1246 م) بأنه ألف كتابًا صغيرًا في التاريخ الإخباري، أخذ عنه كل من سبي بن الجوزي والذهبي جل معلوماتهما عن بني شيخ الشيوخ. المصادر: (1) تواريخ ابن الأثير وسبط ابن الجوزي، وابن واصل، وأبي شامة، وابن الفرات، والنويرى، والمقريزى. (2) خطط المقريزى, طبعة بولاق، جـ 2، ص 33 - 34. (3) السبكي: طبقات الشافعية الكبرى. (4) une: C. Cahen Source pour L'histoire des Cruasades.: Les Memoires , de Sad-Adin Ibn Hamawyia Jwruaini -Bulletin de Facu'e des Lettres de Stras bourg = جـ 28 (سنة 1950) ص 320 - 337. (5): Shaikh ash Shuyukh Die Aulad (H.L. Gottschalk (Banu Hamawiya في. Wzkm سنة 1956، ص 57 - 87. عبد القادر [كوتشالك Gottschalk .H.L]

أول

أول (المؤنث: أولى، والجمع: أوائل). 1 - من حيث هو مصطلح فلسفي فإن المترجمين العرب لمؤلفات أرسطو وأفلوطين أدخلوه في الفكر العربي مرادفا بالعربية للكلمتين اليونانيتين (بروتوس) و"أرخاى". وعلى هذا فإن كلمة "أول" لأرسطو -أي في الترجمة العربية تدل إما على "الموجود الأول" أو "المخلوق الأول". وكذلك نجد في رسائل إخوان الصفا المصطلح "القصد الأول" يدل على العلة الأولى الصادرة عن الله، ويوجد المصطلح نفسه مرة أخرى في بُدّ العارف وفي المسائل الصقلية لابن سبعين. وكلمة أول يستعملها أيضًا المعتزلة والكندى والفارابى، بيد أن ابن سينا هو الذي قَعّد استعمالها في المصطلح الفلسفي، وأصبحت كلمة أول من ثم مألوفة عند أولئك المفكرين الشرقيين والغربيين العارفين بفكر ابن سينا على نحو مباشر أو غير مباشر. 2 - لفظ "أول" إذا استعمل بصيغة المفرد يدل عند الفلاسفة على الله بمعنى الموجود الأول، أما بتعبير "واجب الوجود" فهو اسم الله الذي نجده متواترا عند الفلاسفة المسلمين. وبهذا المعنى يكتفى به وحده، وإن كنا نصادف في بعض الأحيان مصطلحات تتردد مثل "المبدأ الأول". 3 - ويرد لفظ "أول" في عدة مصطلحات مركبة، فيدل في جوهره على المعلولات الأولى وما يليها في الوجود، كما في مصطلحات "المعلول الأول" و"الأجسام الأولى" و "الحركة الأولى". 4 - والجمع "أوائل" يدل على السابقين في الزمن، ويدل في الفلسفة على مفكرى العصور الأولى. 5 - والجمع "أوائل" يدل أيضًا على المبادئ الأولى في نظام الوجود والمعرفة، يقال أيضًا المعقولات الأولى، أي المبادئ الأولى للمعرفة. 6 - ويشتق من كلمة "أول" اسم المعنى "أولية" (والجمع أوّليات) وهو

عند الفلاسفة يدل على جوهر ما هو أول. 7 - والجمع أوليات، ترجمة للكلمتين اليونانيتين "تابروتا" و"أرخاى" بغير تمييز، ومعناه المبادئ الأولى في منهج المعرفة، أي القضايا أو الأحكام التي لا تحتاج في ذاتها إلى دليل. المصادر: (1) رسائل إخوان الصفا، القاهرة سنة 1374 هـ (1928 م)؛ جـ 4، ص 14 - 18. (2) الفارابى: رسالة في آراء أهل المدينة الفاضلة (طبعة Dieterici في Al Farabis Abhandlung der Musterstadt, ليدن سنة 1895 م) , ص 17 - 23, 27 - 29. (3) الكاتب نفسه: عيون المسائل (طبعة Dieterici . في - Al Farahis Phi dosophischen Abhandlungen ليدن، سنة 1890 م) ص 57 - 60. (4) ابن سينا: الشفاء، طبعة على الحجر، طهران سنة 1303 هـ (1886 م)، جـ 1، ص 292, 293 - جـ 2، ص 439، 581، 589, 605 - 608, 620 - 625. (5) الكاتب نفسه: النجاة، القاهرة سنة 1331 هـ (1913 م) , ص 100 - 103, 233, 270, 355, 404, 424, 451 - 453, 461 و 479. (6) الكاتب نفسه: كتاب الإشارات والتنبيهات (طبعة فورجيه Forget ليدن سنة 1892 م، ترجمة A.M. Goichon)، ص 55 - 59, 167 - 169. (7) الكاتب نفسه. تفسير الصمدية [طبعة جامع البدائع، القاهرة سنة 1335 هـ (1917 م) ص 19. (8) الكاتب نفسه: رسالة في العشق (المحقق نفسه) جـ 2، ص 72. (9) ابن حزم: كتاب الفِصَل، القاهرة سنة 1321 هـ (1903 م)، جـ 1، ص 21 - 25. (10) ابن السيد البطليوسى: كتاب

إيجاب

الحدائق (طبعة آسين Asin, في مجلة Andalus , جـ 5 سنة 1940 م)، ص 63 - 145. (11) ابن رشد Djami' de Meta- physique (طبعة كويروس Quiros, مدريد سنة 1911 م)، ص 131 - 154. (12) Lexique de la: A.M. Goichon dangue Philosophique d'Ibn Sina باريس سنة 1938 م , تعليقات رقم 33, 34، 35, 39, 91 , 99, 143, 443, 45, 572. (13) الكاتب نفسه: Vocabulaires compares d'Aristote d'Ibn Sina, باريس سنة 1939 م, ص 2. (14) Historia de: M.Cruz Hernandez filosofia hispano-musulmana la مدريد سنة 1957 م، جـ 1، ص 83, 87, 89, 131, 260, 317, جـ 2, ص 150, 154, 302, 307. آدم [م. كروز هرنانديز M. Cruz Hernandez] إيجاب اصطلاح مستعمل في البيع معناه قد وجب البيع، وتجب ملاحظة الصيغة الشرعية المقررة في جميع العقود، والإقرار المتبادل بين طرفين والمعروف في كتب الفقه بالإيجاب والقبول المؤثرين في اللزوم لا يتراخى أحدهما عن الثاني. ومع ذلك فقد بحث الفقهاء في المطولات إلى أي حد تكون عقود البيع صحيحة دون ذكر الإيجاب والقبول، فمثلا في الحالات التي يكون فيها عرف جماعة من الجماعات يقضى بتبادل السلع بما يقومها من غير إجراء آخر، فهل يكون هذا التبادل صحيحا من غير ذكر الإيجاب والقبول؛ أجاب كثير من العلماء بتجويز ذلك، إلا أن غيرهم يعتبرون مثل هذه المعاملات دون ذكر ألفاظ البيع والشراء لا تكون صحيحة إلا إذا كانت السلعة زهيدة القيمة. المصادر: (1) انظر الفصول الخاصة بمادة "بيع" في كتب الفقه. (2) Deers: Atjeh Snouckk Hergronje جـ 2، ص 353 The Achehnese) جـ 2، ص 320). (3) Indische Gids , سنة 1884 م, جـ 1 ص 745 - 755. [جوينبول W. Juynboll Th.]

إيجار

إيجار إجارة: مشتق من أجر، وتدل المصطلحات المرادفة لذلك على عقد الإيجار، ويستعمل أيضًا المصطلحان: "استئجار" و"كراء" وإن كان هذا الاستعمال أقل شيوعا. ويعرف المؤجر في إيجار الأشياء بالاسم مُؤْجِر أو آجر أو مكارى، أما في إيجار الخدمات فيعرف باسم "أجير". والشخص الذي يستأجر يعرف في جميع الأحوال باسم "مستأجِر"، ويعرف الشيء أو الخدمة المستأجرة باسم "المأجور" وقلما يقال المؤجَر أو المستأجَر. والجزاء الذي يؤدى نظير ذلك يقال له أجرة أو أجر بلا خلاف، فإذا حدد الأجر في العقد سمى أجرا مسمى، وإذا ترك للقاضي تحديده سمى "أجر المثل". والإيجار أو الإجارة هو العقد الذي يخول فيه شخص لشخص آخر الانتفاع شخصيا بشيء أو خدمة لقاء أجر. وثمة نوعان رئيسيان متمايزان من الإجارة: إجارة الأشياء وتسمى إجارة الأعيان، وإجارة الخدمات وتسمى إجارة الأعمال، والنوع الثاني يشمل فرعين: إجارة الأعمال بمعناها الصحيح أي عقد العمل، وإجارة المهارة وتعرف على وجه أخص باسم "الاستصناع" (في حالة أرباب الحرف)، وفي نطاق هذا الفرع يتميز الحالة التي يخول فيها المستأجر الانتفاع دون سواه بأعمال المؤجر- ويسمى في هذه الحالة "أجيرًا خاصا" -وحالة "الأجير المشترك" الذي قد يؤجر أعماله لأناس مختلفين. والإيجار عقد إيجاب وقبول صرف مثل عقد البيع، على أننا يجب أن نلاحظ أولًا أن الطرفين لا يشترط فيهما أن يكونا قد بلغا من "البلوغ" ويكفى أن يكونا حرين عاقلين مميزين، والشرط الثاني، من حيث النظر، هو أن الأجر لا يكون واجب الأداء إلا في حالة الانتفاع بعمل الأجير أو إمكان هذا الانتفاع. ولا يشترط أن يكون مؤجر الأعمال هو مالكها، ويكفى أن يكون صاحب

الحق في التصرف فيها. وأى شيء يصح أداؤه أجرا في بيع (ملك انتقلت ملكيته: كالنقود أو الأشياء المحسوسة) يصح أداؤه أيضًا أجرا في إجارة. على أن الانتفاع بالشيء يجوز أيضا أن يؤخذ به أجرا في إجارة، وفي هذه الحالة يعد العقد بصفة عامة قائما على إجارتين متبادلتين. ويجب أن ينص على مدة "الإجارة"، ولكن لا يستوجب الأمر أن يجعل لذلك حد، وقد أباحت هذه القاعدة الإفادة من التكييف العملى للإجارة في تحاشى المبدأ القائل بعدم إمكان التصرف في الوقف. وفي صيغ مختلفة عرفت بأسماء: "إجارة طويلة" و"إجارتين" و"حكر" فإن العقد الذي يرخص به القاضي يبرم مع "المتولى" الذي يخول للمستأجر حق البقاء، ولمدة غير محدودة في الواقع، مالكا للعين وأن يزرعها أو يقيم المبانى فوقها وأن يحوز ملكيتها بكل ما تقتضيه. المصادر: (1) رسائل الفقه من الشيبانيّ والسرخسى وما بعدهما، الفصل الخاص بالإجارة. (2) انظر المجلة، وهي مجموعة القوانين العثمانية، هذه المادة، ص 404. (3) ابن عابدين: رد المحتار، جـ 5، ص 2. (4) ابن عاصم: التحفة، النص والترجمة الفرنسية بقلم هوداس ومارتل، الجزائر سنة 1882 م، ص 551. (5) ابن قاضى سماونا: الجامع، القاهرة سنة 1301 هـ = 1883 م، جـ 2، ص 179 ابن قدامة: المغني، القاهرة 1367 هـ = 1947 م، جـ 5، ص 397. (7) ابن نجيم: البحر الرائق، القاهرة سنة 1333 هـ = 1914 م، جـ 7، ص 297. (8) Propriete privee et registre fonci- er: Tabbah، بيروت سنة 1947 م، جـ 1، ص 259. خورشيد [طيان. Tyan. E]

إيلرى جلال نورى

إيلرى جلال نورى مجدد تركى وكاتب ومحرر سياسى وصحفى (1877 - 1938 م)، ولد في غاليبولى؛ وكان أبوه حلواجى زاده مصطفى نورى, وهو من إقريطش، وكان واليا على عدة ولايات، وأصبح عضوا في مجلس الشيوخ سنة 1908 م، وكانت أمه ابنة عابدين باشا (الملقب بدينو 1843 - 1908) وهو من برزرن وكان واليا ووزيرا في عهد عبد الحميد الثاني، وصاحب شرح مشهور على المثنوى، وكان أخ من أخويه وهو صبحى نورى إيلرى، صحفيا وكاتبا اشتراكيا، أما الأخ الثاني وهو سداد نورى فقد كان مصورا ورساما كاريكاتوريا. وقد تلقى إيلرى تعليمه في مدرسة (ليسيه) غلطه سراى وجامعة إستانبول حيث درس القانون، وأتقن اللغة الفرنسية كل الإتقان حتى وإنه نشر بضعة كتب بهذه اللغة، تتضمن رواية "الكابوس Cauchemar" عن الحياة في إستانبول في عهد عبد الحميد الثاني؛ وقد تعلم الإنكليزية أيضًا؛ والفضل الكبير في تعليمه يعود إلى محيط أسرته، التي كانت تشمل عمه سرى باشا وزوجته ليلى ساز (1850 - 1936 م) الشاعرة والملحنة ومؤلفة بعض المذكرات النفسية عن حياة الحريم في القرن التاسع عشر. وقد زار جلال أوربا عدة مرات ونشر بعض ذكرياته في كتابين: "قطب مصاحبه لرى" و"شمال خاطره لرى"؛ وسرعان ما هجر المهنة القضائية ليصبح صحفيا وكاتبا حرا؛ وكان يكتب في كثير من الصحف والمجلات (وبعضها أنشأه هو)، وبخاصة إقدام، وآتى، وإيلرى، واجتهاد، وأدبيات عموميه مجموعة سي، وثروت فنون، وترك يوردى ثم جريدتى Le Jeune Turc - Le Courrier d'Orient في وقد كتب أكثر من ألف وخمسمائة مقال في هاتين الصحيفتين الأخيرتين اللتين كانتا تصدران باللغة الفرنسية، وكان كثير منها ذا قيمة عظيمة في تسجيل الحوادث عن المدة التي أعقبت عصيان 13 أبريل سنة 1909 م (31 مارت واقعه سي).

وكان جلال نوري نائبا عن غاليبولى في البرلمان العثمانى، وانتخب أربع مرات في المجلس الوطني الكبير، وقد أصبح بفضل معرفته القانونية الواسعة وخبرته بالثقافتين الشرقية والغربية من ألزم المستشارين للحكومة الوطنية الجديدة في أنقرة؛ وكان كاتبا أمينا مستقيم القصد، ثابتا على مبادئه في كل الأحوال مناصرا لمذهب الأحرار والحكومة الأمينة، وقد أسفر نقده الشديد -في صحيفته اليومية إيلرى التي كانت تصدر في إستانبول - للحكم المطلق ومساوئه ودفاعه بأن نظام الحزب الواحد لا يتفق والديمقراطية، عن مجادلات عنيفة في الصحافة؛ وقد عمد بعض المتطرفين من معضدى الحكومة، وبخاصة أغا أوغلى أحمد ويونس نادى إلى مهاجمته بشدة في الصحف الحكومية؛ وذهب قلج على، وهو عضو من أعضاء البرلمان، وكان اسمه قد نشر في قائمة شملت النواب والموظفين المتهمين بإساءة استخدام السلطة، إلى مكتب جلال نوري واعتدى عليه (انظر عن تفصيلات هذه المناظرة والحادث المترتب عليها الصحف: إيلرى، وحاكميت مليه، وجمهوريت، وصوك تلغراف عن الفترة من يونيه إلى أغسطس سنة 1340 هـ[المالية] / 1924 م) وقد نشر الصحفى صبحى نورى أخو جلال نوري مقال احتجاج شديد اللهجة في اليوم التالي لصحيفة إيلرى (31 يو ليه 1924 م)؛ ولكن جلال نورى نفسه لم يكن يكتب في هذه الصحيفة إلا في بعض الأحيان وتجنب الجدل؛ وتوفى جلال في إستانبول في الثاني من نوفمبر سنة 1938 م. وقد ألف جلال نورى نحو ثلاثين كتابًا ودبج آلافا من المقالات، جمع بعضها في كتاب، ولم يلتزم كل الالتزام بجماعة من الجماعات الثلاث الكبرى التي كانت غالبة في الفترة التالية لسنة 1908 م؛ أي "المتعصبين للتركية" و"المتعصبين للإسلام" و"الآخذين بالأساليب الغربية"، إلا أنه اتخذ لنفسه مكانا وسطا بين الجماعتين الأخيرتين، وقد أثار جدلا طويلًا في المسائل الاجتماعية والسياسية والدينية والقضائية واللغوية مع كبار كتاب تلك الفترة وعارض أيضًا الوطنيين

المتطرفين والآخذين بالأساليب الغربية الراديكاليين، والمتعصبين للإسلام الذين لا تلين لهم قناة (انظر مواد: كوك آلب، وجودت، ومحمد عاكف، والجامعة الإسلامية، وتوران). وكان جلال نفسه مصلحا معتدلا, ولكنه لم يكن مفكرا منهجيا، ومن ثم فإن آراءه واقتراحاته في شتى المسائل تبرز في معظم كتاباته أيا كان عنوان الموضوع، وفيما يلي أبرز مقالاته في الموضوعات التي ثار حولها الجدل في الفترة بين سنتى 1908 و 1923 م. النظام القضائى: إن الحاجة لإصلاح جوهرى في هذا الميدان مبحث من مباحثه الرئيسية: يجب أن يضع النظام القضائى لأى بلد موضع الاعتبار التطور التاريخي للأمة وطبيعتها وخصائصها وأحوال الحياة فيها ومقتضيات العصر، ومن ثم فإن دستور مدحت باشا ومجلة جودت باشا وكثيرا من القوانين التي تتعلق بالإدارة والقضاء والأملاك وخدمة الحكومة ونحوها لا تفى بالغرض ما دامت تتجاهل هذه الأحوال. إن القوانين ليست ثابتة لا تتغير، بل هي على النقيض من ذلك يجب أن يعاد النظر فيها من حين إلى حين وأن تعدل وفقا لما تقتضيه ظروف الزمن المتغيرة. تحرير المرأة: إن العلة الأولى لكثير من الشرور الاجتماعية السائدة في المجتمع العثمانى هي مركز المرأة المهين؛ فيجب [في تقريره] تحريم الزواج بأكثر من واحدة، وألا تعامل النساء كأنهن ملك يتصرف فيه المالك كما يشاء؛ ويجب أن تأخذ القوانيين الخاصة بالزواج والطلاق والأولاد بالأساليب الحديثة، بما يتفق مع روح الإسلام الذي أسئ فهم أحكامه عن النساء والأولاد قرونا؛ وقد حكم الكثيرون على آراء جلال نورى في هذا الموضوع بأنها "تقدمية أكثر مما ينبغي". أسباب الاضمحلال العثمانى: إن الأسباب الرئيسية لتخلف العثمانيين هي أنهم لم يسهموا في الكشوف البحرية ولا في عصر النهضة ولا في استغلال الطباعة. إصلاح الحروف الهجائية واللغة: إن الأبجدية العربية لا تناسب التركية، ومن ثم وجب وضع أبجدية معدّلة

قوامها الحروف الرومانية، أما فيما يختص باللغة نفسها فإن بحث جلال نورى فيها كان يتسم بالتحفظ، ذلك أنه يرى أن العناصر الفارسية -العربية طبيعية وضرورية للغة التركية شأن الكلمات اللاتينية والفرنسية للإنكليزية، على أن حملته على "التبسيط" لانت فيما بعد في العصر الجمهورى. الإصلاح في الإِسلام: إن الإِسلام في حد ذاته لم يكن أبدا عقبة في سبيل التقدم، ولكنه كان دائما يساء فهمه ويستغله المتعصبون والانتهازيون، ومن ثم فمن الضروري أن يدخل الإصلاح في الإِسلام، وبخاصة في الشريعة الإِسلامية؛ ويجب أن تكون وحدة العالم الإسلامي هي المثل الأعلى، وينبغي أن تحل محل المثل القومية للأمم الإِسلامية كل على حدتها؛ على أن المثال الأعلى لدولة يقوم بحكمها رجال الدين أمر لا يتفق مع مقتضيات العصر؛ ولا جدوى من تجاهل الحضارة الغربية، على أنه توجد حضارتان: الحضارة التقنية والحضارة الحقيقية؛ وينبغي على الأتراك أن يتمثلوا باليابانيين فيختاروا الحضارة التقنية، على أن يحتفظوا بحضارتهم الإِسلامية التركية وأن ينهضوا بها إذا اقتضت الحال عن طريق الإصلاحات (وفي هذا إرهاص بما قاله كوك آلب من بعد في التفريق بين "الحضارة" و"الثقافة"). المصادر: (1) حيدر كمال: تأريخ استقلال مناسبتيله جلال نوري بك، إستانبول سنة 1331 هـ 1913 = م. (2) بيام صفا: تورك انقلابنه باقيشلر، إستانبول سنة 1938 م، في مواضع مختلفة. (3) ت. طونايا: توركية ده سياسى بادتلر، إستانبول سنة 1952، ص 167 - 168. (4) الكاتب نفسه: غربجيلق جريانى في إستانبول حقوق فاكولته سي مجموعه سي، جـ 14، سنة 1954 م. (5) أولكن: توركيه له جاغداش دوشونجه تاريخي، قونيه (إستانبول) سنة 1966 م، ص 657 - 672. (6) س. ن. أوزرديم: جلال نوري إيلرى وديلمز في ديلجيلره صايغى، أنقرة سنة 1966 م, ص 329 - 347. صبحى [كوناى آلياى Cunay Alpa]

إيمان

إيمان الفكرة الأصلية في المعنى الأولى لصيغة "أمن" هي راحة العقل والطمأنينة من الخوف (انظر الراغب: المفردات، ص 24، لسان العرب، جـ 16، ص 160، س 1، 6 وما بعده). وعلى هذا فكلمة "آمن" يمكن أن يكون معناها جعله في أمان أو صدق بشخص أو شيء. والمعنى الديني لكلمة الإيمان هو: (1) التصديق أو الاعتقاد في الله وفي النبي [- صلى الله عليه وسلم -] ورسالته. (2) تصديق ما اشتملت عليه الرسالة. وينقسم أول هذين الاستعمالين إجمالا إلى ثلاثة أقسام (انظر الغزالي: الإحياء، الكتاب الثاني، الفصل الرابع). (1) ويفرق (¬1) القرآن الكريم أحيانا بين الإيمان والإِسلام ولا يفرق بينهما أحيانا أخرى، وعبارته في صلتهما بالعمل الصالح. واختلف علماء الكلام بعد ذلك فيهما, ولهذا نجد أن اصطلاح الفقهاء على معنى الإيمان يناقض اصطلاح المتكلمين. وفي الحديث أن النبي [- صلى الله عليه وسلم -] قال: يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان. ولكن ما معنى الإيمان هنا؟ يقول البعض إنه عقد بالقلب، وأضاف آخرون إلى هذا "الشهادة باللسان"، وزاد غيرهم شيئًا آخر هو "العمل بالأركان". قال بالرأى الأول الأشاعرة والماتريدية، وقال الأحناف بالرأى الثاني؛ أما الثالث فهو قول الخوارج، وذهب الكرامية إلى أن الإيمان هو "التصديق باللسان"، أي "الإقرار. وقال غيرهم كالجهمية مثلًا وهم فرقة من الجبرية: إن الإيمان إنما هو المعرفة بالله "بالعقل" والمعرفة برسله "بالوحي". وانتهى أهل السنة إلى رأى في الإيمان؛ وهو أن الإيمان هو التصديق بالقلب أي الاعتقاد والإقرار باللسان "القول" والعمل الصالح. والإقرار باللسان أقل درجات الإِسلام، ¬

_ (¬1) من الأمور المقررة أن الفرق بين الإيمان والإِسلام عند أهل السنة هو الفرق بين العام والخاص، والإيمان لا يحصل إلا بالقلب وقد يحصل باللسان والإسلام أعم، لكن العام في صورة الخاص متحد مع الخاص، ولا يكون أمرا آخر غيره مثال ذلك؛ الحيوان أعم من الإنسان، ولكن الحيوان في صورة الإنسان ليس أمرا ينفك عن الإنسان، والعام والخاص مختلفان في العموم متحدان في الوجود. وعلى ذلك مسح القول بأن المسلم أعم من المؤمن وإطلاق العام على الخاص لا مانع منه فإذا سمى المؤمن مسلما لا يدل على اتحاد مفهوميها. والمطلع على القرآن والسنة يرى أنهما مملوءان بالأدلة على أن الإيمان مقرون بالعمل الصالح. جاد المولى.

ومن صدق بقلبه وأقر بلسانه وعمل صالحا دخل الجنة. ويذهب المعتزلة إلى أن صاحب الكبيرة إن كان مسلما مصدقا بقلبه ومات قبل التوبة فلا هو بالمؤمن ولا هو بالكافر، وإنما هو فاسق يخلد في النار. ويوافقهم الخوارج على الحكم الأخير، ولكنهم يذهبون أيضًا إلى أن كل معصية يخلد صاحبها في النار. وأهل السنة يسمون صاحب الكبيرة فاسقا أيضًا ولكنهم يقولون إن نهايته إلى الجنة؛ لأن أصحاب الكبائر من المؤمنين ستطهرهم النار ولن يخلدوا في الجحيم. أما المرجئة فهم في الجانب الآخر، نشأت فرقتهم في صدر الإِسلام عندما اختلف السلف الصالح في أمر من كان مسلما باللسان دون العمل، قال الخوارج في صراحة إنه كافر، أما المرجئة فآثروا أن يؤخروا الحكم عليه إلى أن يكشف الله ما في غيبه، وقالوا بإسلام من اعترف بأنه على الإِسلام. وتلك مسألة أقرها الإِسلام في صيغ مختلفة ومراتب متفاوتة. فكل من عبد الله ميمما وجهه شطر القبلة وجب أن يعد مسلما. وتطرف متأخرو المرجئة في هذا الأمر إلى أن أصبح بدعة منكرة: قالوا إن الإيمان هو التصديق بالقلب ولا ينفع مع الكفر العمل الصالح، ولا يضر مع الإيمان المعصية (انظر Irdia: Van Vloten . في. Zeitschr. d Deutsch Morn. Gesell جـ 45، ص 161 ما بعدها، Vorlesungen: Goldziher index sub Murdschia) . بقيت مسألة هي: ما حكم المسلم الذي يقرر بلسانه ويقوم بالعبادات والأعمال الظاهرة شأنه في ذلك شأن المسلمين، دون أن يؤمن بقلبه؟ أما مثل هذا فقالوا إنه منافق غير مؤمن. وينبغي أن نتذكر هنا أن الطاعة والعمل الصالح في الإِسلام إنما يقصد بهما الطاعة للعبادات. (2) هل يزيد الإيمان وينقص؟ ورد في القرآن الكريم كثيرا ما يدل على أن الإيمان يزيد، قال السلف إن

الإيمان يزيد بأعمال الطاعات وينقص بارتكاب المعاصي، وذهب متأخرو المسلمين إلى أن التصديق لا تقع فيه الزيادة والنقصان وأن العمل الصالح ينبغي ألا يعد جزءًا منه أو مؤثرا فيه بالضرورة ولكنه يعتبر شيئًا زائدا على التصديق وبهذا يزيد في قيمته وعلى خاوف ذلك المعاصى فإنها تقلل من قيمة التصديق وإن كان هو لا يزيد ولا ينقص. وقول النبي [- صلى الله عليه وسلم -] (مثقال ذرة من إيمان) يشير إلى أن قيمة الإيمان قد تتفاوت. وقد أوضح الغزالي هنا الأمر توضيحا نفسيا (بسيكولوجيا) صادقا وكسا عبارته طلاوة وجمالا، وبين كيف أن العمل الصالح يزيد في الإيمان. ولكن المسألة ظلت مع هذا من مسائل الجدل اللفظى. فالذين قالوا إن الإيمان هو التصديق والعمل ذهبوا إلى أنه يزيد وينقص. والذين قالوا إنه التصديق فحسب ذهبوا إلى أنه لا محل فيه للزيادة والنقصان. (3) وهناك بحث آخر: اختلفوا في: هل يقول الشخص: "أنا مؤمن إن شاء الله"، أم يقول: "أنا مؤمن" من غير عبارة المشيئة؟ كذلك اختلفوا في: هل يقول الشخص: "أنا مؤمن حقا" أم يقول: "أنا مؤمن عند الله"؟ وقد أورد الغزالي أمثلة على هذه المسائل في كتاب الإحياء (جـ 2، فصل 5، المسألة الثالثة، انظر شرح السيد المرتضى). قال الأشاعرة وقال معهم معظم الشافعية والمالكية والحنابلة بوجوب إضافة عبارة "إن شاء الله". أما الماتريدية والأحناف فأنكروا هذا وأجازوا قول الإنسان: "أنا مؤمن حقا" وحجتهم في هذا أن عبارة "إن شاء الله" قد تورث الشك، والشك في هذا الموضوع معناه الكفر. وأجاب الأشاعرة على هذا فقالوا إن صيغة المشيئة لا يراد بها إيقاع الشك في حقيقة التصديق العقلى، إنما يراد بها: 1 - الاحتراز من الجزم خيفة ما فيه من تزكية النفس (انظر سورة النساء: آية 52؛ سورة النجم، آية 33).

أيام العرب

2 - التأدب، والتبرك وإخضاع كل شيء لمشيئة الله. 3 - إبداء الشك في كمال الاعتقاد الذي نحن بصدده لا من حيث حقيقته، والشك في وجود الأعمال الصالحة إذا عدت هذه الأعمال من الإيمان. 4 - إبداء الشك فيما إذا كان الله سيتيح للمؤمن أن يموت وهو مؤمن لأن الأمور يحكم عليها بخواتيمها. وتجد رأى الأشاعرة مبسوطا في كتاب الغزالي الذي أشرنا إليه آنفا، أما رأى الماتريدية فنجده في شرح التفتازانى للعقائد النسفية، طبعة القاهرة، سنة 1321 هـ، ص 127 وما بعدها. المصادر: علاوة على المصادر المذكورة في صلب المادة انظر أيضًا: (1) الإيجى: كتاب المواقف، طبعة سورنسن Soerensen ص 274 - 290، طبعة بولاق، سنة 1266 هـ، ص 593 - 600. (2) صحيح البخاري، كتاب الإيمان. (3) التهانوى: الكشاف: ص 94 - 98. (4) Zur Lehre vom Glauben: Krehl . im Islam [ما كدونالد D.B. Macdonald] أيام العرب الاسم الذي أطلقته الروايات العربية على الحروب التي قامت بين قبائل العرب في الجاهلية، وينسب أحيانا على ما وقع منها في صدر الإِسلام (لسان العرب، في روايته عن ابن السكيت، مادة "يوم" جـ 16، ص 139, س 1) ويقال مثلًا عندما يراد التخصيص يوم بعاث ويوم ذي قار. وأيام العرب عددها كبير، على أن الكثير منها لا يشيد بوقعة بالمعنى الصحيح كيوم ذي قار، وإنما يتحدث عن معارك ومناوشات قليلة الأهمية لا تشترك فيها القبائل بأسرها بل تنشب بين عدة بيوت أو بضعة أفراد. وقد انتبه العرب أنفسهم في بعض الأحيان إلى هذا, ولاحظ

الزبير بن بكار عند حديثه عن المعارك بين الأوس والخزرج أنه لم تكن بينهم في هذه الأيام حروب بالمعنى الصحيح إلا في يوم بُعاث، أما في بقية الأيام فكانوا يخرجون فيترامون بالحجارة ويتضاربون بالخشب (الأغانى، جـ 2، ص 162، س 12) وبين أن هذه الفقرة مأخوذة من وصف الزبير لحروب الأوس والخزرج الذي ورد في الفهرست (جـ 1، ص 10). ومع ذلك فقد زاد عدد ما ذكرته الروايات من تلك الحروب، لأن الكثير منها سمى بأسماء البقاع والآبار والجبال وما إليها من الأماكن التي وقعت هذه الحروب بالقرب منها، ونتج من ذلك أن الوقعة الواحدة كانت تنسب إلى أماكن مختلفة وتسمى بأسماء مختلفة. وما وقع في أحد هذه الأيام يشبه إلى حد ما ما وقع في غيره حتى أن ما ذكره فلهاوزن عن حروب الأوس والخزرج ينطبق على أيام العرب بصفة عامة (Skizzen and Vorarbeiten: Wellhausen، جـ 4، ص 28 وما بعدها). والذي يحدث أن عددا من الأفراد يشتبكون أول الأمر في عراك من أجل حد من الحدود أو دفعا لإهانة تلحق فردا في حمى سيد من سادات القوم، ثم يتسع الخلاف ويستفحل الأمر ويشمل القتال عشائر بأسرها أو قبائل بأكملها ويتشابك الجميع وتستمر الوقعة حتى تتدخل -عادة- أسرة من الأسر المحايدة حقنا للدماء، وسرعان ما يعود الأمن إلى نصابه. وتدفع القبيلة التي فقدت عدد أقل من الرجال الفدية عن العدد الزائد من قتلى القبيلة الأخرى. وتمدنا أخبار هذه الأيام التي دونت في نثر جيد قديم إلى جانب الشعر الجاهلى بمعلومات قيمة عن أحوال العرب قبل الإسلام تمكننا بخاصة من فهم روح الفروسية التي سيطرت على المحاربين من العرب القدماء. وحفظ تداول الناس لهذه الأخبار ذكر هؤلاء الأبطال قرونا عدة. ومن ثم فإن كثيرا من الموضوعات المشابهة التي نجدها في أيام العرب تتردد في كثير من

الأحوال في القصص الشعبية المتأخرة التي كتبت في الحق على نحو أسطورى، وحسبنا أن نأخذ على سبيل المثال قصة الزبير بطل سير بني هلال الذي لم يكن في حقيقة الأمر سوى المهلهل أخي كليب وائل صاحب اليد الطولى في حرب البسوس التي وقعت بين بكر وتغلب (يلقب الأغانى المهلهل بالزير، أي زائر النساء، جـ 4، ص 143، س 13). وأيام العرب كانت منذ القدم موضوعا محببا للأخباريين الذين كلفوا بأخبار العرب ومن بينها أيامهم، فقد ورد في الفهرست (المقالة الثالثة، الفن الأول) أسماء عدة كتّاب دونوا أيام العرب ووقائعهم كلها أو بعضها، ولم يصل إلينا واحد من مصنفاتهم وإنما الذي وصل إلينا جملة كبيرة من المقتطفات لبعض الكتاب المتأخرين، وقد أخذ معظم هؤلاء عن أبي عبيدة المتوفى عام 210 هـ (825 م) ولم يذكر الفهرست عن هذا المصنف سوى عنوانه جـ 1، ص 53 وما بعدها) وإن كان ابن خلكان قد ذكر بعض معلومات عن صاحبه (ابن خلكان، طبعة فستنفلد، رقم 741، وأخذ عنه الحاج خليفة جـ 1، ص 449، 1513، انظر "علم أيام العرب")، ويقول هؤلاء إن أبا عبيدة خلف كتابين في موضوعنا هذا أحدهما موجز تحدث فيه عن سبعة وخمسين يوما وآخر مسهب فصل فيه الكلام عن ألف يوم ومائتين. ووردت المعلومات الخاصة بأيام العرب في مصنفات المتأخرين شذرات متناثرة أو فصولا كاملة متصلة السياق. ومن أمثلة الشذرات ما أورده التبريزى في شرحه للحماسة وما ذكره الإصفهانى في كتاب الأغانى، وقد استشهد بها هذان المؤلفان في إيضاح الحوادث التي ذكرت في الشعر القديم وفي الكتب التي جمعت الأمثال وفي المصنفات التي اقتصرت على تقويم البلدان كالبكرى وياقوت، ومن أمثلة الفصول ما ورد في كتاب العقد الفريد لابن عبد ربه (جـ 3، ص 61، وما

بعدها) وفي نهاية الأرب للنويرى (فن 5، قسم 4، كتاب 5) وفي كتاب الكامل لابن الأثير (جـ 1، ص 367 - 517). وربما كان ابن عبد ربه قد نقل عن موجز أبي عبيدة لأنه مختصر إلى حد الإبهام في بعض المواضع، ولا سبيل إلى تحقيق ما ورد في العقد إلا بمقارنته بما ورد بتفصيل أكثر في المصنفات الأخرى. وإذا أغفلنا بعض تفصيلات وردت في النويرى نجد أنه قد نقل الفصل الخاص بأيام العرب بأكمله عن العقد، أما ابن الأثير فقد حاول أن يرتب الأيام المختلفة ترتيبا زمنيا شأنه في تواريخه، وروايته أكثر تفصيلا من رواية العقد، وليس من شك في أن الكثير من رواياته منقول مباشرة أو غير مباشرة عن مفصل أبي عبيدة أو عن مصادر أخرى لا نستطيع تعقب أصولها. ونذكر أخيرا أن الميدانى تحدث عن أيام العرب في الفصل التاسع والعشرين من كتابه "مجمع الأمثال" وهو يعطى القارئ فكرة عامة صحيحة عاجلة بالرغم من إيجازه الشديد في الوصف، ويقتصر بصفة عامة على ضبط الأسماء وشرح معانيها وتعديد القبائل التي اشتركت في الوقائع وتناول الميدانى على هذا النحو اثنين وثلاثين ومائة يوم من أيام العرب في الجاهلية، ثم تناول في قسم ثان من هذا الفصل ثمانية وثمانين يوما من أيام العرب في الإِسلام. المصادر: (1) Proelia Arabum: E. Mittwoch paganorum (Ajjdm Al-Arab) quomodo litteris Aradita lint هي رسالة جامعية، برلين سنة 1899 م. (2) al Kalbi's account: C.I.Lyall Ibn of the First day of Al kulab في Noeldeke Orientalische Studien) (Festschrift ص 127 - 154. (3) amAl-Arab: W. Caskel Aij في Islamics , ج 3، الملحق، سنة 1930 م، ص 1 - 99. (4) in the: I. Lichtenstaedter omen , Aiyana al-Arab لندن سنة 1935 م. [متفوخ Mittwoch . E)

أيوب - عليه السلام -

أيوب - عليه السلام - ورد ذكره في التوراة، وقال القرآن الكريم عنه إنه من الصالحين. وتصفه التوراة بأنه كان "عبدا للرب وكان من الصالحين". أما القرآن الكريم فقد أوجز قصته فقال إن الله ابتلاه ونادى ربه فاستجاب الله له وكشف ما مسه من ضر ورد عليه أهله وماله (انظر سورة الأنبياء: الآيتان 83 - 84؛ سورة ص، الآية 41 وما بعدها). وحكى كتّاب المسلمين عن أيوب حكايات كثيرة أخذوا مادتها من سفر أيوب ومن تفسير اليهود للتوراة المسمى "هجّادة". ويقال عن أيوب إنه كان روميا من نسل عيص (انظر سفر أيوب، طبعة James " جيمس"، الإصحاح الأول)، وهو أيوب بن أموص (على أن ضبط هذا الاسم لم يحدد تحديدا دقيقا) وأمه من ولد لوط، وانفرد كاتب من الكتاب ذكره الطبري بأن قال إنه ولد من آمن بإبراهيم. ويروى معظم كتاب المسلمين أن امرأة أيوب كانت رحمة بنت إفرايم بن يوسف. وقال أحدهم إنها "مشير" أو"ماخير" ابنة منَسَا أو ميشا وأنها أنجبت غلاما ظنوه بنتا. أما البيضاوى فيقول إن امرأة أيوب هي ليا بنت يعقوب (انظر تفسير البيضاوى للآيات التي أشرنا إليها). ويظهر أن البيضاوى خلط في قوله هذا بين ليا زوجة يعقوب وابنته "دينا" التي جاء في سفر أيوب وفي تفسير اليهود للتوراة أنها كانت زوجة أيوب (انظر Baba Batra، ص 115؛ Bereshit Rabba، ص 57؛ Targum of Jerusalem on Job 2، 9). بل إن رجال الحديث ومنهم كعب الأحبار قد وصفوا شكل أيوب فقالوا إنه كان رجلًا طويلًا عظيم الرأس، جعد الشعر، حسن العينين والخلق، قصير العنق غليظ الساقين والساعدين، ووصفوا ممتلكاته وصفا يشبه ما ورد في سفر أيوب، وبالغوا في ذلك بعض الشيء بالطبع، وزعم واحد من المؤرخين أنه كان لأيوب اثنا عشر ابنا واثنتا عشرة بنتا.

وكان أيوب رجلًا عظيم التقوى رحيما بالمساكين يكفل الأرامل والأيتام ويكرم الضيف، وكان نبيا بعثه الله ليدعو أهل بلده إلى التوحيد وقيل إنه كان في حوران وفي رواية أخرى أنه كان في بثنية. وكان الذين آمنوا به يلتفون حوله كل مساء ويصلون معه (انظر aba Batra 15؛ Seder Olam Rabba 21؛ Bereshit Rabba، 30، 9، Abot Natan . R، طبعة Schechter ص 33 - 34، ص 164). وأورد رجال الحديث حرفا حرفا تقريبا جزءًا كبيرا من سفر أيوب (1: 6، 2: 7) وهو الجزء الذي يتحدث عن ابتلاء الله له، وزادوا عليه أن إبليس أراد أن يقضى على أيوب حسدا منه وغيرة. ولما سلطه الله آخر الأمر على جسد أيوب دون أن يجعل له سلطانا على قلبه أو لسانه أو عقله، جاءه إبليس فنفخ في منخريه نفخة اشتعل منها جسده وخرج به من فوقه إلى قدمه ثآليل مملوءة بالديدان، وتغير لحمه وأنتن حتى أخرجه أهل القرية منها وجعلوه على كناسة (انظر Abot R. Natan ص 164 سفر أيوب: الإصحاح الخامس). وكانت امرأة أيوب تعمل للناس وتأتى بالطعام لها ولزوجها المنكوب. ورأى إبليس أن جهوده مع أيوب باءت بالفشل والخسران، ولكنه مع هذا لم يكف عن تدبير أحابيل جديدة للإغراق في عذاب أيوب، وكان يظهر في صور مختلفة: ذهب مرة إلى أهل القرية ونصح لهم ألا يستخدموا امرأة أيوب، وظهر مرة أخرى لامرأة أيوب نفسها وطلب إليها أن تؤمن به وهو قادر على أن يضع حدا لآلام زوجها، ولما باء بالخسران في ذلك كله اعترف بعجزه، ويقول أكثر علماء المسلمين إن أيوب كان في السبعين من عمره عندما سلط الله عليه إبليس (انظر Bereshit Rabba, 4، 61، 3، 58، سفر أيوب: الإصحاح 12؛ تفسير البيضاوى للآية 83 من سورة الأنبياء). واختلفوا في مدة بلائه، قال بعضهم إنها سبع سنوات (انظر سفر أيوب: الإصحاح الخامس) وقال غيرهم سبع سنوات وسبعة أشهر وسبع ساعات، وقال آخرون بل ثلاث

سنوات وغيرهم ثلاث عشرة سنة وثمانى عشرة سنة. ويروى القرآن الكريم (سورة ص، آية 41) أن الله أمر أيوب أن يركض برجله الأرض فنبعت عين ماء اغتسل منها وشرب من مائها [فلم يبق من دائه شيء]. وتجعل الرواية الإسلامية صلة لجبريل بهذه القصة إذ تقول إن أيوب بعد أن دعا ربه تلك الدعوة التي أشار إليها القرآن الكريم، ظللته سحابه ولمع البرق ودوى الرعد، وسمع أيوب خلال ذلك أصواتا مختلفة تعلن إليه رحمة ربه وعفوه عنه. وفي أصيل اليوم التالي، وكان يوم جمعة، ظهر جبريل لأيوب وأجلسه وأمره أن يضرب الأرض برجله ثم أعطاه كساءين ونعلا من ذهب على بالجواهر وسفرجلة من ثمار الجنة. ويقول أحد الكتاب إن العين كانت في موضع بعيد عن مكان أيوب وأنه كان لا يقوى على المشي فحمله جبريل إليها على جناحيه (انظر Leyendas: Robles moriscas جـ 1، ص 225 وما بعدها). وبعد أن اغتسل أيوب عادت إليه القوة والشباب، واستحالت الديدان التي كانت تأكل جسده نحلا ودود قز. ويقول المفسرون في تفسير الآية "وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث، إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أوّاب" إنها تتعلق بامرأة أيوب وكان قد نذر إن شفاه الله ليضربنها مائة جلدة. والسبب في هذا النذر مختلف فيه، يقول البعض إن أيوب غضب عليها لأن غيابها عنه طال عليه في أحد الأيام، ويقول آخرون إنها استحقت ذلك لأنها أشارت على أيوب بأن يعبد إبليس- ولكن يقول المفسرون إنه لما أراد أيوب أن يبر بيمينه أمره الله أن يأخذ "جماعة من الشجر مبلغ مائة قضيب، خفافا لطافا فيضربها بها ضربة واحدة"، وقيل "غصنا فيه مائة ورقة". ولم يتفق الرواة أيضًا على عدد أبناء أيوب الذين ردهم الله إليه بعد شفائه. يقول البعض إن الله رد إليه أبناءه الذين هلكوا بأعيانهم، ويقول غيرهم إن الله رد إلى امرأته شبابها وأنجبت له أبناء اختلف في عددهم حتى قيل إنهم ستة

وعشرون ولدا. وقيل إن الله أمطر عليه جرادا من ذهب فجعل يحثو منه في ثوبه فناداه: يا أيوب، ألم أغنك عما ترى؟ قال: بلى يا رب، ولكن لا غنى لي عن فضلك ورزقك ورحمتك، ومن يشبع من نعمتك؟ "وكان له أندران. أندر للقمح وأندر للشعير، فبعث الله سحابتين، فلما كانت إحداهما على أندر القمح أفرغت فيه الذهب حتى فاض، وأفرغت الأخرى في أندر الشعير الورق حتى فاض". ويروى أن عمر أيوب كان ثلاثًا وتسعين سنة، وقيل إنه عاش بعد شفائه مثل عمره قبل بلائه. ويقول المسعودى إن دير أيوب والعين التي اغتسل بها كان الناس يقدسونهما في عهده وأنهما كانا على مقربة من نوا في إقليم الأردن. (انظر ياقوت: معجم البلدان، جـ 2 ص 645، مادة "دير أيوب"). وما زال يوجد في ذلك الموضع إلى اليوم "حمام أيوب" ومقام يسمى مقام الشيخ سعد، وكان يسمى من قبل "مقام أيوب". وينبغى أن نشير أيضًا إلى صخرة أيوب المشهورة، وهي في الواقع أثر مصرى يرجع إلى عهد رمسيس الثاني كما هو معروف. ويهمنا أن نذكر أيضًا أن "عين تفوح" المذكورة في التوراة (سفر يشوع، الإصحاح 17، فقرة 7) تسمى الآن بئر أيوب (انظر مجير الدين: تاريخ بيت المقدس، المنشور في FundRruben des Orients. جـ 2، ص 130). المصادر: (1) الطبري، جـ 1، ص 361 - 364. النص الفارسي، ترجمة زوتنبرغ، جـ 1، ص 255 ما بعدها. (2) الثعلبي: قصص الأنبياء طبعة باريس (مخطوط) والعرائس، ص 134 وما بعدها. (3) المسعودى: مروج الذهب (باريس) جـ 1، ص 91 وما بعدها. (4) Koran: Sale، جـ 3. ص 138. (5) Neue Beitrdge zur: Grunbaum semitischen sagenkunde، ص 262 وما بعدها. [سليكسون M. Seligsohn] .

الأيوبيون

الأيوبيون اسم أسرة من أقوى أسر الشرق في القرون الوسطى، حكمت مصر والشام واليمن، وسميت بهذا الاسم نسبة إلى أيوب بن شادى والد صلاح الدين، كان صلاح الدين هو المنشئ الحقيقي لهذه الدولة، وبعد وفاته تفرقت مملكته إلى عدة إمارات منفصل بعضها عن بعض، ثم أعيد جمع شملها إلى حين مرة أخرى في ظل ملك واسع الأرجاء. وكان لهذه الأسرة عدة فروع متميزة: فرع ظل يحكم مصر حتى سنة 650 هـ (1252 م)؛ وآخر حكم دمشق وحلب إلى سنة 658 هـ (1260 م)؛ وثالث حكم بلاد الجزيرة إلى سنة 643 هـ (1245 م)؛ أما فرعها الرابع فحكم حماة إلى سنة 742 هـ (1341 م) وبلاد اليمن إلى سنة 625 - 626 هـ (1228 م). ويعد من فروع هذه الأسرة عادة أبناء شيركوه أخي أيوب رأس الأسرة وكانوا يحكمون حمص من سنة 574 هـ (1178 م) إلى سنة 661 هـ (1262 م). كان شادى -أو شاذى- أبو صلاح الدين كرديا من مدينة دُويِن وهي بلد في أرمينية ولسنا نعرف شيئًا عن أسلافه وإن كان النسابة في بلاط الأيوبيين المتأخرين قالوا إنه ينتمى إلى أرومة عربية مجيدة. وكان شادى قد هاجر إلى بغداد ومعه ولداه نجم الدين أيوب وأسد الدين شيركوه، وجعل مستحفظا لقلعة تكريت على نهر دجلة بفضل شفاعة واحد من أصدقائه كان له في بلاط السلاجقة نفوذ، وتوفى شادى في تكريت فخلفه أيوب، وتقول بعض الروايات إن هذا المنصب كان من أول الأمر من نصيب أيوب لا من نصيب أبيه. وفي سنة 526 هـ (1132 م) هزمت سلاجقة بغداد جيوش أتابك زنكى أمير الموصل بالقرب من تكريت، فساعده على النجاة أيوب وهو من أتباع خصم زنكى، ولم ترض بغداد بالطبع عن هذا العمل. وبعد أعوام قليلة من هذا الحادث قتل شيركوه أخو أيوب، واحدا من كبار الضباط لملاحاة بينهما فأصبح من العسير عليهما أن يقيما في بغداد. وولد صلاح الدين في تكريت سنة 532 هـ (1137 -

1138 م) ليلة رحيلهما عن بغداد أو قبل ذلك بأيام قلائل. وذهب شيركوه وأيوب إلى زنكى الذي لم ينس يدهما في انقاذه، فرحب بهما كل الترحيب، وأقاما عنده في الموصل زمنا ما واشتركا معه في حروبه فأعاناه مثلًا على فتح بعلبك، وعهد زنكى بحكمها إلى أيوب في أوائل سنة 534 هـ (حوالي نهاية سنة 1139 م). وبعد وفاة زنكى حاولت جيوش بني بورى أن تستعيد بعلبك. ولما وجد أيوب نفسه غير قادر على الاحتفاظ بالمدينة انضم إليه باختياره سنة 541 هـ (1146 - 1147 م) وأصبح عنده قائدا ممتازا بل أصبح كبير القواد. وبقى شيركوه في الوقت نفسه في خدمة نور الدين محمود بن زنكى الذي ورث عن أبيه حكم حلب. وتاق نور الدين إلى الاستيلاء على دمشق فعهد إلى شيركوه أن ينتزعها من يد أخيه أيوب. واتفق الأخوان فيما بينهما ودخل شيركوه المدينة من غير قتال سنة 549 هـ (1154 م)، وبالغ نور الدين في إكرام أيوب وعينه حاكما لدمشق، وتولى شيركوه حكم حمص وأصبحت ملكا يتوارثه أحفاده. ولما اعتزم نور الدين بعد ذلك أن يتدخل في شئون مصر السياسية أوفد إليها شيركوه نائبا له وأمر صلاح الدين بالتوجه معه. وبعد أن كافح شيركوه كفاحا سياسيا وأبلى في قتال جيوش مصر وملك بيت المقدس البلاء الحسن رجحت كفته وأصبح سيد الموقف فأسند إليه العاضد آخر خلفاء الفاطميين منصب الوزارة. وتوفى شيركوه فجأة فأسندت الوزارة من بعده إلى صلاح الدين. ولم يكد صلاح الدين يستقر في منصبه حتى توفي الخليفة الفاطمى، فنادى صلاح الدين بخلع الخليفة المحتضر بناء على أمر نور الدين، وأمر بأن يدعى في الخطبة للخليفة العباسى، وكان قبل ذلك قد استقدم أباه وأسرته إلى مصر. وظل أيوب صديقا ناصحا لصلاح الدين إلى أن توفي سنة 568 هـ (1173 م) على أثر سقوطه عن ظهر جواده.

وفي هذا الوقت فسدت العلاقات بين نور الدين وصلاح الدين لأن صلاح الدين أظهر الميل إلى الاستقلال عن سيده. وفي اللحظة التي بدا فيها النزاع بينهما أمر لا مفر منه نزل قضاء الله بنور الدين، وكان صلاح الدين قد هيأ لنفسه ملجأ يلجأ إليه، إذا دعت الضرورة إلى ذلك، في بلاد النوبة وفي بلاد اليمن أيضًا، وكان قد استولى عليها باسمه أخوه "تورانشاه"، وبعد أن توفي نور الدين أصبح صلاح الدين لا يخيفه شيء، فاحتلت جيوشه الشام وبسط سلطانه على بلاد الجزيرة إلى أن وصل إلى نهر الفرات. ثم آن الأوان الذي وجه فيه قواه كلها لمحاربة الصليبيين، وفي وقعة حطين التي حدثت سنة 583 هـ (1187 م) دُمرت جيوش مسيحيى بيت المقدس وسلمت المدينة نفسها بعد ذلك بأشهر قلائل، وكان سقوطها سببا في الحرب الصليبية الثالثة التي لم تغير كثيرا من وضع الأمور بين القوتين المتنازعتين. وتوفى صلاح الدين سنة 589 هـ (1193 م)، وكان قبل وفاته قد قسم مملكته بين أبنائه وبين أخيه "العادل" فتولى العادل حكم بلاد الجزيرة، والأفضل دمشق، والعزيز مصر، والظاهر حلب، أما اليمن فقد بقيت في حوزة طغتكين أخي صلاح الدين الذي خلف أخاه تورانشاه في حكمها أثناء حياة صلاح الدين. ولم يكد صلاح الدين يغمض عينيه حتى بدأ النزاع يدب بين أبنائه .. وانتهز العادل تلك الفرصة فخلع ابناء صلاح الدين واحدا بعد الآخر حتى استطاع أن يجعل الجانب الأكبر من مملكة أخيه تحت سلطانه. وهذا العادل حذو أخيه صلاح الدين فقسم مملكته أثناء حياته بين أبنائه، فتولى الكامل حكم مصر نائبا عن أبيه، والمعظم حكم دمشق، والفائز بلاد الجزيرة، ثم خلفه عليها الأوحد إلى سنة 607 هـ (1210 م)، وتولى حكمها بعده الأشرف. وظلت حلب وحدها في يد أبناء صلاح الدين. ولما توفي الظاهر خلفه في حكم حلب ابنه العزيز سنة 613 هـ (1216 م). وكانت بعض الفروع البعيدة من الأسرة الأيوبية تحكم بلادا صغيرة ولكنها كانت جميعًا خاضعة لسلطان العادل.

وتوفى العادل سنة 615 هـ (1218 م) في الوقت الذي بدأ فيه هجوم الصليبيين على دمياط بين الحملة الصليبية الرابعة والحملة الخامسة، واضطر ابنه الكامل الذي خلفه في حكم مصر إلى التقهقر أمام الصليبيين لفتنة نشبت بين جنوده. واستولى الصليبيون على دمياط، ولكن جيوش الأيوبيين المتحدة صمدت للصليبيين وأوقفت تقدمهم واستعادت من قبضتهم المدينة الوحيدة التي فتحوها. وخاف الكامل دسائس أخيه المعظم الذي كان يحكم دمشق فأخذ في مفاوضة الإمبراطور فردريك الثاني. وقبل أن يبدأ فردريك الحملة الصليبية الخامسة توفي المعظم، وقرر الكامل أن يخلع الناصر بن المعظم وأن يولى مكانه على حكم دمشق الأشرف أخا الكامل الذي كان يحكم بلاد الجزيرة وكان الكامل يثق فيه ويعتمد عليه. على أن فردريك نجح بفضل حسن سياسته في إقناع الكامل بأن يسلم إليه بيت المقدس وممرا صغيرًا من الأرض يصلها بالبحر. ووعد الكامل لقاء هذا أن يعينه على أعدائه جميعًا، وأن يحول دون تقوية الدويلات التي كانت في شمال الشام، وفي سنة 626 هـ (1229 م) تمت بينهما هذه المعاهدة المشهورة التي سخط عليها المسلمون والمسيحيون جميعًا. وأظهر الكامل براعة فائقة في إيقاف المنافسات التي اشتدت بين صغار الأيوبيين بأن وجه قواهم جميعًا إلى قتال عدو مشترك في الخارج، على أن تغلبه على سلاجقة قونية أثار حفيظتهم من جديد فتحالفوا ضده وانضم إليهم الأشرف صاحب دمشق. وتوفى الأشرف قبل أن تظهر جيوش الكامل أمام دمشق واضطر أخوه الصالح إسماعيل إلى تسليم المدينة. ولكن الكامل نزل به قضاء الله على أثر ذلك، وبدأت بوفاته نهاية الأيوبيين لأن القتال نشب بينهم جميعًا: ففي مصر كان العادل ابن الكامل قد نودى به خلفا لأبيه ولكن أخاه الأكبر الصالح أيوب خلعه عن عرشها، وفي الشام استعاد الصالح إسماعيل دمشق وعقد حلفا بينه وبين دويلات أخرى صغيرة ضد

المصريين، واستطاعت جيوش المماليك التابعة لملك مصر بفضل ما أبدته في الحرب أن تستعيد ملك الأيوبيين مرة أخرى، ولكن هذا النجاح كان نجاحا في الظاهر لا غير، ذلك أن أسرة الأيوبيين كانت قد فقدت قوتها الكامنة. وظهرت جيوش القديس لويس "سانت لويس" وفرسان الحملة الصليبية السادسة امام دمياط عندما كان الصالح أيوب يعالج سكرات الموت، وسلمت المدينة، وأراد الجيش الفرنسى أن يتقدم أكثر من ذلك ولكنه هزم هزيمة منكرة، وتوفى الصالح أيوب حينذاك، واحتفظت زوجته شجرة الدر، وكانت امرأة باسلة عالية الهمة، بسر وفاته إلى أن عاد إلى مصر تورانشاه خليفة الصالح في الحكم وكان غائبا عنها. على أن تورانشاه أساء إلى المماليك فقتلوه سنة 648 هـ (1250 م) ونودى بعده بشجرة الدر ثم بالمملوك أيبك، وكان أيبك هو الحاكم الفعلى لمصر ولو أن الأشرف موسى حفيد الكامل كان يدعى له في الخطبة حتى سنة 652 هـ (1254 م). وأيبك هذا هو أول سلاطين المماليك البحرية. وفي حلب خلف الناصر يوسف أباه العزيز سنة 634 هـ (1236 م) وبعد وفاة الصالح سلطان مصر أغارت جيوش الناصر على دمشق واستولت عليها وطالب بملك الشام فاتصل النزاع بينه وبين مماليك مصر إلى أن قضت عليه غزوة المغول. وخضعت بلاد الجزيرة -التي كان آخر حكامها المظفر غازى- للمغول سنة 643 هـ (1245 م) واستولى المغول على حلب ودمشق سنة 658 هـ (1260 م) وخضع للمغول بعد ذلك الأيوبيون في حماة، وهم من نسل شاهنشاه أخي صلاح الدين، وكان المظفر بن شاهنشاه هو الذي أنشأ ملكهم، وكان المماليك قد قضوا على استقلالهم كما قضوا على استقلال أبناء شيركوه في حمص، ولم يبق للأيوبيين في حماة إلا شبه سلطان باعتبارهم حكاما تابعين لمماليك مصر حتى سنة 742 هـ (1341 م) ما عدا فترة انقطاع طويلة. وكان الأيوبيون في حمص قد انقرضوا من سنة 661 هـ (1262 م)، وقبل ذلك بمائة عام ونيف- أي في سنة 625 هـ أو 626 هـ (1228 م) - كان حكم الأيوبيين في اليمن قد زال على يد أتباع الرسولية.

والنزاع الكثير بين الأيوبيين أنفسهم وانقسامهم إلى أسر متميزة ينبغي ألا يضللنا عن تلك الحقيقة الواقعة، وهي أن الأيوبيين كانوا في جملتهم ظاهرة مهمة، فقد جمعوا شتات مملكة الفاطميين المبعثرة وضموا إليها دويلات أتابكة الشام، ثم جعلوا من ذلك كله قوة واحدة مركزة استطاعوا أن يقفوا بها أمام الصليبيين، وأنجبت تلك الأسرة عددا من الشخصيات القوية، فصلاح الدين أمره معروف، وكان العادل والكامل أيضًا حاكمين عظيمين، وكان الأيوبيون لا يقلون عن الصليبيين في الفضائل الحربية إن لم يفوقوهم فيها، حتى لقب كثير من أمرائهم بالفرسان، وقد تركت لنا المؤلفات التي تحدثت عن مناصب ذلك العهد معلومات قيمة عن نشاطهم الإدارى: كانوا يعنون بالزراعة وما يتصل بها من وسائل الري، واهتموا كذلك اهتماما كبيرا بالتجارة، وتم في عهدهم عقد كثير من المعاهدات بينهم وبين ممالك أوروبية، وما زال بعضها محفوظا إلى الآن. وكانت القوة الحربية في المملكة تقوم على الحرس المماليك والنظام الإقطاعى الذي كان -على عكس نظام أوروبا- قائما على إقطاع أرض مع خراجها. وازدادت شوكة الذين كانوا يُشترون لأغراض حربية، وهم المماليك، حتى أصبحوا يتحكمون في ضعاف الأمراء. وامتاز عهد الأيوبيين أيضًا بأنه كان مرحلة جديدة للثقافة، فقد كانوا في مصر يمثلون رد الفعل الدينى الذي أحدثه السلاجقة وانبعاث آثار الشرق الغابر التي بدت في ظهور فن جديد للعمارة، وفي تغيير عادات القصر والألقاب وفيما دخل على نظام الإقطاع على وضعه التركى من تطور. ولهذه الثقافة أهمية عظمى، فقد تأثر بها غربي أوروبا بوساطة الصليبيين، ونستطيع أن نتلمس كثيرا من العادات والقواعد الخاصة بنظام الفروسية في أوروبا والتي يمكن أن ترد إلى النظام الأيوبى. وواصل المماليك السير على تقاليد الأيوبيين واحتفظوا حتى بألقابهم ولم يغيروا في أول الأمر شيئًا من ثقافة أسلافهم.

المصادر: (1) أبو الفداء: المختصر. (2) المقريزى: الخطط .. (3) المقريزى: السلوك، ترجمة بلوشيه في Revue de I'Orient Latin، جـ 8 وما بعده. (4) ابن الأثير: الكامل، طبعة تورنبرغ، جـ 11 وما بعده. (5) ابن خلكان، طبعة فستنفلد، رقم 856، 106 (ترجمة de slane، جـ 1، ص 243؛ جـ 4، ص 479). (6) أبو شامة: كتاب الروضتين. (7) ابن خلدون: العبر، جـ 4، جـ هـ. (8) كمال الدين: تاريخ حلب، ترجمة بلوشيه. (9) ابن شداد: النوادر السلطانية. (10) عماد الدين: الفتح القسى. (11) أسامة بن منقذ، طبعة درنبورغ. (12) Recueil des Historiens des Croi- sades (13) OumSra du Yemen: H. Derenbourg . (14) History of Egypt: St. Lane Poole (15) الكاتب نفسه: Saladin .. (16) الكاتب نفسه: The Mohammedan Dynasties (17) Der Islam im Morgenl A. Muller wend Abendland (18) Diplomi Arabi: Amari (19) Histore de]'Egypt: Marcel . + الأيوبيون اسم الدولة التي أسسها صلاح الدين بن أيوب، وحكمت مصر وبلاد الشام (سورية- فلسطين) الإسلامية والجانب الأكبر من شمالي بلاد الجزيرة واليمن، في نهاية القرن السادس الهجرى (الثاني عشر الميلادي) والنصف الأول من القرن السابع الهجرى (الثالث عشر الميلادي). والجد الذي تنتسب هذه الأسرة إليه هو أيوب بن شاذى بن مروان، وقد ولد في قرية اجْدَنَقان قرب دبيل في أرمينية، وهو أحد أفراد العشيرة الروادية من قبيلة الهذبانية الكردية. وفي مستهل القرن السادس الهجرى (الثاني عشر الميلادي) كان في خدمة

آل شداد، وهم أيضًا من الأكراد الذين قلدهم السلطان السلجوقى ألب أرسلان مناصب في حكومة هذا الإقليم، في منتصف القرن السابق. ومهما يكن من أمر فإن الأتراك تخلصوا شيئًا فشيئا من جميع الأمراء والسادة الأكراد، فالتحق كثير منهم بخدمة هذا السلطان حتى لا يفقدوا كل شيء، ومما قربهم إليه أنهم كانوا مثله من أنصار أهل السنة. وفقد آل شداد بلدة دبيل عام 524 هـ (1130 م)، فالتحق شاذى بخدمة بهروز السلجوقى الحاكم العسكري للعراق، وكان بهروز يحتفظ بتكريت إقطاعا له، فعين شاذى عاملا على تلك المدينة، وخلفه بعد وقت قصير في هذا المنصب ابنه أيوب (Prehistory of Saladin: V. Minorsky في Studies in Caucasian History. كمبردج سنة 1953، ص 107 - 129). واستحق أيوب بهذه المثابة شكر زنكى صاحب الموصل وحلب، إذ أن أيوب قدم لزنكى العون الذي مكنه -بعد هزيمته من الخليفة- من عبور نهر الفرات والانسحاب بقواته دون أن تلحق به كارثة. واختط زنكى لنفسه، أولًا وقبل كل شيء، سياسة مقررة في البلاد الواقعة وراء الموصل، تقوم على إخضاع الأكراد ثم تجنيدهم في جيشه. والتحق أيوب بخدمته عام 532 هـ (1138 م) فأفاد منه على الفور في الشام، وعينه عاملا على بعلبك المواجهة لدمشق. وعند وفاة زنكى وضع أيوب نفسه تحت تصرف أمير دمشق البورى، فعينه هذا الأمير عاملا على تلك المدينة، وفي الوقت نفسه التحق أخوه شيركوه بخدمة نور الدين بن زنكى صاحب شمالي الشام، فأقطعه حمص. ومهما يكن من شيء فإن اتجاه الرأى العام في دمشق أدى آخر الأمر إلى توحيد الشام الإِسلامية بغية مواصلة القتال على نحو أفضل ضد الفرنجة، تحت لواء الأمير نور الدين، وكان من أقوى الأمراء على الجهاد وأشدهم حماسة له، وأسهم الشقيقان شيركوه وأيوب بنصيب كبير في خضوع دمشق وتسليمها. وآثر أيوب أن ينضم إلى جانب نور الدين الوالى على قصبة الشام. ويستحيل علينا في هذا المقام أن نصف بالتفصيل ما قام به شيركوه من

جهود في خدمة نور الدين. ويمكن القول إن نجم الأسرة أخذ في الصعود عندما اختاره نور الدين -رغم إرادته- لقيادة الجيش الموجه إلى مصر استجابة لما طلبه الوزير شاور من التدخل في أمورها ضد خصومة. وانتهى القتال المرير الذي دام عدة سنوات، باغتيال شاور والمناداة بشيركوه خلفا له في الوزارة. صحيح أن شيركوه مات بعد أسابيع سنة 564 هـ (1169 م)، بيد أن ابن أخيه صلاح الدين كان إلى جانبه وسرعان ما وفق إلى حمل جيوش الاحتلال على الاعتراف به خلفا لشيركوه. ويعد صلاح الدين (المعروف في أوروبا باسم Saladin) المؤسس الحقيقي للدولة، ويمكن تقسيم تاريخها إلى ثلاثة عهود: عهد صلاح الدين نفسه وفيه اتخذت الدولة صورتها النهائية، وهذا العهد يحمل طابع شخصيته، وهي تعد أقوى شخصية في الأسرة، وان كانت السياسة التي انتهجها خلفاؤه قد تعارضت مع سياسته من عدة وجوه وعهد خلفائه الأوائل، وهو عهد اتسم بالتنظيم، واستمر حتى وفاة الملك الكامل سنة 635 هـ (1238 م)؛ وأخيرا عهد الانحلال الذي استمر أمدا طويلًا. ومن المفيد أن نعرض لدراسة عدة مشكلات اقترن بها التنظيم الداخلى في العهد الثاني، وهي مشكلات شائعة في تاريخ النظام بأسره. 1 - ليس من اليسير أن نعرض هنا تاريخًا مفصلًا لحكم صلاح الدين، وسوف نتناول هذا الموضوع في المادة الخاصة به، وحسبنا أن نحاول هنا الكشف عن المعالم التي لا بد منها لمعرفة العهد التالي، وهي معالم لا بد أن نضعها نصب أعيننا عند الحديث عن الأيوبيين. وعلى الرغم من تقلد شيركوه وصلاح الدين السلطة في مصر مع اتباع جل المراسم التي كانت مرعية عند تقليد أسلافهم من وزراء النظام الفاطمى، وذلك بمقتضى براءة تصدر من الخليفة العاضد، فإنهما كانا يمثلان تقاليد الجهاد المأثورة عن السلاجقة وهي تقاليد كانت شائعة على تفاوت في ذلك بين جميع الأمراء والأتراك في آسية الإسلامية إبان ذلك العهد، وكانت تتمثل بصفة خاصة في نور الدين، ورأى صلاح الدين 566 هـ

(1171 م) أن في مقدوره القضاء على الخلافة الفاطمية وإعلان عودة مصر إلى حظيرة الولايات التي تدين بالولاء للخليفة العباسى في بغداد. وأصبحت مصر لأول مرة منذ قرنين تدين رسميا بمذهب أهل السنة مرة أخرى، والحق إن غالبية السكان لم يكونوا قط من أنصار مذهب الإسماعيلية الذي فرضه الفاطميون، وعلى الرغم من أن العناصر الوثيقة الارتباط بالنظام الفاطمى قد حاولت استعادة مكانتها بالفتن، فإن قيام النظام الجديد قد قوبل من الجماهير بلا اكتراث، مثل ما فعلوا مع النظام السابق. ورأى صلاح الدين أنه تقلد منصبه من الخليفة الفاطمى ثم من الخليفة العباسى، وأنه كان في الوقت نفسه تابعا لنور الدين، وهنالك وجد نفسه في موقف محير حيال هذا الأمير، ولم يكن بد من أن يدب الخلاف بينهما لو لم تعاجل المنية نور الدين عام 569 هـ (1174 م). ولم يلبث أن أدى ضعف خلفاء نور الدين وتنازعهم إلى التعجيل بانتقال السلطة العسكرية الغالبة في المناطق التي تجاور "الشرق اللاتينى" إلى مصر آنذاك بعد أن ظلت خمسين عاما ماثلة في شمالي الشام. وإذا كان خلفاء نور الدين قد تخلوا عن سياسة الجهاد التي أضفت على سلفهم ما كان يتمتع به من هيبة وقوة فإن صلاح الدين رأى أن يسير على هذه السياسة نفسها، وإن تعذر علينا أن نتبين إلى أي مدى اقترن الطموح عنده بالاقتناع الصادق الذي لا يعتريه الشك (H.A.R. Gibb The Achievement of Saladin في Bull of the John Rylands Li- brary، مجلد 35 - 1، سنة 1952، ص 46 - 60). وأيا كان هذا الأمر فإن فكرة الجهاد أدت به إلى المطالبة بأن تكون له القيادة الموحدة لجيوش المسلمين، لكي يكسب إلى صفه الجانب الأكبر من الرأى العام، ولكى ينشئ في آخر الأمر دولة باسمه تضم البلاد المتوارثة عن نور الدين ومنها مصر والشام الإسلامية وجزء من أرض الجزيرة وتتسع رقعتها وتكون أكثر تماسكا من مملكة سلفه في الوقت القصير الذي وصلت فيه إلى ذروتها. وقد تحقق له ذلك عام 1183 م، وفي الوقت نفسه دانت اليمن

لأقاربه، ومكن أحد قواده -وهو قراقوش- لنفسه على تخوم بلاد تونس. واستطاع صلاح الدين، بفضل القوة التي نشأت بهذه الوسيلة، أن يفيد من الأزمة الداخلية التي تعرضت لها مملكة بيت المقدس، والصعوبات التي واجهتها الإمبراطورية البوزنطية، والتوتر الذي دب بينه وبين اللاتين منذ عام 1138 م، وأخذ على عاتقه طرد هؤلاء من فلسطين والشام. ونجاحه في هذه المهمة كان له الفضل الأكبر في المجد الذي بلغه بين أهل زمانه وبين الخلف على السواء. فقد هزم الفرنجة هزيمة ساحقة في وقعة حطين عام 583 هـ (1187 م) وعادت بيت المقدس بعد ثمانين عاما إلى أيدى المسلمين وسقطت أراضى الصليبيين بأسرها تقريبا ومنها قسم كبير من الساحل في الشهور التالية، ولم تصمد أمامه إلا صور وطرابلس وأنطاكية. كان سلطان صلاح الدين يستند إلى قوة الجيش، وكانت سياسته كلها في حاجة إلى جيش قوى. ولم يعد هناك وجود لجيش الفاطميين اللهم إلا فرقا من الجند غير النظاميين، ولم يكن بد من أن يعتمد على الجيش التركى وهو دخيل على شعب مصر تماما، ورثه صلاح الدين عن نور الدين وطوره على حساب موارد مصر. وكان الجيش المصري يتألف عام 577 هـ (1181 م) من 111 أميرا و 6.976 طواشيا (فرسانا مجهزين بكامل العتاد) و 1.153 قرة غلام (فرسان من الطبقة الثانية)، وهذا عدا سكان الحدود من العرب الذين لا يصلحون للقتال في الغزوات الخارجية (H.A.R. Gibb Cahuers d'Historie Egyptienne, The Armies of Saladin، مجلد 3، جـ 4، سنة 1951، ص 304 - 320). ولابد أن يضاف إلى هذا الجيش فرق الجند من الشام وبلاد الجزيرة، وتشمل فرق الموصل، وهي القوات التي نصت عليها المعاهدة التي عقدت بعد انتهاء الحروب بين عامي 1174 و 1183 م ورخصت لصلاح الدين باستدعائها عند الحاجة، وهي تربو في مجموعها على 6000 رجل. وجدير بالذكر أن صلاح الدين انتصر في وقعة حطين وهو يحارب بكل قواته تقريبا

التي كانت تناهز 12.000 من الفرسان وقد حقق بها انتصاراته التالية. بيد أن حشد مثل هذه الجيوش في حالة تأهب للحرب فترة طويلة لم يكن ميسورا في العادة، مثلها في ذلك مثل الجيوش الأوروبية، نظرا لاحتياجات الجنود المتجددة من الأغذية والمؤن وكان لا بد من بذل جهود كبيرة والاقتناع بالغاية من القتال للحفاظ على القوة الفعالة التي لا غنى عنها لخوض غمار الحرب الصليبية الثالثة. وكانت المعدات اللازمة للحرب والحصار -والتي ازدادت كما وكيفا فيما يرجح- قد حظيت بالاهتمام أيضًا، ويتضح ذلك من الرسالة الخاصة بصناعة المدافع التي كتبها مُرْضَى (أو مَرضى) بن علي ووصلت إلينا (تحقيق CL. Cahen في B.Et. Or.، جـ 12، سنة 1948، ص 108 - 163). وكان صلاح الدين في السنوات الأولى من حكمه مهددا من الأساطيل البوزنطية والنورمندية والإيطالية التي تستخدم القواعد المنتشرة في الشرق اللاتينى، فبذل جهدا كبيرا لإعادة إنشاء الأسطول البحرى للفاطميين في البحر المتوسط بعد أن أصيب بالعطب في القرن السادس الهجرى (الثاني عشر الميلادي) نتيجة للاضطرابات الداخلية وتقدم الصليبيين والإيطاليين. وتمكن بفضل هذه الجهود من شن هجمات على أقرب موانى الفرنجة، ولا نستبعد الرأى القائل بأن توسع قراقوش في الزحف على طول الساحل الإفريقى، كان يستهدف- علاوة على إيجاد مخرج للتخلص من التركمان المشاغبين - السيطرة على الشواطئ لإتاحة التنقل بحرية لسفن المسلمين، وتيسير الحصول على مصدر يمده بالأخشاب والبحارة. وجاءت الحرب الصليبية فوضعت حدا لهذا الجهد الذي لم يؤت ثماره بسبب نقص كفاءة مصر في هذين المجالين الأخيرين، ويبدو أن خلفاءه لم يكرروا هذه المحاولة (A. S. Ehrenkreutz: The Place of Saladin in the naval history . etc في Jaos مجلد 75، جـ 2، سنة 1955، ص 100 - 116). ولم يكن الاهتمام بالمصالح التجارية هو الدافع الوحيد لصلاح الدين بعد توليه السلطة إلى تجديد وزيادة

الصلات التي كانت قائمة في عهد الفاطميين مع المدن التجارية الإيطالية- ومنها بيزة التي ذهبت إلى أقصى حد في تشجيع الفرنجة على مهاجمة مصر - بل كان هناك دافع آخر هو ولا شك الحاجة إلى الحصول على المواد الخام اللازمة لتسليح قواته برا بحرا. وأقبل أهالى بيزة وجنوة والبندقية زرافات إلى الإسكندرية، ووجد فيها البنادقة عوضا عن تعذر التجارة مع القسطنطينية يفوق ما وجدوه في عكا، وهذا موقف وضعتهم فيه الحكومة البوزنطية من عام 1171 إلى عام 1184 (Orient Latin et com-: CL. Cahen imerce du Levant في Bull. de la fac. des Lettres de Strasbourg, جـ 29 - 8, سنة 1951، ص 322)، وكان في وسع صلاح الدين أن يباهى في الرسائل التي بعث بها للخليفة بأن الفرنجة أنفسهم كانوا يسلمونه أسلحة أعدت من قبل لكي تستخدم ضد فرنجة آخرين (أبو شامة، جـ 1، ص 243). وأفاد صلاح الدين أيضًا من التطورات السياسية في بوزنظة وقبرص، وشرع في التفاوض مع أميريهما للوقوف معه ضد الفرنجة دون أن يعرف ذلك أي بلد منهما. وشعر صلاح الدين بأن التهديد الأوروبى أصبح وشيكا - وكان قد أصبح من قبل حليفا بوساطة قراقوش لبنى غانية المرابطين أصحاب جزائر البليار على النورمنديين والموحدين- وهنالك حاول أن يتقرب من الموحدين ليكون حلفا، بحريا في جوهره، على الصليبيين: على أن هذه المحاولة لم تكلل بالنجاح (انظر - Gaudefroy- De mombynes، في Melanges. Rene Rasset II؛ سعد زغلول عبد الحميد في مجلة كلية الآداب بجامعة الإسكندرية جـ 6 - 7، سنة 1952 - 1953، ص 24 - 100)، ولهذه الأسباب نفسها تفاوض مع السلاجقة في آسية الصغرى. ومن الطبيعي أن تكون سياسة الحرب باهظة التكاليف وهذا أثر على الإمكانات المالية في عهده حتى أنه كان على شفا الإفلاس دائما، ومع ذلك فقد حرم في كل مكان الضرائب التي تخالف الشرع في نظر الفقه تمشيا مع مثله الدينى الأعلى الذي قامت عليه دعوته، وكانت رغبته في إزالة كل أثر للنظام الفاطمى تدفعه إلى أن يستبدل

بنقدهم سكة جديدة تتفاوت فيها الدنانير الذهبية والدراهم في الوزن ويتعذر الحصول عليها بقيمة محددة، بيد أن عبء النفقات وتدهور الدخل الذي كان أولًا وقبل كل شيء نتيجة للاضطرابات، ونفاد الذهب المصري وخطورة الطرق المؤدية إلى مناطق الذهب السودانى بسبب سيطرة الموحدين عليها أدت إلى عدم استقرار معيار الدينار وإلى سك دراهم تحتوى على كميات متفاوتة من خليط المعادن إلى جانب الدرهم المصري الشرعي (وكان يحتوي على 30 % من وزنه فضة ويعادل 1/ 40 من الدينار). ونشأ ذلك بطبيعة الحال اختفاء العملة السليمة. وعاش صلاح الدين ثم العزيز على القروض التي حصلا عليها من التجار والأمراء، صحيح أنه يمكن الدفاع عن هذه السياسة بأن في الإمكان على المدى الطويل إعادة الاستقرار المالى بفضل المكاسب التي تجنى من الحرب، بيد أن هذا الحساب، إذا كان قد وضع في الاعتبار، قد ثبت خطؤه نتيجة للحرب الصليبية الثالثة (انظر Contribution to the: A.S. Ehrenkreutz Knowledge of the fiscal administration of .. .Egypr في BSOAS، مجلد 15؛ جـ 3، سنة 1953، مجلد 16، جظ 3، سنة 1954؛ The Standard of fineness of gold .. coins in Egypt في JAOS مجلد 114، جـ 3، سنة 1954, - The Crisis of the di , nar in the Egypt of Saladin في المصدر المذكور، مجلد 74، جـ 3، سنة 1956). ومن النتائج التي أدت إليها سياسة صلاح الدين قيام حلف من القوات الغربية لإنقاذ الشرق اللاتينى انضمت إليه المدن الإيطالية نفسها التي أثار مشاعرها العدائية قفل الموانى الشامية في وجهها. وأخيرا نستطيع القول بأن الفرنجة إذا كانوا لم يستطيعوا استعادة بيت المقدس فإنهم استعادوا على الأقل الجانب الأكبر من الساحل الشامى الفلسطينى، كما أنهم وضعوا أيديهم على قبرص التي أمدتهم من يومها بقاعدة بحرية آمنة وملاذ يستطيعون الانسحاب إليه. وإذا كان صلاح الدين لم يهزم قط فإنه إزاء الجهد الضخم الذي بذله خلال سنتين بطولهما؛ رأى أنه

لا بد من أن يهدأ فترة يستريح فيها ويلتقط أنفاسه، ويتعذر علينا التكهن بما كان صلاح الدين يعتزم أن يفعله لأنه مات بعد بضعة شهور من إبرام اتفاقية السلام سنة 589 هـ (1193 م). 2 - عهد الملك العادل والملك الكامل المتوفى 635 هـ (1238 م): والظاهر أنه كان جوهره عهد ركود وتنظيم بعد الاضطرابات التي حدثت إثر وفاة صلاح الدين. ولقد كانت السنوات الثمانى التي أعقبت اختفاء مؤسس الدولة من المسرح محكا لاختبار مفهوم وحدة الأسرة كما تصورها بالنسبة لملكه وخلافته. وكان صلاح الدين قد منح أواسط الشام وجنوبيها لابنه الأفضل، ومصر لابنه الثاني العزيز، وحلب لابنه الثالث الظاهر غازى، أما حماة فقد انتقلت لابن أخيه تقى الدين عمر، وأما حمص فكانت من نصيب ابن عمه المجاهد وهو حفيد شيركوه، وأخيرا فإن الجزيرة انتقلت إلى حوزة شقيقه العادل أبي بكر- وتم توزيع هذه الأراضي إما إقطاعا في حياته أو نصيبا معلوما من ميراثه، يضاف إلى دلك اليمن وقد حكمها اثنان من إخوته على التوالى. وكان للعادل أبي بكر شأن كبير إبان حكم صلاح الدين ديبلوماسيا ورجل إدارة، وكان وقتذاك أكبر أفراد الأسرة سنا وأبرز الأحياء منهم على الإطلاق، وكان أبناء صلاح الدين يلجأون إليه في عدة مناسبات ويلتمسون رضاه والانتصار لهم أو الفصل بينهم إذ كانوا ضعافا لا يعرفون إلا اللهو والشجار، وسواء أكان العادل رجلًا طموحا أم لم يكن فقد أخذ يتضح أن الحرص على بقاء الملك في البيت الأيوبى قد فرض عليه أن يهمين على مصائره فنصب نفسه عام 567 هـ (1200 م) سلطانا في القاهرة ووزع إمارتى دمشق والجزيرة بين أبنائه ولم يسمح بقيام إمارات إلا في حلب وحمص وحماة التي اضطرت إلى إعلان ولائها له حتى تضمن لنفسها البقاء وذلك أثر المعارك الأخيرة التي دارت بينه وبين الأمراء السابقين عام 1201 م. ومن الطبيعي أن تعقب وفاة العادل مشكلات مماثلة، وأدى وجود حملة صليبية على دمياط وقتذاك (615 هـ = 1217 م) إلى التفاف

الأسرة فترة ما حول ابنه الأكبر الكامل، وقد تولى الكامل مثل أبيه حكم مصر وكان بدوره شخصية مهيبة. وما أن زال خطر الفرنجة حتى تفككت عرى الاتفاق بينه وبين أخيه المعظم أمير دمشق المتوفى عام 625 هـ (1228 م) ثم مع الناصر داود ابن المعظم وخلفه. وشد من أزر الكامل ولاء شقيقه الآخر الأشرف فمنحه دمشق عوضا عن ديار مضر وأبعد داود إلى الكرك. ثم أصبح الكامل رأس الأسرة بلا منازع بضع سنوات؛ ومهما يكن من أمر فإن الود بينه وبين الأشرف أخذ يفتر إلى أن مات الأشرف 635 هـ (1237 م) فانتزع الكامل دمشق من شقيقه الآخر الصالح إسماعيل وكان الأشرف قد عهد إليه، بيد أن الكامل نفسه ما لبث أن توفي في مستهل العام التالي، وكان بحق آخر رجل من بني أيوب يستطيع توحيد كلمة البيت الأيوبى تحت إمرته. وجدير بنا ألا ننزلق في الخطأ بسبب هذه الخلافات، فقد كانت أغلبية الأسرة حتى ذلك الحين على استعداد للتضامن في مواجهة الأعداء وإيثار هذا على مصالحهم الشخصية. وعادوا إلى التضامن بوسيلة أو بأخرى؛ وظل هذا التضامن قائما زهاء نصف قرن وتغير الموقف بعد وفاة الكامل. ومهما يكن من أمر فإن المنافسة بين الأيوبيين وجيرانهم من الأمراء كان لها دخل فيما حدث بينهم من انشقاق، فقد حدثت عام 604 هـ (1207 م) فتن في أخلاط أتاحت للأوحد بن العادل، وكان وقتذاك عاملا على ديار بكر، فرصة مكنته من ضم ميراث شاه أرمن إلى المملكة الأيوبية (وهناك خلف الأشرف الأوحد بعد وفاته). وضمت بلاد أخرى في ديار بكر وديار ربيعة، وأخيرا ضمت عام 631 هـ (1233 م) آمد وحصن كيفا ولم يبق من بيت أرتق القديم إلا فرع واحد هو فرع ماردين، وهكذا قدر للأيوبيين أن يخرجوا من هذه الحروب أعظم جاها وسلطانا. وعلى آية حال فإن سياسة أرض الجزيرة وإيران منذ حوالي سنة 1225 م كان يهيمن عليها اقتراب جلال الدين منكوبرتى على رأس قومه من أهالى خوارزم فارين من الغزو المغولى، وأعمل جلال الدين السيف والنار في إيران ومشارفها، وانضم إليه المعظم

وخصوم الأشرف والكامل من أهل الجزيرة واستطاع آخر الأمر أن يستولى على أخلاط بعد أن تعرضت للسلب والنهب بصورة فظيعة (1229 م). ثم غزا خوارزمشاه آسية الصغرى، وكان الأشرف يزود السلطان السلجوقى بالمدد. وفي هذه المرة لقى الغازى هزيمة ساحقة قرب أرزنجان سنة 628 هـ (1230 م). وكان ثمة أسباب أبقى للاحتكاك بين السلاجقة والأيوبيين، ذلك لأن مصالح البيتين تعارضت من قبل في ديار بكر في عهد صلاح الدين. ولم يعد هناك مفر من الصدام في القرن الثالث عشر بعد نمو قوة السلاجقة وسعيهم إلى الانتقال من جبالهم والانتشار في سهول بلاد العرب من شمالي الشام إلى ديار بكر واستطاعوا تحقيق ذلك كلما سمحت الظروف، إما بمهاجمة الأيوبيين في عقر دارهم أو بالوقوف إلى جانب الحكام من فرع البيت في حلب لحمايتهم من أبناء عمومتهم في مصر، وأرسل الأشرف حملة لمساعدة كيقباذ، وتصور الكامل على إثرها أن فتح الجزء الشرقي من بلاد السلاجقة أمر ميسور، فحشد جيشا ضم كل قوات الأيوبيين وغزا هذا الجزء عام 1223 م. وكان للجهل بطبيعة البلاد وافتقار بعض من أسهموا في هذه الحملة إلى الحماسة أكبر الأثر في فشل المشروع. وانتزع جيش السلاجقة من بعد آمد من خلفاء الكامل (سنة 1241 م) بعد أن انتزع من أعوان الأشرف أطلال أخلاط. وأخيرا نجد أن الأعداء من المسيحيين كانوا يتربصون، فقد كان لا مناص من محاربة الكرج في البلاد المجاورة لأخلاط بالذات والفرنجة أنفسهم بطبيعة الحال. واستخلص الأيوبيون في الحالة الأخيرة من الحرب الصليبية الثالثة درسا أملى عليهم سياسة تتعارض مع سياسة صلاح الدين. وكان الهدف من هذه السياسة المحافظة على السلام والكف عن القيام بأى عمل عدائى نظرا للمزايا الاقتصادية التي تعود عليهم إذا حل الصفاء والوئام محل الخصام من جهة، ولسد الطريق أمام أي ذريعة ينتحلها الأعداء لشن حملات صليبية جديدة في المستقبل من جهة أخرى. صحيح أن الحملات الصليبية لم تتوقف، ولكنها لم

توجه من الفرنجة في الشرق، بل أعدت وخطط لها سلفا في أوروبا. ومن الطبيعي أن يتخذ الأيوبيون كل ما في وسعهم من أسباب الحيطة لإحباطها، ولم يكن هناك ما يدعو للتهاون العسكري. وأدى سقوط بوزنطة وتدهور قوة الموحدين إلى حرمان الأيوبيين من الحلفاء الذين يمكن الاعتماد عليهم، وكان صلاح الدين قد حاول أن يضمهم لصفه، وبعد أن كف الأيوبيون عن الاحتفاظ بأسطول كبير يصلح للهجوم اعتمدوا في حماية مصر على الجيش البرى والتحصينات، كما لجأوا أحيانا إلى نسف المنشآت الساحلية (تنيس) وبث العيون والأرصاد. ومهما يكن من أمر فإن الخلفاء من الأيوبيين، حتى العادل والكامل، حاولوا بقدر- الإمكان أن يعدلوا عن احتمالات الحرب الباهظة التكاليف، إلى الدبلوماسية. وانتهج العادل هذه السياسة فأعاد إلى الفرنجة عام 1204 ما كان يحتله من المواقع الساحلية التي تعد امتدادا لبلاد الفرنجة ما عدا الشقة المحصورة في اللاذقية والتابعة لإمارة حلب. وفي الحرب الصليبية الخامسة عرض خلفه الكامل على الفرنجة إعادة بيت المقدس مقابل الجلاء عن دمياط- بينما كان يدعو أشقاءه في آسية أن يخفوا لنجدته - فرفض الفرنجة، وحرص الكامل على ألا يخوض غمار أي معركة حقيقية. ولقد تكشف هذا الموقف على نحو دبر تدبيرا للتأثير في الرأى العام، وكان ذلك بخاصة في الحرب الصليبية التي شنها فردريك الثاني. واشتدت رغبة الكامل في مسالمة الفرنجة عندما شعر بأنه مهدد من المعظم حليف الخوارزميين. ولما كان مدركا للظرف التي تجعل الإمبراطور ينزع بفطرته إلى المفاوضات، فقد تنازل له آخر الأمر عن بيت المقدس على شريطة ألا تقام فيها تحصينات وأن يحافظ فيها على حرية العبادة. وتوطدت بين العاهلين صداقة حقيقية ظلت قائمة حتى بين خلفائهما. وواجهت إمارة حلب مشكلات محلية تختلف عن ذلك اختلافا طفيفا، فقد راع هؤلاء الأمراء أنهم- من دون أحفاد صلاح الدين المباشرين- يواجهون أسرة العادل، فسعوا إلى التحالف مع

أبناء تلك الأسرة بالتصاهر والعمل على حماية أنفسهم من سلاطين مصر بطلب العون حينا من الأيوبيين في الجزيرة وحمص وحماة، وحينا من سلاجقة الروم، وكانوا بطبيعة الحال يتحالفون في بعض الأوقات مع طرف من هؤلاء على الطرف الذي يتجاوز الحدود في جوره. أضف إلى هذا أن مطامع مملكة قيليقية الأرمنية قد أزعجتهم أيضًا فتدخلوا ضدها مرارا مع السلاجقة ومدوا يد العون إلى أمراء الفرنجة الأنطاكيين الأضعف شأنا. وأدت سياسة المسالمة مع الفرنجة إلى نتيجة طبيعية قصدوا إليها وهي استئناف العلاقات التجارية مع الإيطاليين ودعمها (ومع الفرنسيين في الجنوب والقطالونيين وقتذاك بدرجة أقل). وكانت سفن جنوة وبيزة والبندقية، حتى قبل أن تبرم معها معاهدات رسمية من جديد، تسافر إلى الإسكندرية بعد الحرب الصليبية الثالثة كما كانت تفعل من قبل، وإلى دمياط وإن كانت رحلاتها إليها أقل، ويتضح ذلك من الوثائق الخاصة في محفوظات البندقية وجنوة. وفي عهد العادل أيدت سلسلة من الاتفاقات حقوق هذه الدول في تخفيض المكوس والتمتع بتسهيلات إدارية وقضائية. يضاف إلى هذا أن سهولة الوصول إلى إمارة حلب بحرا أن إلى أن التجار الأيطاليين لم يعودوا يقصرون نشاطهم، حتى في الشام، على موانى الفرنجة، بل أخذوا ينزلون في اللاذقية ويغشون بانتظام أسواق حلب ودمشق، ويبدو أن وليام سيينولا Spinola. وهو من الشخصيات الهامة في جنوة، كانت له حظوة خاصة لدى العادل، وكان يصحبه وهو يفتش على ضياعه (ويمكن ملاحظة هذا لدى عقد مقارنة بين حوليات جنوة - Annals of Ge noa التي استشهد بها شاوبه Schaube في كتابه - Handelsgeschichte der Mittelm eer-Romanen ص 121، وابن نظيف المذكور في Amari: المكتبة الصقلية العربية، جـ 2، الملحق، ص 35 وكان غير معروف لدى شاوبه Schaube). وكانت مصر تبيع لأوربا بعض منتجاتها، وأهمها وقتذاك حجر الشب فيما يظهر، فضلا عن منتجات المحيط الهندى التي تمر بأراضيها سلعا عابرة. ومن الطبيعي أن تكون الحروب

الصليبية أو الخوف من التعرض لهجمات مفاجئة من الأسباب التي أدت إلى إثارة أزمات، كما حدث عندما قبض عام 1215 م على ثلاثة آلاف تاجر اجتمعوا في الإسكندية ثم أخلى سبيلهم، ومع هذا فقد استؤنفت العلاقات حتى بعد الحملة الصليبية على دمياط (كما يتضح دلك ضمن أمور أخرى من وثيقة خاصة بالإعفاء محررة باللغة العربية من الكامل إلى البنادقة، وقد أعدها للنشر صبحى لبيب) واستمرت قائمة في الغالب، دون أن يتخللها انقطاع، حتى منتصف القرن. وكانت السيادة في البحر المتوسط للإيطاليين، وكان دور مصر في التجارة معهم سلبيا خالصا، ولم تكن تجنى من الربح إلا ما يعود عليها من الضريبة والعمولة، ومع ذلك فقد حرم على الإيطاليين النفاذ إلى البحر الأحمر، وظلت تجارة المحيط الهندى مقصورة على رعايا الولايات الإسلامية (أو الهندية). ولسنا في موقف يتيح لنا أن نحدد بالضبط الدور الذي قام به المصريون أو اليمنيون أو غيرهم من الشعوب الشرقية. يضاف إلى هذا أن طبيعة التجار المعروفين باسم الكارمية، وهم الإخصائيون بمصر وعدن في تجارة المنتجات المستوردة من المحيط الهندى وبخاصة الأفاويه، لا تزال يكتنفها الغموض. ويبدو أنهم ظهروا لأول مرة أيام الفاطميين، بيد أنهم برزوا بالفعل في عصر الأيوبيين ليقوموا بالدور الذي اقتصر عليهم بنوع خاص في القرن التالي (انظر التوضيحات الصحفية التي أمد بها كوتين Goitein وفيشل Fischel - صحيفة Journal of the - Economic and Social History of the Ori ent سنة 1958؛ Les archands: G.Wiet 'Epices، في Cahiers d, historie Egyptienne سنة 1955). ولعل الدافع الأول لاحتلال اليمن كان كف أنصار عودة الحكم الفاطمى أو الحصول على ملجأ أمين للأيوبيين هناك آخر الأمر، وإن كان الهدف منه أيضًا هو ولا ريب تحسين العلاقات التجارية بين اليمن ومصر، وهذا ما حدث بالفعل. وهذه العلاقات أساسية بالنسبة للطرفين خصوصا بعد أن اتفقا على التعامل

بالسكة اليمنية، وتوحيد بعض الإجراءات (ابن المجاور، طبعة لوفكرن Lofgren ص 12 وما بعدها). وليس من شك في أن ما نعمت به مصر من أمن داخلى كامل أو يكاد- إلى جانب فترات السلم التي طال أمدها نسبيا وأفادت منها الشام - كان له أثر حسن على الرغم من تعذر تقديم بيانات دقيقة عن اقتصادهما الذي حفزته أيضًا إمكانيات التجارة، التي جهد الأيوبيون عامدين إلى النهوض بأسبابها، وإن كانوا قد فعلوا ذلك من أجل مصالحهم المالية فحسب، وفي وسعنا تكوين فكرة عن موارد الشام والجزيرة من كتاب الأعلاق لابن شداد الذي يصف الموقف قبيل هجوم المغول. أما فيما يختص بالحرف في دمشق، فإننا نجد الكثير عنها في رسالة عن الحسبة وضعها عبد الرحمن ابن نصر الشيزرى حوالي عام 600 هـ (1200 م؛ طبعة العرينى، القاهرة سنة 1946، وترجمها برنهاور Bernhauer، بعنوان Les institutions de po- . lice etc. في. Jour. As سنة 1860، وجاء فيها أن اسم المؤلف هو النبرواى). ويبدو أنها الأصل في جميع الرسائل التالية من هذا النوع في الشام ومصر، وفيما يختص بمصر توجد إلى جانب ما أورده المقريزى، بيانات كثيرة في رسائل ابن المماتى والنابلسى (انظر ما يلي). ويؤكد النابلسي بصفة خاصة اهتمام الكامل بالمحافظة على الغابات وأعمال الري وحرص الدولة على زراعة قصب السكر .. إلخ. وظلت مصر دائما وبصفة عامة، على نقيض الدول الأيوبية الأخرى، خير البلاد التي تعتمد في بعض شئونها على الاقتصاد المؤمم، وبخاصة في مجال التعدين وإنتاج الأخشاب وتجارة المعادن والخشب وبعض وسائل النقل وصناعة الآلات والأسلحة .. إلخ. ويؤكد كتاب "اللمع" للنابلسى، وهو كتيب صنف بعد الفتن التي نشبت إثر وفاة الكامل، الضرر الذي وقع بسبب تدخل القائمين على الاقتصاد الخاص في أعمال الدولة إلى جانب ما اقترفه عمال الحكومة عندما بدت لهم أول بادرة للتراخى في الإشراف عليهم. وانتهجت الدولة في عهدى العادل والكامل سياسة مالية صارمة إلى جانب العناية بالمسائل الاقتصادية.

واشتهر ابن شكر، وزير العادل العظيم بكفاءته العالية وسلوكه الذي لم يكن يحيد فيه عن الحق قيد أنملة مع الجميع على السواء حدى مع السلطان نفسه. واحتفظ بعده الكامل برقابة صارمة مماثلة على النفقات والموارد (وتشمل إقطاع الأمراء) وترك عند وفاته ثروة طائلة تكاد تعادل ميزانية عام بأسره. وفيما يختص بمصر يتضح من البحث الذي قام به النابلسي في الفيوم، بالرغم من أنه يرجع إلى عام 642 هـ، مدى دقة المساحة التقييمية والحسابات (انظر Le rbgie des impots: CI. Cahen Arabica Lso dans le Fayyum Ayyubide جـ 1/ 3، سنة 1956). أما عن الإمارات الشمالية فقد ترك لنا ابن شداد بيانات عن الضرائب في حلب ومنبج وسروج وبالس. وقد أدت العناية بالمسائل المالية والاقتصاد إلى تيسير سك الدنانير من جديد على نطاق واسع بالمعيار العدى المعهود قبل صلاح الدين، ومع ذلك يبدو أنه كان من الصعب منع تسرب السكة الفضية أمام السكة النحاسية (- De Boiiard L'ev olution mon&taire de I'Egypte medievale في L'Egypte Contemporaine سنة 1939). ولم تتعرض للتاريخ الداخلى للإمارات الأيوبية إلا دراسات قليلة، ومع ذلك فمن الضروري أن يعرف الناس ما حدث في مصر بخاصه إذ وضعت في هذا العصر أسس النظام الذي أبقى عليه المماليك قرنين من الزمان، وإن كانوا في الواقع لم يفعلوا أكثر من إطالة عمره وسد ما فيه من ثغرات، ولتحقيق هذا قطعوا الصلة جزئيا بماضى الفاطميين وعملوا بتقاليد السلاجقة وآل زنكى الشائعة في أقصى ربوع آسية، واحتفظوا في الوقت نفسه بالتراث المصري كشئ لا بد منه وابتدعوا نظما جديدة تناسب البلاد، وطبيعى أن من العسير التعرض هنا لهذا الموضوع، وحسب الباحث أن يسجل بضع إشارات عابرة. وكان نظام الدولة الأيوبية حتى السنوات الأخيرة من عهد الكامل تقريبا، يقوم على اتحاد أسرى شبه إقطاعى ولا يختلف عن نظام دولة بنى بويه مثلًا، ويشبه بدرجة أقل، نظام دولة السلاجقة وآل زنكى. فقد وزع

عدد معين من الأقاليم -تحت إمرة سلطان يدين له الجميع بالولاء- على"أمراء تجمعهم رابطة الدم" تابعين له، ويتمتعون باستقلال ذاتى كامل في إدارة هذه البلاد، بصرف النظر عن القيود التي يفرضها الولاء العسكري للحاكم (انظر على سبيل المثال البراءة التي أصدرها الكامل لتولية أحد أمراء حماة والمحفوظة في أخبار ابن أبي الدم (مكتبة جامعة أكسفورد، مارش 60). وانتظمت تلك الإمارات المقطعة إقطاعات أصغر وزعت بدورها على أمراء من أقارب الدرجة الثانية، أو على بعض كبار الضباط ممن يدينون بالولاء للأمير التابع للسلطان، وطبيعى أن تزداد القيود على استقلالهم الفعلى. غير أن الإقطاع العسكري بمعنى الكلمة، وهو ما سوف نتحدث عنه فيما بعد، لم يوجد إلا في طبقة أدنى من ذلك مرتبة. ومهما يكن من أمر فإن هذا النظام بدأ يتعرض لبعض التعديل حوالي نهاية عهد الكامل، وحدث هذا عندما اشتد الصراع بين أفراد الأسرة فاضطر السلطان، وكان يمثله أثناء غيابه في مص نائب يختار من أفراد أسرته حينا ومن غيرهم حينا آخر، أن يستبدل بالأمراء في الولايات الأسيوية عمالا، يختارون من بين أتباعهم، كما حدث مثلًا عند تعيين شمس الدين صواب في ديار بكر، ويظاهرون أميرا صغيرًا أو لايفعلون، ويطلق على كل منهم لقب نائب، وهو يؤكد تبعيتهم أكثر من أي لقب آخر. وليس من شك في أن الظروف التي أعاد فيها الصالح أيوب وحدة الأسرة الأيوبية بعد وفاة الكامل قد أدت إلى انتصار مبدأ المركزية، يضاف إلى هذا أنه لم تكن هناك على الإطلاق إقطاعات مستقلة ذاتيا في مصر اللهم إلا ما منح منها بصفة استثنائية وبإجراء مؤقت صرف (كما في الفيوم مثلًا). ومن جهة أخرى فإن كل الأمراء الذين كانوا يتمتعون بالاستقلال الذاتى في آسية كانوا يحملون لقب سلطان، مثل صاحب الأمر في مصر، وإن كان صلاح الدين لم يطلق على نفسه رسميا هذا اللقب قط، ولعل هذا يرجع إلى ارتباطه بلقب وزير المتوارث عن الفاطميين، بل إن التابعين من الأيوبيين آثروا أن يحملوا لقب ملك. ولم يتوحد قط تنظيم الولايات الأيوبية من حيث هو ثمرة طبيعية

للاعتبارات السابقة، وإذا تركنا اليمن جانبا، فإنه يمكن بوجه عام التمييز بين الأقاليم التي أبقت على الأنظمة التي وضعها آل زنكى ولم تدخل عليها تعديلا كبيرا من جهة، وبين مصر التي أخذت بأنظمة جديدة أو كانت جديدة على الأقل بالنسبة إليها من جهة أخرى، وكما يحدث عادة تحولت أجهزة الحكم المركزية هناك وارتبطت بماضى مصر أكثر من ارتباطها بأسس الإدارة المحلية وقواعدها، وبذلت محالة لإصلاح الأمور بمجرد انتهاء المتاعب التي تعرض لها الحكم في البداية إبان حياة صلاح الدين نفسه، ويتبين هذا من وصف الأنظمة الفاطمية الذي كتبه ابن الطوير وتناول فيه النظام الجديد (مقتطفات منه وردت في كتابى المقريزى وابن الفرات) والرسالة التي كتبها القاضي أبو الحسن عن الخراج (مقتطفات في كتاب المقريزى) وكتاب قوانين الدواوين الشهير لابن المماتى وهي المؤلفات التي وصلت إلينا، ويمكن إضافة مراجع أخرى مثل كتاب ابن شيت الكرشى عن الدواوين، وهو يكاد يكون مصنفا أدبيا. وظهرت في نهاية عهد الأيوبيين نظائر لهذه الأوصاف المنهجية وهي رسائل عثمان بن إبراهيم النابلسي المتعددة التي تيسر لنا الإطلاع عليها أو التي لم نعرفها إلا عن طريق ما نقل منها من شواهد، وهي مثال حي على ما يمتاز به النابلسي من خبرة محسوسة. وكان الأمير نفسه هو الذي يدير دفة الحكومة المركزية بطبيعة الحال وكان لمعظم أمراء الإقطاع وزراء أي موظفون يعملون، باسم الأمير، على توحيد الأوامر الصادرة منه إلى الحكومة بأسرها، ولكن هذا النظام لم يكن مألوفا في مصر. ومهما قيل عما كان يتمتع به القاضي الفاضل من احترام وتقدير في نظر صلاح الدين فإنه لم يحمل قط، على الرغم من كل ما تردد، لقب وزير، ولم يقم بوظائفه، أولًا: لأن هذا السلطان نفسه كان يدير دفة الحكم بنفسه. وثانيا: لأن السلطان كان أصلًا يشغل منصب وزير قبل أن يستولى على زمام السلطة في مصر طبقا لما جرى عليه العمل أخيرا في عهد الفاطميين بمنح الوزير سلطات كاملة. واحتفظ شقيقه العادل زمنا طويلا بابن شكر المخوف وزيرا له، وكان قد

عرف قدره عندما اشترك معه في قيادة أسطول صلاح الدين واستعان به الكامل فترة، بيد أنه تولى بعد ذلك إدارة شئون الحكم بنفسه مستعينا ببعض كبار الموظفين الذين كان يطلق عليهم أحيانا لقب نائب الوزارة، غير أن هذا اللقب لم يطلق عليهم بصفة دائمة. واختار الصالح أيوب من بعده أحد "أولاد الشيخ" وزيرا له، وسوف نتحدث عنهم بعد. وكان للأمراء القصّر واليتامى أتابك. وكان الأستاذ دار، وهو المشرف على بيت السلطان، يقوم بدور سياسى كبير. وكانت الإدارة المركزية فيما دون الأمير والوزير، موزعة على الدواوين التي كانت تختلف بعض الاختلاف عن الدواوين في العهد الفاطمى من ناحية الأسماء والاختصاصات على السواء. وظل نظام الحكم يعمل على تدعيم الجيش، ومن هنا كانت أهمية "ديوان الجيوش" وكان قسم منه خاصا بالإقطاع وله بهذه المثابة اختصاص يماثل إلى حد ما اختصاص ديوان المالية الذي كان يتبعه كل ما يتعلق بالضرائب والدخل والمصروفات وبيت المال، وخصص فيه قسم لتدبير أموال "الباب" نفسه، وفي رسالة ابن المماتى وصف تفصيلى اقتصر عليه وحده دون باقي الدواوين. والديوان الثالث الكبير البارز بين الدواوين المذكورة من بعض الوجوه هو"ديوان الإنشاء" وكان يختص بتدبيج الرسائل وتحرير البراءات، وتولى رئاسة هذا الديوان- الذي حظى بأكبر قدر من الشهرة- القاضي الفاضل، وقد وقع عليه الاختيار من بين أعوان النظام الفاطمى (كان عماد الدين الأصفهانى الذي يضارعه في الأدب كاتب سر صلاح الدين). وأخيرا كان هناك على هامش هذا الإطار ديوان لا يقل أهمية عن أمثاله وهو"ديوان الحبوس" الذي ورد في رسالة النابلسي. ومن الطبيعي أن يتمتع هذا الديوان باستقلال ذاتى كامل أمام الدواوين التي ذكرناها آنفا. واختار الأيوبيون الطغراء السلجوقية وحرفوها (: CI.Gahen في BSOAS، جـ 1/ 14، ص 42). واقتضى العمل في هذه الدواوين الاستعانة بأعداد كبيرة من الوثائق والموظفين، وكان هؤلاء يراقب بعضهم بعضا. ويبدو أن أعجب

نظام ابتدعه العهد الأيوبى هو نظام "الشد"، وكان يقوم بهذه المهمة المُشدّ، وكانت الإدارة تعتمد بطبيعة الحال على موظفين من أهل البلاد، ولم يكن كل ديوان يحظى بالثقة الكافية أو بتعبير آخر لم تكن له سلطة كافية تجعل قراراته نافذة على الموظفين من ذوي النفوذ وبخاصة العسكريين منهم، ولذلك ألحق بكل ديوان، وربما ألحق بالدواوين مجتمعة باعتبارها كلا لا يتجزأ، مشد أي أمير يعهد إليه بالإشراف على الإدارة المدنية العادية ويدعمها بمجندين عسكريين من عندياته. ويبدو أن الجيش كان يتألف من فرق للجند تعادل على الأقل مثيلاتها في عهد صلاح الدين، ومن الطبيعي أن يكون من اليسير زيادة عدد جنده عند الحاجة بتوزيع إقطاعات جديدة بصفة مؤقتة، وعلى الرغم من أن دفع الأعطيات أو توزيع الأموال مباشرة لم يختفيا تماما فإن إقطاع الأرض كان مع ذلك المصدر الرئيسى لتمويل الجيش أو لدخل الأمراء على الأقل. صحيح أن إقطاع الأرض في عهد الأيوبيين كان مرتبطا بالتقاليد الفاطمية والسلجوقية معا ولكنه لم يكن مطابقا تماما، وبخاصة في مصر، لأى واحد من هذين النموذجين، فقد كان أكثر حرية من الناحية الاقتصادية من الإقطاع الفاطمى، بمعنى أنه لم يعد يخضع لضرائب العشور، ومع ذلك فإنه إذا قورن بالإقطاع عند آل زنكى- وكان يخول أمير الإقطاع التمتع بنوع من الاستقلال الذاتى والسيادة على أرضه - يعد أوثق ارتباطا بالإدارة الحكومية. وعلى الرغم من أن أمير الإقطاع كانت له الحرية في بعض مفردات الصرف فإنه في الواقع لم تكن له حقوق إدارية فهو مجرد صاحب حق في دخل محدد لا يتوقف مقداره عليه، ويمكن سحبه منه أو تحويله لأى مكان آخر في أي وقت. وكان هذا الدخل يحسب طبقا لتقدير معين يسمى "العبرة"، وبوحدة حسابية هي "الدينار الجيشى"، وكان قوامه جمعا خاصا بين أداءين: أداء نقدى وأداء عينى على المحصولات. ومهما يكن من أمر فإنه يمكن القول بوجه عام أن من يهمه الأمر كان يضطر وقت المحصول إلى أن يذهب

ليراقب بنفسه جباية الضريبة المفروضة (ومن هنا كانت صعوبة الاحتفاظ بجيش في الميدان لفترة طويلة). ونستطيع أن نقول بعامة إن إقطاع كبار الأمراء كان يتألف من قطع متباعدة من الأرض، وكان ينص على عدد الرجال الذين يستطيع أمير الإقطاع الاحتفاظ بهم (وكذلك الحال فيما يختص بإمارات الأيوبيين في الشام): وأصبح من المألوف - وهو أمر لم يكن معروفا حتى ذلك الوقت- أن يتحدث الناس عن أمراء العشرة والمائة من الرجال .. إلخ (انظر L'evolution de I'ikta: CI. Gahen , في حوليات ESC، سنة 1953). ومن العوامل التي أضعفت هذا الجيش أن فرقه المختلفة التي يتألف منها كانت تفتقر إلى الموحدة وتغار من بعضها البعض. ومن اليسير أن نجد آثارا قليلة للعداوة القائمة على العصبية بين الاكراد والأتراك. وكان أهم عامل في إشعال نيران العداوة هو نزوع كل حاكم إلى تكوين فرقة من الجند، يجندها لنفسه، ومن ثم تقف جهودها على نصرة قضيته. ومهما يكن من أمر فإن إختفاء حاكم من مسرح الأحداث لم يكن يؤدى بالضرورة إلى حل الفرقة أو الفرق التي ألفها، إذ كانت تهيمن على أفرادها روح تضامن مشتركة في مواجهة الخطر يحفزها الخوف من فرق الجند الجديدة. وكان للتنافس بين فرق الأسدية (نسبة إلى أسد الدين شيركوه) والصلاحية والعادلية والكاملية والأشرفية إلخ .. شأن كبير في النزاع بين المطالبين بالعرش من الأيوبيين. واختتم الأيوبيون سياستهم العسكرية بتشييد حصون منيعة في الحضر (حلب، القاهرة .. لخ) والريف على السواء، وهي حصون أقاموها لتقف بصفة خاصة على قدم المساواة مع حصون الصليبيين. وكانت هناك مسألة تخطر بالذهن أحيانا، وهي: إلى أي حد يمكن رد بعض ما يمتاز به الأيوبيون من صفات إلى "كرديتهم"؟ وليس من شك في أن الاعتبارات التي من هذا النوع ترجع في الكثير من الأحيان إلى الأهواء المبذولة والمعلومات الزائفة، وفي رأينا أن وجود الأتراك إلى جانب الأكراد في النظام

الأيوبى لا يختلف كثيرا عن وجود الأكراد إلى جانب الأتراك في نظام آل زنكى، ويخيل إلينا أن النظامين مرتبطان ارتباطا نهجيا وفكريا إذا ما وضعنا في الاعتبار النتائج المترتبة على ظروف البيئة. ومع دلك فالراجح انه ليس من قبيل المصادفة أن يسعى الأيوبيون إلى توسيع رقعة مملكتهم حتى ديار بكر وأخلاط، أي إلى بلادهم التي نشأوا فيها أو على الأقل إلى بلد كردى لضمان استمرار تجنيد الأكراد. ومهما يكن من أمر، فقد امتزج الدم التركى والكردى في الأجيال المتعاقبة من الأسرة القائمة. وسوف نرى أن النظام تجرد في أخريات أيامه من صورته الكردية. وقد كان الأيوبيون، على أية حال، من المسلمين الغيورين على مذهب أهل السنة مثل آل زنكى وغيرهم من المعاصرين، وكانوا يعملون تحت لواء السلطان لنصرة دين الإسلام الحنيف. وهذا الموقف أماط اللثام عنه، أولًا وقبل كل شيء، إعادة مصر إلى طاعة البيت العباسى. وظهر بجلاء في وقت أعاد فيه الخليفة الناصر للخلافة قدرا من هيبتهما المفقودة، وذلك بإعرابه عن احترام آراء البيت الأيوبى لها والاتفاق معهما في وجهات النظر التي لم تكن مجرد أقوال لا تستند إلى واقع، ولم تقلل بطبيعة الحال من الاستقلال الذاتى للأيوبيين، وقد أدى هذا الموقف -مثلًا- إلى توسط سفراء للخليفة -أمثال ابن الجوزي- مرارا في حسم ما ينشأ من منازعات. يضاف إلى هذا أن الأيوبيين، شأنهم في هذا شأن غيرهم من حكام ذلك العصر، انضموا إلى هذا الضرب من نظام الفتوة الذي حاول به الناصر أن يمسك بزمام الطبقات الدنيا بين يديه، وأن يدعم في الوقت نفسه حكمه، ويؤكد سلطانه الأدبى على طبقة الأشراف، وكان يأمل أن يشرك معه الأمراء في الاضطلاع بهذه المهمة، وذلك لوصلهم به وتمكينهم من انتهاج مسلك مماثل مع رعاياهم (انظر آخر تقييم لهذا الموضوع بقلم Die Futuwwa etc. Tr- Taeschner في Schweizerisches Archic for Volkskunder جـ 53، سنة 1956). كما يتضح الموقف السنى الذي درج عليه الأيوبيون من تشجيعهم العظيم

هم وكبار عمالهم لزيادة عدد المدارس في الشام والجزيرة وإدخالها في مصر. ويبدو أن الصالح أيوب كان أول من ابتكر مدرسة من نوع جديد، هي مدرسة للمذاهب الأربعة وتضم بين مبانيها ضريحا لمؤسسها. ومن جهة أخرى رحب الأيوبيون بالطرق الصوفية التي نشأت في الشرق في كثير من الأحيان، وشيدوا لها عدة خانقاوات يديرها شيخ الشيوخ. ومن الشواهد الأعم من ذلك أنه كان يلتف حولهم عدد قليل جدًّا من المهاجرين من أصل إيرانى قريب أو بعيد يحيطون بهم، كما كانوا يفعلون في عهد السلاجقة وآل زنكى، وبخاصة في مجالات الحياة الفكرية المؤثرة، ويبدو أنه كان هناك اتجاه إلى إشراك القضاة والدوائر الدينية على نطاق أوسع في الحكومة. وقد اشتهرت بصفة خاصة في عهدهم الأسرة المعروفة باسم "أولاد الشيخ" وهي من أصل خراسانى والتي نجحت في أن تكون ممثلة إلى حد كبير في الطوائف العسكرية والدينية الشرعية والإدارية، وهذا يخالف ما جرى عليه العمل من تحديد الاختصاصات بينها تحديدا يكاد يكون شاملا، وذلك بصفة خاصة في حالة الوزير معين الدين وشقيقه الأمير فخر الدين الذي قام بمهام نائب الملك فترة قصيرة قبل مصرعه في واقعة المنصورة. ومع ذلك فإننا نلاحظ ولا شك أن الأيوبيين كانوا أكثر مرونة في سلوكهم إذا قارناه بسلوك السلاجقة، وليس من شك في أن هذه المرونة ترتبط بالهدف العام من تخفيف حدة التوتر التي أشرنا إليها من قبل في السياسة التي انتهجوها نحو الفرنجة. ولكن لا بد من الاعتراف بأن آل زنكى قد أضعفوا شوكة الزنادقة في الشام بحيث لم تعد هناك ضرورة لمحاربتهم، وأن مذهب الإسماعيلية في مصر لم يكد يترك فيما يبدو من يأسف عليه. ومها يكن من أمر فإن حكومة الظاهر غازى في حلب قد لطخت أيديها بدماء الصوفى الإيراني سهروردى مقتول الذي أعدم إبان حياة صلاح الدين، ولكن هذه والحق يقال كانت حالة فردية لم تتكرر أبدا، وأن هذا الإجراء طالبت باتخاذه الدوائر الدينية في حلب. وكان معظم الأيوبيين من الشافعية، وهم يخالفون في هذا

الأتراك الذين كانوا من الحنفية، وعلى الرغم من أن هذا لا يمكن أن يكون السبب في أن الأتراك كانوا أقل تسامحا، فإن النتيجة مع ذلك كان يمكن أن تؤدى إلى قلة احتكاك الأيوبيين بأهل الورع الذين نذروا حياتهم لرسالة السلاجقة. ومهما يكن من أمر فإن المعظم وابنه داود كانا من الحنفية، ولعل هذا يفسر إلى حد ما صراعهما مع الكامل، فمثلا يبدو أنهما ولا شك يمثلان من الناحية المذهبية الطرف العنيد في التعامل مع فردريك الثاني. ويمكن القول بصفة عامة أن النصارى واليهود لم يكن لديهم أيضًا فيما يبدو ما يدعو للشكوى من البيت الأيوبى. والدافع سياسى لا عقائدى كما هو الحال دائما أو يكاد عندما يقع استثناء. وليس من شك في أن الاحتلال الأيوبى أضر بالظروف الاستثنائية المرضية التي كان يعيش فيها الأرمن في عهد آخر الخلفاء الفاطميين، ومع ذلك فإن الأقباط أفادوا من هذه المصادرات. وشبيه بهذا ما حدث عندما استعاد صلاح الدين بيت المقدس، فقد آثر بعطفه تلك الوظائف نصارى المدينة (انظر بين مصادر أخرى- In digenes et Croises,: CI. Cahen un me decin d'Amaury et de Saladin في Syria سنة 1934؛ Etiopi in: E.Cerull Palestina جـ ا، رومة سنة 1943). وكان عهد الأيوبيين في مصر عصرا انتعشت فيه الكنيسة القبطية، وإذا وقع توتر فإن هذا كان يحدث بوجه عام نتيجة حتمية للحروب الصليبية إذا خشى وجود تواطؤ، مثلًا، بين الملكانيين واللاتين، وفي رأينا أن الإذن الصادر من الأيوبيين لبعثات المبشرين من الدومينكان والفرنشسمكان بدخول مملكتهم على شريطة ألا يقوموا بأى محاولة لتنصير المسلمين، يدل بجلاء على أنه لم يكن من الضرورى في الظروف العادية، على آية حال، تحريم الاتصال بين النصارى من الأهالى واللاتين، والحق إن إجراءات التفرقة التقليدية التي تتخذ مع غير المسلمين كانت تبعث للحياة من وقت لآخر. (انظر Saladin and the: E. Ashtor Strauss Hcbrew Union College Annual -s Jews سنة 1956، ص 305 - 326). ولا شك أن المناخ يقدم لنا تفسيرا جزئيا لانتعاش الحياة الثقافية في بلاد

الأيوبيين. وكانت الشام بحق قلب الثقافة الإسلامية باللغة العربية في القرن الثالث عشر. وسرعان ما أصبحت مصر ندا لها، بيد أنها لم تكن قد توصلت بعد إلى صياغة مزاج واحد من تراثها الأصيل والعناصر الدخيلة التي كان يرضى عنها الأيوبيون، والحق إنه لا يمكن للأيوبيين أن ينسبوا لأنفسهم الفضل كله في هذا الازدهار، ولكن ليس من العدل أن ننكر فضل الأمراء الذين كانوا في كثير من الأحوال من الأدباء والعلماء والذين عملوا جاهدين بوجه عام على حماية واجتذاب ممثلى كل فروع المعرفة التي لا تتعارض مع الدين الحنيف. وليس من شك في أن المتقدم الاقتصادى وسير المسلمين قدما في إسترداد المنطقة التي طوقتها مباشرة الحروب الصليبية تكفلا بإنجاز بقية الصورة. ونعتقد أن تقديم بيان بأسماء الأدباء والعلماء لا يحقق الغاية المنشودة. أما أسماء المؤرخين والجغرافيين فتوجد في ثبت المصادر؛ ومما يذكر أن ابن القفطى (وزير حلب) وابن أبي أصيبعة كاتبى سيرة العلماء والأطباء يلفتان نظرنا إلى أهمية التأييد الذي حظى به هؤلاء الأطباء في البيمارستانات. ولعل المؤرخ يسجل بين الشعراء (قدم الركابي دراسة لبعضهم في La Poesie profane sous les Ayyubides, سنة 1949) اسم الأمجد بهرام شاه، وهو نفسه من الأيوبيين، أو اسم رجل كان يغشى الأسواق مثل ابن الجزار (الوارد في كتاب المغرب لابن سعيد). وفضلًا عن هذا يجب الإشادة بذكر كثير من اللاجئين الأندلسيين الذين وطدوا أقدامهم في بلاد الأيوبيين، وهم رجال برزوا في مجالات مختلفة مثل ابن سعيد المؤرخ الجغرافي، وابن مالك العالم النحوي، وابن البيطار عالم النبات، وابن العربي الصوفى. وأخيرا لا يمكن أن نتحدث هنا بالتفصيل عن الإمارة الأيوبية في اليمن، وليس من شك في أن تدخل الأيوبيين هناك لا يقل أهمية بالنسبة لهذه البلاد عن تدخلهم في مصر، فقد حد حكم الأيوبيين هونا ما من المنازعات بين الطوائف وصغار الأمراء الذين قسموا البلد بين أنفسهم وحققوا وحدة سياسية قدر لها أن تبقى بعدهم؛

وعلى الرغم من أن الرسوليين حلوا محل الأيوبيين ابتداء من عام 629 هـ (1232 م) إلا أن الرسوليين كانوا أصلًا من عمالهم، واستمروا في الحفاظ على تقاليدهم. وأعاد الأيوبيون العمل بمذهب السنة في اليمن وجعلوا بينها وبين مصر روابط وثيقة من النواحى السياسية والاقتصادية والنظامية. وقد يكون الإصرار على بقاء الانقسامات الدينية بين طوائف الشعب أصل المحاولة الغريبة التي قام بها ثالث خلفاء الأيوبيين في أن يدعى أنه خليفة أموى مستقل بذاته، وبعد التغلب عليه أكد العادل والكامل عزمهما على عدم السماح بخروج اليمن من أيديهما، وذلك بإرسال أحد أبناء الأخير لتولى منصب الخلافة، ومهما يكن من أمر فإن الكامل لم يستطع منع الرسوليين من الجلوس على أريكة الحكم، بيد أن هؤلاء كانوا يجدون الكثير من العناء في إظهار أنفسهم، في البداية على الأقل، بوصفهم حلفاء للأيوبيين، ونشب بينهم فيما بعد نزاع على النفوذ في مكة، على أن العلاقات التجارية لم تتوقف أبدًا فيما يظهر. 3 - وتسجل وفاة الكامل نهاية النظام الأيوبى الحقيقي، مع التحفظ بأن ما لحقه من ضعف كان إلى حد كبير يكمن في تكوينه هو نفسه. وكان الكامل قد خص ابنه الأكبر الصالح أيوب بحكومة حصن كيفا، وعين ابنه الأصغر العادل خلفا له، فأذكى العادل نيران الكراهية ضده فاستغاث خصومه بالصالح. وخاض الصالح غمار معارك عنيفة لقى فيها هزائم عديدة، ثم ظفر بالعرش ووحد زعامة الإمارات الأيوبية (وهي وحدة قدر لها أن تزول بوفاته) لا على حساب شقيقه الأصغر فحسب، بل على حساب معظم الأيوبيين في الشام أيضًا، وبخاصة الصالح إسماعيل الذي أصبح صاحب دمشق. ومن المسلم به أنه كانت هناك منازعات بين الأيوبيين، ولكن هذه المنازعات لم تمنع أحدًا من الزعماء من قبول البلاد، التي كانوا يحكمونها، من السلطان، رأس الأسرة، أو تحول بين تضامن الأسرة وبين حصر الآثار الضارة لهذه المنازعات في حدود معينة. وكان كل من الخصوم يرى هذه المرة أن خصمه مغتصب للعرش، ولم يتحقق الانتصار

للصالح إلا بفضل القوة الغاشمة وحدها. ومع ذلك فإن هذه القوة لم تعد مستمدة من قوة الجيش الكردى، وقد لحق بالصالح عار لا يمحى إبان حياة الكامل عندما كان نائبا عن أبيه في مصر، إذ قام، مدفوعا بعدم ثقته بالأكراد، بتجنيد جيش قصره على المماليك الأتراك على نطاق واسع، وكان الجيش الذي نظمه عندما أصبح السيد المتصرف في شئون مصر مقصورا على هؤلاء الأتراك. في الوقت نفسه كان ما أحرزه من نجاح يرجع إلى عنصر يثير القلق والإنزعاج أكثر من أي عنصر آخر، ذلك هو عنصر الخوارزميين الذين كانوا قد طردوا بعد هزيمة جلال الدين ووفاته إلى آسية الصغرى حيث عملوا فترة من الوقت في خدمة السلاجقة وأخذوا يبحثون عن سيد يعملون تحت إمرته وبلد يعيشون فيه. وقد نصبهم في ديار بكر واستدعاهم لمحاربة أعدائه في الجزيرة والشام. والحق إنهم مسئولون إلى حد ما عن فظاعة هذه الحروب وما صحبها من تدمير وما اتسمت به من قسوة، وأخيرا لم تعد هناك حاجة إلى الاحتفاظ بهم فعمل الصالح على إبادتهم على يد أبناء عمومته في الشام، يضاف إلى هذا أنه على الرغم من أن الأيوبيين السابقين قد حافظوا على السلام مع الفرنجة وأن الكامل رأى في وقت من الأوقات أن يعقد حلفا مع فردريك الثاني فإن هذه الخطط لم تتحقق قط. وفي هذه المرة ظهر الفرنجة بصفة حلفاء للصالح إسماعيل والناصر داود حاكم الكرك نفسه ضد الصالح أيوب والخوارزميين وأدى هذا الحلف إلى كارثة محققة لحقت بهذين معا، مما يدل على أن الملك الصالح كان يطوى بين جوانحه روحا حربية ضد الفرنجة لم تكن معروفة في أسلافه من الخلفاء، وأدت المحن التي تعرض لها الفرنجة إلى شن حرب صليبية جديدة هي حرب القديس لويس التي مات العاهل الأيوبى في مستهلها. والواقع أنه كان آخر خليفة من الأيوبيين، ذلك لأن ابنه تورانشاه لقى مصرعه في مذبحة قام بها جنوده بعد بضعة شهور، وعلى الرغم من أن عددا من الأطفال أشبه بالدمى ظل يحمل اسم البيت الأيوبى فترة ما فقد بدأ في

الواقع تاريخ عهد جديد هو عهد المماليك اعتبارا من عام 647 هـ (1249 م). ويعد الصالح المنشئ الحقيقي لهذا النظام، إذ ما من شك في أن جيش المماليك الأتراك المتماسك القوى النظام والمسمى بجيش المماليك البحرية- نسبة إلى الثكنات المقامة على جزيرة في النهر (البحر) - كان الفيصل الحقيقي في حسم الموقف. ولم يكن الصالح ولا تورانشاه من القواد العسكريين. وكان يمكن للأسرة أن تستمر في الحكم فترة أطول لو لم يفتقر تورانشاه إلى الرأى السديد. ولم يكن هناك مفر من أن يعزله المماليك البحرية عاجلا أو آجلا ويعينوا بدله قائدا يرقى من بينهم، وهذا هو ما فعلوه في الواقع عند ما رفعوا عز الدين أيبك إلى مرتبة السلطة إثر وفاة تورانشاه، إذ أقيم أولًا في وظيفة أتابك ثم نودى به سلطانا. وهكذا خلف البيت "الكردى" نظام "تركى" كما يقول المعاصرون. أما الأيوبيون في الشمال فقد استمروا في الحكم فترة أطول، ولكن دون أن يحققوا أي نجاح وقضوا حياتهم يتهددهم شبح الفزع من اقتراب المغول. وترددوا بين الخضوع الذي كانوا يخشون أن يكون فيه القضاء عليهم، وبين المقاومة المسلحة وكانوا يائسين منها مقدما، ويعلمون ألا جدوى من ورائها. ومهما يكن من أمر فإن الناصر صاحب حلب أصبح حامل لواء الخلافة الأيوبية، واقتضى الأمر في مواجهة الخطر المغولى توسط الخليفة لعقد اتفاق أصبحت بموجبه الشام كلها متابعة له، واكتفى السلطان المملوكى بمصر، غير أن بغداد سقطت عام 1258، وفي سنة 1260 تم الاستيلاء على حلب ودمشق وميافارقين - إما عنوة أو صلحا- للغازى الذي خيل للناس أنه قوى لا يقهر، وأسر المغول في آخر الأمر الناصر السيئ الحظ الذي لم يجرؤ على طلب اللجوء إلى مصر مثل الآخرين، وعومل معاملة حسنة في مبدأ الأمر، ولكنه دفع حياته عندما وصلت أنباء ما لقيه الجيش المغولى من هزيمة على يد المماليك في موقعة عين جالوت في نهاية العام نفسه. وبعد فتح السلطان المملوكى بيبرس للشام، أخضعت إمارة الكرك (التي كانت علاوة

على هذا قد ضاعت وانتقلت إلى أسرة داود عام 1284) وكانت على درجة كبيرة من الأهمية الاستراتيجية، واختفت من الوجود إمارتا حلب وحمص بإرادتهما، أما إمارة حماة التي ذاع صيتها بفضل أميرها الكاتب أبي الفداء، فقد استردت سلطانها وظلت قائمة (ما عدا فترة واحدة) حتى عام 1342 بسبب فطنتها العجيبة. ومهما يكن من أمر، فقد بقى فرع آخر من الأسرة أكثر من قرنين يتولى الإمارة تحت حكم المغول وخلفائهم في البلاد المجاورة لحصن كيفا. وبعد أن انتقص قدرها نزلت إلى مستوى إمارة محلية متابعة عادت إلى أصولها بطريقة غريبة، إذ استمدت جانبا كبيرا من قوتها من القبائل الكردية التي أصبحت قوية في الإقليم والتي حاولت أن تقوم بينها بدور كان يتكرر أبدا وهو دور الحكم، ونجحت في أن تبقى بعد الكارثة التي لحقت بآل تيمور، ظلت مركزا للثقافة بيد أنها استسلمت في النهاية للأق قويونلى، ومع ذلك فإن عددا من أفرادها نال شهرة محلية أقل من أسلافهم في عهد الفتح العثمانى (انظر Contribution A: Claude Cahen 'I, Histoire de Diyar Bakr au XIVe Siecle في J A، سنة 1955). المصادر: أ- مراجع: عدد من وثائق المحفوظات عن عصر الأيوبيين. (1) وثائق رسمية وردت في كتاب سيناء (ا. س. عطية، المخطوطات العربية عن جبل سيناء، بلتيمور سنة 1955)، أو عثر عليها في المحفوظات الإيطالية، ونشرت (Diplomi arabi del Archivo: M. Amari Fiorention) . (2)Uriunden zur: Tafel and Thomas aelteren Handelsgeschicte Venedig 3 مجلدات، سنة 1856 - 1857. (3) وانظر أيضًا كتاب صبحى لبيب المذكور آنفا. وثائق خاصة في مجموعات المستندات الرسمية بالقاهرة وفينا إلخ (انظر مثلًا Eine Eheurkunde A. Dietrich aus der Aiyubidenzeif في Berlin Akad. , Wiss. `Doc. islam. fined سنة 1952). وفضلًا عن هذا فإن هناك مجموعات جزئية بقيت من نسخ رسائل القاضي

الفاضل (انظر عنه: Der Kadi al Fadil A.N. helbig، سنة 1909، نسخة ناقصة) للخليفة الأيوبى الناصر داود (Brockelmann، جـ 1، ص 318؛ , REL: CL. Cahen سنة 1936، ص 341) ولضياء الدين ابن الأثير وزير الأفضل (تحليل للمخطوطات قام به ماركوليوث - Mar goliouth، المؤتمر العاشر للمستشرقين؛ حبيب الزيات، في المشرق مجلد 37/ 4، سنة 1939). (4): CI Cahen في BSOAS, مجلد 14/ 1. (5) وتوجد مقتطفات عديدة من الأولى في أبو شامة أيضًا المذكور فيما بعد. (6) وثائق يهودية مختلفة في مجموعات خزانة كتب كنيس اليهود بالقاهرة. ويمكن القول بوجه عام أن أهم المصادر بالنسبة لنا هي المصادر المروية، وتوجد عنها دراسات شاملة في المقدمة التي كتبها Cl- Cahen لكتاب La Syrie du Nord a Pepoque de Croisades سنة 1940 والمقدمة التي كتبها. H Gottschalk: الملك الكامل (تحت الطبع) (6 م) وبالنسبة لعهد صلاح الدين انظر The Arabic Sources of Salah: Gibb al-Din H.A.R , في Speculum, جـ 1/ 25. سنة 1950، وأهم مصدر بالنسبة لهذه الفترة الأولى هو كتاب البرق الشامى لعماد الدين الأصفهانى، ولا يوجد منه إلا جزءان غير كاملين في أكسفورد (انظر H.A.R. Gibb في WZKM، جـ 52، سنة 1953)، إلا أن هناك ملخصات له كاملة تقريبا وردت في جميع الكتب التالية وبخاصة في كتاب الروضتين لأبي شامة، طبعة القاهرة سنة 1287 هـ (1872 م)، في مجلدين (ظهر القسم الأول من طبعة جديدة منقحة تحقيق حلمى م. أحمد في القاهرة عام 1956، ويرجع إلى عام 558 هـ (1163 م). (7) مقتطفات في , Hist.Qr.Crois جـ 4. جـ 5.، ولابد لإكماله من الاطلاع على كتاب الفتح القسى، للكاتب نفسه، وقد نشره C. Landberg، وهو مقصور على أحداث عام 1187. انظر koe J. Der Sturz desnigreichs Je-: Kraemer , rusalems in der Darstelling des، فيسبادن سنة 1952)، وأهم المصادر

العربية الأخرى هي حياة صلاح الدين لابن شداد في , Hist. Or. Crois جـ 3، وكتاب ابن أبي طي الذي استشهد به أبو شامة في المصدر المذكور. (8) البستان الجامع، نشره CI. Cahen في BEO، دمشق سنة 1937، والكتاب الخاص بالكنائس الذي ألفه أبو صالح الأرمنى المسيحي، إلخ، ونشره Evetts، وبالنسبة لمستهل القرن السابع الهجرى (الثالث عشر الميلادي) يعد كتاب الكامل لابن الأثير أهم مصدر عربي، ولابد أن يضاف إليه الصفحات الأخيرة من كتاب ابن أبي الدم (مخطوطة بمكتبة أكسفورد، مارش 360) وكتاب ابن نطيف (مخطوطة بمكتبة لننجراد IM 159، طبعة يعدها H. Gottschalk: بضع مقتطفات من Amari: المكتبة العربية الصقلية جـ 2، تذييلات؛ ودأب ابن الفرات على الافادة منها، انظر ما ورد بعد)، ومقتطفات من مذكرات عبد اللطيف المحفوظة في تاريخ الإسلام للذهبي والكتاب المذكورين في الفترة التالية. وبالنسبة للقرن السابع الهجرى (الثالث عشر الميلادي) من عصر الأيوبيين بأكمله وبخاصة اعتبارا من حوالي عام 1220 فإن المصدر الأساسي هو كتاب مفرج الكرب لابن واصل (طبعة تكفل بها الشيال الذي نشر المجلدين الأولين وتوقف عند وفاة صلاح الدين؛ مقتطفات استشهد بها في Bibliothbque des Croisades لميشو Mi- chaud، جـ 4 (بقلم رينو (Reinaud وفي تعليقات بلوشيه Blochet على ترجمة المقريزى في ROL، جـ 9 - 10)؛ وهذا المصنف وكتاب مرآة الزمان لسبط ابن الجوزي (نسخة مطابقة للأصل نشرها Jeweutt, هي أساس نسخة حيدر آباد، جـ 2، سنة 1952، وهي نسخة غير كاملة، وانظر Arab. review سنة 1957. 2 بقلم Cl. Cahen) والمهمان بصفة خاصة فيما يتصل بدمشق هما المصدران اللذان اقتصرنا عليهما تقريبا في تدوين التاريخ التالي بأسره؛ وأبو الفداء المبالغ في تقديره إنما ينقل في جوهره عن مصنف معاصر أقل منه خطرا فيما يختص بهذه الفترة. وقد كتب ابن واصل من قبل كتابًا أكثر إيجازا هو تأريخ صالحى ويعتمد على مصادر للمعلومات مختلفة (لم ينشر). ولابد أن يضاف لهؤلاء المؤلفين بصفة

خاصة أبو شامة صاحب كتاب "ذيل على الروضتين"، طبعة القاهرة سنة 1366 هـ (1947 م)، والمسيحى المكين بن العميد (نشره Cl. Cahen في. Bet .Or، سنة 1958) في تأريخه لبطارقة الإسكندرية The History of the Partiarchs of Alexandria) وهذا الجزء لم ينشر، وفيه شواهد مع غيرها في المقريزى تحقيق Blochet: المصدر المذكور)؛ مقتطفات من سعد الدين (Cl- Cahen: , Une source Pour I'Histoire des Croisades .. .les Memoire de، في Bull. Fac.Lettres Strasbourg جـ 28 - 7، سنة 1950)؛ وبالنسبة لشمالى الشام انظر الزبدة لكمال الدين بن العديم (تحقيق سامى الدهان؛ وفي الوقت نفسه ترجمة بلوشيه Blochet , في كتاب ROL، جـ 4 - 6) والبغية للكاتب نفسه (لم ينشر) وعز الدين شداد، انظر ما يلي: وتجد وجهة النظر العراقية في كتاب الحوادث. لابن الفوطى، إلخ: تحقيق مصطفى جواد، ووجهة النظر الخوارزمية في نسوى: حياة جلال الدين، ترجمة Houdas. وجهة نظر سلاجقة (الروم) في ابن بيبى، طبعة Houtsma (وهو مختصر إلى حد ما: بالفارسية). وانظر أيضًا ما كتبه مؤرخو المغول والمماليك الأوائل؛ ومن بين المؤرخين العرب الذين احتفظوا ببعض المواد الأصلية الجزرى (CL. Cahen في Oriens، جـ 1/ 4، سنة 1951، ص 151 - 153) الذهبي (طبعة تعد الآن)، والنويرى (طبعة القاهرة)، وابن الفرات (وهذا الجزء لم ينشر)، والمقريزى (السلوك، تحقيق مصطفى زيادة) وخطط المقريزى، طبعة بولاق، وأما بالنسبة للبداية فإن طبعة فيت Wiet هي الطبعة الوحيدة الصالحة). وبالنسبة لليمن تحت حكم الأيوبيين يعد كتاب المؤرخ المعاصر ابن مجاور (طبعة لوفكرن Loefgren) وكتاب الهمذانى (بروكلمان - Brock glemann، جـ 1، ص 323، ولم ينشر) خيرا من كتاب الخزرجى المتأخر (طبعة مترجمة تخليدا لذكرى كب Gibb)، وبالنسبة لإمارة حصن كيفا انظر مخطوطة بمكتبة فينا لا يعرف مؤلفها، وقد قدمت عنها دراسة في كتاب - Con .tributions etc المذكور آنفا بقلم CI. Ca- hen، وكتب مؤلف شآمى مجهول

تاريخًا عاما عن البيت الأيوبى بأسره في مستهل القرن التاسع الهجرى (الخامس عشر الميلادي؛ المتحف البريطانى، الملحق رقم 7311) ولم ينشر. ولا يزال هناك بصفة عامة كثير جدًّا من المصادر المخطوطة ونشرها (مصورة على الأقل) من الأمانى الملحة. وتوجد مقتطفات مترجمة من كتب المؤرخين العرب في كتاب Storici arabi delle Crociate: F.Gabrireli، رومة سنة 1957 J. Ostrup Periode: Arabiske Kroniker til Korstogenes كوينهاغن سنة 1906. ويجب أن يضاف إلى المؤرخين كتاب السير، ولا نقصد ابن خلكان فحسب، بل نقصد أيضًا ابن القفطى (طبعة Lippert) وابن أبي أصيبعة (طبعة Aug. Muller)، والجغرافيين ياقوت وابن سعيد (لم ينشر) وبخاصة عز الدين بن شداد (شمالي الشام، نشره Ledit في المشرق، سنة 1935)؛ وحلب، طبعة Sourdel دمشق سنة 1958؛ ودمشق طبعة الدهان سنة 1957؛ والجزيرة، تحليل بقلم hen في REI، سنة 1934، وهناك مقتطفات أخرى أعدها Sobernheim في Centenario di Amari, جـ 2 (بعلبك)، وفي. Corpus Inscriptionum Arab في مواضع متفرقة. ولكى تكتمل المعلومات التاريخية والإدارية انظر كتاب Les Tresors لسبط ابن العجمى، تحليل وترجمة بقلم - Sau vaget " سنة 1950، كتاب العليمى في وصف دمشق، نشره Sauvaire في JA، سنة 1894. وفي مجال الرسائل الإدارية يجب ذكر (إلى جانب المقتطفات التي احتفظ بها المقريزى) كتاب قوانين الدواوين لابن المماتى (تحقيق عطية سنة 1943) ومعالم الكتابة لابن شيت الكرشى، تحقيق خورى قسطنطين ياشا، سنة 1913 ومقالات النابلسي في كتاب أخبار الفيوم، تحقيق ب. موريتز. B ' Mortiz وانظر Les Impots: CI. Cahen .eyc، المذكور آنفا، ولمع القوانين، ويعده CI. Cahen ليظهر قريبا؛ ومقتطفات بقلم C. Owen في JNES سنة 1935، وأخيرا كتاب الرتبة للشيزرى، والعجالات التقنية مثل رسالة عن صناعة المدافع، ورسالة عن سك العملة لابن بعرة قام

بتحليلها، Eherenkreutz في Contributions etc المذكور آنفا، ولا أعرف كتاب تذكرة في الحيل الحربية المهدي من على الهراوى إلى الظاهر غازى (Resher في MFOB، جـ 5، سنة 1912، ص 495، طبعة يعدها J. Sourdel-Thomine). ويجدر بنا ألا نغفل ذكر دواوين الشعراء. ومن الطبيعي أن نرجع أيضًا إلى كتب الأدب لغير العرب ولغير المسلمين، والمقام لا يسمح بذكرها هنا بالتفصيل: مؤرخو الحروب الصليبية من اللاتين والفرنسيين بخاصة، ومؤرخو المشرق اللاتينى والأدب السريانى (ميخائيل السريانى، تحقيق وترجمة شابو - Cha bot، ابن العبرى، تحقيق وترجمة بدج Chronique anonyme Syriaque: Budge, نشره Chabot، في Corpus Script or.، Chabot, جـ 3، ص 14 - 15). وجمعت المادة الخاصة بالنقوش في RCEA، جـ 7 - 9، وقد درس فيت Wiet نقوش صلاح الدين في Syria، جـ 3. ولابد أن نضيف إلى الدراسات الحديثة التي قام بها بالوج Balog ومنوست Mi- nost ويو نكفليش Jungfleisch في MIE منذ عام 1950 المادة الخاصة بالسكة الواردة في الفهارس العادية. (ب) مصنفات حديثة: لا توجد دراسة عامة كاملة عن الأيوبيين، وخير دراستين في هذا المجال- على الرغم من إيجازهما - هما دراسة G.Wiet في كتاب Histore de la Nation Egyptienne الذي نشره Hanotaux , جـ 4، ودراسة H.A.R. Gibb في كتاب History of the Crusades (فلادلفيا) جـ 1، (صلاح الدين) سنة 1955، جـ 2 (الأيوبيون بعد صلاح الدين The Ayyubids after Saladin)، وهو تحت الطبع. بل إنه لا توجد سيرة رصينة لصلاح الدين، وآخر سيرة له هي التي كتبها. A Champdor، طبعة باريس، سنة 1956، ولا تزال أقل السير سوءا للك التي كتبها Lane-Poole. طبعة نيويورك سنة 1898. وبالنسبة لباقى الأيوبيين فإن الكامل دون سواه هو الذي كان موضوع دراسة هامة بقلم - H. Gotts chalk (تحت الطبع؛ وقد نوه المؤلف نفسه بمادة عن الأيوبيين في اليمن). واستشهدنا في هذه المادة بالدراسات التي تناولت مختلف المشكلات الخاصة.

وبالنسبة للتجارة نرى أن أحدا لم يضف شيئًا جديدا إلى ما جاء بالكتابين القديمين وهما كتاب Histoire du Com-: W. Heyd merce du Levant، جـ 1، سنة 1882، وكتاب Handelsgeschichte der: Schaube Mittelmeerromanen، سنة 1906، وهما يتناولان الأمور من وجهة النظر الغربية، وتوجد بعض المعلومات عن الأنظمة في كتاب Beitraege Zur Ges-: W. Bjoerkman chichte der Staatskanzlei im islamischen Aegypten، طبعة همبورغ سنة 1929. وانظر أيضًا التواريخ العامة عن الحروب الصليبية والمشرق - اللاتينى؛ The History F. of the: Butcher church of Egypt، سنة 1897. د. يونس (كاهن Cl. Cahen)

ب

ب

با

با اصطلاح يستعمل في الأنساب بجنوبى الجزيرة العربية، وبخاصة بين السادة والمشايخ في حضرموت، وتتركب منه أسماء أعلام تطلق على أفراد وعلى جماعات (بصفة ثانوية) مثل باعباد وباعلوى وبافضل وبافقيه وباحسن وباحسان وباهرمز وباوزير (انظر المواد والقوائم الخاصة التي أوردها نلينو Nallino (في Nome: Gabrieli Proprio ص 88) وفان دن برغ (Hadhrmaout: Van den Berg ص 51 - 61). ويسوق ابن المجاور (طبعة كاتب هذه المادة، ص 254) معلومات مفصلة عن هذه التسمية الحضرمية التي كانت تبدو غريبة كل الغرابة على أسماع موظفى المكوس في عدن حتى أنهم كانوا يرفضون أن يسجلوا هذه الأسماء. وبينما نجد ابن المجاور يستعمل هو والشرجى (طبقات الخواص، في مواضع متفرقة) الصيغة القديمة "أبا" نرى أن مؤلفين آخرين يتخذون لقب أبو أو أبا أو أبي أو يكتفون بحذف كلمة با. ومن ثم نجد أن الشخص الواحد يذكر باسم باحسان وأبا حسان وأبو حسان وحسان (وبالنسبة لابن حسان انظر ما يلي). ولذلك فإن "با" الأصلية قد تكون هي بعينها كلمة "أبا" التي لا تتغير أي "أب" وتتركب منها كنُى (ألقاب مستعارة) أفراد وتقوم بالوظيفة الفعلية

للنسبة بإضافة الياء أو ذو فيما جرى عليه القوم في غربي بلاد اليمن. وهذا هو ما يراه ابن المجاور والشلتى (المشرع، جـ 1، ص 28) والسقاف (تأريخ الشعراء الحضرميين، جـ 1، تعليق رقم 53) وفلوكل (FlUgel في , Zeitschr der Deutsch. Morgenl, Gesells, جـ 9. ص 227). وتضاف كلمة آل أو أولاد قبل با للدلالة على القبيلة أو الأسرة مثل آل باعلوى وأولاد باقشير، وقد يكون هذا هو السبب في القول بأن با = بنو، وهو القول الذي نجده عند المحبى (خلاصة الأثر، جـ 1، ص 74) والذي أخذ به فستنفلد (Wustenfeld في Geschichtsschreiber, ص 256؛ Cufuten، ص 4، تعليق رقم 1). ولا مناص من أن نفرق بين صيغة أخرى يدخل في تركيبها بل- وأحيانا بل > بن الـ - وبين هذه الصيغة الأولى التي يدخل في تركيبها با، مثل بل- فقيه (وهو ليس مطابقا للاسم بافقيه المذكور آنفا) = ابن الفقيه (السقاف، الكتاب المذكور، جـ 2، ص 54، تعليق رقم 2)، وبل حاج (لقب يطلق على أفراد أسرة بافضل) = ابن الحاج. واستعمال كلمة بن مع ياء النسبة مدلولا عاما على الأسماء التي يدخل في تركيبها لفظ با وهو ما أكده فان دن برغ (الموضع المذكور) وكذلك استعمال ابن حسان بدلا من با أو أبي حسان، قد يكون انعكاسا لعادات محلية مختلفة، بل لعله يعبر عن شيء من عدم التثبت ساور السلطات الوطنية (Oriental Le Monde؛ 25, ص 131؛ - Bulletin of the School of Oriental and Af rican Studies، جـ 13، ص 291 - 299). المصادر: (1) - Le Hadhramout et ses: Van Berg col onies Arabes باتافيا، سنة 1886. (2) II nome Proprio arabo-: G. Gabrieli musulmanc، رومة سنة 1915. (3) المحبى: خلاصة الأثر، ص 1 - 4 (4) الشليّ: المشرع، ص 1 - 2. (5) The Saiyids of Hadram-: R. B. Sejeant out، لندن سنة 1957. آدم (ا. لوفكرن O. Lofgren).

باب

باب خير ما يتناول به هذا الموضوع أن نجعله في مبحثين: أولًا -في المساجد، وثانيا- في الحصون. أولًا- في المساجد والأضرحة إلخ. لم يكن لأى مسجد حتى نهاية القرن الثالث الهجرى (التاسع الميلادي) مدخل مشهود، إذ كان الناس يدخلون جميع المساجد، سواء كانت كبيرة أو صغيرة، من أبواب مستطيلة الشكل تفتح في الجدار الخارجى مثل مسجد قصر الحَيْر الشرقي الذي يرجع تاريخه إلى عام 110 هـ (729 م) , ومدخل المسجد الجامع بحرّان، ويرجع تاريخه إلى عام 744 - 750 م تقريبا، ومسجد قرطبة الذي يرجع تاريخه إلى عام 170 هـ (787 م)، ومسجد عمرو الذي يرجع تاريخه إلى عام 112 هـ (729 م) والمدخلان اللذان يرجع تاريخهما إلى عام 221 هـ (836 م) في المسجد الجامع بالقيروان؛ ومسجد بوفتاته في السوس، ويرجع تاريخه إلى 223 - 226 هـ (838 - 841 م)؛ والمسجد الجامع في السوس الذي يرجع تاريخه إلى عام 236 هـ (850 - 851 م)؛ والمساجد الجامعة في سامراء التي يرجع تاريخها إلى 234 - 237 هـ (848 - 852 م)؛ ومسجد أبي دلف ويرجع تاريخه إلى عام 247 هـ (860 - 861 م)؛ ومسجد ابن طولون، ويرجع تاريخه إلى عام (263 - 265 هـ (876 - 879 م). وأول مسجد له مدخل مشهود هو ذلك المسجد الذي شيده الفاطميون عند إنشاء المهدية على خليج قابس عام 308 هـ (920 - 921 م). ومن الواضح أنه شيد على غرار أحد أقواس النصر الرومانية، ولا شك أنها كانت أكثر عددا في شمالي إفريقية عام 920 منها اليوم. وقد نقل الفاطميون هذا الطراز من الأبواب إلى مصر، حيث يظهر في مسجد الحاكم عام 393 هـ (1003 م). ولكن بمقاس أكثر روعة (بروز 6.16 مترا، وعرض 15.50 مترا مقابل 3 أمتار × 8 أمتار بالنسبة لباب مسجد المهدية). كما يظهر في مسجد الأقمر الذي يرجع تاريخه إلى عام 519 هـ (1125 م) ولكن بمقاس أصغر كثيرا، وفي مسجد بيبرس الذي يرجع تاريخه

إلى عام 665 هـ -667 هـ (1266 - 1269 م) بمقاس كبير جدا (8.86 × 18.83 مترا) وقد زخرفت جوانب هذا الباب بثلاث حشوات معقودة تقابلها اثنتان في مسجد الحاكم وواحدة في مسجد المهدية. بيد أن طرازا جديدا هو المسمى بالمدخل المقرنص كان قد ظهر وشيكا في الشام. وأقدم نموذج له هو مدخل مدرسة شادبخت في حلب. ويرجع تاريخها إلى عام 589 هـ (1193 م) وأعقب هذا نماذج أخرى بديعة مثل الرباط الناصرى. في حلب ويرجع تاريخه إلى عام 635 هـ (1237 - 1238 م) وجامع التوبة في دمشق ويرجع تاريخه إلى عام 632 هـ (1234 م) .. الخ. واستخدم هذا الباب لأول مرة بمصر في مدرسة بيبرس 622 هـ (1264 م) ثم في مدرسة وضريح زين الدين يوسف. ويرجع تاريخهما إلى عام 698 هـ (1299 م)، بيد أن استعماله لم يصبح عاما حتى النصف الثاني من القرن الثامن الهجرى (الرابع عشر الميلادي) فثمة آثار عديدة من القرن الرابع عشر لم يستعمل فيها على الإطلاق. ولا يمكن أن نعرف على التحقيق أصل هذا الشكل الجميل من الأبواب المشهودة، إذ أن المراحل الأولى التي مر بها في تطوره قد أندثرت فيما يبدو، ولكن من الراجح أنه اقتبس من أبواب من قبيل الأبواب الجانبية لبيت الخليفة في سامراء حيث يوجد مدخل غائر تغطيه نصف قبة محمولة على قنشين. ومن الواضح أنه باتخاذ هذه الخطة فإنه سوف يستبدل بالقنشات الدعامات المستخدمة لحمل القباب في الشام وذلك عندما نفذت هذه الخطة هناك في وقت متأخر. ويمكن أن ندرك أن هذا قد حدث بالفعل عندما نقارن بين أقدم مثال لدينا، وهو مدخل مدرسة شادبخت. وبين المثلثات الكروية في القبة القائمة أمام المحراب في مشهد الحسين بحلب، وقد شيد في نفس الوقت تقريبا عام 608 هـ (1211 - 1212 م): ففي كلتا الحالتين نلمس الأسلوب الشآمى المأثور في العمارة وهو يعتمد على إقامة سلسلة من الطبقات الأفقية تحليها كوات أقيمت

عموديا عبر الزاوية وترتفع إحداها فوق الأخرى. أما في بلاد فارس فإن أقدم الأبواب مثل باب شريح "جهل دُخْتَران" في دامغان (Denkmaeler: Sarre، 156) الذي يرجع تاريخه إلى عام 446 هـ (1054 م) و"كنبد سرخ" في مراغة (Survey: Pope، لوحة 341، Godard , في آثار إيران، جـ 1، شكل 89) الذي يرجع تاريخه إلى عام 542 هـ (1148 م) وضريح مؤمنه خاتون (المصدر المذكور، لوحة 345؛ Sarre. الموضع المذكور، صورة رقم 3)، في نخجوان (نقجوان أو النشوى)، ويرجع تاريخه إلى عام 582 هـ (1186 م) فتتكون من باب مستطيل الشكل تعلوه طبلة عقد أقيمت في تجويف قليل الغور مستطيل الشكل، وكانت الخطوة التالية فيما يبدو هي تغيير طبلة العقد بتجويف قليل الغور تحلية مقربصات مثل برج مقبرة في خيوة (Pope, المصدر المذكور، لوحة 343) وآخر في سلماس (المصدر المذكور، لوحة 344، وتتخذ الأبواب في القرن الرابع عشر عادة شكل فرجة هعقودة مرتفعة تشبه ليوانا صغيرًا، تغطيها شبه قبة تحملها مثلثات كروية تحليها مقربصات (وهي على آية حال تختلف تماما عن النوع المصري) مثل الخانقاه القائمة في نظنز (المصدر المذكور، لوحة 367) التي يرجع تاريخها إلى عام 704 هـ (1034 - 1305 م) ومزار الشيخ بايزيد في بسطام (المصدر المذكور، لوحة رقم 416، ويرجع تاريخه إلى عام 713 هـ (1313 م) والمسجد الجامع في ورامين (المصدر المذكور، لوحة رقم 406) ويرجع تاريخه إلى عام 723 - 726 هـ (1323 - 1325 م)، وضريح بابًا قاسم في إصفهان (المصدر المذكور، لوحة رقم 417) ويرجع تاريخه إلى عام 741 هـ (1340 م)، والمسجد الجامع في كرمان (المصدر المذكور، لوحة 541 أ) ويرجع تاريخه إلى عام 750 هـ (1349 م)؛ ومسجد بامنار الذي يرجع تاريخه إلى عام 794 هـ (1391 م) وهو يقوم أيضًا في كرمان (المصدر المذكور، لوحة 541 ب). وفي نهاية القرن الخامس عشر نجد الباب المشهود في بلخ لمزار أبي نصر بارسا (المصدر المذكور،

اللوحتان رقم 422 و 424) الذي يبرز من الواجهة مقتحما، وفي الجزء الأوسط فرجة معقودة لها مدخل في الخلف كالعادة إلا أن جوانبها تميل بزاوية قدرها 45 وتتألف من طابقين في كل منهما تجويف له عقد حاد الأطراف. وقد يكون هذا الباب أيضًا نموذجا لبعض الأبواب المشهودة الضخمة مثل باب بولند دروازا المشهور في فتحيور سيكرى الذي يرجع تاريخه إلى عام 1010 هـ (1602 م) والمدخل الرئيسى للمسجد الجامع في دلهى ويرجع تاريخه إلى عام 1644 - 1658 م. أما أبواب المساجد في الآستانة فإنها عادة على شكل نتوء بارز قليلًا تقام فيه فرجة المدخل ويغطيه رفرف عال تحليه مقربصات تتألف من كوات صغيرة جدًّا مثل مسجد السلطان بايزيد الذي يرجع تاريخه إلى عام 906 - 911 هـ (1500 - 1505 م) ومسجد السلطان سليم ويرجع تاريخه إلى عام 929 هـ (1522 م)؛ ومسجد شاهزاده الذي يرجع تاريخه إلى عام 595 هـ (1548 م) ... الخ. ولا تدعم أبواب المساجد في شمالي إفريقية عادة بنتوء بارز مقبب (كما في مسجد المهدية) بل بمظلة متقنة الصنع ترتكز على دعامات (كابوليات) ويغطيها سقف منحدر من القرميد مثل الباب الموجود في فاس (انظر La Mosquee des Andalous: H.Terrassc، اللوحتان رقم 35 و 37). ثانيا - في الحصون كانت أقدم أبواب حصون المسلمين مداخل بسيطة "على شكل ممر مستقيم" وتحميها مزاغل وبرجان جانبيان نصف مستديرين مثل الباب الوحيد في الحمى الأصغر والأبواب الأربعة في البحر الأكبر لقصر الحير الشرقي الذي شيده الخليفة هشام عام 110 هـ (729 م). ولكن حدث في تاريخ متقدم يرجع إلى العهد الذي أنشأ فيه المنصور مدينة بغداد عام 145 - 147 هـ (762 - 765 م) أن ظهر طراز جديد هو الباشورة (أي المدخل ذي العطفة) التي استخدمت في الأبواب الأربعة للسور الخارجى. وهذا واضح من وصف الخطيب إذ يقول: "فإذا دخل الداخل من باب خراسان الأول عطف على يساره

في دهليز أزج معقود بالآجر والجص، عرضه عشرون ذراعا وطوله ثلاثون ذراعا، المدخل إليه في عرضه، والمخرج منه من طوله، يخرج إلى رحبة. في صدر هذه الرحبة في طولها الباب الثاني وهو باب المدينة". ولم يذكر إلا عطفة واحدة، ولما كان الداخل يجتاز بعدها إلى فناء في الطرف الأقصى منه الباب الرئيسى فإن ذلك يستتبع أن الاتجاه الأول لا بد وأن يكون عموديا على اتجاه المخرج، وعلى هذا فإن من الواضح أن المدخل كان ولا ريب في جانب برج الباب. وكثيرا ما يقال إن الباشورات توجد في الحصون البوزنطية في شمالي إفريقية، ونحن لا نغالى إذا قلنا إنه لا يوجد نموذج واحد على غرار هذا المدخل في أي مبنى شيد في عهد يوستنيانوس أو قبله سواء في شمالي إفريقية أورومة أو في القسطنطينية نفسها، أو في أي مكان آخر في الإمبراطورية البوزنطية (انظر مقالتي في Proc. Brit. Academy مجلد 38، ص 101 - 105). وأول باشورة في العمارة البوزنطية هي الباب الجنوبي للقلعة الداخلية في أنقرة التي شيدها ميخائيل الثالث سنة 859 م كما جاء في نقش من النقوش. ومن الراجح أن هذه الخطة نقلها العباسيون (الذين قدموا من الشمال الشرقي) من إقليم نهر جيحون حيث أكتشفت بعثة يرأسها تولستوف - Tol stov حصونا ترجع إلى ما قبل الإسلام، وأقدمها جميعًا قلعة جنباس، وتقوم على بعد حوالي 50 كيلو مترا من النهر في منطقة لم تعد تصلح للرى. وهي تتألف من حصن مشيد باللبن مساحته 200 × 170 مترا وجدرانه لا تزال قائمة، وارتفاعها 10 أمتار وفيها باشورة (Field and Tnlstnv . في - Ars Is clamicaj، جـ 4، ص 150). والمصطلح العربي للمدخل ذي العطفة هو باشورة كما يتضح ذلك بجلاء من الفقرة التي يصف فيها المقريزى باب زويلة بالقاهرة: "ولم يعمل [بدر الجمالى] له باشورة كما هي عادة أبواب الحصون من أن يكون في كل باب عطف حتى لا يهجم عليه العساكر في وقت الحصار ويتعذر سوق الخيل ودخولها جملة" (خطط

المقريزى، جـ 2، ص 380، س 35؛ ص 381، س 5). ومن ثم فإن الباشورة كانت في العادة جزءًا لا يتجزأ من الباب (كما يتضح في كل نماذج المداخل المُزْوَرة المذكورة بعد) ولكن من الممكن أن تجرى تعديلات فيما بعد على باب قديم "في ممر مستقيم" لجعله مدخلا مزورا مثل الباب الشرقي في دمشق. وكان هذا الباب مدخلا مثلثا على غرار الطراز الروماني المألوف، غير أن فون كريمر Von Kremer (سنة 1850) وجد أن الفتحتين الوسطى والجنوبية قد أغلقتا بجدارين وأن جدارا إضافيا (أزيل منذ عهد بعيد) أقيم أمام الفتحة الشمالية لكي يجبر الناس على الانعطاف في زاوية قائمة للمرر من خلاله (Topographie Von Damascus, جـ 1، الشكل المنشور بصفحة 10) وهذا يساعدنا على أن نفهم ما يعنيه المقريزى في حديثه عن وجود باشورة في مدخل باب النصر وباب الفتوح على الرغم من أنهما أختفيا من الوجود في القرن الخامس عشر، ولابد أنهما كانتا مبنيين إضافيين شيدا أمامهما فيما بعد، كما حدث في دمشق، للتغلب على ضعف استحكامات مثل هذه الأبواب المشيدة "في ممر مستقيم"، وأقول "فيما بعد" لأنه ليس هناك في البناء القائم أثر يدل على أن شيئًا قد انتزع من هذين البابين. ومن جهة أخرى فإن ذلك يستتبع أنه ما من شيء يدعونا إلى أن نفترض وجود أي بناء أمام باشورة عندما يرد ذكرها في أي مكان (كما في سُبَيبْة قرب بانياس) ويقال أن الباب نفسه يضم عطفا قائم الزاوية. ولكن على الرغم من المزايا الواضحة لوجود الباشورة فإنها لم تصبح منذ ذاك قاعدة عامة بل إن المنصور نفسه لم يستخدمها عندما بني الرَقَّة بعد بضع سنوات، واكتفى المهندس المعمارى باتخاذ طريقة "المدخل الملتوى" (انظر مقالتي في. E.M.A، جـ 2، ص 38 - 45). ومع ذلك فإن طرازا هائلا من الأبواب يستخدم في حصن الأخيضر المشهور حوالي نهاية القرن الثاني الهجرى (الثامن الميلادي)، وعقد المدخل الذي يبلغ عرضه ثلاثة أمتار قد رد 91 سم إلى الخلف بين برجين على

شكل ربع دائرة، وعلى كلا الجانبين، بالقرب من أركانهما الداخلية، أخدود عميق عرضه 20 سم يسير رأسا إلى أعلى ويدل على أنه كان هناك ولا ريب متراس مدلّى هنا. وخلف عقد المدخل هذا يوجد على بعد 1.95 مترا طريق معقود آخر، وبين الاثنين دهليز عرضه 3 أمتار، وعمقه 1.95 مترا يغطيه سرادب مقبب فيه ثلاث فتحالشاشيقة عرض كل منها 17 سم، وتمتد من الجدار إلى الجدار. وبعد فلنفرض أن حصن الأخيضر يوشك أن يتعرض لهجوم ما، ففي هذه الحالة يراعى أن يكون المتراس المدلَّى في وضع يستطاع فيه جذبه حتى يدخل فريق من الرجال المهاجمين الطريق المعقود الخارجى لمحاولة اقتحام الباب القائم خلف الطريق المعقود الداخلى. وبإشارة من الرجال الذين يرقبونهم من الفتحات الضيقة في القبو يُدلى المتراس وتطلق القذائف ويصب الرصاص المصهور والزيت المغلى على رؤس الفريق المقتحم للحصن بعد أن وقع في الشرك، وقد كان من المستحيل على أي فريق يقتحم الحصين عنوة أن يقترب من الباب دون أن يتعرض أفراده للوقوع في شرك مميت بهذه الطريقة. وأبدع أبواب تنتمى إلى القرن الخامس الهجرى (الحادي عشر الميلادي) هي أبواب القاهرة الثلاثة التي أقامها الفاطميون وهي باب النصر وباب الفتوح وباب زويلة التي بناها بدر الدين الجمالى عام 480 - 485 هـ (1087 - 1092 م) بيد أنها أبواب مستقيمة وليست مداخل مزورة وفي كل حاله يرد المدخل الأصلي إلى الخلف في تجويف معقود بين برجين واجهتهما مستديرة، وخلف العقد فتحة ضيقة يمكن أن تسقط منها القذائف من المنصة المقامة فوقها على رؤس أفراد الفريق الذي يقتحم الحصين عنوة ويهاجم الباب بمنجنيق. ولكن سرعان ما أن الحروب الصليبية التي دارت في القرنيين التاليين والخبرة العسكرية التي اكتسبها كل من الفريقين المتحاربين إلى شيوع استعمال الباشورة. فقد استخدهها صلاح الدين ولم يتخذ غيرها بديلا في قلعة جندى بسيناء حوالي عام 578 هـ (1182 م) وفي الأبواب الثلاثة المقامة في السور الشمالي للقلعة بالقاهرة بين عامي 572 - 579 هـ (1176 - 1184 م)

وكذلك في الأبواب المقامة في ذلك الجزء من سور القاهرة الذي يرجع إليه الفضل في إنشائه. وقدر الناس كل التقدير فاعلية ما للباشورة من مزايا مما جعل استعمالها يشيع، بل هو قد وصل إلى المغرب الأقصى من بلاد الإسلام قبل نهاية القرن السادس الهجرى (الثاني عشر الميلادي) مثل باب حصن القصبة في أوداية بالرباط في مراكش. ويمكن أن نذكر ثلاثة أمثلة نموذجية للباشورات في القرن السابع الهجرى (الثالث عشر الميلادي). وهي باشورة قلعة النجم على نهر الفرات، ويرجع تاريخها إلى عام 605 - 612 هـ (1208 - 1215 م) وباشورتان في بغداد هما باب الطلسم (وقد نسفه الأتراك أثناء انسحابهم عام 1918) والباب الوسطانى. وخير مثال للباشورة هو باب الملك الظاهر في قلعة حلب التي تم بناؤها تنفيذا لأمر ابن شداد عام 611 هـ (1214 م)، ولا يوجد هنا أقل من خمس منعطفات قائمة الزوايا في الممر. آدم [كرزويل K.A.C Kreswell] " باب": مصطلح أطلقه أنصار مذهب الشيعة في عهدها الأول على المريد الأكبر المفوض من الإمام. وتردد كتب السيرة الخاصة بائمة الشيعة الاثنى عشرية أسماء أبواب الأئمة. وكان الباب مرتبة في الطبقات الروحية عند طائفة الإسماعيلية وكان المصطلح مستعملا بالفعل في العهود السابقة للفاطميين على الرغم من أن معناه غير معروف على وجه التحقيق (انظر W-Tvannow: The Alleged Founder of Ismailism, بومباى سنة 1946، ص 125، تعليق رقم 2، نقلا عن الكشى: الرجال، ص 322؛ الكاتب نفسه: Notes sur I'Ummu'I-Kitab في REI، سنة 1932، ص 455، الكاتب نفسه: Ismailism Studies in early Persian, بومباى، سنة 1955، ص 19 وما بعدها). ويأتى الباب في المرتبة الثانية بعد الإمام ومنه يتلقى التعاليم مباشرة، وهو بدوره يهدى الحجّوات الذين يقودون الدعوة. ولذلك يبدو أن المصطلح يدل على رأس القائمين بالدعوة. ويرادف في مصطلح الإسماعيلية "داعى الدعاة" الذي يتردد في كتب التاريخ العامة، ولكن قلما يظهر في نصوص الإسماعيلية. وعلى

هذا نجد على سبيل المثال أن المؤيد في الدين الشيرازى الذي يوصف في كتب الإسماعيلية بأنه باب المستنصر، يطلق عليه المؤرخون (مثل ابن الميسر ص 10) لقب داعى الدعاة لهذا الإمام، ويطلق عليه المستنصر بالفعل هذا اللقب في سجل رمضان عام 461 هـ (يوليه سنة 1069 م) الموجه إلى حاكم اليمن الصليحى (السجلات المستنصرية طبعة عبد المنعم ماجد القاهرة سنة 1954، ص 200 وتوجد بعض الإشارات إلى مركز الباب وواجباته في مذهب الإسماعيلية الفاطمية في كتاب راحة العقل لحميد الدين الكرمانى (طبعة محمَّد كامل حسين ومحمد مصطفى حلمى، القاهرة سنة 1953، انظر الفهرس؛ وانظر أيضًا R. Strothmann: Cnosis-Texte der Ismailitem R. Strothmann طبعة كونتكن سنة 1943 الفهرس، وخاصة ص 82، 102، 175؛ Studies: W.Ivanow، ص 20 - 23). وتضاءلت أهمية المنصب بعد الدعوة الفاطمية ويبدو أنه أختفى من الوجود آخر الأمر. ونجد فيما أورده نصير الدين الطوسي (تصورات، طبعة و. إيفانوف - W. Iv anowa، ص 97، المقدمة، ص 63) من وصف لنظام الدعوة في ألَمُوت أنه ليس هناك من يقف في صف واحد مع الداعى إلا باب "الباطن"، ويبدو أن المصصلح قد أغفل تماما في كتابات الإسماعيلية المتأخرة. ويأتى الباب في المرتبة الثانية بعد الإسم في نظام النصيرية، ويقال إنه هو سلمان نفسه. ويتجسد الباب في كل دورة (يجد القارئ قائمة مستفيضة بأسماء الأبواب النصيرية في R. Strothmann: in Geheimsekten Morgenlaendische Abendlandischer Foprschung برلين سنة 1953 في Abhandlungen der deutschen Akademie der Wisserschafter Zu Berlin Masse fure Sprachen and Kunst Literatur سنة 1952 عدد رقم 5) ص 34 - 35؛ L. Massignon: مادة النصيرية، هي دائرة المعارف الإسلامية، الطبعة الأولى؛ وثمة قائمة مماثلة عند الإسماعيلية تجدها في جعفر بن منصور اليمنى: كتاب الكشف، طبعة شتروتمان - R. Stroth mann: : سنة 1952، ص 14). المصادر: وردت في صلب المادة: آدم [لويس B. Lewis].

بابا طاهر

بابا طاهر " بابا طاهر": صوفى وشاعر، كتب بإحدى اللهجات الفارسية. ويقول رضا قلى خان (القرن التاسع عشر)، دون أن يعين المصدر الذي استقى منه، إن بابا طاهر كان يعيش في عهد الديلم وإنه توفي سنة 401 هـ (1010 م). ومن رباعيات بابا طاهر واحدة غامضة المعنى تقول: "أنا ذلك البحر الذي دخل في إناء، أنا تلك النقطة التي دخلت في الحرف، في كل ألف لألف ستة مثلًا) يقوم رجل مستقيم كالألف (ألف قد) أنا هو ذلك القائم الذي جَاء في هذه الألف" وقد فسر مهدى خان هذه الرباعية تفسيرا غاية في العجب ونشره في مجلة الجمعية الأسيوية في البنغال J.A.S. Bengal وقال في تفسيرها: إن حروف كلمة "ألف قد" تساوى في العدد 215، وهو ما تساويه كلمة "دريا" (وهي كلمة فارسية معناها "بحر") وما تساويه أيضًا كلمة "طاهر" وهي اسم الشاعر فإذا أضفنا "ألف قد = 215 إلى "ألف" وهي تساوى 111 كان المجموع 326 [وهذا العدد يساوى كلمة هزار الفارسية ومعناه "ألف" إذا تهجيناها: ها - زا - ألف راء]. وبهذه الطريقة يذهب مهدى خان إلى القول بأن عبارة "ألف قد في الألف" تعطى تاريخ ميلاد بابا طاهر الذي يمكن أن يكون قد عاش إلى سنة 401 هـ. وبالرغم من أصالة هذا التفسير فإن الشاهد التاريخي الوحيد الذي بين أيدينا عن بابا طاهر هو ما رواه صاحب راحة الصدور (ص 601 حوالي سنة 1204 هـ، سلسلة كب التذكارية، ص 98 - 99) إذ يقول إنه سمع أنه عندما دخل طغرل سلطان السلاجقة مدينة همذان سنة 447 هـ (1055 م) وجه إليه بابا طاهر نصيحة قال فيها: "أيها التركى، ماذا أنت صانع بالمسلمين؟ " وقد تأثر الفاتح التركى كثيرا بهذه النصيحة. وهذه القصة توحى بأن وفاة بابا طاهر حدثت بعد سنة 447 هـ ولكنها لا تناقض بأى وجه ما قيل من أنه كان موجودا في عهد الديلم: أي في عهد بني بويه وأقاربهم بني كاكويه الذين ظلوا

يحكمون همذان إلى حملة إبراهيم ينال سنة 435 هـ. وربما كان بابا طاهر معاصرا لابن سينا الذي توفي في همدان سنة 428 هـ (1037 م) ولكن الأساطير التي تذهب إلى أنه حضر إعدام الصوفى "عين القضاة الهمذانى" سنة 533 هـ وأنه كان معاصرا لنصير الدين الطوسي المتوفى سنة 672 هـ، وهي من وحى الخيال لا غير. وتلقب المصادر بابا طاهر أحيانا بالهمذانى (انظر المخطوط العربي رقم 1903 بالمكتبة الأهلية بباريس، سرانجام ... وإلخ) وأحيانا تلقبه باللورى. وهذا اللقب الأخير يبعث فينا شيئًا من الدهشة، فهو يجعلنا نتساءل: هل له معنى آخر غير إبراز نسبة الشاعر إلى بلاد اللور (لورستان)؟ ولا شك في أنه يحسن بنا أن نتذكر أن الصلات كانت في القرن الحادي عشر وثيقة جدا بين همذان ولورستان، وربما عاش الشاعر مقسما حياته بينهما. وفي خُرمَّ آباد حي سمى باسم بابا طاهر (انظر Geogr. Journ: Edmonds يونية سنة 1922، ص 443). ومما له دلالة خاصة ما ورد في معتقدات "أهل الحق" مما يجعل لبابا طاهر صلة بلورستان. وفي رباعيات بابا طاهر يرد كثيرا اسم جبل ألوند الذي يشرف على مدينة همذان الديوان رقم 200، 102، 274) , وقبر بابا طاهر قائم على تل صغير في الشمال الغربي من المدينة في حي "بن بازار"، وإلى جانبه قبر فاطمة المخلصة وقبر ميرزا على نقى كوثرى (القرن الحادي عشر)، والضريح حقير البناء ولا قيمة له، وورد ذكره في نزهة القلوب (740 هـ = 1340 م؛ سلسلة كب التذكارية، ص 75، ورسمة في Ma-: Minorsky teriaux - طبعة موسكو، سنة 1911 م، ص 11؛ انظر أيضا Williams Jakson في: - Avisit to the Tomb of baba Tahir at Ham .adan: A Volume presented to E.G Browne طبعة كمبردج، سنة 1922 م، ص 257 - 260). والحكايات التي يسمعها المرء في مازندران عن صلة بابا طاهر بهذا الإقليم لا أساس لها من الصحة وربما كانت قد جلبها أولئك الذين هاجروا من

لورستان. وإلى جانب هذا نرى جميع البدو في بلاد الفرس يميلون إلى اعتبار بابا طاهر مواطنا لهم. لغة بابا طاهر: لما كانت الوقائع والروايات جميعًا تجعل صلة للشاعر بهمذان ولورستان فإنه من المعقول أن نتوقع وجود آثار من لهجة هذا الإقليم في لغته. على أن لهجة هذا الإقليم قريبة جدًّا من اللهجة الفارسية، وأشعار بابا طاهر وصلت إلينا بالنقل من فم إلى آخر، وحاول رواتها النطق بها مفهومة واضحة، من أجل هذا أصبح من العسير أن نضع أشعاره في اللهجة التي استعملها هو. وربما رجح قول من قال إن بابا طاهر أراد أن يقلد في شعره لهجات أولئك القوم النابهين. وفي أيامنا هذه زعم كردى من النصارى أنه أنشأ أشعارا باللهجة الكورانية وهي متميزة عن لغتة تماها "ليؤدى بها الرسالة" إلى أهل الحق (انظر مقال الدكتور سعيد خان في مجلة العالم الإِسلامي، The Moslem Warld، يناير سنة 1927، ص 40). البلاد الواقعة بين همذان وخُرمَّ آباد ما زال فيها عدة لهجات، ولكن اللهجة التي استعملها بابا طاهر ليست ذات صلة بلهجة واحدة معينة، وإنما هي تستمد فيما يظهر من هذه اللهجات جميعا ولسنا ننكر وثاقة الصلة بين النص الحالى لأشعار بابا طاهر وبين اللغة الفارسية الفصيحة على أننا نلاحظ أنه استعمل كلمة "نوم" بدلا من "نام" ومعناه اسم و"دستُم" بدلا من "دستَم" ومعناها يدي و "رفتُم" بدلا من "رفتَم" ومعناها ذهبت و "دير" بدلا من "دور" (انظر CI. Huart ص 14 الديوان، رقم 82) وهذا الاستعمال خاص بلهجة اللور. والجدهان "واج" بمعنى يتحدث و"كَرْ" بمعنى يفعل شائعان في الكردية واللهجات الوسطى. واستعمل بابا طاهر أيضًا عبارة "ميكرو" بمعنى يفعل وعبارة "آيو" بمعنى يأتي وهذا يذكرنا على وجه خاص بلغة الحديث الكورانية المستعملة أقصى من ذلك ناحية الغرب. واستعماله لكلمة "ديرم" بدلا من "دارَم" لانجد شبيها له إلا في بلدة كازرون بالقرب من شيراز.

وقد بيَّن "هندك" Handak وأثبت في تحليله المفصل، ما في رباعيات بابا طاهر من مزج بين اللهجات المختلفة، ولو باعتبار ما عرفناه من هذه اللهجات في الوقت الحاضر على الأقل. أما تسمية "إيوار" Hurat (سنة 1885 م) للغة التي استعملها بابا طاهر باللغة الفهلوية الإسلامية فهي تسمية لم يرض عنها العلماء. ووزن الشعر في رباعيات طاهر وفي قصائده الغزلية يكاد يكون كله من الهزج المسدس المحذوف، ولهذا فإن ناشر ديوانه حديثًا سمى رباعياته بالدوبيت بدلا من الرباعيات لأن المصطلح الأخير أقرب صلة بوزن الهزج المكفوف المقصور. ويظهر أن بعض الرباعيات المنسوبة إلى بابا طاهر مشكوك في صحتها ونجد الوزن الذي استعمله في شعره مستعملا أيضًا في بعض الأغانى الشعبية (انظر ميرزا جعفر (Gramm. pers. Rayikz (korsch, طبعة موسكو، سنة 1901، ص 308). بابا طاهر الشاعر: كان كل ما نعرفه عن شعر بابا طاهر حتى سنة 1927 عبارة عن عدد قليل من قصائده ورد معظمها في الدواوين التي جمعت في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. وأدت أبحاث إيوار Huart إلى نشر 59 رباعية من رباعيات طاهر سنة 1885 و 59 رباعية أخرى وقصيدة من قصائده الغزلية سنة 1908. ووجد هرون ألن E.Heron Allen ثلاث رباعيات جديدة، ولكن صحة نسبتها إلى طاهر مشكوك فيها. وترجم لسكرينسكى Leszcznyski 80 من رباعيات طاهر وقصيدة له في الغزل غير التي نشرها إيوار معتمدا في ذلك على مخطوط برلين. وفي سنة 1306 (1927 م) نشر حسين وحيد دستكردى الإصفهانى محرر مجلة أرمغان الفارسية ديوانا لبابا طاهر يشتمل على 296 دوبيتا و 4 قصائد في الغزل، وألحق الناشر بهذا الديوان 62 دوبيتا وجدها في مجموعات مختلفة والرباعيات الثلاث التي أضافها هرون ألن. والرباعيات مرتبة في الديوان حسب الترتيب الأبجدى لقوافيها. ومما يؤسف له أن الناشر لم يزودنا

بتفصيلات عن مخطوط الديوان الذي نشره. والرباعيات الجديدة تردد في عدد منها ذكر اسم بابا طاهر وجبال ألوند وميمند (؟ ) إلخ، مما يؤيد الخصائص المعروفة عن بابا طاهر، ولكن هذا التكرار الذي لا مناص منه يجعل أشعاره مبتذلة بعض الشيء، والذوق اللغوي يؤيد صحة نسبة هذه الرباعيات إلى بابا طاهر وإن كان تقليد مميزاته اللغوية ليس بالأمر العسير كل العسر. ولا شك في أن هناك مجالا للتساؤل عن صحة نسبة رباعيات بابا طاهر إليه، شأنها في ذلك شأن رباعيات عمر الخيام. ويقول زوكوفسكى Zhuknwski إن رباعيات بابا طاهر موجودة في ديوان ملا محمَّد الصوفى المازندرانى المتوفى في القرن الحادي عشر الهجرى، ويدعى شاطر بك محمَّد -وهو شاعر من المحدثين في همذان- أنه صاحب بعض الرباعيات الكردية (الفهلوية) المنسوبة إلى بابا طاهر في ديوانه (ص 21). واختيار المواضيع التي تناولها بابا طاهر في شعره كان اختيارا محدودا جدًّا، ولكن شعره ينم عن طابع شخصيته المتميزة. وسنحلل فيما يلي 59 رباعية له نشرها إيوار لنمكن القارئ من الحكم عليه. ومن الصعب -كما هي العادة- أن نضع حدودا فاصلة تميز بها عبارات الحب الصوفى من عبارات الحب الدنيوى؛ وهناك 34 رباعية تكاد تنقسم بالتساوى إلى نوعين من أنواع الشعر الغنائى، ورباعيتان ليس فيهما إلا الضراعة إلى الله، والباقي من هذه الرباعيات له طابع شخصى. ويصف بابا طاهر حياته كثيرا في هذه الرباعيات فيقول إنه "درويش قلندر" يتنقل من مكان إلى آخر، ولا يغطى رأسه سقف" يتوسد في نومه وسادة من الحجر ويزعجه القلق الروحانى باستمرار (رقم 6، 7، 14، 28). يمزق قلبه الكآبة والهم، ولا يزهر في قلبه إلا زهرة الأسى وحدها؛ حتى الربيع بما فيه من حسن وسحر يخلفه شقيا بائسا (رقم 54، 47، 35، 34).

ويعبر بابا طاهر عن الفلسفة الصوفية الصحيحة فيعترف بآثامه ويطلب الصفح والغفران، ويقر بذَلّه وينشد الفناء لأنه الدواء الوحيد الشافى لآلامه (رقم 1، 13، 45، 50، 58). ويتميز بابا طاهر بشعور من الضعف الإنسانى، فعيناه وقلبه لا ينصرفان في سهولة عن التعلق بأسباب هذه الحياة الدنيا، وقلبه الثائر يشتعل بين ضلوعه ولا يريحه لحظة واحدة، فيهتف الشاعر في ألم: "أأنت أسد أيها القلب أم نمر من النمور؟ أنت الذي لا تكف عن حربى وكفاحى. سأسفك دمك أيها القلب إذا وقعت في يدي لأرى من أي لون أنت" (3، 8، 9، 26، 36، 42). ودراسة بابا طاهر من ناحية علم النفس تظهر أنه يباين عمر الخيام مباينة قوية، فلسنا نجد في شعره أثرا من قول الخيام بأن اللذة هي الغاية المثلى من الوجود، ولانجد في شعره أيضًا ما نجده في شعر الخيام من الاطمئنان إلى ما يتمخض عنه الموت، على أن الخيام تنقصه تلك الشعلة الصوفية التي نجدها في شعر بابا طاهر (انظر Critical Studies: Christensen in the Ruba'iyat of Unutr-i khayyam؛ طبعة كوبنهاغن، سنة 1917 م، ص 44). ومميزات شعر بابا طاهر التي تبعث في النفس المتعة والسرور هي ما نلمسه في شعره من مشاعر جديدة لم تتجمد في قالب ما اصطلح عليه الصوفية وألفوه، وماله من خيال مبتكر، وإذا تحدث عن الفزع فإنه يعبر عنه في أسلوب سهل بسيط، وإذا أتيح لشعر بابا طاهر مترجم من طراز فتزجرالد Fitzgerald (مترجم رباعيات الخيام) لكان منافسا خطيرا لعمر الخيام. بابا طاهر الصوفى: إن الدراويش من الفرس الذين تحدث إليهم زوكلوفسكى ذكروا له أن بابا طاهر صنف 22 رسالة في علم ما بعد الطبيعة "الميتافيزيقا"، على أننا لم نعرف في أوروبا وجود تفاسير وشروح لأقواله في أكسفورد وباريس إلا بفضل إتيه وبلوشيه - Ethe and Blo chet. وقد نشرت الآن رسالته الكاملة

المسماة "الكلمات القصار" في طبعة أرمغان. وهي تتألف من 368 مثلًا بالعربية، صنفت في 23 بابا وتتحدث عن العلم والمعرفة والإلهام والفراسة والعقل والنفس والدنيا والعقبى والسماع والذكر والإخلاص والاعتكاف. وهاك أمثلة من حكمة: "الحقيقة المشاهدة بعد علم اليقين" رقم 96؛ "الوجد فقدان الموجودات ووجود المفقودات" رقم 96؛ "من حلَّ به قضاء الله يبق من غير حركة ومن غير إرادة" رقم 368؛ "من قتله الجهل لم يعش أبدا، ومن قتله الذكر لن يموت أبدا" رقم 300. ويظهر أن الأمثال القصار كانت شائعة منتشرة بين الصوفية ويذكر الناشر الفارسي أن هذه الأمثال كتبت عليها الشروح الآتية: شرح بالعربية منسوب إلى عين القضاة الهمذانى المتوفى سنة 533 هـ والذي تربط الأساطير دائما بينه وبين بابا طاهر؛ وشرح بالعربية آخر لمصنف غير معروف؛ وشرح بالعربية وآخر بالفارسية لملا سلطان على الكنابادى، وقد طبع الشرح الفارسي في سنة 1326 هـ (1906 م) ولكنه لم يتمكن ما من نشر الأمثال القصار مع أحد شروحها. والمخطوط العربي رقم 1903 الموجود في المكتبة الأهلية بباريس يحتوي على الفصول الثمانية الأولى من أمثال بابا طاهر في صيغة مختصرة (ورقة 100 ب- ورقة 105 ب) وكذلك على شرح له (ورقة 174 - ورقة 100 أ) اسمه "الفتوحات الربانية في إشارات الهمدانية". ويظهر أن المخطوط كان في حوزة جانى بك العزيزى صاحب الشرح الذي بدأه في شوال سنة 899 وانتهى منه في 20 شعبان سنة 890 هـ (1485 م). وقد كتب الشرح تلبية لرغبة شيخ اسمه أبو البقاء كان في حوزته "إشارات بابا طاهر" منذ سنة 853 هـ. وقد ترك المخطوط يسقط منه في بئر زمزم بمكة ولكنه انتشل منها بأعجوبة. وسعى العلماء في إقناع أبي البقاء بالعدول عن كتابة شرح

بابا طاهر الولى

للمخطوط لأن أقوال بابا طاهر غامضة بعيدة الغور، فكلف أبو البقاء جانى بك بشرحه فشرحه كلمة كلمة. بابا طاهر الولى: هناك كثير من الأساطير التي تتحدث عن حياة الشاعر وكراماته، شأنه في ذلك شأن الشعراء الصوفية أمثال العطار وجلال الدين الرومى وحافظ. ويروى أنه لما سأل بابا طاهر تلاميذ مدرسة همذان أن يدلوه على طريق العلم أجابوه متندرين: إن الإنسان لا يحصل على العلم إلا إذا قضى ليلة من ليالى الشتاء في صهريج مملوء بماء متجمد، ونفذ بابا طاهر قولهم هذا فلما أصبح الصباح ألفى نفسه مستنيرا بالعلم فهتف قائلا: "أمسيت كرديا وأصبحت عربيا". وهذه القصة سمعها زوكوفسكى في طهران وهرون ألن في بوشير، وهي منتشرة انتشارا كبيرا في همذان (انظر مقدمة الديوان، ، ص 1217 وكذلك مخطوطات همذان)، على أن هذه العبارات العربية نجدها في مقدمة المثنوى الذي صنفه جلال الدين الرومى منسوبة إلى جد (صوفى؟ ) غير معروف لابن أخي وهو تركى من أرمية، ونسب جامى في كتابه المسمى "نفحات الأنس" (طبعة Nassau lees، ص 362، 363) هذه العبارة أيضًا إلى أبي عبد الله البابونى. وهناك أساطير لها مسحة من التقى تصور بابا طاهر يذيب البرد من فوق جبل ألوند بقوة حرارته الروحانية، وتقول إنه حل بإصبع قدمه سؤالا في الفلك وجه إليه (انظر - Leszczynski, Her on, Allen, Zukowski ومقدمة الديوان ومخطوطات همذان). ويقول كوبينو Gobineau في كتابه Trois ans en Asie. طبعة باريس 1859 م، ص 344: إن أتباع طائفة أهل الحق يمجدون كل التمجيد مشاهير المتصوفة ويسمون الأماكن بأسمائهم إعجابا بهم وبخاصة بابا طاهر الذي يقدرون شعره المكتوب في لهجة اللور تقديرا كبيرا كما يقدرون أخته "بيبى فاطمة" إلخ ... وقد هيأ لنا العثور على الكتاب الديني المسمى "سرانجام" تعيين مقام

بابا طاهر في نظرية تجسد الإله عند طائفة أهل الحق، فهم يعتقدون أن الإله تجسد في صور سبع متعاقبة: ظهر قبل الأزل في صورة خاوندكار وفي المرة الثانية في صورة على، وفي الثالثة في صورة بابا خشين، والرابعة في صورة السلطان إسحاق. ويقول أهل الحق إن الإله ظهر في كل مرة من هذه المرات يحف به أربعة من الملائكة لكل منهم وظيفته الخاصة. ويعتبر أهل الحق بابا طاهر واحدا من الملائكة الذين صحبوا بابا خشين وتجسد عزرائيل ونصير والمرتبة الصوفية التي تقابل عهد باب خشين هي مرتبة المعرفة ويقولون إنها كانت في لورستان وهمذان. ويروى مخطوط سرانجام كيف زار ملك العالم بابا طاهر في همذان، وملك العالم في عقيدتهم هو بابا خشين، ولكن يظهر أن هذه القصة قد أوحى بها ما حدث لطغرل كما رواه صاحب كتاب راحة الصدور. وأطعم بابا طاهر جيش الملك كله بصاع من الأرز، وكانت تخدمه في ذلك "فاطمة ليره" من قبيلة بارا شاهى التي كانت في كوران. وعرض الملك على بابا طاهر كنوز الأرض فأباها ولم ينشد غير جمال الملك. وأرادت فاطمة أن تتبع الملك فوضعت رأسها على ركبتها وانصرفت عن الخيال. وواسى الملك بابا طاهر ثم وعده أن يجمع بينه وبين فاطمة في يوم الحساب وأن يجعلهما معا مثل ليلى والمجنون. وفي كتاب سرانجام 13 قطعة شعرية مشوهة ولكنها مكتوبة في لغة بابا طاهر (انظر - Minor Sky؛ ودفنت فاطمة ليره المذكورة في هذه القصة بجانب قبر بابا طاهر، وينبغى ألا تخلط بينها وبين فاطمة أخرى مدفونة في نفس البقعة ويذكر جاكسون وكوبينو - A.W. Jackson Gojk bineau أختا لبابا طاهر اسمها بيبى فاطمة أو فاطمة ليلى، ويتحدث آزاد الهمذانى عن قبر مرضعة بابا طاهر ويظهر أن كل واحد أراد أن يفسر الصلات الصوفية التي كانت بين بابا طاهر وفاطمة بلغة الحياة العادية، وربما ألقت الرباعية التي ذكرناها في بداية هذه المادة (ألف، ألف قد) شيئًا من الضوء على شوق بابا طاهر وتلهفه.

المصادر: (أ) إن المخطوطات التي تشتمل على رباعيات بابا طاهر هي: (1) مخطوط الجمعية الأسيوية للبنغال، فارسى، رقم 923، فهرست إيفانوف ص 424 (مجموعة ألف 1592). (2) Preuss. Staatsbibl Catal. Pertsch. ص 727، رقم 697، وهو مخطوط تاريخه 11820 واستعمله Leszczyn- sky. (3) 56 رباعية في المكتبة الأهلية بباريس، الفهرس الفارسي رقم 174، فهرس بلوشيه، جـ 2، ص 290 - 292. (4) المجموعة التي جمعها بخش على قره باغى في سنة 1260 هـ = 1844 م. وتشتمل على 174 رباعية وقصيدة في الغزل. (5) ووجد زوكوفسكى في مسجد سقاه سالار بطهران مخطوطًا عنوانه "حالات بابا طاهر بانضمام أشعارش" ولكن العنوان لا يتفق ومشتملات المخطوط. (ب) مخطوطات بابا طاهر الصوفية: (1) مخطوط المكتبة الأهلية بباريس رقم 1903، فهرس بلوشيه جـ 2، ص 291. (2) مخطوط إتيه في أكسفورد، فهرس المخطوطات الفارسية بمكتبة بودليانا رقم 1298، ورقة 302 ب - 343. (جـ) ومجموعات الشعر التي ورد فيها ذكر بابا طاهر هي: (1) على قلى خان واله: رياض الشعر، 1161 هـ = 1748 م انظر Leszczynski ص 10. (2) لطف على بك: آتشكده، 1193 هـ = 1779 م بومباى 1277 هـ، ص 247 وفيها 25 رباعية. (3) على إبراهيم شاه: صحف إبراهيم 1205 هـ = 1791 م، المخطوط الوحيد لها موجود في مكتبة Preuss Staatsbibl. Pertsch ص 627، رقم 663 وقد استعمله روكوفسكى و - Leszc zynskyi .

(4) رضا قلى خان، مجمع الفصحاء، طهران، سنة 1295 هـ، جـ 1، ص 326 وفيه 10 رباعيات. (5) رضا قلى خان: رياض العارفين، طهران، سنة 1303 هـ، ص 102، وفيه 24 رباعية. (6) ونشر 32 رباعية من رباعيات بابا طاهر مع رباعيات عمر الخيام في بومباى سنة 1297 هـ وسنة 1308 هـ. (7) 32 رباعية نشرت في كتاب أنصارى المسمى "مناجات" طبع في بومباى سنة 1301 هـ. (8) 24 رباعية نشرت مع رباعيات الخيام في طهران سنة 1274. (9) غزل بابا طاهر طبع ملحقا بديوان شمس المغربي في طهران سنة 1298 هـ، ص 158 وفي كتاب الأنصاري الذي ذكرناه من قبل وغيره. (10) ونشر ديوان بابا طاهر ومعه الكلمات القصار ومقدمة بقلم الناشر وتاريخ حياة بابا طاهر بقلم محمود عرفان ووصف قبره بقلم آزاد الهمذانى إلخ بصفة ملحق للسنة الثامنة لمجلة أرمغان في طهران سنة 1306 هـ (1927 م) ص 1 - 124. (11) Les quatrains de: CL. Huart musulman Baba Tahir Uryan en pehleui في المجلة الأسيوية، السلسلة الثامنة، المجلد السادس نوفمبر- ديسمبر سنة 1885، ص 502 - 545. (12) koye chte 0: Zhukowski . Tahire Golishe zap B، سنة 1900 م، جـ 13، ص 104 - 108 وفيه تاريخ حياته وثلاث حكايات عنه ورباعيتان جديرتان إحداهما في الديوان رقم 146. (13) انظر أيضًا zap، جـ 2، ص 12. (14) The Lament of: E. Heron Allen Raba Tahir، لندن 1902 وفيه 62 من رباعياته ترجمها الناشر وقصيدة ترجمتها Elisabeth Curtis Brenton . (15) A. Liter. Hisl of: E.G.Browne Persia، جـ 1، ص 83 - 87؛ جـ 2، ص 259 - 261.

(16) ميرزا مهدى خان: The quat- rains of B. Tahir في مجلة الجمعية الأسيوية للبنغال، سنة 1904، جـ 1، ص 1 - 29، وقد نشر الرباعيات التي نشرها من قبل هرون ألن وأضاف إليها رباعية أخرى وفيه تصحيحات قيمة وشرح جيد. (17) Nouveaux quatraino: Cl. Huart de B. Tahir في Spiegel Memorial Volume الذي نشره J.J. Modi في بومباى سنة 1908، ص 290 - 302 وفيه 28 رباعيه وقصيدة في الغزل تكمل مجموعة سنة 1885 م التي اكتشفت حديثًا في مستخرج من "كشكول الفقراء" الذي توجد نسخته الأصلية في جامع الفاتح بالآستانة، وفي ديوان المغربي وفي مجموعة صور. والمجموعة الثانية التي نشرها إيوار فيها قطع شاذة وترجمتها غير موثوق بها. (18) Materiaux pour ser-: Minorsky - vir a L'etude des croyances de la sect per sane dite les Ahl-i Haqq ou Ali-llahj في Instituta Truidi Lazarew جـ 33، موسكو 1911، ص 29 - 33, وفيه ترجمة الفقرات المأخوذة من كتاب سرانجام، والنص الفارسي وعليه تعليقات ص 99 - 103. (19) Die Raba': G.L. Leszczynski -des Baba Tahir wryan oder Die Got iyat - testraenen des Herzens. aus d. west - me dischen (sic! ) Originale. ميونخ، سنة 1920 م. (20) Die Mundarten -K-Hadnak .V.khunsar etc في Kurd-pers. 0. Mann fnrsch. V، المجموعة الثالثة، جـ 1، ليبسك 1926، المقدمة، ص 37 - 55 وفيه دراسة وافية للغة بابا طاهر وقائمة بالمصادر. [مينورسكى V. Minorsky] .

بابر، ظهير الدين محمد

بابر، ظهير الدين محمَّد مؤسس أسرة المغول العظيمة في الهند، وهو الابن الأكبر لعمر شيخ ميرزا وحفيد ميران شاه بن تيمور، ويتصل نسبه من ناحية أمه "قتلوق نكَار" بجغتاى الابن الثاني لجنكيز خان. وكان بابر في الثانية عشرة من عمره عندما خلف أباه في فرغانة (5 من رمضان سنة 899 = 10 من يونية سنة 1494 م). وفي سنة 903 هـ (1498 م) استولى على سمرقند ولكنه لم يستطع الاحتفاظ بها أكثر من مائة يوم. ثم مكن لنفسه بعد هذا في خوقند ومنها استطاع أن يستعيد "مرغنان" و "أنديجان" في ذي القعدة من سنة 904 هـ (يونية سنة 1499 م). ولما احتل الخان شيبانى الأوزبكى مدينة سمرقند سنة 906 (1500 م) فقد بابر ممتلكاته كلها، ولكنه فاجأ المدينة بعد ذلك واستولى عليها. وانتصر شيبانى على بابر في موقعة عظيمة حدثت عند سربول ففر بابر ولجأ إلى خاله في طشقند. ولما وجد بابر أن الولاية التي ورثها عن أبيه أقل من أن تستغرق نشاطه كله استقر رأيه على عبور جبال هندوكش وحاصر مدينة كابل واستولى عليها سنة 909 هـ (1540 م) وخطر له أن يغزو الهند من تلك المدينة، ولكن حملته الأولى اقتصرت على الإغارة على شواطئ السند وقتال القبائل الأفغانية. وأراد بابر أن يقضى الشتاء في خراسان التي كان الأزابكة قد رحلوا عنها، غير أن فتنة نشبت في كابل فأضطر إلى التوجه إليها، وحاول أن يعبر بجيشه جبال هندوكش التي كانت مغطاة بالثلوج حينذاك ووفق في ذلك بمشقة كبيرة سنة 912 هـ (شتاء 1506 - 1507 م). وفي سنة 917 هـ (1511 م) استطاع بابر -بفضل مساعدة الشاه إسماعيل الصفوى الذي أعلن خضوعه له- أن يهزم الأزابكة الذين أضعفهم موت شيبانى، وأن يحتل بخارى وسمرقند. ورحل أعوانه من الفرس

في العام التالي فهاجمه الأزابكة من جديد وهزموه في بخارى ثم في غَجْدوان واضطروه إلى أن ينسحب إلى كابل سنة 920 هـ (1514 م)، وعلى أثر ذلك عدل بابر عن فتح الشمال وبدأ يحقق الخطة التي نضجت عنده منذ زمن طويل وهي تأسيس دولة له في الهند بعد أن فتح قندهار سنة 928 هـ (1522 م). وكان إبراهيم لودى سلطان دهلى قد نشب النزاع بينه وبين زعماء الأفغان، فاستغل بابر هذه الفرصة واستولى على لاهور سنة 930 هـ (1524 م) ثم تولى ملك إبراهيم بعد أن انتصر عليه في وقعة بانيت التي حدثت في يوم الجمعة 8 من رجب سنة 932 هـ (20 إبريل سنة 1526 م) وقتل إبراهيم في هذه الوقعة. واتخذ بابر "آكَرا" حاضرة لملكه. واضطر إلى محاربة الزعيم الراجبوتي "رانسنكَه" أمير "جيتور" وأفغان جاونبور وملك البنغال: وتوفى بابر بالقرب من آكَرا في 6 من جمادى الأولى سنة 937 هـ (26 ديسمبر سنة 1530 م) وخلفه في الملك ابنه الأكبر "همايون". وكان بابر قائدا جسورًا ذا شجاعة لا تبارى، ولما تسلق أسوار سمرقند واستولى عليها للمرة الثانية لم يكن معه إلا 240 رجلًا. وكان عبوره لجبال هندوكش في عز الشتاء من الأعمال العظيمة. وقد وصف الهند وصفًا يدل على شدة عنايته بالتاريخ الطبيعي. وكان بابر شاعرًا صنف ديوانًا بالتركية "ديوان تركى" ومجموعة من المثنويات تسمى "مبين" (انظر Berezine: Chrestomathie Zeitschr. d. Deutsch Morgenl: Sprenger, turqure Gesellsch. جـ 16، سنة 1862 ص 87). وخلف بابر أيضًا وصفًا لمغامراته في مذكراته (بابر نامه) التي كتبها بالتركية أو باللغة الجغتائية. ويظهر من اختلاف الأسلوب أن هذه المذكرات لا بد أن يكون أملاها المؤلف على نساخ ثلاثة متعاقبين، وقد نشر نصها إلمنسكى Ilminski في قازان سنة 1857 م من

نسخة نسخها Kehr في سنة 1737 م؛ ونشرت السيدة "أنيت بيفردج": . Mrs Annette S. Beveridge مخطوطًا كان يملكه السير سالار جنكَل الحيدرابادى (انظر سلسلة كَب التذكارية جـ 1، سنة 1905 م، ومعه فهرسان). وترجم "بابر نامه" إلى الفارسية عبد الرحيم ميرزا خان بن بيرام خان سنة 1590 م ثم ترجمت هذه الترجمة إلى الإنكليزية بواسطة ليدن وإرسكين J. Leyden و W. Erskine سنة 1826 م أما الترجمة الفرنسية التي قام بها باقيه ده كورتاى Pavet de Courteille وطبعها في باريس سنة 1891 م فهي مأخوذة عن نسخة إلمنسكى Iliminski . وفي مذكرات بابر فراغ يرجع إلى رغبة المؤلف في إغفال ذكر بعض الحوادث التي ليس في صالحه ذكرها، أو إلى الحوادث نفسها التي حدثت له خلال حياته الحافلة بالمغامرات. المصادر: (1) C. Defremery في Journal des Savants سنة 1873 م. (2) Beveridge A.S في مجلة الجمعية الأسيوية الملكية Journal of the .Royal AS. Soc أعداد يولية سنة 1900 م، 1902 م وأكتوبر 1905 م ويناير 1906 م، ونشرت منفصلة باسم The Haydarabad Codex of the Babarnama (3) Babur und Adu' L- Fazl: F. Teufel Zeitschr d. Deutsch MorgenL Gesellsch جـ 37، ص 141, وما بعدها. (4) Babar: Lane- Poole طبعة أكسفورد سنة 1899 م. (5) Islam: A. Muller, جـ 2، ص 328 وص 330 وما بعدها وص 353 وما بعدها، وص 373، 405 - ، 414 (6) Grundr d. iran Philil جـ 2، ص 361 - 363. [إيوار Ci. Huart]

بابل

بابل هي مدينة بابل القديمة على شاطئ الفرات، على خط عرض 32 - 41 - 30 شمالا وخط طول 44 - 23 - 30 شرقي كرينوش. كان لمدينة بابل القديمة عند المسلمين -وعندنا أيضًا- شأن أعظم من شأن المدينة التي كانت لاتزال موجودة في صدر الإِسلام. وكل ما يعرفه المسلمون عن بابل مأخوذ من ثلاثة مصادر: يهودية أو فارسية أو مسيحية. ولسنا نعرف في وضوح ما إذا كانت معلوماتهم التي يمكن ردها إلى الكتاب المقدس قد وصلت إليهم على يد اليهود أو النصارى. وقد قيل إن آدم نفسه بعد خروجه من الجنة وكذلك قابيل وهابيل كان مقامهم في بابل، وقيل إنهم كانوا في المدينة البوزنطية ببيلون أو بابليون في الفسطاط (ياقوت، جـ 1، ص 45) التي ترد أيضًا إلى نفس العهد القديم كما جاء في التوراة. وروى أن نوحًا بن كوش بن حام وأبناءه استقروا في بابل بعد الطوفان (ابن خرداذبه، ص 77، الطبري، جـ 1، ص 217، ياقوت، جـ 1، ص 442، 447). ويقول ابن الفقيه، (ص 196) إن أول مدينة بنيت في العالم هي حَرّان والثانية بابل. وينسب برج بابل إلى النمروذ ويسمى "المجدل" (البكرى ص 136). وقيل إن الله فرق أبناء نوح في الأرض من بابل وفيها تبلبلت الألسن، وصلة اسم بابل بهذه القصة من الناحية اللغوية أمر معروف (انظر سفر التكوين، الإصحاح 11، فقرة 9؛ ابن رسته، ص 108، المسعودى: كتاب التنبيه، ص 197، البكرى، المصدر المذكور آنفًا). ويقال إن بابل كانت مقام النمروذ بن كنعان وهو أول من ملك الأرض واستشار المنجمين وشق القنوات (انظر ابن خرداذبه ص 77، ابن الفقيه ص 199؛ الإصطخري، ص 101، 860، المسعودى: كتاب التنبيه ص 94، وص 105، 106 نقلا عن التوراة؛ مروج الذهب في مواضع متفرقة). وكان إبراهيم في عهد النمروذ، ولد في حرّان وجاء به أبوه وهو صغير إلى أرض بابل وكان يسكنها لابان فعاش فيها ثم رحل عنها بعد أن تزوج فيها (انظر الطبري، جـ 1، ص 252 وما بعدها). وبالرغم من اختلاف هذه

القصة عن رواية التوراة ينبغي أن نعدها من أصل يهودى، شأنها في ذلك شأن الروايات التي تتحدث عن تاريخ بابل في عهدها المتأخر. وكانت بابل مقر بُخْت نصر الذي دمر بيت المقدس وقال اليهود أسارى إلى مدينته (انظر ابن الفقيه، ص 218, الطبري، جـ 1، ص 692، المسعودى: التنبيه، ص 105، 106، ياقوت، جـ 1، ص 448). وما روى عن مقتل بلشصر بن أولمرودخ بن بخت نصر على يد المقوقس الميدى يمكن أن يرد أيضًا إلى مصادر سريانية (الطبري، جـ 1، ص 216) وكثيرًا ما ترد أسماء النمروذ وبخت نصر وسنحاريب -وهي أسماء بابلية- في الكتب والأزياج (المسعودى: كتاب التنبيه، ص 105). وكان المسلمون يطلقون على أهل بابل القدماء تارة اسم الكلدانيين وتارة اسم الكنعانيين أو النبطيين (الإصطخري، ص 101؛ ياقوت، جـ 1 ص 447). وكانت الأساطير الإيرانية أيضًا قبل الإسلام تربط بابل بتاريخ الأبطال الذين وردوا في تلك الأساطير الإيرانية والقصص الوارد في الكتاب المقدس، وكان جيومرت هو الذي بسط سلطانه من دنباوند إلى بابل، وقالوا إن جيومرت هو آدم (الطبري، جـ 1، ص 147). ويقول الطبري (جـ 2، ص 171) إن أوشهنك بني مدينة بابل ومدينة الشوش وهو أول من قطع الشجر وبنى البناء. وقيل إن الذي بناهما هو طهمورث (¬1) (ابن الفقيه، ص 319؛ الطبري، جـ 1، ص 175 عن ابن هشام الكلبي؛ حمزة، ص 30، 29). وروى أن جمشيد كان ينتقل من دنباوند إلى بابل في يوم واحد كما كان ينتقل سليمان من بيت المقدس إلى تحت جمشيد في إصطخر (انظر الطبري، جـ 1، ص 180)، ويقول الأبستاق إن الضَحَاك عدو جمشيد كان يحكم بابل (الإصطخري، ص 860؛ ياقوت جـ 6، ص 448 نقلًا عن يزدجرد بن مهبنداز) وكان أفريدون يقيم في بابل أيضًا. وممن ملك بابل من الدولة الكيانية كيكاوس ولهراسب وبشتاسب ¬

_ (¬1) عبارة الطبري هي: "وقال هشام بن محمَّد الكلبي فيما حدثت عنه: ذكر أهل العلم أن أول ملوك بابل طهمورث" طبعة الساسى، جـ 1، ص 86.

(الطبري، جـ 1، ص 597، 642 - 674)، وذكر حمزة في كتاب سير الملوك (ص 35) أن كيكاوس هو الذي بني برج بابل. وروى أن رستم البطل المعروف كان يقيم في بابل. وقد عرف العرب شيئًا عن ذهاب الإسكندر إلى بابل، وما رووه عن هذا الأمر أقرب إلى الحقائق التاريخية وإن كان مستقى من قصة الإسكندر كما نقلت إلى اللغة السريانية. ويذكر الطبري (جـ 1، ص 813) أنه أخذ في هذا عن روايات النصارى، وما روى عن قتل الإسكندر لدار ابن دارا وعن إقامة الإسكندر ببابل يمكن أن نرده أيضًا إلى مصدر ساسانى، أي إلى قصة الإسكندر في اللغة الفهلوية المنقولة عن السريانية، ونجد هذه الرواية أيضًا في كتاب سير الملوك لحمزة (ص 40) وفي كتاب الإصطخري (ص 145). والأخبار الخاصة بذهاب بني أرسك إلى بابل وما روى عن قيام القديس توما بالدعوة فيها أصلها سريانى أيضًا (الطبري، جـ 1، ص 702 وما بعدها، ص 738) أما الأخبار التي ذكرت أن بابل كانت ملكا للساسانيين فإنا نجد أصلها في "خداى نامه" (الطبري، جـ 1، ص 813؛ الإصطخري، ص 145؛ المسعودى: كتاب التنبيه، ص 145، 150؛ مروج الذهب، ف 7) ونجد في الإصطخري (ص 145) الملاحظة التاريخية الوحيدة المبتكرة حين يذكر أن الساسانيين ومن بعدهم العرب اتخذوا بابل مقرًا لهم لموقعها بالنسبة للإمبراطورية الرومانية ولأنها في وسط العالم الإِسلامي. ويطلق العرب أيضًا اسم بابل على المدينة والإقليم. وقد سماها الفرس والنبط بابَيل (المسعودى: كتاب التنبيه، ص 35) أو بافيل أو بابلون كما ذكر ياقوت (جـ 3، ص 630) ويقول المسعودى في المصدر المذكور إن الكلدانيين كانوا يسمونها خُنيرَث، وذكر البكرى هذا أيضًا. أما الحمدانى فقال إنهم كانوا يسمونها خَيتارَث. ويظهر أن الفرس كانوا قد أطلقوا اسم بابل على الإقليم الرابع مرادفًا لاسم إيرانشهر. ويقول ابن خرداذبه إن بابل قلب إيرانشهر وقلب العالم (انظر أيضا الطبري، جـ 1، ص 229، الإصطخري، ص 10). وإقليم بابل أوسط الأقاليم، ولهذا كان أشرفها (ابن الفقيه، ص 6؛ ابن رسته، ص 152؛ المسعودى: كتاب التنبيه، ص 6). ويصف المسعودى في

كتاب التنبيه (ص 32) حدود بابل فيقول إن حدها الغربي يمتد إلى الثعلبية وهي أول محطة في الطريق الواصل من الكوفة إلى مكة، وحدها الشرقي نهر بَلْخ، أما الشمالي فبين نصيبين وسنْجار، والجنوبى وراء الدَيبُل من ساحَل المنصورة من بلاد السند. ويطلق العرب عادة أرض بابل على إقليم بابل (ابن حوقل، ص 167) وأرض بابل إنما يقصد بها العراق. ويصف ياقوت في كتابه (جـ 1، ص 447) أرض بابل فيجعلها أضيق شقة من وصف المسعودى لها، فيقول إنها بين دجلة والفرات، بلغت من دجلة إلى أسفل كسكر (واسط) ومن الفرات إلى ما وراء الكوفة وموضعها هو الذي يقال له السواد. ويقول ياقوت في فقرة أخرى إن الأنبار، مدينة على الفرات، حد بابل من ناحية الشمال. قلنا إن اسم بابل يطلق على المدينة وعلى الإقليم، وفوق هذا فإنه يطلق أيضًا على الطسوج السادس من آستان بهقباذ العليا في التقسيم الإدارى للعراق الذي أخذ عن العرب (ابن خرداذبه، ص 8 - 10؛ قدامة، ص 136؛ ياقوت، جـ 1، ص 770). ويروى هذا الإقليم نهر سُورَى أحد فروع الفرات الذي يجرى في وسط مدينة بابل (ابن سرابيون، جـ 6، نقل عنه أبو الفداء". وكانت بابل حاضرة للإقليم إلى عهد ابن سرابيون حوالي سنة 900 م، وحدث في مدينة بابل "يوم العرب" عندما ذبح المثنى قيل الفرس سنة 13 هـ (634 م، الطبري، جـ 1، ص 2422، 2177، 2117). أما المكان المسمى عَقْر بابل، وهو الذي سقط فيه يزيد بن المهلب بعد فتنة البصرة سنة 102 هـ (820 م) فهو مكان آخر موضعه بالقرب من كربلاء على الطريق الواصل إليها من الكوفة. والكتاب المتأخرون أمثال الإصطخري وابن حوقل عرفوا بابل على أنها قرية صغيرة فحسب، وهي تقوم على الطريق الواصل من بغداد إلى الكوفة الذي يعبر الفرات عند جسر بابل (المقدسي، ص 121). ويسرد ياقوت أسماء عدة مدن يقول إنها في أرض بابل نذكر منها: الأميرية وبُرْس وبَرْملاحة والجامعَين وهي: الحلة وشالها والغامرية ومدينتان باسم كوثى. ولم يذكر اليعقوبى أنه كان في عهده من مدن بابل إلا الصرح التي كان

فيها قصر لبختنصر وكورة شنوار التي ذكرها نقلًا عن نصر الإسكندرى المتوفى سنة 650 هـ. وعندما تكلم اليعقوبى عن خُطَرْنية وزاقف ذكر ناحية بابل وسماها "طسوج". ولم يكتب لهذا التقسيم البقاء طويلًا، فإنه عندما تولى العباسيون الخلافة أنشئوا في أول عهدهم مدينة بغداد وأوجدوا تقسيما جديدًا هو أرض العراق، أما بابل والأماكن المتصلة بها فأصبحت من كورة بغداد. وعندما يتحدث ياقوت والقزوينى عن بابل ويقصّان حكايات عجيبة عن المدن السبع التي كانت تتألف منها بابل والعجائب السبع التي كانت توجد فيها فإنهما يقصان ما يظهر أنه كان من الأساطير المحلية التي اتصلت بآثار المدينة. ونجد أن ما ورد من القصص في القرآن وفي الكتاب المقدس عن بابل قد أدخل أيضًا في أساطير تلك البقاع. وعندما يذهب المسافر إلى بابل كان يؤخذ لمشاهدة جب دنيال أو الجب الذي سجن فيه الملكان هاروت وماروت إلى يوم القيامة (سورة البقرة، الآية 103) وصلى على في بابل ولعنها (المقدسي، ص 116). وبين الأطلال الموجودة قصر بختنصر الشمالي الذي لايزال يسمى باسم بابل، وقد وجد منقوشا على آثاره نماذج عديدة من الشعر العربي في القرون الوسطى. ولما أنشأ العرب مدينة بابل أقاموها في موضع المدينة القديمة ومن ثم استمر الاسم القديم خلال العصور. وتسمى الأطلال الأخرى الموجودة في العصر الحاضر بالقصر وهي أطلال قصر ببيلون، وأطلال عمران بن علي، وفيها ضريح لولى من الأولياء أقيم مكان معبد المدينة القديم، وأطلال حُمَيرَة التي اكتشف فيها مسرح من العهد اليونانى المتأخر، وقد استعملت أنقاض الآثار منذ قرون في بناء المساكن، وكان أول من ذكر ذلك القزوينى، ولهذا سميت بابل باسم المجلبة أو المقلوبة كما ذكر بوشامب Beauchamp . ومع أن موقع مدينة بابل كان يعرفه الشرقيون منذ القدم إلا أن علماء الغرب أخذوا يستعيدون كشفه منذ القرن الثامن عشر. المصادر: نذكر إلى جانب المصادر التي ألفها المؤرخون والجغرافيون العرب:

(1) Lands of the East-: G. le Strange ern Caliphate ص 42. (1) الكاتب نفسه: Ibn Serapion في. Tourn. of the Roy. As. Soc سنة 1895 م. (3) Babylonien nach den: M. Streck garab Ceographen في مواضع مختلفة. (4) Explorations in: H. V. Hilprecht Bible Lands during the XIXth century، أدنبره سنة 1903 م. [هرزفلد Ernest hersfeld] + بابل: درج الكتَّاب العرب القدماء على إطلاق اسم بابل على مدينة بابيلون وبلاد بابيلونيا على السواء. وتقوم أطلال المدينة على بعد 54 ميلا جنوبي بغداد تماما، على طريق بغداد- الحلَّة. على أن هؤلاء الكتاب قد اختلفوا فىَ تعيين حدود هذه البلاد، فبعضهم توسعوا في حدودها حتى شملت رقعة مترامية الأطراف، وقصر آخرون حدودها على مساحة أصغر. ويرى المؤرخون والجغرافيون المسلمون أن مدينة بابل الأصلية كانت قد دمرت قبل الفتح الإِسلامي بزمن طويل، وكان في موضعها وقتذاك قرية صغيرة تحمل اسم بابل أيضًا. ويقال إن هذه القرية ظلت قائمة حتى العصر العباسى في القرن الرابع الهجرى (العاشر الميلادي) فابن حوقل، مثلًا، يقول إن بابل كانت في عهده قرية صغيرة، كما يلاحظ "أنها أقدم أبنية العراق ونُسب ذلك إليها لقدمها، وكانت ملوك الكنعانيين وغيرهم يقيمون بها، وبها آثار أبنية أحسبها أن تكون في قديم الأزمان مصرًا عظيمًا". ويذكر أبو الفداء عن بابل الرواية السابقة التي أوردها ابن حوقل، ويردف قائلًا: "وببابل ألقى إبراهيم الخليل في النار، وهي اليوم مدينة خراب، وقد صار في موضعها قرية صغيرة". ووصف القزوينى في القرن السابع الهجرى (الثالث عشر الميلادي) أطلال بابل وتحدث عن اقتطاع الناس لأحجارها واستخدامها في بناء بيوتهم - وهو عمل ظل الناس يمارسونه إلى سنوات قليلة خلت. ويقول فيما يرتبط بهذا الموضوع: "بابل: اسم قرية كانت على شاطئ نهر من أنهار الفرات بأرض العراق في قديم الزمان، والآن ينقل الناس آجرّها. بها جب يعرف بجب دانيال، - عليه السلام -، يقصده اليهود

والنصارى في أوقات من السنة وأعياد لهم، ذهب أكثر الناس إلى أنها هي بئر هاروت وماروت". ويشير البكرى إلى برج بابل، الذي يسميه "المَجَل" ويقول، مقتفيًا أثر كتاب أقدم منه إن هذا البرج (الذي يعرفه علماء الآثار المحدثون باسم زكورت) بناه النمروذ في بابل وأنه كان يرتفع نحو 500 ذراع شاهقا في السماء، وأن هذا البناء هو البرج الصحيح الذي ورد ذكره في القرآن، (سورة النحل، آية 26)، وفيما يلي النص القرآنى الكريم: {قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيثُ لَا يَشْعُرُونَ}. ولقد ثار الكثير من الجدل بين الكتَّاب المسلمين حول تاريخ بابل وحقيقتها، على أن ياقوت الحموى يلخص مختلف الآراء والأساطير السائدة بينهم حول هذه المدينة. مثال ذلك أنه يقال إن نوحا كان أول من بني هذه المدينة وسكنها بعد الطوفان. ويقول الفرس في رواية يزدجرد بن مِهْماندار إن الملك الضحاك هو الذي شيد هذه المدينة، ويقول ابن الكلبي إن مساحة المدينة كانت 12 فرسخا في مثلها، وأن نهر الفرات كان يجرى تحت أسوارها إلى أن حول بختنصر مياهه إلى مجراها الحالى إلى حين احتياطا من انهيار محتمل تتعرض له أسوار المدينة، وأن بابل استمرت في الازدهار حتى دمرها الإسكندر الأكبر. والمعلومات التي كانت بين أيدينا عن تاريخ بابيلون وحضارتها بعد سقوطها كانت شديدة الاضطراب بالغة التناقض، كما سبق أن بينًا. والواقع أنه لم تكن هناك مراجع محققة في هذا الموضوع سوى القصص الواردة في العهد القديم والأخبار التي رواها بعض المؤرخين الإغريق من العصر القديم، وقصص البطولة الشائعة في القرون الوسطى التي نقلها أناس ينقصهم الاطلاع. ولم تكتشف الحقائق الصحيحة عن هذه المدينة حتى وصول علماء الآثار إلى أطلالها في أوائل القرن التاسع عشر الميلادي، وقد ألقوا الضوء على عدد لا يحصى من البقايا والتحف من بينها ألواح مكتوبة بالخط المسمارى، ولما حلوا رموز هذه الكتابات تكشفت كل الحقائق بالفعل عن هذه المدينة

ووضعت الأمور في نصابها. وهكذا قضت على الأخبار العديدة السابقة التي تشبه الأساطير وليس لها أساس من الواقع، وحلت محلها الآن حقائق ثابتة توجد في كثير من المصنفات عن هذه المدينة بلغات أوروبية مختلفة. المصادر: (1) الطبري، جـ 1، ص 229؛ جـ 2، ص 1056، 277. (2) ابن الأثير، جـ 2، ص 307، 401، 400، 398، 397، 395؛ جـ 4، ص 372، 351؛ جـ 5، ص 438، 439. (3) اليعقوبي، جـ 1، ص 235، 321. (4) المسعودى: مروج الذهب، جـ 2، ص 186. (5) الكاتب نفسه: التنبيه، ص 35. (6) الإصطخري، ص 10. (7) ابن حوقل، ص 244. (8) أبو الفداء: تقويم، ص 303. (9) القزويني: آثار البلاد وأخبار العباد، ص 202. (10) البكرى (طبعة السقا)، جـ 1، ص 218. (11) ياقوت، انظر مادة بابل. (12) ابن عبد الحق: مراصد، (طبعة طوغان Togan)، ص 23. (13) ج. عوض: آثار العراق، في سومر، جـ 5، سنة 1949 م، ص 72 - 73. (14) Excavntions: R. Koldewey The at Babylon (ترجمة A.S Johns، لندن سنة 1914 م). (15) Discoveries in A. H. Layard the ruins of Nineveh and Babulon, لندن سنة 1853 م. (16) Ruined Cities of Iraq: S. Lloyd. أوكسفورد سنة 1942 م، ص 11 - 20. (17) The Tower of Babil A. Parrot (ترجمة E- Hudson. لندن سنة 1955 م). (18) Memoirs on the: C. J. Rich Ruins of Ancient Babylon، لندن سنة 1818 م. (19) Bablon (Reallexikon: E. Unger (Assvriologie der، جـ 1، ص 330 - 396. آدم [عوض G. Awad]

باشا

باشا " باشا": كلمة تركية مأخوذة من الكلمة الفارسية "بادشاه"، والراجح أنها تأثرت بالكلمة التركية "باصقاق" وهي تدل على أعلى الألقاب الرسمية التي كانت مستعملة في تركية إلى عهد قريب وما زالت مستعملة في بعض الممالك الإسلامية التي كانت تابعة للإمبراطورية العثمانية. وكلمة باشا تستعمل دائمًا مع اسم العلم شأنها في ذلك ألقاب الشرف في أوربا، إلا أنها تذكر بعد الاسم. أما ألقاب الشرف في أوربا فتذكر قبله. ويستعمل على هذا النحو أيضًا لقبا بك وأفندى وهما أقل شأنًا من لقب باشا، ويختلف هذا اللقب عن الألقاب الأوربية في أنه لا يورث ولا يترتب عليه مرتبة للزوجات ولا يقترن ذكره بذكر إقطاع من الإقطاعات، فهو ذو طابع عسكرى أكثر منه إقطاعى. ولم يكن منح هذا اللقب مقصورًا على العسكريين وحدهم، بل كان يمنح أيضًا لبعض كبار الموظفين المدنيين من غير رجال الدين. وظهر لقب باشا أول ما ظهر في القرن الثامن الميلادي. ومن العسير أن نحدد على وجه الدقة استعماله الأصلي، وعلى آية حال فإن هذا اللقب كان في بادئ أمره يدل على معنى غامض هو"المولى"، وسرعان ما فقد هذا المعنى (انظر ديوان تركى سلطان ولد" ص 14، سنة 712 هـ = 1313 م، ففي هذا الديوان تضرع إلى الله بعبارة "أي باشا" أي يا مولاى): وفي هذا العهد كان لقب باشا مثل لقب سلطان يمنح للنساء أحيانًا (إسماعيل حقى: كتابلر، سنة 1927، الفهرس؛ قادم باشا: سلجوق باشا). وقد حدث هذا المنح مرة واحدة في القرن التاسع عشر الميلادي وذلك في حالة أم الخديو. وفي عهد سلاجقة الأناضول كان لقب باشا - من حيث هو اختصار "بادشاه" ومشابه لسلطان- ينعم به من وقت لآخر على بعض رجال الدين الذين كانوا في الوقت نفسه رجال حرب والذين لم نعرف بعد تاريخهم معرفة وافية. ونستدل من سلسلة

النسب التي ربط بها عاشق زاده نفسه أن هذا اللقب كان مستعملا بالفعل في النصف الأول من القرن الثالث عشر الميلادي. ويروى عالى أفندي أن مخلص الدين موسى بابا وإلياس شيخ مخلص أو مخلص باشا قبضا على أزمة السلطة في إقليم قره مان أو غلى بعد هزيمة السلطان السلجوقى غياث الدين كيخسرو الثاني سنة 1243 م (History of Ottoman Potery: Gibb جـ 1، ص 177). ويظهر أنه حدث في آخر القرن الثالث عشر الميلادي أن أضيف لقب باشا إلى أسماء بعض أمراء الدويلات التركية والتركمانية التي اقتسمت حكم آسية الصغرى وكان عددهم محدودًا. وكانوا إما حكامًا وإما أعضاء من الأسر الحاكمة. وكان الأمر على هذه الحال أيضًا في إمارات تكه وآبدين ودكيزلى وقيزيل أحمدلى (انظر مادة "الأتراك") ولعل الأمر كان كذلك أيضًا في إمارات الأناضول الصغيرة (انظر ما ذكرة على باشا عن صاروخان فيما نقله شهاب الدين بن العمرى: "التعريف" واستشهد به القلقشندى في كتابه صحيح الأعشى، جـ 8، ص 16، س 14). ولقب اثنان من أسرة عثمان بلقب باشا: هما علاء الدين بن عثمان وسليمان بن أورخان. وقصة علاء الدين هذا غامضة جدًّا، فهناك شخصان مختلفان بهذا الاسم أحدهما علاء الدين بك ابن عثمان والآخر علاء الدين باشا وزير عثمان، ويظهر أنهم خلطوا بين الاثنين (انظر حسين حسام الدين: علاء الدين بك، أربع مقالات منشورة في تاريخ عثمانى انجمنى مجموعة سى، السنة الرابعة عشرة والسنة الخامشة عشرة) ونضيف إلى هذا أن علاء الدين أو واحدا من الاثنين اللذين عرفا بهذا الاسم ربما كان يلقب ب "بكلربكى" أيضًا [(انظر تاريخ أوروج الإخبارى، طبعة بابكر ص 15، س 15)] ومهما يكن من أمر هذه المشكلة التي لم تحل فإنه يبدو من المؤكد أن لقب باشا أنعم

به على بعض السياسيين منذ عهد طويل (انظر ما ذكر عن سنان باشا في عهد أورخان، ومادة "الأتراك"). وعلى أي حال فإن لقب باشا سرعان ما أصبح إمتيازًا لطبقتين من أصحاب المناصب: الأولى حكام الأقاليم "بكلربكية" والثانية وزراء القصبة، ثم أنعم بهذا اللقب بعد ذلك على أصحاب المناصب المماثلة. وفي النصف الثاني من القرن الرابع عشر الميلادي (سنة 1359 أو سنة 1362؟ ) كان لا له شاهين الذي يقول المؤرخون العثمانيون إنه كان أول "بكلربكى العثمانلى" قد منح لقب باشا في الوقت الذي أسند إليه فيه هذا المنصب، ثم منح هذا اللقب إلى بكلربكى الأناضول، وبهذا احتفظ بفكرة وجود اثنين من البكلربكية أحدهما في الشرق والآخر في الغرب. وكلما كبرت الدولة أنشئ فيها مناصب جديدة وأعطى اللقب إلى أصحاب هذه المناصب من الولاة (البكلربكية). وكان الأمر على هذا فيما يختص بالوزراء الذين كان أولهم، كما جاء في رواية المؤرخين العثمانيين، جاندارلى خليل الملقب بخير الدين باشا (770 هـ = 1368 - 1369 م) وارتفع عدد الوزراء الذين كانوا يسمون إلى عهد أحمد الثالث "قبه وزيرلى" إلى ثلاثة ثم إلى تسعة ومنح لقب وزير إلى كبار الموظفين مثل قبودان باشا النشانجى والدفتر دار وأصبح هذا اللقب شيئًا فشيئا من ألقاب الشرف وكان يقترن بلقب باشا. على أنه لم يكن في القصبة نفسها إلى وزير واحد لاغير واستمر ذلك وقتا طويلًا فأصبح لقب باشا في أرفع مدلولاته يطلق مجردًا على كبير الوزراء الذي سمى فيما بعد "أولى وزير" أو "صدر أعظم" ومن ثم لقب "باشا قابيسى" الذي استبدل به فيما بعد الباب العالى أي مقام كبير الوزراء. ولم يزد عدد من كان يلقب بلقب باشا في أول الأمر زيادة سريعة. وقد ذكر دارامون D' Aramon أربعة أو خمسة من الباشاوات أو الوزراء

الباشاوات، وفي الوقت الذي كتب فيه (سنة 1547 م) كان يوجد ثلاثة من الباشاوات لا غير وهم: أياز وكوزلجه قاسم وإبراهيم وكلهم من أصل نصرانى. والواقع أنه يشير بهذا إلى من كان منهم في القصبة وحدها. أما في الولايات فقد أصبح عددهم كبيرًا، وكانوا طبقتين متمايزتين: الأولى طبقة الباشاوات أصحاب ثلاثة من ذنب الجواد وكانوا يلقبون بلقب "توغ" أو وزير، ومرتبتهم هذه أصبحت شيئًا فشيئا من مراتب الشرف وكانت تمنح في الولايات حي قضت على رتبة البكلربكى. والثانية طبقة الباشاوات أصحاب ذنبي الجواد أو"الميرميران" وهي رتبة فارسية كانت في أول الأمر مرادفة للكلمة التركية بكلربكى وللكلمة العربية أمير الأمراء ثم أصبحت أقل شأنا على مر الزمن. هذا إلى أن قدماء بكوات السناجق كانوا من حيث النظر أصحاب ذنب جواد واحد ولكنهم رقوا إلى رتبة الميرميران وبهذا أصبحوا بدورهم من الباشاوات. وبعد "التنظيمات" منح لقب باشا إلى الأربعة الأوائل من تسعة من أصحاب المناصب المدنية وهم: "وزير، وبالا، وأولى، وثانية صنف أولى" وإلى مثلهم من رجال الجيش وهم: "مشير" وبرنجى فريق، ولوا" وكذلك إلى الأعيان (3 روم وإيلى بكلربكى و 4 ميرميران). وكان يلقب بلقب باشا من غير مبرر من الناحية العملية أصحاب رتبة "مير الأمراء" بعد اعتزالهم العمل، وفي هذه الحالة كان اللقب شرفيًا لأصحاب الرتبة السادسة. وبعد سقوط آل عثمان ألغيت الرتب واحتفظت الجمهورية التركية بلقب باشا للعسكريين وحدهم، وقد ألغى هذا اللقب المجلس الوطنى الكبير بأنقرة في 26 من نوفمبر سنة 1934 م واستبدل بلقب باشا لقب جنرال وبلقب مشير لقب مارشال. وكان الأوربيون ينطقون هذه الكلمة أول الأمر باشا Basha ولم ينطقوا بها باشا Pasha إلا في القرن السابع عشر الميلادي، وكانت تكتب في الإيطالية Basica وفي اللاتينية Bassa

أصل كلمة باشا

وفي الفرنسية Bacha أو باسا Bassa وفي الإِنجليزية باشو Bashaw. بصرف النظر عن اختلاف رسمها. وكان الأمر على عكس هذا في اللغة اليونانية، فإن كلمة باشا هي الأقدم ويرجع تاريخها إلى القرن الرابع عشر الميلادي ولعل اليونانية تأثرت باللغات الأوربية إذ نجد فيها أيضًا. كلمة باشا في القرن السادس عشر الميلادي (انظر mediae et infimae Glorsarium: Ducange Graecitatis، انظر الكلمة اليونانية "مباسياس"). ويرجع نطق الأوروبين لهذه الكلمة "باشا" إما إلى تأثرهم باللغة العربية في مصر أو إلى خلط بين كلمة باشا وبين اللقب التركى القديم باشا (انظر آخر هذه المادة). أصل كلمة باشا: سنتحدث فيما يلي عن الآراء المختلفة التي قيلت في أصل هذه الكلمة: 1 - قيل إن أصلها باى شاه بالفارسية ومعناها قدم الملك، وقد بني هذا التأويل على أساس أن الفارسية القديمة كان فيها موظفون يسمون باسم عيون الملك، وتجد هذا التأويل في قاموس تريفو Trevoux، مادة bacha. وقد بعثه من جديد فون هامر - von Ham mer . ولسنا نرضى بهذا الرأى. 2 - وقيل إن أصلها هو الكلمة التركية باش بمعنى رأس أو زعيم، وقد ذهب إلى هذا أنطوان جيفروى Antoine Geuffory في - description: Leun Brieve (1542) chavius, de la cour du grand Turc Pandecs historiae turcicat في ملحق حولياته عن سنة 1588، وانظر كذلك قاموس تريفو وملحق - Barbier de Mey nard . ولسنا نرضى بهذا الرأى أيضًا. 3 - وقيل إنها مأخوذة من الكلمة التركية "باش أغا" وذكر في تأييد هذا أن معنى هذه الكلمة الأخ الأكبر، وهذا الرأى هو الذي كان يقبله الترك إلى وقت قريب (محمَّد ثريا: سجل عثمانى، جـ 4، ص 738: شمس الدين سامى: قاموس تركى، انظر مادة باشا) وهو

ينهض على أن سليمان باشا وعلاء الدين باشا كانا على التوالى أكبر أبناء أورخان وعثمان. وقد نبه عالى أفندي في كتابه "عنه الأخبار" الذي صنفه بين سنة 1593 م وسنة 1599 م (ص 49، س 23) وكذلك عثمان زاده أحمد تائب المتوفى سنة 1724 م إلى هذا الاستعمال بين التركمان (انظر كتاب حديقة الوزراء، طبعة استانبول، سنة 1271، ص 4، س 16). ويقول أيضًا هيدبورن (: Manuel Heidborn, de Droit Public et Administratif Ottoman فينا سنة 1908، ص 186) إن كلمة باشا معناها عند يونان قره مان الأخ الأكبر، ولكن يظهر أنه لا يوجد ما يؤيد هذه الأقوال الفردة. وقد أقر هذا الاشتقاق بعض مصنفى المعاجم من الترك مثل أحمد وفيق (انظر كلمة باشه) وصلاحى، وقالوا إن اشتقاق هذه الكلمة كان على درجتين: فإن كلمة باشا أخذت من اللقب التركى "باشا" وهذا كان معناه في أول الأمر "باش آغا". وسنتكلم على لقب "باشا" هيا فيما بعد، ويظهر أنه جاء بالفعل من كلمة باش آغا ولكنه لا صلة له بكلمة "باشا" كما ظننت أول الأمر. 4 - وقيل أيضًا إن كلمة "باشا" مأخوذة من اللفظ الفارسي "باد شاه" ومعناه ملك، قرر هذا الرأى القاموس التركى الروسى الذي صنفه بودا كوف Boudaguv سنة 1869، ثم أيدته من جديد دائرة المعارف الروسية التي أصدرها بروكهاوس وإفرون Brockhaus and Efron . وهو الرأي الوحيد الذي يمكن التسليم به مع إمكان تأثره بالقول الوارد في الفقرة الخامسة. وكان "ديربلو" " d.Herbelot" قد أبدى مثل هذا الرأى من قبل عند كلامه على كلمة " pascha" بمناسبة هجائها مع حرف يم في آخرها. وهذا الرأى ينهض على استعمال كلمتى سلطان و"باد شاه"؛ إذ أنهما في الغالب تقعان بعد الاسم إذا أطلق على أشخاص من ذوي المرتبة السامية في عالم الدين كالدراويش مثلًا (انظر Giese: تركيات مجموعات سى، جـ 1، سنة 1925.

ص 164). ويظهر أننا نستطيع أن نستعين بكلمة "بادشاه" فنفسر العبارة الغامضة التي قالها أورخان لعلاء الدين باشا والتي وردت في عاشق باشا زاده (طبعة Giese، ص 34 - 35): يقول له أورخان "ستكون "باشا" بالنسبة إلى" وكان قد سأله قبل ذلك بأسطر قليلة أن يكون "جوبان بادشاه) أي راعيًا لشعبه. ومن وجه آخر نلاحظ أن لقب "باشا" يستعمل في كثير من الأحيان لا كمرادف لكلمة "بادشاه" فقط وإنما باعتباره مرادفا لكلمة "شاه" أيضًا. وفيما يلي أمثلة على ذلك. فشجاع الدين سليمان من دولة قيزيل أحمدلى يلقب "بادشاه" في كتاب ابن بطوطة (طبعة - Dfremety et San guinetti، جـ 3، ص 343)، وورد لقب سليمان باشا في كتاب التعريف بالمصطلح الشريف الذي صنفه شهاب الدين ابن العمرى (طبعة القاهرة، سنة 1312 هـ، ص 4) مرسومًا "باشا" حسب الكتابة العربية لهذا اللقب، وورد كذلك أيضًا في "منجم باشى" (ج 3، ص 30). وقد لقب إبراهيم بن سليمان وخليفته بلقب "شاه" في كتاب ابن العمرى وبلقب "باشا" في "منجم باشى". ولقب سليمان باشا ابن أورخان بلقب الشاه سليمان في "دستور نامه أنورى" (طبعة مكرمين خليل، ص 83 - 84). وقد ذكر ابن العمرى علي بن جيجك الحاكم الإيلخانى لمدينة بغداد المتوفى سنة 1336 باسم على باشا. ويقول "نظمى زادة", في "كلشن خلفاء" (طبعة الآستانة، سنة 1143) إنه ذكر في بعض المخطوطات باسم "على شاه" وذكر أيضًا باسم "على بادشاه" (انظر Histoire: Huart de Bagdad، ص 10). ويلقب حكام الدويلات الصغيرة في اللغات الشرقية بلقب بادشاه، ولم يتطور هذا اللقب في تلك البقاع إلى كلمة باشا، ولكنه أصبح "باتشا" بين القرغيز و"بوتشو" بين الأزابكة. 5 - وقيل إن هذا اللقب مأخوذ من

الكلمة التركية "باصقاق" (وقد رسمت: باشقاق؟ وباشقان؟ ) ومعناها حاكم أو صاحب الشرطة (انظر قاموس Pavet de Courteille وكذلك قاموس Bou- dagov مادة "باسم"). ويقول فولرز إن هذه الكلمة من اللغة الخوارزمية وإنها انتقلت إلى بلاد الفرس في عهد الدولة الإيلخانية، وكانت تطلق عند المغول على المندوبين والولاة الذين أوفدوهم إلى الأقاليم التي فتحوها في الغرب وبخاصة في بلاد الروسيا. والاشتقاق المسلم به لهذه الكلمة هو أنها مأخوذة من الفعل "باصمق" ومعناه يضغط، يحسد، يظلم، يكره. ونلاحظ أن كلمة "باصقاق" كانت تطلق على أحد الموظفين ومعناها ظالم أو مغتصب (انظر دائرتى المعارف الروسية والبولندية). وكانت المهمة الأولى لهذا الموظف جباية الضرائب والخراج. ومهما يكن من غرابة هذا التفسير للقب صاحب هذا المنصب فإنه يؤيده التشابه الموجود في كلمة "داروغه" في لغة المغول تلك الكلمة التي تقابل كلمة "باصقاق" في لغة الترك. ويمكننا أن نوازن كلمة "داروغه" بالكلمة المغولية "داروخو" وهي فعل مرادف لكلمة "باصمق" بمعنى يكره. وقد تكون هذه هي الاشتقاقات الشائعة. ويقول شيفر في الطبعة التي أصدرها لكتاب Voyage de M. d'Aramon (ص 238)، هامش 3) إن الاشتقاق الذي ذكره جيفروى Geuflroy لكلمة باشا وهو أنها مأخوذة من الكلمة التركية "باش" خطأ. فإن باشا صيغة مخففة لكلمة "باشكاك" أو "باشكاك"ومعناها حاكم عسكرى. ويترجم كاربينى Carpini الكلمة المغولية "باصقاق" بكلمة "باسفاتى" (وردت في المخطوطات باسكاتى وباستاسى، انظر - The Texts and versions of John de Pl. Ca rini .. ، ولندن، طبعة Hakluyt. سنة 1903، ص 67). وفي هامش طبعة سنة 1598 وفي طبعة Hakluyt الشرح الآتي: "باشا كلمة تترية يستعملها الترك". وهذا الشرح فيه أيضًا خلط بين كلمة باصقاق وكلمة باشا

وليس من المستحيل أن يكون الترك أنفسهم قد خلطوا بالفعل بين كلمة "بادشاه" (باشا) وبين كلمة "باصقاق" التي ترادف الكلمة المغولية "دارغه". وقد ذهبنا إلى هذا الرأى حتى قبل أن نرى تعليقات شيفر Schefer وطبعة هكلويت Hakluyt . ويمكننا أن نلاحظ أن لقب باشا. وهو لم يرد في المصادر الفارسية كما يقول محمَّد القزوينى، أطلق إما على أهل الأناضول الخاضعين بالفعل أو بالاسم للمغول أو على عمال المغول الإيلخانية، مثل وإلى بغداد الذي أسلفنا ذكره (انظر ما ورد في "بزم ورزم" لعزيز بن أردشير الأستراباذى عن بيسر على باشا، طبعة كوبريلى: ص 2829، ص 8). ومما يسهل علينا تفسير هذا الخلط ورود كلمة "باصقاق" وإن كانت لا ترد إلا نادرًا (الجويني: تأريخ جهان كشا، 1260 هـ" طبعة محمَّد قزوينى، جـ 2، ص 83، تعليق رقم 9؛ وفي هذه الفقرة إشارة إلى عامل خوارزمى كان موجودا سنة 609 أي قبل الفتح المغولى). ويمكننا أن نفترض أنه لولا التأثير الذي حدث من خلط لقب "باصقاق" ولقب باشا لما كان لهذا اللقب الأخير الأهمية التي أصبحت له. لقب باشا عند الترك: ينبغي ألا نخلط بين هذا اللقب -أي باشا- ولقب باشا الذي تحدثنا عنه، أو بينه وبين النطق العربي أو الشرقي القديم للقب باشا. وكان لقب باشا يستعمل بعد اسم العلم ويطلق على الجند وصغار الضباط وبخاصة الإنكشارية، ويظهر أنه أطلق أيضًا على وجوه الأقاليم (Thesaurus: Meninski. جـ 1، عمود 294، 662، فصل 18؛ Onomasticon، عمود 427؛ ومادة باشا في Viguier Elements de la `d'Herbelot Jangue Turque سنة 1790 ص 218، 327، 309؛ Zenker ص 164، عمود 2، ومن الراجح أن يكون قد أخذ عن- Voy anges: De La Mottraye Meninski, سنة 1727، جـ 1، ص 180، تعليق؛ أوليا جلبى، جـ 5، ص 216، 107: نعيما،

جـ 5، ص 71، إسماعيل حقى: كتابلر، سفربشه، ص 41، 8). ونجد أن بولاى له جوز Boullaye-Le-Gouz يميز أيضًا في كتابه (Novages سنة 1657، ص 152، 59) اللقب عن بشه ويترجمه بكلمة مسيو Monsieur . وقد ذكر ميننسكى Menincki أيضًا في كتابه سالف الذكر كلمة "بشى" ولاحظ أنها غير كلمة "بش" التي يتلوها حرف "الياء" وهو ضمير الغائب في حالة الإضافة، وكان ميننسكى Meninski يجيد التركية إجادة تمنعه من الخطأ في هذا. أما كلمة نش التي ذكرها خلوروس Chloros فهي مأخوذة من كلمة بشه (انظر أحمد وفيق باشا: زوراكى طبيب، الفصل الأول، المشهد الثاني؛ وقد أطلقها في هذا الموضع على امرأة من قبيل التهكم) على أن ميننسكى Meninski كان ينطقها مع هذا "بشه" وكما أن أصحاب المعاجم قد خلطوا بين كلمة باشا وكلمة باشا، فقد ظن بعضهم أن الكلمة الأولى معناها أيضًا الأخ الأكبر (انظر محمَّد صلاحى: قاموس عثمانى، جـ 2، ص 291 وما بعدها، وقد أخذ عنه Chloros) . وأظن أن في الأمر مسألتين مختلفتين وأن كلمة باشا تستعمل حقيقة محل كلمة باش أغا بمعنى كبير الأغوات وهو لقب عسكرى. ويقول روهرك Roehrip إن جماعة "القواص" ويسمون أيضًا الإنشكارية أو الياساقجى، كان يطلق عليهم كذلك اسم "باش آغا". وتجد المعاني الأخرى لكلمة "باش اغا"، كما تجد تفصيلات أوفى عن بعض النقط الواردة في هذه المادة في mtnaire des Arvhines rurques du CaireL: J. Deny . ملاحظة على النطق: يمد في كلمة باشا المقطع الأخير منها، أما كلمة باشا فيمد فيها المقطع الأول وهذا يوضح تخفيف الحركة الأخيرة في باشى كما ذكرنا من قبل. [دنى J.Deny] استمر اللقبان التركيان "آغا وباش آغا" يستعملان في بلاد الجزائر، وأطلقا فيها على بعض قادة (زعماء) القبائل

الكبيرة أو على زعماء القبائل المتحالفة، وقد أسبغت عليهم الإدارة الفرنسية في تلك البلاد صفة رسمية، أما لقب باشا فقد اختفى منها بينما بقى مستعملا بين شرفاء مراكش، وظهر هذا اللقب بينهم في القرن السادس عشر الميلادي عندما تأثرت بعض التأثر حكومة السعديين بالمؤثرات التركية. وفي بداية عهد الحماية الفرنسية في مراكش اندثر لقب باشا ولم يكن يطلق إلا على بعض زعماء القبائل مثل قبيلة شراكة في شمالي فاس، وقبيلة عبده الأحمر على شاطئ المحيط الأطلسي، واحتفظت الدولة الحامية بهذا اللقب عن غير قصد فحل رسميا في القرى محل لقب "قائد". وهذا اللقب الأخير يفضل أصحاب القضايا إطلاقه على القاضي. وفي منطقة النفوذ الفرنسى. وكذلك في منطقة النفوذ الأسباني كان يوجد باشاوات في جميع البلاد المزودة بالمجالس البلدية. وينطقون في تلك البلاد اللقب باشا ويجمعونه على باشاوات. "باشالق": كلمة تركية لها معنيان، أولهما: منصب الباشا أو لقبه (انظر مادة "باشا"). وثانيهما: الإقليم الذي يحكمه الباشا في الولايات. وقد منح بعض الولاة الذين كانوا يعرفون باسم "سنجق بكى" أو "ميرلوا" لقب باشا فسميت الولايات التي يحكمونها (كالسنجق أو اللوا) بـ "باشالق". وفي أوائل القرن التاسع عشر الميلادي كان سبعون سنجقًا من السناجق البالغ عددها 158 يطلق عليها "باشالق": منها 25"باشا سنجغى" أي السناجق التي فيها حاضرة الإيالة مقر حكم الوالى. وللتوسع في هذا الموضوع انظر Mouradgea d'Ohasson Tableau: general . [دنى J. Deny]

الباطنية

الباطنية اسم يطلق على: (أ) الإسماعيلية في العصور الوسطى بسبب تركيزهم على الباطن، والباطن يعني ما وراء ظاهر التنزيل: (ب) ثم يطلق بدرجة أقل خصوصية على أي فرد يرمى باطراحه للمعنى الظاهر لمثل هذه النصوص مؤثرا الباطن. (أ) وبين الإسماعيلية وبعض فرق من الشيعة تتصل بهم ظهر طابع متميز من التأويل وهو تفسير للتنزيل قد يسمى باطنيا، وكان رمزيا أو مجازيا في منهجه فرَقيا في أغراضه يصدر عن أصحاب الحدود في الفرقة أنفسهم وهو مستور. وكل فروع الإسماعيلية وكذلك شعبها الدرزية احتفظت بالتأويل الباطنى في صورة أو في أخرى، ويظهر أن الطريقة المشابهة للإسماعيلية -ونعنى بها النُصيرية- هي بقية من حلقات الباطنية المرتبطة بالأئمة الاثنى عشرية الذين أتوا بعد ذلك. وثمة مظاهر يمكن أن نجد لها نظائر في هذا النوع من التأويل بين الغنوصيين. على أن أصول هذا التأويل المباشرة إسلامية، ويمكن أن نرد بدايات هذا التأويل إلى غلاة الشيعة أيام القرن الثاني الهجرى (الثامن الميلادي) مثله في ذلك مثل التأويل الرمزى المنسوب إلى الإمامية من الشيعة الاثنى عشرية المتأخرين. (إذ فيه ما فيه من سمة رمزية وفرقية، كما أن فيه شيئًا من السرية). ويقال إن أبا منصور العجلي ذهب إلى القول بأن السماوات ترمز إلى الأئمة وإلى أن الأرض هي أتباعهم، وتنسب إليه الفكرة التي تحل القضية، وهي أنه على حين كان الرسول هو الذي جاء بنص القرآن كان الإمام وحده هو المنوط بتأويله؛ ناطقا يعلن العقيدة الحقة جهارًا، وصامتا يؤولها للصفوة. ويمكن وصف منهج الباطنية في عبارات من أفكار أربعة جوهرية: باطن، تأويل، خاص وعام، وتقية، وكل منها

مما يلتزم به سلفا أيا كان المذهب الذي يدعى إليه. وكان من المسلم به عندهم أن كل نص منزل له معناه الباطن الذي يقابل الظاهر، ولم يكن هذا قاصرًا على فقرات هي مجازية على آية حال، ولكن على فقرات تاريخية، وفقرات الوعظ، وأحكام الشرع والمعاملات، وعلى كل إنسان، أو فعل أو غاية تذكر، فكان يجب أن يأخذ هذا كله مأخذا رمزيا، والأشياء الرمزية كانت في كثير من الأحيان تشرح واحدة واحدة من حيث هي موضوعات مطروحة للموافقة والطاعة والكراهية وما أشبه ذلك حسب موقعها من الكلام، غير أنه في بعض الأحيان كانت تقرأ قصص وحكايات بأكملها باعتبارها رمزيات توسع فيها. وقد استخدم بلا حرج العدد الرمزى والحرف الرمزى، وكان الإجراء نفسه مطبقا أيضًا على الكتب المنزلة غير الإسلامية، بل وعلى الطبيعة بأسرها، إذ أن الباطن كان يمثل عالما باطنيا ينطوى على حقيقة روحانية خفية مقابلة لحقيقة الظاهر، وهو العالم العادى المرئى، الذي يحجبه ويخفيه، والمهمة الحقة لكتاب منزل هي أن تشير إلى ذلك العالم الخفى حتى حين يحتفظ به مستورًا وراء رموز. والتأويل الذي هو تخليص باطنى من نص ظاهر كان على هذا أساسيا كالتنزيل، وكان كذلك قائمًا على الوساطة الإلهية، ويجب أن يكون لكل نبي جاء بتنزيل "وصيّ" (وفي حال محمَّد كان الوصى "على") هو الذي أعطى التأويل يبسطه إلى القلة الجديرة بذلك بينه وبينها، أي إلى أفراد الفرقة الذين ارتضوا حُجِّيته. ومن ثمة كان الناس جميعًا منقسمين إلى خاصة، وهم الصفوة الذين يعرفون الباطن، وإلى عامة وهم الكثرة الجاهلة. وكان الخاصة هم هؤلاء الذين يُحتفل بدخولهم في الفرقة أي يلقنون المعرفة والطاعة للإمام الذي هو الممثل لعلى والمصدر الثقة الوحيد للتأويل في أي جيل. وبين الإسماعيلية

كان يتوسط بين الإمام وبين المبتدئ الداخل في الفرقة طبقات (حدود من المشايخ) وكان البادئ يلقن (الباطن) على مراحل (يختلف عددها) وعلى نحو يُملى إملاء. ولم يكن الباطن باطنا لخفائه فحسب بل لسريته، ومعرفته يجب ألا يلقنها الإمام للعامة الذين يأخذون بالظاهر خشية أن يساء فهمها على نحو يخرج بها الخروج كله عن المحجّة. وقول الشيعة بالتقية قد أعيد تفسيره تبعًا لذلك بحيث يتضمن وجوب ألا يُكشف عن الباطن لأى شخص من غير شيوخ الفرقة بصرف النظر عن التعرض لأى خطر من الإضطهاد. ومن ثمة رأى البعض أن اصطناع الظاهر في الشريعة- حتى في صورته الشيعية الصريحة- أصبح يعد تقية من حيث احتفاظه بالباطن مستورًا. والتأويل (كما نعرفه في صورته الإسماعيلية) لم يبلغ أي وحدة دقيقة في الرأى بالرغم من وجود طبقات من المشايخ ذوي الحجة، ذلك أن الكتاب المختلفين كانوا يختلفون اختلافًا كثيرًا في تفسيرهم الباطنى لأى فعل من أفعال العبادات بل إن الكاتب نفسه كان يدلى في بعض الأحيان بتفسيرات كثيرة في الكتاب الواحد نفسه، ولذلك فإن المعنى الباطن لفريضة الزكاة قد رؤى أنه الخمس من دَخْل المرء يجب أداؤه للإمام أو أن المرء يجب عليه أن يعطى كل ما يفيض من دخله للفقير أو أن الثروة الحقة هي المعرفة فحسب، والذي حققه التأويل هو أنه أحل مذهبًا يبدو أنه يغوص إلى ما وراء الخلافات الشكلية بين الجماعات الدينية المتنازعة بدعاواها العقائدية ليبلغ بذلك حقيقة عامة أعمق، وقد أضفى الإسماعيلية على التأويل مشربا واحدا وذلك باستخدامه في أغراض ثلاثة كبيرة مترابطة، فهو يمثل تصورا للكون وهو يفسر علم الآخرة تفسيرا تاريخيا يقوم على الدين والدورات (وأحيانا بالتناسخ) وأخيرًا فهو يبرز طبقات المشايخ للفرقة الذين تقابل درجاتهم على تفاوت الدرجات العديدة للتصور الإفلاطونى المحدث للكون.

والرغبة في التحلل السفسطائى من العقائد المسلم بها عامة أن إلى قيام نزعة ملحة تهدف إلى السمو بالباطن سموًا جوهريًا، وفي مذهب الإسماعيلية الفاطمى الرسمى اعتبر أن كلا من الظاهر والباطن له ميادينه الخاصة المناسبة، على الأقل في مسائل العبادات والشرعيات الملزمة للداخل في الطريقة. ولكن كانت ثمة بين الباطنية معاودة متكررة لنبذ معنى الظاهر كلية على الأقل في أحكام العبادات على إعتبار أنها نافلة لكل من يعرف الإمام ومن ثم الباطن، وهذا حدث مثلًا بين الإسماعيلية النزارية بعد سنة 559 هـ (1164 م). وهؤلاء الذين نبذوا الظاهر كلية قد جروا أيضًا في الأكثر على السمو بالوصى (على) لأن التأويل عندهم كان أحق من التنزيل، وكان هذا موقف النصيرية. ويظهر أن الحركة الباطنية تركت آثارا بين جماعات متأخرة مثل الحروفية والرَوْشَنَيِة والبابية الذين أخذوا بالتفسير الرمزى وإن كان ذلك في بعض النصوص المختلفة بعض الاختلاف. وكذلك أثرت اصطلاحات التأويل وتصوراته بعد أن تجردت من طائفيتها في رمزية الفكر الصوفى، ومع ذلك فلعل المواقف الجوهرية التي اتخذتها الباطنية كان لها فوق ذلك كله أثر في جعل أهل السنة من المسلمين أكثر تشككا في أي لون من ألوان التأويل الرمزى، وعلى هذا النحو جعل الغزالي الباطنية الإسماعيلية في كتابه "القسطاس المستقيم" مبدأ الخلاف في تحليله للحدود الشرعية للتأويل عامة. (ب) واستخدم الكتاب السنيون فيما بعد المصطلح "باطنية" في جدلهم ليجرَحوا أي كتَاب يرون أنهم قد جاوزوا التسليم بالمعنى الباطنى للتنزيل إلى أنكار المعنى الظاهر مقتصرين في ذلك على المعنى الباطن، وعلى هذا النحو فإن ابن تيمية لم يرم بالباطنية الشيعة الباطنية فحسب، بل رمى أيضًا بعض الصوفية وكذلك بعض الفلاسفة مثل

الباقلاني

ابن رشد، والصوفيون عامة يرون أن ثمة معاني باطنية وافرة في القرآن يتدبرها من أوتى نفسا متأملة بحق. ولكنهم كانوا عامة حريصين على أن يجانبوا اتخاذ موقف يمكن أن ينعت بأنه باطنى بهذا المعنى، فابن عربي مثلًا الذي يتسم تفسيره للتنزيل في كثير من الأحيان بالتحرر خاصة. يدفع عن نفسه تهمة الباطنية على أساس أنه يقول بالظاهر مع الباطن. المصادر: (1) Die Richtungen der: 1. Goldziher islamischen Koranauslegung ليدن سنة 920 الفصلان 4، 5. (2) Etude preliminair: H Corbin في ناصر خسرو: كتاب جامع المكمتين، طهران وباريس سنة 1953. الأبيارى [هودجسون M.G.S. Hodgson] الباقلاني أبو بكر بن علي بن الطيب: مؤلف عربي وعالم من علماء الكلام، قرأ على أبي العباس بن مجاهد الطائى البصري تلميذ أبي الحسن الأشعرى. وتوفى لسبع بقين من ذي القعدة سنة 403، (6 من يونيه سنة 1013)، وكانت وفاته ببغداد، واشتهر الباقلانى بما كتبه في الجدل والمناظرة، وقد مزج علم الكلام بآراء جديدة أخذها عن الفلسفة اليونانية أو ربما أخذها عن عقائد الكنيسة الشرقية، مثل ذلك: قوله في الذرة والخلاء وأن العرض لا يقوم بعرض وأن العرض لا يبقى وحدتين من الزمن، ولم يبق من مصنفاته إلا "كتاب في إعجاز القرآن"، طبع في القاهرة سنة 1315 هـ (1897 م) ويروى السيوطي في كتابه "الإتقان" (طبعة القاهرة سنة 1287 هـ، جـ 2، ص 144) نقلا عن ابن العربي أن كتاب الباقلانى هو أحسن ما كتب في موضوعه. وذكر ابن حزم في كتابه المسمى الفصل أن الباقلانى صنف كذلك كتاب "الاستبصار في القرآن" وكتابا في مذاهب القرامطة. [بروكلمان B. Crockelmann] + الباقلانى. القاضي أبو بكر محمد بن الطيب ابن محمد بن جعفر بن القاسم، وابن الباقلانى في معظم المصادر، ولكن الإستعمال الشائع يكتفى بالباقلانى، وعلى ذلك ابن خلكان: متكلم أشعرى وفقيه مالكى،

ويقال إنه كان له الشأن الأكبر في تقعيد المذهب الأشعرى وإشاعاته. ولا يعرف تاريخ مولده، أما وفاته فقد وقعت في 23 ذي القعدة سنة 403 (5 يونيه سنة 1013 م"؛ ولد الباقلانى في البصرة، والظاهر أنه قضى معظم سنى بلوغه في بغداد: وذكر أنه زار بغداد وبلاط الروم، وتولى ردحا من الزمن القضاء في خارج بغداد؛ ودرس أصول الدين على تلاميذ الأشعرى، ويقال إنه اجتذب إلى دروسه الكثيرين. وتروى حكايات مختلفة لبيان براعته في الجدل، ولقد كان الباقلانى قاضيا وكاتبًا ومجادلا ومحاضرا، وهذه النواحى هي قوام حياته التي تعتمد معرفتنا بها على مصادر أقرب إلى النقصان، وقد زودنا القاضي عياض بثبت بآثاره (أضاف إليها أصحاب الفهارس ثلاثة عناوين) والمعروف أن ستة كتب من كتبه الاثنين والخمسين وصلت إلينا وهي: "إعجاز القرآن" وقد طبع عدة مرات ويعد من الكتب العمدة في هذا الموضوع؛ و"التمهيد" وهو أقدم ما لدينا من مثل على الرسالة تكتب في المناظرة الكلامية؛ و"لإنصاف" وهو جزءان: رواية في العقيدة السنية مع توضيحات مختصرة، ومناقشة تفصيلية لعدم خلق القرآن، والقدر, ورؤية الله؛ والشفاعة؛ و"المناقب" (غير كامل) وهو دفاع عن موقف مذهب السنة حيال الإمامة (الخلافة) و"الانتصار" وهو يعني أول ما يعني بسلامة النص القرآنى. وموضوع "البيان" (غير كامل) هو الإعجاز البيانى المثبت لدعوة النبوة. ولا تمكننا دراسة هذه الآثار من أن نحدد بالدقة فضل الباقلانى في تطوير الكلام على مذهب الأشعرى، ذلك أننا لا نعلم العلم الكافي ما فعله في ذلك معاصروه وأسلافه مثل ابن فورَك وأبي إسحاق الإسفرايينى والأشعرى نفسه. ومن ثم فإن من الواضح الآن أن كثيرا مما يكون قد نسب إلى الباقلانى وجد من قبل في مصنف الأشعرى "كتاب اللمُع"، وقد قال ابن تيمية في الباقلانى إنه خير متكلمى الأشاعرة، لا يداينه سابق ولا لاحق (الشذرات، جـ 3، ص 169)، ولكن هذا المديح ليس خالصا من الهوى: أما ما قرره ابن خلدون (المقدمة، جـ 3، ص 40) وما أكده ما كدونالد Development of muslim (Macdonald Theology ص 200 - 201)

"بانت سعاد"

فالظاهر أنه لا مبرر له، ذلك أن الباقلانى لم يستحدث قطعا مذهب الذرة ولا مذهب الأعراض. وثمة شاهد على أنه كان يتصف ببعض الأصالة في مناقشته للبيان المعجز. على أن المزايا الكبرى لكتبه كانت فيما يظهر ترد إلى التصنيف الذي يقوم على الحرص والدأب. أما بحوثه فيما وراء الطبيعة فلم تكن عميقة، ولكنه كان يعى في وضوح صحة الأحاديث وإمكان الإعجاز البيانى. ولا شك أنه فعل الكثير في سبيل نشر المذهب الأشعرى، وقد ذكره الكتاب المتاخرون مرارًا. - كتبه الباقية: (1) كتاب التمهيد، بروكلمان، قسم 1، ص 349 (واقرأ: عاطف، 1222) طبعة الخضيرى وأبي ريده، القاهرة سنة 1366 هـ = 1947, وهذه الطبعة تعتمد على مخطوط باريس فحسب، وتغفل عدة فصول هامة موجودة في المخطوطين المحفوظين في إستانبول. (3) الإنصاف، طبعة الشيخ الكوثرى، القاهرة سنة 1369 هـ = 1950 م. (3) إعجاز القرآن، انظر المصدر المذكور عن مخطوطاته وطبعاته. (4) مناقب الأئمة، دمشق، الظاهرية رقم 66 تاريخ. (5) البيان عن الفرق .. إلخ توبنكن، M أ, جـ 6 ص 93. (6) الانتصار للقرآن، قره مصطفى باشا، إستانبول؛ وانظر طبعة القاهرة لكتاب التمهيد، ص 258، تعليق 6: وثمة ترجمة إنكليزية مع تعليقات للأجزاء من الإعجاز التي تتناول الشعر A Tenth - Century Document of Grunebaurn Arab Literary Theory and .. Cristicism, شيكاغو, ص 1950 [مكارثى R. J Mc Carthy] " بانت سعاد" هي العبارة التي استهلت بها قصيدة نظمها كعب بن زهير في مدح الرسول محمد صلى الله عليه وسلم. ونذكر في إيجاز الأسباب التي أدت إلى نظم هذه القصيدة فيما يلي: لما فتحت مكة سنة 8 للهجرة حذّر بُجَير، وكان قد أسلم, أخاه كلبًا بالمصير الذي لقيه بعض الشعراء هناك، واستحثه على القدوم إلى المدينة أو التماس ملجأ في غيرها.

وأجابه كعب بأبيات ينكر على أخيه إسلامه. وهدد الرسول كعبًا فقدم آخر الأمر إلى المدينة يائسًا وقدم نفسه بين يدي النب [- صلى الله عليه وسلم -] الذي كان وقتذاك جالسًا في المسجد بعد صلاة الصبح يحيط به صحابته. ونجح كعب في نوال العفو من النبي [- صلى الله عليه وسلم -]، واعترافًا بجميل النبي [- صلى الله عليه وسلم -] تلا كعب جهرة قصيدته المشهورة التي أشار فيها بكرم المحسن إليه. وسر النبي [- صلى الله عليه وسلم -] أعظم السرور بالقصيدة وخلع على الشاعر "بردته". ومن ثم أطلق على القصيدة في كثير من الأحوال "قصيدة البردة". القصيدة في 58 بيتًا، وفيها نفس الخصائص العامة التي نجدها في مألوف قصائد الشعراء الجاهليين. وقد كتبت شروح عدة على هذه القصيدة، ونشرت القصيدة أول ما نشرت على يد لتّ lette في ليدن سنة 1740, ثم نشرها فريتاغ Freytag مع ترجمة لاتينية في هال Halle سنة 1823, كما نشرها نولدكه في كتابه (The Noeldeke -Delectus Veterum Carminum Arabicnr um, برلين سنة 1890، ص 110 وما بعدها). ونشرها باسيه Basset مع ترجمة فرنسية وشرحين (الجزائر سنة 1910) ونجد ترجمة إنكليزية لها في كتاب نيكلسون) Trans-: Nickolson lations of Eastern Poetry and prose كمبردج سنة 1922). وثمة أيضًا ترجمة إيطالية لها بقلم كابرييلى (Gabrieli .G، فلورنسة سنة 1901)، وترجمة ألمانية بقلم ريشر (Rescher .O، إستانبول سنة 1950). وقد ألهمت قصيدة كعب شاعرًا آخر فنظم في مدح الرسول [- صلى الله عليه وسلم -] قصيدة مشهورة أخرى هي "قصيدة البردة"، وهذا الشاعر هو البوصيرى. المصادر: (1) ابن هشام، ص 67 وما بعدها، 887 - 893 A.Guillaume =): The Life of Mohammad، أكسفورد، سنة 1955، ص 597 وما بعدها، وترجمة weil, جـ 2، ص 255 وما بعدها). (2) ابن قتيبة: الشعر، طبعة ده غويه؛ وطبعة أحمد محمد شاكر القاهرة سنة 1364 هـ، ص 104 - 107. (3) الأغانى، جـ 15، ص 147 - 151. (4) ابن حجر: الإصابة، مادة كعب بن زهير. خورشيد [عنايت الله SH. Inayatullah]

البتاني

البتاني (1) أبو عبد الله محمد بن جابر بن سنان البتَّانى الحرّانى الصابئ المعروف عند الغربيين في العصور الوسطى باسم Albatenius أو Albategni: من أكبر علماء الفلك عند العرب، ولد قبل عام 244 هـ (858 م). ويرجح كثيرًا أن مولده كان في حرَّان أو ما جاورها. ولسنا نعرف أصل النسبة "بتّانى" على التحقيق. وكانت أسرته قبلًا من الصابئة، ولذلك عرف بالصابئ مع أنه كان مسلمًا. وصرف معظم حياته في الرَقّة على الضفة اليسرى لنهر الفرات حيث استقرت عدة أسر حرانية. ووقَّف نفسه على رصد الأفلاك من عام 264 هـ (877 م) واستمر على ذلك في دأب بقية حياته. وذهب إلى بغداد في عمل له ومات في عودته منها عند قصر الجصن الذي لا يبعد كثيرًا عن دجلة ناحية الشرق بقليل على مقربة من سامرا، وكان ذلك عام 317 هـ (929 م). وتصانيف البَّتانى هي: (1) "كتاب معرفة مطالع البروج فيما بين أرباع الفلك" أي مطالع نقط البروج التي ليست في وقت معلوم واحدة من الأوتاد الأربعة ويتناول هذا الكتاب الحل الرياضى للمسألة التنجيمية لاتجاه الراصد. (2) "رسالة في تحقيق أقدار الاتصالات" أي الحلول المضبوطة بحساب المثلثات للمسألة التنجيمية Projectio radiorum عندما تكون النجوم المقصودة لها خط عرض أي خارج فلك البروج. (3) شرح المقالات الأربع لبطلميوس. (4) الزيج، وهو أهم تصانيفه، لم يصل إلينا غيره، وبه نتائج رصود البتَّانى, وقد كان له أثر كبير، لا في علم الفلك عند العرب فحسب, بل فيه وفي حساب المثلثات الكبرى عامة في أوروبا خلال العصور الوسطى وأول عصر النهضة, وقد ترجمه إلى اللاتينية روبرتوس رتننسس Robertus Retinensis أوكتننسس, Ketenensis المتوفى في بمبلونة من أعمال أسبانيا بعد عام 1143 م، وضاعت هذه الترجمة؛ كما نقله إلى اللغة نفسها أفلاطون تيباستينوس Plato Tihastinus في النصف الأول للقرن الثاني عشر

تعليق على مادة "البتاني"

الميلادي، وقد نشر المتن من غير الجداول الرياضية في نورنبرغ عام 1537 م، وفي بولونيا عام 1645 م. وأمر ألفونس العاشر صاحب قشتالة (1252 - 1282 م) بأن يترجم هذا الزيج من العربية إلى الأسبانية رأسًا، ولهذه الترجمة مخطوط غير كامل في باريس. وهناك ثلاث رسائل لا قيمة لها في التنجيم بقيت منها نسخة لاتينية في عدة مخطوطات، وقد وضع عليها اسم المؤلف هكذا: Bethem أو Boetem أو Bereni أو Bareni. وهي منسوبة خطأ للبتانى. وحدد البتانى في كثير من الدقة ميل الدائرة الكسوفية، وطول السنة المدارية والفصول، والمدار الحقيقي والمتوسط للشمس، كما أضحى مذهب بطلميوس القائل بثبات الأوج الشمسى مقيمًا الدليل على تبعيته لحركة المبادرة الاعتدالية، واستنتج من ذلك أن معادلة الزمن تتغير تغيرًا بطيئًا على مر الأجيال، وقد أثبت - على عكس ما ذهب إليه بطلميوس - تغير القطر الزاوى الظاهرى للشمس واحتمال حدوث الكسوف الحلقى. وصحح البتانى جملة من حركات القمر والكواكب السيارة. واستنبط نظرية جديدة تشف عن شيء كثير من الحذق وسعة الحيلة لبيان الأحوال التي يرى بها القمر عند ولادته. وضبط تقدير بطلميوس لحركة المبادرة الاعتدالية. وله رصود جليلة للكسوف والخسوف اعتمد عليها دنثورن - Dun thorne سنة 1749 في تحديد تسارع القمر في حركته خلال قرن من الزمان. وأعطى حلولًا رائعة بوساطة المسقط التقريبى لمسائل في حساب المثلثات وقد عرف هذه الحلول رجيو منتانوس المشهور Regiomontanus (1436 - 1476) وسار على منهاجها. [نالينو C.A. Nallinc] تعليق على مادة "البتاني" (1) الوضع الصحيح لهذا الاسم هو: أبو عبد الله محمد بن جابر بن سنان الحرّانى الصابئ المعروف بالبتانى، لا الحراني البتانى كما ذكر مؤلف المادة، وفي كتاب القاضي صاعد الأندلسى: أنه أبو جعفر محمد بن سنان بن جابر: قال القفطى في كتابه "أخبار العلماء": هو أحد المشهورين برصد الكواكب والمتقدمين في علم الهندسة وهيئة الأفلاك وحساب النجوم

وصناعة الأحكام. وقد أجمع علماء الفرنجة المحققون على أنه كان أسمى مكانة من بطلميوس الفالوذى إذ احتوت مصنفاته شتات الحقائق الفلكية أكثر مما احتوته منها مصنفات الفلكى الإغريقى. ولهذا عدَّه لالند Lalande الفلكى الفرنسى الكبير المتوفى سنة 1807 من الفلكيين العشرين المبرزين الذين أنجبهتم الإنسانية منذ خلق الله الخلق حتى الآن. أما كتاب الزيج - وهو الرابع من مصنفاته التي سردها مؤلف المادة - فقد اشتهر بالصابئ فحسب، وقد ضمنه نتائج أرصاد للكواكب الثابتة لسنة 299 هجرية ضمن ما قام به من الأعمال الفلكية المختلفة التي تتابعت من سنة 264 إلى سنة 306 أي مدة 42 سنة. وفي مكتبة الفاتيكان نسخة من هذا الزيج. وقد طبعه العلَّامه نللينو في العقد الأول من هذا القرن عن نسخة محفوظة في مكتبة الإسكوريال بالأندلس وترجم مرارًا إلى اللغة اللطينية وكذا إلى الأسبانية. وكان البتانى يرصد في الرَقَّة على الضفة اليسرى من الفرات وموقعها على الدرجة السادسة والثلاثين من العرض الشمالي. وقد ذكر مؤلف المادة أنه وهو مقيم بتلك البلدة حدد بالدقة ميل "دائرة فلك البروج" يريد بهذه الدائرة ما اصطلح الفلكيون على تسميته بالدائرة الكسوفية. والواقع أن البتانى حدد هذا الميل بـ 23 درجة و 35 دقيقة وهذا قصارى ما كان يبلغ إليه محقق من الدقة في زمن لم تكن الآلات الفلكية قد عرفت أو اخترعت وفيه كل الفخر له، لأن العلَّامة الفلكى لالند الآنف الذكر قام بحساب ذلك الميل بعد ألف سنة تقريبًا من وفاة البتانى فوجد أنه 23 درجة و 35 دقيقة و 41 ثانية أي بزيادة هذا الفرق من الثوانى لأنه أضاف إلى تقدير البتانى 44 ثانية للانكسار ثم طرح منها ثلاث ثوان لاوختلاف الأفقى ولم يكن البتانى قد عمل لهما حسابًا. والبتانى هو أول من كشف السمت azimuth والنظير nadir وحدد نقطتيهما من السماء، كما أنه أول من أبدل أوتار القسى بالجيوب في قياس المثلثات والزوايا. "محمد مسعود"

البجلي

البجلي الحسن بن علي بن وَرْسَنْد: مؤسس فرقة البجلية الموجودة بين البربر في مراكش، وذكر البكرى أن البجلى ابتدأ حياته تلك قبل وصول أبي عبد الله الشيعى (انظر هذه المادة) إلى إفريقية (قبل عام 280 هـ = 893 م). وكان البجلى من أهل نَفْطة، والتف حوله أتباع كثيرون من بنى لماس، أما مذهبه فهو شبيه بمذهب الروافض، إلَّا أنه يقول إن الإمامة لا تكون إلَّا في نسل الحسن، وهذا ما يذكره البكرى وابن حزم وهو يناقض ما ذكره ابن حوقل (طبعة ده غويه ص 65) الذي يؤكد أن البجلى كان موسوى المذهب أعنى أنه كان يقول بإمامة موسى بن جعفر من نسل الحسين. وقد حارب عبد الله بن ياسين فيما بعد البجلية وقضى عليهم. المصادر: (1) ابن حزم: الملل والنحل، جـ 4، ص 183. (2) البكرى: كتاب المسالك والممالك طبعة ده سلان، ص 161. (3) Friedlander Journal of the Amer البحتري أبو عُبادة الوليد بن عبيد: شاعر عربي ومن أصحاب الدواوين واعلام القرن الثالث الهجرى (204 - 284 هـ تقريبًا) ونسبته "البُحْتُرى" تدل على انه من بطن بُحْتُر من قبيلةَ طيئ التي كثيرًا ما فاخر بمحامدها. وكانت ولادته. وكانت ولادته في مَنْبِج، وفي رواية أخرى في قرية بالقرب منها اسمها زرْدَفْنَة. وهو يصف منبج حين يتحدث عنها بأنها وطنه، وكانت له فيها ضياع ورثها فيما يظهر ابنَه ثابتا الذي عاصر الاصطخرى. اما المرأة التي أكثر من ذكرها في غزله فاسمها علْوَة ابنة زُرَيقة، وهي من بُطْيَاس قرب حلب، وقد ذكرها في قصيدة مدح بها الفتح بن خاقان في غير المقدمة الغزلية لتلك القصيدة (الديوان، جـ 1، ص 44)، وقال فيها إنها سخلته وهوى فؤاده" وإنه خلفها وراءه في الشام. وفي قصيدة أخرى هجاها وأفحش في هجائها (جـ 2، ص 109)، وليس من شك إذن في وجودها التاريخي على عكس الأخريات فيما يرجح اللاتى ذكرهن في غزله. وتصل الروايات الوثيقة فيما يظهر بينه وبين شاعر طائى آخر من الفحول هو أبو

تمام، ولو أن الأخبار التي ترويها عن لقائهما متباينة ويقال إن أبا تمام بعثه بوصية منه إلى أهل معرة النعمان منوها بأنه مداح فاستخدموه نظير أربعين ألف درهم، وهذا إذا صح دل على أن شعر هذه الفترة لم يرد في الديوان الذي ورد فيه ذكر قرية النعمان في الحديث عن ابن ثوابة (جـ 1، ص 117) الذي لا شك أن الشاعر قد لقيه من بعد. ويظهر من أشعاره الأولى الواردة في الديوان أنه مدح كثيرًا من الأسر الطائية الوجيهة مثل بنى حُميد الثلاثة: أبي نهشل (الأغانى، جـ 9، ص 102) وأبي مسلم، وأبي جعفر - ومن الصعب أن نقول إن أبا جعفر هو عين الرجل الذي قتله بابك سنة 214 هـ - ومثل أسرة أبي سيد محمد بن يوسف المتوفى سنة 236 والذي يقال إن البحترى لقى أبا تمام في بيته، وربما كانت القصيدة التي عزى فيها أبا سعيد في وفاة المعتصم أولى قصائد الديوان (جـ 1، ص 169. الراجح أن ذلك كان عام 227 هـ). وأول من استظل به البحترى هو الوزير محمد بن عبد الملك بن الزيات، وقد مدحه في عهد الخليفة الواثق (جـ 2، ص 194) كما مدح بيت عبد الله بن طاهر الذي نُصب ابنه محمد أميرًا على بغداد عام 237 هـ، وربما كانت القصيدة التي قالها فيه قد أنشئت بعد ذلك بأمد وجيز تهنئة له بهذا المنصب (جـ 2، ص 125)، ومدح البحترى أيضًا ولدين آخرين من أولاد ابن طاهر هما سليمان وعبيد الله، كما مدح بعض أقارب لهم أبعد من ذلك. ويظهر أن البحترى أصبح شاعر البلاط الأول مرة في عهد المتوكل عندما نال الحظوة لدى الفتح ابن خاقان الذي أهدى إليه ديوان الحماسة. وقد قال في المتوكل والفتح كثيرًا من قصائده ولو أن صلته بالفتح كانت تنصرم في بعض الأحيان. وعندما عهد الخليفة المتوكل بولاية العهد لأبنائه الثلاثة على التعاقب عام 235 هـ أخذت مدائح البحترى تتحدث عن الأحداث التي

وقعت في حكمه: مثل فتنة أرمينية عام 237 هـ. وانتقال الخليفة مؤقتا إلى دمشق سنة 243 هـ، وعودته للاحتفال بعيد النوروز، وبنائه للمتوكلية من عام 245 - 246 هـ. وقد أورد المسعود. رواية للبحترى ذكر فيها شهوده لمقتل سيديه، والحق إنه اعترف في مرثيته للمتوكل (جـ 1، ص 28) بأنه حضر مصرعهما. ويعتذر عن عدم دفاعه عن سيديه بأنه كان أعزل لا سيف معه، وأنه دافع عنهما باليدين قدر استطاعته، وظل يعتبر القتيلين أهم أوليائه (جـ 2، ص، ا 63 جـ 1، ص 112). ورجع الشاعر بعد هذا الحادث إلى منبج ولكنه سرعان ماعاد بقصيدة يمدح بها المنتصر. وظل شاعر البلاط في عهد المستعين والمعتز والمهتدى والمعتمد على التوالى، ويبدو أنه كان أثيرا عند المعتز الذي خصه بعدة قصائد بل توسط له عند ابنه عبد الله بن المعتز. والظاهر أن البحترى كانت قواه قد وهنت قبل خاتمة حكم المعتمد. واتصال البحترى بالبلاط العباسى جعله يتصل بجميع أعلام الرجال في الدولة، وغالب الأسماء التي أوردها في ديوانه غير معروفة لنا. ومن الأعلام الذين ذكرهم الوزير عبيد الله بن يحيى بن خاقان، والحسن بن مخلد، وسليمان بن وهب، وإسماعيل ابن بلبل وغيرهم من القواد والعمال مثل إبراهيم وأحمد ولدى المدبِّر، وأحمد بن طولون، ومالك ابن طوق، وأخيه محمد، ومن الوزراء أمثال ابن ثوابة، وأبي نوح، وعيسى بن إبراهيم وغيرهم. ومن رجال البلاط علي بن المنجم، وابن حمدون، والمبِّرد النحوي، وابن خرداذبه الجغرافي، وأبو العيناء الأديب، ولذلك فإن ديوانه تكملة قيمة لإخباريى هذا العصر، وهو يضيف إلى ذلك الكثير من التفصيلات، فأحيانًا يذكر الأسماء الكاملة للشخصيات، وأحيانا يسجل حوادث أغفلها المؤرخون فيما يظهر. وتشمل القصائد التي قيلت في الخلفاء إشارات عدة إلى المنافسات التي كانت قائمة بين العباسيين والعلويين من جانب وبينهم وبين الأمويين من جانب آخر. ولم يترحم

على أيام بنى أمية إلَّا في مناسبة واحدة سُلم فيها عامل من المسلمين إلى النصارى فعذبوه. أما في موضوع حق العم في ولاية الأمر فقد كان البحترى يفضل العباس ويذكر قيامه بالسقاية التي يفسرها الشاعر تفسيرا مصيبا كل الصواب فيقول إنها حق الاستسقاء (جـ 1, ص 21 - 23) كما يذكر خدمات الموالى من الفرس للإسلام ومساواتهم للعرب، ووصف خدمات العباسيين للعلويين وصفا نهج فيه نهج المنصور (جـ 1, ص 63). ويكلف البحترى بوصف القصور، مثل قصر الزوَ والقصور التي شيدها المتوكل، وجوسق المعتز وقصر المعتمد المعروفين بالمعشوق والمشوق، وأطلال إيوان كسرى التي زارها صحبة ابنه أبي الغوث، وله فيها قصيدة رائعة (جـ 1، ص 108) كما وصف الأسطول (جـ 1، ص 257) والعيون التي شيدتها أم المعتز لسقاية الحجيج (جـ 2, ص 146) وحروب الموفق وقواده في ثورة الزنج. وكان البحترى، شأن الغالبية من أهل طبقته، يلتمس بالشعر العون على خراجه (جـ 1, ص 106, 127, 189) أو مساعدته فيما يتصل بضياعه (جـ 1، ص 150، جـ 2، ص 152) أو يشكو العمال الذين يحاولون اغتصاب أملاكه (جـ 2, ص 153) أو يشكو قلة أعطياته (جـ 2, ص 257) أو إخلاف ما وعبد به (جـ 1, ص 222). ونحن نراه في الأغانى يتوسل للحصول على المال بطريقة فريدة: هي إغراء إخوانه بشراء عبد له اسمه نسيم ثم يشكو فراقه بحرارة حتى يعاد إليه، ويدل على هذا مجموعة من القصائد مدح بها إبراهيم بن المدبر (جـ 1، ص 179, 181). ويقال إن البحترى عندما أدركته الوفاة أوصى بأن تحرق أهاجيه. ويرى صاحب الأغانى أن ذلك ذهب بخير شعره، ومع هذا فقد بقى منها عدد ليس بالقليل يتضح منه أنه اتبع الطريقة الشائعة في الحصول على الصلات، وهي تهديد الذين يرفضون مدائحه بالهجاء حتى أننا نجد في ديوانه

أشخاصا مدحهم وهجاهم، ولكنه كان يصدر في أحوال أخرى عن بواعث غير انتظار الهبة، مثال ذلك مدحه لابن طولون فإنه لم يكن لاعتبارات شخصية فحسب، وإنما كان لبواعث سياسية أيضًا، وقد هجا من لداته الشعراء على بن الجهم (جـ 2، ص 88, 99, 107) والحسن بن رجاء (جـ 2، ص 107) بينما كان حسن الصلة بالشاعر دعْبِل (جـ 2، ص 177). وهاجم النحاة في إحدى قصائده (جـ 2، ص 132) وهجا النصارى في أكثر من موضع (جب 2، ص 96, 112). والنقاد يضعون البحترى مع أبي تمام والمتنبي كثالث الفحول الثلاثة في العهد العباسى، وقد خاض هؤلاء النقاد في موضوع الموازنة بين البحترى وأبي تمام. ويقول شاعرنا إن جيده أقل من جيد أبي تمام ورديئه أحسن من رديئه. ويخصص المسعودى عدة صفحات من كتابه للبحث في هذا الموضوع، كما فصل الكلام فيه الحسن بن بشر الآمدى في كتاب عنوانه "الموازنة بين أبي تمام والبحترى" وهو يهم بتحيزه الظاهر للبحترى. أما النقاد الغربيون فهم على الأرجح يرون أن البحترى أقل تالقًا من المتنبي وأكثر شاعرية من أبي تمام بكثير. وينسب صاحب الفهرست للبحترى غير ديوانه كتاب معاني الشعراء وكتاب الحماسة ومنه مخطوط في ليدن نسخ ونشر عام 1909 م وطبع الديوان في الاستانة عام 1300 هـ اعتمادا فيما يظهر على مخطوط يرجع تاريخه إلى عام 424 هـ، وهذه النسخة مرتبة بأسماء الأشخاص والأسر الذين قيل الشعر فيهم، ولو أن هذا الترتيب لم يكن مرعيا على الدوام، وفي مكتبة فينا نسخة مشابهة لهذه (فهرس، جـ 1، ص 436). ورتب الصولى القصائد على حروف المعجم، ويوجد جزء من هذه النسخة في مكتبة ميونخ (رقم 508) ويقال إن علي بن حمزة الأصفهانى رتب القصائد على الموضوعات ترتيبًا بارعًا (ياقوت معجم الادباء، جـ 5، ص 200، الفهرست، ص 165). ويسمى الديوان أحيانا باسم "سلاسل الذهب" وقد طبعت فقرات من شرح أبي العلاء

لهذا الديوان، وهو الشرح المعروف "عبث الوليد" في المقتبس. ويذكر أبو العلاء في رسائله التي نشرت بأوكسفورد (ص 90) وصفًا عجيبًا هو أن البحترى كانت له قدما ديك. المصادر: (1) الأغاني: جـ 18، ص 167 - 175. (2) ابن خلكان: ترجمة ده سلان, جـ 3، ص 657 - 666. [مركوليوث A.S. Margoliouth] أبو عُبادة الوليد بن عبيد الله: شاعر عربي من أصحاب الدواوين ومن أعيان القرن الثالث الهجرى (التاسع الميلادي: 206 - 284 هـ = 821 - 897)، ولد في منبج، ويروى أنه ولد في القرية المجاورة "حرْدفْنَة، لأسرة تنتص إلى بُحْتر وهي بطن من طيى، ولم يقطع البحترى صلته قط تماما ببلده حيث شاء الحظ، الذي اجتمع في حياته العملية الطويلة كلها شاعرًا للبلاط، على أن يتيح له الحصول على ملك خاص به، بل هو قد استغل أيضًا أصله القبلى في إنشاء صلات تعود عليه بالفائدة. وقد خص البحترى باكورة شعره الذي نظمه بين عامي 223 - 226 هـ (837 - 840 م) بمدح قبيلته، والتمس مولى يستظل به فوجده في شخص القائد الطائى أبي سعيد يوسف بن محمد المعروف بالثَغْرى، وقد لقى في دار الثغرى لأول مرة الشاعر أبا تمام الذي كان يزعم هو أيضًا أنه من طيئ. وقد اجتذبت موهبة الشاب هذا الشاعر فأوصى به أول الأمر فيما يظهر أعيان معرة النعمان وزكَّاه لهم شاعرًا مداحًا فجعلوا له راتبًا قدره أربعة آلاف درهم، ولكن لم ينته إلينا أي شعر له من هذه الفترة. ومهما يكن من شيء فإن البحترى لم يتوان عن اللحاق بأبى تمام في حاشية مولاه مالك بن طوق والى الجزيرة، ثم تبعه إلى بغداد حيث استطاع بفضل حضوره دروس أشهر العلماء، وخاصة ابن الأعرابى، ومجاهدته في التخلق بأخلاق عاصمة البلاد، أنى يهيئ نفسه لمدح أكابر

الشخصيات آملا أن يتقرب بذلك إلى الخليفة. على أنه لم ينل في هذا السبيل إلَّا أقل النجاح مع ابن الزيات، فاستعاض عن خيبته معه باللحاق بأسرة من قبيله هي أسرة بنى حُمَيد، وكان بعض أفرادها قد استقر في بغداد، وأهدى بعض قصائده إلى زعيمهم أبي نَهْشَل، ثم غادر العراق في الوقت الذي غادره فيه أبو تمام سنة 230 هـ (844) ليعود إلى الثغري الذي كان وقتذاك في الموصل. ولم يحزن البحترى على وفاة أبي تمام سنة 231 هـ (845 م) على خلاف كل التوقعات، مع أن أبا تمام كان هو أول من شجعه وأول من دربه على قول الشعر، وكان هذا هو أول مثل على جحود. ووصوليته اللذين أكدهما بالدليل الوافر من بعد. وما إن تولى المتوكل الخلافة حتى عاد البحترى إلى بغداد، واستطاع بفضل وساطة ابن المنجّم الحميدة أن ينال الحظوة لدى الفتح بن خاقان، وقد قدمه الفتح إلى المتوكل، والراجح أن ذلك كان سنة 234 هـ (848 م). ومن ثم بدأت تنتظر البحترى حياة مشرقة شاعرًا للبلاط. وقد شاب صلة البحترى بالفتح فتور عابر بفعل التحاسد الذي لم يكن منه بد، ومع ذلدُ كان البحترى ينعم دائما برعاية الفتح الذي أهدى إليه البحترى ديوانه "الحماسة" وعددًا من مدائحه، ومدح البحترى أيضًا عدة شخصيات كبيرة في الدولة، ولكنه خص الخليفة بمعظم شعره. وكان في حياته على علاقة وثيقة به، ينعم بعطفه، ويؤيد سياسة الحكومة حتى إن تعارضت مع آرائه الشخصية التي كان يشوبها هوى مع الشيعة، ويجاهر بفضائل العباسيين وحقوقهم. وكان شعره في هذه الفترة يتضمن كثيرا من الإشارات إلى الحوادث السياسية مثل التمرد الذي وقع في دمشق سنة 236 هـ (850 م) والفتنة التي نشبت في أرمينية سنة 237 م (851 م) وفتنة حمص سنة 240 هـ (854 م)، وزيارة الخليفة دمشق سنة 244 هـ (858 م)، وبناء المتوكلية ما بين سنتى 245 - 246 هـ (859 - 860 م) وغير ذلك من الحوادث.

وكانت مقدمات قصائده في النسيب موجهة حتى ذلك الحين إلى امرأة تقليدية موهومة هي هند، وهنالك ظهرت في أشعاره امرأة حقيقة هي عَلْوَة بنت زرَيقة التي كانت تعيش في حلب وكانت لها دار ريفية بهذه الكورة في بطياس، ولا شك أنه جرى على لقائها في أسفاره إلى الشام، ذلك أن إقامته في العراق لم تكن دائمة بحال، ومن الجائز أنه كان يكن لها هوى عظيمًا، ولو أنه سخر منها في قصيدة فيهاشئ من الفحش. وعلى الرغم من اهتمامه لاغتيال المتوكل والفتح سنة 247 هـ (861 م). كما أخبر المسعودى عنه، فإنه رأى من الأحرص أن يعتكف في منبج، ولكنه سرعان ما ظهر بعد ذلك بقصيدة في مدح المنتصر، ثم وجه مدائحه بعد إلى الوزير أحمد بن الخصيب، وقد وقع بالصدفة في زمن متأخر عن هذا أن البحترى لم يتردد في تحريض المستعين على هذا الوزير. وذاق البحترى حلاوة الشهرة مرة أخرى في ظل المعتز، وقد مدحه بجملة من قصائده بدت فيها أصداء الاضطراب الذي كان يروى ثرى ولايات الدولة بالدم، على أن ذلك لم يمنعه بحال من الترحيب بالمهتدى كأن شيئًا من ذلك لم يحدث، ولم يعقه من أن يصبح إلى حين شاعر التقى بغية التسرية عن الخليفة الجديد. وأفلت شهرة البحترى في عهد المعتمد، فقد أثارت سياسة هذا الخليفة المالية في نفسه بعض القلق على ثروته، وكانت آخر قصيدة قالها في مدح خليفة هي تلك التي مدح بها المعتضد سنة 279 هـ (892 م). وهنالك ترك البحترى العراق، وأصبح شاعر البلاط مرة أخرى في ظل خمارويه بن طولون، ثم عاد إلى مسقط رأسه حيث أدركته المنية بعد مرض طويل سنة 284 هـ (897 م). وقد اقتصر البحترى -أو كاد - في بدء حياته الشعرية على نظم القصائد في التفاخر أو في وصف تجواله في الصحراء، وثمة مثل مشهور على ذلك هو القصيدة المشهورة التي قالها في الذئب (جـ 2، ص 110)، على

أنه ما إن أصبح شاعر البلاط حتى غدا المديح هو القالب الغالب على شعره. وبهذا احترم البحترى القالب الثلاثى للقصيدة، وربما لم يشذ عن ذلك إلَّا في نهاية حياته، وراح يرسم صورة تقليدية لرعاته المختلفين. على أن مديحه تسمو به في توفيق أوصاف رائعة (وخاصة في وصفه الإيوان) وهنا يقف البحترى نسيج وحده لا يبارى بفضل تذوقه المرهف للخيال الشعرى والتفصيلات الطلية التي يسوقها. ولم يخص البحترى قصيدة كاملة بوصف قصر هو إيوان كسرى إلَّا متأخرًا (انظر عبد القادر المغربي في مجلة المجمع العلمي العربي بدمشق، سنة 1956, ص 77 - 88, 241 - 252، 427 - 436, 577 - 585). والأفكار التي يبسطها البحترى في مجموعها خالية من الابتكار، إلَّا أن مزيته الفريدة هي أسلوبه الذي يتميز بمفرداته البسيطة وشعره الموسيقى الفخم، وقد وضعه هذا الأسلوب فوق شعراء البلاط الآخرين الذين كتب عليه أن ينافسهم أول الأمر. وتفوق البحترى أيضًا في الرثاء، ولكنه قلما كان يوفق في الهجاء، ذلك أن الهجاء عنده كان لا يعدو أن يكون حصيلة للمدح, وهو في الأغلب الأعم موجه إلى راع سابق مرجولم يحقق آماله. وثمة واقعة جاءت في قصة من القصص هي أنه أوصى ابنه وهو على فراش الموت بأن يعدم جميع أهاجيه. وقصائد المناسبات قليلة في ديوانه. وكذلك فإن موضوعات الحب لانجدها إلَّا في مقدمات قصائده، وكانت هذه المقدمات لا تعدو أن تكون نزولا منه على سنة فاشية هي أن يتغنى بمحامد بعض المراهقين. والنقاد الغربيون الذين كانوا إلى ذلك لايهتمون بالبحترى إلَّا اهتمامًا قليلا، يسلكونه في عداد الشعراء المحدثين من القدماء، وهذا الوضع يناسبه كل المناسبة. أما النقاد المشارقة فإنهم يجعلونه هو وأبا تمام والمتنبي من أهم شعراء العصر العباسى. والمقارنة بينه وبين أستاذه أبي تمام موضوع من موضوعات المناقشة المحببة بعد أن كان مثارًا للخلاف حتى

في حياة البحترى نفسه. ويرى البحترى ذاته أن جيده أقل من جيد أبي تمام ورديئه أحسن من رديئه. وقد تناول هذا الموضوع بالتفصيل في كتابين يجنح كل منهما إلى تفضيل واحد منهما على الآخر، وهما: "أخبار أبي تمام" للصولى (القاهرة سنة 1356 هـ = 1937 م) و"الموازنة بين أبي تمام والبحترى" للآمدى (القاهرة سنة 1363 هـ = 1944 م). ويشارك البحترى معظم زملائه في أنه لا يكف عن السؤال ولا يتورع عن آية وسيلة يحصل بها على المال. وهذا الجشع إلى جنى المال أفسد معدنه الخلقى وأدى به إلى المصانعة ليساير بحقارة تذبذب السياسة الدينية للخليفة الذي كان راعيه. وقد أكسبه نجاحه شاعرًا للبلاط عداوات مرة بين منافسيه، مع أنه كان فيما يظهر على صلات طيبة بالشاعر الشيعى دعبل. وطبيعى أن يؤدى به هذا النجاح إلى الاتصال بالشخصيات البارزة في الدولة من وزراء إلى قواد، إلى ولاة، إلى رجال بلاط وكتاب سر، وعلماء. وأتاحت له صلاته أيضًا أن يتابع كثيرًا من الوقائع السياسية التي نسمع صداها في الديوان، وهذا الأثر له قيمة وثيقية لا تنكر علاوة على قيمته الأدبية (انظر Les allusions: M. Canard ae la guerre byzantine chez les poetes Abu Taromam et Buhtun في Byzanceet les Arabes: Vassiliev جـ 1، بروكسل سنة 1935, ص 397 - 403)، والحق إنه ذيل قصير لأخبار ذلك العهد، فهو يزيد عليها تفصيلات في كثير من الأحيان، أو يصف آثارا، أو يذكر وقائع أغفلها المؤرخون فيما يبدو. وقد طبع الديوان في الآستانة سنة 1882. ثم طبع في بيروت وفي القاهرة سنة 1911، ولكن هذه الطبعات أميل إلى الخطأ والنقصان، ومن ثم فإننا نرحب كل الترحيب بظهور طبعة جديدة تعتمد على المخطوطات المختلفة وخاصة المخطوط المحفوظ في المكتبة الأهلية بباريس، وقد نشر شرح للديوان كتبه أبو العلاء المعرى بعنوان "عبث الوليد" في دمشق سنة 1355 هـ (1936 م).

أما كتابه "الحماسة" فلم نعثر إلَّا على مخطوط واحد منه، وهو محفوظ في جامعة ليدن، ويشهد هذا بعدم نجاح هذا الديوان الشعرى الذي جمعت فيه الأشعار بحسب موضوعاتها لا بحسب أنواعها مثل حماسة أبي تمام. وثمة ثلاث طبعات منه إحداها في ليدن سنة 1909, والثانية في بيروت سنة 1910, والثالثة في القاهرة سنة 1929. وينسب للبحترى أثر ثالث هو "معاني الشعر" أو "معاني الشعراء" وهو مفقود. المصادر: (1) الأغانى، جـ 18، ص 167 - 175. (2) ابن المعتز. طبقات الشعراء، لندن سنة 1939, ص 186 - 187. (3) المسعودى: مروج الذهب، الفهرس. (4) ابن خلكان، ترجمة ده سلان، جـ 3، ص 657 - 666. (5) ياقوت: معجم الأدباء، جـ 19، ص 248 - 258. (6) أبو العلا المعرى: رسالة الغفران، في مواضع مختلفة. (7) the letters of: margoliouth Abu'l-Ala . أوكسفورد سنة 1891, في مواضع مختلفة. (8) الحصرى: زهر الآداب، الفهرس. (9) الفهرست، طبعة القاهرة. ص 235. (10) ابن رشيق: العمدة، في مواضع مختلفة. (11) - Deutsch Morgenl Ge Zeitschr der .sells، سنة 1893, ص 418 - 439, 715 - 717. (12) ج. كنعان: البحترى، حياة من غير تاريخ. (13) طه حسين: من حديث الشعر والنثر، القاهرة من غير تاريخ (1932؟ )، ص 113 - 133. (14) محمد صبرى: أبو عبادة البحترى، القاهرة سنة 1946. (15) ع. رستم: طيف الوليد، أو حياة البحترى، القاهرة سنة 1947.

تعليق على مادة البحتري

(16) سيد العقل: عبقرية البحترى، بيروت سنة 1953. (17) Brockelmann، قسم 1، ص 125. (18) وثمة رسالة ممتازة عنوانها Un poete arabe du Ille si 6 cle de I'hegrie (.LXe s. de J.C) قدمها لنيل الدكتوراه من السوربون سنة 1953 صالح الأشتر، ولم تنشر بعد. خورشيد [بلًا Ch. Pellal] تعليق على مادة البحتري ثانى اثنين رفعا اسم قبيلتهما "طيئ" في عالم الشعر على كثرة ما أنجبت هذه القبيلة الكبيرة من شعراء سبقوهما بأجيال مثل عامر بن جُوَين وحاتم وغيرهما، ومن لحقوا بهما بعد ذلك بأجيال منهم الطِّرِمَّاح وغيره. وعُرفا في كتب الأدب "باسم الطائَّيين": الأول أبو تمام حبيب بن أوس، والثاني أبو عُبادة الوليد بن عُبيدْ بن يحيى بن عُبيدَ فكان بعض الكتاب يقولون عن الأول: الطائى الكبير، وعن الثاني: الطائى الصغير، تمييزا لهما. وعُرف شاعرنا بهذه الكنية "أبو عُبادة" إلَّا أن أبا الفرج وياقوتا الحموى وابن الخطيب البغداديّ قد ذكروا في كتبهم: الأغانى، ومعجم الأدباء، وتاريخ بغداد، أنه كان يكنى: أبا الحَسن، وأبا عُبادة، فأشير عليه في أيام المتوكل بأن يقتصر على أبي "عبادة" فإنها أشعر، ففعل. ونقل ابن خِلِّكان في وفيات الأعيان هذا. وقد اختلف كثيرون ممن أرَّخوا لهذا الشاعر في الموضع الذي وُلد فيه، وفي تاريخ ميلاده. قال بعضهم - ومنهم ياقوت الحموى في "معجم الأدباء" (19: 249) - إن مولده كان في مدينة "منبج" الواقعة في الشمال الشرقي من حلب في شمال الجمهورية السورية، وكانت تعرف عند الروم باسم "هيرابوليس Heirapolis وقال بعض آخر - منهم ياقوت الحموى أيضًا - الذي ذكر في "معجم البلدان" (2: 239 ليبزج) إن مولد البحترى كان في قرية "حُرْدفْنَة" التي ذكرها في حرف (الحاء) وضبطها بالعبارة فقال: "بالضم ثم السكون، وضم الدال، وسكون الفاء، وفتحِ النون، وهاء"، وقال إنها "من قرى منْبِج من أرض الشام".

وقال ابن خلكان في كتابه "وفيات الأعيان" إنه "ولد بمنبج، وقيل بزردفنه، وهي قرية من قراها. ونشأ وتخرج بها". ثم عاد فضبطها بالعبارة فقال: وزردفنه، بفتح الزاى وسكون الراء، وفتح الدال المهملة، وسكون الفاء، وفتح النون، وبعدها هاء ساكنة، وهي قرية من قرى منبج بالقرب منها. فأما الاختلاف في تاريخ مولده، فقد صادفتنا - عند تحقيق ديوانه - روايات مختلفة، تتقدم في بعض الروايات سنوات أو تتأخر عن قول الجمهرة من المؤرخين له. فقد ذكر ياقوت في "معجم البلدان" أن مولده كان في سنة 200 هـ في أول أيام المأمون وهو بخراسان. ثم قال: "ذكر ذلك أبو غالب همام بن الفضل بن المهذب المعرى في تاريخ له"، وعقب فقال: "وقال غير ابن المهذب، ولد البحترى في سنة 205 هـ". إلَّا أن ياقوتا نفسه ذكر في "معجم الأدباء" أن ولادة البحترى كانت سنة ست ومائتين. وذكر ابن خلكان في كتاب "وفيات الأعيان" أن ولادته كانت سنة 206، وقيل سنة 205. وقد أخذنا في تحققنا لديوان البحترى - عندما تصدينا لتأريخ قصائده - بالقول الذي رجح سنة 204 هـ تاريخا لمولده (انظر مقدمتنا لديوان البحترى صفحة 31 طبعة دار المعارف سنة 1963) وهو التاريخ الذي أخذ به الأستاذ مركوليوث أيضًا في مادة "البحترى" في دائرة المعارف الإسلامية. أما تاريخ وفاته فقد تأرجح عند هؤلاء المؤرخين بين سنوات 283, 284, 285 هـ. وقد أخذنا -كما أخذ الأستاذ مركوليوث أيضًا - بالتاريخ الوسط. مات بالسكتة -كما يذكر ياقوت - في موطنه "منبج" سنة 284 بعد أن عاش فترة طويلة في العراق، وقد بلغ الثمانين من عمره. وقد عاش طفولته وصباه متنقلا بين منبج وحلب، حيث عرف في حلب صاحبته "علوة" التي ردد ذكرها في شعره مرات كثيرة، وظل يحن إليها

لأنها كانت أول غرامه، ويحن إلى دارها التي كانت في وسط حلب، فقد قال ياقوت وهو يذكر حلب في "معجم البلدان" (2: 307 ليبزج): "وفي وسط البلد دار علوة صاحبة البحترى". ثم أخذ يضرب منذ عام. 220 هـ في البادية يأخذ عن أهلها. وقد عثرنا على قصيدة له لم يسبق نشرها من 45 بيتا أشار أبو العلاء المعرى في كتابه "عبث الوليد" إلى ثلاثة أبيات منها هي الأول والثالث والتاسع. وقد أشار البحترى في الأبيات: الثالث والرابع والخامس إلى سنه - وقتذاك - وإلى عزمه على السير في مناكب الأرض (القصيدة 425، صفحة 1081، دار المعارف): وقائلة، والدمع يصبغ خدها ... رويدك يابن الست عشرة كم تسرى! فقلت: أحق الناس بالعزم والسرى ... طلاب المعالى صاحب الست والعشر مقام الفتى في الحى حيا مسلما ... معافى مقام ذلة بالفتى يزرى وخلال تشريقه وتغريبه راكبا أعجاز الكواكب على حد تعبيره في القصيدة 28 (صفحات 78 - 82 طبعة دار المعارف) ينتهى به المطاف إلى رحبة مالك بن طوق التغلبى مادحا له. وهذه الرحبة بين الرقة وبغداد على شاطئ الفرات. ونجده يذكر لنا في البيت العاشر من هذه القصيدة سنه وقتذاك فيقول: عشرون قصرها الصبا، وأطالها ... ولع العتاب بهائمٍ لم يعتب أي أن هذه القصيدة مما نظم الشاعر عام 224 هـ. وقد مدح مالك بن طوق بقصيدة أخرى لم يسبق نشرها في الطبعات السابقة للديوان، بلغت أبياتها 46 بيتًا، أثبتناها في طبعتنا برقم 806 (الديوان 2127 - 3132). وتاريخها هو تاريخ أختها. وفي عام 225 نراه يمدح أحمد بن إبراهيم الآزدى بقصيدتين لم يسبق نشرهما أيضًا: القصيدة 799 (صفحة 2110 - 2113) بيتا، والقصيدة 901 (صفحة 2370 - 2372) من 17 بيتا.

ونرجح أنه قطع في هذه الرحلة ست سنوا هـ ألهمته كثيرًا من الصور، وحركت شاعريته، وصقلت لغته. وفي هذه الحقبة نظم قصيدته الدالية المشهورة في "الذئب" (القصيدة 289، ص 740) التي رجحنا أنه قالها حوالي عام 226 هـ. وقد جعلت قوة سبك هذه القصيدة بعض الناس يشكون في أنها من شعره. فقد ذكر كشاجم ذلك في كتابه "المصايد والمطارد" (107 - 108) حيث يقول: " ... وقد شُكَّ فيها أنها له لقربها من ألفاظ الأوائل ومعانيهم". وجاء في الدلِوان في تقديم القصيدة أن أبا الغوث - ابن البحترى - قال لأبيه إن الناس يقولون هذه القصيدة، لأبي تمام. فقال "يابنى! قد ضرط أبوك أحسن من هذه القصيدة". كما نظم أيضًا قصيدته الرائية التي رثى فيها قومه (القصيدة 408 صفحة 1029). وقصيدته الدالية رقم 247 صفحة 590) التي يفخر فيها بأسرته ويذكر أسماء أجداده. حتى إذا كانت سنة 227 وجدنا البحترى قد تعرف إلى أبي جعفر القمى فمدحه، وأشار في مديحه له أنه ينوى أن يشد الرحال إلى رجل من قبيلته كان يرابط على الثغور غازيا ومدافعا هو القائد العربي الطائى الصامتى، من بنى الصامت بطن من طيئ: أبو سعيد محمد بن يوسف ابن عبد الرحمن، من أهل مرو, وكان يعرف باسم "الثغرى" نسبة إلى ملازمته للثغور، وكان من قواد حميد الطوسى في حربه مع بابك الخُرَّمى، ثم صار بعد مصرع حميد من قادة الجيوش عند المعتصم، وكانت أول هزيمة لأصحاب بابك على يده سنة 220 هـ، فقد قال البحترى لأبي جعفر القمى وهو يمدحه (القصيدة 674 في البيت 41 منها صفحة 1750 طبعة دار المعارف بتحقيقنا): إني أريد أبا سعيد والعدى ... بينى وبين سحابهِ المتهللِ مُضَر الجزيرة كلها، وربيعة الـ ... ـــخابور توعدنى، وأزْدُ الموصلِ والتقى الشاعر الطائى الثاني بهذا القائد الطائى الذي مدحه من قبله الشاعر الطائى الأول أبو تمام، وكان هذا اللقاء سنة 227 هـ في السنة التي مات فيها الخليفة العباسى المعتصم بن

الرشيد فعزى أبا سعيد فيه بالقصيدة رقم 348 (الديوان 882) وأشار في هذه القصيدة إلى الخليفة الجديد الواثق بن المعتصم. كما أشار إلى موقف لأبي سعيد أحبط فيه مؤامرة دبرها العباس بن المأمون مع بعض قواد المعتصم هن الأتراك، فحفظ بالقضاء على هذه المؤامرة الخلافة للواثق. وظلت صلة البحترى بأبى سعيد يمدحه بالقصيدة بعد القصيدة ذاكرًا أمجاده، مشيدا ببطولته، مسجلا الوقائع والمعارك التي خاضها هذا الرجل، حتى لتعد قصائده وقصائد أبي تمام في هذا البطل المصدر العربي الوحيد حيث أغفلت كتب التاريخ العربي تسجيل هذه الأحداث مع خطورتها، على حين سجلها مؤرخو الروم، وقد ذكر فازيليف في كتابه "العرب والروم" الشيء الكثير هن معارك هذا البطل، ولما مات أبو سعيد سنة 236 فجأة في عهد المتوكل رثاه البحترى. وكان قد مدح ابنه يوسف بن محمد بعدد من القصائد أيضًا. وفي هذه الحقبة من سنوات 228 - 233 هـ كانت صلاته قد توطدت بأسرة حميد الطوسى، هم طائيون مثله، كما اتصل بأسرة الحسن ابن سهل، وبخاصة ابنه إبراهيم بن الحسن الذي قال فيه أكثر هن عشر قصائد، منها ثلاث عاتبه فيها، وهو الذي اشترى منه غلامه "نسيم". كما اتصل بأمير البحر أحمد بن دينار بن عبد الله بالقصيدة رقم 387 (ديوانه 980) وبالمقطوعة 406 (الديوان 1025) التي سماه فيها أمير البحر. أما قصيدته الأولى فقد سجل فيها موقعة بحرية غزا فيها ابن دينار بلاد الروم، ولم تذكر لنا كتب المؤرخين العرب شيئًا عن هذه الموقعة التي يرى بعض مؤرخى الإفرنج مثل ماريوس كانار أنها كانت في أول خلافة المتوكل سنة 232 هـ. وقد تناول الدكتور زكى المحاسنى ذكر هذه الموقعة في كتابه "شعر الحرب في أدب العرب". وقال أبو هلال العسكرى في "ديوان المعاني" (2: 63): "ولم يصف احد هن المتقدمين والمتأخرين القتال في المراكب إلَّا البحترى". وذكر أن الصولى قال: "سمعت عبد الله بن المعتز يقول: لو لم

يكن للبحترى إلَّا قصيدته السينية في وصف إيوان كسرى، فليس للعرب سينية مللها، وقصيدته في البركة "ميلوا إلى الدار من ليلى نحييها"، واعتذاراته في قصائده إلى الفتح التي ليس للعرب بعد اعتذارات النابغة إلى النعمان مثلها، وقصيدته في دينار بن عبد الله التي وصف فيها ما لم يصفه أحد قبلها أولها "ألم تر تغليس الربيع المبكر" ووصف حرب المراكب في البحر - لكان أشعر الناس في زمانه، فكيف إذا أضيف إلى هذا صفاء مدحه ورقة تشبيهه. وقد ذكر فيها ألفاظ" الأسطول" و"النوتى", و"العلاة" وقد أراد بها البرج الذي يعتليه ربان السفينة، و"الاشتيام"، وهو رئيس المركب، وهذه اللفظة قال عنها المعرى إنها كلمة لم يذكرها المتقدمون من أهل اللغة، فإذا سئل من ركب البحر عنها قال: البحريون الذين يسلكون بحر الحجاز يسمون رئيس المركب "الاشتيام"، فإن كانت الكلمة عربية فهي الافتعال من شام البرق لأن رئيس المركب يكون عالما بشئون البروق والرياح ويعرف من ذلك ما لا يعرفه سواه، وذكرها الطبري في تاريخه (أخبار سنة 251) فقال: "دخل من البصرة عشر سفائن بحرية تسمى البوارج في كل سفينة اشتيام". وورد بحاشية "أمالى المرتضى" (1: 94 الحلبى): والاشتيام. رئيس المركب، كلمة نبطية. وقال الدكتور زكى المحاسنى إن الكلمة في أصلها رومية. وارتفع بصر البحترى إلى ما فوق مستوى هؤلاء الرجال، وعبر أفقهم إلى ما بعد هذا الأفق حيث كان يطمح في الوصول إلى بلاط الخلافة منذ أن ولى الواثق أمورها في سنة 227 هـ الذي أشار إليه إشارة تمجيد في قصيدته التي عزى بها أبا سعيد في موت المعتصم. ونجده في بغداد حيث مقر الخلافة العباسية متجها ببصره أولًا إلى الرجل الأول في شئون الحكم في هذه الحقبة: محمد بن عبد الملك الزيات، وكان شاعرًا أديبا استوزره المعتصم سنة 225 هـ ثم بقى وزيرًا للواثق، واستبقاه المتوكل فترة حين تولى الخلافة بعد أخيه الواثق سنة 232 ثم

قتله سنة، 233 فمدح البحترى ابن الزيات بالقصيدة رقم 259 (صفحة 632 - 638) دار المعارف. وأشار في البيت العشرين منها إلى الواثق. وفي بغداد نجد البحترى قد عقد صلة وثيقة بينه وبين أبي نوح عيسى بن إبراهيم بن نوح كاتب الفتح بن خاقان، وكان يخطب ود أبي نوح هذا ليصل من ذلك إلى الفتح بن خاقان صفى الخليفة المتوكل والذي يشغل المنصب الذي يعرف الآن بوزير شئون القصر. فمدح أبا نوح بخمس قصائد منها القصيدة التي دعا فيها له وللفتح بالشفاء، وكانا قد مرضا معًا. ومن ثم اتصل بالوزير الفتح بن خاقان، وبدأت مدائحه فيه تبلغ حد الروعة حتى بلغت تسعًا وعشرين قصيدة منها قصائد في العتاب هي أرق ما صاغ شاعر في هذا الباب. وألف له كتاب "الحماسة" فزاد في أبوابه وفي مختاراته عما ضمه كتاب "الحماسة" الذي ألفه أبو تمام. ووعده الفتح بن خاقان بأن يقدمه إلى الخليفة المتوكل، وهو الحلم الذي داعب خياله زمنًا طويلا ويظهر أن ثمة ظروفا شغلت الفتح عن الوفاء بهذا الوعد، فأثر هذا في نفس البحترى وأثار قلقه - وكان قد وطد صلته في محيط الفتح بأبى الحسن علي بن يحيى المنجم الذي كان يقوم بأمر مكتبة الفتح الضخمة، وكان نديما للمتوكل ومن خواصه وجلسائه - فبعث إلى ابن المنجم بقصيدته رقم 460) الديوان 1132) التي يذكر فيها توحش بغداد لنزيلها، ويطلب من هذا الرجل أن يذكر الفتح بن خاقان بوعده ويقول له إنه قد مضى خميس خامس على وعبد ابن المنجم في تذكير الفتح حيث قدم عليه رجالا يراهم أدنى منه مرتبة أدبية. ويبدو أنه كان يأمل منذ زمن في أن ينهض بهذا الأمر ابن قبيلته أبو سعيد الثغرى الطائى أو أحد بنى حميد الطائيين فلم يفعل، ثم عاوده الأمل حين اتصل بابن خاقان فتباطأ وشغل، فقال لابن المنجم في قصيدته: لم يرع لي حق القرابة طيئ ... فيها، ولاحق الصداقة فارس ويفى الفتح بن خاقان بوعده، ويقدم الشاعر إلى الخليفة، ويصبح شاعره

الأول، ينتقل معه إلى دمشق حين انتقل إليها فترة ثم يعود معه، ويسجل أحداث عصره، وما أنشأ هذا الخليفة من قصور وغير ذلك، ويشاركه ووزيره الفتح مجالسهما حتى آخر يوم من حياتهما ويحضر اغتيالهما معًا ليلة الخميس الرابع من شوال سنة 247 هـ. وتستولى الفجيعة على الشاعر الذي شهد الحادث وشهد معه نجم سعده يأفل، فقد كان عهد المتوكل هو عهد الخير على هذا الشاعر، أنعم عليه الخليفة بالجزيل من الأعطيات، وأنعم عليه بمثلها وزيره الفتح، وحسده الشعراء على ما هو فيه من نعماء العيش ورفاهته حتى لقد ذكر الحصرى في كتابه "زهر الآداب" أن أبا العباس ثعلب كان يقول في هذه القصيدة: "ما قيلت هاشمية أحسن منها، وقد صرح فيها تصريح من أذهلته المصائب عن تخوف العواقب". وقد رجحنا في تحقيقنا لهذه القصيدة (ديوان البحترى 1045) أن الشاعر نظمها بعد مصرع المتوكل مباشرة أي في صبيحة الحادث، فإن إلى جانب التأثر السريع للحادث الذي شهده نجد أبياتا تنبيء عن أمله في أن يلي الخلافة المعتز دون المنتصر، أي يوم 4 شوال سنة 247 هـ، وقد أجمع المؤرخون على أن المنتصر كان شريكًا في التآمر على قتل أبيه لأن الوزير عبيد الله بن خاقان والفتح بن خاقان كانا يوغران قلب المتوكل على ابنه المنتصر ويرغبانه في عزله من ولاية العهد ليكون الأمر للمعتز، وكان المتوكل قد استمع لمشورتهما بأن يقوم المعتز في يوم جمعة بالصلاة بالناس، وفي الجمعة التالية حسنا له أن يصلى هو بالناس، فاستمال المنتصر إليه قواد الأتراك ودبروا معه مؤامرة تولاها بغا الشرابى، فأمر باغر التركى الذي كان يتولى حراسة الخليفة فدخل عليه ورجاله، وقد أخذ منه الشراب فضربوه بالسيف وكان معه الفتح فالقى بنفسه عليه فقتلوه. وقد كشف الشاعر عن الرأس المدبر لهذا الحادث، ولم يخش العاقبة من

تصريحه أو تلميحه فقال معرضًا بالمنتصر ولى العهد: وهل أرتجى أن يطلب الدم واتر ... يد الدهر، والموتور بالدم واتره! ؟ أكان ولى العهد أضمر غدرة؟ ... فمن عجب أن ولى العهد غادره! وصرح قبل ذلك بأمله في أن يكون المعتز خليفة أبيه المتوكل فغاب من كانوا يعملون على ذلك فقال: ولا نصر "المعتز" من كان يرتجى ... له، وعزيز القوم من عز ناصره وقد قلنا في شرح هذا البيت إن الذي نرجحه أنه لم يقصد بقوله "المعتز" صفة كما يرى بعض الشراح، وإنما قصد المعتز بن المتوكل، أي أن حزب المعتز لم يجد من يناصره امام المتآمرين لمصلحة أخيه المنتصر، فقد قضت المؤامرة على الفتح، وانتهز المتآمرون فرصة غياب الأمير طاهر ابن عبد الله بن طاهر في خراسان وكان يميل إلى المعتز. وتنبه البحترى بعد أن افاق من الهول إلى ما قال وخشى مغبة تصريحه وتعريضه فخرج حاجا إلى مكة، ولم يخرج إلى بلده "منبج" كما ذكر الأستاذ مركوليوث معتمدا فيما يبدو على ما ذكره ابن خلكان، فهو في القصيدة التي مدح بها المنتصر بعد ذلك حين تشفع له عنده - وهي القصيدة الوحيدة التي قالها فيه لأن المنتصر مات بعد ستة أشهر من مصرع أبيه - يذكر حَجَّه (القصيدة رقم 340، صفحة 848). حججنا البنية شكرا لما ... حبانا به الله في المنتصر والبنية: الكعبة. وقد أشار المعرى في لزومياته (1: 424) إلى حج البحترى في هذه الفترة فرارًا من بطش الخليفة الجديد لا أداء لفرض يدعو إليه، فقال أبو العلاء ساخرًا من رجل قام بالحج لوجه غير وجه الله: حج من غير تقى صاحبنا ... كأخى بحتر عام المنتصر ولكنه وجد في دعوة المنتصر إلى سلوك سياسة جديدة مع آل أبي طالب ما دفعه إلى أن يسجله حسنة للخليفة

الجديد، فقد روى الطبري وابن الأثير في تاريخيهما أنه قال لعلي بن الحسين بن إسماعيل بن العباس بن محمد عندما ولاه المدينة بعد عزل صالح بن وصيف عنها: يا على، إني أوجهك إلى لحمى ودمى: ومد جلد ساعده، وقال إلى هذا وجهتك فانظر كيف تكون للقوم، وكيف تعاملهم، يعني آل أبي طالب. وذكر الصولى ذلك في "أخبار البحترى" (100) ثم قال: إن المنتصر أحب أن يشهر فعله ذلك ويمدح به. فكان أول من فطن له البحترى ... فوصله وأجزل، ولم يكن يصل الشعراء إلَّا قليلا. هنا ظهرت فرحة البحترى فأشار إلى ذلك في قصيدته، وكم هجا علي بن الجهم لأنه كان يسب علي بن أبي طالب، وكان المتوكل يحب ذلك. وقلنا في تعليقنا على المقطوعة رقم 60 اليانية (الديوان 176) - وقد اختلف في أنه هجا بها مروان بن أبي حفصة، وذكرت بعض النسخ أنه هجا بها على بن الجهم. وتاريخ للك المقطوعة يرجع إلى ما بعد مقتل المتوكل أي إلى سنة حيث استطاع الشاعر في عهد المنتصر إلى إظهار تشيعه، وكان يكتم ذلك في عهد المتوكل. وله قصيدة أخرى رائية هجا بها علي بن الجهم لهذا السبب (المقطوعة 410 صفحة 1038). ومات المنتصر عام 248 هـ: وخلفه المستعين ابن المعتصم أخو المتوكل فمدحه البحترى ولكنه لم يلبث أن هجاه. وقامت بين المستعين والمعتز ابن أخيه حروب انتهت بخلع المستعين عام 252، لينهض بالأمر المعتز الذي كان الشاعر معه بقلبه منذ حياة أبيه، وكان المستعين قد حبسه هو وأخاه المؤيد مدة حكمه. وظل المعتز في الخلافة من أوائل عام 252 حتى أواخر رجب عام 255، والشاعر في بلاطه كما كان في بلاط أبيه، تحس في مدائحه له بصدق العاطفة وصفاء الشعور. ويخلع المعتز ليبايع لابن عمه المهتدى محمد بن الواثق بالخلافة في أوائل شعبان سنة 255، وما يكاد يبايع له حتى يحدث شغب، وتقوم خلال خلافته التي لم تزد على أحد عشر

شهرا وبعض أيام، أحداث يشير إليها الشاعر في القصيدة 143 (الديوان 369) التي مدح بها هذا الخليفة، فأما الشغب الذي حدث في أعقاب خلع المعتز فهو وثوب العامة بسليمان بن عبد الله ابن طاهر في بغداد، فكانت فتنة قتل فيها وغرق في دجلة وجرح آخرون ثم استقام الأمر بعد ذلك، وأما الأحداث التي أشار إليها الشاعر فهي قتل عبيدة العمروسى الشارى: قتله مساور بن عبد الحميد الشارى حين التقى معه به في جمادى الأولى سنة 256 بالكحيل وكانا مختلفى الآراء، وقيام موسى بن بغا أمير الري بمحاربة مساور الشارى، ويشير مرة أخرى في القصيدة 268 (الديوان 674) التي مدحه بها إلى أحداث أخرى وقعت في العريش وفلسطين وقيام "مفلح" وهو قائد من قواد "الموالى" بمطاردة العصاة. وثمة قصيدة ثالثة قالها فيه هي رقم 341 (صفحة 852)، وهو يشير في قصائده له إلى تقواه. وتعود الخلافة بعد المهتدى إلى ابن من أبناء المتوكل هو المعتمد أحمد بن جعفر، ويظل في الخلافة من سنة 256 إلى وفاته في سنة 279 هـ أي ثلاثًا وعشرين سنة كان فيها كالمحجور عليه من أخيه الموفق الذي ولاه المعتمد أمور الناس ليفرغ هو إلى لذاته، فقوى أمر الموفق، كما قوى أمر ابن الموفق الذي تولى الخلافة بعد عمه المعتمد وتسمى باسم "المعتضد". وقد سجل البحترى أحداث هذا العهد من حروب قام بها الموفق مع الزنج، وامتدت رقعة صلاته برجال الحكم في عهد المعتمد من وزراء وكتاب. وضاقت به الحياة في بغداد على الرغم مما هو فيه من جاه يغبطه عليه آخرون, ويوغرون عليه الصدور، وأصبح حنينه إلى وطنه يشتد ويقوى عما كان عليه في عهد المعتز حين خاطبه بالقصيدة 576 (الديوان 1479 - 1484) وسأله أن يسمح له بزيارة لا تستغرق أكثر من شهرين يطلع فيها على شؤون ضيعته بالشام التي أصبحت في حكم الضياع كاسمها من إهماله لها فيرم خلتها، فحقق له

المعتز هذا الرجاء وقدم له من الهدايا ما حمل على "عشر من البرد" كما قال في قصيدته رقم 595 (صفحة 1534 - 1538)، ثم زار موطنه الشام مرة أخرى خلال عام 256 هـ وهناك قال قصيدته 593 (الديوان 1529) التي هجا بها أحمد بن طولون إرضاء لأحمد بن المدبر أخي إبراهيم بن المدبر ممدوحيه - ولكنه في عهد المعتمد، وبخاصة خلال تولى أبي الصقر إسماعيل بن بلبل وزير المعتمد، نراه يشتد به الضيق، ويستولى عليه السام من حياته في بغداد، ونحس من خلال إلحاحه على هذا الوزير بأن يسمح له بالرحيل إلى وطنه أنه كان كالمقيد في حريته، المحددة إقامته، فيقول له في البيت الأخير من القصيدة 362 (صفحة 986): وأعتقت الرقاب، فمر بعتقى ... إلى بلدى، وأنت به جدير! ويخاطبه أيضًا في البيت الأخير من القصيدة 361 (صفحة 912) بقوله: وسواى الغداة تحدى مطايا ... هـ إلى منبج، وترحل عيره كل هذا يتردد في أعماق نفس الشاعر في زمن استطعنا تحديده بعام 269 هـ وكان أحمد بن طولون في ذلك الوقت في الشام حيث دخلت في حوزته سنة 264 بلاد الشام والثغور واتسع ملكه حتى انتهى إلى الفرات، واقتصرت مملكة بنى العباس على العراق والجزيرة الفراتية حتى أنه أغرى الخليفة المعتمد بأن يهرب من سيطرة أخيه الموفق ويذهب إليه، وهم بالفعل، ولكنه أعيد إلى بغداد. في ذلك الحين كتب البحترى قصيدة إلى أحمد ابن طولون تفيض بالحسرة والندم على هجرته عن وطنه (القصيدة 39 البائية صفحة) وفيها يقول: فأصبحت في بغداد، لا الظل واسع ... ولا العيش غض في غضارته رطب أأمدح عمال الطساسيج راغبا ... إليهم، ولى بالشام مستمتع رغب وظلت سنتا 269, 270 سنتى الحنين وتحين الفرصة للانطلاق من هذا العذاب النفسى، ثم نراه متجهًا نحو إيوان كسرى - وهو على مسافة 30

كيلو مترا من بغداد جنوبا، ويعرف الآن باسم "طاق كسرى" وتسمى الناحية التي بها "ناحية سلمان باك" باسم الصحابى سلمان الفارسى. وكان الإيوان لم يزل قائما حتى أيام المكتفى في حدود سنة 290 هـ. ويقف البحترى أمام هذا الإيوان وقفة الشاعر صاحب الحس المرهف فيراه ثابتا على الزمن، جلدا على الأحداث، فتنعكس صورة حياته على الإيوان، وتنعكس صورة الإيوان على نفسه. وتتألف الصورتان، وينظر إلى ما في نفسه من تزعزع، فيتماسك كما يتماسك أمامه هذا القصر على رغم ما مر به من أحداث وأزمان، ويرى في أعماق نفسه أنه يجب ألا يقل في تماسكه عن هذا الجماد. وتنطلق انفعالاته النفسية من مكمنها، فهو يصور أحزانه وآلامه وضيقه بالغربة في سبيل العيش. ثم يطابق بينه وبين هذا القصر الذي خلا من كل ما كان يجرى فيه من مباهج الحياة متجردا من بسط الديباج ومن ستور الدمقس، فيجد صورة حياته هو وقد رحل عن جاه عريض ومجد طال أمده في رحاب خلفاء العصر ووزرائه في بغداد. صورتان متماثلتان: جماد يتماسك على الزمن، وإنسان كاد أن يتهاوى، ولكنه يتماسك حين زعزعه الدهر التماسا لتعسه ونكسه. هذه الصورة هي بذاتها الصورة التي عكسها علينا الشاعر في صباه في قصيدته عن "الذئب" (القصيدة رقم 289) التي طابق فيها بينه وبين الذئب الذي طرقه جائعًا وهو يضرب في مجاهل الصحراء. كلاهما يضرب على غير هدى، وكاوهما جائع، عوامل الشر وعوامل الخوف تنتاب كلا منهما. وغريزة حب البقاء تستولى على كل منهما بالصورة التي تتفق مع لون دفاعه. والقصيدتان صورتان من أروع ما حفظ لنا تراثنا الخالد وقصيدة الإيوان قد رأى بعض المحققين أن البحترى نظمها عقب مقتل المتوكل مباشرة. والحقيقة غير ذلك، فقد أثبتنا أنها نظمت بعد هذا الحادث بثلاث وعشرين سنة. أي حوالي سنة 270 هـ، فإن البحترى لم يتجه إلى إيوان كسرى عقب مقلر المتوكل بل اتجه إلى الحجاز فحج كما ذكرنا ذلك من قبل.

وقد بنينا تقديرنا لهذا التاريخ على ذكر "الإيوان" في شعر البحترى فوجدنا أنه وارد في قصائده التي حددنا لها تاريخا هو سنة 271 هـ أي بعد مروره بالإيوان مباشرة، فهو يقول في مدح ابن ثوابة في البيت 19 من القصيدة رقم 50 (الديوان 145 طبعتنا): قد مدحنا إيوان كسرى وجئنا ... نستثيب النعمى من ابن ثوابهْ ويقول في القصيدة 863 (صفحة 2294 - 22999: زورة قُيِّضت لإيوان كسرى ... لم يُردها كسرى ولا إيوانه ونراه قد اتصل برجال الحكم الطولونى فمدح من مدح، وهجا من هجا. ويبدو أن المقام لم يطب له في وطنه الشام، فنجده يبعث إلى أبي العباس بن المبرد بقصيدته الجيمية (القصيدة 167 صفحة 415) يمدح فيها أبا الصقر إسماعيل بن بلبل، ويسخر من أن الأيام ألجأته إلى أن يخاطب والى منبج بلقب "الأمير": وقد حددنا سنة 275 تاريخا لهذه القصيدة، ونجد له قصائد أخرى في أبي الصقر حددنا لها سنة 277 تاريخا لنظمها. ونرى الصولى يروى لنا في أخبار البحترى أنه كان يجتمع بالمبرد سنة 276 عند عبد الله بن الحسين القطربلى بداره بالخلد، وهي محلة على شاطئ دجلة. على أننا نجد خبرا يرويه المرزبانى في "الموشح" (342) يقول: "حدثني أحمد بن محمدين زياد قال: سألت أبا الغوث عن السبب في خروج أبيه عن بغداد، فقال لي: كان أبي قد قال في قصيدته التي رثى فيها أبا عيسى العلاء بن صاعد أبياتا وجد بها بعض أعدائه عليه مقالا، فشنع عليه أنه ثنوى، ودارت في الناس، وكانت العامة حينئذ غالبة ببغداد. فخافهم على نفسه. فقال لي: قم بنا يابنى حتى نطفئ عنا هذه الثائرة بخرجة نلم فيها ببلدنا، ونعود! قال: فخرجنا، وأقام فلم يعد". وهذه الأبيات تضمها قصيدة من حرف القاف لم يسبق نشرها في طبعات الديوان السابقة وهي القصيدة 605 (الديوان

1552 - 1554). ومعروف أن وفاة العلاءبن صاعد كانت سنة 272 في الحبس، وقد حددنا للقصيدة سنة 273 هـ. ونحن في حيرة من هذا الخبر حين نرى أن الرجل رحل إلى بلده ولم يرجع في الوقت الذي نجد خبر المرزبانى أنه يجتمع مع المبرد سنة 276 في دار القطربلى على شاطئ دجلة. فهل كان الرثاء متأخرا كثيرا عن سنة 273 هـ التي حددناها تاريخا له؟ كما حدث عندما رثى أبا تمام الطائى المتوفى سنة 231 بأبيات رثى فيها دعبل بن علي الخزاعى المتوفى سنة 246 (المقطوعة 685 صفحة وهي مقطوعة لم يسبق نشرها في الطبعات السابقة، وردت في بعض مخطوطات الديوان كما رواها الصولى في "أخبار أبي تمام" (274) وذكرتها مراجع أخرى كالموازنة ووفيات الأعيان والنجوم الزاهرة ومرآة الجنان وهبة الأيام وغير ذلك مما أثبتناه في تحقيقنا. ولكننا نجده قبل موته بسنوات أربع - أي في سنة 280 - يمدح رجال خمارويه بن أحمد بن طولون، ونجد قصائده في هذه الفترة قد بدات تتضاءل، وبدأ بريقها يخبو، وصفاؤها يتلاشى، وبدأ الوهن يسرى من جسده إلى نفسه، والشيب الغامر يتسرب من شعره إلى شعره، والمرارة في نفسه تملأ كيانه وتزعزع وجدانه. فهو في قصيدته 137 (الديوان 355) التي قالها في جعفر بن عبد الغفار كاتب أحمد بن طولون يقول في لوعة وحسرة وإحساس بغربة الروح: أنا بالشام، موطنى، غير أنى ... بعد عهد العراق فيها غريب ويبدأ شعره يقل. فلم نجد له في سنة 280 إلَّا هذه القصيدة والقصيدة 466 (الديوان 1144) وهي قصيدة سينية هجا فيها قوما من أهل بلده. وفي سنة 271 نجد قصيدة واحدة هي القصيدة اللامية رقم 722 (الديوان 1878 - 1880) التي مدح بها طغج بن جف مولى خمارويه. وهي قصيدة لم يسبق نشرها في الطبعات السابقة. وفي سنة 282 نجد مقطوعة من أربعة أبيات هجا بها رجلا من رجال

خمارويه يقال له ابن أبي زنبور هي المقطوعة رقم 199 (صفحة 478) صفحة قصيدة رقم 423 (صفحة 1077) التي مدح بها إسحاق بن نصير العبادى وكان كاتبا لخمارويه أيضًا. ثم تسكن القيثارة التي عرفت ستين عاما، وهزت مشاعر العروبة لتنطلق أصداؤها في رحاب الزمان، ويسكن بعدها بعامين هذا الجسد الذي طوف بالبلاد يحمل هذه القيثارة العذبة. أما ولده فليس اسمه "ثابت" كما ذكر الأستاذ مركوليوث، ولكنه "يحيى" سماه باسم جده. ويكنى أبا الغوث. ترجم له المرزبانى في معجم الشعراء، والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد. وقد ذكر ابن خلكان في وفيات الأعيان أن للبحترى حفيدين من ولده يحيى هما عبيد الله، وأخوه أبو عبادة اللذان مدحهما المتنبي في قصائده، وكانا رئيسين في زمانهما. وقد ضم ديوان المتنبي القصيدتين: واحدة من قافية الدال. والأخرى من قافية الكاف. أما ما ذكره أبو الفرج مما رواه جحظة عن أن البحترى ألقى قصيدة في حضرة المتوكل فضجر منه لأنه كان من أبغض الناس إنشادا يتشادق ويتزاور في مشيه مرة جانبا ومرة القهقرى ويهز رأسه مرة ومنكبيه أخرى ويشير بكمه ويقف عند كل بيت ويقول: أحسنت والله، ثم يقبل على المستمعين فيقول: مالكم لا تقولون أحسنت؟ هذا والله مالا يحسن أحد أن يقول مثله - هذه الصورة المشوهة لهذا الرجل لا نشك في أنها صادرة عن نفس تحمل للرجل حقدًا، ولو صحت لما حظى عند سبعة خلفاء ونائب خليفة وطائفة كبيرة من وزراء وكتاب وقواد هذه الحظوة التي نالها حتى كان من ندماء المتوكل - الذي قيل إنه ضجر منه - ولا تعدو حادثة تحريض المتوكل للصيمرى على هجوه في مجلسه عن أن يكون هذرا من ملك مخمور في جلسة عابثة مع حاشية منافقة تريد التقريب إلى قلب الملك في ساعة خماره لتشفى غلا كامنا في نفوسها نحو الشاعر المقرب إلى هذا الملك، وهي حاسدة له. وحسبنا أن نذكر أن عبيد الله بن عبد الله بن طاهر قد هاجم البحترى لأنه أحس في قصيدة وجهها البحترى

إلى أبي العباس أحمد بن محمد ابن بسطام الذي كان يجتمع عنده الشاعران - تعريضا به فاندفع يهاجم البحترى ورد عليه البحترى بقصيدة. وقد كشفنا عن الأيدى الخفية وراء هذه المعركة في الكلمة التي ختمنا بها شعر البحترى في الجزء الرابع من ديوانه (2465 - 2493) فانكشف أن أصابع ابن الرومى كانت تؤجج نار هذه المعركة. هذا هو الشاعر الذي قال ابن الأثير في كتابه "المثل السائر" وهو يتحدث عنه: "وسئل أبوالطيب المتنبي عنه. وعن أبي تمام، وعن نفسه، فقال: أنا وأبو تمام حكيمان، والشاعر البحترى، ولعمرى إنه أنصف في حكمه. وأعرب بقوله هذا عن متانة علمه: فإن أبا عبادة أتى في شعره بالمعنى المقدود من الصخرة الصماء، في اللفظ المصوغ من سلاسة الماء. فأدرك بذلك بعد المرام، مع قرابة إلى الأفهام، وما أقول إلَّا أنه أتى في معانيه بأخلاط الغالية، ورقى في ديباجة لفظه إلى الدرجة العالية". وقال الثعالبى في كتابه "برد الأكباد" إن أبا القاسم الإسكافى قال: "استظهارى على البلاغة بثلاثة: القرآن، وكلام الجاحظ، وشعر البحترى". ودكر في كتابه "ثمار القلوب" أنه يضرب به المثل فيقال: "طبع البحترى" لأن الإجماع واقع على أنه في الشعر أطبع المحدثين والمولدين، وأن كلامه يجمع الجزالة والحلاوة والفصاحة والسلاسة. ويقال: إن شعره كتابة معقودة بالقوافى. على أن ديوانه لم يظفر - على قوة شاعريته - بما ظفر به ديوان أبي تمام عند الأقدمين من كثرة الجمع والشرح والتعليق، ولكن ياقوتا الحموى قد قال في ترجمته لأبي جعفر محمد بن إسحاق الزوزنى البحاثى المتوفى سنة 463 هـ بغزنة (من مدن أفغانستان الآن): "ولم أر من تصانيف البحاثى هذا شيئًا إلَّا شرح ديوان البحترى، ولعمرى إن هذا شيء ابتكره، فإني ما رأيت هذا الديوان مشروحا. ولا تعرض له أحد من أهل العلم، ولاسمعت أحدا قال: إني رأيت ديوان أبي عبادة البحترى مشروحا. وتأملته فرأيته قد ملئ علما، وحشى فهما، وذاك أن

شروح الدواوين المعروفة كأبى تمام والمتنبي وغيرهما تساعدت القرائح عليها وترافدت الهمم إليها، وما أدرى له فيما اعتمده من شرح هذا الكتاب عمدة إلَّا أن يكون كتاب عبث الوليد للمعرى، وكتاب الموازنة للآمدى لا غير". وذكر ياقوت أيضًا في ترجمة الآمدى من بين مؤلفاته بعد ذكر كتاب "الموازنة" أن له كتابًا عنوانه "معاني شعر البحترى"، وكذلك ذكر هذا ابن النديم في الفهرست والسيوطى في بغية الوعاة. وقال ياقوت سورة ثالثة في ترجمة أبي حكيم عبد الله بن إبراهيم الخبرى - نسبة إلى "الخبر" من قرى شيراز بفارس - والمتو في سنة 476 هـ إنه شرح الحماسة وديوان البحترى وعدة دواوين أخرى. وذكر ذلك السيوطي وابن مكتوم أيضًا. وقال سورة رابعة في ترجمة علي بن زيد البيهقي المتوفى سنة 565 هـ أن له "كتاب شرح شعر البحترى وأبي تمام" مجلد. ولكننا لم نظفر بشيء من شروح الآمدى والبحاثى والخبرى وابن زيد البيهقي. أما كتاب "عبث الوليد" الذي وضعه أبو العلاء المعرى، فليس شرحا وافيا لكل قصائد الديوان، ولكنه اختار بعض القصائد، واختار أبياتا من هذا البعض فعلق عليها، وقد أثبت في تعليقاته ما أصلحه من الغلط الذي وجد في النسخة التي قرئت عليه وكان مكتوبا في آخرها أنها بخط ظفر بن عبد الله العجلي. وقال: "ولم يمكن إثبات جميع الأغلاط لأن أكثرها غير مخل". وكان لكتاب "عبث الوليد" الفضل في توجيهنا نحو البحث عن شعر البحترى الذي لم ينشر في طبعات ديوانه السابقة. وذكر ابن النديم في كتاب "الفهرست" أن للخالدين أبي بكر وأبي عثمان "كتاب اختيار شعر البحترى" ولا نعرف مصير هذا الكتاب وقد نشر الأستاذ عبد العزيز الميمنى الراجكوتى في (مجموعة الطرائف الأدبية) سنة 1973 لعبد القاهر الجرجانى اختياره من دواوين أبي الطيب المتنبي

والبحترى وأبي تمام. وهذا الاختيار يقوم على اختيار بعض أبيات من بعض قصائد هؤلاء الشعراء. وذكر فيما اختاره من شعر البحترى أبياتا من قصائده المفقودة التي لم يسبق نشرها في طبعات ديوانه السابقة. كذلك وقع لنا اختيار آخر في كتاب مخطوط اسمه "السفينة" لابن مباركشاه المصري المتوفى سنة 862, وقد وردت في هذا الاختيار أبيات من القصائد المفقودة أيضًا. وقد انتفعنا بهذين الاختيارين في التحقيق. أما الطبعات الثلاث التي سبقت طبعتنا فهي: الأولى: طبعت بمطبعة الجوائب بالآستانة سنة 1300 هـ (1882 م) في جزءين، الأول عدد صفحاته 259، والثاني عدد صفحاته 260 وبلغ عدد قصائدها 560 قصيدة ومقطوعة تضم 11989 بيتًا. وقد طبعت على المخطوطة المحفوظة بمكتبة كويريلى بالآستالنة برقم 1252 وهي بخط علي بن عبيد الله الشيرازى. كتبها بمدينة تبريز سنة 424 هـ ولكن هذه الطبعة غير مضبوطة بالشكل ولم تظفر بعناية في التصحيح فجاءت مليئة بالأخطاء والتصحيف والتحريف, على الرغم من أن المخطوطة التي نقلت عنها مضبوطة تمام الضبط، دقيقة خالية إلَّا في النادر من التصحيف، ولم ترتب على حروف المعجم، ولكنها رتبت بأسماء الأشخاص الذين وجهت إليهم القصائد، ثم اختلفت بعد ذلك عن مسارها الأول. الثانية: طبعت في بيروت في المطبعة الأدبية سنة 1911 وهي مضبوطة بالشكل الكامل، وعلق حواشيها الشيخ رشيد عطية، وهي في جزءين عدد صفحاتهما 799 منقولة عن طبعة الجوائب، إلَّا أن ناشرها تصرف فيها بحذف بعض المقطوعات والأبيات التي رأى أنها منافية للآداب - وقد أخذت عليه ذللُ في حينه مجلة "المقتبس" - وبلغ عدد قصائدها 540 قصيدة ومقطوعة تضم 11585 بيتا. وهي كطبعة الجوائب في ترتيب القصائد. وشرح ناشرها بعض ألفاظها، ولكنه كان يبعد في الشرح عن المعنى الذي رمى إليه الشاعر، أو تغمض عليه أسماء

بعض الرجال مثل "سيما الطويل الذي كان حاكما أنطاكية فضبطه "سيما الطويل" كمضاف ومضاف إليه، وقال إن "سيما: شارة ومخيلة وعلامة". كما فسر "الخابور" - وهو نهر الخابور - بأنه شجر. وغير ذلك. الثالثة: طبعت في القاهرة بمطبعة هندية بالموسكى سنة 1329 هـ (1911 م) وجاء في صفحتها الأولى أنها منقولة عن نسخة مشكولة قديمة كتبت في سنة 424 هـ بخط علي بن عبد الله الشيرازى (أي هي المخطوطة التي نشرت على أساسها طبعة الجوائب). ولكنها تختلف عن تلك الطبعة من حيث ترتيب القصائد. فقد جاء كذلك في صنفحتها الأولى أنها "مرتبة على حروف الهجاء"، وأنها "قوبلت على نسخة خطية بالكتبخانة الخديوية"، ولم يذكر رقم هذه المخطوطة التي قوبلت عليها، وذكر على هذه الصفحة أن الذي وقف على طبعها وضبطها وتصحيحها الشيخ عبد الرحمن البرقوقى. ومن المقدمة التي ألحقت بهذه الطبعة تبين لنا أنها روجعت على مخطوطة محفوظة بدار الكتب برقم (27 م) وهي مخطوطة سقيمة مشحونة بالتحريف والتصحيف. ومع ذلك أخلَّت هدْه الطبعة ببعض المقطوعات التي وردت في المخطوطتين. وهذه الطبعة محرفة كذلك وليست مضبوطة بالشكل ولا مذيلة بأقل تفسير. وقد نقصت منها بعض قصائد موجودة في الطبعتين السابقتين ولكنها زادت عليها بعض قصائد أخرى. وبلغ عدد قصائد هذه الطبعة 610 قصيدة ومقطوعة تضم 12303 أبيات. طبعتنا: أما طبعتنا فقد رجعنا في تحقيقها إلى خمس عشرة نسخة مخطوطة صورناها من باريس، والآستانة، وهال (ليبزج)، وميونخ بألمانيا، والمدينة المنورة، والقاهرة، وهذه المخطوطات يختلف بعضها عن بعض في النقص أو الزيادة في عدد القصائد وعدد الأبيات، بل في ترتيب الأبيات كذلك، وأحيانا في مناسبة القصيدة. وقد اخترنا من هذه المخطوطات واحدة جعلناها أُمًا، وأخذنا بترتيبها.

وهذه النسخة التي اخترناها هي المخطوطة المحفوظة بالمكتبة الأهلية في باريس برقم 3068. وهي أقدم مخطوطة وقعت لنا من الطبعة التي رتبت فيها القصائد على حروف المعجم إذ يرجع تاريخها إلى سنة 610 هـ كتبها بمدينة الموصل علي بن محمد بن أبي القاسم في جزءين، ضاع من آخر الجزء الأول بعض الأوراق التي تضم قصيدة على قافية السين لم يسبق نشرها فأوردت منها 44 بيتا أكملنا بقيتها من مخطوطتين أخريين حتى بلغت 84 بيتا إلى جانب أربع قصائد ومقطوعات من هذه القافية ضاعت من هذه المخطوطة في الأوراق المفقودة، ثم يبدأ الجزء الثاني منها بقافية الصاد. وهذه المخطوطة تشترك مع بعض المخطوطات الأخرى التي رجعنا إليها في إثبات الكثير من شعر البحترى الذي لم يرد في مخطوطة كوبريلى وفي طبعات الديوان السابقة. وهو الشعر الذي أشار أبو العلاء المعرى إلى مطالع كثير من قصائده في كتابه "عبث الوليد" ولكن هذه المخطوطة نقص منها عدد من القصائد التي أثبتناها في طبعتنا عن مخطوطات أخرى تليها في التاريخ، كما أن بعض قصائدها كانت تنقص أبياتا أو كلمات من بعض الأبيات فأكملناها من غيرها. وقد بلغ عدد قصائد هذه المخطوطة الأم 835 قصيدة ومقطوعة، أضفنا إليها من المخطوطات الأخرى 98 قصيدة ومقطوعة. وانفردت هي عن المخطوطات الأخرى بسبع وعشرين، اشتركت أخت لها في أربع عشرة منها. وقسمنا المخطوطات الخمس عشرة التي رجعنا إليها إلى أربع مجموعات: 1 - مجموعة رتبت فيها القصائد على الأشخاص، وعلى رأس هذه المجموعة مخطوطة كوبريلى، تتبعها سبع أخوات. 2 - مجموعة مرتبة على حروف المعجم، على رأسها مخطوطة باريس التي اتخذناها الأم، وتسير في ركابها مخطوطة صورناها من ميونخ ولكنها غير كاملة، ثم مخطوطتان من دار الكتب بالقاهرة تختلفان أحيانا عنها في ترتيب قصائد كل قافية، وتتفقان أحيانا.

3 - مجموعة رتبت قصائدها على أبواب، كل باب في غرض بعينه كالمديح أو الفخر أو الرثاء، إلى آخر هذه الأبواب، وهما مخطوطتان إحداهما محفوظة بمكتبة الأستاذ الدكتور محمد صبرى تاريخها سنة 1030 تفضل فأعارنيها. ويبلغ عدد قصائدها 457، منها 39 لم ترد في المخطوطات السابقة، والأخرى محفوظة بدار الكتب تاريخها 1296 هـ. 4 - مجموعة جمعت بين ترتيب نسختى الأبواب في ترتيبها في أولها. واختلفت عنها بعد ذلك في بعض قصائد متفرقة لا ترتبط بقافية أو غرض، ثم اتبعت في قسمها الأخير نظام الترتيب على القوافى. وهذه المجموعة تمثلها نسخة وحيدة حديثة محفوظة بمكتبة المستشرقين الألمان بمدينة هال (ليبزج) بألمانيا برقم 101، وعدد أوراقها 222. وكان المستشرق الكبير الأستاذ الدكتور كارل بروكلمان قد كتب إلى في سنة 1951 رسالة يذكر لي فيها أنه وجد نسخة في جمعية المستشرقين الألمان وهي من تركة الأستاذ سوسن SOCIN، وأنها حديثة ولا تاريخ لها ولا إشارة إلى أصلها. وقال في رسالته إنه قابلها على طبعتى الديوان - طبعة الجوائب وطبعة مصر - فوجد فيها كثيرا من الأشعار غير الموجودة في الطبعتين، وأنها مرتبه ترتيبا غير ترتيب أصل الطبعتين، وشاء فضله إلَّا أن يفهرسها لي ذاكرا مطالع القصائد والقطوعات التي لم ترد في المطبوع وعدد أبيات كل منها. وبعد سنوات تفضل على المستشرق الألمانى الأستاذ الدكتور يوهان فوك. Johann W Fuck فبحث عن هذه المخطوطة ثم أرسل إلي فيلما مصورا لها. وهذه المخطوطة تضم 341 قصيدة ومقطوعة، انفردت بست عشرة قصيدة لم ترد في المخطوطات الأخرى. وعلى هذه المجموعات الأربع سرنا في تحقيقنا للطبعة التي نشرتها "دار المعارف" في أربعة مجلدات، والخامس يعد للطبع متضمنا بعض مانسب للشاعر مما لم يرد في المخطوطات، ثم الفهارس. ولقد بلغ عدد القصائد التي تضمها الطبعة التي حققناها 933 قصيدة

ومقطوعة تضم 1595 بيتا، أي بزيادة 372 قصيدة ومقطوعة عن طبعة الجوائب و 393 عن طبعة بيروت، و 323 عن طبعة مصر. أما من حيث عدد الأبيات فإن الزيادة في طبعتنا بلغت كالآتى: 3961 عن طبعة الآستانة (الجوائب). و 4365 عن طبعة بيروت، و 3647 عن طبعة مصر. هذا غير الملحق الذي ضم طائفة كبيرة من الأبيات نسبت للبحترى في عدد من كتب الأدب، ولكننا لم نجدها في مخطوطات الديوان، فأثبتناها وفاء لواجب الأمانة العلمية، وإن كنا نشك في نسبة الكثير منها إلى البحترى. وكان منهجنا في تحقيق الديوان منحصرا فيما يلي: 1 - مراجعة نصوص المخطوطات جميعها في كل بيت من أبيات القصيدة، ومقابلتها بعضها ببعض، ثم إثبات ما تتفق عليه أغلبية النسخ إذا كان نص المخطوطة الأم بعيدا عن طبع البحترى. 2 - إثبات ما فات النسخة الأم من أبيات في مواضعها. 3 - الإشارة أيضًا إلى الاختلاف في روايات النسخ. 4 - تركنا بعض الأبيات التي انفردت بها بعض المخطوطات وتعذر علينا تقويمها أو تبين وجهها الصحيح على حالها، معقبين في الحواشى على ما نرى وجه الصواب فيه حتى لا نتحكم في وجه قد يكون بعيدا عن تقديرنا. 5 - أضفنا في نهاية كل قافية ما ورد من قصائد أو مقطوعات في المخطوطات الأخرى مما لم يرد في النسخة الأم، وراعينا في إثبات ذلك أقدمية كل مخطوطة. ثم أتبعنا اختلاف الروايات في الحواشى بشرح الكلمات أو توضيح المعنى إذا وجدنا ما يدعو إلى ذلك، ثم شرح الحادث التاريخي الذي يشير إليه البيت، والتعريف بالأعلام والأمم والقبائل والعقائد والمذاهب والملل والنحل وما يتصل بها من مراسم وأزياء، والأعياد والأيام المشهورة والوقائع والحروب وما يتصل بها من سلاح وأدوات والمواضع من بلدان وأنهار وجبال وآثار وما يشبه ذلك، ثم

ما يتصل بالإنسان في حياته الاجتماعية من وظائفه ومجالس علمه وأنسه ولهوه وشرابه وزينته ولباسه، ومايصيبه من آفات وعلل, ثم كل ما يتصل بالظواهر الطبيعية في الأرض والسماء والحيوان والطير والزهر والمعادن والأحجار وما يتعلق بهذا كله. وأشرنا إلى ما ضمنه البحترى شعره من آيات قرآنية وأحاديث نبوية وأبيات شعر وحكم وأمثال. ثم أتبعنا ذلك جميعه بسرد تاريخي لنصوص أبيات البحترى في كتب الأدب المختلفة حسب أقدمية كل كتاب ليكون من ذلك موكب تاريخي للبيت وروايته على مر العصور. وقدمنا حواشى القصائد بذكر موضع كل قصيدة من الطبعات الثلاث السابقات وبيان ما في كل منها من نقص مشيرين إلى المخطوطات التي روتها، ومعقبين ذلك بالترجمة للشخصية التي وجهت إليها القصيدة. وحاولنا في تحقيقنا أن نحدد لكل قصيدة تاريخها، مستقرين ذلك من واقع الحوادث التي يشير إليها الشاعر، وقد يتفق أن يذكر حوادث قديمة اشترك فيها الممدوح في حين أن القصيدة لا ترجع إلى تاريخ تلك الحوادث، فنحاول التعمق في حياة الممدوح وصلة الشاعر به لنصل إلى التاريخ الحقيقي للقصيدة. وفي أحيان أخرى كنا نجعل ألفاظ الشاعر التي يستعملها ويتردد ورودها على لسانه وتراود خاطره في حقبة من الزمن أساسا يرتكز عليه تحقيق هذا التايخ، وبلغ عدد ما لم نستطع تحديد تاريخ قاطع له حوالي 50 قصيدة من 933. أما كتاب "الحماسة" الذي اختاره من أشعار العرب للفتح بن خاقان معارضة لكتاب "الحماسة" الذي ألفه أبو تمام حبيب بن أوس، رواية أبي العباس أحمد بن محمد المعروف بابن أبي خالد الأحول عن أبيه عن البحترى، كما ورد في المخطوطة الوحيدة لهذا الكتاب المحفوظة بمكتبة كلية ليدن، فقد ذكره ياقوت في معجم الأدباء، وابن النديم في الفهرست وابن خلكان في وفيات الأعيان. إلَّا أن البغدادي عبد القادر بن عمر قد شك في أن للبحترى حماسة فقال

في "خزانة الأدب" (3: 591 بولاق) وهو يذكر الشاهد السادس والخمسين بعد الستمائة - وهو بيت اختلف في نسبته - فقال: "قال العينى: البيت للنابغة الذبيانى، وقيل للنابغة الجعدى. والأصح أن قائله قيس بن الخطيم ذكره البحترى في حماسته". فعقب البغدادي على ذلك بقوله: "ولم نسمع أن للبحترى حماسة". على أننا قد وجدنا البيت الذي قال العينى إنه في حماسة البحترى منسوب إلى قيس بن الخطيم، منسوبا فيها - في الباب السابع والعشرين بعد المائة - إلى عبد الله بن معاوية، وهو بهذه النسبة أيضًا في "مجموعة المعاني" التي لم يعرف مؤلفها، وهي مجموعة انتفعت بمختارات حماسة البحترى في كثير من أبوابها، ووجدناها تسير حتى في ترتيب المختارات على نسق الحماسة. ولقد نشرت حماسة البحترى لأول مرة مطبعة بريل في ليدن بالتصوير على المخطوطة الوحيدة المحفوظة بمكتبة الجامعة في ليدن (هولاندة). وقد وضع لها الأستاذان جاير ومركوليوث فهرسين: واحدا للشعراء والآخر للقوافى. وفي سنة 1910 نقلها طباعة بالمطبعة الكاثوليكية ببيروت عن الطبعة المصورة الأب لويس شيخو اليسوعى. ولكن هذه الطبعة الجديدة لم تميز بين ما هو مكتوب على جوانب الصفحات بخطوط مغايرة للأصل من عمل من تملكوها فأضافت ذلك إلى متن الحماسة، كما سقطت منها بعض المقطوعات الواردة في المتن، وسقطت أبيات من بعض المقطوعات علاوة على ما شابها من تحريف. ولم يتبين ناشرها أن في المخطوطة اضطرابا في ترقيم الأوراق فنشرها على علاتها حتى أن بعض المختارات جاءت في غير أبوابها، فأضيفت مثلًا أبيات للقتال الكلابى مضمونة اللام إلى أبيات للعباس بن مرداس. ثم ظهرت لها طبعة أخرى سنة 1929 نشرت في مصر عام 1929, نقلها عن الأصل المصور وعلق عليها بعض حواش الأستاذ كمال مصطفى.

ولكنه لم يتبين كذلك الاضطراب في أوراقها فوقعت طبعته في العيب الذي شاب طبعة شيخو - ولم يتنبه إليه أحد من قبل - واستدرك ناشر الطبعة المصرية بعض ما سقط من مقطوعات وأبيات في الطبعة البيروتية، ولكنه لم يستطع استيفاء ذلك كله، ولم ينف عنها الدخيل مما على جوانب الأصل المخطوط. وقد قومنا هذا الاضطراب، وأعدنا ترتيب الصفحات، ورددنا المختارات إلى أبوابها الأصيلة، ونفينا عن الحماسة كل غريب أدخل عليها، وحققنا نسبة الأبيات إلى أصحابها وخرجناها وأوضحنا غريبها عندما تصدينا لتحقيقها. وتتميز "حماسة البحترى" عن "حماسة أبي تمام" بالذوق الشاعرى الذي يتميز به البحترى عن غيره من رقة الشعور، ورهافة الحس، وصفاء الماء، وجلاء الرونق، حتى أنه إذا ما رجعنا إلى البيت أو الأبيات التي يختارها من قصيدة وجدنا أنها أجمل وأعذب وأروع ما في للك القصيدة. وهي إلى جانب هذا التميز، تمتاز بكثرة الأبواب وتنوع الأغراض، وبالعدد الضخم من الشعراء والشواعر أصحاب هذه المختارات، وعدد المقطوعات التي تضمنتها. إن حماسة أبي تمام لا تنطوى إلَّا على أحد عشر بابا تضم حوالي 880 حماسية لقرابة 430 شاعرا، في حين إن حماسة أبي تمام تنطوى على 174 بابا تضم 1460 حماسية لأكثر من ستمائة شاعر. على أننا نجد الشاعرين أحيانا قد اختارا أبياتا بعينها. أما ما ألفه الأقدمون عن البحترى فقد أحصينا ما ظهر منها ونشر، وما ذكرته بعض المصادر ولم يعرف مصيره: 1 - كتاب "الموازنة بين شعر أبي تمام والبحترى لأبي القاسم الحسن بن بشر الآمدى المتوفى سنة 370 هـ، وقد نشرت له طبعات مختلفة في الآستانة وبيروت والقاهرة حتى قام الأستاذ السيد أحمد صقر فحقق جزءين نشرتهما دار المعارف سنة 1961 وسنة 1965، وبقى قسم لم ينشر.

2 - وللآمدى كتاب آخر هو "معاني شعر البحترى" الذي أشرنا إليه من قبل، وهو مفقود. 3 - كتاب "أخبار البحترى" لأبي بكر محمد بن يحيى الصولى المتوفى سنة 325 هـ. وقد حققه الدكتور صالح الأشتر ونشر في مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق سنة 1958. 4 - وورد قسم تناول فيه الصولى شعر البحترى في كتابه "أخبار أبي تمام"، الذي حققه الأساتذة خليل عاسكر ومحمد عبده عزام ونظير الإسلام الهندى. ونشرته لجنة التأليف والترجمة والنشر بالقاهرة عام 1937. 5 - كتاب "طيف الخيال" الذي ألفه الشريف المرتضى علي بن الحسين الموسوى العلوى المتوفى سنة 436 هـ. وقمنا بتجقيقه. ونشرته الإدارة العامة للثقافة بوزارة الثقافة بالقاهرة سنة 1962 بالاشتراك مع دار إحياء الكتب العربية. وقد تناول في قسم كبير منه ما ذكره البحترى في شعره عن الطيف. 6 - كتاب "عبث الوليد" الذي ألفه أبو العلاء المعرى المتوفى سنة 449, وقام بتصحيحه واتعليق عليه محمد عبد الله المدني، ونشر في دمشق سنة 1936. وقد قمنا بتحقيقه على ضوء تحقيقنا للديوان وللمخطوطات التي ذكرت كثيرا من الشعر المفقود للبحترى الذي أشار إليه أبو العلاء في تعليقاته. 7 - كتاب "المختار من شعر المتنبي والبحترى وأبي تمام" الذي وضعه عبد القاهر الجرجانى وحققه الأستاذ عبد العزيز الميمنى ونشره في مجموعة "الطرائف الأدبية" بالقاهرة سنة 1937. 8 - كتاب "السفينة" لابن مباركشاه المصري المتوفى سنة 862 حيث اختار فيه طائفة من شعر البحترى، منها عدد من مقطوعاته المفقودة، وهو مخطوط. 9 - كتاب "اختيار شعر البحترى" للخالديين أبي بكر محمد بن هاشم وأبي عثمان سعيد بن هاشم ذكره ابن النديم. وهو مفقود. 10 - كتاب "شرح شعر البحترى" لأبي جعفر محمد بن إسحاق الزوزنى البحاتى المتوفى سنة 463. ذكره ياقوت. وهو مفقود.

بحر القلزم

11 - كتاب "شرح شعر البحترى وأبي تمام" الذي ألفه علي بن زيد البيهقي المتوفى سنة 565 هـ ذكره ياقوت، ولم يعثر عليه. 12 - كتاب "سرقات البحترى من أبي تمام " لأحمد بن أبي طاهر. ذكره ابن النديم وياقوت، وهو مفقود. 13 - كتاب "سرقات البحترى من أبي تمام" لأبي الضياء بشر بن يحيى بن علي القينى النصيبى. ذكره ابن النديم وياقوت، وهو مفقود أيضًا. هذا هو البحترى، الشاعر الذي عرف بأنه أبرع من وصف الطيف، وأبدع من وصف الخيل، والذي فضله معاصروه على أبي تمام كما يقول ياقوت في ترجمته له. حسن كامل الصيرفى بحر القلزم البحر الأحمر. لم يستعمل العرب الأسماء القديمة التي تطلق على البحر الأحمر في حين أنهم عرفوا الاسم العبرى لبحر البوص (يام سوف) وأطلقوه خطأ على البحر الأحمر كله، وهم يطلقون عليه غالبا اسم بحر القلزم نسبة لمدينة القلزم التي كانت معروفة قديما لاسم كليسما Clysma في أقصى الشمال من هذا البحر بالقرب من مدينة السويس. أما اسم بحر الحجاز فهو شائع الاستعمال ومذكور في "المحيط" التركى وفي المصورات الجغرافية الحديثة، على حين أن اسم بحر السويس لا يطلق إلَّا على خليج السويس. أما خليج العقبة فيسمى خليج أيلة وهو يعرف الآن باسم بحر العقبة, وقد طغت الرمال على مدينتى أيلة وقلزم شأنهما في ذلك شأن جميع الثغور في الأراضي الجبلية المرتفعة. وتذهب الرواية الإسلامية إلى أن البحر المحيط الذي يحيط بالعالم يتفرع منه بحركبير في الشرق وبحر آخر كبير في الغرب. وهذان البحران

يقتربان بعضهما من بعض أشد الاقتراب عند القلزم والفرما (برزخ السويس)، والقسم المتوغل جهة الغرب من البحر الشرقي المعروف أيضًا باسم البحر الصينى أو البحر الهندى هو بحر القلزم وحد هذا البحر جهة الشمال معلوم، أما جهة الجنوب فيحده بوغاز باب المندب، ويعد البعض أيضًا خليج عدن والخليج البربرى (نسبة إلى بربرا) نهاية لبحر القلزم وقد وصف معظم الجغرافيين البلاد التي على شاطئ هذا البحر ابتداء من باب المندب وكان بوغاز باب المندب الضيق باعثا لقيام أسطورة من الأساطير تذهب إلى أن البحر الأحمر كان في سالف الأزمان أرضا خصبة فجاء ملك وقدً الجبل القائم عند باب المندب بقصد إغراق بلاد العدو بوساطة قناة صغيرة تتصل بالمحيط الهندى، غير أن مياه المحيط بأجمعها اندفعت إلى داخل هذه الأراضي فكونت بذلك بحرًا مكان البلاد المزدهرة. وقد ذكرت المعلومات الآتية فيما يختص باتساع هذا البحر: يقطع المسافر طول هذا البحر في ثلاثين مرحلة كما يبلغ عرضه في أوسع نواحيه مسيرة ثلاثة أيام، أي أن طوله 1500 ميل وعرضه 400 ميل (يذكر البعض أن عرضه 90 ميلا) والصحيح هو أن طول هذا البحر من السويس حتى باب المندب 2240 كليو مترا كما يبلغ عرضه في أوسع نواحيه 350 كيلومترا. ولبحر القلزم شهرة سيئة عند العرب بسبب الزوابع والصخور التي به (الحواجز المرجانية) وخاصة في الجزء الشمالي منه، ولهذا السبب تتجنب السفن التجارية السير فيه. وكانوا يخشون) يضا الملاحة عند الطرف الجنوبي لشبه جزيرة سيفاء بسيب اصطفاق الرياح التي تهب من ناحية شعبتيه الشماليتين وخاصة بالقرب من جزائر تيران التي كثيرا ما تعرف في

المصادر العربية باسم تاران، وهي عند مدخل خليج العقبة وعند جبال التي هي عين جبيلات أو جبيلان على مدخل خليج السويس, وهم يذكرون أن فرعون مصر وجيشه هلكوا في تلك المنطقة من بحر القلزم، وتلك هي القصة التي ورد ذكرها كثيرا في القرآن الكريم. ويذكر القلقشندى (ضوء الصبح, ص 225) والعمرى (التعريف، ص 123) أن بحر البوص يسمى بركة الغرندل وهي عين سرندلة أو أرندرة المذكورة في كتب الحجاج المسيحيين. وبسبب العواصف في هذا البحر فإن السفن كانت ولا تزال تسير بالقرب من الشاطئ في النهار فإذا ما أرخى الليل سدوله ألقت مراسيها منزوية بين الحواجز المرجانية. ومع ذلك فقد كانت التجارة مزدهرة منذ عهد قديم في البحر الأحمر. وفي بداية العهد الإسلامي كانت هناك قناة تربط النيل بالقلزم، وكانت السفن المحملة بالغلال تجرى ما بين الفسطاط و"الجار" ثغر المدينة. وكانت السفن التي تنقل التجارة ما بين أوروبا والهند والتي كانت في أيدى اليهود. نقطع برزخ السويس ثم تتابع السير في البحر الأحمر دون أن تقف بالسواحل المصرية حتى تصل إلى الحجاز وجدة، ومن هناك تتابع السير إلى الهند والصين. وفي عهد ازدهار الخلافة العباسية كانت تجارة التوابل العظيمة تأخذ عادة طريق بغداد، ولكنها تحولت كذلك نحو وادي النيل نتيجة للمكانة الهامة التي أخذت تحتلها مصر. وكانت عدن أهم مرسى لهذه السفن، ومن هناك تبحر نحو موانى الحجاز ونحو القصير وميناء قوص المصري، ثم كانت تذهب بعد دلك طيلة عدة قرون إلى ميناء عيذاب. ولم تصبح لمدينة الطور التي في الشمال عند سفح جبل سيناء أهمية كبرى إلَّا منذ نهاية القرن الثامن الهجرى (الوابع عشر المياودى)، وأدت حركة الحجاج إلى قيام الصلات القوية بين القصير وعيذاب والطور وجدد من

جهة أخرى كما أدت إلى قيام الصلات بين جدة والموانئ الجنوبية. ويظهر أن حركة الملاحة في النصف الجنوبي من البحر الأحمر كانت في جميع الأوقات أنشط منها في الجزء الشمالي منه وذلك، بسبب الحضارة القديمة للأقاليم التي على شواطئه وكذلك بسبب اعتدال الرياح في لك النصف الجنوبي، وربطت الصلات القديمة بصفة خاصة ما بين اليمن والحبشة. وكان باب المندب والمناطق بالقرب منه بمثابة معبر مشهور أمام الشعوب المختلفة. وقد درس كلونزنكر klunzinger في كتابه Oberaegypten شعوب البحر الأحمر وحركة هذا البحر وسير السفن فيه ونشاط ثغوره وفي لغة الأهالى الذين يسكنون شواطئ هذا البحر عدد من الألفاظ المستعملة بين أهل الشاطئ الشرقي لإفريقية والتي تشبه اللغة المستعملة بين أهل المحيط الهندى وقد حاولوا بمختلف أنواع السحر لتجنب الأهوال التي تكتنف السفر في ذلك البحر، تلك الأهوال التي كثيرا ما وصفها الرحالة العرب. ونجد بعضها مذكورا في - Archiv Fuer Religions wissenschaj (جـ 11, عام 1908, ص 157 وما بعدها). والأماكن التي على بحر القلزم والتي سنذكرها فيما بعد تصطبغ بالصبغة الأسطورية. وهم يقولون إن جبل المغناطيس جنوبي القلزم يجذب الحديد، ولذلك فإن السفن التي تبنى في تلك الجهة لا يدخل الحديد في بنائها، وإن جزيرة الجساسة أو الجاسة عبارة عن حيوان يتلقط الأخبار بقصد إبلاغها إلى الدجال. ويتحدثون أيضًا عن الأسماك التي يبلغ طول الواحدة منها أكثر من مائتى ذراع والأسماك التي تشبه رءوسها رأس البومة وغير ذلك من الحيوانات البحرية العجيبة. وأساس هذه الروايات كلها

إما أن يكون ملاحظات غير دقيقة وإما أن يكون من نسج الأساطير الشرقية مثل قصة الإسكندر. المصادر: (1) ياقوت: معجم البلدان، جـ 1، ص 503، جـ 4، ص 158. (2) المكتبة الجغرافية العربية، جـ 3، ص 2، جـ 6، ص 153. (3) الإدريسي، طبعة دوزى وده غويه، ص 164, 195. (4) القلقشندى، ترجمة فستنفلد، ص 169. (5) القلقشندى: ضوء الصبح، ص 224. (6) المقريزى: الخطط، جـ 1، ص 16 - 17. (7) ابن الوردى: جزيرة العجائب، القاهرة؛ عام 1316, ص 96 - 97. (8) Die to-: Bittner et Tomaschek pographischen Capitel des indischen Seesdiegels Mohit، فينا عام 1897 م. (9) Bilder aus: C. B. Klunzinger Qberaegypten, per Wuste and derv roten Meer . (10) Das Rothe Meer: Von Neimans -and kustenlaender un Jahre 1857 in Han .delspolitischer Besiehung (11) .Zeitschr. d. Deutsch. Morgenl . Ces جـ 12 عام 1858 م, ص 391 وما بعدها. (12) Levantehandel: heyd. (13) Der arabische Meer-: W.Weber busen، عام 1888. (14) Expedition "pola": S.M. Schiff in das Rothe Meer Denksch. d. Wiener . Akadenzie. Mathein. nat Ki جـ 65، 69). [بيكر C.H. Becker]

البحرين

البحرين مفهوم في علم تكوين الكون وخلقه ورد خمس مرات في القرآن الكريم (إحداها في حالة الرفع، سورة فاطر، الآية 12). وقد وُصف البحران بأن أحدهما عذب فرات والثاني ملح أجاج (سورة، الفرقان الآية 53)، " .. ومن كل تأكلون لحمًا طريًّا وتستخرجون حلية تلبسونها وترى الفلك فيه مواخر .. " سورة فاطر، الآية 12، ويقول الطبري (التفسير، جـ 25 ص 55) إن العذب الفرات يدل على مياه الأنهار والمطر، والملح الأجاج يدل على مياه البحر. وقد جعل الله بين البحرين برزخًا (سورة الفرقان، الآية 53، سورة الرحمن، الآية 20)، وحاجزًا (سورة النمل، الآية 16)؛ وقد أورد علماء المسلمين عدة تفاسير لهذا المفهوم، منها الرأى الذي يقول إنه يوجد بحر في السماء وبحر في الأرض يفصل بينهما حاجز (الطبري: التفسير، جـ 27، ص 61)، على أن معظم التفاسير أدخل في الجغرافيا، والغالب بينها هو أن البحرين هما البحر المتوسط والمحيط الهندى بما في ذلك البحر الأحمر، ومع هذا ذكر القرآن سبعة بحار في سورة لقمان (الآية 27). وقد ورد ذكر مجمع البحرين مرة واحدة فحسب في القرآن (سورة الكهف، الآية 60)، ويذهب بعض المفسرين إلى أن مجمع البحرين هو ملتقى البحر الفارسى ببحر الروم (انظر البيضاوى، والطبرى، والنسفى، والزمخشرى وغيرهم)، أما سواهم فيجعلون مجمع البحرين عند باب المندب عند اتصال بحر الأردن بالبحر الأحمر أو عند مضايق جبل طارق (مثال ذلك القرطبي) وقد قال فنسنك Wensinck في مادة "الخضر" بهذه الدائرة: "وثمة تفاسير بعيدة تذهب إلى أن مجمع البحرين معناه اجتماع موسى بالخضر وهما بحرا الحكمة". وبعد الاستيلاء على القسطنطينية اتخذ محمد الثاني لقب سلطان البرين والبحرين، وكان هذا اللقب مع الألقاب التي اتخذها سلاطين آل عثمان الذين خلفوه. صبحى [موليكَان W.E.Mulligan].

+ البَحْرَين (*): مجموعة من الجزائر بالقرب من الشاطئ الغربي للخليج الفارسى على خط عرض 26 شمالا، وأكبرها جزيرة البحرين، ويطلق عليها اسم أُوال أو سَمَك، ويبلغ طول هذه الجزيرة حوالي ثلاثين ميلا وعرضها اثنى عشر ميلا وأعظم مدنها وثغورها المنَامة: أما الجزر التي تصغرها فهي: المُحرَق وأرَد وسترة [الستار] والنبي صالح، وصاية وخصيفة وتشتهر هذه الجزر باستخراج اللؤلؤ وهي صناعة أهلها منذ أقدم العصور: ويعطينا الجغرافي العربي الإدريسي وصفًا دقيقًا لطرائق استخراجه. ويظهر أن اسم البحرين مشتق من شبه الجزيرة التي تمتد من الحسا وتقسم البحر شطرين. وقد سكنها الناس منذ بداية التاريخ لوجود مصائد اللؤلؤ فيها، ويقال إن سرغون الأكبر غزاها واسم تِلْوُون الذي يطلق على إحدى الجزرَ يرجع إلى العصر الأشورى، وهو يقابل اسم تيلوس الذي ذكره ثيوفراستوس وبليناس، وذكر أولهما اسم أردو ورسمه أردوس - ar adus . وكانت البحرين تابعة للخلافة الإسلامية في القرون الوسطى. وكان للبرتغال محلة فيها من عام 1507 إلى 1622 م ثم أرغموا على تركها عند ما ضاعت منهم هرمز. وحكمها الفرس من عام 1735 إلى 1784, ثم تمتعت بشيء من الاستقلال، وكان يحكمها أمراء من أهلها ولكنها دخلت في حماية بريطانيا منذ 1801 م والمقيم البريطانى ¬

_ (*) يبلغ عدد السكان: 588.000 الكثافه: 2.186 في الميل المربع، المناطق الحضرية: 81 % الحكومة: رأس الدولة: الأمير عيسى بن سلمان آل خليفة، الذي ولد في 3 يوليو سنة 1933. وشغل منصبه في 2 نوفمبر سنة 1961. رئيس الوزراء خليفة بن سلمان آل خليفة الذي ولد في سنة 1935 وشغل منصبه في 19 يناير سنة 1970. العملة: الدينار البحريني. د. عبد الرحمن الشيخ

الذي تعينه حكومة الهند هو الحاكم الفعلى لهذه الجزر، أما شيخها فحكمه أسمى. وعلاوة على مصائد اللؤلؤ تحصل الجزائر على إيراد لا بأس به من أحراج النخيل الجميلة التي تغطى الأراضي الحسنة الري أما سكان هذه الجزر فيتكلمون العربية ويفهمون الفارسية وهم من جنس مختلط ونظرًا لموقع هذه الجزر المنعزل فإن أهلها قد احتفظوا بعاداتهم القديمة، مثال ذلك أنهم لا يزالون يصيدون بالصقور على النمط الذي كان مألوفًا في العصور الوسطى. ويوجد في أكبر هذه الجزر عدد كبير من القبور الحجرية المتقنة البناء، وهي الآن خالية ومقسمة إلى مجموعات كبيرة وصغيرة وأكبرها في قرية أبي على التي تبعد حوالي ستة أميال عن ثغر الجزيرة، ولم يلتفت علماء الآثار إلى هذه القبور إلَّا مؤخرًا. وقد فتح معظمها المقيم الإنكليزى المستر بريدكس، وظهر من الأبحاث التي أجريت عنها إلى الآن أنها مبنية على طراز واحد فمدخلها يواجه الغرب والبناء من طبقتين من صخور مكعبة عنى بنحتها والطبقة السفلى أكثر ارتفاعًا من العليا. وتوجد على جانبي دهليز يؤدى إلى الشرق حنيات كانت معدة لتوابيت حجرية يرص الواحد منها فوق الآخر، وإلى جانب هذه الحنيات فجوات صغيرة من الواضح أن قضبانًا خشبية كان من الممكن وضعها فيها كى تعلق عليها القرابين والنذور. ولم يعثر للأسف في تلك البقعة على شيء يستدل منه على الأصل التاريخي لهذه القبور ووجدت هناك عظام بشرية وحيوانية منها جمجمتان قطرهما من الإمام إلى الخلف أطول من قطرهما الجانبي بشكل واضح، وعدد كبير من عظام اليربوع ويظهر أنها تسللت كما هي عادتها إلى المقابر كى تموت فيها. كما عثر أيضًا على جزء صغير من تمثال ثور عاجى، وأسورة من الذهب، وكمية كبيرة من الأوانى الفخارية بعضها صحيح وبعضها مهشم، وهي مزينة بخطوط سوداء على طريقة خاصة بها. وهذا كله لا يمكن أن يتخذ أساسًا لحكم نطمئن إليه من الوجهة

الأثرية. ولم يكشف بعد عن شيء من الكتابات. والنمط الذي بنيت عليه هذه المقابر يتفق إلى حد عجيب مع ما خلفه الفينيقيون، وقد لاحظ هذا إسترابون strabo الذي قال إن مقابر البحرين مشابهة لمقابر الفينيقيين، (جـ 16، ص 3). ويقول هيرودوت في بداية تاريخه إن الفينيقيين جاءوا من الخليج الفارسى. ومما يساعد على هذا الظن أن أسماء الجزر أرد Aradus وتيلوس Tylus وتيرس Tyrus تشير إلى هذا الاتجاه، وأسماها السائح الإنكليزى تيودور بنت الذي كان أول من لفت النظر إليها باسم المقابر الفينيقية معتمدًا على الحقائق السابقة دون سواها. وعارض بعض الباحثين هذا الفرض وقالوا إن المقابر يعود تاريخها إلى زمن متأخر عن ذلك الزمن، وإن البحرين كانت بمثابة المدفن لسكان الشاطئ المقابل بين لنكَا وبوشهر. وهذا لا يقف أمام الشواهد الصريحة التي أوردها إسترابون وهيرودوت ومن المحتمل أن تكون الأجيال المتأخرة قد استعملت هذه القبور وليس من السهل إنكار أن الحضارة التي أبدعتها أثناءها كانت وثيقة الصلة بالحضارة الفينيقية. ولكنا لن نصل إلى الرأى القاطع في هذه المسألة إلَّا بالبحث المنهجى لعدد أكبر من القبور التي فتحت بعد. المصادر: (1) Die alte geographie: Sprenger .Arabienz ص 117 وما بعدها. (2) Bahrein and Fem-: Wiistenfeld -ama Nach arabischen geographen Bes Callection of Notices by Arab)chrieben Writers), كوتنكن سنة 1874. (3) Palgrave: مجلة الجمعية الجغرافية الملكية، جـ 29 (4) Theodore Bent في أبحاث الجمعية الجغرافية الملكية، المجموعة الجديدة، جـ 12. [أويسترب j.Oestrup] البحرين: دولة في الخليج الفارسى تحت الحماية البريطانية (¬1) وتتكون من ¬

_ (¬1) كان ذلك وقت كتابة المادة.

أرخبيل يحمل الاسم نفسه يقع ما بين شبه جزيرة قطر وأرض العربية السعودية عينها، ومن جملة جزر أخرى كبراها جزيرة حُوَار، تجاه ساحل قطر الغربي مباشرة، ويتنازع كل من حاكم البحرين وحاكم قطر في رقعة صغيرة تحيط بالزُبارَة في الشمال الغربي لقطر. وما تورده المصادر العربية من مختلف التفسيرات عن اسم البحرين، وليس في أي منها ما يقنع دليل على أن أصل هذا الاسم لم يزل غير معروف، وكان الاسم قبل الإسلام وفي أيامه الأولى ينصب على البر الشرقي لجزيرة العرب بما فيه واحة القَطيف، وَهجَر المعروفة الآن بالأحساء، انظر هاتين المادتين ثم قُصر بعد ذلك على الأرخبيل البعيد عن الشاطئ. انظر القسم الخاص بالتاريخ فيما يلي: ويبلغ طول كبرى هذه الجزر (أوال أو أوال في المصادر العربية المتقدمة، وتسمى الآن البحرين) حوالي ثلاثين ميلا وأعرض جزء فيها 12 ميلا وتقع "المنامة"، وهي العاصمة، على الساحل الشمالي الشرقي منها، ويربطها بمدينة وجزيرة "المُحَّرق" في الشمال الشرقي، معبر طوله 1.5 ميلا. ومن الجزر الأخرى "ستْرة" التي يمتد منها رصيف داخل الماء لَشحن الزيت، والنبي صالح، وأم الصُبَّان، وجدا، التي كانت ذات يوم محجرًا وهي الآن إصلاحية، وأم نَعْسَان، وتسمى أيضًا النَعسان. وجو البحرين حار رطب، ومع هذا فمعدل سقوط الأمطار في السنة لا يتجاوز سبعة سنتيمترات تقريبًا، وثمة كثير من العيون الجارية، تقوم عليها زراعة واسعة نسبيًا تسير في قوس على طول نصف الساحل الشمالي للجزيرة الرثيسية من الزلَّاق إلى جو، وكذلك في كثير من الجزر الأخرى. كما يفور ماء عذب سائغ من بين مياه الخليج الملحة، من عيون يسمونها الكواكب، غير بعيدة عن الشاطئ والبلح والبرسيم (الحجازى) والخضراوات من حاصلاتها الرئيسية، وتربى بعض الأبقار لحلب ألبانها. وجزيرة البحرين من حيث علم

طبقات الأرض قبة مستطيلة من صخور رسوبية تميل فيها الطبقات الجيولوجية إلى جهات متعاكسة، وفي وسطها حوض مساحته 12 × 4 أميال، يقوم منه تل الدخان إلى ارتفاع 450 قدمًا تقريبًا. وتقوم "شركة "بترول البحرين" Bapco هنا باستنباط الزيت. وتملكها المصالح الأمريكية. ومعدل إنتاج الزيت اليومى منذ سنة 1367 هـ (1948 م) 30 ألف برميل يوميًّا، على أن معامل تكرير الشركة تقوم بتكرير مائتى ألف برميل في اليوم، معظمها زيت خام ينقل إليها في أنابيب تحت الماء من العربية السعودية ومكاتب الشركة ومساكن موظفيها الأجانب في العوالى. وأصبح الزيت الصناعة الرئيسية في البحرين، بعد أن حل محل صيد اللؤلؤ فيها. وكان عدد ما يخرج من البحرين من المراكب لصيد اللؤلؤ كل عام نحوًا من 500 مركب، وذلك قبل التدهور المفاجئ الذي لحق بأسعاره سنة 1348 هـ (1929 م) من جراء الهبوط الاقتصادى في العالم كله، وزيادة المزروع منه في اليابان ولا يعمل اليوم بصيده في البحرين إلَّا عدد من المراكب يعد على الأصابع. ولكن صيد السمك ما زال يقوم بأود الكثيرين وأغلب الصيد بالشباك والحضور (وذلك باستعمال سياجات من القصب والأسلاك تنصب على السواحل، فإذا طغى الماء وقت مد البحر دخل السمك، فإذا انحسر الماء عند جَزْر البحر انحجز السمك وأخذ). وأصبح بناء المراكب وترميمها، وصناعة الأشرعة والشباك من الصناعات الصغرى وكذلك صنع الفخار والطلاء بالجير والملاط. وافتتحت ميناء حرة سنة 1377 هـ (1985 م) لتزيد من تجارة الاستيداع التي تدر رسومًا جمركية قدرها 5 % من قيمتها، عن كل شيء يودع، ما عدا سلع الترف وأنشئ لهذا الغرض مرفأ طبيعى ممتاز عام 1375 هـ (1955 م) عندما شق ممر مائى في المياه العميقة لخور القُلَيعَة إلى عرض البحر. ومطار المُحَرَّق مركز "شركة طيران الخليج" ويستخدم في الطيران الدولى المنظم بمواعيد،

التاريخ

وتساهم الحكومة فيه. وتصل خطوطه إلى جهات عدة على الخليج. وكان سكان البحرين سنة 1369 هـ (1950 م) 109.650 نفسًا منهم 61 % في المنَامَة (39648) والمحرق والحد. وبها جاليات من الإيرانيين والهنود والباكستانيين، فضلا عن 2000 من الأوروبيين والأمريكيين. والمسلمون 98 % من عدد السكان، نصفهم تقريبًا من الشيعة (معظمهم من الأثنى عشرية الجعفرية) وقليل من الشيخية، وباقي السكان، ومن بينهم العائلة الحاكمة، من السنيين (أكثرهم على مذهب مالك، وبعضهم حنابلة) ويتركز السنيون في كبريات المدن، أما الشيعة ففي القرى الزراعية ويسمى الشيعة هنا، كما في القطيف والأحساء في العربية السعودية "بَحَارِنَة" (مفردها بَحْرانى)، أما السنيون المتوطنون فقد جروا على اتخاذ النسبة بحريتْى منعًا للبس. ويبدو أن الشيعة من سلالة سكان متقدمين في هذه المنطقة، والظاهر أنه لا يوجد ما يبرر افتراض أنهم من أصل فارسى، وجملة صالحة من السنيين في البحرين عرب أو أبناء عرب استوطنوا الساحل الفارسى في يوم من الأيام يسمى هؤلاء هُولَة. التاريخ: لم يزل الباحثون منذ قرن من الزمان تقريبًا يوالون التنقيب في آكام المقابر المتناثرة فوق النصف الشمالي من الجزيرة في أعداد تبلغ 100.000 أكمة، عن الأسرار الكامنة وراء تاريخ البحرين الأول. ففي سنة 1296 هـ (1879 م) فتح الكابتن إ. ديوران. capt E.Durand أكمة قبر من أكبر القبور، وعدة من القبور الأصغر. وقام بعده السيد بنت T.Bent وزوجته وف. بريدو F.Perideaux وب كورنوول P.Cornwall بالكشف عن قبور أخرى وكشف إ. مكاى E.Mackay عن سلسلة من أنماط مختلفة من هذه القبور وعمل عنها تقارير ولا يزال أعضاء البعثة الدنماركية للعاديات، التي بدأت أعمالها سنة 1373 هـ (1953 م)، برئاسة ب. كلوب P.Glob وت. ببى T.Bibby تدرس عددًا من الآكام يرجح أن تكون إحداها هيكلا مركبًا.

ويرى المنقبون الأولون أن هذه القبور من أصل فينيقى، غير أن هذا الرأى لم يعد بعامة مقبولا وتشتمل المواد التي عثر عليها في هذه الآكام والمواد التي وجدتها البعثة الدنماركية في مواضع أخرى كالتي في جوار القلعة البرتغالية الخربة المسماة "قلعة عَجَاج" وعند بارز على أدوات من البرونز والحديد وأختام من الحجر وأوان من المرمر وكسر من العاج وتوابيت للموتى من فخار مبطنة بالنفط وهناك ما يماثل ما عثر عليه في هذه القبور في تجد الوسطى وعلى طول ساحل الجزيرة العربية، حيث عثر على قبر كبير قرب "جاوان"، شمالي القطيف، كشف عنه ف. فيدال F.Vidal سنة 1371 هـ (1952 م) وحدد تاريخه بالسنة المائة قبل الميلاد. ويدل انتشار هذا الحشد الكبير من الآكام في مثل هذه الرقعة على أن إقامة هذه الآكام قد استمر عهودًا طويلة ولا شك أن كثيرا منها أقدم عهدًا من آكام "جاوان". ويقتفى علماء مختلفون أثر هـ رولنسون) a H. Rawlinson في Jour. of the Royal Asiatic Society سنة 1880) فيما يزعمه من أن البحرين هي عين دِلْمنُ Dilmun التي يرد ذكرها في السجلات المسمارية لبلاد الجزيرة وهو زعم لا يقوم على سند حاسم. ذلك أن س. كرامر مثلًا (S.Kramer في Bull. of the American Schools of Orien. Research. سنة 1944) يعتبر أن الجنوب الغربي لإيران هو المكان الذي تلتمس فيه دلمن في أرجح الاحتمالات. وتمدنا المصادر الإغريقية واللاتينية بمعلومات شحيحة عن شاطئ أراضى البحرين القديمة حيث كانت تقع فرضة "كَرها"، التي لم يُستطَع بعد تحديد مكانها ولا تمدنا النقوش العربية القليلة التي كشف عنها حتى الآن في جنوبي الجزيرة العربية إلَّا بالقليل من تاريخ هذا الإقليم قبل الإسلام. وتتحدث الروايات العربية عن بعض العرب البائدة في البحرين. وكانت الأزد القحطانية من القبائل العربية التاريخية الأولى، فقد نزح كثير من أفرادها إلى عمان، وانضم آخرون إلى حلف تنوخ، الذي يقال إنه عقد في البحرين ومن

بين النازحين المتأخرين عن ذلك، بعض أحلاف القبائل العدنانية، كتميم وبكر وتغلب ودخلت الأخيرتان منهما في دين النصرانية وفي زمن النبي [- صلى الله عليه وسلم -] كانت عبد القيس العدنانية قد أصبحت هي العنصر السائد بين السكان. وتدخل الساسانيون ابتداء من أردشير الأول في أمور البحرين، التي كانت تحت مرزبان من الفرس حينما أرسل النبي [- صلى الله عليه وسلم -] العلاء بن الحضرمى شرقًا ليؤمن هذه البلاد. ولما قامت الردة، انتقض رجل من سلالة اللخميين في البحرين على الخليفة. وثبت عبد القيس على الإسلام، وكان على رأسها الجارود، وهو نصرانى دخل في الإسلام، وهزم المرتدين عند جواثاء في الأحساء، وعبرت قوات المسلمين إلى جزيرة دارين تجاه القطيف، وربما إلى أوَلُ أيضًا. وكان للخوارج بقيادة نجدة بن عامر وأبي فديك حصن في البحرين في القرن الأول الهجرى (السابع الميلادي) ولم تكن النصرانية واليهودية قد زالتا بعد زوالا تامًّا ذلك أنه كان للنساطرة نشاط أتاح لهم أن يحتفظوا بمجمع في دارين سنة 676 هـ. دخل حكم العباسيين البحرين في القرن الثاني للهجرة، وقصرت المصادر العربية فلم ترو الكثير في تبيان مداه وأثره. ونزل علي بن محمد - مثير فتنة الزنج، وهو رجل ربما كان من عبد القبيس بالبحرين قبل شخوصه إلى العراق، وكان ذلك أثناء حياته العملية الحافلة بالشغب. وفي سنة 281 هـ (894 - 895 م) قاد محمد بن نور الوالى العباسى على البحرين حملة على إمامة الأباضية في عمان. ووجد القرامطة في البحرين أشياعًا مخلصين لهم، بين سكان المدن والبدو، وفي سنة 317 هـ (930 م) حمل الحجر الأسود من مكة إلى البحرين، وبقى بها عشرين سنة وكشف انتصار المنتفق سنة 378 هـ (987 - 988 م) عن ضعف القرامطة. بيد أنهم كانوا لا يزالون محتفظين بسلطانهم عندما زار ناصر خسرو البحرين، بعد ذلك بخمس

وستين سنة وفي سنة 450 هـ (1057 - 1058 م) تحداهم أبو البهلول العوام بن الزجاج من عبد القيس بإعادة الإسلام على مذهب أهل السنة الحق إلى أوال باسم الخليفة العباسي ومنيت قبيلة عامر ربيعة من عقيل - وكانت تقوم بحراسة الجزيرة من قبل القرامطة - بهزيمة في موقعة بحرية عند كسكوس. وهي جزيرة تجاه القطيف، وجاءت خاتمتهم بعد ذلك بسنوات قلائل على أيدى أسر جديدة حاكمة من أهل الأحساء، هم العيونية من عبد القيس، يشد أزرهم سلاجقة العراق. ونحن لا نستطيع أن نعين تاريخًا دقيقًا لانتقال اسم البحرين من الأرض الأم نفسها إلى الأرخبيل المجاور لها المسمى بهذا الاسم، ومن ثم فإن من الأوفق أن يقتصر كلامنا عن تاريخ البحرين على الجزر التي تحمل اليوم هذا الاسم. دانت جزر البحرين للعيونية في أول حكمهم، وكان هؤلاء قد اتخذوا القطيف عاصمة لهم في فترات من الزمن. ولما خرجت قبيلة عامر ربيعة عن الطاعة واستهانت بقوة العيونية، أصبحت البحرين تابعة لبنى قيصر أصحاب جزيرة قيس في الخليج الفارسى الشرقي. وفي سنة 633 هـ (1235 م) احتلت البحرين قوات أبي بكر بن سعد تابك فارس السلغورى، ولكن البحرين عادت فاستردت استقلالها تحت حكم بنى عصفور وهم عشيرة من عامر ربيعة. وأعاد الطيبية، وهم أمراء التجارة في جزيرة قيس، البحرين إلى فلك جزيرتهم ولكن سرعان ما وهنت سيادتهم بقيام هرمز الجديدة في الشرق البعيد. وحوالى سنة 730 هـ (1330 م) ضم تَهَمتْهَم الثاني الهرمزى جزيرة قيس والبحرين. وبعد قرابة خمسة عشر عامًا شخص تورانشاه الهرمزى بنفسه إلى البحرين وجاء ذكر المنامة، العاصمة الحالية، لأول مرة في ذلك الوقت. وفي منتصف القرن التاسع الهجرى (الخامس عشر الميلادي) أخرجت قبيلة عامر ربيعة أسرة حاكمة جديدة، هي

الجبرية، وكان أجود بن زامل أعلاها شأوا وهو الذي ألحق البحرين بأملاكه وجعل للمذهب المالكي الغلبة على مذهب الشيعة وطار صيت البحرين في عهد هذا الأمير البدوى حتى وصل مصر والبرتغال بسبب ما بلغته من مجد. ووصل البرتغاليون إلى البحرين من المحيط الهندى في عهد متقدم يرجع إلى سنة 920 هـ (1514 م) ولكنهم لم يحتلوها إلَّا بعد ذلك ببضع سنين، عندما أطاحوا بمُقْرِم عم أجود بعد تحالفهم مع هرمز. وحدا بهم حكمهم المضطرب الذي دام حوالي ثمانين سنة إلى الاعتماد كثيرًا على حكام محليين من السنيين من أبناء فارس. وفي منتصف القرن العاشر الهجرى (السادس عشر الميلادي) نازع العثمانيون البرتغاليين في السيادة على الخليج. ولكن أمراء البحر الترك كانوا قرصانًا أكثر منهم حاكمين، فلم تثبت لهم في البحرين قدم. وفي سنة 1011 هـ (1602 م) استولى الفرس أيام الشاه عباس الأول على البحرين، وبقيت في حوزتهم نيفًا ومائة وخمسين سنة إلَّا فترات انقطاع قليلة ولم تقترن سيادة الفرس دائمًا بوجود نفوذ قوى لهم، لأن أدواتهم في السياسة كانت في الغالب من زعماء الهُوَلَة أو غيرهم من العرب الذين استوطنوا الخليج الفارسى مثل جَبَّارة الظاهرى وناصر ونصر آل مذكور البوشهرية، في القرن الثاني عشر الهجرى (الثامن عشر الميلادي). وفي سنة 1197 هـ (1783 م) طرد أحمد بن خليفة من بنى عُتْبة (العُتوب) - وهم عرب هاجروا من نجد إلى الكويت ومنها إلى الزُّبارة بقطر - نصر آل مذكور من البحرين وأقام حكم بيت خليفة الذي دام إلى يومنا هذا. ونازع تجار البحرين الشديدو العزم، بما لديهم من موارد اللؤلؤ الثمينة، إمارة مسقط فيما تبوأته مؤخرا من مركز الصدارة في التجارة العابرة في الخليج، وأثار ذلك هجمات شنها حكام مسقط من الإباضية خلال الخمس والأربعين السنة التي تلت. وجاءت أولى هذه الهجمات سنة (1801 م) بآل سعود من نجد لمؤازرة آل خليفة، بيد أن

السيادة السياسية التي ارادها آل سعود لم يمتد أجلها، ولم تذغن الميول المالكية لسنيى البحرين إلَّا قليلا لحنبلية محمد بن عبد الوهاب. وفي سنة 1235 هـ (1820 م) أبرم آل خليفة أولى سلسلة المعاهدات مع الحكومة البريطانية، وما وافت سنة 1332 هـ (1914 م) حتى خضعت البحرين خضوعًا تاما للحماية البريطانية، وأصبح للبريطانين الحق في الهيمنة على المسائل السياسية كما أصبحوا أصحاب الحق دون سواهم في تنمية الموارد الطبيعية للبلاد. وكان ازدياد النفوذ البريطانى موضوع اعتراضات متكررة من جانب الإيرانيين مدة تزيد على قرن من الزمان. ولا تزال الحكومة الإيرانية تطالب في إصرار شديد بولايتها الكاملة على البحرين. ومع أن العثمانين كانوا يحتلون شاطئ الجزيرة العربية وقطر في النصف الثاني من القرن الثالث عشر الهجرى (التاسع عشر الميلادي) كانوا بذلك يطوقون البحرين حتى الحرب العالمية الأولى، إلَّا أن وجود البريطانيين حال بينهم وبين ابتلاع هذه الجزر. وعادت المسيحية الأصولية إلى البحرين سنة 1310 هـ (1893 م) بعد انقطاع يزيد على الألف السنة وذلك عندما أقامت البعثات الدينية لكنيسة الإصلاح الأمريكية الهولندية مقرًا لها هناك وفي سنة 1351 هـ (1932 م) استكشف الزيت في الجزيرة الرئيسية في أول حقول غزيرة الإنتاج في هذا الجانب العربي من الخليج. وأصبحت البحرين منذ سنة 1354 هـ (1935 م) إلى 1378 هـ. (1958 م) القاعدة الرئيسية البحرية البريطانية في الخليج وفي سنة 1365 هـ (1946 م) انتقل مقر المقيمية السياسية البريطانية في الخليج من بوشهر إلى البحرين. وعقد الشيخ سليمان بن محمد، الذي تولى الحكم سنة 1361 هـ (1942) اتفاقًا وديًا سنة 1377 هـ (1958 م) مع الملك سعود عاهل العربية السعودية عيَّن فيه الحدود البحرية بين البلدين، وهو أول تحديد دقيق للحدود في أي من المياه التي تحيط شبه جزيرة العرب.

المصادر: مصادر عربية وفارسية وتركية: (1) البلاذرى: فتوح البلدان. (2) الهمدانى. (3) حميد بن رزيق: الفتح المبين، ترجمة ج. بادجر G.Badger, لندن سنة 1871. (4) ابن بطوطة: الرحلة = Voyages (5) ابن حوقل (6) المسعودى: مروج الذهب (7) ناصر خسرو: سفر نامه، طبعة Schefer، باريس، سنة 1881. (8) الطبري: تذكرة الملوك، طبعة ف. مينورسكى Minorsky, لندن سنة 1941. (9) ياقوت. (10) أمين الريحانى: ملوك العرب بيروت سنة 1929. (11) حافظ وهبة: جزيرة العرب، القاهرة سنة 1354 هـ (12) محمد بن بُلَيهَد: صحيح الأخبار، القاهرة سنة 1370 - 1373 هـ (13) محمد النَبْهانى: التحفة النبهانية، القاهرة سن 1342 هـ. (14) الإمبراطورية العثمانية: وزارة الخارجية، بحرين مسألة سى إستانبول سنة 1334 هـ. العاديات: (15) Southern Arabia: J.and Bent لندن سنة 1900. (16) Kuml s P. Glob j T. Bibby . أرهوس سنة 1954. (17) P.Cornwall في Basor سنة 1946. (18) الكاتب نفسه: في G.J سنة 1946. (19) الكاتب نفسه: Journ of Cu neiforn Studie، سنة 1952. (20) E.Durand و: H.Rawlinson في jra s سنة 1880

(21) S.Kramer: في RASOR. سنة 1944 (22) E.Mackay: في Bahriun and Hemamieh لندن سنة 1929 (23) Seafaring Merchants The: A.Oppenheim Of Ur في Jaos سنة 1954. (24) F.Vidal: المنهل (صحيفة دورية في مكة، سنة 1375 هـ). تاريخ القرن التاسع عشر: (25) Arabie R.Aigrain: في Dict d'hist et de geag eccles (26)Les prines d'Ormuz: J.Aubin في JA، سنة 1953. (27) C. Belgrave في JRCAS سنة 1935. (28) Annali: Caetani (29) الكاتب نفسه: Chranographia Islamics، باريس سنة 1912. (30) Caskel . w: - dy , Eine, Unbekannle.nastie في Oriens سنة 1949. (31) Goeje Memoires sur les: m.de Cormathes du Bahrain ليدن, سنة 1886 (32) الكاتب نفسه: في JA، سنة 1895 (33) , Nadir shah: L.Lockhart لندن سنة 1938 (34) الكاتب نفسه: في Bsos سنوات 1935 - 1937. (35) C.Mathews: في MW, سنة 1954 (36) Beschreibung von Arabien C.Niehur: : كوبنهاغن سنة 1772. (37) A.Stiffe: في GF سنة 1901. (38) A Wilson: , The persian Gulf لندن سنة 1928. (39) Bahrein u: f. Wustenfeld jemama في 9" Wiss zu Abh.d.k.ges d. Goett، سنة 1874. البحرين الحديثة:

(41) الأميرالية: A Hand Book of Arabia , لندن سنة 1916 - 1917. (42) المصدر نفسه: lrak and the Persian Gulf، لندن سنة 1944 (43) C.Aitchison: طبعة A Collecian Of Treaties، الطبعة الثالثة، جـ 11، كلتكة سنة 1933. (44) التقارير السنوية لحكومة البحرين وشركة بترول البحرين. (45) C.Belgrave: في , jcas سنة 1928. (46) Welcome to Bah-: J.Belgrave rain، الطبعة الثالثة، البحرين سنة 1957 (47) Revue Egyptienne , i J.Brinton de Droit International، سنة 1947 (48) Wells Of Power: O.Caroe لندن سنة 1951 (49) fifty Years in a: V.Chirol Changing World، لندن سنة 1927. (50) Persia: G.Curson. لندن سنة 1892 (51) م. إسماعيل: Le golfe persique et Les lies de Bahrein. باريس سنة 1936. (52) The Bahrein: A.Faroughy Islands نيويوك سنة 1901. (53) وزارة الخارجية البريطانية: Handbook on the Persan Gulf. لندن سنة 1953. (54): L.FRASER ف , jcas سنة 1908. L.Fraser: ف (55) H. Temperleyj: G.Gooch المحرر British Documents on the origins of the Wars، المجلد العاشر، جـ 2، لندن سنة 1938 (56) r. hay في mej سنة 1955. (57) Eastern Arabia: H.Hazard نيوهافن سنة 1956 (58) British Routes to In-: H.Hoskins dia، نيويورك سنة 1958

البحرين: الوضع السياسي الآن

(59) الكاتب نفسه: في mej، سنة 1947 (60) MEJ: H. Liebensy، سنة 1947 و 1956 (61) Oil in the Middle: S.Longrigl East , لندن سنة 1945. (62) The Per-: J.Lorimer Gozetteer of Central Arabia , sion gulf, oman and كلكتة، السنوات: 1908 - 1915 (63) History of the Indian: C.Low navy، لندن 1877 (64) Remarks on the Tribes,: L.Pelly Trade and Resources Around the Shore in Transactions the Persian Gulf Line of of the Bombay Geogr. Soc، سنة 1863. (65) F.Qubain: في NEJ سنة 1955 (66) أمين الريحانى: Around the Coasts of Ar . بوسطن سنة 1930 (67) Selections from the records of t، 'the Bombay Gov. المجلد الرابع والعشرون، بومباى سنة 1906. (68) G.kirk, atoynbee. وغيرهما: , survey of lnt l affairs لندن سنة 1927 وما بعدها (69) Sail-: U.S.Hydrographic Office for the Persian ing Directions gulf، واشنطن سنة 1952. (70) R.Whish في Transactions of Bombay Geogr.Soc. السنوات 1860 - 1962 (71) arabia: s.zwemer, نيويورك سنة 1900. عبد القادر [رنتز وموليكان - Rentz Mul ligan] البحرين: الوضع السياسي الآن في يوم الأحد الموافق 15 من أغسطس سنة 1971 تم التوقيع بين حضرة صاحب العظمة الشيخ عيسى بن سليمان آل خليفة وسير جيفرى أرثر المقيم السياسي البريطانى في الخليج على الوثائق المنهية للعلاقات التعاهدية الخاصة بين البحرين والمملكة المتحدة.

إنتاج الزيت

وقد أعلن ذلك في بيان وقعه صاحب العظمة حاكم البلاد وجاء فيه: أولًا: انتهاء جميع المعاهدات والاتفاقيات السياسية والعسكرية التي تنظم علاقات التحالف الخاصة بين حكومة البحرين والحكومة البريطانية وعليه فقد بوشر في الانسحاب العسكرى البريطانى من أرض البحرين. ثانيا: أن البحرين الدولة العربية المستقلة هي صاحبة السيادة المطلقة على أراضيها، وأن لحكومتها دون غيرها حق تصريف شئونها الخارجية وتنظيم علاقات الدولية. ثالثا: التقدم فورًا بطلب انضمام دولة البحرين إلى عضوية كل من الجامعة العربية وهيئة الأمم المتحدة. رابعًا: الطلب من الدول العربية الشقيقة والدول الإسلامية الصديقة ومن دول العالم الأخرى الاعتراف بوضع وكيان البحرين كدولة مستقلة ذات سيادة. إنتاج الزيت: يبلغ إنتاج حسب إحصائية 1970 (76000) برميل في اليوم من 208 بئرًا. وطاقة معمل التكرير بالبحرين 205 ألف برميل في اليوم. وهو يكرر جميع إنتاج حقول البحرين وجزءًا من إنتاج المملكة العربية السعودية يصل إليه عبر خط أنابيب طوله 34 ميلا، منها 17 ميلا تحت الماء. وتشترك المملكة العربية السعودية أيضًا مع البحرين في حقل بحرى هو حقل أبو مسعفة الذي تستغله شركة آرامكو ومعدل إنتاجه 70 ألف برميل في اليوم. عدد السكان: بلغ عدد السكان في الإحصاء الرسمى لسنة 1965: 203, 182 نسمة، وأول إحصاء جرى كان 1941 وفيه كان سكانها 74.040 نسمة. [التحرير]

بحيرا

بحيرا " بَحيرا"، اسم راهب نصرانى: يروى أن النبي محمدًا [- صلى الله عليه وسلم -]، عندما بلغ الثانية عشرة من عمره خرج إلى الشام مع عمه أبي طالب في قافلة له. فلما نزل الركب بصرى من أرض الشام أو ما جاور هذه المدينة، لاحظ راهب كان يقطن تلك الجهة في صومعة له أن أحد أفراد ذلك الركب كانت تظلله غمامة، وأن الشجرة التي جلس تحتها قد تهصرت أغصانها حتى أظلته. وقد صنع الراهب بحيرا لهذا الركب طعامًا ودعاهم إليه، فاجتمعوا إليه إلَّا محمدًا [- صلى الله عليه وسلم -] إذ تركوه لحراسة القافلة. ولما نظر بحيرا في القوم لم ير بينهم صفة الشخص الذي وصفته كتبه أنه آخر الأنبياء، فسألهم هل تخلف أحد منهم، فلما أخبروه الخبر أصر على أن يحضر هذا الغلام إلى طعامه. ولما جاء الغلام ودخل إلى القوم أخذ بحيرا يلحظه لحظًا شديدًا، ثم سأله بحق اللات والعزى أن يخبره عما يسأل عنه، ولكن محمدُ [- صلى الله عليه وسلم -] أظهر بغضه للآلهة الوثنية، ثم أجاب الراهب عما سأله عنه فتأكد هذا أنه هو النبي الموعود ونصح عمه أبا طالب أن يحذر عليه من اليهود. تلك هي القصة التي يرويها ابن هشام (ص 115 وما بعدها). ويذكر بعض المؤلفين الآخرين أن أبا بكر كان حاضرًا ذلك الحادث وكان حتى في ذلك الوقت نفسه يتهيأ للاشتراك في الحوادث المقبلة (¬1). ويذكر المسعودى (طبعة Barbier de Meynard. جـ 1، ص 146) أن هذا الراهب كان يدعى ¬

_ (¬1) حضور أبي بكر تلك الحادثة لم يثبت، بل استغربه علماء الحديث، ورأوا أن ذكره خطأ من الراوي. قال الحافظ ابن حجر في الإصابة (ج 1، ص 183): "قد وردت هذه القصة بإسناد رجال ثقات، من حديث أبي موسى الأشعرى، أخرجها الترمذي وغيره. ولم يسم فيها الراهب. وزاد فيها لفظة منكرة، وهي قوله: واتبعه أبو بكر بلالا. وسبب نكارتها أن أبا بكر حينئذ لم يكن متأملا، ولا اشترى يومئذ بلالا، إلَّا أن يحمل على أن هذه الجملة مقتطعة من حديث آخر وأدرجت في هذا الحديث. وفي الجملة هي وهم من أحد رواته". وكذلك ضعفها الحافظ ابن كثير في تاريخه (البداية والنهاية ج 2 ص 285).

جرجس (¬1) وأنه من عبد القيس. أما الحلبى (جـ 1، ص 157) فيذكر أنه كان يسمى جرجيس أو سرجيوس. ويذكرون إلى جانب هذه القصة قصة أخرى لمقابلة أخرى شبيهة بالأولى حدثت بعدها بنحو اثنى عشرة سنة. فهم يذكرون أن محمدًا [- صلى الله عليه وسلم -] خرج في رحلة إلى الشام في مال لخديجة وبرفقته غلام له يقال له ميَسْرَة. وهناك في بصرى قابل راهبًا آخر يسمى نسطور عرف في محمد [- صلى الله عليه وسلم -] علامات خاصة تدل على أنه هو النبي الجديد. ويذكرون أيضًا أن بعض أهل الروم حضروا إحدى هذه المقابلات وكان غرضهم البحث عن النبي الجديد. ولا نجد في أقدم المصادر عن النبي [- صلى الله عليه وسلم -] (ابن هشام، ص 119 - 120) اسم هذا الراهب. أما في المصادر النصرانية والإسلامية المتأخرة، فإن هذا الراهب يدعى سرجيوس، أما اسم بَحيرا - وهو مشتق من الكلمة الآرامية بحيرا ومعناها المختار - فهو لقب له وليس لدينا ما نقوله إلَّا القليل من الناحية التاريخية عن صحة هذه الأساطير، لأن المعلومات تنقصنا في هذا الموضوع. وهذه القصص قسم خاص من مجموعة الأساطير التي أحاطت بسيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ولها نظائر كثيرة من نفس النوع وكلها ترمى إلى أن "أهل الكتاب" عرفوا من كتبهم من قبل ببعثة النبي محمد [- صلى الله عليه وسلم -] (¬2). (انظر Mo-: Wensinck shammed en de Joden to medina ص 54 - 60). ¬

_ (¬1) كذا في نسخة المسعودى المطبوعة ببولاق (ج 1، ص 35) وفي جميع الكتب التي نقلت ذلك عن المسعودى سمى باسم "جرجيس" بزيادة ياء بعد الجيم الثانية. أحمد محمد شاكر (¬2) ليست هذه القصص بالأساطير، بل كثير منها ثابت بأسانيد صحيحة، وعلم أهل الكتاب بالبشارة بمحمد صلى الله عليه وسلم في كتبهم ثابت عند المسلمين بنص القرآن الصريح، وليسوا في حاجة إلى افتعال أساطير يؤيدون بها ما أثبته الوحى المنزل من عند الله، وهو ثابت أيضا عند المسلمين فيما قرؤوه من كتب اهل الكتاب مما بقى في أيديهم من الصحيع من أقوال أنبيائهم المنقولة في كتبهم. أحمد محمد شاكر

وشخصية بحيرا مذكورة باسم سرجيوس منذ عهد متقدم في المؤلفات البوزنطية بشكل يجعلها متفقة مع الروايات الإسلامية القائمة بذاتها (انظر Das Leben u. d. Lehre des Mo-: Sprenger hammad، حـ 2, ص وما بعدها فنجدها مثلًا أن ثيوفانس Theophanes (طبعة كلاسن Classen، جـ 1، ص 513) وجرجيوس فرانتز (Georgius Phrantzes طبعة بيكر Bekker، ص 295 - 296) يذكران أنه بعد ظهور جبريل لأول مرة وإصابة النبي [- صلى الله عليه وسلم -] بالغشيان ملئت خديجة فزعًا فلجأت إلى راهب ملحد منبوذ يدعى سرجيوس فطمأنها وأكد لها أن الملك جبريل - عليه السلام - يرسل لجميع الأنبياء (¬1). أما الروايات الإسلامية الخاصة ببيرا فقد تطورت تطورًا عجيبًا وجمعت كلها بالتفصيل في سفر بحيرا وهو كتاب مسيحى من المحتمل أن يكون قد وضع في صورته الحالية في القرن الحادي عشر أو الثاني عشر. وقد حفظ لنا هذا الكتاب مترجمًا إلى اللغتين السريانية والعربية في نسخ متعددة (انظر A Christian: Gottheil في Assyriologie Bahira Legend zeitschr.f. جـ 13 وما بعده). وهذا المصنف من ثلاثة أجزاء ألفه شخص يدعى إشوعيَبَ وقد ورد ذكر سرجيوس أيضًا في مؤلفات العصور الوسطى. المصادر: (1) ابن هشام: طبعة فستنفلد، ص 115 وما بعدها، 119 - 120: (2) ابن سعد: طبعة متفوخ - mitt woch , ص 76, 82 وما بعدها (3) الطبري: طبعة ده غوى، جـ 1، ص 1123 وما بعدها. (4) السيرة الحلبية: طبعة القاهرة عام 1292 هـ. جـ 1، ص 156 وما بعدها, 177 وما بعدها. ¬

_ (¬1) الزعم بأن قصة خديجة كانت مع من يدعى سرجيوس. مخالف للأحاديث الصحيحة الثابتة. فقد روى البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وغيرهم قصة تعبد النبي صلى الله عليه وسلم في غار حراء ومجئ الملك إليه بالوحى أول مرة ونزول قوله تعالى {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ} وفيها: "فرجع بها رسول الله [- صلى الله عليه وسلم -] يرجف فؤاده، فدخل على خديجة بنت خويلد فقال: زملونى زملونى، فزملوه حتى ذهب عنه الروع. فقال لخديجة. وأخبرها الخبر - لقد خشيت على نفسى، فقالت خديجة: كلا والله ما يخزيك الله أبدا. انك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقرى الضيف. وتعين على نوانب الحق. فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن اسد بن عبد العزى ابن عم خديجة، وكان امرأ تنصر في الجاهلية، إلى آخر الحديث. وهو مشهود معروف في أول صحيح البخاري. فهذا صريح في أنها ذهبت به إلى ابن عمها العربي النسب، ولم تذهب إلى رجل أعجمى يدعى "سرجيوس". أحمد محمد شاكر

البخاري

(5) الترمذي: طبعة القاهرة سنة 1292 هـ, جـ 2, ص 283. (6) تأريخ الخميس: طبعة القاهرة عام 1283 هـ. جـ 1، ص 257 - 258، 262 - 263. (7) الفهرست: طبعة فلوجل، ص 22 (8) Zeitschr d. Deutsch. Noldeke Morgeni. Gesellsch جـ 12، ص 699 وما بعدها. (9) Sprenger في Deutsch Zeitschr d. MorRenl. Gesellsch جـ 12، ص 238 وما بعدها، جـ 3، ص 454، جـ 4، ص 188 - 189, جـ 6, ص 457 - 458، جـ 7، ص 413 وما بعدها، ص 580, جـ 8, ص 557 وما بعدها جـ 9, ص 779 - 780, جـ 10، ص 807. (10) Leben und lehre des: Sprenger mohammad جـ 1, ص 178 وما بعدها (11) ابن حجر: الإصابة، جـ 1، ص 357 وما بعدها [فنسند A. j . Wensinck] البخاري محمد بن إسماعيل ابن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبه الجعفى، أبو عبد الله: مصنف عربي ولد في الثالث عشر من شوال عام 194 هـ الموافق 21 يولية من عام 810 م في مدينة بخارى، وجده بردزبه فارسى. وقد بدأ دراسة الحديث في سن مبكرة إذ لم يكن يتجاوز الحادية عشرة من عمره. ولما بلغ السادسة عشرة حج إلى مكة وحضر على أشهر شيوخ الحديث في مكة والمدينة ثم رحل إلى مصر في طلب العلم. وأنفق الستة عشر عاما الثانية - ومنها خمسة في البصرة - في التجوال بين ربوع آسية، ثم عاد إلى مسقط رأسه ووافته منيته في الثلاثين من رمضان عام 526 هـ الموافق 31 من أغسطس عام 870 م ودفن في خرتنك على مسيرة فرسخين من سمرقند. وتعتمد شهرته على جامعه في الحديث وعنوانه "الجامع الصحيح" وقد رتبه على أبواب الفقه، واصطنع لذلك طريقة كاملة فائقة ومحصها تمحيصا دقيقا، كما أنه كان عظيم

الأمانة في إيراد المتن وبذل جهدا لا يبارى لكى يصل إلى أضبط ما يمكن الوصول إليه. ولم يتردد في تفسير المواد بتعليقات موجزة متميزة عن النصوص. وكانت نصوص الصحيح منذ أول الأمر محل عناية كبيرة، والنسخة المتداولة الآن نشرها لأول مرة محمد اليونينى المتوفى عام 658 هـ (1260 م) بمساعدة اللغوي المشهور ابن مالك المتوفى عام 672 هـ (1273 م انظر طبعة كرهل لصحيح البخاري. ليدن سنة 1862 - 1868 م، وقد أتم نشره Juynboll .W. Th المجلد الرابع، المصدر نفسه، عام 1908 م) وطبع في بولاق عام 1280 و 1282 و 1284 و 1289 هـ، وطبع في القاهرة على الحجر عام 1279 هـ. وطبع طبعة عادية عام 1305 و 1307 و 1312 و 1314 هـ في تسعة مجلدات، كما طبع في دهلى عام 1270 هـ و 1889 م، وفي بومباى عام 1269 هـ و 1869 م و 1873 م. وفي مرته عام 1873 م. أما فيما يختص بمخطوطاته فانظر - R. Bas set في مجلة الجمعية الأسيوية الإيطالية، المجلد العاشر، ص 76 - 91, وقد ترجمه إلى الفرنسية وعلق عليه ووضع له فهرسًا Hondas .W. O Marcais وطبعته مدرسة اللغات الشرقية الحية، المجموعة الرابعة، المجلد السادس وما بعده، وطبعت ترجمة الأجزاء الثلاثة الأولى في باريس عام 1903 و 1906 و 1908 وترجمه إلى الفرنسية أيضًا ووضع له شروحا وتعليقات L. Peltier باريس 1909 بعنوان Le Livre des du Cahih d'al-Bokhari testaments وقد طبع من الشروح الكثيرة على الصحيح ما يأتي: (1) "فتح الباري في شرح البخاري" لابن حجر العسقلانى المتوفى عام 852 هـ (1428 م) , بولاق عام 1300, 1301 هـ. (2) "عمدة القارى في شرح البخاري" لمحمود بن أحمد العينى المتوفى عام 855 هـ الموافق 1451 م، القاهرة 1308 هـ، الآستانة، سنة 1909, 1910 م. (3) "إرشاد السارى في شرح البخاري" لأحمد بن محمد بن أبي بكر

القسطلانى المتوفى عام 933 هـ الموافق 1517 م، بولاق 1275, 1276, 1288, 1304 - 1305 هـ، القاهرة سنة 1307, 1325 - 1326 مع تحفة الباري لزكريا الأنصاري المتوفى عام 926 هـ الموافق 1520 م، لكهنو سنة 1869, 1876, دهلى سنة 1891 م. (4) شرح لأبي زيد عبد القادر بن على الفاسى، فاس 1307 هـ (انظر كتاب ولى الله الدهلوى المتوفى عام 1176 هـ الموافق 1762 م وعنوانه "شرح تراجم أبواب صحيح البخاري" حيدر آباد عام 1323 هـ). وقد صنف البخاري في حجته الأولى إلى المدينة كتابًا عن تراجم رصال السند عنوانه "التأريخ الكبير" وهو بمثابة المقدمة لصحيحه (آياصوفيا، 3019 - 3071 , horovitz في mit - orient. teilungen des seminars fuer Sprachen zu Berlin برلين، المجلد العاشر العدد الأول، ص 40). ومنه موجز عنوانه "التاريخ الصغير" (Verzeichnis: Ahlwardt der Ar. Hdee. der Kgl. Bibliothek zu Berlin برلين رقم 9914). وللبخارى أيضًا مجموعة في الحديث عنوانها "الثلاثيات" (Ahlwardt المصدر السابق، من رقم 1620 - 1621) و"تفسير القرآن" الذي لا يزال في حاجة إلى دراسة دقيقة (انظر الغزيرى: Bibliotheca: Casiri Arabico - Hispana Fagnan رقم 1255، مخطوط بالجزائر 3, 1688). وينسب للبخارى أيضًا "تنوير العينين برفع اليدين في الصلاة"، كلكتة 1256 هـ (مع ترجمة أردية) وهو عين "قرة العينين" على هامش "جد الكلام في القراءة خلف الإمام"، القاهرة 320 وهي تنسب إليه أيضًا. المصادر: (1) السبكي: طبقات الشافعية، جـ 2، ص 2 - 19. (1) Geschich tesschreiber: Wustenfeld der Araber , رقم 62 Y. (3) الكاتب نفسه، schafiten، رقم 44. (4) Krehl في - Zeitschr. d. Deutsch Mor .genl. Ges، المجلد الرابع، ص 1 وما بعدها.

تعليق على مادة البخاري

(5) , muhamedanische studien: Goldziher ص 234 - 245. (1) Gesch d. arab Lit: Brochelmann, جـ 1، ص 158. [بروكلمان C. Brockelmann] تعليق على مادة البخاري مولده ونشأته: هو أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبه الجعفى. وكان بردزبه فارسيا على دين قومه، ثم أسلم ولده المغيرة على يد اليمان الجعفى والى بخارى، فنسب إليه نسبة ولاء عملا بمذهب من يرى أن من أسلم على يد شخص كان ولاؤه له، ولذا قيل للبخارى الجعفى. وكان مولد أبي عبد الله البخاري يوم الجمعة بعد الصلاة لثلاث عشرة ليلة خلت من شوال سنة أربع وتسعين وماثة، ببخارى. وهي من أعظم مدن ما وراء النهر، بينها وبين سمرقند ثمانية أيام، وتوفى أبوه إسماعيل وهو صغير، فنشأ يتميا في حجر والدته. وكان عبد الله نحيفا ليس بالطويل ولا بالقصير وكان قد ذهبت عيناه في صغره، فرأت أمه إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام في المنام، فقال لها "قد رد الله على ابنك بصره بكثرة دعائك له"، فأصبح وقد رد الله عليه بصره. بدء أمره: حدث البخاري عن نفسه قال: ألهمت الحديث في المكتب ولي عشر سنين أو أقل، ثم خرجت من المكتب بعد العشر فجعلت اختلف إلى الداخلى وغيره، فقال يوما فيما كان يقرأ للناس "سفيان عن أبي الزبير عن إبراهيم" فقلت له: "إن أبا الزبير لم يرو عن إبراهيم"، فانتهرنى، فقلت له: "ارجع إلى الأصل إن كان عندك". فدخل فنظر فيه ثم خرج فقال لي: "كيف هو يا غلام؟ " قلت: "هو الزبير ابن عدي عن إبراهيم"، فأخذ القلم منى وأصلح كتابه وقال: "صدقت". فقال بعض أصحاب البخاري له: "ابن كم كنت؟ " قال: "ابن إحدى عشرة سنة"، ثم قال: "فلما طعنت في ست عشرة سنة حفظت كتب ابن المبارك ووكيع وعرفت

كلام هؤلاء، يعني أصحاب الرأى، ثم خرجت مع أخي أحمد وأمى إلى مكة، فلما حججت رجع أخي إلى بخارى فمات بها". وكان أخوه أسن منه، وأقام هو بمكة لطلب الحديث. قال: "ولما طعنت في ثماني عشرة سنة صنفت كتاب قضايا الصحابة والتابعين وأقاويلهم، وصنفت التاريخ الكبير إذ ذاك عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم في الليالى المقمرة، وقل اسم في التاريخ إلَّا وله عندي قصة، إلَّا أنى كرهت تطويل الكتاب". فكان أول سماعة سنة خمس ومائتين، ثم رحل سنة عشر ومائتين بعد أن سمع الكثير ببلده من سادة وقته: فسمع ببلخ وسمع بمرو وسمع بنيسابور وبالرى وببغداد وسمع بالبصرة وبالكوفة وبمكة وبالمدينة وبواسط وبمصر وبدمشق وبقيسارية وبعسقلان وبحمص من خلائق يطول سردهم حتى أنه قال: "كتبت عن ألف وثمانين نفسا ليس فيهم إلَّا صاحب حديث". وحدّث بالحجاز والعراق وخراسان وما وراء النهر، وكتب عنه المحدثون وما في وجهه شعرة. قال محمد بن أبي حاتم وراق البخاري: "سمعت حامد بن إسماعيل وآخر يقولان: كان البخاري يختلف معنا إلى السماع وهو غلام فلا يكتب، حتى أتى على ذلك أياما فكنا نقول له، فقال: إنكما أكثرتما على فاعرضا على ما كتبتما، فأخرجنا إليه ما كان عندنا فزاد على خمسة عشر ألف حديث، فقرأها كلها على ظهر قلب حتى جعلنا نحكم كتبنا من حفظه. ثم قال: أترون أنى أختلف هدرا وأضيع أيامى؟ فعرفنا أنه لا يتقدمه أحد". قالا: فكان أهل المعرفة يعدون خلفه في طلب الحديث وهو شاب حتى يغلبوه على نفسه ويجلسوه في بعض الطريق فيجتمع إليه ألوف أكثرهم ممن يكتب عنه. ورغم أنه كان شابا. وقال البخاري: "دخلت على الحميدى وأنا ابن ثماني عشرة سنة - يعني أولَ سنة حجَّ - فإذا بينه وبين آخر اختلًاف في حديث، فلما بصر بى قال: جاء من يفصل بيننا، فعرضا على الخصومة فقضيت للحميدى وكان الحق معه".

وقال أيضًا: "قال لي محمد بن سلام البيكندى: انظر في كتبى، فما وجدت فيها من خطأ، فاضرب عليه. فقال له أصحابه: من هذا الفتى؟ قال: هذا الذي ليس مثله". وكان محمد بن سلام المذكور يقول: "كلما دخل على محمد بن إسماعيل تحيرت ولا أزال خائفا منه"، يعني يخشى أن يخطئ بحضرته. وقال محمد بن يعقوب الأخرم: "سمعت أصحابنا يقولون: لما قدم البخاري بنيسابور استقبله أربعة آلاف رجل على الخيل سوى من ركب بغلا أو حمارا سوى الرجالة". قال البخاري: "دخلت إلى الشام ومصر والجزيرة مرتين، والى البصرة أربع مرات، واقمت بالحجاز ستة أعوام، ولا أحصى كم دخلت إلى الكوفة وبغداد مع المحدثين". ثناء الأئمة عليه: قال قتيبة بن سعيد: "جالست الفقهاء والزهاد والعباد، فما رأيت منذ عقلت مثل محمد بن إسماعيل، وهو في زمانه كعمر في الصحابة"، وعنه أيضا أنه قال: "لو كان محمد بن إسماعيل في الصحابة، لكان آية". وقال أيضًا: "لقد رحل إليّ من شرق الأرض ومن غربها، فما رحل إلى مثل محمد بن إسماعيل"، وقال رجاء بن رجاء الحافظ: "فضل محمد بن إسماعيل على العلماء، كفضل الرجال على النساء". وقال أيضًا "هو آية من آيات الله تمشى على الأرض". وقال عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي: "قد رأيت العلماء بالحرمين والحجاز والشام والعراق. فما رأيت منهم أجمع من محمد بن إسماعيل". وقال أيضًا: "هو أعلمنا وأفقهنا وأكثرنا طلبا". وسئل عن حديث وقيل له إن البخاري صححه فقال: "محمد بن إسماعيل أبصر منى، وهو أكيس خلق الله، عقل عن الله ما أمر به وما نهى عنه في كتابه وعلى لسان نبيه، إذا قرأ محمد القرآن شغل قلبه وبصره وسمعه، وتفكر في أمثاله، وعرف حلاله من حرامه".

وقال عبد الله بن محمد بن سعيد بن جعفر: "سمعت العلماء بمصر يقولون: ما في الدنيا مثل محمد بن إسماعيل في المعرفة والصلاح"، ثم قال عبد الله: "وأنا أقول قولهم". وقال موسى بن هارون الحمال الحافظ البغدادي: "عندي لو أن أهل الإسلام اجتمعوا على أن يصيبوا آخر مثل محمد بن إسماعيل لما قدروا عليه". وقال إمام الأئمة أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة: "ما تحت أديم السماء أعلم بالحديث هن محمد بن إسماعيل". وقال أبو عيسى الترمذي: "لم أر أعلم بالعلل والأسانيد من محمد بن إسماعيل البخاري". وقال له مسلم: "أشهد أنه ليس في الدنيا مثلك". وروى الحاكم أبو عبد الله أن مسلم بن الحجاج صاحب الصحيح جاء إلى محمد بن إسماعيل البخاري فقبله بين عينيه، وقال: "دعنى حتى أقبل رجليك يا أستاذ الأستاذين وسيد المحدثين ويا طيب الحديث في علله". شمائله: كان رحمه الله غاية في الحياء والشجاعة والسخاء والورع والزهد في دار الدنيا ودار الفناء والرغبة في دار البقاء. وكان يقول: "أرجو أن ألقى الله ولا يحاسبنى أنى اغتبت أحدا". ويشهد لهذا كلامه في التجريح والتضعيف، فإن أبلغ ما يقول في الرجل المتروك أو الساقط: "فيه نظر"، أو "سكتوا عنه". ولا يكاد يقول: "فلان كذاب". وكان قليل الأكل جدا، كثير الإحسان إلى الناس، مفرطا في الكرم. خبر من أخبار عن سعة حفظه وسيلان ذهنه. روى الحافظ بن حجر بسنده إلى الحافظ ابن عدي أنه قال: "سمعت عدة هن مشايخ بغداد يقولون: إن محمد بن إسماعيل البخاري قدم بغداد، فسمع به أصحاب الحديث، فاجتمعوا، وأرادوا امتحان حفظه، فعمدوا إلى مائة حديث فقلبوا متونها وأسانيدها وجعلوا متن هذا الإسناد

كتابه "الجامع الصحيح"

لإسناد آخر وإسناد هذا المتن لمتن آخر، ودفعوها إلى عشرة ألقى لكل رجل عشرة أحاديث، وأمروهم إذا حضروا المجلس أن يلقوا ذلك على البخاري، وأخذوا عليه الموعد للمجلس. فحضروا وحضر جماعة من الغرباء من أهل خراسان وغيرهم ومن البغداديين، فلما اطمأن المجلس بأهله انتدب رجل من العشرة فسأله عن حديث من تلك الأحاديث فقال البخاري: "لا أعرفه"، فما زال يلقى عليه واحدا بعد واحد حتى فرغ والبخارى يقول: "لا أعرفه"، وكان العلماء ممن حضر المجلس يلتفت بعضهم إلى بعض ويقولون: "فهم الرجل"، ومن كان لم يدر القصة يقضى على البخاري بالعجز والتقصير وقلة الحفظ، ثم انتدب رجل من العشرة أيضًا فسأله عن حديث من تلك الأحاديث المقلوبة فقال: "لا أعرفه" فسأله عن آخر، فقال "لا أعرفه"، فلم يزل يلقى عليه واحدا واحدا حتى فرغ من عشرته والبخارى يقول: "لا أعرفه"، ثم انتدب الثالث والرابع إلى تمام العشرة حتى فرغوا كلهم من إلقاء تلك الأحادث المقلوبة والبخارى لا يزيدهم على: "لا أعرفه". فلما علم أنهم قد فرغوا التفت إلى الأول فقال: "أما حديثك الأول فقلت كذا وصوابه كذا، وحديثك الثاني كذا وصوابه كذا"، والثالث والرابع على الولاء حتى أتى على تمام العشرة، فرد كل متن إلى إسناده وكل إسناد إلى متنه، وفعل بالآخرين مثل ذلك. فأقر له الناس بالحفظ وأذعنوا له بالفضل. وهنا يقول الحافظ: "هنا يخضع للبخارى، فما العجب من رده الخطأ إلى الصواب، فإنه كان حافظا، بل العجب من حفظه للخطأ على ترتيب ما ألقوه عليه من مرة واحدة". كتابه "الجامع الصحيح" أما كتابه الجامع الصحيح فأجل كتب الإسلام وأفضلها بعد كتاب الله. وقد رتبه على أبواب الفقه فكان عدة كتبه سبعا وتسعين احتوت على قسم العبادات وقسم المعاملات وسيرة الرسول عليه الساوم مع مغازيه ومعجزاته وما ورد من المأثور في تفسير آى الذكر الحكيم وغير ذلك من

شرط البخاري في صحيحه

الكتب التي لا يسع المسلم جهلها. وقد روى من وجهين ثابتين عن البخاري أنه قال: أخرجت هذا الكتاب من نحو ستمائة ألف حديث وصنفته في ست عشرة سنة وجعلته حجة فيما بينى وبين الله. قال الفربرى: "سمعت محمد بن إسماعيل يقول: ما وضعت في كتاب الصحيح حديثًا إلَّا اغتسلت قبل ذلك وصليت ركعتين". وقال الحاكم أبو أحمد: "رحم الله محمد بن إسماعيل الإمام، فإنه ألف الأصول وبين للناس. وكل من عمل بعده فإنما أخذه من كتابه، كمسلم، فرق أكثر كتابه في كتابه، وتجلد فيه حق الجلادة حيث لم ينسبه إليه". وقال أبو الحسن الدارقطني الحافظ: "لولا البخاري لما راح مسلم ولا جاء". يقصد الإمام مسلم بن الحجاج. شرط البخاري في صحيحه قال الحافظ أبو الفضل بن طاهر: "شرط البخاري أن يخرج الحديث المتفق على ثقة نقلته إلى الصحابى المشهور من غير اختلاف بين الثقات الأثبات ويكون إسناده متصلا غير مقطوع، وإن كان للصحابى راويان فصاعدا فحسن، وإن لم يكن إلَّا راو واحد وصح الطريق إليه فكفى". وقد التزم فيه الصحة وأنه لا يورد فيه إلَّا حديثًا صحيحا، ثم رأى ألا يخليه من الفوائد الفقهية والنكت الحكمية، فاستخرج بفهمه من المتون معاني كثيرة، فرقها في أبواب الكتاب بحسب تناسبها واعتنى فيه بآيات الأحكام. أصل اليونينى وقد اعتنى الحافظ شرف الدين أبو الحسن على ابن شيخ الإسلام ومحدث الشام تقى الدين بن محمد بن أبي الحسن أحمد بن عبد الله اليونينى الحنبلي رحمه الله تعالى بضبط رواية الجامع الصحيح وقابل أصله الموقوف بمدرسة آقبغا آص بسويقة العزى خارج باب زويلة من القاهرة المعزية بأصل مسموع على الحافظ أبي ذر الهروى، وبأصل مسموع على

نبأ وفاته

الأصيلى، وبأصل الحافظ مؤرخ الشام أبي القاسم بن عساكر، وبأصل مسموع على أبي الوقت، وذلك بحضرة سيبويه وقته الإِمام جمال الدين بن مالك بدمشق سنة ست وسبعين وستمائة، وقد بالغ رحمه الله في ضبط ألفاظ الصحيح جامعا فيه روايات من ذكرناه راقما عليه ما يدل على مراده. ولقد أبدع فيما رقم، وأتقن فيما حرر وأحكم، ولقد عول الناس عليه في روايات الجامع لمزيد اعتنائه وضبطه ومقابلته على الأصول المذكورة وكثرة ممارسته له حتى أن الحافظ شمس الدين الذهبي حكى عنه أنه قابله في سنة واحدة إحدى عشرة مرة. ولكونه ممن وصف بالمعرفة الكثيرة والحفظ التام للمتون والأسانيد كان الجمال بن مالك لما حضر عند المقابلة المذكورة إذا مر في الألفاظ ما يتراءى أنه مخالف لقوانين العربية، قال للشرف اليونينى: "هل الرواية فيه كذلك؟ " فإن أجاب بأنه منها شرع ابن مالك في توجيهها حسب إمكانه. نبأ وفاته ولما رجع إلى بخارى نصبت له القباب على فرسخ من البلد واستقبله عامة أهلها حتى لم يبق مذكور. ونثر عليه الدراهم والدنانير، وبقى مدة يحدثهم، فأرسل إليه أمير البلد خالد بن محمد الذهلى نائب الخلافة العباسية يتلطف معه ويسأله أن يأتيه بالصحيح ويحدثهم به في قصره، فامتنع البخاري من ذلك وقال لرسوله: "قل له أنا لا أذل العلم ولا أحمله إلى أبواب السلاطين، فإن كانت له حاجة إلى شيء منه فليحضر إلى مسجدى أو دارى. فإن لم يعجبك هذا فأنت سلطان فامنعنى من المجلس ليكون لي عذر عند الله يوم القيامة أنى لا أكتم العلم". فحصلت بينهما وحشة. فأمره الأمير بالخروج عن البلد فدعا عليه وكان مجاب الدعوة فلم يأت شهر حتى ورد أمر الخلافة بأن ينادَى على خالد في البلد، فنودى على خالد على أتان، وحُبس إلى أن مات، ولم يبق أحد ممن ساعده إلَّا ابتلى ببلاء شديد. ولما خرج البخاري من بخارى كتب إليه أهل سمرقند يخطبونه إلى بلدهم فسار إليهم، فلما كان بخرتنك وهو على

بدر

فرسخين من سمرقند، بلغه أنه وقع بينهم بسببه فتنة، فقوم يريدون دخوله، وآخرون يكرهونه، وكان له أقرباء بها فنزل عندهم حتى ينجلى الأمر، فأقام أياما فمرض حتى وجه إليه رسول من أهل سمرقند يلتمسون خروجه إليهم، فأجاب وتهيأ للركوب وليس خفيه وتعمم، فلما مشى عشرين خطوة أو نحوها إلى الدابة ليركبها، قال: أرسلونى فقد ضعفت، فأرسلوه، فدعا بدعوات ثم اضطجع فقضى، فسال عرق كثير لا يوصف. وما سكن عنه العرق حتى أدرج في أكفانه. وكان ذلك ليلة السبت، ليلة عيد الفطر سنة ست وخمسين ومائتين عن اثنتين وستين سنة إلَّا ثلاثة عشر يوما. المصادر: (1) طبقات الشافعية الكبرى للسبكى، الجزء الثاني. (2) مقدمة فتح الباري للحافظ العسقلانى. (3) الجزء الأول من إرشاد السارى، شرح صحيح البخاري للعلامة القسطلانى. محمد فؤاد عبد الباقي بدر وتسمى أيضا بدر حنين: بُلَيدة إلى الجنوب الغربي من المدينة على مسيرة ليلة من الشاطئ، وهي عند ملتقى طريق المدينة بطريق القوافل الذاهبة من الشام إلى مكة. وفي الوقت الذي زار فيه بوركارت Burckhardt هذه البليدة وجد أن بعض مساكنها من اللبن وبعضها الآخر من الحجر ويحيط بها سور متهدم من الطين، أما أهلها فجلهم من البدو وليس للكثير منهم فيها إلَّا أكواخهم لأنهم يقضون الليل في خيام على سفوح التلال. وكانت بدر في عهد النبي صلى الله عليه وسلم محطة يقف عليها المسافر ليسقى إبله، كما كان يقام بها سوق كل عام. وقد أصبح لهذه البليدة أول مرة أهمية تاريخية بفضل الموقعة التي نشبت فيها بين المسلمين وأهل مكة في السابع عشر أو التاسع عشر من رمضان للعام الثاني من الهجرة. وقد أدى إلى قيام هذه الوقعة عدة حوادث

متعاقبة، تنحصر أهميتها في أنها وطدت سلطان النبي وكانت سببا في انتشار الإسلام بعد ذلك. والحق إن مقدرة النبي الفائقة تجلت بأجلى بيان في هذه الموقعة، فقد نفخ في روح أتباعه الذين هالهم التقاوهم الفجائى بأهل مكة فاكتسحوا أعداءهم الذين يفوقونهم في العدد. وجاء في قصيدة حمزة أن المكيين كان عددهم ألف مقاتل في حين لم يزد عدد المسلمين على ثلثمائة رجل. وليس من اليسير كل اليسر أن نتمثل في أذهاننا سير هذه الموقعة مستعينين بوصف بوركارت، وعلى كل فإن ما روى له في هذا المكان عن هذه الموقعة لا يفسر لنا روايات المتقدمين. فهر يذكر أن بدرا تقع في سهل تحده من الشمال والشرق الجبال الوعرة، ومن الجنوب تلال صخرية، ومن الغرب كثبان رملية متنقلة. وينساب من الجبال القائمة إلى الشرق جدول غزير المياه في مجرى صخرى فيروى حراجا مترامية الأطراف من النخيل وبساتين ومزارع إلى الجنوب الغربي من تلك البليدة. وتحول الرمال الكثيفة دون عبور التلال الغربية التي ينبسط وراءها سهل جدب يصل إلى الشاطئ ولا ينبت فيه سوى نباتات الأرض الملحة. وشاهد بوركارت على مسيرة ميل تقريبا جنوبي البليدة قبور المسلمين الثلاثة عشر الذين استشهدوا في وقعة بدر، ويذكر ابن إسحاق أن النبي وقف هو والمسلمون عند الماء الذي على أقرب منحدر للمدينة بينما وقف المكيون على منحدر مقابل له (انظر سورة الأنفال، الآية: 42) "إذ أنتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى والركب أسفل منكم" (أي على ساحل البحر)، وقد حجب كثيب العَقَنْقَل المكيين عن أعين المسلمين، ويفصل هذا الكثيب عن بدر وادي يَلْيَل، ويروى الواقدي أن المسلمين كان وجههم شطر الغرب بينما كان أهل مكة يواجهون الشرق والشمس في أعينهم. وبدأ المكيون الموقعة في الصباح فتسلقوا العقنقل منحدرين إلى الوادي في حين أمر النبي أصحابه ألا يهاجموا عدوهم إلَّا إذا أذن لهم، وعلى هذا

فينبغى أن نبحث عن ساحة القتال عند سفوح التلال الشرقية المجاورة. ولابد أن الآبار كانت في هذا الموضع وهي الآبار التي هدمها المسلمون إلَّا أقربها إلى العدو وبنوا عليه حوضا وأقاموا عريشا للنبي، وألقوا بقتلى عدوهم في واحد من الآبار التي خربوها. ويروى المقدسي أن بدرا بليدة مساحلة للبحر تشتهر بنخيلها، وفيها ماء النبي ومكان الموقعة المشهورة وبعض مساجد بناها ملوك مصر، ويذهب البكرى إلى أنها ماء وبها عينان ينمو عندهما الموز والكرم والنخيل، ويقول إنها على مسيرة ثمانية وعشرين فرسخا من المدينة، ويذكر المسعودى أنها على مسيرة ميلين وثمانية بُرُد من المدينة، ويرى البكرى أن بين بدر وثغر الجار ستة عشر ميلا، أما ياقوت فيقول إن بينهما مسيرة ليلة واحدة. المصادر: (1) Reisen in Arabien: Burckhardt عام 1830, ص 614 - 619. (2) Travels in Arabia: Doughty ص 160. (3) البكرى: المسالك والممالك، طبعه فستنفلد، ص 141. (4) المقدسي: المكتبة الجغرافية العربية، جـ 3، . ص 82 - 83. (5) المسعودى: المكتبة الجغرافية العربية، جـ 8، ص 237. (6) ياقوت: المعجم، طبعة فستنفلد، جـ 1، ص 427 وما بعدها. (7) الواقدي، ترجمة فلهوزن، ص 37 - 90. (8) ابن سعد، طبعة سخاو، جـ 1، ص 6 - 18. (9) الطبري، طبعة ده غويه، جـ 1، ص 1241 وما بعدها. (10) تاريخ اليعقوبى، طبعة هوتسما، جـ 2، ص 45 - 46. (11) Annali dell Islam: Caetani، جـ 1، ص 472 وما بعدها. (12) Buhl في , Orientalische Studien جـ 1، ص 7 - 13. [بول fr. buhl]

+ بدر أو بدر حنين: بليدة جنوبي غرب المدينة على مسيرة ليلة من الساحل، وعند ملتقى طريق يخرج من المدينة بطريق القوافل الذي كان يسير من مكة إلى الشام، وهي تقوم في سهل طوله خمسة أميال (ثمانية كيلومترات)، وعرضه ميلان ونصف الميل (4 كيلومترات) يحيط به تلال وعرة وكثبان رملية، كما كانت بدر قاعدة لسوق. وببدر نشبت في اليوم السابع عشر (أو التاسع عشر أو الواحد والعشرين) من رمضان في السنة الثانية للهجرة (الموافق الثالث عشر أو الخامس عشر أو السابع عشر من مارس سنة 624 م) أول وقعة كبيرة في تاريخ النبي صلى الله عليه وسلم. ولدينا عن هذه الوقعة تفصيلات وافرة جاءت بها المصادر المتقدمة، ومع ذلك فإن من العسير أن نسوق بيانا واضحا بالمعركة والحوادث التي أدت اليها. والذي عليه الرأى الغالب أن أقدم وأوثق رواية في هذا الشأن هي الرسالة التي بعث بها عروة بن الزبير إلى الخليفة عبد الملك (أورده الطبري، جـ 1، ص 284 وما بعدها) وقد بلغ النبي أنباء بأن قافلة غنية بحملها كانت عائدة من الشام إلى مكة يقودها سفيان بن حرب زعيم عشيرة أمية، فجمع قوة تزيد قليلا عن ثلثمائة مقاتل (حوالي ثمانين من المهاجرين والباقي من الأنصار) وتقدم حتى اقترب من بدر آملا أن يقطع الطريق على القافلة. أما أبو سفيان فقد أرسل إلى مكة في طلب قوة تحمى القافلة وهي تعبر الإقليم الذي يسهل بلوغه من المدينة. ويقال إن المكيين قضوا أكثر من أسبوع في طريقهم من مكة إلى بدر، ومن ثم فإن أبا سفيان لا بد أن يكون قد أرسل في طلب هذه القوة قبل ذلك بوقت، وإن كانت المصادر تؤكد أنه لم يفعل ذلك إلَّا بعدما سمع بأن محمدا صلى الله عليه وسلم يعد العدة لقطع الطريق على القافلة. وكانت القوة المكية التي يقودها أبو جهل المنتمى إلى عشيرة مخزوم، تتألف من حوالي 950 رجلا من جميع عشائر قريش. وقد تلقوا قبل أن يبلغوا بدرا رسالة من أبي سفيان أنه استطاع أن

يخدع المسلمين بشق سبيله شقا متخذا طريقا أدنى للساحل من الطريق المألوف. ومع ذلك فإن أبا جهل مضى قدما إلى بدر غير مستمع إلى معارضة بعض الشيوخ وانسحاب رجال جيشه من عشيرتى زهرة وعدى، وراح يستعرض قوته، ولا شك أنه كان يحس هو وأنصاره أنهم من القوة بحيث لا يجرؤ النبي على مهاجمتهم (سورة الأنفال، الآية 49). والظاهر أن النبي لم يعلم بالحملة التي كان يقودها أبو جهل حتى مساء اليوم السابق للمعركة حين اعتقل بعض رجاله سقاء مكيا عند آبار بدر. وكان معسكر المكيين لا يزال بعد بعيدا عن الأنظار خلف تل من التلال. وكان مثل هذا اللقاء خليقا بأن ييسر على النبي أمر إقناع أنصاره بالقتال، ذلك أن الانسحاب في مدر هذه الظروف كان أمرا يخدش الشرف. وفي صبيحة اليوم التالي بادر محمد صلى الله عليه وسلم بالاستيلاء على الآبار، وملأها جميعا بالرمال إلَّا البئر التي هي أقرب الآبار إلى العدو، وأقام عندها رجاله. وبذلك اضطر العدو إلى أن يقاتل في سبيل مورد للماء يركن إليه، ولم يكن له في ذلك اختيار. وكل ما يمكن أن يقال عن سير المعركة أنه كان ثمة مبارزات فردية أعقبها اشتباك عام بين الجيشين، وأما الشيء المحقق فهو أن المكيين نزلت بهم هزيمة فادحة، فقد قتل منهم نحوا من سبعين رجلا (من بينهم أبو جهل ونيف وعشرة من وجوههم) وأسر قرابة سبعين أسيرا أفتُدوا بعد بمبالغ كبيرة، ولم يقتل من المسلمين إلَّا خمسة عشر رجلا تقريبا. وكان ذلك نكبة على المكيين، ولكنها لم تكن نكبة تعجزهم عن الحركة. صحيح أن فقد كثير من وجوههم كان خطيرًا، ولكن فقدان هيبتهم ربما كان هو أفدح ما أصابهم. وكان استرداد هذه الهيبة يقتضيهم أن يثأروا من النبي، على حين أن ذلك كان بالنسبة للمسلمين تأييدا لإيمانهم أفاءه الله عليهم (سورة الأنفال، الآية: 17, 43)، وقضى النبي وقتا طويلا يدعو ربه فيستجيب الله له ويعده بالنصر (سورة الأنفال، الآية 7، 9) ويرى المسلمون في

ذلك عقابا طالما أنذر به الكافرون، ومن يومها أصبحت مكانة النبي نفسه في المدينة أقوى بكثير. وأصبح من شهدوا بدرا من المسلمين، ويقال لهم "البدريون"، يعدون طبقة الأشراف ذوي الفضل، ويقال إنهم كانوا في معظم ما ورد عن "ديوان" عمر الطبقة العليا بين المسلمين. ونهض النبي بحملة ثانية على بدر في شعبان أو ذي القعدة سنة 4 هـ (يناير أو أبريل سنة 626) تحقيقا لوعد وعبد به أبا سفيان عندما انسحب من أحد. وكان لدى محمد صلى الله عليه وسلم ولدى المكيين قوات أكبر. ولكن لم يحدث قتال بين الفريقين. وقد ذكر بدرا الجغرافيون الذين كتبوا عن جزيرة العرب مثل ياقوت (جـ 1، ص 524) والبكرى (ص 141) والمقدسى (ص 82) والمسعودى (ص 237). ودرس الرحالة بورخارت j.L Burchardt موقع بدر على ضوء المعركة التي وعاها في ذهنه) سنة 1830, ص 614 - 619). المصادر: (1) المعركة: ابن هشام، ص 427 - 539. (2) الواقدي، ترجمة فلهاوزن، ص 37 - 90. (3) الطبري، جـ 1، ص 1281 - 1359. (4) Annali: Caetani جـ 1، ص 472 - 518. (5) Das Leben Muhammeds: fr. Buhl ليبسك سنة 1930, ص 238 - 245. (6) Muhammed: W. Montgomery Wattat Medina أوكسفورد سنة جـ 1956، ص 10 - 16. (7) The Battlefields of: M. Hamidullah , the Prophet Muhammad ووكنغ سنة 1373 هـ = 1953, ص 11 - 17. خورشيد [مونكومرى وات W. Montgomery Watt]

بديع

بديع من أسماء الله الحسنى. وكلمة بديع في معنى اسم المفعول يكون القصد منها "مُخْتَرَع" Discovered أو مبتدع، وهي من مصطلحات علم البلاغة وتدل على صور الكلام وأجناسه، ومن ثم كان علم البديع فرعا من علوم البلاغة. والشاعر ابن المعتز هو أول من ألف بالعربية في هذا الموضوع. وكلف الشعراء المتأخرون باستعمال جميع المحسنات البديعية في القصيدة الواحدة. وتعرف مثل هذه القصائد بالـ"بديعيات". وممن اشتهر بنظمها صفي الدين الحِلّي وابن حجة وغيرهما (انظر كتاب حاجى خليفة، Mehren: Rhetorik der Araber ص 97). تعليق على مادة "بديع": كانت كلمة بديع بمعناها الاصطلاحى في علم البلاغة تشمل المحسنات البلاغية والتشبيه والاستعارة وغير ذلك لأن علم البديع أول من وضع فيه كتبا سماه "البديع" هو ابن المعتز وقد جمع سبعة عشر نوعا منها الاستعارة والكناية والتجنيس وغير ذلك مما هو داخل الآن تحت علم البيان وعلم البديع وعلم المعاني، لأن تخصيص مسائل هذه العلوم ومعرفة حدود كل لم يعرف حينذاك، فإن أول ما عرف منها "البديع" حتى جاء عبد القاهر الجرجانى فحدد موضوعات المعاني والبيان. فعلوم البلاغة على أيام عبد القاهر تميزت وانفصلت وكان ذلك في القرن الخامس الهجرى، ثم جاء بعده السكاكى المتوفى عام 626 هـ فألف كتابه "مفتاح العلوم" جعله في النحو والصرف والمعانى والبيان والبديع فانمازت الحدود ووضحت الرسوم، ولم يأت بعده من زاد شيئًا من أصول علوم البلاغة الثلاثة إلَّا ما كان من علم البديع، فإن علماء مصر والشام قد زادوا على ما وضعه أهل المشرق فيه. وقد أوصله ابن أبي الإصبع المصري المتوفى عام 654 هـ إلى التسعين وأضاف إليها من مستخرجاته ثلاثين وسمى كتابه "تحرير التحبير" في البديع، ثم زادت

بديع الزمان

الأنواع البديعية عن ذلك كثيرا حتى وصلت إلى مائة وأربعين نوعا. واول من نظم قصيدة سرد فيها أشكال البديع وسميت من ثم "بديعية" الشاعر صفى الدين الحلى المتوفى عام 750 هـ ومطلع بديعيته: إن جئت سلعا فسل عن جيزة العلم ... وأقر السلام على عرب بذى سلم جمع فيها مائة وأربعين نوعا وجعل كل بيت منها مثالا شاهدا لذلك النوع وذكر اسم النوع البديعى إلى جانب البيت وسمى منظومته "الكافية البديعية" وله عليها شرح لطيف، وتلاه عز الدين الموصلى المتوفى في حدود عام 1397 م ومطلع بديعيته: براعة تستهل الدمع في العلم ... عبارة عن نداء المفرد العلم وعقبة تقى الدين بن حجة الحموى المتوفى عام 837 هـ (1433 م) ومطلع بديعيته: لي في ابتداء مدحكم يا عرب ذي سلم ... براعة تستهل الدمع في العلم والتزم فيها تسمية النوع وعلق عليها شرحا مطولا أصبحت به بديعيته سفرا جليلا سماه "خزانة الأدب"، وتلاه عبد الغنى النابلسى المتوفى عام 1134 هـ (1731 م) (ونظم بديعيتين لم يلتزم في أولاهما تسمية النوع والتزمها في الثانية، ومطلع الأولى: يا منزل الركب بين البان فالعلم ... من سفح كاظمة حييت بالديم ومطلع الثانية: يا حسن مطلع من أهوى بذى سلم ... براعة الشوق في استهلالها ألمى وسمى منظومته "نسمات الأسحار". ثم هناك بديعيات أخرى بعد ذلك. وكل هذه البديعيات من بحر البسيط وعلى روى الميم وكلها في مدح النبي وفي مدح أصحابه. عبد الوهاب حمودة بديع الزمان (358 - 398 هـ) أبو الفضل أحمد بن الحسين بن سعيد بن يحيى بن

بشر، ولقبه بديع الزمان، وهو شاعر وكاتب رشيق العبارة، قرأ في بلده همذان على أحمد بن فارس وغيره من النحاة. وفي سنة 380 للهجرة ذهب إلى الري، حيث نال الحظوة لدى الصاحب ابن عباد فترة من الزمان، ثم خرج منها إلى جرجان حيث عاش في رعاية أبي سعيد محمد بن منصور. وفي سنة 382 للهجرة ذهب إلى نيسابور ودخلها فقيرا مجردا إذ خرج عليه اللصوص في الطريق وسلبوا ما كان معه. ولقيه أبو بكر الخوارزمى شيخ الأدباء في عصره على غير ما كان يحب، وما لبث أن دعى ليناظره في فروع الأدب في جمع من الناس. وقد ذكر لنا في وصفه لهذه الحادثة أنه انتصر على أبي بكر (ترجم هذا الوصف فون كريمر V. Kremer في - Kul turgesch، جـ 2، ص 471 وما بعدها) وإن كان هذا يبدو محلا للشك. وأذاعت هذه الحادثة صيته، ولما توفى الخوارزمى بعد ذلك بسنوات خلفه بديع الزمان في مكانته. ووجد حماة له في خراسان وسجستان وغزنة، ثم استقر به الأمر في هراة، وهناك تزوج من ابنة الحسين بن محمد الخشنامى. ويظهر أن مقامات البديع، وهي إحدى مصنفاته، قد أهداها إلى خلف بن أحمد أمير سجستان الذي نجد وصف رعايته للبديع في الرسالة رقم 173. وكانت كلمة "مقامة" قبل بديع الزمان معناها "العظة" (انظر: مروج الذهب، ص 431) أو الخطبة (انظر: الجاحظ: كتاب البلغاء ص 218, س 13). فلما أطلقها بديع الزمان على ما أنشأ أصبح لها ما يشبه معنى الكلمة اليونانية "ميمه" ومعناها "الحوار الممتع". ويزعم الهمذانى أنه أنشأ أربعمائة مقامة ليست واحدة منها كالأخرى. وهذا الزهو لا يبرره ما بقى لنا من مجموعة مقاماته التي تشتمل على إحدى وخمسين مقامة، بعضها يشبه البعض الآخر. وموضوع هذه المقامات في العادة هو "الكدية" أي إعمال الحيلة لكسب المال، وفيها يظهر البطل شيئًا من العلم والفصاحة والبداهة. ويحسن أن نقول إن بعض المقامات تصف الحياة في

بغداد في عهده، أما البعض الآخر فيتكلم عن تاريخ قديم مثال ذلك: المقامة التي يظهر فيها الشاعر ذو الرمة، والمقامة التي تتحدث عن محمد بن إسحاق الصَّيْرى المتوفى في سنة 275 للهجرة، والمقامة التي تصور مشهدا في حياة سيف الدولة المتوفى سنة 356 هـ. وموضوعات هذه المقامات تتضمن المناظرة في الدين، والمواعظ والأحاجى الشعرية، كما تتضمن أيضًا حيل الشحاذين واللصوص. ويذهب الحُصْرى إلى أن مقامات بديع الزمان أخذ فكرتها عن الأربعين حديثًا لابن دريد (انظر: زهر الآداب، جـ 1، ص 254. طبعة 305 هـ). أما رسائل بديع الزمان، ويبلغ عددها 233 رسالة، فأغلبها مكاتبات خاصة بذل في تدبيجها من الجهد ما يجعلها جديرة بالنشر. وأغلب الذين كتبت إليهم هذه الرسائل كانوا من ذوي المجد والشهرة، وإن كان لا يذكر منهم الآن إلَّا القليل مثل: المؤرخ ابن مسكويه والأديب أبي بكر الخوارزمى. وموضوع هذه الرسائل في العادة أمور خاصة كطلب إعادته بعض الكتب، أو الشكوى من خراجه، وبعضها يتناول مسائل أعظم خطرا كالرسالة رقم 167 التي تصف انتشار الزندقة الشيعية. وقد اختار الثعالبى (يتيمة الدهر، جـ 4, ص 195 - 224) منتخبات من شعر البديع أوردها في يتيمته، واختار غيرها ياقوت وذكرها في معجمه، أما الديوان الذي نشره في القاهرة عبد الوهاب رضوان ومحمد شكرى سنة 1903 م فلا يشتمل إلَّا على 84 صحيفة، وأغلب قصائد البديع أنشاها في مدح سادته. طبعات المقامات: طبعت في الآستانة سنة 1298 هـ, وفي بيروت سنة 1367 هـ وهي طبعة منقحة وعليها شرح للشيخ محمد عبده، وطبعت في القاهرة حوالي سنة 1910 م وعليها شرح لمحمد محمود الرافعي. طبعات الرسائل: أما الرسائل فطبعت في الآستانة سنة 1298 هـ, وفي القاهرة سنة

براءة

1304 هـ على هامش خزانة الأدب لابن حجة، وطبعت في بيروت سنة 1890 م وعليها شرح لإبراهيم أحدب الطرابلسى. وقد أحصى بروكلمان ما كتب في اللغات الأوربية عن الهمذانى (جـ 1، ص 94). وترجمة البديع التي ذكرها ياقوت في معجم الأدباء (جـ 1، ص 94 - 118) أخذ معظمها عن الثعالبى ونقل بعضها عن كتاب تاريخ همذان لشيرويه. [مركوليوث D .. S. Margoliouth] براءة كلمة عربية معناها الخلاص من الشيء أو التحرر منه. ويستعملها أهل الشام بمعنى: امتياز أو جواز سفر أو إجازة علمية. ومن هذا القبيل البراءة (برات) التي تمنحها الحكومة العثمانية إلى الأساقفة قبل مباشرتهم لأعمال منصبهم. وقد وردت هذه الكلمة بآية لها شأنها في صدر سورة براءة، وفيها يأمر الله المؤمنين على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم بالحج وبرعاية العهد في الأشهر الحرم. فالزمخشرى يقول إنه كان هناك عهد بين المسلمين وبين مشركى مكة وغيرهم من العرب، ثم إن المشركين نقضوا هذا العهد إلَّا أناسًا منهم هم بنو ضَمْرَة، وبنو كنانة، فقرأ محمد صلى الله عليه وسلم على المؤمنين الآية التي نزلت عليه، وهي "براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين" ويفسر المسعودى هذه الآية في كتابه التنبيه والإشراف (ص 360) فيقول: "ثم وجه النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر الصديق رضي الله عنه في ذي الحجة ليحج بالناس ونزلت عليه سورة براءة فبعث بسبع آيات من صدرها مع على بن أبي طالب وأمره أن يقوم بها على الناس بمنى إذا اجتمعوا وقال: أذن في الناس أنه لا يدخل الجنة كافر ولا يحج بعد هذا العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان. ومن كان له عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد فهو له إلى مدته. وأجل الناس أربعة أشهر من يوم تنادى ليرجع كل قوم إلى مأمنهم، ثم لا عهد لمشرك ولا ذمّة".

وتقول الروايات إن هذه الحوادث وقعت سنة تسع للهجرة. المصادر: - Oordns: Noldeke Geschichts des Schwally الطبعة الثانية، ص 222. [كاراده فو B. Carra de Vaux] 1 - براءة هذا الاسم مشتق من الأصل العربي برء الذي يستعمل في كثير من الأحيان للدلالة على المعنى العام: "الخلاص، الإعفاء" (من واجب أو من تهمة -ومن ثم "البراءة"- من خطر أو مسئولية) وهو معنى يتكرر في القرآن. ويرتبط بهذا فكرة "البرء من داء، الشفاء" الذي يعبر عنه هذا الأصل أيضًا في اللغة العربية الفصحى. وثمة، بلا شك، سبب وجيه يحملنا على أن ندرك أن برء بمعنى خلق مأخوذ من اللغة السامية الشمالية، وهو معنى قرآنى أيضًا حين يكون الحديث عن الله (Qoran: Jeffery ج Foreign vocabulary of the باروده سنة 1938, ص 76). وترد كلمة "براءة" مرتين في القرآن، فهي تدل بلا ريب في الآية 3 من سورة القمر على "الأمان، الحِل" على أن تفسيرها حين ترد في بداية سورة التوبة (وبراءة هي أيضًا اسم من الأسماء التي تطلق على هذه السورة) أمر فيه بعض المشقة: "براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين"، والآية التالية التي تجعل العهد أربعة أشهر قد تثير الافتراض بأن الإشارة هنا إلى "الأمان والإمهال". على أن التفسير المأثور يشرح هذه "البراءة" على أساس من الآيتين 3، 5 اللتين تجعلان الله والرسول بريئين من المشركين (انظر ترجمة بلاشير للقرآن وتعليقاته) وعلى ذلك فإن البراءة تشير إلى "النكث بالعهود" وهو ضرب من النبذ من الجماعة أو الإخراج من حظيرة الدين تكون معقّباته المخيفة هي النقيض تماما للأمان: "والحق إن "برئ" هو المصطلح الذي يطلق على شخص أو أشخاص قطعوا كل علائقهم بشخص أو بجماعة، والغالب أن ينصب ذلك على إخوانهم في القبيلة. ويدخل المصطلح براءة في تلك العبارات التي تدل على

"الإقصاء أو الإبعاد من حماية الشرع" و"يمين البراءة" هي اليمين التي ذمها الحديث (انظر بخاصة: أبا داود: السنن، رقم 3258) وإن كانت قائمة اليوم، ومحصلها أن يحلف شخص أنه يكون بريئا من دين الإسلام ومن أمان الله إذا كانت يمينه باطلة. ويقول الشيعة بالبراءة من أعداء على وذريته، وهذه البراءة تقابل الولاء لهذا البيت (وعلى خلاف الشعيرة الكاملة لبراءة الولاية انظر ذم المذهب الحنبلي في - La pro fession de: H. Laoust foi d'ibn Batta، دمشق سنة 1958، ص 162). والأحوال المخزية [للمشركين] التي اقترنت بكلمة براءة على ضوء هذا المفهوم تبرر في قول بعض فقهاء المسلمين أنه لم يكتب في أول سورة التوبة باسم الله على خلاف سائر السور. ويرد في مصطلح الفقه "براءة الذمة" أو "البراءة" فحسب أي "البراءة من الالتزام بشيء"، مثال ذلك أن "بيع البراءة" هو البيع الذي يخلو من الضمان فيكون فيه البائع محررا من أي التزام في حالة وجود عيب في السلعة يبيح في الأحوال العادية فسخ البيع (انظر Instituzioni: Santillana جـ 2، ص 149 عن وجود تشابه عجيب في الصيغ بهذا الشأن بين مصر الإسلامية وتوسكانيا المسيحية)، ومن ثم يستعمل مصطلح "تبرئة" استعمالات مختلفة للدلالة على جميع ضروب الأفعال المعلنة لشيء أو المرتّبة له التي تحلّ من المسئولية. ويمكن أن نذكر "التبرئة" المتبعة الآن بين بدو مراكش، وهي "غرامة يؤديها والدا القاتل لوالدى القتيل نظير استمراره في العيش بين ظهرانى القبيلة" (Textes: Loubignac arabes des Zober، باريس سنة 1952، 359). وانظر أيضًا الاستعمال المماثل لبراءة > براه الملحوظ في إقليم بيت لحم (حدّاد des Deutschen Pa- Zeitschrift laestinavereins , في سنة 1917، ص 233). ويمكن أن نذكر في هذا المقام المصطلحات المشتقة من براءة: (1) "المبارأة" وهي ضرب من الطلاق يتم بموافقة الطرفين يبرئ

الزوج والزوجة نفسيهما بنزول الجانبين عن كل مالهما من حقوق (Grundzuege: Bergstraesser-Schacht, ص 85، jnstiuzioni: santillana جـ 1، ص 272, ابن رشد: بداية، طبعة القاهرة سنة 1935, جـ 2، 66، وهو يسوق تعريفا دقيقا بالمقارنة ببعض صيغ الطلاق الأخرى). (2) "الاستبراء" وله مدلولان متمايزان كل التمايز (أ) استبرأ الجارية: لا يمسها حتى تبرأ رحمها ويتبين حالها هل هي حامل أو لا، وذلك قبل انتقالها إلى سيد آخر (ب) فعل يأتيه المرء بيده اليسرى ليستفرغ بقية البول وينقى موضعه ومجراه حتى يبرئهما منه، أو الاستنجاء الذي يجب أن يعقب إزالة الضرورة (لسان العرب، جـ 1، ص 25، أبو الحسن: على رسالة ابن أبي زيد، طبعة القاهرة سنة. 1930, جـ 1، ص 144). وننتقل بعد إلى النظرية العامة في الفقه كما نجدها في الكتب القديمة، فنجد أن فكرة البراءة فيها ماثلة في القاعدة التي يرتضيها أهل السنة بعامة ويؤيدها مذهب الأشعرى وهي: "الأصل براءة الذمة" ومعنى هذا بحسب الرأى الذي يأخذ به المرء أنه لا التزام يقيده إلَّا ما حدده الله, أو أنه في حالة غياب الدليل على العكس فإن القول الطبيعي هو البراءة من الالتزام. و"البراءة الأصلية" بالمعنى الأول تشمل فكرة دينية، وهي أنها تناقض نظرية المعتزلة التي تقوم على مفعولية الأحكام في جملة من الأفعال الإنسانية، وترى أن جميع الأفعال الأخرى السابقة للشريعة المنزلة والتي لا تخضع للتقويم العقلى تكون جميعها غير شرعية (في رأى البعض) أو جميعها مباحة (في رأى آخرين) أو ليست لها صلاحية شرعية (في رأى فريق ثالث، انظر الغزالى. المستصفى طبعة القاهرة سنة 1937, جـ 1, ص 40 - 42, 127 - 132, أو انظر أحسن من ذلك. الآمدى. الإحكام، طبعة القاهرة سنة 1914) , وهذان الكتابان يرفضان نظرية المعتزلة. إلَّا أن علماء أهل السنة جميعًا أو يكادون (ويذكر في هذا المقام استثناءان لذلك عند المالكة ذكرهما

الباجي في الإشارات، طبعة تونس سنة 1351 هـ, ص 123, 130 - 131, وينادى بحث Lapanne-Joinville في - tra vaux Semaine Internat. Droit Mustman، باريس سنة 1952، ص 85 بتصويبات معينة) يرون أن الأحكام الشرعية تقوم على الإطلاق وبلا استثناء على الشريعة المنزلة. وقبل نزول هذه الشريعة وفي خارج نطاقها لا يكون لأفعال الإنسان "حكم". وهذا الضرب من العزوف من حيث المبدأ عن الحكم، وهو عزوف يجب ألا يلتبس بالإباحة، ينكر فكرة قيام أي التزام. أما بالمعنى الثاني الذي لم يحاول المؤلفون مع ذلك أن يفرقوا بينه وبين المعنى الأول (والخلط واضح في كتب الشافعية والحنفية المسماة "الأشباه والنظائر": انظر السيوطي، طبعة القاهرة سنة 1298 هـ, ص 29) فإن "البراءة الأصلية" سواء اقترنت بمبدأ "استصحاب حال" أو لم تقترن فإنها تدعم من حيث النظر حلولا لا حصر لها (سواء كانت قواعد فقهيه حاسمة أو فروضا فقهية فحسب)، وذلك في ميدان الفقه كله (Lapanne-Joinville: بحثه المذكور، ص 82 - 88, Brunchvig في Levi Della Studi Vide جـ 1، ص 75). على أن كلمة "براءة" قد استعملت استعمالا متزايدا بمعنى حسى للدلالة على وثائق مكتوبة مختلفة الأنواع (والجمع "براءات" أو "براوات") بحكم تطور في المعنى يبدأ بفكرة "الأداء" وإن شئت الدقة فهي بلا شك " الأداء المالى والإدارى" (الخوارزمى: مفاتيح العلوم (¬1)، طبعة القاهرة سنة. 1930, ص 37 Islamic Taxation: Lokkegaard، كوبنهاغن سنة 1950، ص 59 , iran in fruethislam. Zeit.: Spuler فيسبادن سنة 1952، ص 338 - 458). ويرد المعنى الأول في نصوص المعاملات التي تتعلق بالمكوس الجمركية، وفي المعاهدات التي كانت تبرم مع الدول المسيحية منذ القرون الوسطى، وخاصة ما كان يبرمه منها الحفصيون (بين القرنين الرابع عشر والخامس عشر الميلاديين) وكان اللفظ يرد فيها بالنسخ اللاتينية أو الرومانية ¬

_ (¬1) الذي جاء في نص كتاب الخوارزمى: مفاتيح العلوم: "البراءة حجة يبذلها الجهبذ أو الخازن للمؤدى بما يؤديه إليه.

Traits de Paix et de: ) , Arabra, Albara Commerce Mas-Latrie باريس سنة 1866 - 1872، ارجع إلى الحاشية). ويستطيع المرء كذلك؛ أن يحيى في هذه المواضع بمعنى "الرخصة الرسمية" التي اكتسبتها الكلمة. وما إن حل هذا الوقت حتى أصبحت تستخدم فيما نستطيع أن نسميه "رخصة، شهادة، إجازة" وهي الألفاظ التي نطلقها على مختلف الوثائق المكتوبة التي تصدر من الهيئات الأدارية أو تقدم إلى هذه الهيئات، مثال ذلك "المطالبة المالية أو أمر الأداء"، "جواز سفر" (Suppl.: Doz' ج 1, ص 63) و"علامة يرفقها " الأمين" بسلعة (السقطى: Manuel de Hisba . طبعة كولان وليفى بروفنسال، باريس سنة 1931, ص 61)، و"التماس أو عريضة تقدم للسلطان" (Berbere Orientale: Brunschvig, ج 2، ص 144, تعليق 3). وقد جمعت لغات شبة جزيرة أيبيريا واحتفظت بمعان من هذا القبيل مثل الكلمة القطلونية albara والكلمة القشتالية: albala, والكلمة البرتغالية: alvara . N WA وتعرف اللغة العربية الفصيحة المحدثة المصطلح "براءة التنفيذ" الذي يطلق على البراءة التي تمنح للقنصل، و"براءة الثقة" التي تطلق علي أوراق الاعتماد الدبيلوماسية (انظر معجمى Wehr, و Bercher). وفي العربية العامية بشمالى إفريقية يشيع استعمال: براءة) برا، والغالب أن يكون ذلك بصيغة التصغير "بريّة" ومعناها "الخطاب، أو الرسالة أو التذكرة" فحسب (ومن ثم الكلمة البربرية برات ولها نفس هذا المعنى). أما في فاس فقد أدى تطور معنى "بريّة" إلى إطلاقها في العربية علي فطيرة مرقوقة على هيئة فطيرة تطوى كطى الرسالة (Textes arabed de: Brunot Rabat, ج 2، الحاشية، باريس سنة 1952, ص 40). ويجب علينا آخر الأمر أن نذكر المصطلح الكثير الشيوع في الشرق وهو"ليلة البراءة" بالتركية "برات كيجه سى" وبالفارسية: "شب برات" وهو يطلق علي ليلة النصف من شعبان، وتعد من الأعياد الدينية (انظر البحث

الذي قدمه ح. خ. أردم: برات كيجه سى حقنده بر تدقيق، أنقره سنة 1953). وقد فات المعنى الدقيق لهذه الكلمة هنا عن الكاتب لأن جميع التفاسير التي تسوقها التفسيرات المأثورة أو العلماء الغربيون ليست مقنعة، وهي: "الأمان" (لأولئك الذين كتب لهم الحظ السعيد في هذه الليلة)، و"الوحي" (نزل به جبريل على محمَّد - صلى الله عليه وسلم -) و"الخلق" (للكلمة: ويشير هذا هنا إلى اللفظ العبرى "بريئة" انظر بلسنر، في دائرة المعارف الإسلامية، الطبعة الأولى، مادة "رمضان"). ولعل من المناسب أولًا لتوجيه البحث الاشتقاقي أن نفصل بقدر ما يسعنا من دقة في أمر قدم المصطلح والظروف المحيطة بمنشئه، ذلك أننا لا نجده شائعا في نصوص القرون الوسطى التي تتناول الاحتفال بليلة النصف من شعبان. والاستعمال الإدارى للمصطلح في ظل الأتراك العثمانيين قد تطور بصفة خاصة بصيغة "برات" (انظر ما يلي) التي يميزون بينها وبين صيغة براءت. المصادر: ذكرت في صلب المادة. خورشيد [برنشفيك R. Brunvschvig] (2) وقد طور الخوارج موضوع "البراءة" بما يعرف عنهم من غيرة دينية وتوكيد لانفصالهم عن غيرهم، فالبراءة عندهم، على خلاف الولاية التي هي الواجب العقيدى للتضامن وبذل العون المفروض على المسلم، هي واجب إنكار كل من لا يستحق هذا الاسم، ونستطيع أن نجد عند مؤرخى الفرق جميعًا التطبيقات الخاصة التي أخذت بها الفرق المتعددة إزاء مبدأ "البراءة". ونحن إنما نستطيع أن نهتدى إلى عرض مباشر كامل لهذه المسألة عن طريق علماء الأصول الإباضية. وأقدم نص انتهى إلينا هو لأبي زكرياء الجناونى (القرن السادس الهجري = القرن الثاني عشر الميلادي) وهو يفرض على البالغ الرشيد أن يبرأ من: (أ) الكافرين في الدنيا والآخرة، أحياء أو أمواتا، معروفين أو مجهولين. (ب) "الإِمام الظالم" (ج) "المذمومين" في القرآن،

براق

و"الموصوفين بالمعصية". (د) المرء المعروف بشخصه الذي يرتكب الكبيرة. والحكم في أمر أطفال الأشخاص الذين تجوز عليهم البراءة يرجأ حتى يبلغوا سن الرشد. و"البراءة" تبطل إذا كفَّر عنها المذنب بالتوبة. المصادر: (1) أبو زكرياء الجناونى: كتاب الوضع في الفروع، القاهرة سنة 1303 هـ, ص 110 وما بعدها. (2) Ueber die religioesen: Sachau -Anschauungen der Ibaditischen Mu -hammedaner in Oman und Ost Afrika Mitteilungen des في Semi- fuer Orientalische Sprachen, nars Westasiatische Studien سنة 1899, ص 67 وما بعدها. (3) L'Aqida des Amadhites: Motylinski في. Rec. XIV Congr des Or ص 409 وما بعدها. خورشيد [روبيناتشى R. Rubinacci] براق أطلق هذا الاسم الذي يتصل بالبرق في الأثر للدلالة على ما امتطاه النبي ليلة المعراج. وقد أشير في القرآن (سورة الإسراء، الآية الأولى، سورة النجم، الآيات من 1 - 18) إلى رؤيا للنبي رأى فيها أنه حُمل من مكة إلى بيت المقدس، وصعد من هناك إلى السماء. والحيوان الذي امتطاه النبي لا يصفه القرآن ولا يذكر اسمه، ولكن المفسرين يقولون إن محمدا كان في تلك الليلة في الحجر بالبيت الحرام وجاءه جبريل بالبراق. وقد وشّيت هذه الأسطورة كثيرا وأصبحت موضوعا من الموضوعات المحبوبة التي توحى إلى الشعراء ومصورى المنمنمات. وهناك أوصاف مستفيضة للبراق تصوره على هيئة فرس لها رأس امرأة وذيل طاووس. ويوجد مقال قيم عن هذا الموضوع في Magasin Pitteresque (1876 م، ص 304)، أعيد فيه نشر منمنمة فارسية عجيبة.

تعليق على مادة "براق"

وقد نشرت صورة أخرى للبراق في نفس المجلة (سنة 1884 م، ص 4)، أخذت عن مخطوط أويغورى مشهور يشتمل على ترجمة القصيدة الفارسية عن ليلة المعراج المنسوبة لفريد الدين العطار (طبعة Pavet de Courteille, وانظر أيضًا، أبو الفدا، والبخاري إلخ)، وقد امتطى البراق أيضًا إبراهيم عندما ذهب لزيارة ابنه إسماعيل في منفاه بمكة (انظر الطبري: تاريخ الفرس، ترجمة زوتنبرغ، ج 1، ص 165). [كارا ده فو B. Carra de Vaux] تعليق على مادة "براق" في حديث الإسراء والمعراج أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ليلة أسرى به أتى بدابة "دون البغل وفوق الحمار أبيض، يضع خطوه عند أقصى طرفه" وهذا هو الوصف الوارد في الأحاديث الصحاح للبراق. وهي أحاديث لا شك في صحتها عند أهل العلم بالحديث. بل هي في جملتها متواترة قطعية الثبوت. وهذا الوصف وصفه به النبي - صلى الله عليه وسلم -، ليس من أقوال المفسرين كما يزعم كاتب المادة. وإن لم يصدق هو وأمثاله ذلك فلا شأن لنا بإقناعهم، إذ أن هذه الشئون من الغيب الذي لا يدخل تحت الحس والمشاهدة، فلا يؤمن به إلا من يؤمن بأصل الإسلام، وبنبوة محمَّد ورسالته، فمن شاء أن يناظر فليناظر على أصل الإِسلام أولًا. وقد كان لكاتب المادة مندوحة أن يتحاشى الألفاظ الجافة في تعبيره. وهذا البراق ليس حيوانا كما يظن الكاتب من ظاهر لفظ "دابة" الذي عبر به عنه في الأحاديث, لأنه من أمور الغيب التي أخبرنا بها النبي - صلى الله عليه وسلم - مما وراء هذه المادة التي في متناول الحس البشرى. ولا يستطيع العقل الإنسانى أن يفهم مدلول هذه الأشياء الخارجة عن نطاق قوته التي منحت له: إلا بالتعبير عنها بألفاظ تدل على مدلولات مما يُحَس ويُرى ويشعر، كما جاء وصف الجنة والنار في القرآن الكريم والأحاديث النبوية، وكما جاءت بعض أوصاف في الأديان السابقة، على لسان الأنبياء قبل نبينا, صلى الله عليهم أجمعين.

إن هذه الأمور الغيبية إنما أمرنا بالإيمان بها كما وردت، لا نتكلف أن نصورها بأكثر مما عبر عنها الله في كتابه أو رسوله في سنته، وقد جعل الله من أول فضائل المؤمنين أنهم (الذين يؤمنون بالغيب) فيصدقون رسولهم فيما أخبرهم، مما غاب عن حسهم وقصرت عقولهم عن إدراكه، وليس بضارهم شيئًا أن يؤمنوا به، بل في الإيمان به كل الخير: ثقة النفس بالله، والاعتراف بقدرته وضعف الإنسان فيتبع أوامر ربه كلها، فيما فهم وما لم يفهم، وفيما أحب وفيما كره {الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [سورة البقرة آية 1 - 3]. والمثل على ذلك حاضرة. يأمر أحدنا طفله بأمر كله لطفله نفع ورضى، والطفل يعجب لأبيه، ويرى أمره أحيانا مخالفا عقله الصغير, وليس بمستطيع أن يدخله في نطاق تصوره، ومع ذلك يأبى أبوه إلا أن يلزمه الطاعة ولعله في بعض الأمور لو خالف أبا كان فيها هلاكه. ويرى الرجل العاقل أشياء من عمل من هم أكبر منه عقلا وعلما، ينكرها ويجزم بأنها خطأ لا صواب فيه، ثم إذا أمكن لغيره أن يفهمه علتها أو ملابساتها علم أنه أنكر صوابا. وأن العلة إنما كانت في قصور فهمه. وإنا لنقرأ كثيرا عن أبحاث الراصدين من علماء الفلك فنجد فيها أخبارا عما ظهر لهم من الرصد والحساب من أبعاد الكواكب من الأرض التي نعيش عليها, لا يمكن للرجل العادى الذي لم يدرس هذه العلوم أن يتصورها (بعض الكواكب يبعد عن الأرض 220 ألف سنة ضوئية، أي باعتبار أن الضوء يسير في الفضاء بسرعة 186 ألف ميل في الثانية الواحدة) وإنما يصدّق بها ثقة بالعلماء الذين بحثوا ونقبوا، وقد يكون الخطأ في حسابهم جللا, ولعل الغلطة في رقم من أرقام حسابهم تنتج فروقا بما لا يتصور عده من ملايين الأميال. هذا كله في عقل إنسانى أمام عقل إنسانى، فماذا نرى في عقل إنسانى ضعيف أمام قدرة الخالق وعلمه الذي

البرامكة

يحيط بكل شيء؟ {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} [سورة الكهف: 109]. وأما ما نقله الكاتب من أن بعض الناس تخيل صورة البراق فصوره أو وصفه فذلك شيء لا يعرفه الإِسلام ولا المسلمون، ولسنا نعبأ إلا بالبراءة منه. وقد تعرض الكاتب للإشارة إلى الإسراء والمعراج وعبر عنهما بأنهما رؤيا للنبي - صلى الله عليه وسلم -، وله شيء من العذر في هذا، إلا في نسبته إلى النبي، فإن الأحاديث الصحيحة المتواترة صريحة في أنهما لم يكونا في عالم الرؤيا، إنما كانا في اليقظة، بالجسم والروح، وكان هذا موضع الإعجاز، وكان هذا مما أنكرته قريش، ومما ارتد بسببه بعض ضعفاء الإيمان إذ ذاك، ولم تكن قريش لتكذب رجلًا يدعى أنه يرى رؤيا في المنام، فإن هذا مما يمكن أن يكون لكل إنسان، إنما هم ينكرون شيئًا معجزًا خارجا عن حدود القدرة البشرية، وكاتب المادة إنما تبع في كلامه بعض من أخطأوا من الكاتبين الإِسلاميين فزعموا أن الإسراء والمعراج بالروح، توهما منهم لحديث زعموه عن عائشة أنها ما فقدت جسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة الإسراء، وهو حديث لا أصل له ولا إسناد. بل هو حديث مكذوب مفترى، وعائشة كانت حين الإسراء طفلة صغيرة، والنبي - صلى الله عليه وسلم - إنما دخل بها بالمدينة، والإسراء كان بمكة قبل الهجرة. أحمد محمَّد شاكر البرامكة 1 - أسرة فارسية من أبنائها الوزراء الأولون من الفرس للخلافة الإِسلامية، وليس "برمك" اسم شخص، وإنما هو لقب يطلق على الموبذ في "نوبهار" وهو منصب ديني وراثى. وكانت الأراضي الملحقة بالمعبد في يد أبناء هذه الأسرة أيضًا، ومساحتها حوالي 740 ميلا مربعا (طولها ثمانية فراسخ وعرضها أربعة) أي أكبر قليلا من مساحة إمارتى ليب Lippe وشامبورغ ليب Schaumburg-Lippe معا. وظلت هذه الضياع، أو جزء منها، في

حوزة البرامكة إلى عهد متأخر. ويقول ياقوت في حديثه عن قرية "روان" (¬1) الكبيرة والكثيرة الخير شرقي بلخ إنها كانت ليحيى بن خالد بن برمك (ج 2, ص 942). و"نوبهار" اسم مشتق من كلمتين سنسكريتيتين هما "نفا" و"فهاراه" ومعناهما المعبد الجديد، قال بذلك الحاج الصينى هوان جوانغ في القرن السابع لميلاد المسيح Memoires sur les contrees occidentales), ترجمة St. Gulien . ج 1، ص 30 وما بعدها Histoire de la vie de Hiouen-Thsang, ص 64) بل لقد عرف هذا المعبد بعض جغرافيى العرب مثل ابن الفقيه (طبعة ده غويه، ص 322) الذي قال إن نوبهار تعبد فيه الأوثان وليس بيتا من بيوت النار، وإذا أغفلنا بعض مبالغات ابن الفقيه فإننا نجد أن وصفه ينطبق تماما على المعبد البوذى. ولقد حاول الفرس أن يربطوا بين هذه الأسرة الفارسية الأصل وبين ما أثر عن الدولة الساسانية لأسباب لا تخفى، فجعلوا المعبد البوذى بيتا من بيوت النار (ياقوت، ج 4، ص 819 وما بعدها) ونسبوا إنشاءه إلى ملوك الفرس الأقدمين، كما زعم موابذته أنهم من سلالة وزراء آل ساسان (سياستنامه، طبعة Schefer ص 151) ولعل هذه المزاعم لم تنشأ قبل عهد هارون الرشيد ثم ذاعت في المؤلفات المتأخرة التي لم تتأثر بها الروايات المحلية فحسب "فضائل بلخ في - Chres tomathie persane: Schefer ج 1، ص 71) بل تأثر بها العلماء المحدثون أيضًا (A literary History of: Browne Persia, ص 257). وليس من المستحيل أن يكون ابن المقفع، وهو فارسى الأصل، قد وضع أقوالًا كهذه، والحق إن معاصره خالدا لم يكن له من النفوذ أيام أبي العباس والمنصور ما كان ليحيى في عهد هارون الرشيد، ولكن مكانته وكرمه الذي جر المنافع على أهل بيته جميعًا كانا يغريان بوضع الروايات الفارسية التي تعظم من شأن البرامكة (ابن الفقيه، ص 317). ¬

_ (¬1) في معجم البلدان، طبعة القاهرة عام 1324 هـ. ج 4، ص 615 أنها "بليدة من نواحى طخارستان شرقي بلخ ليست بالكبيرة".

ويقول البلاذرى (طبعة ده غويه، ص 409) أن النوبهار خرب في عهد معاوية، والراجح أن ذلك كان بُعيد عام 42 هـ الموافق 663 - 664 م Marquart: Emamshah (ص 69). ويقول الطبري إن الأمير نيزك، وهو من أهل البلاد، صلى في نوبهار في زمن متأخر يرجع إلى عام 90 هـ (708 - 709) وليس لدينا عن آخر البرامكة أبي خالد وأسلافه إلا روايات أسطورية، ولم يستطع ابن خلكان نفسه أن يجزم بإسلام برمك، ويذهب ابن الفقيه (ص 324) إلى أن خالدا هو ابن برمك هذا من ابنة أمير صغانيان، ويروى الطبري (ج 2، ص 1181) (في حديثه عن حملة قتيبة بن مسلم على العصاة في بلخ عام 86 هـ الموافق عام 705 م أن زوج الموبذ كانت من السبايا. وأنها أمضت ليلة مع عبد الله أخي قتيبة وأنها حملت بخالد في هذه الليلة، ثم أطلق سراحها مع بقية الأسرى. وظاهر مما أضافه الطبري عن أصل هذ القصة أنها من وضع أبناء عبد الله، لتشريف هذا البيت الفارسي بالدم العربي، كما ذهب البعض، أو لتقريب البيت العربي من البرامكة أصحاب الحظوة عند الخلفاء. ومن المحتمل أن نجد في هذه القصة التاريخ المضبوط لولادة خالد. أما وفاته فقد ذكر أنها كانت عام 165 هـ الموافق 871 - 782 م، ومعنى ذلك أنه كان في الخامسة والسبعين عندما بلغته الوفاة. وكان أبوه برمك مبرزًا في الفلك والفلسفة والطب، وهو الذي عالج الأمير مسلمة بن عبد الملك من داء ألم به (الطبري، المصدر المذكور). ويستدل من هذا على أن برمك ترك موطنة ورحل إلى دار الخلافة، وكان ذلك؛ كما تقول روايات متأخرة، في عهد الخليفة عبد الملك عام 86 هـ الموافق 705 م، وهو العام الذي توفي فيه الخليفة. ويظهر أنه عاد إلى موطنه بعد ذلك. وفي عام 107 هـ (725 - 726 م) أعاد، بأمر الوالى أسد بن عبد الله، بناء بلخ التي كانت قد خربت (الطبري، ج 2، ص 1490). ولا نعرف عن ولادة خالد وتعلمه إلا القليل، وليس هناك من الأخبار ما يدلنا على تاريخ تقربه من الخليفة أبي العباس، أو سبب هذا التقرب الذي بلغ من الوثوق حدًّا جعل زوج كل من

الخليفة ووزيره ترضع ابنة الأخرى (الطبري، ج 2، ص 840). وبعد عام 132 هـ الموافق 749 - 750 م أسند إلى خالد الإشراف على ديوان الخراج. وتقول بعض المصادر إنه كان يلقب بالوزير وقتذاك (المسعودي: التنبيه والإشراف، ص 340 - 342 Frag. Hist Arab, طبعة ده غويه، ص 215، ص 268) ويظهر أنه كان أول الكتاب الذين حملوا لقب الوزارة. ولم يذكر الوزير أبو سلمة على أنه أول "وزير لبيت محمَّد" بين الكتاب. ولعله كان وزيرًا بالمعنى الذي يفهم من هذه الكلمة في القرآن (سورة طه، آية 29 وما بعدها) أو بالمعنى الذي ورد على لسان أبي بكر في المصادر التاريخية (الطبري، ج 1، ص 1817، س 66, ص 2140، س 11). بل لم يكن خالد نفسه وزيرًا بالمعنى الذي كانت تحمله هذه الكلمة فيما بعد. ولم تقف شهرته عند القدرة في الحكم والسداد في المشورة بل تعدت دلك إلى البراعة في الحرب. وانضم تحت لواء أبي مسلم وقائده قحطبة بن شبيب مناصرًا آل محمَّد ومحاربًا دولة بني أمية. واستعمل على طبرستان بين عامي 148 هـ (765 م) و 152 هـ (769 م) وخرّب أثناء دلك مَصْمَغَان في جبل دَمَاوَنْد (Eranshahr: marquart, ص 138) ويقال إن أهل طبرستان بعد هذا الانتصار نقشوا على دروعهم صورة خالد وسلاحه (ابن الفقيه، ص 314). وفي عام 163 هـ (779 - 780 م) ظهرت براعتة الحربية في الاستيلاء على صمالو، وهو من حصون الروم, مع أنه كان قد طعن في السنن (الطبري، ج 3، ص 497). وأول ما نجد خالدًا يشير على الخليفة المنصور في قصة تخطيط بغداد عام 146 هـ الموافق 763 - 764 م, وفي تنازل عيسى بن موسى عن حقه في ولاية العهد عام 147 هـ الموافق 764 - 765 م. وتنسب له مبان كثيرة ببغداد، كما ينسب له تخطيط مدينة المنصورة في طبرستان أثناء ولايته عليها؛ وقد نصب قبيل وفاة المنصور عاملا على الموصل بعد أن طلب إليه الخليفة أن يدفع 2.700.000 درهم، كما نصب ابنه يحيى على آذربيجان.

ويقال إن أهل الموصل لم يوقّروا عاملا كما وقروا خالدًا، مع أنه لم يكن يلجأ إلى القسوة قلط في تأديبهم. ويذهب المسعودى (المروج، ج 6 ص 361) إلى أن أحدًا من أبنائه لم يضارعه في نبل خصاله. ويذكر ابن خلكان أن ابنه يحيى توفي في الثالث من المحرم عام 190 هـ (التاسع والعشرين من نوفمبر عام 805 م) بالغًا من العمر السبعين أو الرابعة والسبعين، فيكون قد ولد بلا ريب عام 120 هـ (738 م) أو قبل ذلك ببضع سنين، وهو -على خلاف أبيه- لم يشتهر إلا بأنه كان عاملا ووزيرًا، فلم يرو عنه غزو أو فتح. وأهم ما خلفه من الأعمال قناة سيحان بالبصرة (الطبري، ج 3، ص 645، البلاذرى، ص 363). وعهد إليه الخليفة المهدي بتأديب ابنه هارون عام 161 هـ (777 - 778 م) وبعد عام 163 هـ (779 - 780 م) كان يحيى يشرف على ديوان الرسائل لولى العهد الذي استعمل على الغرب (أي جميع الولايات غربي الفرات) بما في ذلك أرمينية وآذربيجان وتعرضت حياته للخطر في الفترة القصيرة التي حكم فيها الخليفة الهادي، لاتصاله الوثيق بهارون الذي رغب خصومه في إرغامه على النزول عن حقه في ولاية العهد. ولكن ما كاد هذا يصل إلى الخلافة حتى استوزر يحيى، وكان لا يزال يدعوه "يا أبت"، وأعطاه سلطة لا حد لها. ومكث يحيى يحكم بمعاونة ولديه الفضل وجعفر سبعة عشر عامًا (786 - 803 م). أما ابناه الآخران موسى ومحمد فيندر أن يرد لهما ذكر. وكان الفضل المولود عام 148 هـ (765 - 766 م) أكبر ابني يحيى وأعظم من أخيه شأنًا واستُعمل بين عامي 176 هـ (792 - 793 م) و 180 هـ (796 - 797 م) على الولايات التي كانت تشمل الجبال وطبرستان ودُنْباوَنْد وقومِس كما استعمل مدة من الزمن على أرمينية وآذربيجان وكذلك على خراسان من عام 178 هـ (794 - 795 م) إلى 179 هـ (795 - 796 م). ويقول اليعقوبى (تاريخه، ج 2، ص 516) إنه لم يوفق في حروبه في

أرمينية، أو في داغستان بنوع خاص. وتنسب إليه في خراسان أعمال ليس من المعقول أن يكون قد قام بها في مدة ولايته القصيرة على هذه البلاد. ويقال إنه جند للخليفة 500.000 من الخراسانيين اأرسل عشرين ألفا منهم إلى بغداد وظل الباقون في خراسان (الطبري، ج 3، ص 631) وأنه أحرز عدة انتصارات باهرة وشيد الكثير من المساجد والرباطات وحفر قناة جديدة في بلخ Chrestomathie: Schefer Persane، ج 1 ص 88, 71) وشيد مسجدًا جامعًا جديدًا في بخارى، وهو أول من أدخل القناديل في المساجد في رمضان (نرشخى. طبعة Schefer, ص 48). ويروى المسعودى (المروج، ج 6، ص 363) أن الفضل عكف في الأيام الأولى لولايته على اللهو والصيد ولم ينته عن ذلك إلا بعد أن جاءه كتاب من أبيه. أما جعفر الذي استفاضت شهرته في القصص فيما بعد، والمولود عام 150 هـ (767 م) والذي كان في السابعة والثلاثين من عمره عند ما بلغته الوفاة، فإن الناس لم يمتدحوا منه إلا حسن خطه وبلاغة منطقة وعلمه بالفلك، ويؤثر عنه أنه كان مثلًا يحتذى في اتخاذ الأزياء، وهو أول من استعمل رباط الرقبة لطول عنقه (الجاحظ: البيان والتبيين، ج 2 ص 151) وترد أسباب صلته بالخليفة -ولم يكن أبوه يحيى راضيًا عنها- إلى رذيلة مشهورة في الشرق (الطبري، ج 3، ص 676 م). ويبدو أن جعفرًا لم يفارق الخليفة إلا في رحلة قصيرة إلى الشام عام 180 هـ (796 - 797 م) لكي يصلح بين قبائل العرب التي كان يقاتل بعضها بعضًا، كما فعل أخوه موسى قبل ذلك بأربعة أعوام، ومع هذا فقد أسرف في التعبير عن حزنه لفراق الخليفه ورغبته في العودة إليه (الطبري، ج 3، ص 642). واستعمله الخليفة على ولايات واسعة عدة مرات، ولكنه لم يكن يذهب إليها، وإنما كان يحكمهما دائما نوّاب من قبله. ولا نستطيع أن نجزم من المصادر التي بين أيدينا بأنه أشرف على شئون الدولة بنفسه باعتباره وزيرًا أو نعين المبانى والأعمال التي قام بها. ولا يدل على نفوذه إلا ظهور اسمه على سكة الخليفة.

ولم يكن لأبيه نفسه من سعة النفوذ خلال الأعوام السبعة عشر التي قضاها في الحكم ما يروى عنه، وكان عليه في الأعوام الأولى لحكمة أن يعرض شئون الرعية على الخيزران أم الخليفة المتوفاة سنة 173 هـ الموافق 789 - 790 م، فلما توفيت احتجز الرشيد الخاتم من جعفر وعهد بجانب كبير من أمور الرعية إلى الفضل بن الربيع وهو الذي نافسهم وخلفهم على دست الوزارة فيما بعد. وفي عام 179 هـ الموافق 795 - 796 م خلف الفضل محمدًا بن خالد البرمكى في الحجابة وكان استعمال علي بن عيسى بن ماهان على خراسان مخالفًا لرغبة الوزير (الطبري، ج 3، ص 702). وفي حجة عام 181 هـ (أوائل عام 798 م) أجيب إلى طلبه في اعتزال الحكم والبقاء في مكة (الطبري، ج 3، ص 646)، ولكنه عاد إلى بغداد في العام التالي، ويظهر أنه تسلم أزمة الحكم مرة أخرى. ويتضح من هذه الأقوال أن نكبة البرامكة سبقتها تمهيدات من زمان طويل، ولم تكن راجعة إلى رغبة فجائية للخليفة. ففي الليلة الأولى من صفر عام 187 هـ (29 يناير عام 803 م) قتل جعفر بأمر الخليفة وأعقب ذلك زج يحيى وأبنائه الثلاثة الآخرين في السجن وصودرت أملاكهم وأعطى الأمان لأقارب الوزير، ولم يلحق بمحمد بن خالد، أخي يحيى، وأسرته مكروه؛ ثم أمر الرشيد فعلق رأس جعفر على جسر بغداد الأوسط, كما علق نصفا جسمه على الجسرين الآخرين، واحتجز الوزير وأبناؤه في مدينة الرَقَّة. ومات يحيى والفضل قبل الخليفة، ولا نعرف شيئًا عن مصير موسى ومحمد. ويظهر أن عِمْران بن موسى كان الحفيد الوحيد للوزير البرمكى الذي برز في الشئون العامة، فقد ذكر في حوادث سنة 196 هـ الموافق 811 - 812 م أنه دافع عن المدائن بلد آل ساسان أمام جيش المأمون (الطبري، ج 3، ص 859 وما بعدها)؛ ثم ورد ذكره مرة أخرى سنة 216 هـ (831 م) نائبًا لعامل السند (المصدر السابق، ج 3، ص 1105). كما ذكر أبو القاسم عباس بن محمَّد

البرمكى على أنه واحد من آخر وزراء الدولة السامانية (Turkestan: Barthold wepochu mongolskago nachestuija ج 2، ص 278 متبعًا رواية الكرديزى) ولم يرد ما يفيد نسبته إلى هذه الأسرة، وفي القرن الخامس الهجري (الحادي عشر الميلادي) نجد حسن البرمكى الدانشمندى قد أسفر عدة مرات بين الدولة الغزنوية وبلاط الخليفة (البيهقي، طبعة مورلى Morely, ص 441 وما بعدها). أما محمَّد بن جهم البرمكى المترجم المشهور لكتاب "خداى نامه" فالراجح إنه كان واحدًا من موالى البرامكة، كما ذهب البعض، وكذلك كان المنجم الذي ذكره الطبري (ج 3، ص 497 وما بعدها) في حوادث سنة 163 هـ (779 - 780 م). ولا تساعدنا المعلومات التي بين أيدينا في إحصاء أعمال البرامكة وتقدير فضائلهم ومساوئهم. والشائع أنهم كانوا مسلمين معروفين بالتقى اشتهروا بحجهم وبالمبانى التي شيدوها، بيد أن خصومهم يتهمونهم بعدم الاحتفال بالإسلام وتعاليمه، فقد أورد الجاحظ ببيتين من الشعر في كتابه "البيان والتبيين" (ج 2، ص 150) لشاعر مجهول - وإن كان ابن قتيبة قد نسبهما في "عيون الأخبار" (ص 71، طبعة بروكلمان) للأصمعى اللغوي- قال فيهما: إذا ذُكر الشرك في مجلس ... أنارت وجوه بني برمك وإن تليت عندهم آية ... أتوا بالأحاديث عن مروك (¬1) (انظر فيما يختص بهذا الكتاب مصنف حمزة، طبعة Gottwaldt، ص 41). وقال شاعر آخر (البيان والتبيين، وعيون الأخبار، المصدران المذكوران) عن نفسه: ¬

_ (¬1) ورد في عيون الأخبار، طبعة دار الكتب المصرية ج 1، ص 51, هامش رقم 2 من كتاب مروك أنه "محرف عن مزدك، وإليه ينسب المزدكية وقد خرج في أيام قباذ بن فيروز فبدل شريعة زرادشت واستحل المحارم وسوى بين الناس في الأموال والنساء والعبيد، وكثر اتباعه، وعظم شأنه وتبعه قباذ نفسه ولم يزل كذلك حتى ولى كسرى أنوشروان فقتله، وأباد اتباعه". اللجنة

إن الفراغ دعاني ... إلى ابتناء المساجد وإن رأيى فيها ... كرأى يحيى بن خالد ويقال أن المنصور اتهم وزيره خالدا بأن هواه مع الفرس (الطبري، ج 3، ص 42). ويقول الطبري (ج 3، ص 572 وما بعدها) إن الهادي اتهم يحيى بالكفر، والراجح أن يكون الرشيد قد أوقع بالبرامكة لتهم مثل هذه، ولكن شيئًا من هذا لم تذكره المصادر. ومما يدل على أن سقوط البرامكة له صلة بالعودة إلى تعاليم الإِسلام الحقة أن السكة بعد سنة 187 هـ لم تكن تحمل اسم الخليفة أو ولى عهده كما كانت الحال منذ عهد المهدي. ولم ينكر أحد من أنصار البرامكة أنهم لم يغنوا الدولة فحسب، بل أغنوا مواليهم أيضًا، وكان المؤرخون يميلون دائما لأهل القلم لأسباب واضحة، ولذلك فإن التاريخ, حتى الذي برئ من التحيز للفرس، أسرف في مدح البرامكة الذين كانوا يعتبرون منشئى هذه الطبقة، وسكت عن كثير من مساوئهم. ويجب ألا نعتمد كثيرا على ما يقال من أن عهد هارون الرشيد كان العصر الذهبي للخلافة الإِسلامية (الطبري، ج 3، ص 577 وما بعدها) أو أن الرشيد أحسن الحكم طالما كان البرامكة معه كما زعم بعض المؤرخين (المسعودى: التنبيه، ص 346, Frag. .Hist. Arab, ص 309)، ومع هذا فإن الرواية الشائعة تؤيد حكم المؤرخين في الحالتين. أو أنهم استطاعوا أن يوطدوا النظام في ولاية عربية خالصة كولاية الشام. المصادر: (1) ضياء الدين برنى: زخبار برمكيان، في: Chrestomathie persone Schefer ج 2 ص 2 - 54. (2) المسعودي: مروج الذهب، ج 6, ص 361 وما بعدها، ص 386 وما بعدها. (3) ابن خلكان: ترجمة ده سلان، ج 1، ص 301 وما بعدها.، ج 2، ص 459 وما بعدها، ج 4، ص 103 وما بعدها.

2 - خالد بن برمك

(4) الطبري، انظر الفهرس. (انظر كذلك المصادر المذكورة بصلب المادة). [بارتولد W. Barthold] 2 - خالد بن برمك لا نكاد نعرف شيئًا عن نشاط خالد حتى ظهر حوالي نهاية العصر الأموى في صفوف الحركة الهاشمية، وهنالك وكل إليه توزيع الغنائم في جيش قَحْطَبةَ. ثم أقامه الخليفة الجديد السفاح بُعيد ذلك على ديوانى الجند والخراج، ثم عهد إليه الأشراف على هذا المكتب كله حتى لقد أصبح له -في قول مؤرخ من المؤرخين الإخباريين- شأن الوزير. وأحق بالخدمة الشخصية للخليفة، فأتاح له هذا شرف رؤية ابنته هو ترضعها زوجة السفاح على حين كانت زوجته هو أيضًا مرضعة لابنة مولاه. وظل خالد في عهد المنصور يلعب دورا هامًّا، دون أن يكون اليد اليمنى للخليفة كما تردد كثيرا على سبيل التأكيد. ويظهر أنه ظل عامًّا على الأقل مديرا لديوان الخراج، ولو أنه سرعان ما أقصى من الإدارة المركزية بفعل أبي أيوب المتآمر. وأقيم خالد واليا على فارس، ويبدو أنه قضى في هذا المنصب نحوا من سنتين. ثم نراه بعد ذلك في بغداد يقنع الخليفة -في قول رواية مشهورة- بالعدول عن تدمير إيوان كسرى، وقد اشترك سنة 147 هـ (764 - 765 م) في المناورات التي حملت عيسى بن موسى على النزول عن حقوقه في الخلافة، وبذل النصيحة لأبي عبيد الله معاوية الذي كان وقتذاك عائدًا من الري. وأقيم خالد من بعد واليا على طبرستان، وبقى فيها حوالي سبع سنين (وقد اشتهرت السكة التي ضربت باسمه بين سنتى 150 و 154 هـ = 767 - 771 م) واستولى على حصن أستونا وَنْد قرب دَمَاوَنْد وحبب إليه سكان هذين الإقليمين حيث أقام المدينة الجديدة المنصورة. والراجح أن هذا هو الوقت الذي أصبح فيه حفيده الفضل بن يحيى أخا في الرضاع لهارون بن المهدي. والظاهر أنه قد فرضت عليه غرامة كبيرة آخر الأمر سنة 158 هـ (775 م)، أي قبيل وفاة المنصور، ثم أعفى منها وأقيم واليا على إقليم الموصل، وكانت قد شبت في هذا الإقليم

3 - الوزارة وسقوط البرامكة

فتنة كرديه. ونجده في بداية خلافة المهدي في فارس, لظاهر أنه أبلى أيضًا البلاء الحسن كما فعل ابنه يحيى في نفس الوقت، وذلك في حصار صَمَالو بأرض الروم، ولو أنه توفي بعيد ذلك سنة 165 هـ (781 - 782 م) في الخامسة والسبعين من عمره تقريبا. المصادر: (1) Les Barmecides: L. Bouvat، ص 37 - 43. (2) الطبري: الفهرس. (3) الجهشيارى: كتاب الوزراء والكتاب: الفهرس. (4) المسعودي: مروج الذهب، ج 5، ص 444. (5) ابن الفقيه، ص 314. (6) ياقوت، ج 1، ص 244. (7) ابن خلكان، طبعة القاهرة، سنة 1948, ج 1، ص 295 - 296. (8) Arab-Sassa nian Coins: J. Walker لندن سنة 706, 1946. 3 - الوزارة وسقوط البرامكة عندما اختار هارون الرشيد يحيى بنَ خالد وزيرًا كان له رصيد من الشهرة لا بأس به. وقد عاون يحيى أباه في ولايته على أقاليم مختلفة، ثم أقيم هو سنة 158 هـ (775) واليا على آذربيجان. وكان لا يزال في صف خالد في فارس عند بداية عهد المهدي، وأصبح سنة 161 هـ (778 م) كاتب سر الأمير هارون ومؤدبه حالًا محل أبان بن صدقة، وقد صحب هذا الأمير في حملة صمالو, ووكل إليه بصفة خاصة مؤونة الجيش. وبعد ذلك بقليل بويع لتلميذه بأن يلي الخلافة بعد ولى العهد وأقيم واليا على الأقاليم الغربية وعلى آذربيجان وأرمينية، فكان يحيى يدير هذا الجزء من الإمبراطورية الإِسلامية. وثبت يحيى في منصبه بعد وفاة المهدي، إلا إنه وجد نفسه محل عداوة الخليفة الجديد الهادي، إذ اتهمه هذا الخليفة بنصرة هارون عليه وتشجيع هارون على تعزيز حقوقه في ولاية الخلافة، وهو أمر قدر له أن ينتهى بسقوط الهادي في وقت جد قريب. على أنه حدث في الليلة نفسها

التي ألقى فيها يحيى في السجن ليلاقى حتفه كما أخبرنا، أن وجد الهادي ميتا، وثمة أقوال تذهب إلى أن الخيزران أم الخليفة التي كانت تؤيد هارون كانت لها صلة بموته. ومهما يكن من شيء فإن هارون الرشيد قد بادر بمجرد بيعته إلى استدعاء يحيى وعهد إليه تدبير الأمور وفوضه تفويضا عاما في ممارسة السلطة. وتلقى هذا الكاتب المقتدر لقب الوزير، وأشرك من أول الأمر ابنيه الفضل وجعفرا في مباشرة الواجبات الإدارية والحكومية. وكثيرا ما كانا يتوليان الرئاسة معه، وكانا يلقبان أيضًا بلقب الوزارة فيما يظهر. وظل يحيى في منصبه سبعة عشر عاما، من سنة 170 هـ (786 م) إلى سنة 187 هـ (803 م)، وقد أشار بعض الكتاب إلى هذه الفترة بعبارة "سلطان آل برمك". واشتغل يحيى برد المظالم باسم الخليفة. كما كانت له سلطة اختيار كتابه الذين باشروا العمل وكلاء عنه، وكان يحيى من حيث العمل رأس الإدارة. بل إن وظيفة الخاتم التي أمسكت عنه في أول الأمر، سرعان ما وضعت تحت إشرافه. وكذلك تقول الروايات بأن الرشيد قد أسلمه خاتمه الخاص، دليلًا على السلطة الجديدة التي كان يباشرها الوزير. وهذا الخاتم الذي عهد به إلى جعفر قد عاد إلى يحيى من بعد، ولكنه نزل عنه عندما رحل للإقامة بمكة، ثم رد إلى جعفر بعد أن كان قد استرده يحيى بعد عودته من مكة. ولم يقنع ابنا يحيى -الفضل وجعفر- بمجرد مؤازرة أبيهما في تولى السلطة وإنما باشرا أيضًا مسئوليات هامة. فقد كان للفضل، وهو أكبرهما فضلا عن كونه أخا هارون في الرضاع، شأن خطير في السنوات الأولى. ذلك أنه أقيم سنة 176 هـ (792 م) , أو ربما قبل ذلك، على رأس الولايات الغربية لإيران، وأنفذه الخليفة لقتال يحيى بن عبد الله العلوى الذي كان قد افتتن. واستطاع أن يحمل يحيى هذا على الخضوع بالمفاوضة. وفي العام التالي أقيم الفضل واليا على خراسان فقام فيها بدور الموّفق والبناء، فقد هدّا من ثائرة إقليم كابل وجنّد هناك جيشا محليا أرسل بعضه، كما قيل، إلى بغداد. فلما عاد الفضل إلى

البلاط ترك نائبا عنه يلي أمر ولايته التي ظل محتفظا بها حتى عام 180 هـ (796 م). والظاهر أنه كان سنة 181 هـ (797 م) يلي أمر الحكم في غيبة أبيه. على أنه كان أول متفقد حظوة الخليفة، فقد أغضبه غضبا شديدًا فجرده هارون من جميع مناصبه إلا قيامه بتأديب الأمير محمَّد الأمين، وكان الرشيد قد أخذ البيعة على العهد إليه بالخلافة من بعده سنة 178 هـ (794 م). أما جعفر-الذي أغرم الكتّاب بتأكيد فصاحته وتضلعه في الفقه- فقد وكلت إليه سنة 176 هـ (792 م) ولاية الأقاليم الغربية مع أنه ظل مقيما بالبلاط، ولم يتركه إلا سنة 180 هـ (796 م) لإخماد الفتن التي نشبت في الشام، ثم أقيم بعد ذلك واليا على خراسان إلى حين، وعهد إليه حرس الخليفة كما عهد إليه منصب صاحب البريد وصاحب السكة والطراز (والحق إن اسمه يظهر على السكك التي ضربت في الشرق منذ سنة 176 هـ = 792 م، ثم على السكك التي ضربت في الغرب بعد ذلك). وكان إلى ذلك مؤدبا للأمير عبد الله المأمون الذي عهد إليه بالخلافة بعد الأمين سنة 182 هـ (798 م). وكان فوق ذلك كله صفيّ الخليفة، إن لم يكن ساقيه كما يزعم كثيرا. أما وقد كان تأديب وليى العهد اللذين رتب لهما أن يقتسما بالفعل الإمبراطورية الإِسلامية موكلا إلى ابني يحيى، فإن السلطة كانت خليقة أن تبقى في يد آل برمك أمدا طويلا، لو أن الرشيد سمح بذلك. على أن الخليفة عندما عاد من الحج الذي أداه مع حاشيته سنة 186 هـ (802 م) قرر فجأة أن يتخلص من سيطرتهم. ففي ليلة السبت غرة صفر سنة 187 (28 - 29 يناير سنة 803) أمر بجعفر فقتل، وقبض على الفضل وإخوته، ووضع يحيى تحت المراقبة واستصفيت أملاك جميع البرامكة فيما عدا محمَّد بن خالد. وترك جثمان الفضل معروضا للناس في بغداد سنة. أما الفضل ويحيى نفسه -الذي كان قد أبدى الرغبة في أن يشارك ولديه مصيرهما- فقد حملا إلى الرقة سجينين. وهناك توفي يحيى في المحرم سنة 190

(نوفمبر 805) عن سبعين عاما، وتوفى الفضل في المحرم سنة 193 (نوفمبر سنة 808 م) بالغا من العمر خمسة وأربعين عاما. وهذه النكبة التي حلت بالبرامكة فاجأت معاصريهم فلم يستطيعوا أن يجدوا لها تفسيرا مقنعا، فابتدعوا أسبابا خرافية مثل قصة العبّاسة التي ظلت مدة طويلة تعلو على جميع الأسباب. وقد ظل الأصل في سقوطهم خفيًّا في بعضه على المؤرخين المحدثين، ولكن من العسير أن يقال إنه كان نتيجة لنزوة أصابت الخليفة فجأة. وحتى إذا كان هذا السقوط "قد دبر من قبل" كما قال بارتولد، فإنه يكون قد دبر قبل سقوطهم بوقت طويل، دبره خليفة فرض عليه أن يحتمل وصاية وزرائه في ضيق متزايد، خليفه اتهمهم في بعض الأوقات بالجرى على سياسة تناقض مصالحه هو. ولم تكن وزارة البرامكة حقا هي عهد الوئام الكامل كما صورتها القصص بعد ذلك. إذ بالرغم مما قيل في هذا الموضوع فإن أسباب الخلاف كانت قائمة بين الخليفة ومؤدبه السابق الذي لم تكن يده قط مطلقة كل الإطلاق في الحكم. ذلك أنه لم يكن في السنوات الأولى مضطرًا، كما قال بارتولد من قبل، إلى الرجوع إلى الخيزران فحسب، وقد كانت تنصره دائمًا وهي بقيد الحياة، بل كان أيضًا مضطرا في كثير من الأحيان إلى الانصياع إلى رغبات الخليفة والالتجاء إلى تلك البراعة التي اشتهر بها كثيرا. بل إنه كان في بعض الأحيان لا ينجح في فرض آرائه. ثم إن الرجل الذي أقيم على خراسان خلفا للفضل سنة 180 هـ (796) قد ولى على غير ما نصح. وكان الفضل يجد نفسه في أحيان أخرى مضطرا لأن يتذرع بحجج يأخذ فيها بأوساط الأمور إلى حد كبير. ومن ثم نجده يسرع بالخروج من بغداد إلى الرقة سنة 183 هـ (799 م) ليصرف النظر عن غضب الخليفة على الفضل ولا يفلح في ذلك إلا على حساب إنكار مسلك ابنه. وقد حدث في وقت متقدم عن ذلك كثيرا أن كان للدسائس شأن في إضعاف مركزه، فقد كان الخليفة عند وفاة أمه متطلعا إلى إسباغ آيات الشرف على رجل حاشيته المصقول

الفضل بن الربيع، وكان قد بدأ منذ وقت طويل يهتم به، ثم أقامه زيادة على ذلك حاجبا سنة 179 هـ (795 م) مكان محمَّد بن خالد البرمكى. وكان لهذا الوجيه الجديد نفوذ متزايد في البلاد، وقد أدرك بعين بصيرته أوجه قصور خصومه وأثار حنق الرشيد عليهم. وكذلك لم تكن صلات الخليفة بأبناء يحيى على وئام في جميع الأحوال، ذلك أن الخليفة لم يكن يحبذ السياسة المنحازة إلى العلويين التي كان يسير عليها الفضل الذي لم يكن فيما يبدو قد رزق المرونة المأثورة عن أبيه. وأقصى الفضل عن السلطة سنة 183 هـ (799 م) قبل أن تحل النكبة بالبرامكة فتدول دولتهم بأربع سنوات. وحتى جعفر -الذي كان ينعم فيما يظهر بثقة الخليفة التامة وبقى سلطانه عليه مدة أطول من سائر البرامكة- لم يأمن شكوك مولاه الجموح وقد عنّف مرة على إساءة استخدام سلطته. وكان من المألوف جدًّا بطبيعة الحال أن يتعدل موقف الرشيد من البرامكة أثناء السبعة عشر عاما من سيادتهم، فقد قنع الخليفة عند ولايته الخلافة في سن الثالثة عشرة بأن يسير على نصيحة والدته ويعفى نفسه من بعض المسؤوليات بإيكالها ليحيى. على أن هذا الموقف الذليل بدأ يثقل عليه، واشتد ذلك عليه منذ زادت رغبته في فرض إرادته بمرور السنين، على حين راح البرامكة يملئون معظم مناصب الدولة الجليلة بأقاربهم ومواليهم ويعدون العدة لإقامة ما يشبه الوزارة الوراثية، فأصبحوا بذلك دولة داخل الدولة، وهم قد جمعوا في الوقت نفسه ثروة ضخمة أثارت طمع مولاهم وأصبح كرمهم الذي صار مضرب المثل يستلفت الأنظار باستمرار. وإذا كانت الأسباب المختلفة كافية لتبرير سقوطهم، فإن وحشية المعاملة التي حلت بجعفر كانت بلا شك جزاء للحب الذي أفاءه عليه الخليفة والذي كان من شأنه أن يؤجل الخاتمة المحتومة التي نزلت به. على أن التهم التي رمت البرامكة أيام سطوتهم بالزندقة في بعض الأحيان، ليس لها فيما يبدو نصيب في النكبة التي حلت بهم، بل إن هذه التهم لم يكن لها فيما يظهر أي أساس من الحقيقة. صحيح

أن هؤلاء الكتّاب الإيرانيى الأصل قد أظهروا اهتمامًا خاصًّا بالروائع الأدبية التي وفدت من إيران والهند، وكذلك بالمباديء المختلفة في الفلسفة والدين وأبدوا الميل إلى الاستماع إلى مناقشتها, ولكن هذه الأمور كانت من الأذواق التي فشت في المجتمع البغدادي لهذا العصر ولم تلازمها بالضرورة آراء متزندقة. زد على ذلك أن البرامكة قد هيأوا أنفسهم تماما للأخذ بما جرى عليه عرف البلاط العباسى الذي كانوا يعيشون فيه. لقد كانوا يقدرون كل التقدير الشعراء والكتاب العرب، وأبدوا -شأن كثير جدًّا من الموالى- حبا للظهور بمظهر الكرم مستلهمين التقاليد البدوية. ومع أنهم اتخذوا في كثير من الأحيان موقف التراضى حيال سكان الولايات أو نحو بعض الدول الخاضعة للدولة، إلا أنهم لم يحاولوا فيما يظهر أن يؤثروا المأمون -ابن المرأة الفارسية- على أخيه. وهم فيما يبدو قد خدموا أولًا الخلافة في كفاية وإخلاص مهدئين خواطر الناس في إيران الشرقية، ومخمدين للفتن التي نشبت في الشام بل في إفريقية، محققين إخضاع المنتقضين بما فيهم العلويون، موجهين أداة الحكم في نظام وأمان، كافلين للدولة موارد هامة، ناهضين بالمرافق العامة (مثل قناة القاطول وقناة سيحان)، رافعين للمظالم بالعدل والقسطاس على هدى ما حكمت به الشريعة، معززين القضاء بإنشاء منصب قاضي القضاة. ولا شك أنهم بتصرفهم وسلوكهم قد عجلوا بصبغ البلاد بالصبغة الإيرانية التي بدأت تتضح منذ قيام العصر العباسى، نافثين في الوزارة طابعا لم يَن عن أن يجذب أنظار المقلدين الذين جاءوا بعدهم، على إنه بالرغم من الامتيازات الجديدة التي منحت لهم وهيبتهم الخارقة فإن سلطانهم كان مسألة شخصية إلى حد كبير، شأنها شأن المأساة التي أودت بهذا السلطان، ولا يبدو لنا أنهم سعوا بحال إلى تغيير الوزارة على نسق ساسانى نظرى. ولم يكن نشاط البرامكة مقصورا على السياسة والحكم فحسب، فهم قد حققوا أيضًا أمورًا هامة في ميدانى الثقافة والفن. ذلك أنهم بلا شك سلكوا مسلك الرعاة للشعراء، يوزعون العطايا

4 - أفراد آخرون من أسرة البرامكة

بين مدّاحيهم على يد جهاز خاص أقاموه لهذا الغرض بالذات، وهو "ديوان الشعر"، وكانوا يرعون العلماء ويجمعون المتكلمين والفلاسفة في دورهم ويعقدون بينهم مجالس ظلت شهرتها باقية. كانوا يشجعون الفنون، وكانوا هم أنفسهم أرباب العمارة الكبار، خلفوا قصورا عدة في بغداد، أصبح أشهرها، وهو قصر جعفر، مقر الخلافة من بعد. وكذلك لم يختف سلطان البرامكة بسقوطهم، بل هو قد ظل نافذا في السنين التالية على يد وزراء وكتاب تسلموا السلطة في عهد المأمون، وكان معظم هؤلاء مواليهم وتابعيهم السابقين كما هي حال الفضل بن سهل المشهور. ومن المعروف حقا أن وزراء الرشيد كانوا أيام ظهور البرامكة يجمعون حولهم طائفة من الكتاب ذوي الكفاية البارزة لم يستطع الخلفاء الذين أتوا بعده أن يستغنوا عنهم. ونجد أخيرا كتب الأدب تشيد بخصالهم الحميدة المشهورة وتبالغ في ذلك بعض المبالغة أحيانا (حكمة يحيى وما رزق من موهبة التنبؤ بالحوادث، وترفع الفضل وكرمه المبذول، ورشاقة أسلوب جعفر)، على حين نجد بعض القصص، مثل تلك التي دخلت من بعد في كتاب ألف ليلة وليلة، تضفى الشهرة على شخصية جعفر الوزير وصحبته للرشيد. المصادر: (1) Les Barmecides: L. Bouvat (2) Le Vizirat Abbaside, D. Sourdel (3) الجهشيارى: كتاب الوزراء والكتّاب، الفهرس. (4) ابن عبد ربه: العقد الفريد، طبعة القاهرة سنة 1954 - 1953، ج 3، ص 26 - 34. (5) الطبري: الفهرس. (6) اليعقوبي، الفهرس. (7) ابن خلكان، هذه المادة. 4 - أفراد آخرون من أسرة البرامكة كان ليحيى أخٌ هو محمَّد بن خالد الذي كان حاجبا منذ عام 172 هـ

5 - النسبة: البرامكة

(788 م) إلى عام 189 هـ (795 م) , وهو الوحيد من أفراد الأسرة الذي أمسك عنه الخليفة عند سقوط الأسرة. وقد كان له -علاوة على الفضل وجعفر- ابنان آخران هما محمَّد وموسى، وكانا أقل من ذلك تألقا إلا أنّه كان لهما شأن في البلاط. وقد اشتهر موسى بالشجاعة في الحرب، وكان واليا على الشام سنة 176 هـ (792 م). وقد ألقى بهذين الأخوين في السجن سنة 187 هـ (803 م) هما وأبوهما وأخوهما, ولكن أطلق سراحهما الأمين الذي أبدى نحوهم الكرم والسماحة، وظل موسى بالعراق وحارب في جيش الخلافة، ثم انحاز إلى المأمون فأقامه بعد ذلك واليا على السند. وتوفى موسى سنة 221 هـ (835 م) تاركا ابنا يدعى عمران خلف أباه وأبلى البلاء الحسن في عدة حملات. أما محمَّد فقد انضم إلى بلاط المأمون في مرو، وفيه خلفه ابنه محمَّد وابن أخيه العباس بن الفضل. ونذكر من سلالة البرامكة العديدين واحدا اشتهر بالموسيقى والأدب ألا وهو أحمد بن جعفر الملقب بجَحْظَة وهو حفيد موسى بن يحيى والصاحب الحميم للخليفة المقتدر. المصادر: (1) Les Bermecides: L. Bouvat, ص 101 وما بعدها. (2) الجهشيارى: كتاب الوزراء والكتاب، طبعة القاهرة، ص 297 - 298. 5 - النسبة: البرامكة حمل هذه النسبة أيضًا أشخاص لا ينتسبون إلى أسرة البرامكة. والطائفة الأولى من هؤلاء تشمل موالى البرامكة وأرقاءهم الخصيان وأحفادهم. أما الآخرون فكانوا سكانا لذلك الحي من بغداد الذي أطلق عليه اسم البرامكة. ويشمل هؤلاء المغنية دنانير، والأديب محمَّد بن الجهم، وفلكيا شهد حصار صمالو ووزيرا للسامانيين، ورسولا للغزنويين. وقام في زمن متأخر عن ذلك عدد من الأسر زعمت أنها تنتسب للبرامكة (مثل شربداران في خراسان، وبرامك في توات). ونجد أخيرا قبيلة منها

البراهمة

أولئك المسميات في مصر بالغوازى، واللاتى ظللن إلى عهد قريب في مصر، وتزعم هذه القبيلة أنها من نسل البرامكة. المصادر: (1) Les Bermecides: L. Bouvat، ص 105 وما بعدها. خورشيد [سوردل D. Sourdel] البراهمة كان أبو الريحان البيروني الأفضل بل الأوحد من بين المؤلفين العرب الذين وقفوا على أسرار الهند البرهمية، ومصنفه الجليل عن الهند (طبعة وترجمة سخاو سنة 1888 م، وطبعت الترجمة حديثًا سنة 1910 م) يشهد بأنه درس تلك البلاد دراسة توافرت له فيها مواهب لا نظير لها في ميادين الفلسفة والأدب والعلوم. وهو حجة في حديثه عن طبقات الهند والبراهمة وعن طريقة معيشتهم وماهية كتبهم ودينهم وعلومهم. وقد درس البيرونى اللغة السنسكريتية ونقل منها إلى العربية طائفة من كتبها، وكان ملما بكتب الهنود المقدسة وهي البيذ والبراناث - Ve das Puranans ومطلعًا على كل شيء حتى علم العروض السنسكريتى. أما علم ما وراء المادة عند البرهمية فقد كان محيطا بدقائقه إحاطته ببعض أساطيرهم. وله أبحاث في موضوع بيضة براهم (¬1) ومختلف أدوار حياة العالم وفي موضوع الكليا واليوجا والتناسخ والثواب على الأعمال في العوالم المختلفة وفي النجاة. وقد ألف البيرونى كتابه هذا في مدينة غزنة، أعنى في بقعة كان بها كثيرون من السكان الهنود (حوالي سنة 1030 م) وكان قد تنقل من قبل في بلاد البنجاب. وإذا استثنينا هذا المصنف الجليل فإن معلومات مؤرخى العرب عن مذهب البرهمية وعن الهند شحيحة جدا. أما التفصيلات الوافية أو المعلومات ¬

_ (¬1) بيضة براهم اصطلاح يطلقه البراهمة على كل الاثير من جهة استدارته وشكل حركته بل على كل العالم من جهة انقسامه إلى الأعلى والأسفل. اللجنة

الصحيحة فلا وجود لها حيث يخيل أن هناك من الأسباب ما يدعو إلى توافرها. من ذلك أنك لا تجد لها أثرا في كتاب المسعودي ولا في كتاب الشهرستانى على الرغم من تخصص الشهرستانى في علم الفرق والطوائف والمذاهب الدينية ومن إلمامه بشيء ولو يسير عن البوذية، كما لا تجدها في الأساطير التي أخرجتها لنا الهند مثل كتاب كليلة ودمنة، ولا في أحاديث الأسفار والرحلات المسطورة عن الهند بخاصة كالرحلة الموسومة "بعجائب الهند" وكتاب "سلسلة التواريخ". وينبغي أن نلاحظ هنا أن جزيرة سيلان هي البقعة الوحيدة من بلاد الهند التي كانت معرفة العرب بأحوالها أقل منها بأحوال البقاع الأخرى. ولقد أورد المسعودي اسمى اثنين من مؤلفى العرب صنفا في موضوع الفرق الهندية، وهما أبو القاسم البلخى والحسن بن موسى النوبختى، وقال هذا المؤرخ إن البراهمة من نسل برهمان وهو ملك مترهب وعالم، عقد مجمعا من الحكماء وسن بمعونتهم قواعد الدين، ووضع نظرية الأدوار الفلكية واخترع أرقام العدد وحسب مقدار حركة المبادرة السنوية للاعتدالين. وفي قول برهمان هذا أن عمر العالم 12000 دور مقدار كل دور 36000 سنة، وأنه -أي العالم- ينمو ويتسع في الأدوار الأولى ثم يضمر ويتضاءل وتبطؤ حركته في الأدوار الأخيرة. ومن قوله في موضع آخر إن دورة العالم تقدر بسبعين ألف سنة وتسمى "هزروان". وفي كتاب كليلة ودمنة لا يبدو بيدبا البرهمى إلا في ثوب الرجل الحكيم صاحب الرأى السديد والنظر الثاقب البعيد. ويقول مؤلف الكتاب عن بيدبا إنه كان فاضلا حكيما يعرف بفضله ويرجع في الأمور إلى قوله. ويقول مؤلف كتاب الأسفار والرحلات إنه كان بين الهنود رجال وقفوا حياتهم على الدين وعلماء يسمون بالبراهمة وكان من بينهم شعراء يعيشون في قصور الملوك وعلماء في الفلك وفلاسفة ومنجمون، ويضع الشهرستانى علماء النجوم والعرافين في مصاف البراهمة. أما كتب الأسفار فاهتمامها بالزهاد أكثر منه بالبراهمة، فقد وصفت طرائف حياتهم وصفا حسنا وقالت عنهم إنهم يتخذون من الجماجم البشرية زقاقا لهم وتسمى عندهم باسم بيكرجى أو بيكور تصحيف كلمة بهكشو (انظر كتاب عجائب الهند، Merveilled de l' Inde طبعة فإن درليث Van der Lith, الفهرس). ويطلق سعدى الشاعر الفارسي وغيره اسم البراهمة على عبدة النار (انظر: بستان، طبعة باربيه ده مينار Barbier de Meynard, ص 331). [كارا ده فو B. Carra de Vaux]

برهان الدين أحمد

برهان الدين أحمد برهان الدين أحمد، القاضي: والى سيواس، ومن أقدم شعراء آل عثمان الغنائيين. ولد في قيسارية عام 745 هـ (1344 م) من أسرة جلها من القضاة. وأتم دراسته في حلب ثم استقر بمدينة أرزنجان. ونشأت بينه وبين أمير هذا البلد صلة ودمتين وتزوج ابنته، ثم دب الخلاف بينهما فقتله برهان الدين ونصب نفسه مكانه، واستولى على سيواس وقيسارية وقاتل جيشا أنفذه إليه مماليك مصر عام 789 هـ (1387 م) ولكنه باء بالهزيمة. وبعد عشر سنوات، أي في عام 799 هـ (1396 م) استعان بالجيوش المصرية على الخلاص من قبائل التركمان التي كانت تناوشه. ولقى برهان الدين حتفه عام 799 أو 800 أو 801 هـ (1397 - 1399 م) في نضاله مع قره عثمان المقلب بقره يولق من تركمان القطيع الأبيض. ويمكننا أن نستبعد رواية سعد الدين التي يزعم فيها أن قره عثمان لم يلتق بالقاضي برهان الدين إلا بعد فراره من وجه بايزيد الأول سلطان آل عثمان إلى جبال خربوط. وصنف برهان الدين في الأصول، ونظم القصائد باللغات العربية والتركية والفارسية. وقد استطاع المتحف البريطانى الحصول على ديوانه عام 1890 م. وهو مخطوط فريد نسخ عام 1890 م. وأطراف أجزاء هذا الديوان هو مجموعة الرباعيات المعروفة بـ "تيوغ" وقد وزنت طبقا لعدد المقاطع وزنا مستقلا عن مقدارها (بارماق حسابى). والأثر الفارسي واضح فيها، ولكن لغتها قديمة وفيها كلمات كثيرة من اللغة التركية الشرقية. ولا يزال قبر برهان الدين موجودا بسيواس وعليه العام المرجح لوفاته وهو 799 هـ الموافق 1397 م (انظر Girenard: المجلة الأسيوية، المجموعة التاسعة، المجلد 27, عام 1901 م, ص 55) وكذلك نجد في مدينة سيواس قبر ابنه محمَّد جلبى المتوفى 793 م (1391 م) وقبر ابنته حبيبة الملقبة بسلجوق خاتون لأن جدة برهان الدين

لأبيه كانت حفيدة السلطان السلجوقى كيكاوس الثاني (Corpus: Van Berchem Enscript ionum Arabicarum, المجلد الثالث، ص 50). وتوفيت حبيبة عام 850 هـ (1446 م) ولا تزال سيرتها التي كتبها عزيز بن أردشير الأستراباذى باللغة الفارسية مخطوطة في مكتبة آيا صوفيا تحت رقم 3465. المصادر: (1) ابن حجر العسقلانى، وقد نقل عنه كب Gibb في كتابه History of Otto- man poetry 1، ص 204 وما بعدها, وترجمة الشعر موجودة في ص 214 وما بعدها، والنص في ج 6، ص 16 وما بعدها. (2) p.Melioranski, النص وترجمة عشرين رباعية واثنى عشر تيوغ Vostotshniya zamietki) ص 131 وما بعدها). (3) سعد الدين تاج التواريخ, ج 1، ص 133 ج 2, ص 410. [إيوار Cl. Huart] + برهان الدين أحمد، القاضي: شاعر من شرقي آسية الصغرى (يكشف في آثاره عن خصائص من اللهجة الآذرية) ورجل علم وتقلبات وعواصف، وكان قاضيا فوزيرا فأتابك فسلطانًا. ولد برهان الدين في الثالث من رمضان سنة 745 (8 يناير سنة 1345 م) في قيسارية (وهي الآن قيصرى) وأبوه شمس الدين محمَّد كان قاضيا من الجيل الثالث انحدر من صلب قبيلة سالور الأوغوزية التي كانت تنزل في الأصل خوارزم. وتلقى برهان الدين تعليما كاملًا في فروع المعرفة المألوفة، على أبيه أول الأمر، ثم في مصر ودمشق وحلب، وعاد إلى مسقط رأسه سنة 766 هـ (1364 - 1365) حيث آنس الأمير القائم بالحكم غياث الدين أرتنا في هذا الشاب البالغ إحدى وعشرين سنة كل ما يرضيه حتى أنه رفعه إلى مرتبة القاضي (في مكان شمس الدين محمَّد الذي كان قد توفي قبل ذلك بعام) بل أعطاه يد ابنته. ولم يقف الأمر ببرهان الدين عند هذا

الحد إذ اشترك سرًّا في فتنة البكوات التي قتل فيها حموه سنة 767 هـ (1365 - 1366 م) وقد لعب دورًا هاما في عهد الأمراء العاجزين من أسرة أرتنا الذين خلفوا حماه: وزيرا وأتابك حتى نادى بنفسه سلطانا في البلاد الخاضعة في البلاد الخاضعة لبيت أرتنا سنة 873 هـ (1381 - 1382؛ انظر إسلام أنسيكلوبيدياسى، الكراستين 32, 309)، واتخذ قاعدة لحكمه في سيواس مع ممارسة حقوق السلطان (ضرب السكة باسمه وذكر هذا الاسم في الخطبة). وقد حفلت السنوات الثمانى عشرة التي تولى فيها السلطنة بالصراع المتصل المتصل مع البكوات المنقضين في الداخل وبالحروب مع جيران أقوياء مثل القره مانية والعثمانية. وكان برهان الدين دائما أبدا مغامرا مقداما إلى حد لا يتصوره العقل، ومن ثم حارب جيشا مصريا متفوقا عليه فنزلت به الهزيمة سنة 879 هـ (1387 م) على أنه سرعان ما لجأ إلى عون مماليك مصر أنفسهم ليعينوه على الآق فويونلى الذين كانوا يشقون طريقهم من الشرق، وهنالك قاتل مع الآق قويونلى بك أماسية وبك أرزنجان المنتقضين. وحلت اللحظة الحاسمة حين أمر بقتل شيخ مؤيد والى قيسارية المتمرد، وهو فعل أسخط عليه قره يولق عثمان بك الآق قويونلى. وتوفى برهان الدين في معركة مع الزعيم الآق قويونلى في قره بل، على أن سعد الدين يقول إن ذلك كان في جبال خربوط التي كان برهان الدين قد فر إليها أمام السلطان بايزيد الأول وثمة بعض الأخبار كتبت ببواعث أخرى (ابن عربشاه، شلدبرغر - Shild beger) نقول إن برهان الدين وقع في أيدى القره يولق وقتل في ذي القعدة سنة 800 (يولية- أغسطس سنة 1398) ونجد تواريخ أخرى لوفاته في المصادر، والنقش الذي على قبر برهان الدين الذي لا يزال قائما في سيواس لا يحمل أي تاريخ. وفي سيواس أيضًا تثوى عظام ابن برهان الدين: محمَّد جلبى المتوفى سنة 793 هـ (1391 م) وابنته حبيبة سلجوق خاتون المتوفاة سنة 850 هـ

(1446 - 1447 م) التي سميت بهذا الاسم لأن جدة أبيها كانت من حيث العصب حفيدة سلطان سلاجقة الروم كيكاوس الثاني (Van Berchem في Cla، ج 3، ص 50). ومن العجيب أن برهان الدين كان يجد من خلال حياته التي قضاها في اضطراب سياسى وحربى متصل، الوقت الكافي والسكينة النفسية اللذين يتيحان له أن يشارك مشاركة فعالة في ميدان العلم والشعر: وكتبه في الفقه التي كتبها بالعربية هي: "ترجيح التوضيح" الذي ألفه في شعبان من سنة 799 هـ (مايو سنة 1397)؛ "إكسير السعادات في أسرار العبادات" وهو كتاب لا يزال ينال التقدير حتى الآن بين العلماء. وأهم من هذا كله: "ديوان" برهان الدين الذي يشتمل على 1500 قصيدة من الغزل (دون أن ترتب الترتيب الأبجدى المألوف أو يكون لها (مخلص)، وعشرون رباعية، و 119 تيوغا (وهذه باللهجة التركية الشرقية) وبعض الأبيات القائمة برأسها. وعروضه كمتى وهو يكشف في عدد من المواضع عن عيوب في الوزن كانت خليقة بألا تقع قط من بعد وثمة مصاريع كمية نجدها في التيوغ مع مصاريع مقدرة بالمقاطع وبرهان الدين شاعر حب دنيوى، وتقل في شعره النفحات الصوفية وهو يتبع في الغزليات من حيث الموضوع والبيان تقاليد الشعر الفارسي الغنائى وبرهان الدين شاعر بحق، ومع ذلك فقد ظل الشاعر فيه مجهولا لدى كتب التذكرات (وإنما نجد عند بعض المؤرخين إشارات موجزة إليه يقال فيها إنه كتب أيضًا شعرا بالعربية والفارسية، مثل كتاب كب في الشعر العثمانى، ج 1، ص 208) ولم يكن له سلطان في ممارسة الشعر في آذربيجان أو عند العثمانيين. المصادر: (1) خص كتاب "بزم ورزم" بحياة برهان الدين بصفة عامة، وهذا الكتاب معروف باسم "مناقب قاضى برهان الدين"، وقد تم تأليفه سنة 800 هـ = 1398 م، وهو بقلم زميل له يدعى عزيز

بن أردشير الاستراباذى (المتن الفارسي نشر في إستانبول سنة 1928) وقد قدم له بالتركية كوبريلتى زاده فؤاد، انظر Storey، ج 2/ 2، ص 410. (2) Das Werk des: H. H. Giesecke Aziz Ardachir Asterbadi, ليبسك سنة 1940, ولعله فيما يقول بابنكر (Babinger في G.O.W، ص 5) هو عين "تاريخ القاضي برهان الدين السيواسى" في أربعة مجلدات لعبد العزيز البغدادي (حاجى خليفة، رقم 273). (3) أحمد توحيد: قاضى برهان الدين أحمد في تاريخ عثمان أنجمنى مجموعة سى، جـ 5 (سنة 1330 هـ = 1911 - 1912)، ص 106 - 178, 109 - 234, 182 - 296, 241 - 307, 347 - 357؛ جـ 5 (سنة 1331 هـ = 1912 - 1913) ص 405 - 409, 468 - 478. (4) Na tle: Dr. S. Rymkiewiczowa - eppoki) Tworczoshch Burhanaddina ije go dzialalnoshci (أي قدرة برهان الدين الخلاقة في ضوء زمانه وأثره)، وارسو, رسالة دكتوراه سنة 1949, ولم تنشر بعد. (5) خليل أدهم: دول إسلامية، إستانبول سنة 1928, ص 348 - 388. (6) Ottoman Poetry: Gibb, جـ 1، ص 204 - 224 (وهو يعتمد على كتاب "الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة" لابن حجر العسقلانى، المتن حيدر اباد، سنة 1348 - 1350 هـ = 1929 - 1932؛ جـ 6، النصوص، ص 16 - 20). (7) كوبريلى زاده محمَّد فؤاد وشهاب الدين سليمان: يكى عثمانلى تاريخ أدبياتى، جـ 1، إستانبول سنة 1332 هـ = 1913 - 1914 م) ص 169 - 173 (مع نماذج من النص). (8) عثمانلى مؤلفلرى، جـ 1، ص 396. (9) ميرزا بالا قاضى برهان الدين في إسلام أنسيكلوبيدياسى، الكراسة 55 (سنة 1952). ص 46 - 48 (وهو مقال ممتاز).

(10) Istoria Turciyi i: A . Krymskiy yeya literaturi جـ 1، موسكو سنة 1916 ص 270 - 379. (11) وثمة مادة كثيرة أيضًا في: الكاتب نفسه: Istoriya Turechchini ta yiyi pis'menstua جـ 2/ 2، كييف سنة 1927. (12) Storia de la lit-: A.Bombaci Turca teratura، ميلان سنة 1956، ص 293. (13) ماضى أوغلى: قاضى برهان الدين في أرايش، رقم 9، سنة 1957، ص 4 - 5 (وهو مقال مشهود يورد في إيجاز كثير بداية وختام مخطوط لندن، مع نماذج عن المتن بالحروف اللاتينية). (14) ويمكن أن نجد إشارات إلى برهان الدين هنا وهناك في المصادر التاريخية: انظر مقالتي أحمد توحيد وميرزا بالا المذكورتين آنفا. (15) وانظر أيضًا: P.Melioranskij: -Otriuoki iz diuana Achmeda Burhan ed Vostochniye Zametki, .Dina Siuasskogo Spb، سنة 1895, ص 131 - 152 (نص وترجمة 20 رباعية و 12 تيوغا). (16) قاضى برهان الدين غزل ورباعياتندن برقسمى وتيوغلرى، استانبول سنة 1922 مع مقدمة بقلم جناب شهاب الدين بك (وهو ناقص، انظر محمَّد فؤاد كوبريلى في تركيات مجموعة سى، جـ 2، ص 220 و - Babing er في GOW، ص 4. (17) قاضى برهان الدين ديوانى، جـ 1، إستانبول سنة 1944 (صورة طبق الأصل من المخطوط الفريد الموجود بالمتحف البريطانى، القسم الشرقي رقم 4126، وتاريخه سنة 796 هـ (1393 - 11394 م) وهو مخطوط رائع، الراجح أنه أعد لأمير الشعراء نفسه ويكشف على هامشه عن تصويبات بخطه). (18) محرم إركين: قاضى برهان الدين ديوانى أوزرنده بركرامر دغه سى في تورك ديلى وأدبياتى دركيسى، جـ 3/ 4، إستانبول سنة 1951، ص 287 - 327. (19) نهاد ثارلان. قاضى برهان الدينده تصوف في المصدر المذكور. جـ 8 سنة 1958، ص 8 - 15. خورشيد [ريبكا J. Rypka]

بسملة

بسملة تطلق على صيغة بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: البسملة أو التسمية، ويروى الزمخشرى أن قراء المدينة والبصرة والشام وفقهاءها لم يعتبروا البسملة آية على رأس الفاتحة وغيرها، وهم يذهبون إلى أنها وضعت هذا الموضع لا لغرض سوى الفصل بين السور تبركًا، وهذا هو رأى أبي حنيفة أيضًا، ومنه يتضح السبب في أن أتباعه لا يجهرون بالبسملة في صلاتهم. ولكننا نجد من جهة أخرى أن فقهاء مكة والكوفة وقراءهما يعتبرون البسملة آية على رأس الفاتحة وغيرها وهم لذلك يجهرون بها، وهذا هو رأى الشافعي، يعتمد فيه على أن القدماء دونوا البسملة على الصحف التي كتبت فيها آي الذكر، ولم يكتبوا كلمة "آمين": وإنا لنشاهد الناس في كل مكان لا يبدأون فعلا هامًا ما لم يصدر باسم الله، ثم إننا نلاحظ بصفة خاصة أن العرب الأقدمين كانوا يصدرون دعواتهم لحفلات الزواج بقولهم "بالرفاء والبنين" أو "باليُمن"، ويذهب الزمخشرى إلى أنهم كانوا يصدرون هذه الدعوات باسم اللات أو العُزَّى. وأنزل الله على لسان نبيه نوح: "وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها إن ربى لغفور رحيم" (سورة هود، آية 41). ويذهب الزمخشرى بصفة خاصة إلى أن الرحمن والرحيم من الصفات الغالبة ومعناهما العطف والحنو، وهو مجاز عن إنعامه على عباده، وإن الزيادة في بناء الرحمن على الرحيم لزيادة المعنى، وذكر الزمخشرى أيضًا بعض استعمالات للرحمن والرحيم، فأوردهما تارة من الأسماء وتارة من الصفات. وللبسملة في نظر التقاة فضائل عظيمة، ويقال إنها كتبت على جنب آدم وعلى جناح جبريل وعلى خاتم سليمان وعلى لسان عيسى. Magie: V.Doutte) L'Afrique du Nord et Religion dans 211). والبسملة حلية يكثر استعمالها في المخطوطات والزخارف المعمارية. [كارا ده فو B, Carra de Vaux]

تعليق على مادة بسملة

تعليق على مادة بسملة هذه المسألة من أهم مسائل الخلاف بين القراء والمحدثين والفقهاء، وألف فيها الكثيرون كتبًا خاصة، فمن ذلك كتاب "الإنصاف فيما بين العلماء من الاختلاف" للإمام الكبير أبي عمر يوسف بن عبد البر القرطبي المتوفى سنة 463 هـ وهو جزء في 42 صفحة، وقد طبع في مصر سنة 1343 هـ, وكتاب لأبي محمَّد عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم المقدسي، ذكره النووي في المجموع، وقال إنه مجلد كبير، ولخص أهم ما فيه، وألف فيها أيضًا ابن خزيمة وابن حبان والدارقطني والبيهقي والخطيب. وقد جمع الحافظ الزيلعى في: نصب الراية أكثر ما ورد فيها من الآثار والأقاويل في مقدار يصلح كتابًا مستقلا (168: 1 - 191 من طبعة الهند، و 323: 1 - 363 من طبعة المجلس العلمي سنة 1357 هـ) وكذلك النووي في المجموع، كتب فيها مقدارًا وافيًا. واستيعاب ما قالوه لا يسعه المقام هنا، لكنى أقول فيها كلمة أرجو أن أوفق إلى أن تكون القول الفصل، إن شاء الله. اتفق المسلمون جميعًا على أن البسملة جزء من آية في سورة النمل، ثابتة ثبوت التواتر القطعى الموجب لليقين. ثم اختلف الفقهاء وغيرهم بعد ذلك: هل هي آية من كل سورة من سور القرآن الكريم سوى براءة؟ أو هي جزء من آية؟ أو هي آية مستقلة نزلت مع كل سورة -براءة- لافتتاحها وللفصل بينها وبين غيرها؟ أو هي آية من الفاتحة فقط؟ أو ليست آية أصلًا، لا في الفاتحة ولا في غيرها؟ فنقل العلماء عن مالك والأوزاعي وابن جرير الطبري وداود أنهم ذهبوا إلى أنها ليست في أوائل السور كلها قرآنا، لا في الفاتحة ولا في غيرها. وحكاه الطحاوي عن أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد، وهو رواية عن أحمد، وقول لبعض أصحابه، واختاره ابن قدامة في المغني. وقال أحمد: هي آية في أول الفاتحة وليست قرآنا في أوائل باقي السور،

وهو قول إسحاق وأبي عبيد وأهل الكوفة وأهل مكة وأهل العراق، فيما نقله العلماء، وهو أيضًا رواية عن الشافعي. وقال الشافعي وأصحابه: هي آية من كل سورة سوى براءة. وحكاه ابن عبد البر عن ابن عباس وابن عمر وابن الزبير وعطاء وطاوس ومكحول. وحكاه ابن كثير عن أبي هريرة وعن سعيد بن جبير والزهري, وهو رواية عن أحمد. وادعى أبو بكر الرازي الجصاص في أحكام القرآن الكريم أن الشافعي لم يسبقه أحد إلى هذا القول. وذهب أبو بكر الرازي الجصاص إلى أنها آية في كل موضع كتبت فيه في المصحف، وليست آية من الفاتحة ولا من غيرها، وإنما أنزلت لافتتاح القراءة بها وللفصل بين كل سورتين -سوى ما بين الأنفال وبراءة- وهو المختار عند الحنفية، قال محمَّد بن الحسن: "ما بين دفتى المصحف قرآن"، وهو قول ابن المبارك ورواية عن أحمد وداود، وقال الزيلعى في نصب الراية: "وهذا قول المحققين من أهل العلم". ونسبة هذا القول إلى الحنفية استنباط فقط، فقد قال أبو بكر الجصاص في أحكام القرآن (8: 1): "ثم اختلف في أنها من فاتحة الكتاب أم لا: فعدها قراء الكوفيين آية منها, ولم يعدها قراء البصريين، وليس عند أصحابنا رواية منصوصة في أنها آية منها، إلا أن شيخنا أبا الحسن الكرخى حكى مذهبهم في ترك الجهر بها، وهذا يدل على أنها ليست منها عندهم, لأنها لو كانت آية منها لجهر بها كما جهر بسائر آى السور". وقال شمس الأئمة محمَّد بن أحمد بن أبي سهل السرخسيّ في المبسوط (ج 1 ص 16): "وعن معلى قال: قلت لمحمد -يعني ابن الحسن-: البسملة آية من القرآن أم لا؟ قال: ما بين الدفتين كله قرآن. قلت: فلم لم تجهر؟ فلم يجبنى، فهذا عن محمَّد بيان أنها آية أنزلت للفصل بين السور، لا من أوائل السور، ولهذا كتبت بخط على حدة، وهو اختيار أبي بكر الرازي رحمه الله، حتى قال محمَّد رحمه الله: يكره

للحائض والجنب قراءة البسملة على وجه قراءة القرآن الكريم لأن من ضرورة كونها قرآنًا حرمت قراءتها على الحائض والجنب، وليس من ضرورة كونها قرآنًا الجهر بها، كالفاتحة في الأخريين". وقد استدل كل فريق لقوله بأحاديث. منها الصحيح المقبول، ومنها الضعيف المردود. وأما أئمة القراءات فإنهم جميعًا اتفقوا على قراءة البسملة في ابتداء كل سورة، سواء الفاتحة أو غيرها من السور، سوى براءة. ولم يرو عن واحد منهم أبدًا إجازة ابتداء القراءة بدون البسملة. وإنما اختلفوا في قراءتها بين السور أثناء التلاوة، أي في الوصل: فابن كثير وعاصم والكسائى وأبو جعفر وقالون وابن محيصن والمطوعى وورش من طريق الأصبهانى-: يفصلون بالبسملة بين كل سورتين، إلا بين الأنفال وبراءة. وحمزة يصل السورة بالسورة من غير بسملة، وكذلك خلف، وجاء عنه أيضًا السكت قليلًا -أي بدون تنفس- من غير بسملة. وجاء عن كل من أبي عمرو وابن عامر ويعقوب وورش من طريق الأزرق-: البسملة والوصل والسكت بين كل سورتين سوى الأنفال وبراءة. وكل من روى عنه من القراء العشرة حذف البسملة روى عنه أيضًا إثباتها، ولم يرد عن أحد منهم حذفها رواية واحدة فقط. وهؤلاء هم أهل الرواية المنقولة بالسماع والتلقى، شيخا عن شيخ في التلاوة والأداء. وقد اتفقوا جميعًا على قراءتها أول الفاتحة وإن وصلت بغيرها. قال إمام القراء أبو الخير بن الجزرى في كتاب النشر في القراءات العشر": (262: 1): "ولذلك لم يكن بينهم خلاف في إثبات البسملة أول الفاتحة، سواء وصلت بسورة الناس قبلها، أو ابتدئ بها، لأنها لو وصلت لفظًا فإنها مبتدأ بها حكمًا، ولذلك كان الواصل هنا حالًا مرتحلا".

ولا خلاف بين أحد من أهل النقل وأهل العلم في أن جميع المصاحف الأمهات، التي كتبها عثمان ابن عفان، وأقرها الصحابة جميعًا دون ما عداها -: كتبت فيها البسملة في أول كل سورة، سوى براءة، وأن الصحابة -رضوان الله عليهم- إذ جمعوا القرآن في المصاحف جردوه من كل شيء غيره، فلم يأذنوا بكتابة أسماء السور ولا أعداد الآى، ولا (آمين)، ومنعوا أن يجرؤ أحد على كتابة ما ليس من كتاب الله في المصاحف، حرصا منهم على حفظ كتاب الله، وخشية أن يشبه على أحد ممن بعدهم فيظن غير القرآن قرآنا، فهل يعقل مع هذا كله أن يكتبوا مائة وثلاث عشرة بسملة زيادة على ما أنزل على رسول الله؟ ! ألا يدل هذا دلالة قاطعة منقولة بالتواتر العملى المؤيد بالكتابة المتواترة على أنها آية من القرآن في كل موضع كتبت فيه؟ ! والقاعدة الصحيحة عند أئمة القراء أن القراءة الصحيحة المقبولة هي: ما صح سنده ووافق رسم المصحف ولو احتمالا وكان له وجه من العربية؛ وأنه إذا فقد شرط من هذه الشروط في رواية-: كانت قراءة شاذة أو ضعيفة أو مردودة. وقد ذهب بعض القراء إلى أن التواتر شرط لصحة القراءة. والحق أنه شرط في إثبات القرآن، وأما القراءة فيكفى فيها صحة السند مع ما سبق. وهذا الذي اعتمده إمام القراء ابن الجزرى وغيره. ولكن لم يخالف واحد منهم في اشتراط موافقة رسم المصاحف، وفي أن القراءة التي تخالفه قراءة غير صحيحة ولو صح سندها. فإذا سلكنا جادة الإنصاف في تطبيق القواعد الصحيحة على الأقوال والقراءات السابقة، وتنكبنا طريق الهوى والعصبية-: علمنا علمًا يقينا ليس بالظن، أن القول الذي زعموا نسبته إلى مالك ومن معه، في أنها ليست آية أصلا -: قول لا يوافق قاعدة أصولية ثابتة، ولا قراءة صحيحة، وأن قراءة من قرأ بإسقاطها في الوصل بين السور قراءة غير صحيحة أيضًا، لأنها فقدت أهم شرط من شروط صحة القراءة، أو هو الشرط الأساسي في صحتها، وهو موافقة رسم المصحف،

وظهر أن الحق الذي لا يتطرق إليه الشك، ولا يستطيع مجادل أن ينازع فيه: أنها آية في كل موضع كتبت فيه في المصحف. وأما أنها آية من السور المكتوبة في أولها أو آية مستقلة، فإنه محل نظر وبحث، والذي يظهر لي ترجيح أنها آية من كل سورة كتبت في أولها، أي من جميع سور القرآن سورة براءة، وأنه لا يجوز لقارئ أن يقرأ آية سورة من القرآن -سوى براءة- من غير أن يبدأها بالتسمية التي هي آية منها في أولها، سواء أقرأها ابتداء أم وصلها بما قبلها، وهذا الذي اختاره الشافعي رضي الله عنه، فيما نقله عن العلماء، وهو الذي يفهم من كلامه الذي نقلنا آنفا عن كتابه "الأم". وبعد: فقد يبدو للناظر بادئ ذي بدء أن يتكره هذا القول وينكره لما فيه من الحكم على بعض أوجه القراءات السبع بعدم الصحة، لما شاع بين المتأخرين والعامة، من أن هذه القراءات السبع متواترة تفصيلا، بما فيها من بعض الاختلاف في الحروف وبما فيها من أوجه الأداء، وهذه شائعة غير صحيحة، بدأ القول بها بعض متأخرى العلماء، ثم تبعه فيها غيره، ثم أذاعها عامة القراء وعامة أهل العلم، من غير نظر صحيح، ولا حجة بينة، وقد ردها كثيرون من أئمة القراء والعلماء، قال أبو شامة المقدسي: "ونحن وإن قلنا: إن القراءات الصحيحة إليهم نسبت، وعنهم نقلت-: فلا يلزم أن جميع ما نقل عنهم بهذه الصفة، بل فيه الضعيف، لخروجه عن الأركان الثلاثة". وقال إمام القراء الجاحظ أبو الخير ابن الجزرى في كتاب النشر (1: 9 - 10) "كل قراءة وافقت العربية ولو بوجه، ووافقت أحد المصاحف العثمانية ولو احتمالا، وصح سندها-: فهي القراءة الصحيحة, التي لا يجوز ردها، ولا يحل إنكارها، بل هي من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن، ووجب على الناس قبولها سواء كانت عن الأئمة السبعة، أم عن العشرة، أم عن غيرهم من الأئمة المقبولين، ومتى اختل ركن من هذه الأركان الثلاثة أطلق

عليها: ضعيفة أو شاذة أو باطلة، سواء كانت عن السبعة أم عمن هو أكبر منهم. هذا هو الصحيح عند أئمة التحقيق من السلف والخلف، صرح بذلك الإِمام الحافظ أبو عمرو عثمان بن سعيد الدانى، ونص عليه في غير موضع الإمام أبو العباس أحمد بن عمار طالب، وكذلك الإمام أبو العباس أحمد بن عمار المهدوى، وحققه الإِمام الحافظ أبو القاسم عبد الرحمن بن إسماعيل المعروف بأبى شامة، وهو مذهب السلف الذي لا يعرف عن أحد منهم خلافه؛ قال أبو شامة رحمه الله في كتابه المرشد الوجيز: فلا ينبغي أن يغتر بكل قراءة تعزى إلى واحد من هؤلاء الأئمة السبعة، ويطلق عليها لفظ الصحة، وأن هكذا أنزلت-: إلا إذا دخلت في ذلك الضابط، وحينئذ لا ينفرد بنقلها مصنف عن غيره، ولا يختص ذلك بنقلها عنهم بل إن نقلت عن غيرهم من القراء فذلك لا يخرجها عن الصحة، فإن الاعتماد على استجماع تلك الأوصاف، لا عمن تنسب إليه، فإن القراءات المنسوبة إلى كل قارئ من السبعة وغيرهم منقسمة إلى "المجمع عليه والشاذ، غير أن هؤلاء السبعة لشهرتهم وكثرة الصحيح المجتمع عليه في قراءتهم، تركن النفس إلى ما نقل عنهم فوق ما ينقل عن غيرهم". ولم يكن الأئمة السابقون من العلماء يحجمون عن نقد بعض قراءة القراء السبعة وغيرهم، بل كثيرًا ما حكموا على بعض حروفهم في القراءة بأنها خطأ، وقد يكون الناقد هو المخطئ، ولكنه ينقد عن علم وحجة، فلا عليه إن أخطأ، ولو كانت حروف القراء كلها متواترة تفصيلا كما يظن كثير من العلماء وغيرهم-: لكان الناقد لحرف منها خارجًا عن حد الإِسلام، ولم يقل بهذا أحد، والعياذ بالله من أن نرمى أمثالهم بهذا. فمن أمثلة ذلك أن إمام المفسرين وحجة القراء أبا جعفر محمَّد بن جرير الطبري رد قراءة حفص عن عاصم من السبعة ويعقوب من العشرة في قوله تعالى في سورة الحج (آية 25): (سَواءً العاكف فيه والبادِ) بنصب "سواءً" فقال في تفسيره (103: 17): "وقد ذكر عن بعض القراء أنه قرأه

"سَوَاء) نصبا، على إعمال (جَعَلْنَا) فيه، وذلك وإن كان له وجه من العربية فقراءة لا أستجيز القراءة بها, لإجماع الحجة من القراء على خلافه". وقد رد الطبري والزمخشرى، وهما إماما العربية والتفسير-: قراءة ابن عامر في قوله تعالى في سورة الأنعام (آية 137): (وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم .. ) فقال الطبري (8: 33): "وقرأ ذلك بعض قراء أهل الشام (وكذلك زُيِّن) بضم الزاى (لكثير من المشركين قَتلُ بالرفع (أولادَهم) بالنصب (شركائهم) بالخفض، بمعنى: وكذلك زين لكثير من المشركين قتل شركائهم أولادهم ففرقوا بين الخافض والمخفوض بما عمل فيه من الاسم، وذلك في كلام العرب قبيح غير فصيح، وقد روى عن بعض أهل الحجاز بيت من الشعر يؤيد قراءة من قرأ بما ذكرت من قراءة أهل الشام-: رأيت رواة الشعر وأهل العلم بالعربية من أهل العراق ينكرونه". وقال الزمخشرى في الكشاف (2: 42): "وأما قراءة ابن عامر (قتلُ أولادَهم شركائهم) برفع القتل ونصب الأولاد وجر الشركاء، على إضافة القتل إلى الشركاء، والفصل بينهما بغير الظرف-: فشئ لو كان في مكان الضرورات، وهو الشعر، لكان سمجًا مردودًا، كما سمج ورد * زج القلوص أبي مزاده * فكيف به في الكلام المنثور! فكيف به في القرآن المعجز بحسن نظمه وجزالته! ! ". وقد أطال الإمام ابن الجزرى في النشر القول في الرد على الطبري والزمخشرى في نقدهما هذا الحرف على ابن عامر، وعقد لذلك فصلًا نفيسًا (254: 2 - 256)، ولسنا بصدد تحقيق الصواب في هذا الخلاف هنا، ولا ينبغي أن نحكم بالخطأ على ابن عامر، إنما نريد أن ندل على أن المتقدمين لم يكونوا يرون أن وجوه القراء في حروفهم متواترة كلها، وإلا كان في الإقدام على إنكار بعضها جرأة غير محمودة. وكذلك أنكر أبو إسحاق الزجاج حرفا من قراءة حمزة في قوله تعالى في سورة الكهف (آية 97): (فما

بشار

اسْطاعوا .. ) إذ قرأها بتشديد الطاء كما في النشر وغيره من كتب القراءات، قال في لسان العرب (112: 10): "وكان حمزة الزيات يقرأ (فما اسْطَّاعوا) بإدغام الطاء والجمع بين ساكنين. وقال أبو إسحاق الزجاج: من قرأ بهذه القراءة فهو لاحن مخطئ، زعم ذلك الخليل ويونس وسيبويه وجميع من يقول بقولهم". ولذلك كله لا نرى علينا بأسًا أن نقول: إن قراءة من قرأ بحذف البسملة بين السور في الوصل قراءة غير صحيحة، إذ هي تخالف رسم المصحف فتفقد أهم شرط من شروط صحة القراءة، وأن البسملة آية من كل سورة في أولها سوى براءة، على ما ثبت لنا تواترًا صحيحًا قطعيًّا من رسم المصحف. أحمد محمد شاكر بشار " بشار" بن برد: شاعر من شعراء العصر العباسى الأول، عاش في البصرة وبغداد وهو من أصل فارسى، وكان للمدائح التي كالها للخليفة المهدي أثر كبير، فقد كانت سببًا في غض النظر عن مساوئه من ودّ المعتزلة وميل للزرادشتية وجنوح إلى المجنون. فلما تمادى في غيه وهجا الوزير يعقوب بن داود قتل عام 167 هـ (783 م). وتدل الروايات التي كانت شائعة حتى القرن الثالث الهجري، والتي سجلها صاحب "الأغانى" على أثره القوى وشهرته الواسعة. المصادر: (1) الأغانى، طبعة بولاق، جـ 3، ص 19, 73؛ جـ 6، ص 47 - 53 وفي مواضع مختلفة. (2) ابن خلكان، طبعة فستنقلد، رقم 110. (3) Culturgeschichtliche: A.v. Kremer streifzuge، ص 37 وما بعدها. (4) Muhammedanische: Goldziher Studien , جـ 1، ص 162. (5) Gesch. d. arab.: C .Brockelmann lit، جـ 1، ص 574. [هل J. Hell]

تعليق على مادة "بشار بن برد"

تعليق على مادة "بشار بن برد" بقيت جوانب من خصائص الحياة الأدبية عند بشار بن برد لم يتعرض لها الأستاذ بروكلمان. وأظهر تلك الجوانب هو اهتمام بشار بالمحسنات البديعية، وهو لم يخلق فنون البديع خلقا: فقد كانت معروفة منذ العصر الجاهلى، ولها شواهد كثيرة في القرآن والحديث، ولكنه وجه إليها أنظار الشعراء والكتاب والخطباء، وقد كان بالفعل شاعرا وكاتبا وخطيبًا. وكان لذلك التوجيه تأثير شديد في تلوين الأذواق الأدبية عند شعراء العراق، فقد فتن مسلم بن الوليد بتلك الفنون فتنة شديدة شهدنا أثرها عند الطائيّ أبي تمام الذي حلف لا يصلى حتى يحفظ ديوان مسلم بن الوليد. وكذلك يكون بشار مؤسس مدرسة البديع، ويكون مسلم وأبو تمام العمادين القويين لهذه المدرسة الأدبية. وقد اختل بناء هذه المدرسة فيما بعد حين انتسب إليها من لا يفقهون شيئًا في هندسة الألفاظ والمعانى، ولكن يكفى أن يكون من تلاميذها بديع الزمان والحريرى اللذان أتيا بالأعاجيب في هندسة النثر الفني. ولم تخل هذه المدرسة من فضل، حتى في أيام الانحطاط، فمن هذه المدرسة نشأ ناظمو البديعيات وشراح البديعيات، وهم قوم أبدعوا في نشر الثقافة الأدبية. وهناك جانب آخر هو قدرة بشار على جعل الشعر مادة أساسية في الحياة اليومية. فقد استطاع أن يقدم إلى أهل عصره جميع ما يشتهون، فكانت أشعاره زاد اللاعبين واللاهين من الفتيان والفتيات، وكانت كذلك مسلاة للباكيات والنائحات، وساعده على ذلك افتقاره بسبب عاهته إلى الأنس بجميع الناس من عوام وخواص، ورجال ونساء، فدخلت إلى ذهنه صور كثيرة من حياة المجتمع، واستطاع أن يصور الأفراح والأتراح تصويرًا يمتزج بالنفوس والقلوب. وقد راع معاصريه بهذه الألوان، فهم الذين أنكروا عليه أن يقول: ربابة ربة البيت ... تصب الخل في الزيت

لها عشر دجاجات ... وديك حسن الصوت وقد أجاب بأن هذين البيتين قيلا في مدح امرأة عامية، وهما عندها أحسن من "قفا نبك" وهو جواب يدل على بصره بمقامات الكلام، فما يخاطب به العوام يختلف أشد الاختلاف عما يخاطب به الخواص. وحيرة بشار بين المذاهب السياسية والدينية منحته القدرة على التصرف في تلوين الكلام بألوان مختلفات، فهو يمثل عصره أصدق تمثيل، وهو صورة للشاعر المرتاب الذي يصارع الأمواج، في خضم القرن الثاني حين التقى البحران: بحر البداوة وبحر الحضارة في محيط الحياة الإِسلامية. وغرام الناس بمكايدته ومغايظته خلق منه داهية من الدواهى: فهو يواجه الناس بمخازيهم ومعايبهم بلا تحفظ ولا احتراس، وقد أمعن في ذلك وأسرف حتى انتهى إلى القتل. وانغماس بشار في حمأة الحياة اليومية جعله من أقدر الناس على النكتة، فهو شبيه كل الشبه بظرفاء القاهرة في هذه الأيام، والدعابات الآتية تشرح مذهبه في ذلك: مر برجل قد رمحته بغلته وهو يقول: الحمد لله شكرًا: فقال له بشار: استزده يزدك! ومر به قوم يحملون جنازة وهم يسرعون بها المشي فقال: ما لهم مسرعين؟ أتراهم سرقوه فهم يخافون أن يلحقوا فيؤخذ منهم! ودخل يزيد بن منصور على المهدي وبشار ينشده قصيدة مدح، فلما فرغ منها أقبل عليه يزيد فقال: ما صناعتك يا شيخ؟ فقال: أثقب اللؤلؤ. وهي كناية خبيثة لا يقدر عليها غيره في ذلك الموقف. ورفع إليه غلامه في حساب نفقته جلاء مرآة عشرة دراهم فقال: والله ما في الدنيا أعجب من جلاء مرآة أعمى بعشرة دراهم. والله لو صدئت عين الشمس حتى يبقى العالم في ظلمة ما بلغت أجرة من يجلوها عشرة دراهم.

وعوتب على جمع الصلوات فقال: الذي يقبلها تفاريق يقبلها جملة. ولبشار فكاهات كثيرة، وهي تشهد بأنه وصل إلى غاية عالية من دقة الحس وبراعة الذوق. وكان بشار صلة بين القديم والجديد، القديم الذي يستمد قوته من الأخيلة البدوية، والجديد الذي يستمد قوته من الأخيلة الحضرية. ولكن أهل زمانه فيما يظهر لم يكونوا جميعًا راضين عما في أشعاره من طرافة الحديث، ومن هنا رأيناه يشكو وجوده في عصره. والرواة الذين عاصروا بشارًا جعلوه آخر من يحتج بشعره، ويقوى هذا الشاهد إذا تذكرنا أنهم استثنوا بشارًا لينجوا من لسانه الخبيث. والظاهر أن بلية بشار بفقد بصره جعلته شديد الشوق إلى مظاهر الحياة، فهو يلتمسها فيما يسمع وما يلمس. ومن أجل ذلك كان في تشبيبه ميالًا إلى الفتك, ولو حفظ شعره كله لكانت له منزلة بين كبار الماجنين. ويظهر أن انحراف بشار صرف الناس عن تدوين شعره فضاعت منه ألوف القصائد، ويتضح ذلك إذا تذكرنا مصير المؤلفين والشعراء والكتاب الذين ضاعت مصايرهم في غمرة الفتنة الأثيمة فتنة الشعوبية. وربما جاز أن يقال إن بشارًا لم يكن بفطرته خفيف الروح والذي يفقد خفة الروح يتناساه الناس عامدين. وجملة القول في بشار أنّه استطاع بذكائه وإحساسه وجبروته أن يكون شخصية باقية في الأدب العربي، ولعل شهوده للانقلاب الهائل في الدولة العربية وانتقالها من عهد إلى عهد كان له فضل في تنبه قواه العقلية والذوقية، فما كان ذلك الانقلاب إلا رجة خطيرة مزعجة توقظ الغافيات من الأذواق والأحاسيس. وأعظم الشعراء والكتاب والخطباء والمؤلفين هم الذين يشهدون عهود الانقلاب. والشر قد يكون بابًا إلى الخير في كثير من الأحايين. زكي مبارك

+ بشار بن بُرد؛ أبو معاذ: شاعر عربي عراقى مشهور، عاش في القرن الثاني الهجري (الثامن الميلادي). وأسرته أصلًا من طخارستان أو شرقي إيران. وقد أسر جده، وأخذ إلى العراق أيام الحملة التي قام بها المهلّب أما أبوه، الذي أعتقته في آخر الأمر سيدة عربية من بني عقيل تقيم في البصرة، فكان طيانًا في تلك البلدة. ولد بشار في البصرة، ولا يعرف تاريخ مولده على وجه التحقيق، ولعله كان حوالي عام 95 أو 96 هـ (714 - 715 م). وألحق نفسه ببنى عقيل وظل فترة طويلة من مواليهم، ولم يفته تمجيد ذكرياته عن إيران القديمة نظرا لميوله الشعوبية. وكانت هذه، ولا شك، وسيلة لا بأس بها لتحويل أنظار من نددوا به عن أصله الوضيع، الذي لم تستطع أن تخفيه القصة الخيالية التي ترددت عن نسبه الملكى (انظر ما ورد عن النسب الساذج الذي جعله كتاب الأغانى لبشار، الطبعة الثالثة، جـ 3، ص 135). ويقال إن موهبة الشعر ظهرت على بشار وهو في العاشرة من عمره (انظر الأغانى، جـ 3، ص 143 و 144: عن رواية بصرية). وإذا لم يكن لبيئته البصرية الفضل في نمو هذه الموهبة، فإنها لا تستحق الذكر؛ ومحطة القوافل أو "المربّد" التي ظلت تحظى بهذه الأهمية حتى منتصف القرن الثالث الهجري (التاسع الميلادي؛ انظر Pellat: e Milien basrien ص 158 وما بعدها) كانت بالنسبة للفنان الشاب بمثابة مدرسة لا شك أنه قد استغرق في تراثها الشعرى الذي كان في عنفوانه في وسط الجزيرة العربية وشرقيها وقتذاك (انظر النادرة التي ذكرها كتاب الأغانى، الطبعة الثالثة، جـ 3، ص 143 - 145، والتي تروى نبأ اللقاء الذي تم بين بشار وجرير التميميّ، وهو لا يزال بعد في أوج شهرته، ولا يمكن قبول رأى بروكلمان Brockelmann. قسم 1، ص 109 الذي يخط بينه وبين سميّ له يدعى جريرًا). وتجمع سيرة بشار بين آثاره في المدح والرثاء والهجاء. ومما يلفت النظر أن إصابته بالعمى منذ ولادته وقبحه الشديد لم يؤديا إلى،

الإعراض عنه فقد عرف كيف يؤثر في الناس ويجعلهم يخشونه بفضل مدائحه ونوادره الشعرية. ويبدو لنا بشار من خلال الشذرات أو المقطوعات التي وصلتنا شاعرًا في بلاط عمال بني أمية من أمثال ابن هبيرة (الأغانى، الطبعة الثالثة، جـ 3، ص 197 و 236) أو سلم بن قتيبة في وقت لا يتجاوز عام 132 هـ = 750 م، انظر المصدر السابق، ص 190) أو الأمير سليمان ابن الخليفة هشام (انظر الديوان، جـ 1، ص 291 - 303)، بل إن لدينا قصيدة نظمها في مدح مروان، آخر من تولى الحكم من بني أمية (انظر الديوان، جـ 1 ص 306 وما بعدها). والظاهر أن قيام العباسيين لم يحل دون ارتفاع مكانة الشاعر، وكان وقتذاك في السابعة والثلاثين من عمره. كان رجلًا شديد الفطنة فلم يتردد في أن يهيئ نفسه للظروف الجديدة. ومن الصعب أن نتتبع فعله هذا بالتفصيل، ولكن يقال إن قصيدة نظمها أصلًا في مدح إبراهيم بن عبد الله العلوى أنشدت آخر الأمر للخليفة العباسى المنصور (الأغانى، الطبعة الثالثة جـ 3، ص 213 في آخرها)؛ انظر العسكري: ديوان المعاني، جـ 1، ص 136 وإذا صحت هذه الواقعة فإنها تعد علامة مميزة. وعاش بشار في بغداد منذ إنشائها عام 145 هـ (762؛ انظر المرزبانى: الموشح، ص 247 - 248). وكانت مدائحه من وقتها توجه إما إلى شخصيات بارزة في البصرة مثل سليمان العبسى (وكان عاملا عليها عام 142 هـ = 759 - 760) أو ابنه (وكان عاملا حوالي عام 176 هـ = 792 م؛ انظر الأغانى، الطبعة الثالثة، جـ 3، ص 165 - 7 و 207، Pellat, ص 166, 280) أو لشخصيات مثل عقبة ابن سَلْم (وكان عاملا عام 147 هـ = 764 م؛ انظر الأغانى، الطبعة الثالثة، جـ 3، ص 174 - 175، وانظر Pellat, الفهرس) أو ابنه نافع (وكان عاملا عام 151 هـ = 768 م؛ انظر الأغانى، الطبعة الثالثة، جـ 3، ص 230؛ وانظر Pellat, ص 281) وثمة نوادر عديدة تحملنا على القول بأن بشارًا كان يحظى

بالكثير من الرضا في عهد الخليفة المنصور, الذي اصطحبه فيما يرجح إلى مكة لأداء فريضة الحج (انظر الأغانى، الطبعة الثالثة، جـ 3، ص 153 و 159 و 188 و 212، 239 وبخاصة الديوان، جـ 1، ص 257 و 275 [قصيدة من 29 بيتا] جـ 2، ص 24)؛ وتوترت العلاقات أخيرا بين الخليفة والشاعر (انظر ما يلي). ونحن ندين لهذه الصلات الرسمية بالكثير من المعلومات الثمينة عن حياة الشاعر. ولكن ليس من شك في أنها لا تبلغ من الأهمية مبلغ صلات بشار بالنحاة في البصرة مثل أبي عمرو بن العلاء أو أبي عبيدة أو الأصمعيُّ أو برجال الدين في تلك البلدة مثل الحسن البصري المتوفى 131 هـ (748 م؛ انظر المصدر السابق، ص 170). ولا شك أن عباراته الساخرة التي تعرض فيها لهذين الرجلين السابقين تتفق مع ذوقة في مشاركة المنبوذين بسبب سلوكهم أو عقائدهم. وبين أيدينا "أدب" فيه من القصص الفكاهى أكثر مما فيه من روائع الكلم، يصور هذا المظهر من حياة بشار، ويحكى مغامراته وسقطاته التي يكاد يدنس فيها الحرمات (ومن هذا القبيل ما ورد في الأغانى، الطبعة الثالثة، جـ 3، ص 185 - 86 وص 233, وإن قصائده التي هجا فيها حمّاد عجْرَد لتدل على مدى قوة هذه الأواصر أحيانًا (انظر المصدر السابق، جـ 3، ص 137 و 205, 223 في آخرها؛ الجاحظ: البيان، جـ 1، ص 30). وإن مزاج الشاعر الحاد، وطبعه، وفوق ذلك كله حساسيته من ناحية لعاهته وخلو وفاضه يفسر لنا إلى حد كبير تنديده اللاذع بخصومه أو أعدائه، ومع ذلك يجب ألا يفوتنا أن هناك أسبابا أخرى تفسر لنا ما تنطوى عليه هذه الخصومات على المستوى المثالى من ضغينة. ومن هذه الأسباب الشعوبية (مثال ذلك ما ورد في الأغانى، الطبعة الثالثة، جـ 3، ص 138 و 139، وبخاصة ص 174 - 175 فيما يتعلق بهجوه للشاعر البدوى عقبة بن رؤبة؛ انظر أيضًا المصدر السابق، ص 166, الفقرة الخاصة بهجوه لبدوي؛ وص 203 - 204 التي يلوم فيها أحد الأشراف

الشاعر لأنه أثار الموالى على سادتهم العرب). ثم إن موقف بشار من مذهب المعتزلة يعكس رأيه المتذبذب في عطاء ابن واصل المتوفى 131 هـ (748 - 749 م في البصرة)، إذ يهجوه بعد أن رأيناه يمتدحه من قبل (انظر الجاحظ: البيان، جـ 1، ص 16 أو ما بعدها؛ وانظر أيضًا الأغانى، الطبعة الثالثة، جـ 3، ص 145 وما بعدها؛ وانظر قصائد الهجاء المقذعة التي تبادلها بشار وشاعر المعتزلة صفوان الأنصاري البصري، وفيما يختص بها انظر - Pel , Milieu basrien: lat ص 175 - 177 مع ترجمة لأبيات صفوان). أما آراء بشار الدينية فإنها لا تزال غير واضحة، ويبدو أنها قد تذبذبت، ثم إن بشارًا، كأى نهاز للفرص، قد أخفى رأيه الحقيقي. ولا شك أن التحفظات التي يبديها في الشعراء الذين يقدرهم مثل الكَميت أو السيد الحمْيَرى الذي عاش في البصرة من عامَ 147 هـ (764 م) إلى عام 157 هـ (773 - 774 م؛ انظر الأغانى، الطبعة الثالثة، جـ 3، ص 225، جـ 7، ص 237 بيد أن الحقائق غير مؤكدة) تصلح للدلالة على أنه لم يكن شيعيا (ولكن انظر Pellat, ص 178، الذي يرى أن بشارا جمع بين آراء الشيعة من الكاملية، وفي هذا الموضوع انظر المصدر نفسه، ص 201). يضاف إلى هذا أن اتهام بشار بالزندقة والنوادر التي تصورها أكثر مما تثبتها تشير إلى تشبثة بآراء غير متجانسة، والحق إن بين هذه الآراء عقائد مانوية تخالطها صبغة زرادشتية قوية (انظر الجاحظ: البيان، جـ 1، ص 16: ذكر البيت المشهور الذي جاء فيه أن الأرض في ظلام والنار تتألق وأن النار عبدت منذ وجودها (¬1)؛ انظر الإشارة إلى تأييد بشار لهذا في معارضة صفوان المعتزلى، المصدر السابق، جـ 1، ص 97، س 7؛ انظر أيضًا الفهرست، ص 338، س 10، الذي يسلك الشاعر بين الزنادقة المانويين في القرن الثاني الهجري الموافق الثامن الميلادي). ولكن إلى جانب هذه الاعتقادات يبدو أن بشارًا كان دائما يطوى ¬

_ (¬1) يشير الكاتب هنا إلى البيت الآتي لبشار: الأرض مظلمة والنار مشرقة ... والنار معبودة مذ كانت النار

جوانحه على تشكك عميق (انظر الأغانى، الطبعة الثالثة، جـ 3، ص 277, س 1 وما بعده؛ الديوان، جـ 2، ص 246) يمتزج بنظرة جبرية أدت به إلى التشاؤم والاعتقاد بمذهب اللذة (المصدر السابق ص 232, ورواية عن ابن قتيبة: عيون الأخبار، جـ 1، ص 40 في آخرها). واضطر بشار، مثل أقرانه، إلى أن يرجع إلى التقية وأن يقول بقول أهل السنة وأن يبدى غيرة الأتقياء مما يتعارض تعارضا تامًّا مع آرائه الحقيقية التي اقتنع بها (ومن هذا القبيل أبياته التي نظمها في هجاء ابن العوجاء الزنديق، الذي قتل في الكوفة: الأغانى، الطبعة الثالثة، جـ 3، ص 147, وأخص من هذا كله البيت الذي ورد في الديوان، جـ 2، ص 36، س 3 فهو يدل على التزام صارم بالإِسلام السُّنى). ولم يفلح حذره ذلك في إخفاء فضائح سلوكه ونوادره وزندقته. وأدت مؤامرة دبرت في البصرة إلى ضياع مكانته في نظر الخليفة المهدي (انظر أخبار نوادره في الأغانى، الطبعة الثالثة، جـ 3، ص 243 وما بعدها)، إذ تجاوزت ذلك إلى أمور أعظم شأنًا، أي إلى اضطهاد كل من شملهم لقب زنديق في عهد هذا الخليفة (انظر المصدر السابق، ص 246 في آخرها وما بعدها، وبخاصة: Appunti Gabrieli, ص 158). وقبض على بشار وجلد، وألقى به في مستنقع في البطيحة (الطبري، طبعة القاهرة، حـ 6، ص 401؛ الأغانى، الطبعة الثالثة، حـ 3، ص 247 - 248)، حدث هذا عام 167 هـ أو 168 هـ (784 - 785 م) وكان الشاعر قد تجاوز السبعين من عمره وقتذاك (لا التسعين كما قيل بسبب خطأ في الرسم، انظر الأغانى، الطبعة الثالثة، حـ 3، ص 247 و 249 ويورد الرقمين، ولا يظهر منهما إلا الثاني في كتاب الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد، حـ 7، ص 118؛ ابن خلكان، حـ 1، ص 88). واشتهر بشار في زمانه بأنه خطيب، وأنه يجيد كتابة الرسائل والنثر

(الجاحظ: البيان جـ 1، ص 49) ولكنه يدين بشهرته فوق كل شيء إلى مواهبه الشعرية. وكان إنتاجه من الشعر غزيرا متنوعا, ولكن مما يؤسف له أنه لم يصل إلينا في صورته الأصلية. ولما كان بشار كفيفا فإنه اعتمد على الرواة، الذين لا نعرف إلا أسماء أربعة منهم، وبخاصة خلف الأحمر (انظر الأغانى، الطبعة الثالثة، جـ 3، ص 137 و 164, وجـ 9، ص 189, 170, 112) بيد أن أحدا منهم لم يكبد نفسه عناء جمع ديوان شيخه. وسرعان ما ضاعت مقطوعات كانت تنشد من حين إلى حين وقصائد أنشدت على البديهة ونوادر شعرية، وفي الوقت نفسه نسبت إلى بشار قصائد يكتنف صحتها الشك إلى حد ما (انظر الشرح على الديوان، جـ 1، ص 309). ومن ثم لم تعرف آثار الشاعر، منذ القرن الثالث الهجري (التاسع الميلادي) إلا عن طريق مجموعات من أصحاب الدواوين أمثال هارون بن علي المتوفى عام 288 هـ - (900 - 901 م؛ انظر الفهرست، ص 144) أو أحمد بن أبي طاهر طيفور المتوفى عام 380 هـ (893 م) الذي جمع كتاب "اختيار شعر بشار" (انظر الفهرست، ص 147). ومن المعروف أن ابن النديم رجع، في الربع الأخير من القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي) إلى مجموعة من القصائد المختارة تشغل حوالي ألف صفحة (انظر الفهرست، ص 159 في آخرها). ومهما يكن من شيء فإنه يجب ألا يؤخذ في الإعتبار كتاب "الاختيار من شعر بشار" للأخوين الخالدين الموصليين فهو لم يذكر ضمن مصنفاتهما في كتاب ابن النديم (المصدر المذكور، ص 169) , ونحن لا نعرف هذا المصنف إلا من مختارات زودنا بها التجيبى (القرن الخامس الهجري - الحادي عشر الميلادي، طبعة العلوى، عليكره سنة 1935). وثمة مخطوطة وحيدة من أصل شرقي (ترجع إلى القرن السادس الهجري - الثاني عشر الميلادى؟ )، تضم قصائد تنتهي بقواف من الألف إلى الياء، كانت الأساس الذي قامت عليه طبعة ابن عاشور (3 مجلدات، القاهرة سنة 1950 - 1957)، وهي طبعة بعيدة كل البعد عن أن تستأهل الثناء. ومن

هذا نرى أن آثار بشار لا يمكن أن تدرس إلا بحذر. وينظم بشار قصائد ثلاثية متكلفة بأسلوب قوى، وعلى الرغم من أن قصائده قد تكون تقليدية في الشكل والمضمون فإنها تخالف القصائد التي نظمها الجيل السابق. وإن الصرامة التي تتسم بها نوادره الشعرية تضعه في مصاف الهجائين في عهد بني أمية (ومن هذا القبيل ما ورد في الديوان، جـ 2، ص 66، هجاء لحمّاد عجرد، وكذلك الأغانى، الطبعة الثالثة، جـ 3، ص 188 و 202)، وهنا تجد أن ذوقه الجانح لزخرف الكلام أو سوق الجد في قالب الهزل يحمله على ابتداع أساليب جديدة (ومن هذا القبيل، قصيدته التي تحدث فيها بلسان حماره، الأغانى، الطبعة الثالثة، جـ 3، ص 231 في آخرها). ولكن الراجح أنه حفر اسمه في ذاكرة الناس بمراثية. وكثيرا ما تجنح موضوعات قصائده الماجنة إلى أن تكون من قبيل شعر الغزل الذي يجب أن يعتبر تخليا عن تقليد تعد القصائد المنحولة المنسوبة إلى الأعشى ميمون نماذج مشكوكا فيها له، وتؤلف قصائده الغزلية جانبا هاما من هذا الإنتاج، وهي موجهة في الغالب إلى سيدة من البصرة تدعى عبْدة ولكنها موجهة أيضًا إلى بطلات أخريات لعل أسماءهن من وحى الخيال. وهذه القصائد تعبر حينا عن الواقع، (ومن هذا القبيل ما ورد في الأغانى، الطبعة الثالثة، جـ 3، ص 155, 165, 182, 200 إلخ) وحينا تغلب عليها براعة ممزوجة بالكياسة والرقة، قد أن فيما يبدو إلى استجابتين مختلفتين للصراع الأبدى في أعماق النفس الشرقية. وهناك قصائد يطرح فيها آراءه وهي شائعة أيضًا؛ وعلى الرغم من أن بشارًا ليس في الواقع متعمقا فإنه يتحاشى التفاهة ويستطيع أن يبدى ملاحظات ذكية. والتواؤم مع الظروف هو مفتاح أسلوب بشار، الذي يمكن أن يجمد على نمط بعينه ويصبح عتيقا في القصيدة (ومن هذا القبيل ما ورد في الديوان، جـ 1، ص 306 وما بعدها) ولكنه ينطلق ويصبح حرا يفيض بالبهجة في قصائد الغزل، وفيها يترخص الشاعر في استخدام اللغة بجرأة (ومن هذا القبيل ما ورد في

الديوان، جـ 2، ص 5، س 7؛ ص 10، س 3؛ ص 15، س 2). والحق أن التأثير الغالب على بشار كان دائما يعود إلى التقليد الذي ورثه من شعراء البادية، وهو، من كثير من الوجوه، قريب من "مدرسة" الحجاز كما نراها في شعر عمر بن أبي ربيعة. ولكنه نجح في أن يثرى هذا التقليد بما ينطوى عليه عالمه الداخلى من ثراء وبالتجربة القاسية التي نشأت من آفته الجثمانية واحتكاكه بعالم تسوده البلبلة والفتن. وإن أهمية مكانة بشار في الفترة التي تحول فيها الشعر من مرحلة إلى أخرى في منتصف القرن الثاني الهجرى (الثامن الميلادي) لا يمكن المبالغة في تقديرها. وإن تأثير الرجل والفنان يؤكده ما أثاره من حماسة أو كراهية في قلوب معاصريه. وهو يعد على وجه الإجمال من مفاخر البصرة، بينما ينبعث رأى الخبراء من "الأحكام التقويمية" التي تنسب إلى أدباء من أمثال أبي عبيدة والأصمعى وخلف الأحمر وجمع من الآخرين (انظر الأغانى، الطبعة الثالثة، جـ 3، في مواضع مختلفة). ونحن نعرف من جهة أخرى حكم الجاحظ عليه (انظر البيان، الفهرس) وأخيرا فإن بشارًا كان له تأثير عميق في الجيل التالي من الشعراء، وهناك ما يثبت هذا الأثر في سير أبي العتاهية، والعباس بن الأحنف، وأبي نواس، وسلم الخاسر وكثير من الآخرين، وتؤكد هذه الحقيقة دراسة آثارهم. وقد أصبح في وسع النقاد الشرقيين أن يروا في بشار واحدا من أعظم الشعراء عند العرب. المصادر: (1) ابن قتيبة: الشعر (طبعة ده غويه)، ص 476 - 479، والفهرس. (2) الجاحظ: البيان، طبعة هارون، ج 1، ص 49 والفهرس (24 إشارة إلى بشار). (3) الأغانى، الطبعة الثالثة، جـ 3، ص 135 - 249؛ جـ 4، ص 15 و 28 - 29، 33 - 34، 70 - 72؛ جـ 6 ص 227، 229، 237 والجداول. (4) الفهرست، ص 338. (5) الخطيب البغدادي: تأريخ بغداد، جـ 7، ص 112 - 118. (6) المرزبانى: الموشح، ص 246 - 250.

(7) ابن خلكان، القاهرة سنة 1310 هـ، ج 1، ص 89 - 90، طبعة عبد الحميد (القاهرة)، جـ 1، ص 245، تعليق رقم 110. (8) بالنسبة للمصادر الثانوية عن السير انظر Brockelmann، رقم 1، ص 40. (9) بالنسبة لأساس الموضوع انظر Renaissance -A. Meg . (10) Les Zindiq ... au debut de: G. Vadja la periode abbass. , في RSO جـ 17 (سنة 1937)، ص 173 - 229. (11) Le milieu basrien et la: Ch. Pellat formation de Gahiz، باريس سنة 1953، ص 176 - 8 و 256 - 9 والفهرس. (12) دراسات خاصة عن هذا الشاعر قام بها La Poesie arab: Di Matteo e nel I secolo degli Abbasidi باليرمو سنة 1935، ص 9 - 124. (13) Appunti Su B.i.B: F. Gabrieli، في BSOS، جـ 9 (1937)، ص 51 - مقالات ورسائل باللغة العربية. (14) عباس محمود العقاد: مراجعات في الأدب، القاهرة سنة 1925، ص 119 - 158. (15) المغربي، في مجلة المجمع العلمي العربي بدمشق جـ 9 (سنة 1929)، ص 705 - 722. (16) طه حسين: حديث الأربعاء، جـ 1، ص 232 - 242. (17) حسين منصور: بشار بين الجد والمجون، القاهرة سنة 1930. (18) حنا نمر: بشار بن برد، حمص سنة 1933. (19) حمصى: بشار بن برد، في الرعد، دمشق سنة 1949، ص 47 - 76. (20) أحمد حسنين: بشار بن برد، شعره واخباره، القاهرة سنة 1925، ص 109. (21) النويهى: شخصية بشار، القاهرة سنة 1957، ص 280. بالنسبة للنص وديوان بشار انظر المصادر الواردة في صلب المادة. آدم [د. بلاشير R. Blachere]

بعث

بعث " بعث": لفظًا: يرسل، يحرك، واصطلاحا في العلوم الدينية، تعنى إرسال الأنبياء أو نشر الأموات. ومنذ البدء بشر محمد (صلى الله عليه وسلم) بأن الحياة الثانية حق وبأن القصاص يكون مع نهاية هذه الحياة الدنيا بغتة (سورة الأنعام، الآية 31) تنذر به نفخة الصور (سورة الحاقة، الآية 13، ونفختان: سورة الزمر، الآية 68 تتميز كل منهما عن الأخرى في حقيقتها) فتنشق القبور وكلهم يهرعون ليعرضوا على القصاص (سورة الزمر، الآية 75؛ سورة الفجر، الآيتان 22، 23). والروح ليست خالدة طبعًا، وبقاؤها رهن بمشيئة الله، لذا فثمة آيات متأخرة (البقرة الآية: 148؛ آل عمران الآية: 163) تتضمن بقاء الروح وأن هؤلاء الذين يموتون في سبيل الله خالدون حقا في نعيم. والأخبار المتأخرة ليست إلا توسعا في تكرار هذه الأفكار ولا تكون كلا متصلا، فروح الرجل الصالح تترك البدن في يسر ولكن تلك التي للرجل الطالح تنتزع منه في ألم، والجسم يبلى في القبر غير الجزء الأدنى من عظم العمود الفقرى الذي إليه تتجمع الأجزاء الجوهرية من الجسم. وكثرة تبقى في القبر إلى يوم الفصل، وثمة قلة لا تتقيد بهذا، فالبعض يكون في البرزخ وعندما ينفخ إسرافيل في الصور تعود الدنيا هيولى وتعتم الشمس وينهض الناس من القبور على خلقتهم حفاة الأقدام عراة ثم يجمعون في مكان الفصل، سهل منبسط حيث لا موضع فيه ولا وراءه يغيب فيه الواحد، وقد يكون في هذه الدنيا، وقد يخلق خصيصا. وفي خبر آخر فالنفخة الأولى تأتى على كل واحد إلا إبليس والرؤساء الأربعة للملائكة، وتعيد النفخة الثانية الناس إلى الحياة. وتصهر حرارة الشمس كل شيء ويفيض فيض يكاد يبلغ الآذان. ويمكثون هناك ثلثمائة عام أو خمسين ألف عام لا طعام ولا شراب (الله أعلم). وأقسى من العذاب الجسمانى الفزع من الديّان، فسيشغل كل امرئ بنفسه ولا يعني بغيره، وسوف يلوذون بآدم [- عليه السلام -] يسألونه شفاعته، ولا يستجيب لهم نبي من

تعقيب

الأنبياء [- عليه السلام -] ويحيلونهم إلى محمد صلى الله عليه وسلم الذي يقبل المهمة ويستجيب إليه الرب (سبحانه وتعالى). ومن صور الفصل الأخرى: الصراط، وهو أرق من الشعرة وأحد من السيف يمتد على جهنم ويمر المؤمنون عليه سالمين، بينما يتردى الكافرون؛ والموازين التي توزن بها دنيا الناس؛ والكتب التي فيها الأعمال طيبة أو سيئة. وسيحمل المذنبون آلات عملهم السيئ، التي شغلتهم عن الدين. ويعتقد البعض أن كل المخلوقات الحية سوف تبعث في اليوم الآخر. ومن الواضح أن الكثير من هذا سابق لمحمد [- صلى الله عليه وسلم -]. فلقد عرف المصريون القدماء وزن الأرواح والكتب المسجلة، وعرف الفرس الصراط، وقد اختلطت الأفكار بعد، فبعض الناس يصبحون رمادا في قبورهم، وتطوف أرواحهم في الملكوت تحت سماء الدنيا وبعضهم يرقدون لا يعلمون شيئًا إلى أن يهبوا على الصور ثم يموتون الموتة الثانية، وبعضهم يمكثون شهرين أو ثلاثة في القبر ثم يطير الطير بأرواحهم إلى الجنة. وبعضهم يرقى إلى الصور ويظل فيه إذ ثمة كثرة من الأماكن الخفية فيها أرواح. المصادر: (1) محمد بن أبي شريف: كتاب المسامرة، ص 187. (2) الغزالى: إحياء علوم الدين، مجلد 4، باب 8، فصل 2. (3) الكاتب نفسه؛ الدرة الفاخرة (La Perle Precieuse) , سنة 1872 .. (4) الثعلبي: عرائس المحالس. (5) Muhammadanische Escha: Wolff: tologie سنة 1872. الأبيارى [تريتون A.S.Tritton] تعقيب خير ما نعقب به على هذه المادة هو أن البعث -كغيره من أي موضوع دينى مشابه- صيغت حوله أقوال من نسج الخيال لا ترجع إلى سند يعول عليه. ومن كتبنا العربية التي عرضت لمثل هذه الموضوعات ما هو ملئ بهذا الخيال. وكاتبنا هنا اعتمد في الكثير على مرجع جعله عمدته، وهو العرائس للثعلبى، وقل قارئ لا يعرف ما فيه من عبث.

بعل

وما من شك في أن معتمد المتعرف لرأى الإسلام في البعث هو القرآن والسنة، ثم اجتهاد المجتهدين ذوي الرأى السليم، وهذا كله مبسوط في أمكنته، وكله يؤكد أن ثمة بعثا لتجزى كل نفس بما عملت في دنياها، وإلا كانت حياة الناس عبثا من العبث. ولا ضير أن يكون الإسلام مسبوقا بهذا، فالإسلام دين الفطرة جاء ليقر الفطرة السليمة. ثم إن ما جاء مع البعث من مقتضيات كالميزان والصراط ونحوهما فللك صور إلى الله تعالى حقيقتها وهو القادر على كل شيء. وأما ما يضفيه خيال المتخيلين على هذه الأشياء فما هو مما يحسب. على الدين. إبراهيم الأبيارى بعل بَعْل: كلمة سامية قديمة، بله سامية أصلية، وجوهر معناها "سيد أو مالك"، وقد توسع في استعمالها فأصبحت تدل على "إله محلى" (مخَصب الأرض) و"زوج" (في مجتمعٍ السيادة فيه للرجال). وفي القرن الماضي جذب و. ر. سميث W. R. Smith الأنظار بشدة إلى أهمية المعنى الأخير في كتابه "القرابة والزواج في الجزيرة العربية قديمًا" (Kinship and Marriage in Early Arabia، كمبردج سنة 1885، الطبعة الثانية، لندن سنة 1903)، بيد أنه لم يستطع أن يدعم صحة ما أورده في بحثه من أن العرب استعاروا اللفظ نفسه من الساميين الشماليين. وظلت المعاني المختلفة للكلمة قائمة في اللغة العربية الفصحى، قياما اقترن بحيوية كانت تتفاوت وفقا للمراد والعصر والموطن. 1 - أما فيما يتصل بكلمة بعل بمعنى "سيد" فإن اللغة العربية الفصحى استغنت عنها بمرادفات متعددة، وهي لذلك تباين الكلمة العبرية بَعَل، فلا تظهر في كثير من الكلمات المركبة. وظلت تستعمل بمعنى "زوج"، والراجح أن الفضل في ذلك إلى أنها وردت في ثلاث آيات من القرآن الكريم (سورة البقرة، آية 228, سورة هود، آية 72؛ سورة النور، آية 31، وفيها ذكرت مرتين) بصيغتى المفرد والجمع (بعولة وتستعمل بعد ذلك في اللغة

العربية الفصحى عادة بصيغة بعول أو بعال). وكان إدراك الناس لمعنى "السيد" لا يزال قويًّا: وكلمة بعلى "زوجى" في سورة هود (آية 72) تعبر عن كلمة "أدونى" الواردة في التوراة (على لسان سارة، سفر التكوين، الإصحاح 17، آية 12؛ تَرْجُوم أوْنكلُوس: ربُّونى). وتستخدم اللغة العربية الفصحى في المؤنث صيغتى بعل أو بعلة، واشتقت من هذا المعنى المتعلق بالزواج صيغ فعلية عديدة. 2 - وساعد القرآن الكريم في سورة الصافات آية 125 (قصة إلياس؛ انظر سفر الملوك الأول، الإصحاح 18، مادة "إلياس") مساعدة أكثر تحديدا على ألا يغيب عن أذهان المسلمين أن "بعلا" هو صنم، على الرغم من الاختلاف بين المفسرين. والحق أن الفكر الإسلامي لا يرحب بقبول هذا المعنى، وإن ظهر عرضا في آراء مصنفى القرون الوسطى فيما يرتبط باشتقاق كلمة بعلبك مصحوبا بتفاصيل خيالية تتعلق بوجود صنم قديم في هذا المكان. وفوق ذلك فإن مما يلفت النظر بقاء فكرة الرب بعل لا شعوريا في الحالتين الآتيتين: (أ) الفعل بَعلَ والصفة بَعل أي "دهش"، والأصلَ فيهما، كما أوَضح نولدكه Noeldeke (في Zeitschr. der Deutsch. Morgenl. Gesells " سنة 1886، جـ 40، ص 174 "تقمصه بعل". (ب) بُعْل وبعلى لفظان يحملان معنى أرض لا تسقى: فهناك بيت من الشعر ينسب إلى الصحابى عبد الله بن رَوَاحَة (لسان العرب، جـ 13، ص 60) يقول فيه: ... هنالك لا أبالي نَخْلَ بَعْلٍ. ولا سَقْى ... (¬1) وفي عبارة من هذا القبيل ربما تَكون كلمة بعل قد احتفظت بشيء من معناها الأصلي، لم يدركه صاحب لسان العرب: وهو أن الإله بعل (وهو ذكر) يخصب الأرض (وهي أنثى) بمياه المطر أو المياه الجوفية. وإن الموازنة بين أرض تسقى (بألفاظ مشتقة من نفس المصدر مطر سقى) و "دار بعل أو حقله" تتضح بجلاء في التَّرْجُوم والتَّلْمُود- jas Dict of the Talmud: trow؛ مادة b'l بعل وسقى؛ Lectures on the re-: W.R. Smith ligion of the Semites, لندن سنة 1927، ¬

_ (¬1) البيت بأكمله: هنالك لا أبالي نخل بعل ... ولا سقى وإن عظم الإناء

انظر الفهرس؛ Arbeit: G. Dalman und Sitte in Palaestina كوتر سلوح سنة 1932، جـ 2، ص 32 - 33). ومهما يكن من أمر فإننا نصادف لفظ بعل في اللغة العربية الفصحى إبان القرون الأولى من الهجرة في مناسبات عديدة، ينفرد بمعنى "أرض مزروعة لا تسقى". وليس في عبارة مركبة تخضع لكثير من التأويل. وتوجد بهذا المعنى في كتب الفقه، وبخاصة فيما يرتبط بضريبة العشور (الزكاة أو الصدقة) التي تفرض على الإنتاج الزراعى. والحق أن الشريعة الإسلامية، عند الشيعة وأهل السنة على السواء، تنص على تخفيض هذه الضريبة إلى نصف العشر أو إلى جزء من عشرين جزءًا، عندما يتوقف نمو المحصول على رى صناعى، يستلزم شيئًا من الجهد، وفي مقابل هذا تكون الزكاة بالفعل عشر الناتج، عندما يكون من أرض بعل، ويرد اللفظ مرتبطا بالموضوع نفسه في أحاديث منقولة عن موطأ مالك. (القرن الثاني الهجرى = الثامن الميلادي" انظر الباجى: المنتقى، حـ 2، ص 157 - 158)، ويرد مرارا في القرن الثالث الهجرى (التاسع الميلادي) في كتب الفقه مثل كتاب الأم للإمام الشافعي (حـ 2، ص 32) ومدونة سحنون المالكي (حـ 2، ص 99، 108). وترد هذه الأحاديث بنصها تقريبا في سنن أبي داود (السنن: رقم 1596 - 1598)، ويرويها القدماء من المتخصصين في الأموال وخراج الأرض (القرن الثالث- الرابع الهجرى = القرن التاسع- العاشر الميلادي): يحيى بن آدم (كتاب الخراج، طبعة القاهرة سنة 1347 هـ,، رقم 364 - 395، بينما ورد في نسخة أخرى كاشفة، رقم 381 "ما سقاه بعل"، هكذا ورد النقل في كتاب فتوح البلدان للبلاذرى، ص 70)، وأبو عبيد بن سلام (كتاب الأموال، طبعة القاهرة سنة 1353 هـ، رقم 1410 - 1411) , وقدامة بن جعفر (كتاب الخراج، الجزء السابع، فصل 7، تحقيق ده غويه، حاشية على كتاب البلاذرى، فتوح البلدان، ص 14، أما كتاب مفاتيح العلوم للخوارزمى الذي يتناول هذا الموضوع فليس إلا ملخصا لهذا المصنف)، والأمر كذلك في الفقه

الفاطمى الذي كان قد استقر في إفريقية (القرن الرابع الهجرى = العاشر الميلادي): والقاضي النعمان (دعائم الإسلام، طبعة القاهرة سنة 1951، حـ 1، ص 316). ومن الطبيعي أن ينسحب هذا المفهوم على كثير من المصنفات المتأخرة. وتثير هذه النصوص، فيما يتعلق باستعمال كلمة بعل التفسيرين الآتيين: (أ) يبدو أن الكلمة ترتبط بتقاليد أهل المدينة، وكذلك أهل اليمن، والظاهر أنها لم تكن معروفة في التقاليد العراقية القديمة (ولعل هذا يرجع إلى أن العراق في الأصل بلاد اعتمدت على الري)، ولا يستخدم المذهب الحنفي، وقد نشأ أصلا في العراق، هذه الكلمة عادة، مع أنه يقرر القاعدة المتبعة في هذا الشأن، مثله في ذلك مثل المذاهب الأخرى. (ب) أن الأحاديث التي تتضمن هذه الكلمة تدرجها في عداد الأراضي المذكورة فيما سبق، وفيها تبدو الأرض البعل متميزة عن الأراضي التي ترويها مياه الينابيع أو المطر أو القنوات. ومع ذلك فإن بين المفسرين وأصحاب المعاجم من يتشبث بأن كلمة "بعل" تطلق على كل الأراضي المزروعة التي لا تسقى، في حين أن آخرين، تأثروا بحرفية الأحاديث، وربما بمعانى اللفظ في اللهجات المختلفة، يقدمون مجموعة من التفسيرات، تدور حول فكرة الأرض التي لا تسقى في حالة الجفاف: ويرى البعض أن الكلمة لا تنطبق إلا على الأحوال التي يحصل فيها النبات على الماء بوساطة جذوره الممتدة تحت السطح وحدها (ثمة دليل تفصيلى في لسان العرب، الموضع المذكور، وانظر أيضًا Lectures .: W. R. Smith، ص 98 - 99؛ Islamic Taxa-: Lokkegaardy tion كوبنهاغن سنة 1950، ص 121). ويوجد بين الكلمات التي تحمل المعنى نفسه أو ما يقاربه، وهي كثيرا ما تحل محل كلمة بعل أو تقترن بها في الاستعمالات التي ذكرناها فيما سبق، ما ينبغي أن نعنى بشانه عناية خاصة بكلمة عَشَّرى (مثل ما ورد في صحيح البخاري، كتاب الزكاة، باب 55) وهو لفظ يصعب علينا أن نحجم عن تفسيره على ضوء اسم الإله عَثْتَر (= عشتروت أو عشتار)، وعَثْتَر إله نجمى من مجمع الآلهة في الجزيرة العربية وجنوبيها

وله تأثير على خصوبة الأرض، وكان في بعض الأوقات يوصف باسم بعل Etudes sur les religions semi-: Lagrange tiques، باريس سنة 1903، ص 133 - 136؛ Handbuch der al: Nielsen tarab Altertumckunde . كوبنهاغن سنة 1927، حـ 1، الفهرس؛ Jamme في Le Museon سنة 1947، ص 85 - 100؛ G. Ryckmans: في Atti. Accad Lincei، سنة 1948، ص 367؛ الكتاب نفسه: - Les religions Arabes Preisla miques، الطبعة الثانية، لوفان سنة 1951، ص 41 وفي مواضع متفرقة؛ Jamme في Brillant and Aigrain: Hist des Religions [1956]، حـ 4، ص 264 - 265). وهناك شواهد على إدغام الثاء والتاء وتحويلهما إلى ثاء مضعفة في اللغة العربية الفصحى، ولا شك أن المقابلة المعنوية لكلمة بعل هنا تثير الدهشة. ولابد أن نلاحظ ورود كلمة بعل، بنفس المعنى، في بعض الروايات الخاصة بالشروط التي يُؤثر أن النبي صلى الله عليه وسلم قد فرضها باعتبارها شريعة تطبق على الأرض في العام التاسع الهجرى سواء على واحة دومة الجندل (على يد قائده أكَيدر بن عبد الملك) أو على قبائل بنى كلب (على يد قائدهم حارثة بن قَطَن؛ انظر: - Cae Annali: tani، العدد 2، حـ 1، ص 259 - 269 [وقد ناقش هذه الواقعة Mssil في Arabia Deserta. نيويورك سنة 1927، ملحق رقم 7؛ وبحث بقلم W.M. Watt عنوانه محمد في المدينة Mu- hammad at Medina، أكسفورد سنة 1956، ص 362 - 365). كما نلتقى به مرة أخرى فيما يرتبط بالخراج في الرسائل الكبرى الخاصة بالشريعة في القرن الخامس الهجرى (الحادي عشر الميلادي): الأحكام السلطانية تأليف أبي يعلى الحنبلي (طبعة القاهرة سنة 1938، ص 151) والماوردي الشافعي (ترجمة فانيان Fagnan . الجزائر سنة 1915، ص 314). ومن رأيهما في حساب هذه الضريبة مراعاة مورد الماء: وهو أربعة أضرب من الأرض المزروعة، من بينها نجد أن الأرض البعل تتحدد بدقة على وجه التقريب كما قلنا من قبل، في مقابل الأرض المسقية أو الأرض التي يرويها المطر ريا كافيا.

ويستخدم الجغرافي المُقَدَسى الكلمة في ثلاث مناسبات في القرن الرابع الهجرى (العاشر الميلادي؛ المكتبة الجغرافية العربية، جـ 3، ص 197، 474) ويتناول الإنتاج الزراعى قرب الرَمْلَة والإسكندرية وفي السند، وهو يستعملها دائما في صيغة (على البعل) وهذا لا يكفى، على آية حال، للدلالة على استخدام الكلمة خارج بلاد الشام وفلسطين وهي مسقط رأس الكاتب. وفي هذه المنطقة الجغرافية حيث "الزراعة على البعل هي الأساس التقليدى للاستغلال الزراعى، على الرغم مما يتوهمه الناس من وفرة الماء فيها" (Paysans de Syrie: J. Weulersse, ياريس سنة 1946، ص 144) نجد في الوقت الحاضر: أرض بعل تقابل أرض سقى كما في الأزمنة السابقة) G- Dal-) man. المصدر المذكور، ص 30؛ وأشار إلى ذلك بالفعل E. Meier . في Zeitschr. der Deutsch. Morgenl. Gesells، سنة 1863، جـ 17، ص 607). ونذكر هنا حالة خاصة باستخدام هذه الكلمة في مصر أيام القرون الوسطى، فقد كان هناك في القاهرة أيام المماليك وربما في أيام الفاطميين من قبل، بستان قرب الخليج، أصبح بعد متنزها عاما، يسمى بستان البعل، ثم "أرض البعل"، (انظر المقريزى: الخطط، طبعة بولاق سنة 1270 هـ، جـ 2، ص 129. وهنا نراه يستعمل صراحة كلمة بعل بمعناها الجغرافي). وجدير بالذكر أن مسلمي الأندلس "مثل الفلاحين الأسبان اليوم تماما ... كانوا يفرقون بين أرض السكانو - Seca no (البعل بالعربية) وأرضَ الركاديو Regadio (السقى بالعربية)، فالأولى يحتفظ بها خصيصا لزراعة الحبوب" Hist. Esp. Mus: Levi Provencal باريس سنة 1953، جـ 3، ص 270). ويؤكد ابن العَوام (القرن السادس الهجرى = الثاني عشر الميلادي) الخبير المشهور في الفلاحة بإشبيلية وجود هذه التفرقة (كتاب الفلاحة، طبعة بانكويرى - Ban queri، مدريد سنة 1802، جـ 1، ص 5). وقد ظهرت هذه التفرقة في العقود، وبخاصة عقود المغارسة: فنحن نجد -مثلًا- أن صيغة التوثيق التي وضعها ابن سلمون، في كتاب العقد المنَظَّم (طبعة القاهرة سنة 1302 هـ،

تعليق على مادة "بعل"

جـ 2، ص 21 - 22) في القرن الثامن الهجرى (الرابع عشر الميلادي) تتضمن صيغتى بعلى وَسقَوى. ويبدو أن هاتين النسبتين تتحولان في الواقع إلى اسمين في الأزمنة الحديثة على الأرجح في مناطق معينة، وذلك على منوال كلمة عثَّرى. وقد لوحظ وجود كلمة بعلى جنبا إلى جنب هي وكلمة عَثَّرِى في لهجات أهل جنوبي الجزيرة العربية: Landberg: Glossaire Datinois، ليدن سنة 1920، جـ 1، 186) حيث نرى أن كلمة أثرى يجب أن تعدَل، على وجه اليقين تقريبًا، إلى كلمة عَثَّرى. وليس من اليسير على الدوام أن نحدد، من أول نظرة، هل كلمة بَعْلى تستعمل الآن، صفة أو اسما في الشرق وفي شمالي إفريقية. وهي في الغالب ترتبط -أكثر من كلمة سقوى التي تدل على نقيضها- باسم خضر من الخضروات أو الفواكه: وتؤكد في هذه الحالة صفة الجودة، ففي مدينة فاس تطلق الصيغة المؤنثة بَعْليَة على ثمرة تين ريَانة، بينما يوصف بَكلمة بَعْلى أي رجل بخيل، قاس شحيح كالأرض التي تحمل الاسم نفسه (معلومة قدمها ل. برونو L. Brunot) . وكما هي الحال في كثير من العناصر الأخرى التي يتألف منها معجم الألفاظ التي تتردد في مفردات لغة الحديث العربية، نرى أن من دواعي الأسف ألا نعرف بدقة كافية المناطق التي تستعمل فيها فعلا كلمتا بَعْل وبَعْلى، وهما كلمتان غير معروفتين في مناطق مترامية الأطراف يتحدث فيها الناس باللغة العربية. وإن التوزيع الدقيق لهاتين الكلمتين يزودنا بمعارف تمثل وجهات نظر مختلفة. د. يونس [ر. برنشفيك R. Brunschvig] تعليق على مادة "بعل" جاء في المقال أن كلمة بعل سامية قديمة أصيلة، بمعنى سيد أو مالك أو زوج ثم أصبحت تدل على إله محلى. وأما كلمة "بعل" فإنها عربية أصيلة، ليس فيها شية من العجمة، وإن ادعى كاتب المادة أنها سامية، وأنها "بعل"؛ وسنذكر الأدلة على ذلك قوية واضحة إن شاء الله.

فقد ذكر الطبري -إمام المفسرين- "وللبعل في كلام العرب أوجه: يقولون لرب الشيء: هو بعله، يقال: هذا بعل هذه الدار، يعني ربها، ويقولون لزوج المرأة: بعلها. ويقولون لما كان من الغروس والزروع مستغنيا بماء السماء ولم يكن سقيا: هو بعل، وهو العذى". قال الراغب الأصفهانى في غريب القرآن (ص 54): بعل: البعل هو الذكر من الزوجين، قال الله عزَّ وجلَّ: (وهذا بعلى شيخا)، وجمعه بعولة، نحو فحل وفحولة. قال تعالى: {وبُعُولَتُهن أحقُّ بردهِن}؛ ولما تصور من الرجل الاستعلاء على المرأة فجُعل سائسها والقائم عليها، كما قال تعالى: (الرجالُ قوامون على النساء): - سُمى باسمه كل مُسْتَعْلٍ على غيره. فسمى العرب معبودهم الذي يتقربون به إلى الله بعلا (¬1) لاعتقادهم ذلك فيه، في نحو قوله تعالى: {أتدعون بعلا وتذرون أحسن الخالقين}. ويقال أتانا بعل هذه الدابة، أي المستعلى عليها. وقيل للأرض المستعلية على غيرها: بعل، ولفحل النخل: بعل، تشبيها بالبعل من الرجال، ولما عظم حتى يشرب بعروقه: بعل، لاستعلائه: قال صلى الله عليه وسلم، فيما سقى بعلا العشر، ولما كانت وطأة العالى على المستعلى عليه مستثقلة في النفس قيل: أصبح فلان بعلا على أهله، أي ثقيلا لعلوه عليهم. وبنى من لفظ البعل: المباعلة والبعال، كناية عن الجماع، وبعل الرجل يبعل بعولة واستبعل فهو بعل ومستبعل إذا صار بعلا. واستبعل النخل عظم. وتصور من البعل الذي هو النخل قيامه في مكانه فقيل: بعل فلان بأمره: إذا دهش وثبت مكانه ثبوت النخل في مقره، وذلك كقولهم: ما هو إلا شجر، فيمن لا يبرح". وهذا النص عند الراغب يجمع معاني هذا الحرف، وهو أدق النصوص، لأنه يردها كلها إلى معنى واحد، تفرعت عنه المعاني الأخر، وهو من دلائل عروبة الكلمة، فإنا إذا وجدنا العرب استعملوا كلمة، ثم أكثروا من تصريفها والاشتقاق منها، والانتقال من معانيها إلى أنواع مختلفة باختلاف الأوزان، ¬

_ (¬1) يعني أنهم جعلوه اسما نكرة لما يعبدون، كقولهم "صنم" ونحوه فلم يعتبره الراغب علما على صنم بعينه، وهو الصواب. أحمد محمد شاكر

وانتقلوا بها إلى معان تشبه أن تكون بينها وبين المعنى الأول علاقة-: علمنا أن الكلمة أصيلة عندهم، ومن لغتهم، فإذا وجدناهم خرجوا من هذا إلى تقليب حروفها بالتقديم والتأخير، واستعملوا تقاليب المادة أو أكثرها، بإعادة معنى جديد في كل تغيير منها - كان في ذلك اليقين والجزم، وارتفعت كل شبهة في أنها عربية. وقد صنع العرب في هذا الحرف كل ذلك، فاشتقوا من مادة "بعل" ما نقلناه عن الراغب وغيره، ثم استعملوا تقاليبها كلها: قدموا اللام على العين، فقالوا "بَلِع" الشيء بْلَعا، وابتلعه ابتلاعا، وقالوا: رجل "بلع" كثير الأكل، إلى آخر هذه المادة. ثم قدموا العين على الباء، فقالوا: رجل "عَبْل" إذا كان غليظا، والمصدر "العبالة" و "العبولة"، وهكذا. ثم أخروا الباء بعد العين واللام، فقالوا: "العلب" وجمعه "عُلوَب" وهو الأثر في الجسد، واشتقوا منه فعلا، وقالوا: "العلبة"، و"استعلب" الجلد: إذا غلظ، وغير ذلك. ثم أخروا الباء بعد اللام والعين، فقالوا: لَعِب" ومشتقاتها. ثم قدموا اللام قبل الباء والعين فقالوا: "ذهب به ضَبْعا لَبْعًا" أي باطلا. فها هي الصور العقلية كلها في تقليب هذه الحروف الثلاثة (ب ع ل) بالتقديم والتأخير، استعملها العرب جميعا، وإذا ذهبنا نبحث فيما يخرج منها بتغيير بعض الحروف بما يقاربها في المخرج كما إذا أبدلنا من الباء فاء مثلًا- وجدنا الصور الست فيها مستعملة كلها: (فعل، فلع، عفل، لفع، لعف، علف). وكذلك إذا وضعنا بدل العين حاء، وجدنا تقاليب المادة مستعملة كلها: (بحل، بلح، حبل، لبح، لحب، حلب). وكذلك إذا وضعنا الفاء والحاء بدل الباء والعين: (فحل، فلح، حفل، لفح، لحف، حلف). وهكذا مما لو تتبعناه تفصيلا طال الأمر جدا. فليس من المعقول بعد هذا أن يكون في كلمة "بعل" آية شبهة من العجمة، والنقول التي فيها أن الكلمة بمعنى

"الرب" لغة أهل اليمن لا تنافى هذا، فاليمنية عربية، وكثير من الألفاظ التي تفردت باستعمالها عرفت قبل الإسلام في مضر، وقليل منها لم يعرفه سائر العرب، ثم عرف بعد، وكلها لغة واحدة. هذا إلى أنى أدهب إلى ما ذهب إليه الشافعي وأبو عبيدة: أنه ليس في القرآن كلمة واحدة غير عربية، حاشا الأعلام. وانصر هذا القولَ وأجزم بأنه الحق، وإن خالفتُ فيه كثيرًا من الأصوليين واللغويين. قال الشافعي في [كتاب الرسالة] (في الفقرات 131 - 136، ص 41 - 42 من طبعة الحلبى بتصحيحى): "فالواجب على العالمين ألا يقولوا إلا من حيث علموا. وقد تكلم في العلم من لو أمسك عن بعض ما تكلم فيه منه لكان الإمساك أولى به، وأقرب من السلامة له، إن شاء الله. فقال قائل منهم: إن في القرآن عربيا وأعجميا. والقرآن يدل على أن ليس من كتاب الله شيء إلا بلسان العرب. ووجد قائل هذا القول من قَبِل ذلك منه، تقليدًا له، وتركًا للمسئلة له عن حجته، ومسئلة غيره ممن خالفه، وبالتقليد أغفَل من أغفل منهم، والله يغفر لنا ولهم". وبعد أن أقام الحجة لقوله، وردّ قول مخالفيه، اعتذر عن بدء كتابه بهذا البحث، وقال (في الفقرة 170، ص 50): "فكان تنبيه العامة على أن القرآن نزل بلسان العرب خاصة: نصيحة للمسلمين، والنصيحة لهم فرض لا ينبغي تركه، وإدراك نافلة خير لا يدعها إلا من سفه نفسه، وتركَ موضعَ حظه، وكان يجَمع مع النصيحة لهم قياما بإيضاح حق، وكان القيام بالحق ونصيحة المسلمين من طاعة الله، وطاعة الله جامعة للخير". وقال أبو عبيدة، فيما نقله عنه أبو منصور الجواليقى في [كتاب المعرب] (ص 4 من طبعة ليبسك سنة 1867): "من زعم أن في القرآن لسانا سوى العربية فقد أعظَمَ على الله القول". بقيت الشبهة من أن في اللغة السامية كلمة "بَعَل" بمعنى مالك الشيء. وأما وجود الكلمة في اللغة السامية، فإنه لا يدل على نقلها منها إلى العربية. وليس اشتراك أصل مادة في لغتين متجاورتين متقاربتين كالسريانية مع

العربية، أو العبرية مع العربية: بدالّ على أن إحداهما أخذت الكلمة من الأخرى، إلا إذا ثبت يقينا أن احدى اللغتين أقدم من الأخرى وأسبق. والسريانية من اللغات القديمة، وكانت لغة إبراهيم النبي - عليه السلام -، ولم يثبت من وجه قاطع أنها أقدم من العربية، حتى يكون ما فيها من المتفق مع العربية أصلا له. وقد وجدنا بحثا فيه جيدا للحافظ الكبير العلامة ابن حزم في (كتاب الإحكام في أصول الأحكام؛ جـ 1، ص 31 - 32) قال: "إن الذي وقفنا عليه وعلمناه يقينًا أن السريانية والعبرانية والعربية، التي هي لغة مضر وربيعة، لا لغة حمير-: لغة واحدة، تبدلت بتبدل مساكن أهلها، فحدَث فيها جرْس كالذي يحدث من الأندلسى إذا رام نغمة أهل القيروان، ومن القيروانى إذا رام نغمة الأندلسى، ومن الخراساني إذا رام نغمتها. ونحن نجد من سمع لغة أهل فَحص البَلوط، وهي على ليلة واحدة من قرطبة، كاد أن يقول أنها لغة أخرى غير لغة أهل قرطبة. وهكذا في كثير من البلاد، فإنه بمجاورة أهل البلدة بأمة أخرى تتبدل لغتها تبديلا لا يخفى على من تأمله. ونحن نجد العامة قد بدلت الألفاظ في اللغة العربية تبديلا، وهو في البعد من أصل للك الكلمة كلغة أخرى ولا فرق، فنجدهم يقولون في العنب: العينب، وفي السوط: أسْطَوْط، وفي ثلاثةَ دنانير، ثلاثدّا. وإذا تعرب البربرى فأراد أن يقول الشجرة قال: السجرة. وإذا تعرب الجليقى أبدل من العين والحاء هاء، فيقول: مهمد، إذا أراد أن يقول محمد. ومثل هذا كثير. فمن تدبر العربية والعبرانية والسريانية أيقن أن اختلافها إنما هو من نحو ما ذكرناه، من تبديل ألفاظ الناس، على طول الأزمان، واختلاف البلدان، ومجاورة الأمم وأنها لغة واحدة في الأصل". هذا ما قال ابن حزم، وهو قوى جدا، وواضح معقول، لا تنقضه أوهام الواهمين، ولا أهواء ذوي الأغراض. ولكن ابن حزم بعد ذلك انتهى إلى نتيجة لا نوافقه عليها، إذ لم يقم عليها دليل صحيح، فإنه قال: وإذ قد تيقنا ذلك فالسريانية أصل للعربية وللعبرانية معًا، والمستفيض أن أول من تكلم بهذه العربية إسماعيل - عليه السلام -،

فهي لغة ولده، والعبرانية لغة إسحاق ولغة ولده، والسريانية بلا شك هي كانت لغة إبراهيم - صلى الله عليه وعلى نبينا وسلم - بنقل الاستفاضة الموجبة لصحة العلم، فالسريانية أصل لهما". ووجه نقدنا لابن حزم: أن إسحاق بن إبراهيم، فمن البعيد جدا أن تكون له لغة خاصة غير لغة أبيه، وإلا فبماذا كانا يتخاطبان ويتفاهمان؟ وليس من السهل اعتقاد أن إسحاق اخترع لغة أخرى لنفسه بجوار لغته التي نشأ عليها، إنما المعقول أن تكون العبرانية لغة نشات عن السريانية على توالى الأزمان في بني إسرائيل بعد أن هاجر إبراهيم من العراق إلى الشام، ثم تطورت مع تجاور الأمم وتغاير اللهجات، حتى صارت لغة قائمة بنفسها. وأما الشأن في إسماعيل فشئ آخر: المعقول أيضًا أن لغته كانت لغة أبيه السريانية، ونزح به أبوه إلى مكة فأسكنه بين أمة موجودة -كانت في ذلك الزمان- هي الأمة العربية، وقد كانت لها لغة تتفاهم بها ولابد، ومن الظاهر جدًّا أن تكون هي اللغة العربية، الباقية فيهم إلى اليوم وإلى ما شاء الله. وليس من المستساغ ادعاء أنه قد كانت لهذه الأمة لغة غير لغتها المعروفة، ثم تنوسيت ودرست، ونشئوا على لغة غيرها، لأنه لم يأت بذلك خبر، ولا قام عليه دليل. ثم بماذا كان يخاطب إسماعيل هؤلاء الناس الذين نزل بجوارهم؟ أيعقل أن يخترع لغة ثم يفرضها عليهم فرضا، حتى يدعوا لغتهم إليها؟ ! ) ظن أن المعقول المفهوم أن يتعلم هو لغتهم، إذ صار بجوارهم، وواحدا منهم، وكان طفلا رضيعًا، ثم أصهر إليهم، وولد فيهم، وبقى ببلدهم إلى أن مات، ثم كان ولده منهم. فإن لم تكن العربية أقدم من السريانية، فإنها على الأقل كانت بجوارها معروفة لقوم معروفين، ويحتمل جدا أن تكونا متقاربتين، وأن يكون الخلاف بينهما قليلا كالخلاف بين اللهجات المتعددة في اللغة الواحدة، حتى كان ميسورا لإبراهيم وإسماعيل وهاجر أن يفهموا العرب ويفهموهم. أما أن تكون العربية فرعا من السريانية أو العبرية فلا.

بغداد (العراق)

والذي شبّه على ابن حزم في هذا أنه سمع أخبارًا سماها "مستفيضة" أن أول من تكلم بهذه العربية إسماعيل، وليس لهذا أصل صحيح، بل ورد فيه أثر رواه الحاكم في المستدرك جـ 2، ص 552 - 553) عن ابن عباس، وهو اثر ضعيف الإسناد جدًّا، والثابت الصحيح ينفيه، ففي صحيح البخاري (جـ 6، ص 285 - 286) حديث لابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة إبراهيم وإسماعيل، وفيه أن إسماعيل وهاجر بقيا وحدهما بجوار زمزم، حتى مرت بهم رفقة من جُرْهم، وأنهم استأذنوا في النزول عندها فأذنت، ثم قال في الحديث: "فنزلوا وأرسلوا إلى أهليهم فنزلوا معهم، حتى إذا كان بها أهل أبيات منهم، وشبّ الغلام وتعلم العربية منهم إلى آخر الحديث، فهذا نص صريح صحيح، عن خبر الصادق - صلى الله عليه وسلم - أن إسماعيل تعلم العربية من جرهم. وبعد: فإذا كانت كلمة "بعل" العربية لها شبه بكلمة في نحو معناها من اللغات السامية، فليس معنى هذا أن العرب أخذوها منهم، ولا يدل على أن ما في القرآن الكريم مأخوذ من التوراة. أحمد محمد شاكر بغداد (العراق) " بَغْداد": حاضرة العراق (بابل) (¬1) في الوقت الحاضر، وقد كانت فيما مضى قصبة العباسيين الزاهرة وعاصمة العالم الإسلامي، وهي الآن أعظم البلاد شأنًا في الولاية المعروفة بالاسم نفسه والتي كان يحكمها باشا فيما سلف، ويخترقها دجلة، وهي على خط عرض 39 ْ 19 َ شمالا وخط طول 44 ْ 44 َ شرقي كرينوتش. 1 - تاريخها اسم بغداد -ونطقه الشائع الآن "بُغداد"- فارسى من غير شك، ومعناه عطية الله أو هبته. وقد روى في ¬

_ (¬1) بابل مدينة قديمة كانت عاصمة دولة بابل، ما العراق فقطر مساحته 143000 كيلو متر، وبابل جزء صغير جدا من العراق الوسطى لا تتجاوز مساحته الخمسين كيلوا مترا. (التحرير) =

العصور الوسطى بصيغ مختلفة، منها بَغْدان وهي أكثرها ذيوعًا M. Streck: Babyylonien؛ جـ 1، ص 49 De Geoje المجلة الأسيوية، السلسلة العاشرة، جـ 3، سنة 1904 م، ص 159). وكان الناس يفضلون دائما هذا الاسم الجاهلى بغداد (¬1) " أما الاسم الذي أطلقه المنصور على المدينة التي أنشأها وهو "مدينة السلام" أو "دار السلام" فقد انحصر استعماله في الشئون الرسمية بصفة عامة، ومن ثم ضربت السكة به، وقد أخذ منه اللفظ اليونانى إيرونومولس. وتضاربت أقوال كتاب العرب تضاربًا كبيرًا في أصل هذا الاسم الأخير ومعناه، ولعل المنصور تفاءل به فاختاره لحاضرة ملكه. ومن المؤكد أن دار السلام فيها إشارة إلى الجنة، لأننا نجد بعد ذلك أن بغداد أصبحت أحد المواضع الأربعة التي أطلق عليها المسلمون جنة الأرض، وهذه المواضع هي الأبلّة وغوطة دمشق ووادي بَوّان ببلاد فارس وبغداد، ¬

_ = ويبلغ عد سكان جمهورية العراق 19.890.000 نفس والكثافة: 118 في الميل المربع. المناطق الحضرية 70 % والأعراق: عرب 85 % أكراد: 15 %. الحكم: جمهورية يرأسها الرئيس صدام حسين التكريتى. المولود في 29 إبريل سنة 1937 والذي شغل منصبه في 16 يوليو سنة 1979 كما شغل منصب رئيس الوزراء في 29 مايو سنة 1994. تنقسم العراق إلى 18 قضاء (مديرية). والعملة: الدينار العراقي. أعلنت العراق مملكة مستقلة سنة 1932. وفي 1958 قامت ثورة أعلنت الجمهورية ووثقت علاقاتها بالاتحاد السوفيتى وتم تأميم معظم الصناعات الكبرى كما تم تفتيت الملكيات الزراعية الكبيرة. وحكم حزب البعث العربي الاشتراكى منذ سنة 1968، وفي 22 سبتمبر سنة 1980 خاض العراق وإيران حربا شعواء في نزاعات حدودية وفي مايو سنة 1982. عادت القوات العراقية إلى حدودها تاركة الأراضي الإيرانية التي كانت قد احللتها. في 7 يوينو 1981 حطم سلاح الجو الإسرائيلى المفاعل النووي العراقي. وفي 1984 توسع نطاق الحرب العراقية الإيرانية لتهدء منطقة الخليج كلها. وانتهت هذه الحرب الشنيعة في أغسطس 1988 عندما قبلت العراق وقف إطلاق النار بناء على قرار الأمم المتحدة. وفي 2 أغسطس سنة 1990 اجتاحت القوات العراقية أراضى دولة الكويت، فقررت الأمم المتحدة قطع العلاقات التجارية مع العراق ودعت كل أعضائها لتأييد عودة حكومة الكويت الشرعية. وقادت الولايات المتحدة تحالفا أخرج القوات العراقية من الكويت في 16 يناير 1991، د. عبد الرحمن الشيخ (¬1) قد تحقق اليوم أن اللفظة ليست بفارسية بل هي آرامية تفيد معنى باب الآله أو باب الضان أو دار العزل. فهي بل دودو أو بكداد أو بيت كدادا.

ومهما يكن من شيء فإن الفرس قد فهموا مدينة السلام أو دار السلام على هذا المعنى، وشاهد ذلك أنهم نقلوه إلى لغتهم فقالوا "بهشت آباذ" أي موضع الجنة، أو الجنة العامرة إذا شئت التدقيق. وهم يستعملون هذه التسمية في الشعر غالبا كما يفعل الأتراك الذين نقلوها عنهم. وتنسب بغداد أحيانا إلى مَنشئها فيقال "المنصورية". ولها اسم آخر يشوبه الإبهام هو "الزَوْراء" ولعله صيغة عربية لكلمة إيرانية قديمة أكسبها خضوعها للصور القياسية الشائعة معنى جديدًا Baghdad: Le Strange) . ص 11، Babylonien: Streck، جـ 1، ص 50؛ Salmon، تاريخ الخطيب البغدادي، ص 94؛ Die Ab-: P. Schwarz basiden-Residenz Samarra ليبسك 1909، ص 38 وما بعدها). وكثيرًا ما خلط الرحالة الأوربيون في القرون الوسطى بين بغداد وبابل كما خلطوا في بعض الأحيان بينها وبين سلوقية وطيسفون. فقد وردت بغداد في مؤلفاتهم باسم بابل Babel وبابَلونيا Babellonia وغيرهما من الأسماء المشابهة؛ وإطلاق هذه التسمية الأخيرة على بغداد شائع في التفاسير التلمودية لشيوخ العشائر البابلية في العصر العباسى وفي مصنفات اليهود المتأخرين. وكان بترو دلا فاله Pietro della Valle الذي عاش في بغداد بين عامي 1616 و 1617 م أول من دحض هذا الخطأ الذي فشا في عهده. وكان الغربيون إلى القرن السابع عشر الميلادي يعرفون بغداد بالصيغة المحرفة بلدخ Baldach أو بلدتشو Baldacco. ومن المحقق أنه كانت هناك محلة منذ عهد سحيق في المكان الذي أصبح بعدُ مقر الخلافة. فقد وجد كل من رولنسون H. Rawlinson عام 1848 م وأوبيرت J. Oppert عام 1853 وبونيون وهاربر Pognon- Harper عام 1889 م قطعًا من الآجر نقش عليها اسم بختنصر الثاني مأخوذة من محجر لا يزال جزء منه باقيا إلى اليوم على الضفة الغربية لدجلة (¬1) (H.Rawlinson ¬

_ (¬1) لم يبق أي جزء من هذا الأثر ظاهرا، وقد يجوز أن هناك جزءًا صغيرًا منه قد غمرته مياه دجلة.

في Encycl. Britan، مادة بغداد، المجلد الثاني، ص 234، عمود 1؛ Herodotus: G. Rawlinson، لندن 1852، جـ 1، ص 513؛ Exped.: J. oppert Scientif، جـ 1، ص 92؛ The: Harper Academy 1880، رقم 877، ص 139). وهناك بقايا بناء يشبه هذا المحجر أسفل المدينة الحالية بالقرب من قناة الحِرَ. وليس لدينا حتى اليوم دليل يؤيد الزعم القائل بأن بغداد رسمت في النقوش المسمارية بصيغة "بكدادو" لأننا إذا أخذنا بهذا أصبح في مقدورنا أن نقرأ "حُدَ دو" بدلا من "كُدُرّو" وهو الاسم المشكوك فيه لمكان ظهر لأول مرة على حجر من معالم الحدود للملك البابلى "مردخ بلادان" الأول الذي حكم من عام 1194 إلى 1182 ق م Scheil: Deleg. en Perse , جـ 6، 1905، ص 31 وما بعدها؛ Mitt. der Vorderas: Streck Ges، جـ 11، ص 227) زد على هذا أنه ليس من المعقول أن اسما لا شك في إيرانيته يرجع إلى مثل هذا العهد السحيق، كما أن ما ذهب إليه ليتمان Littmann من أن هذا الاسم ورد في نقوش ثمود مشكوك فيه (Euting، رقم 565، Mitt.der Vorderas Gas: Littmann، جـ 4، ص 28)، ونجد من جهه أخرى أنه من المقطوع به أن هناك إشارتين في التلمود إلى بغداد في العصر الجاهلى، فقد وردت فيه بصيغة. (انظر Beitr. z. Geogr. u.: Berliner .Ethnogr. Baby loniens im Talmud u Midrasch، برلين سنة 1883، ص 25) ويمكن الرجوع إلى بحث بلوشيه - Blo chet فيما يختص باحتمال ورود بغداد في نص يهلوى باسم بكداد) Bolchet في Recueil de Travaux جـ 17، ص 170). ووضعت مدينة "ثلثى" في موقع بغداد بمصور بطلميوس (بطلميوس، جـ 6، ص 1) كما أن مدينة ستاكى التي وردت بمصنف أكسينفون (Anabasis، 4، 13) كانت مجاورة لموقع بغداد (انظر R. Kieperl في Formae orbis antipul جـ 5 عام 1910، ص 6). ومن الخطأ أن نقول إن إسكى بغداد التي فوق سامراء هي أصل مدينة بغداد الحالية، استنادًا إلى أن

كلمة إسكى معناها بالتركية قديم. وإن كانت هذه التسمية لم تنشأ إلا منذ عهد قريب، فقد جرت العادة بأن تسمى الأطلال باسم المدينة الشهيرة التي تجاورها، وشاهد ذلك قولنا إسكى موصل. ويطلق اسم بغداد على مكان آخر فقط في المشرق هو تل بغداد في الجنوب الشرقي من الرها أسفل خط عرض 37 شمالا.) Reise in Syr.: Sachau u. Mesop، ص 216). وأجمع كتاب العرب على أن المنصور لم يشيد مدينته في إقليم خلو من السكان، وذكروا بيانا كاملًا بأسماء محلات جاهلية أخذت تندمج تدريجًا في الأماكن التي شملتها العاصمة العباسية فيما بعد. وكانت بغداد أهم هذه الأماكن، وهي قرية نصرانية من أعمال بادوريا على الضفة اليسرى لدجلة، ويلوح أنها كانت تشمل المدينة المدوّرة التي بناها المنصور، كما أنها أضحت نواة لحاضرة العباسيين الجديدة، بل إن بغداد قد أخذت اسمها الشائع منها. ويجب أن نبحث عن معظم المحلات القديمة التي كان جل سكانها من النصارى الآراميين في النصف الجنوبي الذي أصبح فيما بعد الجانب الغربي للمدينة التي على الضفة الغربية لدجلة، في نطاق الحى الكبير الذي به السوق الكبيرة، أي في الكرخ وما جاور الكرخ شرقا وغربا. وفي هذا الإقليم قرى أصلها ساسانى نذكر منها ما يلي: بيَاورَى أو بَناوري ويال وشَرْوانية؛ وسونايا (وقد أصبح اسمها فيما بعدَ "العَتيقة")؛ ووَرْدانية؛ وورْثال أو ورْثالا. وأخذت مدينة الكرخ اسمها من قرية قديمة سابقة لها في العهد أسسها الملك الساسانى سابور الثاني الذي حكم من عام 309 إلى 379 م. وكلمة الكرخ تقابل في الآرامية كلمة كرخا ومعناها مدينة. وكانت "بَراثا" التي على مسافة من الشمال الغربي للكرخ بليدة قائمة بذاتها قبل عهد العباسيين، ولكن الجانب الغربي من بغداد اتسع بمرور الزمن فاحتضنها. وكانت قريتا الخطابية والشَرفانيّة موجودتين في النصف الشمالي من هذا الجانب قبل أن يحل عهد المنصور. وقد عرف هذا النصف فيما بعد بحى الحربية.

ويقول أكسينفون إن الإكميئيين كانوا يملكون حدائق فسيحة في إقليم بغداد عند ستّاكه Sittake . وهذا القول ينطبق أيضًا على ملوك الفرس المتأخرين. وأنشئت عمائر في حديقتين من هذه الحدائق الساسانية فكونتا حيين هما دار عمارة بن حمزة وبستان القَسّ. وابتنى الساسانيون بالقرب من مصب نهر عيسى قصرًا أطلق عليه فيما بعد اسم "قصر عيسى". وأقيم في عهدهم قنطرة وصلت هذه البقعة بالضفة الشرقية لدجلة. وفي هذا المكان أقيم فيما بعد جسر من القوارب وصل بين قصر الخلفاء وقصر عيسى. وكان هناك جسر آخر مشيد في الجاهلية فوق قناة الصراة في الجنوب الغربي من الكوفة، ويعرف هذا الجسر بالقنطرة العتيقة. ولا يوجد من الأماكن التي في شرقي دجلة ما يرجع عهده إلى ما قبل العباسيين سوى سوق الثلاثاء عدى نهر المُعَلَّى ومحدة المُخَرم، وهي أول محلة سكنت في عهد عمر بن الخطاب. وليست هناك صلة بين سوق الثلاثاء وثالثا المذكورة في بطلميوس (جـ 5، ص 19)، لأن ثلثى لا ثالثا هو الموضع الذي يتفق وموقع بغداد في مصور بطلميوس. ويؤكد كتاب العرب أيضًا أن المكان الذي أصبح فيما بعد مقبرة الخيزرانية كان قبل عهد المنصور مقبرة للمجوس. ولا شك في أن معظم أديرة النصارى التي ازدهرت في بغداد إبان العهد الساسانى قد شيد في الجاهلية، ولدينا من الشواهد الأصلية ما يفيد أن قصر الخلفاء المعروف بالخلد على الضفة الغربية لدجلة شيد مكان دير قديم، وأن مكانا من الأمكنة التي عند ملتقى الصراة بدجلة قد أنشئ لمثل هذا الغرض، كما نستدل من الاسم الذي أطلق عليه في عصور متأخرة وهو "الدير العتيق". ولم يكن لمحلة من هذه المحلات القديمة الكائنة في الموقع الذي قامت عليه بغداد فيما بعد أي شأن من الناحيتين السياسية والتجارية. ولذلك فإننا لا نعدو الحقيقة إذا قلنا إن المدينة التي ابتناها المنصور ثانى خلفاء العباسيين كانت مؤسسة جديدة بمعنى الكلمة.

وجرت العادة في المشرق أن يعقب تغير الأسرة الحاكمة انتقال مقر الحكم، وقد كان من المتعين على العباسيين بصفة خاصة أن يتخلوا عن دمشق قصبة أسلافهم التي ظلت على ولائها للأمويين، لأن هذه المدينة كانت قريبة من حدود الروم كما كان مركزها القاصى ناحية الغرب لا يلائم دولة تمتد أراضيها من البحر الأبيض المتوسط إلى نهر السند. ومن السهولة بمكان أن نتوقع أن تنقل الأسرة الحاكمة الجديدة مقر ملكها من الشام، وهو إقليم فقير ضئيل الشان. إلى العراق الغنى بموارده الطبيعية. زد على هذا أن إقليم العراق قدر له أن يكون حلقة الاتصال بين العالم السامى والعالم الإيرانى فأصبح بذلك واسطة العقد بين العنصرين الرئيسيينَ اللذين تألفت منهما الجماعة الإسلامية. ومما يجدر ذكره أيضًا أنه فضلا عن أن جل قوة العباسيين كانت في فارس لاعتمادهم على جند خراسان، فإنه لا شك في أنه كانت لهم مصلحة خاصة في نقل حاضرتهم ناحية المشرق، وما إن قاموا بتأسيسها حتى غدت ذات خطر في السياسة والثقافة. وإنا لنجد أيضًا أن السفاح أول خلفاء بنى العباس قد اتخذ مقره على ضفتى الفرات فلم يختر البصرة أو الكوفة، وهما المدينتان الكبيرتان اللتان كانتا موجودتين منذ الفتح الإسلامي الآول للعراق. وبديهى أن هذا لم يأت عفوًا. فقد كان أهل الكوفة نزاعين إلى الشغب هواهم مع العلويين، أما البصرة فكانت لا تصلح حاضرة للدولة بالنسبة لموقعها في الجنوب. وكذلك فضل السفاح الهاشمية بالقرب من الأنبار. وشيد خلفه المنصور مقرًا له بهذا الاسم على مقربة من الكوفة ولكنه سرعان ما تخلى عنه لأنه كان مجاور، للكوفة البغيضة إلى نفسه لتعصبها للعلويين، وبحث المنصور عن مكان جديد يصلح مقرًا لحكمه وجنده، واختار آخر الأمر بقعة على دجلة فوق مصب نهر عيسى، وهو أكبر قناة هن قنوات الفرات، وكان في هذه البقعة كما سبق أن بينا قرية تعرف ببغداد وعدة محلات صغيرة أخرى. ويجدر بنا أن نعترف بأنه قد تحقق الطالع الذي أنبأ الخليفة بحسن هذا

الموقع وصلوحه لتشييد حاضرته الجديدة، والحق أن الخليفة لم يكن أمامه أطيب منه، لأن الأرض الخصبة التي تمتد بين دجلة والفرات عند اقتراب أحدهما من الآخر حيث تصل بينهما قنوات صالحة في بعض أجزائها للملاحة فتألف من هذا كله مجموعة مائية منظمة، وحيث يصب ديالى (¬1) في دجلة فيكون ممرا طبيعيا يمكن بواسطته الوصول إلى الهضاب الإيرانية المرتفعة، هذه الأرض كانت على الدوام موطنا للحضارة ومهدًا للثقافة الشرقية القديمة ومركزًا للتجارة وملتقى عدة طرق تصل بين مختلف الأمم. فقد تعاقبت في هذه البقعة الحواضر العظيمة مثل بابل وسلوقية وطيسفون، وورثت مدينة الخلفاء الجديدة هذه الحواضر، وكانت على مسيرة يوم (سبعة فراسخ أو حوالي أربعين كيلو مترًا) من طيسفون العاصمة التي سبقتها في الزمن مباشرة. والحق أن امتداد البطائح في المجرى الأسفل للفرات جنوبي بابل وصعوبة الاتصال الملاحى المتزايدة بالخليج الفارسى يفسر لنا لماذا كان موقع العاصمة منذ العهد السلوُقى يختار دائمًا على نهر دجلة. وضع المنصور أول حجر في بناء عاصمته الجديدة عام 145 هـ (762 م) وجمع العمال من بابل وغيرها، ويقال أن عددهم بلغ مائة ألف، فأتموا في أربع سنوات انشاء مدينة عظيمة على الشاطئ الغربي لدجلة وفق خطة تجعلها مدوّرة وبنى في وسطها قصر الخليفة المعروف بباب الذهب أو القبة الخضراء، والمسجد الجامع، وجلبت معظم الأحجار اللازمة للبناء من أطلال طيسفون المجاورة، وقد نشأت المدينة بمعناها الحقيقي حول نواة مدورة ثم قسمت إلى أحياء ضفصلة وسرعان ما اتسعت اتساعًا كبيرًا، ومن الواضح أن المنصور قد شعر سريعًا أنه منعزل في قصره لتزايد السكان من حوله، أو لعله لم يكن آمنا على نفسه، فشيد بعد بضع سنوات من بناء المدينة المدورة ¬

_ (¬1) يغلط معظم كتاب الشرق في كتابة هذا العلم "ديالى" بالتاء الملفوفة وصوابه الألف المقصورة. عبد الرراق الحسينى

قصرًا آخر على دجلة خارج أسوار المدينة وإلى الشرق منها: هو قصر الخُلْد. ولا يعتبر المنصور مشيد الجانب الغربي من بغداد، أي المدينة التي على الضفة اليمنى لنهر دجلة فحسب، بل إنه يعتبر أيضًا مشيد القسم الشرقي الذي بنى بعد الأول. وفي عام 151 هـ (768 م) شيد عدة مبان في شمالي المدينة لولده وولى عهده المهدي، وأهم هذه المبانى قصر الرصافة. ولم يكن المنصور يقصد بحال أن ينشئ حاضرة الدولة في بغداد بل كان غرضه أول الأمر هو إقامة مدينة على مقربة من الكوفة يعسكر فيها جنوده الخراسانيون، ولذلك قسم الأراضي التي حولها إلى قطاعات وزعها بين أقاربه ومواليه وقواد جيشه، وفعل مثل هذا عندما ابتنى الرصافة. وقد أورد اليعقوبى والخطيب البغدادي بيانًا بهذه الإقطاعات. وينقسم تاريخ بغداد الذي يبدأ بالمنصور إلى عهدين عظيمين: الأول عهد بنى العباس الذي دام خمسمائة سنة، وكانت فيه بغداد -فيما خلا فترة تبلغ خمسة وخمسين عامًا- قصة دولة إسلامية عظيمة شاسعة الأطراف، وغدت مركز الحياة العقلية وأهم مركز تجارى للشرق الأدنى، وكسفت شمسها حواضر الولايات في العالم الإسلامي بل إنها احتلت أرفع مكان في العالم المتمدين في ذلك العهد بفضل اتساعها وازدهارها وثروتها. أما العهد الثاني فيبدأ بسقوط الخلافة العباسية إلى وقتنا هذا، ولم تكن هذه المدينة في هذا العهد سوى حاضرة ولاية من الولايات، اللهم إلا فترات كانت خلالها المشتى المختار لبعض الإيلخانية. وهكذا كانت حالها إبان الحكم التركى، فقد ظلت مدة طويلة عالية المكانة باعتبارها قصبة أكبر ولايات الترك وأهمها: كانت تعادل مصر أو تأتى بعدها. وتقلصت رقعة ولاية بغداد منذ ذلك الحين، وضعف لذلك سلطانها السياسي وانحصرت أهميتها شيئًا فشيئًا في الناحية التجارية، واستعادت في هذه الناحية الكثير من مجدها القديم وظلت محتفظة به إلى يومنا هذا. والحق إن تاريخ بغداد بأكمله في عهدها الأول هو في الواقع تاريخ بنى العباس، ولذلك

فإنه يجدر بنا في هذا المقام أن نقتصر على فذلكة خاصة بتطور التاريخ المحلى لهذه المدينة بمعناه الضيق. بلغت بغداد أزهى عصورها في القرن الذي أعقب وفاة المنصور، أو بوجه أدق في عهد خلفائه الخمسة من المهدي إلى وفاة المأمون، أي من عام. 159 إلى 218 هـ (775 - 833 م)، إذ كانت مساحة المدينة خمسة أميال مربعة أو ستة في الوقت الذي أرتقى المهدي فيه العرش، ولما نقل هذا الخليفة بلاطه إلى الرصافة، أي الحى القائم على الشاطئ الشرقي لدجلة، اتسع هذا القسم من المدينة سريعا، واستقرت هناك في الوقت نفسه الأسر الغنية وأتباعها من العبيد والموالى الذين يبلغون بضعة آلاف، وشيدت في هذا القسم قصور فخمة أجملها القصر الذي كان مسرحًا للهو والسرور وهو قصر أسرة البرامكة المشهورة ذات الحول والطول الذي انتقل إلى بيت الخلافة بسقوط هذه الأسرة الفجائى، وأصبح بذلك نواة المبانى العظيمة التي كان يتألف منها قصر الخلفاء على الشاطئ الشرقي لدجلة، وفي بداية حكم الرشيد، ولعله أزهى عهود المدينة، أصبح القسم الشرقي ينافس في الاتساع القسم الغربي. وبعد عامين من وفاة الرشيد اشتجر الخلاف بين ولديه الأمين والمأمون. وحوصرت بغداد لأول مرة في تاريخها ودام هذا الحصار أربعة عشر شهرًا. وحوالى نهاية عام 196 هـ (812 م) أطبق جند هرثمة وطاهر، قائدى المأمون، على الأمين في بغداد وعزل هرثمة الجانب الشرقي الذي لم يكن يحميه سوى سور سرعان ها أزاله، بينما عسكر طاهر أمام باب الأنبار فسيطر بذلك على الجانب الغربي، وحدثت مناوشات بين جنود الأخوين المتقاتلين، ودب الشجار بين جنود الحامية والسكان اليائسين، وامتلأ زمن الحصار بالدسائس والغدر على اختلاف أنواعه ورزح الجانب الغربي تحت المجانيق، وتخرب الجزء الأكبر من نصفها الشمالي المعروف بالحربية. ووجد الخليفة نفسه آخر الأمر منعزلا في قصر الخلد على شاطئ دجلة، وها لبث أن وقع في الأسر وهو يحاول الفرار، وقتل في أوائل عام 198 هـ

(813 م) وبموته رفع الحصار وأصبحت بغداد المزدهرة خرائب ورمادًا لأول مرة في تاريخها. فقد دمرت النيران أحياء بأكملها وأتت على سجلات الدولة كلها، ولم ينتعش الجانب الغربي الذي كان أكثر تعرضا للنيران من سواه بل أنه لم يعد إلى ما كان عليه من اتساع. والطبرى هو المصدر الذي ينبغي الرجوع إليه في أخبار الحصار الأول لاستفاضة روايته ولما أورده في وصف المدينة من التفاصيل الدقيقة القيمة، أضف إلى ذلك أن ما ذكره الطبري هو أقدم ما وصل إلينا في هذا الموضوع (الطبري، جـ 3 ص 864 - 925؛ Gesch. der Chalifen: Weil ص 190 وما بعدها؛ Mueller: Der Islam جـ 1، ص 501 وما بعدها؛ Baghdad: Le Strange , ص 303، 306، وما بعدها). وأثار موت الأمين سخط أهل بغداد، وتمكن إبراهيم بن المهدي العباسى بفضل الخلاف بين الناس الذي اتخذ صورة الشغب من أن يستولى على بغداد ويصبح صاحب الأمر فيها ما يقرب من عامين، غير أن خيانة قواده أجبرته على تسليم المدينة وزمام الحكم إلى الخليفة المأمون. وقد ألحق الحصار الذي حدث في عهد الأمين ضررًا جسيما بقصرى الخليفة، وهما قصر الذهب في سرة مدينة المنصور المدورة وقصر الخلد على دجلة، فنقل المأمون مقر الحكم إلى الجانب الشرقي من المدينة، واستولى على قصر البرامكة السابق ذكره وبسط في رقعته. وفي عهد خلفه المعتصم الذي حكم من عام 218 إلى عام 227 هـ (833 - 842 م) قدر لبغداد أن تنزل عن مركزها الممتاز باعتبارها حاضرة الدولة إلى بليدة ضئيلة الشأن هي سامراء على مسيرة ثلاثة أيام من منبع النهر، وذلك لمدة خمس وخمسين سنة. فتحولت سامراء في طرفة عين إلى مقر فخم للخلافة. والسبب المباشر لنقل مقر الخلافة إلى هذه المدينة عام 221 هـ (836 م) هو أن أهل بغداد أسخطتهم قسوة الجند الخليط من الترك والبربر الذين غدوا في عهد المعتصم جيشا عدته حوالي سبعين ألف مقاتل، لأن الاحتفاظ بمثل هذه الحامية الكبيرة في حاضرة الدولة أمر محفوف بالصعاب، ويلوح أن

حرمان بغداد من بلاط الخليفة وعمال الدولة لم يحل بينها وبين التقدم؛ وكانت هذه النقلة تشعر بأنها لحست الحظ موقوته لا يرجى استمرارها طويلا. وكان يحكم بغداد خلال هذه الفترة عمال معظمهم هن أسرة بنى طاهر القوية النفوذ. وفي هذه الفترة التي تعرف بالعصر السامرائى في تاريخ الخلافة حدث الحصار الثاني لبغداد الذي شغل من عام 251 هـ (865 م) تقريبًا. وأخد استبداد العمال في سامراء يشتد شيئًا فشيئًا، وكان الترك يقتتلون فيما بينهم، ففر المستعين إلى بغداد في القسم الأصغر من جنده، أما القسم الأكبر من الجنود الترك فقد بقى في سامراء وبايعوا المعتز ابن عم المستعين بالخلافة، ولم يجد المستعين فسحة من الوقت يتم فيها السور حول الجانب الشرقي بأسره والجانب الغربي من بغداد، إذ فاجأه المعتز على رأس جيش وبدأ يحاصر الحاضرة القديمة. وعلى الرغم من الجهود التي بذلها المحاصرون في الدفاع عن أنفسهم خوفًا من عودة الحكم التركى الباطش واستماتتهم في الدفاع، فإن المستعين بضعفه وتردده اضطر إلى التسليم آخر الأمر بشروط مهينة، وتنازل عن كل حق له في الحلافة. وبينما قضى الحصار الأول الذي حدث في عهد الأمين على ادهار الجانب الغربي من بغداد إلى الأبد فإن الحصار الثاني الذي حدث في عهد المستعين أصاب الجانب الشرقي بأضرار جسيمة، وتخربت أهم أحيائه كالرصافة والشماسية والمخرم وأعيد بناء أجزاء منها فقط بعد ذلك (انظر أخبار هذا الحصار الثاني في الطبري، جـ 3، ص 1553 - 1578، weil: كتابه المذكور جـ 2، ص 385 وما بعدها، Mueller: كتابه المذكور جـ 1، ص 528، Le Strange كتابه المذكور، ص 311 وما بعدها)، وظلت الأمور بعد الحصار على اضطرابها وسادت القلاقل وأعمال الشغب في الأعوام 249 هـ (863 م) و 253 هـ (867 م) و 255 هـ (869 م) بنوع خاص. (Weil: كتابه المذكور، جـ 2، ص 381 وما بعدها، ص 402 وما بعدها ص 412).

وأخذ مركز الخليفة في سامراء يتحرج شيئًا فشيئًا لأنه كان في الواقع تحت رحمة القواد من مرتزقة الترك، ولذلك فإن المعتمد سابع الخلفاء بعد المعتصم هجر قصر الخلافة عام 279 هـ (892 م)، وهو القصر الذي اختاره سلفه المعتصم وجعل بغداد حاضرة الدولة للمرة الثانية، ولم يكن يزعجها الترك والبربر الذين كان يحزم أمرهم أخوه الموفق: وظلت حاضرة للدولة لا تنازعها في ذلك مدينة اخرى حتى سقطت دولة بنى العباس. وبين رجوع الخلفاء إلى الحاضرة القديمة ودخول أمراء بنى بويه خمسون عامًا امتازت بامتداد قصر الخليفة امتداد، عظيما في الجانب الشرقي، وأظهر الخلفاء الثلاثة الذين تولوا بعد المعتمد -وهم المعتضد والمكتفى والمقتدر- نشاطًا فائقًا في هذا السبيل، وشيدت في العهد نفسه عدة قصور وحدائق شغلت نحو ثلث مساحة الجانب الشرقي بأسره، وكانت تفصلها أسوار عن بقية المدينة، وسرعان ما انشأت أحياء جديدة مكتظة بالسكان حول الحى الفسيح الذي يشغله قصر الخليفة. وساد السلام بغداد في عهدى الخليفتين الحازمين المعتضد والمكتفى، إذ أن الجند من الأتراك لم يجسروا على رفع رءوسهم في هذه الحقبة، ولكن ما إن مات المكتفى حتى أخذت سلطة الخلفاء في التدهور السريع، وازدادت القلاقل على مر الأيام في العاصمة وبخاصة فتن الجند المصحوبة بالحرائق وأعمال السلب والشغب مما أدى إلى اضمحلالها السريع ... [شترك M. Streck] وتحسنت الأحوال عندما استولى على بغداد معز الدولة أحمد الديلمى البويهى عام 334 هـ (945 م) وجمع في يده ما كان للخلفاء من سلطان، واستمر الحكم في بيته أكثر من قرن، واستولى الأمير البويهى في الجزء الشمالي من الجانب الشرقي على قصر الأمير السابق مؤنس وبنى هو وحلفاؤه من ذوي الميل الفني على توالى الزمن عدة قصور فخمة في ذلك الجزء من المدينة الذي أصبح قفرًا منذ حصار عام 251 هـ وقد عرفت جميع هذه القصور باسم "دار المملكة": ومما تجدر الإشارة

إليه أن عضد الدولة أعاد بناء قصر الخلد الذي كان للمنصور وجعل منه بيمارستان، وأثارت ميول بنى بويه الشيعية في كثير من الأحيان عدة فتن. وبينما كان أهل الكرخ في الجانب الغربي على ما عرف عنهم من نشاط يميلون إلى التشيع. كانت الأحياء الأخرى يسكنها أناس معظمهم من أهل السنة، ولهذا لم يستطع البويهيون قط أن يعيدوا المدينة إلى ما كانت عليه في أزهى أيامها، ولو أن السبب الأساسي الذي من أجله فشلت جهودهم هو انقسام البيت البويهى نفسه بعد وفاة عضد الدولة عام 372 هـ (983 م) واقتتال أفراده, وانغمست بغداد في هذا النضال أكثر من مرة، وسادتها الفوضى في كثير من الأحيان، وكانت المعارك الدموية بين أهل السنة والشيعة وبين الترك والديلم، هي الصفة الغالبة على هذا العهد، وانتهز العامة فرصة هذه القلاقل فأعملوا السلب والنهب بما تشتهيه نفوسهم، واستمرت الأحوال على هذا المنوال إلى أن وزر ابن المُسْلمة للخليفة القائم بأمر الله، فطلب العوَن من طغرل بك السلجوقى، ودخل هذا بغداد عام 447 هـ (1055 م). وبعد مضى بضع سنوات، أي في عام 450 هـ (1059 م) شبت فتنة البساسيرى الذي أمر بأن تكون الخطبة باسم الخليفة الفاطمى، وعلى ذلك اضطر العباسيون إلى هجر المدينة، ولكن هذا الأمر لم يدم طويلًا، فما إن رجع طغرل بك بعد ذلك بعام حتى أجبر البساسيرى على مغادرة المدينة، استعاد الخليفة القائم سلطانه عليها. فأضحت الخلافة منذ ذلك الوقت في حماية آل سلجوق الأقوياء، ولم يكن أمراء هذا البيت يقطنون بغداد وقتذاك، بل إن ألب أرسلان لم يزر تلك الحاضرة قط، ولكنهم أقاموا من قبلهم حاكما عسكريًّا نيط به العملَ على استتباب الأمن في المدينة، وكان ملكشاه أول من زارها منهم. ولم يقتصر في ذلك على زيارة واحدة، بل زارها مرات، وعقد عزمه في سنيه الأخيرة على أن يجعل منها مشتى له، ولهذا الغرض أصلح قصر بنى بويه الذي أقام فيه، ووسَّعه ووضع أساس المسجد الجامع المعروف بجامع السلطان، وعاجلته منيته في سن

مبكرة، فلم يستطع إتمامه، فأكمل بعد وفاته ببضع سنين عام 524 هـ (1130 م)، وأقيمت في بغداد وفي غيرها من المدن عدة مدارس منها المدرسة النظامية التي أنشأها الوزير المشهور نظام الملك عام 457 هـ (1065 م) وسرعان ما ذاع صيتها وكانت في الجزء الجنوبي من الجانب الشرقي قريبة من ضفاف دجلة. واشتهر الخليفتان المقتدى، وحكم من عام 467 إلى عام 487 هـ (1075 - 1094 م) والمستظهر، وحكم من عام 487 إلى عام 512 هـ (1094 - 1118 م) بشغفهما بإقامة العمائر، ففي أوائل حكم المستظهر بنى سورًا حول الجانب الشرقي لبغداد حيث يقيم الخلفاء، أي في الحى المعروف باسم الحريم وما جاوره من أحياء وهذا السور بأسره هو عين سور بغداد بصورته التي بقيت إلى وقت مدحت باشا في القرن الماضي. ويقول ابن حوقل (طبعة ده غويه، ص 164 تعليق، انظر، ابن الأثير، طبعة تورنبرغ، جـ 11، ص 260) إن الخليفة المستضئ، هو الذي بنى هذا السور عام 568 هـ (1173 م) ولو أن المستظهر هو الذي بدأ بنايته على التحقيق. ويقول ابن جبير الذي وصف هذا السور بعد ذلك ببضع سنين أي عام 581 هـ (1185 م)، إن لهذا السور أربعة أبواب نذكرها مبتدئين من الجانب الذي يلي دجلة ناحية الشمال: (1) باب السلطان ويعرف الآن بباب المعَظَّم. (2) باب الظفرَّية، ويعرف الآن بالباب الوسطانى. (3) باب الحلْيَة، وهو الآن مسدود. (4) باب البصلية، ويعرف الآن بالباب الشرقي، وقد أطلق عليه نيبور Neihuhr اسم قرا لق قابى (قرانلق قابى). وساد بغداد السلام بصفة عامة في القرنين الأخيرين من العهد العباسى، وكانت الحرائق بطبيعة الحال تشب كثيرًا بين الحين والحين، كما حدث في عام 466 هـ (1074 م) 554 هـ (1159 م) و 614 هـ (1217 م) وغمرها الفيضان الخطر عدة مرات، ولم تكن

الفتن وأعمال الشغب نادرة الحدوث، وكان المجرمون وقطاع الطريق يلقون الرعب في قلوب سكان المدينة، ولكن بغداد لم ترزح تحت حصار شديد الوطأة إلا مرة واحدة على يد السلطان محمد الثاني السلجوقى عام 551 هـ (1157 م) وقد قص علينا أخبار هذا الحصار على اختلافها شاهد عيان هو الكاتب والمؤرخ عماد الدين Recueil de textes retatifs a l'histoire des Seldinucides . جـ 2، ص 246 - 255) واضطر هذا السلطان آخر الأمر إلى الارتداد عنها دون أن يظفر بطائل. وابتنى اثنان من الخلفاء المتأخرين منشآت لا تزال باقية إلى يومنا هذا، أولهما هو الخليفة الناصر لدين الله الذي رمم باب الحلية عام 618 هـ (1221 م) وزينه بنقشى كان أول من عرفنا به نيبور، ودرسه حديثًا كل من متوخ Mittwoch (في johrbuch der koen. preuss. Kunstsammlungen المجلد 26، ص 19)، وبرشم) M. van Berchem في Archaeologische Reise in Euphrat-und Ti gris, Gebiet. Arabische Inschriften ص 35). وقد فصل البحاثة برشم الكلام عن نقش رائع يزين حنيتى العقد الذي يعلو الباب -المسدود الآن- والمؤدى إلى البرج ويعرف الآن بباب الطلسم. أما الخليفة الثاني المستنصر بالله فقد ابتنى مدرسة نستدل من نقش نشره نيبور لأول مرة أنها بنيت عام 630 هـ (1232 - 1233 م؛ M.Berchem , الكتاب المذكور، ص 43). ولا تزال هذه العمارة قائمة على ضفة دجلة عند جسر القوارب، وهي الآن دار المكوس. والحق إن جزءًا كبيرًا من النقش القديم اختفى وحل محله نقش آخر جديد. وهناك نقش آخر للخليفة المستنصر على جامع الخلفاء يرجع تاريخه إلى عام 633 هـ (1235 - 1236 م) واختفى هذا النقش الآن، وربما كانت مئذنة سوق الغزل القديمة التي لا تزال قائمة إلى اليوم هي مئذنة هذا الجامع. وقد نشر أوبنهيم Oppenheim صورة لهذا النقش في كتابه (Vom. Mitteimee zum pers Golf، جـ 2، ص 240) والراجح أن يكون الخليفة المستنصر قد رمم جامع الخلفاء وليس هو الذي شيده. ويقوم هذا

الجامع وسط المدينة شرقي المستنصرية، ويقال إنه نفس جامع القصر الذي شيده الخليفة المكتفى الذي حكم من عام 289 إلى عام 295 هـ (902 - 907 م). وهو من أهم مساجد المدينة (Le Strange: كتابه المذكور، ص 522 وما بعدها). ووصل هولاكو وجنوده من المغول والترك إلى أسوار بغداد في المحرم من عام 656 هـ (يناير 1258 م) وفي الرابع من صفر (10 فبراير) وجد المستعصم آخر خلفاء بنى العباس نفسه مضطرًا إلى التسليم دون قيد ولا شرط. وقتل بعد ذلك بعشرة أيام هو وأفراد كثيرون من أهل بيته بينما نهبت المدينة وأحرقت، ولكنها لم تخرب بأسرها كغيرها من المدن التي فتحها هولاكو، لأنه كان يريد أن يتخذ منها عاصمة له، فنجده على العكس من ذلك قد أمر بترميم عدد من العمائر التي أصابها التخريب أكثر من سواها، مثل جامع القصر الذي سلفت الإشارة إليه. ولما كنا لا نستطيع أن نفصّل القول في تاريخ بغداد هنذ فتحها المغول فسنقتصر على المعالم البارزة منه: كانت المدينة حتى عام 740 هـ (1339 - 1340 م) تابعة للمملكة الإيلخانية أو الهولاكية وجعلت حاضرة للعراق العربي. وفي هذا العهد زارها الرحالة المشهور ابن بطوطة عام 727 هـ (1327 م) ومما يدعو إلى الأسف أن وصفه لها مأخوذ في جملته من ابن جبير (رحلة ابن بطوطة، طبعة باريس، جـ 2، ص 100 وما بعدها). ويرجع وصف حمد الله مستوفى إلى هذا العهد أيضًا، أي إلى عام 740 هـ (1339 م). وفي عام 740 هـ ظهر حسن بزرك واستقل بالأمر فيها وأسس الدولة الجلائرية، وقام بتشييد مدرسة تم بناؤها في عهد ولده أونس، ولعل هذا كان عام 758 هـ (1357 م)، وسميت المرجانية نسبة إلى أمير يدعى مرجان، ولا يزال بناؤها قائمًا، وقد نشرت النقوش التي عليه: نشر نيبور جزءًا منها ونشرها كلها برشم (كتابه المذكور ص 45 وما بعدها). واستمر حكم الأسرة الجلائرية إلى عام 1410 م، وفي أيامها استولى

تيمور على بغداد مرتين؛ الأولى عام 795 هـ (1392 - 1393 م) ولم يلحق المدينة هن فتحه ضرر جسيم. أما في المرة الثانية، عام 803 هـ، (1410 م) فقد ذُبح أهلها وخرب الكثير من المساكن والمنشآت العامة. ورجع السلطان أحمد الجلائرى إلى بغداد بعد وفاة تيمور عام 807 هـ (1405 م) وأصلح بقدر استطاعته الأسوار التي دمرها تيمور، ولم ينقض وقت طويل حتى قتله قره يوسف أمير القطيع الأسود من التركمان عام 813 هـ (1410 م) واستولى رجاله على المدينة، وظلت في حوزتهم إلى عام 872 هـ) (1467 - 1468 م) وهنالك انتزعها منهم تركمان القطيع الأبيض يقودهم أوزون حسن. وفي عام 914 هـ (1507 - 1508 م) غزا الشاه إسماعيل الصفوى بغداد وظلت في حوزة خلفائه إلى عام 941 هـ (1534 م). واستعاد الشاه طهماسب المدينة للصفويين من يد ذي الفقار عام 936 هـ (1530 م). وكان هذا الزعيم الكردى قد جعل الخطبة باسم السلطان سليمان الأول العثمانى أمدًا وجيزًا. وفي عام 941 هـ (1534 م) دخل السلطان سليمان الأول مدينة بغداد، وظل يحكمها منذ ذلك الوقت وال من قِبل الأتراك إلى أن طلب الثائر بكير صوباشى معونة الشاه عباس الأول الصفوى فاستولى هذا على المدينة عام 1033 هـ (1623 م)، ولم يكن الترك عازمين بحال من الأحوال على ترك المدينة، فاستعادوها عام 1048 هـ (1638 م) بقيادة السلطان مراد الرابع نفسه. وسد مراد بهذه المناسبة باب الطلسم، ورمم عدة أضرحة مثل ضريح أبي حنيفة في قرية المعظم الحديثة على الشاطئ الشرقي لدجلة شمالي بغداد، وضريح عبد القادر الجيلانى بداخلها. وفي هذا العهد هبطت بغداد إلى الدرك الأسفل، ويقول تافرنييه Tavemiei عام 1652 إن سكانها في ذلك الحين بلغوا 14.000 نسمة فقط. وأضحت بغداد من جديد قصبة ولاية تركية يحكمها هي والبصرة وال واحد في بعض الأحيان، وقد زودنا كل من نيبور وإيوارببيان بأسماء هؤلاء

2 - تخطيط المدينة القديمة

الولاة) Hutoire de Bagdad daps: Huart les temps modernes، وأكمل إيوار هذا البيان حتى عام 1247 هـ (1831 م). وفي هذا العهد ازداد رخاء المدينة وتضاعف عدد سكانها حتى وصل في بداية القرن التاسع عشر إلى 15.0000 نسمة لم يبق منهم بعد الطاعون الذريع الذي اجتاحها عام 1831 م سوى 30.000 نسمة. وتتميز مدة ولاية مدحت باشا من عام 1869 إلى عام 1872 م في تاريخ بغداد بأنها كانت عهد نهضة حقيقية، إذ تم خلالها مد خط تلغرافى وترام تجره الخيول يصل إلى الكاظمين وفتح مدارس وإقامة منشآت أخرى نافعة، كما عمد هذا الباشا إلى إزالة السور القديم. وعلى هذا فإنا لا نجد اليوم منها إلا أرضًا مرتفعة بها بقايا من الحصون القديمة. ووصل مدحت بين بغداد والبصرة بخط من القوارب البخارية بعد أن أعطى امتياز هذا الطريق وطريق الخليج الفارسى إلى شركة لنج للملاحة البخارية - Lynch Steam Navigation Com pany . والآمال العظيمة معقودة على إنشاء خط حديدى يصل بين آسية الصغرى والآستانة (¬1)، وبذلك توصل بغداد بالتجارة العالمية. وبغداد الآن مركز للتجارة مع جميع الأقطار المجاورة عامة وبلاد فارس خاصة. ويقدر أوبنهيم عدد سكان المدينة وضواحيها بـ 200.000 نسمة منهم 150.000 من المسلمين وغالبهم من الشيعة. ويذهب كوينيه Cuinel إلى أن عددهم 145.000 من الأنفس، وببغداد كذلك 40.000 يهودى و 10.000 نصرانى معظمهم من الكاثوليك والأرمن الكرج. 2 - تخطيط المدينة القديمة عرفنا من الإلمامة التاريخية السابقة أن بغداد الحديثة التي على الشاطئ الشرقي لدجلة لا تزال تشغل المساحة التي كانت تشغلها في العهد الأخير من خلافة بنى العباس. ومع ذلك فقد كانت هناك في هلك الأيام أحياء أخرى ¬

_ (¬1) بوشر مد هنا الخط من بغداد إلى سامراء قبل الحرب العالمية الأولى ومده الإنكليز من سامراء إلى بيجى "بعجة القديمة" في عام 1918، ثم إيصاله بخط الشرق. عبد الرزّاق الحسنى

تفصل بعضها عن البعض أراض خربة تمتد إلى ما يعرف الآن بالمعظَّم بما فيه ضريح أبي حنيفة وغيره من أئمة المسلمين. وكانت في هذا المكان مقبرة من أقدم المقابر في بغداد نسبت إلى الخيزران أم الخليفة هارون الرشيد، وفيها قامت أضرحة الخلفاء المتأخرين. وإلى الجنوب من هذه المقبرة نشأت المدينة الشرقية القديمة المعروفة بالرصافة أو عسكر المهدي بما فيها قصره وجامع الرصافة، وهو من أهم المساجد التي شيدت في عهد الخلافة الإسلامية. وكانت تجاورها من الناحيتين الشرقية والجنوبية أحياء الشماسية ودار الروم والمخرم، وابتنى بنو بويه في هذا الحى الأخير دار المملكة، كما أن سلاطين آل سلجوق كانوا يسكنونه كلما زاروا بغداد، وابتنى فيه ملكشاه جامع السلطان الذي سبقت الإشارة إليه، بيد أنه لم يبق لهذا المسجد أثر، مثله في ذلك مثل مسجد الرصافة، مع أن المسجدين بقيا بعد الفتح المغولى. وكانت هذه الأحياء تشغل ما بين قرية المعظم وما يعرف الآن بباب المعظم وبينهما مسيرة نصف ساعة. وكان في المدينة الشرقية الحالية دار الخلافة، وكانت في الأصل جوسق جعفر البرمكى ثم انتقل إلى المأمون قبل اعتلائه الخلافة، ولم ينقل الخلفاء العباسيون مقرهم إليها إلا بعد رجوعهم من سامراء وشيدوا فيها عدة قصور أشهرها التاج. والمعتضد أول من وضع أساس هذه القصور، ولم يتم بناؤها إلا في عهد ولده وخليفته المقتفى، فهو الذي بنى المسجد الجامع الثالث، وإن كان هو الثاني من ناحية الترتيب التاريخي في المدينة الشرقية، وقد عرف بجامع القصر. وكان قصر التاج على ضفاف دجلة تحميه من الفيضان سدود، وإلى جانبه بنى المقتفى أيضًا قبة الحمار. وسبب تسميتها بهذا الاسم هو أن الإنسان يستطيع أن يصل إلى قمتها على ظهر حمار يسير في طريق يدور صعدًا حول البناء. وهذا النمط من أنماط البناء يذكرنا بالنمط الزقرتى القديم وله نظائر في أطلال سامراء، وفي بغداد

نفسها مثال له هو ضريح الشيخ عمر السهروردى المتوفى عام 632 هـ (1234 م) الذي لا يزال قائمًا (انظر صورة هذا الضريح في كتاب فون أوبنهايم الذي سبق أن ذكرناه)؛ وكل هذه العمائر التي يقال إن عددها بلغ في عهد المقتدر ثلاثًا وعشرين عمارة كانت مدينة قائمة بذاتها تعرف بالحريم، فيها من حدائق الحيوان والميادين وغير ذلك. وقد فصل الخطيب البغدادي الكلام (طبعة Salmon ص 49 وما بعدها، ص 132 من الترجمة) عن هذه العمائر عند وصفه لاستقبال المقتدر لسفارة الروم عام 305 هـ الموافق 917 - 918 م (Guy le Strange في مجلة الجمعية الأسيوية الملكية عام 1897 م، ص 35 وما بعدها). وكان يحيط بالحريم كله سور له سبعة أبواب يضم ما يقرب من ثلث الجانب الشرقي لبغداد. وإذا أردت زيادة في التفصيل فإننا نحيلك إلى الفصول الخاصة في كتاب Le Strange عن بغداد، ومن الطبيعي أنه قد حدثت تغييرات كبيرة أصابت هذا الموضع على تعاقب القرون؛ مثال ذلك أن قصر التاج وقبة الحمار أتت عليهما النيران عام 549 هـ الموافق 1154 م. ولم يبق لنا شيء ما تقريبًا من الجانب الغربي، وهو أقدم من الجانب الذي ذكرناه، اللهم إلا أضرحة قليلة، وعلى الرغم من أنها لم تبق في شكلها القديم فإنها ما زالت قيَمة جدًّا بالنسبة لتخطيط المدينة القديم، لأن بناءها أعيد في المواضع نفسها التي كانت تقوم عليها في الزمن الغابر، وهذه الأضرحة هي ضريح معروف الكرخى وضريحا الكاظمين الشيعيين الكبيرين ونعنى بهما الإمام السابع موسى الكاظم المتوفى عام 183 هـ (799 م) والإمام التاسع محمد الجواد المتوفى عام 220 هـ (835 م). ولسنا في حاجة إلى ذكر الضريح المنسوب إلى زبيدة زوجة هارون الرشيد المتوفاة عام 206 هـ (831 هـ) لأن ابن الأثير يقرر في جلاء أنها لم تدفن في هذا الموضع (ابن الأثير، طبعة تورنبرج، جـ 9، ص 395). والنقش الذي على هذا الضريح المؤيد لتلك الرواية الخاطئة والذي وصفه نيبور يرجع (¬1) إلى عام ¬

_ (¬1) لا صحة لنسبة القبر الذي في الكرخ من بغداد المعروف بقبر الست زبيدة) إلى زبيدة زوجة الرشيد لأن المؤرخين أجمعوا على أنها دفنت في مقابر قريش الكائنة في صحن الكاظمين، اما المدفونة في هذا القبر فهي زبيدة خاتون ابنة السلطان بركيارق وزوج السلطان مسعود بن السلطان محمد ملكشاه وكانت توفيت في سنة 532 هجرية (1137 م). عبد الرزاق الحسنى

1131 هـ (1718 م). ونستطيع أن نصرف النظر عن بعض الأضرحة الأخرى وعن رباط الدراويش الذي بناه قلج أرسلان وكتب عليه نقش تاريخه عام 584 هـ (1188 م). وضريح الكاظمين على الضفة اليمنى لدجلة تجاه المعظم، وهو الآن مكان هام يتراوح عدد سكانه بين 7000 و 8000 نسمة ويربطه الترام ببغداد. وكان في هذا المكان خلال العصور القديمة مقبرة قريش بالقرب من باب التِبْن. وتخرب ضريح الكاظمين، ولكنه رمم عدة مرات بعد ذلك. ويوجد في هذا الموضع اليوم مسجد شيد في بداية القرن التاسع عشر له أربع مآذن وبرج للساعة. وقبة هذا المسجد ومآذنه مغطاة بقشرة من الذهب وبابه المرتفع مزين بالقاشانى الجميل، ويزوره سنويا أفواج من الشيعة، أما أهل السنة فقد كان لهم في الجزء الشمالي من الجانب الغربي مزار مشهور كانوا يحجون إليه في عهد الخلافة العباسية، وهو قبر أحمد بن حنبل. ويقول "له سترانج إن هذا الضريح زال عندما تخرب الحى الذي كان قائمًا فيه، ومنذ ذلك الوقت ظن الناس خطأ أن قبر ابنه عبد الله على ضفة دجلة هو قبر أبيه إلى أن زال هذا القبر أيضًا بفعل الفيضان. وكان حي الحربية يشغل بالتقريب المكان الذي بين الجزء الشمالي الأقصى من الجانب الغربي لبغداد وبين مدينة المنصور الأصلية، وكان هذا الحى يواجه الرصافة في الجانب الشرقي من بغداد، وكانت في هذه البقعة عدة أحياء أخرى تغيرت أسماؤها عدة مرات على مر العصور، ولا نستطيع هنا تفصيل القول فيها وحسبنا أن نقول إن هذا الجزء من بغداد قد وصل إلى درجة أصبحت أجزاؤه المأهولة بالسكان ضواحي قائمة بذاتها تفصلها بعضها عن بعض خرائب متسعة.

ولم يبق أثر من مدينة المنصور، أي مدينة السلام أو الزوراء بما فيها من أسوار وأبواب، وموقعها الخاص الفريد الذي نعرف أدق تفاصيله هن أوصاف مؤلفى العرب كاليعقوبى والخطيب البغدادي يقتضي منا أن نسهب في الحديث عنه، ولكن يجدر بنا أن نمر عليه مر الكرام ونحيل القارئ إلى الفصول الأولى من كتاب له سترانج ولسنا ندهش من اختفاء هذه المدينة اختفاء تامًّا لأن العباسيين نقلوا دار المملكة إلى الجانب الشرقي عندما رجعوا من سامراء. ولم يعنوا بالمحافظة على الأسوار والعمائر العامة، اللهم إلا إذا استثنينا المسجد الجامع. ولم يحفل أحد بإعادة بناء ما خربه الفيضان والحريق والحصار والفتن، وفقدت المدينة جزءًا من سكانها. وبقى الجزء المجاور لباب البصرة من بغداد مدة أطول من غيره، ولذلك فإن الناس لم يعودوا يتحدثون في القرون الأخيرة قبل عام 656 هـ عن مدينة المنصور، بل اقتصر حديثهم على حي باب البصرة. وكانت أجزاء المدينة المختلفة التي تمتد غربًا وجنوبًا حول مدينة المنصور تكوِّن المركز التجارى والصناعى في صدر العهد العباسى، لأن هذا الموقع كان ملائما. ففيه تكثر القنوات التي كانت -شأن الصراة ونهر عيسى- وسيلة هن الوسائل المباشرة للاتصال بالفرات، فاجتذبت إليها سكانًا يتميزون بالنشاط وحب العمل. وفي هذا الموضع وجدت ضاحية الكرخ التي كثيرًا ما ذكرت في تاريخ بغداد والتي كان بين أهلها من الشيعة وبين جيرانهم من الأحياء الأخرى معارك دموية، وبخاصة من يقطنون باب البصرة. وبقى هذا الجزء من المدينة إلى يومنا هذا. ويسمى الترك الجانب الغربي من بغداد باسم "قارشى ياقه" ومعناه بالعربية الجانب الآخر، وفي لهجة العراق "هذاك الجانب" [أي ذلك الجانب] والجسور المقامة على القوارب تيسر عبور دجلة في عصرنا هذا كما كان الحال في العصور المتقدمة، ولو أن مواضعها قد تغيرت في كثير من الأحيان.

المصادر: (1) اليعقوبى: كتاب البلدان، المكتبة الجغرافية العربية، جـ 7. (2) ابن سرابيون: وصفه للعراق وبغداد، نشره وترجمه G. le Strange في مجلة الجمعية الملكية الأسيوية عام 1895. (3) الخطيب البغدادي Salmon: L'introduction topographique a I'histoire de Bahgdadh. (4) الاصطخرى وابن حوقل والمقدسى، المكتبة الجغرافية العربية، طبعة ده غويه، ج 1، جـ 2، جـ 3. (5) البلاذرى، طبعة ده غويه، ص 294 وما بعدها. (6) بنيامين التطيلى Itinerariym طبعة Adler في Jew. Quart. Review، سنة 1905 م، ص 293 وما بعدها. (7) ابن جبير، طبعة ده غويه، ص 217 وما بعدها. (8) ياقوت: المعجم، مادة بغداد وفي مواد أخرى كثيرة. (9) مراصد الاطلاع، طبعة جوينبول. (10) رحلة ابن بطوطة، طبعة - De fremery و Sanguinetti، جـ 2، ص 100 وما بعدها. (11) حمد الله مستوفى: نزهة القلوب طبعة بومباى، انظر سياست نامه، الملحق، طبعة شفر Schefer، ص 146 وما بعدها. (12) Les six vayages: Tavernier أترخت سنة 1712 م. (13) Reisebeschreibung: C. Niebuhr. جـ 2، ص 293 - 329. (14) Erdkunde: Ritter، جـ 11، ص 790 - 924. (15) Memoir on the prov-: J.F. Jones ince of Baghdad . في Selections from the records of Bombay Government، ص 43، المجاميع الحديثة، ص 304 وما بعدها. (16) Description du: Rousseau Pachalik de Baghdad (17) Culturgeschichte: V.Kremer، جـ 2، ص 45 وما بعدها.

تعليق على مادة "بغداد" بغداد حديثا

(18) Die alte Landschaft: M. Streck Babylonien (19) Baghdad during: G. le Strange the Abbasid Caliphate (20) Ja Turquie d'Asie: Cuinet جـ 3، ص 89، وما بعدها. (21) Vom Mittelm-: V. Oppenheim eer zum persischen Golf، جـ 2، ص 236 وما بعدها. (22) La Perse d'aujourdh'hui: E. Aubin ص 405 وما بعدها. (23) Archaeolo-: Sarra & Herzfeld - gische Reise im Euphrat-und Tigris Geheil وأهم المراجع عن تاريخ المدينة هي تواريخ العوب التي سبق أن أشرنا إليها، كالطبرى واليعقوبى، وابن الأثير. وانظر أيضًا: (1) Recueil de textes relatifs a l'his- toire des Seljouc الكتاب الثاني. (2) رشيد الدين: تاريخ المغول، طبعة Ouatremere (3) أبو الفرج: تاريخ السريان. أما عن المدينة في عهدها المتأخر فانظر: (1) Histoire de Bagdad: C. Huart dans les temps moderns والمراجع التي أوردها في مقدمته لهذا الكتاب. تعليق على مادة "بغداد" بغداد حديثًا ترك الترك بغداد ليلة الحادي عشر من مارس سنة 1917 وليس فيها من الحضارة والعمران ما يستحق الذكر. ولولا المبانى التي شادها مدحت باشا والى بغداد (1869 - 1873 م) والشارع العام الوحيد الذي بدأ بفتحه خليل باشا في عام 1916 م، لقلنا إنهم تركوا بغداد ولا أثر لهم فيها يذكر. ودخلها الإنكليز في اليوم التالي فأتموا فتح الشارع المذكور وشرعوا في تنظيمها تنظيمًا عصريًا جديدًا، فقد أناروها بالكهرباء وبلطوا بعض الجادات بالزفت وأقاموا بعض البنايات المهمة، وقام الحكم الوطنى فيها في 21 آب سنة 1921، فأخذت هذه العاصمة القديمة تسترجع ما اندثر من مجدها

وما غبر من عزها، وهي تمتد اليوم من الأعظمية إلى الكرادة الشرقية بمسافة خمسة عشر ميلا تزينها القصور الشاهقة والبنايات الفخمة، وتتخللها البساتين الكثيرة والحدائق النضرة، ويخترقها دجلة كما كان في السابق فيشطرها شطرين يسمى الأيمن منها بالرصافة ويدعى الثاني بالكرخ، وقد أقيمت عليه عدة أجسر بعضها حديدى والبعض الآخر مقام على قوارب من حديد، وتخترقها من الشمال إلى الجنوب جادتان فسيحتان مبلطتان تقوم على جوانبهما عدة دور ومخازن وتقطعهما جادات فرعية مبلطة ومنارة بالكهربية. وتعد نفوسها حسب إحصاء عام 1937 (367450) نسمة عدا الأجانب. وكانت المنازل في بغداد تبنى مفتوحة بالآجر الأصفر على الطريقة الشرقية، أما الآن فإنها تبنى مغلقة على الطراز الأوربى الحديث. ويستعمل البغداديون الآن الحديد والأسمنت وسائر المواد الأوربية المتينة في معظم منشآتهم. ودور العلم في بغداد على اختلاف درجاتها كثيرة، وكذا المطابع والمكتبات العامة والخاصة، ويصدر فيها من الصحف اليومية والمجلات الأسبوعية والشهرية والنشرات الثقافية عدد لا يستهان به، وتمتد منها خطوط حديدية إلى بعض الأنحاء تبلغ مسافتها نحو ألف ميل وتنزل في مطارها الكبير جل الطائرات المارة على طريق بغداد إلى إيران والهند وأوربا، وتسير في جاداتها وشوارعها ما لا يقل عن الثلاثة آلاف سيارة ومركبة. وتجارة المدينة واسعهَ جدًّا وأسواقها حافلة بأنواع البضائع الأجنبية والشرقية وفيها عدة شركات ومصارف أجنبية ومصانعها المختلفة والكثيرة تمون الجيش والشرطة وطلاب المدارس بأنفس المنتوجات المحلية وكذا التبغ والسكاير وبعض الحاجيات الطفيفة. وفيها دور للآثار القديمة لا بأس بها: ومن الآثار العباسية التي لا تزال ماثلة للعيان، منارة جامع الخلفاء المعروفة اليوم بمنارة سوق الغزل وبعض غرف من قصر المأمون في القلعة المدفعية وجدر من المدرسة

السيد عبد الرزاق الحسيني

المستنصرية الشهيرة ومراقد معروف الكرخى ومنصور الحلاج وجنيد والشيخ عبد القادر الكيلانى وأبي حنيفة النعمان بن ثابت والشيخ عمر السهروردى وغيرها. ومن مبانى بغداد الفخمة الحالية قصر الزهور والمطار المدني والبلاط الملكى والمستشفى الملكى ودور الحكومة وقصور الوزراء والأمراء وبيوت المتمولين ومحطات البث اللاسلكى ودور السينما وبعض الفنادق الكبرى. وبغداد فضلا عن كونها عاصمة العراق ومقر البرلمان فهي مركز لواء بغداد الذي تتبعه عدة أقضية، فالعراق يقسم الآن إلى (14) لواء، ولكل لواء أقضيته ولكل قضاء نواحيه. ورأس الإدارة في اللواء هو المتصرف، وكان هذا يعين بإرادة ملكية بناء على اقتراح وزير الداخلية ومصادقة مجلس الوزراء، أما رأس الإدارة في القضاء فهو القائمقام وكان هذا يعين بإرادة ملكية أيضًا بناء على ترشيح الوزير المختص. وأما رأس الإدارة في الناحية فهو المدير وهذا يعين من قبل وزارة الداخلية فقط. السيد عبد الرزاق الحسيني + بغداد: تقع بغداد على ضفتى نهر دجلة على خط عرض 33 ْ 26 18 َ شمالا، وخط طول 44 ْ 23 9 َ شرقا. وقد ظلت هذه المدينة -منذ إنشائها في القرن الثامن الميلادي- مقرا للخلافة العباسية حتى سقوطها، والعاصمة الثقافية للعالم قرونًا؛ وأصبحت بعد عام 1258 هـ قصبة لولاية، وظلت تحت الحكم العثمانى حاضرة ولاية بغداد، ثم أصبحت عام 1921 م عاصمة العراق الحديثة. التاريخ بغداد من الأسماء الجاهلية، ولاسمها صلة بالمحلات السابقة في هذا الموضع. ولقد أدرك هذه الحقيقة كتاب العرب، فاخذوا يبحثون، كما هي العادة، عن أصوله الفارسية (انظر المقدسي: البدء جـ 4، ص 101؛ ابن رسته، ص 108). وتتضارب آراؤهم في تفسير هذا الاسم، وأشيع هذه الآراء أنه يعني "عطية الله" أو "هبة الله" (أو الوثن، انظر تاريخ الخطيب البغدادي: جـ 1، ص 58 - 59، طبعة القاهرة؛ ياقوت: ج 1، ص 678 - 679؛ أبو الفداء،

ج 1، ص 292؛ ابن الجوزي: المناقب، ص 6؛ البكرى، جـ 1 ص 169؛ ابن الفقيه، مخطوطة مشهد، ورقة رقم 29 ب). ويميل الكتّاب المحدثون بوجه عام إلى تفضيل هذا الاشتقاق الفارسى (انظر , Introduction: Salmon ص 23 - 24؛ Baghdad: Le Strange، ص 10 - 11؛ Landschaft: Streck جـ 1، ص 49 - 50، Paikuli: Harzfeld، ص 153؛ W. By Nile and Tigris: Budge جـ 1، ص 178؛ JRIA، جـ 1 ـ، ص 46 - 94). ويميل آخرون إلى القول بأن الاسم من أصل آرامى ومعناه "بيت الأغنام أو حظيرتها" (ى. غنيمة، وأ. الكرملى في لغة العرب، جـ 4، ص 27؛ جـ 6، ص 748. لاحظ إشارة الطبري إلى سوق البقر في موضع بغداد، جـ 3، ص 277). ويفضل دلتش Delitzsch الرأى القائل بأن الاسم من أصل آرامى دون أن يفسر المعنى (Paradies: Delitzsch. ص 206، 238). وثمة وثيقة شرعية ترجع إلى عهد حمورابى (1800 ق. م) يرد فيها ذكر مدينة بكدادو (Schorr: Altbabylonische Rechtsurkunden تعليق رقم 197، س 17). وهذا يدل على أن الاسم كان يستعمل قبل حمورابى، وعلى وجه التحديد قبل أن يتعرض لأى تأثير فارسى محتمل. والحق إن كلمتى "بَك" و "حُو" كان يعبر عنهما بالرسم نفسه. ومهما يكن من شيء فإن هناك حجرا من معالم الحدود يرجع إلى عصر الملك الكَسى (¬1) نزيماروتاش (1341 - 1316 ق. م) يرد فيه ذكر مدينة بيلارى Pilari على ضفة "نهرشَرّى" في ناحية بكدادى (- De Mor Delegation en perse: gan، ج 1، ص 86 - 92) , هذا بالإضافة إلى أن ذكر بكداثا هرارا عديدة في التلمود يجعل كلمة "بك" أرجح في القراءة (- Ober Landschaft Babylonien: meyer, سنة 1929، ص 147 وما بعدها، Jewish En- cyc، مادة Baghdad). وهناك حجر آخر من معالم الحدود يرجع إلى عهد الملك البابلى مردخ أبالدين (1208 - 1195 ق. م) يتردد فيه ذكر مدينة بغداد (Delegation en perse، جـ 3، ص 32 - 39). ¬

_ (¬1) ينتمي إلى شعب غير سامى غزا بابل 1749 ق. م.

ولقد قام الملك أداد -نيرارى الثاني 911 - 891 ق م) بنهب محلات من بينها بكدا (دو) Synchronistic History 200 K BI = L 12 , جـ 3. وأصبحت بغداد في القرن الثامن ق. م محلة آرامية، ويذكر تكلات بلَصر - tiglatpilas ser الثالث (745 - 772 ق. م) بكدادو في معرض حديثه عن قبيلة آرامية (Paradies: Delitzsch، ص 238) ومن الإنصاف، والحالة هذه، أن نسلم بأن اصول الاسم يكتنفها الغموض. ولا يغير من الموقف معرفة أن الإيرانيين استعملوا كلمة "بك" حوالي القرن الثامن ق. م للدلالة على "رب" وانها كانت تظهر في أسماء الأشخاص) Reallexiknn. جـ 1، ص 341). وأطلق المنصور على مدينته اسم مدينة السلام تيمنًا بجنة الخلد (القرآن: سورة الأنعام، آية 127؛ سورة يونس، آية 25). وكان هذا هو الاسم الرسمى الذي يكتب في الوثائق والسكة والأوزان الخ. واستعملت من الاسم صيغ مختلفة وبخاصة بغدان وتسميات مثل مدينة أبي جعفر، ومدينة المنصور، ومدينة الخلفاء، والزوراء (ابن الفقيه، ورقة رقم 29 ب، ياقوت، جـ 1، ص 678؛ ابن رسته، ص 108). ويبدو أن الزوراء اسم قديم كما يقول الفخرى (الفخرى، ص 145، انظر المستوفى: نزهة القلوب، ص 41)، ومن شاء الاطلاع على التفسيرات المتأخرة فلينظر المسعودى (كتاب التنبيه والأشراف، طبعة القاهرة، ص 312 ياقوت، جـ 2، ص 954). ويروى المصنفون العرب أن المنصور شيد مدينته في موضع كانت تقوم فيه محلات جاهلية أهمها قرية بغداد (انظر الطبري، جـ 2، ص 277. جـ 1، ص 2067، ابن الجوزي: المناقب، ص 7، اليعقوبى: البلدان، ص 237)، على الضفة الغربية لنهر دجلة شمالي قناة الصراة (الطبري جـ 3، ص 277). ويرى البعض أنها قرية بادورَيا، ويشيرون إلى سوقها السنوية (الخطيب، جـ 1، ص 25 - 27، ابن الجوزي: المناقب، ص 6، اليعقوبى: البلدان، ص 275). وسوف يعيننا هذا على أن نفسر لم أصبحت الكرخ من بعد حيا للتجار، ولقد كانت هناك محلات قديمة، جلها آرامية، على

الجانب الغربي في جوار الكرخ، ومن بين هذه المحلات: الخَطابية (بجوار باب الشام) والشَرفانية، وشماليها الوردانية التي أصبحت في نطاق ربع الحربية، ومنها سونايا قرب ملتقى قناة الصراة بنهر دجلة (أصبح اسمها فيما بعد "العتيقة") وقَطفْتا عند الطرف الذي تصب فيه قناة رفَيل في نهر دجلة، وبراثا حيث تتفرع قناة كرخايا من قناة عيسى، وكانت تقوم ثلاثة محلات صغيرة بين قناة كرخايا وقناة الصراة وهي: سال، وورثالا (ربع القلاعين فيما بعد) وبَنَاوْرَى أما الكرخ نفسها وكلمة كرخا الآرامية معناها بلدة حصينة) فتتخذ اسمها من قرية أقدم منها تنسبها الروايات الفارسية إلى سابور الثاني (309 - 379 م، المستوفى، ص 40، وانظر الطبري، جـ 3، ص 278 - 279 الخطيب البغدادي، ص 27، 33، ابن الأثير حـ 2 ظظظ، ص 242، ص 343 ياقوت، جـ 3، ص 613، ابن الجوزي المناقب، ص 7). ويقول إكسنيفون إن الإكمينيين كانوا يملكون بساتين فسيحة في ناحية بغداد (عند سِتاكَة Sittake) ويشير المصنفون العرب إلى بستانين منها (انظر الخطيب البغدادي، ص 28، المستوفى، ص 40) وكان قرب مصب نهر عيسى قصر بناه الساسانيون (قصر سابور)، وشيد المنصور فيما بعد قنطرة في موضعه، أما القنطرة العتيقة القائمة فوق قناة الصراة، جنوبي غرب باب الكوفة فقد بناها الساسانيون، وعلى الجانب الشرقي سوق الثلاثاء ومقبرة الخيزران، ويرجعان إلى العصر الجاهلى وكان في المنطقة نفسها أديرة شيدت في الجاهلية ملو دير مارفثيون (الدير العتيق) حيث شيد قصر الخلد، ودير بستان القسس، ودير الجاثليق الذي دفن بالقرب منه الشيخ معروف (الطبري، جـ 3، ص 274، 277، ابن الفقيه، ورقة رقم 36 - 37 أ: الخطيب البغدادي، ص 46 - 48 المسعودى، التنبيه والإشراف، ص 312. الذهبي: دول الإسلام، جـ 1، ص 76، المستوفى، ص 40). ولم يكن لأى محلة من هذه المحلات القديمة شأن من الناحيتين السياسية أو التجارية، وعلى هذا الأساس يمكن أن

تعد مدينة المنصور منشأة جديدة، وما أكثر ما خلط الرحالة الأوربيون في القرون الوسطى بين بغداد وبابل، كما خلطوا في بعض الأحيان بينها وبين سلوقية، وترد في أخبارهم باسم بابل وبابلّونيا إلخ، والتسمية الأخيرة الخاطئة لبغداد شائعة كذلك في التفاسير التلمودية لشيوخ العشائر البابلية (في العصر العباسى)، وفي مصنفات اليهود المتأخرين، وكان يبتروده لا فالة الذي عاش في بغداد (1616 - 1617 م) أول من دحض هذا الخطأ الذي فشا في عهده، وكان الناس في الغرب حتى القرن السابع عشر يعرفون بصفة عامة اسم بغداد بالصيغة المحرّفة بلدخ - Bal dack (بَلْدَكو Baldcco) وربما كانت مشتقة من الصيغة الصينية للاسم (انظر Medieval Re-: neider Bretsch searches جـ 1، ص 138، جـ 2، ص 124، رحلات ماركوبولو Travels Morco Polo " طبعة فرامبتون Frampton, ص 29، 126). وحول العباسيون أبصارهم إلى الشرق، وأخذوا يبحثون عن عاصمة جديدة ترمز لدولتهم، فانتقل السفاح أول خلفاء بنى العباس من الكوفة إلى الأنبار، وانتقل المنصور إلى الهاشمية بالقرب من الكوفة، بيد أنه سرعان ما أدرك أن الكوفة النزاعة للشغب والمتعصبة للعلويين لها أثر سيئ على جيشه، وفي الوقت نفسه كان من السهل اقتحام الهاشمية كما ثبت من فتنة الراوندية (انظر ياقوت، جـ 1، ص 680 - 681، الطبري، جـ 3، ص 271 - 272، الفخرى، طبعة القاهرة، ص 143)، ومن ثم أخذ يبحث عن موقع استراتيجى. ووقع اختياره على موقع بغداد بعد استقصاء دقيق، لاعتبارات عسكرية واقتصادية ومناخية، فهو يقوم في سهل خصب صالح للزراعة على ضفتى النهر كلتيهما، وعلى طريق خراسان، وعند ملتقى عدة طرق للقوافل، وفيه تقام أسواق شهرية، مما يوفر المبرة للجيش والناس. وكانت هناك شبكة من القنوات تفيد منها الزراعة، ويمكن أن تكون بمثابة تحصينات للمدينة، وهذا الموضع في وسط بلاد الجزيرة، وينعم بجو صحى معتدل، وهو خال من

البعوض إلى حد لا بأس به (اليعقوبى، ص 235 - 238, الطبري، جـ 3، ص 271 - 275، ياقوت، جـ 1، ص 679 - 280، المناقب، ص 7 - 8، المقدسي، أحسن التقاسيم، ص 119 - 120، ابن الأثير، جـ 5، ص 426 - 7، ابن الجوزي، ص 7، اليعقوبى، جـ 2، ص 449، الفخرى، ص 143 - 145)، وثمة قصص موضوعة عن فضائلها، وكيف أن القدر اختار المنصور لبنائها، ووجدت هذه القصص رواجا فيما بعد (انظر اليعقوبى، البلدان، ص 237. الفخرى، ص 144 الطبري، طبعة القاهرة، جـ 6، ص 234 - 235، ابن الجوزي: المناقب، ص 7 - 8). وقدر لبغداد أن ترث بابل وسلوقية وطيسفون وأن تخملها جميعًا. ويصف اليعقوبى (278 هـ = 891 م) وابن الفقيه (290 هـ = 903 م) بغداد في عصر متقدم وصفًا تفصيليًا، بينما يصف سهراب (حوالي عام 900 م) شبكة القنوات في المنطقة، وتبدو المدينة بتحصيناتها وتخطيطها الداخلى كأنها حصن كبير، فقد كان هناك أولًا خندق عميق، عرضه 40 ذراعًا (= 20.27 مترًا)، يحيط بالمدينة، ثم رصيف من الآجر، ثم السور الأول، وارتفاعه 18 ذراعًا (9 أمتار) عند القاعدة، يليه رحبة عرضها 56.9 مترًا (= 100 ذراع، وفيما يختص بالمقاييس انظر كتاب الخراج للريس) تركت خالية لأغراض الدفاع، ويليها السور الرئيسى من الآجر وارتفاعه 31.14 مترًا وسمكه عند قاعدته 50.2 مترًا وعند القمة 14.22 مترًا، وبه أبراج عظيمة يبلغ عددها 28 برجا بين كل بابين ما عدا الأبراج الواقعة بين بابى الكوفة والبصرة ففيها 29 برجا، وبنيت، على كل باب، قبة تطل على المدينة، تحتها مساكن للحراس، ثم تليها رحبة عرضها 170.70 مترا شيدت فيها بيوت، ولم يكن يسمح فيها بالبناء إلا للقواد والموالى المخلصين، ومع ذلك فقد كان لكل طريق بابان وثيقان يمكن إغلاقهما، وكان يلي ذلك سور ثالث بسيط يحيط بالرحبة الداخلية الفسيحة، حيث لم يشيد فيها سوى قصر الخليفة (باب الذهب)، والمسجد الجامع، والدواوين، ودور لأولاد الخليفة،

وسقبفتين، إحداهما لصاحب الحرس والأخرى لصاحب الشرطة، وقسمت المدينة إلى أربع مناطق متساوية، يقسمها طريقان يبدآن من أبوابها المتساوية الأبعاد، وذلك لضمان الإشراف على المدينة وتيسير حركة المواصلات في الداخل، ومع طرق القوافل في الخارج، وكان باب خراسان (ويسمى أيضًا باب الدولة) جهة الشمال الشرقي، وباب البصرة جهة الجنوب الغربي، وباب الشام جهة الشمال الغربي، وباب الكوفة جهة الجنوب الشرقي، وكان على من يريد أن يصل إلى الدائرة الداخلية أن يعبر خندقا وأن يمر بخمسة أبواب، اثنان منها في السور الخارجى، وبابان ضخمان في السور الكبير وباب في السور الداخلى (انظر اليعقوبى: البلدان، ج 1، ص 238 - 242, الطبري، جـ 3، ص 322 - 323 ابن الجوزي: المناقب، ص 9 - 10؛ الخطيب البغدادي، ص 9 - 12 ابن الأثير، جـ 5، ص 427 - 428، ص 439، اليعقوبى، جـ 2 ص 449 ابن الفقيه، مخطوطة، ورقة رقم 133). وروعيت في التخطيط أيضًا التقاليد الإمبراطورية القديمة، يؤيد ذلك وجود حجاب بين الخليفة وبين شعبه، والتخطيط الفخم للقصر والمسجد لإظهار عظمة الدولة الجديدة، وتوزيع الناس على ربوع منفصلة يمكن إغلاقها وحراستها بالليل. ووزع المنصور على بعض مواليه وقواده المخلصين قطائع بجوار الأبواب خارج المدينة، ومنح جنوده الأرباض لكى يبنوا عليها دور، لهم، ووهب لبعض آل بيته أطراف المدينة (اليعقوبى، جـ 2، ص 449. 450، انظر ابن حوقل، ج 1، ص 240). وكانت القبة الخضراء تحفة تفخر بها المدينة المدورة، وارتفاعها 48.36 مترًا، وكانت تنهض شامخة فوق القصر، وعلى قمتها تمثال على شكل فارس يمتطى صهوة جواده. وقد خرت هاوية عام 329 هـ (941 م) في ليلة عاصفة، وربما نزلت عليها صاعقة (الصولى: الراضى، ص 229، ابن الجوزي: المنتظم، جـ 6، ص 317 - 318، المناقب، ص 11؛ أبو المحاسن، جـ 3،

ص 270، الخطيب، ص 11)، ومهما يكن من شيء فإن أسوارها ظلت قائمة فترة أطول، ثم تهدمت آخر الأمر عام 653 هـ (1255 م؛ ابن الفوطى، ص 303؛ سبط ابن الجوزي؛ مرآة الزمان، جـ 8، ص 67). واستخدم في بناء باب الذهب الرخام والحجر وموه بابه بالذهب، وظل المقر الرسمى زهاء نصف قرن، ومع أن الرشيد انصرف عنه فإن الأمين اضاف إليه جناحا جديدا، وأنشأ حوله "ميدانا" وتعرض للكثير من الدمار إبان حصار بغداد عام 198 هـ (814 م)، ثم بطل استعماله مقرًا رسميًّا وأهمل (انظر ابن القوطى، ص 303). وشيد جامع المنصور بعد القصر ولهذا انحرف قليلًا عن القبلة (انظر الطبري، طبعة القاهرة، جـ 6، ص 265، ابن الأثير، جـ 5، ص 439)، وهدمه الرشيد عام 191 هـ (807 م) وأعاد بناءه بالآجر، ووسع عام 260 - 261 هـ. (875 م) وزيدت مساحته أخيرًا عام 280 هـ (893 م)، وأضاف المعتضد إليه صحنا آخر وجدد منه أجزاء (المنتظم، جـ 5، ص 21، 143)، وكان للمسجد مئذنة (الخطيب، جـ 5، ص 125) احترقت عام 303 هـ (915 م، المنتظم، جـ 6، ص 130)، ثم أعيد بناؤها انظر ابن الجوزي: المنتظم، جـ 7، ص 284)، وقد ظل المسجد الجامع في بغداد في عهد الخلافة، وغمره الفيضان عام 653 هـ (1255 م)، وقدر له أن يبقى بعد هذا الفيضان وغزوة المغول. ويعكس تخطيط بغداد أفكارا اجتماعية، فقد كان لكل ربع شخص مسؤول، وكانت تقيم به بصفة عامة جماعة متجانسة، من الناحية العنصرية (فرس، وعرب، وخوارزمية)، أو من الناحية المهنية، وكان للجنود منازل خارج الأسوار، تقوم بصفة عامة شمالي المدينة وغربيها، بينما كان التجار والصناع يتركزون جنوبي قناة الصراة في الكرخ (انظر ابن الفقيه، مخطوطة، ورقة رقم 37 ب، 33 ب، 29 ب). وللأسواق شأن كبير في تخطيط بغداد، ولقد كانت تقوم في مبدأ الأمر طاقات في كل طريق من الطرق الأربعة

من السور الكبير إلى السور الداخلى، وفيها أقيمت حوانيت، ومن ثم قامت أربعة أسواق (انظر الطبري، جـ 3، (ص 322). يضاف إلى هذا أن الخليفة أمر بأن يكون لكل منطقة من المناطق الأربع خارج السور رحبة تسمح بإقامة الأسواق فيها بحيث يكون في كل منطقة سوق كبيرة (اليعقوبى: البلدان، ص 242). ودفعت اعتبارات الأمن المنصور إلى أن يأمر بإزالة الأسواق من المدينة المدورة عام 157 هـ (773 م) ونقلها إلى الكرخ، فقد أراد أن يبعد العامة من المشاغبين عن المدينة وأن يتأكد من أن أبواب الأحياء لا تترك مفتوحة خدمة للأسواق بالليل، كما أمر باتخاذ الحيطة حيال آية جواسيس يمكن أن يتسربوا إلى المدينة. ورسم خطة لبناء الأسواق بين قناة الصراة وقناة عيسى (الطبري جـ 3، ص 324 - 325، ابن الجوزي، المناقب، ص 13 - 14، ياقوت، جـ 4، ص 254). وكان لكل حرفة أو تجارة سوقها المنفصلة أو دربها، وكانت بين أسواق الكرخ سوق للفاكهة وسوق للقماش، وسوق للطعام، وسوق للصيارفة، وسوق للوراقين، وسوق للأغنام (اليعقوبى: البلدان، ص 241، 245، 246، 253، الإصطخري، ص 241، ابن حوقل، ص 242، الخطيب، ص 22، 31، 67، ابن الجوزي: المناقب، ص 26 - 28). ومع نمو المدينة نسمع عن تجار أتوا من خراسان وما وراء النهر ومرو وبلْخ وبُخارى وخوارزم، وكانت أسواقهم في حي الحربية، ولكل جماعة من هؤلاء التجار نقيب وشيخ (اليعقوبى: البلدان، ص 246 - 248)، ويبدو أنه كان لكل حرفة شيخ تختاره الدولة (انظر الدورى: تاريخ العراق الاقتصادى، ص 81). وثمة رواية تذهب إلى أن المنصور أراد أن يهدم جانبا من القصر الأبيض في طيسفون لاستخدام الآجر في مبانيه، ولكنه كف عن ذلك لأن النفقات لا تبرر القيام به. وهناك خبر آخر ينسب إلى المنصور أنه صاحب فكرة ترميم ذلك القصر، بيد أنه يقول إن الوقت لم يتسع أمامه لإنجازه، وكلتا الروايتين من آثار مناظرات الشعوبية، فقد شيدت المدينة خاصة بالآجر.

ويقول اليعقوبى إن الخطة وضعت عام 141 هـ (755 م)، اليعقوبى: البلدان، ص 238) بيد أن العمل لم يبدأ إلا في غرة جمادى عام 145 هـ (2 أغسطس عام 762 م) خبر الخوارزمى الوارد في كتاب الخطيب البغدادي، ص 2، انظر Wiet، واليعقوبى، ص 11، تعليق رقم 4)، واشترك في وضع خطة المدينة أربعة من المهندسين المعماريين، وكان حجاج بن أرطاة المهندس المعمارى للمسجد (الطبري، طبعة القاهرة، جـ 6، ص 265, 237، اليعقوبى، ص 241). وحشد المنصور 100.000 عامل وصانع للعمل في إنشائها (اليعقوبى، ص 238، الطبري، جـ 3، ص 277). وشقت قناة من نهر كرخايا إلى الموقع لتزويد الناس بالماء للشرب ولأغراض البناء (اليعقوبى، ص 238)، ويبدو أن القصر والمسجد والدواوين على الأقل قد تم بناؤها عام 146 هـ (763 م). وأن المنصور انتقل إلى بغداد (الطبري، جـ 3، ص 313، الخطيب البغدادي، ص 2). وما إن حل عام 149 هـ (766) حتى اكتمل بناء المدينة المدورة (الطبري، جـ 3، ص 353، الخطيب، ص 2 - 3). والمدينة المدورة التي شيدها المنصور نموذج فريد في تخطيط المدن، فقد كانت مدورة، قلبها على أبعاد متساوية من المناطق المختلفة ومن اليسير التحكم فيها أو الدفاع عنها، ويعد هذا التخطيط في نظر الروايات العربية فريدًا في بابه (اليعقوبى، ص 238، ابن الفقيه، ورقة رقم 33 ب، الخطيب البغدادي، ص 67، الذهبي: دول الإسلام، جـ 1، ص 76). ومهما يكن من شيء فإن الخطة المدورة ليست من الخطط غير المألوفة في الشرق الأدنى، فتخطيط أرُك يكاد يكون مدورًا) (Altertumskunde: V. Christian جـ 2، جدول رقم 13). والمعسكرات الحربية الآشورية أحيار مدورة يحيط بها سياج، ويحصى كرزويل Creswell إحدى عشرة مدينة كانت بيضاوية الشكل أو مدورّة، من بينها حران أكبتانا وهتره، ودار بجرد، وهناك شبه عجيب بين داربجرد ومدينة المنصور في تخطيطهما (Early Muslim: Creswell Arch الموجز، ص 171 - 173، Meissner

Babylonien and Assyrien جـ 1، جدول رقم 161). من المحتمل أن المهندسين المعماريين للمدينة المدوّرة كانوا يعرفون مثل هذه الخطط، ويشير ابن الفقيه إلى أن اختيار التخطيط انحصر بين المربع والدائرة وأن الأخيرة أقرب إلى الكمال (البلدان، مخطوطه، ورقة رقم 33 ب)، ومهما يكن من شيء فإن فكرة الحصن المدور هي التي أدت، على الأرجح، إلى هذا التخطيط، ويقول الطبري: "وجعل (المنصور) أبوابها أربعة، على تدبير العساكر في الحروب" (الطبري، طبعة القاهرة، جـ 6، ص 265). وهناك أخبار متضاربة عن أبعاد مدينة المنصور، فيذهب خبر إلى أن المسافة بين باب خراسان وباب الكوفة 800 ذراع (= 405.12 مترًا) ومن باب الشام إلى باب البصرة 600 ذراع (303.12 مترًا، الخطيب البغدادي، ص 9 - 11، ابن الفقيه، مخطوطه، ورقة رقم 33 ب). وفي خبر آخر عن وكيع أن المسافة بين كل بابين 1200 ذراع (608.28 مترًا، الخطيب، ص 11). والحق إن كلا الخبرين يقدر حجم المدينة تقديرًا أقل من الواقع، وفي خبر ثالث أورده رباح، أحد من شيدوا المدينة، أن المسافة بين كل بابين ميل واحد أو 4000 ذراع مرسلة أو 1848 مترًا: د الريس، ص 278, الخطيب البغدادي، ص 8، وقد أورد ابن الجوزي هذا التقدير في كتابه: المناقب، ص 9، ياقوت، جـ 1، ص 235، أبو المحاسن، جـ 1، ص 341، الإربلّى: التبر، ص 54). ويؤكد هذا التقديرَ القياس الذي نفذ تلبية لأوامر المعتضد وورد في خبر لبدر المعتضدى (الخطيب البغدادي، ص 5، أبو المحاسن، جـ 1، ص 341) , وطبقا لهذا القياس يكون قطر المدينة 2352 مترًا، أما اليعقوبى فإنه يقدر المسافة بين كل بابين خارج الخندق بمقدار 5000 ذراع أسود (أو 2534.5 مترًا)، وهذا التقدير هو الأرجح في ضوء هذه المعلومات (البلدان، ص 238 - 239). وتضاربت الأخبار عن نفقة المنصور على بناء المدينة، فخبر يقدر النفقات بمبلغ ثمانية عشر ألف ألف، والمفهوم

أنها من الدنانير (الخطيب البغدادي، ص 5، ابن الجوزي: المناقب، ص 34، ياقوت، جـ 1، ص 863, الأربلى: التبر، ص 543). وفي خبر ثان أنها مائة ألف ألف درهم أبو المحاسن، جـ 1، ص 341). ومهما يكن من شيء فإن البيان الرسمى الذي يستند إلى وثائق الخلافة يقرر أن المنصور أنفق على المدينة المدورة أربعة آلاف ألف درهم وثمانمائة وثلاثة وثمانين درهما (الطبري، جـ 3، ص 326، المقدسي، أحسن التقاسيم، ص 121، الخطيب البغدادي، ص 5 - 6، انظر أيضًا ابن الأثير، جـ 5، ص 419، ابن الجوزي: المناقب، ص 34)، وفي وسعنا أن نصل إلى هذا التقدير إذا أخذنا في الحسبان انخفاض أجر العمل وأثمان الميرة ودقة المنصور في الإشراف على حساباته. وفي عام 157 هـ (773 م) شيد المنصور قصرًا على نهر دجلة أسفل باب خراسان، تحيط به بساتين فسيحة، وأطلق عليه اسم قصر الخلد، وكان الموضع الذي أقيم به خاليا من البعوض مشهورًا بطيب هوائه، ولقد أطلق عليه هذا الاسم تيمنا بجنة الخلد (الطبري، جـ 3، ص 379، الخطيب، ص 14، ياقوت، جـ 2، ص 783، ابن الجوزي: المناقب، ص 12، ابن الأثير، جـ 6، ص 72، ابن الفقيه، ورقة رقم 37 ب). ولم تلبث الاعتبارات الاستراتيجية والسياسية التي انتهجها المنصور بتقسيم الجيش، والافتقار إلى الأرض الفضاء أن حملت الخليفة على إقامة معسكر لولى عهده المهدي على الضفة الشرقية لنهر دجلة. وكان معسكر المهدي - وقد أطلق عليه فيما بعد الرصافة تيمنا باسم قصر بناه الرشيد- حيث شيد القصر والمسجد، بمثابة النواة تحيط بها بيوت القواد والأتباع، وسرعان ما وجد الجانب التجارى مجالا له في أسواق باب الطاق، أما الجانب العسكرى فيبدو بوضوح في قيام سور وخندق يحيطان بمعسكر المهدي، وقد بدأ العمل فيه عام 151 هـ) وانتهى عام 157 هـ (773)، وكانت الرصافة في موضع يكاد يكون مقابلا لمدينة

المنصور (اليعقوبى: البلدان ص 251 - 253 الإصطخري، ص 83 - 84، الخطيب البغدادي، ص 23 - 5، ابن الجوزي: المناقب، ص 12 - 13، المقدسي، ص 121، أبو المحاسن، جـ 2، ص 16، ياقوت، جـ 2، ص 78). واتسعت رقعة بغداد بسرعة فزادت مبانيها ونشطت فيها الحركة التجارية وازدادت ثروة وسكانًا، وتكالب الناس على السكنى في شرقي بغداد، فقد اجتذبتهم هبات المهدي ثم عطايا البرامكة الذين كان لهم حي خاص عند باب الشماسية (اليعقوبى: البلدان، ص 251، الأغانى، طبعة بولاق، جـ 6، ص 78، جـ 5، ص 8، ابن خلكان طبعة بولاق، جـ 2، ص 311)، وشيد يحيى البرمكى قصرًا فخمًا وأطلق عليه الاسم المتواضع قصر الطين (الأغانى، جـ 5، ص 8). وشيد جعفر قصرًا عظيمًا فاخرًا أسفل شرقي بغداد، أصبح فيما بعد من نصيب المأمون، وامتدت رقعة الجانب الشرقي في عهد الرشيد من باب الشماسية (المواجه لباب قطربل) إلى المخرم (وحدها الجنوبي قنطرة المأمون الحديثة، اليعقوبى: البلدان، ص 253 - 254)، ومن جهة أخرى فإن الأمين عاد من قصر الخلد، حيث كان يقيم الرشيد، إلى قصر باب الذهب، وجدده وأضاف إليه جناحًا، وأحاطه بمربع (انظر الجهشيارى، طبعة القاهرة، سنة 1938، ص 193، ابن الأثير، جـ 11، ص 152). وشيدت الملكة زبيدة مسجدًا على نهر دجلة (نسب إليها) قرب القصور الملكية ومسجدًا رائعا آخر في قطيعتها شمالي المدينة (ياقوت، جـ 4، ص 11 ابن خلكان، ص 188، المستطرف، طبعة بولاق، جـ 1، ص 289) وشيدت أيضًا قصرًا أطلقت عليه اسم القرار قرب قصر الخلد (انظر الخطيب، جـ 1 ص 87). وامتدت رقعة الجانب الغربي بين باب قَطْرَبُّل في الشمال وحى الكرخ، الذي اتسعت رقعته بدوره حتى وصل إلى قناة عيسى الكبرى (وتصب هذه القناة في نهر دجلة عند تلول خَشْم الدورة)؛ ووصلت جهة الغرب إلى المُحَوَّل تقريبًا (المشرق، سنة 1934، ص 89؛ انظر القصيدة التي في كتاب

ياقوت، جـ 1، ص 686؛ المسعودى، جـ 6، ص 454؛ الطبري، جـ 3، ص 874، 876). ويتغنى الشعراء بجمال بغداد، ويصفونها بأنها "جنة الله في أرضه". وقد اشتهرت ببساتينها الرائعة وريفها النضير، وقصورها الفخمة الشامخة المزينة بزخارف فاخرة على الأبواب وفي القاعات، ورياشها البديعة الثمينة (انظر الطبري، جـ 3، ص 873، 874؛ القال: الأمالى، جـ 2، ص 237؛ ياقوت، جـ 1، ص 686). وتلقت بغداد ضربة قاسية إبان النزاع الذي اشتجر بين الأمين والمأمون. ووصلت الحرب إلى المدينة عندما ضرب عليها حصار دام أربعة عشر شهرًا. (المسعودى، جـ 6، ص 456). وأحنق صمود المدافعين طاهرًا فأمر بهدم دورهم، ودمرت أحياء كثيرة "ما بين دجلة ودار الرقيق (شمالي باب خراسان)، وباب الشام وباب الكوفة إلى الصراة وأرجاء أبي جعفر وربض حُمَيد ونهر كرخايا والكُناسة" (الطبري جـ 3، ص 887). وشملها الخراب على يد الغوغاء والخارجين على القانون والعيارين. وتعرض للتدمير الشديد قصر الخلد وقصور أخرى، وهي الكرخ وبعض الربوع الواقعة على الجانب الشرقي. ويعبر عن ذلك الطبري والمسعودى فيقولان: "وكثر الخراب والهدم حتى درست محاسن بغداد" (انظر الطبري، جـ 3، ص. 925 - 496؛ المسعودى جـ 6، ص 454 - 459؛ ابن الأثير، جـ 6 ص 188 وما بعدها). وظلت الفوضى والقلاقل تضرب أطنابها في بغداد إلى أن عاد المأمون من مرور عام 204 هـ (819 م). وأقام المأمون في قصره ووسع رقعته حتى لقد أضاف إليه حلبة للسباق وحيرًا للوحوش (حديقة للحيوان) وأحياء لمواليه المخلصين (ياقوت، جـ 1، ص 807). ثم وهب هذا القصر للحسن ابن سهل - ليصبح اسمه الحسنى - الذي أوصى به لابنته نوران. وانتعشت بغداد من جديد في عهد المأمون. وشيد المعتصم قصرًا في الجانب الشرقي (اليعقوبى، ص 225؛ انظر الخطيب، ص 74). ثم قرر أن يبحث عن عاصمة جديدة لجيشه التركى الجديد، فقد كانت بغداد شديدة

الازدحام لا تتسع لجنوده، وكان الأهلون وفرق الجند القديمة يكنون العداء لجنود الأتراك، وخشى أن يحدث ما يكدر صفو الأمن. وفقدت بغداد أيام سامراء (836 - 892 م) اهتمام الخلفاء بها (انظر اليعقوبى، جـ 2، ص 208؛ الإربلّى، ص 161) ولكنها ظلت أكبر مركز للتجارة والنشاط الثقافى. وعانت بغداد أيضًا من القلاقل التي أثارها الأتراك، عندما انتقل إليها المستعين من سامراء، وحاصرتها قوات المعتز طوال عام 251 هـ (865 - 866 م). وامتدت رقعة الرصافة في هذه الفترة إلى سوق الثلاثاء (حتى شارع السموأل الحديث). وأمر المستعين بالله بتحصين بغداد ومد السور القائم على الجانب الشرقي من باب الشماسية إلى سوق الثلاثاء، والسور القائم على الجانب الغربي من قطيعة أم جعفر حول الربوع حتى قناة الصراة وحُفر حولها خندق طاهر المشهور (الطبري، جـ 3، ص 1851). ودمرت أثناء هذا الحصار منازل وحوانيت وبساتين خارج السور الشرقي لضرورات الدفاع (الطبري، جـ 3، ص 1571) وتعرضت للدمار الشديد الأحياء الشرقية من الشماسية والرصافة والمخرم. وعاد المعتمد أخيرًا إلى بغداد عام 278 هـ (892) وكان قد طلب من بوران قصر الحسنى، بيد أنها جددته وأثثته ليليق بخليفة، وسلمته له (انظر ابن الجوزي: المنتظم، جـ 5، ص 144). ثم قام المعتضد بإعادة بناء القصر عام 820 هـ (893 م) ووسع رقعة أراضيه وأضاف إليه أبنية جديدة وشيد سجونا فوق مطاميره. وأضاف حلبة سباق ثم أحاط المنطقة بسور خاص وقدر له أن يصبح دار الخليفة، وظل بعد إضافة بعض المبانى إليه، مقره الرسمى (الخطيب البغدادي، ص 52؛ ابن الجوزي: المنتظم، جـ 6، ص 53؛ المناقب، ص 15؛ التَّنوخى: نشوار المحاضرة، جـ 8، ص 15، أبو المحاسن، جـ 3، ص 85؛ الإربلَى، ص 173). ثم وضع أساس قصر التاج على مقربة من نهر دجلة، بيد أنه رأى فيما بعد أنه يتعرض للكثير من الدخان من

ناحية المدينة، فقرر أن يشيد قصرًا آخر على بعد ميلين ناحية الشمال الشرقي. وشيد قصر الثريا الشاهق العظيم ووصله بقصر (الحسنى) بنفق، وأحاطه ببساتين، وجلب إليه الماء من قناة موسى (انظر وصف ابن المعتز له في ديوانه) طبعة بيروت سنة 1913، ص 138 - 139) وأمر أيضًا بألا يزرع حول بغداد أرز أو نخيل ليبقى الهواء نقيًا خالصًا (انظر ابن الجوزي: المنتظم، جـ 5، ص 142). وبقى قصر الثريا في حالة جيدة حتى عام 469 هـ (1073 - 1074 م) وهنالك اكتسحته مياه الفيضان ودمرته (ابن الجوزي المناقب، ص 15؛ ياقوت، جـ 1، ص 808). وبدأ الخراب في المدينة المدورة وقتذاك. وأمر المعتضد بهدم سور المدينة، ولكن ما إن هدم قسم صغير منه حتى علت أصوات الهاشميين بالشكوى، لأنه كان يرمز إلى مجد العباسيين، فتوقف المعتضد عن هدمه. ومهما يكن من شيء فإن الناس وسعوا بيوتهم شيئًا فشيئًا على حساب السور، وأدى هذا، آخر الأمر، إلى هدم السور وخراب المدينة (التنوخى: نشوار المحاضرة، جـ 1، ص 74 - 75). وشيد المكتفى (289 - 295 هـ = 901 - 907 م) قصر التاج وزوده بأبهاء وقباب ورصيف على نهر دجلة. وبنى قبة شامخة نصف دائرية على أراضيه بحيث يستطيع أن يبلغ قمتها ممتطيا ظهر حمار (الخطيب البغدادي، ص 48، الأربلّى، ص 175؛ ياقوت، جـ 1، ص 80؛ ابن الجوزي: المنتظم، جـ 5، ص 144). وفي عام 289 هـ. (901 م) هدم المكتفى السجون الملحقة بالقصر وبنى "جامع القصر" الذي أصبح ثالث مسجد جامع في المدينة حتى عهد المقتدر (ابن الجوزي: المنتظم، جـ 6، ص 3؛ الخطيب البغدادي، ص 62). ولقد أضاف المقتدر (295 - 320 هـ = 908 - 932 م) مبانى جديدة إلى القصور الملكية وزينها على نحو يفوق الوصف، ووجه عناية خاصة لـ"حير الوحوش" أي حديقة الحيوان (انظر الخطيب البغدادي، ص 48، 53). وقد

أورد الخطيب وصفًا تفصيليًّا مدهشًا لعام 305 هـ (917 - 918 م). وكان السور المتين الذي يحيط بالقصور والممر السرى الذي يصل ديوان المقتدر بأحد الأبواب من الوسائل الدفاعية الضرورية (انظر الخطيب، ص 51). ومن عجائب بغداد "دار الشجرة"، وفيها شجرة من الفضة في بركة واسعة لها 18 فرعًا وأغصان متعددة، عليها طيور وعصافير من الفضة أو مموهة بالذهب، تغرد في أوقات. وعلى كل جانب من البركة 15 تمثالًا لفرسان يمتطون صهوات جيادهم ويتحركون في اتجاه واحد وكأنما يطارد بعضهم بعضًا (ص 54). وهناك بركة أخرى من الزئبق مساحتها 30 × 20 ذراعًا تسبح فيها أربعة قوارب مموهة بالذهب وحولها بستان يفوق الوصف. وكان حير الوحوش يضم كل أنواع الحيوان، ففيه بيت الأسود ويضم مائة أسد. وهناك قصر الفردوس بأسلحته الشهيرة. وقد أحصيت القصور فكانت ثلاثة وثلاثين قصرًا داخل نطاق الأراضي الملكية (انظر الخطيب، ص 53 - 55؛ ابن الجوزي: المنتظم، جـ 6، ص 144). وبلغت بغداد أوج ازدهارها في ذلك العهد؛ فقد امتد الجانب الشرقي منها خمسة أميال (الميل الواحد = 1848 مترًا) من الشماسية إلى دار الخلافة في القرن الرابع الهجرى (العاشر الميلادي؛ الاصطخرى، ص 83). ويقول طيفور المتوفى عام 893 م إن الموفق أمر بقياس أبعاد بغداد قبل عام 279 هـ (892 م)، فوجد أن مساحتها 43.750 جريبا منها 26.250 جريبا في شرقي بغداد و 17.500 جريب في غربي بغداد (ابن الفقيه، ورقة رقم 44 ب). انظر ابن حوقل، جـ 1، ص 243). وتذهب رواية أخرى لطيفور أن مساحة شرقي بغداد في عهد الموفق كانت 16.750, جريبا (الجريب الواحد = 1366 مترًا مربعًا) وأن مساحة غربي بغداد كانت 27.000 جريب؛ وهذا التقدير هو الأرجح لأن غربي بغداد ظل حتى ذلك الوقت أهم من شرقيها. وفي رواية أخرى أن المساحة قدرها 53.750 جريبا منها 26.750 جريبا في الشرق و 27.000 جريب في

الغرب (الخطيب، ص 74). والراجح أن الرقم الأخير يمثل المساحة في عهد المقتدر عندما اتسعت رقعة بغداد في الشرق اتساعًا كبيرًا، ويكاد يكون طول بغداد من ناحيتيها في كل هذه الأخبار واحدًا. وبالنسبة للرقم الأول يقدر طول بغداد كما أورده الإصطخري وطيفور، عام 279 هـ (892 م). بنحو 7 كيلو متر وربع وعرضها بنحو، 6 كيلو متر ونصف، بينما كان طولها في عهد المقتدر (320 هـ - 932 م) حوالي 8 كيلو متر ونصف وعرضها حوالي 7 كيلو متر وربع. وهذا الموقع الجغرافي لبغداد ونشاط سكانها (انظر الجاحظ: البخلاء، ص 39؛ التنوخى: الفرج بعد الشدة، جـ 2، ص 11) وتشجيع الدولة للتجارة (انظر اليعقوبى، ص 590) وهيبة الخلافة، كل ذلك لم يلبث أن جعل بغداد مركزًا عظيمًا للتجارة (انظر الدورى: تأريخ العراق الاقتصادى، ص 143 - 157). وأصبحت الأسواق معلما جوهريا من معالم الحياة فيها، في الرصافة وفي الكرخ بصفة خاصة. وكانت لكل تجارة سوقها الخاصة بها، ومن بين للك الأسواق: سوق الفاكهة، وسوق القماش، وسوق القطن، وسوق الوراقين -وكان بها أكثر من مائة حانوت- وسوق الصيارفة، وسوق العطارين في الكرخ. وكانت هناك أسواق للتجار الأجانب في سوق باب الشام. وعلى الجانب الشرقي كانت تقوم أسواق شتى تضم سوق الطب لبيع الأزهار، وسوق للطعام، وسوق الصاغة، وسوق الغنم، وسوق الوراقين، وسوق التجار من الصين (اليعقوبى: البلدان، ص 241، 246، 248، 254؛ الإصطخري، ص 48، الخطيب البغدادي، ص 22، 65 وما بعدها , 36، 69؛ ابن الجوزي: المناقب، ص 26، 27 - 80؛ ابن حوقل، ص 242). وأقيم منذ عهد المنصور محتسب لمراقبة الأسواق ومنع الغش ومراجعة المكاييل والأوزان (انظر الخطيب ص 20؛ الصابى: الرسائل، ص 141 - 142). وكان المحتسب أيضًا يراقب الحمامات وله أن يلاحظ المساجد (الخطيب، ص 78). كما كان يمنع أوجه النشاط المخزية.

وكان لكل تجارة أو حرفة شيخ تعينه الدولة ولكل حرفة صانع وأستاذ (انظر إخوان الصفا، جـ 1، ص 255؛ وانظر مقالات الجاحظ، طبعة السندوبى، ص 126). وكانت بغداد تصدر الأقمشة القطنية، والمنسوجات الحريرية، وبخاصة المناديل والميدعات والعمائم والبلورات المخروطة والفخار المزجج والزيوت المختلفة والأشربة والمعاجين (حدود العالم، ورقة 11 أ؛ المقدسي، ص 128) كانت تصنع أيضًا قمصانا مختلفة الألوان، وعمائم من نسيج رقيق وفوطا مشهورة (الدمشقي: التجارة، ص 26). وكانت قمصانها القطنية الرقيقة البيضاء لا نظير لها (ابن الفقيه، ص 254)، وكانت منسوجات السَقْلَطون (قماش حريرى) والملْحَم والعتابى (من الحرير والقطن) هما اشتهرت به بغداد (حدود العالم، ص 38؛ النويرى، جـ 1، ص 369؛ أبو القاسم، ص 35؛ المقدسي، ص 323، ابن حوقل، ص 261). وكانت سيوف ممتازة تصنع في باب الطاق (عريب، ص 50). واشتهرت بغداد أيضًا بمصنوعاتها الجلدية وبصناعة الورق (انظر ابن الفقيه، ص 251). وكان تطور النظام المصرفى في بغداد -كما يتضح من الأعمال التي كان يقوم بها الصرافون والجهابذة- حافزا كبيرًا للتجارة والصناعة وكانت للصرافين أسواق خاصة، ولا سيما في الكرخ (انظر الجهشيارى، ص 228)، وكانوا في مبدأ الأمر يقدمون خدماتهم للأهالى، على حين كان الجهابذة يعملون غالبا في خدمة الحكومة وموظفيها. وأصبحت بغداد دولية من حيث سكانها، فقد كان أهلها أخلاطًا من شتى الأمم والألوان والنحل، ممن وفدوا إليها من أجل العمل والتجارة، ومن المجندين والأرقاء، أو ممن جاءوا لممارسة مهن أخرى. وجدير بالذكر أن عامة الناس بدأوا في القيام بدور هام في حياة بغداد (انظر ابن الأثير، جـ 8، ص 85 - 86؛ مسكويه، جـ 1، ص 74 - 75؛ الإصفهاني: تأريخ، طبعة برلين، ص 130). أما عن ثورتهم على ارتفاع الأسعار عام 307 هـ (919 م)

وجهودهم للحفاظ على النظام عام 201 هـ (816 م) إبان الاضطرابات التي حدثت عقب مصرع الأمين فانظر الطبري (جـ 3، ص 1009 - 1010) وابن الأثير (جـ 6، 288 - 229؛ جـ 7، ص 13 - 14). (وبدأ نشاط العيارين والشطار في هذا العهد (انظر الطبري، جـ 3، ص 1008، 1586؛ المسعودى، جـ 6، ص 457، ص 461 وما بعدها). وليس من اليسير تقدير عدد سكان بغداد؛ ومن الواضح أن هناك مبالغات في تقدير عدد المساجد والحمامات (300.000 مسجد و 600.000 حمام في عهد الموفّق، و 27.000 حمام في عهد المقتدر، 17.000 حمام في عهد معز الدولة، و 5.000 في عهد عضد الدولة، و 3.000 حمام في عهد بهاء الدولة (الخطيب، ص 74 - 76؛ ابن الفقيه، ورقة رقم 59 ب؛ هلال الصابى: رسوم دار الخلافة، مخطوطة، ص 27 - 30). وقد أخصيت الحمامات عام 383 هـ (993 م) فوجد أن عددها 1.500 حمام. وتؤكد الروايات أن كل حمام كان يكفى حوالي 300 بيت (ابن الفقيه، ورقة رقم 59 ب، 60 أ؛ هلال الصابى، مخطوطة، ص 29). وإذا كان متوسط عدد الأفراد في كل بيت خمسة، فإن عدد سكان بغداد يكون وقتذاك قد بلغ حوالي المليون ونصف المليون من النسمات. وأمر المقتدرُ سنانَ بن ثابت باختبار الأطباء، وألا يمنح الإجازة بمزاولة المهنة إلا لمن يصلح لها. وكانت النتيجة منح الإجازة لثمانمائة وستين طبيبًا (ابن الأثير، جـ 8 ص 85؛ ابن أبي أصيبعة، جـ 1، ص 221 وما بعدها , 224، 310؛ القفْطى، ص 149 وما بعدها). فإذا أضَفنا إلى هؤلاء، من يعملون من الأطباء في البيمارستانات الحكومية والذين لم يحصلوا على إجازة بالعمل، فإن عدد الأطباء يصل -فيما يرجح- إلى الألف طبيب. وقد بلغ عدد المصلين يوم الجمعة الأخيرة من الشهر في مسجد المنصور ومسجد الرصافة 64.000 مصل مقدرا بالمساحة المخصصة للصلاة (ابن الفقيه، ورقة 62 أ؛ انظر أيضًا الطبري، جـ 3، ص 1730). وقد أحصى عدد القوارب حوالي نهاية القرن الثالث الهجرى (التاسع الميلادي)

فوجد أنه 30.000 قارب (ابن الجوزي: المناقب، ص 24). ونستطيع من هذه الأرقام ومن مساحة بغداد أن نقدر عدد سكان بغداد في القرن الرابع الهجرى (العاشر الميلادي) بمليون ونصف المليون من النسمات، ويتفق هذا الرقم مع ما يذكره الأتليدى، أحد المعاصرين. وكانت في بغداد أحياء أرستقراطية مثل الظاهر، والشمّاسية، والمأمونية، ودرب عون؛ وأحياء فقيرة مثل قطيعة الكلاب ونهر الدَّجاج (أبو القاسم البغدادي، ص 23، 106). وكانت البيوت من طابقين، أما بيوت العامة فمن طابق واحد. وكانت بيوت الأغنياء لها حمامات وتقسم عادة إلى ثلاثة أقسام يحيط بها سور: قسم للسيدات، وحجرات للضيفان، وقسم للخدم. وكانت البساتين تحظى بعناية خاصة (الأغانى، جـ 2، ص 73؛ جـ 3، ص 31؛ جـ 9 ص 144؛ جـ 5، ص 38؛ جـ 17، ص 129؛ هلال الصابى: رسوم دار الخلافة، ص 32). وكانت السجاجيد والأرائك والستائر والوسائد عناصر ملحوظة في الأثاث (أبو القاسم، ص 36). وكانت المراوح والبيوت المبردة خاصة والسراديب تستخدم في الصيف (انظر ج. مدور: حضارة الإسلام، ص 117، 130). وكانت النقوش ورسوم الحيوان والنبات أو الوجوه الآدمية تزين المداخل (المصدر المذكور، ص 29؛ أبو القاسم، ص 36, 7). وثمة سمة خاصة من سمات الحياة في بغداد، هي العدد الضخم من المساجد والحمامات كما سبق أن أوضحنا. وكانت بغداد المركز العظيم للثقافة، فقد كانت موئلًا للمذهبين الحنفي والحنبلى، وكانت مركزا للترجمات، في بيت الحكمة وخارجه، وموطنًا لبعض التجارب العلمية. وكانت مساجدها، وبخاصة جامع المنصور، مراكز كبيرة للدرس والتحصيل. وإن العدد الكبير من مكتبات الوراقين التي كانت تتحول أحيانًا إلى "صالونات أدبية" ليدل على مدى النشاط الثقافى. وشعراؤها ومؤرخوها وعلماؤها أكثر من أن نحصيهم. وفي وسعنا أن نشير

إلى تاريخ بغداد للخطيب لنرى العدد الكبير من العلماء، في ميدان واحد، الذين يرتبطون ببغداد. وكان العلم لا يلقى كل تشجيع من الخلفاء فحسب بل كان يلقاه من الوزراء والكبراء أيضًا. والحق إن فترة الإبداع في مجال الثقافة الإسلامية تقترن بمدينة بغداد. فقد أسست فيما بعد إبان هذه الفترة دور كتب عامة كانت مراكز للدرس والتحصيل، وأشهرها دار العلم التي أنشاها أبو نصر سابور بن أردشير. وعندما ظهر نظام المدرسة عقد لبغداد لواء الزعامة بمدرستيها النظامية والمستنصرية، وأثرت في نظام المدرسة، من جهة المناهج العلمية والهندسة المعمارية على السواء. وحظيت البيمارستانات بالكثير من العناية، وبخاصة في القرن الثالث الهجرى (التاسع الميلادي) والقرن الرابع الهجرى (العاشر الميلادي). واشتهر من بينها بيمارستان السيدة (306 هـ = 918 م) والبيمارستان المقتدرى (306 هـ = 918 م) والبيمارستان العَضُدى 372 هـ = 982 م). كذلك أنشأ الوزراء وغيرهم البيمارستانات. وكان الأطباء يخضعون في بعض الأحيان لإشراف. وكانت في بغداد ثلاث قناطر في عهد الرشيد (اليعقوبى، جـ 2، ص 510). وكانت القنطرتان الشهيرتان تقومان قرب باب خراسان وفي الكرخ (انظر اليعقوبى، جـ 2، ص 542، الجهشيارى، ص 254؛ الطبري، جـ 3، ص 1232). وبنى الرشيد قنطرتين في الشماسية، ولكنهما دمرتا إبان الحصار الأول لبغداد (ابن الجوزي: المناقب، ص 20؛ ابن الفقيه، ورقة رقم 42 أ). وظلت القناطر الثلاث قائمة حتى نهاية القرن الثالث الهجرى (التاسع الميلادي؛ ابن الفقيه، ورقة رقم 42 أ). ويبدو أن القنطرة الشمالية دمرت، ويتحدث الإصطخري عن قنطرتين فحسب (ابن الجوزي: المناقب، ص 20، الإصطخري، ص 84). وفي عام 387 هـ شيد بهاء الدولة قنطرة عند سوق الثلاثاء (مشْرعة القطانين) لتصبح القنطرة الثالثة. وهذا يدل على تحول الاهتمام من شمالي

بغداد إلى سوق الثلاثاء (ابن الجوزي: المنتظم، جـ 7، ص 171؛ وانظر ابن الجوزي: المناقب ص 20؛ الخطيب، ص 71 - 72). وكانت الحياة في بغداد تنعم بالاستقرار حتى عهد الأمين. وأظهر الحصار الأول لبغداد وجود عناصر مشاغبة بين العامة. وبدأ الفيضان والحريق أيضًا يقومان بدورهما اعتبارًا من الربع الأخير من القرن الثالث الهجرى (التاسع الميلادي). وأتى الفيضان عام 270 هـ (883) على 000 ر 7 بيت في الكرخ. وعانت بغداد كثيرا من الفيضان عام 292 هـ (904 م) وعام 328 هـ (929 م؛ الطبري، جـ 3، ص 2105 ابن الأثير، جـ 8، ص 371؛ أبو المحاسن، جـ 3، ص 157، 266) وفي عام 373 هـ (983 م) اكتسح الفيضان ما وراء باب الكوفة ووصل إلى داخل المدينة (الصولى: الراضى، ص 278؛ الخطيب البغدادي، ص 16). ولا شك أن إهمال القنوات وبخاصة في عهد "أمير الأمراء" (324 - 334 هـ = 935 - 945 م) أدى إلى حدوث فيضانات كما أدى إلى خراب ناحية بادوريَا (مسكويه، جـ 2، ص 1 - 9؛ الصولى: الراضى، ص 106، 225، 137 - 138) ومن ثم فإننا نجد الندرة في الحاجيات الضرورية والطاعون في حكم النادر قبل عام 320 هـ) (932 م) إلا أنهما تكررا بعد ذلك (انظر ابن الأثير، جـ 7، ص 177، 187، 338). أما ندرة هذه الحاجيات التي سادت عام 307 هـ (919 م) فكانت نتيجة الاحتكار، وسرعان ما تُغُلبَ عليها. وقد حدث ذلك في الأعوَام 323 هـ (934 م) و 326 هـ (937 م) و 329 هـ (940 م) مع طاعون) و 330 هـ (941 م) و 331 هـ (942 م؛ مع طاعون) و 332 هـ (943 م) و 337 هـ (948 م) وأصبحت الحياة لا تطاق (الصولى: الراضى، ص 61، 104، 236، 251؛ ابن الأثير جـ 8، ص 282، 311؛ الإصفهانى: التأريخ، ص 125؛ أبو المحاسن، جـ 3، ص. 270، 274). وفي عامي 308 هـ (920 م) و 309 هـ (921 م) عانت الكرخ كثيرًا من الحرائق (ابن الأثير، جـ 8، ص 89، 95). وامتدت نيران الكرخ عام

323 هـ (934 م) إلى أحياء العطارين وباعة المروخ والصاغة وغيرهم، وكان في الوسع مشاهدة آثارها بعد ذلك بسنين عديدة (الصولى: الراضى، ص 68). وكان عهد بنى بويه شديد الوطأة بعض الشيء على بغداد. وأصلح معز الدولة عام 335 هـ (946 م) أول الأمر بعض القنوات في بادوريّا، وأدى هذا إلى تحسين أحوال المعيشة (مسكويه، جـ 2، ص 165). وأعقبت هذا فترة من الإهمال، وأصبح كثير من القنوات التي كانت تروى غرب بغداد خرابًا. وقام عضد الدولة (367 - 372 هـ = 977 - 982 م) بتطهيرها، وأعاد بناء القناطر والأهوسة (مسكويه، جـ 2، ص 406؛ جـ 3، ص 69؛ ابن الأثير، جـ 8، ص 518)، ولا نسمع بعد ذلك شيئًا عن مثل هذه الجهود. وكانت أعمال البناء محدودة. وفي عام 350 هـ (961 م) شيد معز الدولة قصرًا كبيرًا عند باب الشماسية وجعل أمامه ميدانًا فسيحًا وبه رصيف ميناء وبساتين جميلة. واستولى على الأبواب الحديدية السبعة للمدينة المدورة من أجل هذا القصر، وأنفق حوالي مليون دينار ((11 مليون درهم). ومهما يكن من شيء فإن هذا القصر هدم عام 418 هـ (1027 م؛ التنوخى: نشوار المحاضرة، جـ 1، ص 70 - 71؛ ابن الأثير، جـ 8، ص 397 - 398؛ جـ 9، ص 256). وأعاد عضد الدولة بناء بيت سَبُكْتَكين، حاجب معز الدولة في المخرم العليا، وأضاف إليه بساتين واسعة، وجلب إليه الماء بشق قنوات من نهر الخالص، وأنفق على ذلك أموالا طائلة، وأصبح دار الإمارة أو المقر الرسمى لبنى بويه (الخطيب البغدادي، ص 58 - 59؛ ابن الجوزي، المنتظم، جـ 7، ص 77 - 78؛ مسكويه، جـ 3، ص 124). ووجد عضد الدولة أن بغداد قد أصبحت شائهة المنظر، فأمر بتجديد بيوتها وأسواقها وأنفق الكثير من الأموال لأعادة بناء مساجدها الجامعة، ورمم الأرصفة على ضفاف نهر دجلة وأمر الأثرياء بترميم بيوتهم على نهر دجلة، وغرس البساتين في الخرائب التي لا مالك لها. ووجد أن القنطرة

الوسطى ضيقة واهنة فجددها ووسعها (ابن الأثير، جـ 8، ص 558؛ ابن الجوزي: المنتظم، جـ 7، ص 114؛ مسكويه، جـ 2، ص 404 - 406). وشيد عام 372 هـ (982 م) البيمارستان العضدى، وعين له الأطباء والمشرفين وأمناء المخازن، وزوده بكميات كبيرة من الأدوية والأشربة والآلات والأثاث. وحبست عليه الأوقاف للإنفاق منها على صيانته (ابن الجوزي: المنتظم، جـ 7، ص 112 - 114). ومع ذلك فإن بغداد تدهورت في عهد بنى بويه (التنوخى: نشوار المحاضرة، جـ 1، ص 66، وفيه يقول إن بغداد انكمشت عام 345 هـ الموافق 956 م إلى عشر ما كان عليه حجمها في عهد المقتدر). وأهملت مدينة المنصور ولم يعد فيها حياة وقتذاك (المقدسي، ص 120). وكان معظم الأحياء في غربي بغداد على هيئة زرية، كما كانت قد تقلصت، . وكانت الكرخ أعظم الأحياء ازدهارًا في غربي بغداد، وفيها كان التجار يتخذون حوانيت للتجارة. ولهذا فإن الجانب الغربي عرف آنئذ باسم الكرخ (ابن حوقل، جـ 1، ص 241 - 242؛ المقدسي، ص 120). وأما الجانب الشرقي من المدينة فكان أكثر ازدهارًا، وكان الكبراء يقيمون فيه عادة (انظر ابن حوقل، ص 240). وكانت المناطق المزدهرة في هذا الجانب هي باب الطاق حيث السوق الكبرى ودار الإمارة في المُخرَم وقصور الخليفة في الطرف الجنوبي (انظر المقدسي، ص 120؛ ابن حوقل، جـ 1، ص 240 - 141؛ الإصطخر ى، ص 84). ووصلت بعض الدور الصغيرة الشأن إلى كلواذَى. ورأى ابن حوقل أربعة مساجد جامعة هي: مسجد المنصور، ومسجد الرصافة، ومسجد براثا، ومسجد دار السلطان (ص 241). ثم أصبح مسجد القطيعة ومسجد الحربية عام 379 هـ (989 م) وعام 383 هـ (993 م) مسجدين جامعين (ابن الجوزي: المنتظم، جـ 7، ص 671؛ الخطيب البغدادي، ص 53 - 54؛ ابن الجوزي: المناقب، ص 21 - 22؛ ابن الأثير، جـ 9، ص 48).

وشاهد ابن حوقل قنطرتين، إحداهما في حالة سيئة (جـ 1، ص 241). ويبدو أنه كانت هناك ثلاث قناطر في عهد معز الدولة، إحداهما عند باب الشماسية (قرب قصره) والثانية عند باب الطاق والثالثة عند سوق الثلاثاء، ونقلت الأولى إلى باب الطاق، وأصبح هناك قنطرتان، ثم ساءت حال إحداهما (انظر ابن الجوزي: المناقب ص 20). وعانت بغداد كثيرًا من شغب العامة، ومن الخلافات الطائفية التي شجعها بنو بويه، ومن العيارين. وتتحدث مصادرنا كثيرًا عن جهل العامة واستعدادهم لتلبية أي دعوة، وفطرتهم الخيّرة وعدم احترامهم للقانون (انظر المسعودى، جـ 5، ص 81، 82 - 83، 85 - 87؛ الغزالى: فضائح، ص 53؛ ابن الجوزي. المناقب، ص 31 - 32؛ البغدادي: الفرق، ص 141). وفي عام 279 هـ (892 م) حظر المعتضد على القصّاص والعرّافين أن يجلسوا في الطرقات أو في المساجد ومنع الناس من أن يتجمعوا حولهم أو أن يدخلوا معهم في جدل (ابن الجوزي: المنتظم، جـ 5، ص 122، 171). وكان الحنابلة مصدر القلاقل قبل عهد بنى بويه، فقد حاولوا في بعض الأوقات أن يهذبوا الأخلاق بالقوة (انظر ابن الأثير، جـ 8، ص 922 - 230 - 84 - 85، 157 - 158؛ الصولى: الراضى، ص 198). وازدادت في هذه الفترة الاضطرابات الطائفية، وتسببت في كثير من الخسارة في الأموال والأرواح. وأعلن بنو بويه أن العاشر من المحرم يعد يوم حداد عام وأمروا بإغلاق الأسواق، وشجعوا العامة على السير في مواكب مع النساء وهم يلطمون وجوههم (انظر ابن الجوزي، جـ 7، ص 15). ومن جهة أخرى جُعل الغدير في اليوم الثامن عشر من ذي الحجة عيدًا تقام فيه الاحتفالات. وأدى هذا إلى أن يختار أهل السنة يومين مختلفين، يقع كل منهما بعد ثمانية أيام من اليومين المذكورين، (انظر ابن الأثير، جـ 9، ص 110). وأصبح من الحوادث المألوفة في هذا العصر، نشوب معارك بين الشيعة وأهل السنة، ابتداء من عام 338 هـ (949 م) حين تعرضت الكرخ للسلب والنهب (ابن الجوزي: المنتظم، جـ 6، ص 363).

وفي عام 348 هـ (959 م) نشبت معارك بين الفريقين أدت إلى التخريب وإشعال النار في باب الطاق (المصدر المذكور، ص 390). وفي عام 361 هـ (971 م) أدت القلاقل في الكرخ إلى إحراقها وهلاك 17.000 من أهلها وتخريب 300 حانوت، وكثير من المنازل بفعل النيران (ابن الأثير، جـ 8، ص 207؛ انظر ابن الجوزي: المنتظم، جـ 7، ص 60) وأحرقت النار عام 363 هـ ـ (973 م) جانبًا كبيرًا من الكرخ (مسكويه، جـ 2، ص 327). ونشبت الفتن في كثير من الأحياء وشبت فيها النار مرارًا عام 381 هـ (991 م؛ ابن الأثير، جـ 9، ص 31). وفي عام 1016 م احترق حيًّا نهر طابق وباب القطن وجانب كبير من حي باب البصرة (ابن الأثير، جـ 9، ص 102؛ انظر أيضًا جـ 8، ص 184, جـ 9، ص 25 - 26، 32، 58). ودمرت أسواق كثيرة عام 422 هـ (1030 م) إبان الفتن (ابن الجوزي: المنتظم، جـ 8، ص 55). وألحق العيارون- الذين نشطوا للعمل بصفة خاصة طوال الربع الأخير من القرن الرابع الهجرى (العاشر الميلادي) حتى نهاية هذا العهد- بالمدينة دمارًا أكبر وأشاعوا فيها البلبلة والاضطراب (فيما يختص بفعالهم أثناء الحصارين اللذين ضربا حول بغداد، انظر الطبري جـ 3، ص 877، 1008 - 1010، 1552، 1556 - 1557؛ المسعودى، جـ 6، ص 450 وما بعدها). ويسئ المؤرخون فهم طبيعة فعالهم ويظهرونهم بمظهر اللصوص والسرّاق، بيد أن فتنتهم إنما كانت وليدة الأحوال المعاشية القاسية التي كانوا يعانون منها إلى جانب الفوضى السياسية، وكانت ثورتهم موجهة ضد الأغنياء والحكام، وهذا يفسر لنا لمَ كان نشاطهم موجهًا أولًا ضدَ الأغنياء والأسواق والشرطة والأعيان (انظر التنوخى: الفرج بعد الشدة، جـ 2، ص 106، 107 - 108؛ ابن الجوزي: المنتظم، جـ 7، ص 174، 220؛ ابن الأثير، جـ 9، ص 115). ولقد تمسكوا بمباديء أخلاقية لم يحيدوا عنها مثل الشرف وإغاثة الفقراء والنساء والتعاون والصبر والجلد. وارتبط نظام الفتوة من بعد بحركتهم إلى حد ما (انظر ابن الجوزي: تلبيس إبليس، ص

392؛ القُشيرى: الرسالة، ص 113 - 114؛ ابن الجوزي: المنتظم، جـ 8، ص 77، التنوخى: الفرج بعد الشدة، جـ 2، ص 180). وكان لهم نظام في القرن الرابع الهجرى (العاشر الميلادي)، ومن الألقاب التي كانت تطلق على زعمائهم، المتقدم والقائد والأمير، وكانوا يقيمون حفلات خاصة عند دخول أحد في زمرتهم (انظر المنتظم، جـ 8، ص 49، 151، 178؛ مسكويه، جـ 2، ص 306؛ القشيرى: المصدر المذكور، ص 113؛ التنوخى: الفرج، جـ 2، ص 109). وعلى كل حال فقد انقسموا إلى شيعة وسنية (ابن الجوزي: المنتظم، جـ 8، ص 78 - 79). وحرص العيارون على أن يبقى الناس في فزع مستمر على حياتهم وأموالهم. وفرضوا مكوسًا على التجار في الأسواق وعلى المارة في الطرقات وسلبوا عابرى السبيل ودأبوا على اقتحام البيوت بالليل ونشروا يد التخريب بحد السيف والنار، وأحرقوا كثيرًا من الأحياء والأسواق وبخاصة باب الطاق وسوق يحيى (في شرقي بغداد) والكرخ، لأنها كانت وقفًا على الأثرياء. واضطر الناس إلى اغلاق بوابات حاراتهم، ولزم التجار جانب الحذر بالليل. وأدى الإخلال بالنظام والسلب والنهب إلى ارتفاع الأسعار (ابن الجوزي: المنتظم، جـ 7، ص 151، 220؛ جـ 8، ص 21 - 22، 44، 47 - 50، 54 - 55، 60، 72 - 75، 79، 87، 142، 161). ودعا واعظ ربه عام 421 هـ (1030 م) فقال: رباه! خلّص البلاد من الدهماء والرعاع. (ابن الجوزي: المنتظم جـ 8، ص 44). وكان البُرْخمى، وهو مقدم عيارين قبيح الصيت، يحكم بغداد في الواقع أربعة أعوام من سنة 422 - 225 هـ (1030 - 1033 م). وأعمل فيها يد السلب والنهب (المصدر السابق، ص 75 - 76). وكانت الحكومة حيالهم لا حول لها ولا طول (انظر ص 49)، وتركوا وشأنهم، يفرضون الإتاوات والمكوس اتقاء شرهم (المصدر المذكور، ص 78) وهجر خلق كثير أحياءهم ورحلوا عنها طلبًا للنجاة (المصدر المذكور، ص 142). وظل العيارون ينشرون الرعب

والفزع حتى قيام السلاجقة (المصدر المذكور، ص 161). وفي عام 447 هـ (1055 م) دخل طُغْرِل بك بغداد. وانتهج السلاجقة السيَاسة تخالف على طول الخط السياسة التي سار عليها بنو بويه، وشجعوا أهل السنة (انظر كتاب أبي المحاسن، جـ 5، ص 59). واستولى البساسيرى، أحد العصاة، على بغداد عام 450 هـ (1058 م). باسم الفاطميين (انظر كتاب أبي الفداء، جـ 2، ص 186؛ ابن القلانسى، ص 87)، وهزمته قوات السلاجقة ولقى حتفه على يديها عام 451 هـ (1059 م؛ أبو الفداء، جـ 2، ص 187 - 188). واتخذت بغداد في هذا العهد، صورة لم تتغير بعد ذلك إلا قليلا. ووسع طُغْرل بك عام 448 هـ (1056 م) رقعَة دار الإمارة، وهدم الكثير من المنازل والحوانيت، وأعاد بناء الدار وأحاطها بسور (ابن الجوزي، جـ 8، ص 169). وأحرقت عام 450 هـ (1058 م) عن آخرها وأعيد بناؤها (ابن الجوزي: المنتظم، جـ 7، ص 778) واصبحت تعرف باسم دار المملكة. وأعيد بناؤها عام 509 هـ (1115 م) بيد أنها احترقت قضاء وقدرًا عام 515 هـ (1121 م) وشيدت بدلا منها دار جديدة (ابن الجوزي: المناقب، ص 16: المنتظم، جـ 9، ص 223). ووسع ملكشاه مسجد المخرم القريب من القصر وأعاد بناءه عام 484 هـ 1091 م) وأطلق عليه منذ ذاك اسم جامع السلطان؛ ورمم عام 502 هـ (1108 م؛ ابن الجوزي: المنتظم، جـ 9، ص 159). وتم بناؤه آخر الأمر عام 524 هـ (1129 م؛ أبوالفداء، جـ 2، ص 211، ابن الجوزي المناقب، ص 23؛ أبو المحاسن، جـ 5، ص 135). وتركزت الحياة في شرقي بغداد حول قصور الخليفة. وشجع المقتدى (467 - 487 هـ = 1074 - 1094 م) البناء؛ وازدهرت الأحياء الواقعة حول القصور- مثل البَصليَّة والقطيعة والحلبة والأجمة إلخ. كما شيد أيضًا دار الشاطئية بجوار قصر التاج القديم (ابن الجوزي: المنتظم، جـ 8، ص 293؛ ابن الأثير، جـ 10، ص 156؛ انظر le Strange، ص 253؛ ابن الفوطى، ص

21). وهدم قصر التاج عام 524 هـ (1129 م) وأعيد بناؤه (ابن الجوزي: المنتظم، جـ 10، ص 14). وكانت هذه الأحياء غير مسورة وتعرضت كثيرًا للفيضان عام 1070 م. وبنى المستظهر عام 488 هـ (1095 م) سورًا حول ما يسمى بحى الحريم. ثم أعاد المسترشد عام 517 هـ (1123 م) بناءه، وأقام به أربعة أبواب وجعل عرضه 22 ذراعًا. وأحاط الفيضان بالسور عام 554 هـ (1159 م) وأحدث فيه صدعًا ودمر كثيرًا من الأحياء. ورئب الصدع وشرع في حفر سد، أكمل فيما بعد حول السور (انظر ابن الجوزي: المناقب، ص 34؛ الكاتب نفسه: المنتظم، جـ 10، ص 189، 190). وحد ثت محاولات أخرى لإعادة بناء السور أو ترميمه في عهدى الناصر والمستنصر (ابن الفوطى، ص 16, 111). وحدد هذا السور تخوم شرقي بغداد حتى نهاية العصر العثمانى. وكانت بغداد في حالة ضعف وانحلال أثناء هذا العصر، وعاشت على مجدها الماضي. وطرأت تغيرات كثيرة على تخطيطها اعتبارً من النصف الثاني للقرن الخامس الهجرى (الحادي عشر الميلادي) فقد تخربت أحياء كثيرة في غربي بغداد، وأصبحت البساتين والبيوت السابقة خرابًا بلقعا (انظر الخطيب البغدادي، ص 67؛ التنوخى: نشوار المحاضرة، جـ 1 ص 74 - 75). ولعل هذا يفسر لنا الزيادة في عدد المساجد الجامعة. وأهملت الأحياء القديمة: الشماسية والرصافة والمخرم (انظر ابن حوقل، ص 241). ويتحدث بنيامين التطيلى Benjamin of Tudela، الذي زار بغداد حوالي عام 567 هـ (1171 م) عن عظمة قصر الخليفة، بسوره وبساتينه وحير وحوشه وبركته. ويمتدح البيمارستان العضدى وأطباءه الستين ومصحته الخاصة بالمجانين. ووجد 40.000 يهودى في بغداد، لهم عشر مدارس (رحلة بنيامين Itinerary, طبعة وترجمة Asher .A، نيويورك، سنة 1840 - 1842 جـ 1، المتن ص 54 - 64؛ الترجمة ص 93 - 105؛ الترجمة العربية بقلم أ. حداد. E.H. Haddad، بغداد سنة 1945، ص 131 - 138). ووصف ابن جبير بغداد عام 581 هـ

(1185 م)، ولاحظ ما هي عليه من انحلال شامل وانتقد صلف أهلها (ص 218). وكان جزء كبير من الجانب الشرقي قد أضحى خرابا، ومع ذلك فقد كان فيه سبعة عشر حيا منفصلًا، كلها تضم حمامين أو ثلاثة أو ثمانية (ص 225). وكان مقر الخليفة بما فيه من قصور فخمة وبساتين رائعة يشغل نحو ربع المساحة تقريبًا أو أكثر (ص 226 - 227). وكان هذا الجانب آهلا بالسكان وفيه أسواق عامرة (ص 228). وكان القُرَيَّة أكبر الأحياء (من المحتمل جدًّا أنه كان بين قنطرة الأحراس الحديثة ورأس القرية) وعلى مقربة منه ربض المربعة (ولعله كان بالقرب من سيدى سلطان على الآن). وكان به ثلاثة مساجد جامعة هي جامع السلطان شمالي السور، ومسجد الرصافة على مسيرة ميل شمالي الأخير (ص 228 - 229) وجامع الخليفة. وكان به أيضًا حوالي ثلاثين مدرسة كلها تشغل مبانى رائعة، وحبست عليها أوقاف كثيرة وقدمت لها هبات للإنفاق منها على صيانتها ولمواجهة نفقات الطلاب. واشهرها مدرسة النظامية التي أعيد بناؤها عام 1110 م (ص 229). ويصف بنيامين السور الذي بناه المسترشد، والذي كان يحيط بالشرقية، بأن له أربعة أبواب: 1 - باب السلطان جهة الشمال (سمى فيما بعد باب المعظم). 2 - باب الظفرية (في الشمال الشرقي وسمى فيما بعد الباب الوسطانى. 3 - باب الحلبة (في الشرق) وأصبح اسمه فيما بعد باب الطلسم. 4 - باب البصيلة (في الجنوب) وعرف فيما بعد باسم الباب الشرقي. وأحاط السور بالشرقية على هيئة نصف دائرة يصل إلى نهر دجلة من الطرفين (ص 229). ويتحدث عن حي ابى حنيفة الآهل بالسكان، بينما كانت الأحياء القديمة: الرصافة والشماسية والمعظم والمخرم خرابا بلقعا (انظر ص 226؛ ابن حوقل، ص 241). وانتشر الخراب في غربي بغداد بكل مكان. ويتحدث بنيامين هنا عن حي الكرخ على اعتبار أنه مدينة مسورة وعن حي باب البصرة الذي كان يضم مسجد المنصور

الجامع وما بقى من المدينة القديمة (ص 225). وكان بجانب نهر دجلة حي الشارع الذي كان يؤلف هو والكرخ وباب البصرة والقرية أكبر أحياء بغداد (ص 225). وبين حي الشارع وحى باب البصرة، حي سوق المارستان، وهو أشبه بمدينة صغيرة، وفيه البيمارستان العضدى المشهور، المزود بما يكفى من الأطباء والموظفين والمؤن (ص 225 - 226). ونوه بين الأحياء الأخرى بحى الحربية، بأعتباره في أقصى الشمال، وحى العتابية، المشهور بقماش العتابى، وهو نسيج من القطن والحرير (ص 226). ويتحدث ابن جبير (ص 229) عن 2000 حمام وأحد عشر مسجدًا جامعًا في بغداد. وكانت هناك قنطرة واحدة قرب قناة عيسى، في عهد المسترشد (512 - 529 هـ = 1118 - 1134 م) ونقلت فيما بعد إلى باب القرية، وأقيمت قنطرة جديدة في باب القرية أيام المستضئ (566 - 575 هـ = 1170 - 1179 م)، وأعيدت القنطرة القديمة إلى موضعها قرب قناة عيسى. ولم يشهد ابن جبير إلا القنطرة الأولى، ولكنه يؤكد أنه كانت هناك عادة قنطرتان ويؤكد هذه الحقيقة ابن الجوزي، الذي كتب مصنفه قبل سقوط بغداد مباشرة (ابن الجوزي: المناقب، ص 20، ابن جبير، ص 225). ويسوق ياقوت) (623 هـ = 1226 م) بعد ذلك بنصف قرن، بعض المعلومات المفيدة. فهو يصور غربي بغداد على أنه مجموعة من الأحياء المنعزلة، لكل منها سور وتفصله عن غيره أرض خراب بلقع. والأحياء المعروفة هي الحربية والحريم، والطاهرى في الشمال، وجهارسوج مع الناصرية والعتابين ودار القز في الجنوب الغربي، والمحول جهة الغرب، وقصر عيسى جهة الشرق، والقرية والكرخ في الجنوب. أما في شرقي بغداد فقد تركزت الحياة في الأحياء الواقعة حول "حريم دار الخليفة" الذي كان يشغل حوالي ثلث المساحة المحصورة بين الأسوار. وكان بين الأحياء الكبيرة المزدهرة حي باب الأزج باسواقه، والمأمونية التي تليه، وسوق الثلاثاء، ونهر المعلى والقُرية (ياقوت، جـ 1، ص 232، 441، 444، 534، 655؛ جـ 1، ص 88،

167، 234، 459، 512، 783؛ 917؛ جـ 3، ص 193 - 194، 197، 231، 279، 291، 489؛ جـ 4، ص 117، 252، 255، 285، 432، 457، 713، 714، 786، 481، 485). وازدادت المساجد الجامعة في الغربية (غربي بغداد) في هذا العصر، مما يدل على أن الأحياء كانت أشبه بالأحياء المستقلة. ويتحدث ابن الجوزي عن ستة منها عامي 530 هـ (1135 م) و 572 هـ (1176 م) علاوة على جامع المنصور (ابن الجوزي: المناقب، ص 23؛ وانظر أيضًا ابن الفوطى). ورمم المستنصر مساجد الكرخ (ابن الفوطى، ص 15). وجدد جامع القصر عام 475 هـ (1082 م)، وجدده المستنصر مرة أخرى عام 673 هـ (1235 م؛ ابن الجوزي: المنتظم. جـ 9، ص 3؛ Le Strange، ص 269). وشيد جامع القمرية (لا يزال قائمًا) عام 626 هـ (1228 م؛ ابن الفوطى، ص 4). ويتضح سلطان الصوفية من العدد الكبير من الرباطات التي شيدت في القرن الأخير من عهد الخلافة. وقد بناها الخلفاء أو أقاربهم (انظر ابن الفوطى، ص 2، 74، 75، 79، 80، 87، 117 و 261؛ ابن الجوزي: المنتظم، جـ 9، ص 11؛ ابن الأثير، جـ 11، ص 77، 123، جـ 12، ص 27 و 67 - 68). وحظى تأسيس المدارس (الكليات) بالكثير من العناية. ويمكن تفسير هذه الحركة باديء ذي بدء بالنهضة الدينية التي قامت بين الشافعية وبالحاجات السياسية والإدارية، بيد أنها استمرت حركة ثقافية. وشيد ابن جبير ثلاثين مدرسة في شرقي بغداد (ابن جبير، ص 229؛ انظر أيضًا م. جواد، في مجلة كلية المعلمين العليا، بغداد، المجلد الخامس ص 110 وما بعدها، والمجلد السادس ص 86 وما بعدها). وأنشئت مدارس أخرى بعد زيارة ابن جبير (انظر ابن الفوطى، ص 24 - 25، 53، 128، 308؛ ابن الأثير، جـ 11، ص 211). وأشهرها مدرسة النظامية التي أنشئت عام 459 هـ (1066 م) ومدرسة أبي حنيفة التي أنشئت في العام نفسه (ابن الجوزي: المنتظم،

جـ 8، ولا تزال موجودة باسم كلية الشريعة)، والمستنصرية التي أنشأها المستنصر عام 631 هـ (1233 م) وظلت قائمة حتى القرن السابع عشر. وتخصصت كل هذه المدارس في مذهب من المذاهب الأربعة ما عدا مدرستى المستنصرية والبشيرية (أنشئت عام 653 هـ = 1255 م) فقد كانتا تعنيان بتدريس فقه المذاهب الأربعة (انظر ابن الفوطى، ص 308، ابن الجوزي: المنتظم، جـ 8، ص 245 - 246، 246 - 247؛ ابن الأثير، جـ 10، ص 38؛ ابن الفوطى، ص 53 - 54، 58 - 59؛ انظر عواد في Sumer، جـ 1، سنة 1945). وكان هناك مكتب للأيتام، أنشأه شمس الملوك (ابن نظام الملك؛ الإصفهانى: السلاجقة، ص 124 - 125). وشيدت دور ضيافة عام 606 هـ (1209 م) في جميع أحياء بغداد لتقديم الطعام للفقراء في رمضان (ابن الأثير، جـ 12، ص 286؛ إشارات أخرى في المصدر نفسه، ص 184؛ ابن الفوطى، ص 94). وعانت بغداد أثناء هذه الفترة من الحريق والفيضان والفتنة. ففي عام 449 هـ (1057 م) أحرق حيا الكرخ وباب المحول ومعظم أسواق الكرخ عن آخرها. وفي عام 451 هـ (1059 م) أحرق حي الكرخ وبغداد القديمة (ابن الجوزي: المنتظم، جـ 8، ص 81؛ ابن الأثير، جـ 10، ص 5). وأحرقت الأحياء والأسواق القريبة من قناة المُعلَّى ودار الخلافة أكثر من مرة (ابن الأثير، جـ 10، ص 35، 67، 318؛ ابن الجوزي: المنتظم، جـ 8، ص 241؛ جـ 9، ص 61، 148، 184؛ جـ 10، ص 35). وانتشر الحريق عام 551 هـ (1156 م) من أحياء مجاورة إلى دار الخلافة والأسواق المجاورة له (ابن الأثير، جـ 11، ص 143) , وشبت حرائق أخرى في تلك الأحياء عام 560 هـ (1164 م) وعام 569 هـ (1173 م) وعام 583 هـ (1187 م؛ ابن الأثير، جـ 11، ص 270، 372؛ المنتظم، جـ 10 ص 212). وكان نشاط العيّارين كبيرًا إلى حد ما أيام السلاجقة. فقد أخذوا ينهبون الحوانيت والبيوت ويعبثون بالأمن (بالنسبة للفترة بين عامي 449 هـ =

1057 م و 537 هـ = 1142 م، انظر ابن الجوزي: المنتظم، جـ 8، ص 139. 234: ابن الأثير، جـ 10، ص 204 و 383؛ جـ 11، ص 29، 36، 59، 63). ولم تنقطع فتن العامة ومعاركهم الطائفية (الحنابلة ضد الشافعية، وأهل السنة ضد الشيعة) وكانت سببًا في إزهاق الكثير من الأرواح وخراب الممتلكات. ويتحدث ابن الأثير عن صلح مؤقت عام 502 هـ (1108 م) ويضيف قائلًا: "الشر منهم أي العامة) على طول الزمان". (جـ 10، ص 329 انظر أيضًا جـ 10، ص 80، 259، 104، 108، 109، 112، 117، 118). ولم تدم هذه الهدنة طويلًا، واستمرت المنازعات والمعارك وأصبحت مروعة في عهد المستعصم (ابن الأثير، جـ 10، ص 360، جـ 11، ص 271، 344، جـ 12 ص 133، 216). وفي عام 640 هـ (1242 م) نشبت معارك بين حي المأمونية وحى باب الأزج الذي يضم سوق النظامية، وبين حي المحتارة وحى سوق السلطان، وبين حي قَطُفْتا وحى القُرَيَّة (في غربي بغداد)؛ وقتل كثيرون ونهبت حوانيت (ابن الفوطى، ص 175 - 177؛ انظر ابن أبي الحديد، جـ 2، ص 554). وما إن حل عام 653 هـ (1255 م) حتى كانت الأمور قد ساءت إلى حد كبير ونشبت معارك بين حي الرصافة (وسكانه من أهل السنة) وحى الخضيريين (وسكانه من الشيعة) وسرعان ما أيد أهالى حي باب البصرة حي الرصافة بينما أيد حي الكرخ الآخرين (ابن الفوطى، ص 298 - 299) وتدل هذه المعارك على نزعة التنافس بين الأحياء التي ازدادت بسبب ضعف هيمنة الحكومة. ولما تجددت المعارك بين حي الكرخ وباب البصرة قام الجند الذين أرشلوا لقمعها بنهب الكرخ فازداد الموقف سوءًا (المصدر المذكو ر، ص 267 - 277). وبلغت المعارك ذروتها عام 654 هـ (1256 م) عندما قتل أهالى الكرخ بعض خصومهم، وانضم الجند، الذين أرسلوا لحفظ النظام، إلى جماهير العامة ونهبوا الكرخ وأحرقوا بها عدة حوانيت وقللوا خلقا كثيرًا وسبوا النساء. وأعقب هذا الأخذُ بالثأر، ولكن أحدًا لم ينس المأساة (المصدر نفسه، ص 314 - 315). ونشط العيّارون

نشاطًا كبيرًا في هذا العهد فنهبوا الحوانيت وسطوا على البيوت بالليل، بل إن مدرسة المستنصرية سرقت مرتين (ابن الفوطى، ص 378، 254، 260، 262). وكانت الحكومة أضعف من أن تستطيع حفظ النظام. وتكرر حدوث الفيضان مما يدل على ضعف الحكومة وإهمال الري. وفي عام 641 هـ (1243 م) وصلت مياه الفيضان إلى النظامية والأراضى المجاورة لها وخربت بعض الأحياء. وأحدق الفيضان بشرقى بغداد عام 646 هـ (1248 م) وهدمت مياهه جزءًا من السور ونفذت إلى أجنحة الحريم. وغمرت مياه الفيضان أيضًا الرصافة وسقط الكثير من بيوتها. وأغرق غربي بغداد وسقطت معظم المنازل اللهم إلا في جانب من باب البصرة والكرخ. وانهارت البيوت الواقعة على النهر ودخلت مياه الفيضان إلى بغداد عام 651 هـ (1253 م) ثم دخلت مرة أخرى عام 653 هـ (1255 م) وهنالك انهار عدد كبير من المنازل وأتلف الزرع. وحدث أسوء فيضان عام 654 هـ (1256 م) عندما أحدقت مياه الفيضان بكلا الجانبين ووصلت إلى داخل الأسواق في شرقي بغداد ودار الخلافة والنظامية (ابن الفوطى ص 186 - 187، 267، 229، 233، 277، 304، 317، 319). وهكذا تحالفت الطبيعة والإنسان على اضمحلال بغداد. وغزا المغول بغداد بعد عامين. واستسلم الخليفة المستعصم يوم 4 صفر عام 656 هـ (10 فبراير عام 1258 م) بلا قيد ولا شرط. وظل السيف يعمل في رقاب أهلها بلا تمييز ما يربو على أسبوع. وشاركتهم في هذا المصير المحزن أعداد كبيرة من أهالى الريف الذين تقاطروا إلى بغداد قبل الحصار. ويتراوح عدد من قتلوا بين 800.000 ومليونى نسمة، وأخذ عدد القتلى يرتفع بمضى الزمن (الفخرى، ص 130؛ ابن الفوطى، ص 281؛ الذهبي: دول الإسلام، جـ 2، ص 121؛ ابن كثير: البداية والنهاية، جـ 13، ص 202). ويقول الرحالة الصينى تشأنغ ته سنة (1259 م) إن

عشرات الألوف من الناس قتلوا، ومن الواضح أنه استقى معلوماته من مصادر مغولية (Medie-: Bretschneidez val Researches، جـ 1، ص 138 - 139). ومن ثم يصعب تحديد أي رقم، ولكن الراجح أن عدد القتلى يتجاوز مائة ألف. وتخربت أحياء كثيرة بسبب الحصار أو السلب والنهب أو الحريق، ولم حرق مسجد الخلفاء وضريح الكاظميين (ابن الفوطى، ص 327 - 330؛ ابن العبرى، ص 27). ومهما يكن من شيء فإن بغداد نجت من الدمار التام، ولعل الفتوى التي أكره العلماء على إصدارها بان كافرا عادلا خير من إمام ظالم قد ساعدت على النجاة من هذا الدمار التام. وقد أمر هولاكو قبل أن يغادر بغداد بإصلاح بعض المبانى العامة. فأعاد ناظر الوقف بناء جامع الخلفاء وعنى بإعادة فتح المدارس والرباطات (ابن العبرى ص 475؛ ابن الفوطى، ص 337). وعانت الثقافة كثيرًا ولكنها لم تقتلع من جذورها. وأصبحت بغداد حاضرة ولاية من جميع الوجوه. وظلت بغداد حتى عام 740 هـ (1339 - 1340 م) خاضعة لحكم الأيلخانية، يدير أمورها وال ومعه شحنة وحامية عسكرية (انظر ابن الفوطى، ص 331). وأحصى المغول سكان بغداد بالعشرات والمئات والآلاف لفرض الضرائب عليهم. وفرض على الجميع أداء ضريبة رءوس ما عدا المسنين والأطفال، وظلت هذه الضريبة تجبى نحو عامين (ابن الفوطى، ص 339؛ انظر الجويني [ترجمة بويل Boyle]، جـ 1، ص 34). وبدأت بغداد تنتعش شيئًا فشيئًا بعد أن عهد بإدارتها في الغالب للفرس؛ ويرجع الكثير من هذا الانتعاش إلى السياسة التي اتبعها عطاء ملك الجويني، وقد ظل واليا عليها فترة تقرب من 23 عامًا (657 هـ = 1258 م -681 هـ = 1282 م). وفي عهده أعيد بناء مئذنة جامع الخلفاء وسوق النظامية، ورممت مدرسة المستنصرية وأضيف إلى ذلك نظام مائى جديد (ابن الفوطى، ص 371). ورمم مسجد الشيخ معروف والقمرية (المصدر

المذ كور، ص 408؛ العزّاوى: تأريخ العراق، جـ 1، ص 267، 296). واستأنفت العمل بعض المدارس القديمة، وبخاصة مدارس النظامية والمستنصرية والبشيرية والتَتَشيَّة ومدرسة الأصحاب (انظر ابن بطوطَة، طبعة القاهرة سنة 1918، جـ 1، ص 140 - 141؛ ابن الفوطى، ص 182، 385، 396؛ العزّاوى: تأريخ، جـ 1، ص 318) وأنشات زوجة الجويني مدرسة العصمتية لتعليم الفقه على المذاهب الأربعة ورباطا بالقرب منها (ابن الفوطى، ص 377). وبعث الإيلخان تكُودار برسالة إلى بغداد يطلب فيها إعادة الهبات إلى المدارس والمساجد كما كانت الحال في عهد العباسيين، ولعلها رغبة منه أملتها التقوى (الكَرْملى: الفوز، ص 12). وأدت السياسة التي انتهجها الإيلخانية إلى شبوب فتن في وجه غير المسلمين، فقد أسبغوا حمايتهم على المسيحيين وأعفوهم من الجزية، وأعادوابناء الكنائس وفتحوا لهم المدارس. وأدى هذا إلى نشوب فتنة في وجههم عام 665 هـ (1263 م). وارتفع اليهود إلى مكان الصدارة في عهد أرغون (683 - 690 هـ = 1284 - 1291 م) بفضل سعد الدولة اليهودى القائم على بيت المال، وهو الذي عين أخاه واليًا على بغداد. وفي عام 690 هـ (1291 م) قُتل سعد الدولة وانقض العامة في بغداد على اليهود. وعانى غير المسلمين في عهد غازان من الالتزام بارتداء زى معين لتمييزهم ومن إعادة فرض ضريبة الرءوس عليهم وسلوك الغوغاء، فاعتنق كثير منهم الإسلام (انظر عمرو ابن متى: كتاب المَجْدَل، ص 120 - 122، 125؛ ابن الفوطى، ص 354، 465 - 466، 483؛ وصاف، جـ 2، ص 238، الكرملى: المصدر المذكور، ص 14 - 15؛ 21؛ العزاوى، جـ 1، ص 349، 513). وأثار ألجايتو القلاقل عندما تذبذب بين مذهبى الشيعة والسنة. وحاول الإيلخانية أن يفرضوا "الجاو" (أوراق النقد) ولكنها كانت مكروهة جدًّا في بغداد فألغاها غازان آخر الأمر عام 697 هـ (1297 م؛ ابن الفوطى، ص 477 و 492). ولدينا روايات ثلاثة من الجغرافيين عن هذه الفترة وهم: ابن عبد الحق (حوالي

700 هـ = 1300 م) وابن بطوطة (727 هـ = 1327 م) والمستوفى (740 هـ = 1339 م). ويقول صاحب كتاب المراصد إنه لم يبق شيء من غربي بغداد سوى بضعة أحياء منعزلة، أكثرها سكانًا حي الكرخ (ص 201). ويتحدث عن حي القُرَيَّة وحى الرَّمْليَّة الآهل بالسكان وسوق دار الرقيق، وَدار القزّ التي تقف وحدها حيث كان يصنع الورق، وحى باب المُحَوَّل الذي يقف وحده كأنه قرية منعزلة (المراصد، [طبعة القاهرة]، ص 146، 201، 507، 773، 1088). ويشير إلى البيمارستان العَضُدى ويقول إنه لم يبق شيء من أحياء الحريم الطاهرى، ونهر طابق والقطيعة على حين كان حي توثة يبدو كأنه قرية منعزلة (المراصد، ص 280، 837، 397، 1403). ويقول كتاب المراصد عن شرقي بغداد: "حتى جاء التتر إليها فخرب أكثرها وقتلوا أهلها كلهم فلم يبق منهم غير آحاد، كانوا أنموذجًا حسنًا وجاءها أهل البلاد فسكنوها". ص (201). ويقول إن الحلَبَة والقُرَيَّة والقطيعة كانت أحياء مزدحمة بالسكان (المراصد، ص 417، 1088، 1110). ويسير ابن بطوطة على نهج ابن جبير ولا يكاد يختلف عنه. ومع ذلك فإنه يتحدث عن قنطرتين في بغداد ويورد تفاصيل جديدة عن الحمامات الممتازة في المدينة (طبعة القاهرة سنة 1908، جـ 1، ص 140 - 141). ويقول إن المساجد والمدارس كانت كثيرة بيد أنها كانت خرابًا بلقعا (المصدر المذكور، جـ 1، ص 140). وللمعلومات التي أوردها المستوفى دلالتها، فهو يتفق في وصفه لسور شرقي بغداد مع ابن جبير. ويقول إن السور كان به أربعة أبواب ويحيط بالمدينة على هيئة نصف دائرة محيطها 18.000 خطوة. أما غربي بغداد، ويسميه الكرخ، فكان يحيط به سور محيطه 18.000 خطوة. ووجد أن الحياة سهلة ميسورة في بغداد وأن أهلها لطاف المعشر، ولكن لغتهم العربية محرفة. ووجد أن السيادة في بغداد للشافعية والحنابلة على الرغم من أن أتباع المذاهب الأخرى كثيرون. وكانت

المدارس والرباطات عديدة، ولكنه نوه قائلًا إن النظامية كانت أعظمها جميعًا، على حين شغلت مدرسة المستنصرية أجمل مبنى (نزهة القلوب، ص 40 - 42). وقد يُردّ ضريح الست زبيدة إلى هذا العهد، والسيدة التي أطلق اسمها عليه قد تكون زبيدة، حفيدة أكبر أبناء المستعصم (العزاوى، جـ 1، ص 406). وفي عام 740 هـ (1339 م) مكّن حسن بُزرْك لنفسه في بغداد وأسس الدولة الجلائرية التي ظلت في الحكم حتى عام 813 هـ (1410 م). ويرجع مسجد مرجان إلى هذا العهد. ونعلم من نقوشه أن مرجان، وهو من قواد أويس، شرع في بناء المدرسة ومسجدها في عهد حسن بزرك وأتم بناءها في عهد أويس عام 758 هـ (1337 م). وكانت المدرسة وقفًا على الشافعية والحنفية (نص النقوش وارد في كتاب الآلوسى: المساجد، ص 45 وما بعدها؛ Mission: Massignon، جـ 2، ص 1 وما بعدها). ولم يبق الآن من المدرسة -أو المسجد فيما بعد- إلا الباب. ونسمع فيما عدا ذلك عن فيضان أو حصار أو فتن أحدثت ضررًا بليغًا وخسارة فادحة. وقد استولى تيمور على بغداد مرتين، أولاهما عام 795 هـ (1392 - 1393 م) وفيها نجت المدينة ولم يلحقها إلا ضرر قليل، والثانية عام 803 هـ (1401 م) عندما أُعمِلَ السيف في رقاب أهلها بلا تمييز وخرب الكثير من مبانيها العامة (العباسية) وأحيائها. وكانت هذه ضربة قاضية على الثقافة في بغداد. وعاد أحمد الجلائرى إلى بغداد عام 807 هـ (1405) وأصلح الأسوار التي دمرها تيمور وحاول ترميم بعض المبانى والأسواق ولكن حياته كانت قصيرة. وانتقلت بغداد عام 813 هـ (1410 م) إلى أيدى التركمان القره قويونلى الذين احتفظوا بها حتى عام 872 هـ (1467 - 1468 م)، وجاء بعدهم التركمان الآق قويونلى. واستمرت بغداد تنحدر إلى هوة أعمق في عهد التركمان وعانت كثيرًا من فساد الحكم، وهجر المدينة عدد كبير

من سكانها. ولا شك أن تكرار حدوث الفيضان وما ترتب عليه من دمار إنما يرجع إلى ما أصاب نظام الري من خراب .. ويتحدث المقريزى في حوادث عام 841 هـ (1437 م) فيقول: "إن بغداد تخربت، فلم يبق فيها مسجد ولا زاوية ولا سوق. وجفت معظم المياه من قنواتها حتى يصعب القول بانها مدينة (المقريزى: السلوك، جـ 3، ص 100؛ انظر العزاوى، جـ 3، ص 79 وما بعدها؛ الكرملى، ص 61 وما بعدها). يضاف إلى هذا أن العصبية القبلية سادت وأن أحلاف القبائل بدأت تقوم بدورها في إثارة الفتن في حياة البلاد. وفي عام 914 هـ (1507 - 1508 م) انتقلت بغداد إلى حكم الشاه إسماعيل الصفوى، وبدأت فترة تنازع فيها الفرس والعثمانيون على امتلاك بغداد، وجدت صداها في أغنية بغداد "بين العجم والروم ياويلنا ياويلنا". وهدمت أضرحة الكثيرين من أهل السنة وبخاصة ضريحا أبي حنيفة وعبد القادر الجيلانى، وقتل الكثيرون من كبار أهل السنة بناء على أوامر الشاه إسماعيل. ومهما يكن من شيء فإنه قد شرع في بناء ضريح لموسى الكاظم. وأقام واليا منحه لقب خليفة الخلفاء (العزاوى، حـ 3، ص 336 - 343) وأقبل عدد كبير من التجار العجم إلى بغداد وكانوا سببًا في رواج التجارة. وبعد فترة قصيرة من استيلاء الأمير الكردى ذي الفقار على بغداد، واعلان ولائه للسلطان سليمان القانونى، غلب على المدينة مرة أخرى الشاه طهماسب عام 936 هـ (1530 م)، ودخل السلطان سليمان بغداد عام 941 هـ (1534 م)، وبنى قبة لضريح أبي حنيفة ومسجدًا ومدرسة وأعاد بناء المسجد والتكية وضريح الجيلانى وأمر بإقامة خان للفقراء في كل من المسجدين. وأمر أيضًا بتكملة بناء ضريح ومسجد الكاظمين، الذي كان الشاه إسماعيل قد شرع فيه (سليمان- نامه ص 119، أوليا جلبى، جـ 4، ص 426, الآلوسى: المساجد، ص 117؛ العزاوى، جـ 4، ص 28 وما بعدها). وأمر بمسح الأراضي المملوكة وتسجيلها ونظم إدارة الولاية (أوليا جلبى، جـ 4، ص 41). وعهد بها

إلى والٍ (باشا) ودفتر دار (للمالية) وقاض. وأقيمت حامية في بغداد، قوامها الإنكشارية. وشيدت مبان قليلة في الفترة التالية. ففي عام 978 هـ (1570 م) شيد مراد باشا مسجد المرادية في حي الميدان. وأعيد بناء مسجد الجيلانى. وشيد جالزاده خانًا، ومقهى وسوقًا شهيرة. كما شيد جامع الصغا، أو جامع الخفافين، وأعاد بناء تكية المولوية المعروفة الآن باسم مسجد الآصفية (العزاوى، جـ 4، ص 116، 128 - 132؛ انظر الآلوسى: المساجد، ص 30 - 31 و 62 - 64). وشيد حسن باشا المسجد المعروف باسمه، والمسمى أيضًا بجامع الوزير (كلشن خلفا، ص 66؛ أوليا جلبى، جـ 4، ص 419). كما أقام حصنًا وحفر خندقا حول الكرخ لحمايتها من البدو. ويبدأ الرحالة الأوربيون زيارة بغداد في هذا العهد. ويتحدثون عنها بوصفها ملتقى للقوافل ومركزًا كبيرًا للتجارة مع الجزيرة العربية وبلاد فارس وتركية. ورأى سيزار فردريكو Caesar Fredrigo (عام 1563 م) الكثيرين من التجار الأجانب في المدينة. وشهد سير أنتونى شيرلى Sir Anthony Sherley(عام 1590 م) "سلعًا جيدة من جميع الأنواع رخيصة جدًّا" (Purchas. جـ 8، ص 384). وكان فيها قنطرة من القوارب، تربطها سلسلة كبيرة من الحديد، وعندما تعبر بعض القوارب النهر جيئة أو ذهابا، ترفع بعض القوارب التي تتألف منها القنطرة حتى تنتهي حركة المرور بالنهر. (Ralph Fitch في سنة 1583، مجموعة (Hakluyt، جـ 3، ص 282 - 283). ورأى راوولف Rauwolf (عام 1574) شوارع ضيقة وبيوتا زرية البناء. وكان الكثير من المبانى أطلالًا خربة. وكانت بعض العمائر العامة- مثل مقر الباشا والسوق الكبيرة أو سوق المبادلات التجارية - في حالة جيدة. أما حماماتها فكانت حقيرة. وكان الجانب الشرقي منها جيد التحصين بسور وخندق، أما الجانب الغربي فكان مكشوفا أدنى إلى القرية الكبيرة في هظهره) Travels: Rauwolf, في مجموعة راى Ray، لندن سنة 1605، جـ 1، ص 179 وما بعدها). أما

أسوار المدينة فكانت من الآجر وكانت لها ملحقات، تضم أربعة أبراج بارزة ركبت عليها مدافع ثقيلة من البرونز في حالة جيدة (TraveLs: Texeira, مجموعة Hakluyl، ص 31). وقيل إن محيط الأسوار يتراوح بين ميلين وثلاثة أميال. ولاحظ جون إلدرد Eldred John (عام 1583) (أن الناس كانوا يتحدثون بثلاث لغات في بغداد وهي العربية والتركية والفارسية (مجموعة Hakluyt, جـ 3، ص 325). ووجد رالف فتش Ralph Fitch(عام 1583) أيضًا أن بغداد لم تكن مدينة كبيرة جدًّا ولكنها كانت مزدحمة بالسكان. وقدر الرحالة البرتغالى يدرو تكسيرا Pedro Texeira(عام 1604) عدد المنازل في شرقي بغداد بما يتراوح بين عشرين ألف وثلاثين ألف منزل. وكانت في بغداد دار لسك النقود، تضرب فيها العملات الذهبية والفضية والنحاسية. وكانت بها مدرسة لتعليم الرمي بالسهام وأخرى لتعليم الضرب بالبنادق، حافظت عليها الحكومة (Travels مجموعة هكلويت Hakluyt ص 31). وعلى إثر الفتنة التي قام بها بكر الصوباشى، فتح الشاه عباس الأول بغداد عام 1032 هـ (1623 م). وتعرضت للدمار مبانى المدارس وأضرحة أهل السنة، ومنها مسجدا الجيلانى وأبي حنيفة. وقتل ألوف أو بيعوا كالأرقاء وعُذب آخرون (كاتب جلبى: فذلكه، جـ 2، ص 50؛ خلاصة الآثار، جـ 1، ص 383؛ العزاوى، جـ 4، ص 178 - 182). وشيد صفى قُلى خان، الوالى الفارسى في هذا العهد، السراى (مقر الحكومة). واسترد العثمانيون بغداد عام 1048 هـ (1683 م) بقيادة السلطان مراد الرابع نفسه. وأمر بإعادة بناء الأضرحة وبخاصة ضريحى أبي حنيفة والجيلانى. وسَور، عند رحيله، باب الطلسم وظل قائمًا حتى هدمه الأتراك عند انسحابهم 1917. وقام صدره الأعظم بترميم القلعة ترميما جيدًا. ووصلت إلينا حقائق أخرى من الرحالة في هذه الفترة، مثل تافرنييه Tavemier (عام 1652) وأوليا جلبى (عام 1655) وتيفينو Thevenot(عام 1663). وكان السور المحيط بشرقى

بغداد يكاد يكون دائرى الشكل، وارتفاعه 60 ذراعًا وعرضه من 10 - 15 ذراعا وفيه فتحات للمدافع؛ وبه أبراج عظيمة في الأركان الرئيسية، منها أربعة اشتهرت في هذه الفترة - وأبراج أصغر تبعد كل منها مسافة قصيرة عن الأخرى. وثبتت مدافع من النحاس الأصفر على الأبراج الكبرى. وأكمل السور على ضفة النهر للدفاع عنها بحق (وتبين خريطة نصوح الصلاحى التي رسمت للسلطان سليمان عام 1537 هذا السور؛ Atlas: Asousa of Baghdad، ص 12). وكان في السور الذي على البر 118 برجا وفي السور الذي على ضفة النهر 45 برجا (حاجى خليفه [عام 1657]: جهاننما ص 457 وما بعدها) ويتحدث كربورتر Ker Porter [عام 1819] عن برجا، منها 17 برجا كبيرا (Travels ص 265؛ انظر Travels: Buckingham، ص 372). وكان للسور ثلاثة أبواب في الجانب الواقع على البر (لأن باب الطلسم مسوَّر) وهي: باب الإمام الأعظم في الشمال على بعد 700 ذراع من نهر دجلة، وقرا نلق قابى (باب كلوادى) أو الباب الأسود في الجنوب على بعد 50 ذراعًا من نهر دجلة، وآق قابى (الباب الوسطانى) أو الباب الأبيض في الشرق. أما الباب الرابع فكان عند القنطرة. وقاس أوليا جلبى طول السور فوجد أنهِ 800 ر 28 خطوة بالسير البطئ أو سبعة أميال (الميل الواحد = 4000 خطوة) بينما يذهب حاجى خليفة إلى أن طوله 200 ر 12 ذراع أو ميلان (يرى نيبور Niebuhr وأوليفييه Olivier أن طول شرقي بغداد ميلان). ومن رأى ولستد Wellsted أن محيط الأسوار سبعة أميال. ويقول فلكس جونز Felix Jones الذي قام بمسح بغداد عام 1853 أن محيط أسوار شرقي بغداد، وتضم واجهة النهر، 10.600 ياردة أو حوالي ستة أميال (Olivier: Voyage، جـ 2، ص 379 - 80؛ - Well Travels: sted جـ 1 ص 255؛ Felix Jones ص 318؛ انظر Rousseau، ص 1 Tavemier ص 84). وكان يحيط بالسور خندق، عرضه ستون ذراعًا، يجلب له الماء من نهر دجلة. وتقوم القلعة (القلعة الداخلية)

في الطرف الشمالي الغربي من السور، من باب المعظم إلى نهر دجلة؛ ويحدق بها سور واحد به أبراج صغيرة ركبت عليها المدافع. وكانت هناك ثكنات ومخازن للذخيرة الحربية والمؤن العسكرية وكذلك الخزانة ودار سك النقود. أما السراى، التي يقيم بها الباشا، فكانت أسفل القلعة، وبها بساتين فسيحة وجواسق جميلة. وعلى الطرف الآخر من القنطرة كانت هناك قلعة تسمى قوشلر قلعه سى أو قلعة الطيور، ولها باب على القنطرة (أوليا جلبى، جـ 4، ص 416؛ حاجى خليفة: جهاننما، ص 457 - 460؛ Tavernier ص 64؛ : Thevenot Voyage جـ 2 ص 211). ويشير أوليا جلبى إلى مساجد بغداد الكثيرة ويتحدث عن تسعة مساجد هامة منها. أما المدارس فأكبرها مدرستان هما المَرْجانية ومدرسة الخلفاء (المستنصرية). وكان بين الخانات الكثيرة اثنان صالحان. ويتحدث عن ثماني كنائس وثلاثة معابد لليهود، ويورد أرقامًا مبالغًا فيها لعدد التكايا (700) والحمامات (500). وكان جسر القوارب من 37 إلى 40 قاربًا حسب ارتفاع مياه النهر، وفي الإمكان رفع بعض القوارب في الوسط إما لدواعى الأمن بالليل أو لتيسير حركة المرور بالنهر أولمجرد الاحتياط الذي تقتضيه الضرورة العسكرية. وكانت اللغات الكبرى التي يتحدث بها الناس في بغداد هي العربية والتركية والفارسية. وكان ببغداد أجود أنواع الحمام الزاجل. ومهما يكن من شيء فإن بغداد كانت لا تزال تسير في طريق الاضمحلال، فقد بلغ عدد سكانها أقل رقم وصل إليه وهو 15.000 نسمة (Travels: Tavernier، لندن سنة ص 85 - 86؛ أوليا جلبى: سياحت نامة، جـ 4، ص 420 وما بعدها؛ : voyage: Thevenot، جـ 2، ص 211). وحكم بغداد 42 باشا بين عامي 1048 هـ (1638 م) و 1116 هـ (1704 م) ولم يكن هناك مجال لأى تقدم حقيقى. ولقد تمتع الباشوات بشبه استقلال ذاتى، وكانت قوة الإنكشارية عظيمة. واشتد بأس القبائل وأصبح شيئًا فشيئًا يهدد الحياة في المدينة.

وإذا استثنينا ترميم أسوار المدينة أو المساجد فإننا لا نجد من الإصلاحات إلا القليل. فقد شيد كوجوك حسن باشا ثلاثة أبراج بالقرب من برج العجم. وأعاد خاصَّكى محمد باشا بناء طابية الفاتح، ورمم الأسوار بعد فيضان عام 1657. ورمم أحمد بُشْناق الأبراج، وبخاصة برج الجاويش (جاووش) وشيد برج الصابونى (عام 1687). ولقيت المساجد بعض العناية فقد أعاد دلى حسين باشا (عام 1644) بناء مسجد القمرية. وشيد مسجد الخاصكى في رأس القرية. وأعاد سلحدار حسين باشا (عام 1671) بناء مسجد الفضل الذي أصبخ يعرف باسم جامع حسين باشا، وأحاط ضريح عمر السُهْرَوردى بسور وجلب إليه الماء بشق قناة. ورمم عبد الرحمن باشا (عام 1674) جامع الشيخ معروف وأكمل السد الذي شرع في بنائه سلفه لحماية الأعظمية من مياه الفيضان. وأعاد قبلان مصطفى (عام 1676 م) بناء جامع الشيخ القدورى الذي أصبح يعرف باسم جامع القبلانية. ورمم عمر ياشا (عام (1678) مسجد أبي حنيفة وحبس عليه أوقافًا جديدة. وجدد إبراهيم باشا (عام 1681) جامع السيد سلطان على وجامع السراى. وأعاد إسماعيل ياشا (عام 1698) بناء جامع الخَفَافين (العزاوى، جـ 4، ص 27، 64، 109، 116، 143، كلشن خلفا، ص 102، 103، 106.105 الألو سى: المساجد، ص 37، 57 - 58)، وشيَّد أحمد بشناق (عام 1678) خان بنى سعد المشهور على حين شيَّد السلحدار حسين باشا سوقا جديدة بالقرب من المستنصرية. وشهد مطلع القرن الثامن عشر الفوضى تضرب أطنابها بصورة مروعة في إيالة بغداد، فالأنكشارية يصبحون سادة الموقف في المدينة، والقبائل العربية تسيطر على أرض الريف المجاورة والسلام والأمن لا وجود لهما بالنسبة للتجارة. وكان تعيين حسن باشا عام 1704 ثم تعيين ابنه أحمد بعده، ايذانًا ببدء عهد جديد لبغداد. فقد استعانا لأول مرة بالمماليك (كوله من) لكبح جماح الإنكشارية ووضعا الأساس لسيادة المماليك التي دامت حتى عام 1831. وأصبح من الميسور السيطرة

على الإنكشارية والقبائل العربية، واستتب النظام كما أمكن توقى التهديد الفارسى. وأعاد حسن باشا بناء مسجد السراى (جديد حسن باشا). وألغى المكوس على الوقود والمأكولات، وأغاث الأحياء وخلصها من المظالم واغتصاب الأموال الذي كان يحدث عقب جرائم القتل (Gazetteer of the Persian Gulf مجلد 1، القسم الأول، ص 1193 - 1194؛ سليمان فائق: حروب الأيرانيين، مخطوطة، ورقة رقم 18 - 19؛ الكاتب نفسه: تأريخ الممالك، مخطوطة، ورقة رقم 4؛ حديقة الزوراء [مختصرة]، مخطوطة، ص 9؛ كلشن خلفا، ص 225). واستمر أحمد باشا يسير على نهج أبيه ورفع إلى حد كبير هيبة بغداد. وحاصر نادر شاه بغداد مرتين عامي 1737 و 1743، على الرغم من أن المدينة قاست كثيرًا من الحصار الأول فإن أحمد باشا صمد وأنقذ المدينة. فلما مات أحمد باشا عام 1747 حاولت الآستانة أن تفرض سلطانها من جديد على بغداد ولكنها فشلت بسبب معارضة المماليك. وكان سليمان باشا أول مملوك ينصب واليا على بغداد عام 1749. وهو يعد المؤسس الحقيقي لنظام الحكم المملوكى في العراق. واضطر السلطان مذذاك إلى أن يعترف بوضعهم وأن يصدق بوجه عام على تعيينهم في مناصب الولاة. وأراد حسن باشا الذي تربى في البلاط العثمانى (بيت الرقيق) أن يحذو حذوه، فشيد بيوتا وشرع في تدريب المماليك الجراكسة والكرج وأبناء أقطاب القوم في هذه البيوت. وتوسع سليمان وقتذاك في هذا التدريب، وكان هناك على الدوام نحو 200 مملوك يتلقون التدريب في المدرسة، لإعدادهم ليكونوا ضباطا وموظفين. وكانوا يتلقون تعليما أدبيا ويتدربون على استخدام الأسلحة، وفن الفروسية والألعاب الرياضية، ويتلقون آخر الأمر شيئًا من التربية الخاصة بالقصور، ليخرج منهم صفوة يتولون الحكم (سليمان فائق: تأريخ الممالك؛ دوحة الوزراء، ص 8)، وتكونت طبقة من الحكام تجمع بين الدربة والمقدرة والحصافة. ولكن الضعف تسرب إلى صفوفهم بسبب مشاعر الحسد والدسائس. وأخضع سليمان شوكة القبائل واستتب في عهده النظام

والأمن وشجع التجارة. وخلفه على باشا عام 1175 هـ (1762 م) وتلاه عمر باشا عام 1177 هـ (1764 م؛ تأريخ جودت، الطبعة الثانية، جـ 1، ص 339 - 340) واعتمدت بومباى عام 1766 إقامة دار للمعتمد البريطانى في بغداد (Gazetteer، جـ 1، ص 1225). وتفشى طاعون وبيل في بغداد عام 1186 هـ (1772 م) واستمر ستة شهور، وهلك آلاف وهاجر آخرون وتوقفت الأعمال التجارية (Gazetteer. جـ 1، ص 324). وقد أدى استتباب الأمن إلى أن تصبح بغداد مركزًا تجاريًا عظيمًا. وقد كتب شاهد عيان سنة 1774 يقول: "هذه هي السوق الكبرى لمنتجات الهند وبلاد فارس والآستانة وحلب ودمشق؛ وصفوة القول إنها المستودع العظيم للشرق" (Gazetteer، جـ 1، ص 1233). وأدى الشقاق بين المماليك وضعف قيادتهم إلى قيام عهد انتشرت فيه الفتن والمنازعات القبلية وإلى غزو البصرة على يد الفرس. وانتهى هذا العهد عندما أصبح سليمان باشا الكبير واليًا (1193 هـ = 1779 م) وجمع بين بغداد وشهرزور، والبصرة وكبح جماح القبائل واستتب السلام وانتعشت قوة المماليك (تاريخ جودت، جـ 2، ص 146، 157، 158؛ الصوفى: تاريخ المماليك، ص 19 وما بعدها، ص 54 وما بعدها؛ س. فائق: تاريخ المماليك، ورقة رقم 16 - 17). ورمم سليمان باشا أسوار شرقي بغداد، وشيد سورًا حول الكرخ وأحاطه بخندق. وأعاد بناء السراى، وبنى مدرسة السليمانية، وجدد مسجد القيلانية والفضل والخلفاء. وعلاوة على هذا فإنه بنى سور السَرّاجين. وشرع مولاه (الكخيا) في بناء مسجد الأحمدية (جامع الميدان) ليكمله شقيق الكخيا (عثمان بن سند [الطبعة المختصرة]، ص 70 - 73، 76 - 77). وشهد آخر عام من حياته (1802) طاعونًا يتفشى في بغداد (Gazetteer. جـ 1، ص 1285؛ ياسين أفندى العمرى: غرائب الأثر، ص 64). وألغى كوجوك سليمان (عام 1808) عقوبة الإعدام إلا إذا حكمت بها المحاكم الشرعية. ومنع مصادرة الأموال وألغى

الرسوم المفروضة على رفع القضايا في المحاكم، وخصص مرتبات للقضاة (س. فائق، تأريخ المماليك، ورقة رقم 16 دوحة الوزراء، ص 250). وولى داود باشا الحكم (عام 1816) بعد فترة سادتها القلاقل. وأخضع شوكة القبائل واستعاد النظام والأمن. وطهر بعض قنوات الري وأنشأ مصانع لانتاج القماش والأسلحة وشجع الصناعة المحلية. وشيد ثلاثة مساجد كبيرة أهمها مسجد حيدر خانه. وأنشا ثلاث مدارس وبنى سوقًا بجوار القنطرة. ونظم جيشا قوامه حوالي 000 ر 20 جندى واستقدم ضابطًا فرنسيًا لتدريبه. وعادت إدارته القديرة الذكية بالرخاء على المدينة. ومهما يكن من شيء فإنه اضطر إلى فرض مكوس باهظة في بغداد. وكان سقوط حكم داود ونهاية عهد المماليك نتيجة سياسة محمود الثاني التي اتسمت بالمركزية والإصلاح، وإلى جانب الطاعون الوبيل، والقحط، والفيضان التي تأثر بها معظم سكان المدينة (1247 هـ = 1831 م؛ حديقة الزوراء، [الطبعة المختصرة]، مخطوطة، ورقة رقم 43 - 44، 55 - 56؛ ا. ر. سويدى: نزهة الأدباء، مخطوطة، ورقة رقم 41 - 42؛ مرآة الزوراء، ص 59؛ س. فائق: تأريخ المماليك مخطوطة، ورقة رقم 39 - 52؛ Gazetteer جـ 1، ص 1316 Frazer: TraveLs، جـ 1، ص 224 - 5؛ Hand book of Mesopotamia, جـ 1، ص 80 - 81). وقد نقل النظام الإدارى ببغداد على نطاق صغير من نظيره في الأستانة. واحتفظ الباشا بالسلطة العسكرية والإدارية العليا. وكان الكتخدا (أو الكخيا) وهو أشبه بالوزير، على رأس الإدارة، يعاونه الدفتر دار الذي كان مديرًا للمالية وديوان أفندى سى أو رئيس الحجاب. وكان ثمة رئيس لحرس القصر وأغا للإنكشارية. وكان القاضي على رأس السلطة القضائية. وكان الباشا يدعو الديوان الذي يضم الكخيا والدفتر دار والقاضي والقائد والشخصيات الكبيرة الأخرى لمناقشة المسائل الهامة، وكان في القصر بيتان بهما مدرسون ومعلمون (لالات) لتعليم المماليك (جودت، جـ 2، ص 287؛

جـ 3، ص 204. عثمان بن سند، ص 31 - 32، 56، 39؛ Rousseau، ص 25 وما بعدها). وكان قوام جيش المماليك 12500 جندى ويرتفع عددهم في حالة الضرورة إلى 30.000 بتجنيد الأهالى وبالمجندين من باقي أرجاء الولاية (س. فائق: المماليك، ص 51 - 52). إن موقع المدينة المدؤرة قد حددته القنوات القديمة، وبخاصة قناة عيسى وقناة الصراة. ولا يزال مجرى قناة عيسى يعرف بالعيساوى أو الداودى، ويمكن مشاهدة القناة التي تنساب في المدينة وتتبعها حتى قناة الخرَ، بيد أن الجزء الأدنى منها قد أزيل. غير أننا نعرف أن القنطرة الرئيسية في القرن الخامس الهجرى (الحادي عشر الميلادي) كانت عند مَشْرَعة الرَوَاية بجانب قناة عيسى. وأن هذه المشرعة كانت مقابلة لسوق الثلاثاء تحت قنطرة المأمون الحديثة (ابن الجوزي: المنتظم، جـ 8، ص 169؛ الكاتب نفسه: مناقب بغداد، ص 20؛ انظر Mis-: Massignon sion, جـ 2، ص 104 - 105). ومع ذلك فإني لجأت إلى استخدام آلة "السبكتروغراف" لعمل مسح لمنطقة بغداد ووجدت أن مجرى قناة عيسى حتى نهر دجلة كما هو موضح على الخريطة (عند الشَّوَاكة الحديثة) يتفق مع ما أشرت إليه فيما سبق. وكانت قناة الصراة تصب في نهر دجلة بالقرب من باب الشعير. ويقول ابن الفقيه (مخطوطة مشهد) إن باب الشعير كان بالقرب من نهر الشريعة الذي كانت تتوقف عنده المراكب القادمة من الموصل. ونهر الشريعة المشار إليه لا يمكن أن يكون موضعه اليوم إلا القمرية. وكان الحد الجنوبي للمدينة المدورة بالقرب من قناة الصراة، عند ملتقى هذه القناة بنهر دجلة. وكانت قرية سونايا خارج سورها، بالقرب من القسم الشمالي [انظر ابن الجوزي: المناقب، ص 24). وكانت هذه القرية، على الأرجح، في موضع المنطقة الحالية، ومن ثم فإن المنطقة هي الحد الشرقي للمدينة المدورة التي كانت لا تقع مباشرة على نهر دجلة. وقد حدد أحمد بن حنبل موقع مدينة بغداد بين

قناة الصراة وباب التبن، وبهذا يرى أن خندق طاهر هو الحد الشمالي لها. وكان هذا الخندق يضم الحريم الطاهرى ولا يترك وراءه إلا قطيعة أم جعفر (الخطيب، ص 79؛ المناقب، ص 28). ولما كان جناح الحريم الطاهرى قد اكتسحت معظمه مياه نهر دجلة أثناء تغيير مجراه (كما يقول صاحب كتاب المراصد)، فإن حده لا يمكن أن يتجاوز خط عرض 33 ْ 22 َ شمالًا، ومن ثم فلا ريب أن الحد الشمالي للمدينة المدورة كان عند خط عرض 33 ْ 21 َ. وكان معسكر المهدي (الرصافة) يكاد يقابل المدينة المدورة، وكان حي الشماسية في الجهة المقابلة لحى الحربية، بينما كان باب الشماسية يكاد يقابل باب قَطْربُّل (الإصطخري، ص 83؛ الطبري، جـ 3، ص 1576). وكانت الشماسية شمالي حي أبي حنيفة وشرقيه، وأسفل حي أبي حنيفة تقع مقبرة الخلفاء ويليها مسجد الرصافة. ويدل الحفر وتحليل التربة على أن هذه المقبرة كانت فوق النادى الرياضى الملكى السابق بقليل. وكان مسجد الرصافة على مسيرة نحو ميل شمالي جامع السلطان عند المخرم العليا التي لا يمكن أن تكون فوق العيواضية الحديثة، وعلى هذا فإن المسجد كان عند الحد الشمالي لساحة عنترة. وكانت المستنصرية هي الحد الجنوبي للمخرم وبداية سوق الثلاثاء التي كانت تنتهي عند جامع الخلفاء (ويمكن اقتفاء أثرها بمئذنة سوق الغزل) وعلى هذا فإن القصور الملكية (حريم دار الخلافة) تبدأ وتمتد عبر القُرَيَّة- التي لا تزال تحتفظ باسمها - وتنتهي عند الرَبْض في المُرَبَّعَة - التي لا تزال تحتفظ أيضًا باسمها، (انظر ابن جبير). وهذا يحدد موضع حريم دار الخلافة بين شارع السمؤل تقريبًا وجامع سيد سلطان على. وعند حفر أساسات المبنى الجديد لمصرف الرافدين، على مسيرة حوالي خمسين ياردة من شارع السمؤل اصطدمت المعاول بمطبخ، يرجح أنه كان مطبخ دار الخلافة (الجهشيارى، طبعة القاهرة سنة 1938، ص 189، 195؛ ابن الأثير، جـ 10، ص 73؛ ياقوت، جـ 2، ص 587؛ جـ 3، ص 195، انظر Mission: Massignon ص 89؛ سومر،

جـ 2، ص 197). وينطبق حد سور المستعين شرقًا على سدّ ناظم باشا تقريبًا كما يتضح من حفر أساسات المنازل الجديدة. انظر الخريطة المرفقة (1) الكاظمين (2) قطيعة أم جعفر (3) دجلة القديم (4) الحريم (5) حي الحربية (6) باب الشام (7) الخندق الطاهرى (8) المدينة المدورة (9) قصر ومسجد باب الذهب (10) باب الكوفة (11) قناة الصراة (12) حي الكرخ (13) ربع الكرخ (14) قناة عيسى (15) المحول (16) مدينة المنصور الحديثة (17) باب البصرة (18) الشماسية (19) ربع أبي حنيفة (20) الرصافة (21) سور المستعين (22) السد الشرقي (23) سد نديم باشا (24) المخرم (25) باب السلطان (الباب الشمالي) (26) سوق الثلاثاء (27) باب الخلافة (28) ربع الظفرية (29) باب الظفرية (الباب الوسطانى) (آق قابى) (30) باب الطلسم (باب الحلبة) (31) سور المستظهر وما بعده (32) قصر المعلى (33) المأمونية (34) باب الأزج

خريطة

(35) سوق الثلاثاء (36) باب البصلية (قرا نلق قابى) (البوابة الجنوبية) (37) معسكر الرشيد (38) بغداد الجديدة (39) مقياس الرسم صفر - 400 - 800 - 1200 - 1600 - 2000 ويقدم لنا الرحالة الأوربيون في هذا العهد بعض المعلومات عن بغداد. وينوه البعض بأن الأسوار بنيت ورممت في عهود كثيرة مختلفة، وأن الأجزاء القديمة هي الأفضل (Travels: Buckingham , سنة 1827، ص 332؛ انظر Memoir: Felix Jones ص 309). وكانت المنطقة المحصورة داخل الأسوار (شرقًا) تبلغ مساحتها طبقًا لتقدير فيلكس جونز Felix Jones 591 فدانًا (انظر Journey: Dr. Lves لندن سنة 1778، ص 20؛ Rousseau: Description ص 5). ويبدو أن السور القائم على النهر قد أهمل وأن بيوتًا شيدت على الضفة (Voyage: Olivier، سنة 1804، جـ 2، ص 379). ولم يشغل أحد قسمًا كبيرًا من المدينة داخل الأسوار، وبخاصة في الجانب الشرقي. أما القسم القريب من النهر فكان آهلًا بالسكان، ولكن حتى هناك كانت البساتين من الكثرة بحيث بدا هذا القسم كأنه مدينة تقوم وسط حرج من النخيل (Niebuhr، جـ 2، ص 239؛ Buckingham، ص 373؛ Wellsted: Travels, سنة. 1840، جـ 1، ص 255). وكانت السراى فسيحة وفيها بساتين جميلة ومجهزة بأثاث ثمين (Rousseau، ص 6؛ Ker Porter، ص 263). أما الجانب الغربي وهو الكرخ، فكان بمثابة ضاحية فيها بساتين عديدة. وكان في مبدأ الأمر خاليًا من وسائل الدفاع (Rousseau، ص 5؛ Lves، ص 28) إلى أن جاء سليمان باشا فبنى السور الكبير وفيه أربعة أبواب: - باب الكاظم (شمالًا) وباب الشيخ معروف (غربًا)، وباب الحلَّة (في الجنوب الغربي) وباب الكريماتَ (جنوبًا). وكان طول الأسوار 5.800 ياردة. وتحيط بمنطقة مساحتها 246 فدانًا (Jones.F، ص 309). ووجد كر بورتر Ker Porter (سنة 1818) أنها

تضم حوانيت في شوارع عديدة واسعة (Ker Porter، جـ 2، ص 255؛ المنشئ البغدادي: الرحلة، ص 31). وفضلًا عن ذلك فإن هذا الجانب لم يكن آهلا بالسكان مثل الجانب الشرقي، وكان يسكنه عادة عامة الناس (Niebuhr، جـ 2، ص 244، Rousseau، ص 4)، وكان عرض جسر القوارب ست أقدام؛ وعليه كان الناس يعبرون النهر أو يستخدمون القفف لعبوره (Ker Porter، جـ 2، ص 255؛ Niebuhr, جـ 2، ص 243؛ المنشئ البغدادي ص 243). وزاد عدد السكان بالتدريج في هذا العهد. ويقدر روسو Rousseau (حوالي عا م 1800) عددهم بـ 45.000 نسمة، أما أوليفيه فيرى أنهم 80.000 نسمة، بينما يذهب السكان إلى أن عددهم 100.000 (Rousseau, ص 8؛ Olivier، جـ 2، ص 380)؛ ويقدر بكنجهام Buckingham (1816) أن عددهم يبلغ 80.000 نسمة (Travels جـ 2، ص 380). أما كريوتر Ker Porter (سنة 1818) فيرى أن العدد يبلغ 100.000 نسمة (Travels، ص 265). ويردد المنشئ البغدادي أصداء آراء محلية بقوله إنه كان في بغداد 100.000 بيت، منها 1.500 بيت لليهود و 800 للمسيحيين (الرحلة، ص 24). وما أن يحل عام 1830 حتى يصل التقدير ما بين 120.000 - 150.000 نسمة (Frazer، جـ 1، ص 224 - 225؛ Wellsted) . وكان هناك خليط من الأجناس والملل. وكانت طبقة الموظفين من الأتراك (أو المماليك) أما التجار فكانوا أولًا من العرب، وكان هناك أعجام وكرد وبعض الهنود (am Buckingh، ص 387؛ - Nie buhr، جـ 2، ص 250؛ Ker Porter، جـ 2، ص 265؛ Mellsted، جـ 1، ص 251). وكانت في بغداد أسواق كثيرة، وبخاصة بالقرب من القنطرة، وكانت الأسواق الكبرى مغطاة بقباب من الآجر، أما بقية الأسواق فمغطاة بجذوع النخيل. وبها كثير من الخانات و 24 حمامًا وخمس مدارس كبيرة وعشرون مسجدًا كبيرًا، وكثير من المساجد الصغيرة (am Buckingh، ص 378 - 9؛ Lves، ص 273؛ المنشئ البغدادي، ص 31؛ Niebuhr، جـ 2، ص 230، Well

Sted، جـ 1، ص 257؛ جـ 2، ص 382). وكانت الطرقات ضيقة، ينتهى بعضها ببوابات تغلق في الليل لحماية السكان. وكانت البيوت مرتفعة، فيها نوافذ قليلة تطل على الشوارع. ويتألف البيت في الداخل من سلسلة من الحجرات تفضى إلى فناء داخلى مربع به بستان عادة. وكان الناس يلجأون إلى السراديب لاتقاء الحرارة في الصيف، وإلى الأسطح المكشوفة للجلوس بعد العصر. وكانوا ينامون فوق السطح في فصل الصيف (انظر Buckingham، ص 380). ولم تخل بغداد من بعض الصناعات وبخاصة دباغة الجلود ونسيج القطن والحرير والأقمشة الصوفية (Rousseau. ص 9 - 10). وكانت بغداد خاضعة مباشرة لحكم الآستانة من عام 1831 حتى نهاية العصر العثمانى. وحاول بعض الولاة أن يقوموا بإصلاحات. وكان محمد رشيد ياشا (سنة 1847) أول من حاول تحسين الأحوال الاقتصادية، فأنشأ شركة لشراء سفينتين للنقل تعملان بين بغداد والبصرة وأدى نجاحها إلى قيام مشروع بريطانى مماثل. وأسس نامق باشا (1853) الدمير خانه التي كان في استطاعتها إصلاح السفن (شيحه، ص 54، 58 - 59؛ Gazetteer, جـ 1، ص 1360، 1365 - 1366، 1372). وأدخل مدحت باشا (1869 - 1872) نظام "الولاية" الحديث. فكان للوالى معاون ومدير للشئون الخارجية ومأمون أو كاتب سر. وقسمت الولاية إلى سبع سناجق، يرأسها متصرفون، وكانت بغداد إحداها (Gazetteer، جـ 1، ص 1442، 1447 - 1448). وألغى المكوس المكروهة: الاحتساب (الرسم) على كل إنتاج يجلب إلى أسوار المدينة للبيع، والطالبية، وهي مكس كان يُفرض على أصحاب الحرف النهرية، و"خُمس حطب" أو 20 % على الوقود، و"روس أبكار" على دواليب الري للزراعة، وحلت محلها ضريبة العُشْر على الإنتاج الزراعى (Gazetteer, جـ 1، ص 1442) وأنشأ مدحت عام 1870 ترامًا يصل بغداد بالكاظمية وظل يعمل

70 عاما (على حيدر مدحت: Life ص 51). وأسس (عام 1869) أول دار للنشر، وهي دار نشر الولاية، في بغداد وأسس الزوراء وهي أول جريدة تظهر في العراق، وتنطق رسميًا باسم حكومة الولاية. واستمرت تصدر حتى شهر مارس عام م 1917 جريدة أسبوعية (العزاوى، حـ 7، ص 241؛ على حيدر مدحت: Life of Midhat Pasha، لندن سنة 1903، ص 47 وما بعدها؛ طرازى: الصحافة العربية، حـ 1، ص 78؛ Handbook of Mesopotamia، حـ 1 ص 81). ولم تكن في بغداد مدارس حديثة اللهم إلا بضع مدارس لبعثات التبشير الفرنسية. وأنشأ مدحت بين عامي 1869 و 1871 مدارس حديثة ومدرسة صناعية ومدارس عسكرية رشدية وإعدادية ومدارس ملكية رشدية وإعدادية (الزوراء عدد رقم 182؛ العزاوى، جـ 8، ص 21؛ سالنامه بغداد [1900]، ص 454؛ Chiha، ص 100 - 102). وهدم مدحت أسوار المدينة متخذًا من ذلك خطوة أولى في سبيل إسباغ صفة العصرية عليها. وأكمل بناء السراى التي بدأها نامق باشا) Chiha, ص 66). واستمرت حركة التعليم التي بدأها مدحت بعد إنتهاء حكمه. وافتتحت أول مدرسة رشدية للبنات عام 1899 (سالنامه، ص 1318). وافتتحت أربع مدارس إبتدائية عام 1890 ومدرسة لمعلمى القسم الابتدائى عام 1900 (سالنامه معارف، إستانبول سنة 1900؛ س. فيضى: نضال، ص 58 - 59). وما إن حل عام 1913 حتى كانت في العراق 103 مدارس: 67 مدرسة ابتدائية، 29 مدرسة رشدية، 5 مدارس إعدادية، وكلية واحدة هي كلية الشريعة (لغة العرب، سنة 1913، ص 335). وأنشئت خمس مطابع بين عامي 1884 و 1907. وظهرت جرائد في بغداد بعد عام 1908، وعند حلول عام 1915 كانت هناك 45 جريدة يصدرها أناس مختلفون. وخلف مدحت ولاة تعاقبوا على الحكم فترات قصارًا، ولم ينجز في عهدهم إلا القليل. وفي عام 1886 فرض نظام الخدمة العسكرية الإجبارية

(على المسلمين فقط). وفي عام 1879 افتتحت أخيرًا المستشفى التي بناها مدحت (الزوراء، عدد رقم 810). وفي عام 1902 أقيم جسر جديد من القوارب، اتساعه يكفى لمرور العربات، وبه مقهى على الجانب الجنوبي (الآلوسى، ص 25؛ , Handbook، حـ 2، ص 374). وأرسلت بغداد ثلاثة نواب يمثلونها في المجلس النيابى العثمانى (العزاوى، حـ 8، ص 165). وشيد ناظم باشا عام 1910 سدًا يحيط بشرقى بغداد لحمايته من الفيضان (العزاوى، حـ 8، ص 200 - 201). وكان ناظم باشا آخر الولاة الأقوياء. ولقد كان الوالى يرأس الإدارة، ويعاونه مجلس، يتألف حوالي نصفه من أعضاء منتخبين، ويعين الباقون (بحكم وظائفهم). وكان بين الأعضاء المنتخبين اثنان من غير المسلمين، . ويعاون الوالى قائم مقام (الزوراء، عدد رقم 1369؛ سالنامه سنة 1292 هـ). وكانت بين الوظائف الهامة مديرية المعارف ومديرية الطابو، ومكتب التسجيل والمحاكم المدنية (سالنامه، سنة 1300 هـ ص 82 - 96). وكانت بغداد، حتى عام 1861، قصبة الإيالات الثلاث: الموصل والبصرة وبغداد. وانفصلت الموصل عام 1861، والبصرة عام 1884، وأصبحت بغداد قصبة المتصرفلقيات الثلاث (Chiha: Province، ص 85). وترك الطاعون والفيضان عام 1831 آثارا مروعة في بغداد. وأضحت معظم المنازل في شرقي بغداد أطلالا خربة، وثلثا الأرض الفضاء المحصورة داخل الأسوار خالية، بينما كان معظم حي الكرخ خرابًا بلقعًا، وكان في الأسوار القائمة على كلا الجانبين فجوات كبيرة نفذ منها الفيضان، وكانت المدينة في حالة يرثى لها إذا قورنت بما كانت عليه أيام داود باش (Travels: Frazer، جـ 1، ص 269, 233 - 234 , 252). ولاحظ سوثكيت Southgate (سنة 1847) أن المدينة أخذت تفيق ببطء من هول الكارثة، وقدر عدد السكان بأربعين ألف نسمة، ولكنه رأى المدارس مهملة ولا تنفق مخصصاتها على الوجه الرشيد (Narrative: Southgate، مجلدان،

سنة 1851، ص 11، 180، 165 - 166، Handbook of Mesopotamia, جـ 1، ص 80 - 81)، وعندما قام فليكس جونز Felix Jones بعمل مساحة لمدينة بغداد (1853 - 1854) كانت الأمور قد تحسنت، وهو يتحدث عن 63 حيًّا في شرقي بغداد، و 25 حيًّا في الكرخ، معظمها لا تزال تحتفظ بأسمائها (Memoir، ص 339، انظر Frazer، ص 233 - 234). وأخذ عدد السكان يزداد إزديادًا مطردًا بعد منتصف القرن التاسع عشر، وكانوا حوال 60.000 نسمة عام 1853 Felix Jones) , ص 315، 329). وقدر عدد الذكور من سكان بغداد عام 1867 بـ 67.273 (لغة العرب، سنة 1913)، وفي عام 1877 قدر عددهم جميعًا بما يتراوح بين 70 و 80 ألفًا (Persian Gulf Gazetteer، ص 8، Through Astatic Turkey: Geary, سنة 1878، جـ 1، ص 126). وفي عام 1890 قدر عددهم بما يتراوح بين 80، 100 ألف From Batum to: Harris Baghdad، ص 299؛ Through: Cowper Asiatic Turkey.، ص 270) وقدر عددهم عام 1900 بمائة ألف (Province: Chiha ص 165، انظر سالنامه، سنة 1320 هـ ص 136 - 137، 181). وفي تقدير آخر أن عددهم بلغ 140.000 نسمة عام 1904 (Handbook of Mesopotamia, جـ 1، ص 89)، وعند حلول عام 1918 بلغ عدد السكان 200.000 نسمة (Handbook, جـ 2، ص 334، الآلوسى: أخبار بغداد، ص 280 - 281, انظر R.Coke بالنسبة لرقم 180.000 عام 1918، Baghdad، ص 298) , وتأثر الرحالة بخليط الأجناس الهائل واختلاف لغة الكلام، والحرية النادرة التي يتمتع بها غير المسلمين والتسامح العظيم السائد بين الجماهير (Jones، ص 339، Olivier, جـ 2، ص 388 - 389)، وترك هذا الخليط طابعه على اللهجة في بغداد (عبد اللطيف: قاموس لهجة بغداد، مخطوطة). ومهما يكن من شيء فإن اللغة العربية كانت هي اللغة الشائعة، وازداد السكان العرب بظهور عناصر قبلية (Geary: المصدر المذكور، جـ 1، ص 136، 214). وكان الأهالى الذين

يتبعون ملة واحدة أو يمتون لجنس واحد يحتشدون عادة في حي خاص (انظر Memoir: F. Jones، ص 339)، وكان الأتراك يحتلون الأحياء الشمالية من المدينة، على حين كان اليهود والمسيحيون يقيمون في أحيائهم القديمة شمالي سوق الغزل وغربيه. ومعظم العجم يعيشون في الجانب الغربي، أما سكان الكرخ فكانوا في الغالب من العرب (Memoir: F. Jnnes، ص 339؛ Persian Gulf، ص 9، 79 - 80، Handbook. جـ 2، ص 381، Southgate، جـ 2، ص 182). وعلى الرغم من أن السكان الذين يعتنقون الأديان الثلاثة كانوا يتحدثون باللغة العربية فإن لهجاتهم كانت تختلف (لغة العرب، سنة 1911، ص 69 - 71). وفي دورة القرن كانت لا تزال فيها بعض الصناعات، ومن المنسوجات في بغداد، الأقمشة الحريرية والأقمشة القطنية، والأقمشة المصنوعة من مزيج من الصوف والحرير، وأقمشة قطنية مخططة، وقماش قطنى خشن تصنع منه طيلسانات للرأس وعباءات وثياب خارجية للنساء، واشتهرت الأقمشة الحريرية في بغداد بلونها وجودة صناعتها، وكانت هناك صناعة للصباغة ممتازة، وكانت دباغة الجلود من الصناعات الرئيسية، وفي حي المعظم نحو أربعين مدبغة، والنجارة وصناعة السيوف من الصناعات المتقدمة، وكان هناك مصنع حربى للنسيج (Handbook. جـ 1، ص 231، سالنامه سنة 1300 هـ، ص 79، 136). وكانت أسواق بغداد إما مغطاة وإما مكشوفة مثل سوق الغزل، وفي رأس الجسر الشرقي كانت الساحة الرئيسية للتجارة في أسواق السراى والميدان والشرجة وسوق القماش الذي أعاد داود باشا بناءه، وكانت في بعض الأسواق حرف لها نقابات خاصة بها، وتسمى السوق عادة باسمها مثل، سوق الصفافير (النحاسين) وسوق السراجين وسوق الصاغة وسوق الخفافين (صانعى الأحذية) إلخ. (أوليا جلبى، جـ 4، ص 22؛ M.G.T.B. جـ 1، ص 22 - 23). وكان هناك شارعان مهمان، أحدهما يتجه من الباب الشمالي إلى

قرب القنطرة، والآخر يسير من الباب الجنوبي التي نهاية السوق الرئيسية. وفي عام 1915 كان الباب الشمالي يتصل بالباب الجنوبي بطريق يعرف باسم شارع الرشيد (Handhnnk, جـ 1، ص 377؛ سالنامه سنة 1318 هـ، ص 599 - 600). وحاول نامق باشا عام 1922 إصلاح بعض الشوارع (سالنامه سنة 1318 هـ، ص 60). وحوّل سرّى باشا سنة 1307 هـ (1889 م) الميدان إلى ساحة مكشوفة بها بستان (انظر سالنامه سنة 1321 هـ، ص 76). وأنشأ مدحت عام 1285 هـ (1869 م) مجلسًا بلديا يختار أعضاؤه بطريق الانتخاب، وصدرت أوامر بتنظيف الشوارع. وأنشئت بلديات عام 1879، وصدرت أوامر بتحقيق النظافة والنزح (الزوراء، أعداد رقم 231 ورقم 878 ورقم 817 ورقم 1774؛ لغة العرب، جـ 1، ص 17، سالنامه سنة 1300 هـ، ص 136). وأدخلت الإضاءة بمصابيح الغاز وعهد بها إلى مقاول، ولكن لم يحظ بالإضاءة في الواقع إلا الشوارع التي يقيم بها سكان من علية القوم (الزوراء، عدد رقم 490 وعدد رقم 837. وكانت مدينة بغداد في مستهل القرن العشرين تستوعب مساحة قدرها حوالي أربعة أميال مربعة. وبقايا سور المدينة على الجانب الشرقي الذي هدمه مدحت قد أصبح هو والنهر على شكل معين تقريبى طول ضلعه حوالي ميلين ومتوسط عرضه يزيد على الميل. وكان حوالي ثلث هذه المساحة خاليًا أو تشغله مقابر أو أطلال، وفي المنطقة الواقعة تجاه الجنوب أرض فضاء شاسعة تكسوها أحراج من النخيل. وبدأت الكرخ تنمو نحو منبع النهر أكثر مما تتجه نحو شرقي بغداد، ولكنها كانت أصغر في الطول والعمق (, Handbook جـ 2، ص 276). وفي عام 1882 كان هناك 303 و 16 بيتًا و 600 خان و 21 حمامًا و 46 مسجدا جامعًا و 36 مسجدًا و 34 مكتبًا للأطفال و 21 مدرسة دينية و 184 مقهى و 3.244 حانوتًا (سالنامه سنة 1300 هـ، ص 136). أما في عام 1884 فكانت الأرقام كما يلي: 16.426 بيتًا و 205 خانات و 39 حمامًا و

93 مسجدًا جامعًا و 42 مسجدًا و 36 مكتبا للأطفال (سالنامه سنة 1302 هـ، ص 335). وفي عام 1903 كان في بغداد 4000 حانوت و 285 مقهى و 135 بستانًا و 145 جامعًا و 6 مدارس أولية و 8 مدارس لغير المسلمين و 20 تكية و 12 حانوتًا للوراقين، ومكتبة عامة، و 20 مكتبًا للصبيان و 8 كنائس و 9 مدابغ ومصنع للصابون و 129 ورشة للنسج و 22 مصنعًا للنسيج (سالنامه سنة 1321 هـ، ص 179) وعند حلول عام 1909 بلغ عدد المنازل 90.000 منزل. وكانت هناك ثلاث مطابع خاصة و 6 كنائس و 6 معابد لليهود (سالنامه سنة 1324 هـ، ص 223). ويصف شكرى الآلوسى 44 مسجدًا في شرقي بغداد و 18 مسجدًا في الكرخ (الآلوسى: مساجد؛ Massignon: Mission جـ 2، 63 - 5). وتترواح درجة الحرارة في بغداد بين 114 و 121 فهرنهيت في الصيف وبين 26 و 31 فهرنهيت في الشتاء، ولكنها ترتفع أحيانًا إلى 123 فهرنهيت في الصيف، ويهبط إلى 20 فهرنهيت في الشتاء. وأنجبت بغداد بعض الشعراء البارزين إبان العصر العثمانى مثل فضولى، وذهنى، وأخرس، وعبد الباقي العمرى، كما أنجبت مؤرخين مثل مرتضى، وغُرابى، ومحمود شكرى الآلوسى، وفقهاء مثل عبد الله السويدى وأبي الثنا الآلوسى (انظر الآلوسى: المسك الأذفر، بغداد سنة 1930). وقد تغيرت بغداد الحديثة إلى حد كبير وبخاصة منذ الثلاثينات، فقد اتسعت رقعتها لتتصل بالأعظمية والكاظمية من جهة الشمال، وبالشاطئ الشرقي من جهة الشرق، وبثنية نهر دجلة العظيمة من جهة الجنوب، وبالمطار المدني والضواحى القريبة مثل مدينتى المنصور والمأمون. وهناك 76 حيًّا في الكرخ والرصافة و 8 أحياء في الأعظمية، و 4 في كَرَّذ الشرقية و 6 في الكاظمين (At-: Sousa las of Baghdad، ص 21 - 25). وكان

عدد سكان مدينة بغداد 466.733 نسمة سنة 1947، وقد ارتفع الرقم إلى 735.000 عند حلول عام 1957. وهجرت طرز البناء التقليدية وحلت محلها مبان على الطرز العصرية في مناطق وراء المدينة القديمة، على حين تتغير الأقسام القديمة شيئًا فشيئًا. وقد زال جسر القوارب وشيدت أربع قناطر دائمة. والأخذ بالأساليب العصرية، من الناحية المادية والاجتماعية، يسير بخطى أسرع من أن نحصيها هنا. المصادر: لقد ذكرت المصادر في صلب المادة. وعلاوة على الكتب الكبرى للمؤرخين أمثال الطبري والمسعودى واليعقوبى وابن الأثير، والجغرافيين مثل ابن رسته وابن الفقيه (مخطوطات مشهد) وابن حوقل واليعقوبى والمقدسى وياقوت، وكتابى مراصد الاطلاع وحدود العالم والمستوفى، والرحالة أمثال ابن جبير وابن بطوطه وبنيامين التطيلى Benjamin of Tudela, نرى لزامًا علينا أن نذكر المصادر التالية: (1) ابن الساعى: الجامع المختصر، طبعة مصطفى جواد، بغداد سنة 1943. (2) ابن الجوزي: مناقب بغداد، بغداد سنة 1921. (3) الكاتب نفسه: المنتظم، حيدر آباد الدكن، سنة 1357 - 1359 هـ. (4) مسكويه: تجارب الأمم، مجلدات 1 - 7 (نشره وترجمه أمدروز وماركوليوث Amedroz and Margolioutlh، سنة 1920 - 1921). (5) سهراب: عجائب الأقاليم السبعة، طبعة هانز فون مزيك Hans Mzik von، ليبسك سنة 1930. (6) الشابشتى: كتاب الديارات، طبعة كوركيس عواد، بغداد سنة 1951. (7) هلال الصابى: رسوم دار الخلافة، مديرية الآثار، المكتبة، مخطوطة رقم 2900. (8) ابن الفوطى: الحوادث الجامعة، طبعة مصطفى جواد، بغداد سنة 1351 هـ.

(9) الصولى: أخبار الراضى والملتقى بالله، القاهرة سنة 1935. (10) التنوخى: نشوار المحاضرة، مجلد 1، القاهرة سنة 1921؛ مجلد 8، دمشق سنة 1930. (11) م. س. الآلوسى: المسك الأذفر، جـ 1، بغداد سنة 1930. (12) أوليا جلبى: سياحت نامه، مجلد 4، الآستانة سنة 1314 هـ. (13) المنشئ البغدادي: الرحلة، ترجمة عباس عزاوى، بغداد سنة 1948. (14) سالنامات بغداد عن الأعوام 1299 و 1300 هـ، 1301 هـ، 1312 هـ، 1317 هـ 1318 هـ 1321 هـ، 1324 هـ. (15) (From Batum to: W.B. Harris Baghdad , إدنبرة سنة 1896. (16) الحسينى: أخبار الدولة السلجوقية، طبعة محمد إقبال، لاهور سنة 1932. (17) La Province de Baghdad: Chiha القاهرة حوالي عام 1900. (18) حاجى خليفة: جهاننما، الآستانة سنة 1145 هـ (19) يس العمرى: غرائب الأثر، نشرة م. س. جليلى، الموصل سنة 1940. (20) عباس العزاوى: تأريخ العراق بين احتلالين، 8 مجلدات، بغداد سنة 1936 - 1958. (21) عثمان بن سند البصري: مطالع السعود في أخبار الوالى داود، "مديرية الآثار" المكتبة، مخطوطة رقم 233 (اختصره 1، هـ مدنى، القاهرة سنة 1371 هـ). (22) سلمان فائق: تأريخ المماليك في بغداد (مخطوطة، بمكتبة مديرية الآثار رقم 1227) (23) سلمان فائق: حروب الإيرانيين في العراق (مكتبة مديرية الآثار ببغداد رقم 1952). (24) حديقة الزوراء، اختصره عبد الرحمن السهروردى (مخطوطة). (25) عبد الرحمن السهروردى: نزهة الأدباء في تراجم علماء ووزراء بغداد (مخطوطة).

(26) أ. م. الكرملى: الفوز بالمراد في تأريخ بغداد، سنة 1329 هـ (27) فريدون بك: منشآت السلاطين، إستانبول سنة 1274 هـ (28) كاتب جلبى: فذلكه، جـ 2، إستانبول سنة 1297 هـ (29) مرتضى: كلشن خلفا. (30) محمد أمين: بغداد وصون حادثه ضياعى: إستانبول سنة 1338 - 1341 هـ (31) جودت باشا: تأريخ، إستانبول، الطبعة الثانية سنة 1301 - 1309. (32) الأزدى: حكاية أبي القاسم البغدادي، طبعة أ، متز A.Mez. هيدلبرغ سنة 1920. (33) الزوراء (الجريدة الرسمية، مكتبة مديرية الآثار). (34) أ. ق. شهربانى: تذكرة: الشعراء، طبعة أ. م. الكرملى، بغداد سنة 1936. (35) الآلوسى: مساجد بغداد، بغداد سنة 1346 هـ (36) ابن طيفور: تأريخ بغداد، جـ 6 ليبسك سنة 1908. (37) dad dans les temps moderns، باريس سنة 1904. (38) Travels in the J. R. Wellsted City of the Caliphs " مجلدان، لندن سنة 1840. (39) Description du: Rousseau de Baghdad Pachalik. باريس سنة 1809. (40) Archace-: Sarre and Herzfeld -ologische Reise im Euphrat and Tigris Gebiei برلين سنة 1900. (41) Tour: Rev H. Southgate Kurdistan, Persia and برول , through Armenia Mesopotamia مجلدان، لندن. 1850. (42) Relation d'un: M. de Thevenoi Voyage fait au Levanti مجلدان. (43) Travels in: J.S. Buchkinghamia Mesoipotamia لندن سنة 1827. (44) Memoir on: Felix Jonoes: Baghdad بومباى سنة 1857.

(45) Voyage en Arabie: C.Niebuhr مجلد 2، سنة 1780. (46) Travels in Syria,: Ker Porter Babylonia Persia Armenia, Ancient مجلدان، لندن سنة 1817 - 1820. (47) Gazetteer of the: J. G. Lorimer persian Gulf: مجلد 1، جـ 2، 1، كلكتة سنة 1925. (48) Handbook of Mesopotamia أربع مجلدات لندن سنة 1917. (49) Voyages: Olivier. مجلدان، باريس سنة 1804. (50) Four centu-: S.H. Longrigg ries of Modern Iraq أكسفورد سنة 1925. (51) Reallexikon der Assyriologie. برلين سنة 1928. (52) Mission en Mes-: L. Mossigno opotamie مجلد 2، القاهرة سنة 1912. (53) Journey from persia to: E. Ives Baghdad، لندن سنة 1778. (54) خريطة المجمع العلمي العراقي، رسمها A. Sousa وم. جواد مع دليلها المفصل، بغداد سنة 1958. (55) Baghdad dur-: G. Le Strange ng the Abbaside Caliphate أكسفورد سنة 1924. (56) A Baghdad Chronicle: R. Levy كمبردج سنة 1929. (57) Les Marches de: A. Abel 'Baghdad Bulletin de la Societe Belge d geographiques سنة 1949، ص 148 - 164. (58) History of the: D.S. Sassoon Jews in Baghdad لتشورث سنة 1949. (59) إسلام أنسيكلوييدياسى، مادة بغداد (بقلم. م. جاويد بايصون). (60) Baghdad the City of: R. Coke Peace . لندن سنة 1927. (61) Die Alte Land-: M. Streck . schaft Babylonien، جـ 1، ليدن سنة 1900. (62): A. Sousa Atlas Baghdad، بغداد سنة 1952. د. يونس [عبد العزيز الدورى A.A. Duri]

بغداد خاتون

بغداد خاتون " بغداد خاتون": ابنة أمير الأهراء الأمير جوبان، وابنة أخت الحاكم الأيلخانى لبلاد فارس أبي سعيد (حكم من سنة 717 - 736 هـ 1317 - 1335 م) وزوجة الأمير حسن الجلائرى الذي اشتهر بالشيخ حسن بزرك، تزوجته سنة 723 هـ (1323 م)، وفي سنة 1325 م استشهد أبو سعيد بسابقة هي "ياسا جنكيز خان" وحاول أن يجبر الشيخ حسن على تطليق بغداد خاتون حتى يتزوجها هو نفسه، ولكن الأمير جوبان أحبط هذا المسعى، وفي أكتوبر أو نوفمبر سنة 1327 م قتل الأمير جوبان غيلة في هراة على يد غياث الدين الكرتى، وكان ذلك بتحريض من أبي سعيد، وهنالك استطاع أبو سعيد أن يحقق مسعاه بالزواج من بغداد خاتون، وأصبحت لهذه السيدة مكانة ذات سلطان عظيم ومنحت لقب خداوند كار (ومعنى اللقب سلطان). وفي سنة 732 هـ (1331 - 1332 م) اتهم الشيخ حسن بالتآمر مع زوجته السابقة بغداد خاتون على قتل أبي سعيد، ومن ثم دبت الوحشة بين أبي سعيد وبغداد خاتون، ثم استعادت حظوتها عنده في العام التالي حين ثبت أن هذه التهمة كانت باطلة وفي سنة 734 هـ (1333 - 1334 م) تزوج أبو سعيد دلشاد خاتون ابنة أخت بغداد خاتون. فأثار ذلك غيرة بغداد خاتون، فلما توفى أبو سعيد فجأة في الثالث عشر من ربيع الثاني سنة 736 هـ (30 نوفمبر سنة 1335 م) إشتبه في أن تكون بغداد خاتون قد سمته فقتلها الأمراء، وثمة رواية أخرى تقول إنها قتلت لأنها كانت تتراسل مع أوزبك خان القبيلة الذهبية وأغرته بغزو بلاد فارس. المصادر: (1) حافظ أبرو: ذيل جامع التواريخ الرشيدى، طبعة بيانى، طهران سنة 1317 هـ-1938 م، الفهرس. (2) ابن بطوطة، طبعة Dfremery & Sanguinetti، باريس سنة 1854، جـ 2، ص 117 وما بعدها (3) تاريخ شيخ أويس، طبعة J.B. van Loon، لاهاى سنة 1954، ص 57، 59.

البغوي

(4) Histoire des Mon-: C. D'Ohsson gols لاهاى وأمستردام، سنة 1835، جـ 4، ص 667 وما بعدها، 714، 720. (5) History of the Mongols: H. Howarth، لندن سنة 1876 - 1888، جـ 3، ص 605 وما بعدها، 622 وما بعدها. (6) عباس العزاوى: تاريخ العراق، بغداد سنة 1935، ص 493 - 496، والفهرس. (7) Die Mongolen in Iran: B. spuler . الطبعة الثانية، برلين سنة 1955، الفهرس خورشيد [سافورى R. M. savory] البغوي أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد الفَرّاء: مؤلف عربي وفقيه شافعى وحجة في الحديث ومن أصحاب التفاسير، ولقب أيضًا بمحيى السنة وركن الدين. ولد في بغَ أو بَغْشوُر من أعمال خراسان (ياقوت، جـ 1، ص 695). ودرس في مَرْو الروذ على القاضي أبي على الحسين بن محمد بن أحمد المروذى، ولم يغادر هذه المدينة التي اتخذ منها وطنًا ثانيًا له، وتوفى بها بعد أن نيف على الثمانين في شوال عام 516 هـ (ديسمبر 1122 م) وتقول روايات أخرى إن وفاته كانت في شوال عام 510 هـ (فبراير 1117 م). وللبغوى مجموعة من الفتاوى لم تصل إلينا ضمنها فتاوى شيخه: وقد كتب أيضًا موجزًا في الفقه سماه "التهذيب في الفروع" (انظر فهرست دار الكتب المصرية، جـ 3، 212)، . وطبع تفسيره المسمى "معالم التنزيل" على الحجر ببلاد فارس في أربعة مجلدات، ولم يذكر مكان الطبع أو تاريخه. وطبع أيضًا في بومباى في مجلدين عام 1309 هـ (1891 م) كان نصيبه الرواج والانتشار. وجمع البغوي الأحاديث النبوية كلها في كتابه "شرح السنة" (Ahlwardt: .Verzeichms der arab. Hss. der Kgl Bibliothek zu Berlin، رقم 1295 - 1926). وترجع شهرته في العالم الإسلامي إلى مصنفه في الحديث المعروف "مصابيح السنة" وقد جمعه من كتب السنة السبعة الصحيحة، وبوبه على أبواب، وقسم الأحاديث في

كل باب إلى ثلاث طبقات: صحيحة أخذها من البخاري ومسلم، وحسنة أخذها من السنن، وغريبة وضعيفة (1)، وطبع هذا المصنف بالقاهرة عام 1294 هـ (1877 م) في مجلدين، ثم طبع عام 1318 هـ (1900 م) وجاء محمد بن عبد الله الخطيب التبريزى فرتب هذا المصنف ترتيبًا جديدًا وأتمه عام 737 هـ (1336 م) وسماه "مشكاة المصابيح". وهو الآن كثير الذيوع لشموله وسهولة ترتيبه. إذ أنه يمد المسلم القليل الحظ من العلم بمجاميع الحديث القديمة متحاشيًا الإسناد الكثير المتعب مع توخى الإرشاد وتجنب التعالم (Muhammed.Studien: J.Goldziher جـ 2، ص 270، 271) وطبع هذا الكتاب عدة مرات في دلهى وبومباى وكلكتة وكاسان، وطبع على الحجر بسانت بطرسبرغ عام 1889 - 1899 م في مجلدين، ونقله إلى الإنكليزية A.N. Matthews، كلكتة عام 1809 م. وألف التبريزى "كتاب أسماء المشكاة" وهو تراجم للرجال المذكورين في "المشكاة" وأتمه في 20 رجب سنة 740 هـ (22 يناير عام 1340 م)؛ انظر Nicholson في مجلة الجمعية الأسيوية الملكية، سنة 1889 م. ص 910). ونذكر من بين شروح هذا الكتاب شرح ابن حجر الهيتمى المتوفى عام 974 هـ (1566 م) الذي طبع بالقاهرة عام 1309 هـ (1891 م) في خمسة مجلدات (2). وشرحه بالفارسية عبد الحق الدهلوى المتوفى عام 1052 هـ (1642 م) وطبع هذا الشرح في كلكتة وشنسورة عام 1251 - 1259 هـ (1835 - 1843 م). المصادر: (1) ابن خلكان، بولاق سنة 1299 هـ" رقم 177، طبعة فستنفلد 184. (2) السبكي: طبقات الشافعية، طبعة القاهرة عام 1324 جـ 4، ص 214 - 217. (3) السيوطي: طبقات المفسرين، طبعة Meursinge، ص 12 رقم 34. (5) Gesch.edr arab.: Brockelmann Lit جـ 1، ص 363. [بروكلمان C. Brockelmann]

تعليق على مادة "البغوي"

تعليق على مادة "البغوي" (1) ليس هذا النقل مطابقًا بالدقة لصنيع البغوي في المصابيع، لأنه قسم أحاديث الكتاب في كل باب إلى قسمين فقط: صحاح وحسان، ثم قال في الحسان: "وأكثرها صحاح بنقل العدل عن العدل، غير أنها لم تبلغ غاية شرط الشيخين في علو الدرجة" من صحة الإسناد إذ أكثر الأحكام ثبوتها بطريق حسن. وما كان فيها من ضعيف أو غريب أشرت إليه". فيفهم من هذا أنه لم يجعل قسمًا خاصًّا للغريب والضعيف، بل هو داخل قسم (الحسان) عنده، وأن الغرابة والضعف ليسا إلى الدرجة التي تمنع الأخذ بما ذكره في الحسان. ثم هذا التقسيم للبغوى اصطلاح خاص به، ليس موافقًا لمصطلح أهل الحديث، بل هو اصطلاح غير صواب، لأنه يخلط الأمر على القاريء، فإن كثير من كتب السنن الثلاث التي أخذ منها الحسان- وهي أبو داود والترمذي والنسائي- أحاديث صحيحة جدًّا، لا تقل في الصحة عن درجة ما اتفق عليه البخاري ومسلم، وقد انتقد كثير من المتقدمين صنيع البغوي هذا وآبانوا عن خطئه، وإن كان اصطلاحًا خاصًّا به. (2) هذا غلط من الأستاذ المستشرق بروكلمان" ويظهر أنه سها عن النقل، إذ أن شرح ابن حجر الهيتمى على مشكاة المصابيح مجلد واحد فقط، واسمه (فتح الإله في شرح المشكاة)، وهو مخطوط بدار الكتب المصرية (رقم 354 حديث) ولم يطبع قط فيما نعلم، لا في مصر ولا في غيرها. أما المطبوع في مصر سنة 1309 في خمسة مجلدات فهو (مرقاة المفاتيح لمشكاة المصابيح) تأليف العلامة ملا على ابن سلطان محمد الهروى القارى المتوفى بمكة في شوال سنة 1014 هـ (فبراير سنة 1606 م) وهو شرح نفيس معروف، وقد أدرك العلامة بروكلمان غلطه هذا فأصلحه في الملحق الأخير لكتابه في تاريخ آداب العرب الصادر في العام الماضي، وقد أطلعنى عليه بعض الإخوان العارفين باللغة الألمانية. أحمد محمد شاكر.

بقي بن مخلد

بقي بن مخلد أبو عبد الرحمن: محدث ومفسر مشهور من قرطبة، ولعله من أصل مسيحى، ولد سنة 201 هـ (817 م) وتوفي سنة 276 هـ (889 م). وقد زار بقى- مثل الكثيرين من مسلمي الأندلس - أهم حواضر المشرق حيث أم مجالس أكبر فقهاء المذاهب وخاصة ابن حنبل. ولما عاد بقى إلي قرطبة أظهر من استقلال الرأي في مسائل العقائد (عده البعض شافعيًّا وقيل إنه هو الذي أدخل مبادئ المذهب الظاهرى في الأندلس) والمعارضة للتقليد حتى إنه لم يلبث أن وجد فقهاء المالكية ينظرون إليه في عداء، بل هو قد أوشك أن يحكم عليه بالموت بتهمة الزندقة، وإنما يدين بنجاته إلي تدخل الأمير محمد الأول (238 - 273 هـ = 852 - 886 م الذي أباح له أن يلقى في حرية تعاليمه المنتقاة من المذاهب المختلفة. وأهم كتبه، وكلها مفقودة، تفسير للقرآن الكريم عده ابن حزم أعلى مرتبة من تفسير الطبري، و "مسند" صنف فيه الأحاديث بحسب موضوعاتها تحت أسماء الصحابة الذين رووها ورتب هذه الأسماء بحسب الترتيب الهجائى. وبقيّ الذي كتب ترجمته الأمير عبد الله الزاهد- قد اشتهر في آخر حياته بالتقوى التي تكاد تبلغ مبلغ الولاية، ويعده ابن حزم في ميدان الحديث، نظيرًا للبخارى وغيره من أعلام المحدثين. المصادر: (1) ابن بشكوال: ، رقم 277 (2) الضبى، رقم 584 (3) ابن الفرضى رقم 281 (4) ابن عساكر تاريخ دمشق، جـ 3، ص 277 - 282 (5) ابن حزم: الرسالة (الترجمة الفرنسية بقلم Pellat في Al-Andalus، سنة 1954، الفصلان 17، 35 (6) ابن عذارى: البيان، جـ 2، ص 112 وما بعدها (7) النبهى: مرتبة، في مواضع مختلفة (8) الخشنى: القضاة، الفهرس

البكري

(9) المقرّى: Analectes، الفهرس (10) Studien Muh: I. Coldziher جـ 2 ص، 260 (11) الكاتب نفسه: Zahinten ص 115 (12) M-Asin palacios: Abenmasarra y su escuela ص 29، تعليق 412 (13) Hist.: E.Levi-Provencal .Esp Mus, الفهرس. (14) Brockelmann القسم 1، ص 271، والإشارات الواردة في. H d'ibn: Laousti profssion de fai La Batta، دمشق سنة 1958، 20، التعليق. خورشيد [بلا Ch. pellat] البكري أبو الحسن أحمد بن عبد الله بن محمد، ويبدو أن هذا هو الصيغة التي تحظى بأكبر قدر من القبول لاسم المؤلف المزعوم أو الراوي الأخير للقصص التاريخية التي تتناول السنوات الأولى للإسلام والذي ينسب إليه أيضًا فضل تأليف مولد وسيرة قصصية لحياة محمد [- صلى الله عليه وسلم -]. وترد أقدم سيرة خُصَ بها في كتاب للذهبي يسمى الميزان (طبعة القاهرة سنة 1325، جـ 1، ص 53). ويتحدث الذهبي ساخطًا عن البكرى ويصفه بأنه كاذب وملفق لقصص غير حقيقية تضمها كتب ميسورة عند الوراقين (والمظنون أنها للقى رواجًا كبيرًا). وإذا نظرنا بعين الاعتبار إلى المزيد من الحقائق التي تقول إن مخطوطًا لأحد مصنفاته (Vatican Borg رقم 125) يرجع إلى عام 694 هـ (1295 م) وأن الكتاب الذين أدركوا أواخر القرن الثالث عشر الميلادي استشهد بهم في سيرة النبي (Verzeichniss der Arab.: Ahlwardt Hss . Zu Berlin , رقم 9624) فإن، البكرى يكون قد عاش فيما يبدو في النصف الأخير من القرن الثالث عشر. وإذا كان هذا الاستنتاج يجب أن يظل حاليًا موضوعًا للتأمل العميق فإنه لا يوجد دليل مقنع يدعو إلى الشك في الصفة التاريخية لشخصية البكرى التي

لا تستقر على قرار. وإذا كان لقب "الواعظ البصري" الذي كان يلقب به بين حين وآخر، يمكن الوثوق به فإنه كان يحيا حياة ناشطة في العراق. وليس من المحقق بحال أن جميع المصنفات المنسوبة إلى البكرى ترد إلى كاتب واحد بعينه. مثال ذلك أن سيرة النبي [- صلى الله عليه وسلم -] تستشهد بأسماء حقيقية وكتّاب حقيقيين، بينما المصنفات الأخرى غامضة ومضطربة في إشاراتها إلى المصادر، وهي تؤثر الأسماء المختلفة في الحالات النادرة التي تذكر فيها أسماء الرواة، وفضلا عن هذا فالظاهر أن السيرة لم تكن معروفة بعد آنئذ للذهبي، وهناك إشارة إليها أضافها ابن حجر (في كتابه اللسان، جـ 1، ص 202) في السيرة التي نقلها عن الذهبي. ولم يتيسر بعد تقصى العلاقة بين المصنفات المختلفة أو بين النسخ المهذبة، ولكى نصل إلى نتائج سليمة لا بد أن ندرس كل المخطوطات العديدة المحفوظة في مكتبات مشتتة تشتتًا كبيرًا. المصادر: تبدأ معرفة الناس بالبكرى في الغرب بما كتبه L. Marracci (1) انظر Raccolta di: C.A Nallino Scritti، جـ 2، ص 115. (2) وانظر علاوة على هذا R.Paret Maghazi-Literatur Die Legendaere توبنكن سنة 1930, ص 155 - 158. (3) Brockelmann، جـ 1، ص 445. (4) بروكلمان، قسم 1، ص 616 (وهو أساسى في هذا الموضوع ولكن به أخطاء عدة شوهته). (5) فتوى تحرم قراءة السيرة التي كتبها للنبي - صلى الله عليه وسلم -، أصدرها ابن حجر الهيثمي: الفتاوى الحديثة، القاهرة سنة 1353 هـ = 1934 م، ص 116. وانظر علاوة على ذلك كتب المغازي والتاريخ. آدم [ف. روزنتال F. Rosenthal] + " البَكْرى" بن أبي السرور: اسم يطلق علي مؤرخين عربيين من الأسرة المصرية المشهورة التي تضم شيوخ الطريقة البكرية (من الشاذلية) محمد بن

على الصديقى المصري، المتوفى عام 1028 هـ (1619 م). وتضم مصنفاته علاوة على تاريخ عام في جزءين (عيون الأخبار، ونزهة الأبصار، وهو مختصر أيضًا في كتاب بعنوان تحفة [أو تذكرة] الظرفاء) تواريخ عدة عن الأتراك العثمانيين (فيض المنان، والدرر الأثمان في أصل منبع آل عثمان، والمنح الرحمانية، مع ذيل عن مصر عنوانه اللطائف الربانية) وتاريخ عن الفتح العثمانى لمصر (الفتوحات العثمانية) ومصنف عن محاولة قام بها محمد باشا والى مصر عام 1017 هـ (1608 - 1609 م) لإلغاء ضريبة تسمى حق الطريق (التفريج الكبرى في دفع [أو رفع] الطلبة). المصادر: (1) Brockelmann، جـ 2، ص 388. (2) بروكلمان قسم 2، ص 412. (3) Geschichtsschrei- Wuestenfeld ber، رقم 552. (4): Babinger ص 147. (5) حاجى خليفة، طبعة فلوكل Fluegel تعليقات أرقام 2619، 4981، 8458، 9325، 13152. (6) إسماعيل باشا بغدادى: هداية العارفين إستانبول سنة 1955، جـ 2، ص 216. وبالنسبة لأبيه أبي السرور (المتوفى عام 1007 هـ = 1598 - 1599 م) انظر المحبى: خلاصة الأثر، جـ 1، ص 117. 2 - محمد بن محمد بن أبي السرور، شمس الدين أبو عبد الله، ابن المؤرخ السابق، ولد حوالي عام 1005 هـ (1596 م) وتوفى حوالي عام 1060 هـ (1650 م). وله، إلى جانب تاريخ عام (سمير الأصحاب) وتاريخين عامين لمصر (الروضة المأنوسة، والروضة [أو النزهة] الزاهية في ولاة مصر القاهرة المعزية) تاريخ ثالث عن مصر عنوانه الكواكب السائرة يتناول بتفصيل أكبر العصر العثمانى حتى عام 1045 هـ (1634 م). وهذا المصنف، الذي لم ينشر بعد، ترجمة ده ساسى Le Liure des: S. De Sacy) EtOiles Errantes في Notices et Extraits des Manuscrits de La Bibliotheque du

Roi، جـ 1، سنة 1788, ص 165 - 280؛ وهناك ترجمة ألمانية عن النسخة الفرنسية نشرها G. Hanisch. هلدبر غر هاوزن سنة 1791) وأفاد منه على نطاق واسع مارسل (J.J. Marcel في كتابه Histoire d'Egypte. باريس سنة 1848) مع تكملة لهذا الكتاب بقلم مصطفى بن إبراهيم (انظر Marcel في الموضع المذكور، 25) تابع فيها الحوادث حتى عام 1168 هـ (1754 م). وتضم مصنفاته الأخرى تاريخًا للفتح العثمانى لمصر (التحفة الهية) ومختصرًا لكتاب الخطط للمقريزى بعنوان قطف الأزهار (ينسب هذا المصنف أحيانًا إلى عمه محمد بن زين العابدين بن محمد بن علي، شمس الدين أبي الحسن، المتوفى عام 1087 هـ[1676]؛ انظر المحبى: خلاصة الأثر، جـ 3، ص 465)، وسيرة للصوفى الشيخ الأعجمى الكرانى (الدر الجمانى) ورسالة في التصوف (درر الأعالى). المصادر: (1) Brockelmann، جـ 2، ص 383. (2) ص 409. (3) Geschichtsschrei-: Wuestenfeld ber، رقم 565. (4) Babinger: ص 188. (5) المصادر التي ذكرت في صلب المادة. آدم [س. ج. شو Stanford J. Shaw] + " البكرى" عبد الله بن عبد العزيز بن محمد بن أيوب بن عمرو أبو عبيد: أقدم جغرافي أندلسى وصلت إلينا موْلفاته. وعاش البكرى في النصف الثاني من القرن الخامس الهجرى (الحادي عشر الميلادي). وهو من قبيلة بكر العظيمة التي كان لها شأن كبير بين القبائل العربية في غربي الأندلس. وكان جده محمد بن أيوب قاضى لَبْلةَ واليًا على شلطيش ووَلْبَه Huelva في خلافة هشام المؤيد الزموى، وقد حاول -شأن غيره من الولاة- أن يستقل بحكم هذه الإمارة عقب سقوط الدولة الأموية وفي فترة الاضطراب التي يسميها مؤرخو الغرب عصر ملوك

الطوائف؛ ونجح محمد في محاولته هذه، ولكن ابنه عبد العزيز عجز بعد وفاته عن أن يثبت لهجمات المعتضد أمير إشبيلية الذي كان يحاول بسط سلطانه على الأندلس بأسرها. واضطر عبد العزيز إلى تسليم إمارته، وحمل أمواله وفر هو وولده البكرى سرًّا من شلطيش، ثم غادرها إلى قرطبة، وكانت هذه المدينة مستقلة في ذلك الوقت يحكمها طبقة من الأعيان بزعامة أسرة بنى جَهْوَر، وقد فتحت ذراعها لجميع الأمراء الذين اضطروا إلى الفرار من جوار أمير إشبيلية القوى. وأتم البكرى دراسته في قرطبة على أئمة علماء عصره. ولما توفى أبوه عام 456 هـ (1064 م) التحق بخدمة محمد ابن مَعْن أمير المَريّة الذي لقيه لقاء حسنًا وجعله بعد ذلك من صفوة خلصائه. وتابع البكرى دروسه في هذه المدينة وحضر على أعلامها ومن بينهم أبو مروان بن حَبّان. وفي عام 478 هـ (1085 - 1086 م) صحب البكرى بصفته سفير أمير المرية المعتمد بن المعتضد أمير إشبيلية في ركوبه البحر إلى مراكش ليطلب عون يوسف بن تاشفين المرابطى على نصارى قشتالة. ويلوح أن البكرى عاد إلى قرطبة بعد غزوة المرابطين مهما يكن من شيء فقد توفى بها في سن متأخرة في شوال من عام 487 (أكتوبر- نوفمبر 1094 م) ودفن بمقبرة أم سلمة وكانت للبكرى شهرة الرجل الذي لايرى بأسًا في أن يجمع بين حب بنت العنب وحب الشعر والأدب. وحظى أشعار البكرى بالتقدير وإن كانت مؤلفاته في فقه اللغة والأدب هي التي حازت الإعجاب والثناء، وخلدت اسمه بين الناس. وينسب له مصنفو العرب المؤلفات الآتية: 1 - كتاب في أعلام نبوة نبينا محمد. 2 - شفاء عليل العربية. 3 - الأمثال السائرات: وهو شرح على كتاب الأمثال للقاسم أبي عبيد بن سلام. (4) كتاب في اللآلى على كتاب الأمالى، وهو شرح على كتاب الأمالى لأبي على القالى (مخطوط وحيد في توبنكن Tuebingen).

(5) كتاب معجم ما استعجم. (6) كتاب المسالك والممالك. ويظهر أن الكتاب الأول صنفه ليدفع عن نفسه تهمة الزندقة وعدم الاحتفال بالدين، وهي تهمة كثيرًا ما كانت توجه للعلماء في صدر العهد المرابطى وتجر على من يتهم بها أفدح الأخطار. أما المصنفات الثلاثة التالية فهي رسائل وشروح في فقه اللغة. والمعجم يبحث في الجغرافية القديمة، وهو بمثابة معجم للبلدان المشكوك في رسم أسمائها مما ورد في الحديث وفي المصنفات التاريخية القديمة وفي الشعر الجاهلى، ومعظمها يتعلق بجزيرة العرب أما النواحى الأخرى فترد فيه عرضًا. وقد نشر هذا الكتاب فستنفلد (Wuestenfeld, كوتنكن- باريس، في مجلدين، عام 1876 - 1877). وترجع شهرة البكرى بصفة خاصة إلى مصنفه "كتاب المسالك والممالك"، ولم يصل إلينا هذا المصنف كاملًا. وهو كمعظم المؤلفات الجغرافية التي ظهرت في العصور الوسطى كتب ليكون دليلا للمسافر الجائل. وهو في بعض أجزائه ينقل عن أمهات المصنفات القديمة التي لم تصل إلينا؛ ومع ذلك فإن البكرى في هذا الكتاب معلومات استمدها من خبراته الخاصة. وكان الكتاب في الأصل من عدة مجلدات تضم إلى جانب ما كان معروفًا من العالم لمسلمى القرن الخامس فصولا مستقلة في التاريخ والأنساب. ونقل المصنفون المتأخرون عنه كثيرًا. ولم يبق من هذا الكتاب إلا أخبار شمالي إفريقية وصفحات في صفة الأندلس ووصف لمصر أقل شأنًا من وصف المقريزى وإشارات عن العراق وماوراء النهر. وقد نشر ده سلان De Slane الجزء الخاص بإفريقية عام 1857 م وترجمه عام 1858 م. وظهرت لهذا الجزء طبعة منقحة في الجزائر عام 1910 م تحت إشراف حكومتها. ونشر وترجم كونيك Kunik وفون روزن Von Rosen قطعًا من الكتاب خاصة بالروس والصقلب (Izuiestija Al Bekri i drugich awtorof o i Slawjanach Rusi سانت بطرسبرغ عام 1878).

المصادر: (1) ابن بشكوال: الصلة، طبعة Codera مدريد سنة 1883، جـ 2، ص 282 رقم 628. (2) السيوطي: بغية الوعاة، القاهرة، سنة 1326 هـ، ص 285. (3) المَقَّرى: نفخ الطيب، ليدن سنة 1858، جـ 2، ص 124 وما بعدها. (4) حاجى خليفة، طبعة فلوكل، جـ 1، ص 435، جـ 4، ص 53، جـ 5، ص 510، 625، 630. (5) De Slane: مقدمته لوصف إفريقية الشمالية لأبي عبيد البكرى، الجزائر سنة 1857. (6) Dozy: Corrections sur Les textes du Bayanoll Mogrib، ليدن سنة 1883 م، ص 118 - 123. (7) Ensayo Bio - Bib-: Pons Boigues liografico , مدريد سنة 1898 ص 160 (8) Gesch. der arab: Brockelmann Litt فيمار سنة 1898، جـ 1، ص 476. [كور A. Cour] + البكرى أبو عبيد، عبد الله بن عبد العزيز محمد بن أيوب كان هو والشريف الإدريسي أعظم جغرافيين للمغرب الإسلامي، كما كان البكرى خير من مثل العلم العربي الأندلسى الواسع في القرن الخامس الهجرى (الحادي عشر الميلادي). ونحن لا نعلم إلا القليل عن تفصيلات حياة أبي عبيد البكرى، ومع ذلك فإن في الإمكان أن نصف الوجوه المختلفة لنشاطه العلمي، وكلها مارسه البكرى في وطنه. والحق إنه لم يرحل، فيما يظهر، في الشرق قط، بل لم يزر شمالي إفريقية الذي يصفه بالرغم من ذلك وصفًا بالغ الدقة. وأهم وقائع حياته فيما بلغ إلى علمنا هي: كان أبوه عز الدولة عبد العزيز البكرى الأمير الوحيد (أو قل الثاني بعد أبيه أبي مصعب محمد بن أيوب) لإمارة ولَبْةَ وثَلْطيشَ الصغيرة التي قامت سنة 403 هـ (1012) وقت سقوط الخلافة المروانية في قرطبة، على الساحل الأطلسي لشبه الجزيرة الأيبيرية غربي لَبْلةَ بمسافة غير بعيدة.

وفي سنة 443 هـ (1051 م). اضطر عز الدولة متأثرًا بالضغط السياسي الذي أثقل به كاهله المعتضد ابن عباد أن ينزل عن إمارته لملك إشبيلية فضمها هذا الملك إلى أملاكه، ولا شك أن أبا عبيد، الذي لانعرف تاريخ مولده، كان وقتذاك في الثلاثين على الأقل. وقد صحب أباه إلى قرطبة وكان قد اختارها مقاما جديدًا له تحت حماية أميرها أبي الوليد محمد بن جهور يسخو في بسطها أحيانًا ويشح أحيانًا وهذه هي -على كل حال- الوقائع الخاصة التي أوردها ابن حيان (المتين في ابن بسام: الذخيرة، جـ 2، ونقلها ابن عذارى: البيان المغرب، جـ 3 ص 240 - 242، Abbad: Dozy جـ 1، ص 252 - 253) ولا وجه للشك فيها، ولكن ثمة مصدرًا آخر (ذيل البيان، جـ 3، ص 229) يقرر أن أبا عبيد وأباه الذي توفي سنة 456 هـ (1064 م) انسحبا إلى إشبيلية، وهو أمر غير مستبعد. وأيا كان الأمر فإن أبا عبيد لم يلبث أن اشتهر في عالم الكتابة. كان تلميذًا للإخبارى أبي مروان بن حيان وغيره من الأئمة ذوي الصيت، وكان يتنقل في دوائر بلاط أمراء الأقاليم، وخاصة بلاط بنى صُمادح في الممَريَّة. ولما شهد من بعد تدخَل المرابطَين العسكرى والسياسى في الأندلس ودوال مُلك ملوك الطوائف دواليك، كان قد كتب معظم كتبه العديدة التي كان يجهز لها بجمع ما لا يحصى من المذكرات. واستقر البكرى في قرطبة التي كان قد ردها السلطان يوسف بن تاشفين إلى مكانتها قصية للأندلس، وفيها توفى البكرى في سن وافية في شهر شوال سنة 487 هـ (أكتوبر- نوفمبر سنة 1094 م؛ سنة 496 هـ في قول الضَبِّى الذي يلقبه بلقب "ذي الوزارتين"). وإذا حكمنا على أبي عبيد البكرى بتنوع مصنفاته ظهر لنا في صورة "المشارك" الأمثل، فقد حصل معرفة واسعة جدًّا بمختلف فروع العلم. وكان أساسًا جغرافيًا، ولكنه كان في الوقت نفسه أيضًا متكلمًا، وفقيهًا لغويًّا، وعالمًا في النبات، بل لقد كان يمارس فن الشعر، ذلك أن من ترجموا له نقلوا له بعض الأبيات في الخمر: وكان قد طار

له صيت بأنه معاقر للخمر عتيد. ووصف إلى ذلك بأنه محب للكتب يحفظ مخطوطاته القيمة في أظرف من النسيج الجيد. أما في ميدان الدين فإن ابن بشكوال ينسب إليه كتابًا "في أعلام نبوة نبينا" دون أن يذكر عنوانه، وينسب إليه ابن خير (الفهرسة، با هـ، -9 - 10، ص 325، 326، 343، 344) أربعة مصنفات: (1) نقد لأبي على القالى عنوانه "التنبيه على أوهام أبي على القالى في كتاب النوادر" طبعة صالحانى، في أربعة مجلدات، القاهرة سنة 1344 هـ = 1926 م؛ انظر بروكلمان، قسم 1، ص 202. (2) شرح لأمالى أبي على القالى عنوانه "سمط اللآلى في شرح الأمالى"، طبعة عبد العزيز الميمنى، القاهرة سنة 1354 هـ = 19366؛ انظر بروكلمان: الموضع المذكور. (3) شرح للأبيات التي استشهد بها في "الغريب المصُنَفَّ" لأبي عبيد القاسم ابن سلام، عنوانه "صلة المفصول". (4) شرح لمجموعة أمثال الكاتب نفسه- أبو عبيد بن سلام- عنوانه "فصل المقال في شرح كتاب الأمثال" (مخطوطات منه في إستانبول؛ انظر M.O جـ 7، ص 123؛ Zeitschr. .Der Deutsch. Morgenl Gesells, سنة 1910؛ بروكلمان، قسم 1، 166، التعليق). ونذكر له أخيرًا كتابًا آخر، شبه تاريخي وشبه لغوى، يظهر أنه فقد وهو "المؤتلف والمختلف في أسماء القبائل العربية. وكتاب أبي عبيد البكرى في النبات هو"كتاب النبات" وقد ذكره أيضًا ابن خير في كتابه الفهرسة (ص 377) والظاهر أنه لم يوجد بعد مخطوطًا. ومهما يكن من شيء فإن له مكانه في سلسلة الرسائل الأندلسية في صفة النبات المرتبة مواده حسب الأحرف الهجائية، وكان مرجعًا مباشرًا للمحتسب والعالم الطبيعي ابن عبدون الإشبيلي من أعيان القرن السادس الهجرى (الثاني عشر الميلادي) في تصنيف كتابه "عمدة الطبيب في شرح الأعشاب" وهذه الرسالة في النبات

التي وصفها ابن أبي أصيبعة في أسطر قليلة تدور في جوهرها - مثل رسالة ابن عبدون حول شبه جزيرة الأندلس؛ ولم يفد من رسالة البكرى ابن عبدون فحسب، بل أفاد منها أيضًا العالمان الطبيعيان الغافقى وابن البيطار. أما مصنف أي عبيد البكرى في الجغرافيا الذي تقوم عليه معظم شهرته في العالم العربي فكتابان متفاوتان في الأهمية والحجم، وهما "معجم ما استعجم" و"المسالك والممالك". والمعجم الذي نشره فستنفلد بخط المؤلف (F. Das Geographische Woer-: Wuestenfeld terbuch، كوتنكن، سنة 1876 - 1877؛ ونشر في القاهرة في أربع مجلدات سنة 1945 - 1951) هو ثبت بأسماء أماكن معظمها من جزيرة العرب، ترد في شعر الجاهلية وفي كتب الحديث وأثار هجاؤها الخلاف، وقد مهد البكرى للثبت بمقدمة للوضع الجغرافي لجزيرة العرب القديمة ومنازل أهم القبائل فيها. وأما المسالك، وهو عمدة كتب البكرى، فليس بين أيدينا بعد إلا جزء منه على هيئة قطع مطولة لم تنشر كلها حتى الآن: المجلد التمهيدى للمسالك الذي يتناول الجغرافيا العامة للشعوب الإسلامية وغير الإسلامية (مخطوط بباريس، المكتبة الأهلية رقم 5905) لم ينشر بعد الجزء الأكبر منه (قطعة عن الروس والصقالبة نشرت في سانت بطر سبرغ سنة 1878 بمعرفة كونيك وفان روزن: Lzvestiya al-Bokri i A.Kunik & V.Rosen drugikh avtorov o Rusti Slavyanakh، جـ 1؛ انظر أيضًا: A.Seippel: erum Normannicorum Fontes Arabici، أوسلو، سنة 1896 - 1928) على أن الجزء الذي لاشك في أنه أكثرها أهمية هو ذلك الذي يتناول المغرب الإسلامي، وقد عرف فيما يتعلق بإفريقية، من طبعته وترجمته الفرنسية (وهما الآن عفى عليهما الزمن) اللتين قام بهما ده سلان (Description de - L Afrique: MacGuckin de Slane Sep tentrionae المتن العربي، الجزائر سنة 1857؛ الطبعة الثانية، الجزائر سنة 1910؛ الترجمة الفرنسية، في Jour-As سنة 1857 - 1858؛ الطبعة الثانية المترجمة، الجزائر سنة 1910):

وقبل ذلك نشرت سنة 1831 ترجمة مختصرة في باريس بقلم كاترمير (- Notices et extraits: Quatre mere جـ 12). وقد نشر كاتب هذه المادة بعض أجزاء غير منشورة من المسالك تتعلق بالأندلس وحقق الشواهد الواردة في المصنف التاريخي الجغرافي الموسوم بالروض المعطار لابن عبد المنعم الحميرى السبَتْى (- La Peninsule ibe rique au Moyen-Age، ليدن سنة 1938، ص 245 - 252؛ وانظر أيضًا La De- scription de I'Eespagne لأحمد الرازي في Al-Andalus سنة 1953، ص 100 - 104) معتمدًا على مخطوط في مكتبة جامع القرويين في فاس وفيه أكثر قطعة تفصيلا تيسرت لنا بعد في وصف شبه الجزيرة الإيبيرية. وقد جرى البكرى على السنة المألوفة لدى جغرافي زمنه وجغرافيى القرون السابقة عليه، فاتجه أولًا وقبل كل شيء -كما يستدل من عنوان كتابه "المسالك والممالك" إلى إظهار كتابه في ثوب دليل طريق يشمل تقديرًا للمسافات بين كل مدينة أو محطة، وكان ذلك خليفًا بأن ينتهى بالكتاب إلى ثبت جاف بالأسماء، وهذا الثبت على أهميته لا يعدو أن يكون ذكرًا مجردًا للمعالم، إلا أن البكرى طبعه بطابعه الخاص فراح يتخير مادته من ذلك الحشد من الخصائص التي اجتهد في جمعها. وهذه المادة تتعلق إلى حد كبير بالتاريخ الاجتماعى بل السلالى، وهذا هو الذي يسبغ على كتاب البكرى "المسالك الممالك" قيمته التي لاتقدر فيما يختص بالمغرب على الأقل. وكان عقل البكرى عقلًا متطلعًا منهجيًا، ولذلك فهو قد رسم بعض الصور الإجمالية التاريخية التي لم يضارعه أحد فيها بعد قط، إذ لا تزال أخباره عن الأدارسة المرابطين مثلًا الأساس الأوثق لوثائقنا عن الأدارسة ولوثائقنا عن أصول المرابطين. ومعظم أوصافه للبلدان دقيق إلى حد عجيب. ومادته عن أسماء الأماكن في المغرب وإفريقية وبلاد السودان وافية وفاء لا تقل أهميته عما ذكرنا. ومن نافلة القول أن نذكر أن أبا عبيد حين أخذ يكتب وصفه القيم لشمالى

إفريقية، كان بين يديه في مقره بقرطبة وإشبيلية الروايات الشفوية التي كان يوافيه بها الناس القادمون من إفريقية أو المغرب، وكان بين يديه أيضًا كتب الكتُاب الآخرين الذين تناولوا هذه الأقطار بالحديث. والمصدر العمدة الذي ذكره البكرى عدة مرات في كتابه هو "المسالك والممالك" لمحمد بن يوسف الوراق في جغرافية إفريقية. وهذا الرجل "الوراق" وانظر Brunschvig . R في - Melanges Gaudefroy - Demom bynes، القاهرة سنة 1935 - 1945، ص 151 - 152) الذي عاش مدة طويلة في القيروان قبل أن يشخص إلى قرطبة ليستقر فيها على عهد الخليفة الحكم الثاني بناء على دعوته، قد يسر للبكرى الذي أفاد من كتابه (يبدو أنه الآن مفقود) أن يزودنا بمعلومات ترد إلى القرن العاشر الميلادي، وكان البكرى يستطيع أن ينهل منها كما يشاء. زد على ذلك أنه كان بين يدي البكرى وثائق من مخطوطات قرطبة (مثال ذلك فرقة برغواطة المتزندقة على أن عدم إشارته إلى تدخل المرابطين في الأندلس يؤيد الدليل بأن البكرى انتهى من كتابة "المسالك والممالك" سنة 460 هـ (1068 م) أي قبل وقعة الزلاقة بثمانية عشر عامًا. أما عن مرجعه فيما يختص بأسبانيا المسيحية وبقية أوربا فيحق لنا أن نقول في الختام بأن أبا عبيد بنقل رواية عن يهودى من طرطوشة هو إبراهيم بن يعقوب الإسرائيلى الذي عاش في أوائل القرن الرابع الهجرى الموافق العاشر الميلادي (نقل عن هذا اليهودى رواية عن العذرى، ذلك أن القزوينى أيضًا يذكر هذا الرواية بطريق غير مباشر)، على أن كتاب هذا اليهودى (ربما كان مكتوبًا بالعبرية ثم ترجم إلى العربية أو اللاتينية؟ ) يظهر أنه فقد. والأجزاء التي بقيت من كتاب "المسالك" تستأهل حقًّا أن تنشر نشرًا نقديًا كاملًا وتستحق دراسة منهجية، وكذلك فإن دراسة لغة الكاتب لم ينهض بها أحد بعد. والبكرى وغيره من كتاب رسائل الحسبة- مثل ابن عبدون الإشبيلي وابن عبد الرءوف والسقطى المالقى وأصحاب الرسائل في الفلاحة- هو الكاتب الأندلسى الذي تشمل

مفرداته طائفة كبيرة من الأسبانيات. أما من حيث الموقف الاقتصادى في المغرب أيام القرنين العاشر والحادى عشر الميلاديين (معلومات عن المقاييس والمكاييل وتكاليف المعيشة، والعلاقات التجارية؛ والاتجار في السلع والأدوات الكمالية) فإن كتابه حتى في الأجزاء التي بقيت لنا يزودنا بحشد من المعلومات تتيح لنا أن نضع قوائم تحليلية وخرائط، شأنه شأن "نزهة المشتاق" للشريف الإدريسي الذي يعد هو الآخر رائعة من الروائع في الجغرافيا التاريخية للعالم الإسلامي في القرون الوسطى، وإن كانت متأخرة في الزمن بعض الشيء عن كتاب البكرى. المصادر: (1) إن الأخبار في ترجمة حياة البكرى كلها قصيرة لا تحتوى إلا على القليل من التفصيلات: ابن بشكوال: الصلة، رقم 628. (2) الضبى: البغية، رقم 930. (3) ابن الأبار: الحُلَّة السيَراء (في Corrections ... : Dozy، ليَدن سنة 1883، ص 118 - 123). (4) الفتح بن خاقان: قلائد العقيان، ص 218. (5) ابن سعيد: المغرب، جـ 1، القاهرة سنة 1953، ص 347 - 348 (6) ابن بسام: الذخيرة، جـ 2 (بيان منقول عن ابن سعيد) (7) السيوطي: البغية، ص 285. (8) ابن أبي أصيبعة، جـ 2، ص 52. (9) المقرى: نفح الطيب = - Ana Lectes - جـ 2، ص 125. (10) وانظر أيضًا: Pons Boigues: Ensayo، رقم 125. (11) La geo-: J.Alemany Bolufer grafia de la Paninsula iberica en Los escritores arabes, غرناطة سنة 1921، ص 45 - 46. (12) Extraits des: R. Blachere Principaux geographes arabes باريس سنة 1932، ص 183، 255 (ويشمل تقديرًا مهما كل الإبهام لقيمة البكرى وأسلوبه من حيث هو مرجع) (13) La Penin-: Levi - Provencal

sule iberique au Moyen Age, ليدن سنة 1938، 21 - 24. (14) Brockelmann: جـ 1، ص 476؛ قسم 1، ص 875 - 876. (15) وبيانا Introduction: Reinaud a La Geographie d' Abuulf eda، ص 103 و M.G. de Slane في مقدمة طبعته غير الكاملة، هما الآن قد عفى عليهما الزمن. (16) أما عن المواد الخاصة بشرقى أوربا الواردة في البكرى نقلا عن إبراهيم الطرطوشى فانظر: - C. E. Du Abu Hamid al - Granadinoy su: bler -relacion de Viajekstierras eurasiati cas? مدريد سنة 1953، ص 161 - 162. خورشيد [ليفى بروفنسال- E. Levi Provencal] + " البكرى": محمد بن عبد الرحمن الصدِّيقى الشافعي الأشعرى، أبو المكارم شمس الدين: شاعر ومتصوف عربي، ولد عام 898 هـ (1492 م) وكان يعيش سنة في القاهرة وسنة في مكة، وتوفي عام 592 هـ (1545 م)، وله إلى جانب ديوانه الموجود في المكتبة الأهلية بباريس (فهرس المخطوطات العربية لده سلان De Slane رقم 3229 - 3233؛ الفهرس المفصل للمخطوطات العربية والفارسية والتركية المحفوظة في مكتبة كلية ترينتى Trinit Collegey, كمبردج سنة 1870 م، رقم 55 - 57) مجموعة من الشعر الصوفى عنوانها "ترجمان الأسرار" (Katalog der islam.: Vollers usw Hdss der Universitaets biblioth Zu Leipzig رقم 573؛ Derenbourg: فهرس المخطوطات العربية بالإسكوريال، رقم 439) وعدة رسائل صغيرة في التصوف. ويحوى المخطوط المحفوظ بمكتبة كوتا Gotha تحت رقم 865 مجموعة منها. وصنف البكرى منظومة في تاريخ فتح مكة عنوانها "الدرة المكللة في فتح مكة المبجلة" طبعت في القاهرة عام 1278 هـ (1861 م) و 1282 هـ (1865 م) و 1293 هـ (1876 م) و 297 هـ (1879 م) و 1300 هـ (1882 م) و 1301 و 1303 و 1304 هـ وله

كذلك مصنف في التاريخ عنوانه "ذخيرة العلوم ونتيجة الفهوم" (Die ar. Hdss. zu Gotha ; Prtsch، رقم 1578). المصادر: (1) على باشا مبارك: الخطط الجديدة بولاق سنة 1306 هـ، جـ 3 ص 127. (2) Die Geschichts-: Wuestenfeld chreiber der Araber، رقم 520. (3) Gesch, der: Brockelmann arab Littr جـ 2، ص 334، 382. [بروكلمان C. Brockelman] +" البكرى" مصطفى بن كمال الدين بن علي الصديقى الحنفي الخلوتى محيي الدين: كاتب ومتصوف عربي ولد بدمشق في ذي القعدة من عام 1099 هـ (سبتمبر عام 1688 م) وتيتم في حداثته فكفله عمه وانضم إلى طائفة الدراويش الخلوتية. وزار بيت المقدس لأول مرة عام 1122 هـ (1710 م) وهناك كتب مصنفه في الأدعية وعنوانه "الفتح القدسى" وحصل على فتوى من على قره باش الأردنى بآن الجهر بتلاوة هذه الأدعية آخر الليل ليس بدعة كما زعم أحد خصوم البكرى، ورجع محيي الدين التي دمشق في شعبان من العام نفسه (أكتوبر عام 1710) ولكنه تردد على بيت المقدس في الأعوام التالية حيث تعرف إلى الوزير راغب باشا الذي صحبه في رحلة إلى القاهرة، وذهب في كنف هذا الوزير من بيت المقدس إلى إستانبول في أوائل عام 1335 هـ (أكتوبر 1722 م) فوصلها في السابع عشر من شعبان (24 مايو 1723 م). ورجع إلى بيت المقدس بعد ذلك بأربع سنين وقد حج إلى مكة عام 1148 هـ (1735 م) وكان قد نوى الحج منذ عام 1129 هـ (1717 م) ولكنه انصرف عن ذلك لخلاف بينه وبين عمه. وذهب إلى إستانبول ثانية عام 1148 هـ (1735 م) ثم عاد بحرًا عن طريق

الإسكندرية فالقاهرة. وفي حجته الثانية ذهب إلى ديار بكر ومكث بها ثمانية أشهر. ورجع إلى بيت المقدس في شوال عام 1152 هـ (يناير 1740 م) بعد أن قضى في نابلس أحد عشر شهرًا وتوفى محيي الدين البكرى في القاهرة عام 1162 هـ (1749 م) وهو يتأهب للحجة الثالثة. ويمكنك الرجوع إلى بروكلمان فيما يختص برسائله الصوفية وأدعيته وأشعاره (انظر أيضًا الحكم الإلهية والموارد الهية؛ Katalog der islam.: Vollers -usw. Hdds Der Universititaetsbiblio thek zu Leipzig , رقم.850، جـ 2؛ والوصية الجليلة للسالكين طريق الخلوتية، جـ 4؛ Littmann . E: A list of Arabic Mss in Princeton University 'Library رقم 351 b) . وكل مصنفات البكرى مخطوطة لم تطبع بعد ما عدا "مجموع صلوات وأوراد" الذي طبع في القاهرة عام 1308 هـ: وقص البكرى أخبار حلته الأولى من دمشق إلى بيت المقدس عام 1122 هـ (1710 م) بعنوان "الخَمْرَة الحسية في الرحلة القدسية" (Verzeichnis der: Ahlwardt Hdss zu Berlin، رقم 6149) ووصف رحلته من دمشق إلى بيت المقدس ومكوثه بها في كتابه "المدامة الشآمية في المقامة الشآمية" (المصدر المذكور، رقم 6148). المصادر: (1) المرادى: سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر، القاهرة سنة 1291 - 1301 هـ، جـ 4، ص 190 - 200. (2) الجبرتى: عجائب الآثار في التراجم والأخبار، بولاق سنة 1297 هـ جـ 1، ص 125 - 126. (3) على باشا مبارك: الخطط الجديدة، بولاق سنة 1306 هـ، جـ 3، ص 126. (4) Cesch. der. ar: Brockelmann .Litt جـ 2، ص 348. [بروكلمان C. Brockelmann]

بكاء

بكاء " بَكّاء" والجمع بُكّاءون وُبكّاء، زهاد يذرفون في تعبدهم دموعًا غزيرة. ويتسم الزهد والتصوف في العهد الإسلامي الأول بشعور قوى بالذنب، وندم شديد، وذلة وخشوع وحزن. وكان الضحك مستقبحًا. والبكاء هو المظهر الخارجى لهذا المسلك. وقد ورد في القرآن الكريم (سورة الإسراء، الآية 109) "ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعًا" وورد فيه (سورة مريم الآية 58) "وممن هدينا واجتبينا إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجًدًا وبكيًا". ثم إن الحديث الشريف يقر علاوة على ذلك كله ذرف الدموع في العبادات ويثنى عليه. ويقال إن النبي صلى الله عليه وسلم بكى بصوت مسموع في بعض الأوقات، وهو يؤدى فريضة الصلاة. ويروى أن الخليفتين أبا بكر وعمر انتهجا المسلك نفسه. ومن الممكن أن نورد قائمة طويلة بأسماء الزهاد البكائين، أو على الأقل الذين امتدحوا البكاء، من كتاب حلية الأولياء لأبي نعيم. وينتمى لهذه الطائفة شخصيات مشهورة مثل الحسن البصري، وابن سيرين، ومالك بن دينار، وأبي الدرداء (الذي كتب هو نفسه مصنفًا خاصًّا ونعنى به "كتاب الرقّة والبكاء") وإبراهيم النَخْعى، وأبي سليمان الدارانى، وفُضَيل بن عياض، وحبيب العَجَمى، وعبد الواحد ابن زيد، وسفيان الثَوْرى، وذى النون المصري، ويحيى بن معاذ الرازي إلخ. ومع ذلك فليس هناك إلا قلة ممن لقبوا بلقب البكاء، أو على الأقل أطلق عليهم لقب البكائين ومنهم يحيى البكاء (في البصرة، حلية الأولياء، حـ 2، ص 347) وأبو سعيد أحمد ابن محمد البكاء (حلية الأولياء، حـ 7، ص 385) ومطرف بن طريف، ومحمد بن سوقة، وعبد الملك ابن أبجر، وأبو سنان ضرار بن مرة (هؤلاء الأربعة فىَ الكوفَة: حلية الأولياء، حـ 5، ص 4، حـ 5، ص 91) وسيار النباجى (الملقب بلقب الباكى، حلية الأولياء، حـ 10، ص 166) وهيثم البكاء وصفوان بن محْرِز (الجاحظ: البخلاء، ص 5)، وهشام ابن حسان (Some Semitic: Wensinck Rites of Mourning، ص 85 وما بعدها)

وإبراهيم البكاء (السُلَمى: طبقات الصوفية، ص 87). واشتهر بالبكاء أيضًا صالح المرُىَ، وغالب الجَهْضَمى وكهمس، ومحمد بن واسع. ومهَما يكن من شيء فإن هؤلاء البكائين لم يكونوا طبقة خاصة، كما يرى- فيما يبدو- نيكلسون) (R. A. Nicholson في E.R.E. ص 100، 2) وفنسنك (Some Semitic Rites: A.J.Wensinckl 86) وماسينيون ص 86) وماسينيون (Essai: L.Massignon): ص 167) ولامنسن milieu basrien et la formation de Gahiz . ص 94) ودوزى R.Dozy): Suppl انظر بكاء Bakka) . وظل لفظ بكاء أميل إلى أن يكون لقبًا يطلق على كل من يبكى بدمع غزير ولا يكنى به الفرد إلا عرضًا، وهو يشبه إلى حدما لفظ حَمّاد الموجود في حلية الأولياء (جـ 5، ص 69) والذي يسمى به من يسبح بحمد الله في السراء والضراء. (ابن قتيبة: عيون الأخبار، حـ 2، ص 284؛ حلية الأولياء، حـ 5، ص 164). وكان محمد بن واسع، وهو نفسه من كبار البكائين، يرى أن من الأمور التي تنافى العقل أن يلقب نفسه بلقب بكَاء (حلية الأولياء، جـ 2، ص 347). ويحدثنا أبو الدرداء عن ثلاثة أمور أبكته: هول المطلع، وانقطاع العمل، وموقفه بين يدي الله لا يدرى أيامر به إلى الجنة أم إلى النار (الجاحظ: البيان، حـ 3، ص 151؛ ابن قتيبة: عيون الأخبار، حـ 2، ص 359). ويرى يزيد بن ميسرة أن للبكاء على العموم سبعة أسباب: الفرح، والحزن، والفزع، والوجع، والرياء، والشكر، وبكاءٌ من خشية الله (حلية الأولياء، حـ 5، ص 235)، بل إن أبا سعيد الخراز يذكر ثمانية عشر سببًا تعد كلها، على آية حال، ثانوية بالنسبة لثلاثة أنواع من البكاء: إحساس المرء بأنه بعيد عن الله، وأنه قريب من الله، وأنه مع الله (السراج: اللمع في التصوف، طبعة نيكلسون Nicholson، ص 229). ويدور بكاء البكائين حول: خشية الله، ويوم الحساب وعدم اليقين من الموقف بين يدي الله؛ وعذاب جهنم. وكثيرًا ما يبكى المرء على ما فرط من

ذنوبه، وعلى ما انتابه من ضعف شخصى، وعلى السنوات الماضية التي أضاعها هباء، أو على الماضي الذي لا يمكن أن يتبدل أثناء فترة ابتلائه على ظهر الأرض. ويمكن أن يكون البكاء منبعثًا من الرحمة بالآخرين والإشفاق على الذين يضلون سواء السبيل والترحم على الموتى الذين لم يعد في وسعهم أن يعملوا لإصلاح ما قدر عليهم، أو ينشأ من الحنين إلى دار البقاء والشوق إلى الله وغير ذلك. وكثيرًا ما يبكون أملا (وهنا يمكن أيضًا أن نتخذ الحديث - إلى حد ما - مصدرًا نستند إليه) في عفو الله ورحمته ووقايته يوم القيامة والنجاة من النار وغفران ذنوب المرء، أو حتى الصفح عن ذنوب غيره من الناس، ودخول الجنة، والثواب. وكما أن السائل الذي يستطيع أن يبكى تتاح له فرصة أكبر في بلوغ أمله (Die Mun-: Karl Hadank 109) darten von Khunsar etr) فإن السائل الروحى أيضًا يأمل بالبكاء أن يستدر رحمة الله، ومن ثم فإنه ربما يتاح له، بين آن وآخر، أن يتحمل جانبًا من عقابه في العالم الآخر. وقد ورد في أحد النصوص "بين الجنة والنار مفازة لا يقطعها إلا كل بكَاء" (حلية الأولياء، حـ 8، ص 149). والصلاة (وتشمل الفريضة) وذكر الله، وتلاوة القرآن الكريم، وقراءة الأحاديث الشريفة، والعظات، والقصص الهادي، وسماع الخطب الدينية، والتفكر- كل هذا مما يثير البكاء. وإنا لنعلم أن المسلم الورع يقوم الليل ويبكى حتى الصباح وهو يتدبر معنى آية من آيات القرآن الكريم التي يغلب عليها توعد العاصى بالعقاب. ونسمع أحيانا عن بكاء بعض الناس وهم يؤدون الصلاة تضرعا لله، وكثيرًا ما يكون هذا أمام الكعبة، وهم يتعلقون بأستارها (الكسوة) أو يقفون أمام الحجر الأسود، ويحدث هذا ايضًا كثيرًا في المدافن عند مشاهدة المقابر. والقراء ورواة الأحاديث والوعاظ والقُصاص (المفرد قاص)، يطلقون في تلاوتهم العنان لدموعهم، وكثيرًا ما يدفعون المستمعين إلى البكاء أو يجعلونهم يذرفون الدموع. ويقال إن قاصا كان يقول لمستمعيه قبل كل

خطاب يوجهه إليهم: "أعيرونى دموعكم! " (حلية الأولياء، حـ 5، ص 112). وكانت محاضر (جمع محضر) تعقد يبكى فيها الحاضرون بكاء شديدًا ويتناولون بعدها وجبة [حلية الأولياء، حـ 2، ص 347). وقد يلتقى مسلمان ورعان ويشرعان في حديث دينى ويذرفان الدموع وهما يتدبرانه. ويقال إن محمد بن سوقة وضرار بن مرة كانا يلتقيان بانتظام كل يوم جمعة لهذا الغرض (حلية الأولياء، حـ 5، ص 4؛ حـ 5، ص 91)، وإن بَديلًا وشُمَيتًا وكهمسا اجتمعوا في بيت بعضهم في إحدى المناسبات فقالوا: "تعالوا اليوم حتى نبكى على الماء البارد (الذي سنفقده يوم القيامة)! " (حلية الأولياء حـ 6، ص 213). ويمكن أن نجد في كتاب حلية الأولياء (حـ 4، ص 255 - 260) ولولة طويلة لبكاء (وردت فيها الكلمة المميزة "ويحيى")، أما الولولة الأقصر كثيرًا فنجدها في كتاب عيون الأخبار (حـ 2، ص 284) , وهناك نقاش دينى دار بين ثلاثة من البكائين ورد في كتاب حلية الأولياء (حـ 10، ص 163). وتروى قصص خارقة عن مقدار الدموع التي استطاع بكّاء أن يذرفها: فيقال إن واحدًا من البكائين ظل يبكى في بعض الأوقات ثلاثة أيام وليال سويًا، وبكى آخرون حتى اخضلت لحاهم أو ابتلت وسائدهم، وبلل آخرون بدموعهم أكياسا كاملة من الرمال. وكانت دموع أحد البكائين تسمع وهي تتناثر على قدميه؛ وقيل إن آخر جلس بعد البكاء في ردغة من دموعه فظن الناس أنه توضأ فيها. وتصببت الدموع من عينى أحدهم على الأرض فنبت العشب؛ وبكى آخر عمدًا في سراب. وأدى تدفق الدموع من عيون البكائين إلى حفر أخاديد عميقة في خدودهم، وآخرون تساقطت أهدابهم وجفونهم، وغيرهم تشوهت ضلوعهم، وأصبحت عيونهم ضعيفة البصر أو أصيبت بالعمى. ويتردد ذكر حالات حدث فيها إغماء بل وفاة. وكان يعتقد أن القدرة على البكاء فضيلة ودليل على الغيرة الدينية الحقة

ورحمة الله. وقيل "ليس في وسع كل سائل أن يبكى" (عبد الله الأنصاري الهروى: الرسائل، طهران سنة 1319، ص 51). ويروى أن أبا بكر قال عندما رأى بعض أهل اليمن يبكون لما قرأ عليهم القرآن: هكذا كنا حتى قست القلوب (الجاحظ: البيان، حـ 3، ص 151). وضرب عامر بن عبد قيس بيده على عينه في يأس وصاح: "جامدة شاخصة لا تندى! " (البخلاء، ص 5). ويرى الدارانى أن العجز عن البكاء دليل على ترك الله للعبد (السلمي: طبقات الصوفية، القاهرة سنة 1953، ص 81). ورأى يوسف بن حسين الرازي عندما أصبح بعد لا يبكى عند تلاوته القرآن دليلا على أن أهل الري ربما كانوا على حق في رميه بأنه "زنديق" (حلية الأولياء، جـ 10، ص 240). ومن جهة أخرى فإن ثابت البُنانى يرى أن نعمة البكاء آية ينعم بها الله على عباده (حلية الأولياء، جـ 2، ص 323). ويقال إن محمد - صلى الله عليه وسلم - دعا ربه أن يرزقه "عينين هاطلتين تشفيان القلب بذرف الدموع" (حلية الأولياء، حـ 2، ص 196 وما بعدها؛ حـ 2، ص. Wensinck 280: Some Semitic Rites، ص 89). ومما يتصل بهذا حديث التباكى: "فإن لم تجدوا بكاء فتباكوا" وهو حديث يحظى بقبول عام. وقد أثيرت بين الزهاد أربعة تحفظات في الأقل، على سنة البكاء، أولاها أن البكاء ليس فعلا إرادياء وثانيها أنه يمكن أن يعد مزيلا للأسى والحزن وشارحًا للصدر وهو بهذه الصفة ينكر، وفي معرض هذا يقال إن سفيان بن عُيَينة قد نمى في نفسه خلة حبس الدموع في عينيه برفع رأسه، وهذا في قوله أبقى للحزن في الجوف (حلية الأولياء، حـ 9، ص 327). وثالثها أن البكاء شيء ظاهرى ومن ثم يمكن أن يموه على الناس، ويذكرون مثالا لهذا دموع إخوة يوسف الكاذبة (سورة يوسف الآية 16). وأشير أيضًا إلى الأثر المزعوم الذي يقول إن المؤمن يبكى من قلبه والمنافق من ظاهر وجهه. ولما كان البكاء مظهرًا خارجيًا فإن رسائل الصوفية لم تفرد له فصلًا خاصًّا، بل تناولته تناولا عابرًا في

فصول تدور حول الحزن والخشوع وما إلى هذا. ويعد الفصل السابع والعشرون من كتاب العطار المسمى "مختار نامه" (در صفه كريستن) فريدا في بابه لا تستوجب الضرورة أن نتناوله هنا. ورابعها أن الكثيرين من الصوفية المتأخرين رأوا أن من علامات الضعف أن يتركوا لمشاعرهم العنان إلى حد البكاء. ولا محل هنا للحديث بإفاضة عن بكاء الصوفية في السماع، وعند أضرحة الأولياء، وذرف الحجاج للدموع لدى مشاهدة مكة، والوقوف بعرفة، وأمام قبر الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة، وبكاء الشيعة على أئمتهم أو عند قبورهم، وبكاء التوَابين أو الخوارج إلخ. صحيح أن الإسلام قد غطى على أشكال شرقية أخرى للبكاء بل استوعبها في الحقيقة (انظر "بكاء المجوس" على سياوش في كتاب النرشخى المسمى تأريخ بخارى، طبعة شيفر Schefer، ص 21؛ البكاء على تمُّوز؟ ). ومع ذلك فإن المسلمين أنفسهم كانوا مدركين كل الإدراك أن بكاءهم الذي أثارته تقواهم له مثيل في المجال اليهودى - المسيحي وتدل عليه بجلاء شواهد كدموع آدم ونوح (مشتق من ناح) ويعقوب وداود وسليمان ويوحنا المعمدان ويسوع ورهبان عديدين. أما البكاءون الذين تحدث عنهم ابن هشام، في كتاب السيرة (طبعة فستنفلد Muestenfeld، حـ 2 ص 895 وما بعدها) فلا يدخل في طائفة البكائين الذين تحدثنا عنهم في هذه المادة. المصادر: (1) الجاحظ: البخلاء، طبعة الحاجرى، انظر ترجمة بلا Pe 11 at، ص 8 - 9 (2) البيان والتبيين، تحقيق عبد السلام هارون، حـ 3، ص 149 وما بعدها. (3) ابن قتيبة عيون الأخبار

(القاهرة سنة 1928) حـ 2، ص 261 وما بعدها. (4) خليل بن أيبك الصفدى: تشنيف السمع في انسكاب الدمع، القاهرة سنة 1321، ص 34. (5) أبو نعيم أحمد الإصبهانى: حلية الأولياء، القاهرة سنة 1932، في مواضع مختلفة. (6) ابن الجوزي: صفة الصفوة، وانظر أيضًا رسائل صوفية أخرى وتراجم. (7) Handbook of the: A. J. Wensinc on arly Muhammadan Traditi E مادة Weeping . (8) الكاتب نفسه Mu.cu[mnnF Indices de la . مادة Baka (9) الكاتب نفسه Mourning and Religion Verh.Ak)Rites of Wetenschappente Amsterdam Letterkunde 18، N.R. رقم 1، سنة 1917). (10) الكاتب نفسه: Mystic Treatises Nineveh (المصدر المذكور، ص 23، رقم 1، سنة 1923) (11) (d Suppl.: R. Dozy انظر مادة بكاء ورِقة rikka. (12) R. A. E.R.E. , Nicholson، ص 100. (13) Der erste Cha-: Eduard Sachau life Abu Bekr, في سنة 1913، جـ 1، ص 21 وما بعدها. (14) (Ueber des Weinen: J.H. Palache derjuedischen Religion in في , der Deutsch Morgenl Gesells) سنة 1916) , ص 251 وما بعدها. (15) Essai sur les -: on-: L. Massignon gines du lexique technique de la mystique musulmane, الطبعة الثانية (سنة 1954)، ص 166 - 167. (16) L'Islam, Croy-: H. Lammens ances et Institutions' الطبعة الثانية، بيروت سنة 1941 - ص 152 - 155. (17) Studien zur islamis-: H. Ritter i chen Froemmigeit في (سنة 1933). (18) Ueber den Aus-: G. Zappert -druck des geistigen Schmerzes in Mittelal

البلاذرى

terK، في Denkschr.d.Ak.win، حـ 5 (سنة 1854) ص 73 وما بعدها. (19) Die griechische: W. Heffning Ephraem-Paraenesis gegen das Lachen in tarabischer Uebersetzung في , Oriens وما بعدها. (20) Unbeachtetes in Au-: J. Balogh i gustins Konfessionen في حـ 4 (1926)، ص 10 وما بعدها (imber lacrimarum) (21)Das"Gebetweinen 27(سنة 1929)، ص 365 وما بعدها. (22) ARW 29 (سنة 1931)، ص 201 وما بعدها. (23) F. Meier، في Oriens حـ 9 سنة (1956)، ص 323. (24) Das Weinen als Sitte: K. Meuli (كتاب لم ينشر بعد، سمح لي بالاطلاع عليه). آدم (ف. ماير) البلاذرى أحمد بن يحيى بن جابر البلاذرى: من أعظم مؤرخى العرب في القرن الثالث، ولا نعرف عن سيرته إلا القليل إذ لم يحقق بعد تاريخ مولده ولا تاريخ وفاته. وكان البلاذرى صفيًا للخليفتين المتوكل والمستعين، ودرَس لعبد الله الابن النجيب للخليفة المعتز. ويقال إنه توفى عام 279 هـ (892 م) بعد أن اختلط عقله عقب شربه عصير البلاذر دون أن يعرف مفعوله، ولهذا لقب بالبلاذرى. ولعل هذه القصة ترمى إلى تعليل هذا الأمر، ولكن ليس لدينا من جهة أخرى ما يقطع بأنه لم يقصد بها جده. واشتهر البلاذرى بالنقل عن الفارسية، وقد يكون لهذا السبب من أصل فارسى، غير أن جده كان من رجال الدواوين في مصر، ومهما يكن من شيء فإن مؤرخنا الشهير قد استعرب تمامًا. وطلب العلم في دمشق وفي حمص ردحًا من الزمن، ودرس أيضًا بالعراق على شيوخ منهم ابن سعد.

وبقى من مصنفاته التاريخية العظيمة اثنان، وقد اعترف له الجميع بصحة الرواية والبصر بالنقد، وهذان المصنفان هما: (1) "فتوح البلدان، وقد نشره ده غويه de Goeje بعنوان ' Expugnationis Regionum anctore .. al-Bel adsori، ليدن 1866 ونشر بالقاهرة عام 1318 هجرية. وهذا المصنف القيم مختصر لكتاب آخر شامل يتناول الموضوع نفسه، ويبدأ كتاب البلاذرى بغزوات النبي لليهود ومكة والطائف إلى جانب غزواته الأخرى، ثم يعقب ذلك بالتحدث عن الردة وفتح الشام والجزيرة وأرمينية ومصر والمغرب ثم يختمه بذكر فتح العراق وفارس. ويتخلل سرده للحوادث إشارات ذات قيمة من ناحية تاريخ الحضارة والنظم الاجتماعية مثل كلامه عن نقل الدواوين ومثل الخلاف الذي حدث مع الروم بشأن القراطيس، ومسائل الخراج، واستعمال الخاتم، وأمر السكة وتداولها، وتاريخ الخط العربي وهذا المصنف من اقيم المصادر في تاريخ الفتوح العربية. (2) "أنساب الأشراف" (وأخباها) وهو مصنف كبير شامل ولكنه لم يتم، رتبة تبعًا للأنساب، وهو يبدأ بسيرة النبي وسير الصحابة ثم يورد العباسيين بعد العلويين، وبنى عبد شمس بعد بنى هاشم، ويذكر الأمويين من بين عبد شمس، ولكنه لم يفرد لهم مكانا يتناسب وأقدارهم، ثم تحدث عن بقية قريش وبطون أخرى من مُضَر. وشغل الجزء الأخير من كتابه بالحديث عن قيس وخص بالذكر منهم ثقيفًا، وآخر سيرة كبيرة أوردها هي سيرة الحَجَاج. وعلى الرغم من أن ظاهرة يوحى بأنه كتاب في الأنساب، فالحق إن الأنساب فيه طبقات نظمت من جهة النسب على وتيرة كتاب ابن سعد، ولكن هذه الطريقة في التبويب لم تتبع بدقة لأننا نجد أنه يضيف دائمًا أهم الحوادث التي وقعت في عهود الحكام إلى الفصول المناسبة لها. وعلى هذا فإن الأنساب من أهم المراجع في تاريخ الخوارج، ويقوم كاتب هذه السطور

بنشره بمعونة عدد من زملائه معتمدين في ذلك على مخطوط كامل بالآستانة (عاشر أفندى، رقم 597 - 598). والقطعة المحفوظة في باريس مأخوذة عن مخطوط الآستانة) De Goeje: Zeitschr.der Deutschen Morgenl Ges العدد 38). وهناك نسخة متأخرة من هذا الكتاب في عشرين جزءًا (حاجى خليفة، جـ 1 ص 1340) ولم يبق منها إلا الجزء الحادي عشر) W.Ahlwardt: Anonyme Arabisch Chronik, ليبسك سنة: 1883 م). وقد عرّف آلوارت بحق في هذه القطعة المجهولة المؤلف جزءًا من كتاب الأنساب وعلى الرغم من حسنات البلاذرى فقد بالغ البعض في العصور تحديثة في تقدير قيمته باعتباره مؤرخًا. وليس صحيحًا أن نقول إنه أورد النصوص الأصلية التي نمقها الكتاب المتأخرون وبسطوها. ولعل الأقرب إلى الحقيقة أن نقول إنه اختصرها بدليل التطابق بين جوهر كلامه وبين المراجع المتأخرة الأكثر منه تفصيلا. وأسلوب البلاذرى يسوده الاختصار، ولذلك فهو يتميز بالإيجاز ويعوزه الإشراق، وقلما تقرأ له قصة على شيء من الطول. ويقسم الإخباريون القدماء المحيدون الذين يروى عنهم -مثل أبي مخنف- مصنفاتهم إلى أبواب لا ارتباط بينها تستند إلى أسس علمية، وإن كانت النصوص والروايات المختلفة تزحم سرد الوقائع إلى حد بعيد. وعلى هذا فإن ترتيبة لمادته محدود من جهة أنه يتبع مناهج كتب الطبقات بما فيها من أبواب منفصلة في كتابته عن تاريخ الفتوح، ويحاول أن يضم مادة كتاب الطبقات كابن سعد ومادة الإخباريين المتقدمين كابن إسحاق وأبي مخنف متخذا لنفسه في ذلك أسلوبا ثالثًا هو أسلوب كتب الأنساب ككتاب الكلبى. انظر فيما يختص بالمصادر مقدمة النسخة التي سبق أن نوهنا بها وكتاب بروكلمان Gesch.d. arab.: Brockelmann . Lit جـ 1 ص 141 وياقوت، إرشاد الأريب، طبعة مركوليوث، سلسلة جب Gibb التذكارية، رقم 8، جـ 2، ص 127 وما بعدها. [بيكر C.H. Becker]

البلاغة

البلاغة " البلاغة: اسم معنى من بلغ، ومعناه لغة الوصول والانتهاء. وعلم البلاغة ثلاثة فروع هي: علم المعاني، وعلم البيان، وعلم البديع. والأول يبحث في أنواع الجمل المختلفة واستعمالها؛ والثاني يعلم الإنسان صناعة الكلام "الفصيح"، من غير إبهام. ومباحثه التشبيه والاستعارة والكناية! والثالث يبحث في محسنات الكلام، ويتناول عددًا كثيرًا من صور القول كالأطناب والقلب والاستخدام. والفرع الثالث، وهو علم البديع، أقدم هذه العلوم وأكثرها تداولا، ففي عام 274 هـ (887 - 888 م) أصدر الأمير عبد الله بن المعتز مصنفه "كتاب البديع" وضمنه سبعة عشر نوعًا من العبارات المحسنة مما ورد في القرآن والشعر القديم وما يعرف بالبديعيات، ثم ألفت المنظومات التي تبين مختلف الصور القولية إلى قرابة العصر الحديث. وللسكاكى المتوفى 623 هـ (1226) أو - 626 هـ (1229 م) بحث منظم في علوم البلاغة كلها في الجزء الثالث من كتابه الشامل "مفتاح العلوم"، ثم جاء جلال الدين محمد القزوينى "خطيب دمشق" المتوفى عام 730 (1338 م) فاختصره وشرحه بعنوان "تلخيص المفتاح" الذي تُدوول بالشرح مرارًا، ونظمه السيوطي. وأورَد مهرن Mehren مقتطفات كثيرة من هذه المصنفات في كتابه Rhetorik der Araber. وقد اعتمدنا في كتابة هذه المادة على أبحاثه (انظر كذلك Brokelmann: Gesch d arah- BY - جـ 1، ص 80 وما بعدها، ص 294 - 296, جـ 2، ص 22). [شاده Chaade] تعليق علي مادة البلاغة 1 - البلاغة- في اللغة "شيء بالغ. وأمر بالغ" أي جيد، ومن هنا كانت البلاغة في معنى جودة الكلام. ولعلهم لم يهتموا بالتفريق بينها وبين الفصاحة أولًا، كما يظهر من استعمال الجاحظ في البيان والتبيين، وكما يقول أبو هلال العسكرى- الصناعتين: ص 7، الآستانة سنة 1320 هـ "وإذا كان الأمر على هذا فالفصاحة والبلاغة

ترجعان إلى معنى واحد، وإن اختلفت أصلاهما، لأن كل واحد منهما إنما هو الأبانة عن المعنى والإظهار له". على أن اختلاف الأصل اللغوي كان سبب تفريق بينهما، ظل ينمو مع الزمن حتى استقر الإصلاح التعليمى الغالب، على أن الفصاحة توصف بها الكلمة والكلام والمتكلم، وأنها تكون بدون البلاغة، وأن البلاغة يوصف بها الكلام والمتكلم دون الكلمة المفردة، ولا تكون بدون الفصاحة وظلت الكتب المتأخرة تشير إلى إمكان التسوية بين الكلمتين، وإليها أميل الآن، تقليلًا للأقسام، فنقول بلاغة الكلمة وبلاغة الكلام، كما نستطيع أن نقول: بلاغة الألفاظ وبلاغة المعاني، أي جودة كل ذلك. 2 - علم البلاغة: جاء الإسلام العرب بمعجزة بلاغية هي القرآن، الذي تحداهم أن يأتوا بمثله، فكان إيمان العربي إقرارا بالإعجاز، وتسليما بأنه إن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله، ولو كان بعضهم لبعض ظهيرًا. وبتمادى الزمن، ودخول غير العرب في الإسلام احتاج المسلمون إلى أن يتعرفوا إعجاز القرآن، واضطروا إلى بحث ودراسة لذلك. فصارت معرفة البلاغة أمرًا كلاميًا، يقرر حجة الله في عقول المتكلمين، كما يقول عمرو بن عبيد في القرن الثاني الهجرى- البيان والتبيين 1: 90 و 91 الطبعة التجارية - ومن هنا اشتغل علماء الكلام بأبحاث بلاغية. 3 - اعتمدت الحياة على القرآن، فكان مصدر التشريع، وأساس الأخلاق وما إلى ذلك، وفي سبيل استخراج هذا من القرآن، التزم أصحاب الدراسات الدينية أن يبحثوا أسلوب القرآن، وطرق فهمه ومراميه في القول، فكانت لعلماء أصول الفقه مثلًا أبحاث بلاغية تحتل المقدمة اللغوية لعلم الأصول، وهي مقدمة تضخمت مع الوقت حتى صارت مسائلها من أهم ما يبحث الأصوليون، ويشير السكاكى إلى استئثار علم أصول الفقه، بأبحاث علمي المعاني والبيان فيقول - المفتاح ص 179 طبعة الميمنية-: "بل تصفح معظم أبواب أصول الفقه من أي علم هي؟ ومن يتولاها؟ " 4 - حين امتد الفتح الإسلامى

وبسطت الدولة جناحيها من حدود الصين إلى شاطن الأطلنطى استظل بظلها أخلاط من صنوف البشر، قويت حاجتهم إلى دراسة اللغة العربية لغة الدولة الرسمية، والتفوق في أدبها ليظفروا بولاية أولة، في الكتابة التي كانت في درجة الوزارة، والتي هي ناحية عملية لها أثر جد خطير في الحياة الأدبية العربية وتاريخها. فكانت لبيئة الكتاب دراسات أدبية هامة، وقيل منذ القدم أن الكتاب دهاقين الكلام- العمدة 2: 84؛ 85 طبعة هندية - وصار عندهم من علم الأدب ما ليس عند غيرهم، حتى قال الجاحظ: "طلبت علم الشعر عند الأصمعى فوجدته لا يحسن إلا غريبه، فرجعت إلى الأخفش فوجدته لا يتقن إلا إعرابه. فعطفت على أبي عبيدة فوجدته لا ينقل إلا ما اتصل بالأخبار، وتعلق بالأيام والأنساب، فلم أظفر بما أردت إلا عند أدباء الكتاب كالحسن بن وهب ومحمد بن عبد الملك الزيات"- العمدة 2: 84. وهكذا بدأ بحث البيئة الكتابية في لغة القرآن نفسه مبكرًا، فتحدثنا الرواية أن رجلًا في زى الكتاب بمجلس الفضل ابن الربيع سال أبا عبيدة معمر بن المثنى- ت 206 هـ - عن قوله تعالى، "طلعها كأنه رءوس الشياطين" فقال: إنما يقع الوعد والإبعاد بما قد عرف مثله، وهذا لم يُعرف! ! "؛ فاعتقد أبو عبيدة أن يضع كتابًا عن القرآن في مثل هذا وأشباهه، وألف كتابه مجاز القرآن - ابن خلكان: وفيات الأعيان 2، 138. 139 طبعة بولاق. وقد كان للكتاب بمؤلفاتهم أثر واضح في حياة البلاغة؛ فمن ابن المقفع بأدبيه، إلى قدامة ابن جعفر بنقديه، وابن شبت القرشي، صاحب كتاب معالم الكتابة ومغانم الإصابة، والشهاب الحلبى الكاتب صاحب حسن التوسل إلى صناعة الترسل، وابن الأثير بمثله السائر، والقلقشندى بصبح الأعشى في صناعة الإنشا. هؤلاء وغيرهم قد خدموا دراسة البلاغة العربية خدمات جليلة. 5 - في هذه العظمة السياسية، وبسطة المال والنعيم، ترقى الفنون جميعًا، وقد كان للفن القولى نصيبه من النهوض واتجه شعراء المولدين إلى

الاختراع والإبداع - ابن رشيق: العمدة 1: 275 وما بعدها - وكان ذلك بأن نظر الشعراء ونقاد المتأدبين منهم، إلى محاسن الكلام وأوجه جماله، يلتمسونها في النثر والشعر، ليستكثروا منها في أشعارهم وسموها (البديع)؛ فاحتاج مثل هذا إلى درس بلاغى، استخرجوا به هذه المحاسن، وحاولوا ضبطها، ووضعوا لها الألقاب، وفيه وضع ابن المعتز الشاعر الأمير كتابه (البديع) سنة 274 هـ. فقسم هذه الأوجه قسمين: البديع، والمحاسن، وخص باسم البديع خمسة أبواب هي: الاستعارة، والتجنيس، والمطابقة، ورد أعجاز الكلام على ما تقدمها؛ والمذهب الكلامى، وقد نسب تسميته هذا القسم إلى الجاحظ. وذكر- ص 58 - أنه اقتصر بالبديع على هذه الخمسة اختبارًا، وإن لم يبين وجه ذلك، وعرض بعد ذلك لمحاسن الكلام والشعر فقال إنها كثيرة وذكر منها اثنى عشر نوعًا، وما ذكرناه من البديع والمحاسن خليط عدّ بعضه أخيرًا من علم المعاني، كالالتفات والاعتراض وتجاهل العارف؛ وبعضه من علم البيان كالاستعارة، وحسن التشبيه، والتعريض والكناية، وبعضها من البديع الاصطلاحى، وتتابعت تلك الدراسة البلاغية التي بدأها الشعراء والنقاد حتى نمت نموًا عظيمًا نراه في تاريخ البديع، وظلت تشمل مختلف الأبحاث البلاغية، التي توزعها التقسيم الأخير لعلومها. 6 - وإلى جانب هذا كان من العاملين في الميدان الأدبى، أولئك الرواة الذين وصلوا ماضى العرب بحاضرهم، وحفظوا تراث اللغة والأدب الباقي بعدما اختلط العرب بغيرهم، ففسدت لغتهم، وخسروا شخصيتهم: نقل هؤلاء الرواة عن البادية، التي أرزت إليها الفصحى، ما استطاعوا العثور به من متن اللغة وأحاديث الأدب. واشتغلوا بتدوين دلك ومدارسته. فكان لهؤلاء النفر من أصحاب اللغة حظ من التحدث في استعمال الألفاظ العربية، وخصائص الأسلوب العربي، وما إلى ذلك من دراسة بلاغية أيضًا، يشير إليها الجاحظ في البيان والتبيين-3: 242، فيقول بعد ما روى بيت الأشهب ابن رميلة: هم ساعد الدهر الذي يتقى به ... وما خير كف لا تنوء بساعد

قوله: هم ساعد الدهر، إنما هو مثل، وهذا الذي تسميه الرواة البديع (¬1) " وكما يشير عبد القاهر الجرجانى (في دلائل الإعجاز ص 328 طبعة الترقى) إلى ما نجده في كتب اللغة من إدخال ما ليس طريق نقله التشبيه في الاستعارة كما صنع أبو بكر بن دريد في الجمهرة. فإنه ابتدأ بابا فقال (باب الاستعارات) إلخ"، وكالذي نجده متفرقًا في كتب الأمالى من هذا التناول البلاغى لأصحاب اللغة ودراستها. فأنت ترى في وادي الأدب العربي نهيرات تنبع من بيئات مختلفة، من البيئة الدينية: كلامية وأصولية. ومن البيئة الأدبية: بيئة الكتاب وبيئة الشعراء، وبيئة الرواة وأهل اللغة. وتلتقى تلك النهيرات جميعا في نقطة واحدة، هي معرفة طرق إدراك جيد الكلام، وكيف يكون التفريق بين كلام جيد، وآخر ردئ. أو الاقتدار على صنع كلام جيد، قصيدة منظومة أو نثرا مرسلًا، وتلك هي الدراسة البلاغية التي يتبين مؤرخها الدقيق تلك العناصر المختلفة في نشأتها وتدرجها ويتميزها واضحة في أبوابها ومسائلها. 7 - بمضى الزمن تميزت الدراسات واستقرت واتخذت كل مجموعة من قواعدها اسمًا خاصًّا. ورتبت العلوم مجموعات، فكانت علوم العربية أو العلوم الأدبية أولًا تعد ثمانية- ابن الأنبارى: طبقات الأدباء، ص 117 طبعة مصر سنة 1294 هـ - هي: النحو، واللغة، والتصريف، والعروض، والقوافى، وأخبار العرب، وأنسابهم، وثامن هذه العلوم (علم صنعة الشعر) وهو اسم مجموعة الدراسات السابقة التي تعلم معرفة الجيد من القول وصناعته. كذلك سميت الفنون البلاغية قديمًا صنعة الشعر، كما سميت أحيانًا نقد الشعر أو نقد الكلام، ويعد القدماء مما ألف فيها كتاب الصناعتين لأبي هلال، ونقد الشعر ¬

_ (¬1) هذا ما يقوله الجاحظ، لكن ابن المعتز بعده بنحو ربع قرن من الزمان يقول- البديع ص 58: فأما العلماء باللغة والشعر القديم فلا يعرفون هذا الاسم "أي البديع، ولا يدرون ما هو". ولعل الشواهد تؤيد قول الجاحظ، كما نرى في إشارة عبد القاهر إلى عمل ابن دريد.

لقدامة بن جعفر (الإنبابى: على رسالة الصبان في البيان، ص 3، طبعة بولاق). وقبل ذلك عدّ أبو هلال نفسه، كتاب البيان والتبيين للجاحظ، أكبر وأشهر الكتب المصنفة في علم البلاغة. ومن هنا نقدر كيف التقى النقد بالبلاغة واتحدا عندهم، فلم يفردوا النقد ببحث خاص، ولا سموا له علما. 8 - مضت هذه الدراسة البلاغية، تتقلب بها المناهج، وتؤثر فيها البيئات، وتتأثر بالثقافة الإسلامية العامة، من أصيلة ودخيلة، وقد رأينا من قبل كيف اختلفت مناشئها، والتقت فيها موارد متعددة. ومؤرخ البلاغة يجد من مذاهب هذه الدراسة ومدارسها ما يحسن تتبعه، وقد أدرك القدماء أنفسهم وجود بلاغتين، سموا أولاهما "البلاغة على طريقة العجم وأهل الفلسفة". وسموا الثانية "البلاغة على طريقة العرب والبلغاء" (السيوطي: حسن المحاضرة 1: 157، طبعة مصر سنة 1321 هـ). ونجد الأولى تشيع غالبًا في المناطق الشرقية من الدولة الإسلامية حيث يقطن خليط من الفرس والترك والتتر ومن إليهم. ومن فحول هذه الطريقة جار الله الزمخشرى، وأبو يعقوب يوسف السكاكى، وسعد الدين التفتازانى وغيرهم. وتسود الثانية غالبًا في المناطق الوسطى من الدولة الإسلامية، حيث مهد العربية الأول وما داناه من الأقاليم كالعراق والشام ومصر مثلًا. ومن رجال هذه الطريقة أمثال ابن سنان الخفاجى صاحب كتاب سر الفصاحة وابن الأثير والسبكى المصري وغيرهم. ولكل مدرسة كتبها ورجالها مما يتسع لمؤرخ البلاغة مجال تتبعه وفحصه. وبلاغة العجم وأهل الفلسفة هي التي اشتهرت، ولا يزال طابعها هو الظاهر، والمتبادر اليوم حينما تطلق كلمة البلاغة. 9 - ازداد تنسيق علوم الأدب أو علوم العربية، فوصلت التي اثنى عشر علمًا، لوحظت في ترتيبها اعتبارات خاصة. فقسمت مثلًا إلى أصول وفروع. ثم قسمت الأصول قسمين: ما يبحث في المفردات، وما يبحث في

المركبات. وقسم ما يبحث في المركبات قسمين: ما يبحث في الموزون منها فقط، وما يبحث في المركبات مطلقًا موزونة ومنثورة. وتحت هذا نجد العلوم التي استقر الأمر أخيرًا على اعتبارها علوم البلاغة ووقفت عندها جهود بلاغة الأعجام المتفلسفة، وهي: علم المعاني، وعلم البيان. ويتبعهما البديع. هنا يلتزم التفريق بين الفصاحة والبلاغة على ما أشرت إليه أولًا. ويشتهر تعريف البلاغة بأنها مطابقة الكلام لمقتضى الحال مع فصاحته. ويبينون وجه انحصار دراسة البلاغة في هذه العلوم على طريقتهم المنطقية بأن: البلاغة في الكلام مرجعها التي أمرين: الاحتراز عن الخطا في تادية المعنى المراد، وتمييز الكلام الفصيح من غيره. والثاني منهما وهو تمييز الفصيح، منه ما يبين في علم من اللغة أو علم الصرف، أو النحو، ومنه ما يدرك بالحس. ثم منه ما ليس كذلك، وهو التعقيد المعنوى، لا يعرف بشيء من العلوم ولا يعرف بالحس فيبقى شيئان يحتاجان التي علم بتولى البحث عنهما، وهما: الاحتراز عن الخطا في تادية المعنى المراد والاحتراز عن التعقيد المعنوى، فاتخذوا علمين جديدين هما: علم المعاني الذي يحترز به عن الخطأ في تادية المعنى المراد؛ أي يعرف به مطابقة الكلام لمقتضى الحال. ثم علم البيان الذي يحترز به عن التعقيد المعنوى، أي يعرف به إيراد المعنى الواحد بتراكيب مختلفة في وضوح الدلالة عليه. واحتاجوا لمعرفة توابع البلاغة التي علم آخر، فجعلوا لذلك علم البديع الذي يعرف به وجوه التحسين في الكلام بعد رعاية المطابقة لمقتضى الحال ورعاية وضوح الدلالة: وبالطريقة المنطقية نفسها حصروا أبحاث هذه العلوم. فقالوا في المعاني: إنه ينحصر في ثمانية أبواب: لأن الكلام إما خبر أو إنشاء - والخبر لا بد له من مسند إليه ومسند وإسناد، فعقدوا لذلك باب أحوال الإسناد الخبرى، وباب أحوال المسند إليه، وباب أحوال المسند، ثم المسند قد يكون له متعلقات إذا كان فعلًا أو ما في معناه، فعقدوا باب متعلقات الفعل وكل من

الإسناد والتعلق إما بقصر أو بغير قصر فعقدوا باب القصر. ثم خصوا الإنشاء بباب مستقل والجملة مع الأخرى اما معطوفة أولًا وهذا باب الفصل والوصل. والكلام البليغ إما زائد على أصل المراد لفائدة أو غير زائد. وهذا باب الإيجاز والإطناب والمساواة. وكذلك شرحوا وجه انحصار علم البيان في التشبيه والمجاز والاستعارة والكناية، وانحصار البديع في قسمى التحسين المعنوى، والتحسين اللفظى. وفكرتهم في هذا الحصر صورة لما ساد دراسة تلك البلاغة من نزعات فلسفية، وكلامية ومنطقية، أقحم فيها كثير من أبحاث لا علاقة لها بالغرض الأدبى من البلاغة. وضيقت دائرتها الفنية، وأفاضت عليها جمودً وجفافًا أعجزاها عن أن تترك أثرًا أدبيًا في ذوق دراسها؛ وقصر غايتها على مسألة دينية بعينها هي مسألة الإعجاز حتى صار من تعاريف البلاغة: أنها علم يمكن معه الوقوف على معرفة أحوال الإعجاز- يحيى العلوى: الطراز، 1: 13، مصر. واتبعت في دراستها الطريقة التقليدية، فاتخذ لها المتن الموجز المركز، يفسره الشرح، وتعلق عليه الحاشية، ويتبعها التقرير، في مناقشات لفظية مردها التي علوم مختلفة، تبعد عن الأدب والذوق وما التي ذلك كلما زاد عمقها وغوصها في تقدير متناولها. 10 - البلاغة اليوم -في الشرق، ولا سيما مصر- حركات تجديدية بلا مراء. ومن هذه الحركات الموفق الرشيد، ومنها طائش غير مسدد. ودون أن نمس تفصيل ذلك في الحياة الأدبية بخاصة وما يتناولها من تجديد؛ ومع اجتناب ما يضيع الجهد ويثير الخلاف حول هذه المحاولات، نقول: أن التجديد الأدبى يرمى التي غرضين: قريب، وبعيد. فالغرض القريب: هو تسهيل دراسة المواد الأدبية" وتوفير ما يبذل فيها من جهد ووقت؛ مع تحقيق المطلوب من دراستها تحقيقا عمليًّا، بحيث يمكن كل دارس لها أن يظفر في وقت مناسب وبجهد محتمل بما يستطيع معه استعمال اللغة في حياته، ذلك الاستعمال الذي تطلب من أجله اللغات.

وهذا الغرض يحققه المنهج الصالح، والكتاب المنظم، والمعلم الكفء، وإن استلزم تغييرًا في ترتيب مسائل هذه العلوم، أو طريق تناولها وعرضها، فذلك أمر قريب المنال حين تصدق النية في طلبه. وأما الغرض البعيد من التجديد في علوم الأدب أو علوم العربية، فهو أن تكون هذه الدراسات الأدبية مادة من مواد النهوض الاجتماعى تتصل بمشاعر الأمة، وترضى كرامتها الشخصية وتساير حاجتها الفنية المتجددة. فتكون اللغة في مصر مثلًا لغة الحياة في ألوانها المخللفة، وأداة التفاهم المرضية في البيت والمعمل. والجامعة والمسرح، والسوق والنادى وما إلى ذلك، فلا يعيش الناس بلغة، ويتعلمون لغة أخرى. ولا يفكر الناس بلغة ويدونون أفكارهم بغيرها؛ ولا يتعاملون بلغة، ويشعرون وينثرون ويمللون ويخطبون بغيرها؛ ولا تكون اللغة سببًا في فرض نظام من الطبقات على الأمة بحيث يتسع البعد بين خاصة الأمة وعامتهم في اللغة المتفاهم بها. ولا يتحقق هذا الغرض إلا بتغيير قد يمس -أو لا بد أن يمس- الأصول والأسس البعيدة ويدخر له العزم والجهد حتى تصير اللغة ناحية من كيان الأمة، وجانبًا من وجودها العملى، ولا تفترق اللغة في حال عنها في أخرى إلا بقدر ما تتطلب الأناقة الفنية والعمل الأدبي. وهذا المطلب شاق غير يسير في جوانب مختلفة من العلوم العربية؛ إلا أنه أقل مشقة في البلاغة ودرسها؛ لمرونة في فطرتها، وقابلية في منهجها الذي يعتمد على الذوق والوجدان؛ ويصل أبحاثها بالفن والجمال مهما أخفت ذلك اتجاهات خاطئة، وأعمال مؤقتة. ثم إلى هذا كله أمر آخر، يضيق الخلف، ويوفر المشادة بين الواقفين والسائرين، هو أن الأقدمين أنفسهم قد صرحوا بأن البلاغة من العلوم التي لم تنضج دراستها. وإذا كان الأمر كذلك فإني أرى أن نعمد رأسًا إلى تحقيق الغرض البعيد في تجديد البلاغة العربية تجديدًا يمس الأصول والأسس فيغيرها، وينفى فيها

ويثبت؛ ونخالف مقررات كبرى -وبخاصة في البلاغة المتفلسفة- ونضيف إضافات جديدة، حتى نصل البلاغة بالحياة، ونمكنها من التأثير الصالح فيها، وإذا تم ذلك كان تسهيل الدرس أمرا هينًا يسير التحقيق، فلنا إذ ذاك أن نؤلف من الكتب ما نشاء، ونعرض الموضوعات ونتناول المسائل كما نشاء، بعد ما استطعنا التحكم في الأصول الكبرى. على أنى حينما أحاول ذلك، أنتفع أولًا بكل ما يستطاع الانتفاع به من القديم، وأتجنب الإندفاع المضيع للجهد والوقت، والمفرق للقوى في غير ضرورة، وأوثر اتباعًا لهذه الخطة أن أقدم بيان ما يستجيب له التراث القديم من هذا التغيير: 1 - فمن حيث وصل البلاغة بالحياة الأدبية، وجعلها دراسة ذات جدوى عملية، يكفى أن نأخذ برأى القدماء حينما كان أبو هلال العسكرى يقول: إن صاحب العربية يستطيع بعلم البلاغة أن يفرق بين كلام جيد وآخر ردئ، ولفظ حسن وآخر قبيح، كما يستطيع أن يصنع قصيدة وينشئ رسالة. وبهذا تحكم حاجة الحياة الأدبية، وينتفع بكل ما يجد في تلك الحياة من نافع، وتخدم الفنون القولية الرائجة. 2 - ومن حيث إخضاع البلاغة للمنهج الأدبى الفني في الدراسة يكفى أن نحيى رسوم المدرسة الأدبية الأولى وآثارها وكتبها. وبهذا نحتكم التي كل ما في دراسة الفنون من أساليب مجربة ومناهج مستحدثة، ونهمل بتاتًا للك الدراسة الفلسفية المستعجمة. وفيما نبتغى من تغيير وراء ذلك ننتفع بما قرروا من عدم نضج البلاغة؛ لنقرر ما يلي: 3 - قد وضع القدماء هذه البلاغة في قسم المركبات من العلوم الأدبية؛ وقصروها على دراسة الجملة وأجزائها فحسب؛ لا ترى من أبحاثها شيئًا يزيد على ذلك؛ وقدموا مقدمة عامة للفصاحة والبلاغة ذكروا فيها شيئًا عن فصاحة الكلمة المفردة. والعمل الأدبى ليس في الجملة وجزئها لا غير، فتلك

لا تعطى إلا معنى أدبيًا جزئيًا ووراء ذلك الفقرة المنثورة، والقطعة المنظومة تأتلف من جمل عدة ومعان جزئية مختلفة، ثم وراء ذلك كله العمل الأدبى الكامل، قصيدة أو مقالة أو رسالة أو خطبة، يحتاج ذلك كله إلى النظر البلاغى، ثم اللفظة المفردة لا يكفى في درسها البلاغى هذا القدر اليسير الذي ألموا به. وعلى هذا نبدأ البحث البلاغى المستوفى من اللفظة المفردة؛ ولا نجده بالجملة، بل نمده إلى الفقرة، والعمل الفني الكامل؛ فنبحث فيها الأسلوب واختلافه، وأوجه تفاوته ومزايا أنواعه المختلفة؛ وننظر النظرة الشاملة الجامعة في الأثر الأدبى كله. 4 - قصر القدماء البحث البلاغى على الألفاظ من حيث أدائها للمعانى الجزئية بالجملة الواحدة أو الجمل المتصلة في معنى واحد؟ ولم يجاوزوا ذلك، فعلم المعاني: تعرف به أحوال اللفظ العربي من حيث مطابقته لمقتضى الحال؛ وعلم البيان يعرف به إيراد المعنى الواحد بتراكيب مختلفة؛ والمعنى هو تشبيه أو مجاز أو استعارة أو كناية لا غير. أما المعاني الأدبية، والأغراض الفنية التي هي روح الفن القولى ومظهر عظمة الأديب، وأثر ثقافته وشخصيته، فلم ينظروا فيها. ولابد أن نفرد المعاني بالبحث المستقل بعد بحث الألفاظ، مفردة وجملا وفقرأ .. فنعلم الدارس كيف يوجد هذه المعاني، وكيف يصححها وكيف يرتبها، ويعرضها؛ وما إلى ذلك. 5 - وإذا اتسع البحث البلاغى فشمل مع الألفاظ المعاني جزئية وكلية، وشمل مع الجملة اللفظة المفردة، ثم جاوزهما إلى الفقر والقطع الأدبية والأساليب، فقد صار التقسيم القديم للبلاغة إلى المعاني والبيان والبديع لا أساس له ولا غناء فيه؛ ولزم أن يوضع التقسيم على أساس غير الأول: كان نقتصر على كلمة "البلاغة" وصفًا لجمال الكلمة والكلام ونوفر كلمة الفصاحةح ونقسم الدرس إلى بلاغة الألفاظ وبلاغة المعاني، وفي بلاغة الألفاظ نبحث عنها من حيث أن للك الألفاظ أصوات ذات جرس. ثم من حيث هي دوال على المعاني مفهمة لها؛ ونبحث ذلك في المفرد، والجملة والفقرة؛ والقطعة؛ ونقسم المعاني بما يناسبها حتى تنتهي بها إلى دراسة

فنون القول الأدبى المنظوم والمنثور فنًا فنًا، وما به قوام كل فن وحسنه، متخطين الفنون القديمة من المقامة والرسالة والخطبة إلى الفنون الحديثة من المقالة والقصة على اختلاف أنواعها. وحين نستبعد ما حشدته طريقة العجم وأهل الفلسفة في البلاغة من مقدمات منطقية، واستطرادات فلسفية مختلفة، نضم إلى البلاغة مقدمات جديدة لا بد منها لدراسة فنية تقوم على الإحساس بالجمال، والتعبير عنه، دراسة تتصل بالحياة وتحدث عن خلجات النفوس وأسرار القلوب؛ وتسعد آمال الجماعة وأمانيها، وتغنى نصرها، وتغذى طموحها كما هو شأن الفن الصحيح في الحياة الجادة، وبذلك: 6 - نضم إلى البلاغة مقدمة فنية؛ نعرف الدارس فيها بمعنى الفن، وطبيعته، ونشأته، وغايته، واقسامه، متحرين في ذلك بيان الفن القولى بخاصة؛ ثم: 7 - نضم إلى تلك البلاغة مقدمة نفسية لا بد منها، ما دام شأن الفن الأدبى ما أسلفنا وما دمنا نريد وصل البلاغة بالحياة. فنعرف الدارس بالقوى الإنسانية ذات الأثر في حياته الأدبية كالوجدان والذوق، والخيال؛ وتزيد فهمه للاعتبارات التي أجملها القدماء تحت كلمة "مقتضى الحال" وذكروا منها في أسباب الحذف والذكر والتقديم والتأخير اعتبارات نفسية محضة. كما تلم المقدمة النفسية بدراسة أمهات العواطف الإنسانية التي هي مادة المعاني الأدبية؛ ومثار الفنون القولية نثرًا وشعرًا؛ وهي في الجملة دنيا الأدب والفنون كلها. تلك معالم التجديد البلاغى في إجمال؛ وبعض الأهداف التي أجاهد من أجلها. المصادر: فوق ما في صلب المادة - الخولى: (1) البلاغة العربية وأثر الفلسفة فيها؛ بحث في صحيفة الجامعة المصرية سنة 1931. (2) البلاغة وعلم النفس؛ بحث في مجلة كلية الآداب سنة 1939. (3) مصر في تاريخ البلاغة؛ بحث في مجلة كلية الآداب سنة 1934. (4) من تاريخ البلاغة، محاضرات في كلية الآداب. أمين الخولى

بلال بن رباح

بلال بن رباح أول مؤذن، وهو عبد من أصل حبشى، مولاه من بنى جُمَح بن عمرو: وقد اجتذبت الدعوة النبوية في أول عهدها بلالا فانضم إلى جماعة النبي [- صلى الله عليه وسلم -] الصغيرة؛ واضطهده أعداء الرسول [- صلى الله عليه وسلم -] من أجل ذلك، ولكنه ظل صادق الإسلام الأمر الذي حبّب إلى أبي بكر شراءه وإعتاقه. وهاجر بلال صحبة النبي [- صلى الله عليه وسلم -] إلى المدينة، وسرعان ما رحب به سعد بن خَيثَمةَ، ثم أقام في بيت أبي بكر. وأصيب - شأن بقية أفراد هذا البيت - بالحمى التي كانت متفشية في المدينة. ويقول ابن إسحاق إن محمدًا [- صلى الله عليه وسلم -] آخى بينه وبين أبي رُوَيحَه الخَثعَمى، ولذلدُ ظهر اسمه في الديوان مع أبي رويحة. وبلال واحد من العجم الخمسة الذين فرض لهم عمر أعطياتهم. وتذهب رواية أخرى إلى أن هذه المؤاخاة كانت بينه وبين عبيدة بن الحارث بن المطّلب. وأدخل النبي [- صلى الله عليه وسلم -] الأذان وجعل بلالا مؤذنًا له. وشهد بلال غزوات النبي [- صلى الله عليه وسلم -] ويقال إنه قلو أميةَ بن خَلف في غزوة بدر انتقامًا لنفسه مما لقيه على يديه من أذى فيما سبق. ولما فتح المسلمون مكة شرفه الله بالأذان من سقف الكعبة. وجاء في روايات عدة أنه كان يقوم على المؤونة خلال الرحلات، ويسميه ابن حجر خازن النبي [- صلى الله عليه وسلم -]. وأخذ بلال يتحرق شوقا إلى الاشتراك في الجهاد بعد وفاة النبي [- صلى الله عليه وسلم -]، فأجيب إلى طلبه في عهد عمر، وليس في عهد أبي بكر كما ذهبت إلى ذلك إحدى الروايات. وشهد مع أبي عبيدة فتح الشام، ويقال إنه طلب إليه أن يؤذن عندما زار عمر الشام بعد الفتح، فأذّن بين زفرات جميع الحاضرين. وتوفى بلال بدمشق عام 20 هـ (641 م) وقد أشرف على الستين، وتقول روايات أخرى إنه توفى عام 21 أو 28 هـ ودفن في هذه المدينة أو في "داربَتا" المجاورة لها؛ وفي أقوال أخرى أنه كان نحيفًا طوالا خفيف العارضين، أسود اللون ضامر الوجه، قد خط

بلغاريا

المشيب شعره الكثيف. المصادر: (1) ابن هشام: طبعة فستنفلد، ص 205"345 - 347 , 448. (2) الواقدي: ترجمة فلهاوزن، ص 401 ومابعدها. (3) البلاذرى: طبعة ده غويه، ص 11، ص 445. (4) ابن سعد: طبعة سخاو، حـ 3، قسم 1، ص 165 - 170 (5) ابن حجر: الإصابة، حـ 1 ص 336 وما بعدها. (6) النووي: تهذيب الأسماء، طبعة فستنفلد، ص 176 - 178. [بول fr.buhi] بلغاريا (*) " بُلْغَاريا": بلاد بين البلقان والمجرى الأدنى لنهر الدانوب أخذت اسمها من ¬

_ (*) بلغ سكان بلغاريا: 8.800.000 نفس الكثافة: 205 في الميل المربع. المناطق الحضرية: 67 % المناطق الحضرية 67 % الأعراق: بلغار 85 % ترك 8.5 % اللغة: البلغارية (الرسمية) الدين: 85 % بلغار أورثوذكس 13 % مسلمون الحكم: جمهورى. تنقسم إلى 9 وحدات إدراية (مديريات) العملة: الليف lev (وفقا لتحويلات يناير 1993 م 24.56 ليف = دلار أمريكى واحد) وصل البلغار وهم عناصر تركية إلى هذه المنطقة في القرن السابع للميلاد واختلطوا بالسلاف وتحولوا للمسيحية في القرن التاسع للميلاد. وكونوا إمبراطورية قوية في القرن العاشر واستمرت إمبراطوريتهم قوية حتى القرن الثاني عشر، وساد العثمانيون سنة 1396 واستمروا يحكمون بلغاريا 500 سنة. وفي 1876 قامت ثورات متواصلة نتج عنها قيام مملكة بلغارية مستقلة سنة 1908، واتسعت بلغاريا بعد الحرب البلقانية الأولى لكنها فقدت ساحلها على بحر إيجة في الحرب العالمية الأولى التي دخلتها إلى جانب ألمانيا. وفي الحرب العالمية الثانية انسحبت بلغاريا من حلفها مع المحور سنة 1944. ووصل الشيوعيون للحكم بمعونة سوفيتية، وتم إلغاء النظام الملكى في 8 سبتمبر سنة 1946 وفي نوفمبر سنة استقال زعيم الحزب الشيوعى ورئيس الدولة تودور زيفكوف Todor Zhivkov الذي ظل يقبض على زمام السلطة طوال 35 عاما، وفي يناير 1990 تمت محاكمته وأدين وسجن. وفي يناير سنة 1990 صوت البرلمان على إنهاء الحكم الشيوعى. عبد الرحمن الشيخ

أحد فروع شعب البلغار. وقد أنشأ هذه الدولة بعد سقوط إمبراطورية الهياطلة العظيمة بقايا المغيرين الذين طردوا من مجرى الدانوب الأدنى إلى سهوب روسيا الجنوبية وخاصة القبيلة التي عبت الدانوب عام 779 تحت إمرة اسيريخ Ispericb ابن كوبرات kubrat واسسوا مملكة قوية بعد فتح الأقاليم التي يسكنها الصقالية. واستطاعت هذه القبيلة على قلة عددها أن تفرض اسمها على الأقليم وساكنيه، واصطنعت اللغة الصقلية في القرن التاسع ثم اندمجت آخر الأمر في السكان الأصليين. واستطاع النفوذ الإسلامي أن يمتد إلى البلغار منذ منتصف القرن التاسع الميلادي. وقد يكون هذا النفوذ أقدم من هذا لو أخذنا برأى برى Bury وهو أن البلغار استعاروا السنة القمرية من العرب في القرن السابع الميلادي (Byzantin Zeitschr: حـ 19 ص 131، 131) اعترض ماركار marquag على هذا الرأي (Tung pao جـ 11، ص 678) , ومهما يكن الأمر فإن الإسلام لم يصبح دين الدولة الرسمى بل المسيحية التي أدخلها بوريس Boris عام 864 م. وتخضع الكنيسة البلغارية لبطريق القسطنطينية، وإن كانت في الوقت نفسه قد اصطنعت القداس الصقلبى. وكانت بلغاريا عندما وطئت أقدام الترك أوربا للمرة الأولى ولاية مستقلة على ضفة الدانوب اليمنى تحكمها أسرة الأساندة Asenids الوطنية، وكان يحدها من الشمال نهر الدانوب، ومن الجنوب البلقان، ومن الشرق البحر الأسود، ومن الغرب بلاد الصرب، وتخترق سلسلة الجبال إلى داخل البلاد ثمانية ممرات (دربند) هي صولى وقابى لي (Succi باب ترايان) وإسلدى وقازانلق ودميرقايى وممران ينتهيان إلى روسجق وسلستريا ثم ممر نادر .. وانقسم سكان تلك البلاد إلى أحزاب بسبب المنازعات التي نشأت بين الأمراء. ولما مات القيصر الإسكندر عام 1364 م اقتسم البلاد سيشمان الثالث Shishma بن الإسكندر من زوجته. اليهودية، وكان يحكم في صوفيا، وسراكيمير Sracimir الذي احتل ودين. وقلق شيشمان لما رآه من تقدم

العثمانيين تحت إمره مراد الأول خداوندكار فاشترك في حلف الصرب والبوسنويين مع أنه كان صديقًا للسلطان وأخا لزوجته، وهزم الجيش الذي كان يقوده لا لاشاهين، وعدته عشرون ألف مقاتل هزيمة منكرة كادت تذهب به عن آخره، فتقدم على باشا ابن قرة خليل جندرلى على رأس جيش عدته ثلاثون لم لف مقاتل وعبر ممر نادر وتقدم نحو شُمْلَة (شمنة) وترنوفو وسلمت المدينة الأولى عندما علم لم هلها بسقوط الثانية، وسجن الملك في نيقية على نهر الدانوب ثم تم الصلح على أن يتخلى الملك عن سلستريا ويؤدى الجزية التي فرضت عليه، ولكنه بدلا من أن يتخلى عن سلستريا عمد إلى تقوية حصونها، فتجددت الحرب، ولما استولى الترك على حصن درجشة، ومدينة هرشوفة حوصر الملك للمرة الثانية في نيقية حتى اضطر إلى التسليم، وأمَّنه السلطان على حياته وأجرى عليه معاشًا يتفق ومكانته، ولكنه ضم بلغاريا إلى الدولة العثمانية بعد الاستيلاء على مدينة ترنوفو عام 795 هـ (1393 م). كانت بلغاريا في التقسيم الإدارى القديم عبارة عن إيالة سلستريا، وتنقسم إلى ثمانية سناجق هي: سلستريا وشمندرة وويزة wize, وإبرايل lbrail, وقيرق كلسَّه ونيكيبولى وودين وكرمن، وكانت بذلك تضم المقاطعات التي إلى الجنوب من البلقان، وحلت محل إيالة أوزى السابقة (Oczakow) عندما ضمت هذه المدينة إلى الروسيا. وبعد تقسيم الدولة العثمانية إلى ولايات كانت بلغاريا عبارة عن ولاية الطونة (الدانوب)، وفي معاهدة برلين اعتبرت بلغاريا إمارة مستقلة استقلالا ذاتيًا تحت نفوذ السلطان، ولها من الحدود ما كان لها عند الفتح التركى، ولما ضم إديها الروملَّى الشرقي أصبحت لم خيرًا مملكة مستقلة، وذلك في 22 سبتمبر- 5 أكتوبر عام 1908 م. ودخل الكثيرون من البلغار في الدين الاسلامى أيام الحكم التركى، بيد أن غالب السكان ظلوا على المسيحية، وحفز اتصالهم السياسي بالقسطنطينية البطريق اليونانى إلى أن يعمل على ضم الأهالى المسيحيين إلى الكنيسة

اليونانية، وأن يبعدهم عن الطقوس الصقلبية، وقامت حركة وطنية في البلاد عام 1870 و 1872 تمخضت عن إنشاء قائمقامية للبطريرك تبعها إنشاء كنيسة بلغارية مستقلة. وبلغ عدد سكان بلغاريا 3.750.000 نسمة وفقا لتعداد عام 1901 م منهم 2.889.219 من البلغار، و 531.240 من الترك، وهم يسكنون بصفة خاصة القسم الشمالي الشرقي من المملكة. أما هن ناحية الدين فإن 3.000.000 من الروم الأرثوذكس. و 643.000 من المسلمين، ولبعض الجماعات من السكان ملامح خاصة مثل القوقازيين والمسيحيين الذين يتكلمون التركية ويقطنون المناطق التي على البحر الأسود، والبوماق وهم البلغار الهسلمون ويسكنون جبال رودوبس Rhodopus وبالقرب مع لفج Lovech بلونة pelvna المصادر: (1) سعد الدين: تاج التواريخ، ج 1، ص 109 وما بعدها. (2) hist.del, em-: g.de Hammer pireottoman جـ 1, ص 272 وما بعدها (3) Geschichte der X. J. Jirechek Bulgarien براغ سنة 1876 م (4) الكاتب نفسه: dasfuerstentum Bulgarien، سنة 1891 م (5) Geschiehte des Osman: N. Jorga Reiches جـ 1، ص 259, 222, 211، 274. [إيوار C. Huart] + بلغاريا: بلاد في البلقان، اتخذت اسمها هن اسم البلغار، وهم قوم من أصل تركى غزوا أول ما غزوا دبروجة بقيادة أسْبَروخ أو إسْبريخ سنة 679 م، وأقاموا دولة مستقلة في الولاية البوزنطية مويزيا. وقد اعتنق البلغار المسيحية الأرثوذكسية هن بوزنطة سنة 865 وقالوا إنهم هم الصقالبة الوطنيون الذين سبق لهم أن نزلوا بلغاريا، ومن ثم أنشأ البلغار إمبراطورية مستقلة في البلقان امتدت من الدانوب إلى البحر الأدرياوى في ظل القيصر سيميون الذي حكم من سنة 893 حتى سنة 927 م. وترجع الأخبار الإسلامية الأولى

عن بلغاريا إلى هذا العهد: وقد تلقينا هذه الأخبار عن مسلم الجَرمى (حوالي عام 231 هـ = 845 م)، وهارون بن يحيا (سنة 339 هـ = 960 م) وإبراهيم بن يعقوب (سنة 349 هـ = 960). وقد روى هارون (في ابن رسته، طبعة ده غويه، ص 127) إن "الصقالبة المستنصرة" قد اعتنقت المسيحية متبعين أمير البلغار سوس. وضمت بلغاريا بين سنتى 1018 و 1186 م إلى الإمبراطورية البوزنطية، فقسمت إلى إقليمين. إقليم بلغاريا وقاعدته سكوبليه (سكوب) وإقليم "ياريشريون" أو "باردونافون" وقصبته سلستريا. وقد مهدت غزوة القومان للدانوب الأدنى ونزولهم هناك الطريق لقيام ما عرف باسم الإمبراطورية البلغارية الثانية التي كان يحكمها الأسَانِدةَ من سنة 1185 إلى سنة 1279 م. وفي سنة 1262 م انتزع الإمبرطور البوزنطى ميخائيل الثامن أنخيالوس ومِسَمْبريا من البلقان وأسكن في دبروجَه الأتراك الأناضوليين الذين التجأوا في بوزنطة إلى عز الدين كيكاوس الثاني وعاد معظمهم إلى الأناضول سنة 707 هـ (1307 م) , أما الذين بقوا فقد ظن أنهم أسلاف الكاكوز، Yazijioghlu Ali on: P. Wittek of Dobruj، bul-, the christian turks letin of the school of Oriental and African studies مجلد 15/ 3. واعترف ترتر الأول (1279 - 1300) بسيادة النوغاى سنة 1285، وزوج ابنته من ابن ترتر جاقه، وجاقه هو الذي التجأ من بعد إلى ترنوفو واستولى على عرش حميه سنة 1300 م، على أنه لم يلبث أن قتل على يد ترتر الثاني (1300 - 1322 م). وفي المصادر العربية المعاصرة لذلك العهد (بيبرس: زبدة الفكرة في أ. إزميرلى. آلتن أوردو ... الطبعة الأولى سنة 1941, ص 221؛ أبو الفداء، ص 395) ذكر أن بلغاريا هي أرض الزولاق، وعدّ البلغار هم قوم الأولاق. ونحن نعرف أن قالوجان قد سمى نفسه إمبراطور بلغاريا والأفلاق جميعا: - Imperator totius Bulgarie et Vla

hist.of;GOstrogorsky the Byz- chie antine State، ص 358). ولابد أن القومان المستنصرين في بلغاريا كانوا فيما يظهر يذكرون باسم عام هو الولاج. وقد جلس الشيشمانية (1323 - 1395 م) على عرش بلغاريا مبتدئين بشيشمان، وكان هذا الرجل من وجهاء القومان في ودّين. واحتك الغزاة الأناضوليون بالبلغاريين حين تحالف آيدين أوغلى أومور مع كانتاكوزنوس، فقد عاونه أو مور أول الأمر على إيفان إسكندر القيصر البلغارى سنة 742 هـ (1341) ثم قضى في الخامس من ربيع الأول سنة 746) - (7 يولية سنة 1345 م) على مومجيلو المغامر البلغارى الذي كان يسيطر على إقليم رودوب (L, EMiratd, Aydin;p.lemerle باريس سنة 1957). وحل العثمانيون محل أومور في تحالفه مع كانتاكوزنوس؛ والظاهر أنهم احتكوا بالبلغار لأول مرة سنة 753 هـ (1352 م) , حين قدم هؤلاء لتأييد منافسه يوحنا الخامس. والظاهر أن لالا شاهين كان سنة 762 هـ (1361 م) , أي بعد فتح أدرنة نشطا يقاتل في اتجاه زَغْرَة (برهويا Berncnea) وفلبة وقد ذكرت تواريخ مختلفة في كتب الإخباريين: 763 هـ = 1362 م، 765 هـ = 1364 م, 766 هـ = 1365 م)، ولكن المظنون أن الصدام بين البوزنطيين والبلغار سنة 765 هـ (1364 م) يتصل باتفاق عقد بين العثمانين والبلغار. وفي سنة 766 هـ (1365 م) قسم القيصر إسكندر ملكه بين ابنيه: فكان نصيب ستراتسمير إقليم ودين، ونصيب شيشمان قيصرية ترنوفو. أما دبروتيج في دبروجة وورنة فكانتا مستقلتين في الواقع وفي العام نفسه استولت المجر على ودين وهددت ترنوفو، ولم يكتف أماديو صاحب سافويا بالاستيلاء على غاليبولى العثمانية بلى استولى أيضًا على مسمبريا وسوزويوليس وأنخيالوس لحساب البوزنطيين سنة 767 هـ (1266 م) وحاول شيشمان بمساعدة جنود الاحتياط العثمانيين أن يستردوا دين سنة 769 هـ (1368 م)، وزوج أخته تمر للسلطان مراد الأول،

وجاء في التواريخ الإخبارية العثمانية (انظر سعد الدين، جـ 1، ص 84 - 87) أن العثمانيين بلغوا الممرات البلقانية الرئيسية، وذلك بالاستيلاء على قيزيل أغاج - يكيجه سى ويانبولى (إيا نبول) وقارين أو واسى (قرنوبات)، وآيدوس (آيتوس) وسوزه بولى (سوزوبوليس) بقيادة تيمورتاش حوالي سنة 770 هـ (1368 م)، واستولوا على اهتمان وساماكوف بقيادة لالاشاهين سنة 772 هـ (1370 م) وسنة 773 هـ (1371 م). وكانت فلبه من ناحية وإقليم يانبولى قارين أو واسى من ناحية أخرى هما الأوجان الهامان اللذان أسكن فيهما الاقنجى واليوروق والتتر في اعداد كبيرة. ولم يستول العثمانيون على نيش إلا عام 787 هـ (1385 م؛ انظر نشرى، طبعة taesch- ner , جـ 1, ص 58) وكانت صوفيا لا تزال في يد شيشمان سنة 780 هـ (1378 م؛ انظر Gesch.: C. Jirechek der Bulgaren براغ سنة 1876, ص 339) , والظاهر أنها سلمت فيما بين هذا التاريخ وسنة 787 هـ (1385 م)، ولما اكتشف السلطان مراد الأول سنة 789 هـ (1387 م) أن تابعيه شيشمان في بلغاريا وإيفانكو في دبروجة لم يكونا معه على الصربيين بادر بإنفاذ جيش يقوده على باشا لتأمين مؤخرته. ومعلوماتنا عن هذه الحملة مستقاة من نشرى وروحى وقد اعتمد كلاهما في روايتهما على مصدر مفصل وثيق، وليس بنا من حاجة إلى التعديل في التواريخ التي ذكراها (انظر - F. Babing Beitraege zur Fruehgesch. der Tuer-: et kenherracheftinmelien ميونخ سنة 1944, ص 29 - 35). وفي شتاء عام 790 - 791 هـ (1388 - 1389 م) استولى على باشا على بروفاديا (برافادى)، وفنجان، ومادره وشومنى (شومن) وقضى الشتاء في شومن. وفي ربيع عام 791 هـ (1389) أنفذ ياخشى بك إلى "ابن دبروجه" في ورنة، وهنالك مضى للقاء السلطان في يانبولى. وقدم شيشمان إلى هنالك أيضًا وأبدى خضوعه للسلطان مراد الأول. ولكنه عند رجوعه لم يسلم سلستره (سلستريا) للعثمانيين كما وعد، ولذلك ظهر على أمام ترنوفو قصبة شيشمان. "وأحضر الكفار له

مفاتيح المدينة، مما يدل على التسليم. وفي طريقة قبل على باشا تسليم عدة مدن أخرى, وضرب الحصار على نيكوبولى (نيكوبول، أو نيكوبوليس) وكان شيشمان قد التجأ إليها، وطلب شيشمان العفو فأجيب ملتمسه، ثم قصد على للالتقاء بجيش مراد. وتأخر بايزيد في الأناضول بعد، وقعة قوصوه، أما ميرجيا فقد استولى بمعونة سيكسموند على سلستره ودبروجه وشن غارة مظفرة على آقنجى قارين أوواسى سنة 793 هـ (1391). ولم يستطيع بايزيد أن يستولى على ترنوفو عنوة إلا سنة 795 هـ (1393 م) وذلك في السادس من شهر رمضان (7 يولية) ثم هو قد أخضع أيضًا دبروجه وسلستره. ولكن شيشمان ظل رابضا في قاعدته نيكوبولى قبلًا تابعا للسلطان. ثم استصرخ بسيكسموند، مما حمل بايزيد على غزو ترانلسفانيا وخوض معركة أركش ضد ميرجيا في 26 رجب سنة 797 (17 مايو سنة 1395) وقد عثرنا في وثيقة اكتشفت حديثًا (محفوظات طوب قابى سرايى، إستانبول، رقم 6374) على ما يأتي "وعبر يلدرم خان نهر أرخيش ووقف أمام قلعة نيكوبولى وكان حاكمها أميرًا يدعى شيشمان، وكان هذا الأمير يؤدى الجزية للسطان على نحو ما كان يؤديها فويفود الأفلاق. وقد طلب منه السلطان أن يوافيه بالسفن فزوده بها. وما إن اجتاز السلطان إلى الجانب الآخر حتى جاء بشيشمان وقطع رأسه واستولى على نيكوبولى وجعلها سنجقا عثمانيا؛ وقد جعلت المصادر الصقلبية (انظر - J. Bog archiv.f. slav. bhilo: dan جـ 13, ص 496) وفاة شيشمان في 12 شعبان سنة 797 (3 يونية سنة 1395) مما يتفق في هذا الشأن مع الشاهد العثمانى. وقد قررت وقعة نيكوبولى في 24 ذي الحجة سنة 897 (28 سبتمبر سنة 1396) مصير بلغاريا وإذ تحقق لبايزيد النصر في هذه الوقعه غزا ودين أيضًا التي كانت تابعة لستراسمير، وأقام في ودين وسلستره ونيكوبولى الأوج بكية الأقوياء

ليجابهوا المجر والأفلاق. ولما تقدم جيش مجرى صوب بلغاريا سنة 847 هـ (1443 م) انضم الرعايا البلغار والوينوق في إقليم صوفيا ورادومير إلى الغزاة، وأقام هؤلاء "فلاديكا" عليهم في صوفيا. على أن العثمانيين سرعان ما أخضعوهم (إينالجق: فا تح دورى، أنقرة سنة 1954، ص 20). واصطبغت بلغاريا بصبغة عثمانية قوية خلال هذه الفترة، وخاصة بعد عام 805 هـ (1402 م). وكان المسلمون في شرقي بلغاريا هم الغالبين غلبة حاسمة كما تدل أعمال المساحة سنة 1520 (انظر أ. ل برقان: اقتصاد فاكولته سى مجموعة سى، مجلد 11، الخريطة) وكان في قلبه سنة 859 هـ (1455 م) 600 منزل إسلامي 50 منزلًا غير إسلامي. وقد قسمت بلغاريا إلى سناجق: جيرمن، وصوفيا، وسلستره، ونيكوبولى، وودين في إيالة الرومليّ. وفي القرن الحادي عشر الهجرى (السابع عشر الميلادى) ضم سنجقا نيكوبولى وسلستره إلى إيالة أو زى التي أقيمت لمواجهة القوزاق، وكانت قصبتها أو زى وسلستره. وكان سنجق سلسترة يشمل سنة 924 هـ يرافان، ويانبولى وهارسوفا، وورنه، وآخيولى (أنخيالوس) وآيدوس، وقارين أوواسى وروسى قصرى (روسو كاسبرون). ووضعت بلغاريا تحت إدارة عثمانية نموذجية مع تطبيق نظام التمار انظر القوانين واللوائح في ا. ل برقان: قانوننلر، إستانبول سنة 1943, ص 255 - 289). وأدمج معظم أفراد الطبقة العسكرية السابقة للعثمانية في التنظيم العسكرى العثمانى (انظر كتاب فاتح دورى, ص 136 - 184 م) فجعل اليرونييار أصحاب تيمارو "الفوينيك" ونيوق عثمانيين. أما جملة السكان البلغاريين فقد جعلوا من الرعايا الذميين، ولكن كان من بينهم جماعات كثيرة حظيت بمركز مالى خاص من حيث هم دربندجى (أي حراس الممرات الجبلية) أو موردو أرز أو لحم إلخ للقصر أو للجيش وكذلك طبق نظام الدوشرمه في بلغاريا على نطاق واسع. ولما كانت إستانبول والجيش

يعتمدان على نصيب كبير من مورد الغذاء البلغارى فقد فرضت الحكومة قيودًا على تصدير الأرز واللحم البلغاريين. وفي سنة 973 هـ (1565 م) أمر أصحاب الأغنام المتعهدون في غربي بلغاريا بأن يوردوا 290, 174 رأسا من الأغنام للجيش (1. رفيق: تورك اداره سنده بلغارستان، استانبول سنة 1933 م، وثيقة رقم 3). وكان إنتاج الأرز في وادي مارشسه (مريج) الأعلى يدر على الدولة بنظام المقاطعة دخلا سنويا قدره مليون آقجه تقريبا، أي ما يعادل 20 ألف أوقية من الذهب، وذلك حوالي سنة 888 هـ (1483 م؛ انظر، كوك بلكين: أدرنه وباشا لواسى، استانبول سنة 1952, ص 131) وكان الخشب من شومنى، وهزار غراد، وترنوفو، والحديد من ساماكوف، يورّدان لتشييد السفن الحربية في آخيولى سنة 979 هـ (1577 م؛ انظرا. رفيق، وثيقة 19, 23). وكانت في ذلك الوقت صناعة للقماش واللباد ازدهرت في فلبه وشومى وإسلميه (سليفن) وكانت منتاجتها تصدر إلى أجزاء أخرى من الإمبراطورية العثمانية (أ. رفيق، وثيقة 18). ولم تتعرض بلغاريا لغزوة عدو أو فتنة من سنة 1595. وتطورت المدن البلغارية، وخاصة فلبه وصوفيا وسلستره، ومن حيث هي قواعد عسكرية واقتصادية تقوم على الطرق الرئيسية إلى الروملى. وقد كانت في هذه المدن أحياء إسلامية جديدة حول المواقع والعمارات والبدستانات والأسواق والزوقاف الغنية (انظر الوصف التفصيلى الذي أورده أوليا جلى سنة 1061 هـ = 1651 م، مجلد 2، ص 301 - 421, bei-: h.j.kenninis thrakiens 17 traege Zur Kenninis Thrakiens im ahr فيسادن سنة 1956). وجاء في الإحصاء العثمانى لسنة 1520) (انظر أ. ل. برقان journalof the Economic and Social History of the orient. مجلد 1، جـ 1 سنه 1957. ص 32) أن سناجق سلستره، ونيكوبولى، وودين، وصوفيا كان بها حوالي 125.000 بيت فيما عدا السكان الذين يوجودن في الأماكن التابعة للباشا في بلغاريا. ورفع - منذ نهاية القرن السادس

عشر- معدل عدة ضرائب وبدأت شكاوى الرعايا البلغار من ابتزازات الموظفين المحليين والجنود (ا. رفيق، وثيقة 47, 46, 42, 41, 38, 37) وفي سنة 1014 هـ (1605 م) اشتكى رعايا إقليم صوفيا من أن وكلاء البطريق كانوا يحاولون رفع معدل الرسوم المطلوبة من الرعايا من 6 آقجه إلى 12 آقجه ومن 60 آقجة إلى 400 آقجة بالنسبة للقسس المحليين (ا. رفيق، وثيقة 38). وكانت أول فتنة هامة في بلغارية هي التي وقعت في وليكو - ترنوفو سنة 1003 هـ (1595 م) حين شن ميخائيل الأمير الأفلاقى غارات مظفرة في بلغاريا. وقد أحمد سنان باشا الفتنة. ولجأ آلاف من البلغار إلى الأفلاق. ومن هذا التاريخ أيضًا بدأ البلغار الهايدودية أو الأشقياء يذكرون أكثر في المصادر العثمانية (أ. رفيق، وثيقة 75, 54, 52) وهنالك أصبح الرعايا ينضمون إلى كل غزوة يقوم بها عدو، وكان العدو إذا انسحب تبعته جماعات كبيرة من الرعايا بالرغم مما كانت تبذله لهم الحكومة العثمانية من وعود (مثال ذلك ما حدث سنة 1100 هـ = 1688 م بالنسبة لرعايا إقليم ودين وقطلوفجه، وبيروت وبرقوفجه [ا. رفيق، وثيقة رقم 59] وما حدث عام 1150 هـ = 1737 م لرعايا إقليم إيزبنبول وهو زنبوليه [أ. رفيق رقم 81, 82] وما حدث سنة 1208 هـ = 1793 هـ لرعايا إقليم إسماعيل وسانيماقا). وفي سنة 1245 هـ (1829 م) تبع سبعون ألفا أو ثمانون ألفا من البلغار الجيش الروسى ليستقروا في بشارابيا. وفي سنة 1861 م هاجر 10.000 منهم موطنهم إلى القريم. وكان الأعيان أصحاب سلطان عظيم في بلغاريا أثناء النصف الثاني من القرن الثامن عشر، وقد اصبحوا بوصفهم ملتزمين والملاك الوارثين لضياع الدولة الكبيرة (جفتلك) هم سادة البلاد الحقيقيين منذ أن اضطرت الحكومة إلى الاعتماد عليهم في جباية الضرائب من الرعايا، بل إن اقواهم مثل ترستنيك أوغلى إسماعيل، وبيرقدار مصطفى في روسجق وحاجى عمر في

هزار غراد، قد احتفظوا بجيوش خاصة لم يجد السلطان بدا من اللجوء إليها في الظروف الحرجة (ا. رفيق، وثيقة 90). وقد أوت جبال رودوب وجبال البلقان عددًا متزايدًا من قطاع الطرق كانوا يسمون في هلك الفترة "قيرجالى". واستغل هذه الفوضى جندى مرتزق هو بازواند أوغلى أو باسبان أو غلى عثمان فتمرد وهنالك حكم بوصفه ياشا وذين بلغاريا الغربية من سنة 1212 إلى 1221 هـ (1797 - 1807 م؛ انظر جودت: تاريخ، جـ 7، ص 237, 240, 250؛ جـ 8 ص 146 - 148). وفي عهد محمود الثاني استؤصلت شافة الأعيان وأقيمت أركان سلطة مركزية في بلغاريا. وأعيد تنظيم بلغاريا أيام التنظيمات سنة 1263 هـ (1846 م) فجعلت إيالات سلسترة وودّين ونيش مع قيام مجالس إقليمية سمح بعضويتها لممثلى البلغار. ولكن الإصلاحات الإدارية لم تزل أسباب القلق بين البلغار، فقد قامت فتنة في إقليم نيش سنة 1257 هـ (1841 م) وفتنة أخرى أكثر عنفا في إقليم ودين سنة 1266 هـ (1850 م)، ويرجع السبب في قيامها إلى إثارة الثوريين في بلاد الصرب والأفلاق، وإلى مساوئ نظام الجفتلك الذي قام عليه هناك أغوات مسلمون أو غسبودارية + (انظر كتابى: تنظيمات وبلغار مسأله سى، أنقرة سنة 1943). وقد انتهى كثير من الملاحظين في منتصف القرن التاسع عشر n.v.) La Population de la Turquie et: Michoff la Bulgarie de, في ثلاث مجلدات، صوفيا سنة 1915 - 1929) إلى القول بأن ثلث سكان بلغاريا كانوا من المسلمين، منهم أربعمائة ألف أو خمسمائة ألف من البوماق (بوماتزى) والوطنيين البلغار الذين اعتنقوا الإسلام أثناء القرنين السادس عشر والسابع عشر في جبال رودوب الوسطى والغربية. وكان المسلمون هم الأغلبية في مدن فلبة، وودّين، وشومنى، وروسجق، ورازغراد، وورنه، وبلونة، وعثمان بازار، وإسكى جمعه، ويكى زغره، وكانوا أقلية في مدن غربروفو، ونيشى، وصوفيا، وترنوفو، وقرنوبات (قارين أوواسى) وذلك قبيل عام

1293 هـ (1876 م). وأسكنت الحكومة العثمانية في بلغاريا بعد حرب القريم 70 ألفا أو 90 ألفا من الجركس وحوالى مائة ألف من التتر (ا. مدحت: مدحت باشا، القاهرة سنة 1322 هـ = 1904, ص 35 ك 350.000 ألف مهاجر). وقد استغل الثوار البلغار حالة التوتر بين هؤلاء وبين البلغار الوطنيين، وانتهى الأمر بالثوار إلى إنشاء جمعية مركزية للثورة في بوخارست سنة 1286 هـ (1869 م). وفي سنة 1281 هـ (1864 م) طبق لأول مرة في بلغاريا الإصلاح الأدارى الجديد، فأصبحت سناجق روسجق وورنه، وودين، وطولجى (طولجه) وترنوفو تكوّن ولاية الطونة، وسنجقا صوفيا ونيش ولاية صوفيا. وقد استطاع مدحت باشا أول وال لولاية الطونة أن يجعل هذه الولاية أكثر ولايات الإمبراطورية العثمانية تقدما (ا. مدحت: مدحت باشا، ص 24 - 56). صحيح أن موارد الضرائب في الولاية قد زادت خمسين في المائة في عهده إلا أن الفلاحين أجبروا على أن يؤدوا منها المزيد وأن يعملوا مسخرين في إنشاء الطرق الجديدة، وفي سنة 1287 هـ (1807 م) كلل النضال الذي بذل في سبيل إقامة كنيسة بلغارية مستقلة بإقامة أسقفية، وعُد هذا انتصارا وطنيا. وحدث في الفترة نفسها أن الجهود المضاعفة للثوريين البلغار "القوميتاجية" أدت -بتأييد شديد من الروس- إلى الثورة الكبرى لسنة 1293 هـ (إبريل - مايو سنة 1876 م) وأصبحت بلغاريا المسرح الرئيسى للقتال في الحرب بين العثمانيين والروس التي نشبت 1293 هـ (1877 م) , وانتهت هذه الحرب بخروج السكان المسلمين متجهين إلى الجنوب. وحاولت روسيا بحكم معاهدة سان استفانو أن تقيم تحت حمايتها بلغاريا كبرى تمتد من الدانوب حتى بحر إيجه. ولكن الدول العظمى استبدلت بذلك معاهدة برلين التي أقامت إمارة في بلغاريا (بلغارستان إمارتى) تحت سيادة السلطان، وولاية الروملى الشرقية (روملى شرقي ولايتى) المستقلة استقلالا ذاتيا، وقد اتحدت هذه الولاية مع الإمارة نتيجة للثورة التي نشبت بفلبة في 7 ذي الحجة سنة

1302 (18 سبتمبر سنة 1815؛ انظر أ. ف تورك كلدى: مسائل مهمه سياسيه، أنقرة سنة 1957, ص 193 - 246). وأعلن الأمير فرديناند، أثناء الفتنة التي نشبت في إستانبول سنة 1326 هـ (1908 م) استقلال بلغاريا، واتخذ لقب القيصر في 7 رمضان سنة 1326 (3 أكتوبر سنة 1908). المصادر: (1) Bibligraphie sur: N. V. Michoff L'histoire de la Turquie et de la Bulgarie, في أربعة مجلدات، صوفيا سنة 1914 - 1934 م (2) Geschichte der Bul-: G. Jirechek garen , براغ سنة 1876. (3) الكاتب نفسه: das fuerstenthum Bulgarien. براغ - فينا - ليبسك سنة 1891. (4) الكاتب نفسه die heerstrasse Constantinopel and die Von Be! grad nach Balkanspaesse براغ سنة 1877 (5) geschichte der bul-zlatarski garen ليبسك سنة 1918. (6) ov Turskoto Zavaldevane: p. Nik na Bulgarija i Sadbata na poslednite A Shishmannvci في Izvestiia na Istor.Dru- zestvo 7 / 8 (سنة 1928) ص 41 - 112 م. (7) Bulgarien unter der: A. Hajek erkenherrschaft شتوتكارت سنة 1925. (8) الكاتب نفسه: Die Bulgaren im Spiegel der Reiseliteratur des 16 bis 19 Jahrhuderts بلغاريا سنة 1942. ص 47 - 99. (9) A History of the S. Runciman First Bulgarian Empire لندن سنة 1930 م. (10) The Second Bul-: R.L. Woiff origin and History to garian Empire, its 1002 في speculum عدد 24) سنة 1949 م) ص 167 - 206. (11) أحمد رفيق: تورك إداره سنده بلغارستان، إستانبول سنة 1933 م. (12) الكاتب نفسه: عثمانلى إمبراطور لغينده فتر بطرخانه سى

بلقيس

وبلغار كليسه سى في تاريخ عثمانى أنجمثى مجموعه سى، رقم 8 (1341 هـ). (13) الكاتب نفسه: بلغار احتلالى في تاريخ عثمانى أنجمنى مجموعه سى، رقم 9) سنة (1341 هـ) (14) Geschichte der Bul-: N. Staneff garen , ليبسك سنة 1917 (15) Bulgarische Wirts- l. Sakazov geschichte chaft برلين - لييسك سنة 1929 (16) Sources Os-: G. D. Galabov l.Histoire Bulgare mano - Turques Pour في Annuaire de 1'vni de Sofia المجلدات 34 - 2, 35 - 6, 39 (سنة 1938 - 1943) (17) donou-Bulgari-: f.ph.kanitz en and der Balkan, في ثلاثة مجلدات، ليبسك سنة 1875 - 1879. (18) Hechbulgarien: H. Wilhelmy كبيل سنة 1935 - 1936. (19) Geschichte des Os-: N. Jotrga manischen Reiches. في خمسة مجلدات، كوتا سنة 1908 - 1913. (20) خليل إينالجق: تنظيمات وبلغار مسأله سى، أنقره سنة 1943. (21) ز. و. طوغان: مادة بلقان في إسلام أنسيكلو بيدباسى. د. أحمد السعيد [ح. إينالجق H. Inalak] بلقيس الاسم الذي يطلقه المسلمون على ملكة سبأ، وقد نشأت منذ القدم عدة أساطير من القصة الواردة في التوراة (سفر الملوك الأول، الإصحاح العاشر، والآيات) 1 - 10، 13) عن قدوم ملكة سبأ على سليمان لامتحانه في مسائل عويصة. وذكر القرآن (سورة النمل، الآيات 20 - 45) خبر ملكة سبأ التي كانت تعبد الشمس من دون الله، فحمل إليها هدهد كتابًا من سليمان يدعوها إلى عبادة الله الحق، ففزعت وأرسلت إليه هدية. ولكنه ردها، وهنالك ذهبت إليه بنفسها فأمر عفريتًا أن يحضر إليه عرشها لينظر هل تستطيع أن تهتدى إليه، ثم قادها إلى الصرحة، وكانت من

قوارير، وصح ما توقعه، فإنها لما أبصرتها ظنتها ماء وكشفت عن ساقيها. وانتهى الأمر بها إلى أن أسلمت، ويذهب بعض المفسرين إلى أن سليمان فعل ذلك ليرى إذا كان لها قدما دابة. ونستدل من هذا السرد المختصر الوارد في القرآن على أن القصة كانت قد تطورت تطورًا كبيرًا، وما ورد في الترجوم (¬1) الثاني إلى إستير يتفق في عناصره الأساسية والقصة القرآنية، ومن المحتمل أن يكون ذلك الترجوم هو الذي تأثر بالرواية الإسلامية، كما يظهر أن هذه القصة - التي لا شك أنها وصلت عن طريق مصادر يهودية - كانت قد تأثرت بالإيرانية. ولم يرد اسم بلقيس في القرآن، وهو يفسر على أوجه مختلفة، منها أنه الاسم الذي قد يشير إلى قصة زواج سليمان من ملكة سبأ التي كانت شائعة بين اليهود منذ عصر متقدم جدًّا، أو أنه تحريف للاسم نوقليس Naukalis الذي أطلقه يوسفوس على ملكته -ملكة سبأ- التي كانت في اعتباره حاكمة على مصر وإثيوبيا، وهذا التحريف تفسره الكتابة العربية. والقصة الإسلامية المتأخرة التي لم يتضح بعد تطورها تماما تضع بلقيس في بيان الملوك الذين حكموا اليمن، ومن المحتمل أن شخصية ملكة سبأ الواردة في التوراة هي عين أميرة من أميرات اليمن لم يرد اسمها في النقوش (Ueber die A. von Kremer Suuedarabische Sage ص 65 ما بعدها Die Arabische Frage: M. Hartmann ص 478). والقصة الإسلامية المفصلة التي أوردها كل من هامر بور كستال Hammer - Purgstall) في rosenel وفايل Biblische legenden der mu-G. weil subnaenner ص 247 وما بعدها) لا يمكن أن تكون قد برزت في صيغها. النهائية إلا متأثرة بعناصر فارسية وهندية. والقصة تبدو في مواضع أخرى بصيغ مختلفة، فالمقتبسات الفارسية من ¬

_ (¬1) هو الاسم الذي يطلق على الترجمة الكلدانية للتوارة.

[hgthnsd من كتاب الطبري مثلًا (ترجمها زوتنبرغ Zotenberg جـ 1، ص 443 وما بعدها) تحتوى على قصة ممتعة عن مولد بلقيس تزعم أنها ابنة ملك صينى اسمه أبو شرح من امرأة تدعى برى. وحاول زوتنبرغ أن يتبين في اسم أمها (بلقمة) اسم المعبودة الحميرية "المقه". ويقول العرب إن أمها كانت تدعى بلمقه أو بلقمه أو بلقمه (انظر فيما يتصل بهذه الأسماء Der Sabaische Gott Ilmukah: D.Mielsen) ولم يذكر البيرونى في كتابة الآثار الباقية (ص 40) سوى أن أمها كانت شأن ذي القرنين من الجن، بينما يزعم الزمخشرى أنها من أسرة تبع بن شراحيل الحميرية وأنها كانت تسكن قصر مأرب. ومهما يكن من شيء فإنه يلوح أن المسلمين قد انتبهوا منذ القدم إلى أنها لم تكن مسلمة. ومن هنا ثار الجدل أحيانًا حول بعض نواحى هذه القصة مثل القول بأنها من أصل جنى. وتأثرت قصة ملكة سبأ في الحبشة المسيحية ببيئة هذه البلاد فجعلت الأسرة الحاكمة فيها من نسل سليمان وملكة سبأ، وعرفت هذه الملكة عندهم باسم ما كدا. المصادر: (1) neue beitraege zur: grueubaum semitischen Sagenkunde ص 211 - 221 (2) Die Salomosage: Salzberger , 1907, وانظر فيما يختص بالأسطورة الحبشية. (3): V.Praetoruis Fabula de regina sabaea aped Aethiopes (3)Kebra Nagast: Bezold، ميونخ سنة 905 (5): E. Littmann The Legend of the on of axum Queen of Sheba in the traditi Biblioteca Abessinica جـ 1). [كارا ده فو carra De Vaux]

بلوجستان

بلوجستان " بلوجستان"، أو بلوخستان، أو بلاد البلوج. الوصف العام يطلق اسم بلوجستان بمعناه الواسع على الإقليم برمته الذي ينتشر فيه الجنس البلوجى، بغض النظر عن الحدود السياسية الحديثة. وهذا الإقليم بين خطى طول 58 ْو 70 ْشرقا، وخطى عرض 25 ْو 32 ْشمالا. وينقسم من الوجهة السياسية إلى ما يأتي: 1 - خانية كلات، ويطلق عليها عادة اسم بلوجستان. 2 - بلوجستان الفارسية، وتتبع حكومة كرمان. 3 - بلوجستان البريطانية. 4 - المنطقة التي تسكنها القبائل البلوخية في ولايتى البنجاب وسنده من أعمال الهند البريطانية، وتشمل نواحى ديره غازى خان ويعقوب آباد إلى آخر البلاد التي تسكنها القبائل البلوخية. وتدخل جميع هذه المناطق، مع استثناء وادي السند والإقليم الساحلى الضيق، في الهضبة الإيرانية، وتكوِّن القسم الجنوبي الشرقي منها. ويجب أن ننبه هنا إلى أن القسم الشمالي من بلوخستان البريطانية الذي يضم نواحى يشين وروْب وجبال سليمات إلى نهر كومل شمالا يعتبر من الناحية الجنسية جزءًا من أفغانستان، وأقصى ما وصل إليه الجنس البلوخى شمالا هو خط عرض 31 ْفى جبال سليمان، ولكنه لم يصل شمالا في موضع آخر إلى ما وصل إليه هناك. المناطق الرئيسية: لا تسمح طبيعة هذا الإقليم الجدب بقيام المدن الكبيرة وازدهارها، وسكانه في الغالب من البدو، ولا يوجد ما يشبه المدن إلا في حكومة مركزية مثل كلات أو بيله أو في محطة عسكرية مثل كوطة، بل إن مدينتى كلات وبيله يقل عدد سكان كل منهما عن 5000 نسمة، وبَنْجور وحدها هي مركز تجارة البلح في وادي رخْشان كما أن سيبى وذاذْر مركزان تجاريان قديمان جنوبي ممر

التقسيم السياسي

بولان، وتعود أهمية شال أو كوطة في هذا العصر إلى أنها قاعدة حربية هامة. وهناك نقط عسكرية أخرى في بلوخستان البريطانية هي لورلاى وفورت سَنْدمَن أما فَهْرجَ أو بَهْرة فهي قصبة الإقليم الفارسى. والثغور عديمة الأهمية تسدها الحواجز الرملية. وأهم ثغور مكران ولس بيله هي سورميانى وأرْمَرَه وياسى، أما كُوادر التي على الشاطئ نفسه فتابعة لعرب مسقط. ويوجد ثغرا كَوانز وجاه بار في بلوخستان الفارسية. وفقدت ميناء تيز التي على الشاطيء نفسه أهميتها القديمة. التقسيم السياسي: تدخل هذه المناطق، ماخلا بلوخستان الفارسية، في حدود الإمبراطورية البريطانية في الهند، بيد أنها تتفاوت في المركز السياسي، وتنقسم من الوجهة الإدارية إلى ما يأتي: 1 - بلوخستان البريطانية: تشمل النواحى التي كانت فيما سبق جزءًا من أفغانستان وضمت إلى بريطانيا بمقتضى معاهدة كَنْدَمَك عام 1879 م، وهذه النواحى هي: شاهرع، وسيبى، ودكى، وبشين، وجَمَن، وشُررَود. 2 - المناطق التي يحكمها نائب من قبل الحاكم العام. 1) المناطق التي تحكم بصفة مباشرة. ب) الدويلات الوطنية. ب) المناطق القبلية. 1 - هذه المناطق إما مستأجرة من خان كلات وإما مناطق قبلية دإما مناطق حصل عليها بتعديل الحدود مع أفغانستان، وهي تشمل الوكالات السياسة في زوب وجعاى والجزء الشرقي من كوطة وسنْجوَى وكوهلو وبارخان وبعض مناطق ممتدة على طول الخط الحديدى. وهذه المناطق محكومة على منوال بلوخستان البريطانية. ومساحة هذه الأراضي كلها تبلغ في الإجمال 45804 أميال مربعة إنكليزية. ب - الولايات الوطنية هي خانة كلات وإقطاعيتاها لسْ بيله وخاران.

بلوخستان الفارسية

ب - أما المناطق القبلية فهي "مرى" و"بُكْطى" ويحكمها شيوخ من أهلها تحت إمرة نائب الحاكم العام، وهم ليسوا خاضعين لخان كلات. وأما المناطق القريبة من الخط الحديدى في "كججهى" فتدار شئونها على هذا الأسلوب، وتقطنها قبائل دومبكى وكهيرى وأمرَانى، ولس بيله تخضع لشيخها، ويعرف بـ "جام" وهو حاكم من غير الأهالى أصله هندى من راجيوت، وهي تشغل الركن الجنوبي الشرقي من بلوخستان حتى حدود سنده والمحيط الهندى. وخانية كلات تضم الجزء الأكبر من بلوخستان أعني إقليم كلات الجبلى نفسه بما فيه جميع قبائل البراهوئى التي تنقسم إلى: شروان وجَهَلْوَان (العليا والسفلى) ومكران بأسرها حتى حدود فارس والمحيط الهندى، وخاران في الشمال. وهذا الإقليم يضم أيضًا سهل كججهى في سفح جبال كلات. وخاران موطن قبيلة نوشروانى وهو إقليم إقطاعى يحكمه شيخ من أهله. والخان نفسه هو سيد قبيلة كَمْبَرانى البراهوئية، وهو أيضًا سيد حلف يجمع قبائل البلوخ والبراهوئى وبعض الأقوام الأخرى التي لا تدانى هذه في هذا الشأن. بلوخستان الفارسية: كانت في الأصل جزءًا من خانية كلات ولكن فارس احتلتها شيئًا فشيئًا بعد ظهور الأسرة القاجارية، وقامت لجنة إنكليزية فارسية بتعين الحدود فيما بين عامي 1870 و 1872 م، وقد حددت آخر الأمر بإشراف السير هولدخ T.Holdich ما بين عامي 1895 - 1896 م، والحق إن بلوخستان الفارسية هي الجزء الغربي من مكران على التحديد، ولذلك فهي تشترك معها في الظواهر الطبيعية. المساحة: تبلغ مساحة جميع الأقاليم التي تحت الحكم البريطانى مباشرة 45804 أميال إنكليزية مربعة (118624 كيلو مترًا مربعًا). وهي موزعة كما يلي: تلال مرى وبكطى وتبلغ مساحتها 7129 ميلا مربعا (18464 كيلومترا مربعا).

المناخ

دويلات كلات ولس بيلة وتبلغ مساحتها 79382 ميلا مربعًا (20599 كيلو مترًا مربعًا). ولا يمكننا أن نذكر على التحديد مساحة بلوخستان الفارسية، ولكن هن المحقق أن هذه الولاية لا تقل مساحتها عن 50.000 ميل مربع (129500 كيلو متر مربع). المناخ: مناخ بلوخستان قاس شديد الحرارة قارس البرد. ولعل مكران من أشد بقاع العالم حرارة، ولكن مناخها جاف بوجه عام. أما عند الشاطئ فإن رطوبة الجو تجعل الحرارة خانقة. وتسود الإقليم في موسم البرودة عواصف ثلجية وبخاصة في الهضاب التي حول كوطة وكلات ومكران وخاران، والمنطقة الصحراوية المتاخمة لسجستان معرضة دائمًا لرياح الشمال الشديدة، أما الأمطار فقليلة في جميع الجهات، وتزيد نسبيا في أقاليم بلوخستان البريطانية الجبلية وفي التلال التي إلى الشمال والشرق من سهل كججهى، وأقصى ما تصل إليه الأمطار في شاهرغ هو 12.50 بوصة (317.50 مليمترًا) وهذا الرقم هو متوسط ما سقط من المطر في خمس سنوات، ولم يبلغ المطر هذا القدر في آية جهة أخرى، ففي كججهى يتراوح بين 3.2 بوصات سنويا (76.2 مليمترا) ويبلغ في كلات 5 بوصات (127 مليمترا)، وليس لدينا بيانات عن مقدار ما يسقط من الأمطار في مكران وبلوخستان، غير أنه لا شك في أنها أقل فيهما من المناطق الجبلية في الشرق. بلوخستان: بلوخستان بأسرها جافة جدًّا ولا تصلح للزراعة إلا في مناطق محدودة منها حيث تتوافر مياه للرى، وهناك ما يحملنا على الاعتقاد بأن الأراضي آخذة في الجفاف، وأن الزراعة كانت أكثر انتشارًا فيما مضى، ولكن يلوح أن صفات المناخ الجوهرية في هذا الإقليم كانت في عهد الإسكندر كما هي عليه الآن. السكان: لم يتجاوز التعداد الذي عمل عام 1901 م منطقة تبلغ مساحتها 76977

ميلا إنكليزيا مربعا (199370 كيلومترًا) وبلغ عدد السكان في هذه المنطقة 810.746 نسمة , وقدر عدد سكان المناطق التي لم يعمل فيها تعداد وهي مكران وخاران وسنْجرَانى الغربية بـ 229.655 نسمة على وجه التقريب، أي بواقع خمسة أشخاص لكل ميل إنكليزى مربع، وعلى هذا يمكننا أن نقول إن عدد سكان بلوخستان التي في حدود الإمبراطورية الهندية البريطانية هو 1.049.808 نسمات، وربما بلغ سكان بلوخستان الفارسية 250.000 نسمة، وهناك عدد عظيم من أصل بلوخى في الينجاب وسنده معا إلى جانب بعض البراهوئى في الولاية الثانية، ويبلغ عدد السكان جميعًا 1.017.307 من البلوخ و 48.180 من البراهوئى، أما في بلوخستان نفسها فيبلغ عدد البلوخ الذين أحصوا 104.498 نسمة فقط، غير أنه يمكننا أن نقدرهم بـ 300.000 نسمة لأن معظم سكان مكران وبلوخستان الفارسية منهم ومع كل هذا فإن عدد البلوخ في بلوخستان لا يبلغون نصف أولئك الذين يعيشون في وادي السند، وقد استقر معظم البراهوئى في ولاية كلات، وعددهم يقرب من 300.000 نسمة. النبات والحيوان: الجزء الأكبر من سلاسل الجبال صخور جرداء لا غابات فيها، وهناك مناطق قليلة محدودة في جبال بلوخستان البريطانية توجد بها غابات صغيرة، فبجبال سليمان حب الصنوبر الكبار Pinus rerardiana والصنوبر الطويل الورق Pinus Longifolia والسديان Quercus Ilex، وعلى جبال شينغر حرج من أشجار الزيتون البرى Olea Cuspidata, وتغطى أشجار البطم الأخضر Pistacia Khinjuk جزءًا من جبل جهلتان، وبالقرب من "زيارت" غابة من العرعر Juniperus excelsa ولكن لا يوجد في الجزء الأكبر من هذه البلاد ما يصح أنه نسميه غابة ويكثر الدوم Chamaerops Ritchieana في كل مكان حتى على ارتفاع خمسة آلاف قدم، وكثيرًا ما تستعمل أوراقه في صنع الحصير والنعال، وهم يأكلون قلب الجذع كما تؤكل البقول وينسجون من

أليافه الصوفان، وتوجد عادة أشجار السيسام Dalbergia Sissoo والصفصاف Populus Euphratica على شواطئ الأنهار، كما يوجد أحيانًا الصمغ العربي في الوديان Acacia Arabica والسنط Acacia modecta واليكمونتى Jacquemontii على سفوح التلال، وتنمو عدة أنواع من الحطب الأحمر Tamarix وخاصة الطرفاء Tamarix Callica بالقرب من الماء، وينمو الدفلى أيضًا في مجارى المياة الجافة Nerium Oclonim. كما يوجد التاكوما Tecoma Undulata ذو الزهر الأصفر في بعض الوديان. ويكثر النخيل في أجزاء من مكران وخاصة في ينجكور ومشكيل، وهو يزرع في ينجكور ويلقح بطريقة صناعية، ونوعه جيد، أما نخيل مشكيل فبرى يجمع البدو ثماره، وأشجار الفاكهة قليلة بوجه عام. ومناخ المرتفعات صالح لإنتاج أجود الفواكه من كل نوع، كما جُرّب ذلك في كوطة، ولكننا نستطيع أن نقول إن العناية بغرسها لم تبذل بوجه عام، والزهور العطرية كثيرة في التلال الجافة، وقد اشتهرت مكران منذ القدم بالمر والناردين والمقل Bdellium المعروف الآن باسم كَوَكل، وهو يستخرج من شجرة اسمها البوذ. balsamodendro makul (Bodh أما الحيوان في مكران وبلوخستان الفارسية فمعظمه من حيوان الصحراء والأنواع الهندية، وحيوان الجبال والهضاب المرتفعة في الشمال الشرقي أقرب إلى الأنواع الموجودة في الهضبة الإيرانية، واللبونات العليا نادرة وأهمها النمر Felis Pardus والذئب canis lupus والثعلب والغُرَير ولعله Meles (¬1) Vulps Cansceus, والدب الأسود ursus Labiatus (أي دب الهند الأسود) والغزال gazella Dennetti et G. Fuscifrons، والأغنام البرية , ovis Cycloceros ونوعان من الماعز هما الوعل Capra aegagrus والماخور، ويعرف عند أهل البلاد بالـ "ياشن" Capra megaceros, والنوع الأول على حدود سندة وفي مكران، أما النوع الثاني ففي جبال سليمان. ولعل الحمار ¬

_ (¬1) حيوان لاحم بين الكلب والسنور أغبر اللون أسود القوائم قصيرها أبيض الوجه على جانبي وجهه جدتان سوداوان. (معجم الحيوان لمعلوف)

الوحشى أو الكور هو عين ما يوجد في فارس ووادي السند Equus hemionos، والماشية من النوع الهندى ذي السنام، والأغنام على نوعين سمينة الذنب وطويلته، والجاموس من المصنف الهندى أيضًا، والجمل أو النجيب هو دابة الحمل الشائعة في هذه البلاد. وليس بها الجمل ذو السنامين، وإذا وجد فهو عجيبة مستوردة من الخارج، والخيل تربى بكثرة وهي كريمة الأصل سريعة صبور، فيها دم عربي. والبلوخ لا يمتطون إلا الأفراس في أغلب الأحيان. وتكثر الحيتان والدلافين قرب الشاطئ، أما الطيور الكبيرة الحجم فأشهرها البلح (¬1) أو الستل، والنسر والصقر والباز، أما طيور الصيد فمنها أربعة أنواع من فصيلة القطا Pterocles هي الدُراج وثلاثة أنواع أخرى منها: والسلوى أو السمانى، والحبارى Otis Houhara توجد في المناطق الأكثر حرارة من غيرها في الشتاء، وهي تهاجر في الصيف إلى الأجزاء الأكثر برودة من غيرها في الهضبة، كما يوجد النحام (بشروس) بكثرة على الشاطئ، وتظهر في الشتاء أنواع عديدة من البط والحذف الشتوى أو الشرشير الشتوى. وتوجد التماسيح Crocodilus Palustris في الجانب الشرقي في نهر "هب" وفي المجارى المائية في تلال مرى وبكطى وجبال سليمان، ولكنها لا توجد في الغرب. وتكثر الحيات، والحية السامة المالوفة هناك هي الأفعى الصّغيرة Echis Carinata ويوجد الصّل في عدة مواضع وخاصة في بلوخستان البريطانية. ويكثر السمك البحرى على شاطئ مكران، أما النهيرات الداخلية فصغيرة بحيث لا تسمح بتكاثر أسماك المياه العذبة. ولكن السمك البَنّى Barbus Tor يوجد حيثما كانت المياه كثيرة جارية. الأجناس البشرية: يمكننا أن نصنف سكان بلوجستان بصفة عامة متوخين في ذلك المنهاج القائم على علم قياس الجسم الإنسانى ¬

_ (¬1) ويسمى كاسر العظام البلح أو البلت أو الستل أو المكلفة أو الفينة: طائر من سباع الطير بين النسر والعقاب يحمل كل عظم فيه "مخ" حتى إذا كان كبد االسماء أرسله على صخرة فينكسر فيهبط فيأكل مخه ... واسم هذا الطائر في السودان أبو ذقن وأبو لحية. (معجم الحيوان لمعلوف)

الذي اتبع في التعداد الذي أجرى بالهند عام 1901، فنقول إن السكان هناك فرع من الجنس التركى الإيرانى، وهم طوال القامة على الإجمال، يتراوح متوسط ارتفاع قامتهم في مختلف القبائل بين خمس أقدام وثلاث بوصات وخمس أقدام وسبع بوصات. ومعظمهم من ذوي الروؤس العريضة، ويبلغ قياس مخهم 80 أو 81 وأنوفهم طويلة شماء، وشعر رأسهم ولحيتهم غزير، ولون أعينهم وشعرهم أسود في الغالب، ومنهم من هو أسمر الشعر أزرق العينين أو رماديها. وبشرتهم سمراء فاتحة، وهي تميل إلى الدكنة عند الشاطئ. وتنطبق هذه الصفات بوجه خاص على البلوج وعلى البراهوئى إلى حد ما. والأفغان في هذه الولاية يشبهون البلوج شبها عظيما، وقد تحدثنا عنهم في مادة أفغانستان، أما العناصر الهندية فقد بدت فيها خصائص الهنود، ولذلك فإنا نجد رءوسهم أقل في العرض من أولئك وأنوفهم أقصر. وإذا غضضنا الطرف عن أفغان بلوخستان الإنكليزية فإن السكان ينقبسمون إلى: بلوج، وبراهوئى، وهنود، وفرس. العناصر الهندية: وهي تتألف من لاسة لس بيله، والجطّ الذين يمتزجون بالبلوج في كججهى، ولربما الميدية أيضًا، وقبائل أخرى مركزها الاجتماعى منحط في مكران. وهناك أيضًا عدد محدود من التجار من سلالة هنود نزحوا من الهند في عهد متأخر. الفرس أو التاجيك: ومعظمهم من الديهوارية أي مزراعى هضبتى كلات وكوطة. وقبيلة نوشروانى النزاعة إلى القتال من أصل فارسى أيضًا، ولكن من المشكوك فيه أن هناك أي تميز حقيقى بينها وبين البلوج. البلوج: ينقسم البلوج الأصليون قسمين كبيرين يفصل أحدهما عن الآخر جماعة البراهوئى. وبلوج الشمال الشرقي يعيشون في سهل كججهى وفي التلال

التي إلى شماليه، وهذه التلال تتصل بجبال سليمان. وهم ينتشرون في هذه الجبال ناحية الشمال حتى خط عرض 31 ْأسفل الجبال التي إلى الشرق تجاه نهر السند. ويقطن عدد كبير منهم السهول التي في الينجاب الجنوبية وشمالى سنده وبخاصة ناحيتى ديره غازى خان، ويعقوب آباد. والقسم الآخر عبارة عن بلوج مكران وبلوخستان الفارسية إلى الغرب من قبائل البراهوئى. البراهوئى: وهم ليسوا مبعثرين شأن هؤلاء، ولكنهم يشغلون قطعة متماسكة من الأرض حول كلات، والجزء الأكبر من هذه القطعة شديد الارتفاع، وهي تمتد من كوطة في الشمال إلى لس بيلة في الجنوب، وتفصل بذلك بلوج الشمال الشرقي عن بلوج مكران فصلًا تاما والراجح أن يكون البلوج، كما سنتبين بعد، قد دخلوا مكران عن طريق كرمان وسجستان قرابة الفتح السلجوقى لفارس، وانتشروا سريعًا حتى حدود الهند، ومن هذا العهد بدأ هذا الإقليم يعرف ببلاد البلوخ أو بلوخستان. ولم يعرف الكتاب المتقدمون هذا الاسم. ويطلق اسم بلوخ أحيانًا في شيء من التجاوز بحيث يدل على جميع من يقطنون في هذه البلاد. وعلى هذا فإن الزعيم البراهوئى ناصر خان الذي وصل إلى الحكم في القرن الثامن عشر الميلادي يذكر في التاريخ بصفة عامة على أنه من البلوخ. ويمكننا أن نعرف طبيعة سكان بلوخستان الأولين على سبيل التكهن فقط، ومن الراجح أن معظمهم كانوا من الجنس الهندى، وأقدم اسم لهذه البلاد لدينا عنه بعض المعلومات هو "مكه" في نقوش بهستون، وهو مكْيه Mekia عند هيرودوتس أو بلاد الميَكيان Mykians التي كانت ضمن الولاية الرابعة عشرة في بلاد فارس، ويجمع هرودوتس في كلامه في مواضع أخرى بين المكيان واليوتيان Utians والباركانيان Parikanianc الذين كانوا مسلحين كالباكتيان Paktianc . وعين بطلميوس الحدود بين الهند وفارس بحيث ترك الجزء الشرقي من بلوخستان في الهند.

ويذهب أريان Arran في كلامه على أوره Ora وأهلها الأوريتاى Oreitai الذين كانوا يعيشون عند نهر أرابيوس Arabios - الآن يرالى- إلى أنهم من الهنود شانهم في ذلك شأن أهل لس بيله الآن. وإلى الغرب من هؤلاء توجد الوديان الداخلية التي كان يعيش فيها الكدروسيوى Gadrosioi الذين سمى الإقليم باسمهم "كدروسيا" أو "كدرسيا" كما يعيش الإتشيوفا كوى في الإقليم المطل على البحر، وهم من الصيادين، ويمثلهم الآن الميدية والقبائل الأخرى التي تقطن الساحل. وظل "كدروسيا" الاسم المعترف به لهذه البلاد في الزمن القديم، ولم نعد نجد ذكرًا لمكه أو مكيه ثانية، ولكن من الواضح أن هذين الاسمين بقيا في الاستعمال الشائع لأن الفاتحين العرب الأولين في القرن الأول للهجرة وجدوا أن الاسم هو مُكْرَان - مَكْرَان الآن - ولعل القراءة الصحيحة هي مَكُرَان، وهو النطق الحالى عند البلوخ وقد ذهب مولسريرث سيكس Molesworth Sykes إلى أن المقطع الأخير هو "عرانيأ" بالسنسكريتية ومعناها الأرض القاحلة. (وهو موجود أيضًا في رن كججه). وهناك مواضع مختلفة على الشاطئ حققها هولدخ Holdich وموكلر Mockler وغيرهما وتبينوا فيها أسماء مواضع ذكرها مؤرخو اليونان مثل: راس مالان = ملنة Malang عند أريان. برغ أو بميور = يورة Poura عند أريان كوادر = برنه، بدره Badara و Badara كلمت = كلمه Kalama . جزيرة أستولا = نُسلهَ Nosala . ولا شك أن يورة هي الكلمة الهندية بورة ومعناها مدينة، ولكن الأسماء التي ذكرت ليست بصفة عامة دليلا يبين لنا هل كان الأهالى في ذلك الوقت يتكلمون اللغة الإيرانية أو الهندية، وقد ذهب موكلر إلى أن الكدروسيوى هم عين البلوخ، ولكن يلوح أنه ليس هناك ما يبرر هذا الزعم من حيث فقه اللغة، لأن حرف ف الأصلي يمكن أن يتطور إلى الأحرف ب، ل, أو، كو الحديثة كما هي الحال في كوادر، ولكنه يصعب أن يصبح حرف ك الأصلي حرف ب الحالى، وفضلا عن ذلك فإن هناك

ما يدعم القول بأن البلوخ من مهاجرى وقت متأخر كثيرًا عن هذا، ويظن هولدخ أن اسم كدروسيوى هو كدور الحالى، وهو اسم عشيرة في لس بيله، ولكن كدور عشيرة ضئيلة الشأن من أصل هندى كما نستدل من التعداد الذي عمل حديثًا، ولا يزيد عدد أفرادها عن 2000 نسمة، وليس في الإمكان أن نقول إنها عين جنس كالكدروسيوى، وجط المجرى الأسفل لنهر السند يشملون الجط الخلص والراجبوت، وهذا هو الحال أيضًا في لس بيله حيث تعيش سلالة الأجناس والسما السندهيين مع لنكاه ملتان، ولما ظهر العرب لأول مرة وجدوا أن مكران بأسرها في حوزة الجط أي الزط. وذكر المسعودى أنهم كانوا يعيشون غربًا حتى كرمان، غير أنه قد أشير بصفة عامة إلى أنهم يقطنون مكران، وروى المسعودى والإصطخرى أن البلوخ كانوا يقطنون جبال كرمان وقد جمعا بينهم وبين الكوج (قفْص وبلوص أو كوج وبلوج) ولكن البلاذرى والطبرى لم يذكرا سوى الكوج. وعلى هذا فإنه من المحتمل أن يكون البلوخ الذين كانوا من غير شك في كرمان في الوقت الذي كتب فيه هؤلاء المؤرخون لم يصلوا إلى هناك في وقت متقدم كهذا (23 هـ) أي في وقت غزوة العرب الأولى لهذه البلاد. ويلوح أن مواطنهم قبل ذلك كانت قرب شواطئ بحر الخزر؛ ونستدل من الفردوسى على أن قبيلة نوشيروان قد قاتلتهم، وهم يذكرون في هذه القصة مع أهل جيلان. ويقول موكلر في مقال له نشر بمجلة الجمعية الآسيوية بالبنغال (سنة 1895 م , ص 32) أن الفردوسى روى أن "نوشيروان أدبتهم في مكران" ويستدل من هذا القول أن البلوخ كانوا من غير بد في مكران قبل غزوة المسلمين بمائة سنة على الأقل، ولكنا نتبين من الرجوع إلى الفردوسى أنه لم يرد فيه أي ذكر لمكران. ونستدل من كل هذه الأساطير القديمة التي حفظها الفردوسى ومن غارات نوشيروان، وهي في جملتها من الحوادث التاريخية، على أن البلوخ كانوا إلى زمن الفتح العربي على اتصال وثيق بفارس الشمالية، وإن كانوا يعتبرون

من أصل إيرانى، لا طورانى وكثيرًا ما يقترن اسم بلوج في الشاهنامه مع اسم كوج كما يرد فيها منفردًا؛ ولا نجد هذا الاسم في المحفوظات الأقدم عهدًا مما يجعلنا نظن أن اتحاد هاتين القبيلتين الذي كان قائمًا عند كتابة الفردوسى للشاهنامة لم يكن له وجود في الأساطير التي اعتمد عليها. وقد تكون هناك صلة بين هجرات البلوخ التي اتجهت نحو الجنوب إلى كرمان والنقلة إلى سجستان ومكران ومنها إلى حدود السند، وبين الغارات المختلفة الآتية من آسية الوسطى مبتدئة بغزوة الهياطلة أو الهون البيض في عهد نوشيروان. ومن المحقق أن البلوخ استقروا في القرن الرابع الهجرى في جبال كرمان جنبًا إلى جنب مع القفص أو الكوج وانتشروا في سجستان، بينما ظلت مكران في أيدى الزط أو الجط، واشتهر البلوج بالسلب والنهب، وقد أغاروا على صحراء لوط التي بين كرمان وخراسان، وكثيرًا ما هاجمتهم الدول المجاورة على يد أمثال عضد الدولة البويهى الذي أصاب منهم مقتلة كبيرة، ومسعود بن محمود الغزنوى الذي هزمهم قرب خبيس، وكل هذه الحروب التي انتهت بغزوة السلاجقة واحتلال كرمان وسجستان دفعت قبائل البلوخ ناحية الجنوب والشرق إلى مكران سنده، وسرعان ما وصلوا إلى حدود الهند. ونسمع عنهم لأول مرة في سنده حوالي عام 650 هـ (منتصف القرن السادس عشر الميلادي) ويظهر أنهم كانوا في ذلك الوقت يحتلون مرتفعات كلات التي تخضع الآن للبراهوئى، ومن أسباب نزوج جانب كبير منهم إلى سهول وادي السند نمو سلطان البراهوئى. ومن أسباب نزوحهم كذلك اضمحلال الحكومة المركزية في الهند نتيجة لغزوات تيمور. وقد شجع هذا المغامرين من جميع الطبقات ومن بينهم لودية الأفغان والإمبراطور بابر والأرغون الذين عجزوا عن الاحتفاظ بقندهار. واشتركت القبائل البلوجية في غزو الأرغون لسنده، وكانوا معهم تارة وعليهم تارة أخرى. وانتشروا بقيادة زعيمهم مير جاكر رند ومير سهراب دودائى في مملكة راجبوت لنكاه بملتان وساروا صعدا في وديان نهر السند

ونهر جهلم ونهر جناب ووصلوا شمالا إلى بهيرا. ويلوح أن البلوج قد هضموا بعض قبائل من أصل هندى أثناء إقامتهم في مكران وعلى حدود سنده، ولربما كانت بعض العشائر العربية قد وصلت إلى مراتب ذات شأن بينهم، ولكن ليس هناك أدلة كافية تسمح لنا أن نفترض أن كثيرًا من البلوج تجرى في عروقهم الدماء العربية وأن الرندية يتميزون في هذا الشأن عن بقية البلوج؛ ويظهر أن الرأى القائل بأصلهم العربي مأخوذ من القصة البلوجية التي تزعم أنهم انحدروا من صلب مير حمزة وأنهم قدموا من حلب وحاربوا يزيد تحت لواء الحسين في كربلاء. ولكن ليس لنا أن نعلق على هذه القصة أهمية أكثر من القصص الأخرى المشابهة لها المتصلة بأصول غيرهم من الشعوب. ويذهب موكلر Mockler إلى أن اسم حلب الذي جاء في القصص يثبت أن البلوج انحدروا حقيقة من قبيلة علافى العربية، وهي من بنى علاف الذين كانوا في مكران حوالي 65 هـ، واحتفظوا بالبلاد بعد أن قتلوا سعيد بن أسلم الذي كان الحجاج قد استعمله عليهم، ولكن هذا الرأى لا يدعمه أي دليل، ومع أنه قد ينطبق على بعض الأسر التي من أصل عربي إلا أنه من العسير أن نطبقه على الجنس البلوجى بأسره الذي لم يستقر في مكران إلا بعد ذلك بأربعة قرون. ثم إن هذا الرأى لا يدخل في حسابه ذلك الجزء من القصة الذي يذهب إلى أن البلوج استقروا في سجستان قبل نزوحهم إلى مكران، وجعلت هذه القصة إقامتهم في سجستان إلى عهد حاكم يدعى شمس الدين، ولعله مالك السجستانى المعروف بهذا الاسم الذي توفى عام 559 هـ (1164 م)، ونسبت طردهم إلى بدر الدين، الذي لم نستطع تبين حقيقته بعد، ويقال أن زعيمهم جلال خان أعقب أربعة أبناء، هم: رند، ولاشار، وهوت، وكورائى، وابنة اسمها جتو تزوجت من ابن أخيه مراد، وهؤلاء الخمسة هم الأجداد الذين تصل قبائل البلوج الخمس نسبها بهم. والعشائر الأربعون الأصلية (وتعرف العشيرة عندهم بـ "بلك") - بما فيها القبائل

الأربع من العبيد - التي تبعت جلال خان انضوت تحت لواء هذا الابن أو ذاك من أبنائه؛ وكل البلوج الخلص يقسمون وقتذاك إلى الرندية واللاشارية والهوتية والسكورائى والجتوئى، ويطلق على بعض القبائل الأخرى التي لا تدخل في هذا التقسيم اسم البلوج على الإجمال، وأهم هؤلاء هم البليدى أو البليذئ، ويقال لهم البردى في سنده، الذين نجدهم في مكران حيث موطنهم الأصلي وادي بليده، ونجدهم في سنده الأعلى على نهر السند، ومن أهمهم كذلك الكتجكى في مكران، ويعتقد أنهم من أصل هندى؛ والدودائى، وهم خليط من البلوج والرجيوت يصلون نسبهم بـ "دودا" وهو ملك سنده السُّمْراوى، وهم يقطنون اليوم جنوبي الينجاب. والفرع الهام الذي بقى منهم هو قبيلة كرجانى التي تسكن ديره غازى خان. ويلوح أن الرندية بزعامة جاكر كانوا العنصر الهام في الهجرة إلى الهند، ولكن اللاشارية بزعامة كوهرام نازعوهم هذا التفوق. والحرب التي نشبت بينهما والمعارك التي خاضوها مع الترك بقيادة زنو - ونقصد بالترك هنا الأرغون بقيادة ذي النون بك - هي موضوع أغان حماسية كثيرة، ونجد الرندية واللاشارية والهوتية الآن في مكران؛ وفي كججهى عشيرة كبيرة من الرندية وفرع من اللاشورية يعرف بـ "مَغَسى". وانتشر الهوتية والدودائى في بداية القرن السادس عشر الميلادي ناحية الشمال بحاذاة نهر السند، وكان يقود الدودائى سهراب وهو منافس لجاكر، وساروا صعدًا على نهر جهلم حتى بهيرا حيث لقيهم بابر عام 1519 م. وهناك في يومنا هذا قبائل عديدة انحدر معظمها من الرندية وإن كان فيها عشائر انحدرت من الهوتية واللاشارية تقطن جبال سليمان والسهول المجاورة له في إقليم ديره غازى خان وشمالى سنده، والكرجاتية (الدودائى) يعيشون في هذه المنطقة، كما كان حكام (نواب) المرانى لديره غازى خان من الدودائى أيضًا. وتقول الرواية إن مدن ديره غازى خان وديره إسماعيل خان وديره فتح خان أسسها

غازى خان وإسماعيل خان فتح خان أبناء سهراب، وهؤلاء الثلاثة كانوا زعماء الدودائى بالفعل في القرن السادس عشر، وقد لقوا شيرشاه بالقرب من بهيرا عام 1456 م، وأخذ إقليم ديره جات (جمع ديره) اسمه من تلك المدن، وقد أخطأ رافرتى - A.D. Rav erty في قوله إن الهوتية الدودائى كانوا - ولا يزالون - قبيلتين متمايزتين (Mihran of Si) (ص 389. ونجد الآن الرندية مختلطين بقبائل الجط والراجبوت المشتغلة بالزراعة، وهم منتشرون في أقاليم ملتان وجهنكك ومظفر كره ومونتكو مرى وشاهيور، كما يقطن الجطوئى والكورائى نفس هذه الأقاليم، ولكن واحدة من هذه الجماعات لا تكّون قبيلة منظمة، والذين يسكنون منهم إلى الشرق من السند فقدوا لغتهم وأصبحوا يتكلمون لهجات من الينجابى، أما الذين إلى الغرب من السند وبالقرب من الجبال فقد احتفظوا بلغتهم، وهذه القبائل هي من الشمال إلى الجنوب كما يأتي: الكسرانى، والبزدار، والنُّتكانى، واللند، والخوسا، واللغرى، والكرجانى، والدريشك والبكطى، بما فيهم الشمبانى، والمزارى والمرى، والدمبكى، والأمرانى، والبليدى، أو البردى، والجكرانى، والجانديه، يضاف إليها الرند والمغسى من الكججهى الذين سبق أن أشرنا إليهم. ومعظم هذه القبائل تتألف في الأصل من عشائر منفصلة تجمعت حول نواة عرفت القبيلة كلها باسمها، وعلى هذا فإن القبيلة من الرند قد يكون بها عشائر من اللاشارى أو الهوت، وقد يكون في قبيلة من الدودائى مثل الكرجانى عشائر من الرند واللاشارى بل يحدث أكثر من هذا فتمتص القبيلة عناصر أخرى من الهنود والأفغان والعبيد. والمعتقد أن الحكرانى من الجط كما يذهب البعض إلى أن الكهيرى قد انحدروا من السادات. واشتهر المرى بأنهم خليط؛ والمحقق أن فيهم عناصر أفغانية. ونجد في بعض عشائر البكطى والمرى النسبة الهندية المنتهية بـ"جه" والأفغانية المنتهية بـ "زائى" اللتين حلتا محل النسبة البلوخية "آنى" كما هو الحال في شهيجه ورهيجه وكيزائى

وميرزائى وبهاولزائى، وهناك عشيرة بين المزارى تعرف باسم كُردْ أو كَرْد، ومهما يكن من شيء فإن هذه العناصر الدخيلة قد امتزجت تمامًا بحيث لا يمكن تمييزها عن القبائل البلوخية الخاصة. وكثيرًا ما بحث في أصل اسم بلوج وأسماء القبائل والعشائر الرئيسية، وقد يكون من الراجح أن جميع أسماء القبائل والعشائر الحديثة نسبة إلى السلف، وليس الحال كذلك بالنسبة للأسماء الأقدم عهدًا، كما أن بعض الأسماء الرئيسية إما أن تكون ألقابًا أو ألفاظًا تدل على المدح أو الذم ويظهر أن كلمة بلوج نفسها التي خرّجوا منها اشتقاقات عدة بعيدة عن الواقع فارسية قديمة معناها عرف الديك أو الخوذة؛ فقد وصفهم الفردوسى بأنهم يلبسون مثل هذه الخوذات، و"رند"و "لند" معناهما وغد أو صعلوك، ومزارى معناها شبية النمر، وليغار معناها قذر، وخوسا معناها لص، ومرى طاعون، وإن كان موكلر Mockler يذهب إلى أنه هو الاسم العربي المرى. ويظهر أن بعض الأسماء الأخرى من أصل محلى، مثال ذلك اللاشارى والمغسى، فهما نسبة للأقاليم المعروفة باسم لاشار ومغس في بلوخستان الفارسية، كما أن الكشخورى نسبة إلى وادي كشخور، والبليدى نسبة إلى وادي بليدة، والكلمتى إلى وادي كلمت. أما الهوت فمعناه البطل أو المقاتل، وليست هناك ضرورة تلزمنا، كما فعل موكلر، أن نبحث عن أصل هذا الاسم في "يوتى" Utii الذين ذكرهم هيرودوت، أما هيوز بللر Hughes Buller فيشتق اسم هوت من أوريتاى Oreitai أو هورتاى Hareitai الذي ذكره آريان، وهذا الرأى أكثر احتمالا من سابقه، وقد وجد هذا العالم في مكران رواية تذهب إلى أن الهوت جنس وطنى قديم؛ فإذا كان الهوت كالدودائى من أصل راجبوتى فإن هذا يفسر لنا صحبتهم لهذه القبيلة في غزوة الهند، أما دريشك فقد تكون لهم صلة بالمكان المعروف باسم ديزك في بلوخستان الفارسية، ومن المحتمل أن يكون كركير لقبًا معناه حافر القبور أو فاتحها، وهي كلمة بلوخية أصيلة، ويظهر أن ما ذهب إليه

موكلر من أنها كرجية بعيد الاحتمال ولا تؤيده الحقائق التاريخية. والبراهوئى هم أقوى جماعة في خانية كلات وأكثرهم عددًا، وهم لا يتجاوزونها وإن كانوا أقل قيمة من البلوخ إذا نظرنا إلى بلوخستان في مجموعها، والبراهوئى منتشرون في مرتفعات كلات من كوطة جنوبًا حتى حدود لس بيله؛ وتشتى بعض القبائل في سهول كججهى، وهؤلاء البراهوئى يشبهون البلوخ من الناحية الجسمانية العامة، وإن اختلفوا عنهم بعض الشيء في الملامح، فأنوفهم أقل بروزا وأكثر تفرطحًا كما أن وجوههم أشد غلظة، وكثير منهم أعرض وأكثر سمنًا من البلوخ ولكن هناك أيضًا عددا كبيرًا من الجنس البلوخى الخالص. وتكوّن القبائل حلفًا بزعامة خانية كلات، وهي تنقسم إلى جماعتين كبيرتين: جماعة سروان براهوئى، أي براهوئى الجهات العليا، وجهلوان براهوئى، أي براهوئى الجهات المنخفضة، وهذا الحلف حديث العهد، وهو يشمل بعض القبائل كرند ومغسى كججهى، وهم من البلوخ الخلص، ومع ذلك فإن جل القبائل التي يتألف منها هذا الحلف تعتبر الآن من البراهوئى، ولكن كثيرًا من أفرادها من أصل أفغانى أو بلوخى أو هندى. وقد نقل هيوز بلر Hughes Buller عن خان كلات السابق أن البراهوئى الحقيقيين الذين تتألف منهم نواة الجنس كله هم: الكمبرائى، وهم ينقسمون إلى الأحمد زائى وهم عشيرة الخان، والالتازائى. الميروانى. الكر كنارى. السمالانى القَلنَدرانى أو القَلنْدرَى ويزعم هؤلاء أنهم، شأن البلوخ، قدموا من حلب في الشام، ومن الراجح أن يكونوا في الواقع قد هاجروا من الغرب، ومن الممكن أيضًا أن يكونوا عين الكوج الذين كانوا يعيشون مع البلوخ في كرمان قبل أن ينزحوا إلى مكران، والاسم كوج معناه البدوى، ويروى الإدريسي أنهم صنف من

الأكراد، بين البراهوئى، والاسم الذي يعرف به البراهوئى كلهم في لس بيله هو كرد كالى، أي الذين يتكلمون الكردية، ولذلك يلوح أن هناك ما يدعم الافتراض بان هذه الجماعة الصغيرة من البراهوئى الأصليين كانت من المهاجرين ذوي الدماء الإيرانية ويشبهون أكراد غربي فارس. والجماعة الثانية التي ذكرها الخان عبارة عن القبائل التي يعتقد أنها من أصل بلوخى والتي كانت تعيش في البلاد قبل وصول البراهوئى، وهذه القبائل هي: البنكلزائى، وهي من عشائر كرانى وتتكلم البلوخية. اللانكو، والراجح أن تكون في الأصل من الموالى. الليهرى وبعد ذلك تأتى القبائل التي يقال إنها من الأفغان مثل: الريسانى السريرا الشاهوانى، ويقال أحيانًا إنهم من البلوخ، ثم تأتى بعد ذلك القبائل التي يقال إنها أتت من فارس وهي: الأكراد الممسانى أو محمد حسنى ثم القبائل التي يقال إنها من أصل جطى وهي: البزنجو المينكل الساجدى الزيهرى ويظن أن آخر القبائل التي وردت في هذا البيان هم السكان الأقدمون في البلاد قبل أن يدخلها البلوخ والبراهوئى، ولكهم يتميزون عن الجط، وهؤلاء هم: المحمد شاهى النجارى وهناك فروق داخلية في كل قبيلة إلى جانب التمايز في الدم بينها، وفي معظم القبائل عشائر تزعم أنها القبيلة الأصلية، وأن الآخرين دخلاء عليها. ولغة البراهوئى من أصل درافيدى،

كما سنرى بعد، ويظن أنها لغة القبائل الأصلية التي كانت تعيش في مرتفعات كلات قبل أن تصل قبائل البلوخ التي تتكلم البلوخية وقبائل البراهوئى التي كانت تتكلم لغة عرفت وقتذاك بـ "كرد كال"، ويلوح أن هذه اللغة قد اتخذها الدخلاء الذين استقروا في الهضبة أي قبائل البراهوئى وبقايا البلوخ الذين استقروا هناك قبل هؤلاء وعشائر أفغان ترين الذين اشتركوا مع البراهوئى في طرد البلوخ. وامتزج بعض السكان الأصليين بالغزاة واحتفظ البعض سواء أكانوا من الدرافيد أم من الجط، بنظام قبلى مستقل. وكانت تربط الجميع لغة مشتركة، وهي لغة البلاد القديمة، كما ألّف الجميع الجنس البراهوئى الحديث، ويظهر أن هذا هو أكثر الفروض احتمالا عن نشأة هذه الجماعة المختلطة. ومن الواضح أن اسم براهوئى حديث ولعله اسم سلفى شأنه في ذلك شأن معظم أسماء القبائل كما دهب إلى ذلك هيوز بللر، وهو مشتق من براهو. وهي الصيغة الشائعة لإبراهيم. ولا يمكن أن يكون مشتقًا من "به روهى" ومعناها فوق الجبال. وهذه الكلمة المختلطة المنبت يظن أنها مؤلفة من الكلمة الفارسية به والسندهية روه أي جبل. ولكن هذا التركيب غير معروف: والصفة من روه هي روهيلو أو روهيلا أي الجبلى، وينعت به الأفغان في الغالب، ويرادفه في الفارسية كوهى أو كوهستانى. الديهوارية: وهم فرع من التاجيك، أي الجنس الفارسى الشرقي، وينتشرون انتشارًا كبيرًا في جنوبي) فغانستان، ونجدهم بصفة خاصة في هضبة كلات. هم يتكلمون الفارسية ويشتغلون بالزراعة، ويعتبرون من الأجناس المستقرة، ويعيشون في قرى ثابتة، والقرية عندهم تسمى ديه، ومن ثم أخذوا اسمهم ديهوار، أي القروى نفييزًا لهم عن البراهوئى البدو، والديهوارية أقل مرتبة من البراهوئى، ويمكن تقسيم السكان الذين من أصل لهندى إلى: لاسية لس بيله. جط مكران وبلوخستان الفارسية

جط كججهى الخيترانية اللاسية: كانت قبائل لس بيله تعتبر أنها من النمرية أو اللمرية، ولكن يقول هيوز بلَّر إن هذا الاسم لا يستعمل الآن إلا للتحقير، ويطلق على طبقات العبيد، ويظهر أنه مشتق من قبيلة بلوخ نمرودى التي كان لها شأن على حدود سنده، ولكنها اختفت الآن، وتوجد مع ذلك عشيرة تسمى بالاسم نفسه بين البزدارية في جبال سليمان؛ وكلمة لاسى تطلق الآن على جميع قبائل لس، وغالبها من الراجيوت والجط الذين يشبهون أولئك الذين في وادي السند. وأهم القبائل التي يرجح أن تكون من أصل راجبوتى هي: جامت، ومنها حاكم ليس (حاكم = جام) رونجهاء وهي أكتر هذه القبائل عددًا. لانكاه. جتا، ولها صلة بسمرا سنده. شيخ، وهي قبيلة مختلطة. سيانر، وجزء منها من البراهوئى. كنكا. ومن القبائل الضئيلة الشأن من الوجهة الاجتماعية: ببر. كدرا ميد. وهؤلاء أجناس كانت خاضعة لأجناس أخرى يشبهون الزنوج، وهم مفرطحوا الأنوف ولأكثرهم سحنة السودان، والميدية هم السكان الذين يعيشون على الصيد بالقرب من البحر وينتشرون على طول شاطئ مكران. ويتكلم اللاسية بصفة عاهة لغة جد كالى أو جكدالى، أي لغة (كاله) التي يتحدث بها الجط، وهي لهجة من لهجات لغة سندهء بيدأن قبيلة سيانر تتكلم البراهوئى، وبعض الميدية من سكان الشاطئ يتكلمون البلوخية المكرانية. جط مكران:

ويظهر أن هؤلاء يشبهون قبائل بيله، وهم منتثرون في أنحاء الأقليم، ويخضعون للبلوخ، وهم العنصر الحاكم. وكان الجط، ويعرفهم مؤرخو العرب بالزط، يقطنون جميع الإقليم حتى كرمان إبان غزوة العرب الأول في القرن الأول للهجرة، وقد لا يكون هناك شك في أن بعض العشائر المهمة قد امتزجت بالبلوخ، وهي تتكلم الآن البلوخية ولا تتميز من حيث المظهر عن البلوخ الآخرين، مثال ذلك أن قبيلة جط دودا تشبه دودائى البلوخ. وإنا لنشك في وجود بعض امتزاج في الدماء في القبائل التي نسبت إلى بعض الأماكن في مكران وبلوخستان الفارسية، مثل بليدة وكشكور وكلانج التي تنسب إليها قبائل بليدى وكشكورى وكلانجى. وكذلك نسبت قبائل مغسى ولا شارى ودومبكى إلى مغس ولاشار ودومبك. أما اشتقاق بكطى من بك فمشكوك فيه لأن الطاء هو الحرف الهندى الصادر من الدماغ، ولا يعلل به هذا التفسير، ومن المحتمل أن تكون هناك صلة بين دريشك وديزك لأن حرف الضاد في اللهجات السندهية الذي تبدأ به الأسماء يقلب إلى در. والمشاهد في جميع هذه الأحوال أنه إذا اتفق اسم قبيلة مع اسم موضع من المواضع كأن تأخذ اسمها منه فأقل ما يمكن أن يكون أن تندمج بعض العناصر المحلية في القبيلة، وقد كان البلوخ الفاتحون من القوة والكترة بحيث استطاعوا أن يفرضوا لغتهم على إقليم مكران بأسره، ولم تعش لهجة مكن اللهجات الهندية إلا في لس بيلة حيث الجط والراجبوت الخلص إلى حد ما. جط كججهى: يعيش الجط المشتغلون بالزراعة في للك المنطقة بالقرب من أبناء عمومتهم الذين يسكنون وادي السند، وهم يشبهونهم تمام الشبه ولا تفصلهم عنهم آية حواجز طبيعية، وهم يخضعون لأشياخ البراهوئى والبلوخ ويدفعون لهم نصبيًا من غلتهم، واسم الجط هذا -كما هو في البنجاب الجنوبي- يطلق على قبائل من أصل راجيوتى مثل السمراوية كما يطلق على الجط الخلص .. ومن العشائر الهامة أيضًا الخوخرية وهم من أصل

راجيوتى، والأبراوية، ويخلط أحيانًا بين الاسم جط دى الحرف الهندى الصادر من الدماغ وبين كلمة جت البلوخية بحرف التاء الذي هو من حروف الثنايا، ومعناها قطيع من الإبل، ولا صلة لها بجنس أو قبيلة، واللغة الهندية هي السائدة بين هذه القبائل ولهجتهم قريبة من لهجة اللهندا في البنجاب الغربي. الكهيترانية: وليس من شك في أن الكتلة الجبلية المثلثة الشكل التي يقطنها الآن المرية والبكطية كانت في حوزة قبائل هندية قبل الفتح البلوخى. وقد قضى البلوخ في الجنوب والأفغان في الشمال تدريجًا على هذه القبائل أو امتزجوا بهم. ويدل وجود أسماء مثل شهيجة بين المرية ورهيجه بين البكطية وهربال بين الأفغان في الشمال على أن بقية من هذه القبائل ظلت بين البلوخ إلى يومنا هذا بمميزاتهم ولهجتهم الهندية الخاصة، وهي إحدى لهجات السندهى، وكانت عملية المزج بينهم وبين البلوخ مستمرة، وكان من الراجح أن يفنوا في البلوخ أو يتحولوا إلى قبيلة بلوخية بعد أجيال قليلة، لو لم ينقذهم من ذلك الحكم البريطانى، ومع ذلك فبينهم عدد كبير من العناصر الأجنبية، وهم في نظامهم أشبه بالبلوخ، وربما كانت بعض عشائرهم من دم بلوخى. وإن يكن الحسنية الذين يتكلمون البلوخية من بقايا قبيلة هندية تم امتزاجها بالمرية والبكطية ثم قضى هؤلاء عليها، وكذلك الناهرية من أصل هندى على الرغم مما يؤكده رافرتى Raverty وغيره من أنهم عين ناغر، الأفغان، وكلمة ناهر معناها في لهجة اللهندا نهر، وليس هناك من دليل على أن هذه القبيلة هي عين ناغر، وربما أصبحت الغين المتوسطة كافًا فارسية في أفواه الهنود، ولكنها تنقلب إلى هاء. د إذن فمن الراجح أن يكون الحسنية والناهرية من أصل واحد هم والخيتران الذين يعيشون بينهم. وهناك قبيلة شبيهة بهؤلاء تتحدث بلغة كلغة الكهيتران تقطن وادي درك وجبال سليمان، وهذه القبيلة هي جعفر.

حروف النسبة

حروف النسبة: لاحظنا فيما سبق أن المقطع البلوخى الأخير "آنى" يحل محله أحيانًا "زائى"و "جا"، ونحن نجد عند البراهوئى هذه المقاطع المختلطة ففسها للدلالة على بطون قبائلهم، فهم يستعملون المقطع البلوخى "آتى" والأفغانى"زائى"، والمقطع السندهى "جو، . ويستعملون المقطع زائى أكثر من استعمال البلوخ له. ولا يستعمل البراهوئى المقطع الأفغانى "خيل"، ومن المحال أن نستخلص من هذه المقاطع شيئًا محققًا عن الأجناس لأن غالب هذه المقاطع حديث. وتستعمل قبائل اللاسى مقاطع كهذه. النظام الاجتماعى: والقبيلة الحديثة عند البلوخ والبراهوئى عبارة عن مجموعة من العشائر تنمو حول نواة مركزية، ويظهر أن هذه العشائر هي العناصر الأصلية التي كان ينقسم إليها السكان. وقلما نجد أسماء العشائر القديمة -وهي البلك المذكورة في الأغانى القديمة- تطلق على القبائل البلوخية في الوقت الحاضر، ولكن هذه الأسماء موجودة بين أحياء العشائر والقبيلة بأسرها (تمن) يحكمها شيخ (تمندار) يعترف الكل بسلطانه، ويشرف على كل عشيرة (بهاره أوطكر) زعيم أو مقدم تحت إمرة التمندار، وهذه المناصب وراثية، وتنتسب أسرة الزعيم أو الشيخ عادة إلى حي خاص من عشيرة معينة، ويعرف هذا الحى باسم "فاغ لغ" أي بيت العمامة، لأن لف العمامة هو الحفل الذي يدل على الوصول إلى مركز الرئاسة. وكثيرًا ما يحدث أن تستقل أحياء قبيلة دخيلة لا تربطها بالقبيلة صلة الدم عن شيخ القبيلة إلى حد كبير، وتنزع إلى الانفصال عنها والاتصال بقبيلة اخرى معادية. بيد أن النظام القائم الآن في كل قبيلة أخذ في الاستقرار نتيجة لوجود حكومة أكثر ثباتًا، واتحاد العشائر في قبائل اللاسى وقتى وهو أكثر قلقلة مما هو عليه في قبائل البلوخ والبراهوئى. وقد أظهر البراهوئى نزوعًا إلى التركز الذي بدا في تكوين حلف قبلى على يد ناصر خان في القرن الثامن

عشر الميلادي، فقد تجمعوا في مجموعتين: العليا أو الشمالية (سراوان) والسفلى أو الجنوبية (جهلاوان) وانتخب شيخ الريسانى زعيما للحلف السراوانى وشيخ زيهرى زعيما للحلف الجهلاوانى، ويرأس الجميع خان كلات، وظل هذا النظام مستمرًا، ولم يدخل في هذا النظام من القبائل البلوخية الخالصة إلا الرندية ومغسية كججهى. وتقوم صلة الخان بهاتين القبيلتين اللتين تعيشان في الشمال الشرقي وفي مكران على مقدرته على فرض سلطانه. ومعظم قبائل البلوخ والبراهوئى بدوية وهي قليلة الاعتماد على الزراعة، وعليها أن تبحث عن مراع لأغنامها وماعزها وماشيتها وإبلها، وهي تنزح إلى سهول كججهى أو سنده في فصل الشتاء كلما استطاعت إلى ذلك سبيلا، فإذا جاء الحر عادت إلى التلال. أما السكان المستقرون في القرى فيندر وجود البلوخ والبراهوئى بينهم. وهم يتألفون من الجط في السهول والديهوار في المرتفعات، ولا تشجع الحكومة المستقرة الناس على العيش في القرى بل هي على العكس من ذلك لأنه كلما قل الخطر من هجوم العدو اختفت ضرورة التجمع في قرى مسورة واستطاعت الغريزة البدوية أن تتنفس في طمأنينة، ونجد من جهة أخرى أن تقدم الري قد ساعد على ازدياد السكان حيث يوجد الماء، بيد أن القرى مع هذا صغيرة جدًّا والأراضى الصالحة للزراعة منتثرة في مساحات صغيرة متفرقة، ويعتمد غالب السكان على الرعى. والعنصر الأساسي في الحياة البدوية بين البلوخ والبراهوئى هو النزاع الذي يقوم على العصبية، وينشأ النضال عادة بخطف امرأة أو قتل رجل، ويكون الجانى والمجنى عليه من بيتين أو عشيرتين أو قبيلتين مختلفتين، ويطول أمد مثل هذه المنازعات، ولكنه قد أصبح من المستطاع في الوقت الحاضر فضها على قاعدة أداء الدية بفضل إشراف البريطانيين، وتحل المنازعات الهامة بمجالس تحكيم تؤلف من رجال قبيلة أو أكثر. وتعين

هذه المجالس شروط دفع الدية، وتستعمل نفوذها في التوفيق بين المتنازعين وينتهى النزاع عادة بالمصاهرة بين القبيلتين المتخاصمتين. وعلى الرغم من أن البراهوئى قد قبضوا على السلطة المركزية في البلاد مدة طويلة إلا أن مكانتهم الاجتماعية لم تعتبر قط مماثلة لمكانة البلوخ، ويشعر البراهوئى أنفسهم بذلك ونجدهم لهذا السبب يجتهدون في ربط نسبهم بالبلوخ، وتدل عادة البلوخ في عدم تزويج بناتهم من البراهوئى على الاختلاف في المرتبة الاجتماعية بين هذين الجنسين، يضاف إلى ذلك أن البراهوئى يتكلمون عادة باللسان البلوخى وهي لغة أسرة الخان في الغالب. الدين والتعليم والأدب الدين: أغلب سكان بلوخستان مسلمون وبينهم عدد قليل من الهندوس معظمهم من المهاجرين المشتغلين بالتجارة، والبلوخ والبراهوئى واللاسية والديهوارية والجط كلهم مسلمون ويعتبرون أنفسهم من أهل السنة؛ ولا يسمح للشيعة بالعيش بين القبائل، ولكن الحقيقة تقتضي أن نقول أنهم يمارسون في الوقت نفسه كثيرًا من شعائر الشيعة، وبخاصة تعلقهم الشديد بالحسن والحسين، وهم يحتفلون بالأيام العشرة الأولى من المحرم، أما الأفغان، وهم أحرص على، عقيدتهم السنية، فلا يحتفلون إلا باليوم العاشر، وتعظيم الأولياء شائع بينهم. وأضرحتهم كثيرة يزورها الناس في كل مناسبة، وكانت معظم هذه الأضرحة من الأماكن المقدسة قبل الإسلام. ويؤم المسلمون والهندوس على السواء قبر "هنكلاج" القريب من الشاطئ في مكران الشرقية، وهذا هو الحال أيضًا فيما يختص بقدر "سخى سَرْوَر" في سفح جبال سليمان بالقرب من ديره غازى خان وقبر "لال شاهباز" أو "جيوه لال" في سهوان من أعمال سنده. إذ أن البلوخ يبجلونهما تبجيلا عظيما، ولضريح "تونسه" شهرة فائقة بين القبائل الشمالية، وهو أحدث عهدًا من القبور التي ذكرناها.

وهناك أضرحة قديمة في الشمال وهي "بير سهرى" في سهرى خشتغ ببلاد البكطية، وضريح "زنده بير" في بلاد اللند حيث تتفجر عيون ساخنة في غزارة مشيرة إلى المكان الذي صعد منه الولى إلى السماء وقد نسب جبل "جهلتان" القريب من كوطة إلى ضريح "حضرت غوث" وهذا الجبل هو الذي ترك عليه أطفال هذا الوالى الأربعون، ويبين "جيتن شاه" بالقرب من كلات مكان العين التي فجرها الولى بكرامة من كراماته، وهناك عين مقدسة في "منكوجر" تشفى داء الكلب، كما أن المحمومين يزورون ضريح سلطان شاه في "زيهرى" بغية الشفاء. ويجرى بالقرب من ضريح "بير عمر" غير بعيد من "خسدار" نهر يستخدم ماؤه في تبين المذنب من البرى، ويتبرك المسلمون والهندوس بضريح "شاه بلاول" في لس بيله، وهم يلجأون كذلك إلى النار لمعرفة المذنب من البرئ دون أن يجعلوا لها صلة بضريح من الأضرحة كما فعلوا بالماء، ولا يميل الناس في بلوخستان إلى التعصب، وعلى ذلك فإن البلوخ والبراهوئى يتميزون في ذلك تمام التميز عن الأفغان، والبلوخ يتهاونون تهاونًا كبيرًا في إقامة شعائر الدين، ولكن المفكرين منهم مع ذلك متمسكون بدينهم. والمذهب الذكرى شائع في مكران وبخاصة بين السنغرية وفي لس بيلة وبين بعض قبائل البراهوئى كالساجدى والبزنجو، وقد اضطهد ناصر خان هذه الفرقة في القرن الثامن عشر ولكنها استعادت مقامها بعد ذلك، ويزعم الذكرية أن دوست محمد مؤسس هذا المذهب هو المهدي الثاني عشر، وهم يحجون إلى قبره في "تربة" من أعمال خراسان، ولم يكن لغير هذه الفرقة من الفرق المتزندقة أي نفوذ في البلاد. ولعل قبيلة كلمتى كججهى- التي صنفت مع البلوخ إن كانت لا تعتبر من أصل بلوخى- هي التي تمثل القرامطة في الوقت الحالى، وقد كان للقرامطة شأن كبير في شمالي سنده وفي كججهى وملتان في القرنين الرابع والخامس للهجرة، وقد قاتلهم محمود الغزنوى في ملتان. ويقال إن للكلمتى قوة سحرية في شفاء الأمراض، وقد

نسب مثل هذا إلى الكهيرى الذين يعتقدون أنهم من نسل السادات. وجاء في القصة التي وردت في كتاب "تأريخ معصومى" الذي ألف حوالي عام 1600 م أن اسمهم مشتق من الشجرة المعروفة باسم "كهير" التي يقال إن جدهم ركبها كما يركب الحصان. واسم هذه الشجرة في اللاتينية Prosopis Spicigera (¬1) ومن الراجح أن تكون هذه القبيلة قد نسبت إلى مكان، لأن اسم كهيرى يطلق على كثير من الوديان التي تنمو فيها هذه الشجرة بكثرة، وهناك بعض القبائل من بينها عشائر من رجال الدين ينسب إليهم مثل تلك القوى السحرية كعشيرة نثانى البكطية. وقد اكتسبت بعض العادات القبلية قوة الشعائر الدينية، فمعظم البلوخ لا يأكل السمك كما أن العشائر الهامة بين الرندية في كججهى يأنفون من أكل لحم الجمل، ولا يأكل اللاشارية الـ "لونش" ال "آلرو" وهو نبات ذو عصير لبنى يتغذى منه أهل الجبال عادة. ويعتبر البلوخ كلهم أنه مما يشين المرء أن يقص شعره أو يحلق ذقنه اللهم إلا ما تقضى به السنة، وتنطبق نظرتهم هذه على من يحف شاربه، وهو فعل شائع بين السنيين. وهم لا يبيحون أكل البيض وحجتهم في ذلك أنه لا يمكن أن يذبح وفقًا لتعاليم السنة، والرمز والفأل والطيرة لها شأن كبير عندهم، وطريقة العرافة عندهم هي أن يفحصوا أوردة لوح الكتف لحمل ذبح لتوه، وكانت طريقة المغول ف ى عهد جنكيزخان شبيهة بهذه. وأعظم فضائلهم إكرام الضيف وإيواء الغريب، وهم يرون أن من أهم واجبات الرجل أن يعاقب من يخرج على الأمانة الزوجية بقتل المرأة الزانية وعشيقها، وهذا سبب من أكبر أسباب احتدام العراك الدموى بينهم. والشعر الدينى شائع بينهم، والشعراء من عامة البلوخ، ولا نجد من بينهم أحدًا من العلماء (الملا) أو من الأشخاص ذوي النزعة الدينية، وهم يبينون في لغة سهلة وأسلوب قوى ¬

_ (¬1) تعرف في العربية باسم "غاف" انظر معجم النبات لأحمد عيسييبك ص 148، المطبعة الأميرية عام 1349 هـ.

عقائد الإسلام الواضحة ونعيم الجنة وعذاب النار. ويقل عدد الأشراف - أي الذين يتفرغون لمثل هذه الشئون الدينية - في بلوخستان نفسها، بينما يكثر عددهم في أفغانستان، ولا يوجد إلا أسر قليلة من الشيوخ الذين من أصل قرشى، أما العدد الأكبر ممن يسمون بشيوخ لس بيلة فقد انحدروا من صلب هندوسى اعتنقوا الإسلام. التعليم: التعليم محدود في بلوخستان، وهو يقتصر على المدارس التي أنشاتها الحكومة حديثًا في المدن الهامة مثل كوطة وسبى، وهذه المدارس يؤمها الغرباء أكثر مما يؤمها أهل البلاد. ويتعلم أبناء وجوه القوم وأبناء أصحاب المناصب الكبيرة الفارسية أو الأردية على الإجمال، وفيما عدا ذلك فلا يقبل على التعليم في بلوخستان نفسها سوى نفر من البلوخ والبراهوئى، ولكن التعليم خطا خطوات إلى الإمام في ديره غازى خان وشمالى سنده، ويكاد لا يوجد في بلوخستان مدارس دينية، وتعتمد النواحى التي يقطنها الأفغان على مدارس قندهار وبشاور، ويخرج العلماء في بلوخستان من الطبقات الدنيا بصفة عامة، أي من الديهوار والجط. اللغة والأدب: يتكلم أفغان بلوخستان البريطانية اللهجة الجنوبية الغربية للغة ر البشتو، وتعرف أيضًا بالقندهارى، أما بقية البلاد بما فيها خانية كلات وبلوخستان الفارسية والأقاليم التي يسكنها البلوخ في الينجاب وسنده، فتسودها اليوم اللغات البلوخية والبراهوئية والفارسية والجد كالى أو الجغدالى. واللغة البلوخية هي لسان إيرانى يتبع في أصوله الفرع الشرقي من اللغات الإيرانية، ولو أنها تشبه اللغة الفارسية أكثر من شبهها للغة الأبستاق. وتنقسم اللغة البلوخية إلى لهجتين متمايزتين تمام التمايز: 1 - اللهجة الشمالية التي تتحدث بها القبائل في كججهى وفي التلال

المجاورة، وفي جبال سليمان وفي أجزاء من ناحية ديره غازى خان في الينجاب، وفي إقليم يعقوب آباد في سنده الأعلى، وهذه اللهجة تنتشر أحيانًا حتى نهر السند، بل إنها تنتشر بين المزارية الذين يقطنون الشاطئ الأيسر لهذا النهر، ويتكلم بها أيضًا بعض براهوئى سراوان. 2 - لهجة المكرانى أو اللهجة الجنوبية، ويتحدثون بها في مكران وفي بلوخستان الفارسية كما تتحدث بها أسرة خان كلات. ويحتمل أن تكون اللهجة التي يتحدث بها في خاران وفي الصحراء الشمالية ويتكلم بها بلوخ سجستان لهجة متمايزة عن اللهجتين السالفتين، ولكن ليس لدينا معلومات كافية عن هذه اللهجة. وهناك أيضًا فروق طفيفة بين هذه اللهجات، واللهجة الشمالية تنقسم إلى لهجة جنوبية فيها صيغ نحوية أكثر شمولا، ولهجة شمالية زاد فيها خفوت الصوت. وتنقسم لهجة المكوانى إلى لهجتين: واحدة شرقية وأخرى غربية، وقد تأثرت الغربية باللغة الفارسية الحديثة أكثر من تأثر الشرقية بها. وتختلف اللهجات الشمالية عن لهجة المكرانى اختلافا كبيرًا في النطق، ولكن المتحدث بإحداهما يفهم عن المتحدث بالأخرى. ونورد فيما يلي خصائص اللغة البلوخية المميزة لها عن اللغات الإيرانية الأخرى. 1 - إن قواعد الحركات في اللغة الإيرانية القديمة قد بقيت بوجه عام في اللغة البلوخية. 2 - لا يزال التمييز بين الـ "إى" e والـ "ئى" l وبين "أ" o والـ "أو" u قائما، على حين نجد هذا التمييز لا وجود له الآن في الفارسية الحديثة. ومع ذلك فإن هناك ميلا قويًّا إلى إبدال الـ "أو" والكسرة أ، وهذا الميل أكثر وضوحًا في البلوخية الشمالية منه في لهجة المكرانى. ويذهب كيكر Geiger إلى أن

خصائص الأحرف التي تدل على قدم اللغة البلوخية وتفردها هي ما يأتي: 1 - بقاء الحروف الخرساء في بداية الكلمات وأواخر ها، وهذه الحروف تخفف وتصبح صائتة في الفارسية الحديثة. 2 - بقاء حرف الدال الذي يأتي في أوائل الكلمات وأواخرها، وهو يخفف في الغالب فيصبح ياء أو كسرة في الفارسية الحديثة. 3 - تشديد حروف الانفلاق، وهي الخاء والفاء والثاء وإبدالها كافًا وباء وتاء. وهذا الأمر أكثر وضوحًا في لهجة المكرانى منه في اللهجة البلوخية الشمالية، إذ أن الإبدال فيها ينحصر في الحروف الأولى التي تنفلق فتصبح خاء أو فاء أو ثاء. 4 - يبدل الحرفان الإيرانيان القديمان هف، وهما في الفارسية الحديثة خو، بحرف "و" ويقابله أحيانًا حرفا "هو" في البلوخية الشمالية. 5 - يبدل الحرف الإيرانى القديم ف بحرفى "كو" أو بحرف الكاف الفارسية إذا تلته كسرة. 6 - يبقى الحرفان الإيرانيان القديمان ج، ز منفصلين ولا يدغمان معًا فيصيران زايًا كما هو الحال في الفارسية الحديثة. وهناك بعض خصائص أخرى أقل أهمية مما ذكرنا. وأهم الفروق في أصوات اللهجتين هي: (1) ينحصر الميل إلى جعل الحروف الخرساء مثل الـ ك، ج، ت، ب، حروفًا صافرة في البلوخية الشمالية. (2) يبدل المقطع الأخير أك الشائع في لغة المكرانى بأغ في اللهجة البلوخية الشمالية. (3) تبدل الحروف التي تأتى في أواسط الكلمات وأواخرها في لهجة المكرانى بحروف انفلاق في البلوخية الشمالية، وعلى ذلك فإن حرف الكاف يصبح خاء، وحرف الكاف الفارسية يصبح غينًا، وحرف الجيم يصبح شينًا، وحرف الجيم ز، والباء فاءً والتاءً ثاءً والدال ذالا. وهذا الابدال يجعل اللغة البلوخية الشمالية أكثر عذوبة وتناسقًا من لغة المكرانى.

واستعارت اللغة البلوخية عددًا كبيرًا من مفرداتها من اللغات الأجنبية، ونسبة هذه المفردات إلى الكلمات الأصلية تتراوح قلة وكثرة في اللهجات المختلفة، وأكثر هذه المفردات مستعارة من الفارسية والسندهية أو من اللهجات التي تتصل باللغة الأخيرة، والكلمات الفارسية كثيرة جدًّا وبخاصة في لغة مكران الغربية، والأمر على مثال هذا فيما يختص بالكلمات السندهية، إذ بينما هي تستعمل في جميع اللغات فإنها تكثر بصفة خاصة في اللهجة البلوخية الشمالية، ويظهر أن الكلمات العربية لم تدخل في هذه اللغات بصفة مباشرة، وإنما دخلت فيها عن طريق اللغة الفارسية. وهذه هي المصادر الرئيسية التي أخذت منها الكلمات التي دخلت في هذه اللغة، وقد استعارت هذه اللغة عددًا قليلا من الكلمات البراهوئية، كما دخل فيها حديثًا بعض الكلمات الأردية، وليس للغة البشتو أي أثر في هذه اللغة. ولا يوجد في البلوخية مصنفات مكتوبة ولكنها زاخرة بالأشعار الشعبية وبخاصة الأغانى الحماسية التي تمجد الحروب والهجرات التي حدثت في القرنين الخامس عشر والسادس عشر. وهناك أغان أحدث من هذه عهدًا وقصص عاطفية وأشعار تهذيبية ودينية وأغان في الحب. وقد قام بعض العلماء المحدثين بتدوين عدد من هذه الأشعار كما دونوا بعض الأساطير والحكايات النثرية. وكل ما لدينا من الأشعار وجل المنثور كتب باللهجة البلوخية الشمالية، ولم ينشر باللغة المكرانية إلا القليل. البراهوئى: وتعتبر البراهوائى الآن من الفرع الدرافدى في أواسط الهند وجنوبها، ولا يدع تركيب هذه اللغة مجالا للشك في هذا الرأى الذي قال به ترمب Trump 1580 أو أخذ به كريرسن grison في كتابه الحديث Linguistic Suroey at India وترجع الشكوك التي كانت تحوم حول هذا الرأى إلى وجود عدد كبير من الكلمات الفارسية والبلوخية والسندهية في لغة البراهوئى وتأثر النحو البلوخى أحيانًا بصيغ اللهجة البلوخية. غير أن

الشواهد على هذا الأثر الأخير ليست كثيرة كما تصور بادئ الأمر. بل إن هناك حالات أخذت فيها البلوخية عن لغة البراهوئى، والحق إن التشابه بين البراهوئية وبين مجموعة اللغات الدرافيدية الجنوبية أقوى منه بينها وبين لغات المندا في أواسط الهند، ولعلها اللغة الأصلية للقبائل المعتبرة أصلا الجنس البراهوئى القديم أي أولئك الذين يعتقد أنهم طردوا من وادي السند إلى إقليم التلال قبل ظهور البلوخ والقبائل الأخرى التي تعد اليوم من البراهوئى. ولم تتخذ بعض هذه القبائل اللغة البراهوئية كما أشرنا إلى ذلك فيما سبق. ويعيش أولئك الذين يتكلمون البراهوئية الآن في قطعة متماسكة من الأرض تفصل البلوخية الشمالية عن بلوخية مكران، وهم يحفون بأولئك الذين يتحدثون بلهجة جكدالى واللهجات السندهية في كججهى ولس بيلة، كما يحفون من جهة الشمال بالبشتو فيما جاور كوطة وسبى. وليس هناك مصنفات باللغة البراهوئية، لأنه لم يكتب بها شيء إلى الآن. وقد نشر عبد الله بخش وماير Meyer عددًا كبيرًا من القصص ومنظومة أو اثنتين في الكتب المدرسية التي صنفاها عن هذه اللغة. الفارسية: يتحدث زارعو الديهوار باللغة الفارسية، ولعل لهجتهم قريبة جدًّا من لهجة التاجيك في جنوبي أفغانستان، ولكن لم نفرد هذه اللهجة بدراسة خاصة. اللاسي: يتكلم معظم سكان لس بيلة لهجات تعرف باسم جدكالى أو جكدالى إلى أي لغة الجط. وهذه اللهجات من اللهجات السندهية ويمكن أن نردها إلى اللارى أو إلى الفرع الجنوبي من اللهجة السندهية. لهجات كججهى: يمكننا أن نصنف مع هذه، اللهجات التي يتحدث بها السكان الخليط في كججهى، والجط وتجار الهنود وبعض البلوخ والبراهوئى والأفغان المنتثرون في أنحاء البلاد وهم الذين انفصلوا عن

قبائلهم الأصلية. وهذه اللهجات تتصل بلهجة سرائى أو السندهية الشمالية، ولكنها أكثر شبها في بعض النواحى باللهجة الجنوبية للهندا أو الينجابى الغربية المسماة "جطكى"، والاسم الذي يطبقة البلوخ على لهجات كججهى هو جكدالى، وهناك صيغة أخرى لهذه التسمية تطلق على اللاسى. الكهيترانى: وهناك ما يدعونا إلى القول بأن لهجة الكهيترانى متصلة بلهجات كججهى، ومع أنها أقرب من الناحية الجغرافية إلى جطكى الينجاب غير أن فيها بعض الخصائص التي تتفق مع السندهية أكثر من اتفاقها مع الجطكى. تاريخها: فتح عبد الله كرمان عام 23 للهجرة (644 م) بأمر من الخليفة عمر بن الخطاب ووجد آن جبال هذا الإقليم يسكنها قبائل من الهمج سماها البعض "قفص" أو "كوج" وسماها البعض الآخر "كرد" وجمع بعض المؤرخين بين هذه القبائل وبين البلوص أو البلوج. وما إن جاوز الفاتحون حدود كرمان حتى التقوا بالزط أو الجط الذين كانوا يقطنون مكران بأسرها، غير أن العرب لم يتوغلوا في مكران إلا بعد ذلك. وروى البلاذرى أن الخليفة عثمان أرسل إلى الهند من يعلمه علمها وينصرف إليه يخبرها، ولابد أن هذا الرسول قد سلك إليها طريق مكران. وقد وصف الرسول البلاد بأنها قاحلة ورجالها أبطال، ثم قال إنه إن قل الجيش فيها ضاعوا وإن كثر جاعوا، وليس من شك في أن هذا الوصف هو الذي جعل العرب يرجئون فتح هذه البلاد أمدًا طويلا، وغزيت مدن مكران في عهد معاوية حوالي عام 44 للهجرة (664 م) وشنت الحرب على الميدية الذين يعيشون على الشاطئ، وأنفذت الحملات حتى حدود سنده، وفتحت أيضًا بعض النواحى التي لم نستطع تحقيقها وهي نوقان وقيقان وقصدار، وتعرف اليوم بخزدار، ولعل نوقان هو إقليم كلات الجبلى الذي كانت تعرف عاصمته باسم قصدار. ويروى البلاذرى أن سكان نوقان كانوا في زمنه من المسلمين، واقتتلت الأحزاب

العربية في مكران أيام الحجاج عندما قتل أولاد الحارث العلافى سعيد بن أسلم. وما كان من الحجاح إلا أن طرد هؤلاء إلى سنده عام 86 هـ (507 م) ويذهب موكلر Mockler إلى أن بنى علافى هؤلاء هم أسلاف البلوج الرندية الذين سبق أن تحدثنا عنهم ويقال أيضًا إن العرب استولوا حوالي ذلك العهد على "قندائيل" أو"قندابيل"، ولعلها عين "كنداوة"، وأوفد الحجاج محمد بن القاسم في غزوته المشهورة للسند عام 89 هـ (707 م). ولربما كانت هذه الغزوة غير ميسورة لو لم يبدأ العرب بإخضاع مكران، لأن الطرق الشمالية الموصلة إلى الهند عن طريق ممرات بلاد الأفغان كانت مغلقة في وجه غزاة المسلمين، كما أنهم لم يحاولوا فتح الهند عن طريق البحر. وإنا لنجد أن محمد بن القاسم أمضى بعض الوقت في مكران قبل أن يزحف إلى ما بعد ذلك، ثم استولى على مدينتين رسما هكذا: أرمانيل وقنزبون وهما يقرآن في الغالب "قنزبور" أو "قنزبون" و"أرمانيل" أو"أرمابيل". وتقدم محمد من أرمابيل إلى السند وهاجم ديبل. غير أن رسم هذه الأسماء مشكوك فيه إلى حد كبير، ولا جدال في أن قنزبور أو قنزبون صيغة محرفة، ومن الممكن أن تقرأ سح كور "بنجكور" لأنه لا بد أن يكون الغزاة قد احتلوا وادي بنجكور الخصيب بحكم موقعه. ولربما كانت أرمابيل هي الصيغة الأقرب احتمالا لاسم بيل وهي آخر بلد توقف فيه العرب قبل دخولهم السند، والمقطع بيل يوحى إلينا باسم بيلة عاصمة لس بيلة. ولعل صيغة أرمائيل تكون قد بقيت في اسم مدينة أرمرة الحالية لو لم يكن البعد بينها وبين بيل شاسعًا. وإذا استطعنا أن نقرأ أدهبيل عوضًا عن أرمابيل لكان من المحتمل أن نتبين فيها اسم أدهيقكيله أو أتينبكيلة التي ذكرها هيوان تسانغ Hieun Thsang، ومن المحتمل أن تكون مرادفة لاسم بيلة. ويصف لنا مؤلف "جج نامه"، وهو من أهالى سنده، كيف استولى جج، وهو ملك سندة قبل الفتح العربي، على مدينة أرمابيل التي وجدها في حوزة البوذيين الأمر الذي يتفق ورواية هيوان تسانغ، وتقدم هذا الملك مخترقًا مكران وزار فيها مدينة قنزيور (ولعل المقصود بنجكور) ثم عين آخر الأمر الحدود بين

مكران وكرمان، وأشار رافرتى إلى أنه على الرغم من أن صاحب كتاب المسالك والممالك قد ذكر أن قندبيل على مسيرة خمسة فراسخ من قصدار فإنه رسمها في مصوره الذي نقله رافرتى في مجلة الجمعية الآسيوية البنغالية بحيث تبعد عنها بمسافة أكثر من هذه. وتتفق جميع المصادر على جعل قندبيل في بلاد ندهيا الصحراوية وتقول إنها قصبتها. ولا شك في أن هذه البلاد الصحراوية هي سهل كججهى وأن قصدار كانت قصبة = هضبة كلات التي كانت تعرف عادة باسم "طوران". وإنا لنستخلص من هذه الروايات أنه من المرجح أن حالة الري فيها كانت أحسن حالا مما هي عليه الآن، كما كانت هذه البلاد أكثر ازدحامًا بالسكان، ومع كل فقد كان المعروف عن مكران أنها قاحلة يصعب العيش فيها.، وليس هناك ما يحملنا على الظن بأنه كان بها مدن كبيرة وعدد وافر من السكان. ويسمى العرب هذه البلاد "مكران" بضم الميم، أما البلوخ المعاصرون فينطقونها "مكران" ويلوح أن النطق الأخير هو الذي كان العرب يقصدونه، ورسمها ماركو بولو حوالي عام 1300 ميلادية "كسمكرن" كيج مكران" ومعنى المقطع الأول بلاد الكيج أو الكج أو الكيج. وتسمى البلاد عادة في الوقت الحالى "كيج مكران". وربما يكون العرب قد احتفظوا بنفوذهم في الشواطئ بفضل اتجارهم في البحر مما يتطلب إشرافًا على الثغور، أما في داخل البلاد فقد تقلص سلطانهم نتيجة لضعف الخلافة، بل إننا لا نجد من أخبارهم في القرون التالية إلا النزر اليسير. وليس من شك في أن السلطان محمودا قد بسط نفوذه من ملتان على سهل ندهيا الذي يمتد مخترقًا سندة الشمالية وكججهى حتى سفح بولان. كما أن هضبة كلات كانت في حوزته، وشاهد ذلك ما ورد في كتاب طبقات ناصرى من أن قصدار كانت خاضعة له. وظل سكان كججهى (ندهيا) وكلات (طوران) ومكران هنودا في الغالب، وهذا يحملنا على الذهاب إلى أن القبائل الدرافيدية في طوران وما جاور سندة قد احتفظت بحقوقها.

وظلت القبائل البلوخية وجاراتها من الكوج تسيطر على جبال كرمان، وأخذ البلوخ يشنون منها الغارة على كل ناحية وعبروا صحراء لوط إلى خراسان ثم انتشروا في سجستان. ولا يذكر كل من البلاذرى المتوفى عام 279 هـ (892 م) والطبرى المتوفى حوالي عام 320 هـ (932 م) سوى الكوج أي القفص في كرمان، أما المسعودى المتوفى قرابة عام 332 هـ (942 م) والإصطخرى المتوفى حوالي عام 340 هـ (951 م) فقد ذكرا كلا من الكوج والبلوج شأنهما في ذلك شأن المؤلفين المتأخرين كالإدريسى وياقوت. ويذكر الإدريسي المتوفى قرابة عام 543 هـ (1151 م) أن جبال الكوج كان يقطنها جنس متوحش أشبه بالأكراد، وأن البلوج استقروا في الشمال والغرب من هؤلاء وكانوا قومًا أصحاب نعم يملكون قطعانًا من الماشية ولا يقطعون الطرق كثيرًا كجيرانهم. ويؤيد ياقوت هذه الرواية ويستشهد على ذلك برجز هو: "وكم قطعنا من عدو شرس ... زط وأكراد وقفس قفس" وهو يقول أيضًا إن القفس يزعمون أنهم عرب وكانوا يميلون إلى التشيع، ويزعم أيضًا أن البلوخ (البلوص) كانوا شر هذه الأجناس، وأن عضد الدولة الديلمى (338 - 372 هـ = 949 - 982 م) قد أفناهم. وإنا لنضيف إلى ذلك أن معز الدولة، وهو من هذا البيت، قد أيده في قتاله مع الكوج والبلوج، ويذكر الإصطخري أنه حتى في عهده كان في سجستان كورتان تعرفان بأرض البلوج وأن قطعهم للطريق بعد ذلك في لوط بين طبس وخبيص قد أسخط محمودًا الغزنوى فأنفذ إليهم ولده مسعودًا فهزمهم بالقرب من خبيص. وزاد عددهم في سجستان قرابة هذا العهد. ومن الراجح أن يكون شمس الدين السجستانى الذي ورد ذكره في أساطيرهم هو ملك شمس الدين من بنى صفار الذي قال عنه صاحب كتاب طبقات ناصرى إنه كان حاكما مستبدًا. وتوفى شمس الدين عام 955 هـ (1164 م)، وورد في الأساطير أن البلوخ طردوا من سجستان في عهد خلفه. ولا جدال في أن هجرة البلوخ العظيمة ناحية الشرق بدأت في هذا

العهد. ويلوح أنهم هجروا كرمان كلية ونزحوا زرافات إلى مكران التي غدت بلادًا بلوخية، وظلت على حالها هذا منذ ذلك العهد، ومن المحتمل أن تكون قبائل الجط المقاتلة وبقايا المستوطنين من العرب قد اندمجوا في البلوخ خلال القرون الثلاثة التالية. وحدثت هجرة البلوج من كرمان في الوقت الذي احتل فيه السلاجقة بلاد فارس. وإنا لنظن أن البلوج وجدوا أنه ليس في مقدورهم أن يعيشوا على السلب والنهب كما كان شأنهم في ظل حكومة قوية كحكومة السلاجقة والغزنويين (Recueil de textes: Hautsma Relatifs al'histoire des Selj relatifs جـ 1, ص 5 - 7) ولا شك أن كثيرًا من البلوخ قد شقوا طريقهم نحو سندة وبدءوا عندئذ يغيرون من هذه الحدود الجبلية. ونجد البلوخ في سندة متحالفين مع سودها وجهريجة الجط وذلك حوالي منتصف القرن الثامن عشر أيام ملوك سندة من السومرا مثل خفيف ودودا الرابع وعمر. وهزم جنكيزخان ملك غزنة جلال الدين المنكبرتى الخوارزمى عند نهر السند عام 618 هـ (1221 م) فسار هذا الملك نحو سندة ثم إلى مكران واخترق هذه البلاد من الشرق إلى الغرب متجهًا نحو فارس حوالي عام 622 هـ (1225 م) غير أنه قلما كانت جيوش الأعداء تقتحم مكران في ذلك العهد، لأن المغول وجنكيز خان وأتباع تيمور من الترك والأرغون وبابر كانوا جميعًا يتخيرون الطرق الأقاصى ناحية الشمال بل إن البلوخ أنفسهم عندما خرجوا آخر الأمر من مكران تجنبوا الطريق الساحلى الذي يمر ببيلة ثم تدفقوا في ممرات بولان وملاه ونلى عابرين إلى كججهى بعد أن احتلوا الهضبة وتحالفوا إلى حد ما مع سكانها من الدرافيديين، وتزعم الروايات أن البراهوئى انتزعوا كلات نجارى من البلوخ، فأدى ذلك إلى هبوطهم من الجبال إلى السهول. ويلوح أنه من الراجح أن يكون النجارية والمحمد شاهى، وهم من الجنس الدرافيدى القديم، قد احتلوا بلاد قصدار منذ القدم. ويظهر أن الاسم القديم كلات نجارة يدل على أنهم كانوا أقدم

سكانها، وأعقب غزوة المغول والسلجوق فترة مليئة بالقلق هاجر إبانها أقوام من غير البلوخ وشقوا طريقهم من الغرب إلى هذه الهضبة، ولعله كان من بينهم الكوج أو الأكراد الذين عاشوا مع البلوخ جنبًا إلى جنب في جبال كرمان. وهذا هو أكثر الآراء احتمالا عن أصل البراهوئى غير الدرافيديين الذين كونوا بالاشتراك مع عدد مع العشائر البلوخية والأفغانية الحلف البراهوئى. ولا بد أن هذا الاتحاد قد حصل بالتدريج، وشاهد ذلك اتخاذهم للسان الدرافيدى القديم. ولا شك في أن العدد الأكبر من البلوخ قد آنس في هؤلاء الجبليين قوة لا تناوأ فتابعوا سيرهم نحو الشرق لعلهم يجدون في سهل الهند أرضًا خصبة يسهل عليهم احتلالها. وقد حدث في ذلك الوقت ما يشبه الهجرة العامة، ولكن عددًا كافيًا من البلوخ ظل مقيما في مكران ليضمن غلبة البلوخ عليها على كر الأيام. وكانت لس بيلة خارجة عن نطاق هذه الغزوة، ولذلك فقد ظل سكانها هنودا كما كانوا، وكان البلوخ مستعمرين بالفطرة، يستقرون قبائل حيث يأنسون من أنفسهم القدرة على ذلك، فيخضعون الجط وهم سكان البلاد الأصليون، ولكنهم لا يبيدونهم. وليس للبلوخ سلطة مركزية، إذ إن كل قبيلة تخضع لزعيمها الخاص، غير أن هذا لم يمنع من نشوء أحلاف قصيرة الأمد في بعض الأحيان بزعامة شيخ من الرندية أو من اللاشارية كما جاء في أساطيرهم القديمة. وحال هذا النظام المتفكك الأوصال دون قيام مملكة مستقرة، فكانت كل قبيلة تقاتل ذودًا عن نفسها، وكانت القبائل في الغالب تقاتل بعضها بعضًا. ولذلك فإن المؤرخين لم يلقوا بالهم إلى فتحهم للهند على الرغم من أنهم أثروا في سكان وادي السند أثرًا بليغًا، بينما تملأ صفحات التاريخ غزوات جنكيزخان وتيمور ونادر شاه التي لم يكن لها أي أثر في السكان. وأول قبائل وصلت إلينا أخبارها هي قبائل الرندية بزعامة ميرجا كر وقبائل الدودائى بزعامة مير سهراب الذي مثل في بلاط الشاه حسين لنكاه بملتان. ولا

يزال اللنكاه إلى اليوم يعتبرون قبيلة راجبوتية مسلمة في لية Iaia في بنجاب الجنوبية، وقد كونوا مملكة صغيرة بملتان بعد انحلال سلطنة دهلى وحكم ثانى سلاطينها شاه حسين من عام 874 م). إلى عام 908 هـ (1467 - 1502 م). ووفد سهراب هو وأتباعه إلى بلاط هذا الشاه وحصلوا على إقطاعات (جاكير) نظير قيامهم ببعض الخدمات العسكرية. وقد احتذى بعض البلوخ بسهراب ومن بينهم مير جاكر وأتباعه من الرندية الذين أتوا من سيوى، وهي تعرف اليوم عادة باسم "سبى" ويعرفها البلوخ باسم ساوى مع إمالة الألف. ودب التنافس بين العشائر، وتشير الأغانى إلى أن القتال قد شب بين الرندية والدودائى. وتروى هذه الأغانى أيضًا أن جاكر ترك سيوى بسبب قتاله مع اللاشارية بزعامة كوهرام والترك بقيادة ذي النون (زنو). وخلدت هذه الأساطير بين البلوخ ذكرى هجراتهم وقتالهم مع أرغون قندهار الذين استوطنوا بلاد الهند بزعاهة ذي النون بك (وقد ذكر في الأساطير باسم زنو) وولده شاه بك في الوقت الذي استقر فيه البلوخ بهذه البلاد. وإنا لنتبين من تاريخ هذه الغزوات أن فريقا من البلوخ قاتل في صف شاه بك وفريقًا أخر حارب في صف "جام ننده سما" الذي كان يقاتل شاه بك، وأن الحسين بن شاه بك الذي خلفه في الحكم عام 930 هـ (1529 م) قد قاتل البلوخ عند نهر السند وأنفذ حملة على الرندية والمغسية، وهم فرع من اللاشارية، في كججهى. ونعلم أيضًا أن الحسين عندما التقى باللنكاه عند أججه وملتان عام 931 هـ (1523) وجد أن جيشهم يتألف في الغالب من الرندية والدودائى وغيرهم من البلوخ. وكان الدودائى والهوتية قد ساروا صعدًا في نفس الوقت وانتشروا في أودية السند وجهلم، ولقيهم بابر عام 1519 م في أقصى الشمال عند بهيرا وخشاب، ثم إن شير شاه طرد همايون فالتقى أبناء سهراب دودائى الثلاثة - إسماعيل خان وفتح خان وغازى خان - بشير شاه عند خشاب، وأيد هذا الأمير امتلاكهم لسندة، أعنى البلاد الخصبة

التي تحف بنهر السند. وأسس هؤلاء الإخوة الثلاثة مدن ديرة إسماعيل خان وديرة غازى خان وديرة فتح خان، وتحول نهر السند عن مجراه حديثًا فدمر المدينة الأخيرة، وكان عمال المرانى (نواب) - وهم من سلالة غازى خان - من الحكام الوطنيين في ديرة غازى خان، وقد احتفظوا باستقلالهم في عهد إمبراطورية دهلى وفي عهدى نادر شاه وأحمد شاه درانى إلى أن أخرجهم منها كلهورة سندة عام 1769 م. وأقام الهوتية الذين صحبوا الدودائى إمارة في ديرة إسماعيل خان بقيت قرنين من الزمان ثم سقطت في يد الأفغان، وغدا الجستكانية - وهم فرع من اللاشارية - حكام منكيرة وسط صحراء "سنده ساكر دوآب" الرملية، وقد ذكرنا في القسم الثاني من هذه المادة التوزيع الحالى لقبائل البلوخ في الينجاب وسندة. وجاء في الملاحم التي لا تزال شائعة بين البلوخ أن البلوخ اشتركوا مع همايون عندما استعاد دهلى من الأفغان ويعرف همايون باسم هماو جغتا أي الجغتائى. وليس لدينا من الأدلة التاريخية ما يتفق مع ما جاء في الملاحم، غير أنه ورد بكتاب تأريخ شير شاه أن مير جاكر والرندية وفتح خان دودائى قد شنوا الغارة على شير شاه سور الذي انتزع منهم ملتان، وعلى هذا فلا يبعد أن يكونوا قد آزروا همايون. واستعاد جاكر والرندية أراضيهم في الينجاب الوسطى، ولا يزال ضريح جاكر قائما عند ستهكره في إقليم مونكومرى. وأسر البلوخ همايون في رحلته الأولى إلى فارس، ولكنهم أحسنوا معاملته وساعدوه على تحقيق غاياته. وغزا همايون كابل من كامران وأقطع أقاليم شال ومستنكك لزعيم بلوخى يدعى "لونكك". ولذلك فقد كانت صلاته بالبلوخ طيبة. وإنه لمن المرجح أن يكون احتفاظهم بتلك الأراضي الشاسعة في الينجاب الوسطى والجنوبية شاهدًا على تمتعهم برضى الإمبراطور حتى بعد عودة الإمبراطورية المغولية. وإذن فليس هناك ما يدعونا إلى القول بأن الروايات التي تجعل البلوخ حلفاء لهمايون كاذبة من أساسها. وقد تركت هجرة البلوخ العامة الجماعة الرئيسية التي كانت قد بدأت تعرف بالبراهوئى في مركز قوى عن

ذي قبل، وأخذ زعماء الكمبرانى يوطدون سلطانهم. ولا شك في أن انضمام بعض العناصر الأجنبية إليهم وخاصة الريسانى من الأفغان قد شد من أزرهم كثيرًا. وفي منتصف القرن السابع عشر هبط مير أحمد خان من جبال بولان واستولى على "ضهاضر" وهم من الأفغان البرازوئى في سبى. ويقال أن خلفه مير سمندر خان قد استولى على كراجى. ومن المحقق أنه شن الغارة على كلهورة السند، ولكن يشك في أنه استولى على كراجى. وكان خلفه مير عبد الله زعيما جم النشاط، ولا تزال ذكراه باقية إلى اليوم بين البراهوئى والبلوخ. وخرب مير هذا إقليم كججهى تخريبًا تامًّا إبان قتاله مع الكلهورة الذين كان هذا الإقليم في قبضتهم، وبسط سلطانه ناحية الغرب حتى مكران وكيح. وفي عهده أغار الغلزائى على فارس، وكان كثير من البلوخ في جيشى الزعيم الغلزائى محمود عندما دخل كرمان. وهزم نادر شاه أشرف خليفة ميرشاه عام 1143 هـ (1730 م) , وحاول أشرف الفرار إلى قندهار فباغته فريق من البلوخ وقضوا عليه وعلى أتباعه في سجستان لم وفيما جاورها، ولعل هذا يفسر لنا ما كان يظهره نادر شاه من العطف على خانات البراهوئى إذ إنه أقطعهم أقاليم كججهى التي انتزعها من الكلهورة عقب غزواته في الهند، ويسكن البلوخ هذه الأقاليم في الوقت الحالى، ويروى بلوخ ديره جات أن عبد الله خان غزا أقاليم كججهى وفي صحبته ابنه محبت خان، ونهب مدينة جاميور ثم أنه لقى حتفه إبان قتاله مع الكلهورة في وقعة بين ذادر ومترى، وخلفه ابنه محبت خان الذي كان يعيش هو وأخوه ناصر خان رهينة في بلاط نادر شاه. وكان محبت خان حاكما ظالما، غير أنه أعان نادرًا في حروبه فحفظ له نادر هذه اليد. وتوفى نادر شاه فأغار محبت خان على قندهار. وما أن وطد أحمد شاه درانى سلطانة حتى غزا إقليم سراوان ولم خذ معه ناصر خان أخا محبت خان رهينة. ولم يمض على ذلك طويل وقت حتى أصبح ناصر حاكما وتلقب بلقب "بكلربكى". ويلوح أن هحبت خان قد قتل أو أنه ظل سجينًا لدى أحمد شاه حتى وفاته ودان

ناصر خان بالولاء حمد شاه، ووطد سلطانه في مكروان وكيج ورجع من حملته على حدود فارس عن طريق ديزك وخاران. وأقطعه أحمد شاه إقليمى شال ومستنكك. وبسط ناصر نفوذه على لس بيلة واعترف زعماؤها بسلطانه، وهم لا يزالون يعرفون إلى اليوم باسعهم الراجبوتى "جام، وكان هذا الاسم مستعملا فيما سبق بسندة، ولا نزال نسمع به إلى اليوم في كاطهيوار، وانتزع ناصر كراجى من الكلهورة. واستولى تجاه الهند على إقليمى هرند وداجل في ديره جات الجنوبية ويرويها نهر ينبع من جبال سليمان عند هرند، وكان أعظم أعمال ناصر خان تقسيم البراهوئى إلى مجموعتين رئيسيتين هما سراوان وجهلاوان وإقامة زعيم الريسانى على رأس سراوان وزعيم زيهرى على رأس جهلاوان. وكان هذا التقسيم يقوم على أغراض حربية، إذ إنه فرض على كل قبيلة أن تقدم كتيبة للخان وكتيبة لرأس المجموعة التي تنتمى إليها، وقد حل هذا النظام محل الضرائب، وكان الخان يوزع الأراضي التي فتحها حديثًا في كججهى وغيرها بين القبائل، وبديهى أن مثل هذا النظام يعتمد في تنفيذه على صفات الخان ومقدار تعلق الناس به، ولذلك فقد نجح في عهد ناصر خان وتداعى في عهد خلفائه الضعفاء. واستطال شأن ناصر خان فتحدى سلطان أحمد شاه، وما كان من أحمد إلا أن غزا عام 1172 هـ (1758 م) أراضى ناصر وأوقع به الهزيمة في مستنكك. وتقهقر ناصر إلى قلعته بكلات فحاصر أحمد شاه هذه القلعة. ويروى إلفنستون Elphinstone أن زعماء الدرانى لم يكونوا بحال من الأحوال متحمسين لنجاح أحمد شاه بل كانت بغيتهم ألا يزداد سلطانه، وقاسى الجيش الأهوال في حصاره لكلات، فقبل أحمد خضوع ناصر خان لسلطانه اسميًا بعد مضى أربعين يومًا على الحصار وعلى هذا فقد احتفظ ناصر باستقلاله في أملاكه الخاصة ولكنه رضي بأن يعين أحمد في أمور الحرب، وحافظ ناصر على هذا العهد وصحب أحمد شاه في حروبه بخراسان عام 1173 هـ (1759 م) وفي حروبه في

بلاد الهند، وكانت جيوشه العامل الأكبر في نجاح أحمد بخراسان، وأبدى ناصر نفسه كثيرًا من ضروب الشجاعة والإقدام. وامتدح بوتنكر Pottinger - الذي زار بلوخستان بعد وفاته بأربعة عشر عامًا - شجاعته كما أطرى عدله وصبره وحرصه على الحق ونزوعه إلى حرية الفكر، وهي خصلة لا يستطيع أي حاكم بدونها أن يحتفظ بسلطانه بين البلوخ والبراهوئى. وتوفى ناصر خان عام 1210 هـ (1795 م) وخلفه ولده محمود خان ولما يزل حدتًا. وانتقض عليه بهرام خان حفيد محبت خان الذي كان مصدر قلق في حياة ناصر خان ولكنه هزم بمعاونة زمان شاه الدرانى. غير أن محمود خان لم يستطع أن يحتفظ باملاك والده الشاسعة. فضاعت منه ناحية لبيج وهي الجزء الغربي من مكران، واستعاد أمراء تاليور البلوخيون في سنده إقليم كراجى، وكان هؤلاء قد طردوا من سنده آخر أمراء بلهورة. وقتل أخواه لأبيه مصطفى خان ورحيم خان في عراك عائلى، وكان المأمول أن يشدا بنشاطها أزره في سندة. وتوفى محمود 1821 م فخلفة ولده محراب خان الذي فاق والده قدرة، فاستعاد لبيج، ولكن القتال سرعان ما دب بينه وبين أحمد يار بن بهرام خام، غير أنه تمكن منه بعد وقوع عدة حوادث وسجنه ثم قتله في قلعة كلات. ووقع محراب خان تحت سيطرة أفاقى غلزائى يدعى داود محمد فشاع السخط بين زعماء البراهوئى وحاولوا خلع محراب، وباءت محاولتهم بالفشل، غير أن مركز الخان تزعزع وانقضت عليه بعض القبائل كالمينكل والببزنجو في جهلاوان، وانتزع منه رنجيت سنغ أمير السيخ إقليمى هرند وداجل، وحلت بمحراب خان كربة أخرى من جراء إخفاق شاه شجاع الملك في محاولته الاستيلاء على قندهار عام 1250 هـ (1834 م)، إذ فر شجاع إلى كلات وآواه محراب فجلب على نفسه بذلك سخط سرادرة البار كزائى في قندهار، وتبلبلت أفكاره أيضًا بسبب احتدام النضال بين خلصائه الذي انتهى بموت داود محمد وفوز محمد حسين، وكان

محمد هذا سبب قيام النزاع بين محراب خان والضابط ليتش leech وهو الذي بعثته بريطانيا إلى كلات في الوقت الذي أنفذت فيه حملة لاعادة الشاه شجاع الملك إلى عرشه عام 1254 هـ (1838 م)، وأخذ محمد حسين وزملاؤه في تدبير الدسائس مما أقنع السلطات الإنكليزية بخيانة محراب خان، فبعثت جيشًا بقيادة القائد ولشير Willshire إلى كلات. واجتاح هذا الجيش القلعة على الرغم من مناعة موقعها وقتل محراب خان. وانتزعت كججهى وشال ومستنكك من كلات وضمت إلى مملكة الأمير الدرّانى المعاد إلى ملكه. وعلى هذا فإن محراب قد جوزى أسوأ الجزاء على إكرامه للشاه شجاع الملك عام 1834 م. وصرف النظر عن ابن محراب خان الصغير وولى العرش نوازخان، وهو من نسل محبت خان والتجأ هذا الصغير البالغ أربعة عشر عامًا إلى الكجكية في ينجكور أول الأمر ثم احتمى بآزاد خان زعيم النوشيروانى في خاران، وألقت بعض قبائل سراوان الحصار على كلات، وكان المبعوث البريطانى لوفداى Lieut Loveday والرحالة ماسون masson يقيمان فيها مع شاه نوازخان. وسلمت المدينة في كل شيء، ونزل شاه نواز عن الحكم لولد محراب خان، ويعرف اليرم بناصر خان الثاني، وسجن لوفداى وماسون وأرسلا بعد فترة من الزمن إلى المبعوث الإنكليزى في كوطة، وقتل البراهوئى لوفداى بعد هزيمتهم في ضهاضر في ديسمبر عام 1840 م وغزيت كلات مرة ثانية واعترفت الحكومة الإنكليزية آخر الأمر بناصر خان الثاني، وذلك في نهاية عام 1841 م وظل ناصر خان وفيًا لتعهداته خلال الحوادث التي وقعت بين عمى 1842 و 1843 م، ألا وهي تخلى الإنكليز عن أفغانستان وضمهم إقليم سندة لإمبراطوريتهم في الهند. ولكن مركز الخانات في كلات أخذ يتزعزع منذ ذلك الوقت. فقد انتقضت القبائل البراهوئية وعمها السخط. واستقلت بأمرها قبائل مرى وبكطى وقبائل جبال سليمان عقب فقد هرند وداجل، وأخذت تسلب وتنهب سهول ديره جات وسندة الشمالية وكججهى من غير تمييز.

وجارت الحكومة القاجارية بفارس على مكران الغربية وكيج في الغرب وأعيدت كججهى وشال ومستنكك إلى الخان بمقتضى معاهدة 1841 م التي اعترف فيها بسلطان الملك الدرّانى شاه شجاع الملك، غير أن الخان استعادها من غير إذن الأمير بعد أن رجع الباركزائى إلى نفوذهم في أفغانستان. ولا يزال هناك قطعة من الأرض بحول سبى تعترف بسلطان كابل. وتغير موقف القبائل التي على الحدود من جراء اتساع رقعة الإمبراطورية البريطانية في الهند بضم سندة عام 1843 م والينجاب عام 1849 م، إذ إن إنشاء ولاية يعقوب آباد على حدود كججهى وإقامة مراكز حربية على طول سفح جبال سليمان بعد ذلك قد كبح جماح هذه القبائل، وغزا السير تشارلس نايير Sir Charles Napiez تلال بكطى عام 1845 م. وأنزل القائد يعقوب بهذه القبائل هزيمة منكرة في السهول، غير أنه لم تكن هناك محاولات في أول الأمر ترمى إلى فرض سلطة منظمة على هذه القبائل، ورضى الخان بالاعتراف بالخضوع للحكومة الإنكليزية في المعاهدة التي وقعت عام 1271 هـ (1854 م) وتعهد الخان بقمع جميع الفتن. ولم يكن في طوق الخان أن يفرض تنفيذ هذا الشرط، ولذلك أصبح من الواضح بتوالى الزمن أنه لم يعد هناك بد من توسيع سلطان الإنكليز في هذه البلاد، وأراد الخان أن يوطد نفوذه بين القبائل فحاول أن ينشئ جيشًا دإئمًا، واستمع في ذلك إلى نصح وزير من الموالى. وكانت هذه الوسائل بعيدة عن أن ترضى الناس فدبت بسببها منازعات بين الخان وبين القبائل، وتوفى مير ناصر الخان عام 1274 هـ (1857 م) , ولعل وفاته كانت بالسم، فخلفه أخوه الأصغر مير خدادادخان. وكانت هناك شبهة في أن يكون محمد الحاجب (دارغا) قد دس السم للخان المتوفى الأمر الذي دفعه إلى حبس الخان الصغير في المرى أي قلعة كلات حيث هاجمه البراهوئى ومعهم جام لس بيلة وآزاد خان الخارزانى. وتدخل الإنكليز في الأمر وعقد على يدهم اتفاق وقتى أصبح شاهغاسى بمقتضاه الأمين الأول للخان، غير أن

الأمور ظلت بعيدة عن الاستقرار عدة سنوات، ولذلك فقد أنفذ الخان حملة موفقة بمعونة الإنكليز يقودهم المبعوث البريطانى كرين Major Green لتأديب المرى عام 1859 م، غير أن هذه الحملة لم تقض على الغارات التي كانوا يشنونها قضاء تامًّا. وانتقض البراهوئى على الخان عام 1863 م وهزموه فاضطر إلى الفرار إلى سندة وحل محله ابن عمه شردل خان، ولكنه اغتيل في التالي عندما استعاد خداداد خان قلعة كلات بمعاونة قبيلة الريسانى. ولم يكن في الإمكان إيجاد حكومة مستقرة في مثل هذه الظروف وفي عام 1869 انتقض جام ليس بيلة بمساعدة زعماء البراهوئى، ولكنه غلب على أمره ونفى آخر الأمر، واحتجز مدة من الزمن في الهند البريطانية: وزادت الحالة خطورة عام 1871 م، إذ احتلت القبائل الثائرة "جاضر" في سفح ممر بولان وباغ قصبة كججهى وكنداوة، وغزبت بيلة على يد أحد قارب الجام المنفى، وانتقضت مكران أيضًا فلم يصبح للخان أي نفوذ في البلاد وأدى هذا إلى تدخل الإنكليز تدخلا حاسما فأنفذوا الضابط ساندمان Capt.Sandeman إلى قلعة كلات في نهاية عام 1875 م، وكان لهذا الرجل مكانة كبيرة بين المرى والبكطى والمزارى وغيرها من القبائل البلوخية، فتمكن بدهائه ونفوذه الشخصى وبفضل معاونة زعيم بلوخى شريف مقتدر هو السير إمام بخش خان مزارى الذي توفى أخيرًا، من أن يحسم أوجه الخلاف بين الخان والزعماء بعد أن لاقى في سبيل ذلك ما لاقى من مصاعب، وكان ذلك بمستنك في نهاية عام 1886 م. وعقدت معاهدة في يعقوب آباد، وفي هذه المدينة قابل الخان في أكتوبر من عام 1876 م اللورد ليتون نائب الملك في الهند. وأصبحت كلات بمقتضى هذه المعاهدة دولة تحت الحماية الإنكليزية مع الاعتراف بحقوق شيوخ القبائل، واحتفظت الحكومة الهندية بحق التدخل لضمان وجود حكومة صالحة في البلاد. وكان ساندمان أول مبعوث من قبل الحاكم العام، وجعل مقره مدينة كوطة. وأصبح موقع كوطة على رأس ممر بولان وعلى هضبة ترتفع عن سطح

البحر 1700 متر مركزًا حربيًا، وهو الآن على درجة عظيمة من المناعة، واستعملت الجيوش ممر بولان وهي آمنة من أن يفاجئها العدو في انتقالها من الهند إلى قندهار إبان الحرب التي حدثت بين الإنكليز من عام 1878 م إلى عام 1880 م، وضم إقليما سى ويشين حتى جبال خواجة أمران إلى الإمبراطورية الإنكليزية بالهند بمقتضى معاهدة كندمك إلى ابرمت بين الأمير يعقوب وحكومة الهند: وأصبحت هذه الأقاليم نواة لولاية بلوخستان البريطانية الجديدة: ومد خط حديدى من وادي السند إلى هضبة بشين مخترقا بحر هرنائى عام 1879 م، ومع أن العمل قد أوقف في هذا الخط مدة من الزمن عام 1883 م من جراء فتنة قام بها المرى بعد وقعة ميوند، فإنه قد أكمل بعد ذلك بعدة سنين وهذا الخط هو أول خط حديدى بل هو الآن الخط الوحيد الذي يرتفع من الأراضي المنخفضة بسهل الهند إلى هضبة إيران. ودبت الفتن أيضًا بين بعض القبائل الأخرى مما أدى إلى إنفاذ حملات أقل شأنًا من الحملات السابقة، وقام السير ماككريكور Sir G. Macgregor بحملة في جبال مرى. وأدى ضم سبى ويشين إلى الإمبراطورية الهندية إلى اتساع نفوذ البريطانيين بحيث شمل وادي تل جتيالى بأسره وبورى وزوب بين بشين بشنك والحدود الهندية القديمة على طول جبال سليمان. وانتهى الأمر بإلحاق جميع هذه الأراضي بالإمبراطورية الهندية برضى الشعب في الغالب، وأنشئت لذلك محطتان حربيتان هما لورلائى وقلعة ساندمان لتحلا - إلى حد ما - محل الحاميات القديمة في ديره غازى خان وراجنبو رويعقوب آباد، وأصبحت كوطة مركزًا حربيًا ذا شأن بعد أن ربطها بالخطوط الهندية الأخرى خط حديدى. أما بقية تاريخ بلوخستان حتى يومنا هذا فيتلخص في ازدياد الكفاية في الأدارة وتقدم الأمن والرخاء بين القبائل على حدود البنجاب أو في مكران أو في دولة لس بيلة والنوشير وانى في خاران. وتوفى السير ساندمان منشئ بلوخستان

الحديثة عام 1892 م في لس بيلة ودفن بها. وعزلت حكومتا الهند خان كلات مير خداداد خان عام 1893 م بسبب قيام فتنة دموية بدا فيها كثير من ضروب الهمجية وخلفه الخان مير محمود خان. وفي عام 1882 م عهدت حكومتا إنكلترا وفارس إلى لجنة مختلطة بتعيين الحدود بين كلات وفارس وقامت لجنة أخرى بمراجعة ما أتمت اللجنة الأولى وصححت الحدود وحسمت الخلاف الذي كان قائمًا بين القبائل الفارسية ونوشروانى خاران، وأتمت عملها فيما بين عامي 1895 و 1896 م وكان يرأسها السير هولدخ Sir T.Holdich، وقامت لجنة أخرى في نفس الوقت يرأسها الضابط مكماهون capt.Mac Mahon برسم الحدود بين أفغانستان جنوبي الهندسند وبين بلوخستان. وقد جعلت هذه اللجنة قنة جبل ملك سياه النقطة التي تلتقى فيها حدود فارس بحدود أفغانستان وبلوخستان، ويصبح الجزء الشمالي من الإقليم الصحراوى الذي بين خاران وحدود الأفغان، وهو يعرف بجاغائى وسنجرانى الغربية، قطعة من خانية كلات، ولكنه أصبح خاضعًا للسلطات الإنجليزية مباشرة ويتخلل هذا الجزء طريق القوافل الذي يسير من كوطة إلى سجستان وكرمان، ومد الخط الحديدى إلى نشكى وهي المحطة التي يبدأ منها طريق القوافل هذا وخاران - مثل لس بيلة - لا تخضع للخان مباشرة وإنما يحكمهما زعيم من أهلها يخضع للخان وكل ما يدب بين القبائل من خلاف يفصل فيه المبعوث البريطانى في كوطة. ولا تخضع القبائل البلوخية في جبال سليمان -إلى الشرق والغرب من المرى والبكطى- لحكومة بلوخستان، وإنما تدار شئونها على منوال سهول ديرة جات المجاور لها بمعرفة نائب دبرة غازى خان تحت إشراف وكيل حاكم الينجاب. والأمر على هذا الحال

فيما يختص بقبائل سندة الشمالية التي تحكمها حكومة سندة وتخضع معظم القبائل لزعمائها في أغلب الأحيان تحت إشراف الحكومة البريطانية التي منحتهم قدرًا كبيرًا من السلطة. وقبيلة تالبر التي أقامت حكما قصير الأمد في سندة هي عشيرة من عشائر لغارى البلوخية في جطى بالقرب من ديره غازى خان. وكان أمراء سندة الذين أعلنت الحرب عليهم عام 1843 م من أفراد هذه العشيرة، وسمح لمير على مراد الخيريورى أحد هؤلاء الأمراء بالاحتفاظ بأملاكه عقب ضم سندة، ولا تزال إمارة خيربور باقية إلى اليوم وهي الإقطاعية الوحيدة في الهند البريطانية التي يحكمها أمير من الجنس البلوخى. المصادر: 1 - الوصف الجغرافي العام: (1) Trvoels in Beloochi-: Pottinger stan لندن 1815 م. (2) Bolochutan,: Masson Travels in afghanictan etc في أربعة مجلدات، لندن سنة 1844 م. (3) Dry leavs from: eastwick young Egypt لندن 1851 م. (4) Caravon Journeys: Ferrier. لندن سنة 1857 م. (5) Bellew: From the Industo the Tigris، لندن سنة 1874 م. (6) Scinds: Burton, في مجلدين، لندن سنة 1851 م. (7) الكاتب نفسه sind revisited في مجلدين، لندن سنة 1877 م. (8) astern Persia: St. John Lovett في مجلدين، لندن سنة 1876 م. (9) Balochistan: Hughes, لندن سنة 1882 م. (10) Floyer: unexplored Balochi- stan، لندن سنة 1877 م. (11) Administrotion of: napier Scinde لندن سنة 1851 م. (12) Wanderings in: Macgregor Balochistan لندن سنة 1882 م (13) Persia: Gurzon, في مجلدين، لندن سنة 1892 م.

(14) Our Indian Border-: Holdich LANd, لندن 1900 م. (15) الكاتب نفسه: عدة أبحاث في Geographical Journal. (16) Sykes Ten Thou-: Molesworth sand Miles in Persia، لندن سنة 1902 (17) الكاتب نفسه fourth journey in persia في gsographical عام 1802 (18) Eranische Al-: Spiegel tertumskunde في ثلاثة مجلدات، لبيسك 1871 م. ب - الأجناس (1) Les Aryens ou Nord et: Ujfalvy tau Sud de l'Hindou Kouch باريس 1896 م. (2) Ethnography of AF-: Bellew ghanistan، لندن سنة 1891 م. (3) الكاتب نفسه: Races of Aighanis ton، كلكتة.1880 م. (4) Tribes and Castes of Ben-: Risely gal، في أربعة مجلدات، كلكتة 1891 م. (5) Outlines of Punjab Eth-: Ibbetson nagraphy كلكتة سنة 1883 م (6) Lassen في zeitschr f.die kunde-: desMorgenl جـ 4, ص 87 - 122, بون سنة 1842 م. (7) Notes on the Baloch: Bruch tribofDeraj, لاهور سنة 1870 م. (8) The Arabs of our Indian: Holdich Frontier في JOurn pf the anthroplog ical جـ 29. (9) Sindh, and the races that: Burton inhabit the valley of the Indus لندن سنة 1851 م. (10) Report on Thal Chotiali and Jlarnai كلكته 1880 م. (11) Afghanistan: Raverty Notes on، كلكتة 1880 م. (12) The Origin of the Ba-: Mockler loch في Journ of the As Soc of Bengal سنة 1895 م. (13) Report on the: Hughes Buller Census of Balochistan, بومباى سنة 1890 م

(14) Longworth-Daines: The Baloch Race لندن 1904 (15) General Report Census: Risley of dia، الفصل الخاص بالطوائف وتوزيع الأجناس. ب - اللغة والأدب: البلوخية (1) Die Sprache: Geiger -der Balutschen im Crundriss d. Ir .anisrhen Phil. ستراسبورغ سنة 1898 م. (2) الكاتب نفسه Etymologie des Baluchi في Abh d k.Bayer akd. d.w جـ 1, فصل 19, سنة 1891 م. ص 105 - 153. (3) الكاتب نفسه lautlehre des Baluchi في نفس المجلة، ص 397 - 464 م- البلوخية المكرانية. (4) Grammar of The Ba- Mockler -spoken in Mak loochee longuage as it is ran لندن سنة 1877 م. (5) Adescription of the Mek-: Pierce ranee Beloochee Dialect في Journ. of -the Bombay Branch of the Roy As. So ciety, بومباى سنة 1875 م. (6) Grammar and Voc. of: Marston the Mek Bad, Dialect بومباى سنة 1877 م. (7) الكاتب نفسه lessons in the: Mekr Bal Dialect كراتشى سنة 1888 م. (8) انظر أيضًا المفرادات الموجودة في , Floyer and Hughes وقد أشير إليهما آنفا- البلوخية الشمالية. (9) Grammar Of Balochky: Leech Journal Of the As.Soc. Of language Bengal سنة 1838 م (10) Die Sprache der Baluk-: Lassen en في zeitschr fur die kunde des mor- genl سنة 1842 م، انظر ما أسلفنا بيانه. (11) Die Ueber Sprache der: Mueller Baluchen or u.Occ 1866 م. (12) Biluchi Handbook: Gladstone لاهور سنة 1874 م. (13) manual abd vocabulary: bruce of The Biluchi Language, لاهور سنة 1874 م.

(14) هيتورام: بلوجى نامه، وهو بلغة الأردو، لاهور سنة 1881 م. (15) Annotated Eng Trans-: Douie , lation of Biluchi-nama كلكتة عام 1885 م (16) Sketch of: Longworth Dames , The Northern Balochi Language وبه بعض الأشعار، في journ. of the As.Soc.of Bengal. عدد خاص من هذه المجلة، 1881 م. (17) الكاتب نفسه Balochi Text Book لاهور سنة 1891 م. (18) الكاتب نفسه: Balochi Folklore في FolkOre الأعوام من 1892 إلى 1897 م. (19) الكاتب نفسه: TransL of Parti - and ii of Text-Book into Enghish by Jan , nat Rai لاهور سنة 1804 م. (20) المؤلف نفسه: Popular Poetry of the Baloches، لندن سنة 1907 م. (21) Baloch Classics: Mayer قلعة منرو وآكرا عام 1900 م. (22) Bilohi stories: LeWis الله آباد 1885 م- البراهوئى. (23) Epitome of The Gram-: Leech mar of the Bruth uuiky lonquage في Jour. of the As. Soc. of Bengal سنة 1838 (24) Die Sprache der Bra-: Lassen huis في Zeitschr.fdie Kunde des Mnr , gent جـ 5، سنة 1842 م (25) Grammar and vo- BellW From the lndus TO the Ti-" cabulary in "rgris لندن سنة 1874 م (26) Grammatische un-: Trumpp - tersuchungen ueber die Spracheder Bra chuffs في, Abh and der.K Bayer Ak d.W سنة 1880 م. (27) Gr.of the Brahui Lon: Duka guage في Journof the Roy As.soc سنة 1887 م. (28) Handbook of the: Allaboux Brahul Language كراتشى سنة 1877 م. (29) Nicholson and Baloo Khan: .Meanee etc. كراتشى سنة 1877 م.

(30) شمس الدين: نكد زهانت به زمان براهوى، كوطة سنة 1893 م. (31) Guide to oche: Bigg-Whither studyOfBrahui، الله آباد سنة 1902 م (32) ABrahui Reading- Mayer Book لدهيانة سنة 1907 م (33) General Re-: Grierson porat.Census of India 1901 فصل 7 The Dravidian Sub - family (34)The Brahui: Denys de S.Bray Language , كلكتة، سنة 1909 م د- التاريخ: (1) تواريخ الإدريسي والطبرى والإصطخرى وابن حوقل والمسعودى وياقوت وفرشته في طبعاتها المختلفة. (2) The History: Elliott and Dowson of India، في ثمانية مجلدات، لندن 1867 - 1877 م، وبخاصة ب 1، 2، 5 (3) Raverty: طبقات ناصرى، ترجمة وتعليق، لندن سنة 1881 (4) الكاتب نفسه: Ths Mihran of stnd في Jeu of the As. sociaty of Ben gal، سنة 1892 م. (5) Lives of Babar and Hu-: Erskine mayun، في مجلدين، لندن سنة 1864 م. (6) The lndus Delta country: Haig لندن سنة 1900 م، ومعظم الكتب العامة التي ذكرناها في الوصف الجغرافي العام تحوى معلومات تاريخية. [لنكويرث ديمز Longworth Dames] + بلوجستان، هي أرض البلوج جغرافيتها وتاريخها إن الحدود الدقيقة لبلوجستان قد تقوضت، ويمكننا أن نقول بصفة عامة إنها تشغل الجزء الجنوبي الشرقي من الهضبة الإيرانية، من صحراء كرمان شرقي بَمَ وجبال باشجرد حتى الحدود الغربية للسند والبنجاب. وهذا القطر القاحل الجبلى الذي تغلب على سكانه البداوة تتقسمه إيران وباكستان. ونجد البلوج اليوم أيضًا في السند والبنجاب ص وفي سيستان (سجستان)، كما أن عددًا قليلا من البدو والبلوج يقيمون في اتحاد الجمهوريات السوفيتية الاشتراكية بالقرب من مرو.

وأنهار بلوجستان صغيرة لا قيمة لها، ويحق للمرء أن يقول إن هذه البلاد هضبة تقوم في شرقيها جبال سليمان الوعرة، وتقوم في غربيها عدة سلاسل من الجبال، أعجب قننها بركان "كوه تافتان" (ارتفاعه 500، 13 قدم) ومدينة إبرانشهر (فهرج من قبل) هي قصبة بلوجستان الفارسية، وأهم قواعدها في الشرق كلات. إما المرافئ - مثل تيز، وباسنى، وكوادر التي كانت ناشطة من قبل - فقد فقدت الآن أهميتها. وسكان هذه المنطقة، بما فيهم البراهوئية، ليسوا على موقف ثابت، وهم لا يكادون يزيدون في الوقت الحاضر عن مليونين من الأنفس. وعلى الرغم من أن البلوج هم أغلبية السكان، والبراهوئية هم أكبر الأقليات، فإنه يعيش على الساحل الشرقي بعض الجط وغير ذلك من العناصر الهندية، ويعيش كذلك بعض السكان ذوي الأصل الزنجى في الموانى وخاصة في بلوجستان الفارسية. والبلوج جماعتان يفصل بينهما البراهوئية في منطقة كلات وهي موطن اللهجتين الرئيسيتين. وأقدم ذكر لهذه المنطقة المسماة مكَه ورد في النقوش المسمارية الفارسية القديمة لدارا في بهستون وإصطخر. أما إلا سماء الأخرى فترد في المصادر اليونانية والرومانية، ولكننا لانعلم إلا اليسير عن هذه البلاد فيما قبل الإسلام. والراجح أن المتحدثين بالإيرانية وفدوا إلى بلوجستان في تاريخ متأخر، وكان الجزءان الجنوبي والشرقى من بلوجستان تغلب عليهما الصبغة غير الإيرانية حتى وقعت بالفعل غزوات المسلمين. ولعل البلوج قد دخلوا مكران أي بلوجستان الغربية) من كرمان حوالي الوقت الذي حدث فيه الفتح السلجوقى لكرمان. وفتح المسلمون كرمان سنة 23 هـ (644 م) في خلافة عمر، وقد لقوا في جبال كرمان القفص، أو الكوج، والبلوص، أو البلوج الذين كانوا. بدوا يعيشون عيشة الظعن. وكان الزط أو الجط آنئذ في مكران التي لم يكن العرب قد فتحوها. وفي خلافة معاوية

حوالي سنة 44 هـ احتلت مدن مكران وشنت الحرب على ميدية الشاحل على حين اتسعت الغارات حتى بلغت السند. وفي أيام الحجاج بن يوسف 86 هـ (707 م) طرد حزب عرب العلافى أثناء الصراعات التي دأوت بين العرب أنفسهم، إلى السند، وتبعهم سنة 89 هـ (707 م) محمد بن القاسم في جيش عربي. ومن العسير التحقق من الأمكنة التي غزاها" ولكن الحكم العربي امتد رواقه بفضله من بلوجستان إلى السند. والراجح أن العرب مكنوا لسلطانهم على الساحل فحسب، على أنه ليس بين أيدينا إلا معلومات جد قليلة عن المنطقة بأسرها طوال عصر الخلافة العباسية وقد ثبت محمود الغزنوى أركان سلطانة على قصدار أى هضبة كلات في رواية كتاب "طبقات ناصرى". واتخذت قبائل البلوج والكوج في الخلافة الأموية والخلافة العباسية كرمان قاعدة لغاراتهم , وانتشروا في سجستان وخواسان ويروى ياقوت أن البلوج قد أفناهم عضد الدولة البويهى الذي حكم من 338 إلى سنة 372 هـ (949 - 982 م) فقد ظلوا مقيمين على غاوات السلب والنهب حتى أنقذ إليهم محمود الغزنوى ابنه مسعودًا فهزمهم قرب خبص. ولم يلبث أن بدأت حركة البلوج صوب الشرق، ذلك أنزحوا عن كرمان وذهبوا إلى مكران. ومن المحتمل أن حكومة السلاجقة القوية المركزية قد جعلت غازات البلوج غير مجزية، وكان هؤلاء يواصلون الاتجاه شرقًا ونجد البلوج بعد ذلك بقرنين في السند وفي هضاب كلات هع حلف البراهوئى الذي كان يشمل بعض القبائل البلوجلية والأفغانية، جماع البلوج من غمر هذه المنطقة، وهنالك نزح البلوج إلى السند والبنحاب: ولم يقيموا مملكة دائمة بل

كانت كل قبيلة تحت سيطرة زعيمها، وكان القتال بين القبائل شائعًا. وكانت أولى القبائل التي بقيت لنا عنها بعض السجلات هي الرندية تحت سلطان مير جاكر والدودائية بزعامة مير سهراب الذي ظهر في بلاط شاه حسين لنكاه في ملتان، وقد حكم شاه حسين من سنة 874 هـ إلى 908 هـ 1468 - 1502 م) وتقول الرواية إن مير جاكر والرندية قدموا من سبى والتحقوا بخدمة شاه حسين وأعقبهم بلوج أخرون، وورد في الأغانى أنه كانت ثمة حرب بين الرندية والدودائية، وفي هذه الأساطير صدى لهجرة البلوج إلى الهند. والدودائية، والهوتية، وهم قبيلة بلوجية أخرى، انتشر وا مصعدين وادي السند ولقيهم بابر في أقصى الشمال عبر بهيرا وخشاب سنة 1519 م. وقد أنشأ أبناء سهراب دودائى مدينتى ديره إسماعيل خان وديره غازى خان في عهد شير شاه الذين ثبتهم في ملكهم للأراضى التي في وادي السند الأدنى، وتقول هذه الرواية إن هؤلاء البلوج عاونوا همايون في استعادة دلهى وكانوا ينعمون بحظوة الحكام المغل. والتاريخ الوحيد الذي بين أيدينا عن الفترة المتأخرة يتعلق بالحلف البراهوئى وقد بدأ حلف البراهوئى في الانتشار أيام القرن السابع عشر الميلادي في عهد الزعماء الكمبرانى. وفي أواخر هذا القرن مد أحد هؤلاء الحكام، وهو مير عبد الله، سلطانه غربًا مخترقًا مكران والجنوب حتى البحر، وكان نادر شاه ملك بلاد فارس ينظر إلى خانات البراهوئى بعين الرعاية، ذلك أنه أقطعهم بعد غزواته في الهند أراضى في السند أخذت من الكلهورة الهنود. ومكن أحمد شاه درانى لسلطانه في مكران، ودان له خان البراهوئى بالولاء، وقد مد هذا البراهوئى -ونعنى به نصير خان- حكمه إلى لس بيلة بما فيها كراجى ونظم البراهوئية جماعتين رئيسيتين: سراوان وجهلوان. وكان على كل قبيلة أن تزود الخان بجنود

كلما طلب، ولكنهم كانوا فيما عدا هذا معفين من الضرائب. وازداد سلطان نصير خان حتى أنه تحدى مولاه أحمد شاه فهزمه أحمد سنة 1172 هـ (1758 م) وحاصره في كلات وعقد بينهما صلح اشترط فيه أن يحتفظ نصير خان باستقلاله، ولكنه رضي بأن يقدم خدمة حربية لأحمد، وقد وفي بما تعهد وتوفى نصير سنة 1210 هـ (1795 م) وخلفه ابنه محمود خان الذي عجز عن أن يحتفظ بأملاك أبيه المترامية الأطراف، ومن ثم فقدت مكران الغربية، واستولى بعض رجال القبائل البلوجية على كراجى. وتوفى محمود سنة 1821 م، وخلفه ابنه محراب خان. وتورط هذا في الشئون الأفغانية فأدى به ذلك إلى الاصطدام بالبريطانيين. وفي سنة 1838 م أنفذت إليكلات قوة بقيادة اللواء ولتشير Gener. Wiltshire ففتحها وقُتل محراب وحدث اضطراب زائد وعاد البريطانيون إلى احتلال كلات، ونودى بابن محراب خائا في نهاية عام 1841 م ولقب بنصير خان الثاني. وفي سنة 1854 م أبرم الخان معاهدة قبل فيها الخضوع للحكومة البريطانية، على أن سلطانه على القبائل اضمحل، وتوفي سنة 1857 م، وامتلأت السنوات التالية لوفاته حتى سنة 1876 م بالاضطرابات والفتن، وهنالك نجح الكابتن ساندمان Capt. Sandeman في عقد معاهدة اعترفت بكلات ولاية محمية في ظل الإمبراطورية الهندية ورفرف السلام على البلاد بفضل إقامة كوطة قاعدة حربية ومد سكة حديدية في بلوجستان سنة 1880 م. ورسمت. الحدود بين كلات وبلاد فارس سنة 1872 م، وعدلت سنة 1895 - 1896 م، على أن الذي غلب هو أن القبائل البلوجية تجاهلت هذه الحدود. ونحن نعرف أقل من ذلك عن

بلوجستان الفارسية صحيح أن القبائل البلوجية دانت بالولاء للصفويين والقاجار، إلا أنها كانت مستقلة في واقع الأمر، وقد أثارت جماعات البلوج المغيرة الرعب في منازل كرمان وخراسان حتى سنة 1930 م. وربما كانت قبيلة نهروئى اليوم هي أهم القبائل في بلوجستان الفارسية وفي سيستان (سجستان)؛ ولكن من العسير أن نلتمس معلومات عن القبائل الأخرى، ولعل هذه لا نعرف إلا النزر اليسير عن تاريخها ومركزها الحالى. وثمة كثير من الأغانى والقصص عن تاريخ البلوج، وكثير منها موضوع، وإن كان بعضها الذي يذكر أجدادًا لهم، قد يكون فيه نصيب من التاريخ الحقيقي. المصادر: انظر عن أخبار الرحالة الكتب الواردة في Die Erforschung: A.Gabriel Persiens , فينا سنة 1952 , ص 137 - 140, 175, وفي مواضع مختلفة. (2) وانظر عن سلالة البلوج Long- The Baloch: M. Worth Dames Race لندن سنة 1904 م. (3) The Origin of the Ba-: Mockler loch في Jhe origin of the Ba-: Mockler gal، سنة 1895. (4) والتاريخ فقير , ذلك أن العصور الأول مصادرها لا تتعدى ملاحظات متناثره وردت في التواريخ وكتب الجغرفيا العربية العمدة. (5) وانظر عن التاريخ المتأخر The History of India: Elliot & Dowson، لندن سنة 1867 - 1877, خاصة المجلدات 1, 2, 5 (6) Raverty .H: طبقات ناصرى، الترجمة والتعليقات، لندن سنة 1881 (7) Life of sir R. Sande-: Thornton man، لندن سنة 1895. خورشيد [فراى R.N.Frye]

بلوغ

بلوغ " بلوغ": البلوغ في مذهب الشافعي هو أن يتم الشخص خمسة عشر ربيعًا إلا إذا ظهرت عليه علامات البلوغ قبل ذلك، فإذا ظهرت قبل أن يتم التاسعة فإنه يكون صبيًّا لم يتم عهد الصغر بعد. ويذهب الحنفية وبعض المالكية إلي أن تمام الخامسة عشرة هو السن المقررة للبلوغ. ولكن جل المالكية يجعلون سن البلوغ في تمام الثانية عشرة، وفي رأى أبي حنيفة أن الصبي يبلغ في سن الثامنة عشرة والصبية في سن السابعة عشر. المصادر: انظر إلى جانب ما ذكر في كتب الفقه على المذاهب المختلفة، باب الحجر. (1) الدمشقي: رحمة الأمة في اختلاف الأئمة، بولاق 1300 هـ، ص 79. (2) Muhamm. Recht nach: E. Sachau schaf it Lehre، ص 26. (3) Culturgesch.: A. von Kremer des Orients، جـ 1 ص 517, 523. [جويبول Th.W. Juynboll] + بلوغ: البلوغ والبالغ تقابلان الصغر والصغير أو الصبي. والبلوغ في الشريعة الإسلامية يحدده بصفة عامة النضوج الجسمانى لكلا الجنسين (يضع الشافعية لذلك صراحة حدا أدنى هو تسع سنوات). فإذا لم يتجل النضوج فإن البلوغ يفترض في سن بعينها، هي الخامسة عشرة في مذهب الحنفية والشافعية والحنابلة، وثمانية عشر عاما في مذهب المالكية (وثمة آراء أخرى مختلفة تنسب إلى أصحاب المذاهب القديمة)، وفي هذه الحدود يسلم بالقول بأن الشخص المعنى هو -أو هي- قد بلغ سن البلوغ. والبلوغ من شرائط الأهلية الشرعية الكاملة. والصبي أو القاصر خاضع للحجر ولوصاية أبيه أو أي وصى شرعي آخر. والبالغ العاقل مكلف، ولذلك يعد مسؤولا في القانون الجنائى، ولكن البلوغ هو والعقل لا يتيحان بذاتهما للشخص الأهلية للتعاقد والتصرف في ملكه الخاص، ولابد في ذلك أن يكمله الرشد. ولا يجب على الوالد أو غيره من الأوصياء الشرعيين أن يحضا القاصر على أداء الفرائض الدينية

بناء

بانتظام فحسب، بل عليهما أيضًا أن يختبرا رشده حين يدنو من سن البلوغ ولا يسلمان ملكه إليه إلا حين يظهر هذا الرشد (القرآن، سورة النساء، الآية 6). ولا تحدد مذاهب الفقه الأخرى أجلا لذلك، ولكن الحنفية يحددون هذه السن -التي ينبغي أن يسلم إليه فيها ماله على آية حال- بخمس وعشرين سنة. ويجعل المالكية في حالة المرأة هذه الأهلية تعتمد، علاوة على البلوغ والرشد، إما على إتمام الزواج، أو على عمل إجراء رسمى يحلها به الوالد أو الوصى الشرعي الآخر من هذا القيد، أو عندما تصبح الفتاة عانسًا. وثمة رأى مشابه لهذا بعض المشابهة يأخذ به أيضًا بعض الحنابلة. وتفترض الشريعة الإسلامية قيام فترة انتقال من حالة القاصر إلى حالة البالغ كما تتمثل في "المميز"، و"المراهق". المصادر (1) Instituzioni l: Santillana, الطبعة الثانية، ص 126 وما بعدها. (2) Bergstraesser's Grundzuege, طبعة Schacht ص 35 وما بعدها. (3) Introduction . L. Milliot. ص 415 وما بعدها. (4) كتب اللغة والاختلاف، في باب الحجر. (5) Culnurgeschichte: A.Von Kremer جـ 1 , ص 517, 532 (6) O.Pesle في Revue Algereienne سنة 1934 - 1937, ص 94 (7) R.Brunschvig في Revue lnter ' , nat . des Droits de l'Antiquite جـ 2 ص 157 (8) الكاتب نفسه في , studia lslamica جـ 3، ص 64. خورشيد [هيئة التحرير] بناء " بناء": صناعة البنائين، وتعتمد أصول صناعة البناء في ناحية من نواحيها على المواد المستخدمة في هذه الصناعة، والمشاهد في البلاد الإسلامية أنهم يستخدمون مواد متباينة تباينًا بعيد المدى، فمن الطين المضغوط إلى

الحجر المنحوت (الدستور)، مع الطوب أو الآجر، والأثلب (الدقشوم) والحجر المنحوت نحتًا خشنًا في المراحل المتوسطة. ويتوقف اختيار إحدى هذه المواد في بلد ما بطبيعة الحال، على توفر مواردها من هذه المادة أو على توافرها، كما أنه يتوقف أيضًا على التقاليد المحلية أو التقاليد التي جاء بها البناءون الدخلاء، والتي قد تحل مدة من الزمن محل التقاليد المحلية. فهم في سورية التي اشتهرت بصناعة قطع الأحجار منذ زمن طويل لا يزالون يصنعون من س الحجارة أشكالا معقدة من المقرنصات، استعاروها من الفرس، والراجح أنها مشتقة من هندسة البناء بالطوب. ونجد من الناحية الأخرى أن مصر، التي كانت محاجرها تنتج الحجر الرملى البديع، تستعمل الطوب أيام الطولونيين، الذين أخذوا نماذجهم، وكبار معمارييهم، بلا شك، من العراق حيث الطوب هو المادة الرئيسية، وأما سورية فقد استمسكت بتفضيلها للأشغال الرفيعة. ومن الأبراج المغربية الأندلسية الثلاثة العظيمة، في القرن السادس الهجرى (الثاني عشر الميلادي) التي نسبت، عن خطأ بلا شك، إلى مهندس معمارى واحد: الخيرالدا في إشبيلية، وقد بنيت بالطوب؛ وبرج حسان في الرباط وقد بنى بالحجر المنحوت؛ ومئذنة الكتبية في مراكش وقد بنيت بالأثلب (الدقشوم)، وتظهر قلة المبالاة بمواد البناء من جانب البنائين، وإهمال الصناع في تناولها، ظهورًا واضحًا في القصور أكثر منها في المبانى الدينية، ولا سيما في المغرب منذ القرن السابع الهجرى (الثالث عشر الميلادي). ولهذا أسباب عدة: العجلة في الإنشاء مرضاة لنزوة سيد يستعجل الزمن؛ واستخدام عمال من العبيد الأغمار لا قدرة لهم على شيء أكثر تعقيدًا من صب خرسانة بين ألواح الخشب. وأخيرًا شيوع استعمال التكسية (كساوى من ملاط ساذج أو منقوش، وصلصال مطعم مطلى بالميناء، وبلاط من الفخار) التي كانت تغطى هيكل الحوائط كلها. وقد تناول ابن خلدون في مقدمته بالتفصيل وصف أصول صناعة الطوابى التي إعتبرها سنة متميزة من سنن المسلمين. والطين الذي كان يخلط في أحيان كثيرة

بالطباشير ومجروش الآجر وكسر الحجارة، كان يضغط بين لوحين يحفظ التوازى بينهما روافد من الخشب. وتملط سطوح الجدران بعد ذلك بحيث تبدو كأنها تحاكى ما تحتها من وصلات روابط البناء القوية. فإذا سقط هذا الملاط انكشفت الثقوب المنتظمة الأبعاد التي كانت تشغلها روافد الخشب. وعم استعمال الطوابى في الغرب الإسلامى، في القرنين الخامس الهجرى (الحادي عشر الميلادي) والسادس الهجرى (الثاني عشر الميلادي) لا سيما في الأبنية الحربية. أما في المغرب فالظاهر أنهم استوردوها من الأندلس حيث كانت معروفة منذ زمن بعيد. وكان الطوب الأخضر الذي استخدم أحيانًا في واجهات الطوابى يصنع من الطين والتبن ويضغط في قوالب خشبية وما زال استعماله شائعًا في مدن الصحراء الكبرى، وكان أيضًا مستعملا منذ زمن مبكر جدًّا في البقاع القاحلة وخاصة في بلاد ما بين النهرين وفي الجزيرة العربية. ويرجح أن جدران دور النبي [- صلى الله عليه وسلم -] في المدينة كانت مبنية من نفس هذه المواد، وكذلك كانت مساجد العباسيين في سامرًا، ونجدها أيضًا مستخدمة في إفريقية في نفس الزمن تقريبًا. وكشفت الحفريات في العباسية، مقر الأغالبة أصحاب القيروان، عن عينات من طوب متقن الصنع، طول القالب منه 42 سنتيمترا في نصف طوله عرضًا في ربعه سمكًا، مما يوحى بأن الذراع التي كان يستعملها البناؤون وقتئذ كانت 42 سنتيمترًا. أما الآجر -الطوب المحروق، وكان يستعمل بصفة عامة في البلاد الإيرانية وكذلك استعمله الرومان وخاصة في الحمامات العامة- فموجود في جميع البلاد الإسلامية، ولكنه كان أفضل مادة للبناء في بلاد فارس. وهو ذو أبعاد متباينة، وقد يكون محدد الزوايا وقد يكون مستديرا. ويستخدم وحده أو مع الأثلب في أجزاء البناء التي تستلزم ضبط الصفوف (مثل الأعمدة وقواعدها والدرج والعقود

رسوم توضيحية

والأقبية وغيرها) أما وظيفته فهو رباط في الوصلات الأفقية بالتبادل مع مداميك من الأثلب؛ ورباط في الوصلات الرأسية للمحافظة على انتظام البناء وبخاصة في الأركان. (انظر شكل أ). ويكسى الطوب في الغالب بطبقة من الملاط، وقد يبقى عاريًا، ويضفى على البناء عنصرًا من اللون، أما بوردية الطين المحروق المصنوع منه أو بالميناء تغشى حوافيه. واستعمل الأثلب أو الحجر المنحوت نحتا خشنًا في أبنية الساسانيين، وما زال مستعملا في بلاد ما بين النهرين الإسلامية، كما في حصن الأخيضر الذي يرجع إلى منتصف القرن الثاني (الثامن الميلادي). ويبدو أنه كان أشيع المواد لدى البنائين البربر في شمالي إفريقية في القرن الخامس للهجرة (الحادي عشر الميلادي) وهو يستعمل فوق ذلك كله في خصينات (استحكامات) المدن قبل أن تعرف الطوابى (لا بد لجدران الطوابى من أساس من الأثلب). كما يستعمل أيضًا في الإنشاءات المائية. وكان ملاط اللصق والملاط الواقى من الطباشير والرمل وكسر البلاط المجروش والفحم النباتي. ويكشف تحليل تركيبها عن نمط من التطور درسه سولنياك M.Solignac: Recherches sur les installations hydr auliqes de Kairoan في Annales de l'Institut d'Etudes Orientales de l'Universite d'Alger (1952 - 1953) ويتيح لنا تحديد تاريخ هذه الأعمال. وبقى استعمال الحجر المنحوت تقليدًا رومانيا بوزنطيا، وموطنه سورية حيث ظل هذا الحجر مادة البناء الشائعة حتى يومنا هذا. واستبدل به الطوب في مصر إلى حين ثم عادت مصر إلى استعماله في العصر الفاطمى من القرن الرابع إلى القرن السادس للهجرة (من القرن العاشر إلى القرن الثاني عشر للميلاد)، وبخاصة في تحصينات بدر الجمالى الأرمنى. واستخدم في إفريقية في مبانى القرن الثالث للهجرة (التاسع للميلاد)، الدينية والحربية، ثم شاع استعماله في القرن السابع الهجرى (الثالث عشر الميلادي) بين معماريى تونس. وكان هو المادة المستقرة في

أساسات أبنية الأمويين في الأندلس. واصطنعه المغرب في القرن السادس الهجرى (الثاني عشر الميلادي) في أبنية الموحدين. وكانت الجدران المتخذة من الأثلب تكسى في كثير من الأحيان بالحجر المنحوت كما كانت الحال أيام البوزنطيين. ويدل عمل الوصلات الذي لم يكن في مثل ضخامته أيام الرومان، على قيام تركيبات من القرميد والطوب المواجه (الطوبة ممددة بطولها على مستوى الجدار أو بتخانة الجدار). وقد نجح فلاسكويز بوسكو في تحديد تاريخها (Velasquez Bosco: Velasquez Bosco, Medina, Azzahra y Alamiriya، مدريد عام 1912, وانظر الأشكال ب، بَ، بً). ورباط الوصل عند الموحدين مكون بالتبادل مع مدماك سميك وآخر رفيع. وقد انتقل هذا من بلاد مراكش إلى بلاد تونس. ويجب أن نضيف الخشب إلى هذه المواد، فكثيرًا ما كانوا يغيبون عروقًا بطولها في الجدران، وفي القيروان يجعلون ألوحًا ثقيلة من الخشب بمثابة عارضة حاملة على تيجان العمد، ويقيمون من العروق الصغيرة شقفًا داخلية بل عتبات للشبابيك في بعض الأحيان. وهذا عمل لا يخلو من خطر على متانة البناء. وتدعم الجدران التي أسلفنا ذكر تركيبها وشيكا، كباش (بغال حائط) في غالب الأحيان، وقد أضيف إلى الجدران الخارجية المبنية بالحجر في الحصون الأموية بالشام، وفي الجدران المبنية بالطوب في مسجد سامرًا، أكتاف نصف دائرية من الطراز المستعمل في بلاد الجزيرة قديمًا. وعلى الأركان الأربعة للمسجد الجامع في تونس كباش مستديرة، والراجح أنها من الأصل نفسه، كما وجدت مرة ثانية في بناء بقلعة بنى حماد (القرنان الخامس والسادس الهجريان = القرنين الحادي عشر والثاني عشر الميلاديين) وزود المسجد الجامع بالقيروان بكباش ضخمة متوازية الأضلاع في تاريخ متأخر بعض الشيء عن أول إنشائه، وكان للمسجد الذي بقرطبة كباش مماثلة تدور محيطه الخارجى على

أبعاد منتظمة. والأعمدة التي هي جزء من الدعائم القائمة بنوع أخص في أروقة المساجد، من أسطوانات وعمد وتيجان انصرف النحاتون المسلمون إلى صنعها، وكانت الأعمدة بعامة أسطوانية ولم يكن بوسطها تنفيخ، وكانت تستورد من إيطاليا إلى شمالي إفريقية في القرن العاشر الهجرى (السادس عشر الميلادي). واقتضت العودة إلى استخدام الأعمدة ذات الأبعاد المحدودة في بهو يرتكز سقفه على الأعمدة ليضفى على المكان أثرًا نفسيًا، العملَ على زيادة أطوالها، ومما لا شك فيه أن البنائين في القيروان قد استعاروا من مصر (جامع عمرو) أصول التراكب، كما في الرواق المقام على أعمدة المأثور عن اليونان والرومان، والدعامة (دعامة العمود)، ورأس العمود (الإفريز) والطنف وذلك بشدادات من الخشب ترقد في رأس العمود (انظر شكل جـ)، وربما كان معماريو مسجد قرطبة قد استوحوا القناطر المعلقة الرومانية فكرتهم في ربط كتل البناء بصفين متراكبين من العقود تقام فوق الأعمدة (انظر شكل د). ومسجد حسان الموحدى بالرباط الذي يرجع إلى القرن السادس الهجرى (القرن الثاني عشر الميلادي) مثال نادر لأعمدة مكونة من أسطوانات متراكبة. والعمود -وهو دعامة بنائية مربعة، أو متوازية الأضلاع، أو متعامدة أو مجزأة على مستوى أفقى تكتنفها أعمدة موهومة- لا يزال شائع الاستعمال في فن العمارة الفارسى، وقد حل محل الأسطوانة في أواوين الصلاة منذ القرن السادس الهجرى (الثاني عشر الميلادي) وما زالت المساجد التونسية محتفظة بالأعمدة الأسطوانية، وهذا موجود في الأفنية الداخلية للمنازل. وفيما عدا العتبة المستقيمة المكونة من حجر واحد أو من قوس منحرفة تعلوها قوس (مصر- الشام) فالعقود تأخذ) شكالا مختلفة كل الاختلاف: (نصف دائرية، على هيئة حدوة الفرس،

القوس الفارسية ذات الأقسام المستقيمة الضلعين وغير ذلك) وهي أشكال لا تمليها حاجات البناء ولكنها تستعمل للزينة بحسب ما يهوى المهندس المعمارى. والعقود الحجرية التي تشملها هي في الغالب زخرفية بحتة في وظيفتها. ولتغطية أواوين العبادة استعانت الشام والأندلس أيام الأمويين - وقلدتها في ذلك أقطار المغرب من غير شك - بأشغال الخشب تحميها "جمالونات" من القرميد على هيئة السروج. وجعلوا للمبانى المربعة سقفًا على شكل الجوسق ذي أربعة جوانب مائلة، واستبقت مصر وإفريقية الشرفات التي كان يوثرها أيضًا سادة الجزائر من الأتراك في البلدان الممتدة على الساحل الجزائرى. ولندرة الأخشاب ذات الأبعاد المطلوبة اضطر المعماريون أن يقاربوا بين الجدران التي تحملها وأن يضيقوا ويطيلوا في نسب الشقق ذات الأسقف (صحون المسجد والغرف). وقد وفي استعمال الأقبية نصف الأسطوانية والقباب الصغيرة بهذه الاحتياجات. وحلت مشكلة الأقبية والقباب بطرق شتى في حدود التقاليد الساسانية والبوزنطية، أما العبقرية الإيرانية فقد أضافت متنوعات تستحق الذكر. والمسألة التي ألمحنا إليها آنفا عن الأخشاب المناسبة -أو بالأحرى عن ندرتها- هي عامل حاسم في بناء الأقبية، سواء أكانت على شكل نصف أسطوانى أم على هيئة قطاع مخروطى ناقص (إهليلجى)، فإقامة عقد أو قبو من الحجر يستلزم قوالب من الخشب ترتكز عليها الأحجار على التوالى. ونظر، لخفة وزن الطوب، وما يعرف عن تماسكه بالملاط فاستعماله يتيح طريقة أخرى تستغنى عن القوالب الخشبية بإنشاء القبو الحافتى، وهو شائع في فن العمارة الساسانى. ويجد أعظم استخدام منطقى له في الطراز الإيرانى المتميز "الإيوان" (والإيوان الذي استعمله المسلمون باستمرار في إيران الإسلامية هو حجرة ذات ثلاث جدران مفتوحة في الجدار الرابع كأنها محراب كبير بظهر مسطح). ويلصق

البناء صفًّا من الطوب على الجدار الخلفى متتبعًا انحناء القبو، ثم يلصق الصف الثاني بالأول ثم الثالث بالثاني وهكذا دواليك، وبذلك يتشكل القبو في الفراغ حتى تتم تغطيته، (انظر الشكل هـ). وفيما عدا الأقبية الأسطوانية، فقد استخدم المسلمون الأقبية الحقوية التي كانت مألوفة عند الرومان والبوزنطيين (قبوان نصف أسطوانيين يتقاطعان في زاوية قائمة، انظر شكل و). وقلما استخدهوا أقبية العقود المحجوبة (تنحنى فيها الجدران الأربعة فوق الفتحة المغطاة، انظر شكل ز) التي تتخذ أحيانا نهاية للقبو نصف الأسطوانى وأقصى مدى له. أما القباب فإن النماذج البديعة التي أنشئت في العصر البوزنطى كانت الأصل في القباب التركية. ولكن هذه الميزة كانت هوضوع متنوعات يدين بها المسلمون للفرس. وهناك كما هو معروف، طرازان متميزان من الحلول لمشكلة إقامة قبو نصف دائرى أو مثمن الأضلاع على قاعدة مربعة: المعلقات أو الدلايات (انظر شكل ح)، التي ساد استخدامها في العالم البوزنطى (انظر آيا صوفيا - استانبول)، وأخص من ذلك عقد الزاوية الإيرانى. (انظر شكل ط). فعقد الزاوية - وهو ربع قطر كرة يبرز وترها الرأسى فوق زاوية المربع الذي يسنده - يحاكى أحيانًا بتجاويفه المشعة وحوافيه المسننة رشاقة المحارة البحرية (انظر شكل ى). وهو يأخذ شكل المشكاة في المسجد الجامع بدمشق، وفي جامع قرطبة. ويعرف المهندسون المعماريون في شمالي إفريقية وصقلية عقد الزاوية بأنه نصف حقوى (قبو حقوى مقطوع نصفين عند قطره، انظر شكل ك) ثم ابتدعت فارس تراكب طبقات متعددة من المشكاوات الشبيهة بالصومعة وربما كانت هذه التراكيب هي الأصل في المقرنصات (انظر شكل ل). وتنشا في الغالب منطقة مستديرة فوق المنطقة التي يمتد فيها المربع والدائرة، وهذه تفتح فيها شبابيك لإدخال الضوء. وتقوم فوقها القبة نفسها.

بنزرت

واستفاد المعماريون الفرس من المزايا التي للطوب ونبغوا في إبداع أشكال مختلفة بعضها عن بعض اختلافا كبيرًا، كالقباب المضلعة المكونة من عقود خفيفة تعبر فوق المساحة التي يراد تغطيتها، وتدعم عقودا مقابلة تملأ الفراغ بينها. وهذا الطراز من القباب الذي كان معروفا لدى الساسانيين): A.Godard: في Vnutes Iraniennes في آثار إيران، عام انتقل من بلاد فارس إلى الأندلس في القرن الثالث الهجرى (القرن التاسع الميلادي)، ثم من قرطبة إلى طليطلة واشتهر في القرن السادس الهجرى (القرن الثاني عشر الميلادي) في المغرب كما اشتهر حوالي هذا الوقت في جميع أرجاء الجنوب الغربي لفرنسا. عبد القادر [كك. مارسيه G. Marcais] بنزرت " بنزرت" Bizerta. مدينة على الشاطئ الشمالي لبلاد تونس على مسيرة أربعين ميلا تقريبًا من شمالي غرب مدينة تونس، وبنزرت على خط طول 539 شرقي كرينوبتش وخط عرض 1737 شمالا. وقد بلغ عدد سكانها 35.000 نسمة، وهي بين البحر وبين بحيرة متوغلة في داخل البلاد مسافة أحد عشر ميلا تبلغ مساحتها 35 ميلًا مربعا. وموقع بنزرت يسيطر على المضيق بين صقلية والشاطئ الإفريقى، ولذلك فإن له شأنا عظيما من الناحية الحربية. وبنزرت تشغل موقع المدينة الفينيقية هيوديريتوس Hippo - Diarrhytus (بالإيطالية Hippone Zarito وبالعربية بنزرت) التي أصبحت من ممتلكات قرطاجنة، واستولى عليها الرومان بعد ذلك وجعلوا منها مستعمرة يحكمها أغسطس. وخربها القوط ثم سلبها معاوية بن حُدَيج عام 41 هـ (661 - 662 م)، واستعادها الروم وظلت في حوزتهم أمدا وجيزا، ثم استولى عليها آخر الأمر حسان بن النعمان في الوقت الذي استولى فيه على قرطاجنة. وذكرها ابن حوقل في القرن الثالث الهجرى فقال إنها قصبة الكورة البحرية سطفورة، ولو أنها كانت في ذلك الوقت قد هجرها الناس تقريبًا وعمها الخراب (ابن حوقل، ترجمة ده

سلان في المجلة الأسيوية، عام 1842 م, ص 179) وأفاقت المدينة من كبوتها، وشاهد ذلك أنها كانت زمن البكرى محاطة بسور من الحجر. وكان بها جامع وعدة أسواق، كما كانت مركزًا هامًا لتجارة الأسماك. وكانت تشرف على المدينة قلعة يتخذها أهلها ملجأ يحتمون فيه من غارات الروم ورباطا لأولئك الذين يريدون تكريس حياتهم للعبادة. وكان بالمدينة في ذلك الوقت مرسى يعرف بمرسى القبة (البكرى، طبعة ده سلان ص 47 وما بعدها؛ ترجمة ده سلان، ص 129. وروى الإدريسي أن بنزرت مدينة نشطت فيها الحركة التجارية. وقاست بنزرت كثيرًا من جراء الفتن والغارات التي خربت بلاد تونس. ووقعت بسبب الغزوة الهلالية في يد أفاقى عربي يدعى الورد اللخمى فاستقل بها. وخضعت لعبد المؤمن عام 1160, وغزاها يحيى بن غانية المرابطى فيما بين عامي 1202 - 1203. وظلت الأحوال راكدة في بنزرت إلى القرن السادس عشر على الرغم من وفود العرب من الأندلس وبنائهم ضاحية الأندلسيين فيها. ويصفها الحسن بن محمد الزياتى بقوله إنها بليدة أهلها فقراء مساكين (. Leo Africanus . Description de l'Afrique, جـ 3, الباب الخامس طبعة شيفر، ص 129). وفي القرن الخامس عشر كثر عدد القرصان في هذا الثغر؛ شأنه في ذلك شأن بقية ثغور الدول البربرية، وأخذ هذا العدد يزداد بعد ذلك إلى حد حمل الدول المسيحية على أن تتخذ من الخطوات ما هو كفيل بإيقاف غارات هؤلاء القرصان. فظهرت أمام بنزرت حملة فرنسية جنوية بقيادة كبير أساقفة سالرنو عام 1516, غير أنها لم تستطع الاستيلاء على المدينة. وأراد أهل بنزرت الانتقام، فما إن أصبح خير الدين سيد تونس عام 1534 حتى نفضوا عنهم سلطان بنى حفص وخضعوا له. لكن شارل الخامس استولى علي بنزرت في العام التالي عقب استيلائه على مدينة تونس ووضع حامية بها. ثم عمد توًا إلى تخريب الحصون، فأعاد الأسبان بناءها بعد ذلك وشيدوا قلعة أخرى سموها

قلعة أسبانيا؛ ولا تزال هذه القلعة موجودة إلى اليوم. وأنهى الحكم الأسبانى للمدينة عام 1572 عندما احتلها الترك آخر الأمر. وكانت بنزرت معقل قرصان البربر. وكان القراصنة الذين يقلعون من هذا الثغر لا يهابون أن يُغيروا على شواطن صقلية وإيطاليا وأن يهاجموا المراكب الخاصة بأعظم الدول النصرانية على الرغم من وجود مراكب فرسان مالطة. وكان معتقل بنزرت يضم 2.000 أسير من النصارى. وفي نهاية القرن السابع عشر قررت فرنسا أن تلجأ إلى القوة بعد أن وجدت أن المفاوضات لم تأت بنتيجة، فضرب دوكوسن Doquesne المدينة بالقنابل عام 1681 وعام 1684 م. وحملت نفس الأسباب الفرنسيين على ضرب المدينة ثانية بالقنابل في القرن الثامن عشر، وتم ذلك على يد عمارة بحرية فرنسية يقودها أمير البحر ده بوفيه de Boves في اليومين الرابع والخامس من يولية عام 1770 م, ثم على يد أمير البحر البندقى إيمو Emn الذي كاد أن يخرب المدينة تخريبا تامًّا عام 1785. وأخذت بنزرت في الأضمحلال في القرن التاسع عشر وذلك من جراء إخضاع القراصنة وامتلاء الثغر بالمستنقعات. ولم تكن بنزرت سوى بليدة خيمت عليها التعاسة تخترقها دروب مليئة بالرمال عندما احتلها الجنود الفرنسيون في أول مايو سنة 1881 في بداية الحملة على بلاد تونس. وتغيرت بنزرت إذ تناولها كثير من ضروب الإصلاح منذ بسطت الحماية الفرنسية على البلاد. فامتلأ جزء من القناة القديمة بالماء، وحفرت قناة أخرى بين البحر والبحيرة تسمح بسير مراكب ذات حمولة أكثر مما سبق، وشيدت ميناء صالحة ممتدة في البحر، وقامت عمائر على شواطن البحيرة وبنيت دار للصنعة في سيدى عبد الله على مسيرة عشرة أميال من البحر. وشيدت قلاع منيعة على المرتفعات المحيطة لتذود عن المدينة. ثم بنيت آخر الأمر مدينة جديدة بين المدينة القديمة والقناة ازدهرت سريعًا، ولو أن الازدياد في سكانها ورواج تجارتها لم

بنغازى

يصلا بعد إلى الدرجة التي تحقق آمال منشئها تحقيقا تامًّا. المصادر: (1) Bizerte, son,: Archiduc Louis Salvator son Present et son avenir passe باريس سنة 1900 م. (2) Bizerte, Souvenirs du: R.C.Castaing Passe في Revue Maritime سنة 1900. (3) Le nouveau Port de Bizerte, باريس سنة 1903. (4). Bizerte: Cte. Hannezo في Tu- Revue wnisienne سنة 1904, 1905 م. [إيفر G. yver] + على أنه حدث بعد ذلك أن أقيم بها عدد كبير من المنشآت مما جعلها ميناء عظيما يستطيع أن يؤوى أكبر السفن، وقد زود بدار صناعة حربية وتحميه قاوع حديثة. المصادر: (1) البكرى: Descript de L'Afrique Septen trionale، الجزائر سنة 1911 ص 57 - 58؛ الترجمة، الجزائر سنة 1913, ص 121 - 135. (2) الإدريسي: المغرب، ص 114، الترجمة , ص 133 - 135. (3) ابن خلدون , Hist. deBerberes جـ 1 , ص 218؛ الترجمة , ج 2, ص 39 - 40. (4) Descript.de l'Afrique: Leo Africanus ترجمة , Epaulard جـ 2, ص 375 - 376. (5) La Berberie: Brunschvig orientale sous les Hafsides جـ 1 , ص 299. (6) J.Marcais Les Arubes Be- rebirie ص 121 - 122. (7) Bizertee: Hannezo في , RAfr سنة 904 - 1905. [مارسيه G. Marcais] بنغازى " بنغازى": سميت بذلك نسبة إلى أحد المرابطين، ويوجد قبره إلى الشمال على شاطىئ البحر. وهي عاصمة برقة من الوجهة الاقتصادية، وكانت مقر الحكم في ولاية بنغازى التركية، وهي على الطرف الشمالي من نجليج منفذه إلى الغرب لا يزيد عمقه على عشر أقدام، ولا يحميها من الأمواج سوى

حاجز مهدم، ويحيط بها من جهة الشرق حوض من المياه الملحة يجف في الصيف، وإلى الجنوب الشرقي منها مهاد رملى تغمره المياه غالبا، ولذلك فإن المنفذ الوحيد الذي يصلها بالقارة يقوم ناحية الشمال عبر حرج من النخيل والسفن الكبيرة ترسو على مسافة من المدينة ولا تستطيع تفريغ شحنتها في فصل الشتاء عند هيجان البحر. والأرض المحيطة بالمدينة خصبة جدًّا، ولكن الزراعة قليلة بها حتى لتبدو صحراء موحشة. ولا توجد في بنغازى أطلال قديمة اللهم إلا بعض بقايا رصيف، ولكن أرضها غنية بالتماثيل والزهريات والنقوش والمسكوكات. أما المساجد وهياكل اليهود والكنائس والبيوت ذات الطبقة أو الطبقتين فلا تستلفت النظر. ويقوم إلى الغرب من المدينة قصر كان يعيش فيه المتصرف كما كانت تعسكر فيه الحامية وكان بها مكاتب تركية وايطالية للبريد ومدرسة إيطالية وفروع لبنك روما. s. Bancodi Roma وعلى الرغم من أن لبنغازى سوءتين ألا وهما تراكم الرمال عاما بعد عام في مياه ثغرها وعدم توافر المياه الصالحة للشرب - وهي تجلب إليها من داخل البلاد - فإنها بحكم موقعها تسيطر على تجارة القسم الشرقي من خليج سدرة وعلى الساحل الشمالي وتتحكم في الشئون الاقتصادية لثلثى برقة الغربيين وفي طرق القوافل التي تمر بأوجلة حيث تتفرع إلى شعبتين إحداهما تتجه إلى الكفرة وإلى الواحات إلى الجنوب الشرقي من تبسى ثم إلى واداى، أما الشعبة الثانية فتتجه إلى مرزوق. وقد كان من أثر التغيرات السياسية في أواسط السودان أن نشطت الحركة التجارية في بنغازى بعض الوقت، وذلك على حساب طرابلس، إلا أنها فقدت أهميتها هذه تدريجًا وضؤل شأنها حتى إن عدد سكانها كان يتراوح بين 12.000 و 15.000 نسمة أكثرهم من بربر ليبية المسلمين وهم يختلطون بالزنوج وبينهم 1200 مالطى وعدد من اليونانيين والإيطاليين وبعض الأوروبيين من أجناس مختلفة و 2.500 يهودى. وتستورد بنغازى المنسوجات القطنية والكتان وزيت الزيتون والحرير

والشمع والبترول والسكر واللبن والأرز والشاى والخشب والفحم النباتي، أما صادراتها فأغلبها من الماشية والحبوب، وهي تصدرها إلى مالطة وجزيرة إقريطش، وتصدر الصوف إلى مرسيليا كما تصدر أيضًا الإسفنج. وتستخرج الحكومة من السبخة مقادير كبيرة من الملح، وبلغت قيمة الصادرات فيما بين عامي 1902 و 1906: 9.114.000 مارك في حين لم تزد الواردات عن 4.280.000 مارك وهناك طريق بحرى منظم تجرى فيه البواخر كل أسبوعين إلى مالطة والإسكندرية عن طريق، طرابلس وآخر يتجه اتجاهًا عكسيًا فتقوم البواخر من الإسكندرية قاصدة مالطة أربع مرات في الشهر. وقد سميت محلة يوهسبريدس التي أنشأها حزب الملك أركسيلاوس الرابع قرابة عام 500 ق. م- في موضع بهذه البلاد أقدم من موقع هذه المحلة باسم برنيقة Berenice تمجيدًا لزوجة بطلميوس الثالث وذلك عقب احتلال بطالمة مصر لبرقة. ويعود الفضل في الرخاء الذي حل بالمدينة بعض الوقت إلى كثرة عدد اليهود بها، غير أن هذا الرخاء أخذ ينمحى تدريجًا عندما هجرها الناس، ولم يعد إليها ازدهارها إلا في العصور الوسطى وبخاصة عندما ساد الجنويون البحر المتوسط، وقد عرفت المدينة في ذلك الوقت باسم برنيق (انظر ياقوت المعجم، جأ الإدريسي، طبعة دوزى وده غوية ص 1 وما بعدها). وأخذت بنغازى في الاضمحاول لما دب الانحلال في أوصال الجمهوريات الإيطالية. ولم يفدها نشاط القرصان في البحر، وبلغ عدد سكان المدينة عام 1820 ما لا يزيد عن ألفى نسمة. المصادر: (1) Tripoli di: P. della Cella . Viaggio da Berberia alle frontiere etc جنوة سنة 1819 م. (2) Relation d'un voyage: M.Pacho .dans la Marmarique, la Cyrenaique etc. باريس سنة 1827. (3) Proceedings: F.W.& H.W.Beeckey of the Exped. to explore the Northern Coast of Africa etc، لندن سنة 1828 م. (4) Von Tripolis nach Alexandrien: G.Rohlfs جـ 1، بريمن سنة 1871 م.

(5) Cirenaica: G.Haimann رومة سنة 1882 الطبعة الثانية عام 1886, وهي منقحة. (6) Eine: Erzherzog Ludwig Salvator Yacht - Reise an den Kuesten von Tripolitanien and Tunesien, الطبعة الثانية، ليبسك سنة 1890 م (7) Auf tuerkischer . Erde: H.Grothe الطبعة الثانية برلين، سنة 1903. (8) Cyrenaieka: G. Hilderbrand , بون سنة 1904. (9) Bengasie la Cirenaica: Bencetti . [إيفالد بانسة Eward Banse] + بنغازى: قصبة برقة، وكانت من قبل ناحية برقة، وهي تقوم في السهل الغربي على شقة من الساحل تقطعها مستنقعات عن الأرض القاحلة، وموقع بنغازى ليس بالموقع الطيب، ذلك أن ثغرها معرض للرياح من الشمال والغرب، على حين أن الأقاليم المحيطة بها قاحلة كما تبعد عنها بعض البعد النواحى الخصيبة في هضبتى المرج والجبل الأخضر. وقد شيدت المدينة في موقع يوسبريدس القديمة، وهي مستعمرة أقامها اليونان في القرن الخامس قبل الميلاد. وأصبحت هذه المحلة في عهد الملك المصري بطلميوس الثالث بوركيتس تعرف باسم زوجته برنيقة واحتفظت بهذا الاسم فقيل لها "برنيق" في العصور الوسطى، وكانت في جميع الأحوال بلدة لها أهمية ثانوية، واضمحلت في القرون الوسطى بل يحتمل أنها اختفت تماما. ويرجع تاريخ المدينة الحديثة إلى ما حدث في نهاية القرن الخامس عشر من هجرة الطرابلسيين من زليتن ومسراته، وكان لهؤلاء صلات تجارية بدرنة، وهي محلة أندلسية كانت قد أقيمت من قبل على ساحل برقة الشرقي. وقد نسبت المدينة إلى سيدى غازى، وهو ولى دفن هناك ولكننا لا نعرف عنه إلا القليل. وقد اشتد أزر الطرابلسيين شيئًا فشيئا بقدوم مهاجرين من البلاد العثمانية الأخرى وخاصة الإقريطشيين الذين وفدوا زرافات بعد غزو اليونان للجزيرة سنة 1897 ووفد أيضًا مهاجرون آخرون من يهود بلاد طرابلس وقوم من القبائل

وسكان الواحات قادمين من نواح شتى في برقة كما وفد عدد قليل من الأوربيين، وبلغ عدد سكان المدينة في أوائل القرن التاسع عشر 5.000 نسمة، وزادوا إلى 15.000 حوالي سنة 1900، ويدخل في هؤلاء ألف إيطالى ومالطى ويونانى، و 2.500 من اليهود. وارتفع عدد سكان المدينة إلى 9.000 نسمة حين نزل الإيطاليون ببنغازى سنة 1911. وكانت بنغازى من قبل قصبة ولاية تركية، وأصبحت من ثم قاعدة الجزء الشرقي من مستعمرة ليبيا، ولم تهدأ الأحوال بها إلا سنة 1931. وقد ربطتها سكة حديدية بسلوق في الجنوب (35 ميلا) والمرج في الشرق (68 ميلا) وأصبحت آخر محطات الطريق الذي يساير خليج سرت الأكبر وكذلك الطرق التي تتشعب قاطعة الهضبة الشمالية قلب البلاد. وأقيم ثغر جديد تحميه سد لحجز الأمواج، وزودت المدينة بالمرافق البلدية شأنها شأن البلدان الأوربية. وكانت المدينة القديمة قد أقيمت في نطاق رباعى طوله 700 متر وعرضه 300 متر ليكون شكلها منتظما انتظاما لا بأس به، وقد رمم المسجد الجامع الذي يرجع إلى القرن السادس عشر. وأقيمت ضاحية جديدة خططت تخطيطا يدل على السخاء جنوبي بنغازى القديمة في اتجاه الضاحية السالفة البركة التي كانت قد نشأت محيطة بالثكنات التركية. وبلغ عدد سكان بنغازى سنة 1938: 66.800 نسمة، 22.000 منهم إيطاليون. وثغرها أنشط ثغور برقة، وتقوم عدة صناعات في المدينة، وهي: الجلد والأحذية، والأثاث، والبناء، ومعالجة سمك التونة، وكان اليونان والإيطاليون يصيدون السمك في خليج سرت الأكبر، وقد زاد ذلك هو وقيام الملاحات على الساحل، من فرص توظيف الناس. وقد عانت بنغازى الكثير من ضربها بالقنابل في أواخر سنة 1924، ومن مغادرة سكانها الإيطاليين لها، فقد انسحبوا منها كما انسحبوا من برقة بأسرها عند وصول الجيش الثامن البريطانى.

بوسعيد

وقد كانت بنغازى قصبة ومقر اتحاد ليبيا الفدرالى الملكى سنة 1951 م (¬1) وقاعدة برقة، ولكنها فقدت صناعاتها وكثيرًا من شأنها من حيث ميناء، وشأن مطارها شأن حربى فوق كل شيء. وقد بلغ عدد سكانها، سنة 1954 م حوالي 63.000 نسمة، كلهم من المسلمين فيما عدا قليل من اليهود والأوربيين. خورشيد [دسبوا J. Despois] بوسعيد الأسرة الحاكمة في عُمان وزنجبار، وأصلهم من الأزد. وقد أصبح مؤسسها، أحمد بن سعيد، واليًا على صَحار في عهد إمام عمان اليَعْرُبى، سيف بن سلطان الثاني، ونجح في الدفاع عن صحار ضد قائد نادرشاه، محمد تقى خان شيرازى، الذي تصالح معه. وفي بضع سنين أقام أحمد نفسه، بالقوة والدهاء والغدر، سيدًا على عُمان، وكان الشاه مشغولا في حرب مع الترك فلم يصنع شيئًا ليسترد مركزه. ولم يثبت تاريخ اتخاذ أحمد لقب الإمام رسميًا، ولا يمكن أن يكون هذا التاريخ هو سنة 1154 هـ (1741 م)، كما يقال في العادة، وهناك بعض الشواهد على أن ذلك حدث عام 1163 هـ (1749 م). وقد حابى بوسعيد- بطبيعة الحال - الترك على حساب الفرس، وساعد الأولين في الدفاع عن البصْرة سنة 1189 هـ (1775 م)، وشجع التجارة وساعد في إخضاع القراصنة الهنود، وخلفه ابنه سعيد سنة 1198 هـ (1783 م) ولم يكن محبوبًا لدى الجمهور، فانسحب إلى الرستاق، وتخلَّى عن الحكم لابنه حامد، ولكنه احتفظ لنفسه بلقب الإمام. ولم ¬

_ (¬1) نالت ليبيا استقلالها فيما بعد وأصبحت جمهورية ثم الجماهيرية العربية الليبية ويرأسها العقيد معمر القذافى.

يستعمل هذا اللقب أحد بعده من أفراد أسرته. وكان الحكام بعد يلقبون بالسيد، وإن كانوا يعرفون عامة عند الأجانب بالسلطان. وكان سعيد على قيد الحياة سنة 1226 هـ (1811 م) ولكنه توفى في غضون العشر السنوات التالية. وخلف حامدًا (توفى سنة 1206 هـ / 1792 م) عمُّه سلطان، الذي استولى على جاهبار وهُرْمُز وكِشْم وبندر عباس والبحرين. ووافقت بلاد فارس على أن تؤجر جاهبار وبندر عباس إلى بوسعيد الذي كان قد استولى على كوادَر. وفي سنة 1213 هـ (1798 م)، عقد معاهدة يسمح فيها للبريطانيين بأن ينشئوا ويحصنوا لهم محلة يقيم فيها تجارهم في بندر عباس. ووعدهم بألا يسمح لا للفرنسيين ولا الهولنديين بإنشاء محلات في ملكه ما داموا في حرب مع البريطانيين. وكان في أخريات أيامه في خطر دائم من هجمات الوهابيين، وقتل في حرب بحرية بالقرب من لنكَه سنة 1210 هـ (1804 م). وانتصر في الصراع على الحكم بدر بن سيف بمساندة الوهابيين، ولكن سعيد بن سلطان قتله، وكان سعيد يحكم بالمشاركة مع سالم أخيه، فلما مات سالم انفرد بالحكم سنة 1236 هـ (1821 م). وكان سعيد أعظم أفراد أسرته، غير أن مركزه في الجزيرة العربية كان غير مأمون، إما بسبب النزاع العائلى أو بسبب هجمات الوهابيين. ونشأ عن السبب الأول استقلال صُحار استقلالا موقوتًا، تحت حكم أسرة قيس بن أحمد، أما الوهابيون فكان إحجامهم إما نظير ما يدفع لهم وإما خيفة من تدخل البريطانيين. وكان أعظم أعمال سعيد توسيعه ممتلكاته الإفريقية حتى جعلها إمبراطورية تجارية تدعمها قوة بحرية.

وفقد الأئمة اليعربيون معظم ما فتحوه في إفريقية أثناء غزو بلاد فارس لعُمان. وكان سعيد عند توليه، يحكم زنجبار فقط وجزءًا من بمبه، وربما مافْيه، ولامو، وكِلْوه التي خسرها ثم استردها، وأيد سلطته بالقوة على مستعمرات العرب والسواحلية من مقدِشُّو (موكَاديشو) إلى رأس دِلْكَادُو. وأخطر مقاومة كانت عند مُمبْسًا ذلك أن القبائل الحاميّة وقبائل البَنْتو كانت لا تكاد تعترفَ بسلطته، بل إن سعيدا -حتى في الجزائر الرئيسية- لم يحصل إلا على الجزية من رؤساء الوهاديمو (مونى مكوو) والوَببمْبه (الديوانى) والوَتُمباتو (الشِها). وفي السنوات الوسطى من القرن كان الساحل من فَنْكَه إلى بانيانى (فيما عدا تنكَه) في قبضة سعيد، بالاشتراك مع ملك أوسمْبَره الذي أرسل ممثلين أقرهم سعيد في مراكزهم. وأحبط الفرنسيون محاولة سعيد لضم "نوسِّى به". وفي سنة 1270 هـ (1854 م) تنازل عن جزائر خوريان موريان للبريطانيين. فلما مات سعيد سنة 1273 هـ (1856 م) بقى ابنه ثوَينى مهيمنًا على مسقط وابنه الآخر مجيد مسيطرا على زنجبار، وأحيل النزاع على لورد كاننكَ فقضى فيه بان يحتفظ مجيد بزنجبار وأن يدفع ثوينى تعويضًا سنويًا مع التنويه خاصة بأن ذلك لا يعد جزية. وأتى بعد مجيد بَرْغش، الذي سبق له أن حاول الاستيلاء على الحكم عند وفاة سعيد، وحاول مرة أخرى بعد ذلك بسنين قليلة. وأصبح نفوذ الممثل البريطانى، سير جون كيرك، أعلى نفوذ. وفي سنة 1270 هـ (1873 م) حرمت تجارة الرقيق. وأدى تغلغل الألمان في إفريقية إلى تعيين لجنة إنكليزية فرنسية ألمانية لتعيين الحدود في دولة بوسعيد. وحكمت بالاعتراف

ببرغش حاكما على زنجبار ويمبه وجزر صغيرة في نطاق 12 ميلا منها، وأرخبيل لامو والساحل من تونكى إلى كبينى حتى عرض عشرة أميال، وكِسْمايو وَبَرَوَة ومَرْكه وَمقدشو ووَرْشيخ، ونزل عن لامو بعد ذلك لشركة شرقي إفريقية البريطانية، وعن موانى الصومال لإيطاليا. ووفقا لاتفاق إنكليزى ألمانى عقد سنة 1307 هـ (1890 م) بيعت الممتلكات شمال نهر أومبا إلى الألمان. وصار الباقي جميعه تقريبًا تحت الحماية البريطانية، وأخرت أراضى البر الرئيسى بآجال، وفي سنة 1309 هـ (1892 م) أعيد تنظيم الإدارة، وعين وزير أول بريطانى (جنرال تويد ماثيوز). وحاول خالد بن برغش الاستيلاء على السلطة سنة 1310 هـ (1893 م) وسنة 1313 هـ (1896 م)، وأفضت ثورته الأخيرة إلى أن ضربت سفينة حربية إنكليزية قصره بالقنابل ودمرته. وفي سنة 1314 هـ (1897 م) ألغى المركز الشرعي للاسترقاق. وكان الوزير البريطانى وصيًا على الملك القاصر علي بن حمُود (1320 - 1323 هـ = 1902 - 1905 م) وفي سنة 1331 هـ (1913 م) نقلت المسئولية عن زنجبار من وزارة الخارجية إلى وزارة المستعمرات. واغتيل ثوينى الذي احتفظ بعمان بناء على رأى كَاننك. واتهم ابنه سالم بالاشتراك في اغتياله فنفاه، بعد فترة قصيرة من حكمه، عزّانُ بنَ قيس الذي قتل هو أيضًا في حرب أهلية. وفي سنة 1288 هـ (1871 م) وافق تركى على اقتسام عمان مع إبراهيم أخي عزّان، واحتفظ إبراهيم بصحار غير أن تركى استردها بعد سنين، وفي خلال تلك الاضطرابات جددت فارس تأجير بندر عباس بأجل (1285 هـ / 1868 م)،

واستردت جاهبار (1288 هـ / 1872 م). وفي سنة 1290 هـ (1873 م) حظر الاتجار في الرقيق تحت الضغط البريطانى، وحوالى سنة 1319 هـ (1901 م) ابتدأت حركة انشقاق في الداخل يتزعمها عيسى بن صالح. وفي سنة 1331 هـ (1913 م) انتخب سالم الحزوسى إماما. وفي سنة 1333 هـ (1915 م) هاجم الثوار مسقط ولم تنقذها إلا فصيلة من الجنود الهنود. وقتل سالم سنة 1338 - 1339 هـ (1920 م) واتفق خلفه محمد بن عبد الله، مع سيد تيمور على أن تتمتع القبائل في الداخل باستقلال ذاتى، وتضم عمان الحديثة ظُفار وتحدها أراضى سلطان قِشْم وشيخ رأس الخيمة والصحراء، وعلى الساحل حول فُجيرة أرض تحيط بها أراضى الغير جعلت دولة صلح بحرى. المصادر: (1) المراجع العربية الكبرى عن هذه الفترة حتى وفاة سيد سعيد هي التاريخ الإخبارى لابن رَزيق، ترجمة History of Imams: and Sayyids j .G.P.Badger of Oman والنص العربي لم يطبع بعد، وهو الآن محفوظ في مكتبة كمبردج تحت رقم 2892, وابن رزيق مع ذلك مهمل فيما يختص بالتواريخ، ولكن من الممكن تصحيح بعضها من مخطوط مجهول المؤلف في المتحف البريطانى. (2) وعن تواريخ الإمام أحمد انظر C.F Beckingham في J.R.A.S، سنة 1941. (3) عبد الله بن حُميد السالمى: تحفة الأعيان بسيرة آل عمان، القاهرة سنة 1350 هـ. (4) East Africa and its R. Coupland Africa j Invaders Exploitation of East (5) Zanzibar and: L.W.Hollingworth ce the foreign i

(6) Chronology and: W.H. Ingrams Zanzibar Rulers زنجبار سنة 1926. (7) Arab Rule: : under the B. Thom- as, Al Bu Said Dynasty في محاضر الأكاديمية البريطانية. المجلد الرابع والعشرين. (8) Said bin Sultan (1791 - 1856): -R.Said - Ruete Ruler of Oman and 7 an .u zihar لندن، سنة 1929. (9) الكاتب نفسه: - ences of the history of the Al Bu Said Dy .. nasty لندن (؟ ) سنة 1931. (10) الكاتب نفسه: في. Isi عدد. 20، سنة 1932، ص 237 - 246. (11). A Collection of treaties,: G.U Aitchson Engagements, & Sanads لمجلد 12، جـ 3، والمجلد 13 جزء 4. وانظر أيضًا مصادر مواد بحر فارس وزنجبار. عبد القادر [بكنكهام Beckingham] البوسنة والهرسك (*) 1 - الإحصاءات تبلغ مساحة البوسنة والهرسك 19.702 ميلا مربعا، ومساحة البوسنة ¬

_ (*) يبلغ عدد السكان: 4.651.000 نفس الكثافة: 235 في الميل المربع. الأعراق: مسلمون 44 % صرب 31 % كروات 17 % واللغات: الصربية الكرواتية (رسمية) 99 % والأديان: المسلمون 40 % الأورثوذكس 31 % الكاثوليك 15 % العاصمة: سراييفو Sarahevo الحكومة: في مرحلة الانتقال بعد تفكك الاتحاد السوفيتي والاتحاد اليوغسلافى كان رئيس الدولة على عزت بيجوفتش Aliha Izatbegovic المولود سنة 1925 والذي تولى منصبه في ديسمبر 1990. العملة: الدينار اليوغسلافى الجديد. بعد الفتح العثمانى سنة 1463 أصبحت البوسنة والهرسك ولاية عثمانية، وفي 1868 أصبحت جزءًا من الدولة الثنائية لدولة النمسا والمجر) ضم إليها رسميا سنة 1908. وفي سنة 1918 أصبحت جزءًا من يوغسلافيا، وكان بين كل من البوسنة والهرسك اتحاد فدرالى وفقا لدستور سنة 1946. وفي أكتوبر 1991 تبنى برلمان البوسنة والهرسك إعلان الاستقلال وجرى استفتاء عليه في 29 فبراير 1992، وعارض الصرب ذلك مما أدى إلى حروب عرقية مريرة، وفي السابع من أبريل اعترفت الأمم المتحدة والاتحاد إلأوروبى بالجمهوريه واشتعلت الحرب العرقية بين صرب البوسنة والمسلمين والكروات وقتل =

وحدها 16.173 ميلا مربعا، والهرسك وحده 3.529 ميلا مربعًا، وكان عدد السكان وفق التعداد الذي أجرته السلطات التركية عام 1875 - عندما كانت هذه الأراضي لا تزال تابعة للحكم التركى 1.051.000 نسمة تقريبًا. وبلغ مجموع سكان البوسنة والهرسك وفق تعداد سنة 1910: 1.898.044 نسمة منهم: 612.000 مسلمون. 825.338 من الصرب الأرثوذكس. 434.190 من الروم الكاثوليك. 8.136 من الإنجيليين من إكزبورغ. 488 من الإنجليين السويسريين. 8.2.2 من يهود أسبانيا. 3.658 من اليهود الآخرين. 96 من معتقدات أخرى. ويشتغل غالبا السكان بالزراعة، وهناك -وفق ما قال به رؤساء العشائر- 14.742 من أصحاب الأراضي و 136.854 من الزراع الأحرار و 79.701 من الكمث Kmets 31.416 من الزراع الأحرار الذين في الوقت نفسه من الكمث Kmets و 20.450 من الأفراد المشتغلين بالأعمال المتصلة بالزراعة، ومجموع كل أولئك 1.66.587 نسمة بما في ذلك أسرهم. أما بقية السكان فيشتغلون في الغالب بالتجارة والصناعة. ¬

_ = الصرب الآف المسلمين وشرعوا في عمليات تطهير عرقية بشعة، وفي 23 فبراير 1994 اتفق المسلمون والكروات على وقف الحرب = بينهما وفي 18 مارس تم توقيع اتفاق بين المسلمين والكروات لإنشاء اتحاد كونفدرالى في البوسنة بينهما (المسلمين والكروات). وفي منتصف سنة 1974 سيطر صرب البوسنة على أكثر من 70 % من المنطقة (البوسنة والهرسك)، وتم وضع خطة سلام دولية تعطى للصرب 49 % من البوسنة المقسمة، و 51 % لاتحاد المسلمين والكروات، وقد رفض صرب البوسنة ذلك. د. عبد الرحمن الشيخ

2 - تاريخها: يمكن أن نشبه الركن الشمالي الغربي من شبه جزيرة البلقان بمدخل جسر عبرت عليه شعوب مختلفة منذ أقدم العصور في هجرتها من الجنوب الشرقي إلى الغرب، ومن الشمال إلى الجنوب. وكانت البوسنة والهرسك قبل العهد الروماني تحتلها قبائل إلليرية مختلفة. وليس لدينا من مصادر تاريخها قبل العهد الروماني إلا الآثار الباقية من عهد ما قبل التاريخ. وأقدم الآثار، وأهمها في البوسنة، هو طلل "بَتْمير" Butmir في "سراييفو"، ويرجع تاريخه إلى العصر الحجرى. وكان الإلليريون ينقسمون إلى قبائل صغيرة، ووصف الكتاب المتقدمون من كان يعيش منهم على الشاطئ بأنهم قرصان، ومن كان منهم يعيش في الجبال بأنهم قطاع طرق. وكانت أشجع هذه القبائل الإلليرية تعيش في المنطقة التي تشغلها البوسنة والهرسك الآن. ولم يتمكن الرومان من إخضاعهم إلا بعد حروب طويلة (من القرن السادس قبل الميلاد إلى التاسع الميلادي). وظلت البوسنة والهرسك من الولايات الرومانية طيلة أربعة قرون. وكانت أول الأمر جزءًا من إقليم الليريكوم - Illyr icum، ولكنها ألحقت بعد ذلك بالمنطقة التي على الشاطئ الإدرياوى وكونت ولاية دلماشيا Dalmatia. واستغلت مناجم البوسنة بنشاط كبير في القرنين الميلاديين الأولين. ومهدت الطرق التي تصل سالونا Salona(سبلاتو Spalato الحديثة) بما يعرف بسيسك Sisek ومتروفيكا Mitrovica, ثم مدت إلى مدن أخرى، وذلك تسهيلا لنقل منتجات تلك المناجم وتمكينًا للرومان من الدفاع عن المنطقة الواقعة بين الساف Save والدانوب والأراضى التي إلى الشمال من نهر الدانوب المعروفة باسم بانونيا (Ponnoni وكان في إليدزه Ilidze القريبة من سراييفو حمام جميل، كما عثر في ستولاك Stolac بالهرسك على أرصفة من الفسيفساء الجميلة. وظهر في القرنين الثاني والثالث الميلاديين من بين جنود يانونيا وإلليريا أشخاص استطاعوا أن يصلوا إلى عرش الإمبراطورية. وأعظم الأباطرة الإلليريين هو دقلديانوس الذي صنع الكثير لموطنه المحبوب وخاصة لمسقط

رأسه دالماشيا. ولما قسمت الإمبراطورية ظلت البوسنة والهرسك تابعة لإيطاليا، أي في القسم الغربي. ومن هذه الأصقاع انتشرت الديانة المسيحية لأول مرة بين المدن الساحلية، ومنها إلى المرتفعات البوسنوية. ولما قسمت الإمبراطورية عام 395 م أصبح للقسطنطينية الحاضرة الجديدة في هذه البلاد- مكانة كبيرة. وفي القرن السابع الميلادي خربت هجرات الأوار Avars والصقالبة Slavs وهم من الصقالبة الطورانيين- آثار الحضارة الرومانية، وهم الذين أحدثوا الخصائص الجنسية الحديثة الموجودة في الإقليم الذي على طول البوسنة والهرسك، وكان يسمى وقتذاك هم Hum (Chlm) . وكانت القبائل الصقلبية- ولم تكن بينها رابطة قوية- يقودها زعماء من الأمراء يعرفون بلقب الفويفود Voivods وظلت هذه القبائل تحت حكم الأوار إلى أن هزم هؤلاء عند مهاجمتهم للقسطنطينية عام 626. وبين عامي 626 و 640 م خلعت بعض القبائل الكبيرة التي تعرف في مجموعها باسم الكروات والصرب- نير الأوار وتوغلوا في القسم الشمالي الغربي من شبه جزيرة البلقان وفتحوا دلماشيا والبوسنة والهرسك والجبل الأسود وشمالى ألبانيا ومنطقة نوفى بازار. وكانت القبائل الصقلبية التي احتلت دلماشيا الحديثة حتى ستينا Setina وجزءا من البوسنة الحديثة إلى نهر أورباس Urbas تقريبًا تعرف باسم الكروات، وكان يتزعم هذه القبائل روبان الأكبر، كما كان يطلق على أتباعه لقب الروبانية. واستقرت أرومة الصرب في الجبل الأسود وما جاوره من مناطق وفي زيته Zeta وفي روشكه Roshka نسبة إلى نهر يعرف بالاسم نفسه. واعتنق الكروات بعد ذلك الكاثوليكية الرومانية بينما كان الصرب منذ البداية من أتباع الكنيسة اليونانية الأورثوذكسية. ووسط هذه القبائل التي انقسمت إلى أمتين هما الكروات والصرب، قامت البوسنة تسكنها قبائل تتكلم اللغة نفسها. وانقسمت البوسنة والهرسك إلى مناطق تعرف

بالـ"بانات". ويحكم كلا منها "بان"، وهذا الاسم من أصل اوارى بلا شك. وكان حظ أهل البوسنة والهرسك من القرن السابع إلى الثاني عشر كحظ الكروات والصرب، فقد اعترفوا بسلطان إمبراطور بوزنطة اعترافًا غير مباشر إلى أن ضمت الدولة المجرية إليها، أو بتعبير أدق أدخلت في دائرة نفوذها كرواتيا أولًا ثم امتد هذا النفوذ ناحية الجنوب الغربي في بداية القرن الثاني عشر في المنطقة التي حول ملتقى نهرى راما Rama ونارنته Narenta. وتم الاحتلال الجزئى للبوسنة في عهد الملك كولومان Koloman المجرى (من 1096 إلى 1116 م) وهو الملك الذي لم يكن سلطانه يمتد داخل مملكة الكروات القديمة فحسب بل كان يشمل ساحل دلماشيا أيضًا. وفي عام 1137 م خضعت البوشنة للملك بيله Bela الثاني الذي نصب ولده لاديسلاوس Ladislaus دوقًا على البوسنة وهو في الخامسة من عمره، بيد أن سلطان المجر لم يقض على نفوذ الزعماء الوطنيين، وظلت البلاد خاصعة للقوانين والعادات القديمة التي أخذت تتطور وفقًا لمقوماتها الخاصة. ولم يستطع أحد المذهبين الروماني الكاثوليكى والأرثوذكسى أن ينتصر على الآخر في البوسنة. واحتفظ الصقالبة الجدد من سكان جبال الألب الدينارية بعقائدهم الوثنية. وظلوا من ثم على الحياد فيما يتصل بالشئون الدينية. وأدى وجود هؤلاء القوم بين مذهبين مختلفين إلى تمهيد السبيل لقيام مذهب دينى جديد هو البوكوملية (¬1) Bogomilisme الذي ¬

_ (¬1) مذهب البوكوملية نسبة لرجل يدعى بوكومل Bogomil وهذا المذهب هو حلقة الاتصال بين المذاهب الهرطيقية في الشرق والآجري التي في الغرب. وكان اتباع هذا المذهب في القرنين الثاني عشر والثالث عشر يعرفون باسم "البلغارى". وهم يأخذون بتعاليم مانى وينكرون القول بأن عيسى هو ابن الله كما يرفضون القول بالثالوث المقدس أي الاتحاد الأب والابن والروح القدس كما يشكون في قيمة الطقوس والمراسم الدينية. وهم يفسرون معجزات المسيح تفسيرا روحيا أي أنها ليست أعمالا تمت في الواقع وبالفعل كما يرفضوت التعميد ويقولون أنه شيء روحى لا يتم بالماء أو الزيت إنما يكون بإنكار الذات والصلاة وتلاوة الترانيم. وأن الصلاة يجب أن تقام في المنازل الخاصة وليست في الكنائس، كما قالوا أن الخبز والخمر في العشاء الرباني الأخير لم يتحول إلى لحم ودم. ويذهبون أخيرًا إلى أن تقديس التماثيل والصلبان والتقرب إلى الأولياء وعبادة البقايا المقدسة ضرب من الوثنية. وكان أتباع هذا المذهب من أقوى العوامل في نشر مثل هذه التعاليم في الروسيا وبين شعوب أوروبا.

أخذ يقوى على مر الأيام حتى أثره في تاريخ البوسنة على الرغم مما نال القائلين به من اضطهاد البابوات وملوك المجر والصرب، وهناك آلاف من الآثار تختلف في جودة صنعها تشهد بأن هذا المذهب كان هو السائد يومًا من الأيام، ونخص بالذكر منها القبور الفخمة في ستلك Stalac وكاكنج دبج Kakanj Dobag واعتنق أشراف البوسنة والهرسك وأمراؤهم هذا المذهب منذ عهد متقدم، بل إن زعيم هذه البلاد بانوس Banus تمذهب به مدة من الزمن. ويمكننا أن نقسم تاريخ البوسنة من عام 1137 إلى 1878 إلى ستة عصور: 1 - البوسنة تحت حكم البانات، وقد حكموا البلاد بأسرها من عام 1137 إلى 1251 م. 2 - البوسنة عندما كان يحكم أجزاء مختلفة منها بانات في وقت واحد. 3 - عصر القطورمانيين - dux Kotoro mans من عام 1314 إلى 1377 م. 4 - مملكة البوسنة ودوقية سان سافا من عام 1377 إلى عام 1463 م. 5 - انقسام البلاد بين المجر والدولة العثمانية من عام 1463 إلى 1528 م. 6 - البوسنة تصبح ولاية من ولايات الدولة العثمانية وذلك من عام 1528 إلى 1878 م. وقد حكم في العصر الأول أربعة بانات أشهرهم كولين Kuhn، وفي نهاية القرن الثاني عشر أخذ المذهب البكومولى في الانتشار ونشط البلاط البابوى في القضاء عليه. وبدأ كولين حكم البلاد عام 1180 م، ويقال إنه جاهد كثيرًا في سبيل رخائها، وتعتقد أسرة كولينوفتش بك- وهي أسرة إسلامية معروفة في البوسنة- أنها انحدرت من هذا الحاكم، ولكن ليس هناك من الوثائق ما يؤيد هذا الزعم. والعهد الذي تلا موت كولين عهد مظلم في تاريخ البوسنة، فقد اعتبر الحزب الكاثوليكى برجزده - Prijezda من أسرة كولين- حاكما للبلاد. بينما التف الحزب البوجوملى الوطنى- وكان

الأكثرية في البلاد- حول نينوسلاف Mate Ninoslav . وكان نينوسلاف- إبان حكمه الطويل- يتهادن أحيانًا مع ملك المجر، ويطلب أحيانا أخرى عون البابا عليه، وكان من المهارة بحيث يستطيع التخلص دائما من أحرج الأزمات. وكان من حسن حظه أن اقتتلت مدن دلماشيا واستنفذ هذا النزاع جهود ملك المجر. وما إن مات نينوسلاف في العقد الخامس من القرن الثالث عشر الميلادي حتى تزعزعت قوة البوسنة ومنح بيله الرابع ملك المجر الجزء الغربي من الصرب الحديثة بما في ذلك حصن مجبه Machva- إلى الدوق الروسى رستسلاف Rostislav الذي تزوج من ابنته أنّا Anna . وإبان هذا العهد بدأت تظهر قوة بعض الأسر الهامة من نبلاء الكروات بدلماشيا الذين بادروا إلى نصرة الملك على التتار، نخص منها أسرة شوبيج Shuhich وهم أجداد بيت زرينكس Zringis . وأنشأ الملك بيله لهذه الأسر بانات في بعض المناطق مثل بانة سولى (طوزله Tuzla) وبانة أوزوره Ozora , وبذلك أصبحت البوسنة مقسمة إلى أقسام صغيرة متعددة، بينما ظلت الهرسك بنظامها الإقطاعى خاضعة لعدد قليل من الأسر الكبيرة. ومما ساعد على تقسيم هذه البلاد الاضطراب الذي نشأ عن انقراض بيت Arbad أرباد في المجر. وفي عام 1314 ظهرت في البوسنة أسرة جديدة هي أسرة قطورمان المنحدرة من برجزده، وحكم اصطفان قطر ومانوفتش المتوفى عام 1353 م البلاد ثلاثين عامًا. وكان على المذهب البوجوملى وإن التفت حوله بطانة من قساوسة الكاثوليك، والمحقق أن زوجته كانت كاثوليكية. وكان يتظاهر بتعلقه بمحالفة المجر ويعترف بحمايتها له. ولكنه كان يحيك الدسائس للمجر سرًّا كلما رأى ذلك في مصلحته. وذهبت ابنته أليصابات إلى البلاط المجرى في أوفن Ofen حيث وقع في غرامها الملك لويس الأكبر وكان شابًّا مترملا فتزوجها. وبعد موت قطر ومانوفتش خلفه ابن أخيه تورتكو Turtko في حكم بانته، ولما

كان في بداية حكمه تحت وصاية أمه لحداثته فقد كان عليه أن يحمى نفسه من الفتن التي قام بها بعض رعاياه، وأن يعترف بسلطان عمه، بل شعر بقوته ونفوذه كما يدل على ذلك النقش المحفور على صخر في درزنيكه - Drez nica. بيد أن هذه الخصومات قوّت من خلق هذا الأمير الذي سرعان ما رأى بثاقب نظره نقط الضعف في أعدائه وأصبح أبرز شخصية في تاريخ بلاده، واتخذ لنفسه لقب ملك عام 1377، وتوجته الكنيسة، وأسس مملكة البوسنة التي لم يقدر لها أن تحيا إلا أمدًا وجيزًا. ولم يعترض لويس ملك المجر على اتخاذه لقب الملك. ولسنا نعرف شيئًا عن التفاصيل الدقيقة لهذا الحادث، وتقع أهم فترة من حكم تورتكو بين عامي 1382 إلى 1391 م، وهي الفترة التي شب فيها الاضطراب الذي أعقب وفاة لويس الأكبر. واستغل الثورات التي شبت في جنوب المجر وكرواتيا ضد الملكة أليصابات، ووسع رقعة أملاكه على حساب نفوذ المجر الذي كان قد تزعزع في تلك النواحى، وخضعت له مدن دلماشيا الواحدة بعد الأخرى ما عدا مدينة زاره، وحارب تورتكو إلى جانب الصرب في وقعصة قوصوه الطاحنة التي حدثت في الخامس عشر من يولية عام 1389 م واشترك في ثورات الأراضي الصربية على الساحل. ولا يمكن أن نجزم بأنه كان بطل الفكرة القومية الصربية لأنه اتخذ لنفسه لقب ملوك الصرب. وليس من شك في أنه كان مستقلا تمام الاستقلال، وأنه يعتبر والحالة هذه مؤسس مملكة البوسنة. وخلفه أخوه الأصغر استيفن دبشه Stephen Dabisha المتوفى عام 1395 م وجاء بعده ابن تورتكو غير الشرعي واسمه استيفن أستوجه الأول Ostoja المتوفى عام 1418. ثم اقتسم الملك بعده ولده الشرعي ستيفن أوستوجتش Ostojich (1418 - 1421) وابن استيفن تورتكو الأول المسمى ستيفن توزتكو الثاني (1404 - 1421). وحكم البلاد من عام 1444 إلى عام 1461 م استيفن توماش Tomash ابن أوستوجه غير الشرعي، وكان ابنه استيفن توماسيفتش Tomasevich آخر وريث من الذكور لبيت قطرومانوفتش.

وتلاشت الآثار العظيمة لحكم تورتكو في عهد استيفن دبشه الذي أصبح تابعا لسكسموند Sigsmond ملك المجر. وهكذا لم تعد مدن دلماشيا تثق أو تهتم بملك البوسنة. ولم يكن عهد سكسموند مشهودًا. فقد أعقبت وقعة قوصوه المشئومة انتصار الترك في نيقوبوليس عام 1396 م. وتحالف خصوم ملك المجر مع الترك وحذا حذوهم الأمراء المسيحيون في شبه جزيرة البلقان. وأصبح ملوك البوسنة في تلك الفترة ألعوبة في أيدى وزرائهم. وكان تدبير الشئون في يد اثنين. من رجال السياسة الحقيقيين: هرفوجه Hervojc دوق اسبلاتو Splato في البوسنة المتوفى عام 1416 م، وهو من بيت هوفاتن Hervaten وسندلج هوانيع Sondalj Hranich المتوفى عام 1435 في الجنوب، وهو ابن الأمير فكوفتش Hranja Vukovicch وهو من الأسرة التي انحدر منها الأمراء المستقلون الذين حكموا الهرسك فيما بعد. وفي عام 1408 استولى قائد سكسموند- نيقولاس كراى Nicoles Guray وجون ماروتى John Marothy - على قلعة دبر Dobor بعد قتال عنيف أسر فيه الملك تورتكو الثاني، واستغل العثمانيون هذا النضال، وأصبح هرفوجه حاكمًا من قبل ملك المجر، ولكنه استطاع عام 1415 م بمساعدة الترك القضاء على جيش من جيوش المجر. واتخذ معسكره الرئيسى في قلعة بايجة Jajce التي شيدها، ولكن الترك ظلوا مع ذلك في الأراضي البوسنوية أي في جزء منها في الجنوب الشرقي لإقليم سراييفو الحديث. ودخلت البوسنة منذ ذلك الوقت في دائرة النفوذ التركى والمجرى والبندقى. وأصيبت الموحدة البوسنوية بضربة أخرى، وذلك أن استيفن فوكتش - Vuk cich " أكبر أمراء البوسنة ببركة الله" وهو ابن عم سندلج، اتخذ لنفسه عام 1448 م لقب دوق سان سافا وأجبر البوسنة على الاعتراف به. وعرفت بلاده منذ ذلك التاريخ باسم الهرسك. وظلت هذه البلاد حتى عام 1436 في حالة يرثى لها، بل إن الانتصارات التي- أحرزها حنا هونيادى لم تحفز ملوك

البوسنة على أن ينفضوا عن كاهلهم النفوذ التركى الذي وقعوا تحت نيره. وبعد أن فتح العثمانيون القسطنطينية عام 1453 م أصبح إحرازهم مثل هذا الانتصار في الشمال وفي الغرب لا يتوقف إلا على الزمن فقط، واستولى الأتراك آخر الأمر على البوسنة ووقع آخر ملوكها ستيفان توماشيفج Stephan Tomashevich فريسة للسياسة ذات الوجهين التي اتبعها. فقد اتهمه معاصروه بأنه قتل أباه، كما رمى بأنه باع حصن سمندرية للأتراك، وكان من المنتظر أن تهب الدول المناصرة له لحمايته ولكنها لم تلق بالها إلى وعوده وتركته وشأنه، فاعتزل في حصن لابايجه "المنيع Jajca واتخذه مقرًا له، واحتلت جموع الأتراك بوبوفك - Roh ofac ويايجه وكليوج Kljch الواحدة بعد الأخرى في زمن وجيز وأخذ الملك أسيرًا. واختلفت الروايات في تفصيل خاتمة هذا الملك المحزنة، غير أنه لا شك في أن السلطان قد أطاح برأسه ليضمن بقاء بلاده في حوزته؛ وهناك رأس مثبت فوق هيكل معروض على أنه رأس ستيفان توماشوفيح. ولم تكن البوسنة قد أصبحت بعد خاضعة تمام الخضوع للأتراك، إذ انتزع الملك متياس Mathias المجرى شمالها من العثمانيين ثم قاتلهم عام عام 1463 م بغية الاستيلاء على يايجه Jajca, واستولى عليها وظلت في حوزته على الرغم من دفاع الإنكشارية عنها دفاعًا مجيدًا. وقد احتفظ أسميًا باستقلال الناحية التي فتحها وولى عليها عينًا من أعيانها ذا ثروة طائلة اسمه نيقولا أو يلاكى Nicola Ujlaky عام 1471. وكانت هذه المنطقة عبارة عن بانة البوسنة القديمة، وهي البلاد التي على نهر الساف حتى سربنيحه Srehenica وتعرف اليوم باسم ناحية طوزله Tuzla مضافا إليها تيوجك بالقرب من أزفورندُ. وظهرت بانة يابجه محتلة احتلالًا عسكريًا، وكانت علاقاتها وثيقة بالأقاليم الصقلبية المنخفضة. ولم يدم نيقولا أو جلاكى إلا أمدًا قصيرًا. وأصبح ابنه حنا أميرًا على البوسنة عام 1491. وصدت سيوف المجر الأتراك حتى بعد وقعة موهاكس المروعة في البوسنة، ولم يكن في حوزة الأتراك- حتى عام 1528 - إلا جزء من الهرسك والجزء الجنوبي من البوسنة.

ولم تقع البلاد التي ظلت محتفظة باستقلالها في أيدى الترك إلا بعد اجتياح مملكة المجر عام 1526 م، وتمكن الأتراك بفضل المجهودات المتواصلة التي بذلها سليمان الأول من أن يجعلوا البوسنة ولاية تركية آخر الأمر. واعتنقت الطبقات الغنية المثقفة من السكان وأغلب ملاك الأراضي الإسلام، وأظهروا غيرة عظيمة على الدين الأسلامى وخاصة لأنه حافظ على موروث حقوقهم. أما تاريخ البوسنة والهرسك بعد الفتح التركى فهو في الواقع تاريخ الدولة العثمانية. وأخبار القرنين السادس عشر والسابع عشر مليئة بذكر القتال ضد المجر في ظل بيت هابسبرغ. "وسراة البلاد الذين كانوا فيما سبق على مذهب البجوملية قد هيأتهم نشأتهم في زمن قلق ملئ - بالحروب والذين ولدوا ليقودوا بقية أهل البلاد والذين كانوا على خبرة تامة بشئون المجر والمجريين والذين كانوا يحقدون حقدًا شديدًا على البابوية ساعدهم هذا كله على أن يكون لهم شأن خطير في الحرب التي شبت ضد المجر". وطالما كان نفوذ الأتراك في أوجه وجيش الإمبراطور الجرمانى عاجزًا- ولو إلى أمد قصير- عن رفع نير الترك عن المجر، فإن سكان البوسنة من المسيحيين لم يشتركوا في هذا النضال، وكان المسلمون من أهل البلاد هم العنصر الحاكم، وقد استطاعوا أن يجعلوا كلمتهم مسموعة في الجزء التركى من المجر أيضًا. وانتخب من صفوفهم رؤساء الإدارات العسكرية والمدنية. وولى تسعة من السياسيين الذين ولدوا في البوسنة أكبر المناصب التركية، وهو منصب الصدارة العظمى في المدة بين عامي 1544 و 1611 م. وكان من بين هؤلاء ثلاثة من أسرة صوقولوفتش من بلدة كرازدة Garazde . وتولى مسلمو البوسنة الدفاع عن الحدود الشمالية الغربية من الدولة فقط. وتختلف الروايات في ذكر عدد. ولاة البوسنة تبعا للتاريخ الذي تذهب إليه كل رواية في تعيين أول وال من الولاة، وتبعًا لإحصاء أسماء الولاة الذين حكموا أكثر من مرة. ويزعم مؤرخو البوسنة والهرسك من المسلمين أن إسحاق بك الذي عين عام 1418 هو أول الولاة، وأنه قد أقيم من الولاة 264

واليًا ما بين عامي 1418 و 1878 م. وأشهر ولاة البوسنة، الذي مجده المسلمون بصفة خاصة، هو غازى خسرو بك الذي حكم من عام 1506 إلى 1512 ومن 1520 إلى 1542 م، وتبلغ قيمة الأوقاف التي حبسها على الأغراض العلمية والخيرية عدة ملايين، من الكرونات وفقا لتقديرنا الحالى. ولا يزال جزء من منحه ومكتبته باقيًا إلى اليوم، كما أن المسجد والمدرسة والخانقاه التي أسسها في سراييفو ما زالت محل تبجيل الناس. وظلت البوسنة إقليمًا يحكمه بك إلى عام 1573، وبعد ذلك أخذ يحكمها باشا. وكان أول من حكمها من الباشاوات هو فرهاد باشا صوقولوفتش. وكان الولاة بادئ الأمر يسكنون سراييفو ثم انتقلوا بعد ذلك إلى بنالوقة عندما وقعت البوسنة كلها في يد الترك ثم انتقلوا إلى ترافنك عام 1686, ويقول البعض إنهم سكنوها قبل ذلك وكانت البوسنة التركية تشمل: البوسنة الداخلية وكراجينه (وهي الكروات التركية مضافًا إليها بهكه التي فتحت في نهاية القرن الثالث عشر) وسنجق نوفى بازار، والهرسك بما فيها تربيخه وزتّه، وظلت الجنود المرتزقة تحت حكم ضباطها الذين كانوا يتوارثون مناصبهم العسكرية مخلصين للحكومة المحلية طالما كان سلطان الترك قويًّا، وكانت البوسنة حصنًا من حصون الدولة العثمانية. وفي القرن السابع عشر تبدل حظ الترك في الحروب، إذ استولى الدوق يوجين ده سافوا Eugene de Savoie على أوفن عام 1697 م وأحرق ضواحي سراييفو وفقدت البوسنة تلك الشهرة التي ذاعت عنها بأنها حصن لا يُغلب. وتخلى السلطان بمقتضى صلح يساروفتز عام 1718 عن جزء من البوسنة على المجرى الأدنى لنهر الساف للإمبراطور والملك شارل الثالث، ومع ذلك فقد أعيدت هذه الناحية إلى الأتراك بعد تلك الغارة الفاشلة 1739 م. ولما كانت سياسة بيت هابسبرغ متجهة اتجاها كليا ناحية الغرب، فقد ظلت البوسنة تحت حكم الأتراك في القرن الئامن عشر في أمن وسلام، وكانت السياسة التي انتهجها رجال

الحكم في فينا تجاه شؤون الشرق تقتضي الاحتفاظ بكيان الدولة العثمانية تنفيذًا للاتفاق الذي عقدته الدول الغربية. وظل هذا المبدأ مرعيا على الرغم من أن الاضمحلال كان قد أخذ يدب في أوصال الدولة التركية: إذ فقدت الصرب (1804 - 1715 م) ومصر واليونان. وبدأت الأمور تتحرج في البوسنة في صدر القرن التاسع عشر. ولم يقابل البوسنويون الإصلاحات الأوربية في حكومة الآستانة بالرضى، وهب المسلمون من الصقالبة لمقاومة هذه الاصلاحات بقوة السلاح بزعامة حسين قائد كرادجك عام 1830 م. وأراد الوزير محمد وجيه باشا عام. إدخال النظم الادارية الحديثة التي نص عليها الخط شريف كلخانة الصادر عام 1839 م، وبدأ يستبدل بقادة النواحى الوطنيين آخرين مسلمينْ كانوا يعينون من قبل رجال الحكم بالآستاثة، وعد أشراف البوسنة هذا الأمر بمثابة ضربة شديدة موجهة لهم، فانتقض أشراف مسلمي سراييفو على هذا الوزير ولكن جيوش السلطان أخضعتهم في فتز Vetiz من نواحى ترافنك. وفي عام 1843 و 1846 م شبت الفتن في كراجينه بالكروات التركية لأن الحكومة التركية طلبت من مسلمي هذه البلاد أداء الرسوم القانونية وكانوا قد أبوا دفعها. وقد شتت شمل الثوار في كلتا المناسبتين، وكان هناك مصدر عظيم للقلق ألا وهو عدم تجديد الصلات التي بين الملاك المسلمين- وهم الباهى والبكوات والأغوات- وبين الفلاحين "كمت". واشتكى الفلاحون من أنهم تحت رحمة الملاك وأهوائهم، وفي عام 1748 م أصدر الوالى طاهر ياشا أمرًا بمنع تسخير الفلاحين في مزارع الملاك الخاصة (بكلك) وأن يقدم الفلاحون لهؤلاء ثلث محصول الغلال والفاكهة والخضر في المزارع التي يستغلونها (ويعرف هذا الثلث، بـ"ترتنا") كما يقدمون إليهم نصف غلة علف الماشية، ولم يرض الفلاحون أو الملاك عن هذا القرار، ولما فرض طاهر باشا على كل صاحب منزل من المسلمين والنصارى أن يدفع أربعة وأربعين قرشًا كل ستة أشهر، أضف إلى ذلك ما يدفعه كل

مسيحى من الخراج وقدره سبعة قروش وأوجب دفع العشور على كل الممتلكات، ثار المسلمون في كراجينه وحاصروا قلعة بهاج، وكان على باشا رضوان بكوفح وزير الهرسك يشجع الثوار في السر، وسرعان ما امتدت الثورة في البوسنة كلها ثم قضى عليها السردار عمر باشا آخر الأمر في شتاء سنة 1850 - 1851. وفي ربيع سنة 1851 م قبض عمر باشا على على باشا في بونه بالقرب من مستر وأخذه أسيرًا، ويقال إن على باشا قتل في حادث أثناء سيره إلى الأسر، وقتل بعض من بقى من الأسرى ونفى البعض وأعيدت الأنظمة السياسية القديمة، ونقل مقر الوالى من "ترافنك" إلى سراييفو مرة أخرى، وبذلك كسرت شوكة الطبقة الأرستقراطية، وفي الوقت الذي ثار فيه المسلمون بالبوسنة كان السخط قد أخذ يزداد بين المسيحيين الذين شكوا من أن الإصلاحات التي نص عليها في المرسومين السلطانيين "خط همايون" اللذين صدرا في عامي 1839 و 1856 م لم تنفذ، وانتقض المسيحيون في بعض النواحى على ملاك الأرض من المسلمين فاتخذ الترك تدابير شديدة لإخضاعهم ففر عدد كبير من نصارى البوسنة إلى النمسا وطلبوا تدخل الحكومة النمسوية في الأمر عام 1888 م. وقدموا إلى السفير التركى عريضة مرفوعة إلى السلطان طلبوا فيها حمايتهم من ملاك الأراضي. وأرسل الباب- العالى وفدًا إلى البوسنة لفض هذا النزاع، وفي عام 1859 م صدرت لائحه بتاريخ 14 صفر عام 1276 هـ (7 سبتمبر 1859 م) عن مزارع البوسنة والهرسك (شفتلك) نظمت ما يدفعه الفلاحون إلى ملاك الأرض وغير ذلك من الحقوق والالتزامات الخاصة بالطرفين. ولكن هذه اللائحة كان يعتورها النقص، ولذلك فقد كانت سببا في قيام منازعات جديدة. فقام النصارى بثورة في الهرسك عام 1875 م وكانت شؤمًا على الترك، وامتدت هذه الثورة إلى الصرب الأرثوذكس في البوسنة. ولم يخمدها في الحقيقة سوى إحتلال قوات النمسا والمجر لهاتين الولايتين نتيجة لما أتفق عليه في مؤتمر برلين الذي عقد عام 1878 م، وكان آخر ولاة البوسنة

من قبل الأتراك هو أحمد مظهر باشا (1878 م). وفي 5 أكتوبر عام 1908 م أعلن ضم البوسنة والهرسك للنمسا والمجر ووافقت على ذلك الدول الأوربية وأقره الترك آخر الأمر. وفي هذا اليوم وجه الإمبراطور فرانسوا جوزيف الأول- عن طريق وزير خارجيته الكونت فون أيهرنتال von Aehrentha - رسالة بخطه اعلن فيها امتداد سلطانه على البوسنة والهرسكء وقرر أن قانون وراثة العرش في البيت المالك يشمل هاتين الولايتين أيضًا. 3 - التشريع: أعلن أثناء تقدم جيوش النمسا والمجر نحو البوسنة والهرسك أن جميع القوانين القديمة المتبعة فيهما تظل نافذة ما لم تنسخها قوانين أخرى جديدة، وعلى هذا فقد كانت جميع هذه القوانين التركية التي كانت نافذة وقت الاحتلال وترجمتها أمرًا ضروريًا منذ أول الأمر، وقد نشرت هذه القوانين في مجموعة القوانين واللوائح الخاصة بالبوسنة والهرسك ما بين.1878 - 1880 م، وهي شعالج نواحى التشريع المخللفة وبخاصة الملكية العقارية وأنواع هذه الملكية وطريقه إنتقالها من شخص إلى آخر والتشريع التجارى والمحاكم التجارية والشرعية إلخ. وكانت السلطة التشريعية في البوسنة والهرسك- إلى حين إعلان الدستور الجديد عام- في يد الإمبراطور، وكانت مشاريع القوانين تعد بمعرفة الحكومات الإقليمية في كلتا الولايتين، ودعى المجلس النيابى (سابر) للمعماونة في التشريع طبقًا للدستور الجديد، ويتكون المجلس النيابى من أعضاء معينين بحكم وظائفهم ومن أعضاء منتخبين. والأعضاء الأولون هم: رئيس العلماء ومدير وقف المعارف ومفتيّا سراييفو ومستر وأقدم مفت عهدًا بمنصب الإفتاء وأساقفة الصرب الأرثوذكس الأربعة ونائب رئيس المجلس الأعلى في الإدارة والتعليم بالكنيسة الصربية الأرثوذكسية، وكبير أساقفة الكنيسة الرومانية الكاثوليكيه، واثنان من

أساقفة أبرشية الرومان الكاثوليك واثنان من أساقفة الطائفة الفرنسيسكانية وحاخام اليهود الربانيين ورئيس غرفة المحامين وعمدة العاصمة سراييفو ورئيس الغرفة التجارية والصناعية فيها، فكان عدد النواب المنتخبين 72 نائبا. وحددت مدة نيابتهم بخمس سنوات ولا يكون التصويت على أمرمن الأمور صحيحا إلا إذا حضر أكثر من نصف الأعضاء وصوتت الأغلبية المطلقة في صالح الأمر. وإذا كان هذا الأمر صتصلا بالتشريع في مسائل التعليم والزراعة فيتعين حضور أربعة أخماس الأعضاء على الأقل وموافقة ثلثي الحاضرين على الأقل. رغباته في المسائل التي تمس البوسنة والهرسك، وكل طائفة في البرلمان تنتخب ممثلين في المجالس الأقليمية بما يناسب تعدادها في البلاد. وأهم المسائل التي يبحثها البرلمان هي: إقرار الميزانية سنويا وعقد القروض الجديدة وتحويل القروض الحالية، وبيع أملاك الدولة أو رهنها، والتشريع الجنائى والمدنى مع مراعاة ضمان تطبيق الشريعة الإسلامية على المسلمين فيما يختص بالزواج والميراث وشئون الأسرة. ويبحث البرلمان أيضًا في الشئون الصحية والصناعية والمسائل التي تتصل بخير الأمة كالتعليم ودور العلم باسرها والشئون الدينية بما في ذلك علاقات الطوائف بعضها ببعض وبالحكومة فيما يتعلق بالمساواة بينهم في الحقوق. ولا يتدخل البرلمان في التنظيم الداخلى للطوائف المختلفة التي يعترف بها القانون ولا في قيامهم بالشعائر الدينية، وينظر البرلمان أيضًا في التشريع الزراعى وفرض الضرائب الجديدة ورفع قيمتها وزيادة قيمة الموجود منها أو فرض زيادة

خاصة على ضريبة جبيت بالفعل، ومد المخطوط الحديدية التي تفرضها الحكومة وشق الطرق وغير ذلك من ضروب المواصلات، وتنظيم الجماعات، وفحص الحسابات والتصديق عليها، إلخ. ويجب على المجالس الإقليمية عرض التقديرات الخاصة بدخلها ومصروفاتها على البرلمان سنويًا وفي انتظام. وعلى البرلمان أن يشرع في دراستها فورًا كى يمكن التصديق عليها قبل أن تبدأ السنة الجديدة وإذا لم يقبل البرلمان على دراستها في الوقت المناسب يعمل بالميزانية القديمة إلى أن يصدر المرسوم باعتماد الميزانية الجديدة، فتحل محلها. وينتخب الناس أعضاء البرلمان، مع مراعاة الطوائف. فكل شخص من أهالى البوسنة والهرسك تربى سنه على الرابعة والعشرين وأقام في مسكن ثابت بهذه البلاد مدة سنة على الأقل له حق التصويت، وهذا الحق أيضًا أعطى لمن تتوفر فيه هذه الشروط من أهل النمسا والمجر الذين يشتغلون في الخدمة المدنية بالبوسنة والهرسك- موظفين أو مدنيين، ويشترط فيمن يرشح نفسه للانتخاب في البرلمان أن يكون ذكرًا له حق التصويت تربى سنه على الثلاثين ويتمتع بجميع الحقوق المدنية، ويستثنى من ذلك الموظفون الملحقون بالخدمة المدنية في البوسنة والهرسك، والموظفون القائمون بالخدمة في السكك الحديد الوطنية، والمدرسون، والموظفون الآخرون الذين يعملون بالمدارس العامة. وجمهور الناخبين مقسم بين المجالس. وعدد النواب المنتخبين اثنان وسبعون، يخص المجلس الأول منهم ثمانية عشر، والثاني عشرين نائبا، والثالث أربعة وثلاثين. وتوزع المقاعد داخل المجلس الأول وفي المجلسين الثاني والثالث مجتمعين بنسبة عدد طوائف السكان الثلاث الهامة، ولذلك فإن للكاثوليك في المجلس الأول أربعة مقاعد، وللمسلمين ستة، وللصرب التابعين للكنيسة الأرثوذكسية ثمانية. أما المجلسان الثاني والثالث فللكاثوليك فيهما اثنا عشر مقعدًا وللمسلمين ثمانية عشر وللصرب التابعين للكنيسه الأرثوذكسيه ثلاثة وعشرون. يضاف

إلى ذلك أن لليهود في المجلس الثاني مقعدًا واحدًا. والطبقة الأولى التي يحق لها الانتخاب في المجلس الأول هي جمهور ملاك الأراضي المسلمين الذين يدفعون ضريبة مباشرة عن أراضيهم لا تقل عن 140 كرونا، أي ما يساوى خمسة جنيهات إنكليزية وستة عشر شلنًا وثمانية بنسات. ويسمح لملاك الأراضي من الطوائف الأخرى الذين لا يقل ما يدفعونه من الضريبة عن 140 كرونًا أن يصوتوا ضمن هذه الطبقة أو في ذلكم القسم من الطبقة الثانية الذي تنتمى إليه ملتهم. وطبقة الناخبين الثانية تشمل جميع الأشخاص الذين يدفعون من الضرائب المباشرة ما لايقل عن 500 كرون، أي ما يساوى واحدًا وعشرين جنيها إنكليزيًا وستة شلنات وثمانية بنسات، فيما خلا عوائد البيع بالتجزئة، والأشخاص الذين أتموا تعليمهم في المدارس العالية أو فيما يشبهها من المعاهد في أنحاء إمبراطورية النمسا والمجر، ورجال الدين من جميع الطوائف الذين يعترف بهم القانون، وجميع الموظفين الذين يشتغلون بالخدمة المدنية في البوسنة والهرسك سواء أكانوا من العاملين أم ممن أحيلوا على المعاش، وكذلك موظفى السكك الحديدية وضباط الجيش ثم الضباط "المحالين على الاستيداع، ويضم المجلس الثاني جميع سكان المدن الذين لم يشملهم المجلس الأول. والمصوتون الذين يعيشون في الريف ولم يشملهم المجلس الأول يكونون المجلس الثالث. ويراعى في انتخاب ممثلى الطبقة الأولى من المصوتين في المجلس الأول أن البلاد بأسرها تكون ناحية انتخابية إسلامية واحدة، بينما يراعى في انتخاب ممثلى الطبقة الثانية من المصوتين في هذا المجلس أن البلاد بأسرها تكون ناحية انتخابية لكل من الدينين. ولكل ناخب في المجلس الأول أن يصوت لعدد كبير من المرشحين طالما أن هناك مقاعد خالية مخصصة للناحية الانتخابية التي يصوت فيها. أما انتخاب ممثلى المجلسين الثاني والثالث فقد روعى في تقسيم البلاد

بأسرها إلى نواح انتخابية طائفية تنتخب كل ناحية نائبًا عنها. ويسمح لكل ناخب هنا أيضًا أن ينتخب مرشحين لمجلس آخر غير الذي يتبعه هو. وإذا كان عدد أفراد طائفة من الطوائف صغيرًا بحيث لا يمكن أن يخصص لهم مقعد- مثل طائفة اليروتستانت- فإن في مكنة هذه الطائفة أن تصوت عند الانتخاب في قسم من أقسام المجلس الانتخابية الطائفية، وفقا للمجلكس الخاص الذي تنتمى إليه هذه الطائفة. وقد احتفل لأول مرة بافتتاح البرلمان في سراييفو في الخامس عشر من يونية عام 1910 م. وقد حقق هذا الدستور الجديد الإقليمى ما عقد عليه من آمال بشكل مرضى في أول جلسة، وثبت أنه أداة نافعة جدًّا لتعاون الحكومة والشعب في إدارة البلاد دون أن يكون هناك تصادم بينهما، وقد قام البرلمان الجديد في تلك المدة الوجيزة التي مضت على إنشائه بكثير من الإصلاحات في جميع مناحى الحياة العامة. 4 - الإدارة: البوسنة والهرسك تكونان ولاية واحدة، وهي خاضعة للحكومة المسئولة وتحت إشراف الوزارة العامة الإمبراطورية والملكية، ووزير المالية العام يشرف على مختلف الشئون المالية التي سبق أن ذكرناها من قبل الوزارة العامة. أما إدارة الإقليم وتنفيذ القوانين فمن واجب حكومة البوسنة والهرسك الإقليمية في سراييفو، وهذه الحكومة خاضعة للوزارة العامة ومسئولة أمامها عن إدارة هذا الأقليم، ورأس هذه الحكومة الإقليمية هو بصفة عامة ضابط من ذوي الرتب الرفيعة (مفتش الجيش أو قائده)، ويعاونه في إدارة المقاطعة في الشئون المدنية موظفون مدنيون Adliatus والحكومة الإقليمية مقسمة إلى أربعة أقسام هي: المصالح الإدارية، والمصالح القضائية، والمصالح المالية، والمصالح التجارية، وعلى رأس كل قسم وزير. وقد نُسج على منوال الترك في تقسيم هذه البلاد مع إدخال بعض التعديلات التي لا تذكر، فقسمت البوسنة والهرسك إلى

ست نواح: بنالوقة وبهاج ومستر وسراييفو وترافنك وطوزله، أما عدد المراكز فأربعة وخمسون، ومراكز بنالوقة هي: بنالوقة وهي تشمل المدينة والبلاد التي حولها وتكوّن مركزين، ودرفنت ودبيكه البوسنوية وجرادشكه البوسنوية، ونوفى البوسنوية، وكترفروش، وبريدور، وبرنيفور، وتشنى، ومراكز بهاج هي: بهاج وكزن وكليوج وكروبه، وبتروفك البوسنوية وسنسكموست، ومراكز مستر هي: بلك وجكلو وكنيكة وليبنية ولينبشكى ومستر، ومدينة مستر وما حولها تكوّن مركزين منفصلين. أما مراكز سراييفو فهي: جينكه وفوجه وفينكة وركتكة وسراييفو، وهي العاصمة ولها نظام خاص بها، وفشكراد وفسكو. ومراكز ترافنك هي: بكنيو وكلمج وججسه ولفنو وبرز وترافنك وفركرفكف زنكه وربجه وبنيك. ومراكز طوزله هي: بيلنه وبرجكه وكرجنكة وكردجك وكلدسى ومكلى وسربرنكه وطوزله، والجزء الصناعى من طوزله يكوّن مركزًا قائمًا بذاته، وكذلك جزؤها الزراعى، وفلسنكه وزفرنك. وبلغ عدد الموظفين المدنيين وغيرهم في البوسنة والهرسك 10.944 عام 1909 م منهم 3846 من النمساويين و 3057 من المواطنين المجريين و 4024 من أهل البوسنة والهرسك و 17 من مختلف الدول الأجنبية. وفيما يلي تقديرات الميزانية عن عام 1910 كما صدقت عليها الحكومة: المصروفات: 5.182.886 كرون، أي 215.954 جنيهًا إنكليزيًا. الدخل: 5.338.570 كرون، أي 222.438 جنيها إنكليزيًا. أما فيما يختص بالصحة العامة فإنه مما يجدر ذكره أنه كان بسراييفو عام 1909 م مستشفى إقليمى للجمهور، وتسعة مستشفيات بالمراكز، وأربعة عشر مستشفى محلية، تضاف إلى ذلك مستشفى خاص وخمس وخمسون صيدلية. وقد اتخذت التدابير في 34 مركزًا للقضاء على مرض الزهري المتفشى بين الأهلين، كما اتخذت أيضًا التدابير المناسبة لمكافحة الأمراض التي يتعرض لها الحجاج في ذهابهم إلى مكة، وقد أدى 56 من الأهالى فريضة الحج عام 1909 - 1910 م.

5 - الدين: كان الصرب الأرثوذكس الذين كانوا في الحكومة تابعين للكنيسة اليونانية، والكاثوليك اليهود (الأسيان) معتبرين من أصحاب الملل، ولم يظهر اليونان الكاثوليك وأتباع الكنيسة الإنجيلية إلا بعد الفتح عندما هاجر معتنقو هذين المذهبين إلى تلك البلاد. وينفذ نظام الكنيسة الإنجيلية، وأعيد تنظيم الكنيسة الأرثوذكسية الصربية عام 1905 وسمح لها بمباشرة وتنظيم شئونها الدينية والتعليمية بعيدلم عن إشراف الحكومة طالما أنها لا تخرق قوانين البلاد، وقد صدر عام 1905 م قانون خاص يحدد عمل هذه الكنيسة المتمتعة بالاستقلال الذاتى ونفوذها في المسائل الدينية والتعليمية. ولم يكن للدين الإسلام بصفته ملة من الملل نظام خاص في البوسنة والهرسك قبل الفتح النمساوى، كما كان هذا هو حاله في أقاليم تركية [أوربية] أخرى. وأبدى المسلمون منذ عام 1881 رغبتهم في أن يكون لهم زعيم خاص بهم، هو رئيس العلماء، يستطيع أن يشرف على شئون دينهم بمعاونة مجلس من المتفقهين في الشريعة الإسلامية. وقد تحققت هذه الرغبة عام 1882 م وتأسس المجلس من أربعة أعضاء ورئيس. وفي عام 1883 عين مجلس مؤقت نيط به التثبت من جميع الأوقاف في البلاد والإشراف على مصروفاتها وتنفيذ الأنظمة الجديدة الخاصة بإدارة هذه الأوقاف. وفي عام 1884 عممت مجالس الوقف المؤقتة في جميع النواحى، وكان يشرف على كل مجلس منها قاضى الناحية، وعليه أن يتحقق من وجود الأعيان الموقوفة، وأن يشرف على المساجد والعمائر الموقوفة، ومراقبة متولى شئون الوقف وموظفيه، وأن يعرض حساباته على مجلس الوقف المؤقت، ويقوم بتنفيذ إرشاداته في هذا الصدد، وفي عام 1894 نظمت إدارة الوقف من جديد، واستبدل بمجلس الوقف المؤقت مجلس آخر في كل إقليم، وهذا المجلس عبارة عن هيئة إدارية وتشريعية ومجلس إقليمى للوقف لأنه قد أدخل عليه الأداة التنفيذية، وهذا المجلس مكون من رئيس ومفتش وكاتب وأربعة أعضاء من

مجلس العلماء وقاضيين من المحكمة الشرعية العليا واثنين من وجوه المسلمين من كل من نواحى البوسنة والهرسك الست، وهؤلاء يظلون في مناصبهم ثلاث سنوات، ويكون تعيينهم بمعرفة الوزارة، أما هيئة الوقف الأقليمية فهي مكونة من رئيس مجلس الوقف الأقليمى والمفتى وكاتب السر وما تقتضيه الحاجة من كتاب وحاسبين. وظلت الحال على هذا المنوال حتى عام 1909، وفيه منح المسلمون حق مزاولة شئون دينهم بأنفسهم، وهو الحق الذي سبقهم إليه الصرب التابعون للكنيسة الأرثوذكسية عام 1905، وأهم ما اشتمل عليه القانون الذي صدر في هذا الشأن هو الواجبات المفروضة على الهيئة التنفيذية لوقف معارف، وهي تأسيس المساجد وعمائر المسلمين الأخرى سواء كانت دينية أو تعليمية أو خيرية والمحافظة عليها، وإعداد العدد اللازم من المدرسين ورجال الدين ودفع مرتباتهم، وتعليم أولاد المسلمين أصول الإسلام وعقائده، ونشر الدعوة بين المسلمين والعمل على توحيد معرفتهم بهذا الدين بقدر المستطاع، والهيئة التنفيذية لوقف معارف عبارة عن "جماعت" ومجلس جماعت، ومجلس الناحية، والمجلس الأقليمى وهيئة المجلس الأقليمى، وهناك أيضًا بعض هيئات منتخبة، وهيئات نواح وهيئات مراكز، وكل هذه الهيئات ينتخبها جمهور المسلمين طبقا لأحكام القانون المشار إليه. ووقف معارف مستقل استقلالا ذاتيا، والسلطات الدينية تنظر في جميع المسائل طبقًا لهذا القانون وتكون أحكامها نهائية، ولذلك فلا يجوز رفع استئناف عن هذه الأحكام للمحاكم المدنية طالما أنها لا تتعارض وقانون البلاد العام. وإذا أصدرت هيئة من هذه الهيئات المستقلة استقلالا ذاتيًا حكما يناقض القانون العام فللحكومة الحق في إلغائه وإعادة القضية إلى الهيئة المختصة من هذه الهيئات للنظر فيها ثانية بغية الوصول إلى حكم جديد.

وللحكومة الإقليمية أن تطلب من مجلس العلماء والمجلس الإقليمى وهيئته تفصيلات عن أعمالها وعن الهيئة التنفيذية لوقف معارف، وعلى هذه المجالس أن توافيها بما تطلب. وكل جماعة من المسلمين يبلغ عددها مائة على الأقل تؤلف "وقف معارف جماعت". وتنتخب "جماعت مجلس" لمدة ثلاث سنوات، ويتألف المجلس في الناحية من ممثلى الجماعة بها، ومهمة مجلس الناحية تنحصر على الأغلب في الحصول على المعلومات الخاصة بالأعيان المنقولة وغير المنقولة لوقف معارف وفي الإشراف على عمائره الدينية وغير الدينية، وعلى أعمال متولى الوقف، وكذلك على جميع سكان الناحية الذين لهم استحقاق في وقف معارف. وعلى هذا المجلس أيضًا أن يراعى قيام المدارس والمكاتب ومعاهد وقف معارف الأخرى ببرامجها على الوجه الأكمل. وإذا آنس في المدارس والمعاهد خروجًا عن البرنامج الموضوع لتعليم الدين الإسلامى بها فعليه أن يرفع تقريرًا بذلك إلى المفتى ومجلس العلماء أو إلى الموظفين السياسيين. ومجلس وقف معارف الإقليمى هو رأس الهيئات المستقلة استقلالا ذاتيا التي تشرف وتحكم في شئون جميع ممتلكات وقف معارف في البوسنة والهرسك، ومقر هذا المجلس في سراييفو. وأعضاؤه هم رئيس العلماء ومفتو بنالوقة وبهاج وموار وترافنك وطوزله وسراييفو، وناظر وقف معارف وأربعة وعشرون عضوا تنتخبهم مجالس النواحى. والرئيس القانوشى للمجلس الوطنى هو رئيس العلماء، ونائب الرئيس ينتخبه أعضاء المجلس أنفسهم من بينهم، وواجبات المجلس الإقليمى الخاصة هي الإشراف على مختلف فروع وقف معارف وعلى جميع موظفى هذا الوقف ومرءوسيهم. وتقرير تشييد المساجد والمدارس والمكاتب والمنشآت الخيرية على اختلاف أنواعها، وبيع واستبدال أو رهن جميع ممتلكات وقف معارف المنقولة وغير المنقولة طبقا لأحكام الشريعة الإسلامية، وتسوية التقديرات

السنوية للأوقاف الشخصية وأموال معارف الرئيسى، وتغيير التعليمات القائمة وسن التعليمات الجديدة الخاصة بإدارة وقف معارف والإشراف على ممتلكاته. وهيئة المجلس الإقليمى هي أداته التنفيذية الحاكمة. وهي تتألف من ناظر وقف معارف، وهو الرئيس، ومفتى سراييفو وستة أعضاء آخرين ينتخبهم المجلس من هيئته. وعمل هيئة المجلس الوطنى ينحصر بصفة خاصة في العمل اليومى المألوف الخاص بممتلكات وقف معارف والإشراف على أعمال مجالس النواحى وتوجيهها، وكذلك الإشراف على الأوقاف الشخصية كالنظر على أعيانها وتحقيق الأغراض التي وقفت من أجلها، وتحصيل أموال وقف معارف وإنفاقها في الوجوه التي يراها المجلس الإقليمى، والموافقة على الأوقاف التي تنذر للصالحين للأعمال النافعة، وقبول العطايا والتركات. وهذه الهيئة تعين أيضًا متولى الأوقاف وغيرهم من موظفى وقف معارف الإداريين، وتعيين المدرسين الذين يعلمون العلوم غير الدينية في مدارس وقف معارف، والموظفين والخدم في مجالس النواحى، والإشراف من جهة النظام على هؤلاء جميعا، وتقديم المقترحات إلى مجلس العلماء فيما يختص بتعيين الموظفين الدينيين وغيرهم الذين يتناولون مرتباتهم من أموال وقف معارف. وكل وقف قائم بذاته يتولى شئونه متول تعينه الهيئة طبقًا للوائحها. والمتولى يمثل الوقف الذي يدير شئونه أمام المجلس أو سلطة أخرى. وموارد وقف معارف الرئيسية تتألف من الأملاك المنقولة وغير المنقولة التي دخلت في مال الوقف أو التي ستدخل في المستقبل. ووظيفة مال الوقف الرئيسى هي: سد جميع النفقات الخاصة بإدارة وقف معارف، وتقرير نفقات الصيانة ونفقات الأملاك التي وقفها الناس، وصرف الإعانات لإصلاح المساجد وتشييدها وصيانتها وللمعاهد الدينية وللمدارس التي لم توقف عليها أعيان أو التي لا تقوم الأعيان الموقوفة عليها بسد جميع نفقاتها .. إلخ ...

ومهمة مجلس العلماء، ومقره في سراييفو، الإشراف الأعلى على جميع شئون المسلمين الدينية في البوسنة والهرسك. وهذا المجلس مكون من: رئيس العلماء، وهو الرئيس، وأربعة أعضاء، وهذا المجلس تنتخبه هيئه قائمه بذاتها ويكون الانتخاب في جلسة سرية، وهذه الهيئة مكونة من 30 عضوًا من رتبة الخوجه، أي مفتى سراييفو وبنالوقة وبهاج ومستر وترافنك وطوزله بصفتهم من الأعضاء الذين كانوا من الموظفين يضاف إليهم الأربعة والعشرون الباقون وهم من الأعضاء المنتخبين. ويعين الملك والإمبراطور رئيسا للعلماء من بين الثلاثة المرشحين الذين تنتخبهم الهيئة. وعندما يخلو منصب في مجلس العلماء يعين مجلس الوزراء الملكى الإمبراطورى مكانه واحدًا من الأثنين الذين إنتخبتهم الهيئة. وتطلب الهيئة من شيخ الإسلام بالأستانة أن يخول لرئيس العلماء الذي عينه الإمبراطور القيام بالواجبات الدينية التي يفرضها عليه منصبه. وهذا الالتماس يعرض على شيخ الإسلام بوساطة السفارة الملكية الإمبراطورية في الآستانة. ولمجلس العلماء سلطة القيام على جميع شئون الإسلام والإشراف عليها وتوجيهها. وأن يتعرف حاجة المسلمين إلى تشييد المساجد أو العمائر الدينية الأخرى كالمكاتب والمدارس والمعاهد المختلفة سواء أكانت دينية أم خيرية، وللمجلس أيضًا أن يقدم اقتراحاته في هذه الشئون إلى الهيئة التنفيذية لوقف معارف، وهو يراقب تنفيذ شرائع الإسلام المختلفة في المدارس الإسلامية وفي المدارس العامة والمعاهد على الجملة. وعلى المجلس أن يشترك مع مجلس وقف معارف الإقليمى في وضع برامج التعليم في جميع المدارس والمكاتب وكذلك في وضع برنامج التعليم الدينى في معاهد وقف معارف الأخرى، وأن يحدد خطة التعليم الدينى الإسلامي في مدارس الحكومة والمعاهد بالاشتراك مع الحكومة الأقليمية. وهو الذي يعين مدرسى وقف معارف وموظفيه الآخرين سواء كانوا مختصين بالدين أو التعليم بناء على إقتراح هيئة الجمعية. والمجلس يختار أيضا أولئك الذين يدرسون الدين

الإسلامي في مدارس الحكومة وفي المعاهد العامة الأخرى، ويعرضون أسماء المرشحين على الحكومة الأقليمية لاعتماد تعيينهم. ويقوم بامتحان المرشحين لمناصب القضاء الشرعي ولمناصب معاهد الوقف التعليمية ويعطى إجازات لهم. ويرشح أشخاصًا لمناصب الإفتاء ويعرض الأمر على الحكومة الإقليمية. ويتمتع رئيس العلماء بحقوق خاصة هي تعيين "المراسلات" للقضاه الشرعيين وتعيين الأئمة والخطباء والإشراف على كلية الشريعة "سراييفو". وعلى مجلس العلماء أن يستفتى شيخ الإسلام بالآستانة في مسائل الشرع المشتبه فيها أو المختلف عليها. وترسل الوثائق التي تتضمن هذا الاستفتاء إلى شيخ الإسلام بالطرق الدبلوماسية بواسطة الحكومة الإقليمية ويصل الرد بهذه الوسيلة أيضًا. وهناك مفت بكل مركز من مراكز البوسنة والهرسك. وتقوم الحكومة الإقليمية بتعيين المفتين بعد أن يرشحهم مجلس العلماء. وتفصيل ذلك أن المجلس يرشح لكل منصب اثنين ممن تتوافر فيهم المؤهلات المطلوبة، وتختار الحكومة واحدًا منهما. وأهم واجبات المفتى هي إصدار الفتاوى عند الحاجة وزيارة المساجد وغيرها من أماكن العبادة ليتأكد من أن برنامج تعليم الدين الإسلامي كما وضعه مجلس العلماء متبع في المدارس الحكومية والدينية والمعاهد الأخرى، وترأس امتحانات التلاميذ في المدارس إلخ. والحكومة الإقليمية لها حق تشييد وصيانة المعاهد في البوسنة والهرسك لترقية تعليم الدين الإسلامي بالتعاون مع مجلس العلماء. وأهم معاهد وقف معارف هي المكاتب والمدارس. وللجمعية الأقليمية أن تنشئ معاهد أخرى لتعليم صبيان المسلمين، ولكن لا بد من تصديق الحكومة الإقليمية في هذه الحالة، والتعليم غير الدينى في مدارس وقف معارف يمكن أن يقوم به مدرسون مهيأون لهذا الغرض، والمكاتب هي مدارس ابتدائية لتعليم الدين الإسلامي، والتعليم فيها مجانى. ومجلس العلماء

هو الذي يضع برنامج المكاتب والجداول ويعين المواد التي تدرس فيها. وعلى كل مسلم أن يرسل أولاده إلى مكتب من هذه المكاتب المذكورة قبل أن يناهزوا الثامنة، والإناث قبل أن يبلغن السابعة أما المدارس فأرقى من المكاتب في تعليم الدين، والغرض منها تعليم عدد كاف من الخوجات لسد حاجات البلاد الدينية وهذه المدارس يديرها مجلس العلماء ويشرف عليها إشرافا تاما. ويقوم بتدريس المواد فيها مدرسون يعينهم مجلس العلماء بناء على اقتراح هيئة الجمعية الإقليمية. وللجمعية الإقليمية حق ثابت في جمع ضريبة للأغراض الدينية تغطى نفقات شئون العبادة وإدارة وقف معارف وتسد حاجات التعليم والدين بصفة عامة. وهذه الضريبة تجبى بنسبة مئوية بالإضافة إلى جميع الضرائب المباشرة، وقد حددت هذه الضريبة في العشرة الأعوام التي كان المرسوم فيها ناجزًا بما يوازى عشر جميع الضرائب المباشرة، وبلغت ميزانية الوقف جملة عام 1909 م كما يأتي: 114 و 761 كرونًا (31.713 جنيهًا إنكليزيًا) للخرج 768.277 كرونًا (32.011 جنيهًا إنكليزيًا) للدخل أي بربح قدره 7.163 كرونًا (298 جنيهًا إنكليزيًا). وقدرت أعيان الوقف المنقولة وغير المنقولة في العام نفسه بمبلغ 9.931.061 كرونا (413.793 جنيها إنكليزيا). وبلغ عدد وقاف الشخصية 1050. 6 - التعليم: لم يكن المرسوم التركى الصادر عام 1285 هـ (1869 م) والذي لم يوضع موضع التنفيذ قط ملائمًا لأحوال البوسنة والهرسك المتغيرة بعد الفتح ولذلك فقد أدخلت الحكومة الجديدة على نظام التعليم إصلاحات واسعة النطاق. وكان عدد المدارس الابتدائية في البوسنة والهرسك عام 1909: 434 مدرسة، 389 منها غير دينية، وإحدى عشرة مدرسة خصوصية، وبلغ عدد طلاب هذه المدارس جميعًا 38.950 من الطلبة. وقد أنشئت مدارس ابتدائية خاصة

(رشديات) لسد حاجات المسلمين الدينية والاجتماعية وذلك في عواصم النواحى الست وفي برجكه وهي حاضرة مركز. والغاية من هذه المدارس هي نفس الغاية من المدارس الأخرى، وبرنامجها كبرنامج المدارس الابتدائية فيما عدا العربية والتركية اللتين هما مادتان إضافيتان واتجهت العناية أيضًا إلى تعليم البنات المسلمات بقدر الإمكان، وأهم المعاهد الخاصة بذلك هي مدرسة البنات المسلمات بسراييفو، وتعينها الحكومة، وبها أربعة فصول ابتدائية ودراسة ثانوية مدتها ثلاث سنوات غايتها إعداد سيدات مسلمات للتدريس في الفصول التحضيرية في المدارس الابتدائية، وفي عام 1909 كان بالبوسنة والهرسك أيضًا تسع مدارس تجارية ومدرسة حربية داخلية للصبيان، ومهمتها إعداد صبيان البلاد لدخول الكليات الحربية، وثلاث مدارس غير دينية لتعليم البنات، وسبع أخرى دينية لتثقيفهن، ومدرستان صناعيتان ومدرسة للغات ومدرسة للمعلمين ومعهد دينى للمعلمات وثلاث مدارس علمية عامة ومدرستان طائفيتان عاليتان وجامعة فرنسسكانية ومدرستان ثانويتان Realachulen . وقد اتخذت التدابير في شأن التعليم الدينى بجميع هذه المعاهد، فعين فيها مدرسون من جميع الطوائف، وكان في مكنة الطلبة المسلمين في المدارس العليا أن يتعلموا العربية بدلا من اليونانية، ومعاهد التعليم التي تعينها الجماعة الإسلامية هي المكاتب والمدارس ودار المعلمين في سراييفو. وأطفال المسلمين يدخلون المكاتب قبل أن يلتحقوا بالمدارس الابتدائية غير الدينية، ويتعلمون فيها دروسهم الدينية الأولى. ولا تدرس المواد في المكاتب إلا نادرًا. ولما كانت طرائق الخوجات في هذه المكاتب لا تأتى بنتيجة مرضية، فقد قام مجلس الوقف في العقد الأخير من القرن التاسع عشر بحركة إصلاح في المكاتب بمساعدة الحكومة وبلغ عدد المكاتب على الطريقة القديمة عام 1909 ما يقرب من ألف مكتب (صبيان مكتب) يضاف إليها 92 على الطريقة الجديدة (مكتب إبتدائى) 83 منها للصبيان و 9 للبنات.

وقد نظمت المدارس في البوسنة والهرسك على نسق مثيلاتها في تركية، وهي في حاجة إلى الإصلاح، وكان عدد هذه المدارس عام 1909: 42 مدرسة تضم 1613 تلميذًا (سوخته). وأشهرها مدرستا قرشونلى وخانقاه في سراييفو ويعينها وقف غازى خسرو بك أما دار المعلمين التي أسست عام 1893 م بسراييفو فهي عبارة عن نوع من الدراسة التكميلية لهذه المدارس، وهي تزود طلابها -إلى جانب المواد التي تدرس في المدارس، وغالبها العربية والتركية- بدراسات في لغة البلاد وفي غيرها من المواد المفيدة كالتاريخ والجغرافيا والحساب والتربية، وتؤهلهم لمناصب التعليم في المكاتب أو لتدريس العلوم الدينية إلخ .. ومدة الدراسة بها ثلاث سنوات. وقد التحق بدار المعلمين في المدة ما بين عام 1880 و 1909 ستون طالبًا (سوخته). وتسد كلية الشريعة بسراييفو حاجة من حاجات الإسلام. وقد أنشئت هذه الكلية عام 1885 م، وأخذت الحكومة تعينها منذ سنة 1888. وغايتها الأولى تفقيه المرشحين الصالحين لمناصب القضاء الشرعي، ودخول هذه المدرسة موقوف على رأى مجلس العلماء وتصديق الحكومة، وقد أم هذه الكلية في السنة الدراسية 1908 - 1909: 28 طالبا 25 منهم كانوا يعيشون في الكلية وتصرف لهم الملابس أيضًا، وتبلغ مدة الدراسة بها خمس سنوات وبرنامجها يشمل المواد الآتية: اللغة العربية والمنطق وعلم المعاني والبيان والعقائد والفقه وأصوله والسنن والفرائض وأصول المحاكمة والفقه الأوربى ولغة البلاد والحساب والجغرافيا والتاريخ والخط العربي، وكانت هيئة التدريس بالكلية عام 1908 - 1909 مكونة من تسعة أساتذة. ويمكننا أن نضيف إلى معاهد العلم في البلاد المتحف الوطنى بسراييفو الذي أسس عام 1885 م وضمته الحكومة إليها عام 1888، ولسان حال مجلة Glasnik Zemaljskog muzeja Bosdi i Hercegovini التي كانت تصدر كل ثلاثة شهور ابتداء من سنة 1889 م، وتنشر مختارات من مقالات هذه المجلة سنويًا باللغة الألمانية بعنوان:

Wissenschaftliche mitteillungen aus -R-und H وظهرت عام 1909 خمس وثلاثون صحيفة، يمكننا تصنيفها وفقا لنزعاتها السياسية والدينية كما يأتي: 6 كرواتية و 6 صربية و 6 مستقلة، 4 إسلامية، 4 رومية كاثوليكية، 2 صربية أرثوذكسية. وقد أخذ مسلمو البوسنة والهرسك - الذين كانوا قبل الفتح يشتركون في الحياة العقلية في تركية ويكتبون باللغتين العربية والتركية- يستعملون الآن اللغة العربية في كتاباتهم العلمية والأدبية. وهم يكتبون عادة بالحروف اللاتينية. وقد ظهرت في السنوات الأخيرة بين الخوجات بصفة خاصة حركة ترمى إلى كتابة المصنفات الأدبية ذات الصبغة الدينية على الأقل باللغة الصربية المكتوبة بحروف عربية، ولذلك فقد وفقت الابجدية العربية لسد حاجة اللغة الصقلبية. وقد ظهرت مجلة الجمعية الوطنية للمعلمين والأئمة بسراييفو بهذه الصورة. 7 - القضاء: كانت عدة بلاد قد حصلت من الحكومة التركية على حق محاكمة رعاياها بمعرفة قناصلها، وقد ألغى هذا النظام بموافقة هذه البلاد فيما بين عامي 1878 - 1881 م، ولم يكن الإلغاء مقصورا على النمسا والمجر وإنما شمل أيضًا بلادا أخرى، ونظمت المحاكم عقب الفتح بحيث تلائم نظام السلطات الحكومية. وكان في سراييفو محكمة عليا وهي أكبر محاكم البلاد، وهناك محاكم في حاضرة كل ناحية، ومحاكم في عاصمة كل مركز. يضاف إلى ذلك أن هناك محاكم في مراكز بعض المدن الهامة. وقد نظمت المحاكم الشرعية التي ضمت إلى المحاكم التي أسلفنا ذكرها على أسس خاصة. المحكمة الشرعية في المركز مكونة من القاضي الشرعي- وهو رجل تعلم التعليم الذي يؤهله لهذا المنصب وتخرج في كلية الشريعة في سراييفو (انظر ما أسلفنا بيانه) - ومساعديه وعدد من الموظفين الدينيين تابعين له والمحكمة الشرعية العليا تتكون من رئيس للمحكمة وقاضيين لها ثم أثنين من كبار قضاة الشريعة. وقد حددت خكومة البوسنة والهرسك سلطة المحاكم الشرعية القضائية عام 1883، فهي تقضى بصفة خاصة في:

أ- المسائل الخاصة بأحكام الزواج حالة كون الزوجين مسلمين سواء أكانت المسألة خاصة بقانون الملكية أو غيرها. ب- القضايا التي تتعلق بالأبوة والبنوة وهي تحكم أيضًا في القضايا الخاصة بالميراث وتوزيع الأراضي ما دامت من ذلك النوع المعروف في الشريعة الإسلامية، بـ"الملك". والمحكمة الشرعية تحكم في القضايا التي من النوع الأول بمفردها، ولا تنفرد بالحكم في القضايا التي من النوع الثاني، وللمحكمة الشرعية العليا أن تأخذ رأى مجلس العلماء في آية مسألة قبل أن تنتهي إلى حكم، وبخاصة في المسائل التي تحتاج إلى زيادة في الشرح، أما فيما يختص بأحكام المحاكم الشرعية، فإنها تُذَيل بعبارة تتضمن أن الحكم سينفذ غير أن الحكم بالفعل لا يكون إلا بواسطة المحاكم غير الشرعية. وقد حكمت المحاكم الشرعية في 2629 قضية عام 1909 و 17367 مسألة من مسائل الميراث، وسجلت 7312 زيجة وسمحت بالطلاق في 719 حالة، وتمنح للقضاة الشرعيين مرتبات على منوال بقية الموظفين الذين في طبقتهم. ويجدر بنا أن نلاحظ فيما يختص بإحصاء الجنايات أن عدد الأشخاص الذين حكم عليهم في جنايات أو جنح بلغ 3072، منهم 1032 من المسلمين و 1504 من الروم الأرثوذكس و 517 من الكاثوليك و 10 من اليهود و 9 من المنتمين إلى ديانات أخرى. 8 - المال: قضت أحكام النمسا والمجر عام 1880 - فيما يختص بإدارة البوسنة والهرسك- بأن تدار شئون هذه البلاد بحيث يغطى دخلها مصاريف حكومتها. وقد زادت ميزانية البوسنة والهرسك زيادة كبيرة منذ الفتح تبعا لتقدم وسائل المواصلات وتحسن الأحوال الاقتصادية بصفة عامة، وقد بلغ دخل الحكومة المدنية عام 1879 م: 9.321.000 كرونّ (388.696 جنيهًا إنكليزيًا) وخرجها 8.942.224 كرونًا

(372.952 جنيهًا إنكليزيًا) والفائض 378.976 كرون (15.749 جنيهًا إنكليزيًا) وبلغ الخرج عام 1890 م: 19.373.282 كرونا (807.220 جنيهًا إنكليزيًا) وبلغ عام 1900 م: 41.526.368 كرونًا (1.730.252 جنيها إنجليزيا) وبلغ الخرج كله وفقا لتقدير عام 1910 م: 74.251.160 كرونا (3.093.832 جنيها إنكليزيا) وبلغ الدخل 74.376.409 كرونا (3.090.017 جنيها إنكليزيا) وبلغ الفائض 124.999 كرونا (5185 جنيها إنكليزيا). ومصلحة الدخل قائمة على القوانين والطرائق التي كانت سارية إبان الحكم التركى، وقد بقيت القوانين التركية من الوجهه العملية ولم يدخل عليها تغيير تقريبا. واهم ضريبة مباشرة هي العشر وجمعها أعشار، وهي في حقيقتها تقضى بأن تستولى الحكومة من كل مالك على عشر محصوله من كل نخلة، وهذه الضريبة التي كانت تدفع في الأصل من نوع المحصول أصبحت في معظم الأماكن تحصل في ظل الحكم التركى، ولما كانت لكل من هاتين الطريقتين مبادئ تشعر بها الحكومة والشعب فقد أستنت الحكومة عام 1879 م سُنّة تقضى بدفع قيمة الضريبة نقدً طبقا للثمن السائد في السوق. غير أن المتاعب التي نشأت من تغير قيمة العشور سنويا حدت بالحكومة عام 1906 إلى تحديد مبلغ معين روعى فيه متوسط الأسعار. وعلى هذا لم يصب التغير طبيعة الضريبة وإنما طريقة جمعها فقط، وحل السعر المتوسط للعشور محل العشور التي كان ثمنها يتغير سنويا، وبلغ قيمة ما جمع من هذه الضريبة عام 1909 م: 9.308.000 كرون (387.833 جنيه إنكليزى). 9 - إحصائيات اقتصادية: ما إن استقرت الأحوال الاقتصادية عقب الفتح حتى اتخذت الحكومة عدة تدابير لتحسين حالة البلاد وخاصة فيما يختص بالزراعة.

وبلغ مقدار المحاصيل المختلفة سنة 1908 - 1909 بالهندردويت متريًا (¬1) كما يلي: 1907 - 1908 - 1909 القمح 566.318 - 752.515 - 723.373 الشعير 518.312 - 520.150 - 765.580 الأذرة 1678189 - 2240250 - 2787066 الشوفان 376187 - 518500 - 766808 البطاطس 802647 - 633667 - 1439703 العلف 4780351 - 3241850 - 7016190 البرقوق 433623 - 1302433 - 222358 وقد أخذت الحكومة من التبغ الذي تحتكره مقدار 5.226.737 قنطارًا وبلغ ثمنه 5.152.790 كرونا (214.700 جنيه إنكليزى). والأراضى الصالحة للزراعة إما مملوكة ملكًا حرًّا لملاك الأراضي أو أن للفلاحين (كمت) بعض حقوق فيها. ونصيب الفلاح (جفتلك) هو أن يبقى ملتزمًا للأرض طالما هو قادر على زراعتها بنجاح، وللمالك أن يتصرف في الإلتزام طبقا لهواه في المسائل الأخرى، ويجب على الفلاح أن يعطى للمالك نصيبًا معينًا من المحصول سنويًا. واتخذت الحكومة التدابير لطرد الفلاح قانونًا من الأرض عندما يهمل في زرع نصيبه وقد حددت العلاقات بين الملتزم وبين المالك بمقتضى المرسوم العثمانى الصادر في صفر سنة 1276 (12 سبتمبر 1859). ولم تلغ حكومة النمسا والمجر هذا المرسوم بل ظل ناجزًا. ويستطيع الفلاح أن يشترى نصيبه "جفتلك" بالاتفاق مع المالك، وبذلدُ يصبح صاحب الأرض. وقد بلغ مقدار ما اشتراه الفلاحون من عام 1879 م إلى عام 1909: 26221 جفتلك من أراضى الالتزام بلغ ثمنها 20.259.574 كرونا (843.318 جنيها إنكليزيًا). واشتهرت البوسنة بوفرة معادنها منذ القدم. وقد أصبح لمناجم الملح والفحم والحديد أهمية كبرى في يومنا هذا. وبلغ ثمن ما استخرج منها عام 1909 م: 12.952.503 كرون (539.692 جنيه إنكليزى). ¬

_ (¬1) قنطار إنكليزى يساوى 112 رطلًا في إنكلترة و 100 رطل في الولايات المتحدة.

وتبلغ مساحة الغابات في البوسنة والهرسك 6.374.287 فدانًا منها 48.945 فدانًا موقوفة. ومعظم هذه الأفدنة من وقف خسروبك في سراييفو. ويبلغ طول المخطوط الحديدية في البوسنة والهرسك 1088 ميلا، منها 743 خطوط عريضة و 345 ضيقة. وبلغ طول الطرق الرئيسية عام 1909: 1372 ميلا وطول الطرق في النواحى 1556 ميلا. وبلغ مقدار الواردات من الشحم وحيوان الذبح 31051 رأسًا عام 1909 والصادرات 266940 أما كمية بقية التجارة 3970000 قنطار منها 22.72 % من الواردات و 77.28 % من الصادرات. المصادر: (1) سنة 1901. (2) Bosnia T. Ritter-Vitezovich captiv 6. ناجى سزمبات، سنة 1712 م. (3) Ph. Laztrich pb Ochievea: Epitome vetustatum Bosniensis U-4 kprovinciae أنكونا سنة 1776 م. (4) De regno: Narentius Prudentius Bosniae eiusque imtoritu, البندقية سنة 1781. (5) Poletische: M. Schimek Geschichte des Koenigreichs Bosnien and 1471 Rama von 867 bis, فينا سنة 1787. (6) KoniQreiches Bosnien كتبه ضابط من سلاح المهندسين في الجيش التركي بفينا عام 1790 م. (7) Geschichte der A. Gebhardi .Konigreiche Dalmatien, Croatien .Slavonien, Rascien, Bosnien etc, فينا سنة 1805. (8) عمر أفندى في Oriental Transl- Fund, لندن سنة 1839 م. (9) J. Jukich (باسمه المستعار Zemljopis i povjestnicai: (Boshnjak .S , Bosnp أكرام سنة 1851.

(10) Ungarn and seine J. Gh. Engel Nenenlaen der Geschichte von Servien und Bosnien، هال سنة 1861 م. (11) Geschichtliche: G. Thoemm ++ el -politische and topograp hische Sta -tistische Beschreibungen des، Vilajets Bos en، فينا سنة 1867 م. (12) Studien: Johann Roshkiewicz ueber Bosnien and die Hercegovina ليبسك وفينا سنة 1868 م. (13) L'herzegowina: G. Thomson . باريس سنة 1875. (14) Bosnie et Her-: Charles Yriarte باريس سنة 1876 م. (15) Die Christlichen: G. Kinkel Untertanen der Tuerkei in Bosnien and der Hercegovina بال سنة 1876 م. (16) nsurection de: Grandin I'Hercigovine، باريس سنة 1876 م. (17) Studien ueber Bosni-: Elbinger en and die Hercegovina، سنة 1876 م (18) Bosnia and Her- A. J. Evans 1875 cegovina during the Insurrection لندن 1876 م. (19) Through Bosnia and: Evans -Hercegovina on Foof during the In surrenction، لندن سنة 1877 م. (20) Reisen in Bnsnien and: Blau der Hercegovina، برلين سنة 1877 م. (21) H. Daublesky von Sterneck: -Geographische Verhaeltnisse, Kom munikationen and das Reisen in Bosnien and der Hercegovina and L'.jNord-Montenegro فينا سنة 1877 م. (22) Bosnien, das Land and Seine Bewohner, فينا 1878 م. (23) Neueste Beschreibung and vollstoendiges . Ortslexikon، براغ سنة 1878 م. (24) Land and Leute: Ed. Rueffer , von Bosnien and der Hercegovina H Auft, براغ سنة 1878 م. (25) Okkupution Bosniens and der Truppen im . Hercegovina durch die K.K Jahre 1878 Mach - authentischen Zuellen

dargestellt in der Abteilung fuer Kriegsgechichte des K.K. Kriegsarchives, فينا سنة 1879. (26) Handelsstrassen un Bergwerke von Serhien and Rosnein wahrend de.c Mittelater، براغ سنة 1879. (27) Bosnisches: Fr. von Helfert . فينا سنة 1779 م (28) La Bosnie depuis: E.Marbeau d'occupation austro-hongroise باريس سنة 1880. (29) Altertumer der Her-: Hoernes cegovinc، فينا سنة 1880 م. (30) Bosnien, land and leute: Straus برلين سنة 1882 - 1884. (31) Kratka provjest: Knezhevich bas kraljeva، راغوسة سنة 1884 م. (32) Erinnerungen: Josef Koetsehet aus dem Leben des Serdar Michael Lattas Erkem Omer Pachn, سراييفو سنة 1884 م. (32) Erinnerungen (33) ens von den altesten Zeiten his ruin Ver falle des Konigreiches وترجمه إلى الألمانية Bojnichich، ليسك سنة 1886 م. (34) Beitrage Zur: Bruno Walter Kenntnis der Erzlagerstatten Bosniens سراييفو سنة 1887. (35) Hercegovina بوادبست سنة 1887 م وبالألمانية أيضًا: Rncnien and the Hercegovina، فينا سنة 1888 م (36) Dinarische Wanderungen: M. Hoerns Cultur - and ladschaftsbilder aus Bosnien Fund der Hercegovina فينا سنة 1888 م. (37) Bihachi bihack: : Lopashich Krajino, أكرام سنة 1890. (38) Mostar and sein: Karl Peez(rA Cultuskreis ليبسك سنة 1891 م. (39) Die Staatsrechtiche: H.Schneller Stellung von Bosnine and der Hercegovina ليبسك سنة 1892. (40) Die praehistorischen: W. Radimsky Fundstotten ihre Erforschung and

Behandlung mit besondere Beruecksichtigung Bosniens and der cHercegovina فينا وسراييفو سنة 1892 م. (41) Romische Strassen in: Ph. Ballif Bosnien and der Hercegovina. فينا سنة 1893. (42) Bosnische Musik: C.V.Sax, وهو عبارة عن مستخرج من كتاب Wissensch. Mitt aus Bosnien and der Hercegovina، فينا سنة 1894 م. (43) Reiseblder aus Bosnien: Waal, فينا سنة 1885 م. (44) W.Radimsky M.Hoemes: Dieneolithische Station von Butmir bei Saraievo in Bnsnien جـ 1 فينا 1895. (45) Einiges uber das: A.Rucker Gnldvnrknmmen in Bnsnien, فينا سنة 1896 م. (46) Lopaehich: Oko Kupe i Korane. إ كرام سنة 1896 م (47) A travers la Bosnien: Capus، باريس سنة 1896. (48) Die: Fr.Tiala, j M.Heornes Neolithische: Station von Butnir bei 11 .Sarajevo in Bosnien. Bd فينا سنة 1898 م. (49) Bosnienund der: Petriniensis Xroatische Staat إكرام سنة 1898 م. (50) Bosnisches Skizzenbuch: M. Preindlsberger درسدن سنة 1900 م. (51) Kratkauputa: Safvetbeg Bashagich u proshlost Bosen i Hercegovine od godicnc 1463 - 1866. سراييفو سنة 1900 م. (52) Rambles and Studies: R. Munro jr، in Bosnia Herzegovina أدنبرة سنة 1900 م. (53) La Bosnie et 1'Hercegovine, وهو كتاب طبعه كل من L. Bertrand و P. Boyer تحت إشراف باريس سنة 1901 م. (54) Aus Bosniens: Josef Koetschet letzter Tuerkenziet طبعة فينا وليبسك سنة 1905 م. (55) Dle praegungen der: E.von Zambaur Osmanen in Rnsnin في .. Numismatiche Zeitschr فينا سنة 1908 م، ص 143 - 152.

(56) Geschichte des: C.R.v. Sax Machtverfalles: der Turkic, فينا سنة 1908 م (57) Kroatien and dessen Beziehungen Zu Bosnien، كتبه مبعوث كرواتى، فينا سنة 1909 م (58) Osman Pascha.der: J.Koetschet letzte grosse Wezir Bosniens and seine Nachfolgr " طبعة Grassel. سراييفو سنة 1909 م. (9) Untersuchungen: L.V. Thalloczy ueber den Ursprung des bosnichen Banates وهو عبارة عن مسمتخرج مما جاء في Wissensch. Mitt. aus Bosnien and der .Herc، فينا سنة 1909. (60) Einige Shriftstuecke: B. Cherovich aus der alten Krajtna وهو عبارة عن مستخرج مما جاء في. Wissensch. Mitt aus Bosnien and der HerceR, فينا سنة 1909 م. (61) Wahrheit ueber: C.R.v. Sax Die die Serbische Frage and das Serbentum Bosnien، فينا سنة 1909 م. (62) Rosnyak is: L.V. Thalloezy szerb elets nemzedekrajzi tanulmanyok, دراسات في تراجم وأنساب البوسنة والصرب، بودابست سنة 1909 م (63) Wie wir zu Bosnien: Aug. Foumier j Kamen فينا سنة 1909 م. (64) Bosn- herceg Ver-: Leo Geller fassung and polit. Grundgesetze فينا سنة 1910 م. (65) Bosniens and dei Hercegovina فينا سنة 1911 م. (66) Die osterr ung.: L.V. Thalloezy , 19 Monarchic in Wort and Bild. Bd Bosnien and die Hercegovine, والجانب التاريخي من هذا المقال مأخوذ معظمه من هذا المؤرخ. (67) دستور (مجموعة القوانين التركية)، الآستانة سنة 1289 هـ وقد ورد بصفحة 765 المرسوم المنظم للعلاقات القضائية بين أصحاب الأموال والـ"كمت" وهذا المرسوم صدر بتاريخ 14 صفر.

(68) Gesetz-und Verordnungsblatt fur Bosnien and die Hercegovina 1787 - 1910. فينا سنة 1881 عن السنوات من 1878 - 1880 م، وسراييفو من سنة 1871 - 1910 م. (69) Wissenchaftliche Mitteilungen وهو. j aus Bosnien and der Hercegovin يصدر سنويا منذ عام 1893 م. (70) Berichte ueber die Verwaltung -1906 von Bosnien and der Hercegovina 1910.Hg. vom k. u. k.gemeinsamen Finan, ministerium، فينا سنة 1906 - 1910 م. (71) Safvetbeg Bashagich , رسالة جامعية باللغة الصربية الكرواتية عن رجال الأدب في البوسنة والهرسك الذين كتبوا مصنفات بالتركية والعربية أو الفارسية في العهد التركى، وهذه الرسالة لم تطبع بعد. (72) صالح صدقى بن ح. حسين بن فيض الله: السراى تاريخ ديار بوسنه وهرسك، وهو مخطوط تركى في المتحف الوطنى بسراييفو، يتحدث عن تاريخ البوسنة والهرسك حتى عام 1876 م، وكان مؤلف هذا الكتاب مؤقتا لمسجد الغازى خسرو بك بسراييفو، وقد توفى عام 1889 م. (73) عمر أفندى: تاريخ غزوات ديار بوسنه عام 1150، الآستانة 1154. (74) تاريخ بجوى، الآستانة عام 1283 هـ. [كرسماريك J. Krcsmarik] البوسنة والهرسك: 1 - إلمامة عامة. تقع البوسنة والهرسك بمجموع مساحتها البالغ قدرها 51.129 كيلو مترًا مربعًا بين خطى عرض 42 ْ 26 َ و 45 ْ 15 َ شمالا، وخطى طول 15 ْ 44 َ و 19 ْ 41 َ شرقًا، فهي بذلك تشغل المنطقة الغربية من يوغوسلافيا، الجبلية في معظمها والغنية بمواردها المعدنية وقوتها المائية وأحراجها. وهي تنقسم إلى وحدتين جغرافيتين تاريخيتين متميزتين: البوسنة والهرسك. ويشير اسم البوسنة إلى الجزء الأكبر

الشمالي، بينما يضم الهرسك النواحى الجنوبية مع حوض نهر نيرتفا Neretva والاسم البوسنة مشتق من نهر البوسنة (ومعناه غير محقق ولكنه من غير شك إيفيرى الأصل). وهو يجرى في الجزء الأوسط من البلاد، وقد وجدت حول منبع هذا النهر وحوضه الأعلى بقايا آثار ناحية تعرف بالبوسنة (ذكرها لأول مرة قسطنطين يورفير كينتوس وظنها تابعة للصرب). وكان يسكنها مستوطنون أوائل من أفراد قبائل صقلبية. وبعد أن عانى الإقليم الكثير من تقلبات الأحوال التي جرها عليه تعاقب الحكام من أجانب ووطنيين، أصبح جزءًا متكاملًا في دولة جديدة بهذا الاسم تحت حكم الملك تفرتكو الأول Tvertko (1353 - 1391 م). ولم تشمل حدودها أراضى البوسنة والهرسك الحالية (فيما عدا ناحية صغيرة في الشمال الغربي) فحسب، بل شملت أيضًا جزءًا كبيرًا من الساحل الأدرياوى مع النواحى المجاورة في الجنوب والجنوب الشرقي. وكانت البوسنة تحت الحكم التركى إحدى سناجق الإمبراطورية العثمانية، وأصبحت في سنة 988 هـ (1508 م) إيالة تضم مساحة أكبر من مساحة البوسنة والهرسك الحالية، ولم يكن ذلك فحسب قبل فقدها الأراضي الذي منيت به في العقد الثاني من القرن الثاني عشر الهجرى (نهاية القرن السابع عشر الميلادي) بل بعد أن فقدت هذه الأراضي أيضًا. ويرجع اسم الهرسك إلى منتصف القرن الخامس عشر الميلادي عندما ثار ستيفان فوكجيش كوساجا، أحد أعضاء مجلس الأشراف، على ملك البوسنة حينئذ ونادى بنفسه "هرسك" (أي دوق) سانت سافا. ومن ثم سميت المنطقة هرسكوفينا (أي أرض الهرسك). وهي بالتركية هرسك إيلى أو هرسك سنجقى. وتطابق رقعة الأرض التي تشملها البوسنة والهرسك الآن المساحة التي كانت تشغلها ولاية البوسنة والهرسك أيام الحكم النمسوى (1878 - 1918 م)، والتي كانت جزءًا من مملكة الصرب والكروات والسلوفين (من سنة 1918 م)، وبقيت الحدود وامتداد الإقليم على ما هي عليه مدة

الإدارة الأخيرة للمملكة الجديدة (بمقتضى ما يسمونه دستور قويفودان. وبعد إلغاء الحكم النيابى في يوغوسلافيا (1929 م) قامت مملكة مطلقة السلطة في يوغوسلافيا مكونة من تسع وجدات إدارية كبيرة باسم "بانوفينا". وغير هذا التقسيم من حدود البلاد. فالوحدتان الإداريتان، (بانوفينا) اللتان كانت قاعدتاهما في سراييفو وبنالوقة والداخلتان في البوسنة والهرسك تضمان الآن أجزاء من الأراضي المجاورة، بحيث أصبح جزء من أراضى البوسنة والهرسك تابعًا للوحدة الإدارية (بانوفينا) التي قاعدتها إسيليت بينما دخل جزء من أرض الهرسك ضمن الأراضي التي قاعدتها في الجبل الأسود. وكانت تقوم في يوغوسلافيا جمهورية شعبية للبوسنة والهرسك داخلة في حدودها التاريخية التقليدية. والنظام الاجتماعى والسياسى في البوسنة والهرسك باعتبارها إحدى جمهوريات يوغوسلافيا قائم على الدستور المكتوب لجمهورية يوغسلافيا الفيدرالية الشعبية الذي أقر في الثالث عشر من يناير سنة 1946، ودستور جمهورية البوسنة والهرسك الشعبية المؤرخ في الواحد والثلاثين من ديسمبر سنة 1946، والقانون الدستورى الصادر في 13 يناير سنة 1953 الخاص بإنشاء التنظيمات الاجتماعية والشعبية لجمهورية يوغوسلافيا الفيدرالية والأجهزة الفيدرالية الحكومية والقانون الدستورى الصادر في 29 من يناير سنة 1953 الخاص بالتنظيم الاجتماعى والسياسى لجمهورية البوسنة والهرسك الشعبية والأجهزة الجمهورية للحكومة. ولجمهورية البوسنة والهرسك الشعبية- شأن جميع الجمهوريات الأخرى في يوغوسلافيا، - جميعها الشعبية التشريعية بمجلسها التنفيذى، وسكرتاريتها في سراييفو قصبة البلاد. وتنقسم الجمهورية إلى اثنى عشرة ناحية و 134 كميونًا .. (سنة 1958). ويبلغ عدد سكان البوسنة والهرسك، كما يدل عليه الإحصاء الذي أجرى في سنة 1953 م: 2.847.790

نسمة. واللغة الصربية الكرواتية هي لغة الحديث (باستثناء عدد قليل من المستوطنين السلوفينيين والمقدونيين وبعض أقليات وطنية). وينقسم الشعب مع هذا بحسب الجنسية، إلى: صرب (معظمهم تابع للكنيسة الأرثوذكسية والباقي مسلمون وكروات (معظمهم تابع للكنيسة الرومانية الكاثوليكية والباقي مسلمون) وممتنعين عن اعلان جنسياتهم وغالبيتهم العظمى من المسلمين. وكان في البوسنة والهرسك- وفقًا للنتائج التمهيدية لتعداد سنة 1953 - 103 % لا ينتمون لطائفة و 35.1 % من الأرثوذكس و 21.4 % من الروم الكاثوليك و 32.3 % من المسلمين و 0.9 % من طوائف أخرى. والإحصاءات الرسمية النهائية المطبوعة للتعداد الذي عمل في سنة 1953 م كما يلي: صرب: 1.264.372 - 44.3 % منهم 35.228 مسلمون. كروات: 654.229 - 23.0 % منهم 15.477 مسلمون. يوغوسلاف لم يوضحوا جنسيتهم: 891.800 - 31.4 % منهم 860.486 مسلمون. آخرون: 37.389 - 1.3 %. ورغم اللغة المشتركة والقربى السلالية الوثيقة للسكان فإنهم ينقسمون إلى ثلاث طوائف، تبعًا للمؤثرات التاريخية بعامة، واختلاف المعتقدات الدينية بخاصة، وكانت هذه هي علة قيام الفروق الوطنية بين الصرب والكروات. وجاء إسلام البوسنة والهرسك (وهي تخوم الإمبراطورية العثمانية التي دامت قرونًا طويلة والواقعة على الحدود عينها بين الشرق والغرب بمؤثراتها الخاصة بها) فأضاف عنصرًا طائفيًا ثالثًا. وكان التصنيف الرسمى للسكان أيام حكم النمسا والمجر تبعًا لطوائفهم، باستثناء عدد قليل من المستوطنين الذين سجلت جنسياتهم طبقًا لحقيقتها، ولو أن الجزء الأكبر من السكان كان قد أصبح على وعى بجنسياته، فمثلا، اقر السكان الأرثوذكس علانية بأنهم من الصرب وأقر الروم الكاثوليك بأنهم

كروات. وكانت كل من بلغراد وزغرب، حتى الحرب العالمية الثانية، تدعى القرابة الوطنية بمسلمى البوسنة، الأمر الذي ترتب عليه أن فريقًا من المسلمين -معظمهم من مستنيرى أهل الحضر- قد جاهروا بأنهم صرب أو كروات. وبقيت الأغلبية العظمى من مسلمي البوسنة والهرسك مع ذلك غير متأثرين، وامتنعوا عن الاعتراف بأنفسهم صربًا أو كرواتًا، واحترمت يوغوسلافيا الحديثة آراءهم الشخصية وشعورهم في مسألة الجنسية كل الاحترام، واصبح المسلمون المتكلمون باللغة الصربية الكرواتية تبعًا لذلك أحرارًا في قيد أنفسهم صربًا أو كرواتًا أو عدم توضيح جنسياتهم. ومن بين الأسباب الأخرى نجد أن وجود أعداد كبيرة من المسلمين المتكلمين باللغة الصربية الكرواتية الذين لم يبت في أمر جنسيتهم، قد اقتضى أن يكون للبوسنة والهرسك جمهورية شعبية قائمة بذاتها في يوغوسلافيا الجديدة. ولم تتسبب القرون الأربعة من الحكم التركى (807 هـ / 1403 م- 1295 هـ / 1878 م) في إسلام جانب كبير من السكان فحسب، بل تركت طابعها أيضًا على القطر بأكمله. واللغة الصربية الكرواتية في البوسنة والهرسك يتكلم بها المسلمون وسائر السكان على حد سواء. وتأصلت تبعًا لذلك عناصر ثقافية شرقية في أنماط الحياة وطرقها، لا بين المسلمين وحدهم بل بين سكان البوسنة والهرسك جميعًا أيضًا. وأبطأت القرون من الحكم التركى التي مرت بالبلاد من نمو مجتمع الطبقة الوسطى في البوسنة والهرسك، على أن السياسة الإقتصادية التي اتبعتها النمسا والمجر في البوسنة والهرسك قد أثبتت عجزها في تطوير واستغلال إمكانيات الإنتاج من مصادر هذا القطر. فبقيت البوسنة والهرسك، نتيجة لذلك، قطرًا متخلفًا من عدة وجوه. ولم يطرأ على هذا التخلف الموروث أي تحسن كبير نظرًا للظروف غير المواتية في يوغوسلافيا ما قبل الحرب وسياستها الإقتصادية ولم يحدث- إلا بعد الحرب العالمية الثانية، وقيام نظام الحكم

الجديد في يوغوسلافيا بإجراءات ثورية- أن استُغلت المصادر الطبيعية في البوسنة والهرسك استغلالا تامًّا نتيجة لازدياد تصنيع البلاد. فقد أقيمت منذ سنة 1945 م- ولا تزال تقام- مشروعات صناعية عديدة ومؤسسات، وتبنى محطات مائية وأخرى حرارية، صغيرة وكبيرة، لتوليد الكهرباء. وأدخلت الوسائل العصرية على صناعة التعدين، واتسعت. وبلغ مقدار ما استثمر في الصناعات والتعدين في البوسنة والهرسك ما بين سنتى 1947 - 1954 م مبلغ 236.494 مليون دينار أي ما يعادل 61.3 % من مجموع الأموال المستثمرة. وكان لا بد من ضبط سياسة التوظيف المالى وإدخال بعض تغييرات طفيفة عليه بعد هذه الجهود المركزة للتصنيع. وبلغ مجموع الأموال الموظفة في سنة 1957 م: 75.667 مليونًا، أنفق منها على الصناعة والتعدين مبلغ 33.846 مليونًا. وانعكست نتيجة هذا التصنيع السريع على الإحصائيات الرسمية الخاصة بمعدل السكان الزراعيين في البوسنة والهرسك على النحو التالي: السنة - يعملون في الزراعة والأحراج وصيد الأسماك - يعملون في حرف أخرى 1895 - 88.4 - 11.6 1910 - 86.6 - 13.4 1931 - 83.4 - 16.5 1948 - 86.7 - 33.3 1953 - 63.5 - 36.5 وكان معدل النمو في الفروع الأخرى من الاقتصاد القومى أقل سرعة. وخاصة في الانتفاع بالأراضى الزراعية وتربية الماشية والأغنام. ولكن الميل الحديث يتجه الآن في السياسة الزراعية إلى زيادة التوكيد على فلاحة الأرض وأنماط أخرى في الزراعة. وفي سنة 1957 كان مقدار ما في البوسنة والهرسك من الأراضي الزراعية 2.613.000 هكتار، منها 64.7 % صالحة للزراعة والباقي مراعٍ وتلال معشوشبة ومستنقعات وآجام (0.1 %). أما من حيث المواصلات، فما زالت البوسنة والهرسك تعانى نتائج الأحوال المعاكسة السابقة، وبخاصة في شبكة المخطوط الحديدية. فقد كان في البلاد سنة 1159 م: 2.111 كليو مترًا من السكك الحديدية منها 1.339 كيلو مترًا

من المقاس العادى و 722 كيلو مترا من المقاس الضيق. وبلغ مقدار الإنتاج القومى في البوسنة والهرسك في غضون عام 1956: 215.639 مليون دينار. وأهم المصادر والمقادير (بالمليون) التي ساهمت بها كل صناعة هي كما يلي: الصناعة والتعدين 108.446 الزراعة 46.828 البناء 11.154 المواصلات 19.877 الأحراج 10.041 الصناعات اليدوية 5.653 التجارة والتموين 13.640 وما ورثه الشعب من التطور الناقص في شئون البلد الاقتصادية، ورث مثيله من التخلف في الثقافة، وخاصة في أنحاء الريف. فقد أنشات حكومة النمسا والمجر مدارس ابتدائية تشرف عليها الدولة، ولم تلغ المدارس الطائفية. وأدخل نظام التعليم الابتدائى الإلزامى في البوسنة والهرسك سنة 1911 م. غير أنه في سنة 1912 - 1913 كان عدد المدارس الابتدائية التي تشرف عليها الدولة 374 مدرسة فقط. وكان العدد القليل من المدارس التي تشرف عليها الدولة يضاف إليه المدارس الطائفية يمكنه أن يستوعب 18.55 % من مجموع التلاميذ في سن التعليم ليس غير. واعترفت الحكومة الملكية اليوغوسلافية بالمدارس الابتدائية للدولة دون غيرها، ومع هذا فلم يكن يستطيع أن يلتحق بها إلا ثلث الأطفال الذين في سن التعليم. وفي عام 1938 - 1939 م كان عدد المدارس الابتدائية 1.092 مدرسة فقط، وكان هو السبب في ارتفاع معدل الأمية في ذلك الوقت. ورغم الجهود العظيمة التي بذلت بعد الحرب العالمية الثانية لزيادة عدد المدارس وخفض أمية البالغين فقد دلت إحصائيات سنة 1953 م على وجود 225.000 من الأميين الذكور و 615.000 من الاناث في البوسنة والهرسك من مجموع 2.116.000 فردًا فوق سن العاشرة.

وبذلت سنة 1945 وما بعدها جهود خاصة لرفع مستوى الإلمام بالقراءة والكتابة والتعليم في البوسنة والهرسك، وهكذا بلغ مجموع المدارس الابتدائية جملة واحدة 2.406 مدرسة (ويتضمن ذلك التعليم التكميلى ونظام الثمانى سنوات) و 37 معهدًا (مدرسة ثانوية تدرس فيها اللغتان اللاتينية واليونانية القديمتان) و 159 مدرسة للتدريب المهنى و 57 من مدارس أخرى. وكان للبالغين 26 مدرسة أولية على نظام السنتين و 10 مدارس ثانوية و 22 مدرسة صناعية للصناع و 19 للصناع المهرة و 11 مدرسة أخرى. وأنشئت في سراييفو بعد الحرب بزمن جامعة ذات سبع كليات وكذلك أكاديمية للموسيقى ومعاهد للعلوم. وفي البوسنة والهرسك، فوق ما ذكر، ثلاث كليات للمعلمين، وكليات عليا للتدريب المهنى وستة مسارح 60 مكتبة للعلوم و 325 مكتبة عامة و 18 متحفًا ومحطة إذاعة لاسلكية. المصادر: (1) Statistichki godishnjak FNRJ za 1958 بلغراد سنة 1958. (2) Rezultaki papisha stanovnishtva Vi - الكتاب الأول، 1953 سنة talna i etnichka obelezhja تحت الطبع) (يعد مكتب الإحصاء الفيدرالى في جمهورية يوغوسلافيا الشعبية بحوثًا مفيدة بالإنجليزية والفرنسية) Informationi Podci o srezoima (يصدره مكتب الإحصاء في البوسنة والهرسك)، سراييفو، 1958. (3) nciklopadija Jugoslavje المجلد الثاني (انظر مادة البوسنة والهرسك) زغرب، سنة 1956. 2 - تاريخ البوسنة والهرسك تحت الحكم العثمانى. (1) أثناء قيام سلطان الأتراك. كان رسوخ قدم الإسلام في البوسنة والهرسك مقترنًا بقيام الحكم التركى وتوطد دعائمه. وقد حدث الغزو التركى الأول سنة 788 هـ (1386 م) في حكم الملك تفرتكو الأول أول ملوك البوسنة (1353 م 1391 وملك من سنة 1377 م) عندما كان في أوج قوته. ووقع الغزو الثاني سنة 790 هـ

(1388 م) عندما هزم الفويفود فلاتكو فوكوفتش الجيش التركى. وفي السنة التالية اشترك جيش بوسنوى في معركة قوصوه ليشد أزر لازار الدوق الصربى وجرح السلطان مراد جرحًا مميتًا أثناء سير المعركة ومات عندما انتهت. ولكن الأمير بايزيد نجح في استخلاص النصر، ووقع الدوق لازار أسيرًا، واعترف خلفاؤه بعد وقعة قوصوه بالسيادة التركية. وأضعف أتباع الملك الصربيون مركز البوسنة إضعافًا شديدًا. وسُمح لخلف الملك تفرتكو أن يحكم الأراضي التي كانت تابعة له بالفعل. ولكن القسم الأكبر من البوسنة كان تحت سلطان أعضاء من مجلس الأشراف يمارسون فيها سلطات كاملة، كل في ولايته. ونجم عن فتح الترك سكوبيه (وبالتركية أسكوب) سنة 794 هـ (1392 م) إقامة تخوم تركية تحيط بالصرب والبوسنة، وأصبحت سكوبيه قاعدة الحكم لأول سنجق- بكى وهو باشا يكت، الذي خلفه ابنه إسحاق. وتوالت غارات الأتراك بعد سنة 148 هـ (145 م) وكان من أثرها ازدياد الشعور بالنفوذ التركى في الشئون الداخلية للبلاد، وتفاقمت الشحناء بين بارونات البوسنة والمطالبين بالعرش، وما إن تولى تفرتكو الثاني الملك (1420 - 1443 م) حتى اعترف بالسيادة التركية. وخضع ملوك البوسنة (من سنة 832 هـ = 1428 - 1429 م). للجزية التي فرضها الأتراك الذين احتلوا بصفة مؤقتة بعض المدن ووضعوا حاميات فيها في مناسبات كثيرة. ولم يكن قبل منتصف القرن التاسع الهجرى (الخامس عشر الميلادي) أن استقر للأتراك قرار راسخ في مدينة هودبجد وما جاورها من البلاد (في ناحية سراييفو الحالية) حيث أقام عيسى بك ابن إسحاق حاكم سكوبيه ثغرا (بلدًا على الحدود) وتولى أمرها تحت الإشراف المباشر لموظف تركى من رتبة عالية بلقب فويفودا. وكانت هذه المساحة من الأرض تحت إشراف مزدوج، ذلك أن السادة البوسنويين للنواحى المجاورة كانوا تابعين للترك. وهذه المنطقة الإدارية مقيدة في سجلات ضرائب الأملاك التركية لسنة

859 هـ (1455 م) ولكن لم يذكر فيها شيء عن محلة باسم سراى أوواسى. مع وجود ناحية مسجلة بنفس هذا الاسم. ومع ذلك فاصول سراييفو تعود إلى ما قبل انهيار مملكة البوسنة نهائيًا، إذ ورد ذكر لبليدة سراى أوواسى في سجلات سنة 866 هـ (1362 هـ). وكان على عرش البوسنة وقتئذ ستيفان توماش (1443 - 1461 م) الذي اعتمد على مساندة الغرب ولكنه عجز عن إبراء ذمته من تعهده بأداء جزية للأتراك. وفي تلك المناسبة لم يطالبه البابا بالدخول في المذهب الكاثوليكى فحسب بل طالبه أيضًا بقمع "الزندقة" وهي عقيدة تأصلت جذورها رغم الاضطهادات المستمرة وأصبحت هي العقيدة الرسمية للبلاد. ولم يكن من الملك. على تردده، إلا أن أمر آخر الأمر باضطهاد هؤلاء الزنادقة الذين التجأوا إلى النواحى التي يحكمها الأتراك والإقليم الذي سمى فيما بعد الهرسك- واستمر الترك بعد ذلك يستغلون الخصومة الدينية في المملكة والخلافات الاجتماعية أيضًا. وانتهت محاولة ضم مملكة البوسنة إلى الصرب - التي كانت تحكم حكمًا استبداديًا عن طريق زيجة مدبرة بين ستيبان توماسيفتش ابن الملك وأميرة صربية- بسقوط الدولة الاستبدادية وعاصمة بلادها سمدريفو (1459 م)، واعتمد ستيبان توماسيفتش على عون الغرب أكثر مما فعل أبوه. ولما رفض الملك سنة 867 هـ (1463 م) أداء الجزية قامت الجيوش التركية بقيادة السلطان نفسه بغزو بلاد البوسنة وفتحها سريعًا. وما كادت الجيوش التركية تنسحب حتى زحف ملك المجر ماتيوس كورقينوس على بلاد البوسنة واحتل مدينة يايجه والنواحى التي تتاخمها. وفي السنة التالية استولى المجريون على سربرنك وأنشأوا فيها ولايتين (بانتين بالصربية الكرواتية) جعلوا قاعدة إحداهما في يايجه والأخرى في سربرنك -وتكونت من ذلك ثغور للمجر يعززها الحزام في الجنوب من نهر سافا- ومن هناك كانت تشن الغارات الكثيرة خلال القرن

التاسع الهجرى (الخامس عشر الميلادي) والتي بلغت مداها باحتلال سراييفو ثلاثة أيام. وأقام الملك ماتياس أحد باروناته ملكًا على البوسنة، وكان الترك قد أقاموا على النواحى التي احتلوها في الماضي ابن عم للأسرة السابقة. وأسسوا مملكة اسمية لم تدم إلا إلى سنة 881 هـ (1476 م). وكان محمد بك مينت أوغلى أول سنجق بكى للبوسنة سنة 886 هـ (1482 م) وأنشئ سنجق الهرسك سنة 874 هـ (1470 م؛ وفتح الترك باقي الهرسك في آخر سنة 886 هـ- 1482 م) ثم أنشئ سنجق آخر بعد ذلك جعل مركزه في تسفورنيك وسقطت ولاية سربرنك في أيدى الترك سنة 918 هـ (1512 م) واستولوا كذلك على يايجه وبنالوقه بعد وقعة موهاكس (سنة 1527 أو 1528 م) ومن البوسنة نفذ الأتراك إلى لبكا واحتلوا الجزء الأكبر من دلماشيا بما فيه قلعة كليس. واشترك السنجق بكى البوسنوى في فتح سلافونيا. وكانت سراييفو حتى منتصف القرن العاشر الهجرى (السادس عشر الميلادي) مقر سنجق البوسنة، وأقيم فيها كثير من الأبنية الفاخرة المهيبة. أنشأها السنجق بكى غازى خسرو بك، الذي جاءها في وظيفة سنجق بكى سنة 926 هـ (1520 م) وتوفي سنة 948 هـ (1541 م). وأصبحت سراييفو في ذلك الوقت مكانًا كبيرًا هامًا، ومع ذلك فقد نقلوا مقر الحكم إلى بنالوقة (حوالي منتصف القرن العاشر الهجرى = السادس عشر الميلادي) وتم تخطيطها وبناؤها لتكون مدينة إسلامية على يد فرهاد (صوقوللى) حاكم البوسنة الذي أصبح أول باشا بوسنوى (بكلربكى). وفي سنة 988 هـ (1580 م) أنشئت إيالة البوسنة، وجعلت بنالوقة قاعدتها. وكانت تضم سبعة سناجق (البوسنة والهرسك، وكليس، وكركا، وبكرك، وتسفورنيك، وبوركا) كما كانت تضم علاوة على مساحتها الحالية أجزاء من سلافونيا، ولبكا، ودلماشيا، كما تضم نواحى على حدود الصرب. وفي أوائل القرن الحادي عشر الهجرى (أواخر القرن السادس عشر الميلادي) كان في

الولاية ثمانية سناجق. وفي نهاية العقد الأول من القرن الحادي عشر الهجرى (أوائل القرن السابع عشر الميلادي) ضم سنجق بوزكا إلى إيالة كانيتسه المنشأة حديثًا. وجاء الفتح العثمانى بتغييرات كبيرة في النظم الاجتماعية للبوسنة والهرسك، وفي الوقت الذي خضعت فيه البوسنة والهرسك للسيطرة التركية، كانت قواعد بناء وتنظيم الإمبراطورية العثمانية قد استكملت. وبعد أن تم للترك فتح البلاد، بدأوا بإدخال نظامهم الاجتماعى فيها وفرضوا حكومة مركزية صرفة، وأسلوبهم العسكرى، ونشأت عن ذلك تغييرات في العلاقات الاقتصادية والاجتماعية. وتولى الحكام الجدد استخراج المعادن، وهو يلي الزراعة أهم فروع نشاط البوسنة الاقتصادى السابق. وصارت المناجم جميعها ملكًا للسطان، وأدبرت أيام ارباب الإقطاع العظام أولى القوة الذين كانت لهم السيادة في إقاليمهم، ودخل نظام التيمارات التي تشرف عليها سلطة مركزية في العلاقات الزراعية الخاصة بتوزيع الأراضي. وكان يدير شئون السناجق حكام يباشر الإشراف عليهم السلاطين، الذين كانت لهم أعظم الدخول بعد الأباطرة، وكان استبدال الحكام عندهم يحدث أكثر مما يجب. ومن الناحية الأخرى خف الضغط عن الفلاحين وابتدأت تربية الأغنام في التحسن، أما في الريف فقد أصبح الغالب عليه الاستقلال الذاتى وأساليب الحياة على النظام الأبوى. وحدثت في نفس الوقت تغييرات دينية وسلالية شملت السكان جميعًا. ودخل الناس في الإسلام أفواجًا، وتحسنت الفلاحة الحيوانية تحسنًا ملحوظًا في بعض الجهات الجبلية، وبخاصة في الهرسك. وأعيد توطين مربى الأغنام في النواحى التي امحلتها الحروب وغيرها. وانقلب ألوف من مربى الأغنام فلاحين بعد ما استوطنوا الأراضي الخصبة، وتوفرت بذلك قوة بشرية لاستصلاح مساحات من الأراضي التي تخربت. ونظرًا للأهمية الكبيرة المتعلقة بعملهم كمستوطنين،

فقد سمح للمستوطنين أن يحتفظوا بامتيازاتهم السابقة في تربية الأغنام. ومع هذا فإن نمو النظام الإقطاعى واستتباب الأحوال قد جعلا الكثير جدًّا من المستوطنين رعايا عاديين. ولما كان معظم هؤلاء المستوطنين من الصرب الأرثوذكس، فقد عادت الجهات التي خوت من الصرب، آهلة بهم من جديد. ومن الناحية الأخرى فإن دخول الناس في الإسلام قد أعان ديانة الحاكمين على اكتساب أشياع وأتباع من جميع الطبقات: فلاحين وسادة إقطاع وسكان مدن. ولم يكن إسلام أهل البوسنة والهرسك موضوع بحث شامل كامل حتى الآن، ولذلك بقى مشكلة تترقب الحل. وكان الرأى المقبول السائد قبل الحرب العالمية الأولى أن أتباع الكنيسة المنشقة المسمين بالبوكوميل دخلوا في الإسلام جماعات زعمًا بتماثل في الرأى حول القانون الأخلاقى، وللاضطهادات الدينية التي قامت بها كنيسة رومة ضدهم. وما زال هذا رأى جمهرة من العلماء (أ. سولوفيف Solovjev وآخرون). فدخول الناس في الإسلام جماعات سمح لنبلاء البوسنة بالاحتفاظ بأملاكهم، وبقى النمط التقليدى لملكية الأراضي في البوسنة والهرسك على حاله لم يصبه تغيير حتى القرن الثالث عشر الهجرى (التاسع عشر الميلادي). وكان دخول نظام التيمار بمثابة بناء يقام فوق بناء. ومن كبار المعضدين لهذه النظرية ش. تروهيلكا Truhelka. فالبوسنة على رأى تروهيلكا وغيره كانت تتمتع من أول الأمر بمنزلة خاصة بذاتها في الإمبراطورية العثمانية. وفي فترة ما بين الحربين العالميتين نهض بعض العلماء اليوغسلافيين (ف. جوبر يلوفج، وفـ سكاريج) إلى البرهنة على أن هذه الاراء لا أساس لها. وكان من رأيهم: (أ) أن الإسلام دخل شيئًا فشيئًا. (ب) أن نبلاء البوسنة لم يحتفظوا بأملاكهم بعد الفتح بسبب قيام نظام التيمارات. و (جـ) أن مسوغات ملكية الأراضي مثل تلك التي سادت في القرن الثامن عشر واستمرت إلى القرن التالي، كانت قد تطورت

تطورًا تدريجيًا فحسب ضمن إطار نظام تقسيم الأراضي الزراعية القديم. واتجه اهتمام المؤرخين اليوغوسلافيين المحدثين إلى مصادر تركية من الطراز الأول وبخاصة سجلات الأملاك العقارية الخليقة بأن تلقى ضوءًا على تاريخ الشعوب اليوغوسلافية في المدة التي نحن بصددها. ومع هذا، فنتائج هذه البحوث لم تعلن كلها بعد. وعندما كان الأتراك يحتلون جانبًا من البوسنة قبل سنة 867 هـ (1463 م) لم يكن هناك تيمارات سباهية في الثغور التي يسيطر عليها عيسى بك، وكانت التيمارات الموجودة ملكًا لرجال من حامية القلعة في هوديدجد. زد على ذلك أنه كان هناك عدد من السباهية، معظمهم مسلمون وقليل منهم مسيحيون، ضمن أملاك عيسى بك في داخل الثغور. أما بعد الفتح فإن معظم السباهية كانوا يؤخذون على الأخص من هنا ومن مقدونيا ثم من الصرب ومن بعض المناطق الأخرى. وكان بين السباهية الذين يرسلون إلى البوسنة كثير من أصل صقلبى. وبعد تصفية زعماء ممثلى طبقة النبلاء البوسنويين القديمة أثناء الفتح وبعده، أبقى الأتراك. أول الأمر لأفراد قليلين من أسر النبلاء ولعدد لا بأس به من ملاك الأراضي الإقطاعيين القدامى الأقل شأنًا، أملاكهم. وكذلك منح الفاتحون أراضى لمشايخ مربى الأغنام. وإلى هذا يعزى وجود الكثير من السباهية المسيحيين في ذلك الوقت، وبخاصة في الهرسك. وجاء انحياز أصحاب الإقطاع البوسنوى إلى جانب الأتراك مبكرًا بعض الشيء، في وقت كان لامناص لهم فيه من الاعتماد على نفوذ الترك في تسوية المخاصمات. ولهذا قيدت أرض أسرة دوقية بافلوفتش في سجلات الأملاك العقارية سنة 859 هـ (1455 م) باعتبارها أرضًا تؤدى الجزية جملة واحدة (مقاطعة؛ انظر: باشوكالت أرشيوى، ماليه، دفتر رقم 544). وظل الحظر السياسي الذي يسير عليه هرسك ستيبان مدة طويلة معتمدًا كل الاعتماد على الأتراك. وكذلك

كان على أبنائه أن يعتمدوا بعض الوقت على الأتراك، أما ابنه الأصغر فقد انحاز إلى الأتراك واعتنق الإسلام وتقلد منصب الصدارة العظمى خمس مرات في حكم بايزيد الثاني وسليم الأول باسم هرسك زاده أحمد باشا. وتقلد عدد كبير من مواطنى البوسنة والهرسك التابعين إلى أسر إقطاعية إسلامية وغلمان جندوا من بين الرعايا طبقًا لنظام الدوشرمة وعلموا في البلاط، مناصب الوزارة والصدراة العظمى، فمحمد باشا سوكولوفتش (صوقوللى) وهو من رجال الدولة العثمانية الأوائل اللذين ولوا منصب الصدارة العظمى (972 هـ / 1564 م 987 هـ / 1579 م) كان سليل أسرة صربية ذات جاه، وكان ذوو قرباه المسيحيون بطارق في الصرب بعد عوده بطريرقية بج. ثم إن صلة الدم والنسب بين رجال من سلالات بوسنوية تقلدوا مناصب رفيعة وبين ذوي قرباهم، قد ساعدت إلى حد كبير في رفع اقدار بعض الأسر البوسنوية. ومع أن صفوف السباهية كانت إلى حد ما، تملأ بوافدين من الأجانب إلا أن الغالبية كانت من سلالات وطنية تجمع من بين إقطاعيى البوسنة القدامى أو من السباهية الجدد الذين أقيموا اثناء الحكم التركى. ورصدت السجلات العقارية الأولى لسنجق البوسنة أسماء مسلمة السباهية وذوى قرباهم من النصارى، كما وجدت كذلك أسماء افراد أسرهم كاملة مجتمعه حول أسماء بعض أصحاب المناصب البارزين (انظر: باشوكالت أرشيوى، طابو دفتر 18 و 24) وكانت أملاك السلطان في البوسنة في تلك المدة واملاكُ السنجق بكية تتاخم عددًا من جفتلكات يمتلكها ملاك إقطاعيون وغيرهم كما كان لبعض السباهية جفتلكات علاوة على مالهم من تيمارات، ولو أن القاعدة في معظم هذه التيمارات أن لا تشتمل على جفتلكات. وكانت الجفتلكات أملاكًا تورث، وظل هذا حالها حتى لو فقد السباهى حقه في التيمار. والظاهر بعامة أن عددًا من الإقطاعيين الأوائل الذين دخلوا في الإسلام قد احتفظوا بأراضيهم الموروثة على شكل جفتلكات، وكانت هذه رغم

ذلك قليلة العدد وتتكون من أملاك صغيرة. فالنظرية والحالة هذه لاتكاد تدعم ماذهب إليه تروهلكا من أن النبلاء البوسنويين بقوا محتفظين بأملاكهم وقت الفتح وأنهم نجحوا في الاحتفاظ بها حتى القرن الثالث عشر الهجرى (التاسع عشر الميلادي) والواقع أن عدد الجفتلكات استمر في الزيادة ولو أنها زيادة طفيفة، حتى بداية القرن العاشر الهجرى (نهاية القرن الخامس الميلادي) وهنالك ألغيت الجفتلكات التي من هذا القبيل آخر الأمر في عهد السلطان سليمان القانونى. ومع هذا فقد قدر لهذه الجفتلكات أن تكون قاعدة ونمطًا من الماضي للتطور المقبل في العلاقات الزراعية الخاصة بتقسيم الأراضي. وكان أن أصبح نسل السباهية المسيحيين وأفراد الأسر التي أسلمت الذين ارتفعوابنصيبهم تحت الحكم التركى من السباهية والزعماء ودزدارية قلاع وأصحاب مناصب سامية. ويسّرت الأهمية المعطاة للبوسنة، باعتبارها من أرض الثغور، للمسلمين الارتفاع إلى مراتب النفوذ والسلطة، والحقيقة أنه بعد إيغال الجيوش التركية وغزو مناطق تحت حكم المجر، أمر الكثير جدًّا من السباهية أن يستوطنوا الأقاليم المفتوحة حديثًا، ولكن هذا لم يأت بنفس النتائج التي أتى بها في الصرب، حيث توقف دخول التاس في الإسلام منذ غزا الأتراك المجر. وكان إسلام الناس في البوسنة والهرسك قد تسبب في خلق قاعدة عريضة من المسلمين المجندين، لا من أهل المدن فحسب بل من الفلاحين أيضًا. وبدأ قبل الفترة السابقة على الغزو التركى خلق الظروف الضرورية لتطوير جماعات المدن في البوسنة بأسباب التطور والنماء بعد أن توطد الحكم التركى. وكانت الصناعات التركية الدقيقة -وبخاصة الصناعات اليدوية التي يمتاز بها الشرق الأدنى- أرقى من مثيلاتها في البوسنة في فترات سابقة. وحصل بذلك تطور سريع في الصناعات اليدوية والحرف ذات الطابع الشرقي أثناء القرنين

الأولين من الحكم التركى، وتقدمت سريعًا الصناعات المتصلة بإنتاج الجلود وصياغة الذهب والمهن المتصلة بإنتاج المعدات الحربية ومستلزمات أهل المدن. وكانت صناعة التعدين العثمانية من الناحية الأخرى أقل تطورًا عما كانت عليه في البوسنة أو الصرب حيث كان المستوطنون السكسون قد أدخلوا أصولهم الفنية وقواعدهم في التعدين. ونظرًا لما أدخلته السلطات التركية من النظم الإدارية البيروقراطية في مناطق المناجم التي أدمجت في أملاك السلطنة (خاص) انتكست صناعة التعدين في القرن الأول من الحكم التركى وهبط الإنتاج تبعا لذلك، ثم هبط بنوع أخص في حصيلة المعادن الثمينة. وزاد إنتاج الحديد مع هذا زيادة ضئيلة. ولهذه الأسباب كان نمو المدن في البوسنة والهرسك أثناء الحكم التركى مقترنا (بصرف النظر عن الاعتبارات الحربية التي كانت أهم العوامل في تحديد مواقع المدن وبنائها) لا بتنمية صناعات التعدين، بل مقترنا أكثر من ذلك بتقدم الحرف والصناعات المتعلقة بها. وكانت المدن التي يقيمها الأتراك تقع كلها في المواقع التي تهيأ فيها جودة المواصلات. وعلى مدى النصف الثاني من القرن العاشر (الخامس عشر الميلادي) كان دخول الإسلام في مدن أسواق التعدين في البوسنة القديمة بطيئا وكان أقل تمهيدًا إلى تطورها مما كانت عليه الحال في المدن الجديدة التي بناها الأتراك على مواقع مدن أسواق سابقة. وهناك مثال جيد لذلك هو سراييفو وبنالوقة من بين مدن أخرى اتسعت وتطورت إلى مراكز للحرف ومحال للصناعات، لكونها كانت مراكزًا للسلطات التركية والحاميات الحربية. وعلاوة على الموظفين المدنيين من المسلمين والجنود استمر سكان أمثال هذه المدن في الازدياد بسبب هجرة المسلمين إليها من أماكن شتى حاملين معهم عادات وأساليب شرقية في الحياة. وفي بادئ الأمر كان تجار دُبروفنك هم الوحيدين أصحاب التجارة الواسعة. وكان إنشاء أهم مدن البوسنة والهرسك من ابتكار ولاة أفراد، وفي داخل هذه المدن وحواليها قامت أملاك هؤلاء الولاة، ومصانعهم، ودورهم، وحماماتهم، ودكاكينهم التي كانوا

يوصون بها ويتركونها في حياتهم وقفًا على أعمال البر والصدقات. وهكذا بنيت مساجد كثيرة وتكايا ومدارس دينية ومكتبات ملحقة بالمدارس والمساجد، وأدخلت طرق الدراويش طقوسا صوفية وشعائر أعجب بها سكان المدن. ومجمل القول أن مدن البوسنة والهرسك أصبحت معاقل للقوة التركية وموائل للثقافة التركية. وكذلك كان للمدن تأثير على الريف، فاجتذب أعدادًا كثيرة من الفلاحين وناسا من البقاع الريفية. وكان معظم المهاجرين فلاحين أسلموا، وغير مسلمين لم يلبثوا أن دخلوا وشيكا في الإسلام. وكان النصارى واليهود من أهل المدن قلة. وتزودنا أقدم سجلات العقارات التركية في البوسنة والهرسك بأدلة من الوثائق تثبت موضوع الجدل بأن الإسلام الجماعى كان منشؤه في المدن والنواحى الريفية التي تكتنفها. وتشير السجلات إلى أن الفلاحين الذين دخلوا في الإسلام في سنجق البوسنة إنما كانوا في أول هذه الفترة حول مدينة سراييفو فحسب. وفي سنة 894 هـ (1489 م) كان في سنجق البوسنة أكثر من 25.000 دار للمسيحيين ونحو 1300 للأرامل المسيحيات وأكثر من 4000 للعزاب منهم، وذلك بالمقارنة بما يقرب من 4500 منزل للمسلمين وفوق 2300 للعزاب منهم (انظر: باشوكالت أرشيوى. طابو دفتر رقم 24) وتدل السجلات الأولى لسنة 882 هـ (1477 م) للعقارات في سنجق الهرسك (طابو دفتر رقم 5) وكذلك في غيرها من سجلات العقارات أن اعتناق الإسلام لم يكن ابن لحظة، ولا يوجد أي دليل يؤيد الزعم القائل بأن حشودا من الأشياع التابعين لكنيسة البوسنة المنشقة كانوا منضمين إلى الفاتحين. ولم يكن ليوجد مؤمنون مخلصون لكنيسة البوسنة (كريستيانى) في غير بعض قرى الجبال في الهرسك، كما أن بعض المؤمنين بكنيسة البوسنة (كريستيانى) كانوا مقيدين على اعتبار أنهم يعيشون في قرية مهجورة في سنجق البوسنة. وكانت هذه هي الحالة الوحيدة. ويبدو أن اضطهاد عشرين سنة لهراطقة البوسنة في أيام الملك ستيبان توماش والملك ستيبان توماشيفتش قد شتت شمل كنيسة

البوسنة الهرطيقية. ولا شك أن تحول هرسك ستيبان فوكجيش قد ساهم أيضًا في توهين مركز كنيسة البوسنة في الهرسك. وقد اعترفت الحكومة التركية بالكنيسة الصربية الأرثوذكسية، وتمتعت الكنيسة بموجب براءة سلطانية بحقوق وميزات كبيرة. ومنح السلطان محمد الثاني الفاتح الكنيسة الكاثوليكية أيضًا بعض الامتيازات. ويتضح من المعلومات الواردة في سجلات العقارات أن المؤمنين المخلصين لكنيسة البوسنة قد اعتكفوا في نواح نائية منعزلة في الهرسك. وليس ثمة شاهد مسجل عن قيام أي تحول إلى الإسلام في تلك الأنحاء ولا من السكان في ذلك الوقت. والذي يستخلص من ذلك أن هراطقة البوسنة في معظم المناطق كانوا قد ثابوا إلى الحظيرة (أرثوذكس أو كاثوليك) مما يستبعد معه تحول أتباع كنيسة البوسنة تحولا جماعيا إلى الإسلام. ومع هذا فالراجح أن الاضطهادات السابقة من جانب الكنيسة الكاثوليكية مع الضغط الذي احتجت عليه الكنيسة الأرثوذكسية صاحبة الحق في تحصيل أموال الكنيسة، خلقت ظروفًا عملت على تحويل التابعين السابقين لكنيسة البوسنة إلى الإسلام، ومهما يكن الأمر فإن تطور المدن إلى مراكز للإسلام وتأثيرها على القرى المجاورة قد أدى إلى انتشار الإسلام باطراد بين فلاحى بعض المناطق منذ القرن التاسع الهجرى (الخامس عشر للميلاد)، وهكذا وضع الأساس لاعتناق عدد عظيم من أهل القرى للإسلام. واتخذت في أيام سليمان القانونى التدابير للحد من تزايد سلطان الاقطاعيين التي كانت قد دخلت كلها في الإسلام قبيل ذلك، فألزم سباهية البوسنة بالانتقال إلى الأراضي التي فتحت حديثًا، وانتقلت التيمارات الشاغرة إلى سباهية من نواح أخرى وغير الوضع في الجفتلكات وصارت أراضى رعايا، ولم يكن إلا وقتئذ، ثم بعد ذلك على نطاق واسع، أن استحوذ الكثير من ندماء البلاط على أملاك في البوسنة عن طريق الابتزاز والرشوة. ومع هذا، فلم يكن بد في نفس الوقت من المهادنة نظرًا لضرورات الدفاع وخاصة على الثغور ولوجود

مساحات كبيرة من الأراضي المخربة. وعلى مدى النصف الثاني من القرن العاشر الهجرى (السادس عشر الميلادي) استمر عدد الجفتلكات التي في حوزة أرباب الإقطاع وضباط الجيش في الازدياد، وبخاصة في نواحى الحدود. وكان منصب قبودان خاصًّا فيما سبق بالخدمة على الأنهار في الثغور، ثم أصبح قائدا للحصون وأعمال الدفاع في ناحيته. وكان يمكن لطبقة الاقطاع الوطنية أن تعتمد دائمًا على منصب القبودان إن شاءت عونا مجديًا. وأضفى إنشاء إيالة البوسنة كثيرًا من الأهمية على النبلاء الوطنيين. وأثبت النصف الثاني من القرن العاشر الهجرى (السادس عشر الميلادي) أنه فترة نمو سريع وتطور في بعض مدن البوسنة. وأعقب ذلك زيادة مطردة في حجم التجارة مع المدن الايطالية، يقوم بها تجار من البلاد ذوو عزم، وتجار كبار من دبروفنك، وتمتع السكان المسلمون باعتبارهم الأغلبية مميزات معينة، وعاشوا في إحياء خاصة بهم بمعزل عن النصارى، وأغلقت بعض نقابات المهن أبوابها نظرًا لتدفق وافدين جدد، ومن هذا القبيل هجرة سكان مسلمين إلى أماكن ومدن فيما وراء نهر سافا. وظهرت في النصف الثاني من القرن العاشر الهجرى (السادس عشر الميلادي) أمارات أزمة في الكيان الإدارى العثمانى العام؛ وازدادت ظهور، في مالية البلاد. وكان من نتائجها إضعاف كبير للقوة الحربية التركية. وظهر أثر الأزمة في البوسنة أيضًا. وانتهت آخر المغامرات الحربية الهجومية بقيادة حسن باشا بريدويفتش بكلر بكى البوسنة بالاستيلاء على بهاج، وفي السنة التالية (1002 هـ - 1593 م) منى جيش من البوسنة بقيادة حسن باشا بهزيمة فادحة عند سيساك جرت في أعقابها الحرب بين آل هسبورغ وتركية. (ب) فترة الأزمات في الدولة التركية وهزائم العثمانيين الحربية: بقى الكيان الإدارى وحجم إيالة البوسنة، اللذان أخذا شكلًا محدد، في مطلع القرن الحادي عشر الهجرى (السابع عشر الميلادي)، دون تغيير

حتى نهاية القرن تقريبًا. وكان حاكم الولاية في هذا الوقت يحمل لقب وزير، ونقل مقر الحكومة من بنالوقة إلى سراييفو سنة 1049 هـ (1639 م). وانعكست الأزمة الاقتصادية والمالية للإمبراطورية العثمانية والصدوع التي أصابت الكيان العثمانى على الأحوال السائدة في البوسنة أيضًا، حيث توالت الاضطرابات واستفحل الفساد. وكان لا بد للحكومة المركزية -نظرًا للصعوبات المالية وارتفاع تكاليف الإشراف على مساحات شاسعة من الأقاليم المحتلة- من أن توسع نظام تأجير الدخول الخاصة والهمايونية جميعها لآجال مسماة وأن تزيد الضرائب وتفرض أخرى جديدة. واتسع نظام التأجير لآجال حتى شمل تأجير الضرائب المحلية بل إيرادات التيمارات والزعامات التي اهتبلها ندماء السلاطين وكبار الموظفين الملحقون بالمكاتب المركزية وكثير من الرجال المشهورين في العاصمة. وأصبح النظام البيروقراطى المتمركز الذي كان المقصود به قمع الطغيان وكبح جماحه، مصدرًا للفساد تمارسه السلطات المحلية أيضًا. ومن النصف الثاني للقرن العاشر الهجرى (السادس عشر الميلادي) فصاعدًا ازدادت الأعباء المالية واستغلال الرعايا (الفلاحين) ووقع العبء على مربى الأغنام بالمثل في النواحى المستقلة ذاتيًا، وكانت الحرب الطويلة (1593 - 1606 م) تستنزف باستمرار الموارد التركية والقوة البشرية. وكان على البوسنة أن تتلقى صدمات الحرب في مركزها المعرض للخطر. وبسبب الحرب اشتد القلق. وكثرت الفتن من جانب أهل الصرب في الهرسك أثناء الحرب وبعدها. وطوال العقدين الأولين من القرن الحادي عشر الهجرى (السابع عشر الميلادي) أرسل ثوار سابقون من الأناضول إلى البوسنة ليكونوا ولاة عليها، فارتدوا في البوسنة ثوارًا كما كانوا، وكانوا يستطيعون دائمًا الاعتماد على عون جموع كبيرة من الساخطين من طبقة السباهية الوطنيين الذين اشتد بهم الغضب والبغضاء لما كان ينعم به على ندماء السلطان والقريبين من السلطات المركزية من تيمارات وزعامات، ومن ثم

أتيح المجال للأفراد والبيروقراطيين المحليين أن يستولوا على أملاك في حجم عدة تيمارات معًا. وكان الولاة الترك -الذين كانت مدة حكمهم قصيرة إلى حد ما - شديدى الرغبة في جمع الثروات واستغلال البلاد لمآربهم الذاتية، مثلهم في ذلك كمثل كبار الموظفين الذين ترسلهم الحكومة للتحرى عن سوء التصرف وتقصى أسباب الاضطراب. واستمرت طبقة الإقطاع الوطنية -رغم قيام الأحوال التي من هذا القبيل- في نمو وازدادت قوة ونجح تحويل أراضى الفلاحين إلى جفتلكات تملَّكها الولاة العسكريون والسباهية والمواطنون الموسرون كما نجح نقل ملكية الأملاك الحرة الموروثة (بشتينا) التي كانت لرؤساء القرى (كنز إس) وأراض أخرى من غير هذا القبيل. وكان يطلب من الفلاحين مستأجرى مثل هذه الجفتلكات (جفتجى، كمك) أن يوردوا لصاحب الجفتلك ثلثا من ريع (وفي فترة متأخرة عن ذلك خمس، وفي بعض الحالات تسع) محصولهم. علاوة على إجبارهم على العمل في الجفتلكات التي يملكها صاحب الجفتلك خاصة لنفسه. وأمثال هؤلاء المستأجرين ملزمون بدفع العشر والسالارية وباقي المكوس وعوائد نظام التيمارات إلى السباهية (أصحاب الأرض) إذا كان الجفتلك جزءًا من تيمار أو زعامت كما كانت الحال في معظم الأحوال. واتسع نظام حكومة القبودانات حتى طبق في النواحى الداخلية للبلاد، ذلك أن الحكومة المركزية كانت عاجزة عن تهيئة الوسائل للاحتفاظ بجيش من المرتزقة بالحجم الذي تدعو إليه الحاجة. وما إن بلغت الأمور هذا الحد حتى تغطرس القبودانات وصاروا يضربون بأوامر الباشوات عرض الحائط. وأذعن السلطان أحمد (1603 - 1717 م) لمطالب سباهية البوسنة الذين كان يؤيدهم الباشا، وأصدر فرمانًا قرر فيه الحق في توارث التيمارات في الأسرة (أوجاقلق) متى كان الوارث من أبناء أو إخوة المتوفى أو من ذوي قرباه الذين يعيشون في الأسرة (أوجاق).

وأثرت التغييرات في ملكية الأراضي وفي السياسة الاقتصادية على الفلاحين المسيحيين بنوع خاص؛ وقلما تدخل أحد في أراضى الفلاحين المسلمين. ووسعت الضرائب المتصاعدة والاستغلال المتزايد من شقة الانقسام الموجود بين طبقتى الفلاحين. ومن ثم كثر فرار الفلاحين النصارى عبر الحدود وازداد الخارجون على القانون (بالتركية: حيدوت) الذين عملوا قطاع طرق وهددوا الأمن في الطرق. وصارت الاتجاهات نحو تطوير الزراعة وغيرها من فروع الاقتصاد القومى التي تجلت في فترة مبكرة، أشد ظهورًا أثناء النصف الثاني من القرن العاشر الهجرى (السادس عشر الميلادي) وأثناء القرن الحادي عشر الهجرى (السابع عشر الميلادي). وأخذت صناعة التعدين في التدهور ووصلت في آخر القرن إلى الحضيض. ونمت المدن وتطورت في النصف الثاني من القرن السادس عشر والنصف الأول من القرن السابع عشر الميلادي نتيجة لاتساع الصناعة والتجارة. وثبت أن افتتاح ميناء أسبليت (1592) -المنافس لميناء دبروفنك- حادث ذو أهمية عظيمة في تجارة البوسنة. وخضعت النقابات المهنية في المدن لأمر الانكشارية دون سواهم، مما أدى بعد ذلك إلى تحول هذه النقابات إلى مؤسسات مغلقة. وظهر الأعيان والأغوات ذوو السطوة في أعداد متزايدة. وكان جانب من سكان المدن مع ذلك، من المسيحيين، وكان منهم صناع وتجار. وتبع ازدياد هجرة أهل القرى إلى المدن زيادة الضرائب على الأراضي المهجورة زيادة كبيرة، وطوال النصف الثاني من القرن العاشر والنصف الأول من القرن الحادي عشر الميلاديين ارتفع شأن بعض المدن وحجمها وبخاصة مدينة سراييفو. وساعد تكدس الثروات على الاشتغال بالربا، وكان في المدن -علاوة على الطبقة المسلمة الموسرة- أسر مسيحية بذاتها من تجارأغنياء وتجار جملة -مرابون مسيحيون. وظهر في النظام الاجتماعى المدني اتجاه واضح نحو تفرقة حادة بين الذين هم أغنياء (الطبقة ذات النفوذ السياسي) وبين

الطبقة الدنيا من فقراء المدن. وحدث في القرن الحادي عشر الهجرى (السابع عشر الميلادي) عدة اضطرابات وأعمال شغب خطيرة بين فقراء سراييفو وجلهم من المسلمين. وحالت حرب الثلاثين السنة في أوروبا في النصف الأول من القرن الحادي عشر الهجرى (السابع عشر الميلادي) دون قيام عمليات حربية كبرى ضد الأتراك، على حين تسببت حربان طويلتان في النصف الثاني من القرن في كثير من الآلام. وهبط مستوى الأحوال المعيشية والاقتصادية في إيالة البوسنة. فالحرب ضد البندقية (1664 - 1669 م) الأخرى الأقصر منها ضد آل هبسبرغ (1663 - 1664 م) دارت رحاهما على أراضى ولاية البوسنة حيث توالت الغارات. وكان من نتائج فرار السكان المسيحيين عبر الحدود أن انضم كثير من هؤلاء الفرار (ويسمون أوسكوتشى) إلى الخدمة العسكرية في البندقية. وكان في الهرسك أيضًا اضطرابات وقلاقل قام بها الشعب. ثم جاءت بعد الحروب فترة أربع عشرة سنة من سلام رحب به الناس، ونشأ عنه -إجمالا- توحد السلطان التركى. وكان الهجوم على فينا فاتحة حرب جديدة مع الحلف المقدس، دامت وقتا طويلًا (1683 - 1699 م)، وللمرة الأولى أفلتت البوسنة جنوبي السافا من أن تكون ميدانًا للعمليات الحربية. بيد أنه كان على الجيش البوسنوى أن يشترك في الحرب ويدافع عن الحدود. واحتلت الجيوش النمسوية بصفة مؤقتة بعض النواحى جنوبي نهر السافا (سنة 1688 م) وبعد تسع سنوات تقدم الأمير أيوجين -عقب موقعة سيتا- حتى سراييفو وأتى عليها إحراقا سنة 1109 هـ (1697 م) وهاجر السكان المسيحيون -وبخاصة الروم الكاثوليك - وانسحبوا مع الجيوش المغيرة. وجاء الطاعون في أعقاب الحروب الطويلة. واحتفظت إيالة البوسنة بمقتضى شروط معاهدة صلح كارلوفتش (1110 هـ 1699 م) -بحدود البوسنة والهرسك الحالية في الشمال والغرب مع بعض تغييرات طفيفة. على أنه بدئ في إقامة تحصينات جديدة على

هذه الحدود، وترميم القديم منها وأنشئت وظائف قبودان أكثر مما كان. واشتملت الإيالة على خمسة سناجق: (البوسنة، الهرسك، كليس، تسفورنك، وبهاج) وألغى السنجق الأخير بعد ذلك بوقت قصير. ونقل في هذا الوقت مقر وزير البوسنة من سراييفو إلى ترافنك. وعاد المسلمون اللاجئون من الجهات التي تخلت عنها المجر وسلافونيا وكرواتيا ودلماشيا وأقاموا في البوسنة على الأراضي المهجورة أو القليلة السكان التي سمح لهم بامتلاكها باعتبارها جفتلكات، وكان هؤلاء المستوطنون الجدد يشعرون بالكراهية والمقت نحو الدول المسيحية والعصاة مما أدى إلى زيادة الفرقة والشقاق بين المسلمين والمسيحيين، وجاء عدد من المستوطنين للإقامة في المدن، وكانوا في معظمهم بحارة وأصحاب مهن وجنودًا. واستدعى موقع إيالة البوسنة المعرض للغزو بذل جهود كبيرة من السكان المسلمين. وبمقتضى معاهدة صلح بوزاريفاج (1130 هـ / 1718 م) أعطيت النمسا حزامًا من الأرض جنوب نهر السافا، وأعطيت بعض المناطق حول الحدود الغربية أيضًا للنمسا والبندقية. وبالرغم من الخراب الذي سببه الطاعون وما اقترن به من تعاقب مواسم حصاد سيئة، وخسائر فادحة منى بها سباهية البوسنة، فقد أحرز جيش من البوسنة تحت قيادة حكيم أوغلى على باشا نصرًا حاسما على النمسويين عند بنالوقة سنة 1150 هـ (1737 م). وانتزعت معاهدة بلغراد سنة 1152 هـ (1739 م). من النمسا كل البلاد التي كان النمساويون قد غنموها بمقتضى معاهدة بوراريفاج، ما عدا حصن فوريان. وما إن حان هذا الوقت حتى كان النبلاء الإقطاعيون البوسنويون بخاصة، والمسلمون بعامة، قد فقدوا ثقتهم بسلطان الإمبراطورية. وعزز وفود الإنكشارية من الأقاليم المهجورة المركز الممتاز لبعض المدن، وبخاصة سراييفو التي كانت قد منحت استقلالا ذاتيًا فعليًا. وأعطيت السلطة العظمى

للأعيان والحكام العسكريين (باشوات) والقبودانات وأصبحت هذه الطبقة من كبار الموظفين هي الممثلة الرئيسية للسلطة السياسية. وفي أيام على باشا أنشئ مجلس الأعيان، وكان تكوينه من أعيان البلد والقبودانات وذوى الحيثية من جهات مختلفة من الإيالة، وكان المراد من المجلس أن يمارس الرقابة على الوزير نفسه، ومنح السلطة لكى يحدد بعض إيرادات الوزير. ولما كان المجلس منبثقا من هذه الطبقة المتميزة فإن وجود النبلاء المسلمين المحليين إنما قام على إخضاع الفلاحين معتمدًا على توسيع رقعة الاسترقاق توسيعًا آخر وتسلم البيكوات والأغوات، بصفتهم سادة الأرض والجفتلكات، جفتلكات جديدة أو استولوا عليها، وتسببوا بذلك في أن يستوطن فلاحو الأراضي التي تربى الماشية أراضى أخرى مهجورة. وكانوا يعملون مستقلين عن السلطة المركزية. واغتصب القبودانات سلطات وأعمال موظفى الدولة وأجروا إيراداتها ووضعوا أيديهم على الجفتلكات واقتنوا الأملاك بشتى الوسائل. وهناك أسر قبودانات مسجلة في العقود الأولى من القرن الثاني عشر الهجرى (الثامن عشر الميلادي) بلغت مراكز سامية في المجتمع قرب نهاية القرن. وكان لا بد لوزراء البوسنة من رفع فئات الضرائب، وفرض غيرها من مكوس وضرائب وذلك لكى يحصلوا على الثروة ويعتاضوا ما دفعوه من ضرائب ورشاوى في سبيل الحصول على مناصبهم. والواقع أنهم كانوا في كثير من الأحوال يطالبون بتوريد بضائع بالذات على الفور دفعة مقدمة من ضرائب تستحق الأداء بعد 6 - 9 أشهر، وقد أثار هذا العمل سلسلة من الفتن والقلاقل بين سكان المدن الفقراء والفلاحين المسلمين دامت عشر سنوات في منتصف القرن الثاني عشر الهجرى (الثامن عشر الميلادي). وكان لمثل هذه الظروف أثرها المشئوم على التجارة في المدن والقرى على حد سواء. وكانت الأحوال السائدة نكسة خطيرة أصابت النمو الاقتصادى للبلاد.

وفي الحرب بين النمسا وتركية (1788 - 1791) ألقيت مسئولية الدفاع عن نواحى الحدود على قوات البوسنة. وبصرف النظر عن استيلاء الجيوش النمسوية على بعض حصون الحدود (1788 - 1790 م) فإنهم لم يحرزوا إلا نجاحًا هزيلًا. وتنازلت تركية بمقتضى معاهدة سفيشتوف عن جزء صغير من أراضيها. وجلا النمساويون عن الحصون التي احتلوها. وفي مستهل القرن الثالث عشر الهجرى (نهاية الثامن عشر الميلادي) أدخل السلطان سليم الثالث سلسلة من الإصلاحات والإجراءات لكبح جماح الإنكشارية. وجاءت سياسة الإصلاحات المقترحة معاكسة للأسس الثابتة والنفوذ السائد لطبقة الأشراف من المسلمين، وللمركز المتميز للسكان المسلمين في المدن في إيالة البوسنة. (جـ) فترة الإصلاحات في تركية والفتن في البوسنة. لم يكن في الإمكان أن تقابل الإصلاحات التركية الجديدة في البوسنة إلا بالسخط، وذلك لتدخلها كما هو واقع، في الكيان الحربى الوطيد. ولأنها موجهة ضد الإنكشارية وسباهية الجيش. وشنت عدة حملات على العصاة في بلاد الصرب اشترك فيها بيكوات وأغوات وجموع غفيرة من سكان المدن، ومع هذا فقد انهزم الجيش البوسنوى هزيمة فادحة عند ميشار (1806 م). وحدثت بعد ذلك بقليل قلاقل من فلاحى الصرب في البوسنة ولكنها أخمدت سريعًا. واحتاج الأمر إلى جهود أكبر ليتم قمع تمرد الدروبنياكية في الهرسك قمعًا باتًا. واشترك مسلمو البوسنة كذلك في قمع القلاقل في بلاد الصرب سنة 1813 م. وتحسنت التجارة العابرة (ترانزيت) أثناء فترة حصار نابليون للقارة. واستخدمت طرق البوسنة في ذلك الوقت لنقل القطن بصفة خاصة. وقام بهذا العمل تجار من الصرب ويهود، أصبح كثير منهم بسبب ذلك من الأغنياء. واعتمد التجار المسلمون في البوسنة في نجاحهم على الاحتفاظ بالميزات والحقوق الخاصة التي كانت

لهم. ونالت سراييفو قسطًا كبيرًا من الاستقلال إزاء الوزراء. ونشبت حالات متتالية من الخلاف الخطير والنزاع بين الوزير والأهلين، أفضت في بعض الأوقات إلى مقاومة مسلحة. وبتعيين جلال الدين باشا ووصوله سنة 1820 م استتب القانون والنظام بتضحيات كبيرة في الأرواح. وكان إلغاء نظام الإنكشارية باعثًا على فتنة قام بها الجماهير مرة أخرى وبخاصة في سراييفو، وأخمدها عبد الرحمن باشا. واستمر السخط العام مع ذلك ومقاومة الإصلاح. وعندما بذلت محاولة في سنة 1246 هـ (1831 م) لتنفيذ الإصلاحات وإعادة تنظيم الجيش قامت فتنة تزعمها نبلاء البوسنة المسلمون بقيادة حسين قبودان كرادا شجفتش. وطالب العصاة باستقلال البوسنة والهرسك استقلالا إداريًا تامًّا، وبحقهم في اختيار وزيرهم، وأن تؤدى البوسنة جزية سنوية للسلطان. وهي مطالب لو أنها أجيبت لكان معناها حماية ميزات الأشراف والنظام الحربى القائم. ومع هذا، فإنه عندما ابتدأ الصدام اعتزل قبودانات الهرسك بقيادة على أغا رضوان بكوفتش هذه الحركة. ورغم انتصار حسين قبودان على الجيوش الهمايونية والتفاهم الذي توصلوا إليه مع الصدر الأعظم، فقد انتهى هذا النجاح الأولى العظيم إلى لاشئ بسبب مطامع القائد الشخصية (انتخب لمنصب الوزارة في أوائل جمادى الأولى سنة 1247 هـ - 17 من أكتوبر سنة 1831) , والتنافس بين زعماء البوسنة، وسحقت حركة العصيان. وأعلنت الهرسك "باشا لق" يحكمها على باشا رضوانبكوفتش سنة 1833. وبعد إخماد حركة العصيان ألغى توراث القبودانلق (سنة 1830 م) وحل محله المسلِّمْلق. وعين القبودانات السابقون والأعيان والسباهية (الذين ألغى نظامهم) مسلّمية وأعطوا لقب القواد. وكانت سياسة اليد الحديدية في القفاز المخملى هي السياسة التي استخدمها الباب العالى تجاه أشراف البوسنة والمتبرمين الشُكس. واستمر التصادم قائمًا رغم ذلك وبخاصة بين سكان سراييفو والوزراء. وتشتت شمل المقاومة نهائيًا على يد عمر باشا

لاطاس، وهو ضابط صغير سابق في البحرية النمسوية، ولد في ليكا (كرواتيا) وأرسل سنة (1850 - 1852 م) إلى البوسنة بسلطات خاصة على رأس قوات كبيرة. ونجح في تحطيم النفوذ السياسي الكبير الذي كان لأشراف البوسنة، ووضع الإصلاحات موضع التنفيذ. وأعدم على باشا، وألغى باشالق الهرسك. وقسمت البوسنة إلى ستة قائمقاملق والهرسك إلى ثلاثة، وصارت سراييفو المقر الرسمى للوزير. وأجريت إصلاحات أخرى في إدارة إيالة البوسنة أثناء تولى طوبال عثمان باشا (1861 - 1869 م) منصب الوزير. وقسمت البلاد إلى سبعة سناجق وأنشئ مجلس الولاية في سنة 1866، وهو جماعة استشارية على أساس طائفى. وشرعوا في تطبيق النظم العصرية على أحوال المعيشة والخدمات الصحية والمواصلات. (مدت أول سكة حديدية بنالوقة - نوفي سنة 1872 م) وأنشئت مطبعة الولاية في الستينات من القرن، وفتحت عدة مدارس. وساعدت الإصلاحات والإجراءات التي اتخذت على تطوير فروع من الاقتصاد القومى، وتحسنت التجارة والصناعة، وإن كانت النقابات المهنية قد تعرضت للخطر بسبب تطور السوق، وأثرى كثير من الأسر الصربية في المدن، وكان من نتيجة ذلك أن الريف بدأ يحس بنفوذ المواطنين من الصرب. غير أن الإصلاحات لم تكن بعيدة الغور بحيث تتناول جوهر الكيان الزراعى وقضاياه، فبإلغاء نظام السباهية جعلت العشور ضريبة تؤدى للدولة. وسن نظام لمعاشات تجرى على السباهية تعويضًا لهم عن فقدان دخلهم وحل هذا النظام محل الإيجارات. ومع هذا، شرع السباهية في تحويل أراضى الزراعة الحرة المتبقية إلى جفتلكات ليعوضوا بذلك خسائرهم، وتم هذا قبيل منتصف القرن الثالث عشر الهجرى (التاسع عشر الميلادي)، ولذلك بقى حق تملك الأرض حسب النظام الإقطاعى واستئجار الأرض ملازمًا للفلاحين المسيحيين، لأن الفلاحين المسلمين ظلوا باقين على حيازة جفتلكاتهم. وكان القصد أن يكون تحمل الضرائب الفادحة واقعًا في أكثره

على كاهل الفلاحين، وعلاوة على ذلك فإن الضرائب والمكوس التي أكره الفلاحون (كمت) على دفعها دون مسوغ لم يكن لها نصاب معين بل كانت تجبى استبداديًا. ومثل هذه الأحوال كانت سببًا في السخط العام بين الفلاحين، وأثارت فتنًا متوالية. وأخذ طاهر باشا وزير البوسنة على عاتقه تسوية المسألة الزراعية (في سنة 1848 م) ويقضى مشروعه الجديد بأن لملاك الجفتلكات أن يحصلوا على ثلث المحصول السنوى، وأن تلغى السخرة، وذلك فيما عدا الهرسك التي سمح فيها للفلاحين (كمت) بتوريد الثلث من محصولهم، على أن يسرى مفعول التعهدات التي أخذت على ملاك الجفتلكات في مدينة سراييفو- كتزويد الفلاحين (كمت) بالبذور والثيران والمساكن في كافة أنحاء البوسنة. ولكن ملاك الجفتلكات أخذوا يحصلون على ثلث المحصول في كل مكان، وأصروا على السخرة. ولم يوفوا بتعهداتهم التي قطعوها على أنفسهم. وسبب هذا الكثير من السخط بين الفلاحين، ولم يرض عنه ملاك الجفتلكات أيضًا، واقتضى الأمر القيام بمحاولات فاشلة قبل أن يبت في الأمر نهائيًا- بعد أن أصبح القانون الزراعى نافذًا (في خلال شهر رمضان سنة 1274 هـ) بمرسوم أعلن في صفر سنة 1276 هـ (سبتمبر 1859 م) يقرر الإجراءات المألوفة بالنسبة للفلاحين (كمت). ولم تتخذ، مع ذلك، شروط لتوحيد نظام الضرائب وغيرها من المكوس لتطبيقها في أنحاء البوسنة والهرسك كافة. وبقيت مواد المرسوم الخاصة بنظام حق ملكية الأراضي سارية المفعول حتى نهاية سنة 1918 م. وتسببت هذه الأحوال غير المرضية في قيام سلسلة من الفتن بين الفلاحين حوالي منتصف القرن التاسع عشر الميلادي. وعندما تضافرت جهود حشود من الفلاحين النصارى والفلاحين (كمت) والأغوات والبيكوات، أخذت الفتنة الكبيرة في سنة 1875 م لونًا سياسيًا باشتراك سكان المدن من الصرب فيها، وبخاصة بعد نشوب الحرب بين بلاد الصرب والجبل

الأسود وبين تركية. والواقع أن فتنة الهرسك كانت جماعية، أما في البوسنة فإنه لم يشترك فيها غير نواحى التخوم. واستدعى قيام الفتنة تدخل الدول العظمى. وقضت معاهدة سان ستفانو بأن تمنح تركية البوسنة والهرسك استقلالًا ذاتيًا. ووضعت البوسنة والهرسك تحت انتداب النمسا والمجر بمقتضى شروط مؤتمر برلين. ولقيت الجيوش النمسوية التي أرسلت لاحتلال البلاد مقاومة من مسلمي البوسنة لم تكن في الحسبان، وكان على رأس الثوار رجال الطبقة الدنيا، لأن الرجال ذوي المكانة من أهل البوسنة لم يرغبوا في الانحياز إلى فريق دون الآخر بعد انسحاب السلطات التركية والجيش- اللذين حرضا الشعب على الثورة ضد الغزاة وتأليف حكومة من الشعب في سراييفو. وابتدأ الاحتلال في 29 من يولية وتم في 20 من أكتوبر 1878 م. واتخذت إجراءات صارمة لتحطيم المقاومة في بعض النواحى، وبخاصة حول مدينة سراييفو وفي داخلها. المصادر: الدراسات التاريخية المتعلقة بفترة الحكم التركى في البوسنة والهرسك أبعد من أن تكون كاملة. ولو أنه طرأ عليها الكثير من التقدم أخيرًا. ولم ينشر بعد معظم المواد التاريخية المتعلقة بهذا العهد. ويتولى المعهد الشرقي بسراييفو جمع هذه المواد للنشر وتحقيقها، وسجلات ضرائب الأملاك التركية مع مجموعات (قانوننامه) المحفوظة في باشوكالت أرشيوى باستانبول، ومجموعات "وقف نامه" (كتب عنها F. Spaho و H. Kreshvljakovich H. Shabanovich و G. Elezovich وآخرون). ووثائق مخزونة في دار حفظ الوثائق في دبروفنك (كتب عنها CH. Truhelka و F. Kraelitz و G. Elezovich H.Sabonovichj و J.Radonich و V.Skarich وآخرون) ذات أهمية خاصة بالنسبة للجزء المتقدم من فترة الحكم التركى. وكذلك "قاضى سجلات" الخاصة بالقرن السابع عشر ومعها شذرات من سجلات من القرن السادس عشر الميلادي وموارد سجلات عامة (المعهد

الشرقي، مكتبة خسرو بك وغيرها)، وبعض السجلات العامة لولاية البوسنة (من منتصف القرن التاسع عشر الميلادي) محفوظة في المعهد الشرقي بسراييفو. وتوجد معلومات قيمة تتعلق بالجزء الأخير من الفترة في التاريخ الإخبارى الذي لم ينشر بعد، وعنوانه "تاريخ ديار بوسنة" لصالح صدقى أفندى حاجى حسينوفج المعروف باسم "موقت" في النصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي. والنسخة بخط يد المؤلف مودعة في المعهد الشرقي بسراييفو. وأهم مجموعات المصادر ما يلي: (1) CK .Truhelka: Tursko - slovjenski Spomenici dubrovachke. archive كلاسنك زم. متحف البوسنة والهرسك سنة 1911. (2) Najstarije: H. Sabanocivh vakufname u Bosni, Prilozi za origentalnu filologiju الجزء الثاني (سنة 1915 م) والجزء الثالث والرابع (سنة 1952). (3) Turcica historiam Monumenta illustrantia Slavorum Mer، الجزء 1، ، Kanuni i Kanun-name المجلد الأول (تحقيق المعهد الشرقي بسراييفو)، سراييفو سنة 1957. (4) Fojnichka regesta,: J. Matasovich Akademije Nauka Spomenik Srpske، المجلد 112 (سنة 1930). (5) نقوش بلغات شرقية اكتشفت في البوسنة ونشرها M .Mujesinovich . في filologiju orjentalnu Prilozi za الجزء الثاني سنة 1951، والثالث والرابع سنة 1952 - 1953 وغيرها. (6) وكتب Kuripeshich (1530) وأوليا جلبى من منتصف القرن السابع عشر أهم من غيرها من كتب الرحلات التي تحتوى على معلومات وبيانات قيمة. (7) نشر H .Hadzhibegich: المصادر الخاصة بابتداء الفتنة سنة 1875 في Turski documenti o pochetka Ustanka u 1875 Hercegovini Bosni، في Prilozi za Oriientalnu 1875 Bosni الجزء الأول سنة 1950) تواريخ عامة عن البوسنة: (8) Kratka uputa u: S. Bachagich Proshlost Bosni i Hercegouine سراييفو سنة 1900.

(9) Provijest Bosne u: M. Prelog doba osmanlijske vlade، الجزء الأول والثاني، سراييفو، سنة 1912 و 3191. وقد عفى عليهما الزمن الآن. (10) Historje Bosne i: V.Corovich، بلغراد سنة 1940 (الكتاب الأول المطبوع لغاية سنة 1482 فحسب). (11) Historija Naroda Jugoslavije i بلغراد سنة 1953، ص 514 - 576 (إلى سنة 1482 أيضًا). ويوجد مختصر لتاريخ البوسنة والهرسك تحت الحكم التركى في: (12) Istorije Naroda Jugoslavije, الكتاب الثاني (تحت الطبع). (13) القرون الخامس عشر والسادس عشر والسابع عشر، كتبها N. Filipovich. (14) وكتب عن القرن الثامن عشر H. Kreshevljakovich. (15) وكتب تاريخ الثقافة H. Sabanovich واستخدمت المادة التاريخية التركية التي لم تنشر بعد وخاصة سجلات ضرائب الأملاك ومراجع عن المصادر والمراجع. عجالات ورسائل: (16) Pitanje turske: H. Sabanovich vlasti u Bosni do pohoda Mehmeda II -1463 god., Godishnak 1 st. drushtva Bos nei Bosnaski Hercegovine Vi i Poshaluk سنة 1956 (17) الكاتب نفسه: Bosanski pash- kraja XVII vijeka postanak i up- aluk do ravsa padjela (رسالة جامعية تحت الطبع). (18) Kapitanije: H.Kreshevljakovich u Bosni Hercegevini، سراييفو سنة 1954. (19) H.Handzich: Pogled na Sudstvo u, Bosni, Hercegovini za vrijeme turske vlasti سرايفو، سنة 1940. (20) Historichka,: Ch. Truhelka Podloga agrarnog pitanja u Bosni متحف كلاسنك زم، المجلد السابع عشر (1915). (21) muslimankog Plemstva u Bosni, المعهد اليوغوسلافى، الجزء الأول سنة 1935.

(22) Islamizacija Bosne: M. Handzhich Hercegovine , porijeklo Bosnaskohercegovachkih muslimana سراييفو، سنة 1940. (23) Nestanak bogumustva.: A.Solovjev istamizacija Bosne (24) Godisnjak 1 st Drustva Bosne Hercegovinek جـ 1 سنة 1949. (25) Pogted na: N. Filipovich osrnanski teudalizam (s posebeniin obzirom na agivine odnose) الجزء الرابع، سنة 1952. (26) O vojnucima sa: B. Djurdjev osvrtom na razvoi turskog teudalizma na pitanje bosanskog agaluka متحف كلاسنك رم، الجزء الثاني سنة 1947. (27) Odzhakluk timun: N .Filipovich Bosni i Hercegovini في za Prilozi Orijentalu filalogiju، المجلد الخامس (سنة 1954/ 1955). (28) Gradska: H. Kreshvljakovich privreda i esnan Bosne i Hercegovine, -Godishjak 1 st. Drusgtvu Bosne i Her cegovine (سنة 1949). (29) Staro Rudarsko: V. Skarich provo i tehnika u Sribji i Bosni بلغراد، سنة 1939. (30) Sarajevo i njegova: V.Skarich okolina od najstarijih vremena do austro ugarske okupcije - سراييفو سنة 1937. (31) Bosnanski nam-: A. Handzhich jesnik Hekim-Oglo Ali-Pasha Prilozi za orijentalnu filulogiju، المجلد الخامس (سنة 1954/ 1955). (32) Pobuna u tuzlanskom: F.Spaho srezu polovicum Glasnik zem. muzeja Osamnaestog vijika مجلد 65 (سنة 1933). (33) Bosanski namjesnik: A. Bejtich, zaduzhbine mehmedpacha Kukavicainijegova u Bosni (1752 - 1756 و 1757 - 1760) Prilozi za orijentalnu filogiju, المجلدان السادس والسابع (1956 - 1957). (34) Is proshlosti Bosne: V.Skarich .Godishujak 1 st vijeka Hercegovine XIX drushtva Bosne i Hecegovine I سنة 1949.

(35) Die letzten Unruhen: L.Ranhe in Bosnien 1820 - 1832, Hist. - politische zeitschrift, المجلد الثاني (1935). (36) pitanje u: V.Popovich Agrarno Bosni i Hercegovini , turski neredi za vreme reforme Abdul Medzhida (1839 - (1861، بلغراد سنة 1949. (37) Erinnerungen: J.Koestschet aus dem Lelien des Sirdar Ekrem Omar Pascha، سراييفو سنة 1885. (38) Osman der letzte: J.Koetscht grosse Wezir Bosniens und seine Nachfolgu سراييفو، 1909. (39) Bosnaski us-: V. Chubrilovich 1878 - 1875: tanak بلغراد سنة 1930 3 - الثقافة الإسلامية في البوسنة والهرسك: كان من شأن إسلام فريق من أهل البوسنة والهرسك، وهو من ثمار الفتح التركى، أن وسم الحياة والثقافة في البلاد بميسمه. وكان أسلوب المعيشة، العامة والخاصة. عند مسلمي البوسنة والهرسك شبيها بأمثاله في الولايات الأخرى من الإمبراطوريهّ العثمانية، وبخاصة في المدن. وكانت المحلات في المدن هي قوام الثقافة الإسلامية في البوسنة والهرسك، إذ كان الطابع المسيطر عليها حضريا في مداه وسماته. وكان للفلاحين المسلمين خصائص معينة لاصقة بهم. ونظرًا لاصطباغ البلاد بالصبغة الأوروبية فقد مالت عناصر الثقافة الشرقية إلى الزوال، وخاصة بين السكان المسيحيين في فترة ما بعد الحكم التركى. وتفاقم هذا الأمر حين أصبحت البلاد جزءًا من يوغوسلافيا. ومع كل فإن العناصر المميزة للثقافة الإسلامية لم تختف حتى في أيامنا هذه. والأكثر من ذلك أنها لم تختف حتى بين النصارى، فما بال المسلمين. ولم يزل الكثير من سمات الحياة الشرقية ماثلا للعيان، مثل أسلوب المعيشة والأثاث، والطهى والشرب وخصال أخرى قديمة، ومازالت الطرائق الشرقية شائعة في صباغة الحلى، ونسج الأبسطة، وكثير من فروع الفنون التطبيقية. ويوجد أخلد آثار النفوذ الثقافى الإسلامي في ميدان العمارة وتخطيط

المدن، ووجدت بعض المبادئ الشرقية في تخطيط المدن استعدادًا للتطبيق بالنظر إلى علية المواقع ذات الشرفات. ومازالت مدن البوسنة تظهر الأنموذج السابق في التخطيط الذي يقسمها إلى حيين، وهما الجارشى (مركز البيع والشراء والتجارة) والمحلات (أحياء السكنى). ويمكن تمييز ثلاث مراحل في تخطيط المدن وتشييدها بصفة عامة طوال مدة الحكم التركى: (أ) الفترة الأولى حتى نهاية القرن السادس عشر تقريبًا. (ب) الفترة الثانية حتى نهاية القرن السابع عشر. (جـ) الفترة الثالثة حتى نهاية الحكم التركى في البوسنة والهرسك. ففي أثناء الفترة الأولى من تطور المحلات الإسلامية في المدن كان الولاة وكبار الأعيان الأتراك هم الذين يقومون بتشييد أماكن العبادة والأبنية العامة، وهي النماذج الممثلة للعمارة التذكارية. وإلى هذا التاريخ تعود أروع الآثار في طراز العمارة الإسلامية في البوسنة والهرسك مثل مسجد ألا جه في فوجة (سنة 1550 م) ومسجد الغازى خسروبك (1530 م) ومسجد على باشا (1561) في سراييفو، ومسجد فرهاد باشا (1579) في بنالوقة، ومدرسة الغازى خسروبك المسماة سلجوقية ثم بعد ذلك قورشوملية مع حمام الغازى خسروبك (قبل سنة 1557 م). وبروسه بزستان (1551 م) في سراييفو وكثير غيرها. ولما نمت نقابات أرباب الحرف وتطورت سريعا في الفترة الثانية وكل إلى التجار تشييد الأبنية العامة. والأبنية التي تعود إلى هذه الفترة أقل أبهة في مظهرها باستثناء بعض أبنية أقامها الحكام أو بعض ذوي المناصب الرفيعة من الأتراك.، مثال ذلك تكية حاجى سنان (سنة 1640) في سراييفو. وتظهر على العمارة في الفترة الثالثة علامات الانحطاط (في أواخر المدة) وتغلغل الأفكار الأوروبية فيها، والتشبه بالطراز السائد في مدن تركية، كما ظهرت عليه أيضًا مؤثرات مباشرة. ومع هذا فقد أخرجت هذه الفترة عدة نماذج هامة للمهارة الصناعية. وتطور مدينة

ترافنك، المقر الرسمى للوزير، يعتبر مثالا لهذه الفترة. ومسجد السليمانية (البناء الحالى يعود إلى سنة 1816 م) بنى فوق بزستان. وجدد عدد من المساجد العتيقة أثناء هذه الفترة، وأبرز المعماريون المسلمون في بناء الأبنية العامة التذكارية الملامح الجوهرية للفن العثمانى، بيد أن أشكال وخصائص هذا الفن لم تتجل كلها في البوسنة والهرسك. وقام معلمون معماريون وطنيون ببناء مساجد صغيرة وأبنية عامة ومنازل للسكنى، ولهذا ظهرت على هذا الطراز من البناء ملامح شخصية، وبان على نماذج العمارة الإسلامية علامات لاتخطئها العين من الانحطاط في فترة ما بعد الحكم التركى. وحاولت الحكومات النمسوية المجرية تطوير خصائص فن العمارة الإسلامي بمحاكاة الطراز المغربي. وتباينت الأبنية المقامة على هذا النمط مع نماذج العمارة الإسلامية السابقة في البوسنة والهرسك، ومع نماذج الفترة الأخيرة من الحكم النمسوى فضلًا عن تنافرها مع المنظر العام لداخلية بلاد البوسنة وعدم مواءمتها للأحوال الجوية. وقد ثبت فشل اصطناع هذا النمط من البناء. وأهم أنموذج له هو سراى البلدية في سراييفو. وحافظ طراز البوسنة والهرسك في العمارة على كيانه فيما يختص بمنازل السكنى فترة أطول قبل أن يختفى نهائيًا. وتدخل طائفة كبيرة من الألفاظ والاصطلاحات اللغوية التركية والفارسية والعربية الأصل في الاستعمال العادى في البوسنة والهرسك، وكان ذلك على مدى أكبر منه في الجهات التي يتكلم فيها الناس بالعربية الكرواتية. واستوعب الأسلوب الأدبى المبكر أيضًا هذه الألفاظ المستعارة، وهجرت الألفاظ والعبارات التركية في لغة الحديث العادية مع تطور اللغة الصربية الكرواتية وبتأثيرها وتوحيد قواعدها منذ سنة 1878، وازداد ذلك من سنة 1918. وكانت حروف الهجاء السيريلية مستخدمة في المراسلات الشخصية عند مسلمي البوسنة والهرسك وبخاصة بين مسلمي البوسنة والهرسك

الوطنيين أثناء الحكم التركى، وكانت الحروف العربية تستخدم في كتابة نصوص الآداب العربية الكرواتية التي ينشئها المسلمون في البوسنة والهرسك. كما كانت تستعمل في كتابة بعض المتون الصربية الكرواتية الدينية أثناء حكم النمسا وفي يوغوسلافيا قبل الحرب. وبعض الكتب المطبوعة بهذه الحروف، مازال الحصول عليها متاحًا. وكان الهجاء فيها اجتهاديًا في البدء ثم سنت لها قواعد تدريجا بعد ذلك، ومع هذا فلا تكاد تستعمل هذه الحروف بعد سنة 1930 حتى ولا في الكتب الدينية. ولم يدرس الإنتاج الأدبى عند المسلمين في البوسنة والهرسك دراسة شاملة حتى الآن، لا باللغة الصربية الكراوتية ولا باللغات الشرقية. ويختلف المسلمون في البوسنة والهرسك اختلًافا طفيفًا عن جيرانهم المسيحيين في ولعهم بالأغانى الشعبية والشعر الشعبي. ومنظومات ملاحم الكوسلار المتقدمة في البوسنة والهرسك لها كل الخصائص الأساسية لقصائد الملاحم التقليدية في اللغة الصربية الكرواتية. وإنما ينحصر الاختلاف في الاتجاه الدينى وكثرة تردد العبارات التركية والعزوف عن قصائد البطولة إلى الشعر القصصى. وحسنكينيجه Hasanaginica قصيدة بوسنوية شعبية ذائعة الصيت في عالم الأدب. وما زالت بعض قصائد من الملاحم الشعبية من الطراز السابق باقية في جنوبي البوسنة والهرسك: وبزغ نمط من الشعر متأخر في الزمن في الملاحم الإسلامية بين قوم ثغر في الغرب يعرف باسم "كرايينا" Krajina ينشدونه بمصاحبة التمبوريكا (المندولين) ويختلف من عدة وجوه عن قصائد الكوسلار. وإذا ما قورنت الأغانى الشعبية للمسلمين من أهل البوسنة والهرسك بمثيلاتها عند مواطنيهم اتضح أن لها أيضًا، وإلى درجة رفيعة، عددًا من السمات المميزة الخاصة بها. وأشهر هذه القصائد وأروجها هي القصائد الغرامية المسماة الـ "سفدالنكا": وبصرف النظر عن المؤثرات الشرقية في اللغة والموضوعات، والموسيقى الواضحة في التلحين، فالسفدالنكا قصائد أصيلة

مثالية لمسلمى البوسنة والهرسك يحبها ويستمتع بها الناس في جميع أنحاء يوغوسلافيا. وإذا حكمنا بنتائج الدراسات التي نشرت حتى الآن، فإن هؤلاء الشعراء المسلمين من أهل البوسنة والهرسك الذين كتبوا باللغات الشرقية كتبوا في الغالب بالتركية، وأقل من ذلك بالفارسية، وفي حالات قليلة جدًّا بالعربية، وبين الكتاب الأتراك عدة أفراد من أصل بوسنوى. كان منهم شعراء مشهورون مثل درويش باشا ابن بايزيد أغا (قتل سنة 1012 هـ / 1603 م) ومولده في مستر (الهرسك)، وصاحب الأسلوب الذائع الصيت محمد نركيسى (توفي سنة 1044 هـ / 1634 م) المولود في سراييفو. ولم يكن مولدهم فقط في البوسنة والهرسك ولكنهم تقلدوا أيضًا مناصب فيها مددا طويلة، فكان الأول باشا البوسنة والأخير مدرسًا وقاضيًا. وكان أحمد سودى أيضًا من أصل بوسنوى (توفى سنة 1005 هـ / 1596/ 1597 م) وهو الشارح المشهور للآداب الفارسية. ومن أخصب كتاب الشعر بالفارسية إنتاجًا، وكان يكتب أيضًا بالتركية، الشيخ فوزى، من مستر (توفى حوالي سنة 1160 هـ / 1747 م) وأحمد وحدتى المولود في دوبروم قرب قبشغراد (توفي سنة 1007 هـ / 1598 م)، وشعراء غيرهم كثيرون انحرفوا عن الإسلام القويم. وكتب باللغتين التركية والصربية الكرواتية كل من حسن قائمى، من سراييفو (المتوفى سنة 1103 هـ / 1691 - 1962 م) وأسكوفى البوسنوى، المسمى أيضًا هوابى (توفى حوالي سنة 1061 هـ / 1650 - 1651 م) وقد ولد في طوزله دورا، وغير هوْلاء شعراء كثيرون من أهل البوسنة والهرسك كانوا يكتبون بالتركية وبالصربية الكرواتية. وألف الأخير منهم معجمًا للغة الصربية الكرواتية منظومًا بالتركية. وفي القرنين الثالث عشر والرابع عشر الهجريين (التاسع عشر والعشرين الميلاديين) وحتى الوقت الحاضر، كان ثمة جماعة من الشعراء نظموا قصائد دينية بروح التقاليد القديمة، ومن هذه الأشعار الجديرة

بالاعتبار والتقدير قصائد في مولد النبي (مولود) وكانت الفترة السابقة مجرد حكايات تقليدية للنصوص التركية تتلوها كتابات أصيلة. وكان معظم النثر عند مسلمي البوسنة والهرسك باللغة العربية، وكان يعني إلى حد كبير بموضوعات أصول الدين الإسلامي وأحكام الشريعة وإدارة الدولة والتاريخ. وأقام كثير من كتاب البوسنة والهرسك وعملوا في إستانبول وجهات أخرى من الإمبراطورية العثمانية مثل عبد الله بوسنوى (المتوفى سنة 1054 هـ = 1644 م) صاحب رسائل في الفلسفة الصوفية، وشارح فصوص الحكم لابن العربي. واشتهر حسن كافى، المولود في بروساك (آق حصار) بكتابته في القانون والسياسة، وأهله علو كعبه في الأدب لمنصب قاضيلق في موطنه وظل يشغله طول حياته، وهناك توفي سنة 1023 هـ (1616 م)، وهو مؤلف كتاب "نظام العالم" المشهور فضلا عن مؤلفاته الأخرى. ومن الممكن أن تعد نحو أربعين مؤلفًا كان لهم نشاط في مجال الدراسات الدينية والقانونية أثناء الفترة الأدبية في البوسنة والهرسك. وكان كثير من مشاهير المؤرخين الأتراك من نسل بوسنوى مثل إبراهيم بجوى، ومع هذا فكتابة التاريخ بالتركية في البوسنة والهرسك لم تنشا إلا بعد ذلك. وكان القاضي عمر النوقوى مؤرخا ممتازا في القرن الثاني عشر الهجرى (الثامن عشر الميلادي)، وكان يكتب بالتركية، وهو مؤلف "غزوات حكيم أوغلى على باشا" وهو كتاب يتناول الأحداث التاريخية في البوسنة من غرة المحرم سنة 1149 هـ (1736 م) إلى آخر جمادى الأولى سنة 1152 هـ (1739). وأول طبعة له قام بها إبراهيم متفرقة (1154 هـ - 1741 م) ثم أعيد طبعه بعد ذلك وترجم إلى الإنجليزية والألمانية. وفي فترة الانتقال بين آخر القرن الثاني عشر الهجرى (الثامن عشر الميلادي) وأول القرن الثالث عشر الهجرى (التاسع عشر الميلادي)، سجلت أسماء بضعة مؤرخين إخباريين بارزين (مصطفى باشسكى وصالح صدقى) دونوا الأحداث التي عاصروها. ومن المؤرخين الذين تناولوا الفترة الأخيرة

من الحكم التركى والأحداث التي تلت الاحتلال النمسوى للبلاد، نذكر صالح صدقى أفندى حاجى حسينوفتش (توفي سنة 1305 هـ - 1888 م) ومحمد أفندى قاضيج (1271 هـ = 1885 م - 1349 هـ 1931 م) جامع مواد تاريخية نسخها بنفسه (28 كتابًا، وتوجد نسخة من المخطوط مودعة في مكتبة غازى خسرو بك، بسراييفو). والتحول عن طريقه تدوين التاريخ القديمة تظهر في مؤلف شيخ سيف الدين أفندى كموره (المتوفى سنة 1335 هـ / 1917 م) وكذلك تتجلى بعض خصائص الدراسات الإسلامية الأولى وبعض مفاهيم التدوين التاريخي في مؤلفات دكتور صفوت بك باشا كيج (1870 - 1934) أول مؤرخ عصرى للفترة التركية وأول عالم شرقي في البوسنة والهرسك، وكان شاعرًا أيضًا. ومع ذلك، فإننا نجد منذ سنة 1878، وبخاصة منذ سنة 1918 (وبصرف النظر عن المدرسة الرومانتيكية في الفكر التي مازالت تتمسك بالمعتقدات الأولى ويعد الدكتور باشا كيج من ممثليها البارزين) أن الجهود الأدبية قد جنحت أكثر وأكثر إلى الاندماج في الآداب الصربية الكرواتية. وأ. ق. جابيج (المتوفى 1918 م) كان مفتى مستر، ومجاهدًا كبيرًا في سبيل الاستقلال الذاتى الدينى. وكان له في تركية القدح المعلى استاذًا في اللغة العربية والأدب، وأخرج أيضًا مجموعة من مختارات القصائد لمعاصرى النبي. وكانت المكاتب والمدارس والمعاهد الدينية (المساجد والتكايا وأمثالها) مستنبت التربية الإسلامية والثقافة في البوسنة والهرسك، كما كانت في كل الولايات التركية. والمكاتب، كما هي العادة، ملحقة بالمساجد، وكانت تقوم بالتربية الابتدائية التي أساسها تعليم قراءة القرآن والمبادئ الدينية الأولية. أما المدارس الثانوية والعالية فقد أنشئت على غرار المدارس التركية. وأول مدرسة سجلت في سراييفو ترجع إلى الربع الأول من القرن العاشر الهجرى (أوائل القرن السادس عشر للميلاد).

ومن "الوقف نامه" لسنة 943 هـ / 1537 م انشأ غازى خسرو بك سنجق بكى البوسنة، مدرسة خسرو بك بمكتبتها الخاصة. وفرغ من بنائها في السنة التالية، ومازالت قائمة إلى اليوم تجاه باب الحرم في مسجد خسرو بك، ومن ذلك الوقت جعلت مكتبة المدرسة معهدًا عامًا مستقلًا لوقف خسروبك الذي ساعد على توسيع مجالها. وتضم قائمة محتوياتها المجموعة الأصلية من المجلدات في اللغات الشرقية، ومعها الكثير من النسخ المضافة ومخطوطات ووثائق تركية أخذت من الأوقاف والمدارس والمكتبات الخاصة. وأخذ عدد المدارس في الازدياد، غير أن مدرسة غازى خسروبك كانت أشهرها، وهي الآن مدرسة ثانوية تدرس فيها أصول الدين. وعنيت طرق مختلفة من الدراويش بالتعاليم الصوفية وبدراسات في اللغة الفارسية. ويبدو أن إنشاء أول تكية كان قبل سقوط البوسنة النهائى. وفي الخانقاه التي أنشأها غازى خسروبك تفاصيل في البناء مثيرة للاهتمام. وكانت تكاليف الصيانة والتعليم الدينى والتربية من مال الوقف. ويرجع الفضل إلى طوبال عثمان باشا في التطور الأساسي للتعليم العام ومنشآته، فقد أنشأ "الرشدية" الأولى و "مكتب حقوق (مدرسة الحقوق الإدارية) واعقب ذلك افتتاحه ناديا للمطالعة العامة ومطبعة. وتتولى الدولة بمقتضى أحكام قانون التعليم (1286 هـ / 1869 م) مسئولية الخدمات التربوية وعمارة المدراس. ولم يحصل تدخل في شئون المدارس ذات الصبغة الطائفية، ولكنها كانت خاضعة لرقابة الدولة. ولم تنفذ مواد قانون التعليم بتمامها في البوسنة والهرسك، ولو أنهم كانوا ينشئون مكاتب للصبيان ورشديات ومدارس للصناعات وللمعلمين. وتدل الإحصاءات الرسمية عل أنه كان ثمة في أواخر أيام الأتراك 917 مكتبًا و 43 مدرسة و 28 رشدية، علاوة على مدرسة حربية في سراييفو من درجة أدنى. ومدرسة لمعلمى المكاتب ومدرسة تجارة.

وشرعت حكومة النمسا والمجر في إدخال منهجها في التعليم الأميرى، دون أن تتدخل في شئون المدارس المحلية وكان تعليم الدين إجباريًا في المدارس الأميرية. وبقيت المكاتب والمدارس (التركية) مدارس دينية. وأصبح التحاق الأطفال المسلمين بالمكاتب إلزاميا بمقتضى ما سنه قانون سنة 1909 من لوائح. ولم يكن يمكن السماح لطفل مسلم بدخول مدرسة ثانوية مالم يكن قد سبق له دخول المكتب. واتخذت إجراءات معينة لإصلاح المكاتب ولكن لم تهيأ لها أسباب النجاح في معظم الحالات. وفي سنة 1909 كان هناك زهاء 1000 مكتب قديم (صبيان مكتبى) و 92 مدرسة (مكتب ابتدائى) واعتبرت الرشديات ضمن المدارس الأولية لأطفال المسلمين واستمرت كذلك من بعد مع إصلاح برامجها -في القرى وبليدة برجكو فحسب- واستخدمت المدارس (القديمة) مدارس تدريب للوظائف الدينية المتواضعة. وفي سنة 1887 م أنشئت كلية لطلبة الشريعة ولقضاة المحاكم الشرعية مستقبلا. وأنشأ ديوان الأوقاف في سنة 1892 كلية لمعلمى المكاتب. وكان الطلبة المسلمون في مدارس الدولة مخيرين بين تعلم اليونانية القديمة أو العربية. ولم تعترف الدولة أثناء تعاقب الحكومات اليوغوسلافية المتتالية بعد الحرب العالمية الأولى إلا بالمدارس الابتدائية التي لم يستوعب عددها القليل أطفال المسلمين في سن التعليم. وكان التعليم الدينى يدرس لجميع التلاميذ الملتحقين بالمدارس الابتدائية، وأصبحت المكاتب مدارس أولية أو معاهد لتعليم القرآن. وكان الدين يدرس في جميع المدارس الثانوية كذلك، وفتحت مدرسة ثانوية أميرية للشريعة في سراييفو سنة 1918 م. وبقيت كلية تدريب القضاة الشرعيين موجودة حتى سنة 1937، وهنالك أنشئت مدرسة عليا للشريعة وأصول الدين الإسلامي في مستوى الكلية. وتولى ديوان الأوقاف الإنفاق على كلية معلمى المكاتب، وهي المدارس التي أصبحت الآن ثانوية لتدريس مواد أصول الدين

بصفة أساسية. وأدخلت إصلاحات أولية على "المدارس" في سنة 1933 ووضع لها برنامج محدد سنة 1939 بحيث تكون الدراسة فيها مشابهة للمدارس الثانوية الأدنى درجة. وكانت مدرسة غازى خسروبك شاذة عن هذه القاعدة في أنها مزودة بمقررات ثانوية أعلى. والمعروف أن عددًا من مسلمي البوسنة والهرسك قد تخرجوا من جامعات غربية. وانتقلت مهمة منح الإجازات للتلاميذ والطلبة المسلمين، وتحمل نفقات صيانة وإدارة المدارس الداخلية وتقديم التسهيلات التعليمية الأخرى، التي كانت منوطة بديوان الأوقاف، إلى جمعيات إسلامية شتى، في الميدان العلمانى على آية حال، مثل جمعية "كاجرت" وجمعية "أوزدانيكا" وغيرهما. وانفصلت في يوغوسلافيا الجديدة الجماعات والجمعيات الدينية عن الدولة، ولكن الدولة قد تمد يد المساعدة إلى الجماعات الدينية. ويسمح بتدريس الدين في الجهات المجاورة لأماكن العبادة فقط (كنص قانون الطوائف الدينية لسنة 1953). ومع ذلك فقد أطلقت حرية الطوائف الدينية في فتح مدارس لتدريب الموظفين وعمال الإدارة الدينيين. وبقيت المكاتب التي كان التحاق المسلمين بها إلزاميًا بأمر الطائفة الدينية الإسلامية موجودة حتى سنة 1952، وهناك ألغيت في أنحاء البوسنة والهرسك وفي عهد الإدارة النمسوية المجرية. وفي يوغوسلافيا قبل الحرب، كانت دراسة فروع العلوم الإسلامية ذات العلاقة بالدين واللغات الشرقية على صلة محكمة بنشاط المدارس والكليات المذكورة آنفًا. وكان متحف زيماليسكى في سراييفو مهتمًا بجمع المخطوطات الشرقية والسجلات من دور المحفوظات التركية. وكان من القائمين بأمر المتحف نفر ممن درسوا الأدب الشرقي والسجلات التاريخية، وهنا تهيأت الظروف لتنمية الدراسات العلمية الحديثة في هذا الميدان (Ch. Truhelka, V.Skarich, F.Spaho, R.Muderizovich وآخرون).

وفي السنين التي تلت الحرب العالمية الثانية، صرفت عناية متزايدة في البوسنة والهرسك للدراسات الشرقية الخاصة بالشعوب الإسلامية، ولهذا أعدت بالمدرسة الثانوية في سراييفو مناهج على النمطين الشرقي والغربى على السواء، وفي جامعة سراييفو أنشئ في سنة 1949 كرسى لفقه اللغات الشرقية (التركية والعربية والفارسية وآدابها) ويقدم كرسى التاريخ أيضًا مناهج فضلا عن عنايته الخاصة بالدراسات التي تتصل بتاريخ الشعوب اليوغوسلافية أثناء الحكم التركى. ويضم المعهد الشرقي بسراييفو المنشأ سنة. 1950 مجموعة قيمة من المخطوطات الشرقية ومواد تاريخية تركية أخذت من متحف زيماليسكى في سراييفو. وفضلا عن نشره كتابه السنوى فإن المعهد الشرقي يضطلع بإعداد مجموعة منسقة من السجلات التركية والمصادر ذات الصلة بالشعوب اليوغوسلافية (Monumenta -Turcica Historiam Slavorum Merid ionalium illustrantia) وهكذا يصبح تحت الرقابة العلمانية ميدان فسيح للدراسات الخاصة باللغات التركية والفارسية والعربية والشعوب اليوغوسلافية أثناء الحكم التركى وفروع أخرى كثيرة من المعرفة الإسلامية كانت يوما ما في نطاق المعاهد والهيئات الدينية. المصادر: (1) Die moslims in Bosni-: A. Hangi en- Hercegovina-ihre Lebensweise, Sillen und Gebrauche، سراييفو سنة 1907. (2) Spomenici osmanlijske: A.Bejtich arkitekture u Bosni i Hercegovini, prilozi Za orijentalun filologiju، الجزء الثالث والرابع سراييفو، سنة 1953 - 1953. (3) Turcizmi u narodnom: A.Shkaljich govoru i narodnoj knjizhuenosti Bosne i Hercegovine, الجزآن 1 و 2، سراييفو سنة 1933. (4) Narodne pjesme: K.Hoerman muslimana u Bosni i Hercegovini جـ 1 و 2، سراييفو سنة 1933، Hrvatske nerodne Pjesme- Skupila

Junachka Pjes- جـ 3 و 4 Matica Hrvatska me (Muhamedovske)، زغرب سنة 1933. (5) Narodne Junachke: A. Nametak Pjesme muslimanske سراييفو, 1933. (6) Sevdalinke Izbor iz: H. Dizdar bosansko - hucegovachke narodne lirike, سراييفو سنة 1944. (7) Die Volksepic der: M.Murko bosnischen mohammedaner، في مجلة Verieno f. Volkshunde. المجلد التاسع (سنة 1909). (8) Tragom srpsko -: M. Murko hrvatske narodne spice Putovanja u، godinama سنة 1930 - 32 المجلد 1 - 11 (نشرته Jugoslavenska akademija (umjetnosti، زغرب، سنة 1933. (9) Studije o krajnskoj: A. Schmaus epici (نشرته Jugosl. akad. eznanosti i (umjetnosti، زغرب، سنة 1933. (10) Serbo -: Kemura - Chorovich Kroatische Dichtungen bosnischer moslims aus dem XVIL., XVIII., und XIX Jh. سراييفو، سنة 1912. (11) Makbul - i aryf: D. M. Korkut Bosnevije shakidija) uskuefi (Potar: في متحف Gleisnik Hrv. zem. liv .. سراييفو سنة 1943. (12) محمد بن محمد .. الخانجى البوسنوى: الجوهر الأسنى في تراجم علماء وشعراء بوسنه، القاهرة سنة 1339 هـ. (13) Knijizhevni rad: M.Handzhich bosnasko - hercegovachkih muslimana سراييفو سنة 1934. (14) Bulbulistan du: M. Malich -Shaikh Fewzi de Mostar, poete her zegovinen de lange persane باريس، 1935. (15) Die Anfaende der: M. Braun -Europaeisierung in der Literatyr der mos -lemischen Slaven in Bosnien and Her zogowina ليبسك سنة 1943. (16) O nashim: F. Bajraktarevich mevlodimo، بلغراد سنة 1937.

(17) Pregled Shtampanik: O. Sokoluvich djela na srpokohrvatom jeziku muslimana 1878 - 1948 Bosne i Hecsegovine, od، سراييفو سنة 1957 (Glasnik Vrhovnog starjeshinctva za 1955 - 59 g) (18) Srednje i struch-: Dj. Pejanoviche ne Shkole u Bosni i Herzogovini، سراييفو سنة 1953. 4 - الجماعة الدينية الإسلامية في البوسنة والهرسك منذ عام 1878 الميلادي. كانت الحقوق السلطانية على البوسنة والهرسك معترفًا بها للسلطان حتى سنة 1908 م، وهنالك ألحقت الولاية بالنمسا والمجر، وظل مركز البوسنة والهرسك، مع ذلك، غير واضح المعالم في نطاق المملكة الثنائية. ومعظم السبب في ذلك يرجع إلى الدستور الثنائى للنمسا والمجر. وكانت البوسنة والهرسك من قبل الضم ومن بعده واقعتين تحت رقابة ثنائية تمارسها وزارة المالية في حكومة النمسا والمجر، وكان لكل من الدولتين حقوق معينة فيما يختص بالسياسة الإدارية وإنشاء السكك الحديدية ومسائل خاصة بتجارة البلد وماليتها. وكان نظام حكم النمسا والمجر في البوسنة والهرسك بيروقراطيًا بوليسيًا طوال أيامه، وكان المسئول عن الحكومة حاكمًا عسكريًا، وعدد الدوائر الحكومية أربع ثم سبع بعد ذلك. وعين للحاكم مساعد مدنى سنة 1882 كان له الإشراف الفعلى على الخدمة المدنية. وقسمت البلاد، من أجل الأغراض الإدارية إلى ست دوائر (وبالروسية Okrug) وهي: بنالوقة، وبيهاج، ومستر، وترافنيك، وسراييفو، وطوزله وقسمت هذه إلى نواح (سرزأس) وإسبوستافات Ispostava (وهو أصغر الوحدات الإدارية). ولم ينفصل القضاء عن حكومة البلاد إلا في سنة 1906 م. ومنحت البلاد بعد ضمها دستورًا في سنة 1910 م بمجلس نيابى (Sabor) مؤلف من اثنين وسبعين نائبًا. وعشرين عضوًا بالتعيين بحكم

مناصبهم، وكان البعض من هؤلاء ممثلين دينيين، (فمن المسلمين رئيس العلماء ومدير إدارة الأوقاف وثلاثة مفتين، وكان البعض الآخر من كبار موظفى الدولة). وكان النواب ينتخبون لثلاث عشاير) (Guriae) حسب مراتبهم، كانت الأولى منها منقسمة إلى طبقتين، ويتبع كبار أصحاب الأملاك المسلمين الأولى منها. وتقوم المراكز الانتخابية بتنظيم هذه العشائر على أساس ملى، وحصر الدستور سلطات المجلس إزاء الحكومة في حدود ضيقة، وفرض في نفس الوقت حدودًا كثيرة على سيادة الحكومة بالنسبة لوزارة المالية في حكومة النمسا والمجر. وفي سنة 1912 أعطى الحاكم سلطات إضافية خاصة بالخدمة المدنية. وأجل المجلس النيابى فلم ينعقد قط طول أيام الحرب العالمية الأولى. وبالرغم من أن الحكومة النمسوية المجرية قد أدخلت نظامًا حديثًا في الإدارة، ونمت الصناعة (التعدين وصناعات الخشب بوجه خاص) وأنشات الطرق والسكك الحديدية وأقامت مدارس وبعض معاهد علمية، فإن هيكل المجتمع لم يطرأ عليه تغيير من عدة وجوه. والحق أنه كان في مكنة الحكومة النمسوية المجرية أن تكتسب إلى صفها بهذه الوسائل الجانب الأكبر من أشراف المسلمين غير أن بقاء مسألة ملكية الأراضي الزراعية دون حل، أدى إلى ركود الزراعة وأثر تأثيرًا سيئًا في الفلاحين وبخاصة الكمت (ومعظمهم من المسيحيين الأرثوذكس). ولم يقرب صدور قانون الاسترجاع الاختيارى للأرض في سنة 1911 م من حل مشكلة الملكية العقارية، ولم ينتج عنه إلا تغييرات قليلة الأهمية في العلاقات القائمة. وقام ب. كالاى Kallay . وزير المالية في المملكة الثنائية، وكان إلى ذلك مؤرخًا ذائع الصيت، بالدور الرئيسى في توجيه سياسة النمسا والمجر في البوسنة والهرسك من سنة 1882 إلى 1902 م. وقد حاول أن ينشئ أمة بوسنوية ولغة بوسنوية لكى يجعل للبوسنة والهرسك كيانًا مستقلًا في داخل المملكة الثنائية، ويكبح من انتشار

القومية الصربية الكرواتية. وعجزت للك السياسة عن أن تستميل إليها من بين الأهلين عددًا كافيا من المشايعين. فقد نما الوعى القومى عند الصرب والكروات، وكانت الأغلبية المسلمة، التي لم تتضح لها بعد جنسية، تنظر إلى تركية على أنها الوطن الأم. هذا إلى أن كثيرًا من الأسر البوسنوية قد استقرت في تركية واتخذتها موطنًا، وكان الزعماء المسلمون يلحون في إصرار على الحقوق السلطانية للسلطان العثمانى على مسلمي البوسنة والهرسك، ولم يتبن القضية البوسنوية غير فريق صغير من المستنيرين وأصحاب الأراضي المسلمين. أما الحركة الصربية السياسية فقد جعلت همها الأكبر الوصول إلى الاستقلال الذاتى في أمور الكنيسة والحرية في إدارة مدارس الطائفة. ووجدت الفكرة أنصار، لها بين جموع كبيرة من السكان وجماعة المستنيرين الناشئة حديثًا، بيد أن الكازدا الصربيين (أصحاب الثروة) هم الذين اندفعوا إلى المقدمة وقادوا الحركة، وذلك لأن سخطهم كان عامًا بسبب تغلب المصالح المالية النمسوية المجرية ورأس المال التجارى على ما كانوا يمارسونه من الربا في أعمال التجارة. ونجحت الحركة في جهودها. ومنحوا استقلالا ذاتيًا في مسائل الدين والتعليم الدينى. وأخذت الريب تزداد في نفوس المسلمين من جراء اعمال أتت بها السلطات النمسوية المجرية. فلكى تتمكن الحكومة من الإشراف على المعاهد الدينية ابتدعت سنة 1822 م منصب "رئيس العلماء"، وهو الرئيس الدينى الأعلى لمسلمى البوسنة والهرسك. وكذلك "علما مجلس"، أعلى هيئة دينية ذات سيادة، يرأسها رئيس العلماء ومعه أربعة أعضاء. وبلغ الأمر بهذا النظام إلى التحكم في حقوق ديوان الأوقاف. وسخط المسلمون وارتاعوا وقدموا التماسًا للإمبراطور سنة 1886 م يرجونه فيه أن يمنحهم الاستقلال الذاتى في إدارة الأوقاف، وفي سنة 1899 م نشب صراع مرير بقيادة أ. ف دجابيج مفتى مستر، لتحقيق الاستقلال الذاتى، دينيًّا وتربويًا

لجميع مسلمي البوسنة والهرسك. وارتبط الصراع بالحركة الأرثوذكسية (الصرب). وأصر دجابيج على طلب أكثر ما يمكن من الامتيازات ولكن آراء الأغلبية هزمته. وفي سنة 1900 عرض على الوزير كالاى مسودة قانون للطائفة الدينية الإسلامية، أكدوا فيه تأكيدًا خاصًّا الحقوق السلطانية للسلطان على مسلمي البوسنة والهرسك، وهو مبدأ لم تكن السلطات النمسوية المجرية مستعدة لقبوله، ولما غادر دجابيج مفتى مستر البوسنة والهرسك للمشاورة مع السلطان؛ منع من العودة إلى البوسنة والهرسك. وأخذت الحركة من سنة 1906 م فصاعدًا شكلا أكثر تنظيمًا وتحديدًا. وانتخبت لجنة تنفيذية من التنظيمات الشعبية الإسلامية يرأسها "على بك فردوس" وبينما اللجنة تناضل في سبيل مصالح أصحاب الأملاك إذا بهم يدخلون في نفس الوقت في مفاوضات مع الحكومة من أجل الحكم الذاتى الدينى. وتلكأت المفاوضات لأن الحكومة النمسوية المجرية رفضت أن تعير أذنها لسماع أدنى تلويح بالحق السلطانى للسلطان على مسلمي البوسنة والهرسك. ووصلت المفاوضات بعد الانضمام إلى نتائج مرضية، عندما أجاز الإمبراطور القانون الخاص بحكومة مستقلة ذاتيًا للشئون الدينية لمسلمى البوسنة والهرسك (وقف معارف)، خولت فيه بموجبه السلطة الإدارية العليا فيما يتعلق بالأوقاف ورواتب المدارس والكليات إلى ديوان وقف معارف (سابور)، المكون من ثمانية أعضاء معينين بحكم وظائفهم وهم رئيس العلماء وستة مفتين ومدير ديوان الأوقاف، ومن أربعة وعشرين عضوًا تنتخبهم لجان ديوان الناحية. ورئيس السابور هو رئيس العلماء بحكم منصبه. وكانت لجنة "وقف معارف" هي الأداة الإدارية والتنفيذية معًا. وكانت لجان الناحية من الجماعات الأقل شأنًا في ديوان "وقف معارف" وتنتخبها جمعيات الناحية، ومن بينها جمعيات و "جمعيات مجلس". ويتولى السلطة الدينية العليا "علما مجلس" ويتكون من أربعة أعضاء ويرأسه

رئيس العلماء. ويكون انتخاب الرئيس وأعضاء مجلس العلماء عن طريق جماعة انتخابية منفصلة مكونة من ستة مفتين وأربعة وعشرين عضوًا منتخبًا وتعرض الجماعة الانتخابية على الإمبراطور ثلاثة من المنتخبين المرشحين للرئاسة ويعين واحد منهم في منصب الرئيس بمرسوم، ولاينهض هذا بأعماله إلا بعد حصوله على إذن (منشوره) في مباشرة واجباته الدينية من شيخ الإسلام بإستانبول. ويرسل الالتماس الخاص بذلك إلي إستانبول عن طريق سفارة النمسا والمجر. وإذا شغر مكان في مجلس العلماء عين فيه واحد -من قبل وزارة المالية- من اثنين من المنتخبين المرشحين. ولكل إدارة (Okrog) مفتيها الذي تختاره الحكومة من بين المرشحين الذين يعرضهم "علما مجلس". وتؤدى الميزانية البلدية مرتبات كبار الموظفين والمستخدمين الدينيين. وقد سوى القانون أيضًا مسألة المدارس الطائفية للمسلمين وحقوق كبار الموظفين الدينيين فيما يختص بالقضاة الشرعيين. وباندماج البوسنة والهرسك في يوغوسلافيا برزت مسألة الطائفية الدينية الإسلامية مرة أخرى في المقدمة. وفضلًا عن ذلك فقد كان هناك مسلمون في يوغوسلافيا، خارج البوسنة والهرسك، وبقى قانون سنة 1909 م سارى المفعول، رغم ذلك، حتى سنة 1930 م، وكانت هناك منظمة دينية إسلامية قائمة بذاتها تضم الصرب ومقدونيا والجبل الأسود. وأصيب بعض ملاك الأراضي المسلمين من جراء تطبيق الإصلاح بأفدح مما أصيبت به الأوقاف في البوسنة والهرسك، ذلك لأن أملاك الأوقاف كانت أرض بناء في المدن أكثر منها أرض زراعة في الريف. بيد أن اللامركزية في إدارة الأوقاف في البوسنة والهرسك والإدارة المالية المختلة، والتصرفات السيئة، كل هذا جر عليهما النكبات. وبعد إلغاء الحكم النيابى في يوغوسلافيا نفذ في سنة 1930 م قانون خاص بالطائفة الدينية الإسلامية ودستورها في المملكة اليوغوسلافية،

وهكذا اتحدت الطوائف الدينية الإسلامية المستقلة استقلالا ذاتيًا من العهد السابق، تحت رئاسة رئيس واحد هو رئيس العلماء ورئيسين من "مجلس علماء". ونقل كل من المقر الرسمى لرئيس العلماء ومركز ديوان الطائفة الدينية الإسلامية إلى بلغراد. ثم كان هناك فوق ذلك مجلسان للعلماء ومجلسان "لوقف معارف" بلجانهما الإدارية، وكانت مكاتبهما الرئيسية في سراييفو وسكوبيه. وكان المفتون، وديوان ناحية "وقف معارف" برئاسة أحد قضاة الشريعة، "وجمعيات مجلس" برئاسة "جمعيت إمام" أدنى من ذلك سلطة. ومن الممكن أن نرى معالم القانون والدستور فيما هو واقع من أن أغلبية المناصب كانت بالتعيين وأن منصب رئيس العلماء كانت له الصدارة في مجلس العلماء. وكان رئيس العلماء، في الواقع رأسًا ورمزًا لطائفة دينية إسلامية موحدة في الدولة بينما كانت الإدارة ثنائية (سراييفو وسكوبيه)، وسنت قوانين خاصة لتنظيم انتخاب المرشحين لمنصب رئيس العلماء من بين أعضاء مجلس العلماء والمفتين. وكان على الجماعة الانتخابية أن تختار ثلاثة مرشحين لمنصب الرئاسة يعين واحد منهم بأمر ملكى بتوصية من كل من وزير العدل ورئيس الوزراء. وكان تعيين أعضاء مجلس العلماء والمفتين كذلك بأوامر ملكية بتوصية من وزير العدل. وبنفاذ القانون الجديد والدستور في سنة 1936 م حدثت تغييرات لا تتعارض، مع ذلك، مع الموحدة التي يعبر عنها منصب الرئيس ولا مع ثنائية الجماعات الحاكمة الأخرى. وأصبحت الإدارات الرئيسية للطائفة الدينية الإسلامية هي ما يأتي: جماعت مجلس، ومأمورية أوقاف الناحية، وعلما مجلس في كل من سراييفو وسكوبيه، وجمعية وقف معارف في سراييفو وسكوبيه (سابور)، مع لجان الجمعية، ودواوين الأوقاف، ورئيس العلماء مع من يختاره أو بكامل هيئة المجلس. وكان محل إقامة الرئيس في سراييفو. واستغنى عن وظيفة المفتى. والميزة الأولى لهذه

التنظيمات هي في تخير الجماعات وكبار موظفى الدولة. فلانتخاب أعضاء لمجلس العلماء كانت كل جمعية تختار جماعة انتخابية من عشرة أعضاء، وهذه بدورها تشكل جماعة انتخابية واحدة لانتخاب ثلاثة مرشحين للرئاسة. وكما كان يحدث سابقًا، يعين واحد من المرشحين (وهو في الغالب من يحصل على أكثرية الأصوات) بأمر ملكى بناء على توصية من وزير العدل وكان عن طريق هذا التنظيم أن أثبتت المنظمة الإسلامية اليوغوسلافية -وهي الحزب الذي يتزعمه م. سياهو- وجودها في الجماعة الدينية. وفي يوغوسلافيا الجديدة صين مركز الجماعة الدينية الإسلامية وامتيازاتها بأحكام سنت في الدستور وعدلت بقانون سنة 1953 الخاص بالمركز الشرعي للطوائف الدينية المختلفة. وفصلت التنظيمات الدينية عن الدولة، واعتبر اعتناق معتقدات دينية مسألة خاصة. وسمح للطوائف الدينية أن تدير مدارس لتخريج موظفين ومستخدمين دينيين، كما سمح للدولة أن تمد يد العون لهذه الطوائف الدينية. وتدار سياسة الطائفة الدينية الإسلامية بموجب أحكام دستور الطائفة الإسلامية في جمهورية يوغوسلافيا الاتحادية الشعبية، الذي سنته ونفذته الجمعية التشريعية العليا للأوقاف في سنة 1947 م. وأدخلت عليه منذ ذلك الوقت تعديلات وأضيفت إليه أخرى. واستكمل الدستور وحدة التنظيم الدينى للمسلمين، لا عن طريق منصب رئيس العلماء فحسب، بل عن طريق إنشاء الجمعية التشريعية العليا للأوقاف أيضًا، التي رخصت في نفس الوقت من أجل البناء الاتحادى للدولة، بإنشاء مجالس علماء وجمعيات تشريعية للأوقاف كل على حدة في الجمهوريات الأربع التي يؤلف فيها المسلمون جانبًا عظيمًا من السكان. وتنتخب الجمعية التشريعية العليا للأوقاف كلا من رئيس العلماء والأعضاء الأربعة في الهيئة العليا. المصادر: (1) N. Stojanovich, O. Naszhich, V. Skarich - Bosna i Hercegovina pod austro ugarskom upravom, Srpski nauod u XIX veku بلغراد، سنة 19378.

البوصيري

(2) Uloga u verskom i: A.I. Balagija svetovnom prosvechivanju nachih muslimana, بلغراد، سنة 1933. (3) Le gislation relative a: M.Begovich l organisation des affaires religieuses des musulmans en Yougoslavie Annuaire, de l association Yougost. de droit int بلغراد- باريس، سنة 1934. (4) The Statute of 1909 concerning autonomous government of Islamic affairs in Mearif - religious and Vakf Bosnia and Herzogovina (5) Law of January 31 st, 1930 concerning the Islamic religious Community in the .Kingdom of Yugoslavia (6) Constitution of the Islamic religious Community in the Kingdom of Yugoslavia (July 9 th 1930). (7) Law of March 25 th 1936 Concernig the Islamic religious Community in the .Kingdom of Yugoslavia (8) Constitution of the Islamic religious Community in The Kingdom of Yugoslavia, October. 24 th 1936. (9) Law of May 27 th 1953 Concerning the legal position of religious Communities (10) Constitution of the Islamic in the FPR of religious Community Yugoslavia (Glasnik Vrhovnog islamskog (1957 , 3 - 1 .starkjeshinstva u FNRJ br (11) Enciklopedija Yugoslavije: الرابع Begovich Islam u Yugoslaiji: (تحت الطبع). عبد القادر [جورجف Djurdiev Bransilav]. البوصيري شرف الدين محمد بن سعيد ابن حماد بن محسن: شاعر عربي من أصل بربرى كما نستدل من نسبته القبلية الصنهاجى. ولد في أول شوال سنة 608 (7 مارس 1213) في أبو صير، ومن ثم لقب بالبوصيرى، أو في بلدة دلاص.

كما في رواية السيوطي ومن ثم لقب بالدلاصى ولا نعرف إلا النزر اليسير عن تاريخ حياته. فقد عاش هذا الشاعر في بلبيس، وكان خطاطًا ماهرًا حضر دروس الصوفى أبي عباس أحمد المرسى، واشتهر بتعمقه في الحديث. لا نعرف تاريخ وفاته على وجه التحقيق، إذ يذكر كل من المقريزى وابن شاكر أنه توفي سنة 696 هـ (1296 - 1297 م) بينما يقول السيوطي أنه توفي سنة 695 هـ (1295 - 1296 م) وحاجي خليفة أنه توفي سنة 694 هـ (1294 - 1295 م). وكان قبره قريبًا من قبر الإمام الشافعي. ونظم هذا الشاعر عدة قصائد أشهرها البردة "الكواكب الدرية في مدح خير البرية" ونذكر أيضًا من بين قصائده "الهمزية في المدائح النبوية". وقد شرحت هذه القصيدة وطبعت عدة مرات بعنوان "ذخر المعاد في معارضة بانت سعاد" وهو في هذه القصيدة يقلد كعب بن زهير الشاعر المشهور، وله أيضًا لا القصيدة الخمرية" و "القصيدة المضرية في الصلاة على خير البرية" والتوسل بالقرآن". المصادر: (1) ابن شاكر: فوات الوفيات، بولاق سنة 1299 هـ، جـ 2، ص 204 (2) السيوطي: حسن المحاضرة، القاهرة سنة 1293 هـ، جـ 1، ص 260 (3) ابن عاشور: شفاء القلب الجريح، بولاق سنة 1292 هـ، ص 10 (4) R. Basset مقدمة ترجمته لقصيدة البردة، باريس سنة 1894، ص-1 - 12. (5) Gesch . d . arab: Brockelmann Litteratur، جـ 1، ص 264 - 265 (6) Gabriell: البردتان، فلورنسه سنة 1901، ص 24 - 29. [باسيه Rene Basset]

بومباي

بومباي ولاية في غربي الهند قصبتها مدينة بومباى وهي تمتد من السند وتخترق كجرات إلى كُنكن، ثم تتوغل داخل البلاد مخترقة جبال الغاط حتى الدكن والكرنات. وتضم بين أطرافها الممتلكات البرتغالية كوا Goa ودمان وديو وتضم أيضًا ولاية برودة. ومستعمرة عدن التي على مدخل البحر الأحمر هي جزء من بومباى من الوجهة السياسية، وولاية بومباى تختلف عن سائر الولايات في أن ما يربى على ثلثها من الولايات الوطنية. ومساحتها بما فيها هذه الولايات 188.745 ميلا مربعًا، وبلغ عدد سكانها عام 1901: 25.424.235 نسمة. ويمكن الرجوع فيما يختص بتاريخها في عهد المسلمين إلى مواد كجرات والدكن والسند. وأهم إماراتها الإسلامية الآن هي خيربور في السند، وجنكره في كاتهياوار، وكمباى وبالنبور ورادهنبور في كجرات، وجنجيرة في كنكن. وعلى الرغم من أن ولاية بومباى كانت بأسرها تحت حكم المسلمين في زمن ما، فإن الإنكليز انتزعوها من المراطها فيما عدا السند وبلغ عدد المسلمين فيها وفقًا لتعداد 1901 م: 4.567.295 أي 18 % من السكان. ولكننا إذا استبعدنا سكان السند فإن عدد المسلمين ينقص إلى ما يقل عن المليونين، وتصبح النسبة 7 % بينما وصلت نسبتهم إلى باقي السكان في السند 76 % وتربى نسبتهم على 10 % في مدينة بومباى وفي ناحيتين من نواحى كجرات وناحيتين من نواحى الكرنات، ونستدل من هذا التوزيع غير المستقر على أن الإسلام لم يتسرب إلى نفوس المراطها في الدكن على الرغم من بقائهم تحت حكم المسلمين ما يقرب من أربعة قرون ومعظم المسلمين في سائر أنحاء الهند من أهل السنة وتقدر نسبتهم- 97 % ويمثل مذهب الشيعة فيها الخوجات ويبلغ عددهم 50.837، والبهرة ويبلغ عددهم 118.307 نسمة، وينتمى البهرة إلى طبقتين متمايزتين، الطبقة الأولى، وهي جماعة من التجار الأغنياء في مدينة بومباى وغيرها من المراكز التجارية والطبقة الثانية وهي جماعة من الزراع في

كجرات، وهم من أهل السنة لا من الشيعة ويقال إن فرقة الأحمدية التي أنشأها المرحوم غلام أحمد القاديانى في الينجاب قد اجتذبت إلى صفها ألفًا من سكان بومباى ونذكر من الجماعات أو الأجناس الأخرى الممونية ويبلغ عددهم 97.000 نسمة، والبلوج وعددهم 543.000، وأغلبهم يعيش في السند، والعرب وعددهم 262.000. والبطهان أو الأفغان وعددهم 170.000، والمغل وعددهم 28.000 نسمة فقط. وإذا استثنينا نماء عدد المسلمين في السند فليس هناك ما يحملنا على الظن بأنهم يتزايدون أكثر من بقية السكان. + بومباى، الولاية: ولاية من ولايات الاتحاد الهندى تشغل أراضى كوتج وسوراشترا، وكجرات، ومهاراشترا، وفيدربه. وقد تقررت الحدود الحالية للولاية نتيجة لإعادة تنظيم الولايات في اتحاد الهند سنة 1956. وتكوين الولاية يختلف عن تكوين الولايات الأخرى في الاتحاد من حيث أنها تشمل مناطق تتحدث بلغتين مختلفتين هما المراطهى والكجراتى ويبلغ مجموع مساحة الولاية 190.872 ميلا مربعًا، وقد بلغ عدد سكانها سنة 1901: 48.264.622 نفسًا. وقد كانت هذه الولاية بأسرها خاضعة لحكم المسلمين في يوم من الأيام، بل إن إحصائيات السكان في كثير من المراكز الهامة تكشف الآن عن وجود نسبة كبيرة من المسلمين. والمسلمون هم ثانى الجماعات الهامة في الولاية، ولو أن عددهم تناقص في السنوات القريبة بالنظر إلى هجرة بعض المسلمين من الولاية إلى باكستان بعد التقسيم وبلغت نسبة المتكلمين بالأوردية لغة أصلية في الولاية وفقًا لآخر تعداد، وهو الذي أجرى سنة 1951: 5.33 % وأكبر مراكز السكان المسلمين إذا استثنينا مدينة بومباى هي نواحى: أحمد آباد، وخاندش الشرقية وسورات. ومعظم المسلمين على مذهب أهل السنة. خورشيد [أ. فيضى A. A. A. Fayzee]

البيروني

البيروني أبو الريحان محمد بن أحمد: مؤلف عربي من أصل فارسى، ولد في ذي الحجة عام 362 هـ (سبتمبر عام 973) بضاحية من ضواحي خوارزم. ودرس الرياضيات والفلك والطب والتقاويم والتاريخ. وكانت بينه وبين ابن سينا مراسلة، وأثمرت هذه الدراسات المتعددة فألف البيرونى أول كتبه الكبيرة المسمى "كتاب الآثار الباقية عن القرون الخالية" (وهو بالألمانية - Chro nologie orienta Lischer Voelker. وقد نشره إداورد سخاو في ليبسك عام 1878، وترجم إلى الإنكليزية بعنوان - Chronology of Ancient Nations, an Eng -lish Version of the Arabic Text of the Ath arul Bakiya of Al-Bairuni or Vestiges of the Past, جمعه وحبره المؤلف عام 390 - 391 هـ (1000 م)، وتر جمه ونشره المستشرق سخاو وعلق عليه ووضع له فهرسًا: (Or. transl. Fund: C. E. Sachau، لندن سنة 1879 م). وذهب البيرونى في حداثته إلى الهند، وكانت قد دخلت في الإسلام وقتذاك بفضل الحملات المظفرة التي قامت بها جيوش محمود الغزنوى، ودرس هناك العلوم اليونانية وأخذ يستقى من مناهل الثقافة الهندية. وضمّن خلاصة هذه الدراسات كتابه الثاني الكبير "تاريخ الهند" AL-Berun's - India, An account of the Religion, Phi -losophy. Literature, Chronology, Astron -omy, Customs, Laws, and Asrology of In dia About 1030 نشره في لندن إدوارد سخاو عام 1887 م) ونشر المستشرق نفسه ترجمة إنكليزية له مع تعليقات وشروح في لندن عام 1888 م في مجلدين، وظهرت الطبعة الثانية عام 1910 م (انظر سخاو Indo-arabische: Sachau - Studien zur Aussprache and Geshichte des In dischen in der I Haelfe des XL Jahrh, abh.d. Berl. Akademi عام 1888 م). ولما عاد من الهند استقر في البلاط الغزنوى وأهدى إلى السلطان مسعود بن محمود عام 421 هـ رسالة في علم الفلك عنوانها "القانون المسعودى في الهيئة والنجوم" (Verzeichnis der arab. Hdss. der: Ahlwardt Kgl Bibliothek zu Berlin رقم 5667، . Supp. to the Catalgue of the Ar. Rieu Mss in: the British Museum، رقم 756؛ Bib- .liothecae bodleianas Cadd Mss. Orient

cat، جـ 2، ص 370؛ ملا فيروز، ص 35، رقم 65). وصنف في العام نفسه رسالة قصيرة في الهندسة والحساب والتثجيم عنوانها "التفهيم لأوائل صناعة التنجيم" (Ahlwardt، كتابه المذكور، رقم 5665 - 5666؛ Bibl. codl، جـ 1 رقم 1020، جـ 2، 282؛ des MSS arabes: de Slane Catalogue Bibliotheque Nationale، رقم 2497؛ وهناك نسخة فارسية، انظر فهرس المخطوطات الفارسية، بالمتحف البريطانى، جـ 1، ص 451). وتوفى البيرونى في الثالث من رجب 448 هـ (13 ديسمبر عام 1048 م) وله إلى جانب الكتب التي ذكرناها والرسائل الصغيرة في الرياضيات والفلك (H. Suter: Auffindung der Sehnen mit Das buch der -Kommentar von Abu'l-Raihan Mu hammed Al-Biruni uebers. mit Komt. المكتبة الرياضية، المجموعة الثالثة، جـ 11، ص 151، ليبسك سنة 1910) كتاب في المادة الطبية عنوانه "كتاب الصيدلة" (صيدنة) وقد ترجمه في الهند إلى الفارسية أبو بكر بن عثمان الأصفر الكاسانى، وكان ذلك عام 607 هـ الموافق م (انظر H. Beve- ridge في مجلة الجمعية الآسيوية الملكية، عام 1902، ص 333 - 335). وصنف البيرونى كتابًا في الجواهر عنوانه "كتاب الجماهر في معرفة الجواهر" وأهداه إلى الملك المعظم أبي الفتح مودود المتوفى عام 440 هـ الموافق 1048 م (Bibl. arabico: Casiri hispana Escurialensis جـ 1 ص 322؛ Steinschneider في zeitschr. d. Deutsch .Morgenl. Gesch، جـ 49، ص 252). وبقيت من تصانيفه رسالة عن الصلة بين أحجام المعادن والجواهر (مخطوط بمكتبة الأقمار الثلاثة للروم الأرثوذكس في بيروت، انظر لويس شيخو في مجلة المشرق عام 1906 م، ص 19؛ E. Wiedemann في sitzungsber. der phy- sikalisch- medizinischen Sozietaet in Er langen، المجلد 28 , عام 1916، ص 163 - 166). المصادر: (1) ابن أبي أصيبعة، طبعة ميلر Mueler, جـ 2، ص 20 (2) السيوطي: بغية الوعاة، القاهرة سنة 1326 هـ، ص 20.

(3) Wuestenfeld في Lueddes Zeitschr، جـ 1، ص 36 (4) الكاتب نفسه: Die arab. Aerzte, رقم 129. (5) الكاتب نفسه: Die Ges- chichtschreiber Der Arabei رقم 195. (6) Histoire de la med.: Leclerc arabe، جـ 1، ص 480 (7) Reinaud في Geographie d'Aboulfeda الترجمة، جـ 1، ص 95. (8) الكاتب نفسه: Memories de L'Acad emie des Inscriptions جـ 18، ص 2، 29 (9) Mehren في Annaler for nordisk Oldkundigheid، سنة 1857 ص 23، رقم 15 (10) History of India: Elliot-Dowson. جـ 2، ص 1 (11) Die Mathematiker und: H. Suter Astronomen der Araber and ihre Werke ص 98، رقم 2، 18 (12) Gesch. d. ar.: Brockelmann Lit، جـ 1، ص 475 (13) Les Juifs chez Al-: M. Shreiner biruni في Revue des Etudes Juives، جـ 12، ص 258 (14) Le projezioni car-: M. Fiorini tographiche di Albiruni في Bulletino del- la societa geographica italiano السلسلة 30، جـ 4، ص 387 - 294. [بروكلمان C. Brockelmann] البيروني، الخوارزمي: اسم آخر يطلقه كتاب العرب أحيانًا على أبي الريحان البيرونى. وليس من شك أن ياقوت قد استعمل الاسم الأول مرة واحدة فقط (انظر معجم ياقوت، جـ 1، ص 417). ومما يؤسف له أن العلماء المحدثين يستعملون اسم الخوارزمى على الرغم من أن ذلك يسبب الالتباس. ونضيف إلى المصادر التي ذكرت آنفًا ما يأتي: "الآثار الباقية" وقد أعاد نشره هاراسوفتز O. Harrassowitz في ليبسك سنة 1923 مستعينًا بالتصوير الشمسى. ويجب أن نضيف السير الآتية. (أ) سيرة البيرونى بقلمه (نشر النص العربي سخاو Sachau. في مقدمة كتاب الآثار الباقية) وقد ترجم هذه

المقدمة ونشرها سوتر H. Suter وفيرمان Beitr. L X. Ueber: E. Wiedeman al- Biruni and seine Schriften في S.B.P.M.S. Erlg. جـ 52، 53، سنة 1920 - 1921، ص 55 - 96. (ب) سيرة البيرونى بقلم ابن أبي أصيبعة، جـ 2، ص 20 - 21 انظر E. Wiedeman فيدمان - Beitr. XXVILL, Biographie von al Biruni,، جـ 24، ص 117 - 118. (جـ) سيرة البيرونى بقلم ياقوت في كتاب إرشاد الأريب طبعة مركوليوث Margoliouth جـ 6، ص 308 - 314، انظر E. Wiedemann & J.Hell suze: Mitteilungen Ueber al-Biruni Gesch. der Medizin u. Naturw, جـ 11، سنة 1912، ص 314 - 321. (د) سيرة البيرونى بقلم ظهير الدين البيهقي في كتابه تأريخ الإسلام (انظر فهرس مكتبة برلين رقم 10052، وانظر Beitr. XX No. 28: : E. Wiedemann Einige Biographien nach al-Baihak,: جـ 92، سنة 1910، ص 66). ونذكر فيما يلي الطبعات المختلفة لمؤلفات البيرونى: (1) Astronomische: E.Wiedemann Instrument Trigonometrische Groes-XVII, sen Geodaetische Messungen في S.B.P.M.S. Erlg., جـ 41، ص 26 - 78 (2) J. Frank & E. Wiedemann: Beitr. LXI, Allgemeiene Betrachtungen von al-Biruni in seinem Werk ueber Astrolabienm, جـ 52 - 53، سنة 1920 - 1921، ص 97 - 121. (3) Ein Instrument: E. Wiedemann das die wewegung von Sonne and Mond darstellt nach al- Biruni سنة 1913، ص 5 - 13. (4) Ueber die Vers-: E.Wiedemann chiedenen, bei der Mondfinsternts auf- Eders trelenden Farben nach al-Biruni Jahrbuch fuer Photographie سنة 1914 (5) الكاتب نفسه: Ueber Ers- cheinung en bei der Duemmerung and bei Sonnenfnsternissen nach arabischen Archiv fuer Geschichte der في Quellen Medizin جـ 15، 1923، ص 43 - 52 (6) الكاتب نفسه: Meteorologisches aus der Chronologie von al-Biruni في

Meteorolog. Zeitschr سنة 1923، ص 199 - 203. (7) الكاتب نفسه: Ueber Ge- setzmaessigketen bei Pflonzen nach al- Biruni Biolog. Zentralblatt, جـ 90، سنة 1920، ص 413 - 416. (8) الكاتب نفسه: Beitr. XXVII, Geographisches aus al-Biruni في S.B.P.M.S. جـ 44، سنة 1912 ص 1 - 26. (10) H. Suter: Ueber die Projektion der .Sternhilder and der Laender von al -Biruni. Tastih al-Suwar wa-Tabtih al -Kuwar (Abhandlungen zur Gesch. der Na turw-u. Medizin جـ 4، سنة 1922، ص 79 - 93). (11) al- Biruni als Quelle: Ruska Schriften al-Razis fuer das Leben and die في Isis.، جـ 5، سنة 1922 ص 26 - 50. (12) Beitr. LXVIII,: : E. Wiedemann -Ueber die Waage des Wechselns (nach al Khazini) und die Lehre von den Pro- portionen nach al Biruni في S.B.P.M.S. Erlg., جـ 53، سنة 1916 ص 1 - 15. (13) Das Buch der auf-: H.Syter findung der Sehnen im Kreise you Abu'- Raihan Muhammed al-Biruni في Bib;l. Math. المجموعة الثالثة، جـ 11، سنة، 1909 - 1910، ص 11 - 78. (14) الكاتب نفسه: Der Verfasser des Buches "Gruende der Tafeln" des Chuwarezmi (naemilic al-Biruni), في Bibl. Math., المجموعة الثالثة جـ 4، سنة 1903. ص 127 - 129. (15) Aus der ma-: C. Schoy thematischen Georgraphie der Araber (nach dem Kanun al-Masudi) etc., في Isis. جـ 5، سنة 1922 ص 51 - 75. (16) الكاتب نفسه: Die Bestimmung der georgrapghischen Breite der Stadt Ghazna durch al-Biruni في Annalen der Hydrographie سنة 1925، ص 41 - 48. (17) الكاتب نفسه: Die trigo-noetrischen Lehren des arabischen Astro -nnmen Muhammed b. Ahmed Abu'l Rai han al-Biruni، هانوفر سنة 1925 (18) Ueber den Wert: E. Wiedemann von Edelsteinen bie den Muslimen في

تعليق علي مادة "البيرونى"

Isi. جـ 2، سنة 1911، ص 345 - 358. (19) الكاتب نفسه: Beitr.xxxl, Ue- ber der Verbreitung der Bestimmungen der spez. Gewichte nach al-Biruni في S.B.P .. S. Erlg., جـ 45, 1913، ص 31 - 34. (20) J.Hell & E. Wiedemann: Beitr. XXIX, Geographisches aus dem mas'udischen Kanon von Al-Biruni جـ 44، 1912 م، ص 119 - 125. أما كتاب البيرونى في الفلك "التفهيم لأوائل صناعة التنجيم" الذي كتب في سنة 1029 فقد نشره مع ترجمة إنكليزية رمزى رايت Ramsay Wright, لندن، سنة 1934 عن مخطوط محفوظ في المتحف البريطانى، ويمكن الرجوع إلى مادة "ميزان" فيما يختص بتحقيقات البيرونى عن الجاذبية النوعية. وهذه التحقيقات متصلة بكتابه المسمى "في النسب التي بين الفلزات والجواهر في الحجم". (فيدمان E. Wiedemann). تعليق علي مادة "البيرونى" البيرونى هو أبوالريحان محمد بن أحمد الفلكى، وفي رواية غير التي اعتمد عليها كاتب المادة أنه ولد بخيوة سنة 962 ميلادية (351 هجرية) وتوفي سنة 1048 ميلادية (440 هجرية). لم يقصر همته في مدارسة العلوم والتأليف فيها على الفلك والرياضيات بل تناول الآداب والتاريخ واختص في الفن الأخير بتدوين أخبار الأمم الشرقية عامة والأمة الهندية بخاصة. فقد استقصى حوادث الهند وأخبارها وأساطيرها ووصف عاداتها وأخلاقها وأزياءها في إفاضة عجيبة وأخذ بالأطراف. لهذا انعقد إجماع النقاد على أن تواليفه في التاريخ من خير المراجع لاستطلاع أخبار الشعوب الشرقية وحوادثها وأساليب معيشتها. وقد تصدت المَعْلمة الفرنسية الكبرى La Grande Encyclopedie francais لذكره، فجاء في الجزء السادس منها ما يأتي: "مع أن البيرونى كتب أغلب مؤلفاته باللغة العربية فقد كان بارعًا في الكتابة باللغة الفارسية سهل العبارة فيها، وله في اللغتين كتاب أسماه "التفهيم لأوائل

صناعة التنجيم" (وقد أشار إليه كاتب المادة) وفي دور الكتب الأوروبية الرسمية جملة طيبة من مؤلفاته القيمة يرجع إليها المستشرقون في بحوثهم. وقد نشر المستشرق الألمانى سخاو. E Sachau مصنفين منها الأول بعنوان Chronologie tablischer Volker وقد طبعه في ليبسك سنة 1878؛ والثاني بعنوان Albiruni's India وطبعه في لندن سنة 1887. وصدرت ترجمة الكتاب الثاني بالإنكليزية في سنة 1888 كما صدرت ترجمة الكتاب الأول بها في سنة 1879 تحت عنوان " The chro- nology of ancient nations انتهى كلام المعلمة الفرنسية. وقد ألمّ كاتب المادة بأسماء طائفة من مؤلفات البيرونى كلها جليلة الخطر، لكن أجلها خطرًا وأبقاها أثرًا وأنفسها ذخرًا كتابه في الفلك الموسوم بـ"القانون المسعودى" وهو مصنف ضخم يحتوي 143 بابا في 11 مقالة، ألفه برسم السلطان مسعود بن محمود ابن سبكتكين صاحب غزنة. يروى أنه لما أتم تأليفه وحمله إليه أراد السلطان أن يجزيه على هذا العمل الجليل بعض ما يستحقه فوّجه إليه ثلاثة جمال تنوء بأحمالها من نقود الفضة فردها أبو الريحان إليه قائلا: إنه إنما يخدم العلم للعلم لا للمال! أما موضوعات القانون المسعود فتتناول علم الفلك بحذافيره، فهو إذًا من أكثرها إفاضة في موضعاته وأحواها لدقائق حقائقه. وقد صدره أبو الريحان بمقدمة بليغة العبارة تتضمن التقدمة والأدعية للسلطان مسعود، وقد استهلها بعد البسملة بقوله: "المسعود من سعد بالله وانفرد بتأييده عن الأشكال والأشباه فلا واضع لمن رفع ولا واجد لما منع". ثم قال في غضون التقدمة: "الملك السيد الأجل المعظم خليفة الله وناصر دين الله وحافظ أوامر الله والمنتقم من أعداء الله أبو سعيد مسعود ابن يمين الدولة وأمين الملة محمود أطال الله بقاه وأدام إلى المعالى والمآثر ارتقاه" إلى أن قال في ختام هذه المقدمة: "وإياه أسأل أن يجعل دولة السلطان المعظم الملك الأجل السيد نورا لخلقه كما جعل

سلطانه ظلًّا لهم في أرضه ويجلى مجلسه بدائم الإقبال والسعادة ويجعلها مترقية إلى الزيادة إنه على ما يشاء قدير وبمصالح عباده خبير بصير". هذا ولقد كانت لي بنسخة مخطوطة من هذا الكتاب النفيس شأن وصلة يرجعان إلى سنة 1912. فلقد كنت في مكتبى بإدارة المطبوعات إذ ببائع كتب من المتجولين يدخل على متهلل الوجه ويضع بين يدي نسخة مخطوطة رائعة من دلك المصنف طالبًا منى بضع عشرات من الجنيهات ثمنًا لها فخشيت أن يقع هذا الذخر الثمين في يد من يعرف قيمته من الأجانب أو في يد من لا يعرفها من الجهلاء المتعالمين فيكون مصيره إلى الضياع، فزودت الرجل ببطاقة إلى صديقى وقسيمى في بعض الأعمال العلمية المغفور له على أبو الفتوح باشا وكان وقتئذ وكيلا لوزارة المعارف حاثَّا له على اقتناء الكتاب بأى ثمن. فأخبرنى رحمة الله عليه بأنه دفع في الكتاب 29 جنيها وأنه عزم على أن يخاطب صهره المرحوم إبراهيم نجيب باشا وكان مديرًا لديوان الأوقاف في طبع ذلك الكتاب الجليل طبعة متقنة في مطبعة هذا الديوان، ولكن المنية حالت دون تحقيق هذه الأمنية وظللت أعوامًا بعد دلك أتحرى أنباء الكتاب النفيس حتى علمت من حضرة صاحب العزة مصطفى نجيب بك من مستشارى المحاكم المختلطة أن دار الكتب المصرية ابتاعته بأربعين جنيهًا وهو الآن درة في جبين مقتنياتها الفلكية المخطوطة الثمينة. تحت عنوان الكتاب قرأت ما يأتي: "الخزانة المعمورة المخدومية الصاحبية الأعظمية المشرفية عمرها الله بدوام دولة صاحبها" وهذا يفيد أنه كان ملكا لأمير خطير أو سلطان كبير. ومن لطائف الاتفاق أن الكتاب ألف برسم السلطان مسعود بن محمود وسمى بالقانون المسعودى نسبة إليه وأن ناسخه الذي انتهى من نسخه في جمادى الأخرى سنة 673 هجرية هو "الراجي رحمة ربه محمد بن مسعود ابن محمد السنجارى المنجم". وأن منقذ الكتاب من يد الضياع وكاتب هذا التعليق هو خادم العلم للعلم. محمد مسعود.

البيضاء

البيضاء (أي المدينة أو القلعة البيضاء): اسم مكان عربي متواتر يطلق على أماكن متفرقة في جميع أرجاء الأراضي الإسلامية. ويذكر الهمدانى (صفة جزيرة العرب) أربعة أماكن بهذا الاسم، وجاء في ياقوت ذكر ستة عشر مكانا مختلفا معروفة باسم البيضاء، وأهمها بلدة البيضاء الفارسية القائمة في ولاية فارس شمالي شيراز وغربى إصطخر، وكان اسمها الأصلي نَسَا - وهذه المدينة هي قاعدة إقليم كام فيروز، وكانت في حجمهما تعادل حجم إصطخر في القرن الرابع الهجرى (العاشر الميلادي) وتكتنفها مراع خصيبة. وقدخرج عدة علماء من البيضاء، وقد ولد بها الحجاج أيضًا. أما عن البيضاء في جنوبي جزيرة العرب، فهي قاعدة بيحان الأعلى. المصادر: (1) الإصطخري، ص 126، 197. (2) ابن حوقل، ص 197. (3) ابن خرداذبة، ص 46. (4) المقدسي، ص 24، 432. (5) ياقوت جـ 1، ص 791 (المشترك، ص 77). (6) Le Strange، ص 280. (7) Bei-: H. von Wissann & Hoefner -traege zur histr. Georg. des Vo rislamischen Suedarabien، ص 14، 23، 58، 62، 66. خورشيد [لوفكرن. O.Loefgren] البيضاوي عبد الله بن عمر: أحد مفسرى القرآن وابن قاضى قضاة فارس في عهد الأتابك أبي بكر بن سعد (613 - 658 هـ = 1226 - 1260 م) ولى القضاء في شيراز ثم استقر آخر الأمر في تبريز حيث توفى كما يقول الصَفدى عام 685 هـ (1282 م). ويذهب السُبْكى إلى أنه توفى عام 691 هـ الموافق 12191 م (السيوطي: بغية الوعاة) غير أنه ليس من المحتمل أن تكون وفاته قد تأخرت حتى عام 716 هـ الموافق 1316 م (انظر Rieu:

ملحق المخطوطات العربية في المتحف البريطانى، ص 116). وأهم تصانيف البيضاوى "أنوار التنزيل وأسرار التأويل" وهو تفسير للقرآن اعتمد فيه على تفسير الزمخشرى المعروف بـ "الكشاف" ولكنه توسع كثيرا في التفسير مستعينا في ذلك بمصادر أخرى. "ويعتبر أهل السنة تفسير البيضاوى من أحسن التفاسير وله في أنفسهم مكانة عظيمة. ويمتاز البيضاوى في مصنفاته بتركيز الكثير من المعلومات في أسلوب مقتضب لا إسهاب فيه. (انظر. Gesch. d Qorans، ص 29، الطبعة الأولى: com- mentarius in Coranum: Beidhawii, باريس، درسدن، ليبسك، طبعة فليشر Fleischer، ليبسك عام 1846 - 1848 في مجلدين؛ Indices ad Beidhawii Com- mentarium in Coranum, طبعة فيناند فل Winand Fell - ليبسك سنة 1878؛ D.S. Margoliouth Chrestomathia Baidawiana لندن سنة 1894). وطبع تفسير البيضاوى عدة مرات في الشرق: بولاق سنة 1281 - 1283 هـ؛ إستانبول سنة 1285، 1305 (طبعة حجرية) 1314 هـ؛ القاهرة سنة 1313 هـ (طبعة حجرية) 1320 - 1321 هـ؛ وطبع في فارس طبعة حجرية في سنة 1283 هـ؛ لكنهؤ سنة 1869، 1873؛ بومباى سنة 1869 ونذكر من الحواشى الكثيرة التي كتبت على هذا التفسير وتم طبعها حاشية ابن التمجيد حوالي سنة 880 هـ (1475 م) إستانبول سنة 1827 في سبعة مجلدات، وحاشية محمد بن مصطفى القوجوى شيخ زاده المتوفى سنة 950 هـ (1543 م)، إستانبول سنة 1283 هـ في أربعة مجلدات، وحاشية عبد الحاكم السيالكونى المتوفى عقب سنة 1060 هـ (1626 م) إستانبول سنة 1271 هـ، وحاشية الخفاجى المتوفى سنة 1069 هـ (1658 م)، بولاق سنة 1283 هـ في ثمانية مجلدات، وحاشية إسماعيل بن محمد القونوى المتوفى سنة 1195 هـ (1781 م) على هامش حاشية ابن التمجيد. وصنف البيضاوى، علاوة على عدة رسائل صغيرة في النحو والفقه، كتاب "منهاج الوصول إلى علم الأصول"

وشرح هذا الكتاب عبد الرحمن بن حسن الإسنوى المتوفى سنة 772 هـ (1370 م) وطبع هذا الشرح في بولاق سنة 1316 هـ على هامش كتاب "التقرير والتخبير" لمؤلفه ابن أمير الحاج. وكثيرًا ما يرجع إلى كتابه في الإلهيات المسمى "طوالع الأنوار من مطالع الأنظار" وقد شرح هذا الكتاب محمود بن عبد الرحمن الإصفهانى المتوفى سنة 749 هـ (1348 م)، وطبع هذا الشرح بالقاهرة سنة 1223 هـ مع حواش للجرجانى المتوفى سنة 816 هـ (1413 م). وطبعت هذه الحواشى بمفردها في إستانبول سنة 1305 هـ. وكتب البيضاوى أيضًا تاريخًا للعالم باللغة الفارسية من عهد آدم حتى سنة 674 هـ (1275 م) واسم هذا المصنف "نظام التواريخ" (انظر - Notices et Ex traits: de Sacy جـ 4، ص 617 - 673؛ Brit. Mus.: Reiu جـ 2، ص 173) وهناك مخطوط محفوظ بين المخطوطات الشرقية بهامبورغ تحت رقم 187 Katalog der orient HSS. der) -Stadt-Bibliothek zu Hamburg mit aussch luss der Hehr. جـ 1) تضمن بعد بدايته تاريخ الصين المأخوذ من كتاب تاريخ العالم لرشيد الدين ولذلك فقد طبع هذا المخطوط ونسب خطأ للبيضاوى (Historia Sinensis persice e: Abdallae manuscripto ed. lat. Beidavaei gemino -quoque reddita ab Andred Mullero Grei fenhagio، يانه سنة 1689). المصادر: (1) السبكي: طبقات الشافعية، القاهرة 1324 هـ، جـ 5، ص 19. (2) السيوطي: بغية الوعاة، القاهرة 1320، ص 286. (3) خواندمير: حبيب السير، بومباى 1857، جـ 3، ص 77. (4) History of India: Elliot، جـ 2، ص 252 وما بعدها. (5) Gesch. der Arab.: Brockelmann Litt. جـ 1، ص 416. (بروكلمان C. Brockelmar) + البيضاوى، عبد الله بن عمر بن على أبو الخير ناصر الدين: ينتسب

البيضاوى لمذهب الشافعي، وقد تولى منصب قاضي القضاة في شيراز، واشتهر بسعة العلم وكتب في عدة موضوعات منها تفسير القرآن، والفقه، والأصول، والكلام، والنحو، وأهم كتبه تفسيره للقرآن المعروف باسم "أنوار التنزيل وأسرار التأويل" وهو بعامة تركيز وتعديل للكشاف للزمخشرى. وهذا الكتاب الذي يفصح عن علم واسع، تشوبه آراء معتزلية حاول البيضاوى أن يصوبها، فحينا يفندها وحينا يحذفها. ولكنه كان في بعض الأحيان يبقى عليها. ولم يزعم البيضاوى في مقدمته أنه يخرج كتابًا مبتكرًا. وهو يقول إنه طالما رغب في إخراج كتاب يضم خيرما عرفه من أئمة الصحابة وأثبات التابعين، وأهل التقى في الزمن الأول. وكان البيضاوى يروم أيضًا أن يضمن كتابه إشارات هي ثمرة أبحاث أسلافه. وكتابه يحتوي أيضًا على بعض قراءات "للأئمة الثمانية الأعلام" (ذلك أن البيضاوى يضيف يعقوب البصري إلى القراء السبعة المشهورين) كما يحتوي أيضًا على القراءات الخاصة لواحد أو آخر من القراء المعترف بهم. وكان ثمرة ذلك كتابًا ذاع صيته كثيرًا، وطبع من ثم عدة طبعات. وكتب على الكتاب بأسره- أو على أجزاء منه- عدة حواش، وقد أحصى بروكلمان 83 منها، ثم ذكر كتابين لفتا النظر إلى المواضع التي بها آراء الزمخشرى، ونذكر من طبعات تفسير البيضاوى الكثيرة الطبعة التي قام بها فليشر H.O. Fleischer (ليبسك سنة 1846 - 1848. في مجلدين، وقد أعد فهارسها فل W.Fell، ليبسك سنة 1878). وطبعة القاهرة، سنة 1330 هـ في أربعة أجزاء يضمها مجلدان، وعليها شرح الخطيب الكازرونى، وقد قررت على طلبة السنة السادسة بالأزهر. وذكر بروكلمان وسركيس الطبعات الأخرى. ومن كتب البيضاوى الأخرى التي انتهت إلينا مطبوعة أو مخطوطة كتاب "منهاج الوصول إلى علم الأصول"؛ وكتاب "الغاية القصوى" (وهو رسالة في الفقه)؛ وكتاب "لب الألباب في علم الإعراب" (في النحو)؛ وكتاب "مصباح الأرواح" و "طالع الأنوار من مطالع الأنظار" (في علم الكلام)، وقد كتب البيضاوى أيضًا كتابًا بالفارسية هو "نظام التواريخ" (نشره مع تعليقات

بيع

باللغة الهندستانية سيد منصور، حيدر آباد سنة 1930) وهو يتناول تاريخ العالم حتى سنة 685 هـ (1286 م) ويقول السيوطي إن البيضاوى توفى سنة 685 هـ (1286 م) نقلا عن الصفدى، ويروى أن السبكي ذكر سنة 691 هـ (1292 م) , ولكن السبكي لم يذكر تاريخًا في طبقاته. ويذكر اليافعى سنة 692 هـ (1292 م)، وينقل رواية تقول إنه توفي سنة 716 هـ الموافق 1316 م (Suppl. to the Cat. of the: Rieu Arab. MSS in the British Museum، ص 68). المصادر: (1) السبكي: طبقات الشافعية الكبرى، القاهرة سنة 1324 هـ، جـ 5، ص 59. (2) السيوطي: بغية الوعاة، القاهرة سنة 1320 هـ، ص 286. (3) اليافعى: مرآة الجَنان، حيدر آباد سنة 1337 - 1379 هـ، جـ 4، ص 220. (4) Brockelmann، جـ 4، ص 530 وما بعدها؛ قسم 1، ص 738 وما بعدها (5) معجم سركيس، القاهرة سنة 1928 - 1930، ص 616 وما بعدها (6) Chrestoatia Baidawiana: Mar- goliouth، لندن سنة 1894 (7) Ges- Oarans chichte des: Th. Nneldeke، الطبعة الثانية، ليبسك سنة 1909 - 1938، جـ 2، ص 176؛ جـ 3، ص 242. خورشيد (روبسون J. Robson). بيع ومعناها عقد البيع، أو بيع البضاعة بالنقد، وتطلق كتب الفقه على بعض المعاملات الشرعية الأخرى التي تقوم على تبادل الأشياء عبارة "أنواع البيع" (انظر كشاف اصطلاحات الفنون، جـ 1، ص 137، س 14 - 16؛ النووي: منهاج الطالبين، طبعة فإن دن برغ Van Den Berg جـ 1، ص 369). والمعاملات الشرعية التي من هذا القبيل هي: بيع العين بالعين ويسمى مقايضة، وبيع النقد بالنقد ويسمى صرفًا، وبيع السلف أو السلم وبمقتضاه يشترى المشترى شيئًا لم يقدره بنفسه وإنما وصف له وصفًا دقيقا ويدفع ثمنه عاجلا، ثم صلح

المعاوضة وهو اتفاق يأخذ الدائن بمقتضاه شيئًا آخر بدلا عن حقه. وهناك أيضًا بيع يشترط فيه شخص أن يكون له حق ارتفاق. ويعتبر مثل هذا العقد في نظر الشرع شراء لحق استعمال الشيء. فيصبح للمشترى مثلًا الحق في أن يمر بأرض الغير (حق الممر)، أو في أن يشيد بناء على هذه الأرض (حق البناء) أو في أن يستعمل حائط جاره لتدعيم بنائه، إلخ. ومن جهة أخرى لا يعتبر جل الفقهاء الإيجار والعارية بيعا، لأن المستأجر في الحالة الأولى لا يحتفظ بحق الانتفاع إلا مدة معينة، كما أن رد المبلغ المقترض في الحالة الثانية لا يمكن أن يكون مطابقا للتقابل فيما بين التزامات التقابل الموجود في عقود البيع (انظر الباجورى في مستهل الفصل الذي عقده عن البيع؛ Muhamm. Recht: Sachau ص 275). وفضلا عن ذلك فإن الفقهاء ألفوا التمييز بين ثلاثة أنواع من البيع هي المرابحة والموادعة والتولية وبمقتضاها يتفق المشترى على أن يدفع في الشيء ثمنا أعلى من الثمن الذي اشتراه به البائع أوأقل منه أو يماثله (انظر صحيفة عقد التولية في Supplem. aux diction.: Dozy arabes، جـ 2، ص 843، عمود 1). وقد أحل الله البيع وحرّم الربا. (سورة البقرة آية 275). ولايكون البيع صحيحا إلا إذا كان بريئا مما نهى عنه الشرع ويعود بربح مشروع. ولا شك أنه في مقدور أي شخص أن ينقل ملكيته إلى شخص آخر، لكن هذه المعاملات لا تسمى في كتب الفقه بيعًا، وإنما جرى العرف بأن يعبر عنها باصطلاحات أخرى مثل "سحب يده" عن شيء ما، و"تخلى" عن حقه في شيء، و"تخلص" من شيء. أما الاستحواذ على شيء فيسمى في هذه الحالات "استيلاء" كما يسمى تسليم شيء "تمكينا". وتسليم الشيء المباع ودفع ثمنه لا يكفيان في نظر الشرع. لأن البيع يتطلب شرعا إيجابا من البائع وقبولا من المشترى. ويرى بعض الفقهاء أن بيع الأشياء الضئيلة القيمة يصح دون التقيد بهذه الإجراءات. وفي الحديث أن النبي حرم إبرام عقد البيع بالملامسة أو المنابذة (انظر صحيح البخاري: كتاب البيوع الباب 62، 63).

وللبائع والمشترى حق فسخ البيع إذا جهر ابذلك طالما أنهما لم يبرحا مكان العقد، (انظر فيما يختص بذلك خيار المجلس Muhamm. Recht: Sachau, ص 286 مابعدها). المصادر: نذكر إلى جانب الفصول عن البيع في كتب الحديث المختلفة وكتب الفقه ما يلي: (1) De coat-: L.W.C. Van den Berg ractu "do ut des" Jure Mohammedano. هي رسالة قدمت إلى جامعة ليدن للحصول على الدكتوراه سنة 1868 (2) الكاتب نفسه: Mohamm. recht over het contract al-Bai in het في Bij- dragen tot de Taal. -land-en volkenk v. N.- Indie، جـ 4، ص 109 - 204؛ انظر المعلومات التي ذكرها Veth في Tijdschr v. N-Indie سنة 1869 جـ 1، ص 371 - 386 (3) الكاتب نفسه: De benginselen van het Mohamm, recht الطبعة الثالثة، سنة 1883، ص 88 - 101؛ وانظر Ind. Gids في Snouck Hurgronje سنة 1884, جـ 1، ص 748 - 755 (4) Muhamm. Recht nach: E. Sachau schafiitischer lehr، برلين سنة 1897، ص 265 - 315 (5) Handbuch des: Th. W. Juynboll Islamischen Gesetzes، ليدن سنة 1919، ص 264 - 266 (6) A dictionary of the: A. Sprenger technical terms used in the sciences of the Musulmans؛ كلكتة سنة 1862، جـ 1، ص 136 - 138. (جوينبول Th. W.Juynboll). + بيع (كلمة عربية): يستعمل في اللغة العربية مصدران للدلالة على عقد البيع هما: بَيع وشَرْى، وصيغة الثلاثى من الأضداد، فهي لا تعنى عادة "باع" فحسب، وإنما تعنى أيضًا "شرى"، أما اشترى فتعنى "الشراء" لا غير، يشترك هذان المصدران مع عدد من المصطلحات الشرعية في التعبير عن إرادة طرفين في علاقة متبادلة. وتعنى كلمة بيع في الأصل صفق اليدين عند إبرام اتفاق، وربما كانت كلمة شرى تعنى حركة السوق التي لا تهدأ. وقد اصطلح في

الشريعة الإسلامية على استعمال كلمة "باع" في عقد البيع، والمصدر "بيع"، كما اصطلح على استعمال كلمة "ابتاع" أو"اشترى" للدلالة على الشراء. وكثيرا ما استعملت كلمة "شرى" للدلالة على معاملة مربحة. وكلمة "اشترى" للدلالة على معاملة غير مربحة (وذلك على سبيل المجاز) في القرآن الكريم، وهذا الاستعمال يطابق كلمتى كمسب واكتسب (انظر Schacht في Studia Islam- ice، جـ 1، ص 30 وما بعدها). وليس من شدُ في أن القانون التجارى بمكة أيام الجاهلية قد بلغ مستوى على قدر من التقدم، فالتجارة التي كانت المدينة تعمد عليها فحسب في معاشها احتلت هنالىً مكان الصدارة، حتى إن القرآن الكريم لم يكثر من الإشارة إليها في كثير من الأحيان فحسب بل أورد من المصطلحات المستعملة في التجارة للتعبير عن أفكار دينية. (وينبغى، من جهة أخرى) عدم المبالغة في تقدير أهمية التجارة المكية بألفاظ مطلقة؛ انظر G.H. Bousque، في Hesp، سنة 1954، ص 233 وما بعدها، ص 238 وما بعدها). ومن الميسور أن نرد إلى تلك المجموعة التي كانت تؤلف القانون التجارى الجاهلى، عقود الربا التي حُرمت بنص القرآن الكريم، وبعض المعاملات التي انتظمت النسيئة والمضاربة، وربما خيار المجلس، الذي يبدو أنه يرجع إلى عرف محلى في مكة (انظر Origins: Schacht، ص 159 وما بعدها)؛ وركنى العقد الشرعيين: الإيجاب والقبول، هما جزء من مصطلحات الشريعة الإسلامية، ومصطلح "إيجاب" نفسه يدل على صياغة أخرى للعقد ملزمة لجانب واحد (انظر Orientalische Li-: Schacht teraturzeitung في سنة 1927، ص 664 وما بعدها). ويضع القرآن الكريم القانون التجارى في اعتباره مباشرة في آيات الترغيب والترهيب، لتأكيد أهمية الاتفاقات وإبرامها، ذلك في الأمر بكتابة الديون إلى أجل مسمى، (سورة البقرة آية 282 وما بعدها؛ وقد جرد هذا الأمر في الشريعة الإسلامية من صفته الملزمة)، وفوق كل شيء التحريمين الواردين بشأن الربا، والميسر الذي ينطوى أيضًا على معاملات الغرر (سورة البقرة، آية 219

وآية 275 وما بعدها، سورة المائدة، آية 90 وما بعدها)؛ وعلى النقيض من موقف المعاصرين فإن البيع، أي التجارة المشروعة، يتعارض تماما مع الربا، وقد استفرغ ما تتضمنه أحكام هذه المحرمات في الشريعة الإسلامية إلى أقصى حده، ويضم الحديث الشريف عددا من المبادئ الخاصة بالتجارة، بصفة عامة، وما ينبغي أن يستمسك به التاجر الصالح، والعقاب المنتظر للتاجر الطالح؛ وهو يشرح أيضًا تعاليم القرآن الكريم. ونذكر منها الأحكام الآتية: الاعتراف بحق الخيار غير المشروط وأثناء المساومة، بشروط معينة، إما أن يتفق عليها، أو تحددها الشريعة بعد إبرام الاتفاق؛ والقاعدة الشرعية التي تقول إن الخراج بالضمان؛ والقاعدة التي تنص على أن الإنتاج الموجود وقت البيع إنما هو ملك للبائع، ما لم يشترط خلاف ذلك، وتحريم بيع شيء غير معين بالضبط (في حالة بيع ثمار ناضجة على شجرة إلخ. فإن مجموعة الأحاديث الأساسية يكفيها التقدير)؛ وتحريم إعادة بيع المأكولات أو السلع بصفة عامة قبل حيازتها (وهذا نتيجة لتحريم الربا) أو بصفة عامة بيع الأشياء التي لم تصبح ملكا للبائع، واستبعاد أشياء معينة من دائرة التعامل، وهي أشياء تعد بحكم الشريعة نجسة أو محرمة، وكذلك الأشياء التي تعد ملكية شائعة مثل فائض الماء، وأخيرا الحكم الخاص المنشعب عن القاعدة العامة، في حالة بائع دابة حلوب لا يحلبها قبل البيع، ليوعز للمشترى بانها تدر لبنا أكثر. وقد كثر الجدل في الماضي حول ما إذا كانت المعاملات قد تأثرت بالقوانين والحياة الاقتصادية للشعوب التي أدمجت في الدولة الإسلامية، ونستطيع الآن أن نرد على هذا التساؤل بالإيجاب (انظر Schacht في XII Convegno "Volta" رومة، سنة 1957، ص 197 وما بعدها، والمصادر المذكورة هناك). عقد البيع هو لب الالتزامات في الشريعة الإسلامية، وقد فننت أشكاله بأدق التفاصيل فيما يتصل بعقد البيع وغيره من عقود المعاوضة أو العقود الثنائية، مثل الإجارة والكراء (L.c. rei, locatio conductio Operarum)، بل إن

عقود النكاح، وإن كانت تعد نظمًا شرعية من نؤع خاص ولا تهبط إلى مستوى عقود البيع، فإنها تفسر على غرار البيع، وقد تعرف أحيانًا بأنها أشكال من البيع. والبيع، بمعناه الضيق، مبادلة للسلع أو للمال، ومن ثم فإنه يتضمن إلى جانب البيع، بمعنى الكلمة، المقايضة والصرف. وفيما يلي سرد موجز للنصوص الأساسية في الشريعة الإسلامية الخاصة طبقا للمذهب الحنفي. إن موضوع البيع يجب أن يكون سلعة أو مالا، كما حددتهما الشريعة الإسلامية، ويضم هذا المال حقوق الارتفاق على عقار عينى ولكنه يستبعد: 1 - الأشياء التي تخرج تمامًا من دائرة التجارة المشروعة، مثل الميتة والدم. 2 - الأشياء التي لا يوجد لها مالك، مثل الوقف أو التي تعد مالا عاما، أو من المال العام إلخ، والتي لا يوجد لها مالك خاص متعين. 3 - الأرقاء الذين تكون ملكية رقابهم مقيدة وبخاصة أم الولد. 4 - الأشياء التي توجد قيود على التصرف فيها، مثل الأشياء التي تعد نجسة بحكم الشرع كالخمر والخنزير والمال غير المتقوم. 5 - الأشياء التي ليست في الحيازة بالفعل، مثل الأشياء المفقودة أو المغتصبة والعبيد الآبقين، وهنا لا يجوز التصرف في المال، لتجنب المخاطرة، والبيع الذي يتم بالنسبة لمال من هذا النوع غير صحيح أو غير جائز. ومهما يكن من أمر فإن الحنفية يقولون إن مثل هذا البيع ليس بالضرورة باطلا كما هو الحكم في الحالات 1 و 2 و 3، لكنه يعد فاسدًا فحسب في بعض الأحوال، ويستعمل هذا المصطلح في المذاهب الأخرى مرادفًا لمصطلح باطل، والبيع الفاسد لا يثمر إلا ملكًا خبيثًا، وهو عرضة للفسخ إلى أن يعاد بيع الشيء، حتى لو كان الطرفان قد وضعا اليد على المال. ويعد الشخص أهلا لإبرام عقد بيع إذا كان حرًّا بالغًا عاقلا، وكذلك القاصر بإذن من الوصى عليه،

والعبد بإذن من مولاه، ويستطيع المولى أن يخول عبده سلطة إبرام عقد بيع فردى أو أن يأذن له بالاشتغال بالتجارة بصفة عامة (ويسمى مثل هذا العبد المأذون)؛ والوكالة جائزة، والوكيل في هذه الحالة يعد طرفًا أصليًا في العقد بالنسبة للحقوق والالتزامات، ولكن حق الملكية ينتقل للموكل الأصيل مباشرة. ويشترك عقد البيع مع العقود الأخرى في أنه يتم بإيجاب وقبول، ويجب أن يطابق كل منهما الآخر بالضبط، وأن يتم ذلك في المجلس نفسه، وإلى العصر الجاهلى يرجع إطلاق مصطلح صفقة على الانتهاء من المساومة، ولكن الشريعة الإسلامية لا تحفل بهذه الدلالة الرمزية، وينتقل الملك عن طريق إبرام البيع ولكنه لا يتم إلا بالتسليم والقبض، الذي يستغنى عنه في حالة عقار عينى؛ ومن جهة أخرى فإن وجود حق اختيار أو خيار يمنع نقل الملك حتى لو تم القبض. وفي حالة الاستحقاق يكون البائع مسئولا عن أي عيب في الملك بقدر الثمن المدفوع؛ وهذا ما يسمى بالمسئولية عن الدرك أو التبعة. ويتضمن تحريم الغرر أن التزامات الطرفين لا بد أن تكون معلومة، وبخاصة فيما يتعلق بموضوع البيع والثمن والشرط أو الشروط. والأمر الأول قاطع في حالة المال الذي يسرى عليه تحريم الربا، وبذلك لا يجوز هنا الجزاف، حتى لو نص على ثمن الموحدة. وثمة تحريم ثالث، كانت له نتائج بعيدة المدى، وهو تحريم بيع دين بدين آخر أو مبادلة دين بدين. ولما كان الثمن يتألف من أشياء غير معينة بالذات (من الذهب أو الفضة عادة) بينما المال المباع هو شيء معين بالذات، فإن القواعد التي تطبق عليهما غير متماثلة، فمثلا يجوز للبائع أن يتصرف في الثمن (غير المعين بالذات) حتى قبل القبض. والواقع أن هناك فعلا شكلا من أشكال الشراء، ولو أنه في رأى المشرعين المسلمين عقد من نوع خاص، وذلك هو السلف أو السلم، وهو الأمر بتسليم مال فيما بعد، مقابل ثمن يدفع في الحال؛ ومصطلح رأسمال الذي يستعمل هنا بدلا من الثمن يبين المعنى الاقتصادى للمعاملة، وهو تمويل

العملاء لحركة تاجر صغير أو صانع حرفى. واقتضى قرب السلم من موضوع تحريم الربا أن بذلت عناية في تناول السلم وأصبح تبعا لذلك يخضع لعدة قواعد خاصة. أما المقابل له وهو السداد المؤجل لمال يسلم فورًا فجائز، ولكن هذا الشكل من البيع أقل شأنا من الأشكال الأخرى المعروفة في الشريعة الإسلامية، ومن الصعب تمييز المقايضة من البيع بوجه عام، ولكن مبادلة مال بمال والتعامل في المعادن الثمينة بصفة عامة يلقى دراسة مفصلة بسبب تحريم الربا. وتعد هذه المعاملات بين ثمن بثمن. وفي العصور الوسطى الإسلامية وُجد عرف تجارى، دعت إليه مقتضيات الحياة التجارية العادية في المدن الإسلامية الكبرى، ثم صاغه بإحكام المستشارون القانونيون للتجار، وهم متخصصون متضلعون في الشريعة الإسلامية، ولم يقف هذا العرف موقف المعارضة المباشرة من الشريعة الإسلامية، بل إنه- على النقيض من ذلك- قد حافظ على معالمها الرئيسية، مثل تحريم الربا الذي لم يكن ثمة جرأة على تحديه، على آية حال، بل عمل على تجنبه، كما تجنب أيضًا أي تعارض مع أحكامها الدقيقة الصارمة، وهو يمتاز بمرونة، مع تحقيق ضمانات فعالة للمعاملة العادلة، وهناك مصدر فريد لمعرفة هذا العرف التجارى في العراق حوالي عام 400 هـ (1000 م) هو ملخص لكتاب الحيل والمخارج، الذي ينسب زورًا للخصاف (طبعة شاخت Schacht، هانوفر سنة 1923، انظر أيضًا الكاتب نفسه في Isi.، سنة 1926، ص 218 وما بعدها؛ المصدر المذكور، سنة 1935، ص 218 وما بعدها؛ R. A fr.، سنة 1952، ص 232 وما بعدها). وحدثت تطورات مماثلة في بلاد المغرب من بعد (انظر Le: O.Pesle Safaa au Maroc contrat de, الرباط سنة 1632؛ Essai sur la methode: J. Berque juridique maghrebine، الرباط سنة 1944، وأبحاث عديدة). ولقد أثر هذا العرف التجارى الإسلامي بدوره في القانون التجارى لأوروبا في بواكير العصر الوسطى.

المصادر: (1) التهانوى: كشاف اصطلاحات الفنون، كلكتة سنة 1854 وما بعدها، انظر "بيع". (2) The Comercial The-: C.C. Torrey ological Terms in the Koran، ليدن سنة 1892. (3) Handbook: Wensinck, انظر مادة Barter (4) F. Peltier (ترجمة): Le Liver des uentes du Mnuwatta de Malek ben Anas، الجزائر 1911 (5) I. Dimitroff، في Mitteilugen des Seminars Fuer Orientalische Sprachen, AF- ricanisch Studien عدد 2، سنة 1908، ص 99 وما بعدها (6) عبد الرحمن الجزيرى: كتاب الفقه على المذاهب الأربعة، جـ 2، القاهرة سنة 1933، ص 192 وما بعدها (7) عمر نصوحى بيلمن: حقوق إسلامية وإصطلاحات فقهية قاموسى، جـ 5، إستانبول سنة 1952، ص 5 وما بعدها (8) Handleiding: Juynbool , الطبعة الثالثة، ص 265 وما بعدها (9) Grundzuege: G. Bergstaesser, طبعة شاخت J. Schacht، ص 10، 47. ما بعدها، ص 60 وما بعدها، ص 69 وما بعدها (10) stitu 7 ioni: S'antillana، جـ 2، ص 112 وما بعدها (11) La uente dans la doc-: O. Pesle trine Malekite، الرباط سنة 1940. (12) Les conditions: Ch. Cardahi -genrales de la vent en droit compare oc cidental et oriental Annales de L'Ecole de Droit de Beyrouth سنة 1945. (13) Introduction: L. Milliot ص 648 وما بعدها. د. يونس (شاخت J. Schacht).

البيعة

البيعة ومعناها الصحيح الصفقة على إيجاب البيع (لسان العرب، جـ 9، س 37) ومن ثم جاء معناها يمين الولاء يقسم بين يدي الخليفة عند ولايته، وهذه الشعيرة عبارة عن وضع اليد في يد الأمير المبسوطة دلالة على الخضوع. وقد أعطانا عمر صيغة البيعة يوم السقيفة وهي "فقلت: ابسط يدك يا أبا بكر، فبسط يده، فبايعته". وهذا الفعل رمز تقليد السلطة (ابن خلدون: المقدمة، جـ 1، ص 171). والبيعة عند الدروز تدل على اليمين أو العهد الذي يرتبط به من يعتنق معتقداتهم. وقد خلط مخالفوهم هذه الكلمة بكلمة بيعة أي كنيسة النصارى ورتبوا على هذا نتائج خاطئة. المصادر: (1) الماوردى: الأحكام السلطانية، ترجمة Ostrorog، جـ 1، ص 110، تعليق 2 (2) Expose de la religion: S.de Sacy des Druzes جـ 2، ص 53 (3) L'Epitre J. Khalil & Ronzevalle a Constantin في Melanges de Beyrouth جـ 3، ص 532، تعليق 2. [إيوار CL. Huart] . + البيعة: مصطلح عربي يدل، بمعنى واسع جدا، على الفعل الذي بمقتضاه يعترف عدد من الأشخاص، يعملون منفردين أو مجتمعين، بسلطان شخص آخر. ومن ثم أصبحت البيعة للخليفة هي الإجراء الذي بمقتضاه ينادى بشخص ويعترف به رئيسا لدولة إسلامية. وكلمة مبايعة تعبير مرادف لها. الاشتقاق: لفظ بيعة، في رأى أصبح مأثورًا، مشتق من الفعل باع، فالبيعة مثل البيع تشمل معاملة. ويبدو أن هذا التفسير متكلف غاية التكلف. ويرى كاتب هذه المادة أن كلمة بيعة تدين باسمها للحركة البدنية نفسها، التي كانت ترمز في العرف العربي القديم إلى إبرام اتفاق بين شخصين، والتي كان قوامها صفق اليدين (انظر الاتفاق في القانون القديم لبعض البلاد الغربية). ثم إن عبارة "تبايع على

الأمر" بمعناها غير الاصطلاحى، تدل على الوصول إلى اتفاق في ذلك الأمر وقد أطلق على الحركة البدنية لفظ بيعة لأن قوامها بالدقة حركة من اليد والذراع (الباع). ولما كان اختيار أمير (والتعهد بالخضوع لسلطانه) يعبر عنه بصفق اليدين فقد كان من الطبيعي أن يوصف باللفظ نفسه الدال على هذه الحركة. وكان للبيعة هدفان رئيسيان، يختلفان في مجالهما وطبيعتهما، أولهما هو الانضواء تحت لواء عقيدة والاعتراف بالسلطة التي رسخت من قبل للشخص الذي يدعو إليها. وبهذا المعنى تمت البيعة في العلاقات بين محمد [صلى الله عليه وسلم] وبين أنصاره من المؤمنين الجدد (انظر القرآن الكريم، سورة الفتح، آية 10، آية 18؛ سورة الممتحنة: آية 12). واستعمل لفظ بيعة فحسب بالمعنى نفسه، وإن كان ذلك لغرض أكثر تحديدًا، للاعتراف بسلطان رسخ من قبل لشخص والتعهد بطاعته. وهذا هو الحال في البيعة التي كانت تتم لخليفة جديد، ثبت حقه في الخلافة بعهد صدر من سلفه. والهدف الرئيسى للبيعة بمعناها الثاني هو اختيار شخص لمنصب القيادة، وبخاصة اختيار خليفة، عندما يقتضي الأمر وعدًا بالطاعة، وهكذا ولى الخلافة أبو بكر، أول الخلفاء الراشدين بمقتضى البيعة التي تمت على يد جماعة السقيفة في 13 ربيع الأول عام 11 هـ (8 يونيه عام 632 م). وطبق الإجراء نفسه بلا خلاف في جميع المناسبات التالية التي خلا فيها منصب الخلافة، ولم يول خليفة بوسائل أخرى. والحق إن مذهب أهل السنة يرى أن البيعة إجراء من إجراءين لتولية الخليفة. أما مذهب الشيعة فيرى أن البيعة لم تستطع قط أن يكون لها هذا الشأن، لأن الشيعة لا يعترفون إلا بطريقة واحدة لتعيين الإمام، وهي التعيين بالنص (أو الوصية) لواحد من أهل البيت. ومع ذلك فإن الزيدية، وهم فرع من الشيعة، يرون أن الإمامة إنما تكتسب بالاختيار من بين أبناء الأسرة العلوية، وتمت البيعة منذ ذاك باعتبارها إجراء انتخابيا. الصفة الشرعية: المبدأ في الشريعة أن البيعة اتفاق تعاقدى: في أحد

الجانبين إرادة أهل الاختيار، ويعبر عنها بتسمية المرشح، وتؤلف ركن الإيجاب، وفي الجانب الآخر إرادة الشخص المختار، وتؤلف ركن القبول. وقد يكون هذا التحليل مقبولا، بشرط ألا يصل إلى حد الخلط بين البيعة وبين العقود الشرعية العادية. ذلك لأن البيعة فعل إرادى "من نوعه"، يستلزم وجود الجمهور. ولابد من التأكيد مرة أخرى أن تحليل هذا المبدأ، حتى ولو اعتبر هكذا، لا يكون صحيحا تماما إلا بالنسبة للبيعة المقصود بها الاختيار، وليس بالنسبة للبيعة المقصود بها مجرد إظهار الولاء، لأن الانضواء في الحالة الأخيرة يصبح إلزاميًا، ولا يبقى مجار للحرية في اتخاذ قرار. ولكن ما هو عدد أهل الاختيار اللازمين بصفة خاصة لصحة الإجراء بالنسبة للبيعة؟ لقد تعددت الآراء في هذا الموضوع وتباينت تباينا عظيما، وتراوحت بين رأى متطرف وآخر يقابله - من رأى يستلزم أن تصدر البيعة من كل "الرجال الصالحين في الدولة بأسرها" إلى رأى يكتفى بصوت فرد واحد. ومهما يكن من أمر فإن هيئة أهل الاختيار كانت تتألف من كبار القوم والأشراف في الدولة. والبيعة إجراء لا يتم إلا بالاتفاق فحسب. لا يشترط في صحتها، أو حتى يعد دليلا عليها، الحركة البدنية الدالة على الموافقة ولا تأكيدها بقسم، ولا يفرض لإظهار الإرادة أي شكل له قداسته، ويكفى، التعبير عنها صراحة وبشكل قاطع. ولا يختلف شكل بيعة في كل من الدورين اللذين تقودهما، وهما دورها في الاختيار ودورها في الإيجاب البسيط بالولاء. وإجراءات البيعة قد تنشعب إلى مجلسين أو عدة مجالس. فمن ناحية اختيار الخلفاء تكون أول خطوة هي- بوجه عام- ما اصطلح على تسميته "بيعة الخاصة"، وفيها يشترك عدد جد محدود من كبار رجال الدولة والحاشية، ثم تليها بيعة العامة. ثم تعقد بعد ذلك مجالس رسمية لعرض البيعة في قصبات الولايات المختلفة. وثمة بدعة أدخلت منذ عهد الأمويين وهي تجديد البيعة، عندما يلجأ الخليفة

أو السلطان إبان حكمه، إلى إجراء بيعة جديدة له أو لولى عهده، وقد تتكرر هذه البيعة مرتين أو أكثر. ويلجأ إليها الحاكم لتأكيد ولاء رعاياه. آثار البيعة: ثمة سؤال يتردد حول البيعة المقصود بها الاختيار، وهو معرفة ما إذا كان لها أثر تخويل الحاكم السلطة أم أنها مجرد تأييد له. وثمة رأى يؤيد الفكرة الأخيرة أن القاعدة قد استقرت بوجه عام على أن الحاكم يتلقى التفويض بالحكم من الله جل وعلا. والذين يقومون بالبيعة، ومعهم بقية الجماعة، يصبحون مرتبطين بها ارتباطًا وثيقًا. وتدعم الصفة الدينية التي اكتسبتها البيعة، منذ أوائل العصر العباسى، هذا الأثر الملزم بالارتباط، وأدى تطور طبيعة السلطة من الناحية النظرية إلى أن الالتزامات نحو الحاكم، تعد- في الواقع- التزامات نحو الله. والأثر الملزم للبيعة شخصى، ويستمر مدى الحياة. والحق إن فكرة البيعة لمدة محدودة غير معروفة. ومهما يكن من أمر فإن هذا الأثر محدود بنص الشريعة. لأن البيعة تتم بشرط أن يظل من يقبلها مخلصًا لأوامر الله، وهذا يعني أن الحاكم، إذا لم يظل امستمسكا بهذه الأوامر، فإن لمن بايعوه الحق في التحلل من التزاماتهم. المصادر: (1) Suppl.: Dozy انظر مادة بيع (2) الفرّاء: الأحكام السلطانية، القاهرة، من غير تاريخ (3) الفيروزآبادى: القاموس المحيط، انظر مادة بيع (4) ابن خلدون: المقدمة، طبعة بيروت سنة 1900 (الترجمة الإنكليزية التي قام بها F. Rosenthal، نيويورك سنة 1958، جـ 1، ص 428 وما بعدها) (5) Lane, انظر مادة بيع (6) الماوردى: الأحكام السلطانية، القاهرة، من غير تاريخ (7) Institutions du droit: E. Tuan public Musulam باريس سنة 1954، جـ 1، ص 315 وما بعدها، وسنة 1957، جـ 2، ص 605 و 129 وما بعدها (مع مصادر). د. يونس [إ. طيان E. Tyan]

بيمارستان

بيمارستان وتختصر في كثير من الأحوال فيقال "مارستان"، وهي مأخوذة من الكلمة الفارسية "بيمار" بمعنى مريض، وإستان بمعنى مكان، وتدل على المستشفى. والبيمارستان في الاصطلاح الحديث يطلق بخاصة على مكان يأوى المجانين. 1 - العصر الأول والشرق الإسلامي. يقول العرب (انظر المقريزى: الخطط، جـ 2، ص 405) إن أول مستشفى هي التي أقامها مناقيوس، وهو ملك أسطورى من ملوك مصر، أو أبقراط، ويقال إن أبقراط قد أقام للمرضى في حديقة بالقرب من داره "إكسنودوقيون" ومعناها لغة "مأوى للغرباء". وقد ذكر ابن أبي أصيبعة (عيون الأنباء، طبعة ميلر Mueller, جـ 1، ص 26 - 27) أن سند هذا القول هو الكتاب الثالث من مصنف جالينوس: "في أخلاق النفس" (يرى إيثون)، وهو مصنف لم يصل إلينا باللغة اليونانية. ولم تكن البيمارستانات من سمات الحياة في أيام اليونان والرومان، ومن ثم فإن هذه الأشارات لا تحل مسألة أصل البيمارستانات، وينسب إلى الوليد بن عبد الملك الذي تولى الخلافة من عام 86 إلى 96 هـ (705 - 715 م) فضل بناء أول بيمارستان في الإسلام وأقام له أطباء وخصص لهم رواتب (المقريزى: كتابه المذكور)، ومع أن هذا قد ذكر بعبارات مماثلة ("بيمارستانات للمرضى") رواها كاتب قديم جدًّا هو ابن الفقيه حوالي سنة 289 هـ (902 م؛ ص 106 - 107) فإن هذه المسألة ما زالت مثار شك؛ ويروى الطبري (جـ 2، ص 1196) أن الوليد حظر على المجذوبين الخروج بين الناس وأجرى عليهم رواتب، وهي رواية مختصرة زيد عليها في فقرة أخرى (جـ 2، ص 1196) ذكر فيها الطبري أن الوليد "أعطى الناس وأعطى المجذمين وقال: لا تسألوا الناس، وأعطى كل مُقَعد خادمًا وكل ضرير قائدا". وأورد ابن الأثير (في حوادث سنة 88 هـ = 707 م) ملحوظة صغيرة في هذا الصدد، وأضاف الذهبي أن الخدم والقواد لهم كانوا عبيدًا (تاريخ الإسلام، جـ 4، ص 67). وقد يبدو من

ذلك أننا نتناول هنا مسألة خاصة بإجراءات عزل، تشبه من بعض الوجوه ما حدث في الأندلس من بعد، حيث خصص حي برمته في قرطبة باسم "ربض المرضى" (انظر - E. Levi Hist. Esp. Mus.: Provencal, جـ 3، ص 381 - 382، 434). وكانت إقامة أول بيمارستان حقيقى في الإسلام ثمرة للأثر المتصل الذي أحدثته المدرسة الطبية والمستشفى اللذان كانا قائمين في جنديسابور من أعمال خوزستان، فقد أنشئت هذه المدرسة والمستشفى في ظل الساسانيين، وأرست هذه المؤسسة تقاليدها السريانية الساسانية والهندية ثم الإغريقية أخيرًا، وأدخلتها في العصر العربي، وأحدثت منذ انتقال قصبة الدولة إلى العراق أثرًا عميقًا في تطور الطب العربي، أما من حيث المستشفيات فهان الاتصال بجنديسابور قد أثمر ثمرته في عهد هارن الرشيد (170 - 193 هـ = 786 - 809 م)، فقد وكل الرشيد إلى طبيب نصرانى من هذه المدرسة هو جبرائيل بن بختيشوع إنشاء بيمارستان في بغداد. وفي الوقت نفسه استقدم صيدلانيا بارعًا من جنديسابور إلى بغداد. وقد أصبح ابن هذا الرجل- وهو يوحنا (يحيا) بن ماسويه- رئيسًا للبيمارستان الجديد من بعد (ابن القفطى: تاريخ الحكماء، طبعة ليبير، ص 383 - 284؛ ابن أبي أصيبعة، جـ 1، ص 174 - 175). وكان بيمارستان بغداد الأصلي يقوم في الحى الجنوبي الغربي على قناة كرخايا. وفيه اتبعت التقاليد المتحررة لجنديسابور فقد استجاب الهندى منكه لطلب يحيى بن خالد البرمكى وترجم إلى الفارسية الكتاب الطبى السنسكريتى "سسرتا سمهيتا" (الفهرست، ص 303)، وتقول بعض المصادر إن الرازي حاضَر في هذا البيمارستان. على أنه ليس من الواضح لدينا مدى استمرار بيمارستان هارون في العمل وحده بهذا الميدان، ونحن نسمع منذ أوائل القرن الرابع الهجرى (العاشر الميلادي) -أو قبل ذلك بشيء من الزمن- بحشد من المؤسسات الجديدة في بغداد: البيمارستان الذي أقامه بدر المعتضدى غلام المعتضد (279 - 289 = 892 - 902 م) في حي المخرم

على الضفة الشرقية لدجلة (ابن أبي أصيبعة، جـ 1، ص 221؛ وانظر ص 224)؛ والبيمارستان الذي أقيم في حي الحربية شمالي مدينة المنصور ووقف عليه الوزير الصالح علي بن عيسى مالًا سنة 302 هـ (914 م) وجعل الإشراف عليه هو وسائر بيمارستانات بغداد ومكة والمدينة للعالم أبي عثمان سعيد ابن يعقوب الدمشقي الذي عرف على خلاف ذلك بأنه مترجم (ابن أبي أصبيعة، جـ 1، ص 234)؛ وبيمارستان السيدة على الضفة الشرقية، وهو الذي افتتحه في المحرم من سنة 306 (يونيه سنة 918) سنان ابن ثابت، والظاهر أن سنانا قد خلف أبا عثمان الدمشقي في الإشراف العام على بيمارستانات بغداد وغيرها من البلدان (ابن أبي أصيبعة، جـ 1، ص 221 - 222)؛ والبيمارستان المقتدرى في باب الشام الذي بنى حوالي هذا التاريخ (ابن أبي أصيبعة، جـ 1، ص 222)؛ وبيمارستان ابن الفرات في درب المفضل، ويقال إن ثابت بن سنان قد ولى أمره سنة 313 هـ (925 م؛ انظر ابن أبي أصيبعة، جـ 1، ص 224). وكانت هذه البيمارستانات تسمتمد مواردها من أوقاف حبسها عليها السراة من أهل السلطان. وكانت الأموال المحبوسة عليها في أيدى نظار لم- يكونوا دائما حريصين على النهوض بمسئوليتهم (ابن أبي أصيبعة، جـ 1، ص 221). ويمكن أن نكون فكرة عن حجم البيمارستان من إنفاقه الشهرى: فقد كان الإنفاق الشهرى للبيمارستان المقتدرى 200 دينار في الشهر، وبيمارستان السيدة 600 دينار في الشهر (المصدر المذكور). وكانت بعض أسباب الراحة تكفل للمرضى بتزويدهم بالبطاطين وفحم الخشب في الجو البارد (ابن أبي أصيبعة، جـ 1، ص 222). وكانت الجهود التي تبذل في هذا السبيل تتجاوز ذلك كثيرا في بعض الأحيان (انظر ما يلي). أما معلوماتنا عن البيمارستانات التي كانت قائمة في الولايات فأقل من ذلك، على أن بعضها كان موجودًا بلا شك قبل القرن الرابع الهجرى (العاشر الميلادي). وكان بيمارستان الري مؤسسة كبيرة (ابن القفطى، ص 273؛ ابن أبي أصيبعة، جـ 1، ص 310 - 331)، وهذا البيمارستان قد ترأس عليه الرازي قبل قدومه إلى بغداد حيث

توفى رئيسًا لبيمارستان حالى سنة 320 هـ (932 م؛ انظر ابن القفطى، ص 272) , والراجح أن بيمارستان الري كان قائما قبل هذا التاريخ بمدة. وقد زار المبرد مأوى للمجانين بدير حزقل بين واسط وبغداد في خلافة المتوكل أي بين سنتى 232 و 247 هـ (847 - 861 م، المسعودى: مروج الذهب، جـ 7، ص 197 وما بعدها). وفي زمن سنان بن ثابت الذي توفى سنة 331 هـ (942؛ انظر الفهرست، ص 32) صدرت أوامر علي بن عيسى الآنف ذكره بأن يزور الأطباء السجون يوميًا، كما كان المساجين المرضى يزودون بالأدوية والأشربة، وكان يسمح للسيدات بالزيارة أيضًا، ومن الواضح أن زيارتهن كانت تتم بوصفهن ممرضات (ابن أبي أصيبعة، جـ 1، ص 221). وفي هذه المدة نفسها كان الأطباء الممارسون يرسلون للمرور بقرى السواد أي العراق الأسفل) كما كانت ترسل إليها "خزانة للأدوية والأشربة". ويظهر من المراسلات بين سنان والوزير بخصوص هذه الموحدة الطبية المتنقلة أن غير المسلمين كانوا يعالجون في البيمارستانات لذلك العهد (ابن أبي أصيبعة، الموضع المذكور). وكان بعض بيمارستانات بغداد على الأقل- وهي التي ذكرناها آنفًا- لا يزال فيما يرجح قائمًا حين أقام عضد الدولة البويهى البيمارستان العضدى الكبير عند ثنية دجلة في غربي بغداد. وقد ذكر الرازي مرارًا فيما يتعلق بهذا البيمارستان الذي كان أشهر بيمارستانات بغداد منذ افتتاحه سنة 372 هـ (982 م) قبيل وفاة عضد الدولة (الذهبي: دول الإسلام، جـ 1، ص 167). ويقال إن الرازي اختار موقع هذا البيمارستان بأن عمد إلى تعليق قطعة من اللحم في كل قسم من المدينة، ثم اختار المكان الذي كانت قطعة اللحم فيه أقل تحللا من القطع الأخرى، كما يقال إن عضد الدولة اختار الرازي أول رئيس للبيمارستان (ويعرف باسم "ساعور" وهي مأخوذة من السريانية) من بين مائة طبيب (ابن أبي أصيبعة، جـ 1، ص 309 - 310). ولكن الرازي توفى قبل ذلك بخمسين عامًا. وتفسير هذه المفارقة قد لاحظه ابن أبي أصيبعة من قبل (الموضع المذكور) وربما كان السبب فيه التشابه في الرسم بين

البيمارستان العضدى والبيمارستان المعتضدى الذي أنشئ في حياة الرازي (انظر ما سبق). وحين أنشئ البيمارستان العضدى، كان فيه أربعة وعشرون طبيبا (ابن القفطى، ص 235 - 236). وقد ذكر أنه كان به عدة طوائف من المتخصصين: "طبائعيون" و"كحالون" و"جرائحيون" و"مجبرون" (ابن أبي أصيبعة، جـ 1، ص 310). وكان مرتب جبرائيل بن عبيد، الذي كانت نوبته في البيمارستان يومين وليلتين في الأسبوع، ثلثمائة درهم في الشهر (ابن القفطى، ص 148) وكانت المحاضرات تلقى في البيمارستان العضدى (ابن أبي أصيبعة، جـ 1، ص 239، 244). ونحن نعلم بعض الكتب التي كانت تقرأ في هذا السبيل مثل "الأقراباذين" لسابور بن سهل الجنديسابورى (الفهرست، ص 297، بروكلمان، جـ 1، ص 232) وقد حل محله آخر الأمر كتاب آخر بنفس العنوان لابن التلميذ، وهو عميد (ساعور، انظر ما سبق) متأخر من عمداء البيمارستان العضدى (ابن أبي أصيبعة، جـ 1، ص 161، 259)، ولما زار ابن جبير بغداد سنة 580 هـ (1184 م) كان موقع البيمارستان شبيهًا بالحصن العظيم له مورد ماء يأخذ من دجلة، وله جميع الملحقات التي تزود بها القصور الملكية (الرحلة، طبعة ده غويه، ص 225 - 226). وثمة بيمارستان آخر من البيمارستانات الكبيرة في الإسلام أيام القرون الوسطى، هو البيمارستان الذي أقدمه في دمشق نور الدين بن زنكى (541 - 569 هـ = 1146 - 1175 م) ويقال إن البيمارستان النورى قد بنى من الفدية التي أداها ملك فرنجى لم يذكر اسمه (المقريزى: الخطط، جظ 2، ص 408). ويصف ابن جبير (الرحلة، ص 283) كيف كانت هيئة المستشفى تحتفظ بقوائم بأسماء المرضى وكيمة الأدوية والأغذية اللازمة لكل منهم، وكانت مهام يوم قياسى في حياة طبيب من أئمة أطباء البيمارستان النورى تشتمل على: جولات لعيادة المرضى، وكتابة وصفات من الدواء والعلاج، وزيارة المرضى الخصصيين، ثم العودة إلى البيمارستان مساء للمحاضرة ثلاث ساعات في موضعات طبية (ابن أبي أصيبعة، جـ 2، ص

155). وكان ثمة بيمارستان نورى في حلب أيضًا (راغب الطباخ: تاريخ حلب، جـ 2، ص 77). أما مصر فلم يكن فيها بيمارستان حتى جاء أحمد بن طولون فأقام واحدا سنة 259 - 261 هـ (872 - 874 م؛ انظر المقريزى: الخطط، جـ 2، ص 405). وجرت القاعدة فيه على ألا يسمح لجندى أو عبد بدخوله للعلاج. وقد قف على هذا البيمارستان أوقاف كثيرة وزد بتيسيرات للرجال والنساء. وقد أقام صلاح الدين البيمارستان الناصرى، ولكن العمارة الكبيرة التي أنشأها المنصور قلاوون وتمت في أحد عشر شهرا سنة 683 هـ (1284 م) كانت أفخم بيمارستان في مصر، ربما كانت أوسع ما رآه الإسلام في هذا الصدد. ويقال إن المال الذي وقف عليه بلغ قرابة مليون من الدراهم في السنة (المقر يز ى: الخطط، جـ 2، ص 406)، وكان يسمح بالعلاج فيه للرجال والنساء. ولم يكن يطرد منه أحد، ولا تحدد مدة العلاج. أما البيمارستان المنصورى الذي كان من قبل قطصرا فاطميا، وهو مهيئ لثماية الآف شخص، فقد كانت فيه عنابر للحميات، وأمراض الرمد، والجراحات، الدوسنطاريا إلخ ... ويعالج المرضى بها كل طائفة على حدة، كما كان مزودا بصيدلية مستوصف، ومخازن، وممرضين من الجنسين، وهيئة دارية كبيرة، وتر تيبات للمحاضرات، وأماكن للصلاة، وهكتبة، أو قل خير ما كان يستطاع تدبيره في ذلك العهد من خبرة في علاج المرضى. إن الوصف الذي زودنا به المقريزى (الخطط، جـ 2، ص 406 - 408) في هذه الشؤن لفضل أسداه إلى علم المستشفيات في الإسلام أيام القرون الوسطى. وثمة كتب ألفت في البيمارستانات مثل: "كتاب في صفات البيمارستان" للرازى "بن أبي أصيبعة، جـ 1، ص 310)؛ "البيمارستانى الأمثل" (انظر ابن القفطى، ص 272 = ابن جلجل، طبعة فؤاد السيد، ص 77) وهو الآن مفقود مثله مثل "كتاب البيمارستانات" الزاهد العلماء الفارقى الذي كان رؤس بيمارستان زاهر في الجزيرة في القرن الخامس الهجرى الموافق الحادي عشر الميلادي (ابن أبي أصيبعة، جـ 1، ص

253). ونذكر في هذا السبيل- وإن اخللف بعض الاختلاف-: "المقالة الأمينية في الأدوية البيمارستانية" لابن التلميذ، و "الدستور البيمارستانى" لابن أبي البيان؛ وكلاهما في الأقراباذين، وقد ذكرهما بول سبات Paul-Sbath (الفهرست، طبعة القاهرة، سنة 1938, جـ 1، ص 10، 75) الذي نشر الكتاب الأخير (Bulletin de l'Institut d'Egypte، جـ 15، سنة 1932 - 1933، 13 - 78). المصادر: (1) Histoire de la Mid-: L.Leclerc icine Arabe، باريس سنة 1876 ص 557 - 572. (2) Arabian Medicine: E.G. Browne , كمبردج سنة 1921، ص 45 - 46، 46، 101 - 102 (3) Outline of: Amin A. Khayr Allah -Arabic Contributions to medicine and Al lied Sciences بيروت سنة 1946، 59 - 73 (وفيه أخطاء قليلة) (4) A Medical History of: C. Elgood Persia and the Eastern Caliphate, كمبردج سنة 1951، الفهرس (وهو يزودنا أيضًا بمعلومات عن المغرب الإسلامي) (5) Baghdad during: G. Le Strange the Abbasid Caliphate, أوكسفورد سنة 1900؛ طبعة جديدة سنة 1924، ص 62، 103 - 105. (6) Fifty Years: L. W. Lane Cairo Ago، لندن سنة 1896، ص 92 - 194 (انحطاط شأن البيمارستان المنصورى في القرن الماضي) (7) Arab: M.W. Hilton- Simpson Medical Surgery، أوكسفورد سنة 1922، ص 13 (المستشفيات القرية في الجزيرة الحديثة) (8) Histoire des bi-: Ahmed Isa Bey maristans a L'epoque Islamique (Hopitaux) القاهرة 1928 (9) الكاتب نفسه: تاريخ البيمارستانات في الإسلام، دمشق سنة 1939 (10) Alep: J. Sauvaget المتن ص 126 تعليق 1، ومجموعة الصور، لوحة 1. خورشيد [دنلوب D.M.Dunlop] .

2 - المغرب الإسلامي إن أول بيمارستان في شمالي إفريقية لدينا عنه شاهد قد اقيم في مراكش على يد السلطان يعقوب المنصور الموحدى (580 - 595 هـ = 1184 - 1199 م) قبل مائة سنة تقريبا من تأسيس بيمارستان القاهرة المشهر. وكان هذا السلطان من مشجعى العمارة الكبار، وقد اجتذب إلى بلاطه أشهر أطباء الأندلس في زمانه وهم ابن الطفيل وابن شد وابن رشد الحفيد وابنه، ثم أقام في قصبة ملكه للغرباء أغنياء وفقراء بيمارستانا فخما نجد صفا له في عبد الواحد المراكشى (انظر المعجب، طبعة محمد الفاسى، سنة 1938، ص 176 - 177). وأنشأ السلطان نفسه أيضًا، في أجزاء مختلفة من إمبراطوريته، بيمارستانا للمجانين، وللمجذوبين وللعميان (القرطاس، طبعة فاس سنة 1305 هـ، ص 154، ترجمة Beaumier ص 306). وقد حافظ السلاطين المرينيون الكبار: أبو يوسف يعقوب وأبو الحسن وأبو عنان، على هذه المؤسسات وأضافوا إليها غيرها (انظر القرطاس، طبعة فاس، سنة 1305 هـ ص 214؛ الذخيرة السنية، طبعة ابن شنب، ص 100، ابن مرزوق: المسند، طبعة ليفى بروفنسال في Hesperis، جـ 5، سنة 1925، ص 36؛ ابن بطوطة: الرحلة، طبعة دفرمرى وسانكوينتى جـ 4، ص 347). وفي تاريخ متأخر عن ذلك استأثر السلاطين الحاكمون بالموارد المخصصة لهذه البيمارستانات فأهملت ودرست. وفي أوائل القرن العاشر الهجرى (السادس عشر الميلادي) وصف الحسن بن محمد الوزان الزياتى (ليوأفريقانوس) بيمارستانا في فاس فقال إنه في حالة اضمحلال كاهل، وكان يستخدم أصلا سجنًا للمجانين الخطرين ولا تزال هذه هي مهمته، كما أنه استخدم أيضًا سجنا للنساء (Description de I'Afrique: Leo Africanus، ترجمة Schefer، جـ 2، ص 78، ترجمة Epaulard, جـ 1، ص 188، Le Tourneau فاس، ص 255 - 257). والظاهر أن البيمارستان الموحدى المشهور في مراكش قد درس دون أن

يترك أثرًا، وأصبح البيمارستان الذي أقامه هناك السلطان السعدى عبد الله الغالب بالله (965 - 981 هـ = 1557 - 1574 م) سجنًا للنساء (انظر الناصرى: كتاب سصاء، الترجمة، جـ 5، ص 63). وفي سنة 1247 هـ (1831 - 1832 م) أقام السلطان العلوى مولاى عبد الرحمن في سلا بيمارستانا ملحقًا بضريح سيدى ابن عاشر. ولا تزال آثار البيمارستانات القديمة -التي اختفت أو بطل استعمالها- باقية في بعض مدن مراكش كما هي الحال في الرباط والقصر (انظر Textes: L. Brunot arabes de Rabat جـ 2، الحاشية 7532) وكذلك في طنجة. وكان المجذومون (الجمع الجذمى أو تلطفا: المرضى) يسكنون في حي خاص يعرف بالحارة خارج المدن، وقد أنزلوا في فاس خارج باب الخوخة على طريق للمسان. ونقلوا في النصف الأول من القرن الثالث عشر إلى كهوف خارج باب الشريعة، ثم أقيموا سنة 658 هـ (1260) في كهوف أخرى خارج باب الجيسة. وكانوا في أوائل القرن العاشر الهجرى (السادس عشر الميلادي) يعيشون في بلدة قرب سوق الخميس (انظر القرطاس، طبعة الرباط سنة 1936، جـ 1، ص 53 - 54؛ Description de l'Afrique: Leo Africanus، ترجمة Epaulard، جـ 1، ص 229) وكانت الحارة بمراكش، في الأصل، خارج باب آغمات حتى نقلها في آخر القرن العاشر الهجرى (السادس عشر الميلادي) السلطان السعدى المنصور خارج باب دكالة. وفي تونس أقام السلطان الحفصى أبو فارس أول بيمارستان لفقراء المسلمين أو غربائهم أو معتليهم، وقد تم هذا البيمارستان سنة 823 هـ (1420 م، انظر الزركشي: تاريخ الدولتين، طبعة تونس سنة 1289 هـ، ص 102). وفي غرناطة أقام السلطان النصرى محمد الخامس بيمارستانا فخمًا لمرضى المسلمين وفقرائهم. وقد جاء في النقش الذي على أساسه: "فاخترع به حسنة لم يسبق إليها من لدن دخل الإسلام هذه البلاد"، ولربما

كان هذا مبالغة في القول، لأنه كان ثمة بيمارستانات أخرى وفي غرناطة نفسها. ومنذ القرن السابع الهجرى (الثالث عشر الميلادي) ترجمت مجموعة مفردات بلنسية (- Valencia Vo cabulista)، كلمة بمصطلحات لهجية ومن ثم حية فقيل مرستان وملستان (انظر ابن الخطيب: الإحاطة، طبعة القاهرة سنة 1319 هـ، جـ 2، ص 29؛ Inscription arabes: Levi-Provencal d'Espagne ص 164؛ L. Seco de Lucena: : Plano de Granada arabe ص 53). ويجب أن نفرق بين البيمارستانات التي أنشئت للمرضى والخانات أو المنازل (المآوى الليلية) المخصصة للرحالة. وكانت مثل هذه الخانات في المغرب الإسلامي تقام خارج أبواب المدن الكبيرة على يد معظم السلاطين الذين أقاموا بيمارستانات. وقد سميت هذه الخانات باسم "الزاوية" (انظر Le Zaouya merinite d' Anem-: G.S. Colin li, a Taza في Hespgris، سنة 1953 جـ 2، ص 1). والظاهر أن الخفاجى قد كرر خطأ قديما بقوله إن أول بيمارستان قد أنشئ على يد أبقراط وسماه "إخشندوكيون" أي نزل الغرباء (انظر شفاء العليل، طبعة القاهرة سنة 1282، ص 59). وكان المؤلف المراكشى لكتاب المعجب (انظر ما سبق بيانه) الذي كان يكتب في بغداد سنة 621 هـ (1224 م) هو المؤلف المغربي الوحيد الذي استعمل الرسم الاشتقاقى الصحيح وهو "بيمارستان"، على حين يستعمل جميع الآخرين صبغة "مارستان" التي فقدت الحرف الفارسى. ولم تلبث الكلمة أن ظهرت مع اختصار الألف الأولى. وكان حرف الراء في اللهجات الأندلسية تعقبه الحركة a (Vocabulista: مرستان وملستان؛ وفي P. de Acala: مرستين) قد أكد الخفاجى هذا النطق في مصر أيام القرن الحادي عشر الهجرى (السابع عشر الميلادي؛ انظر الخفاجى: الشفاء، طبعة القاهرة سنة 1282، ص 206) وتنطق الكلمة في لغة القاهرة الحالية "مُرُستان". وفي اللهجات الحديثة بالمغرب يدخل في نطق الكلمة بعض الجنوح إلى المخارج الحلقية

فيقال "مرصطان"، ولعل السبب في هذا التغير في النطق وجدانى. وينطق بالكلمة في تطوان "مرصطران"، ومعنى الكلمة في كل الأنحاء هو "سجن المجانين الخطرين" (انظر W. Marcais: Textes arabes de Tanger، ص 460). خورشيد [كولان G.S. Colin] 3 - تركية: وكان أول بيمارستان سلجوقى (دارالشفاء) ومدرسة قد أقيمتا في قيصرى سنة 602 هـ (1206 م) وقد أعقب هذا بناء بيمارستانات أخرى في سيواس وديوريكى، وجانقيرى، وقسطمونى، وقونية، وتوقاد، وأرضروم، وأرزنجان، وماردين وأماسية. وكانت مستشفيات الأناضول يطلق عليها وقتذاك -كما يطلق عليها اليوم- الأسماء: "بيمارستان" و"مارستان" و"تيمارخانه"، و"دار الشفاء" أو "دارالعافية". وكانت هذه البيمارستانات مستشفيات عامة من حيث إنها كانت تقبل جميع حالات المرضى، وكان القائمون بالعمل فيها جراحين وأطباء وصيدلانية وكحالين. وكانت ترصد لها أموال مستقلة، وتنظم بحسب حجمها وأهميتها وحاجاتها الخاصة وموقعها. وكان أول بيمارستان عثمانى أقيم في الأناضول هو "دار الشفاء" الذي أنشأه يلدرم في بروسة، وكانت بروسة قبل الفتح العثمانى سنة 726 هـ (1306 م) خالية من بيمارستان. وقد وسع السلاطين العثمانيون الأوائل: أورخان ومراد الأول وبايزيد يلدرم في رقعة المدينة وأقاموا فيها بعض المنشآت من بينها "دار الشفاء" التي أنشاها يلدرم وافتتحت سنة 802 هـ (1399 م) وقد أصلحت هذه الدار التي كانت قسمًا من عمارة أقامها يلدرم ("يلدرم عمارتى" وهي مركز خاص يشمل بيمارستانا وحمامًا ونزلا لراحة المسافرين إلخ) عدة مرات قبل أن تهجر في منتصف القرن التاسع عشر وتحل محلها مستشفى أحمد وفيق باشا. وهذه الدار خرائب الآن. أما مستشفى الجذام الذي أقيم في أدرنة في عهد مراد الثاني (824 -

855 هـ = 1421 - 1451 م) فقد ظل يعمل حوالي قرنين. وكان الأتراك قد بنوا، قبل هذا المستشفى، مستشفيات أخرى في سيواس وقسطمونى، وقيصرى في الأناضول. وأما "دار شفاء" الفاتح التي افتتحت عام 875 هـ (1470 م) فقد افتتحها محمد الثاني الفاتح (855 - 886 هـ = 1451 - 1481 م)، وكانت جزءًا من "كلية". وهي الآن خربة من أثر عدة حرائق نزلت بها، ومع ذلك فإن منشآت هذه الدار ظلت تعمل حتى القرن الأخير. ويستدل من وقفّيتها على أنه كان ملتحقا بها عدد كبير من طلبة الطب علاوة على هيئة أطبائها، وكانت هذه هي الطريقة التقليدية لتدريب طلبة الطب في البيمارستانات الإسلامية. وفي القرن نفسه أقام بايزيد الثاني (886 - 918 هـ = 1481 - 1512 م) عمارة أخرى في أدرنة على ضفاف نهر طونجة. وكان جزء من هذه العمارة بيمارستانا نسب إليه. وقد بدئ في إنشاء المبانى سنة 891 هـ (1486 م) وتمت في ثماني سنوات، ولكن الوقفية لم تقرر إلا سنة 898 هـ (1493 م) وهذه المنشأة خربة الآن، إلا أن هيئتها الطبية الكبيرة ظلت تخدم الجمهور حتى بداية هذا القرن. ويقول أولياجلبى إنه كان من بين الهيئة القائمة بالعمل فيها عثمرة موسيقيين كانوا يعزفون للمرضى بين الحين والحين. وكان ثمة كثير من الأخطاء في خطط هذه المنشأة التي أعدها في عجلة كبيرة كيرلت C. Gurlitt (انظر Die Bankunst Kon-: C.Gurlitt stantinopels، برلين سنة 1872، في مجلدين). وفي القرن السادس عشر أقيمت ثلاثة بيمارستانات كبيرة في إستانبول وواحد في مغنيسيا، وقد أقيمت "بيمارخانه" خاصكى سنة 946 هـ (1539 م) في إستانبول لحرم سلطان زوجة سليمان القانونى .. أما "دار شفاء" سليمان ومدرسته الطبية فقد أقيمتا سنة 963 هـ (1555 م) في إستانبول باسم السلطان، وبنيت "دار شفاء" حافظه سلطان في مغنيسيا سنة 946 هـ (1539 م) تكريمًا لأم السلطان. وأتى الخراب على أجزاء من

(بيمارخانة) خاصكى بفعل الزلازل والحرائق، إلا أنها أصلحت وتستخدم الآن مركزًا صحيًا. وظلت "بيمارخانة" خاصكى تعمل حتى نهاية الحرب العالمية الأولى، وقد هجرت الآن. وأقيم البيمارستان الرابع "بيمارخانه طوب طاشى" سنة 991 هـ (1583 م) في إستانبول لنور بانو سلطان أم مراد الثالث (982 - 1003 هـ = 1574 - 1595 م) واستخدمت هذه المنشأة مستشفى حتى سنة 1927. وهنالك أصبحت مستودعًا للطباق. وفي القرن السابع عشر عمل أحمد الأول (1012 - 1016 = 1603 - 1617 م) على إقامة مستشفى كبير خلف ميدان سباق الخيل البوزنطى القديم قرب مسجده المشهور. وقد افتتح هذا المستشفى سنة 1025 هـ (1616 م) ولم يهدم إلا منذ عهد قريب فحسب لإفساح المجال لإقامة مدرسة جديدة. وطرأ انكماش على إقامة المنشآت العثمانية الصحية والاجتماعية للنفع العام في القرن الثامن عشر، فلما جاء القرن التاسع عشر صبغت الخدمة العسكرية وطرز اللباس والتعليم وغير ذلك بالصبغة الحديثة في الإمبراطورية العثمانية، وفي سنة 1253 هـ (1837 م) أقيمت مستشفى الغرباء في إستانبول في أدرنة فابى بمدرسة مهرماه سلطان. وبينما كان هذا المستشفى يصبغ بالصبغة الحديثة على يد بزم عالم والده سلطان أم السلطان عبد المجيد، كانت مستشفيات عسكرية حديثة جديدة ومدرسة طبية جديدة تقام. وكان الغرض من هذه المنشآت الوفاء بالحاجات الطبية للجيش الجديد، وأقيمت مدرسة جديدة للطب والجراحة في إستانبول سنة 1243 هـ (1827 م) على يد السلطان محمد الثاني (1223 - 1255 هـ = 1808 - 1839 م)، وبدأت الدراسة فيها بالإيطالية، ثم استبدل بالإيطالية الفرنسية حين وفد إليها بعض أساتذة الطب الأكفاء من النمسا سنة 1839. وقد وسع هذه المدرسة الطبية السلطان عبد المجيد والسلطان عبد العزيز والسلطان عبد الحميد الثاني، ثم

البينة

استحدث فيها آخر الأمر معهد للكلب ومعهد لعلم الجراثيم ومركز للتطعيم. وتخرج في هذه المدرسة عدد من الأطباء ملمين باللغات الأوروبية وبالطرائق الطبية الحديثة. وقد مضى هؤلاء إلى الأناضول وأقاموا فيه مستشفيات حديثة، واتخذت إجراءات للتحصين ضد مرضى الكلب والجديرى هناك قرابة ذلك الوقت الذي بدأت فيه هذه الإجراءات في أوروبا. وكانت الحكومة العثمانية من الحكومات التي ساعدت على إنشاء معهد باستير. أما مستشفى شيشلى للأطفال الذي كان من أكبر المستشفيات في إستانبول فقد أقامه السلطان عبد الحميد الثاني سنة 1316 هـ (1898 م). وكانت هذه المستشفيات التي ذكرناها أهم المستشفيات في الإمبراطورية العثمانية، وإن كان يوجد كثير غيرها في جميع أرجاء تركية، يضيق المقام عن ذكرها. وقد أقام الأتراك في خمسة قرون ما يقرب من سبعين مستشفى في إستانبول وحدها. خورشيد [شاه سوار أوغلى. Bedi. N Shehswaroghlu]. البينة (والجمع بينات)، وهي مؤنث "بين" بمعنى "جلى، واضح" وقد وردت بمعنى "الدليل الواضح" في آيات كثيرة من القرآن الكريم (سورة البينة، الآية رقم 1، ولذلك سميت السورة باسم سورة البينة) وتدل الكلمة في الاصطلاح الشرعي على الدليل القاطع، ذلك الذي يثبت بالشهادة، على الرغم من أن المصطلح أصبح منذ العصر القديم لا يطلق على الشهادة الشرعية فحسب، بل على الشهود أنفسهم أيضًا. وهناك ألفاظ غيرها تعبر عن وجوه أو درجات أخرى من مصطلح الدليل، وبخاصة حجة (والجمع حجج) ودليل وبرهان. ويهتم القرآن الكريم، في المجال الشرعي، بالدليل في أمور مختلفة مدنية وجنائية، والذي يبرز لأول وهله هو أن القرآن الكريم ينص على الالتجاء أساسا إلى الشهادة ويوصى بألا تتم بعض الأمور الشرعية إلا بحضور شهود، وهي [حالات من] الطلاق (سورة الطلاق: الآية 2)، والوصية (سورة المائدة، الايات 106 -

108)، وحساب أموال اليتامى (سورة النساء، الآية 8)، والتداين بأجل مسمى (سورة البقرة، الآية 282). وعلى الرغم من أن القرآن الكريم يؤيد، في الحالة الأخيرة، جود دليل مكتوب فإن هذا الدليل يرتبط ارتباطا وثيقا بشهود. العيان الذين يجب عليهم الاعتراف بالدين الذي أملاه الدائن على الكاتب بمجرد إتمامه. وتلك هي صيغ البينة التي ينظمها القرآن الكريم، ولو أنها وردت فيه بإيجاز؛ وهو ينص، علاوة على ذلك، على ضررة الاستشهاد بضعف عدد الشهود (أربعة شهود بدلا من اثنين كما هو المعتاد)، دليلا شرعيا لإثبات الفاحشة (سورة النساء: الآية 15؛ سورة النور الآية 4، 13)، ولكنه في الحالة التي يعجز فيها الزوج عن تقديم هذا الدليل الصعب على اقتراف زوجته جريمة الزنا، ينص على إجراء استثنائى هو اللعان، وهو أن يحلف كل من الزوجين أنه صادق وأن لعنة الله عليه، إن كان من الكاذبين. (سورة النور: الآيات 6 - 9). ومع أن هذا الإجراء لا يعد دليلا بمعنى الكلمة، فإن له آثارا شرعية هامة. ومن جهة أخرى فإن الكتاب الكريم لا يورد شيئًا عن النظم البدائية الخاصة بالالتجاء إلى التعذيب البدنى والأيمان بتبرئة الساحة. وقد خصت الشريعة الإسلامية المأثورة بالذكر سيادة الدليل بالشهادة التي تسللزم لصحتها توافر شروط نظرية صارمة إلى حد لا بأس به. ولم تصبح الشهادة مقبولة بوجه عام، وعلى نطاق واسع، إلا بعد أن أمكن تفسير الدليل المكتوب على أنه "وثيقة الشهادة" Zeugenurkunde، على الرغم من أن هذا الموضوع لا يخلو من نقاش حاد وتحفظ وحيطة حتى في حالة العقود الموثقة (انظر Le no-: E. T yan tariat et le regime de la preuve par ecrit - musulman, An dans la pratique du droit -nales Ecole francaise de droit de Bey routh سنة 1945، العدد رقم 2). وفي آيات القرآن الكريم الخاصة بأحكام الوصية (سورة المائدة: الآيات 106 - 108) يطلب من الشاهدين في حالة الريبة، أو وجود شاهدين آخرين يقومان مقامهما، أن يحلفا بالله، وهو الحكم الوحيد في القرآن الكريم الذي

ينص على ضرورة وجود شاهدين غير الأولين يثبت دليلهما بقسم. ويمكن تقديم بعض الأمثلة التي حدثت من حين لآخر، وبصفة استثنائية في ظل الإسلام، لقضاة طلبوا من شهود، ارتابوا فيهم أن يقسموا. ومهما يكن من أمر فإن العقيدة أنشات فارقا واضحا قاطعا فيما يختص بالحجج الشرعية التي تنص عليها وتنظمها، بين الشهادة والقسم. وتنص القاعدة المشهورة على أن "البينة على من ادعى واليمين على من أنكر" وفي رواية أخرى "على المدعى عليه". وينبغى أن نذكر أن المدعى، في حالة التجائه إلى الشرع، لا يكون بالضرورة المدعى الأصلي (ومن هنا فإن عبء الإثبات قد يتأرجح)، يضاف إلى هذا أن بعض العلماء يرون أن الدليل إنما يمكن أن يقدم في الغالب لإثبات الحقائق اليقينية. والبينة نفسها، من حيث المبدأ، لها حجية قائمة بذاتها: فعندما تتوافر الشروط الشرعية للصحة تكون ملزمة للقاضي، وهذه قاعدة عامة. وقد بذلت عدة محاولات لتأييد الشهادة بقسم، يحلفه المدعى، ولكن هذه المحاولات لم تنجح بحال في التأثير على الشريعة المأثورة، اللهم إلا الحالات التي يغيب فيها المدعى عليه، أو يعانى من اللا أهلية (Origins: Schacht ص 187 - 188؛ انظر ابن قدامة: المغني، جـ 9، ص 277: : وبالنسبة لرأى الفاطميين المعارض انظر القاضي النعمان: اقتصار، دمشق سنة 1957، ص 163). ويتمسك المذهب الحنفي تمسكا تاما بلفظ القاعدة المذكورة آنفا، والحق إن هذا المذهب قد أسهم في انتشار أثرها بله صياغتها، لأنه يخالف المذاهب الأخرى في أنه لا يسمح للمدعى بأن يحلف لكى يستكمل بقسمه بينة ناقصة (شاهد واحد) في المنازعات الخاصة بالمال، ولا يسمح للمدعى عليه بأن يحلف ردًّا على المدعى. وفي تبادل القسم، الذي يتمسك به الحنفية هم وباقي المذاهب في بعض الحالات التي تعوزها البينة، يقف كل من الطرفين أمام الآخر موقف المدعى عليه، وبالنسبة لتطورات القسم الأخرى أمام القاضي. ونلاحظ هنا فحسب أن القسم لتبرئة الساحة المعروف في الجاهلية، بقى في الشريعة الإسلامية وسيلة إثبات في مجال محدود من الإجراء الجنائى.

ومن الممكن، خاصة فيما يتعلق بادعاء الملكية، أن تتعارض بينات أطراف الخصومة، وتهتم نصوص الفقه بتعارض البينات وتحاول أن تقضى على النزاع بإعلان أن أحد الأدلة أقوى من غيره على أساس المقاييس التي تخللف بين المذاهب المتعددة، وقد تؤدى إلى حلول متفاوتة. وإذا تساوت الأدلة المذكورة فإن الحلول تختلف، حتى في حدود المذاهب نفسها، بين الفسخ المتبادل والالتجاء إلى صيغة دليل إضاقية حاسمة. وبين الحكم عليها بالقيمة الاسمية- التي تستلزم عندئذ إما تقسيم المال أو سحب الأنصبة. ومع أن البينة قد تكون لها الغلبة باعتبارها وسيلة إثبات فإن من الصعب أن نعدها في كل الظروف أقوى من الإقرار، أو من مصطلح أقل شيوعًا وهو الاعتراف. والحق إن ابن حزم الظاهرى يذكر النقيض صراحة في كتابه المحلى، (جـ 9، ص 426). ويقتضى المبدأ في الإقرار أهلية أدنى من الشهادة، لأنه يفترض أساسًا الصدق في الشخص الذي يصدر الإقرار. ولكن المؤلفين يميزون عادة- وهم في ذلك لا يجانبهم المنطق- في هذا المجال بين الإقرار الذي لا يكون له أثر ملزم إلا على نفس من يصدره، والإقرار الذي يؤثر في حق الغير، وتخللف قوتهما الفاصلة ونتائجهما الشرعية اختلافًا كبيرًا. ولعل من المناسب في موضوع البينة أن يدخل في الحكم عليها رأى الخبير الذي قد يطلبه القاضي، وفضلا عن ذلك فإنه إذا كان لأحد أن يحاول تكوين نظرية عامة عن الدليل في الشريعة الإسلامية فإن من المناسب أن يعمل حسابًا للجدل الذي دار حول علم القاضي الشخصى بحقائق قضية، لتأكيد الأهمية الكبيرة للافتراضات الشرعية وكثرتها، ولتسجيل شأن بعض الأدلة المساعدة أو الخطوات الأولى المتخذة في دليل تعترف به الشريعة وشأن هذه الأدلة. وفي مجال هذا الدليل الشرعي يمكن ملاحظة اتجاهين: الرغبة في إثبات ما هو أرجح، على نحو إنسانى، بوسائل تنظمها قواعد، أكثر من السعي وراء الحقيقة الخالصة التي لا يعلمها على وجه اليقين غير الله، واتجاه نحو العقلاخية،

وهي، وإن كانت لا تغلب في كل الظروف وفي كل ناحية، فإنها مع ذلك مضمرة فيما يتمتع به القسم على تبرئة الساحة من مكانة، وغياب الاحتكام إلى المحن في أمر متهم بتعريضه للعذاب البدنى (على الرغم من الآثار التي لا يزال يتشبث بها العرف الجارى بين المجتمعات القبلية حتى اليوم). المصادر: نصوص الفقه والمواد المنشورة في الطبعة الأولى من هذه الدائرة، وهي التي أشير إليها في صلب هذه المادة، والدراسات الحديثة التي يشار إليها في Recueils de la Societe Jean Bodin مجلد La Preuve (نشر عام 1960). د، . يونس (برنشفيك R. Brunschvig)

ت

ت

تأبط شرا

تأبط شرا لقب ثابت بن جابر بن سفيان، وهو شاعر عربي قديم من بنى فهم، وبطل بدوى ذاع ذكره في القصص. وجاء في المصنفات تفسيرات مختلفة لهذا اللقب، ففي ديوان الحماسة أنه "تأبط شرًّا" أي سكينًا، وأورد صاحب الأغانى أنه تأبط كبشًا تبين أنه غول، أو تأبط جرابًا مليئًا بالأفاعى السامة وتذهب رواية أوردها فرسنل Frensel أن أمه زنجية، بينما يروى صاحب الأغانى أنها امرأة من قبيلة فهم اسمها أمينة تزوجت فيما بعد أبا كبير الهُذلى الذي حاول أن يقتل ابنها. وكان تأبط شرا عدوا لبنى هذيل وبنى بجيلة وهلك في قتاله مع بنى بجيلة في أرضهم على جبل تمار (ياقوت: المشترك، ص 421) وجاء في رواية باور Baur (انظر المصادر) أن تأبط شرًّا كان معاصرا لنوفل بن معاوية الذي قيل إنه عاش ستين سنة قبل الإسلام وبعده، وتبدو روح الجاهلية في جميع أطوار حياته وفي كل ما نسب إليه من شعر. وقد خلع على هذا الشاعر كل الصفات المأثورة عن الفارس الأفاق في الجاهلية. ورثى تأبط شرا الشنفرى بقصيدة، وكان هذا الشاعر صاحبه في القتال هو وعمرو بن البراق (الأغانى). وأحسن قصائده وأطولها هي القصيدة التي رثى بها أحد أقربائه، وكان قد سقط في حرمة الوغى. وقد تأثر كوتة بهذه القصيدة في إحدى قصائده.

تابع

المصادر: (1) أبو تمام: ديوان الحماسة، ص 33 وما بعدها، 244 وما بعدها، 382 وما بعدها ترجمة Rueckert (2) الأغانى، جـ 18، ص 209 - 218 (3) القزوينى، طبعة فستنفلد، جـ 2، ص 31، 56 - 58، 61 (4) ابن قتيبة: كتاب الشعر، ص 274 وما بعدها، 422 وما بعدها، 437 (5) الكريوس: غوضة العرب ص 74 وما بعدها (6) ديوان الهذيليين، طبعة كوسكارتن، ص 24 وما بعدها (7) Schol, zu Hariri: de Sacy, ص 416، الديوان ص 344 (8) Prem. lettre sur Phis-: Fresnel toire des Arahe، ص 96 وما بعدها (9) Carmen arab.: Freytag، كوتنكن سنة 1814 م (10) Noten zum woe. Diwan: Goethe (11) La Poesie arabe: Basset، ص 73 (12) Gesch. d. arab.: Brockelmann Lit، جـ 1، ص 25 (13) Four Poems of: Lyall Jour, of the Royal Ta'abbata Sharra Asiatic Society سنة 1918 (14) Zeitschr.: Gustav Baur Deutsch. MorgenL Gesells., جـ 10، ص 74 وما بعدها. [براو H.H. Braue] تابع لفظ عربي يجمع على تابعين، معناه تابع أمير أو تلميذ شيخ أو معتنق مذهب، والفعل "تابع" أي اقتفى أثره. ولهذه الكلمة شأن خاص في الحديث، إذ هي تطلق على أولئك الذين جاءوا بعد أصحاب النبي [- صلى الله عليه وسلم -] والأصحاب هم الذين رأوا النبي [- صلى الله عليه وسلم -] ولقوه. أما التابعون فهم الرعيل الثاني أو معاصرو النبي [- صلى الله عليه وسلم -] الذين لم يلقوه وإنما عرفوا أحد صحابته (1). وتابعو التابعين هم الذين لقوا أحد التابعين،

تعليق على مادة "تابع"

وهكذا. وتختلف قيمة الأحاديث بالنسبة إلى قدم طبقة التابع الذي رواها وحداثتها، كما ترجع قيمتها أيضًا إلى شهرة هذا التابع ومقداره. وعلى هذا فمشهور الحديث هو المسند إلى تابع من الرعيل الأول وأذاعه وتناقله جملة تابعين من الرعيل الثاني ومن جاء بعدهم (2). وهناك أيضًا طبقات من رواة الحديث الخاص بقراءة القرآن والخاص بالصوفية. والحسن البصري هو أشهر رواة الطبقة الأولى (3). المصادر: (1) انظر البخاري ومسلم وغيرهما (2) Les Penseurs de: Carra de Baux L'Islam، باريس سنة 1923 مجلد 3، ص 176، 282 وما بعدها (3) الهجويرى: كشف المحجوب. ترجمة نيكلسون R. A. Nicholson، ليدن - لندن سنة 1911. (كاراده فو B. Carra de Vaux) تعليق على مادة "تابع" (1) التابعون هم الطبقة الثانية بعد الصحابة، ويقال للواحد منهم "تابع" أو "تابعي". وهم طبقات كثيرة، فمنهم من عاصروا النبي - صلى الله عليه وسلم - ولكن لم يروه ورأوا أصحابه، ومنهم من بعد ذلك ممن لقى أحدا من الصحابة، ومنهم أيضًا الذين ولدوا في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - ومات وهم أطفال لا يعون الرواية عنه، وروايتهم كلها عن الصحابة. (2) هذا كلام غير واضح ولا محرر على قواعد العلم عند أهل الحديث. والحديث الذي يرويه التابعى فيسنده إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مباشرة من غير أن يذكر الصحابى الذي سمعه منه يسمى عندهم "الحديث المرسل" وقد اختلف في الاحتجاج به، فذهب بعض العلماء إلى أنه حجة، وذهب بعضهم إلى أنه حجة إذا كان التابعى من كبار التابعين الذين لقوا كثيرا من الصحابة وأن يكون الحديث مرويا عن غيره من التابعين أيضًا، حتى يعتضد به. وممن قال بذلك الإمام الشافعي في تفصيل للشافعي هذا موضعه، وانظره في (كتاب الرسالة للشافعي بتحقيقنا، في الفقرات (1262 - 1308). وخالفه في ذلك أكثر علماء الحديث واستقر رأيهم على

تاج

أن المرسل ليس بحجة مطلقا، كما أوضحت ذلك في تعليق على (كتاب الرسالة) (ص 465)، وانظر أيضًا (كتاب علوم الحديث لابن الصلاح بشرح الحافظ العراقي ص 55 - 62) وشرحى على (اختصار علوم الحديث لابن كثير ص 37 - 41) الأحكام في أصول الأحكام لابن حزم جـ 2، ص 2 - 6) وغيرها من كتب المصطلح. (3) الحسن البصري تابعي مشهور، وهو من أئمة القراء، كما هو من أئمة الحديث والفقه والوعظ، ولد سنة 31 ومات سنة 110 وله ترجمة في طبقات ابن سعد (جـ 7 ق 1 ص 114 - 129) وحلية الأولياء لأبي نعيم (جـ 2 ص 131 - 161) وطبقات القراء لابن الجزرى (جـ 1 ص 35). وفي التهذيب وابن خلكان وغيرها. والصوفية يرجعون بأسانيدهم في التصوف إليه، إن صحت هذه الأسانيد وليست من الأسانيد التي يحتج بها علماء الحديث. أحمد محمد شاكر تاج لفظ فارسى معرب، وهو بالفارسية القديمة "تك" (انظر الكلمة الأرمنية "عتك" والكلمة الآرامية تاكه)، وصيغ منها في العربية جمع التكسير تيجان، والفعل توّج (الوزن الثاني) وتتوج (الوزن الخامس) ويقال أيضًا تائج لمن تتوج (Grundriss der neuper-: Horn sischen Ettymologie ستراسبورغ سنة 1893، ص 81؛ Studien ueber: Siddiqui -die persichen Fremdwoerter im Klas sischen Arabisch، كوتنكن سنة 1919، ص 74، 84: aramaeischen ie: Fraenkel Fremdwoerter im Arabischen, ليدن سنة 1886، ص 62). والتاج نفسه- كاسمه- فارسى قديم. ولم تكن أشكال تيجان ملوك الفرس القدماء، التي نعرفها من سكتهم بصفة خاصة، مجهولة عند مؤلفى العرب. فيروى المسعودى مثلًا أنه شاهد كتابًا قديما وعلى بصورة ملونة لملوك الفرس وعلى رؤوسهم التيجان، وقد نقل هذا الكتاب إلى اللغة العربية نزولا على رغبة الخليفة الأموى هشام بن عبد الملك

بن مروان (المكتبة الجغرافية العربية، طبعة ده غويه، جـ 8، ص 106). ويلوح لنا أن مجموعة من المؤلفات- ككتاب سير الملوك وكتاب التاج وغيرهما من الكتب ذوات العناوين المشابهة- كان مضمونها كذلك، وهذه الكتب فقدت (انظر عن الكتاب الثاني مقدمة أحمد زكى باشا لطبعته لكتاب التاج للجاحظ، القاهرة سنة 1332 هـ = 1914 م) ولعل ما روى عن التاج الفارسى في كتاب تاريخ سنى ملوك الأرض والأنبياء لمؤلفه حمزة الإصفهانى (برلين مطبعة كاويانى، ص 17، 24 وما بعدها، 32، 35 وما بعدها) وفي الكتاب الفارسى "مجمل التواريخ" الذي نقل عنه، وكذلك في الطبري، أقوال من هذا القبيل تعتمد على مثل هذه المصنفات (انظر بحث نولدكه Noeldeke عن العلاقة بين هذه المصادر في - Ges chichte der Perser and Araber ليدن 1879 م، المقدمة، وانظر نفس البحث فيما يختص بالتاج عند الفرس، صفحات 95، 221، 304، 385، 453 بصفة خاصة؛ L'Empire des Sasandes A. Christensen كوبنهاغن سنة 1907، ص 4 وما بعدها، 106؛ الكاتب نفسه: Le Regne du Roi Kawadh l et le Communisme mazdakite كوبنهاغن سنة 1925، ص 22 وما بعدها). وجاء في مؤلفات الأوائل من العرب أن "أول من لبس التاج الضحّاك" (القلقشندى: صبح الأعشى، القاهرة سنة 1331 م الموافقة سنة 1913 م، جـ 1، ص 415). وعرف العرب التيجان لأول مرة قبل الإسلام إذ كان ملوك الفرس في بعض الأحيان يمنحون أتباعهم من ملوك العرب تيجانًا تنويها بمرتبتهم، مثال ذلك التيجان التي منحت لامرئ القيس اللخمى المتوفى عام 328 م (Recueil d'Archeol.: Clermont-Ganneau . Or، جـ 6، ص 307: Le Roi de tous les arabes، وجـ 7، ص 176 وما بعدها. Le Tadj-dar Imrou'l Qais et la. royaute - generale des Arabes Ephemeris Lidzbar ski جـ 2، ص 35، ص 375، وعن الفرق بين الإكليل والتاج أيضًا، ويلوح أن التاج إكليل بسيط) وللنعمان الثالث اللخمى) Die Synastie Der: Rothstein

Lahmiden in AI-Hires، برلين سنة 1899، ص 128)، ولذى التاج هوذة بن علي، والتاج الذي منح لوالى اليمامة النصرانى في زمن النبي [- صلى الله عليه وسلم -]، ويقال أن النبي قد بعث إلى هذا الوالى كتابًا يدعوه فيه إلى الإسلام (ابن هشام، طبعة فستنفلد، ص 971، القلقشندى، جـ 6، ص 379 Fraenkel، ص 62، الطبري، جـ 1، ص 985، Noeldeke: Gasch. d. Perser u Araber ص 258). وقد مجّد الشعراء التيجان وأصحاب التيجان (انظر صديقى ص 84، المبرد: الكامل، ص 289 وما بعدها؛ وقد جاء فيه أن التاج من خصائص اليمن ولعله من بقايا الصلات القديمة التي كانت بين اليمن والأحباش، انظر فيما يختص بالتاج عند الأحباش Ges-: Noeldeke chichte ص 325، 232). وكان تاج كسرى الثاني المشهور من بين غنائم العرب التي غنموها في طيسفون (L' Empire: Christensen ص 106) غير أن التاج ظل غريبًا على العرب قلما يلبسونه. وهناك حديث نصه "العمائم تيجان العرب" وجاء في لسان العرب وفي غيره تفسيرًا لذلك: أن "العمائم للعرب بمنزلة التيجان للملوك، لأنهم أكثر ما يكونون في البوادى مكشوفى الرؤوس أو بالقلانس، والعمائم فيهم قليلة. ولا يعرف الإسلام التاج الملكى ولا التتويج كما نفهمه رمزًا لسلطان الملك. فإذا ذكرت التيجان فإنما يقصد بها تيجان الملوك النصارى وغيرهم. ويقال أيضًا تاج البابا وتاج الأسقف. ويلوح أنه لم يصبح لأمير المسلمين تاج إلا في الوقت الذي ورد فيه ذكر "تاج الخليفة". ولم يظهر هذا التاج الذي هو من شعائر الملوكية إلا في عهد العباسيين، ويظن أن هؤلاء قد أخذوا بالتقاليد الفارسية في هذا الشأن ليتميزوا عن خلفاء بنى أمية (Noeldeke: Geschichte، ص 453). وكان الخليفة يلبس التاج في المواكب أيام الأعياد الكبرى. ويصف القلقشندى (جـ 3، ص 472، 484، وطبعة فستنفلد Wuestenfeld بعنوان Calcaschandi ص 172، 182) تاج الخلفاء الفاطميين في مصر، ويتضح من هذا الوصف أنه لم يكن تاجًا بمعنى الكلمة وإنما كان عمامة مرصعة بالجواهر لونها أبيض وهو شعار الفاطميين، وفيها جوهرة عظيمة

تعرف باليتيمة زنتها سبعة دراهم، وكان يتولى شد التاج الشريف موظف خاص، وهذا الشادُ بمثابة اللفاف في العصور المتأخرة (The Cer-: Inostrancev -emonial Procession of the Fatimid Ca liphs وهو بالروسية، سانت بطرسبرغ سنة 1905، ص 64، ابن الصيرفى: قانون ديوان الرسائل، طبعة بهجت، ص 27). وكان سلطان الحفصيين يلبس أيضًا تاجًا في المواكب (ابن فضل الله: مسالك الأبصار، وقد طبع منه حسن حسنى عبد الوهاب وصف إفريقية والأندلس، تونس سنة 1922، ص 23، تعليق 2). وكان التاج من بين الكسى التي يخلعها الخليفة أو السلطان على عماله أو سفرائه وغيرهم. ويروى القلقشندى (جـ 8، ص 375 وما بعدها) أن الخليفة كان يلبس تاجًا مرصعًا عند اعتلائه العرش) Stat-: Wuestenfeld thalter . جـ 3، ص 38). ويلوح أنه كان هناك تاج يشبه هذا رسمه أمراء المماليك على سلاحهم شعارًا لهم. وكان لباس سلاطين آل عثمان يسمى بالتاج أيضًا. وشاهد ذلك أن لباس رأس السلطان عثمان الأول نفسه كان يعرف بـ "تاج خراسانى" (d'Ohsson جـ 2، ص 135) ونحن نعلم علم اليقين شكل لباس رأس فاتح القسطنطينية من الصور التي رسمها بلينى Bellini . فقد كان هذا السلطان يضع على رأسه عمامة كبيرة وتاجًا. وكانت سكبة (¬1) العمامة على شكل المخروط الناقص، لونها أحمر في الغالب، وهي مموجة، ولعل بها ثنيات مخيطة. ويلف حول هذه السكبة العمامة نفسها (صاريق) وهي من القماش الرفيع. وشكل عمامة الفاتح التي وجدناها في الصور يبدو أيضًا في الأنواط. وعندما نجد على الوجه الآخر من النوط ثلاثة تيجان الواحد منها فوق الآخر فإن التفسير الغالب لذلك هو أن الذي رسم هذا النوط وصنعه فنان أوربى. ويعتقد أن هذه التيجان الثلاثة ترمز إلى ممالك آسية واليونان وأطرابزبدة المتحدة تحت لواء العثمانيين (C.F. Hill في Numismatic Chronicle، سنة 1926، ص 287 - 298 لوحة 14) وقد فصّل كاراياسك ¬

_ (¬1) السبكة: الطاقية.

Karabacek الكلام عن تاج سلاطين آل عثمان؛ وهو يزعم أن تاج الفرس والأتراك يقابل الطرطور في البلاد التي تتكلم بالعربية، والطرطور قلنسوة مرتفعة بعض الشيء، وقد وجد له رسم في ورقة من ورق البردى يرجع تاريخها إلى القرن السابع بعد الميلاد، وتغير شكل هذا الطرطور بمرور الزمن. وإنا لنجد أن لباس رأس نساء فرنسا وأسبانيا في القرون الرابع عشر والخامس عشر والسادس عشر- ويعرف بـ "هنين" Hen(n)in - يشبه التيجان الفارسية التركية إلى حد كبير. ويرى كاراباسك أن هذا اللباس مأخوذ هو واسمه من الشرق، وشاهد ذلك أن الاسم العربي هو حنينى. وقد بقيت أنواع معينة من هذا اللباس يضعها النساء إلى الآن على رؤوسهن كما هو شأن نساء دروز جبل لبنان والجزائر وتونس. وقد تطور لباس الرأس هذا في مصر الحديثة إلى ما يعرف بالقرص. وهو من أدوات الزينة له شكل الطبق، ويصنع من صفحة من الذهب مرصعة بالأحجار الكريمة يخاط في قمة قلنسوة مرتفعة بعض الارتفاع، وقد يثقل وزنها بعض الشيء أحيانا. ويوضع هذا القرص في بعض الأوقات على شاهد قبر المرأة المتوفاة كما توضع العمامة في حالة ما إذا كان المتوفى رجلا (Manners and customs of Modern: Lane . Egyptians، ذيل رقم 1 Arabian: Lane Society in Middle Ages ص 218، 234). والعادة الشائعة في جميع أنحاء، العالم، وهي استعمال التيجان للعرائس، معروفة أيضًا في العالم الإسلامي المتمدن (The Thousand and one Nights: Lane جـ 1، ص 424 Arabes n itrati Nachrichten ... Lagarde كوتنكن سنة ص 1891، ص 160 وما بعدها، ومن شواهد ذلك أيضًا اسم القاموس المعروف "تاج العروس"، أما عن التركستان الشرقية فانظر؛ Brockelmann في Asia Major في، جـ 2، ص 122). وقد أصبح للتاج شأن دينى خاص عندما اتخذه الدراويش لباسًا للرأس. ولبس التاج من أهم أركان حفلة ربط الحزام، ولكل طريقة من طرق الدراويش تاج له لونه وشكله الخاص كما أن له اثنى عشر سجافًا (ترك)

بعدد الأئمة، وقد يكون له تسعة سجف أو سبعة إلخ .. ولهذه الأرقام أسماء عدة ودلالات رمزية (أحمد رفعت: مرآة المقاصد، إستانبول سنة 1293 هـ، ص 212 - 215 The Darvishes: Brown، ص 148 وما بعدها؛ الصور التي أوردها d'Ohscnn، جـ 2، ص 292؛ وهناك جريدة كبيرة ملونة بالأربع عشرة الطريقة الهامة من طرق الدراويش، وبها صور تيجانهم وذكر لسلسلة مؤسسي هذه الطرق، طبعت في مطبعة إستانبول لصاحبها محمود بك ونشرها ضياء بك في "صنائع نفيسه. رسمخانه سى" بتاريخ 15 شعبان 1314 هـ)، ونجد أن التاج الصوفى أصبح بمثابة لباس للرأس في فارس على عهد الشيخ حيدر ومن ثم قيل "تاج حيدرى" والشاه إسماعيل، يلبسه الملك ورجال البلاط ورجال الجيش والموظفون، ويمنح في حفل خاص؛ ولعل هذا التاج قد استعمل في فارس قبل هذين الملكين (Karabacek: كتابة المذكور ص 87؛ Islam: Babinger جـ 11، ص 84، مادة قزل باش). ولكلمة تاج استعمالات مجازية مختلفة، فقد ذاعت ألقاب التشريف المتضمنة هذه الكلمة في العهود المتأخرة وعلى الأخص في عهد المماليك: واكتفى في أول الأمر بالألقاب البسيطة مثل تاج الدين وتاج الدولة، فأطلق اللقب الأول على رجال الجيش والثاني على كتاب السر من النصارى (القلقشندى، جـ 5، ص 488، جـ 5، ص 487). ثم استعملت بعد ذلك الألقاب المزدوجة: عضد الدولة وتاج الملة (جـ 5، ص 492) وتاج العلماء والحكام، وقد لقب به القضاة، (جـ 6، ص 41 وما بعدها) إلخ .. وأطلقت أنواع أخرى من الألقاب على ملوك الكفر مثل "بقية أبناء التخوت والتيجان" (جـ 6، ص 85) ومخوّل التخوت والتيجان (جـ 6، ص 175) ووارث الأسرّة والتيجان (جـ 6، ص 177). ويتصل بهذا عادة إطلاق كلمة تاج مع المضاف إليه على عناوين الكتب ولدينا على هذا آلاف الشواهد. و"تاج سعدان" في علم الهيئة هو زحل. وتاج الجبار نجم قريب من كوكبه الجبار Orion المعروف أيضًا

بالجوزاء [والجوزاء هنا غير جوزاء فلك البروج]. ويقال أيضًا تاج العمود أي رأسه (Archaeol Reise: Sarre Herzfeld جـ 2، ص 185). والتاج يطلق أيضًا على عرف الديك وما شابهه من الطيور. وهو الاسم العربي لنهر تاجه (¬1) Tagus بالأندلس. وكان هناك قصر مشهور لخلفاء بغداد يعرف بقصر التاج، وقد شيد في عهد المعتضد والمكتفى واستعمل في بنائه أنقاض قصر المدائن أحد عجائب الدنيا السبع الذي دمره حريق نجم عن البرق، وأعيد بناء قصر التاج، غير أن هذا البناء لم يتم وخرب عن آخره عام 574 (ياقوت، جـ 1، ص 806 - 809، والترجمة في Zeitschrift der Deutschen Morgenlaendischen Gesellschaft. جـ 18، ص 403 - 406 hres-: Sacy. tomathie جـ 1، ص 74، Kul- turgeschichte: v. Kremer, جـ 2، ص 54 Sarre- Herzfeld، جـ 1، ص 92، جـ 2، ص 63، 148). ومن مناظر الخلفاء في القاهرة منظرة تعرف بمنظرة التاج شيدها بدر الجمالى، وكانت أنقاضا في عهد المقريزى (المقريزى، جـ 1، ص 481، جـ 2، ص 129 ياقوت، الملحق، جـ 5، ص 15 , Chrestomathie: Sacy. جـ 1، ص 224، 228). المصادر: علاوة على المصادر المذكورة في صلب المادة انظر (1) f vete-: Dozy- Dictionnaires des ments انظر مادة تاج (2) Hasling's Encyclopaedia of Re- ligion and Ethics مادة تاج (3) Abendlaendische: Karabaceck .19 .Kuenstler in Konstantionnel im 15 u Jahrliundert. I. Italienische Kuenstler one -1451 Hofe Muhammeds II. des Eroberers .Denkschriften d. k. Akad. d. Wiss 1481 Wien، جـ 62، المقالة الأولى، سنة 1918. [بيوركمان W. Bjorkman] ¬

_ (¬1) قول كاتب المادة أن التاج هنا هو الاسم العربي لنهر تاجه خطأ. محمد مسعود

تاج محل

تاج محل ضريح عجيب الصنع أنيق الهندسة أقامه في مدينة "آكرا" الملك شاه جهان ليضم رفات زوجة أرجمند بانوبيكم التي كان متدلها في عشقها. وكلمة تاج محل محرفة من الاسم الذي كانت تحمله هذه الأميرة وهو "ممتاز محل" وهي ابنة آصف خان أخي نورجهان المشهور. وكان زواج الملك شاه جهان منها في العاشر من مايو سنة 1612 إذ كانت تبلغ التاسعة عشرة من عمرها. وقد رزقت منه أربعة عشر ولدًا ثم توفيت في يونيو سنة 1631 بمدينة برهانبور على أثر ولادتها بنتًا، فدفنت مؤقتا في زين آباد من ضاحية برهانيور. غير أن زوجها الذي كان لا يكف عن البكاء حزنا عليها عقد النية على أن يخلد حبها بإنشاء ضريح جدير بتخليد هذا الحب. ومن ثم نقل جثمانها إلى آكرا حيث دفنها مرة أخرى دفنا مؤقتا في بقعة من الأرض ابتاعها من الراجا جاى سنغ، وعلى هذه البقعة شاد بناء التاج الذي استغرق مع ما يتبعه من الأبنية الأخرى اثنتين وعشرين سنة كان يزاول العمل فيها من غير انقطاع عشرون ألف عامل. وكان قد عقد مجلسا من أساطين علماء الهندسة وفحول فن العمارة في الدولة وطرح على أنظارهم التصميمات الهندسية المختلفة فما زالوا بها بحثا وتمحيصا حتى استقر رأيهم بالموافقة على التصميم الذي وضعه المهندس المعروف بالأستاذ عيسى الذي اختلف في أصله وجنسه، فقيل إنه فارسى من شيراز أو من إحدى بلاد تركية، أما الرواية المنسوبة إلى الأب منريك Manrique من آباء الطائفة الأغسطينية الدينية، وهي الرواية التي محصلها أن المهندس صاحب التصميم إنما هو كيرونيمو فيرونيو Geromino Veronen فليس هناك من الأسانيد ما يعززها لا في سجل الحوادث المحلية ولا فيما دونه كل من الرحالين تافرنييه Tavernier وبورنييه Bonnier وتيفنو Thevenot في الرحلات التي صنفوها، وهؤلاء قد توافقت آراؤهم على أن الضريح قد شيد بالمرمر الأبيض المجلوب من جدهيور على مصطبة مفروشة السطح

بالمرمر الأبيض كذلك في ارتفاع ثماني عشرة قدما فوق ما مسطحه 313 قدما مربعة، وأقيمت عند كل زاوية من زوايا المصطبة مئذنة متناسقة الأجزاء ارتفاعها 133 قدما يحيط بدائر كل مئذنة ثلاث شرفات تنتهي بقطرى (جنرى) مفتوح ذي قمة. وفي وسط المصطبة يرتفع الضريح في شكل رباعى مسطحه 186 قدما مربعة وزوايا مقطوعة في مدى 33 قدما و 9 إبهامات. أما واجهة الضريح فتبلغ من العلو فوق سطح المصطبة 92 قدما و 3 إبهامات، وأما القبة الرئيسية فتشغل الجزء الأوسط من البناية في مدى دائرة قطرها 58 قدما وتضرب في العلو فوق السقف إلى ارتفاع 74 قدما أو فوق مستوى سطح المصطبة بـ 191 قدما، ولكل من واجهات البناية الأربع مدخل عال مغطى بعقد، وفوق كل مدخل حجرة صغيرة ذات قمة، تحتوى طابقين ينتهى كل طابق في أعلاه بقطر ذي قمة وفي كل وجه من وجوهه الثلاثة الخارجية ستة محاريب معقودة ومنسقة في صفين متطابقين، وينفذ الضوء إليها من نافذات ذات مصبعات. وهذه المحاريب مع المداخل الكبيرة كالعقود في شكلها، وتحت القبة الكبرى التي تعلو وسط البناية ضريح ممتاز محل وإلى جانبه ضريح زوجها وكلاهما مزخرف بالنقوش الكتابية. وفي أسفل الضريحين مباشرة اللحدان اللذان يحتويان رفات الزوجين وموضعهما على مستوى وجه الأرض، والزخارف فيهما أقل منها في الضريحين. ويحيط بهذين الضريحين حاجز منحوت في المرمر الأبيض على شكل مصبعات، وتعد صناعته من أدق تحف الفن الهندى وأجملها، كما يحيط بالمداخل الأربعة إطارات من الزخارف الجميلة بالحروف العربية يزيد في حسنها وجمالها زخارف أخرى تالية لها في الحجر الصلب. ومآخذ العقود والزوايا والنقوش التفصيلية المهمة مرصعة كلها بالأحجار الكريمة كحجر العقيق وحجر اليشب وحجر الدم وحجر العقيق السليمانى وغيرها مما تضافر الذوق السليم والحذاقة البالغة على تنسيقه في شكل عقود من الأغصان ملتوية تارة وفي الوضع المسمى بشوك اليهود تارة أخرى، وفي

كل ذلك تنسجم الرسوم مع الألوان خير انسجام. وينفذ الضوء من خلال حواجز زوجية منحوتة في المرمر الناصع البياض على شكل مصبعات يزيدها حسن النسق وجمال الترتيب رونقا ورواء، إذ يواجه أحد الحاجزين الجانب الخارجى من الجدران بينما يواجه الآخر جانبها الداخلى. وفيما يلي بناية الضريح ومصطبته جناحان أحدهما مسجد لطيف الشكل متقن البناء، ومن مجموعة هذه المبانى يتألف أحد أضلاع صحن فسيح نسقت فيه خمائل الزهر، ومسطح هذا الصحن 880 قدما، وفيما يليه صحن آخر خارجى يماثله في العرض ولكنه لا يزيد على نصفه طولا. ولقد جهد بعض الماجنين الأدعياء في مسائل الفن أنفسهم في الجهر بآرائهم عن تاج محل وحكمهم الفني عليه بمقتضى أصول الهندسة اليونانية والقوطية فذكروا في مقارناتهم ما يتنافى مع سلامة الذوق ويتعارض مع استقامة المنطق. ولقد أصاب فركوسون Fergusson حيث قال في هذا الصدد: "إن التوفيق بين تلك المحاسن الباهرة -أي محاسن تاج محل- وحسن التأتى في إحكام الترابط بين أجزائها لمن الأعمال التي تعدل دنيا برمتها". المصادر: (1) عبد الحميد لاهورى: بادشاه نامه، النص، كلكتة سنة 1872. (2) A Handbook to: E.B. Havell Agra and the Taj لندن سنة 1912. (3) محمد معين الدين: The History of the Taj، آكرا سنة 1905 م. (4) History of In-: James Fergusson dian and Eastern Architecture، طبعة James Burgess & Phene Spiers, لندن سنة 1910. (5) Hob-: . Yule & A. G. Bernell son - Jnhsnn، طبعة Wm. Crooke, لندن سنة 1903. [هيك Haig.T.W]

تأريخ

تأريخ أولًا: بمعنى التاريخ العام أي تسجيل أهم حوادث الأمم، وبمعنى الحوليات أي تدوين الحوادث عامًا عامًا، وبمعنى الأخبار مرتبة بحسب العصور. وقد وردت كلمة التاريخ بهذه المعاني عنوانًا لمصنفات تاريخية مثل (تكملة تاريخ الطبري) و"تاريخ بغداد" و"مكة" وغيرهما، و"تأريخ الأندلس"، وأطلقت كلمة التاريخ أيضًا على طائفة أخرى من مصنفات تباين في موضوعها المصنفات الآنفة معو "تأريخ الهند" الذي ألفه أبوالريحان البيرونى فإنه إلى مصنف في البحوث العقلية أقرب منه إلى مصنف في التاريخ. وكتاب تاريخ الحكماء المعروف بـ "إخبار العلماء بأخبار الحكماء" لابن القفطى فإنه أشبه بمعجم يتضمن أخبار العلماء المتقدمين ومن حذا حذوهم من العرب الذين حافظوا على التقاليد اليونانية في العلم مقرونة بسرد ما أثمرته قرائحهم من المصنفات الكثيرة، منه بمصنف في التاريخ. ثانيا: بمعنى تحديد بداية الأخبار الخاصة بعصر من العصور، وبمعنى حساب الأزمان وحصرها، وبمعنى تحديد زمن وقوع الحوادث تحديدًا دقيقًا. وقد وقف المسلمون فضلا عن تأريخ الهجرة الذي هو خاص بهم على طائفة من تواريخ عصور أخرى كتأريخ العالم الذي إنما هو حصر مشكوك في صحته لسعة الفوارق فيما يتعلق بتواريخ اليهود والنصارى والمجوس. فالبيرونى وأبو الفرج الملطى المسيحي العقيدة ينعيان على اليهود ما أتوه من إنقاص عدد السنين عن المدة التي انقضت منذ الخليفة على وجه جعل تأريخ ميلاد المسيح غير متفق مع النبوءات الخاصة بظهوره. ومما نعياه عليهم أيضًا أنهم أخروا مولد شيث بن آدم عن موعده الصحيح بمائة سنة، وجروا على هذه الطريقة بالنسبة لغيره من الزعماء والشيوخ الذين تعاقبوا إلى عهد إبراهيم بحيث إذا حسب مدى ما بين الخليقة إلى ظهور المسيح كان 4.210 سنين بدلا من 5.586 سنة تقريبا وهي المدة التي نص عليها العهد القديم.

ويقول أبو الريحان البيرونى أن اليهود كانوا يرقبون ظهور المسيح في أخريات سنة 1335 من تأريخ الإسكندر، بينما المسيح قد ولد بحسب ما أجمعت الآراء عليه في سنة 311 من هذا التاريخ. وتاريخ الطوفان من ناحيته ما زال موضوع خلاف في الرأى بين اليهود والنصارى. وقد أخذ به أبو معشر الفلكى في قانونه. وكذا تأريخ بختنصر الأول اعتمد عليه بطليموس الفالوذى في كتابه "المجسطى" كما اعتمد على تصحيح الأدوار الزمنية لقاللبس (1). ومثله تاريخ "فيلفس أرديوس Philip "Arrhidaeus أبي الإسكندر أخذ به "ثاون الإسكندرى Theon في قانونه، وكذا تأريخ الإسكندر المبنى على الأشهر اليونانية ويعرف بتاريخ السلوقيين يبدأ من دخول "سلوق نيقاطور " Scleucus Nocator مدينة بابل بعد وفاة الاسكندر باثنتى عشرة سنة، وقد أخذ به السريان واليهود ويعرف عندهم "بتاريخ العقود Ere des Con- "tracts كما أخذ به الروم بفوارق طفيفة. وبمقتضى هذا التأريخ يكون مولد محمد (صلى الله عليه وسلم) (2) في سنة 882 للإسكندر. وهناك أيضًا تأريخ قيصر أنطونيوس الذي اعتمد عليه بطليموس الفالوذى في تصحيحاته لمواقع النجوم. وكذا تأريخ دقلطيانوس المعروف بتاريخ الشهداء ويبتدئ بالسنة الأولى من حكمه الموافقة لسنة 596 من تأريخ الإسكندر، وهذا التاريخ هو الذي عليه القبط إلى يومنا. وقد أخذ الفرس وأصحاب زرادشت بتأريخين ليزدجرد الثالث يبدأ أحدهما من يوم اعتلائه عرش الملك والثاني من يوم وفاته. وفي عهد الحكم الإسلامى بفارس أدخل الخليفة المعتضد على التقويم الفارسى تعديلا رجع بيوم النيروز، الذي هو رأس السنة الفارسية، إلى أوان أكثر ملاءمة لمواسم الزراعة بعد أن تقدم هذا الأوان في مجرى الزمن على أثر الإضافات المتوالية لأيام النسئ. وهناك إصلاح آخر قام بإدخاله على التقويم بنفسه السلطان ملك شاه

السلجوقى واضع التاريخ الجلالى (3) في غرة رجب عام 710 م. وأدخل غازان محمود تاريخ الإيلخانية في أول رجب سنة 701. وفي أول مارس سنة 1676 (بحساب التقويم القديم) اعتمد العثمانيون التقويم الشمسى القائم على التقويم البوليوسى وأسموه "التقويم المالى العثماني". وإذا كانت السنة اليوليوسية تزيد على السنة القمرية بأحد عشر يومًا فقد ظلت تواريخ التقويم مخالفة لتواريخ التقويم الهجرى. وفي السنة الثلاثين من حكم السلطان أكبر وضع هذا السلطان التقويم الموصوف بالإلهى وهو يبدأ من يوم 5 ربيع الثاني سنة 963 (19 فبراير سنة 1556) تأريخ جلوسه على العرش وسنواته شمسية. وفي عصرنا الحاضر قدم الغازى أحمد مختار باشا تقويمًا آخر على جانب كبير من الضبط والدقة لأن الخطا فيه (أي الفرق) لا يتجاوز 28، . من اليوم لكل مائة قرن: وفي عام 1926 م نبذ الأتراك الكماليون التقويم القمرى الإسلامى وأحلوا محله التقويم الأوربى. ويحسن بنا، ونحن بسبيل الكلام على التواريخ، أن نشير هنا إلى طريقة الترقيم المعروفة بحساب الجمّل وهي الطريقة التي ترى أحيانًا في النصوص المتصلة بالأدب، فإن المقصود منها إثبات التأريخ بوساطة الحروف التي تتألف منها الكلمات إذ تجمع دلالاتها الرقمية فتثبت ذلك التاريخ: وعلى هذا المنوال يكون حساب الجمّل لعبارة "نجاة الخلق من الكفر بمحمد" هو 1335. وهذا المثل منقول عن البيرونى. المصادر: (1) البيرونى: الآثار الباقية، طبعة وترجمة sachau، لندن سنة 1789، الفصل الثالث وغير ذلك من المواضع. (2) أبو الفرج: تأريخ مختصر الدول، طبعة صالحانى، بيروت 1890 م. (3) Table de con-: E. Lacoine cordance des dates des Calendriers arabe, copte, gregorien, israelite etc، باريس سنة 1891. [كارا ده فو B. Carra De Vaux]

تعليق علي مادة "تأريخ "

تعليق علي مادة "تأريخ " (1) الدور الزمنى لقاللبس Calippe الفلكى الحاسب اليونانى هو التصبح للدور الذي استنبطه ماطن Meton الفلكى اليونانى الأثينى المشهور في سنة 432 قبل الميلاد ونسب إلى اسمه أو أضيف إليه فقيل الدور الماطنى أو دور ماطن: وكان هذا الدور يتألف من 6940 يومًا أي عدد أيام الدور القمرى البالغ 19 سنة شمسية والذي في نهايته ترجع تواريخ ميلاد القمر إلى مثل مواقعها التاريخية من الأشهر- غير أنه ثبت فيما بعد أن ذلك العدد من الأيام التي يتألف منها الدور القمرى عند ماطن يزيد بقدر تسع ساعات ونصف ساعة على المدى الحقيقي للدور القمرى المؤلف من مدة 19 سنة شمسية كما يزيد بقدر سبع ساعات ونصف ساعة على مجموع المدد المتعاقبة بين كل ميلاد للقمر والميلاد الذي يليه مكررًا 235 مرة، أي شهرًا قمريًا، فحدث بعد ذلك بقرن من الزمان أن جاء فلكى يونانى آخر وهو قاللبس فاقترح إصلاح الدور الماطنى بأن ضاعف مدته أربع مرات إذ جعله 76 سنة على أن يحذف من آخر هذه المدة يوم واحد باعتبار أحد الأشهر القمرية ذات الثلاثين يومًا شهرًا قمريًا ذا 29 يومًا، وقد نسب هذا الدور إليه إذ سمى بالدور القاللبسى وهو -كما يؤخذ مما تقدم- ألف من أربعة أدوار ماطنية في كل دور من الثلاثة الأولى 1940 يومًا وفي الدور الرابع الأخير 6939 يومًا وثلاثة أرباع اليوم وعلى هذا التعديل أصفق الفلكيون المحاسبون وعملوا به لأن الدور القمرى الرابع المؤلف من 6939 وثلاثة أرباع اليوم جاء منطبقًا تمامًا الانطباق على أسلوب النسئ في التقويم اليوليوسى. وغير عسير على المتأمل أن يلمح مزايا هذا التعديل الحسابى وفوائده الجماء إذ حسبه أن يعرف تواريخ مولد القمر كل سنة من سنى هذا الدور ليقف فورًا على هذه التواريخ بعينها في آية سنة كانت متى عرف مكانها من سلسلة سنوات الدور. والعدد الذي عليه الاصطلاح للدلالة على كل سنة من سنوات الدور القمرى يسمى بالعدد الذهبي، إما لأن اليونان كانوا ينقشونه بحروف الذهب في جدران معابدهم وإما لأنه كان يكتب

بالزرياب (ماء الذهب) في تقاويمهم مبالغة في لفت الأنظار إليه. ومع ما ظهر من فوائد الاصلاح القاللبسى للدور الماطنى على الوجه السابق فإن الضبط لم يكن ضبطًا مطلقًا، إذ ظهر عند تطبيقه أنه يؤدى إلى فرق يوم كامل في كل 353 سنة شمسية. (2) صح ما ذكره مؤلف المادة من أن مولد النبي محمد عليه الصلاة والسلام كان في سنة 882 من عهد ذي القرنين الموافقة سنة 571 من التاريخ المسيحي وسنة 216 من التاريخ العربي (الجاهلى) الذي أشهره هي أشهر التاريخ الهجرى الحاضر بأسمائها وترتيبها وسنة 40 من ملك كسرى أنوشروان، كما توافق الأيام التي تلت قران السيارين زحل والمشترى في برج العقرب وهو القرآن المعروف بـ "قران ملة الإسلام" أو "قران الملة" فحسب، على ما ورد في كتاب "منتهى الإدراك في تقاسيم الأفلاك" إذ قال: "ولد النبي صلى الله عليه وسلم في السنة الأولى من القرآن الدال على ملة الإسلام " وقد حدد يحيى ابن محمد بن أبي شكر المغربي الأندلسى على وجه التقريب موضع المولد الشريف من تلك السنة فقال: إن سنة ولادة النبي صلى الله عليه وسلم اتفقت مع سنة 882 للإسكندر وفيها كان قران بين زحل والمشترى في برج العقرب- قبل الولادة بقليل". وقد ثبت بالحساب الفلكى الدقيق أن هذا القرآن حدث سنة 571 م. كما جاء في كتاب "الكامل في أسرار النجوم " وكتاب "القرانات " لأحمد بن عبد الجليل وكلاهما من مخطوطات دار الكتب الأهلية بباريس، وهذا دليل على أنه صلوات الله عليه ولد في تلك السنة وفي فصلى الربيع منها في الأيام أو الأسابيع القليلة التالية لشهر مارس أي في شهر نيسان (أفريل). لكن في أي يوم من هذا الشهر كان مولده صلى الله عليه وسلم، وما هو مقابله من التاريخ العربي؟ الجواب: إن الذي عليه الإجماع في مولده عليه السلام هو أنه كان لثنتى عشرة ليلة من شهر ربيع الأول وأنه كان عند إبهار النهار- أي وسطه- في قول وحين طلوع الفجر في قول جده

عبد المطلب: "ولد لي الليلة مولود مع الصبح" غير أن هذا الإجماع على تاريخ مولده لم يكن سوى ما أخذه الناس بالتواتر واصطلحوا عليه اعتباطًا، إذ الحقيقة أن تاريخ مولده صلى الله عليه وسلم مختلف فيه بفروق أيام قليلة. فقد قيل إنه كان لعشر ليال مضت من ربيع الأول. وذهب الحافظ الدمياطى إلى أنه كان لسبع عشرة ليلة خلت منه. وقال ابن دحية "إنه كان لثمان مضت منه وأنه هو الذي لا يصح غيره لأن عليه إجماع أهل التاريخ". وقد تناول المغفور له محمود حمدى باشا الفلكى المصري -الذي شرف مصر ورفع رأسها عاليًا بين علماء أوروبا في مستهل النصف الثاني من القرن الماضي ببحوث ومصنفاته التي طبعت كلها في دار الطباعة الإمبراطورية بباريس- تناول الاختلاف بالتحقيق والتمحيض في رسالته التي طبعت في هذه الدار سنة 158 ميلادية تحت عنوان Memoire Sur le Calendrier arabe avant l'Islamisme -effendi, astro hammad, par Mahmoud فتأدى به التحقيق الدقيق والتمحيص العميق إلى تقرير الحقيقة الآتية وهي: أن مولد النبي صلى الله عليه وسلم كان في ليلة الاثنين الموافق 9 من ربيع الأول سنة 216 من تاريخ العرب. وقد ساق في مساق التدليل على صواب تحقيقه هذا اثنى عشر وجها تاريخيًا وفلكيًا تخلص منها إلى أن التواريخ المختلف فيها لمولده عيه السلام وهي 8، 10، 12, من ربيع الأول ليس منها ما يطابق وقوعه يوم اثنين. وأن الاثنين إنما كان يوم 9 ربيع الأول الموافق 20 إبريل سنة 571 من الميلاد المسيحي. (3) هذا التاريخ وضعه عمر الخيام وعبد الرحمن الحارثى: وهو تاريخ شمسى بدأ بالعاشر من رمضان سنة 471 هجرية. وأسمى بالتاريخ الجلالى نسبة إلى السلطان جلال الدين السلجوقى، واتخذ له أسماء الأشهر القديمة مع التمييز بينها والجديدة فقيل: شهر فروردين قديم وفروردين الجلالى وشهر أردبهشت القديم وأردبهشت الجلالى، وجعل رأس

السنة بوم نوروز السلطان الذي تحل الشمس فيه ببرج الحمل واعتبرت كل سنة من ثلاث سنين متوالية 365 يومًا والسنة الرابعة بعدها 366 يومًا، وبالنظر لاعتبار وقوع رأس السنة يوم الاعتدال الربيعى (يوم حلول الشمس في برج الحمل وهو في الآن نفسه يوم النيروز) كان التاريخ الجلالى من أضبط تواريخ الأمم الماضية لأن سنواته حقيقية وأشهره اصطلاحية. محمد مسعود. تاريخ: لفظ عربي بمعنى العهد أو الحساب أو التوقيت، أي تحديد الوقت. وقد استكملت المادة السابقة على وجه مرض بفضل المادة الباحثة في مادة زمان. ومن ثم أصبحت الاستفادة منها غير ميسورة إلا بالرجوع إلى تلك المادة , وفيما يلي تذييل للمادتين يكمل ما فيهما من نقص مع الاعتماد على المصادر الأصلية الماسة بالموضوع كلما دعت الحاجة إلى ذلك. إن أصل كلمة تأريخ هو الأصل السامى العام لكلمة "ورخ" التي تمثل على سبيل المثال في كلمتى، يارْيّح" العبرية التي معناها القمر و"يرَح" التي معناها الشهر. وعلى هذا القياس يكون معنى كلمة تأريخ هو التوقيت أي تحديد الشهر، ثم اتسع نطاق هذا اللفظ فشمل من جهة معنى تحديد عهد حادث ما، وبمعنى التأريخ: أي رواية هذا الحادث، ومن جهة أخرى بمعنى تحديد الوقت أو العصر أو التاريخ المدون بحسب السنين. ومما يلفت النظر ما أورده البيرونى في ص 29 من كتاب الآثار الباقية (طبعة سخاو Sachau) ودكره الخوارزمى أيضًا في مصنفه مفاتيح العلوم (طبعة فإن فلوتن، ص 79) بالتفنيد والتخطئة من أن كلمة تأريخ فارسية معربة وأن أصلها الفارسى هو "ماه روز" التي تدعو إلى الشعور شعورًا لا مراء فيه بأن المراد منه تعيين بدء الشهر. ومن ثم يرى أن هذه النظرية تتصل بالقصة التي رواها عدة مؤرخين وهي ترد أخذ المسلمين بتأريخ الهجرة تقويمًا لهم إلى نصيحة الهرمزان للخليفة عمر (البيرونى: الكتاب المذكور).

وقد نقلت أسماء الأشهر العربية القديمة المذكورة في مادة زمان عن البيرونى من الجدول الذي في صفحة 69 من طبعة سخاو. ووردت هذه الأسماء باختلاف يسير، ولكنه ملحوظ، في الجدول والأبيات التي في الصفحات 60، 61، 62 من هذا الكتاب. زد على هذا أن البيرونى يذكر في صفحة 63 أشهر ثمود إلى جانب منظومة أبي سهل عيسى بن يحيى المسيحي التي تعين على استذكار هذه الأشهر (إنظر عن أبي سهل مقدمة سخاو لكتاب البيرونى ص 32؛ ابن أبي أصيبعة، طبعة ميللر Mueller جـ 1، ص 307 وما بعدها Gesch.: Brockelmann arab. Litt جـ 1، ص 238). ولأيام معينة من الشهر أسماء أوردها البيرونى في صفحة 64. ويمكن الرجوع إلى مقال فيشر Fisher فيما يختص بالأسماء العربية القديمة لأيام الأسبوع (Fischer في - Zeitschrift des Deutschen Mor genlaednischen gesellschaft جـ 1، ص 220 - 226) ويطلق على وحدة الزمن التي تتألف من أربع وعشرين ساعة لفظ "يوم " تمييزًا له عن النهار. ويوم يسبق ليلة في الاصطلاح "يوم وليلة" ولكن النهار يذكر بعد الليل. وقد اهتدى فيشر سنة 1909 إلى علة ذلك، وهي أن النهار يرجع إلى الحساب السامى الأول الذي كان يجعل اليوم من الغروب إلى الغروب، بينما يرجع الليل إلى التقويم المتأخر الذي يجعل اليوم من المساء إلى المساء مما له صلة بالسنة القمرية. وقد شعر العرب بأن اليوم اصطلاح شامل فقدموه وأخروا النهار لأنهم أدركوا أنه تعبير عام على الزمن لا يصبح يومًا إلا إذا ضم إليه الليل. وهذا هو الوضع الصحيح الذي ارتأوه (Tag und Nacht" im Ar-: Fischer" abischen und die semit. Tagesberechung في Saechs Ges. d Abh. Phil-hist. . Kl. d.' Wiss جـ 27، رقم 21). و" أيام الفِجَار" ليست هي أيام الغدر وإنما هي أيامَ القتال في الشهر الحرام وأبو الريحان البيرونى يسمى أحد هذه الأيام بيوم الغدر (ص 34، س 8 وفي Handbuch der Chronologie: Ginzel جـ 1، ص 251، غير أن الإشارة التي في هذا الكتاب غير واضحة). وقد حدث

هذا الغدر في روايته (س 10) قبل عام الفيل. وكان موقع الحادث الذي آثروا تسميته بالفجار في سنى الشباب من عمر النبي. وقد اتخذ المسلمون من الهجرة بداية لتأريخهم، ولم نصل بعد إلى حل لمسألة اليوم الذي يوافق أول المحرم من العام الأول للهجره (¬1). وكذلك لم يتقدم بنا بول خطوة في هذا السبيل (Buhl: Das Leben Muhammeds ترجمة H.H.Schaeder، سنة 1930 ص 196) وقد أخذ ماير J. Mayer مما ذهب إليه بابنكر Babinger (انظر Die Ges- chichtsehreiber der Osmanen und ihre Werke و Mitteilungen Zur Osmanischen Geschichte، جـ 2، ص 269) من أن يوم 15 يولىة سنة 622 هو اليوم الأول للتأريخ الهجرى. ونشأت بعد هذا صعوبات فلكية، ولم يحاول تقرير يوم من أيام النسيء للتغلب على هذه الصعوبات وإنما حول اليوم إلى 16 يولية. وقد أبدى بابنكر في تعليق له أنه قد أخذ بيوم 15 حتى عهد السلطان سليم الأول كما يستفاد من إشارة عاشق باشا زاده إلى يوم "الخميس" (عاشق باشا زاده، ص 273، س 9). ثم جرى الحساب بعد فتح مصر اعتبارًا من 16 يوليو. غير أنه لا شواهد هناك تؤيد ذلك. وبدأ فستنفلد ومالر (Wuestenfeld-Mahler: Vergleichungstabellen) بيوم 16، وهو ما جهر مالر بعدم صحته (انظر مقدمة الطبعة الثانية سنة 1926) وعلى كل حال فمما ينبغي ألا يغيب عنا أن تاريخًا إسلاميًا لا يمكن تحديده تحديدًا لا مراء فيه إلا إذا عرف اليوم الذي بدأ فيه هذا التأريخ من أيام الأسبوع. ومن الثابت أن يوم 15 يونية سنة 622 كان يوم خميس ويوم 16 منه كان يوم جمعة (للتوسع في هذه المسألة انظر Ginzel، جـ 1، ص 258 وما بعدها). وقد دخل بعض التحوير على أسماء الشهور الإسلامية في مراكش وفي الأرخبيل الهندى الشرقي بعضه من الوجهة الهجائية والبعض الآخر من وجهة التسمية (انظر Ginzel؛ جـ 1، ص 253 (مراكش)، ص 417 [جاوة]، ¬

_ (¬1) راجع الحاشية رقم (1) من هذه المادة ففيها ما يمهد للقارئ استخراج تاريخ اليوم الأول للهجرة من التاريخ المسيحي.

ص 427 [الجزر الأخرى]). وفي جزيرة مدغشقر يستخدمون أسماء صور فلك البروج الأثنى عشر، ويتخذون أحيانًا الأسماء السنسكريتية للشهور. ولا يمكن أن يتعاقب أكثر من أربعة أشهر ذات ثلاثين يومًا تعاقبًا متصلا ولا أكثر من ثلاثة أشهر ذات تسعة وعشرين يومًا تعاقبًا متصلا أيضًا كما جاء في كشاف اصطلاحات الفنون طبعة شبرنكر، مادة تأريخ، لأن تحديد بداية الشهر مرتبطة برؤية الهلال. وفيما يختص بمحاولة إدخال السنة الشمسية لأغراض الخراج يمكن الرجوع إلى Ginzel (جـ 1، ص 64، وما بعدها، البيرونى، ص 31 وما بعدها، ص 68؛ Kl. Schr.: A. V. Gutschmid، جـ 2، سنة 1980، ص 415، 513، 757). أما عن تأريخ الطوفان فانظر البيرونى، ص 23 وما بعدها والجدول الذي في صفحة 137 فقد قال إن أصحاب النجوم حددوا بداية ذلك التأريخ، أي القرآن، من لدن القرآن الأول لزحل والمشترى الذي اتفق وقوعه قبل الطوفان بمائتين وتسع وعشرين سنة ومائة وثمانية أيام. وبين كون الطوفان وبين أول ملك بختنصر الأول ألفا سنة وستمائة وأربع سنين. وبين بختنصر وبين الإسكندر، أي التاريخ السلوقى، أربعمائة وست وثلاثون سنة. ولكن ورد في الجدول أن بين كون الطوفان وبين أول ملك بختنصر 860.173 يومًا. ويظن تبعًا لهذا أن الـ 2.604 سنة حسبت على الأرجح من لدن القرآن. وحدد أبو معشر الفلكى تأريخ الطوفان في وقت قران جميع الكواكب في آخر برج الحوت وأول برج الحمل، وأن بين ذلك الوقت وبين أول تأريخ الإسكندر ألفين وسبعمائة وتسعين سنة كبيسة (أي شمسية) وسبعة أشهر وستة وعشرين يومًا، وذكر البيرونى في صفحة 25 الخلاف بين هذين الحسابين. وحساب الـ 2.604 سنة التي أسلفنا ذكرها من لدن قران زحل والمشترى (أي تأريخ الطوفان 2604 - 229 = 2375 سنة قبل بختنصر) يوصلنا إلى نفس النتائج تقريبًا. وشهور تأريخ بختنصر المعروف بالتأريخ القبطى القديم مصرية (كشاف

اصطلاحات الفنون، رقم 7، مدته 159.20؛ وفي رواية البيرونى 159.101 وفي سخرم schram 159.136 قبل التأريخ السلوقى [أي 26 فبراير سنة 747 ق. م كما ذكر كنزل، جـ 1، ص 143] وهو ما يتفق والـ 436 سنة المذكورة آنفًا). وسنوه إثنا عشر شهرًا كل منها ثلاثون يومًا، ويضاف إلى ذلك خمسة أيام النسئ، وبين تأريخ بيلبس وهذا التأريخ مماثلة، وغاية ما في الأمر أن بين بختنصر وبيلبس 424 سنة عدتها في رواية البيرونى 760/ 154 يومًا (ص (137؛ وانظر Ginzel جـ 1، ص 147) أي أنه كان في 12 نوفمبر سنة 324 ق. م. وتأريخ الإسكندر الذي يسمى أيضًا التأريخ القبطى الجديد يبدأ في الحقيقة من لدن الإمبراطور أغسطس (انظر Ginzel. جـ 1، ص 224 وما بعدها) ويوافق 14 فبراير. سنة 27 ق. م. (كشاف اصطلاحات الفنون رقم 3، المدة 217291، وفي رواية البيرونى، ص 137: 219.242 وفي التفهيم، ورقة 174 " 217.415؛ وفي رواية سخرم Schram، 217.321 يومًا بعد التأريخ السلوقى في زمن دقلطيانوس؛ أي في تأريخ كنزل Ginzel لدقلطيانوس انظر Chronologie، جـ 1، ص 229؛ ومدته 29 أغسطس عام 284 م). والتأريخ السلوقى يبدأ يوم الاثنين بعد وفاة الإسكندر (323) باثنتى عشرة سنة شمسية (كشاف اصطلاحات الفنون، رقم 2؛ مدة 34.700. وفي رواية البيرونى 340.701 وفي رواية Schram 340.731 يومًا قبل الهجرة؛ وفي رواية كنزل. جـ 3، ص 41، في أول أكتوبر سنة 312 ق. م. ويزعم سخرم أنه في أول سبتمبر سنة 311 ق. م، انظر ما أسلفنا بيانه). ويزعم آخرون أنه يبدأ في أول ملكه. وقد شاع الخلط في هذا المقام بين الإسكندر الأكبر وبين الإسكندر الرابع Aigos ويرى البيرونى في صفحة 28 أن الإسكندر لما خرج وهو ابن ست وعشرين سنة متجهزًا لقتال دارا ورد بيت المقدس واليهود ساكنوه فأمرهم بترك تأريخ موسى وداود والتحول إلى تأريخه واستعمال

تلك السنة أوله. وهي السنة السابعة والعشرون من ميلاده، فأجابوه إلى ذلك وائتمروا بأمره فيه لإطلاق الأحبار ذلك لهم عند مضى كل ألف سنة من لدن موسى. (انظر Ginzel جـ 1، ص 176، 263). أما أهل فارس فأسلوبهم في الحساب لم يوضح توضيحًا كافيًا في نواحيه الرئيسية. والثابت أن السنة الفارسية القديمة كانت سنة شمسية شهورها اثنا عشر شهرًا كل منها 30 يومًا، ويضاف إلى ذلك خمسة أيام للنسئ أي أنها كانت 365 يومًا. وأيام الشهر لها أسماء ذكر كنزل صيغها الفهلوية والزندافستية (جـ 1، ص 281) وذكر البيرونى في صفحة 43 صيغها الفارسية الحديثة. واليوم الثامن والخامس عشر والثالث والعشرون من الشهر تسمى باسم واحد (انظر ما يلي، وكان هذا شان تلك الأيام عند السغد وأهل خوارزم " انظر Ginzel، ج 1، فيما رواه عن البيرونى ص 46 وما بعدها. وأسماء هذه الأشهر (في أوضاعها الواردة عناوين للمواد كل مادة خاصة بحالة معينة) هي كما يلي: فروردين (19) مهر (16) أرديهشت (3) آبان (10) خرداذ (6) آذر (9) تبر (13) دى (8، 15، 23) مرداذ (7) بهمن (2) شهرير (4) اسفندارمذ (5) وقد أورد كنز Ginzel معاني هذه الأسماء في كتابه، جـ 1، ص 278 وما بعدها. ووردت أسماء الأشهر كلها بمثابة أسماء للأيام وقد وضعنا بين قوسين رقم اليوم الذي يشترك مع الشهر في الإسم. وللتمييز بينهما يضاف لفظ (ماه) إذا كان المقصود به الشهر، وروز إذا كان المقصود به اليوم. ويحتفل باليوم الذي يجئ متفقًا في الإسم مع الشهر (انظر Ginzei، جـ 1، ص 289 وما بعدها). وتقل السنة البالغ عدد أيامها 365 ست ساعات عن السنة المدارية، ولذلك فإنه لا يمكن جعل صلتها بالفصول ثابتة إلا بكبس يوم كل أربع سنين، أو يكبس شهر كل مائة وعشرين سنة،

ومن المأثور (Ginzel, جـ 1، الفصول من 76 - 78) أن الطريقة الثانية كانت مستعملة، إلا أنها لم تكن مرعية بدقة، وقد شرح كتشميد (A. V. Gutschmid: Ueber das iranische Jahe في. Kl.Schr جـ 3، سنة 1892, ص 205 وما بعدها) شرحًا مبينًا ما ذكرته الكتب من أن الشهر المكبوس والأيام المكبوسة خلال دور يبلغ 1440 سنة قد ألحقت في موضعها من الشهر التالي في سياق الأشهر بحيث لا يشرف هذا الدور على التمام حتى تكون السنة قد جبرت. ويسمى الشهر المكبوس باسم الشهر الذي ألحق به مع إضافة رقم الثاني: وآية ذلك أنهم في كل 120 سنة حسبوا السنة سنتين ثم حسبوا سنة متنقلة وأخرى ثابتة تكبس بإضافة شهر إليها. وعندما حصل الكبس لأول مرة كان موقع الأيام المكبوسة من السنة في آخرها. وعلى هذا أصبح شهر فروردين من سنة 121 المتنقلة بحكم الكبس الأول معادلا لشهر فروردين الثاني المكبوس من الشهر في كلتا السنتين، وظل متخلفًا خلال المائة والعشرين السنة التالية عن اسفندارمذ من السنة الثابتة الموافق شهر فروردين من السنة المتحركة التالية. وبعد مضى الدور الثاني المؤلف من 120 سنة وافق الشهر المكبوس شهر أرديهشت من السنة 241 المتنقلة، وسمى لذلك شهر أرديهشت الثاني. ثم تلك الأيام المكبوسة شهر أرديهشت من السنة المتنقلة وظل في دور المائة والعشرين سنة التالية حافظًا لمكانه بعد أرديهشت من السنة المتنقلة، بحيث وافق في كل مرة شهر اسفنندارمذ من السنة السابقة، وبذا كان الشهر المكبوس والأيام المكبوسة تأتى دائمًا في نهاية السنة الثابتة ولا تتغير مواضعها إلا في السنة المتنقلة كما أسلفنا بيانه. وبما أنه حدث في عهد أنوشروان كبس جعل موضع الأيام المكبوسة بمقتضاه بعد شهر آبان (سنة 350 م؛ 8 × 120 = 960 سنة) فيكون قد انقضى حوالي سنة 530 ب. م. منذ الكبس الأول، (وللتوسع في هذه المسألة انظر Ginzel جـ 1، ص 297). وعليه فيحتمل أن يكون الكبس الذي تلا الكبس الواقع في عهد أنوشروان قد حل حوالي عام 560 من الميلاد. ولكن

بلاد فارس في ذلك العهد أصبحت بلدًا إسلاميًا، ولما لم يكن في هذه البلاد تأريخ ثابت وإنما كان التأريخ يتغير بتغير عهد كل ملك، وأن سلسلة تعاقب ملوك فارس قد انتهت حلقاتها بيزدجرد الثالث فقد استمر حساب السنين من عهد هذا الملك (632 م) ونشأ عن هذا تأريخ يزدجرد الذي سمى باسم هذا الملك الذي دالت في عهذه دولة فارس. ويبدأ هذا التاريخ بيوم الثلاثاء 16 يونية سنة 632 الموافق لليوم الـ 1.952.063 من التقويم اليوليوسى في رواية سخرم Schram. واليوم الـ 3.623 أو 3.624 من الهجرة (انظر. Ginel، جـ 1، الفصل 69، الكشاف، تأريخ يزدجرد، رقم 4). وإذ لم يكن هناك كبس في القرون الأولى من تأريخ يزدجرد فقد ظلت أيام النسئ تلحق في موضعها قبل شهر آبان من السنة المتنقلة. وينبغى توصلا إلى حساب التواريخ بمقتضى هذا التقويم أن نعرف ما هو الموضع الذي أدرج المؤلف فيه أيام النسئ. وقد جاء الكبس في كتاب سخرم Schram الموسوم بـ Kalendario graphischen Tafeln تاليًا شهر إسفندارمذ كما جاء تاليًا شهر آبان. وقد نتج عما ذكرناه من العدول عن الكبس أن اليوم الأول من السنة الجديدة لتأريخ يزدجرد ظل على الدوام في تأخر، ولهذا أمر السلطان جلال الدين ملكشاه بن آلب أرسلان بإصلاح هذا التقويم (انظر في هذا الشأن مادة "جلالي") وبناء على ما ورد في كشاف اصطلاحات الفنون (Dict. of Techn. Terms, رقم 5) يكون هذا التأريخ موافقًا ليوم الجمعة 18 فروردين من التقويم القديم، وهو يوافق اليوم الـ 163.173 من تاريخ يزدجرد. وقد حسب ذلك فوجد أنه يوافق فروردين الأول من التقويم الجديد. وهذا التأريخ يوافق 10 رمضان عام 471 (15 مارس سنة 1079، انظر Ginzel، جـ 1، فصل 70). ومن هذا الحين أخذوا يكبسون يومًا سادسًا كل أربع سنوات مع إغفال سنة بين آن وآخر. وقد أدخل الإيلخان غازان محمود على هذا التقويم إصلاحًا جديدًا. ويروي كنزل (Ginzel؛ جـ 1، ص 304) أن الفضل في معرفة بداية

التقويم الإيلخانى، وهو يوم الخميس 13 رجب من عام 701 (13 مارس سنة 1302) يرجع إلى حمد الله مستوفى القزوينى. وهذان التأريخان يتفقان إذا اعتبرنا - خلافًا لما قرره فستنفلد ومالر- أن بداية التاريخ الهجرى هو 15 يولية سنة 622. ولكن اسم يوم الأسبوع لا يتسق مطلقًا مع هذا التحديد. لأنه إذا كان أول رجب من عام 701 هـ يقع في يوم خميس أو يوم جمعة فإذن يكون يوم 13 إما يوم ثلاثاء أو يوم أربعاء. وقد زاد طين هذا الخلط بلة أن كشاف اصطلاحات الفنون (Divt. of Techn Terms، رقم 6) جعل يوم الاثنين اليوم الأول من ذلك التأريخ على اعتبار أنه مستهل السنة 224 من التقويم الجلالى، وهذا يرجع بنا إلى عام 1302 م. على أن هذا التأريخ الذي لم يقم له وزن بعد ذلك ما برح محاطًا بالغموض والإبهام حتى الآن. وفيما يتصل بالاصلاح الذي أدخله على التقويم السلطان أكبر، انظر (Ginzel، جـ 1، الفصول من 108 إلى 109). ما فيما يتصل بتأريخ الترك الأقدمين وأخبارهم فقد وردت في كشاف اصطلاحات الفنون (Dict. of Techn. Terms، رقم 8) بيانات مستفيضة من شأنها أن توسع نطاق معلوماتنا في نواح مختلفة من هذا التاريخ. من ذلك أنه إذا قال صاحب هذا الكشاف إن السنين عند الترك كانت سنين حقيقية (انظر مادة س؛ Dict. of Techn. Terms, مادة "سنة") أي سنين شمسية مدارية فهو إنما كان يقصد إلى السنين القمرية الشمسية، أي سنين مكونة من إثنى عشر شهرًا قمريًا أي من 354 أو 355 يومًا حصل توقيعها أي تطبيقها على السنة الشمسية بإضافة أشهر تكميلية إليها طبقًا لنظام موضوع وقاعدة معينة. وإذا كانت السنوات الكبيسة في كل دور من الزمن مقداره ثلاثون سنة يبلغ عددها إحدى عشرة سنة كما كان الحال عند العرب قبل الإسلام، فإذن يكون الغرض الذي رمى إليه بفكره هو اليوم الخامس والخمسون بعد الثلثمائة من السنة الإسلامية، على حين أن حقيقة الواقع هي أن الشهر الكبيس كان يكبس في الواقع سبع مرات من كل دور مؤلف

من تسع عشرة سنة كما هو عند الصينيين الذين تلقى الترك الأولون عنهم تقويمهم (Ginzel جـ 1، الفصل 136 عن التاريخ التركى القديم الوارد في النقوش Alttuerkische Ins-: Thomsen chriften aus der Mongolei في Zeitschr. . der Deutsch. Morgenl. Gesells، جـ VA، ص 132) وعند اليهود أيضًا. والنتيجة واحدة، لأنه إذا كانت إحدى عشرة سنة كبيسة تحل كل ثلاثين سنة وسبع سنين كبيسة كل تسع عشرة سنة فإن الخلاف يكون سنة كبيسة فقط في كل 570 سنة. وتتفق أسماء الأشهر التي ذكرها المؤلف وأسماء الأشهر التي نقلها كنزل عن ألغ بك) Ginzel، جـ 1، ص 503). وقد ظل " الترك يكبسون على طريقة أهل الصين (Ginzel، جـ 1، ص 467 وما بعدها) فإن السنة عندهم أربعة وعشرون قسمًا (تسى وكنى) من الأقسام الصينية، قسمان منها يقعان في الشهر الواحد، وإذا وقع ثانى القسمين في الشهر التالي فهذا الشهر يعد كبيسا أو زائدا، وفي لغتهم "شون آي) (أي صوم الصينيين؛ (انظر Ginzel جـ 1، ص 474) وهو ما يؤخذ منه أن الشهر الكبيس لا مكان له ثابتًا في التقويم إن بداية السنة في الدرجة السادسة عشرة من برج الدلو Aquarii فهي أيضًا من وضع الصينيين (Ginzel، جـ 1 ص 470 وما بعدها). وقد قدروا مدة السنة بـ 2436/ 365 يومًا (0.0001 يوم = 8.64 ثوان = 1 فنك) أي 365 يومًا وخمس ساعات و 98/ 46 ثانية. وهذا التقدير الخاطئ إلى أقصى حد لا يرجع إلى تحريف ما في النص بدليل ثبوت هذا الخطأ بما تبين فيما بعد من أن السنة قسمت إلى أربعة وعشرين قسمًا كل قسم خمسة عشر يومًا و (5/ 6) 2.154 فنك، أما الأشهر فأشهر حقيقية أي قرانية مقررة تبدأ بالقران ويمكن معرفة موقع السنة من دور الكبس بطرح 632 من السنة الموافقة لها من تأريخ يزدجرد، لأن السنة قد حسبت أيامها بـ 365 يومًا، وقسمة فرق السنين على ثلاثين، فإذا نقص باقي القسمة عن ثلاثين فإنه يدل على أن السنة سنة كبيسة وذلك إذا كان هذا الباقي واحدا من الأرقام التالية وهي: 2، 5، 7، 10، 13، 16، 18، 21، 24، 26، 29.

وطريقة هذا الحساب الذي لا ينسحب على الشهر الكبيس بل على اليوم الخامس والخمسين بعد الثلثمائة لم يبدأ العمل به إلا في سنة 632 من تأريخ يزدجرد الموافق سنة 1.264 م. وقد ألم المؤلف أيضًا بما كان قدماء الترك يعملون به من تقسيم اليوم، كما كان عند الصينيين إلى ساعات مضاعفة (جاغ، انظر Redhnuse مادة جاغ، وبالصينية تشى، انظر Ginzel، جـ 1، 465)، وقسمت الساعة المضاعفة هذه إلى ثمانية أقسام كل قسم يسمى كهن (كهنا؟ ويعرفه الصينيون باسم "كئو"؛ انظر Ginzel؛ المادة نفسها) وذكر المؤلف كذلك دورا صينيا ستينيا يتكون من دور واحد عشرى ودور آخر عشرينى كما ذكر كذلك أسماء الحيوانات الشائعة مطلقة على سنى الدور العشرينى (Ginzel، جـ 1، ص 452). وهناك دور يتألف من اثنى عشر يوما لكل يوم لون خاص، والغرض منه مسألة اختيار الأيام. وببدء الخيلقة بدأ التاريخ، وبينها وسنة 860 من تاريخ يزدجرد 8.863 قرنا، [حسبما يورد] وقد انقضى منذ ذلك البدء حتى الآن 9.965 سنة وسيعيش العالم 300.000 قرن كل منها 10.000 سنة. وتأريخ توقيت الحوادث في الإسلام يطابق إلى حد كبير علم الهيئة والعلم بالآثار الطبيعية على مقتضى ما ورد في الآيات القرآنية لم يكن حتى الآن موضوع بحث مستقل، فإن الآيات التي تضمنت الإشارة إلى علم الهيئة والبحث في التقاويم قد عنى بجمعها نلينو - Nal lino في كتابه الموسوم بـ "علم الفلك وتأريخه عند العرب في القرون الوسطى"، رومية سنة 1919 م ص 84، 104 - 112 (Plessner في Isi. وجـ 21، ص 226 - 218). وهناك ما يحدو بنا إلى الكلام على هذه النقطة فإن كتاب الآثار الباقية للبيرونى (انظر أيضًا الترجمة الإنكليزية بعنوان Chronology of Ancient Nations، لندن سنة 1879) يعد إبتكارًا صحيحًا في التأليف العلمي لأنه يعتبر أول محاولة لجمع كل تواريخ الأمم المعروفة ودراستها دراسة مبنية على النقد من الناحية الفلكية والمقارنة بينها من الناحية التاريخية، وقد أوجز البيرونى

هذا الكتاب في مؤلفه " التفهيم لأوائل صناعة التنجيم" (- the Book of In -struction in the Elements of the Art of As trology وهو منقول عن المخطوط المحفوظ في المتحف البريطانى بين المحفوظات الشرقية تحت رقم 8349، وقد قام بترجمة هذا الكتاب R. Ramsay Wright لندن سنة 1934، وضع الترجمة تجاه النص) في الأوراق من 661 - 963، وفيه بعض الخلاف في الحساب، كما سبق أن بينا. وهناك بعض المعلومات في مقدمات التواريخ العامة مثل تاريخ الطبري، جـ 1، ص 3 وما بعدها" وهي أكثر إقتضابًا في ابن الأثير جـ 1، ص 9 وما بعدها. فقد جاء في هذه المقدمات أن اليهود قدروا المدة التي غيرت منذ بدء الخلق بـ 4.342 سنة، وهو أمر لا يتفق والتقويم العبرى. ويقال إن الروم حسبوا المدة من بدء الخليقة حتى الهجرة بـ 5.992 سنة وشهر، وذهب المجوس إلى أنها منذ عهد كيومرث إلى الهجرة 3.139 سنة. وفي كتب علم الفلك أحاديث كثيرة في هذا الشأن منها كتاب عجائب المخلوقات للقزوينى (طبعة فستنفلد، ص 62 - 87)، وفي نهاية الأرب للنويرى كثير من الفوائد الأدبية (جـ 1، ص 157 - 195) ففي صفحتى 168.167 مثلًا جدول بالسنوات التي بين 94.8 للهجرة والتي سميت بأسماء خاصة لمناسبات معينة، وفي رسائل إخوان الصفا وخلان الوفا معلومات فلكية لحساب الزمن وبخاصة فصول السنة" (جـ 1، ص 56 وما بعدها، جـ 2، ص 16 وما بعدها). المصادر: (1) المراجع المذكورة في صلب المادة (2) المواد الفلكية وما شابهها (3) Introduction to the His-: Sarton tory of Science K، 1927 وما بعدها، في المواد الخاصة بكل فلكى (4) البتانى: Opus astronomicum" الطبعة اللاتينية. (5) C.A.Nallino، سنة 1899 - 1907 (6) Handbook: Wensinck, مادة تقويم Calendar .

(7) Grunde. der. Iran: Gray في phil، جـ 2، ص 675 - 678" وقيمة هذا المقال تنحصر في مراجعة الوافية. [بلسنر m. Plessner] " تاريخ": (علم التأريخ) ينطبق -بإعتباره مصطلحًا من مصطلحات الثقافة العلمية- على تدوين الحوادث الحولية، كما ينطبق على تراجم الرجال وسيرهم لاعلى تاريخ شامل للثقافة العقلية بصفة عامة، والتأريخ على هذا الإعتبار يتلخص تطوره عند العرب والفرس في أربع مراحل: (أ) من البداية إلى القرن الثالث للهجرة (ب) من القرن الثالث إلى القرن السادس (جـ) من نهاية القرن السادس إلى بداية القرن العاشر (د) من القرن العاشر إلى القرن الثالث عشر أما عن مصادر التأريخ عند الأتراك العثمانين فيُرجع إلى المادة المعقودة على "الأتراك"، وعما كتب عن بلاد الملايو، يُرجع إلى المادة المكتوبة عن جزر الملايو. (أ) إن مسألة مصادر تدوين التأريخ عند العرب لم تحل حلا نهائيا بعد للفارق العظيم الذي أنهتد حتى الآن إلى إدراك كنهه بين الأساطير الشعبية المنقولة بالتواتر عن العرب في العصر الجاهلى وبين الأخبار التاريخية التي ظهرت في القرن الثاني للهجرة مسايرة بعض المسايرة للعلم وما يقتضيه من الدقة والضبط، وهناك رأى لطائفة من الكتاب المحدثين يخلع على هذا التطور تاثيرًا قاطعًا كما يؤخذ من كتاب الملوك المصنف بالفارسية (انظر الفقرة الرابعة الآتية بعد)، إلا أنه يبدو من المرجح أن التأريخ عند العرب نشأ من اجتماع مصنفات تاريخية أو شبه تاريخيه مختلفة الاتجاهات والمقاصد رأينا أن من الأصلح معالجتها هنا، كل منها على حدته. 1 - التاريخ المأثور عن العصر الجاهلي: لعله كان من المتوقع أن يوجد في بلاد اليمن ضرب من التأريخ المأثور بالكتابة، فقد كانت هذه البلاد مركز حضارة استقرت دعائمها عهدا طويلا

وحفظت آثارها بالنقوش المعينية والسبئية والحميرية، وكل ما وصل إلينا من هذا القبيل يحمل طابع التأريخ المنقول بالسماع كبضعة أسماء للملوك القدماء وقصص غامضة لحمتها وسداها المبالغة والتهويل عن عصور غبرت وذكريات قد تكون في الغالب أكثر من تلك دقة إلا أنها أكثر منها غموضا واستغلاقا عن حوادث وقعت في القرن السابق لظهور الإسلام. وفي خلال القرن الأول للهجرة أفسح الخيال المجال للتاريخ المأثور بالسماع حتى تألفت مجموعة من الأقاصيص والأساطير زعم أصحابها أنها تاريخ واف لبلاد العرب في العصور القديمة اقترنت به أسماء رجال من طراز وهب بن منّبه وعُبَيد بن شَريهَ. وما صنفه الاثنان في هذا الموضوع دليل واف على أن العرب الأقدمين كانت تنقصهم الملكة التاريخية والنفوذ إلى الحقائق حتى في أخص ما يتصل منها بحوادث عصرهم (انظر The Two Oldest: F. Krenkow Books on Arabic Folklore في Islamic Culture المجلد الثاني) ومع ذلك فقد قبلت الأجيال التالية رواياتهم في مجموعها وأدمجها المؤرخون وكتاب آخرون في مؤلفاتهم. وكان ابن إسحاق أحد الرواة عن عبيد، وقد جمع عبد الملك بن هشام "كتاب التيجان" لوهب في وضعه الحاضر، وأحل الطبري في ذخيرته الرائعة في المعارف الدينية المواد التي أخذها عنه محل الاعتبار؛ نعم إن ابن خلدون أشار إلى ما في بعض تلك القصص اليمانية من السخف والخرافة (جـ 1، ص 13 - 14) إلا أنه لم يتوان عن إيراد هذه القصص بعينها لتحلية نظرياته والترغيب فيها، ولهذا بقيت في مجموع التأريخ العربي عنصرا ينافى بداهة العقل ويتعارض مع نمو ملكة النقد وتفهم التأريخ القديم تفهما صائبا سديدا. أما عرب الشمال فقد كان الحال عندهم مباينا لما تقدم بعض التباين، إذ كان لكل قبيلة تاريخ مأثور يعلو في حالات معينة على مستوى إدراك القبيلة، فانطوى بذلك على ناحية خاصة بفكرة أنساب قبائل العرب (كما عرفها العرب بعد ذلك) غير أنه لا يوجد هناك ما يرشح للإلماع إلى وجود تاريخ

مأثور لشمال بلاد العرب بحيث يعم هذه البلاد، ثم إن للقالب الذي يكيف به تاريخ القبيلة أهميته ومكانته، إذ أنه يتناول رواية أغلب حوادث "الأيام" التي في غضونها حاربت القبيلة أعداءها، وجرت العادة بأن يتخلل كل رواية للحوادث بعض أبيات من الشعر، هذا وليست النسبة بين العناصر النثرية والعناصر الشعرية واحدة، ففي بعض الأحايين يكون الشعر ضربا من ضروب الارتجال وفي بعضها الآخر تكون الرواية النثرية شرحا للقصيدة الشعرية، وفي كلتا الحالتين يكون الشعر هو الذي حافظ على تناقل الرواية وانتشارها حتى أنه لما نسيت الأشعار اندثرت الروايات القديمة باندثارها، على حين أن أشعارا جديدة كانت تنظم للتنويه بما جد من الفعال المجيدة في تاريخ القبيلة، ومثل هذه الرواية، وان تكن مصبوغة بصبغة الغرض والتحيز ومجهولة زمن الحدوث ومغالى فيها من الناحية الخيالية، إلا أنها كانت مع ذلك على جانب من الحقيقة والصواب؛ هذا وقد حولت الفتوحات الإسلامية مجرى الروايات المأثورة عن القبيلة دون تغيير في خصياتها بينما حافظت الروايات الجديدة محافظة واسعة النطاق على الاتصال القديم بين الشعر والنثر إلى جانب المبالغة وعدم الدقة المعهودين في الكتابات القديمة، وهذا أيضًا كان من شأنه التاثير في التريخ الإسلامي من حيث إن تلك الروايات المأثورة هيأت المواد التي استقى منها المؤرخون المحدثون في تدوين تاريخ الخلفاء الراشدين وخلفاء بنى أمية (انظر الفقرة الثالثة). أما العنصر الآخر في التأريخ المأثور للقبيله فهو حفظ أنساب القبائل، ومع هذا فقد ازداد نشاط علماء الأنساب في عهد بنى أمية القديم بإنشاء "الدواوين " إلى جانب مصالح ذوي العصبيات من العرب المتنافسين، وأدى ذلك إلى وقوع الخلط في نواحى علم الأنساب (انظر كتاب كولدتسيهر: "دراسات إسلامية، جـ 1، ص 177 - 179) في القرن الثاني من الهجرة غزا علماء فقه اللغة ميادين رواية القبيلة التي كانت حتى ذاك الوقت مجالا خاصا بنشاط الرواة والنسابين. وذلك لتحقيق ما نزعوا إليه من الإحاطة بكل ما تبقى من آثار

الشعر القديم مع إيضاح غوامضه، فأدوا للتاريخ خدمة جليلة إذ جمعوا شتات هذه المجموعة من المواد التاريخية وعنوا بترتيبها وتنسيقها بعد تمييزها بعضها لاعن بعض. وكان أبو عبيدة (110 - 209 هـ = 728 - 824 م) أحد الموالى الذين يمتون إلى العراق بماتة الأصل، وهو من المثل البارزة في ذلك النشاط، فإنه لم يحمل اسمه أي بحث من المائتى البحث المنسوبة إليه، غير أن بعض هذه البحوث وردت بجوهرها في مصنفات ألفت فيما بعد آخذة بأطراف الرواية فيما يختص بشمال بلاد العرب ومنسقة في صورة سهلة التناول كروايات القبائل المستقلة وبطون القبائل فيما يرتبط بـ "الأيام " وتنسحب أيضًا حتى على الروايات التالية لظهور الإسلام وعلى الروايات التي احتوت شرح فتوحات الأقاليم المنقسمة بعضها على بعض، والحوادث الهامة ووقائع الحروب بل أخبار الجماعات "كقضاة" البصرة و، الخوارج " و" الموالى"، وكان أبو عبيدة متهما بمحاولة الطعن في العرب لصالح الشعوبية. ولقد كان عمل هشام بن محمد الكلبى المتوفى حوالي سنة 204 هـ (819 م) شبيهًا بعض الشبه بعمل أبي عبيدة في اتجاهه ومناحيه (انظر مقدمة سخاو لطبقات ابن سعد، مجلد 3) إذ نظم المجموعات التي عنى والده المتوفى سنة 146 هـ (م) بحشدها وقام بتوسيع نطاقها كما نظم مجموعات عوانة وأبي محنف. وتتناول رسائله في الأغلب الغرض الذي ترمى إليه بحوث أبي عبيدة، غير أن مرجع الفضل إليه في عنايته بتدوين الأخبار التاريخية الخاصة بمدينة الحيرة وأسرتها المالكة مستندة إلى المصادر والوثائق المكتوبة، وقد خطا هذا العمل المقول باستناده إلى الوثائق المحفوظة في كنائس الحيرة والأسانيد الفارسية التي ترجمت له خطوات واسعة نحو التأليف التاريخي القائم على أساس العلم. ومع أنه لم ينته إلينا من ذلك المصنف سوى مقتبسات محدودة العدد فقد أثبتت التحقيقات الحديثة صحة روايته في مجموعه، ويقال عن هشام إنه نهج هذا النهج في مصنفاته الأخرى باعتماده على الكتابات والمواد المكتوبة التي كانت

تحت يده. ولكنه لم يكن مع ذلك بمنجاة من المطاعن العنيفة التي كالها له العلماء المحافظون على التقاليد متهمين إياه بالتزوير وكذب الرواية. 2 - صدر الإسلام إذا إستثنينا ما استعان به هشام الكلبى من المواد الخاصة بالحيرة فإن بداية تأليف التاريخ العلمي باللغة العربية تربط بالبحث في حياة النبي وأعماله، وهو ما يستتبع رجوع أهل هذا التنظيم إلى مجموعة الأحاديث النبوية وبخاصة الأحاديث المتصلة بغزوات النبي (ومن ثم اصطاوح "المغازي" أو الغزوات الذي أطلق على المصنفات الأولى التي ألفت في السير). وكانت المدينة المنورة موطن هذه الدراسة ومهدها، ولم يختص احد بالتأليف في المغازي قبل القرن الثاني للهجرة في مواطن أخرى غير المدينة. وذاك الارتباط بالأحاديث الذي ترك أثرًا لا يمحى في أسلوب التأليف التاريخي بالاعتماد على الإسناد يفسر التغيير البالغ الذي ظهر منذ ذلك الحين في الصفات المميزة لرواية حوادث التاريخ وتمحيصها عند العرب. وإنا لنشعر أول وهلة انا نستند إلى أساس علمي في الأثر الذي تناول العهد المكي والعهد المدني في حياة الرسول [- صلى الله عليه وسلم -]. وقد أدى الجيل الثاني من المسلمين إلى هذا التقدم ما هو أعلق بالمصادر والمراجع منه بمجموعات سبق تكوينها. ومع هذا فإن اثنين منهم وهما أبّان بن عثمان وعروة بن الزبير ورد ذكرهما على اعتبار أنهما مصنفان في المغازي، ولكن مصنفاتهما لم تذكر قط على لسان المصنفين الذين جاءوا بعدهما. وفي الجيل التالي اشتهر بعض المحدثين بمجموعتهم الشاملة لأحاديث المغازي وبخاصة محمد بن مسلم بن شهاب الزهري الذي دوَّن بالكتابة مواد الحديث نزولا على أمر الخليفة عمر بن عبد العزيز أو الخليفة هشام بن عبد الملك، وقد أودعت هذه المواد خزانة الدولة التي حل بها العفاء فيما بعد. ويعزى إليه الفضل في أنه كان أول من قارن بين الأحاديث المختلفة المصادر لادماجها في حديث واحد وهذه خطوة إلى الإمام في العرض التأريخى.

وقد كانت الأحاديث التي رواها الزهري أساسًا للكتب المؤلفة في المغازي، وجمعها ثلاثة من كتاب الجيل التالي، إلا أن اثنين من هذه الكتب فقدا كما فقد كتابان آخران غيرهما وإنما بقيت من هذه الكتب أجزاء متفرقة. أما الكتاب الثالث وهو السيرة المشهورة التي ألفها محمد بن إسحاق ابن يسار المتوفى سنة 151 هـ (768 م) فقد كان ثمرة تفكير أبعد أفقًا وأوسع نطاقًا من تفكير سابقيه ومعاصريه، لأنه نزع فيه لا إلى تدوين تاريخ النبي فحسب بل إلى تاريخ النبوة بذاتها أيضًا. وكان في هذا الأسلوب المبتكر يشمل أقسامًا ثلاثة: "المبتدأ" وهو تاريخ العصر الجاهلى منذ الخليقة، وقد استمد أكثره من وهب بن منبه ومن المصادر العبرية، ثم "المبعث " وهو تاريخ حياة النبي حتى السنة الأولى للهجرة، ثم "المغازي" وتناول هذا التاريخ إلى وفاة النبي. وقد غدا هذا الكتاب المرجع الرئيسى لتاريخ العصر الجاهلى والصدر الأول من الإسلام وذلك على الرغم من أنه كان هدفا للنقد الصارم بما تطرق إليه من الأحاديث والمقتبسات الشعرية التي لا وزن لها. وقد عرف أن هناك أحاديث دخل عليها -كما هو معروف- بعض التحوير، غير أنه مما يدعو إلى الأسف أن ما اعتمد عليه منها الجامعون المتأخرون من العراقيين كان خير ما فيها بلا ارتياب (انظر الخطيب البغدادي) وقد تناولته يد الضياع فتمهدت السبل بذلك إلى ظهور موجز مشوه بعض التشويه جمعه المصنف المصري عبد الملك بن هشام المتوفى سنة 218 هـ (833 م). ومما هو جدير بالذكر أن جميع المؤلفين في المغازي كانوا من "الموالى" وإن يكن هذا التعبير لايستتبع حتمًا حتى في ذلك العهد رجوعه إلى أصل غير عربي. فقد كان ابن إسحاق عراقى الأصل حقًّا لأن جده يسارًا أسر في العراق سنة 12 هـ (633 م) ولكن مما يتناقى مع الصواب أن نطلب في النزعة الفكرية التي بعثت ابن إسحاق على وضع مصنفه مؤثرات فارسية حتى ولو جاءت عن طريق غير مباشر، إذ أن الصلات بين تلك النزعة والاتجاه الذي اتجه إليه وهب بن منبه من جهة ثم بينها ومذهب أهل الحديث المدنيين من جهة أخرى تثبت أن تلك

النزعة الفكرية كانت بلا شك من وحى العرب كما كانت متصلة بضوابط علم الحديث العربي الصحيح. وقد كان من نصيب الجيل التالي أن شهد أفق الدراسات والبحوث التاريخية ينفسح مداه. فقد عزى إلى ابن إسحاق تأليف تاريخ للخلفاء، وإنما يظهر أن هذا التأليف كان ضيق النطاق مختصر العبارة. وألف محمد بن عمر الواقدي (130 - 207 هـ = 747 - 823 م) الذي خلف ابن إسحاق كتابًا لم يقتصر فيه على غزوات النبي بل تناول كثيرًا من وقائع تاريخ العهود الإسلامية التالية كما ألف تاريخًا جامعًا تناول فيه الكلام إلى عهد خلافة هارون الرشيد، وبذا اقترب علم التاريخ القائم على الحديث من المادة التاريخية التي جمعها فقهاء اللغة مع الاحتفاظ بأسلوبه الخاص في إيراد الأحاديث. وتاريخ " المغازي " للواقدى هو وحده الذي حفظ كيانه بوضعه الأصلي. ولكن كاتبه محمد بن سعد المتوفى سنة 230 هـ (844 - 845 م) اعتمد على الكثير من المواد التي جمعها ذلك المؤلف في مصنفه "كتاب الطبقات " في سيرة النبي وصحبه والتابعين. وفكرة تصنيف معجم للتراجم كهذا تدل بذاتها على تطور جديد في فن التاريخ، وتؤيد الارتباط الوثيق بينه وبين علم الحديث، إذ أن هذه المواد جمعت في الأصل بقصد نقد الأحاديث وتمحيصها. هذا، ولذلك الجزء من كتاب ابن سعد في قالبه الأخير الذي صاغه فيه، أي كتاب سيرة النبي (المجلدان الأول والثاني من الكتاب المطبوع) أهمية من وجهين: الأول أن تاريخ المغازي له تكملة تتضمن أوامر النبي ونواهيه وكتبه؛ وقد قال الواقدي إن ابن سعد استمد بكل ما وقعت عليه يده من الوثائق والأسانيد. وأظهر حجة مما تقدم على ذلك أن. تلك الأجزاء التي أضيفت لأول مرة عن صفة أخلاق النبي وعلامات النبوة كانت ممهدة لما أنشئ بعد ذلك من الكتب في شمائل النبي والدلائل. ويخطو هذا التطور بنا خطوة أخرى نحو توجيه عناصر الحديث الصحيح في اتجاه آخر من رواية الأحاديث (كما رأينا في ابن إسحاق) لك أن تلتمسه في فن القصاص، ويصور لنا العودة إلى

صنف من صنوف الأدب الشعبي يمت بصلة إلى مصنفات وهب بن منبه. وبهذا الاتجاه الجديد الذي نهجته السيرة والذي اتجه إليه كذلك جميع المتأخرين من مؤرخى السيرة النبوية يتضح لنا جليًا أن نصيبه من الأسلوب التاريخي قد أشرف على النهاية. 3 - تاريخ الخلافة: أتينا في الفصلين السابقين على وصف لبداية تدوين الحوادث التي أعقبت وفاة النبي في وسائل متفرقة. ومما يجدر ذكره أن هذا النشاط كان مقصورًا على العراق، فلم تعز آية رسالة من هذا القبيل إلى عالم ما من علماء الشام أو بلاد العرب أو مصر خلال القرنين الأولين للهجرة، ومن ثم تبوأ العراق ورواية حوادثه المحل الأول بين المؤلفات التاريخية التي وصفت فيما بعد. بيد أن المأثور من حديث المدينة قد أمدنا أيضًا، فيما بعد. فيما يتعلق بالخلفاء الراشدين، بمادة أفادت بعض المؤلفين (كالواقدى) من ناحية اتصالها بأهل الحديث المدنيين (نسبة إلى المدينة). وما برح في مجال الشك وجود وثائق مخطوطة في المدينة كانت في ذلك العهد من المراجع التي يرجع إليها، ومع هذا فإن الدقة التي تتسم بها الأخبار التاريخية الواردة في الحديث المدني تدعو إلى الاعتقاد بوجود مواد من هذا القبيل فيها. وقد توافرت الدلائل على وجود وثائق في العصر الأموى بدمشق والعراق معًا (انظر بخاصة. كرومان Allgemeine Einfuehrung in die arabischen papyri، فينا سنة 1924، (ص 27 - 30) ولذا كان محتملًا أن يكون المصنفوق المتأخرون قد اعتمدوا على مواد من هذا القبيل في ترتيب مجموعة دقيقة للحوادث بحسب تسلسل الزمن ترتيبًا تناول ذكر أسماء الولاة والحكام وأمراء الحج وما جرى هذا المجرى عامًا فعامًا. ولاستيفاء مثل هذا البيان الجامع لجأ المؤلفون إلى هواد روعى في جمعها التوفيق بين مناهج الرواة وفقهاء اللغة. وقد كانت المنزلة الأولى بين للك المواد للروايات الخاصة بالقبائل العربية في العراق، وطائفة منها هي الروايات الخاصة بقبائل آزد التي جمعها هي وروايات أخرى أبو مخنف المتوفى سنة 157 هـ (774 م) وقد تولى نقلها هشام

الكلبى (انظر فيما تقدم)، وهي عبارة عن رواية الكوفة لجانب على ضد أهل الشام، أما رواية كلب التي يوردها "عوانة بن الحكم " المتوفى سنة 147 هـ (764 م) والتي نقلها هشام الكلبى أيضًا ففيها نزعة ظاهرة ضد على لجانب أهل الشام (انظر فيما يتعلق بهذه المصادر: Das ar-: Wellhausen abische, Reich Einleitung وهنالك رواية ثالثة لقبيلة تميم، وقد تولى إذاعتها في الآفاق "سيف ابن عمر" المتوفى حوالي سنة 180 هـ (796 م) في صورة قصة تاريخية عن الغزوات تقوم إلى حد كبير على منظومات اتصالها بالقصة يشبه كثيرًا ذلك الاتصال الذي نلحظه في المنظومات الواردة فيما روى عن أيام العرب. وهناك أجزاء متفرقة من روايات قبلية أخرى قد ظهر أمرها بين الملأ منها رواية باهلة المتصلة بحروب قتيبة بن مسلم، فإنها بتفاصيلها الجلية الشائقة وبالمجال الذي أفسحته للوقائع والحوادث البارزة تختلف اختلافًا بينًا عن المدونات الشاملة للحوادث المرتبة على مقتضى السنين مما ألف في العصور التالية وفي هذا العصر. وهذه الروايات القبلية- على ما احتوته من روح التحيز وفي كونها لا للزم غير صاحبها - لا يمكن القول بأن قيمتها التاريخية لا يقام لها وزن خصوصًا فيما تنطوى عليه من الإيضاح والتنوير للعوامل والمؤثرات الداخلية التي سيطرت على أحوال القرن الأول من التاريخ الإسلامي. ثم إنه مما لا يجوز إغفاله أن تلك المجاميع تتصل بعلم الحديث من ناحية الشكل ومن ناحية المحافظة الدقيقة على مبدأ "الإسناد" [وبداية هذا النشاط كانت تقترن باسم الشعبي أشهر محدثى الكوفة المتوفى حوالي سنة 110 هـ (728 م)] وليس فيها ما يدل على أثر مؤثر خارجى لا شكلًا ولا موضوعًا. وفي أوائل القرن الثالث اضطرد التقدم من جديد في طريق التأليف بوجه عام بفضل اتساع نطاق الحضارة المادية اتساعًا متواليًا وبفضل ظهور استعمال الورق الذي أسس أول مصنع له ببغداد سنة 178 هـ (794 - 795 م) فإن المخطوطات القديمة للمصنفمات الأدبية واللغوية التي صنفت منذ هذا العهد قد وصلت إلينا.

ولكن هذا الابتكار لم يقض من فوره على عادة تناقل مجموعات المواد بوساطة الرواة تلك الطريقة التي ظلت مرعية إلى نهاية القرن، لذلك يشك في أن الشطر الأوفى من المائتين والثلاثين الرسالة المنسوبة إلى علي بن محمد المدائنى البصري المتوفى سنة 225 هـ (840 م) كتب في حياته فعلا. ومما لا شك فيه أن قسمًا كبيرًا من هذه الرسائل لم يكن مجرد نسخ منقولة عن مجموعات أبي عبيدة. على أن الأهم من ذلك هو مؤلفاته الكبيرة في تأريخ الخلافة، ورسالتاه في تأريخ البصرة وخراسان. ولما كان المدائنى قد تناول جميع الروايات العراقية بأساليب النقد السليم الذي يتمشى ومذاهب أهل المدينة فقد اشتهر مصنفه بصدق الرواية، وغدا بذلك المرجع الأول لمصنفات العصر التالي، وقد أيدت التحقيقات الحديثة دقة هذا المرجع بوجه عام. ويؤخذ من استعراض التطورات السالفة أن الحدث البارز فيها هو أن الأمة الإسلامية قد اكتسبت النزعة التاريخية، وذلك على الرغم من عداء طائفة من رجال الدين المتقدمين للدراسات التأريخية. ولا مراء في أن الحجج التأريخية الواردة في القرآن، والزهو الذي ابتعثته الفتوح الإسلامية الواسعة والمنافسات بين قبائل العرب، كل أولئك قد ساعد على خلق تلك النزعة. ولكن الظاهرة البارزة التي قوامها أن جامعى الرواية التاريخية، ما خلا اللغويين منهم، كانوا رجال دين ومحدثين فحسب، تحمل على الاعتقاد بوجود سبب أعمق لذلك الحدث، فقد كان التأريخ من وجهة النظر الدينية، مظهرًا لتدبير إلهى غايته حكم الجنس البشرى؛ وبينما كانت الغاية من التأريخ، في رأى الأجيال المتقدمة، مقصورة على تدوين حوادثه خلال تعاقب الأنبياء الذين كان خاتمهم محمد [- صلى الله عليه وسلم -]، إذا بجميع المذاهب الإسلامية قد اتفقت على أن الغاية من التأريخ لا تقف عند هذا الحد. ففي مذاهب أهل السنة أن الأمة الإسلامية، أي أمة الله، هي التي يرتبط بها استمرار النظام الإلهى على الأرض؛ لذا كانت دراسة تأريخ هذه الأمة تكملة ضرورية لدراسة الوحى الإلهى في القرآن

والحديث. أضف إلى ذلك أن مذهب الاستمرار التأريخى كان أحد الأسس التي قامت عليها الفكرة السياسية الدينية عند أهل السنة. وفي مذهب الشيعة، أن الحكم الإلهى يستمر في سلسلة الأئمة، وقد برهن الراوية الشيعى الوحيد بين الذين ذكروا حتى الآن، وهو أبو مخنف، على أثر هذا الشاغل الدينى بتفرغه لكتابة تأريخ الحركات الشيعية في الكوفة. وأقوى من هذا دلالة على مكانة التأريخ من النظر الدينى أن التقوى العمياء والجدل الدينى كانا قد فتحا الباب لروح التحيز والنقاش، ومن الأمثلة المدهشة على ذلك ما أورده سيف بن عمر في كتابه الثاني عن مقتل عثمان. ومن ثم غدا علم التأريخ جزءًا لا يتجزأ من الثقافة الإسلامية، ففي البلاد الواقعة على البحر المتوسط ابدلت الروايات التاريخية القديمة بغيرها أو صيغت من جديد وفقًا للروح الإسلامية. وقد أعقب استقرار الإسلام في هذه الأقطار الشرقية المثقفة التي لم يكن لديها تأريخ مكتوب وكذا في إفريقية الفطرية التي لم تعرف التأليف إطلاقًا، ظهور مؤلفات في التأريخ. 4 - إن بداية التأليف التأريخى بمعناه الأعم، أي التوفيق بين المواد المستمدة من السيرة، والرسائل المتقدمة الذكر، ومصادر أخرى بغية إدماجها في رواية تأريخية متماسكة، إنما ترجع إلى منتصف القرن الثالث، وأقدم مؤلف سار على هذا النهج القديم هو أحمد بن يحيى البلاذرى المتوفى عام 279 هـ (892 م) ولقد تتلمذ البلاذرى على ابن سعد والمدائني [. . . . .] (*) كتاباه الكبيران يشفان عن أثر هذين [. . . . .] (*) في نفسه، وعن مزاج النقد في عصره على أكمل وجه، على أن أسلوب التأليف الذي يتميز به ذلك العصر هو تأريخ العالم الذي يبدأ بالخليقة ويلخص تاريخ العالم في إنجاز أو إسهاب جاعلًا هذا الملخص مقدمة للتاريخ الإسلامى ذاته. وليست هذه الفكرة جديدة؛ بل يرجح أن تكون توسعًا في الفكرة التي ينطوى عليها مؤلف ابن إسحاق والتي ترمى إلى ضم الشيء الكثير من التأريخ الجاهلى إلى تأريخ الأمة الإسلامية. بيد أن تأريخ العالم ليس تاريخأ للكون بأصدق معاني الكلمة، فما إن يبدأ عصر ظهور الإسلام حتى ينتفى كل اهتمام للمؤلف بتأريخ الأمم الأخرى.

_ (*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: مسح بالمطبوعة

وفي هذه الآونة سارت الرواية الفارسية لأول مرة (إلا في كتاب هشام الكلبى) في الاتجاه الرئيسى لكتابة التأريخ العربي، وذلك على الرغم من أن "كتاب الملوك" (خداى نامه) الفارسى كان قد نقل إلى العربية قبل ابن المقفع المتوفى حوالي سنة 139 هـ (756 م) بقرن ونيف. وقد أوضحنا فيما تقدم أن المواد المستمدة من القصص اليهودى والمسيحى كانت منذ أمد بعيد، قد وجدت سبيلها إلى التأريخ العربي وهو أمر لم يكن في صالحه تمامًا. كذلك كان أثر الرواية الفارسية فيه سيئًا. ذلك أنه عندما كان هذا التأريخ تابعًا لعلم الحديث كانت سرعة التصديق الطبيعية عند الناس وما كان للذكريات العربية القديمة من روعة في نفوسهم قد أخضعا لنوع من الاعتماد على التجربة واحترام أصول النقد، وهما الشرطان الجوهريان لأى تدوين صحيح للتأريخ، ولكن لم يكد التأريخ يجاوز الميدان الإسلامى حتى عادت الصعوبة القديمة في التمييز بين العناصر شبه الخرافية والتاريخية، إلى الظهور، يصاحبها الميل إلى تصديق كل موضوع في متناول الخاطر. وهذا الميل قد أذكاه طابع المصادر التي استمد منها المصنفون العرب موادهم لتدوين التأريخ القديم لفارس وعيرها من البلدان. بل إن "خداى نامه" ذاتها كانت تشتمل في أقدم أجزائها على قصص تتناول أشخاصًا خيالية (أسطورية) وعلى تأملات كهنوتية، وخرافات أبستاقية، وذكريات عن قصة الإسكندر، وكثيرًا ماكانت النزعة القصصية والبلاغية تطغى على الرواية الصحيحة في الحديث عن ملوك آل ساسان. (Das lranische Nationalepos: Noeldeke, الطبعة الثانية سنة 1920) وقد انتعشت الدراسات اليونانية بفضل نقل المؤلفات التي كتبت بهذه اللغة إلى السريانية، وأثار هذا الانتعاش في الوقت نفسه اهتمامًا بالتراث اليهودى والمسيحى واليونانى، ولم يجد هذا الاهتمام منصرفًا إلا بالرجوع إلى مصادر لم تكن أعلى شانًا من خداى نامه، مثل المصنف السريانى الموسوم بمغارة الكنز (معارت كزى).

ومن هذه المصادر استمدت المواد التي نقلها إلى صلب التاريخ الإسلامي مصنفون مثل أبي حنيفة الدينورى المتوفى سنة 282 هـ (895 م) وابن واضح اليعقوبى المتوفى سنة 284 هـ (897 م) ومع دلك فكتاب اليعقوبى من الإفاضة بحيث يشمل سكان الشمال وأهل الصين، ولذلك فهو إلى موسوعة في التأريخ أقرب منه إلى كتاب في التأريخ العام. ومن هذا القبيل كتاب المعارف للراوية ابن قتيبة المتوفى سنة 276 هـ (889 م) وما وصل إلينا من المؤلفات القرن الثاني في التاريخ لحمزة الأصفهانى المتوفى حوالي عام 360 هـ (970 م) والمسعودى المتوفى حوالي عام 345 هـ (956 م) والحق إن المسعودى من أكبر مؤرخى العرب، ولكن فقدان أكبر مصنفاته- التي ليست كتبه الباقية إلا نتفًا منها- يجعل من المتعذر تكوين فكرة صادقة عن النهج الذي اتبعه فيها. ويتضح جليًا من مثل هذه المؤلفات أن مادة عقلية جديدة قد دخلت على التأريخ العربي، وفي وسعنا أن نقول إن هذه المادة هي الرغبة في المعرفة لذاتها، ومما له دلالته أن كتابًا مثل اليعقوبى والمسعودى لم يكونوا مؤرخين فحسب بل كانوا من الجغرافيين أيضًا، وقد حصلوا معارفهم الجغرافية من الرحلات البعيدة بوجه خاص، ولا مراء في أننا واجدون في هذا التطور أثر من الثقافة الهيلينية المتأخرة خلال القرنين الثاني والثالث. في كتابه التأريخ. ولكن الصلة التي نشات بين التأريخ وبين تقويم البلدان قد أبقى عليها مؤلفون متعاقبون إلى العصر العثمانى. على أن هذه المواد الدخيلة لا وجود لها -إذا استثنينا التأريخ الفارسى- في المؤلف الذي تبلغ فيه الرواية التأريخية القديمة أوجها، ألا وهو "تاريخ الأمم والملوك" الشهير لمحمد بن جرير الطبري المتوفى سنة 310 هـ (923 م). ذلك أن الطبري كان بادئ ذي بدء محدثًا، وقد رمى في تأريخه إلى تكميل تفسيره للقرآن وذلك بعرضه الروايات التاريخية الإسلامية بنفس الإفاضة والنقد النزيه اللذين توخاهما في مؤلفه السابق. والكتاب، كما وصل إلينا، واضح الإيجاز بالنسبة إلى

مشروعه الأصلي الواسع النطاق، وبينما يبدى المؤلف انتقاداته في التفسير صراحة نراه في التأريخ يشير إليها تلميحًا، وكانت مواطن الضعف عنده هي ما يتوقع من محدث مثله- مثال ذلك إيثاره لمصنف "سيف " المنحول للتأريخ على مصنف "الواقدي" بسبب ما حام حول الواقدي من شبهة بين المحدثين. ولكن يتعين علينا -فيما عدا هذه المواطن- أن ننوه ببراعته الفائقة فيما بقى من الكتاب الذي كان، بما امتاز به من حجية وإفاضة، رمزًا لختام عصر من عصور التأريخ. ولم يعن أحد من المصنفين المتأخرين بأن يجمع ويحقق من جديد المواد المتصلة بالتأريخ الإسلامي القديم، وإنما كانت هذه المواد تلخص عن الطبري ويزاد عليها أحيانا من البلاذرى، ويبدأ بها من حيث انتهى الطبري. وقد لفت ضعف القسم الأخير من تأريخ الطبري الأنظار إلى أن معالجة التأريخ بالاعتماد على الرواية وحدها لا تكفى. وقد جعل نظام الدواوين العمال ورجال البلاط في مقدمة من يرجع إليهم في تدوين التأريخ السياسي، ونحى رجال الدين إلى المرتبة الثانية. ولهذا السبب أيضًا يعد القرن الثالث خاتمة طور خاص في كتابة التأريخ العربي. (ب) وما أن اعتبر التأريخ علمًا مستقلًا حتى أخذ ينمو بسرعة، وكثرت المؤلفات التأريخية بين القرنين الثالث والسادس كثرة يستحيل معها أن نلم بها في إسهاب، ولذلك فسنكتفى بتلخيص أهم اتجاهاتها. 1 - كان علماء كل إقليم قد شرعوا منذ القرن الثالث في جمع الروايات التأريخية التي تتصل بتأريخهم، وإذا استثنينا كتابًا في تأريخ مكة (انظر الأزرقي) يمت في جوهره إلى ما ألف في السيرة، فإن أقدم تأريخ لقطر من الأقطار هو تأريخ مصر وفتوح المغرب الذي ألفه عبد الرحمن ابن عبد الله بن عبد الحكم المتوفى 257 هـ (871 م). ومما هو خليق بالذكر أن هذا المصنف يحتوي على نفس المواد المميزة للتواريخ العامة المتقدمة الذكر، ولكنه يفتقر إلى ما فيها من النقد الصحيح. وتعتمد أخبار الغزوات على رواية أهل المدينة والروايات المحلية. أما المدخل إلى الكتاب فليس مستمدًا من مواد مصرية أصلية

بل هو على الأخص مستمد من مصادر أخرى وروايات منقولة عن أهل المدينة. ويلاحظ ذلك المزج الخالى من النقد بين السير الخرافية وبين روايات صحيحة نوعًا ما في تأريخ الأندلس المنسوب إلى عبد الملك بن حبيب المتوفى سنة 238 هـ (853) وفي الكتاب الجامع لآثار اليمن الموسوم بالإكليل للهمدانى المتوفى سنة 334 هـ (945 - 946 م). وربما كانت التواريخ المحلية التي ألفت عن بعض المدن خلال القرن الثالث أكثر اتزانًا ودقة، ولم يبق منها سوى مجلد واحد في تأريخ بغداد (انظر ابن أبي طاهر طيفور). وفي القرون التالية ظهر عدد كبير من هذه التواريخ، وكانت تتجه عادة وجهتين تبعًا لاهتمام المؤلف، فإما إلى السير وإما إلى الحوادث التأريخية (انظر فقرة 4 في أسفلها). والمصنفات التي وصلت إلينا من هذا النوع الأخير لا تخلو دوامًا من العناصر الخيالية، غير أن فيها كثيرًا من المواد القيمة التي استبعدت من التواريخ الجامعة، ومن هنا نشأت أهميتها الكبيرة (انظر على سبيل المثال: النرشخى، وابن القوطية، وعمارة، وابن إسفنديار). ولما كانت هذه التواريخ في جملتها تتمشى من حيث الإنشاء وطريقة الأداء مع ما هو مألوف في الإقليم الذي تتحدث عنه وفي الزمان الذي كتبت فيه فإنه ينبغي لنا ألا نتناولها بأكثر من ذلك في هذا المقام، وحسبنا أن ننوه بأنها تؤلف قسمًا هامًا من أقسام التأريخ الإسلامي سواء أكان مكتوبًا بالعربية أم بالفارسية. 2 - على أنه من المتعذر أن نميز بين التأريخ العام والتاريخ الإقليمى بعد منتصف القرن الرابع. ومن ثم كانت الصفة الغالبة على التصنيف التأريخى البحت هي كتابة الحوليات المعاصرة مع التقديم لها في الغالب بموجز في التأريخ العام. ولم يصبح في وسع مؤلف هذه الحوليات أن يجعل أغراضه ورواياته عالمية، فكل مؤلف مقيد بحدود النظام السياسي الذي يعيش في كنفه، ويندر أن يوفق إلى معالجة حوادث تجرى في أقاليم بعيدة عنه، ولكن إلى أي حد يمكننا أن نعتبر هذا التقييد مقابلًا في الحياة العقلية لفقدان الموحدة السياسية عند المسلمين؟ الحق إنها مسألة ما زالت مثارا للجدل. إلا أن هناك

عاملًا أهم من ذلك في نظرنا ألا وهو أن تدوين التأريخ السياسي قد انتقل في الغالب إلى أيدى العمال ورجال البلاط. وقد أثر هذا التغيير في أسلوبه ومادته وروحه. وقد كان تدوين الحوادث الجارية ميسورًا لدى الكتاب المحنكين وملائما لطبائعهم. وكانت المصادر التي يستقون منها معلوماتهم هي الوثائق الرسمية والصلات الشخصية وما يدور بين العمال وفي دوائر البلاط من أحاديث. ولهذا السبب اختصر الإسناد إلى حد الاكتفاء بإشارة موجزة إلى المصدر، بل إن بعض المصنفين المتأخرين قد استغنوا عنه كلية في كثير من الأحيان. ولكن لم يكن هناك مناص من أن يبدو في روايتهم للحوادث ما عرف عن طبقتهم من التحيز والنظر إلى المسائل الاجتماعية والسياسية والدينية نظرة ضيقة. وخلى المؤلفون جانبًا تلك الفكرة الدينية القديمة التي أضفت على التأريخ رحابته وروعته، وأخذت الحوليات تجنح إلى الاقتصار على ذكر ما يفعله الأمير وما تقوم به حاشيته. ونجد من جهة أخرى أن ما يصنفه الكتاب عن الحوادث السياسية الظاهرة موثوق به- على الجملة- مع مراعاة ما يتقيد به كاتب في خدمة أمير. فالتواريخ المعاصرة لابن مسكويه المتوفى عام 421 هـ (1030 م) ولهلال الصابئ المتوفى عام 448 هـ (1056 م) فيها أثر ينبئ بأن هذين الكاتبين قد أحكما الأخذ بمعيار الدقة وتحررا - إلى حد ما - من سلطان التحيز السياسي. ومما يثبت أن الكتاب كافة قد أخذوا بهذا المعيار ما بقى لنا من مثل كتابى تأريخ مصر والأندلس اللذين ألفهما عبيد الله ابن أحمد المسبِّحى المتوفى عام 420 هـ (1029 م) وابن حيان القرطبي المتوفى عام 469 هـ (1076 - 1077 م). وكان لصبغ التأريخ بالصبغة المدنية أثر آخر خطير. فقد استعاض المؤرخون عن المبررات الدينية القديمة بالدعوة إلى القيمة الأخلاقية لدراسة التأريخ. فهو عندهم يردد ذكر الفعال الطيبة ويبسطها أمثالًا نافعة في تربية الأجيال القادمة (انظر مقدمة كتاب تجارب الأمم لابن مسكويه، ومقدمة كتاب الوزراء هلال الصابئ). وقد صادفت هذه الدعوة قبولًا تامًّا لدى جمهرة علماء

الأخلاق ورجال الأدب، لأنه إذا كان التأريخ فرعًا من فروع الأخلاق وليس علمًا من العلوم فإنه لا ينبغي للمؤرخين أن يترددوا في تكييف أمثالهم التاريخية بما يوائم أغراضهم. وقد ذهبت كتب الأدب و "مرايا الأمراء" الطافحة بمثل هذه الضلالات مدى بعيدًا في إفساد ذوق الجمهور وملكة الحكم عنده، بل إن بعض المؤرخين والإخباريين لم يسلموا دائما من هذه العدوي. 3 - ولنذكر في هذا المقام تلك الادعاءات التأريخية العديدة التي أذيعت في هذا العهد أو في تأريخ متأخر عنه. ولم يكن جلّها محض اختلاق بل كان يستند إلى أساس من الرواية الصحيحة مزج بصنوف الروايات الشعبية والقصص الخيالى ومواد الدعاوة والحزبية، وكان يرمى في الغالب إلى هدف سياسى أو دينى معين (انظر على سبيل المثال مواد ابن أعثم وابن قتيبة والمرتضى والأشرف والواقدى) شأنه في كل دلك شان مؤلفات سيف بن عمر المتقدمة الذكر (فقرة 3 أ، أعلاها). 4 - على الرغم من أن الفقيه والمحدث قد تنحيا لعمال الديوان عن مكانهما في تدوين التأريخ السياسي فقد ظلا مستأثرين بكتابة السير التي هي أوسع مجالًا من ذلك التأريخ. وكانت كتابة السير -كما قدمنا- ضربا من الرواية القديمة، ولا شك في أن التأريخ السياسي كان أكثر إخلاصًا للفكرة القديمة بعد تحوله إلى حوليات عن البيوت المالكة، لأن سير العلماء "ورثة النبي" كانت في نظر المتعلمين أصدق تعبير، عن التأريخ الحق لأمة الله على الأرض من النظم السياسية الزائلة. وكانت المواد المتعلقة بالشخصيات البارزة موضوعًا منذ القدم لمجموعات قائمة بذاتها إلى جانب طبقات المحدثين والفقهاء المنتمين إلى هذا المذهب أو ذاك، وهذه الطبقات تقوم على عمل فنى ويندر أن تأخذ سمة السير في معناها الصحيح، ومن أقدم ما وصل إلينا من هذه المصنفات سيرة الخليفة عمر بن عبد العزيز التي ألفها أخو ابن عبد الحكم المتقدم الذكر، ومن الواضح أنها تستند في بعض أجزائها إلى وثائق مكتوبة وفي أجزائها الأخرى إلى رواية أهل التقوى ولاسيما في المدينة. بيد أن هذه المصنفات تتناول - في أغلب

الأحيان- فريقًا أو طبقة بأسرها من الناس، ففي المقامات الصوفية -على سبيل المثال- وضعت مصنفات كثيرة في سير الأولياء وأخصها المؤلف الكبير لاحلية الأولياء" لأبي نعيم الأصفهانى المتوفى سنة 430 هـ (1038 م)، أما عند الشيعة فلم يقتصر الأمر على الكتب الموضوعة عن فقهاء الشيعة ومصنفاتهم (انظر الطوسى) وإنما وجدت كتب كثيرة أخرى عن الاستشهاد في بيت على. ومما يميز هذه الحقبة معاجم تراجم العلماء ومشاهير الرجال الذين خرجوا من مدينة أو اقليم واحد، والمألوف أن تكون هذه المعاجم كبيرة ضخمة يؤلفها علماء من نفس المدينة أو الإقليم؛ ومن هذا القبيل معجم الخطيب البغدادي المتوفى عام 463 هـ (1071 م) الذي يقع في أربعة عشر مجلدًا. ومعظم هذه المؤلفات لم يبق منه شيء إلا التأريخ الكبير لدمشق الذي وضعه ابن عساكر المتوفى عام 571 هـ (1176 م) وسلسلة من التراجم الأندلسية (انظر ابن الفرضى وابن بشكوال وابن الأبّار) وبعض المعاجم المختصرة. ولعل تاريخ دمشق هو أكمل المؤلفات العربية الجامعة التي من نوعه. وكانت كتب التراجم تستقى من مراجع أخرى أيضًا. وهذه الكتب غزيرة المادة كما كان متوقعا، وهي تتزود من فقه اللغة بمعناه الضيق ومن فروعه الأخرى التي تجنح إلى الأدب. ومن المصنف الأول ما أنتجه الكتاب عن طبقات النحاة وتراجم أكابر الفقهاء. ومن المصنف الثاني ما ألفه المصنفون من كتب جامعة عن الشعراء ورجال الأدب (انظر ابن قتيبة والثعالبى). وقد أفردت مصنفات من هذا القبيل لأصحاب الحرف الأخرى كالأطباء والفلكيين. وكان فن الموسيقى باعثا على تصنينف أعظم مؤلف عربي في التراجم في القرون الأولى ألا وهو كتاب الأغانى لأبي الفرج الأصفهانى المتوفى سنة 356 هـ (967 م). ويبدو من جهة أخرى أنه لم يكن هناك إقبال من الكتاب على أن يترجموا لأنفسهم. ولم يبق من آثار ذلك العهد سوى رسالتين للمؤيد في الدين المتوفى سنة 470 هـ (1087 م) وأسامة بن مرشد بن منقذ المتوفى سنة 584 هـ (1118 م).

وكل هذه الكتب التي وضعت في التراجم تتميز هي والتراجم الإسلامية المتأخرة بخصائص مشتركة. فهي تعنى في الغالب بطريقة الإسناد، وتؤرخ الحوادث- ولا سيما تأريخ الوفاة- بدقة فائقة، وتورد أهم ما يكتنف حياة المترجم له في إيجاز، ولا تخرج الإشارات المختصرة عن هذه الخصائص مضافًا إليها بيانات بأسماء المؤلفات إذا كان المترجم له كاتبا ومقتطفات من الشعر إذا كان شاعرا، وجل مادة التراجم نوادر لم يراع في ترتيبها التأريخ أو الموضوع. وإبراز شخصية المترجم على هذا النمط يترك في الأذهان أثرًا واضحًا في غالب الأحيان، إلا أنه يكون في بعضها مضطربا وبخاصة إذا لم يوجد ما يؤيد صحة هذه النوادر. ومع ذلك فإن هذا المصنف من التأليف- رغم كل ما يرمى به من اطمئنان للأقاويل وعدم السير على قاعدة ما - يعتبر مكملا قيما للحوليات السياسية مصححًا لها بحكم قربه من حياة الناس. 5 - ولقد امتزج التأريخ بالتراجم في عهد متقدم، وشاهد ذلك تلك التواريخ التي تقوم على السير. وكان هذا الأسلوب في التاليف ملائما كل الملاءمة لأولئك الذين كتبوا تواريخ الوزراء مثل محمد بن عبدوس الجهشيارى المتوفى سنة 331 هـ (942 - 943 م) الصابئ المتوفى عام 448 هـ (1056 م) وقد سبق أن تحدثنا عنه، وعلى ابن منجب الصيرفى المتوفى عام 542 هـ (1147 - 1148 م) وهو الذي حدثنا عن وزراء الخلفاء الفاطميين، كما كان ملائما لأولئك الذين صنفوا تواريخ القضاة، ومن أقدم التواريخ التي من هذا القبيل ما كتبه محمد بن يوسف الكندى المتوفى عام 350 هـ (961 م) عن قضاة مصر، وما كتبه محمد بن الحارث الخشنى المتوفى عام 360 هـ (970 - 971 م) عن قضاة قرطبة. وقد نهج الصولى المتوفى سنة 335 هـ (946 م) نهجا خاصا في "كتاب الأوراق " الذي ألفه في تأريخ العباسيين، إذ جمع بين التراجم السياسية والتراجم الأدبية. ولما قامت البيوت الحاكمة في مختلف الأقاليم طبقت عليها هذه الطريقة حتى حلت

الحوليات الخاصة بهذه البيوت في القرنين الخامس والسادس محل الحوليات القائمة على الرواية، وذلك في ولايات المشرق على الأقل. وكانت هذه الخطوة بالغة الضرر، لأن تعظيم العنصر الشخصى قد زاد من أهمية العوامل الشخصية ولاسيما عندما شرع الحكام أنفسهم يتحكمون في كتابة تواريخ عصرهم ويشرفون عليها. وبذلك أضحى التأريخ عملا يسوده التلفيق، وحل أسلوب رسائل الكتاب القائم على البلاغة والتعقيد محل الأسلوب السهل البسيط. ويظهر أن إبراهيم الصابئ المتوفى عام 384 هـ (994 م) هو أول من اتبع النهج الجديد في مصنفه المفقود الذي ألفه في تأريخ البويهيين ويعرف بالتاجى. وقد عمم العتبى المتوفى عام 427 هـ (1035 م) هذا النهج في المصنف المشابه لهذا ألا وهو "اليمينى" في تأريخ سبكتكين ومحمود الغزنوي. ولعل لهذا صلة بنهضة اللغة الفارسية والرواية التاريخية الفارسية (انظر فقرة 1، 4 أعلاها) في المشرق، بل ربما كان هناك أثر للملحمة الفارسية التي كانت في ذلك الوقت آخذة في الظهور (انظر دقيقى والفردوسى). ولئن أمكن تبرئة مؤلفى التواريخ الرسمية من الخضوع وإخفاء الحقائق؛ فإننا لا ننسى أن التجاءهم للطنطنة وافتقارهم إلى الحكم السليم يترك أثرا سيئا في النفس. ومن سوء الطالع أن ما كان لبعض هذه التواريخ من صيت بعيد في أوساط الأدباء وتوالى صدور مثل هذه التواريخ قد أديا إلى اعتبارها نموذجا. غير أن هذه النظرة لا تنصف تماما ذلك العلم الذي أقامته الأجيال الأولى من علماء المسلمين في صبر وجلد. 6 - وفي هذه الظروف غير الملائمة شرع في كتابة المصنفات التأريخية من جديد باللغة الفارسية. ومما تجدر ملاحظته أن كثيرا من أقدم ما ظهر من المصنفات كان منقولا من الكتب العربية أو موجزا لها. وأول هذه المصنفات ذلك التلخيص المشوب بالتعسف الذي أعده الوزير أبو على البلعمى عام 352 هـ لتأريخ الطبري، وهذا الموجز لا يخلو من زيادات هامة في كثير من الأحيان (انظر الكرديزى) ولم يصل إلينا سوى بعض التواريخ المحلية وتواريخ البيوت

الحاكمة التي كتبت بالفارسية في ذلك العهد، وليس في هذه التواريخ من السمات التي تميزها عن المؤلفات العربية المعاصرة في ولايات المشرق إلا القليل. ويلوح أن كثيرا من الكتاب مثل النسوى كانوا يجارون الظروف فيكتبون حينا بالعربية وحينا آخر بالفارسية. غير أن هناك مثلًا بارزا خرج على المألوف في هذه المصنفات وهو تلك اليوميات الكاملة الخالية من الهوى الحزبى التي ألفها أبو الفضل البيهقي المتوفى عام 470 هـ (1077 م) وهذا الكتاب نسيج وحده بين ما وصل إلينا من المؤلفات التي ترجع إلى ما قبل العهد المغولى. وقد نهضت اللغة الفارسية وبدأت تصبح لغة أدب في عهد الأسر التي حكمت فارس في القرن الرابع الهجرى الموافق العاشر الميلادي. ومعظم الفضل راجع إلى حكام الأتراك في القرون التالية، الذين كانوا لا يعرفون اللغة العربية بوجه عام. وقد نقلوا اللغة الفارسية إلى البلاد التي غزوها. وكانت فتوحاتهم تمتد غربا إلى الأناضول وشرقا إلى الهند. وما إن وافى القرن السادس على التمام (القرن الثاني عشر الميلادي) حتى بدأت التواريخ الفارسية تدون في هذه البلاد، فكان في آسية الصغرى محمد بن الراوندى حوالي عام 600 هـ (1203 م) وفي الهند فخر الدين مبارك شاه المتوفى بعد عام 602 هـ (1203 م) وهو جد ذلك الفرع الطويل من المؤرخين الهنود الفرس. 7 - وينبغى لنا قبل أن ننتقل إلى الحقبة التالية أن نشير في إيجاز إلى فرعين آخرين من فروع التأليف المتصل بالتأريخ. فقد استخدمت العلوم الرياضية والفلكية في تأريخ الحوادث.، ونجد شواهد ذلك في عدة مؤلفات قديمة. وخلفت لنا هذه الطريقة أثرًا بارزًا هو كتاب "الآثار الباقية" لأبي الريحان البيرونى المتوفى عام 440 هـ (1048 م). أما الفرع الآخر فميله إلى الآثار القديمة أظهر من ميله إلى التأريخ بمعناه الدقيق. إذ هو قد اقتصر على الكلام على مساكن القبائل العربية في أوطانها الجديدة. ومن الجلى أن هذا التأليف الموسوم بالخطط قد ظهر في العراق، واهم كتاب في الخطط قد فقد،

وهو للهيثم بن عدى المتوفى عام 207 هـ (822 - 823 م). وقد لقى هذا المصنف من التأليف عناية خاصة لدى كتاب مصر. ثم نذكر أخيرا أن انتشار اللغة العربية بين جماعات النصارى في المشرق قد أدى إلى تأليف كتب عربية في تأريخ الكنائس النصرانية، وهذه الكتب تشتمل أحيانا على تأريخ البوزنطيين والعرب وأشهر من ألف كتبا من هذا القبيل البطريق الملكانى يوتيخيوس والأسقف اليعقوبى أبو البشر (Severus ساويرس) ابن المقفع. وهناك مؤلف عجيب في هذا الميدان ألا وهو تأريخ الديارات النصرانية في مصر وغربى آسية الذي ألفه الكاتب المسلم علي بن محمد الشابشتى المتوفى عام 338 هـ (998 م). ج- ويزداد التباعد بين التأريخ العربي والفارسى ابتداء من القرن السادس الهجرى الموافق الثاني عشر الميلادي. وتمت بفتوح المغول الخطوة النهائية في سبيل حلول اللغة الفارسية محل اللغة العربية في ميدان الثقافة الفارسية التركية، وقد انتشرت هذه الثقافة في الوقت نفسه نتيجة للتوسع الإسلامي في جميع هذه الأقاليم. ومع ذلك فقد زاد الإنتاج في التأريخ العربي، ولم يعد في وسعنا إزاء هذه الكثرة البالغة في المواد إلا أن نعالج التأريخ العربي (1) والفارسى (2) كلا على حدة. 1 - ولقد اتخذت جل المؤلفات التاريخية في ذلك العهد نفس السبل التي توجهت إليها من قبل، وهي تتميز في الوقت نفسه بجماع من المواد الجديدة، وأبرز هذه التغييرات ما طرأ على العلاقات بين التراجم والأخبار السياسية من جهة وما انتاب مادة التواريخ العامة من جهة أخرى. أما العوامل الكامنة التي أفضت إلى هذا التطور فهي ظهور العالم المؤرخ ثانية إلى جانب المؤرخ الرسمي فيما يختص بالأولى، وانتقال مركز النشاط في التأريخ العربي من العراق إلى الشام ثم إلى مصر فيما يختص بالثانية. 2 - وأهم ظواهر العهد الجديد في كتابة الحوليات عودة المصنفين إلى التأليف في التأريخ العام الذي يبدأ

بخلق العالم أو التأليف في التأريخ العام الذي يبدأ بظهور الإسلام، وهو الأغلب، وبذلك انتعشت تلك النظرة القديمة الإنسانية التي تقوم على أن التأريخ هو حوليات عن البشر، ولو أنه لم يقم بأى تحقيق جديد لتأريخ القرون الأولى. زد على هذا أن اتجاه العالم باد في ذلك الجهد الذي أنفق في سبيل الجمع بين الحوليات السياسية والحوليات القائمة على التراجم، وهو أمر مشاهد في الأخبار المحلية المتقدمة مثل تأريخ دمشق لابن القلانسى المتوفى سنة 555 هـ (1160 م). ولا شك في أن الحيز النسبى الذي يفرده المؤلف لهذه الحوليات أو تلك يتبع هواه. ففي بعض التواريخ (انظر ابن الجوزي والذهبي وابن دقماق) تطغى أخبار الوفيات على الحوادث السياسية حتى لتتضاءل هذه وتقتصر في الغالب على جمل قليلة مقتضبة، والأمر على عكس ذلك في تأريخ الكامل المشهور الذي ألفه عز الدين بن الأثير المتوفى سنة 630 هـ (1233 م). ويتميز هذا الكتاب بما بذله المؤلف من محاولة سرد التأريخ بأسلوب يجعله أقرب إلى الحياة منه إلى الجمود. وآية ذلك أنه حشد الحوادث في روايات وأدخلها جميعا في إطار من الحوليات. ولئن كشف الفحص الدقيق عن أن هناك عيوبا في طريقة تناول ابن الأثير لمواد كتابه فإن رشاقة هذا الكتاب وما امتاز به من إشراق قد أكسباه شهرة باكرة، وجعلا منه ذلك المرجع العمدة الذي استقى منه المصنفون المتأخرون. وقد يجمل بنا أن نذهب إلى أن إحياء فكرة الخلافة على الناس كافة كانت من بين الأسباب التي أوحت بهذا الاتجاه العالمى. ولكن جمهرة من المؤرخين المتأخرين بالغوا في احتذاء هذا المثل، وأكثر هؤلاء يعتمد اعتمادا كبيرا على ابن الأثير (انظر ابن واصل، وسبط ابن الجوزي، وابن العبرى، وابى الفداء، وبيبرس بن المنصورى، وابن كثير، واليافعى) ولو أنهم كانوا يكملون مقتبساتهم بمواد محلية وأخرى أحدث عهدا. وقد أبدى بعض المؤلفين شيئًا من الاستقلال، وشاهد ذلك للك الحوليات التي ألفها صاحب الموسوعة المصري شهاب الدين النويرى المتوفى عام 732 هـ (1332 م) وابن الفرات

المتوفى سنة 807 هـ (1405 م)؛ وقد سار جرجيس المكين النصرانى المتوفى عام 672 هـ (1273 م) على نهج يوتيخيوس (انظر فقرة ب 7) ومع ذلك فإن أهم التواريخ العامة المتأاخرة من جهة علم تدوين التأريخ هي ما كتب في الأندلس والمغرب. وإذا قارنا المؤرخين في المغرب بمعاصريهم في المشرق ألفينا أن تصور أولئك للتأريخ أوسع أفقا ونظرتهم له أقل هوى. ولم يبق من التواريخ العديدة التي صنفها ابن سعيد المغربي المتوفى سنة 673 هـ (1274 م) سوى أجزاء متفرقة لكنها كافية للدلالة على أنه اعتمد فيها على نسخ كثيرة موثوق بها من عدة مؤلفات قديمة، وكان ابن سعيد هذا رجلا كثير الرحلة لا يكل دؤوبا على البحث لا يعتور عزيمته وهن. وليس في مقدورنا أن نوفى في هذا المقام الكلام على تأريخ عبد الرحمن بن خلدون المتوفى 808 هـ (1406 م) الذي ذاع صيته في الخافقين، ولم تُقل بعد الكلمة الأخيرة عن مكانته بين الفلاسفة المؤرخين على الرغم من وفرة ما كتب في هذا الصدد؛ وهناك مسألة ما زالت مستغلقة من وجهة نظر علم تدوين التأريخ عند المسلمين، وهذه المسألة هي أنه لا يوجد ما يدل على أن أحدا من خلفاء ابن خلدون قد درس أو طبق المبادئ التي أذاعها على الرغم من تألق نجم مدرسة المؤرخين المصريين في القرون التالية وانصراف الهمم إلى التأريخ في تركية حيث ترجمت المقدمة في القرن السابع الهجرى الموافق الثاني عشر الميلادي. 2 - وقد ظهر إلى جانب التواريخ العامة عدد كبير من التواريخ المكتوبة عن الأقاليم أو عن الأسر المالكة أو في التراجم، وجل هذه الهؤلفات كتبها أولئك الذين صنفوا التواريخ العامة؛ وذهبت فتوحات المغول بريح الثقافة العربية في فارس والعراق ولم يبق من آثارها - بعد أن ظهر تاريخ العباسيين المفقود الذي ألفه تاج الدين بن الساعى المتوفى عام 674 هـ (1275 م) - سوى مصنفات قليلة تنطوى على بعض تواريخ ومختصرات ضئيلة القيمة (انظر ابن الطقطقى)، ومع هذا فإن مركز التأريخ العربي كان قد انتقل قبل ذلك إلى الشام حيث كان قيام دولتى

بنى زنكى وبنى أيوب قد حفز الهمم إلى تأليف سلسلة من التواريخ، وكان ممن اجتذبهم إلى هذا اللون من التصنيف عماد الدين الإصفهانى المتوفى عام 597 هـ (1201 م) وهو آخر من يمثل مدرسة فارس والعراق التي تؤثر الكتابة المسجوعة. غير أن الشآميين نبذوا ذلك الأسلوب المنثور المنمق وفضلوا عليه نثرا أكثر استقامة وقربا من الطبيعة، وهو أمر عاد على التأريخ العربي فيما بعد بأجزل الفوائد؛ وان ما صنفه بهاء الدين بن شداد المتوفى سنة 632 هـ (1234 م) وأبو شامة المتوفى عام 665 هـ (1268 م) في التراجم ليفوق ما صنفه عماد الدين في نفس الموضوع بمراحل. والحق إن التواريخ المسجوعة كانت تعود إلى الظهور بين الحين والحين، بل إن الكاتب المصري ابن عبد الظاهر المتوفى عام 692 هـ (1293 م) قد ابتدع أسلوبا جديدا بتأليفه تأريخ السلطان بيبرس شعرا، غير أنه من الواضح أن هذا التطور لا يعزى إلى أي مؤثر خارجى، شأنه في ذلك شأن استخدام المنشئ بدر الدين بن حبيب المتوفى سنة 779 هـ (1337 م) السجع في تاريخه، ولكن السيرة المسجوعة المشهورة التي نظمها ابن عربشاه الدمشقي المتوفى عام 854 هـ (1450 م) في هجاء تيمور هي بدون ريب متأثرة بالكتابات الفارسية المعاصرة (انظر فقرة (2) 2 أسفلها). ونجد من جهة أخرى أن تأريخ البلاغة على عهد الفاطميين الذي ألفه الداعى اليمنى عماد الدين إدريس بن الحسن المتوفى عام 862 هـ (1467 م) وسماه عيون الأخبار هو كتاب يشعر قارئوه شعورا عجيبا بأنه يشبه أن يكون صدى متأخرا للرواية الساسانية القديمة (انظر فقرة 1، 4). وقد سار المماليك سيرة أسلافهم الأيوبيين وشملوا برعايتهم كتاب التأريخ، وظلت دمشق وحلب مقرين لرواة بعيدى الهمة، وان كانت الثانية لا تستطيع أن تجارى الأولى في هذا المضمار. وعلى الرغم من أنه كانت هناك بعض الصلة المتبادلة بين رواية القاهرة ورواية هاتين المدينتين فإن هذه الرواية كانت تتميز بشيء من الاستقلال وبخاصة في باب التراجم

(انظر فقرة 3 في آخرها) وما إن وافى القرن الأخير من حكم المماليك حتى ظهرت مدرسة مصرية متميزة من المؤرخين تخرج فيها نخبة ممتازة من الكتاب إلا أنها لم تلبث أن انهار صرحها فجاة. وتبدأ هذه النخبة بتقى الدين المقريزى صاحب التصانيف الكثيرة المتوفى عام 845 هـ (1442 م) ومنافسه العينى المتوفى عام 855 هـ (1451 م) ثم يأتي بعدهما تلميذ المقريزى أبو المحاسن بن تغرى (تنرى) بردى المتوفى عام 874 هـ (1469 م) ومنافسه علي بن داود الجوهرى المتوفى عام 900 هـ (1494 - 1495 م) وشمس الدين السخاوى المتوفى عام 902 هـ (1497 م) والكاتب المتفنن في علوم جمة جلال الدين السيوطي المتوفى عام 911 هـ (1505 م) وتلميذه ابن إياس المتوفى حوالي عام 930 هـ (1524 م). وظهر في القرن التالي مؤرخ آخر للفتح العثمانى هو أحمد بن زُئبُل المتوفى بعد عام 951 هـ (1544 م) إلا أنه كان يتبع مذهبا في الرواية مختلفا. وعلى الرغم من أن هؤلاء الكتاب قد وقعوا في كثير من الأخطاء التي وقع فيها أولئك الذين ألفوا الحوليات السياسية الأولى إلا أن انخراط العالم ورجل البلاط في زمرتهم وتناوبهما على التصنيف قد جعل هذه التواريخ أوسع افقا وأصح حكما، وباعد بينها وبين المديح كثيرا. وأظهر ما في مؤلفاتهم أنها تقتصر على مصر إلى حد أن أولئك الذين صاغوا مؤلفاتهم على نسق التواريخ العامة قد جعلوها ضمن إطار مصرى صميم. وأبرز كاتب جرى هذا المجرى هو المقريزى. ولا ترجع مكانته إلى دقته التي لم تكن معصومة من الزلل بقدر ما ترجع إلى دأبه ومثابرته وتشعب أغراضه وعنايته بوجوه التأريخ التي تجنح إلى الاجتماع والإحصاء. وتختلف كتابات المؤرخين الذين كتبوا عن الأقاليم عن مؤلفات هؤلاء من حيث النطاق أكثر من اختلافها معها في المنهج أو فيما تقوم عليه شخصية الكاتب. فالمصنفات اليمنية التي ألفها ابن وهاس الخزرجى المتوفى عام 812 هـ (1409 م) وابن الدَيبَع المتوفى عام 944 هـ (1537 م) تشبه في

مادتها التواريخ المصرية شبها كبيرا وإن كانت أضيق نطاقا. وما يقال في هذه المصنفات اليمنية ينطبق على تواريخ الأسر الحاكمة والتواريخ المحلية التي كتبت في المغرب والأندلس؛ وهناك بعض كتاب يفوقون غيرهم من مؤرخى المغرب في المادة وفي طريقة الأداء مثل عبد الواحد المراكشى الذي عاش في القرن السابع الهجرى الموافق الثالث عشر الميلادي، وابن أبي زرع الذي عاش في القرن الثامن الهجرى الموافق الرابع عشر الميلادي، إلا أن الوزير الغرناطى لسان الدين بن الخطيب المتوفى عام 776 هـ (1374 م) يتميز عليهم جميعا لأنه بلغ من الكمال مرتبة تصل إلى حدود العبقرية. ولعل ابن عذارى يضارع ابن الخطيب إن لم يفقه في مضمار التأريخ القائم على النقد، وهذا الحكم مبنى على المؤلفات التي بقيت في أيدينا لكليهما. 3 - على الرغم من أن همم الكتاب قد انصرفت انصرافا عظيما إلى التأريخ السياسي فإن نبوغ العرب الحقيقي في علم تدوين التأريخ يتجلى في كتابة السير أكثر من تجليه في رواية الأخبار. ولقد كان الجمع بين التراجم وبين الحوليات السياسية- سواء أكانت عامة أم محلية- عملا كاد ينعقد عليه إجماع مؤرخى العرب في ذلك العهد كما سبق أن بينا. ويبقى علينا الآن أن نبحث في تلك الطائفة الكبيرة من المؤلفات الموقوفة على ما لا يدخل في باب التراجم السياسية. في خلال النصف الأول من القرن السابع الهجرى الموافق الثالث عشر الميلادي بلغ الميل إلى التخصص الذي ظهر في العهد السابق (انظر أنقرة ب، 4) أقصاه بتألف طائفة من المجموعات في التراجم لها شأن خاص. فقد ألم ياقوت الرومى المتوفى عام 626 هـ (1229 م) بستة قرون مرت على الأدب العربي في كتابه "إرشاد الأريب". وقد صور لنا ابن القفطى المصري المتوفى عام 646 هـ (1248 م) وابن أبي أصيبعة الدمشتى المتوفى عام 668 هـ (1270 م) في معجميهما كل ما أنفقه المسلمون الأولون من جهد في الطب والعلوم. ولم ينقطع التأليف في تراجم من خرجوا من إقليم واحد، وشاهد ذلك

تأريخ حلب الذي ألفه القاضي كمال الدين ابن العديم المتوفى عام 660 هـ (1262 م) وتأريخ غرناطة الذي ألفه ابن الخطيب وغير ذلك من المجموعات التي تكمل هذه التواريخ عادة، ويضاف إلى هذه المصنفات كتب طبقات الفقهاء وغيرهم المألوفة، وبحوث في آثار القدماء، ومثال ذلك المعجم الذي ألفه المؤرخ ابن الأثير في الصحابة وسماه "أسد الغابة". وظهر إلى جانب هذه المؤلفات القائمة على التخصص نوعان جديدان من المعاجم الشاملة في التراجم، وانتشر هذه المصنف من التأليف وبخاصة في الشام. وقد ابتدع ابن خلكان المتوفى عام 681 هـ (1282 م) النوع الأول، أي العام، والحق إن دقته ومزاجه يبرران ما لاقاه كتابه من ذيوع الصيت، غير أن المعجم الذي ألفه خليل بن أيبك الصفدى المتوفى عام 764 هـ (1363 م) يفوق معجم ابن خلكان حجما ومدى حتى لوضممنا إلى هذا الذيل الذي صنفه ابن شاكر الكتبى المتوفى عام 764 هـ (1363 م)، وقد حال كبر حجم مؤلف الصفدى دون طبعه، ولهذا المؤلف أيضًا ذيل ألفه المؤرخ أبو المحاسن وسماه "المنهل الصافي". أما النوع الثاني من هذه المعاجم فبعيد الغرض، إلا أنه يقتصر على مدة محدودة من الزمن. ولعل لهذا النهج في التأليف صلة بالتأريخ العام للذهبي (انظر فقرة ج، 1 في أعلاها) الذي رتب مواد التراجم وقسمها إلى طبقات حتى نهاية القرن السابع الهجرى، ويمكن استخلاض هذه المواد من الرواية الأصلية بحيث تؤلف عملا مستقلا. وإن فكرة سلك التراجم في عدد من القرون لتعود إلى البرزالى المتوفى عام 739 هـ (1339 م) وكان معاصرا للذهبي. وقد بدأت هذه الطريقة بداية حسنة بظهور الدرر الكامنة لابن حجر العسقلانى المتوفى عام 852 هـ (1449 م) لأن هذا الكاتب قد جمع في مصنفه مشاهير الرجال والنساء في القرن الثامن الهجرى ورتبهم ترتيبا أبجديا، وفي هذا المصنف آخر أثر لنظام الوفيات الذي يرد كل شخص إلى القرن الذي مات فيه؛ والمعجم الذي يقابل هذا في القرن التاسع الهجرى

اسمه "الضوء اللامع"، وهو من تأليف تلميذ لابن حجر يدعى السخاوى، وقد تقدم ذكره، وهو من وفيات عام 902 هـ (1497 م) وسارت الأجيال المتأخرة بهذه السلسلة من المعاجم حتى القرن الثاني عشر الهجرى (انظر الفقرة د، (1) (2). (2) -1: وهناك ركن من الأركان العامة في بناء الرواية الخاصة بالتأريخ الإسلامي العام يقوم وسط المذاهب المتباينة التي أخذ بها الفرس في علم تدوين التأريخ من القرن السابع الهجرى إلى القرن العاشر. غير أن أقدار المؤلفين الفرس وأصالتهم تقاس بمقدار استقلالهم في تشييد بنائهم على هذا الأساس. والتواريخ العامة العديدة المكتوبة في فارس أو في الهند ما هي إلا نقول من المصادر القديمة زيد عليها من المواد ما يصل بها إلى الزمن الذي كتبت فيه، وشأنها في التقليد شأن مثيلاتها في العربية، إن لم تكن دونها بصرا بالنقد. وهذه المؤلفات، ومنها على قبيل المثال الكتاب الذي ألفه منهاج الدين الجوزجانى المتوفى بعد عام 664 هـ (1265 م) لها قيمة خاصة بوصفها تواريخ محلية، أما قيمتها في نظر علم التأريخ فلا تساوى شيئًا كثيرا. وعلى هذا فسنوجه جل همنا في هذا المقام إلى ما أنتجته المذاهب المختلفة التي كانت تزدهر من وقت إلى آخر في أنحاء شتى بفارس والهند والتي أثمرت نوعا متميزا من المؤلفات التاريخية. 2 - وكانت نشاة إمبراطورية المغول غربي آسية الحافز الأول الذي دفع الكتاب إلى تأليف مثل هذه المجموعة المتميزة من المؤلفات التي استهلت بالتأريخ المبتكر القائم بذاته الذي ألفه علاء الدين عطاء ملك الجويني المتوفى سنة 681 هـ (1283 م) وإن لهذا التأريخ- على الرغم من ذلك- صلة بذلث المصنف من التواريخ الذي توافر عليه الكتاب، وهو ما سبق أن وصفنا (فقرة ب، 2 في أعلاها). وتبدأ المدرسة المغولية الحقة بالمجموعة الذائعة الصيت التي ألفها الوزير فضل الله رشيد الدين طبيب المتوفى عام 718 هـ (1318 م) وهذه المجموعة هي الأثر المباشر لدخول الايلخانية في الإسلام. وكان رشيد الدين يؤلف كتبه اجزاء باللغتين العربية

والفارسية. فجعل الجزء الأول خاصا بالأسر المالكة واعتمد فيه على الرواية المغولية اعتمادا كبيرا ثم ذيله بتأريخ ألجايتو. ويحوى الجزء الثاني إشارات في تأريخ الهند والصين وأوربة، وهو يتفق في هذا الشأن وذلك الفرع من التأريخ العربي الذي انصرف عنه الكتاب أمدا طويلا، ونعنى به الموسوعات. ويختلف عنه في أن مواده مستقاة من رواة معاصرين، ويماثله في أن تصور الكاتب لمؤلفه خير من حقيقة المؤلف نفسه؛ ومع ذلك فإن هذا لا ينقص من شأنه. ثم إن هذا الجزء قد اشتهر برصانة أسلوبه وتحريه للإسهاب أكثر من اشتهاره بالأخذ بأسباب الجمال. ولا يعنينا كثيرا أن يكون مرجع الفضل في هذا إلى رشيد الدين أو إلى عبد الله بن علي القاشانى. وإنما الذي يستوقف نظرنا هو إنه على الرغم من ذيوع صيت كتاب رشيد الدين في الخافقين فإنه قد ارتكس فجاة. ونبذ جميع الكتاب المنتمين إلى هذه المدرسة طريقته نبذا تاما، مع أنهم كانوا موضع رعايته. ولم يشذ عن ذلك سوى اثنين من أصحاب المختصرات هما بناكتى المتوفى عام 730 هـ (1329 - 1330 م) وحمد الله مستوفى القزوينى المتوفى بعد عام 750 هـ (1349 م). وجل هؤلاء- بما فيهم القزوينى نفسه- قد استعاضوا عن ذلك بمحاولة التفوق على الفردوسى بتأليف تواريخ في صورة الملاحم الطويلة القائمة على ذلك الوزن الشعرى الذي انتهجه. وليس هناك مؤلف هام آخر مما كتب بالنثر سوى ذلك التأريخ البليغ الأسلوب الذي صنفه عبد الله بن فضل الله المتوفى بعد عام 712 هـ (1312 م) والملقب بوصاف، وهو ينحو نحو النمط القديم المعروف بالتأريخ الرسمى (انظر فقرة ب، 5). وقد أصبح هذا التأريخ عمدة، وكان من شأنه أن اغرى الأجيال اللاحقة من مؤرخى الفرس بالضرب في بيداء البلاغة. وتعثر التأريخ في الفترة بين انحلال المدرسة المغولية وقيام تيمور. وكان هذا الفاتح يضم إلى حاشيته جماعة من الكتاب وقفهم على تدوين تأريخ حملاته وقراءة ما يكتبونه بين يديه. وعلى هذا النمط خلد ذكر حكمه بتأريخ

منظوم باللغة التركية اسمه "تأريخ خانى" وآخر بالفارسية كتبه نظام الدين شامى، وقد حذر نظام الدين من الركون إلى البلاغة والطنطنة. وعلى الرغم من ذلك عدا النسيان على مصنفه الموسوم بـ "ظفر نامه " ونبه ذكر المصنف المنمق الذي ألفه شرف الدين على يزدى المتوفى عام 858 هـ (1454 م) وسماه بالاسم نفسه، وغدا منذ ذلك الوقت نموذجا لرشاقة الأسلوب. وقد بلغ هذا النشاط في كتابة التأريخ غايته في عهد خلفاء تيمور، وبخاصة في مدرسة هراة التي أحيت رواية رشيد الدين في ظل رعايتهم ووكل شاهرخ إلى حافظ أبرو المتوفى عام 833 هـ (1430 م) أن يعيد نشر"جامع التواريخ " ويذيله، وقد قام هذا الكاتب نفسه بتأليف تأريخ عام لولد شاهرخ بايسنغر؛ وهذا التأريخ قليل الحظ من الابتكار إلا أن أسلوبه سهل رصين. ونلمح هذه الرصانة نفسها في المجمل الذي ألفه فصيح الخوافى حوالي عام 845 هـ (1441 م) ولعلها بادية في الأربعة "أولوس " الذي ألفه السلطان ألغ بك المتوفى عام 835 هـ (1449 م)، ولم يبق من هذا المصنف سوى مختصر له، وكان هذا السلطان واسع المعرفة متفننا في علوم جمة. ونحن لا نستطيع أن نخرج من كتابة التأريخ ذلك الأسلوب الرشيق المرصع الذي أشاعه كتاب من أمثال حسين كاشفى. واستجابت جمهرة المؤلفين التيموريين لفعل هذا الأسلوب، وأخذت المؤلفات المتأخرة تستبحر في البلاغة والطنطنة. ولم يستطع عبد الرزاق السمرقندى المتوفى عام 887 هـ (1482 م) - بأسلوبه الآخذ بقسط وافر من الاعتدال- أن ينافس ذلك الأسلوب المرصع الذي كتبت به "روضة الصفاء" لميرخواند المتوفى عام 903 هـ (1498 م) لأن هذا الأسلوب المنمق صادف هوى في نفوس الناس. وقد نقل خواندمير حفيد ميرخواند رواية هراة في صورتها المتأخرة إلى الهند حيث وجدت في هذه البلاد أيضًا تربة صالحة. 3 - سبق أن أشرنا إلى أن بداية تصنيف التواريخ بالفارسية في الهند كانت أثرا من آثار الفتح الغورى وقيام سلطنة دهلى (انظر فقرة ب، 6) وأن

قوام الحوليات الهندية الفارسية مرتبط بهذه الرواية. وأهم مؤلف بعد "تاج المآثر" لحسن نظامى المتوفى بعد عام 614 هـ (1217 م) هو الذيل الذي كتبه ضياء الدين برنى المتوفى بعد عام 758 هـ (1357 م) لتأريخ الجوزجانى، ولم يؤثر إلى جانب هذا الذيل سوى تراجم قليلة تجنح إلى المدح في المادة والترصيع في الأسلوب. وعلى هذا فإن هناك دلائل على وجود رواية وطنية في إقليم السند ترجع إلى عهد الفتح العربي في القرن الأول للهجرة (القرن الثامن الميلادي)، وانا لنكاد نلمح هذه الرواية في زوايا القصة التأريخية التي أذيعت في القرن السابع الهجرى (الثالث عشر الميلادي) باسم "جاج نامه "؛ على حين أن التأريخ المحلى في كجرات وفي الجنوب كان في الوقت نفسه أكثر اتصالا بالتأريخ في فارس. 4 - ظلت الرواية الفارسية الأدبية سائدة في الولايات التركية والعثمانية طوال هذا العهد. ولم تكن المصنفات التي كتبت نثرا أو الملاحم إلى تتحدث عن سلاجقة الأناضول بذات قيمة أدبية، وإنما ترجع أهميتها إلى أنها كانت نموذجا سار على نهجه التأريخ التركى الناشئ، ونلمس هنا مرة أخرى أنه على الرغم من أن الكتاب لم ينصرفوا انصرافا تاما عن الأسلوب البسيط فإن الأسلوب المنمق قد رجح عند الناس آخر الأمر، هذا الأسلوب الذي بلغ الغاية من الترصيع والمبالغة في كتاب "هشت بهشت " الذي ألفه نثرا إدريس بن علي البدليسى المتوفى عام 926 هـ (1520 م) نزولا على رغبة بايزيد الثاني. وإنه لمن إلقاء القول على عواهنه أن نهون من شان مؤلف لأنه يجنح إلى التهويل، وآية ذلك أن وراء الحشو واللغو اللذين يفيض بهما مصنف البدليسى -كما يفيض بهما تأريخ وصاف وغيره من المصنفات التي تنحو هذا النحو- رواية جدية ذات قيمة تأريخية كبرى. 5 - من أبرز الفوارق التي بين التأريخين الفارسى والعربى ندرة التراجم التأريخية في أولهما. أما التراجم الأدبية فقد كانت بطبيعة الحال وافرة، وتشمل بعض التواريخ العامة إشارات عن الوفيات بالطريقة المألوفة، أو فصول عن الأعيان وبخاصة الوزراء

والشعراء والكتاب. ثم يأتي بعد ذلك سير الأولياء والصوفية. وبعضها خاص بأفراد، وأهم شاهد على ذلك سيرة الشيخ صفى الدين التي كتبها توكل بن بزاز حوالي عام 750 هـ (1349 م) , وبعضها الآخر يتحدث عن جماعات خاصة أو عامة وهناك مصنفان في تراجم الوزراء صنفهما كاتبان من مدرسة هراة أحدهما "آثار الوزراء" وقد ألفه سيف الدين فضلى عام 883 هـ (1478 م) والآخر " دستور الوزراء" وقد ألفه خواندمير عام 915 هـ (1509 م)، ولكن لم تكتب بالفارسية مؤلفات جديرة بأن تقارن بمعاجم التراجم العربية المعاصرة إلا في القرن التالي. وواضح أن هذا يرد إلى الصلة الوثيقة بين التراجم والبحوث الدينية. ومن الميسور أن نهتدى إلى علة خلو اللغة الفارسية من التراجم إذا تذكرنا أن اللغة العربية ظلت إلى العصر الصفوى لغة الدين والعلم حتى في إيران والهند، وأن اللغة الفارسية كادت تقتصر على الأدب. ويصعب علينا أن نبين لماذا لم تكتب، ولو بالعربية، تراجم تتصل بالأقاليم الفارسية والتركية. د- شهد الربع الأول من القرن العاشر الهجرى (الخامس عشر الميلادي) إعادة توزيع القوى في العالم الإسلامي، وكاد هذا الأمر يشمله من أقصاه إلى أقصاه، فقد وطد الأتراك العثمانيون سلطانهم في غربي آسية وشمالى إفريقية حتى حدود مراكش. وأنشا الصفويون في إيران دولة شيعية كائنة بذاتها، وأقام الشيبانيون دويلات أوزبكية في أواسط آسية، وظهر في الهند بيت المغل، وهب بيت شريف يدفع عدوان الأسبان والبرتغال عن مراكش. وحصل زنج النيجر على نظام إسلامي أكثر وضوحا في عهد السنغوى. وكان لا بد أن تقترن هذه الحركات بترتيب جديد للثقافات وتوجيه آخر للأمور مما خلف آثارا في جميع ألوان الأدب وبخاصة في التأريخ. والحق إن التأريخ العربي هو الذي تأثر أبلغ الأثر بذلك، أما التأريخ الفارسى فقد قاسى من جراء تلك العزلة المذهبية التي كانت عليها فارس. بيد أنه ظهرت بالتركية في ذلك الحين تواريخ تنبض بالقوة والحياة. وعلى الرغم من أن هذه التواريخ ترتبط بما سبقها فإنها تقوم -إلى حد ما- على نهج مبتكر.

(أ) 1 - وقد أدى إخضاع الولايات العربية الوسطى للحكم العثمانى إلى حرمان التأريخ العربي من البواعث المحلية التي كان وجوده مرتبطا بها، فانحط انحطاطا يكاد يكون تاما، وكان كل ما ألفه الكتاب من المصنفات التأريخية المحضة في مصر والشام وبلاد العرب حتى نهاية القرن الثالث عشر الهجرى (التاسع عشر الميلادي) مقصورا على عدد قليل من التواريخ العامة الضعيفة المادة (انظر البكرى والدياربكرى والجنابى) وعلى بعض تواريخ محلية أو سير متفاوتة في القيمة. ووصلت الرواية التأريخية العربية القديمة آنئذ إلى خاتمتها على يد كاتبين كبيرين أحدهما نشا بمصر وهو عبد الرحمن الجبرتى المتوفى عام 1237 هـ (1822 م) والآخر نشأ بلبنان وهو حيدر أحمد الشهابى المتوفى عام 1251 هـ (1835 م). وبقيت هذه الرواية في أواسط بلاد العرب وشرقيها وجنوبيها إلى نهاية القرن وأثمرت في المغرب فقيضت لنا كاتبا حقيقا بأن ينعت بآخر السلف الصالح، ألا وهو الناصرى السلاوى المتوفى عام 1315 هـ (1897 م). وكان مجيئه عقب سلسلة مشابهة من المؤرخين الخاملين لم يقطعها سوى للك الشخصية البارزة شخصية المقرى التلمسانى المتوفى عام 1041 هـ (1632 م) الذي تعتبر حولياته في تأريخ الأندلس وسيرته لابن الخطيب خير ممهد لرواية الأندلس الزاهرة. ولقد اتجه بعض الكتاب في تركية إلى الرواية العربية التأريخية فألف منجم باشى المتوفى عام 1113 هـ (1702 م) مؤلفه القيم في التأريخ العام بالاعتماد عليها، وانتشرت هذه الرواية أيضًا في كثير من الأقاليم القاصية التي كانت أحدث عهدا بالاسلام وبخاصة غربي إفريقية، فكان في هذا بعض ما يعوض انحطاطها في مهادها الأصلية. ومن شواهد انتشار الرواية العربية في غربي إفريقية وجود بعض التواريخ المحلية ومن أهمها تأريخ سنغوى لعبد الرحمن السعدى المتوفى بعد عام 1066 هـ (1656 م) وتواريخ ماى إدريس صاحب برنو الذي حكم من عام 910 إلى عام 932 هـ (1504 - 1526 م) وقد ألفها الإمام أحمد. وبقى

في إفريقية الشرقية تأريخ قديم لكلوة وتأريخ لحروب أحمد كران في الحبشة كتبهما شهاب الدين عرب فقيه، وتواريخ أخرى أحدث عهدا تفرعت من هذين وكتبها مؤرخون على مذهب الإباضية في عمان. وكان من شأن العلاقات الوثيقة بين بلاد العرب وبين الشاطئ الغربي للهند أن أصبحت اللغة العربية هي اللغة الرسمية في هذا الشاطئ وبخاصة في الجنوب (ارجع إلى الوثائق التي نشرها يواوده سوزا Joao de Soussa في ثبوته عام 1790) وعلى هذا فلا يدهشنا أن نجد تاريخا عربيا للحروب البرتغالية كتبه زين الدين المعبرى المتوفى عام 987 هـ (1579 م) وإذا اتجهنا في هذا الشاطى صوب الشمال لقينا تنافسا بين العربية والفارسية حتى إنه لم يبق من المؤلفات العربية التي على شيء من الحجم سوى تأريخ عربي واحد كتبه محمد بن عمر ألغخانى الكجراتى المتوفى بعد عام 1014 هـ (1605 م)، واستقى أكثر مادته من المؤلفات الفارسية. ولم يكتب في فارس نفسها بالعربية سوى تاريخ أو تاريخيين قصيرين. 2 - واحتفظت الرواية القائمة على التراجم بقوتها ولاسيما في الشام، لأنها كانت -على عكس الرواية التأريخية- لا تعتمد كثيرا على التقلبات السياسية. وآية ذلك أن علماء دمشق واصلوا تأليف المعاجم في أعيان القرن العاشر والحادى عشر والقرن الثالث عشر، وهناك مؤلفات أخرى خلدت ذكر العلماء الذين خرجوا من مدينة واحدة أو إقليم واحد. وهناك إلى جانب هذا نوع من السير منمق مستغلق كتب بالشعر المنثور، وإن صلته بهذه المؤلفات لقريبة جدا من الصلة التي بين التواريخ المكتوبة بهذا النثر وبين التواريخ ذات الأسلوب المستقيم البسيط. وخير من يمثل هذا النحو من التأليف هو شهاب الدين الخفاجى المصري المتوفى عام 1069 هـ (1659 م). ولا أدل على شيوع مصنف هذا الكاتب من أن على خان بن معصوم قد ألف ذيلا له في الهند عام 1082 هـ (1671 م) وقد روى المحبى المتوفى عام 1111 هـ (1699 م) عن هذا الذيل، وألف أيضًا ذيلا آخر. ولقد بلغ الأمر أن ألفت في المناطق الفارسية والتركية تراجم باللغة

العربية. وإن كتاب "الشقائق النعمانية" الذي ألفه قاضى إستانبول أحمد بن مصطفى طاشكبرى زاده المتوفى عام 968 هـ (1561 م) لمن الكتب العمدة في تأريخ الإسلام بتركية، وقد ذيل هذا الكتاب باللغتين العربية والتركية. وبدأ أثر الصلات التي توثقت بين الجماعات الشيعية العربية وبين نظائرها في فارس والهند في عدة معاجم شيعية، ولم يقتصر تأليف هذه المعاجم على العرب وحدهم (انظر الحر العاملى) بل تعداهم إلى الفرس والهنود، وشاهد ذلك ما صنفه محمد باقر موسوى خو انسارى الفارسى ومعاصره الهندى سيد إعجاز حسين القنتورى المتوفى عام 1286 هـ (1869 م)، وكتبت بالهند أيضًا عدة تراجم في أهل السنة. وانتشرت الرواية العربية القائمة على التراجم من المغرب حيث ظلت العناية بها موصولة (انظر الوفرانى) إلى غربي السودان فقيض لها فيه نصير نابه الذكر هو أحمد بابا التمبكتى المتوفى عام 1036 هـ (1627 م) وكان هذا هو حال السودان الشرقي أيضًا إذ خرج منه محمد واد ضيف الله المتوفى عام 1224 هـ (1809 - 1810 م) وخلد ذكر الصالحين والفقهاء في مملكة فنج بكتابه المعروف بالطبقات. 2 - لم تنقطع الصلات العقلية بين فارس وبين الدولة العثمانية والهند انقطاعا تاما عندما اتخذت الدولة الأولى التشييع مذهبا رسميا لها، ولم يكن لهذا الانقلاب الدينى من أثر سوى إبعاد الشقة بين التأريخ في كل من فارس والهند، وثمة ظاهرة أهم من هذه نشاهدها في تدوين التأريخ بهذين القطرين، وهي أن الكتاب كادوا ينفردون بالتأليف فيه، ويندر أن نصادف عالما على شيء من الاستقلال في الرأى أو البعد عن الهوى. فقد خلا الميدان لذلك الكاتب الخاضع الذي يطمس مجموع التفاصيل سديدها وأجوفها بغشاء ثقيل من الشعر العادى والأسلوب المرصع الملئ باللغو. وطبيعى أن هناك ما لا ينطبق عليه هذا القول، وهو أمر مشاهد بصفة خاصة في المؤلفين العديدين الذين صنفوا التواريخ العامة؛ غير أن هؤلاء كانوا من أولئك على طرفى نقيض، إذ هم قد جنحوا إلى

الجفاف والاقتضاب. وإن النظرة العامة إلى ما صنف من التواريخ بفارس والهند في هذه الحقبة لتفصح عن سلسلة مملة من التواريخ العامة والتواريخ المحلية أو الخاصة بالأسر الحاكمة، ويتخلل هذه السلسلة فترات نشط فيها الكتاب وألفوا ما يشبه التراجم بدافع من أصحاب التيجان. وكان بعض هذه الموْلفات على شيء كبير من القيمة، إلا أن أصحابه كانوا يعتبرون التأريخ فرعا من الأدب، وهو ميل تأصل في نفوسهم. 1 - كان جل التواريخ العامة -سواء أكانت مكتوبة في الهند أم في فارس- قليل التنسيق ضئيل الحظ من الابداع؛ وكل ما فيه أن قيمته تنحصر في روايته لحوادث العصر الذي دون فيه. والتبويب بحسب الأسر المالكة هو الشائع في هذه التواريخ، وهي تردف أحيانا بذيل في تقويم البلدان، ومن بين التواريخ التي ليست أيضًا بذات أهمية تأريخ نظام شاهى المتوفى عام 972 هـ (1565 م) و"تأريخ ألفى" وهو مؤلف متعدد الأجزاء كتب بأمر من أكبر إحياء لذكرى انقضاء ألف سنة على الهجرة، و"صبح صادق" الذي ألفه كاتب الوقائع (واقعه نويس) محمد صادق آزادانى المتوفى عام 1061 هـ (1652 م)، و"خلد برين" الذي كتبه محمد يوسف واله عام 1058 هـ (1648 م)، ومؤلفات محمد بقاء سهانبورى المتوفى عام 1094 هـ (1683 م) و"تحفة الكريم" الذي ألفه مير على شيرقانى المتوفى بعد عام 1202 هـ (1787 م) وفيه ذيل عن السند، وثلاثة مؤلفات فارسية ترجع إلى القرن الأخير (انظر رضا قلى خان وسبهر ومحمد حسن خان). أما كتاب "مرآت الأدوار" الذي ألفه مصلح الدين لارى فترجع أهميته إلى أنه آخر تأريخ عام كتب عن الدولة العثمانية باللغة الفارسية، كما ترجع أهمية التأريخ الذي كتبه حيدر بن علي الرازي عام 1028 هـ (1919 م) إلى ما في تبويبه من إبداع وما يتميز به من بعد عن الصبغة الرسمية. وقد استخدمت اللغة الفارسية أيضًا في كتابة تواريخ البلاط بدويلات التركمان في أواسط آسية وبقى من هذه التواريخ عدد كبير.

2 - وقد دعا قيام بيت الصفويين الكتاب إلى تأليف سلسلة من التواريخ الخاصة بالأسر الحاكمة أهمها "أحسن التواريخ" الذي أتمه مؤلفه حسن روملو عام 985 هـ (1577 م) وهذا الكتاب محدود النطاق بعض الشيء، وتأريخان في عهد عباس الأول الذي حكم من عام 995 ألى عام 1037 هـ (1587 - 1627 م)، و"تأريخ عباسى" لمحمد منجم يزدى، والمؤلف الكثير الأسهاب الموسوم بـ"تأريخ عالم آراى عباسى" لإسكندر بك منشى. وقد خلد ذكر نادر شاه بتأريخين ألفهما مهدى خان أستراباذى المتوفى بعد عام 1173 هـ (1760 م). وثانيهما المعروف بـ "درة نادرى" وهو تقليد لوصاف باعتراف المؤلف. وتأريخ ثالث كبير في ثلاثة مجلدات كتبه محمد كاظم، كما خلد ذكر هذا الشاه أيضًا في التأريخ العام الذي ألفه محمد محسن وسماه "مستوفى". أما فتح على شاه الذي حكم من عام 1212 إلى 1250 هـ (1797 - 1834 م) فقد كتب بأمره ما لا يقل عن ثلاثة تواريخ في الأسر الحاكمة وتأريخ عام. وهذه المؤلفات لا تستوعب بحال كل ما كتب بفارس في هذا العهد من تواريخ الأسر الحاكمة والتواريخ المحلية، وبعض هذه التواريخ يمتاز بصفة خاصة بما يمدنا به من فوائد جليلة عن البلد أو الإقليم الذي تحدثت عنه وبجنوح أصحابها إلى الأسلوب البسيط المألوف، غير أننا إذا نظرنا إلى هذه التواريخ نظرة عامة لألفينا أن قيمتها لا تتناسب وحجمها، وأن الهند ترجحها كثيرا في هذا الشأن. 3 - وكانت الهند في مستهل العهد المغلى ملتقى روايات ثلاث: الأولى الرواية الهندية المغلية القائمة التي ظلت متصلة منذ العهد السابق (انظر فقرة ج (2) 3) والثانية رواية مدرسة هراة (انظر فقرة (2) 2) والثالثة هي ذلك اللون الجديد الذي أدخله أباطرة المغل أنفسهم (انظر الفقرة التالية). وقد نشأ من اتحاد هذه الروايات الثلاث رواية تأريخية هندية متميزة، ولو أن قليلا من المؤرخين قد تأثروا بما أنتجه معاصروهم في فارس، وقد ظهر منذ نهاية القرن الثاني عشر الهجرى (الثامن عشر الميلادي) مؤثر آخر مبعثه أولئك العلماء والمستشرقون المقيمون في الهند، إلا أن التغير الذي أصاب منهج التأريخ على يدهم لم يظهر دفعة واحدة.

وأول من أفصح عن الرواية الهندية إفصاحا مبينا: نظام الدين أحمد وعبد القادر بداءونى المتوفيان عام 1004 هـ (1595 - 1596) وذلك في كتابيهما في التأريخ العام اللذين تناولا فيهما الكلام على الهند الإسلامية منذ عهد الغزنويين. ومن الواضح أن هذا قد حدث في عهد أكبر الذي حكم من عام 963 إلى عام 1014 هـ (1556 - 1605 م). ومن حق البداءونى علينا أن ننوه في هذا المقام بتأريخه تنويها خاصا، فقد أبدى فيه إبداعا وبصرا بالنقد، وهو يمتاز فوق هذا ببرئه من الصبغة الرسمية وبانصرافه إلى التراجم الهندية انصرافه إلى الحوليات السياسية؛ أما الكتاب الذي صنفه خلفه محمد فرشته فاوسع في ميدان تأريخ الهند الإسلامية مجالا، إلا أنه دون تازيخ البداءونى بصرًا بالنقد، وما إن انقضى قرن من الزمان حتى وصلت الرواية الهندية التأريخية إلى أقصى مراحلها، إذ أخذ الكتاب الهنود يؤلفون في التأريخ الهندى الفارسى (انظر سنجان راى) مما أدى إلى تواشج الهند الهندوسية منذ البداية والهند الإسلامية، وقد تيسر ما بقى من هذا الأمر بفضل ما نقل إلى اللغة الفارسية من عيون الكتب السنسكريتية نزولا على أمر أكبر وغيره من أباطرة المغل. وكانت تكتب إلى جانب هذه المؤلفات تواريخ عن عهود الحكام كل منها خاص بملك. وأول هذه التواريخ عن عهد أكبر. وسنكتفى هنا بذكر أهمها: يشتهر مصنف "أكبر نامه" لأبي الفضل علامى المتوفى عام 1011 هـ (1602 م) بجزئه الثالث بصنفة خاصة. وهذا الجزء موسوم بـ "آئين أكبرى" وهو يفصل الكلام على نظام الادارة في عهد أكبر. وأرخ عهد جهانكير في مصنفه "توزك"، (انظر الفقرة التالية) وفي مصنف وزيره معتمد خان المتوفى عام 1049 هـ (1639 م) وأرخ محمد كاظم المتوفى عام 1092 هـ (1681 م) ومحمد سامى مستعد خان المتوفى عام 1136 هـ (1724 م) عهد أورنك زيب. وقد وصف غلام حسين خان المتوفى عام 1195 هـ (1781 م) اضمحلال بيت المغل ونشأة سلطان الانكليز، وكتب خير الدين محمد إلاه آبادى المتوفى بعد عام 1211 هـ (1796 م) تأريخ شاه عالم الثاني. وأقرب هذه المصنفات إلى فن التأريخ هو تأريخ آل تيمور لمحمد هاشم خوافى

خان المتوفى عام 1145 هـ (1762 م) والمصنف المعروف بـ "سواغ أكبرى" الذي كتبه أمير حيدر حسنى بلكرامى حوالي عام 1200 هـ (1785 م) بالاعتماد على المصادر الأصلية وتناول فيه بالنقد عهد أكبر. وكان لكل بيت مستقل أو شبه مستقل من بيوت الحكم، ولكل ولاية في الهند من البنغال إلى جبال الكرنات، سلسلة من التواريخ تشبه ما أسلفنا وتقل عنها في الحجم، وهي تتسم في الغالب بسمات التأريخ المغلى. ولسنا في حاجة إلى ذكر كل هذه التواريخ ولنكتف بالتأريخين اللذين ألفهما عن الأفغان نعمت الله بن حبيب الله الهروى المتوفى عام 1021 هـ (1612 م) وإمام الدين حسين المتوفى عام 1213 هـ (1798 م). وقد اعتمد عليهما محمد عبد الكريم المتوفى بعد عام 1246 هـ (1830 م) في تأليف تأريخه المتأخر عنهما في الزمن. وعولج تأريخ أفغانستان في ناحيتها الشمالية على يد عبد الكريم البخاري المتوفى بعد عام (1246 هـ (1830 م). وقد كتب تأريخه لخانات آسية الوسطى في إستانبول. 4 - وأهم ما يتصف به التأريخ الهندى الفارسى من الصفات الأصلية وفرة المذكرات التي كتبت في هذا العهد، وبين هذه المذكرات وبين التأريخ المألوف تباين واضح قوى. ويظهر أن التيموريين هم الذين أوحوا بهذا الاتجاه، واقدم الشواهد على ذلك مذكرات الإمبراطور بابر المتوفى عام 937 هـ (1530 م) وقد كتبت بالتركية، ومذكرات ابن عمه ميرزا حيدر دوغلات المضمومة إلى تاريخ الجغتائية المتأخرين الموسوم بـ "تاريخ رشيدى" وقد كتبت بالفارسية. ثم مذكرات همايون المتوفى عام 963 هـ (1556 م) التي كتبها ساقيه (آفتاباجى) جوهر. وقد بزته اخته من أبيه كلبدن بيكم المتوفاة عام 1011 هـ (1603 م) بمذكراتها التي كتبتها نزولا على رغبة أكبر. وتعتبر مذكرات كلبدن من اهم المصنفات التي تمس العلاقات الشخصية في التأريخ الإسلامي. وكذلك ألف جهانكير المتوفى عام 1037 هـ (1627 م) مذكرة عن السبع عشرة السنة الأولى من حكمه بعنوان "توزك جهانكيرى". وأعاد خلفه نشرها بعد أن صححها ولفقها. ويظهر أن المذكرات المصنوعة الموسومة بـ "توزكات تيموري"- والتي تدوولت في الهند على اعتبار أنها الرسائل الموثوق في

نسبتها إلى تيمور- ترجع إلى هذا العهد. ولم ينفرد أعضاء البيت المالك بكتابة مثل هذه المذكرات. بل إن كثيرا من الأفراد قد رووا في لغة بسيطة خالية من التصنع ما شهدوه من الحوادث عيانا. وأشهر هذه المذكرات "تذكرة الأحوال " للشيخ محمد على حزين المتوفى عام 1130 هـ (1766 م) و"عبرت نامه " التي كتبها ميرزا محمد ابن معتمد خان حوالي عام 1131 هـ (1767 م)، أما بقية هذه المذكرات فوصف لرحلات ليس فيه من المواد التأريخية الهامة إلا القليل. 5 - تقدمت كتب التراجم الفارسية في هذا العهد عن العهد السابق وكان لها الصدارة كما كان حالها في الماضي بفضل المؤلفات التي اقتصرت على شعراء فارس والهند. وكانت التراجم التأريخية قليلة أشهرها "مآثر الأمراء" لمير عبد الرزاق الأورنك آبادى المتوفى عام 1171 هـ (1758 م). وأشمل التراجم الفارسية "هفت إقليم " الذي أتم تأليفه أمين أحمد الرازي عام 1028 هـ (1919 م) وهو مقسم -كما يبدو من عنوانه- إلى سبعة أقسام كل قسم خاص بولاية من ولايات إيران السبع. وفي نهاية القرن الثاني عشر الهجرى صنف مرتضى حسين بلكرامى كتابًا يشبه هذا ضمنه إشارات خاصة عن الهند وسماه "حديقة الإقاليم". وليس هناك من جهة أخرى أي معاجم شاملة في التراجم على نسق ما ألف في اللغة العربية. وأقرب المعاجم شبها ما كتب باللغة الفارسية من المؤلفات المقصورة على الشيعة وعلمائهم من جهة وعلى الأولياء والصوفية من جهة أخرى. أما عن الطائفة الأولى فإن مصنف "مجالس المؤمنين " الذي كتبه بالهند نور الله بن شريف المرعشى المتوفى عام 1019 هـ (1610 م) قد اعتمد على الرواية العربية الخاصة بتراجم الشيعة، في حين أن كتاب "نجوم السماء" الذي ألفه محمد ابن صادق بن مهدى عام 1286 هـ (1869 م) قد تناول الكلام على علماء الشيعة في القرون الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر. أما التراجم الخاصة بالأولياء والصوفية فقد كتبت كما كان متوقعا بالهند فقط، وهي تعنى بصفة خاصة بأولئك الذين خرجوا من

هذه البلاد أو الذين يمتون إليها بسبب. ومن أهم المؤلفات العديدة التي تتحدث عن أشخاص الأولياء وعن الطوائف والجماعات "سير العارفين" لحامد بن فضل الله (جمالى) المتوفى عام 942 هـ (1535 - 1536) و"أخبار الأخيار" لعبد الحق البخاري المتوفى 1052 هـ (1632 م). والمصنف الضخم "مرآة الأسرار". ومن أهم الكتب المختصرة التي تتحدث عن الصوفية في جميع العصور "سفينة الأولياء" للأمير المغلى المنكود الطالع دارا شكوه المتوفى عام 1069 هـ (1659 م). المصادر: (1) Geschichte: G. Brocklelmann der Arahischen Litteratzzre. جـ 1، فيمار Weimar سنة 1898؛ جـ 2، طبعة برلين سنة 1902، الملحق، طبعة ليدن سنة 1936 وما بعدها. (2) Die Ges-: F. Wuestenfeld chichtsschreiher der Archer' كونتكن سنة 1882. (3) Lectures on: D.S. Margoliouth Arabic Histories، كلكتة سنة 1930 م. (4) Ensavo Bio-: Pons-Boigues - bibliografico su los Historiadores Ge ografos Arabigo Espanoles مجريط سنة 1898. (5) Perdian Lit-: C.A. Storey erature, A. Biographical Survey, القسم الثاني، لندن سنة 1935 وما بعدها. (6) A Literary His-: E.G. Browne torry of Persia، كمبردج سنة 1930 م. (7) The: Sir H. Elliot & J. Dowson -History of India as told by its His torians، لندن سنة 1867 - 1877 (8) فهرس مجموعات المخطوطات الشرقية المهمة. (9) وهناك بيان بالرسائل التي كتبت عن أشخاص المؤرخين في كل مادة من المواد القائمة بذاتها، وقد تناول هورفتز Horovitz طائفة خاصة منها في مقالة الموسوم بـ The Earliest Biographies of the Propet بمجلة Islamic Culture حيدر آباد سنة 1928 م، وكذلك فعل. E. Levi-Provencal في Les Historiensdes chorfa، باريس 1922 م. [جب H.A.R. Gibb]

التأويل

التأويل التأويل في الأصل معناه -بوجه عام- التفسير والشرح، وفي بعض آيات القرآن التي ترد فيها هذه اللفظة نراها تشير إشارة واضحة إلى الوحى الذي ينزل على النبي محمد [- صلى الله عليه وسلم -]. وقد صار استعمال لفظ التأويل بعد ذلك مقصور، على هذا المعنى الخاص، وكانت من ثم تعنى شرح معاني القرآن، وصارت حينا ما مرادفة للفظة تفسير، ثم اكتسبت اللفظة نصيبا أوفر من التخصيص ولو أنها لم تقتصر على هذا المعنى وحده، وصارت اصطلاحًا يطلق على تفسير مادة القرآن؛ والتأويل في هذا المعنى الأخير يكون جزء، إضافيًا هامًا للشرح اللفظى الظاهرى للقرآن الذي صار يسمى بالتفسير، ولم يجد علماء السنة مسوغًا لإنكاره ما دام لا يناقض المعنى الظاهر الحرفى للقرآن أو السنة. ولكن المسألة تغيرت عندما أصبح التأويل لا تراعى فيه هذه الشروط. والصوفيون وإخوان الصفا والشيعة والمدارس الفكرية التي لم تمرق من الإسلام ولكنها انحرفت إلى حد ما عن طريق السنة وجدوا جميعهم في التأويل أداة صالحة لجعل آرائهم متفقة مع المعنى الحرفى للقرآن بل ذهبوا إلى حد استنباط آرائهم من نصوصه، وإلى جانب التفيسير الحرفى لنصوص القرآن نشأ تفسير رمزى النزعة وجد في ثنايا القرآن أفكارًا بعيدة عن المألوف، وقد صارت المدارس المتطرفة ترى في هذا النقل والتحوير للمعنى الظاهر السبيل الوحيد لتفهم القرآن، وبذلك اهملوا التفسير التقليدى بل صارت أحكام القرآن في رأى أصحابها غير واجبة الاتباع. وكثير من وجوه استعمال التأويل يمكن -كما أشار كولد تسيهر- أن ترد إلى تأثير أشياع الأفلاطونية الجديدة وبخاصة "فيلون" وقد كان هذا الأسلوب نفسه النتيجة المباشرة لضرورة توطيد مكانة الآراء الجديدة بتفسير مستحدث لألفاظ الوحى التي وصلت إلينا. والتأويل الرمزى يمكن اعتباره في جوهره إسلامي الأصل والنشأة.

تعليق على مادة "التأويل"

المصادر: (1) لسان العرب، جـ 8، ص 34 وما بعدها. (2) تاج العروس، ج 7، ص 215. (3): An Arabic English Lexicon Lane ص 126 وما بعدها. (4) السيوطي: الإتقان، جـ 2، القاهرة سنة 1287 هـ، ص 204 - 206. (5) Die Richtungen der: Goldziher -Islamiscchen Goldziher Veroeff ent -lichungen) Koranauslegung der "De Goehe Stiftuag رقم 6، ليدن سنة 1920 (6) Streitschrift des Gazali: Goldziher - Veroeffentl der "De) gegen die Batinsjja " ' Sekte Goeje Stiftung، رقم 3، ليدن 1916، ص 50 وما بعدها، والنص العربي رقم 10. [باريه R. Patet] تعليق على مادة "التأويل" أصل مادة "تأويل" من المعنى اللغوي "آل يؤول أولًا" أي: رجع إلى أصله. ثم استعمل في كلام العرب وفي القرآن خاصة بمعنى التفسير، أو بشيء قريب من معناه. فالتفسير والتأويل: كشف المراد عن الشيء المشكل. وفرّق بعض العلماء بينهما، فكثر استعمال التفسير فيما يتعلق بشرح المفردات والألفاظ، والتأويل فيما يتعلق بالمعانى والجمل. واصطلح الفقهاء وغيرهم على معنى آخر للتأويل هو تفسير الآية أو الحديث بمعنى غير ما يفهم من ظاهر اللفظ، ولذلك يقول العلماء كثيرًا في عباراتهم مثلًا: إن هذا الحديث أو هذه الآية من الصريح الذي لا يحتمل التأويل أي لا يحتمل معنى آخر يخرجه عن المراد الظاهر من لفظه، فالمعنى الظاهر من الكلام لا يخرج عن المفسر والمؤول إلا بدليل أو قرينة، لأنه يكون شبيهًا بالمعنى المجازى. وقد ورد لفظ "التأويل " في آيات من القرآن على المعنى اللغوي الأصلي، ولكن بعض العلماء والمفسرين ظنها مما يدخل في "التأويل " الاصطلاحى، فنشأ عن ذلك اختلاف واضطراب في آرائهم. والحق إن ذلك على المعنى اللغوي الواضح. ففي لسان العرب (13: 25): وأما قول الله عزَّ وجلَّ: "هل ينظرون إلا تأويله

يوم يأتي تأويله .. " الأعراف الآية 53 فقال أبو إسحاق: معناه: هل ينظرون إلا ما يؤول إليه أمرهم من البعث. قال: وهذا التأويل هو قوله تعالى: "وما يعلم تأويله إلا الله". أي: لا يعلم متى يكون أمر البعث، وما يؤول إليه الأمر عند قيام الساعة إلا الله. والراسخون في العلم يقولون: آمنا به، أي: آمنا بالبعث والله أعلم. قال ابن منصور: وهذا حسن". وأقول: بل هو الصواب الذي لا يفهم من القرآن غيره. ثم دخل على المسلمين ناس اتبعوا المتشابه في مثل هذا وأكثروا من القول في القرآن بغير علم، حتى ادعوا أن له ظاهرًا وباطنًا. وأن الباطن لا يعلمه هؤلاء إلا بشيء يزعمونه نحو الإلهام. وهم لم يفقهوا ظاهر القرآن ولم يعرفوا شيئًا من السنة. أو عرفوا وأعرضوا عنه لما وقر في نفوسهم من حب الإغراب، أو من آراء تنافى الإسلام فارادوا أن يلصقوها به. وعن ذلك نشات تأويلات الصوفية وغيرهم ممن أشار إليهم كاتب المادة، وهذه التأويلات لا تمت إلى الإسلام بصلة، وإن كان قائلوها يسمون بأسماء إسلامية، ويذكرون في تاريخ الإسلام، وتذكر أقوالهم وآراؤهم مع آراء علماء الإسلام. الإسلام دين واضح سهل، لا رموز فيه ولا ألغاز، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قد ترك المسلمين على المحجة الواضحة، ليلها كنهارها. فكل من حاد عن هذه السبيل، فإنما أعرض عن الصراط المستقيم. وتفرقت به السبل، حتى خرج بعضهم عن كل طريق من طرق الإسلام، أو من الطرق التي تشبه أن تتصل بالإسلام ممن وصفهم كاتب المادة بقوله (بل صارت أحكام القرآن في رأى أصحابها غير واجبة الاتباع). ومن ذهب هذا المذهب أو قريبًا منه فلا يمكن أن يعد من المسلمين، ولا أن ينسب قوله إلى أقوال أهل الإسلام. أحمد محمد شاكر مصادر أخرى (كليات أبي البقاء ص 187 طبعة الآستانة سنة 1287)، (كشاف اصطلاحات الفنون ص 1116 - 1117 طبعة الهند)، (لسان العرب 13: 34 - 35)، (حقائق التأويل للشريف المرتضى ص 7 - 14 طبعة بغداد سنة 1355) وكتب أخرى في التفسير وغيره.

التبريزي

التبريزي أبو زكريا يحيى بن علي بن محمد بن الحسن (وزاد ياقوت بن محمد بن موسى) ابن بسطام الشَيبانى الخطيب: من العلماء المشهورين في فقه اللغة العربية، ولد سنة 421 هـ (1030 م) وأشهر من أخذ عنهم الشاعر المعروف أبو العلاء المعرى. وقد وقع إلى التبريزى نسخة من كتاب التهذيب في اللغة لأبي منصور الأزهرى (Gesch. d. Arab Lit.: Brockelmann جـ 1، ص 129، وأنظر أيضًا Bergstraesser Zeitschrift fuer semitistik، جـ 1, 189، رقم 24) فاحتاج إلى من يشرحه له، فأوصى به المعزى خيرا، فجعل مجلدات الكتاب في مخلاة وحملها بنفسه من تبريز إلى المعرّة، لأنه لم يكن لديه ما ينفقه في الركوب، وتصيب عرقه على المخلاة فخلّف رطوبة بأوراق الكتاب. ويذكر ابن القفطى فيما رواه عنه ابن خلكان باحتياط من كتابه المفقود الموسوم بأخبار النحاة أنه رأى بعض هجلدات هذا الكتاب في مكتبة الوقف ببغداد، وكأنما كانت في الماء. وممن درس عليهم التبريزى وأخذ عنهم أبو القاسم عبيد الله ابن علي الرَّقى المتوفى عام 450 هـ (1058 م) أبو محمد (هكذا كنيته في ابن خلكان؛ وجاء في ياقوت أنه الحسن بن رجاء) بن الدَهَّان المتوفى عام 447 هـ (1055 م) وأبو الفتح سليم (وفي رواية سليمان) ويذكره ياقوت وآخرون باسم سليم بن أيوب الرازي (وهو فقيه شافعى من أهل صور، انظر ابن خلكان، رقم 268) وأبو القاسم عبد الكريم بن محمد السيَارى- ويقرؤها ده سلان (انظر المصادر) الساوى لا السيارى شأنه في ذلك شأن ياقوت، ويزعم ده سلان أيضًا أنها تقرأ السيادى- والبغدادى وابن برهان والمفضّل القصَبانى وعبد القاهر الجرجانى (Gesch. D. Arab Lit. جـ 1، ص 287) والقاضي أبوالطيب طاهر بن عبد الله الطبري (انظر السمعانى، 1367، فصل 21 وما بعده) وأبو الحسن التنوخى (انظر المصدر المذكور، 110 ب، الباب 42) ودرس التبريزى في صور ودمشق كما في المعرة، ونزح إلى القاهرة في صباه ودرس فيها لابن بابَشاذ (Brockelmann Gesch. d. Arab - Iii, جـ 1، ص 301).

ثم رحل إلى بغداد حيث أصبح قاضيا (وقاضى هي القراءة الصحيحة لكلمة قاطن الواردة في الجزء العشرين من مجموعة كب التذكارية، في مخطوط السمعانى المحفوظ بمكتبة كويريلى باستانبول تحت رقم 1010) ودرس الأدب وقام على خزانة الكتب في النظامية إلى أن توفى يوم الثلاثاء 28 جمادى الآخرة سنة 502 (2 فبراير سنة 1109) في رواية ابن خلكان وياقوت في كتابه الأول، غير أن هذا التأريخ خطأ كما يتبين من اسم اليوم. وقبره عند باب أبْرَز وجاء في كثير من المراجع أن الخطيب البغدادي مؤرخ بغداد كان من بين تلاميذه (Gesch . d. Arab . lit: Brockelmann, جـ 1 ص 309) إلا أن هذه الرواية التي تستند إلى السمعانى ويؤيدها ياقوت (المعجم، انظر المصادر) وابن خلكان قائمة على الخطأ لأن الخطيب البغدادي كان يكبر التبريزى بثلاثين سنة. وأحال ابن خلكان في حديثه عن التبريزى القارئ إلى ترجمته للخطيب البغدادي قائلا إنه وفى فيها الكلام عن العلاقة بين هذين الشخصين. ولكن ليس في هذه الفقرة بيان عن أبيهما تنصرف إليه الإشارة (رقم 33). ومن جهة أخرى نجد ياقوت قد جاء في ترجمته للخطيب البغدادي الواردة في كتاب إرشاد الأريب برواية يرتفع إسنادها إلى التبريزى، ولم يرد في كلامه ذكر للنسبة (التبريزى) غير أنه لا شك أن المترجم له هو المقصود بابى زكريا يحيى بن علي الخطيب اللغوي لا سيما أن الذي يصل بين سلسلة هذا النسب هو أبو الفضل ناصر السَلامى؛ وظاهر أن أبا الفضل هذا هو والد أبي الفضل محمد بن ناصر السلامى تلميذ التبريزى، ولعل هذا خطأ والمراد ابنه، لأنه فضلا عن أن محمد بن ناصر هو تلميذ التبريزى فقد عرف أيضًا بأنه شيخ السمعانى (انظر Bergsatrasser: Zeitschrift fuer Semitistik. جـ 2، ص 205، رقم 154) بينما أن أباه مجهول تمامًا، وبعيد أن يكون قد كنى بأبى الفضل من جهة ولأن فقر الراوي الذي يبدو من حين إلى آخر في القصة يتفق وفقر التبريزى الذي نعلمه من خبر رحلته إلى المعرة من جهة أخرى. وعلى

هذا فلا بد أن يكون التبريزى قد حضر إلى دمشق عام 456 ودرس الأدب على الخطيب البغدادي. وقد رويت قصة ظمئه إلى المعرفة بالتفصيل. وعاش بمنارة المسجد الكبير، وهذا الأمر يشهد أيضًا على فقره. وقد زاره الخطيب البغدادي مرة في مسكنه هذا وتحدث معه ساعة من الزمان. وأعطاه قبل أن يتركه مباشرة شيئًا ملفوفًا في ورقة هدية منه وطلب إليه أن يشترى بها أقلامًا. ولما فض التبريزى الورقة وجد بها خمسة دنانير مصرية. وزاره الخطيب مرة أخرى وأعطاه من المال قدر المرة السالفة أو يزيد وطلب إليه أن يشترى بهذا المال أوراقًا. ولا شك أن هذه القصة التي رواها ياقوت في حديثه عن التبريزى في كتابه إرشاد الأريب أصح مما رواه في المعجم، وهذا ينبئ بأن الخطيب البغدادي كان شيخًا للتبريزى حقيقة، وإلا خصة البغدادي بترجمة في كتابه تاريخ بغداد. وتلاميذ التبريزى هم: أبو الفضل محمد بن ناصر السلامى (467 - 550 هـ = 1074 - 1155 م؛ انظر ما سلف) وأبو الحسن سعد الخير بن محمد بن سهل (وفي المقرى، جـ 1، ص 895: سعد) والأنصارى الأندلسى تلميذ الغزالى المتوفى ببغداد عام 541 هـ الموافق 1146 م، وأبو طاهر محمد بن محمد ابن عبد الله السنجى (462 - 547 هـ، وقد عاش في مرو) والجواليقى الذي خلفه في النظامية. ويقال إن التبريزى لم يكن على شيء كثير من حسن الخلق، فقد روى أنه كان يشرب الخمر ويلبس الحرير ويضع على رأسه عمامة مزخرفة بالذهب، وهذا ينبيء بأنه أصبح موسرًا فيما بعد. أما أنه كان حجة في العلم فأمر لا ينازع فيه أحد. ومؤلفات التبريزى التي نعرف عناوينها تشهد بصبغتها العلمية، ولو أن ابن خلكان يروى له بيتين وقصيدة وجهها إليه العماد الفياض ورده عليها. وفيما يلي مصنفاته، ونذكر من بين مصنفاته التي أوردها بروكلمان في (Gesch d. Arab . lit، جـ 1، ص 279) تلك التي يمكننا أن نضيف عنها بعض المعلومات: كتب التبريزى ثلاثة شروح لديوان الحماسة الذي ألفه أبو تمام أولها شرح

قصير لكل بيت، ثم شرح واف للقصيد. ونشر الشرح الثاني فريتاغ Freeytag (انظر مقدمة فريتاغ عن المراجع التي استقى منها) وكان عند ياقوت نسخة بخط التبريزى من شرحه للمعلقات. وقد شرح التبريزى أيضًا ديوان المتنبي (Gesch d. Arab. Iit جـ 1، ص 88) والمفضليات وقصيدة بانت سعاد، ومقصورة ابن دريد وقصيدة اللَمع في النحو لابن جنى ويروى حاجى خليفة أنه شرح كتاب نهاية الوصول إلى علم الأصول لكاتب لا نعرف شخصيته هو أحمد بن علي بن الساعاتى البغدادي (وفي بروكلمان أن هذا المؤلف عاش بعد التبريزى، انظر جـ 1، ص 382) كما فسر القرآن. ويزعم حاجى خليفة أنه نشر كتاب إصلاح المنطق لابن السكيتَ بعد أن صححه وسماه التهذَيب (مخطوط باستانبول: مكتبة عاطف رقم 2716؛ انظر Rescher في M. F. 0 . Beyrouth بيروت سنة 1912 ص 495) وقد طبع التهذيب هذا بالقاهرة طبعة ليس عليها تأريخ، وشرح التبريزى كتاب الألفاظ لابن السكيت وطبع هذا الشرح في بيروت عام 1895 وما بعدها. ولعل مقتطفات من الكافي في علم العروض والقوافى قد ظهرت ضمن محتويات المجموعة الموسومة بمجموع من مهمات المتون المطبوعة بالقاهرة عام 1323 هـ ص 550 وما بعدها. ولم يذكر أي اسم من أسماء مصنفى هذه المجموعة، غير أن بروكلمان يزعم (انظر مادة كافى، الفهرس) أن هناك مصنفين آخرين على الأقل قد صنفا هذه المجموعة، وقد نبه ريشر الأذهان (Z A.: Rescher، جـ 27، ص 156) إلى رسالة أخرى في. العروض موسومة برسالة في العروض (وهي، مخطوطة في المكتبة الحميدية باستانبول، رقم 1127, ويلوح أنها ليست واحدة من الرسالتين اللتين ذكرهما بروكلمان، وقد ذكر ريشر مخطوطًا لشرح التبريزى لديوان امريء القيس (Rescher. في Zeitschr . d . Deutsch.Morg Geschc، جـ 68، ص 63) لكن المراجع لا تذكر شيئًا عن هذا الشرح. ومن الكتب التي نسبها ابن الأنبارى وياقوت إلى التبريزى ولا نعرف عنها الآن شيئًا كتاب الفرسان،

التجارة

ويذكر له ابن خلكان تهذيب غريب الحديث، ويذكر له ياقوت مقدمة في النحو. المصادر: سوى ما ورد في صلب المادة (1) السمعانى: الأنساب، طبعة ماركوليوث، 1912 م مجموعة كتب التذكارية، جـ 20، ورقة رقم 103 (2) أبو البركات بن الأنبارى: نزهة الألباء في طبقات الأدباء، القاهرة سنة 1294 هـ، ص 443 - 448 (2) ابن خلكان: وفيات الأعيان، طبعة فستنفلد، رقم 810 (4) الترجمة الإنكليزية لوفيات الأعيان، ترجمة ده سلان جـ 4، سنة 1871 ص 78 وما بعدها، وفيها تعليقات قيمة (5) ياقوت: المعجم طبعة فستنفلد، جـ 1، ص 822 وما بعدها (6) ياقوت: إرشاد الأريب طبعة ماركوليوث، مجموعة كتب التذكارية جـ 6/ 1 ص 254 وما بعدها؛ جـ 6/ 7 ص 286 وما بعدها (7) سركيس: فهرس المطبوعات العربية، ص 625 وما بعدها. [يلستر M. Plessner] التجارة لفظ عربي: وهو مصدر تَجَر. وتَجَر فعل أخذ من الاسم تاجر، وتاجر مثل كثير غيرها من مصطلحات العرب في التجارة كلمة آرامية قديمة مستعارة (انظر اللفظين السريانيين بمعنى تاجر وهما مشتقان من الفعل وأصله بمعنى ثمن أو أجر) استعملت في الجاهلية. وبصرف النظر عن أن الأصل ت ج ر نقل مشتقاته في اللغة العربية بشكل يسترعى الانتباه، فإن كلمة تاجر كانت تدل في أول الأمر على معنى محدود هو "بائع الخمر" وهذا يحملنا على الظن بأنها أعجمية الأصل. ولابد أن التجار الآراميين الأولين الذين اتصل بهم العرب كانوا تجار خمر. وما إن دخلت هذه الكلمة في العربية حتى اتسع مدلولها شيئًا فشيئا وشمل أي تاجر من التجار. وعدم التيقن من الصيغة التي تجمع عليها بينة أخرى على أصلها الأعجمى،

فابن الأثير يورد في كتابة النهاية إلى جانب صيغ الجمع التي تجرى على القواعد وهي تُجّار وتجار صيغة تُجْار (Fraenkel 124 (¬1) Die Araemaischen: Fremdwoerter in Arabischer ص 181 وما بعدها). وليس المقام مقام الحديث عن تاريخ التجارة في بلاد الإسلام، لا سيما أن المدخل الضرورى إلى هذا التأريخ لم يعرض له الكتَاب إلا فيما ندر (انظر على قبيل المثال. Die Renaissance des: Mez Islams، هيدلبرغ سنة 1922 ص 441 وما بعدها). ولسنا بمحاولين وصف ماهيتها عند المسلمين ولا ضروب ممارستهم لها، وإنما سنوجه همنا إلى نظرة الدين الإسلامى إلى التجارة، وكيف عبر الحديث بصفة خاصة عن هذه النظرة، وكذلك كتب الأخلاق. أ- أما أن محمدا [- صلى الله عليه وسلم -]، وهو من طائفة التجار، كان يؤثر التجارة فأمر طبيعى في مدينة يقوم رخاؤها كله على التجارة؛ أو قل أن هذا على الأقل هو ما ينبغي أن نفسر به سورة من أقدم سور العهد المكي الأول، وهي سورة قريش التي نزلت في الأيام التي سبقت نزاع النبي - صلى الله عليه وسلم - مع أشراف مكة "لإيلاف قريش، إيلافهم رحلة الشتاء والصيف، فليعبدوا رب هذا البيت .. (أي الكعبة)، لكن محمدا - صلى الله عليه وسلم - قد رفع حتى في هذا الوقت نفسه صوته محذرًا من الشرور التي بدأت تقترن بالتجارة، فقال: إن التجارة ينبغي أن تكون على مقتضى الشرع والعدل. وقد جاء في سورة المطففين لأويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون" (انظر سورة الرحمن، الآيات من 7 إلى 9، ¬

_ (¬1) ليس فيما قاله كاتب المادة ما يدل أو يشير إلى عجمة الكلمة، بل هي عربية أصيلة، لاستعمال القرآن أصل المادة (تجارة) وليس في القرآن كلمة أعجمية إلا من الأعلام. وهذا هو الصحيح الذي ذهب إليه الإمام الشافعي في كتاب الرسالة (انظره بشرحنا ص 4 - 50) ومطابقة بعض الكمات في الآرامية أو غيرها للحرف العربي أو مقاربتها إياه ليس دليلا على نقل العربي من الأعجمى، فإن أرجح الاحتمالين أن العربية أقدم اللغات السامية (وانظر تعليقنا على مادة (بعلبك) في هذه الدائرة) وأغرب ألوان التشكيك في عربية الكلمة ما اخترعه كاتب المادة عن كثرة جمع كلمة "تاجر" مما سماه هو "عدم التأكد من الصيغة التي تجمع عليها". ومن الواضح البديهى أن أغلب الكلمات العربية يكون لها جمعان أو ثلاثة أو أكثر. أحمد محمد شاكر.

ومن العهد المكي الثالث سورة الأنعام، الآية 152 سورة الأعراف، الآية 85 *). وقد تغيرت نظرة النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك تغيرا معينا يجب أن نرده إلى العهد المكي، ولو أنه ليس في القرآن شواهد على ذلك إلا في سور العهد المدني، إذ تحورت نظرته إلى التجارة. وهو لم يحرمها، وإنما رأى فيها ما قد يعوق المؤمنين عن عبادة الله، ويصرفهم عن الصلاة. ويظهر هذا بأجلى بيان في وصف الصوامع الذي ورد في سورة النور المدنية، الآية 37 "رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يومًا تتقلب فيه القلوب والأبصار". وكان من نتيجة تسلسل هذه الأفكار أن التجارة قد حرمت في السور المدنية تحريمًا باتًا إذا نودى للصلاة من يوم الجمعة. وشاهد ذلك سورة الجمعة، الأيات من 9 إلى 11 "يا أيها الذين آمنوا إذا نودى للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون. فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون. وإذا راوا تجارة أو لهوًا انفضوا إليها وتركوك قائما، قل ما عند الله خير من الله ومن التجارة والله خير الرازقين". (¬1) ومع هذا فإنه يعود في الوقت نفسه إلى التوكيد بأن الآباء والأبناء والإخوان والأزواج والعشيرة والأموال المقترفة والتجارة ليست أحب إلى المؤمنين من الله ورسوله (سورة براءة، الآية 24). وفي هذا العهد المتأخر نزلت أيضًا أحكام القرآن المعروفة في كتابة المواثيق (سورة البقرة، الآية 282 * وما بعدها). ب- وهذه النظرة الموالية بوجه عام للتجارة هي نظرة الحديث أيضًا، وإن كان قد اشتد في ذم الاحتكار والمعاملات الأخرى المنافية للأمانة. والتجارة- في اعتباره- كالعمل اليدوى شرفًا وربحا واكثر منه رزقًا ¬

_ (*) الآيات التي بجوارها. (*) في هذه الصفحة كانت في الأصل 84، 181 وتم ضبطها فيما أثبتناه ونراه صوابا. المحرر (¬1) ورد في الأصل استناد هذا السياق للآية 397 من سورة البقرة وهي غير موجودة أصلا لانتهائها بالآية 286 والأرجح فيما نراه الآية 197 من السورة ذاتها. قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: ونص ما في الأصل جـ 4 صـ 582: {. . . . . قل ما عند الله خير من الله ومن التجارة والله خير الرازقين} ومن جهة أخرى أحل الرسول في أواخر العهد المدني البيع إبان الحج (سورة البقرة، آية 397) اهـ قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: وواضح أن المقصود قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ. . . (198)} [البقرة: 198]

(كنز العمال، جـ 2، رقم 2411، 4228، 4742). وللتاجر الشريف مقام كبير، فقد جاء في الحديث "التاجر الأمين الصدوق المسلم مع الشهداء يوم القيامة" (ابن ماجة: التجارات، باب 1) وهو يدخل الجنة. وقد جاء في حديث آخر أن على التاجر الفاجر أن ينتظر العقاب "يا معشر التجار، إن التجار يبعثون يوم القيامة فجارًا إلا من اتقى الله وبر وصدق" (ابن ماجة: التجارات، باب 3) وهناك حديث آخر من أحاديث الآحاد يشهد بأجلى بيان على تحامل بعض جماعات من الأتقياء على طائفة التجار "قال رسول الله: أن التجار هم الفجار. قيل: يا رسول الله، أو ليس قد أحل الله البيع؟ قال بلى ولكنهم يحدثون فيكذبون ويحلفون ويأثمون" (أحمد بن حنبل، جـ 3، ص 227، 444) ومن جهة أخرى نجد أنهم كانوا يعتبرون أن مما يرضى الله أن يربح المرء من التجارة ليعول أسرته. وفي حديث أورده زيد في مجموع الفقه (طبعة كرفينى Griffini , رقم 539، وانظر رقم 544) "الاكتساب من الحلال جهاد. وإنفاقك إياه على عيالك وأقاربك صدقة. ولدَرهم حلال من تجارة أفضل من عشرة حلال من غيره .. " (¬1). ومن المحمود في التجارة أن تكون سخيًّا مسماحًا، ويجب أن توفى الكيل والميزان. والتجارة مستحبة في البكور على وجه خاص، لأنه يجلب البركة ويدر الربح. وينبغى للإنسان أن يكون حريصًا على تجنب الغش والخداع، فهما مذهبان للبركة التي تحل بالتجارة، وعلى التاجر أن يبين للمشترى عيوب بضاعته "من باع عيبًا لم يبينه لم يزل في مقت الله ولم تزل الملائكة تلعنه" (ابن ماجه: التجارات، باب 45) وإذا وقع التاجر في مثل هذه الذنوب فله أن يكفر عنها بالصدقة. ثم يقال إن النبي قد ذم من يغش البضاعة، وبخاصة الطعام. ويجب أن تكون التجارة بالاتفاق لا بالإكراه. فلا يتفرق المتبايعان عن بيع إلا عن تراض أحمد بن حنبل، جـ 2، ص 936) وإذا اشترى بيع فلا يباع حتى يقبض (هو قبض أو استيفاء. ولا يعني الحديث في هذا الصدد سوى الطعام، ولكن المفسرين يخبروننا أن ¬

_ (¬1) هذا ليس حديثًا بل هو أثر مروى عن علي بن ابى طالب في مسند الإمام زيد المسمى "المجموع الفقهى" (ص 103، طبعة المنار، مصر 1340 هـ). أحمد محمد شاكر.

الطعام اتخذ شاهدًا فقط، والحق أن هناك حديثًا يتكلم عن البيع في صيغة عامة جدًّا أحمد بن حنبل. جـ 3 ص 402]. وإذا تنازع الطرفان المتعاقدان ولم يستطع كلاهما أن يدعم حجته فإما أن يظل البيع صحيحًا ويأخذ بحجة البائع وإما أن يتنازل كلاهما عن الصفقة. وإذا ادعى اثنان الشراء كان أولهما هو المشترى الحقيقي. ولم يذم الحديث بوجه عام بيع النسيئة. ولا تجوز الزيادة أو التعجيل في الدين المؤجل (مالك: البيوع، حديث رقم 81) ومن الجائز أن تأخذ شيئًا في مقابل رهن، وآية ذلك أن النبي اشترى من يهودى طعامًا إلى أجل معلوم وارتهن منه درعًا من حديد. وقد نهى الحديث التجار في كثير من المواضع عن أن يلجاوا للحلف في التدليل على جودة بضاعتهم، فجاء في حديث "الحلف منفقة للسلعة ممحقة للبركة" (البخاري: البيوع، باب 26) وفي حديث آخر أن الآية 71 من سورة آل عمران قد نزلت في هذه المناسبة. على أن هذه الآية ليس لها شأن بالحلف وقت البيع، ولم تنزل في هذه المناسبة وإنما نزلت في شأن دينى محض. وقد نهى الحديث عن بيع كثير من السلع وشرائها. وهذه السلع هي: (1) ما لا يملكه البائع أحمد بن حنبل: جـ 2، 189، 190) (2) طائفة من السلع التي حرم استعمالها أو التي تعتبر نجسة كالخمر والخنزير والكلاب والقطط والأصنام والميتة (والماء، وفي حديث أن الماء من بين أشياء ثلاثة يشترك فيها الكافة، وثمنه حرام (ابن ماجه، الرهون، باب 16). ويشتد الحديث في ذم عادة شائعة في المشرق ألا وهي المماحكة أو المساومة. ولا ينبغي للبائع أن يتزيد على إخوانه. ويذم الحديث أيضًا رفع الأسعار (النَجْش) واحتكار الطعام (احتكار، انظر عن هذا الاصطلاح Fraenkel، كتابه المذكور، ص 189) وكل من احتكر طعامًا ليغليه فهو "خاطئ" (أحمد بن حنبل، جـ 2 ص 351) "من احتكر على المسلمين طعاما ضربه الله بالجذام والإفلاس، (ابن ماجه: التجارات، باب 6)؛ "المحتكر ملعون" (انظر ابن ماجه، نفس الموضع) وفي

أحاديث أخرى "كان حقا على الله أن يقذفه في معظم من النار يوم القيامة" (الطيالسى رقم 928). ويقال من جهة أخرى إن النبي أحجم عن تسعير الطعام في وقت العوز وعد ذلك منافيا للعدل (ابن ماجه: التجارات، باب 27 وما بعده) ونستطيع أن نقول على وجه الإجمال إنه ذم حكرة الطعام بأى وجه. وقد حرم أن تشترى أو تبيع جملة دون تحديد الموازين والمقاييس - (جُزاف).، ولا يجوز أن يعاد بيع الطعام كما اشترى في المكان عينه وإنما ينبغي أن يباع في السوق المخصصة لذلك، ولا يجوز أيضًا الخروج لتلقى القوافل وشراء البضائع. وليس لساكن المدينة أن يبتاع من رجل الصحراء ليبيع في المدينة ثانية بربح. وعلى ذلك فإن السمسار مذموم. ونذكر أخيرا طوائف كاملة من ضروب المعاملات والعادات التي نهى عنها الحديث. 1 - نهى الحديث أولًا عن صفقتين في صفقة واحدة، كان يبيع الرجل البيع فيقول هو بنساء بكذا، وكذا وهو ينقد بكذا وكذا أحمد بن حنبل، جـ 1، ص 398). 2 - بيع العُرْبان: وهو ضرب من البيع يدفع المشترى بمقتضاه عربونا (عربان أو عربون أرّابون باليونانية) يرد إليه إذا لم تتم الصفقة (ومع هذا فإن أحمد بن حنبل يجيز بيع العربون. انظر ابن الأثير: النهاية، مادة عربون). 3 - بيع المزايدة: وهو مباح في حالات ثلاث، إذا كان المرء مملقًا أو مريضا أو غارقا في الدين. 4 - بيع المُزَايَنَة (ويظن أنها أيضًا من أصل آرامى انظر، ص Fraenkel، ص 189) وهو أن تبيع بضاعة من غير وزن أو قياس أو عد بسلعة أخرى، ذات مقاس ووزن وعدد محدود، ومن قبيل ذلك أن تبيع الرطب في رؤوس النخل بقدر معين من التمر أو أن تبيع البذر بقدر معلوم من الطعام. وقد تنبه الحديث إلى أن ما في هذا البيع من مجازفة ومجافاة للواقع ينحصر في أن الثمرة التي لم يتمكن المشترى من تقويمها بعد قد تأتيه بما يزيد أو يقل عن الثمن الذي دفع فيها

(أحمد بن حنبل، جـ 2، ص 64). وهذه القاعدة تنهج إلى تحريم الربا. ولكن هناك حديثًا واحدا استثنى بيع العرايا. وبمقتضاه تيسر للرجل الفقير الذي لا يملك نخلة أن يأتي أسرته بالرطب، وذلك بأن يشترى الثمر في رؤوس النخل بالثمر على أن يقوم. ويرى عدة محدثين أن هذا مقصور على الأحوال التي لا يزيد فيها التمر على خمسة "أوسق"، في حين أن عبد الله بن عمرو بن العاص قد روى حديثًا حرم فيه النبي ذلك أحمد بن حنبل، جـ 2، ص 183) (¬1). 5 - بيع المعاومة: هو أن تبتاع عاجلا تمر نخل سنتين أو ثلاث سنين، وهو بيع أشياء لا وجود لها وقت عقد الصفقة. 6 - بيع المُنَابَذَة: وهو أن يعقد الطرفان البيع من غير نقض ويتبادلا البضائع دون أن يرياها أو يعايناها من قبل. وهناك ضرب آخر من ضروب هذه المعاملة وهو بيع الحصَاة (انظر ابن الأثير: النهاية، تحت هذه المادة) أو بيع القاء الحجر (أحمد بن حنبل، جـ 3، 59، 68، 71) وهو أن يرمز إلى إتمام الصفقة بتسليم حجر صغير بدل البضائع (المطرزى: المغرب، مادة نبذ). 7 - بيع الملامسة: وتبرم هذه الصفقة دون أن تنظر البضائع أو تعاين من قبل، ويكتفى بلمس البضائع المغطاة باليد. 8 - بيع الغَررَ: وقد ساق الحديث شواهد كثيرة عن هذا الضرب من المعاملة، ومن قبيل ذلك ما في ضروع الأنعام والعبد الآبق والمغانم قبل أن تقسم والسمك في الماء .. إلخ. (انظر على التمثيل أحمد بن حنبل جـ 1، 302، 388؛ جـ 3، 42). وأكثر الشواهد شيوعا هو تلك الحالة الشديدة التعقيد المعروفة ببيع حبل الحبلة، وهو أن تبيع الناقة الحبلى للذبح مع اعتبار أنها قد تلد أنثى وهذه تلد بدورها صغارا. ¬

_ (¬1) ليس في الحديث شيء في النهي عن بيع العرايا. والحديث الذي يشير إليه كاتب المادة في المسند (عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع العربان) وهو البيع الذي أشير إليه فيما مضى برقم 2 ولكن كلمة (العربان) وقع فيه خطأ مطبعى في المسند فكتبت (العربات) ظن كاتب المادة أنها جمع (عربة) وهو ظن خاطئ، وصوابه ما قلناه. والحديث في الموطأ (جـ 2 ص 118) بلفظ (العريان). أحمد محمد شاكر.

وقد ذم الحديث كل هذه الصفقات لما فيها من عامل المجازفة. أما عن الصَرْف وتحريم الربا. وكل هذه الصفقات واردة في مجموعات الحديث القديمة. وقد تضمنت مجموعات الأحاديث المتأخرة طائفة أكبر من هذه الصفقات، وأسهبت في تفصيلها إسهابا كبيرا. ومن قبيل ذلك كتاب "كنز العمال" (انظر Ritter في Isi، جـ 7، سنة 1917، ص 28 وما بعدها، حيث قد ترجم طائفة من هذه الأحاديث). ج- وفي مأثور القرون الثلاثة الأولى أن المعاملة تقتضي من التاجر أن يكون شريفا بادى النية يعامل صاحبه معاملته لأخيه، ، وأن يتورع عن غشه بجميع الوسائل. ولهذا فقد ذم الحديث المعاملة التي تنطوى على أي عامل من عوامل المجازفة أو التي للصدفة فيها أي شأن دفعا للضر أن يلحق بأحد. وقد وجدت هذه المبادئ الأساسية لآداب التجارة عند المسلمين من يعبر عنها من القدماء في شخص الغزالى (إحياء علوم الدين، القاهرة سنة 1326 هـ، جـ 2، ص 48 وما بعدها) فهو يقول إن على المرء أن يسعى في طلب الرزق والآخرة مقصده. وتحصيل المعاش مجلب للسعادة في نظره، لأن الدنيا مزرعة للآخرة. ولكنه لا يعتبر أن التجارة أفضل مطلقا من أي وسيلة أخرى من وسائل كسب المعاش. وقد قال: "لكن التجارة إما أن تطلب بها الكفاية أو الثروة والزيادة على الكفاية". وهو يذم الاستكثار من المال لا ليصرف إلى الخيرات والصداقات. وطلب التاجر الزيادة كفاية لنفسه وأولاده أفضل على كل حال من السؤال. وترك الكسب أفضل لأربعة: العابد والصوفى والعالم والمشتغل بمصالح المسلمين. ثم يأخذ الغزالى في بسط آرائه في آداب التجارة. ولا يسمح المقام هنا إلا بإجمال ما قاله. وقد تجرى المعاملة على وجه صحيح لا ينافى الشرع، ولكنها تشتمل على ما يعيب الآخرين ويضرهم، إذ ليس كل نهى يقتضي فساد العقد. ثم يقسم الغزالى ذلك قسمين: ما يعم ضرره، وما يخص المعامل، ويلحق بالنوع الأول احتكار الطعام وبخاصة الحنطة ثم ترويج الزيف من الدراهم

في أثناء النقد. وعلى التاجر أن يعلم أن في الزيف أمورًا: الأول أنه إذا رد عليه شيء منه فينبغى أن يطرحه في بئر، الثاني أنه يجب على التاجر تعلم النقد المستعمل في بلده، الثالث أنه إن أسلم وعرف المعامل أنه زيف لا يخرج عن الإثم لأنه ليس يأخذه إلا ليروجه على غيره، الرابع أن يأخذ الزيف ليدين أحدا بالفضل فلا يدخل في البركة التي يجلبها الشعور الطيب في التجارة، إلا إن عزم على طرحه في بئر. ثم يتحدث الغزالى عما يستضر به المعامل في المعاملة، وإنما الضابط الكلى في التجارة أن لا يضر المرء بأخيه المسلم وأن لا يحب لأخيه إلا ما يحب لنفسه، ولهذا ينبغي للبائع (1): ترك الثناء على السلعة وتوكيد أقواله بالحلف. وليس له إلا أن يثنى على السلعة بما فيها مما لا يعرفه المشترى ما لم يذكره، كما يصفه من أخلاق العبيد والجوارى مثلًا (2) أن يظهر جميع عيوب المبيع، ولا ينبغي له مثلًا أن يظهر الجوانب الحسنة من السلعة أو يعرضها في المواضع المظلمة إلخ. لأن التاجر إن فعل ذلك كان غاشا تاركا للنصح في المعاملة الذي يجب عليه أن يبذله لأخيه، وعلى التاجر أن يعتقد بأمرين: الأول أن تلبيسه العيوب وترويجه السلع لا يزيد في رزقه بل يمحقه ويذهب ببركته، والثاني أن ربح الآخرة وغناها خير من ربح الدنيا، وإن فوائد أموال الدنيا تنقضى بانقضاء العمر وتبقى مظالمها وأوزارها (3) أن يوفى الكيل والميزان (4) أن يصدق في سعر الوقت. ثم تكلم الغزالى عن الإحسان في المعاملة وآداب التجارة، ومن أمثلة هذا الإحسان فعل ما ينتفع به المعامل وهو غير واجب عليه. وتنال رتبة الإحسان بواحد من ستة أمور: الأول إذا امتنع البائع عن قبول ما يبذله المشترى زيادة على الربح المعتاد؛ الثاني أن يرضى المشترى بالغبن إذا كان البائع فقيرا، الثالث في استيفاء الثمن وسائر الديون والإحسان فيه مرة بحط البعض ومرة بالإمهال والتأخير، الرابع في توفية الدين. ومن الإحسان فيه أن يمشى إلى صاحب الحق ولا يكلفه أن يمشى إليه يتقاضاه " الخامس أن يقبل راغبا عن البيع بعد إتمام الصفقة،

السادس أن يقصد في معاملة جماعة الفقراء بالنسيئة وهو في الحال عازم على أن لا يطالبهم أن لم تظهر لهم ميسرة، أو إنه لا يثبت اسم الفقير في دفتر للحساب أصلا وإنما يقول له خذ ما تريد فإن يسر لك فاقض وإلا فأنت في حل منه وسعة. وينبغى للتاجر ألا يشغله سعيه للربح عن الشفقة على دينه ونفسه، وإنما يتم ذلك بمراعاة سبعة أمور: الأول حسن النية والعقيدة في ابتداء التجارة، الثاني: أن يقصد القيام في تجارته بفرض من فروض الكفايات، فإن التجارات بعض من انتظام أمر الكل بتعاون الكل وتكفل كل فريق بعمل؛ الثالث أن لا يمنعه سوق الدنيا عن سوق الآخرة، أي عن أن يؤم المساجد ويؤدى الصلاة، الرابع أن يذكر الله إذا ما دخل السوق وأن يشتغل بالتسبيح وهو فيه؛ الخامس: أن لا يكون شديد الحرص على السوق والتجارة وذلك بأن يكون أول داخل وآخر خارج وبان يركب البحر في التجارة فهما مكروهان، السادس: أن لا يقتصر على اجتناب الحرام بل يتقى مواقع الشبهات ومظان الريب، وإذا حملت إليه سلعة سأل عن أصلها، ويجب عليه أن ينظر إلى من يعامله فكل منسوب إلى ظلم أو خيانة أو سرقة أو ربا فلا يعامله؛ السابع: ينبغي أن يراقب جميع مجارى معاملته مع كل واحد من معامليه فإنه مراقب ومحاسب، فليعد الجواب ليوم الحساب والعقاب في كل فعلة وقولة. ويذهب الغزالى إلى أن السوق ساحة جهاد التاجر يجاهد فيها نفسه في معاملته لإخوانه. والتجارة في نظره ذريعة إلى المعاد ومدرجة إلى الآخرة، ولذلك فهو ينبذ مثل الزهاد الأعلى الذي يقضى بأن يفر الإنسان الفانى من العالم فراره من الكفاح. وهناك آراء مماثلة لهذا في كتب الأخلاق والأداب لكنها لا تبلغ دائما ما بلغته آراء الغزالى من سمو القيمة الأخلاقية، ومثال ذلك أن تاج الدين السبكي صاحب طبقات الشافعية المتوفى عام 771 هـ (1370 م) قد تحدث عن التاجر في فقرات عديدة من كتابه "معيد النعم" ولا شك أنه تناول في هذه الفقرات الأحوال التي تعتبر شواهد على عصره، وعلى هذا فإنه

ينبغي للورّاق أن يؤثر إعطاء الورق لأولئك الذين يبتاعونه من أجل تحضير كتب العلم، ويجب عليه من جهة أخرى ألا يبيعه لأولئك الذين يشتبه في أنهم سيستخدمونه في تحضير الكتب المارقة من الدين أو الصكوك المزيفة أو في زيادة الضرائب إلخ (طبعة ميهرمان Myhrmann، لندن سنة 1908، ص 188، ترجمة رشر Rescher، الآستانة عام 1925، ص 138) وليس للوراق أن يبيع كتب الدين إلى الذين يتلفونها أو ينقدونها ولا ينبغي له أن يتاجر بكتب المارقين أو أصحاب النجوم ولا بالمؤلفات الخرافية كسيرة عنتر. كما أنه يجب عليه ألا يبيع نسخ القرآن أو كتب الحديث والفقه للكفار (وعلى هذا ينظر كتاب الأم للشافعي، جـ 4، ص 49، و Fremdenrecht: Heffening، ص 49، تعليق 5 حيث يجب أن تحذف كلمة " keine" السابقة لـ " hanaf. Werke" وأخيرا يجب على الذي يتجر في الأراضي أن يحترز من بيع الأعيان الموقوفة (طبعة Myhrmann ص 205، ترجمة رشر، ص 150 وما بعدها). د- وهناك خلال يزيد نصيبها من الأثرة حبذها الكتاب الذي نشره وترجمه رتر Ritter وهو "كتاب الإشارة إلى محاسن التجارة" لأبي الفضل جعفر بن علي الدمشقي الذي عاش في القرنين الخامس والسادس الهجريين الموافقين للقرنين الحادي عشر والثاني عشر الميلاديين. وهذا الكتاب مقسم قسمين أحدهما خاص بالتاجر، والآخر خاص ببضاعته، وقد كتب في موضوع السلع مؤلفات أخرى كثيرة بعضها قائم بذاته وبعضها داخل في المطولات الإسلامية المشهورة التي يمكن الرجوع في شأنها إلى رشر (كتابه المذكور، ص 17 وما بعدها)، والذي يعنينا في هذا المقام بوجه خاص هو الأقسام الخاصة بالتاجر؛ وقد ميز الدمشقي بين أصناف التجار فذكر أولًا الخزّان أي تاجر الجملة وهو الذي يحاول أن يشترى بضاعته في أشد الظروف ملاءمة كى يبيعها عندما تندر ويرتفع ثمنها، ولذلك فهو أحوج الناس إلى تقديم المعرفة بأحوال البضائع في أماكنها وبلادها وانقطاع الطريق أو أمنها، وذلك باستطلاع الأخبار حتى لا

تفوته خير الأوقات للشراء والبيع، ويجب على الخزان إذا استقر في نفسه أن يشترى بضاعة بنقد كثير أن يختصر ويقسم هذا الشراء فيجعله في أربع دفعات، وبين كل شرية إلى الأخرى خمسة عشر يوما، وبذلك يتجنب الخسارة التي تنجم من تغير فجائى في السعر أو من أي حادث آخر لم يكن في الحسبان. ومما يجب عليه تأمله أحوال السلطان الذي هو في كنفه وهل هو عادل قوى أم عادل ضعيف أو جائر، والصنف الثاني هو الركاض أي التاجر المتجول، ويجب عليه أن ينظر فيما يبتاعه فيحتاط فيه، إذ ربما تأخر مسيره إلى البلد الذي يقصده أو يظل لإحدى العوائق كخوف الطريق، فيقاسى بيعه في البلد الذي اشترى فيه ويتحمل خسائر كبيرة، ثم يستحب له أن يستصحب معه رقعة بأسعار جميع البضائع في البلد الذي يريد العودة إليه مما يجلب من تلك الجهة، وأن يعرف المكوس وإلا فقد ضيع ربحه قبل أن يشترى من بلد غريب عن بلده. ويجب عليه أيضًا إذا دخل بلدة لم يعرفها أن يكون قد تقصى عن الوكيل المأمون والموضع الحريز. والصنف الثالث من التجار هو المجهز أي التاجر المصدر، ولا يفوتنا في هذا المقام أن نتكلم عن الوكالات. ويجب على المجهز أن ينصب له في الموضع الذي يجهز إليه وكيلا مأمونًا يقبض البضائع التي يصدرها إليه، ثم لا ينفذ بضاعة إلا مع الأصحاب الثقات الذين يرعونها، ويتولى هذا القابض بيعها وشراء الأعواض عنها وله حصة في الربح. ولم يكتف الدمشقي بما بذله للتاجر زيادة على ذلك من نصائح كثيرة وما أوصاه به من التحرز من المبرطخين والممخرقين المموهين والمنمنمين، بل إنه يناقش مسائل الاقتصاد النظرية كتحديد أسعار السوق ومتوسط السعر، وهو أمر يتطلب من التاجر أن يكون على علم تام به، ولم يبحث بعد إلى أي حد تتصل كل هذه الأمور بنظرات القدماء في الاقتصاد. وقد أدلى ابن خلدون برأيه في عبارات مماثلة لهذه وذلك في الفصول التي خص بها التجارة من مقدمته (القاهرة سنة 1317 هـ، ص 441؛ وقد

ترجمت هذه الفصول في Notices et Ex- traits des Manuscrits de la Bibliotheque du Roi، جـ 20، سنة 1865، ص 348 وما بعدها)، وهو يصنف ملاحظاته ويضعها تحت عنوانى الخزّان والرَكّاض ويغفل المجهز، ويصف التجارة بأنها محاولة الكسب بتنمية المال لشراء السلع بالرخص وبيعها بالغلاء، ويتوسل التاجر في ذلك إما بأن يختزن السلعة ويتحين لها تحول الأسواق من الرخص إلى الغلاء، وإما بأن ينقلها إلى بلد آخر تنفق فيه تلك السلعة أكثر من البلد الذي اشتراها فيه. ورأى ابن خلدون في التجارة مهم على الجملة، وآية ذلك أن التجارة تقتضي من التاجر أن يكون كيِّسا يأخذ عملاءه بالمماحكة والدهاء، وبكل عوارض هذه الحرفة التي تؤثر في شعوره بالشرف والعدل وتحط من أخلاقه. والتاجر الصغير هو الذي يخضع سريعا لهذه المؤثرات، لأنه مضطر إلى معاملة زبائنه طول النهار. والأمر على عكس هذا بالنسبة للتاجر الذي أثرى بفعل بعض الظروف المواتية فأكسبه ثراؤه جاها ومقاما، وهو بذلك يبعد عن تلك الخلة بالبعد عن الأفعال المقتضية لها ويترك ممارسة المعاملة لوكلائه. وما عليه إلا أن يشرف على أحوالهم ويوجههم توجيها عاما. والسؤال الذي أثرناه في مستهل هذه المادة عن نظر الإسلام إلى التجارة هو أحد وجوه هذه المسألة التي تتناول احتمالات تطور البلاد الإسلامية تطورا اقتصاديًا، وقد درست هذه المسألة عدة مرات في السنوات القريبة. وكان من المنكور إلى ما قبيل الحرب العظمى أنه في الإمكان حدوث هذا التطور، وما زال هذا الإنكار شائعا في أوساط المبعوثين، وبارتولد W. Barthold أول من بين أن هذا الرأى لا يصمد للأسانيد التاريخية، وذلك في مقاله الذي قدم به مجلة Mir Islama، وقد اهتدى بيكر C. H. Becket ويونك E. Junge ثم من بعدهم بول Alfred Buhl بما جاء في دراسات ماكس وبر Max Weber الاجتماعية والدينية وعالجوا هذه المسألة فانتهوا إلى أن الإسلام لم يقف قط موقفا معاديًا من التطور الاقتصادى، ولكن المشارقة يذهبون في التفكير في المسائل الاقتصادية مذهبا

يخالف مذهب الغربيين أشد المخالفة، ومرجع هذا إلى الظروف الخاصة التي تكتنف الحياة في المشرق، وبخاصة الصفات المعينة التي تتصف بها أجناسه والمناخ الجاف الذي يسود جميع بلاده، أضف إلى هذا ما لمسألة التزود بالماء من شأن خطير. وقد وثقت كل هذه الظروف الرباط بين الفرد والجماعة، فأصبح السائد هو التعاون لا التنافس. ونستطيع أن نتبين من هذه الظروف القاعدة الأساسية التي تقوم عليها آداب التجارة عند المسلمين وأن نفهم لماذا يجب على التاجر أن يعامل عملاءه معاملته لأخوته. ولا يقتصر الأمر على شعور الفرد شعورا واضحًا بأنه عضو في جماعته، بل يضاف إلى هذا الدين الذي هو المصدر الذي يستهديه المسلم في كل معاملاته. وينبغى أن تخضع المعاملة نفسها لأحكام هذا الدين. ولا يكون لها وضع خاص وآداب تنفرد بها. وعلى الرغم من كل هذا فإنه في مقدور المسلمين أن يصطنعوا الوسائل الحديثة في المعاملة. وقد أظهر الإسلام في الماضي مسايرة للظروف وقدرة على التطور. وأخذت عدة بلاد إسلامية تسير في الوقت الحالى في سبيل إصلاح كل ما سبق لها أن أهملته في مختلف المناحى. وهناك شخصيات تعد بمثابة معالم في طريق هذا التقدم. مثل ضياء كوك ألب ومحمد عبده. المصادر: نزيد على المصادر التي ذكرناها في صلب المادة ما يلي: (1) أبواب البيوع أو التجارات في كتب الحديث. (2) المصادر التي أورده Wensinck في A. Handbook of Early Muhammedan Tradition,، ليدن سنة 1927 مادة Barter (3) Ein Arabisches Handbuch: Ritter der Handelswussenschaft في Isi.، جـ 17، سنة 1917، ص 1 وما بعدها (4) ترجمة مقال بارتولد إلى الألمانية في Die Welt des Islams؛ جـ 1، سنة 1913، ص 138 وما بعدها. (5) Islam und Wirtschaft: C.H.Becker في Archiv. f. Wirtschaft sforschung in Orient، جـ 1، سنة 1916، ص 66 وما بعدها [= Islamstudien، جـ 1، سنة 1924 ص 54 ما بعدها]

التجانية

(6) Das Wirtschaftsproblem R. Junge des naeheren Orients Archiv. f. Wirts- chafsfarschungenim Orient، جـ 1، سنة 1916، ص 1 وما بعدها. (7) Das Problem der Eu-: R. Junge ropaeisierung Orientalischer Wirtschaft فيمار 1915، ص 108 وما بعدها، 260 وما بعدها وهو يتكلم عن التركستان الروسية. (8) Vom Wirtschaftsgelst: Allfred Buehl im Orient، ليبسك سنة 1925، وهو يتحدث عن الجزائر. (9) Die Krisis der Islam: R. Hartmann ليبسك سنة 1928 (= Morgenland, الجزء 15). [هفننك Heffening] . التجانية (وترد أيضًا صيغتا التِجّانى والتجيى): وهي اسم طريقة صوفية أنشاها أبو العباس أحمد بن محمد بن المختار بن سالم التجانى (1150 - 1230 هـ = 1737 - 1815 م) 1 - ترجمة منشئ الطريقة: ولد في عين ماضى، وهي قرية على مسيرة 72 كيلو مترًا غربي الأغواط و 28 كيلو مترًا شرق تهموت وهو من أولاد سيدى شيخ محمد، وقد مات أبواه بطاعون عام 1166 هـ (1753 م). وتلقى التجانى علومه الأولى في مسقط رأسه ثم رحل إلى أبيض وأقام فيها خمس سنين. وفي عام 1181 هـ (1768 م) رحل إلى تلمسان ثم إلى مكة والمدينة عام 1186 هـ (1773 م) ومنها إلى القاهرة، وقد أخذ في هذه البلاد على عدد من الشيوخ وأنشأ في القاهرة- بمشورة رجل يدعى محمودا الكردى - طريقة صوفية جديدة، بعد أن كان قد انخرط في القادرية والطيبية والخلوتية. وتعتبر طريقته فرعًا من الخلوتية. ثم عاد إلى بلاد المغرب وزار فاس وللمسان ومنها إلى بوسمغون في الصحراء عام 1196 هـ (1882 م) وهي واحة جنوبي كريفيل " Greyville" حيث اعتقد أنه مبعوث النبي في الدعوة إلى طريقته. وأشار عليه تلميذه على حرازم أن يعود إلى فاس فجاءها عام 1213 هـ (1798 م) وأعطى القصر

المعروف بحوش المرايات. وقضى الشطر الأكبر من حياته في الرحلة لتنظيم شئون طريقته، وظلت مدينة فاس مقره الرئيسى حتى وفاته ودفن بزاويته فيها. 2 - مذاهب أصحاب الطريقة ورياضاتهم: يسمى أصحاب الطريقة بالأحباب وقد حرم عليهم الانخراط في طريقة أخرى؛ ويقوم الذكر عندهم عادة على ترديد عبارات بعينها (مائة مرة في العادة) في أوقات معينة من اليوم. وقد ترجم هذه العبارات ديبون Depont وكوبولانى Coppoani (ص 417). 3 - تاريخ الطريقة: ولما مات منشئ الطريقة عام 1230 هـ ترك ابنيه محمدًا الكبير ومحمدًا الصغير في كفالة محمود بن أحمد التونسى، وقد خلفه في الوصاية عليهما الحاج علي بن عيسى شيخ زاوية تجانية في تماسين الذي رشحه منشئ الطريقة شيخًا لها، ولما احتل الأمير الجديد يزيد بن إبراهيم قصر أبيهما في فاس أخذهما الحاج علي بن عيسى إلى عين ماضى، وتركهما مدة من الزمن يشرفان على الزاوية فيها، وعاد إلى تماسين. ويلوح أنه قد حدث خلاف بين أتباع الطريقة وأن هذا الخلاف ظهر في حياة منشئها الأول نفسه. فقد طرد الذين عرفوا بالتجاجنة من عين ماضى. وفي عام 1325 هـ (1820 م) طلب هؤلاء مساعدة حسن باى وهران فحاصر عين ماضى ولكنه أغرى بمبلغ كبير من المال وفشل فيما حاول من هجوم، فارتد عن القرية، وبعد ذلك بعامين هاجم باى تيترى، عين ماضى بلا جدوى. وقد شجعت هذه المحاولات ابنى منشئ الطريقة على مهاجمة الترك في مسكرة، ولكنهما فشلا في عام 1241 هـ (1826 م) و 1242 هـ (1827 م) وقتل في هذه المحاولة الأخيرة محمد الكبير وشرع محمد الصغير- الذي كان يتولى بمفرده شئون عين ماضى- في الدعوة إلى الطريقة، وخاصة في الصحراء والسودان بإرشاد علي بن عيسى الذي بقى في تماسين، وكللت هذه الجهود بالنجاح؛ وعلى الرغم من أن قوة الجماعة وثروتها كانتا في ازدياد إلا أن كلا من على ومحمد لم يجسرا على القيام بأى محاولة حربية، ومن ثم

رفض التجانية المعونة التي طلبها منهم المقدم الدركاوى للجهاد عقب الفتح الفرنسى للجزائر. وفي عام 1251 - 1252 هـ (1836 م) حاول الأمير عبد القادر- الذي كان يرمى إلى طرد الفرنسيين- أن يضم التجانية إليه، ولكن شيخ التجانية آثر أن يحيا حياة دينية وادعة. واستمرت المراسلة بينهما زمنا طويلًا في غير طائل، فتقدم الأمير عام 1254 هـ - (1838 م) على رأس جيش إلى أسوار عين ماضى وطلب التسليم من شيخ التجانية فأبى. وعلى الرغم من التفاوت في العدد بين القوتين استمر شيخ التجانية في المقاومة ثمانية أشهر. وقام الأمير بعدة حملات لإخضاع عين ماضى منيت بالفشل لدهاء الشيخ وأصحاب مشورته. ولما رأى التجانى أن المكان لا يقوى على المقاومة طويلا لجأ إلى الأغواط. ذاعت شهرة الطريقة لطول ما أبداه أفرادها من المقاومة. وفي العام التالي (سنة 1840) قدم التجانى مساعدته المادية والمعنوية إلى المارشال فاليه ضد الأمير عبد القادر. وسكت كذلك علي بن عيسى- الذي ظل في تماسين- عن مناهضة الفرنسيين، وبموته عام 1844 م تركت مقاليد الطريقة لابن منشئها الباقي على قيد الحياة الذي توفى 1853، وخلفه محمد العائد حفيد علي بن عيسى. ومات محمد العائد ثالث شيوخ الطريقة عن ولدين صغيرين هما أحمد والبشير، فكفلهما رجل يدعى ريان المشرى الذي أراد فصل زاوية عين ماضى عن تماسين، مما أدى إلى الشقاق بين الزاويتين وإن لم ينته إلى قطيعة حاسمة. وفي عام 1869 م اتهم الولدان بعدم موالاة الفرنسيين، فقبض عليهما وأرسلا إلى الجزائر. بيد أنهما نجحا في مهادنة السلطات الفرنسية، ومنذ ذلك الحين احتفظ شيوخ الطريقة بصداقة الفرنسيين. 4 - انتشار الطريقة: وعلى الرغم من أن دعاة الطريقة أيام ازدهارها وجدوا تربة صالحة في مصر وجزيرة العرب وبعض أجزاء آسية فإن التوسع الحقيقي كان في إفريقية الفرنسية.

ولقد زار محمد الحافظ بن مختار بن الحبيب الملقب بالبَدَّى منشئ الطريقة في فاس حوالي عام 1780 م، وتلقى منه الأمر بنشر الدعوة بين البدو المقيمين في الجنوب الأقصى من مراكش، وفي عودته إلى بلدته عن طريق شنقيط وتجكجة قام بدعوة ناشطة جدًّا للتجانية، حتى إذا كان عام 1830 - وكانت وفاته حول هذا التاريخ - أطمأن باله بانضمام قبيلة (إداة أو على" بأسرها إلى الطريقة (: Paul Marty Revue du Monde Musulman العدد 31، ص 239). وكثر دخول الناس فيها أيام خلفه المتوفى عام 1807 م، وكان أفراد الطريقة يقومون بفريضة الحج إلى مكة لا يردهم عنها عائق، وأضافوا زيارة إلى فاس لزيارة قبر المنشئ، وكانوا يقومون بذلك عادة قبل توجههم إلى مكة. وانتشرت الطريقة في غيانة الفرنسية على يد الحاج عمر بعد عودته من مكة الي دنكيراى التي أصبحت من أهم المدن المقدسة في هذه المنطقة. وحلت عقائد التجانية محل القادرية حيثما تكون. (المصدر المذكور: العدد 36، ص 202). 5 - مصنفات الطريقة: وأهم كتاب يجمع مذاهبهم ورياضاتهم هو "جواهر المعاني وبلوغ الأمانى في فيض الشيخ التجانى المعروف كذلك بالكُنَاش" (القاهرة عام 1345 هـ) ويقال إن هذا المصنف من إملاء منشئ الطريقة على حَرازم وهو أهم مرجع عن سيرته. وقد أحصى دييون وكوبولانى المصنفات الأخرى وكذلك فعل ليفى يروفنسال (Levi Provencal: Les Historiens de chorfa، باريس سنة 1922، ص 377). وهناك معجم يضم أعيان الطريقة عنوانه "كشف الحجاب عن من تلقى مع التجانى من الأصحاب" صنفه أبو العباس أحمد بن أحمد العياشى سكيرج، (فاس سنة 1325، 1332 هـ) المصادر: (1). Revue Afric عام 1861، 1864 (المواد التي كتبها أرنود (Arnaud (2) Marabouts et Khouan: L. Rinn ص 416 - 451

التجنيس

(3) Confreries: Depont et Coppolani ص 413 - 441 (4) L'Abbe Rouquette: Les Societes Secretes chez les Musulmans سنة 1899، ص 311 - 372 (5) P.Marty: في R. M.M (المذكور آنفًا) (6) Histoire Generale: Henri Garrot de l'Algerie الجزائر سنة 1910. [مركوليوث D. S . Margoliouth] التجنيس أو الجناس: كلمة عربية (Paronomasia) هي اصطلاح بلاغى في البديع يقوم على المحسنات اللفظية بأن يؤتى في الجملة الواحدة بكلمتين تتشابهان أو تكادان تتشابهان في اللفظ وتختلفان في المعنى مثال ذلك العبارة اللاتينية: Amantes sunt Amentes. (1) والجناس التام هو أن تتفق الكلمتان في أنواع الحروف وأعدادها وهيئاتها وترتيبها "أ" فإن كان من نوع واحد كإسمين أو فعلين أو حرفين سمى "مماثلا" نحو قوله تعالى "ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة .. " سورة الروم الآية 55. "ب" وإن كانا من نوعين كاسم وفعل، أو اسم وحرف، أو فعل وحرف، سمى سمستوفى" نحو قول أبي تمام: من مات من حدث الزمان فإنه ... يحيا لدى يحيى بن عبد الله (أبو تمام، الديوان، بيروت سنة 1905، ص 341) (2) فإن كان أحد لفظيه مركبًا والآخر بسيطًا سمى "جناس التركيب". "أ" ثم أن اتفق اللفظان المركب والبسيط في الخط سمى الجناس متشابها كقول أبي الفتح البستى: إذ ملك لم يكن ذا هبه ... فدعه فدولته ذاهبه "ب " وإن اختلفا سمى "مفروقا" كقول أبي الفتح أيضًا: كلكم قد أخذ الجا ... م ولا جام لنا

ما الذي ضر مدير الـ ... جام لو جاملنا 2 - (1) وإن اختلف اللفظان في هيئات الحروف سمى "محرفا" لانحراف كل منهما عن الآخر كالبرد والبرد في قولهم جُبَّة البرد وجَنة البرد وكمُفرط ومفّرط في قولك "الجاهل (¬1) أما مُفرط أو مفرّط " ويلاحظ أنه لم يلتفت إلى التشديد، كقولهم "البدعة شرك الشرك". (2) وإن اختلف اللفظان في أعداد الحروف فقط بأن زاد أحدهما عن الآخر حرفا أو حرفين سمى الجناس "ناقصا". "أ" وهو أما بزيادة حرف واحد في الأول كقوله تعالى: "والتفت الساق بالساق. إلى ربك يومئذ المساق" (سورة القيامة، آية 29، 30). "ب" أو بزيادة حرف في الوسط كقولهم "جدى جهدى". "جـ" أو بزيادة حرف في الآخر كقول أبي تمام: يمدون من أيد عواص عواصم ... تصول بأسياف قواض قواضب قد يسمى هذا بالجناس المطرف. "د" وقد يختلفان بزيادة أكثر من حرف في أحدهما كقول الخنساء. أن البكاء هو الشفا ... ء من الجوى بين الجوانح (ديوان الخنساء طبعة بيروت سنة 1896، ص 25) وربما سمى هذا الضرب " مذيلا". 3 - وإن اختلف اللفظان في أنواع الحروف اشترط ألا يقع الاختلاف بأكثر من حرف. (1) ثم الحرفان المختلفان إن كانا متقاربين سمى الجناس "مضارعا" وهو على ثلاثة أوجه: "أ" أن يكون الحرفان المختلفان في الأول كقول الحريرى "بينى وبين كنى ليل دامس وطريق طامس" (مقامات الحريرى طبعة ده ساسى، المقامة 16، 185). "ب" أو يكونان في الوسط كقوله تعالى "وهم ينهون عنه وينأون عنه .. " (سورة الأنعام، آية 26). ¬

_ (¬1) في الإيضاح للقزوينى، جـ 2، ص 69 طبعة القاهرة: "الجهول" بدلا من "الجاهل".

"جـ " أو أن يكونا في الآخر كقول النبي [- صلى الله عليه وسلم -] "الخيل معقود في نواصيها الخير .. " (هذا الحديث في البخاري والترمذي والنسائي وابن ماجه). (2) وإن كانا غير متقاربين سمى الجناس "لاحقًا" وله ثلاثة أنواع: (أ) أن يكونا في الأول كقوله تعالى "ويل لكل همزة لمزة" (سورة الهمزة، آية 1). "ب " أو في الوسط كقول البحترى (ديوانه، طبعة القاهرة، عام 1911، جـ 2، ص 108): لست عن ثروة بلغت مداها ... غير أنى امرؤ كفانى كفافى "جـ" أو في الآخر كقوله تعالى "وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف. " (سورة النساء، آية 83). 4 - وإن اختلف اللفظان في ترتيب الحروف سمى لأجناس القلب " كقولهم "حسامه فتح لأوليائه حتف لأعدائه". وهو ضربان: (1) قلب الكل إذا كان الاختلاف في ترتيب جميع الحروف، كما جاء في الخبر "اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا". (2) وقلب البعض عندما يكون الاختلاف مقصورًا على ترتيب بعض الحروف، فإن وقع أحد المتجانسين جناس القلب في أول البيت والآخر في آخره سمى "مقلوبا مجنحًا" كقول بعضهم: "لاح أنوار الهدى من كفه في كل حال". 5 - وإذا ولى أحد المتجانسين الآخر سمى الجناس مزدوجًا ومكررًا ومرددًا كقوله تعالى "وجئتك من سبأ بنبأ يقين" (سورة النمل، آية 22). 7 - وللجناس شرطان: (1) أن يجمع اللفظين الاشتقاق كقوله تعالى "فأقم وجهك للدين القيم " (سورة الروم، آية 43) فاللفظان "أقم" "القيم" مشتقان من قام يقوم. (2) أو يجمعهما المشابهة وهي ما يشبه الاشتقاق وليس به، كقوله تعالى "قال إني لعملكم من القالين" (سورة الشعراء، آية 168) فـ "قال" و"قالين" لا يجمعهما اشتقاق واحد. وقد أنشا أبو الفتح البستى "التجنيس الأنيس البديع التأسيس" وهو مجموعة حكم أو جمل تحوى

ألفاظا متشابهة أو تكاد، ولكنها تختلف في المعنى، وقد أورد فقرات منها طاشكيرى زادة في مصنفه "مفتاح السعادة" (جـ 2، ص 229). المصادر: (1) محمد علي بن علي التهانوى: كشاف اصطلاحات الفنون، الآستانة سنة 1317، ص 248. (2) فخر الدين محمد بن عمر الرازي: نهاية الإيجاز في دراية الإعجاز، القاهرة سنة 1317 هـ، ص 28. (3) صلاح الدين الصفدى: جنان الجناس، الآستانة سنة 1299 هـ. (4) الجرجانى: التعريفات، الآستانة، ص 35. (5) الشربشى: شرح المقامات، بولاق سنة 1300 هـ، جـ 1، ص 369 (6) أبو الفتح نصر الله بن محمد بن عبد الكريم الموصلى: المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر، القاهرة، سنة 1312 هـ، ص 98. (7) أبو هلال الحسن بن عبد الله العسكرى: كتاب الصناعتين، الأستانة سنة 1320 هـ، ص 249. (8) يحيى بن حمزة بن علي بن إبراهيم العلوى اليمنى. كتاب الطراز، القاهرة سنة 1332 هـ، جـ 2، ص 355. (9) أبو يعقوب يوسف السكاكى: ملتاع العلوم، القاهرة سنة 1318 هـ ص 181 - جناس، تجنيس-. (10) طاشكبرى زاده: مفتاح السعادة، حيدر آباد سنة 1329 هـ، جـ 1، ص 229؛ جـ 2، ص 339. (11) عبد الهادي نجا الأبيارى: سعود المطالع، بولاق سنة 1287 هـ، جـ 1 ص 301. (12) ابن رشيق: العمدة، القاهرة سنة 1325 هـ = 1907 م، جـ 1، ص 30. (13) أبو منصور الثعالبى: فقه اللغة وأسرار العربية، القاهرة سنة 1317 هـ، جـ 2، ص 314. (14) قاسم البكرجى الحلبى: حلبة البديع دى مدح النبي الشريف، حلب سنة 1293 هـ، ص 14.

(15) عبد الحميد قدس بن محمد علي بن الخطيب: طالع السعد الرفيع في شرح نور البديع على نظم البديع، القاهرة سنة 1321 هـ، ص 12. (16) ابن حجة الحموى: خزانة الأدب، سنة 1304 هـ، ص 20. (17) عبد الغنى النابلسى: نفحات الأزهار على نسمات الأسحار، بولاق سنة 1299 هـ، ص 12. (18) جلال الدين القزوينى الخطيب: تلخيص المفتاح مع تعليقات لعبد الرحمن البرقوقى. القاهرة 1322 هـ = 1904 م، ص 387. (19) سعد الدين التفتازانى: مختصر المعاني، الآستانة سنة 1318 هـ، ص 193 (20) الكاتب نفسه: المطول، سنة 1304 هـ، ص 445. (21) سعد الدين التفتازانى: مختصر على تلخيص المفتاح. (22) ابن يعقوب المغربي: مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح. (23) بهاء الدين السبكي: عروس الأفراح في شرح تلخيص المفتاح بالهامش. (24) الخطيب القزوينى: الإيضاح. (25) الدسوقى: حاشية على مختصر التفتازانى، بولاق سنة 1317 هـ، جـ 4، ص 322. (26) شمس الدين محمد بن قيس الرازي: المعجم في معاير أشعار الأعجام، ليدن سنة 1327 هـ = 1909 م ص 309. (27) عبد الرحيم بن عبد الرحمن بن أحمد العباسى: معاهد التنصيص في شرح شواهد التلخيص، القاهرة سنة 1316 هـ، جـ 2، ص 69 - 82. (28) Rhetorique et . Garcin de Tassy -prosoclle des longues de I'orient musul man، باريس سنة 1873 ص 120 وما بعدها. (29) Les seances de Hariri: de Sacy باريس سنة 1847 - 1853، ص 80، 268. [محمد بن شنب]

التجويد

التجويد كلمة عربية تدل على فن قراءة القرآن بإعطاء الحروف حقوقها لكى ينطق بها في غير عسر أو إفراط أو قوة أو ضعف أو لين أو إمالة أو تفخيم أو ترقيق. وكيفيات التجويد ثلاث إحداها "الترتيل" وهو القراءة في تؤدة، وثانيتها "الحَدْر" وهو سرعة القراءة، والثالثة "التدوير" وهو التوسط بين المقامين. و"التجويد حلية القراءة" وهو يقتضي عدم الوقوع في لحن ما عند قراءة آى الذكر الحكيم. ويتطلب التجويد إلى جانب دراسة مخارج الحروف معرفة قواعد الوقف والإمالة والإدغام. والحروف على ضربين: 1 - "المسُتْعَليَة" وسُميت كذلك لأن اللسان عند النطق بها يرفع إلى أعلى الحنك, وهذه الحروف هي: الخاء والصاد والضاد والطاء والظاء والغين والقاف. وكلها مفخمة، وإن كانت الصاد والضاد والطاء والظاء أفخم من الأخرى. 2 - "المسَتقلُة" وسميت كذلك لأن اللسان عند النَطق بها ينزل إلى أسفل الحنك. ويطلق عليها أيضًا الحروف البسطة، لأنها كلها مرققة لا يجوز تفخيمها إلا الراء واللام في الأحوال الآتية: تفخم الراء المضمومة أو المفتوحة، ولا تفخم المكسورة بكسرة أصلية أو عارضية، أو كانت ساكنة مسبوقة بكسرة أصلية، أو كانت الراء والكسرة في كلمة واحدة ولم تكن قبل حرف من الحروف المستعلية. أما اللام فلا تفخم إلا في "الله" و "اللهم" بعد فتحة أو ضمة في نحو "قال الله أو قال اللهم أو يقول الله أو يقول اللهم" والنون والتنوين إذا كانا متطرفين وأعقبهما حرف من حروف الحلق فإنهما تحتفظان بحقهما في النطق. وحروف الحلق الستة هي: الحاء والخاء والعين والغين والهاء والهمزة. وتقلب النون والتنوين إلى حرف مماثل للحرف الذي يأتي بعدهما إذا كان هذا الحرف نونًا أو واوًا أو ميمًا أو راء أو ياء بغنّة إلا مع الراء. أما إذا كانت الكلمة التي تتأثر بهما منهية بحرف آخر فاو ينطق بالنون والتنوين على أصلهما، وهما يدغمان إدغاما خفيفًا، وكذلك الشأن، مع الميم الساكنة التي تدغم في الميم بعدها. وتخفف إذا أعقبها باء متحركة. أما في الحالات الأخرى فتأخذ حقوقها في النطق.

والإدغام على ضربين: 1 - "كبير" إذا كان الحرفان متحركين نحو "ما سَلَكَكُم" (سورة المدثر، الآية 42) فإنها تنطق "ما سَلَكّم". 2 - "صغير" إذا كان الحرف الأول ساكنًا والثاني، متحركًا. ويجب ألا يغيب عن البال أيضًا أن لام التعريف تقلب إلى حرف مماثل لما بعدها وتدغم فيه إذا كان هذا الحرف شمسيًا، وتمد الحركة إذا كان في الكلمة ألف أو واو أو باء مسبوقة بحركة من نوعها، أما إذا سبقت الواو أو الباء فتحة فإنهما تصبحان حرفى لين، ويجوز إظهار الهمزة أو إخفاؤها في الحالة الأخيرة، وتنقل حركتها إلى الساكن قبلها، فإذا كانت الهمزة ساكنة، لا عن ترخيم، فيجوز أن تقلب إلى حرف مد من نوعها. وتُلان الهمزة لينًا غير كامل إذا لم تكن مسبوقة بهمزة متحركة. وتشبه حركة الهمزة الثانية السكون والواو إذا كانت مسبوقة بضمة "أؤنبئكم"، والياء إذا كانت مسبوقة بكسرة نحو "أئِذا"، والألف إذا كانت مسبوقة بفتحة نحو "أأنت". وتسقط الهمزة الثانية إذا كانتا متحركتين بحركة من نوع واحد وكانتا في كلمتين نحو "جاء أجلكم". ومع أن المصاحف فيها علامات يتميز الآى بعضها من بعض فإنه لا يوقف عندها. ولا يحدث الوقف إلا إذا كان معنى الآية أو الآيات تامًّا. وقد جرت القاعدة في المصاحف الجيدة أن تبين فيها المواضع التي لا يجوز الوقف عليها بـ لا (أي لا وقف) فإذا وقف على كلمات مثل "هن، مم عم" زيدت هاء ساكنة (تسمى الهاء الصامتة). وبعض القراء يعيد الياء المتطرفة في نحو هادٍ، واقٍ: إلخ. في حين يحذف آخرون التنوين والحركة ويقولون "هادْ، واقْ" إلخ. وإذا كانت الكلمة الموقوف عليهما منهية بهمزة مسبوقة بياء أو واو قلبت الهمزة إلى حرف مماثل وأدغمت فيه فيقال مثلًا "بريّ". بدلا من "بَرئ" وخاصة بعد همزة. والفتحة المنونةَ في المفعول تقلب ألفًا. وتقلب تاء التأنيث عند الوقف إلى هاء ساكنة. وتحذف الحركة في الكلمة المنتهية بحرف متحرك أو تضعُف بالرُّوم أو تنطق مثل الـ e الفرنسية، وهذا هو الإشمام. ومع ذلك فالإشمام لا يجوز في الكلمات

التدبير

المنتهية بالكسرة، ويقول بعضهم إن الرَوْم والإشمام لا يحدثان إلا مع الضمة. المصادر: (1) السيوطي: الإتقان، القاهرة سنة 1306 هـ، ج 1، ص 87 - 105 (2) التهانوى: كشاف اصطلاحات الفنون، الآستانة، ج 1، ص 216. (3) علي بن سلطان القارئ: المنح الفكرية على متن الجزرية وعلى هامشه الدقائق المحكمة في شرح المقدمة الجزرية لزكريا الأنصاري، القاهرة سنة 1343 هـ (4) سليمان الجمزورى: فتح الأقفال بشرح تحفة الأطفال، ويليه كتاب فتح الرحمن في تجويد القرآن، القاهرة سنة 1343 هـ. (5) الشيخ طاهر الجزائرى: تدريب اللسان على تجويد البيان، تم عام 1321 هـ, بيروت في تاريخ غير معلوم (6) الشيخ متولى: فتح المعطى وغنية المقرئ في شرح مقدمة ورش المصري، القاهرة سنة 1309 هـ (7) أبو ريمة: هداية المستفيد في أحكام التجويد، القاهرة سنة 1344 هـ (8) الجرجانى: التعريفات، مادة ترتيل (9) البستانى: محيط المحيط، مادة تجويد، ج 1، ص 314 (10) عبد النبي ابن عبد الرسول: جامع العلوم، حيدر آباد سنة 1329 هـ ج 1، ص 274 (11) ابن القاصح سراج القارئ المبتدى وتذكار القارئ المنتهى، شرح حرز الأمانى ووجه التهانى للشاطبى، القاهرة سنة 1342 هـ، ص 36 - 120 بصفة خاصة. [محمد بن شنب] التدبير " التدبير" مصدر: دبر. (1) بمعنى السياسة والإدارة: يقول لغويو العرب في شرح الفعل دبر أنه من الاسم "دُبُر" وهو نقيض قُبل. وهكذا نقرأ في لسان العرب (ج 5، ص 358) أن التدبير في الأمر "أن تنظر إلى ما تؤول إليه عاقبته" أو "ينظر في

عواقبه". ويستعمل هذا الفعل الآن للدلالة على معنيين: أولهما الحكم والإدارة، وشاهد ذلك العنوان الذي أطلقه بن أبي الربيع على مؤلف من مؤلفاته وهو "سلوك المالك في تدبير الممالك" وثانيهما الإرشاد وتدبير المنزل (باليونانية أو يكونوميا) وهو ما يعنينا في هذا المقام. ومن الأمثلة على هذا ما ذهب إليه ابن خلدون في مقدمته (طبعة Quatremere في Notices e Extraits , ج 16 ص 62، ترجمة ده سلان في - No tices et Extraits ج 19, ص 78) من أن "السياسة المدنية هي تدبير المنزل أو المدينة بما يجب لمقتضى الأخلاق والحكمة ليحمل الجمهور على منهاج يكون فيه حفظ النوع وبقاؤه". وتدبير المنزل قسم من أقسام الفلسفة العملية الثلاثة التي نقلها العرب عن اليونان. وهذه الأقسام هي: علم الأخلاق، وعلم تدبير المنزل، وعلم السياسة (انظر على قبيل المثال ابن سينا: أقسام العلوم العقلية في مجموعة الرسائل، القاهرة سنة 1328 هـ، ص 229 وما بعدها؛ القفطى: تاريخ الحكماء، طبعة ليبير Lippert، ص 52, وغيرهما من أصحاب التواليف). وقد كان رثر Ritter أول من بين أن كل ما ألفه المسلمون في علم تدبير المنزل يمكن رده إلى كتاب تدبير المنزل (وقد فقدت النسخة اليونانية منه) الذي ألفه بريسون pryson المنتسب إلى مذهب الفيثاغوريين المحدثين. وقد بقى من هذا الكتاب نسخة منقولة إلى العربية (نشرها شيخو في مجلة المشرق، ج 19، سنة 1921, ص 161 - 181, وذكره من القدماء صاحب الفهرست، ص 315)، وأخرى عبرية نقلت منها (ميونخ، الفهرس العبرى، ص 263؛ Ritter في. Ls، ج 7، سنة 1917, ص 12 وما بعدها) وثالثة لاتينية نقلت منها أيضًا (مخطوط جالينوس المحفوظ في درسدن، وقد نبه إليه بلسنر - Pless ner) وفسر بلسنر كل ما يختص بهذا الموضوع ودرسه. ويستفاد من النتائج التي وصل إليها أن معالم المتقدم الذي أصابه المسلمون في هذا العلم إذا استثنينا ما قام به الناقلون والمقلدون من أمثال الدمشقي (الإشارة إلى

محاسن التجارة، الذي نشره رتر في Isl، ج 7، ص 1 أو ما بعدها) وابن أبي الربيع (سلوك المالك) وموسوعة فخر الدين الرازي وابن الفنارى - هي كما يلي: انفرد ناصر الدين بنشر كتاب تدبير المنزل لبريسون ضمن مؤلفه الموسوم بالأخلاق وزاد فيه من أنظار المسلمين والفرس. وقد عدّ الناس في جميع عهود الإسلام كتاب تدبير المنزل للطوسى مثالا ليس بعده مثال. وهو العمدة الذي استقى منه صاحب "أخلاق جلالى"، ومعظم المؤلفين تناولوا هذا العلم كالغزالي والشهرزورى والآملى والإيجى، وقد زاد الآملى فصلًا في علاقات الأسرة. وتعالج هذه الكتب مسائل الحصول على "المال" والمحافظة عليه وتنميته ومعاملة العبيد والمرأة والولد. وقد توخت في كل ما تناولته ناحية الحصول على أكبر نصيب ممكن من الثروة والسعادة. ويذكر الفهرست أيضًا (ص 263) مصنفًا آخر في تدبير المنزل نقل إلى العربية، وهو "كتاب روفوس في تدبير المنزل لعلوسوس" (ولعل المقصود بالعين هنا غين أو فاء أو قاف) ويبدو أن هذا الكتاب قد ألف في العهد اليونانى المتأخر. ولا يمكن التثبت من اسم هذا المؤلف القديم على وجه اليقين، ويرجع هذا بصفة خاصة إلى ندرة ما وصل إلينا من أسماء القدماء الذين كتبوا في هذا العلم. وقد يباح لنا أن نذهب إلى القول بأنه رجل من أمثال فيلودموس Philodemus . وثمة ترجمة عربية أو موجز للكتاب الأول في تدبير المنزل نسبت خطأ إلى أرسطو (وقد جرى الناس الآن على نسبتها إلى تيوفراسطس Theophrastes) وتضمنها مخطوط في الإسكوريال (الغزيرى رقم 883) مختلف الموضوعات عنوانه "كتاب أرسطو في تدبير المنزل" ومخطوط آخر في خزانة كتب شخص ببيروت يضم بين دفتيه عدة تواليف متباينة عنوانه "ثمار مقالة أرسطو في تدبير المنزل" (انظر ما كتبه المعلوف في مجلة المشرق، ج 19, سنة 1921, ص 257 - 262) بيد أنه لم

يتوفر أحد على دراسة هذين المخطوطين دراسة دقيقة. ولم يرد ذكر هذا المؤلف لا في الفهرست ولا في ابن أبي أصيبعة ولا في القِفْطى (انظر فيما يختص بذلك ar-: Baumstark Biographien abische Syrisch des Aristtles, ليبسك سنة 1900، ص 53، وما بعدها) في حين أنه يبدو أن أبا القاسم صاعد بن أحمد الأندلسى المتوفى, عام 462 هـ الموافق 1069 - 1070 م (انظر كتابه طبقات الأمم المطبوع في القاهرة طبعة ليس عليها تاريخ، ص 39) كان هو أول من أخذ عنه على علم بمؤلف لأرسطو في سياسة المنزل. ويدل وصول هذه الترجمة مخطوطة الينا على أنها ظهرت في أوساط نصارى العرب. ويذهب المعلوف إلى أن الناقل هو أبو الفرج عبد الله بن الطيب المتوفى عام 435 هـ (1043 - 1044 م) وليس لهذا الزعم من سند. وكاتب هذه المادة بسبيل إعداد طبعة من هذا الكتاب وبحث عنه. المصادر: (1) جرجى زيدان: تاريخ آداب اللغة العربية، القاهرة سنة 1912, ج 2، ص 232 وما بعدها (2) Ein arab der.Handbuch Ritter Handelswissenschaft في. ISI، ج 7، سنة 1917، ص 4 - 14. (3) Der Oikonomikos des: plessner -Neupythagoraeers Bryson und sein Ein fluss aue die islamische Wissenschaft وهي رسالة فلسفية قدمت إلى جامعة برسلاو عام 1925 (وقد نشر موجز لها، وستنشر كاملة عن قريب). (2) التدبير بمعنى تعليق عتق العبد بموت السيد. ودبر في هذه الحالة فعل من الاسم دَبُر ومعناه انتهاء الحياة أي الموت (انظر لسان العرب، ج 9، ص 358؛ المطرزى: المغرب، المادة نفسها؛ وإذا شئت التفصيل فأنظر مادة "عبد") وأوفى ما كتب في هذا الموضوع: - San Istitzuiom di diritto musulenano: tillana malichita, رومة سنة 1926، ج 1, ص 122. [هفننك Heflening]

التراويح

التراويح كلمة عربية وهي صيغة الجمع من المفرد الشاذ "تَرْويحَة"؛ والتراويح هي الصلوات التي تقام في ليالى رمضان. وجاء في الحديث أن النبي أشاد بها وإن كان في الوقت نفسه قد بيّن أنها ليست من الفرائض (البخاري، التراويح، حديث 3). ويروى أن عمر كان أول من جمع لها المصلين خلف قارئ من القراء في مسجد المدينة آحادًا أو جماعات (المصدر نفسه، حديث 2). وأثر عنه أنه كان يفضل الشطر الأول من الليل للقيام بها. ويوصى الشرع بالقيام بالتراويح بعد صلاة العشاء، وهي عشر تسليمات في كل منها ركعتان، وبعد كل أربع ركعات ترويحة، ومن ثم سميت هذه الصلوات بالتراويح. وركعاتها عند المالكية ست وثلاثون. وهم يعتبرونها من صلوات السنة ولها أهمية جميع الشعائر التي تؤدى في رمضان ويفضل الشيعة أداء ألف ركعة خلال شهر رمضان. ويجتمع الناس في مكة خلف الإمام، في جماعات يتراوح عددها بين العشرة والمائة والخمسين، ويصلى الإمام بالناس متطوعًا حتى ولو كان معينًا من الحكومة. ولتلاوة القرآن المكان الأرفع في هذه الصلوات. ولمن لا وقت له أن يوجز، في حين يظل آخرون خلف الإمام يتلون القرآن مرة أو أكثر في ليالى رمضان، بل إن هناك من يمكث في المسجد بعد التراويح للقيام بما يمليه عليه الورع من شعائر. ويجتمع الناس في "آجن" زرافات لأداء التراويح وإن كان "التونكو" هو الذي يقوم بالنصيب الأكبر منها عادة. بينما يقنع الآخرون بأن يرددوا معه لفظ آمين مع الصلاة على النبي. ويستحق التونكو على جهود. هذه زكاة الفطر ( .. Ver. Ak Amst مجموعة جديدة، ج 25، رقم 2). المصادر: (1) البخاري، التراويح، مع الشروح. (2) موطأ مالك، الصلاة في رمضان مع شرح الزرقانى.

ترجمان

(3) أبو إسحاق الشيرازى، التنبيه، طبعة. جوينبول، ص 27. (4) الرملى: النهاية، القاهرة سنة 1286 هـ, ج 1، ص 503 وما بعدها (5) ابن حجر الهيتمى: التحفة، القاهرة سنة 1282 هـ, ج 1، ص 205 وما بعدها (6) أبو القاسم الحلى: شرائع الإسلام، كلكتة سنة 1255 هـ، ص 51. (7) Caetani: Annali سنة 14 هـ, فقرة 229 وما بعدها. (8) Handleiding: Juynboll, ليدن سنة 1925. (9) Mekka: Snouchk Hurgrojne, ج 2، ص 81 وما بعدها. (10) الكاتب نفسه: Mekkanische Sprichworter، رقم 49 (11) الكاتب نفسه: De Atiehers ج 1، ص 247 وما بعدها. (12) Tableau heneral de: d'Ohsson empire othoman'l باريس سنة 1787, ج 1، ص 214 وما بعدها، وتجب الحيطة عند الرجوع إلى هذا الكتاب. (13) Manners and Customs: Lane Modern Egyptian of، لندن وبيسلى Paisley سنة 1899, ص 481. [فنسنك wensinck .J.A] ترجمان صيغة تركية للكلمة العربية تَرْجمان (انظر محمد حفيد: الغلطات المشهورة، ص 110). وهي من أصل آرامى دخلت إلى العربية منذ عهد متقدم. وكان للتراجمة على الدوام شأن هام في الصلات التجارية والسياسية بين الدول الإسلامية والشعوب الأجنبية. وبدأ نشاط هؤلاء التراجمة يظهر على صفحات التاريخ بشكل جليّ منذ القرن السادس الهجرى (الثاني عشر الميلادي) إذ يرجع إلى ذلك العهد تاريخ أقدم ما أبرم من المعاهدات المعروفة التي عقدت بين المدن أو الدول المسيحية وبين الحكام المسلمين لدول البحر المتوسط. وقد درس ده ماس لاترى De mas Latrie المعاهدات التي أبرمت مع ولايات إفريقية الشمالية، ويتضح منها

أن الترجمانى " Torcimani" كانوا طائفة من العمال لا غنى عنهم في الهيئات التجارية المعروفة باسم "دور المكوس" في الثغور التي تصل إليها التجارة الأجنبية، ويمكن الرجوع إلى كتاب ده ماس لاترى (المقدمة، ص 189 وما بعدها) فيما يختص بالصيغ اللاتينية والأوربية لكلمة ترجمانى Torcimani. وكانت الصفقات التجارية جميعًا لا تكاد تتم إلا بوساطة هؤلاء التراجمة الذين كانوا يؤلفون غالبًا نوعًا من النظام الطبقى، وكانت أقوالهم حجة في كل مكان. وكانت تجبى مكوس خاصة على البضائع التي يتم تبادلها عن طريقهم. وكانت السلطة المحلية تنتخب هؤلاء التراجمة بادئ الأمر، وهم إما مسلمون وإما نصارى أو يهود. وكان يوكل أمر كل تجارة أجنبية إلى واحد منهم في بعض الجهات، وكان لا يستغنى عن وجود بعض هؤلاء التراجمة عند إبرام المعاهدات، أو عند تفسيرها إذا لزم الأمر، وذلك عندما يكون نصها غامضًا، وفي هذه الحالات كان يثبت بصفة خاصة اسم المترجم في نص المعاهدة. ويتضح أيضًا من هذه المعاهدات أن بعض المترجمين كانوا على اتصال وثيق بحاكم المنطقة التي هم فيها، وورد ذكر تراجمة بلاد الشام في المصادر الفرنسية عن الصليبيين. وظل قدر التراجمة وعملهم في أيام الدولة العثمانية على ما كان عليه في القرون السابقة. وكثرت الصلات التجارية والسياسية وعظم شأنها فاشتدت الحاجة إلى المترجمين القادرين الذين يعتمد عليهم، ومن ثم كثر ذكرهم في المصادر التاريخية، والاسم الشائع لهؤلاء المترجمين في المصادر الأوربية هو دوركمان Drogman أو دراكومان Dragoman. وظل كذلك الاسم الفرنسى "تريشمان" Truchement مستعملا مدة طويلة. وكان التراجمة في جميع الدواوين التركية بكثير من الثغور، كما كانوا في قنصليات الدول الأجنبية في هذه الثغور. وكان التراجمة في العاصمة أعظم شأنًا. واستخدمت دور السفارات الأجنبية كثيرًا من هؤلاء التراجمة. وكان منصب ترجمان الحكومة التركية أهم هذه المناصب جميعًا، ومن

المحتمل أن هذا المنصب كان موجودًا في عهد السلطان محمد الثاني. وكان صوباشى على بك هو أول ترجمان للباب العالى، وهو الذي أبرم معاهدة الصلح مع البندقية سنة 1502. وأعقبه يونس بك المتوفى عام 948 هـ (1541 - 1542 م) وقد أسفر مرارًا إلى البندقية وشيد يونس هذا مسجدًا بالآستانة يعرف باسم "درغمان مسجدى" (انظر سجل عثمانى، ج 4، ص 677: حديقة الجوامع رقم 226). وكان يونس بك يونانى الأصل، كما كان خلفه أحمد ألمانيًا من فينا، وكان اسمه الأول هينز تولمان Hienz Tulman. وكان مراد بك ترجمانًا للباب العالى في القرن السادس عشر، وكان مجريًا أسر في وقعة "مهاج" واشتهر بأنه مؤلف رسالة جدلية في الدفاع عن الإسلام وناظم ترنيمة كتبها بلغات ثلاث: التركية واللاتينية والمجرية .. (نشرها. F Babimger في Literaturdenkmaeler aus Tuerkenzeit Ungarns، برلين سنة 1927, وانظر أيضًا صفحة 38 وما بعدها من هذا الكتاب فيما يختص بالأخبار عن تراجمة الباب العالى)، وكان لدى الباب العالى في ذلك الوقت عدد من التراجمة وكان كبيرهم "الباش ترجمان" وجلهم دون استثناء من النصارى (يونان وألمان وإيطاليين). ولما ازدادت العلاقات الأجنبية في الدول العثمانية أهمية وأصبحت أكثر تعقيدًا عن ذي قبل، ازداد نفوذ تراجمة الباب العالى حتى أصبح مركز ترجمان الباب العالى يكاد يكون وراثيًا في أسرتى مافرو كورداتو Mavrogordato وغيكا Ghika اليونانيتين. وجرت العادة بأن يختار التراجمة ولاة لإمارات الدانوب، ولما كان من النادر في ذلك الوقت أن نجد من بين الترك أنفسهم من يعرف اللغات الأوربية، فإن أثر هؤلاء الوسطاء على السياسة التركية الخارجية كان كبيرًا جدًّا. وكثيرًا ما كان يصدر الأمر بقتل من سبق لهم أن ولوا منصب كبير التراجمة. ولم تستطع الحكومة التركية التخلص من مساعدة هؤلاء الموظفين الذين لم يركن تمامًا لأمانتهم وإخلاصهم إلا في عهد السلطان محمود الثاني في الوقت الذي زادت فيه أهمية ونشاط "رئيس أفندي" ولم يدرس بعد الدور الذي قام به تراجمة

الباب العالى في السياسة العثمانية. وقد أورد فون هامر Von Hammer في كتابه (- Geschichte des asmanischen Re iches ج 7، ص 627) بيانًا غير كامل بأسماء هؤلاء التراجمة. وقد كان تراجمة السفارات والقنصليات بمثابة وسطاء دوليين لا يقل نفوذهم عن نفوذ تراجمة الباب العالى. وهم بوجه عام من طبقة هؤلاء التراجمة، أعنى أنهم مسيحيون كالتراجمة الذين في خدمة الدولة العثمانية. وتضمن لهم المعاهدات والامتيازات وكذلك الإجازات "براءات" التي يمنحهم إياها السلطان، حماية الدولة التي يقومون بخدمتها في القنصلية أو في السفارة. ومن وظائفهم الخاصة التي ينص عليها صراحة في الامتيازات أن يقوم التراجمة بتمثيل القناصل في القضايا التي تمس رعاياهم وتعرض على المحاكم التركية، وهذه الوظيفة مستمدة من حق القناصل في مباشرة هذا العمل، وليس من شك في أن هذه الوظيفة قد تطورت عن الدور الذي قام به التراجمة منذ العصور الوسطى. ومنذ القرن الثامن عشر ازداد نفوذ الدول الأوربية وممثليها في تركية وأصبح الباب العالى لا يطيق تدخل التراجمة في الشئون التركية. يضاف إلى ذلك أن القناصل قد غالوا في حقهم في انتخاب التراجمة من بين رعايا الترك. وسلخ هؤلاء التراجمة من سلطان حكومتهم. وكان من نتيجة احتجاج الباب العالى على هذا الأمر أن ضيق من حق اختيار السفارات والقنصليات للتراجمة الترك وذلك بمقتضى الاتفاق الذي عقد بين الحكومة التركية وهيئات التمثيل الأجنبية في سنة 1836. وفي حوالي ذلك الوقت أخذت معظم الحكومات الأوربية في إعداد طبقة خاصة من التراجمة من بين رعاياها، وهذا الإعداد تطلب تدريبًا خاصًّا. وكان رؤساء التراجمة في سفارات الدول العظمى بالآستانة هم أصحاب الشأن المعترف بهم، حتى النصف الثاني من القرن التاسع عشر وفي بداية القرن العشرين، في القيام بالمفاوضات المختلفة مع الباب العالى وخاصة ما كان منها متصلًا بتفسير الامتيازات

الترمذي

وتطبيق الحقوق الممتازة الخاصة بتلك الأراضي، وهي الحقوق التي بنيت علي هذه المعاهدات. ومهما يكن من الأمر فإن الحكومة التركية قد ألغت الامتيازات في سنة 1914 ورفضت في الوقت نفسه الاعتراف بالموظفين الذين يعملون في السفارات والقنصليات بلقب ترجمان. وعلى ذلك فإن هذا اللقب لا يستعمل الآن في تركية رسميًا. المصادر (1) Traites de: L. de Mas - Latrie paix et de comnerce et document divers concernant les relations des chretiens -avec les Arabes de l' Afrique Sep tentrionale، باريس سنة 1866, ص 186 وما بعدها، 285 وما بعدها (2) Geschichte des os- Von Hammer manischem Reiches، انظر الفهرس. (3) Das Consular: Martens-Skerst wesen and die Consulariurisdiction im orient، برلين سنة 1874. (4) Le Regime: G. Pelissie du Rausas des Capitulations dans 1'Empire ottoman, باريس سنة 1910. (5) Almkvist .Ein Dragoman -: H Diplom aus dem vorigen Jahrhundert, أبسالا سنة 1891. [كرامرز J.H. Kramers] الترمذي أبو عيسى محمد بن عيسى بن سَوْرَة بن شداد: (1) من جامعى الأحاديث. والترمذي نسبة إلى ترمذ، وهي على المجرى الأعلى لنهر جيحون على مسيرة ستة فراسخ من بلْخ، وعلى خط عرض 37 ْ شمالًا تقريبًا وخط طول 67 ْ شرقي كرينوتش (انظر القزوينى: نزهة القلوب، طبعة وترجمة Strange Le، مجموعة كب التذكارية، ج 23، الفهرس؛ Lands of: Le Strange the Eastern Caliphate ص 440 وما بعدها، والمصور الجغرافي رقم 29 المواجه لصفحة 433). ويقال إن الترمذي توفي فيها عام 279 هـ (892 - 893 م) وفي رواية أخرى أنه توفى في بوغ من أرباضها عام 275 هـ (888 - 889 م) أو عام 270 هـ (883 - 884 م) (2).

ولسنا نعرف عن حياته إلا قليلا، ففي رواية أنه ولد أكمه. وفي رواية أخرى أنه كف بصره في أخريات حياته. وكانت للترمذى رحلات واسعة في خراسان والعراق والحجاز في طلب الأحاديث. ومن شيوخه أحمد بن محمد بن حنبل (2) والبخاري وأبو داود السجستانى. وقد طبع له مجموعة الأحاديث (القاهرة 1292 هـ) في مجلدين، وطبع على الحجر في مرته عام 1283 هـ) وكتاب "الشمائل" وهو مجموعة من الأحاديث في ذات النبي [- صلى الله عليه وسلم -] وشمائله، (القاهرة 1306 هـ) مع شرح محمد بن قاسم جسوس الموسوم ب "الفوائد الجليلة البهية على الشمائل المحمدية" وطبعت هذه المجموعة أيضًا عام 1318 هـ مع شرحين أولهما "الوسائل" لعلي بن سلطان محمد القارى والثاني لعبد الرءوف المناوى. ويرجع لبروكلمان - Gesch . der Ar (abischen Litteratur، ج 1، ص 162) في شأن الطبعات والشروح الأخرى. وقد ذكر بروكلمان في كتابه هذا مجموعة أخرى من أربعين حديثًا لسنا نعرف أهى للترمزى أم لغيره وتنسب له المصادر العربية كتبًا أخرى في موضوعات شتى: في الزهد والأسماء والكنى والفقه والتاريخ, ولم يصلنا -فيما يبدو- شيء منها. وفي طبعة القاهرة تعرف مجموعته الأحاديث باسم الصحيح. أما في غيرها من الطبعات فتعرف بالجامع (3) ذلك أن فيها -إلى الأحاديث الخاصة بالأحكام- بعض أحاديث في موضوعات أخرى (Muhammedanische Studien: Goldziher, ج 2، ص 231, تعليق 2) ونظرة واحدة إلى أبواب هذه المجموعة تدلنا على أن نصفها تقريبًا في المسائل الكلامية ملو القدر والقيامة والجنة وجهنم والإيمان والقرآن، وفي المعتقدات الشائعة ملو الفتن والرؤية، وفي العبادات مثل الزهد وثواب القرآن والدعوات، وفي التربية والأخلاق مثل الاستئذان والأدب، وفي المناقب. ويحوى هذا المصنف أحاديث تقل كثيرًا عن الأحاديث التي يتضمنها صحيحا البخاري ومسلم، ولكن المكرر في كتابه أقل مما في صحيحيهما: وفي

مصنف الترمذي -بصفة خاصة- بابان كبيران هما باب المناقب وباب تفسير القرآن لا نجد لهما ضريبًا في كتب السنن الثلاثة الأخرى (يطلق هذا الاسم "السنن" أحيانًا على المجاميع الأربعة في الأحاديث النبوية لأبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجة) وتكثر في جامع الترمذي الأحاديث المشايعة لعلى، وفيه أيضًا أحاديث أخرى تشيد بمدح أبي بكر وعمر وعثمان: ويمتاز كتابه بخصيصتين: الأولى ملاحظاته النقدية على رجال الإسناد، والثانية تبيينه مواضع الخلاف بين المذاهب عقب كل حديث، ويعتبر جامع الترمذي من هذه الناحية أقدم مصنف وصل إلينا عن أوجه الخلاف، والإشارات التي كتبها الشافعي عن هذا الموضوع في كتاب الأم ليست كاملة وقلما يوثق بصحتها (5). ونقل كولدتسيهر (- Muhamm: Gold ziner stud, ج 2، ص 252، تعليق رقم 1) عن "التقريب" أن مخطوطات جامع الترمذي قد اختلفت في إثبات رأيه في الإسناد (صحيح، حسن، غريب، حسن صحيح، حسن غريب، صحيح غريب) .. ولم يذكر الترمذي تفسيرًا للأسس التي اتخذها لتمييز الأحاديث بعضها من بعض، ويستهل جامع الترمذي باستقصاء السند إلى آخر من أخذ عنه، وفي خاتمته صيغة ثناء موجزة. المصادر: (1) السمعانى: كتاب الأنساب، مجموعة كب التذكارية، ج 20، ص 106 (2) الذهبي: طبقات الحفاظ، طبعة فستنفلد، ج 2، ص 57، رقم 3. (3) الكاتب نفسه: ميزان الاعتدال، القاهرة سنة 1325 هـ، ج 3, ص 117, رقم 1021. (4) ابن خلكان: وفيات الأعيان، طبعة فستنفلد، رقم 624. (5) ابن حجر العسقلانى: تهذيب التهذيب، حيدر آباد سنة 1326 هـ, ج 9، ص 387 - 789, رقم 236. (6) الكاتب نفسه: تقريب التهذيب، طبعة حجرية في دلهى ليس عليها تاريخ، ص 230. (7) ابن خطيب الدهشة: تحفة ذوي الأرب، طبعة مان T, Mann ص 143.

تعليقات على مادة "الترمذي"

(8) edanische: Goldziher Muhamm Studien ص 250 وما بعدها. [فنسنك A. J. Wensinck] تعليقات على مادة "الترمذي": (1) ذكر نسبه في أكثر الروايات: أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة ابن موسى بن الضحاك السلمى البوغى الترمذي الضرير، وحكى في نسبه قولان آخران: "محمد بن عيسى بن سورة بن شداد" و "محمد بن عيسى ابن يزيد بن سورة بن السكن". (2) ولد سنة 209 ولم أجد من نص على ذلك صريحًا إلا ما كتبه الشيخ محمد عابد السندى بخطه على نسخته من كتاب الترمذي، ولعله نقل ذلك استنباطًا من كلام غيره من المتقدمين، أو من كتاب آخر لم يصل إلى، وقد صرح بذلك أيضًا جسوس في شرحه على الشمائل. وقد ذكر الحافظ الذهبي في (ميزان الاعتدال) أنه مات سنة 279 وقال: "وكان من أبناء السبعين". وقال ملّا على القارى في شرح الشمائل بعد أن ذكر وفاته سنة 279: "وله سبعون سنة". وقال الصلاح الصفدى في نكت الهميان "ولد سنة بضع ومائتين". ولا نعرف أين ولد الترمذي، أفي قرية بوغ أم في بلدة ترمذ؟ فقد قال السمعانى في تعليل نسبته إلى بوغ "إما أنه كان من هذه القرية، أو سكن هذه القرية إلى أن مات" ونقل ملّا على القارئ عن الترمذي أنه قال "كان جدى مروزيا أيام ليث بن سيار ثم انتقل منه إلى ترمذ". (3) هذا غير صحيح، فإن الترمذي لم يلق أحمد بن حنبل ولم يسمع منه مباشرة، وإن سمع من كثير من أقرانه. وقد أدرك الترمذي كثيرًا من قدماء الشيوخ وسمع منهم، واشترك هو وجميع الأئمة أصحاب الكتب الستة في الرواية عن تسع شيوخ فقط، وهم: محمد بن بشار بندار: ولد سنة 167 وتوفي سنة 252. محمد بن المثنى أبو موسى: ولد سنة 167 وتوفي سنة 252. زياد بن يحيى الحسانى: توفي سنة 252, عباس بن عبد العظيم العنبرى: توفي سنة 246.

أبو سعيد الأشج عبد الله بن سعيد الكندى وتوفي سنة 257. أبو حفص عمرو بن علي الفلاس: ولد بعد سنة 160 وتوفي سنة 249. يعقوب بن إبراهيم الدورقى: ولد سنة 166 وتوفي سنة 252. محمد معمر القيس البحرانى: توفى سنة 256. نصر بن علي الجهضمى، توفي سنة 250. وقد أدرك الترمذي شيوخًا أقدم من هؤلاء، وسمع منهم وروى عنهم في كتابه هذا، منهم: عبد الله بن معاوية الجمحى، مات سنة 243 وقد جاوز المائة. علي بن حجر المروزى: مات سنة 244 وقد قارب المائة. سويد بن نصر بن سويد المروزى: مات سنة 240 عن 91 عامًا. قتيبة بن سعيد الثقفى أبو رجاء: ولد سنة 150 وتوفي سنة 240. أبو مصعب أحمد بن أبي بكر الزهري المدني ولد سنة 150 وتوفى سنة 242. محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب: توفي سنة 244. إبراهيم بن عبد الله بن حاتم الهروى: ولد سنة 178 وتوفى سنة 244. إسماعيل بن موسى الفزارى السدى: توفي سنة 245. محمد بن أبي معشر نجيح السندى: توفي سنة 244 وقيل سنة 247 عن 99 سنة و 8 أيام. (4) هذا ليس اختلافًا في التسمية من الطابعين بل إن كتاب الترمذي يقال له "السنن" كباقى السنن الأربعة. وقد سماه المتقدمون الجامع الصحيح، فسماه بذلك الحاكم صاحب المستدرك وغيره, لأن أكثر أحاديثه صحاح، والضعيف فيه قليل جدا، وقد بيّن هو ضعف الضعيف. وهو جامع لأنه يجمع إلى أبواب الأحكام أبوبا أخرى، كما بين كاتب هذه المادة. (5) ليس للكاتب دليل على هذا التشكيك. مصادر أخرى عن الترمذي. تهذيب الكمال للحافظ المزى مخطوط بدار الكتب المصرية. نكت الهميان للصلاح الصفدى ص 264 - 265. الكامل لابن الأثير

ج 7، ص 164 - 165. النجوم الزاهرة لابن تغرى بردى، ج 3، ص 81 - 82. مفتاح السعادة لطاشكبرى زاده ج 2، ص 11. شذرات الذهب لابن العماد ج 3، ص 174 - 175. شروط الأئمة أصحاب الكتب الستة للحافظ أبي الفضل المقدسي، مخطوط. شروط الأئمة الخمسة للحازمى، جزء صغير مطبوع: كشف الظنون ج 1، ص 375 الفهرست لابن النديم، ص 325. عارضة الأحوذي للقاضي أبي بكر العربي، ج 1، ص 5 - 6. مقدمة شرح الترمذي أحمد محمد شاكر. "ترمذى" سيد برهان الدين: ويعرف أيضًا باسم سيد حسين ترمذى. وسيد سِيرْدان أو باسم برهان الدين مُحَقِّق، وهو صوفى من أهل ترمذ من مريدى مولانا بهاء الدين ولد، حضر فترة على بهاء الدين ثم عكف طويلًا على الزهد والتنسك في ترمذ فالتف حوله المريدون، فلما توفى بهاء الدين ولد في قونية عام 628 هـ (1231) جاءها برهان الدين عام 629 - 630 هـ تلبية لروح أستاذه بهاء، وعنى برياضة نفس جلال الدين رومى وكان يافعًا يدرس الفقه والأدب، واعتكف في قيسارية بعد ذلك بتسع سنوات على الرغم من هواتف مولانا له بالبقاء. ونستبين من ترجماته أنه كان في قيسارية في الوقت الذي استولى فيه المغول عليها وأحدثوا فيها مقتلة عظيمة. وورد في مخطوطات كتاب جامع الدول لمنجم باشى (رقم 5019 و 5020 من كتابخانه عمومى) أن ذلك كان عام 641 هـ الموافق 1243 م (انظر تفصيل هذا في - Recueil de tex tes rel. a 1'histoire des Seldj. طبعة هوتسما، ج 4، ص 241) وكان شمس الدين أصفهانى عامل السلاجقة على قيسارية نصير برهان الدين ومريده: وهو الذي تكفل بتجهيزه عند موته وبنى ضريحه. ولا نعرف تاريخ مولده ولا وفاته على التحقيق. ويذكر أوليا جلبى أن "مقام" سيد برهان ترمذى كان في قيسارية وأنه توفى عام 474, وهو خطأ واضح. وفي قونية اليوم بالقرب من "التربة" المعروفة باسم "تاتار خانيلر تربه سى" ضريح يعرف

بضريح برهان الدين. وقد كان هذا الضريح ينسب دائمًا إلى سيد برهان ترمذى على الرغم من أنه لم يثبت عليه كتابة ما، ويزعم دولتشاه أن برهان الدين محقق كان شيخ بهاء الدين ومولانا، ويقول إنه صحبهما في أسفارهما في الشام والحجاز، وأن برهان الدين توفى بالشام ودفن فيها، ولا يتفق هذا مع الواقع (انظر دولتشاه، طبعة Browne، ص 194، طبعة بومباى، ص 86، وكتاب فهيم المسمى "سفينة الشعراء. الذي نقل فيه عن دولتشاه، الآستانة، مطبعة عامرة، سنة 1259 هـ, ص 82). وترجع شهرة سيد برهان ترمذى بصفة خاصة إلى ما كان له من شأن في شعائر المولوية، ولذلك فإنه يجدر بنا أن نلجأ إلى أقدم المصادر وأهمها في تاريخ الطريقة المولوية مثل كتاب "سباه سالار مناقبى" وكتاب "أفلاكى مناقبى" إذا أردنا الحصول على معلومات وثيقة عن الترمذي. المصادر: نذكر إلى جانب المصادر المذكورة في صلب المادة. (1) فريدون بن أحمد سباهسلار: مناقب حضرت خدا وندكار، الترجمة التركية، طبعة سنة 1331 هـ, ص 159 - 164 (2) أفلاكى: مناقب العارفين، مخطوط فارسى (3) الكاتب نفسه: الترجمة التركية وقد قام بها محمود دده, مخطوط، فصل 2، وتوجد نسخ من مخطوطات كلتا الترجمتين في كثير من المكتبات. (4) الكاتب نفسه: الترجمة الفرنسية للكتاب السابق وقد قام بها CI. Huart باسم - Les Saints des derwisches tour neurs باريس سنة 1918 الفهر. س (5) لامعى: ترجمة نفحات الأنس، ص 515 - 516 (6) أولياجلى: سياحتنامه، دار سعادت، سنة 1314 هـ، ج 3، ص 186 (7) خليل أدهم: قيصرية شهرى الآستانة سنة 1334 هـ, ص 118 (8) كوبريليّ زاده فؤاد إيلك متصوفلر، الآستانة سنة 1918, ص 245 [كوبريليّ زاده فؤاد]

التشريح

التشريح " التشريح (¬1) "لغة الفتح والشرح والبيان والعرض، واصطلاحا: 1 - بيان علم أو تفسير كتاب وهي في ذلك مثل شَرْح. 2 - علم التشريح وهو فتح الجسم الإنسانى وتفسيره، والمعنيان تجمعهما الجملة التي ذكرها ابن القِفْطى وهي أن "جالينوس هو مفتاح الطب وباسطه وشارحه. ولم يسبقه أحد إلى علم التشريح وألف فيه سبع عشرة مقالة". ولم يقبل المسلمون على التشريح، إذ كان تصوير الإنسان محرما عندهم، وكان التشريح لا يرضى عنه الدين ولا يقره العرف. ولم يمارسه المسلمون بله الأقدمون اللهم إلا في الإسكندرية حيث انتهز جالينوس الفرص التي أتيحت له لتعلم تشريح الإنسان، على أنه كان يمارسه إجمالا في القردة. وما مر بالمسلمين ظرف موات إلا اغتنموه للترقى بهذا العلم، ولتجدن مثالا لذلك في رحلة عبد اللطيف البغدادي، فقد علم أن بالمقس من أعمال مصر تلّا من بقايا انسانية، فأخذ في تفحص هذه الهياكل وكتابة مشاهداته. وزاول كثير من علماء العرب علم التشريح برغم ما كان يكتنفهم في عملهم من عوائق، واحتذوا في ذلك علماء اليونان وبخاصة جالينوس وأوريباز Oribacec وأتيوس Aetius. ودرس العرب بعض مصنفات جالينوس ونقلوها إلى لغتهم وبين أيدينا من هذه المصنفات كثير من المخطوطات نذكر منها: كتابًا في التشريح (De Anatomia) وكتابا في الأوردة (De venae Section) وكتابا في حركة العضل - De Musculorum Dis) sectione) وكتابا في العظام De Ossibus)) وكتابا في النبض. ولجالينوس كتاب في التشريح الكبير - De Anatomicis Ad) (ministrationibus في خمس عشرة مقالة. ولم تصل إلينا المقالات الخمس الأخيرة إلا باللغة العربية فقط. وقد نقلها ونشرها بالألمانية ماكس سيمون .. Max simon ونشر ده كوننك de.M ¬

_ (¬1) تفضل بمراجعة هذه المادة الدكتور أحمد بك عيسى. اللجنة

koning ثلاث فقرات مطولة في التشريح استخلصها من المصنفات العربية، إحداها لابن سينا والثانية لعلى بن عباس المجوسى الطبيب الفارسى الأصل الزرادشتى العقيدة المتوفى عام 384 هـ, والثالثة لمحمد بن زكريا الرازي الطبيب العربي المعروف المتوفى عام 320 هـ. أما فصول الرازي المختصرة فمنقولة من كتابه الموسوم بالمنصورى في الطب، والتي لعلي بن عباس منقولة من كتابه الموسوم بالملكى (¬1)، والتي من ابن سينا منقولة من كتابه "القانون"، وهذه المصنفات الثلاثة على نسق واحد من الوضوح المعروف في كتب الأقدمين، وكلها يبتدئ بعلم العظام، فهم يتكلمون أولًا عن العظام بوجه عام ثم يدرسونها دراسة مفصلة من قمة الجسم الإنسانى إلى أخمص القدم: عظام الرأس والأسنان والعمود الفقرى والصدر وعظام الأطراف العليا واليدين وعظام الأطراف السفلى والقدمين، ولم يكن الفرع الخاص بالأسنان قد انفصل من التشريح انفصالا تامًّا في ذلك الحين. ثم تأتى بعد ذلك دراسة العضل، وقد أحصوها وبينوها على النظام نفسه. ثم يأتي المجموع العصبى والشريانى: كالأعصاب والدماغ والنخاع الشوكى والشرايين والأوردة. ويختم ذلك بشرح الأعضاء الظاهرة والباطنة، كأعضاء البصر والشم والسمع واللسان والحنجرة والرئتين والمعدة والأمعاء والكبد والطحال والكليتين والمثانة وأعضاء التناسل. وقد أثبت ده كوننك أمام عدة فصول من كتاب ابن سينا الفصول المقابلة لها من كتب جالينوس وأوريباز، وهي الخاصة بالعضلة المربعة المعينية، والعضلة القابضة لأصابع اليد، والشريان الرئوى وصمامات القلب والقزحية وعظم القلب (كذا). وقد درست جميع هذه الفصول التشريح درسا مفصلا مطولا، فاستقصى أصحابها البحث عن كل عضلة من حيث الوظيفة والغرض؛ وللتشريح العربي مصطلحاته الخاصة ¬

_ (¬1) ويعرف أيضًا بالكتاب الكامل في الصناعات الطبية (المقالة الثانية منه). اللجنة

به فلا توجد فيه ألفاظ فارسية أو يونانية ما عدا كلمة طروخانطير - Tro) (chanter بخلاف الحال في الطب والنبات. والتشريح يخالف الرياضيات والفلك والكيمياء ذلك أنه لم يزودنا بمصطلحات ما. نعم استعملت بعض ألفاظ في النقول اللاتينية في العصور الوسطى مثل كلمة Meri وهي المرئ، و Myrach وهي بالعربية مراق، و si- phac وهي بالعربية صفاق؛ بيد أن هذه الألفاظ اندثرت الآن: وأبو القاسم الزهراوى Albucasis)) طبيب عبد الرحمن الثالث القرطبي (القرن الرابع الهجرى الموافق للعاشر الميلادي) وابن زهر الإشبيلي المتوفى عام 595 هـ أغزر جراحى العرب علمًا وأكثرهم تجربة، فقد صنف الأول منهما كتاب "التصريف (¬1) " والجزء التشريحى والجراحى منه مستخلص من كتب بولص الأجانيطى، وهو مؤلف بوزنطى متأخر معاصر لظهور الإسلام رحل إلى بلاد العرب، وعرف هؤلاء قدره لنبوغه في العمل الجراحى، وتكلم أبو القاسم عن العمليات الجراحية ووصفها وصوّر بعض آلاتها, ولهذا الكتاب نسخ مخطوطة كثيرة، وترجمه إلى اللاتينية كيرار القرمونى وهو من أعيان القرن الثاني عشر الميلادي، وطبع في البندقية عام 1497 م ثم في بال عام 1778, وقبس منه كوى ده شولياك Guy de Chauliac (سنة 1300 - 1368 م) فكان له أثر كبير على العلم الغربي. أما ابن زهر فكان طبيبا بارعًا ذا نفس وثابة تحرر إلى حد كبير من علم جالينوس, واستعاض عنه بالتجربة، وهو المصدر الكبير الذي اغترف منه أرنو ده فينيف Arnaud deVilleneuve؛ يضاف إلى ذلك أن قسطنطين الإفريقى -أقدم المترجمين الغربيين (1020 - 1087 م) - قد نقل الكتاب الملكى لعلي بن عباس إلى اللاتينية. وعرف العرب علم الرمد وعدوه فرعًا برأسه، ولهم مشاهدات في تشريح الحيوان والتهجين والمشيئات Monstres. ¬

_ (¬1) عنوانه الكامل "كتاب التصريف لمن عجز عن التأليف". اللجنة

التشريق

المصادر: (1) analomie: p de koning 'traites d Trois arabe النص والترجمة، ليدن سنة 1903. (2) الكاتب نفسه: Traite sur Le caL- cul dans les reins et dans la vessi. لأبي بكر محمد بن زكريا الرازي، طبع وترجم في ليدن سنة 1896. (3) nSieben Buecher der: Max Simon Anatoime des Galen ليبسك سنة 1906. (4) Arabian Med-: Donald Campbell influence on the Middle icine and its Ages, في مجلدين، لندن سنة 1926. (5) Islam: Carra de Vaul penseurs de L ج 2، باريس سنة 1921, ص 276 - 289. (6) ad Almansorem libri X.: Razes, ميلان سنة 1487. (7) Canon: Avicenne طبع باللاتينية في البندقية سنة 1507، وطبع بالعربية في رومة سنة 1593. (8) Chyrurgia: G. de Cauliaco, البندقية سنة 1497 وهو يتضمن كتاب الجراحة لأبي القاسم خلف بن عباس الزهراوى. [كارا ده فو B Carra de Vaux] التشريق " التشريق": هو الاسم الذي تعرف به الأيام الثلاثة الأخيرة من الحج، من الحادي عشر إلى الثالث عشر من ذي الحجة، وفيها يقيم الحجيج في منى بعد إذ فرغوا من مناسك الحج ليرموا الجمرات الثلاث كل يوم سبع حصيّات. وكانت كلمة التشريق تطلق في صدر الإسلام على الصلاة التي تقام في صبيحة العاشر من ذي الحجة (¬1) ولعلها كانت من كلمات الجاهلية فلم يقطع المسلمون فيها بتفسير، من ذلك أنهم أخذوا بظاهر الكلمة فقالوا إنها من ¬

_ (¬1) يريد صلاة العيد يوم الأضحى.

تشريح اللحم المتبقى من الضحية في ذي الحجة وتقديده وهو تفسير يشك (¬1) فيه. وفي حديث من أحاديث الآحاد أن كلمة التشريق مأخوذة من تلاوة الكلمات الآتية "أشرق ثبير كيما نغير (¬2) ". وعلى هذا جاز القول بأن هذه الكلمات لم تكن تقال في الأصل قبل مشرق اليوم العاشر من ذي الحجة فقط كما نبئنا، وإنما كانت تقال أيضًا عند رمى الجمرات في الأيام التالية له" وأنها كانت من أركان الشعائر في هذه الأيام فسميت الشعائر جميعا فيما بعد بهذا الاسم. وفي الإسلام جرى الحجاج على رمى الجمرات وهم يكبرون ويهللون بعبارات أخرى. ولعل هذا هو الذي حدا بأبى حنيفة إلى القول بأن التشريق هو التكبير (تاج العروس، ج 6، ص 393. المصادر: (1) لسان العرب، ج 12، ص 42 وما بعدها. (2) تاج العروس، ج 6، ص 393 وما بعدها. (3) An Arabic, English Lex-: Lane icon ص 1541. (4) Die Israeliten zu Mekka: R. Dozy، ليبسك هارلام، سنة 1864, ص 118 - 126، ولا يؤخذ الآن بالرأى القائل بأن الكلمة مشتقة من العبرية. (5) Het Mekkaansche: Snouckhurgronje Feest، ليدن سنة 1880 Verspreide. Geschriften ج 1، ص 1 وما بعدها) ص 171 - 174. (6) Rete arabischen Hei-: Wellhausen dentims, ص 80, 190, تعليق 1. (7) Ueber die Zeits-: Th. W. Juynboll chrift في Bedeutung des Wortes ¬

_ (¬1) ما الداعى إلى الشك فيه؟ قال في اللسان (تشريق اللحم تقطيعه وتقديده وبسطه، ومنه سميت) يام التشريق، وأيام التشريق ثلاثة، بعد يوم النحر, لأن لحم الأضاحي يشرق فيها. أي يشزر". (¬2) تبير جبل بظاهر مكة، والإغارة الدفع والمعنى كما في لسان العرب: أدخل أيها الجبل في الشروق، وهو ضوء الشمس، كيما نغير، أي: كيما ندفع للنحر، وكانوا لا يفيضون حتى تطلع الشمس، فخالفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأفاض قبل طلوع الشمس، كما ثبت في الحديث الصحيح. وانظر نيل الأوطار للشوكانى، (ج 5، ص 142 من الطبعة المنيرية). أحمد محمد شاكر

تشرين

fuer Assyriologie, ج 27, سنة 1912، ص 1 - 7. (8) Le: Gaudefroy - Demombynese Pelerinage a la Mekk باريس سنة 1923, ص 273, 291 - 299, ص 302, التعليق. [باريه R. Paret] تشرين اسم الشهرين الأولين في التقويم السورى وهذا التقويم قديم قدم النقوش التدمرية، وهو يدل فيها على شهر واحد هو الشهر الأول (السابع في تقويم اليهود) في حين أطلق على الشهر الثاني اسم "كانون" و "تشرين" في تقويم كنيسة السريان اسم شهرين هما الثالث والرابع من التقويم السورى -أي التاسع والعاشر من تقويم اليهود وهما "كسيلو" و"طيبيث" واستبدل بكانون شهر تشرين الثاني، وقد رأى كودشمد Gutschmid أن تقويم هليوبوليس- وتسمى الشهور الأربعة الأولى منه ب"أك" و "ثورين" و "كيلون". "تشانو" -هو مرحلة من مراحل تطور أسماء الشهور الأربعة الأولى من التقويم السريانى، إذ كان لكل منها في أول الأمر اسم بذاته ثم غدا لكل زوجين منها اسم واحد؛ وتقابل الأسماء "ثورى" و "كيلون" و "تشانو" الأسماء "تشرى" و "كسليو" و "كانون". والسبب في تغير "كيلون" إلى "كانون" يرجع إلى إبدال في الحروف، أما إحلال "تشرى" محل "أك" فلعله يعود إلى اليهود. ويميز أهل الشام بين التشرينين بقولهم تشرين "قديم" و "تشرين حراى" كما ورد في البيرونى. أما العرب فيقولون "تشرين الأول" و "تشرين الآخر" أو "الثاني". وأصبح هذان الشهران متفقين في الزمن مع شهرى أكتوبر ونوفمبر من التقويم الروماني، وأيام الأول واحد وثلاثون يوما والثاني ثلاثون فقط. وتسقط في التشرينين منازل القمر الأربعة الأولى وتطلع فيما بين الخامس عشر والثامن عشر، ويحدث هذا -كما يقول البيرونى- في العاشر والثالث والعشرين من تشرين الأول، وفي

التشهد

الخامس والثامن عشر من تشرين الثاني، أو في الثامن عشر والحادى والثلاثين من تشرين الأول والثالث عشر والسادس والعشرين من تشرين الثاني، كما يقول القزوينى. ويقول البيرونى إن كواكب منازل القمر الأربعة طلعت وسقطت في الثاني والعشرين من تشرين الأول وفي الخامس والثامن عشر والحادى والثلاثين من تشرين الثاني لسنة ألف وثلاثمائة للإسكندر الرومى الموافق عام 989 لميلاد المسيح. المصادر: (1) البيرونى، طبعة سخاو، ص 60, 70 , 347 - 349 (2) القزوينى: عجائب المخلوقات طبعة فستنفلد، ج 1، ص 42 وما بعدها، 47 وما بعدها، والترجمة الألمانية بقلم Ethe ص 88 وما بعدها، 98 وما بعدها، 135 وما بعدها. (3) A glossary of the Ara-: A, Cook lnscriptions maic سنة 1898، هذه المادة. (4) A Text - Book of: G A Cook lnscripitions North - Semitic سنة 1903. (5) Schriften: A.V. Gutschmid Kleine ج 2، سنة 1890، ص 647 وما بعدها. (6) Techn. Chron.: Ginzel .U .math .d .Hand b ج 1، ص 264, ج 3، ص 33. [بلسنر M. Plessner] التشهد " التشهد": مصدر الخماسي من شهد، وهو تلاوة الشهادة خصوصا في الصلاة. وينبغى ألا يغيب عن الذهن أن التشهد في هذه الحالة لا يشمل الكلمتين وحدهما ولكنه يشمل كذلك النص الآتي: 1 - "التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله". 2 - و "السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين". 3 - والشهادة الأصلية المكونة من الكلمتين (¬1) وصيغة التشهد هذه تتفق ¬

_ (¬1) بلفظ "أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله".

وحديث رواه ابن عباس جاء في صدره "كان رسول الله [صلى الله عليه وسلم] يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن" (انظر مسلم، كتاب الصلاة، 60). ويروى ابن مسعود الحديث نفسه مُسقطا لفظ "المباركات" من الفقرة الأولى من (¬1) (صحيح مسلم، كتاب الصلاة، 56؛ أحمد بن حنبل: المسند, ج 1، ص 422). أما أبو موسى الأشعرى فيرويه هكذا: "التحيات الطيبات الصلوات لله". ويثبت النووي في شرحه كتاب الصلاة من صحيح مسلم أن الأئمة يجيزون الصيغ الثلاث، وإن كانت المذاهب لم تجمع الرأى على أي الصيغ هي الأفضل (¬2). ويتلى التشهد مرتين في الصلاة: الأولى عقب الركعتين الأوليين، والثانية في ختام الصلاة. وفي المرة الأخيرة قد يتبع بدعوات خاصة ثم يختم بالتسليمتين. المصادر: (1) كتب الفقه (2) الفقرات من كتب الحديث التي ذكرها فنسنك في كتابه Handbook of Muhammadan Tradition Early مادة تشهد، وبخاصة الإشارات إلى الترمذي. (3) وقد وصف لين Lane الشعائر الحديثة في الفصل الخاص بالدين والشريعة من كتابه - Manners and Cus .toms of the Modern Egyptians [فنسنك Wensinck .J.A] ¬

_ (¬1) رواية ابن مسعود (التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله). (¬2) وانظر أيضًا كتاب الرسالة للإمام الشافعي بشرحنا في الفقرات (رقم 737 - 757). أحمد محمد شاكر

التصوف

التصوف 1 - أصل الكلمة: التصوف مصدر الفعل الخماسي المصوغ من "صف" للدلالة على لبس الصوف، ومن ثم كان المتجرد لحياة الصوفية يسمى في الإسلام صوفيًا. ينبغي رفض ماعدا ذلك من الأقوال التي قال بها القدماء والمحدثون في أصل الكلمة، كقولهم إن الصوفية نسبة إلى "أهل الصفة" وهم فرق من النساك كانوا يجلسون فوق دكة المسجد بالمدينة لعهد النبي [صلى الله عليه وسلم]، أو أنهم من الصف الأول من صفوف المسلمين في الصلاة، أو من بنى صوفة، وهي قبيلة بدوية، أو أنهم نسبوا إلى "الصَوفْانة" وهي بَقْلة أو إلى "صوفة القفا" وهي الشعرات النابتة عليه، أو أن اللفظ مشتق من "صوفى"، مطاوع صافى والأصل صَفَا. وقد استعصل هذا اللفظ المطاوع منذ القرن الثامن الميلادي للتورية مع كلمة صوفى بمعنى المتنسك لابس الصوف، ومع الكلمة اليونانية سوفوس التي حاولوا فيها المحال بالمعادلة بين "تيوسوفيا" Theosophie". و"تصوف". وقد رد نولدكه Noeldeke هذا المذهب الأخير في أصل كلمة "صوفى" مبينا أن السين اليونانية تكتب باطراد في العربية سينًا لاصادًا، وأن ليس في اللغة الآرمية كلمة متوسطة للانتقال من "سوفوس" اليونانية إلى "صوفى" العربية (Noeldeke في Zeitschrift der -Deutschen Morgenlandischen Ge sellschafl ج 48، ص 45). وورد لفظ "الصوفى" لقبًا مفردا لأول مرة في التاريخ في النصف الثاني من القرن الثامن الميلادي، إذ نعت به جابر بن حَيان، وهو صاحب كيمياء شيعى من أهل الكوفة، له في الزهد مذهب خاص (انظر خشيش النسائي المتوفى عام 253 هـ الموافق عام 867 م: الاستقمامة) وأبو هاشم الكوفي المتصوف المشهور. أما صيغة الجمع "الصوفية" التي ظهرت عام 199 هـ (814 م) في خبر فتنة قامت بالإسكندرية (الكندى: قضاة مصر، طبعة غست Guest, ص 162 , 440) فكانت تَدل -قرابةَ ذلك العهد فيما يراه المحاسى (مكاسب، مخطوط فارسى، رقم 87) والجاحظ (البيان والتبين ج

1، ص 194 - على مذهب من مذاهب التصوف الإسلامي يكاد يكون شيعيا نشأ في الكوفة، وكان عَبْدَك الصوفى آخر أئمته، وهو من القائلين بأن الإمامة بالتعيين، وكان لا يأكل اللحم، وتوفى ببغداد حوالي عام 210 هـ (825 م) , وإذن فكلمة "صوفى" كانت أول أمرها مقصورة على الكوفة. وقدر لهذا الاسم أن يكون له شأن خطير فيما بعد، فما انقضى خمسون عاما حتى أصبح يطلق على جميع الصوفية بالعراق في مقابل "الملامتية" وهم الصوفية بخراسان، ثم أخذ هذا الاسم يطلق بعد ذلك بقرنين على جميع أهل الباطن من المسلمين كما هو حالنا اليوم في إطلاق كلمة "صوفى" و"صوفية". وفي غضون ذلك أصبحت لبسة الصوف، أي عباءة من الصوف، وما برحت، من أخص أزياء المسلمين من أهل السنة. واستقبح هذا الزى حوالي عام 100 هـ (719 م) فقيل إنه نصرانى دخيل في الإسلام. وقد عابوا على فرقد السبخى تلميذ الحسن البصري هذه اللبسة. وروى الجوبيارى عن النبي أحاديث، يستحب فيها لبس الصوف لرجال الدين. 2 - أصول التصوف: والتفاسير الصوفية للقرآن والأحاديث الصوفية عن حياة محمد الباطنة التي لا نعلم عنها إلا القليل، متأخرة في الزمن بعض الشيء حتى ليشك فيها، على أن النزوع إلى التصوف، وما خلا منه قطر من الأقطار أو أمة من الأمم لم يكن يعوز البلاد العربية الإسلامية في القرنين الأولين للهجرة؛ فإذا ما استبعدنا الأساطير المتأخرة، فإنا نجد الجاحظ وابن الجوزي، وهما من القصاص، قد حفظا لنا أسماء نيّف وأربعين زاهدًا عاشوا حقا في ذلك العهد، وكان في إبطانهم العبادات دلائل بينة على حياة التصوف؛ على أنه لم يعد من الجائز أن يقال إن محمدًا [- صلى الله عليه وسلم -] أخرج المتصوفة ابتداءً من الجماعة الإسلامية، إذ لا يخفى على أحد اليوم أن الحديث المشهور "لا رهبانية في الإسلام" - الذي ذهب شبرنكر Sprenger في تفسيره

هذا المذهب- حديث موضوع، وليس من شك أنه وضع في القرن الثالث الهجرى على أكثر تقدير تحبيذا وتدعيما لتفسير جديد للآية السابعة والعشرين من سورة الحديد التي ورد فيها ذكر الرهبانية، وهو تفسير يحرمها ويعيذ الإسلام منها، وكان مفسرو القرون الثلاثة الأولى للهجرة أمثال مجاهد وأبي أمامه الباهلى (انظر Essai sur les origines: Massignon -du Lexique tech nique de la mystique Mu sulmane ص 123 - 131) والمتصوفة القدامى الذين عرفوا بالحرص (انظر جنيد: دواء الأرواح) قد أجمعوا على تفسير هذه الآية تفسيرا يجيزها ويمتدحها قبل أن يشيع التفسير المعارض الذي غلّبه الزمخشرى على جميع التفاسير. ويجوز للمتصوفة المسلمين أن يزعموا أنه كان بين الصحابة رجلان يعدان بحق السابقين إلى التصوف هما أبو ذر وحذيفة، ولم يثبت ثبوتا قاطعا أن أويسا وصهيبا كانا على شاكلة هذين الصحابين. وجاء بعد هؤلاء، النساك والزهاد والبكاءون والقصاص، وكانوا أول أمرهم متفرقين لا رابط بينهم، ثم تجمعوا فريقين، شأنهم في ذلك شأن بقية المتفقهين في سائر العلوم الإسلامية، وكان مركز الفريقين على حدود أرض الجزيرة من صحراء العرب أحدهما في البصرة والآخر في الكوفة. وكان العرب الذين استوطنوا البصرة من بنى تميم، مفطورين على النقد لا يؤمنون إلا بالواقع، كلفوا بالمنطق في النحو والواقع في الشعر والنقد في الحديث وكانوا على مذهب أهل السنة مع جنوح المعتزلة والقَدِرَية، وكان شيوخهم في التصوف الحسن البصري المتوفى عام 110 هـ (728 م) ومالك بن دينار وفضل الرقاشى ورباح ابن عمرو القيسى وصالحا المرّى وعبد الواحد ابن زيد المتوفى عام 177 هـ (793 م) صاحب طائفة الزهاد في عبادان. أما العرب الذين استوطنوا الكوفة فكانا من اليمانية، أصحاب مثل وتقاليد يستهويهم الشواذ في النحو والخيال في الشعر والظاهر في الحديث. وكانوا

على مذهب الشيعة مع ميل إلى المرجئة. وشيوخهم في التصوف ربيع بن خَيثَم المتوفى عام 67 هـ (686 م) وأبو إسرائيل الملائى المتوفى عام 140 هـ (757 م) وجابر بن حَيّان، وكليب الصيداوى، ومنصور بن عمّار، وأبو العتاهية وعَبْدَك. وقضى منصور بن عمّار وأبوالعتاهية وعبدك الشطر الثاني من حياتهم في بغداد، قصبة الدولة الإسلامية التي غدت مركز الحركة الصوفية بعد عام 250 هـ، وهو العام الذي بدأت تعقد فيه الاجتماعات والحلقات للتناظر في شئون الدين، وتلقى فيه أولى الدروس الصوفية في المساجد. وهو أيضًا العهد الذي اشتجر فيه الخلاف جهرة ولأول مرة بين المتصوفة والفقهاء، وسيق فيه أمام قضاة بغداد ذو النون المصري عام 240 هـ، والنورى، وأبو حمزة (ما بين عامي 262 - 269 هـ = 875 - 882 م في رواية ابن الجوزي: تلبيس إبليس، ص 138) والحلّاج. 3 - شأن الصوفية في الجماعة الإسلامية: لم يكن المتصوفة الأول يتوقعون أن يصطدموا بأولى الأمر في الجماعة الإسلامية، فهم إذا كانوا قد جنحوا إلى العزلة وآثروا الفقر فذلك لكى يتقرأوا القرآن (تقرأ هو المرادف القديم لكلمة تصوف) بالتماس القربى من الله في الصلاة. والواقع أن منشأ النزوع إلى التصوف هو ثورة الضمير على ما يصيب الناس من مظالم لا تقتصر على ما يصدر عن الآخرين وإنما تنصب أولًا وقبل كل شيء على ظلم الإنسان نفسه. وتقترن هذه الثورة برغبة في الكشف عن الّله بأى وسيلة يقويها تصفية القلب من كل شاغل، وهذا الذي نلمسه في سيرة الحسن البصري وفي عبره وعظاته (انظر Is 1: Schaeder ج 14، ص 1 - 72, Massignon: Essai , ص 152 - 179) قد تجلى في السيرتين الرائعتين اللتين كتبهما المتصوفان الكبيران المحاسبى (الوصايا، وقد نشرت ترجمتها في Massignon, ص 216 - 218) والغزالى (المنقذ من الضلال، وقد ترجمه - Barbier de Mey

nard) يترجمان فيهما عن نفسيهما. على أن ذلك لم يكن قد هدد بعد النظام القائم بالغا ما بلغ جور الحاكم، ولكن الفقهاء والمتكلمين أسخطهم أن يروا أناسا يتحدثون عن نشدان الضمير ويحتكمون إلى قضائه الباطن، في حين أن شريعة القرآن تحاسب على الأعمال الظاهرة وتعاقب الناس على آثامهم ولا حيلة لها مع النفاق في الدين، ولذلك حاولوا أن يبينوا أن حياة الصوفية لا محالة مفضية بهم إلى الزيغ, لأنهم يقولون إن النية مقدمة على العمل وإن السنة خير من الفرض وإن الطاعة خير من العبادة. وكان الخوارج أول الفرق الإسلامية التي أظهرت عداوتها للصوفية، وهذا باد فيما وقع للحسن البصري. ثم جاءت الإمامية (الزيدية والاثنا عشرية والغلاة) في القرن الثالث الهجرى فأنكروا كل نزوع إلى التصوف لأنه يستحدث بين المؤمنين ضربًا من الحياة الشاذة (صوف، خانقاه) تتمثل في طلب الرضا من غير توسل بالأئمة الاثنى عشر وطلب إمامة تناقض ما جروا عليه من تَقِيَّة. وأبطأ أهل السنة في بيان موقفهم وأجمعوا على إنكار التصوف، ودحضه فريقان منهم الحَشْويَّة، وابن حنبل يأخذ على التصوف أنَّه يغذى التفكر ويصرف أصحابه عن مظاهر العبادة ويحملهم على طلب الخلة مع الله فيستبيحون إغفال الفرائض. وخشيش وأبو زرعة، وهما ممن تتلمذ لابن حنبل، يجعلان المتصوفة طائفة من الزنادقة (الروحانية). أما المعتزلة والظاهرية فيستنكرون العشق, لأنه يقوم من الناحية النظرية على التشبيه، ويقوم من الناحية العلمية على الملامسة والحلول. ولكن الواقع أن أهل السنة لم يقولوا بمروق المعتدلين من المتصوفة، فقد دأب أهل السنة على الاهتداء في معاملاتهم وعباداتهم بالرسائل المشهورة التي ألفها ابن أبي الدنيا المتوفى عام 181 هـ (894 م) ثم بعيون التواليف مثل كتاب "قوت القلوب" لأبي طالب المكي المتوفى عام 386 هـ (996 م) وكتاب الإحياء للغزالى بصفة خاصة، وكان

فقهاؤهم -الذين اشتدوا في الحط من شأن المتصوفة أمثال ابن الجوزي وابن تيمية وابن القيّم- يقدرون الغزالى ويعدونه حجة في مسائل الأخلاق. وإنما صب فقهاء أهل السنة المتأخرون جام غضبهم على مريدى ابن عربي لقولهم بالوحدة. وقد شرح صاحب مذهب الوهابية -ونحن نعلم مبلغ خصومته للمتصوفة- وصية المتصوف "شقيق" إلى "حاتم الأصم". 4 - معنى الاتحاد وتطوره في تاريخ التصوف كان التصوف في أول عهده يدور حول نقطتين: أولاهما أن العكوف على العبادة يولد في النفس "فوائد" هي الحقائق الروحية، وقد أنكر الحَشْويَّة ذلك؛ وثانيهما أن علم القلوب يفيض على النفس "معرفة" تنطوى على استعداد الإرادة لتلقى هذه الفوائد، وقد أنكر المعتزلة ذلك وقنعوا بمعرفة النفس معرفة نظرية. ويقول المتصوفة إن في علم القلوب قوة محركة، وهو يبين السفر إلى الله وما فيه من مقامات وأحوال عدتها اثنا عشر، كما يقولون إن بعض الفضائل يُكتسب وبعض الفوائد يُتلقى. والمتصوفة -أمثال السرَاج والقشيرى والغزالى- يختلفون في ذكر المقامات والأحوال، ولكنهم مع ذلك يكادون يجمعون على استعمال اصطلاحات مشهورة بعينها مثل التوبة والصبر والتوكل والرضا. وإذا صرفنا النظر عن خلاف المتصوفة في السفر إلى الله فإنا نجدهم قد وجهوا همهم بنوع خاص إلى تحديد الغاية القصوى التي هي تحقق النفس بمعرفة الحق عندما يقطع العبد كل علائقها بالبدن. ولكن كيف السبيل إلى التعبير في لغة أهل السنة عن هذه الحال الراقية التي تخاطب فيها النفس الله وهي واحدة، وهي حال تثير موضوع "الشَطْح" الذي لم نصل بعد إلى رأى فيه، وقد كانت رابعة والمحاسبى ويحيى الرازي أول من فتح الله عليهم بها. ومن هنا لم يجد الصوفية بدًا من الرجوع إلى الألفاظ التي استعملها الفقهاء لعهدهم، فاستعاروا منها في

شتى المواطن مصطلحات حوروها بعض الشيء دون أن يحددوا لها معنى. ومن قبيل ذلك أن شقيقا استعمل لفظ "التوكل"، والمصرى وابن كَرَام لفظ "المعرفة", والمصرى والبسطامى لفظ "الفناء" وهو ضد "البقاء" (انظر سورة الرحمن، الآيتين 26 , 27)، والخرّاز لفظ "عين الجمع"، والترمذي لفظ "الولاية" إلخ. وقد انتهج التصوف الإسلامي في عهده الأول هذا السبيل فألقى بنفسه في مزالق ما وراء الطبيعة التي عرض لها المتكلمون الأول وفي مسائل الجوهر الفرد والمادية والاتفاق، وهي مباحث تنكر روحانية النفس بل بقاءها، وتخلط بين الموحدة الوجودية والوحدة العددية مما ينبنى عليه بالضرورة أن تسلك المدرسة الصوفية الأولى في زندقة الحلولية. فلو نظرنا إلى الكَرَامية الذين يقولون إن لله شأنا في خلق النفوس رأينا أن الأشعرية يأخذون عليهم إضافة الأعراض إلى الذات الأزلية، وإذا نظرنا إلى السالمية الذين يميلون إلى القول بأن النفوس المقبلة على الله تستطيع أن تتصل بالحضرة الإلهية، وجدنا أن الحنابلة يعيبون عليهم اتخاذهم من ذكر الله سبيلا إلى معرفته، ثم إننا إذا نظرنا إلى الحَلاجية رأينا أنهم يستدلون من خطاب الله في حالة الوجد ومما يعرض للعبد في هذه الحالة من تغير يحصل في أعماق نفسه، على أن الله قد جعل له من أوليائه شواهد، وهذا الرأى مردود لاستحالته ومنافاته للدين وتغليبه جسم الإنسان الفانى على الذات الإلهية، إذ ليس لذاتين أن تتحيزا مكانا بعينه في وقت واحد. وتسربت الفلسفة اليونانية إلى العالم الإسلامي، وأخذ سلطانها يزداد باطراد منذ أيام الأدرية القرامطة القدامى والرازى الطبيب إلى عهد ابن سينا، وكان من نتيجة ذلك أن استحدثت في القرن الرابع للهجرة مصطلحات ميتافيزيقية أدق من سابقها يفهم منها أن الروح والنفوس جواهر غير مادية، وأن ثمت معاني عامة وسلسلة من العلل الثانية وغير ذلك، وأن هذه المصطلحات اختلطت بالإلهيات المنحولة لأرسطو وبمثل أفلاطون وفيوضات أفلوطين، وقد كان لهذا كله

أثر بالغ في تطور التصوف. وحار شيوخ الصوفية لهذا العهد بين ضروب ثلاثة في تصير الاتحاد الصوفى تفسيرًا، فلسفيًا: (1) فالاتحادية -من ابن مَسَرَة وإخوان الصفاء إلى الفارابى وابن قَسى - يقولون إن الاتحاد هو تأليف معان بتأثير العقل الفعال (والعقل الفعال هو الفيض الإلهى؛ والفيض الإلهى هو النور المحمدى عند القرامطة والسالمية) على النفس المنفعلة. (ب) والإشراقية -من السهروردى الحلبى والجلدَكى إلى الدّوانى وصدر الدين الشيرازى- يقولون بتجوهر النفس وتألق النور الإلهى في إشراقات العقل الفعال. (ج) والوصولية -من ابن سينا إلى ابن طفيل وابن سبعين- يلتزمون القول بأن النفس تصل إلى موافقة الحق، ومن ثم تشعر بوجود جامع لا تكثُّر فيه ولا تعدد ولا تفرقة بأى وجه من الوجوه. ولنلاحظ في هذا المقام أن الغزالى (مقاصد الفلاسفة، ص 74) أنكر رأى الاتحادية، وهو رأى أقره ابن سينا في كتاب النجاة (القاهرة، ص 402 - 481) ورفضه في كتاب "الإشارات" (الفصل التاسع، ص 118؛ ابن عربي: التجليات)؛ ولنلاحظ أيضًا أن ابن سبعين، وهو من غلاة القائلين بالمادة الحية Hylemorphiste) لا يرى في الله إلا الصورة أو مبدأ "الأنِّية" في جميع المخلوقات. وفي القرن السابع الهجرى (الثالث عشر الميلادي) يبدأ العهد الثالث والأخير في تطور مذهب التصوف، وأبرز مدارس الصوفية لهذا العهد هي المدرسة التي أطلق عليها خصومها اسم "الوحدانية" أو "الوجودية" لأنها تدعو إلى وحدة الوجود، ويزعم أصحاب هذه المدرسة أن لمذهبهم أصلا قديما، فهم يؤولون آيات من القرآن سورة القصص، الآية 88؛ سورة ق، الآية 15 *) بما يعزز مذهبهم، كما يؤولون "كلام" الأشاعرة الأقدمين في أن كل حال روحية إنما هي فعل من أفعال الله الصادرة عنه بلا واسطة، ومبالغات المتصوفة الأول كالبسطامى ¬

_ (*) ورد في الأصل ضمن هذه الإشارات سورة البقرة الآية 109 ولا يستقيم معها الإسناد: . المحرر

والحلاج (وقد جمع عين القضاة الهمذانى في كتاب "التمهيدات" بعض هذه الأقوال، ومنها كلمة "الوجود" المشتقة من الوجد، واستعملها صاحب هذا الكتاب أيضًا بمعنى إلباس الّله مخلوقاته صفات في مقابل كلمة "كون"). على أن مذهب الوحدانية هذا مستمد في الواقع من الفكرة التي عرضت منذ القرن الثالث الهجرى وهي أن النور المحمدى الذي قال به الأدرية المسلمون هو عين العقل الفعال الذي ظهر في العهد اليونانى المتأخر، (ولم يبرأ ابن رشد نفسه من التأثر بمذهب الفيض، وذلك أنه قال في كتابه "تهافت التهافت" إن ثبوت الأشياء في علم الّله هو أرقى درجات وجودها وإن النفوس يجب أن تتحد به على نحو ما يتحد عقل منفعل في العقل الفعال). وكان ابن عربي المتوفى عام 638 هـ الموافق 1240 م أول من صاغ أصول مذهب وحدة الوجود. ويلاحظ ابن تيمية أن مذهب ابن عربي في جوهره هو أن وجود المخلوقات عين وجود الخالق: وهو في الحقيقة يرى أن الأشياء تصدر ضرورة عن العلم الإلهى الذي ثبتت فيه معانيها بفيض يتجلى على مراتب خمس. وأن النفس تعود إلى الذات الإلهية الجامعة بتنقلها من الكثرة إلى الموحدة تنقلا ترتبط مراحله ارتباطا منطقيًا. وفصل الفرغانى والجيلى هذا المذهب بعض التفصيل، وما زال الصوفية المسلمون جميعًا يقولون بهذا المذهب، وكثيرًا ما تغنى شعراء الفرس بالعبارة السهلة التي صاغها القونيوى ورتب بها آراء العطار على النحو الآتي: الله هو الوجود من حيث هو كلى لا يقوم بشيء، وهذا الوجود هو الذي يفيض بالكائنات المشخصة كما يفيض البحر من تحت أمواجه. وفي نهاية القرن السابع عشر الميلادي أثار الكورانى والنابلسى سخط أهل السنة لأنهما انتهيا إلى أن مذهب وحدة الوجود هذا هو أصح ما تؤول به شهادة "أن لا إله إلا الله" في الإسلام (انظر Massignon: Hallaj, ص 784 - 790). ذلك أنهما يذهبان إلى أن الشهادة التي يرى المسلمون أنها تثبت استقلال الله الواحد عن خلقه إنما تدل على اتصاله به اتصالا مطلقا، وإن

جُمّاع الموجودات بكل ما يصدر عنها من أفعال خلقية بأن تكون مجلى يُعبد الله فيه. وهذا المذهب في التأمل الذي يجعل للمشيئة الإلهية المكان الأرفع بالقياس إلى الأمر التكليفى قد جر الصوفية فيما جرهم إلى القول بفتوة إبليس (وهو قول أيده الجيلى) وفرعون (وهو قول مشهور من أقوال ابن العربي). 5 - سمات التصوف الأخرى ودراسة مصادره: والخصائص الأخرى التي يمكن ملاحظتها في مذهب التصوف هي: 1 - الإسناد: ويزعم الصوفية أنه يصل سلسلة شيوخهم بالنبي [صلى الله عليه وسلم] كما هو الشأن في الحديث، وأقدم أسانيدهم المعروفة (الفهرست، ص 183) إسناد الخُلدى المتوفى عام 348 هـ الموافق 959 م، وهو يرفعه إلى النبي [صلى الله عليه وسلم] على الوجه الآتي: جنيد (7) السَقَطى (6) معروف الكرخى) (5) فَرقَد (4) الحسن البصري (3) ثم أنس بن مالك (2) وجاء الدقاق المتوفى عام 405 هـ (1014 م)، (انظر القشيرى، ص 158) بعده بعشرين عامًا فذكر شيوخه بترتيب الخلدى ولم يختلف معه إلا في ذكر الكرخى قيل داود الطائى (4) ثم ذكر آخر الأمر الإسناد الذي عليه الجمهور والذي تحددت طبقاته في القرن الثالث عشر الميلادي (ابن أبي أصيبعة: عيون الأنباء، جـ 2، ص 250) وهو الإسناد الذي أخذت به جميع الطرق الدينية الكبرى, ويأتى فيه بعد جنيد (7) الروذبارى (8) وأبو على الكاتب أو الزجاجى (9) والمغربى (10) والكركانى (11) ثم يأتي قبل داود الطائى (4) حبيب العجمى (3) والحسن البصري (2) وعلى (1). وقد بين ابن الجوزي والذهبي أن الطبقات الأربع الأولى في هذا الإسناد منحولة لأن واحدًا من هؤلاء لم يلق الآخر. وتصطنع بعض الطرق الأخرى إسنادًا تقدم فيه أئمة الشيعة التسعة الأول على معروف الكرخى، وهو أيضًا إسناد ملفق. ب- طبقات رجال الغيب: ويزعم الصوفية أن العالم يدوم بقاؤه بفضل

تدخل طبقة من الأولياء المستورين عددهم محدود، وكلما قبُض منهم واحد خلفه غيره، ورجال الغيب هم: ثلاثمائة من النقباء، وأربعون من الأبدال، وسبعة أمناء، وأربعة عمد ثم القطب وهو الغوث. ب- الرخص التي تقوم عليها حياة الصوفية العامة والغالب أنها رخص لا نظير لها ولا حد لسطوتها، وهي قديمة العهد ترجع إلى أيام البسطامى والشبلى وأبي سعيد وتنتهي بمجذوبى العصر الحديث الذين يتفاوتون في الفسق والتحرر من التبعات. وينشد الصوفية في حلقاتهم أشعارًا خاصة، وقد ترعرع هذا الأدب الذي هو من خصائص الإسلام في كل مكان وغزر إنتاجه إلى حد بعيد، ولكنه لا يخلو من جفوة وإملال، فهو يتوسل بفنون البلاغة إلى إحداث ضرب من التواجد في نفوس المستمعين إليه. ويمدح أصحاب هذا الأدب في لغة صوفية الخمر التي حرمها الشرع في هذه الدنيا وادخرت لجنة أهل الخصوص، ويتغنون بكاس المحبة التي يديرها الساقى (شمس الدير = ترسابجه) عليهم مسترسلين في تلويحاتهم فيتملكهم هيجاق يخرج بهم عن الطور في كثير من الأحيان، ومن هنا رأى غالب نقلة الغرب أن من الحكمة إغفال هذه التلويحات. وأشهر شواهد هذا الشعر في العربية: قصائد ابن الفارض والتسترى، وفي الفارسية رباعيات أبي سعيد ومثنويات العطار والرومى المطولة (كقصة جلال الدين الرومى في الموحدة: من هناك؟ .. إنه أنت .. إلخ) وغزل حافظ وقصائد جامى المختلفة، وأشهرها في التركية أشعار نسيمى ونيازى. وتأقلم هذا الضرب من الأدب في بلاد الأردو والملايو وبقى بها إلى يومنا هذا، ومع ذلك فلم يعد له أثر في الشرق الأدنى، وينصرف عنه خاصة المسلمين المحدثين على الأيام. أما دراسة مصادر التصوف فإن الشقة بيننا وبين استكمالها مازالت بعيدة، وقد حار علماء. الإسلاميات الأول في تعليل ذلك الخلاف الكبير في العقيدة بين مذهب الموحدة الحالى ومذهب أهل السنة الصحيح، فذهبوا

إلى أن التصوف مذهب دخيل في الإسلام مأخوذ إما من رهبانية الشام (وهو رأى مركس Merx) وإما من أفلاطونية اليونان الجديدة، وإما من زرادشتية الفرس، وإما من فيدا الهنود (هو رأى جونس Jones). وقد بين نيكولسون Nicholson أن إطلاق الحكم بأن التصوف دخيل في الإسلام غير مقبول؛ فالحق إننا نلاحظ منذ ظهور الإسلام أن الأنظار التي اختص بها متصوفة المسلمين نشأت في قلب الجماعة الإسلامية نفسها أثناء عكوف المسلمين على تلاوة القرآن والحديث وتقرئهما وتأثرت بما أصاب هذه الجماعة من أحداث وما حل بالأفراد من نوازل. على أنه إذا كانت مادة التصوف إسلامية عربية خالصة فمما لا يخلو من فائدة أن نتعرف على المحسنات الأجنبية التي أدخلت عليه ونمت في كنفه. وهكذا استطاع الباحثون المحدثون أن يلمسوا في التصوف الإسلامي كثيرًا من خصائص العكوف عند رهبان النصارى (ومن هؤلاء الباحثين آسين بلاثيوس asin Palacios فنسنك Wensinck وأندرية T. Andrae)) وطائفة كبيرة من المصطلحات الفلسفية اليونانية المنقولة عن السريانية. ولم تدرس بعد شواهد المحسنات الإيرانية التي ساقها بلوشيه Blochet. أما من حيث الخصائص السنسكريتية في التصوف الإسلامي (وهو قول هورتن Horten) فقد ذهب البيرونى ودار اشكواه إلى أن هناك تشابها بين الأوبنشاد أو إليوجاسوترا وأنظار المتصوفة الأول، ولم يقم بعد ما ساقاه من الأدلة إلا القليل، ونجد من ناحية أخرى أن بحث المراحل التي أدت إلى إدخال "الذكر" في طرق الصوفية المحدثين تدلنا على تسرب بعض طرائق الهنود إلى التصوف الإسلامي. المصادر: (1) عنى pfannmueller.G عناية فائقة في مصنفه Handbuch der Islam Litter atur يبسك سنة 1923 , ص 265 - 292) بذكر المصادر الغربية التي يرجع إليها في دراسة التصوف وخير المصادر العامة التي أوردها في بيانه المطول هي: (2) Mystics of Islam: R.A Nicholson لندن سنة 1914

(3) Islamic Mysticism in Studies كامبردج سنة 1921 (4) in Sufism The Idea of Personality سنة 1922. وثمت مصادر يرجع إليها في بعض مسائل التصوف. فعن أصوله يرجع إلى أبحاث كولدتسيهر Goldziher الدقيقة Revue del'histoire des Religions جـ 37، ص 314. (5) fuer die Kunde Wiener Zeitschrift des Morgenlandes 68 , ص 544 (6) Der Islam جـ 9، ص 144 (7) Essai sur les origines: Massignon -du Lexique techique de la mystique Mu sulman , باريس سنة 1922. (8) الكاتب نفسه - La Passion d' al martyr mystique de l'Islam Hallaj باريس سنة 1922. ويرجع في شأن الغزالى إلى: (9) Algazel: Asin Palacios سرقسطة سنة 1901 وإلى: (10) Cultura espaniola , ص 209 وإلى: (11) - Melanges de la Faculte Orien tale de Beyrouth سنة 1914 , ص 67 (12) Der philosophische: Obermann Subjektivismus Gazalis und religioese فينا سنة 1921 , ويرجع في شأن ابن الفارض إلى: (13) Nallino في رده على Di Mat- teo في Rivista degli studi orientali سنة 1919 - 1920. ويرجع في شأن ابن عربي إلى: (14) Elmistico Mur-: Asin Palacios: ciano Abenarabi, مدريد سنة 1925 - 1926 في ثلاثة مجلدات، ويرجع في شأن التصوف الهندى في القرن السابع عشر إلى: (15) Von Kremer في Journal Asia- tique سنة 1869، ص 105، ويرجع فيما يختص بمناهج التصوف النفسية إلى: (16) وثائق أفلاكى، ترجمة Hart في Les saints des deruiches tour- neurs باريس سنة 1918 (17) The Religious: D.B. Macdonald Attitude and Life in Isilm سنة 1908. ويرجع في شأن النصوص الأصلية إلى

تعليق على مادة "التصوف"

(18) الطبعات الجميلة التي قام بها نيكلسون Nicholson لكتب السراج والعطار وابن عربي والرومى، وإلى ترجمة Richard Hartmann لكاتب القشيرى وترجمة Hart لكتاب داراشكوه في Journal Asiatique سنة 1926 , ص 285 وإلى شروح Gard- ner على كتاب مشكاة الأنوار للغزالى Al Ghazzalis mishkat al - anwar - لندن سنة 1924 , وشرح Horten على السهروردى الحلبى Die Philosophie der Erleuch tung nach Suhr awardi هالة 1912؛ وشرح كوبريلى زاده محمد فؤاد على المتصوفة الترك الأول: تورك أدبياتنده إيلك متصوفلر، إستانبول سنة 1919 وشرح Nyberg على ابن عربي Schriften des Ibn al - Ara- Kleinere) (bi ليدن سنة 1919 - إلخ (20) وأمهات الكتب العربية في الصوف هي تواليف المحاسبى والمكى والغزالى وابن عربي، وهي كتب مشايعة له، وانظر كذلك مصنفات المعارضين الكبيرين للتصوف وهما ابن الجوزي: تلبيس إبليس، طبعة القاهرة سنة 340 هـ، وابن تيمية. [ماسينيون Louis Massignon] تعليق على مادة "التصوف" أ- نشاة كلمة صوفى، ومتصوف وأصلهما 1 - كان الإقبال على الدين والزهد في الدنيا غالبًا على المسلمين في صدر الإسلام، فلم يكونوا في حاجة إلى وصف يمتاز به أهل التقى والعكوف على الطاعات والانقطاع إلى الله، ولم يتسم أفاضلهم في الجيل الأول بتسمية سوى صحبة رسول الله، إذ لا أفضلية فوقها، فقيل لهم الصحابة، ولما أدركهم أهل الجيل الثاني سمى من صحب الصحابة بالتابعين. فلما فشا الإقبال على الدنيا في القرن الثاني وما بعده وجنح الناس إلى مخالطة المتاع الدنيوى قيل للخواص ممن لهم شدة عناية بأمر الدين، الزهاد والعباد. ثم ظهرت الفرق الإسلامية، فادعى كل فريق أن فيهم زهادًا وعبادًا، هنالك انفرد خواص أهل السنة المقبلون على العبادة باسم الصوفية والمتصوفة،

واشتهر هذا الاسم قبل المائتين من الهجرة، فهو اسم محدث بعد عهد الصحابة والتابعين (¬1). ويقول بعض العلماء: إن هذا الاسم معروف في الملة الإسلامية من قبل ذلك، بل يذهب بعضهم إلى أنه لفظ جاهلى عرفته العرب قبل ظهور الإسلام. قال أبو نصر عبد الله بن علي السراج الطوسى المتوفى سنة 378 هـ (988 م) في كتاب "اللمع" في التصوف: "وأما القائل إنه اسم محدث أحدثه البغداديون فمحال, لأنه في وقت الحسن البصري (¬2) كان يعرف هذا الاسم، وكان الحسن قد أدرك جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضى عنهم، وقد روى عنه أنه قال: (رأيت صوفيا في الطواف فأعطيته شيئًا فلم يأخذه وقال: معى أربعة دوانيق فيكفينى ما معى). وروى عن سفيان الثوري (¬3) رحمه الله أنه قال: لولا أبو هاشم الصوفى (¬4) ما عرفت دقيق الرياء. وقد ذكر في الكتاب الذي جمع أخبار مكة عن محمد ابن إسحاق بن يسار (¬5) وعن غيره يذكر فيه حديثًا: إن قبل الإسلام قد خلت مكة في وقت من الأوقات حتى كان لا يطوف بالبيت أحد، وكان يجئ من بلد بعيد رجل صوفى فيطوف بالبيت وينصرف. فإن صح ذلك يدل على أن قبل الإسلام كان يعرف هذا الاسم، وكان يندسب إليه أهل الفضل والصلاح والله أعلم". فاستعمال لفظ صوفى ومتصوف لم ينتشر في الإسلام إلا في القرن الثاني وما بعده، سواء) كان هذا التعبير عن الزهد "بالصوفى" حدث في أثناء المائة الثانية كما هو رأى ابن خلدون المتوفى عام 806 هـ (1406 م) في مقدمته، أم كان هذا التعبير معروفا في الإسلام قبل القرن الثاني، أم كان لفظًا جاهليًا على ما ذكره صاحب "اللمع" الذي ¬

_ (¬1) مقدمة ابن خلدون، وكشف الظنون عند الكلام على التصوف. (¬2) المتوفى سنة 110 هـ (727 م). (¬3) المتوفى سنة 161 هـ (777 م). (¬4) المتوفى سنة هـ 150 هـ (773 م) وقيل أنه أول من سمى بالصوفى. (¬5) المتوفى سنة 150 هـ (767 م).

يحاول أن يبرئ الصوفية من انتحال اسم مبتدع لم يعرفه الصحابة ولا التابعون. ويقول ابن تيمية في رسالته "الصوفية والفقراء": "أما لفظ الصوفية فإنه لم يكن مشهورًا في القرون الثلاثة وإنما اشتهر التكلم به بعد ذلك. وقد نقل التكلم به عن غير واحد من الأئمة والشيوخ كالإمام أحمد بن حنبل (¬1) وأبي سليمان الدارانى (¬2) وغيرهما. وقد روى عن سفيان الثوري أنه تكلم به، وبعضهم يذكر ذلك عن الحسن البصري". أما الأستاذ ماسينيون Louis Mas- signon فيقول في كتابه: Recueil de textes inedits concernatc l Histoire de Mystique en pays d'Islam المطبوع سنة 1929 بباريس، عند كلامه على عَبْدَك الصوفى المتوفى حوالي سنة 120 هـ الموافق 825 م: "صاحب عزلة بغدادى، وهو أول من لقب بالصوفى، وكان هذا اللفظ يومئذ يدل على بعض زهاد الشيعة بالكوفة، وعلى رهط من الثائرين بالإسكندرية. وقد يعد من الزنادقة بسبب امتناعه عن أكل اللحم"، ويريد الأستاذ أول من لقب بالصوفى في بغداد كما يؤخذ مما نقله في نفس الكتاب عن الهمذانى، ونصه: "ولم يكن السالكون لطريق الله في الأعصار السالفة والقرون الأولى يعرفون باسم المتصوفة، وإنما الصوفى لفظ اشتهر في القرن الثالث، وأول من سمى ببغداد بهذا الاسم عبدك الصوفى، وهو من كبار المشايخ وقدمائهم، وكان قبل بشر بن الحارث الحافى والسرى بن المفلس السقطى". ويقول ماسينيون في المادة التي نحن بصددها ماخلاصته: "وورد لفظ الصوفى" لقبًا مفردًا لأول مرة في التاريخ في النصف الثاني من القرن الثامن الميلادي إذ نعت به جابر بن حيان، وهو صاحب كيمياء شيعى من أهل الكوفة له في الزهد مذهب خاص، وأبو هشام الكوفي ¬

_ (¬1) المتوفى سنة 241 هـ (855 م). (¬2) عبد الرحمن بن أحمد بن عطية الزاهد المتوفى سنة 215 هـ (830 م).

الصوفى المشهور. "أما صيغة الجمع "الصوفية" التي ظهرت عام 199 هـ (814 م) في خبر فتنة قامت بالإسكندرية فكانت تدل قرابة ذلك العهد على مذهب من مذاهب التصوف الإسلامي يكاد يكون شيعيًا نشأ في الكوفة وكان عَبْدَك الصوفى آخر أئمته، وهو من القائلين بأن الإمامة بالتعيين، وكان لا يأكل اللحم، وتوفى ببغداد حوالي عام 210 هـ (825 م) وإذن فكلمة صوفى كانت أول أمرها مقصورة على الكوفة". 2 - أما أصل هذا التعبير فالأقاويل فيه كثيرة: فمن مرجح أنه لفظ جامد غير مشتق "كالقشيرى" المتوفى عام 465 هـ الموافق 1073 م. وقد جاء في "الرسالة مع شرحها" لشيخ الإسلام زكريا الأنصاري المتوفى سنة 926 هـ (1519 م). "وليس يشهد بهذا الاسم من حيث العربية قياس بين ولا إشتقاق كذلك لأن مصدر "صفا" صفو بتأخير حرف العلة عن الفاء، والأظهر فيه أنه غير مشتق بل هو جامد كاللقب". ومن قائل إنه مشتق "من الصفاء أو الصفو" والمراد صفو قلوب أهل التصوف وانشراح صدورهم ورضاهم بما يجريه الله عليهم، ثم إنهم مع الله في صفاء لا يشوبه شاغل، وهم بما أطلعهم الله عليه قد صفوا من كدر الجهل، قالوا: وكان في الأصل صفوى فاستثقل ذلك فقيل صوفى". ومن قائل: إن اللفظ مأخوذ من "الصوف" لأن لباس الصوف كان يكثر في الزهاد، قال صاحب اللمع: "فلما أضفتهم إلى ظاهر اللبسة كان ذلك اسما مجملا عاما مخبرًا عن جميع العلوم والأعمال والأخلاق والأحوال الشريفة المحمودة، ألا ترى أن الله تعالى ذكر طائفة من خواص أصحاب عيسى - عليه السلام - فنسبهم إلى ظاهر اللبسة فقال عزَّ وجلَّ: {إِذْ قَال الْحَوَارِيُّونَ} الآية، وكانوا قومًا يلبسون البياض فنسبهم الله تعالى إلى ذلك، ولم ينسبهم إلى نوع من العلوم والأعمال والأحوال التي كانوا بها مترسمين، فكذلك الصوفية عندي والله أعلم نسبوا إلى ظاهر اللباس ولم

ينسبوا إلى نوع من أنواع العلوم والأحوال التي هم بها مترسمون, لأن لبس الصوف كان دأب الأنبياء عليهم السلام والصديقين وشعار المساكين المتنسكين، وقيل في تسمية أصحاب عيسى - عليه السلام - بالحواريين، إنهم كانوا قَصَارين يغسلون الثياب، أي يحورونها، وهو التبييض. وقال قائلون: إن الصوفية نسبة إلى الصُّفَّة (¬1) التي ينسب إليها كثير من الصحابة، فيقال أهل الصفة، وأهل الصفة هم زهاد من مهاجرى الصحابة فقراء غرباء، كانوا سبعين ويقلون حينًا ويكثرون لا مسكن لهم ولا مال ولا ولد يسكنون صفة المسجد، وهو موضع مظلل في مسجد المدينة. لكن النسبة إلى الصفة لا تجئ على الصوفى، بل على الصّفى. وثم أقوال ضعيفة آخر، كالقول بأن الصوفى نسبة إلى الصف الأول, لأنهم في الصف الأول بقلوبهم من حيث المحاضرة والمناجاة وارتفاع الهمة مع الله تعالى والقرب منه، أو لأنهم كانوا أسرع الناس إلى الصف الأول في المساجد عند الصلاة. وكالقول بأنهم منسوبون إلى صوفة القفا، أي ما يتدلى في نقرة القفا من شعر يرسلونه متلبدًا مشعثًا كالصوف. وفي الأساس "صوفة قفاه زغباته وقيل ¬

_ (¬1) وجاء في الرسالة أهل الصفة لابن تيمية: مجموعة الرسائل والمسائل جـ 1، ص 26 - 20). "أما الصفة التي ينسب إليها أهل الصفة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فكانت في مؤخر مسجد النبي -صلعم- في شمال المسجد بالمدينة النبوية كان يأوى إليها من فقراء المسلمين من ليس له أهل ولا مكان يأوى إليه. ويكثر المهاجرون إلى المدينة من الأغنياء والفقراء والأهلين والعزاب فكان من لم يتيسر له مكان يأوى إليه يأوى إلى تلك الصفة التي في المسجد، ولم يكن جميع أهل الصفة يجتمعون في وقت واحد بل منهم من يتأهل أو ينتقل إلى مكان آخر يتيسر له ويجئ ناس بعد ناس وكانوا تارة يكثرون وتارة يقلون. فتارة يكونون عشرة أو أقل وتارة يكونون عشرين وثلاثين وأكثر وتارة يكونون ستين وسبعين. وأما جملة من أوى إلى الصفة من الصحابة مع تفرقهم فقد قيل كانوا نحو أربعمانة من الصحابة وقد قيل كانوا أكثر من ذلك". "وكان فقراء المسلمين من أهل الصفة وغيرهم يكتسبون عند إمكان الاكتساب الذي لا يصدهم عما هو أوجب وأحب إلى الله من الكسب. وأما إذا أحصروا في سبيل الله عن الكسب فكانوا يقدمون ما هو أقرب إلى الله ورسوله. وكان أهل الصفة ضيف الإسلام يبعث إليهم النبي -[صلى الله عليه وسلم]- بما يكون عنده وأن الغالب كان عليهم الحاجة لا يقوم ما يقدرون عليه من الكسب بما يحتاجون إليه من الرزق".

الشعر السائل من الرأس"؛ أو منسوبون إلى صوفة بن مروان بن أد ابن طانحة، هكذا جاء في كتاب جلاء العينين؛ والذي في القاموس وشرحه واللسان: "وصوفة أبو حي من مضر وهو الغوث بن مر بن أد بن طاحنة بن إلياس بن مضر، كانوا يخدمون الكعبة في الجاهلية ويجيزون الحاج أي يفيضون بهم، وكانت العرب إذا حجت وحضرت عرفة لا تدفع منها حتى يدفع بها صوفة. وسمى الغوث بصوفة لأن أمه جعلت في رأسه صوفة وجعلته ربيطًا للكعبة يخدمها، وقيل صوفة اسم لقبيلة اجتمعت من أفناء قبائل". وأرجح الأقوال وأقربها إلى العقل: مذهب القائلين بأن الصوفى نسبة إلى الصوف، وأن المتصوف مأخوذ منه أيضًا، فيقال تصوف إذا لبس الصوف كما يقال تقمص إذا لبس القميص، فلهذا القول وجه سائغ في الاشتقاق، وهو مختار كبار العلماء من الصوفية مثل صاحب اللمع وشارح الرسالة القشيرية، ومن غيرهم كابن خلدون وابن تيمية وجمهرة الصوفية يميلون إلى رد اسمهم إلى الصفاء وإن لم يكن لذلك وجه ظاهر في قواعد اللغة. ب- أساس التصوف وما مر به من الأدوار. أطلق لفظ الصوفى والمتصوف بادئ الأمر مرادفا للزاهد والعابد والفقير، ولم يكن لهذه الألفاظ معنى يزيد على شدة العناية بأمر الدين ومراعاة أحكام الشريعة (¬1) فإن الفقر والزهد ولبس الصوف مظهر ذلك. وكانت أحكام الشريعة تتلقى من صدور الرجال لا فرق بين عباداتها ومعاملاتها وعقائدها، ثم تحدث الناس في الأمور الدينية على نظام علمي، ونشأ التدوين فكان أول ما توجهت إليه الهمم وانصرفت إليه الأفكار علم الشريعة بمعنى الأحكام العملية حتى لحسب الناس أن الاشتغال بهذا العلم والعمل به هو غاية الدين. ¬

_ (¬1) وفي رسالة القشيرى عن أبي حمزة البغدادي: علامة الصوفى الصادق أن يفتقر بعد الغنى ويذل بعد العزة ويخفى بعد الشهرة.

هنالك تطور معنى التصوف إلى ما يناسب الكمال في الدين الذي وضع له اللفظ أولًا وأدى هذا الطموح إلى نشأة علم دينى إلى جانب العلم الفقهى. وفي مختصر جامع بيان العلم وفضله لأبي عمر يوسف بن عبد البر النمرى القرطبي المتوفى سنة 463 هـ: "وقال سفيان: كتب ابن منبه إلى مكحول إنك امرؤ قد أصبت فيما ظهر من علم الإسلام شرفًا، فاطلب بما بطن من علم الإسلام عند الله محبة وزلفى، وأعلم أن إحدى المحبتين سوف يمنع منك الأخرى". وقد ذكر بن تيمية في رسالته "الصوفية والفقراء": "إن الأمور الصوفية التي فيها زيادة في العبادة والأحوال خرجت من البصرة، فافترق الناس في أمر هؤلاء الذين زادوا في أحوال الزهد والورع والعبادة على ما عرف من حال الصحابة، فقوم يذمونهم وينتقصونهم وقوم يجعلون هذا الطريق من أكمل الطرق وأعلاها، والتحقيق أنهم في هذه العبادات والأحوال مجتهدون كما كان جيرانهم من أهل الكوفة مجتهدين في مسائل القضاء والإمارة ونحو ذلك". وزاد ابن تيمية هذا الرأى بيانًا فقال: "وإذن عرف أن منشأ التصوف كان من البصرة، وأنه كان فيها من يسلك من طريق العبادة والزهد ماله فيه اجتهاد كما كان في الكوفة من يسلك من طريق الفقه والعلم ماله فيه اجتهاد، وهؤلاء نسبوا إلى اللبسة الظاهرة وهي لباس الصوف فقيل في أحدهم صوفى، وليس طريقهم مقيدًا بلباس الصوف ولا هم أوجبوا ذلك ولا علقوا الأمر به، لكن أضيفوا إليه لكونه ظاهر الحال". وكلام ابن تيمية يشير إلى ما بين التصوف والفقه من الصلة. وانقسم علم الشريعة إلى قسمين: علم يدل ويدعو إلى الأعمال الظاهرة التي تجرى على الجوارح والأعضاء الجسمية وهي العبادات كالطهارة والصلاة والزكاة والصوم إلى آخره، وأحكام المعاملات كالحدود والزواج والطلاق، والعتق والبيوع والفرائض

والقصاص، وسمى هذا العلم علم الفقه وهو مخصوص بالفقهاء وأهل الفتيا في العبادات والمعاملات. والثاني- علم يدل على الأعمال الباطنة ويدعو إليها والأعمال الباطنة هي أعمال القلوب، وسمى هذا العلم الثاني علم التصوف، وسمى المتصوفون أنفسهم أرباب الحقائق وأهل الباطن، وسموا من عداهم أهل ظواهر وأهل رسوم. وأهل الرسوم طائفتان القرّاء، والفقهاء؛ فالقراء هم أهل التنسك والتعبد سواء أكانوا يقرءون القرآن أم لا يقرءون، وهمتهم مقصورة على ظاهر العبادة دون أرواح المعارف وأعمال القلوب. والفقهاء هم المشتغلون بالفتيا وعلوم الشريعة، وهؤلاء وهؤلاء عند الصوفية أهل رسوم، ففريق مع رسوم العلم، وفريق مع رسوم العبادة. والتصوف في هذا الدور عبارة عن الأخلاق الدينية ومعانى العبادة. قال ابن القيم (¬1) في "مدارج السالكين": "واجتمعت كلمة الناطقين في هذا العلم أن التصوف هو الخلق". وقال في موضوع آخر: "إن هذا العلم مبنى على الإرادة فهي أساسه ومجمع بنائه، وهو يشتمل على تفاصيل أحكام الإرادة وهي حركة القلب، ولهذا سمى علم الباطن كما أن علم الفقه يشتمل على تفاصيل أحكام الجوارح، ولهذا سمى علم الظاهر" وبذلك يتبين أن أولى خطوات التصوف في سبيل التكون العلمي كانت عبارة عن نشأة علم الأخلاق الإسلامي. وهذا التدرج في معنى التصوف طبيعى بسيط لا تبدو فيه دلائل تأثير خارج عن العبادات الإسلامية ولا جهد المفكرين في فهم معانيها وآثارها الروحية واتصالها بالقلوب. ثم اتسعت أنظار الباحثين في العلوم الدينية ودقت وترامت هممهم إلى الكلام في أصول الدين بعقولهم، ولطفت أذواق المراقبين منهم لمعانى العبادات وحركات القلوب، فأخذ ¬

_ (¬1) المتوفى سنة 756 هـ (1355 م).

التصوف يتسامى إلى نظرية خاصة في المعرفة وسبيل الوصول إليها، وهذه النظرية على ما بينه الغزالى في كتاب إحياء علوم الدين هي: "السعادة التي وعد الله بها المتقين هي المعرفة والتوحيد، والمعرفة هي معرفة حضرة الربوبية المحيطة بكل الموجودات، إذ ليس في الوجود شيء سوى الله تعالى وأفعاله، والكون كله من أفعاله. "فما يتجلى من ذلك للقلب هو الجنة بعينها عند قوم وهو سبب استحقاق الجنة عند أهل الحق, وتكون سعة نصيب الإنسان من الجنة بحسب سعة معرفته وبمقدار ما يتجلى له من الله وصفاته وأفعاله. وإنما مراد الطاعات كلها وأعمال الجوارح تصفية القلب وتزكيته وجلاؤه. "وهذه المعرفة تحصل للإنسان من وجهين: أحدهما: طريق الاستدلال والتعلم ويسمى اعتبارًا واستبصارًا ويختص به العلماء والحكماء. والثاني: مالا يكون بطريق التعلم ولا الاستدلال، ولكنه يهجم على القلب كأنه ألقى فيه من حيث لا يدرى. وهو ينقسم إلى ما لا يدرى العبد كيف حصل له، ومن أين حصل، وإلى ما يطلع معه على السبب الذي استفاد منه ذلك العلم، وهو مشاهدة الملك الملقى في القلب، على أنه في الحالين موقن بأن العلم جاءه من الله، والعلم في الحالين بواسطة الملك، فإن العلم إنما يحصل في قلوبنا بواسطة الملك. والأول يسمى إلهامًا ونفثًا في الروع، ويختص به الأولياء. والثاني وحيًا ويختص به الأنبياء. وأهل التصوف يؤثرون العلوم الإلهامية دون التعليمية، ويعدونها المعرفة الحقيقية والمشاهدة اليقينية التي يستحيل معها إمكان الخطأ. ولذلك لم يحرصوا على دراسة العلم وتحصيل ما صنفه المصنفون, والبحث عن الأقاويل والأدلة, بل قالوا إن الطريق إلى تحصيل تلك الدرجة بتقديم المجاهدة، ومحو الصفات المذمومة, وقطع العلائق كلها، والإقبال بكنه الهمة على الله تعالى .. فطريق الصوفية يرجع إلى تطهير محض وتصفية وجلاء ومحاسبة للنفس ثم استعداد وانتظار للتجلى".

والمريد في مجاهدته وعباداته لا بد أن تنشأ له عن كل مجاهدة حالة نفسية نتيجة لتلك المجاهدة. وأصل المجاهدات كلها الطاعة والإخلاص، ويتقدمها الإيمان ويصاحبها، وتنشأ عنها الأحوال، والصفات نتائج وثمرات، ثم تنشأ عنها أخرى وأخرى إلى مقام التوحيد والعرفان. ولابد للمريد من الترقى في هذه الأطوار النفسية المسماة بلسان أهل التصوف المقامات أو المنازل والأحوال. وللصوفيين اختلاف كثير في عدد المقامات وترتيبها، كل يصف منازل سيره وحال سلوكه, ولهم اختلاف في بعض منازل السير، أهى من قسم المقامات أم من قسم الأحوال؟ كما اختلفوا في الرضا أهو مقام أم حال؟ بل إنهم ليختلفون في الفرق بين المقام والحال. فالمقام بفتح الميم هو في الأصل موضع القيام وبضمها موضع الإقامة، وقد يكون كل منهما بمعنى الإقامة وبمعنى القيام، والمقام بالفتح والضم ما يتحقق به المزيد من الصفات المكتسبة بالرياضة والعبادة كمقام الخوف من الله الذي يحصل بترك الكبائر، فالصغائر، فالمكروهات، فالشبه، فالتوسع في الحلال إلى أن ينتهى إلى ترك كل ما يشغل عن الله. والحال معنى يرد على القلب. من غير تعمد ولا اجتلاب كالطرب والحزن والشوق والهيبة -فالأحوال مواهب، والمقامات مكاسب بمواهب, لأنها إنما تنال بالكسب مع الموهبة، والعبد بالأحوال يترقى إلى المقامات، ولا يلوح له حال من مقام أعلى من مقامه إلا وقد قرب ترقيه إليه. وليس للمريد أن يتشوف إلى مقام فوق مقامه ما لم يستوف أحكام ذلك المقام وأحواله. ومنهم من يقول: الأحوال من نتائج المقامات، والمقامات نتائج الأعمال، فكل من كان أصلح عملا كان أعلى مقامًا، وكل من كان أعلى مقامًا كان أعظم حالا. ويقول صاحب اللمع: "إن معنى المقام مقام العبد فيما يقام فيه من العبادات والمجاهدات والرياضات والانقطاع إلى الله عزَّ وجلَّ، أما معنى الأحوال فهو ما

يحل بالقلوب أو تحل به القلوب وليس الحال من طريق المجاهدات والرياضات كمالمقامات". أما ابن القيم في كتاب "مدارج السالكين" فيقول: "والصحيح أن هذه الواردات والمنازل لها أسماء باعتبار أحوالها، فتكون لوامع وبوارق ولوائح عند ظهورها وبدّوها كما يلمع البارق ويلوح على بعد، فإذا نازلته وباشرها فهي أحوال، فهذا تمكنت منه وثبتت له عن غير انتقال فهي مقامات، وهي لوامع ولوائح في أولها، وأحوال في أوسطها، ومقامات في نهاياتها. فالذي كان بارقًا هو بعينه الحال، والذي كان حالا هو بعينه المقام، وهذه الأسماء له باعتبار تعلقه بالقلب وظهوره له وثباته فيه". كان التصوف طريقًا من طرق العبادة يتناول الأحكام الشرعية من ناحية معانيها الروحية وآثارها في القلوب، فهو يقابل علم الفقه الذي يتناول ظواهر تلك العبادات ورسومها، ثم انتقل التصوف فأصبح طريقًا للمعرفة يقابل طريق أرباب النظر من المتكلمين. قال الغزالى (¬1) في الإحياء: "إن للإيمان والمعرفة ثلاث مراتب: المرتبة الأولى، إيمان العوام وهو إيمان التقليد المحض، والثانية إيمان المتكلمين، وهو ممزوج بنوع استدلال ودرجته قريبة من درجة إيمان العوام. "والثالثة: إيمان العارفين, وهو المشاهد بنور اليقين". وكما كان الصوفية خصوم الفقهاء في الدور الأول, أصبحوا خصوم المتكلمين أهل النظر في هذا الدور. ولعل علم التصوف إنما صار علمًا مدونًا في هذا الدور, وصار موضوعه ما يوصل إلى درجة العرفان من أنواع المجاهدات وما ينشأ عنها من الأذواق والمواجد التي هي المقامات والأحوال، وقد جدت للقوم عبارات يدلون بها على ما اكتشفوا من دقائق المعاني فضمّنوا علمهم أيضًا شرح هذه الاصطلاحات، وكثرت أسماء هذا العلم فسمى علم القلوب، وعلم الأسرار، وعلم المعارف، ¬

_ (¬1) المتوفى سنة 505 هـ (1111) م.

وعلم الباطن، وعلم الأحوال والمقامات، وعلم السلوك، وعلم الطريقة, وعلم المكاشفة. وإذا كان غير منكور أن التصوف في هذا الدور لم يخل من تأثر ببعض ما وصل إلى المسلمين من معارف الأمم القديمة، فإنا لا نزال نجد الصبغة الإسلامية غالبة في هذا العلم الوليد، ولا نستطيع أن نقول مع كولدتسيهر: "وكذلك يجب عند النظر في التصوف نظرًا تاريخيًا تقدير النصيب الهندى الذي ساهم في تكون هذه الطريقة الدينية المتولدة من المذهب الأفلاطونى الجديد". ثم انصرفت عناية قوم من المتأخرين لكشف حجاب الحس الذي هو نهاية مراتب الصوفية، ولما وراء ذلك من المدارك والمعارف، واختلفت طرقهم في الرياضة والمجاهدة وإماتة القوى الحسية وتغذية الروح العاقل بالعبادات والذكر، وتعرضوا للكلام في حقائق الموجودات العلوية والسفلية على وجه لايفهمه من لم يشاركهم في أذواقهم ومواجدهم. ثم قالوا: إن أهل المجاهدة يدركون كثيرًا من الواقعات قبل وقوعها، ويتصرفون بهممهم وقوى نفوسهم في الموجودات السفلية، وتصير طوع إرادتهم، وظهر في كلام المتصوفة القول بالقطب، ومعناه رأس العارفين، وقد جعلوا لباس خرقة التصوف أصلا لطريقهم ورفعوه إلى عليّ -رضي الله عنه -[في تأثرهم بالتشيع]، ويقول ابن خلدون: "ولم يختص عليّ من بين الصحابة بطريقة في لباس ولا حال". هنالك حدث تطور جديد في موضوع علم التصوف، فأصبحت كتب القوم تتناول أربعة أبحاث: 1 - المجاهدات وما يحصل عنها من الأذواق والمواجد ومحاسبة النفس على الأعمال لتحصيل تلك الأحوال والترقى منها إلى غيرها. 2 - الكلام في الكشف والحقيقة المدركة من عالم الغيب مثل الصفات الربانية، والعرش والكرسى، والملائكة والروح، وحقائق كل موجود غائب أو شاهد وترتيب الأكوان في صدورها عن موجدها.

3 - التصرفات في العوالم والأكوان بأنواع الكرامات. 4 - ألفاظ موهمة الظاهر صدرت من كثير من أئمة القوم يعبرون عنها في اصطلاحهم بالشطحات، والشطح لفظة مأخوذة من الحركة يقال يشطح إذا تحرك، وهو عبارة مستغربة في وصف وجد فاض بقوته وهاج لشدة غليانه وغلبته، فهي حركة أسرار الواجدين إذا قوى وجدهم فعبروا عن وجدهم بعبارات يستغربها سامعها، ومن ذلك ما يروى عن أبي يزيد البسطامى المتوفى سنة 261 هـ (875 م) أنه قال: "رفعنى مرة فأقامنى بين يديه وقال لي: يا أبا يزيد إن خلقى يحبون أن يروك، فقلت: "زينى بوحدانيتك، وألبسنى أنانيتك، وارفعنى إلى أحديتك حتى إذا رآنى خلقك قالوا رأيناك، فتكون أنت ذاك ولا أكون أنا هناك". وحكى عنه أيضًا أنه قال: "أول ما صرت إلى وحدانيته فصرت طيرًا جسمه من الأحدية وجناحاه من الديمومة، فلم أزل أطير في هواء الكيفية عشر سنين حتى صرت إلى هواء مثل ذلك مائة ألف ألف مرة، فلم أزل أطير إلى أن صرت في ميدان الأزلية فرأيت فيها شجرة الأحدية" ثم وصف أرضها وفرعها وأغصانها وثمارها، ثم قال: فنظرت فعلمت أن هذا كله خدعة. ولابن عربي: عقد الخلائق في الإله عقائدًا ... وأنا أعتقد جميع ما اعتقدوه والغلاة من متأخرى المتصوفة المتكلمين بالمواجد خلطوا مسائل الكلام والفلسفة الإلهية بفنهم، مثل كلامهم في النبوات والاتحاد والحلول ووحدة الوجود. ولما كانت حكمة الإشراق أو الحكمة الذوقية هي من الفلسفة بمنزلة التصوف من العلوم الإسلامية، وكان السالكون طريقة الرياضة والمجاهدة لمعرفة المبدأ والمعاد إن وافقوا في رياضتهم أحكام الشرع فهم الصوفية وإلا فهم الحكماء الإشراقيون. لما كان الأمر كذلك سهل التدانى بين التصوف والفلسفة، وتفتحت له الأبواب في هذا الدور.

والمتأمل في هذه الأدوار التي تداولت التصوف يلاحظ أن اللفظ استحدث أول الأمر للعبارة عن معنى الكمال بالتمسك بالشرع والزهد في الدنيا حينما أخذ الناس في مخالطة الزخارف الدنيوية وكاد يطغى حب المال على ما غرسه الدين في النفوس من الورع، فكان الصوفى مخالفًا للجماهير بفقره وورعه، على حين يلتمس غيره المال ويطمع في الغنى. ثم حدثت العلوم الدينية، وأقبل الناس على الفقه يتنافسون في تدارسه وفي العمل بأحكامه. فأصبح الكمال الدينى الذي يعبر عنه المتصوف شيئًا وراء ما يدعو إليه الفقهاء ويصرفون إليه مجهودهم، هو صفاء القلب وتأثره بالعبادة وحسن الخلق (¬1). ولما نشأ البحث في العقائد والتماس الإيمان من طريق النظر أو النصوص المقدسة وتوجهت همم المسلمين إلى التماس المعرفة على أساليب المتكلمين، أصبح الكمال الدينى التماس الإيمان والمعرفة من طريق التصفية والمكاشفة وأصبح عبارة عن بيان هذه الطريق وسلوكها (¬2). وشاعت بعد ذلك أقاويل الفلاسفة المتكلمين في الصانع وصدور الموجودات عنه وما إلى ذلك من عوالم الأرواح وشؤون الآخرة، فتكلم الصوفية في كل ذلك على منهجهم الذي لا يعتمد على نظر ولا على نص ولا معرفة إلا من ذاق ما ذاقوا، وهم يرون ما تكلموا به حق اليقين الذي لا يقبل شكا ولا يلحقه بطلان ولا يدركه إلا من بلغ رتبة العرفان، سئل ابن الجلاء ما ¬

_ (¬1) قال الكتانى: التصوف خلق فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في الصفاء. وقالوا: علم السلوك هو معرفة النفس ما لها وما عليها من الوجدانيات ويتسمى بعلم الأخلاق وعلم التصوف. والوجدانيات هي الأخلاق الباطنة والملكات النفسية. (¬2) وقد قالوا: أن علم المكاشفة المسمى بعلم الباطن، وهو التصوف، عبارة عن نور يظهر في القلب عند تطهيره وتزكيته من صفاته المذمومة وينكشف بذلك النور أمور كثيرة وتحصل المعرفة الحقيقية بذات الله سبحانه وصفاته الباقيات وبأفعاله وبحكمته في خلق الدنيا والآخرة.

معنى قولهم صوفى، فقال: ليس نعرفه في شرط العلم ولكن نعرف أن [الصوفى] من كان فقيرًا مجردًا من الأسباب وكان مع الله بلا مكان ولا يمنعه الحق سبحانه عن علم كل مكان (¬1). فالتصوف نشأ معبرًا عن المثل الدينى الأعلى، وظل في أدواره كلها يعبر عن ذلك المثل مخالفا ما عليه العامة، مخالفًا القراء والفقهاء وأهل السنة المتكلمين والمتفلسفين متعرضًا لعداواتهم واضطهاداتهم من غير أن تخرجه العداوات والاضطهادات عن حدود الحب والتسامح. فالتصوف كان وحده من بين معترك المذاهب تسامحًا صرفًا وسلامًا في كل ما مر به من الأدوار. والصوفى -كما قال أبو تراب النخشبى- لا يكدره شيء ويصفو به كل شيء. وقد انتدب للرد على المتأخرين من الصوفية في ما أشرنا إليه من مقالاتهم كثير من الفقهاء وغيرهم، واشتدوا في النقد حتى شملوا بالنكير كل ما وقع للمتصوفة في طريقهم، وأكثر ما تناوله الأخذ والرد بين الباحثين هو موضوع الكرامات للأولياء. فحق أن نعرض للولاية وصلتها بالتصوف، ثم نتكم في كرامات الأولياء، ولابد أن نصرح قبل ذلك بأننا أهملنا عن عمد بعض ما انتهى إليه التصوف في عهوده المتأخرة. وهو الدور الذي لانزال نشهده والذي جعل من طريقة الإخلاص والزهد والعرفان والخير عكس ذلك. ج- الولاية وصلتها بالتصرف وكرامات الأولياء. 1 - اسم ولى مأخوذ من قوله تعالى: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا}. وقوله: {وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ}. وقوله: {أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}. وقوله: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ}. ¬

_ (¬1) قال ابن خفيف المتوفى سنة 371 هـ (982 م) , سألت رويم بن محمد عن التصوف فقال: يا بنى التصوف افناء الناسوتية وظهور اللاهوتية فقلت زدنى رحمك الله فقال لارحمنى الله أن كان في ذلك مزيد.

وقوله: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ}. وقوله: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63)}. ومادة ولى في ما يرجحه أئمة المفسرين -كالطبرى والزمخشرى والرازى- تدل على معنى القرب، فولى كل شيء هو القريب منه في اللغة، والقرب من الله بالمكان والجهة محال، فولى الله من كان قريبا منه بالصفة التي وصفها الله، أي الإيمان والتقوى. وإذا كان العبد قريبًا من حضرة الله بسبب كثرة طاعاته وكثرة إخلاصه، وكان الرب قريبًا منه برحمته وفضله وإحسانه فهناك حصلت الولاية. ثم تطور معنى الولى تبعًا لما حدث في الملة من المذاهب المختلفة، وتبعًا لتطور التصوف نفسه. فأصبح الولى عند المتكلمين هو من يكون آتيًا بالاعتقاد الصحيح المبنى على الدليل، ويكون أتيا بالأعمال الصالحة على وفق ما أتت به الشريعة، وإليه الإشارة بقوله: {الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} ذلك أن الإيمان مبنى على الاعتقاد والعمل، ومقام التقوى هو أن يتقى العبد كل ما نهى الله عنه. أما الصوفية فيقولون -كما في الرسالة القشيرية: إن الولى له معنيان: أحدهما أن يكون فعيلا بمعنى مفعول كقتيل وجريح بمعنى مقتول ومجروح، وهو الذي يتولى الحق سبحانه حفظه وحراسته، فلا يكله إلى نفسه لحظة بل يتولى رعايته على التوالى ويديم توفيقه إلى الطاعات. ثانيهما -أن يكون فعيلا مبالغة من الفاعل، كالعليم والقدير فيكون معناه من يتولى عبادة الله وطاعته، فطاعته تجرى على التوالى من غير أن يتخللها معصية، فيكون وليا بمعنى توالى طاعاته لربه، ووليا بمعنى توالى فضل ربه عليه، وكلا المعنيين يجب تحقيقه حتى يكون الولى وليا، فيجب أن يتحقق قيامه بحقوق الله تعالى على الاستقصاء والاستيفاء، ويتحقق دوام حفظ الله تعالى إياه في السراء والضراء، فالولاية عندهم عبارة عن دوام الاشتغال بالله والتقرب إليه بطاعته. وإذا كان العبد بهذه الحالة فلا

يخاف من شيء ولا يحزن من شيء، لأن مقام الولاية والمعرفة منعه من أن يخاف أو يحزن، فالولى عندهم هو الواصل إلى مرتبة العرفان عن الطريق الموصلة إلى تلك المرتبة في رأيهم، وهو العارف أيضًا. والواصل إلى درجة العرفان تنكشف له الحجب ويشهد من علم الله ما لا يشهده سواه، وتظهر على يديه الكرامة التي هي أمر خارق للعادة. 2 - وجملة القول في كرامة الأولياء أن أكثر الأشعرية أجازوا للصالحين على سبيل كرامة الله لهم اختراع الأجسام وقلب الأعيان وجميع إحالة الطبائع وكل معجز للأنبياء، وقالوا إنه لا فرق بين آيات الأنبياء وكرامات الأولياء إلا بالتحدى مع دعوة النبوة، فإن النبي يتحدى الناس أن يأتوا بمثل ما جاء هو به. ويقول أكثر الصوفية: إن ظهور الكرامات جائز بل واقع، وهي أمور ناقضة للعادة، غير مقترنة بدعوى للنبوة، وهي عون للولى على طاعته ومقوية ليقينه، وحاصلة له على حسن استقامته ودالة على صدق دعواه الولاية، إن دعاها لحاجة وشهدت له بها الشريعة. ويقول هؤلاء الصوفية: إن الكرامة تغاير المعجزة من وجوه ثلاثة: أولها - أن الأنبياء متعبدون بإظهار معجزاتهم للخلق، والاحتجاج بها على من يدعونه إلى الله تعالى، فمتى كتموا ذلك فقد خالفوا الله تعالى، والأولياء متعبدون بكتمان كراهماتهم عند الخلق، فإذا لم ظهروا شيئًا منها لاتخاذ الجاه فقد خالفوا الله تعالى وعصوه. ثانيًا- أن الأنبياء يحتجون بمعجزاتهم على المشركين, لأن قلوبهم قاسية، والأولياء يحتجون بذلك على نفوسهم حتى تطمئن وتوقن ولا تضطرب ولا تجزع عند فوت الرزق، لأن النفس لم أمارة بالسوء مجبولة على الشك، وقد حكى عن سهل بن عبد الله التسترى أنه قال: كان رجل بالبصرة يقال له سحاق بن أحمد، وكان من أبناء الدنيا فخرج من الدنيا، أعنى من

جميع ما كان له، وتاب وصحب سهلا فقال يوما لسهل: إن نفسى هذه ليس تترك الضجيج والصراخ من خوف فوت القوت والقوام. فقال له سهل: خذ ذلك الحجر وسل ربك أن يصيره لك طعامًا تأكله، فقال له: ومن إمامى في ذلك حتى أفعل ذلك؟ فقال سهل: إمامك إبراهيم - عليه السلام - حيث قال: {رَبِّ أَرِنِي كَيفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَال أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَال بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي}. فالمعنى في ذلك أن النفس لا تطمئن إلا برؤية العين لأن من جبلّها الشك، فقال إبراهيم - عليه السلام -: رب أرنى كيف تطمئن نفسى؟ فإني مؤمن بذلك والنفس لا تطمئن إلا برؤية العين. وثالثها - أن الأنبياء كلما زيدت معجزاتهم يكون أتم لمعانيهم وفضلهم، والأولياء كلما زيدت كراماتهم يكون وجلهم أكثر حذرًا أن يكون ذلك من الاستدراج لهم، أن يكون سببًا لسقوط منزلتهم عند الله. ويقول بعض العلماء من المتكلمين والصوفية إن الأولياء لهم كرامات شبه إجابة الدعاء والإخبار بمجئ زيد من سفره، وعافيته من مرضه، فأما جنس ما هو معجزة للأنبياء، كإحياء الموتى وحصول إنسان لا من أبوين وتسبيح الحصى فلا يكون للأولياء. أما المعتزلة وبعض الأشعرية فينكرون وقوع كرامات الأولياء وجوازها. وقالت طائفة بمنع جواز الخوارق للأنبياء والأولياء جميعًا. قال المجوزون للكرامات إن الكرامة جائزة، إذ ليس يلزم من فرض وقوعها محال، إذ هي أمر يتصور في العقل حصوله من غير أن يؤدى إلى رفع أصل من الأصول، فواجب وصفه سبحانه بالقدرة على إيجاده للولى وإذا وجب كونه مقدورا لله تعالى فلا شيء يمنع جواز حصوله. وقالوا: إن انخراق العادة ليس مما ينكره المتكلمون لأنه جائز مع القول بالفاعل المختار. ولا مما ينكره الحكماء, لأنهم يقولون بأن للنفوس الزكية قوى ربما تؤثر في أكثر الأجسام التي في عالم الكون والفساد.

أما وقوع الكرامة فقد استدلوا عليه بقصة أصحاب الكهف وبقائهم في النوم أحياء سالمين مدة ثلثمائة سنة وتسع سنين، كما ورد في القرآن. واستدلوا عليه بأخبار كثيرة، منها ما أخرج في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة: عيسى بن مريم - عليه السلام -، وصبى في زمن جريج الناسك، وصبى آخر. أما عيسى فقد عرفتموه، جريج فكان رجلا عابدا ببنى إسرائيل، وكانت له أم فكان يوما يصلى إذ اشتاقت إليه أمه فقالت: يا جريج، فقال: يا رب، الصلاة خير أم رؤيتها؟ ثم صلى، فدعته ثانيا فقال مثل ذلك على أمه، قالت: اللهم لا تمته حتى تريه المومسات، وكانت زانية هناك، فقالت لهم: أنا أفتن جريج حتى يزنى، فأتته فلم تقدر على شيء, وكان هناك راع يأوى بالليل إلى أصل صومعته، فلما أعياها راودت الراعى عن نفسه فأتاها فولدت ثم قالت: ولدى هذا من جريج، فأتاه بنو إسرائيل وكسروا صومعته وشتموه، فصلى ودعا ثم نخس الغلام، فقال أبو هريرة: كأني انظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم حين قال بيده: يا غلام من أبوك؟ فقال: الراعى، فندم القوم على ما كان منهم وإعتذروا إليه وقالوا: نبنى صومعتك من ذهب أو فضة، فأبى عليهم، وبناها كما كانت. وأما الصبي الآخر: فإن امرأة كان معها صبى لها ترضعه، إذ مر بها شاب جميل ذو شارة حسنة، فقالت: اللهم اجعل ابنى مثل هذا، فقال الصبي: اللهم لا تجعلنى مثله، ثم مرت بها امرأة ذكروا أنها سرقت وزنت وعوقبت فقالت: اللهم لا تجعل ابنى مثل هذه. فقال الصبي: اللهم اجعلنى مثلها فقالت له أمه في ذلك. فقال: إن الشاب كان جبارًا من الجبابرة فكرهت أن أكون مثله، وإن هذه قيل إنها زنت ولم تزن، وقيل إنها سرقت ولم تسرق وهي تقول: حسبى الله. ومن هذه الأخبار خبر الغار، وهو مشهور في الصحاح عن الزهري عن سالم عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: انطلق ثلاثة رهط

ممن كان قبلكم فآواهم المبيت في غار فدخلوه. فانحدرت صخرة عن الجب وسدت عليهم باب الغار، فقالوا: والله لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا الدعاء بصالح أعمالكم، فقال رجل منهم: كان لي أبوان شيخان كبيران وكنت لا أغبق قبلهما، فناما في ظل شجرة يوما فلم أبرح عنهما وجلب لهما غبوقهما فجئتهما به فوجدتهما نائمين فكرهت أن أوقظهما وكرهت أن أغبق قبلهما، فقمت والقدح في يدي أنتظر استيقاظهما حتى ظهر الفجر فاستيقظا فشربا غبوقهما، اللهم إن كنت فعلت هذا ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه من هذه الصخرة فانفرجت انفراجا لا يستطيعون الخروج منه: ثم قال الآخر: كانت لي ابنة عم وكانت أحب الناس إلى فراودتها عن نفسها حتى ألمت بها سنة من السنين فجاءتنى وأعطيتها مالًا عظيما على أن تخلى بينى وبين نفسها فلما قدرت عليها قالت: لا يجوز لك أن تفض الخاتم إلا بحقه فتحرجت من ذلك العمل وتركتها وتركت المال معها، اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه فانفرجت الصخرة، غير أنهم لا يستطيعون الخروج منها، قال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]، ثم قال الثالث: اللهم إني استأجرت أجراء فأعطيتهم أجورهم غير رجل واحد ترك الذي له وذهب فثمرت أجرته حتى كثرت منها الأموال فجاءنى بعد حين، وقال: يا عبد الله أد لي أجرتى، فقلت له: كل ما ترى من أجرتك من الإبل والغنم والرقيق، فقال: يا عبد الله أتهزأ بى؟ فقلت: إني لا أستهزئ بك فخذ ذلك كله، اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانجفرجت الصخرة عن الغار فخرجوا يمشون. وهذا حديث حسن صحيح متفق عليه. وقد نقلوا كرامات عن الصحابة كالذي روى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه من أنه بعث جيشا وأمر عليهم رجلا يدعى سارية بن الحصين، فبينما عمر يوم الجمعة يخطب جعل يصيح في خطبته وهو على المنبر: "يا سارية، الجبل الجبل! ". قال علي بن أبي طالب

كرم الله وجهه: فكتبت تاريخ تلك الكلمة، فقدم رسول مقدم الجيش فقال: يا أمير المؤمنين غزونا يوم الجمعة في وقت الخطبة فهزمونا فإذا بإنسان يصيح: "يا سارية، الجبل الجبل! " فأسندنا ظهورنا إلى الجبل. فهزم الله الكفار وظفرنا بالغنائم العظيمة ببركة ذلك الصوت. وقد روى أيضًا لجماعة من التابعين كرامات كثيرة، وكذلك لطبقات أخرى من بعدهم مثل مالك بن دينار ورابعة العدوية وسهل بن عبد الله الذي يروى عنه أنه كان يقول: من زهد في الدنيا أربعين يومًا صادقًا مخلصًا في ذلك تظهر له الكرامات من الله عزَّ وجلَّ، ومن لم لظهر له ذلك فلما عدم في زهده من الصدق والإخلاص. قال صاحب اللمع: وسمعت أبا الحسن البصري رحمه الله يقول: كان بعبادان رجل أسود فقير يأوى الخرابات، فحملت معى شيئًا وطلبته فلما وقعت عينه عل تبسم، وأشار بيده إلى الأرض فرأيت -يعني الأرض كلها - ذهبًا يلمع، ثم قال لي: هات ما معك، فناولته ما كان معى وهربت منه فهالنى أمره. وقال صاحب اللمع أيضًا: سمعت حمزة بن عبد الله العلوى يقول: دخلت على أبي الخير التيتانى وكنت قد اعتقدت في سرى فيما بينى وبين الله تعالى أن أسلم عليه وأخرج ولا أتناول عنده الطعام ثم دخلت وسلمت عليه وودعته وخرجت من عنده، فلما تباعدت من القرية فإذا به وقد حمل معه طعاما وقال لي: يا فتى، كل هذا فقد خرجت الساعة من اعتقادك. قال ابن حزم في كتابه الفصل: وذهب أهل الحق إلى أنه لا يقلب أَحد عينا ولا يحيل طبيعة إلا الله عزَّ وجلَّ لأنبيائه فقط سواء تحدوا بذلك أو لم يتحدوا وكل ذلك آيات لهم عليهم الصلاة والسلام تحدوا بذلك أم لا، والتحدى لا معنى له وإنه لا يمكن وجود شيء من ذلك لصالح ولا لساحر ولا لأحد غير الأنبياء ... وهذا هو الحق الذي لا يجوز غيره، برهان ذلك قوله عزَّ وجلَّ: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ}.

فقد وجب أن كل ما في العالم مما قد رتبه الله على ما هو عليه من فصوله الذاتية وأنواعه وأجناسه، فلا يتبدل شيء منه قطعيًا إلا حيث قام البرهان على تبدله، وليس ذلك إلا على أحد وجهين: إما استحالة معهودة جارية على رتبة واحدة، وعلى ما بنى الله تعالى عليه العالم من استحالة المني حيوانا والنوى والبذور شجرة ونباتا وسائر الاستحالات والمعهودات. وإما استحالة لم تعهد قط، ولا بنى الله تعالى العالم عليها، وذلك قد صح للأنبياء عليهم السلام شواهد لهم على صحة نبوتهم ووجود ذلك بالمشاهدة ممن شهدهم ونقله إلى من لم يشاهدهم بالتواتر الموجب للعلم الضرورى، فوجب الإقرار بذلك وبقى ما عدا أمر الأنبياء عليهم السلام على الامتناع فلا يجوز ذلك البتة لا من ساحر، ولا من صالح بوجه من الوجوه. لأنه لم يقم برهان بوجود ذلك ولا صح به نقل، وهو ممتنع في العقل ولا فرق بين من ادعى شيئًا مما ذكرنا لفاضل وبين دعوى الرافضة رد الشمس على عليّ ابن أبي طالب مرتين، وكذلك دعوى النصارى لرهبانهم وقدمائهم، فإنهم يدعون لهم من قلب الأعيان أضعاف ما يدعيه هؤلاء، وكذلك دعوى اليهود لأحبارهم أن رجلا منهم رحل من بغداد إلى قرطبة في يوم واحد، وأنه ثبت قرنين في رأس رجل مسلم من بنى الإسكندرانى كان يسكن بقرطبة عند باب اليهود، وهذا كله باطل ممنوع. وقال ابن حزم أيضًا: وكذلك ما ذكر عمن ليس نبيا من قلب عين أو إحالة طبيعة فهو كذب إلا ما وجد من ذلك في عصر نبي، فإنه آية كذلك لذلك النبي. وذلك الذي ظهرت عليه آية بمنزلة الجذع الذي ظهر فيه الجنين، والذراع الذي ظهر فيه النطق والعصا التي ظهرت فيها الحياة وسواء كان الذي ظهرت فيه الآية صالحا أو فاسقا. فلو جاز ذلك بعد موت النبي لأشكل الأمر ولم تكن في أمن في دعوى من ادعى أنها آية لذلك الفاضل، ولذلك الفاسق. والإنسان من الناس يدعيها آيه له ... وليس كذلك ما كان في عصر النبي لأنه لا يكون إلا من قبل النبي

وبإخباره وبإنذاره فبدت بذلك أنها له للذي ظهرت منه. قال أبو محمد "بن حزم": أما الذي روى في ذلك عن الثلاثة أصحاب الغار وانفراج الصخرة ثلثا ثلثا عندما ذكروا من أعمالهم فلا تعلق لهم به لأن تكسير الصخرة ممكن في كل وقت، ولكل أحد بلا إعجاز، وما كان هكذا فجائز وقوعه بالدعاء وبغير الدعاء, لكن وقع وفاقا لتمنيهم كمن دعا في موت عدوه أو تفريج همه, أو بلوغ أمنيته في دنياه، ولقد حدثني حكيم بن منذر بن سعيد أن أباه رحمه الله كان في جماعة في سفرة في صحراء فعطشوا وأيقنوا بالهلكة ونزلوا في ظل جبل ينتظرون الموت. قال: فأسندت رأسى إلى حجر ناتئ فتأذيت به فقلعته فاندفع الماء العذب من تحته فشربنا وتزودنا، ومثل هذا كثير، وحتى لو كانت معجزة لوجب أن يكونوا أنبياء، أو لولى ممن في زمن نبي لا بد مما قدمناه. قال أبو محمد: "ولا عجيب أعجب من قول من يجيز قلب الأعيان للساحر، وهو عندهم فاسق أو كافر ويجيز مثل ذلك للصالح وللنبي، فقد جاز عندهم قلب الأعيان للنبي وللصالح وللفاسق وللكافر، فوجب أن قلب الأعيان جائز من كل واحد، وبؤسًا لقول أدى مثل هذا". وظاهر ما في احتجاج ابن حزم من قوة، ولئن لم يعرض لتأويل كل ما روى في الأخبار من الكرامات المشكل تأويلها كحديث من تكلم في المهد من الصبيان فلعله اعتبرها من الوقائع المروية بالأحاديث التي يجوز الشك فيها ولا تنبنى العقائد عليها, ولولا أن ابن حزم من الظاهرية الذين يتبعون النصوص بلا تأويل لقلنا إنه قد يجعلها من باب التمثيل. ولما كان إنكار الكرامات ربما كان موهما إنكار إجابة الدعاء, فإن الدعاء قد يكون بشيء خارق للعادة، ومن هنا تصدى ابن حزم لحل هذا الإشكال فقال: "فإن اعترضوا بقول الله تعالى: {وَقَال رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} وبقوله تعالى: {أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ}، فهذا حق؛ وإنما هو بلا شك في

الممكنات التي علم الله أنها تكون، لا فيما علم الله تعالى أنها لا تكون، ولا في المحال. ونسألهم عمن دعا الله تعالى أن يجعله نبيًّا، أو أن ينسخ دين الإسلام، أو بأن يجعل القيامة قبل وقتها، أو يمسخ الناس كلهم قردة، أو بأن يجعل له عينا ثالثة، أو بأن يدخل الكفار الجنة والمؤمنين النار أو ما أشبه هذا. فإن أجازوا كل هذا كفروا ولحقوا مع كفرهم بالمجانين، وإن منعوا من كل هذا تركوا استدلالهم بالآيات المذكورة، وصح أن الإجابة إنما تكون في خاص من الدعاء لا في العموم". أما الطائفة القائلة بامتناع الخارق للعادة معجزة كان أو كرامة فقد قالوا: إن تجويز خرق العادة سفسطة ولو جوزناه لجاز انقلاب الجبل ذهبا، وأوانى البيت رجالا كملا، وتولد هذا الشيخ دفعة بلا أب ولا أم، ولجاز كون من ظهرت المعجزة على يده غير من ادعى النبوة بأن يعدم المدعى عقب دعواه بلا مهلة، ويوجد مثله في آن إعدامه، فيكون ظهور المعجزة على يد المثل ولا يخفى ما في ذلك من الخبط والإخلال بالقواعد المتعلقة بالنبوة، والمفاسد التي تنافى نظام المعاش والمعاد، أو يجوز حينئذ أن يكون الآتي بالأحكام الشرعية في الأوقات المتفرقة أشخاصا مماثلة للذي ثبتت نبوته بالمعجزة، وأن يكون الشخص الذي تتقاضاه دينك غير الذي كان عليه الدين. وأهل هذه الطائفة مختلفون مع المتكلمين والصوفية وقد نقض أدلتهم هؤلاء وهؤلاء بل ادعوا أنهم لا يثبتون النبوة أصلا، فهم خارجون عن الدين لكنهم لم يصرحوا بإنكار النبوة، وليس يمتنع أن ينكروا الخوارق من غير أن ينكروا النبوة. د- نبوة النساء وولايتهن وصلة المرأة بالتصوف الإسلامي. لا نعرف خلافا في جواز الولاية وما يتبعها من الكرامة والعرفان للنساء، وإنما حصل الخلاف في نبوة النساء. ويقول ابن حزم: لاهذا فضل لا نعلمه حدث النزاع فيه إلا عندنا بقرطبة وفي زماننا -وابن حزم ولد سنة 384 هـ

وتوفي سنة 456 هـ- فإن طائفة ذهبت إلى إبطال كون النبوة في النساء جملة، وبدعت من قال ذلك، وذهبت طائفة إلى القول بأنه قد كانت في النساء نبوة، وذهبت طائفة إلى التوقف في ذلك". وكلام ابن حزم صريح في أنه لا نزاع في عدم حصول رسالة للنساء بدليل قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إلا رِجَالًا نُوحِي إِلَيهِمْ} ولم يدع أحد أن الله تعالى أرسل امرأة وإنما الكلام في النبوة. والفرق بين النبوة والرسالة أن النبوة مأخوذة من الإنباء وهو الإعلام، فمن أوحى إليه الله علما بما يكون قبل أن يكون، أو امرًا ما مع يقينه يقينا ضروريا بصحة ما أوحى إليه كعلمه بما أدرك بحواسه وبديهة عقله فهو نبي وذلك يكون بواسطة الملك. أما الرسول فهو من أوحى إليه بدين يتبعه ويبلغه إلى الناس. وقد جاء القرآن بأن الله عزَّ وجلَّ أرسل ملائكة إلى نساء فأخبروهن بوحى حق من الله تعالى، فبشروا أم إسحاق بإسحاق؛ وقد أرسل جبريل إلى مريم أم عيسى عليهما السلام فخاطبها وقال لها: {إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا} ووجدنا أم موسى عليهما السلام قد أوحى الله إليها بإلقاء ولدها في اليم وأعلمها أنه سيرده إليها ويجعله نبيا مرسلًا. ويدرك كل ذي تمييز صحيح أنها لو لم تكن واثقة بنبوة الله لها لكانت بإلقائها ولدها في اليم برؤيا تراها أو بما يقع في نفسها في غاية الجنون. وتبين من هذا البحث أن المسلمين لم يتنازعوا في جواز النبوة والولاية للنساء، ولا مانع من ذلك شرعا ولا عقلا، وقد اتفقوا على عدم وقوع الرسالة للنساء، كما اتفقوا على وقوع الولاية لهن واختلفوا في قوع النبوة على الوجه الذي بيناه، وفي هذا دليل على أن مجال الوحى والإلهام يستوى النساء فيه والرجال، فلا عائق يعوق المرأة عن أن تسمو بروحها إلى أقصى غايات السمو المقدورة للبشر، بأن تصل إلى مرتبة العرفان والولاية، وتشهد من

جلال حضرة الربوبية ما لا يشهده سائر البشر. وقد بلغت نساء هذه الدرجة الرفيعة في عصور النهضة والرقى منذ نشاة التصوف الإسلامي. وترجم الشعرانى في كتاب الطبقات لأربعمائة وست وثلاثين من الصوفية الأخيار، بينهن ست عشرة امرأة، كلهن من الطراز الأول بين أهل التصوف من أمثال معاذة العدوية، ورابعة العدوية، والسيدة عائشة بنت جعفر الصادق، والسيدة نفيسة ابنة الحسن بن زيد، وهو لم يستوعب الصوفيات من النساء، بل اقتصر على جماعة منهن وجعل عنوان الفصل المختص بالنساء "فصل في ذكر جماعة من عباد النساء رضي الله عنهن". وما يكون لأحد أن يزعم أن في الإسلام نزوعا إلى الغض من الجانب الروحى للمرأة بعد الذي بيناه من استعدادها لمراتب الصوفية العليا التي تكشف فيها حجب الغيوب وتفيض على صاحبها الكرامات. وما في أحكام الشرع الإسلامي من وجه التفرقة أحيانا بين المرأة والرجل يرجع إلى أمور مادية متصلة بالمادة كما في التفاوت في الإرث. والتفاوت في الشهادة لا يبعد عن هذا النوع، فإن ضعف الذاكرة المعلل به نقص شهادتها ليس حيفا بكمالها الروحى ولا باستعدادها للسمو الدينى. وقد ناقش ابن حزم في كتابه "الفصل" آراء من يفضلون الرجال على النساء مناقشة تدل على أن فكرة التساوى في الفضل بين النساء والرجال كانت من الأفكار المؤيدة بين علماء المسلمين، وكان لها أنصار من طراز الإمام ابن حزم الظاهرى. قال أبو محمد: وقد قال قائل ممن يخالفنا في هذا: قال الله عزَّ وجلَّ: {وَلَيسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى} فقلنا وبالله التوفيق: فهذا أنت -عند نفسك- أفضل من مريم وعائشة وفاطمة؛ لأنك ذكر وهؤلاء إناث؟ فإن قال هذا لحق بالنوكى وكفر، فإن سأل عن معنى الآية قيل له الآية على ظاهرها ولا شك في أن الذكر ليس كالأنثى لأنه لو كان كالأنثى لكان أنثى، والأنثى أيضًا ليست

كالذكر, لأن هذه أنثى وهذا ذكر وليس هذا من الفضل في شيء البتة، وكذلك الحمرة غير الخضرة، والخضرة ليست كالحمرة، وليس هذا من باب الفضل. فإن اعترض معترض بقول الله تعالى: {وَلِلرِّجَالِ عَلَيهِنَّ دَرَجَةٌ} قيل له إنما هذا في حقوق الأزواج على الزوجات، ومن أراد حمل هذه الآية على ظاهرها يلزمه أن يكون كل يهودى وكل مجوسى وكل فاسق من الرجال أفضل من أم مرسى وأم عيسى وأم إسحاق عليهم السلام ومن نساء النبي صلى الله عليه وسلم بناته، وهذا كفر ممن قاله بإجماع الأمة. وكذلك قوله تعالى: {أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيرُ مُبِينٍ} إنما ذلك في تقصيرهن في الأغلب عن المحاجة لقلة دربهن، وليس في هذا ما يحط من الفضل عن ذوات الفضل منهن .. فإن شغب مشغب بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما رأيت من ناقصات عقل ودين أسلب للب الرجل الحازم من إحداكن" قلنا له وبالله التوفيق: إن حملت هذا الحديث على ظاهره فيلزمك أن تقول إنك أتم عقلا ودينا من مريم وأم موسى وأم إسحاق ومن عائشة وفاطمة. فإن تمادى على هذا سقط الكلام معه ولم يبعد عن الكفر، وإن قال: لا، سقط اعتراضه واعترف بأن من الرجال من هو أنقص دينا وعقلا من كثير من النساء، فإن سأل عن معنى هذا الحديث، قيل له قد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وجه ذلك النقص، وهو كون شهادة المرأة على النصف من شهادة الرجل، وكونها إذا حاضت لا تصلى ولا تصوم وليس هذا بموجب نقصان الفضل ولا نقصان الدين أو العقل في غير هذين الوجهين فقط؛ إذ بالضرورة ندرى أن في النساء من هن أفضل من كثير من الرجال وأتم دينا وعقلا في غير الوجوه التي ذكرها النبي [- صلى الله عليه وسلم -] وهو - عليه السلام - لا يقول إلا حقا، فصح يقينا أنه إنما عبر عليه السلام ما قد بينه في الحديث نفسه من الشهادة والحيض فقط، وليس ذلك مما ينقص الفضل، فقد علمنا أن أبا بكر

وعمر وعليا لو شهدوا زنا لم يحكم بشهمادتهم، ولو شهد به أربعة منا عدول في الظاهر حكم بشهادتهم، وليس ذلك بموجب أننا أفضل من هؤلاء المذكورين، وكذلك القول في شهادة النساء فليست الشهادة من باب التفاضل في ورد ولا صدر، لكن نقف فيها عند ما حده النص فقط، ولا شك عند كل مسلم في أن صواحبه من نسائه وبناته عليهم السلام -كخديجة وعائشة وفاطمة وأم سلمة- أفضل دينا ومنزلة عند الله تعالى من كل تابع أتى بعدهن، ومن كل رجل يأتي في هذه الأمة إلى يوم القيامة، فبطل الاعتراض بالحديث المذكور، وصح أنه على ما فسرناه وبيناه والحمد لله رب العالمين. قال أبو محمد: فإن اعترض معترض بقول النبي [- صلى الله عليه وسلم -] كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران وامرأة فرعون. فإن هذا الكمال إنما هو الرسالة والنبوة التي انفرد بها الرجال وشاركهم بعض النساء في النبوة، وقد يتفاضلون أيضًا فيها فيكون بعض الأنبياء أكمل من بعض ويكون بعض الرسل أكمل من بعض. قال الله عزَّ وجلَّ: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ} فإنما ذكر في هذا الخبر من بلغ غاية الكمال في طبقته ولم يتقدمه منهم أحد، وبالله تعالى التوفيق. فإن اعترض معترض بقوله عليه السلام: "لا يفلح قوم أسندوا أمرهم إلى امرأة" فلا حجة له في ذلك, لأنه ليس امتناع الولاية فيهن بموجب لهن نقص الفضل، فقد علمنا أن ابن مسعود وبلالا وزيد بن حارثة رضي الله عنهم لم يكن لهم حظ الخلافة وليس بموجب أن يكون الحسن وابن الزبير ومعاوية أفضل والخلافة جائزة لهؤلاء غير جائزة لأولئك، ومنهم في الفضل مالا يجهله المسلم. مبنى التصوف -كما يتبين مما أسلفنا على الإيمان والصدق والإخلاص فهو العلم الذي يصور المثل الخلقى الإسلامي الأعلى: سئل سحنون عن التصوف فقال: ألا تملك شيئًا ولا يملكك شيء.

وقال الجنيد رحمه الله: آخر مقام العارف الحرية وإذا كان الصوفية هم بناء المثل الأخلاقى الإسلامي الأعلى فإن للمرأة حظًا غير منقوص في تشييد هذا الهيكل العظيم. وإنا لنجد في كتب التصوف والأخلاق ذكرًا لمتصوفات سيرتهن شاهد ومثل يحتذى. قال الجاحظ (¬1): "والناسكات المتزهدات من النساء المذكورات في الزهد والرياسة من نساء الجماعة أم الدرداء ومعاذة العدوية ورابعة القيسية. "ومن نساء الخوارج السجا وحمادة الصفوية وغزالة الشيبانية قتلن جميعا وصلبت السجا وحمادة وقتل خالد بن عتاب غزالة وكانت امرأة صالح ابن نوح. ومن نساء الغالية الميلاء وحميدة وليلى الناعظية" ولسنا نعرف مؤلفات في التصوف للنساء ولكنا نعرف من اثارهن وأشعارهن وأخبارهن ما يقوم مقام الكتب المدونة، ويدل على ما لبعضهن من منزلة الإمامة كرابعة التي سنعرض لسيرتها. هـ رابعة العدوية: هي رابعة بنت إسماعيل العدوية (¬2) البصرية ولقبها ابن خلكان بأم الخير وذكر أنها مولاة آل عتيك (¬3). قال الأستاذ ماسينيون في كتابه في أصول الاصطلاحات الصوفية Essai sur Les Origines du: Massignon -Lexique technique de la mystique mu sulmane) " وكانت في أول أمرها تعزف بالمعازف ثم ثابت وقد خلفت مقطوعات تعبر عن حدة عشق مؤثرة، وقضت حياتها بالبصرة وكأنها مسجونة، وبها ماتت في سن لا تقل عن ثمانين سنة، وذلك في عام 185 هـ (801 م)، وتركت في الإسلام شذًا من ولايتها لا يزال أريجًا ولم تكن وفاتها سنة 135 هـ ¬

_ (¬1) كتاب الحيوان, جـ 5 , ص 170. (¬2) عدى كغنى: قبيلة، وهو عدوى وعديى كحنفى. (¬3) عتيك كأمير: فخذ من الأزد، والنسبة عتكى محركة. والمولى العتيق، وهم موالى بنى هاشم أي عتقاؤهم.

(752 م) كما زعموه ليجعلوا منها تلميذة للحسن البصري، وأدلة ذلك صداقتها لرباح وكونها لقيت الثوري الذي جاء البصرة بعد سنة 155 هـ، ومن الأدلة ما رووا من خطبة محمد بن سليمان الذي ولى البصرة من قبل العباسيين منذ سنة 145 هـ إلى 172 هـ وقد قالوا إنها ولدت في العام الذي بدأ فيه الحسن البصري مجالس تعليمه وذلك يوافق سنة 95 أو سنة 96 هـ وقد استعملت في غير تهيب كلمة الحب العشق الإلهى معتمدة على ما جاء في القرآن .. وبرئت من مرض خطير أصابها فانقطعت عن قيام الليل، لكن الملائكة هتفت بها في جنح الليل فتنبهت إلى ما فقدته وعادت إلى سنتها". وفي كتاب الاشتقاق لابن دريد: "ولد عمران الأسد والحجر فولد الأسد العتيك .. واشتقاق العتيك من قولهم عتك عليه إذا حمل إما بسيف أو غيره وعتك على يمين فاجرة إذا أقدم عليها". ولم نر أحدًا ممن ترجموا لها ذكر تاريخ ميلادها ثم إنهم اختلفوا في تاريخ وفاتها فمن قائل إنها توفيت سنة خمس وثلاثين ومائة، ومن قائل بل توفيت سنة خمس وثمانين ومائة. وقال الشعرانى في الطبقات: "وكانت بعد أن بلغت ثمانين سنة كأنها شن بال تكاد تسقط إذا مشت، وكان كفنها لم يزل موضوعًا أمامها وكان بموضع سجودها. وهذا يدل على أنها عاشت أكثر من ثمانين عامًا". وذكر ابن خلكان أن قبرها يزار وهو بظاهر القدس من شرقيه على رأس. جبل يقال له الطور، لكن ياقوت الحموى ذكر أن هذا القبر ليس قبر رابعة العدوية إنما قبرها بالبصرة، أما القبر الذي على جبل القدس فهو قبر رابعة زوجة أحمد بن أبي الحوارى الكاتب وقد اشتبه على الناس". ولسنا نعرف شيئًا عن نشأة رابعة وحياتها من قبل أن تكون صوفية فإنها لم تولد صوفية بالضرورة ولم يعن المؤرخون إلا بالجانب الصوفى منها. وجاء في دائرة المعارف للبستانى ما نصه: "وفي بعض الروايات أنها تابت عن يد ذي النون المصري، وذلك أنها كانت في سفينة مع جماعة يشربون الخمر فاتفق ركوب ذي النون (¬1) ¬

_ (¬1) ذو النون المصري المتوفى سنة 245 هـ (859 م).

تلك السفينة لغرض له في بحر النيل فطلبت إليه رابعة على سبيل التهكم أن يسمعهم شيئًا من غنائه كما أسمعوه، فأنشد: أحسن من قينة ومزمار ... في غسق الليل نفحة القارى يا حسنه والجليد (¬1) يسمعه ... بطيب صوت ودمعه جارى وخده في التراب منعفر ... وقلبه في محبة الباري يقول: يا سيدى ويا سندى ... أشغلنى عنك ثقل أوزارى وكانت بذلك توبة رابعة على يده. وعقب على ذلك صاحب دائرة المعارف بقوله: "ولكن يظهر أن هذه القصة مصنوعة، لبعد العهد بين ذي النون ورابعة كما يعرف من تاريخ وفاتهما". وشواهد الوضع في هذه القصة كثيرة، فإنا لا نعرف أن رابعة العدوية زارت مصر وإن ابتدعت لها الأساطير قبرا بقرافة الإمام يزار ويتبرك به. والشعر الذي في الرواية فيه من الغثاثة ومن اللحن ما يقطع الصلة بينه وبين عصر رابعة العدوية ويظهر أوضح ظهور أنه من شعر العصور المتأخرة. هذا وقد ذكر ما سينيون في مجموعة النصوص المتعلقة بتاريخ التصوف في بلاد الإسلام أن رابعة خطبها أبو عبيدة عبد الواحد بن زيد مع علو شأنه فهجرته أيامًا حتى شفع له إليها إخوانه فلما دخل عليها قالت له: يا شهوانى اطلب شهوانية مثلك، وذكر في كتابه في اصطلاحات الصوفية أن والى البصرة خطبها، وما أظن أن والى البصرة أو عبد الواحد بن زيد كان يرضى أن يخطب امرأة كانت تشرب الخمر في السفن النيلية وتغنى للندمان. وليس فيما بين أيدينا من المراجع ما يدل على أن رابعة العدوية كانت متزوجة بل المأخوذ من الروايات عن حياتها أنها كانت بعبادتها وحبها لله في شغل عن الزواج والولد، وقد ردّت من خطبها. ¬

_ (¬1) الجليد الصقيع، والجليد كالجلد الرجل القوى.

وفي مجموع الأستاذ "ماسينيون" وفي غيره: "نظرت رابعة إلى رباح وهو يقبل صبيًّا من أهله ويضمه إليه فقالت: أتحبه؟ قال: نعم، قالت: ما كنت أحسب أن في قلبك موضعًا فارغًا لمحبة غيره تبارك اسمه، قال: فصرخ رباح وسقط مغشيا عليه: ثم أفاق وهو يمسح العرق عن وجهه ويقول: رحمة منه تعالى بكم ألقاها في قلوب العباد للأطفال". وليس من شأن زوجة أو والدة مهما بلغ بها التصوف أن تنكر الحنو على الأطفال. عاشت رابعة العدوية في القرن الثاني من الهجرة وماتت في أخريات هذا القرن، كما يرجحه أكثر من كتبوا سيرتها. ويقول ابن خلكان عنها: "كانت من أعيان عصرها وأخبارها في الصلاح مشهورة". ويقول عنها صاحب كتاب "مرآة الحنان وعبرة اليقظان" الإمام أبو محمد عبد الله بن أسعد اليافعى المتوفى سنة 768 هـ: "السيدة الولية ذات المقامات العلية والأحوال السنية". ويقول عنها الأستاذ ماسينيون وعن رابعة (¬1) القيسية ما تعريبه: "هاتان الزاهدتان -وكلتاهما من أهل المذهب البصري- كان تحمسهما لحياة الزهد مؤديًا إلى معالجة أحوال صوفية مختلفة وإلى البحث في فروض دقيقة في العمليات والعقائد، ورابعة تعتبر عند الباحثين في أمور الولاية والأولياء أعظم ولية". وعندى أن من التعسف أن ينسب إلى رابعة العدوية وصاحبتها التصدى لمعالجة دقائق المسائل الفقهية والكلامية والصوفية. ولقد كان العصر الثاني الهجرى عصر نشأة التصوف وعصر بداية تطوره الأول، إذ نشأ لفظ "الصوفى" عبارة عن العابد الزاهد اللابس للصوف ثم صار يدل مع ذلك على العناية بحال القلوب إلى جانب التمسك بالعبادات الظاهرة. ونجد في تاريخ رابعة العدوية ما يدل على حرصها على التحقق بهذه المعاني، فقد كانت تلبس الصوف. وكانت تستكثر من العبادة، وكانت من أزهد الناس في الدنيا. ¬

_ (¬1) المتوفاة حوالي 195 هـ (170 م).

روى الشعرانى: "أنها كانت ترد ما أعطاه الناس لها وتقول: مالى حاجة بالدنيا". وذكر صاحب مرآة الحنان وابن خلكان عن ابن الجوزي في كتابه "صفوة الصفوة" بإسناد له متصل إلى عبدة بنت أبي شوال، وكانت من خيار إماء الله وكانت تخدم رابعة قالت: كانت رابعة تصلى الليل كله، فإذا طلع الفجر، هجعت في مصلاها هجعة خفيفة حتى يسفر الفجر فكنت أسمعها تقول إذا وثبت من مرقدها ذلك وهي فزعة: يا نفس كم تنامين؟ وإلى كم تنامين؟ يوشك أن تنامى نومة لا تقومين منها إلا لصرخة يوم النشور. وكان هذا دأبُها دهرها حتى ماتت. ولما حضرتها الوفاة ودعتنى وقالت: يا عبدة لا تؤذنى بموتى أحدًا وكفنينى في جبتى هذه؛ وهي جبة من شعر كانت تقوم فيها إذا هدأت العيون. قالت: فكفنتها تلك الجبة وفي خمار صوف كانت تلبسه، ثم رأيتها بعد ذلك بسنة أو نحوها في منامى عليها حلة استبراق وخمار من سندس أخضر لم أر قط شيئًا أحسن منه. فقلت: يا رابعة ما فعلت بالحلة التي كفّنّاك فيها وخمار الصوف؟ قالت: إنه والله نزع عنى وأبدلت به ما ترينه على، فطويت أكفانى وختم عليها ورفعت في عليين ليكمل لي بها ثوابها يوم القيامة، فقلت لها: ألهذا كنت تعملين أيام الدنيا؟ فقالت: وما هذا عند ما رأيت من كرامة الله تعالى لأوليائه؟ .. قلت: فمرينى بأمر أتقرب به إلى الله عزَّ وجلَّ، قالت: عليك بكثرة ذكره، يوشك أن تغتبطى بذلك في قبرك. ويدل ما ذكرنا على أنها كانت تلبس الصوف وما إليه من ثياب الشعر، وأنها كانت كثيرة العبادة منصرفة عن الدنيا. أما اهتمامها بروح العبادة وما يحدث في النفس من آثارها فيدل عليه كثير مما روى من أقوالها. كانت تقول: استغفارنا يحتاج إلى استغفار. وكانت تقول: ما ظهر من أعمالى لا أعده شيئًا. ومن وصاياها: اكتموا حسناتكم كما تكتمون سيئاتكم. ويقول ما سينيون في كتابه في أصول اصطلاحات الصوفية: إنها

استعملت في غير تهيب كلمة الحب في العشق الإلهى معتمدة على ما ورد في القرآن من ذلك، وكان من قبلها يتحرجون من كلمة الحب في ذلك المقام. ولعل أظهر ما تميزت به رابعة العدوية كلامها في الحب والمحبة كما في كتاب "مدارج السالكين": هي سمة الطائفة وعنوان الطريقة ومعقد النسبة، يعني سمة هذه الطائفة المسافرين إلى ربهم، وهم الذين قعدوا على الحقائق وقعد من سواهم على الرسوم، وعنوان طريقتهم أي دليلها، والمحبة تدل على صدق الطالب وأنه من أهل الطريق، ومعقد النسبة أي النسبة التي بين الرب وبين العبد فإنه لا نسبة بين الله وبين العبد إلا محض العبودية من العبد، والألوهية من الرب، وليس في العبد شيء من الألوهية ولا في الرب شيء من العبودية، ومعقد نسبة العبودية هو المحبة، فالعبودية معقودة بها بحيث متى انحلت المحبة انحلت العبودية. ولا تحد المحبة بحد أوضح منها، فالحدود لا تزيدها إلا خفاء وجفاء، فحدها وجودها, ولا توصف المحبة بوصف أظهر من المحبة، وإنما يتكلم الناس في أسبابها وموجباتها وعلاماتها وشواهدها وثمراتها وأحكامها. وهذه المادة تدور في اللغة على خمسة أشياء: أحدها - الصفاء والبياض، ومنه قولهم لصفاء بياض الأسنان ونضارتها حبب الأسنان. الثاني- العلو والظهور، ومنه حبب الماء وحبابه وهو ما يعلوه عند المطر الشديد، وحبب الكأس منه. الثالث- اللزوم والثبات، ومنه حب البعير وأحب إذا برك فلم يقم. الرابع- اللب، ومنه حبة القلب للبه وداخله ومنه الحبة لواحدة الحبوب، إذ هي أصل الشيء ومادته وقوامه. الخامس- الحفظ والإمساك، ومنه حب الماء للوعاء الذي يحفظ فيه ويمسكه، وفيه معنى الثبوت أيضًا. ولا ريب أن هذه الخمسة من لوازم المحبة، فإنها صفاء المودة، وهيجان إرادات القلب للمحبوب، وعلوها

وظهورها منه لتعلقها بالمحبوب المراد، وثبوت إرادة القلب للمحبوب ولزومها لزومًا لا يفارق، ولإعطاء المحب محبوبه لبه وأشرف ما عنده وهو قلبه، ولاجتماع عزماته وإرادته وهمومه على محبوبه فاجتمعت فيها المعاني الخمسة. هذا ما يقوله ابن قيم الجوزية في معنى المحبة ومنزلتها من التصوف. وعندما كان التصوف في سذاجته لعهد رابعة لم يكن الحديث في أمر المحبة الصوفية طريقًا معبدًا، وقد تكون رابعة العدوية أول من هتف في رياض الصوفية بنغمات الحب شعرا ونثرًا، وجدير بمولاة آل عتيك التي كانت من فضلاء عصرها وآزكاهم فطرة وأسماهم نفسًا وأشدهم عزوفا عن الدنيا وزخارفها أن يكون انقطاعها إلى الله قد وجه نفسها الشاعرة وجهة حب إلهى فغنت بأناشيده في مثل قولها: أحبك حبين، حب الهوى ... وحبا لأنك أهل لذاكا فأما الذي هو حب الهوى ... فشغلى بذكرك عمن سواكا وأما الذي أنت أهل له ... فكشفك للحجب حتى أراكا فلا الحمد في ذا, ولا ذاك لي ... ولكن لك الحمد في ذا وذاكا روى هذا الشعر الغزالى في الإحياء ونقله "ماسينيون" أيضًا، والذي في كتاب الإحياء: (فكشفك لي الحجب حتى أراكا) وفي الإحياء أيضًا: قال الثوري (¬1) لرابعة: ما حقيقة إيمانك؟ قالت: ما عبدته خوفًا من ناره ولا حبًا لجنته فأكون كالأجير السوء, بل عبدته حبًا له وشوقًا إليه. وذكر أبو القاسم القشيرى (¬2) في الرسالة أنها كانت تقول في مناجاتها: "إلهى، تحرق بالنار قلبا يحبك؟ " فهتف بها مرة هاتف: "ما كنا نفعل هذا، فلا تظنى بنا ظن السوء". وفي "عوارف المعارف" للسهروردى (¬3): قالت رابعة: "كل مطيع مستأنس" وأنشدت: ¬

_ (¬1) هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري أبو عبد الله الكوفي المتوفى سنة 61 هـ (¬2) هو أبو القاسم القشيرى المتوفى سنة 465 هـ (1074 م). (¬3) السهروردى المتوفى سنة 586 هـ (1191 م).

إني جعلتك في الفؤاد محدثى ... وأبحت جسمى من أراد جلوسى فالجسم منى للجليس مؤانس ... وحبيب قلبى في الفؤاد أنيسى وكانت تنشد: تعصى الإله وأنت تظهر حبه؟ ! ... هذا لعمرى في الفعال بديع لو كان حبك صادقًا لأطعته ... إن المحب لمن يحب يطيع ومن الظواهر التي تسترعى النظر في حياة رابعة العدوية ما عرف من دوام حزنها وبكائها، قال الشعرانى: كانت رضي الله عنها كثيرة البكاء والحزن، وكانت إذا سمعت ذكر النار غشى عليها زمانًا، وكان موضع سجودها كهيئة الماء المستنقع من دموعها. وروى أنها كانت تقول: "محب الله لا يسكن أنينه وحنينه حتى يسكن، مع محبوبه"، قال المترجمون لها: وقال عندها يومًا سفيان الثوري: وأحزناه! فقالت: لا تكذب، بل قل: وا قلة حزناه! لو كنت محزونًا لم يتهيأ لك أن تتنفس. وقيل لرباح (¬1): هل طالت بك الليالى والأيام؟ قال: بم؟ قيل بالشوق إلى لقاء الله، فسكت، قالت رابعة: لكننى نعم. وليس هذا الحزن العميق في نفس السيدة رابعة إلا مظهر ما كانت تفيض به نفسها الشاعرة من الحب العميق. فالسيدة رابعة هي السابقة إلى وضع قواعد الحب والحزن في التصوف الإسلامي. وهي التي تركت في الآثار الباقية نفثات صادقة في التعبير عن محبتها وعن حزنها. وإن الذي فاض به الأدب الصوفى بعد ذلك من شعر ونثر في هذين البابين لهو نفحة من نفحات السيدة رابعة العدوية إمام العاشقين والمحزونين في الإسلام. مصطفى عبد الرازق ¬

_ (¬1) رباح بن عمرو القيسى المتوفى حوالي سنة 180 هـ

التصوير

التصوير " التصوير": كلمة عربية معناها تشكيل التماثيل ورسم الصور وحسبنا هنا أن نلم بما كان في العالم الإسلامي من جهد فنى صدرت عنه التماثيل والصور على الرغم من إنكار الفقهاء. كانت التماثيل قليلة نادرة، ففي مصر -مثلًا- عمل خمارويه له ولأزواجه وقيانه التماثيل، ونصب عبد الرحمن الثالث في الأندلس تمثالا لمحظيته "الزهراء" في القصر المعروف باسمها، وبقيت إلى أيامنا السباع المنحوتة في الرخام التي تحمل النافورة المشيدة لمحمد الخامس في قصر الحمراء إبان النصف الثاني من القرن الرابع عشر. واستخدم أمراء آل سلجوق بآسية الصغرى النحاتين لتزيين عاصمتهم "قونية" ولا تزال في متحف هذه المدينة تماثيل من الحجر على صورة الإنسان والحيوان يرجع تاريخها إلى هذا العهد. وأقام إسماعيل باشا التماثيل في مدينة القاهرة، فكانت أول تماثيل أقيمت في الميادين العامة لملوك المسلمين. وصنعت في مصر أيام الفاطميين أباريق ومباخر كثيرة من الشبهان على هيئة الحيوان والطير، كما جرت العادة في ذلك العهد بنقش الصور على أحجار البلور. وكان صاغة الموصل وأضرابهم، ممن نقلوا هذا الفن إلى فارس والشام ومصر، يصنعون صورا ناطقة لحياة القصور يبدو فيها الملك وهو يحتسى الخمر يحف به خدمه وموسيقيوه، أو وهو منصرف إلى الصيد أو اللعب بالأكر أو القتال؛ وليس من شك في أن بعض هؤلاء الصاغة كانوا من النصارى، بيد أن سادتهم كانوا من أمراء المسلمين ومما يدل أيضًا على عدم احتفال العامة بتحريم الشريعة للتصوير ما صنع في القرنين الثاني عشر والثالث عشر بمدينة الري من الخزف وما نقش عليه من الصور الملونة الزاهية للأمراء والموسيقيين والقيان والراقصات والفرسان إلى جانب صور مختلف الحيوان الحقيقي منها والخرافى. أما خزف المدائن الأخرى فعليه تصاوير أناسى ولكنها لا ترقى إلى ما في سابقتها من خيال. وكانت النقوش على الخشب، وبخاصة أيام الفاطميين والمماليك في مصر، صورًا معظمها على هيئة الأناسى

والحيوان، كما كانت الرسوم جزءًا من زخرف السجاجيد والعاج والزجاج، وكل هذه التحف على اختلافها قد سلمت من الأحداث الكثيرة التي اجتاحت العالم الإسلامي ونجت من أيدى أوئك الذين دفعهم تعصبهم إلى تحطيم الصور والتماثيل، ولعل ما بقى منها قليل من كثير. والشواهد على وجود فن التصوير واستخدام الصور في العالم الإسلامي أكثر في الرسوم منها في التماثيل، وبخاصة في فارس والهند وبلاد الترك وثمت دلائل على وجود صور حائطية تزين قصور أمراء المسلمين، وشواهد ذلك من العصر الأموى في صور الأمراء والراقصين والموسيقيين واللاعبين وغيرهم في "قصير عمرو"، وشواهدها من العصر العباسى الأول في صور الراقصات والحيوان والطير وغيره في قصور سامراء. وفي كتب الأدب شواهد مستفيضة على مزاولة التصوير في قصور أمراء المسلمين المحدثين. وقد وصلت إلينا بقايا صور حائطية صنعت في القرن السابع عشر وأوائل الثامن عشر لشاهات الفرس. وغالب الصور الإسلامية رسوم حليت بها المخطوطات كما يوجد بعضها في صفحات منفصلة من الورق، وقلما نعثر الآن على صور مرسومة على تلك الصفحات تاريخها سابق للقرن الثالث عشر، ومن أقدم ما زين بالرسوم من كتب الأدب العربي مقامات الحريرى وكليلة ودمنة ومصنفات أخرى في الفلك والطب وعلم الحيل ... إلخ. أما الأدب الفارسى فكان حظه من عناية الرسام أعظم، فقد زينت بالرسوم التواليف في شتى الفنون، وكانت دواوين الشعر مصورة في الغالب، مثال ذلك شاهنامة الفردوسى، وخمسة نظامى، وكليات سعدى، وكثير غيرها من دواوين الشعراء؛ وأقل من ذلك الصور الواردة في التواريخ المخطوطة؛ ومع هذا فقد حليت بالرسوم مخطوطات كتاب "جامع التواريخ" لرشيد الدين، و "روضة الصفا" لميرخواند، وظفر نامه لشرف الدين على يزدى، ومصنفات شتى في تاريخ الهند. أما الرسوم التي لزين كتاب "قصص الأنبياء" لأكثر من مؤلف "ومجالس العشاق" لسلطان حسين

ميرزا (وكان يقرب المصورين ويسخو عليهم) فجديرة بالاهتمام لأنها تعرض صور الرجالات الذين لهم قداسة في التاريخ الإسلامي. وشاعت بعد ذلك القصص النثرية المصورة. ولم يكتف المصورون المسلمون بتوشية المخطوطات العربية والفارسية بالرسوم ولكنهم حلوا بها كذلك مخطوطات أخرى باللغة التركية الجغتائية (وخاصة ما كتب منها في هراة إبان النصف الأخير من القرن الخامس عشر) وباللغة الهندوستانية، ولغة البشتو، والتركية العثمانية. ويجب ألا نكتفى بالصور التي حليت بها المخطوطات المقدمة للأمراء والموسرين، بل يجب علينا أن نسوق الشواهد على عدم احتفال العامة بتحريم صور الكائنات الحية، وأجدرها بالعناية التماثيل المستعملة في "خيال الظل" الشائع في جاوة ومصر وبلاد الترك، وصور الحيوان الساذجة التي تزين بيوت الفقراء، وخاصة الصور التي ترسم في مصر احتفالا بعودة الحاج من مكة إلى جانب صور البراق. ومصادر فن التصوير عند المسلمين يكتنفها الغموض؛ بيد أننا نلاحظ أثر الصور المسيحية (يعقوبية ونسطورية) والمانوية والساسانية والصينية، وفي بلاد الفرس عادت السنن الفنية السابقة للإسلام إلى الظهور في الفن المتأخر في الزمن، وخدم الرسامون الهندوس أمراء المسلمين، وظهرت في رسومهم سمات بلادهم. وقد حاول بعض الباحثين تصنيف المدارس المختلفة في التصوير الإسلامي، ولكنهم لم يتفقوا بعد إلا على جانب ضئيل من هذا التقسيم المعروض للبحث. ويُعد المصورون الأول الذين عاشوا في القرن الثالث عشر جماعة برأسها؛ وثمت سمات بعينها يتميز رسوم المصورين الذين خدموا أمراء المغول في فارس في مستهل القرن الرابع عشر، والذين خدموا الأمراء من آل تيمور في القرن الخامس عشر، وأمراء الصفويين في القرن السادس عشر ومغل الهند في القرنين السادس عشر والسابع عشر. ولسنا نعرف عن أشخاص المصورين أنفسهم إلا القليل، ولا يُعرف

أصحاب غالب الصور؛ ولا نجد في كثير من الأحيان مادة تراجم المصورين حتى إذا كانت صورهم تحمل توقيعهم، بل إننا لا نعلم إلا النزر اليسير عن "بهزاد"، أعظم مصورى الفرس إذا استثنيت أسماء الأمراء الذين خدمهم. ولم يتفق النقاد على صحة ما نسب إليه من الصور التي تحمل توقيعه. ولم تصل إلينا أخبار مصورى الفرس إلا في القرن السادس عشر، أما أخبار مصورى الهند والترك فلم تصل إلينا إلا بعد ذلك، ولكن التفاصيل التي تضمنتها هذه الأخبار تافهة لا يؤبه لها، وهي لا تكفى في آية حال لإثبات نسبة صورة من الصور إلى صاحبها. ونذكر آخر الأمر السكة التي تحمل وجه ملك من ملوك المسلمين، فمن الواضح أن أقدمها محاكاة لسكة الروم، وظلت كذلك حتى قام عبد الملك بإصلاحها عام 77 للهجرة. وثمت أمثلة متفرقة لسكة تحمل صور خلفاء بنى العباس: المتوكل، والمقتدر، والمطيع. وزاد شيوعها أيام أمراء السلاجقة في آسية الصغرى، وبنى أرتق أصحاب ديار بكر، وبنى زنكى أمراء حلب، بيد أن هذه السكة لم تكن بوجه عام سوى محاكاة لسكة أجنبية، وليست بينها واحدة تبين صور الملوك التي ضربت عليها أسماؤهم وألقابهم؛ أما في الهند فقد ضرب "جهانكير" سكة عليها صورة وجهه، ثم اجترأ فأغضب المسلمين وصور نفسه وكأس الخمر في يده. المصادر: أهم المصادر في التصوير: (1) K. A. Inostranstev and J.I.Smirnov: -Materiali de la bibliographie musubnan skoe Archeologie, سانت بطرسبرغ سنة 1904 (2) A Provisional bib-: A.Creswell liography of painting in Muhammadan art لندن سنة 1912. (3) - W. Bjoerkman and E. K. Kueh: nel Kritische Bibliographie, Islamische 1914 - 1927 Kunst. في Is 1، جـ 17, برلين سنة 1928. وظهرت بعد ذلك مصادر أخرى. (4) Painting in Islam: T.W. Arnold، أكسفورد سنة 1928.

تعليق على مادة "التصوير"

(5) A.Grohmann and T. W. Arnold: Denkmaeler islamischer Buchkunst، ميونخ سنة 1929. وأوفى المراجع. (6) Islamische Kleinkunst: E. Kuehnel برلين سنة 1925. (7) Manuel d. art musulman: E. Migeon الطبعة الثانية، باريس سنة 1927. [أرنولد T.W. Arnold] تعليق على مادة "التصوير" جاء هذا المقال مقتضبا إلى حد كبير، على الرغم من أن لكاتبه أبحاثا واسعة في ميدان التصوير الإسلامي وأهمها كتابه: "التصوير في الإسلام" Painting in Islam الذي ظهر في أكسفورد سنة 1928 والذي وضع فيه المؤلف حدا لخطأ شاع حقبة طويلة من الزمن، فأثبت أن الفقهاء من الشيعة ومن أهل السنة سواء في القول بكراهية التصوير. حقا إن الأستاذين كرلت Gurlitt وشولتز Schulz فطنا قبل الأستاذ أرنولد إلى خطأ القول بأن التصوير لم يكن محرما عند الشيعة (انظر Ph. Walter Schulz: Die persisch - islamische Miniaturmalerei ص 2) ولكنه كان أول من شرح ذلك شرحا وافيا (ص 11 من كتابه سالف الذكر). وقد ترك الكاتب البحث في حكم التصوير في الإسلام إلى مادة "صورة" في دائرة المعارف ولكنا تبينا أن المقال الذي كتب عن هذه المادة غير واف، فآثرنا أن نشير هنا إلى ما كتبناه بالعربية عن هذا الموضوع في كتابنا "التصوير في الإسلام عند الفرس" (القاهرة سنة 1936, ص 18 - 21) وكتابنا "الفنون الإيرانية في العصر الإسلامي" (القاهرة سنة 1940, ص 74 - 83) وفي الدراسات الفنية والتعليقات التي زدناها على كتاب "التصوير عند العرب"للمرحوم أحمد تيمور باشا (ص 119 - 139) وقد أخرجناه للجنة التأليف والترجمة والنشر سنة 1942. والحق إننا عرضنا في ما كتبناه في هذه المراجع، ولا سيما في المرجع الأخير منها, لشتى الأبحاث التي كتبها الفقهاء والمؤرخون ورجال الفنون والآثار, وناقشنا الآراء المختلفة التي وصلوا إليها، وانتهينا إلى أن القرآن لايعرض للتصوير بشيء وإلى أن الحديث ينهى عنه، وإلى أننا لانطمئن

إلى ما يقوله بعض العلماء من أن أحاديث النهي عن التصوير موضوعة ولا تعبر إلا عن الرأى السائد بين الفقهاء في العصر الذي جمع فيه الحديث ودون، أي نحو القرن الثالث الهجرى والتاسع الميلادي. وقد نسبنا كراهية التصوير في الإسلام إلى الفزع من الوثنية وعبادة الأصنام والخوف من الرجوع إلى ما كان عليه معظم العرب في الجاهلية، وذلك فضلا عن كراهية الترف في ذلك العصر الذي ساد فيه الزهد والتقشف في سبيل الله، وعن النفور من مضاهاة خلق الله تعالى. ويرى بعض العلماء. أن العرب كانت تخشى الصور والتماثيل بالغريزة كما كانت تخشاها الأمم السامية. والمعروف أن كراهية التصوير وعمل التماثيل في الإسلام جنبت المسلمين اتخاذ الفن عنصرا من عناصر الحياة الدينية وحالت دون استعمال التصوير في المصاحف وفي العمائر الدينية كالمساجد والأضرحة اللهم إلا في حالات نادرة جدًّا، وجعلت المسلمين ينصرفون إلى إتقان الزخارف البعيدة عن تجسيم الطبيعة الحية أو تصويرها، فيتفوقون في العمارة وفي زخرفة المبانى وفي تزيين الألطاف والتحف بالرسموم الفنية، ويقصرون في ميدان النحت فلا تظهر عبقرية النحات، ولا يكاد يلتفت إلى التماثيل المخروطة، ورفعت تلك الكراهية مكانة الخطاطين والمذهِّبين وسائر المشتغلين بإنتاج المخطوطات الثمينة؛ ولكنها مع ذلك كله لم تقض على التصوير قضاء مبرما، فازدهر إلى حد ما, ولا سيما على يد الإيرانيين والهنود. والشواهد التي ساقها كاتب المقال على وجود التماثيل عند المسلمين قليلة جدًّا بالنسبة إلى ما يعرفه المؤرخون وعلماء الفنون الإسلامية. وقد جمع المرحوم تيمور باشا كثيرا منها في كتابه الذي أخرجناه للجنة التأليف والترجمة والنشر. كما ذكرنا كثيرا منها في كتبنا "كنوز الفاطميين" (القاهرة سنة 1937 و "الفنون الإيرانية في العصر الإسلامي" و "الفن الإسلامي في مصر" (القاهرة سنة 1935) أما ازدهار التصوير في إيران والهند

وتركية فقد تحدثت عنه المؤلفات العديدة التي ظهرت في هذا الموضوع والتي أشرنا إليها في كتبنا سالفة الذكر وفي كتابنا "التصوير في الإسلام عند الفرس" وفي بحثنا عن "التصوير وأعلام المصورين في الإسلام" وقد كتبناه في كتاب "نواح مجيدة في الثقافة الإسلامية" الذي أخرجته مجلة المقتطف سنة 1938. ولا ريب في أن أوفى المراجع العربية في هذا الموضوع حتى الآن هو كتاب "التصوير عند العرب" للمرحوم أحمد تيمور باشا، فقد جمع فيه المؤلف في 114 صفحة من القطع الكبير نخبة طيبة جدًّا من النصوص الأدبية والتاريخية عن الصور والتماثيل عند العرب وزدنا عليها نحو 150 صفحة من الدراسات الفنية والتعليقات عرضنا فيها لحكم التصوير في الإسلام ولمختلف التحف والألطاف الإسلامية المحلاة بالصور ولشتى التماثيل الإسلامية التي وصلت إلينا. أما التماثيل والصور عند سائر الأمم الإسلامية فإن ميدان الحديث عنها في كتب الفنون الإسلامية، ولا سيما في ما ألف منها عن التصوير، وقد أشرنا إليها في مراجع مؤلفاتنا التي ذكرناها وفي المراجع التي أثبتناها في نهاية كتاب التصوير عند العرب لأحمد تيمور باشا. مصادر أخرى: (1) L. Binyon Wilkinson and Gray: Persian Miniature Painting, أوكسفورد سنة 1933. (2) Musulman Painting: E. Blochet لندن سنة 1927. (3) Die Kunst: E.Diez islamischen der Voelker. برلين سنة 1922. (4) A Handbook of Mo-: M. Dimond hammedan Decoraive Arts, نيويورك سنة 1930. (5) Die Kunst des: H. Glueck und Islam Diez برلين سنة 1925. (6) Die Maler eien von Sa-: E.Hazfeld marra برلين سنة 1927. (7) Die Islamische Kunst: E. Kuehnel -Handbuch der Kunstgeschichte: A. Spren 373 - 584 .ger Band VI, S, ليبسك سنة 1929. (8) Miniaturmalerei im: E. Kuehnel islamischen Orient, برلين سنة 1923.

تطيلة

(9) Martin: .The Miniature paint-: F ing and Painteres of Persia. India and Turkey from the VIII to the XVIII century، لندن سنة 1912. (10) Annual Bib-: L.A. Mayer liography of Islam Art and Archaeology المجلد الثالث سنة 1935 - 1937. (11) A Survey of Persian Art، طبعة A. V. Poe and Ph. Archerman أكسفورد سنة 1938. (12) La Miniature Per-: A. Sakisian sane du Xlle au XVIIe Siecle باريس سنة 1929. (13) Die Persisch- is-: Ph. W. Shulz lamisch Minialuremalerei ليبسك سنة 1914. (14) hes Mos-: L. Hautecoeur du Caire et G.Wiet quee باريس سنة 1922 م ص 163 - 183. زكى محمد حسن تطيلة بليدة بالأندلس كان يبلغ عدد سكانها 9.500 نسمة تقريبًا وهي على ارتفاع 860 قدمًا فوق سطح البحر وعلى مسيرة خمسين ميلا إلى الشمال الغربي من سرقسطة. وتطيلة على الضفة اليمنى لنهر إبره وعلى الضفة اليسرى لنهر كالشى Queiles أحد روافد نهر إبره. ويقول جغرافيو العرب إن الأمويين أنشأوا مدينة تطيلة في عهد الأمير الحكم الأول (180 - 206 هـ = 796 - 822 م). وكانت هذه المدينة في ذلك العهد وفي ظروف عدة أخرى معقلا للزعماء المسلمين الثائرين، لذلك حاصرها الأمير عبد الرحمن عام 229 هـ (843 - 844 م) كما حاصرها المنذر عام 264 هـ (877 - 878 م). واستولى النصارى على هذه المدينة جملة مرات ثم استردها المسلمون واتخذها عبد الرحمن الثالث قاعدة سير منها حملة على شمالي شبه جزيرة الأندلس عام 308 هـ (920 -

_ (1) مقدمة ابن خلدون، ص 383, 384 بتصرف.

تعزية

921 م) وصدع عبد الحميد بن بسيل قائد جند عبد الرحمن الثالث بأمر مولاه واسترد هذه المدينة بعد ذلك بثلاث سنوات. ولم يذكر مؤرخو العرب تاريخ دخول تطيلة في حوزة النصارى نهائيًا. المصادر: (1) الإدريسي: المسالك والممالك، النص ص 176, 190 والترجمة ص 211, 231. (2) أبو الفداء: تقويم البلدان، النص، ص 180, والترجمة ص 259. (3) ياقوت: معجم البلدان، جـ 1، ص 853. (4) ابن عبد المنعم الحميرى: الروض المعطار، رقم 55. (5) Extraits inedits relatifs: E. Fagnan au Maghrib, ص 28. (6) ابن عذارى: البيان المغرب، جـ 2، في مواضع مختلفة، انظر الفهرس. [ليفى بروفنسال E. Levi- Provencal] تعزية المواساة بوجه عام ومشهد الشيعة بوجه خاص. وكلمة تعزية مصدر الفعل المضعف من "عزى" ولم يرد هذا المصدر في القرآن "ورد لفظ عزين في سورة المعارج، الآية 37) ولكنه ورد في كتب الفقه على المذاهب كلها في نهاية كتاب العبادات باب الجنائز، وفيها حض على تعزية أقارب الميت. وأول معاني التعزية عند الشيعة النواح على من استشهد من الأئمة عند قبورهم أو في منازل النائحين وهم يندبون الحسين خاصة. والتعزية في لغة العامة التابوت المصنوع على غرار القبر القائم في كربلاء، فالناس يحتفظون في بيوتهم بنماذج من هذا التابوت صنعوها من النفائس. على أن التعزية تدل بوجه خاص على المشهد نفسه. ويقام هذا المشهد في الثلث الأول من المحرم وخاصة في العاشر من "روز قتل" وهو اليوم الذي استشهد فيه الحسين، ويوافق يوم عاشوراء وتختلف المشاهد اختلافًا كبيرًا باختلاف البلدان، فهي في فارس غيرها في مواطن الشيعة من أرض الجزيرة وبلاد الهند.

ويدخل في المشاهد بمعناها الواسع المواكب التي تسير في الطرقات كموكب الفرسان وفيه جواد الحسن، وموكب زواج القاسم ولد الحسن من فاطمة ابنة الحسين والموكب الذي يسير إلى القرافة، وفيه التابوت. ثم إن التعزية تدل على تأدية هذا المشهد المؤثر نفسه، فيقام المسرح في الأماكن العامة والحانات، وفي المساجد، وفي "إمام بارا" الذي شيد خصيصًا لإقامة هذا الحفل. وأهم ما يجهز به المسرح تابوت كبير ومستقبلات للنور توضع في مقدم المسرح ثم قوس الحسين ورمحه وحربته وعلمه. ويشترك في الحفل إلى جانب المهرجين الـ "روضه خوان" والشاعر، أي الرجل الذي يرثى الشهداء، فهو الذي يفتتح المشهد ويلقى الخطبة وهو يؤمئ بإشارات فيها معنى الأسى، ويستكثر فيها من الأحاديث بصوت المتفجع، ويحيط به طائفة من الصبيان المرتلين يطلق عليهم اسم "بش خوان" ومعناها لغة المنادون، بينما ترتدى الـ"نوه حَنّانه" ثياب الحداد ويندبن ندب الأرامل والثكالى، والرجال من النظارة في جانب والنساء في جانب. ويوزع عليهم "مَهْر" وأقراص من طين كربلاء مضمخة بالمسك يضعونها على جباههم في حزن بالغ، ويمثلون على المسرح أصدق تمثيل ما قاساه الشهداء من جوع وما عانوه خاصة من عطش، في حين يدار على النظارة الماء والمرطبات. والجود بجهاز المسرح وكل مايشتمل عليه -بما في ذلك جُعْل الشاعر- فريضة على الأثرياء، وهو أيضًا عمل من أعمال البر والتقوى، وللأشراف شأن هام في هذه المحافل، لأن ارتفاع نسبهم إلى الحسين يكسبهم حقًّا في صدقة المتصدقين، وهم يلحفون في طلبها. وأغراض هذه المشاهد متشابهة وجل ما يتلى فيها واحد. ويفتن الشعراء في تناول هذه الأقوال ويتوسعون فيها" (انظر فهارس المخطوطات) وأشهرها فارسى وبعضها عربي وبعضها تركى .. ولا يمكننا أن نطلق على المشهد

_ (1) الإتقان 2: 224.

اسم المسرحية إلا تجوزا، ذلك أن مناظرة تتراوح أحيانًا بين الأربعين والخمسين كل منظر مستقل عن الآخر. وأشخاص المشهد من غير الملائكة كثيرًا ما يوازن بين مصيرهم ومصير الشهيد، ويعترف يعقوب ويوسف أن الحسين وأولاده قاسوا أكثر مما قاسيا، بل إن حواء وراحيل ومريم قد أحسسن بلوعة أمه فاطمة. أما علاقة الحسن بأخيه الحسين فقد سموا بها سموًا عظيما. ويظهر في المشهد إلى جانب روح أمه فاطمة، أختاه كلثوم وزينب وزوجه شهربانو ابنة يزدجرد الثالث وولده على أكبر الذي استشهد في القتال؛ وكثيرًا ما يمثلون تزويج ابنة الحسين من شهربانو، وهي فاطمة، من القاسم ولد الحسن. وهم يقصدون إلى التأثير العميق في جمهور المشاهدين بتمثيل مقتل ولد صغير من أولاد الحسين وابن عم يافع له، أما ابنه الآخر على زين العابدين الذي سلم من القتل فله شأن هام في الموكب المفجع الذي يحمل فيه رأس الحسين وسبايا النساء والأطفال إلى الخليفة يزيد بن معاوية، فإذا لقى الموكب ديرًا نصرانيًّا بات فيه ليلته، وينطق راهبه بالشهادتين عند رأس القتيل، ويقوم اليهود والكفار وشعراء النصارى في قصر الخليفة بمثل ذلك. ومن المناظر البليغة التأثير في نفوس المشاهدين استسلام أسد وتبجيله لرأس الحسين. وأهم من ذلك وأخطر أن هذه المشاهد تنقل للشيعة صورًا ملؤها الغرض لرجالات صدر الإسلام، فتسلك في زمرة الشيعة سلمان الفارسى وأبا ذرّ وبلالا والحُرّ الذي انحاز إلى الحسين، وتجعل من المناوئين لهم: أبا بكر وعمر، وهو الذي قيل فيه إنه حرم فاطمة ميراثها في واحة فدك وآذاها. وهذه المشاهد لا تفرق بين الرجال من غير الشيعة فهي لا تعد -مثلًا- ابن ملجم الذي قتل عليًّا خارجيًا وتأخذ أهل السنة بجريرته, كما أنهم يصورون أقبح تصوير ابن سعد قائد جيوش خصومهم، وشمر الذي ضرب الحسين الضربة القاضية -فيما يقال- وخاصة يزيد بن معاوية، وبلغ أنهم كانوا يسمحون بشهود حفلاتهم لغير

المسلمين ولا يسمحون بذلك للمسلمين من غير الشيعة وتظهر شعوبيتهم وكراهتهم للترك في بعض المناظر مثل منظر عودة شهربانو زوج الحسين إلى بيتها في فارس، أو نجاة فاطمة الصغيرة على يد ملك فارس. وجل المشاهد منظومة من بحر الهزج، وهي من مصادر شتى، وإن تكن مادتها وألفاظها قديمة في الغالب، فقد أخذوا آيات من القرآن وفسروها تفسيرًا شيعيًا، كما اختاروا أحاديث قديمة في صالح الشيعة، وعنوا في صياغتها بالتأثير على السامعين. وفي خطبهم عبارات قديمة قدم الطبري، وقد حفلت مصنفات الشيعة القديمة بعظات كاملة ولعنات ودعوات، مثل مصنفات ابن بابويه والكلينى والشيخ الطوسى، وخاصة في أبواب الزيارات من كتب الحج والإمامة، وفي كتب المقاتل. وثمت أيضًا عدة ترانيم، وماتزال المراثى تنظم إلى وقتنا هذا. أما من جهة النظارة فإن التعزية من أقوى المشاهد تاثيرًا في النفوس، بيد أن الأجانب لا يستطيعون إدراك ما ينطوى عليه المشهد، ولذلك فقد ينفرون من واقعيته السافرة، وبخاصة المناظر الختامية التي يصبح فيها رأس القتيل أهم متكلم في المشهد وأول ممثل. ولعل أول مايتبادر إلى أذهانهم أن النظارة ينتشون بما ينطوى عليه المشهد من فظاعة وألم. ولسنا نستطيع أن نتبين الغاية الحقيقية من هذا المشهد إلا إذا درسنا ما يقال فيه دراسة بعيدة عن الهوى، وهذه المشاهد مليئة بالعقائد التي تُغَلّب الأحاديث الشيعية. وإظهار هذه المشاهد في هذا الثوب البدائى يجيز لنا أن نقول إن ما أدخل فيها من مناظر تهز النفس وتروعها لم يكن الغرض منه إلا إحداث التأثير في النفوس، والواقع أن الفكرة الغالبة على المشهد بأسره هي فكرة الفداء، وقد جُسّمت هذه الفكرة بحيث تتفق مع مصنفات العقيدة الشيعية ولكنها أخرجت في صورة أوضح وحسبنا هنا أن نحيل إلى أحد هذه المشاهد الواردة في كتاب شودزكو Chodzko, انظر المصادر) ففي مستهل المنظر الأول "منظر رسول الله [صلى الله عليه وسلم] يُعلم جبريل محمدًا بأن الحسن ملاق مصير أخيه

الحسين قائلا: "ولسوف يحز سبطاك صرعى عدو زنيم، ولن يكون هذا جزاء عصيانهما أوامر ربهما، فما تعلق أوضار الإثم بواحد من أهل بيتك ياخير البرية، وإنما يفتديان المسلمين، فيتلألأ جبيناهما أبد الآبدين بنور الأبرار المصطفين فإن شئت أن يغفر الله ذنوب الآثمين، فلا تضننّ بزهرتى بستانك أن تقطفا قبل الأوان" (ص 5 وما بعدها). ويسترسل في توضيح فكرة الاستشهاد في سبيل غفران ذنوب الآخرين حتى يجئ الختام المتوقع في المنظر الأخير الذي يجتمع فيه الآباء كافة من آدم إلى فاطمة أم الحسن حول الرأس الشريف. ويخاطب فاطمة (ص 215) بقول: "لا تثريب عليك في بكاء ولدك المقتول المضرج بدهه الزكى، فقد غاب عنك سر هذا الاستشهاد، وسنُجزى عليه يوم القيامة بمفاتيح الجنة والنار؟ " ونحن نستطيع أن نتبين تاريخ هذه الأقوال في الخلاص بالشفاعة من دعوات أولئك التوابين بزعامة سليمان بن صُرَد الذين تزودوا بالسلاح ووقفوا مستغفرين عند قبر الحسين بكربلاء لأربع سنين خلون من مقتله، وأقسموا أن يقاتلوا الأمويين أو يموتوا، ذلك أنهم رغبوا أن يكفرو عن خطيئتهم بقعودهم عن نصرته أو الموت معه. وقد قال أحدهم، وهو عبد الله ابن وال التيمى: "إن حسينًا وأباه وأخاه [أفضل أمة محمد [صلى الله عليه وسلم] وسيلة عند الله يوم القيامة" (الطبري، جـ 2، ص 547) وهذه الرواية عن أبي مخلف عن سلمة بن كُهيل الشيعى عن علوى هو محمد الباقر حفيد الحسين، والرأى الغالب أن سلمة بن كُهيل من الزيدية, ولذلك فهو ليس من غلاة الشيعة. والتعزية في أكمل صورها محدثة، فقد كان هن العسير في وقت من الأوقات إقامة التعزية دون معارضة "الملّا" لما تنطوى عليه من عقيدة ساذجة وما يصاحبها من رقص ومواكب ليست من الدين في شىئ. ولم يذكر آدم أوليريوس Adam Olearius - الذي شهد عام 1637 عدة محافل فخمة في أردبيل- شيئًا عن التعزية، ولم ير تافر نييه: J.B. Tavernier (انظر Vierzig - Jaehrige Reisebeschreibung, نورنبرغ سنة 1681, ص 178 وما بعدها)

مشهدًا من هذا القبيل بين ما رآه من أعياد شهر المحرم بإصفهان عام 1667، على أن مورييه J.Morier رأى هذه المشاهد في طهران عام 1811. ولعل بعض شعائر الأولين في الأعياد الأسطورية القديمة مثل شعائر تموز وأدونيس -قد بقيت في المشاهد العارضة التي اقتبسها بعض أهل السنة والهندوس في الهند، فأعلام المواكب والهراوة الضخمة واليد التي يتداولها الداعون إلى الحفل والتي يقولون إنها يد الحسين المقطوعة، كل أولئك له أصوله القديمة. ومما يدل على أن صفات هذه الآثار المقدسة قد تغيرت، ما يقوله الشيعة من التتر من أن التابوت هو دار عرس القاسم. وللتعزية في بعض البلدان شعائر تتصل بالماء، وقد نشأت هذه الشعائر بين أهل هذه البلدان، وقد يرد إلقاء التابوت في الماء عند شيعة الهند إلى أصل هندوسى، بل إن ثياب الحداد قد تأثرت بالأزياء القديمة إلى حد ما، على أن المشهد نفسه هو تعبير العامة عن ذلك الشعور الدينى الذي نجد مصدره في حادث كربلاء. المصادر: (1) Das Drama in Persien: W. Litten سنة 1929. (2) Theatre Persan: A. Chodzko باريس سنة 1878. (3) Miracle Play of: Lewis Pelly The Hasan and Husain في مجلدين، لندن سنة 1779. (4) La Passion: Ch. Virolleaud de l, imam Hosseyn، باريس سنة 1927 (5) the Glory of the shiah World , طبعة وترجمة P.M. Sykes وخان نهادر أحمد دين خان، لندن سنة 1910. (6) Voyage en: J. Morier Second LPerse باريس سنة 1818. (7) Les religions et: M.de Gobineu les Philosophies dans l, Asie Centrale باريس سنة 1866. (8) The Muharram, Myster-: J.Lassy -Azerbijan Turks of Cau ies among the casia هلسنكفورس سنة 1916.

تغلب

(9) A History of Persian: E. Browne in Modern Times Literature, كمبردج سنة 1924, ص 172 وما بعدها (ومن ثم Ritter .H في Isl، جـ 15، سنة 1926, ص 107) (10) Der Ursprung: B.D. Eerdmans der Ceremonien-Festes في Z.A., جـ 9, سنة 1864 (11) Les drapeaux en: G.van Vloten in-) usage a la fete de Hucein a Teheran (ternationales archiu fuer Ethnographie جـ 5، سنة 1892, ص 3. (12) Le chiisme et la na-: E. Aubin tionalite Persan في R. M. M. جـ 4، سنة 1908. [شتروتمان R. Strothmann] تَغْلِب " تَغْلِب": تغلب وبكر أعظم قبائل ربيعة شأنا في بلاد العرب لعهدها القديم. ويقال إن جد هذه القبيلة اسمه دثار وإن أباه تَمنى له أن يغلب فلحق به هذا الاسم. على أننا إذا قسناه بشواهده في اللغات السامية جميعا مثل يشكر ويذكر ويعقوب وإسحاق وغيرها، فإنا لا نذهب في تفسيره إلى أنه صيغة المخاطب المذكر من غلب وإنما نقول إنه صيغة الأمر للمؤنث الغائب. وتدل تغلب من حيث التذكير والتأنيث على أن اسم القبيلة أقدم من الأسطورة المتعلقة بجدها. زد على هذا أن الشعراء المتقدمين إلى الفرزدق يقولون إن تغلب -ابن وائل لا ابنه (Robertson Smith: Kinship، ص 13 وما بعدها، 253 وما بعدها؛ Omayyades: Lammens, ص 214) ويذهب نولدكه في - Zeitschrift der Deuts chen Morgenlaendischen Gesellschaft جـ 40, سنة 1886, ص 196) رغم هذا، إلى أن "لفظ تغلب وهو اسم فعل لا شك فيه -أصله صيغة جمع تصف القبيلة كلها بالغلبة". ويقول الجوهرى إن تغلب تسمى أيضًا الغلباء والنسبة إليها الغلباوى؛ وأريد التمييز بين تغلب وائل وتغلب بن حلوان اليمنى فسميت القبيلة الثانية تغلب العليا (: Register Wuestenfeld, ص 433) ومن أعقابها قبائل النَمِر (وبطنها المشْجَعَة،

البلاذرى، ص 111) وكلب بن وَبَرَة وتنوخ وكنانة بن بكر بن عوف. وينسب لتغلب فيقال التَغْلبِى، والذي عليه الجمهور التغلبى (انظر لسان العرب، جـ 2، ص 145، س 14؛ تاج العروس، جـ 1، ص 414، س 34؛ ويقول رايت (Grammar: Wright, الطبعة الثانية، جـ 1، ص 159) إن الأفضل أن يقال تغلبى، ولم ينسب العرب إلى الجماجم) العقد، جـ 2، ص 38 - 39, 46، س 2؛ Moawia: LAmmens, ص 399). وتَغْلبيَّة في رواية المسعودى (مروج الذهب، جـ 5، ص 148) اسم زوجة من أزواج على، وهي أم عمر ورقية (أي الصهباء وتكنى بأم حبيب؛ انظر Wuestenfel: كتابه المذكور آنفا، ص 145؛ Lammens: كتابه المذكور آنفا، ص 118, وانظر ما سيأتي) نسبها: تغلب بن (بنت) وائل بن قاسط بن هِنْب ابن أفْصَى بن دعْمى بن جَدِيلة بن أسد بن ربيعة بن نزار. وبكر وعنز قبيلتان بينهما صلة رحم (العقد، جـ 2، ص 45، س 22؛ Robertson Smith: كتابه المذكور آنفا، ص 12 وما بعدها). وأبناء تغلب هم عمران والأوس وغنم؛ وابن غنم عمرو, وعمرو أبو معاوية وحبيب، ويلقب أبناء معاوية الأربعة بالخناقين (Wuestenfeld ص 129) وأبناء بكر بن حبيب الستة (ويذكرهم صاحب العقد في الموضع الذي ذكرناه ويسقط منهم مالكا بالأراقم (فسر هذا اللقب في ديوان الأخطل، ص 127؛ النقائض ص 266، 373؛ Lyall: كتابه المذكور، ص 51؛ وتستعمل الأراقم في الأغلب كناية عن تغلب؛ ونسبت إليها وقعتان: النقائض ص 400، ص 761) وأكبر بطنين من بطون تغلب (وفي النقائض ص 266, 373؛ الروقان) بنوجشم بن بكر (وهم من بيوتات العرب: العقد، جـ 2، ص 37، س 11؛ Moawia: Lammens ص 400) ومالك بن بكر بن حبيب. وانحدر من صلب أسامة بن مالك حمدان بن حمدون جد الحمدانيين ويسمى اثنان من هذا البيت باسم تغلب وهما أبو وائل تغلب بن داود بن حمدان، وأبو تغلب فضل الله بن ناصر الدولة الملقب بالغضنفر (انظر هذه المادة Wuestenfeld, 459 أو 435).

منازلها: لما تشعبت القبائل نزل بنو تغلب وغيرهم من ربيعة هضاب نجد والحجاز وتخوم تهامة واستغرقت هجرتهم إلى الجزيرة قرونا، فكانت بطيئة وعلى مراحل، ولم تنته إلا في العهد الإسلامي، إذ استقروا في المنازل التي عرفت فيما بعد بديار ربيعة. وفي مستهل القرن الخامس الميلادي نشبت حرب البسوس عندما كانت بكر وتغلب تعيشان في نجد، ذلك أن هجرتهما كانت أيام ذي نواس حوالي عام 380 م. وثمت مواقع اشتهرت خلال هذه الحرب، وهي في أرض يحدها من الجنوب البحرين وجبال العارض، ويحدها من الشمال خط العرض الذي أنشئت عليه مدينة البصرة فيما بعد (: Zeitschrift der Deutschen Blau Morgenlaendischen Geselschaft., جـ 23، سنة 1869 م، ص 579 وما بعدها). وكل ما نستطيع أن نقوله عن التخوم بين تغلب وبكر هو أن منازل تغلب كانت أدخل في الجزء الشمالي من هذه الأرض بالقرب من حدود الشام، وقد نقل فستنفلد (كتابه المذكور آنفا، ص 434) عن البكرى منازل تغلب "على حدود الشام". ولم يستق هذه المنازل إلا من الشواهد الشعرية ونحن نوردهما فيما يلي: الأحْفار، الأزاغب، الموَثَّج، عالِز، عُنَازَة، كاثِرَة، عَنِيَّة والنَهيّ (النِهيّ): واشتهرت النهي هذه بأنها كانت موقعا من مواقع حرب البسوس. وقد ذهب صاحب مراصد الاطلاع (جـ 3، ص 255) إلى أنها بين البحرين واليمامة. وكانت تغلب في القرن التالي -أي السادس- ما تزال شاغلة جزءًا من هذه البقاع على أنها أخذت توطد أقدامها شيئًا فشيئا على المجرى الأدنى لنهر الفرات. وكانت كَبَاث شمالي الأنبار سوق تغلب أيام الجاهلية (مراصد، جـ 2، ص 475). وكانت قصبة منازلهم في القرن الأول للهجرة وسط الجزيرة بين قرقيسيا وسنجار ونصيبين والموصل شمالا، وعانة وتكريت جنوبًا، وكان هذا الإقليم يقرب أن يكون شبه جزيرة، إذ تحده أنهار الخابور ودجلة والفرات. وعاشت جماعة من تغلب في مضارب

على الضفة اليمنى لنهر الفرات عند مَنْبِج والرصافة (وصعدوا فيما بعد إلى جوار قنسرين ودمشق) وفي الجنوب حتى عين التمر وجبل إلاهة (لاهة) كما عاشوا أيضًا بين خفان والعذيب وعبرت جماعة أخرى في الوقت نفسه دجلة إلى آذربيجان (Chantre: Lammens ص 96 وما بعدها؛ 121 وما بعدها؛ Mo'awia, ص 381, 398 - 400؛ Ommayyades, ص 214, 240, 266 وما بعدها؛ Musil, وبخاصة مؤلفه Euphrates ص 42، 170, 285, 359؛ Palmyrena ص 175, 248, 281 وما بعدها) ولا غنى للباحث في طبيعة منازل تغلب في عهود التاريخ من الرجوع إلى كتب موسل Musil (انظر المصادر). تاريخها: سمعنا بتغلب أول ما سمعنا في حكم سابور الثاني الذي غزا أرض بكر وتغلب "بين دولة الفرس وثغور الروم في الشام"، وأسكن جماعة منهم البحرين وكرمان وتَّوج والأهواز، وربما كان غرضه من ذلك أن يزيد من قدرته على حكمهم (Sasaniden: Noeldeke, ص 56 وما بعدها ص 67) وأمَّر أبرهة (؟ ) الحميرى زهير بن جناب الكلبى على بكر وتغلب في غزوته نجدا (الأغانى جـ 21، ص 95؛ ابن الأثير، جـ 1، ص 367 وما بعدها) فحاولت القبيلتان تشد أزرهما قبائل أخرى من معد أن ترفعا عن كاهليهما النير اليمنى، وانتهى ذلك بيومى السُّلان وخزاز وقيل خزازى (انظر في شأن موقعهما Fuenf Mo'allagat: Noeldeke, جـ 1، ص 44، 84) وكان أميرهما في هذين اليومين ربيعة بن الحارث أو ابنه كليب (انظر هذه المادة، العقد، جـ 3، ص 66، ص 31، Reiske، ص 182 وأراد المهلهل أخو كليب أن يثأر لأخيه فقامت حرب البسوس على بكر (وتختلف الروايات في وقائع هذه الحرب وترتيبها وأسمائها: انظر البكرى، ص 842 - 843, Reiske, ص 164, 181 - 198؛ الأغانى؛ جـ 4، ص 143؛ ابن الأثير، جـ 1، ص 384 - 397,: Blan الكتاب المذكور، أما عن مواقع هذه الحروب فانظر Wetzstein في Ztschr. f. allg. Erak N.S. جـ 18، سنة 1865, ص 262 وما

بعدها، 415؛ Palmyrena: Musil ص 62 وما بعدها) ويقال إن قبائل تغلب افترقت بعد انتصار بكر في يوم القض أو القضة، ويعرف أيضًا بيوم التحلاق أو التحالق أو الثنية (البكرى ص 56؛ العقد، جـ 3، ص 69، س 15 وقد ورد فيه ذكر أيام أخرى، جـ 3، ص 68, وذكر اليربوع في خبر يوم زرود [اليوم الثاني]، جـ 3، ص 59، س 27؛ ياقوت جـ 2، ص 928 وقد ذكر رباح ابن يربوع في خبر يوم إراب: ديوان القطامى، ص 16، النقائض ص 760 وما بعدها ولم يذكر بصفة عامة إلا القليل من أيام تغلب، وقد علل ذلك Lammens في كتابه عن معاوية، ص 399, تعليق 6، إلا أن تعليله مشكوك فيه) ويرجع إلى مادة بكر فيما بقى من تاريخ تغلب تحت حكم كندة وفي تفصيل ما سبق أن أجملناه. وعقد الصلح بين بكر وتغلب في ذي المجاز بإيحاء المنذر الثالث، ولعله كان يرمى من وراء ذلك إلى استغلال هاتين القبيلتين الكبيرتين في الغارات التي كان يريد أن يشنها (انظر في شأن الرهائن Rothstein ص 137). والحق إن هذا الصلح كان موقفا إلى حد بعيد، ذلك أننا لم نعد نسمع أبدا بحرب ضروس بين هذه القبائل (Fuenf Mo'allaqat: Noeldeke جـ 1، ص 53, وما بعدها، ص 73) وكانت بكر مخلصة للخميين في حين أن تغلب أبت متابعة عمرو بن هند، وكان يرغب في الثأر لأبيه المنذر الثالث من الغسانيين. ويقال إنه أدبهم على يد الغلاق، التميمى لخروجهم عن طاعته (الغلاق لا العلاق انظر Fuenf Mo'allagat: Noeldeke, ص 76) وقامت بين تغلب وبكر خصومة جديدة احتكم فيها إلى الأمير اللخمى نفسه شاعران من أصحاب المعلقات هما عمرو والحارث، فكان كل منهما ينافح عن قبيلته. (المصدر نفسه، ص 51 وما بعدها؛ ولعل هذا الأمير هو الذي أحمد حرب البسوس أول مرة؟ ؛ الأغانى، جـ 9، ص 178 - 180) وضاق الأمير بتفاخر عمرو بن كلثوم فأهانه في مناسبة أخرى فقتله عمرو لساعته Rothstein, ص 135 وما بعدها) والظاهر أن تغلب أصبحت بذلك في حل من القيود، بل جاهرت بكرا بالعداء. على أننا لا نستطيع أن نجزم بأن مرة

ابن كلثوم أخا عمرو قتل الأمير اللخمى المنذر وهو من أبناء النعمان أبي قابوس (المصدر نفسه ص 111) واشتركت تغلب في يوم ذي قار (انظر عن أسماء الأماكن المصدر نفسه. ص 121) يقودها زعيمها النعمان زرعة (انظر في شأنه ديوان القطامى، ص 33) وقد بذل هذا الرجل النصيحة لكسرى فهداه إلى خير ما يفعل لمباغتة بكر (Sasaniden: Ndeldeke, ص 334, العقد, جـ 3، ص 81 وما بعدها) ومما يجدر ذكره أن الأخطل (انظر ديوانه، ص 226) قد نسب بعد ذلك مجد انتصار بكر على الفرس إلى هاتين القبيلتين اللتين تربطهما أواصر القربى. واتصلت تغلب بجيرنها من النصارى فتسربت النصرانية إليهم قبل ظهور الإسلام بزمن ليس بالكثير. (لم ترد في معلقة عمرو آية إشارة إلى النصرانية: Mo'allaqat: Noeldeke Fuenf؛ جـ 1، ص 19، 46؛ وانظر من ناحية أخرى شيخو: النصرانية, ص 125) وكانت تغلب في أوَل أمرها تعبد -مثل بكر- الإله أوال أو أوال (انظر عن اشتقاق هذا الاسم: Robertson Smith, كتابه المذكور آنفا, ص 194) ولم يتغلغل الدين الجديد في قلوبهم (انظر ما سيأتي بيانه) إلا أنهم استمسكوا به فلم تفلح جميع المحاولات التي بذلها المسلمون في القرون الأولى للإسلام لإدخالهم في دينهم، ويستثنى من ذلك جماعة صغيرة منهم لعلها تغلب التي كانت تعيش في جوار طي (: Sprenger Muhammad، جـ 3، ص 433 وما بعدها) وقد تكون دخلت في الإسلام مبكرا حبا في السلامة، فقد خبرنا أنه في عام تسعة للهجرة قدم إلى المدينة وقد من تغلب، بعضهم مسلمون وبعضهم نصارى عليهم صلبان مذهبه، وعقد النصارى منهم صلحا مع محمد [صلى الله عليه وسلم] أبقوا فيه على دينهم على أن لا ينصروا أولادهم. ومع ذلك فقد يكون هؤلاء التغالبة هم أنفسهم الذين اقترحوا هذا الحل تخلصا من الجزية، ذلك أن النبي لم يجبر النصارى قط على الدخول في الإسلام (هكذا قال Skizzen: Wellhausen جـ 4, ص 156) على أن ما روى من أن عمر عامل تغلب بعد ذلك على شروط تشبه هذه يجعلنا نقطع بأن ذلك الخبر من وضع المتأخرين (انظر ما سيأتي

بيانه) وكذلك يحيط الشك بالقصة التي رواها الأغانى في صفحة 53 من الجزء السادس عشر (شيخو: كتابه السابق، ص 454) وفحواها أن النبي [- صلى الله عليه وسلم -] أمر زيد الخيل بدعوة الأمير التغلبى الجرار إلى الدخول في الإسلام (ذكر شبرنكَر Sprenger اسم هذا الامير الجزَّار لا الجرار: ج 3، ص 391) ويقال إنه رفض ذلك فقتل. وفي حروب الردة عام 11 للهجرة خرجت المتنبئة سجاح، التي نشأت على النصرانية بين تغلب إلى اليمامة في صحبة تغلب وتميم، ويقال إنها ماتت عندهم في الجزيرة (البلاذرى، ص 99 وما بعدها؛ Mo'awia.: Lammens، ص 304) وائتمت شيبان الثائرة وتغلب والنمر زمنا ما برجل يدعى مفروقا (الطبري، ج 1، ص 1973) وشد التغالبة الذين هاجروا مع سجاح أزر الفرس عام 12 للهجرة في عين التمر حيث أعمل فيهم القتل خالد بن الوليد، وقتل زعيمهم عقَّة بن أبي عقة وأراد هؤلاء التغالبة أن يثأروا لأنفسهم فاشتركوا في الحملة الكبيرة التي كان الفرس يتهيئون لها وقتئذ بقيادة زَرْمهر وروزبه. فعسكر زعيم تغلب الهذيل بن عمران في المُصَيَّخ (بنى البرشاء) حيث انضم إليه فلول الفرس بقيادة مهبوذان بعد أن حلت بهم الهزيمة في الحصيد فوقع عليهم خالد بفرق ثلاث فلم يسلم منهم إلا القليل، ثم نكل بربيعة بن بجير التغلبى (وقد اشترى على ابنته السبية؛ انظر ما سبق أن بيناه) في الثنى وباغت معسكرًا آخر في الزُمَيَل (البشر). وفي هذه الأثناء تمكن هلال بن عقة من الهرب إلى الرضاب. وتقدم خالد حتَّى الفراض على الفرات، فاتحدت الفرس والروم والقبائل العربية تغلب وإياد والنمر لقتال خالد، على أنهم هزموا هزيمة نكراء، إذ يقال إنهم خسروا مئة ألف مقاتل؛ (الطبري، ج 1، ص 2862 - 2075؛ كتابه المذكور ج 6 ص 45) وعندما شخص خالد إلى الشام تلبية لأمر أبي بكر مر بالمصيخ (هذا هو رسمها الصحيح) والحصيد فنكل بالمرتدين هن تغلب وزعيمهم ربيعة بن بجير (البلاذرى، ص 110) ووقعت وقعة الجسر المشؤومة، وارتد المسلمون إلى خفَان، ويقال إن فصيلة

من الفرسان وعلى رأسهم النصير وحذيفة تقدموا حتَّى تكريت وهزموا تغلب في طريقهم (البلاذرى، ص 249) ولم تتحر الدقة أحيانا في إثبات تواريخ هذه الحوادث، ومع ذلك فإننا نستبين من هذه الروايات أن تغلب كانت تستغل جميع الفرص لمهاجمة المسلمين (انظر Wellhausen. ج 6، ص 46 وما بعدها؛ Memoires: De Goeje. رقم 2، ص 38 وما بعدها؛ ولدراسة طبيعة الأرض التي وقعت فيها حملات خالد انظر Eunhrates: Mucil ص 300 - 314 الكاتب نفسه: Arabia (ص 551 - 517) ومن هنا كان من المستبعد أن يبدى فرسان بنى النمر وتغلب استعدادهم لمعاونة المثنى قبل وقعة البُوَيب (الطبري.، ج 1 ص 2189 وما بعدها) ولعلنا نميل في هذا الشأن إلى الأخذ برأى بيكر C.H.Becker (في Annali: Caetani حوادث عام 14 هـ فصل 32 تعليق b.) الَّذي يذهب إلى أن هذا الخبر يظهر فيه هوى راويه سيف بن عمر. وفي العام نفسه أرسل المثنى فرقة من الأنبار إلى تغلب التي كانت معسكرة في الكباث (انظر ما سبق) ثم أرسل فرقة أخرى إلى تغلب والنمر في صفّين فتمكن هؤلاء من الفرار (الطبري، ج 1، ص. 2206 - 2208 ellhausen . ج 3، ص 69؛ -. Euphrates: Musil ص 321 وهو حادث يدل على أن العداوة القديمة بين بكر وتغلب لم يكن قد عفا عليها النسيان بعد) ونجح الأحلاف، الفرس والروم والقبائل العربية من إياد وتغلب والنمر وغيرهم، في الاستيلاء على حصن من حصون تكريت عام 16 هـ، ووصل عبد الله بن المُعْتَم في خمسة آلاف مقاتل وحدثت بينه وبينهم مناوشات طويلة حاول من خلالها أن يدخل سرًّا في مفاوضة مع العرب النصارى فلم يستجيبوا له ويدخلوا في الإسلام إلا بعد أن ملَّ الروم القتال، ونجح بمساعدتهم في تدبير مكيدة استولى أيضًا (الطبر ى، ج 1، ص 2474 - 2477) ويقال إن نفرًا من تغلب ذهبوا صحبة الوفود التي بعثها عبد الله إلى المدينة وأنهم عاقدوا عمر علي بنى تغلب، فقد خيرهم عمر بين الدخول في الإسلام والمساواة بالمسلمين في كل شيء، أو أداء الجزية، فلما آنس منهم

إحجامًا سمح بأن تكون جزيتهم "مثل صدقة المسلم" على أن لا ينصروا وليدًا (ابن الأثير، ج 2، ص 410) وفي رواية الطبري (ج 1، ص 2482) أنَّه اشترط عليهم ألا ينصروا وليدا ممن أسلم آباؤهم، وقد أدت أنفة تغلب الذين لم يرضوا عن كلمة الجزية وفعال الوليد بن عقبة (انظر Wuestenfeld ص 461 وما بعدها) إلى قبولهم الصدقة مضاعفة ولم يذكر الطبري هذا الخبر الشائع (انظر تاج العروس، ج 1، ص 414، س 32 ابن قتيبة: المعارف، ص 283) إلا في آخر رواية سيف لفتح الجزيرة: (الطبر ى، ج 1، ص 2010؛ Wellhausen، ج 6، ص 85 وما بعدها) إلى جانب هذه الروايات روايات أخرى تختلف في تفصيلاتها (ومن ذلك اختلافها في منع التنصير؟ Nau، كتابه المذكور، ص 110 وما بعدها، بل خلطت أيضًا بي عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز! ) وواضح أن لدنيا في هذا المقام حشدًا من الروايات المختلفة التواريخ تحاول تعليل ما كان لتغلب من شأن خاص وما كان من صلاتها بغيرها من الجماعة الإسلامية (البلاذرى، وكلامه من ص 181 إلى 182 يستلفت النظر فهو يقول: "لا توْكل ذبائح نصارى بنى تغلب ولا تنكح نساؤهم: ليسوا منا ولا من أهل الكتاب" وتوفية ذلك في Annali: Caetani في حوادث عام 20 هـ، الفصول من 37 إلى 49). ومالأت تغلب أول الأمر عليًّا، لكنها انحازت سريعًا إلى الأمويين وحاربت في صف معاوية في وقعة صفين (أسكنهم معاوية الكوفة، انظر الطبري، ج 1، ص 1920 ج 1، ص 2482، 2488 - 2495) في صف يزيد في وقعة الحرة وفي صف مروان في وقعة مرج راهط) Mo, awia: Lammens، ص 49، 118، 381، 400، 435 الكاتب نفسه: , Yazid lev ص 229 - 231 Marwfinids: ص 59 وما بعدها) ولم يعاود الشعراء ذكر تغلب إلا بعد ما ساهموا في النضال بين المضرية واليمنية فحالفوا أول الأمر قيسًا على كلب) - Wie Zeitschrift fuer die Kunde des Mor-: ner نم genlandes، ج 15، 1901 م، ص 6). فلما مالًا وكلبًا دب النزاع بينهم وبين

قيس ونشبت الحرب بينهم (69 - 73 هـ = 688 - 692 م) عندما نزل عمير بن الحباب في صاحبة بني سليم علي الخابور فاصطدم بتغلب التي كانت معسكرة هناك ووقعت مناوشات بين الفريقين ثم حدثت الواقعة عند ماكسين (ماكس) فادارت الدائري علي تغلب والنمر، وأعقب ذلك (70 هـ = 689 م) عدة مناوشات (ويتفق البلاذرى: أنساب، ج 5، ص 313 - مع ابن الاثير، ج 4، ص 255 - 263 في ذكر أيام هذه المناوشات: يوم الثرثار الأول والثاني ثم يوم الفدين ثم السكير ثم المعارك ثم الشرعبية [انظر في هذا ديوان القطامي، ص 5؛ Wiener Zeits "chrift fuer die Kunde des Morgenlandes الموضع نفسه] ثم البليخ، ويزيد القطامي، ص 6، يوم النصف) تلاها وقعة الحشاك وفيها قتل عمير (ويعرف هو ويوم سنجار بيوم الأرقم في النقائض، ص 373، 394، 400) وأراد زفر بن الحارث أن يأخذ بثأر عمير فألحق بتغلب هزيمة منكرة عند الكحيل. ومن أذيال هذا القتال يوم البشر (أو الرحوب ويقال له أيضًا يوم مجاشن [لا مخاشان كما قال البكري، ص 179] ويوم مرج السَلَوّطَح: انظر ديوان القطامي ص 14، تعليق 1؛ - Wues tenfeld، ص 434؛ وانظر عين الأيام كلها: الأغاني؛ ج 11، ص 57 - 63؛ ج 20، ص 126 - 128؛ - Das ar cabische Reich: Wellhausen ص 127 - 130 Chantres: Lammens ص 381 - 398 - ؛ الكاتب نفسه: Omayyades، ص 256 - 261؛ أما عن المواقع المذكورة فانظر Euphrates: Musil، ص 56 وما بعدها، 60 - 82، 366، الكاتب نفسه Palmyrena، ص 172 وما بعدها) ولم تتميز هذه الأيام عن أيام الجاهلية بشيء علي الرغم من وجود الإسلام والنصرانية، بل زاد القتال فظاعة ومن ذلك أن السبايا كن يقتلن، ومن هنا لم يكن عجيبًا أن تبقى هذه العصبية أمدًا طويلًا وأن تعود إلى الاشتعال بين الحين والحين. وكان هذا القتال آخر حادث ظاهر في تاريخ تغلب، وسنجمل هنا الحوادث الهامة في تاريخهم المتأخر: اشتبكت تغلب مع عامل صدقات هرون الرشيد

وكان يدعى روح بن صالح فقتلته، وأخذ حاتم بن صالح بثأر أخيه روح فنكل بتغلب عام 171 هـ (787 هـ) فخرجوا عن طاعة الخليفة بعد ذلك بسبع سنين وعلى رأسهم الوليد بن طريف الَّذي هلك في قتال يزيد بن مزيد، وكان قد استدعاه الخليفة لردهم إلى طاعته (ابن الأثير، ج 6، ص 78، ص 97 - 99؛ ص 101؛ الطبري ج 3، ص 631 - 638؛ Charles: كتابه المذكور، ص 79؛ Wuectenfeld: كتابه المذكور، ص 462، 256) وفي عهد المأمون أخضع مالك بن طوق بن مالك ابن عتاب التغلبى صاحب الرحبة القيسية الذين كانوا بجوار الرحبة (انظر عن ولده أحمد وعن فتنة جمان التغلبى التي حدثت عام 336 هـ الموافق 947 - 948 م مادة الرحبة؛ ابن خلد ون: العبر، ج 2، ص 301، ابن الأثير، ج 6، ص 213؛ H.C. Kay في Journal of the Royal Asiatic society ج 18، سنة ص 504؛ Euphrates: Musil ص 340 وما بعدها) وفي عام 250 هـ (864 م) عمّر الحسن بن عمر بن الخطاب التغلبى جزيرة ابن عمر (ياقوت، ج 2، ص 79؛ البلاذرى، ص. 180) وفي عام 880 م) عقد إسحاق بن أيوب التغلبى حلفًا من تغلب وبكر وربيعة واليمنية وغيرهم على إسحاق بن كنداج (ويقال كنداجيق) ولكنه هزمهم (الطبري، ج 3، ص 1 وما بعدها؛ ابن الأثير، ج 7، ص 231) وأدت القلاقل التي حدثت في أرض الجزيرة في النصف الثاني من هذا القرن إلى هجرة تغلب، وبقى فريق منها في البلاد التي حول الرحبة وجزيرة ابن عمر، ورحل فريق آخر إلى أرض الروم. ونسمع في القرن الرابع الهجرى (العاشر الميلادي) بعشائر تغلب الكبيرة في البحرين حيث نازلوا سُلَيمًا وعُقَيلًا ... بن عامر بن صعصعة. وسرعان ما اشتركوا في فتنة القراطمة (والذي لا شك فيه أنهم نبذوا النصرانية لأنه لم يكن يسمح بقيام دين آخر غير الإسلام في شبه جزيرة العرب منذ أيام عمر؛ انظر مثلًا الطبري، ج 1، ص 2482، ويعارض البكرى، ص 9، هذا الرأى السائد بعض المعارضة) ولما هُزِمَ القرامطة عام

378 هـ (988 - 989 م) طرد أمير تغلب أبو الحسن الأصفر سليمًا بمساعدة عقيل ثم أجبر عقيلا على الهجرة ثم طرد السلاجقة هؤلاء إلى البحرين حيث استطاعوا أن يزيلوا سلطان تغلب الَّذي كان قد تراخى آنئذ (Kay؛ كتابه المذكور، ص 505 هـ، 524 وما بعدها) وربما كان فريق من تغلب قد ذهبوا في تاريخ مبكر عن هذا إلى جزر فرسان (انظر هذه المادة؛ Geogr.: Sprenger ص 31، 254؛ ياقوت، ج 3، ص 497، 874؛ في شأن القول بأن القبط أنسال تغلب) ولعل معظم التغالبة قد تفرقوا بعد ذلك في بادية الشام، فما زلنا نسمع بهم في حمص عام 681 م (1282 م) يقاتلون التتر قتال الظافو (تاريخ ابن العبرى، طبعة صالحانى، ص 504) ويروى القلقشندى أيضًا خبر وجودهم في الشام في ذلك الوقت، ولم يعد اسم هذه القبيلة العظيمة الشأن يذكر في التاريخ منذ القرن التاسع الهجرى الموافق الرابع عشر الميلادي (انظر بحث Lammens. في نهاية كتابه الموسوم بـ Chantres) ولذلك كان مما يستوقف النظر أن نجد قبيلة محدثة تربط نسبها بتغلب، ومن شواهد ذلك ما فعلته طائفة من دواسر (فؤاد حمزة: قلب جزيرة العرب، سنة 1352 هـ، ص 150) وشمر، ويقال إنها خليط من تغلب وعبس وهوازن) Handbook of Arabia, ج 1، ص 75 Nar-: W. Palgrave: .. rative، لندن 1865 , ج 1، ص 118 انظر، ج 1، ص 459]، وقد عرف صاحب هذا الكتاب من أهل جبل شمر أن ذلك الاختلاط حدث عقب حرب البسوس [بعد يوم القضة؛ انظر ما [أسلفنا بيانه]؛ وانظر في شأن بئر شقيق بوصفه "من عمل النصارى" [أي تغلب وغيرهم]: Palgrave, ج 1، ص 88). ولدينا أخبار كثيرة عن حياة تغلب الاجتماعية استقيناها من شعرائهم ونقائض خصومهم من شعراء القبائل الأخرى. وقد أخبر الزعيم التغلبى عبد المسيح خالد، بأنهم ليسوا عربًا (أي بدوأ) وإنما هم نبط مستعربة أي مزارعون تخلقوا بأخلاق البدو؛ انظر

المسعودى، طبعة شبرنكر، لندن سنة 1841، ج 1، ص، : Erdkund: C. Ritter، ب 10، ص 64 وما بعدها). ويتحدث الأخطل في شعره (ص 222) بأحراج النخيل وحقول القمح (Lammens: Mo, dwia, ص 398). والعجيب أنهم كانوا ملاحين (انظر مادة "سفينة") وكانت تجارة السفن تدر عليهم المال وتجلب لهم السلطان (الأخطل، ص 307؛ Omayyades: Lammens، ص 214 وها بعدها" ص 226، 265 - 268) ونحن لا نفهم ملاحظة التبريزى في شرحه لمعلقة عمرو (طبعة Lyall، ص 108، س 4): "لو أبطا الإسلام قليلا لأكلت بنو تغلب الناس") Lammens: Chantre ص 97؛ Mo, awia ص 398؛ Omayyades ص 97؛ 267 (إلا إذا تذكرنا أن طريق الهند كان يمر بأرضهم وأن الجزيرة - بصفة عامة - كانت تمر بها الطرق من جميع الاتجاهات. وهذا يفسر أيضًا ترفق عمر بهذه القبيلة الأبية القوية. وقد حسدها ناس بعد ذلك على هذا المكان الملحوظ، ووضعت الروايات في الحط من شأنها، ومنها روايتان على جانب عظيم من الأهمية نسبتا إلى عليّ: إحداهما تذهب إلى أنَّه رغب في القضاء على تغلب لأنها دأبت على تنصير أولادها على الرغم من عهدها لعمر (البلاذرى، ص 183؛ العقد، ج 3، ص 256، س 4) وجاء في الرواية الثانية، وهي شائعة جدًّا، أنَّه قال إن تغلب أخذت شرب الخمر من النصارى (الزمخشرى والبيضاوى في تفسير سورة المائدة، ؛ Annals Cactani في حوادث عام 20، الفصل 37) وأقامت الكنيسة آخر أسقف علي هذه القبائل في القرن الرابع الهجرى الموافق العاشر الميلادي (انظر بيان الأساقفة في كتاب Charles: بصفة خاصة، ص 76 - 83) ونافحوا عن دينهم بشدة بضعة قرون) Goldziher: كتابه المذكور، Omayyades: Lammens، ص 236 - 239، 249 وقد نوه بما يتصفون به من شدة النكاية الطبري، ج 1، ص 2510؛ البلاذرى، ص 181 وما بعدها؛ والاستشهاد كثير فيهم: : Lammens: Chantre . ص 438؛

Nau، ص 109 وما بعدها؛ Charles، ص 98 - 100). وكان سرجيوس ولى القبيلة الَّذي يرعاها. وهم يزورون قبره في الرصافة ويستظلون في الحرب بلوائه مما دعا غيرهم من القبائل إلى السخرية بهم كثيرًا) Omawades: Lammens ص 214، 217، 239 - 241؛ Mo, awia, ص 435؛ Musil: Palmyrenal 267، 269 شيخو: النصرانية، ص 99 وما بعدها) وكان شربهم الخمر من الخلال التي طالما عابهم عليها خصومهم) Goldzhger: كتابه المذكور؛ ديوان القطامى، ص 9 وما بعدها، س 9؛ انظر عن حاناتهم Omayyades: Lammens، ص 253، 256) وأشهر ما أخذ عليهم من خلال: الطمع والبخل (المسعودى: المروج، ج 6، ص 151 وما بعدها؛ العقد، ج 3، ص 84، 93، 232، 236، الأغانى، ج 7، ص 186). وإذا كان لهذا اللوم الَّذي استهدفوا له أساس أعمق من مجرد السخرية التي لذعهم بها جرير أفلا يحق لنا أن نتساءل: ألم يباعد مجدهم وأنفتهم المعهودة (وربما كانت هذه الفضائل قد اجتمعت في كليب) بينهم وبين جيرانهم الحاسدين الذين كانوا دونهم شمائل؟ وخرج من تغلب عدد من مشاهير الشعراء (شيخو: شعراء النصرانية، وقد تناول في مؤلفه هذا شعراء كليب) هم المهلهل (وهو في نظر تغلب أول من قصد القصائد" ويقول الأصمعى إنه أول من نظم القصيدة في ثلاثين بيتا: Fresnel، ص 76، 84 , والسفَّاح (وهو سلمة بن خالد الَّذي قاد تغلب يوم الكلاب، انظر مادة "بكر") والأخنس بن شهاب، وأفنون (لقب صريم بن معشر) وعمرو بن كلثوم وجابر بن حُنَيَّ (انظر Fuenf Mo'all.: Noeldeke, ج 1، ص 19) وعميرة بن جعيل (ذكره ابن قتيبة في الشعر والشعراء، ص 411 عند كلامه على عميرة) ونزيد على هؤلاء: كعب بن جعيل (الكاتب نفسه؛ Chantre: Lammens، ص 102 - 105؛ 134، Mo'awia ص 188، تعليق 8) والأخطل والقطامى والعتابى، وهو من أحفاد عمرو المتأخرين (Noeldeke: كتابه المذكور) وغيرهم وذكر شعراء آخرون

مع غيرهم من أعيان تغلب في ابن دريد (الاشتقاق، ص 202 - 205) وابن خلدون (العبر، ج 2، ص 301) والعقد (ج 2، ص 45، س 24 وما بعدها) وفي ريسكه (Reiske: كتابه المذكور، ص 161، 269). ووصفت لغة تغلب بعدم النقاء لمجاورتهم للروم) Blau: كتابه السابق، ص 952؛ المزهر، بولاق سنة 1282 هـ ج 1، ص 105) وجاء في العقد (ج 2، ص 33، س 26) أنهم اختصوا بالكَشْكَشَة كما أختصت بكر بالكسكسة. ومع هذا فقد جاء في فقرة مشابهة لهذه (ج 1، ص 207، س 35) أن الكشكشة اختصت بها بكر أما الفَشْفَشَة فاختصت بها تغلب (ولم يرد هذا في السيوطي، ج 1، ص 109 وما بعدها، وانظر عن الكشكشة: لسان العرب، ج 8، ص 233، س 17 وما بعدها؛ تاج العروس، ج 4، ص 345، س 11 وما بعدها، وانظر بصفة خاصة Sibawaihi, s Lautlehre A. Schaade, ليدن 1911 م، ص 62، وما بعدها ص 79، 84). أما عن خصائص لغة الأخطل فارجع إلى نولدكه) Wiener: Noeldeke -Zeitschrift fuer: die Kunde des Mor genlendes ج 1, 1892 م، ص 348 وما بعدها، وانظر أيضًا Freytag: G.W. .. .Einleitung، بون 1861 م، ص 75، 91). المصادر: غير ما ذكرنا في صلب المادة: (1) المعاجم العربية والرسائل المؤلفة في الأنساب. (2) Register: F. Wuestenfeld، ص 433 - 436 و 2 & Taabellen: C. (3) ابن دريد: كتاب الاشتقاق، طبعة فستنفلد، كوتنكن سنة 1854، ص 202 - 205. (4) القلقشندى: نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب، بغداد سنة 1332 هـ، ص 159 وما بعدها، 298 (وثعلب التي وردت في هذه الصفحات تقرأ تغلب) ص 357. (5) السويدى: سبائك الذهب في معرفة قبائل العرب، بومباى سنة 1296 هـ) وهذه النسخة مطبوعة على الحجر) ص 44، 53، 54. (6) ابن قتيبة: كتاب المعارف، طبعة فستنفلد، كَوتنكَن سنة 1850 م، ص 46 وما بعدها، ص 283. (7) and: W. Robertson Smith، Kinship Marriage in Early Arabia, كمبردج سنة

1885، ص 12 - 14، 194، 253 وما بعدها. (8) الطبري. (9) ابن الأثير. (10) البلاذرى، طبعة ده غويه (11) كتاب الأغانى. (12) النقائض، طبعة Bevan (13) البكرى. (14) ياقوت: المعجم، طبعة فستنفلد. (15) مراصد الاطلاع، طبعة Juyn- boil. الفهارس. (16) ابن عبد ربه: العقد الفريد، القاهرة سنة 1316 هـ. وبخاصة ج 1، ص 207؛ ج 2، ص 33، 37 - 39، 45 وما بعدها؛ ج 3، ص 59، 66، 70، 81 - 84، 93، 232، 236، 256. (17) ابن خلدون: العبر، بولاق سنة 1284 هـ، ـ ج 2، ص 301 - 303؛ ج 2/ 2، ص 72 وما بعدها، 81 - 83، 107 - 109. أما مصادر تغلب في الجاهلية فهي: (1) Geschichie der Perser: Noeldeke and . Araber zur Zeit der Sasaniden، ليدن سنة 1879، ص 56 وما بعدها، 76، 333 ما بعدها. (2) الكاتب نفسه Fuene Mo allqat ج 1 في. Sb. AK. Wiss. Wien, Phil- Kist cl. ج 140/ 7، سنة 1899، وفي مواضع أخرى. (3) DNastie der: G. Rothstein Die Lahmiden in al Hira، برلين سنة ص 100 وما بعدها، 112، 120 - 122، 135، 137. (4) Primae lineae hiss regn J.J. Reiske .arab طبعة Wuestnfeld كوتنكن سنة 1887، ص 161 - 162، 164، 181 - 198 (5) Essai sur A.P. Caussin Perceval .. .l"histaire des Arabes باريس سنة 1847 - 1848 ج 3، الفهرس (6) Lettres sur t' histoire des arabes: F. Fresnal باريس سنة 1836 ص 15 - 28، 67 - 84 [46] وما بعدها. Ancient: C.J Lyall Translations of J Arabic Petry لندن 1885, الفهرس. مصادر تغلب في الإسلام هي: (1) Das Leben and die: A. Sprenger Lehre des Mohammad، برلين سنة 65، ج 3، ص 391، 433 وما بعدها. (2) الكاتب نفسه: Die alte Geo- graphie Arabiens برن سنة ص 31، 254.

(3) Skizzen and Vo-: J. Wellhausen rabeite، ج 4، برلين سنة ص 1889، ص 116 ج 6، (طبعة سنة ص 1889) ص 45 وما بعدها 69، 85 وما بعدها. (4) الكاتب نفسه: Das arbische Reich Lind sein Sturz، برلين سنة 1902، ص 15، 127 - 139. (5) Memoires d'histoire: M.J.de Goeje et de geogr. orientales رقم 2 الفصل الخاص بغزو الشام، ليدن سنة 1900، ص 37 - 50 (6) Culturgeschichte: AN. Kremer, .. .des Orients، فينا سنة 1875 - 1877 م، ج 1 ص 63، 105. (7) البلاذرى: أنساب الأشراف، طبعة كوتين Gnitein. ج 5، بيت المقدس , 1936 م، ص 31، 308 - 309، 313 - 331. (8) ديوان الأخطل، طبعة صالحانى، بيروت سنة 1891. الفهرس. (9) ديوان القطامى، طبعة بارث. J Barth، ليدن سنة 1902. (10) ابن قتيبة: الشعر والشعراء، طبعة ده غويه، ليدن سنة 1904، الفهرس. أما عن نصرانيتهم: (1) Muhammedanische: J. Goldziher Studien، هال، سنة 1988 - 1890 م، ج 1، ص 12، تعليق 3 (2) Les Arabes: F.Nau Chretiens de Mesopotamie et de la Syrie du Vlleme au Vlleme Siecle، باريس سنة 1933، ص 105، 109، 113 (3) Le Christianisme: H.Charles, .. .des Arabes nomades sur le Limes باريس سنة 1936، الفهرس (4) لويس شيخو: النصرانية وآدابها بين عرب الجاهلية، بيروت سنة 1912 - 1923 م , ص 99 وما بعدها، 125 وما بعدها، ص 420، 454. (5) وانظر أيضًا كتاب شيخو: شعراء النصرانية، سنة 1890 , ص 151 - 204 (وهذا العنوان مضلل). وفي مؤلفات لامنس ملاحظات قيمة عن حياة تغلب الاجتماعية: (1) Le Chantre des: Lammens Omaiyades في المجلة الأسيوية، ج 9/ 4

التفتازانى

(سنة 1894) ص 94 - 176، 193 - 241، 281 - 459 وفي مواضع أخرى. (2) الكاتب نفسه Etude Sur le regne omaiyade Mo'twia ler du calife, باريس سنة 1908. الفهرس. (3) الكاتب نفسه: Etude Sur le site cle des Omayyades، بيروت سنة 930 الفهرس. (4) Califat de razid ler Le في Me-langes de la Facule Orientale de Bey routh جـ 5 (سنة 1911) ص 229 = 231. (5) الكاتب نفسه des Lavenement Marwdnides ج 12 (سنة 1927) ص 59 وما بعدها = 99 وما بعدها، 62 وما بعدها = 102 وما بعدها. أما عن طبيعة بلاد تغلب فانظر: (1) Euphrates: A. Musil The Middle نيويورك سنة 1927. (2) الكاتب نفسه Arabie Deserta 1927. (3) الكاتب نفسه Palmyrana 1928 م الفهارس مادة Tarleb . [كندرمان H. Kindennann] التفتازانى " التفتازانى" سعد الدين مسعود بن عمر حجة مشهور في البلاغة والمنطق وما وراء الطبيعة والكلام والفقه وغيرها من العلوم، وله كتب مدرسية كثيرة ما زالت تعلم في مدارس المشرق. ولد التفتازانى في صفر عام 722 هـ (فبراير - ما رس 1322) بتفتازان، وهي قرية كبيرة من أعمال خراسان قريبة من نسا. ويقال إنه اخذ العلم على عضد الدين الإيجى، Gach. d. Brockelmann Arab. Lit ج 2، ص 208) وقطب الدين (ولعله الرازي التحتانى، انظر Brockelmann, ج 2 ص 209). ووصلت إلينا جرائد بأهم تواليفه، وهي تزودنا بالتواريخ التي صنف فيها هذه التواليف وأماكن تصنيفها وإن اختلفت في ذلك، كما تزودنا بأخبار رحلاته (مجمل فصيحى في حوادث عام 787؛ روضات الجنات، ص 309، وفيه خلاف كبير في التواريخ؛ الفوائد البهية ص 137؛ Berlin catalogue Ahlwardt رقم 1959)

وأول ما صنف التفتازانى "شرح التصريف العزّى"، كتبه في السادسة عشرة ويقال إن ذلك كان بفريومد في شعبان عام 738 هـ (1338 م) وأتم "المطول" و "المختصر" و"المعاني" و "التلويح" بهراة وغجدوان وكلستان في الأعوام 748 و 756 و 758 هـ. ويروى ابن عربشاه أن التفتازانى كان - كقطب الدين الرازي - من العلماء الذين اجتذبهم بلاط مغول القفجاق الغربية. والواقع أن "مختصر المعاني" الَّذي أتمه في غجدوان عام 756 هـ قد أهداه إلى محمود جانى بك. ويروى خواندمير أن التفتازانى استقر به المقام في خوارزم، ويؤيد هذه الرواية ما يقال من أن تواليفه التي أتمها في أعوام 768، 770, 778 هـ قد كتبها هناك. ويقص لنا خواندمير أن التفتازانى قدم الجرجانى (Brockelmann كتابه المذكور آنفًا، جـ 2، ص 216) إلى شاه شجاع عاهل المظفرية على فارس. ويروى خواندمير أيضًا أنَّه لما غزا تيمور خوارزم (ولعل ذلك كان بين , عامي 870 - 781 هـ - 1379 م) طلب ملك محمد السرخسى بن ملك معز الدين حسين كرت إلى ابن أخيه بير محمد غياث الدين بير على، وكان وقتئذ من بطانة تيمور، أن يستأذن مولاه في إيفاد التفتازانى إلى سرخس. فأذن تيمور، ولكنه عرف بعد ذلك فضله في العلم فأرسل إليه يستقدمه إلى سمرقند. وقعد التفتازانى أول الأمر عن إجابة دعوته معتذرلًا بأنه يتهيأ للسفر إلى الحجاز، فأرسل إليه يدعوه ثانية فانتقل إلى سمرقند وأكرم تيمور وفادته. وقدم صاحب التفتازانى القديم السيد الشريف الجرجانى سمرقند في أعقاب غزوة تيمور لشيراز عام 789 هـ) (1387 م) وانتهى التنافس بينهما إلى قطيعة ظهرت آثارها فيما نراه في بعض كتب الجرجانى من نقد لآراء منافسه. وتوفى التفتازانى في سمرقند عام 791 هـ الموافق 1389 هـ أو في الثاني والعشرين من المحرم عام 792 الموافق 10 يناير عام 1390 م (الفوائد البهية، ص 135) أو في الثاني والعشرين من المحرم عام 793 الموافق 30 ديسمبر سنة. 1390 كما جاء في رسالة منسوبة للجرجانى (فهرس دار الكتب المصرية، ج 2، ص 242) وفي عام 797 هـ (1394 - 1395) انظر حبيب السير)

ويزعم فصيحى أن وفاته كانت عام 787 هـ على أن هذا لا يتفق وتواريخ بعض مؤلفاته ويتناقض مع الرواية التي تقول إن الوحشة دبت بينه وبين الجرجانى عقب فتح شيراز عام 789. ودفن التفتازاني في سرخس. ولم يكن له على ما يظهر تلاميذ نابغون. فالاثنان اللذان ذكرهما صاحب "روضات الجنات" هما حسام الحسن ابن علي الأبيوردي، وله كتاب عنوانه "ربيع الجنان في المعاني والباسيان"، وبرهان الدين حيدر (انظر طاشكيري زاده: الشقائق النعمانية، ترجمة ريشر ReScher، ص 33، و lSl ج 11، ص 61). وعرف ابن خلدون فضل التفتازاني عندما اطلاع علي تواليفته في مصر فذكره في مقدمتيه (انظر مقدمة ابن خلدون، ترجمة ده سلان de Slane، جـ 3، ص 129). وألف التفتازاني في فقه الشافعي والحنفي، وأضافه بعضي الكتاب إلى الشافعية (مثل الكفوّى وحسن جلى) وأضافه آخرون إلى الحنفية (مثل ابن نجيم وعلي بن سلطان محمد القاري). ونذكر من تواليفيه ما يلي. ويلاحظ القارئ أننا أغفلنا في كثير من المواضع تواريخها التي جاءت في كتاب روضات الجنات لأن هذا الكتاب يختلف مع غيره في ذلك اختلافا كبيرًا. ومن أراد التوسع في معرفة مخطوطاته وشروحه على الشروح إلخ فليرجع إلى Gesch. d. Arab Lit.: Brockelmann (1) النحو 1 - "شرح التصاريف العزي" وكثيرًا ما يذكر في الهند باسم "السعدية". وهو شرح لكتاب الزنجانى في الصرف (عز الدين عبد الوهاب إبراهيم الزنجاني، انتظر بروكلمان: كتابه المذكور، ج 1، ص 283) أتمه في السادسة عشرة وكان ذلك بفريومد في شاعبان عام 738 هـ - الموافق 1338 م. ومن هذا الشارح نسخ مخطوطة في برلين (Ahhwardt رقم 6617 - 6618) وتورين (Nallino رقم 39) وفي غيرهما. طبعاته: طبع في الآستانة عام 1253 هـ-، وطهران عام 1270 هـ، 1884 م (ضمن مجموعة) دهلي 1289 هـ، 1295 هـ (مع مفتاح السعادة لأحمد بن شاه كول) وبومباى

عام 1292 ولكهنو عام 1306 هـ والقاهرة عام 1307 هـ وطبع من شروح هذا الشرح - فيما خلا مفتاح السعادة الذي ذكرناه - شرح دده خليفة (بولاق 1255). 2 - "الإرشاد" أو" (ال؟ ) إرشاد "الهادي" كما يسميه حاجى خليفة. وهو كتاب في النحو العربي ألفه لابنه وأتمه بخوارزم في عام 774 أو 778 أو 787 هـ - ومنه مخطوط في فينا (Fluegel، رقم 206)، وذكر حاجي خليفة عدة شروح لهذا الكتاب منها شرح محمد بن علي الجرجاني من أبناء السيد الشريف، وهو مخطوط في برلين (Ahlward، رقم 6754 - 6755) وشرح شمس الدين محمد بن محمد البخاري، وهو محفوظ في الاسكوريال. (Derenbourg رقم 181) (2) البلاغة تتصل مؤلفات التفتازاني الثلاثة في البلاغة من قريب أو من بعيد بالبيان المعول عليه لهذا الفن الوارد في القسم الثالث من كتاب مفاتيح العلوم للسكاكى Brockelmann، ج 1، ص 4). واثنان منهما شارحان على ملخص هذا الكتاب المعروف بـ "تلخيص المفتاح للقزويني" (محمد بن عبد الرحمن الملقب بخطيب دمشق، انظر Brockelmann، ج 1، ص 22). 1 - "المطول" وهو الاسم الغالب، وقد أتمه بهراة في صفر عام 748 هـ (1347 م) ويعرف أيضًا بالشرح المطول أو شرح التلخيص المطول. طبعاته: طبع في الآستانة عام 1260 هـ، 1289 هـ - (مع حواشي الجرجاني) ولكهنو عام 1287 (الجزء الأول منه فقط) و 1287 هـ - (الجزء الأول منه فقط) و 1878 م، هـ 1300 - ، 1889 م (مع مؤلف تراب علي الموسوم بإزالة العضل، وهو شرح للأبيات المروية في المطول) وطهران (؟ ) عام 1270 هـ، وفي دهلي عام 1326 هـ (مع المعلول، وهو شرح لمحمد عبد الرحمن). وطبع المطول طابعة فارسية عام 1274 هـ - (مع شروح للفناري والجرجاني والسمرقندي ومحمد رضا كلبا بكاني) ذكرقم في فهرسي دار الكتب المصرية، ج 4، ص 153. وطبعت شروح الجرجاني علي المطول في لكهنو عام 1312 هـ، أما

شروح عبد الحكم السيالكوتى فقد طبعت بالآستانة عام 1266 هـ 2 - "مختصر المعاني" وهو الاسم الغالب ويعرف أيضًا بـ "مختصر شرح تلخيص المفتاح" و"اختصار شرح التلخيص" أو "الشرح المختصر" أو "المختصر" فقط (لم يسمه المؤلف اسما من الأسماء الجارية) وهو شرح على المتن أتمه عام 756 هـ (1355 - 1356 م) في غجدوان وأهداه إلى محمود جانى بك. ولا يزال هذا المختصر يدرس في مدارس الشرق. ومنه مخطوطات عدة، وله شروح كثيرة. طبعاته: طبع في كلكتة عام 1813، وفي لكهنو عام 1261 - 1312 هـ (مع شرح البُنَانى) وفي بولاق عام 127 اهـ (مع شرح الدسوقى) [1860]؛ وفي عام 1285 هـ (مع شرح البنانى) وفي كونبور عام 1285 - 1286 هـ (مع شرح الخطائى وقد يكون الختائى) وفي 1296 هـ (مع الشرح السابق) وفي ميروت عام 1285 هـ، والآستانة عام 1301 هـ، وفي عام 1301 هـ (مع شرح الدسوقى)، وفي لاهور عام 1306 - 1307 هـ، وفي دلهى 1286 هـ-، 1324. ونشر مهران مقتطفات منه (Mehren في Die Rhetorrik der Araber كوبنهاغن وفينا عام 1853). 3 - أما مؤلف التفتازاني الثالث في البلاغة المعروف بـ "شرح القسم الثالث من المفتاح" فشرح على القسم الثالث من كتاب مفتاح العلوم نفسه وهذا الشرح من المؤلفات التي كتبها التفتازاني في آواخر عهده بالتأليف، فقد أتمه في سمرقند في شوال عام 787 هـ - (1385 م) أو 789 هـ (1387 م) وذاع ذيواع مختصر المعاني والمطول، ومنه مخطوطات محفوظة في الإسكوريال (Derenbourg، رقم 26) ومكتبة وزارة الهند (Loth: رقم 847 - 848) وليدن de Goeje & Houtsma) رقم 298) وكلية ترتني بكيمبردج (Palmer، رقم 18) وفي غيرها من دور الكتب.

(3) المنطق 1 - "شرح الرسالة الشمسية ; أو "شرح الشمسية" (ويغلب على هذا المؤلف في الهند اسم "السعدية" شأنه في ذلك شأن "شرح التصريف العزى" وهو شرح لرسالة الكاتى في المنطق (الكاتى هو نجم الدين علي بن عمر القزوينى، انظر Brockelmann, كتابه المذكور، ج 1، ص 466) أتمه في جام في جمادى الآخرة عام 752 هـ ـ الموافق عام 1351 م (انظر المجمل) أو عام 757 هـ الموافق 1356 م (انظر الفوائد البهية) أو عام 762 - الموافق 1361 م (انظر Ahlwardt رقم 1959) أو عام 772 هـ (1370 - 1371 م؛ انظر روضات الجنات). ومخطوطات هذا الشرح محفوظة في برلين) Ahhvardi رقم 5266 - 5268) وفي غيرها. طبعاته: طبع في لكهنو عام 1326 هـ (1905 م.) 2 - "تهذيب المنطق والكلام"، وهو الاسم الغالب، أو "غاية تهذيب الكلام في تحرير المنطق والكلام" كما ذكر التفتازانى في مقدمته، وهو رسالة في المنطق والكلام أتمها في رجب عام 789 هـ - (1387 م). ولم يطبع القاسم الثاني منها الَّذي قال فيه حاجى خليفة إنه مختصر للمقاصد إلا نادرًا، أما القسم الأول فقد أقبل عليه الدارسون وطبع عدة مرات (والحق إننا لا نجسد من القاسم الثاني نسخا ذكرت علي التخصيص في فهارس المخطوطات التي بين أيدينا). طبعاته: طبع في كلكتة عام 1243 هـ - (مع شرح اليزدي) وعام 1328 هـ (مع ترجمة أردية) وعام 1333 هـ (مع هذه الترجمة الأردية نفسها) [لكهنو؟ ) وعام 1260 هـ - (مسبوقًا بإيساغوجي) وفي لكهنو عام 1869 م (في مجموعة منطق) وفي عام 1288 هـ - (مقدمتيه فقط مع شرح الدواني وحواشي ميرزاهد وعبد الحي اللكهنوي) وفي عام 1293 هـ - (مع الشرح والتعليق نفسيهما) وفي عام 1291 هـ - (مع الشرح والتعليق نفيسيهما) وفي عام 1290 هـ - (مع شرح اليزدي وحواشي عبد الحي اللاكهانوي) وفي عام 1292 هـ (كالسابق) وفي عام 1311 هـ (كالسابق) وفي عام 1877 م (مع شرح بالفارسية لمحمد بن محمود

الشهرستاني) وفي عام 1884 م (كالسابق) وفي عام 123 هـ - (في مجموعة بست رسائل منطق) وفي دهلي عام 1264، 1276، 1283 - 1284 هـ (1869 م)، 1286 (وكل طبعات دهلي هذه عليها شرح اليزدي) وفي كاونپور من عام 1287 - 179 هـ - (في مجموعة منطق) وفي عام 1291 هـ - (مع شرح اليزدي وحواش لإهلي نجش فيض آبادي عنوانها "تحفه شاه جهاني") وفي عام 1296 هـ - (كاسابقه) وفي عام 1881 هـ - (في مجموعة منطق) وفي عام 1915 م (مع شرح الشهرستاني باللغة الفارسية) وفي بنارس عام 1889 م (مع ترجمة أردية). (4) ما وراء الطبيعة والكلام 1 - "القاصد": وهو موجز في ما وراء الطبيعة والكلام أتمه المؤلف وشرحه في سمرقند في ذي القعدة عام 784 هـ - الوافق م (وفي رواية روضات الجنات عام 774 هـ) وورد ذكر طبعة آخري تاريخها 1277 هـ - في فهارس دار الكتب المصرية: (ج 2 - ص 26) ومنه مخطوطات في المتحف البريطاني (Ellis Edwards، ص 9) وفي مكتابة وزارة الهند (Loth، رقم 461 - 464) وفي غيرهما. وقد قال حاجى خليفة، كما سبق أن بينّا، إن القسم الثاني من كتاب "تهذيب المنطق والكلام" موجز للمقاصد. 2 - " تهذيب المنطق والكلام"، انظر ما كتبناه عن مؤلفاته في المنطق. 3 - "شرح العقائد النسفية"، وقد أتمه في خوارزم في شعبان عام 768 هـ - (1367 م) وهو شرح لموجز عمر بن محمد النسفى في عقيدة المسلمين (توفي النسفي عام 537 هـ - الموافق 1142 - 1143 م، انظار Brockelmann، ج 1، ص 427) ويعد من الكتب المدرسية المحبوبة، وقد شرح هذا الشرح عدة مرات. طبعاته: طبع في كلكتة عام 1244، ودهلي [1870 م] وفي عام 1904 م، لكهنو عام 1876 م، [1888 م]، وفي عام 1890. [1894 م]، وفي الآستانة عام 1297 (مع شرح كستلي وخيالي

وحواش لبهشتي علي خيالي) وفي القاهرة عام 1297 (مع شرح خيالي وحواشى قره خليل على هذا الشرح) وفي كونپور عام 1330 هـ - (1903 م). ونقل دوسون مقتطفات منه إلى اللغة الفرنسية Tableau général: D.Ohsson) de l'Empire Othoman ج 1؛ وثمت ترجمة ألمانية لشرح العقائد وردت في كتاب Birgilu Risale (sic), or-: J. T. Plant-tis der Elementarbuch der Mu ohammedanischen Gloubenslehre إستانبول وچنيف عام 1790 م. أما عن الشروح التي كتبت عليه فقد طبع منها شرح خيالي في دهلي عام 1870 [؟ ] وعام 1327 هـ - (مع حواشي عبد الحكم السيالكوتي) وفي عام 1326 هـ - (مع الحواشي السابقة) وفي الآستانة عام 1297 هـ (مع كستلي وبهشتي) وفي القاهرة عام 1297 هـ - (مع حواشي قره خليل). وطبع من هذه الشروح أيضًا شرح رمضان أفندي في دهلي عام 1327. 4 - وله رد علي زندقة ابن عربي في مؤلفه "فصوص الحكم" وهذا الرد مخطوط في برلين (Ahlward رقم 2891) وعلي الورقة الأولى منه عنوان مشكوك فيه وهو "فضيحة الملحدين". (5) الأصول 1 - "التلويح إلي كشف حقائق التنقيح" أتمه في التاسع والعشرين من ذي القعدة عام 758 هـ - (1357 هـ) في كلستان. وهوي شرح كتاب "تنقيح الأصول " لصدر الشريعة الصغير (عبيد الله بن مسعود المحبوبى المتوفى عام 747 هـ الموافق عام 1346 - 1347 م؛ انظر Brockelmann ج 2، ص 214). طباعاته: طبع في دهلي عام 1267 هـ - الموافق 1851 م (مع شارح صدر الشريعة نفسه الموسوم بالتوضيح) وفي لكهنو عام 1281 هـ الموافق 1864 م (مع التوضيح) وفي عام 1871 م (مع التوضيح) وفي عام 1292 هـ الموافق 1876 م (مع التوضيح وشروح للتلويح الحسن چلبي وملا خسرو وزكرياء الأنصاري) وفي قازان عام 1301 هـ - الموافق 1884 م (مع التوضيح).

2 - "شرح المختصر في الأصول" أو "شرح الشرح": آتمه في خوارزم في ذي الحجة عام 770 هـ ـ الموافق 1369 م، وهو شرح علي شرح شرح الإيجى على مختصر المنتهى لابن الحاجب. والمختصر هذا هو الَّذي اختصر به ابن الحاجب كتابه الموسوم منتهى السؤال والأمل في علمي الأصول والجدل". وذكر محمد بن شنب نسخة من شرح التفتازاني الذي نحن بصدده وقد طبيعت هذه النسخة في بولاق عام 1316 - 1319 هـ. ومن هذا الشرح مخطوطات محفوظة في برلين (Ahlward، رقم 4379) ومكتبة وزارة الهند) Loth رقم 302 - 304) وفي غيرهما. (1) الفقه 1 - "المفتاح" في فروع الفقه الشافعي. وهو مخطوط برلين (Ahlward، رقم 4604) وذكر له كتاب سيرته إلى جانب ذلك مجموعة من الفتاوى الحنفية، لكنهم لم يعرضوا لأية نسخة منها. 2 - "اختصار شرح تلخيص الجامع الكبير" وهو موجز لم يتمه لشرح مسعود بن محمد الغجدواني علي مختصر الخلاطي لرسالة الشيباني في فروع الفقه الشافعي المعروفة: بالجامع الكبير (انظر Brockelmann: - Gesch. d. Arab Lit ج 1، ص 172؛ حاجي خليفة، ج 2، ص 401). ويروي صاحب روضات الجنات أن التفتازاني بدأ في تأليفه بسرخس عام 785 هـ. ومنه مخطوط في مكتبة يكي جامع (رقم مكرر). وطبعت في دهلي عام 187. [؟ ] نسخة من "مقدمة الصلاة" أو "الخلاصة" وهي رسالة في شعائر الصلاة نسبها بعضهم إلى الكيدانى (انظر حاجي خليفة، ج 6، ص 83) مع شرح يظن أنه للجارحاني والتفتازاني، على أنَّه ليس من المحقق أن الخلاصة كانت موجودة أيام التفتازاني. (7) التفسير 1 - "كشف الأسرار وعدة الأبرار" وهو تفسير للقرآن باللغة الفارسية (انظر حاجي خليفة ج 5، رقم 10674) وظاهر أن نسخة مخطوطة

منه موجودة في مكتبة يكي جامع (انظر فهرس هذه المكتبة، ص 80، رقم 43) ـ 2 - شرح (أو حاشية على) الكشاف (حاجي خليفة، ج 5، رقم 187) وهو تعليقات , على شرح الزمخشري (انظر بروكلمان، كتابه المذكور، جـ 1 ص 290) ويقال إنه بدأ في تأليفه بسمرقند في ربيع الثاني عام 789 (جـ 2 , ص 789) ولم يتيمه. وتشمل هذه التعليقات من سورة البقرة إلى سورة هود الآية 58، ومن سورة الزمر إلى سورة الطلاق، ومنه مخطوطات في برلين Ahlwardt رقم 793) وفي المتحف الربيطاني - Ellis - Edwards) ص 3) وفي مكتبة وزارة الهند وفي غيرها من دور الكتب. الكتب. (8) فقه اللغة 1 - "النعم السوابغ في شارح الكلم النوابغ" وهو شرح علي ذخيرة الزمخشرى الموسومة بالكلم النوابغ وطبع H.A. Schultens مقتطفات من هذا الشرح في مؤلفه Anthologia sententiar- um Arbicorum ليدن 1772 م، وطبع القاهرة عام 1287 هـ. 2 - ترجمة نثرية باللغة التركية لديوان سعدي المعروف بالبستان قام بها عام 755 هـ - (E.J.W.Gibb: (History of Ottoman Poetry ج 1 ص 201) المصادر: (1) ابن عربشاه: عجائب المقدور، طبعة Golius، ج 3، ص 422) (2) فصيحي: مجمل (في حوادث عام 787 هـ، E. G. Browne olas في Le Mu- séon، المجموعة الثالثة، جـ 1، ص 57) (3) السيوطي: بغية الوعاة، ص 391. (4) سلطان حسين بن منصور: مجالس العشاق، ص 287. (5) الكفوى: إعلام الأخيار. (6) خواندمير: حبيب السير، جـ 3، ص 3، 87. (7) محمد باقر خوانساري: روضات الجنات، ص 309. (8) عبد الحي اللكهنوي: الفوائد البهية ص 128 - 130، 134 - 137. (9) Gesch. d. Arab Lit: Brockelmann ج 2، ص 215. (10) Literary History of: Browne Persia، ج 3، ص 353 - 354. (11) هدايت حسين: فهارس المخطوطات العربية في مكتبة بوهار، ص 436 - 438. [ستواري C.A. Storey]

التفسير

التفسير والجمع تفاسير والفعل فسّر: يطلق علي الشروح التي تكتب علي المؤلفات العلمية والفلسفية، وهو يرادف الشرح. ويطلق على الشروح اليونانية والعربية علي مؤلفات أرسطو، ونذكر فيما يلي أمثلة على ذلك مستقاة من كتاب ابن القفطى المسمى "إخبار العلماء بأخبار الحكماء أو تاريخ الفلاسفة": تفسير بنس الرومي لكتاب المجسطي وتفسيره للمقالة العاشرة من كتاب إقليدس، وتفسير أبي الوفاء البياورجاني المنجم المشهور لكتابي ديو فنطسي Diophantes والخوارزمي في الجبر. وكتب محمد ابن زكريا الرازي الطبيب المشهور تفسيرًا لكتاب فلوطرخس Plutarch في تفسير كتاب طيماؤس لإفلاطون، ويعرف كتابه باسم "تفسير التفسير". وبرز حنين بن إسحاق، الطبيب النصراني، في الترجمة والتفاسير. وشرحت معظم التواليف المشهورة في العلوم اليونانية وكذلك بعض الكتب التي صنفت في العلوم العربية. وقد ترجمت هذه الشروح أو كتبت باللغة العربية. وفي الإسلام تدل كلمة تفسير على تفسير القرآن بصفة خاصة وعلى علم التفسير نفسه الَّذي يعرف باسم "علم القرآن والتفسير" وهو فرع خاص هام يعلم في المدارس والجامعات. وهناك تفاسير عامة للقرآن لم تكتب على النسق المأالوف، على أن غالبها متصل السياق يشرح النص على نظام واحد فقرة فقرة بل كلمة كلمة أحيانا. وهي كثيرة أشهرها تفسير الطبري والزمخشرى والبيضاوى. والطبرى هو المؤرخ العظيم المتوفى عام 310 هـ، ويشمل تفسيره المطول الأحاديث المسندة الصحيحة. أما الزمخشرى المتوفى عام 538 هـ فقد كان فطنا حاد الذي حاد الذكاء صاحب خلق مرهف الحس وفقيهًا في اللغة. ولتفسيره "الكشاف" مكانة كبرى، وقد شرحه بعض أفاضل الفقهاء مثل التفتازانى المتوفى عام 792 هـ -, والسيد الشريف الجرجانى المتوفى عام 816 هـ، وتفسير البيضاوى أشهر التفاسير، وهو الَّذي يقرأ في المدارس،

تعليق على مادة " تفسير"

ويحدد مذاهب أهل التقى من المسلمين في تفسير القرآن. وقد علق الكثيرون على هذا التفسير. ونذكر من التفاسير الأخرى: تفسير فخر الدين الرازي المتوفى عام 606 هـ ويعرف باسم التفسير الكبير، وتفسير إسماعيل حقى البروسوى المتوفى عام 1127، وله مقام كبير عند الترك. وأكثر هؤلاء العلماء من فارس. وعلم التفسير قديم يرجع تاريخه إلى صدر الإسلام، ويروى أن ابن عباس المتوفى عام 68 بعد الهجرة كان حجة في التفسير، وقد نسبوا إليه تفسيرًا (محفوظ بالمكتبة الحميدية بإستانبول). فللتفاسير إذن شأنها في الإحاطة بدقائق الشريعة والدين وفقه اللغة. وفي أيامنا هذه حاول عالم مصرى هو الشيخ طنطاوى (جوهرى) أن يجدد دراسة التفسير، وقد نشر تفسيرًا فيه كثير من الآراء المأخوذة عن الفلسفة والعلم الحديث. المصادر: (1) انظر فهرس الكتب والمخطوطات العربية تحت كلمة تفسير. المصادر: (2) انظر فهرس الكتب والمخطوطات العربية تحت كلمة التفاسير. Mohammedanische: Goldziher (2) Studien هال سنة 1890، ج 2 ص 206. (3) الكاتب نفسه Die Richtungen: der lslamischen Koranauslegung ليدن سنة 1920. الفهرس (4) Les Penseurs: Carra de Vaux de l'Islam ج 3، باريس سنة 1923، فصل 11. (كارا ده فو Carra de Vaux) تعليق على مادة " تفسير" 1 - تلتقى مادتا - ف س ر، س ف ر - في معنى الكشف؛ ثم نرى السفر الكشف المادى والظاهر؛ والفسر الكشف المعنوى والباطن. والتفعيل منه - التفسير - كشف المعنى وإبانته. ويقدر الأقدمون أن مثل هذه المعارف، في اللغة والتفسير والحديث، ليست علومًا بالمعنى المعروف في العلوم العقلية؛ فيرى بعضهم ألا يتكلف

للتفسير حدًّا ولا بيان موضوع ومسائل، لأنه ليس قواعد وملكات ناشئة عن مزاولة القواعد، كغيره من العلوم التي استطاعت أن تشبه العلوم العقلية؛ فيكتفى في إيضاح التفسير بأنه: بيان كلام الله: أو أنَّه المبين لألفاظ القرآن ومفهوماتها .. (¬1) ومنهم من يتكلف له التعريف فيذكر في ذلك ما يشمل غير التفسير من العلوم "كعلم القراءات؛ كما يشمل أقدارًا من علوم أخرى يحتاج إليها في فهم القرآن، كاللغة، والصرف، والنحو، والبيان ... والمسلك الأول أسلم، وأبعد عن الأطالة بما ليس وراءه كبير جدوى. والتفسير أحد العلوم -أو الدراسات- الشرعية التي حاول الأولون ضبطها باعتبار ما كعادتهم، فقالوا: إنها إما مدونة لبيان السنة النبوية لفظًا وإسنادًا، وهو الحديث، وعلم أصوله. هامًا مدونة لإظهار ما قصد بالقرآن وهو التفسير ... إلى آخر ما يسوقونه من بيان هذا الاعتبار الضابط لأنواع العلوم الشرعية (¬2). ويعرضون في هذا المقام لذكر التأويل، وأنه هو والتفسير بمعنى واحد، أو أن التفسير أعم من التأويل؛ أو غير ذلك مما لا نطيل القول فيه ... وأحسب أن منشأ هذا كله هو استعمال القرآن لكلمة التأويل، ثم ذهاب الأصوليين إلى اصطلاح خاص فيها، مع شيوع الكلمة على ألسنة المتلكمين من أصحاب المقالات والمذاهب .. ولعل من خير ما يحرر به معنى كلمة "تأويل" ماذكره الراغب الإصفهانى مرويًّا عن ابن عباس، في رسالته "مقدمة التفسير" التي طبعت ملحقة بكتاب تنزيه القرآن عن المطاعن (¬3)؛ ثم تولى ابن تيمية تفصيل هذا الموجز وإيضاحه في رسالته "الإكليل في المتشابه والتأويل" (¬4) بيان كنت لم أره ¬

_ (¬1) المبادئ النصرية طبعة الخيرية سنة 132 ص 25، 26. (¬2) الدر النضيد من مجموعة الحفيد لشيخ الإسلام أحمد بن يحيى بن الحفيد الهروى طبعة التقدم سنة 1322 هـ, ص 2. (¬3) رسالة الراغب، المطبعة الأزهرية سنة 1329. ص 42. (¬4) هذه الرسالة مطبوعة ضمن الجزء الثاني من مجموعة الرسائل الكبرى لابن تيمية - المطبعة الشرقية سنة 1323.

يشير إلى ما ساقه الراغب الأصفهانى من معاني التأويل، مع أنَّه أصل فكرته ولبها. ب - نشأته: يرى ابن خلدون أول كلامه عن التفسير في المقدمة، "أن القرآن أنزل بلغة العرب، وعلى أساليب بلاغتهم، فكانوا كلهم يفهمونه، ويعلمون معانيه في مفرداته وتراكيبه". القول بأنهم كلهم يفهمونه فيه تعميم واسع، لم يطمئن إليه الأقدمون أنفسهم، فهذا ابن قتيبة، قبل ابن خلدون ببضعة من القرون، يقول في رسالته المسائل والأجوية (ص 8) "إن العرب لا تستوى في المعرفة بجميع ما في القرآن، من الغريب والمتشابه، بل إن بعضها يفضل في ذلك على بعض". وأحسب ابن خلدون قد شعر بذلك فيما أورده بعد عبارته السابقة بأسطر، فذكر أن في القرآن نواحى للحاجة إلى البيان، وقال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يبين المجمل ويميز الناسخ من المنسوخ ويعرفه أصحابه، فعرفوه، وعرفوا سبب نزول الآيات ومقتضى الحال منها منقولا عنه". وتلك الأمور وغيرها من مواضع الحاجة إلى الإبانة، قد أحوجت - منذ أول العهد الإسلامي- إلى بيان القرآن تفسيره. ولعل الروعة الدينية لهذا العهد" والمستوى العقلى لأهله؛ وتحدد حاجات حياتهم العملية؛ ثم شعورهم - مع هذا - بأن التفسير شهادة على الله بأنه عنى باللفظ، كل أولئك جعلهم لا يقولون في تفسير القرآن إلا التوفيق الَّذي نقل إليهم، وروى صاحب الرسالة عليه السلام؛ فكان أول ما ظهر من التفسير؛ تفسير الرواية، أو التفسير الأثرى. وكان رجال الحديث والرواية هم أصحاب الشأن الأول في هذا؛ فرأينا أصحاب مبادئ العلوم، حين ينسبون - على عادتهم - وضع كل علم لشخص بعينه، يعدون واضع التفسير - بمعنى جامعة لا مدونة - الإمام مالك بن أنس (¬1) الأصبحى إمام دار الهجرة. وهكذا تتصل نشأة التفسير، بتاريخ تدوين الحديث؛ وقد كان الإمام مالك رضي الله عنه، من قدماء المدونين في الحديث؛ ولو أن كتابه "الموطأ" لا يشتمل -فيما رأيت - على الكثير من ¬

_ (¬1) المبادئ النصرية، ص 26.

تفسير القرآن؛ وفي كل حال قد حملت المجموعات الحديثية، مقادير مختلفة من هذا التفسير، حتَّى لنرى في صحيح البخاري، كتابين - هما: كتاب تفسير القرآن، وكتاب فضائل القرآن - يشغلان حيزًا واضحًا من الكتاب، ربما كان نحو الثمن منه. ولعل هذا المعنى من صلة التفسير بالحديث، هو الَّذي يفهم به قول الأستاذ كارادى فو كاتب مادة التفسير في دائرة المعارف الإسلامية، (أنَّه فرع خاص هام من علم الحديث، يعلم في المدارس والجامعات" ... وإلا فإن ما استقر عليه الأمر أخيرًا، في مكان التفسير بين العلوم الشرعية، هو ما سقناه آنفًا مبينًا بالاعتبار الَّذي لاحظوه في تنضيد هذه العلوم؛ ولا يظهر فيه التفسير فرعًا خاصًّا من علم الحديث؛ ولولا حظنا أن التفسير فيما بعد لم يقف عند الرواية وأن القول في التفسير غير النقلى قد اتسع واستأثر بجهد العلماء وعنايتهم؛ لو لاحظنا هذا لوجدنا أن غد التفسير من فروع الحديث لا يظهر له وجه إلا ما أشرنا إليه من هذه النشأة، واتصاله فيها بالرواة والمحدثين. اشتهر برواية التفسير نفر من الصحابة رضي الله عنهم، ويجتمع من هذه الرواية تفسير منسوب لابن عباس - رضي الله عنه -هو الَّذي طبع باسم " تنوير المقباس من تفسير ابن عباس"، للفيروز أبادى صاحب القاموس المحيط. وحسبنا في التعقيب على هذا ما يروى منسوبا إلى الإمام الشافعي - رضه - من قوله: لم يثبت عن ابن عباس في التفسير إلا شبيه بمائة حديث (¬1) مع أن هذا التنوير المنسوب إليه مطبوع في نحو أربعمائة صفحة من القطع العادى. وأكثر ناس من التابعين رواية التفسير؛ وتردد ذكر أسماء منهم، كانت أحكام نقاد الرواية من القدامى عليهم ليست بذاك؛ فالضحاك بن مزاحم الهلالى المتوفى عام 102 أو 105 هـ- وإن وثقه نفر، قد قالوا إنه روى عن اب ¬

_ (¬1) شذرات الذهب لابن العماد ج 1، وخلاصة تذهيب الكمال في أسماء الرجال ص 150 طبعة الخرية سنة 1323 هـ - والإتقان ج 2 , 2242.

عباس، ولم يلقه فطريقه عنه منقطعة؛ وقالوا: في جميع ما روى نظر، إنما اشتهر بالتفسير" (¬1) .. وفي هذه العبارة الأخيرة لا إنما اشتهر بالتفسير "ما يدلك على درجة تقديرهم لرواية التفسير؛ وعطية بن سعد العوفى المتوفى عام 111 - الَّذي يروى عن ابن عباس، قد ضعفوه (¬2). وإسماعيل بن عبد الرحمن السدى الكبير؛ وان وجد من قبله، قد قالوا إنه ضعيف (¬3). والتفسير الَّذي جمعه قد رواه أسباط بن نصر، وأسباط هذا لم يتفقوا عليه، وقال النسائي: ليس بالقوى (¬4) .. ومحمد بن السائب الكلبى المتوفى 146 هـ - وهو أحد الطرق عن ابن عباس؛ مشهور بالتفسير، وليس لأحد تفسير أطول منه ولا أشبع؛ ومع ذلك فإن وجد من قال رضوه في التفسير؛ فقد وجد من قال: أجمعوا على ترك حديثه؛ ليس بثقة ولا يكتب حديثه؛ واتهمه جماعة بالوضع (¬5) .. ومحمد بن مروان السدى الصغير، الَّذي يروى عن ابن الكلبى السابق، قالوا: أنَّه يضع الحديث، وذاهب الحديث متروك، وإذا كانت رواية هذا السدى الصغير عن الكلبى عن أبي صالح عن ابن عباس فهي سلسلة الكذب. ثم مقاتل بن سليمان الأزدى الخراساني المتوفى عام 150 - وهو المفسر الَّذي قالوا إن الناس عيال عليه في التفسير، وتنسب هذه الكلمة عنه إلى الشافعي نفسه، ومع ذلك نراهم يقولون: إنه يروى عن مجاهد ولم يسمع من مجاهد شيئًا، ويروى عن الضحاك، ولم يسمع منه شيئًا، فقد مات الضحاك قبل أن يولد مقاتل بأربع سنين، ويكذبونه، ويضعفه من يستحسن تفسيره، ويقول: ما أحسن تفسيره لو كان ثقة؛ ، وأخيرًا هذا أبو خالد عبد عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج - وهو من أوائل من دونوا الحديث - قد رويت عنه أجزاء كبار في التفسير، ومع ذلك لاحظ النقاد أن ابن جريج في التفسير لم يقصد الصحة، وإنما روى ما ذكر في كل آية من الصحيح والسقيم. ... ¬

_ (¬1) الإتقان: الموضع السابق، والتذهيب ص 126، والشذرات ج 1. (¬2) التذهيب وهامشه ص 30. (¬3) الإتقان الموضع السابق، والتذهيب ص 22. (¬4) الإتقان الموضوع السابق - والتذهيب وهامشه ص 287. (¬5) التذهيب ص 306 - والإتقان في الموضوع السابق.

وهكذا نجد غير قليل من النقد التفصيلى لرواة التفسير النقلى؛ كما نجد النقد الإجمالى لهذه المرويات فالإمام أحمد بن حنبل، له الكلمة المعروفة: "ثلاثة ليس لها أصل: التفسير والملاحم والمغازى" أي ليس لها إسناد لأن الغالب عليها المراسيل (¬1). ويقول ابن تيمية بعد ذكر وضع الحديث والأدلة القاطعة على كذبة: "وفي التفسير من هذه الموضوعات قطعة كبيرة كما يقول "والموضوعات في كتب التفسير كثيرة (¬2) .. وهكذا لم يعتمد النقل التفسيرى على أساس من الثقة الوطيدة، كما سمعت من النقاد الأقدمين منذ الدهر الأول. فإذا تساءل النقاد المحدثون عن قيمة الأحاديث الواردة في هذه الكتب الجامعة، ولم يصلوا بعد إلى رأى يعززها كثيرًا كما يقول كارا دى فو، فإن هؤلاء النقاد المحدثين لم يجيئوا بجديد في هذا على ما ترى، إذ أن الاتهام قديم ... وقد كان من وراء ذلك أن تأثرت تلك المنقولات بكل ما في البيئة الإسلامية من متنافل القصص المديني، محمولا إليها من مختلف الأنحاء؛ فقد كان اليهود في ماضيهم الطويل قد شرقوا راحلين من مصر ومعهم من آثار حياتهم فيها مامعهم، ثم أبعدوا مشرقين إلى بابل في أسرهم. ثم عادوا إلى موطنهم وقد حملوا من أقصى المشرق في بابل، وبعيد المغرب في مصر ماحملوا؛ وجاء البيئة العربية الإسلامية من كل هذا المزيج ما جاء إلى جانب ما بعثت إليها الديانات الأخرى التي دخلت تلك الجزيرة، وألقت إلى أهلها ما ألقت من خبر أو قصص دينى، وكل أولئك قد ترد. على آذان قارئى القرآن ومتفهميه، قبلما خرجوا إلى ما حول جزيرتهم شرقًا وغربًا فاتحين، ثم ملأ آذانهم حين خالطوا أصحاب تلك البلاد التي نزلوها وعاشوا بها وإن كان الَّذي اشتهر من ذلك هو اليهودى، لكثرة أهله، وظهور أمرهم فدعيت تلك التزيدات التي اتصلت بمرويات التفسير النقلى باسم "الإسرائيليات. ¬

_ (¬1) ابن تيمية - مقدمة في أصول التفسير، ص 14، دمشق. (¬2) المصدر السابق ص 19.

وابن خلدون في مقدمته يذكر من أسباب الاستكثار من هذه المرويات، اعتبارات اجتماعية، ودينية أغرت المسلمين بهذا الأخذ والنقل، الَّذي اتسعت له كتب التفسير المروى فاشتملت على الغث والسمين، والمقبول والمردود؛ فيعد ابن خلدون من الاعتبارات الاجتماعية، غلبة البداوة والأمية على العرب، وتشوقهم لمعرفة ما تتشوق إليه النفوس البشرية، في أسباب المكونات، وبدء الخليفة، وأسرار الوجود؛ وهم إنما يسألون في ذلك أهل الكتاب قبلهم. ثم يذكر من الاعتبارات الدينية التي سوغت عنده هذا التلقى الكثير لمثل تلك المرويات في تساهل، وعدم تحر للصحة، أن مثل هذه المنقولات ليست مما يرجع إلى الأحكام، فيتحرى فيها الصحة التي يجب بها العمل، فتساهل المفسرون في مثل ذلك، ملأوا كتبهم بمنقولات عن عامة أهل التوراة الذين كانوا بين العرب، وكانوا بداة مثلهم، لا يعرفون من ذلك إلا ما تعرفه العامة من أهل الكتاب؛ ولا تعلق لها بالأحكام الشرعية التي يحتاط لها (¬1). وسواء أكانت هذه هي كل ما هيأ لذلك من الأسباب، أو كان وراءها أسباب أخرى، في حياة الرواية، وحياة العقيدة، وضرورة تأثرها بما حولها؛ فقد اتسعت على كل حال نقول التفسير، لمثل هذه المرويات التي يبين البحث أنها شملت مزيجًا متنوعًا من مخلفات الأديان المختلفة، التي ترامت إلى علم العرب. وما بنا بعد الَّذي عرف من تنبه الأقدمين إليها أن نبين كيف تترك أو يتقى أثرها، فقد تصدوا لهذا وتحدث عنه غير واحد من المفسرين؛ وإن كان الَّذي سلم من التأثر به فيهم قليلًا أو نادرًا. وقد تداعى أشياخ الأزهر اليوم إلى تجريد كتب التفسير من هذه الإسرائيليات، وهو أمر يسير الخطر؛ ولعل الأجدى من هذا التجريد أن تنقد هذه المجموعة المركومة من التفسير النقلى، على هدى قواعد القوم في نقد الرواية متنًا وسندًا، ليستبعد منها هذا الكثير الَّذي لا يستحق البقاء، ويستريح ¬

_ (¬1) مقدمة ابن خلدون، ص. يتصرف.

الناظرون في الكتاب الكريم من الاتصال به، إذا ما حاولوا تفهم آيه؛ فلا يقفون عند شيء لا أساس له. وأما هذه الإسرائيليات، كما سموها، فعلى الأشياخ أمامها واجب آخر في تاريخ الأديان وتحقيق صلاتها" وهو واجب لا ينبغي أن يقوم به أحد قبلهم، ذلك هو جمع هذه القصص، ودرسها مردودة إلى أصولها، مبينة مصادرها ليدل ذلك على مسالك التأثر والتأثير بين الأديان، ومداخل اتصالها. ونعود إلى ما نحن بصدده هنا أولًا؛ وهو التفسير النقلى، الَّذي كان أول أصناف التفسير نشأة فقد جعلت تتناقله الطبقات شفاها، ثم تدوينا تدريجيًا، حتَّى أفردت له المؤلفات الخاصة؛ واستمر ذلك، إلى أن تغيرت موجهات الحياة، وظهر تفسير جانب العقل فيه آثر من جانب النقل، عنى المؤلفون به، بيان بقى في كتبهم أثر من الروايات المنقولة، يرجعون إليه بين الفينة والفنية، حتَّى فترت العناية عن إفراد التفسير المأثور بالتأليف المستقل. ونكتفى بأن نشير هنا إلى ثلاثة من كتب تفسير الرواية، أحدها شرقي، والثاني غربي، والثالث مصرى. فأما الشرقي، فهو كتاب "جامع البيان في تفسير القرآن لابن جرير الطبري المحدث المؤرخ الفقيه - في ثلاثين مجلدًا، وهو مطبوع .. ويقول كارا دى فو، في مادة تفسير بالدائرة؛ "ويشمل تفسيره [ابن جرير] المطول كثيرًا من الأحاديث المسندة الصحيحة ... وأكبر الظن أن هذا الحكم لا يقوم على فحص خاص، فابن جرير رحمه الله، لم يسلم من الرواية عن أولئك الَّذي قدمنا آراء نقاد الرجال فيهم؛ وقد لوحظ عليه مثلًا، أنَّه يورد الكثير من طريق السدى وهو ما لم يورد منه ابن أبي حاتم شيئًا، حين التزم أن يخرج منه أصح ما ورد (¬1) ولعل تفسير ابن جرير محتاج إلى النقد الفاحص، احتياج غيره من تلك المرويات التفسيرية، على ما قدمنا. وشخصية ابن جرير الأدبية والعلمية تجعل كتابه مرجعًا غير قليل الأهمية، في المصنف الثاني من التفسير، ¬

_ (¬1) الإتقان 2: 224.

أي تفسير الدراية، فترجيحاته للمعانى المختلفة تقوم على نظرات أدبية ولغوية وعلمية قيمة فوق ما جمع كتابه من روايات أثرية. وأما الكتاب الغربي، فهو الكتاب الَّذي عرف باسم "المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لأبي محمد عبد الحق بن أبي بكر غالب بن عطية الغرناطى الأندلسى - ت 541 هـ الَّذي يقول عنه ابن خلدون في المقدمة: "إنه لخص فيه كتب التفاسير كلها - أي تفاسير المنقول - وتحرى ما هو أقرب إلى الصحة فيها، ووضع ذلك في كتاب صتداول بين أهل المغرب والأندلس، حسن المنحى، وهو مخطوط، منه بضعة أجزاء في دار الكتب المصرية، وفي التيمورية رجعت إليها فوجدت من جملة وصفها، أنَّه يعني بالشواهد الأدبية للعبارات، ويهتم بالصناعة النحوية، في غير إسراف ولا يعني بالوقوف مثل عناتيه بالقراءات، ويورد من التفسير المنقول، مع الاختيار منه، في غير إكثار؛ كما ينقل عن الطبري، ويناق المنقول عنه أحيانا .. ... وأما الكتاب الثالث المصري، فيحسن أن نشير بين يدي الكلام عنه، إلى ما كان لمصر من حظ قديم في التفسير المنقول، فقد حدثوا عن أحمد بن حنبل، أن بمصر صحيفة في التفسير، رواها علي بن ابى طلحة الهاشمي - رواها طريق جيد في الرواية عن ابن عباس؛ لو (-3 رجل فيها إلى مصر قاصدًا ما كان كثيرًا؛ وقد اعتمد عليها البخاري في صحيحه كثيرًا فيما يعلقه عن ابن عباس، كما ينقل ذلك عن ابن حجر (¬1). وفي التفسير المنقول خلف جلال الدين السيوطي المصري - ت 911 هـ - كتاب "الدر المنثور في التفسير" وهو مطبوع؛ وقد ذكرت هذه الكتب الثلاثة في الكلام عن نشأة التفسير من حيث كانت تفسيرًا نقليًا، وهو أول ما ظهر من صنوف التفسير، وإن كنت أقدر أن هذه الكتب قد تفاوتت قيمها وأحوالها بهذا التراخى البعيد في الأزمنة - من القرن الثالث إلى العاشر - وأن ما فيها ¬

_ (¬1) الإتقان 2: 223 وفيه بعد هذا النقل "أن ابن أبي طلحة لم يسمع التفسير عن ابن عباس، وإنما أخذه عن مجاهد أو سعيد بن جبير، ويقول ابن حجر "أن الواسطة ثقة فلا ضير في ذلك.

من تفسير مأثور قد تأثر بما حوله من عوامل وموجهات، يتبينها جليًا من يتصدى لتاريخ التفسير والتأليف فيه. ج - تدرج التفسير وهنا أحب أن يقدر الدارس، أنى لا أتصدى لكتابة تاريخ للتفسير، أو تخطيط هذا التاريخ وإنما هي إشارات عامة مجملة عن المعالم الكبرى في حياته .. وذلك أننا لا نجرؤ على التفكير في كتابة تاريخ للتفسير يمكن أن يسمى تاريخًا بالمعنى الصحيح إلا بعد أن نقف على ما خلفت تلك العهود الطوال من آثار فيه، وهي كثيرة واسعة، متنوعة المقاصد والإتجاهات، يدهشك ما تقرأ في وصفها وسعتها وجلال مؤليفها، ففي القرن الثاني كتب عمرو بن عبيد شيخ المعتزلة تفسيرًا للقرآن عن الحسن البصري رحمه الله (¬1) وناهيك بهما جلالة قدر. ولأبي الحسن الأشعرى المتكلم، كتاب المختزن، لم يترك آية تعلق بها بدعى إلا أبطل تعلقه بها، وجعلهما حجة لأهل الحق، وذكر بعضهم أنَّه رأى منه طرفًا وكان بلغ سورة الكهف وقد انتهى إلى مائة كتاب (¬2). إلى غير ذلك من صنيع له في التفسير يذكرون عظيم قيمته. وللإمام الجويني تفسير كبير، وللقشيرى تفسير كبير، وإلى جانب هؤلاء رجال اللغة والأدب يذكرون منهم: أبا طالب المفضل بن سلمة الكوفي. (ق 3) له كتاب معاني القرآن؛ وابن الأنبارى (ق 4) كان يحفظ مائة وعشرين تفسيرًا من تفاسير القرآن بأسانيدها. وقد ألف كتاب "مشكل القرآن أملاه فبلغ فيه إلى "طه" ما أتمه. وقد أملاه سنين كثيرة (¬3) ولأبي هلال العسكرى كتاب المحاسن في تفسير القرآن خمس مجلدات (¬4) .. ولو رحت أذكر لك جانبًا من هذه الطرائف التي كتبها أئمة الفنون المختلفة في التفسير لملأت من ذلك صحفًا وصحفًا، فهلا ترى معى، أن من القحة علميًّا أن نزعم أننا نتحدث في شيء من تاريخ التفسير، قبل أن نغبر قدمًا في البحث عن هذه الكتب وجمعها ودرسها؟ ! ! أحسب أي نعم. ¬

_ (¬1) ابن خلكان 1: 486 بولاق. (¬2) تبيين كذب المفترى ص 133 ط الشام. (¬3) طبقات الأدباء لابن الأنبارى ص 332. (¬4) ترجمته من مقدمة كتابه ديوان المعاني.

وهل يؤود محبى العلم القرآنى، ثم هذه المعاهد الدينية الفسيحة، ثم الدولة معهم أن يجمعوا من ذلك كل ما عرفت الدنيا من هذا المكتوب عن القرآن، أو صورة منه على الأقل، قبل أن يفكروا في أشياء كثيرة لا تقدم العلم المديني ولا تؤخره؟ ! ! * * * وإذا ما نظرنا إلى المعالم الكبرى في تدرج التفسير، وجدنا أن صلة الإسلام بالحياة، ومنزلة القرآن في ذلك من حيث هو مرجع المسلمين في شئونهم المختلفة، قد جعلت تدرج الحياة يظهر أثره واضحًا في حياة التفسير، فبعد ما كان يشيع التحرج من القول في القرآن، حتَّى في تفسير لفظه كالأب (¬1)، والخبر (¬2)؛ صار الأمر إلى إختلاف الناس في أن تفسير القرآن: هل يجوز لكل ذي علم الخوض فيه؟ " فرأى قوم أن من كان ذا أدب وسيع، فموسع له أن يفسره، وقال قوم: لا يجوز لأحد تفسير شيء من القرآن وإن كان عالمًا أديبًا وإنما له أن ينتهى إلى ما روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعن الذين شهدوا التنزيل من الصحابه - رضه - إلخ. وكان التحقيق، أن المذهبين هما الغلو والتقصير، فمن إقتصر على المنقول إليه، فقد ترك كثيرًا مما يحتاج إليه. ومن أجاز لكل أحد الخوض فيه فقد عرضه للتخليط (¬3). وعلى أساس هذا التحقيق ذهبوا يبينون ما ينطوى عليه القرآن، وما يحتاج إليه مفسره من العلوم، ويذكرون شرائط المفسر ويعدون من ذلك علومًا لغوية وعقلية، وموهبية، من تكاملت فيه، خرج من كونه مفسرًا للقرآن برأيه، لان القائل بالرأى إذ ذاك إنما هو من لم تجتمع عنده آلالات التي يستعان بها في ذلك، ففسره تخمينًا وظنا (¬4) وهو التفسير بمجرد الرأى. هكذا يلمح الناظر في تدرج التفسير طرفين متقابلين، ووسطا أو أوساطا، يختلف قربها من الطرفين، فأما أحد هذين الطرفين وأولهما فهو: التحرج من ¬

_ (¬1) قصة عمر - رضه - في تفسير كلمة الأب. (¬2) قصة أبي عبيدة والأصمعى في تفسير كلمة الخبر. (¬3) مقدمة التفسير للراغب الأصفهانى ص وفي العبارة بعض اضطراب يسهل الترجيع معه بأن بعض لفظها محرف، وقد أخذت منها بالبعيد عن ذلك. (¬4) المصدر السابق ص 425.

القول في القرآن على نحو ما يروى عن رجال من الصدر الأول ومن تلاهم، والمنقول في ذلك غير قليل، وحسبك أن مالك بن أنس، وهو الَّذي يذكر أصحاب المبادئ أنَّه واضع التفسير - بمعنى مدونه - يروى هو نفسه أن سعيد بن المسيب كان إذا سئل عن تفسير آية من القرآن قال: إنا لا نقول في القرآن شيئًا (¬1) .. وأما الطرف الثاني المقابل فهو الَّذي تلمحه من عبارة الراغب السابقة، وهو إجازة الخوض في القرآن لكل أحد، والغزالى، الإحياء (¬2) .. بعد الإحتجاج والإستدلال على بطلان القول بألا يتكلم أحد في القرآن إلا بما يسمعه بقول: فبطل أن يشترط السماع في التأويل، وجاز لكل واحد أن يستنبط من القرآن بقدر فهمه وحد عقله، كما قال قبل ذلك ... "إن في فهم معاني القرآن مجالًا رحبًا ومتسعًا بالغًا، وأن المنقول من ظاهر التفسير ليس منتهى الإدراك فيه " .. هما طرفًا نقيض -كما يقال وتستطيع أن تلمح بينهما إنتقالات تدريجية متعددة، فبعد التحرج، أمكن الوقوف عند المنقول، وكان ذلك المنقول قليلا ثم كثر النقل واتسع، حتَّى إستفاض وشمل ما ليس موثوقًا به، ثم داخلت النقل محاولات فهم شخصى تقبلوا منها لا ما يرجع إلى اللغة وحدود دلالة الكلمات.، ثم ظلت محاولات الفهم الشخصى تزداد وتتأثر بالمعارف المختلفة حتَّى كان من كتب التفسير ما يجمع أشياء كثيرة طويلة لا حاجة بها في علم التفسير كالذي فعله الرازي في تفسيره حتَّى قال عنه بعض المتطرفين من العلماء: فيه كل شيء إلا التفسير (¬3) وإذا كان الراغب الإصفهانى في أوائل القرن الخامس الميلادي يرى خوض كل أحد في القرآن يعرضه للتخليط، فهذا أبو حيان في القرن الثامن الميلادي يقول إن ما ذكره الوازى وغيره في التفسير يشبه علمه، بينا هو في عمل النحوي يبحث في الألف المنقلبة، إذا هو يتكلم في الجنّة والنار، ثم يقول: "ومن هذا سبيله في العلم فهو من التخليط والتخبيط في أقصى الدرجة (¬4) .. وقد اختلف حظ المفسرين ¬

_ (¬1) أصول التفسير لابن تيمية ص 31. (¬2) أبو حيان: البحر المحيط 1: 341 (¬3) 1: 261 ط الحلبى. (¬4) أبو حيان، الموضع السابق.

من هذا التعرض، وإن قلت سلامهم جميعًا منه. ... وإنك لتلمح على غرار هذا تدرج التدوين والتأليف في التفسير، فبينما توجد بمصر أو بغيرها صحيفة فيه، كما سبق، إذا هو جزء أو أجزاء تلقيت عن الصحابة، ثم هي أكثر من ذلك مما يجمع أقوال الصحابة والتابعينء ثم يختلط الفهم العقلى فيه بالتفسير النقلى رويدًا، كالذي تراه في مثل تفسير بن جرير الطبري، وما ذكرناه من كتب التفسير النقلئ ثم يغلب هذا الجهد العقلى على الكتب، فيكون أظهر ما فيها، بيان لم تخل مع ذلك من منقول يتصل بأسباب النزول مثلًا أو يتصل بغيرها من المروئ فترى الزمخشرى في كشافه، ينحو هذا النحو الخاص في تفسير القرآن تفسيرًا ينصر مذهبًا بعينه ولكنه لا يخلى كتابه من هذا المنقول، بل من ضرب ضعيف منه، كالحديث الَّذي يسوقه في فضائل القرآن سورة سورة، فإنه موضوع بإتفاق أهل العلم (¬1). وهكذا تداخل الصنفان، وإتجهت الكتب إتجاهات متنوعة، بعد ذلك. هـ - طرائق التفسير: رأينا ظهور المصنف الثاني من التفسير، المقابل لتفسير الرواية النقلى، وهو تفسير الدراية العقلى، ورأينا كيف أنهما إتصلا وتداخلا، وإذا كان ابن خلدون يقول في المقدمة: "إن ثانيهما قل أن ينفرد عن الأول، إذ الأول هو المقصود بالذات وإنما جاء هذا - الثاني - بعد أن صار اللسان وعلومه صناعة .. نعم قد يكون - الثاني - في بعض التفاسير غالبًا (¬2) " إذا قال ابن خلدون هذا فإنا لنقول له: إن هذا الثاني قد وصل القرآن بثقافة المتصدين لتفسيره وصلا قويًّا، شديد الأثر، انتهى إلى التخليط الَّذي ذكره أبو حيان، فأظهره ألوانًا من التفسير وإن فيها أمر النقل .. وهي طرائق من التفسير لعلها مما لا يسهل حصره وتبويبه، إذ كانت متأثرة باعتبارات كثيرة متعددة "وإذا كانت علوم اللسان بعد ما صارت صناعة، قد وجهت التفسير" فإن علومًا عقلية ونقلية قد وجهته توجيهات مختلفة، ¬

_ (¬1) أصول التفسير لابن تيمية ص 19. (¬2) المقدمة ص 384.

وإن مقاصد وأغراضًا في الحياة العملية، سياسية وغيرها، قد اشتركت في هذا التوجيه أيضًا، وتركت هذه وغيرها مناهج وكتبا كثيرة، وأثرت في مجرى الحياة والثقافة الإسلامية تأثيرًا قويًّا فعالًا .. ولئن كان كولدتسهير في كتابه "اتجاهات التفسير" قد تحدث عن تفسير الرواية، والتفسير الاعتقادى، والتفسير الصوفى، والتفسير التشيعى، وتفسير التجديد الإسلامي الحديث، فألم بأصول كبرى ينطوى تحتها كثير من طرائق التفسير واتجاهاته، فإن إلى جانب ذلك تفسيرات لغوية ونحوية، وأدبية وفقهية، وتاريخية، وغيرها، لعله لا يسهل إدماجها في هذه الأصول، وليس يصح - فيما أرى - أن نتحدث عن هذه الاتجاهات واحدًا واحدًا لنبين أثرها في توجيه فهم القرآن، أو أثر اتصالها بالقرآن في حياة تلك العلوم والفنون نفسها إلا بعد أن يكتمل لنا العثور على أكثر ما يمكن من كتب ودراسات في أنواع التفسير المختلفة، تم تنسيقها ودرسها في روية واتقان، درسًا يهيئ لمثل هذا القول الشامل فيها. ... على أنا إذا ما تركنا في هذا الإجمال الخاطف الكلام عن التفسير الصوفى أو التفسير التشيعى، فلم نقف عندهما لبيان ما زاده على معاني القرآن، وللحكم على منهجهما وما ماثله من مناهج، لها طابعها المخالف؛ فلم نتحدث عن الظاهر والباطن والحد والمطلع وما أشبه ذلك، ولا عما أخذ من القرآن من علوم خفية أو خاصة، وكان من عذرنا في ذلك - فوق الإجمال وضيق الفرصة - أن مثل هذه الاتجاهات قد قل تعرض الحياة لها، وخفت بلواها بها الآن. ثم إذا ما تركنا الحديث عن الفنون الأدبية المختلفة، وصلتها بالقرآن إلى فرصة أفسح، وأهدأ، من التاريخ الأدبى، فإنا رغم هذا كله لنشعر بضرورة القول في صلة التفسير بالعلوم العقلية الظاهرة، لأن فكرة تفسير القرآن بالعلم وأخذ هذه العلوم من القرآن، قد حاولها نفر من القدماء والمحدثين جميعا، حتَّى نوافق على قول الأستاذ كارا دى فو، في ختام مادة تفسير ما معناه أن

تضمين التفسير كثيرًا من الآراء المستقاة من الفلسفة والعلوم الحديثة محاولة في تجديد دراسة التفسير، لا نوافق على هذا لأن وصل القرآن بالفسلفة والعلوم العملية محاولة جد قديمة. و- التفسير العلمي: وهو التفسير الَّذي يحكم الاصطلاحات العلمية في عبارة القرآن، ويجتهد في استخراج مختلف العلوم والآراء الفلسفية منها، وقد وقع ذلك على رغم ما قرر في ميادين علمية إسلامية مختلفة، من قواعد فهم عبارة القرآن، واتسع القول في احتواء القرآن جمل العلوم جميعًا، فشمل إلى جانب العلوم الدينية اعتقادية وعملية، وظاهرة وخفية، سائر علوم الدنيا. ولعل الغزالى - فيما رأيت - كان إلى عهده، أكثر من استوفى بيان هذا القول، فهو في الإحياء يعرض لهذا (¬1) .. ويقرر "أن كل ما أشكل فهمه على النظار واختلف فيه الخلائق في النظريات والمعقولات ففي القرآن إليه رموز، ودلالات عليه"؛ وأن القرآن يشير إلى مجامع العلوم كلها؛ ثم هو يزيد ذلك بيانًا وتفصيلًا في كتابه جواهر القرآن (¬2) الَّذي يبدو انه ألفه بعد احياء علوم الدين (¬3) إذ يعقد الفصل الخامس منه لكيفية انشعاب سائر العلوم مطلقًا من القرآن، بعد ما بين في الفصل الرابع قبله، كيفية انشعاب العلوم الدينية كلها منه عن تقسيمات وتفصيلات تولاها، وهو بعد ذكر العلوم الدينية وما لا بد منه لفهمها من العلوم اللغوية، وبعد ذكر علم الطب والنجوم، وهيئة العالم، وهيئة بدن الحيوان، وتشريح أعضائه وعلم السحر والطلسمات، وغير ذلك، يشير إلى أن وراء ذلك علومًا أخر، يعلم تراجمها، ولا يخلو العالم ممن يعرفها، وفي الإمكان والقوة أصناف من العلوم لم تخرج بعد إلى الوجود وإن كان في قوة الآدمى الوصول إليها، وعلوم كانت قد خرجت إلى الوجود، واندرست الآن، ¬

_ (¬1) في الباب الرابع في فهم القرآن وتفسيره بالرأى من غير نقل ج 1: 259 - 264 ط الحلبى. (¬2) طبع بمطبعة كردستان العلمية بمصر سنة 1329. (¬3) الغزالى: جواهر القرآن ص 28، 29.

فلن يوجد في هذه الأعصار على بسيط الأرض من يعرفها، وعلوم أخر ليس في قوة البشر أصلا إدراكها، والإحاطة بها، ويحظى بها بعض الملائكة المقربين .. ثم يعقب بأن هذه العلوم، ما عددناها وما لم نعدها، ليست أوائلها خارجة عن القرآن، فإن جميعها مغترفة من بحر واحد، من بحار معرفة الله تعالى، وهو بحر الأفعال، وقد دكرنا أنَّه بحر لا ساحل له، إن البحر لو كان مدادا لكلماته لنفد البحر قبل أن تنفد؛ وعرض في بيان أفعال الله، والحاجة في فهمها إلى مختلف العلوم كفعل الشفاء والمرض لا يفهمان إلا بالطب، وفعله في تقدير الشمس والقمر ومنازلهما بحسبان، لا يعرف إلا بالهيئة، إلى أن يشير أخيرًا إلى أنَّه لو ذهب يفصل ما تدل عليه آيات القرآن، من تفاصيل الأفعال لطال، ولا تمكن الإشارة إلا إلى مجامعها (¬1)، وهكذا ظهرت آثار الثقافة الفلسفية والعلمية للمسلمين في تفسير القرآن، كما ظهرت آثار التصوف واضحة في التفسير، وكما ظهرت آثار النحل والأهواء فيه ظهورًا جليًا .. واستمرت هذه النزعة في التفسير العلمي، وأصبحت فيما يبدو وجهًا من تعليل إعجاز القرآن، أو بيان صلاحية الإسلام للحياة، وإذا كان هذا التفسير قد ظهر في مثل محاولة الفخر الرازي ضمن تفسيره القرآن، فقد وجدت بعد ذلك كتب مستقلة في استخراج العلوم من القرآن، وتتبع الآيات الخاصة بمختلف العلوم، وراجت هذه الفكرة في العصر المتأخر، فاخرجت لنا مثل كتاب كشف الأسرار النورانية القرآنية فيما يتعلق بالأجرام السماوية والأرضية، والحيوانات والنباتات والجواهر المعدنية، لمحمد بن أحمد الإسكندرانى الطبيب من أهل القرن الثالث عشر الهجرى، وكتاب تبيان الأسرار الربانية في النبات والمعادن والخواص الحيوانية له، وقد طبع الكتاب الأول في القاهرة سنة 1297 هـ والثاني في سورية سنة 1300 هـ. ومثل رسالة عبد الله فكرى باشا وزير المعارف المصرية سابقًا في مقارنة بعض مباحث الهيئة بالوارد في النصوص الشرعية، طبعت بالقاهرة ¬

_ (¬1) جواهر القرآن 211 - 2.

سنة 1311 هـ. وانحاز إلى هذه الفكرة من رجال الإصلاح الإسلامي المرحوم السيد عبد الرحمن الكواكبى فاستخرج (¬1) من القرآن مكتشفات حديثة، يقول: إنه ورد التصريح أو التلميح بها في القرآن منذ ثلاثة عشر قرنًا، وما بقيت مستورة تحت غشاء من الخفاء إلا لتكون عند ظهورها معجزة للقرآن شاهدة بأنه كلام رب، لا يعلم الغيث سواه .. كما يعرض لها في إعجاز القرآن، الأديب المصري المرحوم مصطفى صادق الرافعي (¬2) فيعقد فصلًا عنوانه "القرآن والعلوم " يجنح فيه إلى مثل ما سبق من احتواء القرآن على جمل العلوم وأصولها، ويأخذ في ذلك بالبعيد والقريب، وإذ ينقل كلمة السيوطي في الإتقان، حول أخذ الباحثين علومهم منه، ويعلق على استخراج علم المواقيت من القرآن، فيقول (¬3) "وإذا أطلق حساب الجمل في كلمات القرآن كشف منه كل عجائب العصور وتواريخها، وأسرارها، ولولا أن هذا خارج عن غرض الكتاب لجئنا منه بأشياء كثيرة من القديم والحديث"؛ كما يشير إلى استخراج مستحدثات الاختراع، وغوامض العلوم الطبيعية من القرآن: ويذكر شواهد لذلك، حتَّى ينتهى إلى أن يقول: (¬4) "ولعل متحققا بهذه العلوم الحديثة لو تدبر القرآن وأحكم النظر، وكان بحيث لا تعوزه أداة الفهم، ولا يلتوى عليه أمر من أمره، لاستخرج منه أشارات كثيرة، تومئ إلى حقائق العلوم وإن لم تبسط من أنبائها، وتدل عليها وإن لم تسمها" .. ولعل من أكثر من جمع في هذا وأطال المرحوم الشيخ طنطاوى جوهرى في تفسيره. ومما يتصل بهذا من قرب، ما ظهر من مؤلفات علمية عنى أصحابها عناية خاصة بهذا الجانب، وتوخوا هذا التطبيق، كمحاضرات المرحوم الأستاذ محمد توفيق صدقى في سنن الكائنات وما أشبهها. ز - إنكار التفسير العلمي: إذا كان الاتجاه إلى التفسير العلمي قديمًا، وكانت العناية به أكثر نوعا ما، ¬

_ (¬1) طبائع الاستبداد ص 26 - 27. (¬2) إعجاز القرآن له، ص 115 - 1166. (¬3) الإعجاز له ص 151 (هامش). (¬4) الإعجاز له ص 1164.

في العصر المتأخر، فإن المخالفة في صحة هذا التفسير قديمة أيضًا. ولعله اليوم أقل رواجًا عند المثقفين ... فأما المخالفة القديمة فيه، فهي ما يبديه الأصولى الأندلسى، أبو إسحاق ابن موسى الشاطبي - 970 هـ - في كتابه الموافقات (¬1) في أثناء أبحاثه عن القرآن، إذ تكلم أولًا عن أن هذه الشريعة المباركة أمية، لأن أهلها كذلك، فهو أجرى على اعتبار المصالح، ودلل ذلك بأمور، ثم عقب بفصل عن: أن العرب كان لها اعتناء بعلوم ذكرها الناس، وكان لعقلائهم اعتناء بمكارم الأخلاق، واتصاف بمحاسن الشيم، فصححت الشريعة منها ما هو صحيح، وزادت عليه، وأبطلت ما هو باطل وبينت منافع ما ينفع من ذلك ومضار ما يضر منه، وذكر من ذلك علم النجوم وعلم الأنواء، وأوقات نزول الأمطار وإنشاء السحاب، وهبوب الرياح المثيرة لها. ومنها علم التاريخ وأخبار الأمم الماضية، ومنها الطب، وفنون البلاغة، هذا من العلوم الصحيحة. وذكر من الباطل علم العيافة والزجر والكهانة وخط الرمل، والضرب بالحصى، والطيرة، وقد أبطلتها الشريعة .. وهو يبين في كل ذلك، أن الشريعة في تصحيح ما صححت، وإبطال ما أبطلت، قد عرضت من ذلك ما تعرفه العرب، ولم تخرج عما ألفوه .. وبعد شرح هذه الفكرة المبينة لرأيه في علوم القرآن، يتقدم لبيان ذلك بإسهاب وإيضاح، ويعقد لذلك بحثًا خاصًّا يقول فيه: ما تقرر من أمية الشريعة، وأنها جارية على مذهب أهلها وهم العرب، ينبنى عليه قواعد: - منها أن كثيرًا من الناس تجاوزوا الحد في الدعوى على القرآن، فأضافوا إليه كل علم يذكر للمتقدمين أو المتأخرين من علوم الطبيعيات، والتعاليم والمنطق، وعلم الحروف، وجميع ما نظر فيه الناظرون من هذه الفنون وأشباهها، وهذا إذا عرضناه على ما تقدم لم يصح. ثم ينظر في حال السلف، نظرة علمية، فيحتج بها على صحة دعواه، ويقول: وإلى هذا، فإن السلف الصالح من الصحابة والتابعين، ومن يليهم كانوا أعرف بالقرآن، وبعلومه، وما أودع فيه ولم يبلغنا أنَّه تكلم أحد ¬

_ (¬1) طبع السلفية 1341 هـ، ج 2، ص 46 وما بعدها.

منهم (¬1) في شيء من هذا المدعى، سوى ما تقدم، وما ثبت فيه من أحكام التكاليف وأحكام الآخرة، وما يلي ذلك، ولو كان لهم في ذلك خوض ونظر لبلغنا منه ما يدلنا على أصل المسألة، إلا أن ذلك لم يكن فدل على أنَّه غير موجود عندهم: وذلك دليل على أن القرآن لم يقصد فيه تقرير لشيء مما زعموا، نعم تضمن علوما هي من جنس علوم العرب، أو ما ينبنى على معهودها، مما يتعجب منه أولو الألباب، ولا تبلغه إدراكات العقول الراجحة، دون الاهتداء بأعلامه، والاستنارة بنوره، أما أن فيه ما ليس من ذلك فلا .. وبعدما احتج الشاطبى لدعواه، عرض لأدلة اصحاب هذا التفسير العلمي، فقال في تلخيص حججهم: ربما استدلوا على دعواهم: 1 - بقوله تعالى: ونزلنا عليك الكتاب تبيانًا لكل شيء، وقوله: ما فرطنا في الكتاب من شيء، ونحو ذلك: 2 - بفواتح السور، وهي مما لم يعهد عند العرب، وبما نقل عن الناس فيها. 3 - بما حكى من ذلك عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - وغيره. ثم تقدم لنقض هذه الأدلة واحدًا واحدًا، فقال عن الأول: فأما الآيات فالمراد بها عند المفسرين ما يتعلق بحال التكليف أو التعبد .. والمراد بالكتاب في قوله: "مافرطنا في الكتاب من شيء"، اللوح المحفوظ. ولم يذكروا فيها ما يقتضي تضمنه لجميع العلوم النقلية والعقلية .. وفي الرد على الثاني يقول: وأما فواتح السور فقد تكلم الناس فيها بما يقتضي أن للعرب به عهدا، كعدد الجمل الَّذي تعرفوه من أهل الكتاب، حسبما ذكره أصحاب السير، أو هي من المتشابهات التي لا يعلم تأويلها إلا الله تعالى، وغير ذلك، وأما تفسيرها بما لا عهد به فلا يكون، ولم يدعه أحد ممن تقدم فلا دليل فيها على ما ادعوا وفي الرد على الثالث يقول: وما ينقل عن على أو غيره - وقد أورد منه طرفًا - في هذا لا يثبت، فليس بجائز أن يضاف إلى القرآن مالا يقتضيه، كما أنَّه لا ¬

_ (¬1) يذكرنا قول الشاطبى هذا بما يورده الغزالى في الإحياء. 1: 261. من قول على: من فهم القرآن فسر به جمل العلم، وتجد النفس حتَّى من صياغة هذه العبارة أشياء وأشياء! !

يصح أن ينكر منه ما يقتضيه، ويجب الاقتصار في الاستعانة على فهمه على كل ما يضاف علمه إلى العرب خاصة، فيه يوصل إلى علم ما أودع من الأحكام الشرعية، فمن طلبه بغير ما هو أداة له ضل عن فهمه، وتقول على الله ورسوله فيه .. وتلك هي الخلاصة الشاملة لما أكمله الشاطبى بيانا في غير موضع من الموافقات، بعد ما عرض لأصله الجامع وفيما أشرنا إليه من صفحات ... وإذا كان هذا هو الرأى القديم العهد، في فهم القرآن فهما يجعله مصدر العلوم المختلفة، ويأخذ كلمه باصطلاحات حادثة بعده بأزمنة غير قصيرة فإنك لتضم إلى هذا البيان، من النظرات الحديثة ما يؤيده ويعززه، فمنها: 1 - الناحية اللغوية، في حياة الألفاظ وتدرج دلالتها؛ لو ملكنا منها ما لا بد لنا أن نملكه، في تحديد هذا التدرج، وتأريخ ظهور المعاني المختلفة للكلمة الواحدة، وعهد استعمالها فيها لوجدنا من ذلك ما يحول بيننا وبين هذا التوسع العجيب في فهم ألفاظ القرآن، وجعلها تدل على معان واطلاقات لم تعرف لها، ولم تستعمل فيها، أو إن كانت تلك الألفاظ قد استعملت في شيء منها، فباصطلاح حادث في الملة، بعد نزول القرآن باجيال .. وسترى فيما يلي - من بيان عن التفسير اليوم، وكيف يتناول - ما يكشف عن هذا الجانب كشفًا كافيًا. 2 - الناحية الأدبية، أو البلاغية إن شئت، - والبلاغة فيما يقال: مطابقة الكلام لمقتضى الحال، فهل كان القرآن على هذا النحو المتوسع من التفسير العلمي، كلامًا يوجه إلى من خوطب به من الناس في ذلك العهد، مرادًا به تلك المعاني المذكورة مع أنها معان من العلم لم تعرفها الدنيا إلا بعد ما جازت آمادًا فسيحة، وجاهدت جهادًا طويلًا، ارتقى به عقلها وعلمها! ! ! وهب هذه المعاني العلمية المدعاة كانت هي المعاني المرادة بالقرآن فهل فهمها أهل العربية منه إذ ذاك وأدركوها؟ ! وإذا كانوا قد فهموها فما لنهضتهم العملية في علوم الحياة المختلفة لم تبدأ بظهور القرآن، ولم تقم على هذه الآيات الشارحة لمختلف نظريات العلوم المفهمة

لدقائقها! ! وإن كانت لم تفهم منها، ولم يدركها أصحاب اللغة الخلص من عباراتها -كما هو الواقع فعلا - فكيف تكون معاني القرآن المرادة؟ ! وكيف تكون للك الألفاظ مفهمة لها، وهل هذه هي المطابقة لمقتضى الحال! 3 - وهناك الناحية الدينية، أو الاعتقادية، وهي التي تبين مهمة كتاب الدين، وهل هو كتاب يتحدث إلى عقول الناس وقواهم العالمة عن مشكلات الكون، وحقائق الوجود العلمية؟ ؟ وكيف يساير ذلك حياتهم، ويكون أصلًا ثابتًا لها، تختم به الرسالات السموية، كما هو الشأن في القرآن، مع أن هوْلاء المتدينين لا يقفون من معرفة هذه الحقائق عند غاية محدودة، ولا ينتهون منها عند مدى ما؟ ؛ فكيف تؤخذ جوامع الطب والفلك والهندسة والكيمياء من القرآن على نحو ما سمعت آنفًا، وهي جوامع لا يضبطها اليوم أحد إلا تغير ضبطه لها بعد يسير من الزمن أو كثير؛ وصا ضبطه منها القدماء قد تغير عليهم فيما مضى، ثم تغير تغيرًا عظيمًا فيما تلا! ! والحق البين أن كتاب الدين لا يعني بهذا من حياة الناس ولا يتولاه بالبيان، ولا يكفيهم مؤنته حتَّى يلتمسوه عنده، ويعدوه مصدرًا فيه. وأما ما اتجهت إليه النوايا الطيبة من جعل الارتباط بين كتاب الدين والحقائق العلمية المختلفة، ناحية من نواحى بيان صدقه، أو أعجازه، أو صلاحيته للبقاء ... الخ فربما كان ضره أكثر من نفعه. على أنَّه إن كان لا بد لأصحاب هذه النوايا ومن لف لفهم من أن يتجهوا إليه، ليدفعوا مناقضة الدين للعلم، فلعله يكفى في هذا ويفى، ألا يكون في كتاب الدين نص صريح يصادم حقيقة علمية يكشف البحث أنها من نواميس الكون ونظم وجوهره، وحسب كتاب الدين بهذا القدر صلاحية للحياة، ومسايرة للعلم، وخلاصًا من النقد .. على أنى حين أتسمح بهذا القدر في سبيل إرضاء رغبات هؤلاء الطيبى النية، لا أنسى أن أذكرهم بأن التناول الفني لحقائق الكون ومشاهده، هو التناول الَّذي يقصد به الدين رياضة وجدانات الناس، ويوجهه لعامتهم وخاصتهم، وعلمائهم وأنصاف علمائهم

بل لجهلائهم أيضًا -كما هي مهمة الدين والغاية من تلاوة كتابه بينهم جميعًا، وهذا التناول إنما يقوم على المشهود البادى من ناحية روعته في النفس، ووقعه على الحواس، وانفعال الناس به؛ لا من ناحية دقائق قوانينه، ومنضبط نواميسه في معادلات جبرية أو أرقام حسابية، أو بيان جاف لخصائصه وحقائقه .. وبقيام هذا التناول على المشاهد، والمدرك بادئ الرأى، والمؤثر في النفس المثير للانفعال، لا يجب الوفاء فيه بحماية الحقائق العلمية، والخصائص المجربة لهذه العوالم الموصوفة والمناظر التي لا يراد من تناولها إلا إثارة الشعور بجلالها وجمالها، ودلالتها على عظمة القوة المدبرة لها المحققة لنظامها، ولو التزم في شيء من هذا تصحيح المقررات العلمية لأخل هذا الالتزام كثيرًا بالأهداف الفنية الوجدانية، التي يريد الدين تحقيقها ونفع الحياة بها عن طريق التأمل التدين، والاعتبار النفسى العاطفى المريح، قبل كل شيء آخر .. ومن هنا قد يبدو في تعبير القرآن ما يظهر متعارضا مع شيء من المقررات العلمية؛ وإن أمكن التوفيق بينهما. ولا أحسب أن عليه بأسًا بشيء من هذا ولا فيه ضير ... فخير لأصحاب هذه الرغبات الذين يبينون الصدق، أو الإعجاز، أو الصلاحية لكتاب الدين بهذا النحو من التفسير العلمي، خير لهم أن يقدروا مثل هذا الاعتبار، فلا يتكلفون ما يتكلفون من ربط الكتاب بالعلم؛ على أنهم إن كانوا لا بد فاعلين فحسبهم -كما تقدم - ألا يكون في القرآن نص صريح يصادم حقيقة علمية، دون أن يمكن التوفيق بينه وبينها ... وبيان هذا الأصل مما لا يسمح المقام فيه بأكثر مما قيل. وهناك نواح أخرى من النظر محدثة، تؤيد الرأى القديم الَّذي بينه الشاطبى في كيفية فهم عبارة القرآن؛ وتجعل من الخير ألا توجه العناية إلى مثل هذا الضرب من التفسير العلمي، لأنه ليس بذى جدوى على القرآن نفسه، والقرآن غنى عن أن يعتز بمثل هذا التكلف الَّذي يوشك أن يخرج به عن هدفه الإنسانى الاجتماعى في إصلاح الحياة، ورياضة نفوس الناس جميعًا على اختلاف حظهم من العلوم الطبيعية الرياضية وما إليها.

ح - ألوان التفسير: إنما نشير تحت هذا العنوان المتجوز إلى ظاهرة واضحة الأثر هي: أن الشخص الَّذي يفسر نصًّا، يلون هذا النص - ولا سيما النص الأدبى - بتفسيره له وفهمه إياه. وإذ أن المتفهم لعبارة هو الَّذي يحدد بشخصيته المستوى الفكرى لها، وهو الَّذي يعين الأفق العقلى، الَّذي يمتد إليه معناها ومرماها، يفعل ذلك كله، وفق مستواه الفكرى وعلى سعة أفقه العقلى .. لأنه لا يستطيع أن يعدو ذلك من شخصيته، ولا تمكنه مجاوزته أبدًا .. فلن يفهم من النص إلا ما يرقى إليه فكره ويمتد إليه عقله وبمقدار هذا يتحكم في النص ويحدد بيانه، فهو في حقيقة الأمر يجر إليه العبارة جرًا، ويشدها شدًا؛ يمطها حينًا إلى الشمال، وحينًا إلى الجنوب؛ وطورًا يجذبها إلى أعلى، وآونة ينزل بها إلى أسفل؛ فيفيض عليها في كل حالة من ذاته، ولا يستخرج منها إلا قدر طاقته الفكرية واستطاعته العقلية؛ وما أكثر ما يكون ذلك واضحًا، حينما تسعف اللغة عليه، وتتسع له ثروتها، من التجوزات والتأولات، فتمد هذه المحاولة المفسرة، بما لديها من ذلك .. بيان المستطاع منه في اللغة العربية لكثير وكثير ... على هذا الأصل وجدنا آثار شخصية المتصدين لتفسير القرآن، تطبع تفسيرهم له، في كل عهد وعصر، وعلى أي طريقة ومنهج، سواء أكان تفسيرهم له نقليًا مرويًّا، أم كان عقليًا اجتهاديًا .. ولعله لا يبدو هذا الأثر الشخصى واضحًا في التفسير المروى لأول وهلة، ولكنك تتبينه إذا ما قدرت أن المتصدى لهذا التفسير النقلى إنما يجمع حول الآية من المرويات، ما يشعر أنها متجهة إليه، متعلقة به، فيقصد إلى ما تبادر لذهنه من معناها، وتدفعه الفكرة العامة فيها، فيصل بينها وبين ما يروى حولها في اطمئنان ... وبهذا الاطمئنان يتأثر نفسيًا وعقليًا، حينما يقبل مرويًّا ويعنى به؛ أو يرفض من ذلك مرويًّا - إن رفضه - ولم يرتح إليه ... وكذلك راج بين القوم -كما لاحظ ابن خلدون فيما أوردنا من عبارته - ما هم في شوق إليه وتعليق به، من أخبار بدء الخلق، ونشأة الوجود، وتفصيل الأحداث الكبرى في

تاريخ الإنسانية الأولى؛ لأميتهم، وقلة المتداول بينهم منه، فكانت كثرة الإسرائيليات! ! وكان كل أولئك صورة عقلية لهذا العصر الأول. ومن هنا نستطيع القول بأنه حتَّى في رواج التفسير النقلى وتداوله، تكون شخصية المتعرض للتفسير هي الملونة له، المروجة لصنف منه. أما حين يصير التفسير عقليًا اجتهاديًا، فإن هذا التلوين الشخصى يبدو أوضح وأجلى. وقد أشرنا إلى ما لثقافة متعاطى التفسير، من الأثر في تفسيره؛ إذ أن ثقافته، ونوع معارفه هو الَّذي يحدد ناحية عنايته وميدان نشاطه، وما ينتفع به في استخراج معاني العبارة، وما يعني به قبل غيره من هذه المعاني فيتأثر التفسير بذلك كله، ويتأثر تاريخ هذه المعارف نفسها بمزاولة التفسير، أو الاهتمام به -كما سبقت الإشارة إلى ذلك. فأنت ترى - في جلاء - أن التفسير، على هذا التلوين - يتأثر بالعلوم والمعارف التي يلقى بها المفسر النص، ويستعين بها في استجلاء معانيه، كما أن وصل هذه العلوم بالتفسير، يكسب هاتيك العلوم نفسها، ضربًا من الثروة، بقدر أثره في تاريخها .. فالنحوى يلقى القرآن بأصول الصنعة الأعرابية، يحكمها في فهم معانيه، ويحتكم إليها في تحديد مدلولاتها، فيلون التفسير بمنهج دراسته وأسلوبها .. ثم هو بعد ذلك يترك في حياة النحو بهذا الوصل آثارًا، تعود على دراسته، ويلتمس بيانها، في تاريخ حياة هذه المادة .. وهكذا تنوعت ألوان التفسير، وتعددت بتعدد ثقافات المتصدين له، فقد سمعت أن أبا الحسن الأشعرى المتكلم، في كتابه الَّذي سموه "المختزن" لم يترك آية تعلق بها يدعى، إلا أبطل تعلقه بها وجعلها حجة لأهل الحق ... إلخ بل ينقلون من قوله هو نفسه في وصف كتاب هذا: إن فيه من ضروب الكلام مسائل للمخالفين لم يسألوه عنها ولا سطروها في كتبهم، ولم يتجهوا للسؤال، وأجاب عنه بما وفقه الله تعالى له (¬1) ... وقد جاءك نبأ ما فعل الفخر الرازي في تفسيره، من جمع أقوال الحكماء والفلاسفة، ¬

_ (¬1) ابن عساكر - تبين كذب المفترى ص 133، ط دمشق يتغير في الضمائر.

وشبههم في الكلاميات، حتَّى قيل فيه ما قيل آنفًا. فهذا ومثله تلوين كلامى للتفسير يضفى على القرآن، من منهج علم الكلام ويوجه تفسيره، وقد انتهى به إلى نزعات مذهبية خاصة لعل من أشهرها كشاف الزمخشرى في منحاه الاعتزالى ... كما تجد تلونيًا فقهيًا للتفسير، وآخر بلاغيًا، وغيرهما قصصيًا.، وهكذا مما تعد فيه كتب كل صنف وحدها؛ وتوصف في التاريخ التفصيلى للتفسير .. كما يبين فيه المحبب المقبول من هذا التلوين؛ والمنفر المكروه منه، كالتلوين الباطنى والإشارى المتطرف، وما إلى ذلك من تفسير مرددو، يخرج القرآن عن وضعه، ويناقض الحكمة الإلهية والغرض الإصلاحى من وصله بحياة الدين والدنيا، وقد وصف القدماء مثل هذه الألوان المنفرة المستقبحة، واستبعدوها. أما ما عدا هذا المكروه من التلوين، فقد ينجو من هذا الاستبعاد والاستنكار؛ ولكن يبقى النظر في تحقيقه للفائده المرجوة من القرآن؛ فيسلم فيه بذلك أو لا يسلم. وفي هذا يقول الأستاذ الإمام (¬1) رحمه الله: ... إن الإكثار في مقصد خاص من هذه المقاصد يخرج بالكثيرين عن المقصود من الكتاب الإلهى، ويذهب بهم في مذاهب تنسيهم معناه الحقيقي. كما يقول في هذا الصدد أيضًا (¬2): "إن التفسير قسمان: أحدهما جاف مبعد عن الله وكتابه وهو ما يقصد به حل الألفاظ وإعراب الجمل، وبيان ما ترمى إليه تلك العبارات والإشارات من النكت الفنية، وهذا لا ينبغي أن يسمى تفسيرًا وإنما هو ضرب من التمرين في الفنون كالنحو والمعانى" .. ويقول عن التلوين الفقهى بخاصة (¬3) "الأحكام العملية التي جرى الاصطلاح على تسميتها فقها هي أقل ما جاء في القرآن؛ وإن فيه من التهذيب ودعوة الأرواح إلى ما فيه سعادتها والأستاذ رحمه الله حين ينفر من هذه الألوان يطمئن إلى تلوين آخر وصفه في غير موضع، فما قال (¬4) عنه: "والتفسير الَّذي نطلبه هو فهم الكتاب، من حيث هو دين يرشد الناس ¬

_ (¬1) تفسير الفاتحة ط المنار سنة 1345 هـ، ص 9، 10. (¬2) المصدر السابق ص 18. (¬3) المصدر السابق ص 10. (¬4) المصدر السابق، ص 8.

إلى ما فيه سعادتهم في حياتهم الدنيا وحياتهم الآخرة، فإن هذا هو المقصد الأعلى منه، وما وراء هذه المباحث تابع له أو وسيلة لتحصيله وكذلك يقول (¬1) عنه "التفسير الَّذي قلنا إنه يجب على الناس، على أنَّه فرض كفاية وهو ذهاب المفسر إلى فهم مراد القائل من القول، وحكمة التشريع في العقائد والأخلاق والأحكام على الوجه الَّذي يجذب الأرواح ويسوقها إلى العمل، والهداية المودعة في الكلام، ليتحقق فيه معنى قوله (هدى ورحمة) ونحوهما من الأوصاف، فالمقصود الحقيقي وراء تلك الشروط والفنون، وهو الاهتداء بالقرآن، هذا هو اللون الَّذي يجمل في نظر الأستاذ الإمام، وسنعود للنظر إليه بعد كلمة يسيرة عن: ط - خطة التفسير منذ عصر مبكر (¬2) جعل القوم يتناولون تفسير القرآن على ترتيب سوره، يقفون منها عند بعض الآية، أو الآية، أو الجملة من الآى، فيبينون ما فيها على اللون الَّذي يؤثره المتناول وتضفيه شخصيته على تفسيره؛ ومازالت تلك الخطبة هي السائدة في التفسير، حتَّى عندما يعني المفسر بناحية خاصة من القرآن. فبين يدينا مثلًا كتاب أحكام القرآن للجصاص - ت 370 هـ - وهو فقهى الاتجاه، يعني ¬

_ (¬1) المصدر السابق، ص 19 (¬2) يقول عكرمة مولى ابن عباس- ت 105 هـ- "لقد قسرت ما بين اللوحين" - إتقان 2: 225 - ولابن جريح ت 150 هـ- ثلاثة أجزاء كبار في التفسير - اتقان 2: 224 فهذه العبارة وتلك الأجزاء الكبار إذا ما أنضم إليها ملاحظة قوة اتصال القرآن بالحياة الإسلامية، وشديد عناية القوم بأخذ الأحكام وغيرها منه، وحاجتهم الملحة في ذلك، كل أولئك وما يشبهه مؤذن بأن تتبعهم لتفسير القرآن، واستيفاءهم ذلك في سوره وأية قد كان عملا مبكرا، ولا أميل إلى تأخيره لنهاية القرن الثاني وأوائل الثالث - وصاحب ضحى الإسلام - 2: 141 - يميل إلى عد الفراء- ت 207 هـ أول من تعرض لآية آية حسب ترتيب المصحف وفسرها على التتابع، آخذا ذلك من نص في فهرست ابن النديم، وكتاب معاني القرآن للفراه في أيدينا، وهو شبيه في تناوله للآى على ترتيبها في السور بكتاب مجاز القرآن لأبي عبيده - ت 209 هـ وحوالى هذا. فإن القطعة التي منه بأيدينا تتناول السور على ترتيبها، وتعرض لما في السورة من آى تحتاج لبيان مجازها أي المراد بها، فليس للفراء، ولعله لو وقع إلينا شيء مما قبل ذلك العهد لرجح أن هذا التناول المرتب لتفسير سور القرآن وآيه أقدم عهدًا من صنيع الفراء وأبي عبيدة بغير قليل.

بهذا الجانب قبل كل شيء؛ ولكنه مع هذا يتبع للك الخطبة التقليدية في تفسير السور على توتيبها والآى في السور ... وأقل من ذلك أن يتتبع المفسر موضوعًا خاصًّا في القرآن، يجمع متفرقه، فترى مثل كتاب التبيان في أقسام القرآن لشمس الدين ابن قيم الجوزية - ت 751 هـ- الَّذي قصد فيه إلى درس موضوع خاص، هو القسم في القرآن؛ قد انتظم نظرات عامة لصنيع القرآن في الأقسام، ولكنه مع ذلك لا يستقصى تتبع النظائر ويتولاها بالتفسير المقابل الَّذي يستعان فيه على فهم بعض القرآن ببعضه فهمًا يعطى الفكرة الموحدة عن المنهج القرآنى في القسم بشيء خاص، ويحصى ما ورد من ذلك فينظر في جملته، وإن كان قد ألم بشيء من هذا إلمامًا سريعًا لا تشفى ... وتلك الخطبة الغالبة في تفسير القرآن على ترتيب سوره وآيه فيها، مما هو موضع للنظر، يقول فيه كلمة ضمن ما نعرض له من حديث عن: التفسير اليوم والقدماء فيما يقولون عن حياة العلوم الإسلامية قد قسموها ثلاثة أقسام: علم نضج واحترق وهو النحو والأصول؛ وعلم نضج وما احترق وهو علم الفقة والحديث؛ وعلم لا نضج ولا احترق، وهو علم البيان والتفسير ... ويشاء الله أن يكون علم البيان وعلم التفسير من أول ما أقوم على خدمته في كلية الآداب بجامعة فؤاد الأول .. فيكون قول القدماء أنفسهم بعدم نضجهما إذنًا صريحًا منهم بالمحاولة المحددة في حياة هاتين المادتين، وقد تقدمت إلى هذه المحاولة، تحت الشعار الَّذي اتخذته لنفسى وهو: أول التجديد قتل القديم فهما، وأراد الله أن يكون في دائرة المعارف الإسلامية أول تسجيل لإجمال هذه المحاولة المحددة في مادة البلاغة؛ وها هي ذي أول من يسجل أصول هذه المحاولة في مادة التفسير. 1 - القرآن كتاب العربية الأكبر في الَّذي مضى من القول عن "ألوان التفسير" بيان للأغراض التي كان يقصد إليها المفسرون، ويعنون بتحقيقها أكثر من غيرها؛ وقد سمعنا الأستاذ الإمام رحمه الله، بنقدهم فيما آثروا من أغراض؛ ويرى أن الغرض الأول والأهم في التفسير، أن يكون

محققًا لهداية القرآن ورحمته، مبينًا لحكمة التشريع في العقائد والأخلاق، والأحكام على الوجه الَّذي يجذب الأرواح .. إلخ فالمقصد الحقيقي عنده: هو الاهتداء بالقرآن، وهو مقصد جليل ولا شك .. يحتاج المسلمون إلى تحقيقه. لكن ليس بدعًا من الرأى أن ننظر في هذا المقصد لنقول: إنه ليس الغرض الأول من التفسير، وليس أول ما يعني به ويقصد إليه، بل إن قبل ذلك كله مقصدًا أسبق، وغرضًا أبعد، تنشعب عنه الأغراض المختلفة، وتقوم عليه المقاصد المتعددة، ولابد من الوفاء به قبل تحقيق أي مقصد آخر، سواء أكان ذلك المقصد الآخر، علميًّا أم عمليًّا، دينيًّا أم دنيويًا .. وذلك المقصد الأسبق والغرض الأبعد هو النظر في القرآن من حيث هو كتاب العربية الأكبر، وأثرها الأدبى الأعظم، فهو الكتاب الَّذي أخلد العربية، وحمى كيانها وخلد معها، فصار فخرها، وزينة تراثها، وتك صفة للقرآن يعرفها العربي مهما يختلف به الدين أو يفترق به الهوى، ما دام شاعرًا بعربيته مدركًا أن العروبة أصله في الناس، وجنسه بين الأجناس، وسواء بعد ذلك أكان العربي مسيحيًا أم وثنيًا، أم كان طبيعيًا دهريًا لا دينيًّا، أم كان المسلم المتحنف، فإنه سيعرف بعروبته منزلة هذا الكتاب في العربية، ومكانته في اللغة، دون أن يقوم ذلك على شيء من الإيمان بصفة دينية للكتاب، أو تصديق خاص بعقيدة فيه .. وليس هذا شأن العرب فحسب، بل إن الشعوب التي ليست عربية الدم أصلًا، ولكن وصلها التاريخ، وسير الحياة بهذه العروبة، فارقضت الإسلام دينًا، أو خالطت العرب فسالت دماءها بدمائهم، ثم اتخذت العربية لغة، حتَّى صارت تلك العربية أصلًا من أصول حياتها الأدبية .. حتَّى هذه الشعوب التي ربطتها بالعربية هذه الأواصر الوثقى، إلى أن صارت العربية عنصرًا أساسيًا، وجانبًا جوهريًا من شخصيتها اللغوية الفنية، قد صار لكتاب العربية الأعظم، وقرآنها الأكرم مكانه بين ما تعنى به، من دراسة أدبية وآثار فنية قولية؛ فألزمها كل أولئك تناول هذا الكتاب بدراسة أدبية، تتفهم بها أصول ما ورثت من تلك العروبة، إن كانت عربية النجار أو كانت قد اتصلت بتلك العروبة اتصالًا قويًّا، دفع شخصيتها، وسير وجودها، ووجه حياتها .. فالعربى القح، أو من ربطته

بالعربية تلك الروابط، يقرأ هذا الكتاب الجليل، ويدرسه درسًا أدبيًا، كما تدرس الأمم المختلفة عيون آداب اللغات المختلفة، وتلك الدراسة الأدبية لأثر عظيم كهذا القرآن هي ما يجب أن يقوم به الدارسون أولًا وفاء بحق هذا الكتاب، ولو لم يقصدوا الاهتداء به أو الانتفاع بما حوى وشمل بل هي ما يجب أن يقوم به الدارسون أولًا ولو لم تنطو صدورهم على عقيدة ما فيه، أو انطوت على نقيض ما يردده المسلمون الذين يعدونه كتابهم المقدس "فالقرآن كتاب الفن العربي الأقدس، سواء انظر إليه الناظر على أنَّه كذلك في الدين أم لا. وهذا الدرس الأدبى للقرآن في ذلك المستوى الفني، دون نظر إلى أي اعتبار دينى، هو ما نعتده وتعتده معنا الأمم العربية أصلًا، العربية اختلاطًا؛ مقصدًا أول، وغرضًا أبعد، يجب أن يسبق كل غرض ويتقدم كل مقصد ... ثم لكل ذي غرض أو صاحب مقصد بعد الوفاء بهذا الدرس الأدبى أن يعمد إلى ذلك الكتاب فيأخذ منه ما يشاء، ويقتبس منه ما يريد، ويرجع إليه فيما أحب من تشريع، أو اعتقاد، أو أخلاق، أو إصلاح اجتماعى، أو غير ذلك ... وليس شيء من هذه الأغراض الثانية يتحقق على وجهه إلا حين يعتمد على تلك الدراسة الأدبية لكتاب العربية الأوحد دراسة صحيحة كاملة مفهمة له، وهذه الدراسة هي ما نسميه اليوم تفسيرًا، لأنه لا يمكن بيان غرض القرآن ولا فهم معناه إلا بها. فجملة القول: أن التفسير اليوم - فيما أفهمه -هو: الدراسة الأدبية، الصحيحة المنهج، الكاملة المناحى، المتسقة التوزيع. والمقصد الأول للتفسير اليوم أدبى محض صرف، غير متأثر بأى اعتبار، وراء ذلك. وعليه يتوقف تحقق كل غرض آخر يقصد إليه .. هذه هي نظرتنا إلى التفسير اليوم وهذا غرضنا منه؛ وعلى هذا الأساس نتقدم لبيان طريقة تناوله، ومنهج درسه. 2 - أثر ترتيب القرآن في تفسيره وننظر بين يدي الخطبة في مسألة الترتيب لنبنى عليها الرأى في كيفية تناول التفسير، وهل تتبع فيه الخطة التي سادت حتَّى اليوم -كما تقدم - فندرسه على ترتيب سوره وآيه في السور، أو على غير هذا من ترتيب؟ والقرآن -كما هو المعروف- لم يرتب على الموضوعات والمسائل، فيفرد

كل شيء منها بباب أو فصل؛ يجمع ما ورد فيه عن هذا الموضوع أو تلك المسألة، فليس على ترتيب كتب العقائد مع ما فيه من أصول العقيدة، وليس على ترتيب كتب التشريع مع ما فيه من أصول التشريع، ولا هو كذلك على نسق كتب الأخلاق أو التاريخ ولا القصص، ولا غير ذلك .. بل ليس على ترتيب بعض كتب الدين حين أفردت أحداث الحياة بأسفار عنونت كل سفر منها بحادث؛ أو حين جرت على تسلسل حياة فرد خصت كل حين منها بقسم، كما لم يرتب على شيء من تاريخ ظهور آياته ... إنما جرى القرآن على غير هذا كله، فعرض لكثير من الموضوعات ولم يجمع منها واحد، بعينه، فيلتقى أوله بآخره، ويعثر به في مكان معين .. وإنما نثر ذلك كله نثرًا، وفرقه تفريقًا؛ فالحكم التشريعى في أكثر من موضع، والأصلى الاعتقادى قد عرض له غير مرة، والقصة قد وزعت مناظرها ومشاهدها في جملة أماكن، وهكذا تقرأ في السورة الواحدة فنونًا من القول، وتمر بألوان من الأغراض المختلفة، تعرض لها سورة أخرى، فيتكامل العرضان، وتتم الفكرة بتتبعها في مواطن متعددة؛ وذلك لحكمة ومرمى يبين في غير هذا المكان من الدراسة القرآنية التي تعرض للكلام في الترتيب. وإنما ننظر إلى ما لهذا الواقع من أثر في طريقة تناول القرآن بالتفسير، وتتبعه لفهم معانيه وأغراضه، فيبدو للناظر أن تفسير سورا وأجزاء لا يمكن من الفهم الدقيق، والإدراك الصحيح، لمعانيه وأغراضه، إلا إن وقف المفسر عند الموضوع ليستكمله في القرآن ويستقصيه إحصاء، فيرد أوله إلى آخره، ويفهم لاحقه بسابقه .. فالناظر في سورة البقرة مثلًا يجد من الحديث عن المؤمنين وحالهم ما أحسب أنَّه يفهم الفهم الصحيح، إذا ما قورن بما في سورة "المؤمنون"، من الجزء الثامن عشر- ثم هو واجد في هذه السورة عن المنافقين وحالهم مالا يفهم على وجهه إلا مع سورة المنافقون في الجزء الثامن والعشرين .. وقصة آدم في البقرة، إنما تفسر مع ما ورد عنها في سورة الأعراف، والحجر والكهف وغيرها.

وأنت - أرشدك الله - مقدر أن الَّذي يفهم جملة نصوص خاصة بموضوع واحد، إنما يصل إلى صحيح معناها ودقيقة، بمعرفة سابقها ولا حقها ومتقدمها ومتأخرها، إذا ما كان الزمن قد تباعد بين تلك النصوص، وبخاصة مثل هذا التباعد الزمنى الَّذي بين آى القرآن، فقد طال سنين وسنين .. ثم هذا المتفهم محتاج إلى إدراك الملابسات والمناسبات والأسباب التي أحاطت بما يفهمه من النصوص، إذ هي أضواء لا بد منها لاستجلاء المعنى. وترتيب القرآن لم يرع شيئًا من تقدم الزمن وتأخره، فمكيه يتخلل مدنية ويحيط به، وهكذا ترى من النظر في ترتيب القرآن على سوره - أي ترتيب كان في المصاحف المختلفة - ما لا يساير حاجات مفسره المتفهم له، بل يقضى ما كان من أمر الترتيب، بالنظر الجديد والترتيب الخاص لآى الموضوع الواحد، بحيث يكشف هذا الترتيب لنا عن تلك النواحى، التي عرفت أن المفسر المتفهم مضطر إلى مراعاتها وتقديرها، توصلا إلى الفهم الصحيح، والمعنى الدقيق. فجملة القول، أن ترتيب القرآن في المصحف قد ترك وحدة الموضوع لم يلتزمها مطلقًا، وقد تردُ الترتيب الزمنى لظهور الآيات لم يحتفظ به أبدًا؛ وقد فرق الحديث عن الشيء الواحد والموضوع الواحد في سياقات متعددة، ومقامات مختلفة، ظهرت في ظروف مختلفة؛ وذلك كله يقضى في وضوح بأن يفسر القرآن موضوعًا موضوعًا؛ وأن تجمع آيه الخاصة بالموضوع الواحد، جمعًا إحصائيًا مستقصيًا، ويعرف ترتيبها الزمنى، ومناسباتها وملابساتها الحافة بها، ثم ينظر فيها بعد ذلك لتفسر وتفهم فيكون ذلك التفسير أهدى إلى المعنى، وأوثق في تحديده ... وليس تفسير القرآن سورة سورة إلا تعرضًا مفرقًا لموضوعات مختلفة تنتظمها السورة الواحدة؛ ثم يعود المفسر بعد ذلك في السورة الأخرى إلى مثل هذه الموضوعات أنفسها. فإن عجل النظرة الجامعة إلى هذه الموضوعات في القرآن كله حينما عرضت له في أول سورة، فقد آل به الأمر إلى تفسير الموضوعات، وكانت وقفاته الطوال المتباعدة عند كل

موضوع تركًا لتفسير السورة وإخلالًا به، وإن تعرض للموضوع الواحد مرارًا كلما عرض في السور المختلفة فقد أخل بوحدة الموضوع حين ترك الإلمام الجامع به في مقام متصل. فصواب الرأى - فيما يبدو - أن يفسر القرآن موضوعا موضوعًا، لا أن يفسر على ترتيبه في المصحف الكريم سورًا أو قطعًا .. ثم إن كانت للمفسر نظرة في وحدة السورة وتناسب آيها واطراد سياقها فلعل ذلك إنما يكون بعد التفسير المستوفى للموضوعات المختلفة فيها. 3 - المنهج الأدبى في التفسير: وإذا ما كان وجه الراى أن التفسير الأدبى لكتاب العربية الأكبر، هو أول ما يجب أن يحاوله من لهم بالعربية صلة لغوية أدبية سواء أكانوا عربًا أم غير عرب .. وإذا ما كان وجه الرأى أن هذا التفسير الأدبى ينبغي أن يتناول القرآن موضوعًا موضوعًا، لا قطعة قطعة؛ فعلى هذا الأساس يكون منهج التفسير الأدبى إذن صنفين من الدراسة، كما هي الخطبة المثلى في درس النص الأدبى (¬1) وهذان الصنفان هما: ا - دراسة حول القرآن ب - دراسة في القرآن. فأما دراسة ما حول القرآن: فمنها دراسة خاصة قريبة إلى القرآن، ومنها دراسة عامة بعيدة - فيما يبدو من ظاهر الرأى - ولكنها في تقدير المنهج الأدبى لازمة لفهم القرآن فهمًا سليمًا دقيقًا. والدراسة الخاصة هي ما لا بد لمعرفته، مما حول كتاب جليل كهذا الكتاب: ظهر في نحو عشرين عاما أو كذا وعشرين عاما، ثم ظل مفرقًا سنين حتَّى جمع في أدوار مختلفة وأحوال مختلفة، وكان جمعه وكتابته عملًا ساير الزمن طويلا، وناله من ذلك ما ناله .. ثم هناك قراءته، ومسايرة هذه القراءة للتطور اللغوي الَّذي تعرضت له اللغة العربية، بفعل النهضة الجادة التي أثارتها الدعوة الإسلامية والدولة ¬

_ (¬1) بيان هذه الخطبة، وتصحيح الوضع فيها مما انتظمت دراسات كاتب هذه المادة في "الأدب المصري، بكلية الآداب من جامعة فؤاد الأول [جامعة القاهرة الآن]. "مخطوطة".

الإسلامية، فقد كانت هذه القراءات عملًا ذا أثر واضح في حياة الكتاب وفهمه. وتلك الأبحاث - من نزول، وجمع، وقراءة، وما إليها - هي التي عرفت اصطلاحيًا - منذ حوالي القرن السادس الهجرى - باسم علوم القرآن (¬1) بعدما تناولها المفسرون المختلفون قبل ذلك بالبحث المجمل، والبيان المتفاوت في الاستيفاء، حسب عناية المفسر واهتمامه؛ ومثل تلك الأبحاث جد لازمة، في نظر دارسى الآثار الأدبية، ولابد منها لفهم النصوص المدروسة، والاتصال بها اتصالا مجديًا .. بل كان لزوم هذه الأبحاث لفهم القرآن مما شعر به القدماء أنفسهم، حتَّى قال السيوطي في مقدمة كتابه "الإتقان في علوم القرآن": "وقد جعلته مقدمة للتفسير الكبير الَّذي شرعت فيه وسميته بمجمع البحرين ومطلع البدرين الجامع لتحرير الرواية، وتقرير الدراية، ومن الله أستمد التوفيق والهداية (¬2). " كان أكثر المفسرين يلمون في مقدمة تفاسيرهم بشيء من القول في النزول والجمع، والقراءات ... وقد أفرد ما حول القرآن من تلك الموضوعات حديثًا بالعناية، عند من يمارسون هذه الأبحاث من الغربيين. وكان أجل من كتب في ذلك منهم الألمانى نولدكه Noeldeke T. صاحب كتاب تاريخ القرآن Geschichte des Qorans` الَّذي اشترك في تحقيقه وإكمال طبعته الثانية نفر من علماء الألمان مثل شفاللى وزيمرن وبرجشتراسر، وقد جاهد أحد شبابنا من خريجى كلية الآداب فترجم الكتاب بمعونة من في الكلية من أساتذته الألمان وعارفى لغتهم، لكن حالت عوائق تافهة دون طبع الكتاب، مع أن أبحاث هؤلاء المحدثين قد أفاضت على تلك الموضوعات ألوانًا من العناية العلمية، إن لم تخل من الاتهام فإنها لن تخلو من روح النقد والتمحيص، التي لا بد منها في تناول هذه الأبحاث .. وهي دراسات ضرورية لتناول التفسير كما أشرناء حتَّى ما ينبغي مطلقًا أن يتقدم لدرس التفسير من لم ينل حظه من تلك الدراسة القريبة الخاصة حول القرآن، ليستطيع فهمه فهمًا أدبيًا صحيحًا ¬

_ (¬1) محاضرات علوم القرآن لكاتب هذه في كلية الآداب."مخطوطة". (¬2) الإتقان، ج 1: 7.

مسترشدًا بتلك الملابسات الهامة في فهم القرآن. وأما ما حول القرآن من دراسة عامة، فهو ما يتصل بالبيئة المادية والمعنوية، التي ظهر فيها القرآن وعاش؛ وفيها جمع وكتب وقرئ وحفظ، وخاطب أهلها أول من خاطب، وإليهم ألقى رسالته لينهضوا بأدائها، وإبلاغها شعوب الدنيا. فروح القرآن عربية، ومزاجه عربي، وأسلوبه عربي، "قرآنا عربيا غير ذي عوج" .. والنفاذ إلى مقاصده إنما يقوم على التمثل الكامل، والاستشفاف التام لهذه الروح العربية، وذلك المزاج العربي، والذوق العربي (¬1) ومن هنا لزمت المعرفة الكاملة لهذه البيئة العربية المادية، أرضها بجبالها وحرارها وصحاريها وقيعانها، وسمائها بسحبها ونجومها، وأنوائها وجوها بحره وبرده وعواصفه وأنسامه، وطبيعتها بجدبها وخصبها، وقحولها أو نمائها، ونباتها وشجرها ... إلخ. فكل ما يتصل بتلك الحياة المادية العربية وسائل ضرورية لفهم هذا القرآن العربي المبين ... مع هذا ما يتصل بالبيئة المعنوية بكل ما تتسع له هذه الكلمة؛ من ماض سحيق، وتاريخ معروف، ونظام أسرة أو قبيلة، وحكومة في أي درجة كانت، وعقيدة بأى لون تلونت، وفنون مهما تتنوع، وأعمال مهما تختلف وتتشعب، فكل ما تقوم به الحياة الإنسانية لهذه العروبة، وسائل ضرورية كذلك لفهم هذا القرآن العربي المبين .. وإذا جهدت الدراسة الأدبية في أن تعرف عن تلك العربية والعروبة أكثر وأعمق وأدق ما يعرف تبتغى بذلك درس أدبها درسًا صحيحًا؛ فإن هذا القرآن رأس هذا الأدب، وقلبه الخافق، ولن يدرس درسًا أدبيًا صادقًا، يفى بحاجة المتعرض لتفسيره إلا بعد أن تستكمل كل وسائط تلك المعرفة للبيئة العربية مادية ومعنوية. أما ما دمنا نقرأ التشبيه العربي القرآنى، أو التمثيل العربي القرآنى، فإذا مادته الأضواء العربية، والظواهر الجوية العربية، والحى أو الجماد المشهود في بلاد العرب لا نعرف عنه شيئًا وليس ¬

_ (¬1) إن القرآن معاني ومرامي إنسانية اجتماعية بعيدة الهدف أبدية العمر: لكن ذلك كله إنما جاء الإنسانية في ثوبه العربي وبذلك التعبير العربي، والتمثيل التام لهذه العروبة هو السبيل المتعينة لفهم ذلك كله والوصول إليه.

عندنا عنه صورة خاصة، فما يحق لنا - مع هذا - أن نقول إننا نفسر هذا القرآن أو نمهد لفهمه فهمًا أدبيًا، يهيئ للانتفاع به في نواح أخرى، وما دمنا نذكر الحجر، والأحقاف، والأيكة، ومدين، ومواطن ثمود ومنازل عاد، ونحن لا نعرف عن هذه الأماكن إلا تلك الإشارات الشاردة، فما ينبغي أن نقول إننا فهمنا وصف القرآن لها ولأهلها، أو إننا أدركنا مراد القرآن من الحديث عنها وعنهم، ثم لن تكون العبرة بهذا الحديث جلية ولا الحكمة ولا الهداية المرجوة مفيدة مؤثرة! ! ولعله ليس بالكثير مطلقًا أن نطلب مثل تلك الدراسات المفصلة لبيئة القرآن الَّذي هو أحدث الكتب السماوية عهدًا، ولغتة التي بها نزل. لا تزال لغة حية تتكلمها مئات الملايين، وأدبها هو أدب غير واحدة من الأمم، تدعى لنفسها حق الحياة؛ ثم هي أصل كبير للهجات ولغات تقوم دراستها الصحيحة على دراسة هذه العربية ... ليس بالكثير في شيء أن نطلب هذه الدراسة لبيئة القرآن وهذه حالته؛ لأن الكتب الدينية الأخرى أقدم من القرآن بالقرون المتطاولة وبيئاتها قد عفت معالمها، ولغاتها قد تخلت عنها إذ خرجت من الحياة؛ ولكنا نجد ما في هذه الكتب الدينية جميعا من حي وجماد، وحادثة، وعلم، قد أفرد بالدراسة ووضعت له الكتب المطولة والمعاجم المستوفاة حتَّى ما يفوت شيء منها من يبتغى معرفته، وهذا كله إلى جانب الدراسات التاريخية والأدبية والدينية، والقانونية، والاجتماعية العميقة والمقارنة التي أصابتها تلك الكتب. ولا أتحدث عن الترجمات والنشرات، فتلك نواح أخرى ليست الآن موضع حديثنا، ولكن بها تعظم المأثمة في هذا التقصير الدراسى لكتاب هو أجل وأقدم، وأوثق ما عرفت العربية من آثارها الأدبية! تلك إلمامه بما حول القرآن من دراسة، وهي في جملتها ترجع: إما إلى تحقيق النص وضبطه وبيان تاريخ حياته ... وإما إلى التعريف بالبيئة التي فيها ظهر، وعنها تحدث، وبين مغانيها ومعانيها تقلب ... وبعد استيفاء ذلك يكون التقدم إلى: دراسة القرآن نفسه: وهي تبدأ بالنظر في المفردات، والمتأدب يجب أن يقدر عند ذلك، تدرج

دلالة الألفاظ، وتأثرها في هذا التدرج يتفاوت ما بين الأجيال وبفعل الظواهر النفسية والاجتماعية، وعوامل حضارة الأمة، وما إلى ذلك مما تعرضت له ألفاظ العربية في تلك الحركة الجياشة المتوثبة التي نمت بها الدول الإسلامية، والنهضة الدينية والسياسية والثقافية، التي خلفت هذا الميراث الكبير من الحضارة ... وقد تداولت هذه اللغة العربية في تلك النهضات أفواه أمم مختلفة الألوان والدماء والماضى والحاضر، فتهيأت من كل ذلك خطوات تدريجية فسيحة متباعدة في حياة ألفاظ اللغة العربية، حتَّى أصبح من الخطأ البين أن يعمد متأدب إلى فهم ألفاظ هذا النص القرآنى الأدبى الجليل، فهما لا يقوم على تقدير تام لهذا التدرج والتغير، الَّذي مس حياة الألفاظ ودلالتها، وعلى التنبه إلى أنَّه إنما يريد ليفهم هذه الألفاظ في الوقت الَّذي ظهرت فيه ولليت أول ما تليت على من حول قال ها الأول - عليه السلام - (¬1) - وهذا هو أحد الاعتبارات الجوهرية التي تقف في وجه التفسير العلمي للقرآن على ما أشرنا إليه من قبل. وإذا كان هذا هو الأصل الأول في فهم دلالة ألفاظ القرآن، فمن لنا به مع أن معاجمنا لا تسعف عليه ولا تعين.؟ فأكبر ما نملكه منها - وهو "لسان العرب" لابن منظور المصري - قد كتب على طريقة المقص والغراء، كما يقول العصريون، فتجاورت فيه نصوص تباعدت عصور أصحابها، فابن دريد في أوائل القرن الرابع الهجرى (321 هـ)، يجاور ابن الأثير في أوائل القرن السابع الهجرى (606 هـ) وتمازج لغويات الأول دينيات الثاني .. والقاموس المحيط -كما نعرفه - عصارات غير ممتزجة لثقافات متغايرة متباينه، من فلسفية عقلية إلى طبية عملية، فأدبية لغوية، فدينية اعتقادية، أو غيرها .. معاجمنا لا تسعف على شيء من تحقيق هذا الأصل الثابت في تدرج الألفاظ ... فليس أمام مفسر القرآن حين يبتغى المعنى الأول لألفاظه إلا أن يقوم ¬

_ (¬1) لا ينكر أن خلود هذا الكتاب ورياضته الدائمة للحياة مع صلته الوثقى بها. كل ذلك يهيئ لفهم معان متجددة أو نامية لكنا مع عدم إنكار هذا القدر نرى أنَّه لا ينبغي أن تنسب إلى القرآن من هذه المعاني إلا ما كان طريق فهمه الحس اللغوي للعربية، وسبيل الانتقال إليه هو دلالة اللفظة الأولى في عصر نزول القرآن ... وبيان هذا والتمثيل له مما لا يتسع له المقام هنا.

بعمل في ذلك، مهما يكن مؤقتًا وقاصرًا فإنه هو كل ما يمكن اليوم، وإلى أن نملك قاموسًا اشتقاقيًا تتدرج فيه دلالات الألفاظ، وتتمايز فيه المعاني اللغوية على ترتيبها، عن المعاني الاصطلاحية على ظهورها .. فلا معدى للمفسر من النظر في المادة اللغوية للفظ الَّذي يريد تفسيره، لينحى فيها المعاني اللغوية عن غيرها ثم ينظر في تدرج المعاني اللغوية للمادة نظرة ترتبها على الظن الغالب، فتقدم الأسبق الأقدم منها على السابق، حتَّى يطمئن - ما استطاع - إلى شيء في ذلك ينتهى منه إلى ترجيح معنى لغوى للكلمة، كان هو المعروف حين سمعتها العرب في آى الكتاب ... والمفسر في هذا التمييز والنظر مسلم - ما أمكن - بمحدث الدراسة في أنساب اللغات وصلة ما بينها، ليطمئن كذلك إلى أن الكلمة عربية أصيلة، أو هي دخيلة؛ وإن كانت فما بيئتها؟ وما معناها الأول؟ ... ثم هو محاذر كذلك من اندفاع معاجمنا في رد الكلمات إلى أصل عربي يشابهها في اللفظ، مع التكلف في الاشتقاق والربط .. وإذا ما فرغ من البحث في معنى اللفظة اللغوي، انتقل بعده إلى معناها الاستعمالى في القرآن يتتبع ورودها فيه كله، لينظر في ذلك، فيخرج منه برأى عن استعمالها: هل كانت له وحدة اطردت في عصور القرآن المختلفة ومناسباته المتغيرة؛ وإن لم يكن الأمر كذلك، فما معانيها المتعددة التي استعملها فيها القرآن؟ وبذا يهتدى بمعناها أو معانيها اللغوية إلى معناها أو معانيها الاستعمالية في القرآن؛ وهو بما ينتهى إليه من كل أولئك يفسرها مطمئنًا في موضعها من الآية التي جاءت فيها. وقد حاول الراغب الأصفهانى منذ قرابة ألف عام، أن يعطينا مفردات القرآن في قاموس خاص بها. وعانى فيها شبيها بما وصفنا أو بشئ من أصل فكرته، ولكنه لم يتم التعقب اللغوي، ولم يستوف التتبع القرآنى، وفاته مع ذلك كله فرق ما بين عصره وعصرنا في دراسة اللغات وصلاتها؛ إلا أنَّه في كل حال نواة تخجل من بعده، وبخاصة أهل هذا العصر الطموح، فيؤلمهم ألا يملكوا إلا هذا

القاموس القرآنى الناقص بل البدائى. وبالتزام هذا المنهج الأدبى يرجى كمال هذا القاموس، وقواميس أخرى تتطلبها حياة القرآن، كتاب العربية الأعظم. ... ثم بعد المفردات يكون نظر المفسر الأدبى في المركبات، وهو في ذلك - ولا مرية - مستعين بالعلوم الأدبية من نحو وبلاغة .. إلخ ولكن لا على أن الصنعة النحوية عمل مقصود لذاته؛ ولا لون يلون التفسير كما كان الحال قديمًا .. بل على أنها؟ ؟ أداة من أدوات بيان المعنى وتحديده؛ والنظر في اتفاق معاني القراءات المختلفة للآيات الواحدة، والتقاء الاستعمالات المتماثلة في القرآن كله .. ثم على أن النظرة البلاغية في هذه المركبات ليست هي تلك النظرة الوصفية التي تعنى بتطبيق اصطلاح بلاغى بعينه، وترجيح أن ما في الآية منه هو كذا لا كذا؛ أو إدراج الآية في قسم من الأقسام البلاغية دون قسم آخر! ! كلا، بل على أن النظرة البلاغية هي النظرة الأدبية الفنية التي تتمثل الجمال القولى في الأسلوب القرآنى، وتستبين معارف هذا الجمال، وتستجلى قسماته، في ذوق بارع قد استشف خصائص التراكيب العربية منضما إلى ذلك التأملات العميقة في التراكيب والأساليب القرآنية لمعرفة مزاياها الخاصة بها بين آثار العربية، بل لمعرفة فنون القول القرآنى وموضوعاته فنًا فنًا، وموضوعًا موضوعًا، معرفة تبين خصائص القرآن في كل فن منها ومزاياها التي تجلو جماله. ولئن كان مثل هذا مما يطلب أو يوصف في قليل من الجمل أو الأسطر، فإن تحقيقه ليس بهذه السهولة والقرب، وإنما يقوم على إصلاح أدبى بلاغى أحسب أن الحياة الأدبية اليوم تحاوله، وهي بالغة منه إن شاء الله مبلغًا حسنًا، ومستفيدة به في التفسير الأدبى للقرآن، كما تستفيد هذه المحاولة الإصلاحية نفسها بمزاولتها للتفسير القرآنى، وإذا أوفى بنا القول على هذا الإصلاح الأدبى فإنا نشير إلى ما تنبغى مراعاته من: التفسير النفسى: لأن ما استقر من تقدير صلة البلاغة بعلم النفس (¬1) قد ¬

_ (¬1) بحث "البلاغة وعلم النفس" .. لكاتب هذا المقال نشر في الجزء الثاني من المجلد الرابع لمجلة كلية الآداب سنة 1936.

مهد السبيل إلى القول بالاعجاز النفسى للقرآن، كما كشف عن وجه الحاجة إلى تفسير نفسانى للقرآن يقوم على الإحاطة المستطاعة، بما عرف العلم من أسرار حركات النفس البشرية في الميادين التي تناولتها دعاوة القرآن الدينية، وجدله الاعتقادى، ورياضته للوجدانات والقلوب، واستلاله لقديم ما اطمانت إليه، وتوارثته عن الأسلاف والأجيال، وتزيينها بما دعا إليه من إيمان، ينقض مبرم هذا القديم، ويهدم أصوله .. وكيف تلطف القرآن لذلك كله، وماذا استخدم من حقائق نفسية، في هذه المطالب الوجدانية، والمرامى القلبية، وماذا أجدت رعاية ذلك كله، في إنجاح الدعوة، واعلاء الكلمة. فالتفسير النفسى، يقوم على أساس وطيد من صلة الفن القولى بالنفس الإنسانية، وأن الفنون على اختلافها - ومن بينها الأدب - ليست إلا ترجمة لما تجده النفس ... وقد ألممنا بذلك في مكانه من الدراسة البلاغية الفنية، ولا نقول الآن أكثر من أن اللمحة النفسية في المعنى القرآنى، ربما تكون أحسم لخلاف بعيد الغور، كثير الشعب بين المفسرين، قد تأثلوا له البراهين النظرية والأقيسة المنطقية، وتلاقوا فيه بصنوف الأعاريب، ومعقد الصناعة النحوية البعيدة عن روح الفن، أو بالمحاولات البيانية الجافة، إلى النظرات السوفسطائية المسفة؛ وانظر على سبيل المثال تفسير الآيات 193 - 195 من سورة الشعراء في الفخر الرازي 6: 541 - 543 بولاق - وقابلة بتفسير الزمخشرى لهذه الآيات - كشاف 2: 132 ط بولاق - ترى الفرق بين الصنيعين، وكيف كانت نظرة الزمخشرى النفسية فيصلا حاسما في الموضع ... فالملاحظة النفسية حين تعلل نسج الآية وصياغتها، وتعرف بجو الآية وعالمها، ترفع المعنى الَّذي يفهم منها إلى أُفق باهر السناء. وبدون هذه الملاحظة يرتد المعنى ضئيلًا ساذجًا، لا تكاد النفس تطمئن إليه، ولا هو خليق بأن يكون من مقاصد القرآن. والحديث عن التفسير النفسى يذكرنا بما عرض له الأستاذ الإمام -

روح الله روحه - من صلة بين التفسير وعلم الاجتماع: فقد ذكر (¬1) بيان علم أحوال البشر مما لا يتم التفسير إلا به، وأنه لا بد للناظر في الكتاب من النظر في أحوال البشر في أطوارهم وأدوارهم، ومناشئ اختلاف أحوالهم من قوة وضعف، وعز وذل، وعلم وجهل، وإيمان وكفر" .. وهذا هو ما جعلنا نفهم من قوله أنَّه يريد علم الاجتماع؛ وإن لم يسمه .. ولكنه عقب على ذلك بقوله .. "ومن العلم بأحوال العالم الكبير، علويه وسفليه، ويحتاج في هذا إلى فنون كثيرة، من أهمها التاريخ بأنواعه". وعلى كل حال فنحن إنما أعنينا بما يقوم به الفهم الأدبى للقرآن، وهو الفهم الَّذي يتقدم كل استفاده منه .. ثم تتلوه بعد ذلك المطالب الأخرى من هداية الخلق، أو إصلاح حالهم أو التشريع لهم .. فكل هذا يجب أن يقوم على أساس وطيد من الدرس الأدبى الَّذي أسلفنا وصفه العام، فيتصل بالخبرة النفسية كما ذكرنا، وقد تتصل المطالب الأخرى بعد ذلك بعلم الاجتماع أو غيره. ... وبعد فقد وصفت الَّذي وصفته من منهج التفسير الأدبى ومطالبه الجليلة، وأنا ذاكر مالا أنساه أبدًا كلما شرحت المنهج الدقيق لدراسة أدبية أو غيرها، فأقول للمستكثرين: مهما يكن لهذه المطالب من أثر يثقل خطانا ويؤخر أثمار دراستنا، ويشعرنا بالنقص، ويعود علينا باللائمة فإن هذه هي الحقيقة، وهذا هو الواجب، وأولى لنا أن نؤثر تقرير هذه الحقيقة على أن نكذب على أنفسنا وعلى الأجيال. فنزعم الكفاية الكاملة والقدرة الموفورة. ولئن لم يكن لنا من الكمال إلا الشعور بالنقص فذلك أجمل بنا من التزيد الزائف .. وليس الَّذي نبغيه من هذا المنهج مستحيلًا ولا بعيد التحقق؛ فقد شعر أسلافنا بجملته، وقاموا ببعضه للقرآن، ثم قام المحدثون به كله لكتبهم الأدبية والدينية، ولن نكون نحن بين هؤلاء وأولئك الضائعين العاجزين! ! وأخيرًا ... هذا المقال - في أكثره - إنجاز مركز، وإجمال لامح، يغرى ذوي الشأن في التفسير بآفاق فسيحة من الدرس والبحث. وما على إذا لم يجد كل قارئ فيه حاجته" .. ليس هنا مجال الاستيفاء. أمين الخولى ¬

_ (¬1) مقدمة تفسير الفاتحة ص 16.

التفضيل

المصادر: [بعد ما أشير إليه في الهوامش] أمين الخولى: 1 - مدخل لدرس التفسير؛ وبيان المنهج الجامعى فيه - دراسات في كلية الآداب - خط. 2 - دراسات لبعض موضوعات القرآن كقصصه، وأمثاله، وتشبيهه ... إلخ، في كلية الآداب - خط. 3 - أخلاق القرآن - ومن هدى القرآن ... بضعة وخمسون حديثًا، في لون من التفسير النفسى والاجتماعى، مستمد من الحس اللغوي، والجو الأدبى للقرآن أولًا ... طبعت منه مجلة الراديو المصري بضع عشرة قطعة في خلال 1941 - 1942. التفضيل " التفضيل": مصدر الفعل المضعف "فَضّل" ومعناه لغة الميز أو الزيادة أو التبقى. واسم التفضيل في النحو هو "اشتراك شيئين في صفة وزيادة أحدهما على الآخر فيها" ويعرف أيضًا، "أفعل التفضيل" لأن القياس جرى على أن يكون على وزن أفعل. المصادر: (1) المعاجم العربية المعتمدة. (2) A Grammar: Wright - de Geoje of the Arbic Language كمبردج سنة 1896 - 1898 ج 1، ص 140 - 141. (3) de Sacy Cf: Grnmmnire Arabe باريس سنة 1831. [هيك J.W. Haig] التقليد " التقليد": لغة "جعل شيء في العنق أو في المنكبين"، وله في الاصطلاح ثلاثة معان: 1 - التقليد عادة نشأت بين العرب أيام جاهليتهم وبقيت في شعائر الإسلام القديمة وفي الفقه، وهي جعل أشياء بعينها في رقاب الهدى التي يضحى بها في حرم مكة (تسمى قلادة

والجمع قلائد). وذكر القرآن (سورة المائدة، الآية 2، 97) القلائد والهدى من بين مناسك الحج التي شرعها الله. والغرض من التقليد والإشعار تمييز الحيوان الَّذي يضحى به في الحرم وإكسابه ضربًا من الإحرام يظن أنَّه شبيه بإحرام الحجيج. وقريب من هذه الشعيرة، وإن لم يكن عينها، ما جرى عليه الحجاج من التقلد هم وخيلهم بلحاء بعض أشجار الحرم في رجوعهم من الحج، ويسمى هذا اللحاء أيضًا قلادة (¬1) وثمت رواية شاذة عنها تذهب مذهبًا ينافى العقل فتقول إن التقليد يكون من وقت الخروج إلى الحج وتجعل الشَعْر قلادة وقت الرجوع منه (¬2) وما زالت هذه العادة باقية في شعائر الإسلام، ولكن الفقهاء درجوا على معارضتها وإغفالها. وقلادة الهدى على النقيض من ذلك، فهي نعل الحاج أو نعلاه أو قطعة من الأدم إذا أعوزه النعل. وتشترك البَدنَة وعليها الشعار في أهم مناسك الحج، فتقيم مع الحاج في عرفة ثم تذبح في منى. وقد ورد ذلك تفصيلا في حديث عن النبي [- صلى الله عليه وسلم -] ولا يبعد أن يكون محمد [- صلى الله عليه وسلم -] فعل ذلك (¬3)، على أن هذا الحديث والأحاديث التي سنذكرها ليست في الأكثر سوى شواهد على شعائر الإسلام في أول عهده. وفي صدر الإسلام اختلف المسلمون في شأن الرجل يبعث بهدية مقلد، إلى مكة ويقعد هو عن الحج، ولعل ذلك من شعائر الإسلام خاصة، وكان العرب يجهلونه أيام وثنيتهم. وهناك أحاديث غلب عليها الاحتجاج بسنّة النبي [- صلى الله عليه وسلم -] تفرض على من يبعث بهديه الإحرام من وقت أن يقلده أو يوصى بتقليدها إلى أن تذبح. وهناك طائفة أخرى أكثر من هذه تذهب إلى أن ¬

_ (¬1) هذا الذي حكاه كاتب المادة لا نعرفه، ولم نجد نقلًا عن أحد من العلماء فيه. بل لا نعلم أن أحدًا من المسلمين يعمله فلا ندرى من أين جاء به؟ ! (¬2) وهذه الرواية التي سماها شاذة لم نسمع بها أيضًا. (¬3) بل قد ثبت في الأحايث الصحاح أن النبي صلى الله عليه وسلم قلد هديه في حجة الوداع، وشك كاتب المادة في هذه الأحاديث لا يؤثر في صحتها، وأهل العلم بالحديث وعلماء الإسلام أعرف بالصحيح من الضعيف. أحمد محمد شاكر

النبي لم يحرم في هذه الحالة. وفي بعض أحاديث الطائفة الثانية ميل ظاهر إلى التناظر. ومن هنا اشتد الحديث (¬1) الَّذي أورده البخاري (كتاب الأضاحي، باب 15) في إنكار هذا الإحرام، وهو حديث ظاهر الهوى) (¬2). وجلى أن ورود هذه الشعيرة في نص الحديث يثبت وجودها. ثم إن هناك حديثًا توسط بين الأمرين فترك الخيار في الإحرام لمن يبعث بهديه (النسائي: كتاب الحج، باب 70) ولما اكتمل الفقه ضاق بهذا الإحرام وأهمله (اكتفى الشافعي بإنكاره في كتاب الأم، ج 2، ص 183، ولم يقم بأمر تفنيده) ولا شك في أن المسلمين نبذوه من عهد قريب. وإذا خلينا عبد الله بن عباس - وهو إمام القائلين بهذا الإحرام بيان لم يدعم ذلك سند تاريخي - وعمر وعليًا وقد ذكرا في هذا المقام خطأ، وعبد الله بن عمر الَّذي استشهد به في تأييد الرأى المناهض، فإن القول بالإحرام في هذه الحال لم ينسب إلا لقيس بن سعد بن عبادة وإبراهيم النخعي وعطاء ومحمد ابن سيرين: أما الإشارات العارضة إلى غيرهم فلا يعول عليها كثيرًا (¬3) ¬

_ (¬1) نص الحديث عن البخاري: حدثنا أحمد بن محمد أخبرنا إسماعيل عن الشعبي عن مسروق أنَّه أتى عائشة فقال لها يا أم المؤمنين إن رجلا يبعث بالهدى إلى الكعبة ويجلس بالمصر فيوصى أن تقلد بدنته فلا يزال من ذلك اليوم محرمًا حتَّى يحل الناس. قال سمعت تصفيقها من وراء الحجاب فقالت لقد كنت أفتل قلائد هدى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيبعث هديه إلى الكعبة فما يحرم عليه مما حل للرجال من أهله حتَّى يرجع الناس. اللجنة (¬2) لا ندرى لماذا رضي كاتب المقال أن يحكم بوضع الحديث؛ وما دليله على ذلك، وهو حديث صحيح رواه البخاري ومسلم وغيرهما، وسترى أنَّه هو الَّذي أخذ به كل العلماه أو أكثرهم. أحمد محمد شاكر (¬3) خلاصة القول في هذا أن الرجل إذا قلد هديه وأرسله إلى مكة وهو باق في بلده، هل يصير بذلك محرمًا، فيمتنع عما يمتنع منه المحرم من اللباس والطيب والنساء وغير ذلك أو لا؟ فذهب ابن عباس إلى أنَّه يحرم عليه ما يحرم على المحرم حتَّى ينحر هدية. قال النووي: "وكذا مذهب ابن عمران صح عنه في هذه المسألة شيء". وذهب كافة العلماء إلى إنه لا يصير محرمًا بذلك، وإنما يصير محرمًا بنية الإحرام إذا نواه. وهذا هو الصحيح الَّذي تدل عليه الأحاديث. ويؤيده حديث النسائي الَّذي أشار إليه كاتب المادة: "عن جابر: أنهم كانوا إذا كانوا حاضرين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة بعث بالهدى فمن شاء أحرم ومن شاء ترك". وانظر المجموع للنووى شرح المهذب (8: 360 - 361) ونيل الأوطار للشوكانى (5: 193 - 195) وتفسير القرطبي (6: 39 - 42). أحمد محمد شاكر

وقد يسر سعيد بن المسيب الإحرام تيسيرًا كبيرًا وإن كان قد أبقى على ركن من أركانه، فمنع الجماع في ليلة الجمعة (¬1). ومن الشواهد الأخرى على الصلة الوثيقة بين الإحرام والتقليد ما روى عن سفيان الثوري وأحمد بن حنبل واسحق وغيرهم من أن الحاج إلى مكة يصبح محرمًا بالتقليد وحده، وما قيل من أن قيام الحاج بالتقليد يوجب عليه الإحرإم وهو رأى قريب من الرأى الأول. ويذهب أنس بن مالك إلى أن الحاج إلى مكة لا يستحب له على الأقل أن يفصل بين التقليد والإحرام. ويستحب في الفقه جعل القلادة (نعلان أو نعل واحد أو قطعة من الأدم) في أعناق الإبل والبقر. ويقول الشافعية والحنابلة وأبو ثور وداود إن ذلك مستحب أيضًا إذا كانت البدن أصغر من الإبل والبقر، ومن الأحناف والمالكية من لا يجيز ذلك، ويحرم هؤلاء تحريمًا باتًا اتخاذ الهدى من البدن الصغيرة. وإذا ما ذبحت البدنة غمست قلادتها في دمها. وانصرف الحجاج عن جلب الهدى من ديارهم وأقيمت لها سوق في منى فأهمل التقليد. ونختتم ذلك فنقول بأنه جاء في حديث أن تقليد الابل بالأوتار (تسمى أيضًا قلائد) يدفع عنها العين خصوصًا إذا تدلى منها ناقوس (¬2). ¬

_ (¬1) هذا نقل عجيب! ! ولا نظن عالما يقول به. أحمد محمد شاكر (¬2) نقل غريب عجيب أيضًا، ونخشى أن يكون تحريفًا، فإن كاتب المادة رأى حديثًا في الموطأ ليس في أبواب الحج بل في أواخر الكتاب في باب "ما جاء في نزع المعاليق والجرس من العين" (ج 3 ص 118 - طبعة الحلبى سنة 1343 هـ) وهو عن أبي بشير الأنصاري" أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أرسل للناس وهم في مقيلهم، يعني نزولهم للقيلولة في السفرة لا تبقين في رقبة بعير قلادة من وبر أو قلادة إلا وقطعت. قال يحيى: سمعت مالكًا يقول: أرى ذلك من العين". فهذا الحديث في النهي عن تقليد الإبل في السفر، ولا علاقة له بالهدى، وقد ظن مالك أن هذا التقليد كانوا يصنعونه من أجل العين. والنبي - صلى الله عليه وسلم - نهاهم عنه. فلا معنى لأن يأتي به الكاتب بشكل يوهم أن هذا العمل من شعائر الإسلام والنبي قد نهى عنه. ثم قد ورد النهي عن تعليق الأجراس في أعناق الدواب، كما في حديث عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر بالأجراس أن تقطع من أعناق الإبل يوم بدر وعن أنس نحو ذلك. رواهما ابن حبان في صحيحه. بل أن النهي عن اتخاذ الأجراس عام في أحاديث كثيرة. وانظر الترغيب والترهيب للمنذرى (ج 4، ص 68 - 68 المطبعة المنيرية) وهناك حديث آخر في شان الخيل رواه أحمد بن حنبل في مسنده (ج 3 ص 352): "عن جابر قال" قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ الخيل معقود في نواصيها الخير والنيل إلى يوم القيامة، وأهلها معانون عليها، فامسحوابنواصيها وادعوا لها بالبركة، وقلدوها ولا تقلدوا الأوتاره وفسره ابن الأثير في النهاية بمعان، أجودها: "أراد بالأوتار جمع وتر القوس، أي لا تجعلوا في أعناقها الأوتار فتختنق لأن الخيل ربما رعت الاشجار فنشبت الأوتار ببعض شعبها فخنقتها. وقيل إنما نهاهم عنها لأنهم كانوا يعتقدون أن تقليد الخيل بالأوتار بدفع عنها العين والأذى. فتكون كالعوزة لها، فنهاهم وأعلمهم أنها لا تدفع ضررا ولا تصرف حذرا". أحمد محمد شاكر

المصادر: (1) Arab - Engl, Lexicon: Lane، مادة قلد. (2) الأحاديث؛ Handbook: Wensinck مادة الأضاحي. (3) مالك بن أنس، الموطأ في طبعتيه. (4) الزرقانى: شرحه على الموطأ. (5) الطحاوي: شرح معاني الآثار، طبعة حجرية 1300 هـ، ج 1، ص 439. (6) كتب الفقه. (7) Gaudefroy - Demombynes: - Le. Pe d La Mekke , lerinage ص 279 - 285، وفيه دراسة وافية جدًّا للتقليد في الجاهلية والإسلام وإن كانت تختلف في بعض المسائل الصغيرة عما جاء في هذه المادة. 2 - التقليد التولية في منصب من مناصب الجيش ويكون بإلباس المقلد السيف. ومنه تقليد الولاة الأعمال، ويدخل في ذلك القضاء. المصادر: (1) Arab - Engl. Lexicon: Lane, مادة قلد. (2) of Tech-: Sprenger Dictionary , lnclica Terms (Bibliotheca , nical ص 3 - ثم إن التقليد قبول قول الغير في مسائل الدين بلا دليل. واتباع الإنسان غيره فيما يقول أو يفعل معتقد، للحقيقة فيه من غير نظر وتأمل في الدليل (والقول بأن الاستعمال الاصطلاحى مأخوذ من القلادة خطأ) والتقليد بهذا المعنى ضد الاجتهاد. وقد نشأ في الزمن الَّذي تكونت فيه المذاهب، وبعض الفضل في نشأة هذه المذاهب راجع على الأقل إلى اتباع أكابر الفقهاء خاصة. ويستعمل الشافعي (الرسالة، ص 8، س 18) (¬1) لفظ التقليد بمعنى ¬

_ (¬1) يشير إلى موضع الصفحة والسطر من رسالة الشافعي طبعة بولاق سنة 1321 وهما الفقرتان (135 - 136) من طبعة الحلبى بشرحنا سنة 1357 - 1938 (ص 42) وهو ينكر على بعض من يزعم أن في القرآن كلمات معربة نقلت من غير اللغة العربية وأن بعض الناس قلد من زعم هذا الزعم، ونص عبارته: "ووجد قائل هذا القول من قبل ذلك منه، تقليدًا له، وتركًا للمسألة له عن حجته، ومسألة غيره ممن خالفه. وبالتقليد أغفل من أغفل منهم، والله يغفر لنا ولهم". وقد علقنا على هذا في شرحنا هناك بما نصه: "الشافعي لا يرضى لأهل العلم أن يكونوا مقلدين، وكان رضي الله عنه حربًا على التقليد، وداعيًا إلى الاجتهاد والأخذ بالأدلة الصحيحة. وعن هذا قال تلميذه أبو إبراهيم المزنى، المتوفى سنة 264، في أول مختصره الَّذي أخذه من فقه الشافعي: اختصرت هذا الكتاب من علم محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله ومن معنى قوله، لأقربه على من أراده، مع اعلامية نهيته عن تقليده وتقليد غيره، لينظر فيه لدينه، ويحتاط فيه لنفسه. ج 1، ص 2 من هامش كتاب الأم". أحمد محمد شاكر

قريب جدًّا من معناه الاصطلاحى المتأخر، على أن الطحاوي ظل يتبع التقليد في نقد الأحاديث أو في استنباط أحكام الفقه منها. وإذا تحدد الرأى في المجتهد واكتمل الاعتقاد بتوقف الاجتهاد بالاطلاق منذ القرن الثالث، والاجتهاد بأنواعه الأخرى بعد ذلك بزمن يتفاوت طولا وقصرًا بالنسبة إلى كل نوع، التزم كافة العلماء والعامة بتقليد غيرهم من المتقدمين ويذهب جمهور أهل السنة إلى أن كل شخص ملزم كما كان منذ قرون بما قرره سلفه مسنده، ولا يحق لأحد بعد أن يعد نفسه أهلا لتقرير حكم برأيه في الفقه من غير أن يرجع إلى حكم من سبقه من المجتهدين. ويقال في الدفاع عن هذا الالتزام بالتقليد أن فقهاء القرون الأولى للإسلام هم وحدهم الذين رزقوا نظرًا ودراية تؤهلانهم لاستنباط أحكام الفقه من أصوله والقول برأى خاص بهم فيها وأن غيرهم من أهل القرون التالية يعجزون عن ذلك عجزًا كبيرًا، وليس هذا القول إلا منحى من مناحى في التاريخ الفلسفى للإسلام على مذهب أهل السنة. وقد كان للتقليد أثر في تعزيز الخلاف بين المذاهب، ولكنه لم يكن السبب في خمود الحافز إلى التوسع في الفقه في الأزمنة المتأخرة. وبينما يجمع الجمهور على أن العامى ملزم بالتقليد كالفقيه، إذ يلتزم الفقيه أحيانًا بتبين صحة اجتهاد المجتهد بدليله. وإذا تعدد المجتهدون، وهو الغالب، فللمقلد أن يقلد من يختار (مادام لم يخرج بطبيعة الحال على الإجماع، أي لا يختار اجتهادًا لم يقره الإجماع. ووجوب التقليد قائم أيضًا على الإجماع) وعن أحمد بن حنبل وابن شريح أنَّه يجب عليه النظر في الأرجح فيها واتباعه (والواقع أن هذا الخلاف محصور في الاصطلاح) وللمقلد من الوجهة النظرية أن يختار اجتهادًا جديدًا كلما عرضت له مسألة من المسائل، ولكن المتبع أن

يلتزم مذهبًا من المذاهب الأربعة المقررة (¬1). وثمت طائفة لا بأس بها من المسائل يرجع فيها من مذهب إلى آخر (Vorlesungen ueber den Islam: Goldziher, ص 25؛ الطبعة الثانية، ص 48 - 50) واختلفت الآراء في شأن هذا الرجوع وفي جوازه من الناحية النظرية Handleiding: Juynboll) الطبعة الثالثة، ص 22). وكثيرًا ما يحدث أن تعرض مسألة ويتبع فيها أحكام مذهب آخر أصلح من غيرها من الأحكام. وتشير كتب الفقه نفسها أحيانا بجواز التقليد في هذه الحالة ولكن يشترط أن تنظر المسألة إلى غايتها طبقًا لأحكام المذهب الملتزم. كل هذا جائز في التقليد في مسائل الفقه. أما في العقليات كمسائل الأصول فإن لدنيا رأيًا ثالثًا إلى جانب الرأيين القائلين بوجوبه وجوازه، وهذا الرأى لا يجيزه لأن هذه المسائل تقتضي العلم، ولا يحصل العلم بالتقليد وحده. وكان الأشاعرة هم الذين أذاعوا هذا الرأى المعتزلى في ¬

_ (¬1) ليس هناك أي دليل على وجوب اتباع مذهب من المذاهب الأربعة. وإنما هذه كلمة شاعت عند العوام في عصور ضعف فيها العلم، واشتدت العصبية بين العلماء لمذاهب الأئمة الذين تبعوهم، وقد كانت هناك أيام العصبية مذاهب أخرى يتعصب لها أتباعها، كمذهب داود الظاهرى ومذهب ابن جرير الطبري - صاحب التفسير - ومذهب الأوزاعي وغيرهم. ثم ضعف العلماء فقلدوا العوام والجهال في العصبية للمذاهب الأربعة، ومن عجب أن يقلد العالم الجاهل. وأما الأئمة رضي الله عنهم فما كان أحد منهم ليرضى أن يقلده أحد، بل كانوا يعلمون العلم ويظهرون الناس على أدلتها ويجادلهم تلاميذهم وأتباعهم، ويوافقونهم ويخالفونهم. ولم يجعل الله قول أحد من العلماء حجة على الناس. بل الحجة في الأدلة الصحيحة من الكتاب والسنة والاستنباط منهما، وكل أحد يؤخذ من قوله ويرد إلا رسول الله [- صلى الله عليه وسلم -]، ولا يكلف الله نفسًا إلا وسعها، فما علمه العالم من الدليل واقتنع به وجب عليه اتباعه، وحرم عليه أن يخالفه لقول أحد كائنًا من كان، في كل عصر وحين. وإنما أوهم الناس في هذا الشأن أن ظنوا أن معنى "الاجتهاد" أن يكون العالم المجتهد إمامًا في كل علم وفي كل مسألة، وأن يضع للناس مذهبًا يتبعونه ويلزمون به، ولم يقل هذا أحد. والاجتهاد بلوغ الجهد في المسألة. فرب عالم متوسط درس مسألة واحدة وأتقنها وعرف وجه الحق فيها، ووصل إلى ما لم يصل إليه أعلم منه، وهذا أمر بديهى مشاهد في كل العلوم والمسائل. نعم قد يخطئ العالم ولكن الله لم يكفه إلا أن يعمل بما علم وبما وصل إليه اجتهاده. وهذا بالضرورة في المسائل النظرية الخلافية، وأما المسائل المعروفة من الدين معرفة قطعية، وهي الأشياء المتواترة تواترًا علميًّا أو عمليًّا، فليست محل اجتهاد ولا خلاف. ولا يسمى الأخذ بها مقلدًا، لأنها قطعية يقينية. وأكثر العلماء المتقدمين من أئمة الفقه والحديث إنما كان هذا شأنهم، درسوا المسائل وعرفوا أدلتها وعرفوا أقوال الأئمة ورضوا منها ما اطمأنت له قلوبهم وأخذوا به، فظنهم الجاهلون مقلدين، وإنما هم مجتهدون وافق اجتهادهم اجتهاد غيرهم. وممن أفاض القول في وجوب الاجتهاد على العلماء ومنع التقليد العلامة ابن القيم في (اعلام الموقعين) فليرجع إليه من شاء يقتنع والحمد لله. أحمد محمد شاكر

الإسلام (Vorlesungen: Goldziher ص 123، 136، تعليق الطبعة الثانية، ص 121 وما بعدها، 327 , تعليق 72). ولم يتقرر التقليد الفقهى عند أهل السنة من غير معارضة. وحتى الأجيال المتأخرة كان فيها علماء يرون ألا يخلو وقت من مجتهد مثل ابن دقيق العيد المتوفى عام 702 هـ (1302 م) أو السيوطي المتوفى عام 911 هـ (1505 م) وبعضهم يزعم لنفسه الاجتهاد المطلق مثل الجويني المتوفى عام 478 هـ (1085 م) والسيوطى، وبلغ الأمر ببعضهم أن قالوا بوجوب الاجتهاد على الفقهاء المتأخرين وذموا التقليد مثل داود بن علي وابن حزم وغيرهما من ثقات الظاهرية، وبعض الحنابلة مثل ابن تيمية وابن قيم الجوزية اللذين كانا من متشددى أهل السنة. وينكر الوهابية، وأولهم إمامهم ابن عبد الوهاب، التقليد، وترد آراؤهم إلى الحنابلة (انظر مؤلفات الحنابلة ورسائلهم التي يدعون فيها إلى مذهبهم المطبوعة في مطبعة المنار بالقاهرة، وانظر أيضًا رسالة الشوكانى "القول المفيد في أدلة الاجتهاد والتقليد") وكما أنكر الحنابلة التقليد أنكره أشد معارضيهم وهم المجددون في الإسلام. والحق إن الحنابلة هم الذين مهدوا الطريق لهم. وقد التمس أولئك المجددون اجتهادًا جديدًا عملوا به، وهو يفوق كثيرًا أسمح اجتهاد بلغه تقدم الفقه في العهد الأول بالنظر إلى تحرره من القيود (انظر: Die Krisis des Islam Hartmann, وما كتبه المجددون على اختلافهم، وقد ذكرنا أهم آرائهم) ورفض الإباضية التقليد لأسباب تشبه أسباب الحنابلة الوهابية ثم إن الشيعة أنكروا مذهب التقليد السنى. ويقول الإثنا عشرية بوجود مجتهدين في غيبة الإمام المستتر يقومون بهداية المؤمنين، وهم لا يجوزون تقليد الميت لأن لهؤلاء المجتهدين في كل وقت أئمة أحياء يأتمون بهم في مسائل الدين. المصادر: غير ما ذكرنا في صلب المادة. (1) Arab Engl. Lexicon: Lane مادة قلد. (2) Dixtionary of the: Sprenger Technical Terms. المكتبة الهندية، ص 1178، ولا يعتمد عليه كل الاعتماد وانظر عن المصطلح. (1) كتب الأصول. (2) Handleiding: Juynboll الطبعة الثالثة، ص 33 وما بعدها، تعليق 13. (3) Snouck - Hurgronje Verspreide: Geschriften, ج 2. [شاخت J. Schacht]

التقية

التقية " التقية": لغة الحذر والخوف (انظر حواشى الطبري، مادة "تقية") أو الكتمان. واصطلاحًا: ترك فرائض الدين في حالة الإكراه أو التهديد بالإيذاء (¬1). وفي مسائل العقائد لم يتقرر حكم عام في هذه المسألة، وحتى الفرق لم تقطع فيها برأى. أما المسائل الصغرى التي فصلت تفصيلًا فهي: هل التقية رخصة أو فرض، وهل هي جائزة لمصلحة الفرد أولمصلحة الجماعة. ولم ينكر غلاة الخوارج أنفسهم التقية، وإن كان الازارقة قد غلب عليهم الاستشهاد في موضوع صلاة الخوف، وهي مسألة قريبة من التقية، بالرجل يحرم عليه أن يقطع صلاته حتَّى ولو سرق سارق فرسه أو ماله أثناء تأديته لها. وقد بذل القدماء النصيحة فقالوا: "قد وسع الله على المؤمنين بالتقية فاستتر" (¬2). وجرى الإباضية على شريعة أن التقية ستر للمؤمن وأن من لا تقية له لا دين له (¬3) (جميل بن خميس: قاموس الشريعة ج 13، ص 127 وما بعدها). ¬

_ (¬1) هذا الاصطلاح ليس كما يوهم ظاهر السياق، فإنه ليس اصطلاحًا عند علماء اهل السنة واتباعهم، لذلك لم تذكر الكلمة في الكتب المصنفة للاصطلاحات العلمية. وإنما هو اصطلاح عند علماء الشيعة ومن والأهم. اللجنة (¬2) لم يشر كاتب إلي المصدرالذي نقل عنه هذه العبارة، وقد بحثنا عنها في مظانها فلم نهتد إليها. اللجنة (¬3) نص العبارة التي ترجمها كاتب المقال عن جميل ابن خميس هو: La takiya est une couverture pour le croyant celui-la qui n'a pas de takiya n'a pas . de religion وقد بحثنا عن هذا الكتاب في دور الكتب فلم نجد منه إلا العشرة الأجزاء الأولى فقط في دار الكتب المصرية. وهذا النص كما يقول كاتب المادة في الجزه الثالث عشر. ورجعنا إلى العلماء المختصين فلم نجده عندهم. وقد رجعنا إلى فضيلة الشيخ إبراهيم أطفيش العالم الأباضي في هذا الشأن فقال "إن التقية جائزة عند الأباضية إجماعًا ودعوى أن من لا تقية له لا دين له من تصوير الكاتب، وجوازها فيما إذا كانت تنجية النفس والمال من الهلاك بشرط أن لا تؤدى إلى أضرار الغير في نفسه أو ماله فإن فعل ما يؤدى إلى ذلك وجب عليه الضمان من قود وعوض اتفاقًا. والإجماع على جوازها بالقول ولو شركًا باللفظ لا بالقلب. أما التقية بما اباحه الله من الميتة والدم ولحم الخنزير فجائزة أيضًا عند الجمهور، ومنعه بعض، لأن الآية خصصته بالمخمصة وليس بشيء عند المحققين لأن المخمصة من قبيل الوصف الغالب ولا تجوز التقية بما يجب فيه الحد، فإن فعل فرجح درء الحد للشبهة (راجع شرح مشارق الأنوار للسالمى) والكتمان حال المسلمين عند العجز عن إظهار حدود الدين والقيام به وهو مقابل الظهور، وهو حال المسلمين زمن الخلفاء الراشدين ومن جرى من ملوك الإسلام على نهجهم في العدل وحماية الإسلام، فأنت ترى من هذه الخلاصة أن التقية لا تعدو أن تكون عند الأباضية جائزة كما هي عند أهل السنة، وتعبير الكاتب في صلب الكتاب من قبيل التحريف للكلام على هوى يحمل في طياته ما يحمله. هذا خلاصة الموضوع". اللجنة

ولم يكن للتقية هذا الشأن الخطير عند أئمة أهل السنة. على أن الطبري روى في تفسير الآية 106 من سورة النحل (التفسير، بولاق سنة 1323. وما بعدها؛ ج 4، ص 122) أن "من أكره [على الكفر] فتكلم به لسانه وخالفه قلبه بالإيمان لينجو من عدوه فلا حرج عليه لأن الله سبحانه انما يأخذ العباد بما عقدت عليه قلوبهم". والإجماع أن هذه الآية نزلت في عمار بن ياسر. وتقصّى مسألة الهجرة في هذا المقام أدخل في باب النظر. ففي بعض الأحوال - كحالة الخوف من القتل - يجوز للمسلم الهجرة إذا وقع في محل لا يستطيع فيه إظهار دينه، "فإن أرض الله واسعة". أما النساء والصبيان والمرضى ومن حقت عليه رعايتهم فإنه يجوز لهم الموافقة، ولا تقبل التقية أو الهجرة من غير هؤلاء إذا كانت المشقة التي تلحقهم محتملة، كالحبس الموقوت والضرب الَّذي لا يفضى إلى الهلاك. على أن النزوع إلى القول بأن التقية ليست في الأكثر إلا شيئًا جائزًا وأنها ليست واجبة في جميع الأحوال -كما يذهب بعض اهل السنة استنادًا إلى الآية 191 من سورة البقرة - قد أدى إلى وضع أحاديث في التحذير منها مثل "رأس الفعل المداراة". (¬1) وسيقت قصة الرجلين اللذين أخذهما مسيلمة لاثبات فضل الاستشهاد على الصدق، فقد أكره أحدهما فأنكر أن محمدًا ¬

_ (¬1) يظهر أن كاتب نقل هذا الحديث من كتاب مختصر ترجمة التحفة الاثنى عشرية للسيد محمود شكرى الآلوسى، ص 189 فقد جاء فيه "وروى ابن أبي الدنيا رأس الفعل بعد الإيمان بالله تعالى مداراة الناس؛ وفي رواية البيهقي رأس الفعل المداراة". اللجنة لا يفهم أن هذا اللفظ تحذير من التقية ولا حض عليها. ثم ما الَّذي يحفزهم على التزام ادعاه وضع الأحايث عند كل مناسبة. والذي ورد في هذا حديث "رأس العقل بعد الإيمان بالله التودد إلى الناس" وهو حديث في صحته خلاف. انظره ش كشف الخفاء ج 1، ص 421 - 422 حديث، مدراة الناس صدقة" وهو حديث رواه الطبراني وأبو نعيم وابن السنى وابن حبان عن جابر وصححه ابن حبان. وانظر كشف الخفاء ج 2، ص 200 والجامع الصغير طبعة التجارية سنة 1352 رقم 4368 و 8170 وروضة العقلاء لابن حيان، ص 55 وفتح الباري للحافظ ابن حجر، ج 10، ص 437. وليس في هذين الحديثين ما يدل على وجوب التقية أو التحذير منها، بل هما أمر بحسن معاملة الناس وتعليم في مكارم الأخلاق، لا يمنعان قائلًا أن يقول الحق في مواطن الصدق. أحمد محمد شاكر

رسول الله وقتل الآخر دون ذلك. وزعموا أن النبي [- صلى الله عليه وسلم -] قال: "أما هذا المقتول فقد مضى على صدقه ويقينه وأخذ بفضله فهنيئًا له، وأما الآخر فقد رخصه الله تعالى فلا تبعة عليه". وللتقية شأن خاص عند الشيعة، وهي في الحقيقة صفتهم المميزة، إلا أن هذا القول لا يطابق الواقع دائمًا كما يستفاد من ردود نصير الدين الطوسى في "تلخيص المحصل" على الرازي (راجع ذيل كتاب الرازي "محصل أفكار المتقدمين والمتأخرين" القاهرة سنة 1323 هـ، ص 182, تعليق 1). وقد كتب على الشيعة خاصة أن يكونوا فئة قليلة مضطهدة تجاهر مضطهديها بالعداء أحيانا فلا تخلو فعالها من بطولة، وآتاها هذا المصير ما لم يوات الخوارج من الأسباب والأمثلة على الغلو في التقية حينا والاشتداد في إنكارها حينًا آخر، وحتى الاسماعيلية - الذين لا يشق لهم غبار في اخفاء عقائدهم - قد تحدوا أئمتهم فقالوا: "ليس إماما من قعد عن السعي إلى حقه وتحت إمرته أربعون رجلًا" (¬1). أما الزيدية فيقولون إنه لا يحل الإمام من التقية إلا إذا كان أعوانه في مكل عدد أهل بدر. وقد نقل أهل السنة من كتب الشيعة أنفسهم أقوالًا آخذهم عليها جمهور السنيين وجادلوهم فيها، ذلك أنهم ذكروا في هذه الكتب أنَّه لا تحل لهم التقية بوصفهم أنصار الشهداء المجاهدين، في حين أن الاثنى عشرية خاصة يظهرون الأئمة بمظهر القادة: يضربون الأمثلة للناس فيدفعونهم إلى الإقدام، ويتمثلون في الوقت نفسه بموقف على من الخلفاء الثلاثة الذين سبقوه وبغيبة المهدي، ويزعمون أن ذلك هو التقية المثلى. والإيمان يكون بالقلب واللسان واليد. وهم يقلبون هذه المسألة على وجوهها ويفصلونها تفصيلًا تتجلى فيه القدرة الفائقة على الجدل، فيزنون المكاره التي تصيب المؤمنين والبلاء الَّذي يتوقعونه، ومتى يجوز لهم فعل ما يرضى عنه الله وترك ما يغضبه. والإيمان بالقلب واجب مطلق. فلو غلب على ظن المؤمن أو أيقن بتوجه الضرر إليه أو إلى ماله أو إلى أحد من المسلمين سقط وجوب الإنكار باليد أو باللسان. ¬

_ (¬1) لم يشر كاتب المادة إلى المصدر الذي استقي منه هذه العبارة "وقد بحثنا عنها في مظانها التي بين أيدينا فلم نهتد إليها.

والاستتار سمة مألوفة في سير الشيعة، وقد خبرنا أيضًا أن الإمام يخالف الشرع فيشرب الخمر مثلًا إذا أُكره عليه، وهم لا يجوزون له ذلك في جميع الأحوال. على أن الشيعة يؤمنون برسالة محمد [صلى الله عليه وسلم]، ويقولون كما يقول اهل السنة بأن النبي لا يصطنع التقية في أمر رسالته، لأنه لو فعل هذا لارتاب المؤمنون في كلام الله. وقد استتبع هذين المثلين المتقابلين هي الإمامة أننا وجدنا في السنن الأخلاقية للعامة من أتقياء الشيعة قول على: "علامة الإيمان إيثارك الصدق حيث يضرك على الكذب حيث ينفعك" جنبًا إلى جنب مع تفسير الآية 13 من سورة الحجرات 5 "إن أكرمكم عند الله أتقاكم" بأكثركم تقية. ويقول الشيعة أيضًا: "الكتمان جهادنا" ولكن ينبغي ألا يغيب عن الذهن عند قراءة أبواب الجهاد أنه جهاد أصحاب المذاهب الأخرى من المسلمين أولًا وقبل كل شيء. وكذلك لا يفوتنا أن تقية الشيعة ليست غاية يقصد إليها المرء مختارًا (الخوانساري: روضات الجنات، طهران سنة 1306 هـ، ج 4، ص 66 وما بعدها) وإنما يجب عليه تجنب الاستشهاد الَّذي لا داعى له ولا منفعة فيه، وأن يبقى على حياته لخير العقيدة ومصلحة المسلمين. ثم أن التقية تقوم على النية، ومن ثم نجدهم دائمًا يشيرون إلى النية في هذا المقام. والشهادة بوصفها من الفرائض لا تقوم بصحة الجهر بها، وإنما تقوم بالنية ومن هنا لا يحاسب المسلم إلا على نيته إذا أكره على الكفر بلسانه أو التعبد مع الكفار. ولا يمكن أن تمس التقية إلا حق الله. فهو يعاقب المكرِه ولا ينزل بالمكرَه إلا عقابًا رحيمًا في بعض الأحوال. على أن الحيل التي تصطنع في هذا المقام وبخاصة في الأيمان المعلقة يهيئ للمرء أسباب الإضرار بالناس. ويكتنف التقية شرور خلقية لا يستهان بها، على أننا نجد للتقية نظائر في الأديان الأخرى وعند الصوفية أنفسهم. أما المسألة الخلقية وهي: هل هذا الإكراه على الكذب يعد

أم ذلك كذبا، وهذا الإكراه على إنكار العقيدة إنكارًا فلا تعرض للمستتر قط، لأنه ليس في حالة اطمئنان يفسدها الكذب أو الإنكار. المصادر: (1) Zeitschr. Deutsch. Morg .. : Goldziher . Gesells، ج 60، سنة 1906، ص 213 - 226، وقد أشار الكاتب إلى مراجع أخرى. عند أهل السنة: (1) البخاري: كتاب الإكراه (2) القدوري: مختصر، كاسان سنة 1880، ص 162. (3) النووي: منهاج الطالبين، طبعة فإن دن برج، باتافيا سنة 1882 - 1884 - ، ج 2، ص 433. عند الخوارج: (1) البسيوى: مختصر، زنجبار سنة 11304 هـ، ص 123. (2) جميل بن خميس: قاموس الشريعة، زنجبار سنة 1297 - 1304 هـ، ج 13، ص 127، وما بعدها، ص 157. عند الزيدية: (1) انظر فهرس المخطوطات ببرلين رقم 9665، ورقة 135، ورقم 4878، وررقة 96 ب. (2) komst oan: C. Van Arendonk in Yemen het Zaidietische Imamaat ليدن سنة 1919, الفهرس (3) Das Staatsrecht: R. Strothmann der Zaaidit، ستراسبورغ سنة 1912، ص 90 وما بعدها. عند الإمامية: (1) جعفر بن حسين الحلِّى: شرائع الإسلام، سانت بطرسبرغ سنة 1862، ص 149 وما بعدها. (2) ابن المطهر العلامة الحلِّى: مختلف الشيعة، طهران سنة 1323 هـ وما بعدها، ج 2، ص 158 وما بعدها (3) IsL .. Horovitz ج 3، ص 63 - 67. عند الدروز: (1) مخطوط ببرلين رقم 814 /. M. g (لم يرد في فهرس آلورت Ahlwardt) ورقة 11 ب

تعليق على مادة "التقية"

(2) ابن حزم: الفصل في الملل والنحل، القاهرة سنة 1317 هـ ج 3، ص 112 وما بعدها ج 4، ص 6 (3) الشعرانى: ميزان الاعتدال Bal- Musulmane ance de la loi - طبعة Perron الجزائر سنة 1898، ص 456 وما بعدها. وقد ألم بالتقيه إلمامًا حديثًا محمود شكرى الآلوسى: مختصر التحفة الأثنى عشرية، بغداد سنة 1301 هـ, ص 188. [شتروتمان R. Strothmann] تعليق على مادة "التقية" قال الله تعالى في الآية 28 من سورة آل عمران: {لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيءٍ إلا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ}. فهذه الكلمة "تقية" رسمت هكذا في المصحف، فقرأها ثلاثة عشر من القراء الأربعة عشر "تُقَاةً" بضم التاء وفتح القاف وبعدها ألف، وقرأها ابن عباس ومجاهد وأبو رجاء وقتادة والضحاك وأبو حيوة وسهل وحميد بن قيس والمفضل عن عاصم ويعقوب أحد القراء الأربعة عشر "تَقِيَّة" بفتح التاء وكسر القاف وتشديد الياء المفتوحة. وكلاهما مصدر فعل "اتَّقَى". فتقاة أصلها "وُقَيَة" أبدلت الواو تاء كما أبدلوها في تُجاه وتُكاة، وانقلبت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، وهو مصدر على "فُعلة"، كالتُؤدة والتخمة، والمصدر على "فُعَل"، "وفعلة" جاء قليلًا. و"تقية" مصدر على وزن "فعيلة"، وهو قليل، نحو النميمة، وكونه من "افتعل" نادر. هذا تصريف الكلمة على القراءتين، كما قرره أبو حيان في تفسير البحر المحيط ج 2 ص 424. فهذه الآية والآية الأخرى {إلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌ بِالْإِيمَانِ} هما اللتان اتخذ منهما القائلون بالتقية أصل قولهم، ثم غلا أتباعهم في معناهما حتَّى أخرجوهما أو كادوا يخرجونهما عن أصل معناهما، وقد بين أئمة العلماء المراد في هذا المعنى، فقال أصحاب أبي حنيفة: التقية رخصة من الله تعالى، وتركها أفضل، فلو أكره على الكفر فلم

يفعل حتَّى قلو فهو أفضل ممن أظهر، وكذلك كل أمر فيه إعزاز للدين، فالإقدام عليه حتَّى يقتل أفضل من الأخذ بالرخصة. وقال أحمد بن حنبل وقد قيل له: أن عرضت على السيف تجيب؟ قال: لا، وقال: إذا أجاب العالم تقية والجاهل يجهل فمتى يتبين الحق؟ والذي نقل إلينا خلفًا عن سلف أن الصحابة وتابعيهم وتابعى تابعيهم بذلوا أنفسهم في ذات الله، وأنهم لا تأخذهم في الله لومة لائم، ولا سطوة جبار ظالم، وقال الرازي: إنما تجوز التقية فيما يتعلق بإظهار الحق والدين، وأما ما يرجع ضرره إلى الغير - كالقتل والزنا وغصب الأموال والشهادة بالزور وقذف المحصنات واطلاع الكفار على عورات المسلمين - فغير جائز البتة. فالظاهر من أقوال العلماء التي سقنا وغيرها مما امتلأت به الدواوين أن التقية إنما تجوز عند الضرورة القصوى للمستضعف الَّذي يخشى على نفسه الفتنة، أن يجيب مكرهيه إلى ظاهر اللفظ مضطرًا على أن يطمئن قلبه بالايمان والحق، ينظر في ذلك إلى حفظ حياته ومصلحة المسلمين، وعلى أن لا يكون ممن يقتدى به، فيخشى أن يخفى الحق على الجاهلين، وأن يضعف إيمانهم ويحجموا عن نصر حقهم، اقتداء بمن أجاب عند الإكراه تقية، وهم غافلون. وهذا هو الَّذي أضعف المسلمين في القرون الأخيرة: أن أحجم علماؤهم وزعماؤهم وقادتهم عن الضرب على أيدى الظالمين وعن كلمة الحق في مواطن الصدق، فتهافت الناس وضعفت قلوبهم، وملئوا رعبًا من عدوهم، فكانوا لاغناء لهم، وكانوا غثاء كغثاء السيل. ولم يكن كذلك سلفهم الصالح كانوا يتعرضون لصنوف البلاء، وأشد الإيذاء، في سبيل الله. ثم لا يجبنون ولاينكصون، وسيرة رسول الله وأصحابه، ثم تاريخ الإسلام أكبر شاهد لما نقول، أما ما نسب إلى الشيعة الإمامية، من الغلو في التقية، فما نظن كله صحيحًا، بل لعل اأثره مما عرى المسلمين من الضعف في القرون الأخيرة، وبعضه مما لقى متقدموهم من شدائد قد يضعف عن حملها بعضهم. ومن أقدم أقوال أئمتهم في ذلك قول الشريف الرضى، الإمام العالم الشاعر البليغ، (المتوفى سنة 406) في كتاب

التكبير

حقائق التأويل طبعة النجف سنة 1355، ج 5، ص 74 - 75. "وقال بعضهم: معنى ذلك أن يكون المؤمن بين الكفار وحيدًا، أو في حكم الوحيد، إذا كان قليل الناصر، غائب المظاهر، والكفار لهم الغلبة والكثرة والدار والحوزة، فمباح له أن يخالقهم بأحسن خلقه، حتَّى يجعل الله له منهم مخرجًا، ويتيح له فرجًا، ولا تكون التقية بأن يدخل معهم في انتهاك محرم، أو استحلال محرم: بل التقية بالقول والكلام، والقلب عاقد على خلاف ما يظهر اللسان". ثم قال: "وقد ذهب المحققون من العلماء إلى أن من أكره على الكفر فلم يفعل حتَّى قتل، أنَّه أفضل ممن أظهر الكفر بلسانه، وإن أضمر الإيمان بقلبه". فهذا وغيره يؤيد ما ذهبنا إليه من تبرئة الأئمة من الشيعة من عار هذه التهمة التي ألصقت بهم، وأن خطأ من أخطأ من علمائهم أو من عامتهم، لا يجيز أن ينسب إلى فرقهم وشيعتهم. أحمد محمد شاكر التكبير " التكبير": لغة مصدر الفعل المضعف من مادة ك. ب. ر. واصطلاحًا تلاوة صيغة الله أكبر. وقد استعمل التكبير بهذا المعنى في القرآن (انظر سورة المدثر، الآية 3؛ سورة الإسراء، الآية 111، مع لفظ الجلالة المخصص بالتكبير) ويرجع في شأن التفاسير المختلفة لصيغة التفضيل "أكبر" المستعملة في التكبير إلى لسان العرب (مادة كبر) وكذلك يرجع إليه في صيغة التفضيل لا أكرم كه الواردة في القرآن مع الله (سورة العلق، الآية 3) وفي صيغة أعلى (سورة الليل، الآية 20؛ سورة الأعلى، الآية الأولى). والتكبير أوجز العبارات في تعظيم الله الواحد، ويردده المسلمون في المناسبات التي تتجلى لهم فيها عظمته وبديع فعاله. ولما نزل الوحى على محمد (رسول الله صلى الله عليه وسلم) ونعى إليه النجاشي في بلاد الحبشة خرج إلى المصلى وصف من حوله صفوفًا وأخبرهم بموت النجاشي وكبَّر عليه أربعًا (البخاري كتاب

التكليف

الجنائز، باب 4، 55، 61) ويقال أيضًا إن النبي [صلى الله عليه وسلم] كبر في مناسبات أخرى أربعًا وخمسًا على جنازة (مسلم: كتاب الجنائز، الحديث 72) وظل التكبير أربعًا مرعيًا في صلاة الجنازة، أو قل إن هذا هو الَّذي درج المسلمون عليه (الشيرازى: كتاب التنبيه، طبعة A.W. T. Juynbol، ص 47 وما بعدها). ويستهل الأذان بالتكبير أربعًا. ويقال إن النبي كان يكبر كثيرًا في الحج، في بداية الطواف (مسند أحمد بن حنبل، ج 2 ص 144) وفي أثنائه (البخاري، كتاب الجهاد، الباب 132. 133، ولم يكن يجهر بصوته كثيرًا، المصدر السابق، الباب 131) وفي نهايته (ابن حنبل، ج 2، ص 5) وعند روية الكعبة (ابن حنبل، ج 3، ص 320 (وعند الحجرالأسود (ابن حنبل، ج 1، ص 264) وبين منى وعرفات (البخاري، كتاب الجهاد، الباب 86) وعلى الصفا والمروة (ابن حنبل 7 ج 3، ص 320) ... إلخ. ونص الشرع على التكبير في بداية الصلاة (وهي المسماة "تكبيرة الإحرام") ويكرر التكبير خمسًا في الصلاة (¬1). المصادر: (1) المعاجم في مادة كبر. (2) Handleiding M. W. Juynboll , ص 61، 65. (3) A. Handbook: A. J. Wensinck of Early Muhammadan Tradition في مادة كبر. [فنسنك A. J. Wensinck] التكليف " التكليف": إلزام فعل فيه مشقة وكلفة (انظر Suppl .. : Lane، ص 3002؛ لسان العرب، ج 11، ص وقد جاء فيها: أمره بما يشق عليه)، وورد الفعل من هذا المصدر بصيغ ¬

_ (¬1) التكبير أن يكبر الله فيقول "الله أكبر" ومواضع هذا الذكر في العبادات كثيرة، وهو ثناء على الله. فألفاظ الأذان معروفة محدودة ومنها التكبير. والتكبير في صلاة الجنازة معروف، والتكبير في الصلوات معروف أيضًا يبدأ به في الافتتاح ثم عند السجود وعند الرفع منه ثم عند السجود ثانية والرفع منه وهكذا في كثير من مواطن التكبير. أحمد محمد شاكر

مختلفة سبع مرات في القرآن (سورة البقرة، الآية 233، 286، سورة النساء، الآية 84، سورة الأنعام الآية 152؛ سورة الأعراف؛ الآية 42، سورة المؤمنون، 62؛ سورة الطلاق، الآية 7) 7) وكلها تشير إلى أن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها. والتكليف في الاصطلاح هو إيجاب الإيمان والعمل بما أمر الله، ولهذا عرّفه غالب الفقهاء بأنه إلزام ما فيه كلفة، وهو الواجب والحرام، وعند البعض: إيجاب اعتقاد كون الفعل حكمًا من الأحكام الشرعية، فعلى هذا المندوب والمكروه والمباح. والجدل قائم حول الشخص المكلف. والذي عليه الجماعة أن المكلف هو العاقل البالغ من الإنس (انظر Juynboll: Handhuch ص 69) وكذا من الجن بالنسبة للنبي محمد [صلى الله عليه وسلم] إذ هو مرسل إليهم إجماعًا. أما بقية الرسل فلم يرسل أحد منهم إليهم وكذا من الملائكة بالنسبة للنبي محمد لأنه مرسل إليهم وإن كان ذلك يقتصر على تكليفهم بالطاعات العملية لأن الإيمان ضروري فيهم. وعند البعض أن الطاعات العملية من طبيعة الملائكة، وعلى ذلك فإن النبي قد أرسل لهم لتشريفهم (انظر شرح البيجورى على كفاية الفضالى، طبعة القاهرة، سنة 1315 هـ، ص 13)، واخذ بعض الأئمة بعموم التكليف حتَّى للجمادات بأن ركب فيها عقل حتَّى آمنت به، وهنالك خلاف حول جواز تكليف العبد ما لا يطاق. ويؤكد الماتريدية، مستندين إلى ما جاء في القرآن، أن الله لا يكلف العبد بما ليس في وسعه (انظر العقائد النسفية، طبعة القاهرة سنة مع شرح التفتازانى، ص. 130) أما الإيجى، وهو من الأشاعرة، فيسلك هذه المسألة في كتابه "المواقف" (طبعة بولاق سنة 1266 هـ، ص 535 في الوسط، 537 في الوسط) مع المبدأ العام وهو أن إرادة الله وفعله لا يحدهما شيء، فالله لا يجب عليه شيء ولا يقبح منه شيء. والأمة قد اجمعت على أن الله لا يفعل القبيح ولا يترك الواجب. ويضيف الأيجى إلى ذلك أن الأشاعرة يقولون: لا قبيح من الله ولا واجب عليه، أما المعتزلة فيقولون: إن ما هو قبيح منه فيتركه وما يجب عليه

التلبية

يفعله. وانظر إلى جانب ما ذكرناه في صلب المادة المجادلات الكلامية الطويلة حول هذه المسائل في كتابى التفتازانى والإيجى. المصادر: انظر Dctionary of technical terms مادة تكليف، ص 1255. [مكدونالد D. B. Macdonald] التلبية " التلبية": مصدر الفعل المضعف لبَّى المصاغ من "لبيك" ومعناه النطق بعبارة لبيك ... وجعل لغويو العرب صلة بين "لبيك" و"لب" ومعناه الطاعة (¬1) لأن لبيك معناها "أنا مقيم على طاعتك" ولا شك أنهم أصابوا في ذلك. وقال نحويوهم: إن لبَّى ثُنَيت للتوكيد. ومن العسير معرفة مدلول الياء في هذه الصيغة والصيغ المشابهة لها مثل سعديك. وقد فسر دوزى) De: Dozy lsraeeliten le Mekka . هارلم سنة 1864 - ص 120) ذلك بالرجوع أبي اللغة العبرية، إلا أن رأيه هذا لا يؤخذ به الآن بصفة عامة. وتستعمل التلبية بصيغ شتى وفي مناسبات مختلفة. ويقال إن تلبية النبي [صلى الله عليه وسلم] هي "لبيك اللهم لبيك، لا شريك لك لبيك، أن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك" (البخاري كتاب الحج، باب 26)، على أن التلبية وردت بعبارات أقصر مثل "لبيك اللهم، لبيك وسعديك ... إلخ". والتلبية لله في الغالب، وتكون للنبي أيضًا في الحديث أو لأنصاره ويقتصر في هذه الحالة على لبيك (¬2) (البخاري: خصومات، باب 4؛ مسلم: الزكاة، حديث 32؛ الترمذي: صفة القيامة، باب 36) ويالبيك (مسلم: كتاب الجهاد، حديث 76). وأنطق بها أيضًا أهل التقى في الزمان الغابر مثل آدم ونوح. وفي حديث أورده مسلم (كتاب الحج، حديث 22) أن الكافر كان يستعملها في زمن ¬

_ (¬1) في لسان العرج "لب بالمكان لبا وألب: أقام به ولزمه. وألب على الأمر لزمه فلم يفارقه. وقولهم لبيك ولبيه منه أي لزومًا لطاعتك، وفي الكلمة تفصيل طويل فيه في مادتى "ل ب ب" و "ل ب ى". (¬2) ليس هذا من التلبية بالمعنى الاصطلاحى في الحج إنما هو اللفظ بمعناه اللغوي، ينادى الرجل الرجل فيقول له "لبيك" كما يقول له "نعم" أو "أجبتك" ونحو ذلك ولا تزال الكلمة مستعملة في الإجابة إلى عصرنا هذا على ألسنة كثير من الناس. أحمد محمد شاكر

التلمسانى

النبي بصيغة محرفة. وينطق بالتلبية عند الحج خاصة وفي مستهل الإحرام، وكان النبي وغيره يحرمون بالدعاء "لبيك بحجة وعمرة" (البخاري: كتاب الحج، باب 34) أو "لبيك بعمرة وحجة" (الترمذي: كتاب الحج، باب 11) أو بمجرد قولهم لبيك بالحج (البخاري: كتاب الحج، باب 35) ويقال إن عائشة كانت تستهل العمرة بقولها "لبيك بالعمرة (¬1) " أبو داود: المناسك، باب 23) وتردد التلبية في أثناء الحج إلى أن ترمى الجمرات أحمد بن حنبل، ج 1، ص 114) بصوت جهير (أحمد بن حنبل، ج 5، ص 192). ويرجع في شأن التلبية وهل هي سنة أو فرض إلى شرح النووي على مسلم (كتاب الحج، حديث 22). [فنسنك A.J. Wensinck] أحمد محمد شاكر التلمسانى " التلمسانى": نسبة كثير من علماء العرب، وإذا ذكرت هذه النسبة في كتب الأدب كان المعنى بها في الغالب ثلاثة: 1 - "عفيف الدين سليمان بن علي ابن عبد الله بن علي بن يس" وهو يرفع نسبة إلى بيت كوفي الأصل (يروى الذهبي، مخطوط بالمتحف البريطانى رقم 53 أنَّه كومى الأصل) ويقول إنه ولد في تلمسان (؟ ) عام 616 هـ (1219 م). وقدم إلى الشام مبكرًا وشغل أحيانًا بعض مناصبها، ولكنه كثيرًا مابقى من غير عمل. وقد زعم عفيف الدين أنَّه التمس الخلوة في آسية الصغرى (الروم) أربعين مرة، كل مرة أربعين يوما من غير انقطاع، وكان الذهبي محقًا في شكه في هذه الرواية لأن أيام خلوته تبلغ - قياسا على ذلك.- ستمائة وألف يوم. وأشرف التلمسانى زمنًا على جباية المكوس، فلما قدم الأسعد إلى دمشق في حاشية السلطان منصور قلاوون طلب إليه أن يقدم بيانًا بما في ذمته. وكرر الأسعد الطلب فلم يفز بطائل، فعنف عفيف الدين. وتميز عفيف الدين من الغيظ وهم بالاحتجاج ¬

_ (¬1) الفروق بين هذه الألفاظ مرجعها نية الملبى، فمن نوى الحج فقط أهل بالحج وقال "لبيك بحجة" مثلًا، ومن نوى العمرة وحدها أهل بها وقال "لبيك بعمرة" ومن نواهما معًا أهل بهما وقال "لبيك بحجة وعمرة" فاختلاف الألفاظ لاختلاف الحال التي يلبى فيها المحرم عند احرامه.

لدى السلطان على مخالفته الشريعة بتوليته قبطيًا أمر المسلمين، فطيب خاطره آخر الأمر. والغالب أنه لم يقدم البيان الَّذي طلب منه. ويقال إنه كان ورعًا رضي الأخلاق تبدو عليه سمات من وقار، ولكنه كان أبدًا موضع الريبة كما يقول الذهبي، لأن أحدًا لم يكن يعرف حقيقة آرائه، بل لقد أتهم بأنه من النصيرية والعجيب أن شعره كان بليغا سهلًا عذبًا، ولكنه كان يخفى السم كما يقول كتاب سيرته. وجمعت أشعاره في ديوان. ومن هذا الديوان نسخ بمكتبات المتحف البريطانى ومكتبة وزارة الهند وبودليانا بأوكسفورد وفي غيرها. والثابت أن ليس في هذا الديوان ما يدل دلالة صريحة على الزندقة، بيد أن أشعاره قد نسجت في كثير من الأحيان على منوال الأشعار الصوفية التي تخاطب محبوبًا متخيلًا. وقد أنس قطب الدين اليونينى بصحبته ونسب إليه أنَّه ادعى الوصول إلى مرتبة العرفان ويقال إنه أفصح عن ذلك وهو على فراش الموت بقوله: "من عرف الله كيف يخافه؟ والله منذ عرفته، ما خفته وأنا فرحان بلقائه". وتوفى بدمشق في الخامس من رجب عام 690 (أول يولية 1291) ودفن بجبانة هذه المدينة. وألف عفيف الدين علاوة على ديوانه كتبًا في علوم شتى لم يبق منها فيما يظهر سوى "رسالة في علم العروض" (برلين رقم 7128) وينسب له الذهبي زيادة على ذلك "شرح الأسماء الحسنى" و "شرح مقامات النفزى" و "شرح فصوص الحكم" لابن عربي. وتدلنا عناوين هذه التواليف على شيوخه، ونستطيع أن نقول دون أن نخشى الزلل أن عفيف الدين كان تلميذًا وفيًا لابن عربي. المصادر: (1) الذهبي: تاريخ الإسلام، مخطوط بالمتحف البريطانى، فهرس المخطوطات الشرقية رقم 53، ورقة 77 (2) الكتبى: فوات الوفيات، ج 1، ص 288. (3) اليافعى: مرآة، طبعة حيدر آباد، ج 4، ص 261 - 218. (4) Gesch. d. Arab.: Brockelmann Lit.، ج 1، ص 258، رقم 18.

2 - "شمس الدين محمد بن سليمان" ابن المترجم له السابق ويلقب بالشاب الظريف: ولد بالقاهرة عام 661 هـ (1263 م) وتوفى في شبابه قبل أبيه بعامين في رجب عام 688 هـ - (يونية 1289) وقد شغل منصبًا في بيت المال بدمشق، وقيل إنه كان شابًّا منصرفًا إلى اللهو والملذات. ومعظم الفضل في شهرته راجع إلى أشعاره التي جمعت في ديوان صغير طبع عدة مرات، وجل أشعاره قصائد من أبيات قليلة تغزل فيها بالغلمان وشبب في بعضها بنساء تخيلهن. ويجوز أن يفسر هذا الغزل تفسيرًا صوفيًا، إلا أن ذلك مستبعد. وتنبيء تواليفه الأخرى المخطوطة بأن أشعاره كانت أيضًا واقعية. وله خطبتان (مخطوط، برلين رقم 3953) ماجنتان فيهما إثارة للشهوات، وهذا هو حال مصنفيه الآخرين (مخطوط ببرلين رقم 8594): "فصاحة المسبوق في ملاحة المعشوق" و"المقامات الهيية والشيرازية". ولعل "مقامات العشاق"، وهي مخطوطة في باريس تحت رقم 3947، والمقامة المطبوعة بدمشق عين المقامات الهيية والشيرازية وروى الذهبي في ترجمته لأبيه حكاية وقعت لشمس الدين تؤيد ما قيل من أن أباه كان يرى أن إفراط شمس الدين يعينه على أن يكون صوفيًا متحققًا على طريقة الملامة والحقيقة أن إفراطه هذا كان من أسباب موته في سن مبكرة. المصادر: (1) الذهبي: تاريخ الإسلام، مخطوط رقم 53 في المتحف البريطانى قسم المخطوطات الشرقية، ورقة 62. (2) الكتبى: فوات الوفيات، ج 2، ص 263. (3) Gesch. d. Arab.: Brockelmann Lit.، ج 1، ص 258. (4) سركيس: معجم المطبوعات العربية، ص 178. (5) طبعات ديوانه، القاهرة 1281 هـ، 1308، بيروت 1885 م، 1325 هـ. (6) مقامة مطبوعة بدمشق من غير تاريخ، ص 16. 3 - أبو إسحاق إبراهيم بن أبي بكر

التناسخ

بن عبد الله الأنصاري": ولد في تلمسان في آخر جمادى الآخرة أو في غرة رجب عام 609 (نوفمبر 1212)، وأخذه أبوه إلى غرناطة من أعمال الأندلس وهو في التاسعة من عمره. ونزحا إلى مالقة بعد ذلك بثلاث سنوات وفيها تلقى دروسه. ثم ذهب إلى سبتة وتزوج فيها من أخت الفقيه المالكي مالك بن المرحل، وتوفى بها بعد عام 690 هـ (1291 م). وكان أبو إسحاق فقيها مالكيًا ضليعًا برع في تحرير العقود وقرض الشعر. ونظم وهو في الحادية والعشرين أرجوزة في أحكام المواريث كتبت عليها شروح ما تزال مخطوطة. أما كتبه الأخرى فهي: (1) "نتيجة الخيار في مزيلة الغيار" وهي سيرة للنبي منظومة. (2) مقالة في العروض. (3) منظومة في المولد الكريم. (4) العشرات. المصادر: (1) ابن فرحون: الديباج، طبعة فاس، ص 90. (2) ابن مريم: البستان، ص 55 وما بعدها. (1) Gesch. d., Arab Lit: Brockelmann ج 1، ص 367، 385، رقم 10. [كرنكو F. Krenkow] التناسخ " التناسخ": من المعتقدات الشائعة بين الهنود وعند بعض الفرق الإسلامية. والكتاب المسلمون الذين درسوا هذا المذهب أميل إلى نسبته إلى الهنود منهم إلى الفيثاغوريين. ويعرض الشهرستانى في كلامه عن أصحاب التناسخ لكلمة التناسخ بمعناها الواسع، فهي في نظره عقيدة تعاقب الحياة وعودتها إلى الدنيا، ويقول إن الهنود أشد الأمم إعتقادًا في التناسخ، فهم يقصون قصة العنقاء ثم يقولون إن الحال على مثال ذلك بالنسبة للدنيا، فإن الأفلاك والنجوم تمر بعدة أدوار ثم ترجع إلى المركز الأول وتعود الحياة إلى الدنيا من جديد. ولهم اختلاف في الدورة الكبرى كم هي من السنين،

وأكثرهم أنها على ثلاثين ألف سنة، وبعضهم على 260 ألف سنة. ويتحدث المسعودى أيضًا (مروج الذهب، ج 1، ص 163) عن هذه الدورة الكبرى ويذكر أن مدتها 70 ألف سنة. وكان الفلكيون الأغريق على علم بهذا الرأى، وكانوا يطلقون على هذه الدورة اسم "السنة الكبرى". وللتناسخ معنى آخر، فهو يدل على فيض الروح الإلهى على الكائنات في هذه الدنيا. وجاء في الشهرستانى أن الغلاة، وهم متطرفو الشيعة، قالوا بالتناسخ وحلول المبدأ الألهى أو جزء منه في بعض الناس. وظهر الاعتقاد بالتناسخ على هذا الوجه بين كثير من الشعوب، أخذته عن مجوس المزدكية وبراهمة الهند والفلاسفة والصابئة. وعرف الهجويرى طريقة صوفية يعرف أصحابها بالحلولية، وهي تقول أن ليس في الدنيا سوى روح وأحمد خالد قدسى يفيض وينتقل في أبدان مختلفة. ويذكر الهجويرى أن كثيرين من النصارى يقولون بهذأ المذهب، وإن كانوا لا يجهرون به، كذلك يعتقد فيه غالب أهل الهند والتبت والصينيون، كما نجده بين الشيعة والقرامطة والإسماعيلية. والتناسخ على أربع درجات: نسخ ومسخ وفسخ ورسخ؛ وهو بمعناه الشائع الانتقال من بدن إلى آخر وذلك ما يعتقد به بعض فرق الشيعة. وذكر الشهرستانى أن أتباع أحمد بن حائط، وهم من المعتزلة، يقولون إن الله خلق بادئ الأمر الكائنات في دار سوى هذه الدار التي هم فيها اليوم، ثم أرسل من خرج منهم عن طاعته إلى دار الدنيا على صور مختلفة من صور الناس وسائر الحيوانات على قدر ذنوبهم، ثم أخذوا في التنقل من صورة إلى أخرى إلى أن زالت آثار ذنوبهم. ولا يرى الإسماعيلية انتقال النفس إلى أجسام الحيوانات، ولكنهم يقولون بتعاقب الحياة، وإن النفوس خلال ذلك تكون فاعلة في دار المولد والوفاة إلى أن تتعرف بالإمام وعند ذلك ترتفع إلى عالم النور. ويعتقد النصيرية أن من يقترف ذنبا في حق دينهم يعود إلى الدنيا على صورة يهودى أو سنى مسلم أو نصرانى. والكفار الذين لم

يعرفوا عليا يمسخون جمالًا وبغالًا وحميرًا وكلابُا وما شابه ذلك من الحيوان. ويقول النصيرية إن التناسخ على سبع درجات. وترتفع النفس المؤمنة التي تمر بهذه الدرجات السبع إلى النجوم التي هبطت منها بادئ الأمر. ويربط آنز Anz ودوسو Dussaud بين هذا القول بالتناسخ وبين الاعتقاد بصعود النفس إلى السموات السبع الَّذي نشا في بابل وانتشر في المعتقدات الفارسية ثم في الأفلاطونية الجديدة والغنوصية. وأخذ الدروز بعض معتقداتهم الشائعة من النصيرية، وإن كان زعيمهم حمزة قد عارض هذه الآراء. فهم يعتقدون أن نفوس أعداء على سوف تعلق بأجسام الكلاب والقردة والخنازير. ويعتقد الكرد واليزيدية في الحلول بأبدان الناس والحيوان وفي الوجود المتعاقب الَّذي يتخلل كل وجود منه زمان قدره 72 سنة. ويقول السيد الشريف الجرجانى في كتابه "التعريفات" إن التناسخ تعلق الروح بالبدن بعد المفارقة من بدن آخر من عن غير تخلل زمان بين التعليق، للتعشق الذاتى بين الروح والجسد. وأورد السمرقندى أساطير عجيبة عن المسخ (وهو رواية في النسخ) مؤداها أن القردة والخنازير والحيوانات الأخرى كانت أناسى ثم مسخت. كذلك يقال إن سهيلًا والزهرة كانا على هذا النحو ملكًا واميرة عاقبهما الله لذنوبهما ثم أقحمهما بين النجوم. ونشير أخيرًا إلى قصص المسخ الواردة في كتاب ألف ليلة وليلة وغيره من القصص. المصادر: (1) الشهرستانى: كتاب الملل والنحل، طبعة كيورتن Curetnn. لندن سنة 1842. ج 2، ص 297 وفي مواضع أخرى. (2) الهجويرى: كشف المحجوب، ترجمة نيكلسون A. Nickolson . R في مجموعة كب التذكارية ليدن ولندن سنة 1911، ص 260 وما بعدها. (3) Histoire et religion: R. Dussaud des Nosairis، باريس سنة 1900، ص 120 وما بعدها. (4) Zur Frage nach dem: W. Anz

التنجيم

Ursprung des Gnostizimus في Torte and Un- N. Gebhardt and Harnack tersuchungen . ج 15، ليبسك سنة 1897. (5) maitre des: St. Guyard Un grand Assassins au temps de Saladin المجلة الأسيوية، باريس سنة 1877 (القصص). (6) الشيخ نصر بن محمد بن إبراهيم السمرقندى: بستان العارفين، مكة سنة 1300 هـ، ص 240. (7) Yezidis: J.Menant في An- males du Musee Guimet باريس سنة 1892، ص 87. [كارا ده فو B. Carra de Vaux] التنجيم " التنجيم": وقد اصطلح المسلمون على معرفته بعلم (أو صناعة) أحكام (أو قضايا) النجوم، أو بتعبير أوجز علم (صناعة) الأحكام. واستعمل بعض كتاب العرب منذ القرن الثالث عشر الميلادي "علم النَجامة" للدلالة على التنجيم. إلا أن علم (أو صناعة) النجوم و"علم صناعة النجوم" و"التنجيم" تدل بوجع عام على التنجيم أو علم الفلك أو على العلمين معًا. ويعرف المشتغل بصناعة النجوم بالأحكامى أو المنجم، وإن كان لفظ المنجم يطلق على الفلكى كذلك. ولم يفرق بدقة بين "المنجم" و"الفلكى" إلا في القرن التاسع عشر. واتبع غالب الفلاسفة وأصحاب فهارس العلوم ومؤلفو الكتب الجامعة تصنيف العلوم الَّذي وضعه ارستطاليس وأصحابه فاعتبروا التنجيم أحد فروع العلوم الطبيعية السبعة أو التسعة ووضعوه مع الطب والفراسة والكيمياء وتفسير الأحلام .. إلخ. بيد أن الفلكيين والمنجمين وغيرهم من العلماء (مثل الفارابى وإخوان الصفا وابن خلدون أنسجوا على منوال بطليموس واعتبروا التنجيم فرعًا من "علم النجوم"، وعلم النجوم قسمًا من الأقسام الأربعة الكبيرة التي تنقسم إليها العلوم الرياضية. ويجب ألا نغفل القول بأن القواعد الرياضية الفلكية للحسبانات التي لا غنى عنها للمنجم لم تتعرض لها إلا الرسائل الفلكية.

ويقوم التنجيم على أساس أن جميع ما يطرأ على العالم من التغير (أو الكون والفساد كما يقول أرسطو "كينسيس كى فثورا" يتصل اتصالًا وثيقًا بطبائع الأجرام السماوية وحركاتها. والانسان - من حيث هو عالم صغير بينه وبين العالم الكبير مشابهة قوية - خاضع لتأثيرات النجوم، سواء سلمنا بقول بطليموس بالقوى أو التأثيرات المشعة من الأجرام السماوية التي تجعل طبيعة "القابل" مماثله لطبيعة "الفاعل" أو سعينا إلى القرب من رأى أهل السنة، فإن الأجرام السماوية لا تكون فاعلة بالحقيقة في الحوادث، وإنما هي دلائل عليها فقط. ويتوقف تأثير النجوم على طبيعة كل منها وعلى موقعها بالنسبة للأرض أو بالنسبة لغيرها من النجوم، ومن ثم فإن حوادث العالم وما يصيب الناس من غير يخضع دائمًا لجمع شديد التركيب متباين من تأثيرات سماوية كثيرة جدًّا، مختلفة جدًّا، بل متناقضة أيضًا. وينحصر عمل المنجم الشاق في معرفة هذه التأثيرات والجمع بينها. وليس التأثير مقصورًا على الأجرام السماوية، إذ يقال إن هناك أيضًا مواضع يفترض وجودها في فلك البروج لها قوة على تحوير تأثيرات هذه النجوم تحويرًا جوهريًا ويكون لها في الوقت المعين علاقات معينة بهذه النجوم. ويشبه المنجمون في أغلب الأحيان رؤوس الكواكب وأذنابها برأس القمر وذنبه أي بعقدته الصاعدة وعقدته النازلة، ولا ينكر هذا القول إلا أتباع المدرسة البطلميوسية القديمة. وللبروج أيضًا بانفرادها أو تثليثها على المملثات الأربعة قواها الخاصة بها. وكذلك لبعض أقسام البروج التي لم تكن معروفة في تنجيم بطلميوس مثل الوجوه، أي ثلث البرج، والنهبهرات أو النوبهرات أي تسع البرج، بل إن كثيرين من المنجمين يعتقدون أن لكل مطلع من مطالع فلك البروج طبعه الخاص به وهذه المطالع إما مذكرة أو مؤنثة أو مضيئة أو منيرة أو مظلمة أو معلونة أو قاتمة أو مدخنة أو خالية أو آبار وزائدة في السعادة .. إلخ. يضاف إلى ذلك أن ثمت أجزاء ومواضع من فلك البروج لها أهمية كبرى من حيث صلتها بالنيرين والكواكب الخمسة

الأخرى لأنها حدودها وبيوتها ووبالاتها وأشرافها وهبوطاتها. وللأفق ومعدل النهار شأن كبير، وتعرف نقط تقاطعهما مع فلك البروج بالأوتار الأربعة: (1) الطالع، وهو الموضع من فلك البروج الَّذي يطلع على الأفق في الوقت المعلوم. (2) وتد الأرض، الرابع، وهو تقاطع فلك البروج بمعدل الليل. (3) وتد الغارب، السابع، وهو موضع فلك البروج الَّذي يختفى وراء الأفق. (4) وسط السماء، العاشر، وهو تقاطع معدل النهار مع فلك البروج. وتقسم دائرتا الميل المحازتان على قطبى خط الاستواء أقواس فلك البروج الحاصلة بين هذه الأوتاد ثلاثة اقسام متساوية، وهكذا ينقسم فلك البروج إلى اثنى عشر قسما تعرف بالبيوت الاثنى عشر، وهي أساس جميع الحسبانات في صناعة الأحكام. ومواقع الكواكب بعضها إلى بعض - بما في ذلك النيران - من الأهمية بمكان، فهي تحدث خمس صور رئيسية هي: الاقتران أو المقارنة (ويسمى الاجتماع إذا كان خاصًّا بالشمس بالنسبة للقمر) والأنظار أو الاتصالات الأربعة وهي: 1) الاستقبال، إذا كان الكوكبان متقابلين علي استقامة واحدة. 2) التسديس، إذا كان بينهما ستون درجة من درجات الطول. 3) التربيع إذا كان بينهما تسعون درجة من درجات الطول. 4) التثليث، إذا كان بينهما مائة وعشرون درجة من درجات الطول. فإذا تصورنا دائرة حول كوكب وكان هذا الكوكب مركزًا لها وكان نصف قطرها ستين درجة أو تسعين درجة أو مائة وعشرين درجة، فإن النقطتين اللتين يتقاطع فيهما فلك البروج بهذه الدائرة، يعرفان بـ "مطرح الشعاع" وكذلك يعرف به حسبان هاتين النقطتين بحساب المثلثات. أما المنجمون الملتزمون لمذهب بطليموس في التنجيم فلا يحفلون إلا بهذه الصور الخمس ويزيد سائر المنجمين كثيرًا غيرها (ويذكر ابن هبِنْتا أربعًا وعشرين صورة) وهي تعرف بالحالات (Status planetarum ad invicem)

ثم نذكر الطوالع، وهي السهام (ومفردها سهم) في قول مصنفى القرون الوسطى، وهذه السهام طوالع متوهمة على فلك البروج على مسافة معينة من الطالع الحقيقي. ولم يذكر بطلميوس ومن اتبعه من كتاب العرب إلا سهما واحدلم منها هو سهم السعادة "أو كليروس ليس ليكهوس"، في حين ذكر المنجمون الآخرون عددًا كبيرًا منها، وهي تبلغ في مقدمة أبي معشر سبعة وتسعين سهما يخرج منها ثلاثون سهما أخرى ذكرها القبيصى. ويجب ألا يغفل آخر الأمر العامل الجغرافي، ذلك لأنه مادام كل إقليم من أقاليم الأرض معرضا لتأثير فلك من أفلاك البروج وكوكب من الكواكب، فكذلك طوالع الناس في البلاد المختلفة لا يمكن فصلها عن حالات السماء، وذلك علم المنجم في جوهره، واصطناع هذا العلم ليس أقل من ذلك تعقيدًا. ويستطيع المنجم المسلم أن يأخذ بثلاث طرائق كبرى لا يتعداها هي: 1) طريقة المسائل "إيروتيسيس" ويقصد بها الاجابة عن الأسئلة المتعلقة بحياة الناس كل يوم، مثال ذلك طلب السائل الاخبار بغائب عنه، أو معرفة سارق، أو استعادة مفقود .. إلخ. وهذه أبسط طرائق الصناعة وأكثرها شيوعا. 2) طريقة الاختيارات "كتاريكهاى" أي اختيار الأوقات الموافقة للقيام بعمل من الأعمال ويعين هذا الوقت بمعرفة البيت من البيوت الاثنى عشر الَّذي يكون فيه القمر آنئذ. ويستبدل بها المنجمون الذين يفضلون الطرائق الهندية منازل القمر الثمانية والعشرين 3) طريقة تحاويل السنين، وهو اصطلاح المصنفين المسلمين، وتقوم على حساب السنوات أو أجزاء السنة المدارية التي انقضت، أو التي يظن أنها انقضت منذ ولادة فرد من الأفراد وابتداء ملك أو قيام فرقة أو ظهور دين أو تخطيط مدينة ... إلخ. وأساس هذه الطريقة يختلف تمام الاختلاف عما تقوم عليه الطريقتان الأخريان، وهو أن الصورة السماوية في زمن المولد تحدد بالضبط طالع المولود، ومن ثم كانت مستقلة أو تكاد تكون كذلك عن التغيرات التي تطرأ على الكرة السماوية بعد ذلك. وقد اتبع

بطلميوس هذه الطريقة، ولم يضف إلى طريقة "الاختيارات" إلا زيادات يسيرة مضطربة، ولم يجد كلمة واحدة يضيفها على طريقة "المسائل"؛ وتعترض طريقة تحاويل السنين صعاب فنية أكثر من الأخريين وكثيرًا ما تتعذر معرفة وقت المولد أو ابتداء الملك بالدقة الواجبة. وإذا كان المنجم بصدد طوالع الأفراد فإنه يستخدم طريقة تحاويل سنى المواليد، أما إذا كان بصدد طوالع الأمم والمدن والفرق ... إلخ (وما يتبع ذلك من حدوث الوباء والقحط ونشوب الحرب والفيضان إلخ) فإنه يستخدم طريقة تحاويل سنى العالم. وأهم ما يعمله المنجم في هذه الطرائق الثلاث هو تعيين الطالع، ومنه تحسب أوائل البيوت الأحد عشر الباقية أو مراكزها؛ أما في طريقتى المسائل والاختيارات فإن الطالع الَّذي يعين هو طالع الزمن المطلوب أما في الطريقة الثالثة، طريقة تحاويل السنين فيعين طالع المولد أو ابتداء الملك .. إلخ. وحتى إذا فرضنا أننا نعلم بالدقة تاريخ المولد أو ابتداء الملك، فكيف نعين الطالع وهو يتغير بسرعة تبعا لدورة الفلك اليومية؟ والمولد لا يحدث في لحظة واحدة، بل إن المنجم إذا حضر الولادة فإنه لا يستطيع أن يتخير الوقت الَّذي يعين فيه الطالع. ومن ثم أوحت طريقة تحاويل السنين بنظرية "نُموُدار" هي قواعد كثيرة الاشتباك يراد بها اختيار طالع متوهم للمولد؛ وكانت أشهر الطرائق عند المنجمين المسلمين طريقة بطلميوس والطريقتين اللتين نسبوهما إلى هرمز وزرادشت. وإذا كانت الطوالع لا تتصل بالأشخاص استخدم طالع الخسوف أو القرانات العظيمة. لا يقتصر الأمر على ذلك في طريقة السنين. فالحكم يقرر بوقوع أحد الكواكب (يدخل فيها النيران وكذلك "سهم السعادة" والطالع) في وقت ظهور الطالع المتوهم في أحد المواضع الخمسة التي يسميها بطلميوس "توموى آفتكوى" ويعرفها منجمو القرون الوسطى بـ "مواضع الهيلاج" وفي هذا الوضع يصبح الكوكب (الشمس، القمر، سهم السعادة"، الطالع) الدليل ((indicator أو الهيلاج (Significator, hililegium , Alhylech " آفتيس") الَّذي يسير إلى النجوم وغيرها من مواضع السماء التي

لها دلالة خاصة في صناعة الأحكام: ويعرف طالع المولد من ملاحظة التوافيق الحاصلة من هذه الاجتماعات. وتوضح الحسبانات الخاصة بالتيسير (آفسيس Atazir. directio) على الوجه الآتي: يبلغ كوكب من الكواكب أو موضع من فلك البروج له دلالة خاصة في صناعة الأحكام في وقت معلوم بدورة الفلك اليومية إلى دائرة الموضع التي كان فيها الهيلاج، وهي الدائرة المجازة على تقاطع الأفق بمعدل النهار، فتحسب زاوية خط الاستواء الحاصلة (الزاوية الخاصة بجزء من أجزاء الزمان)، وإذا كان الأمر يتصل بالناس تحسب السنة الشمسية بمطلع من مطالع خط الاستواء، أم إذا كان الأمر متعلقًا بالحوادث العامة الأخرى فاليوم الواحد بمطلع من مطالع خط الاستواء، ويجب أن نضيف هنا أنَّه إذا كانت الطوالع خاصة بالأمم والمدن والأديان ... إلخ فإن الهيلاج يختار بطريقة أخرى ويقول المنجمون العرب الذين اتبعوا بطلميوس إنه الكوكب أو النجم الَّذي له أكبر مزاعمة على موضع فلك البروج الَّذي حدث فيه كسوف الشمس أو خسوف القمر. بيد أن غالب المسلمين يفضلون طريقة القرانات، ولعلهم نقلوها عن الهنود؛ وهم يعتمدون في حساباتهم على قرانات الكواكب الثلاثة العظمى وهي (المريخ والمشترى وزحل)، ومن ثم يرصدون طوالعهم بطريقة التيسير أو غيرها وتعرف الأعمار من تسيير الهياوج الَّذي مر بنا. أما أحداث الحياة الأخرى فالمنجم يختار ما يتفق والحادثة التي يريد السؤال عنها بين الدلائل الخمسة الأخرى (الطالع، سهم السعادة، القمر، الشمس، درجة الإشراف) و "يسير" الدليل الَّذي يختاره. يضاف إلى ذلك أنَّه يجب أن يحول إلى أجزاء الزمان بقواعد متعارف عليها حركات الدلائل المألوفة وفق ترتيب البروج (من الغرب إلى الشرق)، وذلك لكى نعين أصحاب النوبة للسنين الشمسية والشهور والأيام، وتعرف حركة المتقدم هذه أو موضع فلك البروج الَّذي يصل المتقدم إليه "بالانتهاء" (alynthie, profectic). وتأتى آخر الأمر دورات سنى الحياة، وهي تخضع بنوع خاص لتأثير هذا الكوكب أو ذاك. وهذه الدورات هي في جوهرها

ضوابط الزمان "كهرنو كراتورس" بالكواكب، المعروفة عند اليونان ولكنها حورت مع ذلك وزيد في تعقيدها (وبخاصة عند أبي معشر)، فعرفت بالفردارات (firdariae) . وقد استخدم المنجمون أيضًا طرائق ثانوية أخرى، أذكر منها فقط الطريقة الخاصة بالصور السماوية التي تطلع مع الوجوه، وترجع إلى السنة الكلدانية التي استنها توسر Teucer. وهي تعتمد على طلوع الشعرى (وهو سوتيس عند قدماء المصريين)، وهذه الطريقة التي انفرد باستعمالها المسلمون المصريون وقد استقى التنجيم العربي الإسلامي من مصادر جد متباينة، وكان أساتذة المنجمين الإسلاميين من اليونان هم بطلميوس، وفيتيوس فالينوس، وذروثيوس الصيداوى، وتوسر، وانتيوخس وغيرهم ممن نسبت لهم رسائل في هذه الصناعة ولا نعنى بهؤلاء أصحاب الصناعة الذين انتهجوا طرائق متباينة الأصول فحسب بل نعنى أيضًا أولئك الذين وفقوا بين المذاهب المتناقضة مثل فيتيوس فالينوس وذروتيوس. وقد أخذوا كذلك عن المصادر الهلوية والهندية، كما ضمنوا مصنفاتهم الروايات الشائعة في أرض الجزيرة، وبلاد الشام ومصر. فليس من العجيب إذن أن قلة من المنجمين المسلمين انتهجوا طريقة واحدة بعينها من الطرق الثلاث أما الآخرون، وهم سائر المنجمين، فقد أخذوا بطرائق "المسائل" و"الاختيارات" و"تحاويل السنين" جميعًا، واعتبروا الواحدة متممة بل مؤيدة للآخرين، وتركوا للمنجم أن يختار من الطرائق والأساليب ما يتفق وحذقه ومقتضيات صنعته ومطالب السائل ومنزلته بين الناس، ونحن نجد الخلط بين هذه الطرائق على أتمه وأغربه عند أبي معشر وهو مزيج حقيقى من مذاهب جد متباينة. الحق إن المسلمين يمتازون عمن سبقوهم من المنجمين بأنهم بلغوا شاوا بعيدًا في الحسبانات إلى جانب تلفيقهم بين مختلف الطرائق. وقد عرضت هذه الحسبانات بالدقة الواجبة في الرسائل الفلكية إلى - جانب المسائل الأخرى في حساب المثلثات الكبرى. ووضع الحاسبون - توصلا لهذه الغاية - كثيرًا

من الجداول الرياضية المفصلة. وهم يختلفون في هذه الناحية من المنجمين اليونان والهنود الذين كانوا يقومون بحسابات مبتسرة، وكانوا يتنكبون عن الاستبحار في الرياضيات المعقدة. وقد أجمع المتكلمون والفقهاء والفلاسفة على إنكار التنجيم، ولم يشذ عنهم إلا نفر قليل كالكندى واخوان الصفا وفخر الدين الرازي. ولم يكن لهذا الإنكار من أثر في الواقع. ذلك أن التنجيم كان له شأن في قصور الخلفاء والسلاطين وبين العامة، وظل كذلك إلى القرن الماضي فكان في دخول الحضارة الغربية عامة ومذهب كوبرنيقوس خاصة القضاء المبرم على التنجيم. بيد أنَّه لا يزال موجودًا في البلاد التي لم تصب من الحضارة الغربية إلا قليلًا، وان فقد إلى حد كبير ذلك الجلال العلمي الَّذي كان يحيط به في القرون الوسطى. ومن عجب أن قضاة اليمن اليوم يمارسون هم أنفسهم صناعة الأحكام. وقد عولجت المسائل التنجيمية، من حيث هي مسائل رياضية (هندسة وحساب مثلثات) في المصنفات الخاصة بالفلك. وفي الجداول التي صنفت وحسبت للأغراض الخاصة بصناعة التنجيم. وألفت في الجانب الخاص بالأحكام رسائل ومقالات كثيرة يتعذر علينا إحصاؤها هنا، أما بقية المصنفات فلم تنشر نصوصها الأصلية بعد، ما خلا رسالتين. لا خطر لهما نحلتا لأبي معشر، وفصل من مقدمة أبي معشر (في Sphaera: Boll 1903) ورسالة الكندى في عمر الإسلام وطوالعه من قرانات الكواكب (Al Kindi als: Loth Astrolg في - Morgen iaendische fors [chungen Fleischer - Festschrif ليبسك سنة 1875، ص 263 - 309). ونذكر المصنفات الآتية لأنها ترجمت إلى اللغة اللاتينية وطبعت وهي: شرح علي بن رضوان على تربيع بطلميوس Quadripartitum " تترابيلوس" وشرح أحمد بن يوسف المعروف بابن الداية على كتاب الثمرة "كوموس" (Centiloquium (Kitab al - thamra المنسوب خطأ لبطلميوس، وقد طبع هذان الشرحان معا في مدينة البندقية عام 1493، وعام 1519، كما نشرت

بعض مصنفات أبي معشر (نظر هذه المادة) ونشر الكتاب الجامع الَّذي صنفه أبو الحسن علي بن أبي الرجال، وهو في ثمانية كتب، في مدينة البندقية عام 1485، 1503، 1523. كما طبع في مدينة بال مع تنقيح يسير في أسلوبه عام 1551، 1571، ومدخل القبيصى المتداول، وقد طبع عدة مرات وأشهرها مع شروح يوحنا السكسونى Jojannes de Saxonia وعلق عليه نابود v. Nabood (كولونى، سنة 1560، مع تنقيح يسير لأسلوب النسخة القديمة)، ورسائل سهل بن بشر وما شاء الله التي طبعت ذيلًا للشروح على التربيع والثمرة اللذين أشرنا إليهما، وكتاب المواليد لأبي بكر الحسن بن الخصيب، وقد طبع في البندقية 1492 م، 1501، وكتاب في أحكام المواليد لأبي على يحيى الخياط وقد طبع في نورنبرغ عام 1546، 1549، ومقالتا محمد ابن عمر بن الفرخان الطبري عن المواليد والمسائل (البندقية، عام 1503) (وقد نشرتا ذيلا لكتاب Firnicus Maternus (في بال عام 1533، 1551)، إلى غير ذلك من الرسائل التي لا يعرف مؤلفوها أو التي تنسب خطأ إلى مؤلفين آخرين. المصادر: (1) لقد ذكر كاتب هذه المادة مصادر التنجيم عند المسلمين وخصائصه، ومكانه في الحياة الاجتماعية كما عرض لرد الفلاسفة والمتكلمين على المنجمين، وذلك في The Encyclopedia of Religion and Ethics التي نشرها الدكتور هيستنكز Hastings، انظر مادة "" Star وهي مقالة يفترض في قارئها العلم بمبادئ التنجيم عند اليونان. (2) وتجد تفسير بعض الحسبانات الفلكية وشرح عدد من الاصطلاحات الخاصة بالتنجيم في شرح نللينو- Nal lion على البتانى sive Aibatenii opus astronomicum، ميلان عام 1899 - 1907 م، في ثلاثة مجلدات. (3) مفاتيح العلوم طبعة فإن فلوتن Dictionary of the technical: Van Vloten musulmans terms used . by the طبعة شيرنكر Sprenger . (4) Dii Propaedeutik der: Dieterici

التهجد

A raber، برلين سنة 1865 - وهذه المصنفات لا تشفى غلة الباحث. (5) ويرجع - فيما يتصل بنظرية قرانات الكواكب عند تطبيقاتها على تاريخ الإسلا م - إلى Loth: O. في الدراسة الخاصة بالكندى التي ذكرناها آنفا. (6) ابن خلدون: المقدمة، ترجمة ده سلان de Slane، ج 2 ص 217 - 226. (7) ويرجع - فيما يختص بسير المنجمين ومصنفاتهم- إلى Die: Sutar Mathematiker and Astronomen der Araber, ليبسك سنة 1900 في , der mathem. Wis- Abhandl. z. Gesch senschaften , ج 10؛ مع - Nach traege وهو عظيم القيمة في z. Abh , math. Wiss. d. Gesch ج 14، سنة 1902، ص 137 - 185. (8) ويرجع آخر الأمر إلى المصنفات الفلكية الواردة في هذه المادة. [نللينو C. A. Nallino] التهجد " التهجد": مصدر الخماسي المزيد من مادة هـ - ب - د، وهو من الأضداد. وهجد نام وكذلك استيقظ وسهر وصلى بالليل وتلا القرآن بالليل. وأصبح المعنيان الأخيران - وهما الصلاة وتلاوة القرآن بالليل - هما الشائعين في الإسلام وقد وردت المادة مرة واحدة في القرآن في سورة الإسراء، (الآية 79)، "ومن الليل فتهجد به نافلة لك ... " إلا أنه قد أشير فيه الي قيام الليل بغير هذه المادة، فورد في سورة الذاريات (الآية 15 - 17) , "إن المتقين في جنات وعيون آخذين ما آتاهم ربهم أنهم كانوا قبل ذلك محسنين، كانوا قليلا من الليل ما يهجعون وبالأسحار هم يستغفرون". وفي سورة الفرقان (الآية 64)، اشارة الي الذين يبيتون لربهم سجدًا وقيامًا. وقد يستخلص من القرآن أن الفريضة القديمة في مكة كانت صلاتين: صلاة بالنهار وصلاة بالليل (¬1) (سورة الإسراء، الآية 78 وما بعدها) وجاء في ¬

_ (¬1) الآية "أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودًا".

سورة الإنسان (الآية 25) "واذكر اسم ربك بكرة وأصيلا" وقال في السورة نفسها (الآية 26) "ومن الليل فاسجد له وسبحه ليلًا طويلًا" وفي سورة هود (الآية 114) وأقم الصلاة طرفى النهار وزلفا من الليل .. ". ونستطيع أن نستفيد من الحديث، ولا وجه للشك فيه، أن المؤمنين عكفوا على قيام الليل زمانًا اختلفت الروايات في طوله، (قيل أنَّه "عشر سنين في "الطبري: التفسير، ج 29، ص 68). حتَّى إن النبي والمؤمنين ورمت أقدامهم وسوقهم، ويقال إن الفريضة القديمة نزلت في سورة المزمل، فقد ورد أولًا "يا أيها المزمل" وثانيًا "قم الليل إلا قليلًا"، وثالثًا "نصفه أو انقص منه قليلًا"، ورابعًا. "أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلًا" بيد أن أصل هذه الفريضة لا يمكن فصله عما كان يقوم به زهاد النصارى. وقد شق هذا النوع من العبادة آخر الأمر على المؤمنين، ففي الآية العشرين من سورة المزمل اشارة إلى هذا وهي "إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثى الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك والله يقدر الليل والنهار علم أن لن تحصوه فتاب عليكم فاقرأوا ماتيسر من القرآن. "فلما فرضت الصلوات الخمس على المسلمين أصبح قيام الليل نافلة (انظر سنن أبي داود: باب التطوع؛ تفسير البيضاوى للآية العشرين من سورة المزمل). ومهما يكن من شيء فقد روى أن النبي لم ينقطع عن قيام الليل (سنن أبي داود: كتاب التطوع، باب 18) وفي الحديث والفقه أن الانقطاع عن قيام الليل مما يلام عليه المكلفون به (مسلم: الصيام، حديث 185؛ النسائي: كتاب قيام الليل، باب 59؛ الباجورى حاشية، ج 1 ص 165). وعلى العموم فقيام الليل سنة، ويقال إن داود كان يقوم ثلثا من الليل (مسلم: كتاب الصيام، حديث 189, سنن أبي داود: كتاب الصوم، باب 67) وثمة سبب آخر في تبرير قيام الليل هو أنَّه يحل العقد التي يعقدها الشيطان على قافية رأس النائم (سنن أبي داود: تطوع، باب 18) وفضل التهجد في رمضان مشهود، وكذلك في ليلة كل من العيدين (ابن

ماجة: صيام، باب 68؛ النسائي: كتاب قيام الليل، باب 17، وفيه يستعمل اصطلاح "إحياء الليل"؛ انظر أيضًا مادة "التراويح". ولا يزال المؤذن يدعو الناس في بعض البلاد إلى صلاة الليل (وهي ركعتان وتعرف بال - "شفع "؛ انظر مادة "وتر" وهي بُعيد منتصفه، ويضاف إلى الأذان بها عبارات خاصة (Manners and Customs: Lane الفصل الثالث الخاص بالدين والشرائع؛ Mekka: Snouck Hurgronje V E Handleieding: Juynboll). المصادر: انظر إلى جانب المصادر المذكورة في صلب المادة: (1) Das Leben , des lehre: sprenger and die Lehre des Mohammad، ج 1، ص 321 وما بعدها. (2) lets over den: M. Th. Hoiutsma dagelijkschen calat der Mohammedanen في Tijdchrift .. L Theol، سنة 1890 , ص 137 وما بعدها. (3) The origin of Islam in its: R. Bell Christian Environment لندن سنة 1926، ص 143. وانظر المسائل المتعلقة بالمذاهب الفقهية المختلفة في: (4) J.Guide: مختصر خليل بن إسحاق، ميلان سنة 1919، ج 1 ص 97. (5) أبو إسحاق الشيرازى: التنبيه، طبعة A.W T. Juynboll . ص 27. (6) الرملى: نهاية المحتاج، ج 1 ص 488 وما بعدها (7) ابن حجر الهتمى: التحفة، ج 1، ص 201 وما بعدها (8) أبو قاسم الحلى: كتاب شرائع الإسلام، كلكتة سنة 1839 ج 1، ص 27 (9) Droit Musuliman: A.Querry باريس سنة (1871. ج 1 ص 52 وما بعدها (10) نظام: الفتاوى العالمكيرية، كلكتة سنة 1243 هـ، ج 1 ص 157. [فنسنك Wensinck . A.J]

التوبة

التوبة " التوبة": لغة الرجوع، وهي مصدر الفعل تاب، ويرد هذا الفعل كثيرًا في القرآن إما وحده وإما مع حرف الجر "إلى"، ومعناه في هذه الحالة أن العبد عاد إلى الله بالندم، وإما مع حرف الجر "على" ومعناه أن الله عاد عليه بالمغفرة، لأنه تعالى "تواب رحيم" البقرة، الآية 37 وما بعدها). وشرائط التوبة ثلاث (1) العلم بالذنب (2) الندم (3) العزم على ترك الذنب في الاستقبال (الغزالى: الإحياء، الجزء الرابع، وقد وفي فيه الكلام على التوبة؛ القرآن سورة النساء الآيات من 16 - 18؛ سورة هود، الآية 112 سورة الشورى، الآية 25) فإذا استجمعت هذه الشرائط فهي مقبولة لا محالة، وليس في شيء من ذلك ما يريده المعتزلة من إيجاب القبول على الله، ولكن سبقت به إرادته الأزلية. ولا تصح توبة المشرف على الموت (سورة النساء الآية 18) والذنب خطيئة في حق الله لا تغتفر إلا بالتوبة، وينكر أحمد بن حنبل وغيره ذلك Massignor: d Ai-Hallai La Passion ص 666). وسما الصوفية فوق المعنى الشرعي للذنب، وارتفعوا بمعنى التوبة تبعًا لذلك. فهي عندهم انتباه القلب عن رقدة الغفلة، وهو مبدأ طريقة السالكين، وهم يجعلونها حالًا من أحوال الرضا. وليست التوبة في أبعد معانيها إقرارًا بالذنب وتركًا له بقدر ما هي وجهة جديدة ينزع إليها النادم بكليته فلا يبتغى إلا الله. والتوبة أن تنسى ذنبك. لأن ذكرك له ينسيك الله، والانشغال بالنفس كبيرة الكبائر، ولذلك فقد جاء في حديث مشهور أن النبي كان يستغفر الله في اليوم سبعين مرة. المصادر: (1) la passion dal: L.Massignon Hallaj ص 105 وما بعدها. (2) الهجويرى: كشف المحجوب، طبعة شوكوفسكى Schukovski. ص 378 وما بعدها؛ ترجمة نيكلسون، في

التوحيد

مجموعة كب التذكارية ب 17، ص 294 وما بعدها. (3) Al- Kuschairis Dar-: R. Hartmann stellung (4) Rabia the Smith: Margaret كمبردج سنة 1928، ص 53 - 58 (5) Mystics of is-: R.A. Nicholson lam، ص 30 - 32. [نيكلسون R. A. Nicholson] التوحيد " التوحيد": مصدر الفعل المضعف من مادة "وح د" ومعناه لغة "جعل واحدا" أو "بقى واحدا" (Lane ص 2927 أ) ومن ثم كان معناه في مصطلح الكلاميين وحدانية الله أو توحده بكافة معانيه. ولم يذكر هذا المصدر في القرآن، ولم يرد فيه فعل من هذه المادة أو شبيهها "أح د" لكن صاحب لسان العرب (ب 4، ص 464. الصفحة) فصل الكلام في المدلولات اللغوية للصيغ المختلفة المشتقة من هاتين المادتين بالنسبة لله تعالى وبالنسبة للإنسان. وعلم التوحيد والصفات مرادف في الاصطلاح لعلم الكلام وهو أساس قواعد عقائد الإسلام (مقدمة التفتازانى لعقائد النسفى، طبعة القاهرة سنة 1321 هـ، ص 4 وما بعدها والحواشى التي عليه؛ . Terms Diet of Techn، 22) ويخرج المعتزلة من هذا الحد الصفات، ويجعلون الأساس التوحيد فقط. وهو إما ظاهر وإما باطن: من معانيه أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. ومن معانيه أنه واحد في ذاته. ومن معانيه أن الله هو الموجود الحقيقي وكل ما سواه وجوده ظل وجود الحق. وقد يتوسع في ذلك إلى القول بالحلول أي أن الله هو الكل. ثم إن التوحيد يتوسل إليه بالعلم أو بالمعرفة والمشاهدة، والعلم والمشاهدة تفكر أو نظر فلسفى. والخلاصة أن التوحيد هو القول بأن لا إله إلا الله. وفي كشاف مصطلحات

التوحيد، علم

الفنون (Diction. ch To) بيان طيب بتطورات هذه المعاني (ص 1468 - 1470 وانظر أيضًا ص 1463 - 1468). [ماكدونالد D. B. Macdonald] التوحيد، علم نشأته، تطوراته، رأى رجال الدين فيه. مقدمات: 1 - التوحيد الإيمان بالله، وفعله أحد، ووحد؛ ففي اللسان (مادة وحد) تقول: أخدت الله ووحدته. وهوالواحد الأحد. وحقيقة التوحيد اعتقاد عدم الشريك في الألوهية وخواصها (¬1) ويرى ابن خلدون (¬2) - بحق- أن المعتبر في التوحيد ليس الإيمان أو التصديق وحده، بل الكمال في أن يحصل للنفس حال يحصل عنها علم اضطرارى هو توحيد الله في ذاته وصفاته وأفعاله. وقريب منه ما ذكره التهانوى (¬3) من أن التوحيد مراتب، منها ما كان علميا بالبرهان وهو الحاصل للنظار بأدلة النقل والعقل، ومنها ما كان عينيا مصدره الوجدان بأن يجد صاحبه بالذوق والمشاهدة عين التوحيد- أي توحيد الله في ذاته وصفاته وأفعاله- ويرى حينئذ أن الذوات والصفات والأفعال متلاشية ليس فيها وجود بجانب ما لله تعالى الذي لا يرى غيره. 2 - والتوحيد باعتباره العلم المعروف لدى المسلمين هو العلم بالعقائد الدينية المكتسبة عن الأدلة اليقينية، ويعرفه ابن خلدون (¬4) بأنه علم يتضمن الحجاج عن العقائد الأيمانية بالأدلة العقلية والرد على المبتدعة ¬

_ (¬1) المقاصد للتفقازاني ب 2، ص 47 طبعة الأستانة. (¬2) المقدمة ص 365 - 366 مطبعة التقدم بمصر سنة 1322. (¬3) ب 2، ص 1468 وما بعدها. (¬4) المقدمة ص 363.

المنحرفين في الاعتقادات عن مذاهب السلف وأهل السنة. ومهما اختلفت تعاريفه التي عرفه بها العلماء، فالمراد أنّه العلم الذي يبحث فيه عن الله وصفاته، والرسل وما يجب أن يكونوا عليه، والدار الآخرة وأحوالها، وأخيرًا عما ألحق بهذه المسائل كمسألة الإمامة. 3 - وقد سمى هذا العلم بأسماء متعددة، منها أصول الدين، الفقه الأكبر كما سماه أبو حنيفة، علم النظر والاستدلال، علم الكلام (¬1). إلا أن أشهر هذه الأسماء هو علم التوحيد لأن الوصول للوحدانية هو أشرف مباحثه ومقاصده، وعلم الكلام لأن أشهر ما وقع فيه الاختلاف كان مسألة كلام الله أو لأنه يورث من يعانيه قدرة على الكلام في تحقيق عقائد الدين، كالمنطق في العلوم الفلسفية، وخص باسم الكلام للتفرقة بينهما، أولما فيه من الجدل والمناظرة في العقائد والبدع وهي كلام صرف لا ترجع إلى عمل (¬2). 4 - وهذا العلم وإن التبست مسائله بمسائل الفلسفة الإلهية في كتب المتأخرين حتى ظنا علمًا واحدًا على ما سيأتي بيانه، بينه وبين هذه الفلسفة فرق كبير ذلك أنه في الفلسفة الإلهية يبحث العقل بنوره الخاص ويرى حقا ما توصل إليه بالدليل دون نظر إلى ما جاء به الشرع، اما في علم الكلام فالبحث فيه يستند إلى ما جاء عن الدين من العقائد، ثم يلتمس العقل من الحجج العقلية ما يعاضد هذه العقائد التي وجب التسليم بها أولًا عن الشرع، أو بعبارة أخرى مأثورة: "الفيلسوف يستدل ثم يعتقد، والمتكلم يعتقد ثم يستدل"، وكثير ما بين المقامين (¬3). ¬

_ (¬1) التعريفات للجرجانى، ص 124 طبعة الأستانة سنة 1327 هـ، والمقاصد للتفتازانى جـ 1، ص 4. (¬2) التهانوى طبعة الأستانة جـ 1 ص 26، والمقاصد جـ 1 ص 5 وابن خلدون ص 328. (¬3) المقاصد جـ 1، ص 9، وابن خلدون ص 392، والتهانوى جـ 1، ص 28.

5 - وقد اقتضت طبيعة هذا العلم الخلاف في مسائل كثيرة ترجع إلى الدين وعقائده، إلا إنّه من الممكن أن نقول إن هذه المسائل ترجع -كما يقول الخوارزمى- إلى اثنتى عشرة مسألة. هذه المسائل هي: حدوث الأجسام للرد على الدهريين القائلين بقدم الدهر، وإثبات أن للعالم محدثا هو الله تعالى، وانه واحد للرد على الثنوية والمثلثة من المجوس والزنادقة والنصارى، وأنه لا يشبهه شيء للرد على المشبهة والمجسمة، والكلام في الرؤية ونفيها وإثباتها، والكلام في الصفات للرد على المعطلة، والكلام في أفعال العباد وهل يخلقها الله أو العباد أنفسهم، وأنه تعالى يريد القبائح أو لا يريدها، وحكم مرتكب الكبيرة ومعنى هذا الكلام في الأيمان وحده وماهيته، والدلالة على النبوة بصفة عامة ردا على البراهمة وغيرهم من مبطليها والدلالة على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم خاصة، والقول في الإمامة ومن يصلح لها. هذه هي أصول الدين -كما يرى الخوارزمى- التي تدور عليها بحوث المتكلمين وخلافاتهم، وما عداها ففروع منها أو مقدمات وتمهيدات لها (¬1). 6 - وبسبب الخلافات في أكثر هذه المسائل نشأت الفرق الإسلامية المختلفة التي سجلتها كتب علم الكلام، وهي فرق متعددة يجتمع بعضها أحيانا ويفترق أحيانا، كما قد ينضوى الكثير منها تحت لواء فرقة واحدة. من أجل ذلك يمكن حصر الفرق الأصول في ست، هي: أهل السنة، والمشبهة المجسمة، والمعتزلة، والمرجئة، والخوارج، والشيعة. ومن يرد استقصاء أمر هذه الفرق ومعرفة ما انقسمت إليه كل فرقة منها يجد طلبته على حبل الذراع منه في كتاب الملل والنحل للشهرستانى، والفصل في الملل والنحل لابن حزم، ومقالات الإسلاميين للأشعرى، ومفاتيح العلوم للخوارزمى (¬2) وغيرها من ¬

_ (¬1) مفاتيح العلوم طبع ليدن ص 39 - 41 (¬2) الطبعة المذكورة ص 34 وما بعدها. وقد جعل الإسفرايينى في التبصير ص 15 - 16 وابن حزم في الفصل ب 2 ص 111 الفرق الأصول خمسًا لا ستًّا. ولكنى زدت عليها المشبهة التي عدها الخوارزمى لأنهم جماعة لهم مذهبهم الخاص في الذات والصفات.

المؤلفات التي عنيت بهذا العلم وتاريخه. نشأته: لم ينشأ هذا العلم كاملًا مرة واحدة بل كان- شأنه شان العلوم الأخرى- محدود الدائرة في أول أمره، ثم أخذ يتسع وينمو شيئًا فشيئا تابعًا سنة النشوء والارتقاء، ومتاثرًا بعوامل مختلفة عملت على خلقه وإنمائه، حتى نضج وكمل وصار على ما نعرفه اليوم. هذه العوامل كان منها ما يتصل بالقرآن والحديث، وما يتصل بمن دخل في الإسلام من أمشاج من الأمم المختلفة في العقلية والثقافة. وما يتصل بما نقل للعربية من فلسفة اليونان وغير اليونان. 1 - القرآن وهو الكتاب الأول للإسلام يدعو إلى التفكير والنظر وينعى على التقليد والمقلدين، لذلك كان لا بد للمسلمين من أن يجيلوا العقل والرأى في القرآن نفسه وفي السنة التي جاءت تقريرا له وإيضاحًا. إلا أنهم- والرسول بين ظهرانيهم- كانوا في غير حاجة لكثير من التعمق في فهم القرآن، فكانوا يستفتونه فيما لا يفهمونه فيهديهم سواء السبيل، ولما لحق النبي صلى الله عليه وسلم بربه وظهرت مشكلة الخلافة وحدثت فتنة عثمان وعلى رضي الله عنهما، كان ذلك مما استدعى الخلاف والجدل والحجاج. اختلفوا في الإمامة وشروطها ومن أحق بها، فكان منهم الشيعة الذين يقصرونها على على وسلالته، والخوارج ومعهم المعتزلة الذين يرونها حقًّا لأصلح المسلمين ولو كان عبدًا، والمعتدلون- وهم الجمهرة الغالبة الذين يجعلونها للأصلح من قريش. ثم اختلفوا - بعد أن استحر القتل بينهم في فتنة عثمان وعلى- في الكبيرة ما هي، وفي حكم مرتكبها أمؤمن هو أم كافر، واستتبع هذا طبعًا الخلاف في الإيمان وحده، فكان من هذا الخلاف خوارج ومرجئة ثم فيما بعد معتزلة، وهكذا أصبح هذا الخلاف دينيًّا بعد أن كان أول أمره

سياسيًا فصار من مباحث علم الكلام الهامة، كما صارت الإمامة مبحثًا هامًا آخر مع أنها بالفقه أليق لأنها هن الأحكام العملية دون الاعتقادية، إذ قصاراها أنها قضية مصلحية- تتعلق بمن يصلح لإدارة أمور المسلمين- لا اعتقاديه تتعلق بأصل من أصول الدين. ولكن لما غالت الإمامية والروافض والخوارج فيها، وكان لبعضهم فيها آراء تكاد تقضى إلى رفض كثير من قواعد الإسلام، ألحقها المتكلمون بعلم الكلام لتبحث بحثًا بعيدًا عن التعصب والهوى ويتبين منه الحق من الباطل صونًا للعقائد الدينية الصحيحة (¬1). 2 - ولما استقر المسلمون بعد الفتوحات، ودخل هن دخل في الإسلام من أرباب الديانات المختلفة، عكف المسلمون من جهة على فهم القرآن والتعمق في هذا الفهم، ومن جهة أخرى أثار بعض هؤلاء الذين التحقوا بالإسلام- دون أن يتبطنوه - كثيرًا من عقائدهم الدينية التي جرت منهم مجرى الدم، وصاروا يتجادلون حولها ويجادلون المسلمين فيها. في هذه المرحلة نجد الآيات المتشابهة في القرآن يستعرضها المفكرون ويحللونها، ويحاول كل أن يخضعها لما يرى من راى؛ إما بأخذها على ظواهرها، وإما بتأويلها تنزيها لله تعالى عما يوهم التشبيه في الذات أو الصفات، وإما بالإيمان بها كما جاءت دون تعرض لها بتفسير أو تأويل. وكانت نتيجة هذه المواقف من دلك الآيات ظهور فرقة المشبهة والمجسمة، فرقة المعتزلة المعطلة النافية للصفات مبالغة في التنزيه، والصفاتية وهم جمهور السلف الذين بين بين (¬2). كما نجد- من ناحية اخرى- إنّه لما استفحل شر الملاحدة الذين كان دأبهم نشر الألحاد بين المسلمين وترجمة كتب الثنوية وغيرهم من أصحاب المقالات الضالة، انتدب علماء الجدل من المتكلمين أنفسهم لدحض تلك ¬

_ (¬1) المقاصد، ب 2 ص 199 - 700، ابن خلدون ص 268 (¬2) ابن خلدون ص 367. والشهرستانى في الملل والنحل جـ 1 هـ 166.

المقالات، وكان حاملو لواء هذا الدفاع طائفة من نبغة المعتزلة، فألفوا لهذه الغاية الجليلة الرسائل والكتب التي تشهد لهم بطول الباع وحسن البلاء، على ما سنرى. 3 - في هذه الفترة- فترة تطاحن المذاهب والنحل والآراء وعناية نبغة المتكلمين وبخاصة المعتزلة بالرد على أرباب المذاهب الضالة- نجد أبا الحسن الأشعرى ينبغ ويكون صاحب المذهب المعروف باسمه والذي ينتظم أكبر عدد من المسلمين حتى هذه الأيام، كما يكون وجوده فاتحة طور جديد في تاريخ علم التوحيد. ظهر الأشعرى وعاش في القرنين الثالث والرابع الهجريين، وأحس بحدة الخلاف بين طوائف المتكلمين في مسائل كثيرة وبخاصة في مسائل صفات الله كلامه ورؤيته، ورأى كل فريق من هؤلاء المتناضلين في هذه المشاكل قد تطرف في رأيه وغلا غلوًا كبيرًا وراح ينصره بالحق وبالباطل، فعمل على أن يكون في رأيه وسطًا وعلى أن يبنى له ولأنصاره مذهبًا يجمع عليه كلمة الأمة. وقد حقق الله له ما تشوف إليه وعمل له، فكان مذهبه هو الذي عرف بعد بمذهب أهل الحق أو مذهب أهل السنة والجماعة. 4 - انتشر مذهب الأشعرى وكثر أنصاره من المتكلمين الذين أخذوا أخذه في التأليف في علم الكلام على غراره، يردون على خصومهم ومنهم المعتزلة الذين كانوا اضطروا للتسلح بالفلسفة للرد على خصومهم الملاحدة وأرباب الملل والنحل الأخرى، فكان لا بد إذن للأشاعرة من أن يخلطوا كلامهم بغير قليل من الفلسفة، ومن أجل هذا وذاك نرى كثيرًا، من قضايا الفلسفة ومسائلها تحتل كتب علم التوحيد. وإذا فليس علم الكلام وليد الفلسفة كما يظن كثيرون خطأ. إنه ولد في الإسلام قبل أن يعرف المسلمون الفلسفة، وإن كانت أثرت فيه- لما تمثلها المسلمون- أثرًا كبيرًا، إذ قوته وشدت أزره، وأمدته بالكثير من الأسلحة والمسائل والأدلة والبراهين.

وكان من هؤلاء الأنصار الذين عملوا على نصرة مذهب الأشعرى ونشره في الشرق والغرب القاضي أبو بكر الباقلانى المتوفى سنة 403 هـ الذي له قريب من خمسين ألف ورقة من تصانيفه في نصرة الدين والرد على أهل الزيغ والبدع، لا تكاد تندرس إلى يوم القيامة (¬1) إلا أن هذا العالم الجليل الذي تصدى للإمامة في مذهب الأشعرى وهذبه، ووضع لمسائل العلم وقضاياه المقدمات العقلية التي تتوقف عليها الأدلة، وذلك مثل إثبات الجوهر الفرد والخلاء، وأنه لا يقوم العرض بالعرض وأنه لا يبقى زمانين، وأمثال ذلك مما تتوقف عليه أدلتهم- إلا أن هذا العالم على ألمعيته وجلالته جعل هذه القواعد تبعًا للعقائد الإيمانية في وجوب اعتقادها لتوقف تلك الأدلة عليها، وأن بطلان الدليل يؤذن ببطلان المدلول" (¬2). وهكذا ضيق القاضي ومن معه على الناس ولم يوغلوا برفق، وليت شعرى ماذا يرون في إيمانهم أنفسهم قبل ذلك وفي إيمان الصحابة وعامة المسلمين الذين يجهلون هذا من قبل ومن بعد (¬3). 5 - وكان من حسن جد المسلمين أن نبغ بعد الباقلانى إمام الحرمين أبو المعالى الجويني وتلميذه الأشهر حجة الإسلام أبو حامد الغزالى، فصار كل منهما إمامًا للمذهب في زمنه ولم يعتقدوا ومن تبعهم -كما رأى الباقلانى من قبل- بطلان المدلول إذا بطل الدليل، وبهذا انفك الحجر على الناس في الاستدلال، وعرفت هذه الطريقة بطريقة المتأخرين التي لاتزال تسود راسة علم الكلام حتى هذه الأيام. وهذه الطريقة تمتاز أيضًا بإفساح المجال فيها للرد على الفلاسفة فيما خالفوا فيه من عقائد الدين، وهذا هو السبب في خلط مذاهب الفلسفة بعلم التوحيد. ثم غلا المتأخرون في حشو كتبهم بمسائل الفلسفة والرد عليها - كما نرى فيما يدرس منها بالأزهر في العصر الحاضر- حتى التبس عليهم ¬

_ (¬1) الإسفرايينى، في التبصير في الدين، نشر عزت العطار الحسينى بمصر سنة 1940 ص 119. (¬2) ابن خلدون 369. (¬3) الشيخ حسين والى في كتابه التوحيد، جـ 1 ص 54 الطبعة الأولى عام 1909 م.

شأن الموضوع في العلمين فحسبوه فيهما واحدًا من اشتباه المسائل فيهما (¬1)، مع أن الحق اختلاف العلمين في الموضوع والمنهج كما أشرنا من قبل. ويرى العلامة ابن خلدون في مقدمته (ص 369) أن الغزالى أول من كتب طريقة الكلام على هذا المنحى، أي الذي يتضمن الرد على الفلاسفة، لكنى أجدنى مضطرًا لمخالفته فيما ذهب إليه، هذا لأنه بالرجوع إلى بعض مؤلفات إمام الحرمين، مثل الإرشاد في قواعد الاعتقاد (¬2) يتبين أن الغزالى استقى منها في الرد على الفلاسفة. ويكفى أن يرجع الباحث إلى مبحث القول في العالم (¬3) ومبحث إثبات العلم للصانع (¬4) ليعلم مقدار ما استفاد الغزالى من أستاذه في الرد على الفلاسفة، وإذن فلايكون هذا أول من أدخل في كتاباته في هذا العلم الرد على ماذهب إليه الفلاسفة من آراء لا تتفق في رأيه والدين (¬5). أهم الفرق الكلامية: هكذا -كما رأينا- نشأ علم الكلام، ونما وتطور من حال إلى حال حتى صار على ما نرى اليوم. فلنذكر بعد هذا كلمة قصيرة عن كل من الفرق الكلامية التي لها خطر وتاريخ. ونرى من الخير أن نتناول الحديث عن المشبهة والمعتزلة والأشاعرة معًا لارتباطهم في مسائل كثيرة، كان لكل من الفرقتين الأوليين فيها رأى خاص على النقيض من رأى الأخرى، وكان رأى الأشعرى والأشاعرة وسطًا بينهما. 1 - جاء في القرآن آيات تدل بظاهرها على أن لله وجهًا ويدين، وجهة هي السماء، ومكاناً هو العرش، ونحو ذلك مما يوهم التشبيه والجسيمة والنقلة؛ واخرى تثبت له صفات مختلفة ¬

_ (¬1) ابن خلدون ص 369 (¬2) مخطوط بدار الكتب برقم 819 توحيد. (¬3) الكتاب المذكور من الورقة السابعة. (¬4) نفسه، الورقة الثانية عشرة. (¬5) من الحق أن أقرر أن خالى العلامة المرحوم الشيخ حسين والى تبع ابن خلدون في رايه الذي أخالفه فيه. وذلك في موْلفه"كتاب التوحيد" ص 57.

من العلم والقدرة والكلام ونحوها؛ وطائفة ثالثة منها ما يصرح بأنه لا تدركه الأبصار، ومنها ما يدل على جواز رؤيته تعالى. فرأى رجال السلف الصالح متابعة الصحابة والتابعين في موقفهم منها، فغلبوا -كما يذكر ابن خلدون- أدلة التنزيه لكثرتها ووضوح دلالتها، وعلموا استحالة التشبيه، وقضوا بأن الآيات من كلام الله فآمنوا بها ولم يتعرضوا لمعناها ببحث ولا تأويل" (¬1). ومن هؤلاء الذين وقفوا هذا الموقف مالك بن أنس وأحمد بن حنبل رضي الله عنهما، فقد سئل الأول عن معنى قوله تعالى "الرحمن على العرش استوى" فقال: "الاستواء معلوم، والكيفية مجهولة، والأيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة" (¬2). إلا أنه شذ لعصر هوْلاء وبعدهم جماعة من المبتدعة راوا الأخذ بظاهر هذه الآيات ونحوها من الأحاديث، ورأوا تفسيرها كما وردت من غير تأويل، فوقعوا في التشبيه المحض والتجسيم الصريح، باعتقاد بعضهم أن لله يدا وقدما ووجها وبعضهم أن له جهة ينزل منها حين يريد وعرشًا يستوى عليه وكلامًا له صوت وحروف؛ وبذلك نرى الأولين أشبهوا في ذاته تعالى، والآخرين أشبهوا في صفاته وأنهم آلوا جميعًا إلى التجسيم (¬3) من هؤلاء المشبهة المجسمة جماعة من الحنابلة الغلاة الذين أوقعهم في هذه الهاوية تطرفهم في الأخذ بالظاهر وتفسيره كما ورد. وقد ذكر جمال الدين بن الجوزي في كتابه "دفع شبهة التشبيه" كثيرا من آراء هؤلاء المتطرفين أمثال الحسن بن حامد البغدادي الوراق شيخ الحنابلة في زمنه والقاضي أبو يعلى وابو الحسن بن الزاغونى، وغيرهم ممن يقول فيهم ابن الجوزي، في كتابه المذكور، إن من أصحابنا الحنابلة من تكلم في الأصول بما لا يصلح فنزلوا إلى مرتبة العوام؛ إذ ¬

_ (¬1) المقدمة ص 367 ومثل هذا في الملل والنحل جـ 1، ص 116 - 177 (¬2) الملل والنحل جـ 1، ص 118. (¬3) ابن خلدون ص والملل والنحل جـ 1، 117 ص.

حملوا الصفات على مقتضى الحس، وأثبتوا لله صورة ووجها زائدا على الذات .. ! وقد حكى عنهم عضد الدين الأيجى في هذه الناحية ما تأنف الآذان من سماعه (¬1). 2 - على النقيض من رأى هؤلاء الغلاة في التمسك بظاهر ما تشابه من الآيات والأحاديث فصاروا إلى التشبيه والتجسيم، نجد المعتزلة الذين غلوا في فهم وحدة الله وتنزيهه فصاروا إلى التعطيل بنفى كل الصفات. رأس هذه الفرقة هو واصل بن عطاء (80 - 131 هـ) حتى إن بعض المؤلفين يلقبها أحيانا بالواصلية (¬2). كان واصل من تلاميذ الحسن البصري، إمام أهل السنة في وقته؛ وفي يوم ما سئل البصري عن رأيه في جماعة يكفرون أصحاب الكبائر وآخرين يرجئون الحكم عليهم، فتفكر الحسن قليلا، وقبل أن يجيب قال واصل: "أنا لا أقول إن صاحب الكبيرة مؤمن مطلق ولا كافر مطلق، بل هو في منزلة بين المنزلتين: لامؤمن ولا كافر" ثم قام واعتزل إلى أسطوانة من أسطوانات المسجد يقرر ما أجاب به، فقيل اعتزل عنا واصل، وسمى هو وأصحابه معتزلة (¬3). وليس من همنا الآن أن نحقق سبب تسميتهم معتزلة، لذلك نضرب صفحًا عن الأقوال المختلفة في سبب التسمية، إلا أننا نذكر أنه قد يكون الحق أن هذه التسمية لم تكن لتركهم سارية من المسجد إلى سارية أخرى، بل لاعتزالهم ما كان معروفًا حين ذاك من الآراء في المسألة التي كان فيها الخلاف، أي من حكم من ارتكب إحدى الكبائر. وهؤلاء المعتزلة يرجعون في الأصل إلى شعبتين: شعبة البصرة التي أسسها واصل هذا الذي يذكره المسعودى بأنه شيخ المعتزلة وقديمها (¬4)، وشعبة الكوفة التي أسسها بشر بن المعتمر المتوفى عام 210 هـ. وهم فرق كثيرة تختلف في بعض التفاصيل والجزئيات إلا أنها كلها تجمعها أصول خمسة: التوحيد، والعدل، والوعد، والوعيد، والمنزلة بين المنزلتين، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر. وليس يستحق أحد منهم اسم ¬

_ (¬1) المواقف، طبع مصر عام 1357، ص 273 (¬2) الشهرستانى في الملل والنحل جـ 1، ص 57. (¬3) الملل والنحل ص 60. (¬4) مروج الذهب طبع دار الرجاء بمصر 4 ص 54.

الاعتزال حتى يجمع القول بهذه الأصول (¬1). وقد تناول هذه الأصول بالشرح والتحليل كثير من المؤلفين، نذكر منهم الخياط المعتزلى في كتابه الانتصار، والمسعودى في مروج الذهب جـ 3 ص 153 - 154، والشهرستانى في الملل والنحل جـ 1 ص 51 وما بعدها، وغير هؤلاء من المتكلمين فلا حاجة للتطويل بشرحها وتحليلها. وتطبيقًا لأصلهم الأول، وهو التوحيد، نراهم يغلون في فهم تنزيه الله عن سمات المخلوقين فينفون صفات المعاني- من العلم والقدرة والإرادة والحياة- حذرًا من تعدد القديم، كما قضوا بنفى السمع والبصر والكلام لكونها من عوارض الأجسام (¬2) وهكذا أمعنوا في هذه الناحية بنفى الصفات حتى سموا أيضًا بالمعطلة (¬3)، أي الذين عطالوا الذات من صفاتها، في مقابلة الذين أثبتوها من السلف فسموا بالصفاتية. وخير ما يمعر شرح المعتزلة لهذا الأصل- أعنى التوحيد -هو ما حكاه عنهم الأشعرى في كتابه القيم مقالات الإسلاميين (¬4) من أن الله تعالى واحد ليس كمثله شيء؛ فليس بجسم ولا سورة ولا جوهر ولا عرض ولا بذى لون ولا رائحة ولا مجسة، ولا طول ولا عرض ولا عمق، ولا يتحرك ولا يسكن، وليس بذى أعضاء وأجزاء وجوارح وليس بذى جهات ولا يحيط به مكان، ولا تجوز عليه المماسة ولا تدركه الحواس، ولا يقاس بالناس ولا يشبه الخلق بوجه من الوجوه، ولا تدركه الأبصار ولا يسمع بالأسماع، إلى آخر للك الصفات السلبية كلها التي بها يسلم أصلهم الأول وهو توحيد الله في كل شيء وتنزيهه عن كل مشابهة لشئ من خلقه ماخطر منها بالبال وما لم يخطر. وهكذا نرى رأى المعتزلة في هذه المسألة يقوم على الاستمساك بآيات التنزيه وتأويل الآيات المتشابهة تأويلًا يتفق والتنزية والتوحيد اللذين جاء بهما الإسلام. كان من هذا أن أولوا الاستواء على العرش بالاستيلاء، واليد بالقدرة أو النعمة، والعين- في قوله تعالى ¬

_ (¬1) الانتصار لأبي الحسين الخياط المعتزل نشره الدكتور نيبرج وطبع دار الكتب عام 1925 م ص 126 (¬2) ابن خلدون ص والتفتازانى في المقاصد جـ 2 ص 54. (¬3) الملل والنحل جـ 1 ص 116، والمقاصد ص 54. (¬4) ص 155 - 156.

"ولتصنع على عينى"- بالعلم (¬1)، وأن أجمعوا على أن الله لا يرى بالأبصار (¬2) لاستلزام الرؤية الجهة والجسمية عندهم. والمعتزلة بعد هذا كانوا أكثر الفرق اتصالًا بالفلسفة اليونانية وأسرعهم للإفادة منها؛ اضطرهم لذلك ما انتدبوا أنفسهم له من الحجاج عن الدين وعقائده، والرد على المخالفين من أصحاب الملل والنحل الأخرى. ولهم في هذا أعلام يشار إليهم مثل أبو الهذيل العلاف شيخهم الأكبر كما يصفه الشهرستانى (¬3)، والذي عاش في القرنين الثاني والثالث من الهجرة، وتلميذه إبراهيم بن سيار النظام المتوفى عام 221 هـ الذي جعل وَكده الرد على الملحدين وبخاصة الدهريين، والجاحظ تلميذ النظام وخريجه المتوفى -كما يروى ابن خلكان- عام 255 هـ وقد نيف على التسعين والذي كان حياته لسان المعتزلة المدافع عنها، وساعده على هذا أن حظه من الفلسفة اليونانية كان أوفر من حظ سابقيه. هذه الجهود في نصرة الدين والرد على الملاحدة هي التي جعلت أبا الحسين الخياط يقول: "وويل صاحب الكتاب- يريد ابن الروندى- من الملحدين والذب عن التوحيد لولا إبراهيم وأشباهه من علماء المسلمين، الذين شأنهم حياطة التوحيد ونصرته والذب عنه عند طعن الملحدين فيه الذين شغلوا أنفسهم بجوابات الملحدين ووضع الكتب عليهم إذ شغل أهل الدينا بلذاتها وجمع حطامها. (¬4) ". بعد هذا لا يكون الباحث مبالغًا أن قرر أن المعتزلة هم الذين خلقوا علم الكلام على هذا النحو، بنصبهم أنفسهم مدافعين عن الدين، رادين على الفرق المخالفة للحق في رأيهم من المسلمين وغير المسلمين. في ذلك يقول الشهرستانى: "ثم طالع بعد ذلك شيوخ المعتزلة كتب الفلاسفة حين فسرت أيام المأمون فخلطت مناهجها بمناهج الكلام، وأفردتها فنًا من فنون العلم وسمتها باسم الكلام" (¬5) ولا نتعرض هنا للحكم على خلقهم هذا العلم أكان شرًّا أم خيرًا، فلذلك موضع آخر غير هذا البحث المحدود. ¬

_ (¬1) مقالات الإسلاميين ص 595. (¬2) نفسه ص 157. (¬3) جـ 1 ص 33. (¬4) الانتصار جـ 1 ص 4. (¬5) الملل والنحل جـ 1 ص 32.

3 - ومهما يكن فقد ظهر الأشعرى في هذه الفترة، فترة تطاحن الملل والنحل والمذاهب والآراء، فأسس مذهبه الذي عرف فيما بعد بمذهب أهل السنة والجماعة من أصحاب الحديث والرأى. وحملة فرق الفقهاء، أي أهل الحق دون من عداهم من المبتدعين (¬1). ومؤسس هذا المذهب هو أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعرى البصري مولدًا والمتوفى عام 330 هـ على أرجح الأقوال. ومن الطريف ذكره هنا أن الأشعرى، وهو إمام أهل السنة، نشأ على الاعتزال وتتلمذ على أبي على الجبائى حتى صار إمام المعتزلة في عصره؛ وأن واصل بن عطاء كان -كما رأينا- في أول أمره سلفيًا تلميذًا للحسن البصري؛ من أجل هذا نرى الناس يرتابون في الأشعرى حينما ظهر بمذهبه الجديد، سواء في ذلك أصحابه الأولون المعتزلة ومن مال إليهم وهم أهل السنة، وبلغ من هذه الريبة أن كفره الحنابلة واستباحوا دمه. عنى الأشعرى بتحكيم العقل والنظر الصحيح في آراء تلك الفرق المتعارضة المتناقضة وبخاصة في آراء المعتزلة أصحابه القدامى، حتى هدى في كثير من الحالات إلى رأى وسط يعتبر الحق لدى جمهرة النظار المعتبرين. وفي ذلك يقول ابن خلدون بعد ما حكى في إيجاز آراء المشبهة والمجسمة وما كان من المعتزلة من عقائد تخالف مذهب أهل السلف، ومن هذا رأيهم في القرآن وأنه مخلوق مما كان سببًا للفتنة الدامية المعروفة أيام المأمون ومن بعده ومن رأى رأيه- يقول: وكان ذلك سببًا لانتهاض أهل السنة بالأدلة العقلية على هذه العقائد دفعًا في صدور هذه البدع، وقام بذلك الشيخ أبو الحسن الأشعرى إمام المتكلمين فتوسط بين الطرق، ونفى التشبيه، وأثبت الصفات المعنوية وقصر التنزيه على ما قصره عليه السلف وشهدت له الأدلة المخصصة لعمومه، ورد على المبتدعة في ذلك كله، وتكلم معهم فيما مهدوه لهذه البدع من القول بالصلاح والأصلح والتحسين والتقبيح، وكمل العقائد في البعثة وأحوال الجنة والنار والثواب والعقاب، وألحق بذلك ¬

_ (¬1) التبصير في الدين للإسفرايينى ص 16، وابن حزم جـ 2، ص، 122.

الكلام في الإمامة لما ظهر حينئذ من بدعة الإمامية من قولهم إنها من عقائد الإيمان" (¬1). وفي مكانة الأشعرى وأثره في هذا العلم يقول أيضًا الحافظ بن عساكر الدمشقي المتوفى عام 571 هـ: إنه في ذلك العصر قام سوق البدع، وحاد أهل الاعتزال عن سنن الاعتدال فنفوا عن الرب سبحانه ما أثبته من صفاته، وتمادى أهل التشبيه حتى توهموا ربهم جسمًا يقبل تميزًا وافتراقًا وانضمامًا. حتى جاء أبو الحسن الأشعرى فكان لديد الخصام لمن حاول الإلحاد في أسماء الله وصفاته، وألزم الحجة لمن خالف السنة، فلم يسرف في التعطيل ولم يغل في التشبيه وكان بين ذلك قوامًا (¬2). وقد ظهر توسط الأشعرى وكبار النظار الذين نصروا رأيه من بعده وسموه مذهب أهل السنة والجماعة، في مسائل كثيرة نذكر منها ثلاثًا هي في رأينا أهمها. هذه المسائل هي: مسألة الصفات، ومسألة الكلام وما يتبعها من أن القرآن مخلوق أو غير مخلوق، ومسألة رؤيته تعالى. ففي مشكلة الصفات وجد الأشاعرة أن المشبهة والمجسمة ألغوا عقولهم بحجة التمسك بالظاهر فأضافوا لله ما لا يرتضيه عاقل من الصفات التي تدل على أن له تعالى جهة ومكانًا وأجزاء ونحو هذا، وأن المعتزلة غلوا في الطرف الآخر فنفوا عن الله كل صفة فوقعوا في التعطيل، وأن الحق التوسط في الأمر فأضافوا له صفات العلم والقدرة ونحوهما مما لا يوهم التجسيم والتشبيه، وبذلكُ كانوا بحق وسطًا بين طرفى الإفراط والتفريط. وكذلك في مشكلة الكلام: أحادث هو أم قديم، والقرآن: أمخلوق هو أم غير مخلوق، رأوا- في الأشاعرة- الحنابلة والحشوية يذهبون إلى أن الأصوات والحروف مع تواليها وترتب بعضها على بعض كانت ثابتة في الأزل قائمة بذاته تعالى، وإلى أن المسموع من أصوات القراء والمرئى من أسطر الكتاب ¬

_ (¬1) المقدمة ص 368. (¬2) تعيين كذب المفترى، نشر المقدسي بدمشق عام 1347 هـ، ص 25 - 26

نفس كلام الله القديم، بل زاد بعضهم في الغلو فذهب إلى أزلية الجلدة والغلاف كما ذهب آخرون إلى أن الجسم الذي كتب به القرآن فانتظم حروفًا وكلمات هو بعينه كلام الله وصار قديما بعد أن كان حادثًا (¬1)؛ كما رأوا أن المعتزلة ذهبوا إلى أنه حادث مخلوق لأنهم زعموا أنه من الحروف وهذا بلاشك حادث؛ ولذلك قالوا الحادث لايقوم بذاته تعالى، وإذن فمعنى كون الله متكلمًا- وهذا مالا يسعهم إنكاره- أنه خلق الكلام في بعض الأجسام المخصوصة كاللوح المحفوظ وجبريل والنبي [- صلى الله عليه وسلم -] (¬2). هكذا رأى الأشاعرة الأمر بين الحنابلة والمعتزلة، فنظروا في حجج الفريقين، ووزنوها بميزان العقل والإنصاف، فكانت النتيجة أن وافقوا الأولى في أن القرآن قديم، ولكنه ليس كما قالوا الألفاظ والحروف التي نراها مسطورة في الصحف ونسمعها بآداننا ونتلوها بألسنتنا، إنما هو المعنى النفسى القائم بذاته تعالى. كما وافقوا الآخرين على أن النظم المؤلف من الحروف والأصوات على الترتيب المعروف حادث، لكن هذا ليس القرآن محل النزاع، إنه كما قلنا المعنى النفسى القائم بذات الله وهو قديم لاريب فيه للاتفاق على استحالة قيام الحوادث بذاته تعالى (¬3) وهذا الرأى الذي حكيناه عن الأشاعرة نجده في كتب التوحيد بأيدينا وتدرس بالأزهر، كما نجده للأشعرى نفسه في كتابه الإبانة وكتابه مقالات الإسلاميين (¬4)، وللغزالى في كتابه الاقتصاد (¬5). بقى -بعد هذه المسألة وتلك- مسألة رؤية الله، وهل هي جائزة أو ممتنعة، وإذا كانت جائزة فكيف، أما الحنابلة المشبهة فيجيزونها في الدنيا، جريًا وراء الظاهر من الآيات والأحاديث كما ذكره جمال الدين بن الجوزي في كتابه دفع شبهة التشبيه (¬6) وأجازوها في جهة ومكان (¬7)، بينما أحالها المعتزلة لما تستلزمه في رأيهم من جهة يكون فيها المرئى في مقابلة الرائى، كما تقدم ¬

_ (¬1) المقاصد جـ 2، ص 74، والمواقف، الطبعة السابقة ص 293 (¬2) المقاصد جـ 2، ص 74 والمواقف ص 293 - 294. (¬3) نفسه ص والمقاصد ص 74 وما بعدها. (¬4) ص 292. (¬5) ص 53 وما بعدها. (¬6) ص 29 وما بعدها. (¬7) المقاصد جـ 2 ص 82.

بيانه عنهم (¬1)، فجاء الأشاعرة وذهبوا إلى جواز الرؤية بالأبصار في الدنيا ووقوعها في الآخرة من غير أن تستلزم أن يكون المرئى في مكان وجهة ودون ارتسام سورة المرئى في العين ونحو هذا مما يوهم التشبيه (¬2). بذلك كان الأشاعرة وسطًا في هذه المسألة كما في سابقتيها، إذ لم يذهبوا إلى ما رآه المعتزلة من نفيها مطلقًا، ولا إلى ما رآه الحنابلة من جوازها- بل ووقوعها- بما تستلزمه من الجهة والمكان والمقابلة كما في الحوادث. وإذا جاز لنا أن نبحث هنا مدى نجاح الأشاعرة في محاولاتهم التي ذكرنا بعض الشيء عنها في التوفيق بين بعض الآراء والمذاهب المتعارضة، نقول إنهم في مسألة الصفات لم يوفقوا فيما نرى. إنه ليس هناك من الأدلة القطعية ما يثبت أن لله صفات غير الذات، وكل ما في الكلام أنه متكلم وقادر وعالم إلخ فلو وقفوا عند هذا ولم يحاولوا إثبات صفات زائدة على الذات، لما لزمهم القول بتعدد القدماء لزومًا لم يستطيعوا الفرار منه ولا الدفاع عنه. وفي مسألة كلام الله وقدمه كان التوفيق فيما نرى حليفهم. لقد فرقوا بين الكلام المتلفظ به الذي نقرؤه - وهو حادث- وبين الكلام النفسى القائم بذاته تعالى وهو القديم، وبهذا حكموا اللغة والنقل والعقل وخلصوا من شنعة القول بخلق القرآن أو بقدم كل ما يتصل به حتى الجلدة والغلاف. وكذلك كانوا موفقين في مشكلة رؤيته تعالى. إنهم بعد أن نزهوا الله عما يوهم التشبيه والتجسيم اللذين وقع فيهما المشبهة والمجسمة، وجدوا من الآيات والأحاديث ما يجيز رؤيتنا لنّه تعالى، فأثبتوها بلا كيف ولا انحصار ولا جهة ولا مكان ولا غير ذلك مما يكون عادة في رؤية الحوادث، وهذا ما لا يحيله العقل السليم. بعد هذا نذكر كلمة عن الخوارج والمرجئة والشيعة، حتى نخلص من التعريف بالفرق الأصول كلها كما وعدنا أول البحث. ¬

_ (¬1) وينظر أيضًا المواقف ص 307 وما بعدما. (¬2) المواقف جـ 299 وما بعدها والمقاصد جـ 2 ص 83 وما بعدها.

4 - ظهر الخوارج إثر فتنة على ومعاوية رضي الله عنهما، وتاريخهم كحزب سياسى كان له آثار لها خطرها في الدولة الإسلامية، كل ذلك معروف فلا حاجة للكلام فيه، إنما الذي يهمنا الآن هو تعرف ما كان لهم من رأى في بعض المسائل الدينية التي جرهم إليها موقفهم السياسي. فقد انتهى تشددهم في الدين إلى أن قرروا أن الإيمان ليس الاعتقاد وحده، بل يدخل فيه العمل بما أنزل الله من أوامر، وإذًا فمن اعتقد بوحدانية الله وبرسالة من أرسل من رسله ولم يعمل بأوامره فهو كافر. وبذلك نرى الخلاف السياسي الذي كان يدور على الخلافة ومن أحق بها، يأخذ طابعًا دينيًّا قويًّا، وتتكون حوله فرق الخوارج والشيعة والمرجئة. وفرق الخوارج العشرون تختلف فيما بينها في الجزئيات والتفاصيل إلا أنها جميعها تتفق علي أن كل من أتى من المسلمين ذنبا فهو كافر (¬1)؛ لأن الإيمان اعتقاد وعمل، وهذا ما اشتهر بين علماء الكلام بمسألة مرتكب الكبيرة وهل هو كافر أو مؤمن أو في منزلة بين المنزلتين، على الخلاف بين الخوارج والمرجئة والمعتزلة. ويذكر ابن حزم أن عمدة مذهب الخوارج هو الكلام في الإيمان والكفر ما هما، والتسمية بهما، والوعد، والإمامة، واختلفوا فيما عدا ذلك كما اختلف غيرهم (¬2). وبهذا لا يكون بعيدًا عما ذكر الأسفرايينى في التبصير. وجملة القول في مرتكب الكبيرة أن الأمة اختلفت في حكمه واسمه على مذاهب لكل أدلته التي استند إليها؛ فقال الأشاعرة إنه مؤمن ورأى الخوارج أنه كافر، وتوسط بينهما المعتزلة فذهبوا إلى أنه لا مؤمن. ولاكافر، بإطلاق بل هو في منزلة بين الإيمان والكفر (¬3) ومعلوم أن هذا الخلاف فرع الخلاف في حد الإيمان والكفر. 5 - وكما كان بحث الخوارج يدور حول الإيمان والكفر، كذلك كان بحث ¬

_ (¬1) التبصير ص 26، الملل والنحل للشهرستانى جـ 1 ص 154 وها بعدها، والمقاصد جـ 2 ص 182. (¬2) الفصل جـ 2 ص 113. (¬3) المقاصد جـ 2 ص، والمواقف الطبعة السابقة ص 384 , وما بعدها.

المرجئة (¬1) وهم الفرقة التي ذهبت إلى أن الإيمان هو التصديق أي معرفة الله بالقلب دون الإقرار باللسان والعمل بالجوارح، وبعضهم زاد الإقرار باللسان على المعرفة بالقلب، وبعضهم غلا غلوًا كبيرأ فزعم أن الإيمان قول باللسان وإن اعتقد الكفر بقلبه، وإذن فهم جميعًا يتفقون على أن العمل ليس من مفهوم الإيمان (¬2)، ولعل هذا الرأى في الإيمان، أعنى إرجائهم وتأخيرهم العمل منه على معنى أنهم يقولون؛ "ولا تضر المعصية مع الإيمان كما لا تنفع الطاعة مع الكفر"، هو سبب تسميتهم بهذا الاسم الذي عرفوا به (¬3). وقد كان الباعث الأول لظهور المرجئة سياسيًا مرده إلى مسألة الإمامة وخلاف على ومعاوية؛ رأوا الخوارج يكفرون أصحاب الكبائر والشيعة الذين يرون -كما سيجئ- أن الإيمان بالإمام وطاعته جزء من الإيمان بالله، فأخذوا يبحثون فيما هو الإيمان، وكان أن ذهبوا إلى ما ذهبوا إليه فيه فلم يكفروا طائفة من تلك الطوائف المختلفة. إلا أنه لما كانوا على طرفى نقيض مع الخوارج كانت الخصومة حادة بين الطائفتين، كما كان شديدًا خلافهم مع المعتزلة أيضًا، لجعل هؤلاء وأولئك- الخوارج والمعتزلة- العمل جزءًا من الإيمان لا يتم إلا به. من أجل ذلك نرى بعضهم يؤلف الكتب في نصر مذهبه والرد على خصومه. كما ذكر ابن النديم أن اليمان ابن رباب، من جملة الخوارج ورؤسائهم، كان من تآليفه كتاب على المعتزلة في القدر، وآخر في الرد على المرجئة (¬4) ولهذا أمثال كثيرون بين الفرق الإسلامية. 6 - وأخيرًا نصل إلى الشيعة، الفرقة السادسة من الفرق الأصول الست. أشرنا من قبل إلى أن مشكلة الخلافة كانت من المشاكل الأولى التي واجهت المسلمين واختلفوا فيها فتكون حول هذا الخلاف الخوارج والشيعة والمرجئة. ¬

_ (¬1) الفصل لابن حزم جـ 3 ص 112 (¬2) نفسه جـ 4 ص 204، والشهرستانى جـ 1 ص 186 - 187 (¬3) التبصير ص 60. (¬4) الفهرست ص 258.

وأصل كلمة "شيعة" تطلق على أتباع الرجل وأنصاره، فكان هناك إذا شيعة على وشيعة معاوية، لكن هذا لما أصبح بعد وفاة على وتنازل ابنه الحسن عن الخلافة صاحب أمة لا صاحب حزب وشيعة خاصة، أصبحت هذه الكلمة إذا أطلقت يراد بها حزب على وبنيه وحده. هذا الحزب أقض مضاجع الأمويين أولًا ثم العباسيين من بعد، وكان له منازعات- تستخفى آنا وتستعلن آنا- وحروب غيروا بها من حكومات الدولة الإسلامية، وذلك كله معروف ليس هنا موضع الكلام فيه. إنما الذي نشير إليه هو خلافهم الهام في الإمامة الذي ألبسوه ثوب الدين فأصبح ملحقًا بعلم الكلام (¬1) أما فيما عدا الإمامة فهم يوافقون المعتزلة في كثير من مسائله. والشيعة طوائف متعددة، إلا أنه تكاد تجمعهم هذه الطوائف: الغالية الذين غلوا في على رضي الله عنه وقالوا فيه ما لم يرد. وما لم يأذن به الله، والكيسانيةَ الذين ينسبون إلى كيسان رئيس جند المختار بن عبيد الثقفى الذي خرج مطالبا بدم الحسين وداعيًا لمحمد ابن الحنفية؛ والزيدية نسبة إلى زيد بن علي بن زين العابدين بن الحسين عليهما السلام والإمامية الذين يجعلون الخلافة بعد على زين العابدين هذا في محمد الباقر لا زين العابدين بن علي. ولكل من هذه الطوائف فرق تتفرع منها وتختلف في هذه أو تلك من المسائل، وإن كان عمدة كل منهم جميعًا يدور حول الإمامة والمفاضلة بين أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم (¬2). والشيعة جميعًا يعتقدون أن الإمامة ركن من أركان الدين، فليس للنبي [- صلى الله عليه وسلم -]- إذًا- إغفالها ولا تركها للأمة تعين فيها من تشاء، بل عليه تعيين الإمام لهم، وزادوا على هذا أنهم يعتقدون أيضًا أن الرسول صلى الله عليه وسلم عين لهذا المنصب الجليل عليًّا رضي الله عنه معتمدين على نصوص يتداولونها ويؤولونها كما يشاءون، كان كان جهابذة السنة ونقلة الشريعة -كما يقول ابن خلدون- لا يعرفونها (¬3) لذلك اضطر أهل السنة ¬

_ (¬1) ابن خلدون في المقدمة ص، والمقاصد جـ 2 ص 199 - 200 (¬2) الفصل لابن حزم جـ 2 ص 113. ومن الخير أن يرجع في بيان هذه الفرق وغيرها إلى مقدمة ابن خلدون ص 156 وما بعدها. (¬3) المقدمة. ص 155، والمقاصد جـ 2 ص 20

لإلحاق مبحث الإمامة بعلم الكلام ليردوا على عقائد الشيعة فيها ما دام هؤلاء قد جعلوها من عقائد الإيمان (¬1). وقد فصل سعد الدين التفتازانى القول في إيراد حجج الشيعة والرد عليها (¬2) كما فعل أمثاله من محققى علماء الكلام، فمن السهل الرجوع إلى ذلك في مواطنه. خاتمة: تلك كلمة عن علم التوحيد أو الكلام ونشأته وعوامله وتطوراته التي بها، وأشهر فرقه، وأصول كل فرقة منها. بقى إن نشير إلى رأى رجال الدين في هذا العلم بعد ما رأوا ماجره من فرقة وخلاف أمرهما معروف. لما اتصل المسلمون بالفلسفة اليونانية ونقلت كتبها للغة العربية أقبل عليها المسلمون إقبال الفهم، فمنهم من أخذ منها ما يصلحه ودينه، ومنهم من أعطى لعقله كامل حريته فلم ير للتفكير حدودًا يقف عندها إلا حدود المنطق. وكان من ذلك -كما رأينا- أن اختلط علم الكلام بالفلسفة اختلاطًا كبيرًا أضر بالعقيدة، فكرهه كثير من رجال الدين ورأوا تحذير العامة منه. إلا أن منهم من غلا في هذا غلوًا كبيرًا. يروى ابن الجوزي المتوفى عام 597 هـ عن الشافعي أنه قال: "لأن يبتلى العبد بكل ما نهى الله عنه ما عدا الشرك- خير له من أن ينظر في علم الكلام"، كما يروى عن أحمد بن حنبل أنه قال: "لا يفلح صاحب الكلام أبدًا، علماء الكلام زنادقة (¬3) " والمقريزى المتوفى عام 845 هـ يذكر في فصل عقده لبيان الحال في عقائد المسلمين إلى أن انتشر مذهب الأشعرى، أنه تبع المعتزلة في بدعهم خلق كثير فنهى أئمة الإسلام عن مذهبهم وذموًا علم الكلام وهجروا من ينتحله (¬4). ونفس المؤلف يختم هذا الفصل بقوله: "فهذه جملة من ¬

_ (¬1) المقاصد جـ 2 ص 199 (¬2) نفسه جـ 2 ص 210 وما بعدها. (¬3) تلبيس إبليس، مطبعة النهضة بمصر سنة 1928 م ص 82 - 83 ومفتاح السعادة ومصباح السيادة لطاش كبرى زاده جـ 3 ص 26. (¬4) الخطط، طبع مصر سنة 1326، جـ ص 183

أصول عقيدته -أي عقيدة الأشعرى- التي عليها الآن جماهير أهل الأمصار الإسلامية والتي من جهر بخلافها أريق دمه" (¬1). وبعد هذين نجد طاش كبرى زادة المتوفى عام 962 - يذكر أن كثيرًا من فقهاء عصره أنكروا على المشتغلين بهذا العلم أشد الإنكار؛ وأنه- لهذا- يجب التفرقة بين علم الكلام الذي دخل فيه من الفلسفة ما لا يتفق والكتاب والسنة، ككلام المعتزلة والمرجئة وأمثالهم، وبين علم الكلام المؤسس على الكتاب والسنة في مسائله، والأول هو الذي يجب ذمه وإنكاره دون الثاني (¬2). نعتقد أن هؤلاء وأمثالهم قد أسرفوا في ذم هذا العلم والتنفير منه، ولكن نعتقد أيضًا أنه كان لهم شيء من العذر فيما ذهبوا إليه، وربما كان من الخير- وقد أشرنا إلى تلك الآراء- أن نشير إلى رأى نوافق عليه كل الموافقة وهو رأى العلامة المرحوم الشيخ حسين والى من علماء هذا العصر الذي نعيش فيه. هذا الرأى هو أن دراسة القرآن لفهم العقائد والتدليل عليها أولى من دراسة كتب الكلام الآن! لأن هذا العلم حدث في زمن كانت الحاجة ماسة له للرد على خصوم الإسلام من الدهريين والزنادقة والملاحدة والمبتدعة أما الآن وقد ذهبت تلك الخصوم وجاء خصوم آخرون فلا يليق فرض المذاهب حاضرًا وتركُ الحاضر الذي لا يرده إلا كتاب الله إذا بينه المراد على وجهه، وليس من الحزم أن يضيع الإنسان عمره في الاشتغال بخصوم موهومة وتركُ الخصم الموجود الذي ضيق عليه المساللُ. فضلًا عن هذا فإن تلك الكتب- كتب علم الكلام- فيها حجب كثيفة تمنع النور وتحدث الظلمة، وربما قضت على اعتقاد ثابت صحيح. والله الهاد إلى سواء السبيل. محمد يوسف موسى ¬

_ (¬1) الخطط ص 188 (¬2) مفتاح السعادة جـ 3 ص 33 وما بعدها.

التوراة

التوراة " التوراة" وبالعبرية تورا: في الآيات، المدنية (وفي بيت نسب للشاعر اليهودى السماك (¬1) في ابن هشام، ص 659) كتاب أنزل بعد إبراهيم (سورة آل عمران، الآية 65) وإسرائيل (= يعقوب، سورة آل عمران، الآية 93) ثم أيده عيسى (سورة آل عمران، الآية 50؛ سورة المائدة، الآية 46؛ سورة الصف، الآية 6) وفيه حكم الله (سورة المائدة، الآية 43). والذين يقيمون التوراة من أهل الكتاب يثابون بالجنة (سورة المائدة، الآيةْ 70) (¬2) أما الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها فمثلهم "كمثل الحمار يحمل أسفارًا" (سورة الجمعة، الآية 5) وتبشر التوراة بالنبي الأمى (سورة الأعراف، الآية 157) أي محمد [- صلى الله عليه وسلم -]، وتعد الذين يقاتلون في سبيل الله بالجنة (سورة التوبة، الآية 111) (¬3) وفي الآية 44 و 45 , من سورة المائدة عبارة من التوراة، فهي تردد تقريبًا نص الفقرة الخامسة والعشرين وما بعدها من الإصحاح الحادي والعشرين من سفر الخروج (¬4). أما المثل (¬5) الذي ساقته الآية 29 من سورة الفتح نقلًا عن التوراة والإنجيل فليس من التوراة ولكنه في جوهره من المزامير (انظر على سبيل المثال المزمور ¬

_ * راعينا في ترقيم الآيات الواردة بهذه المادة والتعليق عليها المصحف المكي. اللجنة (¬1) هكذا نقله كاتب عن السيرة طبعة أوربة "السماك" بالكاف، وهو خطأ صوابه "سمال" كما في نسختنا المصححة منها وكما في الروض الأنف (جـ 2 ص 180) وتاريخ ابن كثير (ب 4، ص 79). (¬2) يشير الكاتب إلى الآية 66 وليست تدل على ما يريد، وقد ترك التي قبلها. ونص الآيتين 65 - 66 من سورة المائدة "ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا لكفرنا عنهم سيئاتهم ولأدخلناهم جنات النعيم. ولو أنهم أقاموا التوراة والانجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم. منهم أمة مقتصدة وكفير منهم ساء ما يعملون" فالشرط عليهم في الايتين لم ن يؤمنوا بالقرآن إلى جانب إيمانهم بالكتب السابقة. أحعد محمد شاكر (¬3) في الآية "ومحمد، عليه حقًّا في التوراة والإنجيل والقرآن". (¬4) و (¬5) و (6) وماذا في هذا. يحكى الله سبحانه في القرآن أنه كتب عليهم في التوراة أن النفس بالنفس والعين بالعين إلخ ... إن القرآن جاء مصدقًا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا أي رقيبًا عليه، وهذا الذي تتواتر الأدلة المتضافرة على صحته ليس من بأس أن يحكى القرآن شرائع مما في التوراة وأن يأتي بقصص للأنبياء كما جاء في التوراة والأنجيل لأن المسلمين يعتقدون أن الله سبحانه أنزل كتبًا على أنبيائه قبل القرآن منها التوراة والانجيل. فالتور أنزلت على موسى من عند الله، والانجيل أنزل عيسى من عنده سبحانه. ثم أوحى إلى خاتم الأنبياء بخاتم الكتب. ولكن القرآن لم ينص على أن هذه النسخ التي في أيدى القوم في عصر النبوة أو في هذه العصور هي الكتب التي لم نزلها الله على =

لأول، الفقرة 3 المزمور 72، الفقرة 16؛ المزمور 92، الفقرة 14). وفي عجز الآية 93 من سورة آل عمران تحدى اليهود أن يأتوا بالتوراة ويتلوها (سفر التكوين، الإصحاح 32، الفقرة 33) ليعرفوا حكمها الذي وردت مادته في صدر هذه الآية. على أن العبارة التي وردت في الآية 32 من سورة المائدة لم تستق من التوراة بل من مشنه سنهدرين (الإصحاح الرابع، الفقرة 5). وفي القرآن- إلى جانب مثل هذه الإشارات البينة إلى التوراة- قصص (¬6) وأحكام استقاها منها ورددها في مواضع كثيرة. ولم يعرف محمد [- صلى الله عليه وسلم -] من أسفار العهد القديم - إلى جانب التوراة- سوى الزبور، أي المزامير. ولعله كان يقصد بالتوراة ما يقصده اليهود أنفسهم أحيانًا، وهو أنها تشمل جميع أسفارهم Exegetische Ter-: Bacher) minologie جـ 1، ص 197). وقد ذكرت التوراة كثيرًا في الحديث، ونص في بعض الأحاديث على أن موسى هو الذي آتاه الله التوراة (البخاري: كتاب التفسير، سورة البقرة، باب 1؛ كتاب التوحيد، باب 19. 24، مسلم: كتاب الإيمان، حديث 322، ابن ماجه: كتاب الزهد، باب 37). وبينما يذكر الحديث أن اليهود يفاخرون بأنهم أوتوا التوراة وهي خير كثير (الترمذي: كتاب التفسير، سورة بنى إسرائيل، حديث 12؛ وانظر على سبيل المثال سفر الأمثال، الإصحاح الرابع، الفقرة 2) إذ يشير في موضع آخر بأنها لاتغنيهم شيئًا وأن ليس فيها مثل أم القرآن، أي السبع من المثانى (الترمذي: كتاب التفسير، سورة بنى إسرائيل، حديث 3، كتاب فضائل القرآن، باب 1) (¬7) وما صفة [- صلى الله عليه وسلم -] في ¬

_ (4) و (5) و (¬6) = أنبيائه بل حكم عليها حكما قاطعًا صريحًا أن فيها شيئًا مما أنزل وأن القوم نسوا بعضا مما ذكروا به وأنهم حرفوا بعضا وأخفوا بعضًا فما كان منها موافقًا للقرآن كان حقًّا وما خالفه لم يكن مما أنزل على الآنبياء. ولذلك احتج عليهم رسول الله في قصة اليهوديين الذين زنيا بأن حكم الله في الكتاب الذي بين أيديهم فحكم الرسول برجم الجانيين لما أقام عليهم الحجة أن حكم الله في التوراة يوافق حكم الله في الإسلام. أحمد محمد شاكر (¬7) لسنا ندرى إلام يرمى كاتب المادة؟ أما الحديث الذي أشار إليه في فصائل القرآن الكريم فهو في الترمذي في أبواب ثواب القرآن (جـ 2، ص 143، طبعة =

التوراة إلا رواية غير دقيقة للفقرات 1 - 4 من الإصحاح الثاني والأربعين من سفر أشعيا (انظر الفقرات المماثلة في ابن سعد جـ 1 - 2، 87 وما بعدها) ويقول البخاري (كتاب التفسير، سورة الفتح، باب 3؛ كتاب البيوع، باب 50) إن بعض هذه الصفة قد انتقل إلى القرآن (سورة الأحزاب، آية 45، سورة الفتح، الآية 8) (¬1). بالصيغة التي أوردها. وذكر أيضًا حديثًا (كتاب التوحيد، باب 31؛ 47 كتاب مواقيت الصلاة، باب 17)، احتذى مثل "العمال وأجرهم" فجاء فيه أن أهل الكتاب شكوا من أن أهل القرآن أقل منهم عملًا وأكثر أجرًا، وهي إشارة إلى زيادة الفرائض على اليهود منها على المسلمين. ويقول البخاري في تفسير الآية 187 من سورة آل عمران (المناقب، باب 26، كتاب التفسير، سورة آل عمران، باب 6؛ كتاب التوحيد، باب 51 (إن النبي [- صلى الله عليه وسلم -] سأل اليهود كيف يفعلون بمن زنى منهم فحاولوا أن يزيفوا عليه الجواب ويخفوا عنه الفقرة التي نصت التوراة فيها على الرجم (سفر التثنية، الإصحاح 22، الفقرة 23 وما بعدها) فباءوا بالخيبة. وعن ابن ماجة (كتاب الأطعمة، باب 39) أنه جاء في التوراة "بركة الطعام الوضوء" وهو قول يرد ما أمر به اليهود من غسل اليدين قبل الطعام إلى التوراة، ويزعم دارسو العهد القديم والعهد الحديث أن هذا الحكم وارد فيها. وقد رغبت إشارات القرآن إلى التوراة علماء المسلمين من قديم في توثيق معرفتهم بما جاء فيها، على أن ¬

_ = بولاق، وفيه قول رسول الله لأبي بن كعب "تحب أن أعلمك سورة لم ينزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في الفرقان مثلهاه" أراد بذلك سورة الفاتحة. وليس لهذا علاقة بالبحث في مادة توراة. وأما اشارته إلى كتاب التفسير من الترمذي فليس في الموضع الذي أشار إليه شيء مما زعم. وليس فيه إلا حديث عن يوم القيامة يوم يدعى كل أناس به. مامهم فيعطى المحسن كتابه بيمينه إلخ ... والمراد سجل أعمال الشخص يوم القيامة لايراد به التوراة ولا غيرها. وانظر تفسير سورة بنى إسرائيل في الترمذي (جـ 2، ص 192 - 195). أحمد محمد شاكر (¬1) يشير إلى قوله تعالى "إنا أرسلناك شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا" وأن عبد الله بن عمرو بن العاص ذكر معناها بلفظ آخر مقارب له وأن هذا المعنى في التوارة. أحمد محمد شاكر

هذه المعرفة كانت محفوفة بالمكاره، لأنها كشفت عن بعض التعارض بين القرآن والتوراة والإنجيل. وقد أومأ النبي [- صلى الله عليه وسلم -] في حديث ذكره البخاري كثيرًا إلى طريقة الخلاص من هذه المكاره (البخاري كتاب التوحيد، باب 51؛ كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة"، باب 21، كتاب التفسير، سورة البقرة، باب 11) فجاء في هذا الحديث أن أهل الكتاب كانوا يقرءون التوراة بالعبرانية ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام، فقال رسول الله [- صلى الله عليه وسلم -] لهؤلاء: "لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا آمنا بالله وما أنزل (¬1) " وهو قول يود البخاري، كما يستفاد من عنوان هذا الباب من كتابه، لو استطاع أن يصل به إلى رأى في جواز تفسير التوراة وغيرها من كتب الله بالعربية. وقد نهى الحديث (البخاري: كتاب الشهادات، باب 29) المسلمين عن سؤال أهل الكتاب فيما أنزل عليهم، كما أن هؤلاء لا يسائلون المسلمين عن القرآن، ومع ذلك فلم نعدم إشارات إلى أناس من أكابر أهل التقى والصلاح (ابن سعد جـ 1 - 2، ص 79) درسوا التوراة في لغتها الأصلية (¬2)، بل قرءوها من أولها إلى آخرها في أسبوع (ابن سعد، الموضع نفسه، ص 161) (¬3) وفي الحديث الصحيح والموضوع وفي المواعظ نقول كثيرة من التوراة لا نجد ¬

_ (¬1) الذي في الحديث بعد كلمة و"ما أنزل" كلمة، الآية" يعني قولوا هذه الآية وهي الآية 136 من سورة البقرة. ونصها "قولوا آمنا بالله وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتى عيسى وما أوتى النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون" ولا يؤخذ من الحديث ما يدعيه كاتب المادة أنه إيحاء إلى طريقة التخلص من التعارض بين القرآن وبين ما بأيديهم من هذه الكتب. أحمد محمد شاكر (¬2) يشير إلى رجل من العباد الزهاد في التابعين اسمه "عامر بن عبد الله بن عبد القيس العنيرى" حكى راو عنه إنّه راه جالسا إلى كعب الأحبار وبينهما سفر من أسفار التوراة وكعب يقرأ له، وليس في الرواية أنها بلغتها الأصلية أو بغيرها من اللغى وليس في قراءة عامر في التوراة حجة على شيء، وكان رجلًا صالحا رحمه الله. وله ترجمة في الحلية (جـ 3، ص 95 - 95). (¬3) إشارة إلى شخص اسمه "جيلان بن فروة أبو الجلد الجونى" كان يقرا الكتب حكت عنه بنته أنّه كان يقرأ القرآن في كل سبعة أيام ويختتم التوراة في سنة ويقرؤها نظرًا، وانه كان يحشد ناسا يوم يختمها ويقول: كان يقال تنزل عند ختمها الرحمة. وهذا شيء لا حجة فيه. أحمد محمد شاكر

لها مثيلًا في كتب موسى، وهذا ما دعا شيخو Melanges de la Faculte Orientale (de Beyrouth .، جـ 4، ص 39 وما بعدها) إلى الشطط، فقال بوجود كتاب آخر غير توراة العبرانيين يعرف بالإسم نفسه، أخذت عنه هذه النقول. والواقع أنها إما تكون موضوعة لا أصل لها البتة، وإما أن تكون قد صيغت على منوال عبارات من العهدين القديم والجديد أومن التلمود ولم تحسن صياغتها. وقد جاء في كتاب المغازي لابن إسحاق المتوفى عام 150 هـ (767 م) كلام في التاريخ والأنساب يدور حول العهدين القديم والحديث، وهو يدل على معرفة وثيقة بنصوص بعض أجزاء من التوراة. أما ابن هشام المتوفى عام 213 هـ (828 م) فيذكر في مؤلفه "كتاب التيجان" الذي يروى فيه عن وهب بن منبه المتوفى عام 101 هـ (728 م) بعض الأسماء الواردة في العهدين القديم والحديث في صيغتها العبرية وصيغتها السريانية أيضًا. وكان ابن قتيبة المتوفى عام 276 هـ (889 م) يراجع الروايات الإسلامية على نص العهدين، وقد ذكر ذلك في مؤلفه "كتاب المعارف" (ص 13) وهو يردد شواهد من سفر الخروج كلمة كلمة. ولا تطابق الشواهد التي ساقها في كتبه الأخرى نص العهدين تمامًا، ويصدق هذا القول أيضًا على الشواهد التي أوردها الجاحظ في كتابه "الرد على النصارى". على أن معاصرًا آخر لابن قتيبة، وهو علي بن ربن الطبري الذي دخل في الإسلام، قد ساق في مؤلفه "كتاب الدين والدولة" الذي كتبه حوالي عام 240 هـ (854 - 855 م، طبعة A. Mingana` إذا صدق أنه صاحب هذا المؤلف حقا؛ انظر Me-: Bouyge -langes de la Faculte Orientale de Bey routh جـ 10، ص 242 وما بعدها) شواهد من جميع أحكام العهد القديم؛ وبعضها أيضًا في رسالة عبد المسيح بن إسحاق الكندى. وكانت نصوص العهدين القديم والحديث في متناول يد الداخلين في الإسلام من أمثال علي بن ربن يحصلون عليها في غير مشقة، أما الشواهد منهما الواردة في مؤلفات أولئك الذين ولدوا مسلمين فكانوا يتلقونها من أفواه اليهود أو النصارى

أو من النقول العربية الأخرى للعهدين القديم والحديث. ويقال إن أحمد بن عبد الله بن سلام الإنجيلى قام بنقل من هذه النقول، فقد ترجم التوراة إلى العربية، وكان ذلك في عهد هارون الرشيد على ما رواه الفهرست (ص 22) ولا نستطيع أن نجزم بأنه كان قريبًا لعبد الله بن سلام اليهود الذي أسلم في عهد النبي [- صلى الله عليه وسلم -]. وقد ذكر المسعودى (كتاب التنبيه والإشراف، ص 112) ثلاثة نقول أخرى: الأول لحنين بن إسحاق النسطورى المتوفى عام 260 هـ (873 - 874 م) وقد اعتمد فيه على الترجمة اليونانية للعهد القديم، والاثنان الآخران لحبرين من أحبار اليهود هما أبو كثير المتوفى عام 321 هـ (933 م) أو عام 329 هـ (941 م) (¬1) وسعيد بن يوسف الفيوميّ المشهور بسعديا جاءون المتوفى عام 331 (943 م) (¬2) وقد نقل الإثنان من النص العبرى الأصلي. ولم يبق من كل هذه النقول إلا نقل سعديًا (طبعة درنبورغ، باريس سنة 1893) والنقل الوحيد الآخر الذي بقى من هذا العهد هو الذي صنع في الأندلس عام 345 هـ (956 م) وقد نقل عن اللاتينية. أما النقول المتأخرة عن القبطية والسريانية والعبرية التي قام بها النصارى والسامريون فقد فصل هرزك الكلام عن المراجع الخاصة بها جميعا في مقاله الموسوم بـ BI , Arabische beluebersetzun, gen في alenzyklopaedie . ¬

_ (¬1) الذي في التنبيه للمسعودى (ص 98، طبعة مصر) أنه أبو كثير يحيى بن زكريا الكاتب الطبراني وأن وفاته كانت في حدو سنة. 320 هـ. (¬2) والذي فيه أيضًا أن اسمه سعيد بن يعقوب الفيوميّ وأنه مات بعد سنة 330 هـ. ثم أن المسعودى يسمى هذين الكتابين وما بعدهما اسما يفهم منه أنه تفسير وترجمة فإنه يقول عن الإسرائيليين من الأشمعث والعنانية أنهم "يعتمدون في تفسير الكتب العبرانية للتوراة والأنبياء والزبور، وهي أربعة وعشرون كتابًا وترجمتها إلى العربية على عدة من الأسرائيليين المحمودين عندهم" ثم ذكر هذين وقال عن الفيوميّ أنه كان قد قرأ على أبي كثير وأنه قد يفصّل تفسيره كثير منهم. ثم ذكر ممن فسرها أيضًا داود المعروف بالقومسى وكانت وفاته سنة 334 وكان مقيما ببيت المقدس، وإبراهيم البغدادي. أحمد محمد شاكر

وقد أقنعت الآية 156 من سورة الأعراف المؤمنين بأن التوراة قد بشرت بقدوم محمد [- صلى الله عليه وسلم -]. وترد المحاولات التي بذلت لإثبات ذلك إلى صدر الإسلام (انظر ما سيأتي) ولكن لم يحدث إلا في منتصف القرن الثالث أن سيقت فقرات بعينها من التوراة وغيرها من أسفار العهد القديم مترجمة ترجمة حرفية، وفسرت بأنها بشائر بقدوم محمد [- صلى الله عليه وسلم -] ورى ابن الجوزي في "كتاب الوفا" عن مؤلف لابن قتيبه لم يسمه فقرات من هذا القبيل، وساق على ابن ربن الطبري (انظر ما سبق) حوالي ذلك الوقت كثيرًا غيرها، وترددت هذه الفقرات على تفاوت بين النقص والتمام مرات ومرات في جدل القرون التالية ومناظرتها. وكان لفقرات من التوراة شأن كبير في هذه المناظرات، وهي الفقرات 9 - 12 من الإصحاح السادس عشر من سفر التكوين، والفقرة 20 من الإصحاح السابع عشر، والفقرة 21 من الإصحاح الواحد والعشرين، والفقرة الثامنة عشرة من الإصحاح الثامن من سفر التثنية، والفقرتان 2 و 12 من الإصحاح الثالث والثلاثين من السفر نفسه. فقد جاء في الفقرة 21 من الإصحاح الحادي والعشرين من سفر التكوين أن فاران كانت موطن إسماعيل، وجاء في الآية 125 من سورة البقرة أن مقامه كان بمكة ثم قيل إن فاران هي مكة. وانبنى على ذلك أن أصبحت الفقرة الثانية من الإصحاح الثالث والثلاثين من سفر التثنية تشير إلى محمد [- صلى الله عليه وسلم -]. كما أصبحت الفقرة 18 من الإصحاح الثامن عشر والفقرة 12 من الإصحاح الثالث والثلاثين من السفر نفسه تشير إلى "خاتم النبوة". وحتى القرآن يعنف اليهود لأنهم "يحرفون الكلَم عن مواضعه" (سورة النساء، الآية 46؛ سورة المائدة، الآية 41، 13) ويسوق مثالًا على ذلك في الآية 46 من سورة النساء. ثم إنه أخذ عليهم أنهم نسوا أو أخفوا بعضًا مما أنزل عليهم (سورة المائدة، آية 13؛ سورة آل عمران، الآية 71؛ سورة الأنعام، الآية 91). ولدينا من الحديث

مثال على هذا الإخفاء: وهوأ ن اليهود رغبوا في أن يخفوا عن محمد [- صلى الله عليه وسلم -]. فقرة التوراة التي تقضى برجم الزانى. وقد زاد البخاري (كتاب الشهادات، باب 29) في تحديد هذا اللوم فقال إن أهل الكتاب بدلوا ما كتب الله وغيروا بأبديهم الكتاب وقالوا إنه من عند الله (¬1). ومع ذلك فلم يغال جميع أهل الجدل من المسلمين إلى حد القول بتبديل آيات الكتاب عن عمد. فقد سلك جماعة منهم سبيل القصد ونسبوا لليهود أنهم حرفوا معانيه. وأبرز المغالين ابن حزم المتوفى عام 465 هـ (1064 م) فهو يستنكر سبعًا وخمسين فقرة من التوراة ويجمع المتناقضات والأماكن التي وجدها فيها. المصادر: ما لم يرد في صلب المادة: (1) W.Rudolph: : Die abhaengigkeit -des Qorans vom Judentum and Christent، um ص 12 وما بعدها. (2) J.Horovitz: : - Koranische Un dersuchungen برلين، لييسك سنة 1926، ص 71. (3) الكاتب نفسه في isi جـ 12، ص 298. (4) M.Steinschneider: : - Die pole -mische and apologetische Literatur in ar abischer sprache . (5) Goldziher . في. Morgenl. Gesells جـ 32، ص 341 وما بعدها. (6) الكاتب نفسه في z Etudes Juive YA، جـ 28 ص 79، 30، ص 1 وما بعدها. (7) الكاتب نفسه في Altestamentiche Wiscenschafi جـ 13، ص 315، ص وما بعدها. (8) Neue Beitragaege: Gruenbaum zur semitischen sagenkunde ص 100 وما بعدها. ¬

_ (¬1) الذي في الحديث بعد كلمة "ما أنزل" كلمة "الآية" يمنى قولوا هذه الآية وهي الآية 136 من سورة البقرة ونصها "قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتى موسى وعيسى وما أوتى النبيون من ربهم لانفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون" ولا يؤخذ من الحديث ما يدعيه كاتب المادة أنه إيحاء إلى طريقة التخلص من التعارض بين القرآن وبين ما بأيديهم من هذه الكتب. أحمد محمد شاكر

التورية

(9) De propheticis: M. Lidzbarski quae dicuntur Legendis، لييسك سنة 1892. (10) Rothstein.: ographo arabe anonymc ص 49 وما بعدها. (11) Leben and Lehre: A. Sprenger Muhammads جـ 1، ص 56. (12) G.Graf - Die chrislich- ar nhische Literatur- (13) Die ar-: M.Steinschneider I abische Literatur der Fuden الفصل 23. (14) Schreiner. m: في der Deutschen morgenl. Gesells جـ 42، ص 519 وما بعدها. (15) الكاتب نفسه في 496 morial Volume وما بعدها. (16) Brockelmann في altestamentliche wissenchaf - جـ 15، ص 138 وما بعدها. (17) H. Hirschfeld في Jewish Quartely Review، دـ 13، ص 320 وما بعدها. (18) W. BASHER، في الموضع نفسه، ص 542. (19) 15، ص 193 ما بعدها، ص 291 وما بعدها. (20) i Di Mattec في sta degli stu Orientals جـ 9، ص 301 وما بعدها. (21) جـ 38، ص 4 وما بعدها. [هوروفتز J. Horoviz] التورية اصطلاح في البلاغة يدل على نوع من أنواع البديع، وهي أن يطلق لفظ له معنيان قريب وبعيد ويراد به البعيد منهما، والقريب هو الذي يتبادر إلى ذهن السامع أولًا، وتسمى التورية الإيهام أيضًا لأن المورى يخفى المعنى البعيد بالقريب الذي يتبادر إلى ذهن السامع أولًا وقد تسمى التورية الإيهام. والتورية ضربان: 1 - المجردة، وهي التي لا تجامع شيئًا مما يلأئم المورى به أعنى المعنى القريب نحو "الرحمن على العرش استوى" (سورة طه، آية 5)

فالمعنى البعيد المراد بهذه الآية هو "استولى" وهو خفي وليس فيها ما يلائم المعنى القريب وهو "استقر وجلس وعلا" 2 - والمرشحة هي التي قرن بها ما يلائم المورى به نحو "السماء بنيناها بأيد" (سورة الذاريات، آية 47) أي بقوة. ويلاحظ أنه أراد بايد المعنى البعيد وهو القوة وقرن به "بنيناها" الذي يلائم المعنى القريب لهذه الجارحة التي في آخر الذراع وهي اليد. وقد استعمل الفرس هذا النوع من أنواع البديع، ويظهر أنهم استعاروه من العرب. المصادر: (1) فخر الدين محمد بن عمر الرازي: نهاية الإيجاز في دراية الإعجاز، القاهرة سنة 1317، ص 24. (2) محمد صدقى حسن خان بهادر: غصن البان المورق بمحسنات البيان، إستانبول سنة 1296 هـ، ص 24. (3) ابن حجة الحموى: كشف اللثام عن وجه التورية والاستخدام، بيروت سنة 1312 هـ. التورية (4) الجرجانى: التعريفات، إستانبول سنة 1307 هـ، ص 49، انظر التورية، ص 27، وانظر الإيهام بنوع خاص. (5) Seances de Hairi: S. de sacy, باريس سنة 1847 - 1853 ص 88. (6) يحيى بن حمزة بن علي بن إبراهيم العلوى اليمانى: كتاب الطراز، القاهرة سنة 1332 جـ 3، ص 62. (7) أبو يعقوب يوسف السكاكى: مفتاح العلوم، القاهرة سنة 1318 هـ، ص 180، انظر "الإيهام". (8) قاسم البكرجى: حلية البديع في مدح النبي الشفيع، حلب سنة 1293 هـ، ص 210، انظر التورية والإيهام والتخييل. (9) عبد الحميد قدَّس بن محمد بن علي بن الخطيب: طالع السعد الرفيع في شرح نور البديع على نظم البديع، القاهرة عام 1321 هـ ص 75. (10) ابن حجة الحموى: خزانة الأدب، القاهرة سنة 1304 هـ ص 239 انظر الإيهام والتوجيه والتخيير.

توفيق باشا

(11) عبد الغنى النابلسى: نفحات الأزهار على نسمات الأسحار، بولاق سنة 1299 هـ ص 188. (12) جلال الدين القزوينى الخطيب: تلخيص المفتاح مع تعليقات لعبد الرحمن البرقوقى، القاهرة سنة 1322 هـ الموافق 1904 م، ص 355. (13) سعد الدين التفتازانى: مختصر المعاني، إستانبول سنة 1318 هـ ص 180. (14) الكاتب نفسه: المطول، إستانبول سنة 1304 هـ، ص 435. (15) طاشكبرى زاده: مفتاح السعادة، حيدر آباد سنة 1339 هـ، جـ 3 ص 334. (16) عبد الهادي نجا الأبيارى: سعود المطالع، بولاق سنة 1283 هـ، جـ 1، ص 315. شواهد: (1) سعد الدين التفتازانى: مختصر على تلخيص المفتاح. (2) ابن يعقوب المغربي: مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح. (3) بهاء الدين السبكي: عروس الأفراح في شرح تلخيص المفتاح، وانظر كذلك هامشه. (4) الخطيب القزوينى: الإيضاح. (5) الدسوقى: حاشية على مختصر التفتازانى، بولاق، سنة 1317 هـ، جـ 4، ص 322. (6) شمس الدين محمد بن قيس الرازي: المعجم في معايير أشعار الأعجم، ليدن، سنة 1327 هـ الموافق 1909 م، ص 326. وانظر "الإيهام". (7) Rhetorique et: Garcin de Tassy -prosodie des Langues de I'Orient musul، باريس سنة 1873 - ص 90: [محمد بن شنب] توفيق باشا خديو مصر من عام 1879 إلى عام 1892: ولد في الخامس عشر من شهر ديسمبر عام 1852 وهو أكبر أبناء الخديو إسماعيل باشا وقد تلقى علومه في مصر، وبدأ حياته السياسية في التاسعة عشرة من عمره رئيسا

للمجلس الخصوصى. وفي العاشر من مارس عام 1879 عينه أبوه ناظرًا للنظار بعد إقالة نوبار باشا. وكان هذا المجلس- كسابقه- يتولى نظارة المالية فيه إنكليزى ونظارة الأشغال العمومية فرنسى. على أن الخديو إسماعيل باشا قام بما يشبه الانقلاب، فأقال هذه النظارة في شهر أبريل من تلك السنة ونصب شريف باشا ناظرًا للنظار. وتحرجت الأحوال السياسية بعد ذلك، فعزل السلطان الخديو إسماعيل في السادس والعشرين من يونية وخلفه على أريكة مصر توفيق باشا بمقتضى فرمان الوراثة المصادر عام 1866. وواجه توفيق باشا في مستهل حكمه صعابًا جسيمة. فقد رفع إليه شريف باشا بعد ارتقائه العرش بقليل مشروع لائحة أساسية رفضها الخديو فاستقال في الثامن عشر من أغسطس من تلك السنة. ورأس توفيق باشا نفسه مجلس النظار أمدًا قصيرًا، ولكن سرعان ما عين رياض باشا في ذلك المنصب فبقى فيه عامين إلى أن رفع الجيش راية العصيان بزعامة عرابى باشا، وأعادت إنكلترة وفرنسا في الوقت نفسه "المراقبة الثنائية" على مالية البلاد. فخيل للناس أن مصر دخلت عام 1880 في طور جديد من الرخاء، إلا أن بوادر الفتن ظهرت في الجيش في يناير من عام. 1880، فاندلعت الثورة الوطنية في التاسع من سبتمبر عند عودة شريف باشا إلى الحكم. ثم برز عرابي باشا على رأس الحركة الوطنية. ولم يكن للخديو حزب قوى يعتمد عليه في المحافظة على سلطانه من غوائل هذه الثورة، ولم يكن سلطان تركيا أيضًا، وهو صاحب مصر وحامى الخديو بطبيعة الحال، من القوة بحيث يستطيع أن يتدخل في الأمر فلم يكن بد من أن يقف الخديو في الفترة التي تلت ذلك مكتوف اليد، فترك للثوار الحبل على الغارب فكان مما توسلوا به أن دعوا إلى اجتماع مجلس من الأعيان، وأظهر زعماء الوطنيين أول الأمر اعتدالا في الرأى، إلا أن المشاكل المالية الدولية أدت إلى إثارة كراهية الأهلين للأجانب. وقد تجلى ذلك في مذبحة الإسكندرية التي حدثت في الحادي عشر من يونية عام 1882 م كان الخديو ورجال

حكومته قد فروا من العاصمة إلى الرملة القريبة من الإسكندرية في حين ارتد عرابى- الذي جهر بعصيان ولى الأمر- إلى كفر الدوار على مسيرة أميال من الثغر. وكانت تلدُ الفترة هي أحرج الأوقات في عهد توفيق باشا؛ ذلك أنه كان بين أمرين: إما أن ينحاز إلى الوطنيين، وإما أن يقبل التدخل الأجنبي. وفي الوقت نفسه فكر السلطان في عزله وإقامة عمه عبد الحليم مكانه، وأراد السلطان كذلك أن ينفذ جيشًا إلى مصر فمنعه من ذلك اتجاه الدول الأوربية. وقد قضى على الثورة الوطنية آخر الأمر بتدخل إنكلترة (وقعة التل الكبير في الثالث عشر من سبتمبر عام 1882) وأدى ذلك إلى احتلال البلاد احتلالا عسكريا وعاد توفيق باشا إلى القاهرة بعد هذه الواقعة، ولم يكن أمامه في تلكُ الظروف إلا أن يخضع لرغبات الدولة المحتلة إذا أراد الاحتفاظ بعرشه. والحق إن حكومة الخديو- التي رأسها للمرة الثانية شريف باشا منذ شهر أغسطس عام 1882 - كما نت وقتذاك بالغة الضعف؛ وانحصرت جميع التدابير بعد الاحتلال الإنكليزى لمصر في شئون الإدارة وصدرت الموافقة على لائحة 7 مايو عام 1883 والتنظيم الدولى للإدارة المالية عام 1884. وتعاون الخديو في الأعوام العصيبة التي تلت ذلك تعاونًا وثيقًا مع المقيم البريطانى الملقب بالقنصل العام، وهو الذي عرف فيما بعد باللورد كرومر. ومن أشأم وقائع ذلك العهد ثورة المهدي التي نشبت في السودان وجلاء مصر عن هذه الولاية- ولم يكن الخديو توفيق يرغب فيه- بعد أن ذهبت الجهود في إلحاق الهزيمة بالمهدى أدراج الرياح (سقوط الخرطوم في يناير عام 1885 م) ولم تزدهر البلاد بعض الشيء إلا حوالي عام 1890. وتوفى توفيق باشا بعد ذلك فجاءة في قصره بحلوان في السابع من يناير عام 1892, فخلفه ابنه الأكبر عباس حلمى. ولم يكن توفيق باشا قوى الشخصية بحيث يستطيع مواجهة الأحداث السياسية الجسام، ولعل أهم سبب أفقده السيطرة على هذه الأحداث شيئًا فشيئا ضعفه ورجال حكومته

توفيق فكرت

أمام بوادر الفتن في الجيش، ولكن هذا الخديو اشتهر من الناحية الأخرى بلين العريكة والتنور فكان محل تقدير جميع الذين اتصلوا به، ومن بينهم اللورد وغيره من الساسة الأوروبيين الذين وصفوه في كتاباتهم (¬1). وتزوج توفيق باشا وهو في الحادية والعشرين بأميرة من البيت الخديوى، ولم يتزوج عليها بقية حياته. المصادر: (1) جورجى زيدان: مشاهير الشرق، القاهرة، 1910 جـ 1، ص 48 وما بعدها. (2) Modern Egypt: Lord Cromer , لندن عام، وخاصة ص 715 وما بعدها. (3) Geschichte Ae-: A. Hasenclever aim 19 Jahrhumdert gypttens هال سنة 1917 وبخاصة ص وما بعدها. [كرامرز J.H Kramers] توفيق فكرت واسمه على التحقيق محمد توفيق، أما الاسم المستعار الذي كان يوقع به أشعاره وهو "فكرت" فقد تسمى به في عهد متأخر بدلا من "توفيق نظمى" الذي استعاره قبل ذلك: شاعر وناظم تركى فحل، وهو صاحب المدرسة الحديثة في الشعر التركى. ولد في الآستانة في الثامن والعشرين من شعبان عام 1284 هـ الموافق للخامس والعشرين من ديسمبر عام 1867 م، وكان أبوه حسين أفندى كاتب سر فاطمة سلطان، ثم أصبح متصرفا، وقد انحدر من أسرة من أعيان الجركس في الأناضول. وأمه خديجة رفيعه هانم، وهي سيدة تركية من جزيرة خيوس Chios, ولعلها من أصل يونانى. وقد عنى بتعليمه، فأرسل أول الأمر إلى مدرسة محمودية والده رشديه في آق سراى حتى إذا أغلقت هذه المدرسة من جراء تدفق المهاجرين في الحرب التركية الروسية التحق في التاسعة من عمره بمدرسة ¬

_ (¬1) نظن أن الغرض في هذا التقدير واضح لا يحتاج إلى تعليق.

غلطه سراى العليا (غلطه سراى سلطانى سى)، وظل متصلا بها طوال حياته تقريبا. فلما بلغ الحادية عشرة ماتت عنه أمه وكانت قد ذهبت حاجة مع أخيها الأكبر إلى مكة فماتا في البادية بالهواء الأصفر (ولم يقدر فكرت فجيعته فيها إلا عند وفاة أخته، فبكاها بمرثية: همشيرم أيجون في عام 1318 هـ الموافق لعام 1900) وكان في طفولته خشن الجانب خليت بينه وبين رغائبه، ولكنه لما كبر كبح جماح نفسه ومال إلى الجد وعزف عن الناس واستغرق في نفسه. وفي عام 1304 هـ (1886 - 1887 م) تخرج في المدرسة وكان أبرز طلابها، ثم التحق بوظيفة من وظائف الباب العالى، وانصرف عنها عام 1311 هـ, ذلك أن حياة الخمول التي كانت تتسم بها وظائف الحكومة وقتذاك لم توافق طبعه المستقيم. وقام في الوقت نفسه بتدريس الفرنسية والتركية والخط في مدرسة التجارة في كديكُ باشا. وفي عام 1306 هـ (1888 - 1889 م) أصبح مدرس اللغة التركية في مدرسة غلطه سراى العليا، ثم تركُ عمله فيها عام 1311 م (1893) لأن الحكومة أنقصت راتبه. وفي 1312 (1894 - 1895 م) أصبح مدرسا بكلية روبرت في روملى حصار، وبقى فيها حتى وفاته. وقد ابتنى لنفسه في روملى حصار "دار آشيان" وزينها وفق مزاجه الفني الخاص (وكانت له مشاركة في الفن أيضًا) وسط منظر رائع، وعاش فيها حياة ريفية هانئة جديرة بشاعر، مع زوجه، وكانت ابنة عمه، وقد بنى بها عام 1306 هـ (1888 م) ومع. ابنه خالوق الذي أهدى إليه أحد دواوين شعره ومن عجائب المقدور أنه بينما ماتت أمه حاخة تنصَر ولده خالوق في كلاسكو ثم. مهندسا في أمريكا، وهكذا فقدته القضية التركية. واشترك توفيق منذ. م 1307 هـ في تحرير جريدة المرصاد التي كان. ينشرها الشاعر إسماعيل صفا. وأنشأ هو وبعض رفاقه الذين يتفقون معه في المزاج الأدبى مجلة "معلومات" وقد عطلتها الرقابةجعد صدور أربعة وعشرين عددًا منها.

وفي عام 1311 هـ أشرف من الناحية الأدبية على تحرير مجلة "ثروت فنون" المشهورة التي أنشأها أحمد إحسان عام 1890. وقد نشط لصناعة الأدب منذ ذاك حتى أصبح في وقت قصير مؤلفًا ذائع الصيت. ولقى في عهد السلطان عبد الحميد جميع صنوف العنت. ونصبته حكومة تركية الفتاة بعد ثورة عام 1908 مديرًا لمدرسة غلطه سراى العالية بعد ما رفض منصب وزارة المعارف. وقد حاول أن يجعل من هذه المدرسة معهدًا، تركيا مثاليًا، غير أنه سرعان ما اصطدم برجعية وزارة المعارف وجمودها فاعتزل عمله عام 1327 هـ (1910 م) ثم وقف نفسه على نظم الشعر والتدريس بكلية روبرت. وترجع إلى هذا العهد خطته في إصلاح التعليم بإنشاء صنف جديد من المدارس التركية "يكى مكتب". ولكن هذه الخطة لم تنفذ قط. وتوفى بعد مرض طويل عام 1331 هـ أي في الثامن عشر من أغسطس عام 1915. وبدأ فكرت بنظم غزلياته وهو حدث في الرابعة عشرة من عمره، وتأثر القدماء في ذلك (منتخبات ترجمان حقيقت، ص 533) وزاد قرانه الأدبى بمجاورة شيوخه في الأدب فيظى ومعلم ناجى وبخاصة رجائى زاده إكرم، وكان له على شاعرنا سلطان كبير، مثله في ذلك مثل أبناء الجيل الجديد جميعًا. ويعود الفضل إلى إكرم أيضًا في حمل فكرت على رياسة تحرير مجلة "ثروت فنون" ودخلت المجلة في طور جديد بانضمام فكرت إلى هيئة محرريها. وقد رسمت المجلة المثل للأدب التركى العصرى بأسره، ويعرف هذا المثل في الأدب التركى بطور توفيق فكرت (في الشعر) وخالد ضيا (في النثر). وسرعان ما انضم المشتركون في تحرير صحيفة "مكتب" - التي كان يصدرها حسين جاهد على النسق الغربيّ- إلى مجلة ثروت فنون. وكانت هيئة محرريها تضم على إكرم وعبد الحق حامد وجناب شهاب الدين وخالد ضيا وعلى نادر وحسين ناظم وأحمد رشيد. وكانت "مصور معلومات" تمثل الاتجاه الشرقي لهذا الأدب.

ونشر فكرت بعد أن خلص من أعبائه بعامين أهم كتبه: "رباب شكسته .. "أي العود المحطم (أدبيات جديدة كتبخانه سى، رقم 2، إستانبول سنة 1314 هـ الموافق عام 1896 م) وقد لقى هذا الكتاب نجاحا لا نظير له، وطبع مرات كثيرة (وطبع بعد ذلك مع بقية كتبه المتاخرة). ونظم عام , 1317 " سيس" (أي الضباب)، وهي أقوى قصائده وقد حمل فيها على استبداد عبد الحميد. ولا يجد قارئها اليوم ما كان يجده فيها وقتذاك من عنف. ونشر بعد الثورة "رجوع". وفي 1318 هـ الموافق عام 1900 م نظم مرثيته "همشيرم إيجون"، وفي عام 1322 هـ الموافق عام 1904 م نشر "لحظة تأخر" بعد فشل الاعتداء على السلطان عبد الحميد، كما نشر عا 1908 م " ملت شرقيسى". وقد نشر في العدد الأول من مجلة "طغين" التي كان يصدرها منظومتيه "سيس" و"رجوع" اللتين كانتا تتداولان سرًّا. وفي عام 1327 هـ الموافق عام 1909 نشرت "دوقسان بشه دوغرى" ولقيت استحسانا عند ظهورها في عدد خاص من صحيفة "فجر آتى، ربابكك جواب، خلو قيس دفتر" ونشرت بحذافيرها مرة أخرى في "أدبيات جديدة كتبخانة سى، رقم 31" وظهرت في عام 1328 هـ الموافق لعام 1910 م قصيدته "خوان يغما"، كما ظهرت عام 1330 مجموعة أناشيد للأطفال في بارماق حسابى: شرمين، وهي آخر ما صدر عنه. ولم تكن تواليف توفيق فكرت كثيرة، إلا أنها تحتل مكان الصدارة في الأدب التركى. وقد كثر الآن الخلاف حول شخص فكرت، فبينما أسرف قوم في مدحه أيام حياته فقالوا إنه شاعر فحل مفلق إذ يقوم آخرين ينقصون من قدره بعد وفاته فيرمونه بإيثار البديع والبراعة في النظم. وذاع صيته وشيكًا ثم انعكست الآية بعد وفاته، ويلخص النقد التالي هذه النظرة الجديدة إليه: "إن فكرت خالد في الأدب التركى لبراعته في النظم وذكره باق لرجولته، ولكن شاعريته قد عفيّ عليها النسيان".

وفكرت -ككل شاعر- يجب أن يدرس في عصره وفي محيطه إنصافًا له، فهو أستاذ متضلع في النظم وهو خالق النهضة التركية وأكبر ممثل للمدرسة المستغربة، وقد تخلص العصر السابق الذي كان يمثله كمال وحامد وإكرم من غلبة القوالب العربية والفارسية ولكنه أبقى على الروح الشرقية. وكان العبء الملقى على هذا العصر هو التخلص من النظرة الإسلامية للحياة وإحلال النظرة الغربية -أو قل الفرنسية- مكانها، وقد تأثر فكرت بالأدب الفرنسى فاستقى من فرانسواكوبيه Francois Coppee والكونت ده ليل صولى يرودوم Sully Prudhc, كما اغترف من موسيه Musset ولامرتين وبودلير Baudelaire وفرلين Verlaine. وابتكر فكرت لغة شعرية جديدة، واصطنع قواعد جديدة للقوافى على أساس أن القافية لا يقضد بها إلى العين كما هو الشأن عند إكرم وعبد الحق حامد وإنما يقصد بها إلى الأذن، ووفق - بفضل سلامة ذوقه وسداد رأيه- إلى ترقية اللغة مبنى ومعنى وفق الأساليب التركية، فقضى بذلكُ على الفوضى اللغوية وصب في القوالب التركية الدخيل من الكلمات والقوافى، وإن لم يعترض من حيث المفردات على ازدحام التركية بالألفاظ العربية والفارسية. ولذلك نجد في شعره الكثير من الألفاظ الغريبة غير التركية. وأسدى فكرت للغة الشعر ما أسداه نامق كمال للنثر. وعممت القواعد التي وضعها وانتهجها حتى لم يعد أحد يستشعر أنها كانت من المبتدعات. وكان جل اهتمامه موجهًا إلى اللغة من هذه الناحية، ففاق بذلدُ غيره من الشعراء. وهو يشبه من حيث سلامة اللغة معلم ناجى ويبزهم جميعا في امتلاكُ ناصيتها. ويشبه أيضًا بلاتن Platen بعض الشبه فلغته بليغة ونظمه برئ من الخطأ حتى أن خصوم "الانحطاط"- مثل أحمد مدحت- لم يأخذوا عليه هفوة، وعبارته مصقولة كالمرمر لا روح فيها. وظهرت سماته الخاصة به حتى في غزلياته الأولى كان خضع بكليته لسلطان المدرسة القديمة. وزاد امتلاكه

لناصية اللغة، وسرعان ما تبحر في الأوزان فتفوق بذلك على جميع أقرانه وأصبح شعره مثلًا يحتذيه الشعراء كافة. وكانت المدرسة القديمة تجعل البيت من الشعر وحدة قائمة مستقلة عما سواها (وهذا هو السبب الذي جعل الأبيات، وخاصة في الغزل، غير مقيدة بالقصيدة حتى كثر نقلها) ولكن فكرت سار على نقيض ذلك فترجم عن مشاعره في مجموع من الأبيات. ومن ثم اتصفت أبياته بالمرونة والقرب من الطبيعة اللذين برئ منهما حوار حامد المنظوم. وأراد أن يكيف لغة أشعاره بحيث ينسجم جرسها مع الموضوعات التي تعالجها وهذا ما حاوله نفعى قبله ومن الجدير بالملاحظة مقدمته للقصيدة التي شاعت في التركية منذ ذلك الحين. وظل فكرت يؤثر الطول في بحوره ولم يخرج على هذا إلا في الأناشيد التي نظمها للأطفال، ولولا هذا ما أجمع أنصار المدرسة القديمة على أنه شاعر. وكان ذكاء. فكرت ذكاء نقادة عالج به مشكلات عصره الأخلاقية والدينية والسياسية ولم يستمع في ذلك إلا لصوت قلبه وضميره. ولكنه لم يكن فيلسوفًا يستطيع أن يجد حلا لمشكلات الإنسان، ولم يكن من أصحاب ما وراء الطبيعة فينفذ في أعماق النفس. وكانت ملكاته العقلية عادية جدًّا، بل نستطيع أن نقول إنها كانت دون المتوسط. أما مصنفاه "إينا نمقٌ احتياجى" و"تأريخ قديم" فيفصحان عن الإلحاد المأثور عن عصره. ففي عهد عبد الحميد الاستبدادى الخانق، ثم في عهد تركية الفتاة الذي فشا فيه التعصب والفوضى، استطاع فكرت باستقامته واعتداده بنفسه وإخلاصه الشديد لواجبه وحماسه الفياض أن يؤدى خدمة جليلة لوطنه بالأشعار التي نظمها، مما جعل الدعوة توجه إلى شباب ذلكُ العصر: "كن في نفسك مثل فكرت، ولوطنكُ مثل نامق كمال! ". وفي كل قصيدة من قصائد فكرت درس يتعلم، ومن ثم كان له سلطان كبير في تثقيف شباب تركية، وكان يؤمن إيمانا قويا بفائدة التعليم. وتوفيق فكرت شاعر وإن لم تكن له المكانة العظيمة التي أسبغها عليه

معاصروه، فقد كان يعوزه الشعور المتدفق الذي اتسم به نامق كمال وبخاصة في أشعار الطور الثاني من حياته. فإن الإشعار التي جرح بها الاستبداد- مثل قصيدته "سيس" القوية والتي كان شباب العصر ينزلونها منزلة الكتب المقدسة- أصبح الناس يرونها فاترة يعوزها الصدق. ولم تكن هذه الأشعار وليدة القنوط كما كانت أشعار نامق كمال. وقد مجد فكرت أصغر الأشياء وأقلها قيمة، ففاق بذلكُ إكرم الذي قال إن كل شيء صالح للشعر، وقصر جهده عند التطبيق على الزهر والسحب والماء والفجر إلخ. وجرى فكرت على مألوف عصره فنظم عدة مقطوعات على الصور التي تنشرها المجلات وأثبت بعضها في ديوانه "رباب شكسته". وجدير بنا أن نذكر بنوع خاص القصائد الواضحة المعالم التي يتميز بها نديم ونفعى وفضولى وحامد. وكان فكرت يتعسر في النظم، يصارع الألفاظ والمعانى حتى يتم القصيد، ويتضح لنا هذا من اعترافه ومن الجهد والمشقة الظاهرين في أشعاره مما يقلل من شأنها بوصفها من آثار الفنون، كما يتضح من قلة إنتاجه بعض الشيء. المصادر: نذكر إلى جانب مؤلفات توفيق فكرت التي ذكرناها وأشعاره المتفرقة في المجلات والدواوين: (1) إقدام، رقم 6648، 20 أغسطس 1915. (2) بروسه لي محمد طاهر: عثمانلى مؤلفلرى، إستانبول سنة 1333، هـ جـ 2 ص.380 (3) نزهت هاشم: من أدبياته دوغرى، إستانبول، سنة 1918 , ص 169 (4) روشن أشرف: توفيق فكرت، حياتنه دائر خاطرلر، إستانبول سنة 1919 (5) إسماعيل حبيب: تورك تجدد أبياتى تاريخي، إستانبول سنة 1340 هـ، ص 440 - 457 (6) كوبريلى زاده محمد فؤاد: بوكونكى أدبيات، إستانبول سنة 1324 هـ، ص 324 - 329

التوقيع

(7) إسماعيل حكمت: تورك أدبياتى تأريخى، باكو سنة 1925، ص 713 - 797. (8) صالح نكار كرامت: فكرنكك حيات وأثرى، استانبول سنة 1926. (9) إبراهيم علاء الدين: توفيق فكرت، ويوك آداملر سريسى، جـ 1، رقم 34، إستانبول سنة 1927 (10) داول، استانبول، رقم 7، 13. (11) der kischen Moderne, ليبسك سنة 1902 (12) nowoi osmanskoi literature)- موسكو سنة 1912. (13) Dei tuerkische: Th. Menzel Literatur . . e genwart جـ 1، قسم 7، ليبسك سنة 1925. [منزل] التوقيع وثيقة عليها إمضاء أو علامة مساوية لإمضاء حاكم، ومن ثم كان التوقيع بوجه عام هو الأمر أو المرسوم الذي يصدره الحاكم أو طريقة إعداده كتابة. وللتوقيع معنى خاص هو الدلالة على ألقاب الحاكم (فيساوى إجمالًا الطغراء عند آل عثمان) التي تسجل في ديوان الأختام فتكسب الوثيقة شرعيتها، وهي غير العلامة التي يضعها الحاكم بيده على الوثيقة وتعد بمنزلة توقيعه. ولا يفرق بين هذين اللفظين إلى حد ما في الاستعمال، فقد كان التوقيع يستعمل أيضًا في مكان العلامة. وذكرت "توقيعات" ملوك الساسانيين في كتب الإنشاء. ويقال إنه قد نشأت في عهد الأمويين سنة تقضى بأن يوقع الخليفة على القصص التي تقدم إليه بمشهد من الناس، ولا شك أن هذه سنة شرقية قديمة. ويثبت الكتاب

بعد ذلك توقيع الخليفة. وذكر قدامة أنه كان في عهد العباسيين ديوان خاص بذلك يعرف ب "ديوان التوقيع". وقد وكل هارون الرشيد إلى جعفر البرمكى- لأول مرة- التوقيع على القصص، ولعل هذا دليل على ازدياد سلطان الوزراء زيادة كبيرة في عهد العباسيين. ويقول ابن الصيرفى إنه كان في الديوان الفاطمى كاتب خاص ينظر في القصص، وكان من أكبر رجال الدولة. وكان للكاتب في دولة المماليك حق التوقيع على القصص، ولو أن سلاطينهم كانوا هم أنفسهم يوقعون على القصص في أغلب الأحيان. واستعمل لفظ التوقيع في نظام الإدارة عند المماليك اسمًا لكتب التعيين في وظائف خاصة. ويقول ابن فضل الله إن هذا الإسم يطلق على كتب التعيين في جميع الوظائف كبيرها وصغيرها، حتى على النواب. ومن ثم أصبح التوقيع اصطلاحًا يطلق- بوجه عام- على التعيين في الوظائف، وهو يقول مع ذلك إنه لأرباب الوظائف الصغيرة دون غيرها. ثم كان بعيد دلك للمتعممين من أرباب الوظائف الدينية والديوانية. ويقول القلقشندى إن التوقيع رابع طبقات كتب التعيين في الوظائف (ولايات) وأدناها وأكثرها عددًا. وكان يوكل بالمراسيم السلطانية في الدولة العثمانية موظف خاص هو النشانجى أوالتوقيعى، وهو مسئول عن الوثائق التي عليها خط السلطان وألقابه، وكان من أركان الدولة (أركان دولت) ومن أعضاء الديوان السلطانى. وفي هذا العهد لم تعد تستعمل العلامة التي كان السلطان يخطها بنفسه، والعلامة في مصطلح السياسة عند العثمانيين هي النشان عند الفرس، تدل على طغراء السلطان أي لقبه. وكان يقوم برسمها في ديوان النشانجى مساعد له يعرف بـ "الطغراكش علامت". والطغراء في هذه الحالة مرادفة للتوقيع.

ثم إن التوقيع يدل على نوع من الصكوك كان مستعملا في نهاية العصور الوسطى (من القرن الثاني عشر حتى القرن الخامس عشر) ونخص بالذكر منها الصكوك التي كانت تصدر في ذلك العهد في البلاد التابعة لدولتى المماليك والعثمانيين. وفي عز الدولة العثمانية (القرن السادس عشر وما يليه) حلت علامة الديوان محل التوقيع. المصارد: (1) القاموس: مادة توقيع. (2) القلقشندى: صبح الأعشى. 14 مجلد، القاهرة سنة 1332 - 1346 هـ (3) Beitraege zur: W. Bjoerkman Staatskanzlei im islamischen Aegypten همبورغ سنة 1928. (4) وانظر عن النشانجى العثمانى Des osmanischen Reiches: J. v. Hamm YM ng؛ Staatsverfassung and Staatsverfwalti جـ 2، فينا سنة 1815 ص 133 وما بعدها. (5) Tableau de: M. d'Ohsson 1'Empire othoman جـ 3، باريس سنة 1830 ص 350. (6) Osmanische Ur-: Fr. Kraelitz kunden in 3 Tuerkischer Sprache، فينا سنة 1921، ص 18 وما بعدها. (7) وانظر عن التوقيع من حيث هو اسم للصك Kraelitz: كتابه المذكور، ص 8. (8) uehrung in die: L. Fekete osmanische tuerkische Diplomatik der tuerkischen Botmaessigkeit in Ungarn، بودابست سنة 1926، ص 20 (9) وانظر عن التوقيع والعلامة: أبو الفداء: تاريخ، طبعة إستانبول، جـ 3، ص 155، 156، 158 وأعيد طبعه بالقاهرة سنة 1325 هـ، جـ 3، ص 148، 149، 151

التوكل

(10) وانظر عن التوقيع بمعنى علامة: كتاب ابن بيبى، طبعة هوتسما، ص 288، وانظر أيضًا Kraelitz ص 23، تعليق 2. [تيشنر F. Taeschner] التوكل هو الاعتماد على الله، وقد أوصى به القرآن. والمتوكلون الذين يحبهم الله (سورة آل عمران، الآية 159) ليسوا أصحاب طريقة بعينها من طرق الصوفية كأولئك الذين عرفوا بالمتوكلين في القرنين الثاني والثالث للهجرة. وعقيدة هؤلاء وثيقة الصلة بالتوحيد. وقد تطورت عقيدتهم بتأثير النصرانية (انظر. Matt جـ 6، ص 24 - 34) وكانوا يمعنون في التوكل أحيانا حتى ليشبهون المتوكل بالميت بين يدي الغاسل يقلبه كيف شاء لا يكون له حركة ولا تدبير (انظر الرسالة القشيرية، باب التوكل). والتو كل- في رأى المتوكلين المسرفين- نقيض السعي إلى الكسب بكافة وجوهه. إذ كيف يسعى الإنسان في تدبير معاشه وهو يؤمن بأن الرازق هو الله وحده؟ وأجاب القشيرى على هذه المسألة بأن سعى الإنسان إلى الإفادة من أسباب الرزق التي هيأها الله له لا تضعف من توكله عليه، وتدل هذه الإجابة على درجة من الرقى دونها المذهب القديم لزهاد المتصوفة. المصادر: (1) أبو طالب المكي: قوت القلوب، جـ 2، ص 2 - 38. (2) Goldziher: Wiener Zeitschrift fuer die Kunde des morgenlandes جـ 13، ص 41 - 56. (4) Vorlesungen ueber: Goldziher den Islam ص 25 وما بعدها. (4) dar-: R. Hartmann؛ Kuschair'is stellung des 3 Safitums ص 25 وما بعدها. (5) جلال الدين الرومى: المثنوى، الكتاب الأول ص 900 - 991. [نيكلسون R. A. Nicholson]

تونس

تونس (*) ويقال "تونس": حاضرة بلاد تونس، وهي على خط عرض 36 ْ 47 َ 39 َ شمالًا، وخط طول 7 ْ 51 َ شرقي كرينويتش. وتونس في الوقت الحاضر مدينتان متصلتان متباينتان تمام التباين، تختلف الحياة في إحداهما عن الأخرى اختلافا عظيما. فالأولى مدينة يسكنها أهل البلاد، وليسوا جميعا من المسلمين، وهي أثر من آثار القرون الخوالى بقى على حا له أو كاد، أما الأخرى فمدينة أوربية حديثة النشأة مظهرها جديد كل الجدة ومازالت تنمو وتتسع باطراد. والمدينة القديمة على مسيرة ثلاثة أرباع الميل تقريبًا من طرف البركة المسماة ببحيرة تونس، وهي ترتفع شيئًا فشيئا من الشرق إلى الغرب حتى تشرف على مغيض من ماء ملح كاد يجف يعرف بـ "سبخة السيجومى"، وعلى هذا الجانب خارج أرباض تونس ذروة "المنوبية"، وفيها مشارف مترامية وإلى الجنوب الشرقي من المدينة وفي كنفها هضبة سيدى أبي الحسن وجبل الجلود، وعلى مسافة أخرى تلال Bir Kassa " بيركسَه" وإلى الشمال هضبتا "بلفادير" و"رأس الطابية" ووراءهما جبل أحمر وجبل نهيل. ولا تحول هذه المعارج بين تونس وبين سهولة الاتصال بسهل مرناق ووادي نهر ملْيَنَة من ناحية وبسهل منْوبة ووادي مَجِردةَ من ناحية أخرى، كما يصلها ساحَل البحيرة الشمالي بحلق الوادي Goulette وقرطاجنة. وحصونها الطبيعية جيدة وإن لم تكن ممتازة، وموقع تونس موُات جدًّا من الوجهة الاقتصادية، فهي على المخارج من أواسط بلاد تونس، في موضع جد خصيبء وهي قريبة من البحر والصلة بينها وبين السواحل الأوربية الدانية قريبة. ويقال في تفسير كلمة تونس أنها من مصدر عربي وأن مدينة ترشيش التي ورد ذكرها في ¬

_ (*) السكان: 9.018.687 نفس. الكثافة السكانية: 142 في الميل المربع المناطق الحضرية: 60 %، العاصمة: تونس الحكم: جمهورى، الرئيس زين العابدين بن على المولود في 3 سبتمبر 1936 والذي شغل منصبه في 7 نوفمبر 1987.

الكتاب المقدس. وينقل بعضهم عن بعض في غير تثبت. وأنهتد بعد إلى اشتقاق معقول وقد قيل إن اسم تونس - كمدينة تونس نفسها- يرجع إلى العهود البونية إن لم يكن قبلها. وروى ديودورس Diodoros وبوليبيوس bius أن تينس بلدة كبيرة شيدت وراء حصون، ولا شك أنها قامت في معظمها حول "القصبة" الحالية على مسافة من البحيرة وكانت صالحة للملاحة وقتذاك. وقد حاصرها الليبيون وفتحوها، وهم الذين ثاروا في مستهل القرن الرابع عشر قبل الميلاد ثم فتحها أكاثو قليس Agathocles ركولوس ns L. وكانت معسكر الجند المرتزقة الثوار ثم سقطت في يد سقبيو الإفريقى Scipio Africanus. ولعل سقبيو الأمليانى Scipio Emillianus هو الذي دمرها (انظر du Nord . المجلدات الأول والثاني والثالث في مواضع مختلفة). ويجب ألا نخلط بين تينس التي غدت تونس فيما بعد وبين مدينة أخرى بالاسم نفسه على رأس بونة (¬1) وتعرف بالبيضاء، ونحن نتساءل: هل كانت تينس هذه من أهم حواضر السكان الأصليين ... وأعظم المدن الليبية بلا منازع تقابلها المستعمرة الفينيقية "قرطاجة" كما زعم تيسو Tissot . ومهما يكن من شيء فقد أخملتها منافستها الزاهرة زمانًا طويلا. ولم تصبح مدينة عظيمة إلا بعد ذلك بأمد طويل ولم يكن لها شأن خاص في عهود الرومان والوندال والبوزنطيين. وقد وصلها بقرطاجنة طريق رومانى، ولم يكن يذكرنا بوجودها سوى إشارات متفرقة في مصنفات الجغرافيين أو رجال الدين. ونحن نتساءل: أمن الأساطير أم من التاريخ حياة القديسة زيتونة St- Olive التي عاشت أيام الوندال، والتي يقال إن الجامع الكبير (جامع الزيتونة) سمى باسمها، وإن الملك مارتين صاحب أرغون طالب بجثمانها رسميا عام 1402 ¬

_ (¬1) اسمه في الكتب العربية رأس أدار.

وكان الفتح الإسلامي، فبرزت مدينة تونس من الظلمات إلى النور فجاة، وسجلت اسمها في صفحات التاريخ بوصفها المدينة الإسلامية التي ورثت بعض مفاخر قرطاجنة، ثم سرعان ما أخذت تنافس مدينة القيروان. فلما استولى حسان بن النعمان عام 698 م على قرطاجنة، العاصمة القديمة، ودمرها بادر إلى البليدة القائمة عند نهاية البحيرة وأخذ يحولها إلى قاعدة بحرية تقلع منها الأساطيل في سفرات نائية، ويحتمى فيها من مباغتة الروم. وشيد في تونس "دار الصناعة" ولعله جلب من مصر ألف أسرة قبطية تزود هذه الدار بمهرة الصناع. ولسنا نعرف عن المدينة نفسها في هذه الفترة شيئًا محققًا وكل الذي نستطيع أن نتبينه ظنون يشوبها الابهام عن أصل مختلف الشعوب التي نزحت إليها: فالذي لاشك فيه أنه نزلها أولًا تجار وعمال نصارى ثم أخذ سكانها يتضاعفون بمن أسلم من أهلها، ومن انضم إليهم من الجند العرب وكانوا غلاظًا مشاغبين (¬1) والمسجد الجامع هو أول بناء إسلامي بحق شيد لغرض ديني، وقد ظل قبلة أهل المدينة قرونًا، وفي رواية أن الذي شيده هو ابن الحَبْحاب عامل بنى أمية (وقد بنى عام 114 هـ الموافق 731 م) وهو الذي جدد كذلك دار الصناعة. ولكنا لا نعرف من الذي شيد الأسوار التي قال اليعقوبى إنها كانت كلها من الطين اللبن إلا عند البحيرة، كانت من الحجارة. وصفوة القول أن تونس لم تكن كالقيروان في انتظام نشأتها، فقد نمت فجاة، وتبدلت حياتها السياسية والدينية والاجتماعية تبدلا عظيم الخطر وتهيأت لشأنها الجديد الذي أملته الظروف وإرادة فاتحها البعيد النظر، ولعل ذلكُ لم يكن طفرة كما يتبادر لأول وهلة بل تم على مراحل. وأخذت مدينة تونس تتوسع في تجارتها إبان القرنين الثامن والتاسع الميلاديين، ولكنها كانت مع ذلك مشهورة بصفة خاصة بتدريس الفقه ¬

_ (¬1) هذا الوصف لا يطابق حال الجند الفاتحين الذين نشروا في البلاد هداية، وأنقذوها من ظلمات الجهالة والاستعباد. محمد الخضر حسين

وعلوم الدين فكان فيها- قبل أن يرتفع صيت القيروان- علماء مبرزون ساهموا بدروسهم في نشر الإسلام بين ربوع البلاد بأسرها: منهم المحدثان علي بن زياد وعباس بن الوليد الفارسى. وقد صنف أبوالعرب التميميّ في مستهل العهد الفاطمي رسالة نافعة في طبقات هؤلاء العلماء التونسيين الأول (كتاب طبقات علماء تونس، نشره وترجمه محمد بن شنب مع "طبقات علماء إفريقية") وقد أضيفت إلى المسجد الجامع بنايات دعت الضرورة إليها كما زين بوسائل شتى. وأدخل على هذا المسجد تعديلات هامة لاشك أنها من عمل أحمد الأغلبى البناء العظيم. وعلى القبة المواجهة للمحراب نقش باسم الخليفة العباسى تاريخه 250 هـ الموافق م. ومهما يكن من شيء فقدكان من اليسير جلب الحجر والمرمر إلى تونس لتشييد المبانى دينية أو غير دينية. ذلك أن قرطاجنة كانت قريبة فما أيسر أن تنهب خرائبها وتهيئ الكثير من مواد البناء والعمد وتيجانها. أما من الناحية السياسية فيظهر أن تونس كانت مجمع المغارضة ومركز مناهضة السلطان في القيروان. وكان الجند من بنى تميم الذين تضمهم أسوارها مبعث القلاقل والفتن، واشتركت تونس في جميع الفتن التي أخمدها عمال الأمويين والعباسيين ثم أمراء الأغالبة، واشتركت في الثورة الكبيرة التي حمل لواءها منصور الطنْبُذى، ففتحها زيادة الله الأول عنوة وخرب أسوارها عام 218 هـ الموافق 833 م، وأنزل بها إبراهيم الثاني جام غضبه بعد فتنة من هذه الفتن، ورأى أن يضبط أمورها بنقل بلاطه وقصبة حكومته إليها عام 281 هـ الموافق 894 م وشيد لهذا الغرض عددًا من المبانى منها "القصبة" ولكنه قفل راجعًا إلى رَقادَة بعد عامين اثنين، ولما حاول ابنه عبد الله الثاني أن يعود إلى الاستقرار في تونس قُتل عام 290 هـ الموافق 903 م في قصر بناه لنفسه وشيكًا، وقتل قاتلاه وعلق الأول على باب الجزيرة أو بعبارة أخرى (رأس. بونة) والثاني على باب القيروان. ولم تكن الأسباب قد تهيأت بعد لكى تصبح تونس قصبة إفريقية.

وتعمد الفاطميون وخلفاؤهم من صنهاجة- وكانت قصبتهم في القيروان أو في المهدية التي أنشئوها- إهمال مدينة تونس. ويظهر أن أهلها ظلوا متمسكين بأهداب السنة. ومما له دلالته الكبيرة أن أعظم أولياء تونس، ولايزال يمجده الناس إلى الآن، قد عاش في النصف الأول من القرن العاشر الميلادي، أي في الوقت الذي اقتتل فيه أولو الأمر من الشيعة والثوار من الخوارج أعنف قتال في سبيل الغلبة على إفريقية: هذا الولى هو سيدى محرز (محرز بن خلف) الذي سأل ابن أبي زيد (327 هـ الموافق 939 م) تأليف رسالته الشهيرة وتلقاها، وهي اللاصة المعتمدة للمذهب المالكي في شمالي إفريقية (انظر ابن ناجى: معالم الإيمان، جـ 3، ص 138). وكان هو الذي أنزل السكينة في قلوب أهل المدينة بعد أن مرت بها تلك الفترة الوجيزة المشئومة التي احتل فيها أبو يزيد المدينة عام 332 هـ الموافق 944 م، وحثهم على إقامة سور مكين حولها وشجعهم على تنظيم أسباب الإتجار فيما بينهم. ولعل الفضل في بناء فندق "الحائرية" القديم راجع إليه، وهو قبالة زاويته تقريبًا وعلى مسافة قصيرة من باب كبير من أبواب المدينة، وربما صح هذا على "السويقة" التي سمى الباب باسمها فقيل "باب السويقة"، وثمة رواية متواترة تذهب إلى أن سيدى محز أنشأ أيضًا "حارة" اليهود وهي على مسافة من زاويته في اتجاه المسجد الجامع، وجلى أنه قصد بهذا العمل إلى أن يستبقى في ذلك الحى قومًا يحذقون التجارة خاصة، وهي من أسباب ازدهار المدينة. وقد شهد ابن حوقل في القرن العاشر الميلادي بما كانت عليه مدينة تونس من ازدهار، فأطنب في وفرة غلاتها وحسن موقعها وثراء أهلها. وخص بالذكر فخارهاورى البساتين التي حولها بطواحين الماء. وزاد البكرى تفاصيل أخرى في القرن التالي فذكر الأسوار والخندق والأبواب الخمسة: وهي باب الجزيرة في الجنوب، وباب البحر الذي يفتح على الفرضة، وباب قرطاجنة في الشرق، وباب السقائين- وجلى أنه كباب السويقة في الشمال- وباب أرطه في الغرب؛ وكان مدخل

الفرضة يغلق بسلسلة يحميها من الشمال سور ومن الجنوب حصن من الحجر يعرف بـ "قصر السلسلة". وقد أعجب البكرى بالمسجد الجامع، وكان درج مدخله (في الجانب الشرقي) كما هو الآن: اثنتى عشرة درجة، وبأسواقها الكثيرة العامرة وحماماتها، وكان فيها خمسة عشر حماماً، وأشار بكثرة زادها (الفاكهة والسمك) ولم يفته أن يذكر فخارها. ثم انتقل إلى موضوع آخر فتحدث عن إقبال أهل تونس على الفقه. والظاهر أن تونس كانت في أمن ورخاء مايقرب من قرن، حتى وقعت الواقعة المشئومة في منتصف القرن الثاني عشر الميلادي فقلبت الخالة الاقتصادية والسياسية بأسرها رأسًا على عقب، ونعنى بهذه الواقعة غزوة العرب الهلالية. وغلب الفاتحون الجدد بنى زيرى الضعفاء على أمرهم فاعتكفوا في المهدية، ووقعت تونس زمانا في يد عابد بن أبي الغيث أمير بنى رياح عام 446 هـ الموافق 1054 مـ، ثم أرادت أن تأمن على نفسها فدخلت في طاعة الناصر الحمادى صاحب القلعة فأرسل إليها عامله عبد الحق بن خراسان الصنهاجى عام 451 هـ الموافق 1059 م وسرعان ماجاهر هذا العامل باستقلاله فتأسست بذلك أول دولة تونسية، ومكنت هذه الدولة لنفسها قرناً من الزمان إلا عشرين عاما (من 1128 إلى 1208) حتى غزاها الموحدون بعد ذلك بقرن على التحقيق. وجار عليها أول الأمر الرياحية من بنى على، وكانوا قد وطدوا أقدامهم في المُعلقة من أعمال قرطاجنة فصالحتهم تونس لتأمن غاراتهم ووعدوا بألا يتعرضوا للناحية أو لأحد من أهلها نظير جزية سنوية، بل إنهم سرعان ماحضروا أسواق تونس للبيع والشراء جميعا. وسلمت المدينة من سعايات زيرية المهدية ونورمان صقلية، وعكر صفوها في الوقت نفسه شبوب الفتن والأحزاب المتنافسة وشغب الصف واقتتالهم والتنابذ بين الأحياء المختلفة، ومع ذلك فقد بدأت تجارتها في البحر تنفق في هذا العهد المضطرب، فانتظمت تجارتها مع إيطاليا ونمت، وازدادت

العلاقات التجارية مع النصارى فأدى ذلك إلى رخاء لم يكن في الحسبان. وقد كان لبنى خراسان أنفسهم نصيب كبير في ترقية مدينة تونس وازدهارها فحصنها أحمد، وهو أعظم أمرائهم، في النصف الأول من القرن الثاني عشر وبنى الأسوار التي ذكرها الإدريسي. كما أنه هو الذي شيد "القصر"، وربما كان المسجد المعروف الآن بجامع القصر متصلا به في أول الأمر. وفي هذا الحى بالقرب من شارع بنوكريسَان- والظاهر أنه تحريف خراسان- لاتزال مقبرة بنى خراسان قائمة إلى الآن، ولعلها كانت متصلة في الأصل بمقبرة السلسلة (في موضع بيمارستان صديقى). والباب الكبير للمسجد الجامع من أيام هذه الدولة. وتحددت هيئة تونس الآن عندما قامت ضاحيتاها الكبيرتان: باب سويقة وباب الجزيرة، وهما تمتدان شمالي المدينة القديمة وجنوبيها. وأخذ شانها يعظم حتى أصبحت قصبة إفريقية. وقد ظل هذا حالها من أيام عبد المؤمن عام 554 هـ الموافق 1159 م إلى وقتنا هذا. فاندمج تاريخها السياسي في تاريخ سلطنة تونس. وقد أفزعت الناس غارات ابن عبد الكريم الرغراغى الفاشلة عام 595 هـ الموافق 119 م، كما شق عليهم حكم آخر المرابطين يحيى بن غانية عام 1203 - 1204 م العابر، فكان من نصيب الحفصيين أن يعيدوا إلى تونس أمنها وسلامتها وأن يزيدوا في منشآتها وأن يجعلوا منها قصبة جديرة باسمها. وقد شيد أبو محمد بن أبي حفص- وكان لا يزال يحكم البلاد من قبل خليفة مراكش- في حي باب السويقة (في شارع الحلفاويين) مسجدًا جامعًا، يعرف باسمه إلى الآن وإن كان هذا الاسم قد حرف بطبيعة الحال حتى أصبح "باى محمد" (¬1). ¬

_ (¬1) المعروف في التاريخ الصحيح أن هذا الجامع في المائة السابعة ولم يجئ من بنى حفص من يلقب بأبى محمد إلا الحسن بن محمد الذي تولى الملك سنة 932 وقد ورد في كتب التاريخ التونسية أن الذي سعى في تأسيسه أبو محمد عبد الله المرجانى من فضلاء تونس في دلك العصر (انظر كتاب تاريخ معالم التوحيد للمؤرخ المحقق السيد محمد بن الخوجه ص 70).

وكان أبو زكريا الورع أول أمراء هذه الدولة المستقلين، وتدل منشآته على أن المدينة بدأت تدخل في عهد جديد. فقد شيد عام 1230 م خارج المدينة ناحية الجنوب الغربيّ مصلاه الحصين المعروف بـ"جامع السلطان"، وهو الذي أشار إليه ابن بطوطة في القرن التالي، ثم شرع في تعمير القصبة، وأقام في طرفها مسجدًا خاصًّا به هو مسجد الموحدين أو القصبة، ومئذنته على النمط الموحدى الخالص، والتاريخ من خارجها (انظر Houdas Mission scientif. en Tu-: and R. Basset I nicie الجزائرسنة 1882 م، ص 5 - 9) وأنشا خزانة كتب قيمة بددها ابن اللحيانى أحد خلفائه واقتفى أثر المشارقة ففتح في تونس مدرسة هي مدسة الشماعية بالقرب من سوق الشماعين القديم وهو الآن سوق البلغجية، وقد رممت فيما بعد وكانت أول مدرسة فتحت في شمالي إفريقية. وأبو زكريا هذا هو الذي أجار بنات يحيى بن غانية الثلاث في القصر الذي عرف منذ ذلك بـ "قصر البنات". ثم إنه هو الذي نظم الأسواق حول المسجد الجامع مباشرة وفتح سوق العطارين، وربما كان هو الذي أنشأ كذلك سوق القماش. وجاء بعده ابنه الخليفة المستنصر بالله فلم يقتف أثر أبيه في العناية بشئون التجارة والدين بل كان رجلًا تياهًا يميل إلى الأبهة والبذخ. فبنى قاعة لمحافله تعرف ب "قبة أسارالىُ" عام 1253 م في قصر القصبة، وغرس حدائق للهوه في الربض المجاور له عند رأس الطابية على الطريق إلى باردو عند أبي فهر (ولايعرف موقعها على التحقيق على الرغم من قول ابن أبي دينار إنها عين البطوم " ويقول حسن عبد الوهاب إنها في الجبل الأحمر بالقرب من الأرينة وذلك في كتاب ابن فضل الله الذي نشره، ص 12، تعليق رقم 1) وهي التي ساق لها ابن خلدون وصفاً بديعًا. ووصل القاعة بالبساتين طريق محجوب تسير فيه النساء فلا يراهن أحد. وفي عام 665 هـ الموافق 1267 م أتم الخليفة تعمير جسور

قرطاجنة المعلقة القديمة المعروفة بالحنايا فأشاد (¬1) ابن حازم بهذا الصنيع في شعره؛ وجلب الماء إلى بركة فهر الكبيرة ومنها إلى المسجد الجامع. وبنت أمه عطف- وكانت أرملة فاضلة لزوج تقى- مدرسة أخرى هي المدرسة التوفيقية الملحقة بجامع التوفيق أو جامع الهوى الذي يرجع تاريخه إلى هذا العهد. وقد بنى الحفصيون في القرن الأول من حكمهم مسجدين آخرين هما: جامع الزيتونة البرانى (¬2) عام 1283 م) خارج باب البحر، وقد شيد بأمر أبي الفضل النخاتل ليحل محل الفندق وجامع العلق في الحي نفسه عند المصلى. وبنى أبو زكريا ابن السلطان أبي إسحاق مدرسة ثالثة هي مدرسة المعرض في سوق الكتبيتين- وقد بنيت هي الأخرى لتحل محل فندق- ولكنها زالت من الوجود وأصبحت أثرلم بعد عين. ثم عمرت الأسوار أو بعضها على الأقل، ومنها الباب الجديد وباب المناورة وربما معها باب البنات، وليس له الآن وجود. وكانت تونس عام 1300 م قدم أصبحت قريبة الشبه جدًّا بتونس الحالية. فقد امتدت المدينة من الشمال إلى الجنوب وكانت تنحصر بين القصبة من ناحية الغرب- وهي قصر الأمير الحصين الذي يشرف على المدينة وعلى سهل المنوبة- وبين باب البحر من ناحية الشرق عند أسفل السهل، وهذا الباب يفتح على دار الصناعة ومنها إلى البحيرة، وفي منتصف هذا المرقى، وفي سرة المدينة بالضبط المسجد الكبير وتفتح أبوابه على الأسواق الجديدة المحيطة به. وقد عرف الباب الشمالي بباب البهور (¬3) ونحن نتساءل: أكان اسم الباب الغربيّ باب الشفاء؟ وكانت كل سوق تغلق أبوابها إذا جاء الليل، ولا يزال هذا شأنها إلى ¬

_ (¬1) الذي مدح المستنصر هو حازم بن محمد القرطاجنى الذي وفد من الأندلس في عهد المستنصر واستوطن تونس (¬2) أسسه، حمد بن مرزوق بن ابى عمارة المسيلى، وكان سئ السيرة، ويسمى هذا الجامع الآن بجامع "باب البحر" لموقعه علي مقربة من مياه البحر. (¬3) ينطق به أهالى تونس بالهاء وهكذا يكتبه بعض المؤرخين.

اليوم، وباب الربع القريب من السوق الذي يعرف بهذا الاسم هو المخرج الجنوبي لهذا الحى كما هي الحال الآن. وقد تجمعت دكاكين بعض أرباب الحرف اليدوية حول المدينة خارج هذه الأبواب. فالصباغون داخل باب الجزيرة، والحدادون عند الباب الجديد، والسروجية (¬1) عند باب المنارة. وكانت تجاور باب البحر بطبيعة الحال عدة فنادق يتوزعها تجار النصارى، فلما ضاقت بهم هذه البقعة بادروا إلى بناء حي صغير -أو ربض- خاص بهم خارج الباب، وهو الصورة الأولى للحى الأوربى. وكانت الدور تبنى متلاصقة، لا فسحة بينها ولا رحبة للأسواق والمحافل: ولم تكن بطحاء ابن مردوم سوى مفرق طريق. أما الأحياء الخارجية، فهي أحدث عهدًا وأقل زحامًا، فيها رحبات واسعة يبيع الناس فيها ويشترون: الفخار والحلفاء في حي باب السويقة والحيوان (الخيل في المركاض والغنم في رحبة الغنم) وربما الغلال في حي باب الجزيرة. ويحيى كل حي من هذه الأحياء سور خارجى ينتهى عند القصبة؛ أما أبواب الصف الأول من هذه الحصون فهي في الربض (الحى الجنوبي): باب خالد، ولا شك أنه كان في الأصل باب تالمنصور، في الغرب، وباب الجرجانيّ (¬2) في الجنوب، وباب الفلآق (وخارجه قيسارية) وباب علاوة (¬3) في الجنوب الشرقي، وفي الحى الشمالي: باب الخضراء في الشمال الشرقي وباب [أبي] سعدون في الشمال الغربيّ، وباب الأقواس في الغرب، ولعله عين باب العلوج وقد ورد ذكره لأول مرة بعد هذا العهد. وإذا أردنا أن نعين مكان ربض العلوج فلا مناص من أن نضعه بجوار الباب الأخير اللهم إلا إذا كان الحسن بن محمد الوزان الزياتى قد أكد أنه خارج ¬

_ (¬1) يعرف هذا السوق بسوق السراجين تصنع فيه سروج الخيل. (¬2) أهالى تونس يقولون باب القرجانى. (¬3) أهالى تونس يقولون باب عليوة.

المنارة. والعلوج مرتزقة نصارى يدفع لهم سلاطين تونس أعطياتهم. أما القصبة نفسها، فإن أحد بابيها يفتح على الريف وهو باب الغدر والآخر على المدينة وهو باب إنتَجمى (انظر باب إيمزتجمى التلمسانى؛ بغية الرواد، طبعة بل، جـ 34) وبين باب علاوة وباب الخضراء مجموع من الخنادق تجرى فيها الميازيب فتصب شرقًا في البحيرة؛ والمقابر حول المدينة وقد لحقت على الأيام بأرباضها، فلما اتسعت هذه الأرباض خرجت عنها. وإلى الجنوب الغربيّ الزلاج الرحب ويكاد يكون قائمًا بنفسه وهو يخلد ذكر أبي الحسن الشاذلى المتصوف (سيدى بالحسن)، صاحب الطريقة الشاذلية، وقد عاش هناك في النصف الأول من القرن الثالث عشر الميلادي. وتلاصق باب الجرجانيّ بجوار مقبرة الهنتاتية أضرحة كثيرة من "الأولياء". وفي مناقبهم التي لم ينشر معظمها معلومات قيمة عن تخطيط المواضع التونسية في عهد الحفصيين تكمل ما جاء به الزركشي أو ابن الشماع. وقد سميت باسم لاله (¬1) المنوبية المشهورة (انظر المجلة الأسيوية، سنة 1899 م، ص 485 - 494؛ وكتاب مناقب السيدة عائشة المنوبية، تونس سنة 1344 هـ)، المتوفاة عام 1267 قرية تشرف على المدينة من ناحية الجنوب - La Apan (cubia لا يزال النساء يزرنها ويتوسلن بها إلى الحمل. وقد اعتزت تونس بالمرابطين الذين لا ينكر سلطانهم السياسي أحد، مثل أبي محمد المرجانى مؤدب أبي عصيدة الذي أصبح خليفة فيما بعد. ولها أن تفاخر أكثر من ذلك بمن أخرجتهم من الفقهاء الأدباء والعلماء الذين ازداد عددهم على الأيام. وقد ازدهرت بها علوم الدين كما قال العبدرى عام 1289 م. وممن برزوا فيها القاضي بن زيتون عند نهاية القرن الثالث عشر الميلادي. ¬

_ (¬1) كلمة لاله يستعملها العامة هنالك بمعنى سيدتى وفي الخلاصة النقية أنها توفيت سنة 665 هـ أو 653 هـ

وكانت للمسلمين المهاجرين من الأندلس مشاركة قيمة في النهوض بدراسة الأدب وفقه المالكية منهم ابن الأبار وقاضي القضاة ابن الغماز، وقد وفدا من بلنسية؛ وبنو عصفور من أشبيلية وكذلك بنو خلدون أجداد ابن خلدون مؤرخ شمالي إفريقية الأشهر (ولد عام 1332 م). كان القرن الرابع عشر موضع إعجاب الرحالة خالد البَلَوى (عام 1335 - 1340) فهو العصر الذهبي للفقهاء والمفسرين، ومن هؤلاء قضاة القضاة ابن عبد الرفيع وابن عبد السلام وعيسى الغُبْرينْى والقاضي وابن راشد القَفْصى والمفتى ابن هارون ثم ابن عرفة-لإمام. الجليل. أما في ميدان السياسة فإنا لم نأنس في الحكام إلا ضعفًا وفي المحكومين إلا اضطرابًا وخوفًا. فليس أيسر من أن يهدد الأعراب المدينة، كما احتلها المرينيون مرتين. وكان نموها ناحية الغرب وناحية الجنوب الغربيّ بالغ القوة في القرن السابق ثم أعقبه عصر ركود ولا نقول عصر اضمحلال. ومع ذلك فنحن نذكر أن مدرستين قد أنشئتا في هذا العهد، ابتنت الأولى أخت الخليفة أبي يحيى أبي بكر (1314 - 1324 م)، وتعرف بالمدرسة العُنْقية (وقد عمرت فيما بعد وهي في شارع عنق الجمل)، وبنى الأخرى ابن تَفراكين الحاجب، وقد أصبحت الآن أطلالا (في شارع سيدى إبراهيم). ومن سمات هذا العصر أن المهندسين قد عنوا أولًا وقبل كل شيء بما تتطلبه ضرورات الحرب. فقد عمَر أبو الحسن المرينى بعد هزيمته في القيروان عام 1348 م أسوار مدينة تونس واحتفر حولها خندقًا؛ ودعم ابن تفراكين الأسوار الخارجية وأنشأ أحباسا عظيمة لحمايتها. فإذا انتقلنا إلى عا م 1400 م وكان القرن الخامس عشر، فقد استقرت أمورها السياسية أكثر من ذي قبل فنشطت لذلك حركة المبانى نشاطًا ملحوظا، بيد أنها لم تكن واسعة النطاق في الواقع. ولم يشيد أبو فارس وحفيده أبو عمر عثمان في حكمهما الطويل إلا خزانتى كتب ومدارس قليلة، وانصرف جل اهتمامهما إلى أعمال البر

فابتنيا أول مارستان إسلامي في تونس، وقد تم بناؤه عام 832 هـ (1420 م) وعدة زوايا في الأرباض يلتجئ إليها الناس في النهار والليل جميعا، كما اهتما بما يتصل بالماء مدفوعين إلى ذلك بعامل الدين أيضًا: فأنشأ مأجلا (وهو صهريج كبير) في المصلى، وميضأة في سوق العطارين عام 854 هـ (1450 م) وسقايات ومصَاصة، وهي ضرب من السبل يمص فيه الإنسان الماء من صنبور. ويكشف لنا هذا كله لونا من ورع الضعفاء العاجزين. وأخذ المرابطون وأصحاب الطرق يسيطرون على الدين يوما بعد يوم. وقد وصف آل القَلجْانى (¬1) وبنو الرَصاع في هذا العصر بأنهم فقهاء مبرزون، وكانت لتونس خطبة (¬2) ثامنة في ربض باب إلسويقة. عام 1451. وأبرز رجال هذا العصر سيدى أحمد بن عروس (انظر مناقبه، تونس، سنة 1303) الذي وفد من مراكش ودفن في زاويته عام 1463 م وهو صاحب الطريقة العروسية؛ وسيدى قاسم الجَليزى (¬3) الذي جاء من الأندلس. وتوفى عام 1497 م وزاويته التي دفن فيها قريبة من باب خالد التي سمى منذ ذاكُ ب "باب سيدى قاسم" وسقفها مكسو بالآجر على النمط الأندلسيّ، وسيدى منصور بن جرِدان (¬4) المتوفى 1499. والظاهر أن التجارة كانت آخذة بأسباب الرقى وقتذاك؛ وقد حافظت تونس على اتصالها بأوربة رغم عدة حوادث، بل لعلها ازدادت توثقًا؛ ويتجلى ما بلغته الصناعة والتجارة المحلية فيها من شأن أيام أبي فارس حتى قبل أن يعفيها من كل مجبى (ضريبة) من الأرقام الخاصة بعام التي وردت في تحفة الأريب لعبد الله ¬

_ (¬1) الصحيح القلشانى. (¬2) يراد جامع لصلاة الجمعة، وهذا الجامع هو ثامن الجوامع المؤسسة في تونس، ويسص الآن جامع التفافتة لكثرة من تولى إمامته من آل النفاتى، وكانوا من أعلام أهل العلم. (¬3) هكذا يجرى على الألسنة، وجماعة من علماء تونس اختاروا كتابته بتقديم الزاى على الجيم فيقولون الزليجى والزلاج (انظر معاهد التوحيد). (¬4) له زاوية في تونس بها ضريحه.

الترجمان (¬1)، وكان نصرانيًّا فأسلم واسمه الأول فرا أنسلم ترميده القطلونى Catalan Fra Anselm Turmeda, ولا يزال قبره داخل باب المنارة. ونحن نرى في أثناء سرد الأسواق المهمة وجود فنادق للزيت والخضر وفحم الحجر وسوق للصَفّارين (النحاسي) وسوق للعزافين (صانعى السلال)؛ ولايزال طريق العزّافين (e El-Azafine) وسوق القَشئاشين (وهم بائعو التحف) باقيين. وقد قدر عدد المنازل رسميًا عام 1361 بسبعة آلاف منزل كما قال ابن الشماع، ثم زاد عام 1516 إلى عشرة آلاف منزل كما قال الحسن بن محمد الوزان الزياتى. وأورد الرحالة فان غسيله - Van Ghis tele معلومات قيمة عن حياة النصارى في تونس عام 1485، أما أولو الأمر فقد إنتهجوا سنة أسلافهم وعملوا على الإقامة خارج المدينة، وأغلب ما يكون ذلك في صيغتهم باردو: وقد ذكرت هذه الصيغة التونسية باسم برادو - pra " do منذ 1410 م وحرّف هذا الاسم كثيرًام، وسرعان ما أصبحت مجموعة كبيرة من المبانى. وينسب قصر العَبدليه عند المرسى وكذلك خزانة الكتب المعروفة بالاسم نفسه، والملحقة بالمسجد الجامع إلى أبي عبد الله الحفصى آخر الأمراء المستقلين (عام 1500 م). وكان القرن السادس عشر قرنًا يسوده الاضطراب، فأصبحت المدينة المنكودة الطالع غرضا من أهم أغراض الترك والأسبان في حروبهم الطويلة، وقد نهبها جنود خير الدين عام 1534 م. ثم سلبها جيش شارل الخامس المظفر في العام الذي يليه. وفر أهلها في جمع واحد أمام النصارى من باب الفَلاق، وقد غير اسمه تبعًا لذلك فأصبح باب الفلّة (أي باب الهزيمة). وجلى أن الأحوال التي عمر فيها الحفصيون ما تخرب وصانوه لم تكن جد مواتية لنمو المدينة. فقد صرف الأمراء كل اهتمامهم إلى الحصون التي زيدت عليها حصون حلق الوادي، ¬

_ (¬1) أسلم على يد السلطان أحمد بن محمد بن أبي بكر الحفصى وكان قسيسًا وهو مؤلف تحفة الأديب في الرد على أهل الصليب.

ويظهر أنها لم تتم حتى بعد خريف عام 1573 م عندما طرد دون جون النمساوى من تونس القائد رمضان الذي ظل عاملا عليها أربع سنين من قبل على باشا أولوج (قلج). وقد حصنت القصبة تحصينًا قويًّا، وقام في مكان دار الصناعة بنوع خاص- ولعلها خربت قبل ذلك بزمن - (انظر 1914 E Revue Tunisinne: Grandchamp, ص 9 - 10) علي ساحل البحيرة، حصن على هيئة النجم يصله بأسوار المدينة متراسان: وهذا الحصن هو البرج الذي ذكره ابن أبي دينار والقلعة الجديدة nova are في التخطيط الذي رسم عام 1575 م (انظر Essai bibl.: Monchicourt sur les plans imprils de .. Tunis-Goulette . au XVJeme siecle R.Afr سنة ص 31). بيد أن هذا الجهد ذهب أدراج الرياح. وعاث الجند الأسبان في المدينة فسادًام فهجرها الأهلون (انظر، عام 1914 ص 12) واستولى الترك في سبتمبر عام 1574 م على هذا الحصن وهدموه. وأقام سنان باشا في تونس حكما موطد الأركان، فأخذت العمارة في الأزدهار بعد ذلك بأمد وجيز. وزاد خروج الناس من الأندلس واستمر قرونا واتسع مداه فجاءة عندما رحب الداى عثمان بعرب الأندلس الذين طردهم فيليب الثالث. فأقام أهل الحضر منهم في تونس وسكنوا حيين اثنين هما شارع الأندلس (جنوب غربي "المدينة") وحومَة الأندلس بالقرب من موضع الحلفاويين، وهم الذين أدخلوا صناعة الشاشية (القلانس الحُمر). , V, N بيسونيل عام 1724 م أنه كان يصنع منها .. ، 480 واحدة كل سنة، وقد استخدم فيها خمسة عشر ألف نفس. وقد ظهرت تونس بمظهر خاص في القرن السابع عشر بفضل اجتماع الأندلسيين المسلمين بالترك الحنفية المشارقة وما كان للمرتدين الأوربى المنبت والقرصان من شأن فيها. وكان الداى يوسف الأول أول من اشتهر بإقامة المنشآت العامة. وقد أورد ابن أبي دينار بيانا بها: إنشاء حي تجارى حول باب البنات، وتعمير سوق

الغزل المجاور لهذا الحى، وبناء سوق لتجار جربة، واصلاح عدة أسواق أخرى، وتوسيع أسواق الحفصيين ناحية الشمال وهي: سوق البشامقية (¬1) (وهم صناع السراويل التركية) في شارع سيدي ابن زياد، وسوق البركة لبيع الرقيق السودان (¬2) وسوق الترك للخياطين الترك؛ وإنشاء قهوة، ومد مجارى المياه إلى بقاع مختلفة في المدينة كالمسجد الجامع فيما يلي سوق الترك. وشيد صفيه على ثابت (عام 1620 م) الميضأة البديعة التي تزين الآن "البلفدير"، وعمر على كذلك المسجد القديم في ربض باب الجزيرة. وربما كانت إعادة بناء باب المسجد الشرقي المعروف بباب الجنائز قد حدثت في ذلك العهد. وابتنى يوسف (عام 1622 م) في شارع سيدى ابن زياد مدرسة ومسجدًا للحنفية مئذنته مثمنة الشكل وإلى جانبه ضريحه. وأخذ سلطان الدايات يتضاءل بعده فلم يقوموا بعمل عظيم. وقنع أحمد خوجه (1640 - 1647) بتعميرالمدرسة الشماعية والمدرسة العنيقة، وشيد محمد لاز عام 1649 م مئذنة مسجد القصر العجيبة؛ فلما توفى عام 1653 م شيدت له ولأهل بيته "تربة" في ميدان القصبة. وقد شيد الدايات المرادية كثيرًا من العمائر، وبنَىَ حمودة مسجد سيدى ابن عروس الحنفي (تم عام 1654 م) على نمط مسجد الداى يوسف وبالقرب منه كما بنى بجواره ضريحا لأهل بيته. وعمر كذلك منارة المسجد الكبير وشيد مارستانا في شارع العزافين وشرع في تعمير الجسر المعلق وبنى ولده مراد المدرسة المرادية (عام 1673 م) في سوق القماش، وفتح ابنه الثاني سوق الشاشية وأقام حفيده محمد مسجد سيدى محرز بعد عام 1375 م وهو أهم مساجد المدينة ويقال أن المهندس الفرنسى دفيليه Daviler هو الذي رسم خطبة قبابه. وقد وصل إلينا وصف بديع لتونس في مذكرات الفارس درفيو Chevalier d'Arieux (باريس، المجلد الرابع، عام 1735) التي كتبت حول عام. فقد كانت القصبة في أول ¬

_ (¬1) جمع بشامقى وهو صانع البشامق، واحدها بشماق، وهو في الأصل حذاء يلبسه نساء الأتراك في البيوت ثم شاركهم في لبسه الرجال، وهذه السوق قائمة حتى الآن. (¬2) هذه السوق يباع فيها الآن المصوغات والجواهر الثمينة.

أمرها مقر الباشوات قبل تقلص سلطانهم، وكانت تضم بنايتين كبيرتين: في الأولى حرس الدايات والضباط مع أهلهم، والثانية وراءها وفيها السقيفة التي يلقى فيها الداى جنده وفي أقصاها مسكنهم. أما الديوان الذي يرأس فيه الأغا المجلس العسكرى فهو قاعة متسعة مستطيلة الشكل (انظر كذلك وصفا مفصلا آخر كتبه لاكندامين La Condamine, عام ولا تزال المحكمة الشرعية في هذا الموضع. وكان الحى الواقع غربي المدينة وشمال غربها (وبخاصة طريق الباشا) هو حي السراة أو الحى التركى بحق. وقد زينت بالمرمر دور الدايات الفخمة وغيرهم من الأعيان. وكانت الرحبة الوسطى- وهي من سمات الدور المألوفة في ذلك العهد- تزين أحيانًا بجوسق أو بركة من الماء، ومن أسف أن الرياش والزخارف كانت فيها نزعة إلى محاكاة الردئ من المتاع الإيطالى. وتوسع القرصان في مغاماتهم توسعا كبير، جدًّا فازداد بذلك عدد العبيد من النصارى (بلغوا ستة آلاف عام 1654؛ انظر عن حياتهم ينيون R.T , Pignon عام. 11830، ص 18 وما بعدها)؛ ومن ثم أكثر عدد تلكُ السجون العجيبة التي ينسب كل منها إلى القديس الذي تنذر له البيعة التي تحتويها هذه السجون. فقد ذكر الأب دان Dan تسعة منها عام 1635 وسرعان ما أصبحت ثلاثة عشر سجنا. ونحن إذا سلمنا بما ذهب إليه كرانشان (La France: P. Grandchamp -en Tunisie au XVlleme siecle, Avant]et VI . propos des , تونس، 11928 - 1929) وعددنا قصة حبس القديس فنسنت بولس في تونس من عام 1605 - 1607، أسطورة من الأساطير فإننا يجب أن نعنى خاصة ببعثة يوليان كيرالن اللازاى- Lazarist Julien Guerin L 5 (عام 1645 - 1648) لأنه وفق إلى تنصير محمد جلبى المشهور باسم الدون فيليب وهو ابن الداى أحمد خوجه، وأن نعنى كذلك بفعال مبعوث

آخر هو جان له فاشيه Jean le Vacher قنصل فرنسامن عام 1648 إلى 165 ومن عام 165 إلى 1666 (انظر Jean le vacher: R.Gleizes، باريس سنة 1914 - , في Revue des questions .histor يوليو 1928). ففي أيامه شيدت أول كنيسة عامة في دار القنصلية نذرت إلى القديس لويس، وهو أيضًا الذي أقام على اطلالها كنيسة القديس أنطونيوس في وسط المقبرة الرومانية الكاثوليكية، وأقام حولها الأسوار العالية خارج باب البحر (في موضع الكتدرائية الحالية)؛ ونظم العبادات في بيعَ السجون وهو الذي استأذن من الدَيوان وحصل منه على أرض بنى عليها قنصلية للفرنسيين عرفت بـ"فندق الفرنسيين"، وقد تم بناؤها عام 1661 (شارع الجمرك القديم Rue de l'ancienne DouanE` Grandchamp: المصدر المذكور، جـ 6، ص 22 - 32). واشرف النساكُ الإيطاليون على تلك البعثة من عام 1672 م: ووصف سانت جرفيه. . St Gervais دارهم حوالي عام 1730 (Memoires historiques. باريس، سنة 1716، ص 86) كما وصف الكنيسة اليونانية ومارستان الثالوثين المحبوس عليه مال كثير. وكان اليروتستانت يدفنون خارج باب قرطاجنة في مقبرة القديس جورج في الموضع الذي تقوم عليه الآن الكنيسة الإنكليزية. ويظهر أن تجار النصارى لم يكونوا كثيرين على الرغم من حماية القنصلية لهم. "فالأمة" الفرنسية كانت منذ أمد طويل ستة أشخاص فقط. وكان غالب التجارة الخارجية في يد اليهود ومعهم المهاجرون من الأندلس والبرتغال (الذين طردوا عام 1492 عام 1469 م) وقد وفدوا إلى تونس مباشرة أو بطريق إيطاليا، أما الـ كرانه، وهم البرتغال أو اللقورنيون، فكانوا جماعة منفصلة برأسها؛ هاليهم نسب "سوق الكرانه " وكانت مقابر اليهود خارج الأسوار شرقي حي باب السويقة بجوار شارع سيدى سفيان الحالي؛ ثم امتدت ناحية الجنوب. واتسم ختام القرن السابع عشر وبداية القرن الثامن عشر بقلاقل سياسية احتل إبانها أهل الجزائر تونس

مرتين أولاهما عام 1686 والثانية , عام 1694، وأصحبت ذلك فتن سفكت فيها الدماء. ولم تكن الأسوار من المناعة بحيث ترد هجومًا عنيفًا، ولم تتبع في بنائها "قاعدة من قواعد التحصين فلا تعد من الحصون الأبراج المربعة المتصلة بالجدران على مسافات بينها". بل إن تونس وقعت للمرة الثانية تحت رحمة أهل الجزائر حتى في عهد الحسينية، ونهبها هؤلاء الجزائريون عام 1735 م، فحاول التوانسة عبثًا أن يقفوا في وجوههم عام 1756 واستعانوا في ذلك بحصون تعجل على باشا وولده محمد في بنائها: وهذه الحصون متراس له كوات وخندق بين الحصنين حديثى البناء القائمين على جبل الجلاز والمنوبية وقلعة محصنة وراء القصبة. وقد ورد في هذا العصر ذكر حصنين آخرين يتوجان الرابيتين ناحية الشمال الغربيّ. وهما بلا شكُ برج السوارة أو طاحونة الريح (وهي حصن الأسيان) وبرج الرابطة أي رابطة الباى) ويكتنفه على مسافة يسيرة برج فلفل الصغير (انظر Corres . Tunis: Plantet. تونس، جـ 2، ص 501، وانظر فيما يختص بعام 1829 م Relations inedit ... : Monchicourt ,: ، ص 47، 91). وقد زودت المدينة ببنايات أخرى في الفترات التي رفرف فيها السلام، ففي أيام رأس الدولة الجديدة حسين بن علي توفيت الأميرة عزيزة عثمانة، عام 1710، هي كبرى حفيدات الداى عثمان، ودفنت بالقرب من مدرسة الشماعية. وقد انتفع كثير من منشآت البر والتقوى بجزيل عطاياها. وكان حسين نفسه بنّاءًا عظيمًا، فقد شيد في تونس (انظر المشرع الملكى سنة 1895، ص 328 - 239) في الحى الجنوبي من المدينة الجامع الجديد أو "جامع الصَباغين" ومئذنته مثمنة الشكل. وهو الذي اختط الطرق والبنى الملاصقة لسوق السكّاجين أي صانعى عدة الخيل، وفي عهده شيد ضريح الداى قره مصطفى بجوار مسجد القصر وهو الذي نقل قصبة ملكه إلى باردو. وقد عنى ببناء المدارس على الرغم من التأخر في دراسة العلوم

الدينية. وهو ما شهد به ابن أبي دينار (ص 399 الترجمة ص 506) في القرن السابق: وهذه المدارس هي مدرسة النخلة والمدرسة الحسينية والمدرسة الجديدة. وخلفه على باشا مباشرة، فنسج على منواله وبنى أربع مدارس هي: الباشية في سوق الكتبيين والسليمانية وسميت كذلك تخليدًا لذكرى ولده المتوفى سليمان، ومدرسة بئر الحجار، ومدرسة حوانيت عاشور، ثم أنشأ على باى بُعَيد ذلك مدرسة أخرى باسم المدرسة الجديدة وإليه يرجع الفضل في بناء مقبرة الحسينية المعروفة بـ "تربة الباى" وهي غير بعيدة من مسجد الصباغين وكذلك تكية العجائز الفقراء وقد بنيت عام 1775. وبنى الوزير المشهور يوسف صاحب الطابع حوالي عام 1800 المسجد الذي يحمل اسمه في ميدان الحلفاويين ولعله أقيم في موضع "المسجد المعلق على الحلفاويين" كما يتضح من رواقه الخارجى المرتفع، وقد ذكر هذا المسجد ابن ناجى في القرن الرابع عشر الميلادي جـ 4، ص 149)؛ وبنى في الحى نفسه نافورة الحلفاويين عام 804 م داخل باب سيدى عبد السلام وبنى في الطرف الآخر من المدينة حوضًا كبير، للماء داخل باب اللواء. وفرغ مولاه حعوده باشا من بناء "دار الباى" (وقد مكث فيها كارولين البرنزويكى عام 1816) وهي فوق القصبة بقليل، وقد وقف جهده على بناء الحصون والثكنات. ورأى أن يحمى تونس من أهل الجزائر بخاصة فطلب من مهندس هولندى أن يعمر أسوارها الخارجية. ولم يكمل هذا العمل في جانبه الجنوبي، واستغرق من عام 1797 إلى عام 1804 كما يستدل من الكتابات المنقوشة على الأبراج التي تكتنف الأبواب (انظر R.T.: H. Hugon، 1905 م، ص 373.، سنة 1908، ص 298). واستعيض عنها في هذا الجانب بالمتاريس المتقدمة التي بناها على باشا وبجدران المنازل الخارجية التي يتكون منها خط دفاعى متصل تقريبا. وشيد مودة عام 1798 الثكنات على طول الطريق المجاور لقصره الخلوى البديع في المنوبية، وبنى غيرها في أخريات أيامه عام

1714 م في وسط سوق العطارين (وهي تضم الآن دار الكتب العامة، وإدارة العاديات؛ انظر: Note sur M.Houdas Bull. Archeol . . في vcrinrinns de Tunistrois in سنة 1911). وفي العهد نفسه شيدت ثكنات أخرى في المدينة: في شارع القشلة، أي الثكنة (وهو الآن الجمعية الفرنسية للبر) وشارع الكنيسة (وهو الآن إدارة الأوقاف) وشارع منكوَيت وشارع سيدى ابن زياد؛ وأكبرها ثكنة الفصيلة الأولى (برنجى آلاى، وهي الآن ثكنة سوسييه " Caserne Soussier") وقد بناها الباى حسين بن محمود ثم أخوه مصطفى عام (1835 - 1836) بالقرب من المركاض في موضع المصلى القديمة. وبنى أحمد باى عام 1839 مخزنا للمدفعية (وهو الآن Caserne Forgemol) خارج المدينة، ويعد أحمد باى خالق "الجيش التونسى". وقنع أحمد باشا بأن يطلب في مناسبتين (1743 و 1744) سباكا من طولون لإصلاح عدة مدافع في مصنع للطوارئ. أما حمودة باشا فانشأ مسبكا دائما في جناح من قصر الحفصية (في الطريق المعروف بالاسم نفسه) يوالى الإشراف عليه بعض الفرنسيين. ثم نظم أحمد باى الدبدابة (انظر. بم. سنة 1922 - 276) التي يصنع فيها ناحية الشمال من دار الباى وشارع الصباغين Rue des Teinturiers) . والظاهر أن هذه المشروعات العسكرية، قد عملت على تحويل تونس إلى حامية عسكرية، وأخذت المحلة الأوربية في الوقت نفسه تحتل جانبا من المدينة، وكانت تنمو نموًا مطرد، لايعوقها عائق بفضل احتلال الفرنسيين للجزائر عام 1830 والإصلاحات التي قام بها البايات، ففتح النصارى الدكاكين، وشيدت الكنائس إلى جانب كنيسة الصليب المقدس القديمة (في شارع القصبة، وقد نقلت 1833 إلى مارستان الثالوثين، شارع الكنيسة) وسجلاتها قيمة جدًّا في تاريخ الكاثوليكية الرومانية في تونس. وفتحت المدرسة اليهودية عام 1840 م في مربركو Morpurge, وكلية بوركاد 1841 alt. Bourgade في زنقة الباباص (في عطفة البعثة التبشيرية Impasse de Missionaire) . وأصبح حي ميدان

البورصة بأسره (وسمى حديثًا باسم ميدان الكردينال لافيكرى - Place du Car dinal Lavigerie) أوروبيا خالصا وكذلك الشارع الحالي للديوان القديم وشارع جلاسييه وشارع القومسيون. وأخذت المدينة الحديثة تتسع خارج الأسوار متجهة ناحية البحيرة؛ ومن ثم نقلت قنصلية فرنسا عام 1861 إلى الدار التي كان يشغلها المقيم العام. ومع هذا فقد بقيت بعض القنصليات داخل المدينة: وهي قنصلية أسبانيا (في شارع سيدى البونى) وقنصلية بريطانيا العظمى (في ميدان الكردينال لافكرى) وقنصلية إيطاليا (شارع زركون وهي على وشك الانتقال من مكانها). وقوى بأس الأوروبيين حتى تأثرت به آخر الأمر إدارة المدينة نفسها. وكان لكل من الربضين أيام الحفصيين شيخ يقوم عليه، ولعلهما كانا تحت إشراف شيخ المدينة، وقد بقى هؤلاء الشيوخ في عهد الأتراك، وكانوا يقومون على خفارة المدينة بعد أن تغلق أبوابها ليلًا تعاونهم جماعات من السكان تتناوب العمل فيما بينها "لواجة". ويتبع هؤلاء "المحركون" وهم شيوخ الأحياء. وكانت شرطة النهار أيام الحسينية من عمل الدولتلى، وكان تحت إمرة هذا الداى الضعيف السلطان خمسون "جانبًا" وخمسة وخمسون "قابيج"" انظر E. Pellissier: : من Jumis باريس سنة 1853، ص 52 - 53) وكان يقوم بمنصب رئيس اليوليس في القاعة المستطيلة المعروفة بـ"دريبة" في شارع سيدى ابن عروس. أما القصبة فكانت إدارتها منفصلة تحت إشراف أغا. ومع ذلك فقد ألف مجلس بلدى عام 1858 يضم رئيسًا ووكيلًا وكاتب سر واثنى عشر عضوًا من الأعيان، وكان يزود بالمال من ضريبة تفرض على الخمر والكحول، وحل محل الدولتلى عام 1860 "فريق" يرأس الضبطية. وقد بذل جهدًا كبيرًا لجعل المدينة تساير العصر، فقد بذل جهدًا كبيًا لجعل المدينة تساير العصر، فمد خطا للبرق يصل بينها وبين الجزائر، وخطًا حديديًا يصلها بحلق الوادي، كما زودت المدينة بالمجارى، وقام المهندس الفرنسى

كولان Collin بجلب الماء إليها من زغوان. وحل برج الماء محل الصهريج المغطى (خزنة) الذي كان قائمًا في القرن السابق بجوار باب السور الخارجى المعروف بباب سيدى عبد الله الملاصق للقصبة. ولم يترك الانصراف إلى المشروعات الحديثة مجالًا لتشييد أماكن العبادة، ومع هذا فنحن نذكر زاوية سيدى إبراهيم الرياحى الجليلة (وقد توفى عام 1850؛ انظر سنة 1918 ص 124, وانظر عن فقهاء العصر الحسينى، السنوسى: مسامرات الظريف، تونس طبعة غير مؤرخة) ويضعف تبجيل الناس له، وأنشئ عام 1875 المعهد الصادقى (في ثكنات شارع الكنيسة) نسبة إلى الباى محمد الصادق. ثم بنى عام 1880 المارستان الصادقى. وكان قصر الزروق هو الذي أقام فيه الدايات أول الأمر (وهو في شارع القضاة " des، juges" وفي عام 1876 عمر وزير من وزراء الباى دار الحسين (وهو الآن قصر الفريق) الذي بنى في القرن الثامن عشر، وظل قصر خير الدين- قصر الحفصية القديم بعد توسيعه- مقر المحكمة زمانًا في مستهل أيام الحماية (وهو في شارع المحكمة)؛ أما قصر مصطفى بن إسماعيل فكان في شارع الياشا، وأصبح قصر الخازندار (في ميدان الحلفاويين، شارع القصر) مارستان اليهود، وهو مهجور، ولم يستعمل منذ أمد. ومما تجدر ملاحظته أنه لما انتقض أبناء الحسين بن عليّ على على باشا في منتصف القرن السابق، عنى الباى بحى الحلفاويين الذي كان يسكنه "الحسينية" الموالون له على حساب حي باب الجزيرة وهو معقل الصف المعارضين "للباشية" (انظر سنة 1918, ص 314). وأحدث الاحتلال الفرنسى (من عام (1881 تطورات خطيرة في تونس كانت لاتزال مستمرة. وتمتد المدينة الأوروبية من باب فرنسا، وهو باب البحر القديم، إلى البحيرة حيث الأرصفة والمراسى؛ ومن البلفدير إلى الجلاز، ثم تمتد في الحى الجنوبي داخل الأسوار وخارجها فتغطى روابى

"مونفليرى Montfleury". والسور الخارجى باق إلى اليوم. أما سور المدينة فقد اندثر أوكاد، ولم تبق منه سوى أبواب قليلة. وعمرت القصبة تعميرًا كاملًا وهي الآن ثكنات للجند. وتشغل الإدارة الداخلية دار الباى؛ وتشغل الإدارات الأخرى مع المعهد الصادقى (عام 1897) وقصر العدلية بنايات حديثة تمتد على طول شارع باب البنات من ميدان القصبة. وتسير مركبات الكهرباء (الترام) حول المدينة ولكنها لاتجوس خلالها. وقد بذلت الجهود لكى تحتفظ المدينة بطابعها الشرقي. وهناك بنايات تستعمل في غير ما أنشئت له، بيد أن المظهر العام للمدينة لا يزال كما كان منذ خمسين سنة؛ وينحصر التعليم الديني في المسجد الكبير، وقد عمرت مئذنته تعميرًا، كاملًا عام 1894, وأنشأ المقيم الفرنسى ملية Millet المدرسة الخلدونية في سوق العطارين ليتعلم فيها فتيان المسلمين مبادئ العلوم الحديثة. ولا تزال الحرف الوطنية تتجمع في الأسواق، لكل حرفة منها "أمين"؛ ويزور بعضها كثير من السائحين فتنشط حركة التجارة، لأنهم يبتاعون الأدوات "الشرقية" والعطور والبسط والسلع المصنوعة من الجلد؛ ويصيح المنادون في سوق الكتبيين وسوق البركة على الكتب والحلى. وقد هجر الحى اليهودى الحقير أهلوه الذين يستطيعون الإقامة بجوار ميدان يوتييه I Place des Potiers أو في المدينة الأوروبية، وسوف تقوم عن قريب في هذا الحى البنايات الحديثة والطرق المتسعة. أما المسلمون فهم على العكس من دلك يعيشون في الأحياء الوطنية اللهم إلا بعض الأسر الغنية التي ابتنت لها قصورًا ريفية في آخر طريق باريس Avenue de Paris وقلة من الأمناء الذين شيدوا لأنفسهم بيوتا في قرية العمران الجديدة جنوب غربي البلفدير. ولا يفوتنا أن ننوه بازدياد سكان الأرباض (رادس وحمام الليف أو قرطاجنة المرسى) البعيدة من أوروبية وإسلامية ويهودية، وقد اتصلت في الواقع واندمجت في مدينة تونس. وأعيد تنظيم المجلس البلدى بمقتضى المرسوم المصادر ف 31 أكتوبر عام 1883 وألحق به مرسوماً عام 1888، 1914 م

بخصوص المجالس البلدية للولاية، ويتألف المجلس من رئيس ووكيلين فرنسيين وسبعة عشر عضوًا يعينون بمرسوم (ثمانية من الأوروبيين وثمانية من المسلمين ويهودى تونسى). وارتفع عدد سكان مدينة تونس في تعداد عام (1926) إلى 185.996 نسمة، منهم 27. 922 فرنسيًا و 51.214 من الأجناس الأوروبية الأخرى و 82.729 من المسلمين الوطنيين و 24.131 من اليهود التونسيين [بلغ عدد السكان في تعداد 1950: 364.592 نسمة]. [نالت تونس استقلالها بعد ذلك وتغيرت نسبة هذه التركيبة السكانية]. المصادر: (1) nis et Kairouan: Saladin، باريس سنة 1908، ومعلوماته في حاجة إلى التحقيق. (2) Dessort (بمعونة آخرين): - tnire de In ville d. 1 الجزائر سنة 1924 والفصل القيم فيه يتناول الكلام عن الأوروبيين في تونس في القرن التاسع عشر قبل الاحتلال. (3) manuel d'art " musulman,: G. Marcais L'Archictecture في مجلدين، باريس سنة 1926 - 1927 وهو وصف جيد لأهم الآثار وفي ص 871 - 875 دراسة معمارية للقصور الإسلامية في تونس، وانظر أيضًا المراجع الواردة في النص وفي مادة تونس "القطر". [روبرت بر ونشفيك Robert Brunschvig] " تونس": (القطر) هي المنحدر الشرقي لبلاد المغرب، وموقعها موقع إفريقية القرون الوسطى على التقريب. وقد بسطت فرنسا حمايتها على تونس، أو بالأحرى ولاية تونس عام 1881. 1 - جغرافيتها: ومساحة تونس- بحدودها الحالية، بين خطى طول 8 و 11 شرقا وخطى عرض 32، 37 شمالا: 180، 125 كيلو مترًا مربعًا، وتتاخمها من الغرب الجزائر (إقليم قسنطينة) ومن الجنوب الصحراء؛ ومن أقصى الجنوب الشرقي ليبيا أي طرابلس، وتضرب مياه البحر المتوسط سواحلها في الشمال والشرق، وأغلب هذه الشواطئ أسافل. ومناخهاعلى الجملة دفئ معتدل. ولكن سقوط الأمطار يختلف

كثرة وقلة من ناحية إلى أخرى بل من سنة إلى سنة، وللقرب من البحر أو من الصحراء شان فيه، ولذلك يختلف كثيرًا باختلاف خطوط العرض واختلافًا أكثر بارتفاع الأرض. وتضاريسها جد متباينة أيضًا، وإن كان متوسط إرتفاعها فوق سطح البحر ليس كبيرًا. وتمتد جبالها- التي هي بقية جبال الجزائر وطرفها- من الجنوب الغربيّ إلى الشمال الشرقي على وجه العموم. وفي الشمال الغربيّ لتونس جبال خمير ومجود وهي من الطباشير والحجر الرملى، وقلما يزيد إرتفاعها تجاه الجزائر على ثلاثة آلاف قدم. ويهطل على هذه الجبال مطر غزير، ويغطيها البلوط والحسك، وفيها مناجم الزندُ والحديد (دوريه)، وهي تساير الساحل حيث نصادف ثغر طبرقة الصغير ثم كثبان نفزة ورأس العبد وشبه جزيرة رأس سرات الصغيرة؛ ويقل ارتفاع هذه الجبال في الشرق شيئًا فشيئًا إلى أن تبلغ التلال التي تكتنف سهلى بنزرت وماطر، وكلاهما وافر الماء يثمر ثمرًا طيبا من الحنطة؛ وبحيرة بنزرت، ويصلها بالبحر مجاز ضيق، فرضة حسنة ماؤها بعيد الغور تجاه صقلية وهي على مقربة منها. ويشرف على سهل ماطر جبل عجيب يعرف بجبل أشكل، وقد أوشك هذا السهل أن يغطى بالغرين، ولم يعد به من البطائح إلا القليل. وأبعد من هذا ناحية الشرق رأس سيدى على المكي فوق غار الملح (Porto Far ina) وهو يتاخم خليج تونس من الشمال، ويملأ هذا الخليج الرسوب الذي يحطه نهرًا مجردة ومليان. ذلك أن أوتيكا، وكانت من ثغور الرومان، تبعد الآن عن البحر ستة أميال. أما شبه جزيرة قرطاجنة، وكانت من قبل جزيرة، فيصلها بأرض تونس برزخ يفصل سبخة الرينة من بحيرة تونس. ويصل حلق الوادي (Goulette) هذه البحيرة- وتقوم في طرفها مدينة تونس- بالبحر. ولايغزر المطر في ناحية تونس، ولذلك تجود فيها الكروم والفواكه أكثر من الحبوب. ويخترق نهر مجردة شمالي تونس من الغرب إلى الشرق وهو النهر الوحيد في تونس الحقيق بهذا الاسم، ويقل ماؤه كثيرًا في الصيف، ويفيض من

نوفمبر إلى ابريل ويكدر ماؤه كثيرًا. وتفصل حلوق تستور مجراه الأسفل (مجاز الباب وطربه) من مجراه الأوسط حيث يروى غور دخلة الرسوبى العظيم (ناحيتا سوق الأربعاء وسوق الخميس) وهو غنى بالحبوب والمراعى شأنه في ذلك شان تلال باجة الطباشيرية المجاورة له، وتكتنف وادي نهر مجردة هن الشمال تلال بجاوة وتبرسق وهي هن الحجر الجيرى، وإلى جنوب الوادي معارج تونس الوسطى والغربية، وهي تلال مدورة هن الحجر الجيرى ثم سهول عظيمة وهكذا، وهذه المعارج امتداد جبال الأطلس في الجزائر. وتغطى هذا التل المرتفع- ويشمل نواحى تبرسق والكاف والسرس وقصور آية وتالة- غابات طبيعية من صنوبر حلب وشجيرات نامية ومراع عظيمة، ولذلك تطيب فيه الحنطة. أما ناحيته الجنوبية الغربية فأكثر جفافا هن نواحيه الأخرى، ولايطيب فيها إلا الشعير. وهذه الناحية بالذات- وبخاصة تجاه حدود الجزائر- أغنى نواحى تونس بالمناجم (الحديد عند جرسه وسلته، والفوسفات عند قلعة جردة وقلعة السنام) وتصب أنهار تونس في خليج تونس، وهي فروع مجردة (وادي ملوك ووادي تاسة ووادي سليانة) ووادي مليان (سهلى الفحص ومرناق). وتقوم إلى الجنوب من التل المرتفع أبرز الحدود الجبلية، وتمتد هذه الجبال - التي هي بمثابة العمود الفقرى لتونس - هن جوار تبسة إلى جبل زغوان (ارتفاعه 3400 قدم على مسيرة 30 ميلًا من تونس) وجبل الرصاص وبوقرنين؛ وهن أعلى قممها: جبل الشعبي (150 قدمًا) والسممه في جبال بيزاسين وصخرة مكتر وسرج وبرفو وكيرينة وجبال زيوجتنية. على أن هذه الجبال لا تعوق الاتصال بالجنوب؛ فهو ميسر بفضل ممرات أو دروب أشهرها مجاز قصور سبيبة الكبير. ومسايل المنحدرات الجنوبية مثل وادي مرجولل وزرود والحطب (وهو يروى سهل قموذة) تفيض في غير مواسم وبغير انتظام، كان فاضت تفيض في الأخبات السبخة أي جنوبي كلبية وجنوبى

سيدى الهانى في سهل القيروان؛ وهذه الأخبات في إقليم الفيافى الكبير، إقليم الجمل الذي يمتد من قفصة، ولاتقطعه إلا تلال قليلة جيرية متوسطة الارتفاع. ويغطى هذه الفيافى في الغرب الحلفاء أو الشيبة، وتغطيها من ناحية الشرق أشجار السلم، ثم تنحدر شيئًا فشيئا حتى أحراج الزيتون على ساحل صفاقس. ومع ذلك ففي هذه الفيافى مزارع شاسعة وبقاع صالحة للرعى، وليس بها من البلاد، إذا استثنينا القيروان، إلا مايقوم عند مخرج ممرات سلسلة جبال تونس وهي سبيطلة وكسريرة وفرينة. على أن هذه الفيافى تتغير طبيعتها صوب الجنوب فتصبح كالصحراء لندرة المطر، وتنتهي وراء قفصة والأرض الغنية برواسب الفوسفات عند المتلوى ورديف في غور الشطوط (شط الغرسة وينخفض 80 قدما تحت سطح البحر، وشط الجريد، وشط الفجج ويكتنفها جبل شرب وجبل تبقه) وفي واحتى الجريد (تورز ونفطة) وواحتى نفزاوة (قبيلى ودوز) وهي تنبت النخيل؛ وهنا تبدأ الصحراء الكبرى: وأقصى من هذا ناحية الجنوب الشرقي جبل دهر من الطباشير والجير (1300 - 2000 قدم) وبه صخرة مطماطة، وهو الحد الشرقي الوحيد لواد كبير في الصحراء الكبرى. وشبه جزيرة رأس أدار المشهورة على الساحل الشمالي الشرقي للولاية، حيث أفلحت مزارع مثمرة، وعلى امتداد جبال تونس، وهي بين خليجى تونس والحمامات، وتتصل سهولها التي على الساحل بممرى زغوان (فم الخروبة) وقُرنُبْالية وإلى الجنوب من أحراج البرتقال في نابل والحمامات وسهل سوسة. وفيه وديان مازال ماؤها وافرًا يكفى بزيتونه وغلانه الأخرى السكان الذين تكتظ بهم القرى الكبيرة الحصينة، وهي: القلعة الكبيرة وقلعة سريرة ومساكن ومكنين. والساحل مستقيم لايبرز منه إلا شبها جزيرة صغيران هما المنستير والمهدية. ويبدأ الساحل عند رأس كبوديا في مستوى الجور تقريبا ثم ينعطف إلى الداخل فيخلف في جون صفاقس جزر قرقنة ويفصلها عن الشاطئ بطائح، ثم

يساير خليج قابس (وهي سرت الصغيرة عند القدماء) وفيه مجامع إسفنج تدر دخلًا، وتقوم أحراج نخيل قابس في نهاية الخليج، وبين هذه الأحراج وبين واحة الحمة المتاخمة للشطوط ممر يصل سهول تونس الوسطى أو الشرقية بسهول الساحل الجنوبي الأقصى، وهذه السهول هي: سهول آرث، وبالقرب منها جزيرة جربة الكبيرة المستوية الخضراء، وسهول جفرة التي تتاخمها البحيرات. ومع ذلك فثم أحراج زيتون زاهرة حول جرجيس وبن جردان. المصادر: (1) - Aug. Bernard de Flotte de Ro Aj، Atlas d'Algerie de Tunisie: quevaire وهو بسبيل الطبع. (2) مطبوعات الإدارتين العامتين للزراعة والأشغال، ومطبوعات محطة دراسة المحيط في سلامبو. (3) عن طبقات الأرض: مؤلفات. . Ph Thomas و Pervinquiere ومصنفات Solignac الحديثة. (4) عن المناخ: مؤلفات (5) عن الحيوان: مؤلفات vauden الحديثة. (6) عن النبات - togeographique, de l'Algerie et de la Tu ni.vie الجزائر، سنة 1926 عن دراسة الأقاليم: (7) Le region de Bizerte T. Bouniard) (Am. geogr) سنة 1925. (8) La region de Tunis: : Ch. Monchicourt ((Ann. geogr سنة 1904 (9) الكاتب نفسه: Maieur chez le Frechich et les تونس سنة 906. (10) الكاتب نفسه: La region du Haul-Tell en Tunisie, باريس سنة 1913. (11) Le Cap Bon J. Weyland، تونس سنة 1926. (12) Le Sahel de Sousse: P. Burollet , تونس سنة 1927. (13) Ann.) Kairouan: J. Despois Geogr) سنة 1930.

(14) LE DJEBEL DEM R BLANCHET Ann. Geogr) mer)، سنة 1897 (15) تونس 1905 - 1906. (16) الكاتب نفسه aunisien ; تونس سنة 1906. (17) es geographiques A. Joly) -sur le Sud tunisien(Bull. Soc. geogr. Al (ger سنة 1907. (18) Le Sud tunisi-: : L. Pervinquiere Revue de geogr. annuelle) en (، سنة 1909. (19) Notes sur le Nef-: : M. Jeloux nun. Geogr.) zaoua) . سنة 1902. (20) A travers le Sud Tu- J. Thomas nisien، باريس سنة 1927 2 - تاريخها: قدم العرب- الذين فتحوا مايعرف الآن بالساحل التونسى- من الجنوب الغربيّ بطريق البر، وقد اقتضاهم هذا الفتح قتالًا شاقًا مع سكانه من البربر وعمال الروم دام مالا يقل عن نصف قرن: وكتب على المسلمين في شمالي إفريقية أن يصطدموا بالروم كما اصطدموا بهم في المشرق، على أن الأحوال في ولاية إفريقية كانت في منتصف القرن السابع الميلادي جد مواتية للفاتحين الذين غلبوا عليهم، فقد كان للخلاف الديني سورة بعيدة- كان تكن صادقة كل الصدق- للنزاع الذي أثارته مذاهب القائلين بالمشيئة الواحدة للمسيح في المشرق، وقد مزق هذا الخلاف أوصال الجماعة المسيحية في قرطاجنة، وفصل عن بوزنطة أولئك الذين تمسكوا بأهداب السنة المسيحية، وكان سلطان الإمبراطور على العمال يخف شيئًا فشيئا فأخذوا ينزعون إلى الاستقلال واضطرهم ذلك إلى طلب العون من شيوخ القبائل الكبيرة في البلاد؛ وأفادت القبائل من هذا الموقف فألقت عن كاهلها- على الأيام- كل أثر لسلطان الروم، حتى إذا جاء الفتح الإسلامي وجد جنوب ولاية إفريقية (Byzacene) باسره يكاد يكون مستقلًا عن قرطاجنة.

وغزا العرب هذه البلاد غزوتين بينهما ثمانية عشر عاما على أنهما لم تكونا فتوحًا بالمعنى المفهوم وإنما كانتا غارات مهدت الطريق لحملات أخرى أحسن نظاما وأكمل عدة تم بها فتح البلاد. ومن المصادفات العجيبة أن المغيرين ألفوا إفريقية البوزنطية في الغزوتين على أبواب محنة سياسية. ففي عام 647 م البطريق غريغوريوس قد انفصل وشيكا عن الإمبراطور واستقر به المقام بين البربر لما دهمه والى مصر عبد الله بن سعد بن أبي سرح عند سبيطلة وقضى عليه، ثم شرع في اكتساح بلاد الجريد. وفي عام 665 م كان أهل قرطاجنة قد جاهروا الإمبراطورية بالعداء مخلفين في ذلك ظن الناس جميعًا عندما خرب معاوية بن حديج بيزاسين وغزا حصن جلولا وإنا لنتساءل: هل كان حكم المغرب منوطًا بوالى مصر عندما حل عام 667 م؟ الواقع أن الفتح الحقيقي لم يتم إلا فيما بين. 669، 775 م؛ وقد تميز بانتصار عقبة بن نافع وبناء مدينة القيروان، وكان هذا تاريخ استيلاء العرب على إفريقية والتمكين لهم فيها، وفاتحة دخول قبائل البربر في الإسلام. على أن أهم هذه الحوادث جميعًا هو تشييد هذه المدينة الجديدة، وهي حاضرة من حواضر المسلمين ودار للصناعة ومحط للقوافل وسوق للتجارة. وقد رفع أهل هذه المدينة منذ ذلك الوقت قواعد مسجدها ومدوا أرباضها في السهول المواجهة لنجاد تونس الوسطى التي ظل يحميها خط من حصون الروم. وعاد عقبة عام 681 م بعد أن انقضت ولاية أبي المهاجر، ولانعرف من أخبار هذا الوالى إلا القليل. وحدث بعد عامين أن كان عقبة راجعًا من غزوة له هوجاء بلغ بها تنكتانيا فسقط في التراب أمام تهودة صريع فتنة شديدة قام بها الأهلون في وجهه. وقد ناصر الروم كسيلة رأس هذه الفتنة، وظل هذا الرجل أعوامًا طويلة أميرًا على دولة بربرية مترامية الأطراف ناهضت غارات العرب الجديدة وقاتلتهم أشد قتال، وسقط كُسَيلَةَ نفسه في حومة الوغى بناحية

سبيبة عام 678 م. ويقال إن زهير بن قيس البلوى كان قد وفد عليها في ذلك الحين. ولم تسمح الأحوال في داخل الدولة الأموية باستئناف سياسة الفتح إلا عام 693 م، وفيه خرج حسان بن النعمان في جيش عدته أربعون ألف مقاتل لغزو إفريقية، ثم تقدم مسرعًا صوب الشمال للقضاء على الروم قبل أن ينكفئ لقتال بربر أوراس الأشداء، واستولى على قرطاجنة عام 695 م، ولكنه فقدها وهزمه البطريق يوحنا ثم هزمه البربر في سهول باغاية بقيادة الكاهنة وهي شخصية أسطورية، فرجع إلى برقة ثم هاجم قرطاجنة في العام التالي بحرلم وبرًا، فاستولى عليها وثبت أقدامه فيها، وفي. عام 698 م، انتزع العرب من البربر والروم آخر الأمر جميع ما يعرف الآن بتونس تقريبا، واستطاع حسان أن يشيد تونس، واستولى خلفه موسى بن نصير على زغوان ثم قاد بربر إفريقية لغزو المغرب. وتمكن معظم الروم في إفريقية من الهرب بحرًا، إلى صقلية ومالطة خاصة والظاهر أن غالب السكان الذين بقوا في البلاد بادروا إلى الدخول في الإسلام اللهم الاجماعات قليلة من النصارى (الأفاريق) أو اليهود؛ على أن بربر إفريقية قد نزعوا إلى الاستقلال حتى بعد إسلامهم شأنهم في ذلك شأن بقية أقطار شمالي إفريقية، وحاولوا في عدة مناسبات أن يستعيدوه وتذرعوا في ذلك بأيسر الأسباب وهو الزندقة. فكان القرن الثامن كله فتنا، فقد استعين بمذهب الخوارج الاشتراكى لإثارة أهل البلاد على العرب الحاكمين، كما كان هذا القرن حافلًا بانتفاض الجند العرب الذين كانوا يسارعون إلى الشغب والخروج على النظام. وتمكن حنظلة بن صفوان من إخماد فتنة عكاشة الصفرى، ولكنه أجبر على الفرار إلى الشرق عندما استولى الثائر عبد الرحمن بن حبيب الفهرى على القيروان. وعجز آخر الأمويين عن استعادة هذه الولاية النائية التي كانت بسبيل الخروج من أيديهم. ورأى

العباسيون أن الأندلس بمنجاة من سلطانهم فقصروا همهم على استعادة إفريقية من أبي الخطاب الإباضى فاسترجع قائدهم محمد بن الأشعث القيروان وعمر أرباضها. وأقام فيها من يلي أمورها ولكن حكمه لم يدم طويلا فقد نقم جند العرب عليه وأجبروه على الرحيل عام 765 م. وعجز الأغلب بن سالم التميميّ، وكانت له صحبة قديمة في المشرق بداعية العباسيين أبي مسلم، عن أن يثبت للمنتقضين من المضرية، وقتل في فتنة عام 767 م، فسادت الفوضى خمسة أعوام سويا. وتوارث حكم إفريقية من. عام 772 إلى عام 794 م بنو المهلب، وهم دويلة من عمال الخلافة يمانية الأصل، ونجحت بعض النجاح في إقامة النظام ونشر الأمن في ربوع البلاد. وتخلص يزيد بن حاتم يعاونه أربعون ألف جندى من أبي حاتم الإباضى وعمّر مسجد القيروان الجامع عام 774 م ونظم أهم طوائف المدينة. وقضى ابنه داود على حلف وفرجومة البربرى عند الكاف عام 788 م وتمكن أخوه وخلفه رَوْح من الاتفاق مع ابن رستم الإباضى صاحب تيهرت. وقد قضى هذا الاتفاق على نزعة التمرد بين بربر إفريقية. ومن ثم فلم يعد يهدد أمن البلاد بشر مستطير إلا جند العرب وحدهم؛ فقد حل بها، بعد وفاة الفضل آخر بنى المهلب، عهد. ساده الفتن وسفدًا لدماء، فأنفذ الخليفة العباسى إليها القائد المسن هرثَمة بن أعيَن فردها إلى طاعته وبنى رباط المنَسْتير. وخلف هرثمة محمد بن مقاتل العكى فأثار جند تونس التميمية بسوء تصرفه وقلة حيلته فعزلوه في أكتوبر عام 779 م. وفي هذا الوقت ظهر إبراهيم بن الأغلب فجأة وناصر العباسيين في ولايته التراب، وكان ابن عاملها الذي قُتل عام 867 م ردّ ابن مقاتل إلى القيروان؛ واستمع هارون الرشيد لناصحيه فجعل إبراهيم "أمير" إفريقية مكافأة له وتوطيداص لأركان الحكم فن البلاد. وتسلم كتاب تعيينه في يولية عام 800 م، وظل السلطان في بيته أكثر من قرن بلا انقطاع حتى عام 909 م.

وقد أثرت دولة الأغالبة تأثيرًا عميقا في تونس. وكان الأمراء يتبعون الخلافة بالاسم، ولكنهم كانوا في الواقع مستقلين عنها يتوارثون الحكم فيما بينهم، فجنحوا إلى السلم والنظام والتوسع. بيد أن التميمية لم تهدأ ثائرتهم، وكان مركزهم تونس. وكان إبراهيم نفسه تميميًا، ولكنه اختلف مع هؤلاء الجند من مُضر وقد برموا بأولى الأمر سواء أقربت ديارهم أم بعدت عن العباسيين الذين قربوا اليمانية أعداءهم القدماء. فاضطر إبراهيم إلى التعويل على جند بينهم كثير من الأعاجم الوافدين من خراسان؛ وكان جل اعتماده في أمر سلامة شخصه على حرس حديث النشأة من الزنج وعلى حصون القصر القديم أو العباسية التي أقامها عام 801 م على بعد فرسخ من القيروان. والراجح أنه لقى فيها سفراء شارلمان. وفي سنة 802 اضطر إلى معالجة فتنة في بلاد تونس. وفتنة نشبت عام 805 في طرابلس، وتمرد، سنة. 810 - 805 قام به قائده عمران بن مخلّد الذي تجرأ فحاصر القيروان، وفي عهده بدأت تنتشر على الحدود عند الساحل الشرقي الحصون التي عرفت بالمحارس. ولما توفى عام 812 م، عادت الفتنة إلى طرابلس. واشتهر ابنه زيادة الله (817 - 838 م) بنشاطه وقسوة قلبه، وسرعة بادرته، فوجد له منافسًا قويًّا هو منصور الطنبذى الذي أوشك أن يقضى عليه. وخرجت البلاد الشمالية كلها- بما فيها تونس- عن طاعته أعواما، بيد أن نفحة من نفحات عبقريته هدته إلى مافى الجند المشاغبين من طمع وحمية، فاستنفرهم إلى جهاد صقلية فأقلعوا من سوسة عام 827 م يهزهم الحماس تحت إمرة القاضي المشهور أسد بن الفرات، واستولوا على بلرم عام 831 م، ثم على مسينا بعد اثنتى عشرة سنة. ثم فرغ زيادة الله- وكان قد بنى رباط سوسة عام 821 - إلى أعمال السلم ومنها بناء المسجد الجامع في القيروان. وتأثره خلفه فتوسع في إقامة البنَى. وشيد عام 850 م مسجد سوسة الجَامع ومسجد صفاقس؛ ونحن نخص بالذكر

الأمير أحمد الذي أقام الأسوار حول هاتين المدينتين، وبنى "صهريج الأغالبة" وهو الصهريج الكبير الذي يزود القيروان بالماء. وفي عام 874 م خلف إبراهيم الثاني- وهو آخر الأمراء العظام في هذه الدولة- أخاه محمدًا، وقد كنى بأبى الغرانيق لكلفه باصطيادها. وهُجر القصر القديم إلى قصبة جديدة جعلت فيها دواوين الحكومة: وهي رقادة، ولايزال موضعها معروفاً على مسيرة خمسة أميال جنوبي القيروان، فلما ثارت تونس وفتحت عنوة أكثر تردد الأمير عليها بعد عام 894 م ونقل عاصمته إليها لكى يرقب أحوالها بعين ساهرة. وتميزت سياسة الأمير في الخارج بحوادث جسام: فواجهت البلاد أول الأمر من ناحية الجنوب الشرقي غارات العباس ابن أحمد، ابن أول أمراء البيت الطولونى؛ ذلك أنه لم يطع أباه وخرج على رأس حملة من مصر وسار إلى طرابلس عام. 880 م يريد فتح إفريقية. ولكن بربر نفوسة وقفوا بينه وبين طرابلس، وجاء إبراهيم في الوقت الملائم فاستولى على خزانة دنانير للطولونيين فساعد ذلك على تحسين الحال المالية للبلاد؛ بيد أن ذلك لم يدم طويلًا؛ لأن الأموال لم تملا الخزائن التي استنزفتها في مطلع هذا القرن الفتن والثورات ثم البذخ والإسراف، وألحت الحاجة على الحكومة فاشتطت في طلب العبيد والخيول من سهل قمودة فاندلعت فتنة عام 893 م الجائحة" إلا أن فتح صقلية قد تم بالاستيلاء على سرقوسة عام 878 م وتاورمينا عام 901 م، وشكا أهل تونس- الذين لاتهدأ ثائرتهم- من إبراهيم، فصدع بأمر الخليفة وتنازل لولده عبد الله ومات مجاهدًا عند كوسنزة من أعمال كلابريا في أكتوبر من العام نفسه. وفي هذه الأثناء كانت الفتنة الدينية التي اجتاحت إفريقية بعد ذلك في مهدها بالمغرب. وفي القرن التاسع كان بربر الجنوب (الهوارة واللواتة والمكناسة) باسرهم من الإباضية، وتمتد منازلهم من أوراس إلى جربة

وطرابلس، أما بربر نفوسة فكانوا يقطعون الطريق المذاهب إلى الشرق جنوبي قابس، ودلك قبل أن يُعمل إبراهيم الثاني السيف في رقابهم عام 896 م. بيد أن مذهب الخوارج لم يحل دون غلبة المذهب السنى في الجزء الأكبر من البلاد وظهور جماعة من مشاهير رجاله أمثال القاضي عبد الرحمن بن زياد صاحب ابن الأشعث وبهلول الزاهد الذي ذاع صيته واتسع سلطانه في القرن التاسع الميلادي؛ وبلغت المناظرات في مسائل الفقه ذروتها أيام الأغالبة، وفي دلدُ العهد قامت المذاهب المختلفة وجمعت أمهات كتب السنة. وقد ظهر في هذه الأثناء اثنان من تلاميذ ابن القاسم فقيه المالكية المشهور في مصرهما: أسد بن الفرات الذي ولد لأسرة خراسانية وتوفى في صقلية عام 828 م، وتلميذه سَحنْون (ابن سعيد التنوخى) الذي ولد في الشام لأب من مرتزقة الجند، وولى عام 850 م قضاء القيروان فنصر المذهب المالكي الذي تهددته حنفية عدد من العلماء. ولا تزال مدونة ابن الفرات عُمدة يرجع إليها؛ وظلت المالكية المذهب الغالب في تونس وإن ظهر عليه بعض المذاهب الأخرى أحيانًا. وجدير بنا أن نلاحظ أن أشهر العلماء والمذاهب كان شرقي المنبت، كما وفد من المشرق على قبائل كتامة في إكْجَن (وهي قبيلة صغيرة شرقي بابُرس) الداعى أبو عبد الله ليدخلهم في شيعة عبد الله المهدي، وكان ذلك عام 894 م. وأنفذ الأغالبة عام 902 م حملة على كتامة فبلغت غرضها بعد جهد؛ وإزداد خطر الشيعة أيام زيادة الده الذي قتل أباه عبد الله المعتزلى عام 903 م. وفي عام 905 م أسرع المهدي بالقدوم من الشام إلى شمالي إفريقية وانتظر في سِجِلْماسة اللحظة المواتية للمجاهرة بدعوته، وكان داعيته المخلص يفتك بجيش الأمير. وأخذت الحوادث تجرى سراعا. وحاول زيادة الله عبثا أن يحاكم الشيعة أمام مجمع من الفقهاء في تونس، وطلب المعونة من العباسيين؛ وسقطت باغاية في ربيع عام 907 م؛

وفي شهر مارس عام 909 م فر زيادة الله إلى بغداد بعد سقوط الأربس، ودخل الداعى رقّادة على الرغم من العداوة التي أسرها علماء السنة. وفي شهر ديسمبر من السنة نفسها تلقى المهدي بنفسه فروض الولاء من الأهلين في القيروان. وهكذا تأسست في إفريقية- بفضل الجند المشاة من بدو كتامة- الخلافة الفاطمية العُبَيدية الشيعية، فأحدثت انقلابًا في الأحوال السياسية لشمالى إفريقية بأسره قبل رجوعها إلى موطنها القديم في المشرق. وكانت الدولة الجديدة تمد بصرها- من أول الأمر- إلى مصر، ولم تنقطع عن إنفاذ الحملات تمهيدًا لفتحها حتى وطدت أقدامها فيها. وقد قتل عبيد الله في يناير من عام 911 م أبا عبد الله. وهو الذي ثبت له الملك، مثله في ذلك مثل المنصور الخليفة العباسى الذي قضى على داعيته أبي مسلم. وقد سار ابنه على رأس جيش عام 913 م وفتح الفيوم، واستولى ابن آخر على مدينة الإسكندرية، فلما توقف الفتح ناحية الشرق فكر المهدي في تأسيس عاصمة له في إفريقية على البحر: فابتنى المهدية لتخرج منها الأساطيل لمهاجمة الشرق، وللتحصن فيها من هجمات البربر المتوقعة من داخل البلاد (916 - 918 م) وقد أنفذت عام 919 م حملة أخرى استولت على الإسكندرية واحتفظت بها أمد، وجيزًا. وكان انتصار هذه الخلافة في الغرب مبينًا، فقد قضت على ثورة صقلية وأدخلتها في طاعتها. ولما توفى عبد الله في مطلع 934 م كان المغرب بأسره قد وإن للفاطميين وقضى على دولة الإباضية في تيهرت والإدريسية في فاس وصفْرية سجلماسة، واعترفوا جميعًا بسلطان الفاطميين. واستطاع أبو القاسم نزار القائم بأمر الله أن يوطد سلطانه في مشقة على الدولة المترامية الأطراف التي ورثها. والواقع أن أسطوله تمكن من نهب جنوة عام 935 م، بيد أنه لم يكن لهذه الغارة شأن مثلها في ذلك مثل غارة التوسكان على قرطاجنة عام 828 م بقيادة بونيفاس اللقى

(of Lucca، ولم يكن منه إلا أن استسلم للثورة العنيفة التي قاد لواءها النكّارى أبو يزيد بن كيداد الإفرانى صاحب الحمار الذي جهر بأنه "شيخ المؤمنين" وقاد باسم الدين هوَارة شرقي أوراس لمهاجمة مدن إفريقية. ونهب البربر الخوارج عام 944 م باجة والأربس والقيروان وسوسة، واستولوا على تونس وحاصروا الخليفة في حيه الخاص بالمهدية عام 945 م بعد أن ازدحمت صفوفهم بمن انضم إليهم من بربر نفوسة والزاب. ومات أبو القاسم في أحرج الأوقات عام 946 م. واستطاع إبنه إسماعيل المنصور- يؤيده أهل البلاد الذين أسخطتهم مظالم الغزاة وتنصره كتامة التي ظلت موالية له- أن يعيد الأمور إلى نصابها. وهُزم أبو يزيد في وقائع دموية متعاقبة، ورأى بعينيه تفرق رجاله. ثم سقط في يد أعدائه مثخنًا بالجراح في الموضع الذي شيد فيه ابن حماد قلعته عام 947 م فلما انتهى هذا العصر المضطرب، أعقبه عصر آخر يسوده الأمن والرخاء. وبادر المنصور إلى إظهار سلطانه بتشييد مدينة صَبْرَة الزاهرة التي عرفت بالمنصورية، وسرعان ما أخملت جارتها القيروان 947 م. وازدهرت التجارة والصناعة، وكان القائد رشيق يجوب البحر ملقياً الرعب في قلوب النصارى. وحلت اللحظة المنتظرة من زمن طويل عندما اعتلى المعز عرش الخلافة عام 953 م: ذلك أن المغرب بأسره قد وإن له بالطاعة فيما يظهر على الرغم من شبوب الفتن بين الحين والحين لمناصرة الأمويين أصحاب قرطبة؛ وكانت غارات الأندلسيين على سواحل سوسة وطبرقة عام 956 م ثارات قديمة فحسب، ولم تكن ذات خطر حقيقى. وقوى الأمل في فتح مصر، وكان قد ضعف بموت كافور الإخشيدى، فاحتل جوهر الصقلى، وكان عبد، فأعتق، على رأس كتامة مدينة الفسطاط في يولية عام 969 م باسم الخليفة المعتز، مثله في ذلك مثل أبي عبد الله الذي احتل القيروان لمولاه

المهدي، كما احتل أبو عبد الله مدينة دمشق في العام الذي يليه. وأسس جوهر مدينة القاهرة لمولاه وكان باقيًا في المغرب، ثم دعإه إلى اللحاق به ليقف في وجه القرامطة. فلما فرغ الخليفة الفاطمى من القضاء على آخر ثورات زناتة، وكان قد أخذ يضع تاجًا فوق رأسه على طريقة المشارقة، تجهز للرحيل في أغسطس عام 972 م فبلغ القاهرة في العاشر من يونية عام 973 م وأصبحت هذه المدينة بذلك قصبة دولته. وغادر المعز إفريقية إلى غير عودة، وولى عليها (ماعدا صقلية) قبل رحيله رجلًا من أكفأ أنصاره هو الأمير البربرى بلُكبن، وكان أبوه زيرى بن مناد عدوًا لدودًا لقبيلة زناتة التي لاتهدأ ثائرتها، وقد أعان العبيديين دائمًا برباله من صنهاجة ناحية تترى وبلاد الجبال. ونجحت هذه الخطة- التي رمت إلى حكم البلاد بأمراء من البربر- نجاحًا كاملًا. وكانت أيام بنى زيرى - ويأتيهم كتاب الولاية من القاهرة- أيام رخاء في إفريقية عم فيها الخير وكثر الزاد بفضل إرتقاء الزراعة وصناعة البلاد (مثل البسط والقماش والفخار) والتجارة مع العالم الخارجى؛ وكانت المحافل الرسمية غاية في الأبهة والبذخ؛ ونهضت دراسة الفقه والطب، وكان قد برز فيها أيام الفاطميين رجال مشاهير منهم ابن أبي زيد واسحاق بن سليمان الإسرائيلى وتلميذه ابن الجزار؛ وبرز في الأدب الشاعر ابن رشيق. واجتذب يهود القيروان نفرًا من مشاهير التلموديين، كما خرج من بينهم تلموديون مبرزون. ولم تتأثر هذه الحضارة الزاهرة إلا قليلًا بنقائص زناتة المغرب الذين استفحل أمرهم مع الأيام وجهروا بولائهم لقرطبة، كما أنها لم تتأثر بانفصال حماد الذي أسس عام 1008 م في عهد ابن أخيه باديس بن المنصور (عام 995 - 1016 م) دولة مستقلة في قلعته المشهورة. بل كان الأمر على العكس من ذلك، فقد بلغت الدولة أوجها فيما يظهر أيام المعز بن باديس في النصف الأول من القرن الحادي عشر. بيد أن هذا المعز، وكان كثير الخيلاء، قد

وقّره خلفاء القاهرة وبجّله أهل المغرب بأسره، ولكنه اقترف خطأ عظيمًا بإيقاظ الخصومات الدينية القديمة التي كان يتذرع بها سكان شمالي إفريقية للانتقاض على حكامهم المشارقة. واجتمع حوله مالكية القيروان وشرعوا تحت سمعه وبصره يذبحون الشيعة وفقا لخطة مرسومة، فتوجه بولائه إلى العباسيين في بغداد وانتهى به الأمر إلى الجهر بعصيان الفاطميين، وكان ذلك على مراحل استغرقت العهد الذي اختتم بعام 1050 م. وكان انتقام الخليفة الذي انتقض عليه عظيما، وأحس وزير مصر اليازورى أن الاهانة موجهة إليه فأنفذ إلى االقَيل الثائر جماعات من أعراب الهلالية النهّابة، وكانوا يسكنون الصعيد شرقي نهر النيل. وكان عام 1051 م- الذي بلغ فيه بنو رياح أول العرب الهلالية إفريقية- انقلابًا في تاريخ القطر التونسى. وأسرع المعز إلى تحصين القيروان فلم يجده ذلك نفعًا وهزم عندها مرتين، وفي عام 1057 م دهمه البدو ونهبوا أسافل البلاد كلها، فانتقل سرًام إلى المهدية في حراسة أمراء من العرب اضطر إلى الإصهار إليهم وتزويجهم من بناته، وقد أحدث هؤلاء الغزاة، وعدتهم مئات الألوف، انقلابا كبيرًا غير مظهر شمالي إفريقية من حيث الاقتصاد والسياسة والسلالات. فقد رد البربر واستعربت البلاد، وغلبت عليها البداوة. واضطرب الأمن فهلك الزرع وتقوّض سلطان الحكومة المركزية، وسقطت المدن الكبيرة في يد العرب أو استقلت بأمر نفسها يحكمها أمراء من أهل البلاد أو عمال جهروا باستقلالهم بل إن منهم من قدم فروض الولاء إلى بنى حماد أصحاب القلعة طلبا لحمايتهم. وهكذا تأسست دويلة بنى خراسان في تونس وبنى الوَرد في بنزرت وبنى جامع في قابس وبنى الرَنْد في قَفْصة، أما في الوسط فقد عمت الفوضى. واستطاع بنو زيرى- على الرغم من هذه المصاعب التي لاحصر لها- أن يحتفظوا بالمهدية، ولم يكن في أيديهم إلا الساحل الممتد بين سوسة وقابس. وخلف تميم (1083 - 1108) أباه المعز

فحاول عبثًا أن يستعيد بعض مافقده أبوه، فاصطلح مع ابن حماد، ولم يوفق في هجومه على تونس وأصبح محصورًا في المهدية لامناص له من رد هجمات العرب ودفع أعداء جدد هم النصارى؛ وقد سقطت المهدية عام 1087 م بتحريض البابا في يد الييزيين والجنويين بقيادة ينتليون الأملفى - Pan taleon of Amlfi فاضطر تميم إلى دفع تعويض للمنتصرين وقبول تجارتهم بلامكس. واعترف يحيى بن تميم، ولعله مات مقتولًا عام 1111 م، وابنه عليّ المتوفى عام 1121 م بسلطان الخلفاء في القاهرة وأيدتهما قبائل العرب وأحرزا بعض الانتصار في البر والبحر حتى دهمهما عدولم يكن في الحسبان. ذلك أن النورمنديين كانوا قد غزوا صقلية ومالطة وشرعوا يتدخلون في لفمئون إفريقية؛ وفي عام 1118 م، دبت الوحشة بينهم وبين هذا الأمير الزيرى فاستعان بالمرابطين في أقصى المغرب. واضطر الحسن بن علي أول الأمر إلى الاتفاق مع روجر صاحب صقلية، وقبول حمايته ليقف في وجه بنى حماد أصحاب بجاية، بيد أن هذا لم يمنع أمير البحر جورج الصقلى الأنطاكى من إجلائه عن المهدية عام 1148 م. وبسط روجر الثاني ثم وليم الأول، صاحبًا جربة والمدن الساحلية من سوسة إلى طرابلس، لونًا من الحماية السمحة على هذه الربوع، وكان الغرض الأول منها تجاريا، ولكن هذا لم يدم طويلًا، فقد ثار الناس على النصارى وسرعان ما استعادوا حريتهم؛ وبقيت سوسة والمهدية وحدهما في يد الكفار إلى عام 1159 - 1160 م، وفيه استخلصهما من أيديهم عبد المؤمن الموحدى الذي جاء من المغرب الأقصى وهزم عرب إفريقية في سطيف عام 1151 م، وكانوا قد اتحدوا في وجهه بزعامة الأمير المعز بن زياد الرياحى، وقضى على كل مقاومة في سبيله، واستولى على الحصون وأعمل السيف في اليهود والنصارى، فأعاد بذلكُ الموحدة السياسية إلى شمال إفريقية أكثر من خمسين عامًا.

ولم تذق إفريقية بعد طعم السلام على الرغم من نفوذ خلفاء مراكش أصحاب السلطان الجديد فيها، ولم يستشعر الناس سلطان الموحدين مباشرة، ذلك أنهم أقاموا من قبلهم عاملًا في مدينة تونس، وكان هذا العامل يختار عادة من أقارب الخليفة الأدنين، وما أسرع أن ظهر عجزه عن إعادة النظام إلى الولاية. فقد كان العرب يتهددونها دائما، يضاف إلى ذلك ما أحدثته جماعات التركمان من اضطراب بزعامة قراقوش الأرمنى الجسور وما بذله على (المتوفى عام 1188 م) وأخوه يحيى من بيت بنى غانية المرابطى من محاولة أخيرة. وشخص الخليفتان يوسف عام 1180 م ويعقوب المنصور عام 1187 م إلى تونس على رأس الجند، بيد أن ذلك لم يكن كافيا لتحسين الحال، وكان يحيى مجدودًا، ففي عامِ 1200 م تخلص من حليفه السابق قراقوش وغلب خصمه ابن عبد الكريم الرغراغى خليفة ابهدية على أمره، وبسط سلطانه من قاعدته في الحريد على ولاية تونس باسرها. واحتاج الأمران ينفذ الخليفة الناصر عام 1205 - 1207 م حملة يقضى بها على المرابطين وذلك بزعزعة سلطان يحيى وإقامة حكومة قوية على الولاية عهد بها أول الأمر إلى "الشيخ" عبد الواحد بن أبي حفص بطل الأرك عام (1207 - 1221 م)، وهكذا بلغ الحفصيون أول مرتبة من مراتب السلطان. واستعمل فرد آخر من بنى حفص على تونس منذ عام 1184 م، وقد انحدر هذا البيت الحفصى من أمير بربر هنتاتة- وهي قبيلة من قبائل مصمودة في أطلس مراكش- وكان له شأن عظيم بين أتباع المهدي ابن تومرت المقربين. وقد مكنوا لأنفسهم في إفريقية عام 1226 م، باستعمال أبي محمد عبد الله، وقد كاد له أخوه أبو زكرياء وحل محله بعد ذلك بعامين عام (1228 - 1249 م). واستقل أبو زكرياء بالأمر شيئًا فشيئا، ولكنه قنع مع ذلك بلقب الإمارة، وكان المؤسس الحقيقي للدولة التونسية العظيمة التي حكمت ثلاثة قرون ونصف قرن على الرغم من الأحداث التي تقلبت عليها.

وقد استمسك الحفصية دائمًا بسنة الموحدين، وكانوا يحبون أن يعرف عنهم أنهم أنصارها المعتمدون على الرغم من رفضهم سلطان عبد المؤمن وعودهم إلى المذهب المالكي. وكان نظامهم في الحكم يشبه نظام الموحدين الأول، إذا استثنينا بعض الفروق الصغيرة، بيد أنه لما نادت مكة بثانى أمرائهم المستقلين، وهو ابن أبي زكرياء، خليفة حول عاف 1250 م، ظلت تحيط به بطانة قوية من الموحدين كانوا دعامة الدولة والجيش، كما بقيت السكة موحدية شكلًا ووزنًا. وكانت دواوين الحكومة تندرج في ثلاثة أقسام كبيرة هي: الجيش، وبيت المال (الأشغال)، والقضاء. وكان عمال الولايات يختارون من قديم- في الأغلب الأعم- من أقارب الخليفة الأدنين. بيد أنه من الخطأ أن ننكر ماكان لكثير من الأندلسيين من شأن في إدارة البلاد وحياتها العقلية، بعد أن أجلوا عن الأندلس عندما استعادها النصارى في القرن الثالث عشر الميلادي. ولما رغب بنو حفص في نشر ألوية السلام على إفريقية كانت تواجههم دائما مشكلة الأعراب. فقد رد بنو سليم بنى رياح فغلبوا بذلدُ على داخل البلاد، وفرضت أحزابهم المختلفة فيما بينها إتاوات منظمة على نواحى الريف. ومن هؤلاء الكعوب وهم من قبائل المخزن، وكثيرًا ماتدخلوا فيما ثار بين الأمراء من خلاف هدد بلاد تونس، فناصروا من الأمراء من يختارون وأثاروا حفيظة سكان الحضر. وحصلوا في عام 1284 م من أمير يدين بعرشه لهم على كتاب إقطاع يعطيهم خراج عدة مدن، وكان لخصومتهم مع أبناء عمومهم أولاد أبي الليل وأولاد مهلهل أثر سيئ في سلطان الحكومة المركزية إبان القرن الرابع عشر الميلادي. وكان لهذه الدولة عهود زواهر إلى وفاة الخليفة المستنصر عام 1277 م. ذلك أنهم بسطوا سلطانهم، على الرغم من الثورات التي كانت تنشب بين حين وحين من طرابلس إلى صميم بلاد الجزائر، ومكنوا لأنفسهم في المدن الهامة وهي تونس وقسنطينة وبجاية. وامتد نفوذهم إلى ماوراء شمالي إفريقية فلفت أنظار أسيانيا وأوروبة

المسيحية. وهذا هو العهد الذي توطدت فيه العلاقات التجارية على أسس منظمة مع برشلونة ومرسيليا وجنوة وبيزا وصقلية والبندقية: فعقدت المعاهدات التي تنظم التجارة والملاحة وأنشئت قنصليات في تونس وزاد المجبى من المكوس فبرر قيام تونس بأداء الجزية إلى صقلية ثم إلى أرغون. وقد اجتمع حول الأمير الحفصى عدد من الجند المرتزقة النصارى، ومع ذلك فقد هدد صليبيو القديس لويس قرطاجنة تهديدًا خطيرًا عام 1270 م وصفوة القول أن الحكم في إفريقية كان أوطد وأزهر مما كان عليه في القرنين السابقين: وآية ذلك النهضة في علوم الفقه وفي بناء العمائر. وتعاقبت على البلاد فتن أثارها تطلع بعض الأمراء إلى العرش ممن تربطهم بالخليفة قرابة صحيحة أو مزعومة، مثل فتنة ابن أبي عمارة التي وقعت عام 1273. ومما يبعث على الأسف أن هذه الفتن سرعان ما أضعفت سلطان الخليفة، وأوهت الروابط القائمة بين رعاياه، وهي روابط لم تكن وشيجة بحال من الأحوال، وكان هذا في صالح الأعراب؛ وبقى الحكم في أعقاب المستنصر بعد أن أكره ابنه الواثق على النزول عن الخلافة عام 1279 م وانحصر في أمير واحد هو أبو عصيدة 1284 - 1295 م) وبوفاته خرج الحكم من هذا الفرع. فحكم أخ ثالث هو أبو حفص (1284 - 1295 م) ثم ابن عم له هو أبو يحيى ابن اللحيانى (1311 - 1317 م)، واستقر السلطان آخر الأمر في أعقاب ابن آخر من أبناء أبي زكرياء هو أبو إسحاق إبراهيم عام 1279 - 1283 م، وبدأ بأبى يحيى أبي بكرعام 1318 - 1346. وانفصمت أواصر الموحدة بين بنى حفص زمانًا بخروج بجاية عن طاعتهم وقيام دولة مستقلة فيها، ثم عادوا إلى ماكانوا عليه من اتحاد. وكانت جربة قد بقيت في يد النصارى منذ فتحها روجر صاحب لورية عام 1337 م، فأخذها الحفصيون منهم عام 1337 م؛ وقد وقفوا في وجه بنى عبد الواد بفضل تحالفهم مع المرينيين الذين قويت

شوكتهم. بيد أن هذا الحلف كان ينطوى على خطر دفين، فقد استغل السلطان المرينى الواسع الأطماع أبو الحسن- وكان قد بسط رايته على تلمسان- الفتن الداخلية وبادر إلى فتح إفريقية عام 1347 م، واستقر هو وفقهاؤه ورجال بلاطه في مدينة تونس. ولم يكن ليعيد بنى حفص إلى السلطان غير فتنة عربية موفقة. وقد حدثت هذه الفتنة عام 1250 م بيد أن جيوش أبي عنان المرينى استطاعت- بعد سبع سنين- أن تحتل تونس مرة أخرى، ولم تثبت أقدامهم فيها طويلًا. وفي هذا العهد بدأ سلطان الحاجب الدساس ابن تفْراكين (المتوفى عام 1364 م) في الظَهور أيام أبي إسحاق إبراهيم (1350 - 1369 م) ولكنه لم يوفق تمام التوفيق فيما بذل من جهد لإعادة الموحدة إلى هذه الدولة بأسرها. فقد خرج جنوبيها خاصة عن طاعة الخليفة، ومكنت دول من أمراء البلاد لنفسها في تلك الربوع: فحكم بنو يملول في توزر وبنو الخلف في نقطة وبنو مكيّ في قابس وبنو ثابت في طرابلس، إلا أن أبا العباس (عام 1370 - 1394 م) - الذي بدأ خياته السياسية في قسنطينة- أعاد إلى الدولة مجدها، فكان ينفذ الحملات الواحدة بعد الأخرى حتى وإن له الثوار بالطاعة، وفي عهده أرادت جماعة من الصليبيين الجنوبيين الفرنجة أن تثأر من القرصان الذين جاوز طغيانهم الحد، ففشلت أمام المهدية عام 1390 م. ونهض ابنه أبو فارس (عام 1394 - 1434 م) بالأسطول، وبلغ من أمره أنه أنفذ حملة بحرية على مالطة عام 1428 م؛ وكان لزاما عليه من الناحية الأخرى أن يرد عادية القطلونيين والصقليين الذين تحت إمرة الأذفونش Alfnnsn العظيم الذي استولى على جزر قرقنة Kerkenna عام 1424 م وأنفذ حملة كبيرة على جربة عام 1432 م. فأقام الحصون في رأس أدار ورَفْرَف والحمامات لرد غائلتهم. واستولى على تلمسان، عام 1424 م. وكان عهد الحفصيين في القرن الخامس عشر يتميز بزيادة نفوذ الموالى الذين كانوا يُستعملون على الأقاليم

والجيش ويعرفون بالقواد، وكان الأمير أبو عمرو عثمان، وقد حكم من عام 1435 إلى عام 1488 م، آخر السلاطين المبرزين. وارتبطت تونس بعلاقات ودية في الخارج مع أوروبة، على الرغم هن نشاط قرصانها. وأذن للقطلونيين والجنويين بصيد المرجان في طبرقة وسمك التونة ا ;"" Tunny في رأس أدار. أما في الداخل فقد اتسع سلطان مذهب المرابطين الذي جاء من الغرب، وارتقت الزراعة لاستقرار الأمور في هذا العهد بالنسبة إلى غيره، على الرغم من الأعراب الذين كانوا أبدًا مصدر شغب دائم. وسرعان ما ساءت الأحوال بموت عثمان، فحكم البلاد ثلاثة من الخلفاء في غضون أعوام قليلة، ثم أخذ نجم الدولة يأفل أيام أبي عبد الله (1494 - 1526) فمزق أوصالها انتقاض القبائل عليها قبل أن تحيق بها ضربات الأسيان الذين طاردوا قراصنة الترك في هذه الربوع. وفي عام. 101 م جردها بدرو نافارو Pedro Nvarrn من بجاية وطرابلس، وفي عام 1520 م احتل هيوز: , مُنكاد Moncade جربة إلى حين. ثم ألفى الحسن المنكود الطالع، ابن أبي عبد الله وخليفته، نفسه آخر الأمر (أغسطس عام 1534) مطرودًا هن تونس على يد خير الدين بربروسه الذائع الصيت. ولم يعد الحسن إليها إلا في شهر يولية من عام 1535 م عندما استولى شارل الخامس Chrles V على المدينة، وأصبح قيلا من أقياله وسلم للأسبان حصن حلق الوادي. وازدادت أحوال الدولة المحمية سوءًا، عندما استولى أندريا دوريا Andrea Doria على مدن صفاقس وسوسة والمنستير عام 1540 وفي عام 1542 م حلت بالأسيان كوارث خطيرة، وخارت عزيمة جند الحسن في قتالهم الثائر القيروانى سيدى عرفة وحلف شابية المرابطين القوى البأس الذي غلب على أواسط تونس باسرها. فذهب يطلب العون من ملوك أوربا، ولكن ابنه أحمد (حميدة) اهتبل فرصة غيابه وخلعه. وحاول حميدة، وكان رجلًا غليظ القلب مقدامًا، أن يستعيد فلك ابائه فلم

يفلح، ثم ظهر بطل جديد هو القرصان التركى درغوث، وكان في يد الجنويين، ولم يطلقوا سراحه إلا في مقابل تسليمهم جزيرة طبرقة، وطرده الأسيان من المهدية عام 1550 م؛ إلا أنه استطاع بمهارة أن يفلت من أندريا دوريا بين ممرات جربة في ابريل من العام نفسه، واستطاع من قاعدته في طرابلس أن يحتل قفصة في نهاية عام 1556 م والقيروان في بداية عام 1558 م، وفيها ترك فرقة من الجند تحت إمرة حيدر باشا. ولما قاد دوق مدينة سالم نائب الملك في صقلية حملة على جربة هزمه درغوث هزيمة منكرة عام 1560 م، ثم هلك في حصار مالطة عام 1565 م. واستمرت الحرب بين حميدة وعامل الأسيان على حلق الوادي على الرغم مما عقد بينهما من المعاهدات، فسَهل ذلك على أمير الجزائر على باشا (أولوج على) احتلال تونس في نهاية عام 1569 م ووضع فيها حامية من الجند. وفي خريف عام 1573 م استعاد دون جون النمسوى Don John بطل ليَنْتُو Lepanto مدينة تونس من الترك فَأعاد سلطان الحفصيين لآخر مرة بتاثير محمد ابن الحسن وإقامة سربلونى Serbelloni مشيرًا له. واستولت جنود الترك- التي جاء بها أسطول سنان باشا من الآستانة- على تونس وحلق الوادي من أغسطس إلى سبتمبر عام 1574 م فوضعوا بذلك حدًّا لحكم الأسيان، وكان مزعزعا لا يطول به العهد، وقضى على دولة بنى حفص "الوطنية" التي كانت عزيزة الجانب وأصبحت على الأيام ولاحول لها ولاقوة. وكانت عودة حميدة إلى الملكُ (ع 1581 م) بمثابة صحوة الموت لهذه الدولة- فقد بسط سلطانه على فيافى تونس والجريد أعوامًا. وجعل سنان تونس ولاية تركية ملحقة بالجزائر يحكمها باشا وذلك قبل أن يعود إلى الآستانة، ثم أصبحت منذ عام 1587 م تابعة للباب العالى مباشرة. وكان يقود جيش الاحتلال أغا، وهذا الجيش أربعة آلاف رجل، على رأس كل مائة داعى (داى). واستبد الديوان بالأمر- الهيئة الحاكمة

التي تضم الضباط العظام- فاندلعت نيران الثورة عام 1591 م وانتهت بوضع أزمة الأمور في يد واحد من هؤلاء الدعاة (الدايات). وأصبح منصب الياشا في عهد هؤلاء الدعاة، وينتخبهم الإنكشارية، منصب شرف فحسب، كان كان يمثل السلطان. أما الديوان فقد أعيد تنظيمه وقويت شوكته، مثله في ذلك مثل طائفة الرعايا (أي طائفة القرصان). فإذا انتقلنا إلى موضوع الدين، فإننا نجد الدولة تقدم المذهب الحنفي على غيره من المذاهب. ويعود الفضل في تنظيم الولاية تنظيما نهائيا للداعى الثالث عثمان (1594 - 1610) فقد أصدر مجموعة من القوانين موسومة بـ "الميزان" واستطاع أن يحافظ على الأمن في البلاد يعاونه "باى" مهمته جمع الضرائب دورتين كل سنة بقوة الجند (مَحله) وأشرفت الدولة على القرصنة في البحار على يد القبودان رائس وشاركت في غنائمها إلى حد كبير، وعظم حظها من هذه الغنائم بعد أن رقى بصناعة القرصنة عدد من المرتدين نخص بالذكر منهم رجلا إنكليزيًا يدعى وارد Ward . ولما طرد المسلمون من الأندلس (عام 1609 م) استقروا في تونس ورأس أدار (سليمان، قرمبالية) وغيرها من المواضع مثل طبوربة ومجاز الباب وتستور وقلعة الأندلس فأنعشوا سوق الخضر والصناعة (الصباغة وصناعة الجوارب). وضعف سلطان تركية على تونس إلى حد أن فرنسا أصبحت تتمتع- بفضل الامتيازات العثمانية- بمكانة رفيعة في أرجاء الدولة العلية بأسرها، فأنشأت قنصلية لها في تونس عام 1577 م، واقتضى الأمران أرسلت عام 1606 سفيرا، هو ده بريف.، لكى يتصل مباشرة بأولى الأمر في تونس. واستعادت تونس في عهد يوسف (1610 - 1637 م) زوج ابنة عثمان وخليفته مدينة جربة من باشا طرابلس، واتفقت على تسوية الحدود بينها وبين الجزائر، نتيجة لغارات الجزائر عليها في عام 1614 و 1628 كانت هذه التسوية أمرًا جديدًا. ثم خلفه داع اسمه الأسطى مراد (1637 - 1640) وكان قرصانًا جنويًا دخل في الإسلام،

فحصّن غار الملح وأسكن فيه جماعة من أهل الأندلس، ولكن سلطان الدعاة (الدايات) كان آخذا في الضعف، ولسنا في حاجة إلى ذكر الدعاة الأربعة والعشرين (خوجه ولاز وغيرهما) الذين حكموا من عام.1640 إلى عام 1702 لهوان شأنهم، ولأنهم أصبحوا ألعوبة في يد البايات الذين نجحوا آخر الأمر في القضاء عليهم. وحكم الباى مراد من عام 1612 إلى عام 1631 وكان قورسيقيا يلقب بالياشا، وقد نزل في حياته لابنه محمد فخلق بذلك سابقة جعلت الحكم وراثيًا في بيته. ولقب حمودة (1631 - 1663 م) أيضًا بالياشا عام 1659 م، واعتمد في حكمه على كتيبة من الصبائحية (سباهى) وزعها بين تونس والقيروان والكاف وباجة، وأصبح سيد البلاد دون منازع. وهو رأس الفرع المرادى، وقوامه ابناه مراد ومحمد الحفصى وأحفاده محمد وعلى ورمضان، وكانت الفتن تهدد سلطانهم دائما، مثل فتنة محمد بن شُكر، وبلغت هذه الفتن غايتها بمقتل ابن حفيده مراد بو باله عام 1702. وامتاز النصف الأول من القرن السابع عشر بعودة العلاقات التجارية بين تونس وأوروبة، وبخاصة بينها وبين مرسيليا وليفورنو Livorno وأكبر الفضل في ذلك راجع إلى تجار النصارى واليهود. ونافست انشركات المارسيلية المؤسسة في رأس الأسود Cape Negro أو بنزرت جنوبي طبرقة في تجارة المرجان، وكانت تربح من تصدير الجلود والحبوب. واتسعت علاقات الولاية بالخارج فشملت أممًا مثل بريطانيا العظمى والأراضى الواطئة، وكانت وحدات من الأساطيل الأوربية في النصف الثاني من هذا القرن تضرب الساحل بقنابلها وتطلب الإصلاح إلى جانب الحملات التي درج فرسان مالطة على القيام بها انتقامًا من فعال القراصنة فيما مضى. وازدهرت البلاد في الداخل أول الأمر كما يستدل من إقامة المنشآت؛ العامة والمساجد في طول البلاد وعرضها (كالمدارس والمساجد في، تونس وباجة والقيروان بما في ذلك منشآت سيدى صاحب). ثم ساءت

الأحوال على الأيام في عهد المتأخرين من المرادية حتى استطاعت الجزائر أن تقوم بغزواتها عام 1685 - 1686 وعام 1694 وأخذت القبائل، ومنهم أولاد سعيد المرهوبى الجانب، في الانتقاض على الحكومة. وظلت الكاف في يد بنى شَنوّف أمدًا طويلا. وقلعة سنام في أيدى الحنانشة. وكان جبل وسلات موطن شغب عظيم، واجتاح البلاد وباء الطاعون مرات كثيرة فأهلك الناس. ولما انتهى عهد إبراهيم الشريف (1702 - 1705 م) الذي أكثر فيه سفك الدماء، وقد اجتمعت له لأول مرة ألقاب الباى والداعى (الداى) والباشا وآغا الجند، نودى بالحسين بن علي تركى بايا على تونس في العاشر من يولية عام 1705 في غضون غزوة جزائرية جديدة، وهكذا قامت الدولة الحسينية التي ظلت تحكم البلاد إلى عهد قريب. وأعاد حسين السلام إلى الربوع وشيد كثير، من المبانى (مثال ذلك ما أنشأه في القيروان)، وحاول أن ينظم ولاية العرش لمصلحة ذريته مباشرة، فخلعه على باشا (1735 - 1756 م) يظاهره الجزائريون، ومن ثم نشأت مصاعب جديدة استفحل أمرها بفتنة يونس بن على عام 1752. ثم اعتلى محمد بن الحسين العرش آخر الأمر (1756 - 1759 م) بتدخل الجزائر أيضًا، وحكم على باى (1759 - 1782) ثم ابنه حمودة (1759 - 1782) ففعلا الكثير في سبيل رأب صدوع الدولة وإعادة الرخاء إلى بلاد تونس. ونشطت التجارة الخارجية، مثلها في ذلك مثل الزراعة، واتسعت علاقات الباى مع الدول الأوربية، على الرغم من قضائه على الجاليات التجارية برأس الأسود وطبرقة عام 1741 وأبرمت معاهدات كثيرة كان يوقعها من قبل الولاية الباى نفسه، وكان ملكا بمعنى الكلمة. وعينت فرنسا آخر الأمر قنصلا عاما لها في تونس، على الرغم من محاربتها إياها عدة مرات. ونشبت الحرب بين تونس والبندقية واستمرت ثماني سنين (1784 - 1792). وأخضع على باى ثوار جبل وسلات عام 1762 وفرق شملهم ولكنه عجز عن التخلص من الجزائريين الذين ظلوا

مصدر تعب كبير لحمودة، وأعمل حمودة- يعاونه يوسف صاحب الطابع- السيف في رقاب الإنكشارية المتمردين عام 1811 م ونظم الحكومة من جديد. وطرأت تغيرات ملحوظة على أحوال السلطنة السياسية إبان القرن التاسع عشر، أولها القضاء على القرصنة والقرصان، وكانت من أهم موارد الدولة، وقد أرغمت الدول الأوربية محمودًا على ذلك (1814 - 1824 م) نتيجة لمؤتمرى فينا وإكس لاشايل، ثم كان لاحتلال فرنسا الجزائر عام 1830 أيام الباى حسين (1814 - 35 م) نتائج لم تكن في الحسبان. فقد حاولت تونس عبثا مدة نصف قرن الملاءمة بينها وبين الأحوال الجديدة بتغيير نظامها الداخلى وانتهاج سياسة وسط بين التراخى في تبعيتها للدولة العلية والانصراف عن هذه التبعية حينا آخر وبين السماح للدول المسيحية بالتدخل في شئونها على يد قناصلها. وشجعت بريطانيا سلطان الباب العالى وناوأته فرنسا، ولم يبد هذا السلطان إلا في القليل من فرمانات التولية، وفي إرسال الجند التونسية إلى القريم (عام 1855) لمحاربة روسيا (وقد اشتركت وحدة بحرية تونسية مع الأسطول التركى في واقعة نافارينو عام 1827) , وعلى ذلك أخذ النفوذ الفرنسى والإنكليزى والإيطالى يزداد يوما عن يوم. نعم إن خطط فرنسا لإقامة أمراء تونسيين على الجزائر لم تلق نجاحا، ولكن تونس لم تعد تأخذ الجزية التي كانت تدفعها الدول المسيحية نظير حق الاتجار معها. وقد ألغى أحمد (1837 - 1855) وكان أشبه بالحاكم "المستبد المتنور"- الرق ومنح اليهود حرياتهم ونظم "الجيش التونسى" على النسق الأوربى، واختار له مدربين من الفرنسيين، وزار لويس فيليب في باريس عام 1846. بيد أن إسرافه الكثير الذي زاد فيه بناؤه دار الصناعة في غار الملح وقصور المحمدية استنزف موارد الدولة وكانت جد قليلة، ففُرضت ضرائب جديدة اسمها "محصولات قانون" لاحتكار أشجار الزيتون.

وأدخل ابن عمه محمد (1855 - 1859 م) "المَجْبَى"، وهي ضريبة رءوس مقدارها ستة وثلاثون قرشًا، أعفيت منها مدن تونس وسوسة والمنستير وصفاقس والقيروان، ولكن أهم حادث في عهده هو إصداره "عهد الأمان" في 9 سبتمبر سنة 1857 الذي حمله عليه القناصل، وقد نقل فيه "خط شريف كولخانه" لعام 1839 وأعلن أن أهل تونس جميعن سواء أمام القانون وفي دفع الضرائب، كما أعلن حرية المعتقد وحرية العمل والتجارة وحق الأجانب في امتلاكُ الأرض والعقار. وأصدر أخوه محمد الصادق (1859 - 1882) دستورًا في السادس والعشرين من أبريل عام 1861 أقره نايليون الثالث: وظلت السلطة التنفيذية بمقتضى هذا الدستور في يد الباى وهو عنها مسؤول، تئول إليه بالوراثة (ينتقل العرش إلى أكبر أمراء البيت الحسينى) ويعاونه في الحكم وزراء يختارهم، وقسمت السلطة التشريعية بين الباى والمجلس الكبير المؤلف من ستين عضوًا معينين. أما السلطة القضائية فكانت مستقلة، وكانت المحاكم تتبع قانونًا تونسيًا جنائيًا ومدنيًا، أما إدارة الأقاليم فكانت في يد "القواد" يعاونهم "شيوخ" منتخبون، وجعلت للباى مخصصات، ولم يعد له حق فرض الضرائب وغيرها. ولكن سرعان ماساء الموقف على الرغم من هذه الإصلاحات، ذلك أن مصطفى باشا خازندار (عين وزيرًا في عهد أحمد باى) انتهج سياسة مالية خرقاء، فقد عاد إلى خطبة الاستدانة وزيادة الضرائب فادى ذلك إلى عصيان القبائل تحت راية علي بن غَداهُم عام 1864 كما أدى إلى تأليف لجنة مالية دولية (من التونسيين والفرنسيين والإيطاليين والمالطيين) عام 1896 وفي يولية من 1864 عطل الدستور، وفي أكتوبر من عام 1837 خلف القائد خير الدين على دست الوزارة الخازندار الذي صرف عن منصبه. فامتاز عهده، وقد امتد إلى يولية من عام 1877. بإصلاحات جليلة ولو أن البلاد لم تصب منها إلا تقدما يسيرًا. بيد أن موارد الدولة المنتظمة كانت قليلة جدًّا وديونها عظيمة جد، حتى أن اللجنة لم توفق إلى شيء، وكانت إدارة مصطفى

بن إسماعيل (سبتمبر 1878) السيئة هي الضربة القاضية التي أصابت البلاد، بينما اشتد التنافس بين قنصلى فرنسا وإيطاليا- روستان وماشيو Maccic - على من تكون له الصدارة في الامتيازات الخاصة بالمصالح العامة. وتشجعت بريطانيا وألمانيا وفرنسا منذ مؤتمر برلين عام 1878 فتدخلت في شئون تونس وقد سير الوزير جول فرى Jules-Ferry ثلاثين ألف مقاتل لغزو تونس نتيجة لغارات أهل جبال خمير على الجزائر وغيرها من الحوادث. وفي الثاني عشر من مايو أرغم الجنرال بريار Breart صادقا على أن يوقع معاهدة (قصر سعيد) المعروفة بمعاهدة باردو دون أن يسفك دمًا أو يأبه لاحتجاج تركية. وقد أعطت هذه المعاهدة فرنسا في الواقع حق الإشراف على الشئون العسكرية والخارجية والمالية للولاية التونسية وقد عين فرنسى (وزيرًا مقيما) يتولى الشئون بين الباى والحكومة الفرنسية، وكان روستان بطبيعة الحال هو أول من شغل هذا المنصب. وهكذا وضعت أسس الحماية كان لم تكن قد أعلنت بالفعل، ثم أصبحت الحماية أمرًا واقعا بعد ثورة الوسط والجنوب تحت إمرة علي بن خليفة والقضاء السريع عليها على يد حملة فرنسية ثانية. ووافق الباى بمقتضى ميثاق المرسى في 8 يونية عام على أن يبدأ بالإصلاحات الإدارية والقضائية والمالية التي ترى الحكومة الفرنسية نفعها للبلاد. ويعتبر قيام الحماية فاتحة عهد جديد في تاريخ تونس، فليست هناك حادثة منذ الفتح الإسلامي لهذه البلاد قد أثرت تأثير الحماية في نظامها وحياة أهليها. وقد كان الطابع الأصيل لهذا العهد هو -أولًا وقبل كل شيء- الإبقاء على نظام الحكم القديم في مظهره، وقد ألبس هذا النظام ثوبًا جديدًا وزيدت عليه نظم جديدة، وبقى هذا العهد مدة طويلة، على الرغم مما وجه إليه من نقد متكرر. وظل عظمة الباى هو سيد السلطنة بالإسم وصاحب مملكة تونس. وكان

الوزير الفرنسى المقيم هو صاحب الأمر الحقيقي في البلاد، وقد عرف منذ 23 يونية سنة 1885 بالمقيم العام، وكان وزيرًا مفوضا للجمهورية الفرنسية في القطر التونسى، يأتمر بأمر وزير الخارجية الفرنسية. وكان بوصفه وزير خارجية الباى (لايتصل الباى بباريس إلا عن طريقه) ورئيس مجلسه يوقع إلى جانبه على المراسيم التي أصبحت نافذة منذ مرسوم يناير 1883. وكان يأتمر بأمره قواد جميع الجيوش في البر والبحر، كما كان يشرف على جميع المصالح الإدارية. ولم يترك للباى سوى حرس صغير من ستمائة رجل، وكان رعاياه مجبرين على الانخراط في جيشه (مرسوم الباى الذي صدر في 12 يناير عام 1892 الخاص بالتجنيد) وكان هذا الجيش بمثابة قسم من الجيش الفرنسى، وقد هلك منهم ما يزيد على العشرة آلاف رجل في سبيل فرنسا إبان الحرب العظمى ما بين 1914 - 1918 ويجلس في مجلس الوزراء إلى جانب اثنين من الوطنيين، صارا فيما بعد ثلاثة، المديرون الفرنسيون أو رؤساء المصالح الفرنسويون، وسرعان ما زاد عددهم، ثم قائد جيش الاحتلال وأمير بحرية بنزرت اللذان يقومان بأعمال وزير الحربية وقائد الأسطول، وكل من هؤلاء الرؤساء يصدر اللوائح. وأصبحت "القائديات" التي تنقسم إليها القبائل أقساما إدارية، وأصبح على رأس كل قائد مراقب فرنسى مدني. وليس للتشريع التونسى الذي تتفرد به تونس نظير في الغالب. والمسائل التي تتصل بالمقيم العام والمراقبين المدنيين والقضاء الفرنسى هي وحدها التي فصل فيها بمراسيم صدرت من رئيس الجمهورية الفرنسية. والحالة السياسية والإدارية القائمة في تونس، والنظام القضائى الذي أخذت ترسخ أصوله، تبرر ماقيل من أن في تونس سلطتين إحداهما سلطة الباى المحافظة والأخرى سلطة الفرنسيين، رهى أحدث وأنزع إلى التقدم. وكان أهم ماواجه الأمة صاحبة الحماية هو الحد بقدر المستطاع من التدخل الأجنبي بصورتيه المالية والقضائية. فضمنت فرنسا الدين التونسى ووافقت بريطانيا العظمى

وإيطاليا على إلغاء اللجنة المالية، فتم ذلك في أكتوبر من عام 1884. وعاد الميزان الاقتصادى في تونس إلى الاستقرار بفضل تقرير نظام ثابت لإدارتها المالية ووضع ميزانية لها على المنهج المألوف، وجعل للباى مخصصات ينفق منها على بيته وحاشيته, وظلت الحكومة الفرنسية تضع في باب النفقات في ميزانية تونس بعض المبالغ، ومن هذا القبيل الإعانة القيمة التي ترصدها لأسقفية قرطاجنة. وأصبحت وحدة العملة هي الفرنك لا القرش بمقتضى مرسوم أول يولية سنة 1891. وأنشئت محاكم فرنسية بمقتضى القانون الفرنسى الصادر في 10 أبريل سنة 1883, ووافق الباى بمرسومه الصادر في 5 مايو سنة 1883 على أن جميع الذين كانوا يتمتعون بالامتيازات لهم حق التقاضى أمام هذه المحاكم الجديدة، ولذلك أخذت الدول الأجنبية الواحدة تلو الأخرى تلغى محاكمها القنصلية كما تنازلت بين عامي 1883 - 1884 عن المزايا الجمركية التي كانت تتمتع بها أيام الامتيازات. وأبدت إيطاليا وحدها بعض التحفظات. فلما انتهت معاهدتها مع تونس عام 1868 وهزمت في عدوة بالحبشة اضطرت إلى الاعتراف بالحماية الفرنسية المضروبة على تونس، وهي الحماية التي رفضت تركية الإعتراف بها رسميًا حتى معاهدة سيفر سنة 1920, ولكنها على الرغم من هذا احتفظت بمكانة ممتازة في السلطنة وأبت أن تتنازل عنها. ويرحل إليها من الإيطاليين عدد أكبر من الفرنسيين. وهي تنشر نفوذها بواسطة الصحافة مثل (جريدة الأونيونه Unione اليومية) وبيوت المال ومعاهد الثقافة (من مدارس وجمعيات) بنوع خاص. ولا تخضع هذه المؤسسات للرقابة الفرنسية بمقتضى الاتفاقات المعقودة بينها وبين فرنسا. وهي تشكو مع ذلك من عدة أمور فيها حيف برعاياها. وفي عام 1919 اعترفت فرنسا بملكية إيطاليا لواحتى غات وغدامس (وقد اتفق على الحدود بين تونس وطرابلس سنة 1910) بمقتضى اتفاق، ولم يضع هذا الاتفاق حدًّا للمشكلة الإيطالية المعلقة في تونس.

وساعد نظام الحماية فرنسا على أن تقوم في الولاية بعمل كبير في استغلال الموارد الطبيعية وتزويد البلاد بحاجاتها الثقافية والاجتماعية (مثل المستشفيات والصيدليات وإعداد الأطباء وإنشاء اهجمعيات الخيرية والمعاهد العلمية المختلفة) وقد أدى استخدام الآلات الحديثة والتوسل بالمعرفة السليمة والمناهج القويمة إلى نتائج اقتصادية مشجعة. وتونس بلاد زراعية أولًا وقبل كل شيء، تنبت الحبوب والكروم والزيتون والبلح ط والخضر يضاف إليها الفلين والحلفاء، على أنها قد أصبحت بمرور الزمان بلادًا تصدر الحديد والرصاص والخارصين ثم الفوسفات بنوع خاص منذ أن كشف ب. توماس P.R. Thomas عام 1885 مناجمه. وهي تستورد الوقود والحاصلات الاستوائية وكمية كبيرة من المصنوعات. وتبلغ تجارتها الخارجية حوالي ثلاثة مليارات من الفرنكات. والحق إن ميزانها التجارى كان في عجز عدة سنوات، ولم يكن موردها من السياح كافيًا لسد هذا العجز. وعملت الحكومة على تيسير الاستيطان للأوربيين، ووضع ملكية الأراضي على أساس عصرى، فأصدرت قانونًا عقاريًا عامًا بمقتضى مرسوم أول يولية من عام 1885 وهو مأخوذ من قانون توران Torrens, وينص على أن تسجيل الأراضي اختيارى لا يتم إلَّا بموافقة محكمة مختلطة أنشئت لهذا الغرض (في تونس سبعة قضاة فرنسيون وثلاثة قضاة مسلمون وفي سوسة أربعة قضاة فرنسيون وقاضيان مسلمان) ومهد مرسوم مارس سنة 1924 للقيام بمسح الأراضي. وفي باكورة عهد الاحتلال الفرنسى ترك أمر استيطان المزارعين الفرنسيين الأراضي -أو كاد - لتصرفهم الشخصى. ولم تنتهج الحكومة سياسة إسكان الفرنسيين المدنيين في الأراضي التونسية والسير عليه سير، حثيثا إلَّا منذ عام 1900. وأخذت الحكومة تبتاع الأراضي لتبيعها مرة أخرى بشروط سهلة جدًّا للفرنسيين، أي لخريجى المدرسة الزراعية الاستعمارية في تونس. وأخذ الإيطاليون ينافسون الفرنسيين لا بعدد

ضياعهم بل بكثرة فلاحيهم. ولما رأت فرنسا أن الفرنسيين المدنيين لا يكثر إقبالهم على الهجرة شرعت تستن سياسة تيسير التجنس بمقتضى مرسومين (أحدهما صادر من رياسة الجمهورية والآخر من الباى) في 8 نوفمبر سنة 1921. بيد أن النزاع الذي أثارته انكلترة في هذا الصدد أمام محكمة لا هاى دفع الحكومة إلى أن تحل محل هذين المرسومين القانون الفرنسى الصادر في 20 ديسمبر سنة 1923. وقد يسر أمر التجنس للأجانب والوطنيين الذين يطلبونه تيسيرًا كبيرًا، فهو يتم للأجانب المقيمين في السلطنة التونسية بلا عقبة لأبناء الجيل الثاني (مع الاحتفاظ بالحق في الرجوع عنها) ثم يصبح إجباريًا لأبناء الجيل الثالث. ووافقت بريطانيا العظمى على هذه القواعد في جوهرها. وهي متعلقة بصفة خاصة برعاياها المالطيين. أما الإيطاليون فقد خلصوا باتفاقاتهم الخاصة من أي ضرب من ضروب التجنس الإجبارى وان قبل بعضهم التجنس مختارًا. ويبلغ عدد المتفرنسين ربع السكان الفرنسيين في الوقت الحاضر، ولا يزيد عدد المسلمين فيهم على ألفين بينما يزيد عدد اليهود على خمسة آلاف. واحتفظ اليهود - وبينهم آلاف من أصل أوربى - بالرعوية الإيطالية وظلوا في غالب شئونهم من رعايا الباى خاضعين للسلطان المحلى والقضاء المحلى، إلَّا في الشئون المتصلة بالأحوال الشخصية فتفصل فيها محكمة تونس الربانية التي أعيد تنظيمها بمقتضى مرسومى سنة 1898, ونوفمبر عام 1929 كما يفصل فيها كتاب العقود الإسرائيليون بمقتضى مرسومى فبراير سنة وأبريل سنة. ولا يقوم يهود تونس بالخدمة العسكرية كما أنهم لا ينخرطون في وظائف الحكومة بوجه عام. ويثير تقدمهم السريع في مضمار الحضارة الأوربية مشكلة تجنيسهم زرافات أو جملة بالجنسية الفرنسية. وقد أنشأت الحكومة بمقتضى المرسوم الصادر في 30 أغسطس سنة 1921 لليهود جميعًا على اختلاف جنسياتهم مجلسًا مليًا في الإدارة التونسية يتألف من اثنى عشر

عضوًا ينتخبون على درجتين، وتظل عضويتهم أربع سنوات. ولهذا المجلس حق الفصل في المسائل المتصلة بالإعانات والعبادات وتعين الحكومة رؤساء الطوائف اليهودية الأخرى وتعين كذلك حاخام الربانيين الأكبر ويقل إقبال اليهود على القيام بشعائرهم الدينية. لكن الصهيونية تتمتع بمكانة ملحوظة. وقد سعت الحكومة الفرنسية صاحبة الحماية على تونس دائمًا إلى النهوض بالإدارة الوطنية والأحوال الاقتصادية والدينية للمسلمين دون أن تؤذى شعورهم الدينى (انظر ما سبق الإشارة إليه) ولا تزال أمامها عدة مشاكل لم تحل، وهي قيد البحث الآن وإن كان ما فعلته حتى الآن مذكور، مشكورًا، وتتطور الجماعة الإسلامية تطورًا جوهريًا على الرغم من مقاومتها الحياة الأوربية؛ ومن سبق الحوادث التكهن بالنتائج. أما حركة الدستور (الحزب الدستورى المطالب بالحكم الذاتى) التي نشطت في أعقاب الحرب فقد كبح جماحها المقيم العام (لوسيان سانت Lucien Saint) وكان في ذلك بارعًا. والظاهر أن الأهلين رضوا بالإصلاحات التي اتجهت إليها حكومة الحماية في سياستها الداخلية خلال السنوات العشر الأخيرة (1920 - 1930) وكانت التدابير السمحة التي قامت بها الحكومة وبخاصة إنشاء المجلس الكبير وإعادة تنظيمه في سنتى 1922 و 1928 اتقوم على مبدأين أساسيين: النزوع إلى زيادة التعاون شيئًا فشيئًا مع الأهالى الوطنيين، والتوسع في سلطان المجالس المنتخبة. وقد أعطيت حقوق جديدة في المستعمرة الفرنسية وهي: إنشاء مجالس بلدية منتخبة، والتوسع في حرية الصحافة والاجتماع. بيان بالبايات منذ الاحتلال الفرنسى. محمد الصادق على (1882 - 1902) محمد الهادي (1902 - 1906) محمد الناصر (1906 - 1922) محمد الحبيب (1922 - 1929) أحمد (1929 - )

بيان المقيمين العامين روستان Roustan بول كامبون Paul Cambon (عين في مارس سنة 1882) ماسيكو A Massicault (نوفمبر 1886) روفييه Rouvier (نوفمبر 1892) ميليه Millet (نوفمبر 1894) ستيفان بيشون Stephan Bichon (مارس 1901) ألايتيت Alaptite (ديسمبر 1906) فلاندان Flandin (أكتوبر 1918) لوسيان سانت Lucien Saint (يناير 1921) مانكيرون Manceron (يناير 1929) المصادر: الكتب التي أرخِّت لتونس لا غناء فيها، ويستثنى من ذلك تواريخ الإسلام العامة - a Mueller و Caetani وغيرهما) وتواريخ شمالي إفريقية (Mercier و fa ure-Biguet وغيرهما) على أن كتاب "خلاصة تأريخ تونس" لعبد الوهاب (تونس سنة 1344 هـ) يعد دراسة علمية طيبة موجزة لهذه البلاد. (1) عن العصور الوسطى 1 - تُراجع كتب الجغرافيين والرحالة العرب (1) ياقوت. (2) أبو الفداء. (3) ابن بطوطة؛ وبخاصة: اليعقوبى: Descriptio al-maghribi طبعة وترجمة ده غويه، ليدن سنة 1860. (5) ابن حوقل، المكتبة الجغرافية العربية، جـ 2، الترجمة في - Journ. Asia tique، سنة 1842. (6) البكرى: Description de lafrique Septentrionale الترجمة، الجزائر سنة 1911 - 1913. (7) الإدريسي: نزهة المشتاق، طبعة وترجمة ليدن سنة 1866. (8) كتاب الاستبصار، فينا سنة 1852، ترجمة , Rec Constantine سنة 1899. (9) العبدوى: الرحلة، الترجمة في Journ .. Asiatique سنة 1854.

(10) التجانى: الرحلة، طبعة تونس، الترجمة في , journ Asiatique سنة 1852 - 1853. (11) ابن فضل الله العمرى: مسالك الأبصار، طبع جزءًا منه عبد الوهاب، تونس طبعة غير مؤرخة، ترجمة Gaudefroy-Demombynes، باريس سنة 1927. ب- المؤرخون المسلمون: (1) ابن عبد الحكم: كتاب فتوح مصر، طبعة تورى Torrey, نيوهافن سنة 1922, ترجمة الكاتب نفسه في Bible. and Simetic Studies. نيويورك سنة 1901. (2) ابن حمّاد: تاريخ الملوك العبيديين , Histoire des Rois Obaidides طبعة وترجمة , vonder-heyden الجزائر سنة 1927. (3) ابن الأثير: Annales du maghreb et de I'Espagne ترجمة , Fagnan الجزائر سنة 1901. (4) ابن عذارى: البيان المغرب، جـ 2، طبعة , Dozy ليدن سنة 1848 - 1851؛ جـ 3، طبعة Levi -Provencal باريس سنة 1930؛ ترجمة فانيان، جـ 2، الجزائر سنة 1901 - 1904. (5) النويرى: Historia de los mu sulmanes de Espana Y Africa طبعة وترجمة Gespar Remira, غرناطة سنة 1917 - 1919. (6) أبو زكريا: تاريخ , Chronique الترجمة، الجزائر سنة 1878. (7) ابن الخطيب: رقم الحلل سنة 1316 هـ. (8) الكاتب نفسه: أعمال الأعلام، طبعة عبد الوهاب (في Cent. Amari) باليرمو سنة 1910. (9) ابن خلدون: كتاب العبر، بولاق سنة 1289 هـ. (10) الكاتب نفسه: المقدمة، طبعت عدة طبعات ببيروت والقاهرة، ترجمة ده سلان، باريس سنة 1862 - 1868. (11) الكاتب نفسه: Histoire des Ber beres ترجمة ده سلان، الجزائر سنة 1852 - 1865؛ باريس (بسبيل الطبع). (12) ابن قنفذ: الفارسية، نشر وترجم جزء منه في , journ. Asiatique

1848 - 1852 - ؛ طبعة حجرية، باريس سنة 1263 هـ, وطبع بتونس. (13) أبو المحاسن: Extraits relatifs au maghreb ترجمة fagnan و Rec. Con- stantine سنة 1906. (14) الزركشي: تأريخ الدولتين، تونس 1289 هـ. ترجمة فانيان، قسنطينة سنة 1895 م. (15) Extraits inedits relatifs au maghreb, ترجمة فانيان، الجزائر سنة 1924. جـ- كتب الطبقات: (1) أبو العرب: طبقات علماء إفريقية، طبعة وترجمة محمد بن شنب، باريس - الجزائر، سنة 1915 - 1920. (2) ابن ناجى: معالم الإيمان، تونس سنة 1320 هـ. (3) ابن الأبّار. (4) ابن خلكان. (5) ابن فرحون. (6) أحمد بابا. د- عدة فقرات في روايات أخبارى الأوربيين مثل مؤرخى حروب شانت لويس الصليبية (- Stern LudwiRs des HeiliRen Kreuzzug: feld , nach Tunis برلين سنة 1896) ومنتانى Muntaner وفلانى Schiaparelli) Villani: Dichiarazione ... Giov. Villani relativi alla staria dei Beni Hafs in Tunis، رومة سنة 1892) وكاباريه دورفيى Cabaret a d'Orreville وفروسار. Froissart هـ- الوثائق التي نشرها: (1) I dinlnmi arahi del archi-: Amari fiarentino vio، فلورنسة سنة 1863 - 1867. (2) Traites de paix et de: Mas-Latrie commerce ... de 1'Afrique septentrionale tau moyen-age باريس سنة 1866 - 1872. (3) Genova e (1388 - 1515): Marengo Tunisi؛ سنة 1901. (4) Episodios ... relaciones: Gimenez entre la corona de Arago y Tanes, Inst 1908 Est. Catalans Anuari. برشلونة.

(5) الكاتب نفسه: Documentos de ib .. 1910 .Tunez. (6) Alcuni documenti sulla: Cerone spedizione di Alfonso V contro 1'isola Gerbc في المصدر نفسه. (7) Tratado de paz ... entre: Ribera Fernando I ... de Napoles y Abuamer Otmder Otmdn rey في Cent. Amari de Nunez باليرمو سنة 1910. رسائل خاصة: 1 - عن الفتح الإسلامي: (1) Les Berbers: Foumel, باريس سنة 1875 - 1881. (2) L'Afrique byzantine: Diehl , باريس سنة 1896. (3) Les Premiere invasions: Caudel arabes dans l'Afrique du Nord, باريس سنة 1900. ب- عن العصور الوسطى: (1) Les siedes obscurs: E. F. Gautier du Maghreb باريس سنة 1927. (2) La Berberie: Vonderheyden - orientale sous la dynastie des Benou' l Aghlab باريس سنة 1927. (3) عبد الوهاب: بساط العقيق في حضارة القيروان، تونس سنة 1330 هـ. (4) Histoire de la dom-: Chalandon normande en Italie et en Sicile ination في مواضع مختلفة، باريس سنة 1907. (5) Les Arabes en Ber-: G. Marcais heries du Xleme au XlVeme siecle. قسنطينة - باريس سنة 1913. (6) califiens: Van Berchem Titres d'Occideni في journ Asiatique سنة 1907. (7) Handelsgeschichte der: Schaube roman Voelker des Mittelmeergebiets bis zum Ende der Kreuzzue.e في مواضع مختلفة، ميونخ سنة 1906. (8) El comercio en: Gimenez Soler , infieles durante la edad media tiera de BoL R. Acad. Buenas Letras. برشلونه سنة 1909 - 1910. (9) La Sicilia ed it suo: La Mantia dominio nell'Africa settentr. dal sec. XI al Arrh. Stor. Sicil , xv, سنة 1922.

(10) Le commerce des Eu-: Sayous ropeens a Tunis depuis le Xlleme siecle , jusqu'a la fin du XVleme باريس سنة 1929. (11) Les relations: Boissonnade conmerciales de la France meridionale avec I'Afrique du Nord du Xlleme au XVeme siecle. Bulletin. geogr. du Comite ., des tr- hist سنة 1929. (12) Milicias chris-: Alemany tianas ... del Almogreb في Homenaj codera, سرقسطة سنة 1904. (13) La France: Delaville de Roulx en Orient au XlVeme siecle. باريس سنة 1886 (ص 166 - 200). (14) Alfonso il Magnanimo: Cerone .ed Abu Omar Othman, Arch, stor. Sicil orient، سنة 1912 - 1913. (3) الاحتلال الحفصى والأسبانى المتأخر: أ- الرحالة والجغرافيون: (1) Tvoyage ... in: Van Ghistele lande Barbarien (1485) غاند سنة 1557. (2) الحسن بن محمد الوزان الزياتى = Della de-: Leo Africanes scriptione dell'Africa طبعة , Ramusio البندقية سنة 1550 ترجمة , Temporal باريس سنة 1830 م، الطبعة الثانية التي قام بها , Schefer باريس سنة 1896. (3) Description general de: Marmol في Africa، غرناطة 1573، ترجمة Perrot A'Ablancourt باريس سنة 1667. ب- الوثائق التي نشرها: (1) Notes et documents ... : Begouen histoire de la Tunisie، باريس - تولوز سنة 1901. (2) Relazioni dei duchi di: Foucard Ferrara e di Modena coi re di Tunisi، مدته سنة 1881. (3) Lettere di mu-: Odorici e Amari , ley Hassan a Ferrante Gonzage مدته سنة 1865. (4) Documents in-: La Primaudaie - edits sur I'histoire de 1'occupation ex , pagnole en Afrique, R.a. سنة 1875 - 1877.

(5) Grandchamp: Documents relatif -fin de 1'accunation espagnole en Tu a la t .. nisie, R، سنة 1914. (6) La Tunisie et: Monchicount aux l'Europe Quelques documents relatifs؛ . XV 1 eme. XVIIeme siecles R سنة 1905. (7) مواضع مختلفة من المجموعة القيمة Col. de doc. fined. pera la Kist. de Espana, مجريط. جـ- دراسات كتبها: (1) Expedition ... contre: Motylinski (1510) Djerba في Actes Xlveme CON - . gres Orient، الجزائر سنة 1905. (2) Tunisi e la spedizione di: Muoni , Carlo, V سنة 1906. (3) De Caroli Vin Africa rebyus: Cat Restis، باريس سنة 1891. (4) L'expedition de: Medina t .. Charles-Quint d Tunis, R, سنة 1906. (5) Essai sur les plans: Monchicount -Djerbo, Tunis , imprimes de Tripoli . Goulette au XVIeme siele. R.A. سنة 1925. (6) الكاتب نفسه: Lpisodes de la , carriere tunisienne de Drogut, R.T. سنة 1918. (7) La Conquete de Mahdia: Charles Mach , (1551) سنة 1921. (8) L'Expedition con-: Monchicourt t .. Dierba. R , tre file de سنة 1913, 1914. (9) 1577, R.T. , l'Afrique du Nord de 1492 a وفي التعليقات والذيل مصادر وافية متعلقة بتونس. (10) Les gou-: Poinssot et Lantier verneurs de la Goulette durant .Xoccupation espagnole R.T سنة 1930. (إشارات إلى المراجع الواردة في التعليقات). (3) العصر التركي 1 - الرحالة المسلمون: (1) العَيَاشى الرحلة، فاس سنة 1316 هـ، الترجمة، باريس سنة 1846 (Expl. scient. Algerie, جـ 4).

(2) أحمد الناصرى: الرحلة، فاس، ترجمت ونشرت في المجلد السابق. (3) الورثيلانى: الرحلة، طبعة محمد ابن شنب، الجزائر سنة 1908. ب- المؤرخون المسلمون: (1) ابن أبي دينار القيروانى: كتاب المؤنس، تونس سنة 1286 هـ الترجمة، باريس سنة 1845 Expl. scient. Algerie، جـ 7. (2) الوزير السراج: الحلل السندسية، تونس سنة 1287 هـ, طبعة غير كاملة. (3) محمد بن يوسف المشرع الملكى، سنة 1705 - 1765, ترجمة Serres, Lasram، تونس سنة 1900. (4) ابن مقديش: نزهة الأنظار، طبعة حجر، تونس سنة 1321 هـ. (5) محمد الباجى: الخلاصة ... في أمراء إفريقية، تونس سنة 1323 هـ. (6) ابن عبد العزيز وابن أبي الضِيَاف، لم يطبع ما صنفاه. جـ- الكتاب الأوربيون: (1) Costa e: Lanfreducci e Bosio discorsi di Barberia (1587) طبعة وترجمة. Monchicourt-Grandchamp, R.A, سنة 1925. (2) A true and certain report: Parker Captain Ward of ... ، لندن 1609. (3) Me-: Prevost de Beaulieu-Persac mnirec طبعة La Ronciere باريس سنة 1913, ص 228 - 264. (4) De reyse naer Africa,: Pijnacker 1625 jare Tunis, Algiers ... in den هارلم سنة 1650. (5) Relazione de: Savary de Breves -ses voyages ... aux royaumes Tunis et Al ger، باريس سنة 1628. (6) Relazione della guerra ... : Attardo 1628 , fra Algiera e Tunisi quest'anno طبعة Roy، . , R.T سنة 1917. (7) Lettres inedites: Th. d'Arcos (1933 - 1936) , ecrites de Tunis الجزائر سنة 1889.

(8) Histoire de Barbarie: Dan , باريس سنة 1637. (9) Voyages ... : Thevenot, باريس سنة 1664 - 1674 م. (10) Lettere ... di quanto egli: Pagni vidde e opero in Tunisi، فلورنسة سنة 1829. (11) Memoires: D, Arvieux (جـ 4) باريس سنة 1735 (الرحلة إلى تونس في 1666). (12) Naukeurige bes-: Dapper chrijving der Afrikaensche gewesten، أمستردام سنة 1668. (13) Relation del'esclavage: Galland d'un marchand Cassis a Tunis, نشر في Magasin encyclopedique باريس سنة 1809. (14) Le bouclier de I'Europe: Coppin، ليون سنة 1686. (15) - Histoire des derrieres revolu tions du Royaume de Tunis, باريس سنة 1689. (16) Etat des royaumes de: La Faye , Barbarie روان سنة 1703. (17) Voyage ... Afrique: Lucas (أتبعت بـ - Memoire pour servir a I'histoire de Tu nis)، باريس سنة 1712 م. (18) Histoire des: Laugier de Tassy Etats barbaresque, الترجمة الفرنسية، باريس سنة 1757. (19) Relation d'un voy-: Peyssonnel 1724 age sur les cotes de Barbarie ... en. باريس سنة 1838. (20). Travels: Shaw (1727) أوكسفورد سنة 1738. (1) Nouveau voyage fait au: Tallot Levant (1731) باريس سنة 1742. (22) Voyage au Le-: La Condamine vant (1731) طبع جزء منه في. R.T، سنة 1898. (23) Godefroy, Comelin et La Motte: Etat des royaumes Barbarie، روان سنة 1731. (24) Voyage a Alger,: Hebenstreit 1732 Trinloi ... en Tunis et. برلين سنة 1780.

(25) Memoires his-: St. Gervais toriques ... royaume de Tunis, باريس سنة 1736. (26) Lettres sur I'histoire politique 1740 de la Tunisie de 1728 a, طبعة R.T., Gandolphe، سنة 1924 - 1926. (27) Memoires concernant: Poiron l, etat present du royaume de Tunis (1752) طبعة , Serres باريس سنة 1925. (28) Fragments d'un: Desfontaines (1783 - 1786) voyage ... Tunis et Alger, باريس سنة 1838. (29) Observations on the: Stanley of Tunic city، لندن سنة 1786. (30) Voyage en Barbarie: Poiret, باريس سنة 1789. (31) Memoire sur Tunis: Nyssen (1788) نشره monchicourt في R.Hist .Col Fr سنة 1923. (32) Ragguaglio del vi-: Caroni aggio ... in Barberia، ميلان سنة 1805 ترجمة Conor-Grandchamp . في. T.R، سنة 1917. (33) Itineraire de: Chateaubriand (1807) Paris a Jerusalem, باريس سنة 1811. (34) An Account of Tunis: Maggill، كلاسكو سنة 1811. (35) Letters from the: Blaquiere Mediterranean، جـ 2، لندن سنة 1813. (36) (1816): frank tunis في L'Univers pittoresque، جـ 7، باريس سنة 1850. (37) Travels in ... the Barbary: Noah , states نيويورك سنة 1819. (38) Fragments ... sur la Re-: Flippi (1829) Tunis gence de , نشره Mon- chicoun في. R. HIST. COL FR، سنة 1924 - 1926. (39) انظر أيضًا تصحيح Bauer في Relaciones de Africa. جـ 3، مجريط سنة 1922. (40) وزادت الكتب بعد عام 1830, هذا إلى جانب المقالات الكثيرة في المجلات والصحف، Le Tour du Monde) (.Grenville-Temple Revue de l'Orient etc:

Excursions in the Mediterranean, Algiers (1832 - 1933) and Tunis, لندن سنة 1935. (41) Notice sur Tunez: Calligaris (1834), نشره Mo'nchicourt في R. Hist . Col. Fr سنة 1928. (42) Tu - , Reise ... von (1835): Ewans nis نورنبرغ سنة 1837. (43) Semilasso in: Puckler- Muskau Afrika، شتوتكارت سنة 1836. (44) Documenti sulla storia: Niculy di Tunis, لفورن سنة 1838. (45) Une Promenade a: Capitaine X 1842 Tunis en، باريس سنة 1844. (46) Algeria and Tunisia: Kennedy in 1845 لندن سنة 1846. (47) Wanderungen durch die: Barth -1845 Kuenstenlaender des Mittelmeers in 47، برلين 1849. (48) Apercu pittoresque: Chessiron de la Regerce de Tunis. باريس سنة 1853. (49) Expl. scient. Algerie، جـ 15. وانظر أيضًا R.d. Deux Monde. مايو سنة 1856). (50) Quatorze ans a Tu-: Daumas , nisi الجزائر 1857. (51) La Regenza di Tunisi: Finotti, مالطة سنة 1857. (52) Notice sur la Regence: Dunant de Tunis، جنيف سنة 1858. (53) Voyage archeologique: Guerin dans la Regence de Tunis. باريس سنة 1862. (54) La Regence de Tunis au: Flaux XIXeme siecle، باريس سنة 1865. (55) Tunis et la Regence: Francois sous Mohammed el-Sadok Bey, باريس سنة 1867. (56) Lettere sulla: De Gubernatis Tunisia، فلورنسة سنة 1867. (57) Tunis: Michel. باريس سنة 1867. (58) Sittenbilder au Tunis: Maltzan , u Algerien ليبسك سنة 1869.

(59) الكاتب نفسه: Reise in den Re gentsch aften Tunis u. Tripolis, ليبسك سنة 1870. (60) Notes sur la Regence: Zaccone de Tunis، باريس سنة 1875. (61) Barbary, Journey from: Rae , Tripoli to ... Kairouan لندن 1877 م. (62) Notes sur un voyage en: Feraud .Tripolitaine R.A , tunisie et en سنة 1877. (63) Nachtigal: Tunis, Deutsche , Sundchau 1881. (64) Tunisi: Pinchia Ricordi i, تورين سنة 1881. د- مجموعات الوثائق التي نشرها: (1) Correspondance des: Plantet beys de Tunis et des consuls de Frane (1577 - 1830) cavec la Cour في ثلاثة مجلدات، باريس سنة 1893 - 1899. (2) Grandchamp: La France en Tu (1582 - 1700) nisie، في ثمانية مجلدات، تونس سنة 1920 - 1930. (3) Bronnen tot de Ges-: Heeringa 1590) chiedenis van Levantschen Handel (, 1726 في ثلاثة مجلدات، لاهاى سنة 1910 - 1917. (4) relatifs: Grandchamp Documents (1777 - 1814) , aux corsaires tunisiens تونس سنة 1926. هـ- مؤلفات خاصة (1) Annales tuisiennes: Rousseau الجزائر سنة 1864. (2) L, Etat tunisien (1525 - : Fitoussi (, 1901 تونس سنة 1901، الطبعة الثانية. (3) Histoire des etablisse-: Masson ments et du Commerce franca is dans (1560 - 1793) l'Afrique barbaresque، باريس سنة 1903. (4) الكاتب نفسه: Les Compagnies du corail، باريس - مرسيليا سنة 1908. (5) Histoire de marine: La Ronciere , francaise ثم في خمسة مجلدات، باريس سنة 1909 - 1920.

(6) Les exploits d'Alonso de: Conor t .. Cnntreras en Tunisie (1601 - 11) R. سنة 1913. (7) Les Francais a Tunis de: Spont في. a 1789 R. Questions Hist 1600، سنة 1900. (8) The Scourge of Chris-: Playfair tendom، لندن سنة 1884. (9) Tunisi e la Repubblica: Marchesi Venezia nel Secolo XVII. البندقية سنة 1882. (10) e Sfax nel Se-: Nallino Venezia colo XVIII Cent. Amari' بالرمو سنة 1910. (11) La mission de: grndchamp (1793 - 94) Plevillele Pelley a Tunis, تونس سنة 1921. (12) الكاتب نفسه: - La citoyen Gui raud, proconsul de la republique a Tunis (1793 - 94) R.T.، سنة 1919. (13) Arn. Soler, charge: Loth (1808 - 10) affaires d'Espagne a Tunis، d , R.T. سنة 1905 - 1906. (14) Americains et Bar-: Dupuy (1824 - 1776) baresques, باريس سنة 1910. (15) Les emblemes des beys: Hugon de Tunis، باريس 1913. (16) La politique turque en: Serres Afrique du Nord sous la monarchie de Juillei باريس سنة 1925. (17) Les arrange-: Rouard de Card ments conclus par le general Clauzel avec (31 - 1830) de bey de Tunis باريس سنة 1927. (18) La regia marina sarda: Gonni (1830) sulle costi di Barberia . في Rnll. ., Ufficio stor سنة 1930. (19) الكاتب نفسه: Una squadra sardonapoletana a Tunisie (1833) ibid. (20) Le differend de la: Grandchamp Tunisie avec la Sardaigne et Naples en , 1833, R.T. وسيصدر في القريب. (21) La Mahalla: Monchicourt (1864) d'Ahmed Zarroug dans le Sahel R.T. سنة 1917.

(4) الحماية الفرنسية والقطر التونسى منذ عام 1881 لدينا الآن مراجع وافية عن هذا الموضوع أهمها: 1 - قيام الحماية: (1) Documents diplomatiques, af- (81 - 1870) Tunisie faires de باريس سنة 1881. (2) La: DEstournlles de Constant Politique Francaise en Tunisie، باريس سنة 1891. (3) Politica estera 1876 - : Grispi 1890، الترجمة في. R.T. سنة 1913. (4) Pagine di storia con-: : Chiala temporanea. جـ 2 عن القطر التونسى، تورين سنة 1895. (5) The last Punic War: Broadley. إدنبره - لندن سنة 1882. (6) L'expedition militaire en Tunisie, باريس، طبعة غير مؤرخة. (7) La spedizione francese: Cappello in Tunisie، ستادى كاستلو سنة 1912. (8) Traites de la: Rouard de Card Afrique du Nord'l France avec le pays de, باريس سنة 1906. (9) الكاتب نفسه: La Turquie et le protectoral francais en Tunisie, باريس سنة 1916. ب- المسائل السياسية منذ سنة 1918: (1) La Tunisie martyre , سنة 1920. (2) La Tunisie sons! es: Raynaud FranFais, باريس، طبعة غير مؤرخة. (3) Essai sur la nationalite: Winkler -dans! es protectorats de Tunisie et du Ma , roc باريس سنة 1926. (4) Souverainete et na-: Aguesse , tionalite en Tunisie باريس سنة 1930. (5) La Questione tunisina: Tumedei , e l'Jtalin يولونيا سنة 1922. (6) , Tunisiaca: Sarfatti رومة 1924. (7) Gli Italiani in Tunisi: Bonura , رومة سنة 1929.

(8) مقالات كثيرة في Bulletin du Comite de l'Afrique francaise، ومنها أعيد طبع La Tunisie apres: Rodd Balek (21 - 1919) la guerre، باريس سنة 1922 (9) Sur les traces de Rodd Ba-: Cave (1924 - 27) dek، باريس 1929. (10) (28 - 1922) Chronique de Tunisie تونس 1928. جـ -أوصاف عامة (1) Tunis: Hesse-Wartegg، فينا سنة 1882. (2) Travels in: Graham and Ashbee Tunisia، لندن 1887 (وفي الذيل مراجع نافعة جدًّا عن بلاد تونس لم يزد عليها روان ده كار شيئًا، Rouard de ivres Francais de XVIleme et: Card XVIlleme siecles concernant les Etats barbarseque، باريس سنة 1911. (3) La Tnisie: Lanessan، باريس 1887, 1917. (4) Tunisie: Faucon La، سنة 1893. (5) - La Tunisie, Histoire et de scription في أربعة مجلدات، باريس - نانسى سنة 1896, 1900. (6) La Tunisie au debut du XXeme , siecle باريس سنة 1904. (7) Tunisie et l'oeuvre du: Loth La , Protectorat francais باريس سنة 1907. (8) Notice generale sur la Tunisie (1881 - 1921), تولوز سنة 1922. (9) La Tunisie: Despois، باريس سنة 1930. د- حياة التونسيين الاجتماعية وعجيب خصالهم: (1) Les civilisation tu-: Lapie , nisiennes باريس سنة 1898. (2) La litterature et la presse: Canal 1900 tunisiennes de I'Occupation a. باريس، طبعة غير مؤرخة. (3) Le Prince Jaffar: Duhamel، باريس سنة 1924. (4) Les mosques d'argile: Hubac، باريس سنة 1928.

(5) وانظر أيضًا عن الأهلين المؤلفات المذكورة تحت عنوان "اللغة" والمقالات الكثيرة في Tunisienne Revue. (5) غير المسلمين انظر إلى جانب Darmon ما ورد تحت عنوان "الدين". أ- النصارى: (1) Le Christianisme en: Mesnage Afrique, Eglise mozarabe، باريس - الجزائر سنة 1915. (2) Jean le Vacher: Gleizes، باريس 1914. (3) الكاتب نفسه: Captivite et oeuv res de St. Vincent de Paul en Barbaries, باريس 1930. (4) Memoires de: Anseleme des Arcs - 1624) la mission des capucins de Tunisie (1865، رومة 1889. (5) La nouvelle Eglise: Pons (1830 Afrique (depuis"d، تونس سنة 1390. ب- اليهود: (1) Essai sur I'hitsoire des Is-: Cazes , raelites de Tunisi باريس، سنة 1889. (2) Les Israelites de la Tu-: Chalom nisie. باريس سنة 1908. (3) Recueil des textes leg-: Arditti -juridiques concernant Les Is islatifs et (1913 - 1857) raelites de Tunisie, تونس سنة 1915. (4) Le Status personnel des: Tibi , Tsraelites tunisiens تونس سنة 1923. (5) Un voyage d'etudes: Slouschz juives en Afrique، باريس 1909. (1) الكاتب نفسه: Travels in North Africa، فيلادلفيا سنة 1927. (6) عن تاريخ الفن الإسلامي (1) Manuel d'art msul-: G. Marcais , man L'architecture باريس سنة 1926 - 1927. 3 - إدارتها (1) الإدارة الفرنسية: في أول عهد الحماية صدر مرسوم الباى في 4 فبراير سنة 1883 بإقامة "كاتب سر

عام لحكومة القطر التونسى" فأخذ على الفور يساعد المقيم العام، ويشرف على جميع المكاتبات الرسمية، وكان هذا عمله أيضًا مع رئيس الوزراء، شأنه في ذلك شأن المقيم مع الباى. وقد ألغى منصب كاتب السر في 14 يولية سنة 1922 وحل محله في بعض اختصاصاته "نائب المقيم العام"، وقد حددت سلطات هذا النائب بمرسوم المقيم الصادر في 10 فبراير سنة 1923, وهي مختلفة اختلافًا كبيرًا من سلطات كاتب السر وأقل منها، مع أن صاحبها وكيل مجلس الوزراء ومفتش المراقبات المدنية، وهو ينوب عن المقيم إذا غاب أو عاقه عائق. ويساعد المقيم مجلس مدنى وآخر حربى بناء على القرار الصادر من المقيمية في 10 نوفمبر سنة 1926. وقد عززت هذا القرار في اليوم نفسه مراسيم أصدرها الباى، فأعيد بذلك تنسيق الإدارات الكبرى لحكومة السلطنة، وحددت أعمال المصالح الرئيسية التي نظمها الفرنسيون وأداروها منذ احتلالهم تونس على النحو التالي: "الإدارة العامة للأشغال" وقد. أنشئت في 3 سبتمبر سنة 1882؛ "الإدارة العامة للأموال" وقد إنشئت في 4 نوفمبر من العام نفسه؛ "الإدارة العامة للتعليم والفنون الجميلة" وقد أنشئت في 6 مايو سنة 1883؛ "الإدارة العامة للزراعة والتجارة والاستعمار" وقد أنشئت في 3 نوفمبر سنة 1890؛ "الإدارة العامة للشئون الداخلية" وهي تشمل مصلحة الصحة العامة ومصلحة الإسعاف؛ "الإدارة التونسية للعدل" وقد أنشئت في 14 يولية سنة 1922 (وكان إنشاء الإدارتين الأخيرتين نتيجة لإلغاء منصب كاتب السر العام). ونزيد على ذلك "مكتب البريد والبرق" وقد أنشئ في 11 يونية سنة 1888 وأصبح إدارة مستقلة بمقتضى المرسوم الصادر في 18 نوفمبر سنة 1927 وتونس مقسمة إلى خمسة أقاليم لأغراض إدارية إذا استثنينا القسم الجنوبي الذي يعد منطقة حربية وقصبته مدنين، وتحكمه "إدارة الأعمال الوطنية" وتتألف من ضابطين من ذوي الرتب العالية و 20 صاغًا أو ملازمًا و

11 مترجمًا يتقاضون مرتباتهم من الخزانة الفرنسية. وهذه الأقاليم هي بنزرت وتونس والكاف وسوسة وصفاقس، وكل أقليم مقسم إلى طائفة من النظارات المدنية تبلغ في مجموعها تسع عشرة، وهي باجة وبنزرت وطبرقة وسوق الأربعاء وتونس وزغوان وقرنبالية وتبرسق والكاف ومكثر ومجاز الباب وسوسة والقيروان وتالة وصفاقس وقابس وقفصة وتوزر وجربة وقد أنشئ. نظام النظار المدنيين بمقتضى مرسوم المقيم الصادر في 22 يولية سنة 1887. وهي في جوهرها لا تتعدى الإشراف على الإدارة الأهلية ومساعدة الاستعمار الفرنسى. ويلقب هؤلاء النظار بنواب القناصل ويقومون بما يقوم به وكلاء القناصل الفرنسيين. وقد نظمت حالتهم بمقتضى القرار الذي أصدره المقيم في 25 أبريل سنة 1922. ويقوم على القانون الفرنسى في السلطنة محكمتان من أول درجة، إحداهما في تونس (4 دوائر) والأخرى في سوسة و 14 محكمة صلح دائمة Justices de paix يضاف إليها محاكم الغرباء وهي متنقلة لا تعقد في بلد واحد. وتطبق محاكم الجنح قانون العقوبات في الجنح والمخالفات كما يطبقه قضاة الصلح في القضايا نفسها كما هي الحال في الجزائر. وتقضى في الجنايات محاكم جنائية تعقد في تونس وسوسه، وهي من ثلاثة قضاة فرنسيين محترفين وستة وكلاء نظم أمر تعيينهم مرسوم المقيم الصادر في 29 نوفمبر سنة 1893: ويراعى في ذلك جنسية المتهم. وليس في هذه المحاكم محلفون. ويعين جميع القضاة الفرنسيين بمرسوم صادر من المقيم العام بناء على ترشيح "أمين الأختام"، وهم في ذلك كقضاة الجزائر سواء بسواء. وفرنسا مسئولة عن ميزانية الجيش والأسطول وبنزرت معكسر أمير البحر الذي يشمل سلطانه شواطن شمال إفريقية بأسرها. وقد اتخذ قائد فرقة الاحتلال Division d'Occupationn" لقب "القائد الأعلى لجند تونس" - Com mandant superieur des troupes de Tunisie. عام 1926. ولنستوف البيان الخاص بالإدارات الرئيسية العامة في تونس فنقول إنه

كان بها أيضًا شركتان لهما امتيازات في أهم موانئها: شركة بنزرت، وقد تأسست عام 1886, وشركة تونس وسوسة وصفاقس، وقد تأسست عام 1894؛ وثلاث شركات للسكة الحديدية: (1) شركة بونة جالمة وقد سميت بـ Compagnie Fermiere طبقا للاتفاق المعقود في 22 يولية سنة 1922، وتكاد خطوط هذه الشركة تشمل جميع سكة حديد تونس وهي تتآلف أولًا من خط طويل يساير الساحل، وخطين ما بين تونس الجزائر، يقطعان وادي مجردة ويكتنفهما التل الكبير، وخط ما بين سوسة ومناجم الفوسفات التي إلى الغرب من قفصة وهو يحترق فيافى سبيطلة وقربانة (ب) شركة فوسفات قفصة Compagnie des phosphates de , Gafsa وهي خطوط ضيقة تربط صفاقس بقابس، وديف بتوزر. (جـ) شركة ترام تونس، وهي خطوط كهربائية تسير في الضواحى، قوامها خطان يربطان تونس بالمرسى، وأحدهما يسير بطريق حلق الوادي وقرطاجنة. ولتونس فيما خلا المصالح الحكومية مجالس شورى تعين أو تنتخب. والفرنسيون هم - دون سواهم - الناخبون لغرف التجارة والزراعة التي ينتخب أعضاؤها لست سنين ويسقط ثلثهم كل سنتين. وقد أنشئت غرفة تونس التجارية وغرفة تونس الزراعية عام 1902. وللنساء حق التصويت وليس لهن حق العضوية. وتجتمع غرفة استغلال المناجم في تونس بناء على قرار المقيم الصادر في 15 يولية سنة 1922 وهي تمثل - من غير تفرقة - الملاك الفرنسيين أو التونسيين والمديرين والنظار أو مهندسى المناجم في تونس. وينتخب أعضاؤها مدة ست سنوات ويسقط نصفهم كل ثلاث سنوات. وقد أنشئ في 60 موضعًا مجالس بلدية. وكانت هذه المجالس تعين بمرسوم مدة ثلاث سنوات وينتخب ثلث أعضائها فقط كل سنة، وهي تتألف - بمقتضى مرسومى 14 يناير 1914 أول يناير سنة 1924 م- من رئيس من أهل البلاد ووكيل فرنسى أو أكثر وعدد

متفاوت من الأعضاء وطنيين أو فرنسيين. ومداولاتهم عامة تعرض على رئيس الوزراء لإقرارها. وأنشئت مجالس إقليمية بمقتضى المرسوم الصادر في 13 يولية سنة 1922 الذي حل محله مرسوم 27 مارس سنة 1928, وأعضاء هذه المجالس ينتخبون مدة ست سنوات، وقد كانوا أول الأمر يمثلون أعضاء المجالس البلدية الوطنية وأعضاء المجالس البلدية الوطنية الخاصة بالقائديات من ناحية وأغلبية ضئيلة من الفرنسيين عن الأعضاء الفرنسيين في المجالس البلدية أو الغرف التجارية والزراعية من ناحية أخرى؛ وتضم هذه المجالس الآن: نائب رئيس لبلدية كل حاضرة من حواضر الأقاليم ومندوبى المجلس الكبير الذي يشترك في انتخاب أعضائه الناس جميعًا، وممثلى غرفة استغلال المناجم والغرف الوطنية للتجارة. أما المجلس الإقليمى، وهو هيئة تستشار في المسائل الاقتصادية والمالية، فيجتمع مرتين كل سنة ومدة كل دورة من دورات انعقاده ستة أيام على الأكثر ويكون انعقاده في قصبة الإقليم برياسة مراقب مدنى يعينه المقيم العام، وليس له مع ذلك حق التصويت. وينتخب الأعضاء الفرنسيون نائبًا للرئيس وكاتبًا للسر، كما يقيم الأعضاء الوطنيون نائب رئيس آخر وكذلك كاتبًا للسر. وفي 13 يولية سنة 192 حلت الجمعية التمثيلية الرئيسية أي المجلس الكبير Grand Conseil محل المجلس الاستشارى Conference Consulative المنشأة عام 1896 والذي أعيد تنظيمه منذ ذلك عدة مرات. وقد صدرت في مارس عام 1928 طائفة من المراسيم والقرارات نظمت طريقة تأليف المجلس الكبير وحددت سلطاته وهو قسمان: قسم فرنسى وقسم وطنى. المقرر من حيث المبدأ أن كل قسم من القسمين يتداول مستقاو عن الآخر. ويرأس القسم الفرنسى المقيم العام، وأعضاؤه اثنان وخمسون: اثنان وعشرون منهم يمثلون المصالح الاقتصادية وبيانهم كالآتى: ستة تنتخبهم غرفة تونس الزراعية، واثنان تنتخبهم غرفة بنزرت التجارية،

وأربعة تنتخبهم غرفة تونس التجارية، وأربعة تنتخبهم غرفة سوسة المختلطة وأربعة تنتخبهم غرفة صفاقس المختلطة، واثنان تنتخبهما غرفة استغلال المناجم وثلاثة يمثلون المستعمرة الفرنسية وينتخبون انتخابًا إقليميًا يشترك فيه كل السكان الفرنسيين الذين نيفوا على الواحدة والعشرين وأقاموا في تونس سنتين على الأقل. وبيانهم كالآتى: ستة يمثلون بنزرت، وعشرة يمثلون تونس، وأربعة يمثلون الكاف، وخمسة يمثلون سوسة، وخمسة يمثلون صفاقس وجميع المناطق العسكرية. وينتخب أعضاء المجلس الكبير، ولا يقل سنهم عن 25 عامًا مدة ست سنوات، وينتخب نصفهم كل ثلاث سنوات ويناقش هذا المجلس الميزانية ويقرها بالتصويت. وله أيضًا أن يبدى رغباته اللهم إلَّا في المسائل السياسية والدستورية، ويبدى رأيه فيما تعرضه عليه الحكومة من وسائل، وله أيضًا أن يسأل الحكومة عن مسائل وتحتفظ فرنسا بالحق في إقرار مرسوم بحل المجلس الكبير وإبطال قراراته حتى في مسائل الميزانية. ويجتمع المجلس مرة كل سنة في دورة عادية لا تزيد على عشرين يومًا. ويمكن دعوته إلى الإنعقاد في اجتماع غير عادى. وكل قسم من قسميه ينتخب مراقبيه، ويعين لجنتين كبيرتين: لجنة مالية ولجنة لسير الأمور الاقتصادية وسبعة عن المستعمرة الفرنسية. ولا يسمح للناس بحضور جلسات المجلس الكبير إذا كان منعقدًا بكامل هيئته. وثمت لجنة للفصل - Com mission Arbitrale يرأسها المقيم العام، وهي تتناقش في جميع المقترحات أو القرارات والرغبات التي اختلف فيها قسما المجلس. وأعضاء هذه اللجنة أربعة عشر نصفهم يعينه القسم الفرنسى والنصف الآخر يعينه القسم الوطنى. فإذا ما استحكم الخلاف اشترك المقيم العام في التصويت كما يشترك فيه أيضًا الوزراء أو المديرون الحاضرون ومعنى ذلك أن للحكومة صوتًا يغلب رأى قسم منهما على الآخر. ب- الشئون المالية: موارد تونس المالية من الضرائب المباشرة، وهذه الضرائب آخذة في التناقص: (1) الضريبة

الشخصية وتعرف بالاستيطان وقد حلت محل المجبى القديم (la-c: Barthes Tunisie imots arabes en، الجزائر عام 1923) هي تجبى من جميع سكان تونس الذكور الذين يتجاوز سنهم الواحدة والعشرين (2) ضرائب الأرض وهي القانون على النخيل والقانون على أشجار الزيتون والعشر على البقول وتعفى الأراضي التي استصلحت حديثًا من العشر مدة خمس سنوات؛ والمراجع على البساتين والأراضى الصالحة للرى فيما خلا جربة، والخضر وهي ضريبة خاصة على الأراضي المزروعة في جربة، وضريبة على الأنعام سنت عام 1918 وضريبة على الكروم غير المستصلحة سنت عام 1927, وضريبة على قيمة الإيجار وعلى إيجار الأعيان في الحضر وشبه الحضر هي تجبى لمصلحة النواحى (3) ضرائب على الأرباح التجارية والصناعية (شرعت رخصتها عام 1927؛ ومكوس التعدين) (4) ضريبة على إيراد المال الشخصى والرهونات وما إليها وقد شرعت عام 1918؛ وضرائب قليلة أخرى تعرف بـ assimilees . أما الضرائب غير المباشرة - ويزداد شأنها كل يوم-، فهي: (1) رسوم التمغة والتسجيل. (2) المكوس، وقد نظمت بحيث تكون في مصلحة المنتجات الفرنسية. (3) طائفة من الرسوم على صناعة شتى المنتجات وبيعها، وقد حلت هذه الرسوم عام 1920 محل "المحصولات" القديمة وأطلق عليها اسم الضرائب غير المباشرة. يضاف إلى ذلك. (4) إيرادات الأحكار كالتبغ والملح والثقاب وأوراق اللعب. (5) أرباح مكاتب البريد. (6) أرباح شتى المشروعات الصناعية. (7) ماتدره أراضى الدولة. ب- الإدارة الوطنية: الوزراء الوطنيون ثلاثة: الوزير الأكبر، يعاونه. وزير القلم، وإلى جانبه مدير عام الداخلية. ثم وزير العدلية الذي شرع منصبه في 26 أبريل عام, 1921 وصاحب مشورته فرنسى هو مدير العدلية التونسية. وأساس التنظيم الإقليمى التونسى هو تقسيم القطر إلى قائديات، وعدتها في الوقت الحاضر سبع وثلاثون: باجة وبنزرت وماطر وعين درهم وسوق

الأربعاء وسوق الخميس وتونس المدينة وتونس الظواهر وزغوان وسليمان ونابل وتبرسق والكاف وتجروين، واولاد عيار وأولاد عون ومجاز الباب وسوسة والمنستير والمهدية والسواسى والقيروان وجلاص والفراشيش وماجر وصفاقس وجبنياتة وسكرة وأرد، وقفصة والهمامة والجريد وجربة ومطماطة ونفزاوة وزغمة وتيطاوين. ويحتفظ القائد في تونس المدينة بلقبه القديم وهو شيخ المدينة. ويعين بمرسوم، وقد احتفظ باختصاصاته الإدارية والقضائية والمالية: فهو الوسيط بين الحكومة وبين الناس، ومن واجبه لم ن يراعى الأمن ويقضى في المسائل المدنية البسيطة بلا مراجعة وكذلك يطبق العقوبات الهينة ويجمع الضرائب. وتحت إمرته شرطة من الأهلين (أوجاف) قوامها الصبائحية (سباهى) الذين يجمعون الغرامات من المتخلفين عن أداء الضرائب. وثمت ميل إلى أن يستبدل بالضرائب التي جرى القائد على تحصيلها ممن يأتمرون بأمره مرتب مقرر. وقد اتخذت خطوات في هذا السبيل بالفعل. ويعاون القواد أو يخفف عنهم "خلفاء" يعينون بمرسوم منذ 28 نوفمبر سنة 1912 طائفة من القواد تحت التمرين (كخيا) وطائفة من الخلفاء من طبقة ممتازة، وعددهم الآن ستة عشر وهم يقومون عن القائد ببعض الأعباء الملقاة على عاتقه. وقد قسمت كل قائدية إلى عدد معين من الشياخات تبلغ جميعها 604، وكلها تحت إمرة شيخ تعينه الحكومة بناء على ترشيح القائد. والشيخ مسئول عن الأمن العام ويساعد في جمع الضرائب. وقد أنشئت "مجالس القائديات" في أنحاء البلاد اللهم إلَّا في المناطق العسكرية بمقتضى طائفة من المراسيم والقرارات صدرت سنة 1922 وعدلت سنة 1928, ومهمة هذه المجالس الإقليمية. وتبعث كل شياخة بأربعة نواب يمثلونهات واحد منهم أو اثنان أساسيان والآخران احتيطاطيان ويشترط أن تكون سنهم ثلاثين على الأقل، وينتخبون من بين الأعيان وتعتمد الوزارة انتخابهم. ويشترط في هؤلاء الناخبين أن يكونوا أميز من

يدفعون الضرائب وأن تزيد سنهم على الخمسة والعشرين وأن يكونوا من سكان الشياخة خارج النواحى أو أن تكون لهم أملاك في الشياخة. وتراجع جرائد الأعيان التي يحررها القائد لجنة مؤلفة منه ومن المراقب المدني والقاضي. ولا يمكن أن يكون المحامون أو الموظفون أو رجال الشرطة نوابًا في المجلس. وتعقد جلساته يومين كل ثلاثة أشهر. وتقام الانتخابات كل ست سنوات. وأنشئت الغرف الوطنية للتجارة والزراعة عام 1920 وأعيد تنظيمها عامي 1924, 1928, وهذه الغرف هي: غرفة الزراعة الوطنية الخاصة بالشمال، وهي تضم قسمًا زراعيًا من عضو عن كل قائدية تنتخبه الحكوهة من بين مرشحين اثنين تقدمهما نواب الشياخات، وقسمًا للاقتصاد الزراعى مؤلفًا من عضوين مجازين أو مهندسين زراعيين تنتخبهما الحكوهة من بين أربعة مرشحين تقدمهم نواب الشياخات, وغرفة التجارة الوطنية الخاصة بالشمال وهي تضم قسمًا تجاريًا مؤلفًا من اثنى عشر مسلمًا منتخبًا وخمسة يهود، وقسمًا للاقتصاديات العامة مؤلفًا من مسلمين أو يهوديين تنتخبهما الحكومة من بين أربعة مرشحين ينتخبهم الناخبون. ويشترط في هؤلاء ألا يقل عمرهم عن الخامسة والعشرين، أما المرشحون فلا تقل سنهم عن ثلاثين. وقد أعدت العدة منذ عام 1928 لعقد هذين المجلسين في جلسات مشتركة مع الهيئات الفرنسية التي من نوعها. وقد أنشئ أيضًا في داخل الغرف المختلطة الخاصة بسوسة وصفاقس قسم وطنى من سبعة أعضاء. ولقد تبينا نصيب الوطنيين في المجالس البلدية والإقليمي؛ فهم في المجلس الكبير يؤلفون قسمًا مميزًا من ستة وعشرين عضوًا: عشرة منهم يمثلون خمسة أقاليم بواقع اثنين عن كل إقليم، وثلاثة يمثلون البقاع الجنوبية، وأربعة يمثلون الغرفة التجارية الوطنية الخاصة بالشمال، واثنين يمثلان كل قسم من الأقسام الوطنية الخاصة بالغرف المختلطة

وواحد، يمثل الجماعة اليهودية في تونس. وقد جرت الحال بأن يرأس هذا القسم من المجلس الكبير مندوب المقيم العام أو موظف فرنسى كبير من موظفى الولاية ينتدبه المقيم، وقلمًا يرأسه المقيم العام. وقد يتفق القسمان على الاجتماع معًا. وتعد الأصوات في هذه الحالة وكان مجلسًا واحدًا قد أعطاها. وقد توخى التشريع التونسى الذي أقر أحكامه مرسوم يناير سنة 1928 الإبقاء على التفرقة بين القضاء المدني والدينى. وعلى رأس القضاء المدني محكمة "الأزراء" في تونس وهي تشمل منذ عام 1921: (أ) ضربًا من محكمة الاستئناف لجميع القطر التونسى ولها هيئتان إحداهما مدينة والأخرى للعقوبات، ويجلس في كل منهما ثلاثة قضاة. (ب) محكمة جنائية تنظر في جرائم أول درجة من غير استئناف. (جـ) محكمة تحضير. (د) هيئة للنظر في الملتمسات وهي نوع من محاكم الاستئناف. وتكمل الأزراء محاكم إقليمية من ثلاثة قضاة أنشئت في صفاقس وقابس وقفصة عام 1896, وفي باجة عام 1926، وألحق بها عام 1906 مندوبو الحكومة وهم محامون فرنسيون يتكلمون العربية. ويمكن أن يقوم الوكلاء عن المتقاضين. وفي الختام نلاحظ أن المحكمة الإقليمية الخاصة بتونس تسمى "دريبة" وأن لتونس أيضًا محكمة العرف، وهي نوع من المحاكم التجارية يقضى فيها شيخ المدينة وعشرة من الخبراء. المصادر: (1) Code annote de la Tunisie: Zeys سنة 1901، وملاحقه السنوية إلى عام 1912. (2) Codes et: Lagrange & Fontana , lois de la Tunise باريس سنة 1912، الملاحق إلى عام 1928. (3) Officiel Tunisien Journal. (4) Girault. A: - Principes de co lonisation et de legislation coloniale جـ 5، , La Tunisie et marnc الطبعة الخامسة، باريس سنة 1928.

4 - الدين الإسلامي التونسيون على مذهب مالك منذ أمد طويل، اللهم إلَّا أهل جزيرة جربة فإن ثلاثة أخماسهم من الخوارج. أما سلالة الترك -أو الذين يزعمون أنهم كذلك - فعلى الحنفية. وهم قلة أشراف مفضلون لأن أسرة الباى منهم. أ- النظم - الشرع: كان يقوم على المناصب الدينية الرفيعة في تونس أيام الحفصيين "قاضى الجماعة" و "قاضى الأنكحة" وكان يوليهما الباى كما يولى المفتى الأكبر والخطيب. ودون هؤلاء قاضى المعاملات وقاضى الأهلة. أما قاضى المحلة فيصحب الجند في ميدان القتال. وقد بين ابن أبي دينار كيف أن المفتى ظهرت رتبته شيئًا فشيئًا على القاضي وارتفع عنه في الدرجة حتى أصبح يجتمع معه في محكمة الشرع (, Saint Gervais ص 93 - 95) وتلقب مفتى الحنفية الأكبر (باش مفتى) بشيخ الإسلام أيام الترك وظل يحتفظ بهذا اللقب إلى اليوم. وكان مفتى المالكية الأكبر يشرف أحيانًا بهذا اللقب وإن تبلغ منزلته في نظر الدولة منزلة رصيفه. ويطبق الشرع في جميع الأحوال الشخصية من غير استثناء، كالمعاملات والزواج والطلاق والوصية والولاية والميراث. ويقوم عليه في كل مدينة من المدن التي في داخل القطر مجلس مالكى من قاض ومفت أو أكثر. أما في تونس فيجلس في الديوان مجلس حنفى إلى جانب المجلس المالكي. وينظر كلاهما في القضايا التي يرفعها إليها المتقاضون أو يحولها إليهما قضاة آخرون. وقد نظم مرسومًا عام 1856، 1875 عمل هذه المحاكم ثم حدد هذا العمل بالمرسوم الصادر في 15 ديسمبر سنة 1896, وقد نص على إجراءات "المراسلة" وحتم قيدها في سجل خاص يقوم عليه "كتاب". وقد استن المرسوم الصادر في 6 مارس سنة 1926 نظامًا لمساعدة المتقاضين أعفى أهل البلاد من رسم القيد الذي

كان قد فرض في 3 مارس من السنة نفسها. وختامًا نقول إن المسجلين عينوا بمقتضى المرسوم الصادر في 28 يناير سنة 1930. نظام العدول: يعين العدول (الكتّاب) الوطنيون بمقتضى مرسوم من الباى. وقد نظمت طريقة اختيارهم وخطة تدريبهم على العمل منذ وقت طويل بمقتضى المرسوم الصادر في 3 ذي القعدة سنة 1291 (8 يناير سنة 1875) ويكون تعينهِم بناء على ترشيح القضاة. ويعين الحاصلون على إجازة المسجد الجامع عدولا من غير ما قيد تقريبًا، ولا يستوجب الأمر تدريبهم. وقد عدل مرسوم 8 مايو سنة 1928 ما سبقه تعديلا له شأنه. ثم سنت أحكام جديدة بمقتضى المرسوم الصادر في أول يناير 1931 فاشترط في العدول المسلمين الذين يعينون في المستقبل ألا تقل سنهم عن الرابعة والعشرين وأن يكونوا قد قضوا في مكتب من مكاتب العدول سنتين أو ثلاثًا. وثمت شرط آخر يتميز بحدته وطرافته وهو أن يجوز طالب التعيين امتحانًا يتطلب بصرًا بالتشريع التونسى. وللمجاز من المسجد الجامع الحق في دخول امتحان المرتبة الأولى، ويخول للناجح فيه مزاولة هذه المهنة في المدن الكبيرة، أما أمتحان المرتبة الثانية فيختلف من الأولى اختلافًا يسيرًا، ولا يزاول من جازه المهنة إلَّا في المدن التي تقل عن هذه شأنًا. وتمد وزارة العدل مكاتب العدول بالسجلات عامة كانت أو مفصلة وهي تراجعها وتفتش عليها تفتيشًا دقيقًا منظمًا. الحبوس: تسمى الأعيان الموقوفة في القطر التونسى حبوسًا وكانت "جمعية" تقوم على الحبوس العامة منذ أيام خير الدين في سنة 1874 ثم أعيد تنظيمها بمقتضى المرسوم الصادر في 19 مارس سنة 1924 وعلى رأس هذه الجمعية مدير ولجنة إدارية. وهي مقسمة إلى مكاتب، ولها نائب في كل حاضرة من حواضر الولاية التونسية يشرف على الوكلاء القائمين بإدارة هذه المكاتب فعلا. وقد نص مرسوم 17 يولية سنة 1908 على وضع الجمعية تحت إشراف مجلس أعلى للحبوس

يديره وزير القلم ومدير الداخلية العام. وللجمعية الحق في الإشراف على إدارة الحبوس الخاصة. وقد احتيل ببراعة على الأحكام الشرعية الخاصة بالحبوس، وتوسل إلى ذلك بثلاثة أمور (H. de Montety: Une loi agraire en Tunise. كاهورس سنة 1927): أ- عقد الإنزال أي نقل الحبوس نظير إيجار دائم (مرسوم 26 مايو سنة 1886, وقد عدل مرارًا وزيد عليه. وأصبح في مقدور المدين صاحب عقد الإنزال أداء ما يعوض قيمة الإيجار منذ عام 1905. ويتم بيع الأراضي بالمزاد العلنى إلَّا إذا كانت حقوق ساكنى الضياع المزروعة مضمونة). ب- الاستبدال نوعًا أو نقدًا (مرسوما 11 يناير و 13 نوفمبر سنة 1898 م). ب- الإيجار لآجال طويلة (مرسوم 31 يناير سنة 1898). وبيت المال تحت إشراف الجمعية، وهي تبذل العطايا في سبيل الخير وتتولى التركات التي لا وارث لها. الرباطات: ليس من الحيطة في شيء أن نذكر على التحديد عدد رباطات القطر التونسى الدينية الإسلامية (Les confreries re-: Depont et Coppolani , ligieuses musulmanes الجزائر سنة 1897, في مواضع مختلفة). ولا نستطيع أن نأخذ في غير تحفظ بالأرقام التي وردت في Annuaia du Monde Musulman . ومن المحقق أن عدد الإخوان جميعًا يزيد كثيرًا على الرقم الوارد في هذا التقويم ألا وهو 58, 143 فقد بلغ عددهم في منطقة الكاف الإدارية وحدها ثمانية عشر ألفًا من الإخوان -أو الفقراء - وفقا لإحصاء رسمى لم ينشر أعده المقيم العام سنة 1924, في حين بلغ عددهم ثلث تعداد إقليم باجة وعدد سكانه من المسلمين 61 ألفًا، وفي ملحق تيطاوين نيفًا وثلاثة عشر ألف فقير. وأكثر الطرق الصوفية أتباعًا أربع: القادرية والرحمانية والعيساوية والتجانية وأتباع الطريقة العروسية كثيرون جدًّا. وثمت طرق أخرى متفرقة كالمدنية والشاذلية والطيبية إلى جانب الطرق

المحلية الأخرى كالبوعلية في نفطة. ويتفق عمال الإدارة في طبرقة وتالة في تقدير عدد إخوان الطريقة الرحمانية والقادرية في إقليميهما بخمسين في المائة وأربعين في المائة من مجموع الإخوان. ولكن هذه النسبة تنقص في غيرهما دون شك لغلبة طرق أخرى عليهما. ونحن نلاحظ انتشار الطريقة العلوية الحديثة التي نشأت في مستغانم من أعمال الجزائر، ويظهر أن مقرها في تونس بزاوية قصبة المديونى بالقرب من المنستير. وتونس ومنزل بوزلفة والجريد مراكز لرباطات هامة، إلَّا أن في الكاف أعظم الزوايا الأصلية سلطانًا. وليس لهذه الرباطات شأن سياسى في الواقع، وحتى شأنها الدينى آخذ في الضعف. وقد ألغى حق إيواء الفقراء في الزوايا في 6 فبراير سنة 1883. ب- التعليم: تعرف معاهد تحفيظ القرآن بالكتاتيب. وعلى رأس هذه الكتاتيب "المدارس" ويديرها خريجون في المسجد الجامع مجازون، وتقوم عليها الجمعية تحت إشراف مدير المعارف العامة، ولم تعد هذه المدارس الآن سوى مأوى لطلبة المسجد الجامع. وغاية ما يلقى فيها دروس قليلة. والمدرسة العصفورية هي وحدها التي تعد مؤدبين للكتاتيب. المسجد الجامع: في عهد الترك أصبح المسجد الجامع على الأيام مركزًا للعلوم الدينية جميعًا. أما في يومنا هذا فلا تدرس هذه العلوم إلَّا فيه، ويؤمه ما يقرب من ألفى طالب من تونس وطرابلس والجزائر بل من مراكش أحيانًا. وقد نظم مناهجه في العهد الذي نستطيع أن نسميه بالحديث منشور أحمد باى الصادر في 27 رمضان عام 1258 (أول نوفمبر سنة 1842) المعروف بالمعلقة لأنه علق على باب الشفاء من أبواب المسجد الجامع. وأهم أحكام هذا المنشور أن تكون هيئة التدريس من ثلاثين عالمًا: خمسة عشر من المالكية وخمسة عشر من الحنفية يلقى كل منهم درسين في اليوم، ويستثنى من ذلك أيام الخميس والجمعة والعيدين وشهر رمضان. ويتقاضى العالم قرشين في اليوم إلَّا إذا غاب بغير مامسوغ. وقد عين شيخا

الإسلام المالكي والحنفى نظارًا للمسجد ويتقاضون مائة قرش في الشهر. ويعاونهما في عملهما قاضيان من المذهبين يتقاضى كل منهما ثلاثة قروش يوميًا. ويشرف الشيخان والقاضيان على حساب القوامين على بيت المال الذي تؤخذ منه هذه الرواتب. فإذا بقى من هذا المال فائض وزع بشروط خاصة على أنبه الطلاب. ويعين المدرسون بمرسوم من الباى (ظهير) بناء على اقتراح المفتشين والقاضيين. ولم تنظم شئون المسجد تنظيمًا أكثر تفصيلًا مما سبق إلَّا في عهد خير الدين. فقد أصدر صادق بأى في الثامن والعشرين من ذي القعدة عام 1292 (26 ديسمبر سنة 1845 م) أمرًا عاليًا من سبع وستين مادة ينص على العلوم التي تدرس بالمسجد والكتب التي تشرح وحقوق الطلبة والمدرسين والمشرفين وواجباتهم ونظم المكتبة. وقد عدلت مواد هذا الأمر العالى مرات بعد ذلك فاقتضى الأمر مرسوم آخر محله صدر في 16 سبتمبر سنة 1915. من 81 مادة وبعض ملاحق، ويسير المسجد بمقتضاه إلى الآن. وفي هذا المرسوم خليط من أحكام التربية العتيقة ووصايا تحث على الاستقامة والتخلق بحميد الخصال، كما نهت المادة 19 منه عن الشك في المذاهب التي أخذ بها السلف من العلماء. والعلوم التي تدرس في المسجد الجامع أزيد من "فروع المعرفة الأحد عشر" التي تدرس في الجامع الأزهر بمقتضى القانون الصادر في سنة 1872 وأكثر منها تنوعًا، ونحن نذكرها فيما يلي كما وردت في المادة الأولى من المرسوم: التفسير والحديث والسير والتوحيد وقراءة القرآن وتجويده والمصطلح وأصول الفقه والفقه والفرائض والتصوف والمبقات والنحو والصرف والمعانى والبيان واللغة والإنشاء والأدب والتاريخ والجغرافيا والرسم والخط والعروض والمنطق وآداب البحث والحساب والهندسة والهيئة والمساحة. وقد أهملت العلوم

الأخيرة بعض الإهمال. وتسيطر نزعة التقليد الجامدة وطرق التعليم العتيقة على التدريس في المسجد الجاهع فتحول دون أي تقدم في العلوم الدنيوية أو اجتهاد في مسائل الدين. أما في التاريخ والجغرافيا فيقتصر البرنامج على كتابين: رقم الحلل لابن الخطيب، والمقدمة لابن خلدون، وهما من مؤلفات القرن الرابع عشر الميلادي، علاوة على مختصر للتاريخ الإسلامي. وما زالت الهندسة تدرس في المسجد على مذهب إقليدس، وتقرأ مسائلها في كتاب الطوسى الذي يرجع إلى القرن الثالث عشر. والتعليم في المسجد بالمجان، ومراحله ثلاث، ويعقد امتحان للانتقال من مرحلة إلى أخرى. وفيما يلي بيان بكتب الدين واللغة التي تشرح لطلبة المرحلة النهائية (المادة الرابعة من المرسوم). التفسير: أسرار التنزيل للبيضاوى - مع شرح الجلالين. الحديث: صحيح البخاري مع شرح القسطلانى - صحيح مسلم هع شرح الأُبيّ - الشفاء للقاضي عياض هع شرح الشهاب الخفاجى. السير: المواهب اللدنية للقسطلانى هع شرح الزرقانى - السيرة الكلاعية. التوحيد: شرح الجرجانى على المواقف لعضد الدين الإيجى - شرح التفتازانى على عقائد عمر النسفى الكبرى للشيخ السنوسى. أصول الفقه: التوضيح لصدر الشريعة عبيد الله المحبوبى - شرح عضد الدين الإيجى على مختصر ابن الحاجب - شرح المحلى على جمع الجواهع لعبد الوهاب السبكي. الفقه: تبيين الحقائق لعثمان الزيلعى (شرح كنز الدقائق لعبد الله النسفى) - الدرر (شرح الغرر) - شرح سيدى عبد

الباقي على المختصر الخليل - شرح سيدى محمد الخرشى على المختصر لخليل. التصوف: الإحياء للغزالى. النحو: مغنى اللبيب لابن هشام. المعاني والبيان: الجزء الثالث من المفتاح ليوسف السكاكى مع شرح الجرجانى - المطول للتفتازاني. اللغة والإنشاء والأدب: المزهر للسيوطى - فقه اللغة لعبد الملك الثعالبى - شرح المرزوقى على ديوان الحماسة - المثل السائر لابن الأثير. ويطلق على كل من الثلاثين معلمًا الأصليين وعلى معلم التجويد لقب المدرس الأول. وثم مؤهلون للتدريس في المرحلة العليا. أما المرحلة الوسطى فيقوم بالتدريس فيها اثنا عشر مدرسًا من الطبقة الثانية نصفهم مالكية والنصف الآخر حنفية، ومدرس للتجويد. ويدرس في المرحلة الابتدائية مدرسون متطوعون متخرجون في المسجد الجامع، ولا يتقاضون أجرًا (المادة 9 من المرسوم). وللمدرسين عطلة شهرين في السنة، من منتصف يولية إلى منتصف سبتمبر يضاف إلى ذللُ شهر رمضان وأيام الجمع وأيام العيدين والأيام الأربعة التي تلى كليهما ويوم عرفات واليومان اللذان قبله ويوم 10 من المحرم والأيام الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من ربيع الأول (المادة 29 من المرسوم). وقد جعل يوم الخميس ثانية يوم عمل، ونص على ذلك صراحة (المادة 28). ويحمل كل طالب سجلًا خاصًّا به ينظره المدرس كل شهر (المادة 32 ويشهد بأن صاحبه حضر الدروس المقررة عليه (المادة 33). وعلى المشرفين الذين يعينهم النظار التثبت من أن النظام قائم مرعى (المادة 40). وقد حددت واجبات النظار في عناية بمقتضى أحكام المعلقة (المادة 44 وما بعدها).

وقد ألحق بهذا المرسوم في اليوم نفسه مرسوم آخر تفسيرى من إحدى عشرة مادة يضع قواعد الامتحان النهائى الذي يهئ الطالب للحصول على أجازة التطويع. والنجاح في الامتحان التحريرى للفقه بنقل الطالب إلى فصول دورين متعاقبين (المادة 6). ويبيح الامتحان الشفوى للطالب ست ساعات يتأهب له فيها بالرجوع إلى كتب المكتبة (المادة 7) وتمنح أجازة "تطويع" خاصة لقراءة القرآن وتسميعه (المادة 9). وقد عقدت مسابقة بين المتطوعين، وعين منهم خمسون على التدريس منذ عام 1928, وهم يتقاضون أجرًا ثابتًا قدره خمسمائة فرنك في الشهر. وقد حددت أجور مدرسى الطبقة الثانية منذ أول يناير سنة 1931 بـ 13.000 فرنك في السنة، ومدرسى الطبقة الأولى بـ 16.000 فرنك في السنة، وتضمنت ميزانية الدولة التونسية منذ عام 1924 اعتمادًا للمسجد الجامع. وأخذ هذا الاعتماد يزيد باستمرار فارتفع من 50.000 فرنك في السنة الأولى إلى 250.000 فرنك في سنة 1927 إلى 770.000 فرنك في سنة 1930. وقد أثار النظام الذي وضع حديثًا للعدول احتجاج الطلبة الشديد لأنه لم يعد يسمح لهم بالإنخراط في مهنتهم دون قيد، أضف إلى ذلك أن دراستهم في المسجد الجامع لا تمكنهم من النجاح في امتحان العدول الجديد من غير أن يستعدوا له. ومن ثم قامت مسألة إصلاح التعليم الدينى من جميع نواحيها أو - على الأقل - إدخال الدراسة القانونية الحديثة إلى المسجد الجامع. وقد شكلت الحكومة في ديسمبر عام 1929 هيئة لبحث أسباب الإصلاح، وهي تجاهد لوضع خطته. وفهرس المكتبة باللغة العربية بسبيل الطبع الآن. وقد نشره بالفرنسية ب. روى B. Roy وبل خوجه (تونس سنة 1900) إلَّا أنه ناقص.

التعليم الحديث: تقوم الكلية الصادقية - التي بلغ عدد طلابها 417 ما بين عامي 1928 و 1929 - بالتعليم بالفرنسية والعربية، وهي تعد طلابها للأعمال الإدارية. وتقبل ناشئة المسلمين إقبالا متزايدًا على المدارس الفرنسية، وهي مدارس ابتدائية من بينها مدارس فرنسية عربية ومدارس للبنات المسلمات (- Revue du monde mu sulman) جـ 6, 123 - 126) ثم مدارس ثانوية تفتح أبوابها للجميع. وفي 31 ديسمبر عام 1928 (, Statistique ge nerale de la Tunisie عام 1928) بلغ عدد من أرسله الأهالى المسلمون من الطلبة إلى المدارس الابتدائية الفرنسية في القطر التونسى 25, 876 طالبًا و 2, 930 طالبة يضاف إلى ذلك 67 طالبًا و 617 طالبة في المدارس الخاصة و 395 طالبًا إلى ليسيه كارنو Lycee Carrot من مجموع طلبتها البالغ عددهم 2000، أما عدد الطلبة المسلمات في ليسيه البنات فثمان وعشرون فقط من مجموع 1200 طالبة. وفي معاهد العلم الأخرى بتونس 461 طالبًا مسلمًا (College Alaoui - Ecole normale d'Instituteurs, Ecole pro (fessionnelle E. Loubet وثمت مدرسة عالية في تونس للغة العربية وأدبها Ecole superieure de (langue et literature Arabes وهي تمنح الناجح في امتحانها من الأوربيين إجازة في العربية الدارجة وأخرى في العربية الفصحى، ودبلومًا عاليًا في اللغة العربية لطلبتها سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين. وقد أنشئت في رعاية المقيمية جمعية إسلامية تعرف بالخلدونية، وهي تعد لأعضائها البالغ عددهم ما يقرب من مائتين من الشبان دروسًا عامة بالعربية في مختلف العلوم. ثم إن إدارة العدلية في تونس تلقى دروسًا في القانون بالعربية لإعداد الأهلين للمهن القانونية. المصادر: L n citnation des cultes en: R.Darman en Tunisie, الطبعة الثانية، باريس سنة 1930:

5 - السكان أ- شعوبها: في ولاية تونس عدا المسلمين واليهود من أهلها عدد من الأوربيين يتزايد لكثرة الإيطاليين المهاجرين إليها ولحماية الفرنسيين لها. وقد بلغ عدد سكانها في إحصاء عام 1926: 2.159.708 نسمة بواقع 3.17 لكل كيلو متر مربع، منهم 1.932.184 مسلمون و 54.243 يهود تونسيون، ولا يدخل في ذلك اليهود الذين تجنسوا بجنسية أوربية: ويبلغ عدد الأوربيين 173.281، منهم 71.020 فرنسيون (41 %) و 89.216 إيطاليون (51.5 %) و 8.396 مالطيون من رعايا إنكلترة (4.8 %) و 4.649 من جنسيات أوربية مختلفة أخرى (2.7 %). ويشتغل الإيطاليون - وقد وفد معظمهم من صقلية وسردينيا- بنائين ومعدنين (الكاف) في الغالب على أنهم يشتغلون أيضًا بالزراعة وفلاحة الكروم (في باجة ومجاز الباب وقرنبالية وزغوان). أما الفرنسيون فمعظمهم من عمال الحكومة والتجار أو المستعمرين. وجل الأوربيين في منطقة تونس (103.000 أي 60 %) وفي بعض المدن التي على الساحل، فمنهم حوالي 6.700 في بنزرت و 4.150 في فريفيل و 6.900 في سوسة ومثل هذا العدد في صفاقس. وأكثر من نصف اليهود التونسيين في منطقة مدينة تونس (28.141) ويبلغ عددهم في سوسة ما يربو على 3.700 نسمة وما يقرب من 3.300 منهم في صفاقس. ولا يقل عددهم عن ذلك في بنزرت وباجة ونابل، وهم قلة في داخل البلاد (منهم طائفة قليلة تعرف بـ "باحوصيم" تعيش في خيام تجاه السرس) ومنهم جماعات لا يستهان بها في الجنوب، فيبلغون في قابس ما يقرب من 2.500 نسمة، وفي حومة السوق من أعمال جربة ما يقرب من 3.800 نسمة من مجموع سكانها البالغ عددهم 4.645, أما في المناطق العسكرية فيربون على 2.500. وفي القطر التونسى اثنتا عشرة مدينة يزيد عدد سكان كل منها على العشرة آلاف نفس، ويستثنى من ذلك

القصبة وهي مدينة تونس ويبلغ عدد سكانها 175.466. وهذه المدن هي: صفاقس 27.733 سوسة 21.298 بنزرت 20.593 القيروان 19.426 مساكن 16.620 قابس 15.119 نفطة 13.250 مكنين 13.191 القلعة الكبيرة 11.830 توزر 11.056 باجة 10.468 ونذكر في هذا المقام أن مساكن والقلعة الكبيرة - وكلتاهما في منطقة الساحل - إنما يسكنهما المسلمون. ب- القبائل: لا نستطيع بما بلغ إليه علمنا أن نلم إلمامًا دقيقًا بتطور الشعوب الإسلامية في القطر التونسى، وحتى إذا تجاوزنا عن الحواضر والأماكن المكتظة بالسكان أكثر من غيرها (نواحى بنزرت وباجة وسوسة) وفيها أخلاط شتى متمازجة، فإن تكوين القبائل الكبيرة - وقد كانت شخصيتها متميزة واضحة في عهود مختلفة من تاريخ القطر التونسى - غامض مستغلق، ونحن نجهل أصول كثير منها، بل إن اختفاءها لا يخلو من الإبهام في كثير من الأحيان. ظل عدد الجند العرب أمدًا طويلا اقل من أن يحدث في الجمع البربرى القديم تغييرًا فعالًا، ولكن طرأ عامل جديد عظيم الخطر في منتصف القرن الحادي عشر الميلادي إلَّا وهو غزوة العرب من بنى هلال ثم تبعهم بنو سليم في القرنين الثاني عشر والثالث عشر. فقد طرد هؤلاء جل البربر إلى النجاد وسكنوا السهول وأتموا تعريب البلاد. نعم إن هؤلاء العرب كانوا كثيرًا ما يمتزجون بجماعات من أهل البلاد إلَّا أنهم أخضعوهم لسلطانهم إخضاعًا تامًّا. فعز علينا اليوم أن نميز القبائل العربية من القبائل البربرية بحال. وغاية ما نستطيع أن نقوله إن القطر التونسى - على الجملة - أكثر أقاليم شمالي إفريقية استعرابًا. ويذكر ابن خلدون في القرن الرابع عشر الميلادي شيئًا عن البربر الذين بقوا، فطائفة منهم تعيش في جزيرة جربة (خارجى جرابة) وفي جبال الجنوب، واللواتة (hist. des berbers الترجمة جـ 1، 235) إلى الجنوب من قابس في الجبل المنسوب إليهم. ومطماطة (المصدر نفسه، جـ 1، ص

246) في الناحية التي ما زالوا يسكنونها، والزناتة وقد طردوا من طرابلس فالتجئوا إلى جبل دمِّر. وأهم جماعة فيهم حلف وَرْغَمَةً (المصدر نفسه)، وثمت زناتة آخرون هم بنو ورتاجين (المصدر نفسه جـ 3، ص 304) وقد عززوا استقلالهم في واحة الحمة أما المرَنَجيسةَ من الإفرانية (المصدر نفسه، جـ 1 ص 225 - 226) وكانوا أشبه بالمزارعين ورعاة الأغنام فيما بين تونس والقيروان، فقد تعرضوا لبطش عرب الكعوب. وما تزال بقية من السماتةَ (المصدر نفسه جـ 1، ص 231) بالقرب من القيروان، وأكثر جماعات البربر تماسكا من الهوارة (المصدر نفسه، جـ 1، ص 278 - 279) وبعضهم بدو، وهم يسكنون التل الكبير، فالوَنيفَن التبسئون ينزلون مَرْماجنَةَّ، وهي بَرْماجنَةَ الحالية دون شك، والقيصر بين قصور إبة والأربس، والبَصْوَة التبرسقيون على الجوكر. على أن البَصْوةَ كان قد دخل فيهم فريق من عرب بنى رياح، وهم جيران أقاربهم بنو حبيب، وكذلك حدث في جبال الشمال أن امتزج بنو هذيل من عرب مضر في قبيلة سليم من الهوارة. وقد أوغل بنو هلال - وهم من العرب الفاتحين - غربًا، فلم يتركوا في إفريقية إلَّا قلة من بنى زُغبْة بقوا بالقرب من تونس. أما بنو عوف، وهم من بنى سليم، فقدسكنوا كمانتبين من رحلة التيجانى بين عامي 1306, و 1309 هـ كل الأقليم الذي على الساحل الشرقي. فنزل الدَلأج ما بين نابل وسوسة، ثم نزل الحكيم البقعة التي تمتد إلى الجمِ، ثم انضم إليهم الطُرود، ثم نزح هؤلاء نحو ورجلا ونزل بنو على أهل الحصن البقعة التي تمتد إلى المباركة. وكان يسيطر على الساحل أقاربهم وسادتهم الكعوب. وقد كان لفريقيهم (صف) المتنافسين أولاد مهلهل وأولاد أبي الليل شأن خطير في سياسة الحفصيين، وقد أجاد مارسيه G.Marcais في إبراز هذا الشأن. وفي الربيع والصيف حلت مرداس بن عوف في انتظام محل الكعوب في الجريد، وهي الأحياء التي كان يشتى فيها هؤلاء. ثم إن السهول الجنوبية ابتداء

من المباركة كان يسكنها الدَباب، وهم فريق آخر من سليم. فأولاد أحمد منهم نزلوا في الداخل يشد أزرهم حلف بنى يزيد (صَهْبةَ وحمَارْنَة وخَرْجَة وأصابعَة) وشريد وزُغْب: ما على الساحلَ فقد نزل النوائل البقعة الممتدة إلى قفصة ونزل المحاميد من حلف وَشاح حتى حدود طرابلس الحالية. وقد عادت بعض هذه الأسماء إلى الظهور في رسالة مندوزا - B. de Men doza التي ألفها عام 1356 بعنوان Les Arabes du royaume de Tunis (نشرها La Primaudiae) وكان بنو على، وهم أقوى هؤلاء جميعًا، متفرقين في ذلك الوقت كما ذكر الحسن بن محمد الوزان الزياتى على الساحل بين بنزرت وجربة. فكان أولاد أبي الليل في ناحية ماطر وباجة. وأولاد مهلهل، الذين دخل فيهم أولاد عون، بين القيروان وباجة. وكان إلى جانب هؤلاء أولاد سعيد وهم قوم يخشى بأسهم ولا نعرف أصلهم. وقد امتدت ديارهم من المنستير إلى داخل رأس أدار، وسكن أولاد يحيى إقليم تبرسق. وسكن الحنانشة، ولعلهم من الهوارة، بالقرب من تبسة. وقد ظل شيوخهم يبسطون سلطانهم السياسي أمدًا طويلًا من حصنهم قلعة السنان (Les Harar, ... Revue Aft: Feraud سنة 1874). وبقيت أسماء القبائل القديمة في كثير من الأحيان، على الرغم من أن هذه القبائل كانت قد اختلطت اختلاطًا عظيمًا وباد منها الكثير ففي الجنوب حيث يغلب البربر لا نزال نجد سكان الكهوف المطماطة والوَرْغَمةَّ، وقد استردت قبائلهم السهول: فعَكّارة جرجيس الذين يعيشون في المضارب من فبراير إلى يونية يحصدون الشعير ويرعون قطعانهم وماشيتهم؛ والتَوازين، وكانوا من قبل بدوا، يميلون اليوم إلى الاستقرار في ناحية مدَنين وبن جَرْدان الكثيرة البساتين، والجبلية يسكنون قرى النجاد في ملحق تيطاوين. أما الودرنة فبعضهم حضر وبعضهم بدو. وتعرف شياختان باسم لواته في قائديتَىْ عون الغربية وبنزرت. وتضم قبيلة ونَيفَن في اللر المرتفع تجاه الجزائر عدة قبائل منها الوَرْغَمْة (ورد

هذا الاسم في العبر، الترجمة، جـ 1؛ ص 275) لم يكن الوَشتْاتة الذين يسكنون الآن حول باجة وسوق الأربعاء مجهولين لدى ابن خلدون (المصدر نفسه) وهم ينزلون الآن الساحل الشمالي شأنهم في ذلك شأن النَفْزَة (جـ 1، ص 182، 290). وما زال عدد لا بأس به من أسماء قبائل القرون الوسطى العربية الأصل باقيًا في الجنوب. نعم طرد النوائل والمحاميد إلى طرابلس على إثر كرة الورغمة إلَّا أن الدَباب المتبربرين كانوا شياخة في ملحق تيطاوين كما أن بنى زيد (= يزيد) وكان لهم شأن، ما زالوا متبدين هم والحَمَارنة بالقرب من قابس، وما برح فريق منهم يتخذون اسم الخرجة. ثم إن ثمت قبائل متفرقة آخذة في النقصان نسبت إليها شياخات، مثل الهدَلِ أي بنو هذيل (قائدية عين درهم) والطُرود (بنزرت) والحكيم (سوق الأربعاء) واولاد المهلهل (أولاد أَيَر) وأولاد الحاج من الكعوب (الجلاص، العبر، الترجمة، جـ 1, ص 143). وما زال كثير من أولاد بنى الليل باقين في سهل باجة وكثير من بنى رياح بالقرب من زغوان. ولم ينزل الخُمَير جبال الشمال الغربي غير بعيد من المقعد، وفي اسمهم الجرس العربي، إلَّا في القرن السابع عشر، ونزل بنو دريد بوصفهم قبيلة من قبائل مخزن السرس وما حوله، وهم فرع من بنى أثْبَج بن هلال الذين نزلوا أمدًا فيما وراء تخوم الجزائر. وذكر ابن خلدون النَفّاث الذين يعيشون على ساحل صفاقس من بين العرب (العبر، الترجمة جـ 2، ص 101, 290). ومن القبائل التي ذكرت في العهد الحفصى المتأخر بعض من أولاد يحيى بقوا في قائدية تبرسق، وأولاد سعيد وهم مشتتون، ولكن قصبتهم في منطقة أنْفدا، وأولاد عون قائدية بأسرها حول سِليانة شمالي شرقي مكثر. والقبائل في الوقت الحالى مخللطة ونحن نختتم بذكر ما له شأن منها وإن كنا لم نتثبت قط من أصله، اللهم إلَّا ما

كان من المرابطين: فالمثاليث والعَقَاربة والمَهْذَبَة غير بعيد من الشاطئ إلى الجمِ حتى شمالي قابس، والماجرِ والهَمَامَة في الداخل ينزلون الفيافى في السواسى وجلاص والفراشيش، وهم يكونون عددًا مماثلًا من القائديات. وفي التل المرتفع الوَرْتان وأولاد عيّار والقوازين. وينزل الغريب والمرازيق والعذارة وأولاد يعقوب في نفزاوة وصحراء تونس. جـ- حياة الأهلين الاقتصادية: من الجلى أن حياة البداوة مشرفة على الزوال في القطر التونسى. ولم يعد الأهالى يقبلون على الهجرة أو يهاجرون زرافات (سَمْلسَ) إلَّا في سنى الضيق والبلاء. وجرت القبائل على الإقامة، ولا يظعن منها إلَّا نفر من الرعاة يسوقون قطعانهم. وإنما تنتقل الأنعام دون غيرها فتشتى في الفيافى وتصيف في التل. ويغلب أن يكون ذلك بطريق ممر سبَيبة والكاف. ويجنح المهاجرون إلى الإقامة في سهل قَمودة ردحًا من الزمن: والمثاليث هم وحدهم الذين يرحلون صيفا حتى بنزرت وجلاص والسواسى دمالى جوار باجة: وما زال قوم من البدو يسكنون بطبيعة الحال نفزاوة وصحراء تونس. وتسير حكومة الحماية في غير تراخ على خطة حث السكان على الاستقرار، فتيسر لهم الحصول على الأراضي وتوجه جهودهم إلى الزراعة. وكان في تونس من قديم عهد (الخمَاسَة) نظمه "قانون الفلاحة" الذي أصدره خير الدين عام 1291 هـ (انظر المصادر في Takrouna: G.Marais ص 252)، ثم تهيأت الأسباب لتطبيق عهد (المغارسة) عندما أخذت الحكومة تبيع بالنسيئة الأراضي السبخة في دائرة قطرها 50 ميلا تقريبًا حول صفاقس وهنشير شراحيل بالقرب من القيروان وهي أراض صالحة لنمو الزيتون (مرسوما 1892, 1905). ويقضى عهد المغارسة بأن المزارع من الأهالى الذي يتعهد بزرع كل القطعة الممنوحة له زيتونًا يصبح مالكًا لنصفها عندما تبدأ الأشجار في الإثمار. أما تشريع

الحبوس الجديد فقد مكن أسرًا من الأهلين من الاستقرار في الأرض وقرر حقهم في الإقامة فيها قانونًا (أحدث مرسوم هو مرسوم 17 يونية سنة 1926). وتخضع أراضى القبائل الجماعية في المناطق العسكرية الجنوبية لنظام خاص سنه مرسوم 23 ديسمبر سنة 1918 وعدل بمرسوم 1926. وكل مجموعة أو طائفة من الأراضي وحدة يمثلها مجلس من الأعيان. وفي حاضرة كل قائدية مجلس على يتولى شئونها، وسلطته محلية، ويراجع قراراته مجلس مركزى في تونس، ولا مناص من الرجوع إلى أحد هذه المجالس إذا ما تغيرت ملكية الأرض) وأجرت لأجل طويل أو ما شابه ذلك، فهي تحمى ملكية الأهلين، ثم إن الزراعة تقدمت من نواحيها الفنية منذ الاحتلال، ويدين له المزارع التونسى فوق ذلك بتمكينه من تأليف الجمعيات الزراعية (مرسوم 25 مايو سنة 1920) وتوزيع الأراضي الزراعية على الفلاحين الوطنيين وإنشاء الغرف الوطنية للزراعة، وإقامة مكتب عام للتسليف الزراعى لمصلحة الأهلين (مرسوم 10 يونية سنة 1925). وفيما يلي بيان بعدد الأنعام التي كان يملكها الوطنيون والأوربيون عام 1928: الوطنيون == الأوربيون الخيل 77.000 == 10.500 الحمير 157.000 == 2.500 البغال 28.500 == 11.500 الماشية 430.000 == 55.000 الأغنام 2.000.000 == 103.500 الماعز 1.260.000 == 30.500 الخنازير 066.000 == 13.000 الإبل 151.50 == 300 وللوطنيين حوالي 9 ملايين شجرة زيتون تؤدى عنها الضرائب و 4.800.0000 معفاة منها، وللأوربيين من الأولى 878.000 ومن الثانية 1.100.000، ونذكر أيضًا أن معاش آلاف من الأهلين من صيد السمك. وتختفى المضارب في أنحاء القطر التونسى ويحل محلها الـ"كربى" ويدل هذا دلالة بينة على أن الناس أخذوا في الاستقرار وأوشكوا أن يقيموا لأنفسهم

بيوتًا. وفي الجنوب نوعان متميزان من المساكن، الأول تحت الأرض وهو لأصحاب الكهوف ويبلغ في نواحى مطماطة ومدنين وتيطاوين نيفا وسبعة آلاف وخمسمائة مسكن. والثاني الغرفة أو القصور وهي بنىَ على هيئة السفينة مقوسة الجوانب طَويلة ضيقة قميئة تستعمل مخازن، وخير الشواهد عليها في مدنين ومتامر. وعدد من يسكنون المدن من الأهالى كبير إلى حد ما، فهو يبلغ 18 % من السكان. وقد اشتهر القطر التونسى في جميع أدوار تاريخه بازدهار العمران. أما المسلمون في تونس من غير أهل البلاد، وهم يعرفون بالبَرّانيه فجماعات متفرقة. والتجارة الوطنية آخذة بأسباب التجديد، ومن أعظم ما بلغته في هذا المضمار إنشاؤها جمعية تعاونية لئدالى جربة، وهم طوائف كثيرة في تونس، أما الصناعات الوطنية فقد ظلت أمدًا طويلا تقاسى من منافسة الصناعات الأوربية لها منافسة شديدة. والحق إن الحكومة لم تدخر وسعًا في النهوض بها وبخاصة ما كان منها ذا قيمة فنية. فأنشئت لهذا الغرض معاهد لتدريب الصناع تدريبًا منظمًا، ووجهت عنايتها إلى النهوض بأسباب الصناعة فنيًا وآليًا. وأهم الصناعات القديمة في تونس فيما خلا الطحين وعصر الزيت وصناعة الصابون: الصباغة، وهي مهددة الآن باستيراد أصباغ الأنيلين من أوربا ونسج الصوف في نواح شتى، كالأحرام في جربة وقفصة وفي الجريد، ونسج القطن في تونس والحرير في تونس وقصر هلال وصوف الماعز والإبل في الجنوب وصناعة البسط على يد النساء وبخاصة في القيروان والشاهى في تونس، ويصنع بدولاب القصار في البَثَن والقيشانى في نابل. ونذكر أيضًا صناعة الغرابيل في تونس والقيروان وسوسة، والحصر والسلال والحلفاء في نابل، والدباغة وصناعة الأحذية في تونس والقيروان ونابل، وصناعة السروج في تونس، وصناعة السكاكين والصناعات المعدنية والحجرية والخشبية. أما السمكرية فكلهم يهود وكذلك بعض صناع الأحذية وكثير من الخياطين وجل الصياغ.

وقد نظمت نقابات ذوي الحرف بمراسيم أصدرها الباى، وأهم نقابة في تونس هي نقابة صناع الشواشى وأصلها أسبانى، وقد يقبل هؤلاء اليهود ولكن أمينهم لا يكون إلَّا مسلمًا، ولهم مال احتياطى. ويقر مرسوم من الباى نيشانهم أي علامتهم التجارية. ولا تزال صناعة الشواشى على ما كانت عليه منذ 25 أو ثلاثين سنة على الرغم من منافسة الشواشى المستوردة من فرنسا والنمسا وتشيكوسلوفاكيا لها وانعدام السوق التركى، ذلك أن ما يصنع منها يبلغ 50.000 كيلو جرامًا يصدر حوالي نصفها. وفيما يلي بيان بنقابات تونس، طبقًا للإحصاء الذي أعدته إدارة الزراعة: رؤساء العمل == العمال صناع الشواشى 200 == 600 الخياطون 60 == 100 صناع البرانس 120 == 150 الطحان 10 == 40 غزال الحرير 300 == 1200 نساج القطن 100 == 300 الصباغون 30 == 45 صناع الأحذية 200 == 300 صناع السروج والجلود 20 == 70 الجواهرية والصياغ 45 == 70 النجارون 90 == 125 الحدادون 20 == 35 الرسامون والمزخرفون 100 == 230 الدباغون 25 == 45 وعدد رؤساء العمل والعمال مجتمعين حوالي 4630 فقط. المصادر: (1) Nomenclature et repartition des tribus de la Tunisie شالون- ساون سنة 1900. (2) Notes sur les tribus de la Regence في Revue Tunisienne سنة 1902. (3) Statistique generale de la Tunisie 1928, An , تونس سنة 1929. (4) Recherches: Bertholon & Chantre -anthropologique dans la Berberie orien tale، ليون سنة 1913. (5) عبد الوهاب: Coup d`oeil general - sur les apports ethnique etrangers en Tu nisienne , في Revue Tunisienne, سنة 1917.

(6) L`evrerie algerienne et: Eudel tunisienne. الجزائر سنة 1902. (7) Les corporations tu-: Atger , nisienne.i باريس سنة 1909. (8) L'evolution: Bernard & Lacroix du nomadisme en Algerie، في مواضع مختلفة منه، الجزائر - باريس سنة 1906. (9) L'Agriculture in-: Decker-David digene en Tunisie، تونس سنة 1912. (10) L'Evolution economique: Mzali , de la Tunis تونس سنة 1912. (11) Enquete sur: Aug. Bernard l'habitation rurale des indigenes de la Tu- .nisie تونس سنة 1924. (12) Essai sur la politique: Sultan , fonciere en Tunisie ثم باريس سنة 1930. 6 - اللغة أ- البربريه: اندثرت اللهجات البربرية في القطر التونسى أو كادت. وإنما يوجد من يتكلمونها في ناحية سند من أعمال قائدية قفصة، وقد درس بروفوتل لهجة هؤلاء في تمزرد بين مطماطة، وفي جزيرة جربة حيث بقيت في كلام النساء خاصة بعض التعابير القديمة. ب- لغة الكلام العربية: نخلص من هذا إلى أن استعراب تونس من حيث اللغة قد تم بالفعل، ولكنه جرى في اتجاهات لا نعرف تفصيلاتها. وقد يرى مارسيه أنه تم في الساحل على الأقل بسرعة أكثر مما كان يظن جمهور الناس. وكانت الحواضر - سوسة والمنستير والمهدية، قبل قدوم بنى هلال وبنى سليم في القرن الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر - مراكز للتعريب دائمة تنشر بين فلاحى النواحى المجاورة لغتها، ثم تحورت هذه اللغة بفعل هؤلاء الفلاحين فنشأت لهجات ريفية شتى. وتختلف لهجات البدو -كما لاحظ ابن خلدون - من لغة الحضر العربية في حروفها وقواعدها كما تختلف أيضًا من لغة الساحل. وقد أشار فون ملتزن (Von Malt 7 en: Zeitschr d. Deutsch Morgenl Gesells ص 655 - 656) إلى أن اللغة العربية التي يتحدث بها أهل تونس قد حافظت على

كثير من الحروف القديمة محافظة لا نجدها في أي قطر مغربى آخر. وكل ما نلاحظه أنهم أدغموا الضاد في الظاء فأصبح كلاهما ينطق نطق الحرف الممدود المفخم الخارج من بين الثنايا. أما القاف فينطق نطق الحرف الخارج من أقصى الحلق (ك) في الكلمات المستعارة مثل سيكرو وكمرك أو يتأثر في نطقه باللهجات البدوية مثل بكرة وناكة. أما حرف الجيم الحلقى (بالفرنسية j) فينطق بعد الأداة نطق الحرف الشمسى ويميلون به نحو الزاى في الكلمات التي فيها هذا الصوت بالفعل (مثل جوز< زوز). ويؤثر الخلط الذي يبدو عند استعمال الحروف اللينة ل، ر، ن في الكلمات المستعارة تأثيرًا قد لايتعداها إلى غيرها. واختفى التنوين إلَّا في بعض الصيغ النادرة. وقد ترك أثرًا في بعض الظروف حيث بقيت الحركة التي في آخرها بل مدت أحيانًا مثل دائما> ديمه، ديما. ولمارسيه W. Marcais ملاحظة دقيقة على لغة الكلام في تاكرونة، وما زالت هذه الملاحظة الثبت المرضى الوحيد للحركات التونسية. والتونسيون قليلو الرعاية للحركات. إلَّا أن إهمالها أو إضعافها لم يبلغ ما بلغه في المغرب الأقصى بحال. فهم ييسرون النطق في بعض الأحوال باصطناع أصوات بين بين أو حركات ثانوية بالغة القصر وبخاصة قبل الحروف الحلقية المسبوقة بـ "ى" أو "و" مثل بتح حاتوف العبرية. ولا يغيب عن بالنا أن النساء في تونس قد احتفظن بحروف العلة القديمة المدغمة أي، أوْ. أما الرجال فقد قصروهما على أي، أوْ. وتردهما لهجات البدو إلى ى, وولكن بعضهم يصطنع حرف علة حركة أخرى بالغة القصر i و u. وبعض البدو يميلون الهمزة الممدودة المفتوحة e > a يضمونها ضمًا شديدًا. وينطق المتعلمون الكسرة كالياء في المقطع المفتوح ولكنهم ينطقونها كالحركة e الفرنسية أو يكادون في المقطع المضموم. وقد وضع شتمه Stumme .h القواعد الآتية للحركات، وهو الذي زودنا ببيان مفصل عن التراكيب العربية التونسية: إذا كانت الكلمة منتهية بساكنين أو بساكن مسبوق بحركة ممدودة فإن

النبرة تكون على المقطع الأخير. أما في الأحوال الأخرى فتقع النبرة على المقطع السابق للأخير إذا كان هذا ممدودًا أو مضمومًا، فإذا لم يكن هذا ولا ذاك وقعت على المقطع الأول. ويشذ عن ذلك صيغة الفعل يَفْعَلُ بدلًا من يفعلو وفَعْلَ بدلًا من فَعَلَ وهي صيغة فعلية وإسمية في آن. فالنبرة تردّ من المقطع الأخير إلى الذي قبله إذا كان المقطع الأول للكلمة التالية منبورًا. ويبدو في الصرف بطبيعة الحال السمات الأصلية للهجات المغرب. وتبدل نفعل بنفعلو للمتكلم في حالة الفعل الذي لا يدل على زمن معين. ولنولدكه إشارات قلائل في الإعراب. أما من حيث المفردات فقد استعارت اللغة من التركية والإيطالية، وهي تستزيد من الكلمات الفرنسية كل يوم. ولكن اللغة الفرنسية تؤثر في لغة يهود العرب أكثر، ولربما أندثرت من غير أن تدرس. جـ- الصحف الوطنية: كان نشر الصحف محرمًا في القطر التونسى منذ أمد طويل. وحتى الطباعة وتجارة الكتب كانتا مقيدتين، تخضعان للرقابة الإدارية التي سنت عام 1875 بمقتضى المرسوم الخاص بالتعليم في المسجد الجامع. وأخذ الرائد الرسمى التونسى يزود الناس بقدر من الأخبار منذ عام 1883. ومعظمها إدارى، إلَّا أنه كان يسمح بنشر مواد أخرى، وقد جاء في خطاب مودع بمحفوظات الحكومة التونسية أرسلته هذه الحكومة إلى قنصل السويد بأنه كان في النية إصدار الرائد التونسى إبتداء من 17 يناير سنة 1883. ولكننا لا نستبين من هذه الوثائق أن ذلك قد حدث فعلًا. وقد صدر مرسوم خاص بالصحف تاريخه 14 أكتوبر سنة 1884 ثم صدر مرسوم آخر في 16 أغسطس سنة 1887 عدل بعد ذلك مرارًا، وقد أباح كل من المرسومين - وبخاصة الثاني، وهو أكثر من الأول سماحة - قيام صحف فرنسية وإيطالية وعربية في القطر التونسى. فظهرت ما بين عامي 1888 - 1889 الصحيفتان اليوميتان العربيتان "الحاضرة" لبو شوشة و"الزهرة" للشاذلى. وما زالت الزهرة تصدر إلى اليوم، وهي تعد الآن من

الجرائد المحافظة وإن عدت في أول أمرها من السابقات إلى التجديد. وأهم الجرائد إلى جانب هذه: "النهضة" وهي تصدر كل يوم ما عدا يوم الاثنين. وجل الصحف العربية في الوقت الحالى أسبوعية: كالزمان وتنطق بلسان الأحرار، ولسان الشعب والصواب، وكلتاهما وطنية النزعة وبخاصة الأولى، والنديم وهي أدبية انتقادية يقدرها الناس كثيرًا. ثم الجريدة الفكاهية الزهور وهي تسمح بنشر أنهر باللغة العامية. والوزير، والمفروض أنها شهرية مثلها في ذلك مثل المنير التي تصدر في غير نظام. وقد ظهرت حديثًا مجلة شهرية مصورة تتناول التاريخ والأدب وهي العالم الأدبى. ولكن أوسع الجرائد العربية انتشارًا في تونس هي تلك التي تفد من مصر، وبخاصة السياسة. وتقتصر الجريدة الرسمية التي تصدر منها نسخة فرنسية منذ عام 1883 على نشر بعض الوثائق ذات الصفة الرسمية مرتين كل أسبوع. ثم إن في تونس ضربًا من الجرائد بالتقويم أشبه مثل الرزنامة التونسية وقد ظهرت من عام 1899 إلى عام 1921, وحلت محلها جريدة سنوية مقصورة أو تكاد على الشئون الإدارية، وهي التقويم التونسى. وجدير بنا أن نشير إلى الجهود الفاشلة التي بذلت لإنشاء صحافة عربية محلية في صفاقس كالعصر الجديد أو في القيروان كصحيفة القيروان. على أن طائفة من المسلمين نجحوا في إصدار صحيفة أسبوعية صغيرة بالفرنسية في صفاقس وهي صحيفة Tunisie Nouvelle لزهير عيادى. وأنشأ باش حانبا في تونس حوالي عام 1910 جريدة سماها , Le Tunisien وكان الشاذلى خيرالله يحرر Voix du Tunisien وقد حلت محل Tunisien Etendard وكانت قد خلفت هي أيضًا Liberal. ونشر عبد العزيز لروى جريدة Criossani منذ أغسطس عام 1930. وتبدو في هذه الجرائد روح الوطنية التونسية، وهي روح إسلامية خالصة. وقد جرى اليهود على أن يكون لهم عدد وافر من التواليف والصحف باللغة العبرية العربية مكتوبة بالأحرف العبرية، وقد كتب فاسل E. Vassel،

تونس المعاصرة

تاريخًا لها حتى عام 1907, L a Lit-) terature populaires des lsraelites tunisi- tens سنة 1905 - 1907 م) ولكنهم لا ينشرون الآن بهذه اللغة، فالفرنسية تطغى عليها اللهم إلَّا جريدة الصباح وهي جريدة ضئيلة الشأن لاتصدر بانتظام. وتصدر جرائدهم الأسبوعية الثلاث بالفرنسية وهي الـ Egalite وهي محافظة والـ justice وهي تمثل مختلف الآراء، وأشهرها جميعًا Rbveil Juif وهي صهيونية أسسها فليكس ألوش Felix Allouche في صفاقس عام 1924 وانتقلت حديثًا إلى تونس. المصادر: (1) البربرية، لهجة مطماطة Maerchen der Berbern von: H. Stumme Tamezrat in sud-Tunisien, ليبسك سنة 1900. (2) لهجة جربة؛ Basset .R في., journ. As سنة 1898. (3) de Calassanti-Motyliniski في., journ. As سنة 1898. (4) لهجة سند Etude sur: provotelle , la Tamazir't .. de Qalaat es-Sened باريس سنة 1911. (5) اللغة العربية Tu-: H. Stumme nisiche Maerchen u. Gedicht, ليبسك سنة 1893. (6) الكاتب نفسه: Tripolit. tunisische Reduinenlieder. ليبسك سنة 1894. (7) الكاتب نفسه: Neue Tunisische Sammlungen، برلين سنة 1896. (8) الكاتب نفسه: Grammatik des tu- , nisischen Arabisch ليبسك سنة 1896. (9) Th. Noeldeke في Wtiner Zeits- fuer die Kunde des Morgenlandes chrift، سنة 1894, ص 250 - 271. (10) Aus dem Le-: k. Narbeshuber Sfax ben der arab Bevoelkerung in ليبسك سنة 1907. (11) Chants arabes du: Sonneck Maghreb, باريس سنة 1902 - 1907. (12) Textes: W. Marcais & A. Gulga arabes de Takrouna. باريس سنة 1925. [برنشفيك R. Brunschvig] تونس المعاصرة لا يستطيع الباحث في تاريخ تونس المعاصرة الاستغناء عن النظر في

أصول وعوامل قد تبدو بعيدة كل البعد عما يجرى الآن في ذلك القطر الإسلامي الخاضع منذ سنة 1881 لحكم دولة أوربية حديثة. فالواقع أن الإسلام الذي انتشر في تونس وفي غيرها من أقطار الشرق القديم حل في قطر قديم له وضع جغرافي خاص قد شكله الفينيقيون ثم الرومان تشكيلًا خاصًّا- أصبح القطر إسلاميًا، ولكن القوى الكامنة أو الظاهرة والاتجاهات المستترة أو البارزة استمرت بعد الفتح الإسلامي فعالة قوية التأير. ولا يسعنا في هذا التمهيد الموجز أن نتولى شرح شيء من ذلك، إنما يكفى أن نحيل القارئ على دراسات الأستاذ كوتييه (E.F. Gauite) وبخاصة على كتابه القيم Les Siecles obscurs du Maghreb, Paris 1927. في هذا الموضوع. متى بدأت تونس تتخذ طريقها نحو وضعها المعاصر؟ أو بعبارة أخرى: متى بدأت العوامل الفعالة في تشكيلها بشكلها المألوف لنا؟ نرى أن ذلك كان في القرن العاشر الهجرى عندما امتد نفوذ الدولة العثمانية إلى ذلك القطر. وقد ترتب على ذلك من أول الأمر اتخاذ الأقطار المغربية قاصيها ودانيها التقسيم الجغرافي السياسي المعروف كما ترتب عليه اندماج القطر التونسى في العالم العثمانى بكل ما في هذا من نتائج خطيرة. وقد تعرضت الأمم العربية والأوربية التي دخلت في نطاق العالم العثمانى لأحداث أكسبتها لونًا من الموحدة التاريخية، كما أن القوة العثمانية حالت بلا شك دون اتصال تلك الأمم بالحضارة الأوربية الناهضة، وإن كان الباحث المنصف لا يستطيع أن يسلم بأن الأوربيين في القرن السادس عشر وما تلاه من الأزمنة كانوا على استعداد لأن يقدموا للمسلمين وللمسيحيين من رعايا السلطان العثمانى ثمرات نهوضهم العلمي هدية خالصة. والمنصف لا يجهل أن تقدم الحضارة الأوربية كان في أغلب الأحايين اسما مرادفًا لما كانت تقوم به الأسرات المالكة في أوربا من الحروب في سبيل المجد، بشد أزر الملوك - ولكن في سبيل المجد الأعلى - رجال الدين، وفي سبيل

الاستغلال رجال المال. إلَّا أن مايؤخذ على الملدُ العثمانى بحق أنه لم يقم على فكرة سياسية أو إجتماعية جديدة، ولم يفتح لرعاياه العديدين المخللفين بابا لتنظيم علاقاتهم المختلفة على غير ما عرفوا من المبادئ، فضاعت عليهم بذلك الإفادة مما كان للعالم العثمانى من موقع فريد في نوعه، ومن ميزة اشتماله على أمم لها مالها من نصيب كبير في تقدم الإنسانية. وقد أكسب العهد العثمانى تونس - كما أكسب مصر - عنصرًا حاكمًا جديدًا في بابه، لايقوم على عصبية قبلية أو دينية، ولايدعو لأية فكرة عامة من نوع كان، بل ليس له من هم إلَّا الاستيلاء على أزمة الحكم مستعينًا باعوان على شاكلته. والمتصفح لتاريخ الدايات والبايات والأغوات والأسطوات والرؤساء العثمانيين فيما بين القرنين العاشر والثالث عشر الهجريين لا يمكنه إلَّا الإقرار بما ذهبنا إليه، حقيقة كان من هؤلاء الصالح والطالح، الخير والشرير، ولكنهم - جميعًا - ينطوون على نوع واحد من أنواع السلطان. وثم اختلاف بين هذين العهدين المضطربين من تاريخ تونس ومصر. ففي الأولى - في تونس - كان بين العنصر الحاكم فيها وأوروبا حرب مستمرة، أما في الثانية - في مصر - فلم يحدث إلَّا ما كان بين الحكام والتجار الأوربيين من سوء العلاقة. ومما ينبغي أن يعترف به لذلك العنصر العثمانى الحاكم ما توافرت فيه من صفات قوة القلب والرياسة والاضطلاع بمهام الأمور, وهي صفات ملكته رقاب الرعية الكادحة، وجعلت منه الأداة الأولى لتطور تونسى جديد. وذلك أن الكتخدا حسين بن علي تقلد أمر تونس في سنة 1117 هـ وتمكن من جعل البابية وراثية في بيته - البيت الحسينى - واستمرت فيه. وقد تقدمت تونس على مصر في هذا، فقد تولى محمد على باشوية مصر في 1220 هـ وأسس بذلك البيت المحمدى العلوى. وقد نجح البيتان الحسينى والعلوى في تقويض النظام الذي أنبتهما، وحطما العصبيات المسلحة وغير المسلحة التي ترعرعت في ظل السيادة العثمانية،

وأقاما نظامهما على شبه نظام قومى. فمهدا بذلدُ لنمو قومية تونسية وقومية مصرية بالمعنى الحديث للقومية. والمتتبع لتاريخ تونس في ظل البيت الحسينى يلحظ مروره بالأدوار الآتية - وهي بصفة عامة شبيهة بالأدوار التي مر فيها التاريخ المصري في القرن التاسع عشر: أحس أمراء تونس إحساسًا قويًّا بضرورة إنشاء قوة حربية مجهزة تجهيزًا حديثًا، تحل محل العصبيات المسلحة التي يخشونها، وتمكنهم من بسط حكمهم على سائر أجزاء المملكة، وتصون حدودهم. فبدءوا بهذا وفعلوا ما فعله سليم الثالث ومحمود في الدولة العثمانية ومحمد على في مصر. ثم وجدوا أن هذا يستلزم تنظيمًا جديدًا لشتى المرافق والإدارات، كما أنه يستلزم تنمية الموارد الاقتصادية لزيادة الجباية، ويقضي بإعداد جديد للناشئين. وقد انبعث من هذه الحركة كل ما واجهته تونس وما تواجهه من مسائل ومشكلات. من هذه المشكلات ما يرتبط بالعلاقات بين البيت الحاكم والمحكومين، فقد زاد شعور المحكومين بتضامنهم القومى، وبوجوب نيل ما يكفل منع سوء الحكم، ويقى كرامتهم القومية اعتداء الغير، ويضع بلادهم الموضع اللائق بها في مختلف الحركات التي هزت العالم الإسلامي هزات متواصلة، فأدى هذا إلى اكتساب الأمة حقوقًا وضمانات مختلفة، أعمها وأهمها ما اشتمل عليه عهد الأمان الصادر في 1247 هـ (1857 م). يذكرنا هذا بعهود محمد على باشا وسعيد باشا والخديو إسماعيل المتضمنة حقوقًا وضمانات مختلفة للرعية والمنتهية بقيام المجالس النيابية في عهد إسماعيل وأوائل عهد توفيق. وفي تونس -كما في مصر - لم تتح لأهل البلاد حكامًا ومحكومين فرصة العمل على وضع العلاقة بين الأمة والحكومة على قواعد ثابتة يرتضيها الجميع، بل عقّد الأمر في القطرين التدخل الأجنبي. ومن هذه المشكلات ما يتعلق بعلاقة الأمراء بالدولة العثمانية، فقد أدرك

الأمراء إدراكًا تامًّا ما في بقاء إرتباطهم بالدولة العثمانية من منافع، ففي هذا الارتباط شيء من القوة والاطمئنان يقيان بلادهم اكتساح الدول الغربية استقلالهم، كما أنهم شعروا بما يكنه الشعب من تعلق ببيت الخلافة الإسلامية واعتزاز ببقاء الدولة العثمانية دولة قوية مصونة الجانب، وبذلك نفهم لم وضع أمراء تونس مواردهم الحربية والمالية المتواضعة تحت تصرف السلطان في بعض حروبه، ولكنهم كانوا في الوقت نفسه يخشون ما تكنه الدولة العثمانية نحو تونس وغيرها من الأقطار المتمتعة بقدر من الاستقلال الداخلى من نيات، ويحذرون عواقب الغلو في تأكيد التبعية العثمانية مما كان يحملهم من وقت لآخر على مجاراة بعض الدول الغربية عندما كانت تشجعهم على الظهور بمظهر الملوك الهستقلين باستقبالهم في بلادها استقبالات ملوكية، والدخول معهم في مشارطات ومعاقدات تمس جوانب هامة من سلطانهم. ولا يمكن لوم الأمراء على قبول ذلك، فإن سياسة الدولة العثمانية جرت في القرن التاسع عشر على وتيرة حملت الأمراء التونسيين على قبول أي تعضيد أوربى يحول دون تنفيذ الدولة ما تكنه من تقويض استقلال تونس. وما قامت به الدولة العثمانية من عزل الخديو إسماعيل لما فقد التأييد الأوربى، وما قامت به لإفساد الحركة العرابية شاهدان على ما جرت عليه في تونس، وقد وقعت الخسارة على الجميع - ما عدا الدول الأوربية. ومن المشكلات أيضًا ما يتصل بالعلاقات بالأجانب وبالدول الأوربية. فقد فتح الأمراء الباب واسعًا للأجانب، واستعجلوا النهوض واليسر، فاستقدموا الفنيين الأوربيين يرسمون لهم الخطط ويعاونونهم على تنفيذها، ومكنوا للعقول الأوربية والأموال الأوربية من استخراج خيرات البر والبحر، ويسروا لكل طالب رزق من جزائر البحر المتوسط وسواحله أن يتخذ من تونس وطنًا ثانيًا يتوق لو أنه ألحقه بوطنه الأصلي.

قويت الجاليات الأجنبية، واصبح للامتيازات الأجنبية من المعاني غير ما كان لها، ومن وراء الجاليات القناصل، ومن وراء القناصل الجيوش والأساطيل، واضحت موارد الأهلين وموارد الحكومة نهبًا لكل طامع. أما الأموال الأوربية فقد استخدمت فيما هو قائم على أسس اقتصادية سليمة، وفيما هو وهص، وفيما هو غير ذاهب إلَّا لاستكمال أدوات الترف والتقليد الكاذب. والدول الأوربية في مواقفها لحماية تلك الأموال وأصحابها لم تميز بين الحلال فتؤيده والحرام فتستنكره، ولم تتحر عن وجه الحق ووجه الباطل، بل الكل لديها مصلحة قومية تؤيدها بكل ما تستطيع من قوة. وليت الأمر كان عند ذلك الحد، فإن التنافس بين الدول كان عاملا قويًّا في تورط الإمارة التونسية في الكثير من المشروعات الفاسدة، فمثلا إذا نال ماليون من أمة ما امتيازًا بمد سكة حديدية فلا بد أن ينال ماليو أمة أخرى امتيازًا يماثله، وقد لا تكون له ضرورة، وهكذا. والمصرى لا يسعه إلَّا أن يذكر في هذا ماليى مصر سعيد وإسماعيل. والخلاصة أن الأمراء وضعوا أنفسهم وبلادهم في شراك لم يستطيعوا منها خلاصًا، وكلما امتد بهم الزمن ضاقت عيون الشراك وازدادوا خبالا. وقد وجد الأمراء في تنافس الدول الأوربية الكبرى أملا في تجنب ضياع استقلال بلادهم، والواقع أنه كان شرًّا عليهم إذ كان مدعاة لمحاولة إرضاء الكل - وفي هذا من تبديد الموارد والحقوق ما فيه، كما كان صارفًا لكل جهود الحكومة التونسية نحو استقراء طوالع الجو السياسي الأوربى علها تهتدى لطريق يقيها الزلل، كما كان مفسدًا لبطانة الأمير، يميل رجل منها لدولة أوربية ما فيصبح رجلها في تونس وينحاز آخر لدولة أخرى فيصبح عدوًا لمواطنه، وهكذا، وقناصل الدول منهم يؤيد مشايعه التونسى، كما يحاول أن يجتذب إلى صفة رجال الحكم التونسيين أو كل ذي حظوة لدى الأمير. وقد اتخذت هذه المحاولات ألوانًا شتى من الترغيب والترهيب، مما أفسد الضمائر والذمم.

لهذه الأسباب كلها لم تصب المحاولات الدولية لحل مسائل الدّيَن ونظيراتها من المسائل نصيبًا من النجاح، كما كان الحال في مصر، وكيف تنجح وقد تحولت اللجان الدولية لتسوية الديون ومراقبة المالية التونسية ميدانًا جديدًا اشتد فيه النزاع بين ممثلى الدول، بل إن من ممثلى الدول من عمل على فشل الفكرة ليثبت إثباتًا لا يدع محلا لشك أن الإدارة الوطنية قد عجزت عجزًا تاما عن إصلاح المختل من أحوالها، وأن علاج تلك الأحوال بخلق هيئات دولية قد أتى بعكس المقصود منه فأدى إلى تفاقم العلة، والحل الوحيد المجدى إذن هو أن تتولى الأمر كله دولة أوربية. من تكون تلك الدولة؟ وكيف يمكن أن تتخلى لها الدول الأخرى؟ أذلك مستطاع دون عوض ما في مكان آخر غير تونس؟ واين ذلك المكان أو تلك الأمكنة؟ معنى هذا أنه كان لا بد لتحول الرقابة الأوربية في تونس إلى رقابة دولة واحدة من ظروف أوربية أدت إلى مواجهة مشكلات مستقبل العالم العثمانى كله، إلى وضع المسألة الشرقية - نوا يقولون إذ ذاك - على بساط البحث عندئذ، وعندئذ فقط - تتحتم مواجهة الحقائق، وتبرز القوة أداة للتنفيذ، فيخضع لها من ليس مستعدًا لمواجهتها بقوة تساويها وقد خلقت الثورات في البلقان ضد الحكم العثمانى والحرب بين الروسيا والدولة العثمانية (1877 - 1878) هذا الموقف الذي وصفنا، وفي هذا الموقف ولدت حماية فرنسا لتونس، كما ولد أيضًا الاحتلال البريطانى لمصر. وقد بدأ بتلك الحماية الفرنسية فعل العامل الأخير في تشكيل تونس المعاصرة، ويجدر بنا - وقد نشرت الحكومات الأوربية بعد الحرب العالمية الماضية الكثير من وثائقها السرية السياسية - أن نعرض بشيء من التفصيل كيف نالت فرنسا ما كانت تصبو إليه من السيطرة على تونس؛ وما ترتب على ذلك من عواقب لتلك البلاد وأهلها. كيف أدى التطور الذي شرحنا معالمه إلى وقوع تونس تحت السلطان الفرنسى وحده؟ لبيان هذه النهاية لا بد

لنا من البحث عن أسبابها في العلاقات الأوربية التالية لهزيمة فرنسا في سنة 1870, وفي تأثر تلك العلاقات بالأزمة الشرقية المترتبة على هزيمة الدولة العثمانية في حربها مع الروسيا سنة 1877. لقد بدأت حوادث سنة 1870 عهدًا جديدًا في التاريخ الأوربى الحديث, فقد أثرت هزيمة فرنسا الكاملة وإتمام خلق الإمبراطورية الألمانية واقتطاع إقليمى الألزاس واللورين من جسم فرنسا الحى في العلاقات الأوربية حتى يومنا هذا، ويشاء موقف الدول الأوربية في العالم أن كل ما يجرى في أوربا يتردد صداه في أراض وبين أقوام "لا ناقة لهم فيه ولا جمل". كان هَمَّ ألمانيا الجديدة بعد 1871 وشغلها الشاغل أن تمنع فرنسا من نقض ما تم في تلك السنة، واتجهت خطط عاهلها العظيم - بسمارك - نحو عزل فرنسا عزلة سياسية فلا تجد حليفًا أوربيًا قويًّا يشد أزرها في حرب ضد ألمانيا. وقد فضل بسمارك أن تقع فرنسا تمامًا تحت سلطان أحزاب اليسار الجمهورية اعتقادًا منه بأن أمل تلك الأحزاب في نيل تأييد سياسى أوربى أقل من أمل أحزاب اليمين، وأن انتصار الأحزاب الجمهورية الفرنسية يضعف من شأن الكاثوليكية في ألمانيا، وكانت إذ ذاك في حرب شعواء ضد بسمارك. ولم يكن بسمارك بالسياسى الذي يكتفى بالإجراء السلبى, أو الذي يعتقد بإمكان قمع أمة كالأمة الفرنسية إلى الأبد، بل هناك ما يثبت أنه أدهشته سرعة نهوض فرنسا من كبوتها في السنوات التالية لسنة 1871 وأنه إعتقد أنه ينبغي أن يضع نصب أعين زعمائها أهدافًا يجدون في تحقيقها منصرفًا للهمم القومية وغسلا لعار الهزيمة الكبرى واستعادة لمركزهم القديم بين الأمم وإبعادًا لهم عن فكرة "الانتقام" المتملكة العقول - لذلك كله عرض بسمارك على فرنسا في أكثر من مرة بسط سلطانها على تونس ولم يكتف بهذا بل أدرك أنه في إرضاء المطامع الأوربية في أنحاء البلقان والشرقين الأدنى والأوسط ما يكفل صيانة ما تم

في أوربا نفسها ويحول دون قيام محالفات أوربية لقلب الحالة القائمة، فلم يكره امتداد النفوذ الروسى في الدولة العثمانية على شرط أن تنال الإمبراطورية النمسوية المجرية ما يرضيها في البوسنة والهرسك. وعلى شرط قبول الحكومة الإنكليزية أن توطد أقدامها في مصر وغيرها من المناطق الشرقية التي تهمها بالذات. ولم تصب السياسة البسماركية في السنوات الواقعة فيما بين 1870 - 1877 إلَّا قدرًا محدودًا من النجاح. فلم تبد بوادر تدل على أن تسوية 1871 قد أصبحت نهائية بالمعنى الصحيح أو أن فرنسا وإيطاليا أو روسيا أو النمسا والمجر أو إنكلترة مستعدة للتسليم تسليما خالصًا بالوضع البسماركى للأشياء. ولكن عندما تشتعل الثورات في بعض ولايات الدولة العثمانية في البلقان، وتأخذ الدولة العثمانية الثائرين وغير الثائرين بما درجت عليه من ضروب الشدة الوحشية، وتغزو الدولة الروسية أراضى السلطان في أوربا وآسيا. عند ذلك وجدت الدول الأوربية أن لا بد من مواجهة حقائق الأشياء وتلمست كل منها في الشهور السابقة لصلح سان استفانو كما في الشهور التالية حلا يصون مصالحها الخاصة ويكون في الوقت نفسه أساسا لتسوية شرقية عامة - أما فرنسا فامامها هشكلتها الكبرى أمامها أن لا طمانينة حقيقية إلَّا إذا وجدت لنفسها حليفًا قويًّا، وما لم يتيسر لها ذلك فلا بد من تجنب الأزمات والابتعاد عن مواطن الزلل، فابتعدت بقدر الاستطاعة عن الأحاديث والمفاوضات المتعلقة بالمسألة الشرقية، وترددت في قبول الدعوة لمؤتمر أوربى يستعرض صلح سان استفانو ويحيل هذا الصلح من اتفاق روسى عثمانى إلى تسوية ترضاها أوربا: ثم اشترطت لقبولها ألا يبحث المؤتمر إلَّا ما اتصل مباشرة وطبيعيًا بالحرب بين الروسيا والدولة العثمانية. وفسرت هذا بألا يعرض على المؤتمر أي شأن من شئون غربي أوربا أو من شئون مصر وسورية والبقاع المقدسة [رسالة من وزير خارجية فرنسا لسفرائها في برلين ولندن وروما إلخ،

بتاريخ 7 مارس 1878 - الوثيقة رقم 262 من المجلد الأول من الوثائق السياسية الفرنسية]، ولما ضمن لها هذا قبلت الدعوة لمؤتمر برلين. وأما الحكومة البريطانية، فيمكن القول بأن حوادث السنوات 1876 و 1877 و 1878 قد هدمت فيها خطة المحافظة على الدولة العثمانية وأحلت محلها خططًا أخرى متناقضة إحداها خطة الأحرار (وهم في المعارضة) القاضية بأن يكون رائد الحكومة الرائد الإنسانى المسيحي، أي تحرير الشعوب العثمانية المسيحية المغلوبة على أمرها وخطة ثانية، هي خطة رئيس الوزارة (اللورد بيكونزفيلد) وهي تتكون من عناصر شتى: من السياسة التقليدية البريطانية ومن القيام بمغامرات حربية وسياسية من أشباه ما كان الشاب الطموح بنيامين دزرائيلى يتلهى به في قصصه، ولم يصل دزرائيلى للحكم إلَّا بعد أن أصبح شيخًا حطمته السنون والأمراض، وفي الخطة البيكونزفيلدية ما اجتذب إليه بالذات الملكة والعامة وكل من شبوا على كره الروسيا من المحافظين. وخطة ثالثة، وهي خطة وسطى، خطة التسليم بالواقع بأن إنقاذ الدولة العثمانية كما هي حلم قد زال، وبأن تحرير الشعوب المسيحية هدف طيب حقيقة جدير بالاحترام ولكن الأجدر منه بالاحترام ألا يكون التحرير سببًا في إثارة حروب وإسالة دماء، وأن المغامرات الحربية والسياسية قد لا يحترمها السياسي الإنكليزى في قرارة نفسه، ولكنه لا يسعه إغفالها تمامًا. فالواجب يقضى إذن بخطة عملية تساير الظروف محاولة الوصول لحل سلمى يرضى الجميع. ويمكن القول بأن هذه هي خطة سالسبورى وزير الهند أولًا ثم وزير الخارجية ثانيًا في وزارة بيكونزفيلد. وقد عملت الحكومة البريطانية ما تستطيع أثناء سير الحرب بين الروسيا والدولة العثمانية لإثبات وجهة نظرها ولتشجيع الدولة العثمانية على إطالة مدة المقاومة، مما حمل معارضى الحكومة على اتهامها بأنها ترمى لإعلان الحرب على الروسيا كما حاولت تأليف ما سمته "حلف البحر الأبيض

المتوسط" من إنكلترة وفرنسا وإيطاليا واليونان والنمسا لصيانة مصالح دول الحلف التجارية والسياسية في ذلك البحر واتخاذ ما يلزم لمنع مسها بأذى، ولم يؤد هذا إلى نتيجة ما، فقد خشيت فرنسا وإيطاليا مغبة التورط في عمل جماعى كهذا، أما النمسا فمجال سياستها أوسع من ذلك البحر وتفاهمها مع الروسيا وألمانيا حقيقة واقعة، واليونان وحدهم لايؤلف منهم أحلاف - والمفاوضات الخاصة بهذا الحلف جديرة بالعناية، فقد جعلت الحكومة البريطانية لا تؤمن بالسياسة الإيطالية بصفة خاصة وسيكون لهذا أثره فيما بعد في استيلاء فرنسا على تونس. بعد هذه المحاولة عادت الحكومة البريطانية إلى العمل الإنفرادى، فعبر الأسطول البريطانى في 14 فبراير 1878 مضيق الدردنيل على الرغم من احتجاج الحكومة العثمانية - واستقال وزير الخارجية اللورد دربى كارهًا ما يمكن أن يؤدى إلى حرب مع الروسيا وتولى سالسبورى وظيفته. وفي 3 مارس 1878 وقعت الدولة العثمانية صلح سان استفانو. وكانت شروطه معروفة. وقد أخذت الحكومة البريطانية تعمل من جانبها لصيانة مصالحها في الظروف الجديدة التي كشف عنها انهيار الدولة العثمانية. لقد كشف ذلك الانهيار عن استحالة إقامة الحكومة العثمانية على ساقيها، فلا بد لها من أن تتكئ على سند [من خطاب من سالسبورى لبيكونزفيلد بتاريخ 21 مارس 1878، الوثيقة رقم 142 من كتاب أسس السياسة البريطانية]، أما فيما يتعلق بممللكاتها في أوربا فهذه - إن قريبًا وإن بعيدًا- مقدر عليها الزوال. والمسألة هي أنه ينبغي للسلطان، لأجل الاحتفاظ بممتلكاته في آسيا، من حليف. هذه الممتلكات شأنها غير شأن ممللكاته في أوربا، فليسوا أممًا تسعى للاستقلال وما إليه، فمعظمهم مسلمون والحكم العثمانى أصلح ما يمكن المسلمين الحصول عليه (إذا استثنينا الحكم البريطانى)، فينبغى إذن أن نعاون

الدولة العثمانية على الدفاع عن تلك الأراضي في آسيا وحسن إدارة شئونها. ولا نستطيع أن نفعل ذلك إلَّا إذا استولينا على قواعد أقرب لتركية آسيا من مالطة [من كتاب من سالسبورى لسفير إنكلترة بالآستانة بتاريخ 9 مايو 1878 - الوثيقة رقم 145 من كتاب أسس السياسة البريطانية]. تفسر هذه الآراء الاتفاق الذي عقد بتاريخ 4 يونية 1878 الذي تسلمت الحكومة البريطانية بموجبه جزيرة قبرص، كما تفسر أيضًا اتفاق الحكومتين البريطانية والنمساوية بتاريخ 6 يونية 1878 على توحيد غاياتهما في المؤتمر نظير السماح للحكومة النمساوية باحتلال إقليمى البوسنة والهرسك. بعد هذه التمهيدات وغيرها اجتمع المؤتمر في برلين وتولى رياسته بسمارك. أعلن في أثنائه الاتفاق الخاص بقبرص وثارت ثائرة الوفد الفرنسى - وكان لا بد من إرضالْه للوصول بسفينة المؤتمر لبر السلامة. وعمل بسمارك من جانبه على إصلاح ما بين الإنكليز والفرنسيين، فكان عرض تونس على فرنسا. وتم هذا العرض واضحًا، قال سالسبورى لوادنجتن رئيس الوفد الفرنسى ببرلين ووزير الخارجية: "افعلوا بتونس ما تريدون. إنكم ستضطرون لامتلاكها، لا يمكنكم ترك قرطاجنة للبرابرة" وكرر ذلك اللورد بيكونزفيلد، وأكده نفس ولى العهد البريطانى في باريس [راجع في ذلك - على سبيل المثال - الوثيقة رقم 330 من المجلد الأول في مجموعة الوثائق الفرنسية: رسالة من وادنجتون لداركور سفير فرنسا في لندن بتاريخ 21 يوليه سنة 1878]. وقد شرعت وزارة ديفور (وهي الوزارة التي قبلت هذا العرض) تستعد فعلًا لتنفيذه بالتمهيد له في تونس. ولكنها عدلت عنه. ولم يتم تحقيقه كما نعرف إلَّا في أثناء سنة 1881 وعلى يد وزارة جول فرى (Jules Ferry) بانية الإمبراطورية الفرنسية الاستعمارية الجديدة.

أكان ذلك لعدول الحكومة البريطانية عما وعدت به في 1878؟ حقيقة أن موقف حكومة المحافظين ثم حكومة الأحرار من وعود سنة 1878 كان له شيء من التأثير في تردد الحكومات الفرنسية المتعاقبة، إن ذلك الموقف لم يبلغ حد الإنكار أو النكوص ولكنه اتخذ شيئًا من تضييق التأويل، فقد قرر اللورد سالسبورى أنه حقيقة يذكر أنه قال الألفاظ التي أسندها له وادنجتون، ولكنه يذكر أنه لم يدر في خلده أنها تؤدى معنى عرض تونس على فرنسا، إذ كيف يستطيع منح ما ليس يملكه؟ وأضاف إلى ذلك أن الوعود الإنكليزية لا تفيد أكثر من إطلاق يد فرنسا في تونس بلا معارضة إنكليزية، أي أن انكلترة نزلت عن كل ما تدعيه لنفسها في تونس، ولكنها لا تذهب إلى حد إرغام الغير (وتقصد بذلك إيطاليا) على النزول عن إدعاءاتها. بعث ذلك الموقف إيطاليا على اتخاذ موقف عداء صريح من فرنسا في تونس، ووجدت فرنسا أن لا بد من القيام بعمل حاسم في تونس قبل أن تسبقها إيطاليا إليه، وحمَّسها بسمارك على اتخاذ هذه الخطوة. ولا يفيد ذلك أن الرأى العام في فرنسا - ممثلًا في البرلمان أو في الصحافة - قد مال إذ ذاك إلى صف المشروعات الاستعمارية، الواقع أن لا. بل إن ذلك الرأى العام لم ير فيها إلَّا شبه خيانة للقضية القومية الكبرى، وتشتيتا للجهود، وتسليما نهائيًا بتسوية 1871. وهل يطلب دليل على صحة هذا أقوى من كون التشجيع على الإقدام على تلك المشروعات يأتي من بسمارك نفسه؟ والواقع أنه لا الرأى العام ولا البرلمان قد عدلا عن خطتهما، والصحيح أن جانبًا قويًّا من الزعامة الجمهورية قد انحاز إلى الرأى القائل بأنه ينبغي للجمهورية ألا تبقى إلى الأبد متسربلة بثياب الحداد بل عليها أن تنهض وأن ترعى مصالحها وأن تتبوأ مكانها الجدير بها. كان جول فرى من أبناء اللورين، ولابد أنه أحس بكارثة 1871 إحساسًا قويًّا، ولكنه كان يرى أيضًا أن ذلك

الجيل من الفرنسيين كان عليه واجبات نحو فرنسا، وأن فرنسا ينبغي ألا تنزل عن مكانها الخليق بها وأن مصلحتها في بلاد الجزائر وتأمين حدودها ورعاية مصالحها في تونس تتطلب عملًا حاسمًا في تونس وإلا سبقتها إيطاليا إليه. أي أنه كان يرى أنه ينبغي أن يأخذ أكثر ما يستطيع دون نزول أو تخل عن حقوق فرنسا التاريخية، وقد تحمل في سبيل فكرته هذه عنتًا شديدًا من مواطنيه. والظاهر أيضًا أن فرى لقى تأييدًا في خطته من الزعيم الجمهورى الكبير جامبتا الذي أخذ في آخر أيامه يبتعد شيئًا ما من فكرة حرب انتقامية ضد ألمانيا. وقد حملت هذه العوامل المختلفة "فرى" على أن يخفى جهد الاستطاعة حدود عمله في تونس، وأن يضيق دائرة التزامات فرنسا فيها. دخلت الجنود الفرنسية تونس تحت ستار تامين الحدود وأرغمت الباى على توقيع معاهدة باردو (مايو 1881). وتعطى هذه المعاهدة فرنسا حق احتلال الأرض التونسية وادارة المسائل الحربية، ولكنها لا تشير إلى الحماية الفرنسية، وعلى أثر الاضطراب في صفاقس، وقع الباى اتفاقًا ثانيًا (يونيو 1883) نالت به فرنسا حمايتها لتونس والتدخل في مسائلها الداخلية، وقد تم سنة 1884 تكوين أدوات الإدارة اللازمة وبدأت تونس عهدًا جديدًا. سارت فرنسا في تونس على نهج يخالف منهجها في الجزائر، ولم ينل الحياة الإسلامية في تونس ما نالها في الجزائر من التحطيم المقصود وغير المقصود، فتونس في العهد الفرنسى قطر "محمى" له إطار إدارى تونسى، على عكس الجزائر فهي "قطعة" من فرنسا، والجزائر أرض استعمار يستفلحها ألوف من الفلاحين الأوربيين فرنسيين وغير فرنسيين. أما تونس فهي أرض "استغلال" تعمل فيها "رءوس الأموال" الكبيرة فرنسية وغير فرنسية. وفي تونس ما تثيره السلالة الإيطالية المستقرة بها من مشكلات تمس العلاقات بين إيطاليا وفرنسا، ولا تعرف الجزائر مشكلات من ذلك النوع.

إن الفضل في وضع قواعد الحكم الفرنسى في تونس يرجع بصفة خاصة لبول كامبون (paul Cambon) المقيم العام فيما بين 1882 و 1886. ويمكننا أن نحلل في الوضع التالي الثنائية الفرنسية التونسية إلى ما انتهت إليه: بدل هذا على اتجاه الخطة الفرنسية نحو جعل اشتراك الفرنسيين وأهل البلاد وسيلة لرعاية وتنمية المصالح المشتركة وبخاصة في الدائرة الاقتصادية، وهو تنظيم يهمل جانب الاعتبارات القومية كما أنه يعطل نمو الحياة السياسية. والظاهر أن أهل البلاد يحسون إحساسًا شديدًا بأن ذلك التنظيم لا يرضى أمانيهم فنظموا حركات شبيهة بالحركات الحديثة في بعض الأقطار الإسلامية الأخرى [العنصر التونسى] ... [العنصر الفرنسى] الباى ... المقيم العام ثلاثة وزراء ... 4 وزارات و 5 إدارات | [المجلس الكبير] (ويتكون أحد قسميه من 44 فرنسيا والآخر من 18 تونسيًا) (وله حق الموافقة على بعض فصول الميزانية) 5 مجالس إقليمية (ويتكون أحد قسمى كل مجلس من 11 فرنسيا والآخر من 10 تونسيين) وهي مجالس استشارية مجالس القيادات (وهي انتخابية استشارية وتتكون من تونسيين فقط)

لتحقيق برامج سياسية قومية تسودها المعاني والنظريات الغربية، ولانزال بعد - في مصر كما في تونس وفي غيرهما - نرقب فجر حركات أعمق وأدوم، فجر ابتعاث "حياة إسلامية" تامة. المصادر: أ- مجموعات الوثائق: (1) Affairs Etrangeres Ministere des diplomatiques fiancaises Documents, السلسلة الأولى، المجلدات الأول والثاني والثالث وقد نشرت في سنتى 1930 و 31 وتتعلق بالسنوات من 1871 إلى 1881. (2) الترجمة الفرنسية لمجموعة الوثائق السياسية الألمانية تحت عنوان La politique exterieure de l'allemagne، المجلدات الأول والثاني والثالث وتتعلق بحوادث السنوات من 1870 إلى 1882 وقد نشرت في سنتى 1927 و 1928. (3) Founda-: Temperley & Penson tions of British foreign Policy, كمبردج سنة 1938 وهي مختارات جيدة توضح قواعد السياسة الخارجية البريطانية. ب- دراسات: (1) الدكتور محمد مصطفى صفوت: Tnis and the Powers، رسالة لم تنشر بعد، مستندة على المصادر الأصلية، في موضوع العلاقات بين تونس والدول العظمى. (2) History of: Stephen H. Roberts French Colonial policy، في مجلدين، سنة 1929. بحث علمي نزيه في تاريخ الاستعمار الفرنسى من سنة 1870 إلى 1925 لا يستغنى عنه المتتبع لتاريخ الأمم الإسلامية الواقعة تحت السلطان الفرنسى. (3): James Headlam-Morley وكان المؤلف في وقت ما مستشارًا لوزارة الخارجية في المسائل التاريخية: Studies in diplomatic history نشرفى سنة 1930 وهذه مجموعة من تسع دراسات مهمة. واحدة منها تؤرخ العلاقات المصرية الإنكليزية وأخرى تشرح وضع إنكلترة يدها على جزيرة قبرص في سنة 1878.

التونسي

(4) Disraeli,: R.W. Seton-Watson Gladstone and the Eastern Question، لندن سنة 1935. (5) La Tunisie J.L. de Lanessan، باريس سنة 1917. شفيق غربال التونسي محمد بن عمر بن سليمان: كاتب عربي من كتاب القرن التاسع عشر، وهو من أسرة تونسية انصرفت إلى العلم عامة وإلى الدين خاصة. وكان جده سليمان نساخًا وقد خلف عند حجه إلى مكة أبناءه الثلاثة في رعاية خاله أحمد بن سليمان الأزهرى وكان عالمًا فقيها. ولما فرغ سليمان من حجه لم يعد إلى تونس لضياع ثروته، فأقام بادئ الأمر في جدة وتعيش من نسخ الكتب، وتعرف في تلك المدينة إلى نفر من أهل سنار فحببوا إليه الذهاب إلى بلادهم. وتلقاه واليها بالترحاب وخصه بمنزل وأرض وأجرى عليه معاشًا. وتزوج سليمان بامرأة من أهل سنار وأعقب منها ذكرًا وأنثى، واسم الذكر أحمد زروق. وشب عمر، وهو ثانى أبناء سليمان من زوجه الأولى التي بنى بها في تونس، وصحب أخا جده في الحج إلى مكة، فقابل في طريقه أباه سليمان مصادفة وكان ذاهبًا إلى القاهرة في عمل له مع قافلة من سنار. وقد توفى أخو جده بمكة فعاد عمر إلى القاهرة للمجاورة بالأزهر، ثم رحل إلى سنار ليزور أباه ثم عاد إلى دراسته بالأزهر وتزوج عام 1201 هـ (1786 م). ورجع بعد ذلك بسنتين إلى تونس مسقط رأسه وفيها رزق بابنه محمد (التونسى) عام 1204 هـ (1789 م). وأقام عمر في تونس ثلاث سنوات فقط عاد بعدها هو وأسرته إلى القاهرة ليتفرغ مرة أخرى إلى الدرس بالأزهر. وسرعان ما انتخب نقيبًا لرواق المغاربة. وفي عام 1211 هـ (1797) بعث إليه أخوه لأبيه بسنار ينعى أباه ويشكو إليه سوء حالهم، فذهب عمر من فوره إلى سنار ولم يعد إلى أسرته قط. ومن محاسن الصدف أن أخاه الأصغر طاهرًا ذهب في العام نفسه إلى القاهرة في عمل له، وكان معتزمًا الحج إلى مكة بعد فراغه من عمله هذا، فضم إليه أسرة أخيه، وكان

محمد حدثا في السابعة من عمره قد ختم القرآن فبعث به إلى الأزهر يجاور فيه. ونضب معين محمد شيئًا فشيئًا بعد رحيل طاهر إلى مكة فعزم على أن يبحث عن والده في السودان. فقد وردت الأخبار إلى القاهرة بأنه رحل إلى دارفور عقب وصوله إلى سنار. ولقى في القافلة التي وصلت القاهرة من دارفور صديقًا لأبيه فرجاه أن يأخذه معه إلى دارفور ففعل. ولاشدُ أن ذلك كان عام 1218 هـ (1803 م). ولقى في دارفور أول الأمر أحمد زروق أخا أبيه غير الشقيق فأخذه إلى جلتو من أعمال أبي الجدل حيث كان يقيم أبوه عمر. وكان قد علا نجمه في حاشية السلطان يعيش في رخاء ويسر، وقد تزوج فيها من جديد وأنجب. وشرح عمر بأمر من عبد الرحمن بن أحمد سلطان دارفور المتوفى عام 1214 هـ الموافق 1799 (انظر جريدة ملوك دارفور) كتابين في الفقه والشريعة (انظر Voyage au Dar- Fuor. ص 107، وانظر عن تواليفه الأخرى ص 424) (ولما وصل محمد (انظر Nachtigal: Sahara and Sudan جـ 3، برلين سنة 1879, ص 387 ويسميه أبو شيخ كرا) إلى دارفور كان محمد كرا وصيًا على السلطان الحدث محمد الفضل. وقد لقى محمد كرا حتفه بعد ذلك في فتنة. وقدم أحمد زروق إلى محمد كرا محمدا فتلقاه بقبول حسن. وسمح كرا لعمر بالرحيل إلى تونس لزيارة أقاربه بعد أن وعده بالرجوع ثانية. وترك عمر أملاكه في جلتو إبان غيابه في يد ولده محمد. وذهب عمر أول الأمر إلى واداى ومكث فيها سنوات، ذلك أنه كان يتطلع إلى منصب رفيع في حاشية سابون سلطان، وقد اختير للوزارة وحصل على أملاك في قرية أبلى. وانتظر مجئ ولده إلى هناك دون جدوى فعزم على الرحيل إلى تونس. ومكث محمد بعد رحيل أبيه سبع سنوات ونصفًا في دار فور عرف خلالها البلاد وأهلها معرفة تامة. ولم يتمكن من الشخوص إلى واداى إلَّا بعد أن وضعت الحرب أوزارها بين دارفور وواداى، إذ ذهب إليها على رأس وفد من قبل سلطان دارفور. وقد بلغ أولًا وارة وكانت مقر سلطان سابون وقتذاك فأسبغ عليه من

عطفه ما أسبغه على أبيه من قبل. وأقام هو أيضًا في واداى زمنًا طويلًا، إلَّا أن أحواله أخذت تسوء لسببين: أولهما أن خاله زروق كان قد لحق بعمر في واداى فعهد إليه عمر عند رحيله بالإشراف علي بنيه وأسرته في قرية أبلى فاستولى على أملاك عمر ولم يعط ولد محمد إلَّا ما يسد رمقه، والثاني أن الوحشة ازدادت بينه وبين أحمد الفأسى (انظر Voyage au Ouaday ص 66 وما بعدها, 497 وما بعدها) الذي استوزر بعد رحيل عمر بتوصية منه، فوشى به عند سابون فارتاب فيه وتجهم له. وحضر عمر إلى واداى تلبية لطلب ولده واستطاع أن يصرف أحمد الفأسى عن منصبه ولكنه استوزر ثانية بعد رحيل عمر. وأذن السلطان لمحمد بالرحيل فاستغل هذه الظروف وغادر واداى بعد أن ظل بها ثمانية عشر شهرًا، فلحق بقافلة ذاهبة إلى فزان واخترق بلاد توبو (تيبستى) حتى مرزوق عاصمة فزان. وأقام فيها ثلاثة أشهر توفى خلالها المنتصر والى هذه البلاد. ثم تابع رحلته إلى طرابلس ووصل أخيرًا إلى تونس عن طريق صفاقس حوالي عام 1228 هـ (1813 م) وذلك بعد عشر سنوات تقريبًا من مغادرته القاهرة إلى السودان. واستقر محمد أولًا في تونس ثم رحل إلى القاهرة وفيها خدم محمد على. وفي عام 1824 أنفذ محمد على حملة على المورة بقيادة ولده إبراهيم باشا، والتحق محمد التونسى بهذه الحملة واعظا لإحدى فرق المشاة (انظر Voyage au Darfour، ص 6). وقد ذكر في كتابه الرحلة إلى واداى - Voyage au Oua day (ص 634 - 635) خبر حصار مسولونجى (1825 - 1826). واشتغل محمد بعد هذه الحرب بتنقيح الترجمة العربية لكتب الطب وخاصة المتصلة بعلم الأقراباذين الموجودة في كلية الطب البيطرى التي أنشأها محمد على في أبي زعبل إلى الشمال الشرقي من القاهرة. وتعرف محمد التونسى في هذه الكلية بالدكتور بيرون Dr. Perron بعد وصوله إلى القاهرة وأخذ ييرون عليه دروسًا في العربية وأغراه بكتابة مذكراته عن رحلاته في السودان، وكان غرضه الأول من ذلك أن تكون كتبًا للمطالعة العربية.

وفي عام 1839 غدا الدكتور ييرون مديرًا لمدرسة الطب بالقصر العينى فأوصى بمحمد التونسى فعين كبيرًا للمراجعين فيها، وقال كريمر A.V.Kremer الذي جاء مصر لأول مرة عام 1850 إن محمدًا كان أحد أساتذته وأنه يجله كثيرًا (انظر كتاب Kremer وانظر المصادر) ويزيد على ذلك أن محمدًا قد أكب أيضًا على طبع المؤلفات العربية القديمة مثل مقامات الحريرى والمستطرف للأبشيهى (ولعلها طبعة بولاق عام 1272 هـ = 1856 م). وذكر جومار Jomard (انظر Voyaga au Dar four ص 19) أن محمدًا قد انتخب للإشراف على طبع نسخة من "القاموس" للفيروزآبادى فنقح نسخة كلكتة المطبوعة عام 1230 هـ (1817 م). وعمد التونسى تحقيقًا لهذا الغرض إلى تصحيح نسخة كلكتة ومراجعتها على سبع نسخ أو ثمان مخطوطة من هذا القاموس. وطبعت النسخة الجديدة في بولاق عام 1274 هـ (1857 م). وجرى الشيخ محمد التونسى في أواخر حياته على تدريس الحديث بمسجد السيدة زينب في يوم الجمعة من كل أسبوع، وتوفى بالقاهرة عام 1274 هـ الموافق 1857 م (انظر Kremer كتابه المذكور) ودفع الدكتور بيرون Perron محمدًا التونسى إلى كتابة مشاهداته وما عرفه عن أهل الجهات التي زارها أثناء إقامته الطويلة بالسودان وتجاربه في تلدُ البلاد. وقد جمع هذه المعلومات في مجلدين كبيرين نقلهما الدكتور بيرون إلى اللغة الفرنسية وهما: (1) Voyage au Darfour par le Cheick Omar-el Tounsy Mohammed Ebn (والتنسى هي النسبة الشائعة بدلًا من التونسى؛ انظر Gramm. des: Stumme tunesisch Arabisch، ليبسك سنة 1896, ص 66). Reviseur en Chef a l'Ecole de Medecine du Caire traduit de l'Arabe par -Dr. Perron. Directeur de l'Ecole mede cine du Caine، باريس سنة 1845. وللكتاب مقدمة في 88 صفحة وعدد صفحاته 492 من القطع الكبير وبه مصور جغرافي. وكتب جومار Jomard مقدمة هذا الكتاب (ص 1 إلى 71 من المقدمة) وطبعت هذه المقدمة على حدة بعنوان Observations sur le Voyage au

Darfour suivies d'un Vocabulaire de la Langue des Habitants et de Remarque 3 sur le Nil-Blanc superieur. باريس سنة 1845. وسبق أن نشر بيرون معلومات عن هذا الكتاب وشواهد من ترجمته له في المجلة الأسيوية، المجموعة الثالثة، جـ 8، سنة 1839 ص 177 - 206 (خطابه إلى مول Mohl) وفي Biblio - theque universelle de Geneve السنة الخامسة، جـ 28 (رقم 56) سنة 1840, ص 325 وما بعدها. وفصل سديو Sedillot تفصيلًا في المجلة الأسيوية، المجموعة الرابعة، جـ 7، سنة 1846, ص 522 - 543 الكلام عما نشره بيرون. ونشر بيرون النص العربي لرحلة دارفور بعنوان "تشحيذ الأذهان بسيرة بلاد العرب والسودان" (= L`Aiguisement de L'Esprit par le Voyage au Sudan et parmi les Arabes) عام 1850 في باريس وهي النسخة التي كتبها المؤلف بخط يده (310 صفحة، قطع متوسط يضاف إلى ذلك أربع صفحات بالفرنسية وهي مقدمة وتصويبات وزيادات على الترجمة). (2) Voyage au Ouaday par le Cheich Mohammed Ebn Omar al Tounsy, traduit de 1'Arabe par Dr. Perron، باريس سنة 1851 (ومقدمة في 75 صفحة وبه 756 صفحة من القطع الكبير ومصور جغرافي وتسع لوحات مصورة). وكتب جومار لهذا الكتاب مقدمة طويلة (ص 1 - 75) بها ملاحظات تاريخية وجغرافية. وتناول بيرون نفسه في مقدمته (ص 1 - 35) الكلام بصفة خاصة عن أقسام السودان. ولم ينشر قط النص العربي لهذا الكتاب الثاني وكان ييرون قد اعتزم نشره (كتابه المذكور، ص 34) ولعل النسخة الخطية من هذا الكتاب كانت في حوزته، ولكنى لا أعلم مصيرها بعد وفاة بيرون في باريس عام 1876 وكان قد عاد إليها عام 1850. ومحمد التونسى أول من زودنا بأخبار وافية موثوق بها عن بعض نواح من السودان هامة. ولم يكن لدينا قبل عهده عن دارفور سوى مذكرات قليلة كتبها الرحالة براون G.Browne، وعن واداى إلَّا المعلومات القليلة التي جمعها

بوركارت Burckhardt. ولم يزر هذه البلاد بارث، Barth وناختجال Nachtigal إلَّا بعد ذلك بعشرات السنين، وقد أسهبوا الكلام عنها في كتبهم. وليس هناك ما يدعو إلى الشك في صحة أخبار التونسى، فقد تبين بيرون صحتها من جماعة من أهل دارفور وواداى كانوا يعيشون في القاهرة فأيدوا ما رواه التونسى تمام التأييد. على أننا لا ننكر أن هناك بعض الهنات في وصف الشيخ التونسى هذه الديار، فقد كانت أخباره يعوزها الترتيب لا تتبع منهجًا مألوفًا، كما كلف بالاستطراد، وكان سريع التصديق لمعتقدات العامة من مسلمي هذه البلاد (وخاصة ماكان منها متعلقًا بالسحر) وليست هذه الهنات جسيمة بالقياس إلى غيرها، فقد أخذ على صاحب الكتاب أنه لم يذكر شيئًا مضبوطًا عن الأحوال الجغرافية والطبوغرافية والإحصائية والأرصاد الجوية لهذه البلاد. (انظر Barth في- Rei -sen and Entdeckungen in Nord and Cen tralafrika جـ 3، برلين سنة 1859، ص 525 وما بعدها؛ Nachtigal في - Pe termanns Geogr. Mitteil,، جـ 21، سنة 1875, ص 176, وفي - Sahara undSu dan جـ 3، ص 8). ومع هذا فإن كتابى التونسى مصدر هام عن الأحوال الجنسية والثقافية والسياسية لبلاد السودان التي زارها يقدر بعد حق قدره. ومجمل القول أن كلا منهما يكمل الآخر، ففي الكتاب الخاص بواداى - وهو أطولهما - أخبار كثيرة عن دارفور. ونسوق كذلك تذييلًا ونبذة عن الشيخ زين العابدين التونسى أحد مواطنيه وهو يشبهه من عدة وجوه. فقد كان هذا الرجل واسع العلم غزير المادة درس في الأزهر وخالط الأوربيين، فلما اشتد عوده رحل إلى السودان عام 1818 أو عام 1819. ويظهر أنه لبث هناك ما يقرب من عشر سنوات كما فعل التونسى فصرف جانبًا من جهده في الدعوة إلى الإسلام ينتقل من بلد إلى آخر لتفقيه الناس في الدين. وقد رحل بادئ الأمر إلى سنار وكردفان. ثم مكث زمنًا طويلًا في دارفور وواداى يكسب معاشه من التدريس. وعاد إلى تونس عن طريق فزان بعد أن صرف في واداى أكثر من

ثلاث سنوات. وجمع تجاربه ومشاهداته في كتاب عربي متوسط الحجم، وقد طبع هذا الكتاب، ولكنا لا نعرف متى أو أين طبع. وترجم إلى التركية وطبع. بإستانبول عام 1262 هـ الموافق 1846 م (انظر. Zeitsch der . Deutsch Morgenl Gesell جـ 2، ص 482) ونقل روزن G.Rosen هذه النسخة التركية إلى اللغة الألمانية بعنوان leas Buch des Sudan oder Reisen des Scheich Zain et Abidin in Niguitien ليبسك سنة 1847. وقيمة هذا الكتاب في وصفه للحضارة والنظام الاجتماعى في دارفور وواداى، ففيه أخبار عن الحياة في البلاط وعن الجند والحرب والأهالى والعبيد والزنوج والتجارة والخرافات والز واج وغير ذلك. وهذه الطرائف الشائقة ذيل عظيم الشأن للأوصاف المفصلة التي أوردها محمد التونسى. ومما هو جدير بالذكر بيان أعمال الحفر والتنقيب التي قام بها زين العابدين بإذن من سلطان واداى في الأطلال القريبة من العاصمة (انظر ص 47 - 49, 61 - 75). وغادر زين العابدين واداى في الوقت الذي ولى فيه عرش هذه البلاد سلطان آخر. وقد ترجم روزن للسلطان الجديد (ص 108) فذكر أن اسمه عبد العظيم وصحته عبد العزيز (انظر Nachtigal: كتابه المذكور، جـ 3، ص 284 وقد ذكر فيه حفيد لسابون اسمه عبد العزيز). المصادر: إن أهم مصدر عن حياة محمد التونسى وأسرته هما الكتابان اللذان كتبهما التونسى عن رحلته وخاصة سيرته التي كتبها لنفسه في الفصل التمهيدى لرحلة دارفور (ص 1 - 25) هذا إلى جانب الإشارات المتفرقة الواردة في هذا الكتاب مثل ص 48 - 49 وفي رحلة واداى، ص 37, 39, 50, 62, 66 - 67, 129, 199, 211 وما بعدها، 215, 497, 499, 508, 512 وما بعدها, 643 - 645. وما ولا تخلو النبذة التي كتبها جومار jomard عن حياة التونسى (Voyage au Darfour ص 8 - 10) من الأخطاء والنقص؛ انظر ملوحظات بيرون Vayage au) Perron Darfour ص 81 - 82) وانظر أيضًا. A.v. Aegypten: Kremer ليبسك سنة 1863,

تيبو سلطان

جـ 2، ص 324, وانظر أيضًا الإضافات إلى مادة فستنفلد في Zeitschr.: Luedd fuer vergleich Erdkunde, جـ 1، مكدبورع سنة 1842, ص 67 و Brockelmann: Gesch d. Arab. Litt جـ 2، ص 491 ولم يرد به كتاب رحلة واداى. [شترك Streck.M] تيبو سلطان هو ابن حيدر على صاحب مَيسور: ولد تيبو عام 1753، واستعان به أبوه في عدة حروب، واتفق مرة عام 1771 أن تغيب تيبو وجنده عن الموضع الذي كان ينبغي أن يكونوا فيه فضربه أبوه ضربًا مبرّحًا أمام الناس. واعتلى تيبو عرش ميسور في السابع من ديسمبر عام 1783 بعد وفاة والده، وفي عام 1784 صالح بريطانيا، وكان أبوه في حرب معها. واقتتل تيبو والمراطها بيشوا عام 1785 فانضم نظام على صاحب حيدر آباد إلى بيشوا، ولكن ما قام به لورد كورنواليس - Lord Corn wallis من إصلاح الجيش عام 1787 ألزم تيبو جانب الحذر فصالح التونسى / تيبو سلطان خصومه. وكان تييو عدوًا لدودًا للبريطان، وقد عرف أنه كان متصلًا بالفرنسيين سرًّا في بوندتشيرى - Pon dicheny . وفي عام أغار على راجا ترافنكوره Travancore وكان تحت الحماية البريطانية. فاستغاث الراجا بالبريطان فتحالف اللورد كورنواليس عام 1790 مع بيشوا ونظام على وأعلنوا الحرب على تيبو. ولم تسفر الحرب عن نتيجة في تلك السنة فتولي اللورد كورنواليس عام 1791 م القيادة بنفسه، على أن حلفاءه خذلوه. وأغار اللورد في العام التالي على سرنكباتم - Se ringapatam عاصمة تيبو وأدخله في طاعته وحمله على النزول عن نصف أملاكه ودفع غرامه قدرها ثلاثة ملايين من الجنيهات الإنكليزية. وفي عام 1798 ترامت الأخبار بأن تيبو قابل رسلًا من فرنسا وقبل أن يكون من مواطنى الجمهورية الفرنسية وأن يلقب بـ"المواطن تيبو". واستفسر اللورد مورننكتن Mornington - وكان في دلك الوقت حاكمًا عامًا للهند - عن هذا الأمر فرفض تيبو مقابلة الرسول البريطانى،

ث

وبعث بخطاب تمحل فيه الأعذار ورمى السلطات الفرنسية بالخبث والتضليل. وفي عام 1799 أغار على ميسور جيش بريطانى بقيادة الجنرال هاريس Harris وبصحبته الكولونيل أرثر ويلزلى Wellesley شقيق اللورد مورننكق. وانضم إلى هذا الجيش جيش آخر من حيدر آباد وتوغل في ميسور جيش إنكليزى ثالث خرج في الوقت نفسه من مقيمية بومباى. وحاول تيبو صد الغزاة ولكنه رد إلى عاصمته، وطلب الصلح فلما علم أن سيطلب منه النزول عن النصف الآخر من ممتلكاته ودفع مليونين من الجنيهات الإنكليزية صمم على القتال حتى النهاية. واستولى الإنكليز عنوة على سرنكباتم في مايو عام 1799 وعثروا على تيبو في أحد الأبواب. وكان تييو يتكلم الهندوستانية والكنارية والفارسية كما ينطقها الهنود. وتوهم تيبو أنه فيلسوف عصره لإلمامه بالأدب الفارسى بعض الإلمام. وكان الغرور والإدعاء أبرز صفاته، وأساءت حاشيته خدمته لأنه لم يكن بصيرًا بالرجال فيحسن اختيارهم. وكان عنيفًا في تصرفاته. وقد حاول أن يضطلع وحده بأمور دولته جميعا وكان ذلك فوق طاقة البشر. ولم يكن تيبو صاحب سياسة، وقد صرف كثيرًا من وقته في إدخال البدع السخيفة. ولم يكن أيضًا خبيرًا بالحرب، وكل ما امتاز به في حلبتها شجاعة الرجل قوى الجسم. المصادر: (1) Historical Sketches: Mark Wilks of the South of India in an attempt to trace the History of Mysoor الطبعة الثانية، مدراس سنة 1869. [هيك T. W. Haig] ثابت بن قرة عالم بالرياضة والطبيعة وفيلسوف، ومن أعظم من رقوا بعلوم العرب في القرن الثالث الهجرى الموافق التاسع الميلادي. ولد عام 836 م (826؟ ) في حرّان؛ وانحدر من بيت عريق أنبت طائفة كبيرة من العلماء. وهو ثابت بن قرة بن زهرون [مروان؟ ] ابن ثابت بن كرايا بن مارينوس بن مالا غريوس

[مليا كروس]، وترجع بنا لأسماء الأخيرة في هذه النسبة إلى عهد بدت فيه مظاهر الحياة اليونانية في حزان على أسماء أعلامها، ومع ذلك فإنا لا نأمن الزلل إذا قلنا من غير تثبت أن ثابت من نسل اليونان الذين نزلوا بهذه المدنية. ويزعم الذين ترجموا لثابت أنه كان في أول أمره صيرفيا. ومهما يكن من شيء فقد كان له مال موروث مكّنه من التفقه في الفلسفة والرياضة أثناء مقدمه في بغداد. وقد أوقعته آراؤه الفلسفية الحرة في خصام مع الوثنيين من أهل بلده فأحضر إلى القاضي وحمل على إنكار هذه الآراء المارقة. وخشى ثابت أن يشتد قومه في إعناته ففر إلى قرية كفر توثا بالقرب من دارا. ويقال إنه لقى في رجوعه من رحلة من بوزنطة إلى بغداد محمد بن موسى ابن شاكر وأن محمدًا عرف فيه البصر بعلوم الرياضة واللغة فاصطحبه إلى بغداد ليقدمه إلى الخليفة المعتضد فألحقه المعتضد بمنجمى بلاطه، وأنفق ثابت معظم حياته في بغداد ينقل تواليف علماء الرياضة من اليونان ويشرحها ويؤلف كتبه في الرياضة، ويتوفر على دراساته الفلسفية ويزاول صناعة الطب. وتوفى بها في الثامن عشر من فبراير عام 901 بالغًا من العمر سبعة وستين عامًا. وكان لثابت مقام كبير في بلاط المعتضد انتفع به الصابئة في حرّان وغيرها من البلدان. وقد ألف بالسريانية - وربما كان ذلك قبل أن يغادر حرّان - كتبًا في معتقدات قومه وعباداتهم، وظل بعضها معروفًا لدى ابن العبرى المتوفى عام 1286 هـ، والظاهر أنها ضاعت الآن، ولو أنها بقيت لكان لها أكبر الأثر في دراسة التاريخ الدينى لليونان المتأخرين. وقد أورد شولسون - Chwol son وسوتر Suter وشتاينشنيدر Steinschneider , وبروكلمان - Brock elmann وفيدمان Wiedemann بيانًا بمؤلفات ثابت العربية في الكتب المذكورة في مصادر هذه المادة. وما زال كثير من تواليفه النافعة الجديرة بالنشر باقيًا مخطوطًا. وقد استعرض سوتر هذه المخطوطات في كتابه Mathernotiker

, und Astronamen der Arabes ص 36 وما بعدها. وأورد فيدمان (Wiedemann في Beitraege، جـ 24 - Ueber Thabit ben Qur -ra. sein Leben and sein Wirken, Sit Phys-medizia Soziataet .zungsberiahte d in Erlangen، إرلانكن سنة 1920 - 1921، ص 210 - 217) بيانًا بتواليف ثابت مبوبة بحسب موضوعاتها، وهذا البيان نافع باعتباره إلمامة المبادئ في الدراسة. وفي مصادر هذه المادة ذكر لمانشر من تواليفه وما ترجم. أما خبر سنان بن ثابت وغيره من أفراد هذا البيت المتأخرين فمفصل في كتاب شولسون المسهب Die Ssabier، جـ 1، ص 566 - 510. المصادر: (1) ابن النديم: الفهرست، طبعة فلوكل سنة 1870، جـ 1، ص 272. (2) ابن القفطى: تأريخ الحكماء، طبعة ليبير Lippert سنة 1903، ص 115 - 122. (3) ابن خلكان: وفيات الأعيان، ترجمة ده سلان سنة 184 جـ 1، ص 288. (4) ابن أبي أصيبعة، طبعة ميلر، جـ 1، ص 215 - 224. (5) الشهرستانى: كتاب الملل والنحل، طبعة كيرتون Cureton سنة 1846 جـ 2، ص 202 - 251. (6) , Religionspartheien: Haarbruecker جـ 2، ص 4 - 61. (7) Geschichte der Ar-: Wuestenfeld abischen Aerzte سنة 1840, ص 34 - 36. (8) Die Ssabier: D. Chwolsohn سنة 1856، جـ 1، ص 542 - 567، جـ 2، المقدمة. (9) Die arabischen: M.Steinschneider , Uebersetzungen aus dem Griechischen .Zeitschr. d. Deutsch. Morgenl. Gesells جـ 50، سنة 1896 ص 165 وما بعدها، ص 409 وما بعدها. (10) Das Mathema? ikerverzeichnis: H.Suter. سنة 1892، ص 25. (11) Die Mathematiker: H. Suter and Astronomen der Araber سنة 1900، ص 34 - 38.

(12) Gesch. d.: C. Brockelmann .Arab. Litt , جـ 1، ص (13) Ueber Thabit: E. Wiedemann -ben Qurra, sein Leben and Wirken, Bei truege، جـ 64. S.B.P.M.S إرلانكن سنة 1920 - 1921, ص 189 - 217. (14) Introduction to the: G. Sarton History of Science، جـ 1, 1927 م، ص 599. (15) Vorlesungen: M. Cantor. جـ 1، سنة 1894, ص 661, 691. (16) Vorlesungen A. Braunmuehl tueber Geschichte der Trigonometn سنة 1900، ص 46، 58, 81. (17) History of the: L.E. Dickson Theory of Numbers، سنة 1919, جـ 1، ص 5، 36. (18) Notice sur une T. Woepcke a theeorie aloutee par Thabit `arithmetique speculative des Grecs في. jour. Asiat جـ 20، سنة 1852 م، ص 420 - 429. (19) Das fuenfte Buch der: L. Nix , Xonica des Apollonius von Perna etc ليبسك سنة 1889. (20) Les origines de la T. Duhem statique، جـ 1، سنة 1905، ص 79 - 92. (21) Plametary Systems: Dreyer, سنة 1906, ص 276. (22) Ueber die He-: E. Wiedemann d.G.f. belgesetze bei den Muslimen, Arch Nw، جـ 1، سنة 1909, ص 211. (23) Die: C. Pruefer & M. , Meyerhof، angebliche Augenheibkunde des Thabit , Centralb. f. Augenheilkund جـ 35، سنة 1911, ص 4، 38. (24) Die Schrift ue-: E. Wiedemann ber den Qarastun. Bibl. Mta، جـ 12، سنة 1912، ص 21 - 39. (25) Systeme du Monde: Duhem، جـ 2، سنة 1914 م ص 117 - 119، 238 - 246. (26) Ueber die Aus-: H. Suter، messung der Parabel von Thabi .s.B-P-M-.S، جـ 48، إرلانكن سنة 1918 م، ص 65 - 86.

الثعالبى

(27) Schrift ueber T. Buechner Die , den Qarastun. S.B.P.M.S، جـ 52، إرلانكن سنة 1921, ص 141 - 188. (28) Ue-: E. Wiedemann & J. Frank Konstruktion der Schattenlinien ber die auf horizontalen Sonnenuhren von Thabit ben Qurra, Kgl. Danske Vid. Selskab، جـ 4، سنة 1922. (29) Thabits Werk ue- A. Bjoernbo ber den Transversalensatz, إرلانكن سنة 1924. (30) Graeco-arabische: G. Schoy Studien Isis، جـ 8, 196, ص 35 - 40. (31) Die trigo-: G. Schoy nometrischen Lehren des ... Al-Biruni. هانوفر سنة 1927, ص 74 وما بعدها. [رسكا J. Ruska] الثعالبى نسبة ثلاثة من مصنفى العرب: 1 - أبو منصور عبد الملك بن محمد بن إسماعيل، من أوفر كتاب القرن الخامس الهجرى (الحادي عشر الميلادي) إنتاجًا، وكل ما نعرفه من سيرته أنه ولد عام 350 هـ (961 م) في نيسابور، وتوفى عام 429 هـ (1038 م). وله مصنفات كثيرة تناول فيها مؤلفات أسلافه في غير ما بصر أو روية، وكثيرًا ما كان ينقل في إحداها ما قاله في الأخرى. وانصرف إلى الكلام عن الشعر في عصره، ولكنه عنى أيضًا بعلوم اللغة والبلاغة. وأشهر تصانيفه وأهمها في نظرنا كتاب "يتيمة الدهر في محاسن أهل العصر" وقد تناول فيه شعراء عصره ومن سبقهم، ورتبهم بحسب أوطانهم، وهو في جوهره ديوان وتراجم مختصرة جدًّا في الأغلب. وتعددت نسخ هذا الديوان شأنه في ذلك شأن معظم الكتب التي من نوعه، ويتضح لنا من هذا قول ياقوت (إرشاد الأريب، جـ 2, ص 320) إنه قرأ القصة الواردة في نسخة دمشق (جـ 3، ص 33) بالقاهرة في نسخة أعطاها إلى ياقوت بن أحمد بن محمد، ولم ترد هذه القصة في النسخ المعروفة. ونزيد على المخطوطات التي ذكرها برتش (Pertsch:

Verz. der ar. Hss. zu. Gotha رقم 2127) وبروكلمان (gesch. d. -Brockelmann .Arab. Lit، جـ 1، ص 284) مخطوطات باريس (Catalogue des mss. ar.: Blochet des nouvelles acquisitions, باريس سنة 1925) تحت رقم 6442؛ وكمبردج (Handlist: E. G. Browne , 1900) تحت رقم 1224. والمخطوط الذي في حوزة نيكلسون (Nickolson. مجلة الجمعية الملكية الأسيوية سنة 1899، ص 912) والمختصر الذي لا يعرف صاحبه الموجود في المتحف البريطانى تحت رقم 7743, مخطوطات شرقية (descriptive List)، ص 61). ونزيد على النسخة المطبوعة (دمشق سنة 1304 هـ) فهرس المولوى أبي موسى أحمد الحق الموسوم بفائدة العصر، وهو فهرس شامل للأشخاص والأماكن والكتب و ... إلخ الواردة في يتيمة الدهر ديوان الثعالبى المشهور (كلكتة سنة 1915، مكتبة وزارة الهند، لم يتعرف عليه، رقم 1215). وصنف الثعالبى نفسه أول ذيل لكتابه ووسمه بتتمة اليتيمة، وقد ذكر ياقوت هذا الذيل (ياقوت: إرشاد الأريب، جـ 6، ص 411) وهو مخطوط في باريس تحت رقم 3308 (انظر حاشية ميرزا محمد على جهار مقاله للسمرقندى، ص 129؛ وانظر عن مخطوط حلب. Revue de l'ac ar. de Damas, جـ 7، ص 529 - 535) ويعرف بالذيل فقط في مخطوطات أخرى مثل مخطوط برلين (. Gesrh . d Arah. Lit. الموضع نفسه؛ وانظر أيضًا: البدر، تونس سنة 1340 هـ, جـ 1، ص 2، 38 وما بعدها). وصنف بالباخَرْزى ذيلًا آخر لليتيمة يتفق بعضه وما جاء في التتمة. وللثعالبى ديوان رتبه بحسب الموضوعات سماه "كتاب أحسن ما سمعت" والمخطوط الموجود منه في مكتبة كوبريلى (انظر Mitteilungen des Son. fuer: Rescher oriental. Sprachen. Qestasiat studien جـ 4, ص 264) أكبر من المخطوط الموجود في دار الكتب المصرية في القاهرة (القاهرة سنة 1324 هـ) وقد ترجمه رشر (O. Rescher في Et-Taalbi, جـ 3، ليبسك سنة 1916). ولهذا الكتاب ذيل هو "كتاب غاب عنه المطرب" وهو مخطوط بخط المؤلف موجود في

جامع لاله لي بإستانبول (رقم 1946. انظر La Monde Oriental: Rescher جـ 7، ص 105) وقد طبع في مجموعة "التحفة اليهية" (إستانبول سنة 1302 هـ, ص 230 - 294) وفي بيروت سنة 1309، وترجمة رشر (Rescher في Oriental Le Monde جـ 17، ص 31 - 198؛ جـ 18, ص 81 - 109). وله دواوين من هذا القبيل لم يذكر فيها أسماء الشعراء مثل "كتاب خاص الخاص" (القاهرة سنة 1326 هـ) و"كتاب الُمنْتَحَل" وقد طبع عليه حاشية أحمد بن علي بعنوان "المنتخَل في تراجم شعراء "المنتَحل" الإسكندرية عام 1321 هـ. و"كتاب طرائف الطرف" وهو مخطوط في آياصوفيا تحت رقم 3767 Zeitschr. d. Deutsch. Morgenl) .Gesells جـ 64، ص 504) وفي مكتبة كوبريلى تحت رقم 1336 (. Mitteilungen des sem. fuer oriental Sprchan, Weatestat. Studien جـ 14، ص 176) وفي طوب قابى سراى (Rivista degli studi orientali جـ 4، ص 696). وقد صنف الثعالبى للكتَاب "كنز الكتاب" وهو 2500 قطعة من الشعر لمائتين وخمسين شاعرًا (Die: Fluegel Hofbibliothek zu ءول ar. etc. Hss. der KK wien, رقم 242) وكتب الشاعر التركى لامعى شرحًا لهذا الكتاب (انظر Lit. Turch.: Toderini جـ 2، الذيل، 34). ونذكر في هذا المقام أيضًا نثره لأشعار الديوان المعروف بمؤنس الأدباء لمصنف غير معروف، وقد فعل هذا صدوعًا بأمر أبي العباس خوارزمشاه، وسص هذا النثر "نثر النظم وحل العقد من مختار الشعر الذي يشتمل عليه الكتاب المترجم بمؤنس الأدباء، وقد طبع بدمشق عام 1300 هـ، وفي القاهرة عام 1317 هـ. والطائفة الثانية من تواليف الثعالبى كتب أدب قصد بها إزجاء الفراغ، وفيها مع ذلك أخبار شتى نافعة، ونخص بالذكر منها القصص التاريخي، ومن هذه التواليف "كتاب لطائف المعارف"، طبعة ده جنكث p. de Jong ليدن سنة 1867؛ و"كتاب الفرائد والقلائد" أو "كتاب العقد النفيس ونزهة الجليس"، طبعة القاهرة سنة 1317 (على هامش

نثر النظم)، سنة 1314؛ "وكتاب المبهج" أو "المبهج" طبعة إستانبول من غير تأريخ، وطبعة القاهرة سنة 1324 هـ؛ ومؤلفان في مدح الأشياء وذمها، وهو ذلك الموضوع القديم من موضوعات ادب المدارس، وعنوانهما "كتاب اللطائف والظرائف" و"يواقيت المواقيت". ونضيف إلى مخطوطات هذين الكتابين التي ذكرت في. Cat codd. ar. bibl. ac. Lugd. Batavae تحت رقم 455: مخطوط باريس، الموضع نفسه، تحت رقم 5934، ومخطوط بطر سبرغ تحت رقم 857، ومخطوط نيكلسون (Journ. Roy. Asiat-: Nickolson , ic Soc سنة 1899, ص 913) ومخطوط هاوبت Haupt تحت رقم 268. وقد ضم الكتابين إلى بعضهما رجل مجهول، وهذا المخطوط موجود في ليدن تحت رقم 456 كما ضمهما أبو نصر أحمد بن عبد الرازق المقدسي. وقد طبع الكتاب الثاني على الحجر في بغداد عام 1282 هـ ووسم بعنوان الأول، وطبع باسم بولاق عام 1296 وفي القاهرة عام 1300 هـ. ثم نذكر أخيرًا "كتاب غرر البلاغة وطرف البراعة" وهو مخطوط في برلين تحت رقم 8341 أو "غرر البلاغة للنظم والنثر" (هكذا جاء اسمه في مخطوط مكتبة كوبريلى 1290؛ انظر Rescher: .Mitteilungen des Sem. fuer oriental Sprachen, Westasiat. Studien، جـ 14 ص 197) ويضاف إلى هذا العنوان "والبراعة" (هكذا في مخطوط المتحف البريطاني، . Descriptive List, ص 63) ومنه مخطوط آخر في حوزة نيكلسون (Journ. Roy. As. So: Nickolson سنة 1899, ص 912). وقد نسب إليه خطأ في "خمس رسائل" طبعة إستانبول سنة 1307 هـ وعلى هامش "نثر النظم" القاهرة سنة 1317 هـ "كتاب الأمثال" القاهرة سنة 1327 هـ و"كتاب الفرائد والقلائد" للأهوازى المولود عام 544 هـ (1053 م) كما نسب إليه خطأ أيضًا كتاب "محاسن المحاسن" وذلك في مخطوط رقم 1873 بمكتبة كوتا (Zeitschrift fuer Semitistik. جـ 3، ص 78, 254). وصنَّف الثعالبى أيضًا مجموعات من الكلم والأمثال نخص بالذكر منها كتاب

التمثل والمحاضرة (يضاف إلى المخطوطات المذكورة في , Cat. Lugd تحت رقم 454 مخطوط باريس رقم 6019 و"كتاب أحاسن كلم النبي والصحابة والتابعين وملوك الجاهلية وملوك الإسلام والوزراء والكتاب والبلغاء والحكماء والعلماء (. Cat. Lugd, رقم 453؛ باريس رقم 8201, 8202) وقد نقل هذا الكتاب " Talibii syntagma "dictorun brevium وانظر et acutorum طبعة l.l .P. h. Valeloh ليدن سنة 1844. وقد ضمن الكتاب كتابًا أكبر منه هو "كتاب الإعجاز والإيجاز، طبع ضمن "خمس رسائل"، إستانبول سنة 1301 هـ, والقاهرة سنة 1897، وله من هذا النوع من التواليف "كتاب حلية المحاضرة وعنوان المذاكرة وميدان المسامرة" (باريس تحت رقم 5914) و"كتاب لطائف الصحابة والتابعين" (انظر، - Selectae Thaalebii libro face tiarum طبعة P.Cool في مختارات الملحقة بـ Grammatica arabica: Roodra. ليدن 1835 م)، وطبع شيخو مجموعة أخرى في الحكم في مجلة المشرق (جـ 5, ص 831 - 834). ثم إن الثعالبى ألف كتابًا في الأدب سماه "مؤنس الوحيد" (في حاجى خليفة رقم 54 و 134) والظاهر أنه هو المخطوط المحفوظ بكامبردج) Suppl.: Browne Handlisi) تحت رقم 1287. أما النص الذي نشره فلوكل Fluegel بعنوان Der vertaute Gefaehrte des Einsamen فما هو إلَّا قطعة من محاضرات الراغب الإصفها في (انظر Gildemeister في. iZeitschr. d. Deutsch. Morg, في. Gesells رقم 34، ص 171). ويقول حاجى خليفة (رقم 343 و 7) أنه ألف في أخبار الأمراء كتابًا سماه "سيرة الملوك" أو "الكتاب الملوكى" وبقى علينا أن نبحث: هل "سراج الملوك" وهو مؤلف في الأخلاق نسب في مخطوط المتحف البريطانى (فهرس المخطوطات الشرقية رقم 6368 Descriptive List ص 64) إلى الثعالبى هو عين الكتاب الذي نحن بصدده؟ ويكمل سيرة الملوك "كتاب الوزراء" (كوتا، رقم 1886). ومن كتب الأدب الصغيرة التي ألفها الثعالبى "كتاب مرآة المروات وأعمال

الحسنات" المطبوع بالقاهرة عام 1318 هـ؛ و"كتاب برد الأكباد في الأعداد" المطبوع في إستانبول سنة 1301 هـ. وتشمل الطائفة الثالثة تواليفه في فقه اللغة بمعناه الضيق، وأشهرها كتاب في المترادفات العربية ألفه في أخريات أيامه وسماه أول الأمر "شمس الأدب في استعمال العرب" وهو قسمان: قسم في المترادفات بمعناها الضيق وعنوانه "أسرار اللغة العربية وخصائصها" وقسم في ملاحظ على الأسلوب عنوانه "مجارى كلام العرب برسومها وما يتعلق باهنحو والإعراب منها والاستشهاد بالقرآن على أكثرها" وجل هذا القسم منقول بحذافيره من كتاب فقه اللغة لأحمد ابن فارس. والكتاب في أقدم صوره لا يوجد إلَّا في ليدن (مخطوط رقم 66) وبرلين (رقم 7032 - 7033). ثم نشر الثعالبى القسم الأول بمفرد , بعنوان "فقه اللغة" وراج في صورته هذه رواجًا عظيمًا. (- Prooemium et Specimen lexici syn onymici arabici atthalibi, ed., vertit, notis , illustravit J. Seligmann أبسالا سنة 1863؛ schriften: Fleischer، Kleine. جـ 3، ص 152 - 166. والنسخ المطبوعة، باريس عام 1861 م (طبعة (R. Dahdah والقاهرة سنة 1284 هـ, 1317 هـ (وعلى هامشه النسخة الأصلية "أسرار اللغة") 1325 هـ, وطبع في بيروت سنة 1885 طبعة مختصرة. وقد نشر في طبعتى القاهرة سنة 1284 هـ, 1325 هـ أيضًا القسم الثاني من النسخة الأصلية بعنوان "سر العربية في مجارى كلام العرب وصلتها والاستشهاد بالقرآن على أكثرها" كما طبع أيضًا في طهران بعنوان "سر الأدب في مجارى علوم العرب" مع "السامى في الأسامى" للميدانى، وهي طبعة حجرية غير مؤرخة، ونجده منفردًا في مخطوط بباريس (رقم 5989) وفيه خطأ في العنوان إذ قيل "مجازى" بدلا من "مجارى" ووقع هذا الخطأ في غير هذا المخطوط (مثل حاجى خليفة، طبعة فلوكل، جـ 4، ص 590). ونظمه ناظم مجهول عام 742 هـ (1341 م) بعنوان "نظم فقه اللغة" (مخطوط بليدن تحت رقم 67؛

انظر Orient: Weijers جـ 1، ص 360 وما بعدها). وفي عام 400 هـ ألف في نيسابور لمأمون بن مأمون خوارزمشاه رسالة في البلاغة مع الإشارة بصفة خاصة إلى الكتابة وتعرف في المخطوطات حينًا باسم "الكفاية في الكناية" (هكذا في مخطوط باريس رقم 5934) وحينًا باسم "النهاية في التعريض والكناية" (هكذا في المتحف البريطانى، الملحق رقم 1110, 1111) ويكتفى حينًا بـ "الكناية والتعريض" (هكذا في برلين رقم 7336). وطبعت بالعنوان الأخير في مكة عام 1301 هـ وفي القاهرة عام 1326 مع "المنتخب من كناية الأدباء وإشارات البلغاء" للجرجانى. وللثعالبى أيضًا مجموعة من التعابير العربية الرشيقة عنوانها "كتاب سحر البلاغة وسر البراعة" (يضاف إلى المخطوطات المذكورة في. Gesch. d. Arab. Litt جـ 1، ص 285: رقم 7 في القاهرة، انظر فهرست دار الكتب جـ 4، ص 183؛ مخطوط باريس رقم 6724 وقد أخذت منه مقتطفات في إستانبول: انظر Verz: Reuther، جـ 1، ص 32، س 2). وللثعالبى أيضًا مجموعة في المضاف والمنسوب عليها شروح، وقد سماها "ثمار (ثمر) القلوب في المضاف والمنسوب" وأهداها للأمير عبيد الله بن أحمد الميكالى المتوفى عام 436 هـ (1044 م) ويضاف إلى مخطوطاته المذكورة في. Gesck. d. Arab. Lit. جـ 1، ص 285، رقم 9، مخطوط باريس رقم 5942، ومخطوط كمبردج، ملحق فهرس مكتبتها رقم 354، ومخطوط بر وسه. O. B. K. جـ 7، ص 81) وقد طبع بالقاهرة عام 1320 هـ. ولهذا الكتاب ذيل عنوانه "التذييل المرغوب من ثمر القلوب"، وهو يجمع أسماء أعيان الرجال (مخطوط بباريس رقم 6029) وله أيضًا موجز عنوانه "عماد البلاغة" ألفه عبد الرءوف المناوى المتوفى عام 1031 هـ الموافق عام 1622 م (انظر , Codd. ar. bibl. reg. hafn رقم 206؛ Re- vue de l`ac- ar. de Damas. جـ 7، ص 574؛ فهرس دار الكتب المصرية، جـ 3، ص 3 - zeitschr. d. deutsch. Mor genl Gesells، جـ 68، ص 855 فيما يختص بمخطوط ببروسه). وقد رتبه

على أحرف الهجاء محمد أمين المحبى المولود عام 1699 ووسمه بـ"ما يعول عليه في المضاف والمضاف إليه" ومنه مخطوطات في القاهرة) فهرس دار الكتب المصرية، جـ 3، ص 285) وفي طوب قابى رقم 2455؛ في عاطف رقم 2447 (Rivista Degli studi orientali , جـ 4، ص 727؛ Melanges de la Faculte .Orientale de Beyrouth، جـ 5، ص 496) وفي آياصوفيا رقم 4136 (Le Monde Oriental، جـ 7، ص 132). المصادر: (1) ابن خلكان: وفيات الأعيان، بولاق سنة 1299 هـ، ص 354. (2) الدميرى: كتاب الحيوان، جـ 1 ص 163. (3) Goettinger: Wuestenfeld Gelehrte Anzeigen سنة 1837 ص 1103. رقم 15. (4) الكاتب نفسه: Geschichtschreiber der Araber رقم 191. (5). Gesch. d. Arabisch. Litt جـ 1 ص 281 - 286. 2 - أبو منصور الحسين بن محمد المرغنى نسبة إلى مرغن من أعمال الغور في أفغانستان: مؤرخ عربي لا نعرف عنه إلَّا أنه أهدى كتابه "غرر السير" إلى نصر أخي محمود الغزنوى الذي توفى عام 412 هـ (1021 م). وهو في التاريخ العام من آدم إلى محمود بن سبكتكين. والجزء الأول منه في إستانبول في مكتبة إبراهيم باشا رقم 916، وفي باريس رقم 5053. ونشر زوتنبرغ الجزء الخاص بتاريخ فارس (Histoire des rois de Perses. باريس سنة 1900). وحاول في المقدمة التي صدر بها هذه الطبعة أن يثبت أن هذا الكتاب للثعالبى صاحب الترجمة الأولى، ولكن أدلته ليست مقنعة. وهذا الجزء من الكتاب كبير الشأن بصفة خاصة لأنه يذكر في عدة مواضع المصادر التي استقى منها الفردوسى في الشاهنامه، وكان في ذلك أدق حتى من الطبري. والظاهر أن المؤلف قد نقل بالحرف أو كاد كتاب الملوك الذي صنفه أربعة كتاب لصاحب طوس أبي منصور محمد بن عبد الرزّاق، ولكنه نقل أيضًا

عن الطبري والجواليقى وغيرهما من مؤلفى العرب دون تمحيص. ولم يبق من مصنفات الثعالبى الأربعة التي نسبها إليه حاجى خليفة (رقم 8592، طبعة فلوكل، جـ 4، ص 319 وقد أخطأ فسماه المرعشى) إلَّا مصنف واحد في مكتبة بودليان (d'orv، جـ 10، ص 2) وهو يتناول الحوادث من عام 74/ 75 هـ إلى عا 158 هـ. والفضل كل الفضل أن نتحلل مما التزمه مؤرخو العرب من تقييد الحوادث بالسنين وأن نسوق التاريخ في مجراه الذي خطته نفوس البمثمر. وقد نشر هوتسما - Hout sma من هذا المصنف أخبار بهآفود (fur die Kunde des Wiener Zeitschrift morgenlandes . جـ 3، ص 30 - 37). المصادر: (1) Das iranische Na-: Th. Noeldeke , tionalepos ص 41 وما بعدها. (2) Un manuscritto arabo: Caetani non identifacto della Bodleiana in Oxford, "il "Ghurar al Siyar في Centenario del- , la nascita di Michele Amari باليرمو سنة 1910، جـ 2، ص 364 - 372. (3) وقد نشر كابرييل Gabriele في Rendiconti della Reale Academia der , Lincei Classe di sc. mor. stor. e filol. السلسلة الخامسة، جـ 15، ص 1138 وما بعدها بيانًا دقيقًا بمحتويات تاريخ الثعالبى وزعم بأن اتفاق الغرر وثمار القلوب ولطائف المعارف (ص 30، انظر V. Mzilk في Wiener Zeitschr. fuer die Kunde des Morgenlandes, جـ 20، ص 310) في القول بأن "الحمار" هو مروان الثاني يدل على أن الثعالبى صاحب الترجمة الثانية هو عين المترجم له الأول. 3 - عبد الرحمن بن محمد مخلوف الجعفرى الجزائرى، فقيه من أهل شمال إفريقية ولد في الجزائر عام 788 هـ (1386 م) وبدأ الدرس منذ عام 802 هـ (1399 م) في بجاية وتونس والقاهرة، ثم خرج من القاهرة فحج ورجع إلى تونس وتوفى عام 873 هـ الموافق 1468 م (هكذا كتب على قبره، أما أحمد بابا فيقول إنه توفى عام 875 هـ). وأهم تواليفه التفسير الذي أتمه في الخامس والعشرين من

ربيع الأول عام 833 ديسمبر عام 1429) وسماه "الجواهر الحسان في تفسير القرآن" ويضاف إلى مخطوطاته المذكورة في Gesch. d. Arab Litt جـ 2، ص 249؛ 5، 1، مخطوطات: باريس رقم 5283 و 5389؛ والإسكوريال، رقم 1324, وفاس، مكتبة القرويين رقم 126؛ 127، والجزائر رقم 132/ 137. ومن كتبه المطبوعة كتاب في أمور الآخرة اسمه "العلوم الفاخرة في النظر في أمور الآخرة" القاهرة سنة 1317 - 1318 هـ، وجزء من كتابه في الأخلاق المسمى "جامع الأمهات في أحكام العبادات" عنوانه "نبذة من الجامع الكبير" ولم يبين مكان طبعه، سنة 1911. ويضاف إلى رسائله المذكورة في. Gesch. d. Arab. Litt: رسالة في التعريفات وهو في توينكن (Seybold: Verz، رقم 19, 2) و"الأنوار المضيئة الجامعة بين الشريعة والحقيقة"، فاس، القرويين، رقم 610. المصادر: (1) أحمد بابا التمبكتى: نيل الابتهاج في تطريز الديباج، طبع على الحجر في فاس عام 1317 هـ, ص 148 - 151. (2) محمد الحفناوى: تعريف الخلف برجال السلف، القاهرة 1324 هـ 1906, ص 63 - 68. (3) Les edifices religieux A. Devoux de l'ancien Alger، الجزائر سنة 1870، ص 37 - 48. (4) a l'histoire: Barges Complement de Beni Zeiyan ص 394 - 396. (5) Essai sur la lit-: Cherbonneau terature في - Annuaire de la societe cheologique de Constantine جـ 2، سنة 1855, ص 45 - 46. (6) Basset .R: Giorn. d. soc. as. it جـ 10، ص 54. [بروكلمان C. Brockelmann]

الثنوية

الثنوية أسسها، الفرق التي تفرعت عنها. أثرها في الإسلام لعل الذي دعا إلى جعل "الثنوية" مادة من مواد دائرة المعارف الإسلامية، مع أن هذه النحلة لا تتفق والإسلام الذي يقوم على التوحيد، أن المسلمين عرفوها في بلاد فارس التي فتحها الله عليهم وعنوا بالرد عليها حين أسرها كثير ممن دخلوا في الإسلام خوف السيف أو الاستذلال. وأهل الحق من المسلمين فيما ذهبوا إليه من حدوث العالم كله: أجسامه وأعراضه، لا يخالفون الثنوية وحدهم في قولهم بأصلين أزليين خالقين للعالم وما فيه من خير وشر، كما أن في الإنسان صراعًا بين العقل والهوى أي بين مبدأ للخير وآخر للشر؛ بل يخالفون كذلك الدهريين الذين يقولون بأزلية العالم على ما هو عليه في أفلاكه وكواكبه وأركانه، وأصحاب الهيولى من الفلاسفة الذين يرون أن هيولى العالم قديمة، وأهل الطبائع القائلين بقدم التراب والماء والنار والهواء (¬1). ومهما يكن، فالحاجة ماسة للتلعيق على هذه المادة، مع مراعاة الإيجاز. أولًا - لم يقل بالثنوية من أصحاب مذاهب التفكير ثلاثة فقط - هم: الديصانية والمانوية والمزدكية - بل قال بها هؤلاء والمرقونية أيضًا كما ذكر الرازي الذي يجعل الثنوية فرقًا أربع: هؤلاء الثلاث والرابعة المرقونية (¬2)؛ وقال بها كذلك الباطنية والحائطية. وكل هؤلاء يرجعون فيما ذهبوا إليه من هذين الأصلين القديمين إلى النحلة الزرادشتية؛ لذلك وجب أن نجلو هذه النحل بكلمة عن كل منها، بادئين بالزرادشتية إذ كانت أقدمها جميعًا. (أ) تنسب الزرادشتية إلى زرادشت مصلح أقوم الأديان الفارسية، وهو - كما يقال - رجل من أهل أذربيجان ¬

_ (¬1) أصول الدين للبغدادى ص 59 طبع استانبول سنة 1928 م. (¬2) اعتقادات فرق المسلمين والمشركين ص 88 - 89 طبع مصر عام 1938 م.

عاش في القرن السابع أو الثامن أو العاشر قبل الميلاد. كان هذا المفكر يرى أن النور والظلمة -أو يزدان وأهْرمَن - هما مبدآ العالم، وأنهما متضَادان وأزليان، وبامتزاجهما حصلت تراكيب العالم وصوره المختلفة، وأن هذين المبدأين - على ما يرى بعض الباحثين - يرجعان في خلقهما وإبداعهما إلى خالق واحد لا ضد له ولاند وهو الإله الأعلى، وأنه أخيرًا كان -أي زرادشت - نبي إله الخير ورسوله (¬1). (ب) وجاء بعد زرادشت بزمن طويل ديصان أوابن ديصان - نسبة إلى نهر ولد عليه كما يذكر ابن النديم (¬2) - وإليه تنسب الفرقة الديصانية. والمذهب الذي تدعو إليه هذه الطائفة ثنوى في أساسه، إلَّا أنها بعد الإجماع على أن النور، أو إله الخير، يفعل الخير بقصده واختياره وأن الظلمة أو إله الشر يفعل الشر عن طبع واضطرار منه (¬3)، حاولت أن تجد علة لامتزاج مبدأ الخير بمبدأ الشر، فذهب جماعة منها إلى أن النور قصد إصلاح الظلمة فخالطها مختارًا وعز عليه بعد هذا أن يخرج عنها، وذهبت جماعة أخرى إلى أن النور أحس بنتن الظلمة وخشونتها فأراد أن يبعدها عنه فكان الاختلاط والامتزاج الذي لم يكن يقصد إلى شيء منه (¬4). (جـ) ثم كانت المانوية التي تنسب إلى "مانى" الذي ظهر بعد ابن ديصان بنحو ثلاثين عامًا. ولد مانى ببابل وتأثر في مذهبه بالمجوسية وبرأى يوحنا المعمدان في المسيحية (¬5) وبشئ من البرهمية والمانوية ترى في الأصلين اللذين كان منهما العالم، أنهما أزليان وأبديان، وأنهما قوتان وسميعان وبصيران (¬6) ولها بعد ذلك رأيها في امتزاج الخير بالشر وسببه وفي خلاص النفس وسببه أيضًا، وهذا الرأى الذي تراه ذكره الشهرستانى بتوضيح (¬7) فإليه يرجع من يشاء. وكذلك أطال ابن النديم في محاولة بيان ما كان من خلق الإنسان القديم، ¬

_ (¬1) الملل والنحل للشهرستاني طبعة مصر جـ 2. ص 77 - 78, والرازى ص 79، والفلسفة في الشرق للأستاذ "ماسون أورسيل M.oursel" ص 71 - 72 طبع باريس. (¬2) الفهرست طبع مصر ص 458, 474. (¬3) الشهرستاني 2: 88. (¬4) الفهرست ص 474 والشهرستانى 2: 88. (¬5) أورسيل: 74. (¬6) الشهرستاني 2: 81. (¬7) الشهرستاني 2: 83 وما بعدها.

والحرب بين النور والظلمة وأعوان كل منهما، ثم ما كان من خلق آدم وحواء وسائر العالم (¬1). (د) وكان بعد هذا المزدكية أتباع مردك الذي ظهر أيام "قباذ" ملك الفرس والد "أنوشروان" المشهور بالعادل، وكان من أمره أن ادعى النبوة، ونهى عن الخلاف والتباغض والقتال، وأظهر الإباحة حتى في النساء، فكانت عاقبته أن قتله الملك هو وأتباعه (¬2). ومع أن المزدكية كانوا يرون ما يراه المانوية من الكونين والأصلين، كما يحكى لنا أبو عيسى الوراق، إلَّا أنهم كانوا يفرقون بين النور والظلمة في صفاتهما وفيما يكون منهما من أفعال. كانوا يذهبون إلى أن النور عالم حساس، والظلام جاهل أعمى، وأن النور يفعل عن قصد واختيار، بينما الظلام يفعل بالصدفة والاتفاق. وأما امتزاج الخير بالشر فقد كان مصادفة واتفاقا. كما يكون الخلاص كذلك أيضًا مصادفة واتفاقًا من غير اختيار (¬3). (هـ) أما المرقونية فهي إحدى الفرق التي تنتظمها الثنوية في رأى الرازي (¬4). وهي فرقة نصرانية رأت أن تخلط بين الثنوية والمسيحية بالأخذ من هذه وتلك؛ إذ أداها النظر والتفكير إلى أن النور والظلمة - وهما أساس العقيدة عندهم - متنافران متضادان، فكيف اجتمعا وكان من اجتماعهما العالم؟ إنهما إذًا لا يجتمعان إلَّا بجامع يكون وسطًا بينهما، لذلك أضافوا إلى هذين الأصلين أصلًا ثالثًا دعوه "المعدل" وجعلوه سبب المزاج، ووضعوه في منزلة فوق النور وتحت الظلمة. وهذا الكون الثالث المتوسط هو الحياة أو عيسى على رأى فريق منهم، أو أن عيسى كان رسوله على رأى فريق آخر (¬5). (و) ثم كان بعد هؤلاء جميعًا الباطنية التي يرى أبو منصور البغدادي أن القائلين بها كانوا أعظم ضررًا على الإسلام من اليهود والنصارى والمجوس وسائر ملل الكفر على اختلافها، وأنهم من الأصناف التي لا يقبل منها إلَّا الإسلام أو السيف (¬6). ¬

_ (¬1) الفهرست ص 459 وما بعدها. (¬2) الرازي ص 89. (¬3) الشهرستانى جـ 2، ص 86. (¬4) اعتقادات فرق المسلمين والمشركين ص 89. (¬5) الفهرست ص 474 - 475، والشهرستانى 2: 89. (¬6) الفرق بين الفرق طبع مصر ص 265، وأصول الدين ص 323.

ويحكى الذين عنوا بأصحاب المقالات من أرباب الملل والنحل أن أرباب هذه النحلة كانوا في الأصل مجوسًا وثنوية، ثم تستروا بالإسلام ليميلوا بالأغمار والضعفة عن دينهم الذي ارتضى الله لهم، ومهدوا لهذا بتأويل نصوص الدين وشرائعه لتضعف الثقة به ويسهل التحول عنه، وإن كانوا في باطن الأمر ينكرون الرسل والشرائع كلها. وقد ظهروا بدعوتهم في صدر الدولة العباسية، وكان من دعاتها الأولين ميمون بن ديصان الذي عرف بالقَدّاح، وكان - على ما يروون - مجوسيًا من سبى الأهواز، وحمدان قرمط وكان من الصابئة الحرانية (¬1): وفي الحق، أن الصلة بين الباطنية والثنوية وثيقة العرى؛ هؤلاء يرجعون العالم إلى مبدأين قديمين، هما إله الخير وإله الشر أو النور والظلمة أو يزدان وأهرمن؟ وأولئك يذهبون إلى أن الله خلق النفس، فصار هو الأول وهي الثاني، وإليهما معًا يرجع خلق هذا العالم وتدبيره؛ أي أن كلا من هاتين الطائفتين الضالتين قال بصانعين قديمين وكل ما بينهما من اختلاف هو في التسمية والتعبير فحسب (¬2). (ز) بقى من هذه الفرق التي قالت بالاثنين والتي أردنا تجليتها، الفرقة الحائطية التي تنسب إلى زعيمها أحمد بن حائط -أو ابن خابط على الخلاف في تسمية أبيه - الذي مات في عهد الواثق بالله العباس، وقد كان اعتزم قتله لما تبين له إلحاده. كان رأس هذه الفرقة معتزليًا, ثم ضل ضلالًا بعيدًا خرج به عن الإسلام؛ فقال بخالقين: أحدهما قديم وهو الله، والآخر مخلوق وهو كلمته أي عيسى ابن الله بالتبنى لا بالولادة. ومن العجب الداعى إلى السخرية أنه جعل لهذا المخلوق - وهو الأصل الثاني الحادث في رأيه - خلق العالم وحساب الناس يوم الدين، أي أنه جعله مخلوقًا وخالقًا ¬

_ (¬1) الفرق بين الفرق: 266 وما بعدها, وأصول الدين: 323. (¬2) الفرق بين الفرق ص 2699 - 270، والتبصير للإسفرايينى طبع مصر بتحقيق الشيخ الكوثرى ص 85.

معًا! (¬1) وكأن ابن حزم أراد توضيح فكرته، فذكر أن الأصل الثاني المحدث هو كلمة الله المسيح التي بها خلق الله العالم (¬2). ومهما يكن من فكرته وتفسيرها فإن البغدادي كان محقًا حين أنكر أن هذا الرجل شارك الثنوية والمجوس في القول بخالقين، وأنه لهذا لا يمكن أن يعد فرقة من فرق الإسلام، كما لا يعد النصارى من الفرق الإسلامية (¬3). ثانيًا - ونحب هنا أن نلاحظ أنه قد تبين مما تقدم: 1 - أنه غير صحيح ما ذكره بعض المستشرقين R. Strothmann من أن البغدادي أخطأ في عبد المرقونية من الثنوية مخالفًا بذلك غيره من مصنفى النحل، فقد رأينا أن ابن النديم والشهرستانى والرازى معه فيما ذكره. 2 - وأن المراد بالصانعين اللذين قال بهما الباطينة يتضح تمامًا إذا رجع الباحث إلى البغدادي في الفَرق بين الفِرق والإسفرايينى في التبصير، وأن هذين الصانعين هما الله والنفس التي خلقها الله وأشركها معه - على ما قال الباطنية - في الخلق والتدبير. 3 - كما يتبين أخيرًا أن البغدادي لم يتعسف - حسبما يقول هذا المستشرق - في تأكيده الطابع المجوسى الوثنى في النحلة الباطنية؛ فقد شاركه في ذلك غيره من مؤرخى أرباب الملل والنحل والأهواء المختلفة، وكل ما بين الباطنية والثنوية من فرق في هذه الناحية هو -كما ذكرنا من قبل- الاختلاف في التسمية والتعبير فحسب. ثالثًا - هذا، وقد أشار هذا إلى ابتلاء المسلمين بالثنوية التي أسرها كثير ممن دخل من فارس في الإسلام كابن المقفع وأمثاله، وهذا حق. لقد ذاعت هذه النحلة بين طائفة من الذين تظاهروا بالإسلام ولم يخالط قلوبهم، ونستطيع أن نذكر لذلك مثلًا عدة مستقين من المراجع الأصلية التي بين أيدينا. ¬

_ (¬1) الانتصار للخياط المعتزلى ص 148، والفرق بين الفرق ص 260. (¬2) الفصل 4: 197 - 198. (¬3) الفرق بين الفرق ص 261.

من هؤلاء أبو حفص الحداد وابن ذر الصيرفى وأبو عيسى الوراق؛ فقد كانوا من القائلين بقدم الاثنين (¬1)، وبذلك اتفقوا مع الثنوية في أساسهم الميتافيزيقى، لا في تحريم القتل فقط كما جاء بالمادة. ومنهم -كما يذكر ابن النديم- ابن طالوت وأبو شاكر وصالح بن عبد القدوس من المتكلمين، وبشار بن برد وسَلْم الخاسر من الشعراء، وأبو يحيى الرئيس وأبو على سعيد وأبو على رجاء يزدانبخت من رؤسائهم في المذهب في الدولة العباسية (¬2). وربما كان منهم -كما ذكر الرازي- ناصر خسرو الشاعر وأتباعه الكثيرون الذين ضلوا بسببه، فقد كانت فرقته من الفرق التي تتظاهر بالإسلام وليست منه (¬3). وإذًا فنزعة التوحيد التي عرف بها لا تمنع من أن يكون في حقيقته ثنويًا، ولا تمنع من وسمه بالثنوية كما جاء بالمادة! وقد أشار الكاتب إلى أن بعض تلاميذ النّظّام كانوا يدعون إلى ثنوية صريحة. ونستطيع أن نذكر أن من هؤلاء التلاميذ، الذين عرفوا بالثنوية فتبرأت منهم المعتزلة، ابن حائط -أو خابط - وقد تقدم الحديث عنه، وفضل الحذاء على ما ذكر الخياط (¬4) أو فضل الحدتى على ما جاء عن البغدادي (¬5) والإسفرايينى (¬6) أو فضل الحربى على ما ذكر ابن حزم (¬7). رابعًا - ولعل من الخير، ، أن نقول كلمة الحق في أمور أو مسائل ثلاث ذكرها الكاتب، وهي: (1) القول بكلمة الله وأنها المسيح لا يفسد التوحيد إفسادًا تامًّا. (2) ما نسبه إلى بعضهم من تفسير آية "الزخرف" ظاهر فساده وبطلانه. (3) الرأى الذي نسبه إلى الغزالى في علم الكلام، من أن هذا العلم ¬

_ (¬1) الانتصار: 150, 152. (¬2) الفهرست: 473. (¬3) اعتقادات فرق المسلمين والمشركين 78. (¬4) الانتصار: 152. (¬5) الفرق بين الفرق: 260. (¬6) التبصر: 82، وفي هامش هذه الصفحة ملاحظة رقم 3 للمحقق الشيخ الكوثرى, أنه الحديثى نسبة إلى بلدة الحديثة على الفرات. (¬7) الفصل 4: 197.

متناقض يتذبذب بين التوحيد والكفر الصريح! 1 - لا ندرى كيف لا يكون الذهاب إلى أن كلمة الله هي عين المسيح إفسادًا تامًّا للتوحيد، مع ما ينسب أصحاب هذه العقيدة للمسيح من الخلق والتدبير، ومع ما ذكره الكاتب نفسه في سبيل التعليل لما يقول من أنه ليس إلَّا خالقًا مخلوقًا وواسطة! أليس في ذلك نقض للتوحيد الذي من معناه وحدة الله في خلق العالم وتدبيره من غير حاجة إلى شريك وإن كان المسيح الذي هو كلمته وروح منه! 2 - أما التفسير الذي عزاه إلى أحد غلاة الشيعة، وهو البيان بن سمعان التميمى، لقوله تعالى في سورة الزخرف الآية الرابعة والثمانون: "وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله" من أن المراد بهذه الآية إثبات إلهين أحدهما للسماء والآخر للأرض، هذا التفسير باطل بشهادة التركيب اللغوي والقرآن والسنة وأصول الدين الذي أساسه التوحيد! ويكفى الرجوع إلى أي مرجع من كتب التفسير المعتبرة، كتفسير أبي المسعود مثلًا، ليظهر المراد بهذه الآية. تناول أبو السعود هذه الآية في الزخرف وأحال في تفسيرها إلى ما ذكره في سورة الأنعام في آية 3 "وهو الله في السموات وفي الأرض". ومن هذين الموضعين يتبين الباحث أن المراد: وهو الله المعبود بحق في السموات والأرض، وهو المالك المدبر فيهما (¬1). وكيف، والآيتان تقولان "وهو" أي هو وحده، ولا أحد معه في شيء من هذا كله! 3 - أما ما نسبه الكاتب أخيرًا إلى الغزالى خاصًّا بعلم الكلام، فلم أعثر عليه فيما لدى من مؤلفات الغزالى وهي عديدة ومعروفة، ومع هذا فالأمر في حاجة إلى تمحيص لخطورة ما حكاه عن حجة الإسلام. لقد جاء في المادة "ويؤكد الغزالى توكيدًا جازمًا أن علم الكلام لا يبت في المسائل، فهو متناقض بتذبذب بين التوحيد والكفر الصريح ... " فأين المرجع الذي نجد فيه هذا التوكيد للغزالى؟ . الحق أن الذي نجده له فيما يختص ¬

_ (¬1) تفسير أبي السعود 2: 120 - 121 طبع القاهرة عام 1938 م.

الثور

بهذا العلم ونفعه لطائفة من الناس وضرره لطائفة أخرى غير ذلك الذي نسب إليه. ففي "المنقذ من الضلال" مثلًا نراه يشير إلى نشأة علم الكلام، ويصفه بقوله: "فصادفته علما وافيا بمقصوده غير واف بمقصدي" وينتهى إلى تقرير أنه "لم يكن الكلام في حقى كافيا ولا لدائى الذي كنت أشكوه شافيا" ولهذا "فلم يحصل منه ما يمحو بالكلية ظلمات الحيرة في اختلافات الخلق" (¬1). وفي "إلجام العوام عن علم الكلام" نجده يشير إلى أن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، مع فهمهم عنه مقاصده ومراميه، بالغوا في الزجر عن البحث فيما سمى بعد بعلم الكلام (¬2) كما نراه يقرر أن "أدلة المتكلمين مثل الدواء ينتفع به آحاد الناس ويستضر به الأكثرون" (¬3) ثم يؤكد أن ما لهج به المتكلمون من تنقير وسؤال وتوجيه إشكال ثم اشتغال كله فهو بدعة وضرره في حق أكبر الخلق ظاهر (¬4). هذا، ومثله كثير، نجده للغزالى مبثوثا في تضاعيف كثير من كتاباته، ولكن أين ذلك كله مما نسبه إليه كاتب المادة من أن علم الكلام متناقض يتذبذب بين التوحيد والكفر الصريح! وبعد، فهذه كلمة موجزة جلينا بها هذه الفكرة (الثنوية) والفِرق التي صدرت عنها، وما كان لها من أثر في الإسلام التي أندست فيه بعد أن استولى على مهدها في بلاد فارس؛ والله ولى التوفيق. محمد يوسف موسى الثور " الثور": كوكبة الثور، وهي الثانية في فلك البروج؛ صورتها صورة ثور ليس له كَفَل ولا رجلان تلتفت رأسه إلى جنبه وقرناه إلى ناحية المشرق، وكواكبه اثنان وثلاثون؛ والخارج عن الصورة أحد عشر كوكبا. ويقال إن على موضع القطع (باليونانية "أكوتومى") منها أربعة مصطفة؛ والحقيقة أن الكواكب المرموز لها ¬

_ (¬1) كل هذا النقول من طبعة دمشق عام 1934 ص 79 - 81. (¬2) طبع القاهرة عام 1351 هـ ص 34، 38. (¬3) نفسه ص 28. (¬4) نفسه ص 29.

ج

ب: ف، س، زيتا، أو مكرون على قوس. والنير الذي على طرف قرنه الشمالي مشترك بينه وبين كوكبة ممسك الأعنة. وعين الثور هو النير الأحمر العظيم وسط مجموعة كبيرة من الكواكب الصغرى، وقد عرفه اليونان باسم Hyades وأطلق العرب عليه أسماء كثيرة. والظاهر أن "الفَنِيق"، وهو الجمل الضخم، اسم عربي خالص والتي حواليه من الكواكب هي "القِلاص" أي صغار النوق. أما الأسماء الأخرى لعين الثور فمتصلة بالثريا، وقد عرف العرب هذه الكوكبة بالنجم، وكذلك سموا عين الثور أيضًا "بحادى النجم"، وتالى النجم " و"الدَبَران". وقد انتقل هذا الإسم الأخير إلى مصوراتنا الفلكية [أي مصورات الغربيين] باسم Aldebarmn - ويسمى الكوكبان المرموز لهما بـ "أوبسلون" و"كبا" اللذان على أذن الثور "الكلبين" أي كلبى الحادي. المصادر: (1) القزوينى: عجائب المخلوقات، طبعة فستنقلد، ج 1، ص 35، ترجمة H. Ethe بعنوان Kosmogrophic، ص 74 (2) Untersuchungen ue-: L. Ideler ber den Ursprung and die Bedeutung der Sternnamen [رسكا J. Ruska] جابر بن حيان " جابر بن حيان"، هو أبو موسى جابر بن حيان الأزدى: صاحب كيمياء عربي مشهور عرف عند نصارى القرون الوسطى باسم جبر Geber, ونسبته الطوسى أحيانا والطرطوسى أحيانا أخرى. ويقال إنه كان من الصابئة، ومن ثم لقبه الحرّانى. ودخل جابر في الإسلام بعد ذلك وأظهر غيرة عظيمة على دينه الجديد. أما لقبه الصوفى فيرجع إلى زمن متأخر عن هذا. وفي رواية أن شيخيه هما خالد بن يزيد بن معاوية المتوفى عام 85 هـ (704 م) ومن ثم لقب بالأموى، وجعفر الصادق. والحق إنه لا بد أن يكون قد عاش بعد خالد بن يزيد، والأرجح أنه

قد نبه شأنه حوالي عام 160 هـ (776 م). ويقول صاحب الفهرست وحاجى خليفة إنه كانت له صلة بالبرامكة. والواقع أننا لا نعرف من حياته شيئًا. وتذهب أوثق الروايات إلى أنه قضى معظمها في الكوفة. وفي الفهرست (ص 354 وما بعدها) رأى يقول إنه لم يوجد قط وإنما كان شخصًا من نسج الأساطير وهو رأى ننكره من فورنا. ونسبت لجابر طائفة من التواليف. وإذا أخذنا بكتاب السبعين لإيو Io (يوحنا) فإن ما وجد منها باللاتينية لا يتفق مع تواليفه العربية، وهو ينبئ عن حلة في علم الكيمياء أرقى مما نلمسه في العربية. وفي مكتباتنا اثنان وعشرون مؤلفا له بالعربية، خمسة منها طبعت وهي كتاب الملك، وكتاب الموازين الصغير، وكتاب الرحمة، وكتاب التجميع وكتاب الزيبق الشرقي. والمذهب المنبث في هذه التواليف -وبخاصة في كتاب الرحمة، الذي لا يشك قط في نسبته إليه- تشبيهى مسرف، أو إن شئت روحانى متطرف، فهو يعد المعدن كائنًا حيًّا، ينمو في بطن الأرض أمدًا طويلا، آلاف السنين، وينقلب من معدن خسيس كالرصاص إلى معدن نفيس كالذهب. وغاية علم الكيمياء الإسراع بهدا الإقلاب. وهو يطبق مذاهب التناسل والزواج والحمل والتعليم على المعدن. وكذلك مذاهب الحياة والموت، ويقول للمواد الغليظة الأرضية "ميتة" أما المواد المنيرة اللطيفة فيشميها حية. ولكل جسم كيميائى نفس وجسم، جزء روحى وجزء مادى، وعمل صاحب الكيمياء أن يفصل هذا من ذاك ويلطفه ثم يعطى لكل جسم الطبع الذي يناسبه. وقد نسبت روايات الفرس لجابر مستكشفات هامة في الكيمياء، مثل ماء الذهب وحامض الكبريت وحامض الأزوتيك ونترات الفضة، ولكن واحدًا منها لم يذكر في الكتب العربية التي تحمل اسمه. وظل هذا شأنها إلى أن ظهرت في المؤلفات اللاتينية التي ترجع إلى أواخر القرن الثالث عشر. وعلى ذلك فإن تقدير نصارى القرون الوسطى لكيمياء المشرق لايستند إلى وقائع مقررة يمكن تمحيصها.

المصادر: (1) L'alchimie: Berthelot et Houdas arabe 1883 (2): Paul Lacroix Sciences et Lettres au moyen-age, باريس سنة 1877، ص 196 وما بعدها (3) Gesch. d. Arab. Litt.: Brockelmann, ج 1، ص 240 ما بعدها. (4) Carra de Vaux, مادة الكيمياء في Encyclopaedia of Religion and Ethics, أدنبره سنة 1908. [كارَاده فو B. Carra de Vaux] جابر: (¬1) هو جابر بن حيان الأزدى الكوفي: من بين التواليف العربية رسائل تنسب إلى جابر بن حيان، تلميذ الإمام الشيعى السادس جعفر الصادق المتوفى عام 148 هـ، إلا أن هذه الرسائل منحولة له. وقد وردت أقدم الشواهد على وجودها في مؤلفات صاحب الكيمياء ابن أميَلْ (المتوفى حوالي عام 350 هـ) وفي كتب المزيف ابن وحشية (حوالي عام 350 هـ أيضًا) وفي الفهرست لابن النديم. وقد نستطيع جمع شتات جل مؤلفات جابر من ثبت أسمائها الوارد في كتاب الفهرست أولًا، يكمله ما بقى من كتبه ورسائله مخطوطة ثانيا، وما ورد في كتبه هو من ذكر تواليفه ثالثا. وتنقسم تواليفه إلى عدة مجموعات أهمها: (1) الكتب المائة والإثنا عشر، وهي مقالات في صناعة الكيمياء لا رابط بينها مع إشارات كثيرة إلى كيمياء القدماء من أمثال زوسيموس وديموقريطوس وهرمس وأغاثوديمون وغيرهم (2) وكتاب السبعين وهو بسط محكم لمذهب جابر في الكيمياء (3) وكتب الموازين المائة والأربعة والأربعون، وهي تتناول بصفة عامة الأسس النظرية للكيمياء والعلوم الباطنة جميعا، كما تتناول بصفة خاصة أسسها الفلسفية (4) وكتب الخمسمائة، وهي رسائل متفرقة كسنقصى بعض مسائل كتب الموازين. وقد يمثل هذه المجموعات الأربع مراحل متعاقبة في تطور مذهب جابر ¬

_ (¬1) تفضل كاتب هذه المادة الدكتور كراوس بمراجعته وأضاف عليه بعض الزيادات.

بن حيان وفي تأليف كتبه. ويضاف إليها مجموعات أخرى صغيرة تتناول إلى جانب الكيمياء شروحا لكتب أرسطو وأفلاطون ثم رسائل في الفلسفة وعلم الهيئة والتنجيم والرياضيات والموسيقى والطب والسحر ثم رسائل دينية. ولا يمكن أن تكون هذه المجموعة الضخمة من الكتب -التي تشمل جميع علوم الأوائل التي نقلت إلى العالم الإسلامي- لمؤلف واحد أو أن ترجع إلى النصف الثاني من القرن الثاني للهجرة. وتدل جميع الدلائل على أن مجموع هذه الكتب قد ألف في آخر القرن الثالث ومستهل القرن الرابع الهجريين. وأول ما تثيره مؤلفات جابر بن حيان من المسائل مسألة تتصل بتاريخ الدين، فكما أن أصحاب الكيمياء القدامى من اليونانيين الذين وصلت إلينا مؤلفاتهم مزجوا تعاليمهم الكيميائية بمذاهب العرفان أو الغنوصية المنتشرة في مسيحية زمانهم، كذلك مزج جابر علومه بنظريات العرفان المنتشرة عند أهل الإسلام. ولم تكن النظريات الدينية التي أخذ بها جابر هي مذاهب العرفان الساذجة التي ظهرت بين الشيعة في القرنين الأولين للهجرة كما يصفها لنا أصحاب الملل والنحل، وإنما هي أقرب إلى مذاهب العرفان المتطورة المخللطة التي كانت فاشية بين غلاة الشيعة في أواخر القرن الثالث للهجرة، وقد اقترنت عندهم بنزعات سياسية من شأنها أن تهز دعائم الإسلام. بأسرها. فقد بشر جابر بقرب ظهور إمام معصوم جديد وليست التعاليم المنبثة في مجموع كتبه إلا عرضا لهذا "الإمام" الجديد الذي من شأنه أن يكون عقليا صرفا وأن تكون مفاتيحه في أيدى الأئمة المعصومين من ذرية على بن أبي طالب. وجابر وثيق الصلة بالقرامطة من حيث مصطلحاته الدينية. وحسبنا أن نذكر بهذه المناسبة أن اسم القرامطة ورد في مؤلفاته، والمعروف عنهم أنهم لم يظهروا إلا بعد عام 260 هـ. فهو يسمى الإمام الناطق ويجعل الصامت قباله. ويطلق على مراتب "الحدود" تلك

الأسماء نفسها المعروفة عند القرامطة والإسماعيلية الفاطمية، أعنى الباب والحجة والداعى المطلق والسابق والتالى واللاحق إلى غير ذلك، كما أنه يقول أيضًا بمذهب "الأضداد"، أضداد الإمام. وانقسم تاريخ العالم عنده بحسب مراحل "الوحى" المتعاقبة إلى سبعة أدوار، آخرها دور "وحى" الإمام الذي يدعو جابر إليه. وكذلك يعتقد أن عدد الأئمة الذين تعاقبوا منذ علي بن أبي طالب إلى القائم الجديد سبعة: الحسن والحسين ومحمد بن الحنفية (كذا) وعلى ابن الحسين ومحمد الباقر وجعفر الصادق وإسماعيل ابن جعفر الذي لا فرق بينه وبين ولده محمد ابن إسماعيل وهو السابع أو القائم المنتظر. وخالف جابر القرامطة والإسماعيلية فلم يجعل عليا واحدلم من هؤلاء الأئمة السبعة. فهو صامت لاهوتى غيبيّ يسمو على الناطق، والأئمة السبعة أشخاص ناسوتية حل هو فيها. وقد وافق جابر في قوله هذا النصيرية إذ يرى رأيهم في "الأقانيم" الثلاثة التي يتجلى اللاهوت فيها: العين (أي عليّ) والميم (أي محمد) والسين (أي سلمان)، وأما السين فهو في رأيه أسمى من الميم. وأما الإمام الذي يدعو جابر إليه والذي يسميه الماجد تارة واليتيم أخرى فهو في مذهبه انبعاث يفيض عن "العين" مباشرة وبلا وساطة، ومنزلته أعلى من "الميم" و"السين". وقد يدين جابر أيضًا بمذهب التناسخ على ما يقوله غلاة الشيعة جميعا ولا سيما النصيرية منهم، وتدل على ذلك المصطلحات الواردة في كتبه في هذا الشأن، مثل التناسخ، والأدوار، والأكوار، والنسخ، والفسخ، والرسخ، والمسخ وما إليها. ويأتى بعد ذلك ما تثيره رسائل جابر من مسائل تتصل بتاريخ العلوم في الإسلام. فقد يشمل مجموع هذه الرسائل دراسة العلوم الآتية: الكيمياء، وهي تأتى دائما في المحل الأول والطب والتنجيم والسحر (علم الطلسمات)، وعلم الخواص (أي القوى الباطنة في بطون الأشياء الطبيعية)، وعلم التكوين (أي تكوين الأحياء بطرق الصناعة).

ولما كانت معرفتنا بما وصل إلينا من هذه العلوم والفنون عن اليونان ضئيلة مشوهة في كثير من الأحوال، فإن لمؤلفات جابر قيمة خاصة فيما تمكننا من التعرف بنواحٍ هامة من العلوم اليونانية ظن الجميع أننا فقدنا آثارها. أما الكيمياء فإن جابرًا يخالف فيها كل المعارف التي وصلت إلينا من كيمياء القدماء. ذلك أنه يستغنى على الإطلاق عن استعمال الرموز والتشبيهات "الهرمسية" التي ترجع في آخر أمرها إلى علوم المصريين القدماء والتي ترد في كتب زوسيموس وغيره من مؤلفى اليونان، وهي الرموز والتشبيهات التي أحياها في الإساوم معظم أصحاب الكيمياء من أمثال ابن أميل وصاحب "مصحف جماعة الفلاسفة" و (Turba philosphorum)، والطغرانى والجلدكى وغيرهم. أما كيمياء جابر فهو علم تجريبى قائم على نظرية فلسفية. وهذه النظرية الفلسفية مأخوذة في معظمها من طبيعيات أرسطو. فجابر يعرف كل أجزاء الكتب الأرسطية وكذلك شروح الإسكندر الأفروديسى وثامسطيوس وسمبليقيوس وفرفوريوس وغيرهم، وهو يأخذ أغلب ما يأخذه عنها مما نقله حنين بن إسحاق المتوفى عام 26 هـ وتلاميذه ويروى أيضًا عن كتب أفلاطون وثاوفرسطس وجالينوس وأوقليدس وبطلميوس وأرشميدس وغيرهم، وبعض هذه الكتب فقد أصله اليونانى. وليس في تواليف المسلمين في الكيمياء كتب ككتب جابر تكشف عن هذه المعرفة الواسعة بتصانيف القدماء أو تمتاز بهذه الإحاطة "الموسوعية". وهي تشبه في ذلك رسائل إخوان الصفاء التي يعرف عنها أنها ترجع إلى مصادر ونزعات شبيهة بالمصادر والنزعات التي تستمد منها رسائل جابر بن حيان. وأما مصطلحات العلوم التي يستعملها جابر فهي عين المصطلحات التي اصطنعها حنين بن إسحاق، وهذه بينة أخرى على أن مجموع كتبه لا يمكن أن يكون قد ألف قبل نهاية القرن الثالث الهجرى.

وأساس علم جابر هو ما يطلق عليه اسم الميزان. ويشمل هذا المصطلح نواحى كثيرة هي أشد ما تكون اختلافا، وهو يدل دلالة واضحة على التوفيق بين المذاهب المتباينة الذي يمتاز به علم جابر. والميزان معناه: (1) الوزن النوعى، ولجابر في ذلك إشارات إلى أرشميدس، (2) ميزان أصحاب الكيمياء القدامى ستاتهموس وهو وزن مقدار الأجساد خلة في خلط أومزاج، (3) مذهب في الحروف العربية المتصلة بأمهات الطبائع الأربع وهي الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة، ولايطبق ميزان الحروف على الأشياء التي تحت الفلك فحسب بل يطبق أيضًا على الأنيات الميتافيزيقية كالعقل والنفس والمادة والمكان والزمان. وقد استقى جابر مذهبه هذا من الفيثاغورية الجديدة ومن النظريات في الجفر المنتشوة عند الشيعة العلوية، (4) الميزان هو أيضًا المبدأ الميتافيزيقى في ذاته، وهو رمز لمذهب جابر في التوحيد العلمي، وهو بهذا المعنى موجَه ضد ثنوية المانوية. والظاهر أن مذهبه في ذلك لم يخل من أثر آراء المدرسة الأفلاطونية الجديدة في شأن الواحد والوحدة، (5) ثم إن الميزان تأويل لما ورد في القرآن من ذكر الميزان في يوم الحساب. وهذا المذهب موجود أيضًا عند أصحاب العرفان من بين المسلمين، وقد توسل به جابر في ربط عقائده العلمية بتعاليمه الدينية. والظاهر أن رسائل جابر لها صلة وثيقة بالعلماء الوثنيين الذين عاشوا في الأوساط الحزانية. فهو يشير بجلاء إلى الصابئة عند ما يسوق جدلهم في بعض مسائل ما وراء الطبيعة. أما المصدر المباشر الذي يستقى منه علومه فكتب منسوبة إلى باليناس الطوانى ولاسيما كتاب سر الخليقة وغيره، وهذه التواليف منحولة ألفت في زمن المأمون على ما يقوله محمد بن زكريا الرازي، وهي خير مصدر لمعرفة تفكير المدرسة الحَرّانية. ويقول جابر إنه تلقى علومه من سيده جعفر الصادق، ويردها جميعا إلى أستاذه هذا الذي يسميه "معدن الحكمة" ويصرح بأنه لم يبق له -أي لجابر- إلا جمعها وترتيبها. فمرتبة

جابر بين "الحدود" الدينية بعد الإمام مباشرة. ثم يذكر جابر أستاذه حربى الحميرى، وكذلك راهبا من الرهبان، ثم رجلًا يدعى أذن الحمار. ويذكر من بين معاصرى جعفر الصادق خالد، ويحيى وجعفر من آل برمك الذين أهدى إليهم بعض رسائله، ثم أفراد آل يقطين من أعيان الشيعة الإمامية. وتدخل كل هذه الروايات في باب الأساطير، وهي تتناقض ومستوى العلوم الواردة في الرسائل. زد على ذلك أنه لم ترد آية إشارة في كتب الشيعة إلى تلميذ لجعفر الصادق يدعى جابرًا بن حيان، والظاهر أن هذه الشخصية محض اختلاق. ومن اليسير أن ندرك السبب الذي جعل مؤلف هذه الرسائل ينسبها إلى تلميذ من تلاميذ جعفر الصادق، فقد كان من عادة الشيعة أن يعتبروا إمامهم جعفر، ممثلًا لعلوم اليونان وبخاصة العلوم الخفية. أضف إلى ذلك أن جعفر، هو والد الإمام السابع إسماعيل الذي تبشر رسائل جابر بقدومه أو رجعته. ويقول ابن النديم صاحب الفهرست إنه كان في عهده أناس يشكون في صحة نسبة هذه الرسائل إلى جابر. وقد ذكر الفيلسوف العالم أبو سليمان المنَطقى المتوفى حوالي عام 370 هـ في "التعليقات" ما مؤداه أنه كان ذا صلة شخصية بمؤلف الرسائل المنسوبة إلى جابر وأن اسم هذا الرجل الحسن بن النكد الموصلى، وما من سبب للشك في صحة هذه الرواية، حتى لو ثبت أن رسائل جابر ليست لمؤلف واحد، أو أن مجموع تواليفه قد مر بمراحل من التطور طويلة قبل أن تثبت على صورتها الحالية، ولعلها ختمت حوالي عام 330 هـ. وقد أثرت رسائل جابر في كيمياء العرب المتأخرة تأثير، كبيرًا. ذلك أن كتاب العرب المتأخرين جميعا ينقلون عنه، وقد كتب كثير منهم شروحًا على رسائله. وترجمت كتب من مجموع تواليفه إلى الاوتينية. على أن الرسائل المشهورة المنسوبة إلى جابر Gaber rex Arabum (جابر ملك العرب) إنما هي نشرة متأخرة لمؤلف لاتينى عاش في القرن الثالث عشر الميلادي.

المصادر: (1) نشر هوداس عدة O. Houdas رسائل لجابر في La: M. Berthelot chemic au Moyen Age, باريس سنة 1893، ج 3، وفعل E.J.Holmyard ما فعل هوداس في The Arabic Works of Jabir ibn Hayyan ج 1/ 1 باريس سنة 1928. (2) وفي سارتن بيان شامل بالمراجع حتى عام 1927 G. Sarton: Introduction to the History of Science، ج 1، ص 532. (3) Die Siebzig Buecher: J. Ruska -Hajjan (Studien zur Ges des Gabir ibn , chichte der Chemie, Festgabe -fuer Edm)Lippmann O.v.، برلين 1927. (4) الكاتب نفسه: Arch. F.) Zahl und Hajjdn Gesch. der Null bei Gdbir ibn Math .. der Naturwiss. u. d. Technik، ج 1، 1929 ص 256 وما بعد ها). (5) Der Zu- J. Ruska & P. Kraus sammenbruch der Dschabir-Legende -Dritter Jahresbericht d. Forschungs -Instituts f Geschichte der Na turwissenschaften برلين سنة 1930). (6) Studien zu Gabir ibn T. Kraus dsis) Hayyan ج 8، ص 1 وما بعدها) وقد تم تحرير هذا المقال في سنة 1933 ومنذ ذلك الحين اهتدى كاتبه إلى نشر نصوص وبحوث أخرى عن جابر وهي. (7) مختار رسائل جابر بن حيان، عنى بتصحيحها ونشرهاب: كراوس (القاهرة 1354 هـ). (8) Jabir ibn Hayyan Con- P. Kraus scientifques كة tribution l'histoire des idees dons I'Lclam. وقد ظهر من هذا البحث المفصل المثلث الأجزاء جزآن إلى الآن في Memoires presentes a 1'Institut , f d'Egypte ج 44 - 45، عام (1942 - 1943. [كراوس P. Kraus]

الجاحظ

الجاحظ " الجاحظ": أبو عثمان عمرو بن بحر مولى كنانة، ويلقب بالجاحظ لجحوظ عينيه: كاتب شهير ومتكلم. وهو من شيوخ معتزلة البصرة. وكان في دراساته الأدبية متأثر، برجال الأدب والعلم بالبصرة المعروفين بـ "المسجديين" لاجتماعهم في المسجد الجامع (البيان والتبيين ج 1، ص 98؛ ج 2، ص 164). وقد قرأ الخليفة المأمون كتب الجاحظ عن الإمامة وقدرها حق قدرها، واستدعاه إلى بلاطه. وابتدأ نجم الجاحظ في الصعود مذ اتصل بابن الزيات وزير الخليفتين المعتصم والواثق من عام 220 هـ. ونبه صيت الجاحظ أديب البصرة، فرعاه هذا الوزير، وكان من رجال العلم، وكفاه مؤونة كل شيء. وكان أكثر مقام الجاحظ في ذلك الوقت في بغداد والعسكر (مصيف الخلفاء في سامرا) وقد تردد أيضًا على دمشق وأنطاكية. ونجا الجاحظ في بداية عهد المتوكل من المصير الذي لقيه ابن الزيات على الرغم من أنه كان ذا صلة بما أودى بمولاه، على أنه استطاع أن يحوز رضا أحمد بن أبي داود قاضي القضاة ومنافس ابن الزيات في الأدب والسياسة، وقد أهدى له الجاحظ ولإبنه أبي الوليد محمد جميع تواليفه. ورغب الخليفة المتوكل في أن يؤدب الجاحظ أولاده ولكنه رجع عن ذلك لدمامته. وفلج القاضي أحمد عام 235 هـ وصرف ابنه عن منصبه عام 237 هـ وكان قد خلف أباه على القضاء. وبدا من الخلفاء في ذلك الوقت ميل إلى الرجوع إلى السنة، وفي ذلك مناهضة للمعتزلة. ونعى الجاحظ على النابتة في رسالته عنهم (نشرها فلوتن Vloten في أعمال مؤتمر المستشرقين الدولى الحادي عشر، القسم الثالث، ص 315 وما بعدها) أنهم درسوا الكلام وردوا به على المعتزلة. وأخذ الاعتزال -الذي كان له سلطان كبير في حاشية الخليفة- يتضاءل على الأيام، وليس من المحقق أن هذا الرجوع إلى الشيعة قد كشف شهرة الجاحظ. وكل مانعلمه أنه عاد إلى البصرة بعد أن أصابه الفالج في جانبه وأنه توفى بها 255 هـ أو عام 250 هـ كما في روايات أخرى بعد أن نيف على

التسعين. ولم ينقطع الجاحظ إلى مهنة يتكسب بها مثله في ذلك مثل معاصره البلاذرى. وإنما كفاه مؤونة العيش ما كان يصله به من أهدى إليهم تواليفه. وإذا أردنا أن نصف مؤلفات الجاحظ على اختلافها قلنا إنه كان أولًا وقبل كل شيء من الأدباء، ذلك أن هذه التواليف -حتى ما كان منها خاصا بمسائل الكلام- أدنى إلى الأدب منها إلى العلم، فهي أحاديث تناول فيها مسائل يومه. وكان الجاحظ -كشيخه أبي إسحاق إبراهيم بن سيّار النظّام- من أوائل المعتزلة الذين درسوا فلاسفة اليونان وخاصة الطبيعيين منهم (أرسطوطاليس). وبقيت من كتب الجاحظ في الكلام نتف نستبين منها أنه كان يستشهد في أحكامه بالتاريخ وبتجاريبه ولا يرضى عن الأحكام القائمة على مجرد النظر (كتاب الحجج في النبوة، كتاب المعرفة، كتاب خلق القرآن، كتاب الرد على المشبهة، كتاب الرد على النصارى- إلخ). وأثبت أيضًا أنه كان خبيرًا بالنفوس، ويصدق هذا على كتبه في الإمامة، فقد بسط فيها أنظار الفرق المختلفة في إنصاف يدعو إلى الإعجاب (المسعودى: مروج الذهب، ج 6، ص 55 وما بعدها). وحاول الجاحظ في مصنفيه "كتاب العرب والموالى" و"كتاب العرب والعجم" أن يقدر قيمة كل من هذين العنصرين الغالبين في بلاد الخلافة بالنسبة للآخر. ومما يدعو إلى الأسف أن هذين الكتابين قد فقدا، ولكنا نعلم أن المؤلف قد دل على أنه كان نصير، متحمسا للحضارة العربية التي تتمثل في الخلافة العباسية (انظر Muh.: Goldziher Stud. جـ 1، ص 169 وما بعدها)، على أن البغدادي قد لامه على مقالاته في تفضيل الموالى على العرب (الفرق بين الفرق، ص 168). ويميل الجاحظ إلى القول بأن الترك عماد الخلافة بعد العرب والموالى (الخراسانيين). وقد دافع في رسالته المسماة "رسالة في فضائل الأتراك" (نشرها فلوتن Vloten, ليدن سنة 1903 في Tria opuscula. auct al-Djahiz (عن فكرة إلحاق الموالى الترك بجيش المسلمين، ودرس في "كتاب البلدان" خصائص وفضائل العواصم الكبرى مكة والمدينة ومصر والكوفة

ودمشق وغيرها. ولم يتخذ الجاحظ علم تقويم البلدان صناعة له (المسعودى، ج 1، ص 206) على انه يتبين من الفقرات التي أوردها في مصنفاته أن ملاحظاته كانت منصبة على الشعوب أكثر منها على أحوال البلدان. وكان الجاحظ عالمًا بالطبيعة والإنسان، ولكنه لم يقصد في كتبه إلى وضع قواعد هذين العلمين، وإنما كان همه إثارة اهتمام القارئ بهما وذلك بتحبيبهما إليه. ومن كتبه في هذا الباب "كتاب الزرع والنخل" و "كتاب الصرحاء والهجناء كتاب السودان والبيضان" و "كتاب النعل" كتاب المعادن". وعالج الجاحظ في "كتاب النساء" موضوعا أدخل في علم النفس، وهو الفرق بين الذكر والأنثى واستعداد كل منهما ونوع الحياة التي تلائمهما. وتناول في "كتاب المسائل" مواضيع من قبيل مايلى: هل الغيرة من طبيعة الإنسان أم هل هي من صنع المدنية ينبغي أن نميز بينها وبين الأنفة والحمية؛ وليس من شك في أن "كتاب الحيوان" (نشر بالقاهرة عام 1323 - 1324 هـ) هو أهم ما بقى من كتب الجاحظ، فهو -مثل كتاب نبات أبي حنيفة- من أول الثمار التي أنتجتها دراسة العرب للطبيعة، وهي دراسة كانت في منشئها. وليس في هذا الكتاب إلا أثر ضئيل من آثار اليونان، على الرغم مما نقله صاحبه عن أرسطو. وفي الكتاب من الشواهد الشعرية مثل مافيه من ملاحظ المؤلف نفسه. وهذا الولع بذكر الشواهد Iaci Prnbantes يذكرنا بالنحاة. وكتاب الحيوان وثيق الصلة بالكلام، لأن المؤلف سعى إلى إظهار وحدة الطبيعة وإلى أن الأجزاء المكونة لها متساوية القيمة في نظر الرائى. وهو لم يكتف بدراسة الحيوانات الكبيرة فحسب، بل أظهر شيئًا من الميل إلى دراسة الحشرات والمخلوقات المتناهية في الصغر. وفي هذا الكتاب نظريات علمية (التطور والتأقلم وعلم النفس الحيوانى) في دور التكوين، وقد اكتملت هذه النظريات في أيامنا هذه. ويجوز لنا أن ندخل في هذا الباب طائفة أخرى من كتب الجاحظ درس

فيها شتى طبقات المجتمع. وفي هذه الكتب أدب ونقد، فهي لذلك من كتب علم الأخلاق وهو العلم الذي أوجده الجاحظ، نذكر منها على سبيل المثال: كتاب اللصوص، غش الصناعات، كتاب الفتيان، كتاب الوكلاء والموكلين، كتاب المعلمين، ورسالة في الكتاب، كتاب المغنين. وقد بقيت الكتب التالية: كتاب الجوارى والغلمان، كتاب القيان، كتاب البخاوء وقد نشره فلوتن Vloten في ليدن عام 1900 وهو في أخبار بخلاء البصرة؛ كتاب أخلاق الملوك وبه تفاصيل هامة عن الآداب المرعية في قصور ملوك الفرس والخلفاء. وهذا الكتاب مشكوك في صحة نسبه إلى الجاحظ والجاحظ من مدرسة ابن المقفع وسهل ابن هارون والعتابى وغيرهم في البلاغة، فقد صاغ تواليفه على أسلوبهم، ونشر كثيرًا من كتبه باسم هذه المدرسة وألف مثلهم رسائل أهداها إلى أولى نعمته. ومن خير تواليفه في هذا الباب (رسالة في المعاد والمعاش، رسالة في العداوة والحسد، رسالة في التربيع والتدوير، وغيرها) وأغنت هذه الرسائل اللغة العربية بتعابير لا تسامى في قوتها وأحكامها. وكتاب البيان والتبيين (بولاق سنة 1313 هـ) من أواخر تواليف الجاحظ، وهو مصنف كبير وديوان لفصاحة العرب ساق فيه مختارات من قصائد الشعراء وخطب الخطباء للاستشهاد بها على آرائه التي يغلب عليها الابتكار. وعيوب مصنفات الجاحظ كلها تقريبا افتقارها إلى حسن النظام في التحرير والتبويب وكثرة استطرادها وولعه البين بذكر النوادر والحقائق القائمة بذاتها، وصفوة القول أن الجاحظ كان قوى الملاحظة أكثر منه مفكرًا، وأديبا أكثر منه فيلسوفا، وعُرف الجاحظ بالفطنة وسداد ملاحظاته في أغلب الأحيان، ومع ذلك فلا يمكن أن نسلك مؤلفاته إلا في كتب الأدبيات أي كتب التهذيب وأدب التسلية والعلوم. وأكبر ما يعنينا في كتب الجاحظ -إلى جانب ما فيها من أدب ونحو -هو تلك المادة القيمة التي يؤودنا بها عن حياة العرب الخاصة والعامة وعاداتهم وآرائهم في عهده والعهود السابقة.

وأثر الجاحظ في الأدب العربي عظيم جدًّا. وممن نهجوا نهجه تلميذه المُبَرّد صاحب كتاب "الكامل" وابن الفقيه صاحب تقويم البلدان، والثعالبى من أصحاب المطولات. وكتابا البيهقي: "كتاب المحاسن والمساويء" كتاب المحاسن والأضداد" (ليدن 1898) من أول آثار مدرسة الجاحظ. وقد قرأ المسعودى مصنفات الجاحظ وأعجب بها واستشهد بها كثيرًا. وأثر كتاب الحيوان في رسائل إخوان الصفاء مسألة جديرة بالبحث الدقيق. وقد أخذ القزوينى والدميرى -وهما من علماء الحيوان- وكذلك صاحب المخطوط المحفوظ بالمتحف البريطانى (الإضافات 21، 102) -الذي لا نعرف اسمه- الشيء الكثير عن الجاحظ. المصادر: (1) Gesch. der Arab.: Brockelmann . Litt، ج 1، ص , 152 وما بعدها (حيث يجب حذف الأرقام 3، 5، 7، 9). (2) Arnold: : المعتزلة، ص 38 وما بعدها. (3) البغدادي: الفرق بين الفِرق، ص 160 وما بعدها. (4) Die philos, Systeme der: Horten spekulat. Theologen im Islam ص 320 وما بعدها. وإلى جانب المصادر التي ذكرناها- وهي التي نشرت بالفعل- مراجع الطبع جار فيها بالقاهرة في مجموعات رسائل سنة 1324 هـ. + الجاحظ، أبو عثمان عمرو بن بحر الفُقَسْمى البصري: كاتب عربي ناثر مشهور، له كتب في الأدب والكلام عند المعتزلة، ومناظرات سياسية ودينية. ولد في البصرة حوالي سنة 160 هـ (776 م) لأسرة مغمورة من موالى بنى كنانة، والراجح أنه من أصل حبشى، وقد لقب بالجاحظ لجحوظ عينيه، ولا نعرف عن طفولته في البصرة إلا القليل، فيما عدا أنه كان منذ حداثته قد رزق رغبة لاتقهر في طلب العلم، وعقلا نهما إلى حد عجيب، فدفعه ذلك إلى أن يحيا حياة مستقلة ويعيش عيشة المتبطلين مما أياس منه أسرته. وقد

اندمج الجاحظ في جماعات كانت تنعقد في المسجد (المسجديون) لتناقش طائفة واسعة من المسائل، وشهد بالمِرْبد أبحاثا تطرح في اللغة، وحضر دروس أعلم الناس في زمانه في فقه اللغة وعلومها والشعر، ونعنى بهؤلاء الأصمعى وأبا عبيدة وأبا زيد، وسرعان ما تمكن الجاحظ من اللغة العربية تمكنا، علاوة على إجادته للثقافة التقليدية المأثورة. وأتاح له ذكاؤه المبكر الدخول في أوساط المعتزلة ومنتديات البورجوازية حيث كانت تدور أحاديث سهلة في كثير من الأحيان، تؤججها أيضًا مشاكل كانت تجابه ضمير المسلم في ذلك العهد في ميدان الكلام، والتوفيق بين العقيدة والعقل، والسياسة، ومسالة الخلافة الشائكة التي كان يثيرها دائما أعداء العباسيين، والصراعات الناشبة بين الفرق الإسلامية ودعاوى غير العرب وكانت ملاحظته النافذة للعناصر المختلفة من السكان المخللطين تزيد من معرفته بالطبيعة الإنسانية، على حين أخذ يقرأ كتبًا من جميع الأنواع كانت قد بدأت تروج في البصرة، فأتاحت له هذه القراءة نظرة إلى العالم الخارجى. ومن المحقق تماما أن الموارد العقلية التي تيسرت له في موطنه كانت خليقة بأن تهيئ للجاحظ كل أسباب الثقافة العريضة، ولكن قصبة الدولة العراقية في أوج عزها كان لها أثر حاسم في المساعدة على تكوين عقله. ذلك أنها وسمت عقله بطابع عقلانى واقعى واضح كل الوضوح، حتى جازلنا أن نقول إن الجاحظ لايعد من أبرز ثمرات مسقط رأسه فحسب، بل هو أكمل مثال أخرجته البصرة أيضًا، ذلك أن المعرفة التي حمئلها من بعد في بغداد لم تغير أي تغيير ملحوظ في اتجاه عقله الذي كان قد تكون فعلًا في البصرة. والبصرة هي العرق الممتد دائما في جميع آثاره. والراجح أن الجاحظ بدأ يكتب مبكرًا، إلا أن أول شاهد على نشاطه الأدبى يرجع على وجه التقريب إلى سنة 200 هـ (815 - 816 م). وهو

يرتبط بحادثة كان لها أثر حاسم على حياته العملية فيما بعد. وقد أفاءت عليه بعض كتبه (ولم يعد الحديث عنها بصيغة الجمع موضع شك) في الإمامة، وهو موضوع له اعتبار خاص جدًّا، ثناء المأمون، ومن ثم أسبغت عليه. قصبة الدولة ذلك الجلال الذي يطمع فيه كثير جدًّا من أهل الأرياف الذين يتشوقون إلى أن يعترف بموهبتهم على النحو فيبلغون بذلك بلاط الخلفاء ويوطدون أقدامهم. ومن يومها جرى الجاحظ على الترد على بغداد (ثم على سامراء) ويقيم فيهما مددًا طويلة، دون أن ينقطع كلية عن البصرة، منكبا على التأليف الذي أتيح لنا -لحسن التوفيق- أن ينجو من عوادى الزمان قدر منه مقدور. وإذا استثنينا بعض الدلائل الشحيحة فإننا لانعرف حقا ما الذي كان يعتمد عليه الجاحظ في البصرة مصدرًا لدخله، أما في بغداد فنحن نعلم أنه قام ثلاثة أيام بعمل النساخ، وساعد مدة قصيرة إبراهيم بن العباس المصولى في ديوان الرسائل. ومن الراجح أيضًا أنه عمل مدرسا، وقد زعم أنه حظى بلقاء المتوكل الذي كان حريصا على أن يعهد إليه بتأديب أولاده، إلا أنه انتهى إلى صرفه عن ذلك لقبح منظره. والمعلومات عن حياته العامة والخاصة ليست بعد مواتية، سواء من السير التي كتبت عنه أو منه هو نفسه، على أنه يتضح مما تيسر لنا من معلومات أنه لم يشغل منصبا رسميا ولم ينخرط في عمل منتظم. على أن الجاحظ يسلّم بأنه تلقى مبالغ كبيرة من المال نظير إهدائه كتبه، ونحن نعلم أنه ظل على الأقل مدة يجرى عليه راتب من الديوان. والحق إن هذه الدلائل المتفرقة محيرة، وهي تجنح إلى أن تؤدى بنا إلى القول بأن الجاحظ - على خلاف بعض مواطنيه- لم يعش حياة رجل البلاط، بل كان يقوم بدور الوزير الخاص ينهض بالمهام غير الرسمية أو قل دور المستشار غير الرسمى على الأقل. وقد رأينا من قبل أن كتاباته التي أكسبته اعتراف قصبة

الدولة كانت تتناول موضوع الخلافة، وكان المقصود بها بلاشك تبرير اعتلاء العباسيين عرش السلطة؛ لقد كانت هذه الكتابات تمهيدًا لسلسلة كاملة من الرسائل موجهة إلى المسؤولين إن لم يكونوا هم الذين أوحوا بها، وهي تتعلق بالموضوعات السارية. وبالرغم من أننا نجد بعض الصنعة في الرسائل التي تبدأ بعبارة "سألتنى عن كيت وكيت من المسائل ... وأنا أجيبك بان ... "فإنه يمكننا أن نذهب إلى أن المسألة في كثير من الأحيان كانت في الواقع قد أثيرت ثم سئل أن يجيب عنها كتابة. ذلك أن الجاحظ، وإن لم يتح له قط أن يكون على صلة حميمة بالخلفاء، فإنه كان على صلة مستمرة بأئمة الشخصيات السياسية، ثم إن الأمر يجنح بنا إلى العجب من أنه قد وصل حبله بمحمد بن عبد الملك الزيات، فلما سقط الزيات سنة 233 هـ (848 م) -وكان سقوطه نكبة أو يكاد على الاثنين- وصل الجاحظ حبله بقاضي القضاة أحمد بن أبي دؤاد المتوفى عام 340 هـ (854 م) ثم بابنه محمد المتوفى سنة 239 هـ (853 م) ثم وصل حبله أخيرًا بالفتح بن خاقان الذي توفى عام 247 هـ (861 م). ومع ذلك احتفظ الجاحظ باستقلاله إلى حد كبير، واستطاع أن يستغل مركزه الجديد في الاستزادة من رياضة عقله والرحلة (وخاصة إلى الشام، ولكن المسعودى في كتابه مروج الذهب، ج 1، ص 206، قد انتقده لأنه حاول أن يكتب كتابًا في الجغرافيا دون أن يصيب حظا كافيا من الرحلة، ويكاد هذا الكتاب أن يكون قد فقد بتمامه). وقد وجد الجاحظ أيضًا في بغداد رصيدًا عامرًا من المعرفة متمثلا في النقول الكثيرة عن اليونانية التي تمت في خلافة المأمون، وبدراسته الفلاسفة القدماء- وخاصة أرسطو (انظر الحاجرى: تخريج نصوص أرسططالية من كتاب الحيوان، في مجلة كلية الآداب، الإسكندرية، سنة 1953 وما بعدها) - انفسحت نظرته واستكمل مذهبه الكلامى الذي كان قد بدأ في التوسع فيه تحت إشراف أئمة المعتزلة

في عصره وفي مقدمتهم النطام وثمامة بن أشرس والظاهر أنه كان لهما أثر قوى عليه. وفي أخريات أيامه أصيب بشلل نصفى، فاعتكف في مسقط رأسه حيث توفى في المحرم سنة 255 هـ (ديسمبر سنة 868 - يناير سنة 869). وكان للجاحظ -شأن الكثير من الكتاب العرب- إنتاج من الكتب وفير جدًّا. ويسجل ثبت آثاره (انظر Arabica سنة 1956/ 2) ما يقرب من مائتى عنوان، لم يبق منها، صحيح النسبة إليه أو منحولا له، إلا حوالي ثلاثين كتابًا كاملة، وحوالي 50 كتابًا أخرى بقيت منها أجزاء، أما الباقي ففقدت ولا أمل في العثور عليها فيما يظهر. وقد حاول بروكلمان (كتابه المعروف، قسم 1، ص 241 وما بعدها) أن يصنف كتبه بحسب موضوعاتها الصحيحة أو المفروضة وزودنا بفكرة عن اتساع اهتماماته وتنوعها. وإذا قصرنا نظرنا على كتبه الباقية فحسب، وهي كتب معظمها ميسور في طبعات تختلف قيمتها، فإننا نستبين فيها فئتين كبيرتين: الأولى تندرج تحت عنوان "الأدب الجاحظى" وهي المقصود بها الجنوح إلى تثقيف القارئ بتسليته، ولا يتدخل الكاتب فيها إلا حين يختار الوثائق أو يعرضها أو يعلق عليها؛ والثانية الكتب الأصيلة والمقالات التي يتجلى فيها أكثر من ذلك قدرته كاتبا، وجهوده مفكرًا إلى حد ما. وأهم كتبه من الفئة الأولى: "كتاب الحيوان" (طبعة عبد السلام هارون، وليس عليها تاريخ، في سبعة مجلدات)، وهو ليس كتابًا في الحيوان بمقدار ما هو ديوان أصيل قائم على الحيوان يؤدى القول فيه أحيانا وعلى غير انتظار إلى الحديث في الكلام، وماوراء الطبيعة وعلم الاجتماع .. إلخ. بل إن المرء قد يجد فيه نظريات في الأجنة دون أن يستطيع المرء أن يقول إلى أي حد هي مبتكرة، ونظريات في تطور الأنواع، وأثر المناخ وعلم النفس عند الحيوان، وهي نظريات لم تتطور إلا حين أقبل القرن التاسع عشر. ويجئ

بعد كتاب الحيوان الذي لم يتم قط: "كتاب البغال" (طبعة Pellat. القاهرة سنة 1955). أما "كتاب البيان والتبيين" (طبعة عبد السلام هارون، القاهرة سنة 1367 هـ = 1948 م- 1950 في أربعة مجلدات، وغير ذلك من الطبعات) فالظاهر أنه في أساسه ابتكار لما أصبح يسمى "العلوم الإنسانية العربية" قصد به التنويه بقدرة العرب في البلاغة والشعر، ويحاول الجاحظ فيه أن يبرر ها اختاره بعرض أسس فن الشعر، ولكنه فعل ذلك على نحو بعيد كل البعد عن التنظيم كما أبان أبو هلال العسكرى (كتاب الصناعتين، ص 5) إذ صح عزمه على أن يكتب في ذلك رسالة أكثر منهجية. وثمة صفة أخرى للعرب، وهي الكرم، نوه بها الجاحظ في "كتاب البخلاء" (طبعة الحاجرى، القاهرة سنة 1948 وغيرها من الطبعات! الترجمة الألمانية بقلم Rescher: O. ... Expcerpti الترجمة الفرنسية بقلم Ch. Pellat, باريس سنة 1951 (، الذي هو في الوقت نفسه معرض للصور، وحملة على غير العرب، وتحليل للبخل مما لانجد نظيره في أي كتاب عربي. وقد واتته كل المواتاة قدراته النافذة على الملاحظة، وتشككه الخفيف الظل وميله إلى الفكاهة؛ ونزوع عقله إلى السخرية، وتيسر له ذلك على نحو عجيب أتاح له أن يرسم نماذج من البشر والمجتمع. وقد استعمل كل ها أوتى من مهارة في تناول عدة طوائف اجتماعية (المعلمين، والمغنين، والنساخ وغيرهم) ولم يخرج في ذلك -بصفة عامة- عن حدود الاحتشام. ويشذ عن ذلك "كتاب مفاخرة الجوارى والغلمان" (طبعة Pellat, بيروت سنة 1957) فهو يعالج موضوعا دقيقا ولكن يعيبه فحش، أها "كتاب القيان" (طبعة Finkel) فيضم صفحات تدل على دهاء عجيب. على أن هذا الكتاب يدخل حقا في الفئة الأولى التي تشمل المقالات التي جمعها كراوس Kraus والحاجرى: "المعاد والمعاش" و"السر وحفظ اللسان" و "الجد والهزل " و "فصل ما بين العداوة والحسد" وغير ذلك من النصوص التي

نشرها السندوبى وفي "الرسائل الإحدى عشرة". ويستطيع المرء أن يضيف أيضًا الكتب السياسية الدينية التي فقد معظمها الآن، ولعلها أعدمت عن قصد حين انتصر مذهب السنة آخر الأمر على مذهب المعتزلة. ومن هذه الكتب التي انتهت إلينا، كتاب هو (ضخمها حجما، وهو "كتاب العثمانية" (طبعة هارون، القاهرة سنة 1374 هـ = 1955 م) Arabica " سنة 1956: 3) ويقرر فيه الجاحظ شرعية الخلفاء الثلاثة الأولين، ويدحض مزاعم الشيعة، وبذلك يبرر تولى العباسيين الخلافة. ولا يقل عن ذلك أهمية "كتاب تصويب عليّ في تحكيم الحكمين" (طبعة Pellat في مجلة المشرق، يولية سنة 1958) ومن المؤسف أنه ناقص به خروم، ولكن من الواضح أنه يهاجم أنصار الأمويين الذين عفى عليهم الزمن، والذين كانوا أيضًا أعداء للعباسيين. وفي هذا المجال نجد "رسالة النابتة" (أو "في بني أمية") وهي مهمة أيضًا (انظر ترجمة Pellat في Annales de institut d'Etudes Orientales de , L'universite d' Alger، سنة 1952)، ذلك أنها لا تعدو أن تكون تقريرًا من الجاحظ إلى ابن أحمد بن أبي دؤاد عن الموقف السياسي، وأسباب تفرق الجماعة والخطر الناجم من النابتة أي الحشوية الجدد الذين كانوا يقوون ظهر معاوية خدمة لأغراضهم ويستخدمون "الكلام" في تأييد نظرياتهم؛ ومن هذا القبيل "رسالة في نفى التشبيه" (طبعة Pellat في مجلة المشرق، سنة 1953). ويكشف عن التوافق بين سياسة الحكومة ونشاط الجاحظ "كتاب الرد على النصارى" (انظر ترجمة Allouche في Hesperis سنة 1939) ورسالة في مناقب الترك" إذ يتناول الأول الإجراءات التي اتخذت حيال الذميين، وتتناول الثانية إنشاء الحرس التركى. ويمكننا أن نقول -بصفة عامة- إن الجاحظ أظهر في السياسة أنه معتزلى راسخ أي مناصر للعباسيين على حركة النابتة المؤيدة للأمويين، وعلى الشعوبية وعلى الشيعة. ولكن طريقته -المغرقة في الشخصية حين يعرض الوقائع- تؤدى إلى تضليل قرائه، وأغلب الظن أن المسعودى المشايع للعلويين (مروج

الذهب، ج 6، ص 55 وما بعدها) قد أساء فهم المغزى الحقيقي لكتاباته. وإذا أمكن التثبت من تاريخ رسالة النابتة للجاحظ فربما استطاع المرء أن يستبين أنه حذّر المسؤولين من الردّة التي قد يؤدى إليها ترك مذهب المعتزلة، ثم خرج الجاحظ من ميدان النضال بمجرد أن تفوق السنية في ردهم وساد موقفهم حينذاك، ومن يومها قصر الجاحظ نشاطه على النشاط الأدبى الصرف. ويؤيد هذا الفرض أنه ألف "كتاب البلغاء" في الجزء الأخير من حياته. وكان الجاحظ معتزليا في الكلام كما هو في السياسة، ولو أن مذهبه قلما تظهر فيه آية سمات أصيلة. وقد فقدت معظم كتاباته التي بسط فيها مذهبه، ولذلك حق على المرء أن يغفل التعليقات العارضة الواردة في "كتاب الانتصار" للخياط الذي ترجمه ونشره نادر (A.N. Nader , بيروت سنة 1957) والمعلومات التي جاءت في كتب من صنفوا في الفرق (البغدادي: الفرق بين الفِرق، ص 160 وما بعدها" ابن حزم: الفصل، ج 4، ص 181، 195 الشهرستانى: على هامش ابن حزم، ج 1، ص 95 - 96. إلخ؛ وانظر أيضًا Die phil. Systeme der Spek-: Horten ulativen Theologen im Islam، ص 320 وما بعدها! Garde .L: : Introd a. la theo musulmane logie dogie الفهرس؛ Le Systeme philosophique de A.N. Nader Mu tazila، بيروت سنة 1956، الفهرس)، وهي معلومات تلخص أو تبرز نقاطًا يختلف فيها الجاحظ عن المعتزلة الآخرين. ونحن لا نعلم إلا القليل جدًّا من مذهب الجاحظ. ونقول في الوقت نفسه إن الجاحظ يتميز بصفة خاصة في ميدان الكتابة والأدب بأن الشكل عنده لم يطغ على المضمون حتى في المسائل الاصطلاحية الصرف، مع أن مكانه في تطور الفكر الإسلامي لايمكن أيضًا أن نهمله بحال. ولم يكن الجاحظ يحتل مركز الصدارة بين أئمة الكتاب العرب الناثرين، إذ يعد من أساتذته في البلاغة عبد الله بن المقفع وسهل بن هارون إذا اكتفينا بذكر اثنين فحسب من هؤلاء الأئمة، ومع ذلك فإنه

بلغ بالنثر الأدبى أكمل صوره، وقد اعترف بذلك حقا رجال السياسة الذين استغلوا موهبته في دعم قضية العباسيين، ثم النقاد العرب الذين أجمعوا على القول بتفوقه وجعلوا من اسمه النموذج الأكمل للقدرة الأدبية. وتتسم كتابة الجاحظ بتدبير مقصود يقوم على عدم اتباع نهج منظم والاستكثار من الاستطرادات. وتتركز شخصية اسلوبه الواعى الرشيق في عنايته بالعبارة الدقيقة -ولاباس من اللجوء إلى كلمة دخيلة- والعبارات والجمل الطلية التي تكاد تكون في جميع الأحوال غير مقفاة وإن كانت موزونة بفضل تكرار الفكرة نفسها بشكلين مخللفين. وما يبدو عقيما بحسب طريقتنا في التفكير ينشا في عقل كاتب من القرن الثالث الهجرى (التاسع الميلادي) من رغبته في أن يجعل نفسه مفهوما بوضوح وأن يخلع على النثر العادى النسق الشعرى. ومع أن أسلوب الجاحظ يصعب أن يؤدى بلغة أجنبية ويكون لدى قرائها موضع تقدير، فإن تدفق عباراته متسق تمام الاتساق يتبينه القارئ للوهلة الأولى. ومع ذلك فإن الجاحظ -في نظر أغلبية العرب المتعلمين- إن لم يكن ماجنا مكتملًا، فهو على الأقل يتصف إلى حد ها بصفة المزاح. ومكانته بهذه الصفة في الأساطير يرد بعضها بلاشك إلى شهرته وقبحه اللذين جعلاه بطلًا لعديد من النوادر. ولكن هذه المكانة يجب أن ترد أيضًا إلى خاصية في كتابته لم يكن بد من أن تكسبه الشهرة بالمزاح في عالم إسلامي يجنح إلى الرزانة والجد. ذلك أنه لايحجم قط، حتى في أشد فقراته وقارًا، عن أن ينزلق إلى النوادر والملاحظات الذكية والتعليقات المسلية. وقد روعت الجاحظ الكآبة وثقل الدم اللذان كانا يرينان على أنظار عدد كبير من معاصريه، فقصد عامدًا إلى تناول الأمور تناولا أخف ظلا، وقد أتاحت له روح الفكاهة عنده أن يتناول على نحو شائق موضوعات جدية وعاونته على تعميمها. ولكنه كان يدرك أنه يأتي شيئًا أجنح إلى التنفير؛ وإن المرء لايملك إلا أن يدهش لكثرة مايحس الجاحظ بأن الأمر يقتضيه أن ينصر

قضية الفكاهة والمزاح. وخير مثال على هذا نجده في "كتاب التربيع والتدوير" (طبعة Pellat، دمشق سنة 1955) وهو أثر رائع في الكتابة الساخرة، كما هو مختصر لكل المسائل التي يدلى فيها معاصروه بحلول مأثورة مدفوعين بسلطان العادة أو غريزة التقليد أو الافتقار إلى الخيال، أو لايدلون فيها باية فكرة على الإطلاق. ولم يكن الجاحظ يخرج عن حدود العقيدة رغم مافى هذا من بعض المشقة، ومع ذلك فإنه كان يؤمن إيمانا جازمًا بأن من حق المرء أن يعرض على محك النقد جميع الآراء المسلمة في الظواهر الطبيعية والتاريخ القديم والأساطير التي تصل إلينا على اعتبار أنها من الحقائق. وأن يعيد عرض المشاكل ويقترح لها -في براعة- حلولا عقلية. ولم يكن ذلك كل مافى الأمر، بل إن الجاحعل، وهو يعيش في زمن كانت الثقافة العربية فيه تتبلور، قد لم أشتات ما بدا له على أعظم قدر من الشأن، مستقيا إما من التراث العربي الذي كان من أنصاره الغيورين، أو من الفكر اليونانى، على أنه قد حرص دائما على أن يكبح جماح تسرب التقاليد الفارسية إلى الثقافة التي كان متشوقًا إلى أن يفيئها على إخوانه في الدين، ذلك أنه كان يعد هذا التسرب عظيم الخطر على مستقبل الإسلام.، هذا الجهد الواسع الذي يقوم على روح النقد والشك المنهجى في كل شيء من غير إنصراف مباشر إلى عقيدة الإسلام قد ضيقت القرون التالية -لسوء الحظ- من نطاقه إلى حد كبير ونظرت إليه من جانب واحد. صحيح أن الجاحظ قدر له أن يجد معجبين أعلاما مثل أبي حيان التوحيدى، ومقلدين -بل مزيفين- استخدموا اسمه ليضمنوا لآثارهم نجاحًا أعظم، إلا أن الخلف لم يبق في أذهانهم إلا خيال مشوه منقوص له، ونظروا إليه على أكثر تقدير باعتباره إماما من أئمة البلاغة (انظر Pellat في سنة 1956/ 2، ص 277 - 284) ورأس مذهب في الاعتزال (لم يكلف أحد نفسه بتعداد أتباعه) وكاتب تصانيف يستقى المستقون منفا للتوسع في كتب الأدب، وصاحب نصيب موفور من المعلومات المسجلة عن الجاهلية والقرون الأولى للإسلام.

المصادر: أهم ما كتب في سيرته: (1) الخطيب البغدادي، ج 12، ص 212 - 222. (2) ابن عساكر في مجلة المجمع العلمي العربي، دمشق، ج 9، 203 - 217. (3) ياقوت: إرشاد الأريب، ج 6، ص 56 - 80. وثمة إلمامة عنه نجدها في الرسائل المكتوبة عن الأدب العربي كما نجدها في. (4) شفيق جبرى: الجاحظ معلم العقل والأدب، القاهرة سنة 1351 هـ = 1932 م. (5) خليل مردم: الجاحظ، دمشق سنة 1349 هـ = 1930 م. (6) ط الكيالى: الجاحظ، دمشق من غير تاريخ. (7) ح. فاخورى: الجاحظ، القاهرة سنة 1953. (8) م. كرد على: أمراء البيان، القاهرة سنة 1355 هـ- 1937. (9) ح، السندوبى: أدب الجاحظ، القاهرة سنة 1350 هـ = 1931 م. (10) Le Milieu basrien et: Ch. Pella la fonnation de Gahiz، باريس سنة 1953. (11) الكاتب نفسه Gahiz a Bagdad et a Samarra في Rivista degli study orientali سنة 1952، ص 47 - 67. (12) الكاتب نفسه: Gahiziana في Arabica سنة 2/ 1954، سنة 1955/ 3 وخاصة في سنة 1956/ 2 Essai: d'inventaire de 1'oeuver gahizienne، مع بيان عن المخطوطات والطبعات والترجمات (ويجب أن يضاف إلى المصادر: New Material on: A.J. Arberry the Kitab al Fihrist of Ibn al-Nadim في Isl. Research Assoc. Miscellany, ج 1، ص 1948 وهو يورد الملحوظة التي كتبها الفهرس عن الجاحظ التي لا نجدها في الطبعات؛ في F. Gabrieli Scriti in onore di G. Furlana، رومة سنة 1957، ويتحدث عن "رسالة في مناقب الترك"؛ وانظر مجلة الفكر التونسية، عدد أكتوبر سنة 1957 وعدد مارس

الجامع

سنة 1958، وفيهما حديث عن "رسالة القيان"). (13) Djahiz et la societe: J. Jabre Al de son temps) بالعربية، بيروت سنة 1957 [؟ ] ولم يرجع إليها هنا). ويجب أن نبين أنه إلى جانب الطبعات التي ذكرت في صلب المادة توجد المجموعات الآتية: (14) Tria opuscula: G. Van Vloten, ليدن سنة 1903. (15) Three essays: J. Finkel القاهرة سنة 1926. (16) بول كراوس والحاجرى: مجموع رسائل الجاحظ، القاهرة سنة 1943 (وتعد الآن ترجمة فرنسية لهذه النصوص). (17) ح. السندوبى: رسائل الجاحظ، القاهرة سنة 1352 هـ- 1933 م. (18) إحدى عشرة رسالة، القاهرة سنة 1324 هـ = 1906 م. (19) Excerpte and Ue-: 0. Rescher -Schriften des .. Ga نم bersetzungen aus den his، شتوتكارت سنة (1931) ترجمة تحليلية لعدد طيب من النصوص). (20) النصوص الواردة في ثلاثة مجموعات من المخطوطات: مكتبة (داماد إبراهيم باشا رقم 949، المتحف البريطانى رقم 1129؛ برلين رقم 5032 (انظر سنة 1954، ص 85 - 86) وهذه النصوص قد نشرت في حالات كثيرة. أما ما لم تنشر بعد، فسوف تدخل -هي وغيرها من النصوص الأقل منها أهمية- في "نصوص جاحظية غير منشورة: كتاب العُرْجان: إلخ" التي عثرنا عليها في مراكش ولكن قيمتها ليست كبيرة. خورشيد [يلا Ch. Pella] الجامع " الجامع": لفظ عربي، من بالمعنى الوارد في الآية التاسعة من سورة عمران والآية 140 من سورة النساء. والجامع، والأصح أن يقال المسجد الجامع، هو المسجد الكبير في المدينة تقام فيه صلاة الجمعة.

الجاهلية

الجاهلية هو الاسم الذي يطلق على ما كانت عليه جزيرة العرب قبل ظهور الإسلام، أو بعبارة أخص الاسم الذي يطلق على الفترة التي خلت من الرسل بين عيسى ومحمد [- صلى الله عليه وسلم -]. وهي اسم جمع من جاهلى (¬1)، وهو العربي الوثنى وبخاصة شاعر الطبقة الأولى من الطبقات الزمنية الأربع، ويعرف الذي يليه بالمخضرم، أي الذي عاش في الجاهلية وأدركه الإسلام. أما من حيث المعنى الدقيق لكلمة "جاهلية" فالرأى الشائع هو ما ذهب إليه ميخاليس G.D. Michaelis وغيره من أنها "زمن الجهل" وهو عين ما نعتت به الأزمنة السابقة للنصرانية في الفقرة 30 من الإصحاح السابع عشر من سفر أعمال الرسل. أما الإسلام فهو زمن النور والمعرفة. وجهل ضد علم، وردت بهذا المعنى كثيرًا في اللغةَ القديمة، وردت أكثر في الأزمنة الحديثة. من ذلك قول عنترة في معلقته: "إن كنت جاهلة بما لم تعلمى". على أن كولدتسيهر يرى أن هذا المعنى ثانوى، وأن جهل، معناها الأول ضد "حَلُمَ" لا "عَلِمَ" فمعناها إذن: قسا، خَشئنَ، غلظ، وهو يستشهد بأبيات ترد فيها مشتقات هاتين المادتين متقابلتين، مثال ذلك قول الشنفرَى: لامية العرب (5، 53) "ولا تزدهى الأجهال حلمى". واستخلص من ذلك أن الجاهلية هي الهمجية (¬2) , Muhammedanische Studien, ج 1، ص 219 وما بعدها). وقد وردت اللفظة في القرآن في سورة آل عمران، ¬

_ (¬1) هذا غير صحيح في قواعد اللغة. فالجاهلية على صيغة النسبة لأسم الفاعل "جاهل". وأما "جاهلى" فإنه مفرد منسوب إليها على قاعدة النسب المعروفة بحذف تاء التأنيث والياء المشددة بعد أكثر من حرفين. انظر همع الهوامع للسيوطى جـ 2، ص 192 - 194. أحمد محمد شاكر (¬2) ليس هذا المعنى دقيقا للكلمة، بل المعنى الدقيق أنها هي العنف والحدة والغلو في تقدير الأمور، كما كان العرب يفعلون، يغلون في الكرم حتى يكون سفها أو سرفا، ويغلون في الحفاظ والثار حتى يكون عدوانا، ويغلون في الشجاعة حتى تكون تهورًا، وهكذا، والقصد هو السبيل السوى في كل شيء، وهو الذي جاه به الإسلام. ومن مثل ما يؤيد هذا المعنى للكلمة الحديث النبوى: "ومن استجهل مؤمنا فعليه إثمه" قال ابن الأثير: أي من حمل على شيء ليس من حقه فيغضبه فإنما إثمه على من أحوجه إلى ذلك".

الآية 154 (¬1) وفي سورة الأنعام، الآية 54 (¬2) وفي سورة الأحزاب، الآية 33؛ وفي سورة الفتح الآية 26. وقد تعرضت هذه الدائرة لتاريخ الجاهلية وديانتها في مادة "جزيرة العرب". وفرق كولدتسيهر تفرقة بئية بين عرب الجنوب وعرب أواسط الجزيرة. فقد كان الأولون مفطورين على التدين؛ أما الآخرون فلم يكونوا في الواقع على دين. بيد أن هذا الرأى يجب أن يتعدل، لأن كثيرين جد، من عرب الجنوب قد نزحوا إلى الشمال. وكان هذا حال يثرب خاصة. يضاف إلى ذلك ما ذهب إليه الأستاذ مركوليوث، من أننا قد نعثر على نقوش تجلو لنا الأنظار الدينية التي كانت عليها قبائل العرب في أواسط الجزيرة كما حدث بالنسبة لعرب الجنوب وعرب الشمال. على أن عرب أواسط الجزيرة لم يكونوا -فيما نعلم- يحفلون بالأنظار الدينية، نستبين ذلك من الأشعار وغيرها من آثارهم. وغاية ما وصلوا إليه هو الإيمان الغامض بإله، أو الاعتقاد في المنايا والمنون. أما وصف القرآن لعبدة الأصنام فإنما ينصرف على الأغلب إلى زمن متطاول في القدم، وينصرف أقله إلى من عاصروا النبي {- صلى الله عليه وسلم -}، ذلك أن موقف هؤلاء منه يظهرنا على أن تبجيلهم لأصنامهم لم يكن متمكنا من نفوسهم. أما ما كان يحتفل به العربي الوثنى أكثر من دينه فهو صلته بقبيلته. فالعشيرة هي الموحدة التي ينبنى عليها مجتمعه كله. واستمر الخصام بين القبائل بعد عهد النبي {- صلى الله عليه وسلم -} كما كان قبل ذلك، وإن لم يبلغ مبلغه من الشدة. وظلت الخصومة العنيفة بين الشمال والجنوب مستعرة في خراسان إبان القرن الثاني للهجرة (المسعودى، ج 6، ص 36 وما بعدها) بل إننا نجد في يومنا هذا أهل الناحية من النواحى يختلفون بين قيسية ويمنية (Stir-: Finn ring Times، ج 1، ص 226 وما بعدها) ومعظم الشعر القديم في مدح الشاعر قبيلته وهجائه قبيلة غيره، وقد يكون للقبيلة مدلول جد متسع. ¬

_ (¬1) جاء في الأصل الآية 48 وهو خطأ. (¬2) جاء في الأصل الآية 55 وهو خطأ.

ويعبر عن رأى العربي الوثنى في الأخلاق لفظ "المروءة" ومعناها النخوة أو الفضيلة، وهي تقوم أولًا وقبل كل شيء على الشجاعة والكرم. وتبدو شجاعته في عدد من يقتل من عدوه وذوده عن عشيرته كما تبدو في إحسانه إلى عدوه. وهو في هذا قريب الشبه بفارس العصور الوسطى، أما كرمه فيظهر في احتفاله بالقتال أكثر من احتفاله بالغنيمة، وفي استعداده لذبح ناقته قرى للضيف والفقير والمحتاج، وبالجملة فهو يرغب في البذل أكثر مما يرغب في النوال. وأدى الكرم العربي إلى الإسراف في الطعام والشراب على السواء كما كانت الحال في أوروبة منذ قرن مضى، وقد بذلوا كثيرًا من الجهد في الامتناع عن الخمر عند إسلامهم. وكان بعضهم يرى أن من دواعى الفخر أن يظل في حانوت الخمار حتى يعلن صاحبه نفاد الشراب. ومع ذلك لم يرض العرب عن المدمن على الشراب؛ فقد تبرأت من برّاض بن قيس أكثر من قبيلة لسوء سيرته في ذلك. وظل الشعراء ينظمون الخمريات بعد تحريم الإسلام للخمر بزمن طويل، والشعر والدين يتناقضان في هذا الموضوع تناقضا عجيبا. وبلغ من كلف العربي بالخمر أن أبيح شرابها أيام الأمويين ثم حرم أيام العباسيين. وكانت المرأة في الجاهلية أكثر تحررًا منها في الإسلام من بعض وجوه، فأجازوا نكاح الأختين ونكاح المقت (¬1)، ولكن الحجاب لم يكن معروفًا. ولم يكن الطلاق في الجاهلية بأيسر منه في شريعة الإسلام، وكان للنساء حق التطليق كالرجال. والواقع أن صلة ¬

_ (¬1) لا ندرى كيف هذا؟ فإن الإسلام هو الذي أعطى المرأة حقوقها في حدود العدل وحررها من سيطرة العنف والعدوان في الجاهلية. فكيف يرى كاتب المادة أن منع الجمع بين الأختين، على ما فيه من الشناعة، تقييد لحرية المرأة؟ ! وكيف يدعى أن المرأة كانت في الجاهلية أكثر تحررًا. وأعجب من هذا كيف يرى أن نكاح المقت من حرية المرأة؟ ! ونكاح المقت أن يزوج الرجل امرأة أبيه، وهو من أقبح أنواع الزواج، بل كان كثير من العرب يبغضه ويستنكره، ولذلك قال الله في شأنه {إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا} [النساء الآية: 22]. قال الزجاج: "المقت) شد البغض. المعنى أنهم علموا أن ذلك في الجاهلية كان يقال أنه مقت، كان المولود عليه يقال له المقتى فاعلموا أن هذا الذي حرم عليهم من نكاح امرأة الأب لم يزل منكرًا في قلوبهم ممقوتا عندهم" لسان العرب ج 3 ص 395 - 396.

الرجل بالمرأة كانت قبل الإسلام طيبة في بعض نواحيها. ومهما يكن من شيء فقد كان في الإمكان تحسين هذه الصلات، فلما نفذت شريعة الإسلام لم يعد التغيير ممكنا (¬1). ولم يكن ما في شريعة الزواج عند المسلمين، وهو المستحل، معروفا (¬2). وكانت غلة الأرض في بلاد العرب لا تفى أبدًا بحاجة أهلها، إلا في بعض المواضع المجدودة كاليمن والواحات حيث يكثر الطعام. وعاش أهل مكة على نقل السلع بين اليمن وبلاد الشام، إلى جانب ما يربحونه من الحجاج الذين يزحمون مدينتهم كل عام. بيد أن عرب الصحراء كانوا دائما في مسغبة، فكانوا يئدون البنات خشية الإملاق. وكانوا يستكملون ما ينقصهم من لحوم الإبل وألبانها بالإغارة على القبائل المجاورة، ولم تكثر هذه الغارات من جملة زادهم ولكنها ساعدت على إنقاص عدد الآكلين. وفقد أفردت أربعة شهور من السنة فكانت حرما لا يحل فيها القتال، وكان ذلك لأغراض خاصة بالتجارة والارتزاق وإعانة للقبائل البعيدة المنازل على زيارة الأماكن المقدسة عند العرب وحضور الأسواق. وكانت مكة أهم هذه الأماكن المقدسة، يقصد إليها الحجيج كل سنة، وعكاظأشهر الأسواق. وكانت القوافل تستطيع السير في طول البلاد وعرضها عزلاء أو تكاد. وأحرز النبي أول انتصار له في غزواته بخروجه على "عهد الله" (¬3) ولما جعل السنة ¬

_ (¬1) هذا كلام لا يتصل بالتحقيق العلمي في شيء. أحمد محمد شاكر (¬2) الظاهر أنه يقصد "المحلل" وليس المحلل من شريعة الإسلام، بل هو حيلة يصطنعها الجاهلون لتحليل المرأة التي طلقها زوجها ثلاث تطليقات، لتعود إلى مطلقها الأول بزواج جديد، وقد لعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لعن الله المحلل والمحلل له" وأخطأ كثير من الفقاء فزعموا أن العقد صحيح مع اتفاقهم على تحريمه، وأبي كثير من العلماء العارفين بدقائق الشريعة ومقاصد الإسلام أن يجعلوا العقد صحيحا، وحكموا بأن من تزوج المطلقة المبتوتة وفي نيته ونيتهم أن يفعل ذلك ليطلقها لتحل لمطلقها الأول فإن زواجه باطل، ولا تحل به لمطلقها الأول، لأن العبرة في العقود بمعانيها ومقاصدها لا بالفاظها وهم جميعا متفقون على أنه لو تزوجها بشرط تطليقها لتحل للأول كان الزواج باطلًا، فاعتبر هؤلاء ما قصد بالعقد كأنه مشروط فيه وإن لم يشرط فيه لفظًا، إذ عرف منه قصدا. فقد أخطأ كاتب المادة إذ ظن أن "المحلل" من شريعة الزواج عند المسلمين. (¬3) هذه كلمة لم يكن كاتب ليقولها إذا سلك سبيل البحث العلمي، فمانه يرمى إلى غزوة بدر، وهي النصر الأول لرسول الله صلى الله عليه وسلم على المشركين، فظن كاتب المادة أنها كانت خروجها =

العربية قمرية خالصة قضى على هذه الأسواق التي كانت تعقد كل سنة؛ ولكنه وجد الحج إلى الأماكن المقدسة متاصلًا في نفوس العرب لايستطيع له دفعا. وكان قصاراه ألا يبقى من بيوت العبادة إلا على بيت واحد جعله بيت الله الواحد (¬1). المصادر: (1) الطبري، ج 1، القسم الثاني، وص 1073 - 1074 (¬2). (2) ابن عبد ربه: العقد الفريد، القاهرة سنة 1304 هـ، ج 1، ص 34، 81؛ ج 3، ص 48 - 49. (3) المسعودى، ج 3، ص 78 - 79 (4) الأبشهى: المستطرف طبعتا بولاق سنة 1272 - 1285 هـ، باب 59. (5) Essai sur: Caussin de Perceval stoire des Arabes؛ باريس سنة 1847 - 1848. (6) La poesie arabe ante-: R. Basset , islamique، ص 7 - 39، باريس سنة 1880. (7) Muhammedanische: Goldziher Studien، هال، سنة 1888 - 1890؛ (وانظر أيضا مادة العرب، ) جزيرة. [فاير T. H. Weir] + الجاهلية: مصطلح يستعمل في كل ما ورد فيه من مواضع تقريبا للدلالة على نقيض الإسلام، وعلى الحالة التي كانت سائدة في جزيرة العرب قبل بعثة النبي - عليه السلام -؛ وعلى الوثنية (وتشمل أحيانا البلاد غير ¬

_ = على الأشهر الحرم إذ فيهم أن شهر رمضان وهو شهر الصيام عند المسلمين، وهو الشهر الذي نعظمه أكبر تعظيم، وهو الشهر الذي كانت فيه غزوة بدر، ظن أن هذا الصيام وهذا التعظيم لأنه من الأشهر الحرم! ! ولم يرجع إلى أقرب المراجع بين يديه من كتب اللغة والتفسير أو الحديث أو التاريخ، ليعلم أن الأشهر الحرم هي "ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب" وأن رمضان ليس منها ولو فعل لذهب كل قوله. (¬1) الحج إلى بيت الله الحرام. وإن هذا البيت بيت الله، من شعائر نبي الله إبراهيم وشريعته، التي توارثها العرب، بما بقي فيهم من دين إبراهيم وكان رسول الله يعرف ذلك، ثم أقر الله في الإسلام هذه الشعائر عد أن نفى عنها ما علق بها في الجاهلية من وثنية وشرك، وبعد أن طهر الله البيت من الأوثان والأصنام ولم يفعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا ما أمره به ربه وأدى الأمانة والرسالة. أحمد محمد شاكر (¬2) ليس في هذا الموضع من تاريخ الطبري آية إشارة إلى شيء يمس هذه المادة من قريب أو من بعيد. أحمد محمد شاكر

العربية نفسها)، وعلى الفترة السابقة للإسلام وعلى أهل هذه الفترة. والظاهر أن الجاهلية -من حيث تركيبها- تتألف من الكاسعة "يّة" التي تدل على اسم معنى، ومن اسم الفاعل "جاهل"، وليس من اليسير أن نحدد معناها الدقيق بالضبط. وقد لاحظ كولدتسيهر (Muh. Studien: Ignaz Goldziher, ج 1، ص 219 وما بعدها، تحليل الكلمة في o Arabica مجلد 7، ج 3، سنة 1960. ص 246 - 149) أن "جاهل" ضد "حليم" (انظر مادة "حلْم") ويجعل معناها "الهمجى" ويجَعل الجاهلية "زمن الهمجية"، ولكن مترجمى القرآن لم يتبعوه بالحرف فقد ترجموا الجاهل بأنه "الذي لا يعرف الله ولا النبي {- صلى الله عليه وسلم -} ولا الشرع" أو العاصى المتمرد، وترجموا الجاهلية بأنها "زمن الجهالة" و"الوثنية" (انظر مع ذلك: T. Izutsu: the Structure of the ethical terms of the Qoran، طوكيو سنة 1959، الفهرس). والحق أن الشواهد التسعة على كلمة جاهل والشواهد الأربعة على الجاهلية التي وردت في القرآن قلما تسمح للمرء بأن يحدد معنى الكلمتين تحديدًا دقيقًا. على أن الجاهل في شعور المسلمين والمفسرين هو ضد العالم، والجاهلية هي ضد الإسلام إذا لم يؤخذ بمعنى التسليم لله بل بمعنى معرفة الله (انظر المصطلح عند الدروز) فهم يقولون إن الجاهل ضد العاقل، ويدل على كل أولئك الذين لم يسلكوا السبيل إلى أسرار هذه الفرقة). والجاهلية اسم معنى، ومن ثم فهي تطلق على الفترة التي لم يكن العرب فيها قد عرفوا الإسلام وشريعة الله، وعلى المعتقدات الجارية في تلك الفترة. واعتماد، على الآية 33 من سورة الأحزاب حيث ترد عبارة "الجاهلية الأولى" فإن المرء يميل إلى التمييز بين زمانين: الجاهلية الأولى وتمتد من آدم إلى نوح (أو إلى أنبياء آخرين)، والجاهلية الأخرى ما بين عيسى ومحمد عليهما السلام. أما الصفة الجاهلى من الجاهلية فتنطبق على كل ما سبق الإسلام، وبخاصة الشعراء الذين توفوا قبل بعثة النبي. أما الذين أدركوا الإسلام من الجاهليين فيقال لهم "المخضرمون". وأما الذين ولدوا بعد الإسلام فيقال لهم

"الإسلاميون" وأما المقابلة المزدوجة: جاهلى / إسلامي وجاهلية / إسلام فهي من ثم علامة على تطور ومفارقة للمعنى الأول لجاهل. وقد تناولنا تاريخ العرب أيام الجاهلية في مادة "العرب، وتناولنا جغرافيتهم وسلالاتهم في مادة العرب جزيرة"، وتناولنا لغتهم في مادة "العربية"، وبداوتهم في مادة "بدو". ويجب الرجوع في كل هذه الموضوعات إلى المواد الخاصة بالأقطار، والقبائل الكبرى، والمدائن. أما الموقف الاقتصادى فيرجع بخاصة إلى مادة "تجارة". وثمة نقطة تستاهل أن ندلى ببعض الملاحظات عنها، وهي الخصائص المتميزة التي ينسبها المسلمون إلى أجدادهم الوثنيين، وهذه النقطة أولى بالملاحظة من الحالة الحقيقية لجزيرة العرب قبل الإسلام، ونعنى بالخصائص المذكورة الخصائص التي تسمح لنا بأن نحدد تصورهم للجاهلية. وأفكار المسلمين عن الوثنية الجاهلية تعتمد على القرآن والأحاديث، وهذه الأحاديث رغم ازدرائها لكل شى , كان قبل الإسلام، فإنهم جمعوها في إطار أبحاثهم التاريخية واللغوية. وسيجد القارئ في مادة "القرآن" مختصرًا لأقوال القرآن عن معتقداتهم القديمة؛ وسيجد في مادتى "حج" و"كعبة" بيانا بالعبادة القديمة للبيت العتيق وتاريخه، وفي مادة "صنم" دراسة للوثنية. ويمكن أيضًا الرجوع إلى مواد مختلفة عن الآلهة الكبرى، ويرجع أيضًا إلى تعاليم الدينين السماويين للنصارى واليهود. وينسب المسلمون إلى الجاهلية الخطايا التي لعنها القرآن، ومع ذلك فإنهم لم يتغاضوا عن ذكر عدد من الفضائل امتاز بها العرب القدماء مثل محافظتهم على "العرض" و"الكرم"، و"المروءة" و"إكرام الضيف". ومن شاء معلومات متصلة بذلك عن التنظيم الاجتماعى فليرجع إلى مواد "عائلة" و"عاقلة" و"قبيلة" وغير ذلك من المواد. أما عن مركز المرأة فيرجع إلى مادتى "نكاح" و"طلاق". خورشيد [هيئة التحرير]

جائز

جائز لغة المقبول أو السائغ. والشائع في الاصطلاح أنه من الأحكام الخمسة، وقد بيَن ذلك على خير وجه في (Die Zahiriten: Goldziher ص 66 ما بعدها، وانظر أيضًا كشاف اصطلاحات الفنون ج 1، ص 379 وما بعدها" Handbuch: Th. W. Juynbol ص 59 وما بعدها). ويستعمل الجائز مرادفا لمعنى المباح وهو ما استوى فيه الأمران شرعا أي ما ليس ممتنعًا أو واجبًا أو مكروهًا، ولا يثاب المرء على إتيانه ولا يعاقب على تركه. على أن الجائز أعم من المباح، لأن معناه لا يشمل المباح فحسب، بل يشمل كذلك ما لا يمتنع شرعًا واجبًا كان أو مندوبًا أو مكروهًا، ثم هو إلى ذلك ما لا يمتنع عقلًا وشرعًا، واجبًا كان أو راجحًا أو مساوى الطرفين أو مرجوحا (كشاف اصطلاحات الفنون ج 1، ص 207 وما بعدها). ماكدونلد [D. B. Macdonald] + جائز: مصطلح يستعمل بصفة عامة للدلالة على الأفعال المباحة، أي الأفعال التي لا تنافى قاعدة من قواعد الشرع. على أن الفعل الجائز في التقسيم القديم للأفعال إلى الأحكام الخمسة (انظر الأحكام الخمسة في كشاف اصطلاحات الفنون، ج 1، ص 379 وما بعدها؛ Die I> Goldziher Zahiriten، ص 66 وما بعدها؛ Juynboll: Handbuch، ص 59 وما بعدها) التي اتخذها الذين كتبوا في الأصول، يوصف -بصفة عامة- بأنه المباح. ومن ثم فهو يميز في وضوح عن الواجب أو المندوب كما يميز في وضوح عن الحرام المكروه. ويتخذ المباح في كتب الفروع- أي كتب الفقهاء- مدلولًا مختلفًا؛ ذلك أن الفعل الذي ليس باطلًا أو فاسدًا، يعد صحيحًا في مذهب المالكية، وهو الفعل الذي يتفق مع أحكام الشريعة، ويجب من حيث المبدأ أن يحدث كل آثاره. والفعل الصحيح الذي من هذا القبيل هو -على التحقيق- جائز أو مباح، ولكن المصطلح الصواب هو الصحيح

على أن كتاب الحنفية يؤثرون أن يستعملوا المصطلح "جائز" لا على اعتبار أنه يدل على فعل صحيح، بل لأنهم يستعملونه ليحدد بصفة خاصة أن الفعل يتفق مع الشرع. وفي كتبهم تبدأ دراسة كل عقد تحت النظر -بصفة عامة- بديباجة يحار فيها الكاتب في أن يسجل هل العقد جائز بنص أو بالعرف أو بإجماع الجمهور أو بمجرد ما فيه من منفعة عملية) Chafik Chehata: Theorie geneale de l'obligation en droit musulman، ج 1، ص 105، رقم 117) ويصدق هذا على عقد الإجارة الكاسانى: بدائع الصنائع، ج 4، ص 174) والكفالة (المصدر نفسه، ج 6، ص 3) والوضيعة (السرخسى: المبسوط، ج 11، ص 108). وفي جميع هذه النصوص يثير الكاتب مسألة هل العقد جائز أم غير جائز بحسب ما تكون شروط انعقاده أو صحته قد استوفيت أم لم تستوف. ومن ثم فإنه في عقد "الاستصناع" توضح شرائط شرعيته بمعزل عن شرائط انعقاده وصحته ولزومه ونفاذه (الكاسانى، ج 5، ص 209). وفي بعض الحالات يستبدل بمصطلح "جائز" مصطلح "مشروع" كما يحدث في عقد "المزارعة" (انظر الكاسانى، ج 6، ص 175 في عقد الإشراك (الكاسانى، ج 5، ص 220). والحق أن الفعل "الجائز" هو -على وجه الصواب- الفعل المشروع الذي يتفق مع الشرع. ولكن كلمة المشروع في هذا المقام يجب أن تفهم على وجه خاص، ذلك أن المسألة ليست مسألة شرعية العقد أو سببه، بمقدار ما هو العقد في ذاته من حيث مدى مطابقته للشرع. ومن ثم فإن مصطلح "جائز" في التحليل الأخير، وكما يستعمله الفقهاء في تناولهم الفروع، يقترب بطريقة غير مباشرة من المصطلح "مباح" الذي نجده في كتب الأصول وفي كتب الفقهاء الأصوليين. زد على ذلك أن المصطلح "جائز" بمعنى مشروع يتجاوز حدود الأفعال الشرعية، فهو ينطوى على نظرية المسئولية الجنائية، من حيث أنه يقرر

أن "الجواز الشرعي ينافى الضمان". وفي هذا المقام أيضًا يجب أن نفهم أن الفعل المشروع هو الفعل الذي يجيزه الشرع وإن كان فيه تحامل. على أن بعض الكتاب -بما فيهم الحنفية- يستعملون المصطلح "جائز" للدلالة على عقد صحيح. ومن ثم فإن القدورى يرى أن العقد الذي تفسده المخاطرة ينافى الشرع (القدورى: المختصر، ص 60)، محله مثل العقد الذي ينافى موضوعه الشرع (الكتاب المذكور، ص 54). وفي هذين الموضوعين يقول القدورى على التخصيص إن هذين العقدين غير جائزين. ويجب أن نذكر آخر الأمر أن المصطلح "جائز" قسد اتخذ عند غير الحنفية مدلولأ لم يكن متوقعا على الإطلاق. فالحق إن في كتب المالكية كما في كتب الشافعية وافحنبلية، أن العقد يقال له جائز إذا كان غير ملزم (عند المالكية، انظر القرافى: الفروق، ج 4. ص 13؛ وعند الشافعية: السيوطي: الأشباه، ص 141؛ وعند الحنابلة انظر ابن قدامة، ج 4، ص 119). ومن ثم فإن العقد يمكن أن يكون جائز، لطرف، وملزما للآخر، كما قد يكون جائز، للطرفين، أي غير ملزم للطرفين (الأعلوى: بغية المسترشدين، ص 112). وفي المنطق يدل الجائز على ما لا يمتنع عقلًا، واجبا كان أو راجحا أو مساوى الطرفين أو مرجوحا. المصادر: (1) كتب الأصول مثل التفتازانى: التاريخ، سنة 1304. (3) Theorie gin-: Chafik Chehata musulman erale de L'obligation en droit .hanafite ج 1، القاهرة سنة 1936. (3) G. Bergstrasser's: J. Schacht Grundzuege des islamischen Rechts ص 31 - 33. (4) الكاسانى: بدائع الصنائع، القاهرة سنة 1327 هـ. (5) السرخسى: المبسوط، القاهرة سنة 1324 هـ. خورشيد [شفيق شحاته Chafik Chehata]

الجبال

الجبال جمع جبل: اسم أطلقه العرب على العراق العجمى وهو ميديا القديمة. وتضم الجبال "ماه" (مادا، ميديا: Noel- Gesch. der Arabien etc.: deke. ص 103، تعليق 1 متبعًا في ذلك a Olshausen و - La garde) الكوفة والبصرة (الإصطخري، ص 159؛ ابن حوقل، ص 255) وبعبارة أخرى الولاية التي تحد من ناحية الشرق بصحراء خراسان وفارس، ومن الغرب بآذربيجان، ومن الشمال بسلسلة جبال ألبرز، ومن الجنوب بالعراق العربي وخوزستان. وسميت بهذا الاسم لأنها جبال كلها فيما عدا السهل الممتد من همذان إلى الري (بالقرب من طهران)، والسهل الممتد نحو قمّ، وليس فيها نهر صالح للملاحة. وهناك مناجم من الإثمد في إصفهان (الإصطخري، ص 203؛ بن حوقل، ص 267) والجو بارد على العموم، ويكثر الجليد شتاء. وعبارة Vetulus de Monte, Senior, Senex, التي أطلقها مؤرخو القرون الوسطى على شيخ الحشاشين، ترجمة حرفية مضللة للكلمة "شيخ الجبال" التي تدل في الواقع على "شيخ الإسماعيلية" في بلاد الجبال؛ وكانت قصبته قلعة ألَمَوت بالقرب من قزوين. المصادر: (1) ياقوت: المعجم، ج 2 ص 15 (Dict de la Perse: Barbier de Meynard ص 151). (2) Manuel de la: A. F. Mehren Cosmographie. ص 248. (3) المقدسي، (طبعة de Goeje) ص 384. (4) The Lands of: G. Le Strange A o Eastern Caliphate ص 185 وما بعدها. [إيوار Cl. Huart] " الجبال": اسم أطلقه كتّاب العرب من قبل على ذلك الجزء من جزيرة العرب الوسطى Arabia Pertae الذي يقع جنوبي وادي الحسا مباشرة، وهو فرع من الطرف الجنوبي الأقصى للبحر الميت الذي يسيطر من قننه

السامقة (ترتفع إلى 1400 متر أو 1600 متر) على غور وادي العربة وهو الامتداد الجنوبي لشرق الأردن. وتمتد هذه السلسلة الجبلية الهامة بعد ذلك ماثلة في جبال الشراة التي كثيرًا ما تلتبس بها، ومن ثم فهي تقابل الحد المصدوع لصحراء الفيافى في إقليم ترتفع فيه هضبة شرقي الأردن ارتفاعًا محسوسًا. على أن تضاريسها الملتوية التي تجعلها تكاد تبدو كالسور تلونه أحجار الجرانيت والأحجار السماقية في شرقي فلسطين، تبدأ مع ذلك بحزوز عميقة تمضى إلى حوض البحر الميت الذي يتلقى معظم مياهه من جداولها، وظل أمد، طويلًا يموّن تجارة طرقها بالقار. لقد كان هذا الإقليم في جميع الأحوال إقليم مواصلات، اتضحت أهميته الحربية أيام الدفاع عن الثغور الرومانية من غارات البدو، وأيام النضال الذي نشب بين فرنجة فلسطين (قلعة مونتريال أو الشوبك التي بناها بولدوين الأول سنة 1115 م) وإمارتى مصر والشام المسلمتين. ومع ذلك فقد كان أيضًا إقليما مزروعا حتى القرون الأولى للإسلام، تسمح ينابيعه الوافرة بعض الوفرة بقيام مراكز صغيرة لسكان من الحضر، ولا يزال هذا متحققا في الأطلال العديدة وإن كانت هذه الأطلال لم تدرس إلا قليلًا. وفي العصر الهلينى شهدت هذه الأرض، القائمة في شرقي إيدوم ويفصلها عن أرض موآب الحد التقليدى حد وادي الحسا الذي ذكرناه آنفًا، نمو سلطان النبطيين الذي يحدد بلا شك أول فترة نفذ فيها العرب إلى تخوم فلسطين. ونحن نعلم أن بعض مواقع الجبال -مثل بُصْرَى وهي مبْصَر القديمة، التي تطابق القرية الحَالية "بُصَيرَة" إلى الجنوب من الطفيلة- تعد من أماكن مملكة القوافل بأواسط جزيرة العرب. وأصبحت هذه الأرض - من بعد- جزء، من ولاية جزيرة العرب، وهي الثغور التي أحلها ترايان سنة 106 محل المملكة النبطية التي كانت انئذ -بلاشك- قد فقدت بالتدريج احتكارها للثروة الحادثة أصلًا من التجارة وآلت هذه الثروة لتدمر. وحدثت سنة 295 تغيرات إدارية جعلت

الجبال تابعة لفلسطين التي كانت ولاية ضخمة قسمت أول الأمر إلى إدارتين ثم إلى ثلاث إدارات في النصف الثاني من القرن الرابع. ومن ثم فإن إدارة فلسطين الثالثة هذه كانت تتبعها - بحسب القوائم البوزنطية- مدن متروكوميا (الطفيلة) ومَمُوسيورا (البُصَيرَة)، وأرندلا (العَرَنْدَل) والمر كز الحربى ربَاثَا (رحَبوت من قبل، بالقرب من وادي الرحاب) وكل هذه المدن إنما نستطيع اليوم أن نحققها بصعوبة، ولو أن أهميتها كانت -فيما يظهر- قائمة في مطلع السيطرة الإسلامية. والحق إن اسمى: "العرندل" (أرندلا) التي ذكرها اليعقوبى، و"رواث" (رباثا) التي ذكرها ابن حوقل (ص 113) يوجدان -بصفة عامة- عند جغرافي العرب الذين يذكرون قصبة كورة الجبال (يقول هؤلاء الكتاب إنها كورة في جند دمشق أو في جند فلسطين) ويميزون بينها وبين ناحية موآب (والقصبة زغار) ومن الشراة (والقصبة أذرح). وهذه التفرقة -التي يلاحظها أيضًا ابن خرداذبه في إحصائه لكور الشام- لم يمض عليها وقت طويل حتى انطمست، ولا شك أن سبب ذلك فقر أهل هذا الإقليم ونزوحهم التدريجى عنه، أجل هذا الإقليم الذي فتحه يزيد ابن أبي سفيان مع ذلك بغير مقاومة وكان خليقًا بأن يستمر في معيشته معتمدًا على ازدهاره السابق. بل إن المقدسي (ص 145) لم يعرف إلا كورة الشراة، ويقول إن زغار هي قصبتها، وحواضرها هي مَعان وأذرح، وكذلك عين ياقوت قرية عرندل في هذه الكورة. ذلك أن كلمة الجبال كان قد بطل استعمالها، ونجد القلقشندى والعمرى في عصر المماليك لا يذكران في نيابة الكرك إلا ولايات الشَوْبَّك وزغار ومعان، ويقولان إنها تمتد شاملة للجزء الجنوبي كله من ولاية الشام. المصادر: (1) Geographie de la: F.M. Abel Palestine , باريس سنة 1933 - 1938، ج 1، ص 15 - 16، 18، 69، 157، 382؛ ج 2، في مواضع مختلفة وخاصة ص 278 (بصرى)، 836

الجبائى

(مبْصر)، 434 (رحبوت) , 479 (تَيمان). (2) Palestine: Le Strange ص 28، 32، 35، 395. (3) Textes geo-: A.S. Sarmardji graphiques، باريس سنة 1953، ص 43، 105. (4) M. Gaudefroy-Demombynes: La Syrie a l'epoque des Mamelouks، باريس سنة 1923، ص 129 - 134. (5) Musi 1 Arabia Petrae. فينا سنة 1907، ج 2. (6) Bruennow & Domaszeuskie: Die Prnvincin Arahin. ستراسبورغ سنة 1904 - 1909، ج 1. (7) البلاذرى: فتوح البلدان، ص 126. (8) المكتبة الجغرافية العربية، الفهارس. (9) اليعقوبى، طبعة فيت، ص 174 - 175. (10) ياقوت، ج 3، ص 657 (مادة عرندل). خورشيد [سوردل تومين J. Sourdel- Thomine] الجبائى أبو على محمد بن عبد الوهاب من شيوخ المعتزلة، ولد في جبَّة من أعمال خوزستان، ودرس على أبي يعقوب يوسف الشَحَام شيخ معتزلة البصرة فأصبح من أكابر دعاتهم إلى أن مات عام 303 هـ الموافق 915 - 916 م. وقد صنف كتابًا في الأصول وكتب في الرد على الرَاوَنْدى والنَظْام وغيرهما. وكثيرًا ما اختلف مع تلميذه الأشعرى، وقد صنف الأشعرى بعد انصرافه عن الاعتزال رسائل في الرد على شيخه. وذكر هذه الرسائل سييتا Spitta, في Zur Geschichte Abu'l Hasan al-Ashdri's) وخاصة في الرد على كتابه في الأصول. ولم يبق من هذه المصنفات شيء، كذلك ضاع تفسيره للقرآن، وهو التفسير الذي كتبه بلهجة بلده، وضياعه مما يؤسف له غاية الأسف لقيمته اللغوية. وكان للجبائى ولد أشهر منه هو أبو هاشم عبد السلام المتوفى سنة

321 هـ الموافقة 933 م، ويعرف أتباعه بـ "البَهْشَمِيَّة". وقد أورد البغدادي اسما آخر لهم هو "الذَمِّيّة"، ولعلهم عرفوا به استنكارًا لهم، والظاهر أنه أقل شيوعًا، ومنهم ابن عَبّاد وزير بنى بويه المشهور، ومن ثم انعقد إجماع معتزلة عهده على تبجيله أو كاد، ولم يبق من مصنفاته إلا عناوينها، ولكننا نعرف أقواله من ردود خصوم البهشمية عليهم. وكان رأيه في الأحوال هو أعظم ما أشتهر به. ولسنا نستطيع أن نفصل الكلام عن أقوال الجبائى وابنه، ولذلك نحيل القارفي إلى المصادر. وحسبنا أن نعلم في هذا المقام أن الجبائى يذهب إلى أن صفات النّه هي عين ذاته، فأنكر في الواقع وجودها. وحاول أبو هاشم أن يوفق بين هذا القول وبين رأى أهل السنة، ففسر هذه الصفات بأنها أحوال. وقصد بهذه الأحوال صفات أقرب إلى جوهر الأشياء من الأعراض التي تتفاوت في درجة قيامها بالجوهر؛ ومن ثم كان لها شأن لا في تصور فكرة الله فحسب بل في الكليات أيضًا. وقد اعتقد أبو هاشم أنه أبقى بهذا التفسير على فكرة وحدة الله ودعم القول بصفات الله من حيث أن الأحوال ليست شيئًا جوهريًا وإنما هي ضرب من الظواهر، بيد أن خصومه لم يقتنعوا بهذا التوفيق بين الوجود واللاوجود. المصادر: (1) Zum Kitdb al Fihrist: Houtsma in the Wien. 7 eitschr. / fuer die Kunde des .E Morgenl ج 4، ص , 224. (2) ابن خلكان: وفيات الأعيان، طبعة فستنفلد، رقم 393، 618. (3) Al- Mu 'tazilah: Arnld ص 45 وما بعدها. (4) الشهرستانى: الملل، طبعة كيرتون، ص 54 وما بعدها. (5) البغدادي: الفرق بين الفرق، ص 167 وما بعدها. (6) Die Mu'taziliten: Steiner ص 82 وما بعدها.

أبو على الجبائى وأبو هاشم ابنه

أبو على الجبائى وأبو هاشم ابنه للمعتزلة أصول خمسة لا يستحق في رأيهم أن يوصف بالإعتزال من لم يقل بها جميعها، وهي: التوحيد، والعدل، والوعد والوعيد، والمنزلة بين المنزلتين، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، فمن كملت فيه هذه الخصال كان معتزليًا (¬1) "إلا أنهم بعد الاتفاق على هذه الأصول اختلفوا في كثير من التفاصيل والفروع المتعلقة بها اختلافا يسير، أو كبير، ، فكان من هذا أن افترقوا إلى اثنتين وعشرين فرقة، كلها تستحق الوصف بالإسلام إلا اثنتين هما الحائطية والحمارية، وكلها يكفر بعضها بعضا كما يذكر الإمام أبو منصور البغدادي (¬2). وإذا كان بعض الفرق قد ضل، كابن حائط راس الحائطية الذي مال عن الإسلام فنفاه المعتزلة عنهم حتى لا تصيبهم معرته (¬3)، فإنه مع هذا ليس من السهل أن نؤمن بأن كل الفرق يكفر بعضها بعضًا. ومهما يكن، فإن من تك الفرق العشرين الفرقتين الجبائية والبهشمية، الأولى تنسب إلى أبي على الجبائى، والثانية إلى أبي هاشم ابنه، وهذه تعرف أيضًا بالذمية للقول باستحقاق المرء الذم والعقاب على مالم يفعل كما سيجئ بيانه، لا استنكار، لهم كما جاء بالمادة. وقد كان الجبائى إمامًا في علم الكلام، وعنه أخذ إمام أهل السنة أبو الحسن الأشعرى، وله معه المناظرة المشهورة في مسألة الإخوة الثلاثة الذين مات أحدهم طفاو، وأنسا الله في أجل الآخرين فمات واحد منهما مؤمنًا تقيا والآخر كافرًا، شقيًا، فماذا يكون شأنهم مع الده تعالى؛ وفيها أن الجبائى لما انقطع عن الإجابة وأحيط به شتم تلميذه وقال له: إنك مجنون، فقال له الأشعرى: لا، بل وقف حمار الشيخ في العقبة (¬4). وكان بعد هذا ما نعرف من أن الأشعرى هدى إلى طريق الحق، وصار إمام أهل السنة والجماعة. ¬

_ (¬1) الانتصار للخياط المعتزلى، نشر الدكتور نيبرج ص 126 ومقالات الإسلاميين للاشعرى، نشر ريتر، ص 278. (¬2) الفرق بين الفرق ص 18. (¬3) الانتصار ص 149. (¬4) ابن خلكان، طبع بولاق بمصر، ج 1، ص 685 - 686.

وقد تزعم كل من الجبائى وابنه معتزلة البصرة في عهده، وعمل على نشر مذهب أبي هاشم أبو القاسم الصاحب ابن عباد أحد المتشيعين له والمتوفى عام 385 هـ. ولعل من الطريف أن نذكر أنه كان لأبي هاشم هذا ولد عامي لا يعرف شيئًا، فدخل يوما على الصاحب فأكرمه رعاية لحق والده ولما ظنه فيه من العلم، ثم سأله عن مسألة فقال: لا أعرف ولا أعرف فصف العلم. فعجب الصاحب من اختلاف حظ الأب والابن من المعرفة، وقال: صدقت يا ولدى، إلا أن أبالىُ تقدم بالنصف الآخر (¬1). والباحث لآراء الفرق الكلامية في مظانها يتبين له أن الجبائى وابنه اتفقا مع المعتزلة في الأصول التي قالوا بها، وانفردا عنهم بآراء خاصة بهما، كما اختلف كل منهما عن الآخر في بعض ما ذهب إليه في مسائل غير قليلة، ولكل وجهة هو موليها. فمن الآراء التي توافقا فيها أن السبيل لإفناء العالم حين يريد الله أن يخلق "فناء" لا في محل، فيفنى به جميع الأجسام، ومن ثم لا يصح في قدرة الله تعالى أن يفنى البعض دون البعض وان كان لم يخلق الجميع مرة واحدة! وبعبارة أخرى، إن في قدرة الله أن يفنى العالم متى شاء مرة واحدة، وليس في قدرته أن يفنى بعضه ويبقى على سائره (¬2). واتفقا كذلك على أن الله ما دام لم يخلق الناس عبثًا ولم يتركهم سدى، بل طلب منهم فعل الحسن والواجب واجتناب الإثم والقبيح، مع ما ركبه في خلقتهم وركزه في طبائعهم من الشهوات والميل لإرضائها ولو بفعل القبيح، فيجب إذًا عليه تعالى إكمال عقولهم ونصب الأدلة لهم وأن يمدهم بما يستجيبون به لتكاليفه (¬3). ونعتقد أن الده تفضل وفعل لخلقه كل هذا؛ فقد هدانا للحق بما جعل فينا من عقل، وأرسل الرسل مبشرين ومنذرين، لئلا يكون للناس عليه بعد هذا وذاك حجة، ¬

_ (¬1) ابن خلكان ج 1 ص 414. (¬2) الملل والنحل للشهرستاني، طبع الخانجي، ج 1، ص 98. والفرق بين الفرق ص 168 - 169. (¬3) الملل والنحل ج 1 ص 106 - 107.

ولكنه من سوء الأدب أن يقال يجب على الله! كما اتفقا أيضًا فيما جعله المتكلمون "مسألة اللطف". فقد ذهب بشر بن المعتمر رأس الفرقة البشرية إلى أن الله لو شاء لهدى الناس جميعا بان يخلق فيمن يعلم أنه لا يؤمن "لطفا" فيؤمن طوعا (¬1)، وخالفه سائر المعتزلة في هذا ذاهبين إلى أنه لو كان عند الله هذا اللطف ثم لم يفعله بالكفار لم يكن مريدًا لخيرهم (¬2). وذهب الجبائى وابنه إلى أن الله فعل بعباده ما هو أصلح لهم في دينهم، ولو كان في معلوم الله شيء يؤمن به الكفار لو فعله بهم ثم لم يفعله لكان مريدًا لفسادهم، وإذا فلم يدخر الله عن خلقه شيئًا يكون سببا للطاعة والتوبة من الصلاح والأصلح واللطف، لأنه حكيم وجواد لا تنقص خزائنه بالإعطاء (¬3). ومن الممكن بعد هذا أن نذكر بعض ما اختلف فيه الوالد وولده، وأهمه مسألة الصفات. من المعلوم لمن درس علم الكلام أن أهل السنة والجماعة مجمعون على أن الله تعالى حي بحياة، وقادر بقدرة وعالم بعلم، ومريد بإرادة، وسامع بسمع، وباصر ببصر، ومتكلم بكلام ليس من جنس ما نعهد من أصوات وحروف. وهذه الصفات أجمعوا كذلك على أنها أزلية، وليست عين الذات ولا غيرها. والمعتزلة ذهبوا، فرارًا من القول بتعدد القدماء، إلى نفى جميع الصفات الأزلية، وقالوا إنه عالم بذاته وقادر بذاته وهكذا. ولقريب من هذا أو بمثله ذهب الجبائى، حين قال إن الله عالم وقادر وحى لذاته، أي لا يقتضي الأمر صفة أو حالًا يوجب كونه عالمًا وقادرًا وحيًا (¬4). ورأى أبو هاشم وجاهة ما ألزم به أبوه من أن قوله يئول إلى جعل نفس الله علما وقدرة مثلًا لأن حقيقة العلم ما ¬

_ (¬1) الفرق بين الفرق ص 141 ومقالات الإسلاميين ص 246. (¬2) نفسه ص 574. (¬3) الملل والنحل ج 1، ص 100 - 101 والمقالات 247 - 248. (¬4) الملل والنحل ج 1 ص 101، وأصول الدين للبغدادى طبع إسلامبول عام 1928، ص 92.

به يعلم العالم وحقيقة القدرة ما به يقدر القادر، وما دام الجبائى قد جعل الله عالما لنفسه أو لذاته -وقادرًا كذلك- يكون نفس الله علما وقدرة! لهذا ذهب أبو هاشم مذهبا آخر، وحاول به أن يكون وسطا بين مثبتى الصفات وبين منكريها، فقال إن الله عالم أي ذو حال- وراء كونه ذاتًا - به يعلم، وهو قادر لكونه على حال به يكون قادرًا. وهذه الأحوال صفات لا يقول عنها إنها معلومة أو مجهولة ولا موجودة أو معدومة ولا قديمة أو حادثة، وتتعدد بتعدد المعلومات والمقدورات والمسموعات والمبصرات ونحوها. أي أن الله يعلم هذا المعلوم بحال غير الذي يعلم به المعلوم الآخر، فتكون أحواله لا نهاية لها إذ لا نهاية لمعلوماته ومقدوراته ونحوها. وهذا المذهب يرى فيه البغدادي في كتابه "أصول الدين" أنه مذهب لا يعقله صاحبه عن نفسه، فكيف يناظر في تصحيحه. واختلفا أيضًا في معنى كون الله سمعيا بصيرًا فقال الجبائى الأب إن معنى هذا أن الله حي لا افة به، وذهب الابن -زيادة على هذا- إلى رأيه في الأحوال كما عرفنا. ورأى الأب أن يقال لم يزل الله سمعيًا بصيرًا، ولا يقال لم يزل سامعا مبصرًا، إذ زعم التفرقة بين سامع وسميع ومبصر وبصير، هذه التفرقة هي أن الوصف بسامع ونحوه يقتضي وجود مسموع ولا كذلك سميع، ولما لم تكن المسموعات موجودة أزلًا كان الله - تعالى عما يقولون- في الأزل سميعا لا سامعًا وبصيرًا لا مبصرًا (¬1). وفي هذه التفرقة التي لا أساس لها يقول البغدادي في كتابه "أصول الدين": "ولا يُدرى من أين أخذ فرقه بين السامع والسميع! وهل أخذه من لغة العرب أو العجم، أو من لغة شيطانه الذي أغواه". بقى أن نشير إلى ما ذهب إليه أبو هاشم من الشدة في الوعيد. لقد رأى أن المرء يستحق الذم والعقاب على ¬

_ (¬1) مقالات الإسلاميين ص 175 - 176، 294، 526، 527 وأصول الدين ص 97.

الجبة

ما لم يفعل، ولذلك عرف وفرقته بالذمية كما قلنا من قبل، إذا قدر على فعل طاعة فلم يفعل مع ارتفاع الموانع (¬1). كما رأى أن التوبة لا تصح من ذنب مع الإصرار على ما يعتقده الآثم قبيحًا وإن كان في نفسه حسنا، وبذلك ضيق رحمة الله الواسعة، إذ لكل ذنب جزاء يرتفع بالتوبة الصادقة منه. كما ذهب أخيرًا إلى أن التوبة كذلك لا تصح من ذنب بعد العجز عن مثله، كتوبة الكذاب عن الكذب بعد إصابته بالخرس. وكان الحق أن يترك هذا لله الذي يعلم ما في قلبه من الرغبة في معاودة الذنب إن تهيأت له أسبابه، أو العزم الصحيح على التوبة النصوح. هذه كلمة تجلى -إلى حد ما- آراء الجبائى وابنه أبي هاشم، وما على من يريد التوسع إلا أن يرجع للمراجع الصحيحة التي ذكرت في الأصل وهذا التعليق. محمد يوسف موسى الجبة لفظ عربي ينطق في مصر بكسر الجيم مع تخفيفها: رداء شآمي الأصل ضيق الأكمام (البخاري: صحيح، ترجمة هوداس Hnudas ومارسيه Marcais، ج 2، ص 321) يبطن أحيانا بالقطن ويلبس تحت العباءة ويليس في مصر فوق القفطان. وكانت الجبة حلة طويلة قصيرة الأكمام تبطّن بالفراء في الشتاء. وكانت الجبب من الحرير اللبد تلبس بالأندلس في عهد الانتقال، أما في مكة فتلبس فوق البدن. وكانت تحاك من قماش خفيف أو من الحرير. وتلقى فوق الكتفين في فصل الحرارة. وتلبس النسوة جبة من القماش أو المخمل أو الحرير مطرزة بالذهب أو الحرير الملون. وهي أحبك من جبة الرجل. وانتقلت كلمة جبة إلى اللغات اللاتينية فيقال بالأسبانية Aljuba, وبالإيطالية Cuppa، وبالفرنسية أو Jupon. ¬

_ (¬1) الفرق بين الفرق ص 169 - 170.

الجبر

المصادر: (1) Noms des vete-: B.P.A. Dozy ments. ص 107. (2) Modern Egyptians: Lane, ج 1، ص 41. (3) Travels: Burckhards ج 1، ص 335. (4) Essai: Cte de Chalroti في Description de l'Egypte ج 18، ص 113. [إيوار Cl. Huarl] الجبر والمقابلة: هو الاسم الذي أطلقته كتب الحساب العربية القديمة على نظرية أو طريقة حل معادلات الدرجتين الأول والثانية. ولم يتفق كتاّب العرب تمام الاتفاق على معنى هذين المصطلحين. ولكن معظمهم على التعريف التالي الذي أجمله بهاء الدين العاملى في كتابه "خلاصة الحساب" (طبعة بالعربية والألمانية، برلين سنة 1483 م، ص 41 - 42 من النص العربي، 41 من الترجمة): "الجبر أن تفرض المجهول شيئًا، وتعمل ما تضمنه السؤال سالكًا على هذا المنوال لينتهى إلى المعادلة، والطرف ذو الاستثناء يكمل ويزاد مثل ذلك على الآخر. والأجناس المتبتسة المتساوية في الطرفين تسقط منهما وهو المقابلة" مثال ذلك: إذا استعملنا الجبر فإننا نحصل من: 5 س 2 - 6 س+ 2 = 4 س 2 +7 على 5 س 2+2 = 4 س 2+6 س+7 ونحصل من هذا بالمقابلة على: س 2 = 6 س + 5. والعملية الثانية واضحة في نظرنا. وإذا شئنا أن نفهم الأولى وجب علينا أن نذكر أن العرب كانوا -على خلاف الهندوس- لا يدخلون الحدود السالبة في معادلة ما. فقد كانت فكرة السالب -حتى ذلك الوقت- غريبة عليهم. ولذلك فإنه إذا وجد في معادلة حدود سالبة كانت هذه المعادلة غير منتظمة ناقصة، ومن ثم وجب أن ترتب ثم تجبر. على

أن المعادلة التي فيها معامل غير صحيح في الحد الأعلى لا تكون أيضًا منتظمة أو مرتبة ترتيبًا صحيحًا يهيئها للحل ومن ثم وجب أيضًا إبعادها ولذلك فإن المعادلة: 1/ 3 س 2+2 س = 9. ينبغي أن تضغف ثلاثًا كى يكون الحد الأعلى س 2 فحسب. ومن ثم تصبح: س 2 + 6 س = 27. وقد أصاب أبو بكر الكرخى المتوفى عام 1000 كبد الحقيقة بقوله إن هذه العملية هي أيضًا من الجبر (الكافي في الحساب لأبي بكر محمد بن الحسين الكرخى، ترجمة هوشيم A. Hochheim هال، سنة 1878 - 1880، ج 3، ص 13). أما في الكتب المتاخرة مثل كتاب الحساب لأبي زكريا الحصّار (قبل عام 1200 انظر Bibl.: Suter . Math، ج 2 السلسلة الثالثة، سنة 1901، ص 12 - 40) وكتب تقى الدين الحنبلي (قبل عام 1410) وابن الهائم المتوفى عام 1412 فاننا نجد إلى جانب المصطلح "الجبر" بمعناه السالف كلمة الحط بمعنى أننا إذا طبقنا الحط على المعادلة الآتية مثلًا: 3 س 2 + 2 س = 5. أي قسمناها على ثلاثة لأصبحت: س 2+2/ 3 س = 3/ 5. على أن كاراده فو (Bibl. Mathein. ج 11، السلسلة الثانية، سنة 1897 ص 1 - 2) قد أخطأ عندما ظن أن الحط اسم قديم للعملية الثانية وأنه استبدل به في الوقت المناسب المقابلة. ذلك أن الحط لا صلة له بالمقابلة، وإنما هو توسع بسيط في فكرة الجبر لا لزوم له على الإطلاق. وبمرور الزمن بطل استعمال المصطلح الثاني، أي المقابلة، تدريجًا، وانصرف عنه أصحاب الحساب العرب أنفسهم على خلاف ما ذهب إليه نسلمان (Algebra der: Nesselmann Greicheii، برلين سنة 1842. ص 45) فنجد أبا زكريا الحصّار لا يستعمل في رسالته في الحساب إلا كلمة الجبر.

وانتقل هذا المصطلح من العرب إلى الغرب: ففي مصنف ليوناردو الييزى (Liber Abaci: Leonardo de Pisai. سنة 1202) الكلمات Algebra et Almucabata بنصها من غير ترجمة، ولكنها شفعت بترجمة هي: Restauratio et Oppositio وكاناتشى الفلورنسى Canacci الذي عاش في القرن الرابع عشر الميلادي أول كاتب اقتصر على استعمال كلمة الجبر Algebra . ثم إننا نجد أن كلمة المقابلة Almucabala قد وردت في كتاب الجبر الذي ألفه جوساون Gosselin (1577 م). ويقال إن كاثاتشى أول من قال إن كلمة الجبر Algebra مشتقة من اسم العالم العربي جابر. ولا نستطيع الآن أن نتحقق أكان يقصد بذلك جابر صاحب الكيمياء أم الفلكى الأندلسى الذي يعرف بالاسم نفسه. أما ميخال ستيفل Michal Stifel فيستعمل أيضًا في كتابه Arithmetica Integra المصطلح regu- la Gebri . على أن علماء الأوربيين سموا هذا العلم بأسماء جديدة. فنشأ في إيطاليا المصطلحان ars rei et census j ars magna [وهما ترجمة شيء (س) ومال (س 2)] ثم استعمل بعد ذلك التعبيران الإيطاليان المقابلان لهما: maggiore arte و art (regole) della cosa وانتقل التعبير الأخير إلى الألمانية. وقد عرف الجبر أو كاد في القرنين السادس عشر والسابع عشر بـ Regel Coss أو بمجرد die Coss. وتواتر ذلك. وأقدم ما عرفنا من مؤلفات العرب في الجبر هو كتاب محمد بن موسى الخوارزمى الذي عاش في عهد المأمون (طبعة Rosen. بالعربية والإنكليزية لندن سنة 1831) لم يشرح معنى المصطلحين الجبر والمقابلة في هذا الكتاب، ومن ثم جاز لنا القول بأنهما كانا معروفين بالفعل، ونستدل من ذلك على أنه كانت قبله كتب في الجبر دون شك، ولم نتحقق بعد، هل ابتدع العرب هذين المصطلحين أو أخذوهما عن الكتب اليونانية أو الهندوسية. ومهما يكن من شيء فقد استعملهما ديوفنطس في حل معادلة وردت في كتابه في الحساب، وهو يصفهما بما يماثل وصفهما بالعربية ولكنه لم يسمهما.

ومع ذلك يبعد أن يكون ديوفنطس قد نقل إلى العربية في أيام المامون، إذ يقال في المصادر العربية أن أول من ترجمه هو قسطا بن لوقا المتوفى سنة 910 م. المصادر: تراجع في شأن الجبر عند العرب المصادر الآتية إلى جانب ما ورد في صلب المادة: (1) Extrait du Fkhri, traite: F. Woepcke d'Algebre par Abou Bekr Mohammed b. L A 1 hacan Alkarlhi باريس سنة 1853. (2) L'Algebre d'Omar Alk-: F. Woepcke -hayyami, Poubliee, traduite `et ac -compagne d'extraits de manuscrits un edits سنة 1851. (3) Traduction du Traite: F. Woepke -d'Aritmetique d'Aboul Hacan li b. Mo hammed AlkalFadi في pontif de Nuovi، Lincei المجلد 12، سنة 1850، والمقتطفات، رومة سنة 1859. (4) كتاب الجبر المجهول المؤلف الذي نشره Boncompagni .B في الرسالة الموسومة بـ Della vita e dell Opere die - Pontid) Gherardo Crem؛ Atti deli'aecad nnese etc. de'Nuovi Lincei (ج 4، سنة 1851 و Estrato رومة سنة 1851. (5) Varlesungen ueber Gesc-: Cantor .gichte de Mathem ج 1، الطبعة الثانية، سنة 1894 م، ص 676 - 768. [سوتر H. Suter] + الجبر والمقابلة: هما في الأصل طريقتان لتحويل المعادلات، ثم أصبحا من بعد اسما يطلق على نظرية المعادلات (الجبر). وأقدم مصنف عربي في الجبر ألفه، حوالي عام 850 م، محمد بن موسى الخوارزمى، وهو يستخدم، على نحو ملائم هاتين الطويقتين لرد بعض المسمائل إلى صور صحيحة، ومّد حقق ف. روزن F.Rosen مصنف الخوارزمى ونشره مع ترجمة إنكليزية قام بها، في لندن عام 1831. والحاجة ماسة جدًّا إلى مراجعة نص روزن (انظر The Mishnat: S.Gandz , في. Quellen u Stud.Z. Gesch. d. Math، Quel-: Abt. A. len، ج 2، سنة 1932، ص 61 وما بعدها) والترجمة تعسفيه فيها خطأ

كثير، ولا يرجع هذا على آية إلى أن روزن يحاول أن يطوع المصطلحات المتنوعة لنمط ثابت سبق تصوره. وكانت هذه الطبعة مصدرلم لأخطاء وزلات لا حصر لها وردت في الكتب القديمة. وكان رسكا J. Rucka هو الذي زودنا بأول نقد تحليلى للمسألة Zur) -aeltesten arabischen Algebra and Re (chenkunst، في Kl. SB Hei-: Phil.-hist delberg، سنة 1917). ولم يدلل أي كاتب آخر بعد على خطأ شرحه للجبر والمقابلة (ص -5 - 14) بصفة خاصة. ففي المسألة الأولى (ص 25 من النص العربي)، عدَل "مال" واحد 40 شيئًا إلا أربعة أموال) ويقول الخوارزمى أجبره (لـ 40 شيئًا إلا أربعة أموال) بأربعة أموال وأضفها إلى المال الواحد، ومن ثم فإن الجبر يعني حذف مقادير مسبوقة بلفظ "إلا" أطلق عليه فيما بعد لفظ الاستثناء)، بإضافة هذه المقادير حسب المعنى المالوف "رد الشيء لأصله"، وبخاصة لاجبر المبلغ الناقص" (انظر أمثلة على ذلك في Suppl.: Dozy). وفي المسألة الخامسة (ص 28 من النصر العربي) عدل 50 درهما ومال واحد 29 درهما و 10 "أشياء" (قابل بها إلى 29 درهما)، وهذا معناه أن تطرح تسعة وعشرين من خمسين. والمقابلة هي العملية التي تقابل بها بين مقدارين، لتتبين مدى التشابه أو الاختلاف بينهما. ويعد "الإكمال" من هذا النوع من العمليات أيضًا، ومعناه مضاعفة المقادير الواردة لتحويل معامل غير صحيح إلى صحيح" ويرى الكرَجى المتوفى حوالي عام 1030 م (كان الاسم حتى ذلك الوقت يرسم خطا "الكرْكجى" انظر. Levi della Vida Due nuove op: G. era إلخ في المصادر)، أنها حالة خاصة في الجبر. و"الرد" طبقا لذلك يشير إلى عملية قسمة يرد بها معامل صحيح إلى الواحد الصحيح. وتنتج هنا في آخر الأمر صور صحيحة، لا ترتبط فيها المصطلحات المختلفة بعضها ببعض، ويتحدد معامل المقدار بواحد صحيح. ونظرية كاندز Math .) S.Gandz Monthly عدد 33، سنة 1926 ص 437 - 440؛ وقد أقرها Studien zur Geschichte: O.Neugebauer . der antiken Algebra i, Quellen u. Stud. z

Gesch. d. Math. Abt B: Stud عدد 2، سنة 1933، ص 1 - 27، 1 وما بعدها) الذي يشتق كلمة "جبر" من الكلمة الأشورية "كبرو gabru" ويرى أن كلمة "المقابلة" ترجمة لذلك اللفظ، تعجز عن شرح الاستعمال الخاص لكلمة "جَبَر"، والحق أنه من المستبعد، فيما يبدو، أن يبقى في اللغة العربية مصطلح مفرد، وجد في الرياضيات البابلية، ولم يثبت وجوده في اليونانية، وكما أوضح رسكا Ruska (المصدر المذكور، ص 11) فإن العمليتين الرئيسيتين اللتين تحدث عنهما الخوارزمى قد ورد ذكرهما في كتاب الأرثماطيقا الذي ألفه ديوفنطس Diophantus (الكتاب الأول، طبعة ب. تانرى P.Tannery. مجلد 1، ليبسك سنة 1839، ص 14) أي في هاتين العبارتين باليونانية (1) يروثيناى تاليبونتا إيذى أن أمفوتيرويس تو يس ميريسى. (2) أفيلين تا أو مايا آبو تون اومويون إيوس آن اخاتيرو تون اومويون الذوس ختاليفنى. ومن الواضح أن العملية الأخيرة هي التي يعبر عنها بلفظ "المقابلة"، أما العملية المذكورة أولًا فإن الخوارزمى يستعمل للتعبير عنها كلمة "الجبر" التي توحى بالمعنى كل الإيحاء، والمستعارة في الأصل من المصطلحات التي يستخدمها الجراح، حيث تعنى إصلاح عظم مكسور أو طرف انتقل من موضعه، ويلاحظ أن كلمة algebrista الأسيانية الحديثة لا تزال تشير إلى "مجبر العظام" كما تشير إلى العالم بالجبر (انظر أيضًا. M Steinschneider , في. Archiv. Pathology , Anatomie ص 124, سنة 1891، وص 125 وما بعدها). أما الأنواع المختلفة من المقادير التي ورد ذكرها في رسالة الخوارزمى وبقيت طوال القرون، فإنها في الأغلب الأعم مستعارة من عبارات اصطلاحية تجارية. ومن ثم نجد في الأمثلة التي أوردها الخوارزمى أن العدد المفرد (الذي سمى فيما بعد العدد المطلق) يسمى درهم وباللاتينية dragma، وهذا يصدق أيضًا على المال، واسمه باللاتينية " census" وعلى الشيء، واسمه باللاتينية " res"، وقد ورد بالفعل في القرآن الكريم، سورة الأعراف آية 83 وفي مواضع متفرقة، ومعناها المملوكات ودخلت كلمة "مال" في المصطلح للدلالة على المقادير العامة

للنظرية، ويستخدم مصطلح "شيء" بالطريقة نفسهما، للدلالة على مقدار مجهول في مسائل الدرجة الأولى. وإلى جانب هذا فإنه يستخدم تعبيرلم عاما عن المقادير المساعدة وكثيرا ما يحل محل الجذر، واسمه باللاتينية - ra dix أي المال (وهو ليس القوة الأولى للمقدار المجهول، كما يذهب إلى دلك روزون Rosen) وفي مسائل الدرجة الثانية نجد أن المقدار المطلوب البحث عنه أصلا هو المال، ولا يستخدم الجذر إلا وسيلة لتحديده انظر المصدر المذكور، ص 47 - 70 - (وقد أوضح رسكا (Ruska، ص 60) أن المال والشئ والدرهم تطابق على التوالى المطلحات الهندية ذانم ويافَتْ وتافتْ وروبه أو روبكه. وفي النظرية، بالمعنى الصحيح للكلمة، والتي لم يتوسع فيها إلا من أجل المعادلات الصحيحة، يمثّل المال بمساحة مربع، والجذر بمساحة مستطيل، طوله يساوى طول ضلع المربع وعرضه يساوى الموحدة. والصحة العامة للقواعد الخاصة بحل المعادلات تثبت بوضوح العلاقات المشابهة بين مقادير هندسية غير محددة. ومهما يكن من شيء فإنه لا يستبعد من الأمثلة العددية القيم السلبية فحسب بل تستبعد أيضًا القيم الصماء. وقد ألقت النتائج التي انتهى إليها الباحثون في الرياضيات البابلية في الخمسين السنة الأخيرة ضوءًا على المسألة التي حيرت العقول، وهي المصادر التي استقى منها الخوارزمى علم الجبر وعلاقاته بالمؤلفات اليونانية والعبرية والهندية (استعرض رسكا Ruska المؤلفات الأقدم في المصدر المذكور، ص 23 - 36 وانظر أيضًا، The Sources: Gandz The Mishnat: Gandz of al-Khowarizmi's algebra في Osiris سنة - 1936، ص 277, Neu- gebauer: المصدر المذكور Vorlesungen j -ueber Geschichte der antiken ma them I Band: : atischen Wissenschaften برلين سنة 1934، ص 175 وما بعدها). ويستمد الخوارزمى، من العمليتين اللتين تحدثنا عنهما، عنوان كتابه المختصر في حساب الجبر والقابلة (انظر ص 2، 10 من النص العربي) وكان له تأثير كبير أسهم في تقديم

النظرية باسم الجبر والمقابلة. ويظهر الاسم "الجبريون" في مؤلفات إخوان الصفاء القرن الرابع الهجرى: العاشر الميلادي، الرسائل، طبعة بومباى سنة 1303 - 1306 , ج 1، ص 32) للدلالة على ممثلى هذا الفرع من الرياضيات. (وبالنسبة لصحة هذه الفقرة انظر رسكا Ruska: المصدر المذكور، ص 13) ويستخدم ابن الهيثم سنة 965 أو 966 هـ = 1038 م أو بعد ذلك اللفظ نفسه (انظر كتاب أبي أصيبعة، طبعة A.Mueller. ص 93 و 321) في عام 1145 م ترجم روبرت التشسترى Robert of Chester الجزء الأول من مصنف الخوارزمى (ص 1 - 50، 90 من النص العربي) بعنوان - Liber algebrae al mucabla, طبعة Karpinski C. L. Univ. of II Michigan Studies نيويورك سنة 1915) وقام كيرار القرمونى Gerard Gremona) حوالي عام 1114 - 1187 م) بترجمة الجزء الأول مرة ثانية، بعنوان De jebra et almucabala (طبعة: G.Libri Histoire des Science Mathematiques ج 1، باريس سنة 1838، ص 253 - 297) وفي عام 1202 نجد أن ليونارد البيزى Leonard of Pisa يستخدم في كتاب abaci (طبعة B.Boncompagni، مجلد 1، رومة سنة 1857، ص 406) عبارة Compositum elgebra et elmuchabale. ويقول سوتر Suter في صدر هذه المادة أن كاناتشى الفلورنسى - Canacci of Flor ence) القرن الرابع عشر) كان أول كاتب غربي استخدم مصطلح algebra، الذي اعتقد خطأ أنه مشتق من اسم جابر Cipher) جابر الفلكى أم الكيميائى؟ )، وأغفل ذكر كلمة - al a mucabala . ويقال إن كوسلان (سنة 1577) كان اخر من عرف بأنه استخدم كلمة al mucahala . وقد اشتق المصطلح arc rei et census باللاتينية، و (arte della cosa (regola بالإيطالية، و. Regel Coss بالألمانية من مصطلحى شيء ومال. ومن العالم الإسلامي خرج أبو كامل شجاع، بين عامي 850 و 956 م، فكان له بدوره أثر كبير قى تطور الجبر الغربي، إذ أسهم إسهامًا قيمًا في النظرية، التي حولها إلى أداة قوية في مجال البحث الهندسى، تقوم على الأسس التي وصفها الخوارزمى، وحل سلسلة المعادلات التي تبلغ فيها القوى

خمسة مقادير مجهولة تمثلها أنواع من العملة. وتناول بالبحث مسائل من درجة اعلى، ولكنه لم يتعرض إلا لتلك المسائل التي يمكن ردها إلى معادلات تربيعية. ويسمح هنا بمقادير صماء باعتبارها حلولا. ويحتوى مصنفه على الخطوات الأولى التي تؤدى إلى نظرية المتساويات الجبرية. وتناول أيضًا مسائل التحليل غير المحدد وانتهى فيها إلى حلول بأعداد صحيحة، تبين وجود علاقة وثيقة بينها وبين مسائل مشابهة درست في الهند. وتعلم الجبريون طرائق جديدة من ترجمات المصنفات اليونانية في الرياضيات. وقد بحث أبو عبد الله الحسن بن المحمد بن حَمْله (؟ ) المعروف بابن البغدادي نظرية المقَادير المشتركة والمتباينة" وقد نشر في الرسائل المتفرقة في الهيئة (دائرة المعارف العثمانية، حيدرآباد سنة 1366 هـ = 1947 م)؛ وذكره البيرونى في كتابه: "مقالة في راشيكات الهند"، الواردة في رسائله (المصدر المذكور سنة 1367 هـ = 1948 م، ص 7 و 11 وما بعدها) في قائمة مرتبة حسب تسلسل الزمن التاريخي، وذلك بين علماء آخرين من علماء الرياضيات. ولا شك أنه ينتمى إلى النصف الأول من القرن العاشر الهجرى. ويذكر عمر الخيام في مقدمة كتابه في الجبر (Algebra، طبعة F.Woepcke، باريس سنة 1851، ص 2 من النص العربي)، أن محمد بن عيسى أبا عبد الله الماهانى، عاش حوالي عام 860 م حاول أن يثبت فرض أرشميدس (الكرة والأسطوانة. de sphaera et cyl, ج 2، ص 4، طبعة J.L.Heiberg, مجلد 1، ليبسك سنة 1910، ص 192)، وهكذا بدأ مرحلة من التطور جديدة وأثبت أن الفرض يساوى حل معادلة خاصة من الدرجة الثالثة (س 3 +أ = ب س 2) ولكنه حاول عبثا أن يحلها. ويقول عمر الخيام أن أبا جعفر الخازن (المتوفى عام 961 أو 971 م) كان أول عالم توصل إلى حل المعادلة مستعينا بنظرية القطاعات المخروطية؛ وتلت ذلك حلول أخرى، مثل الحلول التي قدمها سهل الدين الكوهى عاش حوالي عام 988 م وابن الهيثم (انظر F.Woepcke المصدر المذكور، ص 91 - 114) ومهما يكن من أمر فإن نصير الدين الطوسى

يقول في صدر طبعته لكتاب الكرة والأسطوانة de sphaera (الرسائل، ج 2، حيدرآباد سنة 1359 هـ، دائرة المعارف العثمانية، ص 2 وما بعدها) أنه كانت بين يديه ترجمة كاملة بقلم إسحاق بن حنين، عن شرح أوطوقيوس Eutocius,، وفي التعليق عليه (ج 2، ص 4) ويسوق (ص 89، 23 - 104) الأوصاف الكاملة، التي حصل عليها علماء الرياضيات اليونان، والخاصة بتطبيق نظرية القطاعات المخروطية؛ (انظر أيضًا Woepcke, المصدر المذكور، ص 110). وعلى اية حال فإن مصنف أيلونيوس Apollonius عن القطاعات المخروطية أصبح الأداة العامة التي يستخدمها الجبريون. على أن النظرية الجديدة كانت الأساس لرد كثير من المسائل الهندسية إلى أعمال بوساطة قطاعات مخروطية. وهكذا استطاع ابن الهيثم أن يحل مسألة من الدرجة الرابعة وهي المسماة "مسألة الخازن nAlhazen انظر Die al-: P.Bode Jahresber. hazensche Spiegelauf / gabe d. physik. Vereins zu Frankfurt سنة 1891 - 1892 فرانكفورت- على الماين سنة 1893، ص 63 - 107) وتناول، علاوة على هذا مسألة خاصة من الدرجة الخامسة، اى تحديد المقادير الأربعة للمجهولات س، ص، ع، إذا وضعت بين مقدارين مذكورين أوب بحيث تكون النسبة أ: س = س: ص = ص: ع- ع: و = و: ب (انظر عمر الخيام، المرجع المذكور، وفي النص العربي ص 44 وما بعدها، وابن أبي أصيبعة، المصدر المذكور ص 98 و 104) وانتهى الحل في مصنف عمر الخيام من حوالي عام 429 - 439 هـ = 1038 - 1048 م إلى عام 517 هـ = 1123 - 1124 م الذي تناول بالبحث جميع المعادلات الصحيحة حتى الدرجة الثالثة بطريقة منهجية للغاية. وتدل المصطلحات الآتية في الوقت الحاضر وهي: جذر أو شيء أو ضلع (وبخاصة في حالات المعادلات من الدرجة الثالثة) ومال أو مربع (وبخاصة في البراهين الهندسية) وكعب أو مكعب على القوة الأولى والثانية والثالثة للمقدار المجهول على التوالى. وقد ميز عمر الخيام بوضوح بين البراهين الجبرية والهندسية، التي

رأى أن كلا منهما ضرورى ولكنه يقول إنه لم يستطع أن يقدم براهين جبرية لحلول المعادلات من الدرجة الثالثة. وحاول أن يحدد شروط وجود حلول في كل حاله، ومهما يكن من آمر فإنه لم يستطع أن يستخدم فرعى الشكل المخروطى، ومن هنا أخطأه التوفيق أحيانا في الوصول إلى أحد الحلول الإيجابية. ولا تزال الحلول السلبية مستبعدة. والطريقة المستخدمة لا تعين كثيرًا في الحسابات العددية التي اختارها البيرونى في كتابه "رسالة في استخراج الأوتار في الدائرة"، في مجموعة الرسائل التي ذكرت آنفا، ص 224. المصادر: فيما يختص بالمعلومات العامة انظر: (1) Introduction to the his-: G.Sarton tory of science بالتيمور سنة 1927 - 1947 ويضم مقالات عن المؤلفين المذكورين مع تعليقات قيمة على المصادر. (2) Zur Gerchichte der I. Tropfke -quadratischen Gleichungen Mathematik er-Vereining سنة 1933 ص 98 - 107، سنة 1934، ص 26 - 47 و 95 - 119. (3) Algebra from: H.T.Colebrooke the .Sanscrit , لندن سنة 1817. (4) Die Al-: G.H.F. Nesselmann gebra der Griecher برلين سنة 1842. (5) Zur islamischen Res-: P.Luckey chenkunst and Algebra في Foschungen und Fund Fortschritee, ص 24 سنة 1948، ص 199 - 204. (6) Isoperimetric Prob-: S.Gandz -lems and the origin of the quadratic equa tions في Isis عدد 32، سنة 1947، ص 103 - 115. (7) الكاتب نفسه Indeterminate tanalysis in Babylonian mathematics في Osiris عدد 8 سنة 1949، ص 12 - 40. (8) الكاتب نفسه the origin and development of the quadratic equations في Osiris , , عدد 3، سنة 1932 ص 405 - 557.

(9) الكاتب نفسه: the algebra of in- heritance. (10) في Osiris. عدد 5، سنة 1938، ص 319 - 91. (11) Die Erb-: H.Wieleitner -teilunRsaufxaben bei M.B. Musa Alch . warasmi في Zeitschr. mach nature Un- e terrirht عدد 53، سنة 1922 ص 57 - 67. (12) Diss. Die Algebra: J.Weinber ., des Abue SoRo ben Aslam ميونيخ سنة 1935. (13) F. Woepcke: Extrait du Fakhri traite.d'algebre par Al-Karkhi, باريس سنة 1853. (14) Due nuove: G.Levi della Vida -opere del matematico al-Karagi (al (Karki في, RSO عدد 14، ص 249 - 264. (15) The: W. Arafat jH.J.J. Winter Umar Khayyam' algebra of في , JRASB L Science عدد 16، سنة.1950، ص 27 - 78. (16) Notes on Omar: R.C.Achiblad Khayyam في Pi Mu Epsilon Joun عدد 1، سنة 1953، ص 351 - 358. (17) Omar Khayy-: R.C. Archibald am، في- Mary Mellish Achibald Memori aI Library رقم 10. (18) Omar . A.P.Youshkevish، 'Khayyam and his "algebra) باللغة الروسية)، - A.K.Nauk SSSR Institut is' torli estestvoznaniya, Trudi: عدد 2، ص 99 - 453. (19) Compendio de al-: Abenbeder t Rebra حقق النص العربي وقام بالترجمة J.A. Sanchez، مدرير سنة 1916. (20) Xlyuch Aritmetiki: AI - Kashi ترجمة A. Rozenfeld .B، موسكو سنة 1956. (21) محمد بهاء الدين بن الحسين: Essenz der Rechenkunst طبعة G. H.F. , Nesslmasnn برلين سنة 1834. آدم [و. هارتز J.W. Hartner]

جبران خليل جبران

جبران خليل جبران كاتب لبنانى، وفنان وشاعر، ولد يوم 6 يناير (السمير مجلد 3، ج 2، ص 52؛ Young, ج 7، ص 14) أو 4 ديسمبر (نُعَيمَة، ص 15) سنة 1883 في بشَريّ. والتفصيلات التي رويت عن طَفولته مبتدعة في كثير من الأحيان أو خيالية (نعيمة، ص 14 - 96، Young ب 7، ص 16 - 18، وفي مواضع مختلفة"). ويتفق كتاب التراجم على أن عام 1895 هو الذي هاجر فيه إلى الولايات المتحدة الأمريكية مع أمه كاملة رحمة (المتوفاة يوم 28 يونية سنة 1903) وشيقتيه ماريانا وسلطانة (المتوفاة يوم 4 أبريل سنة 1902) وأخيه لأمه بطرس (المتوفى يوم 12 مارس سنة 1903). واستقرت الأسرة في تشيناتون Chinatown هي ناحية فقيرة من نواحى بوسطن (نعيمة، ص 29 - 30)، حيث التحق جبران بالمدرسة الابتدائية (السمير، الموضع المذكور). وعاد إلى بيروت يوم 13 أغسطس سنة 1898 (كرم: رسالة جامعية، ص 33). وكانت معرفته باللغة العربية وقتذاك أولية. وما من شك في أن السنوات الثلاث التي قضاها في الدراسة بكلية "لاساجس" College de la Sagesse (بيروت) قد سدت هذه الثغرة إلى حد ما. وفي عام 1902 غادر لبنان وسافر إلى باريس، وقام بزيارة قصيرة لنيويورك، وكان في بوسطن في يناير سنة 1903، وهو عام حدثت فيه كوارث لم ينج منها إلا ماريانا (السمير، في الموضع المذكور! نعيمة، ج 1، ص 50، 60؛ Young, ج 7، ص 185). وفي عام 1904 أقام معرضا لرسومه ولكنه لم يصادف نجاحا (Young, في الموضع المذكور؟ خير الله، ص 17 - 18)، وراسل الجريدة العربية "المجاهد"، التي كان يحررها في نيويورك أ. الغُرَيب. وترجع علاقته شبه الإنسانية بمارى هاسكل إلى هذه الفترة. أما فيما يختص بإقامته في باريس (14 يولية سنة 1908 - 22 أكتوبر سنة 1910) فقد ثبت أخيرًا أنه لا صحة لما قيل من أنه كان يحضر بانتظام الدراسات التي كانت تلقى بمدرسة الفنون الجميلة، أو أنه تتلمذ

على رودان (حُوَيِّك، ص 208 - 209) وعاد إلى بوسطن بعد انعقاد المؤتمر السياسي العربي في باريس، وألف جمعية تدعى الحلقة الذهبية (مصادر لم تنشر بعد؛ مسعود ص 240)؛ ثم طاب له المقام في نيويورك (خريف عام 1912) واشترك مع ن. عريضة في تحرير "الفنون" (سنة 1913)، وهي إحدى الدوريات العربية التي حلت محلها "السائح". ثم شرع يشق لنفسه طريقا في الآداب الأمريكية، وبدأ العمل في دورية تسمى "الفنون السبعة Seven Ars" (Wolf: المقدمة، ص 15) وأقام في الوقت نفسه ثلاثة معارض (1914 - 17) ونشر قصيدته الفلسفية العربية "المواكب" (مرآة الغرب، سنة 1918)، وأول مصنف له بالإنكليزية هو "المجنون" The Madman (سبتمبر سنة 1918) وجمعت مقالاته التي كتبها بالعربية في هذه الفترة في كتابى "العواصف" (سنة 1920) و"البدائع والطرائف"، (سنة 1923). وأهم حدث جدير بالذكر في عام 1920 هو تأسيس الجمعية الأدبية المسماة "الرابطة القلمية" برئاسته، وكان لها تأثير حاسم في الأدب العربي المعاصر. وأصبحت مقالات جبران بالعربية منذ ذاك أقل عددًا. ومن جهة أخرى ازدادت حصيلة رسومه، وكتب باللغة الإنكليزية "البشير - The Forerun ner" (سنة 1920) و "النبي The Prophet" (سنة 1923) و "رمال وزبد" Sands and Foams" (سنة 126) و"يسوع ابن الإنسان Jeasus, Son of Man" (سنة 1928)، وأرباب الأرض The Earth Gods" (سنة 1931) ثم ظهر كتابان نشرا بعد وفاته هما "الجوّال The Wanderer(سنة 1932) حديقة النبي The Garden of The Prophet(سنة 1933). وتنم رسائل له كتبها في العقد الأخير عن حنين شديد لوطنه، وتلهف لاحد له على "الكلمة المجنحة" التي لم يستطع أن يعبر عنها. ومات في نيويورك يوم 10 أبريل سنة 1931 (نعيمة ص 7؛ ج 7، ص 147) ونقل جثمانه إلى بيروت يوم 21 أغسطس سنة 1931، ودفن في مار- سركيس (بشَرَى).

ولا يمكن تقبل ما قام به نعيمة من تصنيف لآثاره دون قيد ولا شرط. والسمة الغالبة التي تكشف عنها آثاره، هي رومانسية تعكس "سوءة عصر" مماثل للسوءة التي عرفتها أوربا في القرن التاسع عشر. وهناك السلسلة نفسها من الموضوعات: ثورة في الأوضاع الاجتماعية والدينية والأدبية، وجيشان غنائى، والطبيعة والحب والموت، ممزوجة بذكريات وبوطنه، وقلق على المستقبل، حيث تنتهي سوداوية غيبته بصفاء صوفى، ويُسْلمِ تنوع المخلوقات إلى وحدة الكون (إرم ذات العماد). والحق أن قصتيه "عرائس المروج" (سنة 1906) و "الأرواح المتمردة" (سنة 1908) الروايته "الأجنحة المتكسرة" (سنة 1912) لا تفى كل الوفاء بشرائط الرواية المتعارف عليها، فهي ليست إلا تهيئة لثورة أو لعرض غنائى خالص. وانتزعته الهجرة من أصوله واحتضنته الحضارة الغربية فتجنب النظام الصارم الذي انتهجه التقليديون وأنكر براعاتهم اللغوية الباهرة وصنعتهم البالية. ومن ثم استوحى النسخة العربية للكتاب المقدس. وانمحت في كتاباته كل صعوبات الشكل، واستحالت ضربًا من الموسيقى الباطنية تفيض بصور ورؤى شبه أسطورية. والمفردات التي يستخدمها جبران محدودة جدًّا وتتبدى أشيع الكلمات كأنما هي جديدة يغنيها تعدد ما تنطوى عليه من قدرات على التعبير. ومهما يكن شيء فإن هذا النثر الجديد الشعرى المتحرر إلى حد ما لم يعجز مع ذلك عن أن يثير النقد من الدوائر المحافظة. وأعماله بالإنجليزية امتداد لمقالاته العربية، ويمكن أن نجد فيها الخرافة ذات المغزى الأخلاقى والأمثال وأسلوب الكتاب المقدس واللمحة الشرقية الخالصة. وليس من شك في أن شخصية يسوع، وهي موضوع مؤلفاته الأولى، تحققت على أكمل صورة في مصنفاته "يسوع المسيح"؛ وأرباب الأرض هي التعبير الكامل عن النظرة الصوفية، ورائعته "النبي" هي البؤرة التي تتركز وتتجمع فيها عناصر متناثرة في أعمال الأولى. والفكرة فيها منتزعة من المنطق، وفيها تتحول إلى

مشاعر وجو اجتماعى. ورمز المصطفى هو مظهر الإنسان الأسمى في طريقه إلى الأقدس، لكى يجد الحقيقة كاملة في شخص يسوع. ولابد أن نرفض القول الذي لا أساس له بأن هذا المصنف كتبت مسودته بالعربية ثلاث مرات قبل أن يصل إلى صورته النهائية باللغة الإنجليزية (المشرق عدد 37؛ Young، ص 53 - 58، 185). وقد تأثر، في أعماله الأدبية والفنية على السواء، تأثرًا كبيرًا بنيتشه وبليك والكتاب المقدس وردان والرومانسية الغربية، في وقت واحد مع ذكريات عن الصوفية الشرقية. ونرى لزاما علينا، بالإضافة إلى هذا، أن ننوه بالارتباط الوثيق بين نثره الشعرى ورسومه الرمزية، فالشاعر يثير خياله الفنان، وهذا الأخير بدوره يستمد من الشاعر دينامية خياله. والترجمة التي قام بها أنطونيوس بشير لمؤلفاته بالإنجليزية إما مطولة مملة أو مقتضبة مخلة، ولهذا لا يعترف به المحافظون مؤلفا لأى رائعة باللغة العربية. كما أن المؤرخين للأدب الإنجليزى الأمريكى ومؤرخى الفن لا يعدونه شخصية هامة. ومع ذلك يظل أمامنا. أن نسلم بأنه مؤلف كبير يمثل الأدب العربي الجديد، وأنه يعكس صورة أمة تتعذب، وأنه مصدر للإلهام في الشعر العربي المعاصر. المصادر: (1) Brockelmann، ج 3، ص 457 - 471. (2) Elements de Bio- N .A. Daghir bibliographie ج 2، بيروت سنة 1956. (3) جبران: المجموعة الكاملة، 3 مجلدات، بيروت سنة 1949. (4) مؤلفات بالإنجليزية نشرها Heinemann , Knopi . (5) رسائل سنة 1951. (6) ح. حاوى: خليل جبران، رسالة دكتوراه، كمبردج سنة 1959. (7) ى. حُوَيِّك: ذكرياتى، بيروت سنة 1958.

جبرائيل

(8) La Vie et l'oeuvre de: A.Karam bran Khalil Gibran، رسالة جامعية، السوربون سنة 1958. (9) الكاتب نفسه، في Cenacle Lib- anais مارس سنة 1956. (10) J.Lecerf في Stud. isl. ج 1، ج 2، سنة 1953 - 1954. (11) هـ مسعود: جبران حيا وميتًا، ساو باولو سنة 1932. (12) ميخائيل نعيمة: جبران خليل جبران، بيروت سنة 1934. (13) This man from Leba-: B.Young non . . نيويورك سنة 1954. آدم [أ. ح. كر م A.G.Karam] جبرائيل أو جبريل: أشهر الملائكة عند المسلمين. وهو أحد الملائكة الأربعة الكبار المقربين إلى الله وواحد من رسله. وهو موكل بإبلاغ أوامر الله إلى الأنبياء والكشف لهم عن آياته تعالى. ولجبريل شأن هام في القرآن. وقد ذكر النبي {- صلى الله عليه وسلم -} القصة التي تقول بأن هذا الرسول السماوى يتحدث إلى الأنبياء واعتقد أنه تلقى رسالته ووحيه منه (¬1). وقد ورد اسم جبريل ثلاث مرات في القرآن، ولكن آيات أخرى مشهورة أشارت إلى ذات نعتتها أو رمزت إليها بـ"الروح" و "المكين" أو أومأت إليها في عرض الحديث. وقد أجمع المفسرون على أن هذه الذات هي جبريل ويؤيد ذلك تمام التأييد مقارنة الآيات بعضها ببعض. ¬

_ (¬1) ليس من التحقيق العلمي التعبير عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا، ولئن كان كاتب المادة لا يؤمن بنبوته، كما هو البديهى، فقد كان جديرا به أن يعرف أن مئنات الملايين تؤمن بصدقه، فلا يكتب ما يصادرهم في عقائدهم، رعاية لأدب القول، وهو يعلم أن الملائكة ووجودهم وأخبارهم من الغيب الذي وراء المادة، وأنه لا يمكن اقامة الدليل المادى على وجودهم، وإنما يمكن اقامة الدليل العقلى القاطع على وجود الله أولًا، ثم على صحة نبوة الأنبياء، وأنه أرسلهم لهداية البشر، وأنهم أخبروا عن الملائكة، فمن آمن بهم وجب أن يصدق خبرهم في كل ما تحدثوا به عن الغيب. وقد أمكن ذلك في مواضعه من علم الكلام، وأمكن اقامة الدليل على صدق الأنبياء المعروفين، وعلى صدق خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم، بما أتوا به من المعجزات، وبما أنزل عليهم من الهدى والبينات، ولن يضيرهم، ولن يضير أديانهم انكار المنكرين، ولا يتسع مقام التعليق تفصيل هذه الأدلة.

ولنبدأ بسورة البقرة، الآية 97 {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَينَ يَدَيهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ}. فهذه الآية تبين شأن جبريل في تبليغ القرآن وهي آية من السور المتأخرة على التحقيق. ولكن هذه الآية إنما رددت آية أخرى لا شك في قدمها نعتت الملك المبلغ الوحى بـ"الروح القدس". (سورة النحل، الآية 102 "قل نزله روح القدس من ربك الحق ليثبت الذين آمنوا وهدى وبشرى للمسلمين". ونعت هذا الروح في سورة أخرى من أقدم السور بـ"الرسول" مشفوعًا بصفات من التبجيل والتعظيم (سورة التكوير، الآيات 19 - 21) {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20) مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ}. ومن المحتمل أن النبي {- صلى الله عليه وسلم -} لم يسم لأول وهلة الروح الذي نزل عليه لأن الآيات الثلاث التي ورد فيها اسم جبريل نزلت متأخرة. وفي سورة العلق التي تتصل في أغلب الظن بأول ما نزل من الوحى وما غشى محمد، عندما تلقى الرسالة لم يعين الملك بالاسم أو باللقب بل ذكر الخبر موجز، مقتضبا لايتعلق بشخص، فقد جاء فيها {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ... اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ}. وتذكر الرواية أن الوحى نزل أول ما نزل بجبل حراء بالقرب من مكة، حيث قفل النبي {- صلى الله عليه وسلم -} راجعًا والصوت يسترسل قائلا "يا محمد أنت رسول الله وأنا جبريل". والمتفق عليه فيما يظهر أن النبي {- صلى الله عليه وسلم -} سمع الروح دون أن يراه. وفي سورة النجم (الآيات 5 - 16) آيات قوية التعبير صادقة يتضح منها أن النبي {- صلى الله عليه وسلم -} لم ير الوحى إلا في مناسبتين، وهذه الآيات هي {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (6) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى (7) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَينِ أَوْ أَدْنَى (9) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (10) مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (11) أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (12) وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (15) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى}. ودقة هذه التفاصيل لا تترك مجالا للشك في

صدق الرؤيا ثم تقول الرواية إن جبريل أتاه بالبراق بعد هذه الرؤيا. والظاهر أن النبي {صلى الله عليه وسلم} عرف جبريل من خبر البشارة الواردة في الإنجيل، ولكنه لم يكن في مقدوره أن يعرف الإنجيل من غير وساطة، ولعله سمع ذلك الخبر من أفواه بعض الفلاسفة أو الباحثين في الأديان أو من أحد الحنفية وقد وصلهم هذا الخبر مشوها (¬1). وفي رأى النبي {صلى الله عليه وسلم} أن الله بعث بروحه إلى مريم فتمثل لها بشرًا سويًا (سورة مريم، الآية 17 و 19). ولم يذكر اسم الروح في هذه الآية ولكنه قال لمريم إنه رسول من ربها يهب لها غلاما. ويذكر النبي {صلى الله عليه وسلم} في سورة التحريم أن مريم قد أحصنت فرجها وأن الله قد نفخ فيه من روحه، فقد جاء في الآية 12 من هذه السورة {وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا}. وتذهب الرواية إلى أن جبريل قد اقترب من مريم ونفخ في حضنها فحملت. ونمت هذه القصة نموًا كبيرًا بين المسلمين، ويلاحظ ذلك لأول وهلة كل من يطالع كتاب "مختصر العجائب" (ترجمة كارَا ده فو باسم Abrege des Merveilles) أو من المجلد الأول من تاريخ الطبري الخاص بأخبار فارس (ترجمة زوتنبرغ). وقل من الأنبياء من لم يوح إليه هذا الرسول السماوى أو يؤيده: وقد واسى جبريل آدم بعد خروجه من الجنة وأوحى له بالصحائف الواحدة والعشرين كما علمه زراعة الحنطة وعمل الحديد حروف الهجاء وأخذه إلى مكة حيث علمه مناسك الحج. وجبريل أيضًا هو الذي علم نوحًا كيف يبنى الفلك كما أنه حفظ إبراهيم من حر النار (سورة الأنبياء الآية 69). وكانت له مع هذا الجد صلات كثيرة أخرى. وأعان جبريل موسى على سحرة مصر. وظهر عند خروج بنى إسرائيل من مصر على رمكة بيضاء ليحض المصريين على خوض البحر الأحمر لتطبق عليهم ¬

_ (¬1) قد بينا مرارا فيما مضى من تعليقات على بعض المواد أن النبي لم يكن يعرف هذه الكتب التي يسمونها "أناجيل" ولم يقرأ شيئًا منها، ولم يأخذ علما عن أحد من الفلاسفة أو غيرهم، ومن ادعى هذا عجز عن إثباته، ولجأ إلى الدعوى ثم تأكيد الدعوى، من غير دليل.

الجبرتى

أمواجه. كما ظهر لشمويل وداود وعلمه صناعة الدروع، وقد واسى هذا النبي وأحضر له عشر صحائف بها عشر مسائل حلها سليمان. وجاء في الإنجيل أن جبريل أتى زكريا ليبشره بولادة القديس يوحنا. ولجبريل شأن هام في إعداد التعاويذ والتمائم، فاسمه يكتب كثيرًا على هوامش المربعات السحرية مع أسماء الملائكة الكبار الآخرين: ميكائيل، وعزرائيل، وإسرافيل (¬1). [كازاده فو Carra de Vaux] الجبرتى عبد الرحمن بن حسن الحنفي: ولد بالقاهرة عام 1168. (1754) وهو من أسرة حبشية من الجبرت، استقرت بالقاهرة منذ سبعة قرون. وهي أسرة من العلماء أخرجت كثيرين من شيوخ رواق الجبرتية بالأزهر، ولعل أعظمهم هو والد صاحب الترجمة، وقد اشتهر بأنه آخر من درس علم الهيئة بالجامع الأزهر. ويرجع في تاريخ الأسرة إلى كتاب "عجائب الآثار" (حوادث سنة 1188 هـ، ج 1، ص 386 - 408 من طبعة عام 1297 هـ) وإلى ملخصه الوارد في كتاب الخطط الجديدة (ب 8، ص 7 - 13) ويرجع في شأن رواق الجبرتية إلى كتاب الخطط الجديدة (ج 6، ص 23). وسار الجبرتى على سنة أسرته، فقد كان من كبار علماء القاهرة ومعاصرًا لأواخر بيكوات المماليك وشاهد عيان يقظ للاحتلال الفرنسى.، وقد نقد في هدوء، الأعوام السبعة عشر الأولى من حكم محمد على نقدًا لاذعًا. وعين نابليون الجبرتى عضوا في ديوان الأعيان، وهو الديوان الذي حاول أن يحكم به مصر. وكان الجبرتى في أواخر سنى حياته موقتًا للصلاة ولرؤية هلال رمضان وهلال شوال في بلاط محمد على. وقتل غيلة في شارع شبرًا في أثناء عودته إلى ¬

_ (¬1) لا يسأل المسلمون، ولا تسأل علوم الإسلام عن الأكاذيب التي يفتريها القصاصون، ولا عن الخرافات التي قامت عليها التمائم والتعاويذ، فإنها أعمال محرمة ممنوعة في الإسلام، وإنما الدين الصحيح هو ما جاء في القرآن والسنة النبوية الثابتة، بالقواعد التي قررها وصار عليها أئمة علم الحديث وأساطينه. أحمد محمد شاكر

القاهرة في الليلة السابعة والعشرين من رمضان سنة 1237 (22 يونية 1822) وتلقى تبعة ذلك دائمًا على محمد على، لأنه عرف بعض رأى الجبرتى في كتابه "عجائب الآثار في التراجم والأخبار" كان يقوم بتأليفه إذ ذاك؛ وهو أعظم تواريخ مصر في القرنين الثاني عشر والثالث عشر للهجرة، والمحقق أن طبعه قد حرم أمدًا طويلًا، فلم ينشر إلا عام 1297 هـ (1889 - 1890 م) وقد صودرت نسخة منه سابقة لهذا التاريخ وأعدمت، بل إن الترجمة الفرنسية لهذا الكتاب التي قام بها علماء من المصريين قد تركت ولم تصل (القاهرة سنة 1888 - 1894) هلم يبق منها بالعربية سوى المجلد الرابع، وهو الذي يبدأ بعام 1221 هـ وينتهى بذى القعدة من عام 1236، ويتناول الكلام عن عهد محمد على. وتاريخ الجبرتى بعضه في الأخبار وبعضه في تراجم الوفيات، وله قيمة اجتماعية كبيرة، لأنه صورة مفصلة لحياة أهل المشرق. ومن ثم أفاد منه لين Lane في الحواشى التي كتبها على طبعته لكتاب ألف ليلة وليلة. ولتاريخ الجبرتى مقدمة تليها الأخبار مبتدئة بحوادث عام 1099 هـ. ويعتمد المؤلف في أخباره حتى عام 1170 هـ -على ذكريات المتقدمين في السن والوثائق العامة والكتابات التي على شواهد القبور. أما من عام 1170 وما يليه فدعواه أنه يعتمد على ذكرياته الخاصة. ومن عجب أن يذكر المؤلف حوادث مرت به وهو حدث صغير. ويفصل الكلام عن الحوادث ابتداء من عام 1190 هـ. ولذلك كان لكتابه شأن الجريدة المعاصرة لأنه دون فيه كل الحوادث التي شاهدها. ولا شك في نزاهة أحكام الجبرتى، فهو من بيت علم يعرف قدر الرواية المحكمة إذا رواها شاهد عيان، وناصر الجبرتى الفرنسيين ثم محمدًا عليًّا من بعدهم، ولكنه كان في الحالتين حر الرأى نافذه، وله كتاب آخر عنوانه مظهر التقديس، وهو جريدة مفصلة عن الاحتلال الفرنسى لم يطبع بعد بالعربية ولكن ظهرت ترجمته التركية وترجمته الفرنسية (باريس سنة 1838) التي قام بها كاردان Cardin. وفي رأى كريمر Von Kremer أن هذه الترجمة الفرنسية

ناقصة جدًّا (Egypten، ج 2، ص 326). والجبرتى أيضًا نقل من كتاب "سلك الدرر" للمرادى (Brockelmann. ج 2، ص 294) ولعل هذا الكتاب قد أوحى له بالناحية الخاصة بتراجم الوفيات من كتابه عجائب الآثار، وله أيضًا موجز لتذكرة داود الأنطاكى (Brockelmann ج 2، ص 364 (ويرجع في شأن هذه المصنفات كلها إلى المصادر المفصلة الواردة في كتاب بروكلمان (ج 2، ص 480) وذكر لين Lane في طبعته لكتاب ألف ليلة وليلة (فصل 2، تعليق 19) أن الجبرتى تلهى بكتابة نسخة أخرى من ألف ليلة وليلة، والظاهر أنها فقدت. وكان والد الجبرتى مغرما كذلك بالقصص والأغانى الشعبية (الخطط الجديدة، ج 8، ص 11، ج 2، ص 3 وما بعدها). المصادر: نذكر إلى جانب المصادر الواردة في صلب المادة: (1) Merveilles biograph. et hist. du Shaikh.-، al-Diabarti، القاهرة سنة 1888. Notice cur In vie .. de 1'auteur (2) Modern Egyptians: Lane، الفهرس تحت كلمة عبد الرحمن. (3) Beitraege zur arab: Von Kremer Lexicographic فينا سنة 1883 - 1884 وهو رسالة في لغة كتاب عجائب الآثار. [ماكدونالد D.B. Macdonald] + الجبرتى: عبد الرحمن بن حسن، المؤرخ: ولد عام 1167 هـ (1753 م)، وتوفى عام 1825 أو أوائل عام 1826 م، وهو سليل أسرة حنفية من الجبرت. ويقول الجبرتى إن أهل هذا الإقليم كانوا متشددين في أمور دينهم، ينزعون إلى الزهد والتقشف. وانطلق الكثيرون منهم إلى الحجاز سيرًا على الأقدام، إما لأداء فريضة الحج واما مجاورين. ولهم ثلاثة أروقة خاصة بهم: أحدها في مسجد المدينة، والثاني في المسجد بمكة، والثالث في الجامع الأزهر بالقاهرة. وجد الفرع المصري من أسرة الجبرتى، واسمه عبد الرحمن، كان "الجد السابع" للجبرتى، وقد ذهب أولًا إلى مكة والمدينة حيث درس بهما وقتا طويلا، ثم وصل إلى

مصر والتحق برواق الجبرت بالأزهر في مستهل القرن العاشر الهجرى (نهاية القرن الخامس عشر الميلادي أو مستهل القرن السادس عشر الميلادي). وهناك أصبح شيخ الرواق وزعيم جماعة الجبرت. وانتقل منصب شيخ الرواق بالوراثة من الأب إلى الابن في أسرة الجبرتى، ويوصف كل من شغلوا هذا المنصب بأنهم قوم متدينون وزهاد صالحون. وظهر من هذه الأسرة مؤرخ عظيم، كان بلاشك ظاهرة فريدة في فن تدوين التاريخ الإسلامي لأن فترة الحكم العثمانى في مصر (918 - 1226 هـ = 1512 - 1811 م تقريبًا) معروفة بندرة مصادرها التاريخية التي كتبها سكان البلد المعاصرون، وهي تخللف في ذلك اختلافًا مشهودًا عن عهد سلاطين المماليك (648 - 918 هـ = 1250 - 1512 م) الذي يزخر بوفرة من مصادر المعلومات البالغة التفصيل والدقة التي لا يدانيها كما وكيفا أي مصدر للمعلومات في أي بلد آخر من بلاد الإسلام. ولا شك أن النهضة المحدودة التي حدثت في تدوين التاريخ بمصر حوالي ختام القرن الحادي عشر الهجرى (السابع عشر الميلادي) لم تغيرفى طبيعة هذه الحال تغييرا جوهريا. وكانت دراسة التاريخ، بشهادة الجبرتى نفسه، قد لقيت من معاصريه التجاهل التام والاستخفاف. والظاهر أن معرفته بالتاريخ المصري والإسلامى حتى عام 1100 هـ (1688 م، وهو العام الذي يستهل به أخباره) كانت محدودة جدًّا، ومع ذلك فإنه على الرغم من هذه العقبات وأنه لم يكتب إلا تاريخًا محليًا لا يخرج عن نطاق ولاية تابعة لإمبراطورية أوسع، فقد وُفق في تدوين تاريخ يعد من أهم تواريخ البلاد العربية في العصر الإسلامي. وأهم مصنفات الجبرتى كتابه "عجائب الآثار في التراجم والأخبار"، الذي يستوعب الحوادث من سنة 1100 هـ إلى 1236 هـ) (1688 - 1821 م). وهو يسوق روايتين عن تصنيفه، ويبدو من الرواية الأولى، وهي غير واضحة كل الوضوح، أنه بدأ

في تدوين مذكرات لكتابه بانتظام من عام 1190 إلى عام 1226 - 1227 هـ. أما الرواية الثانية فتذهب إلى أن المرادى -المؤرخ الدمشقي، وصاحب معجم في تراجم أعيان القرن الثاني عشر الهجرى (الثامن عشر الميلادي)، وهو "سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر" -كان الدافع الأكبر إلى تصنيف كتاب التاريخ في صورته الحالية. وقد طلب المرادى من محمد المرتضى الزبيدى صاحب تاج العروس، الذي عاش في مصر، أن يعاونه في تصنيف كتابه فلبى طلبه. ولقى المرتضى معاونة في أداء مهمته من تلميذه الجبرتى. فلما توفى المرتضى في شعبان عام 1205 (أبريل عام 1791) طلب المرادى من الجبرتى أن يحل محل أستاذه بعد وفاته. على أن المرادى توفى في صفر عام 1206 هـ (أكتوبر من العام الميلادي نفسه)، مما ثبط همة الجبرتى في متابعة جمعه مادة كتابه. ومع ذلك فإن دافعًا من نفس الجبرتى ("باعثا من نفسى"، كما يقول المؤلف)، دفعه إلى أن يستانف عمله، ويضيف تاريخ الأحداث التي وقعت "بترتيبها الحالى". ويتضح مما سبق أن الجبرتى طوال عمله للمرتضى والمرادى قد جمع مادة للتراجم فحسب، وأنه لم يبدأ أيضًا في جمع المادة التاريخية بمعنى الكلمة إلا بعد مرور وقت طويل على عام 1206 هـ (1719 م) وهنالك قرر أن يستمر في عمله بمفرده، وهذا يفسر وجود النسبة الكبيرة جدًّا من التراجم في تاريخه كما يفسر أيضًا لم ركز الجبرتى على أحداث القرن الثاني عشر الهجرى (الثامن عشر الميلادي)، ذلك أن معجم التراجم للمرادى قد خصص لأعيان ذلك القرن نفسه. وعلى آية حال فإنه ليس من قبيل المصادفة المحض أن يسمى تاريخ الجبرتى باسم "التراجم والأخبار"، لأن التراجم تحتل المقام الأول على حين يحتل الخبر المحل الثاني. وهذه الحقيقة ذات مغزى كبير يضاف إلى ما سبق، إذا تذكرنا أن كتاب الجبرتى هو الوحيد، من دون تواريخ مصر العثمانية، الذي يضم تراجم في مصنف تاريخي. وقد ظهر في عهد سلاطين المماليك عدد وافر جدا من التراجم لا نظير له في أي بلد أو إقليم إسلامي آخر. وذوى هذا الضرب

من التدوين التاريخي تمامًا في مصر أيام العثمانيين حتى أحياه الجبرتى وحده نتيجة لأثر شآمى. وثمة مسألة هي: هل تأثر الجبرتى أيضًا بكتب التراجم المملوكية؟ ولكن التحقق من ذلك ليس ميسورًا في ضوء ما لدينا الآن من معلومات. وقد كتب الجبرتى المجلدات الثلاثة الأولى من أخباره في صورتها النهائية خلال عام 1220 هـ ومستهل عام 1221 هـ (1805 - 1806 م) وألف المجلد الرابع والأخير فيما يظهر، خلال الفترة التي تستوعبها هذه المدة، أي في الأعوام من 1221 - 1236 هـ (1806 - 1821 م). وليس من شك في أنه كان يعتزم المضى في كتابة تاريخه بعد المجلد الرابع وقد نتبين ذلك من ملاحظته التي وردت في نهاية ذلك المجلد. ولا يمكن القول على وجه التحقيق هل مضى في كتابته أم لم يمض. وظل نشر كتاب عجائب الآثار محرمًا في مصر مدة طويلة بسبب الهجمات الشديدة التي حمل بها الجبرتى على محمد على ونظام حكمه. ويسوق أ. فون كريمر A.von Kremer شاهدًا كاشفًا على محاولة حكومة مصر منع نشر الكتاب) Aegypten، ج 2، ص 326) ولم يرفع الحظر عن نشره إلا حوالي نهاية السبعينات من القرن التاسع عشر. وكانت أول مرة ينشر فيها أي جزء منه دون تدخل من سلطات الحكم عام 1878, (حين نشرت جريدة مصر، وهي إحدى صحف الإسكندرية القسم الخاص بالاحتلال الفرنسى، وقد نشره أديب إسحاق وأطلق عليه اسم "تاريخ الفرنسوية في مصر". وفي عام 1297 هـ (1879 - 1880 م)، أي بعد ارتقاء الخديو توفيق العرش بقليل، نشر تاريخ الجبرتى كاملًا لأول مرة في مطبعة بولاق وهذه الطبعة هي العمدة. وفي عام 1302 هـ (1884 - 1885 م) نشر هذا- التاريخ مرة أخرى في المطبعة الأزهرية على هامش كتاب الكامل لابن الأثير" ونشر عام 1322 هـ (1904 - 1905 م) في كتاب مستقل بالمطبعة الأشرفية في القاهرة. ونشرت ترجمة فرنسية لكتاب عجائب الآثار

باسم - Merveilles biographiques histo riques, ou chronique du CHeikh Abd-El Rahman El-D % abarti في القاهرة بالمطبعة الأهلية Imprimeri Nationale خلال السنوات 1888 - 1896، وهي ترجمة غير دقيقة وسيئة للغاية ومن الخطر الاعتماد عليها. وتاريخ الجبرتى له أهمية عظمى بالنسبة للفترة التي يستوعيها بأسرها. أما بالنسبة للجزء الأول من تلك الفترة فإن من الصعب أن نجزم، في ضوء ما لدينا بعد من معلومات، إلى أي حد اعتمد الجبرتى على مصادر أقدم لم يذكرها. كذلك ربما يكون قد أخطأ في ذكر وقائع بعينها، بعضها مهم. ومع ذلك فإن الصورة العامة التي يرسمها عن ذلك الجزء المبكر من هذه الفترة تعكس تاريخ مصر في تلك الآونة بأوضح وأصدق وسيلة. وبالنسبة للجزء المتأخر من تلك الفترة، وبخاصة عهد الاحتلال الفرنسى وأوائل عهد محمد على، فإنه، ولاريب، أحسن ما وصل إلينا من المصادر (وانظر فيما يختص بإحصاء وتقويم الموضوعات التي يتناولها هذا التاريخ The: D.Ayalon hisorian al-jabart and his background في BSOAS، مجلد 23، ج 2، سنة 1960، ص 235 - 236). وثمة تاريخ آخر كتبه الجبرتى، يسمى "فظهر التقديس بذهاب دولة الفرنسيس" يستوعب السنوات القليلة التي دام فيها الاحتاول الفرنسى لمصر. وقد انتهى من. تأليفه في آخر شعبان عام 1216 هـ (نهاية ديسمبر عام 1801 م أو مستهل يناير عام 1803 م) وحاول الجبرتى فيه أن يتملق العثمانيين بالثناء عليهم من جهة، وتشويه سمعة الفرنسيين من جهة أخرى. وقد نشره حديثًا (عام 1958؟ ) محمد عطا بعنوان "يوميات الجبرتى" (في مجلدين صغيرين صدرا في العددين رقم 59 ورقم 60 من سلسلة "اخترنا لك"، دار المعارف بالقاهرة). وترجمه مرتين إلى التركية المؤرخ عاصم والطبيب بهجت مصطفى. ونشرت الترجمة الأخيرة باسم "تأريخ مصر" في إستانبول عام 1282. وقام الجبرتى أيضًا بكتابة موجز لرسالة داود الأنطاكى الطبية "تذكرة

الألباب، ويقول لين Lane أيضا أنه هذب لغة "ألف ليلة وليلة" وأضاف "كثيرًا من الطرائف مما يعرفه ومما سمعه من غيره من الأدباء". والظاهر أن هذه النسخة قد فقدت. وكانت معرفة الجبرتى بالتاريخ الإسلامي محدودة جدًّا، كما أنه لم يكن له اتصال شخصى بأى مؤرخ مسلم، ومع ذلك فقد كان في موقف يتيح له) ن يحصل على الخبر المباشر عن الحوادث التي وقعت في مصر وبخاصة في القاهرة. وكانت لأسرته، وبخاصة والده حسن، صلات عديدة وثيقة بالطبقة الحاكمة (من المماليك) والعثمانيين) وبطبقة العلماء. وكان لأبيه أيضا النصيب الأكبر في بناء شخصيته وتكوين نظرته للأمور. ويبدو أنه ورث عنه مزيجا من التقوى المأثورة في الإسلام والعلم والفهم اللذين يؤتاهما رجل الدنيا. ومن الأشخاص الآخرين الذين لهم أثر عظيم في الجبرتى، المرتضى الزبيدي الذي أسلفنا ذكره وحسن العطار وإسماعيل الخشاب. المصادر: أولا: خطوط المؤلفين: (1) من شاء مثالا للعجائب في مكتبة متحف العراق فليرجع إلى Revue de I'Institut des Manusrits Arahe.c ج 1، سنة 1955، ص 45. (3) وبالنسبة لخط المؤلف في كتاب مظهر التقديس، بمكتبة جامعة كمبردج، انظر Handlist: E.G.Browne، سنة 1900، ص 207 رقم 1058، ثانيا: مصنفات ومراجع باللغة العربية: (3) على مبارك: الخطط التوفيقية الجديدة، في مواضع مختلفة. (4) جرجى زيدان: تأريخ آداب اللغة العربة، القاهرة سنة 1914, ج 4، ص 283 - 284. (5) ب. ل. شيخو: الآداب العربية في القرن التاسع عشر، بيروت سنة 1924، ص 21.

(6) سركيس: ج 1 , عمود 676. (7) خليل شيبوب: عبد الرحمن الجبرتى، القاهرة سنة 1948 (رقم 70 في سلسلة اقرأ). (8) محمود الشرقاوى: دراسات في تاريخ الجبرتى، مصر في القرن الثامن عشر، 3 مجلدات، القاهرة سنة 1955 - 1956. (9) محمد أنيس: الجبرتى بين مظهر التقديس وعجائب الآثار، مجلة كلية الآداب، القاهرة سنة 1956، العدد 18، ص 59 - 70. (10) جمال الدين الشيال: التأريخ والمؤرخون في مصر في القرن التاسع عشر، القاهرة سنة 1955، ص 10 وما بعدها. ثالثا: مؤلفات ومراجع باللغات الأوربية: (11): D.B. Macdonald صدر هذه المادة. (12) Brockelmann، ج 2، ص 364 القسم 2، ص 730. (13) Supplement to the catalogue of the Arabic mss. of the British Museum, لندن سنة 1894 رقم 571. (14) Index de Djabarti: G.Wiet (العنوان العربي: فهرس عجائب الآثار)، القاهرة سنة 1954. (15) Geschichtschrei-: Fr. Babinger her، ص 340. (16) Reisen: Seetzen, برلين سنة 1854، ج 3، ص 128 - 129. (17) Description of: E.W.Lane في Egypt: مخطوطة بالمتحف البريطانى، ملحق رقم 34080، مجلد 1، ورقة رقم 215. (18) الكاتب نفسه: Manners and customs of the modern Egyptians.) نشر لأول مرة سنة 1836) طبعة ص 222 Everyman's Libarary. (19) الكاتب نفسه The Thousand J and one Nights لندن سنة 1889، ج 1، ص 16، تعليق رقم 28، ص 66، إلى الفصل الأول؛ ص 201 تعليق رقم 85.

(20) Giornale: Giambatista Brocchi، tto delle osservazioni fatte ne'viagi in Egi nella Siria nella Nubia، بسانو Bassano سنة (1641 - 3, ج 1، ص 151. (21) Journal: A.Cardin d'Abdurrahman Gabarti pendant , 1'occupation Francaise en Egypte باريس سنة 1938. (22) Scientifique et militaire في Histoire de 1'Expedition Francais en Egypte, باريس سنة. 1830 - 1834، ج 1، ص 10 وفي مواضع مختلفة. (23) Aegypten: A.von Kremer ليبسك 1863. ج 2، ص 325 - 236. (24) الكاتب نفسه: Beitrage zur Ar tabischen Lexikog raphie فينا سنة 1883 - 1884. (25) Merveilles b iographiques et this toriques، القاهرة سنة 1888، ج 1 المقدمة. (26) Litterature arabe: Cl. Huart، باريس سنة 1902، ص 415 - 416. (27) Introduc-: J.Heyworth-Dunne tion to the history of education in modern Egypt، سنة 1938 (28) الكاتب نفسه: Arabic Liter Lure in Egypt in the nineteenth century في BSOS، ج 9، سنة 1938. ص 675 - 689. (29) Gibb-Bowen. ج 1، القسمان الأول والثاني. (30) Chronique: Nicolas Turc d' Egypt سنة 1798 - 1804، تحقيق وترجمة G. Wiet، القاهرة سنة 1950 (وبخاصة مجموعة الشروح، ص 289 - 314, والتعليقات على الترجمة الفرنسية، حيث يستخدم في الغالب تاريخ الجبرتى). (30) جمال الدين الشيال: - Al Jabarti y su escuela في- Revista del insti tuto de estudios islamicas en Madril ج 4) سنة 1958) ص 19 - 101. (32) The historian Al-: D.Ayalon Jabarti and his background في BSOAS مجلد 23، ج 2 سنة 1960، ص 217 - 249. آدم [د. أيالون D.Aryalon]

الجبرية

الجبرية يطلق هذا الاسم في تاريخ الفرق الإسلامية على الذين ينكرون الاختيار مخالفين في ذلك القدرية. ومن ثم لا يفرقون بين الإنسان والجماد من حيث إنه مجبر على أفعاله؛ وشيخ الجبرية جهم بن صفوان، وتعد النَجّارِية والضرارية والكُلّابية والبكرية من الجبرَية أيضًا. على أَن كتاب المعتزلة يأخذون على أهل السنة والأشعرية خاصة بانهم من الجبرية: وفي ذلك القول مجافاة للواقع كما لاحظ الشهرستانى بحق، ذلك أن الأشاعرة يثبتون للعبد كسبا في الفعل وإن كانوا ينكرون حرية الإرادة. المصادر: (1) الشهرستانى: الملل، طبعة Curteton ص 59 مابعدها. (2) Die Philosa rpieschen: Horten Systeme den spekulaliven thel. in Islam، ص 54 وما بعدها. + الجبرية: أو المُجْبرة: الاسم الذي يطلقه خصوم الجبرية على من يزعمون أنهم يمسكون بمذهب الجبر، أي أن الإنسان لا يد له حقا فيما يفعل، بل الله هو الذي يسيره. وقد استخدم هذا المصطلح فيما بعد المؤرخون لأصحاب البدع، لوصف طائفة من الفرق، وأطلقه المعتزلة، في صيغة مجبرة بصفة عامة، على المحدثين وعلى المتكلمين الأشاعرة وغيرهم، ممن أنكروا مذهب القدر أو "الإرادة الحرة" (الخياط: كتاب الانتصار، ص 18، 24, 26 وما بعدها، ص 49 وما بعدها، 67 , 69, 135، وما بعدها؛ ابن قتيبة: كتاب تأويل مختلف الحديث، ص 96؛ ابن المرتضى: كتاب المنية، طبعة أرنولد، ص 40، 71 - لفخر الدين الرازي؟ الأشعرى مقالات: الإسلاميين، ص 430؛ الملطى: التنبيه، ص 144 Brockelmann. القسم الأول ص 315 وما بعدها). ويقول الماتريدى صاحب شرح الفقه الأكبر) حيدرآباد سنة 1321 هـ، ص 12) أن الأشعرية يتمسكون بمذهب الجبر، على الرغم من أنه يستخدم في موضع آخر لفظ

جبل طارق

"مجبرة" للدلالة على الجهمية (ص 11، إلخ) ورأى الأشعرية أن مذهبهم: "الكسب" وسط بين الجبر والقدر، وأن الجبر هو بعينه مذهب الجهمية. وفي تصنيف الشهرستانى للمذاهب يقول إن مذهب هؤلاء "جبرية خالصة" أما النجار وضرار فيقولان إنه "جبرية معتدلة" (كتاب الملل، لندن، ص 59 وما بعدها). فلما ازداد تعقيد المناقشات المتأخرة لأفعال الإنسان، أهملت فكرة الجبر بل فكرة الكسب إلى حد كبير. المصادر: غير ما ورد في صلب المادة: (1) ابن حزم، ج 3، ص 22 - 35. (2) A Shi'ite creed: A.A.A. Fayzee لندن سنة 1947، ص 32. (3) A commentary on the: E.E. Elder creed of Islam (التفتازانى)، نيويورك سنة 1950، ص 82، 84. (4) Passion: Massignon' ج 2، ص 110 - 615. (5) Free will and predestina-: Watt، tion in early Islam , لندن سنة ص 91 - 9. آدم [مونتجمرى وات W.Montgomery] جبل طارق شبه جزيرة من الصخر الجيرى كانت تابعة لبريطانيا، وهي إلى الجنوب الشرقي من إقليم قادس الأسيانى وتكاد تكون في الطرف الجنوبي الأقصى لأسبانيا. وتمتد ثلاثة أميال من الشمال إلى الجنوب، وأقصى ما يبلغه عرضها ميل واحد ومساحتها ميلان مربعان، وأعلى قننها 439، 1 قدما. وبها مدينة ومرفا يحملان الاسم نفسه، وهما يسايران السفح الغربي، وهو أقل من الشرقي انحدارًا، وعدد سكانهما 28 ألفا من الأسيان والإنكليز واليهود والمراكشيين بما في ذلك الحامية وعدد رجالها سبعة آلاف. وجبل طارق مفتاح البحر المتوسط، ولذلك حصَّن تحصينًا منيعًا تتخلله المدافع. وكان في جون جبل طارق أو

الجزيرة الخضراء في الأزمنة الغابرة عمود هرقل الأوربى (هرقل ويعادل هذا الاسم في الفينيقية اليونية Melgart وهو مأخوذ من Malkqart أي ملك المدينة) الذي سمى أيضًا كالبه Calpe أو أبيلا مونز Abyla Mons , تجاه (15 ميلا) العمود الإفريقى المعروف بعمود أبيلا Abyla أو أبنا Abenn، وهي سبتة الآن بما في ذلك القلعة a Castillo والجبل del Acha (ارتفاعه 600 قدم) والمينا Punta de la Almina (ولكن هذه المستعمرة لم تكن تساير المضيق مثل جبال بويونس Sierra Bullones . كما يزعم بدكر Baedeker إلى الآن أو مثل جبل موسى المنسوب إلى موسى بن نصير). والظاهر أن مدينة كارتيا Carteia الضاربة في القدم على الطرف الشمالي الأقصى من خليج جبل طارق شرقي مصب وادي الرنك أصلها إيبيرى على الرغم من اسمها الفينيقى، وكان لها بوصفها فرضة شأن في التاريخ أيام القرطاجنيين: وفي عام 171 ق. م نزلها أول من استعمر شبه الجزيرة من الرومان وسميت في عهد العرب قرطاجنة مثلها في ذلك مثل كارثاكو Carthago وكارثا كونوفا ((Cartagena كان البرج الذي بنى على خرائب المدينة مازال يسمى كرتاجنة Cartajena أو كرتاكنه في القرن السابع عشر الميلادي، وقد عرف حديثًا باسم Torre del Rocadillo على، Farm el Roca- dills وعنده اكام من الخرائب غير مرتفعة. ويسيطر جبل طارق من الشمال الغربي على المجاز بأسره الذي يفصل بين أوربة وإفريقية وبين البحر المتوسط والمحيط الأطلنطى، وجرى الجال بتسميته مجاز جبل طارق، وهو يعادل Estrecho j Strasse von Gibraltar و Detroit de Gibraltar' وكان يعرف في الأزمنة القديمة باسم: كليريتيدس بيلاى Fretum Gaditanum (نسبة إلى قادس) أو Herculeum، وبالعربية (خليج) الزقاق. وعرفه العرب بعد عام 711 باسم جبل طارق نسبة إلى المكان الذي نزل فيه طارق بن زياد أول ما نزل، وقد بادر طارق بتحصينه، وهو يعرف أيضًا بجبل الفتح. ولا يقال أبد، جبل الطارق بالتعريف كما يتردد حتى في أيامنا، لأن ذلك خطأ. وإنما يستملح الأسبان زيادة الراء عليها

فيقولون Gibraltar بدلا من tar (انظر , estrella وهي من اللاتينية la Priego وبالعربية بيغة وانظر الرسم الإيطالى الصحيح Gibilterra (كما يزيدون الراء على Tanger هي بالعربية طنجة. وانظر أيضا قلعة مالقة Castillo de Gilralfarc وهي مأخوذة من جبل فارو، في حين أن Cilraleon شمالي ولبة مأخوذ من العربية جبل العيون. وما الـ El Jahaleon, وهو شمال غربي بازة في الشمال الشرقي لكورة غرناطة، إلا رسم آخر لجبل العيون (انظر Monte Jabalcuz جنوبي غربي جيان وهو بالعربية جبل كوز). وكان للمرفأ والمدينة والقلعة) The Moorish Castle) في الشمال الغربي للصخرة شأن متصل خلال العهد العربي باسره، ذلك أنها كانت قاعدة قوية للأسطول. أما الجزيرة الخضراء قبالتها فقد أصبحت شيئًا فشيئا القصبة الزاهرة للجزء الجنوبي من الأندلس. وفي عام 1309 استولى ألونسوبيريز كزمان البوينو قائد فرديناند الرابع صاحب قشتالة على جبل طارق، لكنه انتقل إلى حوزة مرينييى مراكش عام 1333 ثم انتزعه منهم يوسف الثالث أبوالحجاج النصرى الغرناطى عام 1410 استولى عليه أخيرلم الكونت كزمان وهو من مدينة شذونة لصالح هنرى الرابع صاحب قشتالة، وكان ذلك في العشرين من أغسطس عام 1462. ثم غدا منذ عام 1462 هو ومعسكر جبل طارق الجبلى بأسره في الشمال الغربي لجبل طارق (أي Sierra de los G? azulec بأسره) إقطاعا لقزمان مدينة شذونة حتى عام 1540، ثم انتقل في ذلك العام إلى أملاك التاج. ونهب القرصان خير الدين الجزائرى جبل طارق عام 1540، ولكن شارل الخامس حصنه تحصينا عظيما حتى عام 1552. ومن هنا أقلع أمير البحر دون جوان ده مندوزا بالمبعدين من عرب الأندلس قافلا إلى إفريقية. ثم استولى الإنكليز على جبل طارق عام 1704 في أثناء حرب الوراثة الأسبانية، ومن ثم توالى عليه الحصار الشديد، وخاصة عام 1779 - 1783 فكان يدفع عنه الجنرال إيليوت الفرنسيين والأسبان.

جحا

المصادر: (1) الإدريسي، الأصل، ص 177, الترجمة بعنوان Description de L'Afrique et de l'Espagne. ص 213. (2) أبو الفدا، الأصل ص 68 والترجمة بعنوان Geographie d'Aboulfeda. ص 85. (3) مراصد الاطلاع ج 5، ص 33 وما بعدها. (4) ابن خلدون، ترجمة ده سلان، ج 4، الفهرس. (5) دائرة المعارف، ج 6، ص 383 - 386. (6) Zur Spanish-: Seybold arabischen Geographie die Provinz Cadiz، هال سنة 1906 م مادة قادس. (7) Spanien and Portugal: Baedker ' وبه خرائط. (8) History of the Muh.: Cayangos Dyn. in Spain ج 3، ص 355 "ثم انتزع محمد بعد ذلك جبل طارق من بنى مرين، وكان يلقب بالغنى بالله" وانظر في الفهرس مادة جبل طارق - Jebal Tank " استرده محمد الرابع" وقد أخطأ جايانجوس هنا في فهم ما جاء في المقرى، ج 1، ص 395. ذلك أن المقصود في هذا المقام هو غزو محمد الخامس الجزيرة الخضراء عام 1369. [تسيبولد C.F. Seybold] جحا ويقال جحى: لقب رجل جعله الخيال الشعبي بطلا لبضع مئات من الملح والحكايات والنوادر. وأقدم إشارة أدبية لهذا الاسم ترجع إلى النصف الأول من القرن الثالث الهجرى (التاسع الميلادي) وقد وردت في الجاحظ الذي يسلك جحا في عداد غيره ممن اشتهروا بحماقاتهم ("رسالة في الحَكَمين"، طبعة بلا Pellat في مجلة المشرق، سنة 1958، ص 431) ونسبت إليه مكايد عقيمة ونزعة عجيبة إلى ارتكاب الأخطاء والوقوع في المحذور. ويروى الجاحظ أيضًا (كتاب البغال، طبعة بلا، القاهرة سنة 1935, سنة 36)

قصة مستقاة من أبي الحسن (المدائنى؟ ) يدلى فيها جحا بردّ ذكى مفحم غير متوقع على حِمْصى (يعد أهل حمص بلداء الفهم بخاصة؛ انظر IOOI Cantes: R. Basset، ج 1، ص 427 - 428، 451 - 452). وسرعان ما أصبح جحا- بكلمة عارضة قيلت في أيام الجاحظ- الشخصيةَ الرئيسية التي تدور حولها طائفة من القصص بنيت منها مجموعة شتى مجهولة المصنف عرفت باسم "كتاب نوادر جحا" الذي ذكره كتاب الفهرست "كتب عام 377 هـ = 987 - 988 م) في القرن التالي (ج 1، ص طبعة القاهرة، ص 435) وقد استقى كتاب متأخرون من كتاب نوادر جحا، نخص بالذكر منهم الآبى المتوفى سنة 422 هـ (1030 م) في "نثر الدرر" (مخطوط دار الكتب)، والميدانى المتوفى سنة 815 هـ (1124 م). والميدانى إذ يسجل القول المأثور "أحمق من جحا" يستشهد بثلاث نوادر ويضيف أن جحا من بنى فزارة وأنه يكنى بابى الغصن. وقد ذكر هذا أيضًا في غير ذلك من الكتب وهي "نثر الدرر"، و "صحيح" الجوهرى المتوفى حوالي سنة 400 هـ (1009 م)، و "أخبار الحمقى والمغفلين" (دمشق [1926]) لابن الجوزي المتوفى سنة 597 هـ 1200 م)، و"عيون التواريخ" (مخطوط باريس، رقم 1588، 160) لابن شاكر الكتبى المتوفى سنة 764 هـ (1363 م)، وحياة الحيوان" (انظر مادة "داجن" فيه) للدميرى المتوفى سنة 808 هـ (1405 م)، و"القاموس" (مادة د ج ن، ج ح و، غ ص ن)، و"لسان العرب" (مادة غ ص ن)، و "مُضْحك العبوس" (مخطوط مجهول المؤلف في دار الكتب، رقم 102 وأدب). أما عن اسمه فقد اختلف باختلاف المصادر، فقد قيل: نوح، ودُجَين ي والدجين) بن ثابت ي وابن الحارث)، ثم أخيرًا عبد الله. وما من كتاب من هذه الكتب قد شك في وجوده، فنثر الدرر يقول إنه نيف على المائة، وتوفى في الكوفة في خلافة أبي جعفر المنصور (136 - 158 هـ = 754 - 775 م)، ويشير إلى نص مفقود الآن

ورد في الجاحظ استشهد إلى ذلك بقصيدة لعمر بن أبي ربيعة المتوفى عام 93 هـ (712 م) جاءت فيها إشارة إلى جحا (ولكن هذه القصيدة لم تظهر في ديوان هذا الشاعر) أما ابن الجوزي الذي يدافع عن وجود جحا فيقرر أنه إنما كان مغفلا وأن جيرانه الذين كان يتندر بهم هم الذين نسبوا إليه الحكايات التي نعرفها. وهو يذكر من معاصريه مكى بن إبراهيم (سنة 116 - 214 أو 215 هـ = 634 - 830 أو 831 م؛ انظر تهذيب التهذيب، هذه المادة، وقد أخذ هذه الفقرة من ابن الجوزي صاحب كتاب نزهة الأدباء، ولكن الترجمة التي وردت في كتاب Fourberies [انظر المصادر] ص 4 - 5 يجب تصويبها) كما يذكر بعض النوادر التي تصله حقا بشخصيات بعينها من أعلام النصف الأول من القرن الثاني الهجرى (الثامن الميلادي) وخاصة أبى مسلم والمهدى. ويذكر كتاب السير محدثا ضعيف الشهرة هو أبو الغصن دُجين بن ثابت اليربوعى البصري كانت أمه مولاة لأم أنس بن مالك؛ ويقال إن هذا التابعى الذي روى الأحاديث عن أنس، وأسلم (مولى عمر) وهشام بن عروة، ونقلها إلى ابن المبارك، ووقيع، بل الأصمعى، كان يعرف بجحا، ومن ثم كان يخلط أحيانا بالمترجم له. ويرفض ابن حجر العسقلانى المتوفى سنة 852 هـ (1449 م) القول بأن الاثنين هما رجل واحد (لسان الميزان، مادة دجين)، ولكن فقرة أقدم وأوضح في الكتبى (كتابه المذكور) تلمح إلى حل لهذه المشكلة، فهي تقول في هذا الصدد إن دجين الملقب بجحا توفي سنة 160 هـ (777 م) ولكنها تضيف أن ابن حبان يذكر أنه قد خلط بين رجلين، أحدهما دجين المحدث (البصري)، والآخر نوح (أي جحا الذي استقر في الكوفة) لأن الرجلين توفيا سنة 160 هـ. وهذا التوافق، على أقل تقدير، عجيب، وليس من المستحيل أن يكون محدث البصرة قد وقع فريسة لكيد أهل الكوفة، وما لم تتوفر لنا زيادة في المعرفة بهذا الموضوع فإنه ما من داع إلى الشك في الوجود التاريخي لجحا الذي ربما يكون قد سمى إلى ذلك أبا لغصن نوحا

الفزارى. ويعد بعض الكتاب من الشيعة جحا شيعيا ويجعلونه محدثا هو وأبو نواس وبُهلول. والواقع أن الاستراباذى في كتابه "منهاج المقال" (طهران سنة 1888، ص 258) يذكر "مسند أبي نواس وجحا وبهلول. . وما رووا من الحديث" الذي كان في حوزة أبي فارس شجاع الأرَّجانى المتوفى سنة 320 هـ (932 م؛ انظر. J - M. Breue histoire de la Litt. ar.: Ahd El Jalil باريس سنة 1943، ص 169). والسيوطى المتوفى سنة 911 هـ (1505 م) الذي كانت بين يديه بلا ريب مصادر ليست في متناولنا رأى في جحا (انظر القاموس) تابعيًا سليم الطوية، وصرح بان معظم النوادر التي كان هو بطلها ليس لها سند. ويثبت هذا أن هذه الشخصية كانت معروفة في مصر حق المعرفة، ولكن السيوطي لا يلقى أي ضوء مطلقًا على المشكلة التي تبرز أمامنا اليوم، وقوامها أنه حدث في تاريخ غير محدد حوالي نهاية القرون الوسطى أن ظهر بين الأتراك شخصية رمزية أخرى باسم نصر الدين خوجه قد أخذت من بعض الوجوه، وفي تركية على الأقل، محل جحا. والحق إن أول نسخة عربية لمجموعة نوادر جحا المطبوعة على الحجر في بولاق سنة 1880 تقريبا قد حملت العنوان غير المتوقع "نوادر الخوجه نصر الدين الملقب بجحا الرومى"، وعمد المصريون مرة أخرى إلى جعل نصر الدين وجحا شخصا واحدًا. وعدد باسيه (Fourberies: R. Basset انظر المصادر) أن هذا الخلط نشا من أن "كتاب نوادر جحا" الأولى قد ترجم إلى التركية في القرن التاسع الهجرى (الخامس عشر الميلادي) أو العاشر الهجرى (السادس عشر الميلادي) وأن هذه النسخة التركية التي اقتبست وتوسع فيها قد ترجمت بدورها إلى اللغة العربية في القرن الحادي عشر الهجرى (السابع عشر الميلادي)، وإذا كان هذا القول يتفق مع الحقيقة، فإن القول الأول لا يسلم بما جاء فيه كل التسليم، ولدينا كل الأسباب التي تدعونا إلى الاتفاق مع كريستنسن (Christensen. انظر المصادر) على أن

"حماقات" نصر الدين كانت مجموعة مستقلة ضمت إليها حكايات جحا التي انتقلت بالرواية الشفوية. على أننا يجب أن نلاحظ هنا أن دخول شخصية جحا عند الأتراك ربما يكون قد حدث عن طريق بلاد الفرس حيث اكتشف كريستنسن (Tuhi in Parsian Litersian vented to E.G. Brownr .. كمبردج سنة 1922 ص 129 - 136) بعض شواهد قديمة عن جحا (جحى أو جوحى) وخاصة في مثنوى جلال الدين الرومى وفي "بهارستان" لجامى المتوفى سنة 898 هـ (1492 م). وهذا النهج الذي دعا إليه كريستنسن، وهو القائم على البحث عن حكايات حول جحا في الكتابات السابقة على التاريخ المزعوم لظهور نصر الدين، قد طبَّقه حديثًا عبد الستار أحمد فراج في كتابه "أخبار جحا" (القاهرة من غير تاريخ [سنة 1954]) مستقلا عن غيره ونجح في هذا التطبيق. فقد أفاد عبد الستار من مادة نصر الدين في هذه الدائرة (الطبعة الأولى، بقلم بجراكترفج) وبدأ بحثه بنظرية رينيه باستيه دون أن يشير إلى كتب هذا المستشرق البارز، وحاول إلى حد أن يستعيد المصنف الأصلي "كتاب نوادر جحا" بتحليل مستكشف للآثار الأدبية القديمة بالعربية" وقد استطاع بهذه الطريقة أن يكتشف حوالي 166 نادرة ثلثاها (107) ظهرت في طبعة مجموعة "نوادر جحا". أما المائتان وإحدى وأربعون نادرة الأخرى لهذه الطبعة (لم يستبعدها لتوه لأن إقحامها حديثًا أمر واضح) فقد أحصى منها 217 نادرة لم يجد عليها أي شاهد قديم، و 17 ظهر فيها تيمورلنك (القرن الثامن الهجرى- الرابع عشر الميلادي) ثم أحصى آخر الأمر 7 منها احتوت على ألفاظ تركية. ومن هذه الأرقام التي لا يمكن أن تكون نهائية بحال، يمكن أن نخرج بنتيجتين موقوتتين: الأولى أن نسبة النوادر التي حققت في تاريخ متقدم كبيرة بعض الشيء (40 %)؛ والثانية أن الإضافات التي لا شك في أصلها التركى قليلة بعض الشيء أيضًا (% 6) وقد أثبتنا هاتين النسبتين هنا لا لشيء إلا ما توحيان به من دلائل

ذلك أن المجموعة المطبوعة التي اتخذت أساسا للإحصاء أبعد كل البعد من أن تضم بين دفتيها جميع النوادر الشائعة الملتصقة بجحا، ذلك أن هذه النوادر تنتسب في معظمها إلى الأدب الشعبي العالمى. زد على ذلك أن فراجا لم يدرس جميع الكتب، وبطبيعة الحال تلك الكتب الأكثر مما درس حداثة، وهي تضم نوادر أخرى عن جحا، سواء ظهر فيها اسم جحا أو لم يظهر، ونذكر من هذه الكتب بخاصة: ابن حجة المتوفى عام 837 هـ (1434 م): "ثمرات الأوراق" بولاق سنة 1300 هـ والإبشيهى المتوفى بعد عام 805 هـ (1446 م): "المُستطرف"، القاهرة من غير تاريخ؛ والقليوبى: "النوادر"، القاهرة سنة 1302 هـ (انظر Dio Geschichter und: - Kaliubi's Naw R. Rescher Anekdoten aus adir، شتوتكارت سنة 1920)؛ والبلوى: كتاب ألف باء، القاهرة سنة 1287 هـ و "نزهة الأدباء" وهو مخطوط بالمكتبة الأهلية بباريس رقم 6008، 6710. وأضاحيك جحا معروفة خارج العالم الإسلامي، وهي تنسب على الساحل الشرقي لإفريقيا إلى أبي نواس ولكن هذه الشخصية شائعة في النوبة (جَوْهَه) وفي مالطة (جَهَن) وفي صقلية وإيطاليا (كيوفا Giufa أو كيوكّا Giuccn)، بل إن ثمة دلائل أكثر على شيوعها في شمالي إفريقية حيث دخلت بلاشك في عصر متقدم في الزمن (يعرف الحُصْرى المتوفى 413 هـ الموافق 1022 م أن رجلا من أعيان القرن الثالث الهجرى الموافق القرن التاسع الميلادي اشتهر ببراعة النكتة ويدعى أبا العَبَر كان يحمل خاتما نقش عليه "توفى جحا في يوم أربعاء وقد كتب يوسف بن الوكيل الميلوى في القرن الحادي عشر الهجرى الموافق السابع عشر الميلادي كتاب "إرشاد من نحا إلى نوادر جحا"، (انظر - Ar. Mss in the tale: L. Nemoy Uni .uersity Lib، نيوهافن سنة 1956، رقم 1203). ومن المحقق أن بعض آثار النسخة العربية الأوّلية بقيت بالعربية أو البربرية، وهي النسخة التي توسع فيها بلاشك بالاعتماد على عناصر من الأدب الشعبي استقيت من مصادر أخرى. وقد نجح موليراس) - A. Moulie eras انظر المصادر) في جمع 60 نادرة

في بلاد القبائل، ويمكن أن تجد بعضها في عدة دراسات للهجات البربرية (Maerchen der Berbern uon: H Stumme mazraty ليبسك سنة 1900، ص 39 - 40 Zenatia du Mzab: R.Basset باريس سنة 1892، ص 102 - 109؛ الكاتب نفسه: Manuel Kabyle. باريس سنة 1887، ص 37؛ الكاتب نفسه .. . Taxtes، الجزائر سنة 1887، ص 38؛ Gours de longue: S. Ben Sedira: kabyle الجزائر سنة 1887. في مواضع مختلفة؟ : ninL herhere de Bet'tins S. Biarnay الجزائر سنة 1911 ص 130؛ E: Dial berbere du chenous 1 Laoust باريس سنة 1912، ص 185، 190). وكانت شخصية جحا البربرى موضوع تحليل مفصل بعض التفصيل قام به باسيه Eassai sur la: R. Basset litterature Berberes (des . الجزائر سنة 1920 ص 170) وما بعدها) وهو يصدق في معظمه على جحا العربي؛ وأغلب الكتيبات المكتوبة باللهجات العربية تنقل بعض النوادر (انظر بصفة خاصة: Ia We Araha: F. Mornand، باريس سنة 1856، ص 115 - 124 Spahis et 3 Turgos T. Pharaon. باريس سنة 1864 - ص 174 - 210 Mohammed: Enseigne-: Abderrahman .. .ment de I' arahe Parle. الجزائر، الطبعة الثانية سنة 1913. ص 1 - 28؛ Reeunil de hen Yahia themes et: Allanua versions، مستغانم سنة 1890. ص 1 - 66، وفي مواضع اخرى: L.Machuel؟ Methode pour l'etude de 1'arabe park. الجزائر، الطبعة الخامسة، سنة 1900، ص 210 وما بعدها؟ الإشارات الواردة في Arabe dialectal algerien et: H. Peres sahairien, bibiographie, الجز ائر، سنة 1958، ص 111). أما بخصوص مراكش فإن فيها سلسلة من النوادر وردت في C hres tom a tie) G. S.Colin Maracain. باريس، الطبعة الثانية سنة 1955، ص 15 في Recueil de Textes en Arabe Marocain, باريس، سنة 1937 ص 15 - 26). ويزعم المراكشيون أن جحا الحقيقي (زحا) اصله من فاس، وفيها طريق يحمل اسمه) Textes arabes de Ra-: L. Bruno bat، باريس سنة 1931، ص 118) وفي مقابل زحا الفاسى هذا، الشرير

الفكه، توجد بعض الشخصيات الثانوية تعرف أيضًا بزحا، ولكنها تجسد الريفى المغفل، ويفرق المراكشيون تفريقا فاصلا بين زحاهم الوطنى المتعدد الأشكال وبين جحا المصري الذي خلط بينه وبين نصر الدين في المجموعة المطبوعة. وقد ظهرت شخصية جحا بطل قصة عدس A. Ades وجوسيبوفيسى - Josipovici de Goha le Sim . Le Livre) A ple، باريس في تاريخ غير معلوم: (حوالي سنة 1916) في السينما قريبا (سنة 1959) في فيلم من نسختين عربية وفرنسية، وهي تقوم على الرواية المذكورة انفا المسماة "جحا" Goha) ولو أن الممثلين التونسيين ينطقون الاسم زحا). وفي هذه الرواية قلما نستطيع أن نستكشف من جديد شخصية جحا الشعبية، وقد قال السيوطي عنه (فيما رواه شرح القاموس): "فلا ينبغي لأحد أن يسخر به إذا سمع ما يضاف إليه من الحكايات المضحكة، بل يسال الله أن ينفعه ببركاته (بوصفه تابعَيا) " وكان جحا قليل الحظ من البراعة وسرعة الخاطر، ساذجا، أخرق في بعض الأحيان، ولكنه كان أحيانا فائق البراعة، وقد تبدى من بعد بوجوه شتى كثيرة: فيندر أن يركَبُه الخرق تماما وإنما هو في الأكثر من الأحيان يتظاهر بالغباء وهو ينطوى على المكر الفائق. يتظاهر أحيانا بالسذاجة ليلعب بعقول زملائه أو يمكر بهم ويعيش على حسابهم، ذلك أن الطفيلية كانت هي حياته. وكان غباؤه المصطنع تمليه المصلحة وقلما كانت أغراضه شريفة. وكان جحا إلى ذلك خصب القريحة في تدبير الأمور، مقتدرلم بفضل مهارته في بلوغ الصواب وتخليص نفسه من أشد الىَ زق، فهو يذكرنا بيانورج (¬1) Panurge أكثر مما يذكرنا بكريبوى (¬2) Gribo. كما تذكرنا "شيطنته" بأولنشييكل Eulenspiegel (¬3) . ومن العجيب حقا أن الأدب الشعبي قد استبقى اسم جحا من بين عدد كبير جدًّا من الشخصيات التي كانت منذ عصر متقدم مضرب المثل بين العرب ¬

_ (¬1) يانورج من الشخصيات الرئيسية في أثر راجليه المشهور المعروف باسم Pantagriell. (¬2) كريبوى: اسم علم مشهور من المغلفين. (¬3) أولنشييكل: بطل قصة شعبية ألمانية.

جدالة (بنو)

نسيت الآن، وأن هذا الأدب قد جمع حول اسمه طائفة كبيرة من القصص الكثيرة التي كان هؤلاء أبطالها، وأنه قد آثره على جميع أرباب الفكاهة المحترفين (انظر Rosenthal F.: Humour in Early is dam، ليدن سنة 1956) الذين نبه صيتهم في القرنين الثاني والثالث الهجريين (الثامن والتاسع الميلاديين) وتناظروا في ابتداع القصص المضحكة. المصادر: إن أول طبعة عربية لـ "النوادر" قد أعقبتها سنة 1299 هـ (18883 م) "نوادر جحا"، ثم "قصص جحا، بيروت سنة 1890 ثم مسلسلة من الطبعات الشعبية على هيئة كتيبات. وقد توسع حكمت شريف الطرابلسى في ترجمة المجموعة التركية ونشرها بعنوان "نوادر جحا الكبرى" بالقاهرة في تاريخ غير معلوم؛ ويجدر بنا أن نذكر أيضًا: حسن حسنى أحمد: جحا، تاريخه، نوادره، حكاياته، علمه، خوارقه، فلسفته، القاهرة سنة 1950؟ عطاء الله طرزى باشا: جحا القاضي، في مجلة الرسالة، رقم 993 (4 يولية سنة 1952). وقد شرح باسيه Basset نظريته في مقدهة كتاب fourberies de Si Amoulidras: les Djeh'a، باريس سنة 1892 ص 1 - 79، 183 - 187, وهي تشتمل على ثبت مقارن كثير التعليقات بالنسخ التركية والعربية والبربرية. وثمة أيضًا بعض الدراسات للكاتب نفسه نشرت في Reuue des traditions populaires وفي IOOI Contes, recits et legendes arabes, باريس سنة 1924. ج 1، في مواضع مختلفة، حيث ترجمت بعض النوادر. أما عن ترجمات النوادر فانظر Les: G? alland paroles remarquables, les bons: mots et maximes des Orientaux les، باريس سنة 1694 والكتب التي ذكرها باسيه. R fourberies , .o Basset، ص 12 وخاصة Der Hodscha Naserddin: A. Wessbelski فيمار سنة 1911 في مجلدين و Garcia- Cuentos de reha ... : FiRueras شريش سنة 1934 وانظر أيضًا مصادر مادة "نصر الدين". خورشيد [يلا Ch, Pell] جدالة (بنو) كان بنو جدالة من قبائل صنهاجة الملثمة السبعين، عاشوا غرب لمتونة في الصحراء الغربية على سواحل المحيط

جدة

الأطلسي بالقرب من ارجوين ورأس الأسود. وقد حدث أن رجلا من جدالة يدعى يحيى بن إبراهيم كان عائدا من الحج فحبب إلى المصلح ياسين الإقامة في هذه الناحية. وكان هذا صاحب دعوة في إصلاح الإسلام، فاجبرت قبائل لمتونة وبخاصة جدالة على التمذهب بمذهبه (صفر سنة fri = اكتوبر- نوفمبر سنة 1040). فلما توفى يحيى بن إبراهيم رفض هؤلاء الائتمام بياسين، فاضطر إلى الاعتكاف بين قبالولمتونة المجاورة. وفي المحرم من عام 448 (مارس- أبريل سنة 1096) حاصر ثلاثون ألف مقالر من لمتونة القائد الموحدى يحيى بن عمر في جبل لمتونة وذبحوه في العام نفسه هو وعدد كبير من أتباعه عند تبفريلى (؟ ) بين للوين وجبل لمتونة .. ولعل خليفة يحيى، أبا بكر بن عمر قد اخضعهم حوالي عام 493 هـ (1062 م) ثم انتقلوا هم وصنهاجة الملثمون إلى حكم يوسف بن تاشفين رأس الدولة الموحدية. وكان نصيبهم من نصيب هذا البيت، وقد اختقى ذكرهم من التاريخ منذ ذلك. وهم عين الجيتولى Gaetuli الذين ذكرهم الكتاب القدماء. المصادر: (1) البكرى، طبعة ده سلان، الجزائر سنة 1897، ص 164، 172. (2) Le nord de: Vivien de S. Martin 1' Afrique dans I'antiquiM باريس سنة 1863، ص 124 - 130. (3) ابن ابى زرع: روض القرطاس، طبعة تورنبرغ، أبسالا، في مجلدين سنة 1843 - 1846، ج 1، ص 76 - 80. (4) ابن خلدون كتاب العبر، بولاق سنة 1384 هـ في 7 مجلدات ج 6، ص 182 - 183. (5) الحلل الموشية، تونس سنة 1329 هـ، ص 8، 9. [رينيه باسيه Rene Basset] جدة ويرسمها كتاب العرب جُدّة: قرضة عربية على البحر الأحمر على خط طول 21، 28، 30 شمالا وخط عرض 39، 16، 45 شرقا وتحيط بها صحراء. وقد اشتهرت بوخامة الهواء وقلة الماء، ومع ذلك فهي ترجع إلى العصر

الجاهلى، وإن كانت تعوزنا الرواية الوثيقة المزيدة لذلك (Alte: Sprenger Giogr. Arabiens ص 39) وفي عام 26 للهجرة اختارها الخليفة عثمان مرفأ لمكة، فكان ذلك أساس شهرتها في مستقبل الأيام. ذلك أن مكة، محج العالم الإسلامي جميعا، كانت منذ القدم موردا عظيما للتجارة، تزودها مصر بالمؤن بطريق جدة، ومن ثم كانت جدة مفتاحها. وقد اعتمدت البلدتان على مصر اقتصاديا فسياسيا، وكانت مكوس جدة (المقدسي، ص 79، 104 التي وصفت حتى في زمن الاصطخرى بأنها بلدة رائجة للتجارة، مصدرا كبيرا من مصادر دخل ولاة الحجاز في ذلك الوقت. يضاف إلى هذا ما كانوا يجبونه على الحجيج من مكوس. فقد كان هؤلاء ونخص بالذكر منهم حجاج إفريقية الذين يركبون البحر من عَيذاب (المقدسي، ص 210) ينزلون إلى الجزيرة العربية في جدة وفي القرن الخامس الهجرى الموافق التاسع الميلادي رأى ناصر خسرو (طبعه شيفر، ص 65 - ص 181 - 183 من الترجمة) على جدة- وكانت آنئذ بلدة غير مسورة بلغ سكانها من الذكور نحوا من خمسة آلاف- واليا من موالى شريف مكة، وكان أهم ما وكل إليه جمع الأمو ال. ويروى الإدريسى (ترجمة جوبير Jauberi. ج 1، (أن بيت مال الشريف كان يعتدم على ما يحصله من مرفا جدة. وقد غدا هذا المرفا على الأيام مركزا من مراكز تجارة العالم، لكتقى فيه السفن القادمة من مصر بالسفن الخارجة من الهند وشرقى إفريقية. وقد رسم ابن جبير (طبعة ده غويه، ص 75 وما بعدها) صورة جلية للبلدة كما كانت تبدو عام 579 هـ (1183) باكواخها المصنوعة من القصب وخاناتها المبنية بالحجر، واثار أسوارها ومساجدها التي يقال إن إنشاءها كان على يد عمر وهارون الرشيد، وأهلها الأشراف النسب، وأثنى على صلاح الدين لإبطاله الرسوم التي كان يجبيها أشراف مكة. أما المكوس التي ظلت تحيى على السفن الهندية فقد أوشكت أن تكون باهظة في بعض الأحيان ثم إنها أثارت جشع أمراء الحجاز ومماليك مصر، فتولوا هم أنفسهم جمع هذه الرسوم

بعد 1542، ثم شاركوا أشراف مكة في هذه الأسلاب (- Snouch Hur gronje: Mekka ج 1، ص 92 وما بعدها، ص 99). وبعث السلطان قانصوه الغورى اخر الأمر واليا على مكة عام 1511 م، فأحاطها بسور يحميها من غارات البدو واتخذها قاعدة بحرية لقتال البرتغال (المصدر المذكور، ج 1، ص 102). وقد اتضح بعد ذلك أن هذا التحصين كان ضروريا لأن البرتغال أغاروا عليها. عام 1541 عندما زالت تبعيتها لمصر ودخلت في ولاية تركية (المصدر نفسه، ص 104). وكان دخل مرفأ جدة يقتسم أيضًا في عهد الترك، وكان يقيم فيها وال من قبلهم (حاجى خليفة: جهاننما، الاستانة سنة 1145 هـ-ص 519؛ تجمة نوربرغ، ج 2، ص 184) على أن هذا الدخل سرعان ما أخذ يتضاءل بطبيعة الحال، ولو أن تجارة البن والبضائع الهندية ظلت كبيرة حتى مستهل القرن التاسع عشر. وفي عام 1803 حاصر الوهابية الشريف غالبا في مكة فباءوا بالخيبة لمنعة أسوارها. على أنه اضطر إلى الخضوع لهم ثم ردها محمد على إلى حظيرة الترك. ووصف بوركارت جدة عام 1814 فقال إنها بلد سكانها ما بين 12.000 و 15.000 نسمة، وتشغل أسوارها المرممة حديثًا مساحة واسعة حافلة بالأكواخ الحقيرة المصنوعة من القصب والى جانبها بيوت مبنية من الحجر تزداد شيئًا فشيئا تحت حكم مصر. ولشد ما أدهشه أن الزحمة من السكان الذين تكتظ بهم مكة يندر بينهم أهل البلاد في حين يكثر عدد الدخلاء الوافدين من اليمن وحضر موت. وفي عام 1840 عادت مكة إلى حكم المصريين، ورفع عنها حكم الباب العالى المباشر، وكان يمثله وال يقيم في جدة. وفي الخامس عشر من يونية عام 1858 اغتيل القنصلان الإنكليزى والفرنسى وغيرهما من النصارى في جدة فضربت البلدة بالقنابل في الخامس والعشرين من هذا الشهر Snouck Hurgronje في Bijdragen tot de - Taal-Land en Volkenkunde van Neder landsch-Indie السلسلة الخامسة، ج 2، ص 381 وما بعدها، 399 وما بعدها) وحج مالتزن Maltzen إلى مكة عام 1860 فوصف جدة بمثل ما وصفها به

بوركارت تقريبا وقدر عدد سكانها بـ 15.000 نسمة (قدرهو كلن Heuglin عددهم بـ 40.000 نسمة عام 1864) وانتهى نصيب جدة في تجارة العالم بفتح قناة السويس، وكانت تجارتها آخذة في الاضمحلال قبل ذلك بسنين (Snouck Hurgronje في Verhandl. der f Gesellsch. fuer Erdkunde ج 14، ص 141) ومع ذلك فما زالت موردًا كبيرًا للتجارة (حوالي 1.500.000 جنيه) فهي التي تزود الحجاز بالمؤن ولكنها لا تكاد تصدر شيئًا في مقابل هذه الواردات. ومعظم شانها الآن راجع إلى أنها مرسى الحجيج إلى مكة يهبط الجزيرة العربية بطريقها ما بين 80.000 و 90.000 حاج منهم سنويا. ويسكن الفرضة حوالي 30.000 نسمة من العرب المخللطين بالتكارير ونحوا من 50 نصرانيا. وهي مقر القائمقام منذ أن انتقل مقر الوالى إلى مكة. وتمتد صفوف المنازل البيضاء في المرفا على سفوح تل يساير الخليج الضحضاح الذي لا تستطيع السفن الكبيرة دخوله ويتخلل السور المحيط بجدة، ويبلغ ارتفاعه عشر أقدام، ثلاثة أبواب: باب الشريف عند دار المكوس في الغرب؛ وباب مكة في الشرق، والباب الجديد أو بابا المدينة في الشمال، وبقربه القنصليات الأوربية وقباله قبر حواء المشهور الذي يؤمه الناس كثيرًا. المصادر: ذكر علاوة على ما ذكر في صلب المادة. (1) Erdkunde: Ritter، ج 13، ص 6 - 33. (2) Wallf ahrt nach: von Malzen Mekka. ج 1، ص 216 - 332. (3) الكاتب نفسه Reise nach Sueda- rabien، ص 46 وما بعدها. (4) Handelsberichten مجلة هولندية، رقم 272, 30 مايو سنة 1912 [هارتمان R.Hartmann] + جُدَّة، وينطقها أهلها جِدّة: فرضة سعودية عربية على البَحر الأحمر، تقع على خط عرض 31، 29 شمالا وخط طول 39، 11 شرقا، وقد

اشتهر جوها بالوخامة، ويكتنف الفرضة نقع في الشمال الغربي وسبخات في الجنوب الشرقي، وهي تواجه جونا في الغرب تتراكم فيه الشعاب حتى ليتعذر دخولها إلا بسلوك ممرات ضيقة. وجدة على مسيرة 75 كيلو مترا من مكة بطريق مرصوف، و 419 كيلو مترا من المدينة. ويقرر معظم جغرافي العرب ودارسيهم أن جُدة بمعنى الطريق (, Lane البكرى، ج 2، ص 371) وهي الرسم الصحيح للمدينة، وليس جدة أو جَدة بمعنى أم الأب أو الأم كمَا زعم كوتييه Cautier وفلبى Heart) philby ج 1، ص 221) وغيرهم (يا قوت، ج 2، ص 41؛ حتَّى، ووهبة) بالنظر إلى وجود (حتىَ عا م 1928) قبر حواء غير بعيد من جدة (انظر في وصفه والصور الشمسية له Moeurs et cou-: E.F.Gautier كل n م lm كة tumes des Musu، باريس سنة 1931، ص 64 - 66). وترجع المدينة إلى أيام الجاهلية. ويزعم هشام بن محمد الكلبى في كتابه الأصنام أن عمرو بن لحى الخزاعى قد أدخل أصناما من جدة إلى مكة قبل الإسلام بعدة قرون (انظر الأنصاري في المصادر). ويقول ياقوت إن جُدَة بن حزم بن ريَان بن حُلْوان ابن قضاعة نسب إلى هذا الموضع الذي كان من منازل قضاعة. وقد كانت الأسباب التي رفعت شأن جدة هو اختيار الخليفة عثمان لها سنة 26 هـ (646) فرضة لمكة في مكان الفرضة القديمة الشئعَيبْة التي كانت قائمة إلى الجنوب منها بقليل (البتنونى، ص 6؛ Nallino . ص 155). وقد أصبحت مكة، من حيث هي مثابة العالم الإسلامي، موردًا عظيمًا للتجارة تصلها الموارد من مصر والهند عن طريق جدة. وما وافى القرن الرابع الهجرى (العاشر الميلادي) حتى غدت جدة مدينة تجارية زاهرة، وكانت المكوس التي تجبيها مصدرا عظيما لدخل حكام الحجاز (المقدسي، ص 79، 104) زد على ذلك أن الرسوم كانت تفرض على الحجاج في جدة، ذلك أن أولئك الذين كانوا يقدمون بالبحر منهم كانوا يرسون على الأرض العربية هناك.

ويصف ناصر خسرو (طبعة شيفر، ص 65، ص 181 - 183 من الترجمة) المدينة بانها كانت بلدة بلا اسوار يبلغ عدد سكانها الذكور 5.000 ذكر يلي أمرهم وال من قبل شريف مكة، واجبه الأكبر هو جباية الأموال. ويرسم ابن جبير (طبعه ده غويه، ص 75 وما بعدها) صورة للبلدة بأكواخها المصنوعة من القصب، وخاناتها المشيدة بالحجر، ومساجدها، ويثنى على صلاح الدين لأنه ألغى المكوس التي كان يجبيها الأشراف. ولما اضمحلت الخلافة العباسية تحول كثير من التجارة التي كانت تتجه من قبل إلى البصرة إلى جدة، حيث كانت السفن الآتية من مصر حاملة الذهب والمعادن والأقمشة الصوفية من أوربا، للتقى بالسفن الآتية من الهند حاملة التوابل، ومواد الصباغة، والأرز، والسكر، والشاى والحبوب والأحجار الكريمة. وكانت جدة تفرض حوالي 10 % من قيمة هذه البضائع مكوسا. واستولى سلاطين المماليك في مصر بعد عام 828 هـ (1425 م) على حصيلة مكوس جدة إذ أثار ازدهار هذه المدينة طمعهم (كانوا من حين إلى حين يقتسمونها مع أشراف مكة) وبذلك جعلوا جدة تعتمد سياسيا واقتصاديا على مصر (ابن تغرى بردى، ج 4، ص 21، 41؛ ج 5، ص 79). وقدم البرتغاليون إلى مياه الشرق وراحوا يشنون الغارات على سفن المسلمين منذ سنة 1512، فجلب ذلك تهديدأ جديدا لجدة بذل المماليك ومن بعدهم العثمانيون محاولات حاسمة لردَه، وقد أقام حسين الكردى، عامل جدة من قبل السلطان قانصوه الغورى، سورأ حول مدينة جدة سنة 917 هـ (1509 م) ويخطئ البتنونى إذ يقول إن ذلك حدث عام 915 هـ الموافق 1509 م) وجعل هذه المدينة قاعدة لشن الهجمات على الأسطول البرتغالى. وقد ابحر لوبوسواريزده ألبركاريا البرتغالى Lopo Soares de: Alberia إلى مرفأ جدة سنة 923 هم (1517 م) لمطاردة أسطول المماليك الذي كان يقوده سليمان رئيس، ولكنه أحجم عن مهاجمة المدينة بالنسبة إلى حصونها

المنيعة) The Portogues in In-: Danvers dia، سنة 1894، ص 335)، وفي سنة 495 هـ (1538 م) زار الأسطول العثمانى جدة في طريقه إلى الهند وجمع سوارى ومدافع (- Hammer Purg Osman. Reich.: stall .Gesch. d . الطبعة الثانية، ج 2، ص 156 - 158؛ أوزون جارشيلى: عثمانلى تاريخي، ج 2، ص 379 وما بعدها، 538؛ فوزى قورد أوغلى في بلتن، ج 4، سنة 1940. ص 53 - 78؛ Stribling، ص 89 - 90). وفي سنة 948 هـ (1541 م) بذل البرتغاليون آخر محاولاتهم الفاشلة للاستيلاء على المدينة، وكان يدافع عنها الشريف أبو نُمَىَ، وكافأه السلطان سليمان على ما حقق من نجاح في مقاومته البرتغاليين فمنحه نصف المكوس التي حصلت من جدة (دحلان، ص 53). ولم تنته تجارة البحر الأحمر، كما ظن في وقت من الأوقات، بدوران البرتغاليين حول إفريقيا، بل ظلت قائمة في حماية العثمانيين في غضون القرن العاشر الهجرى (السادس عشر الميلادي). وتشير المصادر العثمانية لذلك العهد إلى ظهور السفن القادمة من الهند على نحو منتظم في جدة، ويتحدث قنصل بندقى في القاهرة في شهر مايو سنة هـ 156 عن وصول 20.000 قنطار من الفلفل إلى جدة. ولم تقف التجارة العابرة بالبحر الأحمر إلا في أواخر القرن السادس عشر وأوائل القرن السابع عشر الميلاديين (La Mediterranee et le: F.Braudel -monde Mediterraneen 3 a 1'epoque de, Phil L inoe ll في باريس سنة 1949، ص 423 - 437؛ خليل إينالجق في بلتن، ج 15، سنة 1951، ص 662 وما بعدها) لم يحدث في تاريخ جدة من الأمور الهامة إلا القليل في القرنين الحادي عشر والثاني عشر الهجريين (السابع عشر والثامن عشر الميلاديين). كان الحجاز، في ظل السلطمان، تحكمه محليا الأسرة الحسنية من الأشراف الذين كانوا يتآمرون على سلطان الأتراك المتدهور تحقيقا لمصالحهم الخاصة (دحلان، الجبرتى). وكانت جدة سنجقا، وظلت إلى حين قاعدة لإيالة حبش، ثم أصبحت من بعد جزءًا من ولاية الحجاز. وتقول

المصادر العثمانية إن الصدر الأعظم قره مصطفى باشا (تولى الصدارة من سنة 1087 - 1094 هـ-1676 - 1683 م) زود جدة بمسجد وخان وحمام ومورد للمياه. وانتابت جدة في القرن الثالث عشر الهجرى (التاسع عشر الميلادي) طائفة من صروف الدهر، ففي سنة 1217 هـ- (1803 م) حاصر الوهابيون الشريف غالبًا في جدة، ولكنهم عجزوا عن الاستيلاء على المدينة التي راحت تفاخر بأنها في مناعة جبل طارق (ابن بشر، ج 1، ص 122)، وقد سلم غالب من بعد، وخضعت جدة لحكم الوهابيين حتى سنة 1226 هـ (1811 م) وهنالك استعاد محمد على سلطان العثمانيين الاسمى عليها. وفي سنة 1229 هـ- (1814 م) وصف بوركارت Burchart جدة فقال إنها بلدة يسكنها ما بين 12.000 نسمة، و 15.000 نسمة، لا يمثل عناصر السكان الأصليين منهم إلا قلة قليلة، على حين أن الأجانب القادمين من اليمن وحضر موت كانوا فيما يظهر كثيرى العدد. ويذكر كل من بيرتون Burton (ج 1، ص 179) والبتنونى (ص 6) المرجان واللؤلؤ اللذين يستخرجان من البحر الأحمر في جدة ويصنع منهما السبح في مكة والصلبان في بيت المقدس. وفي سنة 1256 هـ (1841 م) حل محل الحكم المصري الحكم المباشر للباب العالى يملكه وال يتولى الأمر في جدة. وفي 3 ذي القعدة سنة 1274 هـ (15 يونية سنة 18758 هـ) شهدت جدة مذبحة حرض عليها، فيما يظن، رئيس سابق من رؤساء الشرطة فيها وعدة تجار منها ساخطين، وقد قتل في هذه المذبحة حوالي خمسة وعشرين شخصا منهم القنصلان البريطانى والفرنسى وطائفة من التجار اليونان الموسرين. وهنالك ألقت الباخرة البريطانية سيكلوبس Cyclops مراسيها في المرفأ وظلت ترمى المدينة بالقنابل يومين وأعادت النظام إلى نصابه دون أن تحدث أضرارًا كثيرة (Isabel Burton، ج 2، ص 513 وما بعدها). وكانت جدة أول مدينة حجازية تسقط في يد الأشراف بعد أن أعلن الشريف الحسين استقلال العرب في

سنة 1334 هـ (1916 م)؛ انظر: نصيف، ص 50). وسلم الأتراك المدينة في 15 شعبان (17 يونية) بعد هجوم مشترك شنه جيش الشريف الحسين وقذف الأسطول البريطانى لها ستة أيام. ومن يومها أصبحت مستودع المؤن الأكبر لقوات الأشراف التي كانت تعمل وراء خطوط الأتراك أثناء الثورة العربية. وكانت جدة، في ظل مملكة الحجاز القصيرة العمر، بؤرة الصراع بين الوهابيين والأشراف للسيطرة على الحجاز. ولما استولى السعوديون على مكة في ربيع الأول سنة 1344 (أكتوبر سنة 1934) أصبحت جدة قصبة حكومة علي بن الحسين. وظلت المدينة محاصرة بالقوات الوهابية المتمركزة في التلال الساحلية على مسيرة عشرة أميال من المدينة، عاما أو نحو عام من جمادى الآخرة سنة 1343 (يناير سنة 925 حتى خضعت في جمادى الآخرة سنة 1344 (ديسمبر سنة 1925) وقد حال دون الدفاع عن جدة قصور جيش الأشراف الذي قدره فلبى (Forty Years: Philby، ص 114) بألف من الجنود النظاميين مضافا إليهم المجندين من البدو، وانقسام أهل المدينة على أنفسهم، وقد أيد حزب منهم بزعامة القائمقام، التفاوض مع السعوديين وخلع على (نصيف، ص 156 وما بعدها. وقد وردت تفصيلات تاريخ المدينة في غضون هذه السنة بصحيفة "بريد الحجاز التي كان ينشرها محمد نصيف): وفي ذي القعدة سنة 1345 (مايو سنة 1927) التقى في جدة الملك عبد العزيز بن سعود وكلبرت كلايتون Clayton وعقدا معاهدة جدة الذي اعترف فيها البريطانيون بالاستقلال "التام المطلق" لأملاك آل سعود. وقد وصف نلينو Nallinn جدة سنة 1938, وذكر موقع قبر حواء الذي دمره السعوديون في غير ما جلبة سنة 1928. والجبانة المعروفة بالجبانة الأوربية التي قيل إنها ترجع إلى عام 1235 هـ (1820 م) وتضم رفات بعض اليهود والأسيويين، والقرى القائمة وراء السور، وتشمل هذه القرى

الهندوية إلى الجنوب والنُزْلة إلى الجنوب الغربي، والبغدادية والرؤيَس إلى الشمال، والناكتَو، ومحلة من القصب يسكنها التكارير وقد أصبحت جميع هذه القرى جزءًا من المدينة النامية. ويختلف في تقدير عدد سكان المدينة الآن بما يتراوح بين 106.000 و 160.000 نسمة، ويحكمها قائمقام (وهو الحاكم المحلى الوحيد في السعودية العربية الذي لا يزال يحتفظ باللقب التركى) تحت السلطان الإدارى لمحافظ مكة، ولجدة مجلس بلدى منتخب، وقد لم صابت جدة، منذ الحرب العالمية الثانية، نجاحا تجاريا باهرًا، ودمر سورها سنة 1946 - 1947، وامتدت المدينة في ثلاثة اتجاهات: شرقا على طول الطريق إلى مكة؛ وشمالا على طول الطريق إلى المدينة، وجنوبا على طول طريق الميناء. وقد أزيل كثير من مجموعات الدور المرجانية الماثورة بشرفاتها ذات المشربيات لإفساح المكان لإقامة العمائر الحديثة لادارات الحكومة وقد عرفت جدة بسكانها الخليط: بخارئة ويمنية وحضارمة وبعض الجماعات القبلية وخاصة حرب، وهم لا يزالون يعيشون في أحياء مستمَلة من جدة. وفي جدة عدد من الصناعات الخفيفة، كمصنع الأسمنت وعدة ورش لقطع الرخام. وثمة شبكة جديدة للمياه تمت سنة 1948؛ وهي تمد المدينة بنيف و 2.500.000 جالون من المياه يوميا، ومعظم هذه المياه تمتد في أنابيب تأخذ من عيون في وادي فاطمة. ويقوم مرفأ حديث في الطرف الجنوبي للمدينة مجفز برصيف ذي مرسيين طوله 1.300 قدم، يتصرف في 80.000 طن من الشحن كل سنة وجدة هي الميناء البحرى والجوى الرسمى لدخول الحجاج في طريقهم إلى مكة، وقد نزل في جدة منهم 147، 000 حاج سنة 1381 هـ (1961 م). وفي هذه المدينة محطة للحجر الصحى ومستشفى وعيادة للرقابة الصحية، ومحلتان للحجاج احداهما ملحقة بالرصيف والأخرى ملحقة بالميناء الجوى، وكل هذه

العمائر أقيمت منذ سنة 1950 لرعاية الحجاج. المصادر: (1) البكرى: معجم ما استعجم، القاهرة سنة 1945 - 1951. (2) ياقوت. (3) أحمد بن زينى دحلان: خلاصة الكلام، القاهرة سنة 1887. (4) عثمان بن بشر: عنوان المجد، مكة سنة 1349 هـ: (5) حسين بن محمد نصيف: ماضى الحجاز وحاضره، سنة 1349 هـ. (6) محمد لبيب البتنونى: الرحلة الحجازية، القاهرة سنة 1329 هـ (7) حافظ وهبة: خمسون عاما في جزيرة العرب، القاهرة سنة. 1960. (8) فؤاد حمزة: قلب جزيرة العرب، القاهرة سنة 1904 هـ. (9) الجبرتى: عجائب الآثار، القاهرة سنة 1904. (10) محمد بن بليهد: صحيح الأخبار، القاهرة سنة 1951 - 1953. (11) ابن تغرى بردى. (12) Erdkunde: Ritter ج 13، ص 6 - 33. (13) Walfahrt nach: Von Maltzan Mekka ج 1، ص 213 - 232. (14) الكاتب نفسه: Reise nach Sue- darabien، ص 46 وما بعدها. (15) Western: British Admiratly Arabia and the Red Sea، سنة 1946. (16) Scritti: C.A.Nallino . ج 1. (17) The life of Cap-: Isabel Burton tain Sir Richard Burton سنة 1893، ج 2، ص 513 وما بعدها. (18) Jiddah: Hopper في Lands East فبراير سنة 1956. (19) Forty years in: H.St.J.Philly the wilderness، سنة 1957. (20) الكاتب نفسه: Arabian Jubi lee، سنة 1952. (21) الكاتب نفسه Sa'udi Arabia سنة 1955.

الجد والهزل

(22) الكاتب نفسه , Arabian Days: سنة 1948. (23) Mekka: Snouck Hugronje ج 2، سنة 1888. (24) الكاتب نفسه في Bijdragen tot - de Taaland-en vnikenkunde van Neder landsch-Indic السلسلة الخامسة، ج 2، ص 38 وما بعدها، 399 وما بعدها. (25) الكاتب نفسه في Verhndl N . Gesell. fuer Erdkunde ج 14، 141. (26) عبد القدوس الأنصاري: جدة عبر التاريخ، في المنهل، جدة يناير- فبراير سنة 1962. وانظر عن العصر العثمانى: (27) فريدون: منشآت السلاطين، إستانبول سنة 1265 هـ. ج 2، ص 6 وما بعدها. (28) أوليا جلبى: سياحتنامه، ج 9، ص 794 وما بعدها. (29) حاجى خليفة: جهاننما، ص 519. (30) أ. ح: أوزون جارشيلى: عثمانلى تاريخي، مجلد 3، ج 2، أنقرة سنة 1934، ص 44 - 45. (31) G.W.F.Stripling: The Ottoman 1875 - 1511 Empire and the Arabs أوربانا سنة الفهرس. خورشيد [فيب آن مار Phebe Ann Marr] الجد والهزل جمع شائع بين مصطلحين متضادين لهما رنين خاص في علم الأخلاق عند المسلمين وفيما يعرف في العربية بالأدب. ولا يرد في القرآن إلا اللفظ الثاني دون أن ينطوى على مفهوم ضمنى من أي نوع، ومع ذلك فإن المعنى المضاد للهزل وهو الجد، والمعنى المرادف للهزل وهو المزاح، لا يردان فيه إطلاقا، والقرآن لا يحدد صراحة الجد أو ينص على اجتناب المزاح، ومع ذلك فإن الإسلام -دون أن يوحى ضرورة بالحزن والدموع برغم نظرته المتشائمة إلى هذه الحياة الدنيا التي سنوضحها فيما بعد- يدعو على الأقل المؤمنين في اهتمام إلى تدبر

وعود ربهم وتحذيراته، وأن يعدّوا أنفسهم في هذه الحياة الدنيا للحياة الباقية التي تنتظرهم. ومن ثم تجد مقابلة بين نظرة الوثنى التي تتصف بالخفة وعدم المبالاة وإنكار خلود النفس والبعث وجنوح إلى التنعم بمتع الدنيا كلها دون خشية من عقاب، وبين نظرة الإسلام التي فيها صرامة يمليها الانشغال الدائم بما يحقق مثوبة الله. ثم إنه إذا كان "الحلم" ركنًا أسياسيًا في علم الأخلاق عند المسلمين، فإنه يتضمن بصفة خاصة شرف النظرة التي تستبعد كل احتمال للاستسلام إلى الضحك والمزاح. وقد أوحى؛ الذي عانى منه المسلمون الأولون ورسل الله السابقون بنفور من السخرية التي هي إلى ذلك منهى عنها في القرآن (سورة الحجرات، الآية 11)، بل من مجرد الضحك الذي هو في ذاته مستنكر. ذلك أن الله هو الذي يضحك ويبكى "وأنه هو أضحك وأبكى" (سورة النجم، الآية 43)، ولسوف يبكى كثيرًا في الحياة الآخرة أولئك الذين ضحكوا في الحياة الدنيا قليلا "فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرًا جزاء بما كانوا يكسبون (سورة التوبة، الآية 82) والضحك هو مسلك أعداء الله (سورة المؤمنون الآية 110 - 112؛ سورة الزخرف، الآية 46؛ سورة النجم، الآية 60؛ سورة المطففين، الآية 29. على أن المؤمنين سيجزيهم الله في الدار الآخرة فنرى وجوههم مسفرة ضاحكة مستبشرة (سورة عبس، الآية 38 - 39). والمسلم إذ يدرك شرف دينه وكرامته، وجدّية أفعاله هو مهما بلغ نصيبها من العادية ومراعاته التوسط في كل أمر، فإنه إن لم يجد نفسه لا يملك إلا البكاء مدرارا يحس بأنه يجب عليه أن يكون أساسًا شخصًا جادًا وأن يتجنب أي مسلك لا يتمشى مع السلبية التي عليها الحلم، وخاصة الضحك والمزاح. وقد وجد هذا الإحساس الذي يقوم على تفسير ضيق لأخلاقيات القرآن، مبررا آخر في بعض الأحاديث والأقوال المأثورة التي لم يغفل الكتاب المتأخرون بعض الشيء للكتب الأخلاقية ودوائر المعارف العامة جمعها في أبواب خاصة. وهكذا نجد الغزالى (الإحياء، الكتاب 24) يصرح بأن المزاح منهى عنه مذموم، ويستشهد بأحاديث مختلفة تؤكد حكمه، ومع ذلك

فإنه يسمح بالمزحة المعتدلة. ويعقد الإبشيهى (المستطرف، حـ 2، ص 308) بعد الفصل المخصص لتحريم الخمر مباشرة فقرة للنهى عن المزاح، ولكنه لم يغفل عن أن يستشهد بالروايات المناسبة في إسهاب أكثر ويردد عددا من النوادر المضحكة. والحق إن أنصار المزاح لم يعجزوا عن الإدلاء ببراهينهم، ذلك أن الأفكار الأساسية التي يمكن أن يستند إليها في تبرير الذم الكامل للمزاح تناقضها في الحق بعض، الأحاديث وأنظار حكماء المسلمين، ومن اليسير أن يلتمس السند عند النبي نفسه، فقد كان يمزح في مناسبات مخلتفة، وكذلك عند السلف الصالح الذين كانوا فيما يظهر يكادون لا يستمسكون بظاهر الأحكام القرآنية الناهية عن الضحك والمزاح، وسرعان ما اتخذ مَثَل ما انتهجه أئمة فقهاء المدينة سابقة، ولا يستطيع المرء أن ينسى للك الواقعة العجيبة. وإن كان من الممكن تفسيرها) من أيام القرن الأول الهجرى (الثامن الميلادي) التي حدثت في مكة والمدينة، وخاصة المدينة، وهي قيام مدرسة حقيقية من أصحاب الفكاهة كانت صنعتهم الإضحاك، وقد ساعدوا على إقامة النادرة ورفعها إلى مصاف القوالب الأدبية. ولم ينج العراق من آثار هذه الحركة، وإنما الأمر يقتضي المرء أن يقلب النظر في كتاب الفهرست (طبعة القاهرة، ص 201 وما بعدها، 435) ليخرج بفكرة عن وفرة مجموعات النوادر سواء كان جامعوها معروفين أو مجهولين، أجل مجموعات النوادر التي كانت شائعة في عهد متقدم يرجع إلى أيام ابن النديم، ومن الراجح جدًّا أن أصحاب الفكاهة هؤلاء وزبائنهم من الطبقة الأرستقراطية -بقدر ما يكون لهم وجود تاريخي، ومن المعلوم أن بعضهم كان له وجود حقًّا- قلما كانت تزعجهم النواهى التي كان غيرهم يعدونها نواهى مطلقة. وقد اختفى معظم المجموعات التي من هذا القبيل والتي كانت على التحقيق عظيمة الشيوع مثلها مثل الكتابات الخيالية التي ظهرت وفرتها من كتاب الفهرست، والراجح أن السبب في اختفائها هو ردّة إلى التشدد والتطهر، ولكن بعضها استوعبته مجموعات أحدث، وقد حفظ الأدب مختارات منها تشهد بتذوق

القراء العرب للنادرة اللاذعة بله المفحشة التي تخدش الحياء وهو تذوق باق وإن لم يعترف به. وبصرف النظر عن الناحية الأخلاقية بمعنى الكلمة للنادرة، فإن العنصر الفكاهى يثير حقًّا مشكلة أدبية، يبرز فيها الجاحظ للمرة الثانية في الميدان فيكون هو أول من حددها تحديدًا واضحًا. ذلك أن الجاحظ، وقد ورث تراثًا دينيًّا وأدبيًا قديمًا، صدمته النظرة المتشددة في غير موجب لبعض معاصريه، وقد انبرى من أول الأمر إلى تبرير الضحك الذي جعله مقترنًا بالحياة، وتبرير المزاح، مبرزا مزاياه ما دام لا يسرف، ومظهرًا أن الإسلام دين متحرر لا يفرض بأية حال التحفظ والتشدد، ومن هنا راح يحمل على الجمود الذي تنطوى عليه معظم الكتابات التي هي في رأيه مسرفة في التشدد، وقد اقترح إباحة القليل من الهزل حتى في أشد الأنظار تشددًا. وكان في بعض الأحيان لا يتردد عن قطع حجة دارسة ليستشهد ببعض النوادر على حساب التهوين من بقية كتابه، ولكنه نجح في مزج الجد بالهزل مزجًا منسجمًا في عديد من كتاباته، ومن بينها "كتاب التربيع والتدوير" الذي هو بلا جدال أكمل مثال على ما نقول. وصفوة القول أنه أراد أن يكون الأدب مثقفًا ومسليًا في آن. والظاهر أنه نجح بعض النجاح في هذا الباب، ذلك أنه قد قلده كثيرون في المشرق والمغرب. وذهب إلى أبعد من هذا فسبق من غير وعى منه الشعار الذي يقول بإصلاح العادات والسلوك بالسخرية منها، وكتب "كتاب البلغاء" الذي اتخذ فيه الضحك عنصرًا في خطة للتهذيب. على أن نجاحه في هذه الحالة مشكوك فيه أكثر، وابن الجوزي هو فيما يبدو الكاتب الآخر الوحيد الذي نجح على تفاوت حين حاول أن يتخذ الضحك بلا قيد لتحقيق مثل هذا الغرض (أخبار الحمقى والمغفلين، دمشق سنة 1345 هـ، ص 2 - 3). ونستطيع أن نقول بصفة عامة أن الكتابات الفكاهية بل الفكاهيات المسرحية المعاصرة (تسمى الكوميديات هزلية) لا ينظر إليها أبدًا إلا على اعتبار أنها لا تعدو أن تكون تحولا مقبولا بلا أي مغزى خلقى.

الجرجاني

الجرجاني إسماعيل بن الحسين أبو الفضائل: طبيب عربي توفى عام 530 هـ (1135 م) ألف كتابين في اصول الطب أحدهما اهداه لعلاء الدين على ارسلان وعنوانه "التذكرة الأشرفية في العناية الطبية" (انظر Cata-: de Slane logue des Mss Arab de la Bible. Nat، رقم 29، 29955) والآخر لخوارزمشاه، وقد سماه "ذخيرة خوارز مشاه" (يكى جامع كتبخانه سنده محفوظ كتب موجودنك دفترى، 915، 926). وله أيضًا رسائل في الطب. انظر أيضًا Arab Arzte: Wuestenfeld رقم 165: Gesch. d.: Brockelmann Arabhitc جـ 1، ص 487. [بروكلمان C.Brockelmann] + الجرجانى إسماعيل بن الحسين زين الدين أبو الفضائل الحسينى، ويعرف في كثير من الأحيان بالسيد إسماعيل: طبيب من الأشراف مشهور كتب بالفارسية والعربية، وقد شخص إلى خوارزم ليعيش فيها سنة 504 (1110 م)، واتصل حبله بقطب الدين محمد خوارزمشاه (490 - 521 هـ = 1097 - 1127 م) وأهداه تذكرته، وبأتسز بن محمد خوارزمشاه (521 - 551 هـ = 1127 - 1156 م) الذي عهد إليه كتابة موجز أصغر عنوانه "الخُفَى العلائى"، وقد سمى بهذا الاسم لأن المجلدين اللذين يحتويهما المختصر كانا من الصغر بحيث يستطيع الأمير أن يضعهما في خفّه في رحلاته. ثم نزح إسماعيل إلى مرو قصبة السلطان المنافس لمولاه سنجر بن ملكشاه، وتوفى فيها سنة 531 هـ (1126 م). وكتابه "ذخيرة خوارزمشاهى" هو فيما يرجح أول دائرة معارف طبية كتبت بالفارسية وتضمنت حوالي.450.000 كلمة، وهي أهم كتاب في هذا النوع من التأليف. وهي توجد أيضًا بالعربية، وقد ترجمت إلى التركية، كما ترجمت مختصرة إلى العبرية. وقد كتب الجرجانى، علاوة على الذخيرة والخفّى، حوالي اثنى عشر كتابًا آخر، بعضها أساسى، ومعظمها في الطب والفلسفة. ومعظم تواليفه التي مدحها

كثير من معاصريه من قبل، قد انتهت إلينا مخطوطة. وثمة رسالة قصيرة له في غرور الدنيا هي "الرسالة المنُبَهة" وقد أدخلها البيهقي في سيرته. المصادر: (1) ظهير الدين علي بن زيد البيهقي: تاريخ حكماء الإسلام، دمشق سنة 1964، ص 172 وما بعدها. (2) الكاتب نفسه: تتمة صوان الحكمة، طبعة محمد شفيع، لاهَور سنة 1935، جـ 1. ص 172 وما بعدها (من المتن) وص 216 وما بعدها (من التعليقات الخاصة بالمصادر). (3) M. Meyerhof في Osiris . جـ 8، سنة 1948. ص 203 (وهو ملخص للكتاب السابق مع مصادر إضافية). (4) نظامى عروضى: جهار مقاله، طبعة ميرزا محمد، سنة 1910, ص 70 من المتن؛ 233، 236 وما بعدها من التعليقات؛ ترجمة E.G.Browne، سنة 1921، ص 78 وما بعدها من الترجمة، ص 158 من التعليقات. (5) ابن أبي أصيبعة: عيون الأنباء جـ 2، ص 31. (6) Zur Quellenkunde: A.Fonahn der perischen mediz سنة 1910. ص 13 وما بعدها. (7) Arabian Medicine: E. G., Browne ص 98 وما بعدها. (8) La Medicine en: Abbas Naficy Persa سنة 1933، ص 41 - 48 (السيرة) ص 65 - 124 (ملخص للكتب الأربعة الأولى عن الأسس النظرية للطب من الذخيرة) سنة 1951، ص 214 ما بعدها، الفهرس. (9) troduction to the his-: G.Sarton / Cory of science , جـ 2، سنة 1931، ص 234. (10) A Medical history: G.Elgood of Persia سنة 1951، ص 214 وما بعدها، الفهرس. (11) Brockelmann: جـ 1، ص 641، قسم 1، ص 889. خورشيد [شاخت J.Schachl] + " الجرجانى عبد القاهر": على بن محمد السيد الشريف: متكلم عربي وفيلسوف ولد عام 740 هـ (1339 م) في تاجو قرب استراباذ، وندبه للتدريس في شيراز عام 779 هـ

(1377 م) الشاه شجاع ابن محمد مظفر، وكان قدمه إليه التفتازانى. فلما استولى تيمور على شيراز عام 789 هـ (1387 م) أوفده إلى سمرقند، وتوفى تيمور عام 807 هـ (1404 م) فاستطاع العودة إلى شيراز ومات بها عام 816 هـ (1413 م). وقد كتب الجرجانى عدة رسائل في الفلسفة باللغة العربية وبعضًا بالفارسية، وشروحًا على أهم الكتب في أصول الفقه والفلسفه وعلم الهيئة. وثمت بيان بمؤلفاته المخطوطة في الوارث Verzeichnis der Ar. 3: : Ahlwardt Hds. der KAI. Bibliothek zu Berlin (رقم 2117). وقد طبع منها: (1) كتاب التعريفات: Definition -viri meritissimi Seliid ScherifALi ben Mo -hammed. Dschordani, accedunt. Defini tions theosophi Mohji-ed-din, Mohammed ed, adnot,، ben ALi vulgo Ibn Arabi, dicti nstruxit Gustavus Fluegel ليبسك سنة 1845، إستانبول سنة 1837، القاهرة سنة 1283، 1306 هـ. سانت بطرسبرغ سنة 1897. (2) شروح على الكشاف للزمخشرى على هامش طبعات القاهرة عام 1307 هـ، 1308 هـ، 1318 هـ (3) شرح على الجزء الثالث من مفاتيح العلوم للسكاكى، أي الجزء الخاص بعلم المعاني والبيان، إستانبول سنة 1241 هـ. (4) شرح على شرح التفتازانى على للخيص المفتاح للقزوينى وهو المعروف بالشرح المطول، إستانبول سنة 1241 هـ. (5) شرح على الفرائض السراجية للسجاوندى، قاسان سنة 1889، 1894، (6) شرح موسومة بكوجك على شرح قطب الدين الرازي التحتانى على الرسالة الشمسية في القواعد المنطقية للكاتبى، كلكتة سنة 1261 هـ. لكهنؤ سنة 1883. (7) شروح على شرح البخاري على كتاب حكمة العين للمؤلف المذكور، كلكتة سنة 1845 م. (8) شرح على كتاب المواقف في علم الكلام للإيجى، إستانبول سنة 1239 هـ. (9) الأصول المنطقية، وهي الرسالة الثالثة عشرة من مجموعة الرسائل (القاهرة، سنة 1328 هـ).

المصادر: (1) خواندمير: حبيب السير، بومباى، سنة 1757، جـ 3، ص 3، 89. (2) السيوطي: بغية الوعاة القاهرة سنة 1326 هـ ص 351. (1) s S.de Sacy في Notices et Extraits, .des mss . جـ 1، ص 4 وما بعدها. (4) Gesch. de ar. Lit: Brockelmann جـ 2، ص 216. [بروكلمان C.Brockelmann] + الجرجانى: علي بن محمد الملقب بالسيد الشريف: ولد عام 740 هـ (1339 م) في تاجو قرب أستراباذ، وفي سنة 766 هـ (1365 م) شخص إلى هراة ليدرس على قطب الدين محمد الرازي التحتانى، ولكن هذا الشيخ المسن نصحه بالمضى إلى تلميذه مباركشاه في مصر. على أن عليا بقى في هراة، وذهب سنة 770 هـ (1368 م) إلى قره مان ليسمع محمدًا الآقسرائي، وكان محمد هذا قد توفى قبل وصوله (توفى الآقسرائي سنة 773 هـ = 1371، انظر الدرر الكامنة، جـ 4، ص 207). ودرس عليّ على محمد الفنارى وصحبه إلى مصر حيث سمع مباركشاه وأكمل الدين محمد بن محمود، وأقام بسعيد السعداء أربع سنين ثم خرج إلى الآستانة عام 776 هـ (1374 م) ثم شخص إلى شيراز حيث أقامه شاه شجاع مدرسًا فيها سنة 779 هـ (1377 م)، ولما استولى تيمور على شيراز أخذه معه إلى سمرقند حيث جرت مناقشات بينه وبين سعد الدين التفتازانى وتختلف الآراء أيهما غلب الآخر. ولما توفى تيمور عاد إلى شيراز حيث توفي سنة 816 هـ (1413 م) وقد رويت قصص عن نجابته وهو طالب. وكتب عليّ في عدة موضوعات- في النحو والمنطق- بالفارسية. وينتمى المترجم له إلى عصر فشت فيه كتابة الشروح على الكتب السابقة. وعليّ المتكلم قد أعلى من مكانة الفلسفة، ونصف شرحه على المواقف للإيجى منصرف إليها. وقد كتب في الفقه شرحًا على "الفرائد السراجية" للسَجاوَندى، وكتب في النحو شروحًا على المطول، وهو شرح للتفتازانى على المفتاح للسكِّاكى. وكتب في المنطق شروحًا على شرح الرازي التحتانى

على "الرسالة الشمسية في القواعد المنطقية" للكاتبى. ولم يخش السيد الشريف في تعريفاته أن يتحرّى البساطة. وقد ترجم ابنه نور الدين محمد كتاب أبيه في المنطق- الذي ألفه بالفارسية- إلى اللغة العربية، وكتب في المنطق أيضًا شرحًا على كتاب أبيه في الحديث، كما كتب "رسالة في الرد على الروافض". ولا نعرف عن سيرته إلا تاريخ وفاته وهو سنة 838 هـ (1434 م). المصادر: (1) السخاوى: الضوء اللامع، جـ 5، ص 328. (2) الشوكانى: البدر الطالع، جـ 1، ص 488. (3) محمد باقر: روضات الجنات، ص 497. (4) اللكنوى الهندى: الفوائد البهية، ص 125. (5) خواندمير: حبيب السير، جـ 3/ 3، ص 89، 147. (6) Brockelmann جـ 2، ص 216، قسم 2، ص 305. (7) Browne . جـ 3، ص 355. (8) Storey , جـ 1، ص 36. خورشيد [تريتون A.S.Tritton] الجرجانى، فخر الدين أسعد: شاعر فارسى وصاحب الملحمة المبدعة ويس ورامين (طبعة كلكتة سنة 1865) ولا نعلم من وقائع حياته شيئًا اللهم إلا أنه ألف هذه الملحمة نزولا على رغبة أبي الفتح المظفر، والظاهر أنه عين العميد الذي ذكره ابن الأثير في صفحة 23 من الجزء العاشر، ومن ثم لا شك في أنه عاش حوالي منتصف القرن الحادي عشر. المصادر: (1) عوفى: لباب الألباب، طبعة براون Browne , جـ 3، ص 240. (2) Graf في Zeitschr d. Deutsch Morgenl. Ges، جـ 23، ص 375 وما بعدها. (3) Ethe في Grundr. d. Phil. جـ 2، ص 240. (4) A Literary History of: Browne Perlin, جـ 2، ص 271 وما بعدها.

الجرجرائي

الجرجرائي نسبة إلى ناحية جَرْجرايا في العراق (على نهر دجلة جنوبي بغداد)؛ وقد حمل هذه النسبة عدد من الوزراء في عهد الخلفاء العباسيين والفاطميين. 1 - محمد بن الفضل، الكاتب السابق للفضل بن مروان، وكان وزيرًا للمتوكل في مستهل عهده، بعد ما غضب على ابن الزيات، ولكن سرعان ما استبعد لإهماله، وأعاده المستعين إلى الوزارة في شعبان سنة 249 هـ (سبتمبر- أكتوبر سنة 863 م)، ولم يلبث أن توفي سنة 250 هـ (864 - 865 م) في سن الثمانين (انظر الصفدى: الوافى، جـ 4، ص 4، طبعة , Dedering رقم 1878) 2 - أحمد بن الخطيب، ابن والى مصر (ابن العماد: الشذارات، (1) 265)، وكان كاتبًا ومؤدبًا للأمير المنتصر، ثم أصبح وزيرًا في شوال سنة 247 هـ (= ديسمبر سنة 861 م) عندما بويع سيده بالخلافة، فلما توفى الخليفة ساعد أحمد على ارتقاء المستعين عرش الخلافة، ولكنه جلب على نفسه عداء الضباط الأتراك في سامرًا ونفى إلى كريت في جمادى الأولى سنة 248 هـ (أغسطس 862 م) وتوفي سنة 265 هـ (879 م) 3 - العباس بن الحسن، كاتب الوزير القاسم بن عبيد الله في عهد المكتفى، وبفضل توصية خلفها سيده نجح في أن يحل محله بعد وفاته في ذي القعدة سنة 291 هـ (أكتوبر 904 م)، وعقد وهو وزير حلفًا وثيقًا مع أبي الحسن علي بن الفرات وجعله ذراعه اليمنى واختاره خليفة له، وبناء على نصيحة هذا الوزير المعدوم الضمير عمل في ذي القعدة سنة 295 هـ (سبتمبرسنة 908 م) على المناداة بجعفر خليفة، ولم يكن يجاوز الثالثة عشرة من عمره، واتخذ اسم المقتدر واحتفظ بالعباس وزيرًا له، ويبدو أن ترفع العباس سبب الفتنة التي شبت في ربيع الأول سنة 296 هـ (ديسمبر 908 م)؛ ولم تنجح هذه الفتنة في إحلال ابن المعتز محل المقتدر إلا أنها كلفت الوزير حياته.

الجراح بن عبد الله الحكمي

المصادر: Le Vizirat abbaside: D. Sourdel، جـ 1، دمشق سنة 1959، ص 271 - 275، 293، 289 - 290، 359 - 371. 4 - أبو القاسم علي بن أحمد، كاتب من أصل عراقى، جاء إلى مصر الفاطمية مع أخيه، وشغل مناصب مختلفة في الولايات حيث عوقب على اختلاسه بقطع يديه سنة 404 هـ (1013 - 1014 م) بناء على أمر الحاكم، وبالرغم من هذا أفلح في أن يصبح رئيسًا لديوان النفقات سنة 406 هـ (1015 - 1016 م) ثم ولى منصب، "الواسطة" سنة 412 هـ (1021 - 1022 م) ومنصب الوزير سنة 418 هـ (1027 هـ) واستبقى في منصب الوزارة في عهد الظاهر والمنتصر حتى وفاته في رمضان سنة 436 هـ (مارس سنة 1045 م). المصادر: (1) ابن خلكان، طبعة القاهرة 1984، جـ 3، ص 84 - 5. (2) ابن الصيرفى: الإشارة إلى من نال الوزارة، في Bulletin de l'In.ctitut Francais d'archeologie Orientale du Caire, جـ 25 (سنة 1925)، ص 77 - 79. [سوردل D.Sourdel] الجراح بن عبد الله الحكمي أبو عقبة: قائد من قواد بنى أمية، كان يلقب ببطل الإسلام وفارس أهل الشام؛ ولى البصرة للخليفة الوليد (سنة 86 - 96 هـ = 705 - 715 م تحت إمرة الحجاج، ثم ولى خراسان وسجستان لعمر بن عبد العزيز، حتى عزله عمر بعد سنة وخمسة أشهر (99 - 100 هـ = 718 - 719 م) لغلظته في معاملة من دخلوا حديثًا في الإسلام بخراسان؛ وقد ولى الجراح سنة 104 هـ (722 - 723 م) على أرمينية، وصدر إليه الأمر بمهاجمة الخزر الذين كانوا يهددون في ذلك الوقت الأراضي الواقعة جنوبي القوقاز؛ وتقدم من بَرْذَعة فاحتل الباب وهي من الثغور؛

الجراح، بنو

وهزم بالقرب منها قوة كبيرة من الخزر تحت إمرة بارجيك ابن الخاقان، وواصل تقدمه حول الطرف الشرقي من القوقاز، واستولى على مدينتى بَلَنْجَر ووَبَنْدَر وبلغ أرباض سَمَنْدَر وربما قيزلر (قيزلير) على نهر ترك قبل أن ينسحب؛ واستدعى بعد ذلك بوقت قصير، ولكن أعيد تعيينه سنة 111 هـ (729 - 730 م) وفي السنة التالية ظهر الخزر بقوة في ولايته، فلقيهم الجراح بجيش من الشاميين والمجندين المحليين في سهل أردبيل (مرج أردبيل)؛ ونشبت معركة كبيرة هناك استغرقت بضعة أيام من رمضان سنة 112 هـ (نوفمبر- ديسمبر سنة 730) وانتهت بهزيمة تامة للمسلمين وبموت الجراح؛ واحتل الخزر إلى حين اذربيجان، وأوغل فرسانهم جنوبًا حتى الموصل؛ وكان لموت الجراح رنة حزن وأسى وبخاصة بين جنوده، ويقال إنه كان فارع الطول، حتى إنه عندما كان يسير في المسجد الجامع بدمشق كان يبدو رأسه وكأنه معلق في المصابيح. المصادر: (1) الذهبي، تأريخ الإسلام (القاهرة 1367 - 1369 هـ)؛ جـ 4، ص 237 - 238. (2) الطبري: جـ 2، ص 1352 - 1356. (3) History of the: D. M. Dulnop Jewish Khazars، برنستون سنة 1954، الفهرس. (4) Califatto di His-: F. Gabrieli Itl ham، الإسكندرية سنة 1935، ص 74 وما بعدها. صبحي [دنلوب D.M.Dunlop] الجراح، بنو أسرة من قبيلة طيّ اليمنية استقرت في فلسطين وفي إقليم البلقاء بجبال الشراة، كما استقرت في الصحراء العربية الشمالية حيث كان تلّا أجأ وسلمى- المعروفان أيضًا باسم جبلى بنى طيّ- يؤلفان جزءًا من أراضيهم؛ وكان لهذه الأسرة بعض الأهمية في نهاية القرن الرابع الهجرى

(العاشر الميلادي)، والخامس الهجرى (الحادي عشر الميلادي)، ولكنهم لم يفلحوا أبدًا في إنشاء دولة لهم، كما فعلت قبيلة بنى كلاب في حلب، أو يوفقوا في أن تكون لهم قصبة، باستثناء فترة وجيزة اتخذوا منها الرَمْلَة قصبة لهم، وقد اتبع بنو الجراح سياسة تذبذب بين الفاطميين والروم (البوزنطيين)، فقد كانوا يؤازرون الفاطميين حينًا ويؤازرون الروم حينًا آخر ولا يترددون في أن يتملقوا الطرفين في خسة ودناءة عندما كان يتهددهم خطر، أو أن يخونوا الطرفين، ولا يتخلون عن هذه الأساليب المائعة إلّا لينتهزوا فرصة نهب المدن أو الريف أو القوافل وهي في طريقها إلى الحج؛ وظلوا بعامة تغلب عليهم البداوة، يتسمون بصفات عرب الصحراء وعيوبهم، وكانت أوجه نشاطهم أبعد ما تكون عن النبالة والشرف. وكان أول من ذكره التاريخ من بنى الجراح رجلا اسمه دَغْفَل ابن الجراح وكان حليفًا للقرامطة؛ وقد ترك الجنّابى إبان حملته على مصر سنة 361 هـ (971 - 972 م) ضابطًا من ضباطه مع دغفل في الرملة، وأثناء غزوة القرامطة الثانية لمصر سنة 362 هـ (974 م) كان أحد بنى الجراح-واسمه حسان بن الجراح- في جيش القرامطة، وبفضل ارتداده لقاء رشوة من ما , دفعها إليه المعز هزم جيش القرامطة هزيمة منكرة بعد أن بلغ أبواب القاهرة؛ وربما كان دغفل وحسان هما شخص واحد. وبعد ذلك ببضع سنوات ظهر المُفَرِّج ابن دغفل وظل مشهورًا حتى سنة 404 هـ (1013 - 1014 م)، وقد ورد اسمه في بعض المتون خطأ، فقالت: دغفل ابن المفرج؛ وإبان حملة الخليفة المعز على ألب تكين، وهو تركى كان قد استولى على دمشق وتحالف مع القرامطة، وفي المعركة التي نشبت خارج الرملة في شهر المحرم سنة 977 م) أغسطس- سبتمبر سنة 977 م) هرب ألب تكين ووجده مفرّج يموت عطشًا، وكانت تربطه به صلات ود، وكان الخليفة قد وعد كل من يسلمه ألب تكين بمائة ألف دينار، ولم يعين التاريخ ولاء مفرج في تلك اللحظة وكان قد احتفظ بألب تكين في لُبْنَى

وهنالك ذهب إلى الخليفة وللقى تأكيدًا بأن الوعد بالمكافاة لا يزال قائمًا فخان ألب تكين وأخذه إلى الخليفة، ونحن نجده بعد ذلك بسنتين متورطًا في مغامرة أبي تغلب الحمدانى في فلسطين؛ وكان في دلك اللحظة مسيطرًا على الرملة، وهي حقيقة اعترف بها الفضل، وهو قائد من قواد الجيش المصري، وكان الوزير ابن كِلِّس قد أنفذه إلى الشام في ذلك الوَقت في حملة على قَسّام وهو مغتصب من دمشق، وعلى أبي تغلب، وكان مفرج وقتئذ على علاقة سيئة ببنى عقيل، فاستنجدوا بأبى تغلب ونشبت الحرب بينه وبين مفرج الذي كان يؤازره الفضل، ومنى أبو تغلب بالهزيمة وأسره أحد مؤيدى مفرج، وطلب الفضل من الجراحى أن يسلمه ابا تغلب حتى يمكنه أن يأخذه معه إلى مصر، وخشى مفرج أن يتخذ الخليفة أبا تغلب صنيعة عليه فقتل أسيره بيديه. ولم يدم الاتفاق بين مفرج والفضل طويلا وانقلب الفضل عليه، ولكن مفرج كان من الحذق بحيث أقنع الخليفة العزيز بأن يصدر الأوامر إلى قائده بأن يتركه في سلام، ومن ثم سمح لمفرج بأن يصبح سيد فلسطين مرة أخرى وبأن ينهب الأرض سنة 370 هـ (980 م)، وقد حملت أعمال الابتزاز التي ارتكبها الخليفة على أن يسيِّر عليه حملة في السنة التالية، واضطر إلى الهرب، ومن ثم خرج ليسطو على قافلة من الحجاج كانت عائدة من مكة، والراجح أن ذلك كان في أواخر سنة 371 هـ (يونيه 982 م)، وكان أكثر توفيقًا مع قوة فاطمية ثانية سحقها في أيلة، وعاد إلى الشام ولكنه منى بالهزيمة، ثم سلك طريق الصحراء ولجأ إلى حمص مع بكجور والى سعد الدولة الحمدانى ولعل ذلك كان في نهاية سنة 982 م، ومن هناك ذهب إلى أنطاكية حيث طلب حماية الوالى البوزنطى ومعاونته، ويبدو أنه لم يتلق أكثر من الهدايا والكلمات الحلوة، وليس من المحقق أنه عاد إلى الشام، ذلك أننا نجده بعد سنة 373 هـ (982 م) صحبة برداس فوقاس عندما ذهب لنجدة حلب بعد أن هاجمها الثائر بكجور؛ وحذره من أن الجيش البوزنطى وشيك الوصول فلاذ بكجور بأذيال الفرار.

والظاهر أن المفرج لحق عندئذ ببكجور، ذلك أنه عندما تلقى من الخليفة العزيز ولاية دمشق وتولى منصبه في رجب سنة 372 هـ (ديسمبر 983 م)، حذر الوزير ابن كأس الخليفة من فتنة محتملة قد يقوم بها بكجور، منذرًا بأن مفرج كان معه وأنه عدو؛ وتبع بكجور، عندما غادر بكجور دمشق إلى الرّقة في رجب سنة 378 هـ (أكتوبر 988 م) بعد أن هدده جيش من الفاطميين؛ ونحن نجده في السنة التالية يهاجم قافلة من الحجاج في شمال بلاد العرب؛ وقيل إن ابن كلس كان يعتبره شخصا خطرًا فينه وهو على فراش موته سنة 380 هـ (991 م) نصح سيده بألّا يبقى على حياة ابن الجراح إذا وقع في قبضة يده، وبالرغم من هذا فقد صفح عنه الخليفة، ذلك أنه تلقى في السنة التالية هدية من كسوة وجياد أرسلها إليه الخليفة ودعاه إلى الاشتراك في حملة على حلب كان القائد التركى منكوتكين يعد لها إعدادًا واسع النطاق، ولكننا لا نعلم هل اشترك في حملة سنة 382 هـ (= 992 م) أم في الحملات التالية، ونحن لا نجد ذكرى أخرى له حتى سنة 386 هـ (= 996 م) وهي سنة وصول الحاكم. وفي ذلك الوقت كان يؤيد منكوتكين والى دمشق في محاولته الاستيلاء على السلطة من ابن عمَّار وكتامة واشترك في القتال الذي قاده القائد التركى خارج عسقلان ضد سليمان بن جعفر ابن فلاح؛ على أنه اتبع أساليبه المألوفة في المناورة فلم يتردد في هجر منكوتكين وفي العبور إلى معسكر سليمان، وكان أحد أولاده المسمى عليًّا هو الذي طارد منكوتكين وقبض عليه عندما ركن إلى الفرار. وفي سنة 387 هـ (997 م) حاول الاستيلاء على الرملة وخرب الناحية، وكان جيش ابن صمصامة والى دمشق الجديد قد سحق ثورة علاقّة في صور فهاجم وطارد المفرج الذي لجأ إلى جبال بنى طي، فلما أوشك أن يقبض عليه اشترك في مهزلة صغيرة إذ أرسل عجائز قبيلته ليطلبن الأمان والصفح فمنحهما، ومن ثم نجد المفرج يرسل سنة 396 هـ (1005 - 1006 م) أبناءه الثلاثة عليًّا وحسانا ومحمودا مع عدد كبير من البدو لمساعدة جيش الحاكم

ضد أبي ركْوة المنتقض، ولكنه في السنة التالية أوقف حجاجًا من بغداد شمال شرقي جبلى أجأ وسلمى أي في أرض طيّ، وأكرههم على أداء الجزية، ولما كان هذا التوقف الإجبارى قد أضاع وقتهم فقد أكرهوا على العودة وعلى إلغاء حجهم. وبعد ذلك ببضع سنوات سنحت الفرصة للمفرج لأن يقوم بدور له أهمية سياسية حقيقية، ففي حوالي سنة 402 هـ (1011 - 1012 م) هرب أبو القاسم الحسين بن علي المغربي الوزير الفاطمى ولجأ إلى فلسطين بمعسكر حسَّان بن المفرج الذي أجاره، وكان الخليفة قد ولَّى على دمشق وعلى قيادة الجيش الذي في الشام ياروخ التركى، ولم يكن أبناء المفرج مستعدين لأن يخضعوا لسلطته، مبينين لأبيهم الخطر الذي قد يتعرضون له من هذا الوالى القادر ونصحوه بمهاجمة ياروخ قبل وصوله إلى الرملة، وكذلك حرض الوزير المغربي حسانا على ياروخ، وكان من نتيجة هذا أن بنى الجراح نصبوا له كمينًا على طريق غزة وأسروه واحتلوا الرملة بتحريض من المغربي؛ وخشى حسان أن يذعن أبوه لطلب الخليفة بإطلاق سراح ياروخ فعمل على قطع رأسه، وعاد هذا المغربي نفسه فحرض مفرجا على أن يخطو خطوة أخرى في سبيل الفتنة على الحاكم في مستهل سنة 403 هـ (يوليو 1012 م) عندما نادى في الرملة بغريم للخليفة في شخص شريف مكة العلوى، ولكن الحاكم كان يعرف أنه من الممكن دائمًا تحريض أفراد هذه الأسرة، وكان قد دبر الأمر بالفعل مع حسان، وكان قد عهد إليه بالسهر على أحفاد جوهر، أن يخونهم ويسلمهم إلى أحد ضباط الخليفة، الذي عمل على قتلهم، وكذلك أفلح في تحريض حسان وأبيه على ترك غريم الخليفة الذي عاد إلى مكة خائب الأمل، في حين هرب المغربي إلى العراق. وظل بنو الجراح سادة فلسطين سنتين وخمسة أشهر فحسب، وخلال هذه المدة حاول مفرج أن يفوز بالحظوة لدى المسيحيين في بيت المقدس، وربما كان قصده أن ينال الحظوة أيضًا لدى الإمبراطور بأن أصدر أوامره بتجديد كنيسة القيامة، باذلا في ذلك معاونته،

وكانت هذه الكنيسة قد دمرت في وقت مبكر بناء على تعليمات الحاكم. وفي مستهل سنة 404 هـ (يوليو- أغسطس سنة 1013 م) غير الحاكم أساليبه فقرر أن يعامل بنى الجراح بشدة فأنفذ إليهم جيشًا، واستسلم عليّ ومحمود، وفي ذلك الوقت مات المفرج، وربما مات مسمومًا بأمر من الحاكم؛ أما حسان فقد هرب وأفلح في الحصول على عفو من الخليفة بأن أرسل أمه لترجو ست الملك أخت الخليفة أن تتشفع له، وصفح عنه الخليفة وسمح له بالعودة إلى فلسطين حيث استرد أراضى أبيه، وكف بعدئذ عن إثارة المتاعب إلى أن اختفى الحاكم، بل لقد اشترك في الحملة على حلب التي نظمها علي بن أحمد الضيف، والى أفامية السابق، في نفس الوقت الذي فعل فيه كلبية سنان بن سليمان ذلك - سنة 406 هـ (1015 - 1016 م) على أنه دخل في علاقة أكثر وأوثق مع وريث العرش عبد الرحيم أخي الحاكم ووالى دمشق، الذي أرسل إليه مبعوثًا يطلب منه تعهدًا بأن يؤازره وقت الحاجة" ولكن ست الملك الوصية على العرش عملت على اغتيال عبد الرحيم، وقد تآمر حسان أيضًا مع عليّ الضيف الذي كان تواقًا إلى أن يُبعث إلى فلسطين، وقد قتلته ست الملك هو أيضًا، ونجا حسان بحياته من محاولة لقتله، جرت بناء على أوامرها. وكان مطمح حسان أن يحكم فلسطين، وحتى في عهد الحاكم كان قد عقد اتفاقًا مع سنان الكلبى وصالح بن مرداس الكلابى، تصبح دمشق بمقتضاه من نصيب الكلبى وحلب من نصيب الكلابى وفلسطين من نصيبه هو نفسه؛ وقد جدد هذا العهد سنة 415 هـ (1024 - 1025 م) ورفض الإمبراطور بازيل أن يمنحهم تأييده، على أنهم تغلبوا على أنشتكين الدُزْبَرى القائد الذي أنفذه الظاهر في عسقلان ودخل حسان الرملة، ودحر حسان مرة أخرى أنشتكين بمعاونة صالح بن مرداس وواصل سلبه ونهبه في الشام، ومات سنان فانضم ابن أخيه إلى مؤيدى قضية الخليفة، ولكن صالحا ظل على مؤازرته لحسان، وفي سنة

420 هـ (1029 م) اشتبكوا في قتال مع أنشتكين في الأقحوانة قرب بحيرة طبرية، ولكن أنشتكين فاز فوزا مبينا، ولقى صالح حتفه وهرب حسان إلى الجبال. وكان حسان على صلة بالإمبراطورية البوزنطية، شأنه في ذلك شأن أبيه؛ وفي السنة التالية 1030 م كان الإمبراطور رومانس أركيروس يعد العدة لحملة يسيرها على أبناء صالح ابن مرداس الحلبى فعرض عليه حسان أن تؤازر قبيلته الإمبراطور، وقد استقبل الإمبراطور مبعوثيه في أنطاكية بود عظيم وأعطاهم علما لسيدهم (وفي رواية ابن الأثير أنه كان مزينًا بصليب) ووعد بأن يعيد تنصيب الجرّاحى في بلاده مرة أخرى، وانتهت حملة الإمبراطور إلى كارثة؛ وشرع حسان، بمعاونة ثانية من كلبية رافع بن أبي الليل، في حملة على جيش الفاطميين في منطقة حوران ولكنه رد على أعقابه صوب الصحراء، وهنالك لقى في تدمر مبعوثًا من قبل الإمبراطور، أقنعه بالمجئ والاستقرار قرب الأرض البوزنطية، ونتيجة لهذا تحركت جماعة تزيد على 20.000 نسمة بقطعانهم وخيامهم صوب منطقة أنطاكية، ويكاد يكون من المحقق أن ذلك تم سنة 422 هـ (1031 م)، وقد حُمَل حسان بالهدايا من الإمبراطور، واستقبل ابنه علّاف في البلاط. ونصب بنو طيّ خيامهم في جوار الروج جنوبي شرق أنطاكية؛ وقد هاجمهم أنشتكين الدزبرى مرتين، وأسماء الأماكن التي ذكرت بهذه المناسبة (قسطون، الأرواج؛ إنَب؛ انظر في تحقيق إنب ابن الشحنة: الدر المنتخب، ص 117 و Top. his-: Dusaud torique ص 168 و Guide bleu ص 280) تدل على أنها لم تكن في أرض بوزنطية، وقد أيد حسان البوزنطيين تأييدًا فعالًا، لا بغزوته الناجحة على أفامية فحسب، بل ساعد أيضًا- في رواية المؤرخين البوزنطيين- ثيوكتستوس الدمستق Domesticus of Scholae the في الاستيلاء على حصن منيقة في جبل الرواديف، وكان وقتئذ في يد نصر بن مشرَّف؛ وفي هذه

المناسبة، على حد قول سكيلتزس كدرينوس Scylitzes - Cedrenus أن ابنه علافًا (Allach عند البوزنطيين) قد استقبل في البلاط وجعل شريفًا؛ وقد سمى حسان Pinzaracli (ابن الجراح) أو Apelzarach (كما سماه كيكاو مينوس)، ولكن كدرينوس يخطئ فيخلع عليه لقب أمير طرابلس؛ وفي رواية هؤلاء المؤلفين أنه استقبل مرتين في القسطنطينية؛ ولكن كيكاومينوس يقول إنه لم يكن لديه دائمًا باعث يجعله يرضى عن زياراته. وعلاوة على هذا فنحن نعرف أنه في زمن المفاوضات التي جرت بين الخليفة والإمبراطور بعد استيلاء البوزنطيين على حصن بيكسرائيل في صيف سنة 423 هـ (1032 م) كان حسان حاضرًا بشخصه في المناقشات التي جرت في القسطنطينية؛ وكان أحد الشروط التي وضعها الإمبراطور لإقرار السلام هو أن الخليفة يجب أن يسمح لحسان بالعودة إلى بلاده وأن يستأنف حيازته للأراضى التي كان يملكها في عهد الحاكم، فيما عدا تلك التي امتلكها منذ مجئ الظاهرء في مقابل وعد بالولاء للخليفة، ولكن الخليفة رفض. وعندما اتخذ أنشتكين الدزبرى موقفًا غريبًا وطلب من الإمبراطور أن ينفذ حملة على حلب (وهي التي لم يدخلها إلا سنة 429 هـ (1037 - 1038 م) ووعده بأن يتولى أمرها قيلا من أقيال الإمبراطورية نلاحظ أن علاف ابن حسان كان معه (علان في كمال الدين)؛ وفي سنة هـ (1035 - 1036 م) هاجم ابن وثاب النميرى ونصر الدولة المروانى الر (Edessa) وكانت من أملاك البوزنطيين منذ سنة 422 هـ (1031 م) فهب حسان لنجدتها في خمسمائة فارس من اليونانيين والعرب؛ ونجد ذكرًا آخر له سنة 433 هـ (1041 - 1042 م) وذلك في عهد المستنصر إذ توفى الظاهر سنة 427 هـ (يونية سنة 1036 م)؛ وقيل إنه استرد في تلك الآونة فلسطين بعد طرد الدزبرى من دمشق، ولكن والى دمشق الجديد ظل يشن الحرب عليه. وبعد هذا التاريخ لم نعد نسمع شيئًا عن حسان، ولكنا نصادف بعد ذلك

بزمن طويل اسمى ولدى أخويه حُمَيد بن محمود وحازم بن علي، خلال الاضطرابات التي اضطر بدر الجمالى إلى مواجهتها في دمشق حوالي سنة 458 هـ (1065 - 1066 م) في حاشية ابن أبي الجَن الشريف العلوى الذي حاول الاستيلاء على دمشق، ولا شك أنه ألقى القبض عليهما وحبسا في القاهرة، ذلك أن الأمير ناصر الدولة بن حمدان طلب من الخليفة سنة 459 هـ (1066 - 1067 م) أن يطلق سراحهما من مخزن العَلَم حيث كانا مسجونين. وأخيرًا نجد في سنة 501 هـ (1107 - 1108 م) ذكرًا لرجل اسمه أبو عمران فضل بن ربيعة بن حازم بن الجراح قادمًا من بغداد ليلتحق بخدمة السلطان السلجوقى؛ وقد أدى سلوكه الريب في الشام (فهو تارة في جانب الفرنجة وتارة في جانب المصريين) بالأتابك تغتكين الدمشقي إلى طرده من الشام؛ وفي بغداد عرض أن يقاتل صدقة الزيدى الحلَى وأن يسد عليه طريق الصحراء؛ ثم ذهب إلى الأنبار ولم نعد نسمع عنه شيئًا. ويبدو أن هذا هو كل ما نعرف عن أفراد هذه الأسرة المشاغبة الذين لم تخل سيرتهم من شأن بوصفهم بيادق على لوحة الشطرنج الخاصة بالشام في القرنين الرابع والخامس الهجريين (القرنين العاشر والحادى عشر الميلاديين)، وهم الذين هاجمهم الفاطميون على التعاقب وخطبوا ودهم، وهم الذين أفلح البيزنطيون في استخدامهم، ولكن يبدو أنهم خلقوا لأنفسهم مبدأ يقوم على النفاق والخيانة والنهب، وذلك ابتغاء خير ما يعود عليهم من مصلحة خاصة. المصادر: (1) يحيى بن سعيد الأنطاكى، P.O. جـ 23، ص 411 - 2، 476، 501 - 2، 4 - 520 (طبعة شيخو، ص 207، 215، 226 - 227، 244 - 246، 253 - 256، 261 - 262 (266 ورقة). (2) مسكويه في Eclipse، جـ 2، ص 385، 402 - 403. (3) أبو شجاع Eclipse في جـ 3، ص 185، 226 - 227، 233 - 235، 238 - 239.

(4) ابن القلانسى: ص 3، 19، 22، 24 - 25، 29، 30، 46 - 49، 62 - 64، 72 - 73، 93. (5) سبط ابن الجوزي في ابن القلانسى ص 2، 96 - 97. (6) ابن الأثير، جـ 8، ص 469؛ جـ 9، ص 5، 48، 86 - 87، 145، 233 - 234؛ جـ 10، ص 308 (طبعة القاهرة) سنة 1303 هـ، ، جـ 8، ص 211، 219، 232؛ جـ 9، ص 19، 24، 41 - 42، 71، 78 وما بعدها، 114، 128، 132، 145، 155، 173؛ جـ 10، ص 20، 155. (7) كمال الدين، طبعة الدهان جـ 1، ص 215، 223، 228، 231، 250 - 1. (8) ابن ميسر، ص 48 - 49. (9) الذهبي في ابن القلانسى، ص 64. (10) ابن تغرى بردى، القاهرة، جـ 4، ص 248، 252، 253، 266. (11) ابن خلكان، طبعة بولاق، جـ 1، ص 196 انظر ياقوت: الإرشاد، جـ 10، ص 80 - 81). (12) ابن خلدون Berberes الترجمة، جـ 1 ص 16، 43. (13) Expose de la re-: S. de Sacy ligion des Druzes, جـ 1، ص 287، 350 - 353. (14) Gesch der Fat.-: Wuestenfeld Chahfen ص 122، 140، 141 - 142، 150، 167، 193 - 194، 221، 223، 224 - 225، 229. (15) الكاتب نفسه Die Chronien der Mekka, جـ 4، ص 218. (16) Gesch. der: Tiesenhausen c، Oqailiden-Dynastie ص 26. (17) Basil Bul-: V.R. Rosen garoctonos (بالروسية) ص 149، 150، 157، 159، 160، 162، 321، 252، 355 - 357، 369، 376، 377، 379، 382 - 383. (18) Epopee byz-: G. Sschlumberger antine , جـ 3، ص 90 - 92، 128، 130، 196. (19) Ostgrenze: Honigmann, ص 109 - 110، 114 - 115، 137 - 138.

جرش

(20) Scylitzes - Cedrenus طبعة بون، جـ 2، ص 495 - 496، 502. (21) Strategikon: Kekaumenos , ترجمة H.G. Beck . ص 221 - 222. (22) محمد عبد الله عنان: الحاكم بأمر الله، ص 101 - 102. (32) G. Wiet: في Hist. de la nation egyptienne جـ 4: L Egypte Arabe ص 183 - 185، 192 - 193، 194، 198، 210 - 211، 216 - 217، 221 - 223، 224. (24) Hist. de la dy-: Canard nastie des H'amdanides جـ 1، ص 570 - 571، 686 - 687، 850. صبحي [كانار M.Canrad] جرش وهي كِرَسة Gerasa القديمة: وجرش على سفح جبال عجلون في جنوبها الشرقي، وفي واد صغير تصب مياهه في وادي الزرقاء، ووادي الدير أو وادي جرش، وكان هذا الوادي يعرف عند اليونان باسم خريسرواس - Ch sorroas . وقد ذكرت المدينة أول ما ذكرت في العهد المكّابى، والظاهر أنها كانت من مدن العصر اليونانى المتأخر نشأت بعد عهد الإسكندر الأكبر. وقد ضمها الإسكندرينَاوُس Alexander Yannaeus إلى مملكة بنى إسرائيل ثم استعادت حريتها، ولعل الفضل في ذلك يعود إلى جهود بومبي ثم عدت جزءًا من دكابويس Dekapolis . وأتبعت لولاية الشام الرومانية منذ عهد ترايان Trajan, ولكنها أدخلت في ولاية العرب حوالي عام 160 م وظلت كذلك إلى أن ضمت نهائيًا إلى ولاية فلسطين الثانية - Pa lestina Secunda . وفي هذا العهد الأخير أصبح لكرسة شأن خطير؛ وتردّ الخرائب الرائعة إلى هذا التاريخ، وهي الخرائب التي تثير إعجاب الرحالة، إلا أنها للأسف نهب لهمجية سكانها الحاليين. وكانت في العهد النصرانى مقر أسقف كما نتبين إلى الآن من أطلال كنائسها التي حوّل بعضها إلى معابد. وثمت بينة أخرى على موقع المدينة المنيف، هي أن مدينة جلياد Gi-

lead القديمة سميت باسم كرسة في عهد جيروم، وما زال هناك أثر لهذا الاستعمال في الكتب التلمودية. وقد فتحت كرسة على يد شرحبيل، شأنها في ذلك شأن معظم مدن ولاية فلسطين الثانية Palestina Secunda التي عرفها العرب باسم الأُرْدُنّ، وذكرها جغرافيو العرب ضمن مدن هذا الإقليم. ويروى اليعقوبى أن أهل جرش من أنصاف الأعراب، وهي في ذلك كالمدن المجاورة لها. ونحن نذكر ذلك للاستعمال الذي أشرنا إليه عندما يسمى المقدسي جبل عجلون بجبل جرش. على أن المدينة لم يعد لها شأن ما، وهذا واضح أيضًا من عدم وجود عمائر عربية بين أنقاضها. وثمت إشارة واحدة إلى وجود قلعة لطغتكين (1103 - 1128 م) أتابك دمشق فيها، إلا أن الملك بلدوين استولى على هذه القلعة وخربها عام 1121 م. ولكنا لا نرى أثرًا ظاهرًا لهذه القلعة الآن. وقد ذكر ياقوت في النصف الأول من القرن الثامن الميلادي وصفًا للقلعة نقله عن واحد ممن شاهدوها، وقال إنها الآن خراب في وسطها نهر يدير عدة أرحية. على أن الجبل الذي يكتنفها، وهو جبل جرش، به ضياع وقرى، وهو يروى أيضًا قصيدة من العهد الأموى ذكر فيها حمى جرش (Delectus: Noeldek Veterum Carminum Arab ص 49، س 3). وظلت هذه المدينة- التي كانت جليلة عظيمة القدر- قفرًا بلقعا حتى عا 1878 م فعمرها الجركس، وأقاموا فيها قرية صغيرة على الضفة الشرقية للوادى لا تشغل إلا بقعة ضئيلة من رقعة المدينة القديمة الشاسعة. وهذه القرية هي الآن قصبة ناحية جرش من أعمال قائمقامية عجلون، والاثنتان يحكمهما متصرف دمشق. المصادر: (1) Geschichte des Jue-: Schuerer dischen Volkes im Zeitalter Jesu Christi, جـ 2، الطبعة الرابعة، ص 177 وما بعدها وفيها ذكر لمصادر أخرى. (2) Loca Sancta: Thomsen ص 51 وما بعدها.

(3) البلاذرى، طبعة ده غويه، ص 116. (4) المقدسي: المكتبة الجغرافية العربية، جـ 3، ص 162. (5) ابن الفقيه: المكتبة الجغرافية العربية، جـ 3 - ص 162. (6) ابن خرداذبه: المكتبة الجغرافية العربية، جـ 6, ص 78. (7) اليعقوبى: المكتبة الجغرافية العر بية، جـ 7، ص 327 وما بعدها. (8) ياقوت: المعجم، طبعة فستنفلد، جـ 2، ص 91. (9) Gesch. der Kreuzzuege: Wilken جـ 2 ص 469 وما بعدها. (10) East of the Jordan: Merrill` ص 281 - 290. (11) Revue Biblique. سنة 1895، ص 274 وما بعدها. (12) Zeitschr. des: Schumacher Deutschen Palaestina Vereins . جـ 18. ص 126 وما بعدها، جـ 25، ص 111 وما بعدها. (13) Bruennow & Domaszewski: Die Provincoa Arabia، جـ 3، ص 233 - 239. (14) Dalman في - Palestina - Jahr buch، سنة 1908, ص 16. (15) وانظر عن صيغة الاسم , teilungen and Nachrichten d. Deutsch Palaestina - Vereins، سنة 1898. ص 57 وما بعدها. (16) وانظر عن النقوش، نفس المصدر، سنة 1900، ص 10 وما بعدها؛ ص 18 وما بعدها؛ سنة 901، ص 33 وما بعدها. (17) Zeitsch. des Deutsch. Pal. Ve- reins . جـ 32، ص وما بعدها؛ جـ 33، ص 12، 165. (18) Zeitschr. der: prinz Rupprecht Muenchener Altertumsuereins سنة 1898. (19) Revue Bibl. . سنة 1899، سنة 1909, ص 448 ما بعدها.

الجركس

الجركس الاسم جركس (في التركية جركاس، وربما اخذ من الاسم الأقدم كركيت، والاسم الوطنى: أدغه) هو الاسم العام الذي يطلق على طائفة من الأقوام تكوّن، هي والأبخاز والآبازه والأوبخ، الفرع الشمالي الغربي من الشعوب الإيبرية القوقازية أو قل الفرع الآباسكو أديغة. وقد عرف أجداد الأقوام الجركسية عند القدماء بالأسماء كركيتاى، وزككوى، وزيكوى وغير ذلك من الأسماء, وكانوا يعيشون على سواحل بحر آزوف والبحر الأسود وفي سهول قوبان إلى الجنوب من هذا النهر وإلى الشمال منه، وربما كانت تمتد منازلهم إلى نهر الدون. وفي القرن العاشر الميلادي استقر الروس في شبه جزيرة تمان (إمارة تموتركان) ودخلوا في صلات مع الجركس، وأطلقت عليهم أخبار الجركس الاسم كسوغ (الاسم الكرجى: كَشك وهو كَسَفى عند الأوسه تين). وقد اخضعت القبيلة الذهبية شمالي غرب القوقاس من القرن الثالث عشر الميلادي حتى القرن الخامس عشر، فلما انهارت هذه القبيلة بدأت القبائل الشرقية للجركس (القباردة الحاليين) للعب دورًا في تاريخ القوقاز. وقد أقام الأمراء القباردة في القرن السادس عشر علاقات ودية مع حكام موسكو (كانت الزوجة الثانية لإيفان الرابع أميرة جركسية). وفي القرن السابع عشر تزعمت القبائل القباردية حلف الشعوب القوقاسية الذي اوقف تقدم القلموق وردهم، ومن هذا العصر تولى الجركس السيادة ولم يفقدوها إلا بعد الغزو الروسى. توزيع القبائل الجركسية: وكانت الأقوام الجركسية- التي بلغ عدد أهلها مليونًا من النفوس قبل الغزو الروسى في منتصف القرن التاسع عشر- تسكن القوقاز الشمالي الغربي (إقليم قوبان) وجزءًا من الساحل الشرقي للبحر الأسود وشبه جزيرة تمان حتى جوار الأبخازى.

وكانت أهم القبائل هي: - الناتُخان (ناتخواج) في شبه جزيرة تمان وبالقرب من مصب نهر قوبان. - الشابسغ، وتنقسم إلى: "شابسغ الكبرى، على الضفة اليسرى لقوبان الأعلى وبمحاذاة نهر أفيس، و"شابسغ الصغرى" على سواحلَ البحر الأسود. وهاتان القبيلتان تتحدثان بلهجة واحدة. وإلى الشرق منهما، في أحواض روافد قوبان وهي بلايا وبشيش ويسكويس، عاشت أكبر قبائل أديغة: الأبزاخ. وكانت هذه القبائل الثلاث، قبل سنة 1864، هي 9/ 10 مجموع السكان الكلى لقبائل أديغة الغربية، وكانت أهم القبائل الغربية الأخرى هم الموخوش على نهر فَرْسو، والتميركوى (المكوى، وجنكوى) بين نهرى لابا وقوبان. أما البزدوخ فكانوا ينزلون عند ملتقى نهرى يشيش ويسكوش بنهر قوبان. وكان الخاتوقاى ينزلون بين بلايا الأسفل ويشيش، ثم نجد أخيرًا أقصى القبائل الغربية اتجاها نحو الشرق، وهي قبيلة البسلنى إلى الجنوب الشرقي من موخوش. وكانت القبائل الشرقية أي القباردة (القبارداى) يعيشون منذ القرن الثامن عشر في حوض نهر ترك الأعلى وفي أحواض بعض روافده. وكانوا ينقسمون جماعتين: قبائل قبارده الكبرى بين نهرى ملَكَه وترك (إلى الغرب من ترك) وقبائل قبارده الصغرى (بين نهر سونجه ونهر ترك، إلى الشرق من نهر ترك). ويجب أن نضيف إلى هذه القبائل قبيلتين أخريين لا يمتان لأصل أدغه، ولكنهم كانوا في واقع الأمر قد استوعبهم الجركس وارتبطوا بهم ارتباطًا لا انفصام له، ونعنى بهاتين القبيلتين: الأوبخ والآبازه. ولما غزا الروس بلاد الجركس هاجر الفريق الأكبر من الجركس الغربيين عام 1864 - 1865 إلى تركية، ولم يبق في روسيا إلا فريق صغير منه. وقد أحصى التعداد السوفيتى الأخير (سنة 1939) 164.000 فحسب من القباردة و 88.000 من الأديغة الغربيين، وقد توزعوا على النحو الآتي:

1 - القبارد: 125.000 في جمهورية القبارد البلقار السوفيتية الاشتراكية المستقلة استقلالا ذاتيًا، وما بين 7.000 و 8.000 في الأقليمين المستقلين استقلالا ذاتيا وهما أديغه وجركس قره جاى أول كاتْز خَبْل؛ وأول بلجيس وخودز). زد على ذلك أن تعداد سنة 1939 قد أدخل في عداد القباردة الألفى أرمنى من أرمن أرموير (أرض كراسنودار) الذين يدينون بالديانة الأرمنية الغريغورية، والمائة والألفين من "جركس موزدوك" الذين ينتمون إلى جمهورية أوستيا الشمالية السوفيتية الأشتراكية المستقلة استقلالا ذاتيًا، وهم قباردة اعتنقوا المسيحية على المذب الأرثوذكسى، كما أدخل فيهم جماعة صغيرة (ما بين 500 و 600 نفس) من يهود ناحية موزدوك الذين يتحدثون بالقباردية. 2 - البسلني: ويبلغ عددهم حوالي 30.000 نفس، منهم 20.000 في إقليم جركس قره جاى المستقل استقلالا ذاتيًا (وقد اصطنعت هذه الجماعة اللغة الأدبية للقباردة وقد استوعبتهم الأمة القباردية) و 10.000 نفس في إقليم أديغة المستقل استقلالا ذاتيًا وبالقرب من أرموير. وقد اصطنع هؤلاء اللغة الأدبية لأديغة. 3 - أديغة السفلى: يبلغ عددهم حوالي 55.000 نسمة، معظمهم في إقليم أديغة المستقل استقلالا ذاتيًا. وتوارت الخلافات القبلية بينهم سريعًا بعد هجرة سنة 1864 - 1865، وتوحدت العناصر المبعثرة من القبائل الباقية في روسيا في ناحية "أمة أديغة". وما تزال القبائل الآتية تحتفظ ببعض خصائصها من حيث اللهجة والعادات: الأبزاخ، وعددهم حوالي 5.000 نفس يعيشون حول "أول" خاكورينوف (ولهجتهم آخذة في الاختفاء)، البجه دوخ، وعددهم حوالي 12.000 نفس يعيشون في 28 "أولًا" إلى الجنوب من نهر قوبان، وفي "أول" قرب أرمويز؛ ونذكر أخيرًا الشابسغ، وعددهم 10.000 نفس تقريبًا ويعيشون على سواحل البحر الأسود (14 أولًا إلى الشمال من توابسه والى الجنوب منها) وفي جزيرة صغيرة في شبه جزيرة تمان.

اللغه: اللغات الجركسية، هي ولسان الأبخاز والأوبخ وآبازه في قول البعض، يتكون منها الفرع الشمالي الغربي للغات الإيبرية القوقازية. وأسرة اللغة الجركسية تنقسم إلى عدة لهجات أصبحت اثنتان منها الآن لغات أدبية: 1 - أديغة الشرقية: (أديغة العليا) أو اللغة القباردية وتضم خصائص متباينة في الحديث تختلف بعضها عن بعض اختلافًا يسيرًا. ولسان قبارده الكبرى هو اساس اللغة القباردية الأدبية التي يتحدث بها أهل جمهورية البلقار القباردة السوفيتية الاشتراكية المستقلة استقلالا ذاتيًا، وأهل جمهورية جركس قره جاى المستقله استقلالا ذاتيًا وتكتب هذه اللغة بالحروف اللاتينية منذ سنة 1925 (بعد تجربة الحروف الأبجدية العربية سنة 1924) وفي سنة 1938 استبدل باللاتينية الحروف الصقلبية القديمة Cyrillic . 2 - أديغة السفلى (كئخ) وتشمل لهجات وثيقة الصلة بعضها ببعض؛ بجه دوخ، شابسغ، كئمير كوى (أو تمير كجى) هي وبقية لغات الأبزاخ والخكوجى. ولهجتا البجه دوخ وكئمير كوى هما أساس لغة أديغة المكتوبة التي يتحدث بها في جمهورية أديغة المستقلة استقلالا ذاتيًا. وترد المحاولات الأولى التي بذلت لجعل لغة أديغة لغة مكتوبة إلى سنة 1855 (كتيب عن لغة أديغة لعمربسنى). وفي سنة 1865 هدف أتاكوجين إلى إقامة أبجدية أديغية تكتب بالحروف الصقلبية القديمة وكذلك كان سعى لويارنسكى سنة 1890. وبذلت محاولات مرة أخرى بين سنتى 1917 و 1920 لإيجاد أبجدية تكتب بها لغة أديغة، فقد أفرغ دوماتوف جهده لاصطناع أبجدية عربية وعدّل سولتوكوف الأبجدية الصقلبية القديمة التي اصطنعها لوياتنسكى. ثم اصبح للغة أديغة آخر الأمر، أي سنة 1925، أبجدية لاتينية، استبدل بها أبجدية صقلبية قديمة سنة 1925. ومنذ سنة 1925 انفصمت وحدة لغة الشعب الجركسى، واتخذت اللغتان المكتوبتان لغة أديغة واللغة القباردية من بعد أسسا مختلفة في تطورهما بالرغم من المحاولة الفاشلة

التي بذلت لإعادة توحيدها سنة 1930 وقت انعقاد مؤتمر اللجنة الخاصة بالأبجدية اللاتينية الجديدة في موسكو. وتقف لهجة البسلنى في مكان وسط بين اللغة القباردية ولغة أديغة السفلى، وتنتمى لهجة البسلنى إلى لهجة أديغة السفلى، ولكنها مليئة بالعناصر القباردية. وقد ظهر الأدب القباردى والأدب الأديغى المكتوبان بعد قيام النظام السوفييتى. وكان للجركس حتى قيام هذا النظام لغة شفوية فحسب، تقوم أساسًا على الأدب الشعبي، وهي تشمل نوعين بصفة خاصة: الأول أساطير "نارتس" (وهي أساطير بطولية) يشتَرك فيها الجركس من بعض الشعوب القوقاسية الأخرى مثل الأوسه تين؛ والثاني: الأغانى البطولية التاريخية التي جمعها شورا بكمورزين زوكموف ونشرها (انظر المصادر). الدين: الجركس سنيون على المذهب الحنفي. وقد نقل الإسلام إليهم في القرن السادس عشر النوغاى وتتر القريم، نقلوه أولًا إلى القباردة، ثم إلى أديغة الغربية في القرن السابع عشر. وكان نفوذ الإسلام إلى الجركس بطيئًا، وهو لم يبلغ أول الأمر إلا النبلاء الإقطاعيين. ولم يفرض الإسلام على الشعب الجركسى إلا في أوائل القرن الثامن عشر بفضل غيرة خانات القريم وباشوات انابه الأتزاك، فحل الإسلام بذلك محل المسيحية أدخلت في تاريخ متقدم يرجع إلى القرن السادس الميلادي على يد بوزنطة، ثم على يد بلاد الكرج ما بين القرنين العاشر والثاني عشر الميلاديين) والديانة الوثنية القديمة التي ما يزال المرء يجد آثارها بين أهل أديغة الغربية. وكان الجركس يعبدون، قبل دخولهم في الإسلام، آلهة زراعية: شبْله إله العاصفة والرعد، وسوزه رشَ حامى البذر؛ ويميش حامى القطعان؛ وخاطكناش، إله الحدائق وغير ذلك من الآلهة، وكانت نحلة إله الرعد ترتبط بعبادة الأشجار والحراج المقدسة، التي كانت تقدم إليها، حتى عهد قريب، الأضاحي ويتقرب إليها بالصلوات. وكان ثمة نحلة خاصة يزدلف بها إلى تلبش إله الحدادين

والأطباء. ولم يكن للجركس معابد أو كهنة، وكانت الأضاحي تترك لعناية رجل مسن ينتخب مدى الحياة. وكانت العدالة تقام وفقًا لعادة أديغة - خابزه، وهي مجموعة واقعية غير مكتوبة من القوانين العرفية تحكم جميع الحياة الجركسية، وقد اتخذتها الشعوب المجاورة للجركس التي يتفاوت خضوعها لسلطان أمراء القباردة والأديغة وهي: الأوسه تين؛ والقره جاى والبلقار والنوغاى. البناء الاجتماعى والعادات: كان الشعب الجركسى يحتفظ، حتى النصف الثاني من القرن التاسع عشر، ببناء اجتماعى عتيق يختلف باختلاف القبائل. فكان للقباردة نظام إقطاعى متطور غاية التطور؛ إذ كان مجتمعهم الذي يتكون من طبقات يرتفع عددها إلى ثلاث عشرة طبقة، يتكون من عدة جماعات مختلفة اختلافًا واضحًا ولا يسهل النفوذ إليها: (1) على قمة الطبقات الاجتماعية: الأمراء (يشى) وكان من بينهم الوالى الذي هو زعيم الشعب القباردي. (2) وتحتهم الأشراف (الورق، الركخ أو الأوزدن)، وهم ينقسمون إلى أربع طبقات وفقا للحقوق والالتزامات التي تربطهم بالأمراء. (3) الفلاحون الأحرار (تفوخوتل) الذين كان يحتفظ بهم في بعض الظروف لخدمة اليشى والورق. (4) رقيق الأرض (أوك أو يشتلى)؛ وأخيرا نجد في آخر السلم الطبقى العبيد (أوناوت). وكان هذا النظام الإقطاعى نفسه، وإن كان أقل صرامة، قائمًا أيضًا بين الأديغة والقبائل الجركسية الأدنى شرقا (بسلنى، بجه دوح، خاطوكاى). على أن قبائل أديغة الغربية ليس لها أمراء (ناتوخاى، شابسغ، أبزاخ). ونجد. عن بينهم طبقة الورق وكانت ضعيفة، على حين أن التفوخوتل كانت أكثرها عددًا وأشدها قوة، وهم يسمون في بعض الأحيان "قبائل أديغة الديموقراطية" تمييزًا لهم من "قبائل القبارد الأرستقراطية". ولا نعلم أسباب هذا التفريق. ويذهب البعض إلى أن القبائل الغربية

تجاوزت المرحلة الإقطاعية في القرن الثامن عشر بعد النضال الطويل الذي أوقف الأبزاخ والشايسغ والناثوخاى تفوختول في وجه أمراء بجه دوخ (معركة بزيوك سنة 1796)، وقد تم ذلك أيضًا بفضل ما فعله حسن باشا سر عسكر انايه الذي ألغى سنة 1826 الامتيازات التي كان يتمتع بها نبلاء هذه القبائل الثلاث. أما بقية القبائل، فكان أمرها على عكس هذه، ذلك أن تطورها في طريق الإقطاع قد أبطأته عدة عوامل، نذكر منها بخاصة النفوذ الاقتصادى للمستعمرات اليونانية ثم الإيطالية ثم التركية. وهذا الرأى الأخير أقرب إلى الحقيقة فيما يظهر، ذلك أن المرء يجد بين القبائل الغربية في أوائل القرن العشرين بقايا قوية من نظام العشائر الأبوى الذي كان قد اختفى بين أديغة الشرقية. فقد كانت العشيرة (تليوخ) مقسمة إلى عدة جماعات من الأسر الأبوية الكبيرة (أخيخ)، وكانت هذه الجماعات بدورها تقيم مجتمعات ريفية (يسوخو) متحدة اتحادًا ذاتيًا ويحكم كلا منها بالاستقلال عن الأخرى مجالس من الشيوخ. وكانت جميع القبائل الجركسية تحتفظ ببعض العادات التي هي من خصائص المرحلتين الأبوية والإقطاعية: (1) ثأر الدم في حالات القتل، وهو حق وواجب مطلق في عنق العشيرة بأسرها. (2) أتاليقات، وتقوم على تنشئة أطفال منذ ولادتهم في أسر الأجانب، الأقيال في كثير من الأحيان (صبيان ما بين 17 - 18 سنة). وقد أوجدت الآتاليقات نوعًا من الإخوة غير الأشقاء لدعم الروابط الإقطاعية وتوحيد القبائل الجركسية. (3) تقاليد متباينة تتعلق بكرم الضيافة الذي يعدونه أمرًا مقدسًا، فالضيف يصبح، بحق الحماية، عضوا حقيقيًّا في عشيرة مضيفه يفديه المضيف بحياته وماله. وتمتد الضيافة حتى تشمل المنفى نفسه (أبرك أو خجرت). ويصبح عضوا في الأسرة ويجب على

رب البيت أن يضمن سلامته، ومن بين العادات الأخرى في مرحلة العشيرة تبرز عادة القسم بالأخوة (كوناك) وبهذا القسم يصبح الشخص عضوا في عشيرة أخرى. (4) عادات خاصة بالزواج. والزواج من خارج العشيرة أو من خارج الأسرة الأبوية الكبيرة مرعى بشدة وخاصة بين القباردة. وعادة الـ "كليم" (شراء الخطيبة) ممارسة بين الجميع ولا يمكن تحاشيها إلا بخطف الخطيبة، وهو أمر شائع في حالة رفض الأبوين، والتظاهر بالخطف عنوة لا يزال شعيرة أساسية شعائر الزواج. جركس في الاتحاد السوفييتى: لم يقم النظام السوفييتى في الأقطار التي يسكنها الجركس إلا في نهاية الحرب الأهلية، فقد قام أول الأمر في ربلع سنة 1920 ببلاد أديغة؛ ثم في بلاد القباردة، وينقسم الجركس من حيث الإدارة إلى ثلاث وحدات إقليمية: - إقليم أديغة المستقل استقلالا ذاتيًا في حوض نهر قوبان وروافده، وهو يتبع إقليم (كراى) كراسنودار الذي أنشئ في 27 يولية سنة 1992 باسم إقليم أديغة جركس المستقل استقلالا ذاتيًا، ثم أصبح في 12 أغسطس سنة 1928 يعرف بإقليم جمهورية أديغة المستقل استقلالا ذاتيًا. وأراضى هذا الإقليم مساحتها 4.400 كيلو متر مربع وعدد سكانها 270.000 نسمة (سنة 1956) يمثل الأديغة فيه أقلية. وقصبته ميكوب مدينة روسية. - إقليم جركس قره جاى المستقل استقلالا ذاتيًا: وهو يشغل الوديان العليا لزلنجوك الأكبر والأصغر التي تتبع إقليم (كراى) ستافروبول الذي يشارك الجركس فيه الأتراك (القره جاى). وهذا الأقليم الذي أنشئ في 12 يناير سنة 1922 قد قسم في 26 أبريل سنة 1926 إلى وحدتين اداريتين: إقليم قره جاى المستقل استقلالا ذاتيًا، والناحية المدنية القومية للجركس اللذين رفعا في 30 مارس سنة 1928, رجة الإقليم المستقل استقلالا ذاتيًا. وفي سنة 1944 نقل القره جاى وألغى إقليمهم المستقل استقلالا ذاتيًا، ولكن حدث بعد اعادة

إسكانهم أن أعيد إنشاء إقليم الجركس القره جاى المستقل استقلالا ذاتيًا في 9 يناير سنة 1957. وبلغت مساحة هذا الإقليم 14.200 كيلو متر مربع، وبلغ عدد سكانه سنة 1956: 214.000 نفس، معظمهم من الروس والأوكرانيين. - جمهورية القبارد البلقار السوفييتية الاشتراكية المستقلة استقلالا ذاتيًا: وتشغل الجزء الجبلى من القوقاز الأوسط، وقد أنشئت هذه الجمهورية في أول سبتمبر سنة 1921 باسم إقليم القبارد المستقل استقلالا ذاتيًا وأضيفت إليه ناحية البلقار المدنية القومية في 16 يناير سنة 1922. وبذلك أصبح إقليم القبارد - بلقار المستقل استقلالا ذاتيًا، ثم غدا هذا الإقليم في 5 ديسمبر سنة 1936 جمهورية مستقلة استقلالا ذاتيًا. فلما نقل البلقار أعيد سنة 1944 تسمية الجمهورية بعد فقدها جزءًا من أرض البلقار فأطلق عليها جمهورية القبارد السوفييتية الاشتراكية المستقلة استقلالا ذاتيًا. وحدث آخر الأمر، أي في 9 فبراير سنة 1957، أن أعيد إسكان البلقار وسمح لهم بالعودة إلى أرضهم فأصبحت الجمهورية تسمى مرة أخرى جمهورية القبارد البلقار السوفييتية الاشتراكية المستقلة استقلالا ذاتيا. وقد شملت أراضيها 12.400 كيلو متر مربع وبلغ عدد سكانها سنة 1956: 359.000 نسمة. وكان القباردة والبلقار وغيرهم من المسلمين يمثلون 60 % من السكان، وكان معظمهم يعيش في المناطق الجبلية. والروس والأوكرانيون هم غالبية سكان قصبة الجمهورية نلعجيق (72.000 نسمة سنة 1956) وهم غالبون في سهل ترك. المصادر: (1) ظهرت مصادر وافية كل الوفاء في المقال الذي كتبه Ramazan Traho بعنوان and the Literature on Circacsin Circassian في. caucasion Review رقم 1، سنة 1955، ميونخ، ص 145 - 162. ويشمل هذا المقال عناوين 250 كتابًا ومادة باللغة الروسية وباللغات الغربية (الفرنسية والإنكليزية،

والألمانية، والتركية والهنغارية والبولندية)، وباللغات الجركسية، وهي تتناول الشعب الجركسى على نحو مباشر أو غير مباشر. ومن ثم فحسبنا هنا أن نذكر عددا قليلا من الكتب الحديثة بالفرنسية: (2) Origines des Cir- A. Namitok cassiens باريس سنة 1939. (3) introduction a la: G. Dumezil Grammaire Comparee des Langues Cau sasiennes du Nord . باريس سنة 1933. (4) Etudes Comparative sur les langues caucassiennes du Nord- Ouest، باريس سنة 1932. بالألمانية: (5) Einfuehrung in das sta-: A. Dirr diem der Kaukasischen Sprachen . ليبسك سنة 1928. (6) Urgeschichte Kau-: F. Hanchar Kasiens، فينا- ليبسك سنة 1937. بالإنكليزية: (7) The Russian: J.B. Baddeley Conquest of the Caucasus. لندن سنة 1908. (8) Structure and system M.S. Allen Trans- .1 , in the Abaza Verbal Complex actions of the Philological Society؛ سنة 1956، ص 127 - 176 مع مصادر لغوية مستفيضة. بالروسية: (9) Adigetskaya Autonomnaya "Oblast، ميكوب سنة 1947. (10) Kabardinskaya ASSR نلعجيق سنة 1046. (11) Istoriya Ad-: Sh. B. Nogmov - igeyskogo Naroda sostaxlennaya po pre damivam Kabardintzev نلعجيق سنة 1947. (12) Etnograficheskiy: K Stal ocherk Cherkesskogo naroda في Kav- kazskiY Sbornik، جـ 21، تفليس سنة 1900. (13) Toharev - Etnografrya: S. A narodov SSSR . موسكو سنة 1958، ص 246 - 258. (14) Gram-: DA. Ashkhamaf imatika Kabardino- Cherkesskogo Yazika نلعجيق سنة 1932.

العصر المملوكي

(15) الكاتب نفسه: Yaziki se- i Dagestan vernogo، جـ 1، موسكو- لينينغراد سنة 1935. (16) N.F. Yakovlev&DA. Ashk- Grammatika Adigeyskogo Li-: ham teraturnogo Yazika، موسكو- لينينغراد سنة 1941. العصر المملوكي سمت المصادر المملوكية الجراكسة: "جركس" أو "جراكسة" (المفر د: جركسى)، وثمة أيضًا روايات مختلفة في رسم الاسم، فيقال: "جَركَس" أو جراكسة" (المفر د: جركسى)، و "شركَس". أو "شراكسة" (المفرد: شركسى)، ويقال في رواية غير شائعة شيوع الروايات السابقة "جهارَكْس". وتعرف بلاد الجركس برواياتَ مختلفة فيقال "بلاد الجركس" أو "الجركس" فحسب، ويقال أحيانًا "جبل الجركس". ويقول القلقشندى أن الجراكسة يعيشون في فقر وأن أغلبهم نصارى (صبح الأعشى، جـ 5، ص 462، س 5). وكان الجراكسة منذ العقود الأخيرة من القرن الثامن الهجرى (الرابع عشر الميلادي) حتى نهاية سلطنة المماليك سنة 922 هـ (1517 م) العنصر السائد في المجتمع العسكرى المملوكى، وكان لهم شأن هام جدًّا في هذه السلطنة من أول نشأتها حتى منتصف القرن السابع الهجرى (الثالث عشر الميلادي)، فقد احتلوا مركزا له أهمية قصوى في كتيبة "البُرّجية" التي أنشأها السلطان قلاوون (678 - 689 هـ = 1279 - 1290 م). أما. مسألة: هل أضعف سلطانهم اضمحلال هذه الكتيبة أم لم يضعفه فموضوع مطروح للمناقشة. وقد كان الأتراك القفجاق، وهم العنصر المسيطر خلال الثلاثين والمائة سنة الأولى أو نحوها من عمر السلطنة، يخشونهم جد الخشية لخلقهم الطموح، وتكبرهم وجنوحهم إلى الشغب والشقاق. والحق إن القفجاق نجحوا في أن يئدوا في المهد انقلابًا خطرا قام به الجراكسة في رمضان- شوال سنة 748 هـ (ديسمبر سنة 1347 - يناير سنة 1348 م) على عهد السلطان حسن وكان هؤلاء

الجراكسة أصحاب الحظوة لدى خليفة حسن المباشر السلطان حاجى (747 - 748 هـ = 1346 - 1347 م) الذي "جلبهم من كل مكان وأراد أن ينشئهم على الأتراك، (النجوم الزاهرة، جـ 5، ص 56، س 14 - 20). والظاهر أن حكم السلطان حاجى كان أقصر من أن يتيع له تنفيذ خطته، ومن ثم أجل وصول الجراكسة إلى السلطة ما بين خمس وثلاثين وخمس وأربعين سنة أخرى. وكان السلطان برقوق، الذي كان جركسيًا وفردًا من أفراد الكتيبة البرجية، هو الذي حقق الانتصار الأخير لجنسه، بدأبه على شراء أعداد متزايدة من المماليك الجراكسة وإيقافه الصارم في الوقت نفسه شراء المماليك من الأجناس الأخرى. ومن ثم فقد لقب بحق بلقب "القائم بدولة الجراكسة" (النجوم الزاهرة، جـ 5، ص 362). صحيح أنه أسف على فعله هذا حوالي نهاية حكمه على إثر محاولة قام بها الجركس لاغتياله (النجوم الزاهرة، جـ 5، ص 585، 598) إلا أن الوقت كان قد فات فلم يستطع تغيير الموقف الذي خلقه هو نفسه. ودفع ابنه وخلفه السلطان فرج (809 - 815 هـ = 1406 - 1412 م) حياته ثمنًا لمحاولته كبح جماح السلطة المتزايدة للجراكسة بلجوئه إلى إعمال المذابح فيهم على نطاق واسع. وقد كتب كاتب متقدم وهو القلقشندى الذي أتم كتابه سنة 815 هـ (1412 م) يقول: "أما في زماننا هذا فإنه منذ قام السلطان الملك الظاهر برقوق من جنس الجركس رغب في المماليك من جنسه وأكثر من المماليك الجراكسة حتى صار منهم أكثر الأمراء والجند وقلت المماليك الترك من الديار المصرية حتى لم يبق منهم إلا القليل من بقاياهم وأولادهم". (صبح الأعشى، جـ 4، ص 458، س 16 - 19). على أن السلطان المؤيد شيخ (815 - 824 هـ = 1412 - 1421 م) الذي وصفه ابن تغرى بردى بأنه يشبه "ملوك السلف" في أن القاعدة عنده لم تكن اختيار الجنود على أساس الجنس بل على أساس الكفاية والشجاعة (المنهل الصافى، جـ 3، الورقة 168 أ، س 21 - ورقة 168 ب، س 4) قد نجح

بعض النجاح في كبح جماح السلطة التي بلغها الجراكسة وذلك بلجوئه إلى تقوية عنصر الأتراك القفجاق في المجتمع العسكرى المملوكى، فلما توفى استرد الجراكسة سيادتهم ودعموها دون أن يقوم في وجههم أي تحد خطير حتى نهاية حكم المماليك. وكان رأى كتاب العصر الجركسى بصفة عامة حسنًا جدًّا في الأتراك القفجاق، على حين نجدهم قد أغلظوا النقد للجراكسة، ونسبوا إليهم اضمحلال السلطنة وبؤسها. وخير مثال على هذا ما ذكره ابن تغرى بردى، فقد قال وهو يشير إلى طشتمر العلائى الذي تولى من قبل منصب "الدوادار" ثم تولى من بعد منصب "أتابك العساكر" وطرده الأمير بركه والأمير برقوق (السلطان من بعد): لقد كان عهد طشتمر زاهرًا وافر الميزات على السلطنة المملوكية بفضل إدارته الحكيمة، وسادت هذه الحالة حتى طرد من منصبه وألقى به في السجن وحل محله برقوق وبركة فأتيا من الأفعال في السلطنة ما قاسى منه السكان حتى اليوم، ثم أصبح برقوق الحاكم الأوحد، وقلب الأمور في الدولة رأسا على عقب، واستمر خلفاؤه في سياسته حتى اليوم. ذلك أنه قدم أبناء جنسه على غيرهم ومنح من ينتسب إليه من مماليكه (الأجلاب) إقطاعات واسعة ومناصب رفيعة وهم بعد قصر. وهذا هو السبب الأكبر في اضمحلال المملكة. فأى شيء أخطر من تقديم القاصر على البالغ؟ ويخالف ذلك سنة من سلف من السلاطين، ذلك أنهم لم يعترفوا بتقدم جنس بعينه. فقد كانوا كما وجدوا شخصا أظهر حكمة وشجاعة قدموه وشملوه بالرعاية. وما من أحد كان ينال منصبا أو رتبة إلا إذا كان يستحقها (المنهل الصافى، جـ 3، ورقة 185 ب، , 14 - 23). وهذه الأقوال- هي وغيرها التي من هذا القبيل- فيها عنصر جوهرى من الواقع، غير أنه يجب ألا نأخذها بظاهر قيمتها. صحيح أن الجراكسة ربما يكونون قد عجلوا باضمحلال المملكة. إلا أن كثيرا من العوامل التي أدت إلى هذا الاضمحلال كانت واضحة كل الوضوح من قبل في العقود الأخيرة من حكم الأتراك القفجاق.

وكانت سيادة الجنس الجركسى في العصر المملوكى المتأخر أقوى وأشمل بكثير من سيادة الأتراك القفجاق في العصر المملوكى الأول. ذلك أن الجراكسة كانوا- على خلاف الأتراك القفجاق- يعادون الأجناس المملوكية الأخرى أشد العداء ويقصونهم فأنزلوهم إلى مرتبة سياسية عديمة الشأن. وما من جنس مملوكى آخر قد تشرب شعور الموحدة الجنسية والتفوق الجنسى مثلهم. وفي عهدهم أصبح الجنس يدل على الجنس الجركسى، وكذلك كان لفظ "القوم" لا يطلق إلا على الجركس. وكان الجراكسة من دون سائر الأجناس المملوكية يزعمون أن نسبهم يرجع إلى أصل عربي، أي قبيلة بنى غسَّان الذين دخلوا بلاد الروم مع جبلة ابن الأيهم وقت تراجع هرقل عن الشام (ابن خلدون: كتاب العبر، جـ 5، ص 472، س 4 - 18؛ ابن اياس، جـ 5، ص 193، س 3). وقد ظلت هذه الأسطورة حية بين المجتمع المملوكى المصري في ظل حكم العثمانيين (انظر المصادر). (1) The Circassian in.-D. Ayalon Kingdom في Journal of the Oriental Society American سنة 1949، ص 135 - 147. (2) الكاتب نفسه Studies of the Struc-: Bulletin of في ture of the Mamluk Army the school of Oriental and African Studies, سنة 1953، ص 203 - 228، 448 - 476، سنة 1954، ص 57 - 90. (3) الكاتب نفسه LESCLAVAGE DU: Mamelouk . القدس سنة 1951. (4) The exalted lineage of T.M. Holt -observations on a sev Ridwan bey: some enteenth-century Mamluk geneal، في المجلة الآنفة الذكر، ص 221 - 230. خورشيد [آيالون D.Ayalon] (3) العصر العثماني حل العثمانيون محل الجنويين على سواحل البحر الأسود فاحتلوا انابه وقوبه (opa، انظر Heyd، جـ 2، ص 190) سنة 884 هـ (1479 م؛ انظر

"هشت بهشت")، ولكن القبائل الجركسية في الأرض المناوحة للساحل ظلوا يعتمدون على خانات القريم الذين كانوا، كما كانت الحال في حكم القبيلة الذهبية، يبعثون بأبنائهم لينشأوا بين الجراكسة، وكان هذا الفعل منهم هو وزواج أمراء القريم من نبيلات الجراكسة قد ضمنا لهم ود الجراكسة، فراحوا يؤدون للخانات جزية سنوية تشمل العبيد والقوات الاحتياطية، وقد لقب خانات القريم أنفسهم بلقب "طاغ آرا جركس أو جركاج". وكانت بلاد الجركس أيضًا ملجأ لقبائل النوغاى التتر من "دشت" الذين كانوا في كثير من الأحيان يفدون للاختلاط بالجركس، وخاصة في حوض نهر قوبان وفي شبه جزيرة تمان. وقد أقام خانات القريم من بعد قلاعًا مثل "جوبان قلعه" و"نوروز كرمان" و"شاد كرمان" وأسكنوا فيها النوغاى ليدافعوا عن البلاد من غارات القوزاق (القازاق) والقلموق. وكان الجر كس يتعاونون مرات ليست بالقليلة مع القوزاق أيضًا. وقد بذل صاحب كراى خان جهودًا كبرى لأخضاع القبائل الجركسية المنتقضة، فشن خمس حملات على بلاد الجركس، الأولى على قنساووق، بك زانة سنة 946 هـ (1539 م)، والثانية والثالثة على قبرتاى. وعمد إلى القوة فأسكن على نهر أوروب الأعلى القبائل التي كانت قد لجأت إلى حوض باكسان المرتفع، ثم أنفذ من بعد، أي سنة 956 هـ (1549 م) حملته الأخيرة على خاطوقاى (صاحب كراى تاريخي، - Blo Cat. Man. Turc. Suppl .: chet. ص 164). فلما توفى صاحب كراى نهب الجركس، وخاصة جركس زانة وبشدوه، شبه جزيرة تمان، وهددوا أزق وطلبوا الحماية من إيفان الرابع (انظر بلتتن، رقم 46، سنة 1948، ص 364). وفي هذه الأثناء، أصبح القوزاق القائمون على نهر ترك أيضًا يهددون النفوذ العثمانى القريمى في قبرتاى. وقد أدى دعم العلاقات بين التتر والجراكسة إلى انتشار الإسلام بين الجركس، على أنه حدث أن أوليا جلبى (جـ 7، ص 807 - 758) وجد كثيرا من القبائل على الوثنية لم تزل، وأن أولئك الذين أسلموا احتفظوا بعقائدهم وشعائرهم الدينية القديمة، وقد حضّ

محمد كراى الرابع قبائل قبرتاى التي أسلمت على ترك تربية الخنازير. واعترف سلاطين العثمانيين بسيادة القريم على الجركس، ولكن هذا لم يمنع من إرسال الأوامر إلى زعماء الجراكسة ومنحهم ألقابًا باعتبارهم من البكوات التابعين لهؤلاء السلاطين (انظر بلتّن، رقم 46، ص 299. وفي سنة 978 هـ (1570 م) كتب سليم الثاني إلى القيصر بألا يتدخل في شئون رعاياه الجركس (بلتّن، ص 400). وفي سنة 1076 هـ (1665 م) وجد أوليا جلبى (جـ 7، ص 698 - 768) وهو في طريقه من تمان إلى البروس النوغاى في جوبان إيلى ثم وجد قبيلة شقاكه (انظر Voyage J. Klaproth جـ 1، ص 238) على ساحل البحر الأسود، وقبيلتى زانة الكبرى وزانة الصغرى على سفوح جبال هايقو، ثم وجد أبعد من ذلك شرقًا قبائل: خاطوقاى، وآدمى، وتقَقو (؟ ) وبولادقاى، وبوزودوق (بردوخ) وممشوغ (؟ ) ويسلنى، وقبرتاى. وأخبر أيضًا بأن غارات القلموق في هذا العهد أدت بقبائل الجركس في إقليمى قوبان وقبرتاى إلى الانسحاب إلى الأجزاء المنيعة من الجبال، على حين كان القوزاق في الغرب يضغطون ضغطًا شديدًا على الجركس في وادي قوبان الأدنى وفي شبه جزيرة تمان. ووجد الجراكسة منذ أوائل القرن الثامن عشر أن التوسع الروسى يهددهم تهديدًا شديدًا، فأخذوا يتعاونون شيئًا فشيئًا مع العثمانيين، وقد ردوا القوات الروسية على الجانب الآخر من نهر قوبان سنة 1148 هـ (1735 م). على أن العثمانيين نزلوا على معاهدة كوجوك قينارجه سنة 1188 هـ (1774 م) فاعترفوا باستقلال خانية القريم وتوابعها شمالي نهر قوبان التي ضمت سنة 1179 هـ (1782 م) إلى الروسيا. وكان القبرتائية قد أصبحوا تحت إشراف الروس سنة 1188 هـ (1774 م). وأراد العثمانيون أن يقيموا خطًا من التحصينات ضد الروس على نهر قوبان، فازداد اهتمامهم وقتذاك ببلاد

الجركس فأقاموا -أو أعادوا إقامة- قلاع صوغجوق (سجوق) وكلنجيق، ونوغاى، وآنابه سنة 1196 هـ (1782) وحاولوا أن يعيدوا تنظيم الجركس هم ومهاجرى التتر القادمين حديثًا من القريم والنوغاى الوافدين من دبروجه. وقد عمد فرح على باشا (1196 - 1199 هـ = 1782 - 1785 م) الذي كان رجل إدارة ذا قدرة عجيبة، إلى تشجيع جنوده العثمانيين على إقامة روابط أسرية مع الجركس الذين دعموا النفوذ العثمانى وزادوا من انتشار الإسلام بين الجراكسة. ولم تلبث آنايه أن تقدمت من حيث هي المركز التجارى الأكبر في المنطقة. وفي هذه الأثناء وجد الشيخ منصور، وهو سلف الشيخ شامل في منطقة الججن، استجابة من الجركس لدعوته إلى إعلان الجهاد على الروس (انظر عن هذه الفترة الخبر الهام لمحمد هاشم، ديوان كاتب فرح على باشا، مخطوط في طوب قابي، ريوان، رقم 1564؛ وانظر جودت: تا ريخ، جـ 3، ص 168 - 272). وأثناء الحرب بين العثمانيين والروس من سنة 1201 - 1206 هـ. (1787 - 1792 م) أنشئت خانية قوبان وتضم التتر وأميرهم شاهباز كراى، على حين تعاون الجركس مع الجيش العثمانى بقيادة بطّال حسين باشا وأحرزوا بعض الانتصارات: على أن الأمر انتهى بسقوط آنايه القاعدة العثمانية الرئيسية سنة 1205 هـ (1791 م) وقد قررت معاهدة الصلح أن يكون نهر قوبان حدا فاصلا بين الإمبراطوريتين الروسية والعثمانية. وبعد الصلح أهمل. العثمانيون هذه المنطقة، أما الروس فقد أقاموا خطًا من الحصون على طول الحد وأسكنوا جماعات كبيرة من القوزاق هناك. وضموا إليهم في الوقت نفسه بلاد الكرج، وسيطروا على ممر دريال، وأحاطوا ببلاد الجركس. واضطر العثمانيون بحكم معاهدة أدرنة سنة 1245 هـ (1829 م) إلى النزول إلى الروسيا عن حقوقهم في بلاد الجركس. على أن الجركس ناضلوا الغزاة نضالا طويلا شرسًا حتى سنة 1281 هـ (1864 م)، ويقول تقرير عثمانى إن

595.000 جركسى تركوا وطنهم إلى تركية بين سنتى 1272 هـ و 1281 هـ (1856 - 1864 م). وقد أسكن هؤلاء في الأناضول والروملى، وجاء في تعداد سنة 1845 أن بتركية 66.691 من الجركس وهم لايزالون يتحدثون بلغتهم الأصلية. وكان للعبيد الجراكسة في عصر العثمانيين، وخاصة منذ القرن السابع عشر، مكانة هامة في نظام القول العثمانى، . وقد ارتقى كثير منهم إلى مناصب رفيعة في الدولة (انظر تاريخ عطا، في خمسة مجلدات، إستانبول سنة 1291 - 1293 هـ): المصادر: (1) إدريس البدليسى: هشت بهشت (طبعة بابنكر، ص 48). (2) كمال باشازاده: تواريخ آل عثمان، طبعة طبق الأصل، جمعية تورك تاريخ قورومى أنقرة سنة 1954، ص 520. (3) عالى: كنه الأخبار (طبعة بابنكر، ص 129). (4) أوليا جلبى: سياحتنامة، جـ 7؛ إستانبول سنة 1928؛ ص 698 - 767. (5) كاتب جلبى: جهاننما، إستانبول، سنة 1145 هـ, ص 403. (6) محمد هاشم: أحوال آبازا وجراكسة، طوب قايى سراى، ديوان كتابخانه، رقم 1564. (7) رسالة في أحوال قرم وقوبان، عاطف أفندى كتبخانه سى، رقم 1886. (8) أ. جودت: تاريخ، في اثنى عشر مجلدًا، إستانبول سنة 1271 - 1301 هـ (9) الكاتب نفسه: قرم وقفقاس تاريخجه سى، إستانبول سنة 1307 هـ. (10) نوح المتروفى: نور المقابس في تواريخ الجراكس، قازان سنة 1912. (11) British Policy in: L.Widersza the Western Caucasus سنة 1833، 1842، وارسو سنة 1933. (12) Rossiya i Turt-: N.A. Smirnov siya v XVI-XVII uu.، في مجلدين، موسكو سنة 1948.

جرهم

(13) Politika Russ-: EN. Kusheva kogo gosudarstva na severnom Kavkaze v 1552 - 53 gg , في isoricheskiye Zapiski جـ 34 (سنة 1950)، ص 236 - 287. (14) خليل إينالجق: عثمانلى روس رقابتنك منشئ ودون- فولجا قنالى تشبثى في بلتن 46 (سنة 1948)، ص 349 - 402. (15) W.E.D. Allen &P.Muratoff: Caucasian Battlefields كمبردج سنة 1953. (6) ميرزا بالا، مادة جركسلر في إسلام انسيكلوييدياسى. خورشيد [خ. إينالجق Halil Inalcik] جرهم أو جُرْهَم و "كُرَامه" في اسطفان البوزنطى: قبيلة عربية قديمة تقول الروايات إنها كانت تعيش في مكة ثم نزحت منها إلى اليمن. ولا شك أنه قد نزلت بها غاشية في عهد متقدم جدا فبادت، ذلك أن شاعرًا معاصرا للنبي صلى الله عليه وسلم (ابن هشام، ص 468 ص 3؛ وانظر أيضًا الكامل، طبعة Wright، ص 445، س 2) أنذر قريشًا يمثل ما حل بجرهم وعاد. ولذلك جعلهم النسابة المتأخرون هم والعماليق وعاد وثمود وغيرهم من العرب العاربة الذين يرجع نسبهم إلى عابر، وقد بادت هذه الأقوام جميعًا اللهم إلا القحطانية، ومع ذلك فإن بعض الروايات تعد هؤلاء من بنى إسماعيل. على أن بنى جرهم لم يبيدوا تمامًا، والدليل على ذلك أن حسان بن ثابت يذكر بقية منهم (الديوان، طبعة القاهرة، ص 131، ابن هشام، ص 251) بل إن أسرًا منهم كانت تعيش على ساحل مكة حتى القرن الثامن للهجرة، أما الرواية التي تزعم أن بنى لحيان (الطبري، طبعة ده غويه، جـ 1 ص 479) من نسل جرهم فهي من اختراع النسابة. وجاء في الرواية العربية أن جرهم الذين أصهر إليهم إسماعيل كانوا يحكمون مكة، ويقومون على الكعبة ثم طردهم الخزاعيون لخبث طويتهم. ولا شك أن الأساطير التي اقترنت بهذا الحادث لا وزن لها البتة، ومع ذلك فلا بد أن يكون له سند من التاريخ، ذلك

أن الشاعر زهيرًا (المعلقة ص 16.5) يقسم بالبيت الذي بناه رجال من قريش وجرهم وعمّروه، وكذلك أقسم شاعر آخر هو الأعشى بالمعبد الذي بناه قصى وبنو جرهم. ويشهد ذلك بأن بنى جرهم اشتركوا في بناء الكعبة، ولكن اشتراكهم هذا كان على نحو لا يتفق تمامًا وما ذهب إليه المتأخرون من أنه كان يتولى الأمر في مكة أمراء تعاقبوا على حكمها حتى انتهى أمرها إلى القرشيين. المصادر: (1) ابن هشام، طبعة فستنفلد، جـ 4، ص 71 - 74. (2) الطبري: التاريخ، طبعة ده غويه، جـ 1، ص 219، 283، 749، 768، 904، 1088، 1096، 1121 - 1124. (3) الأزرقي (Chroniken) طبعة فستنفلد، جـ 1، ص 44 - 56. (4) ابن قتيبة: كتاب المعارف، طبعة فستنفلد، ص 313. (5) الأغاني، جـ 13، ص 110. (6) المسعودى: مروج الذهب، طبعة باوبييه ده مينار وكورقاى، جـ 3، ص 95 - 104. (7) المسعودى: التنبيه والإشراف في المكتبة الجغرافية العربية، طبعة ده غويه، جـ 8، ص 82، 185، 202. (8) ابن الفقيه: المكتبة الجغرافية العربية، جـ 5، ص 27. (9) ابن رسته: المكتبة الجغرافية العربية، ص 29، 60. (10) البكرى: Geogr . Woerterbuch, طبعة فستنفلد، ص 489. (11) الكامل، طبعة رايت، ص 265. (12) ابن عبد ربه: العقد الفريد، جـ 2، ص 60. (13) Essai sur , Caussin de Perceval 1' Histoire des Arabes جـ 1، ص 33 وما بعدها , 168، 177، 194 - 201، 218. (14) Noeldeke في Zeitschr. d- Deutsch. Morgent Gesells جـ 14، ص 717. (15) Funef Mdallaqut: Noeldeke جـ 3، ص 26 وما بعدها. [بول Fr.Buhl]

جريدة

جريدة أشيع الألفاظ الدالة على الصحيفة في اللغة العربية، وهي تعادل غازته في اللغة التركية وروزنامه في الفارسية. ولعل هذا المقام يهيئ لنا فرصة مواتية لجمع شيء من أهم المواد في تاريخ الصحافة عند الأمم الإسلامية، وإن كان الإلمام بهذا الموضوع إلماما كاملًا إلى حد ما يخرج بنا كثيرًا عن نطاق مقال يكتب في دائرة معارف. ذلك أن أقسامًا شتى من أقسامه لم ئتناول بعد بالبحث التمهيدى اللازم، ومن ثم فإن كلامنا عن الصحافة الذي سنورده فيما يلي هو بالضرورة غير واف بالمرام. والصحافة العربية أهم الصحافات الإسلامية جميعًا، بالنسبة لعظم شأنها وإتساع الرقعة التي تقوم فيها، ونحن ننقل هنا المجمل الذي كتبه عنها هارتمان (Martin Hartmann في Speci- man d'une Encyclopedie Musulmane، ص، 11 وما بعدها) مع تعديله بعض التعديل. وهو مسئول أيضًا عن القسم المكتوب عن الصحافة في الصين (القسم السادس). أما البحوث الخاصة بالبلاد الأخرى فقد أعدها ناشرو الدائرة مستعينين في ذلك بمواد شتى. 1 - الصحافه العربية في اليوم الثاني عشر من جمادى الأولى عام 1224 هـ الموافق العشرين من نوفمير سنة 1828 م صدر في القاهرة العدد الأول من الصحيفة التركية العربية "الوقائع المصرية"، وهي الجريدة الرسمية للحكومة المصرية، أسسها محمد على، وكانت تصدر مرتين أو ثلاثًا في الأسبوع. وقد تكلم رينو Reinaud في عدد سبتمبر سنة 1831 من المجلة الآسيوية (8.2، ص 238 - 249) عن هذه "المؤسسة التي لم يكن لها حتى ذلك الوقت نظير في الأقطار الإسلامية". ولا يدخل في ذلك الدوريات والصحيفة الفرنسية التي ظهرت في مصر إبان الفتح النابوليونى الذي دام ثلاث سنوات (انظر Reinaud . المصدر نفسه، ص 249). هذه هي بداية الصحافة في الشرق الإسلامي، وقد تطورت من ثم تطورًا عظيما مشهودًا، وما زالت الوقائع المصرية تصدر بعد أن صادفت في حياتها إعناتًا وتقلبت عليها الأحداث. ولم تظهر جريدة أخرى إلا بعد تسعة وعشرين

عامًا. ففي أول يناير سنة 1858 ظهرت الجريدة الثانية في بيروت بالفرنسية والتركية وهي "حديقة الاخبار" يحررها خليل الخورى وتشد ازرها الحكومة التركية وكان الخورى دائمًا من أشد المتحمسين لممثلى هذه الدولة في سورية. وكانت هذه الجريدة تصدر في أول أمرها مرتين في الأسبوع، وهي تصدر الآن يوميًا (انظر Reinaud في journ- As، جـ 5، 2 ص 309 - 325؛ Fleischer في Zeitschrd. D. Morgent Ges.، جـ 12، ص 330 - 333). وبعد ذلك بأربع سنوات صدرت في باريس جريدة البَرْجيس، وهي التي ذكرها مول Mohi في Rapport Annuel الصادر في 30 يونية سنة 1863. وأول جريدة عربية كبرى هي في الحقيقة جريدة الجوائب، أما سائر الصحف التي سبقتها فليست- بالقياس إليها- إلا ثمرة كدح صحفيين من الطبقة الثانية. وأسس هذه الجريدة في الآستانة أحمد فارس الشدياق في أواخر يولية سنة 1860. وهو مارونى دخل في الإسلام، وكانت الحكومة التركية تؤازرها مؤازرة كبرى، وقد انتصرت لقضية الإسلام، وأصبحت جريدة تقرأ في العالم بأسره، وتغلغلت في أقصى أطراف المعمورة فكانت ترد إليها المطبوعات والرسائل من هذه الأطراف. وبلغت الغاية في نهاية العقد السابع من القرن التاسع عشر ومستهل العقد الثامن منه. وثمت منتخبات من خير مقالاتها في المجموعة التي نشرها أحمد فارس الشدياق بعنوان "كنز الرغائب في منتخبات الجوائب، (جـ 1 - 7). وكانت الجوائب في بيروت لسان حال السلطات التركية في البلاد السورية، وكان أهم غرض توخته هذه السلطات من مؤازرة هذه الجريدة تعريف الأجانب الكئيرين من عمال الحكومة وغيرهم بآرائها، على أنها لم تكتف بهذه الأداة، بل أقامت جريدة أخرى في دمشق هي "سورية" نسبة إلى الولاية التي ظهرت في قصبتها، وكانت تصدر باللغتين العربية والتركية. ومن هذه الجرائد الحكومية الصحيفة التركية العربية "الفرات" وقد

صدرت في حلب منذ عام 1866. ولتأسيس هذه الجريدة صلة بإعادة تنظيم الإدارة التركية في ذلك الوقت (راجع القانون الخاص بإنشاء الولايات سنة 1867). ولقد تقرر وقتئذ، بل أصبح سُنة، من الوجهة النظرية على الأقل، أن يكون في قصبة كل ولاية مطبعة وأن يقوم كبار عمال الولاية على إصدار كتاب سنوى (سالنامه) يتضمن اهم أنباء المنطقة الإدارية، كما يقومون أيضًا على اصدار جريدة. ولما وافى عام 1869 لم تعد الجريدة الرسمية "حديقة الأخبار"- التي تصدر في بيروت بالفرنسية والعربية- الجريدة الوحيدة في هذه المدينة، ذلك أن جريدة "البشير"- وهي عربية صرفة- صدرت أسبوعية لتعبر عن رأى البعوث الجزويتية، وكانت قد انتقلت انئذ من غزير إلى بيروت. وحوالى منتصف عام 1870 ظهرت صحيفة عربية صرفة أخرى هي "الجنة". وكانت على خلاف البشير، فبينما انصرفت هذه إلى تأييد مصالح الفرنسيين الكاثوليك إذ سعت الأخرى إلى تحبيب الناس في الثقافة العامة، وترغيب النفوس بصفة خاصة في الحياة القومية والأدب القومى؛ وكانت الجنة تصدر مرتين كل أسبوع حتى العدد 1547 الذي ظهر في 7 يوليه سنة 1886 ما مؤسسها بطرس البستانى فكان ندًا للشدياق في القدرة على العمل على الأقل، وإن كان دونه في القلم والمعرفة باللغة. ولما توفى بطرس في أول مايو سنة 1883 قام على الجريدة ابنه سليم البستانى، ولم يكتف البستانى بالجنة بل أصدر جريدة أخرى أصغر منها سماها "الجنينة" عاشت ثلاث سنين فحسب، وجريدة أخرى سماها "الجنان" كانت تصدر كل أسبوعين وانقطعت بعد عام 1889. ولم يرض مسلمو بيروت أن يقفوا مكتوفى الأيدى فيستأثر بالفخر اليسوعيون، و "شباب العرب". وكان هؤلاء محبين للأجانب، وطنيين، وليسوا من الكاثوليك، ومع ذلك فلم يكونوا بصفة عامة من أصحاب الهمم العالية. فأسس أولئك المسلمون عام 1874 مجلة اسبوعية اسمها "ثمرات

الفنون" ثم غيروا اسمها منذ الثورة التركية فجعلوه "الاتحاد العثمانى". وهي صحيفة تسوق الأخبار العادية ناقصة شكلا وموضوعًا، ثم هي إلى جانب ذلك مثال فريد سخيف للعبارات الطنانة الجوفاء التي تدبجها أقلام الشيوخ المتعالمين المنافقين. وحوالى عام 1874 أسست صحيفة اسمها "التقدم" كان شعارها الرقى المستمر وشن حرب شعواء على جميع العناصر الرجعية في البلاد. وقد ساهم فيها زهرة شباب سورية الفتاة معكل أسكندر إلعازار، وأديب إسحاق وهو من أصحاب المواهب والمثل، توفى عام 1885 (انظر ما كتبه عنه جورجى زيدان: مشاهير الشرق جـ 2 ص 75 وما بعدها، خير الله في. Revue du Monde Mus، جـ 19). وفي عام 1877 أصدر خليل سركيس، صهر بطرس البستانى السالف الذكر، العدد الأول من صحيفة "لسان الحال". وكانت شبيهة في أغراضها بصحيفة "الجنة" وتنافسها بعض المنافسة، ومع ذلك فقد كانت سورية تتسع للاثنتين. على أن كلتيهما لم تتدخلا في السياسة، فكانتا تتحريان بقدر الإمكان رواية الأخبار مجردة من أي لون مع الالتزام الدقيق لآراء الحكومة. أما في مسائل الدين فكانتا تراعيان الحياد مراعاة تامة. وفي عام 1880 ظهر حزب جديد؛ فقد أسس الموارنة جريدة "المصباح" لرد عدوان الخورية. ودافعت "كوكب الصبح المنير" و "النشرة الأسبوعية" عن مصالح البروتستانت. وأنشأ الروم الأرثوذكس صحيفه "الهدية" لسانًا لحالهم. ومن الأعمال الجديرة بالتنويه تأسيس الجريدة السياسية "بيروت" عام 1886, كانت تصدر مرتين في الأسبوع، وتوصف بأنها "مستقلة الرأى وإن كانت تناصر الحكومة والإسلام" وكان أولو الأمر يؤيدونها ويعدونها ترياقًا شافيًا من كتابات المسلمين المتزمتين أصحاب جريدة "ثمرات الفنون"، وكانت هذه الجريدة في أغلب الأحوال شوكة في جانب الحكومة. ولما غدت بيروت ما بين غرة مارس سنة 1888 والثالث عشر منه قصبة ولاية مستقلة أسست جريدة أخرى تحمل الاسم نفسه، وكانت لسان حال حكومة الولايات إلا أنها

تميزت من جريدة بيروت الأولى بإضافة صفة "الرسمية" إليها. ولمدينة بيروت صحف وجرائد أخرى نذكر منها أيضًا الجرائد السياسية الآتية نقلا عن البيان الذي نشرته مجلة الهلال سنة 1892 (انظر المصادر): (1) الزهرة. (2) الفوائد. (3) المشكاة. (4) النجاح. (5) النحلة. (6) النفير. (7) الأحوال. وكان يصدر في بيروت عقب الثورة التركية 26 صحيفة ومجلة دورية. وفيما يلي إحصاؤها عام 1912: 8 صحف يومية، و 17 أسبوعية و 12 مجلة (انظر. Revue du Monde Mus. جـ 19، ص 76 وما بعدها). وإلى جانب صحف بيروت والجريد تين الرسميتين "سورية" و"الفرات" (انظر ما تقدم) صحف سورية سياسية نذكر منها ما يلي: (1) لبنان سنة 1891. (2) الروضة سنة 1894. (3) الأرز (في جونية سنة 1895) وتصدر هذه الصحف الثلاث أسبوعية في لبنان، وثمت غيرها، وتبلغ جميعها الآن (سنة 1912) خمسة عشر صحيفة في رواية. Revue du Monde Mus. (الموضع نفسه). (4) الشام، وهي صحيفة أسبوعية تصدر في دمشق. (5) طرابلس الشام سنة 1893، وهي صحيفة أسبوعية تصدر في طرابلس. (6) الشهباء، وهي أيضًا صحيفة أسبوعية تصدر في حلب منذ عام 1877. ولقد كتب على الصحافة اليومية في سورية أن تكافح في سبيل بقائها. ذلك أن سكان هذه البلاد كان قد طال عهدهم بضيق العيش، ولم يكن من المستطاع أن يحمل حتى متيسرو الحال منهم على بذل العون الكفيل بنهوض هذه الصحافة، وكانت الحكومة تبادر باتخاذ أشد التدابير صرامة، لإخماد أقل بادرة من بوادر التعبير عن حرية الرأى. فنزح معظم الصحفيين السوريين إلى مصر. وأسس سليم تقلا اللبنانى (انظر زيدان: كتابه

المذكور، جـ 2، ص 99) سنة 1876 الأهرام، أول صحيفة يومية عربية في الإسكندرية، وكانت تدافع عن مصالح الفرنسيين في مصر دفاعًا قويًّا لا يفتر ثم أسس سورى آخر بعد ذلك مباشرة صحيفة أسبوعية في القاهرة سماها "المحروسة" وسرعان ما انتقلت إلى القاهرة مجلة المقتطف، وكان إصدارها عملا جريئًا تولاه في بيروت عام 1877 ثلاثة من طلبة الكلية الأمريكية، ثم أسس محرروها هؤلاء صحيفة المقطم اليومية في مدينة القاهرة، وهي تدافع عن المصالح الإنكليزية. وكانت تحكم مصر حكومة أكئر إدراكًا للأمور، فلم تفرض على الصحافة إلا قيودًا قليلة، كما كانت تسود هذه البلاد حرية لم تقيد تقييدًا شديدًا إلا حوالي عام 1890. فغدت مصر في ذلك الوقت مسرحًا للكثير من شباب السوريين أصحاب المواهب الأدبية الذين لم تهيئ لهم بلادهم سبيلا من سبل العيش وإن هان. ولا نستطيع في هذا المقام أن ندخل في تفصيلات هجرة الصحافة إلى مصر، وليرجع القارئ إلى (: M. Hartmann The Arabic Press of gypt . لندن سنة 1899) وإلى ما ذكرنا , آنفًا. أما سائر أهل البلاد فقد أبطأوا كثيرًا في الاستجابة إلى الحافز الذي حفزهم إليه السوريون أصحاب الهمة العالية. صحيح أن القبط أسسوا جريدة "الوطن" عام 1878 م لسانًا لحالهم، إلا أنها صحيفة ضئيلة الشأن، وليس بين رصيفاتها التي صدرت منذ ذلك التاريخ ما يستحق الذكر. أما الإسلام فقد ظل مترفعًا عن الصحافة، واستمر على هذه الحال إلى أن أصدر الشيخ على يوسف عام 1890 صحيفة المؤيد اليومية، وكان لها وزنها من حيث الأسلوب، وقد أبدى الشيخ براعة في تحريرها، وكان رجلا قديرًا. وظهر إلى جانب هذه الصحيفة ورقات قليلة يشيع فيها التعصب. وكانت صحيفة اللواء التي أنشأها مصطفى كامل، وسميت من بعد "القلم" قومية تعارض المؤيد، وكانت هذه تدعو إلى الجامعة الإسلامية. وثمت صحيفة ثالثة لها شأنها ظهرت في القاهرة، وهي "الجريدة" وقد اختطت لنفسها طريقًا وسطًا، أي أنها كانت تدرك الأمر

الواقع وهو احتلال الإنكليز لمصر. وفي الأرقام التالية بينة على تقدم الصحافة: فقد ذكر الأنصاري عام 1892 (انظر المصادر) 40 صحيفة. وذكر هارتمان Hartmann (كتابه المذكور) عام 1899: 167 صحيفة، ويدخل في ذلك الجرائد التي انقطعت عن الصدور. وكان في سنة 1909: 144 صحيفة ومجلة دورية مختلفة، 90 منها في القاهرة و 45 في الإسكندرية (Revue du Monde Musul جـ 2، ص 308). أما فيما يختص بولايات الدولة التركية الأخرى سواء أكان أهلها كلهم أم بعضهم من العرب، فإني سأكتفى هنا بذكر أقدم جرائدها الرسمية (Huart Journal Asiatique: . جـ 6 ص 5، 172): (1) البصرة وهي تصدر في ولاية البصرة. (2) الزَوْراء وهي تصدر في ولاية بغداد. (3) صنعاء، وهي تصدر في ولاية اليمن، وقد ظهرت في مكة صحيفة "الحجاز" منذ عام 1908 (انظر ما سنذكره في القسم الخاص بالصحافة في تركية). والمغرب صدر فيها منذ عام 1862 صحيفة "الرائد التونسى" في تونس. وفي عام 1887 ظهرت صحيفة "الحاضرة" ثم صحيفة "الزَهْرَة" عام 1889، ثم "البصيرة" منذ عام 1892، على أن عدد الصحف زاد زيادة كبيرة في السنوات الأخيرة. (انظر Revueu du . , Monde Mus جـ 6 ص 342 وما بعدها). وتونس فريدة في بابها بين البلاد الإسلامية، إذ تصدر فيها صحيفتان يهوديتان عربيتان تطبعان بالأحرف العبرية إحداهما البستان والأخرى المُحَيِّر. وتحرر كلتاهما بلغة هي خليط من الفصحى والعامية. وللحكومة في طرابلس جريدة رسمية تعرف بـ "طرابلس الغرب". ولم يذكر واشنطن سريز Washington Serruys إلى جانب هذه سوى جريدة "التَرَقى". وتصدر في بلاد الجزائر الجرائد التالية: (1) المبَشَر (في مدينة الجزائر).

(2) تلمسان (في مدينة تلمسان). (3) كوكب إفريقية وهي تصدر منذ عام 1907 م. (4) الجزائر منذ عام 1908. أما في بلاد مراكش فلم تصدر فيها صحف إلا في طنجة منذ عام 1905 (Revue du Monde Mus، جـ 2، ص 8، جـ 4، ص 619). ولمالطة مقام خاص بها. ذلك أنه لم يظهر فيها أي عمل أدبى أو آية دار من دور الطباعة إلا منذ وقعت تحت الاحتلال الإنكليزى. فقد دار في خلد هؤلاء الفرنجة، زمنًا ما أن يقيموا اللغة العربية الفصحى إلى جانب اللهجة الفريدة التي يتحدث بها أهل مالطة، وكان هذا هو الأصل في ظهور الصحيفة السياسية "مالطة" التي ذكرها الهلال عام 1892. على أن هذه المحاولات التي بذلت لإقامة اللغة العربية الفصحى كانت عديمة الجدوى، فقامت لغة مكتوبة تمثل في جوهرها لهجة جزء من أجزاء الجزيرة، وكتبت هذه اللغة بالأحرف الرومانية. وبهذه اللغة بدأت تصدر سنة 1879 جريدة J 1 Habbar Malti ويصدر في البلاد غير العربية نفسها عدد لا يستهان به من الصحف العربية. ويمكن تقسيمها ثلاثة أنواع: (1) صحف تنصر الإسلام. (2) صحف تدافع عن الحكم التركى. (3) صحف لها أغراض أخرى. أما جريدة الجوائب المشهورة التي تصدر في الآستانة، فقد صرفت كل همها إلى الدعوة للإسلام وللحكومة التركية، وفي رواية الهلال أنه كان يصدر بالآستانة أيضًا الصحف الآتية: (1) الاعتدال. (2) الحوادث. (2) السلام. (4) الحقائق. (5) المنَبَه، وكلها سياسية. أما العلمية فهي: (1) الإنسان. (2) الكوكب، ثم صحيفة قانونية هي "الحقوق" وكانت تصدر بالعربية والتركية. وثمت ولاية أخرى من ولايات الدولة العثمانية كانت تقوم فيها صحيفة سياسية عربية وهي: قبرص. فكانت تصدر فيها صحيفة "ديك الشرق" (انظر ما جاء في

الهلال عام 1892) وذكر الهلال، ونقل عنه واشنطن سريز (Ser- Washington ruys، جـ 2) صحيفة سياسية فحسب في الهند هي "نخبة الأخبار"، ولم يورد عنها آية تفصيلات أخرى (انظر القسم الخاص بالصحافة في الهند). وينبغى لنا أن ننوه بالجهد الذي بذل لإنشاء لسان حال ليهود الهند والجزيرة، وتمخض عن صدور مجلد في كلكتة بلغة عربية حوشية كتبت بالحروف العبرية عنوانه: "مجلة بيره اليهودية" وكان يعينها بيت روتشيلد في الشرق الأقصى، وساسون وشركاهم، وكانت بلا شك تخدم أغراضهم التجارية، وقد انتشرت هذه الصحيفة بين كافة يهود أسية الذين يتكلمون باللغة العربية. ولم يذكر هلال سنة 1892 من الصحف العربية التي تصدر في الغرب سوى ما يأتي: (1) المسْتَقِل في إيطاليا. أما الجرائد من 2 إلى 10 فقد صدرت في فرنسا وهي: (2) الأنباء. (3) أبوالهول. (4) الاتحاد. (5) البصير. (6) الصدى. (7) الحقوق. (1) البَرْجيس. (9) الشهرة. (10) العروة الوثقى. وقد صدرت الجرائد من 11 إلى 13 في لندن وهي: (11) الاتحاد العربي. (12) الخلافة. (13) مرآة الأحوال، ويحررها رزق الله حسّون، ويرجع في شأنه إلى كتابى "موشح" ص 78، 232. (14) الكشكول، وتصدر في تفليس، وقد جاء فيها أنها تظهر بالتترية والفارسية والعربية. (15) ضياء الخافقين، لندن. وقد جاء فيها أنها "تظهر بالعربية والإنكليزية". (16) كوكب أمريكا، نيويورك. ويزيد واشنطن سريز: (17) المرصاد، مرسيليا. (18) البرازيل. (19) الرقيب، وتصدر كلتاهما في البرازيل. ويمكن أن يضاف إلى هذه القوائم الصحف التي ذكرها هارتمان Hartmann عمود 227 وهي الأصمعى، بسان باولو في البرازيل، والهادي في

فيلادلفيا، والأيام في نيويورك، كما ذكر أيضًا في Or. Litztg، سنة 1899، ص 58 وما بعدها خمس عشرة صحيفة جديدة (انظر أيضًا - Revue du Monde Mu sulman، جـ 19، ص 85 وما بعدها). وقد زودنا واشنطن سريز بفكرة عامة بينة عن لغة الصحافة العربية في مختلف أطوار تقدمها. كانت في أول أمرها سقيمة متكلفة لا تتقيد في الغالب بقواعد النحو، ثم حاول الكتاب جاهدين أن يصححوا لغتهم وأن يسلسوا قيادها. وكان اتصال الصحفيين المستمر بالصحف الأوربية قد باعد بين كثير منهم وبين العربية الفصحى، فكان القارئ للغتهم يتبين فيها لأول وهلهَ عدة مصطلحات مستقاة من التعابير الأوربية، وقد سعى المثقفون ثقافة عالية مثل أديب إسحاق أن يحاربوا من أول الأمر هذه النزعات. أما في الوقت الحاضر فإن كتّاب الصحف الهامة يحاولون أن يكتبوا بلغة عربية سليمة. ولا يستعمل اللغة العامية إلا الصحف الفكاهية. وقد تقدمت الصحافة العربية تقدمًا كبيرا من حيث المادة. ذلك أنها ظلت أمدًا طويلا تقتصر على أخبار الغرب التي فات أوانها ثم تضيف إليها إلمامة وجيزة بالحوادث في تركية مع مدح الحكومة ثم تورد الأخبار المحلية. والجوائب وحدها هي التي شذت عن ذلك وامتازت على سواها من الصحف. وقد اتسع الآن أفق الصحف اليومية: الأهرام والمؤيد والمقطم واللواء وكثير غيرها، وهي تروض الناس على الاهتمام بالسياسة ومسائل الفكر. أما الجرائد التي تقل عن هذه أهمية فلا تزال دونها هدفًا وغاية تسودها المهاترات الحزبية والمطاعن الشخصية الجارحة، وقد ندد الرجل النابه إبراهيم اليازجى بهذه النقائص تنديدًا شديدًا في أول عدد من صحيفة "الضياء"، ولكنه جاوز القصد عندما طالب بسن قانون للصحافة. ويجب أن نعنى أيضًا عناية خاصة بالمجلات. فقد قام منها عدد كبير سعى إلى نشر المعارف النافعة علمية كانت أو سياسية أو عقلية، ونذكر هنا من المجلات القديمة: أ- المجلات التي انقطعت عن الصدور:

(1) الصفا وكان يحررها رجل درزى. (2) الطبيب. (3) المهماز. ب- المجلات التي توالى الصدور: الكنيسة الكاثوليكية. وقد زاد شرودر Schroeder على هذه ثلاثا أخرى هي سلسلة الفكاهات في أطايب الروايات. وديوان الفكاهات، ومرآة الشرق، وقد انقطعت الآن كلها عن الصدور، وظلت مجلة الهلال لصاحبها جرجى زيدان دائبة العمل في هذه الاتجاهات منذ عام 1892, فلم تنِ لها همة أو تفتر لها عزيمة، وكانت البعوث الجزويتية في بيروت تصدر مجلة المشرق كل أسبوعين منذ أوائل عام 1898. أما مجلة المنار التي يحررها في القاهرة رشيد رضا منذ عام 1897. فهي أوسع المجلات أنتشارا في العالم الإسلامى بأسره. ويليها في ذلك مجلة المقْتَبَس التي ظل يحررها محمد كرد على في دمشق منذ سنة 1908 (انظر du Monde Mus. Revue . جـ 2، ص 417 وما بعدها). ولنذكر أيضًا مجلة "العالم الإسلامي"، وهي تطبع في القاهرة منذ عام 1905 (Revue du Monde Mus. جـ 4، ص 192) و"لغة العرب" ويحررها في بغداد الأب انستاس مارى، و"العلم" ويحررها الشهرستانى. ولا ينبغي أن نغفل الجريدة النسائية "الأنيس الجليس" التي كانت تصدر في الاسكندرية، وتديرها ألكسندره أفيرينو. وقد سبقها في البلاد المصرية صحيفتان نسائيتان كان نصيب محررتيهما في التحرير الاسم دون الفعل. وقد انقطعت هاتان المجلتان عن الصدور. وللنساء في أيامنا شأن كبير في العمل الصحفى (انظر فيما يختص بسورية. Revue du Monde Mus . جـ 19، ص 86 وما بعدها). ويحق لنا أن نتنبأ للصحافة العربية بمستقبل زاهر دون أن تخشى في ذلك الزلل. فإن بين نصارى سورية طائفة كبيرة من الرجال الأكفاء الغيورين الذين لا تفتر لهم في العمل عزيمة. وبين المصريين نهضة، والمسلمون في هذا القطر هم الذين يصرفون همهم إلى الصحافة في حماسة فينجحون. وكان

للأوروبيين في أغلب الأحوال نصيب أيضًا في إصدار الصحف العربية، وما زال لهم أثر في ذلك. 2 - الصحافة التركية [هارتمان M.Hartmann] لا تقتصر الصحف والمجلات التركية على تركية وحدها، ولكنها تصدر أيضًا في البلاد الإسلامية بالروسيا، على أنها تكتب بطبيعة الحال أما باللغة الآزرية التركية، وإما بلغات تيرقازان أو آسية الوسطى. وسنتناول أولًا الصحافة التركية العثمانية ثم الصحافة التركية الروسية. أ- تركيه: بدأت الصحافة التركية بالآستانة في الوقت الذي ظهرت فيه الصحافة العربية، ثم أنها هي أيضًا تقليد واضح لجريدة باريس الرسمية. ففي عام 1831 صدرت في الآستانة جريدة رسمية بالفرنسية اسمها. - Man iteur Ottoman وفي السنة التالية بدأت تظهر منها نسخة باللغة التركية (Revue du Monde Musulm جـ 4، ص 197) عنوانها "تقويم وقائع" ثم توقفت أمدًا وجيزًا واستأنفت الظهور، وظلت على ذلك إلى اليوم، وهي لسان حال الحكومة العثمانية، وفي سنة 1843 صدرت صحيفة أخرى اسمها "جريدة حوادث". ويقول أبسينى Abicini عام 1843 إنه كان إلى جانب هاتين الجريدتين إحدى وثلاثون جريدة أخرى في أنحاء الدولة العثمانية كافة، أحدى عشرة منها تطبع في الأستانة باللغات الفرنسية والإيطالية واليونانية والأرمنية والبلغارية. وما وافى عام 1876، حتى كان عدد الصحف التركية قد زاد إلى 12 صحيفة نذكر منها ما يلي، وبعضها ما زال يصدر: بصيرت، لسان حال الحزب التركى القديم؛ ترجمان أحوال، وقت، استقبال وصداقت، وهذه الصحيفة تؤيد حركة تركية الفتاة؛ وترجمان حقيقت، ويحررها أحمد مدحت صحيفة كمال بك، وتمثل هي وصحيفة تصوير أفكار الحركة التركية الحديثة. ثم صحيفة خيال الفكاهية. وكان إلى جانب هذه الصحف التركية في ذلك الوقت تسع صحف يونانية، وتسع أرمنية، وثلاث بلغارية، واثنتان عبريتان وواحدة

عربية، وهي جريدة الجوائب السابق ذكرها، وسبع فرنسية بما فيها الجريدة الرسمية Journal de Constantinople التي عرفت فيما بعد باسم Turquie la، واثنتان إنكليزيتان بما في ذلك، Leuant Eastern Express j Herald وواحدة ألمانية هي Konstantinopler Handelsbtatt. ثم أنه ينبغي لنا أن نذكر أيضًا الصحف التركية التي تطبع للأرمن واليونان الذين يتكلمون التركية بحروفهم الوطنية. ولكن هؤلاء النازلة الذين فقدوا لغتهم لا شأن لهم، ومن هنا كانت صحافتهم لا قيمة لها. ولما اعتلى عبد الحميد الثاني عرش آل عثمان بدأت الصحافة التركية تمر بأوقات عصيبة، فقد كانت الرقابة صارمة، وعطلت عدة صحف، وبخاصة صحف حزب تركية الفتاة، فاضطرت هذه إلى أن تلتمس لسانًا لحالها خارج تركية، في باريس ولندن وجنيف وغيرها، وكانت صحفها تطبع أحيانًا بالفرنسية أو مع ملحق فرنسى، وقد اشتهرت من بين هذه "مشورت" التي كان يحررها أحمد رضا. (انظر أسماء الصحف الأخرى في: Constantinople aux der-: p .Fesch niers Jours d'Abdul- Hamid ص 333. 349، 393) كانت أروج الصحف في هذا العهد وأحسنها تحريرًا هي صحيفة "إقدام"التي كان يحررها أحمد جودت وصحيفة "صباح"، وما زالت كلتاهما تصدران إلى الآن، والمجلة الأسبوعية المصورة "ثروت فنون" التي كان يحررها أحمد إحسان. وقد تغيرت كل هذه الأحوال فجاءة بقيام الثورة العثمانية. فنهضت الصحافة نهضة هائلة، فكانت الصحف تقوم كقصور الخيال، ثم لا تلبث معظمها أن يختفى ويحل محله غيره. وصادفت مجلة العالم الإسلامي (Revue Monde Musulm du) مشقة عظيمة في إعداد ثبت بهذه الصحف، ولايقل عددها عن 474 صحيفة ومجلة. وتشمل هذه بطبيعة الحال الصحف العربية واليونانية والآرمنية، وقد اختفى عدد كبير من هذه الصحف وظهر بعد ذلك غيره. ب - روسيا الصحافة الإسلامية في روسيا حديثة العهد بالقياس إلى غيرها، ومعظم الفضل في ظهورها راجع إلى

جهود رجلين: إسماعيل بك غصيرانسكى، وأحمد بك أغايف. فقد أسس أولهما الصحيفة التترية "ترجمان" في باغجه سراى عا 1879، وما زالت تصدر إلى الآن، كما ساهم في إنشاء صحف أخرى. وأسس أحمد بك أغايف صحيفة "إرشاد" في باكو باللغة الأزرية التركية. فلما عطل الرقيب الروسى هذه الصحيفة لجأ أحمد إلى الحيلة المألوفة فأخرجها بأسماء أخرى، ولذلك أصبح اسم إرشاد بمرور الزمن "ترقى" ثم "اتفاق"، وبعد ذلك طلب أحمد أرضًا أخرى فآنس في تركية بلادًا أكثر حرية من غيرها. وإنا لنجد في مجلدات مجلة العالم الإسلامي (Mu- Revue du Monde sulm-) حوالي 50 اسما لصحف ومجلات ظهرت في روسيا، كان معظمها قصير العمر لما صادفه من متاعب سياسية ومالية. وعلى الجملة فإن الصحافة في روسيا ليس لها إلا شأن على. ونذكر من حواضرها فيما خلا الحاضرتين اللتين ذكرناهما آنفًا: تفليس، وقازان، وأورنبرغ، وأستراخان، وأوفا، وقره صوبازار، وطشقند، وسانت بطرسبرغ وغيرها. ولم تكن لغة الصحافة مقصورة على التترية التركية، ذلك أن صحفًا أخرى كانت تصدر بالعربية والروسية وتتناول شئون المسلمين. وقد بدأت المجلة الروسية الجديدة Mir Islamn تعنى من عهد قريب بالصحافة الإسلامية في روسيا، ومن قبيل ذلك أنها تناولت (جـ 1، ص 257 وما بعدها) بالتفصيل صحف وقت، وشورى، ودين، ومعيشت التي تصدر في أورنبرغ، ثم صحيفة بيان الحق التي تصدر في قازان، ثم صحيفة نجات التي تصدر في باكو. والدأب على ذلك هو الذي سيمكننا الآن من أن نتزود لأول مرة بفكرة واضحة عن حالة الصحافة الإسلامية في روسيا. 3 - فارس ليس لدينا ما نقوله عن صحافة الفرس قبل الثورة الفارسية إلا القليل. وقد تناول براون (Browne The: E.G. Persian Revolution ص 242) هذه الصحافة قائلا "لم يكن في فارس قبل منحها الدستور عام 1906 صحافة

جريدة بهذا الاسم. ولم تكن الجرائد القائمة وقتئذ مثل إيران وشرف واطلاع إلا أوراقًا تطبع على الحجر، تظهر في أوقات غير منتظمة ولا تحوى أخبارًا أو ملاحظات ذات شأن، وإنما تقتصر على مدائح في مختلف الأمراء والحكام، وتوكيد بأن كل فرد راض سعيد. وكانت تقوم من وقت إلى آخر في خارج فارس صحف فارسية جيدة قليلة مثل أختر في الآستانة والحبل المتين في كلكتة وثريا وبروش في القاهرة، وكانت تلقى بعض الرواج في فارس نفسها، . وقد غيرت الثورة الأمور في فارس تغييرًا تامًّا كما حصل في جارتها تركية، فظهر في طهران وحدها (Revue du Monde Musulm- جـ 9، ص 682) عام 1908 ما لا يقل عن إحدى وثلاثين صحيفة ومجلة، وثلاث في تبريز واثنتان في كل من أصفهان ورشت وبندر بوشير. وصدرت في طهران طبعة من صحيفة الحبل المتين. ولنذكر في هذا المقام أيضًا صحيفة "مجلس" (صدرت منذ 1906) و"سور إسرافيل" (منذ عام 1907) وايران نو (منذ عام 1909) وتصدر كلها في طهران و "مظفرى" في بندر بوشير (منذ عام 1902). ونحيل القارئ فيما يختص بالصحف الأخرى إلى المعلومات الواردة في المصدر الذي نقلنا عنه كثيرًا وهو Revue du Monde Mu- .sulm وقد كان حكم براون على هذه الصحف الفارسية الحديثة حسنًا جدًّا، أو قل أنه كان كذلك بالنسبة لبعضها، فقال: "بلغ بعض هذه الصحف، وبخاصة "سور إسرافيل" و" الحبل المتين" و "مساوات" (انظر كتاب براون المذكور، ص 137) شأوا عظيما، وهي تزودنا بشواهد من نثر زاخر بالقوة جياش بالحياة جزل لم يكن لنا به عهد"، ثم قال في صفحة 242: "سمت الصحافة الفارسية إلى مرتبة عالية من الكمال، ويزداد تقديرها في نظرنا إذا ذكرنا إلى اى حد كانت هي شيئًا جديدًا على هذه البلاد". 4 - الهند ما زال تاريخ الصحافة الإسلامية في الهند البريطانية يتطلب من يكتبه. ومادة هذا التاريخ موجودة في شتى

مطبوعات حكومة الهند، وفيما كتبه كارسان ده تاسى Garcin de Tassy، ويرجع إلى هذا الكاتب بصفة خاصة في شأن الصحافة الهندوستانية. وقد طبعت أهم هذه الصحف بلغة الأردو، لأن هذه اللغة أشيع اللغات عند المسلمين في جميع أنحاء الهند. على أن كثيرًا من هذه الصحف كان قصير العمر لم يلق من الرواج إلا قليلا. ومن أقدمها جريدة معهد عليكره IN- Aligarh stitute Gazette وما زالت توالى الصدور، وقد أسسها السير سيد أحمد خان عام 1866. وأصدرها أسبوعية. وكان هذا الرجل شيخ أئمة الفكر الإسلامي في الهند، وقد ظل إلى حين وفاته عام 1898 يزود هذه المجلة بمقالات قيمة في السياسة والإصلاح الاجتماعى والتعليم. وبخاصة التعليم في كلية عليكره، وثمت جريدتان أسبوعيتان لهما خطرهما تعبران عن ميول المسلمين، أولاهما "وطن" وتوزع 1800 نسخة، وينشرها في لاهور إن شاء الله الذي ذاع صيته لدعوته إلى توادّ إنكلترة وتركية ومؤازرته لمشروع سكة حديد الحجاز (وقد جمع لهذا المشروع نيفا وخمسة آلاف جنيه إنكليزى)، والأخرى هي مجلة "البشير" وتوزع 1050 نسخة، وينشرها في إتاوة مولوى بشير الدين، وهو نصير متحمس لكل الحركات الإسلامية الخالصة. وقد ظهرت حديثًا مجلة أسبوعية أخرى هي: "زميندار" بفضل صحفى شاب بارع هو ظفر على خان. وتطبع كل من جريدتى وطن وزميندار نسخة أخرى يومية، ولكن هاتين النسختين لا تلاقيان من الرواج ما تلاقيه "بيسا أخبار" (وهي توزع من طبعتها اليومية 1011 ومن طبعتها الأسبوعية 8377 نسخة) التي ينشرها في لاهور الصحفى العالى الهمة المجرب منشى محبوب عالم، وكان هذا الرجل إلى ذلك مقداما متعدد الجوانب، فأخرج طائفة كبيرة من المطبوعات. أما الجرائد الأسبوعية الأخرى فهي "نير أعظم" وتطبع في مراد آباد، و "شرق" في كر كهبور، و "ذو القرنين في في بداءون. ويستحيل علينا أن نذكر هنا جميع الصحف الأردية التي تطبع في الهند الشمالية، حيث يتكلم السكان المسلمون هذه اللغة ويكتبون بها، أو أن

نورد بيانا بالصحف الأردية التي تطبع في أنحاء الهند الأخرى حيث تغلب لغة غير لغة الأردو: ففي حيدر آباد مثلًا سبع صحف أردية، وفي مدراس ثمان، وفي الولايات الوسطى ثلاث، وفي بومباى اثنتان، ومعظم هذه الصحف لا تلاقى إلا رواجا محدودا. وفي كلكتة، جريدة دار السلطنة، وهي توزع أسبوعيا 400 نسخة، وفي أرّه جريدة Star of India وهي توزع 657 نسخة. ومعظم المسلمين المتعلمين في الهند يقرءون اللغة الأردية، ومع ذلك فمن الطبيعي أن ننتظر منهم إنشاء صحف بلغاتهم الأصلية التي تتغير من مقاطعة إلى أخرى. وأهم هذه الصحف هي: باللغة الكجراتية "أخبار إسلام"، وهي يومية تصدر في بومباى وتوزع 1000 نسخة، و Political Bhomiyo وهي أسبوعية تصدر في أحمد آباد، وتوزع 1500 نسخة؛ وباللغة المراطهية "فجارى" وهي تصدر ثلاث مرات في الشهر في كاروار (كنارة)، وتوزع 450 نسخة؛ وبالسندية "آقتاب سند" وهي أسبوعية تصدر في سُكَّرْ، وتوزع 1400؛ وباللغة التاملية "لوا الإسلام" وهي أسبوعية تصدر في مدراس وتوزع 650 نسخة، و "محمدى يمترن، وهي أسبوعية تصدر في أركُت الشمالية، وتوزع 400 نسخة؛ وباللغة الملايلمية "ملبر إسلام" وهي أسبوعية تصدر في ولاية كوتشن، وتوزع 600 نسخة و "محمدية دَريَنَم" وهي شهرية تصدر في ولاية ترافنكور، وتوزع 1000 نسخة. وقد بذلت جهود في السنوات العشرين الأخيرة لإقامة صحيفة إنكليزية تنصرف انصرافا تاما إلى الشئون الإسلامية؛ فمن المسلم به أن في الهند عددا من الصحف الإنكليزية الجيدة يمولها الهندوس ويحررونها، ولكنه لم يكن فيها صحيفة إنكليزية من الطراز الأول يسيطر عليها المسلمون. ذلك أن النفقات الباهظة التي يتطلبها إصدار صحيفة، وقلة عدد قراء اللغة الإنكليزية من المسلمين بالقياس إلى غيرهم قد وقفت حتى ذلك الوقت في سبيل نجاح هذا المشروع. وأهم هذه الصحف الإنكليزية التي ما زالت تصدر إلى الآن هي Punjab Observer: The في لاهور و The Moslem Chronicle و The

Comrade في كلكتة و the Muhammadan في مدراس. وأهم الصحف الفارسية التي تطبع في الهند صحيفة "الحبل المتين"، وهي أسبوعية تصدر في كلكتة وتطبع 1000 نسخة. وقد صدرت جرائد عربية إلا أنها كانت قصيرة العمر، وكانت معظم هذه الجرائد تنشر ما تنشره بالعربية مع ترجمة باللغة الأردية، إلا أن المعونة المالية التي بذلت لها كانت أضأل من أن تكتب لهذه المشروعات الاستمرار. ويجدر بنا أن نذكر إلى جانب هذه الصحف المطبوعات الدورية الأخرى، ومعظمها بالأردية. وأبعد هذه الدوريات صيتا "تهذيب الأخلاق" التي أسسها السير سيد أحمد خان عام 1870، وظل يصدرها أسبوعيًا حتى عام 1876، ثم استغرق إنشاء كلية عليكره وقته وفكره. ثم أحييت بعد ذلك بسنتين ونصف السنة، واستؤنف إصدار سلسلة جديدة منها عام 1894 لم تدم إلا ثلاث سنوات فحسب. وكانت مجلة تهذيب الأخلاق لسان المجهدين في الفقه الإسلامي، وصاحب هذا المذهب هو السير سيد أحمد خان. وكانت معظم المقالات من إشائه، وقد رمى من ورائها إلى بسط نهج في العقائد أسلم من غيره، برئ من زيادات الفقهاء وأراء القرون الوسطى في الحياة والطبيعة التي لا توائم العلم الحديث. ومن المجلات التي تدين بمذهب أهل السنة القديم مجلة "إشاعة السنة"، وكان الغرض الأكبر من إصدارها الرد على الأراء التي تنشرها مجلة تهذيب الأخلاق، ومجلة "نور الآفاق" و "نور الأنوار"، وهما تطبعان في كاونيور، و "أهل الحديث" وتطبع في أمرتسر. ثم هناك أيضًا مجلة "الندوة" وهي شهرية توزع 625 نسخة، وتطبع في لكهنؤ لسانًا لحال ندوة العلماء وهي جماعة ترمى إلى المزاوجة بين العلم الحديث والطرق المأثورة عن القدماء في البحث دون أن تقطع الصلة بالماضى في غير رفق. وتكتب هذه المجلات الدينية بلغة الأردو. على أن المجلة التي تعبر عن آراء طائفة الأحمدية وهي The Review of Re- ligion فتحرر بالإنكليزية، وتصدر شهرية في قادبان وتوزع 800 نسخة.

وقد بدأت بعض المجلات الأردية تصدر في أيامنا هذه على نسق المجلات الأوروبية، ولكنها تتناول بصفة خاصة الموضوعات الأدبية وغيرها مما لا يتسم بسمة الجدل والمناظرة. ويتبين من طبيعة مادة هذه المجلات أنها ليست إسلامية بحتة، على أننا نذكر مجلات "صلاح عام"، وتطبع في دهلى، و "مخزن" وهي شهرية تطبع في دهلى، وتوزع 400 نسخة، و " The Aligarh Monthly" وهي توزع 500 نسخة، لأنها جميعًا تتناول بوجه خاص المسائل التي تعنى المسلمين. وتصدر بالأردية مجلتان للنساء المسلمات، وهما "تهذيب النسوان"، وهي أسبوعية تصدر في لاهور وتوزع 240 نسخة، و"خاتون" وهي شهرية تصدر في عليكره، وتوزع 450 نسخة. 5 - جزائر الهند الشرقية الهولندية وسنغافورة الكلام عن الصحف وغيرها التي تصدر في جزائر الهند الشرقية الهولندية مفصل في Regeeringsalmanak voor Nederlandch Indie وقد وردت بعض بيانات عنها في Revue du Monde Musulm وبخاصة جـ 7، ص 485 وما بعدها، ونحن نستطيع بفضل الأستاذ سنوك هرجرونى C. Snouck Hurgronje أن نذكر عن الصحافة الإسلامية في هذه الأصقاع تفصيلات أخرى: تصدر صحيفة "مدن بريايى" أي "ميدان الموظفين من أهل البلاد، يوميا في باندونغ. وكبير محرريها هوردين ماس ترتادسوريا، وتعارض هذه بعض المعارضة صحيفة أخرى تصدر في باندونغ منذ عام 1917، وهي "كاومّود" أي الشباب، ويفهم من الشباب هنا ما يفهم من قولنا تركيا الفتاة، ويحرر هذه الصحيفة أ. هـ وكنجة في سستره. ونذكر أيضًا مجلة "درمكنده" وهي تصدر في سركرتا مرتين في الأسبوع، ويحررها رجل صينى يدعى "ته تجى تجاى" يعاونه رجل آخر من جاوة والاسم مأخوذ من السنسكريتية ومعناه: "الأنباء الطيبة" وقد تسمت جريدة "سروتامه" هي الأخرى باسم قديم معناه "السهم السديد"، وهي تصدر في مولو وتحررها جماعة "سرقت إسلام" للرد

على الدعوة التي ينشرها "بودى أتاما" (وبودى أتاما = السعي النبيل، انظر Revue du Monde Musulm- جـ 7، ص 415 وغير ذلك من المواضع). وخير المجلات تحريرا بعد "درمكنده" هي مجلة "أتسان ملايو" أي الرسول الملاوى، وهي تصدر كل أسبوعين في باندونغ منذ عام 1910 ويحررها داتوسين مهراجة وسين محمد سليم. وتطبع مجلة "المنبر" في باندونغ أيضًا. وتصدر في سنغافورة من حين إلى حين صحف عربية تتفاوت في عدواتها للسلطات الأوربية. وقد تكلمت مجلة العالم الإسلامي (Mu- Revue du Monde sulm-، جـ 2، ص 398 وما بعدها) عن مجلة الإمام الشهرية، وهي تحرر بالملاوية، أما مجلة "برنجه" -أي الميزان- فتشبه في أغراضها مجلة الإمام، وقد صدرت أول ما صدرت عام 1912. والصحف الملاوية الأخرى هي: "إنسان ملايو" وهي تصدر ثلاث مرات في الأسبوع، وتطبعها صحافة سنغافورة الحرة (Walter Makepeace) . وصحيفهَ "تمنك بنكهوان" الخ. ونحن نعرف من الصحف العربية التي أشرنا إليها آنفًا: صحيفة "الإصلاح"، وقد صدرت أسبوعية سنة "الوطن" وقد صدرت نصف شهرية سنة 1910، و"الحُسام" وقد صدرت أسبوعية سنة 1910. 6 - الصين أمامى ثمرتان من ثمار الصحافة الإسلامية في الصين: صحيفة ومجلة. على أن صينيًا كونفوشيوسيا عارفًا بمثل هذه المسائل أكد لي أن هذه الصحيفة ليست على التحقيق هي الوحيدة. واسم الصحيفة "تشنغ تسنغ أي كيوباو" أي "الصحيفة الإسلامية الوطنية" وتطبع في بكين. وهي من صحف "هسياو باو" أي الصحف الصغرى، وتختلف عن الصحف الكبرى شكلا ومادة. ولا تظهر صيغتها الإسلامية إلا في سمات قلائل، ويقال أنها أيضًا رائجة جدًّا بين الصينيين غير المسلمين في يكين. وهي الصحيفة الوحيدة التي تنشر بالعامية (سوهوا)

ومن ثم يفهمها أفراد الطبقات الدنيا عندما تقرأ لهم. والآى كيوباو ملزمة واحدة ذات شقين كل شق أربع صفحات وتحفل التقاسيم الأفقية والعمودية التي بينها بالكتابة أيضًا. ويمكن أن نستدل من الأرقام التي عليها أنها تصدر منذ ست سنوات. والعدد الذي أمامى تاريخه 21 مارس سنة 1912. وبه مقال افتتاحى عدا المقالات الأخرى وأخبار اليوم، وعنوانه "اقتراح للتخفيف من المتاعب الحالة بالجمهورية" وهو من إنشاء تشو يوان. وبالعدد صورة سياسية هزلية. وقد تكلم برومهول Bormhall عن المجلة في Islam in China (لندن سنة 1910، ص 283) وأورد صورة طبق الأصل لغلاف العدد الأول منها (الشكل 282 - 283) وفهرسًا لمحتوياته (ص 482). وفي أعلاه العنوان الإسلامي "استيقاظ الإسلام" وتحته الشهادة. وفي وسطه العنوان الصينى "هسنغ هوى بين" المعادل للعنوان العربي. وأسفله "العدد 1". وفي الجهة اليسرى: لسان حال الجماعة الإسلامية للرقى بالتعليم في اليابان (وفي رواية برومهول: كتابه المذكور آنفًا، أن الناشرين ثلاثون طالبًا. ولعلهم أيضًا زعماء هذه الجماعة) وفي الجهة اليمنى: "لا تباع"، وأدرجت محتويات المجلة تحت ثلاثة عناوين: (1) المقالات التي يكتبها المسلمون الصينيون الذين يعيشون في اليابان، وواضح أن هذا هو المقابل لما يفهم من العنوان الثاني. (2) المقالات التي يكتبها الصينيون الذين يعيشون في الصين. (3) الملحق وفيه معارف شتى. والمقالات العشر التي تندرج تحت العنوان الأول هي: (1) الصلة بين الدين والتعليم لهوانغ تشى بان. (2) الإصلاح الدينى لياو تعنليانغ. (3) بيان عن مسئولية تعليم أعضاء جماعتنا لكاتب المقال رقم 2. (4) "المسلمون" لكاتب المقال رقم 1. (5) "حضارة الإسلام" لكاتب المقال رقم 1.

(6) الإسلام و"ووشى تآو" (بشيدو عند اليابان) لونغ تعن تشه. (7) مقال "في تقدم الدين" لماتسنغ سوى. (8) "نشأة الإسلام في الصين" لتشآو تشنغ تشى. (9) "تعليم الجمهور في الصين" لكاتب المقال رقم 8. (10) "الإسلام الجديد" لعضو من الجماعة. أما القسم الثاني فيحتوى على خمس مقالات: (1) خطاب افتتاحى إلى الجماعة اليابانية للرقى بالإسلام، لتساى تايو. (2) خطة لإحياء الإسلام للى شيوشان. (3) شئون الجماعة، لتعنغ تشنغ. (4) مقال عن "كى" (لعلها التعليم أو الصلاة) لكاتب المقال رقم 3. (5) "خصائص الفرق" لها لي تعنغ. ويحتوى القسم الثالث على أربع رسائل لم يذكر اسم كتابها: (1) موقف الجماعة العامة للتربية الإسلامية في الشرق الأقصى. (2)، (3)، (4) أعمال وقوانين وأسماء أعضاء الجماعة الصينية للرقى بالإسلام. وموقف المسلمين في الصين مختلف عن موقف النصارى في تركية، ذلك أن هؤلاء ليس لهم صحافة تكتب بلغة الشعب الحاكم (ولهذه القاعدة شواذ، انظر القسم الخاص بالصحافة في تركية) لأن حكامهم أنفسهم في أول درجات الحياة العقلية الرفيعة، أما المسلمون في الصين، فقد استوعبوا ثقافة الصينيين القديمة. ولهذا فإن صحافتهم أيضًا سيكون لها نصيب في التقدم العظيم الذي أصاب الصحف في الصين الحديثة. وستؤدى للبلاد أجل الخدمات إذا ظلت مبتعدة عن الآفة الكبرى التي تهدد الإسلام في ظل الحكم الأجنبي، ونعنى بها النزوع إلى إقامة دولة داخل الدولة. [هارتمان M.Hartmann]

المصادر: عن الصحافة في تركية: (1) الجريدة الرسمية سالنامه. (2) Quest La Presse en Turquie -dipl جـ 11، ص 229 وما بعدها. (3) عن الصحافة في مصر: عبد الله أفندى الأنصاري: كتاب جامع التصانيف المصرية الحديثة من سنة 1301 إلى سنة 1310 هجرية، بولاق سنة 1312 هـ. (4) Wirthochaftliche Ve-: Bruening rhaeltnisse Syriens and seiner Haupt- Preussisches Handelsarchiv plaetze. سنة 1878، رقم 46 - 50؛ انظر عن الصحف والمجلات في ولاية سورية، ص 580. (5) Verz. der in Syrien: Schroeder Mesopot erschein Zeitungen und في d Deutsch Pal.- Ver Zeitscher, جـ 12، سنة 1889، ص 124 - 128. (6) Thomsen: المصدر نفسه، جت 25، سنة 1912 ص 221 وما بعدها. (7) الهلال، سنة 1892، جـ 1، عدد 1، ص 9 - 16؛ سنة 1896، جـ 5، عدد 4، ص 141 ما بعدها. (8) L'Arabe: Washington Serruys Moderne etudie daps les pieces of cielles بيروت سنة 1897. (9) Hartmann في - Orientalische Lit teratur- Zeitung , سنة 1898، رقم 7، ص 226 - 328. (10) الكاتب نفسه , The Arabic Press of Egypi، لندن سنة 1899. (11) مجلات Reveue du Monde Mus. Mir Islama , The Moslem World . (12) ويجب أن يعني عناية خاصة ببحث الصحافة الإسلامية الواردة في Zeitschr. der Deutschen Gesellschaft fiter Islamlwnde وقد صدر في أواخر عام 1912. + الجريدة، ومعناها لغة "الورقة"، ثم أصبحت المصطلح المألوف في العربية الحديثة للدلالة على الصحيفة، وقد عزى اصطناعها لفارس الشدياق؛ ومرادفها "صحيفة" أقل استعمالا في

المفرد ولكن الجمع "صحف" أكثر شيوعًا من "جرائد"؛ وقد أظهر العثمانيون شيئًا من الاهتمام بالصحافة الأوربية في وقت مبكر يرجع إلى القرن الثامن عشر، ويبدو أن مقتطفات من الصحف الأوربية قد ترجمت ليطلع عليها الديوان (رسالة بروسية من الآستانة سنة 1780، وقد ذكرها. J.W Linkeisen . في - Geschichte des Os mamrchen Reiches. جـ 4، كوتا سنة 1859، ص 2890 - 291)؛ وتطور هذا الديوان فأصبح مكتبًا للمطبوعات خدم الحكومة العثمانية طوال القرن التاسع عشر وما بعده. وكانت أولى الصحف في الشرق الأوسط باللغة الفرنسية، وقد نشرت تحت الإشراف الفرنسى الرسمى، وحوالى سنة 1790 بدأت المطبعة الفرنسية القائمة في الآستانة إصدار النشرات والبلاغات وغيرها من التصريحات التي تصدرها السفارة الفرنسية، وأعلن السفير فرنيناك - Ver ninac سنة 1795، أنه سيطبع كل أسبوعين، بعد وصول البريد من أوربا نشرة من 6 - 8 صحائف من قطع الثمن يستطيع أن يجد مواطنوه فيها معلومات عن القوانين والحوادث الجديدة التي تعنيهم، وكانت هذه النشرة توزع في المشرق بأسره. وفي السنة التالية، أي في عهد خليفته أوبير دوباييه Aubert Dubayet، أصبحت النشرة صحيفة باسم "جريدة الآستانة الفرنسية"- Ga zette Francaise de Constantinople، وكانت أول جريدة تظهر في الشرق الأوسط، وتحتوى على أربع صفحات من قطع الثمن، تزداد أحيانًا إلى ست، وتصدر عن السفارة الفرنسية في غير انتظام على فترات تبلغ نحو الشهر، وظلت تصدر نحو السنتين؛ وفي سبتمبر سنة 1798. أي بعد الحملة الفرنسية على مصر اعتقل أعضاء هيئة الجريدة الفرنسيون وصادرت السلطات العثمانية المطبعة، ثم أعيدت سنة 1802 واستخدمت من بعد لإعادة طبع البلاغات العسكرية لتوزيعها محليًا، ولكن يبدو أن الجريدة لم تستأنف الصدور. وفي زمن الحملة الفرنسية كان في ركاب ونابرت مطبعتان، إحداهما ملك

خاص وصاحبها المطبعى مارك اوريل Marc Aurel، لا تملك إلا حروفًا لاتينية، أما الأخرى، وكانت تملكها الحكومة، فقد وضعت تحت إمرة المستشرق ج. مارسيل G. Marcel وزودت بحروف فرنسية وعربية ويونانية؛ ونشر العدد الأول من de L'Egypte Courier (sic), في القاهرة من المطبعة السابقة في 12 فروكتيدور سنة 6 (29 أغسطس سنة 1798)، وكانت صدر كل خمسة أيام وتحتوى على الأخبار المحلية والتصريحات والبلاغات وغير ذلك، كما كانت تحتوى على بعض المواد من الأنباء الأوربية، وبعد شهر -أي في 10 فندميير سنة 7 (أول أكتوبر سنة 1798) كان الناشر نفسه يبيع العدد الأول من مجلة ربع سنوية اسمها La Decade egyptienne, خصصت لنشر محاضر جلسات المجمع المصري" Institut d'Egypte""، والأبحاث التي كانت تتلى في هذه الجمعية العلمية؛ فلما عاد بونابرت إلى فرنسا تبعه مارك أوريل، وأدى ذلك إلى أن تولت مطبعة ج. مارسيل، وهي "المطبعة الشرقية والفرنسية" Imprimerie Orientale et" Francaise" طبع المجلتين، ونجد اسمى عالم الرياضيات فورييه Fourier والدكتور ديجينيت Desgenettes بين الأسماء التي كان أصحابها يديرون هذه المطبعة؛ والأعداد المائة وستة عشر من جريدة Courrier وكل منها من أربع صحائف من حجم الثمن، والمجلدات الثلاثة من جريدة Decade تعد مصدرًا تاريخيًا بالغ الأهمية؛ وكانت مطبعة مارسيل تنشر بالعربية على وجه خاص الإخطارات والبيانات والبلاغات، فلما اغتيل كليبر (16 يونية سنة 1800) طبعت أيضًا "التنبيه"، التي اسسها مينو Menou . وهي الصحيفة العربية الأولى، والظاهر أنها كانت قصيرة العمر (انظر F. Charles-Roux d'Egypte Gouverneur , Bonaparte، الطبعة الرابعة، باريس من غير تاريخ، ص 138 وما بعدها؛ R. Car- Bulletin de l'Institut: nivel و L'lm- d'Egypte Primerie de 1'Expedition، في سنة 1909؛ و Reinau في. Jours . As سنة 1831، ص 249): وفي سبتة في الطرف المقابل من المغرب ظهرت في أول مايو سنة 1820

أول صحيفة تنشر في مراكش وكان اسمها El-Liberal Africano، وهي جريدة أسبوعية تصدرها الجمعية الوطنية لهذه البلدة؛ وقد توقفت بعد ستة أعداد في 5 يونية من السنة نفسها (Fernando La Hoz . Apuntes para la: V historia de la Imprenta en el Norte de Marruecos تطوان، سنة 1949؛ ص 23). وفي سنة 1824 أسس فرنسى اسمه شارل تريكون Charles Tricon مجلة فرنسية شهرية اسمها - Le Smyr neen في إزمير، وقد لاقت هذه المجلة بعض الصعوبات الأولية مع السلطات التركية والفرنسية ثم أعيد تنظيمها تحت إدارة جديدة، وبدأت تظهر أسبوعيًا باسم Le Spectateur Oriental في أربع صفحات من حجم الثمن، وكانت توزع بصفة خاصة بين العناصر التجارية الأجنبية؛ وفي سنة 1827 أصبح ألكسندر بلاك Alexander Blacque . وهو محام من مرسيليا وشخصية معروفة في المشرقء شريكا ومحررًا عاملا في مجلة Spectateur، التي كان يكتب فيها من قبل بانتظام، وأعيد تسميتها من بعد وأطلق عليها اسم Courier de Smyren. وقد لعبت دورًا نشيطًا في أحوال ذلك الزمن، وأوقعت محررها في مشاكل مع السلطات أكثر من مرة بتعليقاتها الصريحة وبخاصة تأييدها للقضية العثمانية ضد المتمردين اليونانيين (Note sur les jour-: L. Lagarde naux francais de Constantinople a d l'e Poque revolutionnaire في Journ, As- جـ 236، سنة 1948، ص 271 - 276: الكاتب نفسه: Note sur les journaux -francais de Smyrne d l'epoque de Mah Jour. As- Moud II سنة 1950، ص 103 - 104؛ سليم نزهت: تورك عازته جيلكى، سنة 1831 - 1931، إستانبول سنة 1931، ص 10 - 28 مع نقل عدد كامل من مجلة Gazette مؤرخ في أول فلوريال سنة 5 = 20 أبريل سنة 1797، وعدد Le Spectateur Orien- tal المؤرخ 21 بولية سنة 1827، أحمد أمين: The development of modern Turky as measured by its press نيويورك، سنة 1914، ص- 29؛ Charles White: Three years in Constantinople، جـ 2،

لندن سنة 1845، ص 218 - 22)؛ وتجد رواية تركية عن محاولات روسية لإيقاف الجريدة في تاريخ لطفى (جـ 23، ص 98 وما بعدها)؛ ويذكر لطفى أن السفير الروسى قال: "الصحفيون (غازته جى) في فرنساو إنكلترة يمكنهم حقًّا التعبير عن أنفسهم بحرية حتى ضد ملوكهم، ومن ثم ففي الأزمنة القديمة نشبت الحرب في عدة مناسبات بين فرنسا وإنكلترة بسبب هؤلاء الصحفيين، ونحمد الله على أن المماليك التي يحرسها الله قد وقاها شر هذه الأمور حتى حدث منذ فترة وجيزة أن ظهر في إزمير ذلك الرجل وراح يصدر صحيفته ولعل من الخير منعه. . ." (لطفى، جـ 3، ص 100؛ وانظر أمين، ص 28). وهنالك عادت مصر إلى الظهور على مسرح الأحداث، فقد أصدر محمد على أوامره في وقت مبكر يرجع إلى سنة 1821 بإصدار صحيفة يومية أوجب أن تقدم إليه صباح كل يوم بحيث تحتوى على شتى المواد من المعلومات الرسمية والإدارية؛ والاقتصادية، ولعل العدد الأول من أولى المجلات الحقيقية باللغة العربية، وهي الوقائع المصرية، لسان حال حكومة محمد على المصرية، قد ظهر في القاهرة يوم 12 من جمادى الأولى سنة 1244 هـ (20 نوفمبرسنة 1828؛ والأعداد السابقة على سنة 1840 لم تنته إلينا)؛ وقد صدرت أول الأمر بالعربية ثم ظهرت بضعة أشهر بالتركية وأخيرا عادت إلي العربية، وظهرت من بعد ثلاث مرات أسبوعيًا، مع طبعة فرنسية كانت تصدر مستقلة، وظلت الوقائع المصرية هي الصحيفة الدورية الوحيدة التي تصدر في عهد حكومة محمد على؛ ومنذ عهد الخديوى إسماعيل كانت تصدر يومية، وكانت- تحتوى علاوة على الأوامر والقرارات والقوانين- على مواد أجنبية ومحلية جديدة والافتتاحيات، ورسومات من حين إلى حين، وفي سنة 1881, تولى محمد عبده رئاسة تحريرها فأصبحت أهم جريدة في ذلك الزمن وأوسع الصحف انتشارًا. وعادت الوقائع المصرية أيام الاحتلال البريطانى إلى شكلها الأول وكانت

تحتوى على البيانات والمعلومات عن شئون الدولة، وكانت سنة 1929 ما تزال تظهر في القوائم الرسمية. ولم يقف السلطان بإستانبول مكتوفًا حيال هذا التحدى الصادر من الباشا القائم في القاهرة، بل أنفعل به في هذا الأمر وفي غيره من الأمور الكئيرة جدًّا، فاستدعى مسيو بلاك Blacque إلى إستانبول لينشر صحيفة Moniteur Ottoman . وهي الصحيفة الرسمية للحكومة العثمانية باللغة الفرنسية؛ وفي السنة الثانية، أي في غرة جمادى الأولى سنة 1247 هـ (14 مايو سنة 1832) ظهر العدد الأول من "تقويم وقائع" التركية؛ وصدر هذا العدد بمقال افتتاحى قدّم الجريدة على اعتبار أنها تطور طبيعى للتواريخ الإمبراطورية مهمتها إعلان الطبيعة الحقيقية للأحداث والمغزى الحقيقي لتصرفات الحكومة وأوامرها دفعًا لأى سوء تفاهم واستباقًا لأى نقد يقوم على أنباء غير صحيحة. وكان للجريدة غرض آخر هو تزويد القراء بمعلومات مفيدة عن التجارة والعلوم والفنون؛ وكان "التقويم"، على النقيض من الـ Moniteur التي كانت تخصص جزءًا من مساحتها لنشر الأنباء والتعليقات، فهو قد اقتصر على البيانات الرسمية، وكان يصدره مكتب يسص "تقويم خانة عامرة" وكان أول رئيس تحرير له المؤرخ الإمبراطورى أسعد أفندى (انظر عنه Die: Babinger Geschichtschreiber des Osmsnen and ihre Werke، ص 354 - 356)؛ وكانت توزع منه خمسة آلاف نسخة على الموظفين والأعيان، كما كان يوزع على السفارات الأجنبية، وقد ساعد افتتاح الخدمة البريدية سنة 1834 في توزيعه مساعدة كبيرة؛ وكان يصدر منه نحو 30 عددًا فيما بين سنتى 1832 و 1838، وبعد هذا كان يصدر مرة في الأسبوع تقريبًا، وإن كان يتخلل ذلك فترات ينقطع فيها عن الصدور. وقد نشر العدد الأخير وهو رقم 4608 في 4 ربيع الأول سنة 1341 هـ (4 نوفمبر سنة 1922). وبعد هذا حلت محله لسانا لحال الحكومة التركية الرسمى صحيفة "رسمي جريدى سميت من بعد باسم "رسمى غازته" التي تصدر في أنقره (لطفى، جـ 3،

ص 156 - 160؛ نزهت، ص 30 - 35؛ أمين، ص 29 - 32). وكانت أول جريدة غير رسمية تنشر باللغة التركية هي "جريدة الحوادث" الأسبوعية التي أنشأها الإنكليزى وليم تشرشل سنة. 1840، وتوفى وليم هذا سنة 1864 فاستمر ابنه في إصدارها وكانت في مظهرها أشبه بتقويم وقائع، وكان الغرض منها تجاريًا، وتنشر مقدارًا متزايدًا من الإعلانات، على أنها كانت تنشر كثيرًا من المقالات والدراسات الشائقة على هيئة مسلسلات في كثير من الأحيان. ومن ثم كانت تهيئ اسباب التدريب على الصحافة لعدد من الأدباء الأتراك (وانظر في شأن بعض من أسهموا بالكتابة في "جريدة حوادث" مقالان لابن الأمين محمود كمال في "تورك تاريخ أنجمنى مجموعة سى"، ص 96، 97)، وجاءت حرب القريم بحاجيات وفرص جديدة، وكان تشرشل يكتب من جبهة القتال للصحف الإنكليزية، وتنشر تقاريره أيضًا بالتركية في ملاحق خاصة لجريدة حوادث، وبذلك زودت القارئ التركى التواق لأنباء الحرب، ببصيرة جديدة في مهمة الصحافة. وثمة صحيفة تركية أخرى كانت ترعاها الجهات الرسمية وهي "وقائع طبيَّة"، وهي مجلة طبية شهرية نشرت لأول مرة سنة 1850 باللغتين التركية والفرنسية، وكذلك باللغات الإيطالية واليونانية والأرمنية واليهودية والأسبانية. وظهرت في بيروت سنة 1855 "مرآة الأحوال" وهي الجريدة العربية الثانية، أنشأها حسّان الذي أكره على اللجوء إلى لندن (انظر ما يلي، بند 3)؛ وكذلك شهدت بيروت بداية "السلطانة" سنة 1857، وبداية "حديقة الأفكار" في أول يناير سنة 1858، وكان ينشرها بالعربية والفرنسية خليل الخورى؛ وكان الغرض الرئيسى من هذا النشر الذي كانت تقصده الحكومة التركية تعريف الأجانب العديدين المقيمين في بيروت بآراء الباب العالى. وجاءت سنة 1860 بتجديدين لهما شأنهما، كان أولهما إنشاء صحيفة

عربية هي الجوائب، وهي إذا قورنت بالجهود المبكرة في هذا الشأن بدت تلك الجهود غير منتظمة وغير واضحة؛ وقد أنشأها في الآستانة أحمد فارس الشدياق اللبنانى في يولية سنة 1860، وعضدتها الحكومة التركية تعضيدًا قويًّا، وكانت تدافع عن قضية الإسلام الذي كان منشئها قد اعتنقه حديثًا، ويمكن أن نعد الشدياق أبا للغة العربية الخاصة بالصحف، فقد فعل الكثير في سبيل إثراء اللغة، على حين كانت الجوائب أعظم صحيفة عربية في القرن التاسع عشر، تباع في القاهرة وبيروت ودمشق والعراق وإفريقية الغربية، وقد اعتمد توزيعها الواسع النطاق على تلك العناية التي بذلت بسخاء في تحريرها وعرضها، وبلغت أوجها حوالي سنة 1880، ومات أحمد فارس سنة 1884، ولكن ابنه سليما لم يستطع المحافظة على مستواها السابق وطبع الشدياق فيما بين سنتى 1288 و 1298 هـ (1871 - 1881 م) تحت عنوان "كنز الرغائب في منتخبات الجوائب" سبعة مجلدات ضمت مقالات في الأدب والتاريخ وغير ذلك، أعاد طبعها من صحيفته، وكانت لا تزال لها أهمية ثقافية لا تنكر، أما التجديد الثاني الذي حدث في سنة 1860 فكان الصحيفة الأسبوعية "ترجمان الأحوال"، أول جريدة خاصة يصدرها تركى، وكان منشئها هو جابان زاده آكاه أفندى سليل أسرة بكوات دره، وموظف كبير في مكتب الترجمة التابع للباب العالى؛ وقد اشترك معه في رئاسة التحرير الكاتب إبراهيم شناسى، وتأثر تشرشل بهذه المنافسة فنشر نسخة يومية من صحيفته خمس مرات أسبوعيًا "روزنامه جريدة حوادث" وكانت بين الاثنتين منافسة حادة استمرت فترة من الزمن؛ وبدأت الصحافة تلقى الصعوبات في ذلك الوقت الذي ازداد فيه طابع التسلط، وسرعان ما أوقفت الترجمان أسبوعين بسبب مقال يرجح إن ضياء باشا هو كاتبه؛ وكانت هذه أول مرة توقف فيها الحكومة في تركية صحيفة من الصحف. صبحي [لويس وبلا B.Lewis&Ch.Pellat]

حاولنا في القسم السابق أن نسوق بيانًا بالمحاولات التي بذلت لإنشاء الصحافة في طول العالم الإسلامي وعرضه، وكان لزامًا علينا أن نخصص معظم عنايتنا للمطبوعات التي كان يديرها الأجانب في شتى البلاد الإسلامية، طالما أنهم قاموا بدور عظيم في النهوض بالصحافة؛ وقد بدأت منذ سنة 1860 تقريبًا فترة جديدة، نما فيها النشاط الصحفى نموًا اقتضانا أن ننزل الصحف التي كانت تنشر باللغات الأوربية إلى المحل الثاني بالرغم من أهميتها، وأن نتتبع تاريخ الصحافة في شتى البلاد الإسلامية كل بلد على انفراد، مع الاعتبار الواجب للغة التي نشرت بها الصحيفة. 1 - الصحافة العربية اللغة: (أ) - الشرق الأسط مصر: إن تاريخ الصحافة العربية في مصر يمكن تقسيمه إلى أربع فترات؛ تستمر الفترة الأولى حتى الاحتلال البريطانى، فبعد الوقائع المصرية، لم تظهر "وادي النيل" إلا سنة 1866، وقد أنشاها في القاهرة عبد الله أبوالسعود؛ وفي سنة 1869 أنشأ صحيفة "نزهة الأفكار" مصريان هما إبراهيم المويلحى وعثمان جلال؛ وإنما ظهرت أعظم الصحف بين سنتى 1876 و 1878 بدافع من الصحفيين السوريين اللبنانيين الذين لم يستطيعوا أن يواصلوا مهنتهم في بلادهم في حرية: ويجب أن نذكر على رأس هذه الصحف "الأهرام" التي أنشأها سليم وبشارة تقلا، وقد بدأت بداية متواضعة في الإسكندرية سنة 1876 في صورة جريدة أسبوعية من أربع صحف، تعتمد على النفوذ الثقافى الفرنسى، ولكنها تهتم اهتمامًا خاصًّا بسياسات الخليفة في الآستانة: وصدرت الأهرام بعد ذلك يومية واحتفظت بمستواها الأدبى العالى وعرضها الدقيق فظلت حتى وقتنا هذا أعظم صحيفة باللغة العربية؛ ويجب أن نذكر، إلى جانب "الاتحاد المصري" التي كانت تظهر مرتين أسبوعيًا والتي أنشئت في الإسكندرية سنة 1892 واستمرت حتى سنة 1892, الجريدة القبطية "الوطن" (أنشئت حوالي سنة 1878 وكانت لا تزال مسجلة سنة 1929):

والمحاولة المثيرة للاهتمام في الدعوة الوطنية التي كان يقوم بها يعقوب صنوع المعروف باسم أبي نضارة الذي لم يجد بدًا من مواصلة أوجه نشاطه في باريس: وتدوم الفترة الثانية من الاحتلال البريطانى حتى الحرب العالمية الأولى؛ وقد أنشئ الاتحاد الذي جمع بين صروف ونمر ومكاريوس حوالي سنة 1885 لإصدار مجموعة من الصحف كان أهمها مجلة المقتطف، التي كانت تصدر كل أسبوعين، والتي كانت قد أنشئت في بيروت سنة 1877 وانتقلت إلى القاهرة؛ والمقطم وهي صحيفة يومية تنشر الأنباء السياسية وكانت موالية لبريطانيا وتتعاطف مع الإصلاح؛ واصبحت بعد سنة 1889 غريمة للأهرام، التي كانت لا تزال تؤيد سياسات الآستانة؛ وقام فريق ثالث يعارض الإصلاحات ويؤيد الإسلام على سنة السلف". وقد مثلته بعد سنة 1890 صحيفة يومية هي المؤيد بإدارة الشيخ على يوسف الرائعة البارعة، وحل المصريون المسلمون شيئًا فشيئًا محل السوريين اللبنانيين الذين كانوا حتى ذلك الحين يحتكرون الصحافة" وكان معظم هؤلاء المسلمين من المحافظين الذين يؤمنون بالسنة القويمة، ونهضت "العدالة" التي أنشئت سنة 1897 بالدور الذي كانت تقوم به المؤيد عندما أصبحت المؤيد أكثر اعتدالا، وظهر خلال العقد الأخير من القرن التاسع عشر عدد كبير من الصحف تنتمى إلى الحزب المحافظ، وتتفاوت درجة تعصبها، وقد دافع عن القومية النامية أول الأمر أديب إسحاق، أحد رؤساء تحرير صحيفة مصر اليومية (1896)، ودافع عنها من بعد مصطفى كامل، الذي كانت جريدة اللواء لسان حاله الأول، وخلال تلك الفترة ظهرت في القاهرة صحيفة كبيرة أخرى هي الجريدة، التي كانت تدخل في اعتبارها سيطرة البريطانيين الفعالة، ويجب أن نذكر أيضًا مجلة الهلال التي كان يديرها في القاهرة (سنة 1892) جرجى زيدان وهي التي عمرت حتى وقتنا هذا، و "المنار" التي أنشأها رشيد رضا سنة 1897؛ ويذكر واشنطن سريز Washington - Serruys (ص 17 -

19) 52 صحيفة مختلفة في القاهرة صدرت في هذه السنة نفسها أكئر من نصفها يعود في تاريخه إلى سنة 1895 على الأكثر، و 6 في الإسكندرية منها الأهرام؛ وفي سنة 1909 ظهرت في مصر 144 مجلة وصحيفة مختلفة، 19 منها في القاهرة و 45 في الإسكندرية (انظر - Revue du Monde Mu sulmam، جـ 12، ص 308). ومن ثم نرى خلال هذه الفترة الثانية انتشار صحافة قوية ظلت تصدر كثيرًا من الصحف غير السياسية ولكنها تميل عند دخول المجال السياسي إلى التعبير عن تطلعات الشعوب الإسلامية، وكانت هذه التطلعات ما تزال غامضة، وإلى صياغتها في صورة أكثر دقة والحث على تركيز الميول المتباينة في قومية عربية وإسلامية؛ وفي الفترة الثالثة من الصحافة المصرية وبعد تمزيق أوصال الإمبراطورية العثمانية، أخذ المطمح العام للاستقلال يبدو واضحًا للعيان ويزداد قوة، وإن لم يكن هذا يخلو من بعض الأزمات العنيفة؛ وفي سنة 1922 بدأ حزب الأحرار الدستوريين في إصدار مجلة أسبوعية هي "السياسة" تحت إدارة محمد حسين هيكل، وفي سنة 1926 ازدوج الجهد بإصدار نسخة يومية، وهي تفصح عن أمارات لقيام شخصية مصرية، وكان حزب الوفد بدوره يملك طائفة من الصحف التي تملو أفكار سعد زغلول وخلفائه، وكان من أهمها البلاغ وكوكب الشرق والمصرى. وخلال الحرب العالمية الثانية والسنوات التالية لها لعبت الصحافة المصرية دورًا أكثر نشاطًا في الصراع السياسي الذي انتهى بجلاء القوات البريطانية، ومن أكتوبر سنة 1944 أنشأت الأحزاب المختلفة صحفًا جديدة: الكتلة (الوفدية) وبلادي (الصحيفة الأسبوعية السعدية)، واللواء الجديد (صحيفة الحزب الوطنى)، وقد أضيفت إليها صحيفة أسبوعية للأنباء هي "أخبار اليوم"؛ وهذه الزيادة السريعة في عدد الصحف لا تشمل مشروعات الصحافة الواسعة النطاق: شركة الإعلانات الشرقية، الأهرام، دار الهلال،

ولا يمكننا ذكر جميع مطبوعاتها (انظر فيما يتصل بحالة الصحافة العربية في مصر في نهاية 1944 Cahiersde 1'Ori- ent Contemporain رقم 1، ص 124 - 126؛ وانظر في نهاية سنة 1946، المصدر المذكور رقم 4، ص 817، وقد أورد قائمة مفصلة). وتبدأ الفترة الثالثة بإيقاف الصحافة السياسية نتيجة لثورة 23 يوليو سنة 1952، ذلك أن الأحزاب السياسية كانت قد حُلت وحل محلها حزب واحد هو "الاتحاد الاشتراكى" سنة 1958؛ وقد أعيد تنظيم الصحافة في مايو سنة 1960 وانتقلت ملكية الصحف من الأفراد أو الشركات إلى الاتحاد الاشتراكى، وأدى هذا إلى أن اصبحت الصحافة كلها خاضعة لإدارة رسمية واحدة، ونذكر من الصحف الهامة التي ظلت تظهر الأهرام والجمهورية والمساء والأخبار. [هيئة التحرير] السودان: بدأ ظهور الصحافة الدورية السودانية خلال الحكم الإنكليزى- المصري المشترك (1899 - 1955)؛ وقد صدرت أول جريدة عربية "السودان" في 24 سبتمبر سنة 1903، ورأس تحريرها سورى تحت إشراف الدكتور فارس نمر، وظهرت أربع صحف اخرى أو خمس خلال الثلاثين السنة التالية، كان أكثرها نجاحًا "حضارة السودان" التي ظلت تصدر من سنة 1919 حتى سنة 1938، وكان من شأن قيام القومية السودانية في الثلاثينيات أن زادت الصحف زيادة عظيمة وبخاصة تلك التي كانت لسان حال الأراء السياسية، وفي سنة 1958 كانت خمس صحف قد أنشئت بين سنتى 1935 و 1945 و 20 بين سنتى 1946 و 1955 و 10 في عهد الجمهورية، وذلك من 35 صحيفة معظمها صحف يومية أو أسبوعية، وتتابع أيضًا صدور الصحف الإنكليزية من سنة 1903 واليونانية من سنة 1909؛ ومنذ قيام النظام العسكرى في نوفمبر سنة 1958 م تنعم الصحافة السودانية بحرية التعبير. صبحي [هولت P.M Holt]

لبنان: لم تظهر أول صحيفة عربية حقًّا إلا سنة 1869، وكان اسمها "البشير" وقد صدرت في بيروت أسبوعية وينشرها اليسوعيون وظلت قائمة حتى الأزمنة الحديثة، وقبل هذا كان بطرس البستانى قد أنشأ "نفير سورية، المتواضعة في وقت مبكر يرجع إلى سنة 1860، ولكنه أراد أن يثير اهتمام الرأى العام بقضية التعليم العام والأدب القومى فأصدر "الجنة" وهي صحيفة تصدر مرتين كل أسبوع، واستمر ابنه سليم في نشرها حتى 7 يولية 1886 وكانت شهرتها عظيمة حتى أن اللفظ "جنة" أصبح مرادفًا للصحيفة في لبنان؛ ونشر البستانى أيضًا "الجُنَينَة" ولم تستمر إلا ثلاث سنوات، ثم "الجنان". ولم يشأ مسلمو بيروت أن يتخلفَوا عن الركب فأنشأوا سنة 1874 "ثمرات الفنون" الأسبوعية التي استمرت حتى ثورة تركية الفتاة، ثم اتخذت اسم "الاتحاد العثمانى"؛ وقد اشتهرت هذه الصحيفة بفقرها وأسلوبها النثرى الطنان الذي كان يلجأ إليه كتابها المحافظون المتحذلقون، وشهد العام نفسه إنشاء صحيفة "التقدم" التي أعلنت عن نفسها أنها النصر الغيور على التقدم والعدو اللدود لجميع العناصر الرجعية في البلاد، وكان أديب إسحاق من أبرز كتابها. وفي 18 أكتوبر سنة 1877 أصدر خليل سركيس؛ صهر بطرس البستانى، العدد الأول من "لسان الحال"، وهي صحيفة يومية كانت إلى حد ما منافسة "للجنة"، ولم تهتم الصحيفتان بالسياسة إلا في النادر، وإنما كانتا تعرضان الحوادث عرضًا يتسم بالحياد ما أمكن، في حين كانتا تهتمان اهتمامًا خاصا برأى الحكومة؛ وقد عنيت "لسان الحال" على وجه خاص بالشئون العلمية والاقتصادية، ومع ذلك فقد اخللفت مع الحكومة العثمانية، فأوقفتها هذه الحكومة بضعة أشهر، نشر خلالها سركيس صحيفة أخرى هي "المشكاة"، بيدأن هذا لم يمنعه من استئناف النشر، وأصبح عميد الصحافة اللبنانية في أيامنا هذه. وفي سنة 1880 تألف حزب جديد هو حزب الموازنة الذين كانوا يعارضون التعديات التي كانت تقدم عليها العشيرة

الرومية فأنشأوا صحيفة صغيرة هي "المصباح"، على حين كانت تؤيد البروتستانية مجلتا "الصبح المنير" و "النشرة" الأسبوعية، وكان للكنيسة الأرثوذكسية اليونانية بدورها صحيفة اسمها "الهدية" وزودت الصحافة بزاد جديد مهم سنة 1885 حين صدرت صحيفة بيروت الأسبوعية، التي كانت تؤدى بتأييد من الحكومة دور الموازنة لصحيفة "ثمرات الفنون"، فلما أصبحت بيروت في مارس سنة 1888 قصبة الولاية أنشئت صحيفة حكومية رسمية باسم "بيروت الرسمية". في نهاية القرن (انظر Washington - Serrys، ص 19، 20) كانت تصدر في بيروت 9 صحف دورية وثلاث في أماكن أخرى من لبنان؛ أما في سنة 1912 فكانت الأرقام 8 صحف يومية و 17 أسبوعية و 12 مجلة (Revue du Monde Musulman جـ 19، ص 76 وما بعدها). ويرجع تاريخ صحف شتى، علاوة على لسان الحال، إلى هذه الفترة، مثال ذلك "صدى لبنان" (سنة 1900)، و "البلاغ" (سنة 1910)، "البيرق" (سنة 1912)، وصحيفة زحلة الأسبوعية "زحلة الفتاة" (سنة 1910)؛ ويمكننا أن نعدها جميعًا من الصحف المخضرمة، واستمرت من بعد تطور الصحافة البنانية دون توقف، وظهر خلال الانتداب الفرنسى عدد معلوم من الصحف اليومية بقى بعضها حتى زمننا الحال وهي: الأحرار (سنة 1923) والشرق (سنة 1926)، والنهار (سنة 1932)، والاتحاد اللبنانية (سنة 1933 والرواد (سنة 1934)، وبيروت (سنة 1936) وا لنضال (سنة 1936)، واليوم (سنة 1937) , ورقيب الأحوال (سنة 1939). وأخيرًا العمل (سنة 1939). وهي لسان حال الكتائب. ومنذ سنة 1941، وبخاصة في السنوات التالية للحرب العالمية الثانية، دخل في الصحافة عدد كبير من الصحف والمجلات. وكان موقف الصحافة العربية في لبنان سنة 1946 موضع بحث (ظهر في Cahiers " de l'Orient Contemporain - رقم 4، ص 809 - 812 وذكر فيه أن

29 صحيفة يومية و 25 مجلة دورية كانت تصدر في بيروت و 16 مجلة دورية أخرى كانت تصدر في أماكن أخرى في البلاد). وفي سنة 1956 كانت الصحافة اللبنانية عبارة عن 27 صحيفة يومية و 37 مجلة دورية، وهي أرقام لا يفسرها إلا بناء البلاد الاجتماعى والدينى والسياسى المعقد أشد التعقيد، كما تفسرها الحرية العظيمة التي تنعم بها الصحافة؛ ويجب أن نضيف إلى هذه الأرقام 18 مجلة دورية تصدر في الأقاليم القائمة داخل البلاد، وصحيفتين يوميتين في أرمينية، وصحيفتين بالإنكليزية و 10 صحف بالفرنسية، منها L'orient (سنة 1924) و La Revue du Liban (سنة 1928) و Le Jour (سنة 1934) التي تعود إلى عهد الانتداب، وكان توزيعها يبلغ عددًا يعتبر مرتفعًا بالنسبة لهذه البلاد (ارتفع العدد إلى 7.000 أو 8.000 نسخة)؛ وكانت صحيفة Le Commerce du Levant (سنة 1928)، وتبحث في الشئون الاقتصادية، والمالية، توزع توزيعًا واسع النطاق. سورية: لم تظهر الصحف في سورية إلا سنة 1865 في دمشق وسنة 1866 في حلب؛ وكانت أول صحيفتين تطبعان باللغة العربية والتركية وتنشئهما الحكومة العثمانية هما "سورية" و"الفرات"؛ وكان إنشاء هاتين الصحيفتين مقترنًا بإعادة تنظيم الإدارة التركية، وتقرر في الوقت نفسه أن تكون لسلطات الولايات جميعًا صحيفة تطبع. وهذه الحقيقة تفسر اللغتين اللتين كانت تطبع بهما هذه الصحف؛ ومن الأمثلة الأخرى التي يصح ذكرها جريدة "دمشق" التي أنشأتها الحكومة التركية سنة 1879, و "مرآة الأخلاق" التي صدرت سنة 1886, وظهرت صحيفة "الشام" الأسبوعية السياسية المستقلة في دمشق سنة 1869، على حين نشرت في حلب جريدة "الشهباء" وهي صحيفة أسبوعية، اعتبارًا من سنة 1893، و"الاتحاد" من سنة 1879، وفي طرابلس ظهرت جريدة "طرابلس الشام"، وهي صحيفة أسبوعية، اعتبارًا من سنة 1892.

على أن الصحافة في سورية، شأنها شأن الصحافة في لبنان، كانت تحيا حياة خطرة، ويرجح هذا بخاصة إلى أن الحكومة كانت تعالج اى نقد مستقل لتصرفاتها بقسوة بالغة، ومن ثم نجد أن كثيرًا من الصحفيين السوريين اللبنانيين لجأوا إلى مصر؛ وبعد قيام الانتداب الفرنسى نمت صحافة دمشق نموًا واسع النطاق جدًّا، وظهر عدد كبير من الصحف، ولكن أرقام التوزيع كانت في معظم الحالات تظل في مستوى منخفض؛ وفي سنة 1929 وحدها ظهرت 9 صحف عربية يومية، وصحيفتان فرنسيتان يوميتين، إلى جانب عدد متفاوت من المجلات الدورية؛ ومن الواضح أن هذا العدد أكثر مما يجب، لأن عددًا بهذا الحجم لم تكن تبرره بحال الظروف نفسها التي كانت تسود بيروت؛ ومع ذلك فقد زاد هذا العدد فعلا بعد الحرب العالمية الثانية، وقد سجل في سنة 1946 وجود 19 صحيفة يومية في دمشق و 7 في حلب وصحيفة واحدة في حماة، وكذلك ثلاث مجلات دورية في دمشق (Cahiers de I'Orient Contemporain رقم 4، ص 812 - 813). ومن عهد الانتداب لم يبق من هذه الصحف سنة 1956 إلا صحيفتا "ألف باء" (سنة 1920) و"الأيام" (سنة 1931) وكلتاهما معتدلتان، و"القبس" (سنة 1928) و"الأخبار" (سنة 1928) و "الإنشاء" (سنة 1936) وهي ألسنة حال الحزب الوطنى؛ وعلاوة على هذه الصحف اليومية المخضرمة ظهرت 15 صحيفة أخرى تمثل كل نوع من أنواع الرأى السياسي، وفي الوقت نفسه ظهرت ست مجلات دورية، وظهرت في أماكن أخرى من سورية نحو عشر صحف أخرى، وهي ألسنة حال الأحزاب المختلفة؛ ولنا أن نلاحظ أن صحيفة حلبية مستقلة أنشئت سنة 1928 وكانت تنشر بالفرنسية باسم " l'Eclair du Nord" وفي سنة 1945 أصبح اسمها "برق الشمال". فلسطين: كان تطور الصحافة العربية في فلسطين أبطأ مما كان في مصر أو سورية أو لبنان، وقد وقع هذا التطور في وقت متأخر عنه في غيرها؛ ولا شك أن المطبوعات السورية

واللبنانية كانت توزع في فلسطين العثمانية، ولكن فيما عدا بعض صحف البعثات والمطبوعات المدرسية، كانت أول جريدة فلسطينية عربية هي "الكرمل" التي أنشأها في سنة 1908 نجيب نصار، وهو مسيحى أورثوذكسى، واستمرت هذه الجريدة حتى سنة 1924؛ وفي سنة 1911 أنشأ عيسى العيسى، وهو مسيحى أورثوذكسى آخر، صحيفة "فلسطين" في يافا؛ وكانت الصحيفتان تظهران في فترات غير منتظمة بعض الشيء، وقد صادرت السلطات التركية الصحيفتين خلال الحرب العالمية الأولى؛ ثم استأنفتا الصدور بعد الحرب وقد صاحبهما عدد كبير من الصحف الجديدة كانت تعبر عن ردود الفعل العربية السياسية للانتداب البريطانى وسياسة الوطن القومى اليهودى؛ وكان من هذه الصحف صفحتا "سورية الجنوبية" (يحررها عارف العارف ومحمد حسن البُدَيرى) و "مرآة الشرق" (يحررها بولس شحادة)، وكلتاهما صدرتا سنة 1919 ولم تدوما طويلا، وقد أنشئت صحيفة "الصباح" سنة 1921 (وكان يحررها كامل البديرى ويوسف ياسين، واصبحت لسان حال السلطة التنفيذية العربية). وكانت أول صحيفة يومية تصدر بالعربية هي "فلسطين" القديمة، وهي التي بدأت تصدر يوميا بانتظام سنة 1929. واستمرت حتى يومنا هذا في مدينة القدس القديمة؛ وكانت الصحف الأخرى هي "الصراط المستقيم" (التي أنشئت سنة 1925 وصدرت يومية منذ سنة 1929، وكان يحررها الشيخ عبد الله القَلْقيلى)، و "الدفاع" (التي أنشئت سنة 1934 وكان يحررها إبراهيم الشَنْطى)؛ وكانت الصحيفتان يملكهما ويحررهما المسلمون؛ وكانت صحيفة "الصراط المستقيم" إسلامية اللهجة بشكل ملحوظ؛ أما صحيفة "الدفاع" فكانت تعبر عن الآراء القومية العربية القوية، وكانت أول الأمر متصلة بحزب الاستقلال واتصلت من بعد بالجماعات التي كان يقودها الحسينية، ولا تزال تنشر في القدس الأردنية؛ أما صحيفة "الموحدة" الأسبوعية التي

أنشئت سنة 1945 فقد أصبحت صحيفة يومية في العام التالي. وخلال الثلاثينات والأربعينات من القرن التاسع عشر حدث تطور سريع جدًّا في صحافة المجلات وبخاصة في المجلات السياسية، سواء الأسبوعية منها أو التي تصدر مرة كل أسبوعين؛ وقد أعيدت صياغتها على نمط الصحف المصرية الأسبوعية، فبعضها كان يقدم لقرائه التعليقات على الأمور الهامة وأخبار الأفلام، وغير ذلك من أسباب التسلية الأخرى، وكانت تنشر الصور أحيانًا، علاوة على الأخبار والتعليقات السياسية؛ وكان ثمة صحيفتان هما الاتحاد الأسبوعية (التي أنشئت سنة 1944) و"الغد" التي تصدر مرة كل أسبوعين (نشرت أولًا بصفة غير منتظمة في العشرينات، وأعيد إصدارها سنة 1945) وهما تمثلان الآراء الشيوعية أو الموالية للشيوعية؛ أما بقية الصحف فكانت تعبر عن ألوان شتى من القومية العربية والحزبيات بين القادة العرب؛ وكانت الصحافة التي تكتب بلغات أخرى غير اللغة العربية يهودية في معظمها؛ وبعد نهاية فترة الانتداب على فلسطين استمر الصحفيون العرب الفلسطينيون في نشر صحفهم بالأردن، أو قل استأنفوا هذا النشر. وحسبما ذكرت مجلة Middle East (الشرق الأوسط) كان في فلسطين سنة 1936 سبع صحف يومية في القدس وعمان و 14 مجلة دورية بالعربية والإنكليزية. العراق: أنشأ مدحت باشا الوالى العثمانى الحر في سنة 1868 أول صحيفة عربية في العراق وهي "الزوراء"، وقد ظهرت بالعربية والتركية، وكانت تؤيد سياسة الحكومة وتنشر في الوقت نفسه النصوص الرسمية والأنباء بوجه عام؛ وفي سنة 1875 أنشأت الحكومة صحيفة أخرى في الموصل اسمها "الموصل"، وفي سنة 1895 أنشأت صحيفة ثالثة في البصرة اسمها "البَصْرة". ومن الصحف الكثيرة التي نشأت بعد صدور دستور سنة 1908 نذكر الصحف التالية: بغداد (سنة 1908) الرقيب (سنة 1909)، بين النهرين

(سنة 1909)، بالعربية والتركية، الرياض (سنة 1910)، الرُصافة (سنة 1910) والنهضة (سنة 1913)؛ وفي ظل الانتداب البريطانى ظهر عدد كبير من الصحف الجديدة وبخاصة الوقائع العراقية والموصل والعراق والشرق؛ وبعد الحرب العالمية الثانية كان لكل من الأحزاب السياسية الكثيرة التي نشأت حديثًا صحيفته الخاصة به، وحتى ثورة 14 يولية سنة 1958 كانت لكل مدينة في العراق تقريبًا صحيفة يومية أو أسبوعية. الجزيرة العربية: كانت أقدم صحيفة في شبه الجزيرة العربية هي صنعاء التي يعود تاريخها إلى سنة 1877، وكانت تطبع باللغتين العربية والتركية شأنها في ذلك شأن ذلك العدد الكبير جدًّا من المطبوعات الرسمية في العهد العثمانى، ولم يقيض لمكة أن تصدر صحيفتها الأولى إلا سنة 1908 واسمها "الحجاز" وتمثل الصحافة الآن الصحيفة الرسمية التي تصدر مرة في الأسبوع في مكة، وهي "أم القرى"، وكذلك تمثلها "البلاد السعودية" (وهي تصدر مرتين في الأسبوع في مكة) والحج (وهي شهرية وتصدر في مكة)، والمدينة (وهي أسبوعية تصدر في المدينة)؛ وقد ظهرت في جدة سنة 1953 صحيفة أكثر أخذًا بالأساليب الحديثه اسمها الرياض ولكنها أكرهت على التوقف نتيجة لعداوة الإخوان. ولمستعمرة عدن ست صحف عربية، نذكر منها الأخبار العدنية، وفتاة الجزيرة؛ وفي الكويت نجد أهم صحيفة هي الكويت اليوم (سنة 1955)، ولكنها تصدر أيضًا مجلة شهرية ملونة اسمها "العسلى" وتنشرها الحكومة. المصادر: (1) فيليب طَرّازى: تاريخ الصحافة العربية، بيروت، سنة. 1913 - 1933 (4 مجلدات). (2) إبراهيم عبده: تطور الصحافة المصرية، القاهرة سنة 1945. (3) قستاقى الحلبى: تاريخ تكوين الصحف المصرية، الإسكندرية من غير تاريخ.

(4) عبد الرزاق الحسنى: تاريخ الصحافة العراقية، بغداد سنة 1957. (5) م. سمهان: الصحافة، القاهرة سنة 1358 هـ = 1939 م. (1) كمال الدين جلا ل Entstehung und Entwicklung der Tagespresse in Aegypten، فرانكفورت على الماين، سنة 1939. (7) الهلال، جـ 1 (سنة 1892)، ص 9 - 16؛ جـ 5 (سنة 1896)، ص 141. (8) L'Arabe: Washington-Serruys mnderne Etudie daps Les Journaux et les Pieces Offcielles بيروت، سنة 1897 (موقف الصحافة العربية في ذلك التاريخ). (9) The Arabic press: M. Hartmann of gypt، لندن سنة 1899. (10) 1937 L'Egypte indkpendante باريس سنة 1937 ص 369 - 456. (11) pearson، ص 343 - 346. (12) Revue du Monde Musulman في مواضع مختلفة. (13) The Middle East في مواضع مختلفة. (14) Annuaire du Monde Musubnan باريس سنة 1929، ص 49 - 77. (15) La Presse Arabe en: Margot 1927 , الدار البيضاء سنة 1928. (ب) إفريقية الشمالية قد يبدو من المفارقات أن بلاد الجزائر- وهي اليوم بلاد المغرب التي تعد أفقر بلاد شمال إفريقية في الصحف العربية- كانت أول هذه البلاد في إصدار صحيفة دورية متواضعة في "المبشر" من سنة 1847 إلى 3 ديسمبر سنة 1926؛ وكانت المبشر هي النسخة العربية من الصحيفة الرسمية Moniteur التي أنشئت في مدينة الجزائر يوم 27 يناير سنة (انظر H.Flori . في. RA. Fr جـ 82 (سنة 1938)، ص 173 - 380؛ G. Ser- Gal في Documents Algeriens، 8 ديسمبر سنة 1948) كانت المبشر تنشر، علاوة على المعلومات الرسمية، الأنباء

والأبحاث التاريخية والأثرية والطبية ونحوها، ولم يحتذ أحد مثالها في الحال، إذ كان لا بد من الانتظار حتى مستهل القرن العشرين حتى تظهر صحافة مستقلة يحررها المسلمون في الواقع ولكن يديرها في حالات كثيرة الأوربيون الذين كانوا تواقين لتزويد الجمهور الذي يقرا العربية بالمعلومات وتعليمه، وهكذا أنشئت الناصح (سنة 1899) والجزير ة (سنة 1900)، ثم الإحياء (سنة 1906) وتلمسان، وكوكب إفريقية (مدينة الجزائر، 17 مايو سنة 1907)، والجزائر (مدينة الجزائر سنة 1908) والفاروق (مدينة الجزائر سنة 1909). والرشيدى) في جيجل) ونحوها؛ على أن هذه الصحف كانت سريعة الزوال وقد اختفت قبل سنة 1914. وكانت الفترة ما بين الحربين الكبريين هي الفترة الثانية في تاريخ الصحافة الإسلامية في بلاد الجزائر؛ وقد شهدت هذه الفترة من ناحية مولد سلسلة من الصحف التي كان يحررها المسلمون بالفرنسية مثل La Voiz des Humbles' La Voix Indigene (سنة 1923) L'Entente و La La Defence Justice و Le Reveil de (بونة سنة 1922) ونحوها، وكان المقصود بها جميعًا التعبير عن المطامح الشعبية والميول السياسية على اختلافها؛ وشهدت هذه الفترة من ناحية أخرى مولد صحافة دورية بالعربية ذات طابع سياسى دينى متميز، وقد سادت هذه الفكرة في الواقع النضال الذي تعارضت فيه طائفتان نشيطتان وكان السبب في قيام جدل عنيف: العلماء المصلحون المعادون للطائفية وللبدع ونحو ذلك، وكانوا يعتمدون على "الشهاب" (كانت يومية ثم صدرت شهرية، قسنطينة 1924 - 1939)، ثم على "الإصلاح" (بسكرة، سنة 1929 - 1942) وأخيرًا على البصائر (مدينة الجزائر، 27 ديسمبر سنة 1935 - 1956)؛ ثم حزب المرابطين، الذي كان يؤيد بوجه عام الاتفاق الفرنسى الإسلامي وكان لسان حاله صحيفة "النجاح" (كانت تصدر مرة كل ثلاثة أسابيع ثم مرة كل أسبوعين، قسنطينة 1919 - 1956)، و"البلاغ

الجزائرى" (مستغانم سنة 1927 - 1947) ويجدر بنا أن نذكر أيضًا "وادي ميزاب، الخارجية (الجزائر 1936 - 1938)، من بين عشر صحف ازدهرت في هذه الفترة. وفي سنة 1945 يبق إلا البلاغ الجزائرى والبصائر (منعت في 5 أبريل سنة 1956)، والنجاح (كفت عن الظهور من أول سبتمبر من السنة نفسها)؛ وقد أضيفت إلى صحيفة العلماء، اعتبارا من 15 ديسمبر سنة 1949 حتى 8 فبراير سنة 1951، مجلة أسبوعية تنشر في قسنطينة أسمها "الشعلة"، على حين كان حزب المرابطين يصدر صحيفة شهرية هي "الذكرى" في تلمسان منذ 15 ديسمبر سنة 1945 حتى أغسطس سنة 1955، على أنه حدث خلال هذه الفترة الثالثة أن تغيرت الميول الإسلامية تغيرًا ملحوظًا، وظهرت بعض الصحف السياسية في جوهرها ظهورًا متواضعًا ("الجزائر الجديدة"، من يناير سنة 1946 حتى 14 سبتمبرسنة 1955، وكانت شيوعية؛ و "صوت الجزائر" من 21 نوفمبر سنة 1953 وهي التي أصبح اسمها "صوت الشعب" من 21 أغسطس سنة 1954 حتى 5 نوفمبر سنة 1956: M.T.L.D) وقد كفت جميعًا عن الظهور الآن (سنة 1960) أو منعت صدورها السلطات؛ ويعتمد الجمهور في معلوماته على صحافة فرنسية اللغة متطورة أعظم تطور؛ ويجب أن نلاحظ علاوة على هذا أنه ما من صحيفة من الصحف اليومية استمرت في بلاد الجزائر وأن الصحف التي سبق لنا ذكرها لم تكن تصدر في معظم الحالات إلا في أوقات غير منتظمة، ومما يجب أن نذكره أن الهواة هم الذين كانوا يصدرونها وكانت مصادرهم المالية غير مستقرة وأساليبهم الفنية بدائية. وفي مراكش أنشئت أول صحيفة في سبتة يوم أول مايو سنة 1820 ولكنها كانت تصدر باللغة الأسيانية، وتطورت الصحافة التي تكتب بهذه اللغة أو بالفرنسية، وبخاصة في طنجة، في خلال القرن التاسع عشر، ثم ظهرت سنة 1889 صحيفة عربية (المغرب) بضع مرات وكان ينشرها

إنكليزى في تلك المدينة حيث حاول كثير من الأوربيين في مستهل القرن العشرين الوصول إلى الشعب الإسلامي بتكملة صحفهم بطبعة كاملة أو جزئية باللغة العربية؛ ومن ثم استطاعت الصحف التالية بفضل المبادرة الأوروبية ومعاونة المحررين من سورية ولبنان، أن تظهر في طنجة: السعادة (سنة 1905)، والصباح (سنة 1906)، ولسان المغرب (سنة 1907)، والملحق العربي لصحيفة El Telegrama del Rif (سنة 1907)، و"استقلال المغرب"، وهي الطبعة العربية من الصحيفة التي تصدر مرتين في الشهر L'Independance marocaine (سنة 1907)؛ وكانت أول صحيفة إسلامية هي "الطاعون" (كذا)، وهي صحيفة شهرية أشرف عليها الشريف الكتانى (مارس سنة 1908) وفي السنة نفسها نشرت الحكومة المراكشية صحيفة رسمية اسمها "الفجر" كان يحررها مسيحى سورى، وقد نقلت إلى فاس سنة 1909، وكذلك أنشئت في طنجة صحف أخرى، وبخاصة "الحق، (سنة 1911) و"الترقى" (سنة 1912). وبعد قيام الحماية نقلت "السعادة" إلى الرباط حيث كانت تصدر أولًا ثلاث مرات في الأسبوع ثم صدرت يومية، وكانت هذه الصحيفه شبه الرسمية تحرر بعناية وتطبع طباعة جميلة وتزين برسوم عدة، وكانت تواقة لأن تحيط قراءها علما بالحوادث التي تجرى في الحياة المراكشية، وتوزع توزيعًا واسع النطاق في مراكش بأسرها. وقد لعبت دورًا لا يمكن إنكاره في الحياة التعليمية والسياسية؛ أما في المدن الأخرى فإن الصحافة العربية لم تتطور على الإطلاق تقريبًا؛ ولم يكن "للوداد" إلا عدد محدود من القراء؛ وأنشئت في فاس صحيفة يومية هي "الأخبار التلغرافية"، بينما أنشئت في الدار البيضاء صحيفة أسبوعية هي "الأخبار المغربية" وكانت ملحقًا لصحيفة L'Inrmation Marocaine؛ ولم تبق "الجنوب" في مراكش إلا فترة وجيزة، ولكن حدث في الشمال، أي في تطوان، أن لقيت بعض الصحف

السياسية شيئًا من النجاح (الإصلاح، والاتحاد، وإظهار الحق). وقد شهد حصول مراكش على الاستقلال (سنة 1956) تجديدًا للصحافة العربية في البلاد، وإن كانت الصحف الفرنسية اللغة قد تلقت ترخيصًا بالظهور، إلى حين على الأقل؛ وقد أنشئت ثلاث صحف يومية هي: "العهد الجديد" (الرباط) وكانت غير رسمية، وألحقت بها منذ أول سبتمبر سنة 1960 صحيفة "الفجر"، التي كان مقررًا لها أن تحل محلها؛ و "العلم" (الرباط)، و"التحرير" (الدار البيضاء)؛ وكانت صحيفتا العلم والتحرير هما لسان حال حزب الاستقلال، مع شيء من الانحراف، وكان مجموع توزيع هذه الصحف الثلاث أقل من 25.000 نسخة؛ ويعتمد حزب الاستقلال الديمقراطى (P DI)، الذي كان ينشر بين الحين والحين صحيفة أسبوعية بالفرنسية هىفي Democratie، على صحيفة كانت تنشر مرتين أسبوعيا هي "الرأى العام، ؛ وكان اتحاد العمال المراكشى (U.M.T) يملك صحيفة أسبوعية في الدار البيضاء هي "الطليعة"، كما كان الاتحاد المراكشى للتجارة والصناعة والحرف (U.M.C.I.A) يملك صحيفة "الاتحاد" الأسبوعية في الدار البيضاء أيضًا؛ وفي سنة 1959 نشرت أيضًا أربع صحف أسبوعية سياسية هي: "الأيام" (الاستقلال بالدار البيضاء) و "المغرب العربي" (الحركة الشعبية المراكشية بالرباط)، و"النضال" (الأحرار المستقلون بالرباط)، و"حياة الشعب" (شيوعية)؛ ويجب علينا أن نذكر أخيرًا مجلة أدبية شهرية في مراكش هي "رسالة الأديب". ومن الطبيعي أن تبلغ الصحافة في بلاد تونس أعظم تطور لها، وقد جاءت الحربان العالميتان بشيء من المرونة وجعلت من الممكن التمييز بين ثلاث فترات، ولكن يمكن للمرء أن يعتبر بوجه عام أن نهاية الحماية الفرنسية وحلول استقلال البلاد (سنة 1956) هما حدان لفترتين متميزتين تمامًا. وكانت بلاد تونس تملك في وقت مبكر يرجع إلى سنة 1861 صحيفة

رسمية هي "الرائد التونسى" كما كانت تملك سنة 1890, صحيفة أنباء يومية هي "الزُهْرَة" التي كتب لها البقاء أكثر من 60 عامًا؛ وظهرت صحيفة يومية ثانية هي "الرُشْدية" من سنة 1904 حتى سنة 1910، وأنشئت ثالثة هي "النهضة" سنة 1923؛ وقد أضيفت إلى هذه المطبوعات في وقت مبكر مجموعة كبيرة من الصحف الدورية ذات الطابع السياسي والدينى والتجارى ونحو ذلك، تتفاوت في سرعة اختفائها، ونذكر من الصحف الأسبوعية "الحاضرة" غير الرسمية من سنة 1888 حتى سنة. ثم الصحيفة الحر ة "الزمان" (سنة 1930) , والصحيفة الإسلامية الشاملة "لسان الشعب") (1920 - 1937)؛ وفي الفترة التي بين الحربين العالميتين ظهرت بضع صحف دورية في الأقاليم، وكانت ذات طابع متميز غاية التميز، وكانت ميولها بين الدستورية القديمة ("العصر الجديد"، صفاقس سنة 1919 - 1925، 1936؛ و"الدفاع"، القيروان سنة 1937) وبين الدستورية الجديدة بخاصة (في صفاقس "صدى الأمة" سنة 1936 - 1937؛ "الانشراح" سنة 1937، الأنيس سنة 1937، "الكشكول" سنة 1937؛ وفي سوسة "فتى الساحل" سنة 1936 - 1937، وفي القيروان: "صبرة" سنة 1937). وجمع زوادوفسكى G. Zawadowski (انظر المصادر) سنة 1937: 161 عنوانًا وقدم رسما بيانيًا مدهشًا جدًّا، فقد تفاوت عدد الصحف العربية من سنة 1861 حتى سنة 1903 بين واحدة وست؛ وبلغ عددها 23 سنة 1907، بعد التخفف من مقتضيات الأمن في 2 يناير سنة 1904، وهبط عددها إلى أربع صحف خلال الحرب العالمية الأولى ليبلغ عددها 32 صحيفة سنة 1921، ثم عاد العدد فهبط إلى إحدى عشرة صحيفة سنة 1928 - 1929 عقب اتخاذ الإجراءات للقضاء على الجرائم الجنائية والسياسية، وأخيرًا بلغ هذا العدد 51 صحيفة سنة 1937, وعلاوة على هذا فقد أشار هذا الكاتب نفسه، إلى 13 صحيفة دورية كان ينشرها التونسيون باللغة الفرنسية؛ وذكر بما لا يقل عن هذا إثارة

للاهتمام: 73 صحيفة يهودية عربية باللغة العربية ولكنها كانت تكتب بحروف عبرية، وكان أقدمها "المباشر" التي ظهرت سنة 1844 - 1885؛ وقد أزدهرت هذه الصحافة اليهودية حتى الحرب العالمية الأولى، ثم أخذت بعدئذ تضمحل بأطراد حتى سنة 1937 فلم يبق منها إلا ثلاث صحف هزيلة في تونس وسوسة. وقامت الصحافة العربية في قصبة البلاد بدور هام خلال السنوات التي سبقت الاستقلال مباشرة، وكانت تعتمد على الموارد المالية والأساليب الفنية البارعة، ويديرها صحفيون محترفون ويحررون بعض موادها فأصبحت رائد القومية وحاولت أن تهدى جمهورها إلى فكرة الاستقلال وأن تنشر مبادئ الدعوة المناهضة للفرنسيين في المدن والقرى، ولما تحقق لها هدفها أو كاد اتخذت بعض الصحف، التي تعد من أهم صحف البلاد، موقف المعارضة وحاولت أن تنافس الحكومة، واضطرت آخر الأمر إلى أن تتوقف عن النشر حتى أنه لم يبق من الصحافة السابقة إلا "العمل"، وكانت تصدر مرتين في الأسبوع، وقد أنشأها في أول يونية سنة 1934 رئيس الجمهورية المقبل الحبيب بورقيبة، وأصبحت الآن صحيفة يومية، والصحيفة الأسبوعية الشيوعية "الطليعة" التي أنشئت سنة 1937, وقد أنشئت صحيفة يومية جديدة هي "الصباح"، وحلت محل الصحيفة الأسبوعية "الإرادة" لسان حال الدستوريين القدامى منذ سنة 1934 صحيفة "الاستقلال"، على حين أن عددًا قليلا من الصحف الدورية الوطنية الأخرى كالعلم والنداء والجمهورى أصبحت تظهر بحال يتفاوت انتظامها. أما صحيفة "المقاومة الجزائرية" الأسبوعية FLN، فقد اصبحت هي "المجاهد"، ويجب أن نذكر أخيرًا مجلة ثقافية شهرية صدرت منذ أول أكتوبر سنة 1955 وهي "الفكر" التي يحتفظ لها الشبان التونسيون من خريجى الجامعة بمستوى محترم، ويظهر الآن (سنة 1960) في تونس ثلاث صحف يومية فرنسية، أقدمها هي - Depache Tu nisienne، وصحيفة إيطالية واحدة.

ومما يجدر ذكره صحيفة أسبوعية سياسية هي L'Action (وهي الآن Afrique- Action) التي حازت بعض الشهرة في الخارج. المصادر: (1) Revue du monde musulman, جـ 1 - 62 في مواضع مختلفة (وبخاصة L. Meryier: La Presse Mu- , sulmane au Maroc سنة 1908. ص 619 - 630). (2) Annuaire du: L. Massignon Monde Musuhnna باريس سنة 1929، ص 49 - 77 في مواضع مختلفة. (3) Sciences et ; E. Dermenghem , Voyages جـ 25/ 4، سنة 1935. (4) Le Mouvement re-: H. Peres - formiste en Algerie et l'infuence de 1'Ori d'Algerie prwsse arabe ent, d'apr& la في Entretiens sur 1'Evolution des pays de civilisation arbe، باريس سنة 1936، ص 49 - 59. (5) توفيق المدني: كتاب الجزائر، ص 367 - 372. (6) Journaux et jour: J.L. Miege nalistes d Tanger au XIX siecle في Hes- Peris، سنة 1954، ص 191 - 228. (7) La Presse in-: G. Zawadowski digene de Tunisie في Revue des Etudes Islamiques، سنة 1937، ص 357 - 389. (8) La linerature Populaire: Vassel des Israelites tunisiens، سنة 1905 - 1907. (9) La litterature et la: A. Canal 1900 Presse tunisienne de 1'occupation d باريس سنة 1924، ص 133 - 204. (10) Index de: A.van Leeuwen Publictions Periodiques Parus en Tunisie (1874 - 1954) في Revue de 1'Institut belles Lettres Arabes de جـ 18 (سنة 1955) ص 153 - 167. (11) La formation de la- A. Merad -1919) Presse musulmane en Algerie (1939، في المجلة السابقة. ليبيا: أنشئت "طرابلس الغرب"، أول صحيفة عربية تركية في طرابلس

سنة 1871، وكانت ذات طابع رسمى؛ واستمرت في الظهور بالعربية بعد ذلك، وهي المصدر الرئيسى للمعلومات في مملكة ليبيا [وقتذاك]؛ وثمة صحيفة أسبوعية ثانية ذات طابع علمي وسياسى هي "الترقى" وقد صدرت منذ سنة 1897 ونشرت: صحف أخرى خلال السيادة الإيطالية ولكنها لم تكن تثير إلا أقل الاهتمام، ومنذ استقلال البلاد ظهرت صحف شتى وبخاصة الصحيفتين الدوريتين "الرائد".و "الطليعة" (لسان حال اتحاد العمال الفيديرالى). صبحي [هيئة التحرير] ج- الجاليات التي تتكلم العربية في خلال العقد الأخير من القرن التاسع عشر والعقد الأول من القرن العشرين نشأت جاليات تتكلم العربية في المدن الكبيرة من شمالي أمريكا وجنوبيها وفي أستراليا وغربى إفريقية؛ وكان المصدر الرئيسى للهجرة هو لبنان وسورية حيث نشأت الصحافة العربية في المهد وحيث ولدت الصحافة العربية بالمعنى الصحيح ودرجت. وقبل سنة 1890 كانت السلطات العثمانية في المنطقة تسمح بالهجرة إلى مصر بالاسم فقط ولكن المهاجرين اللبنانيين والسوريين كانوا قد شقوا طريقهم في وقت مبكر عن ذلك، إلى عواصم اوربية عدة حيث انبثقت كثرة من الصحف والمجلات العربية، وقد ورد في إحصاء طرازى (جـ 4، ص 490)، مؤرخ الصحافة العربية، أنه حدث في الفترة المنتهية بسنة 1929 أن كان العدد في الآستانة 49 صحيفة، وفي روسيا 3 صحف، وفي سويسرا 2، وفي ألمانيا 7، وفي إيطاليا 4، وفي فرنسا 43، وفي بريطانيا العظمى 14، وفي مالطة 8، وفي قبرص 5، ومجموعها 135 جريدة منها 107 صحف أنباء. وكان رائد الصحفيين المهاجرين أرمنيًا من حلب اسمه رزق الله حسوّن، وقد أنشأ صحيفة "مرآة الأحوال" ثم أصدر من بعد (سنة 1872) في لندن "آل سام"؛ وكان حسوّن أول الأمر صاحب حظوة لدى السلطات العثمانية

ولكنه اضطر إلى الهرب إلى لندن ناجيًا بنفسه؛ وهناك أعاد إصدار "مرآة الأحوال" في نحو 450 نسخة مطبوعة على الحجر واستخدمها لمهاجمة الحكومة العثمانية. ويجب أن نذكر من مطبوعات باريس "العروة الوثقى" التي اصدرها في مارس سنة 1884 المصلح المصري محمد عبده وصديقه الذائع الصيت جمال الدين الأفغانى، وكانت "العروة، قصيرة العمر إلا أنها امتازت بدفاعها القوى عن الإسلام وهجومها على البريطانيين في مصر والهند. وقد أثار خليل غانم، وهو نائب بيروتى في البرلمان العثمانى سنة 1867، غضب الباب العالى عليه لآرائه الحرة، وهرب إلى باريس حيث أنشأ (أبريل سنة 1881) جريدة "البصير" التي كشفت النقاب عن مذبحة الأرمن؛ وقد حرمت السلطات التركية ظهور "البصير" شأنها في ذلك شأن المطبوعات الأخرى المناهضة للعثمانيين، ومن ثم حكم عليها بالموت المبكر، وأصدر غانم (سنة 1890). بالأشتراك مع أمين أرسلان، وهو لبنانى من الدروز، صحيفة "تركية الفتاة"، وكان جزء منها يحرر بالفرنسية؛ وكانت الصحيفة الوحيدة المعروفة في غربي إفريقية هي صحيفة "إفريقية التجارية" (داكار سنة 1931 - 1935) وكانت ذات طابع مختلف. وقد بدأت معظم هذه الجرائد صحفًا شخصية منشئها ومحررها وناشرها شخص واحد وظلت كذلك، وكانت أكثر اهتمامًا بالسياسة والأدب من اهتمامها بالأنباء، ولكن قدر لها أن تكون قصيرة العمر إذ لم تكن هناك جاليات محلية لتأييدها فلم تبق منها صحيفة واحدة. وكذلك بدأت جرائد العالم الجديد صحفًا شخصية، ولكن المنشئ والمحرر والناشر كان عادة أديبًا من المهاجرين، (وليس مهاجرًا سياسيًا) يسعى لكسب رزقة بقلمه؛ وكانت نسبة اختفاء هذه الصحف عالية، إلا أن بعضها أصبح صحفًا حقيقية ونال من التأييد المحلى ما يسمح له بالبقاء فترة طويلة، ولكن توزيعها قلما كان يجاوز 5.000 نسخة، وقد ورد في إحصاء طرازى (جـ 4، ص 492, وانظر الهلال، جـ 1،

سنة 1892، ص 12، 14) عن الفترة المنتهية في سنة 1929 وجود 102 من المطبوعات في أمريكا الشمالية والوسطى منها 71 صحيفة، و 166 صحيفة في أمريكا الجنوبية، وتتضمن 134 صحيفة منها ثلاث كانت تصدر في كوبا؛ وكان الرائد في هذه المنطقة هو إبراهيم عربيلى، وهو دمشقى خريج طب من الجامعة المعروفة الآن باسم جامعة بيروت الأمريكية، واضطر عربيلى إلى طلب معونة السفارة الأمريكية في الآستانة للحصول على ترخيص لتصدير الحروف العربية من بيروت؛ وقد صدر العدد الأول من جريدته "كوكب أميركا" بنيويورك في 15 أبريل سنة 1892، وكانت تحمل اسمه واسم نجيب أخيه، وكان من معاونيه في التحرير نجيب ذياب وهو لبنانى من الروم الأرثوذكس، وقد أنشأ بعد سبع سنوات صحيفة "مرآة الغرب" التي لا تزال تصدر في نيويورك، وفي فبراير سنة 1898 أنشأ نعّوم مكرزل، وهو مارونى، صحيفة "الهدى" في فيلادلفيا ثم انتقلت بعد إلى نيويورك، ولعلها لا تزال أوسع الصحف العربية انتشارًا في أميركا، وقد ساعد التنافس الطائفى بين هاتين الصحيفتين على توزيعهما المبكر؛ وحضر كل من ذياب ومكرزل المؤتمر العربي في باريس (سنة 1913) الذي نادى باللامركزية لولايات تركية العربية؛ وعدا هاتين الصحيفتين كانت في نيويورك في ديسمبر سنة 1961 صحيفة "البيان"، التي أنشئت سنة 1911 وصحيفة "الإصلاح" التي أنشئت سنة 1933 والرابطة اللبنانية التي أنشئت سنة 1957 (انظر Htti: Syrians الملحق "و")؛ وكان مولد هذه الصحيفة المتأخر غريبًا بعض الغرابة؛ وقد كانت "الصائح" بعد سنوات كثيرة من إنشائها سنة 1912 لسان حال طائفة من الأدباء (الرابطة القلمية) يرأسها الأديب المشهور جبران خليل جبران، وكذلك مجلة "الفنون" التي أنشئت سنة 1913؛ وقد أنشأ الشاعر الذائع الصيت إيليا أبو ماضى صحيفة "السمير" في نيويورك من سنة 1929 حتى وفاته سنة 1956؛ ويصدر في دترويت في الوقت الحاضر (ديسمبر سنة 1961) ثلاث صحف.

وفي أمريكا الجنوبية يذكر العبد، وهو نفسه صحفى سورى في بيونس إيرس، 31 صحيفة في ريودى جانيرو (سنة 1958) منها اثنتان لا تزالان تصدران، وثلاث مجلات (ص 391 - 392)؛ وفي ساو باولو 52 صحيفة ومجلة منها خمس لا تزال باقية (ص 350 - 351)؛ وفي بيونس إيرس 31 صحيفة، منها 6 لا تزال موجودة، و 16 مجلة (ص 381 - 383؛ انظر البدوى، جـ 2، ص 567 - 585)؛ وكان الرواد هم أيضًا اللبنانيون المسيحيون نعّوم لَبَكى مساعد المنشئ سنة 1896 في ريو لصحيفة الرقيب ولصحيفتين أخريين في ساو باولو من بعد، وشكرى الخورى مساعد المنشئ سنة 1899 لأول صحيفة في ساو باولو، وفي سنة 1906 للصحيفة الأطول عمرًا ذات النفوذ بصفة خاصة وهي صحيفة. "أبوالهول"؛ وكانت مجلة "العصبة الأندلسية" ذات أهمية خاصة في ساو باولو (وقد إنشئت سنة 1933)، وأقدم صحيفة في بيونس إيرس هي صحيفة السلام (سنة 1902) ولا تزال تصدر؛ ثم الاستقلال ذات الأهمية الخاصة (سنة 1926) التي أنشأها درزى ولا يزال يحررها. وعمد بعض المحررين -في سبيل البقاء في سوق للقراء أخذ يركد باستمرار- إلى أساليب مشكوك فيها، إن لم تكن أساليب صحفية لا تتفق على الإطلاق وآداب المهنة؛ وعمد محررون آخرون، وهم أكثر حكمة وإقدامًا، إلى نشر مطبوعاتهم بلغتين أو جعلها كلها تصدر باللغة الجديدة التي تناسب الجيل الثاني من المهاجرين؛ وثمة صحيفة شهرية مصورة تصدر باللغة البرتغابية (ساو باولو) واخرى أسبانية (مدينة المكسيك)، وثالثة بالإنكليزية (هوليوود)؛ وكلها تزدهر بفضل عنايتها بالشئون الاجتماعية، وهناك صحيفة Lebanese American Journal (التي أنشئت سنة 1951) و - The Car avan (سنة 1933 وقد كفت عن الصدور سنة 1962) وهما صحيفتان أسبوعيتان، وكانت صحيفة The Syrian World (نيويورك سنة 1926 - 1932) أغزر علمًا، وهي التي كان يصدرها سلّوم مكَرزْل، وكان يحرر أيضًا

الصحف العربية وقد أدخل اللينوتيب العربي. وكانت الصحافة العربية للمهاجرين حرة في الأغلب ولكنها لم تكن قط متطرفة، وكانت مخلصة للبلاد التي تبنتها على حين كانت تعى واجبها نحو بلادها الأصلية، وكانت، من حيث هي همزة وصل، تحافظ على وشائج العلاقة بين المهاجرين وأبناء وطنهم الأول وتبعث النشاط والحياة في هذه الوشائج، كما كانت في الوقت نفسه تشرح الثقافة الجديدة وتساعد على التكيف بها، وقد أسهمت بسخاء في إثراء الأدب العربي الحديث- سواء كان شعرًا أو نثرًا- بالمفردات والأفكار زيادة أعانت الشرق العربي على الأخذ بأسباب الثقافة الغربية. المصادر: (1) البدوى الملثم: الناطقون بالضاد في أمريكا الجنوبية، جزءان، بيروت سنة 1956. (2) The Syrians in: Philip K. Hitti America (نيويورك سنة 1924). (3) الكاتب نفسه: Lebanon in His- tory، لندن ونيويورك سنة 1962، ص 464 - 467. (4) يوسف العيد: جولة في العالم الجديد، بيونس إيرس سنة 1959. (5) Institute of Arab American The Speaking Americans: Affairs- Arab, جـ 2، نيويورك سنة 1946. (6) Daily Journalism in: McFadden Arab states, كولمبس سنة 1953. (7) أديب مروه: الصحافة العربية: نشأتها وتطورها، بيروت سنة 1960. (8) L'Imprimerie: Joseph Nasrallah au Liban، بيروت سنة 1948. (9) خليل صابات، تاريخ الطباعة في الشرق العربي، القاهرة سنة 1958. (10) جورجى صيدح: أدبنا وأدباؤنا في المهاجر الأميركية، بيروت سنة 1957. (11) لويس شيخو: الآداب العربية في القرن التاسع عشر، جـ 2، بيروت سنة 1926، ص 75.

(12) للكاتب نفسه في المشرق، جـ 1 (سنة 1900)، ص 174 - 180. و 251 - 257 و 355 - 362. (13) فيليب طرازى: تاريخ الصحافة العربية، جـ 1 - 4، بيروت سنة 1913 - 1933. (14) جرجى زيدان: تاريخ آداب اللغة العربية، طبعة جديدة قام بها شوقى ضيف، القاهرة سنة 1950، ص 43 - 54، 63 - 44. (15) Elie Safa: Lib- L'emigration . anaise بيروت سنة 1960. صبحي [ف. حِتَّى Philip K.Hitti] د- استعراض للصحافة الناطقة بالضاد المرء لا يستطيع أن يسرف في التنويه بالدور الذي لعبته شتى الصحف، وبخاصة الصحف المصرية، في نشأة وتطور وإثراء ما يعرف باللغة العربية الحديثة أو المعاصرة التي هي مدينة لهذه الصحف في قدرتها على التعبير عن حشد من الأفكار الجديدة استوردت معظمها من الغرب، أكثر من دينها بكثير للأدب بمعناه الحقيقي. ولقد حققت الصحافة العربية في جوهرها تقدما عظيمًا، وظلت وقتًا طويلا تقدم للجمهور، إلى جانب الأنباء الواردة من الخارج التي كانت قديمة، مادة هي المعلومات التي ترضى الحكومة العثمانية أو الإخطارات التي تزودها بها تلك الحكومة ولا تتعدى ذلك؛ وربما كانت الجوائب وحدها هي الاستثناء السعيد الوحيد لذلك؛ ومنذ مستهل القرن، وبخاصة منذ الحرب العالمية الأولى، راحت الصحف اليومية الرئيسية تطرق ميدانًا أوسع نطاقًا وتزود قراءها بمعلومات من كل نوع، وتهتم بالموضوعات الاجتماعية والاقتصادية والأدبية والفنية، وتكيف أو توجه أو تثير الرأى العام متوسلة بالتعليقات التي لا تمليها دائمًا الموضوعية الجديرة بكل ثناء؛ وجنبًا إلى جنب مع هذه الصحافة التي تقارن من بعض الوجوه بالصحافة الغربية، والتي تملك تحت تصرفها موارد فنية ومالية قوية ولديها عدد كبير من الموظفين ومطابع حديثة، كان يوجد حشد من المطبوعات الصغرى، يتولى الحرفيون وحدهم إعدادها، وذلك حين

لا يعتمد رواجها على موارد أصحابها المعترف بها على تفاوت في هذا الاعتراف؛ وكثيرًا ما توقع الجزاءات وتؤدى أحيانًا إلى اختفاء الصحيفة، ولكن هذه الجزاءات قلما تغير السلوك العام لما يسمى بالصحافة المستقلة. والصحف اليومية الكبيرة جدًّا -مثل الأهرام- يمكنها الرجوع إلى مصادر معلومات قد تكون مثار الحسد لكثير من الصحف الغربية؛ ولكن هذا لا يصدق على أغلبية الصحف؛ صحيح أن هذه تتلقى نشرات من وكالة أو اثنتين من الوكالات الأوربية أو الأمريكية- دون أن ندخل في الحساب وكالة أنباء الشرق الأوسط العربية الصرف- ولكننا نلاحظ أن محررًا من المحررين يستغل المادة التي تذيعها الإذاعة، بينما يستخدم زميل أو زميلان في جمع الأنباء المحلية؛ ومن النادر أن تحتفظ الصحف بمراسلين في الخارج؛ ويتولى صاحب الصحيفة بوجه عام مهمة رئيس التحرير. [وإن كان ذلك قد تغير كثيرًا في العقود الأخيرة وبعد ظهور المؤسسات الصحفية]. والمجلات تستحق منا ذكرًا خاصًّا، فكثير منها قد تولى مهمة نشر المعلومات المفيدة الخاصة بالعلوم والأدب والتاريخ بين الجمهور، وتكشف أرقام التوزيع أنها كثيرًا ما تصل إلى جمهور واسع النطاق بعض الشيء؛ والهلال (سنة 1892) لا يحتاج منا إلى مزيد من المديح، والمشرق، وينشره اليسوعيون منذ سنة 1898 في بيروت، ينعم بشهرة علمية دولية، أما المقتبس التي أنشأها محمد كرد على في دمشق سنة 1908، ولغة العرب التي نشرها الأب أنستاسيوس في بغداد، فقد لعبتا دورا ثقافيًا وعلميًّا، وهو الدور الذي تولته في زماننا صحف شتى المجامع العلمية في العالم العربي؛ وتحتوى مختلف القوائم المطبوعة على عناوين مجلات شتى ذات طابع قضائى أو اقتصادى أو مالى أو تجارى أو مشترك ونحو ذلك، كما يوجد عدد معين من المطبوعات النسائية والصحف الهجائية أو الفكاهية ليست كثيرة جدًّا منذ تجربة "أبي نضارة". ففي بيروت "الصحافى التائه" (سنة 1920) والدَبُّور (سنة 1924)، مع

إضافة "الصياد" سنة 1943، وهي لا تزال تصدر، في حين أن عددًا كبيرًا من المجلات المصورة مثل المصوّر (القاهرة) تنعم بنجاح لا يمكن إنكاره. [هيئة التحرير] 2 - إيران أنشئت أول مطبعة بإيران حوالي سنة 1817 في تبريز، وتبعتها أخرى في طهران، ولكن حدث حوالي سنة 1824 أن طغت الطباعة على الحجر على الطباعة أكثر من نصف قرن فأخملتها بسرعة إخمالا تامًّا أو يكاد؛ ومنذ سنة 1848 ظهرت الصحف الأولى أولًا في طهران ثم في شيراز وإصفهان وتبريز؛ وحوالى سنة 1860 أدخلت فيها الصور والرسوم؛ ويرجع تاريخ أول صحيفة دورية ذات طابع علمي إلى سنة 1863, والصحيفة اليومية الأولى إلى سنة 1898. وأول صحيفة فكاهية هجائية سنة 1900؛ والصحف الصادرة بالفارسية ظهرت في الهند في زمن مبكر يرجع إلى سنة 1822 وسنة 1835 (انظر S. C. Sani- In-: al The First Persian newspape their contents dia: a peep into في Islam- Culture ic جـ 7، سنة 1934) وفي الآستانة سنة 1875. وصدر غيرها في لندن وكلكته والقاهرة وباريس وبومباى وواشنطن (بهائى). وكانت الصحافة في عهدها الأول أدبية أكثر منها سياسية، وكان العكس هو الصحيح بعد دستور سنة 1906؛ وتطورت الصحافة بفضل انتشار الطباعة التي حلت شيئًا فشيئًا محل الطباعة بالحجر؛ وقد تعرضت الصحافة من سنة 1910 حتى سنة 1912 إلى تغيرات شتى بسبب الاضطراب السياسي في البلاد، على أن براون (The press ... : E.G.Browne) ذكر، وهو يكمل القائمة التي وضعها رابينو. H. L. Rabino سنة 1911، أسماء 371 صحيفة يومية ومجلة دورية سنة 1914؛ وكثير من المجلات الدورية طابعها أدبى أو علمي؛ ومن المهم أن نضيف أن الصحف السياسية تعد في كثير جدًّا من الأحيان أدبية، وكذلك أيضًا القصائد السياسية العديدة والمقالات الهجائية التي تكتب بالنثر،

وكانت إلى جانب قيمتها الأدبية ذات أهمية تاريخية حقيقية أيضًا (انظر Browne: المصدر المذكور، المقدمة، ص 16؛ المختارات، ص 167). وكانت صحف الفترة المبكرة في كثير من الأحيان غير رسمية ومزودة بالمعلومات تزودًا هزيلًا، إلا أنها كانت تسوق زادًا من المقالات المفيدة التي تنير العقل وتحرر بأسلوب بديع؛ "وكانت تلهم المرء تذوق القراءة، ومن ثم أسهمت في التعليم العام" (Rabino)؛ أما الصحافة التي أعدت العدة لدستور سنة 1906 واقتفت آثاره، فإن براون، الثقة البارز، يقول: "وبعض هذه الصحف، وبخاصة "صور إسرافيل" و "الحبل المتين" و "المساواة" كانت في الواقع من طراز ممتاز، وتعتبر نماذج لأسلوب قوى عصبى محكم لم يكن معروفًا حقًّا حتَّى ذلك الوقت" (The Persian Revolution ص، 127)؛ ثم حدد آراءه من بعد (History .Lit)؛ ويمكننا أن نضيف إلى المصادر التي ذكرها (في The Press)؛ قوائم الصحف والمجلات التي جمعها على نوروز (سنة 1914 - 1925)، Annuaire du Monde Musulman (سنة 1929)؛ ومما يستحق الذكر أيضًا شتى الصحف التي كانت تنشر بالفرنسية والأرمنية والكلدانية. وفي سنة 1930 وقف رشيد باسمى، في ملحقه للترجمة الفارسية لكتاب براون (Literary His-: Browne tory) وقفة مناهضة للإهمال المتزايد للأسلوب الأدبى في كثير من الصحف نتيجة سرعة النشر الاضطرارية وغزو الكلمات الأجنبية التي دخلت في المعلومات وفي المقالات التي كانت تترجم عن الصحف الأوربية؛ وقد أورد قائمة بالصحف (خص بالذكر منها "رعد" و "إيران" و "شفق سرخ" (الشفق الأحمر) و "إطلاعات" و "ناهيد") وقائمة بالمجلات (يذكر منها "أرمغان" (الهدية) و "بهار" و "نوبهار" (الربيع) و "آينده" (المستقبل) و "إيران جوان" (إيران الفتاة)، و "شرق" و "مهر" (الشمس))؛ ويجب أن نضيف إلى هذه المجلات دلك التي كانت تنشرها وزارة المعارف العمومية وجامعتا طهران وتبريز، وكذلك نذكر ما نستطيع أن نضيفه إلى ذلك وهو المجلة الأدبية "ياد كار"

(الذكرى) والمجلة الانتقادية "راهنماى كتاب" (دليل الكتب الجديدة)، وبعض المجلات العلمية والفنية؛ ويذكر براون آخر الأمر بعض المطبوعات السنوية التي تشمل على زاد من المعلومات المهمة المتنوعة (يارس وكاهنامه) وقد اختفت بعض الصحف التي أوردت ذكرها مجلة Anuaire du Monde Musulman؛ ويجب أن نضيف إلى القائمة فيما نضيف "كيهان" (العالم) في طهران؛ و "آزادى" (الحرية) في مشهد؛ والمجلة الرائعة "فرهنكك إيران زمين" (الثقافة الإيرانية) و "مجلة موسيقى" و "سخن" (الكلمة)؛ و "ياغما" (الغنيمة). المصادر: (1) The press and poetry: E.G.Browne of modern Persia، كمبريدج سنة 1914؛ وقائمته تكمل القائمة التي وضعها رابينو La press depuisd: H.J. Rabino origine jusqu'a nos Jours son في Revue Monde Musulman du سنة 1913، جـ 22، ص 287: ترجمة فرنسية عن الأصل الفارسي ذكرها Browne، المصدر المذكور، جـ 2، رقم 2. (2) الكاتب نفسه: The Persian Rev 1909 - 1905 olution of كمبريدج سنة 1910. (3) على نوروز: Regiatre analytique de la press persane 318 بندًا، سنة 1919 - 1923، Revue du Monde Mu- sulman، سنة 1925 (جـ 110)، ص 35. (4) المجلة المذكورة، الفهرس العام (الفهرس 6: , Bouchir-Bakou, Bender: ؛ Presse Ourmiah, Perse proces de, press <

(7) Bogdanov في Jslamic Culture سنة 1929 ص 126 - 152 عن الصحافة الأفغانية؛ (8) E.G. Browne: جـ 4 (طبعة سنة 1930)، 468 - 490. (9) رشيد باسمى: تاريخ أدبيات إيران تأليف يروفيسور إدوارد براون وأدبيات معاصر، طهران سنة 1316 هـ = 1938 م (10) بهار ملك الشعراء: سبق شناسى، طهران سنة 1321 هـ- = 1943 م، جـ 3، ص 344. (11) تعليم وتربية، طهران سنة 1313 - 1335 هـ، جـ 4، ص 657 - 664، 721، 725. (12) باد كار، طهران سنة 1323 - 1324 هـ = 1945 م، جـ 3، ص 49 - 54؛ جـ 7، ص 6 - 17. (13) محمَّد صدر هشيمى: تاريخ جرائد ومجلات إيران، إصفهان سنة 1327 هـ- 1332 (1949 - 1954) في أربعة مجلدات (مهم)؛ (14) Iranische Literatur: Jan Rypka geschichte - , ليبسك سنة سنة 1959، ص 323، ص 346، ص 369، ص 459. (15) Le role de la: A. Toufigh press humoristique et satirique dons la Soeiete Iranienne، رسالة للسوربون لم تنشرر، سنة 1962. صبحى [ماسيه H. Masse] 3 - تركية سبق أن تناولنا في القسم الأوَّل التاريخ المبكر للصحافة في تركية، وقد شهدت سنة 1860 مولد أول صحيفة تركية غير رسمية ينشرها تركى وهي صحيفة "ترجمان أحوال" التي كان ينشرها آكاه أفندى بمعاونة الكاتب والشاعر شناسى، وكان أحمد وفيق باشا ممن يسهمون بالكتابة فيها، وكثيرًا ما كان يحتدم الجدل بين هذه الصحيفة وصحيفة تشرشل، وكانت المناسبة الأولى لذلك نقدا ورد في صحيفة تشرشل لـ "شاعر أونمه سى" (زواج شاعر) لشناسى، التي نشرت مسلسلة في ترجمان أحوال.

وفي سنة 1861 تاقت نفس شناسى إلى حرية أكبر في التعبير في صحيفته فأنشأ "تصوير أفكار" التي كانت أيضًا تنشر مقالات بقلم نامق كمال اعتبارًا من العدد 200، وأغلقت تصوير أفكار أبوابها سنة 1866, وقد صدر منها ما يبلغ في مجموعة 830 عددًا، وهي أعداد لها أعظم الأهمية في تاريخ الصحافة التركية بسبب تأييد الصحيفة للأفكار الحرة. وشهدت سنة 1861 أيضًا مولد أول مجلة تركية صرف في تركية وهي "مجموعة فنون" لمنيف باشا؛ وقد تبعتها سنة 1863 أول صحيفة عسكرية هي "جريدة عسكرية" لأحمد مدحت أفندى، ثم أول صحيفة تجارية "تقويم نجارت" لحسن فهمى باشا سنة 1865, وفي هذه الأثناء نشرت الحكومة سنة 1864 أول تعليمات صحفية (ذلك أن تعليمات سنة 1857 لم تذكر الصحافة الدورية بصفتها هذه، ولكنها كانت تطبق على الكتب والنشرات التي كان يجب تقديمها إلى مجلس المعارف "معارف شوارشى" قبل النشر)؛ وظلت تعليمات سنة 1864 معمولًا بها، فيما عدا فترة انقطاع صغيرة، حتَّى سنة 1909، وقد نصت على انذارات رسمية إلى الصحافة وعلى الإيقاف وإلغاء الرخص وفقًا لمشيئة الحكومة، وكذلك على محاكمة جرائم الصحف أمام محكمة "مجلس أحكام عدلية"، وكان يطلب من الصحف أيضًا أن تقدم نسخة من كل عدد موقعًا عليها من رئيس التحرير المسئول إلى إدارة الصحافة، وهي مكتب حكومي نجد بدايته غامضة، ولكن وجوده سنة 1862 يمكن استخلاصه من أن ساقيزلى (من جزيرة خيوس) أوهانس باشا قد وُلِّى شئونه؛ واستوحيت تعليمات الصحافة لسنة 1864 من قانون الصحافة لنابليون الثالث، ولم ينص على رقابة من هذا القبيل؛ وظلت شئون الصحافة حتَّى سنة 1877 مسئولية وزارة التعليم، مع أن تعليمات سنة 1864 نصت على أن تخضع طلبات الأجانب للحصول على تراخيص الصحافة لوزارة الشئون الخارجية، ويجب أن

نذكر جمعية التأليف والترجمة (تأليف وترجمة جمعيتى) التي ألحقت بوزارة التعليم وعهد إليها اختيار المطبوعات الأجنبية النافعة وترجمتها إلى اللغة التركية؛ ويبدو أن تعليمات سنة 1864 لم تعد تستعمل سنة 1867؛ وهنالك أصدر عالى باشا أمرًا يرخص فيه باتخاذ الإجراءات الإدارية قبل الصحافة بما في ذلك الإيقاف، حين تقضى المصلحة العامة بمثل هذه الإجراءات، وكان السبب في هذا نمو الصحافة الثورية التي أدخلتها صحيفة "المخبر" لعلى سعوى، وهي التي نشرت أولًا في فيلييوبولس (فلبه) سنة 1866 ثم أغلقت في السنة التالية، وكانت المهمة التي وقفت هذه الجريدة نفسها عليها هي أولًا الدفاع عن حقوق المسلمين حيال التعدى الأجنبي وحيال ذلك الوخم المزعوم الذي ران على الجهاز الحكومي؛ وقد أدى نشر قرار سنة 1867 إلى هروب أعضاء جمعية العثمانيين الجدد (يكى عثمانليلر جمعيتى) بمن فيهم على سعاوى ونامق كمال وضياء باشا وآكاه أفندى وغيرهم؛ وقد عمدوا، بفضل المعاونة المادية التي أمدهم بها الأمير المصري مصطفى فاضل باشا، إلى نشر الصحف الثورية المناهضة لسياسة عالى باشا، ولم عاد على سعاوي نشر "المخبر" في لندن سنة 1867 , وتلتها "حرّيت" سنة 1868, وقد قصد بها ضياء باشا ونامق كمال إلى أن تكون صحيفة أسبوعية ولسان حال العثمانيين الجدد، وقد ترك نامق كمال الصحيفة سنة 1869. في حين انتقلت "حرّيت" في السنة التالية إلى جنيف حيث نشر منها 11 عددًا أخرى، فبلغ مجموع ما صدر منها 200 عدد، وانتقل على سعاوى في الوقت نفسه إلى باريس حيث نشر "العلوم" سنة 1869، أول صحيفة باللغة التركية تؤيد القومية التركية، وجدير بالذكر أيضًا صحيفة ثورية أخرى هي "الانقلاب" التي نشرها في جنيف سنة 1870 حسين واصف باشا ومحمد بك، ذلك أنها لم تكن تهاجم وزراء السلطان فحسب بل كانت تهاجم أيضًا السلطان عبد العزيز نفسه.

وفي الوقت نفسه كانت هناك زيادة في النشاط الصحفى في تركية وبخاصة بين سنتى 1868 و 1872؛ وقد تضمنت المطبوعات الجديدة بعض الصحف الهامة التي تعبر عن شتى الآراء مثل "ترقى" و "بصيرت" و "عبرت" و "حديقة"، ومطبوعات فكاهية مثل "ديوجين" و "خيالى" التي تدل صراحتها على أن أمر سنة 1867 "المؤقت" لم يعد يطبق؛ وقد ظهرت "ترقى" أول ما ظهرت سنة 1868، وكان ملحقها الأسبوعى الأوَّل للنساء، على حين نشرت "مميز" التي تبعتها سنة 1869 أول ملحق للأطفال في البلاد، وبدأ نشر ديوجين باليونانية والفرنسية ثم ظهرت فيما بعد بالتركية؛ وقد بدأ عاشر أفندى سنة 1869 نشر "حديقة" صحيفة علمية، وانتقلت سنة 1871 إلى إدارة أبي الضياء توفيق (وكان أبوالضياء قد تعاون في وقت مبكر مع صحيفة ترقى). وفي سنة 1873 انتقلت إلى إدارة شمس الدين سامى؛ أما صحيفة "بصيرت" التي كانت تنشر مقالات بقلم كارسكى Karski البولندى وأحمد مدحت أفندى وعلى سعاوى، فيمكن أن نعدها أكثر صحف ذلك الزمن نجاحًا، إذ كانت تتلو في الشهرة صحيفة رجال الشرطة المشهورة "ورقة ضبطية". وكان أول من حرر "عبرت" أحمد مدحت أفندى، إلَّا أنَّه لم يوفق في تحريرها، ومن ثم انتقلت سنة 1872 إلى إدارة نامق كمال وأبي الضياء توفيق ورشاد بورى؛ وقد هاجم نامق كمال فيها المصدر الأعظم محمود نديم باشا الذي عمل من ثم على نفيه إلى غاليبولى وأوقف الصحيفة أربعة أشهر، وعاد نامق كمال من المنفى واستانف رياسة التحرير بعد أن زالت الحظوة عن عدوه، وتعرضت الصحيفة إلى إيقاف آخر ثم أغلقت إغلاقًا دائمًا سنة 1873 نتيجة للثورة التي سببتها مسرحية نامق كمال "وطن ويا سلستره"، وقد نفى مؤلف المسرحية هذه المرة إلى قلعة فأمَّا كوستا، وكان مجموع ما ظهر من أعداد صحيفة "عبرت" 132 عددًا، ومن الممكن اعتبار هذه الصحيفة خير مروج للأفكار الحرة خلال فترة "التنظيمات"، وشهدت الفترة مولد كثير من المغامرات الصحفية قصيرة الأجل ذات الطابع

السياسي السائد، كما شهدت مولد الصحف ذات الأهمية التي بقيت أكثر من سواها مثال ذلك "وقت" أكثر الصحف توزيعًا، ويرجع الفضل في شهرتها إلى التعليقات السياسية التي كان يكتبها سعيد بك، وقد استحقت الذكر صحيفة "صباح" التي نشرت أول ما نشرت سنة 1876 على يد محمَّد توفيق بك، وذلك بفضل شجاعتها إذ كانت أول صحيفة تظهر بأعمدة كثيرة بيضاء احتجاجًا على مراقبى المطبوعات؛ ونذكر آخر الأمر صحيفة "استقبال"، السامية الفكر، وقد خصَّت بكثير من العناية الشئون التعليمية؛ ويجب أن نذكر أيضًا "مجموعة أبي الضياء" التي نشرها أبوالضياء توفيق (سنة 1880) الصحفى والمؤلف الكثير الانتاج، وكذلك نذكر أول مجلة للأطفال وهي مجلة "أطفال". وقد امتازت العودة إلى الاستبداد في عهد عبد الحميد الثَّاني من الناحية الإدارية بنقل شئون الصحافة إلى وزارة الداخلية سنة 1877، وفي سنة 1878 خضعت الصحف إلى الرقابة المشتركة لوزارات التعليم والداخلية والشرطة، وفي سنة 1881 أنشئت لجنة للتفتيش والرقابة "أنجمن تفتيش ومعاينة"، وعهد إليها الرقابة الوقائية، بل أن سلطة أعلى هي لجنة فحص المؤلفات (تدقيق مؤلفات قومسيونى) أنشئت سنة 1897 وأكملت بلجنة للمطبوعات الدينية والكتب الدينية والشرعية (كتب دينية وشرعية هيأتى)؛ وكانت إدارة الصحافة الأجنبية (مطبوعات أجنبية مدير لكى) تتولى شأن المطبوعات الخطيرة خارج حدود الإمبراطورية، وأنشئت هذه الإدارة سنة 1885؛ وقد اتخذت جميع هذه الإجراءات بالرغم من دستور سنة 1876 الذي كفل في المادة 12 حرية الصحافة "في حدود القانون" وبالرغم من رفض البرلمان لقانون الصحافة الوحشى لسنة 1877؛ وعززت الرقابة على الصحف في عهد عبد الحميد الثَّاني بالرقابة على المطابع (سنة 1888) وعلى بائعى الكتب (سنة 1894). وقد حدد هذا كله عدد المطبوعات ومحتوياتها وإن لم يوقف تطور

الصحافة التركية؛ وتضمنت الصحف اليومية المهمة "صباح" لمهران أفندى التي أنشئت سنة 1976 وقد سبق ذكرها، وكان من بين من كانوا يسهمون في الكتابة فيها الصحفى الشاب الذي اشتهر من بعد حسين جاهد بك؛ وصحيفة "إقدام" لأحمد جودت بك "سنة 1890"، التي كان لها مراسل شبه قانونى بباريس في شخص على كمال بك الذي اشتهر من بعد، و "ترجمان حقيقت" لأحمد مدحت أفندى (عرف باسم "الآلة الكاتبة" لوفرة كتاباته)، التي كان لها فيما بين سنتى 1882 و 1884 شأن أدبى عابر بفضل معلم ناجى؛ وكانت المجلات المهمة تشمل مجلة "ميزان" الأسبوعية السياسية أراد بك (سنة 1886 - 1890، مع بعض فترات انقطعت فيها عن الصدور)؛ وبخاصة "ثروت فنون" لأحمد إحسان بك، وهي رائدة مدرسة أدبية جديدة (توفيق فكرت وجناب شهاب الدين (تعارض محافظى معلم ناجى؛ وقد نشأت "ثروت فنون" سنة 1892، وتألقت فترة، ثم استحالت صحيفة كئيبة لا يخشى منها ضرر نتيجة للضغط الحكومى. وأدى هذا الكبت الرسمى إلى ابتعاث المطبوعات الثورية، فقد بدأ على شفقتى يصدر صحيفة "استقبال" في جنيف سنة 1880، وفي سنة 1895 أنشأ أحمد رضاء بك الصحيفة المهمة "مشورت" بالتركية والفرنسية (وكان الجانب الفرنسى يحرره مبعد آخر إبعادًا موقوتًا وهو مراد بك صاحب صحيفة "ميزان")؛ وقد نشأت صحيفة "مشورت" أول الأمر في باريس، ثم اضطرها الضغط العثمانى الرسمى إلى الانتقال أولًا إلى سويسرة ثم بلجيكا؛ وشهد العقد الأخير من القرن التاسع عشر والسنوات الأولى من القرن العشرين حشدًا من الصحف الثورية التركية قصيرة الأجل في باريس وسويسرا ولندن ومصر، وقد شملت ألسنة حال لجنة الاتحاد والترقى مثال ذلك صحيفة "عثمانلى" التي نشرها عثمان سكوتى وعبد الله جودت، و "حق" و "شوراى أمت" التي نشرت في القاهرة بمعاونة أحمد رضاء بك،

وفي سنة 1902 أي في السنة نفسها التي صدرت فيها صحيفة "شوراى أمت" نشر الأمير صباح الدين صحيفته "ترقى"؛ وثمة صحيفة أخرى ذات نفوذ نشرت في الخارج هي "ترجمان" التي أنشأها غسبرالى إسماعيل (Gasprnski) في القريم سنة 1883. ووضع الدستور مرَّة أخرى موضع التنفيذ في 24 يوليو سنة 1908 فبلغت الصحافة التركية حرية لا حدود لها مدة ثمانية أشهر أو تسعة؛ وسرعان مالحقت بالصحف الثلاث الرئيسية للعهد الحميدى (إقدام وصباح وترجمان وحقيقت) نسخة يومية من "ثروت فنون" وصحيفة "يكى غازته" لعبد الله زهدى ومحمود صادق، والصحيفة ذات الأهمية الكبرى"طنين" التي كان ينشرها توفيق فكرت وحسين كاظم وحسين جاهد. وقد بلغ مجموع التراخيص التي منحت لإصدار الصحف نيفًا ومائتى ترخيص في بضعة الأسابيع الأولى من النظام الدستورى، على حين أن عدد المطبوعات الدورية سنة 1908 - 1909 بلغ 353 مطبوعًا، وقد انخفض هذا العدد باستمرار في السنوات التالية إلى: . 130 سنة 1910. 124 سنة 1911، و 70 سنة 1914؛ وقد ارتبط حظ الصحافة ارتباطًا وثيقًا بمجرى النضال السياسي بين لجنة الاتحاد والترقى وخصومها؛ وفي الشهور الواقعة بين إعادة الدستور و "حادث 31 مارس" (13 أبريل سنة 1909) عارضت هذه اللجنة صحيفة "عثمانلى" لسان حال حزب الأحرار للأمير صباح الدين، كما عارضتها "إقدام" التي كانت تنشر مقالات بقلم على كمال، وكذلك عارضتها صحيفتا "يكى غازته" و "ثروت فنون" وغيرهما، وقد أيدت اللجنة "شوراى ملّت" و "يكى تصوير أفكار" لأبي الضياء توفيق ثم "مليذت" و "حرّيت" وغيرها من المطبوعات وكان يقود المعارضة الدينية صحيفة "وولقان" لدرويش وحدتى، كما كانت تقودها مجلة "بيان الحق"، وقد أعادت الإدارة العسكرية فرض الرقابة بعد "الحادث"، بالرغم من ورود نص في الدستور المعدل يحرم كل رقابة على النشر، وظلت الرقابة العسكرية حتَّى تولت

"المعارضة" الحكم سنة 1912، ولكن الاتحاد والترقي أعاد فرضها بعد انقلاب 10 يناير سنة 1913، وهنالك بقيت حتَّى انحلال الإمبراطورية. وقد أبطلت الرقابة العسكرية إلى حد كبير مفعول قانون الصحافة الحر المصادر في سنة 1909، الذي عدل على كل حال سنة 1913, وقد منح التعديل سلطات كبيرة للسلطات في الحالات التي يعتبر فيها النشر خطرًا على أمن الدولة، وأنشئت في الوقت نفسه إدارة عامة للصحافة؛ وغلب على صحف المعارضة في هذه الحالات قصر الأجل، ومن الصحف القليلة التي تستحق الذكر "سلامت عمومية" (سنة. 1910)، التي كان يحرر فيها عبد الله جودت مقالات يوقعها باسم "كردى" وصحيفة "تأمينات" التي نشرها سنة 1912 إسماعيل حقى باشا لحساب حزب الحرية والائتلاف (حريت وائتلاف)؛ وكذلك شهدت السنوات السابقة للحرب العالمية الأولى ظهور بعض المجلات الأدبية والعلمية المهمة، مثل صحيفة الجمعية التاريخية العثمانية (تاريخ عثمانى أنجمنى مجموعة سى، سنة 1910) و "تورك يوردو" لسان حال "البيوت التركية" (تورك أوجاقلرى)، والصحيفتين الرائدتين الأدبيتين "كنج قلملر" و "رُباب"؛ ويجب أن نشير أيضًا إلى وجود صحف دورية دينية عدة، ففي سنة 1913 أنشأ على كمال الصحيفة اليومية "بيام"، التي اندمجت بعد الحرب في "صباح" لمهران أفندى باسم "بيام صباح" لتكون في مقدمة الصحف المعارضة لمصطفى كمال في إستانبول خلال حرب الاستقلال التركية، وشهدت السنوات الأخيرة من حرب 1918 - 1914 أولى مغامرات لصحفيين اشتهرت صحفهم من بعد في عهد الجمهورية، وفي ذلك الوقت أنشأ أحمد أمين (بالمان) وحقى طارق صحيفة "وقت" ودخل يونس نادى الميدان بصحيفة "يكى كون"، وسداد سيماوى بالمجلة المضحكة "ديكن"، وتعود إلى هذه السنوات أيضًا الصحيفة اليومية الهامة "أقشام" وكانت الصحف التي نشرت في استانبول في نهاية الحرب تتضمن أيضًا "إستانبول" لسعيد ملَّا،

و "عالمدار" لرفيع جواد و "بويوك غازته" لمحمد زكريا (سرتل). وفي الأناضول دافع عن الحركة القومية أول الأمر صحيفة " إراده ملّيّه" لسان حال مؤتمر سيواس، وقد ظهرت أول ما ظهرت يوم 4 سبتمبر سنة 1919؛ ووصل مصطفى كمال باشا إلى أنقره في 27 ديسمبر سنة 1919 وأنشأ بعد وصوله بأسبوعين صحيفته "حاكميت ملّيَّه" التي أعيد تسميتها باسم "أولوس" سنة 1928 و "خلقجى" سنة 1955، ثم عاد الاسم إلى "أولوس" سنة 1956؛ وفي سنة 1920 نقل يونس نادى صحيفته "يكى كون" إلى أنقره، وعاد إلى إستانبول سنة 1923 لينشئ "جمهوريت" التي أصبحت الصحيفة الكمالية الرئيسية في قصبة البلاد القديمة، ومما يستحق الذكر للك المجلات التي أنشئت أو نشرت في السنوات الواقعة بين نهاية الحرب وإعلان الجمهورية، ومن بينها الصحيفة الشيوعية "آيدينلق"، والصحيفة الأدبية "دركاه" التي كانت تنشر مقالات بقلم يعقوب قدرى (قره عثمان أوغلى)، وصحيفة "كوجوك مجموعه" لضياء كوك آلب، وقد بدأت في ديار بكر سنة 1922. وأوقفت الرقابة بدخول الجيش التركى إستانبول يوم 7 أكتوبر سنة 1923؛ وقد أعاد دستور سنة 1924 تأكيد التعهد الدستورى القائم الذي ينص على أن الصحافة حرة في حدود القانون وإنها لا تخضع لرقابة سابقة على النشر، على أن السلطات تولت حقوق الإيقاف في السنة التالية بمقتضى قانون النظام العام (تقرير سكون) الذي ظل معمولًا به سنتين، وكذلك سمح قانون الصحافة المصادر سنة 1932 بالإيقاف والمصادرة بمقتضى قرار حكومى، وقد عدل هذا القانون مرارًا فيما بعد؛ وأعيد تحديد الجرائم الصحفية والعقوبات وغيرها من الأحكام؛ وفي سنة 1933 أصلحت الإدارة العامة للصحافة، وكانت قد انحلت سنة 1931، وأصبحت في سنة 1940 "الإدارة العامة للصحافة والإذاعة والسياحة" وألحقت بمكتب رئيس الوزراء؛ وحوالي نهاية حكم الحزب الديمقراطى- 1950 - 1960)،

أصبح اسمها "وزارة الصحافة والإذاعة والسياحة". وقد واجهت الصحافة التركية مصاعب كثيرة سنة 1928 عندما استبدلت بالأبجدية العربية الأبجدية اللاتينية؛ وظهرت الصحف فترة مطبوعة بالأبجديتين، وانخفض التوزيع، واضطرت الحكومة إلى أن تهب لمساعدة الصحافة بالإعانات التي استمرت ثلاث سنوات وقد تأثر تطور الصحافة في عهد الجمهورية التركية تأثرًا عظيمًا بعدد قليل من الصحفيين الممتازين والعائلات الصحفية، ومنهم أحمد أمين يالمان، الذي أنشأ- بعد أن ترك صحيفة "وقت"- صحيفة "وطن" سنة 1935. وصحيفة "انقلاب" سنة 1934، كانت له صلة بصحيفة "طاك" سنة 1935، ثم أعاد إصدار "وطن" وظل مسيطرًا عليها حتَّى سنة 1960. وهنالك أنشأ صحيفة جديدة اسمها "حرٌّ وطن"؛ وأسرة نادى التي ظلت مسيطرة حتَّى أيامنا هذه على صحيفة "جمهوريت"؛ وأسرة سيماوى التي تملك أروج الصحف: "حرّيت" التي أنشأها سداد سيماوى؛ وأسرة سرتل التي ظلت تحرر صحيفة "طاك" حتَّى سنة وهنالك أثارت الآراء اليسارية للصحيفة الاستياء الرسمي ومظاهرات الطلبة، وكان من نتيجة ذلك أن دمرت مكاتب الصحيفة؛ ثم أسرة على ناجى التي كانت مرتبطة بصحيفتى "انقلاب" و "إقدام" ولها صلة في الوقت الحاضر بالصحيفة الناجحة "ملّيَّت" وسواها؛ وكذلك لعب الصحفى المخضرم حسين جاهد (بالجبن) دورًا هامًا، ذلك أنَّه تصالح مع الجمهورية ثم استأنف نشاطه الصحفى في صحيفته "يكى صباح" (التي صدرت سنة 1938) ثم أعاد إصدار صحيفة "طنين" وقد دافع في أعمدتها عن قضية الحلفاء خلال الحرب العالمية الثَّانية وعن سياسة حزب الشعب الجمهورى التركى بعد هذه الحرب. وقد انعكست التطورات السياسية والاجتماعية في العهد الجمهورى إلى حد كبير في الصحف الدورية السياسية والاجتماعية والأدبية؛ وكان

لبيوت الشعب (خلق أولرى)، لسان حالها ماثلًا في صحيفة "أولكو"؛ ولقيت الأفكار الجديدة الخاصة بالتطور الاجتماعى والتي أوحت بسياسة اشتراكية الدولة نصيرًا لها في صحيفة "قادرو" (سنة 1933)؛ واتخذت الفكرة الشعبية للأدب شكلًا معينًا في أعمدة صحيفة "وارلق" (سنة 1933)؛ وقد تميز إحياء مثل العنصرية، والجامعة الطورانية، وهي التي ظهرت بصفة خاصة في سنوات الحرب العالمية الثانية، بصدور مجلات "بوزقورت" و "جينارآلتى" وغيرهما: وكان لشعبية الآراء اليسارية المتطرفة في نهاية الحرب ما يقابلها في الصحيفة الدورية "كوروشلر" (والصحيفة "كرشك" القصيرة العمر)؛ وأدى تأثير مجلات الأنباء الأمريكية إلى ظهور مثيلاتها من الصحف التركية مثل "عكس" (في أنقره)، و "كيم" (في إستانبول)؛ وقد ظهر أثر المجلات الأسبوعية السياسية البريطانية الجادة في صحيفة "فورم" التي تصدر كل أسبوعين في أنقره، وما إلى ذلك. وتميزت السنوات التي قلت الحرب العالمية الثَّانية بالصراع السياسي بين الحزب الشعبيّ الجمهورى وخصومه، وهو الصراع الذي لعبت فيه الصحافة التركية دورًا بارزًا؛ وفيما بين سنتى 1950 و 1960 كانت لإدارة الحزب الديمقراطى صحيفة في أنقره هي "ظفر" بينما كانت صحيفة "حوادث" في استانبول تدافع عن قضية الحكومة وتنتقدها غالبية الصحف اليومية الأخرى. وقد كان للصحافة التركية- بصفة عامة- شأن هام في التمهيد للانقلاب العسكرى الذي وقع يوم 27 مايو سنة 1960؛ وكذلك في الصراع السياسي الذي أعقب هذا الانقلاب؛ على أن الكفاية المهنية المتزايدة للصحافة كانت تماثل في الأهمية هذا الشأن. وقد تحسنت كثيرًا التجهيزات وتخطيط المبانى، وارتفع التوزيع ارتفاعًا عظيمًا (بلغ الرقم 300.000 نسخة)؛ وأصبحت الصناعة تمول برأس المال في حالات كثيرة مع ميل متزايد لإنتاج صحف غير سياسية توزع على نطاق واسع، ولا تنشر الأنباء فحسب بل تنشر أيضًا مواد الترفيه، ومن المقدر

لهذا الميل أن يستجمع قوته، وإن ينخفض تبعًا لذلك عدد الصحف الذي ينشر في البلاد؛ وقد قام التاريخ الصحفى سنة 1960؛ حين بدأت الصحيفة اليومية "أقشام" تصدر في وقت واحد في إستانبول وأنقره، ومن ثم سنت طريقًا جديدًا لمعالجة مشكلة زيادة الإنتاج، وفي الوقت نفسه عزز تحسين المواصلات والتوزيع سيطرة صحف إستانبول على حياة الصحافة التركية. المصادر: (1) سليم نزهت كرجك: تورك غازته جيلكى، إستانبول سنة 1931. (2) صدري أرتم: Propaganda، أنقره سنة 1941. (3) سرور إسكيت: توركيه ده مطبوعات رجيملرى، أنقره سنة 1938. (4) الكاتب نفسه: توركيه ده مطبوعات إداره لري وبوليتيقالرى، أنقره سنة 1943. (5) مصطفى نهاد أوزون: صوك عصر تورك أدبياتى، إستانبول سنة 1945، ص 416. (6) راغب أوزدم: غازته ديلى في تنظيمات، إستانبول سنة 1940. ص 859 - 931. (7) حسن رفيق أرطوغ: باصين ويايين تاريخي، إستانبول سنة 1955، جـ 1، ص 82 - 88. (8) نجم الدين دليورمان: مشروطيه دن أونجه ... حدود خارجى تورك غازته جيلكى، إستانبول سنة 1943. (9) Etat de la press turque: J. Deny 1925 en juillet في Revue de Monde Mu- sulman، جـ 16 (سنة 1925)، ص 43 - 74؛ (10) Almanak، إستانبول سنة 1933؛ (11) حلمى ضيا. أولكن: تورك دوشونجه سى ودر كيلرمز في تورك دوشونجه سى، جـ 1، سنة 1945، ص 82 - 87. [وداد كونبول ومانجو V. Guenyol & A. Mango]

4 - الصحافة الإسلامية في روسيا والاتحاد السوفيتى إن الصحافة الإسلامية في روسيا تعود إلى تاريخ حديث بعض الشيء إذا قورنت بصحافة الدول الإسلامية الأخرى، ويرجع ذلك في معظمه إلى عداء السلطات الروسية لحركات الإنعاش الثقافى بين الشعوب غير الروسية في الإمبراطورية. ومع ذلك فقد كانت أول محاولة لإنشاء صحيفة بلغة إسلامية تعود إلى مستهل القرن التاسع عشر، وكان الفضل فيها للأستاذ زابولسكى بجامعة قازان، فقد وضع هذا الرجل خطة سنة 1808 لإصدار صحيفة أسبوعية ذات لغتين، هم االلغة الروسية ولغة التتر، ولكن المشروع ظل دون تحقيق؛ وفي سنة 1828 بذلت محاولة أخرى، وقد نجحت هذه المرة، وقام بها موظف روسي في الإدارة العسكرية فيما وراء القوقاس اسمه سوسنوفسكى (A. S. Sosnovskiy)، ذلك أنَّه وفّق إلى أن ينشر في تفليس صحيفة روسية اسمها Tifiskie Vedomosti كانت تشمل أيضًا طبعة بالفارسية، ثم صدرت سنة 1832 بالتركية الآذرية، وبعد بضعة أعداد انتهت هذه المغامرة الأصلية، وكان علينا أن ننتظر حتَّى سنة 1870 لنشهد ظهور أول صحيفة للمسلمين، وهي صحيفة "تركستان ولايتنك غازتى" فقد نشرها في طشقند بالأوزبكية المبشر الروسى اوستروموف N.P. Ostrumov نيابة عن مكتب مستشار حكومة تركستان العامة وبعد ذلك بخمس سنوات ظهرت في باكو الصحيفة الآذرية الأسبوعية "أكينجى"، التي كان يحررها المؤلف ناظر المدرسة حسن بك مليكوف زردابى؛ وهذه الجريدة الصغيرة، التي كان يطبع منها 700 نسخة فحسب، هي التي يمكن اعتبارها الأصل الحقيقي للصحافة الإسلامية في الإمبراطورية الروسية، وسرعان ما جلبت عليها عداء الدوائر المحافظة، وأوقفتها السلطات الروسية سنة 1877. ولم تبلغ الصحافة الإسلامية في روسيا المستوى الدولى إلَّا بظهور صحيفة "ترجمان" المشهورة، وقد

نشرها إسماعيل بك كسبرانسكى في باغجه سراى سنة 1883 بلغة تتر القريم التي تأثرت تأثرًا كبيرًا باللغة التركية العثمانية، وعاشت الترجمان حتَّى سنة 1918، وظلت قرابة العشرين عامًا لسان حال حركة الإصلاح وحركة الجامعة التركية في روسيا، وبقيت أكثر من عشرين عامًا الصحيفة الوحيدة للمسلمين في روسيا، منذ حالت قسوة الرقابة الروسية على المسلمين حتَّى سنة 1905 دون قيام صحافة قومية؛ والحقُّ إنّه لم تكن تقوم إلَّا ست صحف ذات أهمية محلية حتَّى قيام ثورة سنة 1905 فيما عدا الصحف السابق ذكرها، وكانت أربعٍ منها باللغة التركية الآذرية وهي: ضياء (سنة 1879)، ضيا قافقاسيا (سنة 1880). وكشكول (سنة 1884) و "شرق روس" (سنة 1903) في تفليس؛ وواحدة في قزق (قرغيز) وهي "دالا ولايتى" التي نشرت سنة 1899 في أومسك (سيبريا)؛ وواحدة بلغة تترقازان في سانت بطرسبرغ وهي صحيفة "نور" سنة 1904. وبعد نشر قرار 17 أكتوبر سنة 1905 الذي منح حرية الصحافة لجميع شعوب روسيا انبثقت الصحف الدورية في جميع مناطق الإمبراطورية التي يسكنها المسلمون، وتمثل هذه الصحف كل نوع من أنواع الآراء السياسية من المحافظين اليمينيين إلى الاشتراكيين اليساريين. ومن ثم فإنَّه منذ سنة 1905 حتَّى ثورة 1917 نشر المسلمون في الإمبراطورية الروسية 159 دورية (صحف يومية ومجلات) باللغات الآتية: لغة تتر قازان 62 صحيفة؛ التركية الآذرية 61 صحيفة؛ الأوزبكية 17 صحيفة؛ القزقية (قرغيزية) 8 صحف؛ التترية القريمية 6 صحف؛ العربية صحيفتين؛ التركمانية صحيفتين؛ الفارسية صحيفة واحدة؛ وكانت المراكز الرئيسية لتحرير ونشر الصحف هي باكو (59 صحيفة دورية)؛ وقازان (22)؛ وأورنبرغ (13)؛ وطشقند (12)؛ وسانت بطرسبرغ (9): واستراخان (9)، وأوفا (6)؛ وباغجه سراي (5)؛ وقد

نشرت أيضًا الصحف الدورية واليومية في ترويتزك وأورالسك، وتومسك، وسمرقند، وعشق آباد، وبخارى، وسمارا، وقره صوبازار، وأومسك، وإريوان، وقوقند، وكنجه، وبترو بافلوفسك. وكانت معظم الصحف الإسلامية سريعة الزَّوال نظرًا لضآلة مواردها المادية وافتقارها إلى المشتركين، وفوق هذا وذاك لتدخل الرقابة التي أصبحت بعد سنة 1908 يقظة جدًّا، على أن بعض هذه الصحف قام بدور قيادى في تنمية الشعور القومى بين الشعوب التركية في روسيا. ومن أهم الصحف التي كانت تقرأ فيما وراء حدود الإمبراطورية الروسية بكثير يجب أن نذكر الصحيفتين الليبراليتين "وقت" و "شورا" اللتين كانتا تصدران في أورلنبرغ واللتين أقامتا من نفسيهما من سنة 1906 إلى سنة 1917 مروجتين للجامعة التركية في روسيا؛ وقازان مخبره (سنة 1905) ويولدوز (سنة 1906) في قازان؛ وحياتى (سنة 1904) وإرشاد (سنة 1905) وفيوضات (سنة 1906) في باكو، وملَّا نصر الدين (سنة 1906) في تفليس؛ وكانت هذه الصحيفة الأخيرة، وهي صحيفة إسبوعية ساخرة، توزع توزيعًا واسعًا نوعا ما في آذربيجان الفارسية؛ وكذلك مارست صحف أخرى ذات أهمية محلية وذات توزيع أضيق نطاقًا تأثيرًا دائمًا على الحياة الثقافية للمسلمين مثل "قزق" في أورنبرغ (سنة 1913) التي كان ينشرها بالقزقية أحمد بيتورسونوف؛ ولم تكن توجد في تركستان دون سواها صحافة بالمعنى الحقيقي، ذلك أن السلطات الروسية كانت تراقب مراقبة دقيقة جدًّا التطور الثقافى للشعب الإسلامي، وكانت كل الصحف التي تظهر هناك تمنع الرقابة تداولها. وأدخل سقوط القيصرية في فبراير سنة 1917 فصلًا جديدًا في تاريخ الصحافة الإسلامية في روسيا؛ وكانت الصحف الدورية المبكرة، التي لم تكن سياسية في كثير من الأحوال، قد أعقبتها صحافة "ملتزمة" تعكس آراء

شتى الجماعات السياسية للمجتمع الإسلامي، وهي الصحف التي تورطت بعد أكتوبر سنة 1918, سواء عن قصد أو بحكم الظروف، في الثورة والحرب الأهلية؛ وظهرت في المدة من فبراير سنة 1917 حتى نهاية سنة 1920: 256 صحيفة دورية في الأرض الروسية انتشرت في 53 مدينة وقرية كبيرة؛ وصحافة الفترة الثورية وإن كانت أقل جودة من سابقاتها، إلَّا أنها حاولت بلوغ دوائر أوسع، وذلك بتوزيع أكبر وباستخدام لغة أقرب إلى حديث الشعب؛ وقد استمتعت اللغة التترية القازانية بتفوق لا يدانيه تفوق، ذلك أن نصف الصحف الدورية (139 بالضبط) التي كانت تنشر خلال هذه الفترة كانت بهذه اللغة؛ وقد جاءت اللغة التركية الآذرية بعدها بكثير، إذ لم يكن يصدر بهذه اللغة إلا 39 صحيفة، وقد أعقبتها الصحافة التي تكتب بالأوزبكية (37) والقزقية (21) والتترية القريمية (7)؛ وكذلك ظهرت صحف أخرى سنة 1917؛ بالتركية (2 في باطوم) وبالقومقية (3 في نمير خان شورا) وبالأوارية والأبخازية واللكية. وبدأ عصر جديد سنة 1921 مع انتصار الجيش الأحمر في الحرب الأهلية، هو عصر الصحافة السوفيتية، وتتميز عن الصحف الدورية المبكر بسماتها الواحدة وتوزيعها الواسع جدًّا وأخيرًا بظهور لغات جديدة؛ ووفقًا للنظام السوفييتى فإن 6 لغات تركية ولغتين فارسيتين وتسع لغات أيبيرية قوقاسية من اللغات الإسلامية أصبحت لغات أدبية، وظلت تكتب بالحروف العربية حتَّى سنة 1924 - 1928، وفيما بين سنتى 1928 و 1930 كانت تكتب بالأبجدية اللاتينية التي استبدلت بها بين سنتى 1938 و 1940 الأبجدية الصقلبية القديمة؛ وهذه اللغات الجديدة هي لغات الباشاقر والقرغيز (قره قرغيز من قبل) والنوغاى والقره قلبق والأويغور (لغات تركية)؛ والكردية والتاتية (لغتان إيرانيتان)؛ ولغات الابخاز والقابرد والأديغة والججن والإنكوش والآبازه والدرغين واللزك وتبارسان (لغات أيبيرية قوقازسية)؛ وقد ازداد كثيرًا العدد الإجمالى للصحف الدورية وكان يوجد في الاتحاد السوفيتى سنة 1954

(ونحن نذكر الصحف اليومية وحدها): 190 صحيفة بالأوزبكية و 171 صحيفة بالقزقية و 116 صحيفة بالتركية الآذرية و 107 صحيفة بالتترية القازانية و 72 صحيفة بالقرغيزية و 70 صحيفة بالناجيكية و 53 بالتركمانية و 30 بالباشقرية و 19 صحيفة بالاوارية والاوستية و 17 صحيفة بالقابردية و 13 صحيفة بالقرة قلبقية و 11 بالدرغينية و 9 بالقومقية و 8 باللزكية وه بالأبخازية و 4 بالنوغائية و 3 بالأويغورية واللكية و 2 بالتبارسانية وبالآبازية وواحدة بلغة الأديغة وواحدة بالجركسية و 1 بالتاتية و 1 بالكردية؛ ومنذ ذلك التاريخ نشرت صحف دورية جديدة بلغات الججن والأنكوشية والتترية القريمية والقره جائية البلقارية. المصادر: (1) لا توجد دراسة شاملة عن الصحافة الإسلامية في روسيا، وإنَّما توجد بعض الرسائل أو المقالات لمناطق معينة؛ أما فيما يتعلق بصحافة التتر فإلى جانب المصنف الأساسي لإسماعيل زامييف: وقتلى تتر مطبوعاتى، قازان سنة 1926. فإننا نجد معلومات قليلة في Iz ta-: Elif - Bi tarskoy musul'manskoy pechatyi. قازان سنة 1908؛ Pechat, Ta-: Fedotov trespubl في du d'information Bulletin V. O. K. S.، موسكو سنة 1927. رقم 23 - 25؛ Savet Vlastenin Be-: T. Nasirov renche ellerinda tatar vakitli matbuati في Kazan Sovet Adabiyati رقم 9، سنة 1956؛ أ. سعدى: تتر أدبياتى تأريخى؛ قازان سنة 1926؛ Zistorii: A. Safarov 25 - 1905 - tatarskoy Periodichnoy Presi في Shidny Svit خركوف سنة 1928، رقم 3 - 4 (بالأوكرانيَّة)؛ DJ Validov: -Ocherki istorri obrazovannosti i lit teraturi Tatar de revolyutsii 1917 gada موسكو سنة 1933؛ P. Zhuzhe: Mu- sul'manskaya pechat'v Rossi, سانت بطرسبرغ سنة 1911. وفيما يتعلق بالصحافة الآذرية القوقازية فبين أيدينا دراسة مطولة في The origins of the: Jeyhun bey Hajibeyli national press in Azerbaydjan في The

Asiatic Review جـ 16 (سنة 1930) الكراسة 88، جـ 27، الكراسة 90 وكذلك مقال مجهول الكاتب: آذرى مطبوعاتنك مختصر تاريخجه سى في يكى قفقاسيا، إستانبول جـ 3/ 9، ويمكن للقارئ الرجوع فيما يتصل بأصول الصحافة القوقازية إلى مقال. I Pervaya turkskaya gazeta na: Enikopov Kavkaze في tura i pis'mennost' Vos- Kul' toka، جـ 3، باكو سنة 1928 وكذلك إلى الرسائل التي خصصت للصحيفة أكينجى، كان أهمها هي: آذربيجان مطبوعا تنك ييللغى أكينجى، باكو سنة 1926؛ وقد خصصت بعض المقالات لمجلة ملَّا نصر الدين بينها مقال أحمدوف Molla: A. H. M. Ahmedov ve Nasreddin Zhurnalinin yayilmas ta' siri hakkinda في Investiya Akademii، . Nauk Adher., SSR سلسلة العلوم الاجتماعية، جـ 1، باكو سنة 1958 , Molla Nasreddin: A. Sharaf سنة 1946. وفيما يتعلق بالمعلومات الخاصة بتاريخ الصحافة في القريم مع الإشارة بصفة خاصة إلى صحيفة ترجمان فإن القارئ يجدها في مصنف جعفر سيد أحمد Gaspirali Ismail: Cafer Seydahmet Bey إستانبول سنة 1934، وفي بحث أحمد أوزنباشلى Ahmed Ozenbachli: tenkitli bir bakish Gechen devrimize في, Oku Ishleri. باغجه سراى، يونيه سنة 1925. أما عن صحافة تركستان فإننا نملك رسالة رائعة بقلم Uzbek: Ziya Saidov vakitli matbu'ati tarihige matiriyyalar، سمرقند- طشقند سنة 1927؛ وفيما يختص بالصحافة التركمانية فإننا نجد بغيتنا في مقال بقلم Nat-: Mihaylov sional'naya pechat Turkmenii في Re- volutsiya i natsional'ni nosti، موسكو سنة 1931، رقم 4؛ وفيما يتصل بصحافة داغستان فليرجع القارى: إلى مقال Kumikskaya pe-: Sh. Magomedov riodicheskaya pechat'v 1917 - 8: godakh في - Trudi Instituta Istorii Partii pri Da .gestanskom obkome K.P.S.S جـ 2، مهاج قلعة، سنة 1958. [كلكجاى Ch. Quelquejay]

5 - الصحافة الإسلامية في الصين واليابان (أ) الصين: في الصين مسلمون يبلغ عددهم من عشرة إلى اثنى عشر مليون نسمة وفقًا لتعداد سنة 1959، ويقيم نحو ثلثى هذا العدد في ولاية سينكيانغ وهم في هذه الولاية أغلبية ساحقة؛ ويشتمل الجدول التالي على معلومات عن التوزيع الجغرافي للمساجد الصينية سنة 1935 وعن المطبوعات الدورية الإسلامية خلال الفترة من سنة 1908 إلى سنة 1939؛ ويحق لنا أن نذهب إلى أن المسجد الصينى العادى يخدم من 200 إلى 250 نسمة؛ ومن ثم فإن الجدول في غيبة الإحصاءات الدقيقة يدل على توزيع الشعب الإسلامي في منتصف الثلاثينات: توزيع المساجد والصحف الدورية الإسلامية في الصين الولاية - عدد المساجد - عدد الصحف أنهري - الدورية (سنة 1935) سنة 1908 - 1939) أنهري 1.515 تشيكانغ 239 شنغهاي 1.031 - 3 فوكين 157 هونان 2.703 - 4 هوبي 2.942 - 33 هونان 932 - 2 هوبي 1.134 - 4 كانسو 3.891 كبايغسي 205 كيانغسو 2.302 - 24 كوانغسي 429 - 2 كوانغتونغ 201 - 7 كوبتشو 449 منشوريا 6.811 - 2 منغوليا 1.083 - 1 شانسي 1.931 - 2 شانتنغ 2.513 - 1 شنستي 3.612 - 3 سنكيانغ 2.045 ستشبوان 2.275 - 1 يونان 3.971 - 6 غيرها - 5 42.371 - 100

وأمكن التعرف على 100 صحيفة صينية إسلامية، وقد نشرت واحدة في الخارج، ونجهل تواريخ إصدار 13 صحيفة منها، أما الست والثمانون صحيفة الأخرى فقد أنشئت بين سنتى 1913 و 1939، 18 مجلة صدرت بين سنتى 1913 و 1926؛ وفي العقد الذي يميزه إنشاء الحكومة القومية الصينية في بكين (سنة 1927) وبداية الحرب الصينية اليابانية (سنة 1937) اتسعت الصحافة بسرعة، ونشأت 63 صحيفة جديدة: 38 بعد أن انتقلت قصبة البلاد من بكين إلى تانانغ (سنة 1932)؛ وكان من نتيجة نشوب القتال بين الصين واليابان أن قامت بعض أسباب القمع واختفت معظم الصحف؛ أما الصحف الدورية الخمس التي صدرت خلال السنتين التاليتين فقد كانت في الواقع مطبوعات رسمية يصدرها الجانبان المتحاربان، وكان القصد منها الحصول على مزيد من تأييد المسلمين للمجهود الحربى. وقد عرف عدد مرات نشر 71 مجلة، وكانت 12 منها تظهر أسبوعيًا على الأقل؛ و 50 شهرية أو نصف شهرية، و 9 ربع سنوية؛ أو سنوية، وكانت إحدى المجلات توزع أكثر من 3000 نسخة، و 8 مجلات أخرى كانت توزع من 1000 إلى 2000 نسخة، على حين كانت المجلات الباقية تسد الحاجات المحلية ولا توزع إلَّا بضع مئات من النسخ فحسب؛ ولم تجاوز إلَّا ست صحف دورية الأربعين صفحة. وكانت معظم المطبوعات تنشر باللغة الصينية، وإن كان قليل منها يكتب كله أو بعضه باليابانية أو العربية أو الأويغورية (التركية الشرقية) والإنكليزية، وكانت الغالبية العظمى دينية في محتوياتها على حين كان يعالج الباقي علاوة على ذلك المشاكل التاريخية أو المشاكل المعاصرة؛ وكانت معظم المجلات تطبع وتوزع في المراكز الثقافية والقومية في بيبنغ ونانكنغ وفي مدن الموانى الكبيرة ملو تينتسين وشنغهاى وكانتون وهونغ كونغ. وكانت جريدة "يوه هوا" بيبنغ، هي المجلة القومية الإسلامية الرائدة وبلغ توزيعها 3000 نسخة، وقد بدأت سنة

1929 بإعانات خاصة، وحاولت تمثيل جميع المذاهب تمثيلًا عادلًا، وكنت تجد في أعمدتها أنباء وطنية ودولية تختص بالإسلام. وكانت جريدة "تئوتشويه" بنانكنغ، وقد أنشئت سنة 1934. أهم صحيفة إسلامية في منطقة قصبة البلاد، وكانت تناصر "مبادئ الشعب الثلاثة" وهي: تحسين التعليم، والوحدة الوطنية، والاتصال بالإخوة في الدين في الخارج. ثم "تئين فانغ هسيوه لي يوه كأن" بكانتون وقد أنشئت سنة 1929، وكانت توزع شهريًا مجانًا، ولكنها كانت تلتمس العون المادى؛ وكانت "تئين فانغ" تعالج بصفة خاصة المسائل المعاصرة وكان المحرر يجيب من أسئلة القراء في عمود خاص. وكانت الجاليات الإسلامية في المدن الكبرى خلال الثلاثينات تنظم مظاهرات الاحتجاج تحت إمرة الأهونغية (الملَّاوات) كما شُوه الإسلام في الصحافة الصينية وفي بعض الحالات كانت مكاتب ومطابع الصحف المسيئة تحطم، وكانت الحكومة القومية، وهي تحتاج إلى رضا رعاياها المسلمين، تتخذ إجراء حازمًا لمنع الإهانات الأخرى. وخلال العقد الأوَّل من القرن العشرين، كانت تستورد من الآستانة بعض الصحف العربية والتركية الليبرالية التي تؤيد الإصلاح الدستورى، وذلك علاوة على الصحف القومية؛ وقد انقضت الحاجة إلى هذه الصحف المستوردة بعد ثورة سنة 1911. وتأخر تطور الصحافة الإسلامية في الصين، بسبب إنخفاض مستوى التعليم والمستوى الاقتصادى وبسبب صعوبات اللغة، فلم تكن العربية معروفة إلَّا للزعماء الدينيين ولعدد قليل من الخبيرين بعلوم الدين، على أننا نجد - من الناحية الأخرى - أن الأهونغية لم يكن لهم في كثير من الأحيان إلَّا معرفة بدائية بالكتابة الصينية، وكان معظم الشعب من الأميين، وكانت أسرة مانشو الآخذه في الاضمحلال تشتبه في آية ميول تخصيصية أو طائفية

وبخاصة في منطقة الحدود الشمالية الغربية التي يتكلم أهلها التركية؛ ويحق للمرء أن يقول إن ثورة سنة 1911 مهدت الطَّريق للصحافة الإسلامية في الصين، على حين أن ثورة سنة 1949 الشيوعية وضعت نهاية فاصلة لهذه الصحافة، وكانت جهود النشر الإسلامية جزئية، ومعظم المجلات صغيرة جدًّا أو سريعة الزَّوال جدًّا بحيث لم يكن لها أثر دائم؛ وكان المسلمون، إذا قورنوا بالبعثات البروتستانتية والكاثوليكية في الصين، يفتقرون إلى هيئة مركزية وإلى موارد مالية كافية. (ب) اليابان- في اليابان عدد قليل من المسلمين ولكن الاهتمام اليابانى بالإسلام يرجع إلى غزو الصين (سنة 1937 - 1945) وهنالك بذلت الجهود لكسب الأقليات الإسلامية الصينية، وقبل هذا التاريخ شهدت اليابان ثلاث محاولات خاصة لنشر الصحف الإسلامية مثل "هسنغ هوى" (يقظة المسلمين)، وقد أنشأها بعض الطلبة الصينيين في الكلية الإسلامية بطوكيو صحيفة ربع سنوية لتوزع في الصين، وهي تعود إلى سنة 1908؛ وفي سنة 1925، أسس ساكوما (I. T. Sakuma) رجل أعمال يابانى اهتدى إلى الإسلام- في شنغهاى الصحيفة التقدمية "موكوانغ" (نور الإسلام) وكانت تكتب مقالات باللغات الصينية واليابانية والإنكليزية؛ وقد أراد ساكوما إحياء الإسلام في الصين وكوريا واليابان، بل هو قد أيد ترجمة القرآن إلى الصينية؛ ولم يصدر من "موكوانغ" إلَّا ثلاثة أعداد؛ ومثل صحيفة "هوى تشياو" (الإسلام) وكانت مجلة شهرية تصدر في بيبنغ، وقد كرست للمشاكل الاجتماعية والتاريخية، ونشرت باليابانية فيما بين سنتى 1927، 1929، وكانت الأعداد تحتوى على سير الزعماء المسلمين الصينيين. وعمدت السلطات العسكرية اليابانية في أعقاب الاحتلال الفعلى للأراضى الصينية، إلى إصدار صحف إسلامية جديدة أو عدلت الصحف الدورية القائمة لتوائم أغراضها الخاصة، وقد

استولى اليابانيون على الصحيفة الشهرية المصورة "شن نسونغ باو" التي كانت تصدر منذ عشر سنوات حين أحتلوا بيبنغ سنة 1937. وبعدئذ اتخذت موقفًا يناهض السوفييت بقوة؛ وقد ظهرت صحيفة "هسنغ شيه باو"، وهي صحيفة شهرية غير سياسية، أول ما ظهرت في مكدن بمنشوريا سنة 1925، وأحياها اليابانيون سنة 1937، وكانت تعالج بصفة خاصة الحياة الإسلامية في اليابان، وتوزع نسخها محليًا دون مقابل؛ وثمة مجلة شهرية أخرى اسمها "هوى تشياو" (الإسلام) بدأت تظهر في أبريل سنة 1938 تحت رعاية الجمعية الإسلامية الصينية المتحدة التي يشرف عليها اليابانيون في بيبنغ؛ وكانت هذه صحيفة دعاية يابانية، ولكنها كانت تطبع في الصين؛ وقد أصدرت صحيفة "هسين مين باو" وهي الجريدة الصينية الرسمية لقوات الاحتلال اليابانى في بيبنغ، في أكتوبر سنة 1939 ملحقًا أسبوعيًا، باسم "تسونغ تشياو تشو كأن"، التي كانت تزود قراءها بمعلومات تاريخية ودينية عن الإسلام. وأبحاث اليابانيين عن الإسلام مبعثرة في شتى الصحف الجامعية؛ ولا تكرس نفسها لهذا الموضوع إلَّا صحيفتان يابانيتان دوريتان فحسب؛ وكلتاهما تنشران في طوكيو وتعودان إلى سنة 1959 و 1960 على التوالى؛ ثم جريدة "تشو كنتو- غيبو" (مجلة الشرق الأوسط والأدنى الشهرية) وتصدرها وزارة الشئون الخارجية بصور تدل على الحروف؛ وتنشر "أجيا رتغو يوكو كيوكاى" أرابو (العرب) وهي تكتب عن العرب والبلاد العربية. المصادر: (1) Mohammedan: R.Loewenthal The Press in China في Collectanea Commis- Synodalis in Sinis sionis، بكين، جـ 11/ 9 - 10 (سبتمبر- أكتوبر سنة 1938) , ص 867 - 894, ومعها خريطتان؛ وقد أعيد طبعها في: - The re periodical press in China ligious، بكين Commission in China The Synodal، سنة 1940، ص 211 - 249. صبحى [لوينثال Rudolf Loewemthal]

6 - صحافة الهاوسا توجد صحيفة أسبوعية منتظمة بلغة الهاوسا هي "جاسكياتا في كوابو" وهي تطبع في زاريا. وقد بدأ نشرها في يناير سنة 1939، وكذلك تنشر أيضًا صحف أنباء بلهجات الهاوسا الرئيسية المعترف بها، في حين أن "كانو تايمز" تحتوى على مقالات بلغة الهاوسا. وفي يوم السبت 14 نوفمبر سنة 1931 صدر من المطبعة المبنية حديثًا في كادونا العدد الأوَّل من صحيفة "أنباء الولايات الشمالية" وكانت تتألف من ست عشرة صفحة من المراد التي تطبع على ثلاثة أعمدة هي بالترتيب الإنكليزية، والهاوسا بالأبجدية الرومانية والعربية ومعها صفحة بصور الجياد والمراد الزراعية ويقال للقارئ: "إن موظفى أمانة السر (ملَّامية) هم الذين كتبوا الترجمات بالهاوسا وبالعربية وأن أمير كانو أرسل بعض صفافى الحروف الذين قاموا بصف الحروف العربية"؛ وقد صدر هذا العدد "أساسًا للمناقشة فيما إذا كان السكان والزعماء الوطنيون يرغبون في نشر عدد منتظم من صحيفة أنباء من هذا النوع أو من نوع مشابه في المستقبل"؛ وقد ظهر العدد التالي في 9 أبريل سنة 1932 وأضيف عنوان بلغة الهاوسا: "جاريدار نيجيريا تا أريوا" مع عنوان باللغة العربية، وكان العدد يحتوي على ست وعشرين صفحة مطبوعة وثلاث صحائف مصورة؛ وقد اشتمل العدد الثالث أيضًا على مواد ترجمت بلغتين دارجتين شماليتين أخريين، هما تيف وفولا (فولانى)، وما إن حان يولية سنة 1934، أي حين صدر العدد الثامن، حتَّى كانت الصحيفة من حجم أصغر، وكانت تطبع بلغة الهاوسا وحدها ولم تعد تحمل العنوان باللغة الإنكليزية أو العربية؛ وقد تضمن العدد العاشر الصادر في أول يونية سنة 1935 مقالا بقلم إيست (M. East K.) من مكتب الترجمة بزاريا في موضوع في الكتابة والكتب بلغة الهاوسا، وقد اشتمل الهجاء على حروف جديدة هي ق، ض، ب.

جرير

وبدأ مكتب الترجمة في زاريا بنشر "كسكياتا في كوابو"، ثم أصدر أيضًا صحيفة أنباء أصغر هي "جاكاديا" في لغة أبسط، وكذلك أصدر صحيفة أنباء بلغة "تيف"، وعلاوة على هذا أخذ المكتب على عاتقة إصدار عدد كبير من النشرات بلغة الهاوسا في نطاق واسع من المواضيع التعليمية، من حفر الآبار إلى العناية بالطفل؛ وقد صدرت مصنفات أدبية أخرى بلغة الهاوسا وكذلك صدرت كتب باللغات النيجيرية الأخرى مثل لغة الإكبو، وعاونت صحيفة الهاوسا في تطوير لغة الكتابة ووضعت مقياسًا لإدخال عدد كبير من الكلمات المستعارة إلى لغة الهاوسا ومعظمها من الإنكليزية؛ ثم إن طبع الأنباء باللهجات الرئيسية تثرى الآن اللغة الفصحى بتمكين النَّاس من جميع المنطقة التي تتحدث الهاوسا بأن يشاركوا وينعموا بشتى القوالب والمصطلحات والتعبيرات التي تزدان بها هذه اللغة الجميلة التي تستخدم استخدامًا واسعًا. [كرنوتشان J. Carnchan] جرير جرير بن عطية بن الخطفى (حذيفة) ابن بدر: من بنى كليب بن يربوع، وهم فرع من قبيلة تميم المضرية. وهو من أعظم الشعراء الأمويين في الهجاء (والاثنين الآخرين المنافسين له هما الأخطل والفرزدق). ولد في منتصف القرن الأوَّل للهجرة (السابع الميلادي) ونبه صيته في الشعر أول ما نبه في عهد الخليفة معاوية، ولم يبدأ جرير بهجاء الكبراء بل هجا من دونهم، فبدت مواهبة في هذا الفن من فنون الشعر، ثم دب النزاع بين عشيرته بنى ذُهَيل، وهم فرع من بنى يَرْبوع، وبين بنى مجاشع، وهم من بنى تميم أيضًا، فجرَّه ذلك إلى خصام الفرزدق نصير بنى مجاشع. والظاهر أن هذا الخصام الذي استغرق مستقبل أيَّام جرير كلها، بدأ عام 64 هـ (683 - 684). ونشبت المعركة بينهما أول ما نشبت في البصرة، واشتدت اشتدادًا حمل أولى الأمر على التدخل، إلَّا أن تدخلهم لم يخمد جذوتها إلى غير رجعة. لكن ولاية

الحجاج على العراق كان لها شأن هام في سيرة جرير الأخيرة، ذلك إنّه قدمه إلى الخليفة عبد الملك، وقد جرّه التنافس على حظوة الخليفة إلى التخاصم مع الأخطل التغلبى وعدى بن الرقاع الدمشقيُّ، وقد وفق عدى في الاستئثار دونهما بهذه الحظوة، وخاصة في أيَّام الوليد. على أن جريرًا استحوذ على رضا الخليفة الورع عمر بن عبد العزيز، ولعل عفته وما كان يتملكه أحيانًا من غيره على الدين كان لهما نصيب في هذا الرضى. ونجد في ديوانه أيضًا قصائد في الخليفة يزيد الثَّاني وهشام. والظاهر أن جريرًا توفى في اليمامة عام 110 هـ (728 - 729) ويقول آخرون إنه توفى عام 114 هـ (732 - 733 م) بعد وفاة منافسه الكبير الفرزدق. ويبدو جرير في قصائده قحًا، وقد تأصل في نفس هذا الشاعر عدم توقير أبيه، ومع ذلك فقد كان تفاخره بأجداده يقتضيه الإبقاء على شرف بيته، وإن كان ذلك على حساب الحقيقة. وكان يعتقد أنَّه يدافع عن شرفه وشرف قبيلته في أهاجية. على أن جريرًا لم يكن يعيش على الهجاء كما فعل غيره، بل على مدائحه لأصحاب السلطان. وقد طرق فنونًا أخرى من فنون الشعر، فله أيضًا مراثٍ جميلة. وهجاؤه للفرزدق وارد في كتاب النقائض طبعة بيفان Bevan (سنة 1905 - 1909)، أما تهاجيه مع الأخطل فمجموعة في كتبخانه عمومية رقم 5471 في الآستانة. وطبع ديوانه في القاهرة عام 1313 هـ وله أيضًا قصائد عدة في كتاب الأغانى. المصادر: (1) ياقوت، طبعة فستنفلد، مادة أثيفية. (2) General Tabellen: Wuestenfeld، انظر الفهرس، مادة جرير. (3) ابن قتيبة: كتاب الشعر، طبعة ده غويه، ص 284 - 289. (4) Gesch. der Arab.: Brockelmann Litter، جـ 1، ص 56 - 58 وما بعدها. (5) Djarir.: Schaade [شادة H. Schaade]

الجزائر

الجزائر (*) تقع في شمالي إفريقية. وهي تحد شمالًا بالبحر المتوسط، وجنوب بالصحراء الكبرى، وشرقًا ببلاد تونس، وغربًا بمراكش. وتقع بلاد الجزائر بين خطى عرض 30 و 37 شمالًا، وخطى طول 6 شرقًا و 5 غربًا (خط زوال باريس). (1) جغرافيتها تشغل الجزائر أواسط المغرب أو بلاد البربر، وهي مختلفة التضاريس، تتألف من كتلة متماسكة من الأرض المرتفعة تفصلها عن ساحل البحر المتوسط، وعن الصحراء الكبرى حافتان) جبليتان هما: أطلس التل وأطلس الصحراء وبين هاتين الحافتين فرجة في ناحية وَهْران من أعمال غرب الجزائر قدرها مائتان وخمسون ميلًا تقريبًا. على أن اتجاه صحراء أطلس من الجنوب الغربيّ إلى الشمال الشرقي جعلهما تتقاربان شيئًا فشيئًا، حتَّى التقتا في إقليم قُسَنْطينَة من أعمال شرقي الجزائر. وتنحَدر الجبال الشمالية بصفة عامة تجاه البحر منحدرات وعرة قلما تشقها الوديان، فتفصل الأقليم الساحلى عن داخل ¬

_ (*) يطلق عليها الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية ويبلغ عدد السكان: 27.895.000 نفس الكثافة: 30 في الميل المربع، 50 % في المناطق الحضرية. العرق: عرب بما فيهم البربر 99 %. اللغة: الرسمية هي العربية، وهناك البربرية المحلية والفرنسية. الدين: 99 % مسلمون سنة. المساحة: 595, 919 ميل مربع. استقلت في 5 يوليو سنة 1962 بعد كفاح راح ضحيته مليون شهيد، واستمر أحمد بن بلا في الحكم حتَّى سنة 1965 حيث أطاح بن الكولونيل هوارى بومدين. وفي 1967 أعلنت الجزائر الحرب على اسرائيل وقطعت العلاقات على الولايات المتحدة ووثقت علاقاتها بالاتحاد السوفيتى. وفي سنة 1989 أقر الناخبون الدستور الجديد الذي فتح الطَّريق للتعددية الحزبية. وفي يناير سنة 1992 ألغت الحكومة الانتخابات التي كان واضحًا أن الأصوليين الإسلاميين سيكسبونها. وفي 29 يناير 1992 تم اغتيال الرئيس محمَّد بوضياف ومن وقتها لم يكف الأصوليون الإسلاميين هجماتهم التي راح ضحيتها الآلاف. ويرأسها حاليًا الأمين زروال. د. عبد الرحمن الشَّيخ

البلاد. أما الجبال الجنوبية فتنحدر انحدارًا سهلًا رقيقًا تجاه الصحراء، وتقسم مجموعاتها المختلفة منافذ كبيرة تيسر الاتصال بين بلاد الجزائر والصحراء. ولما كانت الجزائر بين البحر المتوسط والصحراء أو بين مركز تبخر ومركز حرارة، فإن مؤثرات مناخية متعارضة تتنازعها وتؤلف أخلاطا شتى تتفاوت تبعًا للقرب من البحر أو البعد عنه، وتبعًا للارتفاع والانخفاض، وتبعًا للاتجاه. ومن ثم غلبت على المناطق المتجاورة طبائع جد متباينة، فلم تجعل للقطر الجزائرى مناخًا واحدًا، وإنَّما قسمته طائفة مختلفة من الأقاليم المناخية؛ والظواهر العامة هي: غلبة الأمطار في الشتاء، وعدم انتظام هطولها، وتناقصها كما اتجهنا من الشمال إلى الجنوب، وزيادتها كلما اتجهنا من الغرب إلى الشرق في الإقليم الساحلى على الأقل (فهي في نمورس Nemnurs 468 ملليمترا، وفي القالة Calle La 860 . ملليمترا). والمناخ- كالتضاريس- لا يساعد على وجود الأنهار المنتظمة الطويلة الغزيرة المياه. وتظهر الأنهار الجزائرية غالبًا في صورة قيعان حجرية أو رملية منخفضة الشطئان، وتجف نصف السنة، ولكنها تتحول بعد هطول الأمطار أو هبوب العواصف إلى سيول جارفة، ولا يصلح واحد منها للملاحة. وينتفع ببعضها -أو قل يمكن أن ينتفع به- في الري إذا أقيمت عليه قناطر عند مخرجه من الجبل؛ والأنهار المنتظمة الجريان هي: تافنه Tafna والمَقْطَع Macta الذي نشأ من اتحاد السج Sig بالهَبْرَة Habra وسيباو وواد ساحل والواد الكبير وسيبوس- Sey bouse. ومَجَردَة، ورافده واد ملَّاق Mel- Leg، وإن كان المجريان الأدنيان لهذين النهرين ليسا في بلاد الجزائر. ويمكن تقسيم بلاد الجزائر على أساس تضاريسها إلى عدد من المناطق الطولية مسايرة للبحر تتميز كل منها بخصائص بارزة: 1 - المنطقة الساحلية أو التل، وهي تضم حافة جبلية خارجية وأخرى داخلية تفصل إحداهما عن الأخرى وديان وهضاب. وتغطى المنطقة

الخارجية جبال ارتفاعها بين 1.300 و 60.500 قدم تبرز أقصى أطرافها عمودية على الساحل. وهي من الغرب إلى الشرق: جبال تراراس وتبلغ أقصى ارتفاعها في فلْهَوسن، أو بعبارة أدق، فلّوسن (3.796 قدمًا) وجبال ساحل وَهرانَ وأطلس بليدة وأقصى ارتفاعها قمة عبد القادر وارتفاعها 5.339 قدمًا، والمزيّة (5.262 قدمًا) وجبال مستغانم، والظَهرَة والزكَّار، وتسيطر على مدينة مليانة (5026 و 5183 قدمًا) وجبال القَبيلة الكبرى، والجرجُرَة هو والأكوكر (7.546 قدمًا) ولالّه خديجة (7572 قدمًا) وجبال بابور وأقصى ارتفاعها بابور (6.575 قدمًا) وجبال ساحل كلّو وأيدوغ (3.307 قدمًا) وتغلب الجبال على الساحل فتشرف عليه إشرافًا يتعذَّر على السفن معه الاقتراب منه. وهي إنَّما تلتجئ إلى الأجوان العميقة الهلالية الشكل مثل جون بونة (أدار) وجون فيليبفيل وجون بجاية وجون الجزائر وجون آرزو وجون المرسى الكبير. والأحوال الملاحية سيئة في هذا الساحل، وقد تطلب إقامة الموانئ عملًا شاقًا. وتتألف سلسلة الجبال الثَّانية من جبال تلمسان، ومنها تنبع مجار كثيرة ولها الفضل في دوام نضارة النباتات حول مدينة تلمسان، وهذه الجبال هي: تسالة وبنى شكْران وجبل أورسنيس (6545 قدمًا) وديره أو مال (5.942 قدمًا) والبيبان، ويقطعها الطَّريق الممتد من الجزائر إلى قسنطينة مخترقًا ممر أبواب الحديد، وجبال قسنطينة والمعادِد وريغا. وتتعاقب بين هاتين الحافتين الجبليتين الأنهار (شلف، وواد ساحل وسيبوس) والسهول. وبعض هذه السهول غير البعيدة عن البحر منخفض تغلب عليه البطائح، مثل سهل سج، وسهل متيجة، وسهل بونة. وثمة سهول أخرى أكثر من هذه ارتفاعًا وملاءمة للصحة، مثل سهل تلمسان وسهل معسكر وسهل عريب، وسهل مجانَة، وسهل سطيف. ونستطيع أن نعد التل في مجموعه منطقة صالحة للزراعة، وتجود على الساحل البساتين التي تباع ثمارها والمشاتل، وذلك لكثرة الأمطار بالقياس إلى غيرها ولاعتدال الحرارة فيها بوجه عام؛ أما في المنطقة

الوسطى فإن السهول الحوضية التي تتجمع فيها المياه من الجبال المحيطة، تهيئ تربة صالحة لزراعة القمح. ثم إن الجبال - وإن كانت جرداء في الأغلب الأعم- تغطيها الأدغال. وتغلب على بلاد القبائل، وعلى الجبال الساحلية بخاصة، غابات خشب الفلِّين والبلّوط، ويوجد بعض الأرز في عدة مواضع من أطلس بليدة وثنيَّة الأحد وغيرهما. ويزدحم التل بالسكان بفضل هذه الأحوال الطبيعية، وفيه منازل شبيهة بالمدن هي: وهَرْان ومَسْتَغانم، وتنس، وشرشال، والجزائر، وتدليس، وبجابة، وفيليبفيل، وكلو، وَبونة على الساحل، وتلمسان وسيدى أبي العباس ومعسكر، ومليانة، والمدية، وبليدة وأومال (صور الغزلان) وسطيف وقسنطينة في الداخل، وإذا تركنا التل جانبًا فإن بلاد القبائل كانت بلا منازع منطقة الاستعمار الأوربى، وهو غالب في أرباض وهران، رسول السج، ومعسكر وسهول متيجة وبونة. ويقاسم هؤلاء المستعمرون الأهالى وادي شلف ووديان قسنطينة المرتفعة، وتقدر مساحة التل بنحو 54.000 ميل مربع. 2 - إقليم النجاد المرتفعة: ويمكن أن يسمى بعبارة أدق إقليم السهول الداخلية المرتفعة، ويمتد بين أطلس التل وأطلس الصحراء. وهو سرة بلاد الجزائر، ويضم عددًا من السهول يتوسطها غور، يتناقص ارتفاعه من الغرب إلى الشرق. ويبلغ متوسط ارتفاع هضبة وهران 3.280 قدم؛ ولا ترتفع منطقة زاغز عن 2.625 قدمًا. أما الحُضْنة فلا يزيد ارتفاعها على 1.300 قدم. ويَخدّ الإقليم بين الحضنة وتِبِسَّة جبال ثانوية تعزل سهولًا ضيقة إلى حد ما بعضها عن بعض. ويختلف مظهر هذه الهضبة اختلافًا كبيرًا من مظهر التل، فهي أراض شاسعة لا يستوقف النظر فيها شيء، فلا حجر ولا صخر ولا شجر، وليس فيها وديان أو تلال، وليس فيها غير معارج بسيطة (A. Bernard & Lacroix: L'Evolution du nomadisme، ص 19) وأطلس الصحراء هو الحد الجنوبي لهذه المنطقة الثَّانية، ويظهر على صورة

قنن تلال ضيقة ترتفع عن البقاع المجاورة بنحو 1000 قدم، ويفصل إحداها عن الأخرى سهول متموجة. وتحتفظ الهضبة بمنظرها المعتاد حتَّى في أكثر بقاعها تلالًا مثل أوراس ويميز فيها المرء ثلاث سلاسل جبلية رئيسية: جبال فَجْوج وجبال قصور جبل مكتر وارتفاعه 6.500 قدم)، وجبل عَمُور ويكتنفه الكسل (5.600 قدم)، من الجانب الغربيّ، وأبي كاهل من الجانب الشرقي، وجبال أولاد نايل وجبال أوراس. وليست أطلس الصحراء حاجزًا متصلًا، ففيها منافذ كبيرة تتخلل الجبال وتيسر الاتصال بين الصحراء الكبرى والهضاب، وتجعل أثر الصحراء بارزًا إلى مدى بعيد ناحية الشمال. ويبدو إقليم أبي سعادة بكثبانه وواحاته وكأنه امتداد للصحراء. ولما كانت الهضاب تفصلها عن البحر جبال أطلس التل، فقد أصبحت إقليما معتدل المطر (0.40 ملليمترا سنويًا) وتفيض المياه التي تصل إلى البحر في أغوار تسمى بالشطوط والسبخات والقراعات، ويغمرها في الشتاء ماء ملح كدر، وتجف في الصيف وتغطيها طبقة من الملح. وأهم هذه الأغوار الشط الغربيّ والشط الشرقي، وزاغز والحضنة وقراعة الطرف Gueraa of the Tarf. ومناخها قارى، وتختلف درجة الحرارة اختلافًا كبيرًا بين النهار والليل ومن فصل لآخر. ومهما يكن من أمر مضايقة الجو فهو ليس ضارًا بالصحة. والهضاب جافة جرداء غير صالحة لزراعة الحبوب حتَّى في أحسن بقاعها القريبة من سفوح التل (هضبة السرسْو) فهي ليست إلَّا فيافى تغطيها فىَ الرَّبيع أعشاب قصيرة العمر، وتغطيها كذلك نباتات طويلة العمر تقاوم الجفاف، وهي الحلفاء في المناطق الحجرية، والشيح في الأغوار، والدرين في الرمال، ولا توجد الأشجار إلَّا في الأراضي الواطئة، وفي "الدايات" أي مهاد الأنهار التي يبقى فيها آثار من رطوبة. وأطلس الصحراء مرتفعة، ومن ثم كان فيها جبال تغطيها غابات من العرعر والفارعة وصنوبر حلب، وتغطيها غابات الأرز في أوراس، وفي وديان جبل العَمور مراع وبعض حقول صالحة للفلاحة ليست كبيرة المساحة.

وإقليم الهضاب بأحواله هذه ليس صالحًا لأن يستعمره الأوربيون أو حتَّى لإقامة المحلات الوطنية، وهو إقليم صالح بصفة خاصة لتربية الماشية، وإن كانت قلة الماء تقف في سبيل تربيتها على نطاق واسع. على أن الأغنام تكيف حياتها على خير وجه بقدر الكلأ القليل في الفيافى. وقد ظلت هذه الهضاب التي تبلغ مساحتها 42.000 ميل مربع منذ أقدم العصور إلى الآن مسرحًا لظعن البدو مع قطعانهم. 3 - الصحراء: وهي إقليم متميز من غيره من كل وجه، لا يقل اتساعًا عن بلاد الجزائر الأصلية، بل إن جزءًا كبيرًا من منطقة الصحراء قد فصل عن بلاد الجزائر وأصبح له نظامه الخاص وميزانيته المستقلة وفقًا لقانون 6 ديسمبر سنة 1902 الذي أنشئت بمقتضاه , "ولايات الجنوب". (ب) تاريخها وليس من الهين فصل تاريخ بلاد الجزائر الأصلية خلال القرون التسعة الأولى من هجرة النَّبيِّ (من القرن السابع إلى القرن السادس عشر الميلادي) عن تاريخ إفريقية الشمالية أو عن تاريخ الأندلس في بعض عهوده. وقد ظهر المسلمون في هذه البقاع أول ما ظهروا في النصف الثاني من القرن السابع الميلادي عندما استقر الأمر لهم في إفريقية. ولا نعرف أخبار غزواتهم الأولى معرفة كاملة، وحسبنا هنا أن نذكر "عُقْبة" ما إن خط مدينة القيروان في العام الخمسين للهجرة (670 م) حتَّى عمل على إدخال بربر المغرب في الإسلام. على أن منافسه أبا المهاجر قد أزاحه عن حكم إفريقية. ويقال إن أبا المهاجر أوغل في البلاد حتَّى بلغ تلمسَان وهزم حلف أوْرَبة، وأسر أميرهم كُسَيلة. وقال عقبة حظوة الخليفة مرَّة أخرى، فاستُعمل على إفريقية ثانية، وتقدم إلى المحيط الأطلسي، ولكنه لم يجرؤ على التوغل في أوراس أو الاستيلاء على المدن الساحلية، وكانت في يد الروم، على أنه بوغت في عودته وقُتل عند تهودة عام 65 هـ الموافق 865 م. وأفاد البربر من هذه الكارثة التي نزلت به، وحاولوا استعادة استقلاهم. إلَّا أن الحكم

الوطني الذي أسسه كسيلة لم يعمر طويلًا، وإن استمرت المقاومة في جبال أوراس تحت إمرة الكاهنة، واقتضى التغلب عليها خمس سنوات من الكفاح الشديد من جانب الأمير العربي حسَّان ابن النُّعمان الذي هزم أول الأمر وارتد إلى إقليم بَرقة؛ وفتحت في الوقت نفسه آخر محلات الروم، حتَّى إذا استهل القرن الثامن الميلادي كان السلطان العربي قد مد ظله على المغرب الأوسط جميعًا، ودخل اليهود والنصارى من البربر في الإسلام، وإن كان الفتح العربي لم يغير السكان تغييرًا تامًّا؛ وإنما أدخل إلى البلاد أرستقراطية حربية قليلة العدد بالقياس إلى غيرها، ونشر دينًا جديدًا. ولكن وجه البربر إلى السلطان العربي ضربة قاسية في النصف الأخير من القرن الثامن. ذلك أنهم انتقضوا على العمال لاشتطاطهم في معاملتهم وادعائهم حق فرض الخراج عليهم، كما كانوا يفعلون مع الكفار، وأحنقتهم كذلك عنجهية بعض أمراء العرب فأقبلوا على اعتناق مذاهب الخوارج التي جاءت من المشرق (¬1)، وهي تلائم فطرتهم الديموقراطية وتشبع رغبتهم في الثأر، فحملوا السلاح في وجه العرب، وبدأت الفتنة عام 123 هـ (740 م) بجوار طنجة يحمل لواءها مَيسَرَة، ثم عمت ربوع المغرب، واستمرت إلى نهاية القرن الثامن، وبانتصارهم على القائد العربي كلثوم عند بَقْدورَة أصبح البربر سادة افريقية الصغرى جميعًا، وأخَّرت القلاقل التي صحبت ولاية العباسيين الحكم إخماد هذه الفتنة. وأنقذ الخليفة المنصورُ يزيدَ بن حاتم، فأعاد السلطان العربي إلى القيروان وإفريقية؛ ولكنه لم يبسطه على المغربين الأوسط والأقصى حيث قامت دويلات البربر، وأسس بنو يفرن- وكانوا على مذهب الصفرية- مملَكة تلمْسان، ونادى الإباضية بعبد الرحمن بن رستم إمامًا. فخط مدينة تَقْدمت (بالقرب من مدينة تاهرت الحالية) وكانت حاضرة دولة سرعان ¬

_ (¬1) الحق أنَّهم رفعوا السلاح عندما رأوا تلك المعاملة السيئة فلما رأى الإباضية ما آل إليه أمر البربر وهم حديثو العهد بالإسلام خافوا أن يرتدوا فبادروا إليهم بالدعوة إلى الحق فأقبلوا عليه سراعًا. أطفيش

ما امتد سلطانها بعد ذلك إلى تيقورت (طقورت) وورجلة، بل امتد كذلك إلى قابس ونفزاوة. ثم فتح إدريس بن عبد الله العلوى في الأعوام الأخيرة من القرن الثامن الميلادي مدينة تلمسان، بمساعدة الأوربَة. وفي عام 193 هـ (808 - 809 م) خط ولده إدريس الثَّاني مدينة فاس، ودان المغرب الأقصى لطاعته. ولم يفلح الأغالبة (وهم نسل إبراهيم بن الأغلب الذي ناط به هارون الرشيد حكم إفريقية) في إعادة فتح المغرب الأوسط والغربى اللذين ظلا في يد البربر على الرغم من اضمحلال هذه الدويلات، ولم تخضع لهم إلَّا إفريقية وولاية قسنطينة. وزال حكم الأغالبة في القرن العاشر الميلادي بعد أن قضى عليهم الفاطميون. ويعود الفضل في انتصار هؤلاء إلى بربر كُتَامة الذين اعتنقوا مذهب الشيعة، وقد نشره الداعى أبو عبد الله وزعَّموا عليهم عبيد الله المهدي، وطُرد آخر الأغالبة من رَقّادَة، وأطيح بمملكتى تيهرت وسجلْمَاسة، فانخفضت منزلة الأدارسة وأصبَحوا أقيالًا، وحمل من بقى من قبائل الإباضية إلى جربة أو نزحوا ناحية الجنوب واستؤصَلت شأفة الصفرية والنُكَّار الذين ثاروا بزعامة أبي يزيد "صاحب الحمار" (331 هـ - 335 هـ = 942 م- 947 م) واستغل الأمويون أصحاب قرطبة هذه الانقسامات، فأقاموا أمراء من قبلهم في تلمسان وتيهرت. واستطاع الفاطميون بحملاتهم الموفقة استعادة هذه البلدان وإخضاع المغرب بأسره حتَّى المحيط الأطلسي؛ وعجز المنصور الخليفة الفاطمى عن بسط سلطانه على المغرب الأوسط، فوكل أمره إلى رأس قبيلة صنهاجة زيرى بن مناد؛ وولده بُلُكَين هو الذي أسس مدينة الجزائر والمدية ومليانة، فلما بعد مقر الخلفاء وأصبحت القاهرة حاضرة الخلافة (362 - 973 هـ) بعد فتح مصر عام 358 هـ (969 م) عادت القلاقل إلى ربوع المغرب من جديد. ولم يعد الأمراء الذين ظلوا على المغرب يعترفون بسلطان الفاطميين واستقلوا بالأمر فيه. وأسس أحدهم- ويدعى حَمّادا- دولة تمتد من البحر إلى زيبان، ومن الحضنة إلى تيهرت. وابتنى لنفسه

حاضرة هي قلعة بنى حمَّاد بين مسيلة وبرج أبي عُرَيريج، وأصبحت من أزهر مدن إفريقية. وقُدَّر على خلفائه أن يكابدوا حروبًا مستمرة مع بنى زيرى وعرب الهلالية والمرابطين. وكان لبعض أمراء بنى حماد شأن كبير، مثل الناصر الذي نقل قصبته من القلعة إلى بجاية، وعقد صلات الود بالبابا غريغورى السابع ومدن الساحل الإيطالى، ومثل ولده المنصور (481 - 498 هـ = 1088 - 1105 م) الذي وفق إلى رد المرابطين إلى المغرب، وكانوا قد تقدموا إلى جوار مدينة الجزائر وهكذا كانت بلاد الجزائر في مستهل القرن الحادي عشر الميلادي مقسمة كلها بين أمراء البربر، وذلك حين اشتجر الخلاف بين سلاطين بنى زيرى وخلفاء الفاطميين في القاهرة، فأدى ذلك إلى الغزوة الهلالية وبعد أن اكتسح الجند العرب إفريقية توغلوا في بلاد المغرب. وانتشر الغزاة في الهضبة والسهول الداخلية تاركين الجبال ومدن الحكم التي عجزوا عن انتزاعها من يد البربر. وكانوا يتقدمون ومعهم ماشيتهم، فأتوا على الزرع واستبدلوا بالبداوة حياة الاستقرار. وبلغ الأثْبَج الزاب الشرقي وأكناف الأوراس. واندفعوا حتَّى بلغوا جبل عمور. وتقدم الغرْبَى إلى الزاب الغربيّ والحضنة، والمعقل في فيافى ناحية الجزائر، ومهما يكن من شيء فقد اعتصم البربر بالجبال (القبائل وأوراس) وبالواحات وبالصحراء (مزاب، ووادي ريغ وسوف) وفيها استطاعوا الاحتفاظ بلغتهم وسننهم إلى يومنا هذا. أما في الفيافى والسهول فقد امتزج العرب بالبربر فنشأ من امتزاجهم جماعات جديدة. وعند نهاية القرن الثَّاني عشر انتهت الغزوة الهلالية ذاتها وإن بدا أثرها في هجرات السكان حتَّى القرن الرابع عشر. وغيّرت هذه الغزوة شعوب الجزائر تغييرًا عظيمًا، حتَّى أن الغزوة الهلالية يمكن أن تعد أهم حادثة في ياريخ الجزائر، وإن كُنَّا مع الأسف لا نعلم بعدُ تفاصيلها معرفة واسعة، ولم يُغرَف الهلالية بالإبداع، فما كان منهم إلا أن زادوا البلاد اضطرابًا بما قاموا به من مساعدة الأمراء الذين تنازعوا الحكم فيها، وبخاصة بنى زيرى وبنى

حماد. وقد خلفت الفوضى المستعصية المغرب الأوسط لقمة سائغة للغزاة الجدد الوافدين من الغرب. فإن المرابطين عبروا الملوية بعد أن أخضعوا مراكش بأسرها. وفتح يوسف بن تاشفين آكادير (وهي تلمسان القديمة) وخط مدينة تَغْرارْت (وهي مدينة تلمسان الحالية)، وبسط حكمه أمدًا قصيرًا على الإقليم بأسره حتَّى مدينة الجزائر، ولكنه عجز من أن يمكن لنفسه فيه، وكان الموحدون أكثر منه توفيقًا، فقد استولى عبد المؤمن على مدينة الجزائر وبجاية دون قتال (547 هـ = 1152 م) وخرب قلعة بنى حماد بعد أن فرق شمل أهلها، وأرغم الهلالية على الفرار بعد وقعة دامت أربعة أيَّام بالقرب من سطيف؛ واستعاد الموانئ التي كان قد احَتلها نصارى صقلية مستغلين الفوضى التي كانت تسود البلاد آنذاك. وأصبح بعد غزو إفريقية يحكم بلاد البربر جميعًا من المحيط الأطلسي إلى خليج قابس وتعكر صفو السَّلام في عهد خلفائه بفعال بنى غانيَة بالتحالف معهم، ونجح أكبرهم على في غزو كل المنطقة الممتدة بين بجاية ومليانة (580 - 583 هـ = 1184 - 1186 م)، ولما مات استمر أخوه يَحْيَى في حروبه حتَّى عام 633 هـ (1236 م) تظاهره العصابات الهلالية: وكان على هذا رجلًا مقدامًا لا تفتر له عزيمة، ينتصر مرَّة وينهزم أخرى ولا ييأس أبدًا، فقد عبر المغرب في كل اتجاه من الساحل إلى الصحراء واستولى على الجزائر وبجاية، بل أخذ بسْكَرَة ونهبها، وفي خلال هذا العهد تفككت أوصال الموحدين، وجهر عامل إفريقية أبو زكريا بن حفص الموحدى باستقلاله في تونس (634 هـ = 1236 - 1237 م) فأسس بذلك الدولة الحفصية. وكان الهلالية قد طردوا بربر بنى عبد الواد من الصحراء إلى الشمال، فوطدوا أقدامهم في تلمسان حيث اغتصب الحكم أميرهم يَغْمراسَن بن زياد. ثم انتقل الحكم من بعده إلى أولاده بنى زَيّان، واستولى بنو مرين آخر الأمر على وادي ملوية ومنه غرّبوا حتَّى قضوا على حكم الموحدين في فاس عام

668 هـ (1269 م). وتنازعت هذه الدول الثلاث المغرب الأوسط فيما بينها، فنجح الحفصيون أول الأمر إبان حكم أبي زكريا في اخضاع المغرب بأسره حتَّى تلمسان، بيد أن خلفاءه لم يستطيعوا فرض طاعتهم على ما وراء سطيف وبجاية. وعكر صفو الجانب الشرقي من الجزائر المنافسة التي قامت بين أمراء بنى جفص، وقد أسسوا إمارات قصيرة العمر في قسنطينة وبجاية، وقضوا على سلطان صاحب تونس، واقتتل الحفصيون والمرينيون وبنو زيَّان طوال القرن الرابع عشر دون أن تظفر دولة منهم بالغلبة التَّامة على المغرب الأوسط. وأهم الأحداث في الصراع بين بنى زيان وبنى مرين الحصاران اللذان ضربا على مدينة تلمسان (698 - 706 هـ = 1299 - 1307 م؛ 736 - 738 هـ 1335 - 1337 م) واستيلاء المرينيين عليها (738 - 761 هـ = 1337 - 1359 م)، وقد اختفت مملكة بنى زيان أمدًا ما، فساعد ذلك المرينيين على اجتياز المغرب الأوسط بأسره مظفرين واحتلال بجاية وقسنطينة، بل تونس أيضًا. ولما هزم العرب أبا عنان المرينى بالقرب من القيروان، قامت مملكة تلمسان من جديد، وتمتعت بعهد زاهر مجيد في عهد أبي حمو الثَّاني 760 - 791 هـ = 1359 - 1389 م) ولكنها سرعان ما اضمحلت بعد موته وتقوضت أركانها، وأنهكت قواها الحروب الخارجية والمنازعات الداخلية، وغزا أبو فارس الحفصى تلمسان ثلاث مرات. وأنشأ أمير من بنى زيان هو أبو رين محمَّد دولة ضمت تنس ومليانة والجزائر ومتيجة؛ وأفلح ولده في توطيد أقدامه في تنس ووادي شلف. وأثرت مدن الساحل بفضل القرصنة، وأقامت كل منها جمهورية مستقلة. وأغرى إكزيمينس Ximenes الأسبان فتركوا آخر الأمر أرض الجزائر لكى يستأنفوا في إفريقية الحرب الصليبية التي ختموها في الأندلس، فاستولوا على المرسى الكبير (1505 م) ووهران (1509 م) وبجاية (1512)، وقد أفزعوا الجزائر بمدافعهم المنصوبة في قلعة بنيون وتدليس، وخضعت لهم تنس وأدت لهم

الجزية، وحدث مثل ذلك لمملكة تلمسان التي بسطوا عليها سلطانهم الفعلى. وجاء الترك فوقفوا في وجه النصارى وأنقذوا الإسلام في إفريقية، وأسسوا بقوة السلاح دولة إسلامية تشمل المغرب الأوسط بأسره على أنقاض الدويلات البربرية بعد أن قوضت أركانها الفوضى التي دامت أمدًا طويلًا. وكان مؤسسا هذه الدولة هما عَروج وخير الدين. وقد وضع عروج أساس السلطان التركى بفتح مدينة الجزائر (1516 م)، ولكن سرعان ما انتهت حياته المظفرة في غير أوانها. أما خير الدين فكان أكثر منه توفيقًا، فقد أعلن ولاء الدويلات التي يحكمها للباب العالى العثمانى، وقبل منه لقبى الباشوية والبكلربكية، فحصل بذلك على التأييد الأدبى والعون المالى الكفيلين بتحقيق أغراضه، وفي المدة بين 1518، 1536 سوّد نفسه على أغلب مدن الساحل والتل (مثل بونة، والقالة، وشرشال، وقسنطينة)، وأجبر جانبًا من بلاد القبائل على أداء الجزية له" واستولى علي بنيون ودمرها (1529) فاستقر له الأمر في الجزائر نهائيًا. وأتم عمله البكلربكية الذين جاءوا بعده ومن قام مقامهم، فقد صدوا هجمات الأسبان الذين حاولوا شن حروب جديدة (ومنها هزيمة شارل الخامس أمام مدينة الجزائر عام 1541 م)، واستولوا عنوة على جميع المواضع التي كانوا يحتلونها ما عدا وهران. وقد ظلت هذه المدينة في حوزة الأسبان إلى 1707 م؛ واستعادوها عام 1732 ولكنهم تركوها نهائيًا في أيدى المسلمين عام 1792. وغزا خلفاء خير الدين في الغرب مملكة تلمسان وانتصروا في حروبهم مع الأشراف السعديين الذين كانوا يتنازعونهم هذا الإقليم. بل إن صلاح رئيس احتل مدينة فاس (سنة 1553)، ونصّب مرَّة أخرى على العرش أميرًا من بنى مرين، وقام حسين باشا ومن بعده علج على بغارات موفقة حتى نفذا إلى أرباض المحاضرة المراكشية. أما في الشرق فقد بسط الترك سلطانهم على ولاية قسنطينة بأسرها، وبلغت إمارة الجزائر في نهاية القرن السادس عشر الحدود التي احتفظت بها إلى عام 1830 م،

ومع هذا فقد كانت الحدود الغربية مسرحًا للمنازعات العنيفة بين الترك والمراكشيين، وعجز مولاى إسماعيل مرتين 1691 و 1703 م عن أن ينتزع إقليم تلمسان من الترك وعمد خلفاؤه إلى الخديعة والدهاء ليوهنوا من قوة خصومهم. وشجعوا المرابطين وجماعات الإخوان المناهضة للترك كالدرقاوة، والتجانية، وأعانوهم بالمال، فكان لدسائسهم يد في الثورة التي عكرت صفو بلاد الجزائر الغربية في نهاية القرن الثامن عشر ومستهل القرن التاسع عشر. وأفاد الجزائريون من اقتتال الحسينية فيما بينهم فغزوا تونس عام 1756 ونهبوا المدينة وأرغموا باياتها على أداء جزية سنوية. وشبت حروب جديدة بين الإمارتين في صدر القرن التالي، ولم تنته إلَّا عام 1821 م، ولم يستطع الترك قط بسط سلطانهم الفعلى على سائر المنطقة بين البحر والصحراء وتونس ومراكش. ويقول رن Rinn إن المنطقة التي كانت تحت إدارتهم المباشرة لم تتجاوز مساحتها 29.000 ميل مربع؛ أي سدس الجزائر الفرنسية. أما سائر الإقليم فكانت تسكنه جماعات مستقلة أو تابعة للترك تبعية تتفاوت قوة وضعفًا. ونستطيع أن نذكر من القسم الأوَّل؛ أحلاف بلاد القبائل وأحلاف التراراس وغيرهم، وهي جمهوريات متحالفة؛ وقبائل البدو في الهضاب وفي الجنوب (الصحارى، وبنو الأغواط والشعانبة وغيرهم) وإمارات محاربة مرابطة مثل تيقَورت أو عين ماضى. وعجز الترك عن إخضاع هذه الجماعات أو إلزامها بطاعتهم، فلم يجدوا بدًا من تركهم يعيشون بجانبهم. ويتألف القسم الثَّاني من أحلاف قبلية احتفظت باستقلال قام أو يكاد؛ ولكن صلاتهم بالترك كانت تقوم على معاهدات من مصلحة الطرفين احترامها، وكان هذا حال أولاد سيدى شيخ والحَرّار والحَنَانشةَ، والعَمور وغيرهم. بيد أن السياسة التركية حرصت على أن تظل هذه القبائل مفرقة الكلمة، وبيوت الأشراف متنافرة، والصف متنازعين في الجمهوريات، وذلك منعا لكل اتحاد يكون خطرًا على حكام الإمارة. وقد عمل الترك على أن يكون لهم بين كل جماعة من هذه الجماعات أنصار

مخلصون لهم، وطبقوا المبدأ نفسه، وهو مبدأ "فرَّق تسد" على السكان الخاضعين لسلطانهم المباشر. وكانوا فريقين متمايزين. قبائل مُخْضَعة؛ أي رعايا وقبائل محكومة، ومخزن. وقد فرضت على الأولى العشور والزكاة وجزية أخرى تؤدى عينًا أو نقدًا (وتسمى لازمة) أما الثَّانية فكانت معفاة من كل ضريبة مع استثناء الرسوم القانونية، ولكنهم كانوا في خدمة الحكومة، متأهبين أبدًا للقتال عند أول إشارة. وكانوا يمدون الترك بالمحاربين والحمالين والجمالين. ويجبون الضرائب، ويقومون بعمل الشرطة في البلاد. وكانوا يدهمون القبائل العاصية والثائرة بغاراتهم، ويصبون عليها نقمتهم في غير شفقة أو رحمة، واستعانت بهم الحكومة التركية في تدعيم سلطانها، فكان عونهم أجدى عليها كثيرًا من عون فرق (أوجاق) الإنكشارية، وظلت قبائل المخزن بحكم الضرورة موالية للترك، أما الأهالى فكانوا ينقمون عليهم لاستغلالهم إيَّاهم. وأنشئت قطائع الجند أي الزمول (جمع زَمالة) (¬1) في كل موضع له أهمية حربية. ثم إن الترك باعدوا بين كل جماعة من أهل البلاد وبين الأخرى بأراض شاسعة غير ذات زرع. بيد أن الفتن كثرت رغم هذه التحوطات كلها، وكان السبب في اندلاع معظمها راجعًا إلى ما حل بالأهلين من مظالم عمال الترك، واستمرت بلاد القبائل على تمردها طوال القرن الثامن عشر ومستهل التاسع عشر تقريبًا. وفي نهاية الحكم التركى اضطربت الأمور في ولاية وهران اضطرابًا تامًّا بفعل دسائس عمال مراكش ودعوة الدرْقاوَة والتجانيَّة. ولم يستطع الترك إخماد هذهَ الفتن إلَّا بشق الأنفس، وكانت فتنة بنى شريف التي شبت عام 1805 م أخطرها شأنًا. أما سكان الحضر، ويعرفون بالبلدى، فقد حجبوا عن الحياة السياسية بأسرها، فلم يحركوا ساكنًا لرفع النير التركى عن كواهلهم، ¬

_ (¬1) الزمول بمعنى المعسكر في الإصلاح الجزائرى يومئذٍ، وكان للبلاد جند من مرتزقة قبائل الزواوة، وآخر من مرتزقة الزنوج يسمى (العبيد)، وفريق يسمى (الدوائر) وهم فرسان من الأهلين.

واستطاع القُلَغلى- وهم مولدون من رجال أتراك ونساء وطنيات- دون سواهم، أن يلقوا في قلوب الأتراك بعض الخوف في القرن السابع عشر. فأدى ذلك فيما بعد إلى حرمانهم من جميع المناصب الرفيعة. وكان الحكم وما يستتبعه من المزايا وقفًا على رجال الجيش من الترك (أوجاق) وقد أقامت هذه الجماعة التي تمكن خير الدين بفضلها من تدعيم سلطانه، أرستقراطية عسكرية صغيرة لم يتجاوز عدد أفرادها في وقت من الأوقات 15.000 رجل. وكان هؤلاء يجندون من سكان مدن آسية الصغرى، ومن الأوربيين الذين خرجوا على دينهم في القرنين السادس عشر أو السابع عشر على الأقل، وقد اجتذبهم إلى الجزائر شهوة المغامرة وما تجره من مغانم، وكان هؤلاء اليُلداش، بعد أن يسجلوا في ديوان الجند، يلحقون إما بالجيش البرى وأمَّا بالسفن؛ وتزاد أعطياتهم تدريجًا؛ ولا يعتمدون على غير ضباطهم. وكانوا يرتقون في جميع الرتب المتعاقبة بحسب أقدميتهم حتَّى يصل الواحد منهم إلى مرتبة الأغا، وقد يطمعون في أرفع المناصب المدنية، وكان الذين يؤلفون الجيش الحقيقي منهم يتناوبون الخدمة سنة في الثكنات (نوبه) التي في المدن أو أهم المراكز (الجزائر، بجاية، برج سيباو، قسنطينة، المدية، مليانة، مزونة، تلمسان) وسنة أخرى في صفوف الجيش لجباية الرسوم، ويقضون السنة التي تليها في عطلة، وكانوا مشاغبين، فلم يكونوا خطرًا على الأهلين فحسب بل على الحكومة أيضًا، فسعت إلى استمالتهم بالعطايا والمنح، وكانت فتن القصر التي أسالت الدماء في الجزائر مرارًا من صنع هؤلاء الجند، وحدّ نفوذ طائفة الرؤساء، أي رؤساء القرصان، من سلطان الإنكشارية في القرن السابع عشر، ومر نظام الحكم في بلاد الجزائر بتغيرات لها شأنها إبان القرون الثلاثة من الحكم التركى. وإن استمر في جوهره كما وضعه خير الدين. ويمكننا أن نميز في هذا المقام أربعة عهود مختلفة هي: عهد البكلربكية (1518 - 1587 م) وعهد الباشوات (1587 - 1695 م) وكانت مدة حكم الباشا تدوم ثلاث سنوات؛ وعهد الأغوات (1659 -

1671 م) ثم عهد الدعاة؛ أي الدايات (1671 - 1830 م)، وكان البكلربكية خير الدين وابنه حسن وعلج على وحسن فنزيانو، يحكمون باسم الباب العالى العثمانى، ويمارسون سلطتهم بأنفسهم حينًا وينيبون عنهم الولاة أو الخلفاء حينًا آخر. ويتصرفون في البلاد تصرَّف الملوك المستقلين وإن اعترفوا بسيادة السلطان الأعظم، وقد سماهم "هايدو" Haedo " ملوك الجزائر" ولهذه التَّسمية ما يبررها، وقد طمح كل منهم في أن ينشئ لنفسه مملكة تضم المغرب جميعًا، بل إنهم حاولوا الحد من سلطان الإنكشارية العظيم بالاعتماد على الفرق المجندة من القبائل (زَوَاوَة)، بيد أن مطامعهم أقلقت بال سلاطين الآستانة، فعقدوا عزمهم على استعمال الباشوات على إفريقية، وجعلوا مدة حكم الواحد منهم ثلاث سنين. وانصرف همَّ هؤلاء أولًا وقبل كل شيء إلى جمع ثروة طائلة، ولم يكن في ذلك ما يسئ إلى السلطان. واتسع نطاق القرصنة اتساعًا كبيرًا في هذا العهد، ونشبت حوالي منتصف القرن السابع عشر فتنة عسكرية وضعت أزمة الحكم في يد الأغوات أو قادة الإنكشارية. ولم يعد للباشوات إلَّا بعض المهام التشريفية. وفي عهد الأغوات اختل الأمن وعمت الفوضى، وأدى التناظر بين الإنكشارية والرؤساء إلى معارك دموية، واغتيل الأغوات جميعًا. ثم إن الرؤساء استطاعوا اغتصاب السلطان بعد فترة دامت اثنتى عشرة سنة، ونصبوا على البلاد "دايا". وانتخب القرصان كذلك خلفاءه -أي الداى- الثلاثة. أما الآخرون فقد انتخبهم الإنكشارية الذين استطاعوا آخر الأمر استعادة سلطانهم والمحافظة عليه، ويتميز هذا العهد باختفاء الباشوات وباضمحلال سلطان الجزائر، والحقُّ إن السيادة العثمانية لم تبد إلَّا في خلع قفطان الشرف على الدايات الجدد وتسليمهم كتاب الولاية. على أن ارتياد أساطيل الدول الأوربية العظمى البحر ومظاهراتها قد أضعفت من شأن القرصنة، فلم تعد تفى بحاجة بيت المال، مع أنها كانت من قبل مصدر ثراء أهل الجزائر. فاضطر الدايات إلى نهب الأهلين، مع ما قد يجره ذلك عليهم من

انتقاض أو استعانة باليهود، وكان نفوذ هؤلاء اليهود يزداد حثيثًا، وأدت الحظوة التي نالها نفتالى بزناخ ويوسف بكرى (ملك اليهود) عند الداى في أوآخر القرن الثامن عشر إلى نشوب معارك دموية عام 1805 م. وأمعن الإنكشارية في السلب والنهب، وكان عددهم قد قل كثيرًا، وفقدوا على الأيَّام صفاتهم الحربية، وكانوا يولون الدايات ويخلعونهم وفقًا لأهوائهم، وقد قتل غيلة أربعة عشر دايا من ثمانية وعشرين تعاقبوا على الحكم من سنة 1671 إلى سنة 1830 م، ولم يفكر على خوجه في هجر قصر الجنينة في المدينة السفلى والانزواء بماله وحرسه في القصبة حيث يأمن على نفسه شر انتقاض الجند إلَّا عام 1816. وكان الجند ينتخبون الداى، ومن ثم كان سلطانه مطلقًا، وكان يعاونه مجلس يعرف بالديوان يتألف من وزراء ولقبهم الرسمى: "القوات" وهؤلاء الوزراء هم الخزنَجى أي وزير المال، وأغا المعسكر أي القائد الأعلى، ووكيل الخرج وهو وزير البحرية؛ وبيت المالجى، أي مدير الأملاك الأميرية، وخوجه الخَول، وهو جابى الضرائب، أما شيخ المدينة فكان يشرف على الشرطة والقضاء في العاصمة. وكان الداى يحكم إقليم الجزائر الذي كان يشمل دار السلطان، بوساطة أربعة من القواد. الأتراك. وقسمت بقية الإمارة إلى ثلاث نواح أو بكويات: البكوية الغربية وكانت قصبتها مزَونَة ثم من بعدها معَسْكَر (منذ 1710) ثم وهران (منذ سنة 1792 م)؛ والبكوية الوسطى أو بكوية تيطرى وعاصمتها المدية؛ والبكوية الشرقية وعاصمتها قسنطينة. ثم قسمت هذه البكويات إلى أوطان تضم منازل عدة قبائل؛ وتنقسم هذه القبائل أيضًا إلى دور، أي طائفة من المضارب، وعلى رأس كل بكوية بك، وكل وطن قائد إما من الترك وإما من العرب، وكل دوار شيخ، وكان الداى يعين البكوات، وجرت الحال بأن يكون ذلك لقاء مال يدفعونه ثم إن البكوات كانوا يختارون من يعملون تحت إمرتهم بالطريقة نفسها، وكان لهم سلطان عظيم في بكوياتهم بيد أنهم كانوا مسئولين عن الأمن في نواحيهم

كما كان عليهم جباية الضرائب بمعاونة قبائل المخزن. وكانوا يبعثون خلفاءهم كل عام في الرَّبيع والخريف حاملين إلى الجزائر ما جمعوه من الضرائب، وكان من واجبهم أن يشخصوا إلى العاصمة كل ثلاث سنين لتسليم العوايد التي كانت تعرف بـ "دنّوش" وكانت هذه الرحلات لا تخلو من خطر على حياتهم، لأنَّ الداى كان ينتهز فرصة شخوصهم إليه فيجبرهم على رد ما سلبوه أو يتخلص منهم إذا اشتبه فيهم، ولا شك أنَّهم قد يغرون بالاستقلال بالحكم لأنَّه كان تحت إمرتهم جيش وكان سلطانهم لا رقيب عليه، وقد تصرَّف بعضهم مثل محمَّد الكبير صاحب وهران وغيره تصرَّف الملك المستقل. وكان بكوات قسنطينة مصدر قلق عظيم للحكومة الجزائرية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر وظلت القرصنة أهم مورد للجزائر ثلاثة قرون، وإن ظلت جباية الضرائب هي الشغل الشاغل لعمال البكوية. وكانت القرصنة في الأصل ضربًا من الجهاد ثم أصبحت عند نهاية القرن السادس عشر عملًا مربحًا أثرى منه الحكومة والأهلون جميعًا. ودفع بعض الأفراد وموظفى الحكومة المال لتجهيز السفن، وفرضت الدولة ضريبة معينة على الأسرى والأسلاب وما تبقى بعد ذلك كان يقسم بين أصحاب السفن وبحارتها. وقد أدى وجود هؤلاء الأسرى، وخاصة من كان منهم ينتمى لأسر غنية، إلى قيام تجارة رابحة. فقد كانوا يباعون ويشترون، وكان من يمتلكونهم يفاوضون في فدائهم، فكانوا في بعض الأحيان يفاوضون الأسرى أنفسهم وفي بعضها الآخر يفاوضون من ينوب عن أسرهم أو أعضاء الجماعات الدينية المختلفة (الثالوثيون، والمرتزقة، واللازرية) الذين وقفوا أنفسهم على هذا العمل الديني، وكان الأسرى أثناء هذه المساومات يعيشون إما في دور أسيادهم وإما في أماكن أعدت لهم خاصة تعرف بسجون الرقيق Bagnios . وبلغت القرصنة شأوها في النصف الأول من القرن السابع عشر، وفيه تعرضت سواحل أسيانيا ويروفانس وإيطاليا نفسها لغارات قراصنة البربر، وبقيت لها

قوتها حتَّى النصف الثاني من ذلك القرن، على الرغم من المظاهرات البحرية التي قام بها الإنكليز والفرنسيون (كالمظاهرة التي قام بها بلاك عام 1659 م؛ وحملة بوفورت على جيجل سنة 1664، وضرب دكوسن مدينة الجزائر بالقنابل عام 1682 و 1683، وضرب دستريه إيَّاها عام 1688). ثم اضمحل شأنها في القرن الثامن عشرء بعد أن أنزلت الدولتان البحريتان الكبيرتان إنكلترة وفرنسا الرعب في قلوب القرصان. أما الدول الأصغر منهما شأنًا (كالسويد، والدانمرك، وهولندا، ونابولي وغيرها) فقد قنعت بآداء جزية سنوية نقدًا أو عينًا، في مقابل ضمان القرصان لسلامة رعاياها، وهو ضمان لم يكن قط بالضمان القوى وإن اختلف ضعفه في مختلف الأوقات. وحولت حروب نايليون الأنظار عن البحر الأبيض المتوسط إلى حين، فانتهز القراصنة هذه الفرصة وانتعشت تجارتهم من جديد، ولما خبت نار الحرب أصغى رجال السياسة لدعاة السَّلام أمثال سدنى سميث وشاتوبريان، فأخذوا يفكرون في الوسائل المؤدية إلى القضاء على هذه الحال، بيد أن أهل الجزائر أبوا أن يخضعوا لقرارات مؤتمر إكس لا شابل. ولم يفد ضرب اللورد إكسموث مدينة الجزائر في إرغامهم على التخلى عن هذه التجارة. وبقيت القرصنة ما بقيت السيادة التركية على تلك البلاد، أي إلى عام 1830. وكان فتح الجزائر والقضاء على الدولة التركية من عمل فرنسا. ذلك أن حكومة شارل العاشر قررت أن ترفع الحصار البحرى الذي ضربته على البلاد، ودام ثلاثة أعوام، وأن تنزل العقاب بالداى حسين للإهانة التي لحقت بالقنصل ديفال عام 1827 حين وجدت أن المفاوضة معه عديمة الجدوى، ولذلك قرر الوزير بولنياك إرسال حملة على الجزائر، وضرب باعتراض إنكلترة على ذلك عرض الحائط، وسلمَ الداى في الخامس من شهر يوليه، واحتل الفرنسيون المدينة على الفور، وأجبر حسين والإنكشارية على الرحيل من البلاد. وصمم بولنياك

على أن تحتفظ فرنسا بالثغور الساحلية، ولكنه رأى أن يترك مصير البلاد ليقرره مؤتمر يعقد لهذا الغرض. غير أن ثورة عام 1830 أطاحت بالبربون قبل أن يجتمع الساسة. وكانت مشكلة الجزائر من المشاكل المعقدة التي ورثتها ملكية شهر يولية. ولم يتفق الساسة الذين تسلموا زمام الحكم وقتئذ على خطة لحلها، بل ترددوا بين أن يسلموا برغبات الاستعماريين الذين كانوا ينادون باحتلال الإمارة القديمة واستعمارها، وبين أن ينفضوا أيديهم من هذه الحرب التي كادت تبهظ كاهلهم. وظل الأمر كذلك إلى عام 1834 حين انتهت اللجنة الإفريقية من مهمتها، وعندئذ أعلنت الحكومة عزمها على أن تبقى فرنسا محتلة لبلاد الجزائر، وحاولت في نفس الوقت ولأول مرَّة أن تنظم إدارة الممتلكات الفرنسية بشمال إفريقية، وكانت قد ظلت حتَّى ذلك الوقت خاضعة للحكم العسكرى، فأصدرت في 22 يوليه سنة 1834 مرسومًا بتأليف الحكومة العامة لهذه البلادَ، وكان المجلسان وكان الرأى العام يفضلون أن يقتصر احتلال البلاد على المدن الساحلية والأقاليم المحيطة بها على الرغم من الحملة القوية التي كان يقوم بها أنصار الاحتلال الكامل لجميع الأجزاء التي كانت تتكون منها فيما سبق إيالة الجزائر التركية، ومن هؤلاء مارشال كلوزل، وظلت البلاد الداخلية مسرحًا للفوضى من عام 1830 م فقد وطد أحمد، باى قسنطينة السابق، أقدامه في الناحية الشرقية، وأخذ عبد القادر يعمل على إنشاء مملكة في غربي البلاد، ومن ثم كان تقدم الفرنسيين بين عامي 1830 - 1840 تقدمًا بطيئًا، فلم يحتلوا من عام 1830 إلى عام 1836 إلا بونة ووهران ومستغانم وآرزو وبجاية؛ ومهد احتلال قسنطينة عام 1837، بعد محاولة فاشلة للاستيلاء عليها في العام السابق، السهيل إلى احتلال الناحية الشرقية الممتدة من الساحل إلى الصحراء، وفي عام 1844 ظهر الجند الفرنسيون في بسكرة وتوغلوا في جبال أوراس. أما في الغرب فقد كان الصراع مع عبد القادر صراعًا مريرًا، لكن فرنسا شنت عليه حربًا نظامية

مستعرة بقيادة بوكو استمرت من 1841 م إلى 1874 م، وانتهت بتحطيم قوته والاستيلاء على مدن إقليم التل والهضبة جميعًا (تلمسان، مليانة، معسكر، المدية، سعيدة، بوغار، تيهرت) ثم حددت التخوم بين الجزائر ومراكش في اتفاق عام 1845، وكان هذا الاتفاق إحدى النتائج التي أسفرت عنها معاهدة طنجة المعقودة بعد الحرب المراكشية الفرنسية التي وقعت في عام 1844. ودان بدو الصحراء في الجنوب بالطاعة للفرنسيين بعد أن أنفذ هؤلاء الحملات إلى حدود الصحراء، وأنشأوا المعاقل على الهضبة ثم دانت واحة زيبان لسلطان الفرنسيين بعد أن أخمدت الثورة التي قام بها بوزيان واحتلت زاتشه (سنة 1849). وكذلك أخفق الشريف محمَّد بن عبد الله الذي ثار على الفرنسيين، وحاول استنفار قبائل الصحراء، ولكن الجيوش الفرنسية هزمته واحتلت الأغواط، وتقدمت حتَّى بلغت ورجلة (1852 - 1854) وكان جزء من أرض القبائل قد بقى إلى ذلك العين يستمتع باستقلاله، لأنَّ الحملتين اللتين أرسلتا إلى هذا الإقليم بقيادة بوكو في عام 1844 و 1847 والحملات التي قام بها سانت أرنو وراندو (1851 - 1854) لم تؤد كلها إلا إلى احتلال مبدئى لهذا الإقليم. ثم فتحت بلاد القبائل التي يسكنها البابُرْس في إقليم وادي الساحل. ولم يفدها دفاع أبو بَغْلَة كما فتح أيضًا وادي سيباو، بيد أن قبائل جرجرة المتحالفة ظلت إلى ذلك الوقت بمنأى عن الغزو، حتَّى تم إخضاعها على يد راندون عام 1857، وطارد هذا القائد القبائل في بطن الجبل ومثل بهم حتَّى أجبرهم على إلقاء السلاح والاعتراف بسلطان فرنسا عليهم. ولكنهم احتفظوا بعاداتهم ونظمهم الإقليمية، وأنشئ حصن نايليون (ويسمى الآن بالحصن الوطني Fort National) للإشراف عليهم. وهكذا نظمت طريقة حكم القبائل، بينما كانت أعمال الغزو تشرف على غايتها، على أن البقاع المستعمرة ظلت محدودة الرقعة على الرغم من الجهود التي بذلها بوكو Bugeud لتوسيع نطاقها، وعلى الرغم من المحاولات التي قام بها المستعمرون لزراعة الأراضي قبل عام

1848. أما في البقاع الخارجة عن نطاق الاستعمار فقد وضع الأهلون تحت إمرة شيوخ مسلمين (خلفاء وأغوات وغيرهم) يشرف عليهم القائد الفرنسى والضباط العظام وتعاونهم "إدارات عربية". ويعد خضوع أرض القبائل آخر مرحلة في أعمال الغزو الفرنسى، فلم يعكر صفو الأمن منذ ذلك الحين إلَّا فتن تتفاوت قوة وضعفًا، ولكنها على كل حال لم تتخذ طابعًا عامًا، ولم تكن كذلك الاضطرابات التي قامت بها القبائل المراكشية عى الحدود، وتطلبت إرسال حملة بقيادة له مارتميراى De Martmprey علي بنى سناسّن في عام 1859، ولا الفتنة التي آثار عجاجها أولاد سيدى الشَّيخ في جنوب ناحية وهران، ودامت ثلاث سنوات (1864 - 1867 م)، ووجد الثوار فيها ملاذًا ومعينًا عند بنى جيل وذوى منية وأولاد جرير من القبائل المراكشية، وهم الذين أرسل الجنرال ومفن Wimpfen لتأديبهم فتوغل في بلادهم حتَّى وادي جير، ولقد كان قمع هذه الفتن المختلفة بطيئًا صعبًا في بعض الأحيان، ولكن المستعمرة رغم ذلك لم تستهدف من جرائها خطر جسيم. على أن الأمر لم يكن كذلك بالنسبة للثورة التي اندلع لهيبها في عام 1871. فأمَّا السبب الحقيقي لهذه الثورة فيجب أن يلتمس في ضياع هيبة فرنسا بعد غلبة ألمانيا عليها، وأمَّا السبب المباشر الذي أدى إلى اشتعال نارها واتساع نطاقها، فهو اختلال الإدارة، والإجراءات غير الحكيمة التي اتبعتها حكومة الدفاع الوطني في ذلك الوقت، وبخاصة في مسألة منح الجنسية الفرنسية لليهود الوطنيين، ثم إنقاص الحاميات العسكرية في البلاد. وقام على رأس الفتنة "مَقْرانى" أغا مجانة السابق، وهو من جماعة الأشراف الوطنيين النزاعين إلى الثأر الذين لا يرجون من الاستعمار الفرنسى إلَّا سوء المصير، وقد دفعته مآربه الشخصية إلى المعارضة في إنشاء الإدارة المدنية، كما قام عليها أيضًا في إنشاء الإدارة المدنية، كما قام عليها أيضًا اثنان من المرابطين هما الشَّيخ حداد وابنه سى عزيز، وكان لهذا الابن فيها نصيب أكبر من نصيب أبيه، وقد أخفيا مطامعهما تحت ستار

الدعوة الدينية وتوسلا بذلك إلى استفتاء الإخوان الرحمانية، وعمت الثورة أرض القبائل الكبرى والصغرى، وانتشرت كذلك في جنوبي إقليم قسنطينة وبعض مناطق من إقليم مدينة الجزائر، أما الغرب فقد ظل على ولائه، وأحدثت الثورة قلقًا عظيمًا أول الأمر، فقد حوصرت المدن والحصون في أرض القبائل، ودمرت قرية بالسترو Palestro. وهدد الثائرون متيجة. بيد أن فرنسا استطاعت التغلب على الموقف بعد أن عينت حاكمًا عامًا للولاية، رجلًا قديرًا هو أمير البحر ده كيدون de Gueydon. وأنفذت إلى البلاد نجدات فرنسية. ونظم فيها جيش عقد لواؤه للقواد سوسييه Soussier ولالمان - Lalle mand وسيريز Cerez. ففك الحصار عن المدن وقتل المقرانى في إحدى المعارك عند وادي سَفلت بالقرب من أو مال (صور الغزلان) ثم خلفه على رأس الفتنة أخوه أبو مزراق، ولكنه طورد من أرض القبائل الصغرى ورُدَّ إلى الجنوب حيث أسر آخر الأمر عند الرُوَيسات في العشرين من شهر يناير عام 1872 م. وزاد عدد الثائرين حتَّى بلغ مائتى ألف رجل، وبلغ عدد المعارك التي خاضوا غمارها 340 معركة، وعوقبت القبائل على ثورتها بحرمانها استقلالها الذاتى، وفرض غرامة حربية عليها. واستقطاع 1.120.000 فدان من أراضيها، خصصت للمستعمرين. أما الفتنتان اللتان نشبتا بعدئذ في العَمْرى عام 1876 م، وفي أوراس عام 1879 م، فلم يكن لهما شأن يذكر، وكان أخطر منهما الثورة التي أثارها المرابطى أبو عَمَامة في الجنوب من وهران (سنة 1881)، وأدى هذا كله إلى إنشاء حصون دائمة على التخوم الجنوبية من الهضبة، واستخدمت فيما بعد قواعد للأعمال الحربية في منطقة الصحراء. وكانت الأعمال الحربية إبان هذا العهد (1859 - 1908) المحل الثَّاني من اهتمام فرنسا، ذلك أن المشاكل الإدارية والاقتصادية كانت تتطلب منها عناية خاصة. ولقد تبدلت إدارة الجزائر العليا عدة مرات ووصل الأمر إلى إنشاء إدارة خاصة بهذه البلاد مركزها في باريس، ودامت من عام 1858 إلى عام 1860. ثم نشب خلاف شديد بين أنصار سيادة السلطة

العسكرية وأنصار الحكم المدني. وقد استطاع هؤلاء أن يحصلوا من الحكومة الإمبراطورية على إصلاحات يسيرة في المسائل التفصيلية، ثم أصبحت لهم فيما بعد الكلمة العليا بعد سقوط نابليون الثالث، ومن ذلك الحين أصبح حاكم الجزائر- حتَّى من كان من رجال السلك العسكرى- يسمى الحاكم العام المدني Gouverneur General Civil . ولم يعهد بهذا المنصب السامى منذ عام 1879 إلا الموظفين مدنيين، وقام خلاف آخر لا يقل عن ذلك عنفًا بين الذين يقولون بفرنسية الجزائر والذين يقولون باستقلالها الذاتى. وكان من رأى الأولين أن الجزائر ليست إلَّا امتدادًا لفرنسا، ومن ثم وجب أن تخضع للنظام السياسي والإدارى والاقتصادى الذي تخضع له فرنسا نفسها، وكان الآخرون يرون عكس هذا، فكان من رأيهم أن تمنح البلاد نظما تلائم أحوال أهلها، أو أن تعدل النظم الفرنسية على الأقل بحيث تلائم حاجات الأهلين، وكانت مراسيم عام 1881 التي حدّت من سلطان الحاكم العام، والتي ضمت المصالح الجزائرية المختلفة إلى الإدارات المماثلة لها في فرنسا انتصارًا لآراء الطائفة الأولى. على أن الإصلاحات التي تمت منذ سنة 1896 قد أوحت بها كلها المبادئ التي كانت تنادى بها الطائفة الأخرى، وأهم عمل قامت به الحكومة في تاريخ الجزائر خلال نصف القرن الأخير هو استغلال الأرض، فقد امتد نطاق الاستعمار على منطقة التل بأسرها، بل تعداها إلى منطقة الهضبة من ورائها. وقد أضيفت إلى زراعة الحبوب (وهي التي جرت العادة بزراعتها في إفريقية من أقدم الأزمان) زراعات جديدة أهمها الكروم وكشفت مناجم (الحديد والخارصين والفوسفات) واستغلت وأنشئت مشروعات عامة جديدة كالطرق والسكك الحديدية، ومشروعات الري واستخدام قوة المياه، وتضاعف عدد السكان الأوربيين منذ عام 1870 م، وخطّت مدن جديدة في كل مكان. وليس من غرضنا في هذا المقام التوسع في وصف هذا الانقلاب، وحسبنا أن نقول إنه كان أثرًا من آثار ابتكار الأوربيين ورءوس الأموال الأوربية. أما الوطنيون فكل ما فعلوه

أنهم رضوا به ولم يعملوا عى إحداثه وتيسيره (¬1). (حـ) سكانها بلغ عدد سكان الجزائر وفق تعداد عام 1906 (5.231.650 نسمة) يمكننا أن نقسمهم على الوجه الآتي: 1 - الأوربيون 658.567 نسمة رعايا فرنسيون 492.369 فرنسيون 288.976 أجانب أصبحوا مواطنين بمقتضى قانون عام 1889 148.748 يهود وطنيون أصبحوا مواطنين وفق مرسوم 13 أكتوبر عام 1870 وأبناؤهم 64.645 أجانب 166.198 أسبان 117.475 طليان 35.153 مالطيون 6.127 من جنسيات أخرى 9.352 ب - الأهالي المسلمون 4.477.788 رعايا فرنسيون 4.447.149 أجانب (مراكشيون وتونسيون وغيرهم) 20.639 ويتبين من هذا أن عدد السكان المسلمين الذي لم يكن في عام 1830 يتجاوز 2.5 مليون نسمة، يبلغ الآن نحو تسعة أعشار السكان جميعًا. على أن هؤلاء أبعد ما يكونون عن الانسجام، وقد جرت العادة أن تقسم طوائفهم المختلفة كما يلي: (1) البربر وبعضهم من أخلاف القوم الذين كانوا يسكنون شمالي إفريقية عندما رسخت قدم الإسلام في هذه الربوع (2) العرب وبعضهم من أخلاف الفاتحين الذين قدموا إلى هذه البلاد في القرن السابع الميلادي، لكن كثرتهم من أخلاف الغزاة الهلالية الذين قدموا في القرن الحادي عشر الميلادي وقد اختلطوا جميعًا بالسكان الأصليين. (3) المغاربة أو الحضر وهم الذين يسكنون الحواضر، وقد انحدروا من شعوب إفريقية مختلفة انضمت إليهم عناصر أجنبية، واخعلط بهم في القرن الخامس عشر والسادس عشر والسابع عشر مهاجرو الأندلس. ثم انضم إليهم في القرنين السادس عشر والسابع عشر من أسلم من الأوربيين. (4) القُلُغْلى: وهم مولدون آباؤهم من الترك وأمهاتهم ¬

_ (¬1) كان من الإنصاف أن يشير الكاتب إلى أن النظام الاستعمارى المرسوم للجزائر من سنة 1830 لا يمكن أن يأتي إلَّا بهذه النتيجة.

وطنيات. (5) الترك الذين ظلوا في البلاد بعد عام 1830 (6) الزنوج الذين جئ بهم إلى بلاد المغرب عبيدًا وكانوا من نسل العبيد. وهذا التقسيم الذي درج الباحثون عليه لا يطابق الحقيقة الواقعة، فقد امتزجت هذه الأجناس جميعًا، واليوم أصبح هذا الامتزاج تامًّا يكاد يتعذَّر على المرء معه أن يفرق بين الأجناس المختلفة. بل إن الطائفتين الرئيسيتين، وهما البربر والعرب، لا يمكن تمييز إحداهما من الأخرى، فلا اللغة ولا طرائق المعيشة يمكن أن يستخلص منها أساس لمثل هذا التقسيم. ذلك بأن البربر المستعربة قد انصرفوا عن لغتهم وعادتهم، بل نسوا أرومتهم، ومن هؤلاء مثلًا الحَرَاكْتَة والنَمَامشة في ولاية قسنطينة، فهم يدعون أنهم عرب، على الرغم من أنهم في الواقع من بربر هُوَارة، ومنهم اغواط كسل الذين انحدروا من كتامة، وبنى وَسين على تخوم مراكش. أما القبائل العربية فلم يبق منها سوى أسمائها، ذلك أن تسرب البربر المستعربة قد غيرهم كل التغيير. وحدث هذا الاستعراب في نواحى الجزائر الجزائر كلها، ولكنه كان في إقليم وهران أعم منه في أي موضع آخر. والخلاصة: أن تبدد العشائر العربية قد صحبه تبدد لا يقل عنه قوة في العشائر البربرية، ولقد ساعد تجاور الجنسين منذ القرن الرابع عشر على أن يبتلع البربر العرب، وأن يتبدل البرابرة أنفسهم حتَّى لم يعد بين الجنسين فرق ما في هذه الأيَّام. هذا من حيث أصولهم، فإذا انتقلنا بعد ذلك إلى طرائق معيشتهم وجدنا عادات الطائفتين متشابهة، فليست البداوة من خصائص العرب وحدهم، ولا الحضارة من سمات البربر دون غيرهم، ففي خارج المدن يجد المرء عربا من الحضر وبرابرة من البدو. وعلى الرغم من هذا الامتزاج العام، فإن بعض الجماعات البربرية التي فرت إلى الجبال حيث لا يستطيع الغزاة أن يصلوا إليها، قد احتفظت بلغتها وعاداتها، ومن هؤلاء رجال القبائل وشاوية أوراسوتَراراس ندرومه وبنى سنوس في بلاد تافنة، وبنى مناصر في شرشال، وبعض قبائل أطلس بليدة، ثم المزابية وهم نسل الزناتية الأباضية [ومزاتة وغيرها ومن العرب]. الذين احتفظوا بعادات

أسلافهم ولهجاتهم، كما احتفظوا على ما يظهر بخصائصهم الجثمانية، ولم يوضع بعد إحصاء دقيق لمختلف طوائف اللغات، وحسبنا أن نقول إن عدد الذين يتكلمون لهجة بربرية قد قدر عام 1859 بثمانمائة وخمسين ألف نسمة، وأن عددهم اليوم يبلغ قرابة سدس السكان جميعًا. أما من حيث الخصائص الجسمية فقلما يجد المرء طوائف احتفظت بالصفات الواضحة التي تميز البربر عن غيرهم. ولقد فرض العرب في كل مكان نظمهم ولغتهم على القبائل التي أدخلوها في الإسلام. نعم إن العرب الفاتحين قد تأثروا من بعض الوجوه بالسكان الأصليين الذين كانوا يشبهونهم شبها كبيرًا في طرائق معيشتهم من بعض الوجوه (ومن ذلك أن البربر كانوا يعيشون على الرعى كالعرب كما يقول بعض المؤلفين الآخرين) ولكن الفاتحين كانت لهم دون شك الغلبة على الأفارقة، فأدى ذلك إلى امتصاص العرب للبربر، واندماج هؤلاء فيهم، والواقع أن إطلاق كلمة العرب على جميع سكان الجزائر دليل قاطع على هذا التطور الأخير. أما من حيث طرق العيش ففي وسعنا أن نقسم أهل الجزائر الوطنيين على أساسها إلى طائفتين: قبائل مقيمة، وأخرى ظاعنة. وثم فروق واضحة بين الأولين، فسكان المدن لا يشبهون سكان قرى القبائل كما أنهم لا يشبهون أهل القصور وفلاحى التل. ذلك أن هؤلاء قد استوطنوا منذ قرون عدة مدن الساحل والتل، كالجزائر، وبليدة، والمدية وقسنطينة، وبجاية، ووهوان، وندرومة، وتلمسان. وهم الآن يؤلفون طبقة من التجّار والصناع والأدباء، وهم مواطنون وادعون، وقد زاد عددهم منذ الفتح الفرنسى بمن انضم إليهم من الأجراء عمال المياومة وأصحاب الحرف اليدوية، وغيرهم ممن هم أدنى منهم، وهم يعيشون عشائر متفرقة، ويبدو أنهم إذا اتصلوا بالأوربيين ينزعون إلى اتخاذ العادات الغربية. أما أهل القبائل فيجتمعون في قرى كبيرة تتألف من طائفة من المنازل الحجرية. يأوى إليها السكان والماشية جميعًا، وهي تبنى في صفوف على المرتفعات البارزة بين الوديان، ونحن إذا نظرنا إلى هذه القرى من حيث عدد السكان الذين

يعيشون فيها رأينا أن معظمها خليق بأن يسمى مدنًا، وفي جبال الجنوب (الفجج، القصور، وجبل عمور) يسكن المقيمون من الأهالى قرى محصنة تسمى "قصورًا" تبنى من اللبن وتتخذ فضلًا عن ذلك مخازن للأقوات وأسواقًا وحصونًا، وفي سهول التل نجد الفلاح يحيا حياة مستقرة أيضًا، فهو يعيش في "كربى"، وهي كوخ من العساليج مغطى بالديس (وهو نوع من القصب) ويحيط به على مسافة منه سور من الحسك أو "الزريبة"؛ فإذا تجمعت طائفة من هذه الأكواخ المصفوفة على شكل دائرة سميت بالدوَار. أما في غير سهول التل فالفلاح يبنى بيتًا من الحجر أو مشتى في حجم الكربى وعلى طرازه، تحيط به بيادر تستعمل في أيَّام الحصاد، وأهراء تخزن فيها الغلال. على أن الفلاح ليس مستقرًا استقرار الحضرى: فهو يحب العيش في خيمة كما يحب العيش في الكربى، ويغير مسكنه في يسر. ومن الفلاحين من يقضي الشتاء في الكربى والصيف في الخيمة، ومنهم ينقلون خيامهم مرات متعددة في السنة لكى يستغلوا أراضى نائية، وهم يزرعون عادة القمح والشعير، ولا تزال أدواتهم وطرق الزراعة عندهم بدائية، وتكثر الحاصلات أو تقل حسب وفرة المطر أو ندرته، وكلما بعد المرء عن إقليم التل، قلت ملاءمة الأحوال المناخية للزراعة، فتحل محلها رعاية الماشية، وبهذه الوسيلة تتحول الحياة المستقرة أو الشبيهة بالمستقرة- وهي الحياة الغالبة في التل- إلى الحياة البدوية السائدة في الهضبة، ويحدث هذا التحول تدريجا. ومن العسير أن نورد بيانًا دقيقًا عن البدو، ذلك لأنَّ غالبية قبائل الأفارقة يأخذون بنصيب من البداوة والحضارة معًا. ويذهب فيو villot إلى أن خير طريقة لتقسيم الأهلين المعروفين بالعرب هي أن نقسمهم إلى طائفتين: عرب يقل نزوعهم إلى الظعن: وعرب رحل. وهؤلاء هم البدو بحق. أما برنار Bernard . ولاكروا lacroix فيقسمانهم إلى الأقسام التالية (1) الرعاة الذين لا يظعنون إلَّا قليلًا جدًّا (من 15 إلى 30 ميلًا) وهؤلاء يتجولون على تخوم التل في أوقات من السنة طلبًا لمراع جديدة

ترعاها ماشيتهم. (2) الرعاة الذين لهم مشات ومصايف مختلفة ولا تبعد إحداهما عن الأخرى إلَّا قليلًا: وبعض هؤلاء الرعاة يقضون الشتاء في الجنوب، وبعضهم يقضونه شمالي أطلس الصحراء. (3) الرعاة الخلص وهم يقضون الشتاء في الصحراء حتَّى إذا ما حل الرَّبيع تركوا مهاجرهم في الجنوب سعيًا وراء الكلأ والمال بين قبائل التل التي تبيح لهم حق ورودهما "فأرباع" الأغواط- مثلًا- يتقدمون حتَّى ثنية الأحد، أما قبائل زيبان وعرب شراقة فيتقدمون حتَّى شاتودان دو روميل rhummel Chateaudun du بين قسنطينة وسطيف، بل إن قبائل أخرى في جنوب قسنطينة تتقدم حتَّى القالة le calle على الساحل وتعرف الهجرة في سبيل المرعى بالرحلة، وتقوم بها عشائر يقودها شيوخها وفق قواعد معروفة، وتتبع طرقًا معينة، وقد أدت الرحلات في الزمن الماضي إلى تبادل كثير في السلع داخل المدن التي تقوم على حدود التل والهضبة، وقد عنى الترك، وكانوا يجبون من الرعاة إتاوة تسمى بالعوسة، بتوطين قبائل المخزن بجوار هذه الأسواق، لكى يضمنوا تحصيل هذه الإتاوة أو إكراه النَّاس على دفعها إن لزم الأمر. وكان أهم ما يتجرون فيه الصوف والبلح يستبدلون بهما الحبوب، ويجب أن يضاف إليهما في هذه الأيَّام عدد معين من السلع المصنوعة في أوروبا، بعد أن أصبحت هذه من ضرورات الحياة عند الرعاة، أما صناعتهم فجد بدائية وتزاولها النساء عادة، وهي تتألف من صناعة الفليج (وهي شرائح من الصوف ووبر الإبل، تخاط بعضها إلى بعض وتصنع منها الخيام) والملابس الصوفية، والأبسطة وبعض الأدوات المنزلية. وحياة البداوة وحياة الاستقرار تعتمدان كلتاهما على الأحوال الجغرافية والمناخية، وقد تاثرتا فوق ذلك بنتائج الأحداث التاريخية والانقلابات الاقتصادية، فلما غزا العرب الهلالية- مثلًا- بلاد إفريقية وضربوا في أرضها اضطرت بعض القبائل البدوية إلى الاستقرار، وأحدث الاحتلال الفرنسى نتائج مشابهة لهذه أو مغايرة لها بما نشره من الأمن والرخاء النسبى في البلاد. ويلاحظ في مواضع متعددة،

وبخاصة فيما بين التل والهضبة، اتجاه واضح بين الأهلين لبناء المشاتى، ونزوعهم الصادق إلى حياة الاستقرار، ومع ذلك فثمة قبائل في مواضع أخرى عمل البؤس والخوف فيها عملهما، فتآلفت فيما بينها واتخذت منازل ثابتة، فلما تحسنت أحوال البلاد في الوقت الحاضر، هجرت حياة الاستقرار، وتركت المنزل إلى الخيمة، وربت قطعانًا جديدة، وعادت إلى حياة الرعى والبداوة. ولعل هذه هي الحال في ناحية القصور. ولا يزال النظام الاجتماعى للأهلين يقوم على الأبوة الخالصة، ولا تزال الأسرة دعامة المجتمع هناك، وللأب فيها سلطان مطلق. أما المرأة، وقد حرمت في أغلب الأحيان الحقوق التي يخولها لها الشرع الإسلامي، فتعيش في ظروف غير طيبة، فالبنات يتزوجن في سن مبكرة، على الرغم مما بذلَ من الجهود لمنع زواج الفتيات قبلَ سن البلوغ، وتجبر المرأة عادة على القيام بأشق الأعمال، على أنها مع ذلك قد ظل لها أثر قوى بفضل ما تثيره في نفوس الرجال وتعدد الزوجا نادر، ذلك أن قلة الدخل تمنع الرجل من البناء بأكثر من زوجة، ويستدل من إحصاء سنة 1891 على أن المتزوجين بأكثر من واحدة يبلغون بالنسبة إلى مجموع المتزوجين واحدًا إلى ستة (149.000 من 950.000) وتتمتع الأسرة باستقلال يكاد يكون تامًّا، فهي تفعل ما تشاء بأملاكها الثابتة والمنقولة. بل إنها تستطيع أن تهجر القبيلة التي تنتسب إليها وتندمج في سواها. وتضم هذه القبائل التي تندمج فيها الأسر، أبناء الجد الذي تسمى القبيلة باسمه حقيقة كان ذلك أو وهمًا، كما تضم موالى هذه الأسر وأبناءهم، وقلما نجد قبيلة تستطيع أن ترد نسبها إلى أجدادها العرب أو البربر دون أن تختلط بدم دخيل، ذلك بأن أغلب هذه القبائل قد نشأ من امتزاج شعوب مختلفة امتزاجًا حدث في خلال قرون طويلة، ففي العهد التركى مثلًا تكونت بالفعل قبائل من أفراد ذوي أصول مختلفة كانوا يعيشون ذول القطائع العسكرية، وحدث مثل هذا في جوار أقدس الزوايا، فقد نشأت بجوار هذه الأماكن قبائل

تسمى قبائل المرابطين يذكر أفرادها أنهم أشراف من نسل ولى من أولياء الله الصالحين، ويسمون أنفسهم أولاد سيدى (س). ويدعون لأنفسهم بهذه الوسيلة ضربًا من الشرف الديني، ومن هؤلاء أولاد سيدى الشَّيخ، وتمتلك القبيلة أرضًا خاصة بها (تسمى عرشًا وتعرف في ناحية وهران بالسابقة) وهي أملاك شائعة لا يتصرف فيها، وليس المالكون إلَّا مستغلين فحسب. وكانت البكوية قبل الفتح الفرنسى تعد مالكة لأرض العرش، وكان في وسعها أن تطالب بها وأن تتصرف فيها كما تشاء، وكل ما كان يستطيعه كل فرد من أفراد القبيلة هو أن يستمتع بغلة الأرض. وقد استحال حق الانتفاع هذا بمقتضى قانون سنة 1863 إلى حق ملكية للقبيلة مجتمعة، وكثر الأخذ والرد في هذا القانون وكان غرض واضعيه أن يمهدوا السبيل إلى تحويل الملكية الجماعية إلى ملكية فردية، وتيسير المعاملات بين الأهلين والأوربيين، وقد أدى تنفيذه إلى تحديد أملاك القبيلة، وإلى إنشاء مراكز أهلية تعرف بالدواوير (جمع دوار) لكل منها جماعة من الأعيان، من حقهم أن ينوبوا عن أفراد الدوار كلهم في المسائل الخاصة بالملكية. ولكن النتائج المرجوة لم تتحقق، فقد ظلت الملكية الجماعية قائمة جنبًا إلى جنب مع الملكية الفردية، وأدت رغبة الحكومة في وضع نظام لحجج الملكية الفردية إلى إنشاء سجل لأهل البلاد، وإلى إصدار قانون لتحقيق هذا الغرض في عام 1883 نفذ في جميع الجهات الخاضعة للحكم المدني، وما وافت سنة 1896 حتَّى بلغ عدد الأفراد الذين سجلوا بمقتضى هذا القانون منسوبين إلى أسرهم 3.069.368 شخصًا. والرابطة الدينية من أبرز الخصائص التي يمتاز بها أهل الجزائر الوطنيين. ذلك أن دين الإسلام الذي جاء به الفاتحون في القرن السابع بعد الميلاد قد محا أو كاد يمحو من بلاد المغرب كلها الديانتين المسيحية واليهودية، ديانتى قبائل [بعض] البربر، والمذاهب السنية هي المذاهب المنتشرة في البلاد، وإن كانت لا تخلو مع ذلك من الخوارج والصوفية والشيعة، وهي الفرق التي

أخذت تهاجم أهل السنة منذ البداية، وقد استطاعت الإباضية وحدها أن تبقى في إقليم مزاب. والمالكية هي المذهب الذي تستمسك به الكثرة الغالبة من أهل البلاد، ويلوح أن هذا المذهب قد أصبح منذ القرن الحادي عشر الميلادي هو المذهب السائد في جميع بلاد المغرب بعد أن حل محل المذهب الحنفي الذي كانت له السيادة فيها قبل ذاك، وصار أتباع هذا المذهب الآن مقصورين على بعض بقايا الأسر التركية التي أدخلته إلى الجزائر من جديد في القرن السادس عشر. ولم يعد استبدال مذهب مالك بالمذهب الحنفي في شمالي إفريقية على هذه البلاد بالنفع، وتدرس مبادئ المذهب المالكي في مختصر خليل بن إسحاق (سيدى خليل) وهو أهم المراجع في الشريعة الإسلامية في أرض الجزائر. على أن انتشار المذهب المالكي في شمالي إفريقية بأكمله لم يقض على الخرافات التي يتشبث بها الأهلون، ولا يزال للشعوذة والسحر مكانة في قلوب الأهلين، ولقد تركت الفترة القصيرة التي انتشر فيها مذهب الشيعة بين البربر كلهم آثارها في بلاد الجزائر، ومن هذه الآثار عقيدة المهدية، فالجزائريون ينتظرون قدوم "مولى الساعة" في يوم من الأيَّام ليطرد النصارى من البلاد. وقد استعان بهذه العقيدة منذ عام 1830 معظم الذين حاولوا إثارة الفتنة في البلاد، ولم تستطع الحكومة استئصال شأفتها من العقول أو إضعاف شأنها على الرغم مما باءت به من الخيبة آنا بعد أن: وثمة ظاهرة أخرى لا تقل عن المهدية شأنًا عند أهل الجزائر المسلمين، وهي تقديس الأولياء ويعرف هؤلاء الأولياء باسم المرابطين. وقد وجدت هذه العادة في بلاد الجزائر، كما وجدت في سائر بلاد المغرب، تربة صالحة لنموها وازدهارها، وسبب ذلك أن أهل تلك البلاد كانوا من أقدم الأزمان شديدى الميل إلى تقديس بنى الإنسان، ويدعو الأولياء في بلاد المغرب أنفسهم بالمرابطين، وسواء كان هؤلاء رجالًا

أو نساءً، فإنهم لا يكادون يؤثرون في عقول الأهلين حتَّى يصبحوا موضع الإجلال والتكريم، وينتقل ما حباهم به الله من تركة إلى أبنائهم، ويصبح قبر الواحد منهم "المرابطى" مزارًا، وتجنى أسرة المتوفى أو قبيلته من وراء ذلك خيرًا كثيرًا. ذلك بأن تعظيم النَّاس لهؤلاء الأولياء يتطلب منهم إقامة الموالد لهم في كل عام، وفيها تؤدب المآدب ويطعم الطَّعام، وتنحر الذبائح تبعًا لمراسم خاصة ويقبل الزوار من جهات نائية، ويقدمون النذور نقدًا أو عينًا لسدنة هذه القبور، وإذا حلت بالبلاد وأهلها كارثة من جدب أو وباء أو نحوهما وفد النَّاس إلى هذه القبور وقدموا لها النذور، ومن مواردها غير ما ذكرنا ضروب من "الصدقات والهدايا والغفارات" يجمعها المرابطون الجوالون، ولهؤلاء في البلاد شأن عظيم، ومن أجل هذا كان الأتراك يعملون على كسب رضاهم بما يقدمونه إليهم من مراسم التعظيم، ومن الهدايا الكثيرة، وبإعفائهم من الضرائب. ومع ذلك فإن نفوذ المرابطين لا يتعدى الإقليم الذي يسكنون فيه. أما نفوذ رجال الطرق فينتشر في أقاليم متسعة الرقعة، ويقول ديبون Depont وكيولانى Coppolani أن في بلاد الجزائر وحدها ما لا يقل عن ثلاث وعشرين من هذه الطرق ينضوى تحت لوائها 295.189 من الأعضاء، ويشرف على أعمالها سبعة وخمسون شيخًا وستة آلاف عامل يقومون فيها بأعمال مختلفة وهم مقدمون ووكلاء ونواب وغيرهم). ولهذه الطرق 349 زاوية، وهي تجمع في كل عام حوالي سبعة ملايين من الفرنكات من الأعضاء أو "الإخوان"، وأوسعها انتشارًا طريقة "الرحمانية" وهي تضم 156.000 عضو منهم ثلاث عشرة ألف امرأة. وهذه هي الطريقة الجزائرية الحقة، ومؤسسها سيدى محمَّد بن عبد الرحمن أبوقبرين، وهو شيخ من الأتقياء الصالحين، عاش في القرن السابع عشر الميلادي، ويضم رفاته- حسب الرّواية المتواترة- قبران منفصلان

أحدهما وسط "أيت إسماعيل" في أرض القبائل، والآخر في "الحامة" خارج مدينة الجزائر. وتتفرع الطريقة الرحمانية إلى فروع عدة، ويمتد نفوذها إلى جميع أنحاء الجزائر، وبيوتها الكبرى منفصلة بعضها عن بعض، ويقوم بينها النزاع أحيانًا، وهذه البيوت هي شتودان دو رومل chateaudun du Rhumel بالقرب من سطيف setif (وتضم 40.000 عضو)، والهامل (وتضم 43.000) ونقطة Nefta (وتضم 13.000)، وطولقا tolga (وتضم 16.000) وقسنطينة (وتضم 10.000) وأقبو Akbou (وتضم 9.000). ويلى الرحمانية في الأهمية طريقة "التجانية" ويسكن شيخها في "عين ماضى" وينتشر أتباعها البالغ عددهم 26.000 في الصحراء وفي جنوب وهران، ومنها أيضًا القادرية (وتضم 24.000 عضو)، والطيبية (وتضم 22.000) وشيخها شريف وزان في مراكش، والشيخية (أولاد سيدى الشَّيخ) وهي جماعة سياسية أكثر منها دينية وأتباعها يبلغون عشرة آلاف، والدرقاوة (وتضم 9000) وهم طائفة كانت لها يد في جميع الثورات التي نشبت في البلاد على الأتراك والفرنسيين ودامت مائة وخمسين عامًا، ومنها أيضًا طريقة العمارية (وتضم 6.000) والعيسوية (وتضم 3.500)، ومنها الحنصالية وأتباعها من المنشقين على الطريقة الشاذلية، وينتشرون في أنحاء ولاية قسنطينة، ويبلغون نحو 4000 ومنها الزيانية (3000) والزرواقية (2.700) والكرزاسية والشبيبية والمدنية واليوسفية، وهم أتباع سيدى أحمد بن يوسف ولى مليانة، وآخر ما نذكر من هذه المطرق السنوسية، ولا يكاد أتباعها يبلغون ألفًا. ويساعد المرابطون ورجال الطرق على بقاء التعصب منتشرًا في الجزائر بين جميع القبائل، وليس من الصواب في شيء أن يميز المرء بين العرب والبربر في تعصبهم للدين، فالمزابية، وهم بربر، أكثر سماحة في الدين من

سائر المسلمين، في حين أن القبائل تؤمن أشد الإيمان بالمرابطين. وتبالغ في الثقة بهم إلى أقصى حد، وفي ذلك يقول وال M.wahl: " إذا شاهد المرء الزوايا المنتشرة فوق الجبال كلها وقبور المرابطين التي لا يخلو منها مكان، والتي تنال الشيء الكثير من ضروب الإجلال والتعظيم، خيل إليه أنَّه يرى الأندلس في عهد المسلمين": وإذا ما أراد المرء أن يوازن بين مقام المرابطين ومقام رجال الدين الرسميين رأى هؤلاء أصغر من أولئك مكانة وأقل هيبة، والنظام الذي يعيشون في كنفه من عمل الحكومة الفرنسية. ذلك أنها لما ضمت الحبوس- الأوقاف- إلى أملاك الدولة أخذت على عاتقها إصلاح ما يحتاج إلى الإصلاح من المساجد، ودفع المرتبات لرجال الدين، ويشمل هؤلاء 25 مفتيًا (منهم واحد حنفى) يقومون بخدمة المساجد الكبيرة، والأئمة الذين يؤمون المصلين في أيَّام الجمعة، والمدرسون الذين يعلمون النَّاس الدين و "الحزاب" الذين يتلون القرآن، والمؤذنون الذين يدعون إلى الصَّلاة، ويبلغ عدد هؤلاء كلهم 573 عاملًا يقومون بالخدمة في 174 مسجدًا، ويؤخذون من المدارس الثلاث القائمة في الجزائر وقسنطينة وتلمسان. د- نظام البلاد في الوقت الحاضر الحكومة: ينص دستور عام 1848 على أن بلاد الجزائر جزء لا يتجزأ من البلاد الفرنسية. بيد أن حكم البلاد يختلف في كثير من الوجوه عن حكم بلاد فرنسا الأصلية. ذلك أن التفاوت الكبير في عدد السكان الأوربيين والوطنيين، وما بين هؤلاء وأولئك من اختلاف في الدين والحالة الاجتماعية، قد حالًا دون تطبيق النظم الفرنسية في البلاد كما كان ينادى بذلك الداعون إلى الامتزاج التَّام بين الوطنيين والمستعمرين، وتقوم دواوين الحكومة الكبرى في مدينة الجزائر، وتتركز السلطة في يد الحاكم العام، وهو يمثل في بلاد الجزائر كلها حكومة

الجمهورية الفرنسية، ويشرف على المصالح المدنية على اختلاف أنواعها ما عدا القضاء بين الطوائف والخزانة العامة. ومن حقه أن يتخذ جميع الإجراءات لضمان الأمن في الداخل وحماية البلاد من الاعتداء الخارجى، وليس للضباط العسكريين والبحريين الموكلين بتنفيذ هذه الإجراءات أن يخاطبوا الوزراء المختصين إلَّا عن طريق الحاكم العام؛ وللحاكم فوق ذلك أن يخاطب رأسًا المقيم الفرنسى في تونس والمقيم الفرنسى في مراكش في جميع شئون بلاد الجزائر المتصلة بهذين البلدين وبخاصة ما يتصل من هذه الشئون باستتباب السلم على التخوم؛ ويعاون الحاكم العام مجلس حكومى يتألف من رؤساء الإدارات المدنية، ويشترك معه في تحضير الميزانية "مجلس أعلى" مكون من كبار الموظفين ومن مندوبين عن الجمعيات الانتخابية الفرنسيين، ويسمى أعضاء الجمعيات الانتخابية بالمندوبين الماليين وتتألف كل جمعية منها من أربعة أقسام: المستعمرين وغير المستعمرين والعرب والقبائل؛ ويستطيع دافعو الضرائب الفرنسيو الأصل، والرعايا الفرنسيون أن يبدوا آراءهم عن طريق هذه الجمعيات في الشئون المالية، وأن يشيروا أثناء بحث الميزانية إلى الإصلاحات التي يرون أنها ضرورية للبلاد، ويختار المواطنون الفرنسيون عنهم ثلاثة شيوخ واربعة نواب يمثلونهم في البرلمان الفرنسى. وتنقسم بلاد الجزائر- فضلًا عن التقسيم السالف الذكر- إلى منطقة مدنية وأخرى عسكرية. وتشمل الأولى منطقة التل بأسرها والجزء الأكبر من الهضبة، وقد اتسع نطاقها كثيرًا بعد عام 1870 بما ضم إليها من المنطقة العسكرية. فقد كانت مساحتها في تلك السنة 1.279.361 هكتارًا يسكنها 493.000 نسمة، أما في عام 1906، فقد تضاعفت رقعتها كما تضاعف عدد سكانها عشرة أضعاف ما كانت عليه (14 مليون هكتار 4.560.317 نسمة) ولكلتا المنطقتين نظامها الإدارى

الخاص، وتنقسم المنطقة المدنية إلى ثلاثة أقسام (الجزائر، وهران، قسنطينة) وهي تحكم بالأساليب التي تحكم بها فرنسا، وفي هذه الأقسام نوعان من المراكز الإدارية يختلف كل نوع منها عن الآخر، ويعرف النوع الأوَّل بالمراكز ذات السلطة الكاملة Communes de Plein exercice، وقد أنشئت في الأقاليم التي تسود فيها مصالح الأوربيين، ويتولى أمورها مجلس بلدى منتخب، والثانية هي "المراكز المختلطة" Communes Mixtes، ويبلغ عددها اثنين وتسعين مركزًا وأكثر سكانها وطنيون، وتبلغ مساحة كل مركز 146.00 هكتارِ، ويسكنه 36.000 نسمة تقريبًا ويصرف أموره مراقب Administrateur يلقبه الأهالى بالحاكم، ويعاونه مجلس بلدى بعض أعضائه منتخبون، ومستشارون يسمون بالقواد في الأقاليم العربية بالرؤساء في أرض القبائل، وهؤلاء المستشارون يعينهم حكام المقاطعات، وللحاكم العام أن يعزلهم عن مناصبهم إذا شاء، وهم واسطة الاتصال بين السلطات الفرنسية وبين الأهلين، ويمنحون مرتبات تحدد بعشر الضرائب التي يدفعها الأهلون. أما المنطقة العسكرية فتشمل أجزاء من الهضبة ومن الصحراء، ومساحتها آخذة في النقصان، ويكاد لا يسكنها إلَّا الوطنيون، وحكامها هم قواد اللواءات العسكرية الثلاثة في الجزائر وقسنطينة ووهران ومساعدوهم، وهي تنقسم إلى دوائر (Cercles) يقوم عليها ضباط عظام، وإلى ملحقات Annexes " ونقط" Postes يقوم عليها ضباط صغار من "هيئة الشئون الوطنية" Affaires indigenes . وليس هذا النظام في جملته إلَّا استمرارًا لنظام الإدارات العربية Bureaux Arabes مع تغيير يسير في التفاصيل. ويتولى السلطة المباشرة الرؤساء الوطنيون وهم "الباش أغوات والأغوات والقواد والشيوخ؛ تحت إشراف الضباط، وهناك خمس مراكز عسكرية مختلطة" Communes Militaires Mixtes ومراكز وطنية. ويبلغ عدد سكان المنطقة العسكرية 225.242

نسمة وقد نقصت مساحتها عما كانت عليه من قبل، ولم يكن ذلك لاتساع مساحة المنطقة المدنية فحسب بل كان من أسبابه أيضًا إنشاء أراضي الجنوب Territoires du Sud في عام 1902 (من مقاطعتى توات وغراره وغيرهما) وهي أراض وضع لها نظام خاص وميزانية خاصة. مركز الأهلين القانونى: المسلمون رعايا فرنسيون ولكنهم ليسوا مواطنين فرنسيين، وقد قرر مجلس الشيوخ في 14 يوليو عام 1865 اعتبارهم فرنسيين على أن يظلوا خاضعين للشريعة الإسلامية فيما يتصل بالأحوال الشخصية، وشئون الأسرة، والمواريث والأملاك الثابتة إلَّا إذا كان صاحب الحجة فرنسيًا وكان المسلم مجرد واضع يده؛ وللوطنيين مع ذلك أن يتخلوا عن امتيازاتهم في الشئون القضائية وإن اتصل الموضوع الذي يحتكمون فيه بالشريعة الإسلامية. ويسمح لهم بالخدمة العسكرية، وقد يرقون إلى مرتبة الضباط (على ألا يلقبوا إلَّا بألقابهم الوطنية إلَّا إذا تخرجوا في مدرسة خاصة)؛ وفي وسعهم أن يشغلوا بعض المناصب المدنية، بل إنهم يستطيعون أن يكونوا مواطنين فرنسيين إذا طلبوا ذلك، على أن يتخلوا في هذه الحال عن امتيازاتهم الشخصية السالفة الذكر ويخضعوا للقانون الفرنسى؛ وهو أمر قليل الحدوث لأنَّ غالبية الآهلين ترى فيه ضربًا من ضروب الارتداد عن الدين. ولم يجرد الوطنيون غير الفرنسيين من حقوقهم السياسية كلها، فهم وإن لم يمنحوا مثلًا حق الانتخاب السياسي، يتمتعون بحق الانتخاب للمجالس البلدية، وإن كان نظام الانتخاب لا يسمح بهذا الحق إلَّا لعدد قليل جدًّا. والنواب الذين يمثلونهم في المجالس المختلفة، وهي المجالس المالية والمجالس العامة والبلدية، تعينهم الحكومة أحيانًا، وينتخبهم إخوانهم في الدين أحيانًا أخرى. ولا يكون ذلك بالاقتراع العام مطلقًا. ويتراوح عدد الأعضاء المسلمين في كل مجلس بلدى وفق هذا النظام بين اثنين وستة أعضاء. وفي المجلس

العام ستة من المستشارين القانونيين المسلمين، وتضم المجالس المالية واحدًا وعشرين عضوًا من العرب وأهل القبائل. ويخضع الأهلون في الشئون المالية لنظام يخالف النظام الذي يخضع له الأوربيون. فتجبى منهم ضرائب مختلفة ويتألف منها جميعًا ما يسمى "بالخراج العربي" ومن هذه الضرائب نوعان ذوا صفة عامة يجبيان من بلاد الجزائر بأسرها وفق نظام يكاد يكون واحدًا للجميع. وهذان النوعان هما: العشور: والمفروض فيها أن تكون عشر غلة الأرض، والزكاة: وتجبى على الماشية ودواب الحمل. أما الضرائب الأخرى فهي ضرائب محلية وتشمل: الحكر وكانت في الأصل هي الإيجار الذي يدفع للبكوية نظير الانتفاع بأرض العرش، ولا تزال تجبى في قسنطينة على أنها ضريبة أرض. ومنها اللزمة بأنواعها المختلفة كالتي تجبى من أفراد القبيلة الكبرى. وهي تدفع في ثلاثة عشر مركزًا من مراكزها، واللزمة ضريبة على الرءوس وهي تجبّ سائر الضرائب، ومن أنواعها لزمة المواقد وهي تجبى على كل موقد في القبيلة الصغرى؛ ومنها لزمة النخيل، وتجبى في المواضع التي يستنبت فيها الوطنيون النخيل مثل "بو سعاده" والواحات التي في جنوبي قسنطينة. وهذه الضرائب المعروفة "بالخراج العربي" هي بعينها التي كانت تجبى في العهد التركى، إلَّا أنها فقدت طابعها الديني وأصبحت تؤدى للخزانة العامة. وللنظام القانونى سمات خاصة، فالقضاء الجنائى من اختصاص المحاكم الفرنسية وحدها (محاكم الجنايات المتنقلة d'Assises Court ومحاكم الجنح Tribunaux Carrectionels ومحاكم الصلح Justices de paix في المناطق المدنية؛ والمجالس العسكرية في المناطق العسكرية) ويفضل في الجرائم التي يرتكبها الوطنيون محاكم خاصة الغرض منها تحقيق العدالة بسرعة وبأقل كلفة طبقًا لعادات الأهلين ومداركهم. فالجنح الصغيرة تنظر فيها المحاكم المعروفة بمحاكم القمع Tribunaux Repressives التي أنشئت بمقتضى مرسوم 29 مارس سنة

1902 وأقرها مرسوم 19 أغسطس 1903. وتعقد الجلسات في المحاضرة التي فيها "محكمة الصلح" ويرأسها قاضى الصلح Juge de paix يعاونه قاضيان آخران أحدهما فرنسى والآخر وطنى، ويختار أولهما من الموظفين وثانيهما من الأعيان. وتنظر في القضايا الجنائية محاكم الجنايات التي نظمت بمقتضى مرسوم 30 ديسمبر سنة 1902. وهي تعقد جلساتها في البلاد المعينة لتكون مراكز قضائية Arrondissements Judiciaires وتتألف من ثلاثة قضاة وأربعة من المستشارين بعد أن يحلفوا اليمين القانونية (ومن هؤلاء المستشارين اثنان فرنسيان واثنان وطنيان) وللحكام المدنيين والعسكرين على السواء سلطة تأديبية واسعة، تمكنهم من محاكمة الوطنين خاصة، وهؤلاء يخضعون في شئونهم العامة لقواعد معينة. فهم يكلفون مثلًا بالحصول على ترخيص للسفر في داخل البلاد، ولحيازة الأسلحة، وللقيام بفريضة الحج إلى مكّة وإقامة الحفلات الدينية ونحوها. وإلقاء الخطب العدائية لفرنسا، والإهمال في تنفيذ الأوامر المتصلة بحقوق الملكية والأحوال الشخصية والامتناع عن القيام بالسخرة إذا أمرت بها الحكومة من المسائل التي يفصل فيها الحكام الإداريون. ويبرر هذا النظام الذي اشتد فيه الجدال الحاجة إلى المبادرة بقمع ما عساه أن يكدر الأمن العام بالالتجاء إلى أخف العقوبات. أما محاكم القضاة (المحاكم الشرعيّة) فقد احتفظ بها للفصل في القضايا المدنية، ولكن اختصاصاتها أخذت تقل شيئًا فشيئًا بانتقال هذه الاختصاصات إلى المحاكم الأوربية. وفي الجزائر قاض حنفى، وللمزابية المنتشرين في "المناطق" الثلاث محاكم إباضية. ويخضع التعليم العام للأوربيين في الجزائر لما يخضع له في فرنسا. وقد أنشئت للتعليم العالى في مدينة الجزائر مدارس عليا Ecoles Superieures للقانون والطب والعلوم والآداب تفتح أبوابها للمسلمين والأوربيين على السواء. ويعنى أساتذة هذه المدارس بالشئون الوطنية بوجه خاص، فمدرسة الطب

تعمل لتحسين حالة الأهلين بتدريب طائفة من المعاونين الصحيين - Aux iliaires Meticaux . في مقدورهم أن يقدموا المساعدة العاجلة. لإخوانهم في الدين، وأن ينشروا بينهم مبادئ الصحة الأولية. ويدرس الفقه الإسلامي والسنن الوطنية في مدرسة القانون. وتلقى في مدرسة الآداب محاضرات في اللغة العربية والأدب العربي، وفي اللغة العامية، واللهجات البربرية، والاجتماع الإسلامي، وفي تاريخ شمالي إفريقية وجغرافيتها، وفي وهران وقسنطينة أساتذة ثابتون لهذه المدرسة يدرسون العربية، وتقوم بالتعليم الثانوى المدارس العامة Lycees والكليات، وهي مفتحة الأبواب للوطنيين. أما التعليم الابتدائى الإسلامي، الذي ظل مهملًا زمنًا طويلًا، فقد أخذ يلقى من الحكومة كبير عناية منذ عام 1881. ونص مرسوم نوفمبر عام 1887 على أن يكون التعليم الابتدائى في مدارس عامة يقبل فيها الأطفال من جميع الأجناس، وفي مدارس خاصة مقصورة على أبناء المسلمين، وتزود هذه المدارس التلاميذ بمعارف تلائم مقتضيات الحياة الوطنية، وفق مناهج خاصة، وتشمل معلومات في الفلاحة والصناعات اليدوية، إلى جانب اللغة الفرنسية. ويقتصر تطبيق مبدأ التعليم الإلزامى على الذكور وفي المناطق التي يعينها الحاكم العام. وتضم المدارس الوطنية اليوم، وقد أكثر عددها في منطقة القبائل بنوع خاص، حوالي 30.000 صبى. أما التعليم الديني بمعناه الحقيقي فيكون في مدارس تحفيظ القرآن (مسيد) وفي حلقات الدين التي يعقدها المدرسون في المساجد الكبرى، ثم أعيد تنظيم "المدارس" عام 1805 ليكون في مقدورها أن تخرج موظفين يقومون بأعباء الوظائف العامة قانونية كانت أو دينية، وذلك بتزويدهم بنصيب من القانون الفرنسى والتاريخ والجغرافيا والآداب والعلوم فضلًا عن الشريعة والدين الإسلامي، ويرجى أن يكون للطلاب الذين يتخرجون في هذه

المدارس شأن كبير في تقريب وجهات النظر بين الأوربيين والوطنيين. أما أن هذا التقريب مستطاع أو غير مستطاع، فمن المسائل التي كانت موضع البحث منذ عام 1830، وهي مسألة طال فيها الجدل وأجيب عنها أحيانًا بالإيجاب وأحيانًا أخرى بالنفى؛ وقد تبددت منذ أمد بعيد تلك الأوهام التي جالت برؤوس المتحمسين الأولين الذين كانوا يعتقدون أن في الإمكان إدماج الأوربيين والوطنيين لتتكون منهم أمة واحدة بقوة النظم والقوانين دون غيرها، وقد أدى إخفاقهم في هذا السعي إلى إذكاء النظرية المناهضة لها التي تقول بأن الإسلام يحول بين تبادل الوئام بين الأوربيين والوطنيين، وأن الصلات بين الشعبين قد كتب عليها أن تظل أبد الدهر صلات الغالبين بالمغلوبين. ولعل الحقيقة تتوسط هذين الرأيين المتطرفين، فإذا كان مزج الشعبين يعد وهمًا من الأوهام فإن سياسة إخضاع الأهلين وعزلهم لا تساير مقتضيات العصر الحديث. ولا معدى عن الأخذ بسياسة التوفيق القائمة على وحدة المصالح المادية؛ وإن فيما طرأ على أساليب الزراعة من إصلاح وفيما أنشئ من الجمعيات الأخوية التي نمت وزاد عددها على مر الأيَّام، وفي الترحيب الذي قوبل به إنشاء الصيدليات والملاجئ، إن في هذا كله لدليلًا على أن المسلمين لا ينفرون من هذه السياسة، ويضاف إلى هذا أننا وإن قطعنا الرجاء في تغيير عقلية الوطنيين تغييرًا أساسيًا فليس من الأوهام الخيالية البعيدة التحقيق أن نطمع في تطور الحضارة الإسلامية في نطاق أسسها ومبادئها العامة. ولسنا ننكر أن تحقيق هذا الغرض يتطلب كثيرًا من الصبر والعمل المتواصل، وأن ثماره لن تظهر للعيان إلَّا بعد وقت طويل. المصادر: عن جغرافيتها: (1) ابن حوقل، مقتطفات منه تتعلق ببلاد البربر، ترجمة ده سلان في المجلة الأسيوية، السلسلة الثالثة، جـ 13. (1) البكرى: المسالك (Description de l' Afrique septentr ترجمة ده سلان،

(4) Leo Africanus الحسن بن محمَّد الوزَّان الزياتى: l'Afrique Description de طبعة شيفر، جـ 3. (5) Marmol Caravajal: Description de' Africa، غرناطة سنة 1573 - 1599، جـ 2، ص 214 ب وما بعدها. (6) Travels and Observations: Shaw أكسفورد سنة 1738. (7) d'Alger: Schaler L' Etat باريس سنة 1830. (8) Documents geo-: R . Basset , graphiques sur Afrique Septentr, باريس سنة 1898. (9) Mouv. Geogr. Uni-: E. Reclus verselle، جـ 11. (10) L'Algerie: Wahl الطبعة الخامسة، باريس سنة 1908. (11) L'Algerie,: Battendier and Trabut les habitants le sol,، باريس سنة 1898. (12) Les re- A. Bernard & Ficheur I'Algerie gions naturelles de في Annales de geographie سنة 1902. عن تاريخها: (1) ابن خلدون: العبر. (2) ابن المجازرع: القرطاس. (3) ابن عذارى: البيان المغرب، ترجمة فانيان، الجزائر سنة 1901 - 1904. (4) الزركشي: تأريخ الدولتين، تونس سنة 1283 هـ، ترجمة فانيان، قسنطينة سنة 1895. (5) المراكشى: المعجب، ليدن سنة 1847، ترجمة فانيان، الجزائر سنة 1903. (6) ابن أبي دينار القيروانى: المؤنس في أخبار إفريقية وتونس، تونس سنة 1283 هـ، ترجمة Pelissier & Remusat في l'Exploration scientifique l'Algerie de، باريس سنة 1845، جـ 8. (7) الوفرانى: نزهة الحادي، طبعة هوداس باريس سنة 1889. (8) السلاوى: كتاب الاستقصاء، القاهرة سنة 1312 هـ. (9) Fondtion: Sander-Rang & Denis d'Alger de la Regence, باريس سنة 1837 م. (10) بو رأس: غرائب الأسفار (انظر Revue africaine جـ 27).

(11) d'Oran Chronique du beylik. ترجمة Rousseau، الجزائر سنة 1857. (22) l'Afrique: Mercier Histoire de septentrionale، باريس سنة 1888 - 1891. (13) Histoire de: Faure Biguet l'Afrique septentrionale، باريس سنة 1905. (14) revolutions du: Masqueray Les Nord في l'Histoire generale تأليف Lavisses و Rambaud, جـ 4، فصل 20. (15) Les Berbers: Fournel باريس سنة 1875 - 1888. (16): A. Bel Les Benou chaniya باريس سنة 1903. (17) L'etablissements des A. Cour -cherifs au Moroc et leur ri dynasties des valite avec les Turcs de la Regence d'Alger، باريس سنة 1904. (18) d'Alger: de Grammont Histoire sous la domination turque, باريس سنة 1886. (19) الكاتب نفسه: Etudes: La course, la redemption , algeriennes l'esclavage في Revue historique سنة 1844 - 1885. (20) Topografia e historia: Haedo general de Argel, بلد الوليد سنة 1612، الترجمة الفرنسية في Rev- Af- ricaine- جـ 14، 15. (21) الكاتب نفسه Epitome de los 1883 - 1579 France باريس سنة 1900. (22) Correspondance: de Grammont des consules de France, la Barbarie et de , ses corsaires باريس سنة 1637. (23) De la dom-: Walzin Esterhazy ination turque dans l'ancienne regence d'Alger، باريس سنة 1840. (24) Playfair: Relation de la Grand Bretagne avec les Etats barbaresques في Revue africaine جـ 21 - جـ 25. (25) Africae illustratae: Gramaye , libri decem تورناى سنة 1662. (26) Docu-: E. de la Primaudaie - l'occunation es ments sur L'histoire de pagnole Africaine، جـ 19 - جـ 21. (27) Mission bib liographique: Cat en Espagne، باريس سنة 1891.

(28) La domination espagnole: Ruff comte a Oran sous le gouvernement de d'Alcaudete. (29) Masson: : Hist. des etablissemen -commerce francais dans l'afrique bar du baresque، باريس سنة 1903. (30) conquete: Nettement His. de la d'Alger، باريس سنة 1879. (31) Annales: Pellissier de Raynaud Algeriennes. الطبعة الثَّانية، باريس سنة 1854. (32) Rousset L'Algerie de 1830: C. a 1840، باريس سنة 1887. (33) الكاتب نفسه: La Conquete de 1857 - 1841 l'Algirie، سنة 1889. (34) Hist, de la conquete de: Fillias 1860 - 1830 l'Algerie، باريس سنة 1860. (35) Rinn: Histoire. de 1871 l'insurrection de، الجزائر سنة 1891. (36) Lamartiniere & Lacroix: - Docu ments sur le nord -ouest africain، ليل من غير تاريخ. (37) Le gouvernement: Jules Ferry Algerie de l'؛ باريس سنة 1891. (38) L'Algerie en 1891: Burdeau باريس سنة 1892. (39) LA Colonisation de: Baudicour ses elements , l'AIgerie، باريس سنة 1856. (40) الكاتب نفسه: L'histoire de la Colonisation de L'Algerie, باريس سنة 1860. (41) الكاتب نفسه Gouvernment: I'Algerie general de. (42) الكاتب نفسه: Enquete sur les rerultats de la colonisation officielle de 1895 - 1871. الجزائر سنة 1906. عن عاداتهم ودينهم ونظمهم: (1) coutumes et in-: Villot , Moeurs l'Algerie situtions des indigenes de الجزائر سنة 1888. (2) Islam algerien en: E. Doutte'L؛ 1900. الجزائر سنة 1900. (3) Les saints de I'Islam: Trunelet. باريس سنة 1881.

(4) الكاتب نفسه: L'Algerie le- gendaire، الجزائر سنة 1892. (5) Rinn: Marabouts et Khouans الجزائر سنة 1884 م. (6) Les con-: Depont & Copolani religieuses musulmanes freries الجزائر سنة 1897. (7) محمَّد بن شنب Proverbes arabes de l'Algerie et du Maghreb. باريس سنة 1905 - 1907. (8) A. Bernard & N. Lacroix evolution du nomadisme'L. الجزائر- باريس سنة 1906. (9) La propriete fonciere: pouyanne en Alglerie، الجزائر سنة 1903. (10) Larches: Traits elementaire de legislation algerinne. الجزائر سنة 1903. (11) Ismael Hamet: Les musulmans du Nord de l'Afrique. باريس سنة 1906. (12) La Question indigene en: Brunel Algerie، الجزائر سنة 1906. (13) L'Art en Algerie: Marcais الجزائر سنة 1906. (14) De la civilisation du: Richard peuple arabe، الجزائر سنة 1850. (15) الكاتب نفسه: Les mysteres du peuple arabe، كل باريس سنة 1860. وارجع أيضًا إلى: (1) A Bibliography of: R. L. Playfair Algeria في ملحق Papers of the Roy- Geogr. Soc (2) المراجع السنوية في Annales de geographie، القسم الثَّاني Geographie re- gionale و Afrique- Berberie (3)Bulletin de la Saciete de geo- l'Afrique du Nord d'Alger et de graphie, الربع الأخير من كل سنة. (4) فهارس Revue des deux Mondes و Revue Afric- (5) Corpus des inscriptions: G. Colin l'Algerie arabes et turques de. جـ 1، في Bbliotheque d'archeologie africaine (6) inscriptions: Mercier Corpus des I'Algerie arabes et turques de

(7) Traite de paix et: de Mas Latrie de commerce entre Chretiens et Arabes au moyen age, باريس سنة 1866. (8) Correspondance des: Plantet - de reyes de Ar deys d'AIger avec la Cour gel، ترجمها de crammont في Revue ricaine. جـ 14 - جـ 15. (9) Exploration scientifique de l'Algerie، باريس سنة 1844. (10) Txbleau des etablissements franfais de l'Algerie، سنة 1838 - 1886. (11) Statistique gnerale de l'Algerie، منذ عام 1866. (12) Moniteur universel (13)Journal officiel [إيفر G. Yver] + الجزائر، بلاد Algerie (وبالعربية: برّ الجزائر): المصطلح الحديث الدال على الجزء الأوسط من شمالي إفريقية، بين مراكش في الغرب وبلاد تونس في الشرق. (أ) جغرافيها. (ب) تاريخها. 1 - حتَّى القرن السادس عشر. 2 - في العصر التركى. 3 - بعد عام 1830. (جـ) سكانها. (د) نظمها. (هـ) لغاتها. (أ) جغرافيتها تشمل بلاد الجزائر القطاع الأوسط من شمالي إفريقية (يسمى أيضًا بالمغرب، وبلاد البربر، وإفريقية الصغرى، وإقليم أطلس، وجزءًا كبيرًا من الصحراء، وتبلغ مساحته 2.191.464 كيلو مترًا مربعًا، وهي تقع بين خطى عرض 37 و 19 شمالًا، وتحدها مراكش وساقية الحمراء الأسبانية من الغرب، وإفريقيا الغريبة الفرنسية وإفريقيا الاستوائية من الجنوب، وليبيا وبلاد تونس من الشرق. وتمتد بلاد الجزائر، بمعناها الصَّحيح، إلى المنحدرات الجنوبية لأطلس الصحراء على وجه الإجمال، وهي تشغل 14.6 % فحسب من هذه المساحة، أي 320.000 كيلو متر مربع. ويبلغ طولها 1000 كيلو متر، 1.300

كيلو متر من الساحل، ويبلغ عرضها 350 كيلو مترًا عند الحد المراكشى، و 240 كيلو مترًا عند الحد التونسى، وتمتد من عرض 132 إلى عرض 135 غربًا، ومن عرض 934 إلى 137 شرقًا. وتقع تلمسان وواحة بسكرة على خطأ عرض واحد. وبلاد الجزائر، عينها، هضبة متوسطة الارتفاع إذ يبلغ ارتفاع 900 متر، تقطعها جبال أطلس التي هي فرع جنوبي من سلسلة جبال الألب، وتمتد في سلسلة من الثنيات التي ترجع إلى العصر الثلاثى وبداية العصر الرباعي على حافة القاعدة الصلبة الصحراوية الإفريقية. وتنقسم هذه الجبال إلى مجموعتين رئيسيتين: أطلس المطر في الشمال وأطلس الصحراء في الجنوب، وتلتقى هاتان المجموعتان في الشرق وتكتنف سهولًا مرتفعة. التل: وأطلس المطر تمثل صورة مركبة بحكم بنيانها المسرف في ثنياته، وعواهل التعرية الواسعة النطاق التي تحدثها أمطار البحر المتوسط، وقرب ساحلها في مستواه من مستوى البحر، وتنهض رؤوس الجبال المتعاقبة موازية للساحل أو على زاوية قائمة منه، وتقطعها وديان عميقة مستعرضة، وتفصلها في الغرب أغوار طولية. وإلى الجنوب من تلال ساحل وهران والظهرة وبنى مناصر، وجبال زَكّار (1.579 مترًا في الارتفاع) يمتد غور طوله 350 كيلو مترًا يساير امتداد سبخة وهران والسهول الوطيئة المتبطحة للمقطع والمينا، ووادي شلَف الأدنى. وتحد هذا الغور من الجنوب سلسلة من التلال لا تجاوز في الإرتفاع مائة المتر إلَّا فيما ندر وهي جبال: تسالة وأولاد على وبنو شكْران والكتلة الجبلية الكبرى ونشريس التي تقوم بين وادي شلَف الوديان المرتفعة. وإلى الغرب من وادي المنيا تسيطر على الوديان الداخلية التي إلى الجنوب تكوينات تشبه المائدة من الحجر الجيرى والرملى ترتفع ما بين 1000 مترو 1500 متر، وهذه هي هضاب وهران. وإلى الشرق من مدينة الجزائر وتلال الساحل يزداد ارتفاع التكوينات

الجبلية وتزداد ضخامتها. ولا يوجد بين سهول متيجة وبونة أي غور هام إلا وادي ساحل سومَّم وامتداده الغربيّ. وجبال بلاد القبائل، بين متيجة وأيدوغ، ضخمة تسيطر عليها سلسلة من الحجر الجيرى مكونة من الجرجرة (أعلى قننها لالَّه خديجة ويبلغ ارتفاعها 2.308 مترًا؛ ) وبابور (ارتفاعها 2.0004 مترًا) وأعلى قنن السلسلة النوميدية. وإلى الجنوب من جبال متيجة ومديّة تقوم سلاسل جبال البيبان، وجبال قسنطينة ومجردة المكونة من مادة من الصلصال اللين وحجر الشيست ومعالمها رقيقة بعض الشيء مخددة تخديدًا شديدًا. أما الأرض المناوحة للساحل فوعرة صخرية في منواحيها تقريبًا، ولا تهيئ للناس إلَّا ملجأ طبيعيًا ضئيلًا حيال العواصف الشمالية الغربية. وتواجه الشرق أجوان المرسى الكبير وهران، وآرزو ومدينة الجزائر وبجاية وبونة. السهول العالية: والسهول العالية -التي تسمى خطأ بالهضاب العالية- أراض فسيحة يملها النظر، ققطعها أسنمة من الصخر قائمة برأسها تشبه جبال أطلس الصحراء. وهي- بحكم موقعها أسفل تل أطلس وتعرضها لجو قارى- تكوَّن سلسلة من الوديان المغلقة: وتصب الوديان طميها ومياهها في سبخة (أو زاغز) يتألق سطحها في الصيف بالملح، على حين يغطى شطآنها غطاء من النباتات التي تحب الملح. وتصب الوديان العالية في الغرب، بما فيها الشاطئ الغربيّ والشاطئ الشرقي (ارتفاعه 1000 متر) وزا عز (ارتفاعه 800 متر) وحوض الحضنة النحل (ارتفاعه 400 متر)، بعض مياهها في البحر. وإلى الشرق من جبال الحضنة (ارتفاعها 1.890 مترًا) وبلزمة (2.094 مترًا) تكثر في سهول قسنطينة العالية (ارتفاعها بين 900 و 1100 متر) الكتل الجبلية التي هي امتداد لسلاسل جبال الحضنة وبلزمة وأوراس. أطلس الصحراء: وتتكون أطلس الصحراء، من مراكش إلى بسكرة، من

مجموعة غير متناسقة من جبال صغرى تتجه من الجنوب الغربيّ إلى الشمال الشرقي، وهي ركام سلسلة من الجبال الالتوائية المتوسطة الالتواء؛ وتفصلها أغوار كبيرة ونصفها مطمور تحت ركامها. وتهبط جبال قصور (ارتفاعها 2.236 مترًا) وعمور (وارتفاعها 2.009 مترًا) وأولاد نائل وزيبان (أو الزاب) تجاه الشمال الشرقي، ومن السهل ارتقاؤها. وجبال أوراس إلى الشرق من بسكرة، أضخم وأعلى كتلة جبلية جزائرية (جبل شلية وارتفاعه 2.329 مترًا) وهي سلسلة من القنن والأغوار تتجه من الجنوب الغربيّ إلى الشمال الشرقي. الصحراء: وأرض إقليم أطلس المختلفة تقابل تلك الفسحة الممتدة من الصحراء التي تبعث على الملالة الشديدة، والشاهد على ذلك هضابها القاسية (حماده) وسهولها المترامية الأطراف التي تكوَن أحواضًا مغلقة يغطى بعضها حصباء رملية متنقلة، ثم أخيرًا عرقها وهو مجموعة مترامية الأطراف من الكثبان الرملية تغطى خمس سطحها فحسب. والمناخ هو مناخ البحر المتوسط في أطلس التل، ولكنه يسوء في السهول العليا وفي أطلس الصحراء حيث يصبح قاريًا دون أن يصير بالفعل مناخًا صحراويًا. أما على الأرض المناوحة للساحل فإن الاختلاف قليل في درجات حرارة الشهور المعتدلة الحرارة، وذلك بسبب الرطوبة، والمناخ آخذ في التنوع. واشتهرت الأغوار الأمنة من رياح البحر بالحرارة الزائدة. والبرد يسود الجبال والسهول العليا في أشهر الشتاء. وفي كل مكان، فيما عدا الأرض المناوحة للساحل، يأتي الجو الخانق (الشهيلى) بدرجات من الحرارة تبلغ 104 درجة فهرنهيت وأزيد من ذلك في عدة مواسم من السنة. على أن الجليد يغطى في الشتاء أهم الكتل الجبلية من أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع. والصيف جاف، فيما عدا قليل من العواصف والمطر يسقط أساسًا من أكتوبر إلى مايو، ويسقط المطر على الكتل الجبلية لأطلس التل إلى الشرق من مدينة الجزائر بما يزيد مقداره عن 31 بوصة. ويربى أحيانًا على 39

بوصة ويبلغ المطر الذي يهطل على سهول الغرب والحضنة ما يقرب من 7 إلى 11 بوصة، فيما عدا حدودها الشمالية، ويبلغ على أطلس الصحراء ما بين 11 - 15 بوصة في منحدراتها الشمالية. أما الصحراء فيسقط عليها مطر أقل من سبع بوصات. والأنهار الرئيسية في أطلس التل هي وحدها التي يجرى ماؤها طوال السنة بل أن جريانها في الصيف قليل، وهذه هي سيول البحر المتوسط وطوفانها مفاجئ عنيف، مثال ذلك تافنة والمقطع (المكوّن من التقاء السج بالهَبْرَة) وشلَف وسباو، ووادي ساحل، والوادي الكبير، وسيبوس، ومجردة وفرعه وادي ملَّاق (والمجريان الأدنيان للنهرين يتبعان بلاد تونس)، وما من نهر من هذه الأنهار يصلح للملاحة، وبعضها يستخدم في الري. ولا نجد في السهول العالية لأطلس الصحراء وديانًا فيها ماء إلا في جزء من السنة فحسب، وحتى في هذه الحالة يقتصر الماء على مجاريها العليا. وكثير منها لا يغاديه الماء إلَّا بعد الأمطار الغزيرة. وقد أتى الإنسان على النبات كثيرًا. وما زالت غابات ضئيلة من أشجار دائمة راتينجية تغطى التل وبعض الكتل الجبلية الأخرى الماحلة (¬1). وثمة أشجار من الفلين فيجبال بلاد القبائل الرملية الجيدة الري وفي إقليم بونة. وتقوم أشجار بلوط دائمة الاخضرار تنمو في آية تربة حتَّى في جبال أوراس. وتنمو أشجار الصنوبر في الحجر الجيرى في الأقاليم الرطبة وعلى الجبال الجافة من قبل. وتنمو أشجار الثويا البربرية والجيدار في تل وهران، كما ينمو العرعر الذي يبذر متفرقًا على المنحدرات الأكثر جفافًا. وما زال قليل من القنن الجيدة الري يغذى مزروعات من شجر الشربين. وقد أدى التوسع الزراعى والحاجة إلى الخشب وفحم الخطيب إلى إنحسار الغابات، ذلك أن المساحة المزروعة قد زادت زيادة جوهرية على حساب الحراج الكثيفة من أشجار الزيتون البرى والمصطكى وهي من خصائص التربة الثقيلة الجيدة الري، وأشجار ¬

_ (¬1) تماحل المكان تباعد (محل).

العناب المتفرقة الواطئة على السهول الأكثر جفافًا في أطلس التل وعلى السهول العليا لقسنطينة. والمناطق التي تبلغ نسبة المطر فيها أقل من 13 بوصة في السنة هي أقاليم الفيافى، وهي أراض تعرف في تكوينها بندرة الشجيرات، والأشجار بخاصة، وبوجود أعشاب دائمة مثل الحلفاء (عشرة ملايين فدان مستخدمة) ونباتات صغيرة خشبية مثل حبق الراعى، وهي نباتات تحب الملح تنمو في التربة المملحة للشطوط، وأعشاب سنوية تزهر كل ربيع. والصحراء ليست إلَّا فيافِ جرداء ليس فيها حلفاء. ونخلص من هذا إلى أن بلاد الجزائر تشمل منطقتين طبيعيتين كبريين علاوة على الصحراء: منطقة تنتمى إلى البحر المتوسط حيث تنمو الغلال والقمح والشعير والأشجار من قبيل الزيتون والتين واللوز من غير رى، ومن ثم يمكن أن تقوم في هذه المنطقة حياة استقرار، وهذه المنطقة عرفتها الأقوام المستقرة باسم التل؛ والمنطقة الثَّانية هي الفيافى، حيث لا تمارس فيها الزراعة بلا رى أو مياه فيضان، وهي مقصورة على رعى الماشية على أساس من الظعن والبداوة: ويعرف الأهلون هذه المنطقة والمنطقة الصحراوية بالصحراء وهذه التفرقة بين التل والصحراء تفرقة أساسية في تاريخ هذا القطر، وكذلك هي تفرقة لا تقل عن ذلك من حيث الجوهر في جغرافيتها. المصادر: (1) J. Despois & R. Capot-Rey L'Afrique blanche، جـ 1: du L'Afrique Nord، سنة 1949, جـ 2 Le Sahara: francais، سنة 1953. (2) L'Africue sep: Aug. Bernard tentrionale et occidental. مجلدان من Geographie Universelle سنة 1937 و 1939. (3) Encyclopedie Coloniale et mar- itime، مادتى Algerie و Sahara . (4) L'AIgerie: J. Blotiere سنة 1949. (5): M. Larnaude Algerie سنة 1922.

(1) الكاتب نفسه: Un Siecle de co lonisation، سنة 1930. (7) الكاتب نفسه: L'Afrique blanche، سنة 1939. (8) Le climat de: P. Seltzer l'Algerie، سنة 1946. (9) Publications of the XIX Inter- national Geological Congress of Algeria سنة 1952. (10) - Notice de la carte phy de la tu- l'Algerie et de togeographique nisie، سنة 1926. (11) Notice de la: P. de Peyerimhoff ... Carte forestiere، سنة 1941. (12) Les aspects phy-: R. Tinthoin sique du Tell oranais، سنة 1948. (13) خرائط ونشرات مصلحة الخرائط الجيولوجية الجزائرية. (14) Bulletin de la Societe d'Histoire l'Afrique du Nard naturell de خورشيد [دسبوا J.Despois] (ب) تاريخها (1) حتَّى القرن السادس عشر إن القطر الذي أصبح من بعد يسمى بلاد الجزائر يمثل إطارًا لا يسلم به للوهلة الأولى مؤرخ إفريقية الشمالية الإسلامية. ذلك أن التخوم المبينة على الخريطة لا يمكن أن تضع حدودًا لنطاق دراسته ولا يكون لها آية دلالة إلَّا بقيام سلطنة الجزائر التركية في غضون القرن السادس عشر. وقد حدث أثناء التسعمائة السنة السابقة لهذا الحادث أن ارتبطت الجزائر، التي شملت ما عرف لدى الكتاب العرب بالمغرب الأوسط هو وجزء من إفريقية (أي المغرب الأدنى)، ارتباطًا وثيقًا بالقطرين المجاورين لها، ذلك أنها كانت في جميع الأحوال تقريبًا خاضعة لحكام قدموا من هذين القطرين، أو جزعة من سيطرتهما. وبمقارنة المغرب الأوسط بالمغربين الأقصى والأدنى، فإن المغرب الأوسط يبدو منطقة ريفية كبيرة بها مدن قليلة ويسكنها رعاة من البدو وزراع التلال، ومع ذلك فقد كان له خلال القرون

شأن ليس بالهين في تاريخ المغرب الإسلامي، ولسوف نقتصر في هذا المقام على تناول أهم مراحل تاريخه. في منتصف القرن الأوَّل للهجرة غزا العرب ناشرو الإسلام شمالي إفريقية. وكانت القوة العسكرية لبوزنطة تنهار سريعًا، ولكن إخضاع البربر كان مهمة أشق عسرًا من ذلك، فقد نظمت المقاومة أولًا في المغرب، ويقال أن ذلك تم على يد كسَيلة زعيم أورَبة، وقامت عصابات وطنية اشتبكت قرب بسْكَرَة بعقبة بن نافع في معركة فقد فيها عقبة حياته سنة 63 هـ (682 م). والظاهر أن جبال أوراس بصفة خاصة قد استخدمت معقلًا في الصراع مع العرب. وعند سفوح هذه الكتلة الجبلية شهدت الكاهنة- الملكة الأسطورية للقطر- القضاءَ على استقلال البربر سنة 74 هـ (693 م) وذلك بعد أن حققت نجاحًا باهرًا. وأصبح المغرب الأوسط مرَّة أخرى مركزًا لمقاومة وطنية في القرن الثَّاني الهجري (الثامن الميلادي) حين اعتنق جماعة البربر مذهب الخوارج، وكان معقلهم الأكبر أول الأمر تلمسان حيث كان أبو قرّا زعيم بنى إفرن يتولى أمرهم سنة 148 هـ 765 م). وفي القرن الثالث الهجري (التاسع الميلادي) غدت تيهرت (قرب تيارت الحديثة) قصبة الأئمة الرستمية مركز مذهب الخوارج عند البربر. وموقع المغرب الأوسط على حدود الإقليم الذي كان يحتله أغالبة القيروان باسم العباسيين، يفسر كيف نشأ سلطان الفاطميين هناك بين بربر كتَامة المنتمين لبلاد القبائل الصغرى، في نهاية القرن الثالث الهجري (التاسع الميلادي). على أن هؤلاء السادة الجدد لم يتقبلهم البربر دون صراع، فقد شهدت جبال الأوراس وأرباضها الفتنة المروعة التي قام بها صاحب الحمار وأوشك الفاطميون فيها أن يخسروا قضيتهم. وتولت صنهاجة المغرب الأوسط الدور الذي كانت تقوم به كتامة، فأصبحت في القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي) أنفع الحلفاء للفاطميين وأيدت سياستهم في

مناهضة زناتة الذين كانوا أقيالا للأمويين بالأندلس. وكان معظم الزناتة بدوًا يؤمنون كثيرًا السهول الوسطى والغربية. أما صنهاجة فكانوا قبائل مستقرة يسكنون الإقليمين الجبليين الأوسط والشرقى وأنشأوا مدنًا وطوروها مثل أشير والقلعة قصبة صنهاجة بنى حماد. وقد كابدت مملكة بنى حماد آثار الأحداث الخطيرة التي وقعت في إفريقية. وكان من شأن غزوة بنى هلال العرب في منتصف القرن الخامس الهجري (الحادي عشر الميلادي)، تلك الغزوة التي قضت على مملكة القيروان، أن تسببت في تقاطر التجار والصناع على القلعة، وأقيمت فيها قصور كشفت عن أثر فاطميى مصر والأثر الفارسي. على أن القارعة العربية لم تلبث أن هددت بدورها بنى حماد الذين هاجروا إلى بجاية. وعلى حين نما سلطان الحاكمين. السابقين فيما عرفَ من بعد بإقليم قسنطينة، فإن ولايتى وهران والجزائر المقبلتين قيض لهما حكام جدد. فقد هاجر المرابطون من مراكش واجتاحوا البلاد حتَّى مدينة الجزائر. وبسط الموحدون في القرن السادس الهجري (الثاني عشر الميلادي) سلطانهم على شمالي إفريقية بأسره. وهاتان الأسرتان الحاكمتان اللتان ضمتا أيضًا الأندلس، قد أثْرَتا مدائن أملاكهم البربرية- وخاصة تلمسان- بثمرات حضارة الأندلس الباذخة. وفي بداية القرن السابع الهجري (الثالث عشر الميلادي) تهاوت إمبراطورية الموحدين العظيمة، وأصبحت تلمسان التي نجت من الخراب الذي أنزله العرب وبنو غانية المرابطين بالبلاد قصبة بنى عبد الواد الذين كانوا من قبل قومًا من البدو. وقد بلغت هذه المملكة الجديدة درجة الرخاء الاقتصادى الحق، ولكنها كانت مهددة دائمًا بالمرينيين جيرانها المراكشيين، ثم ضمت في بداية القرن العاشر الهجري (السادس عشر الميلادي) بمعرفة أتراك الجزائر. وقد كان ظهور الأسبان تجاه ثغر الجزائر البربرى الصَّغير، باعثًا على تدخل الأتراك في الإقليم الأوسط

لشمالى إفريقية كما جعل مدينة الجزائر قاعدة دولة تابعة للأتراك. وقد زودت القرصنة طوال ثلاثة قرون تقريبًا سلطنة الجزائر بموارد هامة، وكانت هذه القرصنة في هذا الشأن بديلًا للجهاد. وهذا القطر نفسه، الذي أصبح يعرف من بعد ببلاد الجزائر كما قسم إلى ثلاث ولايات، قد تحاشى إلى حد ما سيطرة سادته المشرقيين، وعاش سكانه البدو والحضر مستمتعين باستقلال نسبى وحياة قديمة ظل تاريخها مستغلقًا علينا وسوف يظل هذا شأنه مدة طويلة. المصادر: (1) ابن خلدون: العبر، طبعه ده سلان، باريس سنة 1847، في مجلدين؛ ترجمة ده سلان، الجزائر سنة 1852 - 1856، في أربعة مجلدات: ابن عبد الحكم: Conquete de L'Espagne l'afrique de Nord et de، طبعة وترجمة A'Gateau، الجزائر سنة 1942. (2) ابن الأثير ترجمة Fagnan (3) ابن عذارى، ترجمة فانيان (L'Afrique et de: Fagnan Histoire de L'Espagne) الجزائر سنة 1901، في مجلدين. Histoire de (4) يَحْيَى بن خلدون: Histoire des Beni Abd el-Wad, rois de Tlemcen, طبعة وترجمة A. Bel، الجزائر سنة 1904 - 1913، في مجلدين. (5) أبو زكرياء: التاريخ = Livres) (Chronique des Beni Mzab, ترجمة Masqueray، الجزائر 1878. (6) ابن صغير: Chronique sur les imams Rostemides de Tahert، طبعة وترجمة de C. Motylinski (أعمال مؤتمر المستشرقين الرابع عشر) باريس سنة 1917. (7) اليعقوبى: Les pays، ترجمة فيت G. Wiet، باريس سنة 1937. (8) ابن حوقل: المسالك والممالك، ترجمة ده سلان (Jour. AS. سنة 1842). (9) البكري: Description de L'Afrique septentrionale, طبعة ده سلان، الطبعة

الثَّانية، الجزائر سنة 1911؛ ترجمة ده سلان، الطبعة الثَّانية. الجزائر سنة 1913. (10) الإدريسي: المغرب. (11) Description de: Leo Africanus l'Afrique، باريس ترجمة J. Temporal طبعة شيفر Schefer، باريس سنة 1896، في ثلاثة مجلدات. (12) Description de: Marmol l'Afrique، ترجمة Perrot d'Ablancourt, باريس سنة 1667، وفي ثلاث مجلدات. (13) Topographie et his-: D. Haedo toire generale d'Alger، ترجمة. R Mon et .Afr: nereau Berbrugge، سنة 1870 - 1871. (14) الكاتب نفسه: Les Rois d'Alger، ترجمة R. Afr .: de Grammont، سنة 1895 - 1897. (15) (Le Chevalier) Me-: d'Arvieux moires، باريس سنة 1735. (16) (Le P.) Histoire de la: Dan Barbarie. الطبعة الثَّانية، باريس سنة 1649. (17) Histoire du: Laugier de Tassy Royaume d'Alger، أمستردام سنة 1728، في مجلدين. (18) Travels: Th. Shaw، أوكسفورد سنة 1738، الترجمة الفرنسية Voyages، لاهاى سنة 1743، في مجلدين؛ ترجمة جديدة مع إضافات بقلم Mac Carthy, سنة 1830. (19) Alger au: Venture de Paradis XVIIIe siecle طبعة فانيان في R. Afr.، سنة 1895 - 1897، وفي طبعة مستقلة، الجزائر سنة 1898. (20) S. Gsell, G, Marcais, G. Yver: L'Algerie Histoire de. الطبعة الخامسة، الجزائر سنة 1929. (21) Histoire de: Ch. A. Julien l'Afrique du Nord، باريس 1931؛ الطبعة الثَّانية منقحة، مجلد 2 بقلم R. Le Tourneau، باريس سنة 1937. (22) G. Albertini, G. Marcais, G. L'Afrique du Nord francaise dans: Yver l'histoire. ليون سنة 1937. (23) Les Arabs en Ber-: G.Marcais berie، قسنطينة- باريس، سنة 1913.

(24) الكاتب نفسه: La Berberie mu- sulmane et l'Orient، باريس سنة 1946. (25) L'histoire: de Grammont d'Alger sous la domination turque، باريس سنة 1887. خورشيد [مارسيه G. Marcais] (2)- العصر التركي لم يكن استقرار الأتراك في الجزائر نتيجة لسياسة في الفتح مدبرة خططت ونفذت على يد العثمانيين، بل أن الأمر على العكس من ذلك، على الأقل في بدايته، فقد كان مغامرة خاصة قام بها قرصانان مقدامان عرفا في المصادر الغربية بالأخوين بربروسه: عَروج وخير الدين. وهذان الرجلان اللذان طار صيتهما بالشجاعة التي اكتسباها في اصطياد سفن المسيحيين في البحر المتوسط، قد هبَا لنجدة الإسلام في إفريقية فأنقذاها من يد الأسبان. وفي سنة 922 هـ (1516 م) استنجد سكان الجزائر بعروج فنادى بنفسه سلطانًا واحل مليانة، ومدية، وتنس وتلمسان. وقتل عروج في تلمسان بعد مقاومته الحصار الذي ضربه عليها الأسبان ستة أشهر سنة 924 هـ (1518 م). وأصلح خير الدين الموقف الذي كان قد تحرج إلى حين بوفاة أخيه، فأهدى للسلطان العثمانى سليم الممتلكات المفتوحة حديثًا، وبذلك علت هيبته وحصل على العون العسكرى والمالى الذي كان يريده، فبسط سلطانه على كلّو، وبونة، وقسنطينة، وشرشال وسلمت له قسرًا ينيون الجزائر، وهي قلعة كان الأسبان قد أقاموها على جزيرة صغيرة تبعد عن الساحل حوالي 300 ياردة. وفي سنة 940 هـ (1533 م) أقيم خير الدين قائدًا أعلى للأسطول العثمانى، وحل محله في مدينة الجزائر بكلربكية تولوا حكم البلاد مباشرة أو عن طريق نواب لهم حتَّى سنة 995 هـ (1587 م). وتطلع بعض هولاء العمال إلى الاستقلال فحمل ذلك الحكومة العثمانية على أن يستبدلوا بهم باشوات تستمر مدة حكمهم ثلاث سنوات. وخمل ذكر الباشوات بعد سنة 1070 هـ (1659 م) إذ غطى عليهم أغوات فرق الجيش، ثم خلفتهم في الحكم سلطة جديدة هي

سلطة الدايات الذين حكموا حتَّى استيلاء فرنسا على الجزائر. وكان هؤلاء الباشوات والأغوات والدايات الذين يستمرون في الحكم ثلاث سنوات أدوات في أكثر الأحوال في يد فرق الجيش (أوجاق) المجندة أساسًا من أهل بلدان الآناضول أو من طائفة الرؤساء، وهي نقابة من ربابنة القرصان ظلت تزود الخزانة الجزائرية بمعظم مواردها. وقد اغتيل الأغوات الأربعة الذين حكموا على التوالى من سنة 1659 إلى سنة 1671، ولقى الدايات الأربعة عشر- من الثمانية والعشرين دايًا- نفس المصير. والتنظيم الداخلى لولاية الجزائر غامض. ذلك أن المعلومات الشحيحة الموثوق بها التي بين أيدينا حتَّى اليوم يتناول معظمها عصر الدايات. وكان الدايات، حين يسعون إلى البقاء في الحكم يحكمون حكم السلاطين المطلقى السلطان يعاونهم "ديوان" يتكون من الخازندار أو الخزنجى (أمين الخزانة) وأغا المعسكر (قائد العسكر) ووكيل الخرج (رئيس المصلحة البحرية) والبيت مالجى (أمين الضياع الشاغرة) وخوجة الخَول أو الأتخوجان (متسلم الجزية). وإذا استثنينا إقليم الجزائر نفسه الذي هو "دار السلطان" وكان مقسمًا إلى سبعة" "أوطان" يديرها قواد تحت الإشراف المباشر للداى، فإن بلاد الجزائر كلها كانت مقسمة إلى ثلاث ولايات (بكلق) يدير كلا منهما بك، وكان ذلك يرهص بالولايات الفرنسية التي أتت من بعد. وكانت هذه الولايات هي: تيطَرى وقاعدتها مدية؛ والولاية الشرقية وقاعدتها قسنطينة، والولاية الغربية وكانت قاعدتها قسنطينة، والولاية الغربية وكانت قاعدتها مزونة، ثم المعسكر، ثم وهران بعد عام 1792. وكان البكوات، الذين يقيمهم الداى ويقيلهم، يحكمون ولاياتهم حكمًا مطلقًا، يساعدهم في ذلك قواد. وكان هؤلاء في نظر الحكومة المركزية يعدون جامعى دخل أو محصلى ضرائب تعاقدوا، بحكم أنَّهم في معظم الأحوال قد اشتروا مناصبهم، على أن يؤدوا لخزائن الدولة مبالغ كبيرة تحدد قيمتها في مدينة الجزائر. وكان المبلغ المتعاقد

عليه يؤدى في خلال السنة المالية التي كانت بدايتها تتفق وتاريخ تعيين البك، على عدة أقساط يدفعها البك أو نائبه هو ورسول. ويظهر البك بشخصه في مدينة الجزائر في غضون الرَّبيع التالي لتعيينه ثم يظهر بعد ذلك كل ثلاث سنوات. وكان نائبه يشخص إلى مدينة الجزائر مرتين في السنة، في الرَّبيع والصيف، وكان الرسول، الذي كانت وظيفته يؤديها عامل عرف في المحفوظات بمدينة الجزائر باسم "وكيل سباهيان" يشخص إلى قصبة البلاد بانتظام كل شهر أو كل شهرين أو ثلاثة أشهر. وكانت المبالغ التي يودعها في الخزانة كل عام تظل ثابتة، ولكن كل عامل كان يودع مبلغًا مختلفًا عن الآخر. والظاهر أن هذا التنظيم قد كان الغرض الوحيد من وضعه هو تمكين الداى من أن يمارس إشرافًا أدق ما يكون على ولاة الأقاليم؛ وإقصاؤهم عن مناصبهم لأية شبيهة من شبهات التقصير. وهذا الانشغال الشديد بالمسائل المالية كان واضحًا من خلال التنظيم الداخلى لبلاد الجزائر تحت حكم الأتراك. وكانت كل الوكالات أو المناصب التي تقتضي فيما تقتضيه تحصيلًا لضرائب أو رسوم أو مكوس أو غرامات، تؤجر عن طريق الالتزام بمبالغ تدفع حسب الظروف على قسط سنوى أو أكثر. وقد أدى هذا النظام إلى ظهور حشد من المساوئ واستغلال النَّاس على نطاق جعل كل محاولة لاكتساب عطفهم مستحيلا. زد على ذلك أن سيادة الأتراك كانت نظرية أكثر منها عملية، كما كان مظهر "اليولداش" الأناضوليين في قواعد الترك ذات الحاميات بداخل البلاد (بجاية وبرج لهاو، وقسنطينة ومدية وهليانة ومزونة والمعسكر وتلمسان) مظهر الجنود المحاصرين، وقد اضطر الأتراك إلى إشعال المنافسات القبلية حفظًا لمكانتهم في البلاد، وكانت قبائل المخزن، إذا انتصرت لقضية الأتراك، لم تضمن الحصانات المالية المختلفة فحسب، بل ضمنت أيضًا حق اضطهاد القبائل الخاضعة (رعايا) واستئصال شأفة القبائل المنتقضة. وأقام الأتراك في الوقت نفسه مستعمرات عسكرية

(زُمول) في جميع طرق المواصلات الرئيسية، ومن ثم أحاطت بالكتل الجبلية لبلاد القبائل مراكز مسؤولة عن ضمان مرور الجنود بلا عائق. ثم حاول الأتراك أخيرًا طمأنة بال الطرق الدينية، ولكنهم لم ينجحوا في هذا كل النجاح، ذلك أن الفتن التي نشبت في أوائل القرن التاسع عشر في ولاية وهران وفي بابور من أعمال بلاد القبائل كانت من فعل طائفة الدَرقاوة القوية يشجعها ويؤازرها أشراف فاس. ولم يفكر الأتراك في تحسين أحوال البلاد التي فتحوها، ذلك أن مستقبل القطر الجزائرى لم يكن في نظرهم ماثلا في الأرض القائمة خلف الساحل؛ فقد كان الترك قد قدموا بالبحر، وظلوا ينظرون إلى البحر، وكانت القرصنة في البحر المتوسط تمدهم بمعظم دخلهم. وكان القرن السابع عشر هو العصر الذَّهبيُّ للقرصنة: لقد كان في مدينة الجزائر، حوالي سنة 1650، قرابة خمسة وثلاثين ألف أسير معتقلين في سجون المدينة. وقد بذلت أسبانيا عدةْ محاولات فاشلة للاستيلاء على مدينة الجزائر: (1541، 1567، 1775). على أن الفرنسيين والبريطانيين استطاعوا من بعد بمظاهراتهم العسكرية أن يكبحوا جماح الربابنة الجزائريين في قرصنتهم، فاضمحلت قوتهم، وأصبح ملاحوهم أقل جرأة. ولا يستحق الذكر من هؤلاء الرؤساء إلَّا حميدو قرصان القرن الثامن عشر الذي اشتهر بمغامراته التي تنم عن التهور. وبعد انتصاف هذا القرن افتقرت مدينة الجزائر وتقلص ما كان لها من شأن، وعانت تدهورًا في عدد سكانها عجل به القحط والطاعون. ولما وصل إليها سنة 1816، بعد مؤتمر فينا، اللورد إكسموث Exmouth وأمير البحر الهولندى فإن دركابلن. Van der Ca pellen, ليرمياها بالقنابل بوصفهما ممثلين لأوربا، لم يكن في سجون المدينة إلَّا ألف ومائتا أسير فحسب. ونقص عدد سكان مدينة الجزائر عشية الغزو الفرنسى إلى 40.000 نفس فحسب، بعد أن كان قد بلغ في وقت من الأوقات 10.000 نفس. وصفوة القول أننا لا نعرف، حتَّى في الوقت الحاضر، إلَّا النزر اليسير من تاريخ بلاد الجزائر تحت حكم الأتراك،

ذلك أن هذا العصر لم يثر اهتمامًا كبيرًا. على أن حدود هذا الإقليم في ذلك الوقت، وكان يقع بين مراكش الحالية وبلاد تونس، كانت تتفق للمرة الأولى مع الحدود التي بينت على الخريطة لبلاد البربر كما نعرفها اليوم. زد على ذلك أن الامتزاج بين العنصر العربي والعنصر البربرى كان قد أصبح أكثر اكتمالًا. وهنالك دخلت بلاد الجزائر في تاريخها العملى من حيث هي كيان واحد، وبلغت مدينة الجزائر درجة القصبة. المصادر: (1) ثمة ثبت مستوف حتَّى الآن في Ch. A. Julien: Histoire de l'Afrique du 1830 Nord de la conquete arabe a، الطبعة الثَّانية، مجلد 2 بقلم - R. Le Tour neau، باريس سنة 1953، ص 346 وما بعدها. (2) Haedo و Dan و d'Arvieux و Shaw و Venture de Paradis و de Gram- mont و Laugier de Tassy، انظر ما سبق، قسم (1) المصادر. (3) Dialogos de la captividad: Haedo , ترجمة Molinet- Volle في R. Afr.، سنة 1895 - 1897؛ ومستقلًا، الجزائر سنة 1911. (4) Relation de la cap-: E. d'Aranda tivite et liberte du sieur Emmanuel d'Aranda، سنة 1656. (5) Nachrichten and Be-: Rehbinder ; merkungen ueber den Algerischen staat -Reconnaissance des villes, forts et batter -ies d'Alger par le Chef de Battaillon Bou tin (1808) suivie des Memoires sur Alger par les consuls de Kercy (1791) et Dubois (1809) Thainville طبعة G. Esquer، سنة 1917. (6) d'Alger: L. Rinn Le Royaume le dernier dey sous، الجزائر سنة 1900. (7) Histoire de Con: Vayssette .stantine sous la domination turque (8)Les registres de solde J. Deny -des Janissaires conserves a La Bib liotheque nationale d'Alger في R. Afr، سنة 1920.

(9) الكاتب نفسه: - Chansons de Ja nissaires d'Alger Mem. R. Basset. سنة 1923، جـ 2، ص 33 - 175. (10) وانظر Zambaur، ص 82 - 83 في شأن القوائم الخاصة بالبلكربكية والأغوات والدايات. خورشيد [كولومب M. Colombe] (3) بعد سنة 1830 نشب نزاع حول تموين البلاد بالقمح بين داى الجزائر حسين والقنصل ديفال Deval بإهانة الداى للقنصل، فأمرت حكومة شارل العاشر الأسطول بحصار معقل القرصنة القديم. وفي سنة 1830 تأثر رئيس الوزراء الفرنسى بولينياك Polignac باعتبارات تتعلق بالسياسة الداخلية، فاستقر رأيه، رغم معارضات البريطانيين، على إرسال تجريدة على مدينة الجزائر. وسلم الداى في الخامس من يولية وأبحر هو وجنوده الإنكشارية، ولم تكن فرنسا تبغى أن تحتل الجزائر احتلالًا دائمًا، فدخلت في مفاوضات مع الدول الأخرى. وتحيرت ملكية يولية أول الأمر في "التركة المربكة" التي خلفها لها النظام السابق، واستقر رأيها على أن تبدأ بالاقتصار على احتلال محدد موقوف. ولم يعين حاكم للجزائر إلَّا عام 1834 نتيجة لتقرير "اللجنة الإفريقية". وحتى عام 1841 اقتصر الاحتلال الفرنسى الذي عبس له مجلسًا الأمة على الاستيلاء على الثغور الرئيسية وأرباضها. وفي هذه الأثناء كان الموقف قد تغير في الداخل، فقد كان الأتراك والقول أوغلية، والمخزن السابق يقض العرب مضجعهم، كما كانت دول وطنية مختلفة قد قامت، إذ وحد بك قسنطينة أحمد سلطانه داخل ولايته. أما في الغرب فإن القوم، بعد أن مروا بفترة من الفوضى، كانوا قد قبلوا حكم عبد القادر المرابطى أو ألزموا بطاعته، وكان هذا الزعيم قد اشتهر بشجاعته الفائقة وديلوماسيته وقدرته على التنظيم. وكانت السياسة الفرنسية تتأرجح بين التعاون مع المخزن السابق، والتعامل مع زعماء العرب الجدد. صحيح إن عبد القادر وافق

مرتين على توقيع معاهدات قوَت من مركزه، إلا أن أحمد رفض ذلك وردِّ جيشًا فرنسيًا أمام قسنطينة سنة 1836. في السنة التالية استولت حملة فرنسية جديدة على المدينة، وقررت فرنسا أن تحتل احتلالًا حاسم الولاية الشرقية. وفي سنة 1839 أعلن عبد الكريم الحرب على فرنسا. وكان سير القتال في عهد تولى المارشال فاليه Valee منصب الحاكم العام فاترا وأنفذ الجنرال بوكو Bugeaud إلى بلاد الجزائر في قوة كبيرة، فاستخدم حركات حربية جديدة فاستطاع ما بين سنتى 1841 و 1847 أن يعطل قوة عبد الكريم ويخمد الفتن التي نظمها في الجبال المهيجون الدينيون، ويهزم سنة 1844 جيش سلطان مراكش الذي كان يؤيد الثائرين، وبدأ في إخضاع بدو الجنوب. وتولى بنفسه تنظيم الحكم غير المباشر مستعينًا بـ "مكاتب عربية" وشجع استعمار الأوربيين للسهول الساحلية بتعمير القرى التي كانت في الواقع مستعمرات عسكرية والتي كانت قد أقيمت لاسباغ الموحدة على عمله. وقد عززت هذه المستعمرات سنة 1848 بتدفق العمال الباريسيين عليها فأقام هؤلاء اثنتين وأربعين قرية جديدة، وتبع العمال الباريسيين مستعمرون من جميع الأجناس منحوا قطعًا صغيرة من الأرض بمعرفة الدولة أو أقاموا أنفسهم بأنفسهم على حسابهم الخاص. واستمر احتلال البلاد، في ظل الجمهورية الثَّانية وفي أوائل عهد الإمبراطورية الثَّانية، بضم الواحات وبلاد القبائل- وأراد الفرنسيون حماية بلاد الجزائر من بدو الجنوب والإشراف على طرق التجارة الصحراوية، فأقاموا مراكز محصنة على الهضاب وسرايا من الجند تطوف بتخوم الصحراء. وكانت بلاد القبائل التي استقلت بأمر نفسها في العصر التركى، قد نفذت إليها حملتان بقيادة بوكو، وحملتا سانت أرنو Saint-Arnaud وراندون Randon . وهكذا استطاعت فرنسا أن تسيطر على بلاد قبائل بابورس وإقليم واد ساحل ووادي سباو. وصمدت أحلاف جرجرة وقتًا أطول وأخضعها المارشال راندون سنة 1857. وسمحت فرنسا للشعب

بالاحتفاظ بنظامه البلدى وعاداته. ومنذ ذاك لم تعكر صفو السَّلام في بلاد الجزائر آية فتنة عامة. وكانت فتنة عام 1871 نتيجة لهزيمة فرنسا على يد ألمانيا وانقاص قوات الحاميات وسخط أسرة مقْرانى الكبيرة. وثارت مجانة، وبلاد القبائل الكبرى والصغرى، والنصف الجنوبي من إقليم قسنطينة. وذبح الثائرون المستعمرين وهددوا متيجة. وأعاد أمير البحر ده كويدون de Gueydon - الذي عين حاكمًا عامًا للجزائر- الأمن إلى نصابه، فقد فرضت غرامات فادحة على الثائرين وصودر مليون فدان ونيف وأفردت لاستعمارها. وحدث مرَّة أخرى سنة 1881 أن قامت فتنة خطيرة بعض الشيء في جنوبي إقليم وهران بزعامة بوعَمَامة، وقد أدت هذه الفتنة إلى إقامة سلسلة من المراكز الدائمة على الحافة الجنوبية للهضاب. وقامت ثورة في منطقتى سطيف وقالمة سنة 1945 أن إلى قتل قرابة مائة أوربى، ولكنها لم تدم طويلًا وأخمدت في عنف وشدة. وقد مرَّ استعمار بلاد الجزائر منذ عهد بوكو بعدة مراحل تتميز باتباع طرائق متباينة كل التباين كانت الجمهورية الثَّانية تتبنى سياسة إدماج السكان واستعمار الفرنسيين، ووضعت المنطقة المدنية للأقاليم الثلاثة تحت إمرة مديرين مسؤولين عن إدارة المستعمرين. أما البقية فقد وضعت في يد السلطة العسكرية تحت إشراف الحاكم العام الذي هو الرئيس الأعلى "للمكاتب العربية". وكان يحكم السكان الوطنيين رؤساء مسلمون تقيمهم وتشرف عليهم الإدارة العسكرية، وظل هذا التنظيم حتَّى عهد الإمبراطورية الثَّانية. وفي عهد حكم راندون لبلاد الجزائر زاد الاستعمار الأوربى وأقيم الإطار الاقتصادى للبلاد؛ ونظر إلى الجزائر على اعتبار أنها مصدر للمواد الغذائية المدارية، على أن المحصول الذي فاق فيما يدره جميع المحصولات هو الغلال، وهو محصول المستعمرين حتَّى سنة 1881 تقريبًا. وقامت أزمة اقتصادية وأخذت مطالب المستعمرين تزداد، وكان يعوق هذه المطالب النطاق المحدود للأرض التي منحت لهم فأرادوا أن يحصلوا على أراض تتيسر لهم بإنشاء مقاطعات، وأدى ذلك بالحكومة

إلى تجديد سياسة الإدماج. وأصبحت البلاد منذ سنة 1858 - 1860 تحكم من باريس بوزارة لبلاد الجزائر والمستعمرات، وقد أسندت هذه الوزارة أول الأمر إلى الأمير نايليون، ثم إلى الكونت له شاسلو لويا Comte de Chas- seloup-Laubat. وقد اضطر نايليون الثالث حيال اضطراب إدارة الجزائر إلى إعادة الحكومة العسكرية برئاسة المارشال بليسييه Pelissier. فلما توفى أسندت رياستها إلى المارشال ماكماهون - Mac Mahon . وفي هذه الفترة حاول الإمبراطور أن يجعل من بلاد الجزائر "مملكة عربية" بالرغم من معارضة المستعمرين. وسمى مجموعة الأراضي القبلية بقرار من مجلس الشيوخ سنة 1863. وبفضل قرار هذا المجلس سنة 1865 سمح للمسلمين باتخاذ الجنسية الفرنسية. وفي سنة 1870 طرد المستعمرون وكلاء الإمبراطور وأقاموا حكومة بلدية مدينة الجزائر الثورية. وقررت هذه الحكومة التي كان يرأسها تيير Thier إقامة إدارة مدنية ومن يومها زادت رقعة الأرض المدنية باطراد في مداها وحل محل المكاتب العربية "مجالس مختلطة" بالرغم من أن الحاكمين العامين الأولين أمير البحر ده كويدون والجنرال شاترى قد خرجا من صفوف القوات المسلحة. وحصلت البلاد على استقلال ذاتى إدارى ومالى كامل سنة 1900. وزيدت سلطات الحاكم العام وأصبحت الميزانية من ثم يصوت عليها "النواب الماليون" وهم هيئة تمثل مختلف المصالح الاقتصادية في البلاد. وخولت بلاد الجزائر سلطة عقد قروض لتحسين منتجاتها الصناعية وثغورها وطرقها وسككها الحديدية وسدودها إلخ. وقام بذلك عهد ازدهار، وتنوعت المحصولات المزروعة وزادت رقعتها باستمرار، وزود المستعمرون الأوربيون بحافز يستنهض عزيمتهم. وذلك أن النفقات التي كانت تقتضيها الأساليب الزراعية الآخذة بأسباب العلم باطراد قد صبغت هذا الحافز بطابع رأسمالى لم يكن للبلاد به عهد قبل زراعة الكروم والموالح على نطاق واسع. ونمت المناجم الجديدة للحديد والزنك والفوسفات. وزاد عدد السكان الوطنيين لارتفاع معدل المواليد ونقصان نسبة الوفيات نتيجة للاستزادة من الأخذ بالأساليب

الصحية. وبلغ ما تحقق في الميدان الاقتصادى شأنًا عظيمًا، ولكن السياسة الاجتماعية ظلت أبوية في جوهرها. وقد لعبت بلاد الجزائر دورًا بارزًا في حرب 1939 - 1945. ذلك أنَّه حدث بعد نزول القوات الإنكليزية الأمريكية سنة 1942، أن نظمت قوة تحرير فرنسية في الجزائر أسهمت في طرد الألمان والإيطاليين من بلاد تونس، وشاركت في الحملة على إيطاليا وفي القتال الذي دار في فرنسا. وقد اعترف بالخدمات التي أداها المسلمون في هذا الجهد المشترك فأصلح النظام السياسي بإقامة برلمان جزائرى ينتخب بالاقتراع العام ويتألف من مجلسين، مجلس أوربى ومجلس إسلامي، ويتساوى المجلسان في الحقوق. واستؤنف العمل في النهوض بالاقتصاد على أساس أكثر سماحة. ووضع نظام شامل لتعليم المسلمين، وحل بالبلاد عهد من الإصلاح الاجتماعى. المصادر (1) Histoire de l'Afrique: CH. A. Julien du Nord، الطبعة الثَّانية، جـ 2، وقد نقحه. R. Le Tourneau، باريس 1953. (2) G. Yver و G. Marcais و S. L'Afrique du Nord francaise dans: Gsell l'histoire ليون سنة 1927. (3) S. Gsell, G. Marcais, G. Yver: Histoire d'Algerie الطبعة الخامسة، باريس سنة 1922. (4) L'Algerie A. Bernard (مجموعة تاريخ المستعمرات الفرنسية التي أصدرها هانوتو G. Hanotaux ومارتينو Martineau H. جـ 2، باريس سنة 1931). (5) Conquete et pac-: Paul Azan ification de l'Algerie، باريس سنة 1922. (6) الكاتب نفسه: Bugeaud et l'Algerie، باريس من غير تاريخ. (7) الكاتب نفسه: L'Emire Abd- el'Kader. باريس سنة 1951. (8) a l'epoque: M. Emerti l'Algerie d'Abd-el-Kadir، باريس سنة 1951. (9) La colonisation: L. de Baudicour d'Algerie ses elements، باريس سنة 1856.

(10) الكاتب نفسه: Hitoire de la l'Algerie colonisation de باريس سنة 1860. (11) Enquete sur: de Peyerimhoff les reultats de la colonisation officielle de 1893 a 1871، الجزائر سنة 1906. (12) L'Algerie et: Schefer L'evolution de la colonisation francaise باريس سنة 1928. (13) Milliot, Morand, Godin et Gaf- L'Qeuvre legislative de la France en: fiot Algerie، باريس سنة 1930. (14) Douel: siecle de finances Un coloniales، باريس سنة 1930. (15) Les Saint-Simoniens en: Emerit Algerie، باريس سنة 1941. (16) L'Algerie e le: E. F, Gautier Metropole. باريس سنة 1920. (17) L'Afrique du: Ch. A. Julien Nord en Marche، باريس سنة 1925. (18) Documents algeriens نشرها من تولوا منصب الحاكم العام منذ سنة 1947. خورشيد [إمريت M. Emerit] (3) السكان إحصاء السكان: بلغ مجموع سكان بلاد الجزائر وفقًا لتعداد 31 أكتوبر سنة 1948: 8.681.785 نفسًا، وهذا الرقم يمثل زيادة كبيرة في السكان إذا قورن بالتعدادات السابقة. ويشمل هذا العدد 7.721.678 مسلمًا و 960.107 من غير المسلمين، ويشمل غير المسلمين 876.686 فرنسيًا و 45.586 من الأوربيين الآخرين ثلاثة أرباعهم مع الأسبان ويعيش أكثر من 75 % من الأوربيين في المدن. أما في الريف فهم يوجدون في الغالب في التل وبخاصة النواحى التي تزرع الكروم وتسوَّق ثمار البساتين. ومعظم الفرنسيين في إقليم وهران من أصل أسبانى. ويعيش معظم المسلمين في المناطق الريفية، وتعد الهجرة من الريف إلى الحواضر ظاهرة حديثه، و 1/ 5 المسلمين يعيشون الآن في الحواضر، وهم الأغلبية في جميع أرجاء بلاد الجزائر فيما عدا مدينة الجزائر ووهران. وعدد سكان الحواضر الكبرى (سنة 1948) هو كما يأتي:

- مسلمون - غير مسلمين - المجموع مدينة الجزائر (بما فيها الضواحى) - 225.539 - 247.722 - 473.261 وهران (بما فيها الضواحى) - 90.678 - 174.36 - 264.714 قسنطينة - 77.089 - 37.249 - 114.338 بونة - 36.614 - 44.541 - 105.155 وثمة حواضر أخرى يتراوح عدد سكانها بين 50.000 و 100.000 وهي: تلمسان، وفيليبفيل، وسيدى بل عبَّاس، ومستغانم وسطيف، وكلها تقوم في التل. أما توزيع السكان في الأقاليم الإدارية وكثافة السكان في الكيلومتر المربع فهما كما يأتي: إقليم وهران والكثافة 30 - 1.990.729 إقليم مدينة الجزائر والكثافة 50 - 2.765.896 إقليم قسنطينة والكثافة 35 - 3.108.165 المناطق الجنوبية والكثافة 0.4 - 816.993 وأكثر الأقاليم عمارًا بالسكان هي أقاليم تل أطلس حيث تبلغ كثافتهم في الكيلومتر المربع ما يزيد على 30 في الغالب وتبلغ أحيانًا 60 (ترارا، وإقليم مدينة الجزائر وبلاد القبائل الكبرى والصغرى). وهي تبلغ 114 في المراكز الريفية والجبلية الخالصة لتيزى أوزو، ولكنها تنخفض إلى ما بين 30.10 في السهول العالية لقسنطينة (إلَّا في الشمال الغربيّ) وفي جبال أوراس والحضنة، وتنخفض إلى أقل من 10

في الفيافى، إلى أقل من 1 في الصحراء. وصف السلالات: أن الشعوب المسلمة في بلاد الجزائر -وهم البربر- أصلهم غامض. وهم من الجنس الأبيض، وقد اختلفت أنماطهم الجثمانية فيما يظهر منذ عهد سحيق. ولم يكن تدفق الأجانب عليها واسع النطاق خلال القرون، إذا استثنينا العرب (أي مسلمي المشرق) في بعض الأقاليم، وبعض عناصر البحر المتوسط في الحواضر، حيث كان أحدث من وصلوا إليها هم الأندلسيين أي المسلمين العائدين من أسبانيا) والأتراك والأوربيين. صحيح أن معظم السكان يسمون أنفسهم عربًا لأنهم يتحدثون بالعربية، كما أن سلالة الأتراك الذين تزوجوا من نسوة جزائريات يسمون أنفسهم قول أوغلى (قلغلى) كما أن المواطنين القدامى المختلطى الأصل إلى حد كبير يفاخرون بأنهم من الحضر، في حين يفاخر غيرهم بأنهم أندلسيون، إلا أن معظم السكان لم يتغيروا إلَّا قليلًا من حيث علم الإنسان وبقوا بربرًا. وفي واحات الصحراء يزرع الحراطين الملونون التربة، كما ظلت الأجناس السودانية المدونة تباع عبيدًا في المدن. ومصطلحا "العرب" و "البربر" يستعملان- من حيث العمل- للمتحدثين بالعربية والمتحدثين بالبربرية. وما يزال 29 % من المسلمين الجزائريين يتحدثون بالبربرية ونذكر منهم بخاصة: الشاوية الذين يتدفقون على رقعة فسيحة من جبال الأوراس والقبائل غربي جيجل. وثمة أيضًا بنو مناصر في الجبال التي بين تنس وشرشال، وجماعات صغيرة في أطلس متيجه ووانشريس، وجبال تلمسان، وفي الجنوب في جبال قصور. ويتحدث بالبربرية في الصحراء الطوارق والمزابية وبعض قصوريى (أي القرويين) سوارة وقرارة، وورجلة ووادي ريغ. واللهجات البربرية التي تختلف من إقليم إلى إقليم، ليست لغة

أدبية، والبربرية ليست لغة مكتوبة وينتشر أدبها بالرواية الشفوية. وانتشرت اللغة العربية منذ القرن الحادي عشر انتشارًا أكبر على يد البدو أكثر من انتشارها على يد الحضر. وتتمركز اللهجات العربية المستقرة في المدن، في بلاد القبائل الشرقية وفي ترارا. وتنحسر البربرية في كل مكان إذ تردّها اللهجات البدوية. وقد استطاع العرب- الذين أمدوا 71 % من الجزائريين بلهجات مشتقة من لغتهم- أن يدخلوا الجزائريين جميعًا في الإسلام شيئًا فشيئًا، باستثناء 130.000 يهودى [آنئذ]. ويكاد المذهب المالكي أن يكون المذهب الوحيد الذي يمارس في الجزائر. وثمة أتباع قليلون للمذهب الحنفي بين سلالة الأتراك في مدينة الجزائر وتلمسان، أما المزابية والإباضية (الخوارج) فهم جماعة قائمة بذاتها. ومن أركان الشعائر الإسلامية التي تمارس في كل مكان الصلوات الخمس أما الحج إلى مكّة- وهي الشعيرة التي يمارسها النَّاس الآن بالسفر بحرًا أو جوًا - فيؤديها ألف مسلم كل عام. ويعد صوم رمضان هو أكثر فرائض الإسلام ممارسة في هذه البلاد. والإسلام في شمالي إفريقية يتميز بقيام رباطات دينية وتبرك بالأولياء. وقد لعبت الرباطات الدينية في وقت من الأوقات دورًا كبيرًا في الشئون السياسية، بالنظر إلى سلطانها المعنوى في بلاد كالجزائر لم يكن القانون والنظام قد استتبا فيها بعد استتبابًا. ومنذ ذاك الوقت تضاءلت أهميتها تضاؤلًا كبيرًا، وهي تقيم بصفة عامة صلات طيبة بالسلطات الفرنسية، ولكن أهل الحضر ينتقدونها بشدة. ومن المستحيل أن نذكر عدد أتباعها ذكرًا يتسم بآية دقة (من 250.000 إلى 450.000؟ ). وأهمها هي الرحمانية التي تشمل أكثر من نصف "الإخوان" وخاصة في شرقي بلاد الجزائر، ثم تأتى بعد ذلك الطَيِّبية وما تزال ناشطة

في إقليم وهران؛ ثم الشاذلية التي جمعت أتباعها أساسًا من إقليم مدينة الجزائر؛ ثم التجانية في إقليم قسنطينة؛ ثم القادرية؛ وثمة أيضًا قليل من الدَرقاوَة في وهران والعيساوة والعمَّارية في قسنطينة. وليس المرابطون أو الأولياء أعضاء في الرباطات بالضرورة، وقد لعب بعضهم في الأيَّام الماضية دورًا معنويًا وسياسيًا هامًا وخاصة في غربي بلاد الجزائر حيث ما تزال عدة أسر أو قبائل مرابطية تعيش، مثل أولاد سيدى شيخ في جنوبي وهران. وبعضها تردَ نسبها إلى بيت النَّبيِّ (عن طريق عليّ وفاطمة)، وهؤلاء هم الشرفاء، ويقال إن كثيرًا من هؤلاء أتوا في نهاية القرون الوسطى وما بعد ذلك، من مراكش وساقية الحمراء، ولكن معظمهم يعدون من أهل البلاد، وهم يسبغون البركة على سلالتهم إذا وجد من هذه السلالة أحد. وكانت العادات المرابطية تجتذب أحيانًا أتباعًا من غير المسلمين. وتبقى شعائر ماثلة في طقوس مختلفة تشمل فيما تشمل السحر والعرافة، والاعتقاد في عين الحسد وفي غير ذلك من الطقوس الزراعية. وما تزال جميع الشعائر الشعبية منتشرة في بعض أقاليم الريف، وخاصة بين النساء. وقد تشربت الحياة الاجتماعية بالإسلام في بلاد الجزائر، وفي كل مكان غيرها. صحيح أن حياة القبائل في الغرب وسكان جبال الأوراس والطوارق في الصحراء ظلت متمسكة ببعض عادات لاتمت إلى الشريعة الإسلامية بصلة، إلَّا أن الحياة الخاصة لأغلبية السكان الوطنيين في الجزائر تنظمها الشريعة، وخاصة فيما يتعلق بقانون المواريث الذي هو في تفصيله متشابك كل التشابك، وكذلك في الأحوال الشخصية. وتعدد الزوجات يبيحه الشرع، إلَّا أنَّه في الواقع ليس سائدًا وخاصة في المدن. والبنات الشابات يوافقن على زواجهن الذي يدبره آباؤهن ولا يستلزم الأمر أخذ

رأيهن (حق الجَبْر). ويمكن تطليق المرأة على يد زوجها من غير أن يقتضي ذلك أي إجراء رسمى أو غرامة، وهي عادة تشجع تعدد الزوجات مرارا متعاقبات. وقد تعرض القانون الزراعى في بلاد الجزائر لتغييرات جوهرية متأثرا بالقانون الفرنسى. طرائق الحياة: الحياة الاجتماعية والنشاط الاقتصادى يدخلان في نطاق طريقة الحياة التي يجرى عليها مختلف عناصر السكان. وما تزال قبائل الفيافى والصحراء، وقوامها رعاة يربون الأغنام والماعز والإبل والخيل، مختلفة الحظ من البداوة. وإذا أسقطنا الطوارق والشَعانْبة- الذين هم صحراويون خلص- فإننا سوف نقتصر على ذكر القبائل التي تتجول بين الصحراء وبلاد الجزائر عينها. وما زال بعضها يقضى الصيف في التل. فالأرباع في إقليم لغوات، وسيد عتبة في جوار ورجلة، تكاد حياتهم تقوم على الرعى، ويقضون الصيف في سرسون وعلى المنحدرات الجنوبية لونشريس. أما بدو منطقة طقورت أصحاب أشجار النخل والقليل من القطعان فإنهم يقضون الصيف في السهول العالية لقسنطينة. وهم يشملون أولاد جدى وبويزيد من أولاد جدى وعرب شراقة وعمور وأولاد سيدى صلاح في ولاية بسكرة وغرابة العرب وأولاد مولى في ولاية طقورت. وأما القبائل الآخرى التي تعيش في وديان تلال السفوح الصحراوية وتزرع قدرًا من الغلال وترعى في المراعي فيقضون الصيف هم وقطعانهم في أطلس الصحراء، مثال ذلك أولاد سيدى شيخ وأولاد نايل في الجنوب والنمامشة في الشرق. والفيافى هي ولاية أشباه البدو الذين يقضون ما بين ستة أشهر وثمانية من العام قريبا من حقول الشعير والقمح الخاصة بهم، كما يقضون الشتاء في مراعيهم. ويستخدم العمور وأولاد نايل من أهل الشمال

مراعيهم في الوديان الجنوبية لأطلس الصحراء وثنيات الفيافى العالية، ويقضون الصيف في جبال أطلس. أما أشباه البدو في الفيافى العالية فهم زراع لمحاصيل الغلال وجماع للحلفاء، وهم يقضون الصيف هم وقطعانهم على المنحدرات الجنوبية لتل أطلس. وأما الهاميان إلى الغرب فهم بدو إبل سابقون. وليس عند قبائل الحضنة حلفاء، وهم يظعنون في الصيف هم وقطعانهم إلى سهول قسنطينة العالية ويشتغلون عمالا. وتربية الخيل التي كانت تستخدم من قبل في المعارك، أخذة في التدهور. وهذا أيضًا هو حال تربية الإبل، سفينة الأحمال والتجارة، بالنظر إلى منافسة السكك الحديدية والطرق. وتترك تربية الأغنام التي ازدهرت ما بين سنتى 1880 - 1920، مكانها لزراعة الحبوب. وتتطور الملكية الجماعية للأرض الزراعية إلى ملكية أسرية بل ملكية فردية، والخيام المصنوعة من وبر الإبل وشعر الماعز والصوف والتي كانت تنتظم من قبل في دُوّارات كبيرة، آخذه الآن في النقصان، وهي لا تستعمل إلا مساكن موقوتة بمعرفة أشباه البدو الذين يقضون الشتاء في أكواخ أو بيوت. والوحدة الاقتصادية والاجتماعية التي هي لدى البدو القبيلة أو الشعيرة، هي أيضًا فرع صغير من أسرة تقوم عى النظام الأبوى بين أشباه البدو. ولا يزال السكان في الكتل الجبلية الرئيسية، يحتفظون في كثير من الأحوال بلهجاتهم وعاداتهم البربرية؛ ولكن أسلوبهم في المعاش يعتمد على الظروف المحلية. وجبال الأوراس هي معقل الشاوية الذين هم مزارعون ومربو أغنام وماعز في آن. وحقولهم التي على هيئة شرفات والتي تروى عادة تزرع الحبوب، وتعتمد على ارتفاعها فتنبت النخيل والتين والمشمش والبندق. صحيح أنهم في جوهرهم سكان قرى إلا أنهم يقومون بالهجرة

في الشتاء ويعيشون إلى حد ما حياة شبه بدوية في اتجاه سهول الشمال والجنوب، ويقضون الصيف في مراعى الهضاب مع قوم من الرعاة الخلص. وقراهم العالية التي تقوم عليها أهراء محصنة ما تزال تحت السلطان النافذ للجماعات. ومن بين أهل القبائل احتفظ منهم الغربيون دون سواهم (جرجرة، سومم، بابور، قرقور) بلهجاتهم القديمة وعاداتهم، وتزرع في حقولهم الممتدة على هيئة شرفات بصفة خاصة أشجار الزيتون والتين، وينقصهم الحبوب والماشية، وهم لضيق رقعة أرضهم يهاجرون في أعداد متزايدة وخاصة إلى مدن بلاد الجزائر وإلى فرنسا. والقرية (تَدَّرت) -سواء كانت أحياؤها (خروبة) مجتمعة) وقائمة بذاتها أو متفرقة- هي الموحدة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. وتحتفظ "الجماعة" رسميا بسلطانها المأثور في بلاد القبائل بجرجرة، أما قبائل الشرق فقد استعربت. وهم يعيشون، شأن جيرانهم غير القبليين من أهل إقليم بونه، في أراض مستصلحة كبيرة يزرعونها شعيرًا وسُرْغمًا وقليلا من أشجار الفاكهة، وهم يربون الماشية والأغنام وغيرها ويعملون في الغابات عملا يقوم في جوهره على نزع الفلين. ولجيرانهم أكواخ مصنوعة من غصون الشجر، وهم يعيشون في دور مصطفة في دساكر ويهاجرون في أعداد كبيرة. أما طريقة حياة بنى مناصر (ويتحدثون بالبربرية) والترارة (استعربوا) في غربي بلاد الجزائر فتذكرنا بحياة قبائل الغرب. وأما سكان الوديان العالية في هضبتى ونشريس ووهران الذين كانوا جميعًا أو يكادون في يوم من الأيام أشباه بدو، فإنه ليس في أيديهم اليوم إلا خيام قليلة. وكانت سهول اللو وتلاله الحصينة يطمع فيها من قبل ويهددها البدو وسكان الجبال ولم يستغلها إلا استغلالا قليلا السكان الذين يعيشون

في الأكواخ والخيام؛ ويقوم معاشهم على زراعة الحبوب وتربية الماشية على نطاق واسع، وقد تغير مظهر هذه السهول والتلال تغيرًا كبيرًا، فنجد في مناطق الاستيطان الكثيف أن بعض الفلاحين السابقين قد أصبحوا عمالا زراعيين، على حين أفاد غيرهم من المثل التي وجدوها أمام أعينهم. وقد عمد السكان المحليون في كل الأرجاء، وهم الذين تزايد عددهم زيادة عظيمة، إلى توسيع المساحة المخصصة لزراعة الحبوب على حساب تربية الماشية. وارتبطت القبائل القديمة شبه البدوية في سهول قسنطينة العالية بالتربة في الوقت الحاضر، ونسيت العلاقات القبلية، وأخذ المجتمع ينهار، ولكن الملكية الفردية لا تزال في كثير من الأحوال محصورة في الأسرة، والمدارس الفرنسية والخدمة العسكرية والهجرة التي هي موقوته في الغالب، إلى المدن وإلى فرنسا تزيد من الفردية والاستقلال الذاتى للأسرة. والفردية تصبح صاحبة اليد العليا في المدن، دون أن تحدث فقدانا للوحدة بين الناس الذين من أصل واحد. أما البورجوازية، وبعضها تركى، في المدن القديمة لبلاد الجزائر (مدينة الجزائر وقسنطينة وللمسان) فقد أحياها على نطاق واسع قوم من أصل ريفى، وأخذ الصناع يختفون شيئًا فشيئًا. وفي المدن القديمة والجديدة جميعًا الآن بورجوازية زاهرة من أصحاب الأراضي وقليل من رجال الأعمال، وطبقة وسطى من المستخدمين المدنيين، وأعضاء من أصحاب المهن الحرة ومختلف الموظفين، وجملة كبيرة من العمال ينوءون بعدد فوق الطاقة من مهاجرين ريفيين برئوا من المهارة اليدوية ولا يمكن أن يكونوا إلا عمالا عاديين. الاقتصاد: ظلت العناصر الوطنية العامل المسيطر على الاقتصاد الجزائرى، وهم يزرعون ما يقرب من 3/ 4 أراضى الحبوب، ويكاد يقتصر

ما يبذرونه على الشعير والقمح، وما يقرب من 3/ 2 من شجر الزيتون المثمر والأرض المخصصة لزراعة البقول والطباق. وهم يملكون 96 % من أشجار النخيل وجل أشجار التين، ويملكون أيضًا 95 % من الأغنام والماعز. على أن المستعمرين يزرعون الكروم لا يكادون يبغون عنها حولا، وهم دون سواهم الذين يزرعون الخضروات والموالح المبكرة. وثمة مشكلة رئيسية هي كيف يزيد حجم الناتج الوطنى جملة، وهو لا يزال الآن منخفضا جدًّا، وكيف ينهض بنوع الماشية. وقد درب بعض الجزائريين على صيد الأسماك على يد أناس من أصل أسبانى أو إيطالى، والوطنيون دون غيرهم هم زاد القوة العاملة ويشغلون درجات قليلة منخفضة المستوى في المناجم (الحديد والفوسفات وخاصة الرصاص والزنك)، ولكنهم يستخدمون بأعداد- كبيرة في وسائل النقل. وما تزال الصناعة متخلفة بالرغم من الجهود التي بذلت حديثًا، وهي تجد فيهم مصدرًا وافيًا للعمل وقليلا من أرباب الحرف المهرة أو المتخصصين. والهجرة الموقوتة إلى المدن الصناعية وأحواض السفن في فرنسا تحقق للبلاد موردا وافرًا من المال. المصادر: (1) مصلحة الإحصاءات العامة لمدينة الجزائر: - Resultats statistiques du denombre ment de la population efectue le 31 Oct 1 obre Annuaire statistique de 1948 . L, Algerie (2) Les Juifs de: M. Einseenth L, Afrique du Nord، 1936. (3) La langue berbere: R. Basset في African languages Handbook of، جـ 1، سلة 1952. (4) Comment L, Afrique du: W . Marcais Ann. de l'Institut Nord a ete arabisee d'Ettudes orientales الجزائر 1938.

(5) Parlers arabes du: J. Cantineau depertement d'Alger ... de Constantine .. d, Oran في R.Afr. سنة 1973، 1938، 1940. (6) L, Islam Magh-: G. H. Bousquet rebin سنة 1946. (7) Re- Les marabouts: E Doutte vue de l'histoire des Religons، سنة 1899 - 1900. (8) الكاتب نفسه: Magie et religion du Nord daps e، سنة 1919. (9) Les con-: Dupont et Coppolani cfreries rel، سنة 1897. (10) A. Bel: La religion musulmane en Berberie، جـ 1، سنة 1938. مصادر اجتماعية: يضاف إلى الكتب العامة (11) A. Bernard et N. Lacroix: evolution du nomadisme en Algerie'L. (12) Le nomalution et: L. Lehuraux colonisation، سنة 1931. (13) الكاتب نفسه: ov va le nom? cadisme سنة 1948. (14) - Travaux de l, Institut de Re rches sahariennes الجزائر منذ سنة 1942. (15) Le Hodna: J. Despois, سنة 1953. (16) Formation des ci-: : E. Masqueray l'Algerie teshez les sedentaires de، سنة 1886. (17) Monographie de: De Lartigue l, Aures سنة 1934. (18) Ein Kul-: gr. Stuhlmann c turgeschichtlicher Ausftug in den Aures سنة 1912. (19) La femme chaouia: M. Gaudry de l, Auras، سنة 1928. (20) A. Hanoteau et A. Letourea: La Kobylie et les coutumes kobyles (21) Colonisation et ev-Trinthoin .": olution des genres de vie dans la region O. d'Oran سنة 1947.

(22) مقالات في Bulletin de la , R. Afr Bulletin de la j Societe de geogr d'Alger . Societe de geogr. et d'archeoL d'Oran . (23)Alger 1930 et Oran: R. Lespras 1938، سنة 1938. (24) L'emigration al-: L Muracciole gerienne سنة 1950. (25) Industrialisation ... de: G. Leduc L, Afriquedu Nord، سنة 1952. (4) النظم كانت بلاد الجزائر جزءًا من الاتحاد الفرنسى كما حدده الدستور الصادر في 27 أكتوبر سنة 1946, وكانت هذه البلاد تشغل فيه مركزًا خاصا حدده القانون الصادر في عشرين سبتمبر سنة 1947 الموسوم باسم "قانون الجزائر". وكان على رأس بلاد الجزائر حاكم له سلطات واسعة، وكان يمدكل السكان هيئة نيابية جزائرية ليست لها فحسب سلطات مالية كما كان شأن الوكالات المالية Delegations fi-" nancires" التي حلت هذه الهيئة محلها، بل كان لها أيضًا نصيب في سن القوانين للبلاد، وكانت الهيئة التشريعية الرئيسية هي البرلمان الفرنسى. وقد حددت الأحوال الشخصية من قبل بمقتضى القانون الصادر في 7 مايو سنة 6 وهو قانون جديد من جميع النواحى يحمل اسم واضعه لامين كويه lamine Gueye ويعلن المساواة بين سكان البلاد: "كل المتجنسين بالجنسية الفرنسية في أقاليم بلاد الجزائر لهم جميع الحقوق التي ينعم بها المواطنون الفرنسيون وعليهم جميع الواجبات التي على هؤلاء بلا تمييز من حيث المولد والجنس واللغة والدين، . وقد كان يعيش إلى جانب الأورييين، وقوامهم من الفرنسيين، أغلبية من المسلمين ينظم حياتهم الخاصة إلى حد كبير الشريعة الإسلامية ولذلك نص على أن "المواطنين غير الحاصلين على الحقوق المدنية الفرنسية يحتفظون بحالتهم الشخصية ما داموا لم ينكروها". والمواطنون الذين لهم الحقوق الفرنسية هم المواطنون الفرنسيين مولدًا, واليهود المولودون في الجزائر الذين

عدوا مواطنين منذ مرسوم كرمييه Cr 6 mieux الصادر في 24 أكتوبر 1870, وقليل من المسلمين الذين طلبوا أن يكونوا مواطنين فرنسيين نتيجة للتيسيرات التي أباحها مرسوم مجلس الشيوخ الصادر في 24 يولية سنة 1865 والقانون الصادر في فبراير سنة 1919 ثم أخيرا الأجانب الذين تجنسوا بالجنسية الفرنسية وخاصة من طبق عليهم قانون 26 يونية سنة 1889. والمدنيون الذين لهم الحقوق المحلية هم جميع المسلمين الأخرين. وبالنسبة لهؤلاء تظل المسائل الآتية خاضعة للشريعة الإسلامية (كما أن بعض المناطق التي تتحدث بالبربرية تخضع بلا ريب للعرف): "الزواج، والسلطة الزوجية، وحقوق المرأة المتزوجة، والطلاق، والهجر، والمؤاخاة، والسلطة الأبوية، والبلوغ، والحداثة، والحرمان من الأشراف على الملك، والعتق والوصاية" (J. lmbert). أما الأجانب فإن القواعد التي تنظم أحوالهم هي بصفة عامة مماثلة للقواعد المعمول بها في فرنسا. والمسلمون الأجانب، وخاصة أهل تونس ومراكش، لهم في بعض الأحوال أمام المحاكم، نفس الحقوق التي للجزائريين المسلمين. التنظيم السياسي: إن الحاكم العام "يمثل حكومة الجمهورية الفرنسية في جميع أرجاء بلاد الجزائر .. وهو يقيم في مدينة الجزائر"، ويتكون المجلس النيابى الجزائرى من 120 عضوًا: 60 عضوًا من كل من الفئتين ينتخبون بالاقتراع العام لمدة ست سنوات مع اقتراعين على أساس العضو الواحد، ويستبدل نصف الأعضاء كل ثلاث سنوات، وتشمل الفئة الأولى المواطنين الذين يتمتعون بالحقوق المدنية الفرنسية. أما جميع المواطنين الآخرين الذين يتمتعون بالحقوق المحلية فينتمون إلى الفئة الثانية. والقوانين الانتخابية مماثلة للقوانين القائمة في فرنسا، ولكن المرأة المسلمة لها حق التصويت. وكل المواطنين أهل للانتخاب دون تمييز بين الفئتين.

التنظيم الإدارى: والأقاليم الثلاثة (مدينة الجزائر، قسنطينة، وهران) لها مديرون سلطاتهم أوسع مما هو حادث في قصبة البلاد، وهي مقسمة إلى أقسام (7، 7 و 6) , ومجالسها العامة مكونة من 5/ 3 المواطنين الذين لهم حقوق الفرنسيين و 2/ 5 من المسلمين المنتخبين. والمراكز كبيرة مختلقة الطبائع. فإذا وجد الفرنسيون من غير المسلمين بأعداد كافية سميت المراكز "مراكز ذات سلطة كاملة" تمثل فيها الفئتان (5/ 3 و 5/ 2). وتتبع العمدة، إذا تطلب الأمر وجوده" قائديات الدواوير، وهي فروع لها ممثلوها المنتخبون وهم "الجماعة".و"المراكز المختلطة، التي قدر لها أن تختفى آخر الأمر يرأسها عمال من الموظفين المدنيين الجزائريين. ويرأس هؤلاء المجالس البلدية التي تتألف من أعضاء منتخبين، ومن القائديات، ومن رؤساء "الجماعة" من مختلف الدواوير. وقد أقيم حديثًا في تلك المناطق ذات السكان الوطنيين التي بلغت درجة كافية من النمو، "مراكز بلدية" وهي تتمرس على الحياة العامة تحت إشراف موظف مدنى. وقد أدت الزيادة في حجم الأقاليم شيئًا فشيئا إلى رد المناطق العسكرية إلى الوراء صوب الصحراء، وأصبحت هذه المناطق تسمى الأراضي الجنوبية. وغطت هذه الأراضي مساحة ضخمة, وتحيفت اثنتان منها على أطلس الصحراء وعلى الفيافى المرتفعة في الغرب، واتخذت هذه الأراضي الأربع قواعدها في كولومب بيشار، ولغواط، وطقورت، وورجلة. وهي تخضع خضوعا مباشرًا لسلطان الحاكم العام يحكمها بصفته مديرًا لها. أما القواد العسكريون الذين يخضعون له فلهم السلطات الإدارية لنائب المدير. وقد جرت الحال بأن تقسم هذه الأراضي إلى ملاحق أصبحت أساس المراكز الحالية: 10 مراكز مختلطة يديرها مراقبون مدنيون و 9 "مراكز وطنية" يديرها مراقبون للشئون الصحراوية. أما قواد واوير فهم خاضعون لهم، وأعضاء "الجماعة" ينتخبون أو يعينون. وينص القانون الجزائرى على تحويل الأراضي الجنوبية تدريجًا إلى أقاليم مدنية.

النظام القضائي: رسم النظام القضائى رسمًا وثيق الصلة بالنظام المتبع في قصبة البلاد، فمدينة الجزائر مقر محكمة الاستئناف. وهناك 17 محكمة جنائية (قضاتها فرنسيون ومسلمون) و 17 محكمة من محاكم أول درجة. ويحكم في المسائل الخاصة بالأحوال الشخصية والميراث للفرنسيين المسلمين قضاة من الأربع والثمانين محكمة مركزية والباش عادل الخاص بالثلاث والعشرين ناحية التابعة. ولكن اختصاصها في جميع الأحوال اختيارى. وللأطراف المتنازعة أن تلجأ إلى محاكم الصلح، أو إلى قضاة القانون العام الذين يطبقون أحكام الشريعة الإسلامية، أو إلى السلطات القضائية الفرنسية، كما يمكنهم أن يحتكموا للقانون الفرنسى. وليس لقبائل الغرب التي احتفظ معظمها بعرفها الخاص، قضاة. المصادر: (1) L. Millot, M. Morand L'oeuvre legislative de la: et M. Gaffiot France en Algerie" سنة 1930. (2) Manuel de legisla- J. Lambert lion Algerienne, " سنة 1952. (3) Les caracteres pol-: P. E. Viard d'Algerie ftiques et le regime legislatif سنة 1949. (4) Le regislatif de: Ettori l, Algerie. (5) Precis de: Rolland et Lampu 6 adroit des pays d'Outre Mer، سنة 1952. (6) Manuel de droit: Fr. Luchaire d'outre Mer سنة 1949. (7) Revue politque et juridque de . l'Union Francaise [دسبوا J. Despois] (5) اللغات 1 - اللهجات العربية في بلاد الجزائر: تعربت الأرض التي تكوّن الآن بلاد الجزائر الحالية في حقبتين متمايزتين مشتركة في ذلك مع شمالي إفريقية بصفة عامة. الحقبة الأولى تبدا بفتوحات المسلمين في نهاية القرن

الأول للهجرة (السابع الميلادي). وليست هذه الفتوحات مهمة من حيث ما أتت به من الناحية السلالية، إلا أن لها أثرًا كبيرا من النواحى العسكرية والسياسية والدينية، ومن ثم اللغوية، وهي قد أثرت أولًا وقبل كل شيء في المراكز الحضارية، ذلك أن العرب الفاتحين قد أقاموا في هذه البلاد حاميات توزع وحدات من الجند المشارقة في أرجاء البلاد التي رغبوا في أن يشرفوا عليها ويحكموها. وكما عربت فاس الإدريسية والقيروان الأغلبية الأقاليم الريفية والحضرية القائمة حولهما، كذلك فعلت تلمسان وقسنطينة في بلاد الجزائر، فحملتا الأقاليم القائمة بينهما وبين البحر، ونعنى بها ترارة وبلاد القبائل الشرقية، على أن تترك لسانها الوطنى وتصطنع لغة الفاتحين. وأغلب الظن أنه حدث بعد ذلك أن الدعوة الشيعية استطاعت- بربط القبائل البربرية بحركة الشيعة ربطا مباشرًا - أن يكون لها شأن في فرض اللغة العربية على أقوام بعينها في الشمال من إقليم قسنطينة. وهذا الاستعراب الذي حدث في الحقبة الأولى هو صاحب الفضل في العربية التي جرى الحديث بها في المراكز القديمة وفي الأقاليم الجبلية المجاورة. ومن ثم يمكن أن نسمى الصور المختلفة لهذه اللغة باسم: "اللهجات السابقة على الغزوة الهلالية". وغزوة بنى هلال وسليم ومعقل، هي التي افتتحت الحقبة الثانية من التعريب. وقد بدأت في غضون منتصف القرن الرابع الهجرى (العاشر الميلادي) بإطلاق حشود القبائل العربية على "المغرب الغدار". وفي هذه المرة كان الأثر السلالى هامًا. وتنقل السكان الذي أحدثته غزوة هؤلاء الوافدين الجدد قد جعل بلاد البربر في حالة غليان، وأدى إلى الانتشار الواسع للغة التي جلبها الغزاة معهم. فلم تهجر البربرية إلى العربية نواح قليلة فحسب، بل هجرتها مناطق مترامية الأطراف أيضًا. والذي حدث أول الأمر بلا شك هو أن الفيافى والوديان العالية المنصرفة لحياة الرعى هي التي أنس إليها الوافدون البدو وأحسوا بأنهم فيها في مثل وطنهم. ثم

عرضت على هؤلاء الفاتحين أحلاف أو فرضوها هم، فدانت لهم أقاليم من التل مستقرة الحياة مترامية الأطراف بل من الساحل. وظلت تنقلات هامة للسكان تحدث حتى نهاية القرن الثامن الهجرى (الرابع عشر الميلادي)، مثال ذلك استقرار الدواددة الهلالية في شمالي ولاية قسنطينة، واستقرار معقل عبيد الله وزغبة بن عامر الهلالى بين تلمسان والبحر.، وكذلك اتجهت إلى اللغة العربية قبائل بربرية برمتها بفضل احتكاكها بالعرب البدو أو تحت إمرتهم، واشتراكها مع البدو في أسلوب حياتها. مثال ذلك ما فعلت سدوكيش غربي ولاية قسنطينة، وفروع من زناتة شمالي وهران. واستمر الاستعراب حتى وقتنا هذا يتغلغل في الص الجبلية ومراكز الصحراء القديمة التي ظلت معاقل البربرية. وكتاب الصباغ الذي لم يطبع عن حياة ولى شلف الكبير سيدى أحمد بن يوسف يزودنا بفكرة عن الحالة اللغوية لهذا الأقليم في القرن العاشر الهجرى (السادس عشر الميلادي) ويستشهد بعبارات من "اللغة الزناتية". J وكانت اللغة البربرية لاتزال يتحدث بها في تلك الفترة، ولكن العربية دون سواها هي لغة الحديث اليوم إلا في السلاسل الجبلية لبنى مناصر وونشريس الذين يعيشون على أكناف هذا الإقليم. وإن المرء ليجد ما يغريه على القول بأن انتشار لغة الفاتحين قد شجع عليه بصفة خاصة الأتراك بين القرنين التاسع والثالث عشر الهجريين (الخامس عشر والتاسع عشر الميلاديين). فهم قد عمدوا في الأقاليم الشمالية التي حاولوا السيطرة عليها، إلى القيام بتنقلات واسعة لجماعات من الريف والبدو على نطاق يفوق ما فعلته الأسر الحاكمة التي سبقتهم في المغرب الأوسط. وقد كانت فورة السكان في هذه القرون عظيمة حتى أن علماء اللغة عجزوا عن أن يسوقوا أي مقياس سلالى. ولا شك أنه من الجائز أن نذهب إلى أن الجماعات التي بقيت تتحدث بالبربرية تشمل نسبة كبيرة من العناصر البربرية الأصل، ولكن

ما من شيء يمكننا من أن نقدر نسبة العناصر العربية الأصل بين الأقوام الذين يتحدثون بالعربية. فأغلب الظن أن هذه الأقوام تتألف إلى حد كبير من بربر استعربوا. وما من مقياس لغوى يمكننا من أن نقرر الأصل السلالى للجماعات المختلفة. وما من دلالة لهجية، فيما نعلم، تجعل في استطاعتنا أن نتحقق من الجماعات البربرية التي اصطنعت العربية مثل إلا الحاصة والهُوارَة، والسنجاس، والعجيسة، واللواتة أو الكتامة وغيرهم. وفيما يختص باللهجات العربية التي جاءت بها الغزوات التي وقعت فيما بين القرنين الخامس والسادس الهجريين (الحادي عشر والثاني عشر الميلاديين) فإننا نرى بصفة عامة أن أرض سُلَيم كانت بلا جدال إلى الشرق، وأن أرض معقل كانت أدخل من ذلك غربا. ولا يمكن تحديد أرض هلال تحديدا دقيقا، ولكنها كانت بلا شك في موقع وسط، والأرجح أنها كانت تتحيف الأراضي التي إلى الشرق والغرب، والتغيرات اللهجية في اللغة التي كانوا يتحدثون بها أو اللغة التي نشروها قد عرفت بأنها "لهجات بدوية". (1) لهجات ما قبل الغزوة الهلالية: وتدخل في هذه الفئة لهجات القرى (أو الجبل) واللهجات الحضرية (يهودية وإسلامية). (1) لهجات القرى: وتمثل هذه اللهجات مجموعتان تحققنا منهما تحققا واضحًا، ولكنهما لم تكونا موضوع دراسة متكافئة، ونعنى بهما لهجات وهران، ولهجات قسنطينة. وتضم لهجات وهران كتلة ترارة الجبلية التي تمتد من وادي مُغْنية حتى البحر، ويحدها على وجه التقريب مجرى نهر تافنة إلى الشرق. وندرومة هي المركز الحضرى لها. وينتمى هذا الإقليم إلى الألحاصة والكومية، وتقطعه طرق تصل للمسان بثغرى حنين وأرشقون. والراجح أن استعرابه يرجع إلى عصر الأدارسة. ولهجات فسنطينة تتفق وبلاد القبائل الشرقية، وهي جبلية كلها، لها شكل المثلث، رؤوسه: جيجل وميلة وكلو. ويمثل هذا الأقليم من الناحية التاريخية التوسع البحرى

لقسنطينة وميلة، وقد كانتا مدنًا عربية ذات حاميات في عصر الأغالبة. وكان هذا الإقليم هو أرض كتامة من قبل، ومركز الحركة الفاطمية. وتتميز هذه اللهجات صوتيًا بما يأتي: تبدل القاف اللهوية كافًا نطعية، مثل النطق بقلب كلب، والكاف تنطق حرفا لهويًا، مع التشديد على لهويتها: كى، أو تنطق نطق الحرف الاحتكاكى: كش وتش مع حرف غير صائت هو: ى (ترارة) مثل تشلب وشلب والمقصود بها كلب. والحروف التي تنطق من بين الثنايا: ث، ذ، ظ تختفى وتختلط بالحروف ت، د، ص. ويصبح الحرف ت حرفا احتكاكيا هو تس، وتصبح الضاد في كثير من الأحيان طاءً. وينطق حرف الصفير المجهور إذا كان مفردًا، وينطق جيما إذا كان مضعفا. ويفك الإدغام القصير، فتصبح أي: ى، و"أو": و. وثمة أضمحلال ملحوظ جدًّا للحركات القصيرة وخاصة في بلاد القبائل الشرقية، حيث تسيطر الفتحة الممالة. ويحدث التغيير في تركيب المقاطع الذي يتأثر، في الكلمات التي تحتوى على حركات قصيرة، بالمؤثرات الصوتية للحروف الساكنة الجذرية أكثر من تأثره بعوامل الصرف. فالحرفان الشفويان. م. ب، والحرف اللهوى قاف قادرة على أن تتمثل أداة التعريف مثل إب- باب أي الباب, إق- قمح أي القمح. وتتميز هذه اللهجات من حيث التركيب بما ياتى: توالى إعادة تركيب الأفعال الناقصة: نسا- نسات- نساو، ينسا- ينساو: أي ينسى، بكا- بكات- بكاو، يبكى- يبكيو أي يبكى، وكذلك الأفعال التي تدخل الهمزة في تركيب المقطع الأول منها: كلا- كليت- كلاو، يأكل- كول أي يأكل, واستعمال إين دلالة التثنية في الأسماء الدالة على المقياس: يوم- يوماين آى يومان، شبر - شبواين أي شبرأن، واستعمال صيغ الجمع: صنادق أي صناديق، واستعمال صيغ التصغير: مفيتح أي مفتاح صغير (مع استعمال حركة قصيرة في المقطع الأخير) في جميع صيغ الرباعي. واستبدال كلمة طفيل ومعناها الطفل الصغير بكلمة طفل في حالة التصغير،

وكذلك كلمة رنين ومعناها الجنة الصغيرة بكلمَة جنة, والخلط في الجنس عند التعبير عن ضمير المخاطب في نهاية الأفعال وفي تصريف ضمائر المتكلم المستقلة: ضربت (للمذكر والمؤنث) وتضرب (للمذكر والمؤنث) وأنت (للمذكر والمؤنث) , والاستكثار من استعمال يانا والمقصود أنا, والنطق بالضمة في ضمير الغائب المذكر المفرد بعد حرف ساكن فيقال ضربُه والمقصود "ضَرَبَه" و "ولدُه" أي ابنه. ودوام استعمال أي / إى، آق / - إيك، آه / - إيه وغير ذلك في نهاية الضمائر التي ينتهى بها المثنى الدال على أجراء الجسم. وفي هذه المسائل جميعا الخاصة بالتركيب فإن لهجات ترارة تماثل لهجات بلاد القبائل الشرقية، ولكنها تختلف عنها في نواح أخرى بعينها. وفي ضمير الجمع من الأفعال الناقصة الصحيحة ذات الجذور فإننا نجد في لهجات ترارة الصيغة المضعفة يضرب على حين نجدها في لهجات الجيجليين الريفيين صيغة غير مضغفة هي إضربُ من الفعل ضَرَب, وكذلك في حالة الأسماء ذات الحركة القصيرة والتي تنتهي بالتاء المربوطة فإن لهجات ترارة تقول "رِقبتك"، ولهجات جيجل تقول "رقَبْتك" أَى رَقَبتك من كلمة "رقبة". أما في الفعل الماضي في الأفعال المعتلة فإن لهجات ترارة تتبع التسلسل من حيث الحركة الجذرية سواء كانت قصيرة متغيرة أو طويلة غير متغيرة وبحسب وقوعها في مقطع ينتهى بحرف ساكن أو لا ينتهى بمثل هذا الحرف: باع- إبيع- بعت أي باع، في حين أن أقوام جيجلَ الريفيين يحتفظون بصفة الحركة نفسها ويتبعون التسلسل سواء كانت الحركة شبه ممدودة أو ممدودة: باع - (بيع- بيعت, ويستعمل الترارة للتعبير عن المضارع المستمر الفعل الناقص دون أن يدخلوا عليه أي بادئة فعلية خاصة، أما الجيجليون الريفيون فيستعملون في حرية البادئة كَ / كُ (والراجح أنها مشتقة من الفعل: كان- إكون) فيقولون: ك- يكتب، كُ نكتْب أي هو يكتب وأنا أكتب. أما من حيث الإعراب والمفردات فإن

هذه اللهجات تتميز بما يأتي: الاستعمال الواسع النطاق لأداة التنكير واحد أو ح, وحَ سائدة بصفة خاصة في بلاد القبائل الشرقية, اختفاء الصلة التركيبية المباشرة (إلا في الجماعات التي تلح فكرة صلة الملكية إلحاحا شديدًا على المتكلم) وبالتعبير عن هذه الصلة بالأدوات: د، إد، ديال، وإل في كلو بصفة خاصة، استحالة التعبير، في إقليم جيجل، عن الاسم الدال على القرابة إلا إذا كان له كاسعة ضميرية تدل على الشخص الذي يرتبط بمثل هذه القرابة مثل "عَمُّ دد - كدّور" أي عم كدور. وفي كلتا الجمَاعتين بقيت سمات بربرية خاصة ودخلت وتوحدت في قواعد النحو، مثل استعمال الصلة ن الدالة على الخفض بين الترارة مثل: ببواى إن فاطمة أي أبو فاطمة، أو استعمال اسم الإشارة د، الذي يلعب في إقليم جيجل، دور الصلة المنطقية كما في "خوه د- إق- قايد" أي أخوه هو القائد، أو انتقال العدد والجنس من الكلمة البربرية إلى الكلمة العربية التي حلت محلها مثال ذلك في بلاد القبائل الشرقية: رزل، وهي مؤنث يعامل معاملة المذكر (الكلمة البربرية أضَر مذكرة) بمعنى قدم، و"صوف") وهي مذكر قلب مؤنثا (المؤنث في البربرية "تضف" بمعنى صوف، و"م، وهي مفرد يعد جمعا (الجمع في البربرية أمن) بمعنى ماء" ونذكر أخيرا بعض عناصر بقيت من المفردات مثال ذلك كلمات ذات صيغ بربرية بادئتها أ (ولا تدخل عليها أداة التعريف العربية) أو صيغتها ت ... ت، ومعظمها تقترن بالحياة الريفية (المساكن، والحياة المنزلية، والأدوات المنزلية، وحياة الريف، والأدوات الزراعية، والحيوانات والنباتات وغير ذلك). ولا شك أن هذين النمطين من اللهجات القروية بينهما نقاط خلاف كبيرة، ولكنهما مشتركان بسمات معينة مع لهجة جبالة المراكشية إلى الغرب، ومجموعة وهران أقرب إلى مجموعة مراكش منها إلى مجموعة قسنطينة. ويبدو لسان جبالة وترارة والجيجليين والريفيين في أذن أهل الحضر، بل في أذن البدويين أكثر، كأنما هو لسان

دخيل، أصواته وإعرابه ومفرداته تبدو غريبة على العربية. على أنه لسان عربي، بل عربي قديم كما يشاهد في بعض الألفاظ المهجورة مثل الإبقاء على الكلمة ذات الحرف الواحد "فَ" أي الفم في إقليم ندرومة، والكاسعة "إيش" عند الجيجليين الريفيين. على أن هذا اللسان يعد في الوقت نفسه لسانا عربيا تتبدى فيه الطريقة العربية في عرض الأفكار ومن خلاله تنبثق في كثير من الأحيان المفردات البربرية الخفية. أجل هو لسان عربي آخر الأمر, يحتفظ بأمارات ازدواج اللغة الذي سبق طغيان العربية على البربرية، وبفضل هذا الاحتفاظ فإنه ما يزال يستعمله أولئك الذين اصطنعه أجدادهم، استعمالا فيه من ركاكة المبتديء في اللغة. (ب) اللهجات الحضرية: وليست هذه اللهجات مجموعة متجانسة، وتسجيل هذه اللهجات ووصفها أبعد ما يكون عن الكمال وهي تقسم إلى فئتين: اللهجات اليهودية واللهجات الإسلامية. اللهجات اليهودية: يكاد يكون جميع يهود إفريقية الشمالية سكان مدن في بلاد الجزائر. وإذا استثنينا جماعة البحوصية شبه البدوية في إقليم سوق الأهراس التي تشتت شملها الآن، فإن هؤلاء اليهود يعيشون جميعا في المدن. والجماعات اليهودية التي تقيم بفضل وفرة أهلها وتماسكهم الاجتماعى القوى، مجتمعات متميزة وغريبة في الواقع عن الأغلبية الإسلامية التي تحيط بهاء هي التي لديها دون سواها صورة خاصة من صور العربية، مثال ذلك جماعات اليهود في وهران وتلمسان ومليانة ومدية ومدينة الجزائر وقسنطينة. صحيح أن اللهجات اليهودية تختلف من مدينة إلى أخرى، إلا أنه تربط بينها خصائص مشتركة. والقاعدة الصوتية أميل إلى التغير في هذه اللهجات، وخاصة حين تتحدث بها النساء: فالحروف التي تنطق من بين الثنايا: ث، ذ، ظ لا توجد وتنقلب تاءً ودالا وضادا. وحرف التاء الشمسى غير المجهور يصبح تس الاحتكاكى في وهران وللمسان، وهو تغير يؤدى إلى

التباسه بالحرفين الاحتكاكيين ش وس وحرفى الصفير ز (ج)، ز والإسراف في الجهر بحرف الراء، وهو أمر ملحوظ جدًّا في مدينة الجزائر، وعجز عام في ترديد الحروف الساكنة ترديدًا صحيحًا، ومن ثم فإن حرف العين يرد بفتحة اللسان في مدينة الجزائر ويقصد به القاف، وينطق بالكاف، في تلمسان ووهران (كما في يهودية فاس) ء كافا والكاف تش، والكف عن تفخيم حروف العلة وخاصة في مدينة الجزائر, واضمحلال الحركات القصيرة التي تسود فيها حركة الفتحة الممالة؛ والإسراف في إيجاز المقاطع مما يحمل المرء علي الظن بأن اللغة تتألف كلها من حروف صائتة ولا يكون فيها من الحركات إلا ما لا محيص عنه للنطق بالحروف الصائتة وتحديد مجموعات التراكيب، مثال ذلك: يكتبُ أي يكتبون، ضَرَبْتُ أي ضَرَبَتْه، رقَبتْى أي رقَبَتى إلخ. وتركيب الكلمات من حيث المنهج له صيغ تماثل، إن لم تطابق، تلك الصيغ التي وصفناها فيما يختص باللهجات القروية، وخاصة من حيث تقعيد المقاييس وتقوية الصيغ النحوية، وهذا من خصائص العربية. وتختلف اللهجات التي تستعملها الجماعات اليهودية عن اللهجات الحضرية الإسلامية، ولا في المفردات؛ صحيح أن المفردات معظمها عربي، إلا أنها تشمل عنصرا دخيلا كبيرًا، فهي تستعير من الأسيانية استعارات هامة- ويرجع بعضها إلى العصر الأول (جلبها في القرنين الرابع عشر والخامس عشر الميلاديين اليهود المهاجرون من الأندلس الذين كانوا يتحدثون بالأسبانية) وبعضها من العصر الثاني (يهود بلاد الجزائر، وخاصة يهود مدينة الجزائر وقسنطينة، ذلك أنه كانت لهم صلات مستمرة بيهود لكهورن) وهذا البعض الأخير يتفق تاريخيًا وما كان للأندلس من فضل في ذلك في العصر الثاني؛ والاستعارات من التركية، وهو أمر مشترك بين اللهجات اليهودية واللهجات الإسلامية، وكلمات بربرية قليلة مستعارة، ثم أخيرًا استعارات كثيرة من اليهودية، وخاصة الكلمات

الداخلة في الحياة العقلية أو الدينية، ويقتضينا الأمر أن ننوه بأن يهود بلاد الجزائر يكتبون عربيتهم اليهودية بخط يهودى خاص يشبه الكتابة اليدوية، ويكتبونها بالحروف العربية. ولكن أخذهم السريع بالأساليب الأوربية الذي حفز إليه تفكك الجماعات وانهيار التقسيم إلى أحياء، يؤدى بهم الآن إلى الاستعاضة بالفرنسية عن اللهجة المأثورة بين الأجيال الأصغر من غيرها وإحلال الحروف اللاتينية محل الخط العبرى العادى. اللهجات الإسلامية: والأقوام الحضرية المسلمة تمثل من ثم تنوعا بشريا ولغويا كبيرًا. فبعضهم قد احتفظ باستعمال عربية الطبقة الأولى كما نجد ذلك في تلمسان وندرومة وشرشال ودليس وجيجل وكلو. على أننا لا نتبين تلك العربية بتنس ومليانة ومدية وبليدة وبجاية وميلة، وفيلييفيل وقسنطينة إلا بين أهل الجيل القديم، والظاهر أنه قد كتب عليها الاندثار المبكر إن لم تكن قد درست فعلا. وتحمل المدن القديمة في جميع الأرجاء أمارات المؤثرات الخارجية التي تعرضت لها في غضون الأجيال والتي ماتزال تخضع لها حتى الآن. ونعنى بها السكان الريفيين والبدو. فقد امتلأ وفاض سكان بعض المدن بمؤثرات المناطق الريفية التي تحيط بهم، كما هو الشأن بالنسبة لندرومة وجيجل وكلو حيث تجنح اللهجة التي يتحدثون بها في هذه المدن إلى التطابق مع لهجة القرويين المحيطين بها. ونجد في حالات أخرى أن الحضريين قد استعاروا لسان البدو المحيطين بهم في مجموعهم أولسان مجموعات من البدو قد استقرت. مثال ذلك ما نجده في تلمسان وتنس وبليدة ومليانة ومدية وميلة وفيليبفيل وقسنطينة. صحيح أن لغة هذه القواعد القديمة ظلت في مجموعها لغة حضرية، إلا أن ثمة لغات أخرى تسيطو عليها لهجة بدوية سيطرة تكاد تكون كاملة. مثال ذلك ما نجده في وهران ومستغانم والمعسكر، ومزونة وبونة (وكذلك في الشرق الأقصى للمغرب، في طرابلس وبنغازى). أما حال مدينة الجزائر

وأرباضها، وحال مدينة بجاية، فأعقد من ذلك. فمدينة الجزائر وفحصها بوتقة تنصهر فيها العناصر الحضرية والسكان الريفيون الذين استقروا منذ القدم. والوافدون الجدد من العناصر الريفية، والبدو الذين قضوا فترة تأقلموا فيها بشلف ومتيجة، ثم جاءوا يتكأكؤون على حياة مدنية تجتذبهم وإن كانت ذات طبيعة عمالية. زد على ذلك أن القبائل تصب مهاجريها هناك في تيار لا ينقطع. والحق إن عنصر القبائل قد استولى بعد على بجاية حتى يجعل من هذه الحاضرة القديمة والمركز الذي ينتمى للقرون الوسطى من مراكز الثقافة العربية مدينة تتحدث بالبربرية. واللهجات الإسلامية الحضرية لها بصفة عامة، من حيث الصوت، نفس الخصائص التي للهجات القروية واللهجات اليهودية. ولم يحتفظ بالحروف التي تنطق من بين الثنايا إلا القدماء في تنس وشرشال ودليس وقسنطينة. ويسمع في مدية وبليدة ومدينة الجزائر النطق بالحروف الاحتكاكية والحروف المطبقة معا. فيقلب حرف التاء في كل مكان الحرف الاحتكاكى تس. وحرف الصفير الاحتكاكى المجهور يختلف في نطقه: فهو حرف ج أول شمسى بتلمسان وتنس وشرشال، ومدية، وبليدة ومدينة الجزائر ودليس وميلة وقسنطينة، وهو ز في غيرها من البلدان. ويمكن القول بأن الإسراف في تفخيم الراء هو داء يلازم الحضريين بخاصة، وقد سبق أن لاحظنا وجوده في اللهجات اليهودية، وهو شائع في قسنطينة وجيجل وشرشال وللمسان وندرومة (وكذلك في تونس وفاس). وقلب القاف عينا بردة بسيطة لطرف اللسان، قائم في تلمسان. وفي جيجل يستعاض عن ذلك بكاف لهوية، ولكن تبقى القاف في غير ذلك من المدن. ويقيم ابن خلدون الخلاف الأساسي بين لهجات الأقوام المتحضرة ولهجات البدو في المغرب على التباين القائم بين القاف المجهورة التي تنطق غير معطشة نطعية، وما يزال هذا التباين قائما. ولكن تدفق

العناصر البدوية على المدن استحدث حرف الجيم غير المعطشة, وقد حدث هذا في تنس وشرشال ومدية ومدينة الجزائر نفسها وميلة وقسنطينة (حيث يسمع في بعض الأحيان الحرفان جميعا في الكلمات نفسها تنطلق من فم واحد). أما في غير ذلك من الأماكن فإن وجود حرف الجيم غير المعطشة في كلمة تطبع الكلمة بطابع اللفظ المستعار من لهجات البدو. وفي كل مكان نجد أن حرف الهاء الحلقى هو حرف ساكن ضعيف أقرب إلى أن يصبح صامتا. ومن ثم فإننا نسمع راهم: رام مع تفخيم الراء في الحالين، بمعنى "هاهم أولاء! " وفي ندرومة تنطق "ماعندهاش" "معنداش" أي ليس عندها شيء. وتشمل صيغ التراكيب عناصر متشابهة وغير متشابهة، ومن العناصر المتشابهة يجب أن نلاحظ تركيب الأفعال الجامدة، مثال ذلك "خْدا" أي يأخذ و"كلا" أي يأكل، والاستعمال العام لجمع الرباعي "صنادق" والمقصود بها صناديق، وصيغة التصغير "مِفِيتح" أي المفتاح الصغير، وتصغير الثلاثى "طفئل" أي الطفل الصغير, والإكثار من اسَتَعمال (إلا في قسنطينة وميلة وفيلييفيل) لنوع عجيب من تصغير الصفة "كبيَبر" أي كبير بعض الشيء من كبير، و "كحيحل" أي حداد من كَحل وهذا النطق سَارَيا من قبل في الأنَدلس، والنطق بالضمة المطبقة أو الضمة المفتوحة الدالة على صلة ضمير الغائب المفرد المذكر بعد الحرف الساكن. أما اللاحقة "أه" فخاصة بأهل شرشال. أما في غيرها فترد"هه" دائما، ولا شك أن صلة ضمير الغائب "أه" مستعارة من الأندلس، وثمة شاهد على غير ذلك من الاستعارات في لهجة شرشال. وأما في ضمير المخاطب وضمير الغائب للجمع في حالة الضمائر المنفصلة فإن لهجة شرشال بينة أيضًا، فهي تستخدم الصيغتان "أنتومان" و "هومان" على حين أن الصيغ التي تستعمل دائما في غيرها هي "إنتم" و"هم" أو "أنتوما" و"هوما". ولا تفرق ندرومة ومستغانم وتنس وبجاية وجيجل بين جنس المخاطب المفرد في الضمائر والأفعال فيقال "إنتَ، للمذكر والمؤنث و"ضرَبْت"

للمذكر والمؤنث، في حين أن مليانة وشرشال ومدية وبليدة ومدينة الجزائر تفرق بينها فيقال "أنتَ، للمذكر، و"أنت" للمؤنث، و "ضربتَ" للمذكر، و"ضربت" للمؤنث. ويختفى الجنس أيضًا في اللهجات الشوعية، في كلو وميلة وفيلييفيل وقسنطينة، أما صيغة المؤنث "أنتِ، و "ضربتِ، فتمتد حتى تشمل الجنسين. وتقتصر هذه الصيغة في تونس على الضمير المنفصل. والتناول المقطعى لضمائر الجمع من الصيغة الأولى للأفعال الصحيحة يحدث تغيرا مشهودًا في الصيغ: مثال ذلك أن صيغة "يَضرب" أي "يضربون" هي الصيغة المستعملة في تلمسان، وندرومة ومستغانم وتنس ومليانة وشرشال ومدية وبليدة ومدينهْ الجزأئر ودليس وكلو ولكن صيغة "إضرب" (مع التشديد على المقطع الأول) تستعمل في بجاية وجيجل وفيلييفيل، كما تستعمل أحيانا في أرباض مدينة الجزائر، وتستعمل صيغة "يضَرْبُ" مع تفخيم الراء (والتشديد عَلى المقطع الأول) في ميلة وقسنطينة. وإلحاق صلة الضمائر مع وجود حركة في البداية في حالة الأسماء المؤنثة من صيغة "فَعلَ (ت) " يثير المشكلة المعهودة وهي الاقتصاد في المقاطع، وينتهى فيها إلى الحال المعهود بحسب اللهجة. ذلك أن رقُّبتى، و"رْقبتى" و "رَقبْتي" بمعني رقبتى و"ضَربَت+ الضمةَ" مع تفخيم الراء بمعنى "ضَرَبَتْه" تنطق في جميع الأرجاء الحضرية من غربي بلاد الجزائر ووسطها "ضَربات" وينطق بها أحيانا في فحص مدينة الجزائر "ضربت" وفي أرجاء الشرق "ضربت" (كما في مدن بلاد تونس). وفي جميع المدن يسمح في جمع أسماء اللون بمد حركة الضمة، وهو أمر معروف في اللهجات القروية: فيقال مثلًا "حومُو" بتفخيم الراء بمعنى أحمر (بل هي تمد حتى يقال حومرين بتفخيم الراء في ندرومة وجيجل) إلا في دليس حيث تستعمل الصيغة "حموزة، مع تفخيم الراء وفي كلو وميلة وقسنطينة وفيلييفيل حيث تكون الصيغة الوحيدة الشائعة هي حمر، وهي الصيغة التي تستعمل في اللهجات الحضرية والريفية ببلاد تونس- وللدلالة على صلة الملكية لا تستخدم اللهجات

الحضرية إلا طريقة الاضافة المباشرة إلي حد محدود، وهم يلجئون في الكثير من الأحيان إلى الطريقة التحليلية فتوصل الكلمة الرئيسية بالكلمات التابعة لها بحرف جر له أصل لهجى ونعنى به: "دي" (إدى) ["ديال" وهو مستعمل من للمسان إلى جيجل، ويناظر "مراع" وهو نتاع من تلمسان ألى دليس] الذي يسودصْ قسنطيثة. وتستعمل كلو في كثير من الأحيان الموصول "إللى" أداة صلة مثل "إن- ناس اللى- د- دوار" أي أهل الدوار. ولكل لهجة حضرية خصائص تنفرد بها، ولكن نقاط الخلاف آخذه في القلة باطراد، وإنما احتفظ بالمشترك بينها كلها، وهذه اللهجات تندمج تدويجًا في ضرب من لهجة عامة للحضر. ويوحى التقدم المستمر للعلاقات بين مركز حضرى ومركز حضرى آخر بالرغبة، عن وعى أو غير وعى، في استبعاد الخصائص اللهجية وإقامة لغة يمكن أن تفهم في كل مكان تتحاشى الالتباسات ولا تحدث دهشة أو تكون هدفا للضحك. ووبما كان هذا الجنوح إلى التوحيد قد دعمه اهتمام خاص بتنقية للغة أيقظها الاستماع إلى الاذاعات اللاسلكية التي تسمع في كثير من البيوت وفي عدد أكثر من الحوانيت وفي كل مقهى وملتقى للناس. وأخذ المجتمع النسائي، الذي كان في جميع الأحوال عنصرًا هاما في مذهب المحافظة في اللغة، يتأثر تأثرًا عميقا بالإذاعة اللاسلكية التي تأتى إلى البيوت بلغة عربية عامة وتؤثر في اصطناع هذه اللغة، وكذلك بالحياة الحضرية التي تيسر دائمًا حرية أكبر وتزود النساء بفرص أكثر وأكثر للاحتكاك بالعالم الخارجى، ويبدو أن الوقت ليس ببعيد جدًّا حتى تبلغ اللهجات الإسلامية الحضرية في بلاد الجزائر مظهر الموحدة التي لا تتميز بسمات خاصة، ولن تستبقى بعد خصائصها الأصلية إلا تلك الخصائص التي تحجرت في الأغانى والحكم وفي قليل من التعبيرات العفوية. (ب) اللهجات البدوية: واللهجات البدوية ببلاد الجزائر فيما بلغ إليه علمنا عنها (المعرفة بها تقريبية فحسب

وغير مكتملة) لها مظهر الكتلة المركبة غير المتجانسة. والظواهر اللغوية في منطقة بعينها التي حاول البعض تتبعها هي صورة متشابكة. وتفسير هذه الصورة، إذا كان هذا التفسير يقصد إلى تكوين صورة عامة، يتجاهل تنوع المادة والظواهر التي تغشى عديدًا من المتناقضات. وفيما يلي العلامات المميزة للهجة البدوية: (أ) من حيث الصوت: استبقاء الحروف ث، ذ، ظ التي تنطق من بين الثنايا، نطق مطبق لحرف التاء غير المجهور إلا في بعض لهجات الواحات التي ينطق به حرفًا احتكاكيا (كما في بنى عباس في جنوبي وهران، أو طفورت في جنوبي قسنطينة). والجهر بالحرفين اللهويين: الجيم غير المعطشة والقاف، اللذين لا يظهران إلا في الكلمات المستعارة، وخاصة في مفردات القانون والدين، والاحتفاظ أحيانًا بالحركات القصيرة، التي تتعقد في كثير من الأحيان بتغير في صفتها المنسوبة إلى أثر الحروف الساكنة المجاورة لها، أو إلى موقع النبرة أحيانا. (ب) التراكيب: بعض المحافظة التي تستبقى في الصيغ الفعلية والاسمية آثار اللسان القديم، وتفريق في الجنس في المخاطب المفرد من الأفعال والضمير المستقل: ظْربت أي ضَرَبْتَ للمذكر. وظربت أي ضربت للمؤنث، وإنتَ للمذكر وإنت (للمؤنت)، واستعمال شائع شيوعا لا بأس به للمثنى يجاوز الاستعمال المحدد لأسماء المقاييس والأسماء الدالة على أجزاء من الجسم التي تكون من اثنين (ج) في الصرف والمفردات: استعمال محدد لأداة التنكير: "واحد- إل"، واستعمال الاسم غير المعرف يكون في بعض الأحيان كافيا للدلالة على التنكير, والتعبير كثيرًا عن صلة الملكية بالطريقة القديمة التي تقوم على الصلة المباشرةًا واستعمال مفردات أكثر تفردًا بالعربية من الأقوام المستقرين. وهذه الطائفة من الصيغ الخاصة هي الأساس العام للهجات البدوية. ولهذه اللهجات خصائص أخرى، ولكنها لا تمتاز بها جميعا، أو أنها لا تنفرد بها، مثال ذلك استعمال التضعيف: إى، أو،

أو إدغامه إلى ى أو و , واستعمال صيغة "إيد"- وليس "يَد"- واستعمال حرف الجر "متاع" (نتاع) " الدال على الملكية مع استثناء "إدي" ودي" و"ديال", واستعمال صيغة الجمع "صناديك"- وليس "صنادكك"- بمعنى صناديق، واستعمال صيغة التصغير "مفيتيح" (وليس مفيتح) أي المفتاح الصغير للرباعى، واستعمال صيغة التصغير "طفَيل" و "طفيل" مع نطق الياء مفتوحة و"طفيل" وليس "طِفيل" بمعنى طفل صغير للثلاثى مع حركَة قصيرة، ووجود صيغة الجمع للثلاثى مع حرف ساكن وسط مضغف وحركة قصيرة "شرف، من شارف" أي قديم أو غليظ، وَصيغة الجَمع "مفَعلة" من "مفعول" مثال ذلك "مَغْبَنه" من "مغبون"، والاحتفاظ في أسماء الأعداد من 11 - 11 بحرف العين في عَشَر مثل "خمْسطاعاش" أي خمسة عشر) وخاصة في جنوبي وهران، أما اللهجات المستقرة فقد جرت على أن تقو ل "خمْسطاش" .. إلخ). وإذا أردنا أن نحاول أن نضع تخطيطًا موقوتا لتصنيف طائفة اللهجات البدوية، فحسبنا أن نختار عددا محدودا من تلك السمات اللهجية التي يمكن أن يقال بحق إنها متميزة، وبعض هذه السمات صوتية وبعضها خاص بالتراكيب (ولا نختار سمات خاصة بالمفردات، لأن إحصاءها سوف يخرجنا عما نحن فيه): (1) النطق بحرف الصفير المجهور: فحرف ز (ج المعطشة) هو نطق اللهجمات البدوية في شرقي بلاد الجزائر. والحد الفاصل بين ج وز يتجاوز إلى الشرق من فيلييفيل وقسنطينة وأولاد رحموم وينثنى جنوب بريكة ويلزم جنوبي الحضنة وينحرف شمالًا حتى يبلغ البيبان جوار منصورة البيبان. وهو أيضًا يطابق الحد الفاصل للسهول العليا والأقاليم الصحراوية في وسط بلاد الجزائر وغربيها: والخط الفاصل بين ج وز يمر إلى الشمال من عين بسَام في اتجاه شاميلين، ويترك مدية وجربال وورشنيس متجها إلى الجنوب، ويعبر عند مرتفع ثنية الأحد سرسو، ويمضى إلى الجنوب من ترزل وإلى الشمال من فرنده وسيده، وينقلب شمالا تجاه

مرسييه لاكومب، وسانت دنيس السج ومشارف تلمسان، ومن ثم فإن الجيم المعطشة هي نطق أقاليم قسنطينة وسانت أرنو وسطيف وبرج بو عراريج وبريكة ومسيلة والحضنة، والساحل الجزائرى ومتيجة ووادي شلف والظهرة وهضبة مستغانم، وجبال المعسكر وسهل المقطع مكونا طائفة بدوية جانحة إلى الشمال. (2) إبدال الحرف اللهوى الاحتكاكى غ حرفا نهويا مطبقًا هو ق. وهذا يميز اللهجات البدوية الصحراوية (فيما عدا بعض لهجات الواحات). ولكنه يمتد أيضًا فيشمل مساحة كبيرة إلى الشمال تجاه السهول الجزائرية العليا: ويبدأ الحد الفاصل بين الغين والقاف جنوبي العين الصفراء ويعبر إلى الشرق من مشارية وينقلب عائدًا تجاه خريدار ويتبع الشط الشرقي ويترك ترزل إلى الغرب، ويعبر سرسو وينتقل إلى ثنية الأحد وبروغية وعين بسام، ثم يعبر الحضنة على ارتفاع مسيلة ويمر بجوار بريكة والقنطرة وبسكرة ويغيب جنوبا تاركًا مراير وجماعة وطقورت إلى الشرق. (3) النطق بـ"اه" بعد حرف ساكن في صلة ضمير الغائب المفرد المذكر، وهذا من خصائص لهجات البدو في (1) وهران، والحد الفاصل بين اه والضمة يبدأ عند مستغانم ثم يهبط تجاه أوزيس له دوك، ويترك تيارت وترزل إلى الشرق، ويتبع الشعبة الشرقية للشط الشرقي ويمر في منتصف الطريق تقريبا بين جريفيل وأفلو: ويستعمل أولاد سيدى الشيخ "اه" و، ولكن دوى منية والأقوام المستقرة بصاورة يستعملون الضمة. والأرباض البدوية لتلمسان هي والإقليم الذي يقع تجاه عين تموشانت ووهران تستعمل "اه" (2) شرقي قسنطينة، وتشمل: إلي الشمال سكان الجبال بإقليم كلو تلك الجبال التي هي امتداد لخرومير وموجود ببلاد تونس (يختصر "اه" في كثير من الأحيان إلى الفتحة)، وهذه الصيغة توجد بين فريق كبير من بدو بلاد تونس وفي أرجاء ليببا، أما بقية بلاد الجزائر شمالا وجنوبا، فتستعمل الضمة المطبقة والضمة المفتوحة.

(4) تركيب ضمير الغائب المؤنث من الأفعال الماضية الصحيحة إذا أعقبته صلة مع حركة في الأول مثل "ظَرَبت مع تفخيم الراء + ك" بمعنى ضَرَبَتكَ (1) فأهل شمال شرق قسنطينة ينطقونها "ظَرْباتك" ويمتد النطق بذلك في خط يبدأ شرقي فيلييفيل حتى يبلغ جَمَابس، Jammapes ثم ينحرف غربًا ويمس شاتودان دورومل ويمضى في اتجاه بريكوتفيل ' Perigotville- وهو أيضًا نطق الأقليم القائم إلى الجنوب من هذا الخط، ونعنى به سهول سطيف العالية حتى برج بوعراريج، وكذلك الصحراء الشرقية حتى أرباض بسكرة وطقورت, ويشمل أيضًا تل بلاد الجزائر حيث ينطق بحرف الصفير المجهور كأنما هو حرف ج. ويشمل آخر الأمر شمالي وهران وغربها مساقيلم خطا يمر جنوبي عض موسى وينقلب في اتجاه الجنوب بين تيارت وفرندة، ويساير الشط الشرقي ثم ينحرف مرة أخرى جنوبا تاركا مشرية وعين صفرة إلى الشرق (2) والنطق "ظَرِبتك" مع تفخيم الراء هو نطق إقليم فرجيوه وأرباض فج مزاله حتى قرقور. (3) والنطق "ظَربتك" مع تفخيم الراء (والنبرة على المقطع الأول) يمتد جنوبي خط يتصل ببرج بوعزاريج وكولبرت مخترقا جبال الحضة جنوبي غرب قسنطينة والصحراء الوسطى. وهو نطق جميع بدو بلاد الجزائر (بما في ذلك سكان ثنية الأحد) الذين ينطقون حرف الصفير المجهور كأنما هو حرف ز. وهو أيضًا النطق السائد في شرقي وهران وجنوبيها. (5) وتركيب المقاطع في أفعال المضارع الصحيحة، في الوزن الأول بصيغة الجمع: "يظرب مع تفخيم الراء + ضمة" بمعنى يضربون، وتركيب الاسم الثلاثى "فَعْلـ - (ت) " بصلة تبدأ بحركة: رَقْبَ - (ت) + كسرة، أي رقَبتى (1) و"يظرَب" رَقْبتِ (مع نبرة على المقطم الأول) نطقَ موجود في أرجاء إقليم قسنطينة ماعدا القنطرة، وفي سهول الجزائر العالية وفي جميع أرجاء الصحراء الشرقية والوسطى والغربية، أما لهجات الجنوب الشرقي فإننا نجد فيها نزعة بينة لمد الحركة التي يقع عليها النبر (2) "يطربُ، رَقِبتِ "

مع تشديد الحرف الأوسط والنبرة على المقطع الثاني، وهذا سائد في القنطرة وفي إقليم فيلييفيل؛ وهذه هي الصيغ المستعملة في شمالي بلاد الجزائر حينما نطق بحرف الصفير المجهور ج، بما في ذلك ثنية الأحد؛ وهي مستعملة أيضًاً في أرجاء وهران شماليها وغربيها؛ والحد الفاصل بين يظرب وبين يَظرُب بتفخيم الراء في الثانية يمر بين تيارَت والأوسوخ ويساير الحافة الشمالية للشط الشرقي وينقلب جنوبًا تاركًا مشرية إلى الغرب وعين صفرة إلى الشرق. 6 - وتصريف الأفعال الجامدة (الماضي والمضارع: أ): مَشَى- يمشى ونَسَى ينسَى: (1) شمالي قسنطينة، من الحد التونسى حتى يهبط سريعًا من بونة نحو عين البيضا، والصحراء الشرقية حتى سيدى عقبة والواد، تستعملان الصيغ مشَى (مِشى) - مشت- مشو- يِمْشى- يِمشو؛ نسَى (نسَى) - نستْ- نسُو- يَنسَى- تنْسِى - ينَسُو (2) قسنطينة الوسطىَ من الحد الشمالي الذي بينًا أنفا حتى أرباض بسكرة ومدوكل بمحاذاة خط يساير غور الحضنة ويرتفع مرة أخرى تجاه منصورة البيبان حتى بلاد القبائل، وتستعمل صيغًا ثبتت عليها ثباتًا: مشَى- مشات- مشاو يمْشى- يِمْشيِوْ- نْسى- نْسات- نْسَاو- تنْسَى - تنْسَى نْسَاوْ، وهي مماثلة لتَلك الصَيغ التى تستعملها لهجات القوم المستقرين (3) أما بلاد الجزائر البدوية بجميع أرجائها، من الصحراء إلى البحر، وفي جزء كبير من وهران، يحده من الشرق خط يبدأ من أرباض وهران نفسها ويمر إلى الجنوب من سانت دنيس ده سج، وإلى الشمال من كاشرو، ويترك فرندة إلى الشرق ويمضى جنوبًا مارًا بين أفلو وجريفيل، فإن تصريف الأفعال في صيغة المضارع بالكسرة والفتحة يتميز باستعمال فريد: يِمْشِى- يمْشو من ناحية، ويِنسَى، ويَنَسَى- وَينْساو من ناحية أخرى، وهذا الاستعمَال نجده أيضًا في غربي وهران، من خط يسير شرقي تلمسان، ويمر شرقي هُمْيان، وينحرف غربا شمالي عين صفرة (4) وهران الوسطى، وتشمل أقاليم عين

تموشانت، وسيدى بل عباس، والمعسكر، وسيدة، وميشينة، وكريفيل، وعين صفرة وأولاد سيدى شيخ، وهي تستعمل الصيغ: يِمْش، تِنْسِى، يِنْسُو. ونحن إذ نرسم جدولا بجميع الخصائص المختلفة يبرز لنا، بالرغم من التداخل والمتناقضات التي تطمس الحدود وتفرق المناطق الجغرافية، أربع شعب رئيسية بينة أو ربما خمس شعب: (1) اللهجات البدوية لشرقى قسنطينة، وإقليم القالة والسوف (شعبة كانتينو cantineau) والنطق هناك: ز، غ، أه، ظَربَاتك بتفخيم الراء، يظَرب بتفخيم الراء، ورقبتِ، مشِت- مشُو- يمشُ، نْستْ- نسو- تنْسى- ينسو. وَالحرف الأخير ياء يميَل إلى أن يصبح كسرة بالإمالة. والحروف المضعفة تفك إلى ى مفتوحة وو. (2) واللهجات البدوية في وسط وهران وغربيها (شعبة كـ عند كانتينو) يكون النطق فيها: ز، غ، أه ظَربْتِك بتفخيم الراء، يظربُ، رَفبتِ، تِمشْ، تنسىِ ينْسو؛ والحروف المضغفة إما تبقى على صَحة إى، أو، أو تفك إلى ى، و. (3) واللهجات البدوية لبلاد الجزائر الوسطى أو الصحراء (شعبة أعند كانتينو) يكوب النطق فيها: ز، ق، للغين والضمة، ظَربتك، يَظرب بتفخيم الراء، رَقبت، أما الحَروف المضغفة فتستبقى على صَحة أو تفك إلى ى المفتوحة وو. (4) اللهجات البدوية للتر، وللساحل الجزائرى الوهرانى (شعبة ب عند كانتينو) والنطق فيها: ح، غ، ضمة مطبقة) ومبسوطة، ظَرباتك بتفخيم الراء، يظرب، رَقنت، اما الحروف المضعفة فتستبقى أحيانًا وتفك أحيانًا إلى ى وو، أما الضمة الأخيرة المطبقة فتنطق ضمة مبسوطة. وفي هاتين الشعبتين الأخيرتين يكون تصريف الفعل الماضي هو التصريف المعهود: مْشَى، مْشات، مْشاو - يمْشو، نْسَى، نْسات- نْساو- تنْساى - ينساو. (5) أما لهجات السهول العالية بقسنطينة التي تشمل شمال الحضنة والحزام الذي يمتد إجمالًا من برج

بوعرّاريج حتى وادي سيبوس، فهي وسط بين الشعبات 1، 3، 4 وبين اللهجات المستقرة (شعبة ج عند كانتينو): والنطق فيها هو: ج، ع، والضمة، وظَربتك بتفخيم الراء، ويظَرب بتفخيم الراء، ورَقبْت، ويفك التضعيف إلى ى وو , ويستردَ التصريف للفعل الماضي استردادًا كاملًا كما في اللهجات الحضرية والقروية. ويمكن أن نعد اللهجات التي نحن بصددها شعبة تكميلية إن لم نعدها شعبة قائمة برأسها: فهي لهجات دولة القلعة الزيرية القديمة التي هي قاعدة للشعوب المستقرة طمرت تحت كتلة البدو. ولا يمكن أن نزعم أن أي تفسير لهذا التصنيف يعدو أن يكون جهدًا فيه مخاطرة وعملا موضع خلاف. ونحن إذا أدخلنافى اعتبارنا دقة هذه المهمة فإننا يمكن أن نجازف فنقول إن الشعبة (1) تتصل بالشعبة التونسية التي يعدها مارسيه سلَيمية. ولنطلق على هذه الشعبة مجاراة له شعبة س. والراجح أن الشعبة (2) هي امتداد للشعبة المراكشية الشرقية، التي يعدها كولان.". G.S.Colin مَعْقلية. ولنطلق عليها شعبة م. وتشمل الشعبة (3) العناصر البدوية الصحراوية الأقحاح، وهي تبدو للوهلة الأولى أفعل الشعب أثرًا في النفس وأكثرها توحدًا وتشمل شعانبة والأربعاء، وأولاد نايل والشراقة العربية. وتمتد المنطقة اللهجية لهؤلاء البدو في مساحة مترامية في الشمال، أقرب إلى الشرق منها إلى الغرب، وتشمل مراعى البدو ومراعى الوديان العالية. والجزء الشمالي من منازلهم يقيم نطاقا كبيرا من الانتقال تشاركها فيه الشعبة (4) وهي تلتم في وداى شلف، وتمتد حتى أرباض رلزانة ومستغانم في الغرب، وتدخل في متيجة كما تمتد حتى بلاد القبائل في الشرق. ولنسم الشعبة (3) شعبة هـ 2، فارضين تمكن العرب الهلالية على نطاق واسع في منازل هذه الشعوب، وامتزاج العنصر العربي (ربما عنصر الأثْبج والزغبه) بالعنصر الزناتى، ولا شك أن نسبة البربر المتعربين أكبر من غيرها في شمالي السهول العالية، وعلى طول تل أطلس. أما الشعبة الخامسة، وهي شعبة متشابكة أشد

التشابك، فقد دخلت كالإسفين بين الشعب البربرية اللغة لبلاد القبائل وإقليم الشاوية. وربما كان دخولها هذا مطابقًا في الزمن لتمكن الهلالية العرب (رياح؟ ) في منازل عجيسة وكُتامة السابقة. ولنطلق علِى هذه الشعبة شعبة هـ 3. ونحن لا نقر بأننا نحدد النزعة. الدقيقة لمناطق الانتقال بين الشعب المختلفة، أو نجزم بالغلبة الممكنة بينهم لنمط معين من لهجة تناظر أخرى. على أننا نذهب إلى أن شعبة هـ 1 نجحت خلال القرون في الانتشار أكثر على حساب الشعبتين هـ 2 وهـ 3 نتيجة للغلبة السياسية التي تمتع بها أصحاب تلك الشعبة. وكانت حالة هؤلاء حالة بدو رعاة نزاعين إلى القتال تشربوا روح الغزو، يواجهون قومًا كانوا في الوقت نفسه زراعا صغارًا شبه بدو وشبه مستقرين، وقد كانت الشعبة هـ 3 في الوقت نفسه قد ذموا بشدة أملاك الأقاليم المستقرة غربي قسنطينة؛ ومن ثم كان وجود صيغ لهجية مستقرة انبثقت من اللهجة البدوية المتراكبة الطبقات شاهدا حيًّا على طائفة من اللهجات حلت محلها غيرها. على أننا نجد في عهد أحدث من ذلك أن التوسع البدوى اللغوي لم يكبح جماحه فحسب نتيجة لاضمحلال الحياة الرعوية ومنطقته الجغرافية المحدودة، أو قل أه اختفى من نواح كثيرة، بل أن العناصر اللهجية المستقرة أخذت الآن أيضًا تكتسب أرضا جديدة، وخاصة في المناطق الشمالية. صحيح أن أي تنبؤ أمر محفوف بالمكاره، إلا أننا نميل إلى القول بأن التغيرات الاجتماعية التي تبلو أثارها يوميا شعوب بلاد الجزائر المتحدثة بالعربية، يمكن أن تحول ما اصطلح عليه الناس في الكلام إلى سبل جديدة. وفي الأرض التي يعيشون فيها وفي المدن القليلة العدد التي تكتنفها اسوار تظل أبوابها مقفلة في الليل قد بقى آلاف السنين غرباء دخلاء في عالم ريفى رعوى متداخل جامد. ومدن بلاد الجزائر الحديثة- سواء أكانت من تراث الماضي أم منشآت حديثه وبعضها عامر بالسكان وكلها مراكز للنشاط الاقتصادى- تؤثر تأثير السحر على نواحٍ كثيرة من السلطنة السابقة، حتى

النواحى القاصية التي تعد أسواقًا للعمل وموردًا للمعاش؛ ويمكن أن نضيف إلى ذلك أن هذه المراكز والنواحى بوتقة تنصهر فيها عناصر مختلفة، تخرج لغة عربية جزائرية عامة قادرة على أن تؤدى إلى اندثار اللهجات الإقليمية القديمة. المصادر: (1) le dialecte arabe barle: w marcais a Tlemcen باريس سنة 1902. (2) الكاتب نفسه: le dialecte arabe Ul&d Bra him de Saida، باريس سنة 908. (3) Contribution a: ph . Marcais l'etude de parler arabe de Bou Sa' da, القاهرة سنة 1945. (4) الكاتب نفسه: Le parler arabe de Djidjelli باريس سنة 1954. (5) Le parler arabe des: M. Cohen d'Alger Juifs باريس سنة 1912 (6) Recueil de texes: G. Delphin our 1'etude de 1'arabe parle باريس- الجزائر سنة 1891. (7) Textes arabes du sud: A. Dhin alg&rois، الجزائر سنة 1940. (8) Enseignement de J. Desparme 1' l, arabe dialectal. الجزائر سنة 1913. (9) Les parlers arabes J. Cantineau Constantine , d, Alger, de du department d'Oran, des territoires du Sud'Alger في. R.Afr . سنة 1938، 1939 , 1940، 1941. + "الجزائر": مدينة على الساحل الشمالي لأفريقية، وهي قصبة بلاد الجزائر، وكانت مقر الحاكم العام ورؤساء الإدارات العسكرية والمدنية المختلفة في هذه المستعمرة الفرنسية، وهي على خط عرض 36 ْ 47 َ شمالا، وخط طول 0 ْ 44 َ شرقا (بالنسبة لخط طول مدينة باريس) ويبلغ عدد سكانها في إحصاء عام 1906: 144.600 مائة وأربعة وأربعين ألف نسمة وستمائة. ولسنا نعلم شيئًا محققًا عن مدينة الجزائر قبل أن يستقر الرومان في هذا الجزء من إفريقية، اللهم إلا أنهم أنشأوا فيه مجلة تعرف باسم الإكوزيوم - ico sium وكل ما نستطيع أن نفترضه

بالاستناد إلى الاكتشافات الأثرية، والأسطورة التي تروى عن تأسيس الإكوزيوم على يد عشرين من أصحاب هرقل (انظر Solinus، جـ 3، ص 3) هو أن محلة تجارية فينيقية أو قرطاجنية كانت قائمة من قبل في هذا المكان من الساحل الإفريقى. يضاف إلى هذا أن المعلومات التي لدينا عن الإكوزيوم قليلة جدًّا، فلسنا نعرف عنها إلا أنها أصبحت محلة لاتينية أيام فسبسيان Vespasian . وأن فرموس Firmus أمير البربر استولى عليها عام 371 و 372 ولكنه ردها إلى الرومان بعدئذ، ثم أصبحت مقر أسقفية يجلس على كرسيها مع غيرها من البلاد الأسقف فيكتور Victor الذي اشترك في المجمع المنعقد في قرطاجنة عام 414 بأمر من الملك هونريك Huneric الوندالى، ولم يرد اسم الاكوزيوم في كتب التاريخ بعد القرن الخامس. وليس من شك في أن المدينة التي كانت تشغل ما يقرب من مساحة الجزائر في عهد الترك، دمرت في أثناء الفتح العربي في القرن السابع، فهجرها أهلها. وكانت أطلال الأبنية القديمة ماتزال تشاهد في مكانها في القرن الحادي عشر. ويذكر البكرى في كتابه المسالك (ترجمة ده سلان de Slane ص 156) أنه كان في جزائر بنى مزغنى أطلال قديمة وأزاج عتيقة، وملعب أرضه من الفسيفساء وجدار كنيسة مدير، وقد كشف منذ عام 1830 عن مبان أخرى ونقوش. (انظر latin . Corpus inscript جـ 8 ب، جـ 15، والملحق , Altas archeologiue de: Gsell I, Ageriel العدد الأول، اللوحة رقم 5 والتعليق عليها). وظل موضع الإكوزيوم مهجورًا إلى أواسط القرن العاشر، وإن كانت قبيلة من بربر صنهاجة تنتمى إلى بنى مزغنى قد استقرت قبل ذلك بجوار هذه البلدة في وقت لايعرف على التحقيق. وقد استطاع بُلُكين في أيام أبيه الأمير زيرى بن مناد (945 - 971 م) أن يحصل على إذن ببناء مدينة في هذا الموضوع سميت جزائر بنى مزغنى (1 بن خلدون، ترجمة ده سلان جـ 2، ص 6) لوجود جزائر صخرية صغيرة على مسافة من الساحل تقيم أهامها حاجزًا طبيعيًا. وبلغت المدينة في أواخر القرن العاشر درجة لا بأس بها من الازدهار، كما يتضح ذلك من

وصف ابن حوقل لها، فقد كتب هذا الرحالة يقول: "وجزائر بنى مزغناى مدينة عليها سور على سيف البحر أيضًا، وفيها أسواق كثيرة، ولها عيون على البحر طيبة، وشربهم منها، ولها بادية كبيرة، وجبال فيها من البربر كثرة، وأكثر أموالهم المواشى من البقر والغنم سائمة في الجبال، ولهم من العسل ما يجهز عنهم، والسمن والتين وما يجهز ويجلب إلى القيروان وغيرها. ولها جزيرة في البحر على رمية سهم منها تحاذيها، فإذا نزل بهم عدو لجأوا إليها، فكانوا في منعة وأمن ممن يحذرونه ويخافونه (ابن حوقل، ترجمة ده سلان، المجلة الأسيوية, عدد فبراير 1843، ص 183)، ويشير البكرى في وصفه لإفريقية (كتابه السابق) إلى مدينة الجزائر فيقول أنها "مرسى مأمون يقصد إليه أهل السفن من إفريقية والأندلس وغيرهما". ويتصل تاريخ الجزائر اتصالا وثيقًا بتاريخ المغرب الأوسط، ذلك أن هذه المدينة خضعت في الفترة الواقعة بين القرنين الحادي عشر والثاني عشر لسلطان الفاتحين والمطالبين بالملك الذين تنازعوا هذه البلاد فيما بينهم. وقد كانت جزءًا من مملكة بنى حماد، ثم استولى عليها المرابطون، ودانت من بعدهم لسلطان الموحدين , عام 1152 م. ولم حاول بنو غانية أن يعيدوا ملك المرابطين في افريقية استولى علي بن غانية على الجزائر عام (1185 م) ولكنه لم يحتفظ بها طويلا، فقد ثار الأهلون في وجهه، وقدموا طاعتهم إلى المنصور. ولكن يحيى بن غانية استطاع بالرغم من هذا كله، أن يحلو المدينة عام 623 هـ (1226 م)، ثم استعادها المأمون الموحدى , عام 628 هـ (1230 م). وفي عام 632 هـ (1234 - 1235 م) خضعت لسلطان أحد الحكام الحفصيين، وماوافت سنة 664 هـ (1255 - 1256 م) حتى كان أهل الجزائر قد طردوا عامل سلطان تونس، وأنشأوا ضربَا من الحكم الجمهورى. وظلوا مستقلين إلى عام 676 (1277 م) وفي هذه السنة استطاع عاهل بجاية الحفصى أن يخمد نار الثورة بعد أن فشل في ذلك مرتين من قبل. ولما أسس أبو زكريا الحفصى

دولة مستقلة في بجاية، اعترف لم هل الجزائر بسلطان هذا الأمير (684 هـ - 1285 م) ولكنهم مع ذلك لم يخلصوا له الإخلاص كله، فقد اغتصب السلطان رجل يدعى ابن علان سنة (1307 م) وطرد عمال سلطان بجاية، وصمد أربع عشرة سنة للحملات التي وجهت إليه، حتى هزمه في نهاية الأمر أبو حَمو الأول صاحب تلمسان. فقد حاصر المدينة واضطرها إلى التسليم، وضمها إلى ملكه سنة 712 هـ (1312 - 1313 م). واستطاع المرينيون- في الفترة ما بين 1347 و 1351 م التي قام فيها أبو الحسن بأعمال جليلة لهذه المدينة، وكذلك في عامي 1360. 1393 م- أن يستولوا مرارًا على المدينة، وذلك في أثناء حروبهم مع بنى عبد الواد. لم ما أبو حَمو الثاني فقد استعادها مرتين، ولكنه لم يوطد أقدامه فيها. ذلك أن الضرائب التي فرضها رجاله على أهلها وأكرهوهم على دفعها أثارت عليه الأهلين، فاستغاثوا بأبى زيان صاحب بجاية وبعبد العزيز المرينى، وأفاد الثعالبة، وهم قبيلة من عرب متيجة، من الفوضى التي عمت البلاد في أثناء هذا الاضطراب، فاستولوا على المدينة وأخضعوها لسلطانهم فعلا، وكانوا قبل ذلك قد طردوابنى صنهاجة من سهل متيجة ودفعوهم إلى إقليم أطلس، واضطر سالم بن إبراهيم أحد أمرائهم إلى النزول عن مدينة الجزائر، وأقسم يمين الولاء للزيانية ثم للحفصية ثم للمرينيين، وكان يحنث في يمينه كل مرة حتى قتله أبو حَمو الثاني في عام 1378 م، وكان قد عفا عنه من قبل أكثر من مرة. وكانت مدينة الجزائر في ذلك الوقت قد لم صبحت قصبة مملكة الزيانية أو كادت، وخاف أبو حمو الثاني من دسائس ولده أبي تاشفين، فرأى أن ينقل ملكه من تلمسان إلى مدينة الجزائر، ولكنه اضطر إلى الانصراف عن هذا الرأى. وتجددت الاضطرابات في المدينة في القرن الخامس عشر. وفي عام 1438 م ثار المطالب الزيانى بالعرش، واسمه أبو زيان محمد، في وجه صاحب تلمسان، واستولى على مدينة الجزائر بعد حصار طويل، واتخذها قصبة دولة تضم متيجة والمدية ومليانة وتنس. واتخذ لنفسه

شعار الملك، ولقب نفسه بالمستعين بالله. ولكن شدته في الحكم أثارت عليه أهل مدينة الجزائر، فقتلوه غيلة في سبتمبر من العام نفسه. وظلت مدينة الجزائر من ذلك الوقت إلى استيلاء الترك عليها أشبه بجمهورية بلدية صغيرة يقوم عليها جماعة من أعيان المدينة، تحت حماية الثعالبة الذين اتخذوا هذه الحماية وسيلة لقضاء مصالحهم الشخصية. ولم تكن مدينة الجزائر البربرية (لخصنا تاريخها فيما سلف) في واقع الأمر إلاسوقا تجارْية متوسطة الحجم، وكان وقوع مينائها بجوار متيجة هو وحده الذي جعل لها شيئًا من الأهمية، ولم يكن يؤمها الملاحون المسلمون وحدهم، بل ظل يرتادها تجار النصارى ايضَا. فكانت أساطيل البندقية وفلورنسة- في القرن الخامس عشر- ترسو في هذا الثغر كل سنة (انظرح ri -: في كتابه "المعاهدات بين المسيحيين والعرب" Traites entre chretiens et Arabes المقدمة التاريخية، ص 330، 333). ولم يكن سكانها يتميزون بنبوغ عقلى، أو ذوق فنى، وقلما ظهر من بينهم أدباء، وفي ذلك يقول محمد العبدرى (عاش في النصف الثاني من القرن السابع الهجرى الموافق الثالث عشر الميلادي) أنه لما بلغ الجزائر سأل: هل فيها علماء من ذوي الحجة، ولكنه وجد نفسه كالباحث عن فحل حصان عشار أو بيض الأنوق كما يقول المثل. ويجب أن نستثنى من هذا الحكم العام سيدى عبد الرحمن الثعالبى المرابطى، الذي اشتهر بولايته وتفقهه في الدين (789 - 873 هـ أي 1387 - 1468 م) وقد أصبح هذا الرجل التقى الورع، فيما بعد، ولى مدينة الجزائر وحاميها؛ ولا يزال الناس يعظمون ذكراه تعظيمًا كبيرًا، وكانت مساجد المدينة جميعًا مبانى قائمة عاطلة من الزينة، وصحونها غير منتظمة، تغطت سقوقها بالآجر الآحمر، ولايزال بعض هذه المساجد قائمًا إلى الآن. ومن هذه مسجد سيدى هدى، ومسجد سيدى رمضان، وأهمها كلها الجامع الكبير، الذي ورد ذكره في نقش يرجع إلى عام 409 هـ (1018 م) وقد أنشأ فيه أبو تاشفين صاحب تلمسان منارة في عام 1324.

وفي أواخر القرن الخامس عشر وأوائل السادس عشر، تعرضت الجزائر وسائر مدن الساحل الإفريقى لكثير من المتاعب على أثر استعادة الأسيان بلاد الأندلس. نعم إن سكانها أخذوا يزدادون بالتجاء كثير من المهاجرين اليهود والمغاربة الفارين من الأندلس اليهاه ولكن المسلمين في ذلك الوقت لم يجدوا بدَا من الوقوف في وجه النصارى. وقد صمم الملوك الكثالكة، أن يخضعوا لسلطانهم جميع بلاد الشاطيء الشمالي لإفريقية، وتنبه سكان الجزائر إلى ما يحدق بهم من خطر داهم على إثر استيلاء يدرو نفارو Pedro Navarro وإكسيمينس ximenes على مدينة وهران (سنة 1509) واحتلال بجاية (سنة 1510)، فلما عجزوا عن مقاومة الجيوش المسيحية، أعلنوا رغبتهم في التسليم، ووعدوا أن يعترفوا بسلطان الملك الكاثوليكى عليهم وأن يؤدوا له جزية سنوية، ويطلقوا سراح الأسرى المسيحيين، وأن يقلعوا عن أعمال القرصنة، ويمنعوا أعداء أسبانيا من الالتجاء إلى مينائهم (31 يناير 1510)، ورحل الشيخ سالم التومى نفسه ومعه جماعة من الأعيان إلى أسبانيا، ليقسموا يمين الطاعة ويقدموا الهدايا للملك فرديناند، ووضع يدرو نفارو Pedro Navarro يده على جزيرة ينيون Penon التي لا تبعد عن مرمى المدفع من الجزائر، لكى يضمن تنفيذ الشرط الخاص بأعمال القرصنة، وليراقب أهالى المدينة، وقد شيد حصنًا على هذه الجزيرة، ووضع فيها حامية من مائتى رجل. ولما ضاقت سبل العيش بأهل الجزائر بعد القضاء على قرصنتهم لم يطيقوا صبرًا على هذه الأحوال، وحاولوا الخلاص من نير الأسبان، وقد أفادوا من الاضطراب الذي عم بلاد البربر بأسرها على إثر وصول نبأ موت الملك فرديناند الكاثوليكى إليها، فطلبوا إلى سالم التومى أن يرسل وفدًا إلى القرصان التركى عووج الذي كان يسيطر على جيجل منذ عام 1513 م يلتمسون منه العون، فلما جاء إلى مدينة الجزائر استقبله أهلوها استقبال المنقذ لحريتهم. ولكنه عجز عن احتلال جزيرة ينيون Penon وقد تخلص هذا القوصان من سالم التومى بقتله، ونادى به جنده

سلطانا على الجزائر. ولكن الجزائريين لجأوا إلى الثعالبة والأسيان للتخلص من الترك. وكشف عروج مؤامراتهم، وقبض على زعماء الحركة وقتلهم، وألقى بمن ارتاب في أمرهم وبالمتذمرين من أهل المدينة في غياهب السجن، وأعدمهم. وهكذا قضى على كل مقاومة وبقى عروج سيدَا على مدينة الجزائر. وعبثا حاول الأسيان انتزاع المدينة منه، وفشلت الحملتان اللتان قادهما على المدينة الدون دييكو ده فيرا. Don Dieg de Vera(1516) والدون يوكوده منكاده Don Ugo de Monkada (1519). بيد أن الأمر لم يكن ليستتب للترك، طالما كانت جزيرة ينيون Penon باقية في يد النصارى. وتأخر استيلاء الترك على القلعة الأسبانية أمدَا طويلا، لموت عروج، وللصعاب المتوالية التي واجهها أخوه وخلفه خير الدين في أوائل عهده، وما وافت سنة 1529 حتى كان قد قضى على خصومه جميعًا، وعادت مدينة الجزائر فاستقبلته من جديد بعد أن كانت القبائل قد أخرجته منها من خمس سنين مضت. وعندئذ صمم على القضاء على الاحتلال الأسيانى بقضه وقضيضه، فهاجم ينيون Penon في أول مايو 1529، ولم يتلق الدون مارتين ده فركاس حاكم الجزيرة Don Martin de Vargas من أسبانيا إمدادًا أو مؤئا, ومع ذلك صمد لمدافع الأعداء اثنين وعشرين يوما. وفي 27 مايو هوجمت القلعة، ولم يجد فركاس، الذي كان يدافع عنها، مناصًا من التسليم بعد أن لم يبق معه من رجاله سوى خمسة وعشرين رجلا قادرين على القتال. وأمر خير الدين بضربه حتى مات، وهدمت قلعة ينيون وأخذت بعض أنقاضها لبناء سد يصل بين الجزر الصغيرة القائمة عند مرسى السفن في الميناء، وبهذه الوسيلة، أقيم عند مدخل المرسى ذلك الرصيف الذي لا يزال يسمى إلى الآن باسم "رصيف خير الدين" وأضيفت إليه فيما بعد ربوة قائمة، فحمى الرصيف والربوة الميناء من الرياح الشمالية والشمالية الغربية، وجعلاها مرفأ للسفن في فصل الشتاء، فأصبحت لا تخشى العواصف، ولا غزوات النصارى، ونصبت المدافع في مواجهة البحر، وأقيم سور حول المدينة من ناحية

الأرض، فأصبحت المدينة بذلك أمنع من عقاب الجو، وقد بدأ خير الدين هذه التحصينات جميعًا وأتمها خلفاؤه البكلربكية فيما بعد، وكان رسوخ أقدام الترك في مدينة الجزائر تهديدًا دائما للدول المسيحية. ولذلك أخذ شارل الخامس على نفسه أن يقوض سلطانهم. وكان قبل ذلك قد استولى على تونس 1535 ونصب عليها أميرًا يدين بالطاعة لأسبانيا. ثم أخذ يفكر في تحقيق رغبته باحتلال مدينة الجزائر، وبعد مفاوضات طويلة مع بعض أمراء البلاد- ومع خير الدين نفسه- عبر شارل الخامس إلى إفريقية في سبتمبر سنة 1541، وكانت الحملة التي قادها الإمبراطور بنفسه، تتألف من عمارة بحرية تحمل 12.00 بحّار تحت إمرة أندريا دوريا Andria Doria وجيشًا بريا عدته 24.000 جندى. ولم يكن شارل الخامس أسعد حظا من سلفيه فيرا ومونكاده، فقد نزل إلى البر في الثالث والعشرين من أكتوبر عند مصب نهر الحَرّاش، ونجح أول الأمر في توطيد قدميه على أكمة كدية الصابون التي تشرف على المدينة، ولكن القوات المحصورة كرت على جنوده أثناء عاصفة هوجاء هبت على مراكزهم ليلا في الرابع والعشرين من أغسطس، فاضطرب الأمر بينهم، وكادت الضربة تكون القاضية لولا شجاعة فرسان مالطة، الذين ردوا المهاجمين إلى المدينة، فأسرع حسن أغا إلى إقفال أبوابها. وقد استطاع احد الفرسان المالطيين، واسمه سافنياك - Sa vignac أن يغمد خنجره في بابا عزون، وثارت في الليلة نفسها عاصفة دمرت مائة وأربعين من سفن الأسيان وأفقدت الجيش جميع مؤنه، وأصبح الانسحاب أمرًا محتومًا، واستعاد الامبراطور رأس ماتيفو Cape Matifou بعد أن لقى من الصعاب مالم يسمع بمثله من قبل، ومن هناك أبحرت فلول جنده، وعادت هذه الحملة التي أريد بها تدمير مدينة الجزائر بالفائدة على قرصان البربر، فقد غنموا منها مغانم كثيرة جدًّا، وظنوا من ذلد الحين أنهم لا يغلبون، وأخذ الجزائريون بعدئذ يمعنون في أعمال القرصنة كما يشتهون، وظلوا كذلك حتى عام 1830، ولكن أعمال السلب والنهب القديمة تغيرت طبيعتها الأولى،

فقد استحالت من جهاد الكفار إلى حرفه وضيعة لم يعد للجزائريين حرفة سواها، وقد أغنت القرصنة خزائن الحكومة التي كانت تشاطر القرصان غنائمهم، كما أغنت الذين كانوا يشتركون في تجهيز السفن، وأغنت المحظوظين جميعًا، بما أفادوا من سخاء القرصان، وأصحاب السفن. وقد اجتذبت هذه الحرفة المغامرين من جممع البلدان فنزحوا إلى العاصمة، وكان معظمهم من أصل مسيحى "وضعوا العمامة على رؤوسهم" ليشبعوا شهوة السلب والنهب، أو لذة المغامرة. وقد أدت فعال القراصنة، وما وقع على الملاحين النصارى من اعتداء فظيع، وتجاهل المعاهدات المعقودة مع الدول المسيحية، أدى ذلك كله إلى إثارة المسيحيين إلى الأخذ بالثأر، ولكن مدينة الجزائر نفسها ظلت بمنجاة من انتقامهم، ولم توفق المحاولة الجزئية التي قام بها الملاح الأسيانى دون خوان كاسكون don Juan Gascon في عام 1567 للنفاذ إلى المدينة، وإطلاق سراح الأسرى، وإحراق سفن القراصنة، وقد ضرب الانكليز المدينة بمدافعهم عدة مرات (أعوام 1622, 1655، 1672 م) ثم ضربها الدنمركيون عام.1770 ولكن ذلك لم يجدهم نفعَا، وكانت حرية الملاحة في البحر المتوسط تهم فرنسا بنوع خاص لموقعها الجغرافي، وأهمية تجارتها في شرق البحر المتوسط. فحاولت مرارًا أن تؤدب الجزائريين. فضربت وحدات الأسطول الفرنسى الحاجز البحرى في عام 1661 - 1665 بغير طائل، وقاد دوكوسن Duqusne حملتين بحريتين على مدينة الجزائر عامي 1682, 1683, وأطلقت إحداهما النار على المدينة في الفترة الواقعة بين 20 أغسطس و 20 سبتمبر من عام 1682, فأدى ذلك إلى تدمير خمسين منزلًا، وقدكل خمسمائة من السكان. وفي المرة الثانية (في 1 يونيه ويوليه سنة 1683) أصيبت المدينة بأضرار مادية جسيمة، ولكنها أثارت الاضطراب بين الأهلين، فذبحوا الفرنسيين المقيمين بينهم بما فيهم القنصل الأب ليفاشيه Ievacher الذي شد إلى فوهة مدفع، ولكن حملة ثالثة أرسلت عام 1688 بقيادة ديستريه d, Estrees كانت

أعظم من الحملتين السابقتين خطرًا على الجزائريين، فاضطرتهم إلى طلب الصلح. ولكن أموالا طائلة ضاعت، وأرواحًا كثيرة أزهقت نى بذه الحملات، مما جعل تكرارها غير مأمون العواقب، وكانت فرنسا في القرن الثامن عشر كلما بدالها ما تشكو منه من فعال أمراء الجرائر تقصر همها على مظاهرات بحرية صغيرة. أما أسبانيا فقد حاولت بعد أن أعلن الداى محمود عثمان عليها الحرب (سنة 1773) أن تضرب مدينة الجزائر وسيرت لذلك أسطولا من عشرين بارجة، وأربع وعشرين مدمرة صغيرة، وجيشا من خمسة وعشرين ألف مقاتل، بقيادة أمير البحر دون بدرو كاستيخو Don Pedro Gastejo، والقائد أوريللى ونزلت القوات الأسبانية إلى البر عند مصب نهر الحراش في الثامن من يولية عام 1775، ولكن العدو حاصر الحملة، وكان أكثر من رجالها عددًا، ولم هكن هي نفسها حسنة القيادة فاضطرت إلى الانسحاب في اليوم التالي بعد أن فقدت 2.800 من رجالها، ولم يعوض هذه الخسارة تلك الغارة البحرية الموفقة التي قادها أمير البحر الأسباني الدرن انجلو برسلو Don Angelo Bercelo والتي ضربت مدينة الجرائر بالمدافع في عام 1783. ونشطت القرصنة من جديد نتيجة لحروب الثورة الفرنسية والامبرأطورية التي وجهت عناية الدول البحرية وجهة أخرى، ثم بدا بعد عام 1815 الدول الأوربية قد اعتزمت أن تقضى نهائيا على هذه الحالة التي لم تعد تطيق صبرا عليها، وأرسل اللورد إكسموث Exmouth في 15 مايو 1816 يبلغ الداى قرارات مؤتمر فيينا الخاصة بمنع تجارة الرقيق، فلقى في الجرائر معاملة سيئة قررت على أثرها الحكومة البريطانية يؤيدها الراى العام، أن تغسل هذه إلاهانة، وظهر أمام المدينة أسطول مؤلف من اثنتين وثلاثين سفينة تحت إمرة اللورد إكسموث يعاونه أمير البحر الهولندى كبلين CappeUen، ودخل إلى الميناء تحت حماية الراية البيضاء، وأطلق النار على المدينة فقتل خمسمائة من الترك وحطم مدفعية

السواحل، وجرح ألفا من السكان. بيد أن الجزائريين هبوا للدفاع عن أنفسهم وأوقعوا بأسطول الحلفاء خسارة بلغت 883 رجلا (27 أغسطس سنة 1816). وحدثت غارة بحرية أخرى بقيادة أمير البحر نيل له في يونية عام 1825 م لخلاف حدث بين الداى حسين والحكومة البريطانية، ولكن المدينة لم تصب من جرائها بضرر كبير. واتضح من هذه الحملات المتكررة أن في وسع مدينة الجزائر أن تقاوم كل حملة بحرية خالصة مهما تكن قوتها، فلما قررت الحكومة الفرنسية أن تغسل الإهانة التي لحقت بالقنصل ديفال Deval على يد الداى حسين، بعد أن فشلت في حصارها البحرى ثلاث سنين كاملة، عادت إلى الخطط التي وضعها القائد بوتان هنا Boutin من سلاح المهندسين العسكريين، وكان نايليون قد أرسل هذا الضابط في عام 1808 لاختبار الحصون الدفاعية في الجزائر فاقترح أن يكون الهجوم على المدينة من البر، وأن يوجه أولًا إلى حصن الامبراطور، وهو الحصن الذي يشرف على المدينة ويسيطر عليها، وقد أعادت هيئة أركان الحرب الفرنسية النظر في هذه الخطة وأكملتها، ووافقت عليها الحكومة وعملت على تنفيذها، وفي 14 يونية عام 1830 نزلت الحملة الفرنسية عند سيدى فَروشى على بعد أربعة عشر ميلا غربي مدينة الجزائر، وهزمت في التاسع عشر منه جيش الداى فوق هضبة ستاولى. ثم ظهرت في التاسع والعشرين من هذا الشهر أمام حصن الإمبراطور وأطلقت المدافع الفرنسية نيرانها على هذا الحصن في فجر اليوم الرابع من يولية، وفي الساعة العاشرة من ذلك اليوم نفسه احتلته بعد أن دمرت بعض أجزائه وغادرته حاميته، وفي اليوم التالي، وقع الداى شروط التسليم، التي وضعها القائد العام، ودخل القاثد المدينة على الفور، وكان قيام سيادة الترك وبقاؤها هذا الزمن كله في مدينة الجزائر، قد جعل هذه المدينة من أهم المدن الممتازة في البحر المتوسط، فقد أصبحت هذه السوق البربرية الصغيرة مدينة زاهرة تكتظ بالسكان، وكانت مدينة الجزائر التركية تمتد على المنحدرات الصخرية من القصبة إلى

شاطن البحر، وقد وصفها هايدو Haedo وصفا مسهبَا، وشبه محيطها بقوس ذي وتر، فالقوس هو الجدران، وشاطيء البحر هو الوتر. وكان محيط المدينة إذا قيس من خارج أسوارها حوالي 10.170 قدمًا، وكانت تحميها الحصون التي بناها خير الدين وأكملها خلفاؤه وجعلتها غاية في المنعة. وكانت هذه الحصون تتألف من سور ومن القصبة ومن عدد معين من الحصون وبطاريات المدافع، وكان ارتفاع السور يتراوح بين ست وثلاثين واثنين وأربعين قدما، يحيط به خندق وتحميه أبراج. وكانت له خمسة أبواب: باب البحر، وباب السفاكين إلى جانب المرفا، وباب عَزون في الجانب الجنوبي من المدينة، وبجواره وقعت حوادث الإعدام، وباب الواد في الجانب الشمالي، حيث أعدم النصارى واليهود ثم الباب الجديد في الناحية الجنوبية الغربية ويخرج منه الطريق المؤدى إلى حصن الامبراطور. أما القصبة قد بنيت في أعلى موضع بالمدينة، وحلت منذ 1556 محل القلعة البربرية القديمة التي كانت تشغل موضعًا أقل منها ارتفاعًا. وأصبحت القصبة مقر الدايات من عام 1816 عندما هجر على خوجة الجنينة مقر أسلافه، لأنها تقوم في المدينة السفلى وتتعرض بذلك لهجمات الإنكشارية المفاجئة، وكانت القصبة تضم ثكنات الجنود ودور الصناعة، وبيت المال ومنازل الأمير الخاصة. وفي خارج المدينة على مكان مرتفع يشرف على القصبة نفسها، يقوم برج الطاوس (ويسمى بالتركية سلطان قلعه، بالإنكليزية قلعة الإمبراطور Emperor's Fort) وقد شيده حسن أغا في الموضع الذي نزل فيه شارل الخامس. وكان يحمى واجهة المدينة من ناحية البحر البرج الجديد وبرج باب الواد، وبرج الانكليز، وبرج باب عزون ومدافع الربوة التي زيد عددها وضمت إليها مدافع جديدة بعد غارة أوريلى في القرن الثامن عشر وغارة اللورد إكسموث في القرن التاسع عشر، لا تقل عن 180 مدفعًا من ذات العيار الكبير. وتمتد المدينة في الداخل على سفح التل، فترى البيوت المطلية بالجير الأبيض قائمة على "الجبل" كما يسميه الأهلون إلى الآن. وهو أعلى أجزاء التل،

وهي تستند إلى قوائم من الخشب، ويلتصق بعضها ببعض، وتبرز طبقاتها العليا واحدة فوق الأخرى حتى تلتقى أو تكاد عند القمة، وتلف حول السفوح دروب منحدرة ذات درج، تحجب الأقبية عنها النور، وأغلبها ضيق جدَا لا يسمع لاثنين بالمرور إلا إذا التصقا بظهريهما إلى الجدار. أما الجزء الأسفل من المدينة، وهو الذي يخترقه الشارع الوحيد الجدير بهذا الاسم، والذي يصل بين باب الواد وباب عزون منذ نهاية القرن السادس عشر، فقد كان هو المكان المختار لسكنى رؤساء القراصنة، وكانت مساكنهم الفخمة المتجمعة بالقرب من البحر، يسكنها البحارة الذين يسيطرون عليهم، وكانوا من موضعهم هذا يحمون المرفأ، وكانت الربوه ربوتهم، وبذلك كان هذا الحى بأسره كأنه دار صناعة لهم، وكانوا فيه آمنين من اعتداء الجنود المفاجيء عليهم (Tivque جـ 10 ص 127 وهناك قامت قصور لم شهر الرؤساء في القرن السابع عشر أمثال مامي أرنوط، وسليمان رئيس، ومراد رئيس، وعربجى بيجنين، وفيه أيضًا شيدت المساجد التي أنفق عليها هؤلاء المغامرون جانبَا من أموالهم؛ والحق إن دور العبادة كانت كثيرة في مدينة الجزائر القديمة. فقد كان بها في أواخر القرن السادس عشر مائة مسجد وخلوة وزاوية. وكان بها قبيل الفتح الفرنسى ثلاثة عشر مسجدًا جامعًا، ومائة وتسعة مساجد صغيرة، واثنتان وثلاثون خلوة وخمس زوايا وكان غالب هذه الدور متوسط الحجم، ليست له أهمية فنية كبيرة، وكان أشهر هذه المساجد بعد المسجد الكبير الذي يرجع تاريخه إلى العصر البربرى هو المسجد الجديد (ويسمى الآن جامع بركة السمك Mosquee de La Pecherie). وقد شيد في عام 1660 لتعبد فيه الترك من الحنفية، ثم مسجد كجاوة، وهو مزين بزخارف متعددة الألوان، ومسجد سيدة، ومسجد حاجى حسين باشا ومسجد الأندلسيين الذي بناه في عام 1623 المهاجرون الأندلسيون, وزاوية الشرفاء التي أقيمت في عهد الداى محمد بكتاش (سنة 1709) إلخ. أما المبانى العامة فكانت قليلة العدد، ويكفى

أن نذكر منها الجنينة، وهي طائفة من القصور والثكنات، والثكنات السبع الكبيرة الخاصة بالإنكشارية، وسجون الرقيق، ولكن كثيرًا جدا من الدور الخاصة كانت تخفى وراء واجهاتها العاطلة عن الزينة زخارف طريفة أو فخمة ذات روعة، لها أفنية تحيط بها أعمدة من الرخام البديع الصنع، وطنف من خشب الأرز، واسوار عليها رسوم حائطية إيطالية أو هولندية، ومن داخلها أثاث صنعت أجزاؤه في أوربا، أو صنعها العمال الوطنيون محاكاة لنماذج أوربية (انظر: G.Marcain L, expositiond , art Musuhm المجلة الإفريقية في العددين الثالث والرابع من عام 1905). وقد طرأ على تعداد السكان في مدينة الجزائر تغير كبير في أثناء القرون الثلاثة التي كانت خاضعة فيها لحكم الترك. وقدر هايدو Heads الذي ظهر كتابه عام 1612 عدد المنازل والسكان باثنى عشر ألف منزل وستين ألف نسمة، وقدر الأب دان Dan عدد المنازل والسكان في عام 1634, عندما بلغت القرصنة ذروتها، بخمسة عشر ألف منزل، ومائة ألف نسمة. ثم بدأ الاضمحلال يدب فيها عندما قلت أعمال القرصنة. وفي عام 1789 قدر فنتورده يارادى Venture de Paradis السكان بخمسين ألفا، ثم هبط هذا العدد إلى ثلاثين ألفا عام 1830, وكان السكان من أجناس مختلفة، ولكن يمكن ردهم كلهم إلى أجناس ثلاثة: الترك والمغاربهَ واليهود. وكان الترك طبقة من الخاصة شديدة الارتباط بعضها ببعض، وقد وفد أغلبهم من آسية الصغرى، وانضموا إلى صفوف اليلداش. وكانت النظم التي يخضع لها جيش اليلداش هذا تمكنهم من الوصول إلى أعلى المراتب، أي إلى مرتبة الأغا، بل تؤهلهم لأرفع المناصب المدنية، وكان الترك جميعًا، حتى ولو كانوا من صغار الإنكشارية، ينادون باسم الأفندى ويلقبون بالسادة العظماء الفخام، ويكونون طبقة السراة أو الأعيان في مدينة الجزائر، ولم ينزلوا عن كبريائهم حتى بعد أن فقدت الجندية شأنها السياسي, وقد تزوج الكثيرون منهم

نساء من أهل البلاد، ولكن أبناء هذه الزيجات- ويسمون "قلغلى"- ظلوا بمعزل عن جماعة الأتراك، فلما انقضى القرن السادس كانت هذه الطبقة قد أقصيت عن الوظائف العامة، ولم يفلحوا في رفع هذا الحيف عنهم على الرغم من فتنهم المتكررة، ومنها فتنة عام 1663 التي كانت على جانب كبير من الخطورة. ومن أجل ذلك ظل الترك دائمَا أقلية في هذه العاصمة، كما كانوا أقلية في الولاية كلها. وفي وسعنا أن نقدر عددهم بعشرة آلاف أيام خير الدين وبثلاثين ألفا في عهد البكلربكية، واثنين وعشرين ألفا عام 1634 وخمسة آلاف عام 1789, ونقص عددهم عام 1830 إلي أربعة آلاف نسمهْ. وبعد الفتح الفرنسى مباشرة قرر الجنرال ده بورمون General de Bourmont أن يقصى كل إنكشارى أعزب عن البلاد، ويرسل إلى آسية، ثم عمم هذا القرار حتى شمل كل أفراد الفرق العسكرية، ويجدر بنا أن نضيف إلى طائفة الأتراك أولئك الذين أسلموا وكانوا من أصل أوربى، وهم الذين كان يؤخذ منهم مهندسو الأسطول الجزائرى وما يلزمه من الصناع، ومرشدو الموانى وبعض القراصنة المشهورين، وأخذ عددهم في النقصان تبعَا لتعذر أعمال القرصنة، وقلة غنائمها بسبب تجول أساطيل الدول الأوربية في البحار، والمظاهرات البحرية التي كانت تقوم بها أمام الشواطن، فنقص عددهم من عشرين ألفا أيام هايدو إلى مائتين أو ثلاثمائة في نهاية القرن الثامن عشر. وكان المغاربة أغلبية بين أهل المدينة أو "البلدى"، وكان بعضهم ممن وفدوا من خارج البلاد، وأقاموا في المدينة منذ العهد التركى، كالأندلسيين الذين طردهم المسيحيون من أسبانيا، والمغامرين من الأوربيين والقلغْلى وغيرهم. وقد حرم على هؤلاء الاشتراك في الشئون العامة بأجمعها، وأعفوا من الخدمة العسكبرية، فلم يبدوا آية مقاومة للحكم التركى، وظلوا يشاهدون المآسى الجسام التي كانت تمثل على مسرح الجزائر بلا مبالاة، وقنع سراتهم بنصيبهم من غنائم القرصنة، وباشتراكهم بالمال في تجهيز السفن

وبالمضاربات في صفقات بيع الغنيمة والرقيق، أما فقراؤهم فلم يكن لهم عمل. وإن كانوا هم أيضًا يتمتعون بنصيب من الرخاء العام. وكان من هذا العنصر. المغربي التجار والصناع، الذين كانت لهم نقابات مختلفة تحت رياسة "نقباء أو أمناء"، وقد استقر أيضًا في مدينة الجزائر جماعة من داخل البلاد، وكان رجال من القبائل يسكنون المدينة تحت رقابة ولاة الأمور الأتراك الشديدة، ومنهم الفعلة والعمال في الصناعات اليدوية الصغيرة. وكان أهل بسكرة حمالين، والمزابية خبازين وكانت كل جماعة من هؤلاء "البرانية" وحدة قائمة بنفسها يشرف عليها أمين مسئول عن حسن تصرفاتها. وكان عدد المغازية، وبينهم القلغلى، يبلغ ثمانية عشر ألفا في عام 1830, الزنج ألفين والوطنيين المنحدرين من أصل بربرى ألفا. وكان لليهود شأن في الحياة الجزائرية، أخذت تزداد أهميته على مر الأيام، وقد انضم إلى العدد القليل من الوطنيين اليهود منذ القرن الخامس عشر إخوانهم من يهود أسبانيا، وحدث أول استقرار لهؤلاء اليهود الأسيانيين في مدينة الجزائر 1391 تحت إمرة الربانيين دوران، وبرفت، Duran Barfat , ولكن الهجرة الكبيرة حدثت في القرن السادس عشر. وقد سمح لهم خير الدين بالإقامة في المدينة ولكنه حدد لهم عدد الحوانيت التي يفتحونها، وفرض عليهم ضريبة الرؤوس. وقد تضاعف عددهم سريعًا على الرغم من كل أنواع الاضطهاد التي لحقتهم من الترك والمغاربة، ومنها إكراههم على اتخاذ زى خاص بهم، بل على الرغم من الغرامات الفادحة التي فرضت عليهم مرارًا وتكرارًا. ويذكر هايدو أن مائة وخمسين أسرة يهودية لا أكثر كانت تسكن الجزائر في نهاية القرن السادس عشر. وقدر الأب دان عددهم في عام 1634 بعشرة آلاف يهودى. ثم قدرهم لوجييه ده تاسى في Laugier de Tassy عام 1725 بخمسة عشر ألفا، ولا شك في أن هذا التقدير لم يخل من المبالغة، وبدأ يظهر حوالي ذلك الوقت فرق واضح بين اليهود الوطنيين، الذين كانوا بائسين وبين "اليهود الفرنجة" الذين كانوا من أصل إيطالى جاء أكثرهم من مدينة لقورنة Leghorn، وقد

أفادوا بوصفهم أجانب من نظام الامتيازات، ومن حماية القنصل الفرنسى، ومن ثم كانوا بمنجاة من ضروب الاضطهادات التي تعرض لها أبناء دينهم الوطنيون، فأثروا من تجارتهم مع أوربة، ومن استغلال أنظمة الاحتكار التي اختص بها البكوات أنفسهم، وقد كان لأكثرهم نفوذا في القرن الثامن عشر- كسليمان جاكت (المتوفى عام 1725) وآل بكرى وبوزناخ خاصة- شأن خطير، بل كان لهم في بعض الأحيان الشأن الأكبر في الشئرن الجزائرية (بعد أن أصبحوا يتولون أمور الداى المالية ويقومون بالوساطة الرسمية بين الولاية وبين الدول الأوربية). وقد ظل نفتالى يوزناخ خمسَا وعشرين سنة (سنة 1780 - 1805 يستغل نفوذ في تنصيب البكوات والدايات وخلعهم، والتصرف في موارد الدولة، أو قل بإيجاز إنه كان يدبر السياسة الداخلية والخارجية للإمارة. ويصرفها وفق مصالحه الخاصة. ثم كان لهذا النفوذ العظيبم رد فعله، إذا اغتال أحد الانكشارية نفتالى بوزناخ "ملك الجزائر" عام 1805 وأعقبت ذلك فتنة دموية، ذبح فيها أغنى اغنياء اليهود، أو أخرجوا من البلاد، ونهبت حوانيتهم، وصودرت أملاكهم، ولم تفق قط "الأمة" اليهودية من أثر هذه النكبة، ونقص عدد اليهود إلى أربعة آلاف كما يقول روزيه). ولكنهم ظلوا يحتملون نير الترك في عناء معن، ولذلك رحبوا بسقوط حسين ترحيبًا عظيمَا، وانضموا إلى الفاتحين، ولم يظهروا لهم معارضة ما. وكان الأوربيون في مدينة الجزائر إما عبيدا أو تجارا أحرارا. أما العبيد فهم الذين أسرهم القراصنة مع غنائمهم البحرية، أو أثناء غاراتهم على شواطيء البحر المتوسط، وبخاصة على شواطيء أسبانيا وإيطاليا وقورشقة وسردانية. وكان فويق من هؤلاء العبيد من نصيب البكوات، أما الباقون فكانوا يياعون لمن يدفع فيهم أغلى الأثمان في موضع البدستان. وكان الأسرى يعملون في المنازل، أو يستخدمون في المدينة نفسها، أو في الحدائق خارج الأسوار (حسب مشيئة سادتهم)

وكانوا كذلك يسخرون في تسيير السفن الكبيرة بالمجاديف أيامًا معلومة. وكانوا يحبسون ليلا في دور خاصة تابعة للحكومة، أو مملوكة للأفراد، كانت تعرف بسجون الرقيق Bagnioss. وكان هؤلاء الأسرى أقل بؤسا مما يقوله الناس عنهم، فقد كانوا آمنين على أرواحهم، إلا عندما يثور الانكشارية، أو يظهر أسطول مسيحى فتهيج خواطر المسلمين، وأكثر من هذا أن تلك السجون كان بها معابد صغيرة، لها قساوسة، وكان بها ملجأ للعجزة، وحانة للشراب، ولكنهم لم يكن يطلق سراحهم إلا إذا افتدتهم أسرهم بمعاونة رجال الدين كالثالوثيين والمفتدين واللازارين الذين وقفوا أنفسهم على هذه الأغراض، أو إذا استعادوا حريتهم بعد مفاوضات سياسية. وكان طبيعيا أن يختلف عدد هؤلاء العبيد قلة وكثرة تبعًا لانتشار القرصنة أو كسادها، وقد بلغ عددهم أقصاه في النصف الأول من القرن السابع عشر. فقد كانت سجونهم وقتذاك تضم خمسة وعشرين ألفا، كما يقول دان، أو خمسة وثلاثين ألفا، كما يقول كراماى Gramaye ثم نقص هذا العدد أثناء القرن الذي تلاه. فلم يكن في هذه السجون عام 1740 سوى 1442 أسيرًا، ولم يكن فيها عام 1767 أكثر من 262 ومن ألف وثمانمائة عام 1769 من 1669 في عام 1813, ونقصوا أخيرًا إلى 1200 عام 1816 حين أطلق سراحهم بعد غزوة اللورد إكسموث الموفقة. أما الأوربيون الذين كانوا يتمتعون بحرية مطلقة، فقد كان عددهم دائما قليلا، لأن الجزائر لم يكن لها قط أهمية تجارية تضارع ما لمدن بلاد البربر الأخرى، وكانت على الأخص أقل شأنًا من ثغور شرقي البحر المتوسط من هذه الناحية، فقد كانت في المدينة جالية أوربية صغيرة مكونة من مائة شخص على الأكثر تتألف من القناصل، وبينهم قنصل إنكلتره وقنصل فرنسا اللذان كانا يتنازعان الصدارة، ومن الموظفين في مكاتب القناصل وقليل من التجار. وكانت مدينة الجزائر أثناء العصر التركى تصرف شئونها إدارة مستقلة، ويشرف عليها "الخزنجى" أو وزير مالية الإمارة، وكانت الجماعات التي يضم كل منها أبناء جنس خاص من

السكان (كالزنوج والمزابية) أو أبناء طائفة خاصة من الصناع تتألف منها طوائف متعددة يرأس كلا منها أمين. أما اليهود فكانوا "امة" يحكمها زعيم يختارونه منهم، وكان الأمناء كلهم يخضعون لسلطان شيخ البلد. وكان التفتيش على الأسواق منوطا بـ "المكاتب" وعلى الشوارع في أثناء النهار، من أعمال "الكخيا" (وهي كلمة مشتقة من اللفظ الفاوسى كتخدا) وكان التفتيش عليها أثناء الليل من أعمال "أغا الكل، ولابد أن يكون هذا تركيَا. أما المزواو فكان عليه أن يراقب الحمامات وبيوت الدعارة. وكان على "أمين العيون، أن يحافظ على عيون الماء ويتأكد من سلامة ابنيتهاه وكان هذا النظام الأدارى يفى بالأغراض المرجوة منه، ويحفظ الأمن والنظام على أحسن حال، كما يشهد بذلك جميع الرحالة الذين زاروا مدينة الجزائر التركية. ثم زال هذا بزوال هذه السيادة التركية. وقد شهدت مدينة الجزائر منذ عام 1830 تغييرات متواصلة، ولو أننا حاولنا أن نسهب في بيان هذه التغييرات ونصف المدينة الأوربية التي حلت على مر الأيام محل مدينة الجزائر البربرية والتركية، لخرجنا عن الحدود المرسومة لدائرة المعارف الإسلامية. على أننا لا يسعنا إلا أن نورد هنا بعض الحقائق الهامة وأولاها: زيادة عدد السكان، فقد ارتفع في إحصاء عام 1901 إلى 183.000 نسمة، ثم إلى 144.000 في إحصاء عام 1906، ولم يكن عددهم في هذا الإحصاء الإخير قد عرف وقت كتابة هذه المادة إلا على وجه التقريب. وسكان المدينة الحديثة خليط من أجناس مختلفة كسكان المدينة القديمة. بيد أن الأوربيين حلوا محل الوطنيين كما يظهر ذلك من الأرقام الواردة في إحصاء عام 1901، وهي 69.000 فرنسى، 11.750 يهوديًّا متجنسين بالجنسية الفرنسية و 28250 أجنبيًّا أغلبهم من الأسبان. ومما هو جدير بالتنويه أيضًا ذلك التطور الذي طرأ على الميناء، فقد وسع حوضه الذي لم يكن يتسع لسفن القراصنة إلا إذا تجاورت فيه، وذلك بإكمال حاجز خير الدين، وبناء رصيف جديد في البحر يبدأ من برج باب

عزون، فيتكهن بذلك حوض واسع مساحته 237 فدانًا تستطيع أكبر البواخر حمولة أن ترسو فيه. وقد أدت الزيادة المطردة في حركة السفن (بلغ مجموع حمولتها 6.600.000 طن في عام 1904) إلى إقامة منشآت أخرى، بدئ فيها فعلا. ثم اننا لا نستطيع أن نغفل اتساع رقعة المدينة الجديدة. فقد زادت مساحتها من زمن طويل على ما كانت عليه أيام الترك، وامتدت مبانيها ومبانى أرباضها كأحياء الداى حسين ومصطفى، وباب الواد وسانت يوجين، فبلغ متوسط طولها أكثر من سبعة أميال ونصف الميل. ولم يحدث هذا التحول دون أن يصحبه انقلاب عميق الأثر في المظهر العام لمدينة الجزائر القديمة التي لم تبن علي غرار غيرها من المدائن. فقد كان من الضرورى في باكورة عهد الاحتلال من إنشاء طرق للمواصلات لإقامة ثكنات للقوات العسكرية، ودواوين لمخطف المصالح الإدارية: ولم يكن هذا كله يتم دون تدمير المنازل الخاصة ودور العبادة، ومن أجل ذلك هدمت الجنينة حجرًا حجزا، وعفت أثارها كلها في عام 1856 ولم يبق من القصور التي كانت في داخل أسوارها سوى قصر بنت السلطان، وهو الآن قصر الأسقف، وترك جامع "كجاوة" يتداعى بين عامي 1845، 1860 وقامت مكانه الكنيسة الكاثوليكية الكبرى. وقوضت أركان مسجد السيدية، وحول مسجد حاجى حسين إلى كنيسة، واتخذت مساجد أخرى لكنات للجند، أو مخازن عسكرية، وما وافت سنة 176 حتى لم يبق من دور العبادة التي بلغت 176 دارًا في عام. 1380، سوى 48 (تسعة مساجد كبيرة، وتسعة عشر مسجدًا صغيرًا، وعشرين خلوة وزاوية) وليس لغير ثلاثة من المساجد الإسلامية الباقية قيمة أثرية فنية، وهذه المساجد هي: الجامع الكبير برواقه ذي الأعمدة المأخوذة من مسجد السيدية، ومسجد السماكين الذي شيد عام 1660 على طراز يشبه شكل صليب الكنائس البوزنطية في الأستانة، وثالثها مسجد سيدى عبد الرحمن الثعالبى الذي شيده عام 1696 الداى الحاج أحمد في موضع بناء أقدم منه عهدًا، وقد هدم أغلب الحصون التركية وحل محلها

سور حديث يهدم هو الآخر الآن، ولم يبق من القصبة كما كانت عليه في عهدها السابق إلا آثار قليلة (هي غرف ذات أقبية، والباب، وفوارة، والجوسق الذي يسمونه جوسق ضربة المروحة، والمسجد) وكذلك اختفت بطاريات المدافع وهدمت التحصينات التي كانت تواجه البحر. وجددت المدينة نفسها بأكملها تقريبًا، وبنيت على الطراز الحديث، فأنشئت في الجزء الأسفل منها شوارع على نمط الشوارع الأوربية، تقطعها شوارع أخرى تسير في الجزء الأعلى من المدينة، وبذلك زال ما كانت تمتاز به من مظهر فذ لا يشاركها فيه غيرها من المدن. وإذا كان لأعمال التخريب هذه ما يبررها في أوائل أيام الاحتلال حين لم يكن بد من إيجاد ملجأ أمين للسكان الأوربيين داخل أسوار المدينة، فما من شك في أنه ليس ثمت ما يبررها بعد أن امتدت حدود المدينة ناحية الشمال والجنوب. وتسرى مع الأيام روح الحياة الأوربية إلى هذه الأحياء الجديدة، في حين أن المدينة العليا ظلت مركزا للحياة الإسلامية، فالأهلون يزدحمون في شوارعها الضيقة المظلمة، يزاولون صناعاتهم وحرفهم الوطنية الصغيرة. ويظهر أن بعض العقول المستنيرة رأت أن لا بد من المحافظة على هذا الجانب من المدينة وإنقاذه من يد الدمار، وإن كانوا قد وصلوا إلى هذه النتيجة متأخرين، فأنشئت في عام 1905 جمعية لهذا الغرض سميت "جمعية الجزائر القديمة" وأخذت على عاتقها البحث عن الآثار الباقية من مدينة الجزائر الإسلامية والمحافظة عليها. ولم تقنع مدينة الجزائر بأن تكون القصبة السياسية للأقليم، بل أخذت في السنين الأخيرة تحاول جهدها أن تكون مركزا من مراكز الحياة العقلية والعلوم الإسلامية. وقد صدر قانون في 20 ديسمبر سنة 1859 يقضى بإنشاء أربع مدارس عليا (للحقوق والطب والعلوم والآداب) تتألف من مجموعها جامعة بحق، وكانت هذه المدارس في عام 1904، تضم تسعمائة وستة وعشرين طالبًا ومستمعا، ومع أن مدارس الجزائر يدرس فيها من العلوم العامة ما يدرس في جامعات باريس

نفسها، فإن النشاط العلمي والبحث العلمي فيها يتجهان بنوع خاص نحو المسائل الإفريقية، وللدراسات الشرقية شأن كبير في مدرسة الحقوق، وشأن أكبر من ذلك في مدرسة الآداب، التي تعنى بالبحث الدقيق في آداب إفريقية الشمالية ولغاتها وقصصها الشعبي وأجناسها، ومدنيتها، وفي مدرسة الحقوق كرسى للفقه الإسلامي، وفي مدرسة الآداب كراس للغات العربية والفارسية والبربرية وآدابها، وللحضارة الإسلامية وعلم الآثار المصرية القديمة، وتاريخ افريقية، وقد أثمرت هذه الدراسات حتى الآن ثمرة طيبة (انظر دوتى L, Ecole L'oeuvre de de Letter d, Alger Doutte, في المجلة الإفريقية، العدد الثالث والرابع من عام 1905 (وتعاون كثير من الجمعيات العلمية المختلفة في البحوث القائمة منذ عام 1830 والخاصة بماضى شمالي افريقية وحاضرها، وفي مقدمة هذه الجمعيات الجمعية التاريخية التي نشرت في صحيفتها "المجلة الإفريقية Revue Atricaine. منذ عام 1856، مقالات كبيرة القيمة، ووثائق هامة عن تاريخ إفريقية. وقد نظمت الجمعية الجغرافية قسمًا للأبحاث التاريخوثرية. وهي لا تكتفى بنشر بحوث في جغرافية البلاد الإسلامية، بل تنشر أيضًا في "نشرتها الرسمية"بحوثًا في تاريخ العالم الإسلامي كله وحضارته. وفي المدرسة الثعالبية التي وضعت تحت رعاية سيدى عبد الرحمن تدرس الثقافة الإسلامية العليا. كما يدرس فيها الفقه والشريعة الإسلامية مع بعض المبادئ الأولية للعلوم الأوربية، للطلاب الوطنيين الذين يشغلون فيما بعد المناصب القضائية والدينية (قضاة وعدولا وأئمة ... إلخ) وتضم المكتبة الأهلية ألفين من المخطوطات العربية والتركية والبربرية. ويضاف إلى ذلك أن الحكومة الفرنسية تحاول تنمية الذوق الفني بين الأهالى، وإحياء الصناعات المحلية، فضلا عما تبذله من الجهد في الاحتفاظ بالمستوى الرفيع الذي بلغته الدراسات الإسلامية في تلك البلاد، وقد أنشئ لذلك الغرض قسم للفن الإسلامي في متحف مصطفى في عام 1903، وبذلت المعونة والتشجيع للمدارس الفنية التي تعلم فيها صناعة السجاجيد وصناعة التطريز.

المصادر: (1) Coarpus inscr. Lat . جـ 8 ب، جـ 15 (إيكوزيوم والملحق). (2) Corpus des ies inscriptions: G.Colin arabes et torques de 4 l'Algerie جـ 1، partement d, Alger باريس سنة 1901. (3) Topografia e historia: Haedo! general de Arge بلد الوليد سنة 1612، ترجمة Monnereau و Berbrugget في Revue Africine جـ 14، جـ 15. (4) Alger au: Venture de paradis XVIIIe scMcle نشره فانيان في الجزائر عام 1898. (5) Las: Berbrugger & Monnereau Janissaires 4 Alger كلنكل Revue i Casenes de + Africai، جـ 3. (6) Les edifices religieus: A.Devoulx Revue Africains . جـ 6 - 13. (7) الكاتب نفسه: Notes historiques sur les mosquees d'Alger جـ 4 - 5. (8) الكاتب نفسه Alger, Etude aux epoques romaine, arabe, tuque، جـ 20، 21. (9) rozet: Voyage dans la regencs . d'Alger، الجزائر سنة 1833 (10) Alger, etude: E.Feydeau طبعة جديدة، باريس سنة 1884. (11) Esquisses africaines de-: Otth singes pendant un Voyage Li Alger برن سنة 1839 (12) Alger: Guiauchain الجزائر سنة 1905، وهو نقول لآراء القدماء. (13) Reconnaissance de la: Boutin ville, des forts et batteries d'Alger طبع عام 1867 بمعرفة Nettement في His toire de la conquete d'Alger (14) Pieces justificatives رقم 5، ص 574 - 599 وانظر أيضًا مصادر بلاد الجزائر. [إيفر G.Yver] + الجزائر: هو الاسم الذى أطلق على الجزائر القائمة تجاه الساحل الشمالي الغربي لجون الجزائر مباشرة، وهي مقر إمارة بحر مدينة الجزائر الآن. وقد أطلق العرب اسم الجزائر على

المدينة التي أنشئت في القرن الرابع الهجرى (العاشر الميلادي) على البر المقابل لها، وأصبحت هذه المدينة في عهد الأتراك قصبة بلاد الجزائر، وظل هذا شأنها إلى اليوم. وقد كان الفرنسيون هم الذين حرفوا اسمها العربي إلى Algiers) Alger بالإنكليزية). والمدينة تقوم على خط عرض 36 ْ 47 َ شمالا، وخط طول 3 ْ 4 َ شرقا (كرينويتش). وفي تعداد سنة 1954 بلغ سكان المدينة 355.000 نسمة منهم 162.000 مسلمون، وفي سنة 1959 بلغ سكان مدينة الجزائر الكبرى (المدينة والنواحى المجاورة لها): 805.000 منهم 456.000 مسلمون. واكتشاف مجموعة هامة من السكة اليونية مصنوعة من الرصاص والبرونز سنة 1940 في الناحية المجاورة للمرفأ (& J.Cantineau. d'Alger: L.Leschi Monnaies Puniques في Comptes Rendus Ac Insct.et Belles lelles سنة 1941، ص 263 - 277) دليل واف على وجود مستودع فينيقى على الجزائر في الراجح، وكان اسمه إيكوزيم Ikosim (أي جزيرة البوم أو الحسك الصغيرة). وقد أطلقت الصيغة اللاتينية للاسم، وهي إيكوزيوم، على المحلة الرومانية القائمة على البر الأم. ولا نعرف في أي تاريخ أقيمت هذه المحلة، ولكنها لم تكن محلة هامة، ولو أنها كانت مقر أسقفية. ولم تتوفر لنا آية إشارة إليها في الوثائق التاريخية بعد القرن الخامس. ويقول البكرى (Desc . de L, Afr . sept .. ص 66، الترجمة ص. 156) إن أطلالها كانت قائمة حتى القرن الرابع الهجرى (العاشر الميلادي) حين أقام المدينة الإسلامية بلكين بن زيرى. وأصبح اسمها في ذلك الحين "جزائر بنى مزغنى" نسبة إلى قبيلة صنهاجية كانت تعيش في هذا الإقليم في ذلك الوقت. وظلت الجزائر مدينة ومرفأ قليل الأهمية حتى مستهل القرن العاشر الهجرى (السادس عشر الميلادي) وارتبطت بالتقلبات التي انتابت المغرب الأوسط. ومع ذلك فإن الأمر يقتضينا أن نذكر أن المرابطين أقاموا بمدينة الجزائر في أوائل القرن

السادس الهجرى (الثاني عشر الميلادي) مسجدا كبيرا. وأن هذه المدينة قد استظلت بحماية العرب الثعالبة في منطقة متيجة فأكدت حوالي سنة 771 هـ (1370 م) مطلبها في أن تكون مدينة مستقلة. وفي القرن التاسع الهجرى (الخامس عشر الميلادي) كان حاميها شخصا مباركا هو سيدى عبد الرحمن الثعالبى، وقد أصبح منذ ذاك الولى الحامى لهذه المدينة. وكان بعض سكان مدينة الجزائر في القرون الوسطى مهاجرين فروا من الحركة النصرانية الرامية إلى إعادة غزو الأندلس، واستقر كثير منهم قرصانا في مدينة الجزائر. وفي سنة 1510 فرض الأسبان ضريبة على المدينة واحتلوا الجزائر لقمع حركة القرصان. ولما أدرك السكان هم وزعيمهم سليم التومى أن ذلك خليق بأن يهدد رخاءهم تهديدًا خطيرا، التمسوا حليفا يخلصهم من نير الأسبان، وهنالك استنجدوا بالقرصان التركى عروج الذي كان آنذاك يحكم جيجل, ولم ينجح عروج في طرد الأسبان، ولكنه استولى هو نفسه على المدينة واتخذها القاعدة الأولى لعملياته. وحاول الأسبان استعادة مدينة الجزائر سنة 1516 و 1519، ولكنهم باءوا بالخيبة في المرتين. ولما توفى عروج سنة 924 هـ (1518 م) تولى أخوه خير الدين السلطة ولكنه لم يستطع أن يحافظ على السيطرة على مدينة الجزائر، وارتد إلى جيجل من سنة 926 إلي 921 هـ (1520 - 1525 م) وهنالك استنجدت به الجزائر مرة أخرى سنة 1525، وفي 27 مايو سنة 1529 نجح خير الدين في الاستيلاء على القلعة (بنيون) التي كان الأسبان قد أقاموها عيل أكبر الجزائر. وهدمت بنيون، واستخدمت الأنقاض في إنشاء- سد وصل من ثم الجزائر بالبر الأصلي، وكان هذا هو منشأ ثغر الجزائر. وفي هذه الأثناء كان خير الدين قد وهب ما فتح الله عليه للإمبراطورية العثمانية، وبذلك ملكت هذه الإمبراطورية قاعدة بحرية هامة في غربي البحر المتوسط. ومن ثم فما من

سبب يدعونا إلى أن نعجب أي عجب إذا رأينا شارل الخامس يحاول الاستيلاء على مدينة الجزائر سنة 1541، وقد رست جنوده في.23 أكتوبر على سواحل جون الجزائر، وعبروا وادي الحَراش وعسكروا على تل يشرف على المدينة يعرف الآن بقلعة الأمبراطور، ولكنه كان يعرف في تلك الأيام باسم كدية الصابون. على أنه حدث في ليلة 24 - 25 أكتوبر أن اكفهر الجو سريعًا وفقد نصف الأسطول الراسى إثر العاصفة التي تلت هذا الأكفهرار. واضطر شارل الخامس الذي تعاونت على هزيمته الطبيعة والأتراك، إلى التخلى عن مؤونة كثيرة، وانسحب من مدينة الجزائر تاركا إياها تنعم بأسطورة المناعة التي ظلت سليمة حتى سنة 1830. وكانت حملة شارل الخامس إنذارا للأتراك، فمضوا يمدون تحصيناتهم ويدعمونها وخصوصًا من جانب البحر، حتى أصبحت مدينة الجزائر معقلا بمعنى الكلمة: زد على ذلك أنها غدت قصبة ولاية تركية كبيرة، تنعم في الواقع بالاستقلال عن الآستانة، وقاعدة لعمليات كثير من القرصان. وقد أسهمت كل هذه العوامل في نهضتها الاقتصادية والاجتماعية التي بدأت في القرن السادس عشر. ولا يعرف عن المدينة قبل العصر التركى إلا النزر اليسير. ومن الراجح أن سور المدينة الأصلي كان يمتد حتى السور التركى، ولكن كثافة المبانى في رحابه كانت أقل مما في رحاب التركى كثيرا. وكان السور التركى، وطوله 3.100 متر متصلا حتى من ناحية الساحل , وكان مدعمًا بأبراج وخندق. كان ثمة خمسة أبواب يلج منها الداخل إلى المدينة: باب السماكين، وباب الأسطول على جانب المرفا، وباب الواد إلى الشمال، وباب عزون إلى الجنوب، والباب الجديد إلى الجنوب الغربي. , LS وكان ثمة تحصينات أخرى تدعم الحماية التي يوفرها سور المدينة، وهي: القصبة التي أصبحت منذ سنة 1816 مقر داى الجزائر، وقد أقيمت سنة 1556 لتحل محل معقل بربرى على

رأس مثلث كانت المدينة آنئذ على هيئته، وقلعة الإمبراطور التي أقيمت على موتع معسكر شارل الخامس, وعدة قلاع ومواقع مدافع بين بابى الواد وعزون، بمحاذاة جبهة البحر، وعلى الجزائر السابقة التي كانت تحمى المرفأ. وأقام الأتراك قصرا اسمه "الجنينة" (أي الحديقة الصغيرة) في داخل المدينة، وكان قصر كبير الأساقفة السابق جزءًا منه، وقد استخدم قصرًا للحاكم حتى سنة 1816. في الجزء الأدنى من المدينة قرب المرفأ أقام عدة أعيان من الترك والسراة مساكن فاخرة لهم. وكان زخرفها الداخلى- الذي يعتمد على ذوق صاحبها ومبلغ سيطرته على أعالى البحار- من أصل أوربى (البلور البندقى، والقاشانى الهولندى ... إلخ). وقد أقيم كثير من المساجد: أشهرها الجامع الجديد (يسمى أيضًا مسجد السماكين) في ساحة الحكومة (سنة -1660 م). وكان ثمة أيضًا عدد من الثكنات والسجون، ولكنها جميعا قد درست أو كادت. وبين أيدينا تقديرات إجمالية فحسب لعدد سكان المدينة في مختلف العهود. إذ يقدر هايدو بستين ألف نفس في نهاية القرن السادس عشر، ويقول دان P.Dan إنهم بلغوا مائة ألف نفس سنة 1634, على حين جعلهم فنتور ده بارادى Venture de Paradis 50.000 نسمة فحسب في نهاية القرن الثامن عشر، و 30.000 نسمة سنة -1830. وكان السكان دائمًا خليطًا متعددى الأجناس جدًّا, كان ثمة الأتراك، وقوامهم من رجال الجيش والإدارة (بلغ عددهم 4000 سنة 1830) , والقلغلى (بالتركية: قول أوغلى، انظر أولاد الناس في مصر) وهم سلالة الأتراك ونساء وطنيات من أهل ذلك الإقليم، وكان الأتراك يحتقرونهم، والأسر القديمة المتأصلة الجذور، وهم في كثير من الأحيان من أصل أندلسى أو مغربى، وهم أيضًا قوام طبقتى التجار والصناع أهل القبائل المتعددة، وهم طبقة العمال، والصحراويون من بسكرة ومزاب, واليهود (4000 سنة

1830) وأغنى أغنيائهم قدموا من لكهورن في القرن الثامن عشر، وتمتعوا بالمزايا التي كان يتمع بها الأوربيون! وبعض الأوربيين من رجال الأعمال والقناصل, ثم أخيرًا أسرى المسيحيين الذين بلغ عددهم سنة 1634 خمسة وعشرين ألف نسمة (انظر دان). ومن الجلى أن السكان كانوا من أهل البحر المتوسط بمقدار ما كانوا من أهل شمالي إفريقية. وقد وضعت مدينة الجزائر، فيما بلغ إليه علمنا، تحت سلطة رئيس الحكومة مباشرة. وكان النظام القضائى يقوم عليه قاضيان، أحدهما حنفى للأتراك والآخر مالكى للعرب، وكانا يعملان معا مع محكمة من الأحبار والقناصل تمثل الأقليات اليهودية والنصرانية. وكانت قوات الشرطة من الشاوشية (من الكلمة التركية "جاوش")! تحت إمرة "باش شاوش"، وكانت قوة تتناول شئون الأتراك وقوة أخرى تتناول شئون المغاربة، واستكمالا للأدارة كان ثمة "شيخ البلد"، و"مِزوار" وهو نظير المحتسب في المدن المراكشية على تفاوت في ذلك. وكان للمجتمع اليهودى نظمه، وكان الأوربيون ينعمون بحماية قناصلهم المختصين. وكانت القرصنة هي الحرفة الكبرى في العصر التركى، وقد اتخذت صورة الجهاد أو الصراع بين الإمبراطورية العثمانية والامبراطورية النمسوية الأسبانية لشارل الخامس وفيليب الثاني، وأصبحت من بعد عملا مربحا، ومن ثم الشغل الشاغل للسكان، وقد جنت جميع قطاعات السكان الربح منهاة الحكومة التي تلقت جزءًا من الغنائم، والأفراد الذين أقاموا شركات لتسليح السفن، والعامة الذين أفادوا من كرم القراصنة، وملاك السفن الأغنياء، وقد أدت القرصنة أيضًا إلى تدفق المغامرين على الجزائر، ومعظمهم أوربيون ينتمون إلى البحر المتوسط، "ارتدوا العمامة" ليتركوا - العنان لروح المغامرة فيهم، أولمجرد تحاشى الوقوع في أيدى الذين يتاجرون في الرقيق. وقد قدر أن عدد المرتدين عن دينهم

الأصلي في مدينة الجزائر بلغوا 8.000 سنة 1634. وأثارت مثل هذه القرصنة الدول الأوربية ودفعتها إلى الانتقام، واتخذ هذا الانتقام بصفة عامة صورة قذف مدينة الجزائر بالقنابل من البحر، وأحدث بعض هذا القذف أضرارًا جسيمة. وقد قذف الأسبان مدينة الجزائر سنة 1567 وسنة يفلحوا فيما تلا ذلك من محاولة النزول إلى البر) وسنة 1783, كما فعل ذلك الدانيماركيون سنة.1770. وكان معظم الحملات من قبل فرنسا (سنة 1661, 1665 , 1682, 1683، 1688) وإنكلترة (سنة 1622، 1655, 1672. وقمعت حركة القرصنة إلى حد كبير قبيل نهاية القرن الثامن عشر، إلا أنها انتعشت أثناء حروب الثورة الفرنسية والإمبراطورية الأولى، وقام الإنكليز من ثم برمى المدينة بالقنابل سنتى 1816, 1825. وكان الغزو الفرنسى سنة 1830 قد أعد له سنة 1808 الماجور روتان Routin، وهو ضابط مهندس بعث به نابليون ليقدم تقرير شاهد عيان عن الظروف التي تقتضي القيام بمثل هذا الغزو بنجاح. وقد اتبع المعالم العامة لخطته أولئك الذين جهزوا لحملة سنة 1830.ورست القوات الفرنسية على ساحل شبه جزيرة فروش إلى الغرب من مدينة الجزائر، في 14 يونية، وما وافى اليوم التاسع والعشرون حتى كانوا قد بلغوا تحصينات قلعة الإمبراطور، فاحتلوها في 4 يولية، وسلمت المدينة نفسها في اليوم التالي دون أن يلحق بها أي ضرر. وعاش الفرنسيون سنوات كثيرة في نطاق الحدود الحضرية القائمة، ولو أنهم اندفعوا خارج هذا النطاق في موضع أو موضعين, على أن عدد سكان المدينة زادوا، فامتدت شمالا (حي باب الواد) وجنوبا (حي باب عزون)، وتمتد عاصمة البلاد اليوم إلى

الأحياء شبه الحضرية: سانت أوجين (شمالا) والداى حسين (جنوبا بشرق) وبئر مراد رئيس (جنوبا) والأبيار (جنوبا بغرب) بل تمتد إلى قرابة بوزريعة (غربا). وظل نموها متصلا لا ينقطع، وهو اليوم يأتي على الساحات المكشوفة والحدائق التي كانت تكتنف المدينة من قبل. وقد طرأ على المرفأ توسع كبير في السنوات الحديثة، وفي سنة 1955 سجل المرفأ حركة 9387 سفينة و 50.000 راكب. ويسد الميناء الجوى ميزون بلانش (على مسيرة 25 كيلو مترا شرقي المدينة) جميع متطلبات خدمات الطيران الدولى الحديث. وقد عدل تنظيم المحلية منذ أبريل سنة 1959, وقسمت المدينة إلى أثمان على النمط الفرنسى، وهي مع النواحى المجاورة البلدية الوحيدة لمدينة الجزائر الكبرى. وأصبحت مدينة الجزائر بعد نزول القوات الانكليزية الأمريكية في 8 نوفمبر سنة 1942 العاصمة المؤقتة لفرنسا حتى تحررت باريس في أغسطس سنة 1944. وغدت مدينة الجزائر نفسها منذ أوائل الثورة الجزائرية في أول نوفمبر سنة 1954، مشهد أحداث سياسية لها أهمية بعيدة الأثر، وخاصة أحداث 6 فبراير سنة 1956 و 13 مايو سنة 1958، و 24 يناير سنة 1960 والأيام التالية. وأصبحت المدينة قصبة بلاد الجزائر المستقلة منذ أول يولية سنة 1962. المصادر (1) B 8, Corpus Inscr . Latin جـ 15 (إيكوزيوم) والملحق (2). S.Colin: Corpus des incsriptions l'Algdrie arabes et turques de جـ 1، إقليم مدينة الجزائر، باريس سنة 1901 (3) ابن حوقل، توجمة ده سلان في. Jour. As فبراير سنة 1842، ص 183. (4) البكرى: . Desct de L, Afr . Sept ص 66, ترجمة ده سلان، ص 156 - 157. (5) الإدريسي: Extraits، طبعة H.Peres ص 62.

(6) العبدرى: Notices et extraits du voyage d, El- Abdari . ترجمة bonneau في .. Jour. As سنة 1854، جـ 2 (7) Descr. de: Leo Afrique I, Afrique ترجمة Epaulard جـ 2، ص 347 - 350. (8) Topographia e historia: D.Haddo general de Argel بلد الوليد سنة 1612، الترجمة الفرنسية بقلم Monnereau et Berbrugget في، سنة. 1870 - 1871. (9) Histoira des rois d'Alger الترجمة الفرنسية بقلم H. de Grammont في. سنة 1880 - 1881. (10) Histoire de Barbaric et P. Dan es de ses carsair، باريس سنة 1637, ص 94 - 138. (11) Alger au: Venture de Paradis XVIIIe siecle طبعة فانيان Fagnan مدينة الجزائر سنة 1898. (12) Reconnaissance de lo: Boutin forts et batteries d'Alger vile, des في d'Alger: Nettement Hist. de la conquete, باريس سنة 1879 ص 574 - 599. (13) Histoire: H. de Gramm d, Alger sous la domination torque، باريس سنة 1887. (14) The Barbary: S. Lane poole Corsairs لندن سنة 1890. (15) Les edifices re-: A. DevoulxLes digieux في d'Alger في. RAfr جـ 6 - 8. (16) Feuillets d' El-: H. Klein Djezair مدينة الجزائر سنة 1937. (17) Alger: Lesp 6 s باريس سنة 1930. (18) Les cemmencements: G. Esquer d'un Empire. La Prise d'Alger. باريس سنة 1929. (19) الكاتب نفسه: Alger et sa re gion باريس سنة سنة 1949 (20) Le Port d'Alger: Laye مدينة الجزائر سنة 1951. (21) Documents Algeriens, السلسلة الاقتصادية، رقم 82 - 83، السلسلة الثقافية، رقم 55 - 56 و 62. خورشيد [له تورنو R. Le Tourneau].

الجزار باشا

الجزار باشا أحمد: باشا عكا، بسنوى المولد وإن قيل إنه من ودين أونيش. وُلدَ حوالي عام 1132 هـ (1720 م) وخَدم في أول أمره الصدر الأعظم حكيم أوغلى على باشا. وقد اصطحبه على باشا إلى مصر عندما ولى عليها للمرة الثانية، ثم رحل عنها إلى مكة ليؤدي فريضة الحج. ولما عاد من الحج وجد أن على باشا صرف عن ولاية مصر فالتحق بالمماليك. فباع نفسه إلى عبد الله بك أحد مماليك على بك عام 1168 هـ (1755 م). ووكل إليه عندما كان كاشفا لمديرية البحيرة تأديب البدو الذين قتلوا عبد الله بك، فانتقم له بذبح أكثر من سبعين عربيا، فلقب من أجل ذلك بالجزار. واتهم الجزار بالاشتراك في مقتل صالح بك، ففر إلى تركية أوربا متنكرًا في زى رجل جزائرى، ولكنه سرعان ما عاد ثانية ليتزوج من ابنة زعيم بدوى من زعماء البحيرة من قبيلة هنادى. وجعل جزار باشا لنفسه في الشام مركزًا مستقلا، وذلك بمعونة فرقة من الجند كونها من شراء العبيد، ومنح في عام 1181 هـ (1767 م) لقب ميرميران، ثم جعل في عام 1189 هـ (1775) بكلربك الروملى. وأقيم في العام نفسه واليا على إيالة صيدا مكافأة له على خدماته التي أداها للباب العالى في مسألة طاهر عمر. واستغل منصبه في تحصين عكا وجعلها مقرًا له. وعين في مناسبات كثيرة واليًا على الشام وأميرًا للحج. وفي عام 1213 هـ (1799 م) هزمه نابليون بونايرت، فارتد إلى عكا، ودافع عنها بمعاونة الأسطول الأنكليزى بقيادة السير سدنى سميث الذي أمده بالمهندسين والمدفعيين والذخائر. وبدأ حصار عكا في الحادي والعشرين من مارس وانتهى في العشرين من مايو بعد عدة هجمات باءت بالخيبة، وفي الرابع من أبريل قام الجزار باشا من ناحيته بهجوم لم يوفق فيه، وكان قصده تسهيل حركات الجيش التركى. واحتكر الجزار باشا تجارة القمح والقطن، وابتنى بالأموال الوفيرة التي اغتصبها ثلاث عمائر رائعة في عاصمته هي: مسجد وبئر وسوق. وعده الباب العالى من الخارجين عليه، ولكنه نجا من العقاب لقيام حركة الوهابيين، وغدا مرة أخرى واليا على الشام وقائدًا أعلى في

الجزولى

بلاد الحجاز، ولكن المرض حال بينه وبين متابعة مشاريعه، وتوفى أحمد الجزار باشا عام 1219 هـ (1804 م) بالغًا من العمر سبعين عامًا. المصادر: (1) جودت: تاريخ، جـ 7، ص 70، 117، 353 , 386. (2): Syrie, Libon et: V. Cuinet Palestine ص 102. [إيوار CI. Huart] الجزولى أبو عبد الله محمد بن سليمان بن أبي بكر الجزولى السملالى: متصوف مراكشى، يقول كتاب سيرته وإخوانه في الطريقة إنه من نسل النبي - صلى الله عليه وسلم -]، شأنه في ذلك شأن جميع شيوخ الطرق الدينية، وإن كنا مع ذلك لا نعرف على التحقيق اسم أبيه بله جده. وهو من قبيلة جزولة ألبربرية التي استقرت في السوس المراكشية، فيما بين المحيط الأطلسي وصحراء أطلس والمجرى الأدنى لوادى درعة. وبدأ الجزولى دراسته مدة في مسقط رأسه، ثم ذهب إلى فاس ليلتحق بمدرسة الصفارين حيث لا تزال الغرفة التي عاش فيها باقية إلى اليوم. وما إن عاد إلى بلده حتى اشترك في نزاع قبلى اضطر معه إلى المهاجرة إلى مراكش الشمالية. وبعد نضال مرير تبرأ كل فريق من المتنازعين من دم رجل وقع صريعًا في ساحة القتال، وكاد النضال يعود من جديد، وهنالك ظهر الجزولى فجأة في ساحة القتال بعد أن رأى الأمور تسير من سيئ إلى أسوأ، وأعلن أنه هو الذي قتل الرجل. وكان العرف المتبع إذ ذاك يقضى بنفى القاتل، فرحل الجزولى إلى طنجة وأبحر منها إلى المشرق. وصرف أربعين (؟ ) عاما في مكة والمدينة وبيت المقدس. ولما عاد إلى فاس صنف كتابه "دلائل الخيرات" مستعينا بالكتب المحفوظة بمكتبة القرويين. فألحقه الشريف أبو عبد الله محمد بن آمغار الصغير بطائفة الشاذلية، وكان ابن آمغار يعيش في تيطنفطر (تيط الحديثة) على ساحل المحيط الأطلسي على مسيرة بضعة أميال إلى الجنوب الشرقي من البريجة (مازكان). وذهب الجزولى إلى آسفى (سفى) بعد أن أمضى أربعة عشر عامًا في

خلوة يتعبد فيها، وسرعان ما مال إليه أتباع كثيرون من هذه البلدة فاضطر والى المدينة إلى إخراجه منها. وسأل الجزولى ربه أن ينزل غضبه على المدينة فاستولى عليها البرتغال، وظلت في حوزتهم أربعين عامًا. وتذهب إحدى الروايات إلى أن والى المدينة دس السم للجزولى لأنه رأى فيه المهدي الفاطمى المنتظر، وتوفى الجزولى في وهو قائم بالصلاة في يوم الأربعاء (كذا) من ذي القعدة عام 869 أو 16 ربيع الأول عام 870 أو 873 أو في 16 ربيع الأول عام 875 (25 يونية-24 يولية 1465، 7 نوفمبر 1465، 2 أغسطس 1467 - 21 يولية 1468، 13 سبتمبر 1470). وصمم أحد أتباعه: عمرو بن سليمان الشيظمى- ويعرف بالسياف، وقد اذعى النبوة بعد ذلك- أن يثأر للجزولى. فبعد أن وارى جثه- شيخه في تابوت رفع راية العصيان وظل عشرين عاما يخرب إقليم السوس بالنار والحديد. وحمل معه التابوت الذي به جثمان أستاذه وأخذ يعرضه كل مساء في مكان يعرف بالرباط وحوله نفر لحراسته وتضيئه طوال الليل شمعة بطول الرجل قائمة في إناء ملئ بالزيت، ولما توفى عمرو السياف عام 890 (18 يناير 1485 - 6 يناير 1486) دفن الجزولى في ناحية "حاحة" بمكان يدعى آفغال أو آفوغال. وبعد ذلك بسبعة وسبعين عاما أخرج السلطان أبو العباس أحمد الملقب بالأعرج بعد دخوله إلى مراكش- بقايا رفات الجزولى من مقبرته هي وبقايا رفات والد السلطان الذي دفن إلى جانبه، وربما كان ذلك لأغراض سياسية، وأخذ معه التابوتين إلى مراكش ودفن الجثتين هناك. ويظهر أن جثة الشيخ لم يكن قد أصابها الانحلال بعد أن أخرجت من مقبرتها، وهذا يدعو إلى الظن بأن الوفاة حدثت قبل ذلك بوقت قصير. وكان الجزولى- إلى جانب درايته الواسعة بمذاهب الصوفية- فقيها متضلعًا يعرف عن ظهر قلب المدونة والمختصر الفرعى لابن الحاجب. ولا نعرف من مصنفات الجزولى في التصوف إلا ما يأتي: 1 - دلائل الخيرات وشوارق الأنوار في ذكر الصلاة على النبي [- صلى الله عليه وسلم -] المختار.

وهي مجموعة صلوات على النبي [- صلى الله عليه وسلم -] مع وصف ضريحه وذكر- أسمائه وغير ذلك، وقد طبعت أكثر من مرة في القاهرة والآستانة وسانت بطرسبرغ سنة 1842. 2 - حزب الفلاح وهو لا يزال مخطوطة في برلين رقم 2886, كوتا 820، ليدن 2200 3 - حزب الجزولى ويعرف أيضًا باسم "حزب سبحان الدائم لا يزول" وهو من تواليف الشاذلية، وقد كتب بالعامية. والجزولى منشئ طريقة شاذلية تعرف باسم، يردد أتباعها البسملة أربع عشرة ألف مرة، ودلالو الخيرات مرتين في اليوم، ويتلون في الليل دلائل الخيرات مرة واحدة هي والربع الأخير من القرآن. المصادر: (1) ابن القاضي: جذوة الاقتباس فيمن حل من الأعلام مدينة فاس (فاس سنة 1309 هـ) ص 135. (2) أحمد بابا: نيل الابتهاج بتطريز الديباج (فاس سنة 1317 هـ)، ص 339. (3) الكاتب نفسه: كفاية المحتاج، مخطوط بمدرسة الجزائر ورقة رقم 174. (4) محمد المهدي الفاسى: ممتع الأسماع في ذكر الجزولى والتباع وما لهم من الأتباع (فاس 1313) ص 2 - 33. (5) القادرى: الإشراف على نسب الأقطاب الأربعة الأشراف، فاس سنة 1309 هـ (6) أبو حامد: مرآة المحاسن من أخبار أبي المحاسن، مخطوط بالمكتبة الأهلية بالجزائر 1717, ورقة رقم 141 (7) الوفرانى: نزهة الحادي، طبعة هوداس، باريس سنة 1888 والنص العربي، ص 18. (8) أحمد بن خالد الناصرى السلاوى: الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى، القاهرة 1312 هـ، جـ 2, ص 161, جـ 3 ص 7. (9) Gesch. der - Arab: Brockelm Lin جـ 2، ص 252 وما بعدها. [محمد بن شنب]

+ الجزولي أبو موسى عيسى بن عبد العزيز بن يللبَخت بن عيسى بن يوفريلى: من قبيلة جَزولة البربرية، بفتح الجيم لا بضمها كما يقول ابن خلكان. والأصح كزولة (كزولة الحديثة) وهي بطن من اليزدكتن في مراكش الجنوبية، واشتهر الجزولى بمقدمته القصيرة لدراسة النحو العربي المعروفة باسم القانون. ذهب الجزولى إلى المشرق للحج إلى مكة والمدينة وذلك بعد أن أتم دراسته الأولى في مراكش. وحضر في القاهرة على الفقيه اللغوي المشهور أبي محمد عبد الله بن برى، بل يقال إن رسالة القانون ما هي إلا صورة طبق الأصل من محاضرات أستاذه في جُمل الزجاجى. ومما يؤيد ذلك اعتراف الجزولى بأنه ليس هو مصنف هذه الرسالة. ودرس الجزولى في القاهرة أيضًا صحيح البخاري على أبي محمد بن عبيد الله، وكان يعيش في فقر مدقع، وكثيرا. كان يقوم بأعمال الإمام في مسجد قريب كى يكسب بعض المال يستعين به على قضاء حوائجه حتى يتمكن من إتمام دراسته، ذلك أنه لم يستطع الالتحاق بمدرسة من المدارس. ومكث الجزولى عند عودته من المشرق مدة في بجاية انصرف فيها إلى تدريس النحو ولكنه كان دائما في عوز شديد. وكان الجزولى في الجزائر عام 543 هـ (1148 - 1149 م) وأشرك معه أبا عبد الله بن محمد بن قاسم بن مَنْداس -أحد نحاة آشير- في رسالة القانون. وذهب بعد ذلك إلى المرية في الأندلس Jj ودرس فيها النحو مدة من الزمن. وهناك تعهد نسخته من كتاب الأصول لابن السراج وكان يدرسها على ابن برى وعليها خطه. وأخبر الرجل الذي أعد هذه النسخة من كتاب الأصول مع الجزولى، أبا العباس المغربي- وكان في ذلك الوقت اشهر زاهد في تلك الناحية من العالم- برقة حال الجزولى فتوسط له بنفوذه لدى سلطان الموحدين، فعينه خطيبا للمسجد الجامع في مراكش. وتوفى الجزولى في أزمور عام 606 هـ أو , 607 أو 610 أو في عام 616 كما يقول ابن قنفذ في كتابه: "الوفيات": ونذكر من تلاميذ الجزولى: زين الدين أبا الحسين يحيى بن عبد المعطى (أو ابن معطى فحسب) ابن عبد الرحمن الزواوى

جزيرة

وهو أول نحوى نظم ألفية، وأبا على عمر ابن محمد بن عمر بن عبد الله الأزدى الشلوبينى الذي كتب شروحًا لرسالة أستاذه المسماة القانون. وهناك نسخ من هذه الشروح في مكتبة الأسكوريال (Catalogue: Derenbourg رقم 2، 36، 190). ونذكر من مصنفات الجزولى ما يلي: 1 - شرح لقصيدة بانت سعاد لكعب ابن زهير (طبعة R. Basse الجزائر سنة 1910). 2 - القانون وتعرف أيضًا باسم المقدمة الجزولية. 3 - شرح على القانون. 4 - أمالى في النحو. 5 - مختصر لشرح أبي الفتح عثمان بن جنى لديوان المتنبي. 6 - شرح على أصول ابن السَراج. المصادر: (1) ابن الأبار: التكملة، طبعة Godera مدريد سنة 1889, رقم 1932. (2) ابن خلكان، طبعة ده سلان، ص 486, طبعة القاهرة، سنة جـ 1، ص 394. (3) السيوطي: بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة، القاهرة، سنة 1326 هـ ص 369. (4) الغبرينى: عنوان الدراية فيمن عرف من العلماء في المائة السابعة ببجاية، الجزائر سنة 1911، ص 231. (5) ابن قنفذ: الوفيات، مخطوط في حوزتى. (6) أحمد بن علي الدلجى: الفلاكة والمفلوكون، القاهرة سنة سنة 1322 هـ ص 91. (7) Gesch der Ar -: Brockelmann . abischen Litter فيمار سنة جـ 1، ص 308: [محمد بن شنب] جزيرة والجمع جؤائر: مصطلح يدل في جوهره على الجزيرة بمعناها المعروف، ويدل ثانيًا على شبه جزيرة مثل "جزيرة الأندلس، و"جزيرة العرب" ويتوسع في معنى الجزيرة فيطلق اللفظ أيضًا على الأراضي الكائنة بين نهرين كبيرين أو

على الأراضي التي يفصلها عن بقية قارة منفسح صحراوى، وتدل كلمة جزيرة كذلك على قطر بحرى (انظر - Asin Pa Aberhazan de Gordoba: lacios. مدريد سنة 1927 - 1932 - جـ 1، ص 291، تعليق 347) كما يطلق متبوعًا بالنخل أو غير متبوع على الواحة (انظر Dozy: Suppl هذه المادة)، ثم نجده، منسوبا إلى الإسماعيلية أو غير منسوب، اسما يدل على منطقة دعوة (انظر S. de Sacy: .Expos 6 de la religion des Druzes 114، The Organization of the: W. Ivanov Fatimid Propaganda في Journal of the Bombay Branch of he Royal Asiatic Society جـ 15، سنة 1939، ص 10، و Ismaili tradition concerning the rise of the ص 20 - 21. خورشيد [هيئة التحرير] + الجزيرة: جزيرة أقور أو إقليم أقور (انظر عن أقور أو أثور: ياقوت، جـ 1، ص 340, 119 جـ 2، ص 72): هو الاسم الذي استعمله جغرافيو العرب للدلالة على الجزء الشمالي من الأرض القائمة بين نهر دجلة ونهر الفرات. على أن الجزيرة تشمل أيضًا الأقاليم والمدن التي تقوم عبر نهر دجلة الأعلى في الشمال (ميافارقبن، وأرزن وسعرت) إلى الشرق من الامتداد الأوسط للنهر (باعيَنْاثَى، وخابور الحَسنَية والزابين). ويعد من الجزيرة على هذا النحو أيضًا، شقة من الأرض تقوم إلى الغرب بمحاذاة الضفة اليمنى للفرات في جوار طريق الفرات. والجزيرة هضبة متوسطة الانخفاض تشمل طائفة بعينها من الجبال هي قرجا داع بين أمد والفرات، وطور عابدين بين ماردين وجزيرة ابن عمر، وجبل عبد العزيز بين بللئ والخابور، وجبل سنجار بين الخابور ودجلة، وجبل مكحول جنوبي الموصل. وتنبع من هذه الجبال نهيرات مختلفة نخص منها فروع الضفة اليسرى للفرات، وهي بليخ الذي يقبل من إقليم حزان، والخابور الذي يقبل من رأس عين بفرعه هرْماس الذي ينبع من طور عبدين: وتقوم في جبل سنجار ينابيع نهر لرثار الذي يصب في الصحراء ويغيض ماؤه فيها. وتحدّ الجزيرة من الغرب الشام، ومن الشمال الغربي إقليم ثغور الجزيرة، ومن

الشمال والشمال الشرقي أرمينية، ومن الشرق أذربيجان، ومن الجنوب العراق ويبدأ هذا الحد من خط يمتد من الأنبار إلى تكريت. والجزيرة ثلاث كور: ديار ربيعة في الشرق، وديار مضر في الغرب، وديار بكر في الشمال نسبة إلى القبائل التي كانت تنزل بها في الجاهلية وفي صدر الإسلام؛ على أنه كان في الجزيرة عرب حتى في العصور القديمة، وكانت إحدى كورها في هذه العصور- وهي كورة نصيبين- تسمى عند الفرس أرفستان وعند الأراميين: بيت أربايا. وكان يسكن الجزيرة علاوة على العرب، عدد كبير من العناصر الأرامية، وخاصة في طور عبدين، كما كان عدد من الأماكن بها يحمل أسماء آرامية، وكان ثمة أكراد في إقليم الموصل وأرمن إلى الشمال من نهر دجلة الأعلى. والجزيرة لها أهمية تاريخية عظيمة، ذلك أنها كانت تقوم عند تقاطع خطوط المواصلات بين العراق والأناضول (تقطعها سكة حديد بغداد) والعراق وسورية على الثنية الكبرى لما يسمى بالهلال الخصيب، وبين الأقاليم الأرمنية الإيرانية وسورية من ناحية والعراق من ناحية أخرى. وكانت الجزيرة تشمل كثيرًا من بلدان الأسواق والمدن تقوم على النهرين وعلى فروعهما في طور عبدين وعلى طول الطريق الذي يربط بين الموصل والرقة. وكانت الجزيرة في العصر الروماني البوزنطى مقسمة بين بلاد فارس ورومة وبوزنطة. وكانت بوزنطة زمن الفتح العربي مستحوذة على الإقليم الذي يمتد من رأس عين إلى الفرات والسهل الممتد إلى الجنوب من طور عبدين. وكان الحد يقوم بين نصيبين ودارا عند قلعة سَرْجَة (ياقوت، جـ 2، ص 516 جـ 3، ص 70, أبو يوسف يعقوب: كتاب الخراج، طبعة سنة 1302 هـ ص 22، ترجمة فانيان، ص 62). وبعد فتح الشام عزلت الحاميات البوزنطية ولم تعد تستطيع الاتصال بالإمبراطورية البوزنطية إلا عن طريق أرمينية، ومن ثم لم يلق عياض بن غَنْم آية مقاومة، وفتح الجزء الغربي من الجزيرة بين سنتى 18 و 20 هـ (639 - 631 م) , والجزء الشرقي سنة 20 هـ (641) علي يد جنود قادمين من العراق (البلاذرى، ص 171. وما بعدها، طبعة القاهرة، ص 179 وما بعدها).

وشهدت الجزيرة في العصر الأموى صراعًا بين الشآميين وشيعة العراق، فقد قتل سليمان بن صُرَد، الذي كان يظاهره زفر بن الحارث القيسى، سنة 65 هـ (685 م) في معركة بالقرب من رأس عين دارت بينه وبين نائب عبيد الله بن زياد. ولما انتصر المختار على الشآميين سنة 67 هـ (686 م) على فرع من فروع الزاب، احتل المنتصرون نصيبين ودارا وسنجار (انظر الطبري وابن الأثير في هاتين السنتين). وقد اضطر عبد الملك إلى فتح الجزيرة قبل أن يتمكن من أن يشخص لهزيمة مصعب بن الزبير في دير الجاثليق بالعراق سنة 72 هـ (691 م): وفي الجزيرة أيضًا وقع القتال بين القيسية والتغلبية قبل هذا التاريخ وبعده (انظر الطبري Das Arahicche - Wellhaacen La j? Y 1 u Reich ص 126 وما بعدها, الترجمة الانكليزية، ص 202 وما بعدها). وعلى هذا النحو شبت عدة فتن في الجزيرة أيام الحجاج وبعد ذلك في عهود الخلفاء الأمويين 21 الأخيرين حين نجح خوارج الجزيرة في الاستيلاء على مقاليد السلطة (انظر Oppositionspartin: Wellhausen، ص 41 وما بعدها). وفي الجزيرة، بحران، اتخذ مروان الثاني آخر خلفاء بنى أمية قصبته. ولما تولى معاوية ولاية الشام ضمت الجزيرة إلى ولايته، ثم أصبحت الجزيرة من بعد ولاية قائمة بنفسها تضم ثلاث كور، تولى أمرها حينا أفرد من الأسرة الأموية مثل محمد بن مروان ومسلمة بن عبد الملك اللذين كانا في الوقت نفسه واليين على ولاية أرمينية المجاورة لها. وكانت الموصل قائمة برأسها، ولم تصبح قصبة الجزيرة إلا في عهد مروان الثاني. ولم تخضع الجزيرة للعباسيين إلا بعد مقاومة، بل لقد وقعت أحداث خطيرة في الموصل حين أنفذ إليها محمد بن صول ثم يحيى أخو الخليفة العباسى الأول (انظر ابن الأثير في حوادث عام 32 هـ طبعة سنة 1313, ص 163, 166 - 167). وقد شهدت الجزيرة فتنة عبد الله بن علي عم المنصور، ثم شهدت من بعد، أي في عهد المأمون، فتنة نصر بن شبَث التي اكتسحت الجزيرة ولم يقض عليها إلا عبد الله بن

طاهر، والى الشام والجزيرة، بمشقة سنة 209 هـ (821 م). وكذلك أخمدت بمشقة فتنة كردلِة إلى الشمال من الموصل في عهد المعتصم. وقامت فتن الخوارج مرة أخرى وفي الجزيرة، وخاصة بعد عهد المهدي. وقد عرفت ولاية الجزيرة بأنها معقل الخوارج مما جعل الجاحظ يقول: "أما الجزيرة فحرورِيَة شارِية وخارجة مارقة" (الجاحظ: في مناقب الترك، طبعة سنة 1324 هـ, ص 10، وانظر عن الخوارج في الجزيرة: حدود العالم، ترجمة مينورسكى، ص 140). ووقعت في عهد هارون الرشيد فتنة الوليد بن طريف الخارجى التغلبى (انظر ابن الأثير، جـ 6، ص 47). وحدثت وقائع عنيفة من التمرد الخارجى في النصف الثاني من القرن الثالث الهجرى (السادس الميلادي) أحدثها مساور ثم هارون الشارى من يعده وقد قضى المعتضد على هاتين الفتنتين. وحدث في العصر العباسى أن فصلت الموصل في بعض الأحيان عن حكم الجزيرة، وكانت الولاية في أحيان أخرى تندرج في تقسيمات إدارية أكبر. فكانت أرمينية، وهي الولاية المجاورة للجزيرة، ترتبط بها في كثير من الأحيان أو تتحد مع ديار بكر عند الضرورة، ونذكر من ولاة الجزيرة الجديرين بالتنويه: طاهر بن الحسين، ثم ابنه عبد الله بن طاهر في عهد المأمون. وفي النصف الثاني من القرن الثالث الهجرى (التاسع الميلادي) تملصت الجزيرة مدة من إسار السلطة المركزية وأصبحت تابعة لحاكم مصر الطولونى وذلك في ولاية إسحاق بن كنداجيق ثم في ولاية محمد بن أبي الساج، ثم في ولاية ابن إسحاق. ولكن الخليفة المعتضد استرد الجزيرة بعد سنة 279 هـ (892 م). والجزيرة وطن الأسوة الحمدانية التي عمدت بعد كثير من التجوال (كان حمدان نفسه جد هذه الأسرة خارجيا) إلى مد سلطانها على الولاية بأسرها التي كانت مقسمة بين الأمارتين الحمدانيتين الموصل وحلب اللتين كانتا مستقلتين تماما تقريبا وإن كانتا تعترفان بسلطان الخليفة، ثم انتقلت بعد ذلك إلى حكم بويهية بغداد بعد

الفتح الذي تم على يد عضد الدولة سنة 367 هـ (977 م). وهنالك قسمت، نتيجة للضعف المتزايد الذي لحق بالبويهيين، بين المروانيين في الشمال (ديار بكر) والعقَيْليين (الموصل) الذين اعترف أمير من أمرائهم هو قرْواش بن مُقلد سنة 401 هـ (1010 - 1011 م) بسيادة الفاطميين. وقد قضى السلاجقة على حكم هاتين الأسرتين. وكانت الجزيرة ولاية غنية خصيبة بالنسبة لغيرها من الولايات، تمدها أنهارها بالماء، ولم تعدم فيافيها الكثيرةُ المراعي العيونَ والآبار. وقد كان المثلث المحصور بين الجبلين الأرمنيين: جبل عبد العزيز وجبل سنجار، منطقة مزروعة مترامية الأطراف، وكذلك كانت تقوم أيضًا مناطق زراعية كبيرة على طول نهرى بليخ والخابور. ومن أهم المحصولات والمنتجات الزراعية في الجزيرة التي ذكرها المقدسي وابن حوقل بخاصة: الخيول، والأغنام، والحبوب (كانت الموصل تزود بغداد وسأمراء بالدقيق- انظر الصولى: أخبار الراضى، ص 76, 109 , الترجمة، ص 133، 177 - وقد اشتهرت الطواحين المتنقلة بالموصل وبلدَ) والأرز (نصيبين) وزيت الزيتون (الرقة وماردين) والزبد، والجبن، وقصب السكر (سنجار)، والدجاج، والفواكه الطازجة والمجففة والزبيب والبندق (نصيبين) والمربى (كُبيط) وعسل النحل، واللحم المقدد (نمسكود) والفحم النباتي، والقطن (حزان ووادي الخابور) إلى غير ذلك. ونذكر من بين منتجات الصناعة والحرف المحلية: الصابون، والقطران، والحديد، والدلاء، والمدى، والسهام، والسلاسل، واللجم، والموازين (حران ونصيبين) والكتان والمنسوجات الصوفية (آمد) ومطارق القصارين. وازدهرت التجارة في الجزيرة بفضل الملاحة في دجلة والفرات. وكانت جزيرة ابن عمر هي الثغر الذي تشحن فيه البضائع من أرمينية وبلاد الروم، وبالس لشحن البضائع من الشام. ولذلك لم يكن بعجيب أن تجنح السلطة القائمة ببغداد في جميع الأحوال إلى الاحتفاظ بالجزيرة تحت سلطانها المباشر أو غير المباشر، وهذا يبين سياسة المعتضد

وسياسة السلطة المركزية في بغداد في العصر الحمدانى. ومن العسير أن نكون فكرة دقيقة عن موارد الجزيرة، ذلك أن مقاديرها تختلف اختلافا كبيرًا، وإذا قارن المرء الأرقام التي ساقها قدامة وأرقام ميزانية سنة 306 التي ذكرها فون كريمر (Ueber das Ein-: Von Kremer nahmebudget des Abbasiden - Reiches) بأرقام الخراج الذي أداه أمير الموصل الحمدانى أو طلب منه، لاحظنا هبوطا كبيرًا في الموارد التي كانت تؤديها الجزيرة. ويقول قدامة إن خراج ديار مضر كان ستة ملايين درهم، وديار ربيعة 9.635.000 درهم، والموصل 3.600.000 درهم. على أن ناصر الدولة الحمدانى اتفق سنة 332 هـ (944 م) على أن يؤدى عن ديار ربيعة وجزء من ديار مضر: 3.600.000 درهم, وفي سنة 337 هـ طلبت منه الدولة البويهية ثمانية ملايين درهم، ولكن الأمر استقر على ثلاثة ملايين، ويبدو أنه لم يؤد قط أكثر من مليونين من الدراهم. وحتى إذا اضفنا ما أدى عينا كان قليلا. ولكنه لم يكن بالمبلغ الهين في نظر السلطة المركزية. المصادر: (1) Le Strange ص 86 - 114 حيث وردت إشارات إلى جغرافيى العرب. (2) يضاف إلى ذلك كتاب "حدود العالم"، ترجمة Minonsky. انظر الفهرس. (3) Ueber die his-: E. Herzfeld torische Geographie von Mesepotemien في. Pei سنة 1909، جـ 12. (4) r-: 30 Sarre & E. Herzfeld (f -chaeologische Reise im Euphrat. / - and Ti gris - Gebeil في lamischen Kensi. في ثلاثة مجلدات، سنة 1911 - 1920. (5) Vom Mittelm-: Von Oppenhe Persischen Golf، في مجلدين سنة 1899 - 1900. (6) ص 38 وما بعد ها. (7) Les routes an-: A. Poidebard i ciennes de Haute Djezireh في Syria. جـ 8، سنة 1927.

الجزيرة الخضراء

(8) الكاتب نفسه: Syria .1 cheologique en Haute Djezireh, جـ 11، سنة 1930. (9) محمود الآلوسى: بلوغ الأرب، جـ 1، ص 217 وما بعدها. (10) Topographie his-: Dussaud itorzque ويتناول المدن على الفرات الأوسط وفي حوض الخابور، ص 447 وما بعدها، 481 وما بعدها. (11) Hist. de la dynastie: M. Canard des Hammdanides جـ 1، ص 75 - 143, 291 - 302 , 308 - 311، 334 وما بعدها 377 - 407, 418, 520 وما بعدها، 526 - 531، وفي مواضع مختلفة. خورشيد [كانار M. Canard] الجزيرة الخضراء Algeziras أو Algeciras, وقد سميت باسم إيله فرده Ila Verde المواجهة لها، ويقال أيضًا جزيرة أم حكيم: أول مدينة أندلسية استولى عليها طريف في رمضان عام 91 (يولية 710)، وهي على جون الجزيرة الخضراء أو جون جبل طارق، وقد استخدمها العرب هي وجبل طارق مرفأ ومرسى. وجرى الولاة الأولون ثم الأمويون ثم ملوك الطوائف ثم المرابطون ثم الموحدون ثم بنو نصر على العبور إلى الساحل الأفريقى من الجزيرة الخضراء، وظل هذا شأنهم إلى أن استولى الأذفنش الحادي عشر صاحب قشتالة على هذه المدينة عام 1342 بعد النصر الذي حازه على نهير سليط عام 1340. واستعادها ملك غرناطة أمدًا ما عام 1369 وخرب حصونها. ووقعت في حوزة الملك الحمودى محمد بن الخليفة القاسم من عام 428 إلي عام 440 هـ (1036 - 1048 م) ثم في حوزة محمد بن القاسم من عام 440 إلي عام 450 هـ (1048 - 1058 م) ثم انتقلت إلى ملوك بنى عَباد أمراء إشبيلية. وقد عقد في الجزيرة الخضراء ما بين أول يناير و 7 أبريل سنة 1906 المؤتمر الدولى الذي التمست مراكش عقده، وقد ضمن هذا المؤتمر باسم الدول العظمى استقلال هذه البلاد سياسيا واقتصاديا، وقرر إنشاء مصرف مراكشى وطنى وهيئة للشرطة تحت إشراف ضباط فرنسيين وأسبان.

المصادر: (1) Diccionario geogr.: Madoz frico - estadisticohistorico، جـ 1، ص 374 وما بعدها. (2) Die Provinz Codiz: Seybold , هال 1906. [تسيبولد Seybold] + الجزيرة الخضراء: وبالإسبانية Algeciras وقد اشتقت اسمها بالعربية من إيلة فرده Ila Verde المواجهة لها، في الجون القائم بين بونتا دل كارنيرو a Punt del CARNER وبونتاده أوروبا Punta de Eu ropa . وتسمى الجزيرة الخضراء أيضًا جزيرة أم حكيم نسبة إلى امرأة دخل معها طارق بن زياد شبه الجزيرة حين أعتقه موسى بن نصير وخلفها لها. وما من شك أن هذا هو المكان الذي أقيمت فيه يوليا ترادوكتا Julia Traducta على يد مستعمرين جلبوا من أرجيلة وطنجة. وفي هذا المكان أيضًا احتفظ بالزعماء الشآميين رهائن قدمها بلج بن بشر سنة 124 هـ (740 م) حين عبر من سبتة إلى شبه الجزيرة ليخمد فتنة البربر. وكان للمدينة أيضًا اسم لاتينى بونى مولدَ هو يوليا إيوزا Julia Io وهو نظير يوليا ترادوكتا. وفي عصر الرومان كانت الجزيرة الخضراء الحالية تسمى آدبورتوم ألبوم j Ad Portum Album وقد ورد في المصادر المسيحية إشارات إلى مكانين يسميان الجزيرة الخضراء، أحدهما على الجزيرة التي هجرت من بعد، والآخر على البر الأصلي احتفظ باسمه وأهميته منذ هيأ ميناؤه وجونه منذ أقدم العصور مرسى آمنا حتى في الشتاء، ثم هو مبدأ العبور إلى سبتة وبينها وبينه ثمانية عشر ميلا فحسب. وقد كان الموحدون في جميع الأحوال تقريبا يؤثرون العبور بطريق طريف- قصر شقر وطوله اثنا عشر ميلا، وقد حذا المرينيون حذوهم. والمدينة على تل يشرف على البحر، وأسوارها تمتد حتى شاطيء البحر، وتقوم القلعة المشيدة بالحجر بزاوية حادة فوق حلق الجبل الذي يحاذى المدينة إلى الشرق. ويخترق المدينة وادي العسل الذي احتفظ بهذا الاسم في الإسبانية. وتغطى ضفتيه البساتين والحدائق. وإلى الجنوب الشرقي، غير بعيد من باب البحر، مسجد الرايات وهناك اجتمعت رايات القوم للرأى

قبل الفتح، على حين قدمت كتائب البربر التي أنفذها طارق عن طريق جبل طارق، وتجاه هذا المسجد بالذات صف النورمان (المجوس) قواتهم سنة 245 هـ (859 - 860) حين استولوا عليه وحرقوه.- وقد أقام عبد الرحمن الثالث دار صناعة هناك لأساطيله، ومن هذا المرفأ قام قواده بحملاتهم الحربية على أدارسة مراكش، فلما سقطت الخلافة نهب البربر الجزيرة الخضراء سنة 401 هـ (1011 م)، ومن سنة 427 إلى سنة 448 هـ (1035 - 1056 م) مكّن محمد والقاسم الحموديان لنفسيهما فيها خليفتين قبل أن تضم إلى إشبيلية. وفي سنة 479 هـ (1086 م) سلمها المعتمد إلى يوسف بن ناشفين الذي شخص إلى الأندلس ليسحق ألفونسو السادس في الزَلافة. ولم بن يوسف عن تحصين المدينة وإصلاح المواضع الضعيفة في الأسوار، وقد عمل على أن يحيط المدينة كلها بخندق وجهزه بالأسلحة والمؤن، وأقام حامية منتقاة من خيرة جنوده. وفي عبوره للمرة الثانية أرسى في الجزيرة الخضراء وخرج منها ليضرب الحصار على بدو. واحتل الموحدون المدينة سنة 541 هـ (1146 م) وخرب القشتاليون إقليمها وإقليم رندة سنة 569 هـ (1146 م) وسنة 578 هـ (1182 م). وفي سنة 629 هـ (1231 - 1232) اعترفت الجزيرة الخضراء بابن هود. وضرب ألفونسو العالم الحصار على الجزيرة الخضراء من البحر في صيف سنة 677 هـ (1278 م) وعسكر جيش النصارى فيها في مارس سنة 1279. وفي العاشر من ربيع الأول (21 يولية) هزم المرينيون أسطولا قشتاليا هزيمة نكراء. وأخذت الجزيرة الخضراء عنوة وأعمل القتل في المدافعين عنها. وقد اتخذها أبو يوسف في حملاته الأربع قاعدة لعملياته الحربية وبنى بالقرب منها قصر "البنية" السلطانى على نحو ما بنى القصر الذي بناه في فاس الجديدة. وتوفى هناك في المحرم سنة 685 هـ (مارس سنة 1286، وفي نفس هذا اليوم الذي توفى فيه بويع ابنه يعقوب في هذا القصر المعهود "قصر البنية". وعاد أبو الحسن على إلى سنّة المرينيين، أي سنة الجهاد، في الأندلس سنة 741 هـ (1340 م) بعد أن هزم أسطول أمير البحر تنوريو - Ten

orio في جون الجزيرة الخضراء، ونزل فيها وخرج ليضرب الحصار على جزيرة طريف المجاورة لها. ولما هزم على نهر سليط في السابع من جمادى الأولى سنة 741 هـ (29 أكتوبر سنة 1340) عاد إلي الجزيرة الخضراء وكان قد ترك حريمه فيها. ثم عاد منها إلى مراكش. وبه انتهى تدخل المرينيين في الأندلس، وبعد ذلك بعامين ضرب الفونسو الحادي عشر الحصار على قاعدته البحرية الكبرى واستحر القتال ضاريًا عشرين شهرًا ثم نجح ألفونسو في الاستيلاء عليها، وفي سنة (771 هـ (1369) استعادها سلطان غرناطة ودمرها تدميرًا. وضم الإقليم إلى منطقة جبل طارق، ولم يفصل إداريًا عن سان روك إلا سنة 1755. ثم نمت الجزيرة الخضراء سريعا في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، وفيها عقد سنة 1905 المؤتمر الدولى للنظر في مسألة مراكش. المصادر: (1) الإدريسى: Descript ص 176 - 177 من المتن، وص 212 - 213 من الترجمة. (2) ابن عبد المنعم الحميرى: الروض المعطار، طبعة ليفى يروفنسال، ص 73 - 75 من المتن، وص 91 - 94 من الترجمة. (3) ابن عذارى: البيان المغرب، جـ 2، ص 99 من المتن، وص 158 من الترجمة. (4) Memoirs of Abd Allah b. ziri King of Granada في الأندلس، جـ 2/ 2، ص 399 من المتن، وجـ 4/ 1، ص 72 من الترجمة. (5) Les grande batallas de: A. Huici la reconquista. ص 399 وما بعدها. (6) Cronica de Alfonso XI في lioteca de Autores espan جـ 66، ص 339 وما بعدها. (7) Cronica des sete: Carlos da Silva reis، جـ 2، ص 317 وما بعدها. (8) ابن ابى زرع: روض القرطاس، طبعة فاس، ص 191 وما بعدها من المتن، وص 302 وما بعدها في ترجمة ميراندا. خورشيد [ميراندا A. Huici Miranda]

جزية

جزية يطلق لفظ الجزية في الشريعة على الأموال التي تفرض على أهل الذمة. 1 - الجزيه في نظر الفقه: تبحث الجزية في كتب الفقه عند الكلام على الجهاد، فأما أهل الكتاب فيؤمنون على أنفسهم وأسرهم ومالهم إذا أدوا الجزية. وهذه القاعدة مبنية على ما جاء في القرآن: "قاتلوا الذين لايؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولايحرمون ما حرم الله ورسوله ولايدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون، (سورة التوبة، الآية 29). فكتب الفقه- استنادًا على هذه الآية- ترى أن الجزية هي جزية الرؤوس إذا أداها النصارى واليهود والمجوس والصابئة والسامرة قام بينهم وبين المسلمين عقد يقتصْى هؤلاء الكف عنهم بل حمايتهم. ولبعض جماعات النصارى مكانة خاصة- محو بنى تغلب ونصارى نجران- فهم يؤدون الجزية. ولا تجب الجزية إلا على البالغين المكلفين من الذكور الذين يستطيعون أداءها. ولاتجب على النساء والصبيان والشيوخ لأنهم لايشتركون في القتال. ولايؤدى الأعمى والأعرج الجزية إلا إذا كان موسرًا. أما المساكين والفقراء فلا ينتظر منهم أن يؤدوا الجزية، ويعفى المترهبون من أداء الجزية إذا كانوا فقراء، أما إذا كانت دياراتهم ذات ثراء فإن على قوامهم أداء الجزية. وهي لاتجب على العبيد، ونحن نلمس من هذا كيف يعامل الفقير والمريض معاملة سمحة، إلا أن هذه المعاملة يقابلها معاملة أخرى مع الموسرين فيها دقة وإحكام. وقد حرصت الشريعة أيضًا على إلا يفلت من أداء الجزية من هو قادر على أدائها، لذلك حذر الجباة بوجه خاص من أن يجبوها جملة من الجماعات على أساس عدد أفرادها. والجزية على من يدخل في الإسلام أو الذي يموت خلال السنة المالية من مسائل الخلاف. ويجب أداء الجزية نقدًا، وقد تدفع عينا كالملابس والدواب، ولا تعد الخمر والميتة أموالا شرعية، بل كانت تباع

وتؤخذ الجزية من أثمانها، وقدرت الجزية المألوفة باديء الأمر بدينار، ثم أصبح ذلك فيما بعد هو الحد الأدنى. ويدفع ما يعادل ذلك في البلاد التي تتعامل بالفضة أي اثنى عشر درهمًا. وهي على الذمى المتوسط الحال ديناران أي أربعة وعشرون درهما، وعلى الموسر أربعة دنانير أي ثمانية وأربعون درهما. ويذكر أبو يوسف - وهو الذي نقلنا عنه معظم ما قلنا- أن الموسرين هم أمثال الصيرفى والبزاز وصاحب الضيعة والتاجر والطبيب، أما الفقراء فهم أصحاب الحرف مثل الخياط والصباغ والاسكاف والخزاز، ولم يذكر شيئًا مفصلا عن الطبقة الوسطى، وإذا لم يستطع أحد أداء الجزية فلا يعذب بالجلد أو تعريضه للشمس أو صب الزيت عليه، ويكتفى بحبسه. وجاء في الآية الخاصة بالجزية أن على الذميين أداؤها "هم صاغرون". وقد أصاب الشافعي دون شك في تفسيره هذه الفقرة بأن عليهم أداءها وفق حكم الإسلام، وهو الحكم الذي يخضعون له. ويرى آخرون- استناد، على هذه العبارة- أنه يجب عليهم أداؤها وأن يكون ذلك على نحو فيه خضوع. والراجح أن الأوصاف التي خلعت على أهل الذمة وغيرهم إنما هي تفسيرات لهذه العبارة. ويؤدى ما يجبى من الجزية إلى بيت المال والجزية والخراج يتكون منهما الفئ. وهو أموال المسلمين عامة. 2 - تاريخ الجزية من حيث العمل: دلت الجزية في بادئ الأمر على الأموال الجماعية التي تجبى من البلاد المفتوحة. وقد ترك العرب النظام الإدارى في كل إقليم فتحوه على ما هو عليه وعدوا دخل الإقليم جزية لهم. ولم يكن هناك في أول الأمر فارق بين الجزية بوصفها ضريبة رووس وبين الخراج بوصفه ضريبة أرض، وهي التفرقة التي شاعت فيما بعد. فالمصادر التي ناخذ عنها تتحدث كثيرا عن الخراج الذي يجبى على الرؤوس والجزية التي تجبى على الأرض. ويطلق عادة على أموال الفئ اسم الجزية اشارة إلى الآية القرآنية. ولنذكر على سبيل المثال أنه لم يرد في أوراق البردى المصرية التي يرجع عهدها إلى

القرن الأول الهجرى إلى جانب الجزية (باليونانية "ديموسيا") التي هي الضريبة الأساسية التي تدفع ذهبا سوى الدفع عينا مما لا يسمح المجال هنا بمناقشته. والجزية من وجهة النظر العربية هي ضريبة الرؤوس، لأن العرب كانوا يعمدون بعد إبرام معاهدات الصلح عقب فتح كل إقليم إلى اتخاذ عدد السكان التقديرى، لامساحة الأرض المزروعة، أساسا لتقدير الجزية. وكانت جزية الرؤوس معروفة قبل الفتح الإسلامي في البلاد المفتوحة سواء أكانت ساسانية أم رومية (باليونانية "إبيكفاليون" و "أندرسموس"). أما مصدر الدخل الأساسي، أي الجزية، فكان هن خراج الأرض، وكان يعرف بالاسم الآرامى "خراكه" وقد جعل هذا اللفظ عين اللفظ العربي خَرْج أو خَراج (سور الكهف، الآية 94، سورة المؤمنون، الآية 72). وشاع استعماله هذا منذ العهد العباسى في الأقاليم غير الآرامية أيضًا، وكان لفظ الخراج- بوصفه خراج الأرض- يستعمل هو ولفظ جزية كل منهما في معنى الآخر حتى في أقدم المؤلفات التي وصلت إلينا. وكان لفظ الخراج هو المستعمل، إذا كان المقصود الأموال المتحصلة من الأرض، أما إذا كان التفكير متجها بصفة خاصة إلى الأموال التي يدفعها أهالى البلاد المفتوحة فيستعمل لفظ جزية الوارد في القرآن. ولما توحد سلطان العرب أصبح لفظ خراج يطلق شيئًا فشيئًا على ضريبة الأرض، للك الضريبة التي غدت تجبى من المسلمين أيضًا بعد أن أخذت الشعوب المغلوبة على أمرها تدخل في الإسلام تدريجًا، وبذلك فقدت صفة الجزية. وحلت جزية الرؤوس محل الجزية الواردة في القرآن. وكانت هذه الجزية معروفة قبل الإسلام، وكانت تفرض بطبيعة الحال على غير المسلمين دون سواهم. وورد في التواليف المتقدهة وفي الأيصالات المصرية التي تؤخذ نظير دفع جزية الرؤوس كلمة جالية (والجمع جوالى) وقد أصبحت هذه الكلمة مرادفة لكلمة جزية. وكانت هذه الجالية أو الجزية تحسب لخراج سنة بعينها، لأن جملة الدخل من الفئ كان يطلق عليه أيضًا اسم خراج، ومن ثم ظهرت في غضون قرن ونصف قرن

التعريفات الخاصة بكلمتى خراج وجزية، وإن كانت كتب الفقه تدرسها دراستها للشئ الموجود من أول الأمر. وليس لدينا معلومات وافية عما كانت عليه حال الجزية والخراج في الأزمنة القديمة، اللهم إلا في مصر. فقد كان يوضع حول عنق الشخص بعد أدائه الجزية خاتم من رصاص، ولكن الخليفة هشامًا أدخل طريقة الإيصالات المنتظمة المعروفة بالبراءات. وقد وصل إلينا عدد من هذه البراءات، ولكنها لم تدرس بعد دراسة وافية. ويقال إن الحزية في مصر وقت الفتح كانت دينارين على الفرد. على أنه يستدل بطبيعة الحال من صكوك الضرائب اليونانية- التي يرجع عهدها إلى نهاية القرن الأول- على أن الجزية كانت في المتوسط دينارين. ولكن هناك مقادير أقل من ذلك كثيرًا. ويتضح من البراءات التي يرجع تاريخها إلى القرون المتأخرة أن الجزية كثيرًا ما كانت تقل عن دينار واحد، وهو الحد الأدنى الذي نصت عليه كتب الفقه. وقداعفى كثير من الناس من اداء الجزية في القرن الأول دون أن نعرف السبب في ذلك، ولايزال يكتنف هذا الموضوع غموض كثير، وقد شدد على المترهبين في مصر بدفع الجزية منذ عهد عبد العزيز أخى عبد الملك، ولو أنه من الواضح أنهم كانوا هد أعفوا منها قبل ذلك. واضمحل شأن الجزية بالتدريج -بوصفها جزية على الرؤوس- بدخول الناس في الإسلام شيئًا فشيئا، فلم يزد دخل مصر منها في عهد صلاح الدين على 130 ألف دينار (المقريزى: الخطط" جـ 1، ص 107، س 23؛ ص 208، س 27). ومع ذلك فقد ظلت الجزية نظاما ثابتا تجبى من غير المسلمين دلالة على خضوعهم. ولدينا تفصيلات دقيقة عن نظام الجزية في تركية. وقد جمع هذه المعلومات هيدبورن Heidborn كتابه) nances ottomanec. فينا - ليبسك سنة 1912، ص 23 وما بعدها نقلا عن. v Hammer وغيره من المصادر). وهناك صورة من إيصال تركى للجزية في كتاب (Fuehrer Burch die-Karahacek ausstellung der Papyrus Erzherzog Rainer

ص 176). وظل نظام الجزية قائما في تركية حتى حرب القريم- وحل محل الجزية- بوصفها ضريبة تؤخذ نظير حرية التدين- ضريبة أخرى نظير الإعفاء من الخدمة العسكرية، وذلك بمقتضى القانون الصادر في 10 مايو سنة 1855 (انظر: Ges-: F. Bamberg chichte der oriental angelegenheit ص 263). لم يذهب أخر أثر لهذه الضريبة إلا بعد الثورة التركية عندما أخذ النصارى أيضًا يؤدون الخدمة العسكرية. المصادر: (1) كتب الفقه في مادة "جهاد" وبخاصة كتاب أبي يوسف وعنوانه "كتاب الخراج". ص 69 وما بعدها. (2) الشافعي: كتاب الأم، جـ 4، ص 82 وما بعدها. (3) الماوردى: الأحكام السلطانية في مواضع مختلفة. (4) Tableau General del': d' Ohsson Empire Ottoman جـ 3، ص 9 وما بعدها. (5) Wcllhausen: Das Arabische Reich ص 172 وما بعد ها. (6) Beitraege: Becker ص 81 وما بعدها (7) Papyri: Schott- Reinhardt , جـ 1، ص 37 وما بعدها. (8) Greek papyri in the: H. I. Bell L British Museum Catalogue جـ 4، ص 25 وما بعدها، وما بعدها. (9) Annali dell' Islam: Caetani جـ 4، حوادث سنة 21 هجرية، فقرة 35 وما بعدها، جـ 5، حوادث سنة 23، فقرة 562 وما بعدها. [بيكر C. H. Beckez] + جزية: (1) هي ضريبة الرؤوس التي كانت تفرض بمقتضى الفقة الإسلامي المأثور على غير المسلمين في الدول الإسلامية. وتاريخ أصول "الجزية" متشابك غاية التشابك لأسباب ثلاثة مختلفة، الأول: أن الكتاب الذين حاولوا، في العصر العباسى، أن يجمعوا ما بين أيديهم من مواد تتعلق بأداء الجزية والخراج وجدوا أنفسهم

يواجهون نصوصًا استعمل فيها هذان اللفظان بمعان مختلفة: أحيانًا بمعنى واسع، وأحيانا بمعنى اصطلاحى، وحتى هذا المعنى الاصطلاحى كان يختلف، ومن ثم فإنهم جنحوا إلى تفسير الجزية والخراج على ضوء المعنى الذي كان قد أصبح شائعا محددًا خير تحديد في زمنهم حتى يمكنهم ذلك من الخروج بصورة معقولة عنهما! ثانيا: أن ثمة حقيقة لم تقدر حق قدرها وهي أن النظام الذي انبثق من الفتح العربي لم يكن موحد، ، وإنما نجم من سلسلة من الاتفاقات أو الأحكام الشخصية غير المتطابقة؛ وثالثا وأخيرًا أن هذا النظام قد أعقب النظم السابقة ولم يطح بها، وكانت هذه النظم نفسها يختلف الواحد منها عن الآخر، كما أنها كانت- إلى ذلك- في العصر السابق على الإسلام مباشرة، غير مفهومة على الوجه الأكمل ويختلف الناس حولها، وفي مثل هذه الظروف فإن البيان الذي نورده فيما يلي لا يمكن إلا أن يكون دليلا موقوتًا إلى الموضوع. وكلمة "جزية" -التي ربما كانت ترتبط بأصل آرامى- وقد وردت في القرآن (سورة التوبة، الآية 29) حيث طبقت- حتى في ذلك الوقت- على الرسوم المطلوبة من النصارى واليهود، على أنها - فيما يرجح- كانت- بمعنى مطلق بعض الشيء- تطابق أصل "التعويض" (عن عدم اعتناق الإسلام)، وكانت- على آية حال- ضريبة جماعية لا تختلف عن غيرها من صور الضرائب، كما تركت طبيعة مضمونها غير محققه" (تختلف الشواهد التي ساقتها كتب السيرة اختلافا شديدًا وكانت الجزية تتكيف بالظروف الشخصية لكل جماعة). ومن الجائز أن نجد السوابق، مع التغيرات الضرورية، قائمة في جزيرة العرب أيام الجاهلية خارج النطاق الدينى، نجدها متمثلة في ظروف خضوع الواحات المعمورة لمجموعات من القبائل أقوى منها نظير حماية هذه الواحات. على أن العرب- ورثة النظامين البوزنطى والساسانى- لم يجدوا مناصا من مواجهة مشاكل عملية جديد نتيجة لما فتح الله عليهم من بلاد.

وطبيعى ألا يكون ثمة تردد حول وجوب أن يؤدى أهل الذمة للجماعة الإسلامية ضريبة كانت في نظر الفاتح دليلا ماديًا على خضوعهم، كما كانت في نظر أهل البلاد امتدادًا محسوسًا للضرائب التي كانوا يؤدونها للنظم التي كانت تحكمهم قبل الفتح العربي. وهذه الضريبة يمكن أن تكون على أنواع ثلاثة تتوقف على أمور هي: هل تفرض على أشخاص بصفتهم هذه، أم على الأرض، أم أنها ضريبة جماعية لا ترتبط بأى نوع من التقويم؟ وتدل النصوص في العصر العباسى على قيام فارق نظرى واضح بين ضريبتين: ضريبة على الأرض وهي الخراج، ولايمكن إلغاؤها إلا في حالات خاصة فحسب، ذلك أن الأرض قد فتحت قطعًا لصالح الجماعة الإسلامية الثابتة" وضريبة على الأفراد، ونعنى بها الجزية، وهي من حيث هي تنتهي بدخول الممول في الإسلام، على أن هذه التفرقة أبعد ما يكون عما يحدث، ذلك أنها لم تقم في جميع الأحوال- سواء من حيث الفقه أو من حيث الواقع- في القرن الأول للإسلام، والمشكلة ببساطة هي تحديد ما هي السنة الأولية التي جرت عليها الحال وكيف انتهى الأمر بالتدريج إلى نظام نهائي ثابت. وقد بدأ فلهوزن ثم بيكر وكيتانى وغيرهم بالحقيقة التي لامرية فيها وهي أن المأخوذ من النصوص القديمة غاية القدم أن كلمة جزية وكلمة خراج قد فهما في جميع الأحوال إما بالمعنى الواسع الذي يفيد الضريبة الجماعية، وإما بمعنى ظاهر أنه أضيق من هذا وإن كان معنى متبادلا (الخراج على الرؤوس والجزية على الأرض وبالعكس)، ثم أقاموا نظاما نسب فيه إلى العرب في زمن الفتوح أنهم فرضوا ضريبة جماعية على المهزومين دون أن يعنّوا أنفسهم بالتفريق بين المصادر المختلفة الممكنة للضريبة، وإنما كانت كثرة الداخلين في الإسلام هي التي أدت، في خاتمة العصر الأموى، وفي خراسان بخاصة، إلى التفريق في الموارد الجماعية بين ضريبتين: الأولى على الرؤوس تبطل في حالة الذمى، والثانية على الأرض بقيت خاضعة للأحكام التي فرضها عليها الفتح. وهذه

النظرية، بصرف النظر عن المسألة التي تحكمها الأهواء وهي أنها تعارض رأى جميع الفقهاء القدماء، إلا أنها تتغلب في الواقع على كثير من الصعاب، وقد جرحت حديثًا تجريحًا شديدًا، وخاصة على يد لوككارد Lokkegaard، بل لقد كان تجريح دنت Dennett لها اقسى وأمرّ، وأصبحت النتائج التي انتهيا إليها في خطوطها العريضة وما توحى به لاتدحض بعد فيما يظهر، وإن كانا هما أيضًا لم يجيبا عن جميع المشاكل التي أثاراها بدورهما. وقد بيّنًا بأجلى بيان أن النصوص، في كثير من الأحوال، تقيم تفرقة حقيقية بين الضريبة على الأرض والضريبة على الأفراد، حتى ولوكانت العبارة الدالة على التفرقة تختلف، وقد نوّها بعدم احتمال قيام إصلاح شمل الدولة الإسلامية كلها وبدأ في ولاية قاصية هي خراسان في الأيام الأخيرة للدولة الأموية الحافلة بالفوضى؛ ثم إن المرء (وخاصة دنت في تحليل منطقى وثيق للموقف في كل إقليم) لا يستطيع أن يتحدث عن قيام نظام موحد عقب الفتح مباشرة، ذلك أن النظم الأولى وظروف الفتح لم تكن واحدة في كل مكان. وقد كان في الدولة الساسانية نظام مالى يفرق بين ضريبة عامة على الأرض وضريبة على الرؤوس، بفئات تختلف باختلاف مقدار الثروة، ولو أن الطبقة الأرستقراطية كانت معفاة من الضرائب. اما الإمبراطورية الرومانية البوزنطية فكان لديها نظام أكثر تشابكًا لانزال بعد غير متثبتين من كثير من نواحيه: كانت توجد ضريبة على الفرد، ولكنها كانت غير معمول بها إلا فيما ندر، وكانت تطبق على من يستعمرون الأرض الجديدة وغير النصارى. أما الضريبة العامة فلم يكن فيها تفريق، ففي حالة ملْك صغير خاضع ماليًا لحكم الدولة المباشر فإنها كانت تجبى على زراعة الأرض على أساس وحدة قياسية أو مايسمي باسم جوكوم - TU GUM (أي ما يوازى 40 فدانًا) على أنه في حالة الضياع الكبيرة التي تتمتع بشئ من الاستقلال الذاتى كان الأقرب إلى العمل فيما يظهر هو الاعتماد في التقدير على عدد العمال المشتغلين، فإذا

كانت الضريبة تتناسب على هذا النحو وعدد السكان فإنها لاتكون بعد على آية حال ضريبة نوعية على الرؤوس، لأنها لم تكن تضاف إلى ضريبة أخرى من الواضح أنها تقوم على الأرض. وهذه النقطة الدقيقة يجب ألا تغيب عن البال، إذا شئنا أن نفهم التطورات التي حدثت بعد ذلك. وبعد، فإن الفتح -في بعض الحالات- كان يتم بمحض القوة، وفي هذه الحالة يكون النظام القائم خاضعا لتقدير الفاتح، وفي بعض حالات أخرى يكون نتيجة لمعاهدة تسليم، ونجد في هذه الحالة أن السكان الوطنيين إذا احتفظوا باستقلالهم الذاتى المالى فإنه قد يسنَ لهم نظام مالى خاص، أو يفرض عليهم مبلغ يقدر مقدما جزية يؤدونها مع إفساح المجال لاعتبارات التقويم. وفي العراق، وهي الولاية التي يشير إليها معظم الفقهاء العباسيين، تم الفتح- في عمومه- عنوة، أو بهجر المرافق الساسانية الادارية على الأقل. وكان العرب يهيمنون على الموقف وعلى جباية الضرائب بمساعدة مرؤوسيهم من الأهلين، وكانت هذه الجباية تسير على التقليد المتبع، أي أن ضريبة رؤوس كانت لا تزال يفرق بينها وبين ضريبة أرض، ولو أن مقدارها كان قد زاد فيما يرجح (1 , 2, 4 دنانير = 12, 24, 48 دراهم) ولكن تدرج الثروة قد ثبت. وأراد أفراد الطبقة الأرستقراطية أن يحتفظوا بالأعفاء من هذه الضريبة على فأعلنوا ولاءهم للدين الإسلامي. ولايستطيع المرء أن يقول هل أعفوا في الوقت نفسه من ضريبة الأرض، ولو أنهم خضعوا لها على نحو معدل هو العشور التي تحصل من أملاك المسلمين. وفي معظم بلدان الشام والجزيرة العليا تم الفتح العربي بمعاهدات ميزت هذه البلدان من الضياع الكبيرة المستقلة استقلالا ذاتيا في النظام السابق, مع أنه أبرمت اتفاقات موقوتة في البداية الأولى قررت ضريبة جماعية، وكان النظام الذي أقيم من النظم التي تحقق الإشراف المستقل استقلالا ذاتيا، ولكن الفاتح كان هو الذي يحدد الضريبة، وجرت الحال بأن تحسب (كما حدث في الحيرة بالعراق)

علي أساس مبلغ محدد (بالدينار عادة) على كل رأس، ومن ثم كانت ضريبة تتناسب مع عدد السكان كما كانت الحال من قبل في الضياع الكبيرة. وقد تكون هذه الطريقة نفسها في الحساب قد استمرت في الضياع الكبيرة، ولكنها تخضع للإشراف المباشر للفاتح، وكان يتفق في كثير من الأحيان أن يجد الفاتحون أن المصلحة في تلك الأيام أن يقبلوا من الفلاحين أداء الضريبة عينا. وكانت معظم الجماعات النصرانية في مصر تفرض عليهم ضرائب في ظل نظام يوحد الأداء عينًا، مع فرض ضريبة أرض مقدارها دينار على الفدان الواحد (والفدان وحدة الأرض المزروعة) وضريبة رؤوس خاصة مقدارها ديناران عن كل رأس، على أن هذا الرقم الأخير كان يحسب على أساس المبلغ الذي كان على الجماعة أن تؤديه، بشرط أن يقسم المبلغ الإجمالى آخر الأمر على السكان بنسب عادلة كل العدل (كما تدل أوراق البردى) .. وهذه الضريبة على الرؤوس لا بد أنها -على عكس المظنون- كانت من حيث العمل عبئا على الجمهور ثقيلا يكاد يبلغ في ثقله مبلغ ضريبة الأرض، ونذكر أخيرًا أن النظام الذي تقرر في الجزء الأكبر من إيران وآسية الوسطى وفي بعض أماكن برقة، كان يقوم على ضريبة يؤديها الحكام المحليون الذين يثبتون في الحكم، من غير تدخل من الفاتحين في إعلان الضريبة أو جبايتها. وفي خراسان بخاصة، ظل الممولون يؤدون الضرائب على أساس النظام الساسانى الثنائى الذي يقوم على ضريبة الأرض وضريبة الرؤوس بصرف النظر عن أبية مسائل تقوم فيما يتصل بالدخول في الدين الجديد أو عدم الدخول فيه. وأيا كانت المسائل التي ظلت مبهمة في النظم الخاصة (وخاصة في الشام على ما يظهر) فسوف يتضح أن ثنائية الضريبة على الأرض والضريبة على الرؤوس كانت قائمة بصفة عامة على مستوى الممول

في مختلف الظروف، بالنسبة للفريق الأكبر من السكان الفلاحين، على حين سيطر من الناحية الأخرى نظام ضريبى واحد على الجزء الأكبر من البلدان الشآمية وعلى الجزيرة العليا، وقد وقف الفاتحون، وخاصة في المشرق، موقف المترفع عن هذه الفروق ما دامت الجزية تؤدى. على أن المصاعب لم تلبث أن ظهرت، ففي مصر كان الرهبان معفين من ضريبة الرؤوس وقد لاحظ القبط الذين كانوا منذ أيام الرومان أساتذة سابقين في التهرب من الضرائب، أن دافع الضرائب يمكنه أن يهرب من أداء ضريبة الرؤس إذا هو ترك الأقليم الذي سجل اسمه فيه، أو إذا دخل ديرًا، والأمر الثاني افضل. ومن ثم أصبح من الضرورى أن يجعل جميع الرهبان بدورهم خاضعين لضريبة الرؤوس (وهذا تفسير أكثر احتمالا من التفسير الآخر الذي يقتضي الأمر أن يعود المرء إليه إذا هو سلم بان ضريبة الرؤوس لم يكن لها وجود في أوائل نظام الحكم الإسلامي ذلك أننا نجد هذه الضريبة من بعد مفروضة على الرهبان، ويقتضى التدليل أن يكون الظهور الأصلي لهذه الضريبة في صورة ضريبة على الرهبان). وكان من الضروري الحصول على تصريح برفعها، وأن يوسم مؤدو الضريبة بسمة لاتنمحى، ومن ثم نجد جميع تلك الجوازات والأختام وغيرها التي زودنا علماء الآثار بالكثير جدًّا من النماذج التي لا يشك في سلامتها. ولا شك أن ظواهر من هذا القبيل قد وجدت في عدة أماكن، وقد سجلت على سبيل المثال افى الجزيرة العليا وفي العراق أيضًا. على أن ثمة أمورًا عرضت علينا هناك عرضًا مختلفا بعض الاختلاف، ففي العراق، حقا تفاد للضرائب اتخذ صورة الدخول في الإسلام، فقد رأى الداخل في الإسلام أن حالته الجديدة سوف تعفيه من جميع تلك الشبكة المالية التي تفرض على غير المسلم، ونعنى بذلك ضريبة الأرض وضريبة الرؤوس. والحق أن ما حدث أول الأمر (ولم يكن الحكم الإسلامي ينظر إلى

ذلك نظرة الاستياء) هو أن الداخل في الإسلام كان يترك أرضه إلى غير مسلم يضمن زراعتها وقدرتها المالية بدون تفكير في أنها ستصبح غير خاضعة للخراج وكان هذا الأمر ممكنا مادام لايحدث كثيرًا، وكان بيت المال لا يصيبه من ذلك خوف كبير، ذلك أن نظام الحكم الجديد كان قد ورث عن سلفيه البوزنطى والساسانى، فكرة الأهلية المشتركة لكل مكان في أن يؤدى الضرائب، وظل الذين بقوا من ثم يؤدون الضرائب عن أولئك الذين تركوا ديارهم نظير استغلالهم لأرضهم. على أنه ماوافى الوقت الذي قدم فيه الوالى الحجاج إلى العراق حتى كانت المسألة قد اتخذت أبعادا خطيرة فيما يتعلق بتطور الأرض، ومن ثم هددت أيضًا بيت المال، وهنالك اتخذ بيت المال قرارا صارما بإعادة الفلاحين إلى الأرض لإخضاعهم للضرائب مرة أخرى، بما في ذلك ضريبة الرؤوس, ومنعهم في الواقع من الدخول في الإسلام. وقد نشأت مشكلة من هذا القبيل في خراسان، ولكن الذي حدث هناك أن الأرستقراطية هي التي اضطهدت الفلاحين الذين تثبت عليهم جريمة الدخول في الإسلام، ذلك أن كل دخول فيه يهدد بزيادة عبء الضرائب على غير المسلمين، ويضطر الطبقة الأرستقراطية- في سبيل أن تعوض من جيبها أي نقص في أداء الضرائب- إلى أن تحاول حيثما استطاعت فرض ضرائب أفدح على المسلمين، وبخاصة الأكثر فقرًا منهم، مؤثرة ذلك على فرض ضرائب على غير المسلمين، وهو ظلم معكوس. ومن الواضح أن هذه المظالم أيضًا لم يكن من الممكن أن تدوم. فقد كان من غير المباح في دولة اسلامية أن يعاقب المرء فعلا على الدخول في الإسلام , وقد نسب إلى عمر بن عبد العزيز التقى الورع فضل اتخاذ موقف ينافى هذه السياسة على خط مستقيم ويقال إنه ذهب إلى حد تشجيع الدخول في الإسلام برفع جميع شبكة الضرأئب المفروضة على غير المسلمين. على أن أوثق النصوص التي اكتشفت حديثًا - أو فسرت- لاتؤيد مثل تلك النظرة المثالية (rescript: H.A.R Gibb في The {fiscal of Umar II Arabica جـ 2، سنة.

1955). والظاهر أنه قامت حركة تنحو - بتأثير الفقهاء الذين توسعوا في نظرية الفئ- إلى فكرة إخراج الخراج من شبكة الضرائب المفروضة على- غير المسلمين، وكان الخراج منذ ذلك الوقت أقرب إلى أن يحصل بخاصة على الأرض وليس على الرؤوس , ومن ثم فإنه كان لا يتمشى مع حالة المسلم. وكان لا مناص من أن تختفى ضريبة الرؤوس بوصفها هذا، على أن بيت المال لم يكن ليخسر بالضرورة من هذا الأمر كما أن دافع الضرائب لم يكسب نتيجة له، ذلك أن الداخل في الإسلام كان لا بد له من أداء الزكاة على دخله. وكان نظام من هذا القبيل هو الذي حاول نصر بن سيار، آخر الولاة الأمويين الكبار، أن يدخله في خراسان. ومن ثم فقد كان هو وراء هذه الحركة لافى طليعتها. وفي قطر كالشام، لم يكن بد من اقتباس نظام أكثر دقة، والظاهر أنه اصطنع منذ عهد يزيد وعبد الملك (أبو يوسف، ص 24، وانظر gaard، ص 133) ليسبغ على ضريبة الرؤوس المأثورة طابعًا شخصيًا حقًّا، علاوة على ضريبة الأرض. ومهما يكن من شيء فإنه من يوم أن فرق بين ضريبة الرؤوس وضريبة الأرض، أصبح من الممكن أيضًا أن يفرق بينهما في الجباية، وأصبحت المسئولية الجماعية للأماكن في مسألة الضرائب خليقة بأن ينتفى عملها في هذا الصدد. ونحن نعلم، في مصر بصفة خاصة، أن انتقال الأشخاص من مكان إلى مكان أصبح مشروعا مادام قد احتفظ بسجل لهم وعلم انتقال الأشخاص المعنيين (انظر Impots du Fayyum: Cl. Cahen وهو الكتاب المذكور بعد، ص 21). ومن ثم فإن المصطلح الذي جرت الحال بأن يطلق على "المهاجرين" (باليونانية: فيكادس) وهو "الجوالى" (جمع جالية) في لغة الإدارة قد اتخذ، من غير آية إضافة أخرى، للدلالة على الجزية بمعنى ضريبة الرؤوس. وطبيعى أن هذا الإجراء المالى لم يحل المشكلة الاقتصادية لهجرة الفلاحين، ثم إن هناك شواهد أخرى على إجبار الفلاحين على العودة إلى حقولهم (انظر Cl. Cahen: : Fiscalite etc في Arabica جـ 1، سنة 1954، ص 146

-147). على أنه قد أصبحت الجماعات الريفية آنئذ قادرة على أن تدخل في الإسلام، فإن المشكلة لم تعد تمس الجزية، ومن الراجح أنها كانت أقل خطورة بالنسبة للجماعات المسيحية المكينة التي ظلت مخلصة لعقيدتها (لبنان، والجزيرة العليا، ومصر نفسها) وحيث كانت المسئولية الجماعية تناهض الهجرة (الكتاب المذكور، ص 151). ولعل عوامل أخرى قد كان لها أثر في تشجيع الارتباط بالأرض، ومناهضة الهجرة إلى المدن، وهي عوامل لايمكن أن نناقشها هنا. والظاهر- على كل حال- أن هذه المشكلة في القرون التالية لم تعد تتمثل في الحدود التي عرفها بها أبناء العرب الفاتحين. ومن هنا شهد العصر العباسى تخصيص المصطلحات، كما حدث بالنسبة للنظم، في الكتابات الاصطلاحية والفقهية على الأقل (وتتناول كتب الفقه هذا التخصيص ملحقًا للجهاد)، وعلى حين نجد أن الخراج لم يعد يدل على شيء سوى ضريبة الأرض، فإن الجزية إنما طبقت من ثم على ضريبة الرؤوس علي الذميين. وحدث أن فقدت الجزية أهميتها المالية في كل مكان حين لم تعد الجماعات غير الإسلامية متفوقة في العدد. بل إنها حين نقصت على هذا النحو فإنها لم تعد- فيما يظهر- موحدة. ذلك أن الشام وفلسطين ومصر احتفظت بنظامها الخاص حتى القرن الثامن عشر (انظر Gibb- Bowen: جـ 1/ 2، ص 254، النابلسى في Impots du Fayyum: Cl. Cahen في - Arab ca؟ ، جـ 3، سنة 1956، ص 21 - 22) بالرغم من توكيدات اصحاب النظريات (بما فيهم البلاذرى، ويستثنى من ذلك بصفة خاصة مالك والشافعي) في حين أن نظام الضرائب الطبقى المنسوب لعمر ظل يمارس في مصر ومنها انتقل من بعد إلى الولايات غير العربية للإمبراطورية العثمانية. والأهمية العددية له بالنسبة للذميين، كما حدث قبل ذلك في آسية الصغرى السلجوقية، (انظر عن هذه النقطة بصفة خاصة كريم الدين آقسرابى: مسامرات الأخبار، طبعة طوران، ص 153، مع تحليل ف. إشيل طاك , 1943، 81)

تضفى مرة أخرى أهمية كبيرة على الجزية، ولو أن الكلمة التي كانت تطلق عليه في كثير من الأحيان هي الخراج (كانت ضريبة الأرض في تلك الأيام تحمل أسماء أخرى). والظاهر أن عددًا معينا من القواعد التي سنت في العصر العباسى كان -بصفة عامة- معمولا به من ذلك الوقت فصاعدًا. وكانت الجزية لاتجبى إلا من الذكور البالغين الأحرار القادرين الأصحاء الجسم ومن ثم استثنى منها الأطفال والشيوخ والنساء والضعفاء، والرقيق، والمرضى والمختلو العقول. وقد أعفى منها الأجانب بشرط ألا يكونوا مقيمين إقامة دائمة في البلاد, أما سكان الثغور الذين يمكن في بعض الأحيان أن ينخرطوا في عداد الحملات العسكرية- وكانوا غير مسلمين (الجراجمة والأرمن وغيرهم) - فقد أعفوا من الجزية عن السنة التي نحن بصددها. ولما كانت الجزية ضريبة شخصية محددة، فإنها كانت تجبى بحساب السنة القمرية (قبيل أو بعيد بداية السنة بصفة عامة، كما كانت أيام المماليك تجبى أحيانا في رمضان)، وهي تخالف في ذلك الضرائب المرتبطة بالزراعة. ومن ثم كان في الإمكان أن تفصل عن هذه الضرائب في التحصيل والتزامات الإقطاع. وقد اشترط الأداء نقدا، وكان الجارى أن يفرض الأداء به، ولكن الأداء عينا كان جائزا يحكمه معيار رسمي محدد للتسوية بين النقد والعين. ويجب على المرء- بنص القرآن - أن يعطى الجزية "عن يد"، وقد فسرت هذه العبارة منذ ذلك- وربما كان ذلك خطأ- بأنها تعنى "عن يده" أي مسلمًا بيده، أي شخصيا (انظر عن هذه النقطة: Some Minor: Rosenthal problems in the Quran في Starr Memorial Volume نيويورك سنة 1953, ص 68 - 72, co-: cl- cahen 9 - ran IX في Arabia جـ 1، سنة 1962 ص 76 - 79) وإداريًا، وهذا المعنى قد يوحى بالحاجة إلى عدد السكان غير المسلمين، ومن هنا كان- على سبيل المثال- منع أعيان جميع القرى من قبول مبلغ إجمالى عن الجزية من الخاضعين لهم. زد على ذلك

أنه كان من المرغوب فيه أن يعطى كل شخص في هذا الصدد إثبات بحالته من حيث هو خاضع للإسلام، أو- إن شئت مزيدًا من الدقة- من حيث هو فرد من أفراد طبقة اجتماعية دنيا. ويظهر أن هذه الطريقة التي يجب أن نفسر بها هذه القاعدة القرآنية (التي تتبع القاعدة التي ذكرناها آنفا): "وهم صاغرون" (ويعلق أحيانا على العبارة الأخيرة، بأنهم أولئك الذين "أقروا بالصغار") فيما يتصل بالشواهد المعروفة التي أبي فيها الأعيان أو العرب، مع مسيحيتهم، أن يؤدوا "جزية العلوج، ، وهذا التفسير نوْثره على القول بأن هذه العبارة تتضمن الحاجة إلى الإذلال، وهو الزعم الذي ذهب المتشددون من المتأخرين أنهم تبينوه فيها. ومن الواضح أنه عملت إحصاءات فعلية، وخاصة أيام أن كان ثمة تفرقة بين الجزية والخراج (فعل ذلك عبد الملك في الشام، ويزيد الثاني في مصر وغيرهما) يقابل ذلك أن تقدير الدخل الإجمالى من الجزية في مصر أيام صلاح الدين، على سبيل المثال، بمبلغ قدره مائة وثلاثون ألف دينار، بمعدل دينارين لكل شخص في المتوسط، يسمح لنا، بأن نقدر عدد السكان المسيحيين في تلك الأيام بحوالى 65.000 من الأسر. والجزية- من حيث النظر- مثل الزكاة يجب أن تنفق في المعاشات والمرتبات وأعمال البر. ولكن حدث في كثير من الأحيان أن تذرع بذلك لأدائها للخزانة الخاصة للأمير. ويجيز مالك والشافعي أن تزاد قيمة الضريبة. وقد ظهرت في بعض الأوقات ضرورات تحكمية التمس لها مبررات عقائدية أو لم يلتمس، وذلك في عصر المماليك أثناء الشدائد الاقتصادية وما عرف به هذا العصر من تشدد في الأمور الدينية. على أننا يجب أن ندخل في حسابنا أن ازدياد ندرة الذهب وانخفاض الدرهم قد جعل الجزية- في كثير من الأحيان - تنزل إلى مستوى أدنى مما قضت به الشريعة، زد على ذلك أن الرهبان، في الأديرة الفقيرة على الأقل، قد وجدوا سبيلا إلى إنقاص ما فرض عليهم. وفي البلاد التي كان يحكمها المغول مباشرة قبل دخولهم في الإسلام، ألغى

النظام المالى الأصلي ضريبة الرؤوس على غير المسلمين. وحين دخلوا في الإسلام سعى عمال غيورون إلى حمل المسيحيين على أداء ماتأخر عليهم (أربعين سنة, انظر الجزرى: تاريخ = Chronique، طبعة، ص 48 رقم 307). وكانت ضريبة الرؤوس على المسلمين واليهود في صقلية بعد غزو النورمان، تسمى جزية. وقد اختفت الجزية بطبيعة الحال من الدول الإسلامية الحديثة نتيجة للمساواة المتزايدة بين الأديان واستحداث نظام الخدمة العسكرية وإنشاء نظم مالية جديدة. المصادر: نجد في كتاب Caetani - المذكور بعدُ - جل المصادر مجتمعة: البلاذرى، وأبا يوسفا، والماوردوي وغيره من الإخباريين ورواة الروايات والفقهاء وغيرهم. ويجب أن نضيف إلى ذلك: (1) أبو عبيد بن سلام: كتاب الأموال. (2) وانظر عن كتاب الخراج ليحيا ابن آدم الترجمة الإنكليزية ذات التعليقات التي قام بها A.Ben Shemesh. سنة 1958. (3) وانظر عن أوراق البردى، علاوة على بيكر وكرومان المذكورين بعد: C. apyri Schott - Rhanhardt: Becker سنة 1906 و Greek papyri in the: H.I. Bell British Museum , جـ 4، سنة 1910. وكذلك Les papyrus d': R. R 6 mondon Apollonos Ano . سنة 1953 و .. xcavations at Nessana: Kraemer جـ 3، , Non - Literay papyri سنة 1958. وليس في الإمكان أن نسوق هنا المصادر المستفيضة الخاصة بضريبة الرؤوس والمشاكل المرتبطة بها في الإمبراطورية الرومانية البوزنطية. ونجد أحدث البيانات المنقحة في مصادر طبعة R. Palanque لكتاب. Histoire du Bas - Empire: Stein التي نشرت بعد وفاة المؤاف وفي - Ka Das Finarizwesen des: rayannopoulos N `1 o A fruehbyzantinischen Staates 1958 ولا تزال عمدة المصادر هي ما كتبه - Pi ganiol و E. Deleage و F . Lot وانظر عن مصر: L. C. West A. Ch. Johnson: Byzantine Egypt سنة 1949.

وانظر عن العالم الإسلامي: (1) Wellhausen arabische: J. Das Reich ص 172 وما بعدها؛ الترجمة الإنكليزية، ص 276 وما بعدها. (3) C. Becker: : - Beilraege zur Ges , chichie! Aegyplens ص 81 وما بعدها (في الكراسة الثانية). (3) الكاتب نفسه: , Islamstudien جـ 1, 1924. (4) Annali: Caetani جـ 5, ص 280 - 532. (5) Problerne der ar-: A. Grohmann PapyrusforschunA abischen في ArO، سنة 1933, ص 276 وما بعدها؛ سنة 1934, ص 125, وما بعدها. (6) Islamic taxa-: Fr. Lokkegaard tion, الفصل 6. (7) Conversion and: D. C. Dennett the poll - tax in early Islam , سنة 1951. (8) legal des: A. Fattal Le slalul payls d' Islam nonmusulmans en سنة 1958، فصل 7، وهو أكثر تفصيلًا من and their non - Tritton The Calip subiects Musliin, سنة 1930. (9) م. ضياء الدين الريس: الخراج في الدولة الإسلامية، القاهرة سنة 1957 وخاصة ص 107 وما بعدها. (10) Renaissance: Mez , فصل 8، 4. (11) ومن الدراسات التخصصية: حبيب الزيات: الجزية، في مجلة المشرق، جـ 41 سنة 1947. (12) Sicilia: Finocchiaro - Sartoro في - nella Archivio giu Gizyah e Kharaj ridicn جـ (سنة 908). خورشيد [كاهن Cl. Cahen] 2 - عند العثمانيين استعملت كلمة "خراج" على وجه التفضيل بدلا من كلمة جزية قبيل القرن العاشر الهجرى (السادس عشر الميلادي) ثم استعملت من بعد كلمة "جزية" أو "جزية شرعي" (انظر فهارس أنهكر وخليل إينالجق: قانوننامه سلطانى .... ، أنقرة سنة 1956, طيب كَوك بيلكَلين: باشا لواسى، إستانبول سنة 1952؛ Os. Ur-: F. Kraelitz tuerkischer Sprache kunden in, فينا

سنة 1922, و. ل. برقان: قانونلر، إستانبول سنة 1943) ونجد في الوثائق أحيانًا المصطلح "باش خراجى" للدلالة على الجزية (انظر طيب كوك بيلكين، ص 158؛ B. Lewis في Bulletin of the school of Oriental and Af- Studies rican جـ 14، سنة 1952، ص 553، 559) للتمييز بينها وبين خراج الأرض. وكان يطلق على محصل الجزية في العصر الأول خراجى أو خراججى وفي العصر المتأخر جزية دار. وكان أداء الجزية يتوقف في بعض الأحيان على الأرض المملوكة: فعلى كل شخص، مسلم أو غير مسلم، يمتلك "باشتينه" أي أرضًا مسجلة في ملك "ذمى" ("جفتلك") أن يؤدى الجزية (انظر لائحة أوخرى المؤرخة سنة 1022 هـ (1613 م) في و. ل. برقان، ص 295، وانظر لائحة أولونية في صورت دفتر سنجق أروانيد، طبعة خليل إينالجق، أنقرة سنة 1954، ص 124) والسبب الذي ذكر لذلك هو عناية بيت المال بحماية موارد الجزية. وقد اتبع العثمانيون سياسة محافظة في الأراضي المفتوحة، فجعلوا بعض ضرائب الرؤوس السابقة لعهدهم جزية، واستجابوا لالتماس رعاياهم الجدد في المجر (برقان، ص 304) فقبلوا الضريبة القديمة وقدرها فلورى ذهب واحد التي كانت تؤديها كل أسرة لملوك المجر قبل الفتح العثمانى على اعتبار أنها جزية (انظر برقان، ص 303 , 320). على أن العثمانيين كانوا قد أدخلوا من قبل في البلقان، ضريبة رؤوس وطنية الراجح أنها هي وضريبة الفلورى الواحد المجرية من أصل واحد، وذلك في نظام ضرائبهم باعتبارها ضريبة رؤوس عرفية تحمل اسم "إسبنجه" (خليل إينالجق: عثمانلى لرده رعيت رسومى في بلّتن، جـ 92، ص 602 - 608)، وقضوا بأن يؤدى كل فرد خاضع للجزية الإسبنجه (بلتتن، جـ 92، ص 602). ولكن الإسبنجه كانت في العادة داخلة في التيمارات. ويجوز لنا أن نفترض أن العثمانيين وجدوا في البلقان والمجر، كما وجد الفاتحون المسلمون الأولون لمصر

والشام، ضريبة رؤوس من قطعة واحدة من الذهب لعل لها أصلا رومانيًا مشتركًا (Islamic laxa-: F. Lokkegaard tion, كوبنهاغن سنة 1950، ص 134 - 135). واستند العثمانيون إلى "النص" و "الاجتهاد", كما قرر في الفرمانات، فكانت الجزية في نظرهم ضريبة دينية يجب أن يعني عناية خاصة بجمعها وإنفاقها، وكانت -بصفة عامة- تحصل مباشرة لصالح خزانة الدولة على يد قولات السلطان وكان من قبيل الاستثناء أن تمنح موارد الجزية باعتبارها "تيمارًا أو "ملكًا". كذلك وكانت تحصل على سبيل الالتزام في حالات خاصة فحسب (انظر انهكر وإينالجق، ص 39). ولما كانت الضريبة الشرعية (شرعي) تتبع بيت مال المسلمين فإن إدارتها وضعت تحت إشراف القضاة، وكان تحصيلها الفعلى -في حالات ليست بالقليلة- يتم على يدهم (انظر كوك بيلكين، ص 158). وكانت موارد الجزية تنفق في أغراض حربية أو تخصص للإنفاق المنتظم على وحدة عسكرية من حيث هي "أوجاقلق". وقد رفع محمود الثاني فئات الجزية وخصصها للإنفاق على جيشه المصلَح المسمى "عساكر منصوره" زاعما أن ذلك إنفاق دينى في سبيل الغزو (انظر حاجى بكيج: جزيه إيلى خراج في Prilozi, جـ 5، سنة 1954 - 1955، وثيقة 19، 78 - 79). وقد جرت الحال بأن يكون الإعفاء من الجزية نظير خدمات حربية تؤدى، كما حدث في حالة الوينوق، والمرطولو، والأفلاق. وإذا قدر لأرض مفتوحة أن تنتظم في عداد الولايات العثمانية أجرى إحصاء لأهلها الذين يخضعون للجزية بمعرفة القاضي المقام فيها، ويمسك سجل يعرف باسم "دفتر جزيه كبران" (وانظر شاهدا على ذلك عمل بعد الفتح "دفتر بودا، وبست" في Fekete .L: Die Siyagatschrifl in der luerkischen Finazver wallung، بودابست سنة 1955، جـ 1 وثيقة 8، 20، ص 176 - 198, 350 - 355، جـ 2، صور طبق الأصل، اللوحتين 11, 26. ويشار إلى هذا السجل أيضًا فيقال "أصل دفتر" أي

الدفتر الأصلي، ويعمل من نسختين، نسخة للخزانة الرئيسية ونسخة للإدارة الإقليمية، ويجدد الإحصاء. ولكننا نستبين من قراءة "نشان" جمادى الآخرة سنة 1102 (23 مارس سنة 1691) أن مثل هذه الإحصاءأت ظلت بلا تجديد مدد، طويلة، ولم تكن هذه السجلات تعكس الموقف الحقيقي نتيجة للوفيات والمواليد وهروب الأشخاص والدخول في الدين. وفي عهد محمد الثاني كان نصف الجزية المطلوبة من المهاجرين من قرية من القرى يسوى بمعرفة أصحاب التيمار، والنصف الآخر بمعرفة مؤدى الجزية (آنهكر وإينالجق، ص 76). فلما انهار نظام التيمار في أوأخر القرن العاشر الهجرى (السادس عشر الميلادي) وقع العبء كله على كاهل مؤدى الجزية. ثم حدث آخر الأمر أنه ما إن حل إصلاح سنة 1102 هـ (1691 م) حتى أصبح كل مؤد للجزية مسئولا بشخصه عن الجزية الخاصة به، ويعطى نظير أدائه لها شهادة تسمى "كاغد" أو "ورق". على أن المهاجرين كانوا يطاردون، كما كان يحدث أحيانا أن تحاول السلطات إعادتهم إلى موطنهم واعدة إياهم بإنقاص قيمة الجزية، وهذا حدث على سبيل المثال لإعادة تعمير القرى المهجورة في ولاية مناستير سنة 1117 هـ (1705) وكانت القاعدة تقتضي كل ثلاث سنوات (تعرف بـ "نويافته ييلى") بأن يجرى تفتيش عام تشطب به أسماء المتوفين (مرده) وإضافة يافته جديدة (نويافته) أي زيادة أولئك الذين حذفت أسماؤهم من السجل لسبب أو لآخر، ومن بينهم البالغون الذين أصبحوا قبيل التفتيش صالحين لأداء الجزية شرعًا. ولكن المفتشين نبهوا بأن يقوموا بهذه المهمة بشرط ألا يقل عدد مؤدى الجزية. وكان الأجانب والعابرون الذين يوجدون في ناحية خاضعين لأداء الجزية في الحال، كما تنص الفرمانات التي صدرت بعد إصلاح عام 1102 هـ (1691 م انظر حاجى بكيج، الوثيقة 5، في مجلد 3 - 4، ص 111). والظاهر أن الرهبان (كشيش) كانوا معفين من الجزية في العصر الأول (انظر عن إعفاء مطران في عهد محمد

الثاني: آنهكر وإينالجق، ص 66). على أن نشان الإصلاح الذي صدر في سنة 1102 هـ (1691 م) أخضع جميع رجال الكنيسة للجزية ما عدا أولئك الذين يعانون فعلا من عجز. وفي سنة 1103 هـ (1692 م) رفع الرهبان ملتمسًا للسلطان ذكروا فيه رأيًا شرعيًا عن إعفاء الرهبان الذين اعتزلوا ولم يستطيعوا كسب معاشهم (انظر الدرر، ص 213، موقوفاتى، جـ 1، ص 351)، على أن هذا الملتمس رفض على أساس رأى معارض للإمام يوسف. وما وافى عام 1255 هـ (1839 م) حتى أعفى رهبان جبل أتوس من جميع الضرائب إلا الجزية. على أن الحكومة العثمانية عملت بنص حكم الشريعة فأعفت من الجزية في جميع الأحوال الأطفال، والنساء والعاجزين والعميان والفقراء الذين لا عمل لهم. وإنما الأرامل (بيوه) اللائى ورثن أرض أزواجهن المتوفين هن اللائى يخضعن للجزية. وتفرق رسائل الفقه (الدرر، ص 212, موقوفاتى، جـ 1، ص 350) بين نوعين من الجزية: النوع الأول هو الذي يحدده الصلح أو التعاهد ولا يمكن تغيير مقداره، والنوع الثاني هو الذي يجبى من الأشخاص وهو "الجزية على الرؤوس". وتسمى الجزية الأولى في المصطلح الرسص العثمانى "جزيه بروجه مقطوع، أو "مقطوع" فحسب، وهي تطبق على نطاق واسع جدًّا في ميدانين مختلفين بالإمبراطورية العثمانية: (أ) خضوع تابع لأمير نصرانى يقتضي دائمًا أداء جزية سنوية متفق عليها مهما صغر مقدارها. وهنالك يعامل السلطان غير المسلمين التابعين للأمير معاملته لرعاياه هو من حيث أداء الخراج (انظر مادة "بغدان" و"راغوسه") ويعد الجزية السنوية التي تؤدى عادة سنويا بالقطع الذهبية "خراج مقطوع" "دار العهد": (ب) وفي بعض الأحوال كان يسمح للذميين الخاضعين لحكم السلطان المباشر، بأداء جزيتهم مبلغًا محددًا "بروجه مقطوع" بوصفهم جماعة: وكان الرعايا الذميون (ذمى رعايا) يطلبون تطبيق ذلك عليهم، وكان معظم السبب الذي حملهم على ذلك هو الخلاص من

مساوئ جباة الجزية وكان طلبهم تجيبه الحكومة ضمانًا لأدائهم ما عليهم، وإلا فهم في كثير من الأحيان يهددون بهجر قراهم والفرار: على أن قبائل كليمنتى الجبلية الألبانية التي كانت تعيش في خمس قرى قد سمح لها أن تؤدى مبلغًا اسميًا محددًا قدره ألف آقجه أداء للجزية التي عليهم سنة 902 هـ (1497 م) ووعدوا لقاء ذلك أن يحرسوا الطريق العام المار بمنطقتهم. وقد حدث أيضًا في قورولش من أعمال ألبانيًا أن اتفقت سبع عشرة قرية متمردة على الخضوع بشرط أن تؤدي جزيها بطريقة "جزيه بر مقطوع" مبلغا محددًا قدره 3301 غرشًا أسديًا سنة 1106 هـ (1695 م). ونحن نستبين في هذه الشواهد أن الحكومة قد اضطرت بعض الاضطرار إلى الاتفاق مع الرعايا الذميين. وكانت الجزية المقطوعة يتفق عليها في بعض الأحيان بين جباة الجزية والقوجه باشية، أي أعيان النصارى الذين استطاعوا بذلك أن يوزعوا الجزية في جماعاتهم أنفسهم ومن ثم انتظروا أن تعطى لهم بعض الامتيازات مثل التخفيف من نصيبهم هم كما ذكر فعلًا في وثيقة من الوثائق. ولكن هذه العادة أنكرتها الحكومة. وقد أتاح نظام "المقطوع" للجماعة اليهودية في صفد الفرصة لإعفاء أحبارهم من أداء الجزية (B. Lewis: Notes and documents / 3 from the Turkish Archives , بيت المقدس سنة 1952، ص 11؛ Ouoman documents on: U. Heyd Palesline، أوكسفورد سنة 1960, ص 121, انظر المصدر نفسه عن سجلات الجزية في فلسطين في lerucnlem جـ 4، سنة 1952، ص 173 - 184 [بالعبرية مع وثائق تركية]). على أن الحكومة أدخلت في اعتبارها أنها في صفتها الأساسية ضريبة على الرؤوس، فأصرت في كثير من الأحيان على أدائها شخصيًا. على أن الجزية المقطوعة، أي أداء مبلغ محدد جزية على جماعة، ربما أصبحت شاقة كل المشقة، حين ينقص العدد لسبب أو لآخر في مثل هذه الجماعة. وفي هذه الأحوال كان ينادى في كثير من الأحوال بإجراء إحصاء جديد، لإنقاص

مقدار الجزية أو العودة إلى أدائها بمعرفة الأفراد. على أن نظام "المقطوع" في الجزية أصبحت رقعة تطبيقه تزداد اتساعًا في عصر الاضمحلال الذي فقدت فيه الحكومة المركزية شيئًا فشيئًا الهيمنة على جباية الضرائب في الولايات. وهنالك أخذ القوجة باشية، والجورباجية والـ "كنز" على عاتقهم تحصيل الضرائب في جماعاتهم، كما فعل الأعيان بين السكان المسلمين، ومهد هذا الطريق لارتفاعهم إلى طبقة أرستقراطية محلية في البلقان في القرن الثاني عشر الهجرى (الثامن عشر الميلادي) ورأى مبدعو "التنظيمات" أن نظام المقطوع مناسب للرعايا", فعمموا هذا النظام (منشور 25 محرم سنة 1257 هـ = 17 مارس سنة 1841, في مهمّه رقم 13663 مالية "يكى سلسلة" باشوكالت أرشيوى) بل أيدوه بفتوى. وكانت مسؤولية السلطان أن يعلن كل عام جديد عن فئات الجزية التي تحصل بناء على فتوى يصدرها شيخ الإسلام الذي يحددها وفقا للمعيار الشرعي. وكانت الجزية ترتب في مصطلح العثمانيين كما يلي: أعلى وأوسط وأدنى، وهي تقابل "ظاهر الغنى مُكْثر"، و "متوسط الحال" و "فقير مُعْتَمَل" ويؤدون بالترتيب المبالغ الآتية: 48, 24, 12 "درهم شرعي" "درهم" من الفضة الخالصة، أو أربعة دنانير ودينارين ودينارًا واحدًا من القطع الذهبية على التوالى. ونحن نجد الجزية في وثيقة تاريخها 6 جمادى الآخرة سنة 896 (16 أبريل سنة 1491؛ انظر كوك بيلكين، ص 159) تطبق وفقا للمعيار الشرعي. على أننا نجد في فرمان تاريخه سنة 880 هـ (1475 م) أن الجابى قد أمر بأن يقبل الأداء بفئات ثابتة (آنهكر وإينالجق، ص 78). ويمكن أداء الجزية بالعملة الفضية أو الذهبية المتداولة، وقلما كانت الفئات تبين أيضًا بالعملة النحاسية المتداولة. وفي رجب سنة 1101 (أبريل سنة

1690) حددت فئة الدرجة بقطعة ذهبية واحد هي "شريفى آلتون"، أو 25, 2 أسدى (بندقى) غروش أو 90 يارة أو منغير نحاسى. ولكن أداء الجزية كان في أغلبه بالآقجه الفضية حتى أواخر القرن العاشر الهجرى (السادس عشر الميلادي) ثم بالقروش أو الياره في العصور المتأخرة عن ذلك. على أن إنقاص قيمة العملة وتخفيضها المتواتر (انظ خليل إينالجق في بلتن، ص 676 - 684، حاجى بكيعج في - Pri Lozi , جـ 5، ص 51 - 56) ألزمت الحكومة العثمانية بأن تعلن في الفرمانات بأداء الجزية كل سنة (انظر الشواهد في حاجى بكيج: الوثائق رقم 1, 2, 4, 5, 6, 10, 12, 14, 19, 22, 25) جدولا بالفئات الرسمية للعملة المتداولة: على أن الفروق بين الفئات الرسمية والفئات المتداولة أثارت في كثير من الأحيان أسباب النزاع بين مؤدى الجزية وجباتها، كما أن بيت المال كان يفضل أحيانًا قبول القطع الذهبية فحسب .. وكان الجباة يعمدون من تلقاء أنفسهم في أحيان أخرى إلى إجبار على آداء الجزية بالقطع الذهبية دون سواها بقصد إبدالها بعد ذلك لنفعهم الخاص. وأراد السلطان أن يتفادى ذلك فكان يضطر في كثير من الأحيان إلى أن يبعث للجباة أوامر خاصة بأن يقبلوا العملات الفضية أيضًا (ولا شك أن "أحكام دفتر لرى" في باشوكالت أرشيوى، إستانبول، حافل بمثل هذه الأوامر). وقد جرت فئات الجزية بالعملة الفضية العثمانية منذ سنة 1102 هـ (1691 م) حتى سنة 1249 هـ (1834 م) على النحو المبين في الجدول الآتي (حاجى بكيج في Pri lozi، جـ 5، ص 102). (بغروش أسدية) السنة ... أعلى ... أوسط ... أدنى 1102 هـ / 1691 م ... 9 ... 4.50 ... 2.25 1108 هـ / 1696 م ... 10 ... 5 ... 2.25 1156 هـ / 1744 م ... 11 ... 5.50 ... 2.75 1218 هـ / 1804 م ... 12 ... 6 ... 3 1231 هـ / 1816 م ... 16 ... 8 ... 4 1239 هـ / 1824 م ... 24 ... 12 ... 6 1242 هـ / 1827 م ... 36 ... 18 ... 9 1244 هـ / 1829 م ... 48 ... 24 ... 12 1249 هـ / 1834 م ... 60 ... 30 ... 15

وقد أكد محمود الثاني في فرماناته أن الزيادات (ضمائم) لم تكن ضرائب قدرت من جديد (محدثات). وإنما كانت ببساطة نتيجة للتسوية اللازمة لمقادير الفضة الشرعية المحددة التي يجب أداؤها جزية بعمله اليوم الحاضر (انظر حاجى بكيج، جـ 5، ص 69, 79). ولكن هذه الزيادات، وإن لم تكن حقيقية في قيمتها، فإنها أثارت سخطًا عامًّا بين الذميين في الإمبراطورية العثمانية. ويجب أن نذكر أن الذي حدث حتى إدخال التغييرات الجذرية في المالية العثمانية في القرن الحادي عشر الهجرى (السابع عشر الميلادي)، هو أن الجزية كانت تجبى في بعض المناطق الكبيرة للإمبراطورية بفئة واحدة فحسب (انظر لوائح السناجق في برقان، ص 83, 201, 226, 316) بالنسبة للذميين الخاضعين للجزية بجميع طبقاتهم، وقدر هذه الفئة 25 آقجه في ولاية يكى إيلى في عهد سليمان، و 40 آقجه سنة 991 هـ (1583 م) و 35 آقجه في بعض المناطق، و 55 في غيرها من ولاية بدليس، 30 في جزيرة طاشوز، و 46 في ولاية الموصل في القرن العاشر الهجرى (السادس عشر الميلادي). وكانت الجزية 80 آقجة في البلاد التي أخذت من المماليك ونعنى بها ولايات آطنه، ودمشق، وصفد، وكانت فئات الجزية هناك، إلا في صفد، أقل من أدنى معدل مألوف (كانت القطعة الذهبية الواحدة ما بين 60 و 70 آقجه في تلك الأيام). وكان السبب الذي بررت به هذه المعاملة الخاصة في ولايات شرقي الأناضول هو الفقر الذي عزى إلى الظروف الطبيعية لهذه المنطقة. أما بخصوص الجزر فإن ظروفًا من هذا القبيل مضافًا إليها المسئوليات الخاصة بالدفاع التي فرضت على سكان المنطقة كانت هي السبب في ذلك، بل إن الذميين قى جزيرة إيمبروس قد أعفوا إعفاءً تامًّا من الجزية (برقان، ص 237). ويظهر أن الفئة الوأحدة التي مقدارها 80 آقجة في الشام وفلسطين كانت أثرًا من آثار المرحلة الأخيرة لعصر المماليك الذي كانت فيه الجزية بالنسبة لجميع الطبقات قطعة من الذهب مضافًا

إليها كسرًا لتغطية مصاريف جبايتها (Notes: B. Lewis، ص 11). وقد اعتبرت هذه الفئات أدنى بكثير من الفئات الشرعية، ومن ثم فقد زيدت هذه الفئات المحددة في تقويم الجزية عند ارتقاء سلطان للعرش (عند ارتقاء السلطان سليم الثاني العرش زيدت على الجزية زيادة قدرها عشرة آقجات؛ (انظر برقان، ص 318). وقد قدرت الجزية على أساس الأسرة في المجر وفلسطين في القرن العاشر الهجرى (السادس عشر الميلادي، انظر Notes: B. Lewis, ص 10، الكاتب نفسه: Studies in the Ottoman Archives في Bulletin of the School of Oriental and African Studies, جـ 16/ 3، سنة 1954، ص 484 - 485) في ولاية سلانيك وفي كثير غيرها من أماكن البلقان (انظر كوك بيلكين، ص 155 - 175) قبل النشان الإصلاحى المؤرخ في سنة 1102 هـ- (1691 م). وقد حدث كذلك في العصر الأول أن كانت هناك طوائف بعينها أعفيت من الجزية. والحق، من حيث النظر، أن الإعفاء من الجزية كان يعد فقدا المورد خاص بـ "بيت مال المسلمين" ومن ثم فإنه كان يعمل في ظروف استثنائية فحسب، وإذا حدث فإنه كان نظير خدمات عسكرية. ومن ثم فإن السكان الذميين لقلعة مهددة (انظر برقان، ص 204، ولكن سكان آقجه حصار من أعمال) ألبانيا قد أعفوا سنة 835 هـ = 1431 م من جميع الضرائب إلا الجزية. انظر: صورت دفتر سنجق أروانيد، ص 104)، والذميين المسئولين عن حراسة ممر جبلى (انظر خليل إينالجق: فاتح دورى، جـ 1، أنقرة سنة 1954، وثيقة 1) وأقارب الأطفال الذين يجندون للانخراط في صفوف الإنكشارية، والذميين الذين كانوا يزودون بالكبريت مصانع البارود في سلانيك (دفتر، ك قبه جى تصنينى رقم 3510، باشوكالت، أرشيوى) كانوا معفين من الجزية وكان الجنود النصارى الذين كانوا في عداد الجيش المقاتل العثمانى في القرن التاسع الهجرى (الخامس عشر الميلادي) ونعنى بهم أصحاب التيمارات والوينوق والمارطولو

والأفلاق، كانوا يتمتعون بالإعفاء الكامل من الجزية (انظر خليل إينالجق: فاتح دورى، جـ 1، ص 176 - 179). وكان أبناء الوينوق وإخوتهم يخضعون فحسب لـ "بدل جزية" بفئة محددة قدرها 30 آقجه، وكانت تساوى نصف أدنى فئة من الجزية قبيل سنة 922 هـ (1516 م، انظر برقان، ص 396، 398) ولما فقدت هذه الطوائف أهميتها العسكرية في القرن العاشر الهجرى (السادس عشر الميلادي) أدخل أغلبهم في عداد الرعايا الذميين وأخضعوا للجزية. وهؤلاء الذين أخضعوا قدرت عليهم فئة محددة مخفضة. وكانت الحكومة العثمانية في جميع الأوقات تمنح إعفاء جزئيًا من الجزية للذميين الذين لهم حالة خاصة، ذلك أن الذميين الذين كانوا يعيشون في ولايات الثغور (الحدود) مثل صربيا والبوسنة والهرسك والجبل الأسود، كانوا إنما يؤدون الجزية بأدنى الفئات، وكان الذميون الذين يعيشون أيام الحرب أقرب ما يكون لميادين القتال وعلى الطرق الحربية يؤدون نصف الجزية (حاجى بكيج في Prilozi جـ 3، وثيقة 2، 102، جـ 5, 5، ص 102). وكان الذميون الذين يضطرون إلى هجر أوطانهم بسبب غزو العدو يعفون من الجزية أجلا محدودًا. وكان الذميون العاملون في بعض الأقاليم يؤدون الجزية بفئة مخفضة جدًّا (6 آقجه فحسب في سلستره في منتصف القرن السادس عشر، انظر خليل إينالجق: عثمانلى لرده رعيت رسوم، في بلّتن، جـ 92، ص 608، تعليق 173). وفي تاريخ متأخر يرجع إلى سنة 1170 هـ (1757 م) كان ذميو 21 قرية بخيوس من المشتغلين بإنتاج المصطكى يؤدون الجزية جميعًا على قدم المساواة بأدنى الفئات. وكان التراجمة الذميون الملحقون بالسفارات الأجنبية يتمتعون بالإعفاء من الجزية في ظل الامتيازات. على أن كثيرًا من الذميين سعوا إلى الحصول على "براءات التراجمة" بأساليب ملتوية تهربًا من أداء الجزية. وإذا مدّ "مستأمن" إقامته في الأملاك العثمانية أكثر من عام واحد عومل معاملة

الذميين وأخضع للجزية ولا يمكنه أن يغادر البلاد إلى "دار الحرب" (انظر الدرر، ص 207). ونحن نجد في سجلات قاضى بروسة قضايا تشهد بتطبيق هذه القاعدة، فلا شك أن ثمة سبلأ كانت تلتمس للسماح للتجار الأجانب بالإقامة على اعتبار أنهم "مستأمنون" أطول في المراكز التجارية الكبرى في عهد متقدم يرجع إلى القرن التاسع الهجرى (الخامس عشر الميلادي، انظر الوثائق الواردة في بلّتن، جـ 93، ص 67 - 96). وحدث من بعد، في ظل الامتيازات، أن ازدادت الحكومة العثمانية سماحة رويدًا رويدًا في هذه المسألة (انظر امتياز سنة 1153 هـ = 1740 م الممنوح لفرنسا، مادة 63). وكان أرمن بلاد فارس "أرامين عجم" الذين يزورون الأراضي العثمانية تجارًا في العادة، خاضعين أيضًا للجزية (انظر نشان سنة 1102 هـ = 1691 م، حاجى بكيج، وثيقة: 4, 10, ص 107, 125). وقد نص نشان سنة 1102 هـ (1691 م) على أن الجزية تجبى بالرأس على جميع الذميين الخاضعين للجزية على أساس المعيار الشرعي، ومن ثم ألغى نظام "المقطوع" والإعفاءات (انظر فندقللى محمد أغا: سلاحدار تاريخي، جـ، طبعة أ. رفيق، إستانبول سنة 1928, ص 559). على أن كثيرًا من السنن القديمة والإعفاءات بقيت، ولم تلغ مثل هذه الإعفاءات والامتيازات إلا سنة 1255 هـ (1839 م) مع إعلان المساواة في أداء الضرائب. وكان على مؤدى الجزية في جميع الأحوال أن يؤدوا الرسوم الإضافية، وهي ال "معيشت" أو ال "معاش" نظير نفقات المعاش لجابى الجزية وكذلك "رسم كتابت" (ويسمى أيضًا: "رسم حساب" و "أجرت كتابت" و "خرج محاسبة" أو "قَلَميَّه") لقاء الخدمات التي تؤديها مصلحة الجزية الرئيسية. (انظر حاجى بكيج، جـ 3، ص 112). والواقع أن هذه كانت رسومًا متبعة قائمة في جميع المصالح المالية العثمانية. ونجد في الفرمان المؤرخ سنة 880 هـ (1475 م) والخاص بجمع

الجزية (آنهكر وإينالجق، ص 77 - 78) رسما قدره 2 آقجه على كل أسرة يسمى "رسم كتابت"، ورسما قدره آقجه واحدة كان يحصل من قبل بمعرفة الإيل كتخداوات. وكان الجابى والكاتب الذي يصحبه يتقاضى كل منهما لنفسه آقجه واحدة في القرن العاشر الهجرى، السادس عشر الميلاد انظر برقان، ص 180، وكانت تحصل في المجر علاوة على ذلك آقجه واحدة "رسم خانه"، انظر برقان، ص 316). وفي سنة 1102 هـ (1691 هـ) كان رسم المعيشة (معيشت) 12 باره للفئة الأعلى، و 6 بارات للفئة الوسطى، و 3 بارات للفئة الدنيا، ورسم قدره باره واحد يؤد جرت كتابت" بالنسبة للفئات الثلاث على قدم المساواة. وبعد أربع سنوات أضيف رسم جديد لمعيشة القاضي قدره 9 بارات للفئة الأعلى و 4 بارات للفئة الوسطى، و 5، 0 باره للفئة الأدنى. وأرادت الدولة أن تتحاشى المساوئ التي تقترن بتحصيل هذه الرسوم فبينت أن الجباة يجب أن يحصلوها لحساب بيت المال لا لحسابهم، وأن المكافآت ستؤدى لهم بمعرفة بيت المال من موارد الجزية التي تحصلها مصلحة الجزية المركزية (حاجى بكيج، جـ 3 - 4، وثيقة 4، 5، 10, 11, ص 107, 112, 125، 131). وقد بلغ المبلغ الإجمالى لهذه الرسوم القانونية 1/ 25 من الجزية نفسها، وقد ارتفعت فئاتها بالزيادات في الجزية. ونحن نتبين من هذه الفرمانات نفسها أن الجباة كانوا يخالفون القانون فيخضعون مؤدى الجزية إلى بعض ابتزازات وسميت بأسماء: ذخيره، وكاتبيه، وصرافيه، وقولجى آقجه سى، وخرج محكمه (حاجى بكيح، جـ 3 - 4، ص 113، 127) وموم آقجه سى بويرويلدى عوائدى وغير ذلك من الأسماء. فلما أعلنت "التنظيمات" عام 1255 هـ (1839 م) عينت الدولة محصلين يتقاضون مرتباتهم من الخزانة، ولم يسمح لهم بأن يتقاضوا من الممولين إلا أقل قدر من الإعاشة لأنفسهم ولدوابهم (حاجى بكيج: - Pri Iozi جـ 5، وثيقة 25، 93). ولكن أفدح عبء ألقى على كاهل مؤدى

الجزية هو التكفل بتعويض جزية الذميين المهاجرين "كوريختا" (بالتركية: كوريخته)، والأموات "مردا" (بالتركية مرده) الذين كانوا في بعض الأحيان يتسببون في إقفار قرية بأسرها وخرابها، وشاهد ذلك ما يتبين من نشان سنة 1102 هـ (1691 م) من أن الحى الباقي من السكان في بعض القرى قد أجبر على أداء الجزية عن الثلاثة الأحياء الأخرى التي خلت من سكانها. على أن الجباة كانوا يتعاونون أحيانًا مع القضاة المحليين فيحاولون، دون إذن رسمى، أن يجبوا الجزية من "اليافته" الجديدة (نويافته) وهم أولئك الذين لم تسجل أسماؤهم ضمن مؤدى الجزية في الدفاتر الرسمية. وكانوا كذلك يحصلون "بدل آقجه سى" مبلغًا إجماليًا عن تلك الأسماء الواردة في الدفتر التي لا يمكن التحقق من أشخاصها. وكانت الحكومة تناضل دائما في سبيل منع مثل هذه المساوئ، وانتهى بها الأمر إلى فرض ضريبة جديدة محددة تعرف باسم "كوريخته" تجبى بالتساوى من كل مؤد للجزية. ويتبين هذا في حسابات الجزية عن سنة 1102 هـ (1691 م) وكانت الفئة في ذلك الوقت 40 آقجه عن كل رأس، وهو مبلغ يساوى 1/ 8 الجزية نفسها تقريبًا. نحن نجد أيضًا ضريبة من هذا القبيل تسمى "نويافته آقجه سى" حتى في عهد سابق لذلك. وقد ثبت أن هاتين الضريبتين ما هما إلا عبء جديد ألقى على كاهل "الرعايا" ما دام الجباة قد دأبوا على أعمال الابتزاز التي كانوا يمارسونها وفقًا للعادة المألوفة. وفي سنة 1102 هـ (1691 م) سنت طريقة جمع الجزية بتوزيع شهادات دفع شخصية، فبذل جباة الجزية محاولة لاستخدام جميع الشهادات التي سلمت إليهم من الخزانة، وفرضوا على الناس غير الخاضعين للجزية أن يقبلوا هذه الشهادات أو فرضوا شهادات ذات فئات أعلى على أولئك الخاضعين لفئات دنيا. وقد رمى بعض الجباة بشبهة أنهم قبلوا الرشوة من الأغنياء نظير إعفائهم من الشهادات ذات الفئات العالية ومن ثم فرضوا على الفقراء قبولها. ويجب أن نضيف إلى ذلك كله

الشكوى العامة من أن الرعايا كان عليهم أن يسدوا حاجة حاشية الجباة من القولجوات والأوصياء وغير ذلك من الابتزازات الكثيرة التي كانت شائعة في جباية الضرائب في عصر الانحلال ومن الواضح أن الجباة أنفسهم قد تصرفوا حيال مؤدى الجزية تصرفًا أكثر بطشًا، اعتمادا على أن الفرمانات كانت تنص بمقتضى الشريعة على أن الذميين عليهم أن يؤدوا الجزية بكل خضوع (حاجى بكيج، وثيقة 5 و 10 وص 112, 126). وكل هذا باو شك كان في معظمه السبب في سخط الرعايا الذين كانوا يتعاملون مع الغزاة الأجانب منذ أواخر القرن الحادي عشر الهجرى (السابع عشر الميلادي). ولم تتحسن الحالة نتيجة لتدابير الإصلاح التئ اتخذت سنة 1102 هـ (1691 م) وما بعد ذلك، ويمكننا أن نقول دون أن نخشى الزلل بأن إلغاء الإعفاءات، وخاصة إعفاءات الرهبان في ظل النظام الجديد، قد أدى إلى انقاوب بعض الجماعات ذات النفوذ بين غير المسلمين، على الحكم العثمانى. المصادر: كانت الدولة العثمانية تتبع المذهب الحنفي في تطبيق الجزية، انظر (1) ملّا خسرو: الدرر في شرح الغرر الأحكام، إستانبول سنة 1258 هـ ص 195 - 216, ثم الترجمة التي قام بها من بعد موقوفاتى لكتاب ملتقى الاخيار، إستانبول سنة 1318، ص 349 - 351، وقد أصبح هذان الكتابان عمدة المصادر التي اعتمد عليها العلماء العثمانيون ورجال الإدارة في هذه المسائل. (2) وانظر بيان المبادئ الشرعية في لائحة عثمانية رسمية برقان: قانونلر، ص 351. (3) وأقدم فرمان بلغنا عن جباية الجزية تاريخه 880 هـ = 1475 - 1476 م في آنهكر وإينالجق قانوننامه سلطانى بر موجب عرفى عثمانى، أنقره سنة 1956، ص 76 - 78؛ وثمة نسخة طبق الأصل من هذا الفرمان وردت في Sultanische Ur-: Babinger

kunden zur Geschichle der osmanischen -Wirischuft and Staatsverwaltung am Aus gang' der Herrschaft Meheineds II, des Erobrer جـ 1، ميونخ سنة 1956، ص 270 - 280, وهناك تلخيص فرنسى لهذا الفرمان في - N. Bel Sultans: diceaun premiers Les Actes des باريس- لاهاى سنة 1960 سنة 1960, ص 148, 150. (4) حاجى بكيج في مقاله الرئيسى عن الجزية في الإمبراطورية العثمانية بعنوان Dzliizia ili harac في prilozi- جـ 3 - 4, ص 55 - 135, جـ 5، ص 43 - 102، وقد نشر في هذا المقال سبعا وعشرين وثيقة من سجلات قضاة البوسنة ومقدونيا. (5) وثمة براءتان تاريخهما 5 رمضان سنة 1111 هـ = 24 فبراير سنة 1700 وأول شعبان سنة 1121 = 6 أكتوبر سنة 1709، نشرههما. B. C Nedkov في her Sammlung orientalisc Arbeiter جـ 11، ليبسك سنة 1942، وأعيد نشرهما في بلتن، جـ 32، ص 641 - 649, وقد ورد فيهما في الحالتين بعض الأخطاء في الرسم. (6) أما "جزيه محاسبه دفتر لرى" و "ماليه أحكام دفتر لرى" و "مقاطعات دفتر لرى" في مجموعات "ماليه" و "كامل كبه جى" و"يكى سلسلة" وفي باشوكالت، أرشيوى فهي مورد من المصادر في الموضوع لا ينفد. وأقدم دفاتر في هذه السلاسل هي: دفتر مقاطعات عهد محمد الفاتح، يكى سلسلة، رقم 176, 6242, 7387 و "دفتر توزيع جزيه كبران ولايت روملى وأناطولى" المؤرخ سنة 958 هـ = 1551 م، مكتبة فيخ جى رقم 3523 و"دفتر أحكام مالية" المؤرخ سنة 973 هـ = 1565 م، ماليه يكى سرى، رقم 2775 ومجموعة "دفتر محاسبه جزيه"، وهو أشمل المصادر عن الجزية، يبدأ سنة 1101 هـ = 1690، مكتبة قبه جى، رقم 3508 - 3799. خورشيد [خليل إينالجق Halil Inalcik]

(3) الهند أثارت مسألة جباية الجزية في الهند من الانفعال أكثر مما أثارت من الدرس العلمي، وقد زعم أن هذه المسألة في الهند كانت وثيقة الصلة من حيث العمل بمبادئ الفقه، أو مذاهب العلماء الهنود المسلمين، أو السياسات التي جرى عليها آل عثمان. والقول الذي أخذ به في هذه البلاد من أن الجزية لم تكن في العادة تجبى في ظل سلطنة دهلى على اعتبارأنها ضريبة دينية مميزة قول يمكن أن ينازع فيه والشاهد على هذا القول قد ذكر فيما يلي. ويذكر أقدم مصدر انتهى إلينا عن الفتح العربي للسند، وهو البلاذرى (فتوح البلدان، ص 439) أن محمد بن القاسم أخذ يجبى الخراج على اعتبار أنه ضريبة على القوم الذين فتح بلادهم. ويتحدث كتاب "جج نامه" الذي يقال إنه ترجمة فارسية (حوالي سنة 613 هـ = 1216 - 1217 م) لوصف عربي أقدم لهذا الفتح، عن أهل السند (مكتبة وزارة الهند، مخطوط، 435, 268) فيقول إنهم عوملوا معاملة الذميين وأنه قد فرض على أهل براهمن آباد ضريبة رؤوس متدرجة يؤدى الطبقات الثلاث بمقتضاها فئات شرعية هي 48, 24, 12 درهما على التوالى (المخطوط ص 261 - 262). على أن هذا الوصف قد يبدو صدى لسنة متأخرة عن حوادث عام 94 هـ (712 م) تسبق التمييز بين الخراج من حيث هو ضريبة أرض. والجزية من حيث هي ضريبة رؤوس، وهو التمييز الذي حدث في عهد الأمويين المتأخرين وأصبح قاعدة في تعاليم الفقه. وفي ظل سلطنة دهلى فإن الظروف السياسية، ونعنى بها استمرار قيام زعماء من الهنود المسلمين في المناطق الريفية وانطباع المدة من 801 إلى 932 هـ (1399/ 1398 - 1526 م) بسمات خاصة، لم تكن فيما طهر مواتية لإقامة ضريبة جديدة متميزة تفوضها أقلية على أغلبية. ولم يشر القاضي منهاج الدين السراج الجوزجانى إلى جزية كانت تجبى في المدة المنتهية بسنة 658 هـ (1260 م). ويستعمل أمير خسرو في كتابه "قران السعدين" (عليكره، طبع على الحجر

سنة 1918, ص 35) كلمة جزية للدلالة على إتاوة تحصل من الملوك الهنود. وفي العصر الخلجى وأوائل العصر التغلقى تقرن الشواهد بين الجزية والخراج بلا تمييز للدلالة على ضريبة الأرض (انظر على سبيل المثال ضياء الدين البرنى، تاريخ فيروز شاهى، المكتبة الهندية، ص 291، 574، ويذكر البرنى أيضًا [فتاواى جهانكيرى، مكتبة وزارة الهند، مخطوط رقم 1149, ورقة 119 أ] أن الرايات والرانات الهنود كانوا يجبون الخراج والجزية من رعاياهم الهنود). وتتحدث حكاية وردت في أمير حسن السجزى (فوائد الفؤاد [سنة 707 - 722 هـ = 1307 - 1322 م] طبع حجر سنة 1865, 76) عن درويش مسلم طلب منه أداء الجزية، ويدل النص الوارد فيه ذلك على أن المقصود هو الضريبة بالمعنى العام. على أنه ورد في عهد فيروز شاه تغلق عدد من الإشارات، خاصة في كتب المناقب، تذكر أن هذا السلطان كان يجبى الجزية. ويزعم كتاب "سيرة فيروز شاهى" (سنة 722 هـ = 1370 - 1371 م) المجهول المؤلف (مكتبة وزارة الهند، وقد طبع بالروتوغرافور، رقم 34 من مخطوط بانكيبور، ورقة رقم 61 ب) أن فيروز شاه تغلق قد أمر بألا تجبى إلا الضرائب الشرعية، وقد تردد هذا الؤعم في كتاب "فتوحات فيروز شاهى"، طبعة الشيخ عبد الرشيد (عليكره سنة 1954، ص 6). ويروى شمس الدين سراج عفيف (طبعة المكتبة الهندية، ص 382 - 384) أن فيروز هذا حصل على فتوى بأن الجزية يجب أن تجبى من البراهمة، فأمر بجبايتها، ولكنه خفض بدايتها بعد احتجاج من براهمة دلهى وملتمس من غيرهم من الهنود فأنقصها من فئاتها التي كانت 40, 20, 10 تنكات إلى 10 تنكات من ذات الخمسين جيتالا. وكذلك تذكر مجموعة الرسائل المنمقة المعاصرة "إنشاى مهرو" (طبعة الشيخ عبد الرشيد، عليكره من غير تاريخ، ص 41, 53, 54) أن الجزية كانت تجبى،

ولو أن النص الأخير يوحى بأنه لم يكن ثمة تمييز بين الجزية وضريبة الأرض. وفي العصر الساداتى واللودى لا نسمع شيئًا عن جباية الجزية. ونستبين من الأسلوب الذي يتحدث به مؤرخو عهد أكبر أنه قد ألغاها، بل إن الإشارات إلى ذلك في عهد تغلق قد تكون في معظمها مدائح، ومع ذلك فإنه ليس ثمة اتفاق بينهم على تاريخ إلغاء الجزية؛ ويجعل أبو الفضل في كتابه "أكبر نامه" (المكتبة الهندية، جـ 2، ص 203) هذا الإلغاء سنة 971 هـ (1564 م)، وبجسعله بداءونى سنة 987 هـ (1579 م)؛ انظر كتاب "منتخب التواريخ"، المكتبة الهندية، جـ 2، ص 276) والبداءونى نفسه- الذي يبادر فيما عدا ذلك إلى ذم أكبر لأى انحراف منه عن مذهب أهل السنة- يذكر حادثة الإلغاء بلا تعليق. ولا يشير نظام الدين أحمد إلى الجزية، ولكنه يذكر إلغاء "زكاة" سنة 989 هـ (1581 م). وقد اتخذ أورنكزيب عدة إجراءات حيال غير المسلمين تقوم على التفرقة، ثم فرض جزية سنة 1090 هـ (1679 م) يذكر كتاب "مرآت أحمدى" (جـ 1، ص 269 - 298) أن هذا الفرض جاء بعد ملتمس رفعه إليه العلماء والفقهاء. وقد عجل بهذا الحكم بلأ شك الضائقة المالية ورغبة أورنكزيب الشخصية، ولو أن ذلك لا يفسر، بطبيعة الحال، ما كانت عليه هذه الضريبة من تفرقة. ويذكر إيسرَداس في كتابه "فتوحات عالمكيرى" (المتحف البريطانى، الإضافات رقم 23884, ورقة 74 أ - 74 ب) أن موظفى الحكومة قد أعفوا منها وأن هذه الضريبة كانت ثلاث فئات: أصحاب الأملاك التي تقدر ب 2.500 روبية عليهم 16 روبية، وأصحاب الأملاك التي تقدر ب 250 روبية، عليهم 6 روبيات و 8 أنّات، وأصحاب الأملاك التي تقدر بـ 52 روبية عليهم 3 روبيات و 4 أنّات؛ أما العميان، والمشلولون، والمعدمون فقد أعفوا منها. وقد أدى استحداث هذه الضريبة إلى مقاومة من الناس

ومعارضه من دوائر بلاط دلهى، ولكن هذه المقاومة أخمدت. ويذكر كتاب "مرآت أحمدي" أن الجزية أتت بموارد قدرها 500.000 روبية من ولاية كجرات. ولم تبق الجزية طويلا بعد وفاة أوركزيب سنة 1118 هـ (1707 م): إذا يقال إن بهادر شاه وجهاندار شاه، وفرخسيار، ومحمد شاه قد ألغوها جميعًا، ولو أن فرخسيار كان قد سك في وقت من الأوقات "درهمًا شرعيًا" لتيسير أداء الجزية بالفئات الشرعية (انظر "دار الضرب"). وقد حاول نظام الملك آصف جاه أن يعيد الجزية سنة 1135 هـ (1723 م) , وأعادها محمد شاه اسميًا سنة 1137 - (1725 م) ولكن هذه الإعادة لم توضع موضع التنفيذ قط. المصادر: علاوة على ما ذكر في صلب المادة: (1) على محمد خان: مرآت أحمدى، جـ 1، برودة سنة 1928, ص 296 - 298. (3) محمد ساقى مستعد خان: مآثر عالمكيرى، كلكته سنة 1807 - 1873, ص 174. (3) خليل خان: منتخب اللُباب، كلكتة سنة 1860 - 1874, الفهرس، مادة جزية. (4) Scoria do Mogor: N. Manucci, طبعة وترجمة M. Irvine جـ 3، لندن سنة 1907, ص 288 - 289. (5) Religious policy: S. R. Sharma of the Mughal Emperors، كلكته سنة 1940 , الفهرس مادة Jizya. (6) Later Mughals: W. Irvine, في مجلدين، كلكتة سنة 1921 - 1922, الفهرس مادة. Jizya (7) Jizyah in the post-: Satish Sandra Aurangzeb period في proc. 9 th Indian History Congress، سنة 194. خورشيد [هاردى P.Hardy]

جسر بنات يعقوب

جسر بنات يعقوب جسر على الأردن جنوبي بحيرة الحولة حيث يمر الطريق البحرى الممتد من دمشق إلى صفد وعكَّا فوق هذا النهر، وقد أخذت أهمية هذا الطريق التجارى في الازدياد في عهد الصليبيين، ومن ثم فليس بعجيب أن يكون قد دار في سبيل الاستيلاء على هذا المعبر قتال عنيف عدة مرات، ففي عام 552 هـ (1157 م) هزم نور الدين الفرنجة عند مخاضة يعقوب. وابتنى بلدوين الرابع عام 573 هـ (1178 م) حصنا في للك البقعة على الضفة اليمنى للأردن عند بيت يعقوب بالقرب من مخاضة الأحزان ويقول ياقوت (جـ 1، ص 775) إن هذه المخاضة سميت بهذا الاسم، لأن يعقوب بكى ولده يوسف في هذا الموضع، وسرعان ما خرّب صلاح الدين هذا الحصن بعد ذلك مباشرة عام 575 هـ (1179 م) واستؤنف الحج إلى مشهد اليعقوبى (ابن الأثير، طبعة تورنبرغ، جـ 11، ص 301؛ أبو شامة في Recueil des Hist. des Crois جـ 4، ص 194, 203 وما بعدها؛ وانظر أيضًا Les Colonies Franques de la Syrie: Rey ص 438). ويذكر الدمشقي (طبعة مهرن، ص 107) جسر يعقوب الذي يعبر الأردن في هذا الموضع. وابتنى أحد تجّار دمشق خانًا في هذه البقعة في القرن التاسع الهجرى الموافق القرن الخامس عشر الميلادي (انظر المجلة الأسيوية، المجموعة التاسعة، جـ 6، ص 262). وظل هذا الطريق في القرون التالية هو الطريق الرئيسى إلى دمشق من الغرب، ومن ثم دأب الرحالة المشارقة والمغاربة على ذكر هذا الجسر في كتبهم باسمه المعروف به حتى الآن وهو جسر بنات يعقوب، (جسر بنات يعقوب، جسر يعقوب Pons Jacob يعقوب كوبروى، انظر. هـ Zeitrchrift der .Deutsch Morgenl Ges جـ 64، ص 694 - 700). وتحققت أهمية هذا الجسر الحربية في الأزمنة الحديثة عند ما تقدمت الجنود الفرنسية نحوه عام 1799.

الجساس

ويقول بيدكر Baedeker (Palaelestina, ص 247) إن الجسر الحالى يرجع تاريخه إلى القرن الخامس عشر، ويبجل الناس قبر بنات يعقوب وهو غير بعيد من الجسر. وما زالت إلى الجنوب من هذا الجسر بمسافة قصيرة بقايا قليلة من الحصن الذي يرجع تاريخه إلى عهد الصليبيين. المصادر: علاوة على المصادر المذكورة في صلب المقال انظر: (1) Erdkaunde: Ritter جـ 15، ص 266 وما بعدها. (2) Quart. State pal. Explor, Fund ments سنة 1898, ص 29 وما بعدها. (3) Jahrbuch- Palaestina جـ 2، ص 82، جـ 5، ص 19. [هارتمان R. Hartmann] الجساس أحمد بن علي (أبو بكر الرازي) فقيه حنفى مشهور وإمام "أصحاب الرأي" في زمنه. ولد أحمد سنة 305 هـ جسر بنات يعقوب- الجَسّاس (917 م) وشخص إلى بغداد سنة 324, ودرس فيها الفقه على يد علي بن الحسن الكَرْخى. وكذلك درس القرآن والحديث نازلا بسنده إلى العاصم وعبد الباقي قانع (شيخ الدارقطني المشهور)، وعبد الله بن جعفر الإصفهانى، والطبراني وغيرهم. وقد استمع الجساس لنصح شيخه الكرخى، فشخص إلى نيسابور ليأخذي (أصول الحديث" على الحاكم النيسابورى. وفي هذه الأثناء توفى الكرخى، فعاد الجساس إلى بغداد (سنة 344 هـ)؛ ثم أصبح من بعد إمام الحنفية في بغداد. وجاء في الأخبار أنه رشح للقضاء مرتين ولكنه أبي، وكان أحمد يتوسط بين أصحاب الحديث والفقهاء. ومن تلاميذه القدوري, وأبو بكر بن أحمد بن موسى الخوارزمى وغيرهما. وتوفى الجساس في 7 ذي القعدة سنة. 370 (14 أغسطس سنة 981) في نيسابور. وحسبنا أن نذكر من كتبه: "كتاب الأصول" وشرحه على "الجامع الكبير" للسيوطى؛ وشرحه على "المختصر في الفقه" (وهو أقدم شروح هذا الكتاب)،

جعفر الصادق

ومختاراته من "كتاب اختلاف الفقهاء" للطحاوى (انظر Schacht Aus den Bib: lintheken. جـ 1، رقم 24)؛ و "أحكام القرآن" طبعة كليسلى رفعت، إستانبول سنة 1335 - 1338 هـ؛ في ثلاثة مجلدات، طبعة القاهرة سنة 1347 هـ. المصادر: (1) تاريخ بغداد، جـ 4، ص 314, رقم 2112. (2) الجواهر المضيئة، جـ 1، ص 84. (3) ابن قتلبغا، ص 4، رقم 11. (4) الشذرات، جـ 3، ص 71. (5) Classen der ha-: Fluegel nePtischen Rechtsgelehrten. (6) Brockelmann، جـ 1, الطبعة الثانية، قسم 1، ص 335. خورشيد [سبايز O. Spies] جعفر الصادق أبو عبد الله، بن محمد الباقر، وكان راوية من رواة الأحاديث، وهو آخر إمام اعترف به الإثنا عشرية والشيعة والإسماعيلية، ولد عام 80 هـ (699 - 700) أو عام 83 هـ (702 - 703 م) في المدينة، ووالدته هي أم فروة، وهي ابنة حفيد لأبي بكر. وقد ورث الإمامة من الباقر عام 119 هـ (737 م) أو عام 114 هـ (733 م) ومن ثم فإنه عاش في السنوات الحرجة التي انتقلت فيها السلطة من الأمويين إلى العباسيين، وكان على رأس هؤلاء الشيعة الذين رضوا بإمامة فاطمية غير محاربة. وعاش في هدوء بالمدينة، وكان حجة في الحديث، والفقه على الأرجح، وتتحدث عنه أسانيد أهل السنة باحترام. ولم يعمل على قيام قطيعة حادة بينه وبين معظم من هم على مذهب غير مذهب الشيعة، بل إن تابعًا شيعيًا من أتباعه استطاع الظهور في أسانيد أهل السنة (وقد اتهم الشيعة المتأخرون خلفه عبد الله بأنه ذو ميول سنية) ومع ذلك فإنه كان، فيما يبدو، زعيما شيعيًا جادًا. والظاهر أنه أباح لشيعته أن يعُّدوه، مثل أبيه، مفسرًا أوحد للشريعة، وأقنعهم بأن الله آثره بالعلم والمعرفة

الدينية (وأنه، من حيث المبدأ، الرجل الوحيد الجدير بأن يتولى الحكم شرعًا). بيد أنه كان يعقد حلقات الدرس في دائرة أوسع من الناس، وكانوا يستفتونه هو وغيره من الشيوخ. ويقال إن أبا حنيفة ومالك بن أنس وواصل ابن عطاء وغيرهم من الشخصيات البارزة قد رووا عنه الحديث. وبدأ الشيعة، في بواكير عهده، يتبوأون مكانًا مرموقًا في مجال الفقه، ولكن لا يمكن أن نقول على وجه التحقيق إلى اى حد يمكن أن تنسب مذاهب الأئمة الاثنا عشرية الإسماعيلية (أو الزيدية) التي تلت ذلك إلى تعاليمه، على الرغم من أن له دورًا قياديًا في مذهبى الاثنا عشرية والإسماعيلية. وكان جعفر في الفترة التي نشبت فيها فتنة زيد سنة 122 هـ (740 م) بمثابة رمز لهؤلاء الشيعة الذين لم أبوا أن ينتقضوا، وظل محايدا لم ثناء الفتن التي نشبت بعد وفاة الوليد سنة 126 هـ (744 م) عندما توقع معظم الشيعة أن تصل الأسرة العلوية أخيرًا إلى الحكم. ولعل شيعة الكوفة قد طلبوا منه العون، وربما طلبوا منه ترشيح نفسه في عهد انتصار العباسيين، ولكن يبدو أنه تحاشى الاعتراف بترشيح أي شيعى آخر من غير شيعته، وكان إذا ما فكر في نفسه تمسك بمبدأ القعود، أي أن الإمام الحق ليس في حاجة لمحاولة الاستيلاء على السلطة إلا إذا كان الوقت مناسبًا، وحسبه أن يقوم بالتعليم. والتزم للمرة الثانية جانب الحياد في الفترة التي انتفض فيها الشيعى محمد النفس الزكية بالحجاز سنة 145 هـ (762 م) , وتزعم لم نصار الحسين الذين لجأوا إلى السلبية في قضية الحسن الكبرى، فتركه المنصور يعيش في سلام. وقد اجتذب جعفر دائرة من المفكرين النابهين، معظمهم، مثل غالبية الشيعة، كانوا يعيشون عيشة عادية في الكوفة (وبعضهم في البصرة). وكان أبوالخطاب أكثر زعماء غلاة الشيعة المتقدمين إنتاجًا، ويبدو أنه كانت تربطه به صلات وثيقة، فنسبت بعض الآراء المتطرفة إلى جعفر نفسه (ولكن الأئمة الاثنا عشرية رفضوا هذه الآراء من بعد، وعدوها أفكارًا مدسوسة من أبي

الخطاب). ومهما يكن من شيء فإن جعفرًا أنكر على أبي الخطاب، قبل أن يقتل عام 138 هـ (755 م)، قوله، وقرر أنه تجاوز الحدود. وقد أزعج هذا الرفض بعض أعوانه. ومن المحتمل، فيما يبدو، أن تكون بعض الآراء الشيعية المتطرفة قد عاونت على إضفاء صفة الجاذبية على إمامة جعفر في العراق، ومع ذلك أنه أصر على ألا تخرج عن الحدود. واشترك معه ومع ابنه فلاسفة يبزونه في التخصص، نذكر منهم بخاصة هشام بن الحكم ومحمد بن النعمان، الملقب باسم شيطان الطاق، الذي كان ينزع إلى منهج المشبِّهة، معارضًا به منهج المعتزلة الأوائل الذين جادلوه فيما يقول، ونسب إلى جعفر نفسه (وليس هناك ما يؤكد صحة ذلك) موقف إزاء مسألة القدر، يزعم أنه وسط بين الجبر والاختيار. وتوفى جعفر عام 148 هـ (765 م)، مات مسمومًا بناء على أوامر المنصور، كما تذهب إلى ذلك رواية الاثنا عشرية، وهي غير محتملة، ودفن في البقيع بالمدينة، وكان الناس، وبخاصة الشيعة، يزورون ضريحه إلى أن هدمه الوهابيون. وقد ترك أتباعًا متماسكين، وحياة عقلية نشطة تصلح لتكوين فرقة. بيد أن بعض نزعاته المتبانية، التي كان يدأب على محاولة التوفيق بينها، كانت فيما يبدو سببًا في أن تتعرض بعد لانشقاقات تاريخية بين آونة وأخرى بسبب النزاع على من يخلفه في الإمامة. وكان قد استخلف إسماعيل، وهو ابنه الأكبر من زوجة من أبناء على تسمى فاطمة، وهي حفيدة الحسن رضي الله عنه، غير أن إسماعيل توفى قبل أبيه، وهي حقيقة زعزعت إيمان بعض أتباع جعفر، وتمسك جمهور غفير بإمامة إسماعيل، وأصر البعض على أنه لم يمت بل استتر، ورأى البعض الآخر أن تنتقل الإمامة إلى ابنه محمد بن إسماعيل، وتكونت من هؤلاء نواة الإسماعيلية المتأخرين، ويعد جعفر عندهم الإمام الخامس. ومهما يكن من أمر فإن غالبية أتباع جعفر، ارتضوا عبد الله أخا إسماعيل لأمه، وأكبر الاحياء من الأبناء

على أساس أن جعفرًا كان قد أرسى قاعدة عامة بأن يخلف الإمام ابنه الأكبر، بيد أن عبد الله توفى، بعد بضعة أسابيع دون أن يعقب ذرية، ومن ثم ارتضت الأغلبية موسى إمامًا، وكانت أمه جارية، وقد رحب به البعض منذ البداية، ومنهم فلاسفة مبرزون، وتطور هؤلاء إلى الشيعة الاثنا عشرية، وكانوا يرون أن جعفرًا هو الإمام السادس. وأكدت قلة منهم أن جعفرًا لم يمت حقًّا، وأنه مستتر وسيعود في صورة المهدي المنتظر (أطلق على هوْلاء اسم الناووسية). وتطلِّع بعض أتباع جعفر إلى محمد شقيق موسى الصغير، الذي أصبح من بعد إمام الشُمَيطية. ويعد جعفر عند معظم الشيعة إمامًا من أعظم الأئمة، والمعلم المثالى للفقه. ويشير الاثنا عشرية إلى أنفسهم باعتبار أنهم أصحاب مذهب سموه مذهب الجعفرية. ونسبت إلى جعفر اقوال عديدة تعرّف مذهب الشيعة، ونسبت إليه كذلك أدعية وعظات. ونسب إليه كل من أهل السنة والشيعة كتبًا عديدة، ليس بينها كتاب صحيح على الأرجح، وهي تتناول بصفة خاصة العرافة والسحر والكيمياء، وأشهرها جميعًا كتاب الجفر الذي تكتنفه الأسرار ويتنبأ بأحداث المستقبل. ويعد جعفر الشيخ الأكبر للكيميائى جابر بن حيان (الذي كان في الواقع يجلُّه باعتباره معلمًا دينيًّا)، ويعد أيضًا من كبار الصوفية. ونسب إليه، وبخاصة بين الشيعة، كثير من الأقوال تناولت كل جوانب المسائل التي كانت موضعًا للجدل، وهذه الأخبار تكاد تكون عديمة القيمة في تحديد آراءه بالفعل في حالة معينة. المصادر: (1) الطبري، طبعة دى غويه، جـ 3، ص 2506 وما بعدها. (2) ابن خلكان: وفيات الأعيان، طبعة م. محيي الدين عبد الحميد، القاهرة سنة 1367 هـ (1948 م)، جـ 1، ص 291 وما بعدها (تعليق رقم 128). (3) الحسن بن موسى النَّوْبَخْتى فرق الشيعة، طبعة م. صادق آل بحر

جعفر بن أبي طالب

العلوم، النجف سنة 1355 هـ (1936 م) , ص 62 - 79. مراجع أخرى: (4) Arabische Al -: Julius F.Ruska , chemisten جـ 2، ' Der Sechte Imam Ga far al Sadiq, هيدلبرغ سنة 1924 وانظر أيضًا. (5) ibn Hayyan and: Ruska Gabir - seine Beziehungen Zum Imam Ga'far as Sadiq، في Isl عدد 16، ص 264 - 266. (6) The Shi': Dwight M. Donaldson ite religion وهو أقل تمحيصًا، لندن سنة 1933، الفصل الثاني عشر، وانظر أيضًا عن المؤلفات المنحولة له. (7) Brockelmann , القسم الأول، ص 104. (8) Marshal G.S.Hodgson: How did the early Shi'a became sectarian, في Journal of the American Oriental Society عدد 75 سنة 1955، ص 1 - 13. (9) عبد العزيز سيد الأهل: جعفر بن محمد، بيروت سنة 1954. آدم [هودجسون M. G.S Hodgson] جعفر بن أبي طالب ولقبه الطَيّار (أي الذي يطير إلى الجنة) وهو ابن عم النبي [- صلى الله عليه وسلم -]. وكان جعفر من السابقين إلى الإسلام، هاجر مع المسلمين في هجرتهم الثانية إلى الحبشة. وتذهب الرواية الشائعة إلى أنه كان في الواقع زعيم المهاجرين والمتحدث بلسانهم في حضرة النجاشي. ويقول البعض إنه حضر غزوة بدر، ولكنه كان في الحبشة وقت حدوث تلك الغزوة، ولم يعد إلى بلاد العرب إلا عام 7 هـ (628 م) بعد وقعة خيبر مباشرة، وكان له نصيب في الغنائم التي غنمها المسلمون فيها شأنه في ذلك شأن باقي أتباعه من المهاجرين. وقد أنفذ النبي [- صلى الله عليه وسلم -] في العام التالي جيشًا عدَّته ثلاثة آلاف مقاتل بقيادة زيد بن حارثة لقتال الروم, واختار جعفرًا نائبًا لزيد إذا ما سقط في القتال كما اختار عبد الله بن

رواحة خلفا لجعفر إذا هلك أيضًا في القتال. ولاقى هذا الجيش العدو عند مؤته غير بعيد من البحر الميت، وسقط في القتال كل من زيد وجعفر وابن رواحة على التعاقب، ولم يستطع خالد ابن الوليد إيقاف المسلمين الذين ركنوا إلى الفرار والعودة بهم إلى المدينة إلا بشق الأنفس. وكان ذلك في العام الثامن من الهجرة (629 م) ولا يزال قبر جعفر الطيار قائمًا عند مؤته، ويقال إن النصارى أيضًا يبجلون قبره كما يبجله المسلمون. وابتنى المسجد القائم هنالك الملك المعظم عيسى الأيوبى. المصادر: (1) ابن سعد، جـ 4، القسم الأول، ص 22 وما بعدها. (2) الطبري، طبعة ده غويه. في مواضع مختلفة. (3) تاريخ ابن الأثير، طبعة تورنبرغ، جـ 2، ص 42، 59 وما بعدها؛ 163, 178 وما بعدها. (4) الكاتب نفسه: أسد الغابة، جـ 1، ص 286 وما بعدها. (5) ابن حجر: الإصابة، جـ 1، ص 485 وما بعدها. (6) Der Islam um Morgen: Mueller undAbendland جـ 1، ص 105. (7) Annah dell' Islam: Caetani , انظر الفهرس. (8) Die: Domaszewski, Bruennow provincia Arabia جـ 1، ص 105. (1) Arabia petraea: Musil جـ 1، ص 61، 152، جـ 3، ص 287، 330. (10) Ursemitische Religrion: Curtiss ص 204 وما بعدها. (11) المجلة الأسيوية، المجموعة التاسعة، جـ 4، ص 280. [تسترشتين K. V.Zettersteen] (*) جعفر بن أبي طالب: ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وشقيق على، وكان أسن منه بعشر سنين. وعندما ضاقت ذات يد والده، أخذه عمه العبَّاس إلى بيته، ليخفف العبء عن أبي طالب، وكفل محمد صلى الله عليه وسلم عليًّا. وجعفر من أوائل الذين اعتنقوا

الإسلام (يحتل جعفر المركز الرابع والعشرين أو الحادي والثلاثين أو الثاني والثلاثين في ثبت السابقين إلى الإسلام) وكان ضمن المسلمين الذين هاجروا إلى بلاد الحبشة (يتصدر اسمه القائمة الثانية التي أوردها ابن هشام في كتابه ص 209). وتبعته زوجته أسماء بنت عميس. وعندما بعثت قريش أبا ربيعة بن المغيرة المخزومي ابن العاص إلى النجاشي، تطلب منه اعتقال المهاجرين، قام جعفر بتلاوة آيات من القرآن الكريم ورد فيها ذكر العذراء مريم (من سورة مريم) أمام العاهل الحبشى، وقرأ في حضرته من بعد، آيات من القرآن الكريم تناولت عيسى بن مريم (سورة النساء)، وظفر منه بالحماية لنفسه ولأصحابه، بل يقال إنه جعل النجاشي يدخل في دين الإسلام. وفي غضون فترة الهجرة المذكورة أوصى النبي صلى الله عليه وسلم النجاشي صراحة بجعفر، وفي الفترة التي عقد فيها عهد التآخى المشهور بين المهاجرين والأنصار، آخى النبي صلى الله عليبما وسلم بين معاذ بن جبل وجعفر، وإن جعفرًا قد شهد وقعة بدر، إذ أن اسمه يذكر بين من شهدوها. والتقى جعفر، لدى عودته من بلاد الحبشة، بالنبي صلى الله عليه وسلم يوم الاستيلاء على خيبر سنة 7 هـ (628 م) فضمه النبي صلى الله عليه وسلم إلى صدره بحرارة وصاح قائلا: "ما أدرى بأيهما أنا أسَرْ. بقدوم جعفر أو بفتح خيبر؟ ". ويتردد اسم جعفر في المصادر المتصلة بقصة عمّارة بنت حمزة عم النبي صلى الله عليه وسلم. وكانت الفتاة قد بقيت بمكة. وعرض عليّ أن يتخذها زوجة ويصحبها إلى المدينة لينقذها من عبدة الأوثان، ويحترم في الوقت نفسه صلح الحديبية، فاحتج زيد ابن حارثة بأنه وليها بصفته أخًا لحمزة ووريثًا له، وقال إن جعفرًا وليها كذلك بسبب قرابته لها (كان جعفر ابن أخي حمزة وأخا زوج أم عمارة) ووافق محمد صلى الله عليه وسلم على أن جعفرًا هو الذي تجب ولايته للفتاة، ومنعه من الزواج بها بسبب صلة قرابته المزدوجة. ورحب جعفر بقرار النبي

صلى الله عليه وسلم، وحجل حول محمد صلى الله عليه وسلم. ويروى أن النبي صلى الله عليه وسلم. قال في هذه المناسبة: "أشبهت خَلْقى وخُلُقى". وعندما قرر النبي صلى الله عليه وسلم أن ينفذ عام 8 هـ (629) حملة إلى ما وراء حدود الروم (البوزنطيين) أقام زيد بن حارثة أميرًا للجيش، فإن قتل فجعفر، فإن قتل فعبد الله بن رواحة. واستشهد الثلاثة في وقعة مؤتة (جمادى الأولى عام 8 هـ = 629 م) فنوا في قبر واحد، ليس عليه آية علامات تميزه. وفي مؤتة قبر عليه نقش تذكار بالخط الكوفي، لا يزال بعضه قائمًا، وهذا يدل على قدم الرواية التي تدور حوله. وقد حارب جعفر بشجاعة واستشهد (وكان وقتذاك في الأربعين من عمره)، ويقال إنه أعجز جواده قبل المعركة حتى لا يجد أمامه سبيلا للهرب، وأنه أول من فعل ذلك في الإسلام. وقطعت يداه الواحدة بعد الأخرى فحمل العلم بأن ضمه إلى صدره بطرفيه المبتورين. وأحصى في جسده أكثر من ستين جرحًا. ورأي النبي صلى الله عليه وسلم، بفضل قواه الخارقة، ما حدث في المعركة وهو فوق منبره. وذهب في اليوم التالي إلى بيت جعفر وأبلغ أرملته، وهو يبكى، بمصابها. وكان جعفر أشد أقارب محمد صلى الله عليه وسلم شبهًا به، وقد لقب باسم أبي المساكين (أو أبي المساكن) بسبب برّه بالفقراء، وأُطِلق عليه بعد استشهاده اسم جعفرَ ذي الجناحين أو جعفر الطيَّار في الجنة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال إنه رآه في المنام يطير بجناحين يقطران دمًا بين جماعة من الملائكة في الجنة. وجاء في كتاب (أسد الغابة) وكتاب (عمدة الطالب) أنه لقب أيضًا باسم ذي الهجرتين لأنه هاجر مرتين، أولاهما إلى بلاد الحبشة وثانيتها إلى المدينة، ومن الأبناء الذين أنجبهم جعفر من زوجته أسماء، عون ومحمد، وقد سقطا شهيدين في كربلاء بجوار الحسين رضي الله عنه، وذريته من صلب ابنه عبد الله فحسب. ويحدثنا ابن أبي الحديد عن مناظرات من يرون أن فضائل جعفر

أعظم من فضائل عليّ، وقد اعتنق الإسلام بعد سن البلوغ ومات شهيدًا، على حين نجد بعض موضوعات أخرى. وقد تناول أبو حيان التوحيدى في الباب الخامس من كتابه البصائر. المصادر: (1) ابن هشام، ص 159, 164، 209, 219, 221, 344, 781, 794 - 796. (2) الطبري، جـ 1، ص 1163 وما بعدها , 1184، 1610, 1614، 1616 - 1618؛ جـ 2، ص 329؛ جـ 3، ص 2297 وما بعدها. (3) الواقدي (طبعة فلهاوزن)، ص 73, 83, 282, 287, 296, 302 وما بعدها، 309 وما بعدها, 433. (4) المسعودى: مروج الذهب، جـ 4، ص 159, 181، 182, 290, 449؛ جـ 5، ص 148. (5) ابن خلدون، جـ 2، الملحق، ص 7، 16 وما بعدها. (6) ابن الأثير: أسد الغابة، جـ 1، ص 286 - 289. (7) ابن حجر: الإصابة، جـ 2، ص 584، رقم 8746. (8) ابن عنبة: عمدة الطالب، النجف، سنة 1358 هـ، ص 19 وما بعدها. (9) ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة، القاهرة سنة 1329 هـ, جـ 2، ص 108 وما بعدها؛ جـ 3، ص 39 - 41. (10) Annali: Caetani, الفهرست في نهاية المجلد الثاني. (11) Mu-: W. Montgomery Watt hammad at Mecca. أكسفورد سنة 1953، ص 88, 110, 111. (12) الكاتب نفسه: Muhammad at Medina، أكسفورد سنة 1956، ص 54 وما بعدها و 380 وما بعدها (فيما يختص بشرح تحريم زواج جعفر بعمارة). (13) أما بالنسبة لحديث الشبه بين النبي [- صلى الله عليه وسلم -] وجعفر فانظر wensinck: Concordance، مادة صحابة. (14) وأما فيما يختص بالضريح والمصادر المتعلقة به فانظر Harawi:

جعفر بن يحيى البرمكى

des lieux de Pelerinage Guide (= كتاب الزيارات) ترجمة J.Snurdel - Thomine. دمشق سنة 1957. ص 47. آدم [فشيافا كليبرى L. Veccia Vaglieri] جعفر بن يحيى البرمكى كانت مكانة أسرة جعفر قد هيأت له على الفور أسباب الاتصال الوثيق بالبيت المالك، لأن أباه يحيى بن خالد البرمكى كان بحكم تربعه على دست الوزارة الحاكم الفعلى للإمبراطورية الإسلامية العظيمة، في حين كان أخوه الفضل بن يحيى مقربًا من الخليفة هارون أخيه في الرضاع. وقد اكتسب بحسن خلاله محبة الخليفة العباسى العظيم، وبلغ من الجاه والسلطان شأوا عظيما. واختاره الخليفة لولاية مصر عام 176 هـ (792 - 793 م) ثم أعفاه من أعباء هذا المنصب في العام التالي. ثم أنفذه عام 180 هـ (796 - 797 م) إلى الشام عندما شبت فيها الفتنة فأعاد السلام إلى ربوعها. وفي هذا العام ولَّاه الخليفة على خراسان وسجستان ولكن حل محله في الولاية عيسى بن جعفر بعد ذلك بعشرين يومًا. وولى جعفر الوزارة أيضًا فترة من الزمن. ومهما يكن من شيء فلم يكن لجعفر شأن خطير في الحياة العامة، وينحصر شأنه في سلطانه العظيم على هارون حتى أن الخليفة لم يكن يطيق فراق صديقه الذكى المثقف، بل بلغ من شأنه أنه عهد إليه تهذيب ولده الأكبر المأمون. وقد ذهب هارون في تعلقه العجيب بجعفر الشاب إلى حد أنه زوجه من أخته المحبوبة العباسة. فقد كان هارون يرغب في أن تكون العباسة وجعفر إلى جانبه، ولكن العباسة لم تكن لتستطيع أن تسفر أمام جعفر الشاب فلم يكن بد من تزويجها منه. ولما كان يخشى أن يصبح البرامكة بهذه المصاهرة خطرًا يهدد العباسيين فقد اشترط أن يكون الزواج بالاسم فقط: ومهما يكن من شيء فقد حملت العباسة ولدًا من جعفر. وفي رواية أخرى أنها حملت توأمين أرسلهما إلى مكة ليشبا فيها. ولم تخف الحقيقة على هارون طوياو، إذ غدرت بالعباسة إحدى جواريها. ولما استوثق

هارون من صحة هذه القصة، وكان في رحلة إلى مكة، عوَّل على الانتقام. وقد قتل جعفر بأمر من الخليفة هارون الرشيد من غير محاكمة، وذلك في آخر يوم من المحرم عام 187 هـ (27 يناير 803 م). وزج ببقية أفراد الأسرة البرمكية في السجن وصودرت أملا كهم. ومهما يكن من شيء فإننا لا نعرف على وجه التحقيق هل كانت العلاقة بين جعفر والعباسة هي السبب الحقيقي في تنكر الخليفة هارون لصفيه جعفر. والحق إن طول اعتماد هارون على وزرائه من البرامكة أصبح أمرًا غير محتمل، ثم إن سلطان البرامكة الذي لم يسمع بمثله من قبل كان يقتضي أمرًا من أمرين، إما رضوخ الخليفة التام لهم، وإما القضاء على البرامكة قضاءً مبرمًا. وذكرت تعليلات أخرى لهذه النكبة، فقد قيل مثلًا إن جعفرًا أطلق سراح الثائر يحيى بن عبد الله دون استئذان الخليفة فأسخطه عليه. ومهما يكن من أمر فإن الخليفة هارون قد حنق على جعفر لسبب ما، وإلا كان غضبه قد انصبَّ على أبيه رأس أسرة البرامكة، ومن المحقق أيضًا أن دسائس الفضل بن الربيع فعلت فعلها في هذا الشأن. ومن المحتمل أن تكون هناك عدة أسباب حدت بهارون إلى القضاء على البرامكة. المصادر: (1) الطبري، طبعة ده غويه، جـ 3، انظر الفهرس. (2) ابن الأثير، طبعة تورنبرغ، جـ 6، ص 82 - 161. (3) ابن خلكان، طبعة فستنفلد، رقم 131, ترجمة ده سلان, جـ 1، ص 301 وما بعدها. (4) Chalifen: Weil Geschichte der جـ 2، 135 وما بعدها. (5) Der Islam im Morgen -: Mueller und Abendland جـ 1، ص 497 وما بعدها. (1) al - Ras-: E. H. Palmer Haroun chid، انظر الفهرس، مادة جعفر. [تسترشتين K V. Zettersteen]

جغرافيا

جغرافيا قصدنا من كتابة هذه المادة إلى دراسة كتب الجغرافيا عند المسلمين، فهي لذلك محاولة لسد الثغرة التي قال بارتولد W.Barthold المقدمة التي كتبها للطبعة المنقولة طبق الأصل من كتاب "حدود العالم" (لينينغراد، سنة 1930, ص 7) أنها نقص خطير في دائرة المعارف هذه. وكلمة جغرافيا (وينطق بها أحيانا بفتح الجيم) لم تستعمل للدلالة على علم الجغرافيا إلا متأخرًا. وجرى قدماء الجغرافيين على اسمعمال هذا اللفظ علما على كتاب بطليموس المعروف في الجغرافيا (الفهرست، ص 268) وعلى كتاب مارينوس الصورى (المسعودى: التنبيه والإشراف، ص 33، وقد فسرت كلمة جغرافيا في هذا الموضع بأنها "قطع الأرض"). واستعملت لأول مرة بمعنى "علم الجغرافيا" في رسائل إخوان الصفاء (طبعة القاهرة سنة 1347 هـ, ص 111) ولكنها فُسرت أيضًا في هذا الموضع بأنها "صورة الأرض"، وظل هذا المعنى شائعًا في العصور الوسطى. ولم يصبح لهذه الكلمة المعنى الذي نعرفه اليوم من علم الجغرافيا إلا في ازمنة حديثة بعض الشيء (انظر الفصل المعقودعلى علم الجغرافيا في كتاب كشف الظنون لحاجى خليفة، الآستانة سنة 1311 هـ, جـ 1، ص 394). ويمكن القول بأن مصنفات المسلمين لم تنشأ فرعًا متميزًا بنفسه عن فروع التأليف الأخرى إلا بعد عام 800 للميلاد، فقد ألفت لأول مرة في القرن التاسع طائفة من الرسائل تتناول المسائل الجغرافية بصفة خاصة. وقد اختلف كتاب ذلك العهد اختلافًا كبيرًا في تناولهم هذه المسائل ثم تطورت شيئًا فشيئا فأصبحت تكتب بأسلوب مقرر على تفاوت في ذلك، وكان هذا الأسلوب أهم سمات الجغرافيا عند المسلمين لعهدها القديم، وهو يشمل القرنين العاشر والحادى عشر. على أن كتاب المسلمين لم يكتبوا بأسلوب واحد يبعث الملل, ولم يكن الاشتغال بدراسة

المسائل الجغرافية ليبدأ إلا في الوقت الذي استقرت فيه الحضارة الإسلامية وتجمعت حول أول حاضرة ثقافية هامة لها ألا وهي بغداد. فقد أتيحت الفرصة أول ما أتيحت لتدوين المعلومات المخللفة المتصلة بالعالم المادى، وهي المعلومات التي اكتسبتها أجيال العرب المتقدمة ومن أسلم من أهل الممالك التي فتحها العرب. وقد استقيت هذه المعلومات من موارد متعددة. فالأحوال الجغرافية لجزيرة العرب كما صورها الشعر العربي القديم كانت موردًا هامًا من هذه الموارد. ذلك أن هذا الشعر غنى بأعلام جغرافية كان البدو يدركون حقيقتها، فقد وعوا هذا الشعر عن ظهر قلب، وكانوا يتبينون طريقهم على الفور في بلادهم الواسعة باستذكارهم إحدى القصائد التي ورد بها اسم الموضع الذي يجدون أنفسهم فيه (Das: Buhl Leben Muhammeds ص 61). وانتقلت هذه المعلومات الجغرافية المفصلة هي والرواية الشعرية القديمة إلى حضارة الإسلام الأكثر ثقافة. وكان لغويو القرن الثامن مثل الأصمعى من المتقصين لجغرافية بلاد العرب. واستمرت هذه الصلة بين اللغة والجغرافيا قائمة خلال القرون المتعاقبة، ولا تزال واضحة في المعاجم الجغرافية التي كتبت في القرون المتأخرة مثل (معجم البكرى) وهو كتاب قصد به مؤلفه إلى ضبط أسماء المواضع وغير ذلك من المعلومات الجغرافية الواردة في الشعر، وكتاب (الأمكنة) للزمخشرى، وكتاب (الأمكنة) لأبي الفتح نصر الإسكندرى (المتوفى عام 1165؛ انظر معجم البلدان لياقوت، جـ 1، ص 8) ومعجم البلدان لياقوت ناهيك بالمؤلفات اللغوية المتأخرة مثل (تاج العروس) وهو يزودنا بكثير من المعلومات الجغرافية. على أن الجغرافيا العربية قد درسها في القرون المتقدمة علماء من طراز هشام أبي المنذر بن الكلبى المتوفى عام.820 م دراسة أكثر استقلالا من ذي قبل، ويقول صاحب الفهرست (ص 97) إن هشامًا كتب مالا يقل عن عشرة كتب في المسائل

الجغرافية. ولم يصل إلينا شيء من هذه الكتب، ولذلك لا نعلم هل تناول مصنفاه "كتاب البلدان الكبير" و "كتاب البلدان الصغير" بلادًا أخرى غير الجزيرة العربية، وإذا كان "كتاب العجائب" للحسن بن المنذر- الذي ذكره الإدريسي كثيرًا -هو عين "كتاب العجائب الأربعة" لهشام (الفهرست، ص 97) فإن هذا المؤلف يكون أول من كتب في الموضوعات الجغرافية العامة في الإسلام، ويتصل بهذه الرواية الجغرافية العربية الخالصة الكتاب النفيس "جزيرة العرب" للهمدانى. والقرآن أقدم الوثائق التي تناولت معلومات جغرافية ليست عربية خالصة، ومع ذلك فالإرشادات الجغرافية الواردة فيه نادرة، وفيها الفكرة القائلة بأن الأرض مستوية عليها الجبال كالأوتاد (سورة النبأ، الآية 6 و 7). وكثيرًا ما يستشهد الكُتَّاب المسلمون بهذه الآيات في أدعيتهم (كالإدريسى مثلًا) أو يسعون إلى تأييد آرائهم بما ورد في القرآن. وينطبق هذا على ها جاء في قوله تعالى "وهو الذي مرج البحرين هذا عذبٌ فراتٌ وهذا ملحٌ أجاجٌ وجعل بينهما برزخا .. " (سورة الفرقان، الآية 53؛ سورة النمل، الآية 61؛ سورة الرحمن، الآية 19؛ وانظر المقدسي، ص 16). وقد أصبح هذا المذهب عقيدة في علم الجغرافيا وعلم رسم المصورات الجغرافية في القرن العاشر (انظر Der Koran and: Barthold das Meer في Zeitschrift der Deutschen .Gesell . Morgenl سنة 1930, ص 37 وما بعدها فيما يتصل بما يمكن أن يكون الأصل في هذا الرأى). على أن القرآن يتحدث أيضًا في آية من آياته عن البحار السبعة. ولابد أن يكون قد انتقل إلى العرب من هذه العهود الإسلامية الموغلة في القدَم، أن لم يكن قبل ذلك، آراء جغرافية أولية تناقلها اليهود والنصارى. وكان غالب هذه الآراء من أصل شرقي، وهي أقرب إلى علم وصف الكون منها إلى الجغرافيا. فهي تتحدث مثلًا عن امتداد الأرض بما يقدر بمئات السنين (ابن خرداذبه، ص 93) وعن البحر المحيط وعن بعض الأنهار التي أصلها من الجنة، وعن عمق البحار، وعن تماسك الجبال والسلاسل

الجبلية، وتنقل هذه الآراء الأخيرة غالبًا عن وهب بن منبه، وقد درس فنسنك هذه الآراء المتصلة بعلم وصف الكون في - The Ideas of The Western Sem ites Concerning the Navel of the Earth سنة 1916. في. Verh. AK. Amst. . ومن هذه الآراء أيضًا روايات خاصة بتقسيم مبتكر للأرض وتصورات عن شكلها. فقد جاء في رواية عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنها على هيئة الطير (ابن عبد الحكم: فتوح مصر، ويلاحظ ابن حوقل، مكتبة طوب قابى، رقم 3346 بالآستانة، ص 121 أن هذا الوصف لا يصدق إلا إذا كان المقصود بلاد العرب). وآراء عن توزيع الشعوب على سطحها. والواضح أن هذه الآراء مأخوذة عن أسفار العهد القديم: منها إسكان يأجوج ومأجوج في أقصى الشمال الشرقي، وهم من الأقوام الذين ذكرهم القرآن وكذلك ربط نسب بعض الأقوام المخللفة بأبناء نوح. ولما كثر الأعاجم في الإسلام أضيفت على التدريج بعض التصورات البدائية المماثلة المأخوذة عن المصادر الفارسية والمصرية واليونانية، وقد كانت بعض هذه التصورات مرجع الأهواء التي أثرت قرونا في المصنفات الجغرافية، ولم يظهر بعضها في المصنفات إلا في عهد متأخر عن هذا، وهي من أصل قديم دون شك، مثل الاعتقاد بأن الأرض تحيط بجبل قاف. وازدادت معلومات العرب الجغرافية الواقعية عن العالم غير العربي إبان الفتوحات الكبرى، ودونت هذه المعلومات في أول ما كتب عن هذه الفتوح، فكتب الحديث وأبواب الفتوح منها خاصة صدى لما دون من هذه المعلومات، ولكنها في جملتها لا تزودنا بمعارف جغرافية مميزة، ففيها ذكر لفضائل المدن والبلدان المختلفة مثل المدينة وبيت المقدس والشام ومصر واليمن. وفي الباب العاشر لكتاب الملاحم لأبي داود وصف مفصل نوعا لمدينة البصرة (وقد استقيت هذه المعلومات الخاصة بالحديث من فنسنك A. J. Wensinck) . وإلى جانب هذه الأحاديث الفقهية، أحاديث أخرى مشابهة نذكر منها على سبيل المثال فضائل مصر والقبط الواردة في كتاب

ابن عبد الحكم، وكتب الفضائل المصرية التي ظهرت بعد ذلك. ويتصل بأقدم ما عرف من المعلومات الجغرافية السياسية فقرة من "كتاب الزيج"، للفزارى الفلكى (النصف الثاني من القرن الثامن) بها وصف للعالم المعروف وقتذاك. وقد حفظ لنا المسعودى هذه الفقرة في كتابه مروج الذهب (جـ 4، ص 37 وما بعدها). وفيها صلة بين التاريخ المشوب بالجغرافيا الخالصة وهي صلة لم تنفصم أبدًا. فقد كان كثير من جغرافي العصور التالية مؤرخين في الوقت نفسه مثل اليعقوبى والبلخى والمسعودى، بينما اشتمل كثير من المصنفات التاريخية على فصول هامة في الجغرافيا. وفي "كتاب المعجب، لعبد الواحد المراكشى (طبعة دوزى، ص 252) فقرة مفيدة تبين أنهم كانوا يدركون الفارق بين هذين النوعين من التأليف إدراكا واضحا، على أن هذا الاتصال بين التاريخ والجغرافيا ظل قائما بل ازداد قوة حتى في الوقت الذي قصر فيه الجغرافيون والمؤرخون همهم على أفكار خاصة كما هو الشأن في المؤلفات المصرية المعروفة بالخطط وفي الحوليات المتعددة التي كتبت عن جهة أو إقليم بعينه. وثمة طائفة من مصادر المعارف الجغرافية هي الإشارات إلى ما يمكن أن نسميه بالجغرافيا الفلكية. ويستخلص من شواهد شتى أن هذه الآراء عرفت أول ما عرفت من المشرق، ولعلهم نقلوها من الرسائل الهندية التي كتبت في الفلك مثل "السدهانا" التي عرفت في بغداد أيام المنصور عن طريق مدرسة جنديسابور، ولا شك أن القول بالأقاليم السبعة قد عرف أصلا عن هذا السبيل (ولعل هذا القول قد تأثر بالتقسيم الإيرانى للأرض إلى سبعة "كشورات"). يؤيد ذلك أن أقدم الأوصاف التي تناولت الأقاليم السبعة بدأت بذكر البلدان التابعة لكل إقليم في الشرق (الفرغانى، طبعة كوليوس Golius ص 32 وما بعدها؛ Klimata Die sieben: E.Honigmann هيدلبرغ سنة 1929, ص 135 وما بعدها). وهناك إلى ذلك بقايا إحصاء لأطوال مدن من جهة المشرق (الهمدانى: جزيرة العرب، ص 44

وما بعدها؛ Honigmann: كتابه المذكور، ص 139 وما بعدها)، في حين أن الاعتقاد في "قبة الأرض" من المعتقدات الهندية الأصل كما يثبت ذلك اسم "أرين" الذي يطلق على هذه القبة وهو قراءة خاطئة لاسم المدينة الهندية أجّينْى وكان بها مرصد. وانتقلت فكرة قبة أرين -كما هو معروف- إلى التصورات الجغرافية في العصور الوسطى وذلك عن طريق المسلمين، ونذكر أخيرا أن اسم "زيج" الذي يطلق على الجداول الفلكية وعلى الجداول الجغرافية الخاصة بخطوط الطول والعرض لا بد أن يرجع إلى ما أثر عن هذا العلم الفارسى الهندى (انظر ما سبق ذكره عن كتاب الزيج للفزارى). وأهم من ذلك بكثير إدخال الجغرافية الفلكية اليونانية إلى الموضوعات التي يدرسها العلماء في بغداد وذلك بفضل مابدا من إقبال على الترجمة في بلاط خلفاء العباسيين الأول. وكانت الـ "كيو كرفياى أوفيكسيس" هي وغيرها من موضوعات بطلميوس أول ما تناوله المسلمون بالدرس، وهناك معلومات كثيرة عما تم من ترجمات لكتب بطلميوس، فقد قام ابن خردذابة بترجمة منها كما ذكر ذلك هو نفسه (المكتبة الجغرافية العربية، جـ 6، ص 3) وقام الفيلسوف الكندى المتوفى عام 874 هـ بترجمة أخرى أو عملت له (انظر الفهرست) ص 268؛ ابن القفطى، ص 98) وثالثة قام بها ثابت ابن قرة المتوفى عام 901 هـ والذي لدينا بالفعل هو "كتاب صورة الأرض" لمحمد بن موسى الخوارزمى (طبعة B. A. H. U. G. H.V. MZIK جـ 3، ص 1926) وقد كتب حوالي منتصف القرن العاشر. وكان الخوارزمى من رجال الفلك، والجزء الأكبر من كتابه على هيئة جداول أو زيج. ومن ثم فإن كتاب صورة الأرض ليس ترجمة لكتاب بطلميوس في الجغرافيا فحسب ولكنه أيضًا نقل على صورة الجداول من معارف بطلميوس أدرجت فيها معلومات المسلمين في الجغرافيا بصفة خاصة.

اما المسائل المتعلقة باعتماد هذا الكتاب على مصنفات بطلميوس اليونانية أو السريانية ومدى هذا الاعتماد، وبإقحام المدن الإسلامية فيه وبالمصور الجغرافي الذي وصفه الخوارزمى بوضوح، وتطور تأليف هذا الكتاب، فقد ناقشها كل من نللينو (انظر e il suo: Nalllno AL. Huwarinni della Geografia di Ptolomea rifacimento في R Acc. dei Lincei Atti المجموعة الخامسة، المجلد الثاني، سنة 1894) وفون مزيك (Mzik Ptolemaeus and die Karten der: Von arabischen Geographer في Mitteilungen der geographischen GeseUschaft، جـ 58، سنة 1912, ص 152 وما بعدها)؛ وهونكمان (E. Honigmann: كتابه المذكور ص 122 وما بعدها). وهناك مسألتان هامتان جديرتان بالذكر: الأولى أن جداول "كتاب صورة الأرض" قد رتبت على طريقة الأقاليم السبعة التي سبق أن ذكرناها وهي الطريقة التي مهر فيها العلماء المسلمون على ما يظهر قبل أن يتلقوا جغرافية بطلميوس، ومن ثم أصبحت هذه الطريقة مذهبًا شائعًا في المصنفات الفلكية الإسلامية وفي كثير من الرسائل الجغرافية بعد أن كانت في الجغرافيا القديمة فكرة ثانوية. ونستبين من غالب هذه المصنفات أن القاعدة الأساسية لهذه الطريقة فقدت، وهذا ثابت من التباين العظيم بين درجات خطوط عرض الأقاليم الواردة في هذه المصنفات فالمسعودى مثلًا يرى أن جميع البلاد في إقليم واحد تقع على خط عرض واحد (التنبيه والإشراف، ص 44) أما حساب البيرونى البعيد عن الهوى الوارد في مصنفه "كتاب التفهيم" فهو من الشاذ النادر (E. Sitzungsberichte de Phys - Wiedemann zietaet in Erlangen . medizrn جـ 44، ص 16 وما بعدها) والمسألة الثانية هي المصورات الجغرافية الأربعة الواردة في مخطوط كتاب صورة الأرض المحفوظ في استراسبرغ، وظاهر أنه قصد بها توضيح بعض المعالم الجغرافية وأهمها مصور مجرى النيل، وقد رسمت فيه حدود الأقاليم. وليس هناك مصور للعالم، ولكن البيانات الخاصة بخطوط الطول والعرض

تزودنا بالمادة اللازمة لرسم مثل هذا المصور. وقام مزيك Mzik بإعادة رسم مصور إفريقية (Denkchr. der Phil - hut. Cl. der .Wiss. Wien Kais . Ak، جـ 59، ص 4) وهذا يدلنا على أن معر هذا العمل لا يمكن القيام به إلا مع تصويبات كثيرة. وثمة مصنفات جغرافية إلى جانب كتاب صورة الأرض للخوارزمى بها جداول مأخوذة من المصادر ذاتها ممر التي ذكرها البتانى (طبعة نللينو، جـ 3، ص 234 وما بعدها). والتي ذكرها ياقوت نقلا عن كتاب الملحمة المنسوب إلى بطلميوس، ومن قبيل هذه المصنفات العلمية المعلومات الخاصة بخطوط الطول والعرض الورادة في زيج كثير من المصنفات الفلكية، وكلها وفق طريقة الأقاليم السبعة، نذكر منها على سبيل المثال مصنفات ابن يونس المتوفى عا 1008 م في الزيج الحاكمي، والبيرونى المتوفى 1048 م في القانون المسعودى، و"كتاب الأطوال" الذي لا نعرف مؤلفه ويذكره كثيرًا أبوالفداء، والمراكشى المتوفى عام 1262 في كتابه "جامع المبادئ" وغيرهم كثير، ومن المستحيل إعادة رسم المصورات الجغرافية على أساس هذه الأزياج، والظاهر أن الفلكيين أنفسهم لم يفكروا في هذا الأمر، كذلك لم يكن للجغرافيين فيما يبدو دراية صحيحة بالمعلومات التي أوردها الفلكيون. ويستثنى من ذلك بوجه ما كتاب "صور الأقاليم" الذي كتبه سهراب في منتصف القرن العاشر (طبعة Mzik في B. A. H. U. G.، جـ 5) فهو مفيد من هذه الناحية وإن اشتمل على معلومات إسلامية أوفى، رتبت على نسق النظام الذي اتبع في كتاب الخوارزمى. وكانت معرفة العرب بالجغرافية الفلكية اليونانية وثيقة الصلة بالنهضة العلمية التي أزكاها الخليفة المأمون (813 - 833) فقد كلف بعض العلماء القيام بالأرصاد الفلكية، وقد قيست الدرجة الجغرافية خلال هذه الأرصاد. وكانت الجداول الفلكية المعروفة باسم "الزيج المأمونى الممتحن" من ثمرات ذلك، ولم تصل إلينا هذه الجداول صيغتها الأصلية (Honigmann: كتابه

المذكور، ص 113 وما بعدها). ولعل من ثمرات أعمالهم أيضًا ضربًا من مصورات العالم سماها المسعودى (التنبيه والإشراف، ص 33, 44) "الصورة المأمونية"، وهو يقول إن الأرض صورت في هذه الخريطة على طريقة بطلميوس، وإذا كان الجغرافي الأندلسى الزهري (القرن الثاني عشر) قد وصف حقيقة في مصنفه "كتاب الجغرافيا" هذه الخريطة المأمونية كما يقول في مقدمته، فإن هذه الخريطة تكون قد قسمت إلى سبعة أقاليم يحيط ستة منها بالإقليم السابع وهو الأوسط ويحيط بالأقاليم كلها البحر المحيط. وهذا النظام أكثر انطباقًا على التقسيم الفارسى إلى كشاور كما وصفه البيرونى (كتاب التفهيم؛ Sitzungsherichte d. Phys. medizin . Sozietat in Erlangen جـ 44) وهذا قريب الاحتمال. ثم إن القيام برسم مصور العالم للمأمون يعد رمزا للسلطان العالمى على مثال ما كان عليه الحال في فارس القديمة، إذ يقال إن مدو هذه المصورات قد عملت لملوك الساسانين (أردشير الأول كما في رواية ياقوت، جـ 1، ص 16؛ الدمشقي، ص 18؛ المقريزى في.، sة Par les membres de L'In Mbmoires publices Franc d. Archeologie Orientate au Caire جـ 30، ص 33؛ قباذ كما في رواية أحمد الطوسى: عجائب المخلوقات مخطوط في كوتا، القسم الفارسى رقم 35، ورقة 27). ثم عمد بعض الملوك الأقوياء إلى تشجيع القيام برسم المصورات الجغرافية مثل الساسانيين في خراسان وملوك النورمانديين في صقلية. على أن ظهور المصنفات الجغرافية الوصفية إبان القرن التاسع الميلادي في حاضرة الثقافة العباسية كانت تدعو إليه ضرورة علمية، فقد كانت الحاجة ماسة أول كل شيء إلى معرفة الطرق الكبرى التي تربط أقاليم الدولة الإسلامية بعضها ببعض، وكانوا يطلبون هذه المعلومات لأغراض إدارية وسياسية، كذلك كانت الحاجة ماسة إلى تعيين محطات القوافل على طرق الحج الموصلة إلى مكة. وكانت مادة هذه الأوصاف الخاصة بطرق المسافرين موفورة إلى حد ما في

دواوين الحكومة تكملها أوصاف الرحالين. فقد كانوا على الخصوص يعودون من رحلاتهم بمعلومات جديدة عن الممالك البعيدة على شواطئ المحيط الهندى وفي جزائره الكثيرة، وقلما كانت قصص هؤلاء تدون في رسائل مستقلة برأسها في القرن التاسع، ولدينا مع ذلك أخبار رحلات التاجر سليمان التي قام بها إلى الهند والصين في منتصف القرن التاسع (نشرها رينو Reinaud عام 1811 عن المخطوط رقم 2281 المحفوظ بالمكتبة الأهلية بباريس وعنوانه "سلسلة التواريخ") وجرت العادة على إدماج أخبار الرحالة في الكتب العامة التي تتسم أكثر من غيرها بالسمة الوصفية إدماجا يختلف في درجة وضوحه كما هو الشأن في رحلة سلام المترجم إلى الشمال الشرقي (ابن خرداذبه، ص 162 وما بعدها). ولم تصبح كتب هؤلاء الرحالة بابا قائما بذاته إلا في القرون التالية مثل كتاب عجائب الهند لبزرك بن شهريار (طبعة. Van der Lith، ليدن سنة 1883 - 1886) , وفيها مجموعة كبيرة من القصص العجيبة التي تسربت إلى المصنفات المتأخرة الخاصة بوصف الكرة الأرضية. ومن الصعب أن نسميها مصنفات جغرافية وإن ظهرت في صورة رحلات قام بها السندباد البحرى ووردت في كتاب ألف ليلة وليلة، وهي مع ذلك معدودة من المصنفات الخاصة بالملاحة التي ظهرت في القرن الخامس عشر. وأدت مجموعات كتب الرحلات وغيرها من المعلومات الجغرافية العلمية إلى ظهور كتب مختلفة في المسالك والممالك. وأقدم الكتب التي تسمى بهذا الاسم ما ألفه أبو العباس جعفر بن أحمد المروزى المتوفى عام 887 كما في رواية صاحب الفهرست (ص 150، ولكن إذا كان ابن خرداذبه والأصح: خرّداذبه بالراء المشددة) قد كتب النسخة الأولى من مصنفه "كتاب المسالك والممالك" حوالي عام 846 كما يظن ده غويه de Goeje (انظر في Osteuropaiesche und: J. Marquardt Streifzuege Ostasiatische، ص 390) فإن رواية الفهرست لا يمكن أن تكون صحيحة. ومن المؤلفين القداص الذين

صنفوا كتابًا بهذا الاسم أحمد بن محمد الطيب السرخسى المتوفى عام 899 (الفهرس، ص 261. Brockelmann: . Cexchichte der arab. Litter جـ 1، ص 210) وكان تلميذًا للكندى، وهو أحد الذين ترجموا كتب بطلميوس وصاحب رسالة في المد والجزر (في مخطوط 32. Seld Arch. A بمكتبة بودليانا). وليس لدينا من هذه الكتب مع ذلك إلا كتاب ابن خزَّداذبة وهو يزودنا- إلى جانب ما به من أدلة للمسافرين- بإشارات فلكية جغرافية (وفقا لبطلميوس) وأخبار الرحالة ومعلومات تاريخية استقاها من المصادر الفارسية عن الحياة في الجاهلية وبعض الآراء الجغرافية الشائعة. ولا يتبع هذا الكتاب نظاما دقيقا في طريقة تأليفه، ولعل ذلك راجع إلى أنه ليس بين أيدينا سوى مختصر له، ومما هو جدير بالملاحظة أننا نجد فيه في الوقت نفسه معلومات جغرافية مستفادة من جميع المصادر المختلفة تقريبًا التي عددناها سابقًا، ولا ينحصر موضوع هذا الكتاب في العالم الإسلامي الذي كان معروفا زمن المؤلف بل يمتد إلى جميع البقاع غير الإسلامية التي استطاع المؤلف أن يجمع شيئًا من أخبارها. وهذا التعميم ظاهرة ترجع دون شك إلى أثر جغرافية بطلميوس، ومما ساعد على ذلك كثيرا أن القسم الأكبر من العالم كما عرفه بطلميوس يتفق وما كان معروفًا من العالم في العصر الإسلامي العباسى، ذلك العالم الذي كان قد أخذ وقتذاك يصبح وحدة ثقافية أكبر منه وحدة سياسية، ومن قبيل كتاببن خرَّداذبة كتاب البلدان لابن واضح اليعقوبى المتوفى عام 897, والرسالة الموسومة بهذا الاسم أيضًا لابن الفقيه الهمذانى. وقد وصف كاله P.Kahle أخيرا مخطوطًا أكمل من كتاب الهمذانى في (Zeit. der Deutschen Morgen. GeselL , ص 43 وما بعدها) وكتاب الأعلاق النفيسة لابن رسته، وقد عاش في صدر القرن العاشر) والفصول الجغرافية في كتاب الخوارج لابن قدامة فهذه المصنفات كلها تزودنا بمعلومات متشابهة ولكنها على الجملة أدخل في الأدب منها في الجغرافيا، ولعلها أكثر تأثرا في طريقة

تأليفها بسنة التأليف العربي في الجغرافيا التي سبق أن وصفناها. ولا شك أن من هذه المصنفات الرسالة الجغرافية المفقودة التي كتبها الجاحظ المتوفى عام 865 وعنوانها "كتاب الأمصار وعجائب البلدان". ونذكر أخيرا من بين هذا النوع من التأليف كتاب المسالك والممالك للجيهانى الذي وزر للسامانيين في النصف الأول من القرن العاشر، وقد فقد هذا الكتاب (انظر مع ذلك E. Herzfeld في Ephemerides Orientates ليبسك سنة 1926, رقم 28) ولكن المقدسي يقول (ص 241) إنه يختلف اختلافا يسيرا عن كتاب ابن خرَّداذبه، ويمكن أن نقول بوجه عام إن هذه المجموعة من الكتب الجغرافية غنية بالمعلومات المتصلة بجميع الموضوعات التي تهم الطبقات المثقفة من المجتمع (انظر ما ذكره المقدسي تقديرا لكتاب الجيهانى، ص 3 و 4). ويظهر أن هذا النوع من التأليف كان يجمع فيه كل المعارف الدنيوية التي لا تجد لها مكانا في كتب الحديث والدين. ونشطت حركة التأليف الجغرافي في بغداد وما حولها في القرن العاشر فقامت نتيجة لذلك مدرسة جغرافية يصح أن نطلق عليها اسم المدرسة القديمة. ورأس هذه المدرسة هو العالم أبو زيد أحمد ابن سهل البلخى المتوفى عام 934, وكان في حداثته، مثل السرخسى، تلميذًا للكندى ببغداد، وقد صنف في بلخ في سن عالية كتابًا يعرف عادة باسم "صور الأقاليم". وهذا الكتاب في جوهره مصورات جغرافية على الأرجح أضيفت إليها نصوص مختصرة (المقدسي، ص 4). ولم يصل الينا النص الأصلي من كتاب البلخى، ولكنه أدمج في الكتابين الجغرافيين وابن حوقل المتوفى عام 975، ويعرف كلاهما باسم "كتاب المسالك والممالك" كما أدمج في طائفة من المخطوطات الفارسية التي تتضمن نقولا من النسخة القديمة من كتاب الإصطخري. وتعطينا المصورات الجغرافية الواردة في مخطوطات هذه المصنفات كلها فكرة وافية عن مصورات كتاب البلخى، وقد أطلق ملر

K. Millet في كتاب Mappae Arabicae علي أطلس البلخى الجغرافي اسم "أطلس. الإسلام"، ويشمل هذا الأطلس في تسلسل منظم مصورات للعالم والجزيرة العربية ولبحر فارس والمغرب ومصر والشام وبحر الروم، كما يشمل أربعة عشر مصورا آخر لأنحاء من أواسط العالم الإسلامي وشرقه. وتمثل الأقسام الجغرافية المختلفة من فارس مصورات منفصلة، بينما تمثل مصورات العالم الغربي ممالك بأكملها، وهذا يفصح بأن الأولى أصلها إيرانى، ويؤيد ذلك أيضًا بعض فقرات من النص، ونستدل من شكل هذه المصورات وتعاقبها -كما وضعت أمامنا في القرن العاشر- على أنه قصد بها قبل كل شيء تصوير مملكة الإسلام، ويدعم هذا أقوى تدعيم ما يصاحب هذه المصورات من نصوص (الأصطخرى، ص 2؛ ابن حوقل، ص 4). وتشهد هذه الجغرافيا الإسلامية الخالصة إلى جانب ذلك بأن لا صلة بينها وبين الجغرافيا الفلكية على الأطلاق (الأصطخرى، ص 3؛ ابن حوقل، ص 4). فلا نجد بالمصورات الجغرافية أي أثر لتقسيم العالم إلى أقاليم وفقا لخطوط العرض، ذلك أن لفظ إقليم يطلق فيهاعلى كل بقعة من الأرض خصت بمصور. ولا تزال الطريقة التي خرج بها "أطلس الإسلام" إلى الوجود في حاجة إلى البحث، ذلك أن شيرنكر (A.Sprenger: Die Post. and Reiserouten, Vorrede ص 14 وما بعدها) أخذ بفقرة وردت في الفهرست (ص 138 تعد الفلكى أبا جعفر الخازن أول واضع لهذا النوع من المصورات الجغرافية، وإن كان هذا الفلكى كما يقول سوتر Suter. Die)W math. U. astron. der arabes ص 58) قد توفى فيما بين 961 و 962 فهو لذلك أصغر بكثير من البلخى. على أن هذه المصورات لا صلة لها بالجغرافيا الفلكية، فهي تدرس كل إقليم على حدة ولا يمكن أن تجمع معا بحال في كلّ واحد. ولا صلة لها بالمصورات الواردة في مخطوط الخوارزمى. ومع ذلك لا يصح أن نرفض الرأى القائل بأن هذه

المصورات أريد بها في الأصل أن تكون دلائل للمسافرين. ولا نعرف فوق هذا إلا القليل النادر عن فن رسم المصورات الجغرافية في الأزمنة المتقدمة. ويذكر ابن الفقيه (ص 283) خريطة للديلم رسمت للحجاج. وررد في كتاب البلاذرى (ص 371) ذكر لمصور جغرافي لقنوات البصرة رسم إجابة لملتمس رفع إلى الخليفة المنصور. ونستدل من ترتيب المصورات الجغرافية في "أطلس الإسلام" أنه كان هناك "أطلس إيرانى" أقدم عهدا وأنه هيئ واصلح ليكون ملائمًا للعالم الإسلامي. ولم تصدر المصورات الخاصة بالأقاليم الإيرانية الخالصة إلا بمصور للعالم وبآخر لكل من البحرين، بحر فارس وبحر الروم. وقد يكون هناك ارتباط بين مصور العالم ومصور المأمون، ومما هو جدير بالذكر أن تقسيم العالم إلى أقاليم يشبه بعض الشبه تقسيم الأقاليم كما رواه البلاذرى في كتابه فتوح البلدان. وتثير مختلف النصوص الواردة في كتب الجغرافيا التي ألَّفتها مدرسة البلخى وقد أطلق عليها ده غويه دون وجه حق اسم كتب المسالك، لأن هذا الاسم أقدم عهدا منها) هي وهذه المصورات طائفة كبيرة من المسائل اللغوية نحيل القارئ فيما يختص بها إلى بحث ده غويه Frage Die Istachri - Balchi): de Goeje في der Deutschen. Morgen Zeitschrift .Gesell ص 42 وما بعدها) وإلى كرامرز (La question Balhi - Istahri -: J. H. Kramers .de l'Islam Acta O rient et L'Atlas Ibn Howkal جـ 10، ص 9 وما بعدها). وترتيب الموضوعات الجغرافية يعتمد كل الاعتماد على المصورات. ففي كل إقليم دراسة متعاقبة للمدن والأنهار والجبال والسكان ثم يلي ذلك دلائل للمسافرين. وهذا الترتيب يهيئ المجال لإدخال بعض مسائل جديدة يزودنا بها الرحالة والوثائق الرسمية واتساع المعرفة بالتاريخ أو غير ذلك من المصادر, ونري في نص ابن حوقل خاصة إضافات كثيرة إلى المعلومات الخاصة بإفريقية والأندلس. وهذه الإضافات ملموسة أيضًا في مصوراته الدقيقة التي رسمها لهذه الأقاليم.

والمدرسة الإسلامية البلخية في التصنيف الجغرافي بخاصة لم تظهر في بلاط العباسيين وكانت تربطها بهذا البلاط وشاثج مأثورة، ولكنها نشأت في المركز الثقافى الجديد الذي تغلب عليه النزعة الفارسية، وهو المركز الذي تجمَّع حول بلاط السامانيين في خراسان. ولا شك أن اهتمام الجيهانى بالجغرافيا كان له أثر بالغ في للك الحركة وان كان كتابه بمثابة تكملة للتقليد الجغرافي القديم. على أن الذين ساروا على نهج مدرسة البلخى لم يكونوا من الخراسانيين، فالإصطخرى كان من أهل فارس وابن حوقل من أهل نصيبين، بل أن نص النسخة الأخيرة من كتاب الجيهانى كان مشايعًا للفاطميين، بينما كان في كتاب الإصطخري والنسخة المتقدمة من كتاب ابن حوقل ما ينبئ عن ميل شديد نحو السامانيين. والمقدسى المتوفى عام 1000 هو آخر الجغرافيين العظام الذين ساروا على نهج مدرسة البلخى. وقد عده سيرنكر Sprenger .A أعظم الجغرافيين في كل العصور، وهو من أهل بيت المقدس. ولدينا نسختان من كتابه "أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم" إحداهما تميل إلى السامانيين والأخرى تميل إلى الفاطميين. وقد تحرر المقدسي من الطريقة التي اتبعت في أطلس الإسلام، فالمصورات التي في مخطوطاته فيها السمات البدائية التي عرفت بها مصورات الإصطخري الأولى. ويختلف تقسيمه للعالم إلى أقاليم عن التقسيم الوارد في أطلس الإسلام. وهو يتناول مرة أخرى دراسة الجغرافية الفلكية، غير أنه قصر في ذلك تقصيرًا كبيرًا. ويمكن القول بأن هذا المؤلف هو آخر أتباع المدرسة الجغرافية الإسلامية الخالصة، وقد خلفت آثارا في كثير من كتب الجغرافيا التي ظهرت في القرون المتأخرة، إلا أن مؤلفات أصحابها تركت من ذلك الوقت للنساخ خاصة، وكانوا يتفاوتون في العناية بما ينقلونه، ولم يبق في الكتب الجغرافية من مصورات هذه المدرسة إلا مصور العالم، إذ نتبينه بوضوح في مصورى العالم الواردين في كتابى القزوينى وابن الوردى، وأقل من ذلك وضوحًا في مصورات العالم المستديرة الواردة في كتاب الإدريسي. وهذا

المصور أيضًا هو الأساس الذي قام عليه مصور العالم المستدير الهام الذي نشاهده في مخطوط الكاشغرى المسمى "ديوان لغات الترك، المحفوظ بالآستانة (الآستانة 1333 - 1335). وكان إلى جانب مدرسة البلخى طائفة من المؤلفين الذين عاشوا في القرن العاشر وساهموا في نشر المعارف الجغرافية، ويمكن أن نقسم مؤلفاتهم بوجه عام إلى فئة تحاول دراسة العالم المعروف بأسره، وأخرى تصف ممالك أوأقاليم بعينها. ومن كتب الفئة الأولى كتابًا الجيهانى وسهراب السابق ذكرهما، ومنها أيضًا كتاب "آكام المرجان" لشخص يدعى إسحاق ابن الحسين، ولعله من المصادر التي ذكرها الإدريسي. وفي هذا المصنف تعداد جملة من المدن على الأسلوب الذي شاع فيما بعد. وقد كتب هذا المصنف حوالي عام 950 ونشره كوداتزى (Rendiconti della: A. Cndazzi . , Classe di Sc Reale Accademia dei Mor. storefrlol. سنه 1929). وهناك أيضًا لمحة جغرافية في الرسالة الرابعة من القسم الأول من رسائل إخوان الصفاء وفيها فصلت آراء بطلميوس التي أخذ بها الجغرافيون في القرن السابق، وهناك إشارات ممائلة في كتاب "البدء والتاريخ" الذي ألفه المطهر بن طاهر المقدسي عام 996 (طبعة إيوار cl. Huart في Publications de l'ecole des langues orientates vivantes باريس 1899 - 1917) وأهم من هذا أيضًا كتاب "حدود العالم" الذي لا نعرف مؤلفه، وقد كتب بالفارسية (أو نقل عن العر بية؟ ) عام 983 - ونشر بارتولد Barthold صورة طبق الأصل من هذا الكتاب في لينينغراد سنة 1930 ونظام هذا الكتاب مثل نظام كتاب بطلميوس بحذافيره، ولكن حذفت منه جميع المعلومات الخاصة بخطوط الطول والعرض، ويذهب بارتولد إلى أن ثمة علاقة أدبية بين هذا الكتاب وكتاب الجيهانى، ويبين أيضًا أن بينه ربين القسم الجغرافي من الكتاب الفارسى زين الأخبار للكرديزى (كتب حوالي سنة 1050) صلة أخرى. ونذكر أخيرا أنه ألَّف في ذلك القرن أيضًا للخليفة الفاطمى العزيز (975 - 996) كتاب

المسالك والممالك للمهلبى، ولم يبق من هذا الكتاب سوى مقتطفات في ياقوت وأبي الفداء. والمسعودى المتوفى عام 956 أعظم الجغرافيين أصالة في القرن العاشر، ففي كتابه الضخم "مروج الذهب" وكذلك في مصنفه كتاب "التنبيه" وصف للممالك التي زارها، وهو يسوق إشارات تاريخية، ويناقش جميع المسائل الجغرافية التي قد تعرض بشكل ما في كتب جغرافيى القرن السابق دون أن يتقيد كثيرًا بمنهج خاص. ولم يقصر المسعودي كلامه على العالم الإسلامي. وهناك آخر هو ابن فضلان الذي أسفر إلى بلغار نهر إتيل (الفلجا) عام 921 - 922. وقد عرف ياقوت رسالة ابن فضلان كما عرفت هذه الرسالة حديثًا بصورة أكمل في مخطوط ابن الفقيه الذي كشف عنه أخيرا (انظر كالة p.Kahle في Zeitschrift Morgenlandischen Gesellschafl der Deutschen سنة 1934, ص 44) هذا فضلا عن أخبار رحلته التي ذكرها أبو دلف مسعر بن المهلهل، الذي بدأ رحلته الواسعة بآسية عام 942. ويظهر أن هناك نصًّا موثوقًا به من هذه الرسالة في مخطوط ابن الفقيه. وذكر إبراهيم ابن يعقوب، وهو رحالة آخر، أخبار رحلاته في أوربا، وقد أورد كل من البكرى والقزوينى مقتطفات منها. وقام ابن سليمان الأسوانى برحلة في النيل إلى النوبة حوالي عام 975 ووصف هذه الرحلة في "كتاب أخبار النوبة" وقد حفظ لنا المقريزى فقرات من أخبار هذه الرحلة. وتؤدى بنا أخبار هذه الرحلات إلى النوع الثاني من الأوصاف الجغرافية التي ذكرناها آنفا، وهي الكتب الجغرافية الاقليمية والمحلية التي تتصف في الوقت نفسه بالطابع الجغرافي التاريخي. وفي طليعة هذه المصنفات أول ما ألف من كتب الخطط المصرية. ويقول المقريزى إن المثل الأول لهذا النوع من التأليف هو محمد ابن يوسف الكندى ولد الكندى (طبعة. J Kong. Danske Videnske . Setsk Oestrup Forh (سنة 1896، رقم 4) ورسالة ابن زولاق المتوفى عام 997 المعروفة بهذا

الاسم أيضًا وهي متصلة كذلك بالفقرات الخاصة بالفضائل الواردة في كتب الحديث. وقد سار على منوالها في القرن الحادي عشر محمد بن سلامة القضاعى المتوفى 1062 في كتابه "المختار في ذكر الخطط والآثار" وأورد كل من ياقوت والمقريزى فقرات هامة من هذا الكتاب. وظهرت في القرن الثاني عشر "الرسالة المصرية" لأبي الصلت أمية بن عبد العزيز المتوفى عام 1134 وفي ياقوت والمقريزى فقرات منها، ووصف محمد بن يوسف الورّاق المتوفى عام 973 المغرب في مصنفه "كتاب المسالك والممالك" (انظر المقرى، جـ 2، ص 112 وما بعدها) وقد فقد هذا الكتاب، ولكن البكرى في القرن التالي اعتمد عليه كثيرا في تأليف كتابه؛ ووصف الأندلس على هذا النحو أحمد بن محمد الرازي التأريخى المتوفى عام 955 (انظر مقدمة دوزى في طبعته لكتاب ابن عذارى، جـ 1، ص 23) وخلَّف هذا الكتاب المفقود آثارا في الكتاب الأندلسية المتقدمة، ووصف الهمدانى في كتابه "جزيرة العرب" الذي ذكرناه آنفًا الجزيرة العربية وصف العارف الخبير. ولا نزال في حاجة إلى أن نعرف إلى أي مدي ساهمت هذه الأوصاف الجغرافية الإقليمية في الكتب الجغرافية العامة، وهذا يصدق أيضًا على كثير من كتب تخطيط البلدان المصبوغة بالصبغة التاريخية التي قصرت على مدينة بالذات، وهي التي لا يمكن فصلها تماما عن الكتبلتى وصفت الأقاليم. وتسود الناحية التاريخية وكذلك الناحية الخاصة بالتراجم هذه الكتب الخاصة بوصف البلدان، وهي لذلك تسمي "تأريخ". ومن أقدم المؤلفات التي تدخل في هذا الباب أخبار مكة للأزرقى المتوفى عام 858. وبقى لنا من هذا القرن ففسه جزء من كتاب تأريخ بغداد لابن أبي طاهر المتوفى عام 893 وهو الذي سار على منواله الخطيب البغدادي المتوفى عام 1070 الذي ألف كتابًا بالعنوان نفسه. وقد ألِّفت كتب أخرى مماثلة عن بعض المدن الأكثر إيغالا في ناحية الشرق مثل تأريخ بخارى للنرشخى المتوفى عام 959، وقد

وصفت بهذه الرسيلة كثير من المدن في الشرق والغرب وصفا تاريخيًا تخطيطيًا، ومن المستحيل تعداد هذه الكتب لكثرتها، لأن هذه الأوصاف ظلت حتى اليوم من الأبواب الأدبية الشائعة في جميع أنحاء الممالك العربية والإيرانية والتركية الإسلامية. وقل إنتاج المؤلفات الجغرافية العامة الجديدة في القرن الحادي عشر، ويعود ذلك من غير شك إلى استمرار انحلال العالم الإسلامي سياسيا. ثم يمكن أن نقول أيضًا أنه كان قد تم ذكر كل شيء خاص بدلائل المسافرين وأوصاف الممالك مما تتطلبه الحاجة الأدبية والعملية، وقد أعيد كشف العالم المعروف وقتذاك كشفا يتفق ووجهة النظر الإسلامية الاستعمارية، ذلك لأنه لم تضف معلومات جديدة عن بقاع كانت مجهولة لدى الأقدمين اللهم إلا إذا استثنينا بعض جهات من إفريقية، على أن حركة الكشف كانت أوسع من ذي قبل، فقد أمدتنا كتب الجغرافيا التي ألفت في القرنين التاسع والعاشر بمعلومات أوفى من التي أمدتنا بها المصادر القديمة ومصادر العهد اليونانى المتأخر وخاصة عن الممالك الآسيوية، وظهر في القرن الثاني عشر أيضًا كتابان جغرافيان من الطراز الأول ختما العهد القديم لهذا النوع من التأليف ختاما حميدا، أولهما كتاب البيرونى في وصف الهند (كتب حوالي عام 1030) وهو يزود معارف المسلمين بمعلومات أوفى عن آراء الهندوس في الجغرافيا ونظام الكون إلى ما فيه من المعلومات الجغرافية الغزيرة عن الممالك المفتوحة حديثًا. ومصنفات البيرونى الأخرى، وخاصة كتاب "القانون المسعودى"، جديرة بالذكر لوضوحها في عرض الحقائق الجغرافية وإن كانت من كتب الفلك. ويشمل كتاب التفهيم في مخطوطاته الخمسة المعروفة مصورا عجيبًا مستديرًا للعالم يوضح به مواضع البحار (أعيد إثبات مصورات المخطوطات الأربعة على الصفحة 713 من كتاب Monumenta Cartographica Africae et Aegypti ليوسف كمال). ويصف البيرونى في مصنفه الآثار الباقية (طبعة سخاو، ص 357 بعض الطرق

الهندسية لمساقط مصورات السماء والأرض، على أن هذه الطرق لم تطبق عمليا فيما يظهر كما هو شأن غيرها مما أبدعته ألمعية هذا العالم العظيم، والكتاب الجغرافي العظيم الآخر الذي ظهر في القرن الحادي عشر هو كتاب المسالك والممالك الذي ألفه الكاتب الأندلسى أبو عبيد البكرى عام 1067 صاحب المعجم كما ذكرنا من قبل، ولا نستطيع بعد تكوين فكرة عن ماهية هذا الكتاب الكبير بأكمله لأننا لا نعرف إلا وصف البكرى لشمالى إفريقية (طبعة ده سلان de Slane) وما ذكره من معلومات عن جنوب الروسيا (من كونك Kunik وروزن Rosen؛ وانظر تعليق رتر Ritter على مخطوط الآستانة المنشور في مجلة SLl. جـ 19، ص 43). ويظهر أن البكرى لم يكن من مدرسة البلخى لانعدام المصورات الجغرافية في كتابه، ومهما يكن من الأمر فإن كتاب البكرى يعتمد إلى حد كبير على دراسات المؤلف الشخصية كما أنه دون فيه كثيرا من الحقائق التي كانت معروفة في زمنه. ومن كتب الرحلات التي ترجع إلى القرن الحادي عشر الكتاب المشهور "سفرنامه" لناصر خسرو وقد ألف حوالي عام 1045، والأخبار المستقاة من إبراهيم الطرطوشى المتوفى عام 1085 الذي ساح في فرنسا وألمانيا، وقد روى القزوينى هذه الأخبار. وظل كثير من المصادر الأدبية وخاصة الكتب التاريخية بعد القرن الحادي عشر يزودنا بالمعارف الجغرافية وأخذت الكتب الجغرافية الصرف منذ ذلك الوقت يتميز طابعها أكثر فأكثر بالتنسيق الأدبى للمواد الواردة في المصنفات المتقدمة. وبدأ الناس يشعرون بثقل وطأة التقليد، وجنح المؤلفون إلى تدوين فوائد المعارف التي جمعتها الأجيال السابقة دون تمييز بينها وصوغها في أسلوب أدبى، وخفف التقدم التاريخي من الشعور بالوحدة الجغرافية للعالم الإسلامي، ومال الكتاب إلى ذكر العجائب والخوارق كما حدث في المصنفات الجغرافية اللاتينية المتأخرة، وأهم الظواهر كلها التقريب بين الجغرافيا الوصفية والجغرافيا الفلكية، وأبرز مثل لذلك كتاب "نزهة المشتاق"

للإدريسى المتوفى عام 1156 ويشتهر هذا الكتاب بمصوراته السبعين، ويمثل كل منها عشر إقليم من الأقاليم السبعة، وهي إن وضعت جنبًا إلى جنب على الطريقة الصحيحة- وهذا أمر جديد غاية الجدة على فن رسم المصورات الجغرافية في الإسلام- تألف منها مصور تام للعالم المأهول وفقا لتصور بطلميوس، وفي مقدمة هذا الكتاب أيضًا مصور مستدير للعالم لعله يرجع إلى تقليد إسلامي متقدم في رسم المصورات الجغرافية. ويصعب علينا أن نتثبت: هل كان هذا المصور العالمى ومصور الأقاليم الكبير موضوعين جنبا إلى جنب- هما صورة طبق الأصل من مصور العالم الفضى الذي رسم لروجر ملك صقلية راعى الإدريسي كما يقول المؤلف في مقدمته. ومن العجيب أن هذه المقدمة لا تذكر شيئًا عن الطرق الفلكية التي كانت مستعملة في رسم المصورات الجغرافية، وإن كانت تذكر بعض الإشارات العامة عن الجغرافيا الفلكية. وهذا يؤدى أيضًا إلى النتيجة العجيبة، وهي أنه لم تكن هناك ابدًا طرائق فلكية وأنه لاشك في أن الأدريسى قد اتخذ أحد مصورات بطلميوس أساسا لعمله (انظر أيضًا. H Mzik Mitteilungen der geographischen: Von A , Gesezischajt in Wien جـ 58، سنة 1912, ص 152 وما بعدها) واعتمد النص كثيرًا فيما يتصل بالممالك الإسلامية على الكتابين المتقدمين وخاصة بن حوقل الذي كثيرًا ما فسرت أقواله مع ذلك تفسيرًا خاطئا (هناك مثال ناطق لهذا في كتاب Eranshahr: Marquardt ص 261). واستعان الإدريسي فيما كتبه عن الممالك الأوربية بالمعلومات التي جمعت للملك روجر Roper من الرحالين والتجار. وهذه المعلومات جد مهمة لقدمها، ولكن بعد أن عرفنا على مدى الأيام الطريقة غير المضبوطة التي اتبعت في استغلال هذه المعلومات في النص وفي المصورات الجغرافية فإن الحيطة التامة واجبة عند الإفادة من هذا الكتاب (Idrisi: R. Ekblom und die Ortsnamen der Ostseelander في Nammoch Bygd, استوكهولم سئة 1931). وهناك مختصر لكتاب الإدريسي كتب عام 1192 (مخطوط رقم 688 المحفوظ بمكتبة حكيم أوغلى

بالآستانة) وقد ألحقت به أيضًا بعض المصورات منها مصور الإقليم جنوب خط الاستواء، ومقدمة هذا المختصر أكثر تفصيلا في الفلك، ولكنها لا تفصح عن شيء من المبادئ الخاصة بفن رسم المصورات الجغرافية. ويظهر أن شهرة الإدريسي تنحصر في القسم الغربي من العالم الإسلامي، والكتاب الوحيد الذي يشبه كتاب الإدريسي- فيما نعرف -هو "كتاب جغرافيا في الأقاليم السبعة" لابن سعيد المتوفى سنة 1274 ولدينا جزء من هذا الكتاب (باريس، المخطوط العربي رقم 2234. المتحف البريطانى، القسم الشرقي رقم 1524). وهو مقسم إلى الأقاليم السبعة نفسها، وكل إقليم مقسم إلى عشرة أقسام وقد ذكرت فيه خطوط الطول والعرض لكل موضع جغرافي على جانب كبير من الأهمية، وهذا يتيح لنا رسم مصور جغرافي كامل. واستغل هذا الكتاب كثيرًا من الحقائق الجديدة مثل أخبار رحلات ابن فاطمة الذي توغل في رحلاته على طول شواطئ إفريقية وانتقال القبائل الجديدة الذي تم في شمالي إفريقية بعد قيام الموحدين. وهناك مختصر آخر غير كامل من هذا الكتاب بعنوان "كتاب بسط الأرض في طولها والعرض" (مخطوط في بودليانا بأكسفورد). ونلمس أيضًا النزوع إلى التقريب بين الجغرافية الوصفية والجغرافية الفلكية في القرن الثاني عشر في مختصر لكتاب ابن حوقل، أعده كاتب أندلسى حوالي عام 1150 (مخطوط بباريس رقم 2214؛ مخطوطات بالآستانة بمكتبة طوب قايى رقم 3347، وفي آياصوفيا رقم 2934). وفي هذا المختصر زيادات كثيرة تشير إلى عصر هذا الكاتب الأندلسى إلى جانب ما به من مصورات ابن حوقل المعروفة ومصور النيل نفسه الذي عرفناه عن "كتاب صورة الأرض" للخوارزمى. وبعض الزيادات التي أدخلت على النص خاصة بهذا المصور أما كتاب "منتهى الإدراك للخرقى المتوفى عام (1138 - 1139) فيمكن أن يعد من الناحية الفلكية اتجاها نحو الجغرافيا الوصفية، وقد ألف هذا الكتاب في مرو.

ومن كتب الجغرافيا التي ظهرت أيضًا في منتصف القرن الثاني عشر "كتاب جغرافيا" لكاتب أندلسى يسمى الزهري، وجاء في هذا الكتاب أنه وصف لمصور العالم (جغرافيا) الذي رسم للمأمون (انظر ما سبق) ولكن صاحبه يقسّم العالم المعروف وقتذاك بطريقة تخالف تمامًا ما جرت عليه العادة، فهو يقسمه إلى سبعة أقاليم تحيط ستة منها بإقليم مركزى على مثال التقسيم الفارسى إلى "كشورات" ثم يقسم كل إقليم إلى ثلاثة أقسام، ولا شك أن هذا التقسيم يرجع إلى آراء جغرافية أقدم من ذلك عهدا بكثير، وهي في حاجة إلى دراسة خاصة، ثم إن المعلومات الجغرافية الواردة في هذا الكتاب تخرج بعض الشيء عن المألوف، وهي أميل إلى الأعاجيب والتهاويل، وكانت الأندلس أكثر الممالك حظًا من الوصف المفصل. أما في القرون التالية للإدريسى فإن المصاعب تزداد إذا ما أردنا أن نرد ضروب التأليف الجغرافي إلى موضعها من البيئة الثقافية والسياسية للعالم الإسلامي الذي اختلفت أحواله الاجتماعية وتباينت أشد التباين وقتذاك، وأصبحت المعارف الجغرافية شيئًا فشيئا من المأثورات، وقلت الحاجة في بلاط أمراء ذلك العهد إلى الكتب الجغرافية العامة، وقد أشبعوا حاجاتهم منها بنسخ الكتب الجغرافية الأقدم عهدا، ويؤيد ذلك النسخ المتعددة من مؤلفات مدرسة البلخى، وهي التي نسخت لخزانة سلاطين المماليك بمصر ثم سلاطين العثمانيين من بعدهم، وأصبح مؤلفو الرسائل الجغرافية منذ ذلك الوقت إلى العلماء ذوي الأصالة أقرب، يحيطون بالتواليف احاطة واسعة. ولكنا نجد أن هذه الرسائل أيضًا يغلب عليها الجمع، فهي تتفاوت بين الترتيب الجارِ على حروف المعجم أو غيرها وبين إعادة ترتيب المعارف ترتيبا يتجلى فيه الابتكار. وهيأت هذه الحالة أيضًا الأسباب لكتابة ما يعرف بكتب علم الكون والقصص العجيبة غالبا المكانة الأولى فيها، وجرت الحال بأن لا يكون للحقائق الجغرافية الجديدة في مجموع الروايات المكانة اللائقة فيها. وقد ازدادت هذه الحقائق الجديدة

في ذلك العهد لاتساع البقاع التي استقر بها المسلمون. ومما يجدر ذكره فوق ذلك أن جل المؤلفات الجغرافية القيمة كانت تؤلف منذ ذلك الوقت في الشرق الأوسط في في الشام ومصر. ولم تلائم الأحوال السياسية في فارس والشرق الأقصى هذا النوع من التأليف، بل سار الفلكيون خاصة في تلك الأنحاء على المنهج المألوف من قبل مثل نصير الدين الطوسى المتوفى عام 1273 ومعاصره الأحدث منه سنًّا قطجـ 1 لدين الشيرازى وهو عالم عظيم أورد في كتابيه عن الفلك "نهاية الإدراك" و "التحفة الشاهية" آراء جليلة عن الجغرافية الفلكية بل إنه أمدنا بالمواد الصالحة لرسم خريطة العالم؛ وألوغ المتوفى عام 1449 هو آخر من يمثل الجغرافيا الفلكية في الشرق؛ وازدادت في الوقت نفسه أهمية الكتب الجغرافية الإقليمية وخاصة ها صدر منها بمصر، وكانت هذه الكتب تدرس من حين لآخر موضوعات جغرافية عامة في فصل تمهيدى، ثم دخلت في هذه الكتب الجغرافية التي ظهرت في القرون المتاخرة معلومات جديدة بسبب ازدياد عدد الرحالين وغالبهم من أصل غربي. وأول كتاب يعد من صميم الكتب التي تدرس علم الكون "تحفة الألباب" الذي ألفه أبو حامد الأندلسى عام 1162 (طبعة G.Ferrand في المجلة الأسيوية سنة 1925) والمادة الجغرافية في هذا الكتاب ضئيلة لم يجر المؤلف في تناولها على نهج. وجنح إلى ذكر الأعاجيب. وشبيه بهذا الكتاب- وإن كانت معارفه أغزر- الكتاب الفارسى "عجائب المخلوقات" لأحمد الطوسى المتوفى عام 1193. وهو يشبه من عدة وجوه كتاب القزوينى في عجائب المخلوقات. والكتب الجغرافية في وصف الأقاليم لهذا العهد تتمثل في "كتاب الاستبصار" لمؤلف غير معلوم، وهو في جوهره مأخوذ مما ذكره البكرى من المعلومات الجغرافية الخاصة بمصر وشمالى إفريقية، ولكنه منسق على هيئة إحصاء المدن مرتبة ترتيبًا جغرافيًا خاصًّا وموضحة بمعلومات معاصرة، ويكمل كتب الأوصاف الجغرافية الإقليمية التي

ظهرت في الشرق في النصف الأول من القرن الثاني عشر: الكتابفارسى "فارسنامه" لابن البلخى (طبعة Le strange و R. A. Nicholson في مجموعة كجـ 1 لتذكارية سنة 1921) واعتمد المؤلف على الخصوص في القسم الجغرافي من هذا الكتاب على ما ذكر ابن حوقل. وهذا الكتاب من الكتبلتى ترجع إلى العهد السلجوقى في فارس. وظهر أيضًا في ذلك الوقت الكتاب الفارسى "جهان نامه" الذي ألفه محمد ابن نجيب بكران لمحمد خوارز مشاه سنة 1200 - 1220 م (انظر: Barthold Turkestan down to the Mongol Invasion ص 36). وأتم ياقوت كتابه المشهور "معجم البلدان" عام 1228 أي في نهاية الفترة التي بلغت فيها الموحدة السياسية للدولة الإسلامية أوجها في عهد العباسيين. وهذا الكتاب اضخم المرتب على حروف الهجاء أكمل مصنف للمعلومات الجغرافية الوصفية والفلكية واللغوية وأخبار الرحالين التي جمعها السلف. وقد قصد به أيضًا إلى سد حاجة كتاب اسير بتحقيق الأنساب على طريقة السمعانى في مصنفه "كتاب اأنساب" الذي ألف عام 1167 وطريقة سلفيه الدارقطني وابن ماكولا. وتوخى ياقوت أن يكون كتابه وافيًا بكل مطلب. وقد ظل هذا الكتاب المرجع الذي يفى بجل حاجات المستشرقين المحدثين. وكان ياقوت على دراية بجميع المعارف الجغرافية الإسلامية في عهده بما في ذلك كثير من المصادر التي لم تصل إلينا (انظر Die -F.J.Heer historischen and geographischen Quellen in Raqut's Geographischen Woerterbuch استراسبورغ سنة 1898). وكتابه حجة لكثرة استشهاده بالبيرونى في مقدمته. وأخذ ياقوت مادة مصنفه "كتاب المشترك" من المعجم وهو في الأسماء الجغرافية التي تطلق على أكثر من موضع. أما كتاب "مراصد الإطلاع" الذي ألف بعد عهد ياقوت بقرن من الزمان فهو مقتبس أيضًا من المعجم ويشمل الموضوعات الجغرافية فقط. كذلك يصح القول بأن ياقوت من أعظم العلماء الرحالين في عصره. أما كتاب "تقويم البلدان" لأبي الفداء المتوفى عام 1331 فهو أثر علمي لا يقل

قيمة عن معجم ياقوت، وقد كتبت آخر نسخة منقحة من هذا الكتاب عام 1321 ولعله من قبيل الكتبلتى تجمع فيها المعلومات جمعًا من حيث أنه ينظم مادة كثير من كتب الذين سبقوه. ولكن أبا الفداء أضاف كثيرًا من المعلومات الخاصة بالممالك غير الإسلامية، كما أن تقسيمه العالم المأهول إلى ثمانية وعشرين إقليما شيء فريد في بابه، وإن كان هذا التقسيم يقوم على تقسيم العالم إلى أقاليم وهو التقسيم الذي ابتدعته مدرسة البلخى. وقد وجد ما يؤيد للك الشهرة التي لاقاها كتاب أبي الفداء في الأجيال المتأخرة ولدى إلمستشرقين الذين عرفوا هذا الكتاب لأول مرة (كوليوس Golius وريسكه Reiske). وكتب ذلك العهد في علم الكون هي كتب القزوينى المتوفى عام 1283 والحرّانى المتوفى سنة 1300 والدمشقى المتوفى سنة 1327 وابن الوردى المتوفى سنة 1410 وضمن القزوينى المعلومات التي استقاها من المصادر المتعددة كتابًا من صميم علم الكون هو "عجائب المخلوقات" وآخر في الجغرافيا هو "عجائب البلدان" (وسمى فيما بعد بآثار البلاد) وقد اشتهر الكتاب الأول خاصة في جميع العالم الإسلامي، وشاهد ذلك أنه نقل إلى الفارسية وإلى كثير من اللغات التركية. وهو أول كتاب إسلامي في علم الكون التزم فيه مؤلفه خطة، وهو في تناوله للعالم غير الأرضى كثير الشبه بكتب المسيحيين التي ظهرت في الوقت نفسه بأوربا والمشرق مثل الكتاب السريانى "علث كل علان" (طبعة C. Kayser. ليبسك سنة 1889). أما كتاب الجغرافيا الذي رتب على الأقاليم السبعة فقد أفاد كثيرًا -كما أفاد كتاب أبي الفداء- من إحصاء البلدان المرتبة على أحرف المعجم، فهو- لذلك ولما فيه من إشارات كثيرة خاصة بالسير- شبيه من الناحية الأدبية بالكتب التي من قبيل معجم ياقوت. وكتاب "نخبة الدهر" للدمشقى يتناول الجغرافيا كما يتناول علم الكون. وهو أعظم منه تأليفًا وإن كان أقل منه رعاية لأذواق الناس في عصره. وكتاب جامع الفنون وسلوة المحزون للحرّانى أقل شهرة (وجد في

المخطوط العربي رقم 1513 المحفوظ في مكتبة كوتا) وقد كتب على نسق كتاب الدمشقي وإن اختلفت طريقته الجغرافية. ويقال إن كتاب ابن الوردى "خريدة العجائب" هو في جوهره نسخة أخرى من كتاب الحراني. كذلك يعد كتاب الباكوى المسمى "تلخيص الآثار وعجائب الملك القهار" موجزا لكتاب القزوينى في الجغرافيا. وتحوى مخطوطات القزوينى وابن الوردى مصورات مستديرة للعالم. ومن الواضح أنها على مثال مصور الإصطخري. وهناك كتابان مطولان ظهرا في ذلك العهد، وهما أقرب إلى الموسوعات منهما إلى الكتب التي تتحدث عن الكون أحدهما، "نهاية الأرب في فنون الأدب" للنويرى المتوفى سنة 1332 والثاني "مسالك الأبصار في أخبار ملوك الأمصار" لابن فضل الله العمرى المتوفى عام 1348. وإذا نظرنا إلى هذين الكتابين من ناحية التاريخ الأدبى ألفينا أنهما من المصنفات المصرية الخاصة التي تهتم بالوصف، وهي المصنفات التي ألفها علماء وعمال من دولة المماليك. ومنها أيضًا سلسلة من الكتب في الجغرافيا والنظام الإدارى لمصر والشام وسنذكرها فيما يلي؛ وفي هذين الكتابين مادة جغرافية غزيرة جديدة. ووصف ابن فضل الله العمرى لآسية الصغرى- بصفة خاصة- جدير بالذكر (طبعة Taeschner. ليبسك سنة 1939). ويمكن أن نقول إن كتب الرحلات في ذلك العهد تبدأ برحلة ابن جُبير الشهيرة التي كتبت عام 1885، ثم تلاها كتاب "الإشارة على معرفة الزيارة" للهروى المتوفى سنة 1214 هـ، وتأريخ المستنصر الذي ألفه ابن المجاور حوالي عام 1230 هـ؛ وبه أوصاف هامة لتخطيط بلاد العرب الجنوبية (انظر Post- U.: Sprenger Reiserouten ص 21 وما بعدها)، وكتاب الرحلة للنباتى المتوفى سنة 1239 هـ, وكتاب الرحلة للعبدرى المتوفى سنة 1289 هـ. ورحلات الطيبى المتوفى سنة 1299 هـ, وكتاب الرحلات للتجانى المتوفى سنة 1308 هـ,

والرحلتان لمحمد بن رشيد ثم "تحفة النظار" لابن بطوطة المتوفى سنة 1377 هـ وهو من المطولات، وهذا الكتاب غنى بمادته، وهو يزودنا بمعلومات عن ممالك بعيدة فيما وراء العالم الإسلامى في آسية وإفريقية إبان العصور الوسطى. ولم تصل إلينا كتب الرحلات الأخرى، ولكنها كانت مادة استقى منها المؤلفات العامة مثل رحلات ابن فاطمة على الشاطئ الإفريقى وقد أثبتها ابن سعيد في كتابه، ورحلات أبي الربيع سليمان الملتانى في داخل إفريقية وقد أوردها القزوينى في كتابه. ويمكن القول بأن عهد المؤلفات الجغرافية العامة في الإسلام قد انتهى أجله بعد الكتب التي صدرت في القرنين الثالث عشر والرابع عشر خاصة بوصف الكون. وقد حلت مكانها منذ ذلك الوقت الكتب الجغرافية الإقليمية كما حلت محلها إلى حد ما الجهود القومية في التأليف في شتى الأقطار الإسلامية. أما في مصر فقد ازدهر التأليف في كتب الخطط واتسع نطاقه في عهد الأيوبيين والمماليك. ولدينا من آثار هذا العهد طائفة قيمة من الأوصاف الجغرافية والإحصائية لمصر والشام مثل "قوانين الدواوين" لابن مماتى المتوفى عام 1209، وأقدم من وصف مصر فيما نعلم عبد اللطيف المتوفى عام 1229، ووصف الفيوم للنابلسى المتوفى عام 1243 و "كتاب فضائل مصر" للصفدى المتوفى عام 1361 و"كتاب إيقاظ المتغفل واتعاظ المتأمل" لابن المتوَّج المتوفى عام 1325 و "كتاب التحفة السنية بأسماء البلاد المصرية" لابن الجيعان (عام 1375) و "كتاب الانتصار" لابن دقمان المتوفى عام 1406 والكتاب المطول "صبح الأعشى" للقلقشندى المتوفى عام 1418 ومصنف المقريزى الشهير المتوفى عام 1442 "كتاب المواعظ والاعتبار" وبه معلومات كثيرة استقاها المقريزى من مصادر مفقودة، وأعظم من اشتهر بهذا النوع من التأليف بعد المقريزى هم خليل الظاهرى (سنة 1450) صاحب كتاب "زبدة كشف الممالك" والسيوطى المتوفى عام 1505 مؤلف كتاب "حسن المحاضرة" وغيره من الكتب. ثم نذكر

كتاب "نشق الأزهار في عجائب الأقطار" لابن إياس المتوفى عام 1528، وبعضه في علم الكون. وكانت بلاد شمالي إفريقية وما تبقى في أيدى العرب من الأندلس أقل إنتاجا لهذه الكتب التي تصف الأقاليم، وهناك كاتب فريد في بابه هو الفلكى الحسن بن علي المراكشى المتوفى عام 1262. وقد أورد في كتابه "جامع المبادئ والغايات" جداول لخطوط الطول والعرض جمع بعضها بنفسه. أما في الجغرافيا الوصفية فلدينا من آثار هذه البلاد الجزء الأخير من "كتاب المعجب" لعبد الواحد المراكشى وقد كتبه 1224. وكتاب العبر لابن خلدون المتوفى عام 1406 وهو من مصادر الجغرافيا الهامة. ويستعرض المؤلف بالتفصيل في الكتاب الأول من المقدمة علم الجغرافيا عند المسلمين. وشبيه بهذه المصنفات الجغرافية التاريخية "كتاب المؤنس" للقيروانى (سنة 1450). أما الحسن بن محمد الوزان الزياتى leo Africanus فهو آخر من اشتهر بهذا التأليف الجغرافي الإسلامي في تلك الجهات. وقد نقل كتابه في وصف إفريقية إلى اللغة الإيطالية عام 1526. أما في الشرق فقد حلت بالعراق والجزيرة خطوب فوادح حالت دون استمرارهما فيما جرى عليه التأليف الجغرافي. فالعلماء العراقيون- مثل عبد اللطيف البغدادي الذي سبق ذكره- كانوا يرون أن السياسة هي مجال نشاطهم. ومما يجدر ذكره دراسات ابن العبرى الجغرافية (المتوفى عام 1286؛ في كتابه "منارات قدشى" فقد كانت متأثرة غاية التأثر بالعرف الإسلامي ويتضح ذلك من مصور جغرافي للعالم شبه مستدير وارد في هذا الكتاب (R.Gottheil في Proc . Am. Or. Soe مايو سنة 1888). وقلت كذلك المؤلفات الجغرافية التي ظهرت في المنطقة الواسعة التي أصبحت الفارسية فيها لغة التأليف. وقد سبق أن ذكرنا النصوص الفارسية لمؤلفات مدرسة البلخى ولكتاب "حدود العالم " و "لسفرنامه" لناصر خسرو و "عجائب المخلوقات" لأحمد الطوسى

و "جهان نامه" لبكران. ونقل أيضًا كتاب "عجائب البلدان" للقزوينى إلى اللغة الفارسية. وذاع صيت الفلكيين ناصر الدين الطوسى وقطب الدين الشيرازى حوالي عام 1300، وقد سبق أن نوهنا بهما لأن مؤلفاتهما مازالت ادخل في التواليف الإسلامية العامة. وفي كتاب "جهاننما" للجوينى المتوفى عام 1283 معلومات جغرافية هامة وخاصة عن الدول المغولية والتركية، وقد أهدى القزوينى كتابه "عجائب المخلوقات" إلى الجويني، وفي كتاب "جامع التورايخ" لرشيد الدين المتوفى عام 1318 ما في كتب هؤلاء. والمرجح أن المجلد الثالث من هذا الكتاب - الذي كان في نية مؤلفه أن يعتمد فيه على الجغرافيا- لم يكتب قط (Browne: Lit. Hist. . of Persia جـ 3، ص 72). وكتاب "نزهة القلوب" لحمد الله مستوفى القزوينى المتوفى عام 1340 كتاب جغرافي بحق كتب باللغة الفارسية، وهو إلى هذا أقرب إلى الكتب التي يكتبها الرحالون في وصف ما يشاهدون، ومن المؤلفات التي كتبت في ذلك العهد أيضًا كتاب "صور الأقاليم" لمحمد بن يحيى الذي ألفه عام 1347 (Salemann: Melanges Asiatiques جـ 10، ص 493 وما بعدها). وظهر في القرن التالي كتاب "مطلع السعدين" لعبد الرزاق السمرقندى المتوفى عام 1482 وهو غنى بالمعلومات الخاصة بالممالك الأسيوية، وثمة وصف هام عجيب لرحلة كتبت بالفارسية في وصف الصين في كتاب "خطاى نامه" الذي ألفه على أكبر عام 1516 للسلطان العثمانى سليم الأول (P. Kahle في,. Acta Orient, جـ 12، ص 91 وما بعدها). أما كتاب "هفت إقليم" لأمين أحمد رازى الذي ألفه عام 1594 فمعظمه في السير، وآخر من ظهر من عظماء الفلكيين في هذا القسم من العالم الإسلامي هو ألوغ بك الذي ذكرناه آنفا وزميله علي بن محمد الفوشجى المتوفى عام 1474 وقد ساهم كذلك في نشر المعارف الفلكية الجغرافية في تركيا. وفي القرن الخامس عشر أخذ علماء النصارى بأوربا يتحررون في سرعة عجيبة من الآراء الجغرافية المعروفة في

العصور الوسطى، حفزهم إلى ذلك ما كشفته الأقوام الضاربة في البحر. ولم يعد لما نقل من الكتب الإسلامية في الجغرافيا والفلك (مدر كتب الفرغانى والبتانى) بصفة خاصة إلا أثر ضئيل في هذه الآراء منذ القرن الثاني عشر (modern: A.C.Beazley The Dawn of Geography ثلاثة مجلدات. لندن سنة 1900)، وفي ذلك العهد ظهر أول المصورات البحرية التي وضعها البرتغال والإيطاليون. وحدث انقلاب في الآراء الجغرافية في أوروبا فأدى ذلك سريعًا إلى إبطال المؤلفات الجغرافية التي ظهرت في الشرق أو في أوربا إبان العصور الوسطى، وذلك هو معظم السبب الذي من أجله أقلعت المؤلفات الشرقية الجديدة في الفلك عن الاعتماد على الرواية الجغرافية القديمة المألوفة. على أن ثمة صنفا من المؤلفات الجغرافية الإسلامية وهو الخاص بالجغرافيا البحرية ظهر فيه عدة مؤلفات قيمة في ذلك العهد، وليس بعجيب أن تصدر مثل هذه المؤلفات إذا عرفنا أهمية هذا الفرع من الجغرافيا، ومع ذلك فإن لهذا النوع من التأليف الجغرافي البحرى تقاليد قديمة خاصة به، وهذه التقاليد تجعله أقرب إلى القصص القديمة التي ذكرها جوابو البحار منه إلى الكتب الإسلامية القديمة. وهذا ما نلاحظه مثلًا في مغامرات التاجر سليمان في القرن التاسع وفي المعلومات التي أمدنا بها أبو زيد السيرافى عن الهند وإفريقية في بداية القرن العاشر في المخطوط المسمى "سلسلة التواريخ" (Relation de Voyages طبعة رينو، باريس عام 1846). وكان الملاحون الذين يجوبون شواطئ الخليج العربي وسواحل بلاد العرب الجنوبية والبحر الأحمر على دراية واسعة منذ الأزمنة القديمة بالموضوعات البحرية والخاصة بالملاحة، وقد جمعت هذه المعلومات في أوقات متفرقة في مؤلفات تعرف باسم "راهنامج"، ويقول ابن ماجد إنه ظهر في عهد العباسيين ثلاثة كتبوا في الملاحة، وقد استقوا معلوماتهم ممن جابوا البحار البعيدة، ولم تترك كتب هؤلاء المؤلفين آثارا واضحة في

المؤلفات الجغرافية القديمة، وتفسير ذلك أن المعلومات التي ذكروها لا تتمشى والآراء التي ذكرها المؤلفون العلماء من قبل، وتدلنا بعض الفوائد الواردة في كتابى المسعودى (مروج الذهب، جـ 1، ص 281, وما بعدها) والمقدسى (ص 10 وما بعدها) على أن هذا يصدق على الأقل فيما يتصل بشكل المحيط الهندى. وجرى الكتاب الذين ألفوا في علم الكون فيما بعد على منوال هذه الكتب الخاصة بالملاحة، والمعلم ابن ماجد (انظر شهاب الدين) المتوفى بعد عام 1500 بقليل هو أول مؤلف في هذا العلم عرفنا مؤلفاته في الملاحة وأوصاف الطرق البحرية، وكان ابن ماجد هذا عام 1498 دليل فاسكودي كاما de Gama Vasco في رحلته من إفريقية إلى بلاد الهند، وكتاب الفوائد هو أهم كتب ابن ماجد. وكان سليمان المهرى معاصر ابن ماجد، وكان إذ ذاك حدثا، ونعرف له كذلك بعض التواليف في الملاحة منها كتاب "العمدة المهرية" وهو أهمها من الناحية الجغرافية. ومعظم الفضل في معرفتنا بهذين الكاتبين العربيين راجع إلى دراسات فران G.Ferrand: وجهودهما في الملاحة والتأليف متصلة اتصالا وثيقًا بجهود سيدى على رئيس المؤلف وأمير البحر التركى، وله كتاب في وصف المحيطات عنوانه "المحيط" ألفه عام 1554 وضمنه أجزاء من مصنف سليمان المهرى نقلها إلى التركية. وكان ييرى رئيس المتوفى عام 1554 قد قام قبل ذلك بقليل بدراسة البحر المتوسط في كتابه "البحرية" الذي ألفه عام 1523 كما فعل سيدى على رئيس بالنسبة للمحيط الهندى. وكتاب البحرية هذا- وهو في الجغرافية البحرية- يستأهل الذكر بصفة خاصة لما فيه من مصورات كثيرة لكافة ساحل البحر المتوسط. ولا شك في أن كتاب ييرى رئيس هو تتمة لكتاب آخر أقدم منه عهدا، على أنه من الصعب إثبات وجوده عن طريق المصادر الإسلامية، وقد لا يكون هذا الكتاب من المصنفات الإسلامية على التحقيق، لأن كتاب بيرى رئيس يتصل أول كل شيء

بمظاهر النشاط في التأليف عند البرتغال والإيطاليين. ولم يدرس بعد مدى اتصال هذا الكتاب بالأوصاف المفصلة الدقيقة التي ذكرها كل من البكرى والإدريسي عن شواطئ إفريقية، ومن المؤلفين المسلمين الذين ينتسبون إلى هذه الفئة، من الكتاب علي بن أحمد بن محمد الشرقي السفاقسى الذي ألف كتابه عام 1551 (مخطوط عربي بياريس رقم 2278) ويتضمن مصورات هامة منها مصور للعالم يذكرنا بمصور البيرونى. ومؤلفات سيدى على رئيس وييرى رئيس من نوع الكتب الجغرافية التي ظهرت في التركية العثمانية، وقد ظهر في هذه الكتب سلسلة من المؤلفات الأخرى يتضح فيها التبدل الذي طرأ على الآراء الجغرافية الإسلامية واختفاء هذه الآراء على التدريج بتأثير العلم الأوربى. وعرف الترك خاصة من كتب الجغرافيا العربية المصنفات التي تدرس علم الكون، واسترعت كتب القزوينى وأبي الفداء وابن الوردى خاصة أنظار الجغرافيين الترك الأول. فقد بدأوا أعمالهم بترجمة هذه الكتب أو ملخصات منها، وترجم كتاب القزوينى في علم الكون إلى اللغة التركية في القرن السادس عشر بعد أن قام يازجى أوغلى أحمد بيجان عام 1453 بكتابة ملخص تركى لهذا الكتاب بعنوان "عجائب المخلوقات". وأعاد سياهى أوغلى المتوفى عام 1588 طبع كتاب أبي الفداء باللغة العربية كما نشر ملخصا تركيا له، ونقل أيضًا كتاب ابن الوردى إلى اللغة التركية. ومن الكتب الأخرى التي ترجمت إلى اللغة التركية كتاب على القوشجى في الفلك، وقد ذكرناه فيما سلف، وقد استقر هذا الكاتب بالآستانة في عهد محمد الثاني، وكذلك كتاب خطاى نامة السالف ذكره، بل إن كتاب "التحفة السنية" في وصف مصر لابن الجيعان نقل هو الآخر إلى اللغة التركية، ومن الراجح أن سلاطين العثمانيين الأول كانوا يهتمون بهذا النشاط في ميدان الجغرافيا، ففي عهدهم جمعت مخطوطات من مصنفات الجغرافيين القدماء (حصلوا على كثير منها من مصر) أو نسخت صور أخرى

جديدة منها وهي الآن في المكتبات العامة بالآستانة. وأمر السلطان محمد الثاني بترجمة كتاب بطلميوس اليونانى في الجغرافيا إلى اللغة العربية (طبع صورة منه يوسف كمال، القاهرة سنة 1929) وفي عهد السلطان محمد الثالث نقل كتاب الاصطخرى إلى اللغة التركية. على أن اهتمام السلاطين كان موجها بصفة خاصة إلى المصورات الجغرافية التي رسمت على النمط الشرقي المألوف تماما. ومن الطبيعي جدًّا أنهم اهتموا بالمصورات الأوربية. وكثيرًا ما كانت المصورات الجغرافية من بين الهدايا التي تقدمها البعوث الأجنبية إلى السلاطين، ودلتنا بحوث كاله P. Kahle حديثًا إلى مصور للعالم رسمه ييرى رئيس وقدمه بنفسه إلى السلطان سليم الأول عام 1517. ولهذا المصور شأن عظيم لأن راسمه نقله عن المصور المفقود الذي رسمه كولمبوس عام 1498 (Die: P.Kahle Verschollene Columbus- Karte von 1498, برلين ولييسك سنة 1933). وهناك إلى ذلك مصور نادر للعالم رسمه أورونتيوس فينايوس Orontius Finaeus عن مصور آخر غير معروف، ثم نقله حاجى أحمد التونسى عام 967 هـ (سنة 1559 م) وهو محفور على الخشب ومحفوظ بمكتبة القديس مرقس بالبندقية (انظر Note: d'Avezac Turke du XVeme sur une Mappe - monde siecle, Bull. de la Soc. de Ge 6 graphie. باريس سنة 1865، ص 675 وما بعدها). ويجدر بنا أن نذكر أخيرا أن السلطان مرادًا الرابع دعا المستشرق الهولندى كوليوس Golius ليرسم له مصورًا جديدًا للإمبراطورية التركية، ولكنه لم يلب هذه الدعوة (W.M.C. Zeventiende - eeuwsche: Juynboll het Arabisch in van beoefena - ars , Nederland, أترخت سنة 1932, ص 141). وأقدم مصنف جغرافي معروف كتب أصلا باللغة التركية هو كتاب "درمكنون" لمؤلفه يازجى أوغلى أحمد بيجان سالف الذكر، وهذا الكتاب في علم الكون. وثمة كتيبان غير هذا في الموضوع ذاته هما "تحفة الزمان" للفلكى مصطفى بن علي (القرن السادس عشر) و"أعلام العباد" لمؤلف

مجهول، وأهم من ذلك القسم الجغرافي من المقدمة التي في علم الكون للكتاب التاريخي المعروف "كنه الأخبار" لعالى المتوفى عام 1599. وهذا الكتاب يعتمد في جوهره على كتابى أبي الفدا والإصطخرى، وأهم كتاب جغرافي تركى كتب وفقًا لمألوف الرواية الإسلامية في العصور الوسطى هو كتاب "مناظر العالم" الذي ألفه محمد ابن عمر بن بايزيد العاشق في مدينة دمشق عام 1598، ويزودنا هذا الكتاب بكثير من الحقائق المعروفة في ذلك الوقت وهي التي جمعها الرحالون من رحلاتهم الواسعة، ثم هو إلى ذلك تصنيف كامل للموضوعات الجغرافية القديمة. ولم يعد كتاب "جهاننما" لحاجى خليفة المتوفى عام 1657، وهو أشهر من الكتاب اسالف، الشاهد الوحيد على الجغرافيا الإسلامية القديمة، وهذا يصدق على الأقل على طبعته الصادرة عام 1732، وهناك مع ذلك طبعة أولى من هذا الكتاب تمت عام 1648 هديت للسلطان محمد الرابع، ولعلها لم تعد من المصادر الأوربية، وكتاب جهاننما كما نعرفه يعتمد كثيرا على محمد عاشق ولكنه يأخذ أيضًا من مؤلفات بيرى رئيس وسيدى على رئيس، ودخل الطبعة الثانية من هذا الكتاب عناصر أوربية، ويرجع ذلك بصفة خاصة إلى أن المؤلف قد عرف كتاب Atlas Minor لمؤلفه مركاتور Mercator وقد قام حاجى خليفة في الوقت ذاته بترجمته -كما عرف بعض الكتبلأوروبية الأخرى التي ظهرت في ذلك العهد. واستغل المؤلف في الطبعة الثانية من كتاب "جهاننما" ما وصل إليه العلم الأوربى وذلك في المقدمة الفلكية، كما قسم العالم وفقا للحدود السياسية والإدارية، وهو أمر مجهول تماما في الكتب الإسلامية الأقدم منه عهدا. والمصورات الجغرافية الملحقة بالنسخة المطبوعة من هذا الكتاب هي الأخرى أوربية في نهجها وإن كانت تحمل كثيرًا من الأسماء الجغرافية التي اندثرت -كما هي الحال في النص أيضًا- والمأخوذة من المصادر التي ظهرت في العصور الوسطى. والحال شبيهة بذلك في بعض المصورات الجغرافية الأخرى المطبوعة في الآستانة في القرن الثامن

عشر. وكانت الخطوة الكبيرة الأخرى في هذا المضمار هي طبع أطلس حديث عليه شروح وافية عام 1218 هـ (1803 م) بعنوان "أطلس جديد ترجمه سي" وذلك في مكتب الطباعة الحكومى الجديد الذي أنشئ في اشقودرة، وكان رئيس أفندى محمود رائف الشهير هو الذي أوحى بطبع هذا الأطلس، وقد عهد إلى المؤرخ أحمد واصف بالإشراف على الطبع النهائى للنصوص الواردة فيه. ولدينا من كتب الرحلات التركية التي ظهرت في القرن السادس عشر "مرآة الممالك" وقد وصف سيدى على رئيس في هذا الكتاب عودته من الهند إلى الآستانة (1556 - 1557)، على أن أهم كتب الرحلات التركية هو كتاب "تأريخ سياح" للرحالة العظيم أوليا جلبى وقد وصف فيه رحلاته الواسعة التي قام بها بين عامي 1640, 1672 في جميع أنحاء الإمبراطورية العثمانية وفي فارس وأوربا أيضًا. وهذا الكتاب فريد في بابه، وهو من صميم المؤلفات الإسلامية الخاصة بالرحلات من حيث أنه خلو من أي أثر للآراء الجغرافية الأوربية. وتلاشت الرواية الإسلامية من المؤلفات الجغرافية التركية العامة بعد حاجى خليفة وأوليا جلبى، ولكن استمر إلى عهد قريب ظهور المؤلفات الخاصة بتخطيط البلدان والجغرافيا الوصفية الإقليمية وما كان منها على مألوف الرواية القديمة أيضًا، ويجدر بنا أن نذكر من الكتب التي تمثل هذا النوع المتعدد من التأليف كتاب "تاريخ قسطنطينية" الذي يرجع إلى القرن الخامس عشر على التحقيق (انظر Die Geschichtschreiber: F.Babinger der Osmanen und ihre Werke ص 27 وما بعدها). واستمر أيضًا صدور مؤلفات مختلفة في صورة رحلات تتضمن أخبار رحلات للحج إلى مكة. وهناك نوع خاص من الوثائق الجغرافية الهامة وهي "سفارت نامة" قوامها تقارير المبعوثين السياسيين الترك إلى الدول الأجنبية. وأحصى تيشنر (F.Taeschner في Zeitschiift der Deutschen Morgen, , .Gesll، سنة 1923, ص 75 وما بعدها) خمسة عشر تقريرًا منها، وذلك في البحث الذي تناول فيه المؤلفات الجغرافية في التركية العثمانية، وقد

استقينا من هذا البحث الجزء الأكبر من المعلومات المذكورة آنفا. وليس من أغراض هذا المقال أن نصف على الإجمال كيف تسربت المناهج والمعارف الجغرافية الغربية إلى المؤلفات الحديثة للشعوب الإسلامية، ومع ذلك فلا يدل انتقال الآراء الغربية إلى المسلمين على أن وجهات النظر الجغرافية حتى ما كان منها خاصًّا بالطبقات المثقفة من المجتمع الإسلامي قد تغيرت تغيرًا مفاجئًا جوهريًا منذ القرن السابع عشر، فهناك شواهد كثيرة تدل على انتعاش قوى للآراء القديمة المألوفة في عهود متأخرة، ففي عام 1770 كان وزراء الترك لا يعتقدون أن في استطاعة الأسطول الروسى الإبحار من البلطيق إلى البحر الأبيض المتوسط، فلما ظهر بالفعل في ذلك العام أسطول أمير البحر سييرتوف Spiritow في بحر إيجه احتج الباب العالى لدى المندوب البندقى لأن حكومته سمحت لهذا الأسطول بالمرور من البلطيق إلى البحر الإدرياوى (انظر، Geschichtschreiber: Von Hammer der Osmanen und ihre Werke جـ 4، ص 602). وواضح أن هذا من آثار معتقدات القرون الوسطى التي تقول بوجود خليج بين هذين البحرين، ونجد إلى ذلك في كتاب وصف مراكش للزياتى المتوفى عام 1833 مصورا للعالم ليس إلا صورة من أحد مصورات الإدريسي (نقله Levi Provencal في Les historiens des chorfa. ص 188) وآخر مثال نضربه على ذلك هو الآراء الجغرافية التي كان يعتنقها مفتى الشافعية بمكة أحمد بن زينى دحلان عن أوربا وأنحاء أخرى من العالم (Geschriften: Snouck - Hurgronje Verspreide جـ 3، ص 78 و Mekka ليدن ولندن سنة 1931, ص 163). على أن المعلومات الجغرافية المحسوسة الوافرة المقررة التي تجمعت بمضى الزمن في المصنفات الجغرافية العامة والإقليمية قد وصلت إلى أيدى المستشرقين المحدثين ليستعينوا بها في أبحاثهم في الجغرافيا التاريخية وتخطيط البلدان، ونحن نلمس في أنحاء مختلفة من العالم الإسلامي أن العلماء

قد أظهروا في مؤلفاتهم أن المعلومات الجغرافية القديمة التي ذكرت خاصة ببلادهم لم تنس تماما وأنهم راغبون في ربط الأوصاف الجغرافية المعاصرة لهم بخير ما أُثر عن الماضي. ومن الأمثلة البارزة على ذلك بمصر كتاب "الخطط التوفيقية" لعلى باشا مبارك المتوفى عام 1893. وتنبيء أسماء هذه الكتب عن الصلة الواضحة بينها وبين كتب الخطط, وكانت نهضة الطباعة في مصر في القرن التاسع عشر منصرفة إلى هذا السبيل عينه. وفي تركيا سار سامى بك المتوفى عام 1904 على هذا المنهج في كتابه "قاموس الأعلام" وعاد الناس في تركيا أيضًا إلى الاهتمام برحلات أوليا جلبى منذ نهاية القرن التاسع عشر، ونذكر على سبيل المثال إلى جانب ذلك أوصافا تركية حديثة جيدة عن اليمن. أما في فارس فنذكر مؤلفات محمد حسن خان اعتماد السلطنة المتوفى عام 1896, وكتاب "مرآة البلدان" الذي لم يكمل قط (أربعة مجلدات, طبع على الحجر بطهران 1294 - 1297 هـ = 1878 - 1880) ومطلع الشمس (ثلاثة مجلدات، طبعة على الحجر في طهران سنة 1301 - 1303 هـ = 1884 - 1886)، وهو قاموس جغرافي لخراسان (يرجع في شأن هذه الكتب إلي Literary Hist. of Persia: E.G.Browne جـ 4، ص 454) ثم كتاب "فارسنامه ناصرى" لحاجى ميرزا طبيب الشيرازى (طبع على الحجر بطهران سنة 1313 هـ- 1895 م؛ وانظر G.Le Strange في المجلة الأسيوية الملكية سنة 1912، ص 16) ونشر حديثًا كتاب "جغرافياى مفصل ايران" لمسعود كيهان (ثلاثة مجلدات، طهران سنة 1311 هـ = 1933 م). وظل هذا التقليد في التأليف الجغرافي حيًّا في شمالي إفريقية، نستدل على ذلك من كتاب الزيانى السابق الذكر كما نستبينه حديثًا من الوصف التاريخي لمدينة مكناس المعنون "إتحاف أعلام الناس" لعبد الرحمن بن زيدان (ثلاثة مجلدات، الرباط، سنة 1929 - 1931 م). ويلاحظ أن التصورات والآراء الجغرافية الواردة في هذه الكتب

الجغرافية الإسلامية التي ألممنا بها لم نتناولها إلا عرضا. ومعالجة هذه الآراء معالجة منظمة كالتي قام بها رينو Reinaud لعهده في القسم الثاني من كتابه Introduction generale، أو التي أفرد لها هونكمان E.Honigmann بحثًا خاصًّا في كتابه Die Sieben Klimata مهمة يجدر القيام بها مرة أخرى في أيامنا هذه بفضل ازدياد المصادر التي تحت أيدينا واتساع معرفتنا بالمصورات الجغرافية. ولا أنسى أن أذكر هنا أن اشتراكى في كتاب Monumenta Cartographica Africae et Aegypti ليوسف كمال، وهو الكتاب المذكور في المصادر قد أتاح لي فرصة قيمة ازدادت فيها معلوماتى بالمصادر الجغرافية التي رجعت إليها عند كتابة هذا المقال. المصادر: توجد أولًا المعلومات الخاصة بسير المؤلفين وبمؤلفاتهم (وكثير غيرهم من المؤلفين غير المعروفين) في هذه المؤلفات ذاتها (انظر مقدمة المقدسي ومقدمة الادريسى) كما توجد في كتب الفهارس مثل كتاب الفهرست لابن النديم وكشف الظنون لحاجى خليفة وأحيانًا في كتب السير مثل كتاب "تاريخ الحكماء لابن القفطى" ووفيات الأعيان لابن خلكان وإرشاد الأريب لياقوت. أما المصادر الخاصة بتاريخ الجغرافيا فهي المؤلفات العامة في الأدب العربي مثل: بروكلمان Brockelmann ونيكلسون Nickolson. وإيوار Huart وجب Gibb . وقد درس هذا الموضوع دراسة خاصة في الكتب والرسائل التالية: Literatur: F.Wuestenfeld Die Erdbehreibung der bei den Arabers في. vergL Erdkunde Ztschr.f. جـ 1، مكدبرغ سنة 1842؛ Memoire sur: L.A.Sbdillot les Systemes geographiques des Grecs et des Arabes باريس سنة 1842؛ Introduction generale a la: M.Reinaud، Geographie des Orientaux جـ 1، من Geographie " 4 d'Aboulfeda باريس سنة 1848؛ Geographie du Moyen -: I.Lelewe age أربعة مجلدات بروكسل سنة 1850 - 1857؛ A . Sprenger مقدمة Die Postund Reiserouten des Orients,

في. Abh. D.G.M جـ 3 القسم الثالث، ليبسك سنة 1864 M.J. de Goeje ,: Eenige mededeelingen over de Arabische في Tijd Schr. Aardr. Gen., geographen, جـ 1 ص 190 - 199؛ P. Schwarz: Die aeltere geographische Literatur der Araber في Hettner's geogr. Zeichr., سنة 1897, جـ 3؛ Die: A. Mez Renaissance des Islams هيدلبرغ، ص 264 وما بعدها؛ Die: F.Taeschner geographische Literatur der Osmanen في. Zeitsch. der Deutschenmorgenl . Gesell, سنة 1923 ص 31 وما بعدها؛ the History of: G. Sarton Introduction to Carnegie Institute of , Sciences Washington في مجلدين، بلتيمور 1927 - 1931؛ G.Ferrand: a l'Astronomie nautique Introduction arabe باريس سنة 1928؛ W. Barthold: المقدمة التي كتبها لطبعته لكتاب حدود العالم، لينيغراد سنة 1930؛ Geography and Commerce: J.H.Kramers في The Legacy of Islam, أكسفورد سنة 1931 Etudes historiques: V.Minorsky , et geographiques sur la perse في Acta Orient., جـ 10 سنة 1932 ص 290 وما بعدها؛ Geographic et: G.Ferrand Cartographie musulmanes في Archeion جـ 14, سنة 1932، ص 445 وما بعدها؛ أحمد زكى وليدى: Der Islam und die geographische Wissenschaft Geographische Zeitschrift سنة 1934، ص 361 وما بعدها. وقد ذكرت المعلومات الخاصة بطبعات الكتب الجغرافية المخللفة وما ترجم منها في المواد المتصلة بها في دائرة المعارف الإسلامية، وظهر بعض هذه الكتب في مجموعات كبيرة مثل: Geographorum Bibliotheca Arabicorum التي نشرها ده غويه de Bibliotheque des geographes Goeje arabes التي نشرها فراند G. Ferrand و Bibliothek arabischer Historiker und Geographen لناشرها مزيك H.V. Mzhik. أما مجموعات النصوص المختلفة فهي: M.J.de Goeje: Selections from Arabic geographical Literature ليدن؛

Relation de voyages et textes: G. Ferrand persans et tures , geographiques arabes a l'Extreme - Orient du VIII eme relatifs au XVIII eme siecles في مجلدين، باريس سنة 1914؛ يوسف كمال: Monumenta Geographicae Africae et Aegypti , جـ 3، ليدن سنة 1928 وما تلاها من السنين. ونجد في المصنفات الكثيرة التي ذكرناها المعلومات الخاصة بطبعات المصورات الجغرافية والدراسات المتعلقة بها. ونقل ملر A. Miller في Mappae - Arabicae. Arabische Welt - u Lander Karten des 9 - 13 Jahrhunderts جـ 1 - 5 (شتوتكارت، سنة 1926 - 1930)؛ مصورات جغرافية من عدد وافر جدًّا من المخطوطات، وقد أهملت في هذا الكتاب النصوص المصاحبة للمصورات، ومن ثم كثرت بها الأخطاء. وأهم مجموعة للمصورات الجغرافية الشرقية منقولة بأحجامها الطبيعية هي الواردة في كتاب يوسف كمال Monumenta Geographicae Africae et Aegypti الذي دكرناه فيما سبق. واستغلت المعلومات الجغرافية الواردة في مؤلفات المسلمين في كثير من الكتب والأبحاث، ونذكر من الدراسات الجغرافية الخاصة التي اعتمدت على أكثر من مؤلف إسلامي مايلى: Erdbwnde: Ritter (سنة 1848)؛ Die Post and Reiserouten: A. Sperenger (سنة 1864) , وأبحاث W. Tomaschek في Sitzungsberichte der AK der Wiss Wien سنة, 1877, 1883؛ G. Le Strange: The Lands of the Eastern Caliphate (سنة 1905) وذلك عن جهات فسيحة من آسيا. أما عن الجغرافيا الخاصة ببلاد فارس فنذكر ما يلي: Barbier de Meynard: , Dictionnaire geographique histnriaue et litteraire de la Perse باريس سنة 1861؛ Iran im: P.Schwarz Mittelalter nach den Arabischen Geographen، جـ 1 - 8 ليبسك 1896 - 1934؛ W.Barthold: - Isroriko obzor Irana geograficeskiy, سانت بطرسبرغ سنة 1903؛ J. Marquardt: في. Goett .Abh. G.W سنة 1901؛

الكاتب نفسه: Osteuropaeische und Streifzuege ostasiatische, ليبسك سنة 1903. ونذكر من الكتب الجغرافية عن وسط آسيا ما يلي: الفصل الأول من كتاب Turkestan down to the: Barthold Mongol Invasion في مجموعة كب التذكارية، لندن سنة 1928, وعن الممالك الشمالية: Studien: G. Jacob in arabischen Geographer جـ 1، برلين سنة 1892. وعن مصر، E. Reitemeier: Beschreibung Agyptens im Mittelalter ليبسك سنة 1903؛ : J. Maspero and G. Wiet Materiaux pour servir de a la geographie Memoirs publies par les l'Egypte, d'Archeologie .membres 1'Inst. Franc Orientate au Cairo جـ 36. وعن إفريقية: Ronciere La: Ch. de la decouverte de l'Afrique au moyen - age ثلاثة مجلدات، القاهرة سنة 1925 - 1927؛ J.Marquardt: مقدمة لكتابء Die Benin - Sammlung des Reichsmuseums fuer Voelkerkunde in Leiden ليدن سنة 1913. وعن الأندلس: انظر: - Levi L'Espagne musulmane au: Provencal Xeme siecle باريس سنة 1932. وعن صقلية: Bibliotheca: Amari Arabo - .Siruln [كرامرز J.H.Kramers] + جغرافيا (*): (1) المصطلح "جغرافيا" وتصور العرب للجغرافيا: إن المصطلح "جُغْرافيا" (أو جغْرافيا وجاوغر افيا .. إلخ) - عنوان كتاب مارينوس الصورى (حوالي 70 - 130 م) وكتاب كلاوديوس بطلميوس (حوالي 90 - 168 م) قد ترجم إلى العربية: "صورة الأرض"، وهي ترجمة استعملها بعض الجغرافيين العرب عنوانًا لمصنفاتهم. وشرح المسعودى المتوفى سنة 345 هـ (956 م) المصطلح بقوله إنه "قَطْع الأرض" أي مسحها؛ على أنه استعمل لأول مرة في "رسائل إخوان الصفاء" بمعنى "خريطة العالم والأقاليم". ولم يتصور العرب الجغرافيا علمًا محددًا تحديدًا جيدًا له ¬

_ (*) هوامش هذا الجزء تليه في التعليق.

مدلول خاص وموضوع خاص بالمعنى الحديث. وقد توزعت الكتب الجغرافية العربية بين عدة مناهج ورسائل قائمة بذاتها تناولت وجوهًا شتى من الجغرافيا وصدرت بعناوين من قبيل "كتاب البلدان" و "صورة الأرض" و "المسالك والممالك" و "علم الطرق" .. إلخ. وقد عدّ البيرونى "المسالك" علمًا يتناول تحديد الموقع الجغرافي للأمكنة؛ وأوشك المقدسي أن يتناول معظم وجوه الجغرافيا في كتابه "أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم". أما الاستعمال الحالى لمصطلح الجغرافيا بمدلوله القائم فهو في العربية استعمال حديث بعض الشيء. (2) العصر الجاهلى والعصر الأول للإسلام كانت معرفة العرب بالجغرافيا أيام الجاهلية مقصورة على بعض الأفكار المأثورة القديمة أو على أسماء أماكن جزيرة العرب والأراضى المجاورة لها. والمصادر الرئيسية الثلاثة التي حفظت هذه الأفكار هي: القرآن (9)، والأحاديث النبوية، والشعر العربي القديم. ولا شك أن الكثير من الأفكار التي نحن بصددها قد نشأت في بلاد بابل في العصور القديمة أو اعتمدت على الروايات اليهودية والمسيحية والمصادر العربية الوطنية. وتعكس الأنظار والمعلومات الجغرافية الواردة في الشعر العربي القديم مستوى ما بلغه العرب الجاهليون في فهم الظواهر الجغرافية وحدود معرفتهم لها. ويحفظ القرآن (2) آثارا لبعض الأفكار الجغرافية والأفكار المتعلقة (3) بخلق الكون تشبه الأفكار البابلية القديمة والإيرانية واليونانية وكذلك المأثورات اليهودية والمسيحية الواردة في التوراة والإنجيل. والآيات القرآنية التي من قبيل: "أو لم ير الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون" (سورة الأنبياء (4)، الآية 30)؛ و"الله الذي خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن ... " (سورة الطلاق (5)، الآية 12)؛ و"الله الذي رفع السموات بغير عمد ... " (سورة الرعد (6)، الآية 2)؛ و"جعلنا السماء سقفا محفوظا ... " (سورة الأنبياء (7)، الآية 32)؛ و" ... ويمسك السماء أن تقع

على الأرض إلا بإذنه .. " (سورة الحج (8)، الآية 65)؛ والآيات التي تصف الأرض بأنها بسطت وأن الجبال رواسى حتى لا تميد الأرض، كل هذه الأيات تكؤن صورة تشبه تصور البابليين القدماء للكون الذي كانت الأرض فيه جرمًا على هيئة قرص يحيط به الماء ثم يحيط به حزام آخر من الجبال تقوم عليه السماء. وكان ثمة ماء تحت الأرض وماء فوقها أيضًا. وكذلك كانت ثمة تصورات مثل: "حتى إذا بلغ مغرجـ 1 لشمس وجدها تغرب في عين حمئة ... " (سورة الكهف، الآية 86) إشارة إلى المحيط الأطلسي، وأن الأرض مستوية، ولا شك أن ذلك يرجع أصله إلى الجغرافيا عند اليونان. وأغلب الظن أن فكرة وجود بحرين أحدهما ماؤه عذب فرات والآخر ملح أجاج (سورة الفرقان، الآية 53) إشارة إلى البحر المتوسط وبحر العرب، وبين البحرين برزخ (وهي صيغة متفرعة من "فرسخ" من الفهلوية "فرسنك") فكرة أصلها إيرانى. زد على ذلك أن مصطلحات بعينها في القرآن مثل "بروج" (في اليونانية: "بوركس" وفي اللاتينية bugus) وبلد أو بلدة (وهي صيغة مشتقة من اللاتينية palatium، وهي في اليونانية "بلاتيون")، وقرية (السريانية: قريثًا، بمعنى بلدة أو قرية) تدل على الأصل غير العربي للأنظار التي ترتبط بها هذه المصطلحات في القرآن. وثمة أحاديث تروى عن علي بن أبي طالب المتوفى سنة 40 هـ (660 م) وابن عباس المتوفى سنة 66 - 69 هـ (686 - 688) وعبد الله بن عمرو بن العاص وغيرهم تتناول خلق الكون والجغرافيا وغيرها من المسائل المتصلة (9) بهما، ولكن يبدو أن هذه الأحاديث التي تعكس الأفكار الجغرافية القديمة للعرب كانت قد وضعت في زمن متأخر لتواجه أثر المعرفة الجغرافية العلمية التي أخذت تشيع بين عرب ذلك الزمن، ولو أن بعض الجغرافيين قد ساقوها في كتبهم مساق المعلومات التي تتصف بالحجية والثبوت. صحيح أن المعرفة العلمية تقدمت، إلا أن بعض الأحاديث أثرت أثرًا عميقًا في الفكر الجغرافي العربي وفي رسم الخرائط عندهم.

مثال ذلك أن الحديث الذي يقول بأن شكل كتلة الأرض يشبه طيرا كبيرا رأسه في الصين وجناحه الأيمن في الهند، والأيسر في الخزر، وصدره في مكة والحجاز والشام والعراق ومصر، وذنبه في شمال إفريقية (ابن الفقيه، ص 3 - 4) أصبح أساس الكتابات الجغرافية لمدرسة البلخى. وليس ببعيد أن يكون أصل هذه الفكرة ماثلا في بعض الخرائط الإيرانية القديمة التي رآها العرب. والتوسع السياسي للعرب، بعد قيام الإسلام، في إفريقية وآسية، قد أتاح لهم فرص جمع المعلومات والملاحظة وتسجيل تجاربهم في البلاد المختلفة التي خضعت لهم أوكانت مجاورة للإمبراطورية العربية. وسواء كانت هذه المعلومات قد جمعت خدمة لحملاتهم الحربية أو لأغراض أخرى، فاغلب الظن أنه قد أفيد بها في كتب تخطيط البلدان التي صدرت في العصر العباسى الأول. (3) انتقال المعرفة الجغرافية الهندية والإيرانية واليونانية إلى العرب. لم يبدأ العرب في التزود بالجغرافيا العلمية بمعناها الصحيح إلا في مستهل العصر العباسى وإنشاء بغداد لتكون قصبة لإمبراطوريتهم. وقد أتاح فتح العرب لإيران ومصر والسند الفرصة للتزود بالمعرفة المباشرة لما حققته شعوب هذا المهد القديم للحضارة في ميدان العلم والثقافة، كما أتاح لهم امتلاك مراكز العلم عند هذه الشعوب ومعاملها ومراصدها أو الرجوع إليها في يسر. على أن الحصول على هذه المعرفة الأجنبية وهضمها لم يبدأ إلا في عهد الخليفة أبي جعفر المنصور (135 - 158 هـ = 753 - 775 م) منشئ مدينة بغداد فقد شغف هذا الخليفة بترجمة الكتب العلمية إلى العربية، وظل هذا الشغف قائمًا قرابة قرنين في العالم الإسلامي. وكذلك لعب الوزراء البرامكة دورًا هامًا في نشر النشاط العلمي في البلاط. وما أكثر ما كان المترجمون أنفسهم علماء مبرزين أغنت جهودهم اللغة العربية بالمعرفة الهندية والإيرانية واليونانية في ميدان الجغرافيا وعلم الهيئة والفلسفة.

المؤثرات الهندية: انتقلت المعرفة الهندية في الجغرافيا والفلك إلى العرب بفضل الترجمة العربية الأولى للرسالة السنسكريتية "سوريا سّد هانتا" (وليست "برهما سبهو سد هانتا" كما ظن بعض العلماء) في عهد المنصور. وقد كشف هذا الكتاب عن بعض المؤثرات اليونانية الأقدم عهدا (انظر History of Sanskrit Lit-: A.B.Keith erature ص 517 - 521)، ولكنه ما إن ترجم إلى العربية حتى أصبح المرجع الأول لمعرفة العرب بعلمى الهيئة والجغرافيا عند الهنود، كما أنه كان الأساس لعدة تصانيف صدرت في ذلك العهد مثل: "كتاب ازيج" لإبراهيم بن حبيجـ 1 لفزارى (كتب بعد سنة 170 هـ = 786 م)، و"سند هند الصغير" لمحمد ابن موسى الخوارزمى المتوفى بعد عام 232 هـ (847 م)؛ و "السند هند" لحبش ابن عبد الله المرَوْزَى البغدادي (النصف الثاني من القرن الثالث الهجرى الموافق القرن التاسع الميلادي) وغيرهم. ومن الكتب السنسكريتية الأخرى التي ترجمت في ذلك العهد: "آريبهطيا" (بالعربية: أرجبهد") لآريبهطا الكسمبوراوى (مولود سنة 476 م) الذي كتب عام 499؛ ثم كتاب "كهندكهاديكا" لبرهما جويتا بن جشنو بهلمّالا (قرب ملتان). وقد ولد هذا الكاتب سنة 598 م وكتب الكتاب الذي نحن بصدده سنة 665 م، وكتابه رسالة عملية تتناول بأسلوب تقليدى مادة في الحسبانات الفلكية، ولكن هذه المادة تستند إلى كتاب مفقود لآريبهطا الذي يتفق مرة أخرى مع كتاب "سوريا سَد هانتا". ومعظم الكتب السنسكريتية التي ترجمت إلى العربية ترجع إلى العصر الجوبتاوى. وكان أثر علم الهيئه الهندى على الفكر العربي أعمق بكثير من أثر الجغرافيا الهندية، ومع أن الأفكار اليونانية والإيرانية كان لها أثر أبقى، إلا أن التصورات والمناهج الجغرافية الهندية كانت معروفة حق المعرفة. وكان الهنود يوازنون باليونان في موهبتهم وما حققوه في ميدان الجغرافيا، ولكن اليونانيين كانوا يعدون أكمل دراية من الهنود في هذا الميدان (البيرونى: القانون المسعودي، ص 536). ومن التصورات الجغرافية المختلفة التي أصبح العلماء العرب عارفين بها:

رأى آريبهطا بأن دوران السموات ما هو إلا ظاهرى، يحصل من دوران الأرض حول محورها؛ وأن نسبة الماء إلى اليابسة هو نصف إلى نصف؛ وأن كتلة الأرض التي تشبّه بالسلحفاة، يحيط بها الماء من جميع جوانبها، وهي على شكل قبة، أعلى نقطة فيها هي جبل مرو (وهو جبل لا وجود له في عالم الواقع)؛ وأن نصف الكرة الشمالي هو الجزء المعمور من الأرض وحدوده الأربعة: جَمَكوت في الشرق، والروم في الغرب، ولَنْكا (سيلان) وهي القبة، وسيدبور، وينقسم الجزء المعمور من الأرض إلى تسعة أقسام. وكان الهنود يحسبون أطوالهم من سيلان ويرون أن خط الزوال يمر بأجُيِّن. وقد أخذ العرب بالفكرة التي تقول إن سيلان هي قبة الأرض، ولكنهم رأوا من بعد أن أجيّن هي القبة، ظانين خطأ أن الهنود يحسبون أطوالهم من هذه النقطة. المؤثرات الإيرانية: إن ثمة شواهد كافية في الكتب الجغرافية العربية تشير إلى وجود مؤثرات إيرانية أثرت في علم الجغرافيا ورسم الخرائط عند العرب، على أن الانتقال الفعلى للمعرفة الإيرانية إلى العرب لم يستوف بحثه بالتفصيل. وقد بيّن كرامرز J.H.Kramers أن التأثير اليونانى كان خلال القرن التاسع على أشده في الجغرافيا عند العرب، وهو مصيب في هذا، على أنه حدث منذ نهاية هذا القرن أن الأثر كان من الشرق أكثر منه من الغرب، وكانت هذه المؤثرات وافدة في معظمها من إيران، ذلك أن معظم الكتاب قدموا من الولايات الإيرانية (Analecta Orientalia جـ 1 ص 147 - 148). فقد كانت جنديسابور لاتزال بعد حاضرة من الحواضر الكبرى للعلم والبحث، ولا يساورنا إلا شك قليل في أن العرب قد عرفوا بعض الكتب الفهلوية في علم الهيئة والجغرافيا والتاريخ وغير ذلك من العلوم التي كانت قائمة في أجزاء من إيران لذلك العهد. وقد ترجم بعض هذه الكتب إلى العربية فكانت اساس الكتب العربية في هذا الموضوع. وينسب المسعودى إلى حبش بن عبد الله المروزى البغدادي رساله في الفلك عنوانها "زيج الشاه" وهذه الرسالة جرت على النمط الفارسى. وكذلك سجل المسعودى كتابًا فارسيًا عنوانه "كاه نامه" يتناول مختلف طبقات

الملوك، وكان هذا الكتاب جزءًا من كتاب أكبر اسمه "آئين نامه" أي كتاب العادات. وذكر علاوة على ذلك أيضًا أنه رأى في إصطخر سنة 302 هـ (915 م) كتابًا يتناول مختلف علوم الإيرانيين: تواريخهم وآثارهم وغير ذلك، كما يتناول معلومات أخرى لم تكن توجد في "خداى نامه" أو "آئين نامه" أو "كاه نامه". وقد اكتشف هذا الكتاب بين نفائس ملوك الفرس، وترجم من الفارسية إلى العربية لهشام ابن عبد الله بن مروان (105 - 125 هـ = 724 - 743 م). وليس من المستبعد أن تكون كتب من هذا القبيل جزءًا من مراجع المعرفة العربية في الجغرافيا ورسم الخرائط عند الإيرانيين، وفي حدود الإمبراطورية الساسانية وأقسامها الإدارية وما إلى ذلك من تفصيلات. وكانت فكوة الكشورات (هفت إقليم) السبع هي أهم فكرة اتبعها العرب من الأفكار والمأثورات الجغرافية الإيرانية المختلفة. وينقسم العالم في هذا المنهج إلى سبع دوائر هندسية متساوية، كل دائرة تمثل كشورا بحيث ترسم الدائرة الرابعة في المركز وتحيط بها الدوائر الست الباقية، وهي تشمل إيرانشهر وقاعدتها السواد. واستمر العرب يتأثرون بهذا المنهج أمدًا طويلا، ولم يرق لهم تقسيم اليونان العالم إلى ثلاث قارات أو أربع، بالرغم مما ارتآه البيرونى من أن هذا المنهج ليس له سند علمي أو طبيعى، وأن التقسيم اليونانى إلى أقاليم كان أقرب إلى العلم. أما فكرة وجود بحرين كبيرين هما بحر الروم وبحر فارس (البحر المتوسط والمحيط الهندى)، يلجان اليابسة من البحر المحيط أحدهما من الشمال الغربي أي من المحيط الأطلسي، والآخر من الشرق أي المحيط الهادي، ولكن كان يفصلهما "البرزخ" (أي خليج السويس)، ففكرة سيطرت على علم الجغرافيا ورسم الخرائط عند العرب عدة قرون. والأمر كما بين كرامرز، ذلك أنه بالرغم من أن الفكرة تنتهي على الأرجح إلى بطلميوس، فإن إطلاق بحر فارس على المحيط الهندى في أكثر الأحيان يثبت فيما يظهر أن هذا البحر كان على الأقل جزءًا من التخطيط الجغرافي الإجمالى الأصلي عند الفرس. أما موقفنا بالنسبة لهذا التخطيط نفسه فهو موقف غير المتثبت (Analecta Orientalia, جـ 1، ص 153).

وقد أثرت الروايات الفارسية أثرًا عميقًا على العرب في تصانيفهم البحرية والملاحية أيضًا، كما يتبين من استخدام كلمات أصلها فارسى في المفردات البحرية عند العرب مثل بندر بمعنى ثغر، وناخُدا بمعنى ربان سفينة، ورهمانى بمعنى كتاب في الإرشادات البحرية، ودفتر بمعنى الإرشادات البحرية .. وغير ذلك. وتدل بعض الكلمات الفارسية أيضًا، مثل "خَنّ" بمعنى اتجاه من اتجاهات البوصلة و"قطب جاه" بمعنى قطب وغيرهما, على المؤثرات الفارسية في أشكال الظواهر الجوية عند العرب. والمؤثرات الفارسية ظاهرة كذلك في رسم الخرائط عند العرب، ونجد الدليل على ذلك في استعمال مصطلحات فارسية الأصل مثل: طيلسان، وشابورة، وقُوارة ... إلخ في وصف بعض تكوينات السواحل. وهذه المصطلحات التي تدل في الأصل على بعض الملابس، ظلت تستعمل حتى القرن السابع الهجرى (الثالث عشر الميلادي). أما بالنسبة للخريطة الهندية التي في القَواذيان (ابن حوقل، طبعة كرامرز، ص 2) فإن كرامرز قد بيّن أن القواذيان لاشك أنها تتضمن هْى هذا المقام إشارة إلى خرائط أكثر بدائية من السلاسل الموجودة في البلخى والإصطخرى، ذلك أن خرائط ابن حوقل تتفق في بعضها مع هذه السلاسل وتخالفها في بعضها الآخر (Kramers: كتابه المذكور, ص 155). والتحقق الصحيح من هذه الخرائط أو اكتشافها سوف يساعد بلاشك على حل مشكلة الأصل في خرائط مدرسة البلخى. ويمكننا أن نبين هنا أننا إذا قرأنا نص ابن حوقل على هذا النحو "الخريطة الهندسية في القواذيان" (وهي بلدة قرب ترمذ في آسية الوسطى"، فإنه يكون من ثم يشير بلاشك إلى خريطة من الخرائط كانت هناك وكان يستخدمها الجغرافيون أساسًا لرسم الخرائط، ومن المحتمل كثيرًا أنها كانت تقوم على أساس المنهج الفارسى في التقسيم إلى كشورات، ذلك أن البيرونى يلاحظ أن المصطلح "كشور" مشتق من "الخطّ"، وهذا يدل حقا على أن هذه الأقسام كانت متمايزة بعضها عن البعض شأنها شأن أي شيء في خطوط (صفة الأرض، طبعة طوغان، ص 61).

المؤثرات اليونانية: وبين أيدينا معلومات أكثر إيجابية من ذلك عن كيفية انتقال المعرفة الجغرافية والفلكية عند اليونان إلى العرب في القرون الوسطى. وقد بدأ هذا الانتقال بترجمة كتب كلاوديوس بطلميوس وغيره من علماء الهيئة والفلسفة اليونان إلى اللغة العربية إما مباشرة أو عن السريانية. وقد ترجم كتاب بطلميوس في الجغرافيا عدة مرات في العصر العباسى، ولكن ما انتهى إلينا هو أقتباس محمد بن موسى الخوارزمى المتوفى بعد سنة 232 هـ (847 م) لهذا الكتاب، مع إضافة معلومات ومعرفة معاصرة حصّلها العرب. ويذكر ابن خردادبه أنه رجع إلى كتاب بطلميوس وترجمه (ربما كان ذلك في أصله اليونانى أو في ترجمته السريانية)، وكذلك رجع المسعودى إلى نسخة من جغرافية بطلميوس كما رجع لخريطته عن العالم. ويبدو أن بعض هذه الترجمات كان قد أصبح محرفًا، أقحمت عليه مادة غريبة لا تنتسب إلى الكتاب الأصلي, مثال ذلك النسخة التي رجع إليها ابن حوقل "طبعة كرامرز، ص 13). ومن كتب بطليموس الأخرى التي انتفع بها جغرافيو العرب: المجسطى أو المقالات الأربعة، وكتاب الأنواء. ومن كتب الكتاب الآخرون التي ترجمت إلى العربية: كتاب الجغرافيا لمارينوس الصورى (حوالي سنة 70 - 130 م) الذي رجع إليه أيضًا المسعودى كما رجع إلى خريطة العالم لمارينوس هذا؛ وطيماوس لأفلاطون؛ والآثار العلوية والسماع والعالم، وما وراء الطبيعة لأرسطو. وكتب هؤلاء الكتاب وغيرهم من علماء الهيئة والفلاسفة الإغريق قد زودت العرب، حين ترجمت، بمادة على هيئة تصورات ونظريات ونتائج للأرصاد الفلكية ساعدتهم في إقامة جغرافيتهم على أساس علمي. ولا شك أن المؤثرات الفارسية كانت متميزة في الجغرافيا الإقليمية والوصفية مثلما كانت متميزة في رسم الخرائط، ولكن الأثر الإغريقى قد سيطر في الواقع على ميدان الجغرافيا العربية كله، بل إننا نجد في الميادين التي يمكن أن يقال أنه

كان ثمة منافسة فيها بين الأفكار الفارسية والأفكار اليونانية أو في منهج الفرس ومنهج الإغريق، أي بين نظام الكشورات الفارسية ونظام الأقاليم اليونانى، أن أفكار الإغريق كانت أكثر قبولا وظلت شائعة. والأساس الإغريقى للجغرافيا العربية كان أبرز ما يكون في ميدان الرياضيات والطبيعة والجغرافيا البشرية والحيوية. وكان الأثر الإغريقى أثرًا باقيًا ملحًا، ذلك أنه ظل أساس الجغرافيا عند العرب إلى عهد متأخر يرجع إلى القرن التاسع عشر (وجدت آثار أيام القرن التاسع عشر في كتب عن الجغرافيا بالفارسية بل بالأردية صنفت في الهند)، مع أن أثر بطلميوس على العقول الأوربية كان قد نقص قبل ذلك التاريخ بكثير. على أننا لا نستطيع أن ننكر أنه كان ثمة في هذه المدة صراع خفى بين الأفكار النظرية لجهابذة الإغريق وبين التجربة والملاحظة التي قام بها تجار هذه الأيام وملاحوها. وقد أشار المسعودى إلى ذلك فيما يختص بنظرية بطلميوس عن وجود أرض مجهولة في نصف الكرة الجنوبي. على أن ابن حوقل يعد بطلميوس معصومًا من الخطأ أو يكاد، والحقيقة أن المعرفة الإغريقية حين انتقلت إلى العرب كانت قد عفى عليها الزمن من قبل مدة خمسة قرون تقريبًا، ومن ثم قامت صعوبة عندما حاول جغرافيو العرب أن يدخلوا في الإطار البطلمى معلومات جديدة معاصرة حصّلوها وأن يطردوا بها المعلومات الإغريقية. ونتج من ذلك اضطراب وسوء عرض للحقائق في كتب الجغرافيا ورسم الخرائط كما يتبين من كتب جغرافيين مثل الإدريسي. (4) الحقبة القديمة (من القرن الثالث إلى القرن الخامس الهجرى = القرن التاسع إلى القرن الحادي عشر الميلادي) (أ) عصر المأمون (197 - 218 هـ = 813 - 833 م): مر نيّف ونصف قرن على معرفة العرب ودراستهم لعلم الجغرافيا عند الهنود والإيرانيين والإغريق، من عهد الخليفة المنصور (136 - 157 هـ = 754 - 774 م) حتى عهد المأمون، فأدى ذلك إلى ثورة كاملة في الفكر

الجغرافي العربي. فقد نقلت إليهم للمرة الأولى نقلًا صحيحًا يقوم على منهج تصورات من قبيل أن الأرض مستديرة وليست مسطحة، وأنها تشغل المركز بالنسبة للكون. وقد تناولت الأيات القرآنية خلق الكون والجغرافيا وغير ذلك، وإنما استخدمت الأحاديث لإسباغ التصديق الدينى على الكتب الجغرافية أو لحض المؤمنين على دراسة الجغرافيا وعلم الهيئة. ولذلك فإنه ما إن وافى مستهل القرن الثالث الهجرى (التاسع الميلادي) حتى كان الأساس الحقيقي قد وضع لتصنيف كتب جغرافية بالعربية، كما اتخذت الخطوة الإيجابية الأولى في هذا السبيل على يد المأمون الذي وفق إلى أن يحيط نفسه بعصبة من العلماء والدارسين وشمل برعايته الجهود العلمية. ولانستطيع التحقق من مسألة: هل كانت عناية المأمون بالفلك والجغرافيا عناية صحيحة علمية أو كان بعضها سياسيًا؟ على أنه تحققت في عهده مآثر علمية هامة في سبيل تقدم الجغرافيا، كقياس قوس خط الزوال (جاءت النتيجة في المتوسط 2/ 2 56 ميل عربي طول درجة من درجات الطول وهو عدد دقيق دقة عجيبة). والجداول الفلكية المسماة "الزيج الممتحن" قد أعدتها جهود مجموعة من الفلكيين. ونذكر أخيرًا خريطة اعدت للعالم اسمها "الصورة المأمونية"، وقد عدها المسعودى أكثر تفوقًا من خريطة بطلميوس وخريطة مارينوس الصورى، ذلك أنه رجع إلى الخرائط الثلاث وقارنها بعضها ببعض. (ب) الفلكيون والفلاسفة: وللفلكيين العرب والفلاسفة مآثر هامة أيضًا على الجغرافيا الرياضية والطبيعية تهيأت لهم بفضل ملاحظاتهم ومناقشاتهم النظرية: ذلك أنه منذ دخول الفلسفة والفلك الإغريقيين لدى العرب منذ النصف الثاني من القرن الثاني الهجرى (الثامن الميلادي) حتى النصف الأول من القرن الخامس الهجرى (الحادي عشر الميلادي) أخذت كوكبة من الفلاسفة والفلكيين تدرس مسائل مختلفة من الجغرافيا الرياضية والفلكية والطبيعية. وكانت كتب العلماء اليونان قد زودت العرب بأساس كاف ومادة تفى بذلك. ومن ثم سجلت نتائج

التجارب والملاحظات والمناقشات النظرية للعلماء العرب في كتبهم العامة عن الفلك والفلسفة أو في رسائلهم عن موضوعات خاصة كالمد والجزر، والجبال وغير ذلك. وقد عمد الكتاب المعاصرون لهم أو المتأخرون عنهم في كثير من الأحوال، وليس في جميع الأحوال، إلى نقل هذه النتائج في كتبهم، وكانوا يناقشونها في بعض الأحيان. وقد نقل بعض هؤلاء الكتاب نظريات جارية مخدلفة، يونانية أو غير يونانية، عن مسألة من المسائل في الأجزاء التمهيدية من كتبهم. ومن ثم نشات سنّة للكتابة في الجغرافية الرياضية والطبيعية والبشرية في بداية كل كتاب يتناول الجغرافيا. ويلاحظ هذا، على سبيل المثال، في كتببن رُسْتَه واليعقوبى والمسعودى وابن حوقل وغيرهم. ومن الفلاسفة والفلكيين العرب البارزين الذين أفاد الجغرافيون العرب في كتبهم من نظرياتهم وناقشوها: يعقوب بن إسحاق الكندى المتوفى سنة 260 هـ (874 م) الذي ينسب إليه كتابان في الجغرافيا هما: (1) "رسم المعمور من الأرض" و (2) "رسالة في البحار والمد والجزر". ويقال إن تلميذًا من تلاميذ الكندى هو أحمد بن محمد ابن الطيجـ 1 لسرخسى المتوفى سنة 286 هـ (899 م) قد كتب أيضًا كتابين: (1) "المسالك والممالك". و (2) "رسالة في البحار والمياه والجبال". ولم ينته إلينا كتابًا الكندى ولا كتابًا تلميذه هذا، والذي نعرفه من آرائهما الجغرافية استقيناه من مصادر أخرى انتفعت بها. والظاهر أن الكاتبين كلاهما قد أفادا من كتب بطلميوس وغيره من الكتاب الإغريق، ذلك أننا نجد في المسعودى أن كتبهما تضم معلومات بطلمية عن الجغرافيا الطبيعية والرياضية وعن رسم الخرائط. وربما كان كتاب الكندى "رسم المعمور من الأرض" نقلا لكتاب بطلميوس في الجغرافيا كما يوحى عنوانه. وقد رجع المسعودى إلى كتاب لبطلميوس عنوانه "مسكون الأرض" وخريطة للعالم اسمها "صورة معمور الأرض" (المسعودى: مروج الذهب، جـ 1، ص 275 - 277؛ التنبيه والإشراف، ص 25، 30, 51).

ومن الفلاسفة والفلكيين الآخرين الذين كانت كتاباتهم مصدرا للمعرفة عن الجغرافيا الرياضية والطبيعية: أحمد الفزارى (النصف الثاني من القرن الثاني الهجرى = القرن الثامن الميلادي)؛ وأحمد بن محمد بن كثير الفرغانى المتوفى بعد عام 247 هـ (861 م) صاحب كتاب "الفصول الثلاثين" (المسعودى: مروج الذهب، جـ 3، ص 433. التنبيه والإشراف، ص 199) و "المُدخْل إلى علم هيئة الأفلاك "؛ وأبو معشر جعفر بن محمد البلخى المتوفى سنة 273 هـ (886 م) صاحب كتاب "المدخل الكبير إلى علم النجوم". وقد رجع المسعودى إلى كتاب آخر عنوانه "كتاب الألوف في الهياكل والبنيان الأعظم"، ثم يأتي بعد هؤلاء عبد الله محمد بن جابر البتّانى المتوفى بعد عام 317 هـ (929 م) وغيرهم وتتناول الرسالة الرابعة من رسائل إخوان الصفا الجغرافيا، وقد كتبت هذه الرسالة حوالي عام 370 هـ (980 م) وهي تسوق ببساطة معرفة أولية عن الجغرافيا الرياضية والطبيعية تعتمد على الجغرافيا الإغريقية، ذلك أن الغرض الأكبر لكتّاب هذه الرسائل كان إرشاد القارئ إلى الاتحاد بالله بالتوسل بالحكمة. (جـ) كتب الجغرافيا العامة: ما وافى القرن الثالث الهجرى التاسع الميلادي) حتى صدرت جملة كبيرة من الكتب الجغرافية بمختلف الأشكال في اللغة العربية، ويبدو أن العرب كانت بين أيديهم بعض الكتب الفهلوية، أو ترجمات لها، تتناول الإمبراطورية الساسانية وجغرافيتها، وتخطيط أرضها، وطرقها البريدية وتفصيلات جوهرية تتعلق بالأغراض الإدارية، ولا شك أن هذه الكتب قد أصبحت ميسورة لأولئك المعنيين بالجغرافيا وتخطيط الأرض. ومن ثم فليس بعجيب أن نجد الكتاب المتقدمين، مثل ابن خرداذبه وقدامة وغيرهما كانوا رؤساء مرافق بريدية أو كتّاب حكومات، إلى جانب كونهم رجالا من أهل العلم. ولذلك صدرت في القرن الثالث الهجرى (التاسع الميلادي) طائفة من الكتب سميت بالاسم الشامل "المسالك والمماليك". وجميع الاحتمالات

تشير إلى أن أول كتاب حمل هذا الاسم هو كتاب ابن خرداذبه، وقد أعدت أول مسوت لهذا الكتاب سنة 231 هـ (846 م) وأعدت المسودة الثانية سنة 272 هـ (885 م). وأصبح الكتاب أساسًا ومثالا للكتاب الذين كتبوا في الجغرافيا، وأثنى عليه الثناء المستطاب جميع الجغرافيين تقريبًا وأفادوا منه. وكان ابن خرداذبه رئيسًا لمرفق البريد والمخابرات، وكان رجل علم ولو ذعية. ولعلنا نستطيع أن نتبين حافزه إلى تأليف رسالة في الجغرافيا من قوله هو نفسه أن ذلك كان تحقيقًا لرغبة الخليفة، وقد ترجم لهذا الخليفة أيضًا كتاب بطلميوس (من اليونانية أو السريانية) إلى العربية (ابن خرداذبه، ص 3). على أن رغبة الخليفة قد نشأت هي نفسها من الحاجات العملية للحكومة. ونحن نجد أن قدامة بن جعفر الكاتب كان يرى أن "علم الطرق" ليس نافعًا من حيث هو مرشد عام للديوان فحسب، بل هو أساسى أيضًا للخليفة الذي قد يحتاجه في أسفاره أو في إنفاذ جيوشه (ص 185). ويمكن تقسيم الكتب الجغرافية التي كتبت في القرنين الثالث والرابع الهجريين (التاسع والعاشر الميلاديين) إلى فئتين عامتين: (1) كتب تتناول العالم في عمومه، وتتناول الإمبراطورية العباسية (مملكة الإسلام) في تفصيل أكبر. وقد حاولت هذه الكتب أن تسوق جميع المعلومات الدنيوية التي لا يمكن أن تجد مكانًا في الكتب الإسلامية العامة، ومن ثم أطلق على هذه الكتب "الكتب الجغرافية, الدنيوية لهذا العصر". وقد وصف كتابها تخطيط البلدان وشبكة الطرق في الإمبراطورية العباسية، وغطت هذه الكتب ميادين الجغرافيا الرياضية والفلكية والطبيعية والبشرية والاقتصادية وكان من ممثلى هذه الطبقة من الجغرافيين: ابن خرداذبه، واليعقوبى، وابن الفقيه، وقدامة، والمسعودى. ولما كانت العراق هي أهم مراكز المعرفة الجغرافية لذلك العصر كما ينتمي إليه كثير من الجغرافيين، فإننا نستطيع- تيسيرا للأمور- أن نستعمل مصطلح "المدرسة العراقية" للدلالة عليهم. على أننا نستطيع أن نميز

في نطاق هذه المدرسة طائفتين من الكتاب: (1) الطائفة الأولى هي أولئك الكتاب الذين يسوقون مادتهم متبعين الاتجاهات الأربعة، أي الشمال والجنوب والشرق والغرب، ويجنحون إلى القول بأن بغداد هي مركز العالم، والطائفة الثانية هي أولئك الذين يرتبون معلوماتهم تبعًا للأقاليم المختلفة ويغلب في كتابتهم جعل مكة مركز العالم (2) والى الفئة الثانية من الكتب تنتمى كتابات الإصطخري وابن حوقل والمقدسّى، وقد استعمل للدلالة عليهم المصطلح (المدرسة البلخية) ذلك أنهم يتبعون أبا زيد البلخى وقد قصروا بياناتهم على عالم الإسلام، واضعين كل ولاية على اعتبار أنها إقليم قائم بذاته، وقلما يتناولون البلاد غير الإسلامية إلا أقاليم الثغور (الحدود). (1) المدرسة العراقية: وتتميز كتب ابن خرداذبه واليعقوبى والمسعودى من كتب غيرهم من جغرافي هذه المدرسة بسمتين خاصتين: الأولى أنهم يتبعون منهج الكشورات الإيرانى، والثانية أنهم يساوون بين العراق وإيرانشهر ويبدأون أوصافهم بها، واضعين العراق بذلك في مركز رئيسى في الجغرافيا العربية الإقليمية والوصفية. ويقول البيرونى إن الكشورات السبع كان يمثلها سبع دوائر متساوية. وكان الكشور الرئيسى هو إيرانشهر الذي كان يشمل خراسان، وفارس، والجبال، والعراق. وقد رأى أن هذه الأقسام تحكمية ولم يكن الغرض الأول منها يقوم على أسباب سياسية أو إدارية. وكان الملوك في الأزمان القديمة يعيشون في إيرانشهر، وكان الأمر يقتضيهم الإقامة في منطقة وسطى حتى يكونوا على مسافة متوسطة من الممالك الأخرى، ولذلك وجدوا أن من اليسير تدبير الأمور. ولم يكن لمثل هذا التقسيم علاقة بالمناهج الطبيعية ولا القوانين الفلكية، وإنما كان هذا التقسيم يعتمد على التغيرات السياسية والاختلافات السلالية (صفة المعمورة، طبعة طوغان، ص 5, 60 - 62) , فلما أنشئت بغداد قصبة للإمبراطورية العباسية، أصبح من الطبيعي أن يشغل العراق مركزا رئيسيا هامًا من الناحية السياسية في العالم الإسلامي. وقد سوى ابن خرداذبه العراق بإيرانشهر

وشغلت كورة السواد التي كانت تسمى "دل إيرانشهر" في الأزمنة القديمة المركز الرئيسى في منهجه الجغرافي، وقد بدأ بيانه بوصفها. وكذلك جعل اليعقوبى العراق مركزا للعالم و "صرة الأرض"، ولكنه كان يرى أن بغداد هي مركز العراق، ذلك أنها لم تكن أكبر مدينة في العالم لا يقارن بها في مجدها مدينة أخرى فحسب، بل كانت أيضًا مقر حكم بنى هاشم. وكان جو العراق معتدلا لأنه يشغل مركزا متوسطًا في العالم، وكان سكانه ظرفاء أذكياء على خلق رفيع. ولكن بغداد سلُكت في منهجه الجغرافي مع سامراء، ووصفه يبدأ بهاتين المدينتين. وقد ضرب المؤرخ والجغرافى على هذه النغمة في تفوق العراق، ورأى أن بغداد هي أحسن مدائن العالم (التنبيه والإشراف، ص 34؛ انظر ابن الفقيه، ص 195 وما بعدها). ونجد قدامة وابن رسته وابن الفقيه، على خلاف هذين الكاتبين، لا يظهران أي تحمس للعراق أو إيرانشهر. وهما في منهجهما يجعلان الصدارة لمكة والجزيرة العربية. وفي قدامة تفضل مكة بإطلاق، وتوصف جميع الطرق المؤدية إلى مكة قبل أن يتناول بالبيان الطرق الخارجة من بغداد صحيح أن قدامة يولى العراق أهمية، إلا أنه يفعل ذلك من حيث هي الولاية الكبرى لمملكة الإسلام، وبذلك يعدها مهمة، وإنما ترجع هذه الأهمية إلى الناحيتين السياسية والإدارية. ومن ثم فإننا نجد في منهجه الجغرافي نقلا للأهمية من التصور الإيرانى إلى ما نستطيع أن نسميه "المدخل الإسلامي للجغرافيا". ونلاحظ مثل هذا الميل أيضًا في ابن رسته (بداية القرن الرابع الهجرى = العاشر الميلادي) الذي ترك تمامًا السنن الإيرانية وجعل لمكة والمدينة المكان الأول في ترتيبة لمادته الجغرافية. وقد آثر في وصفه للأقاليم السبعة أن يصفها على النمط الإغريقى لا على منهج الكشورات. وكذلك يحتل وصف مكة المكان الأول في كتاببن الفقيه في الجغرافيا، ولكن قسما كبيرًا من هذا الكتاب قد انصرف إلى وصف فارس وخراسان وغيرهما، وقد وصفت الأقاليم وفقًا للمنهج القائم على الكشورات.

وثمة سمة هامة تتسم بها كتب ابن خرداذبه واليعقوبى وقدامة، وهي أن المادة فيها قد رتبت ووضعت تبعًا للاتجاهات الأربعة، أي الشرق والغرب والشمال والجنوب طبقًا لتقسيم العالم إلي أربعة أرباع. ولا شك في أن مثل هذا المنهج في الوصف نجد أصله ماثلا في بعض الروايات الإايرانية الجغرافية. ولا ريب في أن الجغرافيين العرب كان أمامهم نموذج ما ينقلون منه. ويقول المسعودى إن الفرس والأنباط قسموا المعمور من الأرض إلى أربعة أقسام: خراسان (شرقًا)، وباختْرَ (شمالا)، وخُرْبَرَان (غربًا)، ونيمروذ (جنوبًا؛ انظر التنبيه والإشراف، ص 31؛ اليعقوبى، ص 268). على أن قدامة يبين أن هذا التقسيم تحكمى. وفي رأيه أن المصطلحات: شرق، وغرب، وشمال، وجنوب ليست لها إلا قيمة نسبية. أما ابن رسته وابن الفقيه فقد كان ترتيبهما يقوم على الأقاليم. وقد وضع ابن خرداذبه- الذي يمكن أن نسميه أبا الجغرافيا- نمط الجغرافيا وأسلوبها في اللغة العربية، ولكنه لم يكن، كما بين كرامرز، مبدع هذا النمط أو هذا الأسلوب. ولا شك أنه كان بين يديه نمط أو سابقة تمثلت في كتاب متقدم عليه يتناول هذا الموضوع. وثمة احتمال كبير بأنه كان ميسورًا له كتاب فهلوى متقدم في الزمن يتناول إيران القديمة. وكتاب ابن خرداذبه لا يتناول "مملكة الإسلام" فحسب، بل يتناول أيضًا حدودها والممالك والشعوب التي تحف بها. وكان يعرف كتاب بطلميوس حق المعرفة، كما يتبين من وصفه حدود الأجزاء المعمورة من العالم ووصفه للتصور الإغريقى للقارات: أروفا، ولوبيا، وإتيوفيا، وإسقوتيا. ويزعم أحمد بن أبي يعقوب بن واضح الكاتب اليعقوبى المتوفى سنة 284 هـ (897 م) أنه ارتحل كثيرًا، وينوه بأنه حصل على معلومات من سكان الأقطار التي زارها، وتثبت منها على يد أناس ممن يوثق بهم (ص 232 - 233). وكان غرضه من تصنيف كتابه وصف الطرق المؤدية إلى تخوم الإمبراطورية الإسلامية والأراضى

المجاورة لها. ولهذا السبب تناول في رسالة قائمة بذاتها تاريخ الروم (الإمبراطورية البوزنطية) وجغرافيتهم، وأفرد كتابًا آخر لفتح إفريقية (شمالي إفريقية). ويتناول كتاب اليعقوبى- في معظمه- تخطيط البلدان والرحلات، وكان ترتيبه لمادته مماثلا لما جرى عليه ابن خرداذبه. وقد أفراد قدامة بن جعفر الكاتب (القرن الرابع الهجرى = العاشر الميلادي) الفصل الحادي عشر من مصنفه "كتاب الخراج وصنعة الكتاب" لوصف محطات البريد والطرق في الإمبراطورية العباسية. وكان الغرض الأكبر من تصنيف هذا الكتاب وصف "مملكة الإسلام" وحدودها، وخاصة حدودها مع الإمبراطورية البوزنطية (الروم) التي كان يعدها ألد عدو للإسلام (ص 252). ونلاحظ في جغرافيته أيضًا "النظرة الإسلامية"، ولو أننا نميز فيه أيضًا نظرة سياسية مثل الدفاع عن الحدود. ويشمل كتابه كذلك أوصافًا لشعوب وممالك تكتنف مملكة الإسلام. وهو يتناول الجغرافيا الطبيعية العامة، وقد استعار- فيما يظهر- معلوماته في الجغرافيا الإقليمية والوصفية من المصادر اليونانية. ويشبه كتاببن رستُه أوائل القرن الرابع الهجرى = العاشر الميلادي) المسمى "الأعلاق النفسية" كتاب قدامة في أنه يصف مكة والمدينة في مستهل الجزء الذي يتناول الجغرافيا الإقليمية. على أن الغرض الأكبر من كتابه كان فيما يبدو هو سوق معلومات عامة عن العالم في عمومه، ومن ثم يجد المرء فيه أوصافًا على أساس إقليمى لعدة بلاد تقع خارج حدود الإسلام علاوة على وصف للبلاد الإسلامية. وقد تناول ابن رسته الجغرافيا الرياضية متبعًا أسلوبًا منهجيًا مستقصيًا وجمع نظريات وآراء مختلفة عن المشاكل المتعددة (ص 23 - 24). وهو يعرض مادة في الجغرافيا العامة والطبيعية ويصنف الأقاليم على النمط الإغريقى. ويمكن أن نصف كتابه، على ضوء المعلومات المختلفة التي جمعها فيه، بأنه "دائرة معارف صغيرة في المعارف التاريخية والجغرافية".

وكذلك نهج ابن الفقيه الهمذانى منهج ابن رسته، فرتب المادة الجغرافية في كتابه "البلدان" (كتب حوالي سنة 290 هـ = 903 م) على أساس إقليمى. فقد شغل وصف مكة مكان الصدارة بين الأماكن لأخرى، وجاء الترتيب العام لموضوعات مادته شبيهًا بترتيب الإصطخري وابن حوقل. وأدخل في كتابه رواية التاجر سليمان عن الهند والصين، ولكن السمة الخاصة التي يتسم بها هذا الكتاب، هي أنه يسجل، إلى جانب المعلومات الوثيقة ذات السند، مقطوعات طويلة من الشعر، وروايات مختلفة ومعلومات ذات طابع أسطورى. والكتاب مفيد في تناوله الجغرافيا العامة والرياضية. أما أبو الحسن علي بن الحسين المسعودى المتوفى سنة 345 هـ (956 م) المؤرخ المشهور، فقد جمع بين صفات الرحالة الخبير والجغرافى النابه. ومن المؤسف أن وصفه لرحلاته (كتاب القضايا والتجارب) لم يصل إلينا، ولكننا نستطيع أن نخرج بفكرة تقريبية عن رحلاته من كتبه الباقية، وهي "مروج الذهب ومعادن الجوهر" و "التنبيه والأشراف" (الكتاب امعنون "أخبار الزمان"، إلخ طبعة عبد الله الصاوى، القاهرة سنة 1938؛ ومخطوط مكتبة مولانا آزاد، الجامعة الإسلامية بعليكره [مجموعة قطب الدين، مخطوط رقم 36/ 1] المعنون "عجائب الدنيا"، وفي خاتمة المخطوط "كتاب العجائب، قد نسبا خطأ للمسعودى وليس لهما آية صلة بالكتاب الكبير "كتاب أخبار الزمان" الذي فقد). وقد عد البيرونى الجغرافيا جزءًا من التاريخ، وهذا يفسر أن كتبه تتناول الجغرافيا مقدمة للتاريخ، وهو قد اعتمد على الكتابات الجغرافية المتقدمة عليه في اللغة العربية كما اعتمد على كتب الرحلات والكتب الخاصة بالبحر المعاصرة له؛ ودعم ذلك بمعلومات جمعها بنفسه أثناء أسفاره أو من أناس لقيهم. ولم يسق المسعودى أي بيان منهجى تخطيطى للإمبراطورية العباسية ولم يعرض لطرق المملكة ولا للمحطات البريدية، بل هو يزودنا بإلمامة بارعة للمعرفة العربية المعاصرة عن الجغرافيا الرياضية والطبيعية. على

أن المأثرة الكبرى للمسعودى كانت في ميدان الجغرافيا البشرية والعامة. ذلك أنه ارتقى بالعلم الجغرافي بتحدى بعض النظريات والتصورات لجغرافى العرب وجد أنها لا أساس لها في ضوء تجربته الخاصة وملاحظته الخاصة. ولم يترد في أن يعرض على محك النقد نظريات أساطين الإغريق المعمّرة مكل نظريات بطلميوس، وشاهد ذلك نقده لقول هذا الإمام الإغريقى بوجود أرض في نصف الكرة الجنوبي. وقد نوه في ميدان الجغرافيا البشرية والطبيعية بأثر البيئة وغيرها من العوامل الجغرافية على أجسام وسلوك الحيوانات والنباتات والجنس البشرى. وتأثر المسعودى أيضًا بالمأثورات الجغرافية الإيرانية، مثل نظام الكشورات السبعة، جاعلا العراق أوسط الأقاليم وخيرها في العالم وقوله إن بغداد هي خير المدائن وما إلى ذلك. وثمة جغرافي بارز في ذلك العصر كان أثره في النهوض بالجغرافيا العربية متنوعًا عميقًا مثلما كان أثر ابن خرداذبه، ونعنى به الوزير الساسانى أبا عبد الله محمد بن أحمد الجَيهانى (صدر القرن الرابع الهجرى الموافق القرن العاشر الميلادي). ومما يؤسف له أن مصنفه "المسالك والممالك" (ليس لمخطوط كابل آية صلة بكتاب الجيهانى الكبير؛ انظر A FaLse: V. Minorsky Djayhani في Bulletin of the School of , Oriental and African Studies جـ 13، سنة 1949 - 1950, ص 89 - 96) لم يصل إلينا. على أنه من المحتمل كثيرًا أن يكون الجيهانى قد أفاد من النسخة الأصلية لكتاب ابن خرداذبه "كتاب المسالك". وقد استطاع الجيهانى، بفضل كونه وزيرًا يكتب في بغداد "أن يوسع ميدان بحثه موغلا في آسيه الوسطى والشرق الأقصى أكثر مما أتيح لمعاصريه العرب" (Marvazi: Minorsky etc، ص 6 - 7، لندن سنة 1942). وقد جمع معلومات مباشرة من مصادر مختلفة، ومن هنا جاءت أهمية كتابه. وقد أفادت طائفة كبيرة من الجغرافيين العرب المتأخرين من كتاب الجيهانى الذي يرى المسعودى فيه أنه هام لأن فيه أخبارًا عجيبة وقصصًا طريفة.

أما كتاب "حدود العالم" المجهول المؤلف الذي كتب بالفارسية سنة 372 هـ (982 م) فهو من أقدم الكتب الفارسية في جغرافية العالم وقد أفاد كاتبه من عدة مراجع عربية متقدمة في الموضوع، ولا شك أنه كانت بين يديه نسخة من كتاب الإصطخري. وفي حدود العالم نزعة إلى الكمال وضبط الأرقام، ثم إن صاحبه، فضلا عن ذلك، مستقل عن الجغرافيين الآخرين في تعميماته الجغرافية والاصطلاحية، وأصالته تستبين من تصوره انقسام العالم المعمور إلى "أجزاء من العالم" وإلى "بلاد قائمة بذاتها" (انظر مقدمة Barthold لكتاب "حدود العالم")، ص 21 - 33). وقد ظهر الكتاب في ترجمة إنكليزية مع تعليق بارع بقلم مينورسكى (Minorsky, لندن سنة 1937)، وهذا التعليق من أكثر ما كتب استقصاءً على أي كتاب فارسى أو عربي، عن الجغرافيا في العصر الحديث. (2) المدرسة البلخية: وإلى الفئة الثانية الكبرى من الكتاب في الجغرافيا العامة ينتسب الإصطخري، وابن حوقل، والمقدسى وكذلك أبو زيد أحمد ابن سهل البلخي المتوفى سنة 322 هـ (934 م) والذي نسبت إليه هذه المدرسة. وقد كتب البلخى كتابه الجغرافي "صور الأقاليم" (وهو أولًا شرح على الخرائط) سنة 308 هـ (920 م) أو بعد ذلك بقليل، وأنفق البلخى ثماني سنوات أو نحوها في العراق ودرس على الكندى. وكان قد رحل كثيرًا قبل عودته إلى موطنه وذاع صيته بالعلم واللوذعية. على أن من المرجح أنه اعتنق في المرحلة الثانية من حياته آراء أهل السنة وكتب عدة رسائل أثنت عليها الدوائر السنية أجمل الثناء. صحيح أن نص كتاب البلخى الجغرافي لم ينشر بعد قائما بذاته وأن المخطوطات التي نسبت في يوم من الأيام للبلخى قد ثبت الآن أنها للإصطخرى، إلا أن رأى ده غويه لا يزال قائمًا له وجاهته، وهو أن كتاب الإصطخري يمثل نسخة أخرى موسعة توسعة كبيرة من كتاب البلخى، صنعت بين سنتي 318 و 321 هـ (930 - 933 م) في حياة البلخى.

وقد صبغ جغرافيو مدرسة البلخى الجغرافية العربية بلون إسلامي أكيد. ولم يكتف هؤلاء بالاقتصار في معظم ما كتبوا على البلاد الإسلامية، بل ركزوا أيضًا على التصورات الجغرافية التي من قبيل ما ورد في القرآن أو تلك التصورات القائمة على الأحاديث أو أقوال الصحابة وغيرهم، مثال ذلك أنهم شبهوا جرم الأرض بطائر كبير. وهذا يطابق ما ورد في حديث روى عن عبد الله بن عمرو بن العاص (ابن الفقيه، ص 3 - 4). ثم إنهم يقولون إن جرم الأرض مستدير الشكل يحيط به البحر المحيط إحاطة العقد بالعنق، وينصب منه الخليجان (البحر المتوسط والمحيط الهندى) إلى الداخل دون أن يمتزجا، إذ يقوم بينهما البرزخ عند بحر القلزم، وهو تصور نجده في القرآن. ثم نجدهم أيضًا يخالفون بعض جغرافيى المدرسة العراقية، فيجعلون الجزيرة العربية هي صرة العالم، ذلك أنها تضم مكة والمدينة. وهذه النزعات الجديدة في منهج دراسة الجغرافيا وتناولها أصبحت السمة الغالبة على جغرافيى هذه المدرسة، ولا شك أنها في جميع الاحتمالات ذروة ذلك الصنيع القديم الذي سوّدت فيه طائفة من الجغرافيين مكة على العراق. وكان الغرض الأكبر الذي توخاه هؤلاء الجغرافيون المتأخرون هو أن يصفوا "بلاد الإسلام" دون غيرها مقسمين إياها إلى عشرين إقليما، فيما عدا أنهم تناولوا البلاد غير الإسلامية على الإجمال في مقدماتهم. وكان الأساس الذي اتخذه لهذا التقسيم إلى "أقاليم" لا يقوم على منهج الكشورات ولا على منهج الأقاليم اليونانية، وإنما كان تقسيمهم إقليميا وطبيعيا صرفا. ويعد هذا منهم تقدما إيجابيا بالنسبة للمناهج السابقة، بل جديدا بوجه من الوجوه. والأمر كما بين ابن حوقل (ص 2 - 3) فهولم يتبع نموذج "الأقاليم السبعة" ومن ثم فقد رسم ابن حوقل خريطة قائمة بذاتها لكل قسم مبينًا موضع كل "إقليم" وحدوده وغير ذلك من المعلومات الجغرافية. وثمة مأثرة هامة تحسب لهؤلاء الجغرافيين، وهي أنهم قد قعدوا الجغرافيا ووسعوا نطاقها

بإدخال موضوعات جديدة حتى يزيدوا في فائدتها وأهميتها، ذلك أنهم رأوا أن دائرة أوسع من الناس كانوا يعنون بها، مثل الملوك وأهل المروءة ووجوه القوم في جميع الطبقات (ابن حوقل، ص 3). أما في ميدان رسم الخرائط، فإنهم لم يكتفوا برسم الخرائط الإقليمية على أساس من العلم أكثر، بل يمكننا أن نقول أيضًا إنهم قد أدخلوا عنصر المنظور. فقد رسموا خريطة مستديرة للعالم بينوا فيها الأقطار المختلفة لبلاد الإسلام وغير ذلك من الأقطار الإسلامية في العالم. وكان غرضهم بيانها في منظور صحيح وإظهار الموضع والحجم لكلٍّ منسوبا إلى الآخر. ولما كانت هذه الخرائط لا تمثل الحجم الصحيح (مستدير، مربع، مثلث)، فقد رسموا كلا بحجم مكبّر. ورسم هذه الأقطار على أساس طبيعى خالص، كان فيما يرجح أول تجربة من نوعها في رسم الخرائط عند العرب، وخرائط الإصطخري وابن حوقل، في هذا الخصوص، تفوق خرائط الإدريسي، ذلك أن الإدريسي قسم الأقاليم السبعة العرضية إلى عشرة أقاليم طولية لكل، ورسم خريطة قائمة بذاتها لكل قسم، ونشأ عن هذا أن هذه الخرائط الخاصة بالأقسام لم تمثل وحدات جغرافية بل أقساما هندسية وقد مثل الإصطخري وابن حوقل والمقدسى للمرة الأولى فكرة القطر محددًا بمصطلحات جغرافية، بل ذهبوا إلى حد تعيين حدود كل قطر، كما عينوا حدود الممالك الأربع الرئيسية في العالم سواء بسواء. والظاهر أن أبا إسحاق إبراهيم بن محمد الفارسى الإصطخري (النصف الأول للقرن الرابع الهجرى الموافق العاشر الميلادي) كان صاحب الفضل الأول في نشر أفكار المدرسة البلخية. ولا نعرف عن حياة الإصطخري إلا القليل، على أننا نعلم أنه أكثر من الرحلة وضم تجاريبه في رحلاته إلى كتابه "المسالك والممالك" (ظهرت حديثًا طبعة جديدة لهذا الكتاب، قام بها جابر عبد العال الحينى، القاهرة، سنة 1961). ولا يخامرنا إلا شك قليل في أن كتاب المسالك والممالك قد اعتمد على كتاب أبي زيد البلخى. وقد أفاد كتاب الإصطخري جغرافيى هذه المدرسة من

حيث هو مرجع للمعلومات وثيق. وقد ترجم هذا الكتاب إلى الفارسية وأصبح عمادا لكثير من الكتب الفارسية في الجغرافيا. وأتم أبو القاسم محمد بن حوقل البغدادي كتابه في الجغرافيا المسمى "كتاب صورة الأرض" حوالي سنة 366 هـ (977 م). وكان ابن حوقل، منذ طفولته مهتما بالجغرافيا، وقد رحل فأبعد الرحلة بين عامي 331 و 357 هـ (943 - 968 م) وكان منصرفًا إلى الجغرافيا انصرافا حتى إن كتب الجيهانى وابن خرداذبه وقدامة لم تكن تفارقه أبدًا، بل لقد قال في الكتابين الأولين إنهما شغلاه حتى عجز عن أن يصرف همه إلى العلوم النافعة الأخرى أو إلى الأحاديث النبوية. ومع ذلك فإن الذي حفزه إلى كتابة كتابه هو أنه لم يجد كتابًا من الكتب القائمة في هذا الموضوع يحوز الرضا، وهو يزعم أنه أصلح كتاب الإصطخري، وكان قد لقيه. على أن مزاعم ابن حوقل هذه لا يسلم بها من غير مناقشة، ذلك أن التشابه القائم بين كتابى هذين الجغرافيين يوحى بأن ابن حوقل مدين للإصطخرى ويعد ابن حوقل من أئمة الجغرافيين في ذاك العصر، ذلك أنه يظهر في ميدان رسم الخرائط استقلالا وتفردا، فهو لا يتبع الآخرين بلا وعى ولا تبصر. زد على ذلك أنه ضم إلى كتابه معلومات جديدة تعتمد على رحلاته أو على أقوال الناس. وظل كتابه مصدرا للمعلومات وثيقًا دأب الجغرافيون الذين أتوا بعده على الرجوع إليه عدة قرون. وكان أبو عبد الله محمد بن أحمد المقدسي المتوفى سنة 390 هـ (1000 م) وصاحب كتاب "أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم" جغرافيا علميًّا مبتكرًا عظيم الابتكار في زمانه. وهو يزعم أنه أقام الجغرافيا العربية على أساس جديد وأضفى عليها معنى جديدًا ومدى أوسع وأفسح فقد ألفى المقدسي أن موضوع الجغرافيا مفيد لعدة طوائف من المجتمع كما هو مفيد لأصحاب المهن المختلفة، فأفسح في مداه وضمنه موضوعات متنوعة تتراوح بين السمات الطبيعية للإقليم

موضوع البحث والمناجم واللغات وأجناس الشعوب والعادات والتقاليد، والديانات والفرق، والطبائع، والموازين والمقاييس والأقسام الإقليمية والطرق والمسافات. ورأى أن الجغرافيا ليست علما يحصل بالقياس، بل يحصل بالتجربة المباشرة والمعلومات المباشرة، ومن ثم أهتم أكبر الاهتمام بكل ما يلاحظه المرء فعلا مما يتفق مع العقل، واستقى من الكتاب المتقدمين أهم ما عندهم "ولم يسرق منهم". ولذلك يمكن تقسيم كتابه إلى ثلاثة أجزاء تبعًا لطبيعة مصادر معلوماته: ما لاحظه بنفسه؛ ما سمعه من أناس ذوي ثقة؛ ما وجده مدونًا في الكتب عن هذا الموضوع. والمقدسى من الجغرافيين العرب القلائل الذين يناقشون المصطلحات الجغرافية والمدلولات الخاصة لبعض العبارات والكلمات المستعملة، فضلا عن أنه يزودنا بملخص، وفهرس للأقاليم والكور وغير ذلك في مقدمة كتابه لينتفع بذلك أولئك الذين يريدون أن يخرجوا بفكرة سريعة عن محتويات كتابه أو يتخذوه دليلا لرحلاتهم. والمقدسى يخالف الإصطخري وابن حوقل في أنه يقسم "مملكة الإسلام" إلي أربعة عشر إقليما (سبعة عربية وسبعة عجمية) وربما أراد بذلك أن يوفق بين ما يقوله وبين الاعتقاد بأن ثمة سبعة أقاليم شمالي خط الاستواء وسبعة أخرى جنوبيه، وهي فكرة تنسب إلى هرمس الشخصية الأسطورية التي عرفها العرب بأنها لفيلسوف مصرى قديم. وهو يختلف في هذا الصدد مع أبي زيد البلخى والجيهانى اللذين يعدهما مع ذلك "إمامين". وثمة سمة هامة يتسم بها كتابه وهي أنه يجرى مجرى المفسرين فيناقش باستفاضة مسائل تتعلق بالجغرافيا العامة، مثل عدد البحور وغير ذلك حتى يجعل هذا العدد يتفق مع الآيات القرآنية التي تحدثت عنها. (د) التجارة والاستكشاف: الكتب البحرية وثمة ناحية هامة من نواحى تطور الكتب الجغرافية العربية لذلك العصر، هي صدور كتب بحرية وكتب رحلات أثرت معرفة العرب بالجغرافيا الإقليمية والوصفية. وقد تيسر هذا أولًا

بفضل التوسع السياسي للمسلمين والقربى التي أحسّ بها كل واحد تجاه الآخر بصرف النظر عن القومية والجنس، وثانيًا بفضل الزيادة العجيبة في نواحى النشاط التجارى للتجار العرب. وقد عملت عوامل عدة في الحفز على الرحلة والارتياد مثال ذلك الحج إلى مكة، وغيرة البعوث على الدين، وإيفاد الوفود، والحملات الرسمية، والتجارة، وأخيرًا -وليس آخرًا- مهنة البَحَّارة. وقد كان للعرب منذ أقدم الأزمنة شأن الوسطاء في التجارة بين الشرق (الهند والصين وغيرهما) والغرب (مصر، والشام ورومة وغيرها). فلما شيدت بغداد قصبة للإمبراطورية العباسية ونما ثغرا البصرة وسيراف، اتسعت رقعة مشاركة العرب الفعلية والشخصية آنئذ وامتدت إلى الصين في الشرق وسفالة على الساحل الشرقي لإفريقيا. وتعلم العرب فن الملاحة وامتلكوا ناصيته آخذين عن الفرس، وما وافى القرن الثالث الهجرى (التاسع الميلادي) حتى أصبح ملاحو العرب على دراية تامة بالرياح الموسمية والتجارية، ولم تكتف سفنهم بالإبحار مسايرة للسواحل فحسب بل مضت مباشرة من جزيرة العرب إلى الهند. وأصبحوا على معرفة وثيقة بامتدادات البحر المختلفة ما بين الخليج الفارسى وبحر الصين الذي قسموه إلى سبعة أبحر مسمين كل قسم اسما خاصًّا. ثم إنهم أبحروا من عدن إلى شرقي إفريقيا حتى سفالة جنوبًا ومخروا بلا عائق عباب البحر الأحمر والبحر المتوسط والبحر الأسود وبحر الخزر كما أبحروا كذلك في عدد من الأنهار الصالحة للملاحة من بينها نهر النيل ونهر السند. صحيح أن سفنهم كانت صغيرة بالقياس إلى سفن الصينيين كما أن المحيط الهندى كان موبوءًا بالحيتان، إلا أنهم قاموا برحلات طويلة خطيرة في شجاعة وصلابة، وقد استعانوا بخرائط بحرية (رهنامات ودفاتر). ويسجل المسعودى (مروج الذهب، جـ 1، ص 233 - 234) أسماء عدد من ربابنة السفن الذين عرفهم كما سجل أسماء ملاحين مهرة خاضوا عباب المحيط الهندى. وكذلك سجل المقدسي (ص 10

-11) اسم ملاح خبير تاجر رجع إليه في مسألة شكل المحيط الهندى. ويتحدث أحمد بن ماجد عن رهنامات قديمة صنفها محمد بن شادان، وسهل بن أبّان، والليث بن كهلان (عاش في الجزء الأخير من القرن الثالث الهجرى الموافق التاسع الميلادي)، ولكنه عدّهم أقل كثيرًا من المستوى (انظر Hourani: Arab Seafaring ص 107 - 108). وقد فقدت كل هذه الخرائط البحرية، ولذلك فإننا لا نستطيع أن نقوّم المآثر التي أسداها هؤلاء الملاحون العرب المتقدمون للجغرافيا البحرية. ونمت الملاحة العربية، فاتسعت أيضًا التجارة العربية. وقد أصبح للعرب شأن كبير تجارًا في الشرق بفضل سلطانهم السياسي القوى في الشرق الأوسط واقتصادهم النامى في الجزيرة العربية، ذلك أن نطاق تجارتهم لم يتسع فحسب، بل أصبح أيضًا كثيفًا، وقد بلغ الأمر بهم أن راحوا يتاجرون بالمقايضة مع القبائل البدائية في جزائر أندمان ونيقوبار وهي قبائل لم يكونوا يفقهون لغاتها. واضمحلت التجارة العربية مع الصين منذ نهاية القرن الثالث الهجرى (التاسع الميلادي) تقريبًا، إذ يقال إن أعدادًا كبيرة من الأجانب قد ذبحوا في الصين اثناء ثورة الفلاحين في عهد هوانغ شئآو (سنة 878 م). ومن يومها لم تتعد سفن العرب ثغر كالا، القائم على الشاطئ الغربي لشبه جزيرة الملايو، ولا وجود لهذا الثغر الآن. وكان السبب الأكبر الذي حفز العرب إلى ارتياد أراض جديدة هو رغبتهم في التجارة، وقلما كانوا يقصدون بذلك الارتياد لذاته. ومع وجود بعض الشواهد المسجلة على مغامرات العرب واستكشافهم فإن كثيرًا من هذه الشواهد تدخل في باب قصص العجائب (مثال ذلك رواية الترجمان سلّام عن رحلته إلى سور يأجوج ومأجوج امتثالا لأوامر الخليفة الواثق [227 - 232 هـ = 842 - 847 م]؛ انظر: Minorsky, حدود العالم، ص 225). وقصة قيام شاب من قرطبة برحلة مع طائفة من أصدقائه الشبان ماخرين عباب المحيط الأطلسي وعودتهم بعد مدة محملين بالغنائم قد

يكون فيها شيء من الحقيقة التاريخية (المسعودى، جـ 1، ص 258 - 259). ولم يكن لعرب ذلك الزمان آية مأثرة جوهرية في سبيل الرقى بالمعرفة التي حصّلوها من اليونان. ومع ذلك فلا شك في أن معلوماتهم بخصوص بعض الأقطار -مثل شمالي إفريقيا وشرقيها، وغربى آسية، وآسية الوسطى وأقطار قليلة أخرى- كانت أوثق من الإغريق وأدق. ويمكننا أن نردّ إلى عدة عوامل عدم ارتياد العرب للأقطار التي يجهلونها بما في ذلك الأقطار نفسها التي كانت لديهم عنها معرفة نظرية: أولًا أنهم كانوا إذا أرضوا الحافز التجارى لديهم فإنهم لم يكونوا يجاوزون ذلك؛ ثانيًا أن بعض الخواطر والأفكار المسبقة كانت تسيطر دائمًا على تفكيرهم وتصرفهم عن اتخاذ آية خطوة جريئة، مثال ذلك أنهم كانوا يرون المحيط الأطلسي هو بحر الظلمات والعين الحمئة. ولهذا السبب نفسه لم يبحروا موغلين في الجنوب بمحاذاة ساحل إفريقيا الشرقي، ذلك أنهم كانوا يرون أن البحر هناك حافل بالأمواج العالية التي يحدثها المد والجزر كما هو حافل بالاضطراب والهياج، ولو أن البيرونى قد اعتمد على بعض الشواهد التي كشف عنها في القرن الثالث الهجرى (التاسع الميلادي) ونعنى بها ما عثر عليه في البحر المتوسط من الواح سفن المحيط الهندى، فتصور أن المحيط الهندى متصل بالمحيط الأطلسي بمضايق جنوبي منابع النيل (البيرونى: صفة المعمورة، ص 3 - 4)؛ ثالثًا وأخيرًا أنهم خشوا أن يصادفوا قبائل أصلية ومتوحشة بجزائر الهند الشرقية فحال ذلك بينهم وبين التوغل في الإبحار شرقًا. ومن أخبار رحلات ذلك العهد التي انتهت إلينا، خبر عن أقدمها. وقد نسبت هذه الرحلة إلى سليمان التاجر الذي قام بعدة رحلات إلى الهند والصين وكتب خواطره عن البلاد والشعوب التي زارها في "أخبار الصين والهند، (سنة 235 = 850 م). وهذا الكتاب شاهد على عناية شديدة علمية كان يتصف بها التجار العرب في تزويدهم قراءهم من الشعوب العربية لذلك العهد

بمعلومات فريدة هامة عن بلاد الشرق القاصية. وقد نشرت هذه الأخبار التي جاء بها سليمان أول ما نشرت سنة 302 هـ (916 م) على يد أبي زيد الحسن السيرافى هي وأخبار أخرى جمعها وحققها في كتاب اسمه "سلسلة التواريخ". والظاهر أن أبا زيد كان شخصًا ميسور الحال، ولم يكن هو نفسه قد مارس الرحلات، إلا أنه كان شغوفًا كل الشغف بجمع المعلومات من الرحالة والتجار وتسجيلها وقد لقى هذا الرجل المسعودى مرتين على الأقل، وتبادل معه الكثير من المعلومات وكان المسعودى، الذي يعد من أعلى أهل زمانه همة في ارتياد الآفاق، قد رحل فأبعد الرحلة، وأبحر في عدة بحار بما في ذلك بحر الخزر والبحر المتوسط. ولا جرم أن يكون قد ناقش مع أبي زيد ما كشف قرب إقريطش من ألواح سفينة تنتمى إلى بحر العرب. وكان ذلك ظاهرة فريدة، ذلك أنه كان من المظنون أن بحر العرب لا يتصل بالبحر المتوسط. وقد انتهى المسعودى إلى القول بأن الاحتمال الوحيد لذلك هو أن هذه الألواح ريما تكون قد مضت عائمة إلى الشرق ودخلت في البحر الشرقي (المحيط الهادي) ثم اتجهت شمالا ثم دخلت أخيرًا البحر المتوسط (مروج الذهب، جـ 1، ص 365 - 366) مارة بالخليج (وهو خليج متوهم يهبط ماؤه من شمالي المحيط الأطلسي [البحر المحيط] حتى يلج البحر الأسود). وإجماعهما هما الاثنان على ذكر هذا الكشف الفريد شاهد على عنايتهما بالمشاكل الجغرافية، وهو يدل أيضًا على أن الاهتمام بالجغرافيا كان حيا نشطا في ذلك العهد، ولم يركد كما حدث في العهد المتأخر. ومن الكتاب ذوي الشأن لذلك العهد: بُرْزُك بن شهريار ربان رامْهُرْمُز (سنة 299 - 399 هـ = 912 - 1009 م) الذي صنف كتابًا في الحكايات البحرية عنوانه "كتاب عجائب الهند" حوالي سنة 342 هـ (953 م) ويروى الكتاب عددًا من الحكايات الظريفة غاية الظرف العجيبة كل العجب عن مغامرات البحارة في جزائر الهند الشرقية وغيرها من أجزاء المحيط الهندى. وهذه الحكايات قد صنفت فيما يظهر للقارئ

العام، ومع أنها -في معظمها- من تهاويل الخيال، إلا أنه لا يمكن إهمالها جميعها بحجة عدم صحتها وإسقاطها في آية دراسة جادة للجغرافيا العربية والارتياد عند العرب. والظاهر أن الحاجة كانت ماسة في ذلك العهد إلى القصص العجيبة المسلية، يشهد بذلك وجود عدة مخطوطات بالعربية لكتب العجائب. وقد كان ذلك العهد يتميز عامة بروح البحث والتمحيص والارتياد عند العرب. على أن الكتب البحرية، التي فقد معظمها فيما يظهر، وقفت مواجهة للمعرفة النظرية المستقاة من الإغريق وغير ذلك من المصادر. ومن ثم حدث في بعض الأحيان تناقض بين النظر والعمل، وكان هذا هو المشكلة الجوهرية التي واجهها الجغرافيون والرحالة العرب، كما كان هذا الصراع بين النظر والعمل هو الذي حدد آخر الأمر تطور الجغرافيا العربية في العهد المتأخر. ذلك أنه حين كان أهل العمل يسلمون لأهل النظر يتأكد تدهور الجغرافيا العربية. وإنا لنتسائل: لم لم يوثق بكمة الملاح والرحالة والتاجر الثقة الجديرة بها؟ وتفسير هذه المسألة عسير؛ بيد أننا نقول إن عددًا كبيرًا من الكتب البحرية لا مناص من أن يكون قد فقد نتيجة للإهمال أو العداء. (هـ) البيروني ومعاصروه: يمكن أن نعد القرن الخامس الهجرى (الحادي عشرالميلادى) ذروة التقدم الذي بلغته الجغرافيا العربية، ذلك أنه ما وافى هذا العهد حتى كانت المعرفة الجغرافية عند العرب، سواء كانت مستقاة من الأغريق وغيرهم، أوكانت قد نمت بمعرفة العرب بفضل أبحاثهم وملاحظاتهم أو رحلاتهم، قد بلغت مستوى رفيعًا جدًّا من التقدم، زد على ذلك أن الكتب الجغرافية كانت قد غدت لها مكانة خاصة بين المكتبة العربية، كما كانت الأساليب والمناهج المختلفة في عرض المادة الجغرافية قد تقدمت وانضبطت. وأهمية ما أسداه البيرونى إلى الجغرافيا عند العرب أهمية مزدوجة: فهو أولًا قد ساق ملخصًا نقديا لجميع المعرفة الجغرافية حتى زمنه، ولماكان متضلعًا فيما حققه

اليونان والهنود والإيرانيون في ميدان الجغرافيا تضلعه في فضل العرب على هذا العلم فإنه قد قام ببحث مقارن في هذا الموضوع، وبيَّن أن اليونان كانوا أكمل في ذلك من الهنود، ومن ثم تضمن قوله وجوب الأخذ بمناهج اليونان وأساليبهم الفنية، ولكنه لم يكن جامدًا، فقد قال ببعض الآراء الهامة التي لم تكن تطابق أراء اليونان، الأمر الثاني هو أن البيرونى الفلكى لم يكتف بحساب الأمكنة الجغرافية لعدة مدن، بل حسب أيضًا طول درجة العرض، وبذلك أنجز احدى العمليات المساحية الثلاث في تاريخ الفلك العربي. وقد حقق بعض وجوه التقدم النظرى بصفة عامة في الجغرافيا الطبيعية والبشرية. واتخذ مما ذكرناه انفًا من الكشف في البحر المتوسط عن ألواح سفينة عربية قبل زمنه بمائة سنة، أساسًا لاحتمال نظرى بوجود قنوات تصل المحيط الهندى بالمحيط الأطلسي أسفل جبال القمر ومنابع النيل، بيد أن هذه القنوات كان من العسير عبورها بسبب ارتفاع المد والجزر والرياح الشديدة. ومضى في حجته يقول أن المحيط الهندى فعل ما فعله تجاه الشرق فتوغل في القارة الشمالية (آسيا) وأنه شق سبلا كذلك ليوازن بينها، فاوغلت القارة في المحيط الهندى تجاه الغرب. ويتصل البحر هناك بالمحيط الأطلسي عن طريق قنواتء ومن ثم فإنه قد قرر- من حيث النظر- إمكان الدوران حول ساحل إفريقيا الجنوبي، ومع ذلك فإن هذه الفكرة- من حيث العمل- لم تتحقق على يد المسلمين، فقد بقيت حتى وصول البرتغاليين، وهنالك ألمع النهروانى إلى أن البرتغاليين ربما يكونون قد اتخذوا هذا الطريق. وقد تصور البيرونى أن جرم الأرض محاط بالماء، وأن مركز ثقل الأرض انتقل فأحدث التغيرات الطبيعية على سطحها، مثال ذلك استحالة الأراضي الخصبة قاحلة واليابسة ماءً وبالعكس. وقد وصف بأجلى بيان تصورات مختلفة حدود الأجزاء المعمورة من الأرض في زمنه، والظاهر أنه رجع في ذلك إلى

بعض المصادر المعاصرة التي لم تكن متيسرة للجغرافيين المتقدمين. وكذلك كان للبيرونى مأثرة أصيلة أسداها للجغرافيا الإقليمية بوصف الهند وصفًا مفصلا. ومن فلكيى القرن الخامس الهجرى (الحادي عشر الميلادي) الجديرين بالذكر: ابن يونس أبو الحسن علي بن عبد الرحمن المتوفى سنة 391 هـ (1009 م) وبينما كان البيرونى يعمل في الهند وغيرها من البقاع، كان ابن يونس يقوم بأرصاد قيمة في المرصد القائم على جبل المقطم في رعاية الخليفتين الفاطميين العزيز والحاكم وسجل ثمار أرصاده في "الزيج الكبير الحاكمى"، وقد أصبح هذا الكتاب مصدرًا هامًا للمعرفة الفلكية والجغرافية- حتى زمنه- يرجع إليه علماء المشرق الإسلامى. ومن الجغرافيين والرحالة المعاصرين للبيرونى نذكر الشاعر الرحالة الإسماعيلي ناصر خسرو المتوفى سنة 452 هـ (1060 م) أو سنة 453 هـ (1061 م)، الذي تشمل أخبار رحلته المعروفة باسم "سفرنامه" والمكتوبة بالفارسية تجارب الكاتب الشخصية وأوصاف مكة ومصر. وكان أبو عبيد عبد الله بن عبد العزيز البكرى المتوفى سنة 487 هـ (1094 م) خير ممثل لفقه اللغة في ذلك الزمن من حيث أسماء الأماكن ومعجمه الجغرافي "معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع " كتاب بارع يجمع بين الأدب والجغرافيا. وهو يتناول ضبط أسماء الأماكن في شبه الجزيرة العربية في المقام الأول، مستشهدًا بشواهد أدبية من الأدب العربي والشعر العربي القديم، والحديث وروايات الأقدمين إلى غير ذلك. أما بحثه الجغرافي الثاني "كتاب المسالك والممالك " فلم ينته إلينا كاملًا. على أن البكرى يعد أديبًا أكثر منه جغرافيا. (5) عصر توحيد المعرفة الجغرافية (القرن 6 هـ = 12 م-10 هـ 16 م) أخذت تظهر على الجغرافيا العربية باستمرار أمارات الاضمحلال منذ القرن السادس الهجرى (الثاني عشر

الميلادي) حتى القرن العاشر الهجرى (السادس عشر الميلادي). وقد برزت وسط هذا الاضمحلال بعض الاستثناءات، مثل كتب الادريسى وأبي الفداء، أما البقية الباقية فقد انخفض مستواها العام إذا قيست بكتب الحقبة التي سبقت ذلك. وحل محل النظرة العلمية والنقدية للموضوع والاهتمام بوثاقة المعلومات- اللذين كانا سمة الكتاب المتقدمين- الملخصات والموجزات للمعرفة المأثورة والنظرية التي نجدها في كتب هؤلاء الكتاب. فقد كان هذا العصر، بوجه من الوجوه، عصر توحد المعرفة الجغرافية، ويمكن تقسيم كتبه الجغرافية إلى ثماني فئات عامة: (أ) أخبار جغرافية عالمية. (ب) كتب في خلق الكون. (ج) كتب الزيارات. (د) المعاجم أو المعاجم الجغرافية. (هـ) كتب الرحلات. (و) كتب بحرية. (ز) كتب فلكية. (ح) كتب في الجغرافيا الاقليمية. (أ) أخبار جغرافية عالمية مضى بعض جغرافي هذا العصر يتبعون سنة وصف العالم في عمومه على نهج جغرافيى العصر القديم، على أن الكتب التي تتناول عالم الإسلام دون سواه أصبحت نادرة، ذلك أن الإمبراطورية العباسية نفسها كانت قد تفككت أوصالها؛ وكان النموذج الذي اتبعه كتاب هذا العصر في الوصف والترتيب مخلتفًا أيضًا عما اتبعه أصحاب الكتب المتقدمة. ذلك أننا نجد في كتبهم نزعة إلى التقريب بين الجغرافيا الفلكية والجغرافيا الوصفية، وكان الأثر الإغريقى لا يزال بارزًا في بعض الكتب، على حين أن الأثر الفارسى قد تضاءل نسبيًا، والراجح أن سبب ذلك صدور كتب جغرافية بالفارسية أيضًا. على أن النشاط الجغرافي كان قد اتسع، وأصبحت أماكن مثل الشام وصقلية والأندلس مراكز هامة للمعرفة الجغرافية، وقد صدرت فيها كتب لها أهمية كبيرة جدًّا. ونذكر من الكتب الهامة التي صدرت في هذا العصر في الجغرافيا والفلك

العالميين: "منتهى الإدراك في تقسيم الآفاق" لمحمد بن أحمد الخَرْقى المتوفى سنة 533 هـ (1138 - 1139 م)؛ و "كتاب الجغرافيا" لمحمد أبي بكر الزُهْرى الغرناطى الذي عاش حوالي سنة 531 هـ (1137 م) و (نزهة المشتاق في اختراق الآفاق" للشريف الادريسى المتوفى سنة 560 هـ (1166 م)؛ و (كتاب الجغرافيا في الأقاليم السبعة" لابن سعيد المتوفى سنة 672 هـ (1274 م)؛ و"تقويم البلدان " لأبي الفداء المتوفى سنة 731 هـ (1331 م) وقد اعتمد كتاب الزهري على منهج الاغريق في التقسيم إلى "أقاليم"، وهو يمثل نزعة التقريب بين الجغرافيا الفلكية والجغرافيا الوصفية. وكتاب الادريسى الذي ينم أيضًا عن هذه النزعة؛ شاهد جيد على تعاون العرب والنورمان في الجهود الجغرافية. وقد صدر هذا الكتاب في باليرمو في رعاية ملك النورمان روجر الثاني. وقد كان الادريسى أميرًا ينتسب إلى بنى حَمُّود، ولكنه لم يكن رحالة مشهورًا أو جغرافيا خبيرًا قبل التحاقه ببلاط روجر، والظاهر أن روجر هدف من وراء دعوته إلى بلاطه إلى أن ينتفع بشخصيته لتحقيق أهدافه السياسية. ولا يخامرنا إلا شك قليل في أن روجر كان معنيًا بالجغرافيا، وقد كان قادرًا على جمع فريق من الفلكيين والجغرافيين في بلاطه. وقد تحققت لأول مرة في تاريخ رسم الخرائط عند العرب، بفضل جهود هؤلاء، سبعون خريطة إقليمية تقوم على منهج بطلميوس في التقسيم إلى أقاليم، كما رسمت خريطة كبيرة من الفضة للعالم. وقد صنف مجموع المعلومات الجغرافية المحصلة من الاغريق المعاصرين والمتقدمين أو من المصادر العربية تبعًا للأقسام الفرعية بحيث كان كل منها وصفا لواحدة من هذه الخرائط. وكان هذا الكتاب مأثرة هامة أسديت إلى الجغرافيا الطبيعية والوصفية. وقد اعتمد كتاب ابن سعيد على منهج التقسيم إلى أقاليم، وهو أيضًا يورد عروض وأطوال كثير من الأماكن تيسر جمعها في خريطة، وما وافى ذلك العصر حتى كانت الشام قد أصبحت

مركزًا للجهود الجغرافية. ذلك أن أبا الفداء، الأمير الشامى والمؤرخ والجغرافى، أتم موجزه الهام في جغرافية العالم سنة 721 هـ (1321 م) وهذا الكتاب يحدد عروض وأطوال الأماكن ويتناول مادته على أساس إقليمى. وقد رتب ترتيبًا منهجيًا، ويشمل الجغرافيا الوصفية والفلكية والبشرية. والظاهر أن هذا الكاتب قد انتفع ببعض المصادر المعاصرة له، ذلك أننا نجد فيه بعض المعلومات الجديدة التي لم تتيسر للكتب الأقدام من كتابه. (ب) كتب في خلق الكون: صدرت في هذا العصر عدة كتب لا تتناول الجغرافيا فحسب، بل تتناول أيضًا خلق الكون وأصله وعلم الفلك وغير ذلك من العلوم التي من هذا القبيل. وكان الغرض الأكبر الذي تتوخاه هذه الكتب هو- فيما يظهر- عرض المعرفة العالمية في أسلوب منهجى موحد لفائدة القارئ العام. ولا شك أن كتاب الكتب التي نحن بصددها قد أفادوا من المراجع العربية الأقدم. على أننا نستطيع أن نقول- بوجه عام- أن مادتها قد عرضت عرضا لا يقوم على النقد، وقلما نجد فيها مسألة قامت على الاستقصاء والبحث، كما أنها تفتقر كلية إلى الشوق إلى الدرس. وكان السبب الأكبر في النزوع إلى تصنيف هذه الكتب هو اضمحلال التعليم والدراسة اللذين أثرا في تقدم المعرفة الجغرافية. ونذكر فيما يأتي بعض الكتب التي تنتمى إلى هذه الفئة: "تحفة الألباب (أو الأحباب) ونخبة العجائب. لأبي حامد الغرناطى المتوفى سنة 565 هـ (1169 - 1170 م)؛ "عجائب البلدان وآثار البلاد" للقزوينى المتوفى سنة (682 هـ (1327 م)؛ و "نخبة الدهر في عجائب البر والبحر" للدمشقى المتوفى سنة 717 هـ (1327 م)؛ و "خر يدة العجائب وفريدة الغرائب" لابن الوردي المتوفى سنة 861 هـ (1457 م). (جـ) كتب الزيارات وثمة سمة خاصة يتسم بها هذا العصر هي صدور عدد من الكتب التي تتناول البلدان والأماكن ذات الأهمية الدينية أو الأماكن التي يحج إليها

الناس. وليست هذه الكتب وصفية أو تخطيطية- خالصة، فهي تتناول الأماكن المقدسة في الإسلام، ومقابر الأولياء، وتكايا الصوفية والرباطات إلى جانب المعاهد التعليمية (المدارس) وتتخصص في مدارس الشريعة المختلفة، ومثل هذه الموضوعات. ويجد المرء في هذه التصانيف بيانات مفصلة عن أسماء أماكن في بلدان مختلفة معكل مكة، ودمشق وغيرهما. ونستطيع أن نقول بصفة عامة أن كتب الزيارات قد قصد بها أن تكون دلائل دينية للحجاج وأهل العكوف، وهي تمثل رد الفعل الدينى في الإسلام. ومن الكتب التي تمثل هذه الفئة: "الإشارات إلى معرفة الزيارات " للهَرَوى المتوفى سنة 611 هـ (1214 م)؛ و"الدارس لتاريخ المدارس" لعبد القادر محمد النُعَيمى المتوفى سنة 48 هـ (1520 م) وفي مكتبة مولانا آزاد بجامعة عليكره الإسلامية مخطوط (مجموعة شروانى، مخطوط رقم 27/ 34) هو في أغلب الاحتمالات موجز لكتاب النعيمى الأصلي، كتب بعد وفاته بخمسين سنة. (د) كتب المعاجم أو المعاجم الجغرافية تمت تقاليد الدراسات الجغرافية في الشام وانتجت عدة ثمار مفيدة ذلك أننا نجد، علاوة على موجز أبي الفدا وكتب الزيارات، أن ياقوتًا الحموى المتوفى سنة 626 هـ (1229 م) قد أنتج كتابًا من أنفع الكتب في المكتبة الجغرافية العربية، وهو "معجم البلدان". وهذا المعجم الجغرافي في البلدان الذي أتمه ياقوت سنة 621 هـ (1224 م) وضمنه معلومات جغرافية واجتماعية أخرى، كان يجرى على نهج التقاليد الأدبية والعلمية للعصر السابق، وهو يمثل زبدة المعرفة الجغرافية لزمنه- أما من حيث هو كتاب من كتب المراجع فإنه لا غنى عنه حتى في يومنا هذا لطالب الجغرافيا العربية التاريخية. وقد توج ياقوت كتابه بمقدمة عن النظريات والتصورات الجغرافية العربية وعن الجغرافيا الرياضية والطبيعية، وهذا يدل على عمق علمه. ويمثل الكتاب أيضًا تلك الفترة من التطور الجغرافي حين كان الدارسون يفكرون بلغة تصنيف

معاجم جغرافية، ولعل هذا لم يكن يتأتى إلا بذلك الحشد الحاشد من الكتب الجغرافية التي كانت قد ظهرت بالفعل قبيل ذلك العصر، وتلك التقاليد الجغرافية التي كانت قائمة في الشام. ومن كتب ياقوت الهامة الأخرى: "كتاب المشترك وضعًا والمختلف صَقْعًا" الذي صنفه سنة 623 هـ (1226 م). (هـ) أخبار الرحلات: وقد اغتنت المعرفة العربية بالجغرافيا الإقليمية والوصفية إلى حد كبير بفضل صدور كتب رحلات بالعربية على نطاق واسع. ونذكر- علاوة على الحوافز المألوفة إلى الرحلة، كالحج إلى مكة أو الغيرة الدينية على نشر الدين امتداد المؤثرات السياسية والدينية الإسلامية، وخاصة في المشرق، مما أدى إلى فتح آفاق جديدة في الرحلة للمسلمين وازدياد فرص العيش أمامهم. ونذكر من أخبار الرحلات الهامة كتاب المازنى المتوفى سنة 564 هـ (1169 م)؛ وكتاب "الرحلة" لابن خبَير المتوفى سنة 614 هـ (1217 م)؛ و "تاريخ المستنصر" الذي كتبه ابن المجاور حوالي سنة 627 هـ (1230 م)؛ ثم رحلات البتانى المتوفى سنة 636 هـ (1239 م). والعَبْدرَى المتوفى سنة 688 هـ (1289 م)؛ والطَيِّبى المتوفى عام 698 هـ (1299 م)؛ والتيجانى المتوفى سنة 708 هـ (1308 م) وغيرهم وفي حين أن هذه الرحلات لها أهمية كبرى بالنسبة للشرق الأوسط وشمالى إفريقية وأجزاء من أوربا لأنها تزودنا بمعلومات معاصرة مهمة في كثير من الأحيان، فإن كتاب ابن بطوطة المتوفى عام 779 هـ (1377 م) المعروف باسم "تحفة النُظار" يظل أهم كتاب كتب بالعربية في القرون الوسطى عن بلاد الهند وجنوبى شرق آسيا وغير ذلك من بلاد آسيا وشمالى افريقية. (و) الكتب البحرية في هذا العصر الذي نحن بصدده اقتصرت جهود العرب البحرية على البحر المتوسط وبحر العرب. أما في البحر المتوسط فإن الأساطيل العربية، بمعنى العبارة الأوسع، لم تستطع أن

تسيطر عليه حقًّا سيطرة كاملة. ذلك أنها كانت منشغلة دائمًا في حروب بحرية مع أساطيل المسيحيين، وكان يستخدم في هذه الغارات أحيانًا عدد من السفن الحربية يبلغ المائة. ثم إن الملاحين العرب كانوا على دراية تامة بالبحر المتوسط، إلا أن الإبحار في المحيط الأطلسي كانوا لا يزالون يخشونه، وليس لدينا إلا شاهد واحد على قيام العرب بمغامرة فيه، وهي مغامرة ابن فاطمة سنة 648 هـ (1250 م) ونستبين من وصف رحلته التي بقيت في كتاب ابن سعيد أنه بلغ في توغله- على ما يظهر- الجبل الأبيض (تحقق أنه رأس برانكو Branco) بمحاذاة ساحل افريقيا الغربي. ومن العسير- بعامة- أن نقوم مبلغ فضل العرب في هذا البحر على الجغرافيا البحرية، ذلك أننا لا نعرف إلا القليل جدًّا عن أخبارهم. فلما قام السلطان العثمانى في آسية الصغرى أصبح الأسطول العثمانى في النهاية قويًّا جدًّا في البحر المتوسط (انظر القسم 6 فيما يلي). على أن ملاحى العرب في المحيط الغندى قد عززوا مكانتهم حتى جاء البرتغاليون، وكان شهاب الدين بن أحمد بن ماجد (لا نعلم تاريخ مولده ولا وفاته) هو الذي قاد سفينة فاسكودا كاما من مالندى على الساحل الشرقي لإفريقيا إلى قاليقوط في الهند سنة 1498. وهذا الحادث يعد نقطة التحول في تاريخ الملاحة والتجارة العربيتين في المشرق، إذ كان لعلو شان البرتغاليين أثر سيئ في تجارة العرب، فقد تهاوى سلطانهم البحرى وتقوض صرح تجارتهم باطراد على يد البرتغاليين. ويمكن أن يعد ابن ماجد -الذي قضى أكثر من خمسين سنة من حياته في البحار العليا- الملاحين العرب الأعظمين في جميع العصور. وقد كتب ابن ماجد ثلاثين رسالة بحرية، وكان من أبرز كتاب العرب في وصف المحيطات، والملاحة وغير ذلك. وقد رفعته مآثره إلى صف أكابر علماء هذا العصر. وأهم مأثرة له هي مصنفه "كتاب الفوائد في أصول علم البحر والقواعد". أما سليمان بن أحمد المهَرئ وهو معاصر لابن ماجد أصغر منه، فقد كان

ملاحا آخر بارزًا من ملاحى هذا العصر، وكذلك هو صاحب خمس رسائل بحرية كتبت في النصف الأول من القرن العاشر الهجرى (السادس عشر الميلادي) نذكر منها بخاصة للأهمية: "العمدة المهرية في ضبط العلوم البحرية"وقد صنفها سنة 917 هـ (1511 - 1512 م)، و "كتاب شرح تحفة الفحول في تمهيد الأصول". وكتب ابن ماجد وسليمان المهرى هي ذروة ما بلغه العرب من معرفة في الجغرافيا البحرية. وكان هذان البحاران يستخدمان خرائط بحرية بارعة من المظنون أنه كانت تتوفر فيها خطوط الزوال والمتوازيات المرسومة صكليها. وكذلك كانوا يستخدمون عدة آلات دقيقة وينتفعون أقصى انتفاع بالمعارف الفلكية في الملاحة. ولا يخامرنا إلا شك قليل في أن معرفتهم بالبحار كانت متقدمة إلى حد كبير، وخاصة في المحيط الهندى، ذلك أن كتبهم تصف بالتفصيل خطوط السواحل والطرق وما إليها في البلاد التي زاروها، وكانوا على علم بالجزائر المتعددة في جزائر الهند الشرقية. (ز) الكتب الفلكية وفي هذا العصر ظهرت كتب في الفلك على قدر عظيم من الأهمية، وكان من أئمة الفلكيين في هذه الحقبة عالم الرياضيات الأمير التيمورى ألغُ بك المتوفى سنة 853 هـ (1449 م) على أنه بوفاة ألغ بك يمكن أن يقال إن كتب الفلك الإسلامية قد بلغت نهايتها، ذلك أن جهد ألغُ كان هو آخر جهد علمي يبذل من جانب أمير مسلم، قبل أن يحل عصر الانحطاط الاجتماعى الإسلامي، في سبيل مراجعة معلومات بطلميوس والقيام بأرصاد فلكية مستقلة. وقد شمل كتاب "زيج جديد سلطانى، النتائج التي وصل إليها ألغ بك في أرصاده التي شاركه فيها معاونوه. (ج) كتب الجغرافيا الإقليمية ظهرت في الفترة بين القرن السابع الهجرى (الثالث عشر الميلادي) والعاشر (السادس عشر الميلادي) جملة كبيرة من الكتب الجغرافية بالعربية والفارسية تقوم على أساس إقليمى أو قومى. صحيح أنه لم يصدر عن جغرافيى ذلك العصر ما يعد مأثرة

جليلة في ميدان الجغرافيا، إلا أن المعرفة بالجغرافيا الإقليمية قد أثرت بفضل جهود عدة مؤرخين وجغرافيين. ولقد احتفظ بالتقاليد الجغرافية للعصر القديم، ولكن لم يكن ثمة ابتكار في النظر أو في العمل. ولم يحدث في ميدان الجغرافيا الفلكية والطبيعية أو البشرية تقدم جوهوى. وكان إصدار كتب في الجغرافيا الإقليمية في ذلك العصر مرتبطًا أوثق ارتباط بامتداد الإسلام واتساع السلطان الإسلامى في المشرق، كما أنه يرجع إلى العناية التي خص بها عواهل المسلمين الجغرافيا التاريخية والجغرافيا مستهدفين أولًا الأغراض السياسة. وفي العراق والجزيرة- المركز القديم للنشاط الجغرافي- لم يصدر من الكتب الجغرافية إلا القليل، وقد ظهر في كتاب "ميارث قدشى" لابن العبرى أثر التقليد الإسلامى وفيه خريطة شبه دائرية للعالم أما في مصر والشام فقد صدرت كتب الخطط في ظل الأيوبيين والمماليك وأدى الاهتمام منذ عهد الأيوبيين بكتب العجائب ومصر القديمة إلى صدور وجمع بعض الأخبار ذات التهاويل الخيالية والحكايات عن ملوك مصر القديمة (! ) وغير ذلك من القصص التي تستهوى القارئ العام. على أن هذه الأخبار قد تضمنت شيئًا من المعلومات الجديدة عن الدول الإسلامية في المشرق وفي الهند وغيرها من البلاد. وكان الكتاب الذين تناولوا هذه الموضوعات هم: إبراهيم بن وصيف شاه (كتب سنة 605 هـ = 1209 م) " والنُوَيرى المتوفى سنة 629 هـ (1332 م)؛ والمقريزى المتوفى سنة 845 هـ (1441 - 1442 م)؛ وابن فضل الله العمرى المتوفى سنة 749 هـ (1348 م)؛ والقلقشندى المتوفى عام 821 هـ (1418 م) وغيرهم. وفي شمالي إفريقية كتب الحسن بن علي المراكشى "جامع المبادئ والغايات " وهو يزودنا بخطوط أطوال وعروض قدَّر الكاتب بعضها، وتشمل مقدمة ابن خلدون فصلًا في الجغرافيا، يشمل ما أُعن بعض مؤرخى العرب الذين وصفوا العالم مقدمة للتاريخ. ونجد في إيران وآسية الوسطى والهند بعض الكتب التاريخية بالفارسية

تتناول الجغرافيا الإقليمية والوصفية، وبعض رسائل عن جغرافية العالم وتعتمد الكتب الجغرافية في معظمها على المصادر العربية المتقدمة، وتضمنت التواريخ العامة وأخبار الفتوح معلومات إضافية معاصرة. ونذكر من الكتب الهامة: "فارس نامه" لابن البلخى الذي كتب في أوائل القرن السادس الهجرى (الثاني عشر الميلادي)، و "نزهة القلوب" لحمد الله المستوفى المتوفى سنة 740 هـ (1340 م)، و"جهان نامه" لمحمد بن نجيب بَكرْان (كتبها محمد هذا لخوارز مشاه محمد سنة 596 - 617 هـ = 1200 - 1220 م)، وتتناول جهان نامه "بعض المعلومات الهامة عن جغرافية ما وراء النهر"، "ومطلع السعدين" لعبد الرزّاق السمرقندى المتوفى سنة 887 هـ (1482 م)، و "هفت إقليم" لابن أحمد الرازي، وقد كتب عام 1002 هـ (1594 م) وهو كتاب في التراجم ولكنه يشمل معلومات جغرافية لها قيمة كبيرة. المصادر متون وترجمات وشروح: (1) أبو دلف مسْعَر بن المهُلْهل: الرسالة الثانية، طبعة مينورسكىَ. V Minorsky، القاهرة سنة 1955. (2) البيرونى: كتاب القانون المسعودى، طبعة دائرة المعارف، حيدر آباد بالهند، في مجلدين سنة 1955. (3) البيروني: Picture of the world (صفة المعمورة على البيرونى) طبعة أ. زكى وليدى طوغان , Memoir Asi، جـ 53، نيو دلهى سنة 1941 (ويشمل هذا الكتاب نصوصًا في الجغرافيا انتخبت من البيرونى: القانون المسعودى: تحديد نهايات الأماكن لتصحيح مسافات المساكن؛ الجماهر في معرفة الجواهر؛ الصيدنة. (4) حمد الله مستوفى: نزهة القلوب، طبعة محمد دبير سياغى، طهران سنة 1958. (5) الهمدانى: كتاب صفة جزيرة العرب، طبعة محمد بن بلْهيد النجدى، القاهرة سنة 1953.

(6) الهروى علي بن أبي بكر: الإشارات إلى معرفة الزيارات، طبعه وترجمه إلى الفرنسية سوردل تومين وزوجه، دمشق سنة 1953 - 1957. (7) حدود العالم. (8) ابن بطوطة (الترجمة الإنكليزية بقلم هـ أ. ر. كب، جـ 1، كمبردج سنة 1958). (9) ابن فَضْلان: الرسالة، الطبعة الثانية للترجمة والتعليقات التي قام بهما أ. ب. كوفالسكى، سنة 1955 (ترجمة كانار Canard في Annales de l' stitut d'Etudes Orientales de I'Universite d' Alger جـ 16، ص 1958). (10) ابن حوقل. (11) ابن خلدون، طبعة روزنتال Rosenthal. (12) ابن ماجد: Three unknown nau- tical instruments on the Indian Ocean، طبعة ت. أ. شوموفسكى Shumovsky، موسكو سنة 1957. (13) الإدريسي: Polsha i Ktaje sa - siedni w Shuietle Kriegi Rogera" Geoh rapha arabskigo ZXII w Al - Idrisia'ega جـ 1، كراكوف سنة 1945؛ الكراسة 2، وارسو سنة 1954. (14) الإدريسى: India and the neighbouring Territories in the Kitab Nu- zhat al' Mushtak filkhtrak Al- Afak of Al SharifA 1 - Idrisi عليكره سنة 1954 (15) الإصطخري: المسالك والممالك، طبعة م. جابر عبد العال الحينى، القاهرة سنة 1961 (16) Zrodia arabische: T.Lewicki de dziejow stoivienszczyzny؛ جـ 1، روكلوف، كراكاو سنة 1956 (17) محمد بن نجيب بكران: جهان نامه نقلها مع ترجمتها ى. بورجفسكى Y. Borshchevsky، سنة 1960. (17) عبد القادر النعيمى: الدارس في تاريخ المدارس، في مجلدين، دمشق سنة 1948 - 1951 (19) المروزى: Sharaf Al - Zaman Tahir Marwazi on China, the Turks and India المتن والترجمة مع التعليق بقلم مينورسكى، لندن سنة 1942

(20) أخبار الصين والهند، Relation de le Chine et de l'Inde, redigee en 831 النص والترجمة الفرنسية مع تعليقات Jean Sauvaget باريس سنة 1948 (21) ياقوت: The Introductory chap ters of Yaqut's Mujam Al - Buldan ترجمة وتعليق Wadie Jwaideh ليدن سنة 1959 (22) R. Blachere et H. Darmaun: Extraits des Prinicipaux geographer arabes du Moyen - Age الطبعة الثانية، باريس سنة 1957. (2) كتب عامة: (1) نفيس أحمد: Muslim Contribu tion to geography لاهور سنة 1947. (2) Turkestan: Barthold (3) Arab Seafaring: S.F. Hourani برنستون سنة 1928. (4) Geography in the: G.H.T. Kimble Middle Ages لندن سنة 1938. (5) Geography and: J.H. Kramer Commerce in the Legacy of Islam طبعة أرنولد وكوييوم، - Arnold & A. Gail Laume، لندن سنة 1943. (6) Analecta Orientalia, Posthumous: J.H. Kramers Writings and selected Mi- nor Works of، ليدن سنة 1954. (7) Arabskaya: I.Y. Krachkovisky geograficheskaya literatura (المجلد 4 من مجموعة آثاره) موسكو سنة 1957. (8) Al Mas' udi commemoration vol- ume، نشره مقبول أحمد وأ. رحمن، عليكره سنة 1960. (9) س. مظفَّر على: Arab Geography عليكره سنة 1960 (وهو ترجمة للقسم الثاني من كتاب - M. Reinaud (Intro: duction generale a la geographie des Orientaux (3) مقالات (1) Physical geog-: Ziauddin Alavi . raphy Of the Arabs in Xth. Century AD Indian geographical journal في. A.D جـ 2/ 22، مدارس سنة 1947. (2) الكاتب نفسه Arab geography . the 9 th and 10 th.Centuries A.D في Mus-

lim University Journal عليكره سنة 1948. (3) The Vasco Gamma's: Leo Bagrow Pilot في Studi Colombiani، جنوة سنة 1951. (4) In quest of Kalah: S.Q. Fatimi في Journal Southeast Asian History جـ 1/ 2، سبتمبر سنة 1960. (5) A. False Jayhani: V. Minorsky في Bulletin of the School of Oriental and African Studies .، جـ 13، سنة 1949 - 1950، ص 89 - 96. (6) Al: M. Maqbul Ahmad Mascudi's Islamic contribution to medieval Arab geography، في جـ 2/ 27، سنة 1953، Islamic Culture، جـ 1/ 28. (7) الكاتب نفسه: Travels of Abu'l Husayn Al Mascudi في Islamic Culture، جـ 28، 4، سنة 1954. (8) Geography of the: C. Schoy Muslims of the Middle Ages Geographical Review (American , Geographical، Society)، جـ 14، سنة 1924، ص 257 - 269؛ مقالات أخرى بالفارسية، ص 269 - 279. (9) الكاتب نفسه: الملحق سنة 1956 - 1960، ص 82 - 85 خورشيد [مقبول أحمد S. Maqbul Ahmed] (6) الجغرافيون العثمانيون الظاهر أن الجغرافيين العثمانيين لم يبدأوا في كتابة الكتب الجغرافية حتى أواسط القرن التاسع الهجرى (الرابع عشر الميلادي). وكانت الكتب الأول من هذه في خلق العالم على نمط كتب العجائب التي تتناول عجائب الخليقة. ولعل خير ما نعرفه منها هو "درّ مكنون " ليازيجى أوغلى أحمد بيجان المتوفى حوالي سنة 860 هـ (1456 م) وهو أخو الشاعر العثمانى القديم يازيجى أوغلى محمد المتوفى سنة 855 هـ (1451 م). وكان أحمد بيجان هذا هو إلى ذلك أول من ترجم منتخبات من الكتاب العربي "عجائب المخلوقات" للقزوينى (1203 - 1285) وسمَّى الترجمة بهذا العنوان، وفي هذا الكتاب اهتمام بعجائب المخلوقات أكثر من

الاهتمام بالمعرفة العلمية (انظر Catal: Riue of Turkish Mss inthe Rieu British . Museum، ص 106 وما بعدها). وقد ترجم كتاب القزوينى عدة مرات إلى اللغة التركية (يشير بروكلمان، قسم 1، ص 882، إلى ترجمات تركية أربع لهذا الكتاب). وكذلك نجد بهذا العنوان ترجمات أخرى شائعة لكتاب ابن الوردى المتوفى سنة 1457 م: "خريدة العجائب" (ذكرت في Beitraege zur historischen Geographie ... vornehmlich des Orients طبعة Festband: Hans Mzhik Eugen Oberhummer ليبسك وفينا سنة 1929، ص 86 وما بعدها) نشرت من بينها واحدة مع إضافات معاصرة على يد رجل من العصر العثمانى المتقدم يدعى علي بن عبد الرحمن (انظر مقالتي: Der Bericht des arahicchen Geographen lbn - Al - Wardi ueber Konstantinopel في Festband Eugen Oberhummer ص 84 - 91 و Ein Altosmanisher Bericht ueber des uorosma - manische konstantinopel في A 10 N سنة 1940، ص 181 - 189) ونجد أن سباهى زاده محمد بن علي المتوفى سنة 997 هـ (1588 م) قد أصدر نسخة عربية جديدة من كتاب تقويم البلدان لأبي الفداء بعنوان "أوضح المسالك إلى معرفة البلدان والممالك" مع ترتيب مادته بحسب حروف الهجاء وأكمله، (بروكلمان قسم 1، ص 46) ثم ترجم منتخبات منه إلى التركية بالاسم نفسه (بروكلمان، قسم 2، ص 44). ونذكر من الترجمات الأخيرة للكتب الجغرافية القديمة "مناظر العوالم " لمحمد بن عمر (وليس عثمان) بن بايزيد العاشق المولود سنة 964 هـ (1555 م) ولا نعرف تاريخ وفاته؛ وقد أتم كتابه هذا سنة 1006 هـ (1598 م) وهو من جزءين يتناول الأول "العالم العلوى" أي السماء وسكانها والأجرام السماوية، ثم يذيله بملحق فيه جزء من العالم السفلى أي النار وأهلها. وهذا الجزء، يكاد يقتصر على علم الكلام والأساطير، علاوة على علم الهيئة الذي تضمنه ملخصا فحسب، سكلى أن هذا الجزء الأول ليس إلا مقدمة. ومعظم الكتاب شمله الجزء الثاني، الذي يصف "العالم السفلى" أي الأرض وسكانها؛ وهو يشمل أولًا جغرافية الكون، أي

شيئًا قليلا من المعرفة العامة عن الأرض، يتبعه أوصاف قائمة بذاتها رتبت على نهج أهل القرون الوسطى: أشياء طبيعية: المحيطات والجزائر، والمستنقعات والبحيرات والأنهار والعيون، والعيون الحارة، والجبال، ثم يشمل أخيرًا القسم الرئيسى من الجغرافيا الوصفية أي المدن. وقد رتبت المادة الجغرافية كلها في هذا القسم بحسب الأقاليم السبعة التي قال بها بطلميوس (أقاليم حقيقية). وفي إطار هذا الهيكل رتبت الأماكن الواردة إلى الأقاليم العرفية (أقاليم عرفية) الثمانية والعشرين الواردة، وهو مبدأ استقاه عاشق من كتاب أبي الفداء، وانتهى بمقتضاه إلى أن بعض المدن التي تناولها بالكلام قد ظهرت بحسب موقعها في أكثر من إقليم من الأقاليم الحقيقية وبذلك تداخل المبدآن في التطبيق. وتحت كل عنوان بين عاشق بالترتيب ما قاله من نقل عنهم مترجمًا إلى اللغة التركية، وهؤلاء هم كتاب القرون الوسطى من العرب والفرس مثل ابن خرداذبه، وابن الجوزي، وياقوت، والقوزينى، وحمد الله مستوفى، وابن الوردي مع الإشارة المضبوطة إلى كل سند من أسانيده، وقد أكمل هذه الشواهد بأخباره هو وخاصة عن الأناضول والروملى والمجر مع الإشارة الدقيقة أيضًا إلى أن هذه المعلومة الخاصة قد استقيت من "الكاتب، (راقم الحروف) مع ذكر تاريخ زيارته للمدينة المذكورة، ومن ثم أتاح للقارئ سندًا تاريخيًا مسلسلا لرحلاته. وأعقب الجغرافيا علم طبيعى وصفى للكون، أي الجوامد والسوائل والغازات والمعادن، والعطور، والفلزات، والنباتات، والحيوانات، والإنسان، والكتاب في مجموعه موجز يلم إلمامًا عامًا بالجغرافيا التقليدية والعلم الطبيعي. ويدخل في ترجمات الكتب الجغرافية بمعنى أوسع تلك الرسالة في الفلك والرياضيات التي كتبها بالفارسية على قوشجى المتوفى سنة 879 هـ (1474 م) الذي كان من قبل مديرًا لمرصد ألغ بك في سمرقند، ثم اصبح من بعد فلكى بلاط محمد الثاني، وقد

ترجمت هذه الرسالة عدة مرات إلى التركية (انظر Zeitschr. der Deutsch. .Morg. Gesells جـ 77، سنة 1923، ص 40، تعليق 2)، وإلى هذه الفئة ينسب أيضًا كتاب الصين أي "خطاى نامه " الذي كتبه في (الأصل) بالفارسية سيد على أكبر خطائى سنة 1516، ويصف فيه الكاتب رحلته إلى الصين، ما بين سنتى 912 و 914 هـ (1506 - 1508 م) وأهداه إلى السلطان سليم الأول. وفي عهد مراد الثالث ترجم إلى التركية (انظر P.Kahle في Acta Orientalia جـ 12، ص 91 وما بعدها؛ opera Minoru، ص 322 - (323). أما في ميدان الجغرافيا البحرية والملاحة فقد أصدر الأتراك العثمانيون كتبًا مبتكرة، ونذكر منها بصفة خاصة كتاب ييرى محيي الدين رئيس المتوفى سنة 962 هـ (1554 م) وهو ابن أخي البطل البحرى المشهور كمال رئيس الذي كان يعرف كل ركن في البحر المتوسط، فقد أصدر ييرى عام 919 هـ (1513 م) خريطة للعالم من جزءين لم يبق منها إلا الجزء الغربي، وقد أهداها للسلطان سليم في القاهرة سنة 923 هـ (1517 م). وقد رجع ييري في هذا الجزء من خريطته الذي تناول الغرب إلى خرائط تشمل الاستكشافات البرتغالية حتى سنة 1508، كما رجع إلى خريطة، فقدت من يومها، تضم استكشافات كريستوفر كولومبس أثناء رحلته الثالثة سنة 1498 م. وكان قد حصل على هذه الخريطة من ملاح أسيانى سبق أن رحل. مع كولومبس إلى أمريكا ثلاث مرات وأسره فيمن أسر الأتراك في بلنسية سنة 1501 ييرى رئيس عم كمال رئيس (انظر P.Kahle: - Die Verschollene Columbus -Karte Von. Jahre in 1498 in einer Tuer kischen Weltkarte Von 1513، برلين- ليبسك سنة 1933, الكاتب نفسه: Al ost map of Columbus في Opera Minora, ليدن سنة 1956، ص 247 - 265؛ إبراهيم حقى: إسكى خريطة لر، إستانبول سنة 1936؛ Un Am-: Afet iral Geographie turc du XVle Siecle.Piri Reis, auteur de la Plus ancienne carte de l'Amerique، في بلّتن، جـ 1، سنة 1957،

ص 333 - 349؛ Dienord: Sadi Selen في بلّتن Amerika Karte des piri (ص 519 - 523). ثم كتب بيرى رئيس رسالة بحرية عن البحر المتوسط (بعنوان) "بحرية" تشمل 129 فصلًا زود كل فصل بخريطة وصف فيها وصفًا دقيقًا البحر المتوسط بجميع أجزائه. وكانت النماذج التي جرى عليها هي الكتب الإيطالية عن الموانى وغير ذلك من الرسائل الملاحية الأخرى التي اختفى معظمها. وقد أهدى بيرى رئيس رسالته إلى السلطان سليم الأول سنة 927 هـ (1521 م)، فلما توفى هذا السلطان أعد ييرى نسخة أخرى زودها بخرائط اضافية وعدل المتن وقدم لهذه النسخة بتمهيد منظوم من 1200 بيت بالتركية في قصص البحر والملاحين، وأهداها سنة 932 هـ (1525 - 1526 م) إلى السلطان سليمان عن طريق الصدر الأعظم إبراهيم باشا (انظر: P.Kahle Piri Re'is Bahriye في Beitraege Zur historischen Geographie ... Festhan E.Oberhummer. ليبسك- فينا سنة 1929، ص 60 - 76؛ الكاتب نفسه: Bahriye, das tuerkische Segelhand - buch fuer des Mistellaendische Meer Uon Jahre 1521، وهو الجزء الأول من نسخة لم تتم، برلين- ليبسك سنة 1926؛ نسخة طبق الأصل من الرسالة "كتاب بحرية"، إستانبول، سنة 1935) وثمة رسالة من هذا القبيل في الجغرافيا البحرية والملاحة في المحيط الهندى كتبها سنة 961 هـ (1554 م) سيدى على رئيس بن حسين المعروف بكاتب رومى المتوفى سنة 970 هـ (1562 م) عنوانها "المحيط". وقد أفاد على رئيس من خبرة ملاحى جنوبي جزيرة العرب الذين عملوا مرشدين لفاسكودا كاما في رحلته إلى قاليقوط كما ترجم أيضًا أجزاء من كتاب المهرى "العمدة المهرية" إلى التركية في رسالته هذه (انظر M.Bittner & W-Tnmaschek: -Die Topographischen Kapilel des in dischen Seespiegels Mohil فينا سنة 1897؛ أما عن السابقين العرب فانظر (Relations de Voyages: Gabriel (Ferrand .. .et Textes geographique، جـ 2، باريس سنة 1914).

على أن ثمة كتابًا آخر في الجغرافيا البحرية ينتمى إلى حقبة متأخرة عن هذه هو "كتاب بحر الأسود والأبيض" كتبه سيد نوح في عهد السلطان محمد الرابع (Seyyed Nuh and his: F.Babinger turkish sailing handbook في (Imago) Mundi، جـ 12، سنة 1955، ص 180 - 182). وهناك ضرب يقابل هذه الرسائل في الجغرافيا البحرية يتناول اليابسة وهو كتاب مصور يسمى "مجموع منازل" كتبه نصوح المطراقى (لا يعلم تاريخ مولده ولا وفاته) ووصف فيه بإيجاز المنازل كلا على حدة، وهي المنارل التي توقف عندها سليمان القانونى في حملته الأولى على فارس سنة 940 - 942 هـ (1534 - 1535 م). وهذا الكتاب ليس منه إلا مخطوط فريد هو في أرجح الاحتمالات النسخة التي أهداها للسلطان، وهو موجود في مكتبة جامعة إستانبول، (ويعد) مرجعًا هامًا للطرق الحربية التي استخدمها السلاطين في حملاتهم بالمشرق (انظر Etapes: Albert Gabriel d'une campagne dans les deux Iraq d'apres un manuscrit tune de XVIe siecle في Syria، سنة 1928، ص 238 - 341؛ The Itinerary of: Franz Taeschner -the first Persian Gampaign of Sultan Su leyman 1534 - 1536 according to Nasuh Al- Matriki في Image Mundi جـ 13، سنة 1956، ص 53 - 55؛ الكاتب نفسه: - Das Itinerar des ersten Per -sienfeldzuges des Sultan Suelyman Ka nach Matriki Nasuh في Zeitschr. . dest Deutsch. Morgenl. Gesells. سنة 1961). وأوصاف حملات سليم الأول وسليمان الأول، ومراد الرابع نجدها فضلا عن ذلك في مجموعة الوثائق المعروفة باسم "منشآت سلاطين، لفريدون أحمد بك المتوفى سنة 991 (1583 م) أو في تكملتها (لا توجد المنشآت إلا في الطبعة الثانية ذات المجلدين من كتاب منشات السلاطين إستانبول سنة 1274 هـ-1275 هـ = 1857 - 1859 م)؛ وأوصاف الرحلات هناك قد أحصاها Das and: F.Taeschner -olische Wegenetz nach osmanischen Quel Len، جـ 1، ليبسك سنة 1924، ص 20)

وأهم كتاب جغرافي شامل يشمل في آن واحد فترة الانتقال في تركية من النظرة المشرقية في القرون الوسطى إلى النظرة الأوروبية هو كتاب ("جهاننما") أي منظر العالم، للعالم المشهور مصطفى عبد الله المعروف بكاتب جلبى أو حاجى خليفة - (1017 - 1067 هـ = 1609 - 1657 م). وللكتاب تاريخ متشابك، فقد بدأ فيه كاتب جلبى مرتين وظل مرتين غير كامل. ففي سنة 1058 هـ (1648 م) كان قد بدأه على اعتبار أنه كتاب في خلق الكون على غرار هذه الكتب المنتسبة إلى القرون الوسطى مثل كتاب محمد عاشق السالف الذكر. وهو الكتاب الذي أفاد منه واعترف به، واستهل كاتب جلبى كتابه بوصف المحيطات والأنهار والبحيرات، ثم أخذ يتحدث عن البلاد مبتدئًا بالغربية منها أي (الأندلس) الإسلامية وشمالى إفريقية. وأتبع ذلك ببلاد الإمبراطورية العثمانية من حيث هي القسم الرئيسى من الكتاب، فتحدث عن قصبات الدولة الثلاث: بورصة وأدرنة والآستانة، ثم تحدث عن الولايات النصف الأوربى من الإمبراطورية وهي الروملى والبوسنة والمجر (وقد ترجم هامر Von Hammer من مخطوطه من هذا الجزء كتابه المعنون: Rumeli und Bosna فينا سنة 1812؛ انظر Die Vorlarge: F.Taescher " van Hammers "Rumeli and Bosna في - Metteilungen Zur Osmanischen Ges chichte جـ 1، سنة 1923 - 1925، ص 308 - 310) ولما بلغ كاتب جلبى العنوان "هتوان" في وصف المجر وقع على نسخة من "المصور الصغير" لكيرهارد مرقاتور نشرها يودوكوس هونديوس Jodocus Hondius سنة 1621 في أرنهيم. وترك كاتب جلبى كتاب "جهاننما" وراح يعمل بمعاونة فرنسى أسلم هو محمد أفندى إخلاصى، في ترجمة هذا المصور وعنوانها باسم "لوامع النور في ظلمات أطلس مينور". ولما أوشك أن يبلغ ثلثى الترجمة بدأ يكتب مرة أخرى في جهاننما متبعًا خطة جديدة تقوم على النموذج الغربي. على أنه بدأ هذه المرة بآسيا الشرقية وأفاد في ذلك بالمراجع الأوربية

وبالمراجع الشرقية أيضًا مثل كتاب "خطاى نامه" لعلى أكبر وكانت مراجعه الأوربية تغلب كلما تحرك غربًا. ولما تقدم في وصفه من الشرق إلى الغرب حتى بلغ أرمينية (ولاية وان) عاجله الموت بحادثة شلت يده سنة 1067 هـ (1657 م)، وهكذا ظلت النسخة الثانية من كتابه ناقصة أيضًا لم تكتمل. على أن ثمة كتابًا أوربيًا آخر كان هو الحافز إلى المضى في إكمال جهاننما وإتمامه آخر الأمر، ففي 14 أغسطس سنة 1668 قدم المبعوث الهولندى كولير Colier إلى السلطان محمد الرابع في أدرنة نسخة من قبل حكومته للطبعة اللاتينية من أطلس بلاو في ثمانية مجلدات (Atlas Maior sive,: Bleau Cosmogtophia Blaviana، سنة 1662). وبعد ذلك بسنوات قلائل، أي في سنة 1086 هـ (1675 م) كان السلطان قد عمل على أن يترجم هذا الأطلس إلى التركية بمعرفة أبي بكر بن بهرام الدمشقي المتوفى سنة 1102 هـ. 1691 م). ونشر أبو بكر هذه الترجمة بعنوان "نصرة الإسلام والسرور في تقرير أطلس مايور" صدر بالاعتماد على هذه الترجمة وعلى غيرها من المراجع الشرقية كتاب "جغرافيا كبير" (جغرافيايى كبير، انظر The: P, Kahle - Geagraphy of Abu Bekr Ibn Bahram al Dimashki مخطوط 575، من مجموعة تشستربيتى Chaster Beatty). ولما أنشأ المجرى الذي أسلم إبراهيم متفرقه سنة 1140 هـ (1728 م) أول مطبعة في استانبول كان كتاب "جهاننما" هو الكتاب الحادي عشر (سنة 1145 هـ = 1732 م) من الكتب الجديدة التي أصدرها في الطباعة التركية، وقد استخدم متفرقة أساسًا لهذه الطبعة النسخة الثانية من كتاب جهاننما، أي وصف آسيا كما بداه كاتب جلبى مضافًا إليه "اللاحقة" المناسبة مأخوذة من كتاب أبي بكر، ومن ثم شملت النسخة المطبوعة الوصف الكامل لآسيا، وقد عمد الطابع إلى أن يكمل المعلومات في الفصول التمهيدية الخاصة بالمعلومات الفلكية والرياضية والجغرافية حتى زمانه بسلسلة من تذييلات من حيث هو الطابع (انظر F.

Zur Gasckichte des Dja-: Taeschner hannuma في Mitteilungen des Seminars fuer Orientalischs Sprachen Westasia- tische studiem، جـ 2، ص 29 [سنة 1926]، 99 - 111, الكاتب نفسه: Das Hauptwerk der geographuchen Literatur der Chelebis Gihannuema في Imogo Mundi، سنة 1935، ص 44 - 47 Katib Chelebi Hayati ve eserleri hak-, kinde incelemeler أنقرة سنة 1957: عن جهاننما، مقال حامد سعدى سلن، ص 121 - 136. وفي سنة 1153 هـ (1740 م) اضطلع رجل يدعى شهرى زاده أحمد ابن مذهّب سعيد المتوفى سنة 1178 هـ (1764 - 1765 م) بتكملة أخرى لجهاننما كاتب جلبى عنوانها "روضة الأنفس". ولكن هذه التكملة لم تطبع قط لسببين: الأول أن إبراهيم متفرقه أدركته المنية، والثاني تدفق الكتب الجغرافية تدفقًا جعل الإنتاج التركى في ميدان الجغرافيا يتضاءل ابتكاره ومن ثم أهميته. أما فيما يتعلق بأوصاف الرحلات فإن وصف على أكبر من الصين وإقامته هناك قد أسلفنا ذكره ومما يجدر التنويه به أيضًا الوصف الموجز الذي دبجته يراعة سيدى على رئيس لرحلته إلى الهند وعودته البائسة إلى بلاط السلطان في أدرنة من الحملة البحرية العثمانية الفاشلة على البرتغاليين في المحيط الهندى، ونجد ذلك ماثلا في الكتيب المعروف باسم "مرآة الممالك" الذي تم سنة 964 هـ (1557) وطبع في استانبول سنة 1313 هـ، وثمة ترجمة إنكليزية له بقلم فامبرى (Travels and ad- A. Vambery ventures of e Turkish Admiral Sidi Ali Re'is during the years 1553 - 1556 لندن سنة 1899). على أن الكتاب الأكبر في ميدان وصف الرحلات هو الكتاب الكبير ذو المجلدات العشرة "سياحتنامه"، أي "تاريخ سيّاح" لأوليا بن درويش محمد ظليّ المعروف بأوليا جلبى، وهو كتاب فريد بين كتب الشعوب الإسلامية جميعًا، فقد ظل أوليا أربعين سنة

(1631 - 1670) يجوب كل ركن من أركان الإمبراطورية العثمانية وما جاورها مؤّذنًا في حاشية السراة والولاة والسفراء وفي فرق الجيش، ولذلك فإن كتابه ضرب من المذكرات وهو يشمل- إلى جانب المعرفة بالبلاد التي زارها- بصرًا من عدة وجوه بالسياسات العليا لذلك العصر، فهو يذكر في كتابه تجاربه الشخصية، ثم هو يمزج نتائج قراءته بالثمرات المزدوجة لخياله الحى، وقد أصبح كتاب أوليا جلبى- بفضل اتصلاته بالشخصيات السياسية ومشاركته إياهم أقدارهم- سجلا هامًا لتاريخ أيامه. وكان ثمة حافز إلى وصف الرحلات هو الحج كل سنة إلى مكة. ونحن نجد بلا شك، وخاصة منذ القرن الثامن عشر، سلسلة من المتون تصف الرحلة إلى إسكودار وهي المنطلق على الساحل الأسيوى للبوسفور الذي يخرج منه الحجاج إلى مكة، كما تصف المناسك التي تقام في مكة، ومعظم الحجاج يحصرون أوصافهم في هذه المناسك ويلمسون لمسًا عابرًا الرحلة نفسها، على أن بعضهم قد وصف الرحلة، ولذلك السبب نجد أهمية لما كتبوا من الناحية الجغرافية، وأكثر هذه الأوصاف تفصيلا هي "مناسك الحج" لمحمد أديب (سنة 1193 هـ -1779 م، طبعة إستانبول سنة 1232 هـ = 1816 - 1817، . الترجمة الفرنسية بقلم M.Bi- Itineraire de Constantinople a la: anchi -Meque, Recueil des Vayages et des Me -moires publies par la Societe de Giogrp phie، جـ 2 باريس سنة 1825 حيث أرّخ الكتاب خطأ بسنة 1093 هـ = 1682 م بدلا من 1193 هـ = 1779 م). وينتمى أيضًا إلى كتب الرحلات- بوجه من الوجوه- تقارير سفراء الباب العالى لدى البلاطات الأوربية (سفر نامه)، وهي تنتمى في الوقت نفسه إلى فئة التأليف في التاريخ، ومن ثم تدخل بصفة عامة في كتب مؤرخى الإمبراطورية (أحصاها كاتب هذه المادة في مجلة Zeutsehr, d. Deutsch Margenl Gesells، جـ 77، سنة 1923 ص 75 - 78، وأحصاها إحصاءً أكمل فائق رشيد

أونات في رسم لي تاريخ مجموعه سى، 8 أغسطس سنة 1950). وبقيت أيضًا كلمة موجزة نذكرها عن رسم الخرائط، وقد سبق لنا وصف خريطة العالم المؤرخة سنة 1513 م لييرى رئيس، وكانت في الأصل من جزئين، وقد ضمّن ييرى رئيس كل فصل من رسالته في الملاحة بالبحر المتوسط "بحرية"- جاريا مجرى كتب الموانى الايطالية بل معتمدا عليها فيما يرجح خريطة تمثل ذلك الأقليم من البحر المتوسط الذي يتناوله في الفصل الخاص به، وقد كان في حوزة محرر المجلة الدورية Imago Mundi وهو ليو باكَروف Leo Bagrov مثل هذه الخريطة للبحر المتوسط كله بخطوط الزوال المتوازية وهي تقوم على تصور مخطئ لرسم دوائر البروج. ومخطوطات النسخة الأولى من كتاب "جهاننما" لكاتب جلبى على هوامشها رسوم تخطيطية دقيقة للواء" أو السنجق الذي يدور الحديث عليه. وقد زودت طبعة جهاننما سنة 1145 هـ (1732 م) بخرائط تشغل الخريطة منها صفحة بأكملها، ومن الواضح أنها تسير على غرار رسم الخرائط الأوربية المعاصرة لها، مع قلب الاتجاه (الشمال في أسفل) وقد خرجت من ورشة الطابع إبراهيم متفرقة أيضًا خريطة مخطوطة للشرقين الأدنى والأوسط، وهي محفوظة الآن في المخطوطات النمسوية العسكرية وتاريخها إما سنة 1139 هـ (1726 - -1727؛ وإما سنة 1141 هـ (1728 - 1729؛ انظر Das anat-: F.Taeschner olische Wegenetz nach Osmanischen Quellen، جـ 2، ليبسك سنة 1926، ص 62 وما بعدها). ويجدر بنا أن نشير في الختام بإيجاز إلى خريطة للعالم منسوبة إلى حاجى أحمد التونسى، وتاريخها سنة 967 هـ (1559 م) وهي محفوظة في مارسيانا بالبندقية، وقد وهُمِ مرة أنها إسلامية الأصل، وظهر الآن أنها صناعة أوروبية أعدت للسوق الإسلامية (انظر The Map of Hajji Ahmed: V.L Menage and its Makers في - Seminars fuer Orien -talische Sprachen Mitteilungen des West asiatiche Studien، جـ 21، سنة 1958،

تعليق علي مادة جغرافيا

ص 271 - 314؛ وانظر أيضًا George The Suppressed Trukish map of: Rish 1560, Ann. Arbor [مكتبة وليام كليمنتس WilliamL.Clements، سنة 1957، وتشمل نقلا طبق الأصل]). المصادر: (1) وردت في صلب المادة (2) Die geographische Lite: F.Taeschner atur der Osmanen في Zeitschr der . Deutsch. Morg. Gesells جـ 77، سنة 1923، ص 31 - 80. (3) Die Geschichtschreiber: F.Babinger der Osmanen and ihre Werke ليبسك سنة 1927، وقد نوقش في هذا البحث أيضًا الكتاب الجغرافيون. (4) عبد الحق عدنان أديوار: عثمانلى توركلر ينده علم، إستانبول سنة 1943. (5) الكاتب نفسه: La science chez les Turcs Ottomane، باريس سنة 1939. خورشيد [تيشنر Fr. Taeschner] تعليق علي مادة جغرافيا انظر أيضًا كتاب "السماوات السبع" للدكتور جمال الفندى- نشر الهيئة المصرية العامة للكتاب 1973. 1 - التعميم بهذه الطريقة ثم إقحام القرآن والحديث من غير دراسة علمية للموضوع ومن غير تفرقة بين ما هو صحيح وما هو موضوع من الأحاديث إنما ينافى الحقيقة والواقع، ويحتاج إلى تصويب، وإن بدا الأمر سليما لدى البعض في الظاهر. فبدلا من قول الكاتب: (والمصادر الرئيسية الثلاثة التي حفظت هذه الأفكار هي القرآن والأحاديث النبوية والشعر العربي القديم) فإن الصواب أن يقال: (والمصادر الرئيسية الثلاثة التي حفظت هذه الأفكار هي تفسيرات القرآن القديمة وكثير من الإسرائيليات والأحاديث الموضوعة والشعر العربي القديم). والتفسير كله -قديمه وحديثه- اجتهاد من المفسر يسوقه في ظل السائد من المفاهيم والأفكار في عصره. وما من شك أن مصدر أفكار العصور الوسطى الجغرافية والمتعلقة

بخلق الكون كان من البابلية القديمة واليونانية والمأثورات اليهودية والمسيحية. وقد حرصت الإسرائيليات منذ أول وهلة على تثبيت بعض التفسيرات والأفكار القديمة بالأحاديث الموضوعة في ظل تلك ألآراء البدائية وفي ظل المأثورات اليهودية. 2 - 3: لا يمكن الجزم بعبارة (ويحفظ القرآن أثارًا لبعض الأفكار الجغرافية والأفكار المتعلقة بخلق الكون البابلية القديمة واليونانية و .. ). والأصح والثابت أن يقال: (ومن روائع القرآن في مخاطبته العقل وتوجيهه الحديث إلى أهل المعرفة أن إعجازه لا يقف عند عصر معين ولا يحد بثقافه بالذات، فقد تمشت مفاهيمه (معانيه) مع إدراك الأقدمين تمامًا، كما تتمشى الآن مع فهمنا وإدراكنا للمسائل الجغرافية والكونية في ضوء دلك الآفاق الواسعة التي فتحها أمامنا عصر العلم. ومن أبسط الأمثلة على ذلك الآية (22) من سورة الحجر، وإن كانت من غير الآيات التي ورد ذكرها في هذا المقال والتي سنعلق عليها بطبيعة الحال في ضوء مفاهيمنا الحديثة. ونحن نورد هذه الآية لسهولة فهمها وانطباقها المباشرعلى المعنى الذي نرمى إليه. وهذه الآية الشريفة فهي: (وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السماء ماء فاسقيناكموه وما أنتم له بخازنين). كان الأقدمون يعرفون أن الرياح تلقح بعض النباتات لتثمر. وهذه حقيقة في ضوئها فسروا معنى (لواقح). وقبل الناس آنئذ ذلك التفسير على قدر علمهم، رغم أن هذا المعنى لا يربط بين أجزاء الآية المختلفة مثل قوله (فأنزلنا من السماء ماء) أي ينجم عن ذلك التلقيح إنزال الماء العذب باعتبار الفاء هنا فاء السببيةء حيث أن تلقيح الرياح للنباتات لايسبب نزول الماء العذب. ولكن في هذا العصر اتضح علميًّا وثبت أن الرياح تثير السحاب أي تكونه. والرياح هي الهواء المتحرك، سواء تحرك إلى

أعلى أو انطلق أفقيًا فعندما يصعد الهواء يبرد بخاصية الانتشار والوصول إلى طبقات ضغطها أقل من ضغط الطبقات السطحية. وإذا ما برد الهواء قلَّت قدرته على حمل بخار الماء، فيتكاثف هذا البخار أو تتجمع جزيئاته على هيئة نقط من الماء أو بلورات من الثلج تبعًا لدرجة الجرارة السائدة ويكون السحب. ويعبر القرآن عن هذه الحقيقة بقوله: (الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابًا ... )، وقوله أيضًا (والله الذي أرسل الرياح فتثير سحابا ... ) ثم يفرق القرآن بين السحاب الذي يمطر والسحاب الذي لا يمطر، ويقرر حقيقة علمية أخرى فحواها أن السحاب الممطر لا بد له من مدد من بخار الماء الذي يتحول داخل السحابة إلى نقط من الماء أو بلورات من الثلج نامية نسبيًا بحيث لا يقوى الهواء الصاعد (الرياح) على حملها فتسقط على هيئة مطر أو ثلج أو برَد تبعًا لظروف الجو السائدة في طبقاته التي يثار فيها السحاب. والمعروف علميًّا أن تجمع جزيئات بخار الماء العالق في الهواء ليكون النقط أو الثلج إنما يتم على جسيمات صغيرة (تعرف علميًّا باسم نوى التكاثف) يحملها الهواء بوفرة ولها صفة قابلية امتصاص الماء أو الذوبان فيه، مثل مساحيق ملح الطعام التي تتطاير بوفرة من أسطح البحار والمحيطات ومثل الأحماض والأكاسيد التي تنجم عن الاحتراق، خصوصًا أتربة الشهب التي تترسب من أعالى الجو بعد احتراقها فيه. ولقد عرفنا في عصر العلم أن الرياح إنما تلقح السحب بعد إثارتها وتدأب على إمدادها ببخار الماء ونوى التكاثف اللازمين للأمطار. هذا المعنى الجديد يتمشى تماما مع الآية الكريمة ويربط بين أجزائها مثل قوله: (فأنزلنا من السماء ماء فاسقيناكموه)، كما يفسر لنا باقي الآية (وما أنتم له بخازنين). و (ما) هنا نافية بمعنى أن هذا المطر النازل من السحاب أو السماء (والسماء اسم لكل ما علانا وارتفع فوق

رؤوسنا) ليس مخزونًا في مكان معين كما كان يظن الإغريق مثلًا. ولكن تمشيًا مع الآراء الإغريقية القديمة قال بعض المفسرين القدماء خطأ أن (ما) بمعنى الذي. وتشير الآية الكريمة هنا إلى حقيقة علمية ثابتة فحواها أن ماء المطر ليس مخزونًا في مكان معين ولكنه دورة بين السماء والأرض كما نعلم، حيث تبخر أشعة الشمس بعض ماء البحار والمحيطات وتحوله إلى بخار تحمله الرياح إلى مناطق إثارة السحب ونزول المطر. 4 - الآية (31) من سورة الأنبياء: تجئ هذه الآية في مقدمة آيات أخرى كونية تشير إلى الجبال (الرواسى)، وغلاف الأرض الجوى (السقف المحفوظ) والليل والنهار، والشمس والقمر، وكلها من آيات الخالق في الكون. وتشير الآية إلى اتصال السموات والأرض في الأصل ثم انفصالهما بعد ذلك، كما تقرر لزوم وجود الماء لنشوء وتطور الحياة. وهكذا أجملت قصة نشوء عالمى الجماد والحياة. والسموات -جمع سماء- وهي كل ما علانا وارتفع فوق رؤوسنا كما قدمنا، تبدأ بغلاف الأرض الجوى (السماء الدنيا) وتمتد إلى حدود الكون. واستخدم القرآن لفظ (السموات) للدلالة على سائر أنواع الأجرام المنبثة في الكون، وتوجد تلك الأنواع وتتوفر داخل مجموعتنا الشمسية التي هي بمثابة كوننا الصغير. أما أنواع السموات (الأجرام) فسبعة هي: الغلاف الجوى- الشهب- النيازك - الأقمار- الكو اكب السيارة- المذنبات- الشمس. ولا يتحدث القرآن عن السماء الأولى، أو الثانية، أو الثالثة ... كما هو معروف في بعض الأحاديث، ولكنه يذكر فقط السماء الدنيا (أو غلاف الأرض الجوى الذي نعيش في كنفه ويمدنا بكثير من مقومات الحياة). ومرة أخرى يتحدث القرآن فقط عن سبع سموات، أي سبعة أنواع من الأجرام تتوفر داخل المجموعة الشمسية

مثلًا. وتتعدد المجموعات الشمسية داخل المجرة الواحدة مثل مجرتنا المعروفة باسم (الطريق اللبنى) إلى ما شاء الله، وهذا هو عين المقصود من لفظ (طباقًا) في الآية (3) من سورة الملك: (الذي خلق سبع سموات طباقا ... )، أي أن السبعة أنواع إنما تتكرر داخل مجموعات إلى ما شاء الله. وبصرف النظر عن تفاصيل الطريقة التي تكونت بها المجموعة الشمسية، هناك إجماع واتفاق بين سائر النظريات التي تفسر نشاة المجموعة الشمسية على أن سائر أجرامها (السموات والأرض) كانت في الأصل سديمًا متصلا أو سحابة من الغاز والأتربة الكونية ثم انفصلت أجزاء تلك السحابة إلى أجرام واحتلت الشمس المركز حيث تم تجميع أكبر قدر من الكتلة. هذا هو المراد بالرتق (الاتصال) والفتق (الانفصال)، وهو عين مفهومنا الحديث لقوله: ( .. أن السموات والأرض كانتا رتقًا ففتقناهما .. ). والمفهوم أيضًا أن الحياة إنما نشأت أول الأمر في الماء، أو في الطين المشرب بالماء، على الرغم من أن ذرة الكربون هي العنصر الأساسي في بناء الخلية الحية. وفي القرآن العديد من الآيات التي تشير إلى تلك الحقيقة. ويكفى أننا اليوم في عصر الفضاء نبحث عن الماء على أي كوكب لنقرر صلاحيته أو عدم صلاحيته لحمل الحياة. 5 - الآية (12) من سورة الطلاق: لما كانت أنواع أجرام السماء في الكون، أو في المجموعة الشمسية التي تمثل كوننا الأصغر، سبعة أنواع كما ذكرنا في (4)، فالواضح أنه إذا ما حط الإنسان قدمه على أي جرم منها مثل القمر، صار ذلك الجرم بمثابة الأرض بالنسبة إليه، بمعنى أن وجود سبعة أنواع من السموات يقتضي بالتبعية وجود نفس العدد من الأراضي. وهذا هو مفهومنا السليم في عصر الفضاء لقوله ( ... ومن الأرض مثلهن .. ).

6 - الآية (2) من سورة الرعد: الغلاف الهوائى هو سقف الأرض الذي يفصلها عن الفضاء الكونى ويحمى أهلها من أهواله ممثلة في الأشعة الكونية، ودرجات الحرارة المنخفضة إلى ما يقارب الصفر المطلق (273 درجة سنتجراد تحت نقطة الجليد)، وأسراب الشهب والنيازك التي تسبح في الفضاء الكونى. ويمتد هذا الغلاف أو السقف المحفوظ) فوق سطح الأرض إلى علو نحو ألف كليومتر. ومن أهم صفات الهواء (كأى غاز آخر) أنه ينتشر ليملأ الفضاء المعرض له. وعلى ذلك فالغلاف الجوى مدفوع بطبيعته للهروب والانطلاق إلى أعلى لكى ينتشر في الفضاء الكونى، ولكن هناك قوة أخرى مضادة تعمل على إمساكه ومنعه من الإفلات؛ تلك القوة هي قبضة جاذبية الأرض التي تحول دون تسرب الهواء إلى خضم الفضاء. وتتعادل قوة جذب الأرض مع قوة اندفاع الهواء إلى أعلى للهروب، وبذلك يظل غلاف الأرض الجوى محفوظًا كسماء مرفوعة فوق سطح الأرض على غير أعمدة نراها. ويبين لنا هذا التعليق العلمي السليم جانبا من للك الآفاق الواسعة التي فتحها أمامنا عصر العلم وصار من اللازم الأخذ بها بدلا من تلك الأفكار القديمة البالية، كما أنه يظهر جانبًا من المجاز القرآنى العلمي الذي تكشف في هذا العصر. 7 - الآية (33) من سورة الأنبياء: تتحدث هذه الآية عن غلاف الأرض الجوى كذلك، وتصفه بأنه سقف محفوظ. والسر في ذلك أن الأرض تحول دون تسربه أو إفلاته إلى الفضاء بقبضة جاذبيتها كما ذكرنا في (6). ولو أن مهندسًا من أمهر الناس صمم للأرض سقفًا- من مادة صلبة أو سائلة أو غازية- لما استطاع أن يسبغ عليه من (الآيات) أو الفوائد التي ينعم

بها سكان الأرض عشر معشار تلك الفوائد (والآيات) التي يوفرها غلاف الأرض الجوى لهم. وهذا المعنى بالذات من أهم ما تشير إليه الآية عندما تقول: ( ... وهم عن آياتها معرضون)، أي آيات تلك السماء التي جعلها الله سقفًا محفوظًا. ونحن نستطيع أن نجمل بعض تلك الآيات فيما يلي: أ- في هذا السقف يوجد الأوكسيجين اللازم لبقاء مملكة الحيوان يانعة مزدهرة على الأرض. ب - تستخدم الحيوانات- والإنسان - الأوكسجين الجوى لتنقية الدم وإكسابها القدرة على العمل، ويخرج مع هواء الزفير على هيئة غاز ثانى أوكسيد الكربون، وحتى الحيوانات المائية تستخدم الأوكسيجين الجوى المذاب في الماء. وتأخذ مملكة النبات ثانى أوكسيد الكربون لكى تستخلص منه الكربون (الفحم) في ضوء الشمس وترسل إلى الجو الأوكسيجين خالصًا نقيًا من جديد. أما الكربون الذي تستخلصه النباتات فإنها تستخدمه في بناء أجسامها وعمل الخشب والسكر والنشا .. وهكذا تعترى الأوكسيجين الجوى سلسلة من التحورات الدورية. جـ- في هذا السقف تثمار السحب، ومنه ينزل المطر الذي هو مصدر المياه العذبة على الأرض كلها. د- تعمل نسبة الأزوت العالية في الجو على إمكان إطفاء أي حريق يشب، إذ أن الهواء الجوى (أو سقف الأرض) عبارة عن خليط من غازين أساسيين، أحدهما لا يشتعل ولا يساعد على الاشتعال وهو الأزوت ويشغل نحو أربعة أخماس الهواء من حيث الحجم، وأما الخمس الباقي فقوامه غاز الأوكسيجين اللازم للحياة. هـ- فيه تسرى الأصوات، ولولاه ما سمع أحدنا الآخر عندما يتكلم أو يصيح، ولما كانت لحاسة السمع آية ضرورة.

و- فيه يتكون ضوء النهار بسبب تناثر أو تشتت أشعة الشمس خلال الطبقة الممتدة من سطح الأرض إلى علو نحو 200 كيلومتر فقط. وتواجه للك الطبقة المنيرة دائمًا الشمس، وهي تنسلخ من باقي جسم الغلاف الجوى المظلم، تمامًا كما نسلخ جلد الشاة من الشاة مثلًا. ولعلنا نجد هذا المعنى الرائع في الآية (37) من سورة يس: (وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون). أما القبة الزرقاء فقد ثبت أنها ظاهرة ضوئية تحدث في غلاف الأرض الجوى القريب من السطح بسبب وفرة تناثر وتشتت اللون الأزرق الذي ترسله الشمس ضمن حزمة الضوء الشمسية، خصوصًا وأن هذا اللون من أغزر الطاقات التي تشعها الشمس، حيث أن المعروف علميًّا هو أن أغزر طاقة يشعها أي جسم مادى درجة حرارته المطلقة 7 يكون طول موجتهال خاضعًا للقانون. ل = 2940 / ر ويعرف باسم قانون فين. وحيث أن درجة حرارة سطح الشمس هي 60000 درجة مطلقة، نجد أن أغزر الطاقات لها طول موجة تساوى = 2940/ 6000 = 0.48 ميكرون وهو اللون الأزرق. 8 - الآية (65) من سورة الحج: الذي يقع على الأرض من السموات هي النيازك، إلا أنها نادرة جدًّا. وفي سنة 1908 سقط نيزك جبَّار على سيبيريا فأحدث فوهة عمقها زاد على 200 متر، كما دمر مساحة من الأرض حول الفوهة بلغت نحو 500 كيلو متر مربع، ولا يزال العلماء يدرسون آثار نيزك سيبيريا العظيم هذا. وتشير الآية، ضمن ما تشير إليه، إلى أن السماء لا تقع على الأرض إلا نادرًا جدًّا رحمة من الله.

والنيازك عبارة عن حجارة سماوية ومعادن، ويعمل الغلاف الجوى بصفة مستمرة على تفتيتها في طبقاته العليا حتى لا تصيب أهل الأرض بضرر. وقد حدث عام 1946 أن تفتت نيزك جبَّار في أعالى جو الأرض بعد أن دخل في قبضة جاذبيتها وراح يهوى إليها. وقد ترسبت الأتربة الناجمة عن التفتت وحجبت ضوء الشمس في وضح النهار في القاهرة، وعندها أظلمت الدنيا وظن الناس أن القيامة قد قامت! وتكون النيازك في مسالكها سماء من السموات السبع وهي تتساقط إلى الأرض، إلا عندما تقترب هذه منها وتوقع بعضها في قبضة جاذبيتها. وتبلغ النيازك أحجامًا عظيمة، وقد تكون في مثل حجم الجيل. وهناك الأتربة الكونية المعروفة باسم الشهب وهذه تجرى في مسالكها أيضًا حول الشمس، ونحن لا نرى منها سوى ما يدخل جو الأرض ويحترق فيه بسبب الاحتكاك الناجم عن السرعة الكبيرة، إذ تبلغ سرعة تحرك الشهب والنيازك بالنسبة إلى الأرض حدود 20 - 40 كيلو مترًا في الثانية الواحدة. وتحترق كل الشهب في أعالى جو الأرض (السماء الدنيا) بحيث تتحول إلى أكاسيد قبل أن تصل إلى علو نحو 70 كيلو مترًا من السطح. وهذه الأكاسيد من أحسن أنواع نوى التكاثف التي يتم عليها تجمع جزئيات بخار الماء لتكون نقطًا من الماء أو بلورات من الثلج داخل السحب، ولهذا تتميز السنون التي تمر فيها الأرض بتيارات وفيرة من الشهب وتعرف بوفرة أمطارها والله أعلم. 9 - معظم هذه الأحاديث اختلطت بها الإسرائيليات. ولم يكن الغرض من الحديث الشريف يتصل بالكون وخلقه لأن الرسول الكريم [- صلى الله عليه وسلم -] كان مشرعًا وليس عالمًا كونيًا. وما دام الحديث يخالف نص القرآن الكريم فلا يؤخذ به. د. جمال الفندى

جفر

جفر نما عند الشيعة، منذ عهد متقدم جدًّا، اعتقاد بأن أحفاد على قد توارثوا سننًا باطنة، هي طائفة من العلوم الدينية والسياسية الخفية تحيط بجميع الأشياء حتى يوم الميعاد، وتطور تبجيل المسلمين جميعًا لأهل البيت، فغدا عند الشيعة اعتقادًا بأن الأئمة لا يرتكبون كبيرة ولا صغيرة. ومن ثم نسب إلى على كتاب يتضمن المعاني الباطنة للقرآن (ابن سعد، جـ 2، ص 101، 191) وهو يعارض معارضة ملحوظة تفسير ابن عباس السنى وذكر بشر بن المعتمر المعتزلى في القرن الثالث الهجرى كتابًا وهم الخوارج أنه كتاب الجفر (الجاحظ: كتاب الحيوان، جـ 6، ص 94). ويشير ابن قتيبة المتوفى عام 276 هـ إلى هذا الكتاب. ونقل الدميرى في كتاب الحيوان (مادة جفر، جـ 1، ص 171 طبعة سنة 1313) عن كتاب أدب الكاتب لابن قتيبة أن الجفر هو- على ما يقال - كتاب كتبه لآل البيت جعفر بن محمد الصادق (الإمام السادس المتوفى عام 168) على جلد جفر (والجفرة ما بلغت أربعة أشهر من أولاد المعز وفصلت عن أمها) وفيه كل ما يحتاجون إلى علمه وكل ما يكون إلى يوم القيامة. ولم ترد هذه الفقرة على ما يظهر في نص كرونرت - Grue nert، ولعل الدميرى التبس عليه اسم كتاب ابن قتيبة لأن ابن خلكان يذكر أن في كتاب مختلف الحديث لابن قتيبة فقرة بهذا المعنى زاد عليها بعض أسطر لهارون بن سعد (أو سعيد) العجلي رأس الزيدية يسخر فيها من هذا الادعاء (ابن خلكان، النص طبعة ده سلان؛ ص 432 وترجمة ده سلان جـ 2، ص 184؛ النص، طبعة فستنفلد رقم 419؛ Goldziher في Zeitschr. d. D. Mot- genl Ges., جـ 41، ص 123؛ Fried- laender في Journ. Am. Or. Soc جـ 29، 106) والحق أن أسلوب ابن قتيبة في اشتقاق الأسماء مشكوك فيه إلى حد كبير، فليس دليل على استعمال كلمة جفر بمعنى الرق أو الجلد. ويفترض فإن فلوتن Van Vloten وجود صلة بين هذه الكلمة والكلمة اليونانية " كرافى" (انظر Chiitisem ص 56، تعليق 6) أما كولدتسيهر C.oldziher فيصلها بكلمة

جعفر، والأغرب من هذا ابن النديم صاحب الفهرست أشار في مواضع كثيرة من كتابه إلى جعفر الصادق (ص 178، 198، 224، 317، 355) ووصل بينه وبين جابر بن حيان الكيميائى في غير ما تردد (ص 355) كما أنه تساءل تساؤل المتشكك في صحة نسبة كتاب طبى في الإهليلج إلى جابر (ص 317) ومع ذلك فلم يذكر قط كلمة "الجفر". ويردّ إلى صاحب الفهرست أيضًا القول بأن لعلي بن يقطين (ص 224) مؤلفا اسمه كتاب الملاحم، ومن الواضح أن مثل هذه الكتب كانت شائعة في بيئته وثمة مؤلف آخر اسمه كتاب الملاحم (ص 223) ومؤلف اسمه كتاب الكشف (ص 222)، على أنه لا شك في أن الجفر يدخل في كتب الملاحم، ومع ذلك فإن الشيعة جميعًا يؤكدون وجود هذا الكتاب الخفى المنزه عن الخطأ. وإذا تحدث كاتب شيعى عن كيفية اختيار المأمون العلوى علي بن موسى الرضى (وهو الإمام الثامن من الأئمة الأثنى عشرة) خليفة له فإنه يزيد على ذلك دائمًا أن عليًّا لما قبل ذلك كتب إلى المأمون قائلا: وإن كان الجفر والجامعة يدلان على ضد ذلك (انظر على سبيل المثال الفخرى؛ ص 198، طبعة القاهرة سنة 1317 هـ) والجامعة كتاب آخر مماثل للجفر يتردد ذكره في هذه المناسبة، ويمكن الرجوع في شأن هذا الكتاب إلى كولدتسيهر (Goldziher: Beitr Z. Liter. d Shi'a ص 55 والتعليق) كما أن ثمة مذهبًا طريفًا في أصل هذا الكتاب يربطه برسائل إخوان الصفا؛ ويرجع في شأن هذا المذهب إلى كازانوفا (Casanova في المجلة الأسيوية، المجموعة التاسعة، جـ 11، ص 151 وما بعدها). على أن هناك كتابًا آخر مماثلا له هو "مصحف فاطمة" (انظر Goldziher، المصدر السابق). ويربط الجفر دائمًا بحادث تاريخي آخر هو ظهور ابن تومرت في المغرب، فقد كان المأثور عند الموحدين أن مهديهم كان تلميذًا مقربًا للغزالى، والغزالى هو الأمين على كتاب الجفر لذلك العهد. أما أن الغزالى قد عرف من كتاب الجفر بمستقبل ابن تومرت العظيم وبانتقال هذا الكتاب من بعده

إلى ابن تومرت فأمر يرجع فيه إلى مقالى عن حياة الغزالى (Macdonald: Journ. Am. Or. Soc., جـ 20، ص 113 كما يرجع بصفة خاصة إلى كتاب "القرطاس " ص 116 وما بعدها، ونضيف إلى ذلك كتاب "سر العالمين " المشكوك في نسبته، ص 2، طبعة بومباى سنة 1314 هـ)، أما رأى أصحاب التقدير السليم الذين لا يسلمون بأمر إلا بعد روية وتدبر فيلتمس عند البيرونى وابن خلدون، فالبيرونى المتوفى عام 440 يتحدث في كتابه الآثار الباقية (Chronology ترجمة سخاو، ص 76، 182) باحترام بالغ عن الصادق ولكنه يضيق بالأقوال التي تؤكد أن له تقويما في حين أنه منحول له، وهو لا يذكر شيئًا عن الجفر. ويتكلم ابن خلدون عن الجفر في حديثه عن كتب الملاحم (نص كاترمير - Qua termere جـ 2، ص 184، 191، طبعة بولاق عام 1274، ص 162، 164، ترجمة ده سلان، جـ 2، ص 214، 224) وهو يعتقد أن الله قد خص آل البيت كما خص جميع الأولياء بكرامة النبوة. وإذن فمن المحتمل أن يكون جعفر الصادق قد ألف هذا الكتاب، ولكن ابن خلدون لم يجد دليلا ما على هذه النسبة، وهو يظن أن الفقرات المتداولة من هذا الكتاب تتصل بكتاب يسمى الجفر كان في حوزة هارون بن سعيد العجلي، ويقول العجلي إنه انتقل إليه من جعفر الصادق، وليس ثمة دليل يثبت هذا الانتقال. ويقول ابن خلدون أيضًا أن هناك آثارًا لكتاب آخر يسمى الجفر ألفه يعقوب بن إسحاق الكندى منجم هارون الرشيد، وهو يستطلع النجوم للتنبؤ بمصائر الدولة الإسلامية متوسلا إلى ذلك بالقرانات الفلكية. وقد فقد هذا الكتاب بأكمله. وإلى هنا كان الجفر لا يرتبط إلا بالخطاب المحمدى والحسبانات التنجيمية (انظر De Goeje: Memoire sur les Caramathes ص 115 وما بعدها)، ولكن نشأ بمرور الزمن اعتقاد بأن المعاني في علم الجفر يرمز إليها بحروف مستقلة، ومن ثم أصبح علم الجفر يدل على علم الجروف وهو طريقة التنبؤ يجعل حروف الأبجد تدل على أعداد (حاجى خليفة، جـ 2، ص 603 وما بعدها). ويفرد ابن خلدون

لعلم السيمياء فصلًا خاصًّا من كتابه (Quatremere جـ 3، ص 137 وما بعدها , de Slane جـ 3، ص 188 وما بعدها، طبعة بولاق ص 245 وما بعدها) ولكنه لا يجعل هذا العلم صلة بجعفر أو الجفر. على أننا نستبين من شرح ابن خلدون لهذا العلم أنه نقل المذهب الأسمى nominalism نقلا سقيما، ولا شك في أن القول بأن الحروف بناء مستقل بالدلالة والتسليم بأن فهم الخطاب المحمدى لا يكون إلا بمعرفة علم اللسان العربي كانا فيما يظهر السبب في تحول مدلول الجفر من المعنى الأول إلى المعنى الثاني (كشاف اصطلاحات الفنون، جـ 1، ص 202 وما بعدها، ص 127 - 231 ومادة بسط فيه، وجف بمعنى علم الحروف). وقد أصبح هذا المعنى المدلول الغالب على كلمة جفر. وإذا أردت زيادة في البيان أو المراجع أو الشواهد على وجود رسائل أو قطع تحمل اسم الجفر فارجع إلى كتاب بروكلمان Brockelmann جـ 1، ص 44 س 11؛ ص 220 والتعليق؛ ص 446 [ابن عربي، رقم 77، 78، 80] ص 464 [رقم 5، 6]؛ المرادى: سلك الدرر، جـ 1، ص 51، وهناك ترجمة تركية لكتاب جفر الأقياجى؟ ما زالت من غير شك محفوظة في مكتبة السلطان بالآستانة؛ Ahlwradt في Ber- . lin Cat جـ 3، ص 551 وما بعدها؛ Rieu في ملحق المخطوطات العربية بالمتحف البريطانى، رقم 828 أما فيما يختص باستعمال الجفر في الكتب السائرة فانظر قصة عطّاف في ألف ليلة وليلة ترجمة Burton، جـ 12، ص 114 وما بعدها. والكتاب محفوظ في مكتبة هارون الرشيد وكان يرجع إليه. المصادر: (1) Vorlesungen: Goldziber ص 224 وما بعدها، 263 وما بعدها. (2) Magie et Religion: Doutte ص 177 وما بعدها (عن علم الحروف. (3) Monuments musul-: Reinaud mans جـ 1، ص 346 وما بعدها، 370 وما بعدها. [ماكدونالد D. B . Macdonald]

+ جفر: يتمتع أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم بإجلال خاص بين الشيعة، ويقوم هذا على أساس الاعتقاد بأن ذرية فاطمة ورثوا بعض صفات النبي [- صلى الله عليه وسلم -]، ومفهوم الشيعة للنبوة، (انظر Die Person Mu-: : Tor Andrae hammeds in Lehre and Glauben Seiner Gemeinde، ستوكهلم سنة 1918، الفصل السادس) جعل الوحى ينتقل من آدم إلى محمد، ومن محمد إلى العلويين (انظر H. H. Schaeder في Zeischr der Deutsch Morgenl. Gesells، عدد 79، سنة 1925، ص 214 ما بعدها). وكان بنو هاشم- الذي ينتمى اليهم علي بن أبي طالب- قد ظلوا منذ وقت طويل يرون أنهم افضل من بنى أمية، لأن فيهم النبوة. ويروى أن أبا سفيان شاهد، بعد دخوله في الإسلام، جيوش محمد صلى الله عليه وسلم، تتأهب صفوفًا لفتح مكة فقال للعباس عم النبي، وكان يقف إلى جانبه: "لقد أصبح مُلك ابن أخيك عظيما" فقال له العباس: "ويحك! إنها لنبوة! " (الطبري، جـ 3، ص 1633). وفي حديث باطنى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال وهو يحتضر لعلى بن أبي طالب أن غسلنى يا عليّ إذا متّ، وكفنى وضعنى على سريرى فأخبرك بما يحدث إلى قيام الساعة. فلما توفى صلى الله عليه وسلم غسله عليّ وكفنه ووضعه على سريره، فأخبره محمد صلى الله عليه وسلم بما يحدث إلى قيام الساعة. (الجَعفْى أو الكتاب المنحول له، وترسم الخعْفى، انظر F. Wuestenfeld: Register. ص 7 و 13، كتاب الهَفْت والأظلة، طبعة أ. تامر، أ. خليفة، بيروت سنة 1960، ص 135؛ انظر فيما يختص بكتاب الجفر المنسوب إلى عليّ، Brockelmann: القسم الأول، ص 75). وهنا تتحدد بوضوح بداية الجفر، الذي كان في الأصل هو عين الحدثان والملاحم. وفي غمرة الصراع المرير الذي خاضه من أجل الخلافة أولاد على- الذين انقسموا على أنفسهم قبل الأوان، وأضعفوا شوكتهم وتعرضوا للاضطهاد الشديد وسقطوا ضحايا له، وبخاصة عام 237 هـ (851 م) أيام

المتوكل- ظهرت كتب باطنية تتسم بالرؤى، أبدعت لدعم آمال المريدين، الذين كانوا على وشك التردى في هوة اليأس، ولإقامة الدليل للخلفاء الحاكمين على أن ما يشعرون به من إجلال شبه دينى، يجب أن يدينوا به لذرية فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم. وقد صدرت هذه الكتب في أشكال مختلفة تندرج كلها تحت العنوان الشامل جفر، الذي كثيرًا ما يضاف إلى الاسم جامعة أو الصفة جامع. وهو ذو طبيعة لها صلة بالتنبؤ والعرافة، ويلخص في شكله المتأخر في جدول، يمثل فيه الجفر للقضاء، والجامعة القدر، ويقول حاجى خليفة (جـ 2، ص 603 وما بعدها) في علم الجفر: "وهو عبارة عن العلم الإجمالى بلوح القضاء والقدر المحتوى على كل ما كان وما يكون جزئيًا وكليًا". ويتضمن الجفر العقل الكلى والجامعة نفس الكل؛ ومن ثم فإن الجفر يجنح إلى أن يكون رؤيا للعالم على نطاق خارق وكونى. ويحيد الجفر عن صورته الأصلية التي تتمثل في العلم الباطنى المتسم بالرؤيا الذي يختص به الأئمه الذين كانوا ورثة عليّ وخلفائه ويصبح متمثلا في أصول فنية تتعلق بالعرافة ميسورة للحكماء أيا كان منبتهم، وبخاصة الصوفية "علم الحروف "). ويجب علينا أن نذكر أسماء أربعة من كبار الكتاب العديدين الذين اسهموا في تطوير هذه الأصول، وهم محيي الدين أبو العباس البونى المتوفى عام 622 هـ (1225 م) صاحب كتاب شمس المعارف وهو مصنف يوجد منه ثلاث نسخ، الصغرى والوسطى والكبرى، وقد أعدت النسخة الأخيرة للنشر بالقاهرة عام 1332 - 1334 هـ (1903 - 1906) في أربعة مجلدات. وينبغى لنا أن نذكر أن المصنف الصغير المسمى جفر الإمام علي بن أبي طالب (والدر المنظوم. المنسوب لابن عربي (انظر مخطوطة ليبسك سنة 833، 1، وانظر مخطوطة باريس رقم 2646؛ وحلب- سباث 57، 396) ليس إلا فقرتى 33 و 34 من كتاب شمس المعارف (انظر Eine arab.: Hartmann Apokalyse ص 109 وما بعدها)؛ ومحيى الدين بن عربي المتوفى عام

638 هـ (1240 م): مفتاح الجفر الجامع (مخطوطات في مكتبة إستانبول - حميدية، إسماعيل أفندى، ص 280، وفي باريس رقم 2669، ص 14 إلخ)، وابن طلحة العدوي الراجي (المتوفى عام 652 هـ-1254 م) بالعنوان نفسه أو بعنوان "الدر المنظّم في السر الأعظم". مخطوطات في باريس تحت رقمى 16، 34؛ وفي استانبول، أموجه حسين باشا تحت رقم 348، وسراى أحمد قسم 3 تحت رقم 3507 إلخ)؛ وعبد الرحمن البسطاهى المتوفى عام 858 هـ (1454 م) بالعناوين نفسها (مخطوطات، مكتبة A. S. تحت رقمي 2812 و 2813 ومكتبة الفاتيكان تحت رقم V 1254: انظر نيكولسون Nicholson . في. Journal of the Roy - As Soc، سنة 1899 ص 907). وفي كل هذه الكتب وفي الكثير من غيرها خلط كبير بشأن عمل الجفر الذي يجب أتباعه. وقد أضيفت عناصر أخرى غير متجانسة من صور إلتفكير الخفى، ويجد المرء الخصائص السحرية للحروف الهجائية والأسماء الحسنى وحساب الجمّل ودلالة القيمة العددية لاسم يود المرء أن يحتفظ به سرًّا، وتبديل الحروف في كلمة واحدة لتكوين كلمة أخرى، والتوفيق بين الحروف التي تؤلف اسمًا من أسماء الله الحسنى وحروف الاسم المطلوب (الكسر والبسط)، دابدال حرف في كلمة بحرف آخر وفقا لمنهج الأتابش- at abash (وفق يطابق فيه أول حرف من الحروف الهجائية العبرية الحرف الأخير والحرف الثاني منها الحرف الذي يقع قبل الأخير وهكذا) وتكوين كلمة بوضع الحروف الأولى من كلمة جملة معًا، وبعبارة أخرى كل العمل الذي يستعمل في "القبالة" (انظر. J. G. Histoire de l'ecriture: Fevriet باريس سنة 1948، الملحق، جـ 3، ص 588 - 591). وقد كان لهذه الأنظار القيمة العددية لحرف شأن كبير في التصوف الإسلامي، الذي لم تحظ فيه الحروف التي تتألف منها أسماء الله الحسنى بتوقير خاص فحسب بل حظيت به أيضًا الحروف السبعة التي تخلو منها سورة الفاتحة. وفي الحروفية الإسلامية تقترن روايات أفلاطونية جديدة وقبلانيه بتأملات بعض كبار

الصوفيين لتكون جانبًا لا يستهان به من المعرفة الباطنية تصل إلى درجة من الكتمان بحيث "لا يقف في هذا الكتاب حقيقة إلا المهدي المنتظر خروجه في آخر الزمان" (حاجى خليفة جـ 2، ص 603) وهذا التنوع في العمل يتعقد تعقدلم أكثر في مناهج التصنيف. والواقع أن بعض الكتاب يتبعون الألف باء الطويلة (ألف، باء، تاء، إلخ .. ) في حين يتبع أخرون الأبجد ألف، باء جيم، إلخ). ويطلق على الطريقة الأولى اسم الجفر الكبير ويضم ألف مصدر، ويطلق على الطريقة الثانية اسم الجفر الصغير ولا تضم إلا سبعمائة مصدر. وهناك أيضًا جفر متوسط وعليه مدار الخافية القمرية والشمسية، ويفضل الكتاب هذا الجفر الأخير، ويستخدم بصفة عامة في الأوفاق الطلسمية (حاجى خليفة، المصدر السابق). وإلى جانب هذا الوجه العددى الخفى للحروف التي تضع، بفضل أصولها الفنية والآلية، الجفر في مستوى الزائرجة؟ لا مناص هنا من أن نذكر وجهها التنجيمى. ويقول ابن خلدون (المقدمة، جـ 2، ص 191؛ Ro- senthal، جـ 2، ص 218؛ انظر ص 184؛ Rosenthal، ص 209) أن الشيعة أطلقوا اسم جفر على مصنف في التنبؤات التنجيمية، ألفه يعقوب بن إسحاق الكندى المتوفى بعد عام 256 هـ (870 م)، الذي تحدث عنه، على الأرجح، ابن النديم تحت عنوان "الاستدلال بالكسوفات على الحوادث" (الفهرست، ص 259؛ انظر رسالة في القضاء على الكسوف، مخطوطات مكتبة الإسكوريال، تصنيف الغزيرى Casiri برقم 913، 4؛ AS، رقم 4832 و 27. ومن شاء المزيد من التفصيلات فليطلع على كتاب دى غويه: Memoire Surles Carmathes ليدن سنة 1886، ص 117 وما بعدها). ولم يكن هذا المصنف، الذي يحسب فيه الكندى طوالع أفراد الأسرة العباسية حتى سقوطها وفق الكسوفات، موجودا في عهد ابن خلدون، إذا كان ابن خلدون يرى أنه ضاع مع مكتبة العباسيين التي القى بها هولاكو في نهر دجلة بعد غزوه لبغداد وقتله للمعتصم آخر خليفة عباسى. ومهما يكن من أمر فإن جزءًا

من هذا المصنف قد وصل إلى المغرب فيما يبدو باسم الجفر الصغير، وليس من شك في أنه قد اقتبس ليلائم دولة بنى عبد المؤمن. ويقول الجاحظ فيما نحله (باب العرافة والزجر والفراسة، طبعة- In ostranzev. سانت بطرسبرغ، سنة 1907، ص 4) "وللهند ما ليس لغيرهم من الوهم والتوهم والظن والتخيل والحدس والتركين والترجمة والتنجيم والطب والفراسة والجفر، وهو معرفة أيام السنة وهبوب الرياح وطلوع المنازل للقمر وغروبها. وعليها يعولون في حكمهم ويقولون جفر الرياح وجفر الأمطار وجفر الأنواء؛ والجفر كتاب لهم يجمع أحكام السنة ثم يقسمونها أرباعا على فصول السنة ومنازل القمر، فكل سبع منازل لربع من أرباع السنة يسمونه جفر ويقضون منه على الأمطار والرياح والأسفار والحرب وما أشبه ذاك، ومنهم تعلمت الأكاسرة والفرس سائر العلوم، وعنهم أخذوا، وهم يقتدون لاسيما في الطب والتنجيم والحرب والوهم والعرافة والزجر والفراسة". وآخر وأهم وجه من وجوه الجفر هو الرؤيا المتنبئة، وهذا بالضبط الوجه الأصلي الذي تطور كل التطور من قبل في عهد الأمويين، واتسع نطاقه في عهد العباسيين في صورة كتب التنبؤات المسماة باسم كتب الحدثان (انظر الإشارات الواردة في كتاب دى غويه: Carmathes . ص 115 وما بعدها). وكانت بداية هذه الأفكار كتاب دانيال وكانت مصنفات التنبؤات المنسوبة إلى دانيال تقرأ في مصر عام 61 هـ (= 680 م الطبري، جـ 2، ص 399، وفيما يختص برؤيا دانيال بالعربية انظر الأشارات التي وردت في A. Abe في Stud. Isl، جـ 2 سنة 1954، ص 1127 م) تعليق رقم 2). ويروى محمد عبد الملك الهمذانى المتوفى عام 521 هـ (1127 م) الذي أكمل تاريخ الطبري حتى عام 487 هـ (1095 م، مخطوطه بمكتبة باريس برقم 1469، ورقة رقم 45 ظهر، استشهد بها دى غويه في كتابه Carmathes ص 225 وما بعدها؛ انظر ما نشره أ. ج. كنعان في المشرق،

ص 1955 وما بعدها، انظر ابن خلدون: المقدمة، جـ 2، ص 198، و Rosenthal. ص 227 - 228) أنه كان ببغداد في عهد وزارة أبي جعفر الكرخى، ورّاق يدعى الدانيالى، يعرض كتبًا قديمة منسوبة إلى النبي دانيال، صورت فيها بعض الشخصيات البارزة وذكرت فيها صفاتها. وقد حظى بنجاح كبير مع السادسة (انظر القصة التي أوردها الطبري، جـ 3، ص 496 وما بعدها في حكاية المهدي التي ذكرها ابن خلدون في المقدمة، جـ 2، ص 192، و Ro- . senthal ص 219 - وهي توضح الحيل التي لجأ إليها المزيفون في هذا النوع من الكتب)، وتعرف هذه المصنفات أيضًا باسم الملاحم (انظر المخطوطات الخاصة بالتنجيم بمكتبة برلين تحت أرقام 5903 و 5904، 5912 و 5915؛ والمخطوطتان الأخيرتان منسوبتان إلى دانيال وكذلك في مكتبة إستانبول- بغدادلى وهبى أفندى رقم 2234، وقد انتشرت على نطاق واسع في المغرب؛ وهي مكتوبة شعرا أو نثرًا، وأحيانًا باللهجة الدارجة، وتتناول أحيانًا أحداثًا مقدرا لها أن تقع في داخل المجتمع الإسلامى بصفة عامة، وأحيانا تتناول أحداثًا تتعلق بدولة واحدة بصفة خاصة. وينسب الجانب الأكبر من هذه المصنفات لمؤلفين مشهورين على الرغم من أنه لا يمكن التحقق من صحتها. ويورد ابن خلدون قائمة بملاحم (المقد مة، جـ 2، ص 193 وما بعدها؛ طبعة Rosenthal , ص 220 وما بعدها)، معظمها من أصل مغربى وتتناول بصفة عامة الدولة الحفصية. وفي هذه القاثمة اسمان يستحقان التنويه بصفة خاصة، هما ابن عربي، الذي وردت باسمه في القائمة ملحمة تتردد في عهد ابن خلدون عنوانها صيحة البوم (فيما يختص بهذا المصنف انظر A. Abel، في Arabica - جـ 5، سنة 1958، ص 6، تعليق رقم 3)، والباجَرّبَقى المتوفى عام 724 هـ (1323 م)، الذي تنسب إليه قصيدة عن الأتراك. والباجربقى من القَرَندلية (فيما يختص بالقرندلية، انظر الإشارات الواردة في Suppl: Dozy، جـ 2، ص 340) وأسس فرقة تسمى الباجربقية (ابن خلدون: المقدمة، جـ 2، ص 199 وما بعدها؛ طبعة Rosenthal ص 225، انظر تاج العروس، جـ 6،

ص 283 وتحدث روزنتال Rosenthal عن مصادر أخرى للباجربقى، ص 230). وهناك أيضًا شواهد كثيرة من هذه الملاحم تتردد في مصنفات ابن أبي أصيبعه المتوفى عام 668 هـ (1270 م) والمقريزى المتوفى عام 845 هـ (1442 م؛ انظر دى غويه Carmathes ص 125 وما بعدها). وأخيرًا نرى لزاما علينا أن نذكر حقيقة ترفع من قدر الجفر في عيون الشيعة، تلك هي استخدامه في تفسير روحى وباطنى للقرآن في مقابل التفسير التقليدى اللغوي لأهل السنة، وينسب ابن سعد (جـ 2، ص 101) تفسيرا كهذا لعلي بن أبي طالب. ويقال أن هذا التفسير انتقل من على إلى جعفر الصادق المتوفى عام 148 هـ (763 م) عن طريق عمه زيد بن علي المتوفى عام 122 هـ (740 م)؛ ويقال إن هارون بن سعيد (سعد) العجلي (انظر Brockelmann: : قسم 1، ص 314) قد تلقى هذا التفسير الباطنى من جعفر الصادق. ويقول ابن خلدون بشأن هذا: " .. وأعلم أن كتاب الجفر كان أصله أن هارون ابن سعيد العجلي- وهو رأس الزيدية- كان له كتاب يرويه عن جعفر الصادق، وفيه علم ما سيقع لأهل البيت على العموم، ولبعض الأشخاص منهم على الخصوص. وقع ذلك لجعفر ونظائره من رجالاتهم على طريق الكرامة والكشف الذي يقع لمثلهم من الأولياء. وكان مكتوبًا عند جعفر في جلد ثور صغير، فرواه عنه هارون العَجَلى وكتبه وسماه الجفر باسم الجلد الذي كتب عليه، لأن الجفر في اللغة هو الصغير، وصار هذا الاسم عَلمًا على هذا الكتاب عندهم". وكان في كتاب الجفر تفسير القرآن وما في باطنه من غرائب المعاني مروية عن جعفر الصادق. وهذا الكتاب لم تتصل روايته ولا عرف عينه ... ولو صح السند إلى جعفر الصادق لكان فيه نعم المستند من نفسه أو من رجال قومها، فهم أهل الكرامات وقد صح عنه (جعفر) أنه كان يحذر بعض قرابته بوقائع تكون لهم فتصبح كما قال " (المقدمة، جـ 2، ص 184 - 185، Ro- senthal , ص 209 - 210، وتحمل كتب

كثيرة في التأويل الباطنى والعرافة اسم جعفر الصادق (انظر Brnckelmann: قسم 1 ص 104)، وبخاصة كتاب الجفر (المتحف البريطانى، 426، و 10؛ انظر Zur Pseu-: Steinshcneider depigraph. Literatur ص 71). ويبدو أن أساس هذا التأويل "الروحى، يستند إلى قول عيسى - عليه السلام -: "نحن معاشر الأنبياء نأتيكم بالتنزيل، وأما التأويل فسياتيكم به البارَقْليط الذي سيأتيكم بعدى" (حاجى خليفة، ص 63، وانظر سفر يوحنا، الإصحاح 14، آية 126). المصادر: لتغطية نطاق هذه المصنفات علميًّا نرى لزامًا علينا أن نضع في الاعتبار قوائم الكتب عن الجفر الموجودة في فهارس المخطوطات وبخاصة فهرس آلوارت Ahlwardt، جـ 3، أرقام 4213 - 29؛ وفهرست الكتب العربية المحفوظة في الكتبخانة الخديوية المصرية، جـ 5، ص 333 وما بعدها؛ وتوجد رسائل عدة عن الجفر في المجموعات المختلفة بمكتبة إستانبول. وأهم كتب المراجع هي: (1) Ein arabische: R. Hartmann - Apokalypse aus der Kreuzzugzeit. Ein Bei trag zur Gafr - Literatur في schriften d. Koenigsberger Geisteswiss Kl .. Gelehrten Gesellschaft، برلين سنة 1924 ص 89 - 116 (دراسة لمنتخب من كتاب ابن عربي: محاضرات الأبرار، طبعة القاهرة سنة 1324 هـ = سنة 1906 م، ص 1، 197 وما بعدها، تتمها مخطوطة بمكتبة برلين تحت رقم 4219). وانظر بصفة خاصة ص 108 وما بعدها. (2) Changements -: pol-: A. Abdel itiques et literaiure acpocalyptique dans le monde muslmar، في Stud Isl، جـ 2، سنة 1954، ص 23 - 43؛ الكاتب نفسه: Un hadith sur laprise de Rome dans la tradition eschatologique de! 'Islam في , Arabica جـ 5، سنة 8591، ص 1 - 14. (3) Vor-: L.Goldziher Iesungen ص 422 وما بعدها، ص 362 وما بعدها، ترجمها إلى الفرنسية Arin، باريس سنة 1920.

جلال الدين الرومى

(4) الكاتب نفسه، في Zeitschr.der Deuth. MorgenL Gesells جـ 41 (سنة 7881)، ص 123 - 125 [آدم [ت. فهد T.Fahd] جلال الدين الرومى من فحول شعراء الصوفية في الإسلام؛ ولد في بلخ سنة 604 هـ (1207 م) لأسرة تزعم أن نسبها يرتفع إلى أبي بكر، وقد اصهرت إلى البيت المالك في خوارزم. أخذه أبوه إلى نيسابور عندما بلغ الثالثة من عمره عام 607 هـ (1210 م) وقدمه إلى العطار، وكان هذا الشاعر قد طعن في السن، وتذهب الرواية إلى أن العطار تنبأ له بمستقبل عظيم، وأعطاه مؤلفه "كتاب الأسرار" واضطر أبوه بهاء الدين ولد إلى مغادرة بلخ في ذلك الوقت، لأنه أسخط الوالى محمد قطب خوارزمشاه. وحمل معه ولده الصغير جلال الدين، وزار بغداد ومكة ودمشق وملطية وأرزنجان ولارنده ثم استقر آخر الأمر في قونية حوالي عام 1226 أو 1227 (623 - 625 هـ) إذ وجد الحماية في كنف الأمير علاء الدين قيقباذ السلجوقى. واختير للتدريس في هذه المدينة، وعند وفاته عام 628 هـ (1230 - 1231) خلفه في منصبه جلال الدين، ولم يغادر جلال الدين مدينة قونية إلا لرحلة قصيرة. وكان للقائه الصوفى شمس الدين تبريزى أعظم الأثر في حياته العقلية والأدبية. فقد وفد شمس الدين في تجواله على مدينة قونية، وفيها لقى جلال الدين فأصبح له عليه سلطان عظيم. واعترف جلال الدين الرومى بفضل أستاذه عليه. فأهدى إليه طائفة كبيرة من تواليفه. وانصرف جلال الدين إثر هذه المقابلة عن دراسة العلوم وانقطع للتصوف. وأقام طريقة المولوية (الدراويش الراقصون) وجعل للموسيقى محلا ممتازًا في محافل هذه الطريقة. وتوفى في قونية عام 672 هـ (1273 م) وقبره قائم في التكية التي أنشأها وتمتاز عمارة هذه التكية بالحسن واللطف. فالمسجد مزخرف بالثريات

المنقوشة والمفروشات الثمينة والمطرزات والنقوش الجميلة. ودفن خلفاؤه بالقرب منه ويرأس الطريقة دائمًا واحد من سلالة جلال الدين يعيش في قونية ويطلق عليه اسم جلبى. ويلقب جلال الدين الرومى عادة بلقب مولانا. والمثنوى أهم مصنفات الرومى، وهو ملحمة في ستة كتب تختلط فيها الأساطير والحكايات والدلويحات والتأملات، وقد قصد بها جميعًا إلى تصوير المذاهب الصوفية وتفسيرها. وصرف جلال الدين الرومى أربعين سنة في نظمها. وله أيضًا ديوان شعر ورسالة نثرية عنوانها "فيه ما فيه". وهذه الرسالة غير معروفة في فارس، ولكن يوجد منها عدة نسخ في مكتبات استانبول وجلال الدين شاعر من الطبقة الأولى يتصف بخلال مختلفة أشد الاختلاف: فنحن نلمس في شعره تنوع الأخيلة وأصالتها ونحس فيه الجلال والروعة وسعة العلم وشدة الأسر وعمق الشعور والتفكير. ويجب أن نسلم بأن المثنوى مفكك الأوصال من حيث التأليف، فالقصص تتتابع في غير نظام، والأمثال التي يضربها توحى بتأملات، وهذه توحى بأخرى، وهذه توحى بغيرها. ومن ثم تتخلل الرواية استطرادات طويلة. ويظهر أن هذا الافتقار إلى النظام كان نتيجة الإلهام الشعرى الذي كان يسوق الشاعر أمامه سوقًا ويقفز به قفز، ، فإذا صبر القارئ على ذلك فإنه يأنس في هذا الكتاب لذة ومتعة. ولعل قراءته دفعة واحدة تجهد القارئ، ولكنه إذا عمد إلى فتح هذه الملحمة الكبيرة عرضًا وقرأ منها بضع صفحات فلا شك أنه يتأثر بها تأثرًا بالغًا. وجلال الدين الفيلسوف أقل ابتكارًا من جلال الدين الشاعر، فتعاليمه هي تعاليم الصوفية، وقد عبر عنها في أسلوب يتأجج حماسة، ولكنه لم ينهج في عرضها نهجًا ما، فكانت سَورة الشعر تشتط بالفكرة أحيانًا وإذ شئنا أن نقيم هذه الفلسفة فلا بد لنا أن نجمع عناصرها المبعثرة في ثنايا الكتاب وأن نخرج منها بطائفة من أصولها.

وفي فلسفة جلال الدين الرومى كثير من آراء الأفلاطونية الجديدة كما هي الحال عند غيره من كتاب المتصوفة. وقد عبر عن بعضها الآخر في جرأة متناهية فلا يلتمس له من أسباب غفرانها إلا سبب واحد وهو الصياغة الشعرية هي التي دفعته إليها. وثمة فقرة أخرى مشهورة فيها ضرب من التناسخ: "أموت وأنا حجر ثم أغدو نبتًا، وأموت وأنا ثبت ثم أرفع إلى مرتبة الحيوان. وأموت وأنا حيوان ثم أبعث إنسانًا ... وأموت وأنا إنسان ثم أعود إلى الحياة ملاكًا ... بل سأشرف على الملاك فأغدو شيئًا لم تره عين إنسان، ثم أستحيل بعد ذلك عدما، عدما". ثم فقرة يتجلى فيها القول بوحدة الوجود، وحد الشاعر فيها بين نمْسه وبين الطبيعة بأسرها. المصادر: (1) المثنوى: النص مع ترجمه شعرية تركية بقلم سليمان نحيفى، بولاق سنة 1268 هـ. (2) المثنوى: مع شرحه باللغة التركية للأنقروى، في ستة مجلدات. المطبعة العامرة سنة 1289 هـ (3) Mesnewi oder Dop-: G.Rosen pelverse des Scheich Mewlana Dschelal ed-Din Rumi، لبيسك سنة 1849، ترجمة الكتاب الأول. (4) ترجمة الكتاب الأول بقلم Sir James Redhouse، لندن سنة 1881. (5) ترجمة مختصرة للملحمة كلها بقلم E.H.Whinfreld، لندن 1887 و 1898. (6) Auswahl aus: Von Rosenzweig den Divanen des grossten mystischen Dichters Persienc فينا سنة 1838. (7) Aus dem Diwan (1819): Ruckert Ges . Werke, herausgeg Von Laistmer جـ 3، ص 246 - 258. (8) Blutensammlung: Tholuck ص 53 - 191. (9) Moise et le Chevrier, apologue persan ترجمة في. Baudry في Mogasin Pittoresque سنة 1857، ص 242. (10) The Masnavi الكتاب الثاني بقلم E.H. Wilson لندن سنة 1901، في مجلدين الأول الترجمة والثاني شروح.

(11) مثنوى الأطفال، وهو مجلد يضم مختارات من المثنوى عليها صور، طبعت في فارس عام 1309 هـ. (12) A. History of: E.G.Browne Persia. جـ 2، ص 515 وما بعدها. (13) Geschichte der Per- P. Horn sischen Litteratur، لبيسك سنة 1901، ص 161 - 168. (14) Gazali: Carra de Vaux باريس سنة 1902، ص 291 - 306. (15) Koniah, la ville: Clement Huart des Derviches Tourneurs. شمس الدين تبريزى. [كارّاداه فو B. Carra de Vaux] + جلال الدين رومى بن بهاء الدين سلطان العلماء ولد بن حسين بن أحمد خطيبى المعروف بلقب مولانا: شاعر فارسى ومؤسس طريقة الدراويش المولوية التي نسبت إليه، ولد في ربيع الأول سنة 604 هـ (30 سبتمبر سنة 1207) ببلخ، وتوفى في 5 جمادى الآخرة سنة 672 هـ (1273 م) بقونية. والأسباب التي قيلت بخلاف ذلك عن تاريخ مولده ليست صحيحة (عبد الباقي كولبيكارلى: مولانا جلال الدين الطبعة الثالثة ص 44 الكاتب نفسه مولانا شمس تبريزى إيله التمش إيكى ياشنده بولشدى في شرقيات مجموعة سى، جـ 3، ص 153 - 161 بريازى أوزرينه في تاريخ جغرافيا دنيا سى، جـ 2/ 12 , سنة 1959، ص 468) وكان أبوه الذي بقيت مواعظه وطبعت (معارف مجموعة مواعظ وسخنان سلطان العلماء بهاء الدين محمد ابن حسين خطيبى بلخى مشهور ببهاء ولد، طبعة بديع الزمان فروزانفر، طهران سنة 1333 هـ) واعظا في بلخ. أما التوكيدات بأن شجرة نسب أسرته ترد إلى أبي بكر وأن أمه كانت ابنة خوارزمشاه علاء الدين محمد أفلاكى، جـ 1، ص 8 - 9) فلا تثبت للتمحيص الدقيق (ب. فروزا نفر: مولانا جلال الدين، طهران سنة 1315 هـ، ص 7؛ على نقى شريعتمدارى: نقد متن مثنوى في يغما، جـ 12، سنة هـ، ص 164، أحمد أفلاكى: عارف لرنك منقبة لرى، ترجمة تحسين يازيجى، أنقرة سنة 1953، جـ 1، أوك سوز، ص 44).

وجاء في المراجع الخاصة بالطبقات أن بهاء الدين ترك بلخ لنزاع قام بينه وبين خوارزمشاه علاء الدين محمد وفخر الدين الرازي المتوفى سنة 606 هـ (1209 - 1210 م) الذي كان خوارزمشاه يشمله برعايته، فلما بلغ ابنه جلال الدين خمس سنوات (أفلاكى، طبعة يازيجى، جـ 1، ص 161) سنة 609 هـ (1212 - 1213) هاجر بهاء الدين إلى المغرب. والحق أن مواعظ بهاء الدين تشمل حملات على خوارزمشاه وعلى المتكلم الذي ذكرناه أنفًا. على أن يستدل من هذا الكتاب المعهود في المواعظ على أن بهاء الدين كان في وخش بين عامي 600 و 607 هـ (1203 - 1211 م) وفي سمرقند سنة 609 هـ (1212 - 1213 م)؛ انظر معارف مجموعه، طبعة فروزانفر، المقدمة، ص 37، فيه ما فيه، طبعة فروزانفر نفر، ص 173). علي أنه لا شك في أن بهاء الدين عاد من سمرقند إلى بلخ، ذلك أن المراجع تذكر أن هجرته تمت من هناك. والقول بأن هذه الهجرة وقعت سنة 609 هـ (1212 - 1213 م) هو على آية حال تاريخ مبكر جدًّا (Isl، جـ 26، ص 117 وما بعدها). ذلك أنه إذا أخذنا برواية أفلاكى التي تقول إنه لم يبلغ ملطية إلا سنة 614 هـ (1217 م) فإن المرء قد يذهب إلى أنه هاجر سنة 614 هـ (1217 م) أو في السنة التي قبلها. ولا يمكن أن نجزم: هل كانت مشاحنته مع خوارزمشاه ترتبط. بموقف خوارزمشاه العدائى حيال خليفة بغداد، على أن ذلك أمر محتمل. وفي سنة 616 هـ (1219 م) كان بهاء الدين في سيواس، وقضى أربع سنوات أو نحوها في آقشهر بالقرب من أرزنجان، ثم شخص إلى لارندة. والراجح أن ذلك كان سنة 619 هـ (1222 م) وظل بها سبع سنوات. وفي لارندة قبر أم مولانا: مؤمنة خاتون (عزمى أوجى أو غلى: قره مان ده مادر مولانا جامى وتربه سى في قونيه در كيسى، جـ 5، رقم 5، وزوّج بهاء الدين ابنه في لارندة لجوهر خاتون بنت شرف الدين لالا. وفي سنة 626 هـ (1228 م) نزحت الأسرة مستجيبة لرجاء الأمير السلجوقى علاء الدين كيقباذ إلى قونيه

حيث توفى بهاء الدين في 18 ربيع الثاني سنة 628 هـ (1321 م؛ أفلاكى، جـ 1، ص 32، 56). وبعد وفاته بسنة قدم إلى قونية مريده القديم السيد برهان الدين محقق لزيارة شيخه القديم فوجد أن المنية أدركته. وأصبح جلال الدين مريدًا لسيد برهان الدين حتى توفى برهان الدين بعد ذلك بتسع سنوات. على أن برهان الدين قد رجع إلى قيصرى وتوفى فيها بعد ذلك بمدة، والراجح أن ذلك كان سنة 637 هـ (1239 - 1240 م)، ويقوم قبره في هذا البلد، ويقول أفلاكى أن جلال الدين شخص إلى حلب ودمشق بعد دخول السيد ليكمل دراسته. ومن المظنون أن برهان الدين قد جعله يدرك أن أباه كان إلى جانب معرفته بعلم الظاهر يعلم علما لا يدرك بالدرس وإنما يدرك بالعلم الباطنى. ولما توفى برهان الدين ظل جلال الدين وحيدا خمس سنوات، وفي 26 جمادى الآخرة سنة 642 هـ (1244 م) قدم الدرويش المتجول شمس الدين محمد تبريزى إلى قونية ونزل بخان السكرية. ولقيه جلال الدين وتحدث معه، وسأله شمس الدين عن معنى قولة من أقوال بايزيد البسطامى فأجابه جلال الدين. ويقول أفلاكى أن جلال الدين كان قد لقى شمس الدين من قبل مرة في دمشق (فروزا نفر؛ مولانا ص 65 - 66). وأيا كان الأمر فإن ظهور شمس الدين تبريزى كان تحولا حاسما في حياة مولانا جلال الدين. وقد هام جلال الدين حبًا بشمس الدين على طريقة الصوفية ودعاه إلى بيته. وسوف يحق لنا أن نذكر شيئًا عن شخصية شمس الدين العجيبة حين تنشر "مقالاته". وقد جرى هذا الشيخ صلى أن يلبس قلنسوة سوداء (كلاه) وقد نعت بلقب "برنده " الطيار لأنه كان قضى حياته قلقا دائم التجوال. صحيح أن أقواله في الكلام كانت هي الأقوال السائدة في زمانه، كما يتبين من مقالاته، إلا أنه سعى إلى أن يبعد مولانا جلال الدين عن دراسة الكتب. ويبدو لنا من مقالاته أنه كان على شيء من البلادة في خلقه. وقد سمت المصادر شمس الدين "سلطان العاشقين، ، على أن سلطان ولد ابن مولانا جلال الدين الذي كان يعرف شمسًا حق المعرفة ويدرك الصلة بين

والده وبين شمس قد أبدع في "ابتدا نامه " نظرية تقول أن ثمة طبقة أخرى هي "العاشقون الواصلون" (عاشقان واصل) إلى جانب "الأولياء الكاملين" (أولياء كامل) وأسمى من ذلك مقام "المعشوق". ولم يكن أحد قد سمع شيئًا عن هذا المقام، وقد بلغه شمس. وقد بين شمس لمولانا جلال الدين طريق الحب الصوفى هذا، ولم يجد مولانا بدًا من أن يعود إلى معرفة كل شيء منه، وهذا الحب بين مولانا وشمس الدين قد جعل جلال الدين شاعرا ولكن ذلك جعله يهمل مريديه ولا يعني إلا بشمس وسخط المريدون وقالوا إنهم أهم من هذا الدرويش الأجنبي المجهول، بل يقال إنهم هددوا حياة شمس. ومن ثم هرب شمس في 21 شوال سنة 645 م (11 مارس سنة 1246) إلى دمشق. ولكن المريدين لم يبلغوا أربهم، وتحير جلال الدين أشد الحيرة، وبعث ابنه سلطان ولد إلى دمشق. ولم يستطع شمس أن يقاوم توسلات سلطان ولد الشفوية ولا توسلات جلال الدين الشعرية المكتوبة وعاد ماشيًا مع سلطان ولد إلى قونية. على أن المريدين لم يلبثوا أن عادوا إلى الهمس وعانوا في سبيل الإبعاد بين شمس مولانا جلال الدين. ويقال أن شمسًا أعلن أنه سوف يختفى الآن إلى الأبد ولن يستطيع أن يعثر عليه بعد أحد. وفي 5 شعبان سنة 645 م (5 ديسمبرسنة 1247 م) قتل شمس بالاشتراك مع علاء الدين أخي سلطان ولد، أو بتحريضه، وألقى جثمانه في بئر، ثم تبين بعد أنه دفن على يد سلطان ولد. والظاهر أن ناووسه قد كشف عنه في الإصلاحات الأخيرة التي أجريت على المقبرة بقونية. (أ. كوليمارلى: مولانا جلال الدين، الطبعة الثالثة، ص 83 ومن المفهوم ألا يذكر سلطان ولد شيئًا عن قتل شمس في "ابتدانامه " ذلك أنه أراد أن يتجنب ذيوع هذه الفضيحة الأسرية. ومن الواضح أن وفاة شمس قد حجبت عن مولانا، ذلك أنه ذهب إلى دمشق مرتين ليبحث عنه. وقد وصف سلطان ولد حالته النفسية في أبيات مؤثرة (ولدنامه، ص 56 - 57) فقال إنه قد غلبت عليه صفات الشاعر أكثر وأكثر، وانقطع إلى الإنصات للموسيقى و" السماع حتى لقد أحس ابنه إحساسًا

قويًّا بأنه قد جاوز في ذلك حد الاعتدال، وشعر بأن شمسا المفقود مائل في نفسه. وفي معظم غزلياته لم يعد لقبه المستعار (تخلص) باسمه بل باسم محبوبه الصوفى. على أن شمسًا له خلفاء حقيقون، ففي سنة 647 هـ (1249 م) أعلن مولانا أن شمسًا قد تقمص له في شخص مريد من شخص مريديه هو صلاح الدين زركوب القونيوى؛ وقد أقام هذا الحدّاد- الذي كان أميًا وإن كان يتميز بلطف شخصيته وجمالها- خلفا (خلف) أي أنه جعله أسمى درجة من المريدين الآخرين، وأحس مولانا برغبته اعتزال وظيفة الشيخ والواعظ. ووجد المريدون أن شمس الدين التبريزى، كان أرحم من ذلك الحداد الأمى التلميذ في الصنعة القادم من قونية الذي عرفوه منذ طفولته. وبلغ الأمر أن دبرت المؤامرات لقتله ثم انفضح أمرها. ولاحظ المريدون أن مولانا هدد بتركهم كلية فسألوه العفو نادمين. ونستطيع أن نذهب إلى أن موقف الولاء الذي وقفه سلطان ولد نفسه وشخصية صلاح الدين المتواضعة الرضية قد ساعدا على التغلب على هذه الأزمة الثانية. وظل صلاح الدين عشر سنوات يشغل وظيفة النائب والخليفة ثم أدركه المرض وتوفى في غرة محرم سنة 657 هـ (29 ديسمبر سنة 1258 م) كما يستدل من نقش على ناووسه (أ: كولبيكارلى: مولانا دان صونره مولويلك، ص 355). وكان خليفته جلبى حسام الدين حسن الذي قدمت أسرته من أرمية، هو الملهم بالمثنوى. وكان والد حسام الدين شيخ الأخية في قونية والأقليم المحيط بها، ولذلك سمى أخي تورك. عاش حسام الدين مع مولانا عشر سنوات حتى توفى مولانا في 6 جمادى الآخرة سنة 672 (18 ديسمبر سنة 1273 م)، ومن ثم فإن مبايعته شيخًا كانت بلاشك حوالي سنة 622 هـ (1263 - 1264 م)، ولا ريب أنه كانت هناك فترة خمس سنوات بين وفاة سلفه وتوليه هو المشيخة (ويجب وفقًا لهذا تصحيح ما جاء في. Isl، جـ 26، ص 124 - 125). ولما توفى مولانا حسام الدين عرض منصب الخليفة على سلطان ولد ابن شيخه، إلا أن سلطان ولد أبي.

وتوفى حسام الدين سنة 683 هـ 1283 م). وهنالك قبل سلطان ولد لقب الشيخ نزولا على إلحاح الناس، وظل يشغل المشيخة حتى وفاته في 10 رجب سنة 712 هـ (1312 م) وأعقبه أولو عارف جلبى المتوفى سنة 719 هـ (1319) وخلفه أخوه عابد جيلى ثم خلفه أخوه واجد جلبى المتوفى سنة 742 هـ (1341 - 1342 م). وثمة ثبت بهؤلاء الجلبية أورده أ. كوليمارلى (مولانا دان صونره مولويلك، ص 152 - 153؛ وتحسين يازيجى في ترجمة كتاب "مناقب العارفين"، جـ 2، ص 62 - 66 من الأوكسوز). والتاريخ الحق لهذه الطريقة تبدأ بسلطان ولد، فهو الذي أنشا الفروع الأولى للطريقة، وساعدها على أن تحظى باحترام أكبر. وكان يطلق على كل تابع من أتباع الطريقة من قبل وفي حياة مولانا اسم مولوى أفلاكى، جـ 1، ص 1، 334)، وكان هؤلاء الأتباع يختارون أول الأمر بين أرباب الصنعة الذين يرتكبون جرمًا (أفلاكى، جـ 1، ص 151). وكان قوام الشعائر الدينية السماع والذكر، وهو بلا شك أمر شائع بين الطرق الأخرى، ولكنه لا يبلغ فيها ما بلغه عند المولوية من شأن بالغ الخطر. وحفل الذكر في ثوبه المنتظم الجليل الذي جرت به الحال بعد ذلك قد استحدثه أولًا، كما أثبت كولييكارلى: يير عادل جلبى المتوفى سنة 864 هـ (1460 م؛ انظر كتاب مولانا دان صو نره مولويلك، ص 99 - 100) أما عن هذا الحفل فانظر: Der Re-: H. Ritter igen der tanzenden Derwische في Zeitschr. fwar vergleichende Musikwisensch، جـ 1؛ أ. كولييكارلى: مولانا دان صونره، ص 370 - 389 ك ومولوى آيينلرى (إستانبول قونسرفا توارى نثشرياتى، تورك كلاسيكلر يندن، 6 - 15 مجلد) سنة 1933 - 1939 الذي نشره إستانبول موزيق قونسرفاتوار. ولم تدرس بعد دراسة مستوعبة تقوى مولانا وفكره. وأى أمرئ يتصدى لذلك الدرس يجب عليه ألا ينزلق إلى التعويل كثيرا على شرّاح المثنوى وكذلك فإن ديوان مولانا لم يصبح ميسورًا في طبعة نقدية إلى الآن، ومن ثم فإن دراسته ممكن أن تبدأ

حقا. ويقول أ. كولبيكارلى، وهو نفسه درويش مولوى سابق، إن المولوية لا يعدون طريقتهم طريقة صوفية بالمعنى الضيق. ويجنح كولبيكارلى إلى أن يربط هذه الطريقة بحركة الملامتية التي انبعثت من خراسان. بل إن المرء يدرك من قراءة مواعظ والد مولانا جلال الدين بسرور ممدوح فيها يذكره "بطيبة القلوب " عند القلندرية الذين يرتبطون بالملامتية (انظر Ritter في Oriens جـ 8، ص 360؛ جـ 10، ص 15). وقد عاش بعض الجلبية معيشة تشبه معيشة دراويش القلندرية مثل أولو عارف جلبى، ولم كثر منه أخوه عابد جلبى والديوانه (أي المجنون) محمد جلبى الذي استخدم في نشر الطريقة (أ. كولبيكارلى: مولانا دان صو نره، ص 101 - 122). على أن هذا- بطبيعة الحال- لا يثبت شيئًا يخص مولانا نفسه. ويظهر مولانا رجلا يحب الناس جميعًا، أبعد ما يكون عن التعصب، عاطفيا شديد العاطفة، ونستطيع أن نحكم من قصائد الحب التي يخطئها الحصر في الديوان أنه كان يسهل إثارته، ويجنح إلى أن يفرغ ثورته في الذكر. أما مسألة هل أراؤه الدينية فيها شيء من الأصالة إلى جانب التقوى الصوفية العامة المأثورة عن زمانه فأمر يستبين من تحليل آثاره وهي: (1) الديوان: ويشمل غزليات ورباعيات؛ وثمة أشعار رومية وتركية أيضًا فيها، ويدل وجودها على صلة كانت بينه وبين طوائف من العامة كما يدل كذلك على صلته بعناصر غير إسلامية من سكان قونية؛ وكان يوقع أشعاره (تخلص) باسم "خاموش". على أن هذا اللقب كان يستبدل به في معظم الأحيان اسم "شمس تبريز". وفي بعض غزلياته كان يظهر أيضًا اسم صلاح الدين توقيعًا له (تخلص). وقد حل محل بعض الانطباعات والطبعات السابقة طبعة جيدة قام بها بديع الزمان فروزانفر باسم "كليات شمس يا ديوان كبير، مشتمل بر قصائد وغزليات ومُقطَعَّات فارسى وعربى وترجيعات وملمعات أزكفتار مولانا جلال الدين محمد مشهور بامولوى"، طهران سنة 1336 وما بعدها، وقد ظهر من هذه الطبعة حتى الآن ثلاثة مجلدات. وهناك ترجمة

تركية كاملة بقلم عبد الباقي كولييكارلى عنوانها "مولانا جلال الدين كبير"، إستانبول سنة 1957 وما بعدها، وقد ظهر من هذه الترجمة حتى الآن ثلاثة مجلدات. وهناك مختارات وترجمات أقدم من ذلك نذكر منها ما لا يزال له أهمية: Se- R. A Nicholson -lected poems from the Divani Shamsi Ta - brizi edited and translated with an intro duction, notes and appendices, كمبرج سنة 1898؛ The Quat-: S. Bogdanov -rains of Jalalu-ddin Rumi and two hither to unknown في JASB manusripts سنة 1935، جـ 1، ص 65 - 80. (2) "مثنوى معنوى": وهو كتاب في الشعر التعليمى من المزدوج، في ستة دفاتر (ومن المظنون أن الدفتو السابع الذي اكتشفه رسوخى إسماعيل دده مزيف). والقصيدة الطويلة قد ألهمها إياه حسام الدين جلبى الذي اقترح على مولانا أن ينظم شيئًا من قبيل المثنويين الدينيين لسنائى والعطار ومن المقول أن مولانا قد جذب على الفور من عمامته الثمانية عشر بيتا المشهورة من المقدمة مكتوبة بالفعل، أما الباقي فقد أملاه على حسام الدين. ولا نعرف تاريخ بدايته في نظم هذا الأثر، وكل ما نعرفه أنه توقف عن المنظم بين الدفتر الأول والدفتر الثاني سنتين، وكان سبب هذا التوقف وفاة زوجة حسام الدين. وبدأ جلال الدين الدفتر الثاني سنة 622 هـ (1236 - 1264 م) كما قال هو نفسه (جـ 2، ص 7). وكان مولانا يملى أشعاره كلما هبط عليه الإلهام، وهو يذكر أو في الحمام أو واقفًا أو جالسًا أحيانًا، أو في الليل وأحيانا في الصباح؛ وهنالك يقرأ حسام ما كتب قراءة مستوعبة ويجرى عليه التصويبات اللازمة. وكانت كل أشعار المثنوى تنظم بلا أي قيد ودون أي تفكير في خطة محكمة. فالأفكار تتوارد بالتداعى الحر والحكايات المتناثرة في التضاعيف تنقطع في كثير من الأحيان ثم تكمل بعد ذلك بكثير (انظر عن أسلوب جلال الدين في المثنوى طبعة نيكولسون، ص 8 - 13، ومقدمة ترجمة كولييكارلى) أما الطبعة القديمة المأثورة فهي طبعة نيكونسون (R. A Nicholson: The Mathnawi of Jelalu'ddin Rumi, edited from the oldest manuscripts, available with critical notes, translations

and commentary، لندن سنة 1924 - 1940، مجموعة كب التذكارية، جـ 6، ص 1 - 8) أما آخر ترجمة تركية فهي: مولانا، مثنوى، ولد إيزبوداق طرفندن ترجمة إديلمش، عبد الباقي كولبيكالى طرفندن مختلف شرح لرله قارشيلاشدريلمش وأثره، برأجيلمه علاوة إيدلمشدر، إستانبول سنة 1942 وما بعدها. وأما عن الترجمات الأوروبية قبل نيكلسون، فانظر ترجمته، جـ 2، ص 15؛ وانظر عن الترجمات الأوردية: Catalogue of the library of India Office جـ 2، 4، الكتب الفارسية إعداد A.J.Arberry، لندن سنة 1937، ص 310 - 304، وخير ما نعرف من شروح وترجمات تركية قديمة: أنقرة لي إسماعيل رسوخى: فاتح الأبيات، إستانبول سنة 1289 هـ , في ستة مجلدات، وبورسلى إسماعيل حقى: روح المثنوى (وهو شرح على جزء واحد من الدفتر الأول) إستانبول سنة 1287 هـ؛ صارى عبد الله أفندى (شرح على الدفتر الأول) إستانبول سنة 1288 هـ، في خمسة مجلدات؛ ترجمة منظومة بقلم نحيفى، القاهرة سنة 1268 هـ؛ عابدين باشا، إستانبول، سنة 1887 - 1888، في ستة مجلدات. أما عن الشروح والترجمات التي صنعت وطبعت في ايران والهند، وعن أقدم الطبعات الشرقية، فانظر نيكلسون، مقدمة جـ 1 ص 16 - 18، جـ 7، المقدمة، ص 11 - 12، والفهرس المذكور آنفا لأربرى، ص 310 - 304، وانظر عن طبعة طهران التي قام بها علاء الدين: على نقى شريعتمدارى في نقد متن مثنوى في يغما، جـ 12، 1338 وانظر عن مصادر القصص الواردة في المثنوى: بديع الزمان فروزانفز: مأخذ قصص وتمثيلات مثنوى، طهران سنة 1333 هـ Orines) جـ 8، ص 356 - 358)؛ وأنظر عن الأحاديث التي استشهد بها المثنوى: الكاتب نفسه: أحاديث مثنوى مشتمل برمواردكى مولانا درمثنوى أز أحاديث إستفادة كرده آست باذكر وجوه روايت ومآخذ آنها، طهران، سنة 1334. (3) "فيه ما فيه": هي مجموعة أقوال مولانا (وقد أخذ العنوان من بيت لابن العربي، انظر The: R.A Nicholson

Cen- , s Table Talk of Jalalu' ddin Rumi tenary Suppl . to the J.A.S سنة 1924 وص 1 - 8 وانظر طبعة بديع الزمان فروزانفر، طهران سنة 1330 هـ وانظر الترجمة التركية: مولانا جلال الدين: فيه ما فيه، جويرن تحليلنى يايان آجيقلاماسنى حاضر لايان عبد الباقي كولبيكارلى، إستانبول سنة 1959. (4) "مواعظ مجالس سبعه" مولانا نكث وأوكودودور دوزلتن أحمد رمزى آق يورك، مترجمى ريزه لي حسن أفندى أو غلى، إستانبول سنة 1937. (5) "مكتوبات مولانانك مكتوبلرى، دوزلتن أحمد رمزى آق يورك". إستانبول سنة 1937؛ وانظر أيضًا شرف الدين يالتقايا في توركيات مجموعه سى، سنة 1939 م جـ 6، ص 323 - 345؛ فؤاد كوبريلى في بلتن، سنة 1943، جـ 7، ص 416. المصادر: (1) Philologika XI. Maw-: H. Ritter s lana Ghalal addin Rumi sein Rreis في Isl جـ 26، سنة 1942 (حياته ومصادر سيرته، ومخطوطات آثاره هو وآثار أبيه وشمس تبريزى). (2) وأهم مراجع سيرته: سلطان ولد: ابتداناهه، نشرها جلال همائى بعنوان ولد نامه مثنوى ولدى باتصحيح ومقدمه، طهران سنة 1315 هـ (3) فريدون بن أحمد سباه سالار: رسالة سباه سالار؛ وآخر طبعة هي: شمس الدين أحمد الأفلاكى العارفى: مناقب العارفين، طبعة تحسين يازيجى، جـ 1، أنقرة سنة 1959 (تورك تاريخ قورومى باينلرندن) الترجمات: (4) Les sainst des der-: Cl. Huart visches Tourneurs .. Recits traduist du persan et annotes في مجلدين، باريس سنة 1918 و 1922 (وهذا الكتاب لا يعتمد عليه). (5) تحسين يازيجى: أحمد أفلاكى، عارفلرنك منقبه لرى (مناقب العارفين) في مجلدين، انقرة سنة 1953، 1954 (دنيا أدبياتندان ترجمه لر، شرق (سلام كلاسيكلرى: (26). (6) وانظر عن أهمية أثر جلال الدين من حيث هو مرجع تاريخي. CI De la valeur historique des me-: Huart

moires des devuisches tourneurs في Jour. As، سنة 1922، 19، 308 - 317؛ (7) فؤاد كوبريلى في بلتّن سنة 1943، ص 422 وما بعدها. الصفات: (8) بديع الزمان فروزانفر: مولانا جلال الدين محمد مشهور بمولدُى، طهران سنة 1315 - 1317 هـ (9) H.Ritter: مقاله عن جلال الدين في إسلام أنسيكلوييدياسى (عن الأوصاف الأخرى له انظر: مولانا عبد المقتد Catalogue of the Arabic and Per- in the Oriental Public li sian manuscipts brary of Bankzpore , كلكتة سنة 1908، جـ 1، ص 63). (10) قونية خلق أوى قولتوردكيسي، مولانا أوزل صاييسى، إستانبول سنة 1943. (11) عبد الباقي كولبيكارلى: مولانا جلال الدين حياتى، فلسفة سى، عصر لرى عصر لريندن سجمه لر، الطبعة الثالثة، إستانبول سنة 1959. (12) الكاتب نفسه: مولانا دان صونره مولويلك، إستانبول سنة 1953. (13) الكاتب نفسه قونيه دامولانا دركاهينك أرشيوى في إستانبول أونيفرسته سى إقتصاد فاكولته سى مجموعة سى، جـ 17، ص 1 - 4، 130 - 153. أما عن معنى الأبيات الثمانية عشر من مقدمة المثنوى فانظر. (14) أحمد آتش: مثنوى نك أون سكيز بيتينك معنى سه في فؤاد كويريلى أرمغانى، إستانبول سنة 1953، ص 37 - 50. (15) وانظر عن أبيات مولانا بالتركية: مجدود منصور أوغلى: Calaaddin Runa Tuerkische verse في Ural Altaische Jahrabuecher جـ 24، سنة 1952، ص 106 - 115. (16) الكاتب نفسه: مولانا جلال الدين رومى ده توركجه ببيت وعباره لر في تورك ديلى أرشد رمالرى يلليغى، في بلتّن سنة 1954، ص 207 - 220. (17) وانظر عن الأبيات الرومية لمولانا سلطان ولد. P. Burguilere et R Quelques vers grecs du Mlle: Mantran

siecle en caracteres arabes Byzantion جـ 22، سنة 1952، ص 63 - 80. خورشيد [ريتر H. Ritter] (2) ليس من اليسير أن نلخص تلخيصًا منهجيًا المعالم الرئيسية في فكر جلال الدين، لم يكن الرجل فيلسوفا (ورد في آثاره في كثير من الأحيان حملات على خواء الفلسفة العقلية الصرف)، وقد زعم أنه ليس شاعرًا ينهج نهج القدماء (وهو يجاهر في الديوان وفي المثنوى بكراهيته للأوزان والقوافى والصناعة الشعرية) ولكنه كان فوق كل شيء عاشقًا لله يعبر عن مشاعره على نحو شعرى متحرر عارم، فانشأ بذلك أسلوبا فريدا في الأدب الفارسى بأسره. وقد أمكن من الناحية التاريخية تتبع آثار الفكر الدينى والسياسى للغزالى وابن عربي وسنائى والعطار فيه. وريما بولغ في أهمية أثر ابن عربي فيه، والبيان التالي يلم بأوجز ما يمكن النزعات الرئيسية في فكر جلال الدين. والشواهد من المثنوى أخذناها من ترجمة نيكلسون المذكورة في المصادر: الله: يظهر أن التعالى المطلق لله لم يتصوره جلال الدين من حيث المكان والعقل فحسب بل من حيث الأخلاق. فالله هو القيمة المطلقة والخير والشر منتسبان إليه وهما رهن مشيئته (جـ 2، ص 2617). والحقيقة موكلة بعالم العدم، والوهم والوجود، والجوارح والألوان (جـ 2، ص 3092 - 3097) والله فوق العدم والوجود. وهو يصنع في العدم الذي هو مكان صنعه (جـ 2 ص 688 - 690؛ جـ 2، ص 760 - 762؛ جـ 4، ص 2341 - 2383) وبهذا المعنى يصعب التحدث عن وحدة حقيقية للوجود عند جلال الدين. ومهما يكن من شيء فإن السببية أمر غريب كلية عن اتجاه فكره. الخلق: يظهر أن جلال الدين يقبل فكرة الأشعرى القائلة بعدم اتصال الزمان والخلق فالله يخلق ويهلك الكل في آنات من الزمن غير متصلة (جـ 1، ص 1140 - 1148) وهو يخلق الأشياء بأن يهمس كلمات ساحرة في آذانها وهي بعد نائمة في عالم العدم (جـ 1، ص 1447 - 1455)

العالم: العالم غير الإنسانى شيء خلقه الله تمهيدا لخلق الإنسان. والطبيعة لمحة من الله: فكل شجرة تنبت في التربة الداكنة مادة فروعها نحو الشمس هي رمز لتحرر الروح من المادة جـ 1، ص 1335 - 1336، 1342 - 1348). على أن الخلق كان متطورا. ويلم جلال الدين في فقرة هامة (جـ 5، ص 3637) بنظرية التطور الغامض (يجب ألا نخطئ فنقول إن هذا التطور هو تطور علمي دارونى). وظهور الإنسان (الذي يظل إنسانا حتى في مراحل تطوره الأولى) من مملكة الحيوان خطوة أولى تدل على رحلات أخرى إلى عالمى الملائكة والألوهية. الإنسان: ليس الإنسان مجرد مركب من الجسم والروح، ذلك أن المركب الإنسانى مكون من جسم، وهو الجزء الظاهر من الإنسان، وروح أعمق (روح وباليونانية. بسيكى) وعقل أكبر عمقًا من ذلك ثم "روح وحي " وهي أعمق من الجميع، ولا توجد إلا في الأولياء والأنبياء (جـ 2، ص 3253 وما بعدها). وعلم الإنسان الروحى عند جلال الدين لا يقبل أن يبلغ كل إنسان بلا تمييز اسمى مراتب القداسة، فالأولياء والأنبياء "مختلفون " عن الناس العاديين. ويبين جلال الدين في فقرة هامة جدا الفائدة النفعية للانحناء توقيرا للأشخاص المقدسين، فهي الطريقة الوحيدة للخروج عن كبرياء واستعلاء الإنسان الذي يعاود دائمًا (جـ 2، ص 811 وما بعدها). والله يتحدث على لسان "رجل الله"، فالنبي أو الإنسان المقدس هو الآية الظاهرة على وحدة الله، وهو فوق المقاييس الإنسانية المألوفة (جـ 1، ص 225 - 527). الأخلاق: وجلال الدين أبعد ما يكون عن لغة المفكرين الدينيين "الأحرار" المحدثين، فشعائر العبادة الظاهرة ملزمة للجميع: والسبب الذي يسوقه لذلك هو أيضًا مثل للصفة الإسلامية القائمة على المنفعة: فالشعائر الظاهرة نافعة مثل الهدايا التي يقدمها الحبيب لمحبوبه، ذلك أنه إذا كان الحب روحيا خالصًا فلم إذن خلق الله العالم المادى؟ (جـ 1، ص وما بعدها). أما مسألة الحرية والقدر فهو يلاحظ بالفعل أن ثمة فارقًا كبيرًا بين "صنع "

الله، أي فعله المستمر كل لحظة، وبين نتيجة صنعه أي "مصنوعه" وبين "القضاء" "والمقضى". فالمرء يجب عليه أن يحب "صنع" الله لا "مصنوعه " كما يفعل عبدة الأصنام (جـ 3، ص 1360 - 1373) المرء إذا كانت عيناه الروحيتان يقظتان، يدرك في الوقت نفسه أن الله هو الذي يسيره ويحركه (جـ 1، ص 598 وما بعدها) وأنه حر تمامًا، حرية تعلو بما لا يقاس على الحريات الصغيرة التي للإنسان العادى (جـ 1 ص 936 - 939). وبلوغ هذه الحرية العميقة عند الله يقتضي بذل الجهد والعمل (كوشش؛ انظرجـ 1، ص 1074 - 1077). والأمثلة الكاملة على هذه الحرية العليا هي الأولياء والأنبياء (جـ 1، ص 635 - 637). الحياة بعد الموت: والقرب من الله في العوالم الأخرى لا يحسه جلال الدين على أنه فناء حقيقى للإنسان في الله فلا يبقى منه شيء. فالمجازات التي يستعملها للتعبير عن الفناء في فقرة هامة من المثنوى (جـ 3، ص 3669 وما بعدها) هي على سبيل المثال كما يأتي: لهيب الشمعة في وجود الشمس (على أن الشمعة تبقى مع ذلك "إذا وضعت قطنا عليها، فالقطن تأتى عليه الشرارات ") أو الأيّل في حضرة الأسد، أو ما يضربه في غير ذلك من المواضع من مثل الحديد المحمر في النار، حين يتخذ الحديد خصائص النار دون أن يفقد جوهره الذاتى. وفي هذه الحالة يمكن أن يكون نارًا كما يكون حديدًا فالروح بالقرب من الله تصبح شيئًا "تعصف بمشيئته العواصف وتفيض الأنهار وتسير الكواكب بحكمته كما يشاء الباري" (جـ 3، ص 1885 ما بعدها). ويحكى جلال الدين في فقرة أخرى عن محب مات حين بلغ حضرة محبوبه تعالى و "طار الطائر" أي روحه، من جسده، ذلك أن الله من صفاته أنه إذا أقبل لم يبق منك شعرة واحدة" (جـ 3، ص 4616، 4621) ويالها من فكرة مشجعة لدى مؤمن بوحدة الوجود! على أن جلال الدين على استعداد دائما لأن يفاجئنا بقلب المشهد. وذلك أن الخاتمة الحقيقية للقصة تروى في بعض الأبيات بعد ذلك بعنوان: "كيف دلّل المحبوب الحبيب

الغائب عن حواسه حتى يعود إليها" (جـ 3، ص 4677 وما بعدها). ويذهب جلال الدين إلى حد التسليم بوجود عنصر من النشاط في العالم الآخر بحيث أن المرتبة العليا في حياة الروح لا تكون "هي التحقق بل الشوق غير المحدود بعد التحقق". - وثمة سر خفى يكمن هنا في حقيقة أن موسى خرج ليجرى صوب خضر ... وهذا الرحاب الرباني هو الساحة التي لا تحدها حدود أترك مقعد الشرف وراءك، فإن الطريق هو مقعد الشرف" (جـ 3، ص 1957 وما بعدها). أسلوب جلال الدين الرومى: يحكم أسلوب غزليات جلال الدين في الديوان أن الكثير منها قد تغنى به الشاعر نفسه أو قصد به أن يغنى وثمة رواية جد مشهورة تظهر لنا جلال الدين يرتجل الأغانى الشعرية وهو يذكر بلطف حول عمود في مدرسته، وهناك رواية أخرى تخبرنا كيف وجد جلال الدين واحدا من مريديه ورفاقه المحبوبين، ونعنى به الحداد صلاح الدين زركوب الذي ذكرناه آنفا، يستمع مفتونا في طريق للوقع الموزون لضربات مطرقته. وإحساسه القوى بالايقاع لا يقترن دائما بانتباه مساو للأحكام الصارمة للشعر الفارسى القديم الكمّي. وما أكثر ما شكا من التفاعيل ("مفتعلن مفتعلن مفتعلن قللتنى قتلتنى! ")، ونحن نجد في ديوانه ومثنويه في أكثر من بيت مخالفات شديدة للقواعد العروضية. ونستطيع أن نميز في ديوانه أسلوبا "غنائيًا" وأسلوبا "تعليميا". وكثيرا ما نجده في بعض غزلياته يبدأ بالأسلوب الغنائى (إيقاع قوى وايقاع مزدوج إلخ) ثم ينتقل ببطء إلى الأسلوب التعليمى والعكس بالعكس. ويمكننا أن نميز ثلاثة أساليب في المثنوى الذي هو حديث منفرد متصل ينجذب فيه المتحدث كثيرًا بكلمة لم ومجموع من الكلمات العارضة ثم ينتقل إلى موضوعات ونوادر ونوادر فرعية متجددة دائما أبدا: الأسلوب "القصصى" الخالص. على أن الذي يحدث في نهاية القصة أو أثناءها، أن تدخل التعليقات في أسلوب تعليمى. والظاهر أن الناظم هنا وهناك، في متن

القصة أو في التعليق عليها، يغشاه ذهول فيحمله على استخدام أسلوبه الذي قوامه الوجد وهنالك يقرض بعضا من خير أبيات المثنوى. ويتميز كل من الأسلوب القصصى والأسلوب التعليمي ببساطة وعامية عجيبتين تكادان تكونان شيئًا فريدًا في الأدب الفارسى لذلك العهد. وتتغلغل عناصر اللغة العامية أحيانًا حتى في لغة الغزليات والأسلوب الوجدى للمثنوى الأكثر من ذلك رهافة ولطفا. وبين أيدينا بعض أبيات لجلال الدين تشمل كلمات قليلة وحملا من اللغة العامية اليونانية وقد امتاز اسلوب جلال الدين بسمات ذاتية قوية ومن ثم عز في الواقع عن التقليد، ولكنه يوضع بحق في مكان رفيع عند الفرس المحدثين (حتى أولئك الذين لا يوافقون تمام الموافقة على الآراء الصوفية) وربما كان قد أثر اثرًا معينا على حركة تبسيط الأدب الفارسى وتجديده، للك الحركة التي بدأت في القرن الماضي. المصادر: علاوة على ما ذكر في صلب المادة: في سيرته (1) أفلاكى: مناقب العارفين، وقد ترجم جزء منه في مقدمة كتاب ; The Mes-: 7.W Redhouse -newi ... of Mevlana . Jelalu 'd - Din Mu - hammed er - Rumi- Book the first ... trans lated and the poetry versified لندن سنة 1881، ص 1 - 135. (2) بديع الزمان فروزانفر: رسالة تحقيق أحوال وزندكانى مولانا جلال الدين محمد، طهران سنة 1315 هـ الطبعة الثانية، سنة 1333 وثمة كتب كتبت عن جلال الدين: (3) Persierns Mystikes: G. Richter Dschelhl-eddin Rumi برسلاو سنة 1933. (4) The Met-: Khalifa Abdul Hakim aphysics of Rumi لاهور من غير تاريخ. (5) Rumi poet and: R.A. Nicholson Mystic طبعة A. J. Arberry بلندن سنة 1950. (6) The Life and: Afzal iqbal thought of Rumi لاهور سنة 1956. خورشيد [أبوسانى A. Bausani]

جلد

جلد استعمال الجلد (جلد، أديم) مادة للكتابة معروف مشهور في الشرق الأدنى، وقد كان يستخدم من قبل في الدولة الوسطى؛ وكانت المخطوطات الجلدية معروفة من إمبراطورية مرو والنوبة إلى جنوبي مصر، ومن فلسطين إلى بلاد فارس، وفي بلاد فارس كان "الباسلكاى دفتراي". أي المحفوظات الملكية من المخطوطات الجلدية، معروفة لدى قطسياس Ctesias (في ديودور الصقلى، جـ 2، ص 32؛ انظر مادة دفتر) ولما غزا الفرس مصر مدة قصيرة في مستهل القرن السابع الميلادي ظلوا يكتبون فيها على الجلد يشهد بذلك قطع الجلد التي عثر عليها في مصر وحفظت في عدة مجموعات أوربية. ولما غزا الفرس جنوبي بلاد العرب بعيد سنة 570 شجعوا تشجيعًا صناعة الجلد هناك. وقد اشتهر جلد جنوبي بلاد العرب مادة للكتابة على قدر خاص من اللطف والنعومة. على أن الجلد كان معروفًا في اليمن مادة للكتابة حتى قبل الاحتلال الفارسى لليمن. وقد كتبت الشهادة بالدين التي سلمها حميرى لجد النبي صلى الله عليه وسلم عبد المطلب بن هاشم على قطعة من الجلد، وكانت هذه الشهادة محفوظة في خزانة الخليفه المأمون. ومن ثم يتبين لنا أن الجلد كان معروفًا عند العرب حتى قبل الإسلام. وقد استشهد شعراء مثل المرقش الأكبر ولبيد بوقائع تؤيد ذلك، بل أن العرب كانوا يعرفون كيف يلونون الجلد باللون الأصفر مستعملين في ذلك الزعفران، ثم اهتدوا من بعد في الكوفة إلى طريقة في تحسين معالجة الجلود ذلك بأنهم استبدلوا بالجير (الذي يجعل الجلود شديدة الجفاف) البلح حتى أصبحت الجلود التي يصنعونها ناعمة. وقد رويت لنا عدة حالات أمر النبي [- صلى الله عليه وسلم -] فيها بالكتابة على الجلد وقد حذا حذوه خلفاؤه الراشدون، ونذكر بخاصة الخليفة عثمان الذي احتفظ بنسخة من القرآن كتبت على جلد نعامة وهي محفوظة في مكتبة عارف حكمت

بالمدينة (انظر Zeitscher. d Deutsch Morg. Gesells جـ 90، سنة 1956، ص 102). وكان الجلد أيام الأمويين يستعمل لدى العرب مادة للكتابة مثال ذلك أن الشاعر ذا الرمة المتوفى سنة 117 هـ (735 - 736 م) يذكر هذا في قصيدة من قصائده (الأغانى، جـ 15، ص 111). وقد اكتشفت سنة 1932 رسالة كتبها على الجلد بالعربية الحاكم دوَشْتى الصغدى إلى الوالى الجراح بن عبد الله حوالي عام 100 هـ (719، Among Arabic Man- I Yu. Krachkovsky uscripts ليدن سنة 1953، ص 142) وهذه الوثيقة لم تكن القطعة الوحيدة، ذلك أن مجموعة كتب محمد بن الحسين الذي ذكرها الفهرست لابن النديم (ص 40، 54) كانت تشمل أيضًا قطعًا من الجلد وورقًا وأوراق بردى. وقد حفظت عدة وثائق من الجلد في مجموعات مختلفة من أوراق البردى، وأقدم قطعة وهي شهادة تتعلق بهدية مولد تاريخها سنة 233 هـ (874 م، محفوظة في دار الكتب المصرية في القاهرة، الفهرس، التاريخ، رقم 1871 م) وأحدثها وتاريخها سنة 722 هـ محفوظة في متحف الدولة ببرلين. ويجب علينا أن نذكر بصفة خاصة المخطوطات القرآنية المكتوبة على جلود الوعول، وهي التي يشير إليها البيرونى في كتابه "تاريخ الهند" (ص 81). وثمة نوع خاص من الجلد هو الرق (جلد، ورق، قرطاس، رَق، رِق) وهو نوع مرقق من جلود الأغنام والماعز والعجول، وكان هذا النوع معروفا في جزيرة العرب من قبل في القرن الخامس الميلادي، ذلك أن الشاعر الحميرى قُدَم بن قادم يذكره في قصيدته، ويتحدث لبيد أيضًا عن "طِرْس ناطق". وطرس معناها الرق يمحى منه المتن الأصلي ثم يكتب ثانية. ومثل هذا الطرس الذي يحمل قطعة من الكتاب المقدس تاريخها القرن الخامس الميلادي في جانب ومتنًا شرعيًا عربيًّا من القرن الأول الهجرى (السابع الميلادي) يتخلل النص اللاتينى على الجانب الآخر، محفوظ في فلورنسة، وأمثال هذه الطروس التي تمحى منها

الكتابة الأصلية، ويكتب عليها مرة أخرى لا تزال بعد نادرة. وقد استعمل الرق، هو ومواد أخرى، في كتابة أجزاء من الوحى، وقد وجدت مثل هذه القطع بين أثار النبي [- صلى الله عليه وسلم -]، واستعمال الرق في كتابة الكتب المقدسة كان من خصائص العبريين وكان رق قراطيس التوراه معروفًا حق المعرفة لدى العرب (البكرى، المعجم، جـ 2، ص 511 الذي يستشهد ببيت لجرير المتوفى عام 110 هـ الموافق 728 م) وقد استعمل النبي [- صلى الله عليه وسلم -] أيضًا الرق في بضعة مناسبات، وقد ذكر الرق والقرطاس في القرآن (سورة الأنعام، الآيتان 7 و 91؛ سورة الطور، الآية 3). ومجموعة من القرآن التي جمعها زيد بن ثابت، يقال أيضًا إنها كتبت على الرق (A.Sernger: Das Leben und die Lehre des Muhammad جـ 3، ص 40) وفي العصر الأموى كانوا يؤثرون في الشام الكتابة على الرق وعلى ورق البردى. أما في مصر فإن الرق كان يستخدم بصفة خاصة في كتابة نسخ القرآن، وكذلك كان الحال أيضًا في البلاد الإسلامية الأخرى، ولكن كان قلما يستخدم في النصوص الدنيوية. وفي شمال إفريقية زودنا مخزن بمسجد سيدى عقبة في القيروان ببضع مئات من المخطوطات الأدبية المكتوبة على الرق. أما في العراق فإن الرق كان سائدا في الدواوين حتى استبدل به الورق الفضل بن يحيى بن خالد البرمكى. وثمة نوع خاص نفيس من الرق كان يصنع من جلود الغزال. وهذا النوع من الرق كان كثير التكليف، ومع ذلك فقد ذكر عدة مرات في أوراق البردى وكذلك في المتون الخاصة بالسحر. وتضم دار الكتب المصرية عدة مخطوطات من القرآن كتبت على رق الغزال (انظر فهرست الكتب العربية المحفوظة بالكتبخانة الخديوية، جـ 1، القاهرة، سنة 1892 - 1893، ص 2) وفي مصر لم يكن للرق المصنوع من جلود الأغنام والماعز والعجول إلا شأن ضئيل جدا بالنسبة لأوراق البردى، وأقدم وثيقة من الرق فيما نعلم تاريخها سنة 168 هـ (784 م) وهي جزء من مجموعة القنصل الألمانى السابق

"جلاب"

تاوضروس محارب في الأقصر. وثمة نوع من الرق نفيس بخاصة لونه أرجوانى، وهو معروف حق المعرفة من المخطوطات التي ترجع إلى صدر العصور الوسطى اللاتينية. وقد احتوت مجموعة مارتن F. Martin على ورق جميل أزرق اللون عليه كتابة كوفية باذخة من الذهب وكان في الأصل ينتسب إلى مخطوط للقرآن من مسجد مشهد (ببلاد فارس). المصادر: (1) Corpus papyrorum: A. Grohmann Raeniri Archiducis Austriae المجموعة الثالثة من Aeabica جـ 1، فينا سنة 1924، ص 51 - 58. (2) From the World of Arabic Papyri الجمعية الملكية للدراسات التاريخية، القاهرة سنة 1952 ص 44 - 49، 237. (3) Einfuehrung und Chrestomathie Zur arabischen papyruskunde جـ 1، براغ سنة 1954 Monografie Archivu: Orientalinho جـ 13، ص 71 - 72. خورشيد [كرومان A. Grohmann] " جلاب" وفي لهجة جلابة أو جلابية: رداء خارجى يليس في بعض أنحاء المغرب، وهو فضفاض رخيّ له غطاء للراس وذراعان قصيرتان، ويصنع الجلاب من قطعة من القماش لها أربعة أضلع طولها يفوق عرضها بكثير، ويخاط الضلعان القصيران معا فيصير القماش أسطوانة واسعة، ثم تخاط أيضًا الفتحة العليا ما عدا منفذا في الوسط للرأس والرقبة. وتشق من الجانبين فتحتان للذراعين. وإذا لبس الرداء امتدت الحياكة التي تصل الضلعين القصيرين بعضهما ببعض أسفل الصدر وفي وسطه. أما الحياكة التي تسد نهايتى الجزء الأعلى من الرداء فتمتد على طول الكتفين والجزء الأعلى من الذراعين، ويخرج الراس والعنق من الفتحة التي في كل جانب من الرداء. وقد يترك الساعدان عاريين إذا لم تخط الذراعان قصيرتان بجانب الفتحتين المخصصتين للذراعين. وهاتان الذراعان قصيرتان جدًّا، وعند الحافة السفلى لكل منهما فتحة (نيفك) للكوع وأخرى عند الحافة

العليا يخرج منها مقدم الذراع العارى إذا دعت الحاجة إلى ذلك كما في حال الوضوء. ويصنع الجلاب إما من قماش وطنى، وإما من أقمشة أوربية وذلك في المدن الغنية. والقماش الوطنى يصنع من الصوف، وقلما يصنع من القطن المخلوط بالصوف. ولم يحدث هذا إلا منذ عهد قريب جدًّا. وتصنع هذه الأقمشة بألوان مختلفة في جهات متعددة: حمراء، وسمراء، وسوداء، وبيضاء لا شارة فيها، وإما رقطاء أو مخططة. والأقمشة الأوربية سميكة زرقاء بلون البحر غالبًا أو سوداء أو رمادية داكنة. والجلاب المصنوع من القماش الوطنى قطعة واحدة من القماش بحسب المقاس المطلوب، ولا يضاف إليها غطاء الرأس، وإنما يتألف هذا الغطاء من قطعة القماش معزولة، جوانبها مطوية معا خلف الحياكة، أما غطاء الرأس في الجلاب المصنوع من القماش الأوربى فيفصل على حدة ويلبس، وتغطى المواضع المخيطة من الجلاب بغدائر أو تزركش بعذبات أو عقد أو وريدات، ويختلف تفصيل الجلاب وشكله وغطاء الرأس والزركشة المحلى بها ونوع غزله وحياكته وبطانته اختلافًا كبيرًا في شتى البلاد. ويطلق على هذا الرداء اسم جلاب (جلابة أو جلابية) في معظم أنحاء مراكش وفي غربي الجزائر، كما يستعمل في أنحاء أخرى من المغرب كما في جنوبي الجزائر وفي مزاب، ولكنه يسمى هناك باسم آخر، وكلمة جلابية تطلق بين مسلمي الأندلس على رداء لا نعرف شكله ولا أوجه استعماله. ونجد في مصر كلمة مساوية في النطق لكلمة جلابية، ولكن بالجيم غير المعطشة، وهي تدل على رداء يختلف تمام الاختلاف عن جلاب المغرب، ولسنا نعرف أصل كلمة جلاب على التحقيق. ويرى دوزى Dozy أن كلمة جلابية هي الصيغة الأصلية، وأن كلمة جلّاب وجلّابة تحريف لها. ويذكر أن معناها في الأصل رداء الجلّاب أي بائع الرقيق. وهذا الرأى لا يجد ما يؤيده في فقه اللغة على ما يظهر. والقريب إلى الاحتمال أن كلمة جلّاب لها صلة

جماعة

بالكلمة العربية "جلباب" أي الرداء الخارجى، وليس من المستغرب أن يسقط حرف الباء من هذه الكلمة ذات الأصل الدخيل (انظر Neue: Noeldeke - Beitraege zur Semitiscen Sprach wisenschafi، ص 53). وقد استعملت هذه الكلمة أيضًا خارج بلاد المغرب، بالصيغ الحديثة لكلمة جلباب فمثلا نجد في لهجة عمان كلمة جلّاب بمعنى القناع. المصادر: (1) Dischonnair detaille des: Dozy noms des vetements chez les Arabes 122، وما بعدها. (2) الكاتب نفسه: الملحق، جـ 1، ص 204، 215، وبه مصادر عدة. (3) The Moors: Budget Meakin ص 58 وما بعدها، 59 وبها صورة. (4) Le Maroc inconnu: Moulieras , جـ 2، ص 16. (5) Archives Marocaines، جـ 17، ص 122. (6) La population musulmane: Bel de Tlemcen، لوحة 19، شكل 17. (7) Les Industries et: Bel et Recard le travail de la lame d Temcen [مارسيه W. Marcais] جماعة ومعناها اللغوي الاجتماع، وهي تدل في المفهوم الدينى عند المسلمين على "جماعة المؤمنين" ومن ثم معناها الأشيع: "الجماعة الإسلامية". وهي بهذا تكاد ترادف كلمة "أمة" على أنه يجب التفريق بين المصطلحين. والمصطلح "أمة" قرآنى، ويستعمل بالجمع "أمم"، وقد اكتسب مدلوله الدينى بخاصة في العهد المديني (انظر على سبيل المثال ما ورد في القرآن عن "أمة"؛ وأمم سورة الأعراف، الأيات 34، 38، 159، 164، 181). ويستعمل أيضًا المصطلح "حزب الله" في مناسبتين (سورة المائدة، الآية 56؛ سورة المجادلة، الآية 22)، على أنه مع

كون الجذم ج م ع شائع الاستعمال كل الشيوع فإن كلمة "جماعة" لا تدخل في مفردات الكتاب الكريم، على أنها لم تلبث أن ظهرت مثلًا في "الوثائق " الديبلوماسية التي نقلها ابن سعد ونسبها إلى النبي صلى الله عليه وسلم. فقد أرسل النبي صلى الله عليه وسلم رسالة إلى صاحب البحرين يقول فيها: "ولتدخلن في الجماعة"، وقد قدر لهذا المصطلح أن يصبح عامًا في السّنة. وسنقتصر على حديثين صحيحين شائعين رواهما ابن عباس: "من فارق الجماعة شبرا خلع ربقة الإسلام من عنقه " "ومن فارق الجماعة مات ميتة جاهلية" (تر جمة H.Laoust). وكثيرا ما تترجم كلمتا أمة وجماعة في اللغات الأوربية بكلمة واحدة هي " Community " والواقع أن الكُتاب المسلمين لم يجدوا صعوبة في استخدام إحداهما بدل الأخرى (ويستعمل الحديث المشهور "لا تجتمع أمتى على ضلالة" كلمة أمة؛ انظر - Wen Handbook - sinck، 148) . وإذا غضضنا النظر عن الاشتقاق، فإن المرء ليرغب في التفريق بينهما، فالأمة هي الجماعة من حيث هي تكوّن أمة على أساس دينى فقهى، أما الجماعة فهي مجموع المؤمنين توحّد بينهم عقيدة مشتركة. وكل من المصطلحين يفصح عما يفصح عنه الآخر من "الرغبة في العيش معا" (L. Massignon) وهو أمر من خصائص الإسلام طبقا لشريعة في السلوك قررها القرآن للحياة الدنيا والحياة الآخرة. ولكن رأس الأمة هو خير ما يشار إليه في دراسة البناء المثالى لهذه الجماعة كما حكمت به السياسة الشرعية، في حين أن المصطلح "جماعة" يركز انتباهنا على الرابطة التي تصوغ من طائفة من الأشخاص جماعة من المؤمنين. وقد نضيف إلى ذلك أن "الأمة" في الاصطلاح الإسلامي الشائع بل في الإحساس العام الواقعى، هي التي تعبر أولًا وبأقوى أسلوب عن قيم الموحدة والتضامن. وقد أصبحت كلمة جماعة بما تضمنته من معنى عقائدى تحمل مدلولها الاصطلاحى الدينى، وهذه

الجماعة من المؤمنين توحد بينها عقيدة ومن ثم فهي تقابل هؤلاء الذين "يخرجون، والذين "يبتدعون" وإن كان هؤلاء لم يتركوا رسميًا الأمة القائمة على هذا الأساس) وهي تجعل عين "الجملة" أي غالبية المسلمين في مقابل الفرق التي "اعتزلت" ويقول الفُضَيل إن يد الله مع الجماعة وإن الله لا ينظر إلى أهل البدع. وأشيع تعبير مستعمل يتضمن المدلول العقائدى هو "أهل السنة والجماعة"، وفي هذا الصدد يكون السند المتكافئ هو الحديث النبوى وجماعة المؤمنين (انظر - L. Veccia Va glieri في Studi Orientalisici in onore di Giorgio Levi Della Vide، جـ 2 ص 573 وما بعدها). و "أهل الحل والعقد" هم من وجهة نظر مختلفة اختلافا يسيرا عن ذلك يساوون في الحجية الأحاديث والجماعة. فهم ممثلو "الأمة" من حيث هم يعبرون عن "الإجماع". والجماعة والإجماع كلمتان من جذم واحد، ويمكن أن يقال إن الإجماع هو اتفاق الجماعة: والحديثان اللذان رواهما ابن عباس وذكرناهما آنفًا، وكذلك الحديث الخاص بالأمة هي من النصوص القدسية التي قررت الإجماع. والحق إن مدى ماتتضمنه الجماعة قد أصبح مرتبطًا ارتباطًا وثيقا بالمفهوم المقرر للإجماع ونحن نجد في تطور الفكر الحنبلي التزامًا خاصًّا جدًّا بالجماعة، وكان مدلول الجماعة هو السابقون إلى الإسلام دون سواهم. ومن السمات البارزة للعقيدة الحنبلية أن الإجماع الوحيد الذي له قيمة هو إجماع الصحابة. وقد عرّف البربهارى من حنابلة القرنين الثالث والرابع الهجريين (التاسع والعاشر الميلاديين) الجماعة بأنها "الدين العتيق " الذي نستطيع به أن نفهم شعائر الصحابة وعقائدهم وعاداتهم في عصر الخلفاء الراشدين الثلاثة الأولين (أبو الحسين الفرّاء طبقات الحنابلة، جـ 2، ص 32 - 33؛ فيما نقله عنه Ibn batta: H.Laoust ص 19، تعليق 1)، على أنه إذا كانت الجماعة بمعناها الدقيق الذي لا يحيد هي جماعة الصحابة، فإنه يبقى لنا من ذلك أنه كل مسلم ملزم خلال القرون

بأن يتبع الجماعة ويعمل بما تقول. و "لزوم الجماعة" واجب على المؤمن شدد عليه الحنابلة في دأب وإصرار (انظر مثلًا ابن بَطة: الإبانة، 5/ 10) وتأسيسًا على ذلك يبقى المؤمنون على "جماعة الدين العتيق " خالدين خلال العصور وفي كل حقبة يدخل في الجماعة أولئك المسلمون الذين يلتزمون الحديث كل الالتزام، وقد وصفهم ابن حنبل في العقيدة الأولى فقال إنهم "أهل السنة والجماعة والأثر" وبذلك جمع الاصطلاحين الأولين: "أثر النبي" [- صلى الله عليه وسلم -] والصحابة (انظر Jbn Batta: H. Laoust ص 11، تعليق 1). وقد قدر لمصطلح "أهل الحديث" أن يصبح مرادفا مقاربا في المعنى حتى ظهر اصطلاح "أهل الحق" الذي نزع من بعد إلى سيادة المصطلحات الأخرى. وقد ظل مجرى العقيدة الحنبلية أمينا لهذه الفكرة عن الجماعة ترتكز على عقيدة أهل الدين العتيق من حيث العقيدة الوثيقة دون سواها وشاهد على ذلك أن ابن تيميه يتحدث عن الأمة والجماعة، وقد شدد على وجوب أن يتبع "أهل السنة والجماعة" "آثار النبي [- صلى الله عليه وسلم -] في باطنهم كما في ظاهرهم وأن يتبعوا على هذا النحو سبل الصحابة (الواسطية ص 34؛ انظر H. Laoust: كتابه المذكور، ص 10 التعليق). وهذا الاستمساك بالجماعة عند الحنبلية الذي ينطوى على التوقير قد وصل بهم أخر الأمر على نحو من التقديس الباطنى، إلى حد أنهم تمثلوا المؤمنين الذين التفوا حول النبي [- صلى الله عليه وسلم -] في العهد المديني، وأصبح هذا الدين العتيق يتبعه كل جيل من المؤمنين حتى قيام الساعة. ولا يصدق هذا على غيرهم من المذاهب، وشاهد ذلك أن الاجماع بقدر ما كان مدلوله (عند المذهب الشافعي مثلًا) يفهم منه أنه إجماع الفقهاء الذين يعيشون في جيل معين، ويصبح "المصدر" الرابع (متميزا عن السنة) للشريعة الإسلامية، فإن الجماعة فقدت ارتباطها التاريخي الدقيق بالسنين الأولى للإسلام. فنحن نجد الطبري (فيما نقله عنه رشيد رضا: الخلافة، ص 14) قد أنكر الاجماع إذا اقتصر

على جماعة الصحابة، وهو يقول إن "لزوم الجماعة" يجب أن يحدد دون الرجوع إلى وقت بعينه، بأنه أن تطيع الجماعة الإسلامية ولى الأمر الذي اختارته بنفسها، وكل من نكث بعهده مع ولى الأمر وجب أن يترك الجماعة. والفعل الذي استعمل في هذا الصدد وهو أن تطيع ولى الأمر يثير فكرة "الرجل الذي يتولى السلطة" ويجب أن نفهم من ذلك أنه يشير إلى "الإمام، وهو مرشد الجماعة وقائدها. ومن ثم وجب أن تعرف الجماعة لا بالإشارة إلى المسلمين الأولين دون سواهم، بل بالإشارة إلى كل إمام شرعي بايعته الجماعة. ومن ثم أصبحت الجماعة تبعًا لهذه النظرة حقيقة واقعية أكثر منها قيمة عقائدية في جوهرها، وهنالك جنح الأمر إلى أن تحل محلها كلمة أمة. وهذا ملحوظ كل الملاحظة في علم الكلام. وعلى الرغم من احترام أبي الحسن الأشعرى الأكيد لابن حنبل، فقد قيض له أن يقدم عقيدتيه المشهورتين في كتابيه الإبانة ومقالات الإسلاميين في ثوب بسيط هو إجماع أهل السنة، ولا نجد عنده فكرة "الجماعة" ماثلة إلا في مسألة واحدة هي شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لأصحاب الكبائر في الجماعة، ومع ذلك فقد استعمل هنا كلمة أمة (مقالات الاسلاميين، جـ 1، ص 322). وكذلك الأمر في "اللمع " سواء كانت المسألة مسألة نظرة المعتزلة (ذمت أو خولفت) أو إجماع من حيث هو أساس الإجماع، فإن الذي ظهر في هذا المقام دائما هو كلمة أمة. ولم يكن من مهمة علم الكلام أن يفرد فصلًا للجماعة. أما من حيث الكتب التي تتناول "الفقه العام" فهي تنظر إلى "الإمامة" أو "الخلافة" من حيث ظروف السلطة، ولا تعنى بتحليل العناصر التي تتكون منها الجماعة. وقد أصبح الاصطلاح "أمة" شيئًا فشيئًا هو الذي احتوى الغيرة الجماعية للمؤمنين. ومع ذلك فإن اصطلاح "الجماعة" بمفهومه الدال على وحدة العقيدة لم يختف تمامًا من مفردات المصطلحات، فنحن نجده في مواضع مختلفة من كتب كثيرة، وهذا أيضًا هو الذي في كتب الأيام المعاصرة لنا. وهو يرد

عرضا في كتاب "ظهر الإسلام" (ص 199) فيما نقله عن المسعودى. وقد احتفظت الصفة جماعى بهذا المدلول. ولما كتب ابن عساكر في القرن السادس الهجرى (الثاني عشر الميلادي) ترجمته للأشعرى التي التزم فيها الدفاع عنه، كان غرضه أن يصفه بالسنى الجماعي الحديثى، ويستطيع المرء أن يتبين في هذه الصفات الصيغة التي مروها الحنابلة. ويجب أيضًا أن نفهم كلمة "جماعى" على أنها تدل على نصير العقيدة الصادقة لأهل الدين القديم. ويبقى أن نذكر أن الأشاعرة يقولون عن أنفسهم بعامة أنهم "أهل السنة "الحق" وكلمة الحق تذكرنا بكل دقة بالمفهوم الاصطلاحى لكلمة جماعة، ولكن مع مدلولات أخرى، وهذا نستطيع أن نتبينه في يسر. وصفوة القول أن الجماعة، إذا فهمت بأنها الاتحاد الحق للمسلمين، تنزع هنا إلى ترك المجال لاصطلاح الأمة، . وإذا أخذت على اعتبار أنها تدل على وحدة العقائد الصحيحة فإنه تستبدل بها استبدالا مناسبا كلمة "الحق". أما عن العهد المعاصر فإننا يجب أن نذكر حركة الإصلاح للسلفية، التي استجابت بصفة عامة لمؤثرات الفكر الحنبلي، ومن ثم فإن من المنتظر أن يرجع منهجهم إلى الجماعة. والواقع، وهذا منطقى جدًّا، أن رشيد رضا في تحليله لفكرة "الإجماع، يبحث في كتابه "الخلافة" معنى الجماعة". ولكنه لم يتردد في أن يتوسع في المعنى الدقيق الذي حدده لها الحنابلة، فوافق من فوره على تعريف الطبري الذي ذكرناه أنفا وهو يجعل الجماعة هم "أهل الحل والعقد" في كل زمان، وهو يستعمل في الفقرة نفسها كلمة "أمة" بمدلول قريب لا باس به ولكنه غير مطابق بحال. وعنده أن الجماعة هي تلك الطائفة كلها من أولئك الذين يقبضون على زمام الأمور والذين يجب اتباعهم إذا اتفقوا (إجماع). والأمة هي المعرضة بالاضطرابات للانقسام. ومن ثم فإن خير ما يتبع المرء في سلوكه (حديث حذيفة ابن اليمان) هو أن يبقى مخلصا للجماعة وإمامها. ثم إن عنوان الفصل الذي عقده رشيد رضا عن سلطة الأمة

ومعنى كلمة جماعة له مغزى في هذا الصدد. ونخرج من هذا بأن الإجماع في المفهوم السلفى يمكن أن يقال في شأنه بأن الناس الذين تتكون منهم الجماعة هم أولئك المسلمون الذين يوثق في دينهم وصدقهم، ومن ثم فهم الذين يتابعون السير في الطريق القويم الذي سار عليه السلف ولهم الحق في تزكية الإمام الأعظم ومبايعته باسم الجميع، وهذا الإمام هو القائد الحق المنتخب للأمة جميعًا. والجماعة لا يكون لها وزنها الكامل إلا إذا اتحدت مع إمامها. ويصدق هذا على المعنى الأكثر ضيقًا ومحلية للكلمة. فكل جمع من المسلمين اجتمعوا لأداء الصلاة فهم جماعة. وهذا التعريف يناسب مناسبة جلية صلاة فريضة الظهر جماعة يوم الجمعة. وهذا اليوم هو من ثم يوم الاجتماع الأمثل. والجامع هو الذي يجمع المؤمنين لأداء هذه الفريضة. وهذا يصدق أيضًا على الأعياد المقررة. وفي ضوء هذه الصلة بصلوات الجماعة يتحدث الأشعرى عن عقيدتيه فيذكر الجماعة بالمفرد في مقالات الإسلاميين (جـ 1، ص 323) ويذكرها بالجمع في الإبانة (ص 12). وهذه "الجماعة" من المسلمين المتحدين في أداء الصلاة إظهارًا لعقيدتهم تكون في صيغة وطبيعة لم تحدد من حيث المبدأ التحديد الذي حددت به شروط إمام الجماعة، ومن ثم سميت "الأمامة الصغرى". المصادر: كما ذكرت في صلب المادة مع التخصيصات والإضافات الآتية. (1) محمد حمد الله: الوثائق السياسية، الطبعة الثانية، القاهرة سنة 1952؛ تعليق 67. (2) Mu-: W. Montgomery Watt hammed at Medina، أوكسفورد سنة 1956، ص 247، 360. (3) Essai sur les doc-: H. Laoust - trines sociales et politiques de Taki - d Din Ahmed B. Taimiya. القاهرة سنة 1939 (انظر الفهرست، مادة جماعة). (4) الكاتب نفسه La Profession de: foi, d, Ibn Batta؛ دمشق سنة 1958. (انظر الفهرس).

(5) أبو الحسن الأشعرى: الإبانة عن أصول الدين، طبعة القاهرة سنة 1348 هـ ص 11 - 12. (6) الكاتب نفسه: مقالات الإسلاميين، القاهرة سنة 1369 = 1950 م جـ 1 ص 322 - 323. (7) ابن عساكر: تبيين كذب المفترى في ما نسب إلى الإمام أبي حسن الأشعرى دمشق سنة 1347 (انظر A.F Expose de La reforme de l' is-: Mehren -lamisme, Travax de la 3 e session du Con gres Intenational des Orienlaistes جـ 2، الترجمة الإنكليزية بقلم R.J. McCarthy: The Theology of Al Ash'ari، بيروت سنة 1953، ص 147 وما بعدها. (8) رشيد رضا: الخلافة والإمامة العظمى، القاهرة سنة 1341 (طبعة المنار)، ص 13 - 15) الترجمة الفرنسية بقلم Le Califat: H.Laoust dans la doctrine de Rashid Rida بيروت سنة 1938، ص 31 - 25). خورشيد [كارديه L.Gardet] (2) وقد كانت الكلمة -ولم تزل- تستعمل في مراكش استعمالا جاريا على أوسع نطاق، وفي بلاد الجزائر توجد وثائق ترجع على الآقل إلى مائة سنة تثبت وجود جمعيات إدارية محلية تندرج تحت الاسم جماعة. وقد ثبت اختصاصها في حيازة العقارات فيما يتعلق بوراثة "الدوار"، ولكنها ألغيت سياسيًا وتشريعيًا (مرسوم 25 مايو سنة 1863؛ لائحة 20 مايو سنة 1868؛ مرسوم 11 سبتمبر مع الإشارة بخاصة إلى بلاد القبائل). على أنه حدث، حتى قبل حرب سنة 1914 أن طالب الراى العام بتحرير هذا النظام. وكان بعض هذا هو الغرض من إصلاح عام 1919 الذي أقام "جماعات" منتخبة داخل "الناحية المختلطة". وقد حاولت الإدارة من بعد، دون حذر، أن تخرج من هذه الجمعيات الأولى بتطوير بلدى كانت هي نواته. أما عن بلاد الجزائر، فالأقاليم البربرية فيها، وخاصة بلاد القبائل، هي بلا شك المناطق التي لاحظ أول الملاحظين فيها السمات الناطقة بهذه

الجهود الجماعية، فالتجمعات (والصيغ المختلفة لهذا الاسم) التي كانت تشمل جميع البالغين ولا تحفل بالمؤثرات الشخصية أو الأسرية بل هي أشبه بمجلس للشيوخ منها بجماعة المواطنين، كانت تجتمع بانتظام وتناقش جميع الأمور التي تهم القرية وتبدى حيوية بقيت جنبًا إلى جنب مع الحياة الرسمية، حتى لقد بلغ من شأنها أنها استمرت تمارس نفوذا في بعض الحالات، عن طريق تنسيق القوانين وهي وظيفة من المعترف به أنها من شأن القانون العام. ولكن الذي حدث في بلاد مراكش، في اطلس العليا والوسطى، أن البحث أسفر عن أن هذا النظام يعمل في أنقى صورة. وثمة موضوع مستمر للبحث القائم حتى اليوم هو استخراج الأثر الثلاثى لهذه العادات البلدية في الحياة السياسية التي أصبحت منظمة، في نطاق الأحياء، في صورة ديمقراطية فورية، وفي الحياة القضائية التي تحكمها قواعد مفصلة تفصيلا عجيبًا، وفي حيازة الملكية. وقد عرف مسيو L.Millot سنة 1922 الجماعات بأنها "الجماعات التمثيلية على اختلاف تجمعها، من قبائل، وفروعها، والدوار، والأسرة، التي يتكون منها المجتمع الإسلامي في مراكش. وهذه التجمعات تمارس في قطائع شاسعة من الأرض حقوقًا تتميز بالعمل في ضرب من الزراعة مع ترك مساحات متناثرة على نطاق واسع من الأرض التي تستخصب بتركها بورا، والمراعى. .". وهذه النظرة الاقتصادية التي تثير التنافس بين نظامين من نظم الزراعة هما النظام الأوربى والنظام الوطنى، نظام التركيز ونظام التوسع، قد كانت خلال العصر الاستعمارى كله مشغلة للمشرع ورجل الإدارة والقاضي بحكم آثارها الواقعية على الحياة العملية. وقد عكست التعريفات القضائية المراحل المتعاقبة للإجراءات التي اتبعت واتخذت اتجاها خاصًّا في بلاد الجزائر (أرض العرش أو السابقة) وفي مراكش (بلاد إجماعه [بلاد الجماعة]) وأخيرًا في بلاد تونس حيث بلغت الأحكام- فيما يظهر- أخر تطوراتها. على أن بلاد

تونس تزودنا بالمثل الذي يكشف بأجلى بيان عن هذه الصورة من صور الملكية وخطرها، تلك الصورة التي تتعرض للفساد من كل ناحية، ويتكشف لنا ذلك من خلال التدخل الذي وقع بين الملكية الخاصة للضياع، والملكية الجماعية والمؤسسات الدينية أو الحبوس. والمدلول الفقهى للجماعة -الذي ارتفع إلى مجلس شيوخ قبلى صغير ومجلس شيوخ حي- قد أثار في بلاد مراكش تطورًا كان يتخذ صورته في بداية الحماية وأدى إلى اكتسابه اختصاصًا لا يقتصر على الملكية فحسب، بل يمتد أيضًا إلى وقت الظهير البربرى المشهور الصادر في 16 مايو سنة 1930 الذي استنكرته فورًا المعارضة الوطنية يؤيدها الرأى العام الإسلامي في جميع أرجاء العالم، وعدته هجومًا على الشريعة. وكان من أول الاجراءات التي اتخذتها مراكش بعد ظفرها بالاستقلال هو من ثم إلغاء هذا الظهير، وقد كانت إقامة قضاة غير متخصصين سببًا عارضًا أسهم في التقدم نحو التجديد. وصفوة القول أن هذه المخاطر في هذا التاريخ الطويل، أيا كانت قد ساعدت على توكيد هذه الصلة الوثيقة التي تقرن، في المغرب الريفى استعمال هذا المصطلح ببذل بعض صور الجهود التي قامت بها الجماعات وارتباطات هذه الجماعات بالأرض. وهذه الصور، التي تميزت حتى ذلك الوقت بخاصيتها التي قوامها الفوضى، قد أخذت في يومنا هذا تكيف نفسها بحاجات زراعة أكثف وإدارة لا مركزية. وهذا هو السبب، وخاصة في مراكش، الذي يجعلنا نجد الجماعة دائما هي الموضوع الجوهرى في برامج الإصلاح. ومن الممكن، بالتوفيقات الاجتماعية العجيبة، أن تعتمد بعض التطورات المعاصرة على الإمكانيات البلدية الواسعة التي تنطوى عليها، في المغرب، الجماعة، وهي كلمة قديمة وحقيقة لها ماض عريق. المصادر: قانون الملكية: (1) Du: P. Lescure double regime foncier de la Tunisie . سنة 1900.

(2) Les terres collective -: L. Milot (blad Djema a) etude de le gislation marocaine، سنة 1922. (3) Des droits et actions: F. Dulou sur la terre arch ou sabga en Algerie سنة 1929. (4) La propriete col- A. Guillaume lective au Maroc، سنة 1960. الإجراءات القضائية (5) Les djemaas ju-: A. Ribaut diciares berberes سنة 1930. (6) مقالات وكتب شتى كتبها Henri Bruno. G. Surdon etc, سجلت في الملخص البارع الذي كتبه La Justice: J. Caille coutumigre au Maroc، سنة 1945. الإدارة والسياسة: علاوة على الكتاب الأساسي. Letourneux و Ha- La Kabylie et les coutumes ka-: noteau byles الطبعة الثانية، باريس سنة 1983: ورسالة La Forma-: Masqueray tion des Cit, etc باريس سنة 1886، انظر: (7). (7) La commune: Maxine Champ mixte algerenne سنة 1933، ص 127 وما بعدها. (8) Le douar, cellule ad-: H. Bemot ministrative de L Algerie du Nord سنة 1938. والصلة بين هذه النظريات المختلفة تنبعث من الدراسات الاجتماعية التي أكدت الخصائص الإقليمية المختلفة في المغرب، انظر بخاصة. (9) Les Berberes et le: R. Montagne Makhzen سنة 1930. (10) Les Institutions ka-: L. Millot byles في REI، سنة 1932. (11) Le droit coutumier: G. Marcy Zemmnur سنة 1949. (12) Justice,: G. H. Bousaquet francaise et coutumes kabiles سنة 1950. (13) Structures sociales: J. Berque du Haut - Atlas، سنة 1955. (14) الكاتب نفسه نفسه. Droit froncier et integratian au Maghreb، في Cahiers internatianaux internationaux de sociologie سنة 1958. [برك J. Berque]

جمال الدين الأفغانى

جمال الدين الأفغانى السيد محمد بن صفدر، من أبرز أعلام الإسلام في القرن التاسع عشر. وقد كان في رأى براون Browne فيلسوفًا وكاتبًا وخطيبًا وصحفيًا معًا، على أنه كان قبل كل شيء من رجال السياسة ينظر إليه مريدوه نظرتهم إلى وطنى كبير، وينظر إليه خصومه نظرتهم إلى مهيج خطير، وكان لجمال الدين أثر كبير في الحركات الحرة والحركات الدستورية التي قامت في الدول الإسلامية إبان العقود الأخيرة من السنين السوالف. وكان يرمى من إثارة الخواطر إلى تحرير هذه الدول من النفوذ الأوربى واستغلال الأوروبيين والنهوض بها نهوضا ذاتيًا من الداخل متوسلا في ذلك بإدخال النظم الحرة إليها، كما كان يهدف إلى جمع كلمة الدول الإسلامية بما فيها فارس الشيعية تحت راية خلافة واحدة، وإقامة إمبراطورية إسلامية قوية تستطيع الوقوف في وجه التدخل الأوربى. كان جمال الدين بقلمه ولسانه من أكبر الدعاة إلى فكرة الجامعة الإسلامية، ومن أشدهم إيمانًا بها. وتصل أسرته نسبها بالحسين بن علي من جهة على الترمذي المحدث المشهور، ومن ثم أصبح حقيقًا بلقب "السيد". ولقد ذكر هو نفسه أنه ولد في أسعد آباد على مقربة من كنار من أعمال كابل في أفغانستان عام 1254 هـ (1838 - 1839 م) من أسرة حنفية المذهب. على أن روايات أخرى تذهب إلى أنه طلع إلى الحياة في أسد آباد بالقرب من همذان من أعمال فارس، وأنه أراد التخلص من الاستبداد الذي كان يسود فارس فانتحل الجنسية الأفغانية. ومهما يكن من شيء فقد قضى جمال الدين السنين الأولى من طفولته وشبابه في أفغانستان، ودرس في كابل كافة العلوم الإسلامية العالية حتى بلغ الثانية عشرة كما صرف همه إلى دراسة الفلسفة والعلوم الرياضية على الأسلوب التقليدى المأثور في الشرق الإسلامي. ثم أمضى أكثر من سنة في الهند، وحج إلى مكة عام 1273 هـ (1857 م)، وما إن عاد من الحج إلى أفغانستان حتى دخل في خدمة الأمير

دوست محمد خان، وقد اصطحبه دوست في حملته على هراة. وتوفى هذا الأمير فخلفه أمير شير على، وكان جمال الدين من خلصاء محمد أعظم أخي الأمير الجديد، فانغمس في النزاع الذي نشب حول ولاية العرش. ولما دالت دولة مولاه، وكان وزر له مدة قصيرة، صمم على الرحيل من أفغانستان. فتذرع أنه يريد الحج مرة أخرى (1285 هـ = 1869 م) وسافر إلى الهند وظل بها مدة قصيرة ثم قصد إلى مصر وأقام بها أربعين يومًا اتصل في أثنائها بالأوساط الأزهرية وألقى في داره دروسًا خاصة. ثم رحل إلى استانبول فبلغها سنة 1287 هـ (1870 م)، وكان قد سبقه إليها صيته العريض. فاستقبله وجوه القوم فيها استقبالا حارًا. وسرعان ما عين في مجلس التعليم، ودعى إلى إلقاء محاضرات في مسجد آيا صوفيا ومسجد أحمدية. وألقى السيد على الطلبة في دار الفنون وبمحضر كثير من علية القوم محاضرة في فائدة الفنون والصناعات، فذكر فيها النبوة وعدّها من مختلف الوظائف الاجتماعية، فانتهز الفرصة شيخ الإسلام حسن فهمى، وكان ينفس على السيد ازدياد شهرته ونفوذه، فرماه بالدعوة إلى آراء هدامة، إذ جعل النبوة من الصناعات. وعرف جمال الدين بالدسائس التي حاكها له خصومه، فاستقر عزمه على مغادرة استانبول، وتوجه إلى القاهرة فتلقاه أولو الأمر والطبقات المثقفة بالحفاوة والترحاب، وأجرت عليه الحكومة المصرية 12.000 قرش سنويًا دون أن تطالبه بأداء عمل رسمى معين. فغدا مطلق الحرية يعلم الشباب الذين التفوا حوله في بيته ويلقى عليهم أحاديث حرة في فروع الفلسفة والدين العالية. ويرشدهم في الوقت نفسه إلى سبيل الكتابة والتحرير. أما في ميدان السياسة فقد أثر جمال الدين فيمن حوله، وسعى إلى إيقاظ الشعور الوطنى، وإثارة الرغبة في الحصول على نظم حرة ودستورية. وكان له أيضًا أثر في الحركة الوطنية التي شبت سنة 1882 وأدت إلى ضرب الإسكندرية بالقنابل ووقعة التل الكبير واحتلال الإنجليز لمصر. وقد أخرج هذا المهيج الملهب للخواطر من مصر قبيل

ذلك، أي في سبتمبر عام 1879، ذلك أن جهوده السياسية كانت شجى في حلق الممثل البريطانى، كما كان بعثه للدراسات الفلسفية مثيرًا لحفيظة أهل الجمود في الأوساط الأزهرية، فنفى بسعاية الإنجليز من مصر، واعتقل في الهند، في حيدر أباد ثم في كلكته، ثم سمح له بمغادرتها بعد قمع فتنة عرابى، وألف رسالته في الرد على الدهريين في أثناء إقامته في حيدر أباد وقد عرفنا من مذكرة لولفرد سكاون بلنت (S. Blunt) الذي كان معنيًا بالسياسة المصرية (في براون Browne، ص 401) أمرًا لم يذره غيره من كتاب سيرة جمال الدين، وهو أن السيد خرج من الهند قاصدًا أمريكا وبقى فيها بضعة شهور، وكان في نيته أن يتجنس بالجنسية الأمريكية، والظاهر أنه لم ينفذ هذا العزم، ونجده في سنة 1883 في لندن، وقد أقام فيها زمنًا قصيرًا، وغادرها إلى باريس فمكث بها في صحبة صديقه وتلميذه الوفى محمد عبده الذي أصبح فيما بعد مفتى الديار المصرية، وأوقف قلمه على مناهضة التدخل الإنجليزى في مصائر الشعوب الإسلامية، ورحبت أمهات الصحف وأوسعها سلطانًا بمقالاته في سياسة روسيا وإنجلترا في الشرق وسير الأمور في مصر وتركية ومغزى الحركة المهدية التي قامت في السودان آنئذ، واهتمت الدول ذات الشأن بمقالاته هذه اهتمامًا كبيرًا. وفي ذلك الوقت أيضًا ثارت بينه وبين إرنست رينان مناظرة بصدد محاضرة ألقاها رينان في السربون عن الإسلام والعلم زعم فيها أن الإسلام لا يشجع البحث العلمي، وأراد جمال الدين أن يرد على رينان، فكتب مقالا ظهر أولًا في "جورنال ده دبا Journal des Debats" (نشر أيضًا باللغة العربية- انظر مصادر هذه المادة) ولا باس من أن نشير في هذا المقام إلى أن محاضرة رينان قد ترجمها بُعيد ذلك إلى العربية حسن أفندى عاصم وطبعت في القاهرة على الحجر مصحوبة برد في تاريخ غير معلوم. على أن معظم نشاط جمال الدين في باريس سواء في ميدان التأليف أو السياسة كان منصرفا إلى

صحيفة عربية كان يحررها بالاشتراك مع محمد عبده (المحرر الفعلى) وهي العروة الوثقى، وكانت تصدر على نفقة نفر من الهنود المسلمين وتحمل على سياسة الإنجليز في البلاد الإسلامية، وخاصة الهند وهصر، حملة شعواء، وصدر العدد الأول من هذه الصحيفة في الخامس عشر من جمادى الأولى عام 1301 هـ (13 مارس سنة 1884 م) وقد صادرتها السلطات الإنجليزية في الشرق ومنعت دخولها في مصر والهند، وإنما كان يتيسر ذلك بإرسالها إلى من يراد التأثير فيهم في غلاف محكم (هكذا ذكر جمال الدين نفسه) ولم تعمر هذه الصحيفة طويلا بالنظر إلى هذه العقبات التي صادفتها، فلم يصدر منها جمال الدين ومحمد عبده إلا ثمانية عشر عددًا في ثمانية شهور، وقد صدر العدد الأخير في السادس والعشرين من ذي الحجة عام 1301 هـ (17 أكتوبر سنة 1884) ومع ذلك فقد كان لها شأن عظيم في إذكاء الآراء الحرة المناهضة للإنجليز في الأوساط الإسلامية، بل يمكن أن تعد باكورة الحركات القومية في الممتلكات الإسلامية التابعة [آنئذ] فقد أخذ ساعد هذه الحركات يشتد بفضلها شيئًا فشيئًا، وظلت العروة الوثقى حافظة لشأنها إلى يومنا هذا، وشاهد ذلك أن حسين محيي الدين الحبال محرر جريدة أبابيل قد أعاد منذ عهد قريب (1328 = 1910 م) طبعة جديدة منها بعد انقضاء ربع قرن على صدورها، وتولى طبعها نسيب أفندى صبرة. وقد كان جمال الدين يثير الخواطر على الإنجليز علنًا وفي غير مواربة، إلا أن قادة الساسة الإنجليز قبلوا بوساطة بلنت أن يدخلوا في مفاوضات شخصية مع جمال الدين لإخماد حركة المهدي في السودان، ولكن هذه المفاوضات لم تنته إلى نتيجة عملية. وكان استيقاظ جمال الدين همم الشعوب الإسلامية قد أثر في القاصى والدانى، فما إن مضى بعض الوقت حتى تلقى دعوة بالبرق (1886 م) تستقدمه إلى بلاط الشاه ناصر الدين في طهران، فاستقبل هناك بحفاوة بالغة وتبجيل عظيم وأسندت إليه المناصب السياسية العالية، ولكن هذه الحال لم تدم طويلا إذ سرعان ما

ساورت الشاه الشكوك من نحوه وضاق ذرعًا بسلطانه الآخذ في النمو وشهرته الآخذة في الاتساع، فلم يجد جمال الدين بدا من الرحيل عن فارس متذرعًا باعتلال صحته، فذهب إلى روسيا وهناك دخل أيضًا في مفاوضات سياسية. وبقى في الروسيا إلى أن حلّت زيارته لمعرض باريس الذي أقيم عام 1889 فقابل الشاه، الذي كان في أوربا آنئذ، في ميونخ وأغراه الشاه باصطحابه إلى فارس ولكن جمال الدين استطاع أن يبلو في هذه الزيارة الثانية كيف يتلون الحاكم الشرقي وتتقلب أهواؤه. وقد استبان له ذلك كما لم يستبن من قبل، فقد أولاه الشاه في أول الأمر كامل رضاه وعظيم ثقته، ولكن كبير الوزراء ميرزا على أصغر خان أمين السلطان كان يطوى في صدره لجمال الدين سخيمة من السخائم، كما إنه آنس في شخص هذا العالم الغريب المستفيض الشهرة منافسًا له، فأخذ يكيد له حتى حوّل قلب الشاه عنه مستغلا في ذلك خاصة مشروعًا لجمال الدين في إصلاح القوانين، وأحسّ جمال الدين بالخطر يحدق به فأوى إلى ضريح الشاه عبد العظيم بالقرب من طهران، وكان يعد ملجأ لا تنتهك له حرمة، وأقام به سبعة شهور إلتف فيها حوله فريق من مريديه يستمعون إلى آرائه في إصاوح حال البلاد التي أذلها الطغيان، وظل على ذلك إلى أن استثار كبير الوزراء الشاه فانتهك حرمة الضريح التي كان يرعاه الناس جميعًا، وأنفذ إليه مستهل عام 1891 خمسمائة فارس مسلحين، فقبضوا عليه وكبلوه بالأغلال غير مبالين بضعف صحته، وسيق في عز الشتاء إلى بلده خانقين على التخوم بين فارس وتركية، ثم خرج من خانقين ميمما شطر إنجلترة للمرة الثانية، وتخلّف في البصرة أمدًا قصيرًا، وهناك، أي في إنجلترة، أثار بمحاضراته ومقالاته حملة شعواء على حكم الإرهاب في فارس، على أن طرد جمال الدين على هذه الصورة البشعة كان حافزًا إلى جمع صفوف حزب الإصلاح وباعثًا له على الجهاد العلنى، وهو أمر كان جمال الدين نفسه دائبًا

على الدعوة إليه في رسائله التي كان يبعث بها بعد نفيه إلى الأشخاص ذوي النفوذ، وقد حفز الهمم إلى العمل تنازل الحكومة الفارسية لطائفة من الماليين الإنجليز في مارس سنة 1890 عن حق احتكار التبغ، فحرمت البلاد موردا من موارد الدخل الهامة لصالح المستغلين الأجانب، فانتهز جمال الدين هذه الفرصة وأرسل من البصرة إلى ميرزا حسن شيرازى شيخ المجتهدين في سامراء رسالة مثيرة نبّه فيها الأذهان إلى أن الحكومة الفارسية تبدد موارد الدولة فتغدقها على أعداء الإسلام، ذلك أن المنح الهامة التي كيلت للأوربيين قد كفلت لهم السيطرة الاقتصادية على البلاد، وياليت الأمر وقف عند هذا الحد، بل إن الحكومة شرعت تسلم لهم باحتكار التبغ في فارس، وقد أشار جمال الدين أيضًا إلى سوء الحكم في فارس وقسوته، وخاصة حكم على أصغر خان، وقد استكثر من الضرب على النغمة الدينية لإثارة هذا الشيخ الدينى الكبير وزملائه وحملهم على التدخل باسم الدين تدخلا حاسما (وهذه الرسالة منشورة في المنار، جـ 10، ص 280 وما بعدها، ومترجمة إلى الإنجليزية في Browne: كتابه المذكور آنفا، ص 15 - 21)، وكانت النتيجة المباشرة لسعى جمال الدين أن أفتى المجتهد بتحريم تدخين التبغ على كل مؤمن ما لم تبطل الحكومة اتفاقها الخاص بالتبغ. واضطرت الحكومة إزاء مناهضة الشعب لهذا الاتفاق إلى إلغائه، ودفع تعويض كبير لأصحاب الامتياز، وكان من أثر تهييج جمال الدين للخواطر أيضًا أن اتسع نطاق حركة الإصلاح سريعًا، وظاهرتها الأوساط الدينية في فارس، وأدى تهييجه كذلك إلى قتل الشاه ميرزا محمد رضا بيد تلميذ من تلاميذ جمال الدين في الحادي عشر من مارس سنة 1899. وأقام السيد في لندن فترة قصيرة (1892 م) كان نشاطه السياسي في أثنائها جمًا، وقد بلغته آنئذ دعوة مكتوبة من السلطان عبد الحميد على يد السفير التركى في لندن رسم باشا يطلب إليه فيها الاستقرار في الاستانة ضيفًا عليه، فقبل جمال الدين دعوة

السلطان في شيء من التردد، وأجرى عليه معاش شهرى قدر 75 جنيهًا تركيًا وأنزل بيتًا جميلا على ربوة نشان طاش بالقرب من قصر يلدز السلطانى، وعاش فيه منعمًا كالأمراء يلقى أولئك الذين يلتمسون حديثه الملهم، وقد قضى في هذا البيت السنوات الخمس الأخيرة من حياته "ينعم بآيات من عطف عبد الحميد ورضاه، ويشقى بأحابيل لا تحصى من دسائس كانت تحيكها حوله بطانة السلطان، وكم سعى إلى الاستئذان في الرحيل فكان يرد دائمًا، وعاش في البيت الجميل الذي أفرد له وكأنما كان هذا البيت قفصًا من ذهب": وتلكم حاله بنشان طاش في يونيه سنة 1896 كما وصفها زائر ألمانى، أما الدسائس التي انغمس فيها أعداؤه فيمكن معرفة كنهها من قول جمال الدين نفسه لزائر ألماني آخر: "كان الخديو الشاب عباس باشا قد وفد على استانبول لأول مرة وأراد أن يتعرف إليّ ولكنهم سعوا إلى الحيلولة بينه وبينى، ولا أدرى من قال حينئذ للخديو أننى جريت على الذهاب إلى المياه الحلوة عصر كل يوم، وحضر الخديو إليها، وكأنما ساقته المصادفة إلى ذلك، فأقبل نحوى وقدم نفسه إليّ وتحدثنا ربع ساعة، ونقل ذلك إلى السلطان، وقيل له إن لقاءنا الذي تم مصادفة كان مدبرًا من قبل، وزادوا على ذلك أننى قلت في حديثى مع الخديو إنه الخليفة الحق، ومع ذلك فلم يكن السلطان لتؤثر فيه آنئذ مثل هذه السعاية"، وازداد موقف جمال الدين حرجًا وبخاصة بعد قتل الشاه، ذلك أن خصومه في فارس أذاعوا في الناس أنه هو الذي كان يدبر من استانبول المؤامرة على الشاة، وأنه هو الذي دفع القاتل إلى هذه الفعلة، وكان من أنصاره المخلصين، ولم يكن السلطان ليرضى بتسليم جمال الدين إلى أعدائه، ومع ذلك فإن وشاياتهم به وتقولاتهم عليه أخذت تحدث أثرها شيئًا فشيئًا، وكان أبوالهدى أشد خصومه خطرًا وأوسعهم شهرة، كما كان في الوقت نفسه أعظم رجال الدين في البلاط نفوذًا وأعلاهم كلمة عند السلطان، ولما توفى جمال الدين في التاسع من مارس عام 1897 إثر سرطان أصابه أولًا في ذقنه ثم جاوزها إلى سائر

وجهه- تهامس الناس بأن أبا الهدى قد حرض عليه من دس له السم، وثوى جمال الدين بمثواه الأخير بنشان طاش. ولم يكتب جمال الدين كثيرًا في مسائل الدين الإسلامي والفلسفة الإسلامية على الرغم من تعمقه فيهما، ولنذكر له في هذا المقام رسالته في الرد على الدهريين التي نشرت بثلاث لغات؛ ولجمال الدين أيضًا رسالة موجزة ألم فيها بتاريخ الأفغان وعنوانها تتمة البيان (طبعت على الحجر بالقاهرة طبعة مجهولة التاريخ، ص 45 وما بعدها)، وهو إلى ذلك صاحب مادة البابية في دائرة معارف البستانى، وقد صرف السيد معظم جهده في نشر مقالات سياسية مهيجة للخواطر، ولجمال الدين أثر آخر علاوة على العروة الوثقى، فقد ساهم في إنشاء ضياء الخافقين وهي مجلة شهرية تصدر بالعربية والإنجليزية، وضرب في تحريرها بسهم وافر، فكان يكتب المقالات باسم السيد أو السيد الحسينى، وقد حمل فيها على الشاه أعنف الحملات ودأب على التحريض على خلعه، وندد بوزرائه وسوء حكمهم تنديدًا شديدًا. المصادر: (1) The Persian Rev-: E.G.Browne lution of 1905 - 1909. كمبردج سنة 1910، وفي هذا الكتاب سيرة لجمال الدين مفصلة موثوق بها وتقدير له ومراجع وافية وصورة للسيد في مطلع هذا السفر. (2) وله سيرة تضمنها الجزء الأول من كتاب محمد رشيد رضا في الإمام محمد عبده (تاريخ الأستاذ الإمام) القاهرة 1325 هـ الموافق 1907 م. (3) Vollers في - Zeitschr. du. D. Mor genl، جـ 3، ص 108. (4) Massignon في Revue de Monde Musulman جـ 12 (سنة 1910)، ص 561 وما بعدها. (5) L'Islamisme et al: Ernest Renan Science, محاضرة ألقيت في السربون في التاسع والعشرين من مارس عام

الجمرة

1883, وقد نشر نقد جمال الدين لمحاضرة رينان ورد رينان على هذا النقد في بال وبرنهايم عام 1883، وكتب عن هذا النقد أنه للأفغانى , Scheik Dienzmal Eddins" (! ) وقد نشرت محاضرتان لجمال الدين عن التعليم والصناعة في جريدة مصر (الإسكندرية، 5 جمادى الأولى عام 1296 هـ). ونشرت له أيضًا مقالتان عن الحكومة الإستبدادية في المجلد الثالث من المنار، وثمة مادة غزيرة من مواد سيرته منشورة فيما كتب في المجلات خاصًّا بأحاديث جمال الدين ومقابلاته، ونذكر بصفة خاصة من الأوصاف التي ذكرت عنه في الألمانية المقالتين اللتين نشرتا في Berliner Tage- blatt عدد يونية سنة 1896 (طبعة المساء) وفي BeilaRe zur Alljemeinen Zeitung (ميونخ، 14 يونية سنة 1896) وقد استقينا منهما بعض الشواهد التي وردت في صلب المادة. [كَولدتسيهر I. Goldziher] الجمرة الجمرة في الأصل الحصاة، وهي تطلق خاصة على أكوام الحجارة في وادي منى التي تتجمع من الجمار يرمى بها الحجيج في عودتهم من الوقوف بعرفة. وثمة ثلاث جمرات كل منها على رمية سهم من الأخرى: الجمرة الأولى (أو الدنيا) وهي إلى الشرق بالقرب من مسجد الخُيف؛ والجمرة الوسطى في الوسط؛ وجمرة العقبة عند المخرج الغربي للوادى، وتكتنف الجمرتين الأوليين أعمدة من الحجر الغليظ ويكتنف الثالتة سور، ويطلق اسم المُحَصَّب كذلك على الجمرة، وهو أيضًا اسم واد بين مكة ومنى. ويرمى الحجاج الجمرة الثالثة، أي الغربية: بسبع حصيّات يوم الأضَحى قبل النحر في العاشر من ذي الحجة. وهم يعودون ثانية إلى منى بعد الطواف بالكعبة ويرمون قبل غروب كل يوم من أيام التشريق الثلاثة سبع حصيات على كل جمرة من الجمرات الثلاث. ويقول الحجاج عند رمى كل حصاة "باسم الله، الله أكبر"، وعلى

الحجاج أن يتزودوا قبل ذلك بالجمار، على أن بوركارت Rurckhardt بقول إنهم لا يكلفون أنفسهم هذا العناء لأنهم يستعملون الجمار التي رماها غيرهم. وكان رمى الجمار من الأغراض المحببة التي يقول شعراء الغزل من بنى أمية الشعر فيها، ذلك أن النساء كن إذا رمين الجمرات أزحن النقاب قليلا عن وجوههن (¬1) (انظر كتاب الأغانى، جـ 6، ص 30" ياقوت جـ 4، ص 247؛ الكامل للمبرد، طبعة Wright ص 166؛ س 13، ص 370، س 8 وما بعده). ورمى الجمرات شعيرة لم يُنص عليها صراحة في القرآن، ولكنها ذكرت في سير النبي [- صلى الله عليه وسلم -] وفي الحديث (نظر ابن هشام ص 970؛ الواقدي، طبعة فلهاوزن، ص 417، 728 وما بعدها؛ ابن سعده جـ 3، ص 1، 125، جـ 8 ص 224 وما بعدها) وقيل أنه في أيام الوثنية، كانت لدى الجمرات -كما في رواية ابن هشام- أنصاب مخضبة بالدماء تنحر عندها الأضاحي (¬2) (ابن هشام، ص 534، س 17 حيث يجب أن تكون القراءة الصحيحة في هذا الموضع هي مغرى كما يقول فلهاوزن) (¬3). وانظر أيضًا ما جاء في قصيدة للفرزدق من ذكر للحجارة التي كانت تعبد في المحصب (ديوان الفرزدق، طبعة , Boucher، ص 30). ¬

_ (¬1) لا ندرى ما علاقة أبيات من شعر الغزل يقولها شاعر كمجنون ليلى أو عمر بن أبي ربيعة بشعيرة من شعائر العبادة في الحج، والشعراء يتخيلون فيقولون وقد لا يكون لما يتخيلون شيء من الواقع. ثم أن الكاتب يزعم "أن النساء كن إذا رمين الجمرات أزحن النقاب قليلا عن وجوههن" مع أن إحرام النساء في الحج إنما يكون بكشف الوجه، لا يجوز لها أن تغطى وجهها إلا لضرورة. على ما هو مفصل في كتب الشريعة. (¬2) ليس رمى الجمرات من آثار الوثنية كما يظن كاتب المادة. وإنما كانت شعائر الحج قديما في دين إبراهيم. وبقيت منه بقايا توارثها العرب ودخلها كثير من التحريف، وشابها ما شابها من أعمال الشرك والوثنية. فلما جاء الإسلام أعاد شعائر الحج عبادة خالصة لله وحده، والإسلام دين التوحيد، وكان رسول الله [- صلى الله عليه وسلم -] يحرص على أن لا يدخل على المسلمين في عملهم وقولهم واعتقادهم شيء من شائبة الإشراك بالله، حتى نهاهم عن اتخاذ القبور مساجد، حتى نهاهم عن دعاء غير الله وحتى جعل كل عمل لم يكن خالصًا لله وحده نوعا من الشرك، كما في الرياء مثلًا. فليس من المعقول أن يأمرهم بهذا ويعلمهم اياه، ثم يشرع لهم شعائر من بقايا الوثنية! ! (¬3) أخطا فلهوزن فيما قرر من تصويب قراءة الكلمة، فإن عجز البيت الذي يشير إلى الله في سيرة ابن هشام * وأنصاب لدى الجمرات مغر * والقصيدة كلها مكسورة الراء، وقد فسر الكلمة أبو ذر الخشنى في شرح السيرة الذي نشره بولس بزونلة بالقاهرة (مطبعة هندية سنة 1329 هـ) ج 1 ص 201: قال وقوله مغر: هو جمع أمغر، وهو الأحمر يريد أنها مطلية بالدم، ومنه اشتقاق المغرة بفتح الغين وسكونها، وهي التربة الحمراء". وليس في البيت إلا إشارة واحدة إلى ما كان في الجاهلية من أعمال وثنية أبطلها الإسلام.

ولاحظ بوركارت أن الغرض الذي رمى إليه المسلمون من الشعيرة هو حماية أنفسهم من الشيطان، وقد أصاب بذلك كبد الحقيقة من حيث أن الرمي بالحصى كان يعد أصلا في بلاد العرب -كما في غيرها - شعيرة تقوم على صب اللعنات (¬1). وليس بواضح المقصود بهذه اللعنة، ويذهب فإن فلوتن إلى أنه شيطان المكان مستذكرًا في ذلك الرواية التي ذكرها ابن هشام (ص 300، س 8) أما هوتسما فيقول- تمشيا مع رأيه في أن الحج كان في الأصل من مناسك الخريف- أن المقصود باللعنة والطرد هو الشمس، وكان العرب يسمونها أحيانا الشيطان (انظر Abhandlungen Z. Arab- Philo: Goldziher, ج 1، ص 113). وإنما يكون الفصل في هذه المسألة- بطبيعة الحال- عند مناقشة موضوع الحج بأسره. والاقتصار في يوم النحر، وهو يوم عيد الأضحى. على رمى جمرة العقبة في حين لا ترمى الجمرتان الأخريان إلا في المناسك الأخيرة من الحج، يوحى بأن هاتين الجمرتين ليس لهما إلا أهمية ثانوية، ويعزز هذا الرأى أيضًا وصف الواقدي (طبعة فلهاوزن، ص 417) لحجة أبي بكر، على أنه يجب علينا ألا نغفل أن ذكر الحجارة التي يضحى عندها إلى جانب الجمرات ليس مقصورًا على بيت الشعر الذي أورده ابن هشام، وقد ذكرناه آنفا، بل إن حسان بن ثابت يطلق في إحدى مراثيه للنبي على جمرة العقبة اسم الجمرة الكبرى، وهذا يدعو إلى الظن بوجود جمرات أخرى (انظر سيرة ابن هشام، ص 103، س 17. المصادر: (1) Arab. Lex.: Lane جـ 1، ص 453. (2) المقدسي: المكتبة الجغرافية العربية، جـ 3، ص 76. (3) البكرى: Gerogr. Worterbuch طبعة فستنفلد، ص 245. (4) معجم البلدان لياقوت، طبعة فستنفلد، جـ 4، ص 246 وما بعدها، 508. ¬

_ (¬1) هذا لا أصل له. ورمى الجمرات شعيرة من شعائر العبادة فقط، كما قلنا، ولا يضير ذلك كلمات تفلت من بعض الشعراء أو في بعض القصص، قد يكون المراد بها معنى مجازيا. ولم يرد في السنة الصحيحة تعليل لمثل هذه الأعمال التعبدية، إنما هي عبادة فقط، يؤمر بها المؤمن ويجب عليه الطاعة، طاعة ربه وحده. ثم أن ما أتى به الكاتب بعد ذلك لا يقدم ولا يؤخر إذا نظر إلى هذه العبادة النظرة الإسلامية الصحيحة.

جمع

(5) البخاري كتاب الحج، باب رمى الجمار. (6) جامع الترمذي، طبعة دهلى سنة 1315 هـ، جـ 1، ص 109 وما بعدها. (7) الأزرقي، (طبعة فستنفلد: Chro- niken der Stadt Mekka جـ 1، ص 402 - 405). (8) Reisen in Arabien: Burchkardt . ص 414 وما بعدها. (9) Pilgrimage: Burton؛ فصل 28. (10) Het Mek-: Snuck Hurgronje kaanischek Feesi، ص 195 - 161، 171 وما بعدها. (11) V. Vloten في Feestbundel aan de Goeje سنة 1891، ص 33 وما بعدها وفي Wiener Zeitschr.f.d. Kunde des Morgen جـ 7، ص 176. (12) Houtsma في Verslanen en Med- edeelingen d. Kon Akad. V.Wetensch 1904. جـ 6، ص 145 وما بعدها. (13) Reste Arab. Hei-: : Wellhausen dentums الطبعة الثانية، ص 111. (14) Handbuch des Is-: Juynboll damischen Gestzes ليدن سنة 1910 ص. 155 - 157. [بول Fr. Buhl]. جمع تهدف هذه المادة إلى أن توضح أفكارًا عامة، وأن تظهر النظام الذي يندرج تحت التعبير النحوي للجمع واسم الجمع في العربية. وتميز اللغة العربية بين: 1 - المفرد؛ 2 - المثنى، 3 - الجمع 4 - اسم الجمع. وقد بذل النحاة العرب اهتمامًا كبير، بالأنواع الثلاثة الأولى: ا- المفرد الواحد؛ والمفرد يستعمل للاسم بمفهومه البسيط) في مقابل المركب الذي يطلق على الإسم المركب) كتاب المفصّل (فقرة 4)، ولكنه يستعمل أيضًا للمفرد، وكذلك فرد 2 - المثنى المركب من فردين؛ 3 - الجمع لمجموعة من ثلاثة أو أكثر مع تقسيمات فرعية: الجمع السالم، والجمع المكسر. أما فيما يختص باسم الجمع فليس ثمة كلمة

متفق عليها للتعريف به، وأما فيما يختص بالاسم المفرد فقد ميزوا بين: اسم الجنس الذي يعبر عن معنى الموحدة ويتكون بإضافة التاء المربوطة في آخره مثل "تَمْر" والمفرد "تمرة"، وبين "اسم الجمع " الذي يدل على الجماعة، ولكن ليس له اسم الموحدة أو غير ذلك من الأوزان التي تصوغه صياغة غير ما أسلفنا، وهو يتجرد من اسم المفرد مثل "قوم " وإن كان اسم الموحدة يتحصل بكلمة أخرى مثل: "إبل"، والمفرد "بعير" أو بوزن آخر من الجذم نفسه مثل "رَكْب " والمفرد "راكب". ملاحظة: درس أ. فيشر (A, Fischer: -Die Terminologie der. arabischen Kol lektinnrmnina في مجلة Zeitschr, der . Deutsch murgerl. Gesells , سنة 1940. ص 12 - 24) "شبه الجمع" بمعني "اسم الجمع" والجمع "أشباه الجمع" وهما مصطلحان حديثان (أخذا من صاحب "بحث المطالب") شائعان في علوم النحو عند الأوربيين، ولكن يجب إهمال هذين المصطلحين، ويمكن رد "أسماء الجمع" إلى ابن يعيش (مثال ذلك، ص 732. س 6؛ وانظر "أسماء الجموع" في المفصل، فقرة 285). وقد أدى اسم الجنس (اسم الجمع) إلى مشاكلة باسم الجنس (الاسم العام). وكان الأشمونى المتوفى سنة 900 هـ (1494) قد عزف في زمانه اسم الجمع باسم الجنس الجمعى، وهو مصطلح شائع الاستعمال اليوم في مصر على ما يقول فيشر (ص 20). أولًا- الجمع السالم 1 - الجمع السالم للعقلاء: (أ) بسبب تكوين اسم الفاعل واسم المفعول من أوزان مأخوذة من أفعال غير قابلة لأن تجمع جمع تكسير، فهما يجمعان بالضرورة جمعا سالما ما دام الأمر يتصل بالعقلاء: مُفَعِّلون، مُفعَلِّات إلخ؛ أما الوزن الرابع: مُفْعَل فإنه يمكن أن يجمع جمع تكسير، ولكن المرء لا يجد إلا قليلا من الشواهد على هذا (المفصّل، فقرة 252)، ويكون الجمع السالم هو المناسب لذلك. أما أوزان فَعَال وفَعيَل، وفُعَّال (مع استثناء واحد للقاعدة، انظر المفصل، المصدر المذكور)

فإنها لا تجمع إلا جمعا سالم للعقلاء. وكذلك الصفات الموصولة فيقال "مصريون" و"مصريات" وهذه التركيبات مطردة. (بـ) والجمع السالم للعقلاء هو الجمع الصحيح لفاعل ومفعول (اسم الفاعل واسم المفعول اللذان هما "الصفة" عند نحويى العرب بالضبط)، وذلك عن طريق وبسبب القيمة الفعلية التي يحتويانها في نظر هؤلاء النحويين؛ ويصدق هذا عليهما باعتبارهما من أسماء الأفعال. وبقدر ما يصبحان من الأسماء فإنهما يبتعدان من ثم عن أسماء الأفعال ويمكن أن يجمعا جمع تكسير. وهذه هي القاعدة التي تنجم من شرح ابن يعيش (ص 625، وخاصة س 14 - 19) لموضوع جمع المذكر السالم (مع استثناءات أوردها المفصل، ص 247 و 252؛ وانظر أيضًا شرح الشافية، جـ 2، ص 116، س 9 وما بعده). (جـ) ويمتد ذلك إلى "الصفة المشبهة" والأوزان: فَعْل، فعْل، فُعْل، فَعَل، فَعل، فَعُل، فُعُل (المفصل، فقرة 239؛ ابَن يعيش، ص 625، س 24؛ وانظر أيضًا ابن يعيش، ص 626 - 628) هي شواهد وحالات لجمع التكسير. أما عن الصفات العدة التي تأتى فيها حركة ممدودة بعد الجذم الثاني الساكن (مثل فَعول) فإن جمع التكسير هو المناسب لها (على خلاف الشواهد السابقة). ويمكن أن يأتي الجمع السالم، وخاصة في حالة وزن فَعيل للمبنى للعلوم (كريمون، كريمات) تمييزًا له من وزن فَعيل للمبنى للمجهول، فإنه لا يجمع هذا الجمع فيما يتصل بالعقلاء (انظر عن وزن أفْعَل: المفصل، فقرة 249). وهذا الموجز يكفى لإظهار نظرة العرب، ويبقى أن نستعين بالرسائل فنعرّف ما اصطلح عليه الكتاب أنفسهم وخاصة لمؤنث السالم لغير العقلاء مثل "وقدور راسيات" (القرآن، سورة سبأ، الآية 13)، و"في أيام معدودات" (القرآن، سورة البقرة، الآية 203). وهذه الشواهد ليست شائعة، بل هي أقل شيوعًا من جمع التكسير (مثل "أيام قلائل"). ويجمع اسم المؤنث المفرد غير العاقل: "فاعلة" و"مفعولة" جمع تكسير

مثل "فائدة" وجمعها "فوائد"، و"مقصورة" وجمعها "مقاصير"، ولا يثير هذا آية مصاعب. ويبقى أن ندرس الجمع السالم للأسماء التي هي أسماء فحسب (ويدخل في ذلك أسماء الأعلام). وهذه الصعوبة التي لاحظناها آنفا بالنسبة للعقلاء قد نشأت على وجه الدقة من "الصفة" التي يمكن أن تصبح "اسما". ب - الجمع السالم للأسماء وأسماء الأعلام. (أ) أسماء الأعلام: إن مسألة العقلاء تؤثر بطبيعة الحال في استعمال جمع أسماء الأعلام والتصغير أيضًا. أما بالنسبة لجمع أسماء الأعلام فإن سيبويه (جـ 3، فصل 350) يترك للمرء الاختيار بين جمع التكسير والجمع السالم حين يكون الاسم قابلا لتكوين هاتين الصيغتين، مثل زيد (اسم علم مذكر) فإنه يجمع على "زيدون" و"أزياد"، و"زيود"؛ أما هند (وهو اسم علم مؤنث) فإنه يجمع على "هندات" (في لغة تميم) أو "أهناد" ولكن الجمع يكون بالألف والتاء المفتوحة لجمع أسماء الأعلام التي تنتهي بالتاء المربوطة، مثال ذلك: طلحة فإنها تجمع على "طلحات" (وهي في قول البصريين من مسائل الخلاف، ابن الأنبارى: كتاب الإنصاف، طبعة Weil. ص 18 وما بعدها). وفيما يختص بالتصغير (مثل شويعر تصغير شاعر)، فلمذكر العقلاء: شويعرون، وشويعرات للمؤنث، وتستعمل الألف والتاء المفتوحة في جمع التصغير لغير العقلاء، فيقال في كتاب، وتصغيره كتيّب: كتيبّات. (ب) الأسماء التي هي أسماء خالصة، فإن عددًا قليلا منها يعود إلى لاحقة الواو والنون: فالأسماء الثنائية مثل سنة تجمع على "سنون " وبعض الأسماء الذاتية مثل عالم تجمع على عالمون. واللاحقة الألف والتاء المفتوحة أكثر شيوعًا في الاستعمال، وهي تلحق بما يأتي: 1 - الأسماء المؤنثة التي تنتهي باللاحقة ألف وهمزة أو بألف مقصورة، فصحراء تجمع على "صحراوات"، وذكرى تجمع على ذكريات.

2 - أسماء الحروف الأبجدية، فألف تجمع على ألفات. 3 - أسماء الشهور الإسلامية، فرمضان تجمع على رمضانات. 4 - مصادر الأفعال المشتقة من أوزان الفعل المستعملة أسماء: فتعريف تجمع على تعريفات. 5 - الأسماء الدخيلة: فاصطبل تجمع على اصطبلات، وكذلك ألقاب الرجال، فباشا تجمع على باشوات. واللغة الحديثة لا تزال تحمل هذا النهج مثل تليفون وتجمع على تليفونات. 6 - الأسماء الثنائية: فسنة تجمع على سنوات، ثمة بعض الشواهد المتفردة بعضها كالأسماء المؤنئة: أرض وتجمع أرضات، وغيرها مذكرة مثل جماد وتجمع على جمادات. 7 - ويمكن أن ندخل في ذلك استعمالا خاصًّا هامًا هو أن اسم الفاعل واسم المفعول من جميع أوزان الفعل، والصفات التي تنتهي بالألف والتاء المفتوحة تعد في حالتها بين بين، مثل "الصالحات" (القرآن، سورة البقرة، الآية 25 و 82 - الخ)، و"السيئات" (القرآن، سورة النساء، الآية 18؛ سورة الأعراف، الآية 153 الخ)، و"المخلوقات، الخ ولا يزال هذا الاستعمال قائمًا في العربية الحديئة مثال ذلك "المشروبات، وغيرها. وصفوة القول أن الجمع السالم للعقلاء هو الجمع الصحيح للصفات الموصولة، ولاسم الفاعل والمفعول لفاعل ومفعول، ومُفْعَل (زد على ذلك أيضًا الأوزان التي لا تقبل إلا جمع التكسير) من الأوزان فَعْال وفَعيل، وفُعّال. أما الصفات ذات الحركة القصيرة والحركتين فإن جمع التكسير هي الصيغة المتعارف عليها (القياس) ولا ينسحبّ ذلك إلى الصفات الأخرى القابلة لمزيد من التغير. ومع الأسماء، فإن وصف العقلاء لا ينطبق إلا على أسماء الاعلام وصيغ التصغير. وفي هذه الدراسة الخاصة للعقلاء نجد الإشارة إلى فئة حقيقية تفعل فعلها في العربية الفصحى، وقد كان من الضروري أن نقررها.

ب- الجمع السالم، والجمع للأعداد القليلة (جمع القلَّة). ومن الأشياء التي يؤكد عليها النحويون العرب أن الحمع السالم هو جمع قلة (المفصل، فقرة 235، ابن يعيش، ص 611 - 612؛ وهذه الخاصية يمكن أن تمتد بأثرها إلى السابقة). ومن ثم فإن ثمة طريقة لأن نشرح، في بعض الحالات، وجود الجمع السالم مع جمع التكسير جنبا إلى جنب بالنسبة للكلمة الواحدة، مثال ذلك: قريات (جمع قلة) وقرى (جمع كثرة) والمفرد قرية. وهذا فيما يظهر يلاحظ بخاصة في جمع المؤنث السالم المنتهى بالألف والتاء المفتوحة، وأنه كان له من قبل) أثر في اللهجات؛ فجمع القلة الذي وصفه ستكليف (E.F. Sutctiffe في. A. Grammar of the Maltese Language، لندن سنة 1936، ص 36) من هذا النوع، وسوف نعود مرة أخرى لمسألة الأعداد القليلة فيما يتصل بجمع التكسير. ثانيا- جمع التكسير نصادف جمع التكسير يأتي عرضًا (كشأنه الذي لا يزال تحت الدرس) في اللغات السامية الغربية في الشمال) ى في العبرية الآرامية) (. Brockelmann: Precis، فصل 165). واللغات السامية الغربية في الجنوب هي التي استخدمت هذا النهج، وخاصة العربية) (لم يرد في Geeg إلاصيغ عشر فحسب من جمع التكسير)، ولكن من أين تشتق جموع التكسير هذه؟ أهى جمع مفرد يعقب صلة خاصة ببنية الكلمة؟ أم هي كلمات مستقلة إنما الرابطة بينها هي الرابطة البسيطة التي تكون بين المفرد والجمع وهذه الصلة المتعلقه ببنية الكلمة لا يمكن تقريرها: حتى في حالة المفر د " فُعْلة " وجمعها "فُعَل" فإن المسألة ليست واضحة ونحن نشاهد أن بعض جموع "فُعْلان" قد حصلت من لاحقة هي الألف والنون * × أخوان > إخوان> * جاران > جيران، ولكن الكلمات التي تجمع على هذا النحو تغيب في ثنايا حشد من جموع التكسير للوزن فعْلان مستقلة عن المفرد. ومن ثم اتخذَ كثير من المستشرقين الموقف الثاني (انظر Mominallildung: Barth ص 417 - 418). ونخرج من هذا بأن جموع التكسير ينظر إليها على ضوء

أنها مشتقة من أسماء جمع تتصل بكلمات مجردة (وقد عزز M.Bravmann في Orientalia، ج 22، سنة 1953، ص 7 - 8 الرأى المعارض لذلك ولكن قوله غير مقنع). وجموع التكسير أسماء جموع وضحها الجمع وهو أسماء جموع عبرت عن حشد، وبهذا الاستعمال للجمع أصبحت المشخصات متميزة في الحشد (انظر ما يلي رقم 3). ويمكن إحصاؤها (أي يمكن إحصاؤها بدقة يحسب الأرقام المختلفة) أو بقيت على خلاف ذلك مجرد عدد غامض غير محدد، ونعنى بذلك صيغة منتهى الجموع. والعقل البشرى يستطيع في يسر أن ينتقل من مرحلة اسم الجمع إلى صيغة منتهى الجموع، ذلك أنه مع كون هذا الجمع جمعًا حقيقيًّا، فإنه يستبقى عنصرًا دقيقًا من الجمع الأول بغموض وعدم تحديد المفردات التي يحتويها. وهذا يفسر كيف يتأتى في العربية أن ينظر المرء إلى الكلمة الواحدة دون وقوع تغيير في تركيب بنيتها من الداخل أو من الخارج، مرة على اعتبار أنها اسم جمع ومرة أخرى على اعتبار أنها صيغة منتهى الجموع. وقد ساق رضي الدين الاستراباذى (شرح الشافية، ج 2، ص 196، س 1 - 3) مثلًا طيبا على ذلك حين قرر في وضوح) أن "ملسم الجنس" (بمعنى اسم الجمع) للاسم المفرد المنتهى بألف وتاء مربوطة يجمع باللاحقة) ألف وتاء مفتوحة للأعداد القليلة ويستعمل الصيغة نفسها من غير اللاحقة الألف والتاء المربوطة للعدد الكبير، مثال ذلك نملة، فإنها تجمع نَمْلات (للعدد القليل) ونمل (للعدد الكبير). هذا هو المثل الذي ضربه (شرحه المذكور) ولو أن ثمة جمع تكسير للعدد هو نمال. وهذا التصور لمنتهى الجموع للعدد الغامض من المفردات يضيف عنصرا من التوضيح في هذا المثل وفي غيره مثال ذلك قوم (انظر ما يلي)، والجمع الصحيح يقيم صلة ومرحلة انتقال بين اسم الجمع والجمع. ويظهر لنا أن الصلة بين أسماء الجمع وأسماء المعاني لا يمكن إنكارها،

فاسم الجمع في طريقه لأن يصبح كلمة مجردة (ولا يمكن التوسع في ذلك هنا؛ انظر بحثى Traite، فصل 71)، وعلى العكس من ذلك الكلمة المجردة التي تصبح اسم جمع مثل "شباب" (وهي كلمة مجردة) و"شباب" (اسم جمع). ويثبت من ذلك أن اسم الجمع هو الصلة بين الكلمة المجردة وجمع التكسير، ولكن ليس كل الجموع تشتق من كلمة مجردة , أيمكن من ذلك أن ينكر المرء على اللغة الخلق المباشر لأسماء جموع الحشود الطبيعية تقابل أسماء المفردات للدلالة على أعداد قائمة بذاتها في هذه الحشود؟ ومن الخير ونحن بصدد جمع التكسير أن ندرس تعقد اسم الجمع الذي يشتق منه جمع التكسير، وهو تعقد يزيده تعدد أوزان أسماء الجمع التي دخلت في جمع التكسير. ونحن نتساءل كيف تقررت العاوقة بين المفرد والجمع في جموع التكسير؟ لقد اتبعت قياسات معنوية مثل "فعْلَة" للحيوانات، وقياسات بنائية مثل ما يعرف بجمع الرباعيات، وتوسعات صرفة أيضًا قيست على الشيوع البسيط للوزن. وكل ذلك قد أختلف من إقليم لغوى إلى آخر إما بتغيير حدث في أزمنة مختلفة أو في زمان واحد على امتداد رقعة الجزيرة العربية المترامية الأطراف. ووراء جموع التكسير تاريخ طويل معقد ليس لدينا بعد الوسائل للكشف عنه. ففي العربية الفصحى تبدو جموع التكسير حصيلة صيغت على النسق العام للتغيير الداخلى في بنية الكلمة. وثمة طريقة جيدة للدخول في هذه المسألة هي دراسة هذه الحصيلة في إطار التغير الداخلى في بناء الكلمة، بحسب المجموعة التي تتناول وذلك باتباع قاعدة أولية والتوسع فيها واتخاذ ذلك ضربا من الإلمام بالموضوع. وما من شك في أن الإلمام يبسط ويهمل التيارات المتعارضة، ولكننا لا نستطيع أن نجرده من كل قيمة في استحداث تصنيف منهجى يقوم على التطور العام للغة. وعلى هذا النحو يستطيع المرء أن يميز أربع مجموعات رئيسية تنمو من

داخلها بحسب مد الحروف، والتغيير الداخلى للساكن الجذمى الثاني أو باستعمال البادئة. مجموعة (أ): فِعِلَ، فعال، فعالة (فعال+ ة)، أفعال (= ا = فعال، أو فعال > * / عال > أفعال، انظر ما يلي)، فعْلَة (= فعال+ ة أو التركيب الثانوى المناظر لفعال). مجموعة (ب): فُعْل، فُعُل، فُعول، فُعو لة (فعول+ ة) أفْعُل (= * ا+ فعل)، فُعْلان (فُعْل+ أن). مجموعة (ج): فِعْل، فعل (وهذه ليست إلا أسماء جمع)، فعلة (= فعل+ ة) أفْعلَة (= * ا + فعل+ ة)، أفْعلاء) = * ا + فِعِل+ اء) فِعْلَانَ (- فِعْل+ أن). مجموعة (د): فُعَل، فُعَلة (= فُعَل+ ة) فُعَلَة (= فُعَل+ ة)، فَعَلاء (- فعل+ اء)؟ فُعَّل، فُعَّال. ويخرج من ذلك: فَعْلى (= فعل+ ى)، وفَعَلَة (والراجح أنها: فَعْل+ ة)، وسنتناول جموع التكسير للرباعى بعدُ. ولكن فَعَل مثل خَدَم هو اسم الجمع وكذلك فعيل (مثل حمير)؛ وفَعَل للمفرد فَعْلَة (مثل حلقة وتجمع على حلق) هو أيضا اسم الجنس. أما فيما يختص بفُعَل (والمفرد: فُعْلَة)، وفُعَل (والمفرد: فعْلَة) فإن النحاة العرب يسلمون بلا جدال بأنهما من جمع التكسير، وتنشأ هنا مشكلة فيما يتعلق بتطور هذين الوزنين: فُعَلات، وفعَلات. ترى أيعد ذلك جمع الجمع؟ (حَل بروكلمان Grundriss: Brocklmann، ج 1، ص 430، ملحق 2) أم تراه مجرد جمع سالم لفُعْلَة، وفعْلة (مع حركة إضافية تلحق بالجذم الساكن الثاني: انظر s Noeldeke في Zeitschrift Fuer Assyriologie ج 18، ص 72). وقد اقترح نحاة العرب الحل الذي اصطنعه بروكلمان، وينكر ابن يعيش هذه الأقوال (ص 630، س 6 - 8): ويقول إن فُعَلات وفعَلات التي تستعمل للعدد القليل (¬1) لا يمَكن أن تكون جمع الجمع، وهو نوع من الجمع يصح للعدد ¬

_ (¬1) ابن يعيش يعتمد في حججه على إمكان القول: "ثلاث ركبات"، وهذا ليس هو التركيب المالوف. ويذهب كتاب، شرح الكافية" لرضى الدين الاستراباذى (ج 2، ص 139، طبعة الاستانة، سنة 1275 هـ) أن السنة الجارية هي استعمال جمع التكسير وليس الجمع السالم للأعداد من 3 إلى 10.

الكبير. ويمكننا أن نناقش هذه المسألة من بعد، فالموقف ليس واضحا، ولكن الحل، فيما يرجح، يلتمس في اتجاه الجمع السالم البسيط. جمع التكسير للقلة هناك تفرقة بين الجمع للعدد الكبير والجمع للعدد القليل (ويدخل في ذلك الأعداد من 3 إلى 10) فيما قال به نحاة العرب بصفة عامة (انظر مثلًا: المفصَّل، فقرة 235)، ولم يبتدع النحاة ذلك، ولكن إلى أي مدى حددوا ما كان استعماله مرنا، أو فرضوا تفرقة تنأى عن لغة الحديث التي لم تبق إلا في مأثور اللغة الرفيعة (الشعر)، هذا مالا نستطيع أن نقطع به. ولا شك أن دراسة استعمال الكتاب المختلفين سيأتي لنا بنتائج هامة، ونحن نعلم من قبل أن الشعراء لم يسيروا دائما على القواعد. ثم إن اللغة نفسها لم تزودنا دائما بالسبيل إلى ملاحظة هذه الجموع، مثال ذلك: قلم، فإننا لا نجد له إلا جمعًا واحدًا وهو أقلام (جمع العدد القليل)، وكذلك رسن وتجمع أرسان، وعلى العكس من ذلك فجد أن "رجل" تجمع على "رجا"، و"سبع" على "سباع" دون اللجوء إلى جمع العدد القليل (بحسب قول ابن يعيش، ص 612، س 14؛ فهو مثل سيبويه لا يميز أي جمع إلا سباع، انظر لسان العرب، ج 10، س 16). وما يعرف بجموع التكسير للرباعى عاجزة عن التعبير عن هذه التفرقة، مثال ذلك: "بُرْثُن" فهي تجمع على "براثن" (لجمع القلة وجمع الكثرة). ويستطيع المرء من هذا كله أن يتبين أن ثمة تغييرًا كبيرًا يطرأ في الاستعمال. ويبقى لنا أن نقول إن نحاة العرب قد قدموا للعدد القليل الأوزان: أفْعال، أفْعلُ، أفْعلَة (مع الاقتران كثيرًا بفعَال ثمُ فعال، ثم فعْلان للعدد الكبير)، وفعْلَة (وقلما تستعمل)، هذا بالإضافة إلى الجمع السالم الملاحظ فيما سلف. وهذا التقسيم الفرعى لجمع التكسير مشهور. وبصرف النظر عن "فعْلة" التي ذكرناها أخيرًا، فإن الأوزان الأخرى (لجمع لقلة) لها خاصية دخول الهمزة في أولها. ويبدو لي أن هذه الهمزة ليست مقطوعة الصلة بمدلول قلة العدد،

وهي تفعل فعلها بالمعنى اللغوي بادئة تدخل في تكوين الكلمة (على أن "أفْعلاء" لا تعد جمع قلة). وقد عدَّها بارث من قبل (Nominalbildung: Barth، ص 422، س 16 - 17) "الأداة الخاصة لصيغة الجمع"، ولكنه لم يهتد إلى كيفية تفسير أصلها الدقيق. والظاهر أن الأمر يقتضي قيام بحث يفصح عن إمكان أن تكون الهمزة، التي هي أصلا حركة بادئة (في فعال > * فعال > أفعال) أصبحت من بعد همزة تتدخل في تكوين الكلمة قادرة على التعميم والامتداد إلى الأوزان الأخرى. ما يسمى بجموع التكسير للرباعى سنتناول ما يعرف بتركيب الرباعي تناولا مستقلا عن غيره، والواقع أن له خاصية ينفرد بها، فهو لا يشمل فحسب الرباعي بالمعنى الصحيح مثل "عَقْرَب"، بل يشمل أيضًا كلمات ذات ثلاثة حروف جذمية ساكنة يضاف إليها بادئة أخرى مثل "مَكْتَب" أو كلمات أخرى كثيرة ذات حركة ممدودة بعد الحرف الساكن الجذمى الأول أو الثاني مثل "فارس" و"عجوز"، وهكذا يصبح المصطلح "رباعى" غير صحيح، ولكنه مفيد، وهو- في الحق- لا يحدث أي التباس في مدلوله. وهذا الوزن من جمع التكسير له نمط واحد مفرد أي (يدل على الثلاثة أحرف الساكنة بالنقط): الفتحة، والألف، والكسرة، ويتبع التصريف الثاني (مسألة خاصة) وإذا طبقناه على الشواهد التي سقناها آنفا فإن القاعدة تكون: عَقَارِبُ، مَكاتِبُ، فَوَارسُ، عَجائزُ. وله تلك الميزة الكبيرة المعهودة وهي أنه في إمكانك أن تحدس النتائج في أغلب الحالات، على حين أن الأوزان الأخرى (المذكورة بالترتيب آنفا) لا تتيح لك في أغلب الأحيان إلا وزنًا أو وزنين لجمع التكسير في مفرد واحد، فيضيق المجال أمامك فلا تعرف كل كلمة إلا بجمعها. وهذه خاصية متفردة، وهي بلاشك ذات أصل فريد أيضًا، ولكن ما هي؟ إن بروكلمان (Brockelmann في Grundriss، ج 1، حاشية 434)، قد عجز في ذلك الوقت عن أن يجد أي تفسير لذلك، واقترح برافمان (M. Bravmann في Orientalia، المصدر المذكور، ص 20)

حلا صوتيا مبتدئا بأفعَالت المشتقة من فَعالة، وهذا الحل ليس مرضيًا فيما يظهر؛ ويمكن استعمال فعال، ولكن على نحو آخر، وذلك في حل سأصفه في إيجاز شديد هنا ولكنى سأتوسع فيه من بعد، وهو يقوم على هذه الخطوات: اتخاذ الوزن فَعال (اسم الجمع) للرباعى قياسا على الوزن فُعَيل (للتصغير) الذي يصبح "فُعَيلل" للرباعى، واتخاذ وزن " فُعال " الذي يصبح "فُعالل" (حتى للجذوم الرباعية للنمط 1212)؛ وهكذا يصبح وزن "فَعَال" (اسم جمع) "فَعالل" (اسم جمع). وهذا يزودنا باسم جمع للرباعى ويجعل من المستطاع في هذا النسق، أن تمثل الحيوانات التي لا تفتقر العربية إلى مدلولها بالاسم الرباعي. ومن ثم كان من المستطاع بالمعنى اللغوي تفسير "فعالل" بأنه قد زيد عليها الألف في بنيتها وهي خاصية تنتقل إلى غيرها، مثل وزن "فَعْلى" وهو اسم جمع (ومن ثم جمع تكسير لفَعلان) فإنه يمكن أن يصبح "فعاليَ " مثل كسلان وجمعها كسلى وكسالى؛ ولذلك فإن وزن " فَعالى" يفتح طريقا للانتشمار. وكان من اليسير اشتقاق جمع التكسير من اسم الجمع. صور مختلفه: "فَعاليلُ" حين يشتمل الاسم المفرد الرباعي على حركة ممدودة في المقطع الثاني: عصفْور وتجمع على عصافير؛ "فَعَاليلُ" وهو تركيب مناظر ثانوى لي"فَعاليلُ" يستعمل بخاصة في حالة الأسماء الدخيلة الأصل، مثل "تلميذ" وتجمع على "تلاميذ"و" تلامذة". 3 - اسم الجمع من المهم أن تكون لدينا فكرة واضحة عن اسم الجمع. وأسماء الجمع ليست جموعا، ذلك أن الجموع تدل على جماعة من المخلوقات أو الأشياء المتميزة، أما أسماء الجمع فإنها على العكس من ذلك تدل على قدر أو مجموع من أشياء عدة مأخوذة من الوحدات المكونة لها (انظر Lexique de la tenninologie linguislique بقلم - J. Ma rouzeau، باريس سنة 1933، ص 144، 145). واسم الجمع هو الحشد الذي تطمس فيه الشخصية المستقلة لتلك

الأشياء التي "حشدت بعضها مع بعض" وهذا الحشد هو الذي نتصوره والذي يكون ضربا من المفرد كأنما هو وحدة، واسم الجمع الذي ينظر إليه هذه النظرة دون سواها لا يمكن الجمع إحصاؤه إلا إذا أراد المرء أن يدل على جمعية الموحدة التي تمثل الحشد المكون لعناصر هذا الجمع، وإذا أمكن إحصاء اسم الجمع ليدل علي جمعية الحشد فإن ذلك يكون دليلا على أن اسم الجمع لم يعد يدخل في فئة اسم الجمع بكونه جمعا، ذلك أن الشخصية المستقلة للأشياء المحشودة بعضها مع بعض قد أصبحت مميزة (انظر ما ذكرناه عن صيغة منتهى الجموع) ". شرحنا في أول هذه المادة مصطلح العرب، ويبقى لنا بعد ذلك أن ندرس مسألة الجنس وتوزيع اسم الجنس على حشود العقلاء. قلما يتكون اسم الجنس (اسم الموحدة المنتهى بالتاء المربوطة) للحشد الطبيعي من غير العقلاء (مثل نخل جمع نخلة) إذا قصد به الأشياء التي يصفها الإنسان. والجنس يمكن اعتباره مذكرا أو مؤنثا وفقا لما جاء في القرآن مثلًا (سورة القمر، الآية 20؛ سورة الحاقة، الآية 7). وهذا هو ما قال به المفصَّل (فقرة 271) (وابن يعيش) ص 701، س 20 - 22) على أن الذي جاء في شرح الشافية ج 2، ص 195، س 2 - 3) أن المذكر هو الغالب. واسم الجنس (اسم الموحدة المنتهى بالياء المشددة المكسورة) يكون للعقلاء (مع استثناءات نادرة جدا) مثل يهود جمع يهودى. ولا تناقش كتب النحو مسألة الجنس. والذي جاء به القرآن أن الجمع يهود يستعمل جمعا مذكرًا أو مؤنثًا مفردًا (مثال ذلك الفعل الذي يسبق اليهود: "قالت اليهود"). واسم الجمع من غير اسم الفرد أو باسم الفرد مزودا بكلمة أخرى: يكون مذكرا أو مؤنثًا للعقلاء، مؤنثًا لغيرهم. واسم الجمع مع اسم الموحدة مزودا بوزن آخر من الجذم نفسه، وهذا يوجد للعقلاء ولغير العقلاء. ولم يبن هويل Howell (ج 1، ص 1145) عن نفسه إبانة واضحة في هذا الصدد؛ أما رايت

(Wright، ج 1، ص 1181) فلم ينفذ إلى لب الموضوع نفوذا كافيًا. ويرى سيبويه (فصل 249، ج 2، ص 210 - 211) أن المذكر هو الغالب، وهذا هو الرأى الذي اخذ به الأستراباذى (شرح الشافية، ج 2، ص 24، س 7 - 8). أما ابن يعيش (ص 673، ص 23 - 24) فإنه كان أكثر إيجابية حتى من ذلك. وبالنسبة للعقلاء يوجد اسم جمع هام لم يدخله نحاة العرب في مكانه بالضبط من الأنواع التي ذكروها (المفصَّل، فقرة 267؛ ابن يعيش، ص 695). وهو يتكون من التاء المربوطة التي تلحق باسم الفعل، مثال ذلك: السابقة، والمقاتلة، والمُسْلمة وغير ذلك، وبخاصة التي تلحق بآخر الصفات الموصولة مثل: المروانيَّة، والزبيريَّة وغيرهما. وهذه الطريقة تسمح للمرء بالإشارة إلى الفرق، والجماعات، والأحزاب، وهي تستعمل بلا قيد في اللغة الحديثة. وباستعمالها على هذا النحو تكون التاء المربوطة قد كونت اسم الجمع بعكس الطريقة التي استعملت لاسم الجنس (اسم الموحدة المنتهى بالتاء المربوطة). ملاحظة: الوزن فَعْل (اسم جمع) يمكن أن يزودنا بنهج كامل، مثال ذلك: صَحْب (اسم جمع) بمعنى أصحاب وصاحب (اسم وحدة) وتجمع علي أصحاب (جمع قلَّة)، أو "طير" (اسم جمع) ومفردها طائر (اسم وحدة) وتجمع أيضًا على أطيار (جمع قلة) وطُيور (جمع كثرة). ولكن هذا النهج لا يمكن تعميمه، فهو ليس "قياسا" (الأستراباذى: شرح الشافية، ج 2، ص 303). فقد جرى المرء على القول: صاحب وجمعها أصحاب، وجالس وجمعها جلُوس وغير ذلك، ولكن جموع التكسير هذه هي من حيث الجنس تشتق من وزن "فَعْل" (اسم جمع) وليس من وزن الاسم "فاعِل". وهنالك -على الأقل- وجهان لاسم الجمع: الموحدة الجامعة، والحشد الذي يعد نوعا من الموحدة، ومن كان الاستعمال بالمفرد ممكنا، مثال ذلك: "قوم كريم" و"الحمام المطَوَّق"، فهو شيء جماعى يجنح إلى أن يكون لا

مذكرا ولا مؤنثًا، ومن ثم النزعة إلى الدلالة على الحشد المجهول الجنس بالمؤنث المفرد حتى بالنسبة للعقلاء: مثال ذلك "إبل راعية"، و"قوم سافرة". وقد ورثت جموع التكسير للأسماء من حالتها السابقة من حيث هي أسماء جمع إمكان تناولها على هذا النحو: "رجال كثيرة". ولكن إذا استردت الأجزاء المكونة للحشد شخصيتها المتميزة انتقل اسم الجمع إلى حالة منتهى الجموع فيقال "قوم كرماء" " قوم مكرمون". وقد استطاعت هذه الاعتبارات المختلفة أن تحدث أثرها على تفاوت، وكذلك تحدث أثرها على هذا النحو، وعلى تفاوت) أيضًا، بالنسبة للعقلاء، وذلك بين مختلف القبائل في الأرجاء الشاسعة للجزيرة العربية. وقد استقر رأى نحاة العرب إلى تصوير "العربية" كلا واحدا وشقوا في سبيل إظهار وحدتها وتجانسها. وقد كان من الضرورى تبسيط هذا التنوع والتعدد، ولكن أي طريق يختارون؟ ومن هنا جاءت الخلافات في الرأى. وإنما تستطيع الرسائل الدقيقة المزودة بالإحصاءات المسندة إلى المتون أن تزودنا برأى واضح عن الموقف. المصادر: وردت في نص المادة، يضاف إلى ذلك الكتب التي تتناول نشأة جموع التكسير. (1) Essai sur les: H. Derenbourg formes pluriels arabes، باريس سنة 1867, ص 105 (مقتطف من المجلة الأسيو ية. Jour. As. " سنة 1867). (2) Nouvel essai sir la: St. Guyard Formation du pluriel brise en arabe باريس سنة 1870 , ص 32 Biblioth.) , 4 Ec. H- E., Sc. Ph. Hisst). (3) Les pluriels brises: Marcel Devic en Arabe، باريس سنة 1882، ص 24. (4) Die Nominalbildung in: J.Barth den semitischen sprachen 2 ليبسك سنة 1894، ص 417 - 483. (5) Crundriss der: C. Brocklemann -Grammatik der semi vergleichen der tischen Sprachen، ج 1، برلين سنة 1908، ص 426 - 439؛ وانظر عن

الجمع السالم: المصدر المذكور، ص 441 - 445، وتوجد قوائم بجموع التكسير في جميع كتب تعليم النحو، وخاصة كتاب. (6) Grammar: W. Wright Arabic الطيعة الثالثة، ج 1، كمبردج سنة 1933، ص 199 - 234 أو. (7) La Pluriel Brise بقلم محمد بن شذب، باريس سنة 1897، ج 8، ص 121 وهو يستعمل المراجع العربية التي تتبع الطريقة العربية. (8) وانظر أيضًا In-: J.H Greenberg - Afroasiatic (Hamito ternal a-plurals. in (Semitic في Afrikanis tische Studien (Festschrif Wesrermann)، برلين سنة 1955 ص 198 - 204. أما المصادر العربية فانظر (9) كتاب سيبويه (باريس)، ج 2: جموع التكسير، الفقرات 416، 418، 431، 429، 427، 426، 424، 422؛ إلجمع السالم، الفقرات: 425، 423: منتهى الجموع، فقرة 426، جمع الثنائى 421، اسم الجمع: فقرة 417، 429، 420، 419. (10) المفصَّل للزمخشرى، الطبعة الثانية التي قام بها J.P. Broch فصل 234 - 261. (11) شرح ابن يعيش، طبعة. G Jahn، ص 604 - 680. (12) شرح الشافية لرضى الدين الأسترباذى، القاهرة سنة 1358 هـ = 1939، في أربعة مجلدات، ج 2، ص 89 - 210. وانظر عن الجمع السالم وأصله: (13) W. Vycichl في Rivista degli studi orientati , ج 28، ص 71 - 78. (14) S. Moscati: المصدر المذكور، ج 29، سنة 1954، ص 28 - 52 وخاصة ص 178 - 180 (15) W. Vyeichl: المصدر المذكور، ج 33، وخاصة ص 175 - 179، وعن الجمع المنتهى بالألف والتاء المفتوحة ما كتبه في Aegyptus ج 32، سنة 1952، ص 491 - 494. (16) وانظر عن أسماء الجمع: H.L. Schriften: Fleischer Kleinere ج 1، ص 256 - 258.

الجمعة

(17) وانظر عن جميع المسائل التي تناولناها في هذه المادة Traite: HJ. Fleisch de PhiloloRie arabe، بيروت سنة 1961، الفصول 59 - 63، 65، 101، 102. الأبيارى [فلايش H. Fleisch]. الجمعة يوم الجمعة أي يوم الجماعة، وذلك أن المسلمين يجب عليهم أداء فريضة الجمعة، وهي صلاة الظهر في غير ذلك من الأيام. وتعرف الصلاة في هذا اليوم أيضًا بالجمعة، وقد حكم بها القرآن نفسه حكما صريحا في إحدى السور المدنية "يايها الذين آمنوا إذا نودى للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون" (سورة الجمعة الآية 9). وعلى هذا فتادية صلاة الجمعة فرض على جميع الذكور البالغين الأحرار المقيمين غير المسافرين. زد على ذلك أنه اليوم المقدس الأسبوعى عند المسلمين (¬1) ليس يوم راحة، وهو من ثم يختلف اختلافا جوهريا عن يوم السبت عند اليهود ويوم الأحد عند النصارى. وصلاة الجمعة عبارة عن الصلاة المألوفة، وهي ركعتان وخطبة يلقيها الخطيب قبل الصلاة (¬2). على أن صلاة الجمعة لها ثوابها، وقد جرى المسلمون على إقامة صلاة أخرى من ركعتين قبل الخطبة أيضًا (¬3). ولا تصح في رأى الشافعي إلا إذا اجتمع لها ما لايقل عن أربعين مسلما يؤهلهم الشرع لعبادة الله. ويقول الشافعية ومعظم الفقهاء الآخرين إن إقامة صلاة الجمعة في أكثر من مسجد واحد في مكان واحد باطلة شرعا، اللهم إلا عند الضرورة كتعذر اجتماع السكان كلهم في مسجد واحد. ¬

_ (¬1) لم يسم المسلمون يوم الجمعة "يوما مقدسا" بل هو يوم كسائر الأيام، أمروا فيه بصلاة الجمعة بصفة معينة في وقت الظهر. وأرادوا أن يسعوا إلى الصلاة ويدعوا شؤون الدنيا من بيع وغيره. حتى يهرعوا للصلاة ويفرغوا منها. (¬2) ليست خطبة واحدة، بل خطبتان كما سيأتي. (¬3) صلاة الجمعة ركعتان فقط. وقد حضت الشريعة على التطوع بالصلاة يعني أن يصلى الإنسان ما يستطيع وما شاء من النوافل. فمن جاء إلى المسجد قبل الصلاة صلى ركعتين نافلتين سنهما رسول الله تحية للمسجد. ويصليهعا وحده، وهي سنة عامة في كل وقت ليست خاصة بصلاة الجمعة. ثم هو مخير بعد ذلك) أن يسكت أو يصلى من النوافل ما يشاء إلى أن يصعد الخطيب المنبر. أحمد محمد شاكر

على أن الحنفية والمالكية لا يتمسكون بهذا العدد، ولكنهم يقولون إن صلاة الجمعة إنما تقام في بلدة على شيء من اتساع الرقعة، أو بين جماعة ليست قليلة العدد. ويصح أن نذهب إلى أن النبي [صلى الله عليه وسلم] نفسه جرى على إقامة صلاة عامة وإلقاء خطبة على طريقة اليهود في فناء داره بالمدينة (¬1) في أيام الجمعة، ولعله قد جرى على إقامة الصلاة تتبعها الخطبة كما كانت عليه الحال لدى الجماعات المماثلة في الأزمنة السابقة له، إذ كانت الصلاة العامة تسبق أداء الأعمال الأخرى (¬2). وبعد وفاة النبي [صلى الله عليه وسلم] درج الأمويون وعمالهم عند صلاة الجمعة في معسكرات المسلمين الكبرى على الظهور أمام الملأ- وعليهم الشارات التي تدل على مراتبهم- لإمامة المصلين. وقد كان من مألوف قبائل ذلك العهد القائمة برأسها أن تجتمع في مسجد خاص بها أقيم في مضرب، ولكن الأمويين عملوا على لم شملهم في مسجد واحد. ولعل النهي عن صلاة الجمعة خارج المدينة وإقامتها في أكثر من مسجد يرجع إلى ذلك العهد (¬3). وازداد تأثر خطب الجمعة في العهد الأموى المتأخر بالطقوس النصرانية. فأذان الجمعة الذي يلقى في المسجد ¬

_ (¬1) لماذ يأخذ هذا عن اليهود؟ كل ما جاء في الشريعة الإسلامية ينظر إليه أمثال هذا الكاتب نظرة عجيبة، إن وافق شيئًا مما يعمل في الأديان الأخرى كان في نظرهم مأخوذا عنها، وكان محل نقد لذلك! ! وإن لم يوافق شيئًا مما يعمل في الأديان الأخرى كان شاذا، وكان محل نقد لذلك! فمتى ينظرون إلى الإسلام نظرهم إلي دين خاص مستقل بنفسه؟ ! ثم إن النبي لم يكن لداره فناه. بل كانت بيوته حول المسجد، وكان يصلى في المسجد الجمعة والصلوات كلها، فتعبير الكاتب غير دقيق. بل غير مطابق للواقع. (¬2) هذا شيء غير صحيح، ولا أصل له في الشريعة ولا في كتب السنة ولا في غيرها. بل المعروف المتواتر نقلا في الأحاديث والمتواتر عملا بين المسلمين من أول الإسلام إلي الآن أن صلاة الجمعة تبدأ بخطبتين يجلس بينهما الخطيب جلسة خفيفة، ثم يصلى ركعتين ثم ينصرف الناس. فلم نعرف قط أن النبي بدأ بصلاة الجمعة قبل الخطبة، ولم نسمع به قط قبل أن نقرأه في كلام هذا الكاتب، وهو يرمى بالظن من غير دليل ولا شبه دليل. (¬3) هذا غير صحيح أيضًا. بل كانت مساجد القبائل للصلوات اليومية، والمسجد الجامع، أي المسجد الأكبر في البلدة هو الذي يجمع الناس كلهم في صلاة الجمعة. حتى إذا اتسعت المدن وتفرقت القلوب تعددت الجمعات في المساجد، تبعا لذلك. أحمد محمد شاكر

قبل الصلاة بعد أن يجتمع فيه المصلون، والأسلوب الفريد الذي اتخذته الخطبة من حيث انقسامها قسمين قبل صلاة الجمعة، يبدو أنه قد تأثر (بالقداس) عند النصارى (¬1) وقد حل الخطيب المأجور على التدريج محل الخليفة أو من يمثلونه في إمامة الصلاة (¬2). المصادر: انظر إلى جانب أبواب الصلاة في كتب الفقه: (1) الدمشقي: رحمه الأمة في اختلاف الأئمة: بولاق سنة 1300، ص 29 وما بعدها. (2) Zur Geschichte des is-: Becker (1911, 1912 lamischen Kultus, (Der Islam ص 374 وما بعدها. (3) الكاتب نفسه: Die Kenzel im - Kultus des alten Islam (Noeldeke Festschrift) . ¬

_ (¬1) هذا إدعاء كسابقه من غير دليل، فإن صلاة الجمعة على الصفة المعروفة التي وصفنا؛ ثابتة عند المسلمين بالأحاديث الصحيحة المتواترة المؤيدة بالعمل من عهد رسول الله [صلى الله عليه وسلم] إلى الآن، وهي الشيء المعلوم من الدين بالضرورة، فادعاء الكاتب أن خطب الجمعة تأثرت في العهد الأموى بالطقوس النصرانية وبالقداس عند النصارى، إدعاء غير صحيح، ولا أصل له، ولسنا نحب أن نصفه بأكثر من هذا. (¬2) هذا صحيح. وهو مما يأسف له المسلمون كل الأسف، وهو من أعظم أسباب ضعف المسلمين من عصور مديدة، فإن الأصل في خطبة الجمعة أن يخطبها الإمام الأعظم، وهو الخليفة، بنفسه في المصر الأكبر (العاصمة) ويخطبها نوابه الحكام في الأمصار والعواصم وكبار القرى، يجتمع الناس لها في البلد الواحد في مكان واحد، لا يتخلف منهم إلا مريض أو معذور أو متهم في دينه خارج عن قومه، في كل أسبوع مرة. فيخطبهم الإمام الأكبر، ويخطب نوابه في الأمصار والقرى، يعظون الناس ويجمعون قلوبهم على الإيمان والتقوى ومكارم الأخلاق، ويتحدثون إليهم فيما ينوبهم من الأحداث السياسية أو الاجتماعية أو الخلقية أو نحو ذلك. ومن ذلك روح الأمة واتجاهاتها، ويرشدونهم إلى طرق الهدى = = وسديد الرأى، مع المساواة التامة بين الصغير والكبير، والغنى والفقير، فتشعر الأمة بوحدتها وقوتها. حتى إذا ما ولى أمر المسلمين مستبدون أنابوا غيرهم في الخطبة والصلاة، ووضعوا نظام الطبقات الذي جاء الإسلام بهدمه، وولوا ولاة جهالا بدينهم. ولا صلاح للمسلمين إلا أن تعود هذه الفريضة، فيكون أمراؤهم وحكامهم علماء بدينهم، كما يقومون بإقامة ميزان العدل، ويشعر الضعيف قبل الثوى أن حاكمه مثله، لاسلطان عليه إلا في حدود الشرع والعدل. وتكون الأمة كلها واحدة متحدة. أمة أعزة ليس من بينها ذليل. وفي ذلك الفلاح والظفر، إن شاء الله. أحمد محمد شاكر

الجمل

(4) Die Sabbath in-: Goldziher -stitution im Islam (Gedenkbuch fuer Da vidKaufinann ص 86 - 105. (5) الكاتب نفسه: Islamisme et Par sisme (Revue de 1'historie des religions ج 43، سنة 1901) ص 27 وما بعدها. (6) الكاتب نفسه: Muhamm Studien ج 2، ص 40 - 44. (7) الكاتب نفسه في Zeitschr. d. . Deutsch. Morgen. Ges سنة 1895 ج 49، ص 315. (8) Islam and: Snouck Hurgronje Phonagraph ص 9 - 22 Tijdchr. v. h.) Bataviaasch Genootschap سنة 1900، ج 43، ص 401 - 404). (9) An account of the: E. W. Lane Manners and Customs of the Modern Egyptians الفصل الثالث. (10) Mnhanvned en de: Wensinck Inden to Medin، رسالة دكتوراه قدمت إلى جامعة ليدن سنة 1908، ص 110 وما بعدها. [جوينبول Th. W. Juynboll] . الجمل اسم المعركة المشهورة التي وقعت في شهر جمادى الآخرة سنة 36 (نوفمبر- ديسمبر سنة 656) بالقرب من البصرة بين الخليفة علي بن أبي طالب، والسيدة عائشة زوجة النبي [صلى الله عليه وسلم] وصاحبيه طلحة بن عبيد الله التيمى والزبير بن العوام، وكان هذان الصحابيان في ذلك الوقت أوسع المسلمين نفوذًا بعد على. وكانت عائشة تتم العُمْرة في مكة عندما علمت باغتيال الخليفة عثمان بن عفان، كما علمت في عودتها من مكة إلى المدينة بمبايعة على بالخلافة وقيام الشغب في المدينة الذي أدى إلى اضطراب حبل الأمن فيها، وهنالك عادت عائشة أدراجها دون أن تفصح عن نواياها، ولما بلغت مكة ألقت بحديث ملتهب بالقرب من الكعبة تتهم فيه الغوغاء بمقتل عثمان وتطالب بدم المجرمين قائلة إن عثمان قتل "مظلومًا" (الطبري، ج 1 ص 3198 وما بعدها)، وكانت بقولها هذا تشير إلى آية من

القرآن (سورة الإسراء، الآية 33) توسل بها من بعد معاوية بن أبي سفيان ونصت على القصاص فرضًا واجبًا في مثل هذه الحالة، وبذلك قررت هذه الآية "حدًّا". وكانت عائشة من معارضى عثمان (وقد اتخذ هذا حجة عليها لنقض حقها في الاحتجاج)، ولكنها لم تكن لتصفح عن مقتله وأدنت في هذا الأمر بملاحظات مشهودة (انظر الطبري، ج 1، ص 3097، ابن سعد، ج 3، ص 1، 57 - 58). ثم هي لم تستطع أن تحتمل، بصفة خاصة، أن يستغل عليَّ، الذي كانت تكن له منذ مدة طويلة عداوة، فرصة قتل عثمان، وقد حدث بعد ذلك ببضعة أشهر أربعة أشهر فيما يقال بعد مصرع عثمان، الطبري، ج 1، ص 3102) أن وصل طلحة والزبير إلى مكة، وقامت مناقشات حادة بينهما وبين عليَّ الذي أبي أن يقيمهما في مناصب في الحكومة، طلبا على إثرها الإذن منه بالمضى إلى مكة لأداء العمرة فسمح لهما بذلك. ودبرت مؤامرة على على اشترك فيها، علاوة على ما أسلفنا، بعض الأمويين وغيرهم من المسلمين الذين راعهم ما انقلبت إليه الحوادث، صحيح أن اغتيال عثمان كان فضيحة، نكن الأسباب الحقيقية للفتنة كانت- فوق كل شيء- هي موقف على المتساهل مع المجرمين مما أشار إلى أنهم سوف يذهبون بلاعقاب.، وحلمه حيال المنشقين الذين أصبحوا في غاية الوقاحة والخطر حتى حمل ذلك عدة أشخاص على الهرب، وما ذاع عنه من أنه يسعى إلى اتخاذ سياسة مناهضة للقرشيين، وكانت المعارضة لعلى قوية في الولايات القريبة كل القرب من الحجاز، وكان معاوية قد أبي أن يدين بالولاء لعلى، أما الكوفة فأنكرت الوالى الذي بعث به الخليفة، وآثرت من كان قائمًا بالولاية فعلا وهو أبو موسى الأشعرى. أما في غير ذلك من الأرجاء فقد تألفت أحزاب تعارض الخليفة الذي كان قد بويع منذ قريب. وحاول المفتتنون أن يختاروا المكان الذي يتيح خير الأسباب لنجاح الفتنة، فاستقر رأيهم في إجتماع لهم على المضى إلى البصرة آملين أن يجدوا فيها المال والجند اللازمين لتنفيذ مأربهم.

ووافقت عائشة على الانضمام إلى هذه الحملة، وقدِّر لها أن تثير الجماهير لأن طلحة والزبير لم يكونا فيما يظهر مؤهلين كل التأهيل للقيام بهذا الدور، ذلك أنهما لم يكونا قد أمعنا في إثارة الرأى العام على عثمان حتى أصبح من الممكن اتهامهما بقتل عثمان، بل هما قد بايعا عليا أيضًا بعد انتخابه خليفة مباشرة. ومن ثم فإنهما بانتفاضهما عليه كان ينقضان عهدهما فيقتضيهما الأمر أن يدعيا تبريرًا لموقفهما أنهما كانا قد أجبرا إجبارًا على مبايعته. وكانت حفصة بنت عمر قد همت أول الأمر أن تتبع المفتتنين، ولكن أخاها عبد الله أقنعها بالعدول عن ذلك. وجمع الثوار عدة مئات من الرجال بمطياتهم (600 أو 700؟ ) خرجوا للقتال. وسمع على بذلك فأدرك أن الأمر يقتضيه التحرك حتى لا ينعزل في المدينة وجيش في بطء ومشقة جيشًا من سبعمائة مقاتل ثم خرج هو أيضًا للقتال (كان ذلك في رواية الطبري ج 1، ص 3139، في آخر يوم من ربيع الثاني)، وكان غرضه أن يقطع الطريق على المتمردين، ولكنه لم ينجح في بلوغهم، وعلم وهو في الربذة أنهم كانوا قد مروا بالفعل من هذه المحطة، وأحس هو الآخر بحاجته إلى المال والجنود، فسار مرة اخرى في اتجاه العراق، وكان المتمردون في هذه الأثناء يهرعون إلى البصرة، فلما بلغوا مكانًا يعرف باسم "الحوأب" نبحت الكلاب على الجند وأوشكت عائشة أن تتخلى عن هذه المغامرة، ذلك أنها تذكرت ضربا من النذير كان قد أوجس به النبي [صلى الله عليه وسلم]، ولكن المتمردين أقسموا لها بأن هذا المكان ليس هو الحوأب، فلما إطمأن بالها مضت في سبيلها (ياقوت: المعجم ج 2، ص 352 وما بعدها). وهذه الرواية جديرة بالذكر لا لشئ إلا أن المصادر تعلق عليها أهمية. فلما بلغ المنتفضون أرباض البصرة دخل زعماؤهم في مفاوضات وبدءوا يدعون لقضيتهم. وقد بعثت عائشة بمبعوث ورسائل إلى بعض وجهاء البصرة، محاولة إقناع البصريين بالانضمام إلى الفتنة التي كان غرضها -كما قالت- "الإصلاح". وكانت هذه الكلمة تتضمن عند المنتفضين عودة الشريعة

و"الحدود" إلى نصابهما والثأر لعثمان، واستتباب النظام الاجتماعى الذي انقلب حاله ووضع السلطة بين يدي خليفة ينتخب انتخابًا شرعيًا بمجلس شورى، أما في رأى على فقد كان الأمر يتطلب إعادة السلطة له، والعودة إلى التزام سنة النبي [صلى الله عليه وسلم -]، وإلغاء الامتيازات، وانقسم البصريون حزبين: بعضهم اتبع الوالى الذي أقامه على وهو عثمان ابن حُنَيف الذي لم يعارض المتمردين في تصميم بل توقف منتظرًا وصول على؛ وآخرون جعلوا قضيتهم من قضية عائشة وزميليها الذين كانت قواتهم تنمو في الطريق. وفي اجتماع لهم بالمْربَد، وهي ساحة على ثلاثة أميال من البصرة، خاطب زعماء الثورة الجماهير، وكانت دعوتهم مثمرة. وأعقب ذلك قيام اضطرابات، ثم حدث عراك في "موضع الدبَّاغين"، ومعارك في الأيام التالية بالقرب من "دار الرزق" (ولا تتفق المصادر في التفصيلات)، وهناك قتل رئيس الشرطة حُكيَمْ بن جبلة، وكان هذا الرجل أصدق في نصرة على من أن يقف جامدًا لا يفعل شيئًا، ثم عقدت هدنة آخر الأمر لحسم موضوع من يتولى السلطة في مدينة البصرة، واضطر القوم إلى حين رجوع رسول بعث به إلى المدينة للتحقق من مسألة: هل أجبر طلحة والزبير حقًّا على المبايعة لعلى (ومن الواضح أن الوالى كان يحاول كسب الوقت). وفي هذه الأثناء لم يكن ليتغير الموقف: فقد استقر الأمر على أن يبقى قصر الحكم أي المسجد الكبير، وبيت المال في يد الوالى ابن حُنَيف. على أن إمامة الصلاة كان لها وزنها، ولذلك اتفق على أن يتولاها إمامان: الوالى ورجل آخر يسميه المتمردون. وتشاحن طلحة والزبير لأن كلا منهما كان يريد أن يؤم هو الصلاة، ولكن عائشة حسمت الأمر بأن يتولاها الاثنان بالتعاقب هذا يوم وذاك يوم؛ وفي رواية أخرى إن ابنيهما محمد بن طلحة وعبد الله بن الزبير يتوليانها كل بدوره. كانت نتيجة البحث الذي أتى به الرسول من المدينة في صالح طلحة والزبير، ولكن رسالة بلغت الوالى صرحت بعكس ذلك تماما، ومن ثم لم يكن لعثمان بن حنيف أن يترك منصبه ونشب عراك في المسجد، على أن

الواقعة التي كانت أشد الوقائع خطورة هي اقتحام الثائرين بيت المال، فقد قتلوا أو أسروا (ثم قطعوا من بعد رؤوس) حراسه الذين كانوا من الزط والسيابجة؛ ولم يكتف المهاجمون بذلك بل أجبروا عثمان بن حنيف أن يترك قصر الولاية ونزعوا شعره ونتفوا لحيته. واستطاع عثمان أن يخلص نفسه وينضم إلى على بتهديدهم بالانتقام من أسرهم في المدينة، حيث كان أخوه سهل يلي أمرها وإنا لنتساءل من كان المعتدون في هذه المعارك والملاحم؟ تمتدح بعض الروايات اعتدال الثوار (يقال إن عائشة منعت رجالها من استخدام أيديهم إلا في الدفاع عن أنفسهم) ولكن من الواضح أنهم كانوا هم المهاجمين لحاجتهم إلى المؤن والمال، وخوفهم من أن يقعوا من بعد بين قوات على المتقدمة وقوات الوالى. ولما أحتل الثوار البصرة أذاعوا في الناس أمرًا، بتسليم كل من اشتركوا في حصار دار عثمان، ويعرفون في المصادر باسم "النُفار" النُفار وأطاع الناس وقتل هؤلاء وكان عددهم فيما يقال ستمائة رجل (ولم يستطع النجاة إلا حرقوص بان زهير لأن قبيلته حمته). وقد غضب بعض سكان البصرة من قيام هذه المذبحة وتوزيع طلحة والزبير الهدايا والأرزاق على أنصارهما، فخرج منهم ثلاثة آلاف لينضموا إلى على في ذي قار، ومنهم بنو عبد القيس. على أن قبيلة تميم، أهم قبيلة في البصرة، ظلت على الحياد هي وزعيمها الأحنف بن قيس. وبينما هذه الحوادث تقع (يقال إن ذلك التجاذب مع الوالى دام ستة وعشرين يوما) كان على قد سار حتى بلغ ذا قار، ذلك أنه لم يتقدم نحو البصرة، بل آثر أن يتصل بالكوفة ليجتذب أهلها إلى قضيته. ومن سوء الحظ أن واليها أبا موسى الأشعرى- بالرغم من قوله بأن بيعة على صحيحة - قد حث الكوفيين على التزام موقف الحياد في الفتنة المقبلة حتى أن رسل على إلى الكوفة (الأشتر، وابن عباس، والحسن، وعمار بن ياسر) اضطروا إلى بذل مجهود شاق لإقناع فريق من السكان (ستة آلاف أو سبعة أو 12 ألف رجل؟ ) بالخروج من الكوفة للانضمام إليه وأقيل أبو موسى من

منصبه، وبلغ على أخيرا أرباض البصرة وبدأت المفاوضات بينه وبين المفتتنين، صحيح أنه ما من أحد إلا كان مقتنعا بأن الاتفاق بات قريبا، إلا أن القتال نشب بين جيشى الطرفين وهنا تثور المسألة المعهودة: من الذي بدأ القتال؟ تقول بعض الروايات إن عليا أمر رجاله بألا يهجموا وأنه إنما أحس بأن الواجب يقتضيه قتال خصومه "أهل القبلة" (انظر الأغانى، ج 16، ص 32، المسعودى: مروج الذهب، ج 4، ص 314 وما بعدها إلخ) عندما قتل بعض أنصاره، ولكن الطبري (ج 1، ص 3181 - 3183) يروى رواية أخرى توضح لم بدأت المعركة وكيف بدأت: يقال إن عليا أبدى عزمه بألا يحمى أولئك الذين تورطوا في مقتل عثمان، ويقال إن هؤلاء كانوا حريصين على مصيرهم فأثاروا القتال بهجمة مفاجئة لم يعلم بها على. ودارت المعركة من الصباح إلى المغرب (يقول الكتاب المنحول لابن قتيبة القاهرة سنة 1377 هـ، ص 77 إنها دامت سبعة أيام) وتختلف المصادر في يوم وقوع المعركة، وأشيع الأيام المذكورة هو 10 من جمادى الآخرة سنة 36 (4 ديسمبر سنة 656)، ولكن كيتانى (حوادث سنة 36 هـ فقرة 200) يؤثر يوم 15 جمادى الآخرة (9 ديسمبر). ومن العجيب أن المقاتلين كانوا في كثير من الأحوال ينتمون إلى قبائل واحدة. وعشائر واحدة، وإلى أسر واحدة أحيانا، ومع ذلك فقد قاتلوا بعضهم بعضا غير مبالين بصلة الرحم التي تربطهم. وقد شهدت عائشة القتال على جمل في هودج من دفوف الخشب قد ألبسوه المسوح وجلود البقر وجعلوا دونه اللبود قد غشى على ذلك بالدروع، ولم تصب عائشة، وكل مانالها خدش أصاب ذراعها. واحتدم القتال احتداما شديدا حولها، وكان المدافعون عنها يتعاقبون واحدا بعد واحد يرتجزون، وكان الذين يسقطون يسلمون خطام الجمل لغيرهم من المقاتلين، وقتل منهم كثيرون (تختلف الأرقام التي ذكرت عددهم بين 40 و 2700 نقاتل). وكان النصر لعلى حين نجح جنوده في عرقبة الجمل حتى أوقعوا الدابة على جانبها وعليها حملها النفيس. ولكن المعركة كان قد خسرها المفتتنون حتى

قبل هذه المرحلة، إذ أصاب سهم طلحة، وتقول مصادر كثيرة إن الذي رماه به هو مروان بن الحكم فلجأ إلى دار وافاه أجله فيها، أما الزبير الذي كان قد أصبح بعد غير واثق من فوائد قضيته واحتمالاتها فقد انسحب من ميدان القتال بعد حديث دار بينه وبين على الذي ذكره بواقعة حصلت في الماضي، وببعض أحاديث رسول الله [صلى الله عليه وسلم]، وقد تعقَّب بعض بنى تميم الزبير وقتلوه غدرًا، في مكان منعزل (وادي السباع). وقد اشتبه في أن يكون الأحنف بن قيس هو المحرض على هذا القتل (انظر عن مقتل الزبير أيضًا: ابن زيدون: شرح قصيدة ابن عبدون، طبعة دوزى، ليدن سنة 1948، ص 150 - 154). وتتحدث المصادر عن حشد من الوقائع تتعلق بالمبارزات، وشجاعة المتبارزين، والأشعار التي قالوها، ولكنها لا تفسر تطور المعركة من الناحية التكتيكية. والصورة العامة التي نخرج بها من هذا الحشد من التفصيلات هي أن المعركة كانت على مألوف العرب. سلسلة من المبارزات والقتال على طول صفوف الطرفين المتحاربين، ولكنها لم تكن قتالا عاما. وكان أحرَّ القتال بلا شك هو الذي دار حول الجمل. ومن المستحيل إحصاء عدد المقاتلين والخسائر التي أصابتهم لعظم الاختلاف بين الأرقام التي ذكرت (فهي تتراوح بالنسبة للصرعى بين 6.000 و 30.000 قتيل، وفي هذا الرقم الأخير مبالغة كبيرة، ذلك أن قوات على وحدها بما فيها من تبعه من المدينة، ومن انضم إليه من بعد لا يكادون يزيدون جميعا على 15000 مقاتل). وأسرت عائشة، ولكنها لم يسأ إليها بحال بل عوملت باحترام كبير. على أن عليا قرر أن تعود إلى المدينة ولم يقبل في ذلك آية مراجعة، ومنح الأمان لجميع المتمردين واستطاع بعض من آثروا الحل الوسط (مروان بن الحكم مثلًا) أن ينضموا إلى معاوية في الشام. والأمر الذي أحدث ضجة بين أنصار على، هو إباؤه أن يسمح لهم بسبى نساء الأسرى وأطفالهم أو الاستيلاء على غنائمهم إلا ما وجدوه في ميدان القتال (الطبري، ج 1، ص 3227؛ المسعودى: مروج الذهب، ج 4، ص 316 وما بعدها إلخ)، وتساءلوا: لم

يعامل هذه المعاملة أولئك الذين استحلت دماؤهم. وقد جعل الخوارج هذا الأمر من أسباب خروجهم على علي. ولما انتهت المعركة بايع البصريون عليا وولى عليهم ابن عباس (وإلى جانبه زياد بن أبيه) ومن ثم أثار غضب الأشتر، ذلك أن اثنين آخرين من أبناء العباس توليا منصب الولاية أحدهما في اليمن والآخر في مكة. وكانت عائشة هي الشخصية البارزة في فتنة الجمل، وقد ظهرت في ذلك نشطة مصممة (فيما عدا لحظة بدا ترددها عند الحوأب) على بلوغ غرضها كما أن قرارتها كانت تحترم، على حين أن طلحة والزبير اللذين ائتمرا بأمرها. كانا يتشاجران فيما بينهما متعللين بأسباب واهية قوامها أنهما يدفعان عنهما تهمة الإخلال بعهدهما لعلى، وينسحبان من المعركة بدلا من أن يقاتلا حتى الموت فظهرا في ذلك بمظهر الرجال الذين تحركهم الأطماع ويفتقدون في الوقت نفسه العزيمة والثبات المؤديين إلى النجاح. ويذهب كيتانى إلى أنه كان ثمة منظم لمشروع الفتنة يختفى وراء عائشة وهو مروان الذي تبع المتآمرين. وهذه النظرية شائقة، ولكن ليس ثمة ما يثبتها. فإذا كان مروان هو حقًّا مستشار الثائرين فإنه كان يعمل في كثير من البصر والحيطة حتى أن المراجع لا تكاد تتحدث عن أفعاله. المصادر: (1) الطبري، ج 1، ص 3091 - 3233) بالتفصيل فيما عدا وقائع: على يتأهب لقتال خصومه ص 3091 - 3096؛ عائشة تثير القوم في مكة وتطالب بالثأر لعثمان، واتفاق الثوار ومسيرهم واحتلالهم البصرة: ص 3096 - 3106، 3111 - 3138؛ مسيرة على ووقفته في ذي قار: ص 3106 - 3111، 3141 - 3143، 3154 وما بعدها؛ الموقف في الكوفة وجهود على لكسب أهلها؛ إقصاء أبي موسى: ص 3140 وما بعدها، 3145 - 3154، 3172 وما بعدها، 3187 وما بعدها؛ مسيرة على إلى البصرة؛ ص 3138 - 3140؛ المفاوضات بين على والثوار: ص 3155 - 3158، 3175، الحوادث التي وقعت قبل المعركة وحياد الأحنف: ص 3143 -

3145، 3162 - 3169؛ المعر كة: ص 3174 - 3198؛ على وعائشة بعد المعر كة: ص 3224 - 3426، 3231؛ مبايعة البصريين وإقامة العباس واليًا على البصرة: ص 3229 وما بعدها. (2) الطبري، ترجمة زوتنبرغ، ج 3، ص 658 - 664 (مع بعض الإضافات). (3) البلاذرى: أنساب الأشراف، مخطوط، باريس ص 467 وجه -493 ظهر (ويشتمل على روايات أهملها الطبري: انظر G.Levi Della Vida: Il Ca- liffato di Ali secondo it Kitab Ansab al Ashraf di Al-Baladhunri في Rivista degli studi orientali، ج 6، س 1913، ص 440 - 449). (4) اليعقوبى، ج 2، ص 209 - 213. (5) أبو جنيفة الدينورى: الأخبار الطوال، ص 150 - 163. (6) الكتاب المنحول لابن قتيبة المعروف باسم "كتاب الإمامة والسياسة" طبعة محمد محمود الرافعي، القاهرة سنة 1322 هـ = 1904 م، ج 1، ص 88 - 133؛ الكتاب نفسه، طبعة مصطفى البابى الحلبى، الطبعة الثانية سنة 1377 هـ 1957 م، ج 1، ص 52 - 79 (أحاديث ورسائل وتفصيلات لا نجدها في غيره). (7) المسعودى: مروج الذهب، ج 4، ص 292 وما بعدها، 304 - 323، 323 - 337. (8) الكاتب نفس: التنبيه والإشراف، ص 295. (9) ابن مسكويه: تجارب الأمم، صورة طبق الأصل من مخطوط إستانبول، ج 1، ص 518 - 562. (10) ابن الإثير: الكامل، ج 3، ص 164 - 218 (تلخيص للطبرى). (11) ابن أبي الحديد: شرح على كتاب نهج البلاغة، القاهرة سنة 1329 هـ، ج 2، ص 77 - 82، 497 - 501. (فقرة هامة بخصوص تفصيلات احتلال البصرة). (12) ابن كثير: البداية والنهاية، ج 6، ص 229 - 244 (مع تفصيلات لا نجدها في غيرها من الكتب). (12) ابن خلدون، ج 2، الملحق، ص 153 - 161 (وهو تلخيص جيد للطبرى).

جملة

(13) الملخصات التي وردت في ابن تغرى بردى، والذهبي وأبي الفرج ليست مهمة. (14) ما التفصيلات الكثيرة عن وقعة الجمل وخاصة عن مراحلها والشعر الذي قيل فيها فإنا نجدها مبعثرة في كتب الأدب (مثل المبَّرد، والأغانى، والعقد، والبيهقي: المحاسن، وابن قتيبة: عيون الأنباء، والجاحظ: البيان والتبين إلخ، وكذلك في كتب الطبقات مثل ابن سعد؛ وابن الأثير: أسد الغابة، وابن حجر: التهذيب، وابن خلكان الخ. (15) وإليك بعض الفقرات التي لها أهمية تاريخية خاصة: ابن سعد، ج 3، ص 1، 20، ج 5، ص 26؛ الأغانى، ج 16، ص 131؛ العقد، طبعة بولاق سنة 1293 هـ، ج 2، ص 275 - 284؛ ابن عبد البر: الاستيعاب، طبعة حيدر آباد، سنة 1318 - 1319 هـ، ص 209 (الدور الذي لعبه الزبير) ص 213 وما بعدها (الدور الذي لعبه طلحة). وعلاوة على ذلك تذكر التواريخ المعروفة لفايل، وميلر، وموير، انظر: (16) Ali Som Praetendent og: Fr. Buhl kalif، كوبنهاغن سنة 1921، ص 40 - 55. (17) Aisha the beloved: N. Abbott Mohammed of، شيكاغو سنة 1942. (18) وانظر بصفة خاصة Cae. Annali: tani، حوادث سنة 36 هـ الفقرات من 21 - 32. خورشيد [فاكلييرى L. Veccia Vaglieri]. جملة مصطلح في النحو العوبرى، وكلمة جملة بهذا المعنى مرادفة لكلمة "كلام"، على أن الزمخشرى يقول (المفصل، ص 4، من 15 - 17) الكلام هو المركب من كلمتين) سندت إحداهما إلى الأخرى. ومن الجائز أن تؤلف الكلمة الواحدة جملة كاملة، حكما هي الحال في صيغة الأمر "قم". فالفاعل في هذه الجملة مضمر، تقديره أنت ويمكن الرجوع في أنواع الجملة المختلفة (جمله اسمية، فعلية، ظرفية، استفهامية. الخ) إلى كتب النحو، وخاصة البحث المفصل الوارد في كشاف اصطلاحات، الفنون Dictionary of Technical Terms) طبعة شبونكر Sprenger وغيره ج 1، ص 245 - 250) [شاده A. Schaade].

جميل

جميل بن عبد الله بن معمر، وكنيته أبو عمر: شاعر عربي مشهور عاش في القرن الأول للهجرة، ولا نعرف عن حياته إلا ما ندر، وبعض ذلك راجع إلى أن جميلا لم يخلد إلى مكان يستقر فيه، فقد كان ينتقل من مكان إلى مكان مع قبيلة بنى عُذْرَة التي اشتهرت بالعشق، وقصة حبه لبثنة أو بثينة مشهورة، وبثينة من بنات قبيلته، عاشت ردحًا من الزمن في وادي القرى، وقد خطبها جميل في شبابه فردَّه أبوها، ولكنه ظل مع ذلك متصلا بها في الخفاء، حتى بعد زواجها من شخص يدعى نبيها. وعند ذلك أوغر أهلها من بنى الأحب صدر والى وادي القرى (وفي رواية أخرى والى المدينة) على جميل فاضطر إلى الفرارء ويقال إنه توفى بمصر عام 82 هـ (701 م) بعد أن طال تجواله. وكان قد ذهب إليها ليمدح واليها عبد العزيز بن مروان، وهو أمر ألفه شعراء ذلك الوقت. وقد عاشت بثينة بعد جميل. وامتاز جميل فوق ذلك بإجادة المديح، وشاهد ذلك أنه جوزى بسخاء على قصيدة فخر فيها بقبيلة جذام التي منها أمه، وكان الناس من ناحية أخرى يهابون هجاءه. وقد خاصم بنى الأحب خصامًا طويلًا اشتهر أمره بصفة خاصة، على أن علو كعبه في النسيب خاصة هو الذي خلد ذكره، ولا شك أن أشعار جميل، وكلها في بثينة، تعد بحق من أجمل وأرق الأشعار التي وصلت إلينا من العهد العربي الأول الذي كان الشعر فيه لا يزال خالصًا من التأثير الفارسى، وربما لم يبزه في هذا المضمار من بين معاصريه سوى عمر بن أبي ربيعة. ومن المسلم به أن كُتَّاب العرب قد أصابوا الحقيقة في كلامهم عن جميل، ذلك أنهم يقررون أنه يعبِّر في أشعاره وفي شكواه الحب عن شعور صادق. فقد امتازت أشعاره بالبساطة والبعد عن الصناعة، ولعل ذلك كان- إلى جانب جمالها الفني- السبب الذي من أجله لحنت وقام كثير من المغنين العرب بإنشادها. ونزيد على ذلك أن جميلا كان إلى جانب قرضه الشعر راوية لأشعار هدبة

بن الخَشرْمَ، وكان كثير راوية لأشعار جميل. المصادر: (1) الأغانى، الطبعة الأولى، ج 1، ص 58 , ج 7، ص 77 - 110، ج 8، ص 40، ج 9، ص 112. (2) ابن قتيبة: كتاب الشعر والشعراء، طبعة ده غويه، ص 260 - 268. (3) ابن خلكان، طبعة فستنفلد، رقم 141، ترجمة ده سلان، ج 1، ص 331 - 337. (4) Gesch. d. Arab.: Brockelmann . Liter، ج 1، ص 47. (5) وأورد Noeldeke في كتابه De- lectus شواهد من شعره، ص 9 - 13، 54. [شاده A. Schaade] . + جميل بن عبد الله بن معمر العُذرى: شاعر عربي من أعيان القرن الأول الهجرى (السابع الميلادي) وهو في رأى الرواية الأدبية أشهر ممثل للمذهب العذرى في الشعر، بل يكاد يكون رمز هذا المذهب الذي عرف بالعفة في الحب واصطناع الصورة المثالية له. وجميل شخصية تاريخية موثوق بها كل الثقة، وإن كان لم يظهر من تفصيلات حياته إلى الضوء إلا النزر اليسير، ولد شاعرنا حوالي سنة 40 هـ (660 م) وقضى حياته في الحجاز وفي نجد، ومن المظنون أيضًا أنه فر ردحًا من الزمن إلى اليمن بتحريض والدى محبوبته، نجاة بنفسه من اضطهاد وال من الولاة الأمويين. وشخص إلى مصر قرابة أواخر حياته حيث أذاع صدت الوالى عبد العزيز بن مروان بقصائده، وهناك توفي سنة 82 هـ (701 م) وهو بعد قد تجاوز الشباب بقليل، ومعظم أشعار جميل التي انتهت إلينا تدور حول موضوع الحب، إلا أننا نتبين وجوها أخرى لشخصيته وقدرته الشعرية، فقد كان جميل بارعًا في شعر الفخر والهجاء، قادرًا على الخصومة والمشاكسة مفحما في إجاباته منصرفا إلى التغنى بأمجاد أجداده وعشيرته (يؤكد النسَّابة أن قبيلة بنى عذرة)

أصلها من الجنوب، على حين يتحدث جميل عن أمجاد أجداده فيقول إنهم من مَعَد). على أن الشخصية التاريخية البارزة لجميل هي شخصية شاعر الحب. فقد اشتعل قلبه من باكورة شبابه بحب بنت قبيلته "بَثْنَة"، أو "بثينة" وهذه القبيلة هي بنو الأحب العذرية، وقد خلد ذكر القصة بحبه العميق البائس في أشعاره هو وفي قصص رجال الأدب من أعيان القرن الثاني الهجرى الموافق الثامن الميلادي (يعتمد بعض هذه القصص في كثير من الأحيان على أشعار جميل). ورفض والدا بثينة أن يزوجوها له، وتزوجت رجلا آخر يدعى نبيه بن الأسود. ومضت أوقات من التصالح اعقبتها أوقات من اللوم والتأنيب، وانتهى به الأمر إلى ترك وادي القرى الذي شهد أول نار يتأجج بها حبه وله يعد إليه أبدا، وقد ذكره في أبيات مؤثره وهو على فراش الموت. وذاع ديوان جميل ذيوعًا واسعًا في القرن الثالث الهجرى الموافق التاسع الميلادي (كان راوى جميل في حياته هو كثير عزة)، وقد درسه وأذاع صيته علماء اللغة مثل ابن الأنبارى ودريد. ولكن هذا الديوان لم يحفعل للأجيال اللاحقة، وليس في متناولنا منه إلا ما لا يزيد عن قطع ومختارات قليلة من شعر جميل التقطت من الدواوين ومن المصادر الأدبية الأخرى (ومصدرنا الأول في ذلك هو الأغانى). وتبلغ هذه القطع والمختارات نحو، من 800 بيت، وهي تحمل طابع شخصية متفردة لا تخطئها العين ولو أن أصالته قد غشاها إلى حد ما حشد من المقلدين والتقاليد الأدبية التي سادت عصره، ولم يستطع هو أن يتجاهلها. وقصة حبه الواله كما تنبثق من شعره أقوى من المجرى المألوف لمثل هذه القصص. فقد كان أول من تحدث عن الحب من حيث هو قوة كونية لا تغيب أبدا، تجتذب المرء من أولى لحظات ولادته وتعيش بعد وفاته. وكان جميل أمينًا على سنة بنى عذرة يؤكد على نقاء الحب ونبله، وفضيلة إنكار الذات، وأن يتحمل عذاب الحب وحده، ولا نجد عنده أثرًا للحب الشهوانى والعابث الذي

جميلة

يذكر في معابثات عمر بن أبي ربيعة وغيره. وقد نفى جميل السنة البدوية في الحب، وأشاع فيه تجربته الشخصية العميقة، والإخلاص الصارم الذي هو فوق الشك. وسرعان ما أصبح شعره وشعر عمر شعرًا، مأثورًا (افتخر الوليد بن زيد بأنه قادر على كتابة الشعر على طريقة جميل وعمر) وقد أثبت الزمن بسند جيد أنه أكمل ممثل للشعراء العذريين الذين "إذا أحبوا ماتوا". المصادر: أهم المصادر هي: (1) الأغانى، الطبعة الثانية، ج 8، ص 90 - 154. (2) ابن قتيبة: الشعر، ص 260 - ص 90 - 154. (3) ابن خلكان: رقم طبعة فستنفلد. (4) ابن عساكر: ج 3، ص 395 - 405، طبعة بدران. (5) Gamil al-Udhri.: F. Gabrieli Studio critico e raccolta dei frammenti في Rivista degli studi orientali، ج 27، سنة 1937، ض 40 - 71، 132 - 172. (6) الكاتب نفسه: Contributi alla in- terpretazioni di Gamil في Rivista degli stud oriental، ج 18، سنة 1938، ص 173 - 198. (7) طبعات شرقية لقطع من شعره قام بها بشير يموت، بيروت سنة 1934، وثمة من قام أيضًا بذلك قيامًا يفوق ذلك كثيرا، وهو حسين نصار، القاهرة سنة 1958. (8) Les Principaux: R. Blachere themes de la Poesie erotique au siecle des Umauyades des Damas في Annales de -L'Institut d'Etudes Orientales de I'Uni versite d'Alger، الجزائر، ج 5، سنة 1939 - 1941، ص 82 - 128. خورشيد [كابرييلى F. Gabrieli]. جميلة مغنية عربية مشهورة، عاشت في صدر العهد الأموى، وهي مولاة بنى

الجنابة

سليم. تزوجت من أحد موالى بنى الحارث بن الخزرج، ونزلت معه بالسَّنْح بالقرب من المدينة. ويقال إنها تعلمت الموسيقى والغناء في حداثتها على المغني سائب خاثر، فكانت تسترق السمع إليه. وجدير بنا أن نذكر من حيث الترتيب التاريخي للحوادث أن سائب خاثر هذا، وقد تتلمذت عليه المغنية المشهورة عزة الميلاء، لقى حتفه في وقعة الحرَّة عام 63 هـ الموافق عام 682 - 683 م (الأغانى، ج 7، 0 ص 188). وقد تخرج في مدرسة جميلة مغنون ومغنيات كثيرون، أشهرهم: معبد وابن عائشة وحبَابة، وسَلَّامة وغيرهم، ذلك أن جميلة كانت من أبعد أساتذة الغناء صيتًا. ويقال إنها كانت صديقة لبثينة صاحبة جميل. وكان يجمعها بكثير من مشاهير الشعراء- مثل عمر بن أبي ربيعة والأحوص وغيرهما- صلات ود وثيقة. وقد حجت إلى مكة؛ وتقول رواية مشكوك فيها كثيرا إن حجتها كانت بمثابة موكب من مواكب الظفر والانتصار. المصادر: 1 - الأغانى، الطبعة الأولى، ج 7، ص 124 - 148. 2 - الأغانى، طبعة Kosegarten، ص 16 وما بعدها من المقدمة. [شاده Schaade]. الجنابة هي ما يقال له الحدث الأكبر، ويسمى المرء وهو على هذه الحالة جُنُبا، وإنما يطهر بالغسل. على أن الشرع قد نص على الوضوء فقط إذا كان المسلم في حالة الحدث الأصغر. والجنابة هي حالة الدنس التي وصفت في الآية السادسة من سورة المائدة "يأيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين وإن كنتم جنبا فاطهروا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء

جناب شهاب الدين

فلم تجدوا ماءً فتيمموا صعيدًا طيبًا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ما يريد الله ليجعل عليكم من حَرَج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون". ونص الشرع كذلك على أن خروج المني بأي وسيلة يعد في حكم الجماع. ولا تصح صلاة الجنب شرعًا، كما لا يجوز له الطواف حول الكعبة، ولا المكوث في المسجد إلا في حالات الضرورة، والجنب ممنوع من أن يمس القرآن، أو أن يتلو آيات منه إلى أن تزول عنه الجنابة. ويطلق على الجنابة أيضًا اسم الحدث الأكبر، وهو يقابل الحدث الأصغر. المصادر: 1 - انظر الفصول الخاصة بالطهارة في كتب الحديث والفقه. 2 - Zahiriten: Goldziher Die ليبسك 1884، ص 48 - 52. [جوينبول Th. W. Juynboll]. جناب شهاب الدين (سنة 1870 - 1934): شاعر وكاتب تركى، وهو واحد من الممثلين الثلاثة لمدرسة "ثروت فنون" في الأدب (الاثنان الآخران هما توفيق فكرت وخالد ضيا). ولد جناب في مناستير، ولما لقى أبوه الضابط مصرعه في معركة بلونة (سنة 1876) استقر جناب في استانبول هو وأمه والتحق طالبا داخليا بمدارس عسكرية عليا شتى، وتخرج في مدرسة الطب العسكرية سنة 1889 طبيبا عسكريا.، وقضى أربع سنوات في باريس يكمل دراساته الطبية. ولما عاد إلى تركية خدم في عدة مكاتب صحية في الولايات وفي إستانبول. وحاول بعد دستور سنة 1908 وأثناء الحرب العالمية الأولى أن يدخل في الحياة السياسية فلم يصادف في ذلك نجاحا. ولما اعتزل خدمة الحكومة التحق بهيئة التدريس في كلية الفنون بجامعة استانبول (سنة 1914). ولكنه اضطر إلى الاستقالة

سنة 1922 نتيجه لاحتجاج قدمه طالب حول موقف جناب العدائى من الحركة الوطنية في الأناضول. ولا قامت الجمهورية سنة 1923 بذل محاولة لكسب رضا الحكومة الجديدة في أنقرة، ثم عاش حتى وفاته عيشة اعتزال تقريبا يكتب مقالات ويقرض شعرا بين الحين والحين للمجلة الأدبية التي عادت إلى الحياة "ثروت فنون". وقد وقع جناب وهو في باكورة شبابه تحت تأثير الجماعة الهامة الأخيرة لأنصار المدرسة القديمة في الأدب، وقد جرت أشعاره الأولى على السنة القديمة. ولكنه سرعان ما حرر نفسه من هذا التأثير وبدأ ينظم قصائد استلهم فيها بقوة آثار المجدد التركى الكبير عبد الحق حامد ورجائى زاده إكرم. ولما عاد من باريس حيث واتته الفرصة الكبيرة لدراسة الأدب الفرنسى المعاصر، استقر رأيه استقرارا على اختيار المدرسة الجديدة التي كان يتولى زمامها رجائى زاده إكرم وتوفيق فكرت، وكانت هذه المدرسة آنذاك تلتف حول الجلة الأدبية "ثروت فنون". ودعى جناب إلى الانضممام إلى هذه المجلة التي أسبغت اسمها على الحركة الأدبية وقت انسلاخ القرن التاسع عشر. وأصبح جناب- بعد فكرت- أنجح شاعر من شعراء الحركة وأكثرهم قربا من قلوب الناس. وبعد سنة 1908 غطى الناثر فيه على الشاعر وأصبح الجيل كله يعده الإمام المتألق للنثر التركى بفضل مقالاته العديدة، ومناظراته السياسية والأدبية، وموضوعاته، ونقداته وملاحظه في رحلاته. وظل جناب ملتزما بمذهب "الفن للفن" متجاهلا تجاهلا تاما جميع النزعات الجديدة التي قصد بها إلى إحداث انقلاب في الشعر التركى واللغة التركية. وكان جناب متأثرا في اختيار ألفاظه وعنايته بالوزن والصور العجيبة باليارناسيين الفرنسيين إلى حد كبير، وبالرمزيين الأولين إلى حد أقل. وقصائد جناب القليلة نسبيا (جمعها

بعد موته سعد الدين نزهت أرغون، انظر المصادر) محدودة في تنوعها تدور جميعا حول موضوعين: الطبيعة والحب. وبالرغم من عقدته من ناحية الوزن واختيار الألفاظ التي تواتيه في كثير من الأحيان بالكشف عنها في بطون اللغة العربية وبخاصة في بطون المعاجم الفارسية، فإنه لا يعد أستاذا من أصحاب الأساليب، على أن تردده، وغلظته كثيرا في الأسلوب، لم يمنعاه من أن يقول في بعض الأحيان شعرا أصيلا سائغًا إلى حد عجيب. فيه أخيلة عجيبة وإيقاع في بنيته كقوله: "سقط ندى فضى على ورقة الليل المظلمة، واختلج القمر كقطرة الندى على أديم الليل". ونثر جناب أكثر زخرفا، وهو نفيس جدا حافل أيضًا بالكلمات العربية والفارسية النادرة. على أنه سرعان ما أصبح لا يناسب الزمن لعجزه عن رؤية التطور السريع الذي لم يكن عنه محيص في اللغة والأسلوب الأدبى التركى بعد سنة 1910. وقد خاض جناب، مؤيدا بمعجبيه، معركة خاسرة مع جيل الكتَّاب الشباب أنصار "اللغة الجديدة (يكى لسان) الذين كان يقودهم كاتب القصة القصيرة عمر سيف الدين، وكان عمر هذا قد استقر عزمه على تخليص اللغة التركية من سيطرة النحو العربي والمفردات العربية وإدخال لغة الحديث التركى (التركية الحية)، كما كانوا يسمونها، في الأدب. ولما أدرك جناب خطأه سنة 1920 بدأ يجرب "اللغة الجديدة"، ولكن الوقت كان قد فات، وكانت أيامه في الكتابة قد ولت. وجمع جناب بعض كتاباته الصحفية الكثيرة ومقالاته في كتاب "أوراق أيام" (إستانبول سنة 1915) وكتاب "نثر حرب" و"نثر صلح " (إستانبول سنة 1918) كما جمع مذكراته عن رحلاته في "حج يولونده" (إستانبول، سنة 1909، 1925) وفي " أوربا مكتوبلرى" (إستانبول سنة 1919). وكتب جناب أيضًا مسرحيتين: "يالان" سنة 1911 , " قوره به" سنة 1917. وكان كتابه الأخير دراسته لوليام شيكسبير سنة 1931. ويدين جناب بمكانته الهامة في

جناح، محمد على

تاريخ الأدب التركى لإسهامه المشهود سنة 1890 في المدرسة الجديدة للشعر التركى، التي أتمت الانفصال عن جميع تقاليد شعر الدواوين تقريبا، وأقامت إلى غير رجعة الأسلوب الغربي للشعر التركى. ودور جناب في هذا هو الدور الأول بعد توفيق فكرت مباشرة. المصادر: (1) روشن أشرف: ديورلر كى، إستانبول، سنة 1918، ص 81 - 93 وفي مواضع مختلفة. (2) سعد الدين نزهت أرغون: جناب شهاب الدين حياتى وسجمه سيرلرى، إستانبول سنة 1934. (3) على جانيب يونتم في آيلك أنسيكلوبيدى، إستانبول سنة 1945، ج 1، ص 298 - 299. (4) Bati tesirinde: Kenan Akyuez Antoloiisi Tuerk الطبعة الثانية، أنقرة سنة 1958، ص 265 - 296. خورشيد [أفاخر إيز Fahir Iz]. جناح، محمد على (مرادف هندى باكستانى لجناح؛ والرسم الإنكليزى: Jinnah): محمد على؛ ومحمد على جناح الذي لقَّبه مواطنوه بلقب "قائد أعظم" هو مؤسس دولة الباكستان. وقد نظَّم وقاد حركة باكستان وأصبح أول حاكم عام للدولة الجديدة. ومن المسلم به بصفة عامة أنه ولد في 27 ديسمبر سنة 1876، ولو أن بعض السجلات تذكر لذلك عام 1875 وعام 1874؛ وكان أبوه تاجرا متوسط الثراء، وعضوا في أسرة من الخوجات تعيش في كاراتشى. وتلقى محمد تعليمه الأول في بومباى، ثم في مدرسة الإسلام السندية وفي المدرسة العليا لجماعة المبعوثين المبشرين في كاراتشى. ولما حصل على إجازة القبول في الجامعة بعث إلى إنكلترة سنة 1892 حيث نال شهادة القانون سنة 1896 من كلية لنكولن. وعاش في لندن في الأيام الأخيرة للأحرار على مذهب غلادستون، وأظهر

في هذه الأثناء اهتماما شديدا بالحياة العامة، وكان معجبا ونصيرا لدادا بهائى نوروجى أول هندى انتخب في مجلس العموم. وفي هذه المرحلة أيضًا اتخذ سمة الإنكليز في الظاهر. وقد جرى حتى السنة الأخيرة من حياته على لبس اللباس الإنكليزى الخالص والنظارة ذات العين الواحدة، وقد ألقى جميع أحاديثه الهامة بالإنكليزية حتى الكلمة التي ألقاها في الإذاعة في 3 يونيه سنة 1947 بمناسبة قبول خطة التقسيم، تم ترجمها آخرون إلى الأوردية. وصفوة القول أنه كان قد أصبح "مستز جناح". وعاد محمد على إلى الهند سنة 1896 وبدأ في السنة التالية يمارس مهنة المحاماة في بومباى. ولم يلبث بعد عدة سنوات عجاف أن أصبح من أئمة رجال المحاماة في بومباى. وكانت عقليته دائما عقلية المحامى، وكان حديثه يتوخى الدقة أكثر من البلاغة، وكان قليل الصبر مع أولئك الذين يستخدمون الكلمات رموزا لإثارة الانفعالات. وكان يخاطب الحكومة البريطانية أو الأقلية الهندية المتعلمة، فإذا تحدث إلى الجماهير تحدث بالإنكليزية باللغة نفسها التي كان يستخدمها في كتابة ملخص. وإذا استجابت الجماهير فإنها كانت تستجيب لجدية الرجل واستقامته وليس لحرارة كلماته. وكانت أول صغامرة لجناح في السياسة الهنذية هي عضويته للمؤتمر الوطنى الهندى، وقد حضر دورة انعقاد سنة 1906 بوصفه كاتب سر خاص لنوروجى الذي كان آنئذ رئيسا للمؤتمر. وبعد ذلك بثلاث سنوات، أي في يناير سنة 1910، اتخذ مقعده عضوا في أول مجلس تشريعى إمبراطورى، وقد انتخب ليمثل مسلمي بومباى، وكان أول عضو غير رسمى يحقق سن قانون تشريعى، وكان في هذه الحالة قانونا يصحح وضع الأوقاف الإسلامية. وفي سنة 1913 انضم جناح إلى الرابطة الإسلامية وهو باق شخصية مؤثرة في المؤتمر الإسلامي. وقد قدر له، كما قال كوكهاله أن يكون "سفيرا للوحدة الهندية الإسلامية". وقد كان له

الدور الأكبر في التفاوض بشأن "ميثاق لكهنو" الذي اتفق فيه المؤتمر والرابطة الإسلامية على خطة في الإصلاح الدستورى تنطوى على ضمانات لحقوق المجتمع الإسلامي. وقد رأس جناح سنة 1916 دورة اجتماع الرابطة التي أقرت هذه القترحات. وقد جلبت السنوات التي أعقبت سنة 1918 موجة من التطرف والعنف إلى السياسة الهندية، فقد أحس جناح بتوكيده الدائب على ما يسمى "الأسس الدستورية" أنه هو نفسه قد اقتلعه المتطرفون. وفي سنة 1919 استقال من المجلس التشريعى احتجاجا على توسيع سلطة الشرطة في القمع. وفي العام التالي افترق عن المؤتمر في مسألة عدم التعاون. وبالإضافة إلى فرقته للمؤتمر نجد أن جناح قد أرضى نفسه مفترقا عن كثير من إخوانه السلمين الذين كانوا أضارا متحمسين لحركة الخاوفة، وتضاءلت أهمية الرابطة الإسلامية وانقسمت على نفسها من الداخل. وكان جناح قد تزوج للمرة الأولى وهو بعد طفل قبل رحيله إلى إنكلتره سنة 1892، ولكن زوجته توفيت وهو في خارج البلاد، وكان زواجه الثاني من ابنة سرى من سراة اليارسيين، وقد وقع هذا الزواج سنة 1918. ولم يكن زواجا موفقا فانفصل الطرفان قبل أن تتوفى الزوجة بعد ذلك بعشر سنوات. وكانت أخته فاطمة ترعى شئونه المنزلية معظم حياته. ولعب جناح دورا في الحياة الهندية العامة ما بين سنتى 1920 و 1931. ولكن لا نستطيع أن نقول إنه لم يكن من الشخصيات المتصدرة للصفوف. ولا شك أنه لم يكن المتحدث الوحيد أو الرئيسى عن المسلمين الهنود. وقد انتخب في جمعية مركزية وكان مندوبا في المؤتمرين الأولين للمائدة اللمستديرة (سنة 1930 - 1931). وفي هذه المرحلة بدأ يعمل في المجلس الخاص للمحامين وأقام دارا في لندن، وأصبح لا يزور الهند إلا زيارات متقطعة. وكانت عودته الأخيرة سنة 1935 بعد تنفيذ الأحكام الدستورية الجديدة

لقانون حكومه الهند، وقد بدأ على الفور تقريبا في التحرك نحو السيطرة على الرابطة الإسلامية وتطورها من حيث هي الأداة الرئيسية للقومية الإسلامية. وفي سنة 1936 أصبح رئيس المكتب البرلمانى للرابطة، وهي اللجنة التي نهضت بالحملة الانتخابية. وكان غرض أعضائها تنفيذ برنامج للاتصال الجماهيرى، ولكنهم لم ينجحوا نجاحا مشهودا كما يتبين من الفوز الضئيل الذي سجلته الرابطة في انتخابات سنة 1937. وهنالك تسنم المؤتمر الذي أبلى بلاء حسنا، السلطة في معظم الولايات، وطهر أنه حقق دعواه في أنه الوارث الوحيد للسلطة البريطانية. وعندئذ بادر جناح، الذي كان وقتذاك رئيسا للرابطة، إلى منازعة المؤتمر هذا الزعم: مقررًا أنه لا يمكن إتخاذ خطوات دستورية أخرى دون موافقة الأمة الإسلامية ممثلة في الرابطة. وكان أول خط دفاع في حجته أن المسلمين لا يمكن أن يتوقعوا عدالة كاملة في مجتمع سياسى أغلبيته من الهندوس، وعنيت الرابطة عناية كبيرة بمظالم المسلمين من وزارات المؤتمر الإقليمية. وفي سنة 1939، أي بعد اندلاع الحرب العالمية الثانية، استقالت حكومات المؤتمر. واستطاع جناح، الذي عاون في المجهود الحربى بحذر، أن يقوى مؤسسته وأن يحقق، في سنوات هذه الحرب، مشاركة الرابطة في حكومة عدة ولايات. وهنالك ألقى بالحجة الثانية الكبرى، وهي تقوم على توكيد أن قيام كيان مستقل لمسلمى الهند أمر ممكن وضرورى. وكان محمد إقبال قد اقترح مثل هذه الخطة سنة 1930, ولكنها لم تتخذ برنامجا سياسيا حتى اجتماع الرابطة الإسلامية بلاهور في مارس سنة 1940، وكان ذلك هو القرار الباكستانى. ومع ذلك فإنه لم يكن هن الواضح بعد هل يمكن أن يزعم جناح أنه يتحدث باسم الرأى العام الإسلامي؟ ذلك أن الرابطة في البنغال والبنجاب، والسند وولاية الحد الشمالي الغربي التي كانت هي المناطق التي للمسلمين فيها الأغلبية، كانت عاجزة عن أن تمارس سيطرة فعالة دائبة، ومهما يكن من

شيء فإن الرابطة في انتخابات سنة 1946، قد كسبت جميع مقاعد المسلمين تقريبا، ولم يستطع أحد إنكار موقف جناح من حيث هو المتحدث باسم الأغلبية الساحقة. وقد اشترك جناح اشتراكا فعالا في المفاوضات التي لم أدت إلى قيام مشروع التقسيم، وكان لا يكف عن الإلحاح بأن المسلمين يجب أن يسمح لهم بأن يختاروا لأنفسهم دولة مستقلة. وفي يونيه سنة 1947 تحقق غرضة وقامت دولة باكستان في منتصف ليلة 14 - 15 أغسطس سنة 1947. وتولى هو منصب الحاكم العام لها ورئيس الجمعية التاسيسية. وقد وجه جناح جهود الأولى نحو إنهاء سفك الدم والحقد الجماعى. وما وافى هذا الوقت حتى كان جناح قد بلغ السبعين من عمره، وكانت صحته تبدو عليها أمارات الانهيار. ومع ذلك فقد رأس إقامة الجهاز الحكومى وكان مسيطرا سيطرة فعالة على تدبير الأمور. وفي خلال سنة 1948 ازدادت صحته وهنا على وهن وأدركته المنية في 11 سبتمبر. وكان جناح رجلا غيَّر مجرى التاريخ، صحيح أنه كان ثمة شعور قومى إسلامي قبله، لكنه اسبغ عليه الثقة بالنفس وأفاء عليه النظمام، وكان جناح رجلا نزيها لا يحيد، وربما كان من العسير على المرء أن يحبه، غير أنه يحمل المرء على الإعجاب به. كان وطنيا مسلما وإن لم يكن في أعماقه رجل دين. وعنده أن التراث الإسلامي حضارة. وثقافة وكيان قومى. ثم هو قد أسس دولة ثابتة الأركان كما فعل بابر. المصادر: (1) H. Bolito: J innah، لندن سنة 1954. (2) Mo-: Matlubul Hasan Sayid hammad Ali Jinnah، لاهور سنة 1953. (3) Jamilud in Ahmed (الناشر): Writings of Mr. Jinnah Speeches and، في مجلدين، لاهور سنة 1942، 1947. خورشيد [كالارد R.Callard]

جن

جن في نظر المسلمين: أجسام هوائية أو نارية، عاقلة خفية تتشكل بأشكال مختلفة، ولها قدرة على الأعمال الشاقة (انظر تفسير البيضاوى لسورة الجن، الآية الأولى؛ وانظر الدميرى: كتاب الحيوان، هذه المادة). "وخلق الجان من مارج من نار" (سورة الرحمن، الآية 15). أما سائر الكائنات العاقلة فهي الإنسان والملائكة، خلق الإنسان من صلصال، والملائكة من نور. على أن الجن يثابون؛ فقد بعث الله النبي [صلى الله عليه وسلم] إلى الجن كما بعثه إلى الإنس؛ فبعضهم إلى الجنة، وبعضهم إلى النار؛ وصلة الجن بإبليس (أي الشيطان) وصلتهم بالشياطين غامضة. فقد جاء في سورة الكهف، الآية 50، أن إبليس كان من الجن، ولكن الآية من سورة البقرة يفهم منها أن إبليس كان من الملانكة (¬1)، ومن هنا كثر الخلط ونشأت عدة أساطير، وافترضت عدة فروض (ويمكن الرجوع في ذلك إلى تفسير البيضاوى لهذه الآية وتفسير الرازي لها في كتابه مفاتيح الغيب، طبعة القاهرة سنة 1307 هـ، ج 1، ص 288 وما بعدها). ويميل أصحاب المعاجم من المسلمين إلى اشتقاق كلمة جن من الاجتنان أي الاستتار (انظر Lane، هذه المادة، والبيضاوى في تفسير سورة اليقر ة، طبعة Fleischer، ج 1، ص 22) غير أن هذا الاشتقاق بعيد للغاية، كما أن القول ¬

_ (¬1) كلا، الآية لا تدل على أنه كان من الملائكة، ونصها (إذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبي واستكبر وكان من الكافرين) فهذا استثناء منقطع، ولغة العرب واسعة، والقرآن يفهم فهما عربيا. وسمى الزمخشرى مثل هذا استثناء متصلا، فقال في الكشاف (ج 1، ص 62 - 63 من طبعة المكتبة التجارية): "استثناء متصل لأنه كان جنيا واحدا بين أظهر الألوف من الملائكة مغمورا بهم فغلبوا عليه في قوله فسجدوا، ثم استثنى منهم استثناء واحد منهم، ويجوز أن يجعل منقطعا". وهنا اختلاف في الاصطلاح. وقال الحافظ ابن كثير في تفسيره (ج 1، ص 128 من طبعة المنار): "إن الله تعالى أمر الملائكة بالسجود لآدم ودخل (إبليس في خطابهم، لأنه وإن لم يكن من عنصرهم إلا أنه كان قد تشبه بهم واتسم بأفعالهم. فلهذا دخل في الخطاب لهم وذم في مخالفة الأمر" والنص القاطع في ذلك كله قول الله في الآية 50 من سورة الكهف: "وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه)، والقرآن يصدق بعضه بعضا، ويفسر بعضه بعضا. احعد محمد شاكر.

كما أن القول باشتقاقها من كلمة genius لا يستبعد كثيرا. والقول بأن لكل مكان إلها خاصا به: - Naturalem deem uni uscuiusque loci (Serv. Verg ج 1، ص 302) يعبر ادق تعبير عن شدة ارتباط الجن بأماكنهم الخاصة بهم (¬1) (انظر Noeldeke: المعلقات، ج 1، ص 78، 64؛ ج 2، ص 89، 65) وأنهم كانوا في بلاد العرب في عهدها القديم أشبه بالآلهة (Religion: Robertson Smith of Semites ص 121). ومفرد جنَّ جِنِّى، وتستعمل كلمة "جان" مرادفة لكلمة "جن" (Lex-: Lane icon، ص 492 والغول والعفريت والسعلاة من الجن. وثمة رأى إثيوبى يقول بوجود ارتباط بين الجنِّ والغول والعفريت والسعلاة (Neue: Noeldeke Beitraege، ص 63). ودراسة الجن تنقسم بطبيعة الحال ثلاثة أقسام، وإن كانت بالضرورة تتداخل بعضها في بعض: 1 - كان الجن في رأي عرب الجاهلية حوريات الصحراء وغيلانها، ذلك الجانب من حياة الطبيعة الذي يصيب الإنسان بالشر ولم يستطع بعد أن يخضعه لسلطانه (انظر عن هذا الكتاب Robertson السابق ذكره؛ وانظر Noeldeke عن العرب القدماء في Hass- of Religion and Ethics: stings . Encycl, ج 1، ص 669 وما بعدها؛ : Wellhausen Daemonen . bei d.: Van Vloten Reste alt Arabern في Wiener Zeitschr. f. Kunde . V des Morgenl ج 7، 8 , وقد أفاد مما ورد في كتاب الحيوان للجاحظ). أما في عهد النبي [صلى الله عليه وسلم] فقد أخذوا ينظرون إليها نظرة غامضة خفية، [ومن قبله] جعل المكيون بين الجن والله نسبا (انظر سورة الصافات، الآية 158)، وجعلوا لله شركاء الجن .. (سورة الأنعام، الآية 100) وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا (سورة الأنعام، ¬

_ (¬1) هذا كلام لا دليل عليه. ولم يبن علي بحث علمي، وادعاء أن كلمة "جن" مشتقة من لغة) أجنبية ادعاء غير صحيح، وقد بينت مرارا أن لغة العرب من أقدم اللغات. وأما الوثنية التي يشير إليها الكاتب فقد جاء الإسلام لهدمها وإبطلها. أحمد محمد شاكر

الآية 136)، ويعوذون بهم (سورة الجن، الآية 6). 2 - واعترف القرآن بوجود الجن اعترافا كاملًا كما هي الحال إلى يومنا هذا، وبذل الجهد للوصول إلى النتائج المترتبة على هذا الاعتراف، فبلغوا بها أقصاها. فقد نوقشت الحالة الشرعية للجن من جميع نواحيها ووضعت لها الحدود، كما درس كل ما يمكن أن يكون بين الجن والإنس من علائق كالزواج والملكية (¬1). ومن الواضح أن قصص غرام الجن والإنس كانت دائما مثار اهتمام الناس، ويسوق صاحب الفهرست لم سماء ست عشرة قصة من هذه القصص (ص 308) وهي تذكر في مجموعات الأقاصيص كافة (مثل تزيين الأسواق لداود الأنطاكى، ص 181 وما بعدها، طبعة القاهرة سنة 1308 هـ؛ وكتاب مصارع العشاق للسرَّاج، ص 186 وما بعدها، طبعة الآستانة سنة 1301). وهناك أيضًا قصص متعددة عن العلاقات بين الأولياء والجن Religious: Macdonald) Attitude and life in Islam، ص 144 وما بعدها). وهناك تصنيف جيد لكل هذه الموضوعات هو كتاب "آكام المرجان في أحكام الجان " لبدر الدين الشبلى المتوفى عام 769 هـ وهذا الكتاب مطبوع بالقاهرة سنة 1326 هـ (وأنظر أيضًا Noeldeke في Zeitschr. d. Deutsch. .Morgeni. Gesell ج 64، ص 439 وما بعدها). أما من تجاسر على الشك في وجود الجن فهم قلة حتى بين المعتزلة، وإنما قال هؤلاء بآراء مختلفة في طبيعة الجن وأثرهم في الماديات. وحاول الفلاسفة ¬

_ (¬1) هذه أبحاث خيالية، تعدى باحثوها حدود ما يجوز لهم بحثه، فإن الله، سبحانه، وهو الذي خلق هذه الدنيا بأرضها وسمائها وهو الذي لا يغرب عن علمه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض وهو الذي خبرنا في القرآن عن وجود الجن، كما أخبر الأنبياء السابقين، ونحن لم نرهم، ولا نعلم من أحوالهم إلا ما جاء به الوحى الصادق من القرآن والسنة الصحيحة- فلا يجوز لنا أن نتجارز في البحث ما ورد في الوحى، ومن تجارز فقد اعتدى وأخطا، ولم يكن عمله أو قوله حجة على الإسلام، بل القرآن والسنة حجة عليه، وما كان سبيل البحث العلمي أن تدع الحقائق، ونجرى وراء أوهام العوام وخيالات القصاص والشعراء. أحمد محمد شاكر

المتقدمون -وفيهم الفارابى- تجنب البحث؛ فعرَّفوا الجن بتعريفات غامضة، ولكن ابن سينا عند تعريفه لكلمة "جن" أكد في غير مواربة أنه ليست هناك حقيقة واقعة وراء هذه الكلمة، وتخلص الفلاسفة المسلمون المتأخرون من هذه المسألة أيضًا فلجأوا حينا إلى التفاسير وحينا إلى الميتافيزيقا. فابن خلدون مثلًا يجعل الآيات القرآنية التي تشير إلى الجن من الآيات المتشابهات وعلمها عند الله وحده (سورة آل عمران، الآية 7). وقد درست هذه المذاهب المختلفة دراسة جيدة في كشاف اصطلاحات الفنون (ج 1، ص 261 وما بعدها؛ وانظر مفاتيح الغيب للرازى، سورة الجن). 3 - الجن في الأدب الشعبي. من الطبيعي جدا أن يكون الانتقال إلى هذا الباب قد جاء عن طريق استخدام الجن في السحر. فقد أقر الفقه الإسلامي دائما مثل هذا الاستخدام، وإن كان الاختلاف في شرعيته. فصاحب الفهرست يتتبع الأنواع المباحة وغير المباحة إلى الأزمنة القديمة، ويذكر مصادره اليونانية والحرَّانية والكلدانية والهندية. واليوم تعد الكتب التي تتناول ارتباط الجن بالأعمال السحرية جزءًا هاما من أدب الشعب. فالجميع يعرفون هذه الكتب ويقرأونها ولا تخفى خافية منها على المشتغلين بالسحر، وللجن شأن هام أيضًا في القصص الشعبي، على خلاف قصص أئمة الأدباء. وهذا ما نشاهده في ثنايا كتاب ألف ليلة وخاصة في القصص الدينية الشعبية التي نشر فايل Weil قصتين منها في ترجمته لهذا الكتاب، وهما قصة جودر الصياد، وقصة على وظاهر الدمشقي. وأقرب من هذا إلى آراء الجماهير مجموعة Marchen وهي التي جمعها عن طريق الرواية أرتين Artin وأويستروب Oes- trup وسبيتا وستومه Stomme وغيرهم. ففي هذه المجموعات تطغى الخصائص الشعبية للأجناس المختلفة على الطابع الإسلامي العام. فالروح الظاهرة فيها أقرب إلى روح أهل شمال إفريقية والمصريين والشاميين والفرس والترك منها إلى الروح العربية

أو الإسلامية. ونجد -إلى جانب ذلك- المعتقدات الشائعة والعادات المتداولة المتصلة بالجن، وهي لم تجمع بعد جمعا كاملًا، وفي ثنايا هذه القصص جميعا مسائل تتفق ورأى الإسلام في الجن. فنجد مثلًا أن الاعتقاد الشائع عند المصريين هو أن الشخص الذي يقتل يصبح عفريتا يحوم في المكان الذي قتل فيه (انظر Spoken Arabic of: Willmore Egypt، ص 371، 374) بينما نجد أن المذاهب الإسلامية تنص على أن مرتكب الكبيرة يصير بعد الممات جنًا وذلك في عالم البرزخ (انظر كشاف اصطلاحات الفنون، ج 1، ص 265). وأورد ويلمور تفصيلات أخرى عن الجن في مصر (وانظر فيما يختص ببلاد العرب الحبنوبية: عبد الله منصور: The Land of Uz، ص 22، 26، 203، 316، 320؛ وأنظر أيضًا R. C. Thomson في Proc. of .Soc. of Bibl Arch ج 28، ص 3، وما بعدها؛ Sayce في Folklore. سنة 1900، ج 2، ص 388 وما بعدها Lydia Einsz- ler في Zeitschr. d. Deutsch. pal. Vereins ج 10، ص 170 وما بعدها؛ Mrs. H. H. Spoer في Folklore ج 18، ص 54 وما بعدها؟ ؛ Aspects of: Macdonald Islam، ص 326 وما بعدها). والمجال لا يزال متسعا للدراسات الخاصة بهذا الموضوع. المصادر: (1) الدميرى: حياة الحيوان، مواد: جن، وسعلاة، وعفريت، وغول وكذلك الترجمة التي قام بها Jayakar لهذا الكتاب، لندن وبومباى سنة 1906 - 1908. (2) عجائب المخلوقات للقزوينى، ص 368 وما بعدها. طبعة فستنفلد. (3) Modern Egyptians: Lane، مادة جن في الفهرس. (4) Arabian Nights: Lane المقدمة، تعليق رقم 21، فصل 1، التعليقات، 15، 24. (5) Arabische Philologie: Goldziher، ج 1، الفهرس. (6) Vorlesungen: Goldziher ص 68، 78 وما بعدها.

(7) Magie et Religion: Doutte (8) Religious Attitude: Macdonald Life in Islam and, فصل 5، 10، والفهرس. [ماكدونالد D. B. Macdonald] + في الأدب الشعبي التركى: من الكلمات المستعملة للدلالة على الجن نجد أن Cin (جن) هي أشيعها، أما "إجنّى" فرواية في جن. وأما كلمة "إن " التي لاتستعمل إلا في صيغة "إن جن " فإن لها في بعض الأحوال معنى الجن. وهي تحريف لكلمة "إنس" جاء من العبارة الجامعة "الإنس والجن" التي ترد كثيرا في القرآن. وفي الحديث اليومى وكذلك في قصص المغامرات ذات التهاويل والحكايات التي تروى الخوارق ترد الكلمة "يارى" مرادفة لكلمة جن، وكثيرا مايلتبس بين هذين المصطلحين حتى في الروايات، على أن المصطلح الثاني مع ذلك ينتمى حقا إلى عالم حكايات الخوارق حيث يقل شيوع كلمة جنى. وفي أجزاء من شرقي الأناضول (في توقات وأرضروم مثلًا؛ وانظر عن أرضروم: سامى آقالين: أرضروم بيلمجه لرى، إستانبول سنة 1954، الحاشية) تستعمل كلمة "مكير" للدلالة على مخلوق من الخوارق له كل خصائص الجن. ويحدث أحيانا، حين يكون المرء حريصا على أن يتحاشى أي ضرر يلحق به منهم، أن يستبدل بكلمة جن- بحكم تحريم لغوى- عبارة "إييى سآته أولسونلر" ("أرجو أن يكونوا في لحظة سعادة" ومعنى ذلك: "مخلوقات أرجو أن يكونوا معتدلى المزاج ميالين إلينا"). ومن المعتقد أن ثمة جنا مسلمين وجنا وثنيين، والجن الوثنيون يعدون أكثر شرا وأصعب قيادا. وينظر إلى الجن على اعتبار أنهم مخلوقات من الجنسين وأنهم يعيشون جماعة، ولهم رئيسهم، أو "بادشاه " كما غلب القول عليه. ويدور نشاطهم كله ليلا وينتهى بصياح الديك أو بالآذان لصلاة الصبح. وتسمى الروايات والحكايات وقصص الخوارق من جميع الأنواع الأماكن التي يعيشون فيها أو يؤمونها كثيرا والأمكنة المختارة للقائهم للتسلية، وهذا يكون دائما في الليل:

وهي الطواحين والحمامات والخرائب، ودور المجانين والمقابر وبعض الخانات (وخاصة حين تهجر أو تتداعى) وبعض الأماكن في الريف وخاصة في قاعدة الأشجار الكبيرة. وثمة بعض الدور الخاصة التي اشتهرت بأن الجن يزورونها وخاصة "حجر الضيافة" في القرى. وتقول الرواية المحلية في استانبول أن هناك عددا من الأماكن في داخل المدينة وخارجها اشتهرت بأن مثل هذه المخلوقات الخارقة تسكنها. ويقال إن مأموى ملك جن البحر أمام برج لياندر في البوسفور. وثمة أسطورة واحدة تفسر لماذا يؤم الجن مسجدا في ديمتوقه (في الرومليِّ) ليلا، بل إن الإحتياطات تتخذ حتى في النهار بالنسبة لبعض الأماكن مثل دورات المياه والأركان البعيدة التي تكوَّم فيها القمامة أو تطفح بالماء القذر مثل قواعد الأشجار، والأركان القذرة الهادئة على ضفاف الأنهار وقاعدة جدران المجارى، والأماكن المظلمة المسورة (مثل حجرات سقط المتاع) وغير ذلك من الأماكن. وتظهر الجن للناس بأشكال مختلفة، والغالب أن يكون ذلك في صورة حيوان مثل: قطة سوداء (تخلو تماما من آية علامات بيضاء) أو معزى (نعجة أو جديا)، أو كلب أسود، أو بطة، أو دجاجة مع فراخها، أو جاموسة، أو ثعلب، أو تظهر في صورة بشر إما على هيئة إناس من الحجم الطبيعي أو أقزام، وتظهر أحيانا في صورة بشر عمالقة الجسم (وهناك كثيرون من الناس الذين زعموا أنهم رأوهم يصفونهم بأنهم بيض كل البياض نحفاء وطوال في طول المئذنة أو عمود البرق). وهم يظهرون أيضًا وعليهم سمات الطفل في قماطه. وفي فنون السحر التي يمارسها الزنوج في تركية تعد الحية الحيوان الذي تتجسد فيه الجن .. والذئاب والطيور هي- دون سواها- الحيوانات الأخرى التي لا تتاثر الجن بهجماتها. وتصرَّف الجن حِيال الأناسى على ثلاثة أنواع: إذا استطاع الناس تجنب إثارتهم فإنهم لا يؤذونهم: فهم لا يبالون بهم، أو إنهم- في بعض

الأوقات- يكتفون بممارسة ألاعيب شتى غير مؤذية. أما الأناسى التي تستاهل فعالهم بعض المكافأة فإن الجن يجلبون لهم فوائد عظيمة. وهم يعاقبون الغافل الوقح من الإنس بابتلائه بالمرض أو العجز. وتسوق بعض الحكايات، وخاصة الحكايات الأسطورية، بيانات بما يحدث عندأماكن بعينها تذكر فيها أسماء أشخاص بعينهم لقوا فيها معاملة عجيبة على يد تلك المخلوقات الخارقة. (انظر عن الحكايات التي من هذا القبيل: Typen tuer-: Eberhard-Botrav kischen Volksmaerchen فيسبادن سنة 1953، نماذج رقم 67، 367، 567، 118، وأنظر أيضًا الكلمات Geister و Peri و Teufel وفي الفهرس؛ ملاحت صبرى: جنلر في خلق بلكيسى خبرلرى، ج 3، ص 143 - 151؛ ونقلت هذه المقالة بنصها في M.Halit Jstanbul Fokdoru: Bayri إستانبول سنة 1947، ص 176 - 181؛ ا. جعفر أوغلى: أورطه أناطولى أغيزلرندن درلمه لر، إستانبول سنة 1948، ص 209 - 210). ومن هذه الحكايات الخارقة بعض تروى كيف يقدم الإنس التماسات بشخصهم أو بوسيط إلى ملك الجن وهو في مجلس المشورة. ومن السمات المميزة للهبات التي يهبها الجن لأولئك الذين يرضون عنهم أن هذه الهبات تكون على هيئة البصل والثوم المقشور، ويستحيل البصل قطعا من الذهب والثوم فضة. والأمراض التي يبلون بها الناس أنواع مختلفة: الشلل النصفى، وأشكال مختلفة من الشلل النصفى والتواء الأطرف، وهذا هو الغالب. وهم أحيانا يتدخلون في الحياة العائلية ويفسدون الزيجات. ويحدث ذلك نتيجة لقيام الشاب أو المرأة بإثارة الجن على أي وجه. وهناك سبب آخر هو أن يكون واحد أو واحدة من الأناسى محبوبا أو محبوبة ويعدها الجنى أو الجنية خطيبة له أو خطيبا لها بحسب الظروف. وطرق تحاشى الجن وفعالهم الضارة يمكن أن ندرجها تحت فئتين: فئة تتعلق بالإجراءات الوقائية التي يمكن أن يتخذها المرء بشخصه، والإجراءات التي تتخذ في حالات

تقتضي الرجوع إلى مختص. وبعض الإجراءات الوقائية الخاصة بتحاشى إثارة الجن هي: أن يتجنب المرء قدر الإمكان الأماكن التي يغشونها وألا "يدنس"، هذه الأماكن (بتلطيخها أو البصق عليها أو التبول فيها إلخ) على أن يبسمل دائما أو يقول "دستور" (وهذه الكلمة معناها "بعد إذنك") قبل أن يفعل أي شيء وقبل أن يحرك أي شيء، وألا ينسى قط أن ينطق بهذين القولين: أي في كل مرة يدع فيها المرء أي شيء أو مليس في صندوق أو حين يضع أي مؤن في مخزن إلخ حتى لا يأتي عليها الجن. وفي حالات المرض أو العجز الخطيرة التي يظن أن السبب فيها هي الجن يجب الرجوع إلى مختص، ويكون هو "الخوجة" أو "المشايخ" أو حتى من البسطاء الذين لا يحملون أي لقب علمي الذين هم وسطاء الجن (وهم يسمون "خدملى") ويعد الجن خدما أو عبيدا يخضعون خضوعا تاما لهؤلاء. والإجراءات المتبعة في الرقى والتعازيم تتخذ أشكالا شتى، ولكن المبدأ واحد لا يتغير: فالساحر (ويسمى أيضًا بأسماء من قبيل "جندار" أو "جنجى" أي مسخر الجن) يستحضر الجن أو الجنى الذي يظن أنه مصدر المتاعب أو ذلك القادر على كشفها، وحين ينجح في استحضار الجنى المذنب يتفاوض معه إما بالاعتذار له أو بتهديده حتى يحرر فريسته من أذاه ويبرئها. وبعض هذه الرقى والتعازيم تقام في غيبة المريض أو من أدركه الأذى؛ وبعضها الآخر يقتضي حضوره، كما هي الحال في فنون السحر الخاصة بالأتراك الزنوج (سكان إفريقية)، وهم أولئك الذين أقاموا قبل سنة 1920 وخاصة في المدن الكبيرة مثل استانبول وأزمير، نقابات من العرافين في ظل "كديات " وهم زعماؤهم الروحيون. وقد اعترف السكان البيض أيضًا بكفاءة طبهم السحرى (انظر عن هذا الموضوع: . A Pratiche magishe africane: Bombaci في Folklore، ج 3، رقم 3 - 4، سنة 1949 , نابلى، 3 - 11؛ Boratav .P.N: The Negro in the Turkish Folklore في Journal of American Folklore، ج 64، سنة 1951، رقم 251، ص 83 , ص 88 - Boratav P.N.:

- Les Noirs dans le folklore turc et le folk lore des Noirs de Turquie في Journal de la Societe des Africanistes, ج 28، سنة 1958، ص 7 - 23). المصادر: علاوة على ما ذكر في صلب المادة فإن كاتبها أفاد من المواد التي حصلها من دراساته هي ونصوص الحكايات والأساطير والقصص ذات التهاويل في مجموعته من المخطوطات. أما الافتقار إلى وجود أي كتاب شامل في هذا الموضوع فثغرة في دراسة الأدب الشعبي التركى. خورشيد [بوراتاف P.N. Boratav] الهند- يلقى المرء في الهند ثلاثة تصورات متميزة للجن، هي: تصور سلفى محافظ يعتمد على تفاسير القرآن التي تقوم على ظاهر اللفظ؛ وخرافات تتجلى في الخرافات الشعبية؛ وأفكار عقلانية تماثل ما حاوله السير سيد أحمد خان وغيره من مدرسته في التفكير. 1 - في الأخبار السلفية أو المحافظة يظهر الجن في صورة مخلوق خلق من نار، وهو يختلف عن الإنسان الذي خلق من صلصال. والجن غير مرئيين أثيريون (لغة القرآن لعبد الرشيد نعمانى، ج 2، ص 254 - 256)، ويكاد يكون جميع علماء الهنود في التفسير يرون هذا الرأى. ويذكر عنايت الله ثلاثة أنواع من الجن (1) مخلوقات أثيرية ليس لها أي شكل مادى. (2) مخلوقات شبيهة بالحيات. (3) أولئك الذين سيخضعون للحساب الإلهى يوم القيامة مثلهم في ذلك مثل الإنس. (4) مخلوقات لها سمات تشبه البهائم (مصباح الفرقان في لغة القرآن، دلهى سنة 1357 هـ، ص 85) وقد عدَّهم بعض الفقهاء مخلوقات حقيقية جديرة بأن تنظر في المشاكل الفرضية التي تنشأ من زواج الإنس بالجن، بالرغم من اعتقاد هؤلاء الفقهاء بأن الجن من الخوارق. (ب) من المعتقد بعامة أن الجن مخلوقات لا ترى، لها قوى خارقة عظيمة وأن تنظيما لهم يرأسه ملك.

وهذه الفكرة كانت شائعة في العصور الوسطى حتى بين أوساط المتعلمين في المجتمع الإسلامي. وفي عهد إيلتمش اشتهرت بقعة في جوار "حوض شمس" بدلهى بأنها مأوى الجن (مفتاح الطالبين، مخطوط في مجموعتى الخاصة). ويشير جمالى إلى دار- ضيافة أقامها إيلتمش (سنة 607 - 633 هـ = 1210 - 1235 م) عرفت باسم "دار الجن" لأنه كان من المعتقد أن الجن يؤمونها. وقد أسكن شيخ الإسلام في دلهى، وهو سيد نجم الدين صفره الشيخ جلال الدين تبريزى في دار ليمتحن قواه الروحية. وقد بعث هذا الشيخ بخادمه ليضع نسخة من القرآن في هذه الدار قبل أن يشغلها هو (سير العارفين، دلهى سنة 1311 هـ.، ص 165 - 166) وقد بعث هذا اعتقاد يقضى بأن توضع في كل دار قبل سكناها نسخة من القرآن لتطرد منها الجن. ومنذ أن أعتقد بأن الجن يمكن أن تؤذى الإنس وتصيبهم بعلل خطيرة، فإن كثيرا من الكتاب الدينيين أخذوا يتناولون الأدعية والأوراد التي تفسد أعمال الجن الشريرة. وقد اقترح شاه ولى الله المتوفى سنة 1763 طرائق لطرد الجن من الدور (قول الجميل، كانيور سنة 1291 هـ ص 96، 97). (ج) وقد بذل سيد أحمد خان محاولة لإسباغ العقلانية على فكرة الجن بتجريدها من كل العناصر الخارقة الخرافية، فذهب إلى أن كلمة جن في القرآن تشير إلى القوم غير المتحضرين وقد فسر عبارة "الإنس والجن" التي جاءت في القرآن أربع عشرة مرة والنصوص المختلفة التي استعمل القرآن فيها كلمة "جن" بأنها إشارات إلى صفات وخصائص مختلفة لهؤلاء "القوم" (تفسير القرآن، ج 7، عليكره سنة 1885، ص 79 - 89)، ولكن هذا الرأى وضعه العلماء موضع النقد. المصادر: علاوة على المصادر السابقة والتفاسير المختلفة التي كتبها العلماء المسلمون الهنود انظر: (1) مولانا محمد زمن: بستان الجن؛ مدارس سنة 1277 هـ.

الجنة

(2) صادق على: ماهية الملاك والجن والإنسان على ماثبت من التدبُّر في آيات القرآن، راولبندى سنة 1899. (3) أسلم جيراكيورى: تعليمات القرآن، دلهى سنة 1934، ص 37 - 38. (4) مولوى أبو محمد عبد الحق حقانى: البيان في علوم القرآن، دلهى سنة 1324 هـ، ص 119 - 128. خورشيد [أنظامى K.A. Nizami] . إندونيسيا: عرف الإندونيسيون المسلمون الجن العربي بصفة عامة من الكتب العربية وفروعها. وقد انتقلت كلمة "جن" إلى لغات إندونيسية شتى (الملايو، كايو إلخ. جن، والجاوية جن أو جم، ولغة مننكباو: جهن، ولغة آشى: جَن إلخ) بل إلى اللغة الفصحى لقوم غير مسلمين مثل البتَك (أو جم). ويستعملها الملاويون مرادفا مهذبا لي "كانتو" أي الروح الشريرة؛ وتستعمل في لغات أخرى (مثل كايو) اسما عاما لجميع أنواع الأرواح الوطنية. خورشيد [فورهوف P. Voorhoeve]. الجنة هي الإسم الذي يطلقه القرآن والحديث غالبًا على الفردوس الذي هو مقام المقربين. وقد ذُكرت مرة واحدة في القرآن بالاسم الفارسى "فردوس" (¬1)، ومرة أخرى بصيغة جمعت بين لفظتى "جنات الفردوس"، ومرات عدة باسم "جنات عدن" (انظر ¬

_ (¬1) هكذا ادعى كاتب المادة إن كلمة "فردوس" فارسية الأصل، ومن قبله ادعى بعض علماء العرب إن أصلها رومى أو سريانى أو نبطى، وكلها أقوال لا دليل عليها، ودعاوى تخالف الواقع. وقد كان كثير من علماء العربية يغلون في إدعاء أصول أعجمية لألفاظ عربية خالصة، حتى ادعوا في كثير من ألفاظ القرآن ذلك. وصدق أبو عبيدة معمر بن المثنى في كلمته: "من زعم أن في القرآن لسانا سوى العربية فقد أعظم على الله القول". وقد فصلنا الكلام في ذلك في مقدمتنا التي عملناها لكتاب "المعرب للجواليقى" (ص 10 - 14 من طبعة دارالكتب المصرية سنة 1361) وكلمة "فردوس" نقل الجواليقى الأقوال في أنها معربة، ونقل قول الفراء أنها عربية، وقلنا في التعليق عليه هناك (ص 241 - 242): (كذلك أدعى الأستاذ العلامة الأب انستاس مارى الكرملى في كتاب نشوء اللغة العربية ص 84 إن الكلمة عن اليونانية فقال: "والفردوس للبستان، فإن جمعه فراديس، وفراديس تعريب لليونانية Pradcisas واليونانية من الزندية "ييرادايز" وما أبعدما قال! فإن الكلمة اليونانية تقارب في النطق الكلمة العربية في صيغة الجمع، فمن المعقول أن يكونوا سمعوها مجموعة ممن خالطوا من العرب، =

تسميتها في التوارة باسم جن عيدن (¬1) سفر التكوين: إصحاح 2، آية 15). وقد عرف أن فكرة محمد - صلى الله عليه وسلم - عن الجنة مادية حسية (¬2)؛ وقد صورت هذه الفكرة في سور كثيرة تتصل بالفترة الأولى من دعوته مثال ذلك: (سورة محمد؟ الآية 15) "مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من ماء غير آسن، وأنهار من لبن لم يتغير طعمه، وأنهار من خمر لذة للشاربين، وانهار من عسل مصفَّى، ولهم فيها من كل الثمرات ومغفرة من ربهم. ."؛ وسورة الرحمن (الآيات 46 - 57) "ولمن خاف مقام ربه جنتان. فباى آلاء ربكما ¬

_ = كأهل الشام، قال في اللسان: "وأهل الشام يقولون للبساتين والكروم الفراديس" فهذا أصل ذاك كما ترى. فلو كانت الكلمة معربة لنقلت بصيغة تقرب من صيغة الجمع. ثم إن النص على) أصلها وعروبتها حاضر بين. قال ابن دريد في الجمهرة 3: 333: "والفردسة السعة. صدر مفردس واسع. ومنه اشتقاق الفردوس". وفي اللسان: "والمفردس - أي بصيغة اسم المفعول- المعرش من الكروم، والمفردس: العريض الصدر. والفردسة: السعة، وفردسه: صرعه. والفردسه أيضًا: الصرع القبيح، عن كراع. ويقال أخذه ففردسه: إذا ضرب به الأرض" فالنصوص متضافرة على صحة أصل المادة في العربية، وعلى صحة معناها، وعلى اشتقاقها من أصل معروف. ويظهر لي أن بعض العلماء الأقدمين سمع الكلمة الرومية فظنها أصلا للعربية، على وهم أن العربية نقلت كثيرا من اللغات الأخرى وعلى حب الإكثار من الأغراب! أحمد محمد شاكر (¬1) لا قيمة لهذا في التدليل على أن كلمة "عدن" معربة أو منقولة عن التوراة، وهي كلمة عربية خالصة "عدن بالمكان يعدن عدنا وعدونا، أي أقام، قال في اللسان: "وجنات عدن: منه. أي جنات إقامة، لمكان الخلد". فهذا أصل الكلمة. والعبرية التي كانت بها التوراة حين أنزلت، إن لم تكن فرعا محرفا عن العربية، فما تكون إلا أختا لها مشتقة معها من أصل واحد ولقد قلنا في مقدمة المعرب: "والعرب أمة من أقدم الأمم، ولغتها من أقدم اللغات وجودا، كانت قبل إبراهيم وإسماعيل، وقبل الكلدانية والعبرية والسريانية وغيرها، بله الفارسية. وقد ذهب منها الشيء الكثير بذهاب مدنيتهم الأولى قبل التاريخ". (¬2) يكتب كاتب المادة طبعا على أساس عقيدته. في أنه لا يؤمن بنبوة رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فينسب كل ما في القرآن إلى الرسول [صلى الله عليه وسلم]، ولكن المسلمين وغيرهم من أهل الإنصاف يثقون بأن هذا القرآن من عند الله، وأن الرسول [صلى الله عليه وسلم] يبلغ للناس ما أحى إليه. فليس له فيه إلا التبليغ فقط. وصفة الجنة والنار من الغيب الذي لا يعلم الإنسان حقيقته بقوة عقله وحدها. وليس له من سبيل إلى معرفتها إلا فيما جاء به الوحى عن الله على لسان رسله الصادقين، وخاتمهم محمد [صلى الله عليه وسلم]، فإن ظن كاتب المادة أن الفكرة في وصف الجنة في القرآن "مادية حسية" على كاتب المادة أن الفكرة في وصف الجن في القرآن "مادية حسية" على المعنى الذي يشعر به الناس في هذه الحياة الدنيا، وأه بذلك يجد مغمزا في القرآن، فما أرى ظنه صحيحا، ثم هو لا يضر الإسلام شيئًا. أحمد محمد شاكر

تكذبان. ذواتا أفنان. فباى آلاء ربكما تكذبان. فيهما عينان تجريان. فباى آلاء ربكما تكذبان. فيهما من كل فاكهة زوجان. فبأى آلاء ربكما تكذبان. متكئين على فرش بطائنها من استبرق وجنى الجنتين دان. فبأى آلاء ربكما تكذبان. فيهن قاصرات الطرف لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان. فباى آلاء ربكما تكذبان "؛ وسورة الواقعة (الآيات 16 - 39): "متكئين عليها متقابلين. يطوف عليهم ولدان مخلدون. بأكواب وأباريق وكأس من معين. لا يصدعون عنها ولا ينزفون. وفاكهة مما يتخيرون. ولحم طير مما يشتهون. وحور عين. كأمثال اللؤلؤ المكنون. جزاءً بما كانوا يعملون. لا يسمعون فيها لغوًا، ولا تأثيما. إلا قيلا سلامًا سلامًا. وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين. في سدر مخضود. وطلح منضود. وظل ممدود. وماء مسكوب. وفاكهة كثيرة. لا مقطوعة ولا ممنوعة. وفرش مرفوعة. إنا أنشأناهن إنشاء فجعلناهن أبكارًا. عُربًا أترابًا. لأصحاب اليمين. ثلة من الأولين". (سورة الرحمن: الآية 72) "حور مقصورات في الخيام". وفي سورة الرحمن، الآية 46 وما بعدها، وهي السورة التي صيغت في قالب أنشودة لها لازمة، يتحدث محمد [صلى الله عليه وسلم] عن الجنتين اللتين أعدتا لمن خاف مقام ربه، وما لهما من أفنان، وما فيهما من "عينان تجريان"، ومن كل فاكهة زوجان. وهو يذكر في السورة نفسها (الآيات 17 - 19) المشرقين والمغربين والبحرين وليس تفسير هذه الأثنينية يسيرًا إلا إذا كانت من أجل البحرين. وقد يقال إن النبي [صلى الله عليه وسلم] قد التزم في هذا المقام صيغة المثنى (¬1). وعلى الجملة فإن الفردوس- في جوهره - روضة فيها حور عين، وأرائك ممدودة، وفُرشُ مرفوعة، وشراب مسكوب، وفاكهة كثيرة. وقد تمثلت الجنة في عصر متأخر ¬

_ (¬1) أظن أن الكاتب وأمثاله من المستشرقين آخر من يصلحون علميا للبحث في لغة القرآن وبلاغته، ومعرفتهم بالعربية محدودة. وأساطين البلغاء والفصحاء من العرب العرباء عجزوا عن معارضته وأحجموا عن نقده، بل لم ينقل عن واحد منهم أنه عاب حرفا فيه من ناحية البلاغة والسمو في العبارة، على كثر الدواعى والدوافع. فأين هؤلاء من أولئك؟ ! ! أحمد محمد شاكر

في صورة هَرَم أو مخروط له طبقات ثمان، وهو يزيد طبقة على ما في جهنم من طبقات، ذلك أنه كان يعتقد أن المقربين سيكونون أكثر عددًا من المغضوب عليهم. وكلما تصاعدت هذه الطبقات، زادت المادة التي بُنيت منها نفاسة. ولكل طبقة باب؛ وفي القمة سدرة المنتهى التي ورد ذكرها في سورة النجم الآية 14 من القرآن، والتي تظلل أغصانها الهرم كله، وتحفظ في الجنة الكتب التي تسجل فيها أعمال الناس، كما يحفظ فيها أصل القرآن "الكتاب المبين" (سورة يونس، الآية 61)، و"اللوح المحفوظ" (سورة البروج، الآية 22)، أو "أم الكتاب " (سورة الرعد، الآية 39)، وإلى جانبه القلم الذي يكتُب على اللوح، وللكعبة في الجنة أيضًا أصل يعرف باسم "البيت العتيق"، وفيها أشياء تستخدم عند الحساب كالميزان لوزن أعمال الناس، وكراسلٍ للأنبياء ورايات" وتُرفع راية النبي محمد [صلى الله عليه وسلم] أو قل أصلها السماوى- على جبل يقال له جبل الظفر، ويقوم على جانب الهرم الفردوسى. وهذه الجنة -بما فيها كله- فوق الأفلاك السماوية حيث تدور الكواكب، وهي تستقر على أنوع من البحار لها أسماء مجردة كبحر البقاء "المنقسم"، وبحر الخلود، وبحر "الرب " ويمتد فوق الهرم عالم (الملكوت " وعالم (الجبروت) وعرش الله ودار المقربين (¬1). وقد سلَّم علم التوحيد الإسلامي السنى- الذي يمثله الغزالى والأشعرى بنوع خاص- بأن للحواس لذات في الجنة، مع ملاحظة أن هذه اللذات لا يبدأ حصولها إلا بعد البعث. ويلحق بهذه اللذات لذات المخيَّلة والعقل. ويرى الغزالى أن الشيء الملذ، الذي يتخيله المقربون، يتم تحققه مباشرة، وهذا ¬

_ (¬1) هذا كله كلام خيالى وتخليط، يعرف ذلك كل مسلم يقرؤه. ليس فيه شيء علمي يناقش. وما كانت أوهام المتأخرين الخياليين بحجة على الإسلام ولا على القرآن. أحمد محمد شاكر

التحقق، وإن لم يكن على وجه موضوعى تام، إلا أنه فيما يتعلق بالبصر والحواس الأخرى على الأقل، ضرب من الوهم الذي يحيا فيه المقربون حياة دائمة. فالجنة أشبه ما تكون بسوق عظيمة تشترى فيها الصور، وتقترن فيها اللذات العقلية باللذات الحسية، وتوجد في متاع العلم والملك والسيطرة، وفي تذوق السعادة الحقة، إلا أن رؤية الله هي السعادة القصوى التي تحصل للمقربين. وقد أقر علم التوحيد الإسلامي السنى مشاهدة الوجه الكريم أو رؤية الله: فالغزالى يقول إن الله سُيَرى من غير هيئة أو صورة. وهذا الاعتقاد يبدو غير متمش مع القرآن؛ لأن الله في القرآن يكاد يكون محجوبًا دائمًا، فهو يدعو آدم. دون أن أن يظهر له؛ وهو لم يره نوح؛ ولم ير إبراهيم "خليله " إلا ملائكته. وسأل موسى ربه أن يتجلَّى، فلما تجلَّى ربه للجبل خرَّ موسى صعقًا، حتى إذا أفاق من صعقه تاب وأناب. ولم ير محمد [صلى الله عليه وسلم] نفسه الله، بل هو قد رأى جبريل - عليه السلام -، وذلك في حالة الغشيان المذكورة في سورة النجم، الآية 16 من القرآن، ولم يدرك سدرة المنتهى "إذ يغشى السدرة ما يغشى" وقد ورد في خبر ذكر في (مختصر العجائب) ص 9، أن النبي [صلى الله عليه وسلم] سأل جبريل - عليه السلام -: "هل رأيت ربك؟ " لأ فتململ الملك وأجاب: "أي محمد! إن بينى وبينه سبعين ألف حجاب من النور، إذا قربت من أحدهما احترقت" (¬1). ولا يظهر الله في وصف القرآن للجنة، ولكنه مع ذلك حاضر يوم الحساب. ¬

_ (¬1) مسألة رؤية الله في الآخرة من المسائل الدقيقة في علم التوحيد. وكاتب المقال لم يدرك تماما أقوال العلماء فيها وتفصيل الكلام عليها ليس مما يحتمله هذا التعليق، ولا هو مما يسهل فهمه على من لم يتعمق في علم الكلام. وأما هذا الحديث الأخير الذي نقله عن كتاب (مختصر العجائب) فهو حديث موضوع مكذوب، كما نص عليه ابن الجوزي وغيره (انظر اللآلى المصنوعة في الأحاديث الموضوعة، ج 1 ص 8 - 9) والكتاب الذي نقل عنه الكاتب لا قيمة له ولا يحتج بما يروى في مثل هذه الكتب إلا من لا يعرف شيئًا من علوم الحديث. أحمد محمد شاكر

الجهاد

ويدل أيضًا بألفاظ الجنة والفردوس وعدن على جنة الأرض (¬1). وفيما يتعلق بصورة الجنة انظر معرفت نامه (¬2)؛ وقد أعيد طبع صور هذا الكتاب في Frag-: Carra de Vaux Musulmane ments d'Eschatologie, بروكسل سنة 1885. خورشيد [كارا ده فو B. Carra De Vaux] الجهاد نَشْرُ الإسلام بالسيف فرض كفاية على المسلمين كافة، وكاد الجهاد أن يكون ركنا سادسا من أركان الدين أو فرض عين؛ ولا شك أنه مازال كذلك عند سلالة الخوارج. وقد بلغ الجهاد هذا الشأن تدريجًا ومن غير أن يقتضي ذلك وقتا طويلا، فقد دعت السور المكية إلى الصبر على العدوان، ولم يكن إلى غير ذلك من سبيل. أما في المدينة فقد تبين الحق في رد العدوان، ثم غدا هذا الحق شيئًا فشيئًا فرضًا يقضى على المسلمين بقتال أهل مكة أعدائهم وإخضاعهم. وأن محمدًا (صلى الله عليه وسلم) رأى أن موقفه يقتضي حرب الكفار حتى يدخلوا في الإسلام. والأحاديث صريحة في هذا الأمر، وآيات القرآن تتحدث دائما عن الكفار الذين يجب إخضاعهم حديثها عن معتدين جاحدين، ولكن قصة كتابة النبي (صلى الله عليه وسلم) إلى حكام البلاد المحيطة به تبين أن هذا الموقف حيال الناس جميعا كان يخالجه، وأنه تطور على التحقيق عقب وفاته [صلى الله عليه وسلم] مباشرة عندما زحفت الجيوش الإسلامية إلى خارج جزيرة العرب. فغدا الجهاد فرض كفاية على كل مسلم بالغ حر صحيح العقل والجسم توفرت له أسباب بلوغ جيش المجاهدين، لا فرض عين على كل مسلم إقامته بل فرض كفاية يلزم جميع المسلمين ويسقط بإقامة البعض، ومن ثم وجب الاستمرار في الجهاد إلى أن يدخل الناس في حكم الإسلام، ويجب أن ¬

_ (¬1) هذا من دلالة اللفظ على معناه اللغوي الأصلي المعروف للناس، وأما جنة الآخرة فشيء غائب عنا، علمنا خبره من أخبار الله في وحيه لرسوله [صلى الله عليه وسلم]. (¬2) مما لا يشك فيه عاقل أن هذه الصورة التي يشير إليها، ونحن لم نرها، إنما هي صورة خيالية لا قيمة لها، ولا يصح أن تُنْسبُ إلى الإسلام. أحمد محمد شاكر

يتولى الجهاد أو يقوم عليه حا كم مسلم أو إمام، ولما كان إمام الشيعة مستترًا فلا جهاد لهم حتى يظهر. ثم إن شرط الجهاد يتوفر إذا قام الإمام بغزوة مرة كل عام، بل إنه يتوفر عملا إذا تجهز الحاكم لمثل هذه الغزوة كل سنة. ويجب أن يدعى الناس إلى الإسلام قبل أن يعلن عليهم الجهاد، فإذا أبوا خيروا بين القتال وبين الدخول في حكم الإسلام، ويصبحون ذميِّين يؤدون الجزية والخراج ويؤمنون على حياتهم وذويهم وأموالهم، ولكنهم يكونون قطعا دون المسلمين مرتبة، ليس لهم الحقوق المدنية المتواضع عليها، وإنما يصبح شأنهم شأن الذين في ولاية غيرهم، فإذا اختاروا القتال وأصبحت أموالهم غنيمة للمسلمين بأخذ الجيش الغازى أربعة أخماسها. وإذا أسلموا، وسبيل ذلك ميسر لهم حتى وقوف الجيشين وجهًا لوجه، دخلوا في الجماعة الإسلامية لهم ما للمسلمين من حقوق وعليهم ما على المسلمين من واجبات، ومن ارتد عن الإسلام قتل. أما إذا غزا الكفار بلدًا مسلمًا استنفر الإمام كل من فيه من المسلمين، فإذا ما اتسع نطاق الخطر ازداد الاستنفار حتى يعم العالم الإسلامي بأسره. فإذا قتل مسلم في سبيل الله مات شهيدًا له الجنة وله فيها من المتاع ما ليس لغيره من المؤمنين. وكانت الشهادة بين الأجيال الأولى من المتقدمين خير مآل يختم به الرجل الصالح حياته. وما زال هذا المآل في بعض الأحوال حافزًا قويًّا يدفع الناس إلى الشهادة، فلما توقف الإسلام عن الفتح لم تعد الشهادة المطمح الذي ليس وراءه مطمح. على أن أي حرب تقوم الآن بين المسلمين وغيرهم يجب أن تعد جهادًا، له مرغباته وله ثوابه. وتنكر الحركات الحديثة بطبيعة الحال هذا الرأى (¬1) مثل الحركة المعروفة بحركة المعتزلة في الهند ¬

_ (¬1) من المفهوم أن كاتب المادة يكتب متأثرا بعقيدته في الإسلام وفي رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأما المسلمون والمنصفون فإنهم إذا فهموا القرآن حق فهمه وعرفوا مقاصد الإسلام وروحه، ودرسوا سنة الر سول [صلى الله عليه وسلم] وسيرته، علموا أن التشريع الإسلامي في الجهاد تشريع دقيق: لم يكن عن تطور أو ارتجال في الرأى، وإنما هو وحى من عند الله ليجعل هذا الدين دين الإنسانية كلها، ويظهره على الدين كله، كما وعد الله، وسيكون ما وعد (ولتعلمن نبأه بعد حين). أحمد محمد شاكر

وحركة حزب تركية الفتاة في تركية. ويحاول أصحاب هذه الحركات أن يخرجوا بها عن معناها الأصيل. على أن جمهور المسلمين ما زالوا يلبُّون النداء المجمع عليه من الفقهاء. المصادر: (1) Handb. d, Islam Ge-: Juyboll setzes؛ ص 57 و 336 وما بعدها وخاصة تقسيم الغنائم. (2) Dictionary of Islam: Hughes، ص 243 وما بعدها، وفيه بيان واف عن القرآن والحديث وتفصيل المذهب الحنفي. (3): Snouck Hurgronie Politique Musulmane de la Hollande، ص 16 وما بعدها وخاصة صفة الجهاد الدائمة في الإسلام. (4) الأحكام السلطانية للماوردى (طبعة القاهرة، سنة 1298 هـ) ص 54 وما بعدها. [ماكدونالد L. B. Macdonald] جهاد: معناه لغة الجهد يوجه إلى غرض معين والمجاهدة أو الجهاد أيضًا هو جهد يوجه إلى نفس المرء لبلوغ الكمال الخلقى أو الدينى. وثمة كتَّاب، وخاصة بين أولئك الذين على مذهب الشيعة، يصفون الجهاد بأنه "الجهاد الروحى" وهو "الجهاد الأكبر" ويقابله الجهاد الذي هو ما يعنينا هنا ويسمى "الجهاد المادى" أو "الجهاد الأصغر". على أنه في الاستعمال الأشيع للجهاد يدل اللفظ على الجهاد بمعناه الأخير. وفي الفقه، وفقا للمبدأ العام والرواية التاريخية، فإن الجهاد يقوم على العمل الحربى بغرض نشر الإسلام، والدفاع عنه إذا اقتضت الحاجة. وتخرج الفكرة من المبدأ الأساسي الذي يقول إن الإسلام دين الكافة، ذلك أن هذا الدين هو والسلطان الزمنى الذي يتضمنه، يجب أن يعم العالم كله، على أن هذا المبدأ يجب أن يقترن في بعضه بمبدأ آخر يسمح بأن يوجد بين الجماعة الإسلامية نفسها أتباع "الأديان ذات الكتب السماوية" أي النصارى واليهود. والجهاد فيما يختص بهؤلاء يتوقف بمجرد أن يرضوا بالخضوع للسلطان

السياسي لإسلام وأداء الجزية والخراج. وما دامت هذه المسألة يمكن في الواقع أن تظل قائمة، فإن الخلاف حولها يقوم (يحسم بعامة برد سلبى) حول مسألة هي: هل كان نصارى ويهود الجزيرة العربية خليقين بأن يعاملوا هذه المعاملة من حيث المبدأ؟ وهذا الحل الوسط بالنسبة للمشركين بصفة خاصة، لا ينطبق في رأى الأغلبية، فإن دخولهم في الإسلام فرض لأنهم معرضون للقتل أو الاسترقاق. ومن حيث المبدأ فإن الجهاد هو الصورة الوحيدة للحرب التي يجيزها الإسلام، ذلك أن الإسلام، من حيث النظر، يجب أن يكون جماعة واحدة منظمة تحت سلطان واحد، وأى نزاع مسلح بين المسلمين محرم. على أنه أعقب تفكك وحدة المسلمين ومظهرهم اللذين بدآ في منتصف القرن الثاني الهجرى (الثامن الميلادي) قيام عدد متزايد من الدول المستقلة، فقامت عندئذ مسألة هي: كيف تصنف الحروب التي نشبت بينها؟ ذلك أنها لم تدخل قط في نطاق فكرة الجهاد بمعناها الدقيق، حتى في حالة قيام حروب بين دول تدين بعقائد دينية مختلفة، وهذا على الأقل في رأى النظرية السنية العامة، وإنما يساء استعمال اللغة فيطلق على هذه الحروب أحيانًا مصطلح الجهاد، في حين أن الكتاب الذين يلتمسون مصطلحًا دقيقًا يسمونها القتال أو المقاتلة فحسب، بل إن ثمة ترددا في الإشارة إلى قتال الجماعات المرتدة في الإسلام بالجهاد. ورأى المبدأ الشيعى ليس هذا، ذلك أن الشيعة يرون أن رفض الانتماء إلى تعاليمهم يعادل "الكفر". ويصدق هذا بالأحرى على مذهب الخوارج. والجهاد فرض، وقد تقرر هذا المبدأ في جميع المصادر. صحيح أنه توجد في القرآن نصوص مختلفة بل متشابهة، وقد صنفت هذه النصوص من حيث المبدأ إلى أربع فئات متعاقبة مع بعض خلافات في التفصيل: النصوص التي اقتضت العفو عن الآثام وتشجيع الدعوة إلى الإسلام بالإقناع السلمى؛ والنصوص التي أمرت بالقتال لرد العدوان؛ والنصوص التي قضت

بالبدء بالقتال شريطة أن لا يكون ذلك في الأشهر الحرم؛ والنصوص التي أوصت بالبدء بالقتال بإطلاق، في جميع الأوقات وفي جميع الأماكن. وصفوة القول أن هذه الخلافات تنطبق على المراحل التي مر بها تطور فكر النبي [صلى الله عليه وسلم] وتغيير سياسته نتيجة لظروف معينة. فالعهد المكي الذي قصر فيه محمد (صلى الله عليه وسلم) نفسه بصفة عامة على التعاليم الخلقية والدينية، غير العهد المديني الذي استطاع فيه محمد صلى الله عليه وسلم، بعد أن أصبح زعيم جماعة سياسية دينية، أن ينهض فيه بالقتال (¬1). والمبدأ يقول إن النصوص المتأخرة تنسخ النصوص المتقدمة المتشابهة (نظرية النسخ) إلى حد أن نصوص الفئة الأخيرة هي التي تبقى صحيحة بلا شك، ومن ثم فإن القاعدة يمكن صياغتها بالعبارة الآتية "الجهاد فرض حتى إذا لم يبدأ الكفار بالقتال". على أنه قد بذلت محاولات، في رأيين قائمين بذاتهما، لتخفيف القاعدة في بعض النواحى؛ ففي رأى منهما ينسب إلى عطاء المتوفى سنة 114 هـ (732 - 733 م) أن التحريم القديم للقتال في الأشهر الحرم يبقى صحيحًا. على حين يقول الرأى الآخر الذي ينسب إلى سفيان الثوري المولود سنة 97 هـ (715 م) أن الجهاد فرض في حالة الدفاع دون سواها، وهو "للندب" في حالة الهجوم. وفي رأى قال به علماء الاستشراق أن تصور النبي صلى الله عليه وسلم للجهاد من حيث هو هجوم لا ينطبق إلا على أهل الجزيرة العربية وكان التطبيق العام للجهاد نتيجة لأجماع الأجيال اللاحقة مباشرة، وهذا يتضمن، في الأساس بطبيعة الحال، مسألة هل الإسلام دينًا لكافة البشر؟ ومن الواضح أن الجاحظ قد أخذ برأى الثوري؛ والحركة المارقة، وهي حركة الأحمدية التي بدأت حوالي نهايه القرن التاسع عشر، تذهب إلى أبعد مما ذهب إليه الثوري من حيث أنها تأبى الاعتراف بشرعية الجهاد حتى بصفته نشاطًا ممدوحًا. ¬

_ (¬1) قد يشعر هذا الكلام بأن النبي [صلى الله عليه وسلم] قد أتى بالقرآن من عنده، وقد رددنا على هذه الدعوى الباطلة في أكثر من موضوع من الدائرة. أحمد محمد شاكر

أما في المذهب العام للشيعة، فإن الاعتبار الواجب يراعى فيما يختص باعتقادهم في "غيبة الإمام"، وهو وحده صاحب الاختصاص اللازم في إعلان الحرب، ويقتضى الأمر تعليق "الجها " حتى يعود الإمام إلى الظهور، إلا أن يكون الإمام قد أقام في هذا الشأن نائبًا له. على أن الزيدية الذين لا يسلمون بهذه العقيدة يتبعون ما قال به المذهب السنى. خصائص واجب الجهاد: الجهاد ليس غاية في ذاته، وإنما هو وسيلة هي في ذاتها "فساد" ولكنها تصبح شرعية بعقل الغرض الذي يوجه الجهاد إليه: وهو تخليص العالم من فساد أكبر، وهو "حسن لحسن غيره". فرض ديني: وللجهاد أثر هو نشر سلطان العقيدة، وقد أمر به القرآن والنبي صلى الله عليه وسلم. والمسلم ينذر نفسه للجهاد. ومن هذا القبيل ما جاء في أحاديث مختلفة من أن الجهاد عمل من أعمال العبادة الخالصة، وأنه باب من أبواب الجنة. وثمة جزاء سماوى عظيم مكفول لأولئك الذين ينصرفون إلى الجهاد، والذين يسقطون في الجهاد هم شهداء الدين إلخ. وجزء أساسى من العقيدة يعد الجهاد ركنا من أركان الدين هو والصلاة والصوم إلخ. وهو فرض على كل مسلم ذكر صحيح الجسم. ومن المقول- بصفة عامة- أن غير المسلمين قد يدعون لمعاونة المسلمين في الجهاد. والجهاد " فرض كفاية" لا " فرض عين"، وفرض الكفاية هو الفرض الذي يفرض على الجماعة بإعتبارها كُلا، وإنما يصبح واجبا على كل فرد بعينه من حيث أن مشاركته في الجهاد تكون لازمة لتحقيق الغرض الذي تصوره الشرع. ومن ثم فإنه ما إن تقوم جماعة من المسلمين يكون عددها كافيا لسد حاجات قتال بعينه، حتى لا يعود واجب الجهاد يقع على الآخرين. وتقول التعاليم العامة إن واجب الجهاد يقع، في المحل الأول وبصفة شخصية ومن حيث هو "فرض عين"، على أولئك الذين يعيشون في الأرض التي هي أقرب ما تكون للعدو، ويصدق هذا أيضًا في حالة سكان مدينة يضرب

عليها الحصار. على أن تقدير اللحظة الدقيقة للجهاد في الدول المنظمة التي يصبح فيها هذا الواجب فرض عين هو أمر متروك لحكمة ولى الأمر. ومن ثم فإنه في حالة التعبئة العامة يفقد الجهاد صفته من حيث هو "فرض كفاية" على جميع أفراد الجماعة، ويصبح "فرض عين". على أن هذا كله يقتضي أن يكون الجهاد، في نظر أولئك الذين يقبضون على مقاليد السلطة وخاصة ولى الأمر، واجبًا شخصيًا لأن عملهم الشخصى لازم في كل حالة. وحيث تقوم عدة دول إسلامية مستقلة يقع هذا الواجب على حاكم الدولة التي هي أقرب ما تكون إلى العدو. ثم إن واجب الجهاد نسبى وقائم في هذا المعنى المزدوج، من حيث أنه من ناحية لا يظهر إلا إذا كانت الظروف مواتية تحمل في طبيعتها الأمل في تحقيق النصر، ومن ناحية أخرى أن يكون من الجائز طرح هذا الواجب حين يؤدى العدو مالًا يبلغ قدرا معينا إذا ظهر أن هذه السياسة تتفق مع المصالح التي تقتضيها الساعة. صفة الجهاد الإضافية: لما كان الجهاد لا يعدو أن يكون وسيلة إلى تحقيق الدخول في الإسلام أو الخضوع لسلطانه، فإن ثمة فرصة واحدة للقيام به في حالة أن يكون القوم الذين يوجه إليهم قد دعوا إلى الإسلام أولًا. وقد انقلبت المناقشة حول مسألة: هل من الضرورى على هذا الأساس أن توجه دعوة رسمية إلى العدو؟ ويقول المبدأ العام أنه ما دام الإسلام قد انتشر في العالم بما فيه الكفاية، فإن جميع الشعوب من المفروض أن تكون قد عرفت أنها دعيت إلى الدخول فيه. على أنه قد لوحظ أن من المرغوب فيه أن تكرر الدعوة، إلا في الحالات التي يكون فيها أساس للاعتقاد بأن العدو الذي وجهت إليه الدعوة قد يستغل هذا التلكؤ في الإسلام لتنظيم تحصيناته تنظيما أحسن فتضيع بذلك الثمرة الحاسمة من الجهاد. صفة الجهاد الدائمة: واجب الجهاد قائم ما دامت سيطرة الإسلام على العالم لم تتحقق بعد، إذ تقول الحكم

والأمثال أن الجهاد قائم حتى يوم البعث وحتى يوم الساعة. صفة الجهاد الهجومية والدفاعية: الجهاد أساسا ذو طبيعة هجومية، ولكنه يكون جهادًا أيضًا سواء بسواء في حالة قيام الإسلام برد عدوان. وهذا- بلا شك -هو الغرض الأساسي من الرباط الذي تقيمه جماعات قائمة بذاتها أو أفراد يعيشون على حدود بلاد الإسلام. والرباط عمل ممدوح بخاصة. ونقول أخيرًا إنه تقوم في هذه الأيام نظرية طابعها دفاعى محض، تقول إن الإسلام يعتمد في نشره على مجرد الإقناع أو الوسائل السلمية، وأن الجهاد لا يصَّرح به إلا في حالات "الدفاع عن النفس " و "العون الواجب بذله لحليف أو أخ أعزل". المصادر: (1) داماد أفندى: مجمع الأنهر، طبعة أحمد بن عثمان، سنة 1328 هـ = 1910 م، ج ا، ص 36 وما بعدها. (2) دردير: الشرح الصغير مع حاشية الصاوى، ج 1، ص 398 وما بعدها. (3) الجاحظ: رسائل، طبعة السندوبى، القاهرة سنة 1933، ص 57. (4) الفرَّاء: الأحكام السلطانية، القاهرة، ص 25 وما بعدها. (5) Schi'itisches: Goldziher في Zeitschr. der Deutsch. Morg. Gesells؛ ج 64، ص 531 , وما بعدها. (6) Ahmdaiya move-: Addison The ment في Harvard. Theological Review، ج 22، ص 1 وما بعدها. (7) ابن عبدين؛ رد المحتار، إستانبول، سنة 1314 = 1905 م، ج 3 ص 315 وما بعدها. (8) ابن عبد الرحمن: رحمة الأمة في اختلاف الأئمة، القاهرة، ص 294. (9) ابن جماعة: تحرير الأحكام، طبعة Kofler (في Islamica، سنة 1934) ص 349 وما بعدها. (10) ابن قدامه: المغني، الطبعة الثالثة لرشيد رضا، القاهرة سنة

1367 هـ = 1947 م، ج 8، ص 345 وما بعدها. (11) ابن تيمية: السياسة الشرعية، القاهرة سنة 1322 هـ = 1904 م، ص 156 وما بعدها. (12) المراغى: التشريع الإسلامي، القاهرة ص 30 وما بعدها. (13) الماروردى: الأحكام السلطانية، القاهرة ص 30 وما بعدها. (14) Recueil de tois con-: Query Cernant les Musulmans chiites، باريس سنة 1871، ج 1 ص 321. (15) رشيد رضا: الخلافة، القاهرة سنة 1341 هـ = 1922، ص 29، 51. (16) السرخسى: المبسوط، القاهرة، ج 10، ص 35. (17) الشافعي: كتاب الأم، القاهرة سنة 1903، مع حاشية المزنى، ج 25، ص 180 وما بعدها. (18) Gaudefroy - Demombynes: Mahomet، باريس سنة 1957 م ص 578 وما بعدها. (19) Le droit international: Draz publie et l'Islam في Revu egyptienne de droit international public، سنة 1949، ص 17 وما بعدها. (20) Das Muslimische: Haneberg Kriegsrecht في Abh der Kgl. Bayer Akad. Cl,). der Wissensch 1870, philos - philol . XII. Bd.Il Abt، ص 219 وما بعدها. (21) Handbuch: Juynboll، ص 57 هـ، 335 وما بعدها. (22) Introd. a l'etude du: Milliot droit musulman، باريس سنة 1953، ص 22 , 34. (23) الصعيدى: السياسة الإسلامية، القاهرة. (24) Cajifat: Sanhoury Le، رسالة، جامعة ليون سنة 1925، ص 146. (25) Das Staatsrech: Strothmann der Zaiditen، ستراسبورغ سنة 1922، ص 42 وما بعدها. (26) م. شديد: الجهاد في الإسلام، سنة 1960. (27) إسلام أنسيكلوبيدياسى، مادة جهاد بقلم حليم ثابت شيباى. خورشيد [أطيان Tyan .E]

جهنم

جهنم وهي كلمة مشتقة من اللفظ العبرى جيحنون أو وادي هنوم (انظر سفر يشوع، الإصحاح الخامس عشر، الفقرة 8) وكان واديًا بالقرب من بيت المقدس تقدم فيه القرابين إلى مولك في أيام العقوق. وكلمة جهنَّام- بألف بعد النون - معناها البئر العميق (¬1). وقد تردد ذكر جهنم وفكرة جهنم كثيرًا في القرآن، على أنه لم تكن صورة محددة تمام التحديد، فالواقع أنه في بعض الآيات يتحدث عن جهنم وكأنها شيء يُحمل "وجاء ربك والملك صفًّا صفًّا وجئ يومئذ بجهنم يومئذ يتذكر الإنسان وأنَّى له الذكرى" (سورة الفجر، الآيتان 22، 23)؛ وفي هذه الآية يمثل جهنم على صورة الحيوان، فهي أشبه بوحش هائل فغر فاه وكشف عن أنيابه وتأهب لالتهام المغضوب عليهم، وقد صوَّر أحيانًا فنانو الغرب في العصور الوسطى مطهر القديس برندان St. Brandand على هذا النحو (¬2). ويفسر هذا ما ورد في آية أخرى "وللذين كفروا بربهم عذاب جهنم وبئس المصير إذا ألقوا فيها سمعوا لها شهيقًا وهي تفور" (سورة الملك، الآيتان 6، 7). ويناقش الغزالى في رسالته العجيبة في علوم الآخرة المسماة "الدرة الفاخرة" هذه الآيات الموجزة الجامعة فيقول: يأمر الله تعالى بالنار فترعب وتفزع، وتقول للمرسلين إليها من الملائكة أتعلمون أن الله خلق خلقًا يعذبنى به؟ فيقولون: لا وعزته، وإنما أرسل إليك لتنتقمى من عصاة ¬

_ (¬1) الدعوى بأن كلمة "جهنم" العربية مأخودة من العبرية دعوى لا دليل عليها، وإن زعم ذلك بعض علمائنا الأقدمين. وقد كررنا القول في مثل هذا مرارًا في تعليقاتنا على بعض المواد السابقة. وانظر المعرب للجواليقى وتعليقنا عليه، طبعة دار الكتب المصرية سنة 1361، ص 107. (¬2) ما قاله هنا كاتب المقال ليس فيه شيء يطابق المنهج العلمي للبحث، هو يكتب على عقيدته، لا يصدق يرسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فليست لنا حيلة في اقناعه! ومن عجب أن يفهم من آيات سورة الفجر أنه يلوح له "أن رسول الله يمثل جهنم على صورة الحيوان" إلخ! وما أدرى من أين يلوح هذا له، ولم يلح لأحد من العرب الذين سمعوا القرآن وكفروا به قبل أن يؤمنوا) ويؤمن أكثرهم. وإنما قوله " وجئ يومئذ بجهنم، أنها عرضت عليهم أو عرضوا عليها. جئ بهم إليها، وهذا مجاز معروف للعرب، فهي في معنى قوله تعالى، (وبرزت الجحيم للغاوين) سورة الشعراء الآية 91 وقوله تعالى (وبرزت الجحيم لمن يرى) سورة النازعات الآية 36. أحمد محمد شاكر

ربك، فيأتون بها تمشى على أربع قوائم تقاد بسبعين ألف زمام في كل زمام سبعون ألف حلقة على كل حلقة سبعون ألف زبانى لو أمر زبانى منهم أن يدك الجبال لدكها. وجهنم عند تحركها لها شهيق ودوى وشرر ودخان تفور حتى تسد الأفق ظلمة فإذا كان بينها وبين الخلق مقدار ألف عام انفلتت من أيدى الزبانية حتى تأتى أهل الموقف وهي تكبو من الحنق والغيظ. على أن تصوُّر جهنم على هيئة الحيوان ليس هو الغالب في القرآن (¬1). ففيه أيضًا تصوُّر معمارى لها يجعلها تتألف من دوائر متحدة المركز على هيئة فوهة البركان ولهذا التصوُّر صورة القديمة، فنحن نجده في الأنهار الجهنمية عند الإغريق، وفي جهنم الأشوريين ذات الأبواب السبعة التي ذكرتها أساطير أشتر. وقد ملك هذا التصوُّر مخيلة العامة في العصور الوسطى في الشرق وفي الغرب وعبر عنه دانتى في مؤلفه أقوى تعبير. ولم يكن لدى النبي محمد صلى الله عليه وسلم إلا فكرة أولية عن بناء جهنم، فهو يتحدث عن أبوابها ويحدد عددها بسبعة (سورة لقمان، (¬2)، سورة الحجر الآيتان 43، 44). وورد في الكتاب التركى معرفتنامه تخطيط لجهنم، فهي كائنة تحت قاعدة الدنيا فوق الثور والسمكة (فرس البحر والحوت الوارد ذكرهما في الكتاب المقدس) اللذين يحملان الأرض، وهي تتكون من سبع طبقات على هيئة فوهة بركان هائل وفوقها قنطرة تمتد من أقصاها إلى أقصاها، وهذه القنطرة رقيقة كحد السيف تمر فوقها الأرواح كى تدخل الجنة. وتعبرها أرواح الأولياء في لحظة، ويتفاوت الزمن الذي يستغرقه عامة الصالحين في عبور هذه القنطرة، أما ¬

_ (¬1) بل هو لا يوجد في القرآن ولا في شيء مما يعرف المسلمون. (¬2) جاء في أصل المقال، سورة لقمان الآية 71 وهو خطأ. فإن سورة لقمان كلها 34 آية، وليس فيها شيء يتعلق بهذا المعنى. ولعل كاتب المقال أخذ من أحد فهارس ألفاظ القرآن لفظ "سبعة" فوجده في سورة لقمان في الآية 27 (والبحر يمده من بعده سبعة أبحر) فظنها في هذا المعنى من غير أن يرجع إلى الآية نفسها! ! أحمد محمد شاكر

الضالون فلا يبلغون الجنة بل يسقطون في الهاوية (¬1). وفي أصل الجحيم شجرة الزقوم طلعها كأنه رؤوس الشياطين (سورة الصافات، الآيات 62 - 65) ومرجل من شوب من حميم وبئر تبلغ دركاتها. ويختلف العذاب في جهنم المسلمين، فهو يزداد بقدر ذنوبهم، ولا يكاد القرآن يذكر شيئًا عن ألوان العذاب، ولكن بعض الكتاب وصفها، ونخص بالذكر منهم السيوطي المتوفى عام 911 هـ، ولم يرض هذا التصوير المادى المسرف لبناء الجحيم وألوان العذاب فيه جميع المفكرين المسلمين، بل إن الغزالى - وهو التقى المؤمن- قد رأى بعض التأويل. فالصراط في نظره إنما يدل على معنى مجازى، فهو ليس إلا الطريق القويم الذي يسدد به الله خطى المؤمنين وهو يرمز إلى الطريق السوى، وهو وسط بين الأخلاق المتضادة، فهو الحد الفاصل بين الغلو والقصور وفيه يكون الكمال (انظر كتاب الغزالى: المضنون به على غير أهله، طبعة بومباى في آخرها ص 126 (¬2)، ص 25 - 26 طبع بمصر). ويقول ابن سينا إن عذاب جهنم ينصب في الغالب على الأرواح المذنبة التي تحتفظ بشهواتها بعد الممات، ومن ثم فهي تتعذب أشد ¬

_ (¬1) وما قيمة هذا الكتاب التركى، وهل هو حجة في الإسلام؟ أو حجة على حجة على الإسلام؟ (¬2) كلام الغزالى في كتابه (المضنون به على غير أهله) يؤخذ منه المعنى الذي فهمه كاتب المقال أن الصراط يدل على معنى مجازى الخ، فإنه عقد فصلًا طويلًا، ص 25 - 26 من طبعة الحلبى بمصر سنة 1309 قال في أوله: "الصراط حق، وما قيل فيه أنه مثل الشعرة في الدقة فهو ظلم في وصفه، بل أدق من الشعر بل لا مناسبة بين دقته ودقة الشعر وحدته وحدة السيف. كما لا محاسبة في الدقة بين الخط الهندسى الفاصل بين الظل والشمس الذي ليس من الظل ولا من الشمس، وبين دقة الشعر ودقة الصراط مثل دقة الخط الهندسى الذي لا عرض له أصلًا لأنه على مثال الصراط المستقيم، والصراط المستقهم عبارة عن الوسط الحقيقي بين الأخلاق المتضادة. فالغزالى يشبه دقة الصراط في الآخرة بدقة الصراط المستقيم المعنوى الذي هو الوسط الحقيقي بين الأخلاق المتضادة، ويشبهه من قبل بالخط الهندسى الفاصل بين الظل والشمس. وهذا كلام عربي واضع. وقد أفاض في شرح المعنى الدقيق للصراط المستقيم في الأعمال والأخلاق، ثم ختم الفصل بقوله: "جاء في الحديث: يمر المؤمنون على الصراط كالبرق الخاطف" فهذا يؤيد أنه لم يرد التأويل الذي ظنه كاتب المقال. أحمد محمد شاكر

العذاب لأنه ليس لها أجساد ترضى بها هذه الشهوات (¬1). جاء في القرآن "ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون" (سورة المؤمنون، الآية 103). وجاء في سورة أخرى "فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق خالدين فيها مادامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد" (سورة هود، الآيتان 106، 107). ولقد أنكر الأشعرى على المعتزلة والقدرية قولهم إن الفُسَّاق خالدون في جهنم، لأن ذلك يُيئس الناس من رحمة الله، وهذا -كما يقول الأشعرى- مخالف لما جاء في القرآن "إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء، ومن يشرك بالل فقد ضل ضلالًا بعيدًا" (سورة النساء، الآية 116). كما أن ذلك مناقض للحديث النبوى "يدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار ثم يقول الله تعالى: أخرجوا من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان، فيخرجون منها قد اسودَّوا، فيلقون في نهر الحياة فينبتون كما تنبت الحبة في جانب السيل ألم تر أنها تخرج صفراء ملتوية". ورأى الإمام الأشعرى هو الرأى السائد في الإسلام. المصادر: (1) Vaux La Doctrine de: Carra de L'Islam، باريس 1909، الفصل الثاني. (2) الكاتب نفسه: dEs Fragments chatologie Musulmane, بروكسل 1985. (3) La Perle Pre-: Leon Gautier Cieuse de Chazali، طبعة وترجمة عام 1878. (4) LHassan: A. F. Mehren Abou Ali AI'Ashari في أعمال المؤتمر الدولى الثالث للمستشرقين عام 1876، ص 47. خورشيد [كارا ده فو B. Carra de Vaux] ¬

_ (¬1) كلام ابن سينا ولم وأمثاله ممن ينسب إليهم أفكار بعث الأجساد لا يؤيده شيء مما جاء في القرآن وصح في السنة. وهذا بحث طويل شائك، لا أظن أن كاتب المقال أطلع على شيء من تفصيله وأدلة الفريقين فيه. أحمد محمد شاكر

جهور

جهور كان بنو جهور أسرة عربية قوية السلطان، استقرت في قرطبة من قديم. وقد أخرجت هذه الأسرة عدة علماء وفقهاء، ووزراء بصفة خاصة. وأقام الوزير الأريب أبوالحزم جهور بن محمد بن جهور وزير آخر خلفاء الأمويين نفسهه رئيسًا على قرطبة بعد سقوط الدولة الأموية (422 - 435 = 1031 - 1043 م). ويقول دوزى (Histoire ج 4، ص 298) إن ولده أبا الوليد محمد بن جهور حكم من عام 1043 إلى عام 1064، بينما يذكر لين بول Mohammadan Dy-) Lane- Poole (nasties أنه حكم من عام 435 إلى 450 هـ (1043 - 1058) وأن ولده عبد الملك حكم تبعا لذلك من عام 450 إلى عام 461 هـ (1058 - 1068 م). أما ابن بشكوال المتوفى عام 578 هـ (1183 م) فيقول في كتابه الصلة (جهور رقم 297) إن محمد بن جهور (رقم 1068) توفى في شلطيش في منتصف شهر شوال عام 462 الموافق 28 يولية سنة 1070 وأن المعتمد بن عياد صاحب إشبيلية قام بدفنه، ولم يذكر ولده عبد الملك على الإطلاق. وجاء في كتاب de: Vives Y Escudero M 0 nedas las Dinastias Arabigo-Espaniolas ص 277) ذكر سكتين عربيتين ضربتا في قرطبة عام 400 هـ (1048 - 1049) وهما تنسبان إلى بنى جهور. وقد أورد المقرتى علاوة على الإشارات المقتضية التي لا تزودنا إلا بقليل من المعلومات فقرة طويلة بعض الطول (ج 1، ص 192 - 194) عن كتاب المطمح للفتح بن خاقان (الآستانة، سنة 1302 هـ، ص 14 وما بعدها) يمكن مقارنتها بالخبر الموجز الذي رواه ابن خلدون عن ثلاثة من أسرة بنى جوهر (ابن خلدون: كتاب العبر، طبعة بولاق عام 1284 هـ الموافق 1867 م، ج 4، ص 159). خورشيد [تسيبولد C.F. Seybold] جهينة قبيلة عربية وثيقة النسب ببلى وبهراء وكلب وتنوخ، وتنتمى مثلهم إلى قضاعة. وهي القبيلة العربية الكبيرة في

جنوبي بلاد العرب. ونزلت جهينة في الجاهلية نجدا أول الأمر، ثم نزلت فيما جاور المدينة بين البحر الأحمر ووادي القرى (انظر المصور الجغرافي في كتاب Annali: Caetani ج 11، ص 367). واستقر بنو جهينة في هذه الناحية عندما أخذ سلطان النبي [صلى الله عليه وسلم] في الإتساع. ودخلوا في الإسلام طائعين واندمجوا في الجماعة الإسلامية. ولم يرتدوا مع المرتدين بعد وفاة النبي [صلى الله عليه وسلم]، ولكنهم ظلوا ينصرون الخليفة الجديد نصرًا مؤزرا. وظل حي من هذه القبيلة في منازلهم القديمة، ولا يزالون فيها إلى اليوم، بينما نزح معظم القبيلة بصفة خاصة إلى مصر أو قل إننا إنما نعرف في مصر على الأقل بعض أخبارهم. وكانت جهينة تسكن مصر عند الفتح العربي هي وبعض عشائر من قضاعة وثيقى الصلة بها. وانتشروا بعد ذلك تدريجًا من مصر السفلى حيث قرية دوار جهينة (Dietionnaire Geographique: Boinet Bey ص 104) التي لا يزال بها بدو من جهينة، إلى مصر العليا حيث كان لهم شأن كبير في عهد الفاطميين. واشتركوا في وقائع كثيرة، ثم استقروا في سلام حول إخميم هم وقبائل عربية أخرى. وورد ذكر أفراد من هذه القبيلة في عهود أقدم من ذلك (في القرن الثالث الهجرى) عند أسوان وإن كنا لا نعرف تفاصيل ذلك على التحقيق. وكانت جهينة من القبائل التي استقرت عند الحدود النوبية، وفلت على الأيام شوكة هذه الدولة النصرانية القديمة. ومهما يكن من شيء فإن جهينة كانت السبب في فتح النوبة وتعريبها وإدخالها في الإسلام، فقضت بذلك على أقوى معقل في مجرى النيل الأعلى، وكان هذا المعقل يقف في طريق غزوات العرب والإسلام (ابن خلدون، ج 5، ص 429). ومنذ ذلك الوقت ونحن لا نعرف شيئًا عن هذه القبيلة، وظل هذا حالنا قرونًا. أما اليوم فالثابت أن جميع قبائل البقَّارة أي القبائل شبه العربية في دارفور وواداى انحدرت جميعًا من جهينة. ونشتكال Nachtigal هو عمدتنا في هذه الحقيقة الهامة التي تؤدى بنا إلى فهم مسألة اختلاط الأجناس في السودان الشرقي، وتجعل

الجواليقى

في مقدورنا تتبع تاريخ آية قبيلة من القبائل الجاهلية حتى اليوم. المصادر: لقد جمعت جميع المصادر في بحثى Zur Geschichte des ostlichen Sudan المنشور في مجلة Der Islam، ج 1 ص 155 وما بعدها. خورشيد [بيكر C. H. Becker] الجواليقى أبو منصور موهوب بن أحمد بن محمد بن الخضر: لغوى عربي من أسرة بغدادية قديمة، وهو تلميذ التبريزى وخليفته على كرسى فقه اللغة بالمدرسة النظامية. ولد الجواليقى عام 466 هـ (1073 م) وتوفى في الخامس عشر من المحرم عام 539 هـ (19 يوليو 1144) بمدينة بغداد. وكتب الجواليقى رسالته الصغيرة في الإعراب شرحًا على كتاب أدب الكاتب لابن قتيبة مقتبسًا من كتاب الصحاح للجوهرى، وكتاب أسماء خيل العرب وفرسانها (انظر Die arab. Hdss der k.: Aumer Staats-bibliothek in Muenchen رقم 103، 2؛ Le manuscrits arabes: H. Derenbourg de L Escurial رقم 270، 5). وكتب تفسيرًا للكلمات الأعجمية في اللغة العربية بعنوان "كتاب المعرب من الكلام العجمى على حروف المعجم" (طبعة E. Sachau، ليبسك سنة 1867) وقد استكمل خرم في هذا الكتاب من مخطوط القاهرة) (Spitta في Zeitscher. d. . Deutisch. Morg. Ges ج 33، ص 208 وما بعدها). وهناك حواش بقلم عبد الله بن برى المتوفى عام 582 هـ (1186 م) على المخطوط المحفوظ بالأسكوريال (Derenbourg: فهرسه السابق، ص 772، 5) ثم له أخيرًا ذيل لكتاب درة الغواص عنوانه "كتاب التكملة فيما يلحن فيه العامة" (Le livre des locutions Victeuses طبعة Derenbourg في Mor- genlaend Forch ليبسك سنة 1875، ص 107 - 166). المصادر: (1) ابن خلكان: وفيات الأعيان، طبعة بولاق سنة 1299 م، رقم 722.

الجوبرى

(2) الأنبارى: نزهة الألباء، القاهرة 1294، ص 473 - 478. (3) السيوطي: بغية الوعاة، القاهرة 1326، ص 401. (4) ابن تغرى بردى: النجوم الزاهرة، طبعة Popper، ص 777. (5): Brockelmann Gesch. d. Ar. Lit., ج 1، ص 280. خورشيد [بروكلمان C. Brockelmann] الجوبرى عبد الرحمن بن عمر زين الدين الدمشقي: مؤلف عربي درس دراسة علمية مستفيضة، وعاش عيشة العالم المتجول في جميع بلاد الإسلام حتى بلغ الهند، ورحل إلى حران عام 613 هـ (1216) وإلى قونيه عام 616 هـ (1219 م) ثم قصد بلاط الملك المسعود الأرتقى صاحب أمد وحصن كيفا الذي ولى الحكم عام 618 هـ (1222 م) أو 619 هـ (1222 م). وكتب الجوبرى للملك المسعود كتابًا سجل فيه ما خير من تدليس وحيل أولئك الذين أبتلاهم في رحلاته بين الأقوام الرحل والدجالين وأصحاب الكيمياء والصيارفة. وهذا الكتاب كنز لمن يريد معرفة عادات أهل ذلك العصر، وقد طبع هذا المكتاب وعنوانه "كتاب المختار في كشف الأسرار وهتك الأستار" في دمشق عام 1885، وفي استانبول في تاريخ غير معلوم، وفي القاهرة عام 1316 هـ، وطبع أيضًا في القاهرة طبعة مجهولة التاريخ (حوالي 1908) مع مصنفه "كتاب الحلال في الألعاب السيماوية وبعض فوائد صناعة مجربة" وانظر الملحق. المصادر: (1) Steinschneider في Zeitschr. d. Deutsch. mong. Ges ج 19، ص 562. (2) الكاتب نفسه Polemische und ap- ologetische Litteratur، ص 189. (3) de Goeje في Zeitscher. de Morg Ges. Deutsch. ج 2، ص 485، انظر أيضًا Fleischer في المجلة المذكورة ج 21، ص 274.

جودت عبد الله

(4) Beitraege zur: E. Wiedemann chichte der Naturwissenschaften، ج 4. (5) الكاتب نفسه Ueber Wagen bei den Arabern في sitzungsber . der Phys. med. sozietal in Erlangen ج 37 (سنة 1905) ص 388 - 391. (6) الكاتب نفسه: ueber das Gold- machen and die Verfaeslachung der Per len nachal-Gaubari في Beitr. Z. Kenntnis des Orients ج 77 - 96. (7) الكاتب نفسه: Zur alchemie bei den Arabern في Journal fuer Praktische Chemie في تاريخ غير معلوم، ج 76 (سنة 1907) ص 82 - 86. خورشيد [بروكلمان C. Brockelmann] جودت عبد الله شاعر تركى ومترجم ورجل سياسة، ومن أحرار الفكر؛ وصاحب تواليف في القانون الدولى، ولد لأسرة كردية هي أسرة عمر أوغيللرى في عربكير في الثالث من جمادى الاخرة سنة 1286 هـ (سبتمبر سنة 1869). وأكمل دراسته في المدرسة الحربية بمعمورة العزيز (إلازيك)، ثم قدم إستانبول في سن الخامسة عشرة أو نحوها ليلتحق بمدرسة الجيش الطبية. وهناك، في مايو سنة 1889, أصبح من الأعضاء المؤسسين لجمعية الاتحاد والترقى. وما وافى عام 1891 حتى كان قد نشر أربع جلدات صغيرة من الشعر، استهل ثانيهما بمدح في النبي [صلى الله عليه وسلم] مشهور (نعت شريف) كان في حياته العملية العاصفة سنده الذي غلَّب مصلحته حيال الحكومة. وفي سنة 1892 قضى مدة قصيرة مسجونًا من أجل نشاطه السياسي، وفي سنة 1896 نفى إلى طرابلس. وتورط مع الفرع القائم في طرابلس لجمعية الاتحاد والترقى فسجن مرة أخرى، ولكنه نجح بعد إطلاق سراحه في الفرار من طرابلس واتخذ طريقه إلى جنيف في سبتمبر سنة 1897. وعمل في مجلة تركية الفتاة "عثمانلى" التي كانت تصدر نصف شهرية. وأغرى سنة 1899 بقبول منصب طبيب بالسفارة في فينا، وبذلك دخل في

الخدمة في ظل عبد الحميد فحرم غسه مدى الحياة من شغل أي منصب في ظل رجال تركية الفتاة. على أنه لم جبر على أن يهجر نشاطه الثوري حتى إنه طرد في سبتمبر سنة 1903 من منصبه ولم جبر على ترك النمسا. وعاد إلى جنيف ووضع كل ما يملك في سبيل إنشاء المطبعة الدولية Iprimerie Intemationale التي أصدرت في أول سبتمبر سنة 1904 أول عدد من مجلة "اجتهاد" وهي مجلة دورية وقفت نفسها على نصرة الحرية السياسية والعقلية والدينية والاجتماعية مدة تقرب من 30 عامًا. وفي السنة نفسها بدأ ينشر سلسلة عرفت باسم "كتبخانة إجتهاد" ظهر منها كثير من أعماله وظل يشرف عليها حتى وفاته. ومن كتبه التي نشرت حوالي هذا الوقت"قفقاسياداكى مسلمًا نلره بيان نامه"، وهو دعوة إلى المسلمين في القفاس لمحاربة الحكم المطلق وأثر الروس؛ وترجمتين لأثربيرون Prisoner of Chillon وكتاب ألفييرى del: Alfieri principle e delle lettre . وفي غضون أشهر قلائل حمل السفير التركى في باريس معه طرد جودت من سويسرا وقضى جودت مدة قصيرة في فرنسا حكمت عليه الحكومة العثمانية غيابيًا بالسجن مدى الحياة، وحرمانه من حقوقه المدنية ومصادرة أملاكه، فانتقل إلى القاهرة في أواخر سنة 1905 وظل مقيما فيها حتى منتصف سنة 1911 يعمل طبيبًا للعيون ويستمر في الوقت نفسه في نشاطه في السياسة والنشر، وانضم إلى حزب تركية الفتاة الداعى إلى اللامركزية واستمر ينشر بلا انقطاع كتيبات يهاجم فيها السلطان "ولم يهاجم البيت العثمانى إلا مدة قصيرة فحسب. وقد عدَّ جودت عبد الحميد طاغية لا سبيل إلى إصلاحه، ولم يتأثر من ثم بقبول دستور سنة 1908، وكان جودت في هذا الشأن هو الصوت الوحيد المعارض. وفي يولية سنة 1909, أي بعد اعتزال السلطان، توقفت مجلة"اجتها" عن الصدور في القاهرة، وعادت إلى الظهور سنة 1911 في إستانبول حيث

كان جودت قد اتخذ من هذه المدينة مقامًا. ولكن متاعبه لم تنته بنزول السلطان عن العرش، ففي فبراير سنة 1910 صادرت وزارة إبراهيم حقى باشا كتاب تاريخ الإسلام لعبد الله جودت بك، على أن الأصل الذي كتبه دوزى، وليست مقدمة جودت لترجمته لهذ الكتاب، هي التي أثارت السلطات أكثر. وسجن جودت شهرًا في شتاء عام 1912 بعد الهزائم التي منى بها الأتراك في حرب البلقان. وكانت هجمات جودت على رجال الدين الرسميين في مجلة "اجتهاد" هي التي أدت إلى إيقافها مؤقتًا سنة 1913 وإجبارها على تغيير عنوانها في ثلاث مناسبات سنة 1914. وانتهت معارضة جودت لاشتراك تركية في الحرب العالمية الأولى بإيقاف المجلة مرة أخرى من 13 فيراير سنة 1915 إلى نوفمبر سنة 1918. وفي هذه الأثناء نشر جودت عدة كتب غير سياسية منها نشره وترجمته لرباعيات الخيام. وخدم جودت في وزارة الصدر الأعظم داماد فريد باشا مديرًا عامًا للصحة العامة. على أنه عاد إلى الصدام مع السلطان. وفي ـبريل سنة 1922 حكم عليه بالسجن سنتين لزندقته، ولكن الأجراءات القانونية استطالت حتى ديسمبر سنة 1926. وفي النهاية أطلق سراحه وسقطت جريمته من القانون التركى الجديد. وتوفى في 29 نوفمبر سنة 1932 وظل يعمل حتى النهاية. وقد نشر جودت كتبًا وترجمات تربى على الستين. ومن ترجماته ست مسرحيات لشكسبير، ولو أن جميع هذه الترجمات يؤخذ عليها أنها نقلت عن الفرنسية فيما عدا أنطوان وكليوباترا، ومع ذلك فإنها لا تخلو من المزايا. وهو حقيق بالكثير من الفضل أيضًا لأنه جعل دراسة علم النفس الحديث معروفة لدى مواطنيه. والمقال الطويل عن جودت الذي كتبه سوسهايم K. Suessheim في ملحق إسلام انسيكلوبيدياسى، وهو عمدتنا في كتابة هذه المادة، يورد ثبتا كاملًا بإثاره وسيرة لحياته؛ ويمكن أن نضيف إلى ذلك أنور بهنان شابوليو:

الجودى

ضياكوك ألب، إتحاد وترقى ومشروطيت تاريخي، إستانبول سنة ص 30، 49 - 50، 70؛ أحمد بدوى قوران: إنقلاب تاريخي مزوجون توركلر، إستانبول سنة 1945؛ الكاتب نفسه: إنقلاب تاريخي مر واتحاد وترقى، إستانبول سنة 1948؛ E. E. The Young Trurks: Ramsaux, يرنستون سنة 1957؛ the Emergence of: B. Lewis modern Turkey، لندن سنة 1961. خورشيد [لويس G. L. Lewis] الجودى جبل جودى أو جودى داع. جبل شامخ في إقليم بهتان على مسيرة 25 ميلا تقريبا أو سبع ساعات من الشمال الشرقي لجزيرة ابن عمر على خط عرض 37، 30 شمالا؛ والواقع أن هذا الجبل لم يكشف بعد، وإن كان المعتقد أنه يبلغ في الارتفاع ما يقرب من 13.500 قدم. وترجع شهرة الجودى إلى الرواية التي نشأت في أرض الجزيرة. وهي تذهب إلى أن الجودى- لا أراراط -هو الجبل الذي استوت عليه سفينة نوح. والمحقق من كتابات كثير من المؤلفين الأرمن وغيرهم من الكتاب أن جبل أراراط لم يكن له حتى القرن العاشر صلة ما بقصة الطوفان. فالرواية الأرمنية القديمة لا تعرف على التحقيق شيئًا عن جبل استقر عليه فلك نوح (- عليه السلام -). فلما جاء ذكر جبل في المؤلفات الأرمنية المتأخرة تبين أن ذلك كان بتأثير الكتاب المقدس المتزايد في هذه المؤلفات، والكتاب المقدس هو الذي يقول إن الفلك استقر على جبال (أو جبل) أراراط. وأعلى هذه الجبال وأشهرها جبل "ماسك" (ماسس) ومن ثم فلا بد أن نوحا قد حط بسفينته على هذا الجبل. أما المرحلة الثانية من مراحل نمو هذه الرواية الأرمنية فترد إلى الأوربيين الذين أطلقوا اسم أراراط (بالأرمنية إيراراط) وهو اسم ناحية، على جبل ماسك استنادًا على تفسير خاطئ لسفر التكوين (الإصحاح الثامن، الآية 4). وإنما أخذت الرواية القائلة بأن ماسك هو الجبل الذي استقر عليه الفلك تجد مكانا في المؤلفات الأرمنية في

القرنين الحادي عشر والثاني عشر. وتذهب التفاسير الدينية السابقة على هذا في الزمن إلى أن الجبل المعروف الآن بجبل الجودى، أو جبال جورديين Gordyene (بالسريانية قردو وبالأرمنية كُرْدُخ) كما تقول المصادر النصرانية، هو المكان الذي استقر عليه فلك نوح، والمحقق أن هذا التحديد للمكان الذي استقر عليه فلك نوح, وهو التحديد الذي ذكر حتى في الترغوم (¬1) يستند إلى الرواية البابلية، وقد نشأ من الاسم البابلى بروسس " Berossus" زد على ذلك أن جبل نصر الذي ذكر في قصة الطوفان في الكتابات المسمارية يصح أيضًا أن يحدد مكانه في جبال جورديين بالمدلول الواسع لهذا الاسم. ولقد أخذ النصارى بالرواية البابلية اليهودية القديمة، وعرفها العرب منهم عندما وصلوا بفتوحاتهم إلى إقليم بهتان. وأطلق العرب اسم الجودى، وهو الاسم الذي ورد في القرآن على أنه الموضع الذي استقر عليه "فلك نوح" في غير تثبت على جبل قردو (سورة هود، الآية 44) وهو الجبل الذي كان يعد منذ أقدم الأزمنة المكان الذي استقر عليه نوح. ولكن محمدًا [صلى الله عليه وسلم] قصد في الواقع الجبل المعروف باسم الجودى في بلاد العرب (انظر ديوان الحماسة، ص 564، معجم البلدان، ج 2، ص 270، س 11، المشترك ص 111) ولعله ظن أن هذا الجبل هو أعلى الجبال طرًا. وهذا هو قول نولدكه في Festscir Juer Kieper (سنة 1898، ص 77) ومن الواضح أنه أصاب في ذلك. ومن الممكن أيضًا أن يكون محمد [صلى الله عليه وسلم] قد تأثر في تعيينه لموضع الجبل الذي رسا عليه فلك نوح ببعض روايات أقدم من هذه كانت شائعة في بلاد العرب، ونذكر تدعيما لهذا الرأى ملاحظة لثيوفيلوس المنافح (ad Autolycum, الكتاب الثالث، الفصل 19) فهو يقول إن بقايا الفلك كانت تشاهد حتى في عهده على جبال بلاد العرب. ولابد أن يكون نقل العرب لاسم الجودى من بلاد العرب إلى أرض الجزيرة قد تم في عهد متقدم بعض الشيء، كما سبق أن ذكرنا، ولعل ذلك كان عند الفتح العربي. بل إن جبل الجودى في شعر ¬

_ (¬1) الترغوم: هو الترجمة الكلدانية للعهد القديم.

الشعراء الأقدمين أنفسهم- مثل ابن قيس الرقيات (طبعة Rhodokanakis انظر نولدكه - Wien. zeilschr. f. d, Kunde d. Mor gen ج 17، ص 91) وأمية بن الصلت (طبعة Assyr.: Schuthess Beitr. z, ج 8، رقم 3، 5) - لم يعد عربيًّا، ولكنه غدا من جبال الجزيرة، أما إطلاق الاسم جودى على جبال قردو وسرعة انتشار هذا الاسم الجديد فقد يؤيده ما حدث من أن البلاد التي إلى الجنوب من بهُتان في اتجاه أشور كانت تؤلف على الأغلب في عهد الأشوريين جزءًا من إقليم جتيوم Gtuim، أي أرض جوتى (قوتو) الرحل، وهذا الاسم- لم ى اسم القوم والناحية- لم يكن قد اختفى تماما في صدر الإسلام ويمكن الرجوع فيما يختص بالمصطلح الجغرافي جتيوم الذي كان معروفًا حتى البابليين إلى (Compt-rendus de I'Academie des: Scheil Inscript., et Bell. Letres، سنة 1911، ص 378 وما بعدها، ص 606 وما بعدها. وإذا فرضنا -كما هو واضح- أن اللفظ أراراط (بالأشورية أرارطو)، كان في وقت من الأوقات يشمل أيضًا بقعة إلى الجنوب من بحيرة وان (انظر اسم الجبل أررطى في كتابات جورديان المسمارية وفي شانده Shanda انظر المصادر) فإن جبل ماسك (أراراط الكبرى) وجبل الجودى إذا- وهما الموضعان اللذان تذكر الروايات أنهما كانا مستقر فلك نوح- يمكن أن يسميا جميعًا جبل أراراط تمشيا مع رواية الكتاب المقدس. وما زالت المنطقة المحيطة بجبل الجودى إلى يومنا هذا حافلة- كالمنطقة المحيطة بجبل أراراط- بالأساطير والذكريات المتصلة بالطوفان وحياة نوح بعد إذ غادر الفلك، ففي سفح الجبل مثلًا قربة ثمانين (بالسريانية ثمانين بكسر الثاء وبالأرمنية تعمان = 8) حيث تروى الأسطورة أن الأشخاص الثمانية الذين نجوا في الفلك قد نزلوا بها أول ما نزلوا (انظر Hubschmann، كتابه المذكور ج 6، ص 333 - 334). ويذكر جغرافيو العرب أيضًا ديرًا كان على جبل الجودى على عهدهم هو دير الجودى، انظر عنه الشابشى: كتاب الديارات (J. Die hist. u geogr. Quellen in Ya-: Hear

kur'ts geogr. Worterbuche سنة 1898، ص 96، معجم البلدان لياقوت، ج 2، ص 653). ونزيد على ذلك أن لايارد Layard ثم من بعده كنج. L. W King (1904) قد كشفا عن تماثيل منحوتة في الصخر وعن كتابات سنحريب في جبل الجودى. وهذا قد حدا بكنج إلى القول بأن هذا الجبل هو عين جبل نبور Nipur الوارد في كتابات سنحريب (انظر Niniveh u. Babylon: Layard ص 621؛ King في Journ. of Helenic stud., سنة 1911، ج 30، ص 328). المصادر: (1) معجم البلدان لياقوت، طبعة فستنفلد ج 2، ص 635. (2) مراصد الاطلاع، طبعة فستنفلد، ج 5، ص 111. (3) ابن بطوطة، طبعة باريس ج 2، ص 139. (4) القزوينى: Kosmographie، طبعة فستنفلد، ج 1، ص 156. (5) The Lands of the East: Le Strange Caliph سنة 1905، ص 94. (6) Tech في de. Deutch. Zeitschr. .Morgen. Ges ج 1، ص 59 وما بعدها. (7) Anszuege aus syr.,: G. Hoffman Akten persisch martyrer, ص 174 وما بعدها، 213 وما بعدها. (8) Bohan: M. Hartmann في. Mitt der Vorderas. Ges ج 1، ص 121 وما بعدها ج 2، ص 27، 67 وفي مواضع مختلفة، الفهرس. (9) H.Hubschmann في Indogerm. Forsch., ج 16، ص 316، 334، 371، 384. (10) Erdkunde: Ritter ج 11، ص 156، 449. (11) Reisen im orient: Petermann سنة 1886، ج 2، ص 47. (12) Assyr . Discoveries: G. Smith سنة 1875. ص 106 وما بعدها. (13) Amurath to Amurath: G.L. Bell ص 291 - 295.أما عن الأساطير النصرانية والإسلامية الخاصة بالفلك واتصالها بأراراط وجودى فيرجع إلى:

جوف

(14) Bibt. Legenden der: G.Weil Mueselmanner سنة 1845، 45. (15) Gruenbaum في Zeitschr. , . Deutsch. Morg.Ses ج 31، ص 301 وما بعدها. (16) Strek M. في Zeitschr. f.Assyriol ج 15 , ص 272 وما بعدها. (17) Ararat u. Masis: Er. Murad هيدلبرغ 1901. (18) S. Weber في Tubinger Theolog. , .Quartalschr ج 13، سنة 1901، ص 231 وما بعدها. (19) Sanda A. في Mitt. der vor- deras. Ges ج 7 سنة 1902، ص 30 وما بعدها. (20) Dueller في Bibt. Zeitsch., ج 1، سنة 1903 ص 349 وما بعدها. (21) Gsteurop. and: J.Marquart osiasiat. Strerfzuege - سنة 1903، ص 286 وما بعدها. (22) H. Hubschmann كتابه المذكور، ج 16، ص 206، 278 - 283، 364، 370، 398، 451. (23) The Earlies Ver-: H. Hilprecht sion of the Deluge Story فيلادلفيا سنة 1910 ص 30 - 32. خورشيد [شترك M.Streck] جوف مصطلح في علم تخطيط الأرض يدل على سهل منخفض، وهو مماثل في معناه للجو ويحل محله مثال ذلك جوف أو جو اليمامة (البكرى، 2، ص 405) وجوف أو جو تؤام، ويطلق اسم الجوف على كثير من الأمكنة أهمها: جوف السرْحان وجوف ابن ناصر (ويعرف أيضًا بالجوف من غير أداة التعريف. انظر البكرى) وجوف اليمن، والجوف، والجوفين. (جوف همدان وجوف مراد عند اللغويين). وجوف الناصر الذي يقوم شمالي غرب اليمن سهل عريض على هيئة المربع المنحرف تقريبًا، وتحده من الشمال جبال اللوذ وبرط وشَعَف، ومن الغرب جبال مذَاب وخارد، وخَبَش والعشن، ومن الجنوب جبل يام ومن الشرق رمال رملة دهم

جنوبي غرب الربع الخالى. وكان جوف ابن ناصر الذي يقوم في الشمال الغربي لمارب قاعدة أسرة منى وتكثر فيه المواقع الأثرية (تعرف محليا باسم خرب جمع خربة) التي كان أول من وصفها الهمدانى ثم هالفى Halevy وحبشوشى وكليزر Glazer. وفلبى Phil- by وفخرى، وتوفيق، وفون ويسمان Von Wissman. وتشمل هذه المواقع معين والحزم وبراقشى وكمنا (كمنا في اللغة المحلية) والسودا، والبيضا. ومن الوديان التي تأخذ من الجبال إلى الغرب وتجرى في وادي الجوف ثم في الرمال التي في الشرق وادي العلا، ووادي الخارد ووادي مذاب. وثمة قناتان شقتا قديمًا وهما باهى الخارد (وتوازى وادي الخارد) وباهى الساقية، ولا تزالان تستعملان في وى الأراضي الزراعية للحزم ثم للغَيل في حين تروى المَطِمة المياه الموسمية لوادىَ مذَاب. والحزَم القرية الكبرى لجوف ابن ناصر هي مركز ناحية الجوف ومقر عامل يرجع في أموره إلى أمير ولاية صنعاء وينتج جوف الناصر القمح والشعير وحبوب السرغ، وبذر السمسم، والزيت والقطن والفاكهة وتربى الجمال والأغنام للتصدير؛ وهي "ديرة" دهم، ودهم قبيلة ترد نسبها إلى ناصر (ومن ثم قيل جوف ابن ناصر) عن طريق همدان وظلت شهرة دهم بالنزوع إلى القتال، وهي الشهرة التي لاحظها نيبور Niebuhr سنة 1763، قائمة إلى اليوم، وظلت دهم تواصل غاراتها حتى أواخر الأربعينيات من القرن التاسع عشر (Tesiger) . ويتحدث الهمدانى عن نزوع قبائل الجوف إلى الحرب، ويذكر جماعتين متنازعتين: همدان ومَذْحِجِ، ومن ثم قيل جوف همدان وجوف مراد بن مذحج اللذين ذكرهما فقهاء اللغة في قول شليفر Shchleifer . المصادر: (1) الهمدانى: الفهرس، مادة جوف (2) ياقوت، ج 2، ص 157 وما بعدها. (3) المكتبة الجغرافية العربية، ج 3، ص 89؛ ج 6، ص 137، 249. (4) البكرى: معجم ما استعجم، ج 2، ص 404 - 406، القاهرة سنة 1945.

الجوف

(5) ابن بليهد: صحيح الأخبار، ج 4، ص 169 - 176، القاهرة 1953. (6) توفيق: آثار معين في جوف اليمن، القاهرة سنة 1951 (7) An Archeological: A.Fakhry journey to Yaman، ج 1، ص 139 - 152، القاهرة سنة 1952 (8) The antiquites of South: N. Faris Arabia , برنستون سنة 1938. (9) S.Gotein (المحرر): Travels in Yemen، بيت المقدس سنة 1941 (10) Divisioni am-: N. Lambardi minstrative del Yemen في Oriente Mod- erno، ج 27، رقم 907 (11): D. Mueller & N. Rhodokanakis Eduard Glasers Reise nach Marib، فينا سنة 1913 (12) Description de: G. Niebuhr Arabie L، كوبنهاغن سنة 1773 (13) Sheba's: H.St. J. Philby Daughters , لندن سنة 1939. (14) Arabian's Daugbers: Thesiger, لندن سنة 1959. (15) H. von Wissman & M. Hoefner: Beitraege zur historuschen Geographie des vorislamischen suedarabien. ماينز- سنة 1952. خورشيد [كوينت. M. Quint] الجوف إقليم في بلاد العرب الجنوبية بين نجران وحضر موت. ونستدل من المعلومات التي جمعها نيبور Niebuhr أثناء إقامته في اليمن أن معظم هذا الأقليم صحراوى مستو ترعى فيه كثير من الجمال والخيل وتصدر أيضًا إلى الخارج. وتصلح الزراعة أيضًا في كثير من بقاعه وسكانه بدو محبون للحرب يلبسون خوذات حديدية ودروعا. وقصبة الجوف مأرب. وعليها وال من أشرافها، أما القرى والصحراء فيستقل بالأمر فيها شيخ من شيوخها. وورد ذكر الجوف أول ما ذكر في كتاب صفة جزيرة العرب للهمدانى،

وهو يصفه بأنه منفلق من الأرض يجرى فيه عدة أودية كبار: مثل الخارد وخبش ونجران: وذكر من قراه أرض الرزم وحباشة ورخمات والبيع وشوابة وصولان والعبلة والقاع وحران وغيرها. وذكر من تلاله: ورور ونهم. ولا يجعل الهمدانى مأرب من بلاد الجوف. وهو يقول إن سكان الجوف هم همدان ومذحج وبينهم عداوة. ومن ثم يذكر الجغرافيون جوف همدان وجوف مراد (ابن مذحج). المصادر: (1) الهمدانى: صفة جزيرة العرب، طبعة ميلر، ص 27، س 7. ص 81، س 19 ص 84، 93، س 16، ص 108، س 22، ص 110، س 3 - 25، ص 125، س 1 ص 135، س 21، ص 167، س 9 - 20، ص 183، س 22، ص 200، س 24، 26 وانظر الفهرس. (2) ياقوت: المعجم. طبعة فستنفلد، ج 2، ص 157 - 158 (3) المكتبة الجغرافية العربية، طبعة ده غويه، ج 3 ص 89 ج 6، ص 137، 249 (4) Ritter: Erdkunde ج 12، ص 87، 712، 713، 842، 845. [شليفر j .Schleifer] + الجوف: إقليم ومدينة في الشمال الأوسط للعربية السعودية بالقرب من الطرف الجنوبي لوادى السرحان. ويعرف إقليم الجوف أيضًا باسم "الجُبه"، وهو غور مللث الزوايا تقريبًا، وله قاعدة واحدة تساير الحافة الشمالية لجبل النَفود وتقوم قمته الشمالية عند الشُوَيحطية؛ ويحده من الغرب جبال الجوبة الغربي. ومن الشرق جبال الجوبة الشرقي. والجوف أو الجوبة، وتبلغ مساحته 3850 كيلو مترا مربعا تقريبًا، تفصله عن نجد صحراء النفود الرملية. والحكم فيه من حيث هو إقليم تحت إمارة الحدود الشمالية للعربية السعودية. وهذه المنطقة جيدة الري نسبيًا، وفيها كثير من حراج النخيل، وتعد من المناطق التي يمكن أن تصلح للزراعة. وأهم محلتين في الجوف بلدة السُكَاكا، وهي الآن مر كز إدارى، والجوف. أما قارة والطوير وجاوة فقرى أصغر من ذلك،

ويبلغ عدد سكان الإقليم حوالي 25.000 نسمة (سنة 1961). وكانت بلدة لجوف، أو جوف عامر (على خط عرض 29 و 48, 5 شمالا، وخط طول 39 و 52, 1 شرقًا، وارتفاع 650 مترا تقريبًا) في التاريخ مركز الجوبة، وكان يقال إنها عين دومثيا عند بطلميوس. وقد عرفت لدى جغرافيى العرب الأولين باسم دومة الجندل. أما الاسم جوف عامر (ويعرف أيضًا بجوف العامر، وجوف ابن عامر) فيستعمل كثيرًا للتفرقة بين هذه البلدة وبين الجوف الجنوبي، وجوف ابن ناصر جنوبي شرق وادي نجران. وقد أضاف محمد بن مُعَيقل الجوف إلى المملكة الوهابية لعبد العزيز بن محمد بن سعود سنة 1208 هـ (1794) حين سلم سكان المنطقة لقواته المتحالفة القادمة من نجد. وقد احتل الجوف حوالي سنة 1853 آل رشيد أصحاب حائل وثبتوا فيها صامدين للفتنة التي أثارها الأتراك ولتهديداتهم حتى سنة 1909. وفي هذه السنة نفسها استولى زعيم الدولة نورى بن شعلان على الجوف، واعقب ذلك ثلاث عشرة سنة انقضت في النزاع بين الدولة وشمَرَّ في سبيل السيادة على هذه المنطقة. واحتل "الأخوان" المجندون لابن سعود على الأقليم سنة 1922 بمعاونة الزعماء المحليين الذين اعتنقوا المذهب الوهابى. وظلت المنطقة من وقتها جزءًا من الدولة السعودية. وكانت الجوف، التي تقل الآن أهميتها بسبب قيام مركز ادارى جديد عند السكاكا، بلدة تجارية للشمر ورولة والشرارات. ولا تزال تشتهر بسوقها التي تتاجر في البلح وحرفها، على حين أننا نجد أنه قد وضعت خطة لإقامة شبكة من الطرق وخطة للتنمية قد تجعل الجوف مركزا زراعيًا هامًا. المصادر: (1) عثمان بن بشر: عنوان المجد، القاهرة سنة 1373 هـ، ص 110 - 111 (2) حافظ وهبة: جزيرة العرب، القاهرة سنة 1956، ص 45، 67 (3) Tagebush einer Reise: J.Euting Inner Arabien in، ج 1، ص 123 - 140.

جوف السرحان

(4) ابن هشام، ص 668، 903، 991. (5) Gazetteer of the: J.G. Lorimer Persian Gulf، كلكتة سنة 1908 - 1915, ص 933 - 935. (6) Arabia Deserta: A. Musi نيويورك سنة 1927، ص 264 - 474، 520 - 523، 531 - 553 (وهو مناقشة تاريخية قيمة وفيها مصادر كثيرة أخرى) (7) H.S.J. B. Philby، لندن سنة 1930؛ Saudi Arabia، لندن سنة 1955 (8) Erdkunde: Ritter , ج 2، ص 713، 842؛ ج 13، ص 343، 362، 377 وما بعدها. 389 - 395، 467 (9) ياقوت، ج 1، ص 825؛ ج 2، ص 157 - 158، 625 - 629؛ ج 3، ص 106، 277؛ ج 4، ص 12، 32، 76، 389، الفهرس (10) LArabia: C.A.Nallino sa'udiana، رومة سنة 1938، ص 68 وما بعدها، 87. الخرائط: (11) هناك سلاسل منها أعدتها مساحة الولايات المتحدة الجيولوجية وشركة الزيت العربية الأمريكية برعاية وزارة المالية والاقتصاد القومى بالمملكة العربية السعودية ووزارة الدولة في الولايات المتحدة الأمريكية، جوف سكاكة خريطة 1 - 201 ب، مقياس الرسم: 500.000 سنة 1961. خورشيد [ماندافيل J. Mandaville] جوف السرحان ناحية في جزيرة العرب شمالي نجد ناحية الشام على وادي السرحان وهو أكبر واحة في بلاد العرب الشمالية بعد تيماء. وكانت دومة الجندل (ذكرها بطليموس باسم دويميدا) هي وحصنها مارد أهم مدن هذا الإقليم. وقد عرفنا هذا المكان من تاريخ النبي (صلى الله عليه وسلم) ويقال إنه نسب إلى أحد أبناء إسماعيل. وقد أنفذ النبي (صلى الله عليه وسلم) قائده خالد بن الوليد إلى دومة الجندل عندما كان في طريقه إلى غزوة تبوك عام تسعة للهجرة (630 م)، وكانت

دومة الجندل وقتئذ في يد الأمير النصرانى أكيدر الكندى. وخضع الأكيدر ودخل في الإسلام، على أنه ارتد عقب وفاة النبي (صلى الله عليه وسلم) واختيرت دومة الجندل (أذرح في رواية أخرى) بعد وقعة صفين عام 37 هـ (657 م) مكانًا يلتقى فيه على ومعاوية. وغدت دومة الجندل الآن قرية صغيرة لا شأن لها. وزار بوركهارت Burckhardt جوف السرحان عام 1812 ثم زارها يوتنك Euting بعد ذلك بسبعين سنة تقريبًا وجوف السرحان الآن مجموعة من القرى الكبيرة وتعرف بالأسواق تحيط بها البساتين والنخيل. وعدد مساكنها ثمانين ومائة وعشرين منزلًا، ومجموع سكانها 12 ألف نسمة تقريبًا. ويلى أمور كل قرية شيخ من أهلها. وكان غالب سكانها في الوقت الذي أقام فيها بوركارت من التجار والصناع الصغار (إسكافيون وحدادون ونجارون). وكانوا يبادلون العرب سلعًا بجمال. واضمحلت الآن تجارتهم وصناعتهم اضمحلالا، وهم من طائفة الوهابية في الغالب، وبلادهم أحد الأقاليم السبعة التي تتألف منها المملكة الوهابية. وكان يحكمهم وال من قبل هذه المملكة. وظلت جوف السرحان مستقلة بذاتها مدة طويلة بعد انهيار مملكة الوهابيين. وخضعت جوف السرحان عام 1855 لبنى شمر أصحاب حايل. ويذكر الجغرافيون علاوة على الجوف وجوف السرحان السابق ذكرهما أماكن أخرى باسم الجوف، أحدها على الساحل ما بين مكة والمدينة على ما يقال. المصادر: (1) ياقوت: المعجم، طبعة فستنفلد، ج 1، ص 825، ج 2، ص 157 - 158، 625 - 629، ج 4، ص 32، 76، 389 وانظر الفهرس (2) سيرة ابن هشام، طبعة فستنفلد، ص 668، 903، 991 (3) Erdkunde: Ritter ج 12، ص 71371، 842؛ ج 13، ص 343، 362، 377 وما بعدها 389 - 395، 467 (4) Der Islam im Mor- A. Mueller gen undAbendland، برلين سنة 1885، ج 1 ص 324 وما بعدها

جوف كفرة

(5) Tagebuch einer Reise J. Euting in Inner Arabien. [شليفر J. schlcifer] جوف كفرة هي الواحة الرئيسية في مجموعة واحة كفرة في صحراء ليبيا، وتقوم على مسيرة 575 ميلا تقريبًا جنوبي شرق بنغازى. وسكان الجوف البالغ عددهم في تعداد سنة 1950: 2200 نسمة ينتجون البلح والأعناب والشعير والزيتون. وتنحصر الصناعة المحلية في الحرف اليدوية وعصر زيت الزيتون. وفي منتصف القرن التاسع عشر أقام رأس الطريقة السنوسية السيد محمد بن علي السنوسى زاوية الأستاذ في الجوف بناء على التماس القبيلة المحلية زَوَيَّة (زيادة، ص 49، وانظر إسلام انسيكلوبيدياسى، الطبعة الأولى، ج 4، ص 1108 التي رسمت اسم القبيلة: زاوية) وفتح باب الصحراء والسودان الأوسط للنفوذ السنوسى. وقضت الجوف مدة قصيرة تمتعت فيها بالتفوق سنة 1895 حين نقل السيد محمد المهدي بن السنوسى وخليفته قاعدة الطريقة إلى زاوية الأستاذ. على أن هذه القاعدة سرعان ما نقلت إلى زاوية التاج المنشأة حديثًا، وهذه الزاوية قائمة أيضًا في واحة الكفرة، ثم نقلت هذه الطريقة أخر الأمر سنة 1899 إلى السودان الأوسط. المصادر: (1) A. Desio: مادة " Cubra" في En- ciclopeda Italiana، ج 2، ص 86 - 88، ميلان سنة 1931 - 1940 (2) The Sanusi: E. Evans - Pritchart of Cyrenaica، أوكسفورد سنة 1949 (3) The Secret of the sa-: R. Forbes hara، نيويورك سنة 1921 (4) Wartime With the Sudan: Wright Defence Force في GJ. ج 105، رقم 4 - 3، ص 100 - 111 (5) ن. زيادة السنوسية، ليدن سنة 1958. خورشيد [كوينت Ouint M.]

الجوهر

الجوهر لم يكن لفكرة الجوهر في الفلسفة المدرسية الشرقية ما كان لها من الشأن في مدارس الغرب. والجوهر هو ما يقوم بذاته، وما ليس مفتقرًا إلى غيره في وجوده، ولو من الناحية المنطقية على الأقل، فهو مختلف عن العرض الذي يوجد دائمًا شيء آخر غيره. وعلى هذا يكون الجسم سابقًا على اللون من الناحية المنطقية، فهو من حيث علاقته به يُعد جوهرًا، كما أن اللون من حيث علاقته بالجسم يعد عرضًا، على أن قيمة فكرة الجوهر ليست منطقية فحسب، وإنما هي ميتافيزقية أيضًا. فليس الأمر مقصورا على معرفة النظام الذي يعتمد فيه بعض العناصر المكونة للموجودات على بعضها الآخر، ولامعرفة أي هذه الموجودات مفتقر إلى غيره فحسب، بل لا بد كذلك من أن يفتش في قرار كل شيء عما هو ثابت دائم، أي عن الجوهر بمعناه الميتافيزيقى. ويجب أن يلاحظ أن المفكرين المسلمين قد اشتغلوا -في حدود هذا المعنى الأخير- بالبحث في "الجوهر البسيط"، وهو ما ليس له أجزاء، ولا يقبل الفساد بالتالى. وعلى هذا فإن ابن سينا عندما أراد أن يبرهن عن خلود النفس، برهن أولًا على أنها جوهر بسيط ومن هنا تأدى مباشرة إلى أنها غير فانية. وهذا يعني أن قيمة النظرية تستند إلى فكرة "الجوهر" أقل مما تستند إلى فكرة البساطة. ويعرف صاحب "التعريفات" الجوهر بأنه ماهية إذا وُجدت في الأعيان كانت لا في موضع؛ وهو منحصر في خمسة: هيولى وصورة وجسم ونفس وعقل. والهيولى هي الجوهر القابل للاتصال والانفصال وللصورتين الجسمية والنوعية. والصورة الجسمية هي المدركة من الجسم في بادى النظر. والجسم هو الجوهر القابل للأبعاد الثلاثة، أو هو الجوهر الممتد (الجسم التعليمى). والنفس أو الروح الحيوانية هي جوهر لطيف حامل لقوة الحياة والحس والحركة الإرادية وهي متعلقة بالبدن. والعقل أو النفُس الناطقة جوهر مجرد عن المادة في ذاته، يتعلق بالبدن تعلق

التدبير والتصرف. وتمثل هذه التعريفاتُ وجهة نظر الفلاسفة. وللمتكلمين نظرية أخرى يستعملون فيها فكرة الجوهر البسيط استعمالا طريفًا. وأكثر ما يكون هؤلاء المتكلمون من أصحاب مذهب الجوهر الفرد؛ فالجوهر البسيط ليس عندهم غير الجوهر الفرد، وكذلك النفس التي هي جوهر بسيط يتمثلونها نوعًا من الجوهر الفرد، كأنها ذرة روحية (Monade) حقيقية والعلم قائم في الجوهر الفرد. ولم يشارك الإمامان فخر الدين الرازي والغزالى في مشكلة مذهب الجوهر الفرد؛ إلا أن النسفى مؤلف "العقائد" وشارحه التفتازانى، كانا من أصحاب هذا المذهب: فقد قال النسفى: "إن العالم بكل أجزائه مخلوق؛ وهو مركب من جواهر (يسميها هو أعيانًا) وأعراض. والجواهر هي ما يوجد منطقيًا بذاته. وهي إما مركبة كالجسم، وإما بسيطة كالجوهر، أي الجزء الذي لايتجزأ (الجوهر الفرد) ". ويبين التفتازانى ما لقبول مذهب الجوهر الفرد من فائدة في الدفاع عن العقيدة. وهذا يؤدى إلى رفض رأى الفلاسفة القائلين بأن العالم مؤلف من هيَولىَ وصورة، وهو رأى يَسْلم إلى الرأى القائل بعدم العالم وإنكَار الحشر. والواقع أن الهيولى يجب أن تكون قديمة؛ لأن كل مخلوق في هذا المذهب هو كذلك من حيث هو في هيولى سابقة، ومن حيث أن قدم الهيولى يؤدى إلى قدم الأجسام. ثم إن الفلاسفة يقررون أن الحركة الدائرية، وهي حركة الأفلاك السماوية، قديمة في المحل الذي لاتستطيع فيه الحركة المستقيمة أن تكون كذلك. أما إذا تقرر أن كل الأجسام، ومن بينها الأفلاك السماوية، مؤلفة من جواهر فردية، فعندئذ تكون الحركات الدائرية مؤلفة من نقلات مستقيمة الجواهر الفردية التي ليست قديمة. ولا يطلق علم التوحيد الإسلامي اسم "الجوهر" على الله، ولا فَعَل ذلك المتكلمون من القائلين بمذهب الجوهر الفرد، إذ أن هذه اللفظة تدل عندهم على الجوهر الفرد بصفة خاصة، وهو

جوهر الصقلى

الجوهر الذي يوجد في المكان، والذي هو قسم من الأجسام. وإذا تحدث الفلاسفة الخلص عما لايوجد في شيء آخر سابق في بادى النظر أو عما يقوم بذاته منطقيًا، فإنما يعنون بذلك "ماهَّية" شيء حادث معين، أما إذا نظرنا إلى هذا الشيء الحادث بصرف النظر عن وجوده، كان معنى هذا أنه يمكن أن يوجد ولا يوجد. وبعبارة أخرى يقال إن جواهر الأشياء ماهيات حادثة. ولاكذلك الله الذي وجوده عين ذاته. ويرى الأشعرى أن الله يخلق جواهر الأشياء التي يدوم وجودها بذاتها خلقًا متجددًا في كل لحظة؛ وإذا لم يجر الله العادَةَ عليها لحظة واحدة، زالت هي وأعراضها. المصادر: (1) الجرجانى: التعريفات، القاهرة سنة 1283 هـ، أو طبعة فلوكل ليبسك 1845. (2) النسفى: العقائد ومعه شرح التفتازانى (الآستانة 1313 هـ) ص 47، 52، 70. خورشيد [كارا ده فو Carra De Vaux] جوهر الصقلى قائد وحاكم، ومن مؤسسى الإمبراطورية الفاطمية في شمالي إفريقية ومصر. واسمه جَوْهَر بن عبد الله، ويقال أيضًا جوهر مع نسبتيه الصقلبى والصقلى أو الرومى والكاتب أو القائد. ويلقى لقباه الأولان بعض الضوء على أصله الغامض، أما اللقبان الآخران فيدلان على المنصبين الرفيعين الذين شغلهما. ولا نعرف تاريخ مولده، ولكننا نستطيع أن نخمن من تاريخ وفاته (20 ذو القعدة سنة 381 هـ / 28 إبريل سنة 991) أنه ولد في وقت ما أثناء العقد الأول من القرن الرابع الهجرى الموافق العاشر الميلادي. وكان في أوج نشاطه بين عامي 340 هـ (950 م) و 366 هـ (975). ونستطيع من سيرة نظيره جوذر التي نعرفها حق المعرفة بفضل ترجمته التي نشرت حديثًا، أن نستنتج أن جوهر كان عتيقًا للبيت الفاطمى من أصل صقلبى (الحسن بن محمد الوزان الزياتى = Leo Africanus، ترجمة Epaulard، ص 19، 503 = Esclavon, وانظر عن هذه

المسألة im Dienste: I. Hrbek Die Slaven Der Fatimiden في Aro، ج 21، سنة 1953، ص 560 - 571). وكان أبوه عبد الله في أغلب الظن رقيقًا، ولكن جوهر يظهر رجلا حرا من أول الأمر. وأول ما نسمع بجوهر أنه "غلام" وربما كان أيضًا كاتبا للخليفة الفاطمى الثالث المنصور. وفي سنة 347 هـ (958 م) أراد المعز أن يضع كل ما يملكه من قوة في مغامرة عسكرية للسيطرة على شمالي إفريقية بأسره واختار لقيادة هذه الحملة الهامة كاتبه جوهر، فأتاح له بذلك فرصة يثبت فيها أنه كان أكفأ قائد تيسر للفاطميين. وربما كانت حملة جوهر في المغربين الأوسط والأقصى أعظم ما حققه جيش إسلامي دويا منذ ما حققه عقبة بن نافع قبل ذلك بما يقرب من 284 سنة، إلا أنه بالرغم من الانتصارات التي حظى بها جوهر فإن هذه الانتصارات لم تكن حاسمة ولا كان لها أي أثر باق. ولم يكن ذلك بسبب أي خطأ وقع فيه جوهر، وإنما يرجع إلى صعوبة الأرض وإلى تفوق قوة العدو تفوقًا عظيما. وبالقرب من تاهرت وجد جوهر ألا محيص له من أن ينازل جيشًا كبيرًا من الزناتية أنصار الأهويين بقيادة يعلى بن محمد اليفرانى والى تاهرت وإفكن. ويقول ابن أبي زرع دون سواه، وهو أيضًا من طنجة، أن جوهر انتصر في هذا اليوم وقدر يعلى (سنة 347 هـ = 958)، ولم يسر جوهر إلى فاس والمعاقل الأموية الأخرى في هذا الإقليم، بل آثر أن يستخدم قواته الصغيرة في تحقيق مغانم أيسر وأسهل. فانقلب جنوبًا بشرق وفتح إمارة سجلماسة الصغيرة وأجبر أميرها محمد بن الفتح بن ميمون بن مردار على الفرار. وبعد ذلك بأيام وقع هذا الأمير الذي كان آخر المردارية في يد جوهر فقتله جوهر بلا رحمة. وقضى أكثر من عام في هذا الإقليم ينتظر الفرصة المواتية للتحرك شمالا. وفي الأيام الأخيرة من شعبان سنة 349 (أكتوبر سنة 960) شخص إلى فاس وضرب حولها الحصار. وفي العشرين من رمضان سنة 349 (13 نوفمبر سنة 960) اقتحم هذه

المدينة بفضل شجاعة زيرى بن مناد الصنهاجى الذي كان تحت قيادته. وأسر واليها الأموى أحمد بن أبي بكر الجذامى ومات هذا الوالى في السجن. وهذا النصر الكبير أخضع جميع المغرب الأقصى (فيما عدا طنجة وسبتة) لسلطان الفاطميين أمدا وجيزا، بل إن آخر الأدارسة؛ الحسن بن حنون الذي قنع بإمارة صغيرة حول مدينة البصرة في ظل الأمويين، قدم ولاءه للفاتح وأراد جوهر أن يقدم للمعز دليلا محسوسا على انتصاره فأرسل إليه بعض السمك الحى المصيد من المحيط الأطلسي في جرار ضخمة مملوءة بالماء. وعاد جوهر بعد بضعة أشهر ظافرًا إلى القيروان وفي ركابه أسرى وغنائم نفيسة. وقد فتحت هذه الانتصارات التي أحرزها جوهر عيون مولاه المعز فأدرك مواهبه. على أنه حدث سنة 358 هـ (968 - 969 م) أن عاد جوهر إلى تقدم الصفوف مرة أخرى قائدًا اختاره المعز لقيادة الحملة على مصر. وقد بلغ من ثقة المعز فيه إنه قال فيما روى عنه: "والله لو خرج جوهر هذا وحده لفتح مصر ولتدخلن إلى مصر بالأردية من غير حرب ولتنزلن في خرابات ابن طولون وتبنى مدينة تسمى القاهرة تقهر الدنيا" (الخطط، ج 1، ص 378) وأراد الخليفة المعز أن يسبغ على جوهر آيات الشرف فخلع عليه قبل رحيله جميع ثيابه الملكية ولباسه إلا خاتمه وملابسه الداخلية، وأمر كل الولاة في طريقهم إلى القاهرة أن يلقوه راجلين وأن يقبلوا يده. وقد رضي والى برقة أفلح الناشب أن يؤدى 100.000 دينار إذا أعفى من هذا الإذلال لكرامته، ولكن الخليفة أبي عليه ذلك. ولم تخب آمال المعز، ذلك أن جوهر استطاع في أربعة أشهر أن يحقق فتح مصر. فقد ترك القيروان في ربيع الثاني من سنة 358 هـ (فبراير سنة 969 م) وما وافى منتصف شعبان من السنة نفسها (1 يولية سنة 969) حتى كان قد سيطر على الفسطاط بعد قتال يسير قرب الجيزة وقع في 11 شعبان (30 يونية). وعرف جوهر كيف يستميل المصريين ويستحوذ على ثقتهم

في نظام الحكم الجديد بإعلان طويل ضخم قرئ على الناس وبإقامة جعفر ابن الفرات وزيرًا. على أنه احتاط فلم يسكن الفسطاط، بل قضى ليلته الأولى بعد انتصاره في معسكره إلى الشمال منها. وفي اليوم التالي وضع أساس القصبة الجديدة القاهرة التي قدر لها أن تكون أكبر المدائن الإسلامية بعد بغداد. وبعد ذلك بسنة (24 جمادى الأولى سنة 359 = 4 إبريل سنة 970) أقام المسجد الأزهر المشهور. أما وقد أقام جوهر في مصر الحكم الفاطمى، فإنه ظل دون سواه واليًا عليها أكثر من أربع سنوات. ولم يدخل المعز القاهرة إلا في 17 من المحرم سنة 364 (7 أكتوبر سنة 974)، ثم طرد جوهر بعد ذلك بقليل. وفي هذه السنوات الأربع أظهر جوهر مقدرة مشهودة وبعد نظر في توليه الحكم. فقد استطاع علاوة على اكتسابه محبة الناس أن ينظم مالية الدولة التي كانت في حالة اضطراب كامل في السنوات الأخيرة من عهد الأخشيديين. وكان من المعروف أن مصر كانت منذ أيام معاوية تدر دخلًا حوالي أربعة ملايين دينار إذا أحسن حكمها، فرفع جوهر دخلها إلى 3.400.000 دينار في السنة الأولى من ولايته لها، وكان هذا الدخل أكبر دخل حققته مصر في العهد الفاطمى، واستطاع الوزير القدير اليازورى بعد ذلك بخمسة وثمانين عامًا أن يحقق دخلًا قدره 800.000 دينار فحسب. وكان جوهر أكثر ثقة بالمغاربة الذين قدموا معه منه بالمصريين، فولاهم جميع المناصب الهامة تقريبًا، ولعله كان يتبع في ذلك أوامر المعز. ونجد جوهر- إلى جانب ما فعله في حكم هذه الولاية الجديدة- قد واجه خطر القرامطة المحيق، ذلك أن هؤلاء استطاعوا في ذي الحجة من سنة 358 (سبتمبر سنة 969) أن يهزموا ويأسروا نائبه على دمشق جعفر بن الفلاح الذي كان قد وكل إليه فتح فلسطين والشام، وتمكن جوهر في قتاله القرامطة وحلفائهم، من أن يضم الحجاز إلى حكم الفاطميين. وما وافى عام 366 هـ (976) حتى كانت لهم الخطبة في مكة والمدينة.

ونحن لا نعود نسمع شيئًا عن جوهر بعد سنة 368 هـ (976 م) حتى وفاته في 20 ذي القعدة سنة 381 (30 أبريل سنة 922). ويقال إنه قضى هذه الأيام الراكدة من حياته بين سنتى 368 و 381، عمال التقوى والبر. وقد قتل ابنه الحسين القائد الأعلى للخليفة الحاكم، نتيجة لمؤامرات اشترك فيها ضد الخليفة. المصادر: (1) نعمان (أبو حنيفة بن محمد الغربي): المجالس والمساير ات (مخطوط في دار الكتب المصرية، القاهرة رقم 2606). (2) ابن حمَّاد (محمد بن علي: أخبار ملوك بن عبيد، طبعة - Von derheyden, الجزائر- باريس سنة 1927، ص 40 - 49). (3) ابن خلكان، طبعة القاهرة سنة 1948، الترجمة رقم 130، 141، 698. (4) ابن أبي زرع: القرطاس، طبعة تورنبرغ، أيسالا- باريس سنة 1843، ص 27 - 63 (ترجمة Beaumier ص 49، 122). (5) ابن الأثير، ج 8، في مواضع مختلفة، ج 9، ص 64 (ترجمة فانيان في مواضع مختلفة). (6) البكرى: Afrique 'Description de L septentrionale، مادة سجلماسة. (7) كتاب مفاخر البربر، طبعة ليفى بروفنسال، الرباط سنة 1934، ص 4 - 5. (9) يحيى بن سعيد الأنطاكى، صلة كتاب أفتيبشيش (يوتيخوس)، بيروت سنة 1909، ج 1، ص 192. (10) ابن دقماق: الانتصار، القاهرة سنة 1893، ج 4، ص 10 وما بعدها. (11) منصور الكاتب: سيرة الأستاذ جوذر، طبعة محمد كامل حسين ولمجد الهادي شعيرة، القاهرة سنة 1954، الفهرس (ترجمة M. Ca- Vie de l'Ustfdh Jauhar: nard، الجزائر سنة 1958). (12) ابن عذارى، ج 1، ص 191 وما بعدها.

الجوهرى

(13) المقريزى: الخطط، طبعة بولاق سنة 1270 هـ، ج 1، ص 350 وما بعدها. (14) الكاتب نفسه: إتعاظ الحنفاء، طبعة جمال الدين الشيال، القاهرة سنة 1947، ص 64 - 87. (15) الناصرى: الاستقصاء، الدار البيضاء سنة 1954، ج 1، ص 198 - 206. (16) حسن إبراهيم حسن: تاريخ الدولة الفاطمية، القاهرة سنة 1958، الفهرس. (17) Quatremere: Vie du Khalife Moezs-li-din-Allah Fatimide في Jour. As سنة 1836. (18) The story of: S. Lane-poole Cairo، لندن سنة 1912، ص 119 - 120. (19) Berberie mu-: G. Marcais sulmane، باريس سنة 1946، ص 153 - 156. (20) على إبراهيم حسن: تاريخ جوهر الصقلى، القاهرة سنة 1933. (21) حسن إبراهيم حسن وطه أحمد شرف: المعز لدين الله، القاهرة سنة 1367 هـ = 1948 م. خورشيد [د. حسين مؤنس H. Moens] الجوهرى أبو النصر إسماعيل (بني نصر؟ ) بن حماد من مشاهير أصحاب المعاجم اللغوية، وهو من أصل تركى، ولد في ناحية أو مدينة فاراب شرقي نهر سيحون وكانت تعرف في زمن أبي الفداء وياقوت بأترار أو أطرار. وتلقى الجوهرى العلم في مسقط رأسه على خاله أبي إبراهيم إسحاق الفارابى مؤلف "ديوان الأدب" ثم رحل إلى بغداد وحضر فيها دروس أبي سعيد الحسن بن عبد الله بن المرزبان السيرافى وأبي على الحسن بن أحمد ابن عبد الغفار الفارسى. وقد ارتحل إلى الجزيرة والشام بل إلى الحجاز ليتعمق في دراسة العربية، وعنى عناية خاصة بلغة ربيعة ومضر. ثم قفل إلى المشرق وأمضى مدة من الزمن في

دمغان (أو دامغان) وهي بلدة صغيرة على الطريق من الري (بالقرب من طهران) إلى نيسابور مع أبي على الحسن بن علي، ودرس الصحاح معه. ثم تابع رحلته مشرقًا ولكنه توقف ثانية في قصبة خراسان حيث أخذ يدرس اللغة العربية والنحو، والخط بصفة خاصة. ويقال أنه كان ماهرًا في الخط حتى أنه لا يكاد يفرق بين خطه وخط ابن مقلة الشهير. وكانت نسخة القرآن من خطه تساوى مائة دينار. وتوفى الجوهرى في نيسابور. ويختلف الناس في ذكر وفاته إذ يذكرون عام 393 هـ (1003 م) و 398 هـ (1007 - 1008 م) وحوالى عام 400 هـ (1009 - 1010 م) ولا يمكن الأخذ بالقول الأول لأن ياقوت يذكر أنه رأى نسخة من الصحاح بخط الجوهرى تاريخها 396 هـ , على أن هذا الدليل يفقد شأنه إذا ما قرأنا أن الجوهرى قد توفى بعد أن بلغ حرف الضاد فقط في النسخة الأخيرة من الصحاح، وأن الذي أكمل هذا الكتاب هو أحد تلاميذه مستعينًا في ذلك بمسودات المؤلف. وهذا التلميذ أما أن يكون إبراهيم بن سهل (صالح في رواية أخرى) الوراق أو الأستاذ أبو منصور عبد الرحيم (أو عبد الرحمن) بن محمد البيكشى؛ ويقال إن الجوهرى صنَّف الصحاح من أجله. ومن تلاميذه: إسماعيل بن محمد بن عبدوس الدهان النيسابورى، وأبو سهل محمد بن علي بن محمد الهروى وغيرهما. وكان الجوهرى يتذوق الشعر أيضًا بعض التذوق، وقد أورد كل من الثعالبى وياقوت شواهد من شعره. والجوهرى صنف صاحب التواليف التالية: (1) رسالة في النحو باسم المقدمة، ويظهر أنها فقدت. (2) عروض الورقة، وهي رسالة في العروض لم ينهج فيها نهج الخليل بن أحمد الفراهيدى، وإنما عرفت هذه الرسالة من فقرات أوردها بعض من كتب في العروض. (3) تاج اللغة وصحاح العربية بكسر الصاد وفتحها، وهو معجم كبير

رتبت أصول الكلمات فيه على حروف الهجاء بحسب الحرف الأخير، ورتبت الأصول التي تنتهي بحرف واحد بحسب الحرف الأول والثاني. ويعد الصحاح أصح من قاموس الفيروز آبادى على الرغم من بعض الهنات التي وقع فيها صاحبه. وقد نشر في تبريز عام 1280 هـ (طبع على الحجر طبعة مشكولة) وفي بولاق عام 1282 ثم عام 1292 هـ عن نسخة إسماعيل بن محمد بن عبدوس الدهان النيسابورى وعلى هامش كتاب "الوشاح وتثقيف الرماح في رد توهيم الصحاح" لعبد الرحمن بن عبد العزيز. المصادر: (1) نصر الهورينى: مقدمة طبعة بولاق عام 1292 هـ لقاموس الصحاح. (2) Van Dyck: اكتفاء القنوع بما هو مطبوع، القاهرة سنة 1897 ص 322. (3) أبو الفداء: تاريخ، الأستانة عام 1286 هـ، ج 2، ص 145. (4) السيوطي: بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة، القاهرة سنة 1326 هـ، ص 195. (5) الديار بكرى: تاريخ الخميس في أنفس نفيس، القاهرة سنة 1283 هـ، ج 2، ص 356. (7) الثعالبى: يتيمة الدهر في شعراء العصر، دمشق سنة 1302 هـ ج 4، ص 289. (7) ياقوت الرومى: إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب طبعة مركوليوث في مجموعة كب التذكارية، ليدن سنة 1909، ج 3، ص 266. (8) أبو البركات عبد الرحمن بن محمد الأنبارى: نزهة الألباء في طبقات الأدباء القاهرة سنة 1249 هـ، ص 418. (9) Gesch. der. Arab.: Brockclmann Liuer فيمار سنة 1898، ج 1، . ص 128. (10) Litierature Arabe.: Cl. Huart. (11) الكاتب نفسه: Les Calligraphes et les Miniaturistes de L'orient Musulman باريس سنة 1908، ص 78. [محمد بن شنب]

+ الجوهرى: أبو نصر إسماعيل (ابن نصر؟ ) بن حمَّاد: فقيه لغوى ذائع الصيت من أصل تركى، ولد في مدينة فاراب، أو ولايتها، ومن ثم نسبته الفارابى، وتقوم هذه المدينة شرقي نهر سيحون، وقد سميت فاراب من بعد أترار أو أطرار. ولا نعرف تاريخ مولده. أما تاريخ وفاته فإن معظم المصادر تجعله سنة 393 هـ (1002 - 1003 م) أوسنة 398 هـ (1007 - 1008 م) على حين يذكر آخرون سنة 397 هـ (1006 - 1007 م) أو حوالي سنة 400 هـ (1009 - 1010 م). على أن رواية ياقوت التي تذكر أنه شاهد نسخة من صحاح الجوهرى بخطه تاريخها سنة 396 هـ تجعل التاريخ الأول (بل التواريخ المتقدمة، انظر - Ro senthal) موضع الشك. وقد بدأ الجوهرى دراساته في وطنه على خاله أبي إبراهيم إسحاق بن إبراهيم الفارابى (بر وكلمان، ج 1، ص 133؛ قسم 1، ص 195) صاحب "ديوان الأدب" وهو معجم عربي كان له أثره الكبير في معجم الجوهرى الصحاح. وشخص الجوهرى إلى بغداد لإتمام تعليمه، وفيها حضر دروس أبي سعيد السيرافى وأبي على الفارسى (بروكلمان، ج 1، ص 116؛ قسم 1، ص 175) ثم ارتحل إلى منازل القبيلتين البدويتين مضر وربيعة (والراجح أن ذلك كان في الشام والعراق) بل إلى الحجاز ونجد (انظر مثلًا الصحاح، مادة ن ح س) ونرى من ذلك أنه جرى على عادة سنة فقهاء اللغة الأولين الذين ألفوا أن يقوموا بدراسات لغوية بين عرب الصحراء، والظاهر أنه كان آخر لغوى مشهور لزم هذه السنة. وقضى الجوهرى جانبا كبيرًا من حياته في الرحلة ثم عاد إلى المشرق، وقضى بعض الوقت في دامغان مع الكاتب أبي على الحسن (ويقال الحسين) بن علي ثم استقر في نيسابور حيث كان يكسب معاشه بالتدريس ونسخ الكتب، وخاصة القرآن، كما صرف همه أيضًا إلى النشاط الأدبى. وكان خطه الجميل موضع الثناء الجم حتى لقد رفع في ذلك إلى مستوى ابن مقلة المشهور. وتوفى في نيسابور.

وللجوهري علاوة على بعض الأشعار التي حفظ جزء منها في مخطوط ببرلين (Ahlwardt , رقم 7589، 9) أو استشهد به الكتاب المتأخرون مثل الثعالبي وياقوت "مقدمة في النحو" ورسالة في العروض اسمها "عروض الورقة"، والظاهر أن هذين الأثرين فقدا. وقد تبين ابن رشيق امتيازه في ميدان الأوزان الشعرية، وهو يختلف فيها من بعض الوجوه عن المنهج الذى وضعه الخليل. وتقوم شهرة الجوهري على قاموسه "تاج اللغة وصحاح العربية" الذى عرف عامة باسم الصحاح (والصَحَاح أيضًا صواب) الذى يعد معلمًا في طريق تطور فقه اللغة العربية. وظل هذا المعجم قرونًا أوسع معجم عربي استعمالًا حتى حل محله في الأزمنة الأحداث قاموس الفيروزآبادى. وزيادة على الأقوال الصريحة التى وردت في المصادر، فإن أهمية معجم الجوهري قد ثبتت بما حدث في القرون التالية لظهوره من قيام حشد ضخم من الكتب في فقه اللغة وصف بعضه كولدتسيهر وبين خصائصه. وقد اختصر الصحاح، وأعيد ترتيبه، وزيد فيه، وترجم إلى اللغتين التركية والفارسية. وقد مزجت محتوياته هى ومحتويات القواميس الأخرى في كتب جديدة في فقه اللغة، والآيات والأحاديث التى نقلت فيه لتكون شواهد جمعت في رسائل خاصة. وقد بدأ زين الدين المغربي (ياقوت، طبعة ماركوليوث، جـ 7، ص 292) في نظمه. وقد ألف عددًا كبيرًا من الكتب في نقد مثالبه. على أن عدة كتّاب قد جعلوا موضوع كتبهم الدفاع عن الجوهري من هجمات ناقدية. والصحاح - كما يدل عليه العنوان - لا يشمل إلا المعلومات اللغوية الموثوق بها، ووثاقتها في رأي فقه اللغة العربية عند أهلها، تقوم على سلسلة من الروايات المعول عليها (انظر السيوطي: المزهر، جـ 1، ص 58)، ومن ثم فإن هذا المبلغ من الوثاقة ينسب إلى الصحاح في فقه اللغة كما ينسب إلى صحيحي البخاري ومسلم في الحديث على أن

الحادث في الحالين هو أن المبادئ المقررة التى اتخذت لا تؤدي إلى الصحة المطلقة، واكتشفت عدة أخطاء في الصحاح ولو أن هذا المعجم في جملته قد عده الناس مصدرًا يعول عليه أعظم التعويل. ويقول الجوهري في مقدمته القصيرة للمعجم أنه رتب مادته وفقًا لخطة جديدة كل الجدة. على أن ابتكاراته في جوهرها عبارة عن مجموعة من المبادئ المختلفة اتبعها أسلافه. وترتيب أصول الكلمات حسب الحرف الأخير منها، وهي الطريقة التي اتبعها - أسوة بالصحاح - خيرة من نعرف من فقهاء اللغة المتأخرين قد استحدثها شيخ الجوهري وخاله الفارابي في كتابه "ديوان الأدب". واستعمال الترتيب الشائع في الأبجد العربى تمييزًا له من الترتيب الصوتي الذى اتبعه الخليل، وهو ما اتبعه عدد من أسلاف الجوهري ومن جاءوا بعده، كان شائعًا قبل الصحاح. أما مبدأ الوثاقة كما يفهمه فقهاء اللغة العربية، فإن معاصر الجوهري الأسن منه وهو ابن فارس كان قد وضع المثال له في كتابه "المجمل". وقد فسر استعمال الجوهري للحرف الأخير أساسًا أول لترتيب صحيحه بأن غرض الجوهري منه كان مساعدة الشعراء على التماس الكلمات التى يستعملونها في قافية شعرهم. على أن فقه اللغة السنسكريتية الذى أثر فيما يظهر على فقه اللغة العربية من بعض الوجوه، قد استعمل في الحين بعد الحين هذا المبدأ، ولو أن الشعر السنسكريتي ليس له قافية. وبحلول زمن الجوهري كان البحث اللغوي المستقل قد انتهى، ومن ثم فإن الصحاح يضم في جوهره خلاصة استقاها من كتب فقه اللغة الأولى ويأتي في المقام الأول منها "ديوان الأدب" (انظر KrenKow)، على حين أن الجديد الذى أتى به الجوهري طفيف، وقد امتلأ الصحاح بالمناقشات النحوية، ولذلك فإنه أكسب صاحبه شهرة هي أنه الخبير البارز في النحو بين فقهاء اللغة، ويروى أن الجوهري صنف معجمه للأستاذ أبي منصور عبد الرحيم

(ويقال عبد الرحمن) بن محمد البيشكي الذى كان وثيق الصلة به في نيسابور (ياقوت: معجم البلدان، مادة بيشك) وقد أسهم إسهامًا كبيرًا في نشر الصحاح تلميذ صاحبه إسماعيل بن عبدوس الدهان النيسابوري، والفقيه اللغوي المصري أبو سهل محمد بن علي ابن محمد الهروي، ثم من بعدهما الخطاط الذائع الصيت ياقوت الموصلي. وقد نبه فقهاء لغة متأخرون كثيرًا إلى اختلاف الروايات في مخطوطات الصحيح. وجاء في رواية لم يشك فيها الدارسون الغربيون أبدًا أن الجوهري لم يعش حتى يعد نسخة سليمة من معجمه، وإنه إنما بلغ فيه إلى منتصف حرف الضاد، في حين أكمل الباقي من مسوداته تلميذه إبراهيم بن سهل (ويقال "صالح" الوراق). وهذه الحقيقة هي في رأى الرواية السبب في وقوع كثير من الأخطاء التي كشفها الدارسون المتأخرون في الصحاح، ومع ذلك قد تكون هذه الرواية محض اختراع، والراجح أنها وضعت لتعزز ما اشتهر به الجوهري من حجية لا يعتورها الخطأ. وقد تحدث من قبل ياقوت عن هذه الشكوك في حجية الصحاح، بل جهر بها صراحة حاجي خليفة، لوجود نسخ بخطه للمعجم كله قد بلغ إليها. علمه أو عرفت بطريق آخر، ذلك أن بعض الروايات تقول إن المعجم قد انتهى إلى الناس عن طريق الجوهري نفسه، زد على ذلك أن الأخطاء لم توجد فحسب في الجزء الأخير من الصحاح بل وجدت أيضًا في الجزء الأول الذي يعترف الجميع بأن الجوهري قد حرره بنفسه. وثمة رواية مثل هذه لعلها نشأت من النزعة نفسها، عن حجية "كتاب العين" للخليل بن أحمد. ومعجم الصحاح ميسور في نسخة فارسية طبعت على الحجر سنة 1270 هـ, وفي طبعتين ببولاق (سنة 1282 و 1292 هـ)، ومازلنا ننتظر صدور نسخة تقوم على النقد والتمحيص. وثمة نسخة أوربية قام بها شيديوس E. Scheidius لم تصدر منها إلا الكراسة الأولى (سنة 1776، ص 179؛ انظر Zenker: .Or .Bibl، جـ 1،

ليبسك سنة 1846، ص 5). أما النسخة التركية لوان قولى فهي أول كتاب صدر عن "مطبعة متفرقة" في إستانبول سنة 1141 هـ (1729 م). المصادر: (1) أبو الفداء: تاريخ، سنة 398 هـ (2) Brockelmann، جـ 1، ص 133؛ قسم 1، ص 196، 943 قسم 3، ص 1196. (3) الكاتب نفسه: . Gawhari u.d. Anordnung d. arab Alphabets Zeitschr, .der Deutsch. Morg. Gesells, جـ 19، سنة 1915 , ص 383. (4) محمد جواد: فوائد لغوية في لغة العرب، جـ 8، سنة 1930، ص 48 وما بعدها. (5) Schulen: Fluegel .Gramm ص 227، 253. (6) Beitr. z. Gesch d.: Goldziher Sprachgelehsamkeit b. d. Arabern II SBAK. wien جـ 72، سنة 1872, ص 587 وما بعدها. (7) miniaturistes Huart: Les calligraphes et Les، ص 78, 832, 119. (8) حاجي خليفة، جـ 2، ص 1071 وما بعدها. (9) الكاتب نفسه، طبعة فلوكل، جـ 4, ص 91 وما بعدها، وفي مواضع مختلفة (انظر الفهرس، جـ 7، ص 1184، رقم 6859). (10) ابن الأنباري: النزهة، القاهرة سنة 1294 هـ، ص 418 وما بعدها. (11) جمعية إحياء مآثر علماء العرب، القاهرة ص 227 وما بعدها. (12) ابن العماد: شذرات، سنة 393. (13) ابن القفطي: إنباه الرواه، جـ 1، ص 194 وما بعدها. (14) ابن رشيق: العمدة، القاهرة سنة 1934، جـ 1، ص 114. (15) ابن تغرى بردى: النجوم الزاهرة، حوادث سنة 393 هـ. (16) The Beginings of: Krenkow Cent. Suppl. to Arabic Lexicography the J.R.A.S .. سنة 1924، ص 269.

جيزان

(17) Lane: Perface، ص 14، 16. (18) نصر الهوريني: المقدمة، في أول نسخة الصحاح، بولاق سنة 1292 هـ. (19) The technique: F. Rosenthal and approach of muslim Scholarsh، ص 21. (20) Introduction to the His -: Sarton tory of Science, جـ 1، ص 652, 654، 689. (21) السيوطي: البغية، ص 195. (22) السيوطي: المزهر، القاهرة الفهرس. (23) طاشكبرى زاده: مفتاح السعادة، جـ 1، ص 100 وما بعدها. (24) الثعالبي: يتيمة الدهر، جـ 4، ص 289. (25). Grundriss u System d.: G. Weil altar Mehren (26) ياقوت: إرشاد الأريب، طبعة ماركوليوث جـ 2، ص 226 وما بعدها، 356؛ جـ 5، ص 107؛ جـ 6، ص 419؛ جـ 7، ص 268؛ طبعة القاهرة جـ 6، ص 63، 151 وما بعدها؛ جـ 7، ص 40؛ جـ 12، ص 280؛ جـ 18، ص 34؛ جـ 19، ص 313. (27) عبد الله درويش: المعاجم العربية، القاهرة سنة 1956، ص 91 وما بعدها. خورشيد [كوبف L. Kopf] جيزان اسم واد وثغر ومقاطعة على البحر الأحمر في جنوبي غرب العربية السعودية، والصيغة القديمة "جازان" لا تزال تستعمل كثيرًا وخاصة على يد الكتاب المنتمين إلى هذه المقاطعة نفسها. وثمة روايات مختلفة في نطق جيزان هى: جى بين الفتحة والكسرة، وجى، وجو، وقلما يقال زى بين الفتحة والكسرة (بين قبيلة المسَارِحَة) أما الصيغة قيزان التي ترد في كثير من الخرائط، فباطلة. ويقال إنها جمع قَوْز (تل رملي) على حين أن الجمع فعلا هو أقواز.

والظاهر أن الاسم ينتمى في الأصل إلى الوادي الذي ينبع من جبل رازِح ومنازل خوَلان في اليمن ويسير جنوبى جبل العُرَ ثم ينثنى جنوبا بغرب ليصب في البحر الأحمر عند الثغر الحديث (على خط عرض 16 ْ 53 َ شمالا وخط 42 ْ 33 َ شرقًا). وقد ذكر العُقَيْلي (جـ 1، ص 33 - 35) ثبتا مفصلا بفروع هذا الوادي هي وأسماء 13 سدًا صغيرًا (عَقْم وجمعها عَقوم). وتبلغ السيول بمائها الضخم 500.000 جالون في الثانية وترتفع أمواجها إلى نيف وعشرة أمتار فتجعل مشارف الوادي السفلى من أكثر المناطق الزراعية إنتاجًا في جزيرة العرب، ولكن ليس ثمة سيطرة سليمة على الفيضان، ويذهب الكثير من الماء بددًا. والمحصولان الرئيسيان هما الذرة والدُخن والسمسم؛ وثمة حبوب أخرى تنمو وقطن ونيلة أيضًا. والتربة خصبة حتى أنها لا تحتاج إلى سماد، ويمكن أن تزرع أربع زرعات في السنة، وفي سنة 1380 هـ (1961 م) كانت حكومة العربية السعودية تقوم بمعونة فنية ومالية من الأمم المتحدة، بمشروع إقامة سد كبير على الوادي يجدد شبكة الرى ويقيم طرقًا جيدة تربط الثغر بالأرض المناوحة للساحل وراءه. وثمة قناتان عرفت إحداهما بالأبواب اللؤلؤية. تؤديان من البحر العريض مارة بساحل فَرسَان الى ثغر جيزان، ويعترض مشارف الثغر ضحاضح؛ ولا مناص للسفن الكبيرة من أن ترسو على مسيرة ميل أو أكثر من الثغر. ويقوم مرسى للمراكب الشراعية داخل الشعب. وقد شيدت المدينة بجوار التلال وأعلاها يرتفع إلى حوالي 60 مترًا. والراجح أن هذه التلال كانت في الأصل قبابًا من الملح وهي مغطاة بالقلاع. ولا يوجد في هذا الجوار مرتفعات أخرى، والجانب البرى من المدينة تحيطه سبخة مستوية. وتسود هناك الأكواخ المستديرة من العشب ذوات السقف المخروطي على النمط الأفريقي، ولكن يوجد أيضًا عدد من البيوت المبنية هي وفندق جديد ومستشفى ودار للحكومة ومدرسة وكلها ذات طابع حديث. وجو جيزان عسير ترتفع فيه درجات الحرارة ارتفاعًا كبيرًا جدًا وتسود الرطوبة والعواصف الرملية

الضارية صيفًا، والمياه قليلة، والعيون العذبة الوحيدة على مسافة من المدينة. وتنتاب الملاريا كثيرًا من السكان إبان الأمطار الموسمية. وصيد اللؤلؤ كان من الحرف التي اشتهرت بها جيزان شهرة خاصة. وفي أرباض المدينة منجم ملح يستغل اقتصاديًا. والجانب المكشوف من الملح سمكه حوالي خمسة أمتار. وتشمل ولاية جيزان، وتسمى أحيانًا تهامة عسير، علاوة على الأسافل، جبالًا غربى المقسم القارى وعلى قنتها تقوم أبها. ومن جبال جيزان: جبال القَهْر، وهَروب، والرَيْث، وبنو مالك، وفَيْفَى، وكلها على مسيرة خمسين كيلو مترًا أو أكثر من الساحل، وثغر القحمة الذي يعزله عن بقية الولاية حقل من الحمم نجد أن جاره الشُقَيْق وجزائر فَرسان هما المكانان الوحيدان في الولاية اللذان ينمو فيهما النخيل، أما في غير ذلك من الأماكن فإن شجر الدوم يزدهر. وتصدر بعض الماشية والوافرة بانتظام إلى الحجاز. أما مراعى البدو فتسمى "ميَرْ". وكانت أهم قبائل الإقليم في صدر الإسلام هما حكم بن سعد العشيرة من كهلان العرب الجنوبيين، ومعهم بنو عبد الجَد وهي الأسرة الحاكمة هناك. وكاانت قصبة القبيلة هى الخَصوف، والظاهر ان موقعها لم يعد يعرف، وكان ثغرها "الشَرْجَة" وتقوم أطلاله بالقرب من المَوسَمَ شمال حد اليمن الحالي مباشرة. وكانت القبائل الأخرى التي تنزل الأسافل هي ": كنانة، والأزد، وخوْلان. ويذهب أناس إلى أن غسان كانت تعيش في يوم من الأيام في هذا الجزء من جزيرة العرب. وثمة ثبت واف بالقبائل الحديثة زودنا به العقيلي (جـ 1، ص 83 - 93) يشمل اثنتى عشرة قبيلة في الوادى الأسفل ومقرها في ثغر جيزان، و 17 قبيلة في الوادى الأعلى متمركزة في أبو عريش، ومن أهم القبائل المسارحة بالقرب من أبو عريش، والجعافرة على شاطئ صبيا وبنو شُعْبَة وقصبتهم الدرب (أو درب بنى شعبة التي ظهرت خطأ في خريطة دائرة المعارف الإسلامية، الطبعة الثانية، باسم درب

فحسب). وتضم الولاية حدا لغويا مشهورًا: ففي ثغر جيزان وأبو عريش وإلى الجنوب فإن الصيغة القديمة "أم" لدلالة على أداة التعريف لا تزال شائعة، في حين أن هذه الصيغة في صبيا وبيش وإلى الشمال تحل محلها أل. ويرد الاسم "جيزان" و"جازان" في حديث منسوب للنبي عليه الصلاة والسلام حيث ينوه بها مع ضَمدَ وهو اسم واد إلى الشمال منها مباشرة. وحين تذَكر جيزان عند الجغرافيين الأولين فإنها تشير إلى الوادى فحسب، وليس إلى المدينة. ويذهب العقيلي إلى أن التواريخ 373 - 393 هـ (حوالي 983 - 1003 م) هي التي حكم فيها سليمان ابن طَرْف (أو طَرَف) صاحب عَثّار (أو عثر) على شاطئ بيش، إلا أن هذه التواريخ ليست محققة. وربما كان الحسين بن سلامة المتوفى سنة 402 هـ (1011 - 1112 م) وهو الوزير الزيادي الذي أصلح طريق الحجيج إلى مكة، هو الذي حطم حكم سليمان ورد المخلاف السليماني إلى حكم الزيادية. ويسوق حسين الهمداني (ص 101 - 103) شاهدا جديدًا يدل على أن على ابن محمد الصليحى قلر سنة 459 هـ (1067 م) وليس سنة 473 هـ (1081 م)؛ فإذا كان هذا صحيحا، فإن انتصار على في معركة الزرائب لا يمكن أن يقع إلا سنة 460 هـ (1068 م)؛ ويرجع الهمداني (ص 83) ذلك إلى سنة 450 هـ (1058 م). وتاريخ قيام حكم الأشراف السليمانية في المخلاف غير محدد. فمصدر يذكر أن داود بن سليمان حفيد حفيد موسى الجون كان أول من هاجر من هذا الفرع من الحجاز إلى المخلاف في عهد الهادي يحيى الرَسِّى المتوفى سنة 298 هـ (910 م). على أن السليمانية فيما يظهر لم ينقلوا مركز سلطانهم إلى المخلاف إلا بعد أن هزم قائدهم حمزة بن وَهّاس آخر الأمر في مكة حوالى سنة 462 هـ (1070 م) على يد أبي هاشم محمد الهاشمي. وكثيرًا ما يطلق على السليمانية من غانم

وغيرها اسم الغانمية (الغوانم) وهو اسم يتميز بأنه يتحاشى أن يلتبس هؤلاء بسليمان بن طرف. وكان وهاس ابن غانم هو الغانمي الذي قتله في معركة بالقرب من حرَضَ عبد النبي بن على المهدى سنة 590 هـ (1164 م). وحدث في عهد الزيادية أن أخضع النجاحَّية والمهدية، هم فوريق من المخلاف إن لم يكن الإقليم كله، لسلطان زبيد الإسمي أو الفعلي. وزبيد كانت هي قصبة كل هذه الأسر الحاكمة، مثال ذلك أن سُرورا الذي كان الوزير والقوة المحركة وراء العرش النجاحي من حوالي سنة 529 - 551 هـ (1135 - 1156 م) استحوذ على المخلاف إقطاعًا له. والأئمة الزيدية الذين كانوا من آن إلى آن يحكمون كثيرا من صعدة في الهضاب التي تتجه في جوهرها نحو شرقي جيزان، كانوا يتدخلون في شئون المخلاف. وكان الغانمية في المخلاف على عهد الأيوبيين يسمون الشطوط ولم يرد لنا معنى هذا اللقب. وقد انتقض ابنان من أبناء قاسم بن غانم على التوالي على حكم الأيوبيين ولكنهما أخضعا. ويذكر الملك الأشرف عمر بن يوسف الرسولى المتوفى سنة 696 هـ (1296 م) في كتابه "تحفة الأصحاب" هاشمَ بن دهاس حفيد حفيد غانم بن يحيا على اعتبار أنه كان صاحب جيزان في زمانه. وكان غانمية آخرون أصحاب بيش وباغتة، على حين كان أعضاء فروع مقابلة، يحكمون في ضَمدَ الأسفل والأعلى وصبيا واللؤلؤة (الشُقيَقْ). وفي أوائل القرن التاسع الهجري (الخامس عشر الميلادي) ظهر فرع جديد من الغانمية وهم القطبية سلالة قطب الدين أبو بكر بن محمد الذي اختار درب النجا قصبة لهم، ولا تزال أطلالها تشاهد بالقرب من أبو عريش. وكان القطبية في العادة خاضعين لبنى رسول ثم للطاهرية من بعدهم وفى سنة 882 هـ (1477 م) أو سنة 884 أغار شريف مكة محمد بن بركات الأول على المخلاف وحمل معه كثيرًا من الغنائم من بينها كتب نفيسة. أما صلة أخى بركات الثاني ومنافسه أحمد جيزاني (أو الجيزاني المتوفى سنة

909 هـ - 1503 - 1504 م) بالمخلاف فغامضة. وربما كان قد عاش مع أقاربه الغانمية هناك مدة من الزمن وحصل على عونهم. ومن سلالته عبد الملك الجيزاني. وقد عرف بعض أحفاد الشريف الحسن بن محمد أبو نمى المتوفى سنة 1010 هـ (1601 م) باسم ذوى جيزان أيضًا. وزار فارثيما Varthema سنة 909 هـ (1503 م) جيزان ووجد 45 سفينة من بلاد مختلفة في الثغر. ويذكر المعلم الربان شهاب الدين أحمد بن ماجد الذي كان يكتب في أواخر القرن التاسع الهجري (الخامس عشر الميلادي) تعليمات لدخول ثغر جيزان. وهو يذكر المخلاف وثغر الشَرْجة. وابن ماجد، وهو الربان الثبت في هذا الجزء من البحر الأحمر، يذكر الربان المشهور عثمان الجازاني. وفى النصف الأول من القرن العاشر الهجري (السادس عشر الميلادي) هوجمت جيزان في ثلاث مناسبات مختلفة على يد قيس بن محمد الحِرامى صاحب حّلى ابن يعقوب. وفي سنة 946 هـ (1539 م) أقيم مدير عثمانى على المخلاف واتخذ مقره في أبو عريش وحوالى هذا الوقت كان الإقليم يحلله إلى حين الشريف محمد أبو نمى. وفى القرن الحادى عشر الهجري (السابع عشر الميلادي) نما سلطان الأئمة الزيدية. وفى سنة 1102 هـ (1690 م) أقيم أحمد بن غالب - الذي كان قد بسط سلطانه على مكة عدة سنوات بالرغم من أنه لم يكن ينتمى إلى أى عشيرة من عشائر الأشراف الرئيسية الثلاث (ذوى بركات، وذوى عبد الله، وذوى زيد) واليًا على المخلاف على يد إمام صنعاء الزيدى، وكان أحمد بن غالب قد لاذ بعطفه بعد طرده من مكة. وكذلك بدأ أول الجيزانية صاحب المخلاف أحمد ابن محمد سيرته العملية سنة 1141 هـ (1728 - 1729 م) واليًا عليه من قبل الزيدية وكان خيرات جد أحمد في عودته من مكة إلى أبو عريش قد أجرى عليه معاش من موارد ثغر جيزان رتبه له الإمام الزيدى المتوكل إسماعيل بن القاسم المتوفى سنة 1087 هـ (1676 م).

وفي منتصف القرن الثاني عشر الهجري (الثامن عشر الميلادي) توغلت قبيلة يام النجرانية في المخلاف في ظل شيوخها الجدد الدعاة المكرّمية الذين كانوا على مذهب الإسماعيلية. ووجد نيبور سنة 1176 هـ (1762 - 1763 م) الخيراتى الثاني محمد بن أحمد حاكمًا مستقلًا على إقليم أبو عريش المترامى الأطراف الذي كان يشمل ثغر جيزان. صحيح أن الوهابيين لم يكونوا بحال نشطين في البحر الأحمر، إلا أن سفنًا لهم دخلت ثغر جيزان سنة 1809 واستولوا على البن وغيره من السلع وبعد ذلك بحوالى عام استولى المجاهدون الوهابيون من قبيلة "رجال الْمعَ" على الثغر. وكان الشريف الجيزاني حمود أبو مسمار أداة في اعتقال قوات محمد علي باشا شيخ الهضبة الوهابى طامى بن شعيب الرُفَيْدى الذي كان يقرأ القرآن وهو يطاف به في شوارع القاهرة، وهو مشهد ذكره الجبرتى (جـ 4، ص 219 - 220). وزار كومب Combes وتامسييه Ta- misier جيزان سنة 1835 فلاحظا أن تجارة هذا الثغر قد اضمحلت كثيرًا نتيجة لما عمد إليه محمد على من أعمال الاحتكار. وكان نبات السنامكى والبن يحملان من الجبال إلى القاهرة. وكان أقوى الخيراتية الذي خلف حمودًا هو الحفيد الأكبر لابن أخيه الحسين بن على (حكم من سنة - 1840 إلى 1848 م) وهو الذي استولى على تهامة حتى بلغ جنوبًا إلى مخابل احتل تعزّ مدة من الزمن وغير ذلك من الأمكنة في جبال اليمن الأسفل. وهزمه في معركة من المعارك المتوكل محمد بن يحيا الزيدى فنزل الحسين عن العرش. وفى ظل الحكم التركى عمل ابنان من أبناء الحسين قائمقامين مددًا قصيرة في أبو عريش. وآخر الخيراتية، وهو ابن أخى الحسين بن على، انتقض على الأتراك وحكم مستقلًا حكمًا جائزًا مدة قصيرة. وقد ذكر اسمه العقيلي فقال إنه الحسين بن محمد، على حين يسميه كتاب "نيل الوطر" (جـ 1، ص 356) الحسن.

وحل محمد بن على الإدريسى محل الأتراك في المخلاف سنة 1909, وهزمهم مرتين بعد ذلك في الحفائر بالقرب من ثغر جيزان، ونقل الإدريسى قصبته من أبو عريش إلى صبيا. وقد نقلت القصبة في ظل السعودية العربية إلى ثغر جيزان. ووصف فلبى Philby الثغر والولاية في الأزمنة الحديثة أو في وصفه، وكان قد زارهما سنة 1936. المصادر: علاوة على ما ذكر في مادة عسير يجب أن نضيف ما يأتى: (1) أحمد بن ماجد في G. Ferrand: Instructions nautiques باريس سنة 1921 - 1923. (2) دَحلان: الجداول المرضية: القاهرة سنة 1306 هـ. (3) الجبرتى: عجائب الآثار، القاهرة سنة 1297 هـ. (4) عبد الله بن عبد الكريم الجِرافى: المقتطف من تاريخ اليمن، القاهرةَ سنة 1370 هـ. (5) حسين بن نصر الله الهمدانى: الصليحية، القاهرة من غير تاريخ. (6) الشوكانى: البدر الطالع، القاهرة سنة 1348 هـ. (7) محمد بن أحمد عيسى العقيلي: من تاريخ المخلاف السليمانى، جـ 1 (جـ 2 وهو في طريقه إلى الظهور) الرياض سنة 1378 هـ. (8) زبَارة: نشر العرف لنبلاء اليمن بعد الألف، القاهرة سنة 1359 هـ. (9) Voyage: E. Combes et Tamisier en Abyssinie، باريس سنة 1838. (10) Beschreibung von: G. Niebuhr Arabien، كوبنهاغن سنة 1772. (11) Les Vayages de: Ch. Schefer Ludovico di Varthemo، باريس سنة 1888. (12) Jemen im XI: F. Wuestenfeld XI(XVII) Jahrandert كوتنكن سنة 1884. (13) مقالات عدة في صحف العربية السعودية ومجلاتها، وخاصة اليمامة في الرياض، والمنهل في مكة. خورشيد [رنتز G. Rentz]

جيش

جيش وبالعربية الفصحى جَيْش (انظر Aram. Fremdworter: Fraenkel ص 258). لهذه الكلمة معنيان خاصان في الشمال الغربى من إفريقية: 1 - جيش والجمع جيوش: تدل هذه الكلمة في جنوب الجزائر ومراكش على الجماعة المسلحة التي تخرج لغزو، قافلة أو فرقة من الجند ويعرف الجيش باسم "حركة" إذا كانت عدته بضع مئات من الرجال. وتخرج الجيوش لعملها من شمال السودان أو وادى نهر النيجر عابرة الصحراء حتى جنوب الجزائر ومراكش. تتألف الجيوش أحيانًا من الطوارق، ولكنها تتألف على الأغلب من بربر المنحدرات الجنوبية لجبال أطلس المرتفعة. ويتجمع هؤلاء البربر على هضبة الميدر في وادى غرس. فإذا صح العزم على تأليف جيش، أقسم الطوارق الذين سيرتبطون بعضهم ببعض الأيمان قبل خروجهم للقتال. وجرت العادة بين أولاد جرير الذين ينزلون التخوم بين الجزائر ومراكش على أن يمتطى اثنان من المرابطين الخيل ويقف الواحد منهم قبال الآخر، ويجرى بين هذين الرجلين من رجال الدين الرجال الذين سيخرجون للغزو ممسكين أفرع الرَتْم، وهو نبات ينبت في الصحراء، يلقون بها في الهواء ويأخذ كل جيش معه شخصًا يجلب له الحظ. وجرت العادة بأن يكون ذلك الشخص أحد المرابطين أو المحاربين الذين ظفروا في كثير من مثل هذه الوقائع. ويسير رجال الجيش في سهول الصحراء أو في تلال الرملية صفًا على الطريقة الهندية حتى لا يستطيع العدو أن يحذر عددهم من آثار أقدامهم: وهم يقومون أيضًا بجميع الحيل وعندما يصلون إلى الموضع الذي اختاروه للكمين، يترصدون فيه للعدو: وهم يهجمون عادة ليلا أو في غبشة الفجر. ويكون هجومهم هذا مداهمة عنيفة ينهمر خلالها الرصاص تصحبه صرخات مدوية في حين ينهال الرصاص من بنادقهم ويحشد المهاجمون كل قواتهم للهجمة الأولى وتجمع الحيوانات الفزعة إلى كل جهة

ولا يستطاع كبحها. ثم تبدأ بعد ذلك المرحلة الثانية من القتال، وفيها يكون الشأن الأول لأمهر الفرسان من رجال الجيش، إذ يجلون خصومهم الذين فقدوا خيولهم إلى الصحراء يموتون فيها وكان جل غرض الفرنسيين من إنشاء الفرق من رجال الصحراء راكبى المهارى Meharistes Sahariens إخضاع هذه الجيوش. المصادر: (1) d'Alger Bull. Soc. Geog Une Razzia au Sahei: D. Albert في سنة 1900، ص 126 وما بعدها. (2) Six Mois Chez les: M. Benhazera Touaregs du Hoggar، الجزائر سنة 1908، ص 55 وما بعدها. (3) les confins: Bernard Augustin Algero - Marocains. باريس، سنة 1911 م، ص 95، 96. (4) Bull., Soc Nots: M. Bernard sur l'O. Gheris Geog. d'Oran في جـ 30، ص 373. (5) Le Mehariste sa -: Deschamps Bull. Soc. Geog. d'Oran في harien جـ 29، في مواضع مختلفة وخاصة ص 283 وما بعدها. (6) regs Alger d' Bull Soc. Geog Notes sur les Toua-: A. Durant . في سنة 1904، ص 691 وما بعدها ... الخ. 2 - جيش أوكيش كما في نطق أهل مراكش العربية: كان نوع من النظام الإقطاعى في الجيش المراكشى. تاريخه: يرجع تاريخ الجيش إلى بداية عهد الأسرة الحاكمة. وكانت أسر شمالى إفريقية على اختلافها قد وصلت قبل ذلك إلى السلطة بمساعدة جماعة الشعب التي كان هواها السياسى والدينى مع هذه الأسر ولم تكن الثورات سببًا في القضاء على هذه الأسر الحاكمة فحسب بل إنها أجبرتها على امتشاق السيف للاحتفاظ بسلطانها وإراقة دمائها في وقائع لا حصر لها وقد انقرضت الأسر الكبيرة والقبائل والعشائر التي وفدت في صحبة أول حاكم. ولجأ السلاطين إلى اتخاذ بطانة من المرتزقة الأجانب الذين لا تربطهم أية صلة بمنطقة أطلس خوفا من أن يصبحوا عالة على العشائر

البربرية التي لا يعتمد على وفائها في تدعيم أسرة من الحكام لم يقيموها هم أنفسهم، وقامت الأسر القديمة بشمالى إفريقية بتجنيد النصارى والكرد والفرس والزنوج. وعمد بنو وطّاس إلى طرد الحراس من الكرد والنصارى والزنوج وإحلال العرب وحدهم مكانهم (الشرطة). وكان جل هؤلاء العرب من العناصر التي استحضرها إلى مراكش الغربية يعقوب المنصور الوالى الموحدى. (دوى حسن، شبانة، الخلط وغيرهم) أو من معاقل العرب في بلاد تلمسان (سويد، بنو عامر، صبائح، رياح وغيرهم). وقد عسكر عرب المعاقل هؤلاء في ضواحى فاس وتألفت منهم فرق الشراقة. وقد اضطر والى فاس أمام هجمات النصارى في القرن الخامس عشر إلى وضع حاميات في المعاقل الساحلية، وأطلق على هذه الحاميات اسم "مخزن" (ومعنى مخزن الحامية تقام في المدينة) وسرعان ما دخلت هذه الحاميات في النظام الإقطاعى الشامل في مراكش. ثم سقطت هذه الحاميات أمام هجمات النصارى برتغالًا وأسبانا، وأمام فتن البربر وفق حاميات المعاقل الجديدة التي أنشأها أشراف السوس السعديين (1545)، وعندما أصبح السعديون حكامًا لمملكة فاس أسكنوا عرب جيشهم في حاميات فاس، وأطلقوا عليهم اسم أهل السوس، وسرعان ما نقلوا بعد ذلك إلى حصون الغرب ليقفوا في وجه عرب الخلط الذين كان منهم جيش المرينيين. وأدمج السعديون بقايا جيش بنى وطاس (شبانة، زرارة، أولاد متعة وأولاد جرار) في جيشهم وأسكنوه معسكرات تادلة ومراكش. وتم كذلك تجنيد الشراقة وظلوا في معسكر بالقرب من فاس، وبذلك تكوّن جيش السعديين وكان هذا الجيش يتألف، كما كانت الحال أيام بنى وطاس، من معسكرات من رجال الحاميات كانوا يجودون بالروح بإشارة من واليهم. وكانوا يعيشون على ضياع هى ضرب من الإقطاع معفى من المال. وينتخب عمال الدولة من بين صفوفهم. وتأثر بلاط السعديين بالترك الذين يعيشون في البلاد المجاورة. ورغب الأشراف في أن يكون لهم إلى جانب

الجيش كتائب أخرى مدربة على النمط الأوربى على أيدى مدربين من الترك ولم يكن لنواة هذه الكتائب، وهى تتألف من عرب الأندلس ومن المرتدين ومن زنوج السودان على الأغلب، قيمة حقيقية في عهد السلطان أحمد الذهبى (المنصور) وبينما كانت الأسرة الحاكمة آخذة في التفكك بسبب الفتن التي شبت بين المتنازعين على العرش، رغب السلطان عبد اللَّه بن شيخ في أن تكون له فرقة من الجند المخلصين يعتمد عليها تمام الاعتماد، فأقطع الشراقة معظم الأرض التي كانت في حوزتهم من قبل. واعتلى مولاى الرشيد العرش عام 1665 بمعونة عرب وبربر من أهل وجدة وأسس أسرة الأشراف العلوية التي لا تزال باقية. ثم أدمج بطانته في شراقة فاس. وخلفه على العرش مولاى إسماعيل أعظم حكام مراكش، وهو الذي أكسب الجيش تلك الصفات التي احتفظ بها إلى اليوم وأمه من قبيلة مجفرة العربية وهى بطن من أداية وقد استدعى هذه القبيلة من الطرف الآخر من بلاد السوس، وأسكنها بالقرب من بلاد الشراقة في فاس بوصفهم من قبائل المخزن، وأعاد تنظيم فرقة العبيد التي استخرج أفرادها مستعينًا في ذلك بديوان الجند الذي يخص السلطان أحمد المنصور السعدى. وكان جند هذه الفرقة يقسمون يمين الولاء على كتاب الإمام البخاري، ومن ثم عرفوا باسم عبيد البخاري (والجمع بواخر). ثم إن الجيش يتألف من الشراقة (أولاد جمع، هوارة، بنو عامر، بنو سنوس، شجاعة، أحلاف، سويد وغيرهم) ومن الشراردة (شبانة، زرارة، أولاد جرار، أهل السوس، أولاد متعة وغيرهم) ومن الأداية (الأداية الخلص، مجفرة وغيرهم) ومن البواخر. وهؤلاء هم قبائل المخزن الأربع التي يتألف الجيش منها جميعًا. ومن هذا يتبين أن تاريخ الجيش هو التاريخ الوطنى لمراكش. والحق أنه يمكن أن يقال إن تاريخ هذه القبائل هو تاريخ الفتن التي شبت في مراكش. وكان الجيش في عهد خلفاء مولاى إسماعيل هو الذي قرر مصير الحكام. فقد كانت كل من هذه القبائل الأربع الكبرى تتصرف بما يلائم أهواءها؛ ففى خلال فترة قصيرة من

الزمن قدرها إحدى وثلاثون سنة، أى من عام 1726 إلى عام 1757، قام رجال الجيش بتولية وعزل أو قتل أربعة عشر سلطانا وذلك تبعًا للعطايا (مُنى) التي كانت تبذل لهم: وفى عام 1757، توفى السلطان عبد اللَّه بن إسماعيل فخلفه ابنه محمد، وكان السلطان عبد اللَّه نفسه قد أقيم على العرش، وخلع عنه سبع مرات؛ واستطاع محمد، وكان في حكمه شديد البأس والقوة، أن يمسك بزمام هذه القبائل التي يتألف منها الجيش، فقد كسر من شوكة البواخر بتفريقهم وإنفاذهم إلى شتى المرافئ؛ وأراد محمد أن يحد من سلطان الشراردة فجَّند بطونًا من قبائل سهل مراكش في المخزن (منابهة ورهمنه وعبده وأحمر وهربل)، فكان على كل قبيلة منها أن ترسل قائدين وأتباعهما ليلتحقا بالجيش وانفصلت هذه الفرق من قبائلها ودخلت في مخزن مراكش التابعة له، وأجرى عليهم من الأعطيات ما كان يجرى على غيرهم من الجند وأعفوا من الضرائب. ودبّ العصيان مرة أخرى في عهد السلطان يزيد بن محمد، وقد ساعد عليه ضعف هذا الحاكم، فاغتيل وعاد النضال من جديد حول عرش مراكش، فأصبحت مسرحًا تعيث فيه قبائل الجيش. وأخيرًا أفلح مولاى سليمان حوالى عام 1791 في شق طريقه إلى العرش وغلب على منافسه مولاى هشام الذي كان قد بويع في مراكش. وانتقض الشراردة عليه انتقاضا وهو في حملة على البربر في الجنوب وانضمت أداية إلى مولاى سليمان ضد الثوار وانتهزت هذه الفرصة وسلبت فاس. وكان النصر حليف مولاى سليمان، فلما توفى نادت أداية بخليفته مولاى عبد الرحمن سلطانا عام 1822 غير أن الشراردة قاموا بثورة أخرى كادوا يخلعون فيها عبد الرحمن، فلم يجد مناصًا من أن يجعل معظم مقامه في مراكش إذ يسهل عليه أن يسيطر منها على القبائل. ولكن الأحداث التي وقعت في شمال مملكته، وهى فتنة أداية وغزو الفرنسيين لبلاد الجزائر وقتال عامله عبد القادر له، أجبرته على الارتداد إلى فاس، وأراد أن يخرج

حالة الجيش الراهنة

بنفسه لقتال الفرنسيين، إلا أن هزيمة حلت به عند إسلى فأدرك أن جيوشه ليست ندًا لجيوش الفرنسيين فصمم على أن ينشئ جيشًا على نمط جيوش أوربا. ونفذ خليفته محمد هذه الخطة بالمرسوم الذي أصدره في الثاني والعشرين من رجب عام 1277 (18 يوليه 1861). وعهد بتنظيم هذا الجيش آخر الأمر إلى فريق من الضباط الفرنسيين بعد إذ حاول في هذا السبيل عدة محاولات. حالة الجيش الراهنة: لا يزال الجيش إلى الآن يتألف من الشراقة والشراردة وأداية والبواخر وقبائل حامية سهل مراكش (عبْده .... الخ) ونصفهم من المخزن، وما زالت القبائل تستغل الأراضى التي يحتلونها فحسب اللهم إلا الشراقة الذين نزل لهم عن جل الأراضى التي في حوزتهم، وكذلك البواخر وجلهم من أصحاب الأراضى فيما حوله مكناسة. وتنقسم قبائل الجيش إلى فرق قوام كل منها خمسمائة رجل (رحى [رعى]) وعلى رأس كل رحى قائد، وهو بالكلونيل أشبه، وتحت إمرته خمسة قواد كل منهم يترأس مائة مقاتل "قائد المائة" وكل منهم تحت إمرته خمسة ضباط "مقدم" كل منهم يترأس عشرين رجلا. ويطلق على الجندى الخاص في الجيش اسم مخازتى .. ويمكن لرجال الجيش أن يصلوا إلى أسمى المراتب في المخزن (الحامية) ولا يزال للبواخر امتياز خاص بهم، فمن بين صفوفهم وحدهم يختار "الشوردت" وهم أشبه بالغلمان الذين يقومون بالخدمة في قصور السلاطين، وللأداية الحق في تسمية أنفسهم "أعمام السلطان" ويتزعم كل قبيلة من قبائل الجيش باشا ما عدا الشراردة وأداية إذ ينقسمون إلى حاميات على رأس كل منها قائد. وباشا البواخر هو أيضًا باشا مكناسة كما أن باشا أهل السوس هو أيضًا باشا "فاس جديد". والمفروض أن يعيش الضباط جميعًا في المدن التي بها حامياتهم، ولكنهم لا يلتزمون هذه القاعدة أيام السلم. ولا يعنون بواجباتهم الحربية عناية كبيرة وأغلبهم يعيش من دخل أراضيه.

ويشرف على الإدارة في القبيلة الشيخ وهو أقدم قواد الرحى. وإذا احتاج السلطان إلى الجند فكل قبيلة مخزن ترسل فرقة يتناسب عددها وعدد الأرحاء الخاصة بها. ويصدق هذا على الشراقة والشراردة والأداية، إذ أن كلا منها يتألف من عدد من الأسر يزيد عن حاجة الجيش، ومن ثم فإن اختيار الأسر للجيش يكون بطريق الاقتراع. أما الأسر الأخرى فهى حرة لا تدفع ضرائب وتقوم بحراثة الأرض التي تمنح لها مؤقتًا. وهى تكوَّن احتياطى الجيش يأخذ منها السلطان فرق "المسخرين" (فرق الحراس وفرق البغال) للعسكر وللمدفعية. ويتناول كل فرد من أفراد الجيش يدعى للسلاح وهو في حاميته جراية وراتبًا شهريًا. والبواخر، ولا يزيد عددهم الآن على أربعة آلاف رجل، جميعهم من الجنود هم وأهل السوس، ولهم ديوان خاص بهم. ويتلقون جميعًا المؤونة والرواتب كما يجرى على أراملهم معاش. ومناصب الجيش تنتقل غالبا من الأب إلى الإبن، ومن ثم كان شاغلو هذه المناصب عنصرًا دائما في طائفة الحاميات. وقد قلل إنشاء الجيش الدائم على النمط الأوربى "العسكر" من نفوذ أبرز الشخصيات في الجيش ومن أهميتهم السياسية، وإن كان ذلك لم يقض بحال على قيمة الجيش الحربية. ورجال الجيش لا يضارعهم أحد في الفروسية ومعظم الفضل في ذلك راجع إلى "لعب البارود" الأمر الذي مهر فيه الجيش ورجال المدفعية في الجيش الدائم يختارون أيضًا من صفوفهم. وهم يتدربون على أيدى ضباط فرنسيين أرسلوا من فرنسا لهذه الغاية، وقد برهنوا على حسن بلائهم في هذا المضمار. وينقسم الجيش كما ذكرنا إلى (رحى) على كل منها قائد تحت إمرته خمسة من قواد المائة الذين يشرفون على "المقدمين" وينقسم الجيش الدائم إلى "طوابير" ذات قوى مختلفة، ويترأس كل طابور قائد رحى، وله خليفة تحت إمرته عدد من قواد المائة يتناسب وقوة الطابور.

توزيع الجيش، أسلحته، ولباسه

توزيع الجيش، أسلحته، ولباسه: تتوزع جنود الجيش توزيعًا غير متساو بين المدن الأربع: فاس ومكناسة والرباط ومراكش، وهى المدن التي بها قصور للسلطان كما توجد في الثغرين طنجة والعرائش، وهناك حاميات صغيرة قليلة في الغرب والشرق والجنوب من مراكش ويعيش رجالها في هذه الأماكن هم ومن يتصلون بهم في عزلة عن الناس، وقلما يمتزجون بالأهالى الذين يخافونهم. ويتسلح هؤلاء الفرسان في الوقت الحالى ببنادق ونشستر Winchester وهى التي حلت محل البنادق القديمة flintlock وهم يحملون أيضًا السكين، وهو سيف ذو حد مستقيم تقريبًا، ومقبض مصنوع من قرن الحيوان وله جراب من الخشب مغطى بجلد أحمر. ويتسلحون أيضًا بالكُميَّة والخنجر وهو سلاح ذو حد مقوس جدًا وخيولهم جيدة بوجه عام، أما لحمها فرديئة كما هى العادة عند العرب، وهم يلبسون قفطانا ذا لون زاه عليه فرجية بيضاء ويتمنطقون على القفطان والفرجية بزنار من الجلد مطرز بالحرير. ويلبسون على رؤوسهم شاشية حمراء مخروطية الشكل يلفون حولها عمامة من الحرير الأبيض. ويلبسونه في أرجلهم خفافا لينة من الجلد الأصفر لها أطراف طويلة يستعيضون بها عن المهماز، وبذلك يكمل زيهم الذي يسترعى الأنظار. المصادر: (1) السلاوى: كتاب الاستقصاء، القاهرة سنة 1312 هـ في مواضع مختلفة، وخاصة جـ 3، جـ 4 (2) Etablissement des: Cour Dynasties des Cherifs, باريس سنة 1904، في مواضع مختلفة. (3) aujourd': E. Aubin hui Le Maroc d', باريس سنة 1905، ص 172 وما بعدها. (4) Trots Mois de: Weisgerber Campagne au Maroc, باريس، سنة 1904، ص 82 وما بعدها (5) Le Maroc dans les: Massignon Premieres Annees du XVI, Siecle الجزائر سنة 1906، ص 172 وما بعدها

(6) Le Maroc de 1631 a: Houdas 1812، باريس سنة 1886 في مواضع مختلفة. [كور A. Cour] + جيش: من المصطلحات العربية التي تدل - هى وجند وعسكر - على الجيش بمعناه المعروف. (1) في الزمن القديم كانت جزيرة العرب في العصر الجاهلى تعيش في ظل ظروف من القتال على نطاق صغير، ولم تكن تعرف الجيوش بمعنى الكلمة خارج نطاق الاحتلال الأجنبى اللهم إلا في اليمن فيما يحتمل. وكان القتال بين القبائل يستنفر إلى ميدان النزال كل الرجال القادرين تقريبًا، ولكنه كان خاليًا من أى تنظيم حربى، وكان التلاحم في أكثر الأحيان يحسمه نزال أشخاص مسلحين. ويمكن أن نقول إن نواة الجيش قد ظهرت بظهور الإسلام في الحملات التي قادها النبى عليه الصلاة والسلام أو جهزّ لها، ولو أن الجهاد كان في هذه المرحلة فرضًا على جميع المسلمين الأصحاء الأبدان، ولا يستطيع المرء أن يتحدث عن جيش بالمعنى الصحيح إلا في أوائل الفتوح، حين ظهرت لأول مرة تفرقة بين فريق المحاربين وفريق غير المحاربين من المسلمين ومع أن جميع المسلمين الأصحاء كان من الممكن من حيث النظر أن يدعوا للجهاد، إلا أن القبائل من حيث العمل كانت تبعث إلى الجهاد نسبة معينة من رجالها فحسب، وكانت الأعداد المطلوبة توفى في العادة بالمتطوعين القابلين للزيادة والنقص. وكانت إقامة هؤلاء في الأراضى المفتوحة تبعد هؤلاء الرجال إن لم يكن عن أسرهم التي جرت على صحبتهم فإنها تفصلهم عن غيرهم من أبناء قبيلتهم وعن نهج الحياة الذي ألفوه. وكان هؤلاء لا يكونون جيشًا بالمعنى الدقيق للكلمة من حيث أنهم كانوا في الفترات التي تتخلل المعارك يقومون بنشاط آخر إذا شاءوا، كما أنهم كانوا مع استثناء قليل لا يعتكفون في ثكنات بعيدًا عن أسرهم ومهما يكن من شئ فإنهم كانوا فريقًا من الناس مفروضا عليهم دائمًا أن يستجيبوا لنداء الحرب ويعتمدوا في معاشهم عليها أما بالنسبة

لموقفهم ممن غزيت أرضهم فإنهم كانوا لا يعدون أنفسهم من أول الأمر قوما غزاة بمعنى الكلمة بل يعدون أنفسهم أقرب إلى جيش فاتح. وكانوا متفوقين على أعدائهم بفضل سرعة تحركهم واعتيادهم الحياة الخشنة واتصافهم بحماسة منذورة يدعمها رغبة في الغنيمة ويعززها النصر، ومع ذلك فقد ظلت أسلحتهم بدائية، وكذلك كان نجاحهم يرجع في الأكثر إلى ضعف الإمبراطوريات التي يقاتلونها وعدم ولاء الشعوب التي تتكون منها هذه الإمبراطوريات واستعانتها في التجنيد بجنود مرتزقة وربما كنا ننأى عن دواعى الحرص إذا حاولنا تقدير عدد القوة العاملة التي كان في مقدور العرب فعلا أن يعبئوها للحرب: وربما كان هذا العدد يبلغ حوالى خمسين ألفا تحت إمرة عمر، وضعف هذا العدد أيام أكبر توسع حققته الإمبراطورية الأموية. ولم يكن الجنود العرب يرابطون في محلات الأهالى مع استثناء الشام إلى حد ما، بل كانوا يرابطون في معسكرات أصبحت في النهاية مدنا جديدة هى الأمصار، وهكذا ظهرت إلى حيز الوجود البصرة والكوفة في العراق، والفسطاط في مصر، والقيروان بعد ذلك بمدة في إفريقية وهلم جرا. وكان تنظيم هؤلاء الجنود توفيقًا بين الحاجات الجديدة والتراث القبلى، ذلك أن الجيش بأسره كان مزاجا من رجال من قبائل مختلفة، وكان الجنود في الأصل ليس لهم من دخل إلا نصيبهم من غنائم النصر، وسرعان ما غدا هذا النصيب كبيرا، وكانت تحكمه القواعد المتصلة بالغنيمة ولما ضمت أراض شاسعة إلى الغنائم التي ظفر بها في ميدان القتال، قام خلاف في المصالح بين أولئك الذين كانوا يميلون إلى أن يروا هذه الأراضى مقسمة كلها وأولئك الذين كانوا يلوذون بالخلافة النامية السلطان ووفقوا إلى فرض مبدأ هو أن الأراضى المفتوحة ملك للجماعة الإسلامية كلها في حالها ومستقبلها، وقد كان معنى هذا في الواقع أن يسمح للمالكين الأصلاء للأرض بأن يحتفظوا بها نظير أداء ضرائب، وقد أدى ذلك بدوره إلى توفير

المال للأداء المنتظم لرواتب الجند، وفى الشام، ثم في الغرب الإسلامى من بعد، ظهر تنظيم الجند العسكرى الإقليمى التعاونى وهو تنظيم لم يظهر له نظير دقيق قط في أراضى الفتوح المترامية الأطراف في المشرق (العراق وإيران). ومن نافلة القول أن نذكر أن هذا الجيش الأول البدائى كان كله من العرب المسلمين وفى الولايات البوزنطية السابقة كان هذا على كل حال يسير التحقيق كل اليسر، ذلك أن السكان الأصليين كانوا قد نسوا منذ أمد طويل عادة امتهان مهنة القتال، ومع ذلك فما أسرع ما بدأ القواد العرب يجيئون معهم بمواليهم، على حين نجد أن أقوامًا أخرى نزاعة إلى القتال من سكان الحدود (في آسية الوسطى، وشمال إيران وأرمينية وفى أمانوس السورية) كانوا - من غير أن يسلموا - يلحقون بالحملات الحربية الإسلامية جنود احتياط معفين من الضرائب. وإنما حدث بعد ذلك بأمد وجيز أن أصبح البربر هم أغلبية الجيش الذي خرج لفتح الأندلس. ولم يمض وقت طويل حتى ألفت كتيبة خاصة باسم "الشرطة"، وكانت وثيقة الارتباط بالخليفة أو الوالى، وتعنى - أولا وقبل كل شئ - بحفظ النظام الداخلى أكثر من عنايتها بالحرب، وأصبحت هذه الكتيبة - شيئًا فشيئًا - ضربا من الشرطة بمفهومها الحديث. وعدلت أحوال النظام العسكرى تعديلًا كبيرًا منذ أيام الأمويين. فقد أصبحت الحرب لا تجر من الغنائم ما كانت تجره من قبل، لازدياد المقاومة وطول خطوط المواصلات: وقد أدى ذلك إلى أن الرواتب - التي لم تكن مرتفعة - قد أصبحت أنئذ هى المورد الوحيد للجنود، إن لم تكن المورد الوحيد أيضًا للقواد، ومن ثم أصبح هؤلاء يطالبون دائمًا بالزيادة. ثم إنه ظهرت فُرقة جديدة بين جنود الاحتياط - المرابطين في البصرة والكوفة وغيرهما - الذين أخذوا يعيشون حياة مدنية تزداد صفتها هذه بمرور الأيام، وبين جنود التخوم الذين لم يعودوا إلى ديارهم وإنما استمروا يعيشون على حدود

آسية الصغرى وآسية الوسطى والمغرب والأندلس. ونذكر أخيرًا أن طبيعة الأعمال الحربية تغيرت وأصبحت تتطلب مواد حربية وطرائق استقاها المسلمون من أعدائهم؛ ولم يكن العرب في جميع الأحوال مستعدين كل الاستعداد لاصطناع هذه المواد وتلك الطرائق، وتنسب الروايات إصلاحا في فن الحركات الحربية لمروان الثاني، الذي كانت له خبرة طويلة بالحرب في أرمينية على أننا نستطيع أن نقول إن الجيش لم يعد تنظيمه في الجوهر حين أطاح العباسيون بحكم الأيوبيين. ويرجع نجاح العباسيين من الناحية العسكرية إلى الجيش الجديد الذي عبأه أبو مسلم من أهل خراسان: وقد ظل هذا الجيش قرابة قرن من الزمان عصب نظام الحكم الجديد، وكان الخراسانيون دون سواهم في أول الأمر هم الجنود الذين رابطوا بالقرب من الخليفة وفي المراكز السياسية الكبرى. ومن ثم ظل يقوم مدة من الزمن جيشان جنبًا إلى جنب. ومن الأمور البالغة الأهمية من الناحية الاجتماعية أن تدخل الخراسانيين لم يكن أقل من ذلك شأنًا من الناحية العسكرية - وقد كان لإيران، وخاصة خراسان، في هذا الصدد تقاليدها الخاصة بها التي لم ينجح الفتح العربى في أن يمحوها. ذلك أن الإيرانيين كانت لهم في الرمى بالنبال وفى فن الحصار وفى استخدام النار الإغريقية مهارات لم يستطع العرب أن ينافسوهم فيها، ومن ثم زود هذا العباسيين بعنصر من الإصلاح الفنى كان يفتقر إليه الجيش الأموى على أن العرب كانوا يقسمون حياتهم بين المعيشة المدنية والمعيشة في المعسكرات، وكانوا لا يزالون مرتبطين ارتباطا وثيقًا بالمنازعات القبلية والعشائرية. أما الخراسانيون فكانوا جيشًا من المرتزقة واضح القسمات والمعالم يرتبط بشخص الخليفة. والحق إنهم - فيما عدا بعض الاستثناءات البارزة - كانوا يستخدمون على الأغلب في إخماد الفتن الداخلية أكثر من استخدامهم في الحرب الخارجية، ونخلص من هذا إلى أن العرب أنفسهم كانوا ينتمون إلى فئتين: فئة أولئك الذين كانوا يعيشون بعيدا

كل البعد من مناطق النشاط الحربى - وكانوا قبل كل شئ - السبب في قيام الفتن، وهم الذين عمد الخليفة المعتصم - لهذا السبب - إلى أن يمحوا أسماءهم في مصر من سجلات الديوان؛ وفئة جنود التخوم الذين لم يكن في الإمكان تسريحهم على هذا النحو، وإنما هم ينظمون أنفسهم على مقتضى العالم الجديد المستقل استقلالا ذاتيا، عالم "الغزاة" و"المرابطين" الذين يقطعون حبل صلتهم بالجيش النظامى الأساسى. وكانت نتيجة ذلك - من الناحية الاجتماعية - أن العرب لم يصبحوا في أغلب الأحوال هم منشأ طبقة الأشراف، وكانوا يعدون أنفسهم من المحظوظين إذا هم لم يرتدوا إلى الحياة البدوية التعيسة. وأيًا كان أفراد الجيش النظامى، فإن هذا الجيش كان يتميز عن تلك الجماعات الأخرى العارضة من المقاتلين، بأن أفراده كانوا هم دون سواهم الذين تظهر أسماؤهم في سجلات الديوان بأن لهم الحق في عطاء ثابت وحالة تجعل منهم نظامًا حكوميًا. أما الآخرون الذين كانوا أنواعًا شتى من المتطوعة، فلم يكونوا يتقاضون فحسب أعطيات أقل، بل كانوا - فيما هو أهم من ذلك - لا يتقاضون هذه الأعطيات إلا في الحرب التي تتطلب وجودهم، كما أنهم لم يكونوا يعدون من الجنود المحترفين. أما "الغزاة" فكانوا يعيشون مما يجنونه من نشاطهم غير الحربى في الفترات بين قتال وقتال، ومن نصيبهم من الغنائم أثناء القتال، ومن أعمال البر التي أخذ المسلمون في الداخل يكثرون منها ويقفونها عليهم عوضًا عن اشتراكهم في الجهاد، وكذلك كان هؤلاء لا يذكرون في السجلات العادية للجيش، كما كان من الواضح أنهم جنود غير محترفين. ولم يبق الجيش الخراسانى بدوره بعد العصر العباسى الأول. وحين خلع الخليفة المأمون الحكم الذاتى لخراسان على الأسرة الطاهرية، نزع هؤلاء الطاهرية إلى أن يحتفظوا لأنفسهم بجزء كبير من المجندين الخراسانيين. ثم إنه إذا كانت دولة بنى العباس تدين بسلطانها إلى هؤلاء الخراسانيين، كما

أن المأمون بصفة خاصة استطاع بعد ذلك بزمن أن ينتصر على أخيه الأمين بفضلهم، فإن الخراسانيين أنفسهم أدركوا ذلك، وقد ظهر الاستياء منهم آخر الأمر في بغداد نفسها. والإحساس بأنهم أصبحوا حماة للدولة يتسببون في بعض المتاعب، أجل حدث هذا في بغداد التي كان الطاهرية مسؤولين عن حفظ الأمن فيها. وقد لجأ المعتصم نفسه - وهو الذي أخمد الجيش النظامى في مصر - إلى المبادرة بإحلال الأتراك محل الخراسانيين. والحق إن المقصود بهؤلاء الأتراك أول الأمر هو - على الأغلب - الأتراك المقيمين في نطاق الحدود الإسلامية، وفى مقدمتهم جميعًا أهل فرغانة الذين كانت ظروفهم الإجتماعية تشبه ظروف هؤلاء الخراسانيين وسرعان ما أصبح الشبان الذين يولدون في خارج الديار الإسلامية ويجلبون مماليك من أواسط آسية أو مما يعرف الآن بفيافى روسيا على يد المقاتلين أو التجار، يجندون باسم الاتراك. والأتراك الذين كانوا قبل كل شئ فرسانا مهرة لم يتصفوا فحسب بشهرة واضحة لها ما يبررها في الشجاعة الحربية والطبيعية والأدبية كما تشهد بذلك رسالة صغيرة للجاحظ، بل اتصفوا أيضًا بأنهم، وقد ارتبطوا بشخص مولاهم؛ وقد جلبوا صغار السن بحيث يستطيع أن يطبعهم بالطابع الذي يشاء فضلا عن بعدهم عن مطامع الأهلين على اختلاف أوطانهم ومنافساتهم، يمكن أن يتخذ منهم جيش يعول عليه الخليفة أكثر من تعويله على الخراسانيين الأولين. والحق إن التجربة أثبتت أنهم إذ جعلوا الخليفة يقع في قبضة سلطانهم، قد أصبحوا أبهظ عبئًا وأكثر ولاء لقوادهم بكثير من ولائهم للخليفة (لم يستطع الخليفة قط بعد المعتصم أن يعود إلى الهيمنة عليهم هيمنة مباشرة). ومع ذلك فإن مؤهلات الأتراك الفنية والعناية التي كان يبذلها القواد الأتراك في دعم التجنيد، بل كون الحصول على مماليك جدد كان أسهل وسائل العلاج لافتقار المماليك القدامى إلى النظام (ولو أن ذلك قد أدى على مر الزمن بطبيعة الحال إلى تكرار هذه الآفة) كل أولئك فيما يبدو قد جعل من المتعذر على الدول الإسلامية الشرقية حتى الأزمنة

الحديثة أن تستغنى عن وجود جيش تركى فيها، وراحت كل واحدة منها بعد الأخرى تصطنع لنفسها جيشًا من هذا القبيل. وكان هؤلاء الأتراك - في أحسن الحالات في المشرق - يوازن سلطانهم باستدعاء عناصر أخرى من أهل الجبال الأشداء البارعين في قتال المشاة مثل الديلم، أو الفرسان كالأكراد، أو الزنوج المحليين أو الهنود (جيش الغزنويين) أما في مصر، فإن الفاطميين الذين غزوها بمجندين من البربر المعززين، كما حدث في إفريقية، بالزنوج والصقالبة والروم، قد حاولا من بعد أن يوازنوا سلطان هؤلاء بإدخال الأتراك في الجيش، ثم سعوا بدورهم إلى إحلال الأرمن بدلهم تحت قيادة قواد يصعب أن نزعم أنهم مسلمون، ثم عمدوا آخر الأمر إلى رد بعض شئون الجيش إلى العرب وكذلك أتاح انهيار الإمبراطورية العباسية فرصة العمل الحربى لعرب من الجزيرة والشام أيدوا الإمارات الحمدانية والمرداسية والعُقَيْليَة وكان البويهيون في غربى إيران يدينون بقوتهم الخاصة إلى الديلم، ولكن حاجتهم إلى الفرسان حملتهم على أن يعززوا الديلم من أول الأمر بالأتراك على أن اختلاف أرومة هؤلاء المجندين الذي حالت اللغة والفروق الفنية بين امتزاجهم بعضهم ببعض في سهولة ويسر، أدى إلى قيام اضطرابات بسبب غيرتهم بعضهم من بعض، فتشاحنوا على نصيبهم من موارد الدولة وتركوا الخلافات التي قامت بين قوادهم، وجعلوا شوارع بغداد والقاهرة تجرى فيها الدماء حين كانوا يفرغون من تزكية قوادهم ورفعهم إلى تسنم السلطان، ولكن حدث من بعد في عهد السلاجقة، وهم شعب تركى، حين أقام هؤلاء أنفسهم على أراض إسلامية ولم يعودوا يعتمدون في ذلك على الجيش فحسب، أن أصبح كيان الجيش لا يتأثر في جميع الأحوال: ففى أول أمر السلاجقة حقق لهم التركمان النصر، وكان هؤلاء التركمان بدوا محاربين بالطبيعة يشبهون العرب الأولين. على أن السادة الجدد للشرق الإسلامى أعادوا تنظيم جيشهم على النهج التقليدى مستخدمين قوات تركية مسلمة، وإنما استطاع التركمان أن يفيدوا من صفاتهم النزاعة للقتال غزاة

في ميادين القتال الخارجية بآسية الصغرى التي انتزعوها من البوزنطيين (الروم). وقد عمد خلفاء السلاجقة إلى إضافة عنصر جديد إلى الجيش فأدخلوا بين الأتراك بعض الأكراد الذين قامت من بينهم الدولة الأيوبية. ولكن الأيوبيين سادة مصر الذين انتزعوها من الفاطميين، كان تحت إمرتهم جيش أصبح العنصر التركى فيه يتزايد وقد أضاف سلاجقة آسية الصغرى إلى جيشهم مرتزقة من الأرمن، وفرنجة وغير هؤلاء على النهج البوزنطى، وجلب الغزاة المغول الكرج إلى قواتهم أما العرب، فإن الفتح التركى - الذي جمع كما هو شأنه بين بلاد الهلال الخصيب شبه البدوية وبين الجزء الأسيوى من الإمبراطورية البوزنطية التي كانت مسرح نشاط غزاتهم العارض - قد استبعدهم استبعادًا، فلم يعد لهم أى شأن كان في الحياة العسكرية اللهم إلا في بعض أركان جزيرة العرب. وهذا التطور الذي وصفناه وشيكا لم يكن من خصائص العالم الإسلامى دون سواه، ذلك أن بوزنطة في العهود الإسلامية قد نهجت نهج الإمبراطورية الرومانية السابقة لها، فتركت أمر القيام بحروبها شيئًا فشيئًا للمرتزقة وكان من بينهم عدد كبير من الأتراك. ولم يكن لها عهد بالتجنيد من صفوف المماليك الأقحاح، ولكن هذا الإهمال منها للمماليك لم يأت فيما يرجح بفارق عملى. ذلك أنه لم يكن من مألوف الجنود المرتزقة أن يعودوا إلى وطنهم الأصلى وكانوا مرتبطين بالعهد للإمبراطور. أما من الناحية الإسلامية فإن الأمر يقتضينا أن ننوه بأن "المملوك" في جيش سلطان، وكان هذا المملوك هو أداة قوته، لم يكن في الإمكان مقارنته بالملوك الخاص الذي نشأ في بيته. كان هذا المملوك كالجندى المرتزق يتناول عطاءه، وكانت له حرية كبيرة في العمل خارج واجباته العسكرية، وإذا ترقى في الرتبة استطاع أن يحصل على حريته من سيده بل إن من يبلغ من المماليك أقصى النجاح يمكن أن يلى أمر الولايات ويحكم الأحرار.

وقد سبق أن بينا أن التطور الذي ألممنا به هنا قد أثرت فيه عوامل فنية وعوامل اجتماعية، وما بنا من حاجة في هذا المقام إلى أن نسوق بيانا كاملا بالأسلحة والفن الحربى (وهذا عسير على أى حال لافتقارنا إلى دراسات سابقة لهذه الموضوعات) وحسبنا أن نقول إن السمة الرئيسية لتطور الحرب هو الشأن المتزايد لسلاح الفرسان الثقيل. وكان هذا أيضًا هو الحال في أوربا، على أن اعتماد المشارقة في فن الحركات الحربية على الحركة جعلهم لا يبلغون المدى الذي بلغه الأوربيون في الاعتماد في العتاد على ثقل وطأة المعدات. ولم يتغير التسليح في طبيعته إلا تغيرًا قليلا منذ أيام الفتوح العربية حتى ظهور الأسلحة النارية، ولكنه كان من الممكن أن يتغير في ضخامة السلاح وفوق ذلك كله في المقاييس النسبية للأسلحة المختلفة، والتقدم الفنى، ويأتى في المقام الثاني بعض الأثر الذي يحدثه ذلك في فن القتال ومقدرات الحرب ولعل القتال مع الصليبيين قبل مجئ المغول كان له شأن محلى يحفز الهمم في هذا الشأن. وكانت الأسلحة الرئيسة عند العرب القدماء هي: "السيف" و"الرمح" و "الحربة" يستخدمها المشاة. ولم يكن القوس معروفا، وإنما كان يستخدمه الفرسان قليلًا ذلك أنه كان يفاد منه سلاحًا في الصيد أكثر منه في الحرب، ذلك أنه لم يكن يصلح في المبارزات الفردية على النهج التقليدى وهنا يقوم الفرق بين العرب وبين الفرس والأتراك. ذلك أن جذب القوس على اختلاف أشكاله وأحجامه، كان عادة قائمة بين الفرس جميعًا، وقد برع الأتراك في الرمى السريع بحشد من السهام (ناوق) من كل اتجاه، فتنشر الاضطراب بين صفوف أعدائهم. ثم إن النبل (جرخ) الذي يرد كثيرًا مع القوس المألوف كان فيما يظهر معروفا في المشرق منذ القرن الثالث الهجري (التاسع الميلادي) وكان الفرسان العباسيون ومن أتوا بعدهم يستعملون هذا القوس وإن كانوا قد ظلوا يستعملون الرمح والحربة، اللذين

أصبحا آنئذ من سلاح الفرسان. وكان المشاه يستعملون النبل وإن ظلوا مستمسكين أيضًا بالسيف الذي تطور في طبيعته باستخدام الصلب الدمشقى، وهو في الحقيقة صنعة هندية. ومن الأسلحة الأخرى: العمود (بالفارسية كرز) وكان لا يزال مستعملا هو والسكين. وكان العرب يستخدمون في الدفاع "الدرَقَة" و"الترس" وصنوفا أخرى من الواقيات مثل الدرْع والزَرَد والجَشْوشْن والخوذة. على أنهم كانوا يتحاشون السلاح الكثير الثقل، والظاهر أن الدرع الثقيلة لم تكن شائعة الاستعمال قبل الصليبيين، ثم أصبحت الدروع التي بهذا الحجم شائعة. وكان الفارس في أغلب الأحيان يمتطى صهوة جواد تحميه أيضًا الدروع. وفى جيوش إيران الشرقية كان الفيل الهندى يستخدم في بعض الفرق الثقيلة. على أن الجمل كان هو الأداة الوحيدة للنقل. وكان الفارس المجهز تجهيزًا كاملا يسمى بأسماء مختلفة منها اسم عرف عند الأيوبيين هو الطواشى، ويجب أن يفرق بعناية بين معناه في هذا الشأن ومعناه الذي يدل على الخصى، ويجب على الجنود العناية بأسلحتهم عنايتهم بدوابهم، ولكن الذي كان يحدث هو عكس ذلك في الأيام الأولى؛ فقد كانت الأسلحة تعطى لهم وتغير عند الحاجة، ومعظم هذه الأسلحة كان يجلب من مصانع الدولة. وكانت مصر تكاد تحتكر صنع السلاح احتكارا، وأكثر من هذا أن مصانع الدولة وحدها كانت هى التي تحتكر صنع الآلات التي تديرها جماعة ونعنى بها أولا آلات الحصار التي تطور استعمالها تطورا متزايد وهى المنجانيق، والعرَّادة والدبابة وغير ذلك. ولم يستغرق المسلمون وقتا طويلا في أكتشاف النفط. - أو النار الإغريقية - التي كانت تسخدمها القوات البرية والقوات البحرية. وقد عثر علماء الآثار على قدور النفط التي كان يرمى بها العدو. وقد أطلق بخاصة المصطلح عسكر (بالفارسية لشكر) على الجيش الذي يملك مثل هذه المعدات جميعًا. وهم في حالة الحرب يرابطون في معسكرات ويعتدون على حصن أو قلعة يقتضى الهجوم عليه أو عليها من ناحية العدو صورة من أهم صور الحرب ثم نذكر أخيرا أمرا قد يكون مهما في بداية

المعركة وهو النفير وغيره من الآلات المدوّية. ونحن لا نعلم إلا القليل عن كيفية تدريب الغلمان (شباب الجنود) في الجيش العباسى وما قاله نظام الملك عن الجيش الغزنوى يجب أن نأخذة ببعض الاحتياط. أما إن شئنا المعلومات الدقيقة فإن الأمر يقتضينا أن ننتظر حتى عصر المماليك فقد كان الجنود يعيشون مع الناس في بعض الأحيان، ويجتمعون في أكثر الأحيان في ثكنات أو معسكرات، ويجتمع طائفة منهم هم "الحُجَرية" بالقرب من قصر السلطان خليفة كان أو يحمل غير ذلك من ألقاب الملك. وكانت المشاحنات التي تدب مع ذلك بينهم وبين الأهلين كثيرًا من الأسباب التي أدت الى انتقال الخلافة إلى حين إلى سامراء منذ أيام المعتصم. على أن الشرطة لم يعودوا يجندون من بين هؤلاء، بل جنح الأمر إلى اختيارهم من عناصر من الأهليين كانوا معادين لهم. على أن الفتح السلجوقى جدّد الوحدة بين الطرفين بزيادة عدد قوات الحاميات (الشحنة) والعهد إليهم بواجبات الشرطة التي ألغيت بصفة عامة. وكان الجيش يؤدى تدريبه العسكرى في الساحات المكشوفة القائمة في أرباض المدن. وكان جيش الدولة الكبيرة ينقسم إلى كتائب تتفق بصفة عامة مع تقسيم جنوده إلى جماعات سلالية كما ينقسم بحسب الوظائف الفنية ويكمل هذه الكتائب سرايا من المهندسين. وكان ثمة تقسيم أيضا يراعى فيه انخراط الجندى تحت لواء القواد المشهورين أو في أثناء عهود خلفاء بعينهم. والجنود الذين كانوا بعضا من جيش قائد يظلون قسما من الجنود بعينه حتى الموت؛ والجنود الذين جندهم أمير يظلون مستقلين عن الجنود الذين يجندهم خلفه. ومن ثم قامت الخلافات ونوازع الغيرة، وكل أمير يحابى جنده. وكان في الرتب الدنيا وحدات قد تكون من عشرة جنود أو من مائة جندى وهلم، على أن هذه الأعداد لم تكن ثابتة. ورأس الجيش - الذي كان في كثير من الأحوال يسمى قائدًا في أيام الإسلام الأولى، بل بعد ذلك في المغرب الإسلامى - أخذ وقتذاك

يسمى نفسه أميرا وهو لقب شمل آخر الأمر تولى أمر ولاية مرتبطة بقيادة جيش. وحيثما كان قائد أعلى لقب نفسه بلقب "أمير الأمراء"، لكن لقب أمير هانت قيمته في النهاية وأصبح لقبًا لكل الضباط، ومن ثم هان لقب الأمير فغدا يطلق على أى قائد. وفى العصر السلجوقى وغيره كان الحاجب هو الرجل الذي يمثل السلطة العسكرية للسلطان حين لم يكن يمارس هذه السلطة على جملة الجيش، وكان هذا الحاجب هو الرأس الأول القوى للحرس. أما في إيران فكان قائد الجيش يلقب بلقب "سالار" ويلقب القائد العام بلقب "إسباه سالار" أو "سر لشكر" وأما عند الأتراك فإن المرادف العملى للقب "أمير" هو "بك"، في حين أن "أمير الأمراء" كان يلقب "بكلر بك" أو "صوباشى". ولم يكن ثمة توحيد في الزى العسكرى بالمعنى الحديث، فكان لكل كتيبة لباسها الخاص. ونحن نستطيع أن نتصور مثلا صورة زى الحرس الغزنوى من الكشوف الأثرية في لشكر بازار. وكان للفرق المختلفة أعلامها (رايه) وللقائد أو السلطان لواؤه الخاص يرفرف على الخيمة التي يقود المعركة منها، وهى التي تتجمع حولها الصفوف. وإذا لم نجد خدمات طبية بالمعنى الحقيقى فأنه هناك على الأقل نقل للسلاح والطعام وكان الطعام لا غنى عنه في ذلك. وكثيرًا ما كانت النساء تصحب الجيش، فإذا هزم كن في جملة الغنائم. وكان قرّاء القرآن "قاضى" والوعاظ، والأطباء أحيانا، يلحقون بالجيش. وكان أول ما يشغل الجندى أو القوة التي يخدم فيها، هو الرزق أو الخبز الذي يدخل في الإشراف على القوة ورعايتها. وهذه الخدمات تعتمد على ذلك القسم من "ديوان الجيش" الذي يسمى "عرض"، وهذا القسم كان من الأهمية بمكان حتى إن الدول الإيرانية كان رئيس الإدارة العسكرية فيها يلقب "عارض". وهذا الإشراف يعتمد على تسجيل في منتهى الدقة للمقاتلة والحيوانات التي توسم بشعار الأمير. وكان الإشراف يمارس بعروض

موسمية صارمة يقوم بها الأمير إن أمكن أو في حضرته على الأقل، وفى ختام العروض يعطى المقاتلون أعطياتهم. وكانت جملة الأعطيات تختلف اختلافا كبيرا، بحكم طبيعتها والفترات التي تؤدى فيها وهى فترات قد تكون شهرية أو سنوية، في حين أن موقف جنود الاحتياط كان إلى ذلك عاملا مضطربا وصفوة القول أنه كان يجمع بين الدفع نقدا والدفع عينا في الحسابات. وبقدر ما نظن فإن المعلومات المشتتة غير الدقيقة التي لم يتسير لنا غيرها تدل على أن راتب جندى المشاة أيام الخلافة حتى القرن الرابع الهجري تقريبا (القرن العاشر الميلادي) كان بين 500 و 1000 درهم كل سنة، أى حوالى ضعفى أو ثلاثة أضعاف ما يكسبه أجير في بغداد وكان الفارس يحصل على ضعف هذا الأجر كما كان القواد يتقاضون أكثر من هذا، ويجب أن يضاف إلى ذلك ما كان يدفع عينا وهدايا السلاطين حين كانوا يعتلون العرش، والهبات التي تمنح بمناسبة الأعياد والمعارك وما إلى ذلك، وما بالك بما كان يستولى عليه الجنود حين يفقدون أسباب النظام أو الغنائم التي يأخذونها بعد الانتصارات أو في المدة التي تعقب الانتصارات ويباح فيها النهب والسلب، زد على ذلك أن ميزانية الدولة كان من المفروض أن تسد تكاليف السلاح وصيانته، والحصون والطرق ذات الأهمية الحربية والنقل والحيوانات إلخ ... وإذا عرفنا أن السعر القانونى لتبادل العملة كان 3/ 1 14 من الدراهم للدينار الواحد فإننا نستطيع أن نقدر تكاليف صنع السلاح وغيره بنحو خمسة ملايين دينار، ولا يدخل في ذلك نفقات جيش عدته 50.000 مقاتل بلغت جملة ميزانيته في أوج الإمبراطورية العباسية قرابة 14 مليون دينار. ويقدر مجموع نفقات السلاح والجيش بنصف موارد الدولة، وهو عبء ثقيل استتبع فرض ضرائب ثقيلة وسخط وقيام حلقة مفرغة من فتن أثارها هذا السخط فأدى ذلك إلى قلة الفرصة لتخفيض الضرائب إذ كان الجهد الحربى وقتذاك مركَّزًا وأصبح جزء متزايد من الميزانية يستهلك في

سد حاجات الجيش. وحتى إذا كانت بنود الميزانية ميسورة فإن بيت المال لم يكن دائما يملك المال السائل الذي يتطلبه أداء أعطيات الجند في الوقت المطلوب، فإذا حدث هذا وقعت الدولة في حلقة مفرغة أخرى، وكانت شكاوى أولئك الذين يقع عليهم هذا العبء من جراء تأخير الصرف إنما تهدأ خواطرهم بزيادات تتورط فيها الدولة مستقبلا تورطا أكبر. وما أكثر ما كان الخلفاء يتركون حكم ولايات الدولة للقواد على شريطة أن يؤدى هؤلاء، وليست الدولة، أعطيات جيوشهم. ولسنا بحاجة كبيرة إلى التذكير بالطريقة التي أدى بها هذا التطور إلى قيام إمارات مستقلة استقلالا ذاتيا على أن هذه الطريقة أيضا لم تحل مشكلة إيجاد موارد بوسيلة أو بأخرى لسد تكاليف الجيش بأسره. وكان هذا هو السبب الذي لم يلبث أن اقتضى إعادة تنظيم طريقة الدفع تنظيما شاملا وذلك بنشر وتغيير نظام الإقطاع الذي سمح باختصار للجيش أن يفرض الضرائب على قرية أو كورة وبذلك يأخذ مباشرة من المنبع المبالغ المستحقة له، وليس في الإمكان أن نتعمق هنا في بيان التعديلات التي أدخلت على النظام الإدارى الذي نشأ من هذا التطور. ولكن مما هو جدير بالملاحظة أن قيمة الإقطاع كانت فيما يظهر أكبر كثيرا من أعطيات الجيش السابقة (500 - 1000 دينار). وهذا يدل بوضوح على زيادة أهمية الجيش من الناحيتين الاجتماعية والسياسية، ويتفق مع حقيقة أن المقاتل من الفرسان كان عليه أن يقدم من إقطاعه بعض الأتباع وأن يتكفل بقدر كبير متزايد من عدته ويتكفل أيضا بكل ما يحتاجه من مؤن. ويجب أن نذكر أيضا أن المُقْطَع في الناحية التي أقُطعت له اصبح عليه وقتذاك أن يتحمل النفقات التي كانت تتحملها الدولة من قبل، ومن ثم فإن كل ما يغله الإقطاع لم ينفق فقط في سد النفقات البسيطة التي كان يتطلبها الأمر في العهود الأولى. وقد جربت هذه التطبيقات المتنوعة غاية التنوع للإقطاع في ولايات مختلفة وفى أزمنة مختلفة، ولا نستطيع هنا أن نحصى إلا عددا قليلا منها، ويمكن أن يطبق نظام

الإقطاع على الجيش كله أو على جزء منه. وفى مقدور هذا النظام أن يعفى المقطع من أداء الزكاة أو لا يعفيه منها، ويمكن أيضًا أن يكون هذا النظام موقوتًا أو متبادلا أو قطعيًا أو موروثا، ويمكن أن يكون شخصًا، بمعنى أن يكون قد وضع بحيث يكفل حياة الفارس وأتباعه القليلين، أو عامًا أى أوسع نطاقًا من هذا بكثير جدًا، ويوكل إلى ضابط بشرط أن يكون مسؤولا عن مؤونة الكتيبة كلها ومعيشتها. وقد خلق هذا موقفًا جعل الرواتب المستحقة تزيد أو تنقص عن منحة الإقطاع لكورة بأسرها ونذكر أخيرًا أن الإقطاع يمكن لجميع الأغراض والنوايا أن يحرر المقطع من جميع التضييقات التي يقتضيها الإشراف الحكومى وذلك في نطاق الاختصاص الممنوح للمُقطع، أو يترك المقطع على العكس من ذلك خاضعًا لإشراف تفصيلى يستدعى تدخل الإدارة الحكومية. وكان هذا هو المتبع في مصر، ومنه تطور نظام المماليك. ويمكن أن تكون قد حدثت في الشام مؤثرات متبادلة بين إقطاع المسلمين وإقطاع اللاتين الذي قام في الشام بعد الحروب الصليبية. ونحن إذ نتغاضى عن الفروق في الزمان والمكان فإن في مقدورنا أن نرى أن الجيش في كل دولة من الدول الإسلامية في المشرق (وأقل من ذلك في المغرب) كان له دور هام وخاص. والجيش، الذي هو الحارس للسلطة الحقيقية وللثروات النامية المعتمدة على ملكية الأراضى، قد أصبح شيئًا فشيئا هو الأرستقراطية الحقة التي فرضت على الأرستقراطيتين القديمتين: أرستقراطية أهل الريف وأهل الحضر، وكان أفراد الجيش بحكم طريقة تجنيدهم التي جعلتهم يكادون أن يكونوا أجانب عن الأهالى الذين لم يكونوا من ثم يحتفلون احتفالا كبيرا بمنازعاتهم الداخلية والتغيرات التي تطرأ على السلطة، قد فرضوا على هؤلاء الأهالى ضربا من نظام الحكم العسكرى، ولا يمسك هذا النظام مع ذلك إلا التأثير المتبادل بين الجيش والإطار الدينى السنى لنظام الحكم القائم عليه، وكان هذا تطورا يتعدى

المصادر

مداه ميدان الشئون العسكرية بالمعنى الصحيع ولا يمكننا في الختام أن نتجاوز الإشارة إليه. المصادر: (1) معظم المعلومات الهامة موجودة في التواريخ الإخبارية. على أننا يمكن أن نجد أفكارا تتعلق ببعض وجوه الموضوع أو مشاكل الجيش مدروسة دراسة أوضح منذ القرن الأول للعصر العباسى في وسائل مثل: (1) رسالة الصحابة لابن المقفع (2) رسالة في مناقب الترك وعامة جند الخليفة للجاحظ (طبعة Van Vloten سنة 1903). (3) ونجد في بعض الكتب المالية فصولا تتناول بخاصة الإدارة العسكرية مثل: كتاب الخراج لأبى يوسف، وبخاصة الرسالة العامة عن النظم الموسومة بهذا العنوان نفسه لقدامة، وقد كتبت في أوائل القرن الرابع الموافق العاشر الميلادي. (4) ثم نجد بعد ذلك في القرن السادس الهجري الموافق الثاني عشر الميلادي: كتاب المنهاج للمخزومى وهو خاص بمصر، ويمكننا من أن نكمل الصورة الواردة في كتاب الخطط للمقريزى (جـ 1، ص 94 وما بعدها). (5) ونجد في الفارسية كتاب سياستنامه لنظام الملك (في عهد السلاجقة). (6) وأدب الملوك لفخر مدُبَّر مبارك شاه (ويمثل التقاليد العسكرية للغزنويين والغوريين، ولم يطبع بعد). (7) ودستور الكاتب لهندوشاه النخجوانى (ويمثل التقاليد العسكرية للمغول في فارس .. إلخ). (8) على أننا نجد من ناحية أخرى في شواهد كتاب الفهرست كتبًا فنية قديمة تعنى بالفنون العسكرية وآلات الحرب تستوحى معارف اليونان والإيرانيين القديمة. ومع ذلك فليس بين أيدينا مثال لها يسبق عصر الأيوبيين، وهو العصر الذي أخرج: تذكرة في الحيل الحربية للهروى، وقد طبعه وترجمه J.Sourdel - Thomine في BEO، جـ 17، سنة 1962.

(9) ورسالة في السيوف نسبت إلى الكندى وقد حللها J.v Hammer في Jour As جـ 5/ 3، سنة 1854 ونشرها عبد الرحمن زكى في مجلة كلية الآداب بجامعة فؤاد الأول، جـ 14/ 2، سنة 1951. (10) وتذكر بخاصة - Traite d'Ar murerie التي جمعها الصلاح الدين مرضا أو مرضى الطرسوسى ونشرها Cl. Cahen في BEO، جـ 12، سنة 1947. وهما نموذج من الكتب تطور من بعد في عهد المماليك. (11) ويجب أن نذكر في الجانب الفارسى: كتاب الحرب والشجاعة (وهو غزنوى) وقد نشره. I. and M Shafi في مجلة Islamic Culture سنة 1946. (12) وثمة معلومات أقدم من ذلك عن طريقة المسلمين في القتال قد احتفظت بها الكتب البوزنطية مثل كتاب Takiton لليون السادس وكتاب Strategikon لكيكاومنوس، وكذلك في كتب التاريخ الإخبارية عند الأرمن. ولا يوجد كتاب عام شامل حديث عن الجيش الإسلامى في القرون الأولى. (13) ولا يزال بيان A. von Kremer في كتابه Kulturgeschichte des Islams مفيدًا. (14) ويجب أن نكمله في عدة مواضع بالفصول الخاصة من كتاب. . R Social Structure of Islam: Levy. (15) على إبراهيم حسن وحسن إبراهيم حسن: النظم الإسلامية. (16) Die Heere des Morgenlandes، A. v Pawlekowski - Cholewa في سنة 1940. (17) وخير من ذلك - وإن كان أضيق نطاقا من الناحية الجغرافية - الفصل من ص 445 - 480 من كتاب Iran in Fruehosmanischer: B Spulei zeit. (18) وأنظر أيضا Re-: M.F Ghazi marques sur L'armee chez les Arabes في IbLa, سنة 1960. (19) وأذكر فيما يلى رسائل تتناول مددا أقصر، ففى جزيرة العرب في

العصر الجاهلى Schwarzlose. Die Waffen der alten Araber .F.W: سنة 1886. وهذا الكتاب يجب أن يكمل بالدراسات الخاصة بالمجتمع العربى في الجاهلية للامنس وبشر فارس وغيرهما. (20) وانظر عن عصر الفتوح أقوال Caetani في كتابه Annali, جـ 4، وبحث Die MusL. Heere der: L. Beckmann Eroberungszeit، هامبورغ سنة 1952. (21) وعن العصر الأموى: N. Fries: Das Heereswesen der Araber zur Zeite der Ommayyaden nach Tabari سنة 1921 و Sur certain: A. E Kubbel traits du systeme militaire omayyade في Palestinskiy Sbornik, جـ 3، ص 66، سنة 1958 (بالروسية مع تحليل بالفرنسية بقلم M. Canard في Arabica، سنة 1960، ص 219 - 221) (22) وانظر عن العباسيين - W.Hoe Zur Heeresverwaltung des Ab-: nerbach basiden Studie ueber Qudama في. Isl, جـ 29، سنة 1950. (23) وانظر عن الدول المتأخرة عن ذلك الدراستين الهامتين بقلم - C. E Bos: Chaznavid Military organization: worth في ISl، جـ 36، سنة 1960 و H.A.R. The Armies of Saladin: Gibb في Cahiers d'Histoire Egyptienne, جـ 3، سنة 1951. (24) وانظر أيضا الفصل المعقود على الشئون الحربية في B. Spuler: Mongolen, الطبعة الثانية، سنة 1955. (25) وانظر عن الوجهين السياسى والاجتماعى: The body pol -: Cl. Cahen itic في Unity and variety in Muslim civitization، طبعة G. E. von Guenebaum. (26) وانظر من وجهة نظر أدخل في التقنية Arms and: K. A. C. Creswell Armour، وهو يخصص فراغا أكبر لشواهد من المتاحف معظمها ترجع إلى عهد متأخر عما تناولناه هنا. (27) وثمة كتاب هام هو: K.Huuri Zur Geschichte des mittelaltrelischen: Geschitwesens aus orientalischen Quel- len . هلسنكى سنة 1941, وهو يقارن بين جميع المجتمعات الشرقية.

(28) وانظر أيضا: A.Zeki Velidi: Die Schewerter der Germanen (وهذا البحث في الواقع يتحدث في معظمه عن العالم الإسلامى) في Zeitschr. der Deustsch Morgenl. Gesells، جـ 90، سنة 1936 ولم يفد منه A. Mazaheri: Le sabr contre l' epee في Annales ESC, جـ 13، سنة 1985. (29) وانظر أيضا تعليقات كاهن على طبعته المذكورة فيما سبق. (30) أما عن النار الإغريقية فلدينا الآن عرض عام لاستعمالها في جميع البلاد كتبه J.R.Partington: Ahistory of Greek Fire and Gunpowder. كمبردج سنة 1960 (A reply to Prof.: D.Ayalon J.R.Partington في Arabica). (31) وانظر عن الإقطاع CI.Cahen في Annales ESC, سنة 1953. (32) ومن أراد المقارنة فإن مما تجدر قراءته Crusading: R. C. Smail warfer، كمبردج سنة 1956. (2) المماليك (انظر هذه المادة) 3 - المغرب الاسلامى لكلمة جيش في شمالى إفريقية معنيان خاصان آخران: 1 - جيش وجمعها جيوش، وتدل في جنوبى بلاد الجزائر ومراكش على عصابة مسلحة تخرج لغزو (كمين للنهب أو الجهاد) قافلة أو جملة من الجنود، وحين يكون الجيش من عدة مئات من المقاتلين فإنه يسمى "حركة". وتقوم الجيوش بعملياتها من شمال السودان أو وادى النيجر مخترقة الصحراء وجنوبى بلاد الجزائر ومراكش. وهى تتألف أحيانا من الطوارق، وأكثر من ذلك البربر من المنحدرات الجنوبية لجبال أطلس العليا. ويجتمع هؤلاء في هضبة المَيْدَر في وادى ويد غرس. وإذا استقر الرأى على إقامة جيش يرتبط الطوارق الذين يلتحقون به بقسم قبل أن يخرجوا للقتال. وبين أولاد جرير على مشارف بلاد الجزائر ومراكش يقوم فارسان مرابطان كل منها تجاه الآخر، وبين هذين الرجلين من رجال الدين يجرى أولئك الذين نهضوا للغارة وقد أمسكوا بأيديهم "رتم" (أى مكنسة الصحراء" يقذفون

المصادر

به في الهواء. ويصطحب كل جيش معه شخصًا يجلب له الحظ، وقد جرى الحال بأن يكون هذا الشخص مرابطا أو مرابطا سبق أن اشترك بنجاح في عدة غارات من هذا القبيل. وفى السهول الرملية للصحراء أو التلال الرملية يسير أفراد الجيش فردا فردا على طريقة الهنود حتى لا يستطيع العدو تقدير عددهم من آثارهم، وهم أيضًا يصطنعون جميع أنواع التضليل، وحين يبلغون المكان المختار للكمين يربضون منتظرين. وتقوم الهجمات عادة في الليل أو غبشة الفجر، وتكون هجوما شرسا تنهال فيه الضربات ممزوجة بصرخات آبدة لقوم يصيحون كالشياطين، على حين تصب البنادق الرصاص. وتتركز جميع قوات الفريق المهاجم في الهجمة الأولى. ولا يعود في الإمكان تهدئة الحيوانات المروعة فتجفل في أكثر الأحيان في جميع الاتجاهات، ثم تبدأ المرحلة الثانية من القتال، وفيها يلعب خيرة الفرسان الدور الأكبر في اجتياح أعدائهم المترجلين إلى الصحراء حيث يموتون. وكان هم السلطات العسكرية الفرنسية الأكبر أن تكبح جماح الجيوش فجندت فرقة راكبى المهار الصحراوية Meheristes Sahariens التي نجحت في إعادة النظام إلى نصابه. المصادر: (1) Une Razzia au Sahel: D. Albert في Bull. Soc. Geog. d'Alger، سنة 1900، ص 126 وما بعدها. (2) Six mois chez les: M.Benhazera Touaregs du Hoggar، الجزائر سنة 1908، ص 25 وما بعدها. (3) Les confins al-: Augustin Bernard gero marocains، باريس سنة 1911, ص 95، 96. (4) Notes sur L'O. She-: M. Bernard ris في Bull Soc. Geog d'Oran، جـ 30، ص 373. (5) Le Mehariste Sa-: Deschamps harien في Bull Soc. Geog. d'Oran،

جـ 29، في مواضع مختلفة، وخاصة ص 283 وما بعدها. (6) Notes Sur les Toua-: A. Durand regs في d'Alger Bull. Soc Geog سنة 1904، ص 691 وما بعدها. (2) جيش وبحسب النطق في غربى مراكش: كيش: ضرب من نظام إقطاعى في الجيش المراكشى. تاريخه: يرجع الجيش إلى أوائل الأسرة الحاكمة الحالية. وقد تعاقبت الأسر الحاكمة المختلفة في شمالى إفريقية على السلطان بمساعدة جماعات من الشعب اتفقت مصالحها السياسية والدينية مع مصالح هذه الأسر، ولم تقف الثورات التي نشبت في هذه البلاد عند الإطاحة بالأسر الحاكمة بل أجبرت هذه الأسر على تدعيم سلطانها بقوة السلاح وأن تسفك دمها في معارك لا حصر لها. وقد درست العائلات الكبيرة والقبائل والعشائر التي صحبت الحاكم الأول. وكان السلاطين بين أمرين: إما أن يعتمدوا على العشائر التي لا يمكن أن تكون مخلصة لأسرة حاكمة لم تقمها، وإما أن يحيطوا أنفسهم بجنود مرتزقة أجنبية ليس لها صلة بأراضى الأطلس. وقد جندت الأسر الحاكمة القديمة في شمالى إفريقية نصارى وأكرادًا وفرسا وزنوجًا. على أنه حدث في عهد بنى وطّاس أن ألغى الحرس المكون من أكراد ونصارى وزنوج وحل محلهم حرس من العرب (الشرطة) فحسب، وكان هؤلاء الشرطة في معظمهم من عناصر أدخلها في غربى مراكش الحاكم الموحدى يعقوب المنصور (دوى حسّان، وشبنة، وخُلُط وغيرهم) وعرب المعاقل من إقليم تلمسان (سويد، وبنو عامر، وصبايح، وريّاح وغيرهم). وكان عرب المعاقل يراَبطون في ضواحى فاس وتتكون منهم فرقة الشراقة (أى المشارقة). وقد أجبرت هجمات النصارى في القرن التاسع الهجري (الخامس عشر الميلادي) حاكم فاس على إقامة حاميات في معاقل على الساحل سميت "مخزن"، وسرعان ما أدخلت هذه الحاميات في النظام الإقطاعى لمراكش بأسره. على أن هذا المخزن تهاوى أمام هجمات البرتغاليين والأسيان والبربر الثائرين

وهجمات أولئك الذين تألف منهم مخزن المعاقل الجديد الذي كان قد جنده الأشراف السعديون في السوس (سنة 1545). ولما أصبح السعديون سادة مملكة فاس جعلوا عرب جيشهم يرابطون في ثكنات فاس وأطلقوا عليهم اسم "أهل سوس". ثم لم يلبث هؤلاء العرب أن نقلوا إلى حصون الغرب ليردوا هجمات عرب الخلط الذين كانوا تابعين للجيش المرينى، ثم وحدوا من بعد بين بقايا جيش بنى وطاس (الشبَبَنَة، والزِرارة، وأولاد مطاعَى، وأولاد جِرّار) وبين جيشهم وأقاموهم في ثكنات تادلا ومراكش. وكذلك جند الشراقة وظلوا مرابطين في ثكنة بالقرب من فاس. وهكذا أنشئ الجيش السعدى. وكان هذا الجيش مثل جيش بنى وطاس من قبله مؤلفا من مضارب عسكرية قوامها أفراد المخزن الذين يظلون رهن إشارة سلطاتهم مدى حياتهم وكانوا يعيشون في ضياع تشبه الإقطاع وقد أعفوا من الضرائب. وكان أكبر العمال في الدولة يخرجون من بين صفوفهم. على أن بلاط السعديين أصبح متأثرًا بالأتراك في البلاد المجاورة. زد على ذلك أن الأشراف أرادوا أن يكون لهم - علاوة على الجيش - فرقة مدربة على الأسلوب الأوربى يدربها معلمون من الأتراك؛ وكانت نواة هذه الفرقة المكونة من بربر الأندلس، نصارى دخلوا في الإسلام ومعظمها من زنوج السوادن، ولم يصبح لها أى شأن حقيقى إلا في عهد السلطان أحمد الذهبى (المنصور). وبينما كانت هذه الأسرة تنهار إبان الفتن التي أثارها المطالبون بالعرش في تنافسهم عليه أراد السلطان عبد الله ابن الشيخ أن يكون له كتيبة من الجنود المخلصين يستطيع أن يعتمد عليهم كل الاعتماد فمنح الشراقة معظم الأراضى التي كانت مقطعة لهم من قبل. ولما ارتقى مولاى الرشيد عرش السلطنة سنة 1665 وأسس بمعاونة العرب والبربر من وجدة أسرة الأشراف العلويين، أدمج أتباعه في شراقة فاس. وأسبغ خلقه مولاى إسماعيل على الجيش صفته. وكانت أمه من القبيلة العربية المغافرة وهم فرع من

أداية. وقد دعا هذه القبيلة العربية إلى القدوم من الطرف الآخر للسوس وأسكنها قبيلة محزن بالقرب من منازل شراقة فاس. وقد أعاد هذا السلطان تنظيم الكتيبة السوادنية التي بحث عن أفرادها بالاستعانة بسجلات تجنيد السلطان السعدى أحمد المنصور. وقد أقسموا يمين الولاء على كتاب الإمام البخاري ومن ثم لقبوا بعُبيد البخاري (والجمع البواخر) وتكون الجيش أيضًا من الشراقة (أولاد جَمَع والهَوّارة، وبنو عامر، وبنو سنوس، والسِجْعَة، والأحلاف، والسويد وغيرهم) والشراردْة (شبنة، وزرارة، وأولاد جرَار، وأهل السوس، وأولاد مطاع وغيرهم) والأداية (الأداية الخلص والمغافرة وغيرهم) والبواخر، وكانت هذه هى قبائل المخزن الأربع ومنها جميعًا تألف الجيش. ومن ثم فإن تاريخ الجيش هو التاريخ الأهلى لمراكش. والحق إننا نستطيع أن نقول إن تاريخهم هو تاريخ الثورات التي كانت في مراكش. وكان الجيش في عهود خلفاء مولاى إسماعيل، هو الذي قرر مصير الحكام. وكانت هذه القبائل الأربع الكبرى تتصرف على ضوء مصالحها الذاتية، وشاهد ذلك أننا نجد أربعة عشر سلطانا قد خلعوا أو تقتلوا على يدهم تبعا للهدايا (المنى) التي كانوا يتلقونها، وذلك في مدى إحدى وثلاثين سنة من سنة 1726 إلى سنة 1757. وفى سنة 1757 توفى السلطان عبد الله بن إسماعيل الذي كان قد خلع وأعيد للعرش سبع مرات، فخلفه ابنه محمد. وفى عهده الذي سمى بالعهد الحديدى كبح جماح قبائل الجيش، وكسر شوكة البواخر بتفريقهم وإنفاذهم ليرابطوا في ثغور مختلفة على البحر. وأراد هذا السلطان أن يوازن نفوذ شرادة تادلا وسهل مراكش، فجند بطونا من قبائل هذا السهل في المخزن وهى بطون المنابهة، والرحامنة، والعبدة، حمر، وهَرَبْل. وقد فرض على كل بطن من هذه البطون أن تبعث قائدين وأتباعهما للجيش، وهذه السرايا التي أطلقت من قبائلها دخلت مخزن مراكش الذي تتبعه وتلقت الأعطيات التي كان يتلقاها الجنود الآخرون، وأعفيت من الضرائب (نيبة). وفى عهد السلطان يزيد بن محمد

عاد التمرد إلى الظهور، وشجع على ظهوره ضعف خلق الحاكم، وقد اغتيل هذا السلطان وبدأ الصراع حول عرش مراكش مرة أخرى وأصبح ملهاة قبائل الجيش. وحوالى سنة 1791 نجح مولاى سليمان آخر الأمر في شق طريقة إلى العرش بعد أن أطاح بمنافسه مولاى هشام الذي كان قد بويع في مراكش. وأثار الشراردة فتنة كبرى عليه وهو في حملة على بربر الجنوب. وانضم إليه الأداية منتصرين له على خصومه المفتتنين، واغتنموا الفرصة فنهبوا فاس. وانتصر مولاى سليمان، ولما توفى نادت الأدابة يخلفه مولاى عبد الرحمن سلطانًا سنة 1822. وكاد هذا السلطان أن يطاح به على يد فتنة أخرى أثارها الشراردة واضطر إلى أن يقيم في مراكش بصفة عامة. على أنه أجبر على الارتداد إلى فاس نتيجة للحوادث التي وقعت في شمال مملكته، من قيام فتنة الأداية، وغزو بلاد الجزائر على يد الفرنسيين والحروب التي شنها عليه نائبه عبد القادر. وأراد عبد الرحمن أن يخرج إلى ميدان المعركة بنفسه مقاتلا الفرنسيين. ولكنه هزم في إسلى وأدرك الفارق بين الجيوش الأوروبية وجيشه، وقرر أن يعيد تنظيم جيشه على غرار الجيوش الأوربية. وأجريت تجارب كثيرة لتنظيم الجيش الجديد، ثم استقر الرأى على أن يعهد بذلك إلى طائفة من الضباط الفرنسيين. حالة الجيش منذ الحماية الفرنسية: ظل الجيش يتكون من الشراقة والشرادة، والأداية والبواخر والقبائل شبه المخزنية من سهل مراكش (العبدة وغيرها). وظلت القبائل تقتصر على استخدام الأراضى التي تحللها إلا الشراقة الذين حصلوا على التنازل عن معظم أراضيهم، والبواخر الذين كان لجلهم أرض حول مكناسة. وكانت قبائل الجيش قد قسمت إلى كتائب من خمسمائة مقاتل (رحى) وعلى رأس كل رحى قائد وهو أشبه بالعميد. وتحت رياسته خمسة قائد الميه أى قائد المائه، ولكل قائد مائة 5 مقدمون تحت رياسته، وكانوا ضباطًا صغارا يترأسون على عشرين مقاتلا، وكان

الجندى النفر في الجيش يسمى "مخزنى". وكان أفراد الجيش يستطيعون أن يرتقوا إلى أرفع المناصب فيه. واحتفظ البواخر بميزة خاصة، فمن بين صفوفهم دون سواهم يختار "الشردت" وهم ضرب من الغلمان يستخدمون في قصور السلطان. وكان للأداية الحق في التلقب بلقب "أعمام السلطان" وكانت القبائل التابعة للجيش يرأس كلا منها باشا، إلا الشراردة والأداية الذين كانوا ينقسمون إلى حاميات يقود كل حامية قائد. وكان باشا البواخر هو أيضًا باشا مكناسة، وباشا أهل السوس باشا فاس الجديد أيضًا. وكان المفروض أن يقيم جميع الضباط في المدن التي تقوم فيها حامياتهم، ولكنهم لا يراعون هذه القاعدة كل المراعاة في زمن السلم، ولم يكونوا يراعون واجباتهم العسكرية كل المراعاة وكان معظمهم يعيشون في ضياعهم. وكانت إدارة شئون القبيلة موكولة إلى الشيخ، وهو أسن قواد الرحى. وكان السلطان إذا احتاج إلى جنود أرسلت كل قبيلة مخزن سرية يتناسب عددها وعدد رحاها. وكان هذا ينطبق على الشراقة والشراردة والأداية وكل منهم كان يتألف من عدد من الأسر أكبر بكثير من أن يندرج في جملة الجيش. وكانت الأسر التي فرض عليها أن تقدم سرايا تختار بالقرعة. أما الأسر الأخرى فكانت معفاة من ذلك ولو أنهم كانوا لا يؤدون ضرائب ويحرثون الأراضى التي منحت لهم لأجل. وكانت هذه الأسر احتياطى الجيش يأخذ من بينها السلطان فرقة "المسخّرين" (البغّالين أو فرقة الأشغال العسكرية) للعسكر (أى الجيش النظامى) وللمدفعية. وكل فرد في الجيش يستدعى للقتال يتلقى في حاميته راتبه من التعيين (منى) ومرتبا شهريا (راتب). وكان البواخر الذين كانوا 4000 مقاتل فحسب في ذلك الوقت كلهم من الجنود هم وأهل السوس. وكان يفرد لهم سجل خاص. وكانوا جميعا يللقون "المنى" والرواتب وكانت أراملهم يتلقين معاشات. وكانت المناصب في الجيش كثيرًا ما

توزيع الجيش وسلاحه وزيه

تورث من الأب إلى الأبن، ومن ثم كانت هذه المناصب عنصرًا ثابتًا في طائفة المخزن. صحيح أن تكوين جيش نظامى على النسق الأوربى "العسكر" قد قلل من أثر الأهمية السياسية لأبرز أفراد الجيش. إلا أن ذلك لم يقض بحال على قيمة الجيش العسكرية. ويرجع معظم الفضل في كون أفراد الجيش فرسانا لا مثيل لهم إلى "لعب البارود" الذي برعوا فيه. وكانت مدفعية الميدان للجيش النظامى تجند من بينهم أيضًا. وقد أثبتت هذه المدفعية كفايتها بفضل التدريب الذي تلقته على يد البعثة الفرنسية. وكان الجيش، كما سبق أن لاحظنا، مقسما إلى أرحاء ويقود كل رحى قائد، تحتهم خمسة قواد مائة بمقدميهم. على أن الجيش النظامى كان مقسما إلى "طوابير" تختلف قوتها. وكان يقود هذه قائد رحى له خليفة وعدد مناسب من قواد المائة تحت إمرته. توزيع الجيش وسلاحه وزيه: كان جنود الجيش موزعين توزيعًا غير متساو على المدن السلطانية الأربع: فاس ومكناسة والرباط ومراكش، والثغرين البحريين طنجة والعرائش، كما كان ثمة حاميات صغيرة في الغرب وفى شرقى مراكش وجنوبيها. وكان الجيش في هذه المدن هو وأهله يعيشون مستقلين وقلما كانوا يختلطون بالأهلين إذ كان هؤلاء يخشونهم. وكان هؤلاء الفرسان مسلحين ببندقية ونشستر التي حلت محل البنادق ذات الزناد، وكانوا يحملون أيضًا السكين وهى سيف له نصل يكاد يكون مستقيما، ومقبض قرن وغمد من الخشب مغطى بالجلد الأحمر، وهم يحملون أيضًا "الكُميّة" والخنجر والمدى المنقوشة ذات النصال المقوسة. وكانت خيولهم بصفة عامة جيدة. ولكن عدتها فقيرة جدًا. وكانوا يرتدون قفطانا من القماش من اللون الزاهى يلبسون فوقه فَرجَيَّة بيضاء، ويمسك بهما جميعًا حزامَ من الجلد مطرز بالحرير. أما شاشيتهم الحمراء فمخروطية الشكل محزومة بعمامة من الموصلى الأبيض. وهذا الزى البهيج تكمله خفاف ناعمة من

المصادر

الجلد الأصفر لها سنابل طويلة بدلا من المهاميز. المصادر: (1) السلاوى: كتاب الاستقصاء، القاهرة سنة 1312 هـ في مواضع مختلفة وخاصة جـ 3، 4. (2) Etablissement des dy -: cour nasties des Cherifs، باريس سنة 1904 في مواضع مختلفة. (3) Le Maroc: E. Aubin d'aujourd'hui، باريس سنة 1905 ص 172 وما بعدها. (4) Trois mois de Cam-: Weisgerber pagne au Maroc، باريس سنة 1904, ص 82 وما بعدها. (5) Le Maroc dans les: Massignon. premieres Annees du XVIe. siecle, الجزائر سنة 1906، ص 172 وما بعدها. (6) Le Maroc de 1631 a: Houdas 1812، باريس سنة 1885، في مواضع مختلفة. خورشيد [كور A.Cour] العصر الحديث إن تاريخ الجيوش الإسلامية خلال العصور الحديثة هو في أهم وجوهه تاريخ الإصلاح والأخذ بأساليب الغرب. وقد مكن تقدم العلوم في الدول الأوربية من شن الحرب بكفاءة زائدة وأصبح خطر هذه الدول على الأملاك الإسلامية يصعب شيئًا فشيئًا احتواؤه على أنه حدث حوالى آخر القرن الثامن عشر فحسب أن غدا الحكام المسلمون يقدرون هذا الخطر في أوسع مداه وبدءوا يتخذون التدابير لمواجهته صحيح أن الأساليب الفنية الأوربية في الحرب قد أدخلت في هذا البلد الإسلامى أو ذاك قبل هذا الوقت، ولكن هذه المحاولات لم تكن تسير على نهج أو تدوم وقتًا طويلا. وقد استخدمت الحكومة العثمانية في الحملة التي شنتها على جزيرة إقريطش ما بين سنتى 1644 و 1669 معلمين إنكليز أو هولنديين لتدريب مهندسى جيشها. وفى نهاية القرن السابع عشر كان يشرف على المسابك التي تصنع المدافع ضابط بندقى من ضباط المدفعية

السابقين اسمه سردى، وقد أسلم هذا الرجل. وفى سنة 1731 عهد إلى الكونت ده بونفال (سنة 1675 - 1747) الذي أسلم وتسمى باسم أحمد بمهمة إصلاح فرقة قاذفى القنابل ودرب نحوا من 300 من هؤلاء وفتح مدرسة للهندسة. وهذه البدعة لم تخلف معارضة من الإنكشارية. وفى السبعينيات من القرن الثامن عشر استخدام البارون ده توت Baron de Tott لتجنيد كتيبة من المدفعية على النمط الحديث، وكان هذا الرجل ضابطًا فرنسيًا من أصل هنغارى قدم تركيا في سفارة فركن Vergenne واستخدمه شوازيل Choiseul في سفارة إلى تتر القريم. وقد كون ده توت فرقة من ستمائة مقاتل من السرعتجية وأقام مسبكًا لصنع المدافع، واستحدث أيضًا استعمال "سنجة" البنادق وفتح مدرسة للرياضيات من أجل الأسطول. وواصل عمله بعد عودته إلى فرنسا سنة 1775 رجل اسكتلندى اسمه كامبيل Campbell, وقد أسلم هذا الرجل وعرف باسم "إنكليز مصطفى"، ولما ضم الروس القريم إليهم 1783, حفز ذلك العثمانيين إلى صبغ الجيش العثمانى بالصبغة الغربية، وخشيت الحكومة الفرنسية من ازدياد سلطان الروس اتساعًا، فأعارت الجيش العثمانى ضباطًا فرنسيين برئاسة الجنرال لافيت Lafitte لتدريب هذا الجيش التدريب الفنى والهندسة العسكرية وفن التحصين. على أن الأمر ظل على هذه الحال ولم تبذل محاولة ثابتة لنقل الجيش من النمط القديم إلى النمط الذي يمكنه من أن يكون أداة صالحة للظروف الحديثة إلا في عهد السلطان سليم الثالث (1203 - 1222 هـ = 1767 - 1807 م). فقد حاول هذا السلطان أن يصلح المعاهد المدنية والعسكرية في الإمبراطورية وأن يقيم نظامًا جديدًا (نظام جديد) فأصدر سنة 1792 وسنة 1793 ضمن هذه المحاولة لوائح لإقامة جيش نموذجى جديد قدر له أن يعرف بعد بهذا العنوان نفسه. ويمكن أن نستخلص المزايا التي يمكن أن تتحصل من إقامة هذا الجيش النموذجى من رسالة نشرت ترجمتها

في ذيل كتاب ويلكنسون (- W.Wilkin: An Account of the Principalities of: son Wallachia and Moldevia., لندن سنة 1820). وهذه الرسالة التي يقرر كاتبها أنها ترجمة لمخطوط تركى تاريخه 1804 وهو الوقت الذي كان فيه السلطان معنيا بنشر إصلاحاته العسكرية، تقول إنها "تفسير للنظام الجديد" وأنها كتبت بأمر السلطان كتبها جلبى أفندى وهو من كبار أعيان الإمبراطورية العثمانية والوزير المستشار للدولة إلخ (هو جلبى مصطفى رشيد أفندى المعروف باسم كوسه كتخدا) والرسالة دفاع مستفيض عن سياسة السلطان وهى تكشف عن مساوئ النظام القديم وسبب تفوق الجيوش الأوربية وتعلل ذلك بما يأتى: " ... وتستمسك جنودها بأن تكون كتلة متماسكة تقدم أرجلها معا حتى لا يتفرق نظامها في المعركة، وقد لمعت مدافعها كأنها ساعات ماركوفتش (ماركويك مركم Markwich Markham ساعدتى لندنى له مقام كبير عند الأتراك) وهم يعبئون مدافعهم اثنتى عشرة مرة في الدقيقة ويجعلون الرصاص ينهال كأنه طلقات البندقية". ومزايا النظام الجديد في رأى الكاتب هو أن ارتداء زى موحد متميز يجعل الهروب أصعب وأعسر، وأن الجنود - بصفهم صفوفا مع جنود المقدمة موازين لجنود الخلف - ييسر المناورة، وأن النظام يكون أيسر في فرضه، وأن الهزائم لا تتحول إلى اكتساح. وقد لخص كتيب أصدره ديوان البحرية البريطانية سنة 1920 مناهج الجيوش النموذجية القديمة والجديدة وأغراضها وقارن بينها فقال: "إن السمات الكبرى للمناهج الجديدة هى (1) تدريب الجنود تدريبًا نظاميًا في السير وفى استعمال الأسلحة (2) تنظيمهم في وحدات متناسقة (كتائب وخلافه) وكانت القوات غير المدربة في الجيوش القديمة تعول في القتال إلى حد كبير على الأفراد، وكانت الوحدات العسكرية، بقدر ما توجد، يعوزها التماسك والنظام، ومن ثم افتقرت إلى الفاعلية الكاملة في الهجوم والدفاع. أما في النظام الجديد فإن القواد زاد إشرافهم على الجنود في المعركة وأصبحوا أكثر قدرة على إحصاء عدد جنودهم وأقدر

من ثم على تحريكهم بدقة أكبر وفقًا للخطة الموضوعة [على حين أن وحدات الجيوش القديمة لم تكن موحدة الحجم حتى ولو على وجه التقريب]. وكان الجيش، وهو يخوض المعركة في النظام الجديد، مرتبا صفين أو ثلاثة صفوف متعاقبة، وكان الصف الخلفى يعمل لتعزيز الأمامى ويكون احتياطيًا له، كما كانت كل وحدة ذات عمق موحد. واستبدل بالحركة الهلالية القديمة للصف الأول حركة الخطوط المستقيمة (Naval Intelligence Division, A Handbook of: Naval Staff. Admiralty syria سنة 1920، ص 163). ويمكن أن نخلص من كل هذا إلى أن أغراض الإصلاحات العسكرية كانت ثلاثة: الحصول على الأسلحة الحديثة وصنعها، إدخال المعرفة الفنية في الأقسام، وإقامة كيان منظم من الجنود يمكن أن يستخدمهم القواد في المناورة بسهولة، وكان الغرض الثاني دائمًا في العصر الحديث أعسر إدراكًا من الغرض الأول، كما كان الغرض الثالث أعسر بإطلاق من الثاني. وقد تبنى سليم الثالث المحاولات الأولى لصبغ الجيش بالصبغة الحديثة وعزز هذه المحاولات، فأدخل إصلاحات في المدفعية، واشتد في فرض النظام، وزاد في رواتب الأنفار من 20 إلى 40 أسير في اليوم. ووضع الجيش تحت قيادة "طوبجى باشى" ورقى هذا الطوبجى إلى رتبة الباشوية ذات الذيلين، وقد فصل بين إدارة الجيش والتموين والشئون المالية وبين قيادة العمليات وعهد بالمهمة الأولى إلى "ناظر" وفى سنة 1796 نفذ سفير الجمهورية الفرنسية أوبيرت دوباييه Aubert - Dubayet ما اتفق عليه في مفاوضات سابقة فأحضر معه إلى استانبول عددًا من الضباط كلفوا بتدريب جيش "نظام جديد" وكان الجيش الجديد من المجندين المتطوعين يتألف من طوبجية وسباهية ومشاة. ودرب المجندون على النمط الأوربى وعلموا كيف يقومون بالمناورة في جماعة بميدان المعركة. وأراد السلطان أن يتحاشى حدوث احتكاك لا داعى له مع الإنكشارية - الذين كانوا ينظرون شزرًا إلى هذه البدع - فأسكن الجيش

الجديد ثكنات خارج استانبول - ولما دخل الفرنسيون أثناء حملة نابليون على مصر في فلسطين سنة 1798 استخدم الجيش الجديد الذي كانت عدته وقتذاك ثلاثة آلاف أو أربعة من المدفعيين وحملة البنادق، في المساعدة على الدفاع عن عكا وأبلى بلاء حسنًا. وقد رفع هذا من صيته وخاصة عند سكان استانبول وشجع السلطان على اتخاذ خطوة أخرى. وهنالك أراد السلطان أن يجند جنودًا للجيش الجديد بالقرعة العسكرية من الإنكشارية ومن عامة الشعب. وهذه النقلة الجديدة أيدها ولى زاده محمد أمين، وغيره من كبار رجال الدين الذين اقتنعوا بضرورة الإصلاح ومن المظنون أن رسالة جلبى أفندى التي أسلفنا ذكرها كتبت لتأييد هذه السياسة. وقد أصدر السلطان "خطًا" شريفًا يقوم على هذه الأسس سنة 1805، ولكن سرعان ما ظهرت المعارضة لذلك وقد قوطعت قراءة هذا الخط بشغب قام في أدرنة. بل لقد قتل بالفعل قاض راح يقرأ نصه في رودستو. وخرج الإنكشارية على النظام مفتتنين في الروملى ولم تجرؤ السلطات على قراءة الخط في استانبول. وهزمت كتيبة من الجيش الجديد أنفذت من الأناضول إلى الإنكشارية المتمردين هزيمة حاسمة. واضطر السلطان إلى تعيين أغا الإنكشارية صدرًا أعظم وأعاد الجيش الجديد إلى الأناضول. وأرجأ إلى حين التوسع في هذه الاصلاحات. على أنه فيما يظهر لم يتخل عن الإصلاحات تمامًا، ذلك أنه بذلت محاولة سنة 1806 للتجنيد للجيش الجديد في قره مان التي كان واليها عبد الرحمن باشا قد أظهر مقدرة وولاء في تنفيذ سياسة السلطان وفى سنة 1807 أمر المجندون الاحتياطيون - وهم اليماق - بارتداء زى الجيش الجديد. وكان هذا إيذانًا بقيام فتنة، وسار اليماق إلى إستانبول ولم يلبثوا أن سيطروا على الأمور فيها. وحاول السلطان أن ينقذ عرشه ولكنه خلع بفتوى قالت بأن فعاله وأوامره مخالفة للدين. وأحرق الإنكشارية ثكنات النظام الجديد (الجيش الجديد). على أن بير قدار مصطفى باشا - الذي حقق بعيد ذلك خلع مصطفى

الرابع خليفة سليم وإقامة محمود الثاني على العرش - حاول سنة 1808 أن يواصل مشروعات سليم بتجنيد جنود للجيش النموذجى الجديد وسعى إلى أن يخفى غرضه بتلقيب هؤلاء الجنود باللقب التقليدى: السكبانية، فقضى عليه الإنكشارية وقتلوه، وبذلك انتهت محاولات الإصلاح إلى حين. واستمر الحال على ذلك ثمانين سنة، وهنالك، أى سنة 1826, استطاع السلطان محمود الثاني (1808 - 1839) بضربة ذكية موفقة أن يقضى على سلطان الإنكشارية ويمنح الإمبراطورية جيشًا حديثًا ففى هذه السنة كان السلطان قد حصل على تأييد المفتى وضباط الإنكشارية الكبار في مؤتمر عقد 24 - 25 مايو سنة 1826, فأصدر خطا شريفًا تحدث عن السنن القديمة للإمبراطورية واقترح في الوقت نفسه الاستمرار في إصلاحات سليم. وقضى بإقامة جيش جديد تمده كل سرية إنكشارية مرابطة في استانبول بمائة وخمسين مقاتلا من بين صفوفها، وبذلك تكون جملة المقاتلين الذين يجندون 5000 مقاتل. ونص الخط على الدفع المنتظم للرواتب، والترقية بالأقدمية وتنظيم منح الأجازات والمعاشات ومنع بيع الوظائف العسكرية ورتب أن يزود الجنود بالبنادق والسيوف وأن يدربوا على يد ضباط مسلمين لا أوربيين. وثار الإنكشارية على هذه البدعة بالرغم من موافقة رؤسائهم الصريحة، وأعلنوا العصيان في 15 يونية، ولكن السلطان كان مستعدًا لهم وقضى على عصيانهم. وفى 17 يونية ألغى نظام الإنكشارية ولم يلبث أيضا أن ألغى "السباهية" و"السلحدارية" و"الغربا" و"العلوفجيه" كذلك. ولم يضع السلطان الوقت بل بادر إلى إعلان قيام جيش جديد، لتوكيد الصفة الإسلامية والتقليدية لإصلاحاته، وسمى السلطان الجيش الجديد "عساكر منصوره محمديه". وقد قسم القانون العسكرى الجديد الذي نشر حوالى نهاية سنة 1826, الجيش إلى ثمانية أقسام ووضع على رأسه "سر عسكر" يجمع بين واجبات

القائد العام ووزير الحرب، وهو يشرف على جميع الجيش في ظل السلطان، إلا فيما عدا أن ناظر الطويخانه (أى رئيس المدفعية) قد جعل مسؤولا مباشرة أمام السلطان عن المدفعية والمهندسين والتموين وظل هذا التقسيم للمهام بين القائد العام وناظر الطوبخانه مرعيا حتى سنة 1909. وقد قدر أن يتألف الجيش من 12,000 جندى يظلون في الخدمة العسكرية اثنى عشر عامًا، على أن هذه الخدمة كانت تزداد في بعض الأحيان عن هذه المدة، كما يتبين من رسالة كتبها هلموت فون مولتكه - Hel mut von Moltke سنة 1838 وتحدث فيها عن مدة الخدمة وقدرها 15 عامًا. وفى العقود التالية من هذا القرن زيد في حجم الجيش كثيرا، ونظمت إدارته على هدى المنطق السليم. وصدر سنة 1843 قانون حدد مدة الخدمة العسكرية بخمس سنوات. وأُنقصت هذه المدة سنة 1869 إلى أربع سنوات، وأنُقصت سنة 1869 إلى ثلاث سنوات. وقد نص قانون الجيش الصادر سنة 1886 على خضوع الرعايا العثمانيين للخدمة في الجيش مدة تسع سنوات من سن العشرين ثم ينقلون بعد ذلك إلى "الرديف" (الإحتياطى) تسع سنوات أخرى، وبعدها للجيش الإقليمى (مستحفظ) سنتين أخريين. ونص قانون سنة 1843 على قيام خمس فرق في الجيش: الحرس السلطانى، وفرقة إستانبول، وفرقة الروملى، وفرقة الأناضول، وفرقة عربستان. وفى سنة 1848 أنشئت فرقة سادسة اتخذت مقرها في بغداد وقد رتبت رتب الجيش على النمط الأوربى (ويجد القارئ ثبتا بالرتب في الجيش العثمانى وما يناظرها من الرتب في الجيش البريطانى في P. Ward,R Captain M. C. .Handbook of th Turkish Army: A, لندن سنة 1900). وسرعان ما زاد عدد الجيش الذي جنده السلطان محمود من 12,000 مقاتل. وما وافت الأربعينات من القرن التاسع عشر حتى بلغ عدد أفراد الجيوش العثمانية نحوا من 150,000 مقاتل، والظاهر أن هذا العدد ظل على حاله زمن السلم من بعد.

وكان الجيش حتى صدور "خط همايون" سنة 1856 يجند من السكان المسلمين بالإمبراطورية العثمانية دون سواهم. وقد وضع هذا الخط موضع الاعتبار المساواة بين جميع رعايا السلطان في الحقوق والواجبات فقرر من ثم ان يتحمل الجميع عبء الخدمة العسكرية وقضى بإلغاء ضريبة الرؤوس على الذميين. وهذا الغرض ظل حبرًا على ورق حتى سنة 1909، ذلك أن رعايا السلطان غير المسلمين قد أعفوا من الخدمة العسكرية نظير دفع البدل والظاهر أن هذا الإعفاء قد طبق على الجماعات الإسلامية وغير الإسلامية فالقانون الصادر سنة 1909، الذي ألغى إعفاء غير المسلمين قد ألغى أيضا الإعفاء من الخدمة العسكرية الذي كان ميزة يتمتع بها أهل إستانبول. وهذا الإعفاء الأخير يدل على قيام ضرب من الصعوبة وقف في سبيل توحيد الإدارة العسكرية ذلك أن اختلاف أجناس الإمبراطورية العثمانية وتعدد أديانها وفرقها، وبقاء امتيازات قديمة ومنح امتيازات جديدة، كل ذلك كان يناهض قيام الوحدة. فقانون سنة 1886 الذي ينص على إعفاء أهل استانبول ينص أيضًا على أن سكان سنجق لبنان وساموس يعفون أيضًا وكذلك لم يطبق القانون في إسكودار (اللهم إلا في دوراتزو) وفى اليمن وفى الحجاز وفى نجد وفى طرابلس وفى بنغازى وهذه المتناقضات دليل كاف على المقاومة التي أثارها اتخاذ النمط الأوربى في الإدارة العسكرية. ويعتمد تدريب الجيش القائم على القرعة العسكرية وسياسته وبلاؤه في الحرب على اكتمال الصحة والتموين والخدمات المالية وإمساك جيد للسجلات. وبالطبع كانت هذه هى الحال التي استوجبت قيام هذه الخدمات في نفس الوقت الذي كان فيه الجيش يجند ويتسع، وكان من المنتظر أن هذه الخدمات وقت الطوارئ وخاصة في أولها سوف تكون دون الحاجه المطلوبة ففى سنة 1842 مثلا كان الجنود ينامون بثيابهم ويرتدون

مجموعة من الأزياء غير المتجانسة. زد على ذلك ان الجيش النموذجى الجديد كان يعتمد اعتمادًا شديدًا في التدريب على ضباط من شتى الأجناس: فرنسيين وإنكليز وبروسيين ونمساويين، وكانوا، وهم نصارى، يعاملون معاملة تنطوى على احترام يسير من جمهرة الجيش. ولعل القيادات العليا كانت مقتدرة على علم، إلا أن الملازمين وضباط الصف كانوا قليلين على غير خبرة وهذا هو حكم ملاحظ سنة 1828 (C. Macfarlane: Constantinople in 1828 .. لندن سنة 1829, ص 26). وردد هذا الحكم المارشال ده سانت أرنو de st.Arnaud سنة 1854 الذي كتب يقول إنه لم يكن في الجيش التركى إلا شيئان فحسب: قائد عام وجنود، ولا يوجد وسط ولا ضباط. فما بالك بضباط الصف. E La Turquie et le Tanzimat: Engelhardt, باريس سنة 1882, جـ 1، ص 116). وفى رأى هلموت فون مولتكه أن مزايا التدريب الأوربى قد ضاعت في خضم عدم الشخصية والصفة الجماهيرية للجيش المجند بالقرعة العسكرية. وقد كتب يقول إن الفرسان "قد تعلموا امتطاء صهوة الجياد حشودًا حشودًا، ولكنهم فقدوا حمية الهجوم التركى الضارى، وأدى تحملهم للعادات الجديدة إلى اختفاء الروح القديمة القائمة على التعصب، فقد ضاع ما هو خير في القتال البربرى دون أن يجنوا منفعة كبيرة من زاد الحضارة. وتزلزلت الأهواء العامة، ولكن الروح القومية تحطمت في الوقت نفسه، وكان التغيير الوحيد إلى أحسن هو أن الجنود أصبحوا يطيعون أوامر قوادهم أكثر من ذى قبل ( ... The Russians in Bulgaria and Rumelia، لندن سنة 1854، ص 269). وعوض نقص الضباط شيئًا فشيئًا، فقد بعث محمود الثاني تلاميذ الحربية والبحرية إلى الكليات الأوربية سنة 1827، وفى سنة 1834 فتحت الكلية الحربية في بانكالتى وشهدت العقود التالية زيادة مطردة في المعرفة العسكرية وتحصيلها، ولكنه لم يحدث توسع مذكور في التعليم العسكرى إلا بقيام إصلاحات التعليم التي أدخلها

السلطان عبد الحميد الثاني. وقد كان لقيام هذه الصفوة العسكرية الحديثة المدركة لعلمها الرفيع وتفتحها للمثل الأوربية بفضل التدريب، آثار خطيرة في تاريخ الإمبراطورية العثمانية والدول التي خلفتها. وقد عاصرت الإصلاحات التي أدخلت على الجيش العثمانى الإصلاحات التي أدخلها محمد على وإلى مصر على الجيش المصرى. وذلك أنه ما إن مكّن لنفسه في حكم هذه البلاد حتى استقر رأيه على إنشاء جيش كفء، فقد عمد سنة 1815 إلى إدخال التدريب الأوربى في قواته بعد عودته من الحجاز، وقد أثار هذا الفعل منه سخطًا عظيمًا وتمردًا قام في القاهرة. واضطر محمد على إلى إرجاء مشروعاته إلى حين. وفى سنة 1819 استخدم الكولونيل يوسف سيف، وهو ضابط من ضباط نابليون كان قد اعتزل الخدمة العسكرية (اعتنق الإسلام من بعد وأصبح يعرف باسم سليمان باشا ليشرف على التدريب في مدرسة حربية جديدة أنشأها في أسوان بعيدا عن القاهرة وكان الجنود الذين يدربون رقيقًا من السودان و 300 مملوك من مماليك محمد على. وقد واجه سيف الصعوبات المعهودة التي واجهها الضباط الأوربيون في الإمبراطورية العثمانية وهى: التمرد النابع من احتقار النصارى الأوربيين، والنفور المطلق من الأساليب الفنية الأوربية في التدريب. وحاول محمد على بادئ ذى بدء أن يجند رقيقا من السودان في جمهرة جيشه، ولكن نسبة الوفيات بينهم كانت مرتفعة جدا، ذلك أنه لم يبق من الأربعة والعشرين ألف رقيق الذين جندوا سنة 1824 إلا نحو من ثلاثة آلاف في هذه السنة ومن ثم تخلى عن هذه الطريقة وبدأ محمد على يجند جنوده من بين الفلاحين المصريين. فقد أمر مديرى المديريات بأن يقدم كل منهم نصيبًا من المجندين واستخدمت أول الأمر فصائل من الجند للم المجندين بالقوة، ثم بذلت محاولة للعدول عن هذه الطريقة العنيفة إلى التجنيد بالقرعة، ولكن لا القوة ولا الإقناع استطاعا أن يتغلبا على كراهية

الفلاحين للخدمة العسكرية، إذ كان هؤلاء يلجئون إلى المقاومة، والفرار وتشويه أنفسهم، ثم استعملت مرة أخرى فصيلة الجند التي تُجنِّد بالقوة وبعد حملة المورة زاد محمد على يؤازره ابنه إبراهيم من التيسيرات المبذولة لتدريب الضباط، فأقام مدرسة للمشاة، ومدرسة للفرسان، ومدرسة للمدفعية، وكان يشرف عليها جميعًا أوربيون، وقد ترجم القانون العسكرى الفرنسى واقتبس لتطبيقه في الجيش المصرى وقد عهد محمد على بإدارة الجيش إلى "ناظر الجهادية"، وكان يشرف عليه مجلس من الموظفين اسمه "ديوان الجهادية". وما وافى عام 1831 حتى قامت قوة منظمة من 20 كتيبة من المشاة وعشر كتائب من الفرسان وأصبحت مستعدة لخوض المعركة أمام الجيش العثمانى في الشرق. وبنهاية حملات الشرق سنة 1841 قدر عدد الجنود الذين كانوا تحت إمرة والى مصر بنحو من مائة ألف جندى من بينهم الجنود غير النظاميين. وقد خفض الجيش المصرى إلى 18,000 جندى ضمن أحكام الاتفاق الذي عقد بين محمد على والإمبرطورية العثمانية بعد انسحابه من الشرق وكان ذلك بفرمان صدر في 13 فبراير سنة 1841، على أن هذا العدد زيد زيادة غير رسمية برسائل وزارية تبودلت في عهد الخديوى عباس الأول والخديو سعيد، وهذا الاتفاق غير الرسمى قد صدَّق عليه فرمان صدر في 27 مايو سنة 1866 للخديو إسماعيل. وقد نجح هذا الخديو من بعد في تجاوز العدد المحدد للجنود المصريين، وقد صدر إليه فرمان في هذا الخصوص تاريخه 8 يونيه سنة 1873 فلما خلع واستتبع ذلك اضطراب الحالة في مصر وضعفها، استطاعت الحكومة العثمانية أن تسحب هذا التنازل من جانبها باعتلاء توفيق عرش مصر، وصدر فرمان في 7 أغسطس سنة 1879 حدد مرة أخرى عدد الجنود المصريين بثمانية عشر ألف جندى. وشهد العام التالى من حكم توفيق صدور قانون (تاريخه 31 يولية سنة 1880) نص على أن جميع الرعايا العثمانيين في مصر يخضعون بلا تمييز من دين للخدمة العسكرية العاملة 4 سنوات من

سن التاسعة عشرة، يعقبها خمس سنوات في الرديف وست سنوات أخرى للخدمة العسكرية في الاحتياطى الإقليمى. وكان المجندون يختارون بالقرعة من بين من بلغوا سن التجنيد. والظاهر أن هذا القانون كان من أسباب السخط الذي أدى إلى حركة عرابى، ذلك أن عرابى وأصدقاءه قد احتجوا بأن مدة الأربع سنوات في الخدمة العسكرية العاملة ليست كافية للترقية من صفوف الجند - ومن ثم عدوا هذا القانون قد قصد به العنصر التركى في الجيش الضرر بالعنصر المصرى. وكان من آيات شعورهم في هذا الصدد صدور قانون 22 سبتمبر سنة 1881، وهو القانون الذي أجبروا الخديو على إصداره، والذى جعل الترقية منتظمة حتمية ما دام المرشح لها قد أمضى المدة المقررة في الخدمة العسكرية واجتاز الامتحانات. ولما انهارت حركة عرابى واحتل البريطانيون مصر سرّح الخديو بمرسوم أصدره في 17 سبتمبر سنة 1882 الجيش المصرى قبل إعادة تنظيمه وقد نص أمر عال أصدره الخديو في ديسمبر سنة 1882 على تأليف جيش حدد عدد رجاله بعشرة آلاف مقاتل. وكان الغرض من إنشاء هذا الجيش تلبية الحاجات الداخلية، وكان ضباطه العاملون من البريطانيين وطرائق تدريبه وتنظيمه تسير على النمط البريطانى. وقد كررت المراسيم الخديوية التي صدرت سنة 1886 أحكام قانون سنة 1880 وأباحت علاوة على ذلك الإعفاء من الخدمة العسكرية نظير دفع "بدل" (منع مرسوم صدر في 22 أبريل سنة 1895 الإعفاء بدفع البدل بعد استلام قرعة التجنيد السنوية). ولما أعيد فتح السودان سنة 1898 زيد عدد أفراد الجيش إلى قرابة 30,000 جندى، ولكن عدده نقص من بعد إلى ما بين 10,000 و 15,000 جندى حتى توقيع المعاهدة الإنكليزية المصرية سنة 1936. والمحاولات التي بذلت لإصلاح النظم العسكرية في بلاد فارس أثناء القرن التاسع عشر لم تكن مدعمة ولا

منتظمة كما كانت في مصر وفى الإمبراطورية العثمانية ذلك أن فارس قد انجذبت إلى السياسة الأوربية في عصر نابليون، وقد حاولت كل من بريطانيا وفرنسا أن تنفرد بالحصول على النفوذ في هذه البلاد، فأرسل الفرنسيون بعثة لتدريب الجنود الفرس سنة 1807 - 1808, كما فعلت ذلك بريطانيا سنة 1810, ثم حدث بعد ذلك أن حاولت سلسلة من الضباط الأجانب، روس وفرنسيين وإيطاليين، أن يدخلوا التدريب الأوربى والأساليب الفنية الأوربية في البلاد، على أن أثرهم في هذا الشأن لم يكن عميقا ولا باقيًا. وفى سنة 1842 أدخلت في فارس طريقة معدلة للتجنيد فقد مسحت الأرض المزروعة وقسمت وحدات، وفرض على كل وحدة (وهى القدر من الأرض الذي يمكن حرثه بمحراث واحد) أن تقدم جنديًا واحدًا ونصيبا من المال يصرف بعضه في تدبير معاش المجند وبعضه يذهب إلى الحكومة لمواجهة نفقات الجنود وقسمت بلاد فارس إلى منطقة نفوذ بريطانية ومنطقة نفوذ روسية وفقًا للاتفاق البريطانى الروسى الذي أبرم سنة 1907، ووقعت أحداث الحرب العالمية الأولى، فحال ذلك دون أن تتمكن الحكومة الفارسية من أن تمارس إشرافًا فعالا على القوات المسلحة وظل الحال على ذلك حتى وقع الانقلاب سنة 1921 فتمكن رضا شاه الذي أصبح وقتذاك قائدًا عامًا للجيش أن ينظم الجيش الفارسى على النمط الأوربى. وقد صدر عام 1925 قانون للتجنيد فرض الخدمة العسكرية على جميع أهل فارس مدة سنتين، وأقام الشاه أيضا مدرسة حربية في طهران. وكان لدى الدول العربية التي تخلفت عن هزيمة الإمبراطورية العثمانية في الحرب العالمية الأولى وفى ظل حكم الانتداب، قوات متطوعة صغيرة نظمتها ودربتها حكومات الانتداب، وقد أدت طرائقها في التدريب والتنظيم إلى التأثير فيما مارسته هذه الدول بعد ذلك. ولما نالت الدول التي نحن بصددها استقلالها الكامل سارعت إلى الأخذ بنظام القرعة العسكرية التي تشمل جميع أهلها، ولم تكن إدارة هذه القرعة يسيرة في جميع الأحوال. وقد

المصادر

صادفت حكومة العراق التي كانت أول من أخذت بذلك (قانون رقم 9 لسنة 1934) مقاومة مسلحة للتجنيد من قبل قبائل نهر الفرات ويزيدية جبل سنجار. وقد ظهر جدول بالرتب العسكرية المتناظرة في جيوش الدول العربية تجده ميسورًا في عبد الله التل: كارثة فلسطين، القاهرة سنة 1959، ص 10 المصادر: (1) عبد الرحمن الرافعى: عصر إسماعيل، جـ 1، القاهرة سنة 1932. (2) Actes diplomatiques et Firmans -imperiaux relatifs a l'Egypt القاهرة سنة 1886. (3) أحمد عرابى: كشف الستار عن سر الأسرار، القاهرة من غير تاريخ. (4) Legislation ot-: Aristachi Bey tomane إستانبول سنة 1875. (5) A. Bilioti and Ahmed Sedad: Legislation ottomane depuis le retour de la constitution، جـ 1, باريس سنة 1912. (6) Apercu general: A.B. Clot Bey sur l' Egypte في مجلدين، باريس سنة 1840. (7) Persia and the Per-: G.N. Curzon Question sian, في مجلدين، لندن سنة 1892. (8) أحمد جواد: Etat militaire Otto - man جـ 1، إستانبول سنة 1882. (9) Dodwell .Founder of: H The modern Egypt, كمبردج سنة 1931. (10) مصر: دكرتات وتقريرات ... ، بولاق سنة 1881. (11) تقويم الحكومة المصرية (سنوى). (12) La Turquie et le: E. Engelhardt Tanzimat, في مجلدين، باريس، سنة 1882 - 1884. (13) Gibb - Bowen، جـ 1/ 1. (14) Iraq directory, بغداد سنة 1935. (15) Eng-: Iraq, Ministry of Defence lish - Arabic Military dictionary, بغداد في تاريخ غير معلوم. (16) إسماعيل سرهنك: حقائق الأخبار عن دول البحار، في مجلدين، بولاق سنة 1314 - 1341 هـ

(17) Histoire: Juchereau de st. Denis de l' Empire ottoman. في مجلدين، باريس سنة 1844. (18) L'organisation: L. Lamouche militaire de I'empire Ottoman، باريس سنة 1895. (19) The emergence of: B Lewis modern Turkey لندن سنة 1961. (20) Constantinople: C. Macfarlane in 1828، لندن سنة 1829. (21) محمود شوكت: عثمانلى تشكيلات وقيافت عسكرية سى، في مجلدين، إستانبول سنة 1325 هـ. (22) Briefe ueber Zus-: H.V. Moltke taende and Begebenheiten in der Tuerkei aus den Jahren 1835 bis 1839 , الطبعة الثالثة، برلين سنة 1877. (23) محمد أسعد: أس ظفر، إستانبول سنة 1243 هـ (ترجمة Precis historique de: Caussin de Perceval la aestruction de Corps des Janissaires، باريس سنة 1833). (24) England: H. W. V. Temperley .. and the Near East كمبردج سنة 1936. (25) Memoires: Baron de F. Tott, في أربعة مجلدات، أمستردام سنة 1784. (26) Soliman Pacha: A. Vingtrinier, باريس سنة 1886. (27) Lettres sur la Tur -: A. Ubicini quie في مجلدين باريس سنة 1853 - 1854. (28) Handook of the M.C.P. Ward Turkish Army, لندن سنة 1900. (29) Histoire militaire: M. Weygand de Mohamed Ali et ses fils في مجلدين، باريس سنة 1936. (30) An Account of: W. Wilkinson the Prineipalities of Wallachia and Mol- davin، لندن سنة 1820. (31) Persia: A. T. Wilson، لندن سنة 1932. (32) Corps de droit Otto-: G. Young man, أوكسفورد سنة 1905. (33) L'Armee ot -: H. Zboinski tomane باريس سنة 1877

ح

ح

حاتم

حاتم " حاتم" الطائى بن عبد الله بن سعد: فارس وشاعر جاهلى عاش من النصف الأخير للقرن السادس الميلادي إلى أوائل القرن السابع، وعاصر الشعراء: النابغة وبشر بن أبى خازم وعبيد بن الأبرص. وقد أظهر حاتم أعظم صفات المروءة وخاصة الكرم والسماحة، وكان في مروءته لا يلتفت إلى حاجاته هو أيما التفات، وبدا عليه هذا النزوع إلى الإفراط في الجود حتى وهو حدث. ويرجع ذلك إلى أنه نشأ في كنف جده بعد إذ توفى عنه أبوه في سن مبكرة. وتصوره الروايات مثالًا للعربى ليس بعده مثال، ومن شاء المزيد عن حاتم وعن صلاته بملوك الحيرة فليرجع إلى Schulthess (كتابه المذكور في المصادر، المقدمة). وغدا جوده مضرب المثل، فقد قيل "أجود من حاتم" ثم إنه لقب بالجواد أو الأجود. بل روى أنه بعد أن توفى كان يلبى دعوة من يزورون قبره لائذين بكرمه. (Muh. Stud.: Goldziher, جـ 1، ص 234) وربما كان هذا القبر على جبل (عُوارض: ياقوت، جـ 3، ص 740) في تنغة في وادى حائل (جاء في المسعودى بقة ويجب أن نقرأها تنغة، وجاء فيه أيضًا الخابل ويجب أن نقرأها حائل مستندين في ذلك إلى ياقوت، جـ 1، ص 880) وكان حاتم يعيش في

هذا الوادى على ما يقال. وروى المسعودى (الديوان رقم 14 و The: Laney Thousand and One Nights, الطبعة الجديدة، جـ 2، ص 295 وما بعدها) أنه كان إلى يمين قبره وإلى يساره أربعة تماثيل من الحجر لعذارى أرسلن شعورهن حزنًا عليه. وترى عند قبره أيضًا بقايا الأنعام الكثيرة التي أطعمها حاتم ضيفانه. وفى رواية بالكريف (Narrative: Palgrave جـ 1، ص 224 وما بعدها) أن قبره مازال معروفًا في هذه الناحية على ما يظهر. ومعظم أشعاره في التغنى بالجود وإنكار الذات. وربما تضمن ديوانه في صورته الحالية أشعارًا ليست له، ولعل ديوانه الأصلى كان أكبر من هذا بكثير (جاء في الفهرست، ص 132، أنه كان حوالى 200 ورقة). وأصبح حاتم من أشهر أعلام الأدب العربى، وغدا في فارس بطلًا لقصة عظيمة الانتشار هى "قصة حاتم طائى" (وتعرف أيضًا بـ "قصة هفت سير [سؤال] حاتم طائى) وقد ترجمها فوربس (D.Forbes, لندن 1830 في O.T.F) عن نسخة تختلف اختلافًا واضحًا عن نسخ كلكته (طبعة J. Atkinson, سنة 1818، 1827؛ وانظر أيضًا Forbes, كتابه المذكور، المقدمة ص 7). أما "هفت إنصاف حاتم طائى" فهى ذيل لهذه القصة. وقد تناول حسين واعظ كاشفى المتوفى عام 910 هـ (1504 - 1505 م) حياة حاتم وفعاله في إيجاز أكثر في "قصص آثار حاتم طائى" ويعرف هذا المؤلف أيضًا بالرسالة الحاتمية "طبعة شيفر Schefer: Chrestomathie Persane، جـ 1، ص 173 وما بعدها). وثمت نسخة تركية من القصة عنوانها "داستان حاتم طائى" (الآستانة 1272 هـ). ولـ "قصة حاتم" أيضًا ترجمات هندوستانية بعنوان "آرايش محفل" وردت في مكتبة وزارة الهند، ج 2، ص 2 وفى Hindustani Books لبلومهارت Blumhardt J.F.، ص 135 وما بعدها، وانظر أيضًا Garcin de Tassy: Hist. de la Litt. Hindouie et Hindoustanie جـ 1، ص 552 وما بعدها، وانظر النسخة المنظومة من القصة بالهندية والهندوستانية Garcin de Tassy. كتابه المذكور، جـ 1، ص 497، جـ 3، ص 148.

المصادر

المصادر: (1) - Der Diwan des Arabischen Dich ters Hatim Tej, نشره وترجمه وعلق عليه Dr. F.r Schulthess انظر Zur: Barth kritik Hutim Tej في und Erkiaerung des Diwans Zeitschr. der Deutsch. Morgenl. .Gesellsch في، جـ 52، ص 34 وما بعدها، وانظر المصادر التي ذكرها في المقدمة. (2) كتاب شعراء النصرانية، طبعة شيخو، جـ 1، ص 98 - 134 ابن قتيبة: كتاب الشعر والشعراء، طبعة ده غويه، ص 123 - 130. (3) المسعودى، طبعة باريس، جـ 3، ص 327 - 331. (4) الأغانى، جـ 16، ص 96 وما بعدها. (5) ياقوت، طبعة فستنفلد، الموضع نفسه، جـ 1، ص 312, 790. (6) Gesch. d. Arab.: Brockelmann Litt. جـ 1، ص 26 وما بعدها والمصادر المذكورة في هذا الموضع. وانظر عن القصة الفارسية: (1) Catal. Pers. Mss. India: H. Ethe Office رقم 780 - 783 والفهارس المذكورة في هذا الموضع. (2) A Catal. of the Pers.: Browne Mss ... Cambridge الرقمين 319, 333, ص 199، 420 - 422. (3) Grundr. der iran Philol. جـ 2، ص 319 وما بعدها. [أرندك C. Van Arendonk] حاجب من حجبه أى منعه عن الدخول) وهو اسم لوظيفة القائم على الباب المتولى حفظه كحجبة البيت (أى الكعبة) وهم من بأيديهم مفاتيحها، وهى تقابل وظيفة "الأمين" في عصرنا الحاضر؛ ونذكر في هذا المقام ما ذهب إليه ابن خلدون في تفسير هذا اللفظ تفسيرًا نظريًا بقوله إن على الحاجب أن يصرف عن الحاكم الزوار الذين يضايقونه حتى يوفر له الهدوء فينصرف إلى أعماله الهامة؛ وفى الممالك المغربية - كقرطبة - كثيرًا ما كان الحاجب يصبح ممثلا للخليفة وكبيرًا لوزرائه؛ وكان ملوك

الطوائف يتلقبون بالحاجب، وكانوا فى الواقع ملوكا مستقلين فى الأندلس؛ وفى عهد الحفصيين كان الحاجب يتولى وظيفة الناظر ووزارة الحرب. وكان هو الوالى الحقيقى باعتباره أكبر الموظفين؛ وفى عهد بنى زيّان كان المهيمن على شئون القصر ووزير المال؛ أما فى الممالك الشرقية (بلاد ما بين النهرين وسورية ومصر) فقد كان للحَجْب فى البلاد مركز يشابه مركز الأمين. وكان هذا اللقب يمنحه حتى لو خدم الوالى أميرًا لجيشه. وفى عهد المماليك كانت أعماله تخالف هذه تمام المخالفة، فقد عهد إلى أمير الحجاب أو حاجب الحجاب فى عهد بيبرس (658 - 676 هـ = 1260 - 1277 م) بفض المنازعات بين الأمراء والجند تخفيفًا لأعباء عامل السلطان فى القاهرة (الديار المصرية) وفى الأقاليم، وربما كان الغرض من ذلك الحد من نفوذه، فلما ألغى بعدئذ منصب والى السلطان فى القاهرة وضع الحاجب على رأس المجلس الإدارى الحربى فى عهد السلطان الناصر محمد وأولاده؛ وكان يتبادل المشورة مع السلطان فى المسائل العسيرة، وبمرور الزمن لم يقتصر الحاجب على إبداء الرأى فى المسائل الحربية بل أخذ يتعدى سلطته فيفتأت أيضا على المسائل المدنية التى كانت من اختصاص القاضى؛ والظاهر أن الطوائف التى يهمها الأمر قاومت ذلك باديء ذى بدء كما يصف المقريزى ذلك فى جلاء، ولكنهم رضوا عن الحجاب فى نهاية الأمر، ويضع القلقشندى الذى عاش فى عهد السلطان المؤيد شيخ (815 - 824 هـ) الحاجب فى المرتبة الثامنة بين عمال الدولة. ويضعه صاحب ديوان الإنشاء الذى عاش فى عهد السلطان برسباى (825 - 842 هـ) فى المرتبة الثانية عشرة؛ ويضعه خليل الظاهرى الذى عاش فى عهد السلطان جقمق (842 - 857 هـ) (فى المرتبة السابعة، وهو يقول إن الحاجب الثانى "طبلخانه" أمير لأربعين مملوكًا وإن الحاجب الثالث أمير لعشرين مملوكًا أو عشرة؛ وكان هناك أيضًا عشرون حاجبًا رتبهم دون رتبة الأمير؛ ويقول القلقشندى إن رتبة الحاجب فى الأقاليم كانت الثالثة فى الترتيب فهو يلى الحاكم وقائد الكتيبة (الأتابك)؛ ويجعله خليل الظاهرى فى المرتبة الثالثة أيضًا إذ يضعه بعد

الحاكم وقائد القلعة إذا كانت هناك قلعة، ويجعله فى المرتبة الثانية بعد الحاكم مباشرة إذا لم تكن هناك قلعة، وكان ينوب عن الحاكم عند غيابه وفى حالة وفاته حتى يتم تعيين خلفه؛ وكان السلطان نفسه لا يراسل إلا الموظفين الذين سبق ذكرهم؛ وعندما كان يراسل أمير الحجاب فى الولايات الكبرى فى دمشق وحلب وطرابلس كان يلقب نفسه عند التوقيع "والدكم السلطان فلان" بينما كان يكتفى بعبارة "السلطان فلان" عند توقيع الرسائل الموجهة إلى أمير الحجاب فى حماة وصفد وغزة. المصادر: (1) ابن خلدون: المقدمة، ترجمة de Slane جـ 2، ص 5 و 7 و 11 - 16. (2) المقريزى: الخطط، بولاق، جـ 2، ص 219 - 222. (3) ضوء الصبح، مستخرج من القلقشندى، القاهرة سنة 1906, ص 247، 323، 476، 478. (4) زبدة كشف الممالك، طبعة Ra- vaisse ص 114، 115. (5) ديوان الإنشاء، المخطوطات العربية، الفهرس القديم للمكتبة الأهلية بباريس، سنة 1572، الورقة رقم 124 (1). (6) Chrestomthie: Silv. de Sacy مستخرجات من خطط المقريزى مع شروح عدة، باريس، عام 1826، جـ 2، ص 55 - 66، ص 157 - 191. (7) Corpus in-: Van Berchem scriptionum Arabicarum, جـ 1، ص 567، 568. (8) Sobernheim فى Zeitschr. d. Deutsch. Pal- Vereins عام 1903، ص 176 - 205. [سوبر نهيم M. sobernheim]. + حاجب: مصطلح استعمل فى البلاد الإسلامية للدلالة على شخص مسؤول عن حراسة باب حاكم والدخول عليه، ومن ثم فلا يدنو منه إلا الزائرون الذين يجازون. وسرعان ما أصبح لقبا يطابق منصبًا فى البلاط ووظيفة تختلف طبيعتها الدقيقة إختلافًا كبيرًا باختلاف الأقطار والعصور. وكثيرًا ما يظهر الحاجب، الذى هو أساسًا رئيس للتشريفات، ناظرًا للقصر

1 - الخلافة

فى الواقع، ورئيسًا للحرس أو مصححا للأخطاء، كما يظهر فى بعض الأحيان رئيسًا للوزراء، أو رئيسًا للحكومة. واللفظ حاجب نفسه مشتق من الفعل "حَجَب"، ويجب أن نعده هو وحجاب وستر يدل على الستارة التى تستعمل وفقًا لعادة منتشرة فى المشرق قبل الإسلام، لحجب السلطان عن نظرات الحاشية أو الزوار (وانظر عن الحجج المناهضة لهذه العادة والمؤيدة لها رسالة الجاحظ: كتاب الحجاب فى الرسائل، طبعة السندوبى، القاهرة سنة 1352 هـ = 1933 م. ص 155 - 186، الأبشيهى: المستطرف، فصل 17). 1 - الخلافة ظهر الحاجب فى الأوائل الأولى من العصر الأموى. وقد سجل بعض الإخباريين - فى عناية - أسماء الأشخاص. أحرارًا وموالى. الذين كانوا حجابًا للخلفاء الأولين، من عهد معاوية إلى العهود التى تليه. وتثبت نصوص شتى أن الاحتفالات الرسمية حتى فى ذلك العصر كانت قد اتسعت بالفعل حتى أصبح فى الإمكان أن ندرك على الفور شأن الحاجب. ولم تقتصر مهمة الحاجب على تقديم الأصدقاء والزوار إلى حضرة السلطان، بل كان أيضًا يشرف على تنظيم المقابلات الهامة التى يصطف فيها الحاضرون جماعتين كل جماعة تنتحى جانبًا من القاعة تاركين الوسط خاليًا لأولئك الذين يؤذن لهم بمخاطبة الخليفة. وفى هذا الوقت كان الحاجب يظهر فى حاشية الخليفة على مستوى "الكتّاب" دون أن يدعى بأنه يساوى فى المرتبة ممثلى الأرستقراطية العربية. وتغير هذا الموقف تغيرًا كبيرًا بقدوم العباسيين الذين أضفوا مكانة سامية على مساعديهم الموالى. وأصبح أهم منصبين فى البلاط هما منصب الوزير ومنصب الحاجب، وكلاهما خصص للموالى الذين كانوا فى بعض الأحيان من اصل وضيع جدًا. وكانت رتبة الحاجب دون رتبة الوزير كما يتضح من البيان الخاص بكيف أسندت الوزارة للحاجي الربيع بن يونس فى عهد المنصور. والحاجب، الذى كان يعين من بين خدم القصر، كان رئيسًا لموظفى القصر الخصوصيين كما كان رئيسًا للتشريفات. وكان يناط به فى بعض الأحيان أيضًا التخلص بالوسائل

العنيفة من الأشخاص الذين ضايقوا الخليفة. ومن الواضح أنه كان ثمة منافسة دائمة فى القرنين الأولين من العصر العباسى، بين الوزير الذى لم تكن اختصاصاته قد حددت تحديدًا واضحًا وإنما كان يعاون الخليفة فى مهام الإدارة والحكم، وبين الحاجب الذى كان يحاول فى بعض الأحيان التخلص من الوزير القائم بالوزارة والحلول مكانه. وكان الحجاب، وهم من خدم القصر السابقين، المنافسين للكتاب المحترفين الذين كان يختار من بينهم فى أغلب الأحيان الوزراء. ومن ثم فإن الحاجب الربيع بن يونس فى عهد المنصور قد أسندت إليه الوزارة بعد عزل أبى أيوب، ثم حدث من بعد فى عهد هارون، ان أقيم ابنه الفضل وزيرًا بعد نكبة البرامكة. وفى منتصف القرن الثالث الهجرى (التاسع الميلادى) بقيت هذه المنافسة ملحّة، على أن الحجاب فى ذلك الوقت قد جرت العادة بأن يختاروا من بين الغلمان الأتراك للخلفاء. وهكذا كانت حالة إيتاخ صاحب المتوكل الذى ألفى نفسه شاغلا أرفع منصب حين قرر الخليفة أن يتخلص من وزيره. وفى نهاية هذا القرن تقلص سلطان الحاجب بعض التقلص، إذا قورن بسلطان الوزير الذى أصبح فى الواقع رئيسًا للحكومة بمؤازرة هيئة من الكتاب المتخصصين تخصصًا على درجة عالية، وأصبح ينافسه أيضًا الأمير الذى كان فى ذلك العهد القائد الأعلى للجيش. على أن نفوذ الحاجب ظل أمرًا لا يمكن إنكاره، وقد وضح للعيان وخاصة حين كانت تقوم فتن فى القصر، ذلك أنه كان تحت إمرته مباشرة سرايًا من الحرس أهمهم "المصافّيّة، ولذلك كان موقف الحاجب سوسن هو العامل الفاصل فى الانقلاب الفاشل ضد المقتدر سنة 296 (908 م). وفى عهد هذا الخليفة أصبح حاجب آخر - هو نصر القشورى، الذى ظل يشغل منصبه باستمرار من سنة 296 هـ (908 م) إلى سنة 317 هـ (929 م) بينما راح الوزراء يتغيرون - يلعب دورًا هامًا فى اختيار الوزراء، وكان يدخل فى مسئووليته - علاوة على ذلك - اعتقالهم حين كانوا يفقدون رضا الخليفة.

على أنه حدث منذ سنة 317 هـ (929 م) - وهو العام الذى وقع فيه انقلاب آخر ضد المقتدر - أن أصبح منصب الحاجب يصطبغ بصبغة عسكرية أوضح، وغدا الحجاب منافسين للأمراء، الذين كانوا قبيل هذا الوقت قد نجوا شيئًا فشيئًا فى الحلول محل الوزراء وفرض سلطانهم على الخليفة. واستطاع الحاجب الجديد ياقوت - الذى كان ضابطًا وواليًا سابقًا - أن يثبت بعض الوقت لمؤنس الذى كان صاحب السلطة فى كل الأمور وأن يقيم ابنه صاحبًا للشرطة. على أن الوالد والولد قد عزلا بعيد ذلك بناء على طلب مؤنس الذى تمكن من أن يستصدر من الخليفة أمرًا بتعيين إثنين فى منصب الحجابة من بنى رائق وكانا من بين ضباطه المخلصين. وفى عهد الخليفة التالى القاهر أقيم مرة أخرى فى منصب الحجابة جندى، هو ابن يَلْبَق الذى حاول فى ظل عهد قصير أن يهيمن على شخص الخليفة، بل يفرض عليه معتقداته الشيعية. وحدث بعد ذلك أن اقترنت الحجابة بالقيادة العليا، ذلك أن الحاجب الجديد للراضى - وهو ابن ياقوت الذى كان فى الوقت نفسه أميرًا - قبض على زمام الحكم وأشرف على الوزراء، وأصبح الحجاب على وشك أن يكونوا السادة الحقيقيين للدولة فى ذلك العصر حين أخذ سلطان الخليفة يضمحل يوميًا، على أنهم لم ينعموا بموارد مالية ضخمة كما كان ينعم ولاة الأقاليم، فاضطروا من ثم إلى النزول عن مكانتهم لهؤلاء. ولهذا السبب انتهى الخليفة إلى اختيار الأمير ابن رائق لتسلم زمام الحكم، وقد تلقى ابن رائق لقب "أمير الأمراء" سنة 324 هـ (936 م). وتعويضًا عن ذلك رفعت مرتبة لقب الحاجب فأصبح فى سنة 329 هـ (941 م) "حاجب الحجاب" وهو لقب أشد وقعًا فى النفس، ولو أن عدد الحجاب الذين كانوا تحت إمرته قد نقص. وفى هذا العهد، كما يتبين من أقوال هلال الصابئ، كانت المهام الرسمية للحاجب لا تزال محصورة فى الإشراف على جميع الأشخاص المكلفين بخدمة الخليفة أو حراسته، والإشراف على كل ما يجرى داخل القصر، وتنظيم

2 - الأندلس

المقابلات. والترتيب الدقيق لأوضاع الوجوه ورجال الحاشية على اختلافهم (يسمى ذلك ترتيب الحواشى). 2 - الأندلس وكانت وظيفة الحاجب فى الأندلس تختلف اختلافًا كبيرًا، عن وظيفته فى المشرق. ففى إمارة قرطبة، ثم فى خلافتها، كان لقب الحاجب دائمًا فوق لقب الوزير، ذلك أن الوزير كان ينتمى إلى أولئك المستشارين فحسب المختلفى الأصول الذين كان الحاكم يجمعهم حوله ويختار من بينهم - فى جميع الأحوال تقريبًا - الحاجب. وكان الحاجب يعاون الأمير فى مهام الإدارة والحكم، ويقوم بعمل رئيس الوزراء فيشرف على المرافق الثلاثة للإدارة المدنية، وهى القصر السلطانى، والديوان، والإدارة المالية. وقد ظلت "الحجابة" حقًا شاغرة نحوا من ثلاثين سنة فى عهد عبد الرحمن الثالث، ولكنها شغلت مرة أخر بعد وفاته سنة 351 هـ (962 م) شغلها ابنه الحكم الثانى، ثم اتخذت بعد ذلك بسنوات قلائل منطلقًا لتحقيق أطماع ابن أبى عامر وهو الكاتب العربى الذى حصل لنفسه سنة 367 هـ (978 م) على منصب الحجابة وحاول أن يجمع كل السلطات فى يده، حتى أصبح حقا فى عهد هشام الثانى الشاب، "عمدة القصر". وفى سنة 371 هـ (981 م) اتخذ لقبا ملكيًا هو المنصور بالله وجعل الخطبة باسمه بعد الخليفة مباشرة، ولقب نفسه سنة 386 هـ (966 م) بلقب "السيد" و"الملك الكريم". وهكذا لم تختف الهيبة التى لحقت بلقب الحاجب، ذلك أنه حدث بعد انهيار الأمبراطورية الأموية فى الأندلس أن اتخذ أمراء الطوائف الصغار فى الأندلس لقب "الحاجب" مؤثرين إياه على لقب "الملك" ليبينوا أنهم كانوا يعدون أنفسهم ممثلين للخليفة. المصادر: (1) Le mosquee omayy-: J. Sauvaget ade de Medine، باريس سنة 1947, ص 131 (2) Le Vizirat Abduside: D. Sourdel، دمشق سنة 1959 - 1960, الفهرس. (3) الكاتب نفسه: - Question de cer emonial 'Abbaside فى Revue des Etudes

3 - دول المشرق

Islamiques، سنة 1960، ص 121 - 148. (4) اليعقوبى، فى مواضع مختلفة (فى نهاية كل عهد). (5) المسعودى: التنبيه والإشراف، فى مواضع مختلفة (فى نهاية كل عهد). (6) هلال الصابئ: رسوم دار الخلافة، بغداد سنة 1964, ص 71 - 79. (7) الكاتب نفسه: كتاب الوزراء، طبعة Amedroz، ص 154. (8) الصولى: أخبار الراضى بالله، ترجمة M.Canard الجزائر سنة 1946 - 1950، الفهرس. (9) ابن تغرى بردى، جـ 3، ص 272. (10) ابن خلدون: ترجمة ده سلان، جـ 2، ص 5, 7, 11 - 16. (11) Hist. Esp -: Levi- Provencal Mus، جـ 2، ص 165، وما بعدها؛ جـ 3، ص 18 - 20. خورشيد [سوردل D. Sourdel] 3 - دول المشرق كانت إدارة القصر السلطانى وبيروقراطية السامانيين تسيران على منوال ما جرى عليه الخلفاء العباسيون فى هذا الشأن كما يتبين من كتاب النرشخى: تاريخ بخارى، وكتاب الخوارزمى: مفاتيح العلوم. ومن ثم فإن الحاجب السامانى خرج من بيت الأمير نفسه، ولو أنه حدث قبيل السنوات التى فى منتصف القرن الرابع الهجرى (العاشر الميلادى)، بل ربما قبل ذلك، أن الحاجب لم يعد مجرد موظف من خاصة القصر بل أصبح أولا وقبل كل شئ قائدًا عسكريًا رفيع الرتبة. ولما كان صميم الجيش السامانى من الحرس التركى المملوك فإن رئيس الحجاب (الحاجب الكبير أو حاجب الحجاب أو صاحب بزرك) أصبح يجمع بين مهام رئيس موظفى القصر والقائد الأعلى للجيش. ومن ثم أصبح هذا المنصب يشغله فى عهد عبد الملك بن نوح (343 - 350 هـ = 954 - 961 م) ألب تكين أستاذ سبكتكين. ويتبين من سيرة ألب تكين العملية أن سلطان صاحب الحجاب السامانى كان من القوة بحيث

مكنه من أن يطمع فى الاستحواذ على السلطة العليا فى الدولة بعد الأمير بل أتاح له أن يحاول أن يلعب دور صانع الملوك. وكان الضباط الغلمان الأتراك الآخرون فى بعض الأحيان يقامون ولاة على الأقاليم. وكان سبكتكين حتى وفاته سنة 387 هـ (997 م) يعد نفسه واليًا على غزنة من قبل السامانيين، وقد نقش على قبره لقب "الحاجب الأجل" (Le decor epi-: S. Flury graphique des monument de Ghazno فى Syria، جـ 6، سنة 1925، ص 62 - 63). وجاء فى وصف نظام الملك لتدريب الغلمان فى البلاط السامانى (سياستنامه، الفصل 27) أن رتبة الحاجب كان ينالها المرشح بعد أن يكون قد مر برتبتى "وثاق باشى" أى قائد الخيمة، و"خيل باشى" أى قائد السرية. (وهذا الوصف بأسره يجب أن نتناوله مع ذلك فى حذر، انظر Bosworth فى. Isl جـ 36، سنة 1960، ص 45). ويدل استعمال مسكويه للمصطلح "حاجب" على أن هذا المصطلح كان معروفًا بأنه رتبة عسكرية فى الجيش البويهى، بمعنى سبق وروده، وهو القائد. والظاهر أنه لم يكن يتضمن رئاسة تنظيم قصر سلطانى، ذلك أن هذه الوظيفة لم تتطور عند البويهيين التطور الذى بلغته فى الدولتين السامانية والغزنوية اللتين كانتا أكثر من البويهيين أخذا بالنظام المركزى. ويتحدث مسكويه عن جيش عز الدولة بختيار (356 - 367 هـ = 967 - 978 م) ويتضمن كلامه الإشارة إلى رتب متصاعدة هى النقيب والقائد والحاجب إذ يقول إن الجيش يستحثه على معاملتهم كما كان يعاملهم أبوه [أى معز الدولة] فيما يتعلق برتب الحاجب والقائد والنقيب وفيما يتعلق بالترقيات" (- Eclipse of the 'Abbasid Cal iphate, جـ 2، ص 236، 262، الترجمة جـ 5, ص 251, 279). وانتقل منصب الحاجب من السامانيين إلى الغزنويين خلفائهم فى خراسان، ويبين البيقهى (فى كتابه تاريخ مسعودى) مدى أنتشار هذا فى المنصب فى الحياة العسكرية عند الغزنويين. وكان القائد الأعلى لجيش السلطان الغزنوى - كما كان فى عهد

المصادر

السامانيين - يحمل لقب "صاحب بزرك" وكان ثمت حجاب، أى قواد تحت إمرته مباشرة. وكان هؤلاء القواد العظام لهم زى متميز هو معطف أسود وحزام من طراز خاص وقلنسوة لها طرفان مدببان (كلاه أو شاخ) وكان معظمهم من الأتراك. والظاهر أن الـ "الحاجب بزرك" الغزنوى إذا قورن بنظيره السامانى، كان أبعد بخطوة عن الإشراف المباشر على التنظيم الخاص بالقصر، ذلك أن التدبير اليومى لذلك التنظيم كان فى يد "وكيل خاص". وكان المسؤول عن حرس القصر ضابطا عاما مخصوصا هو الـ "سالار غلامان سراى" (انظر The: Bosworth Ghanznauids: their empire in Afghanistan 1040 - 994 and eastern Iran، ص 68، (101، 138). على أن الحاجب بزرك كان شخصًا عظيم النفوذ والسلطان. وكان الحاجب بزرك إبان النزاع على العرش سنة (421 هـ) - (1030 م) عقب وفاة محمود، هو على قريب أو على خِشاوَنْد قريب هذا السلطان المتوفى، وكان عون هذا الحاجب الذى صرفه من محمود إلى مسعود هو السبب فى غلبة مسعود على أخيه بلا سفك للدماء (الكرديزى طبعة ناظم، ص 92 - 93؛ البيهقى، طبعة غنى وفياض، جـ 1، ص 12 وما بعدها)، وكان السلطان - حين لا يباشر بشخصه القيادة فى الحرب - يصبح الحاجب بزرك هو صاحب المسؤولية الكبرى فى الميدان. وهكذا حدث قبيل النكبة الأخيرة التى وقعت فى دندانقان سنة 431 هـ (1040 م) أن ترك السلطان مسعود القتال فى خراسان ضد السلاجقة الوافدين إلى قائده العام صوباشى تكين. المصادر: (1) Turkestan: Barthol. (2) Ghazna The life and Times of: Nazim Sultan Mahmud of، ص 142. (3) Iran: Spuler, ص 337 - 339 (4) Ghaznavid military: Bosworth organisation فى Isl، جـ 36، سنة 1960، ص 37 - 77 (5) م. فؤاد كوبريلى فى إسلام أنسيكلوبيدياسى، مادة "حاجب" مع تفصيل كثير نافع عن العصر الغزنوى. خورشيد [بوزورث C. E. Bosworth]

والظاهر أنه كانت فى العصر السلجوقى نزعة إلى اضمحلال أهمية منصب "أمير حاجب" بالنسبة إلى أهميته فى العصر الغزنوى. ذلك أنه لم يعد بخاصة هو قائد الجيش، وإنما أصبح أميل إلى أن يكون عاملا من عمال البلاط. وجنح القوم إلى الإشارة إلى قواد الجيش المختلفين بلقب "إسفه سالار" أو "سباه سالار". على أن الأمير حاجب كان - مثل جميع الأمراء - يشترك بطبيعة الحال فى الحملات الحربية. وكان فى بعض الأحوال يقود قسما من الجيش للسلاطين أو الملوك السلاجقة. وهكذا نجد أن على بن عمر "أمير حاجب" محمود ابن محمد مثلا، يقود طليعة الجيش الذى حارب سنجر (ابن الأثير، جـ 10، ص 386)، ثم أصبح آخر الأمر الصراف الأكبر للجيش (المصدر المذكور، جـ 10، ص 391). ويستشهد الراوندى بالسنة المزعومة التى جرى عليها أردشير بن بابك الساسانى فيقول (ص 97) إن الملك يحتاج إلى وزير ليحافظ على استقرار ملكه، ويحتاج إلى حاجب يباشر العقاب (سياست أفزايد) ونديم، وكاتب (دبير). ويصف نظام الملك مهام الحاجب فيقول إنها هى مهام عامل البلاط. ولما كان البلاط بلاطًا حربيًا فإن الأمير حاجب كان فى الواقع أميرًا تركيًا كما جرت الحال، وكان مرؤوسوه فى الغالب من الغلمان (مماليك عسكريين، ووصف السنة التى جرى عليها السامانيون التى أشرت إليها آنفًا). وكان هذا الحاجب يعنى بالنظام العسكرى والحفلات التى تقام فى البلاط. وكان هو أهم عمال البلاط تفوق رتبته رتبة أمير الحرس (أمير حرس، انظر المصدر المذكور، ص 121). وكان أمير حاجب فى عهد محمد بن ملكشاه يتصرف تصرف الوسيط بين السلطان والوزير، يتلقى أوامر السلطان وينقلها إلى الوزير (البندارى، ص 117). ويذكر نظام الملك أيضًا عاملا يدعوه باسم "حاجب دركاه" كان موكولا إليه التشريفات والإجراءات التى تتبع فى البلاط السلطانى (الكتاب المذكور، ص 111). وليس من الواضح: هل كانت هذه الوظيفة مختلفة عن وظيفة أمير حاجب، ولكن الراجح أن الاثنين كانا شيئًا واحدًا.

ويذكر الراوندى فى بداية كل عهد وزراء السلطان وحجّابه، وكان بعض هؤلاء أشخاصًا يكادون يكونون مجهولين، على أن ثمة آخرين كانوا من أقوى الأمراء فى هذا الزمان مثل الأمير قماج حاجب ملكشاه وبركيارق (ص 125، 139)، وخاص بك حاجب مسعود بن محمد (ص 225) وملكشاه بن محمود (ص 249) وعبد الرحمن بن طغان يورك (؟ ) حاجب مسعود أيضًا (ص 225) والأتابك أياز حاجب محمد بن محمود (ص 259)، وأرسلان بن طغرل (ص 282) والأتابك بهلوان حاجب أرسلان بن طغرل (ص 282) وأتابك آى آبة حاجب طغرل بن أرسلان (ص 331). والظاهر أنه لم تكن ثمة أى نزعة لتوريث هذا المنصب، وإنما يسجل الراوندى حالة واحدة لوالد وولده شغل كل منهما منصب الحاجب وهما على بار الذى كان حاجبًا لمحمد بن ملكشاه، وولده محمد الذى كان حاجبًا لمحمود بن محمد (ص 153، 203). وكان يوجد - علاوة على الأمير حاجب - عدد من الحجاب الأقل درجة فى البلاط (. H Die Staatsverwaltung der Gross-: Horst (1231 - Horasshahs (103 g Selguqen und, فُسيبادن سنة 1964, ص 103، 105). وكان للأمراء العظام وولاة الأقاليم بلاطهم الخاص بهم، كما كان لهم أيضًا حجابهم. ويذكر ابن الأثير صلاح الدين محمد اليغسيانى (؟ ) الذى كان أمير حاجب للبرسقى ثم لعماد الدين زنكى من بعده (جـ 10، ص 453، 454). وكان لبعض الأعيان البارزين حجابهم ولم يكن هؤلاء بالضرورة من طبقة العسكريين. وكان ذلك هو الحال فى أيام التيمورية (إنظر Roeme .H.F: - Staatschreiben der Timur idenzeit، فيسبان سنة 1952، ص 42، 55). وكان الحاجب فى عهد الإيلخانية مجرد حاجب بالمعنى المعروف، وهو ينزع إلى أن يكون من الطبقات العكسرية فيما يتعلق بالبلاط السلطانى وبلاط ولاة الأقاليم. وكان الحجاب فى عصر التيمورية يذكرون من بين عمال البلاط وتأتى رتبهم بعد "النّواب حضرت" أنظر تاج السلمانى: شمس الحسن، طبعة Roemer, فيسبادن سنة 1956، ص 29). وحدث تغير فى

4 - مصر والشام

المصطلح فى عهد الصفويين، فأصبح حاجب الحجاب يعرف باسم "إيشيك آقاسى باشى" وكانت مهامه تشبه مهام الـ "حاجب دركاه" الذى ذكره نظام الملك. خورشيد [لامبتون A.K.S. Lambton] 4 - مصر والشام كان كبير الحجاب فى البلاط الفاطمى موظفًا رفيع المقام يعرف باسم "صاحب الباب" على أن مرؤوسيه كانوا حجابًا، كما كان يشار إليه هو نفسه أحيانًا باسم "صاحب الحجاب" بدلا من اللقب الأكثر شيوعًا. ويتحدث ابن الصيرفى (قانون ديوان الرسائل، القاهرة سنة 1905، ص 115، القلقشندى: صبح الأعشى، جـ 1، ص 136 - 137) فى كلامه عن الديوان عند الفاطميين عن "صاحب الديوان" وكانت مهمته أن يمنع دخول الزوار غير المأذون لهم بالدخول فيحفظ بذلك أسرار الدولة. وقد أدخل حكام الشام السلاجقة منصب الحاجب العسكرى المألوف فى الشرق. وتبدو على نظم بنى زنكى والأيوبيين فى هذا الشأن وفى غيره من الشئون الأثر القوى للسلاجقة. وقد أصبح الحاجب فى ذلك الوقت ضابطًا عسكريًا له مهام عسكرية، فقد كان - على سبيل المثال - يتولى قيادة القلعة (أبو شامة: كتاب الروضتين: جـ 2، ص 69) وعمل "الشِّحْنَة" (ابن القلانسى، ص 208، 224، 234) ويتولى أحيانًا السفارة (ابن القلانسى، ص 293) أو "يشجع" الجند (ابن القلانسى، ص 132؛ المقريزى: السلوك، جـ 1، ص 133). على أن المصطلح "حاجب" ظل بعد يستعمل فى مصر أيام القرن السابع الهجرى (الثالث عشر الميلادى) بمعنى الحاجب المعروف (وشاهد ذلك بيت لابن النبيه المتوفى سنة 686 هـ = 1287 م، الذى يربط بينه وبين المصطلح الفارسى "برده دار"، وقد ذكر فى Eos طبعة A.T.Hatto، لاهاى سنة. 1965، ص 271). واحتفظ الحاجب فى ظل السلاطين المماليك ببعض مهام الحاجب بمعناه المعروف. وكان كبير الحجاب (حاجب الحجاب) يقدم السفراء والضيوف

وأصحاب العرائض وغيرهم من المترددين على بلاط السلطان. وهو مسؤول أيضًا عن تنظيم الاستعراضات العسكرية. على أن المهام الأولى للحجاب فى عهد المماليك لم تكن تنصرف إلى التشريعات بل إلى القضاء، أى القضاء بين أعضاء الطبقة العسكرية المملوكية طبقًا لقوانين "الياسا". وتقول بعض المراجع المصرية إن هذا القضاء الخاص قد أقيم أيام بيبرس حين أصبح المماليك والمغول هم العنصر الهام فى الدولة الشآمية المصرية، وهؤلاء ظلوا رغم إسلامهم، مستمسكين بالسنة المغولية فى الأحوال الشخصية، ويقول المقريزى إنهم قد أقاموا لذلك الحاجب للحكم فيما يقوم بينهم من نزاع، وينتصف للضعيف طبقًا لأحكام "الياسا"، وهم أيضًا يكلون إليه المنازعات الخاصة بالإقطاع (الخطط، جـ 2، ص 221؛ انظر ابن تغرى بردى، القاهرة، جـ 7، ص 183 وما بعدها). وهكذا احتفظت محاكم الحاجب بصورة من الامتيازات الإقطاعية جعلت للمماليك حصانة من المحاكم والقوانين التى كان يخضع لها الأهالى، أى أن محاكم القاضى كانت تطبق الشريعة وليست مسؤولة إلا أمام المحاكم العسكرية الخاصة: على حين كان قضاة المماليك - وليس قضاة الأهلين - يطبقون الياسا، وهى قوانين أقوى شعوب الفيانى سطوة وأعظمهم احترامًا، وهى الشعوب التى كان يؤخذ منها معظم المماليك، وهذه المحاكم الخاصة كانت تقضى فى الأمور التى تتعلق بأفراد طبقة المماليك بما فى ذلك القضايا المتعلقة باقطاعاتهم. وبمرور الزمن اتسع مدى ومقدار الأحكام القضائية لكبير الحجاب اتساعًا كبيرًا. وقد كان الحاجب فى أول الأمر مرؤوسًا لنائب السلطان فى مصر ويعرف بنائب السلطنة ولكن سلطانه زاد كثيرًا حين كانت وظيفة نائب السلطنة تترك شاغرة أو عندما انتهى أمر هذه الوظيفة من بعد. ويرجع المقريزى تاريخ اغتصاب سلطة القضاء الإسلامية بمعرفة الحجاب إلى منتصف القرن الثامن الهجرى (الرابع عشر الميلادى)، فقد نقل السلطان شعبان (746 - 747 هـ = 1345 - 1346 م)

سلطة القاضى التى كان يتولاها من قبل نائب السلطنة إلى حاجب الحجاب، فأصبح هذا رئيسًا لمحكمة مستقلة تقضى فى الأمور الإدارية (السياسية). وفى عهد السلطان حاجى أعيدت سلطة نائب السلطنة وارتد كبير الحجاب إلى حالته السابقة. على أن هذه الردة كانت موقوته فحسب. ففى سنة 753 هـ (1352 م) تظلم جماعة من التجار من البلاد المغولية إلى السلطان طالبين الانتصاف من مدينيهم المصريين حين عجزوا عن أن يجدوا العدل عند محكمة القاضى، فأحال السلطان القضية إلى حاجب الحجاب جرجى للفصل فيها: فعذب المدينين حتى أدوا الديون التى عليهم، واستاء السلطان من القاضى ومنعه من الحكم فى القضايا التى تثور بين التجار الأجانب والتجار القاهريين. ويقول المقريزى إنه من يومها حصل الحجاب على حق الحكم التعسفى على الأهلين (الخطط، جـ 2، ص 221 - 222. السلوك، جـ 2، ص 863)، ويمضى فى قوله إنه حدث بعد اضطرابات عام 806 هـ (1403 - 1404 م) أن أصبح الحجاب أكثر عددًا وأشد عدوانًا (الخطط، جـ 2، ص 22). وفى عهد المؤيد شيخ (815 - 824 هـ = 412 - 1421 م) منحت وظيفة المحتسب نفسها للمرة الأولى لأمير حاجب بدلا من منحها إلى أحد العلماء كما كان الأمر من قبل (القلقشندى: صبح الأعشى جـ 11، ص 210). وتشكو المصادر الإسلامية من جور الحجاب الذين كانوا يحكمون فى القضايا التى يتورط فيها المدنيون، بل هم يدعون أنهم يقضون بالحكم طبقًا للشريعة الإسلامية. وكان كثيرون من المتقاضين يؤثرون الأحكام الأسرع والأيسر فى التنفيذ التى يصدرها الحاجب على أحكام القاضى، فى حين أن الحاجب من جهته كانت له مصلحة مالية فى الفصل فى عدد أكبر من القضايا. ويتحدث المقريزى عن أمراء المماليك غير المقطعين وإن كانوا يعيشون على الرسوم والغرامات التى يتقاضونها من حيث هم قضاة فيقول: (المقريزى الخطط، جـ 2، ص 219 - 220) إن الحاجب أصبح اليوم قاضى القوى والضعيف على السواء سواء كانت القضية شرعية أو سياسية.

المصادر

وكان يوجد فى أول الأمر ثلاثة عمال كبار فى القاعدة: حاجب الحجاب، والحاجب، والحاجب الثانى، وقد رفع برقوق عددهم الى خمسة. وكان مركز حاجب الحجاب فى جدول الترتيب يختلف باختلاف الأوقات واختلاف المصادر، ما بين المركز الثالث إلى المركز الثانى عشر بعد السلطان. وكان ترتيب حاجب الحجاب (أمير حاجب) فى مدينة إقليمية الثالث، وأحيانًا الثانى، بعد الوالى، ويمكن أن يحل الوالى محله غيره فى حالة الطوارئ. ويعمل مرؤوسًا للحاجب حجاب يختلف عددهم. ففى دمشق وحلب، وطرابلس أحيانًا، كان حاجب الحجاب أميرًا من الدرجة الأولى، وكان من الدرجة الثانية فى صفد وحماة وغزة. وفى عهد برقوق كان ثمة ستة حجاب صغار فى دمشق، وثلاثة فى حلب، واثنان أو واحد فى غير ذلك من المدن. وقد أدخل قايتباى وظيفة جديدة باللقب الفارسى "برده دار" يقوم بمهام حاجب البلاط، وظلت هذه الوظيفة قائمة حتى نهاية سلطنة المماليك يتولاها أمير من الدرجة الثانية. المصادر: (1) المقريزى: الخطط، بولاق، جـ 1, ص 402 - 403؛ جـ 2، ص 54 - 55، 64 - 65، 208 وما بعدها (فيما يتعلق بالإجراء الذى كان يتخذ فى دار العدل)، 219 - 222 (انظر Silvster de Chrestomatie Arabe: Sacy، جـ 2، باريس سنة 1826، ص 55 - 66 من النص العربى و 157 - 190 من النص الفرنسى) (2) ابن تغرى بردى، طبعة القاهرة، جـ 7، ص 185 - 186؛ طبعة popper, جـ 5، 6, 7 وفى مواضع مختلفة. (3) ابن خلدون: المقدمة، جـ 2، ص 11 - 15 - Rosenthal، جـ 2، ص 14 - 19؛ جـ 2، ص 100 - 103 = - Ro senthal، جـ 2، ص 111 - 113 عن المدلول التاريحى لحجب الدخول عن السلطان، والفهرس. (4) القلقشندى: صبح الأعشى، جـ 4، ص 19 - 20، 185 - 186. 218، 233، 238؛ جـ 5، ص 449 - 450؛ جـ 9، ص 14 - 16.

5 - إفريقية الشمالية

(5) الظاهرى: زبدة كشف الممالك، طبعة Ravaisse, ص 114 - 115 (6) ابن إياس، جـ 4، ص 29 - 30. (7) السيوطى: حسن المحاضرة، جـ 2، ص 93 وما بعدها. (8) La Syrie: Gaudefroy - Dembynes al' epoque des Mameloukes , باريس سنة 1923، الفهرس. (9) Van Berchem فى CIA جـ 1، ص 567 - 568. (10) Le caractere co-: A.N. Poliak lonial de I'etat mameluke فى Revue des .Etudes Islamiques سنة 1935، ص 235 - 236 (11) الكاتب نفسه: in Feudalism Egypt، لندن سنة 1939، ص 14 - 15. (12) أوزون جارشيلى: مدخل، ص 378 - 380. (13) Studies in the: D. Ayalon Structure of the Mameluk Army 111 Bul- letin of the School of Oriental and African Studies، جـ 16، سنة 1954، ص 60. (14) Egypt and Syria: W. Popper under the Circassion ... Sultans systmatic ... notes. بوكلى لوس أنجلوس، سنة، 1955. ص 92، 105. (15) Histoire de . E. Tyan l'organisatiom judiciare en pays d'Islam الطبعة الثانية، لندن ليدن سنة 1960 ص 537 - 544. 5 - إفريقية الشمالية كانت وظيفة الحاجب فى شمالى إفريقية التى وجدت من قبل فى عهد الفاطميين، قد زالت بعد ذلك، وفى عهد بنى زيرى قطعًا. أهميتها فى عهد الحفصيين. والظاهر أن نظام الحاجب قد أدخل من الأندلس إلى إفريقية، حيث كان الحاجب فى أول أمره على عهد أبى إسحق (678 - 682 هـ = 1279 - 1283 م) مجرد مشرف على القصر يعمل فى نفس الوقت "بين السلطان والأشخاص من جميع الطبقات". وبعد عهد أبى حفص (683 - 694 هـ = 1284 - 1295 م) أبعدت الحجابة عينها عن الإشراف على حسابات القصر وزادت أهمية الحاجب حتى أن

حاجى خليفة

أبا بكر (718 - 747 هـ = 1318 - 1346 م) اتخذ حاجبه رئيسًا للوزراء، وأدخل فى تونس سنة أن يجعل أميرًا قسنطينة وبجاية حاجبيهما المحليين يديهما اليمنيين. وكان أقوى الحجاب نفوذًا ابن تفراكين الذى عمد فى النصف الثانى من عهد أبى بكر إلى جعل الحجابة - وهى المنصب ذى النفوذ - وظيفة عظيمة المسؤولية؛ "فقد أصبحت باتساع سلطاتها دكتاتورية أو تكاد، بل سرعان ما أصبحت، فى عهد سلطان شاب. وسيلة إلى وضعه تحت الوصاية وجعل جهاز الدولة كله يعمل رهن مشيئته". فكان هو على مدى نيف وعشرين سنة الذى يهيمن على حكم المملكة بأسرها ويوجه سياسته كما يشاء. وبعد أن عاد بنو حفص إلى الحكم فى الثلث الأخير من القرن الثامن الهجرى (القرن الرابع عشر الميلادى) احتفظ بلقب الحاجب، ولكن السلطات المنوطة بهذا المنصب أصبحت مرة أخرى نوعًا من الإشراف على التشريعات (انظر Zirides. H.R. Idris الفهرس؛ Hafsides: R. Bruschvig, جـ 2، ص 54 وما بعدها والفهرس؛ ابن خلدون: المقدمة، طبعة القاهرة، جـ 2، ص 210، ترجمة ده سلان، جـ 2، ص 15؛ ترجمة روزنتال، جـ 2، ص 18). وأقصى من ذلك غربًا، كان الحاجب لدى المرينيين فى فاس على صلة حميمة بالحاكم، على حين أصبح فى تلمسان أيام بنى عبد الواد قيمًا على القصر ووزيرًا للمالية، ولكنه كاد يختفى فيما بعد الفترة المرينية لخلو العرش من شاغله. خورشيد [هيئة التحرير] حاجى خليفة مصطفى بن عبد الله، ويلقب أيضًا بكاتب جلبى، وهو تركى من أكابر أصحاب الموسوعات، ولد بالآستانة فى ذى القعدة سنة 1017 هـ (فبراير - مارس سنة 1608) وعندما بلغ الرابعة عشرة من عمره تطوع فى فرقة الجيش المنتقاة، وهى فرقة السلحدار حيث كان أبوه يخدم أيضًا، وقد التحق فى الوقت نفسه بمكتب الأناضول للمحاسبة (أناضولى محاسبه قلمى) فى وظيفة

كتابية صغيرة؛ وصحب فيما بين عامى 1033 و 1045 هجرية الجيوش العثمانية التى كانت تقوم بحملة على الحدود الشرقية للأناضول اللهم إلا فترتين قصيرتين تخلف فيهما عن هذه الجيوش، واشترك فيما بين عامى 1033 و 1038 هـ (1624 - نهاية عام 1628) فى الحملة التى جردت على أباظة باشا الذى انتقض على الباب العالى (وقعة قيصرية فى نهاية عام 1033 هـ = أوائل أكتوبر سنة 1624) كما اشترك فى قتال الفرس (حصار بغداد الذى باء بالخيبة وبدأ فى 11 صفر إلى 7 شوال سنة 1035 هـ = 12 نوفمبر سنة 1625 إلى 2 يوليو سنة 1626) وكذلك فى الحملتين الثانية والثالثة اللتين شنتا على أباظة باشا (حصار أرزن الروم الذى بدأ فى المحرم وانتهى فى 16 ربيع الأول سنة 1037 = منتصف سبتمبر إلى 25 نوفمبر سنة 1627 و 6 إلى 22 من المحرم سنة 1037 = 5 - 21 سبتمبر سنة 1628) ولم يعد إلى الآستانة مع الجيش إلا فى نهاية ربيع الثانى الموافق أوائل ديسمبر سنة 1628, وقد توفى والده وقتئذ فى الموصل فى ذى القعدة سنة 1035 هـ الموافق أغسطس سنة 1625 فى أثناء هذه الحملة، عند ارتداد الجيش عن بغداد، والتحق فى ذلك الوقت بمكتب مراقبة فرق الخيالة (سوارى باش مقابلة قلمى)، وفى أوائل شوال سنة 1038 هـ (آخر مايو سنة 1629) اشترك مرة أخرى فى قتال الفرس صحبة الجيش الذى كان يقوده الصدر الأعظم خسرو باشا (حملة همذان فى آخر سنة 1039 هـ = أوائل يناير سنة 1630) وحصار بغداد الذى بدأ من 22 صفر حتى 8 ربيع الأول سنة 1040 هـ الموافق 30 سبتمبر إلى 15 أكتوبر سنة 1630 هـ لم يعد إلى الآستانة إلا فى منتصف سنة 1041 هـ = نهاية سنة 1630؛ ثم اشترك أخيرًا فى الحملة الكبيرة التي جردت على بلاد فارس من سنة 1043 إلى سنة 1045 هـ (سبتمبر سنة 1638 حتى نهاية سنة 1635) تحت إمرة مراد الرابع نفسه (فتح إريوان 22 صفر سنة 1045 هـ = 7 أغسطس 1635) وأتم الحج إلى مكة بينما كان الجيش يشتى فى حلب (1633 -

1634) وقد آلت إليه بعد عودته إلى الآستانة فى رجب عام 1045 هـ (ديسمبر سنة 1635) ثروة كبيرة ورثها عن عدة أقارب، فاستقر عزمه على أن ينصرف إلى ميوله الطبيعية وأن يكرس حياته للدرس. ولما وجد أنه لم يرتق فى منصبه بما يتناسب مع كفايته استقال من وظيفته فى مكتب المراقبة عام 1055 هـ (1641 م) ولكن من يلوذ بهم استطاعوا بعد ذلك بثلاث سنوات أن يعينوه فى وظيفة الخليفة (المساعد) الثانى فى هذا المكتب، ومن ثم تلقب "بحاجى" خليفة؛ وتوفى بالآستانة فى 17 ذى الحجة سنة 1067 هـ (أكتوبر سنة 1657) ولما يبلغ الخمسين من عمره، وقد بينا فيما يلى كتبه مستخرجة من سيرته التى كتبها بنفسه، وفيها ذكر تواليفه مرتبة بحسب تاريخ تأليفها وقد حذف - لأسباب نجهلها - ما ذكرناه تحت رقمى 5 و 20: 1 - فذلكه: تاريخ موجز لحوالى 150 دولة، وهى فى الوقت نفسه مستخرجة من تاريخ الجنّابى المتوفى عام 999 هـ وقد زاد عليها حاجى خليفة ذيولا من عنده. وكتبت الفذلكة بالعربية عام 1051. وقد ذكرها المؤلف عرضا فى موسوعته عن أصحاب التواليف - انظر الأرقام 2065 و 2198 و 3496. والظاهر أنها فقدت (انظر فيما يلى رقمى 13 و 20). 2 - رسالة فى تفسير القرآن للبيضاوى (1052 هـ)، والظاهر أنها فقدت. 3 - شرح للمحمدية، وهى رسالة فى الفقه لعلى قوشجى الفلكى؛ ولم يكمل هذا الشرح، ولعله فقد أيضًا. 4 - تقويم التواريخ، وهو جداول مرتبة ترتيبًا زمانيًا تمت عام 1058 هـ، وقد كتبت المقدمة والملاحق (جرائد بالأسر الحاكمة والأعيان العثمانيين إلخ .. ) بالتركية. بينما وضعت الجداول نفسها التى تضمنت الوقائع التاريخية من بدء الخليقة إلى عام 1058 هـ بالفارسية (انظر كشف الظنون تحت رقم 3496)، وقد طبع التقويم فى الآستانة عام 1146 هـ (1733) مع تكملة الجداول حتى عام 1145 هـ

وزيادات أخرى، وتوجد منه ترجمة إيطالية بقلم رينالدو كارلى Rinaldo) (Carli البندقى، البندقية عام 1697 (Zenker جـ 1، رقم 924 - وانظر عن التراجم الأخرى مثل ترجمة، Toderini Reiske وغيرهما Catalogue of: Rieu Turkish manuscriPts in the British Mu - seum ص 33 Verzeichn. der: Pertsch tuerk. Handschr .. zu Berlin، رقم 195). 5 - جهاننما وهى فى خلق العالم. الطبعة الأولى. وقد بدئت عام 1058 هـ، وأهديت إلى السلطان محمد الرابع. وهذا هو المؤلف الوحيد الذى اقتصر حاجى خليفة على ذكره فى كشف الظنون تحت رقم 4355، وعد هذا المؤلف مفقودا فى عهد الطابع إبراهيم متفرقة (انظر رقم 10 الوارد فيما بعد). 6 - سلم الوصول إلى طبقات الفحول، وهو معجم فى تراجم الأعيان كتبه باللغة العربية. وقد تم وضع المجلد الأول منه فى 1061 و 1062 هـ. وتوجد وصية المؤلف الآن فى مكتبة شهيد على باشا بالآستانة. 7 - تحفة الأخيار فى الحكم والأمثال والأشعار، وهى مجموعة أشعار تشمل بعض الأمثال والحكم والأقوال المأثورة والأشعار، رتبت على حروف المعجم، وجمعت عام 1061 أو 1063 هـ وقد وردت فى كشف الظنون تحت رقم 2537؛ ووجد مخطوط من هذه المجموعة فى مكتبة أسعد أفندى بالآستانة. 8 - كشف الظنون عن أسامى الكتب والفنون وهى دائرة المعارف العظيمة فى الكتب والعلوم وتعد أهم تصانيف المؤلف، وقد قضى حاجى خليفة أكثر من عشرين عامًا فى جمع موادها، وكتبها بالعربية. وتم وضع الجزء الأول منها عام 1064 هـ، وقد نشر فلوكل Fluegel النسخة الأصلية بليبسك عام 1835 - 1858؛ ثم نقلت عنها طبعة بولاق عام 1274 هـ, والآستانة عام 1310 - 1311 هـ. 9 - لوامع النور فى ظلمة أطلس مينور، وهى ترجمة تركية للمصور الجغرافى الصغير لواضعيه ميركاتور وهنديوس Mercator & Hondiues على

نسق طبعة أرنهايم Arnheim المؤرخة عام 1621؛ وقد تمت الترجمة عام 1064 و 1065 هـ، بمعاونة الفرنسى الذى أسلم إخلاصى شيخ محمد أفندى - وتوجد منها مخطوطات فى عدة مكتبات بالآستانة: 10 - جهاننما؛ النسخة المنقحة لرقم 5، وقد بنيت على أساس جديد، فقد استعان المؤلف بأمهات كتب مشاهير الجغرافيين وأصحاب الخرائط الأوروبيين التى صدرت فى هذا العهد (Mercator, Orelius, Cluverius)، ونحن لا نعرف من المصنف الأصلى الذى لم يتمه المؤلف إلا تلك الأجزاء الهامة التى تبحث فى آسية الصغرى والتى نشرها الطابع إبراهيم متفرقة: 1 - فى جهاننما، الآستانة عام 1145 = 1733 - الجزء الأول فقط؛ أما الجزء الثانى الذى كان مفروضًا أن يشمل وصف أوربا وإفريقية وأمريكا فلم ينشر قط؛ وانظر فيما يختص بترجمات هذه النسخة قام بها - Nor berg, Armain, V. Hammer Charmoy وغيرهم، وهى ترجمات تتفاوت كمالا ونقصًا: Rieu: : كتابه المذكور، ص 111، وتعليقات Fluegel فى Die arab Pers . u. tuerk Handechr . der k.k.Hafbibl رقم 1282). 2 - فى مخطوطين بخط المؤلف أحدهما محفوظ بالمتحف البريطانى (or، 1038) والثانى بمكتبة البلاط بفينا (انظر Fluegel الفهرس نفسه، رقم 1282). 3 - ولدينا وصف الولايات العثمانية فى أوربا حذف من جهاننما المطبوعة، وهو مخطوط من عدة نسخ إحداها بمكتبة راغب باشا والثانية بغلطه مولوى خانه سى ببيرا والثالثة بكتبخانه عمومى بالآستانة؛ والرابعة بمكتبة البلاط بفينا؛ والنسخة الخامسة بخط المؤلف وقد اختفت؛ وترجم فون هامر Von Hammer قسما من هذه النسخة فى كتابه (Rumeli und Bosna) طبعة فينا، سنة 1812. 11 - ترجمة تركية لكتاب فى تاريخ الفرنجة (فرنكى تاريخ) كتبت باللاتينية، وهى ترجمة لتاريخ خلكو كونديلس، وهو مؤلف بوزنطى عاش

فى القرن السادس عشر للميلاد ولم نعثر على نسخ من هذه الترجمة (¬1). 12 - رونق السلطنة - وهو ترجمة لكتاب فى تاريخ القسطنطينية، والمفروض أنه ترجمة لمصنف كتبه المؤلف فى الأصل باللغة العربية ولم نعثر عليه. 13 - ترجمة تركية للفذلكة (انظر رقم 1) - ويقال إن منه مخطوطًا بمكتبة أسعد أفندى بالآستانة. 14 - الإلهام المقدس من الفيض الأقدس، وهى رسالة فى شعائر الإسلام وقواعده التى لا يمكن مراعاتها فى بعض الأحوال - ويوجد مخطوط منه بكتبخانه عمومى بالآستانة. 15 - دستور العمل فى إصلاح الخلل، وهى رسالة فى الإصلاحات المالية كتبت عام 1063 هـ, ولكنها لم تنشر إلا بعد ثلاث سنوات. وقد طبعت فى الآستانة عام 1280 هـ (1863 م) وترجمها إلى الألمانية Behrnauer: .Zeitschr. d. Deutsch. Morgenl Geselsch, جـ 11، ص 111 - 132. 16 - رجم الرجيم بالسين والميم، وتجمع الغريب من القضايا والفتاوى المتعلقة بها. 17 - 19 مستخرجات لحوالى 300 مجموعة ومجلدان صغيران يشملان نوادر تاريخية وأدبية، وقد اختفت جميعًا. 20 - فذلكة التواريخ: وهذه الفذلكة المشار إليها فى البندين 1 و 13 وضعت باللغة التركية، وتتناول تاريخ الدولة العثمانية من عام 1000 هـ حتى أوائل عام 1065 هـ - وقد طبعت بالآستانة عام 1286 - 1287 هـ. ¬

_ (¬1) فى مجموعة الأمير ابراهيم حلمى بمكتبة جامعة القاهرة نسخة مخطوطة من كتاب ليس له اسم، فلذا وضع فى الفهرس المطبوع لهذه المكتبة تحت اسم "ترجمة تاريخ مختصر (تاريخ أوربا) وهو تاريخ عام لأوربا من آدم إلى سنة 1531 وهى السنة التى فرغ مؤلفه جوانس قاربو المهندس من تأليفه باللاتينية ثم طبعه سنه 1548 م. وترجمه حاجى خليفه مشتركا مع الشيخ محمد الاخلاصى إلى اللغة التركية سنه 965 هـ (1557 م) وزاد عليه ذيولًا، "لضمه إلى سائر التواريخ الإسلامية: ولعل هذ الكتاب هو الوارد فى رقم (11) باسم (فرنكى تاريخ) لأن الحاج خليفة لم يذكر فى حياته اسم مؤلف هذا الكتاب وفى نسخة الأمير إبراهيم حلمى ذكر الحاج خليفة اسم المؤلف واضحا جليا ثم قال إن هذه الترجمة ترجمة أولية لم تنقح عبارتها بعد، وسوف ينقحها حين التبييض.

المصادر

21 - تحفة الكبار فى أسفل البحار، وهى تاريخ البحرية العثمانية كتبت عام 1067 هـ = 1656 ونشرت فى الآستانة عام 1141 هـ = 1728, 1329 = 1914. وقد ترجمها إلى الإنكليزية جيمس ميتشل - James Mitch) (ell؛ الفصول 1 - 4، لندن، سنة 1831 (Zenker؛ رقم 927، 913). 22 - ميزان الحق فى اختيار الأحق - وهو آخر كتب المؤلف أتمه فى صفر عام 1067 هـ (نوفمبر 1656)، وهو يتناول مسائل مختلفة من مسائل الكلام فى ذلك العصر؛ وقد خرج المؤلف فيه على معلمه الأول قاضى زاده إمام أهل السنة. نشر بالآستانة عام 1281 هـ وعام 1286 هـ وعام 1306 هـ. المصادر: (1) سيرة المؤلف، المشار إليها فى آخر رقم 22 حرفها Wickerhauser فى Wegweiser الخ .. ، ص 159 - 167 والتعليق على السيرة فى نهاية الجزء الأول من سلم الوصول رقم 6. (2) مناقب كاتب جلبى وهى تسبق التقويم رقم 4. (3) السيرة 158 فى ذيل عطاء بقلم عشاق زاده (انظر Osm.: von Hammer .Gesch, جـ 6؛ ص 47). (4) سجل عثمانى، جـ 4، ص 395. (5) كاتب جلبى، بقلم بروسه لى محمد طاهر بن رفعت، إستانبول سنة 1331 هـ. (6) أشار فلوكل Flugel إلى المؤلفين الأوربيين الذين تكلموا عن حاجى خليفة ومصنفاته فى Handschr K. K. Hofbibliothek جـ 1، ص 49 - وأشار إليهم Rieu فى المصدر نفسه ص 33. (7) قارن أيضًا Die: Wuestenfeld Geschichischreiber der Araber إلخ. رقم 570، Gesch, der Arab.: Brockelmann Litt. جـ 2، ص 428. [مورتمان J. H. Mortmann] الحارث بن جبلة (529 - 569 م): أشهر ملوك غسان فى الحوليات العسكرية لجزيرة العرب وفى تاريخ بوزنطة وتاريخ مذهب

المصادر

الطبيعة الواحدة للمسيح فى القرن السادس الميلادى. وقد قاد الحارث، وهو شيخ قبيلة وحليف لبوزنطة، كتيبة من الفرسان حمل بها على الفرس وحلفائهم العرب اللخميين فى الحروب التى دارت فى عهد يوستنيانوس وأبلى بلاء حسنًا فى معركتين: معركة جمنيكوم Callinicum التى دارت سنة 531 والحملة الأشورية التى وقعت سنة 541 م. وقد انتصر فى يوم حليمة سنة 554 م انتصارًا حاسمًا على المنذر اللخمى. وقد أحيا الحارث، وهو من القائلين بالطبيعة الواحدة للمسيح، كنيسة القائلين بهذا المذهب بعد أن أبطلت فى عهد يوستنيان الأول من سنة 518 - 527 م. وقد أظل هذه الكنيسة بحمايته فى عهده الطويل ووقاها شر عداوة الخلقدونيين وسعى إلى الاحتفاظ بوحدتها حيال الحركات الانقسامية والانشقاقية مثل المذهب المتزندق القائل بالتثليث والذى كان ينادى به يوجنيوس وكونون Eugenius & Conon. وقد اعترفت بوزنطة بخدماته وشأنه ومنحته أسمى آيات التشريف والألقاب، ذلك أنه أصبح بطريقا وصاحب المجد الأكبر. المصادر: (1) History: Procopius of Caesarea جـ 17، 45 - 48؛ 18، 26، 35 - 37، 2، 1, 1 - 11؛ 19، 12 - 18، 26 - 46؛ 28، 12 - 4. (2) Anecdota، جـ 2 ص 23 - 28. (3) ميخائيل السورى: التاريخ، الترجمة الفرنسية بقلم Chabot .J.B , باريس سنة 1901، جـ 2، ص 245 - 48، 269. (4) Arabie: R Aigrain فى Dic- tionnaire d'histoire de geographie ec clesiastiques جـ 3، عمود 1203 - 1213. (5) إيران قاوار: procopius et Are- thas في Bysantinisch Zeitschrift جـ 52، سنة 1959. خورشيد [عرفان شهيد Irfan Shahid]

الحارث بن كعب

الحارث بن كعب اليشكرى، بنو: ويعرفون عادة باسم بلحارث: قبيلة عربية تنتمى إلى الأرومة اليمنية، ونسبهم: الحارث بن كعب بن عمر بن عُلىَ بن جَلدْ بن مذجح (مالك). وكانوا يعيشون فى إقليم نجران فى جوار همدان. ومن منازلهم: العَرْش، والعاذ، وبطن الذُهاب، وذو المرَّوت، والفُرُط (وجمعها أفراط بين نجران والجوف) وحَدورَة (خدوراء) وعِيَانة، والخَصَاصَة (بين الحجاز وتهامة) وقْرَّى، وسَحْبَل، وصَمْعَر، وسوحان أو سَوْحان، ومينان أو مَيْنَان، وشَط زياد (ويتبع عشيرة زياد)؛ ووديانها هى: العَوْهَل الأعلى والعَوْهَل الأسفل، والنُضَارات، وثَجرِ. ومياهها هى عَيْنَى، وذئب، والبَثرَى، والجَفْر، والهَرار، والحِمَى، والكواكب، وخَطْمَة (خطْمَة وهى عين فى الرمل) وخلَيَقْاء، وَالمَلَحات، وماوة، والشَليلَة (ماء لعشيرة داعر) وشِسْعَى، ويَدَمات. ومن جبالها تُخْتمُ. وكانت أحياء من بلحارث تعيش أيضا فى رْيدَة الصَيْعَر فى حضر موت، وفى بلدة رّداع (وقد سكنها العَنْس وخَوْلان)، وفى قرى الصَمَع وحَدَقان، وهما من قرى بَكيل، وفى الفَلَجَة بالقرب من دمشق. وكان حى من بلحارث يعبد فى الجاهلية الصنم بَغوت، فى حين اعتنق حى آخر منها النصرانية، وقد شيد بيت عبد المَدَان بن الديَّان، وهو من أبرز بيوت بلحارث، كنيسة كبيرة فى "دير نجران" وعرفت أيضًا بكعبة نجران (وجاء فى عدة روايات أنها كانت قبة من أدم من ثلثمائة جلد). تاريخها: وكان الصنم يغوث السبب فى نشوب وقعة بين بلحارث ومراد، ذلك أن مرادًا زعمت أن الصنم صنمها، فاقتتل الفريقان عند الرَزم جنوبى نجران فى أرض مراد فى اليوم نفسه الذى وقعت فيه غزوة بدر (17 أو 19 رمضان سنة 2 للهجرة) فتحالفت بلحارث مع همدان وأنزلتا بمراد هزيمة منكرة، وظل يغوث خالصًا لبلحارث.

وفى يوم كُلاب الثانى فى الدهناء حاربت بلحارث يقودها نعمان بن جساس القبيلتين التميميتين رباب وسعد بن زيد مناة يقودهما قيس بن عاصم. وانحازت همدان وكندة وقضاعة وغيرها من القبائل إلى بلحارث فبلغ عددهم ثمانمائة مقاتل شديدى البأس انقسموا أربع فرق على رأس كل فرقة قائد يحمل اسم يزيد، وتأمّر على هؤلاء القواد جميعًا عبد يغوث بن صلاة. ودارت الدائرة على بلحارث وسقط قواد هذه الفرق المتحالفة فى القتال، وجرح عبد يغوث. ومن أيام بلحارث أيضًا يوم حِدْرَه فى تهامة، وكان بينها وبين أوس، وكان النضر فيه حليف هؤلاء، ويوم بطن الذهاب. ثم إننا نجد بلحارث وقد تملكت نجران بعد إذ نزحت أزد، وكان بينها وبينهم عدة حروب - عن اليمن يقودها عمرو بن عامر مزيقياغ عقب تصدع سد مأرب. فلما سرت دعوة محمد [- صلى الله عليه وسلم -] فى جميع أنحاء الجزيرة العربية سنة 8 هـ (630 م) وفد إلى النبى [- صلى الله عليه وسلم -] فى المدينة جلة من رجال الدين ومن بينهم الأسقف أبو الحارثة، واتفقوا مع النبى [- صلى الله عليه وسلم -] على أن يلقوه فى مكان بالقرب من المدينة، وهناك دعوا إلى المباهلة أو اللعان، ولكنهم لما عرفوا نبوته خشوا ما ينزل بهم فسألوا النبى [- صلى الله عليه وسلم -] أن يعفيهم منها على أن يؤدوا جزية أكبر. وفى ربيع الأول من سنة عشرة للهجرة (630 م) أنفذ محمدٌ [- صلى الله عليه وسلم -] خالدَ بن الوليد فى 40 رجلا إلى بلحارث يدعوهم إلى الإسلام؛ فأسلم الوثنيون منهم وبعض النصارى وظل خالد مقيما بينهم يعلمهم القرآن ومعالم الإسلام؛ وعاد خالد إلى النبى [- صلى الله عليه وسلم -] بعد فترة من الزمن فى وفد من بلحارث (بينهم اثنان من أسرة عبد المدان النصرانية) فوهب محمد [- صلى الله عليه وسلم -] كل رجل من رجال الوفد 10 أوقيات (400 درهم) وأقام أحدهم وهو قيس بن الحسين أميرًا على بلحارث. وفى سنة 11 هـ (633 م) ظهر المتنبئ أيهب بن كعب ويعرف عادة بالأسود العنسى، فتبعته بلحارث متأثرة بدعاته. وطردوا والى نجران (عمرو بن حزم)، وظل المسلمون مستمسكين بإسلامهم فى خلافة أبى بكر وجدد النصارى ما عاهدوا النبى [- صلى الله عليه وسلم -] عليه.

المصادر

المصادر: 1 - ياقوت: المعجم، الفهرس. (2) الهمدانى: صفة جزيرة العرب، ص 55، س 8 - 10، ص 67، س 14 - 15، ص 81، س 1 - 3, 6 - 9، ص 83، س 9 - 10 ص 85، س 12، ص 91، س 24، ص 92، س 6 - 8، 15 - 17، ص 97، س 1 - 2، ص 102، س 13 - 14، ص 109، س 21 - 22، ص 116، س 19، ص 117، س 20، ص 125، س 9، ص 130، س 7 - 8، ص 136، س 3، ص 169، س 7 - 8، ص 189، س 2 - 7، ص 201، س 15. (3) الطبرى: تاريخ، طبعة ده غويه، جـ 1، ص 1724 - 1727، والفهرس. (4) الأغانى، جـ 10، ص 82؛ جـ 14، ص 26؛ جـ 15، ص 73 والفهرس. (5) ابن هشام: السيرة (طبعة فستنفلد، ص 958 - 960). (6) Erdkunde: K . Ritter، جـ 12، ص 68. (7) Genealog Ta-: Wuestenfeld beilen، جـ 1، الجدول 8، س 16. (8) الكاتب نفسه: Register ص 210. (9) Essai sur: Caussin de Perceval .l'histoire des Arabes avant l'islainisme جـ 2، ص 23 - 124، 159، 202, 209؛ جـ 2، ص 582 - 591؛ جـ 3، ص 275 - 312، 346، 391. (10) The Life of Mohamet: W. Muir جـ 1، ص 277، 228؛ جـ 9، ص 224 - 225. (11) Arabien im sechten: O. Blau Jahrandert فى، جـ 23 , ص 582 خورشيد [شيلفر J. Schleifer] حازم بن محمد بن الـ "حسن" بن خلف ابن حازم الأنصارى القرطاجنّى أبو الحسن: شاعر ونحوى وصاحب نظريات فى البلاغة. ولد فى قرطاجنة سنة 608 هـ (1211 م) لأسرة من جد أوسى. وقد

تلقى تعليمه من أبيه الذى كان قاضى قرطاجنة وكان اتجاه هذا التعليم إلى النحو، واللغة العربية، والحديث، والفقه المالكى وواصل دراسته فى مرسية ثم فى إشبيلية وغرناطة ووقع تحت تأثير الشَلَوبْين الذى ألهمه دراسة الفلسفة اليونانية مستعينًا بكتب الفلاسفة المكتوبة بالعربية وخاصة ابن سينا. وذهب إلى مراكش بعد وفاة أبيه سنة 632 هـ (1234 م) وهناك شارك فى النشاط الأدبى لحاشية الخليفة الموحدى الرشيد (630 - 640 هـ = 1032 - 1042 م)، ثم عبر إلى المغرب ليشغل منصب الكاتب فى ديوان أبى زكريا الأول الحفصى (625 - 647 هـ = 1228 - 1249 م) وكان علمه الوافر فى ميدان النحو والبلاغة ودرايته التى كانت أعمق من روايته (انظر ابن رشيد) قد أكسبته حجية بين معاصريه ومريديه ومنهم أبو حيان الأندلسى، وابن سعيد، وابن رُشَيْد، والتجانى وكثيرون غيرهم. وتوفى فى تونس فى الرابع والعشرين من رمضان سنة 684 (23 نوفمبر سنة 1285). وكان نشاط حازم القرطاجنى موجها إلى ثلاثة ميادين: كتاباته الشعرية التى حفظ بعضها فى مخطوط (وخاصة فى الإسكوريال، 382، 454) وفى الكتب المعاصرة له أو المتأخرة عنه (انظر المصادر) وتتناول الموضوعات المألوفة، وتكشف عن أثر المتنبى فيه، وهو أثر واضح كل الوضوح فى الأندلس. وهى تشمل بصفة خاصة مدائح فى سلاطين مراكش وتونس وأطولها (1006 أبيات) وأشهرها أرجوزته المعروفة بالمقصورة والمهداة إلى المستنصر الحفصى (647 - 675 هـ) = 1249 - 1277 م): "ومن الموضوعات المألوفة التى تشمل الديار المهجورة وأوصاف الزوابع والإبل، أجل بين هذه التقاليد الطويلة تنطلق احيانًا شرارة الإبداع كما لاحظ غرسيا كومز، ومدْح الخليفة الحفصى، وانتصاراته وقصوره وجيوشه فيها بعد كثير عن الدقة، ولكن فيها قوة وعظمة؛ وقد اقترن التحسر الشاب على الأندلس السجين وفزعه إلى الخليفة الذى يستطيع وحده أن ينتزعه من براثن

النصارى" (انظر Hafsides: Brunschving جـ 2، ص 407). وقد نبه غرسيا كومز (Garcia Gomez Ob-: E. servaciones sobre la "Qasida Maqsura" Qartajanni - l-Hasan Hazim Al de Abu فى Al Andalus سنة 1933، ص 81 - 103) إلى قيمة هذه القصيدة من حيث هى وثيقة تشمل حقائق هامة فى ترجمته لذاته وتفصيلات تاريخية وجغرافية. وقد كانت هذه القصيدة موضوعًا لعدة شروح لم يبق منها إلا شرح الغرناطى (رفع الحجب المستورة عن محاسن المقصورة، القاهرة سنة 1344 هـ = 1925 م، فى مجلدين؛ ويوجد نص المقصورة أيضًا فى مخطوط بالإسكوريال رقم 382). أما فى ميدان النحو فإن حازما نظم منظومة تعليمية لم تكتمل يهاجم فيها "مَقَرَب" ابن عصفور المعروف باسم "شدَّ الزُنَّار على جحفلة الحمار". وقد فقدت هذه المنظومة. ثم نجد أخيرًا أن حازمًا يستحق بصفة خاصة الاهتمام من حيث هو كاتب فى نظريات البلاغة، ذلك أنه صنف "كتاب التجنيس" وهو رسالة فى العروض لم تصل إلينا؛ و"كتاب القوافى"، ثم أهم من ذلك كله "مناهج البلغاء وسراج الأدباء" (= المناهج الأدبية) ولم يبق منه إلا الأجزاء الثلاثة الأخيرة. وهذه الأجزاء قد أصبحت حديثًا قوام الموضوع على أساس المخطوط الوحيد المحفوظ فى الزيتونة (هى الآن مكتبة جامعة تونس) من نسخة نقدية قام عليها م. هـ. بلقوجه (تونس 1969). أما المنهج الثالث فقد نشره من قبل ع. بدوى فى Melanges Taha Husain القاهرة سنة 1962، ص 85 - 146. وفى هذا الكتاب قسم كل جزء تقسيمًا عجيبًا إلى معالم ومعرفات ثم قسمت هذه إلى فقرات سميت على التعاقب: إضافة، وتنوير. واستخدام هذه المصطلحات المحكمة دليل على نزعة حازم إلى تقعيد منطقى دقيق متدرج، وتحليل موسع بغرض بسط نظرية أصيلة. وإذا قارنّا كتابه "منهاج البلغاء" بالرسائل الخاصة بالبلاغة العربية التى على غراره نجد أنه يتميز بالخبر الذى أفرده لأرسطو الذى عرفه حازم بصفة خاصة من الفصول

المصادر

الفصول الخاصة بفن البلاغة والشعر فى كتاب الشفاء لابن سينا. وبالجهود التى بذلها حازم فى تطبيق نظرية الفلسفة اليونانية على الأدب العربى. ومن هذه الناحية يمثل المنهاج مكانة خاصة جدًا فى تاريخ النقد الأدبى. المصادر: علاوة على المصادر المذكورة فى صلب المادة انظر: (1) ابن الأبّار: التكملة، جـ 2، ص 633, رقم 1650. (2) ابن سعيد: القدح المعلّى، القاهرة سنة 1959، ص 20 - 21، رقم 3. (3) العبدرى: الرحلة، مخطوط بالزيتونة، تونس رقم 5093 ورقة 155 ب - 157 ب. (4) ابن رُشَيْد: الرحلة، مخطوط بالإسكوريال رقم 1735 إلخ، فى مواضع مختلفة. (5) التجانى: الرحلة، طبعة عبد الوهاب، تونس سنة 1377 هـ = 1958، ص 184. (6) ابن الخطيب: الإحاطة، طبعة عنان، جـ 1، ص 208. (7) الدمامنى: الحواشى الهندية، جـ 1، ص 189 - 190. (8) السيوطى: البغية، ص 214. (9) الكاتب نفسه: الإتقان، القاهرة سنة 1278 هـ، جـ 2: ، ص 119 - 120. (10) الكاتب نفسه: المزهر، جـ 1، ص 188 - 189. (11) الكاتب نفسه: إقتراح، دلهى سنة 1313 هـ، ص 11. (12) الزركشى: البرهان فى علوم القرآن، القاهرة سنة 1957 - 1959، جـ 1، ص 59، 60، 311، 491؛ جـ 2، ص 101، 408؛ جـ 3، ص 71, 105، 288، 314، 407. (13) ابن القاضى: درّة الحجال، طبعة Allouche , الرباط، سنة 1934 - 1936، جـ 1، ص 137؛ رقم 381. (14) المقرى: أزهار الرياض، جـ 3، ص 171 - 182.

الحافظ

(15) المقرى: نفح الخطيب = Analectes الفهرس. (16) حاجى خليفة، جـ 2، ص 323، 352 - 353. (17) العَيَّاشى: الرحلة، طبعة فاس، جـ 2، ص 254. (18) الوزير السرَّاج: الحلل السندسية، تونس سنة 1287 هـ، ص 219، 303. (19) ابن مخلوف: شجرة النور، القاهرة سنة 1350 هـ، ص 197، رقم 667. (20) علّام: أبو الحسن حازم القرطاجنى وفن المقصورة فى الأدب العربى فى الكتاب السنوى لكلية الآداب بجامعة عين شمس، سنة 1951، ص 1 - 31. (21) م. هـ. بلخوجة، طبعته لمنهاج البلغاء، تونس سنة 1966, مع مقدمة أخذت منها هذه التذكرة خورشيد [هيئة التحرير] الحافظ هو الخليفة الفاطمى الحادى عشر واسمه "أبو الميمون عبد المجيد"، ولد فى عسقلان حوالى سنة 467 هـ (1074 م)، وليس ثمة إجماع على التاريخ الحقيقى لميلاده. وكان أبوه "أبو القاسم محمد" ابن الخليفة المستنصر قد رحل إليها، لأن المجاعة كانت أنشبت أظفارها فى مصر وقتذاك (ابن الأثير، جـ 10، ص 468) غير أن أبا الميمون لم يكن له شأن هام فى السياسة إلا فى خريف حياته، فقد كان على أبواب الشيخوخة عندما اغتال الحشاشون الآمر فى سنة 524 هـ (1130 م) دون أن يخلّف أبناء فبويع بولاية العهد بصفته أحق الأمراء بارتقاء العرش ولقب بالحافظ لدين الله ولم يبايَع بالإمامة فى رأى الشيعة الذى كان سائدًا فى ذلك الوقت يتوارثها الابن عن أبيه، ثم إنهم كانوا ينتظرون ولادة أرملة الخليفة المتوفى، وكانت توشك أن تضع، ولكنها وضعت بنتًا؛ وما إن تقلد الأمير الجديد مقاليد الحكم حتى انتزعت منه، إذ انتقض عليه أبو على

أحمد بن الأفضل الملقب بالخليفة يظاهره الجند، فخلع وزير الحافظ عن الوزارة وتولاها هو وسجن ولى العهد فى القصر ولما كان هذا الرجل قليل الاحتفال بالحقوق الشرعية للبيت الحاكم، فقد دعا فى المساجد للإمام المنتظر وضرب السكة باسمه، وظل أبو على أحمد حاكمًا بأمره سنة إلى أن استطاع عبد المجيد أن يخلعه عن العرش وينصب نفسه خليفة مكانه. واستوزر أول ما استوزر يانس الأرمنى، ولكن سرعان ما أبدى هذا الوزير من القوة والبأس ما أحفظ عليه الخليفة فدس له السم بعد ثلاثة أشهر فقط من توليه هذا المنصب، ثم أخذ الخليفة يحاول أن يحكم الدولة وحده؛ والظاهر أنه نجح فى ذلك، ولكن النزاع ما لبث أن نشب بين ولديه حسن وحيدرة مما زعزع أركان حكمه، وانتصرت فرق الجيوشية لحسن، أما فرق الريحانية فظاهرت أخاه حيدرة، إلا أن الدائرة دارت على حيدرة فأصبح حسن فى الواقع مطلق السلطان، ولكنه تمادى فى الغطرسة وأمعن فى الطغيان إلى حد إذلال أبيه فأدى ذلك إلى سقوطه فى نهاية الأمر. ووجد الحافظ نفسه مضطرًا إزاء إلحاح الجند إلى الإيعاز لطبيبه النصرانى أن يدس السم لولده. ونزل الحافظ على إرادة الجند واضطر إلى استيزار بهرام الأرمنى النصرانى. ولكن هذا الوزير الجديد أسرف فى محاباة أبناء جنسه وإخوانه النصارى فأقيل من منصبه بعد أن شغله سنتين. وباعتزال بهرام الحكم أسدل الستار على العصر الأرمنى فى عهد الفاطميين المتأخر وهو العصر الذى بدأ بظهور "بدر الجمالى". وخلف بهرام الوزير رضوان، على أنه سرعان ما اختلف هو أيضًا مع الحافظ بسبب محاولة الوزير الاستئثار بالسلطة، فضلا عن أن تمذهب رضوان بالسنيّة يلقى شكوكًا فى أحقية حافظ فى الإمامة، ومما زاد فى سخط الخليفة أن الوزير أراد أن يخطب ود الشعب، فألغى ضرائب الأسواق فحرم الخليفة من مصدر من مصادر دخله؛ ثم قام شغب جديد أدى إلى مقتل رضوان؛ ومات الخليفة بعلة القولنج فى العام التالى (جمادى سنة 544 هـ = أكتوبر سنة 1149) بالغًا من العمر 75 عامًا

المصادر

فى عصر سادته الفتن والقلاقل، وقيل إنه كان ينفعه من القولنج قرع طبل من المعادن السبعة والكواكب السبعة فى إشرافها، وكان حكمه قد بدت فيه جميع الدلائل المنبئة بزوال هذه الأسرة. المصادر: (1) ابن الأثير، طبعة تورنبرغ، انظر الفهرس. (2) ابن خلكان، القاهرة 1299 هـ, جـ 1، ص 389 وما بعدها، ترجمة de Slan, جـ 2، ص 179 وما بعدها. (3) أبو الفدا، طبعة Reiske, جـ 3، ص 438 ما بعدها. (4) المقريزى الخطط، جـ 1، ص 357؛ جـ 2، ص 16 وما بعدها. (5) القيروانى: تاريخ إفريقية، ترجمة Remusat & pellisier, ص 120. (6) Geschichte der: Wuestenfeld Fatimidan - Chalifen، ص 300 وما بعدها. (7) A. Hitory of: S. Lane Poole Egypt in the middle Ages، ص 166 وما بعدها. [كرايف Graefe .E] حافظ إبرهيم محمد: شاعر وكاتب مصرى. ولد بين عامى 1869 و 1872 فى دهبية راسية على النيل قرب ديروط (مديرية أسيوط). وتوفى أبوه وهو فى الرابعة من عمره فكفله خاله فى القاهرة ثم فى طنطا حيث أتيح له حضور المحاضرات القليلة التى كانت تلقى فى الجامع الأحمدى، وإن لم يكن ذلك بصفة منتظمة، والتعرّف بالشعر العربى القديم وخاصة العصر العباسى، وهو يتمرن فى مكاتب عدة محامين. وراح حافظ لا يكف عن البحث عن وظيفة لم يكن بعد قد عثر عليها؛ وضاق بالعيش على حساب خاله فترك طنطا ليلتحق بالمدرسة الحربية فى القاهرة. ولما تخرج منها التحق بخدمة الحكومة فى وزارة الحربية ثم فى وزارة الداخلية. وخدم، وهو ضابط، مدة طويلة فى شرقى السودان وقت قيام حملة اللورد كتشنر، ولكن حدث بعد شغب تورط فيه أن طلب حافظ إحالته إلى الاستيداع. وعاد إلى القاهرة سنة

1906 وأتيحت له فرصة وصل نفسه بمحمد عبده وأصبح تلميذه، وانصرف أكثر وأكثر فى حرية إلى الشعر. وكان حافظ فى هذه الفترة أيضا متصلا بالزعماء السياسيين أمثال سعد زغلول ومصطفى كامل وقاسم أمين كما كان متصلا بأهل الفكر الذين التفوا حول خليل مطران وغيره. وإنما حدث سنة 1911 أن نجح فى أن يلتحق بالخدمة المدنية ورئيسًا للقسم الأدبى بالكتبخانة الخديوية (دار الكتب المصرية) فى القاهرة، وقد ظل شاغلا هذا المنصب حتى وفاته تقريبا فى 21 يولية سنة 1932. ويجب أن نعدّ حافظا من بين ممثلى مدرسة الشعر المصرى التجديدى التى كان زعيمها سامى البارودى والتى سار أعضاؤها على مقتضى نزعاتهم وطبائعهم هادفين إلى تخليص أنفسهم من إسار التقاليد. ولكنه اعتزل المتحدثين الآخرين عن الجيل الجديد باستمساكه الذى جاء عفو الخاطر بقضية الشعب وقضية الجماعة الإسلامية بصفة عامة، وقد نجح فى التعبير عن عواطفهما وأطماعهما المشروعة. والحق إن المقطوعات الواردة فى ديوانه (القاهرة سنة 1937 فى مجلدين) تكشف عن حشد من التفصيلات والملاحظات المباشرة التى تلقى ضوءًا على عدة نواح من الحياة السياسية والاجتماعية المصرية فى العقود الأولى من هذا القرن، كما تتيح لنا أن نلحظ النظرة الممعنة فى الجدل للشاعر. ونجد بخاصة فى تلك الأبيات التى نتبين لأول وهلة أنها سياسية، أنه يكشف عن امتلاكه الكامل لناصية الموقف فى حقيقته، وهو أن السلطات الثلاث التى كانت تتنازع لكسب الرأى العام (البريطانيون والسلطان والخديوى) يجب أن تُتَملَّق وأنه يجب عليه أولا وقبل كل شئ أن يخمد نار غضبه ويأسه ويخفى أفكاره. ومن ثم نجد أن أشعاره العارضة التى اضطر فيها الشاعر إلى أن يكيف نفسه على مقتضى أسلوب المدائح والمراثى تفتقر إلى الأصالة والخيال. والشقاء والشكوى والقلق والاكتئاب هى أساس خير ما أبدع حافظ من شعر، وهو قد أدخر لها ألطف مختاراته من الصور

المصادر

وأفعل المفردات فعلا في النفس، وساقها فى بناء أبعد ما يكون عن تجاهل التقاليد القديمة كل التجاهل. وقد شاع شعره - الذي لا يمكن أن نضعه عل محك النقد المستقصى فى هذا المقام - بسرعة لا بأس بها فى دوائر أهل العلم فى الأزهر ونال الثناء والترحيب الجم لدى صفوة المثقفين والزعماء السياسيين فى مصر. وأصبح حافظ إبراهيم فوق كل شئ بعطفه على البائسين صدى شقاوات الشعب وآماله. ولعل هذا العطف هو الذى حمله على نقل بعض فصول من البؤساء لفيكتور هيجو (القاهرة سنة 1903، والطبعات الأخرى)، وقد يتميز هذا النقل خاصة بنثره العربى الفخم. وثمة وجه آخر من وجوه أسلوبه القصصى يتمثل فى "ليالى سطيح" (الطبعة الأولى، القاهرة سنة 1906؛ الطبعة الثانية من غير تاريخ) ويظهر فيها على نحو أقوى من ذلك الأهداف الخلقية التى كان يدين بها مقلدو المقامات فى نهاية القرن التاسع عشر. وتشمل هذه المقامة الطويلة إلمامة نقدية بالأخلاق المصرية ولعلها كتبت على منوال "حديث عيسى بن هشام" لمحمد المويلحى الذى ظل يفوق حافظًا فى هذا الباب. ومما يجدر ذكره أيضًا ترجمته بالاشتراك مع خليل مطران لكتاب لبول لروى بوليو Paul Leroy - Beaulieu وعنوان هذه الترجمة بالعربية "المجاز فى علم الاقتصاد" (القاهرة سنة 1913، فى خمسة مجلدات). المصادر: يجب أن نضيف إلى المصادر التى وردت فى بروكلمان، قسم 3، ص 57 - 71. (1) حسن كامل الصيرفى: حافظ وشوقى. (2) أحمد الطاهر: محاضرات عن حافظ إبراهيم، القاهرة سنة 1954. (3) شوقى ضيف: الأدب العربى المعاصر. (4) فى مصر، القاهرة سنة 1957، ص 82 - 92. خورشيد [ريتز تانو U. Rizzitano]

الحاكم بأمر الله

الحاكم بأمر الله هو سادس الخلفاء الفاطميين، وكان يلقب قبل توليه الخلافة: بأبى على المنصور. ولكى نحصل على فكرة واضحة قدر الإمكان عن خلق هذا الحاكم الغامض يجب أن نقسم حياته إلى ثلاثة أدوار متمايزة بعضها عن بعض تمام التمايز. فالدور الأول، وهو دور حداثته، يبدأ من توليه الخلافة فى الحادية عشرة من عمره وينتهى بمقتل "برجوان" فى سنة 390 هـ (سنة 1000 م)؛ ويبدأ الدور الثانى من تاريخ هذا الحادث حتى سنة 408 هـ (سنة 1017 م)؛ أما الدور الثالث فهو السابق على اختفائه سنة 411 هـ (سنة 1021 م). الدور الأول سنة 386 - 390 هـ = 996 - 1000 م: فى اليوم نفسه الذى مات فيه العزيز فى مدينة بلبيس بويع بالخلافة ابنه الوحيد "المنصور" وتلقب "بالحاكم بأمر الله"، وقد ولد المنصور فى 23 ربيع الأول سنة 375 هـ (13 أغسطس سنة 985 م) من أم نصرانية، وأقيم العبد الخصى "برجوان" وصيا عليه امتثالا لرغبة أبيه. غير أن "برجوان" لم يستطع أن يخضع لسلطانه قائد الجيش "ابن عمّار المغربى" الذى كان الخليفة "الحاكم" قد منحه رتبة "الواسطة" ولقّبه بأمين الدولة. وكان لمحاباة هذا القائد بنى جنسه من الكتاميين وتفضيلهم على إخوانهم من الجنود أثر سئ أثار النفوس إلى درجة الغليان، فعمد الجنود الترك آخر الأمر إلى امتشاق الحسام لرد عدوان البربر إخوانهم فى السلاح. وانتهت هذه الفتنة بهزيمة البربر وسقوط قائدهم "ابن عمَّار" وقد عفا عنه الخليفة، إلا أنَّه سرعان ما دبر أمر الخلاص منه فاغتيل وأصبح "برجوان" عندئذ مطلق السلطان، فركبه الزهو والغرور وترك مقاليد الأمور تفلت من يده، ثمَّ انغمس فى الملذات ينعم بثروته الطائلة مهملا تثقيف الخليفة القاصر، بل تغالى فأخذ يلقبه ألقابا تجعله موضع الاستهزاء مما حزّ فى نفس الخليفة. على أن برجوان عرف حقيقة خلق الخليفة وكان يجهله من قبل؛ ففى سنة 390 هـ (سنة 1000 م) أمر الخليفة بقتله ولجأ

الحاكم بعد هذه الفعلة التى ثار لها الناس إلى الشعب ليشد أزره فى هذه السن اليافعة التى يحتاج فيها المرء إلى كل عون. على أنَّه ما لبث أن أتى من الفعال ما يدل على استقلال خطير فى الرأى لم يعد معه فى حاجة إلى سند. الدور الثانى من سنة 390 - 408 هـ = 1000 - 1017 م: وربما استطعنا أن نتبين خلق الخليفة من المجرى الذى سار فيه بعيد وفاة برجوان إذا عرفنا البواعث الكامنة تحت ذلكم التعصب الدينى الشديد الذى جعله يسعى جاهدا إلى التشدد فى تطبيق بعض أحكام الإِسلام بصفة عامة تطبيقا حرفيا وإشاعة آراء الشيعة الإسماعيلية بين أناس ما زالت آراء أهل السنة غالبة عليهم. فإذا كانت هذه الظاهرة هى أبرز ما اتسمت به تصرفاته كلها فقد كان يزيدها تعقيدًا شعور مطلق بالقوة أخذ يتملك هذه الشخصية العجيبة شيئا فشيئا وأهواء قلّب لا تقف عند حد تمتزج بها امتزاجا قويا طبائع فطرت على القسوة والبطش. وقد تفسر هذه النزعات - التى ذكرناها أول ما ذكرنا - تلك الأحكام الجائرة التى أصدرها حتى سنة 399 هـ الموافقة سنة 1008 - 1009 م: "كمنع شرب الخمر ومنع أكل أصناف من الطعام وفرض القيود على النساء وهكذا". ولا شك أن بعضها قد قصد به أهل السنة، كما تفسر لنا أيضا اضطهاده أهل الكتاب اضطهادا شديدًا لا رحمة فيه كإصداره المراسيم التى تحتم عليهم ارتداء زى خاص وهدم معابدهم وكنائسهم. وظل النصارى رغم هذا يشغلون أرقى مناصب الدولة، وهذا يدل على أنه كان من المستحيل حتى فى ذلك الوقت الاستغناء عن مقدرتهم وكفايتهم. وقد دفعه تعلقه بمذهب الشيعة إلى بناء عدة عمائر، فشيد جامع "راشدة" وجامع "المقسى" والجامعة الكبيرة المعروفة باسم "دار العلم" (أو الحكمة) التى فتحت أبوابها فى جمادى الآخرة سنة 395 هـ (مارس سنة 1005 م) كما أتم بناء جامع "الحاكم" عام 393 هـ (1002 م) أو سنة 401 هـ (1010 م)، وكان الخليفة العزيز قد بدأ فى إقامته.

غير أن الحاكم أظهر طوال مدة حكمه ميلا شديدا إلى القسوة البالغة وسفك الدماء، وكانت ضحاياه على الأخص كبار رجال الدولة وقواد الجيش، وقلما مات واحد منهم فى هذه الفترة حتف أنفه. وسرعان ما ظهرت عواقب هذا الحكم البغيض القائم على العسف، ذلك أن "أبا ركوة" الأمير الأموى الأندلسى انتقض على الحاكم وهدد مصر وعاصمتها بالخراب والدمار، وبادر "بنو قرة" و"زناته" إلى مساعدته إذ ضاقوا ذرعا بقسوة الحاكم وعنفه، وعاونته كتامة بعد ذلك، وإنما استطاع القائد الباسل و"الفضل" بعد جهد جهيد أن يتغلب على هذا العدو الخطر سنة 396 هـ (1006 م). ولعل الخليفة قد تأثر بهذه الأحداث وبقلة المحصول سنوات متتاليات، فلم يجد بدا من التخفف من شدته ومراضاة أهل السنة، بل لم يقتصر الخليفة على ذلك بل أبطل تلك العادات التى تدخل فى صميم الإسماعيلية وسلك السبيل المستقيم إلى السنة، وإلى هنا نستطيع أن نجد البواعث التى حدت بالحاكم إلى فعل ما فعل، ولكننا لا نستطيع ذلك بحال من الأحوال فى السنوات التالية، لأننا نتبين من ذلك الفيض من المراسيم التى كان يصدرها الخليفة ويغيرها بلا انقطاع، أنَّه كان يميل تارة مع الإسماعيلية، وتارة مع أهل السنة؛ وإنما ظل على رأيه فى اضطهاد النصارى واليهود ومعاملة عمال الدولة فى وحشية لا يفرق فى ذلك بين دين ودين. الدور الثالث: من عام 408 - 411 هـ الموافق 1017 - 1021 م: ومهما يكن من شئ فقد كان الخليفة يتبع تعاليم الإسماعيلية الباطنية إلى غايتها، متأثرا فى ذلك بالأخرم وحمزة الزوزنى ودرزى الداعى الباطنى، وذلك عام 408 هـ (1017 م). أما وقد عرفنا نفسيته فليس بمستغرب أن يخطو هذه الخطوة، كما يجب ألا يغيب عن بالنا أيضا أن أباه وجدّه قد زعما من قبله فيما يظهر أنهما على الأقل قادران على الإتيان بالخوارق (Druzes: de Sacy Chalifen: Wuestenfeld Fatimiden -، ص 160). أما أن الحاكم قد أظهر آخر

الأمر تسامحا عظيما فى أمور الدين فشئ يتفق تماما وعقائد الإسماعيلية التى كانت غالبة عليه إذ ذاك، فأبطل العقوبات التى سنّها، وبدأ النصارى واليهود يتنفسون الصعداء؛ والقصة التى ذكرها كوفمان (Kaufmann فى Zeitschr. der Deutsch. Morgenl Gesells جـ 51، ص 442 وما بعدها) هى خير مثال على ذلك، على أن أهل البلاد المسلمين هبوا يحاربون الآراء الملحدة التى كان يدعو إليها دعاة المذهب الجديد جهرة، وكان من أثر هذا أن الحاكم حبس فى قصره وهو القصر الذى عرف أن درزى مثير الخواطر كان مختبئا فيه. ومع ذلك فقد استطاع "الحاكم" أن يمهد لدرزى سبيل الفرار إلى لبنان حيث أسس طائفة الدروز، وما زال هؤلاء يقدسون "الحاكم بأمر الله" معتقدين فيه وينتظرون عودته. ولم يتردد الخليفة فى صب جام غضبه على مدينة الفسطاط مهد الثورة، فقامت إثر ذلك معارك طاحنة بين الترك والبربر من ناحية وبين الزنوج المتغطرسة من ناحية أخرى، فدبت الفوضى فى العاصمة وأخذت الحالة تسير من سئ إلى أسوأ، ثمَّ حلت ساعة الخلاص فجأة باختفاء الخليفة اختفاء غامضا فى ليلة 27 شوال سنة 411 هـ (23 فبراير سنة 1012)، وقد جرى القول بأنه قتل بتحريض أخته ست الملك إلا أن هذا القول ليس له سند كاف (Druzes: de Sacy، جـ 1، ص 416 وما بعدها). وإذا درسنا أطوار سيرته فإننا لا نستبعد ما ذهب إليه ميلر (Mueller جـ 1، ص 693) من أن الحاكم قد عمد إلى الاختفاء عن أعين الناس لما تبين له استحالة نشر دعوته فى مصر. وقد تأثر المؤرخون المسلمون؛ والكتّاب النصارى - المغرضون بطبيعة الحال - بادعاء الحاكم الألوهية آخر الأمر فتحيفوا عليه ولم يقدروا هذه الشخصية الفذّة فى نهجها، وعدوه حاكما طاغية مخبولا متعطشا للدماء، وبادروا فنسجوا حول شخصيته الغريبة سلسلة من الأقاصيص السخيفة التى لا تزال تفتقر إلى تمحيص دقيق. وتأثر معظم المؤرخين الأوربيين بهذا الرأى أيضًا ولم يشذ

المصادر

منهم إلا دوزى وتبعه فى ذلك ميلر فاجتهدا أن يحكما على شخصية الحاكم حكمًا منزها عن الهوى. وفى رأيهما أن شخصية الحاكم قد جمعت بين المغيرة على الدين إلى حد التعصب وبين النزوع المأثور عن المشارقة إلى الاستبداد. ولكنها لا تخلو من خلة تهدف إلى المثل الأعلى. فمن البيّن أن كثيرًا من النظم التى سنّها واشتد الناس فى ذمها قد رمى بها إلى كبح جماح الفساد الذى تردى فيه شعبه؛ وقد ضرب لهم مثلا رائعًا بسلوكه الذى لا تشوبه شائبة واحتقاره لكل مظاهر الأبهة والفخفخة. وكثيرًا ما نجد مراسيم حتى فى الطور الثانى من حكمه يحرم فيها ذكر اسمه فى الصلاة إلا فى بساطة متناهية، وقد نهى عن أن يظهر له أحد فروض الاحترام والإجلال المألوفة. وليس من ينكر على الحاكم سماحته وجوده، وما زال التاريخ يروى مثلا مشاهد السنين التى شح فيها ماء النيل وكيف كان الحاكم يقف وسط شعبه مستجيبًا لكل رجاء دائب السعى لدفع ويلات المجاعة. ومهما يكن من أمر فإن حكم الحاكم، وخاصة فى السنين الأخيرة من عهده، إنما كان قائمًا على رأيه الذى لا ينظر إلى الأمور إلا من ناحية واحدة معرضًا لتقلبات هواه، ومن ثمَّ لا ننكر أن هذا الحكم كان على الجملة وخيم العاقبة على البلاد. أما عن الأحداث السياسية التى وقعت خارج مصر فى عهد الحاكم، فهذه ليست لها علاقة وثيقة بما نحن بصدده من تحليل شخصيته. المصادر: أفضل المصادر هى: (1) ابن خلكان، ترجمة ده سلان de Slane, جـ 3، ص 449 وما بعدها. (2) ابن العبرى Chronicon طبعة Braus، ص 211 وما بعدها. (3) المقريزى: الخطط؛ جـ 2، ص 277، 282 وما بعدها؛ 341 وما بعدها. (4) وقد أجمل له ساسى de Sacy البحث فى الأدب المشرقى فى مصنفه الجوهرى Expose sur la religion des Druzes، ص 278 وما بعدها.

(5) القيروانى: تاريخ إفريقية، ترجمة Pellissier et Remusat، ص 116 وما بعدها. (6) الكندى: ولاة مصر وقضاتها The Governors and Judges of Egypt. (7) Chalifen: Weil der Geschichte جـ 3، ص 66؛ جـ 4، ص 269. (8) Geschichte der: Wuestenfeld Fatimiden Chalifen، ص 164 وما بعدها. (9) Essai sur l'histoire de: Dozy l'Islamisme، ترجمة، Chauvin، ص 283 وما بعدها. (10) Polemische: Steinschneider und Apologetische Litteratur، ص 184, 195 وما بعدها. (11) Geschichte des Is -: A. Mueller lam im Morgen und Abendland، جـ 1، ص 629 وما بعدها. (12) Beitraege zur: D. Kaufmann Geschichte Aus Juedischen Quellen فى Zeitschr. der Deutsch. Morgenl. Gesells, جـ 15، ص 442 وما بعدها. (13) Stanley Lane Poole of Egypt in the Middle Ages: A. History ص 123 وما بعدها [كرايفه E. Graefe] + الحاكم بأمر الله: سادس الخلفاء الفاطميين واسمه أبو على المنصور، وهو من أشهر الخلفاء لسرفه وشططه وقسوته وما أنزله بالناس من اضطهاد وخاصة المسيحيين، والصفة الإلهية التى نسبها إليه بعض أنصاره وأصبحت من أركان عقيدة الدروز، ونهايته الغامضة. ومن العسير أن نكون فكرة دقيقة عن شخصيته، ذلك أن كثيرًا مما اتخذه من فعال كان غريبًا غاية الغرابة بل إننا لا نجد له تفسيرًا، كما كان سلوكه حافلا بالمتناقضات. وكان خلقه فى جوهره خلق الطاغية والحاكم المفرد القاسى ويتخلل ذلك نوبات من السماحة والتواضع. ولد الحاكم سنة 375 هـ (985 م) وكان فى الحادية عشرة وستة أشهر فحسب حين توفى أبوه العزيز فى بلبيس فى الثامن والعشرين من

رمضان سنة 386 هـ (14 أكتوبر سنة 996) , ونودى به "ولى العهد" سنة 383 (993 م). وكان الخليفة العزيز، وهو على فراش الموت، قد أوصى قاضيه الأكبر محمَّد بن النعمان وزعيم كُتامة الحسن بن عَمَّار بأن يناديا بابنه خليفة. ودخل الحاكم القاهرة فى اليوم الثانى لوفاة أبيه مرتديًا درّاعة من لون واحد وعمامة مزينة بأحجار كريمة وقد أمسك فى يده رمحًا وتمنطق بسيف وتقدم جثمان أبيه. وفى اليوم التالى ظهر يحف به الجلال أمام وجوه القوم فى إيوان القصر، وقد جلس على عرش من الذهب وحياه الحاضرون بلقب الإمام والحاكم بأمر الله. وفى البداية الأولى لعهده أصرّ بربر كتامة الذين كانوا قوام أسرته، بأن يوكل أمر رئاسة الحكومة لزعيمهم الحسن بن عمار الذى اشتهر بانتصاراته على الروم (البوزنطيين) فى صقلية. وكان قد عين "واسطة" ولقب بلقب "أمين الدولة". وقد أظهر الحسن تحيزه للبربر فى الجيش على حساب العناصر الأخرى، وهى الترك والديلم والزنوج، وقتل وزير العزيز عيسى بن نَسْطورُس وتشاحن مع أتابك الخليفة الشاب المملوك الخصى بَرْجوان. وما كان من برجوان، وقد أثارت اهتمامه الخطة التى رسمها أنصار ابن عمَّار بوضع الخليفة فى قبضتهم، إلا أنَّه تحالف مع والى دمشق منكوتكين التركى. ولكن منكوتكين كان قد سار إلى مصر يصحبه حليفه البدوى مفَرِّج بن دَغْفَل بن الجرّاح وتخلى عنه برجوان وهزم قرب عسقلان على يد جنود ابن عمار بقيادة سليمان بن جعفر بن فلاح. على أن حكم ابن عمار لم يدم طويلًا، ذلك أن رجلا من أقوى البربر هو جيش بن صمصامة الذى كان قد طرد من ولايته على طرابلس، انضم إلى برجوان. وقامت ثورة على ابن عمار وهزم ففر مختفيًا، واستولى برجوان على مقاليد السلطة، وشغل منصب "الواسطة" فى آخر رمضان سنة 387 (أول أكتوبر سنة 997) وحمل الناس على البيعة للخليفة الشاب من جديد. وصدر العفو عن ابن عمار أول الأمر، ثمَّ اغتيل من بعد.

وقدّر لحكم برجوان الذى كان يعاونه كاتبه فهد بن إبراهيم أن يواجه صعابًا جمة هى هجوم الروم (البوزنطيين) فى شمالى الشام، ونشوب فتنة فى صور على يد المغامر عَلّاقَة بمعاونة البوزنطيين، وقيام الاضطرابات فى دمشق وفى برقة من أعمال طرابلس. وقد انتهت الأمور فى الشام نهاية سعيدة بانهزام أسطول البوزنطيين أمام صور. وقد هزم جيش بن صمصامة أول الأمر خارج أفامية إلا أنَّه دأب على القتال وغزا البوزنطيين الذين كان حبلهم قد اضطرب بوفاة قائدهم دميان دلاسينوس (انظر ترجمة M. Canard لأخبار ابن القلانسى فى Revue des Etudes Byzantines, باريس، جـ 19، سنة 1961، ص 297 وما بعدها). وقبيل هذه الحملة على البوزنطيين مباشرة، أراد مفرّج أن يسود على الرملة فاضطر إلى الخضوع لجيش بن صمصامة؛ وأعيد النظام إلى نصابه فى دمشق، وأعيد أيضًا إلى برقة، ولكن فشلت المحاولة التى بذلت لانتزاع طرابلس من الحاكم الزيرى لإفريقية. أما المفاوضات مع البوزنطيين التى بدأت بعد حادث أفامية وبدأها الإمبراطور بازيل. أوبرجوان. فلم تنته إلى شئ، وشرع بازيل فى شن حملة جديدة فى شمال الشام وصادفه النجاح هذه المرة. وإنما تم بعد ذلك وبعد وفاة برجوان أيضا، أن عقد هدنة مدتها عشر سنوات مع البوزنطيين سنة 391 هـ (1101 م). على أن العلاقات السلمية بين بوزنطة والحاكم قدر لها أن تضطرب بتدمير كنيسة القبر المقدس سنة 400 هـ (1009 م)، بل إن بازيل قد عمد سنة 406 هـ - 1015 - 1016 م) إلى منع العلاقات التجارية مع مصر والشام. ولم يكن برجوان مستوليا على مقاليد السلطة منذ ربيع الثانى سنة 390 (أبريل سنة 1000)، ذلك أن الحاكم الذى كانت شخصيته قد بدأت تستقر وتثبت كان قد ضاق بوصاية برجوان الذى كَفّه فى قصره. ولذلك نجده قد عمل على اغتياله بمالأة المملوك ريدان، وهو يتمشى معه. وأعقب ذلك قيام الاضطرابات، فقد خشى الترك أن يكون ما حدث انقلابًا قام به الحزب البربرى. واضطر الخليفة الشاب إلى

الظهور على باب قصره ليشرح الأسباب التى أدت به إلى العمل على قتل برجوان ومطالبة رعاياه جميعا بالطاعة وبذل العون له. وقد أظهر هذا القتل وإبرامه الذى شابه تصميم لا يعرف العاطفة من قبل صبى فى الخامسة عشرة تلك الميول المتعطشة إلى الدم التى وقع فريسة لها معظم وزرائه وأكابر الأعيان من رعاياه. ومن يومها راح الحاكم يحكم البلاد حكم الطاغية المستبد، لا يطيع إلا أهواءه ومزاجه فى الساعة التى هو فيها، سواء كان ذلك خيرا أو شرا، فيأمر باتخاذ أعجب القرارات وأشدها إسخاطا للشعب ثمَّ ينكرها أو يلغيها، ثمَّ يعود فيؤكدها، متراوحا بين الغلظة والسماحة لينتهى به الأمر إلى الجنون الذى أصابه فى السنوات الأخيرة من حكمه. وكانت أهم السمات التى تميز حكم الحاكم هى: (1) سلسلة من الإجراءات تنبع من قلب مسلم، شيعى بخاصة؛ والتعصب الدينى: (أ) قوانين ضد المسيحيين واليهود. (ب) إجراءات ضد المذهب السنى. (جـ) مراسيم لها الصفة الخلقية الاجتماعية (جميع الإجراءات التى ألغيت أكثر من مرة، مع أننا لا نستطيع أن نتبين منها أية أسباب واضحة تدعو إليها). (2) عدد كبير من الاضطهادات وآيات القسوة. (3) عصيان بين الشعب ومظاهرات السخط التى قام بها. (4) شطط الحاكم المتعدد الوجوه الذى يوشك أن يكون جنونا، ودعاواه بالألوهية. على أن ثمة مناسبات أخرى أظهر فيها الحاكم بساطة عجيبة، وتواضعًا، وزهدًا، وسماحة، وإحساسًا بالعدل، حتى أن الحكم عليه لا يكون فى جميع الأحوال سيئًا. وكانت الإجراءات التى اتخذت ضد المسيحيين واليهود من أبرز سمات حكمه، ولكن يجب أن نسلم بأنه كان ثمة مراسيم من هذا النوع سبق أن أصدرها الخلفاء العباسيون. ونحن

نسجل الإجراءات التى اتخذها الحاكم باختصار فيما يلى: سنة 393 هـ (1003 م). تدمير كنيسة كان قد أعيد بناؤها، وإقامة مسجد "راشدة" فى مكانها (انظر فى هذا الشأن المقريزى: الخطط، جـ 2، ص 282). تحويل كنيستين أخريين إلى مسجدين؛ نقل المسيحيين الملكانيين من حيهم إلى الحمراء (انظر فى ذلك المقريزى: الخطط، جـ 1، ص 298). تحريم الخمر، حتى على النصارى، والأوامر التى أصدرها بتدمير جرار الخمر وإفراغ الخمر على الأرض. سنة 395 هـ (1004 م): إلزام المسيحيين واليهود بارتداء زنانير وعمائم سودًا. سنة 396 هـ (1005 - 1006 م): تحريم جديد للخمر. سنة 397 هـ (1007 م): تحريم الاحتفال بأحد السعف فى بيت المقدس وغيرها. سنة 398 هـ (1008 م): مصادرة أملاك الكنائس والأديرة فى مصر. سنة 399 هـ (1009 م): إجبار النصارى واليهود وهم فى الحمامات بتعليق شارة مميزة حول أعناقهم - صليب للنصارى، وجلاجل صغيرة لليهود؛ تدمير كنيستين فى القاهرة وكنيسة فى دمشق، وتدنيس مقابرها. إنزال التعذيب بعدد من الموظفين النصارى. سنة 400 هـ (1009 - 1010 م): تدمير كنيسة القبر المقدس ببيت المقدس. ويقول ابن القلانسى أن سبب ذلك هو أن الخليفة غضب من قيام القساوسة بخدعة فى معجزة نزول النار المقدسة إلى المذبح (انظر عن هذه المعجزة: The Holy Fire: Krachkovskiy according to the accounts of al Birunie -and other Muslim Writers of the 13 th centuries فى Kristiansky Vostok 10 th بالروسية فى جـ 3/ 3، سنة 1915، ص 226 - 242). وحدث فى السنة نفسها: تحريم إقامة عيد الغطاس فى القاهرة، وقد منعت السلطات الإِسلامية من حضور هذا العيد كما كانت تفعل من قبل؛

وتدمير الدير الملكانى القصير فوق تلال المقطم وتدنيس المقبرة؛ وتدمير كنيسة فى دمياط. سنة 401 هـ (1010 م) تكرار الأمر الصادر للنصارى واليهود بارتداء زنانير سود؛ وتحريم جديد للخمر واستعمالها فى القداس. سنة 402 هـ (1011 - 1012 م): تحريم إظهار الصلبان وصوت الناقوس. سنة 403 هـ (1012 - 1013 م) وفى المقريزى سنة 404 خـ: أمر للنصارى واليهود بارتداء عمائم وطيلسانات سوداء، وأن يضع النصارى صليبا من الخشب حول أعناقهم؛ أمر بمنع النصارى من ركوب الخيل؛ استبدال المسلمين بالموظفين النصارى؛ وقد اشتد فى هذه الإجراءات بعد أن رفعت إليه مظلمة من النصارى، وقد اضطر عدد كبير من النصارى إلى الدخول فى الإِسلام. وكانت هذه السنة سنة الكوارث بالنسبة للنصارى، فقد دمرت كل صوامعهم وكنائسهم وصودرت كنوزهم، ولم ينج من ذلك إلا دير سيناء نتيجة لخدعة دبرها رئيسه، على أنَّه لم ينج من المصادرات ذلك أن رئيسه شكا من ذلك إلى الخليفة سنة 411 هـ (1021 م). ونالت هذه السياسة موافقة المسلمين بصفة عامة، ذلك أنهم كرهوا النصارى لما وقع فيه الموظفون الماليون النصارى من اختلاسات وما جنحوا إليه من محسوبيات، وأدى ذلك على سبيل المثال إلى إعدام الكاتب فهد بن إبراهيم سنة 393 هـ (1003 م) الذى كان رئيسا لهذه الشئون المالية أكثر من خمس سنوات وحبس عدة كتاب يتولون مناصب شتى حبسا مؤقتا. ويجب أن نذكر أن هذه الإجراءات ربما لم تكن تنفذ بصرامة فى جميع الأحيان وإلا لما كان ثمة داع إلى تكرارها. على أن الحاكم سنة 404 هـ (1013 م) سمح للنصارى واليهود، بل سمح لأولئك الذين أسلموا منهم، بأن يعودوا إلى ملتهم والهجرة إلى أرض الروم. وحين علم سنة 411 هـ (1021 م) بأن بعض النصارى الذين أسلموا كانوا يحضرون القداس فى

بعض البيوت، فإنَّه لم يتخذ ضدهم أى إجراء كما اتخذ فى العام نفسه سلسلة من الإجراءات فى صالح النصارى هى: إباحة بناء دير القصير من جديد ورد ممتلكاته إليه، ومنح الحماية لجميع الكنائس وإعادة أملاكها إلى جميع الكنائس. وإن المرء ليعجب: ترى هل كان الحاكم يستلهم فى بعض الأحيان ذكر أمه النصرانية؟ وقد صادفت الإجراءات الشيعية والمناهضة لمذهب السنة بخاصة معارضة شديدة من أهل مصر الذين كان قوامهم من أهل السنة حتى أن هذه الإجراءات قد ألغيت لذلك أو بسبب ما كان ينتاب الخليفة من إسراف فى السماحة. وقد حدث سنة 393 هـ (1002 - 1003 م) أن اعتقل ثلاثة عشر شخصا وشهّر بهم وحبسوا ثلاثة أيام لأنهم أدوا صلاة "الضحى" التى كانت محرمة منذ سنة 370 هـ، ثمَّ أبيحت مرة أخرى سنة 399 هـ (1009 م)، كما جاء فى رواية يحيى بن سعيد الأنطاكى. وكذلك كان مباحا "القنوت" فى صلاة الجمع (وهو يعد شعيرة أدخلت فى العصر العباسى؛ انظر النعمان: دعائم، جـ 1، ص 121) وصلاة التراويح فى رمضان. وقد أبيح فى الأذان لصلاة الفجر أن يذكر التثويب مرتين وفقا لما جرى عليه أهل السنة: "الصلاة خير من النوم" ولم يعد فرضا أن يقال فى الأذان "حى على خير العمل" وهى صيغة شيعية بخاصة (المقريزى، جـ 2، ص 287 و 342 حيث لا تتفق التواريخ). على أنَّه جاء فى المقريزى (جـ 2، ص 342 سنة 403 الموافقة 1012 م) أنَّه أمر بالعودة إلى صيغة "حى على خير العمل"، وأبطل التثويب ومنع مرة أخرى صلاة الضحى وصلاة التراويح ولعل من الأرجح أن نقول منع النسوة من العويل والنحيب فى الجنازات يعود إلى ردّة على العادة الجارية التى حرمها النبى [- صلى الله عليه وسلم -] ولم يحرمها أهل السنة فيها يظهر بشدة وصرامة. ومن الإجراءات التى كثيرا ما أثارت الاضطرابات سنة 395 هـ (1005 م) الاساءة إلى الخلفاء الراشدين وصحابة رسول الله [- صلى الله عليه وسلم -]. وقد صدرت الأوامر

بنقش هذه الصيغ اللعنَّية على جدران العمائر وكذلك على حوانيت الأسواق، وقد أثار ذلك شغبا وقت العودة من الحج. ومن ثمَّ نسخ هذا الأمر بعد ذلك بسنتين، وصدر أمر بإزالة صيغ اللعن ومعاقبة أى فرد يسئ إلى صحابة رسول الله [- صلى الله عليه وسلم -]. وجدد هذا الأمر سنة 403 هـ (1013 م). وينتمى أيضا إلى هذا التغيير فى السياسة والعودة إلى الشعائر السنية إباحة الاحتفال بشهر الصوم. وبعيد الفطر كما كان يفعل أهل السنة حين يراعى شهود القمر الجديد، فى حين أن القانون الفاطمى قد حدد بداية الشهر طبقًا للأرصاد الفلكية؛ ونذكر أيضا إبطال الاحتفال بعيد غدير خم (المقريزى، جـ 1، ص 389، 10). والإجراءات الصارمة التى اتخذت حيال أهل السنة أثارت حماسة شديدة لمذهب الشيعة واحتشد الناس فى المحاضرات التى كان يلقيها فى المسجد قاضى القضاة عبد العزيز بن محمَّد بن النعمان حتى توفى بعضهم من الاختناق. وكان إنشاء "دار العلم" أو "دار الحكمة" سنة 395 هـ (1005 م) من الأعمال الأخرى التى قصد بها محاربة السنية ونشر الدعوة الإسماعيلية. وكانت المراسيم ذات الصفة الأخلاقية الاجتماعية من أغرب القرارات التى أصدرها الخليفة، وهى حين تكون بريئة من الهوى والنزوات الخالصة، فإنَّه من المستطاع أن ننسبها إلى حرص على نشر الأخلاق الفاضلة ومحاربة الخلاعة. وقد أثر تحريم الخمر الذى أسلفنا بيانه على المسلمين والمسيحيين ولم يراع هذا التحريم فى ثورة أبى رَكْوَة. وقد نسخ هذا التحريم سنة 396 هـ (1006 م) حين بيّن طبيب الحاكم له أن الخمر قد تفيد الصحة. على أن هذا الأمر أعيد عدة مرات وكان الغرض من ذلك بلا ريب مراعاة الأخلاق. ومن هذا القبيل غلق البيوت المشبوهة ومنع الناس من الظهور فى الحمامات من غير ما يستر الحقوين، وتحريم بيع القيان المغنيات، وتحريم الجعة (الفُقاع) وبيع الشهد والزبيب (الذين يمكن

استخدامهما لصنع المشروبات الروحية) وتحريم الآلات الموسيقية ومنع الحفلات التى يقيمها المغنون والموسيقيون. ولهذا السبب منع النسوة من التزين وإظهار المجوهرات والذهاب إلى الحمامات والجبانات، بل منعهن مرة من الخروج بإطلاق، ومنع الحذائين سنة 405 من صنع أحذية لهن حتى أجبرهن على الاعتكاف فى دورهن. وكان بعض النسوة اللائى يذهبن إلى الحمامات رغم هذا المنع يحبسن فيها. وكذلك حرم الحاكم جماعات اللهو على ضفاف النيل والتريض بالقوارب فى الخليج، وأمر بأن تغلق جميع الأبواب والنوافذ المطلة على الخليج، بل لقد منع الناس من التمشى ليلا أو إبقاء حوانيتهم مفتوحة بعد الغروب، ولو أنَّه كان فى بعض الأحيان يجد متعة فى التمشى فى الطرقات المنارة. وكانت جميع هذه الإجراءات موضع سخط الناس الشديد. ولا شك أن الحاكم كان حريصا على أن يعامل بشدة فجور بعض الطبقات وفسقها، ولم يتردد فى أن يعاقب أشد العقاب كل من يخرج عن هذه النواهى. ويمكن أن نسلم بأن الدوافع التى حدت بالخليفة إلى إصدار بعض هذه النواهى كانت جادة، إلا أن ذلك لا يمكن أن يصدق على عدد من الإجراءات الأخرى التى اتخذها. ومن ذلك سلسلة من النواهى عن الغذاء، وكانت هذه النواهى تعوق التجارة وتضايق المستهلكين. فقد حرم "الملوخيّة" وهى نوع من الخضر الغروية المحبوبة جدًا، بحجة أن أبا بكر وعائشة ومعاوية كانوا يحبونها، وكذلك تحريمه الكامخ المعروف بالموَكَّلِيّة، والترمس وبعض المحار، والسمك الذى لا تغطيه قشور (وهذا يذكرنا بالتحريم الذى جاء به سفر التثنية، الإصحاح 14، الفقرة 3 وما بعدها). وربما نشأ تحريمه لذبح الماشية إلا فى عيد الأضحى قد نشأ من الحاجة التى تقتضى حفظ الماشية للزراعة (قارن هذه السياسة بسياسة الحجاج). ولكن ما قولنا فى الأمر الذى أصدره مرتين بقتل الكلاب لأن نباحها

يزعج الخليفة وتحريمه لعبة الشطرنج؟ وبماذا نستطيع أن نفسر مصادرة الحاكم سنة 399 هـ أملاك أمه وأخته وزوجاته؟ وكان الحاكم يعاقب على مخالفة هذه الأوامر بالإعدام، ذلك أن الحاكم كان يلجأ للإعدام لجميع الأسباب المختلفة، من ذلك أنَّه كان يقصد إشاعة الرعب على اعتبار أنَّه أسلوب فى الحكم. وقد كان عدد من قتل كبيرا يشمل عددا من الوزراء وكبار العمال والأفراد العاديين، وحسبنا أن نذكر من ذلك حالات قليلة هى: اغتيال برجوان، وإعدام فهد بن إبراهيم (انظر ما أسلفنا بيانه) وإعدامه سنة 395 هـ (1004 - 1005 م) كل نزلاء السجون؛ والعذاب الذى أنزله سنة 399 هـ (1009 م) بعدد من الموظفين النصارى (علقوا من أيديهم وبعضهم توفى)؛ وفى سنة 400 هـ (1010 م) أعدم الوزير على بن الحسين المغربى والوزير السابق صالح بن على، وإعدام خلفه منصور ابن عابدين النصرانى سنة 401 هـ (1010 م) وحسين بن جوهر وعبد العزيز بن محمَّد بن النعمان الذى كان قد فر إلى بنى قرّة ثم عاد بعد تأمينه. وفى سنة 404 هـ (1013 م) قطع أوصال أبى القاسم الجرجرائى والخصى الأسود غَيْن وهو من رجال القصر، كما قتل فى السنة نفسها غرقًا عدة من حظاياه. وفى سنة 405 هـ (1014 م) أعدم الوزير الحسين بن ظاهر الوزّان ووزيرين آخرين أحدهما هو الفضل بن جعفر بن الفرات. بل هو قد قتل سرًا سنة 400 هـ (1010 م) خاله أرسينوس بطرك الإسكندرية الملكانى الذى كان قد انتخبه هو نفسه قبل ذلك بعشر سنوات، وقد بلغ أنَّه كان يغرق بالهدايا أناسًا لا يلبث أن يقتلهم. وليس بعجيب إذن أن يصاب الشعب جميعا بالرعب خوفا من الحاكم. ومن أقسى ما أتى من فعال كان الموحى به مجرد الرغبة فى الانتقام أمره فى نهاية عام 410 هـ (مارس سنة 1020 م) بحرق الفسطاط نتيجة شيوع أقوال قيلت فى هجائه ورميه بأنه ترك الإسلام كلية وقوض أركانه

(مثل الصوم والحج) بعد الدعوة التى قام بها الدرَزَى وحمزة وبسبب أعمال الشغب التى قامت بعد إعلان داعية من الدعاة ألوهية الحاكم فى مسجد عمرو. وقد أصدر الحاكم أوامره لجنوده السود بنهب الفسطاط وحرقه، وقد ارتكب هؤلاء الجنود فظائع ضد السكان. وأنفذ الحاكم الخصى المملوك عدى إلى الفسطاط ليعيد النظام إلى نصابه فوصف له الحالة وصفًا كريهًا فأمر به الحاكم فقتل على الفور. ولكنه اضطر إلى التدخل بنفسه لوقف القتال، ذلك أن الأتراك والبربر قد انحازوا إلى سكان الفسطاط وقاتلوا الجنود السود. وتقول بعض الروايات إن الخليفة كان منافقًا وكلبيًا إذ سأل: من أصدر الأوامر بذلك؟ وأنه راح يسلى نفسه بمراقبة حريق الفسطاط من فوق قمة تلال المقطم. ودامت الاضطرابات أسبوعًا كاملا وترك الكثير من الفسطاط أطلالا. زد على ذلك أن عهد الحاكم قد شابه عدد من الفتن، فقد قامت أولا فتنة القبيلة العربية بنى قرة فى الإقليم القائم شرقى الإسكندرية وهو البحيرة، ولكن أخطر هذه الفتن كانت فتنة أبى ركوة وليد بن هشام، وهو أمير أموى طرد من الأندلس. وقام هذا الأمير بعدة مغامرات فى أقاليم مختلفة، شملت الشام نفسها، ثمَّ ظهر فى إقليم برقة وظفر بعون بربر زناتة. وكان قد انحاز إليه بالفعل بنو قرة الذين افتتنوا من قبل. وقد نادى بنفسه خليفة وهزم أول الأمر جيشا فى آخر سنة 395 هـ (1005 م) ثمَّ هزم جيش التركى إنال (فى رواية يحيى: قابل الأرمنى) الذى أنفذه إليه الحاكم. وهنالك ازداد هم الحاكم واستفحل كربه، ذلك لأن مصر والجنود قد ضاقوا بالتقتيل وأعمال القسوة التى أنزلها الخليفة ببنى قرة وكتامة الجيش الشآمى، فأظهروا فرحهم بما أصابه من نكبات وتمنوا أن يتخلصوا من هذا الطاغية. بل لقد بلغ الأمر فيما يظهر بالوزير حسين بن جوهر أن اتصل بأبى ركوة. وعندئذ استدعى الحاكم الغلمان الحمدانيين الذين كانوا فى الشام والبدو الطيئيين لمفرج بن دغفل وأمر عليهم الفضل بن صالح ونشبت معركة بين فصائل من

الجيشين فى ضواحى الإسكندرية. ثمَّ تغلغل أبو ركوة حتى الفيوم وأنفذ بعض فصائله نحو الجيزة حيث كان الخليفة قد بعث بمدد بقيادة على بن فلّاح فهزم هذا المدد. ولكن حدث فى ذى الحجة سنة 396 هـ (أغسطس سنة 1006 م) أن أحرز نصرا حاسمًا على أبى ركوة فى الفيوم، وأسر أبو ركوة وهو يسرع نحو النوبة وسلمه أمير البطائح النوبية وأعدم فى القاهرة فى جمادى الآخرة سنة 397 هـ (مارس سنة 1007). وكان الرعب عظيما، فقد اضطر الخليفة إلى إذلال نفسه ليستعيد عطف جنوده واعتذر عن أعمال القتل التى أمضاها. بل لقد بدا فى بعض المناسبات أنَّه كان يفكر فى الهروب إلى الشام، ذلك أنَّه كان من المنتظر أن يدخل المتمرد القاهرة. وقد أدى قلق السكان إلى ارتفاع خطير فى الأسعار. وقد حدث فى سنتى هذا العصيان أن نزل الحاكم عن النواهى الخاصة بالطعام وكان هذا أيضا هو الوقت الذى أبطل فيه الإجراءات التى اتخذها حيال أهل السنة. وقد أصاب الحاكم رعبًا آخر من جراء الفتنة التى أثارها سنة 402 هـ (1011 - 1012 م) مفرج الجراحى فى فلسطين يشجعه الحسين بن على المغربى (الوزير المغربى) الذى كان قد التجأ إلى ابنه حسن بن المفرج بعد إعدام أبيه على المغربى سنة 400 هـ (انظر مادة "الجرّاح، بنو" إذا شئت تفصيلا عن كيف نجحوا فى جهودهم الرامية إلى إقامة مطالب بالخلافة بفلسطين فى شخص شريف مكة سنة 403 الموافقة 1012 - 1013 م وكيف رشا الحاكم حسّانَ بخيانة الشريف الذى عاد إلى مكة وسلم نفسه للحاكم فعفا عنه). واشتهرت الانحرافات التى انغمس فيها الحاكم حين تجرد من وصاية برجوان. فقد بدأ يتجول فى طرقات الفسطاط ودروبه ليلا بصحبة عدد قليل من صحابته. وكان إذا فعل ذلك أنار التجار حوانيتهم وبيوتهم والطرقات فتبدو كأنها فى النهار، وكان يحب أن يرى مشاهد المصارعة بين العيارين وأعمال الشغب التى تنزلق أحيانًا فتنقلب معارك دموية بين

الجماعات المتنافسة. ويروى يحيى بن سعيد مشهد فتنة حدثت سنة 407 هـ (1016 - 1017 م) حين حمل الحاكم بالفعل وهو فى الطريق رجلا من حاشيته السود بأن يجعل فاسقًا عجوزًا يتعرض إلى عراك مهين وراح يضحك وهو يشاهد هذا المشهد. وكان الحاكم يصاب فى بعض الأحيان وهو فى جولاته التى من هذا القبيل بنوبة من الجنون المطلق. وقد حدث فى يوم من الأيام وهو يمر بحانوت قصاب أن أمسك بساطور الجزار وضرب به أحد رجال حاشيته فقتله، ومضى فى سبيله دون أن يلقى بالا لجثة الرجل. ولم يجسر الناس المزدحمون أن يفعلوا شيئًا للجثة فظلت على حالها حتى أرسل الحاكم كفنًا يوارى به الجثة التراب. وفى سنة 405 هـ (1014 - 1015 م) زادت هذه الانطلاقات، فقد شوهد الحاكم فى الطرقات عدة مرات فى يوم واحد، ولم يتخل عن الخروج إلى الطرقات حتى وهو مريض، بل كان يحمل فى هذه الحالة على محفة. ويمكن أن نعد من انحرافاته نوبات التواضع والتقشف التى كانت تنتابه فجأة، اللهم إلا إذا ظن أنَّه كانت تنتابه دائما نزعة إلى الصوفية. ونحن نراه سنة 403 هـ (1012 - 1013 م) يمنع رعاياه من السجود أمامه. وقرع الطبول أو النفخ فى الأبواق فى جوار القصر. واهتم اهتماما كبيرا بالاحتفال بالأعياد الإِسلامية الكبرى دون أبهة ولا زينة، وقد أظهر الزهد فى كامل ما يفعل: فى الطعام وفى ملذات الجسد - وجعل شعره ينمو طويلا وراح يلبس ملابس خشنة من الصوف الأسود، ولا يركب إلا حمارا ويوزع الصدقات فى إسراف، وفى سنة 404 هـ (1013 م)، أى بعد أن نودى بابن عمه عبد الرحمن بن إلياس وليا للعهد، وكل إليه كل شئون الدولة. . وكان ولى العهد هذا هو الذى يمتطى صهوة الجياد فى المواكب الرسمية واضعا شارة الخلافة، على حين ظل الحاكم يركب حمارًا. وحوالى نهاية عهده زاد تواضعه هذا وزهده حتى أصبح لا يغير ملابسه ويرتديها قذرة تفوح منها رائحة العرق والتراب وتلصق بجسمه. فكان يتجول فى

الريف ويرقى تلال المقطم ويخرج وحيدا يتمشى بغير صحبة طويلا فى حين يأمر اتباعه أن ينتظروه على مسافة ويتخيل أنَّه يخاطب الله. وأدى به جنونه (اللهم إلا إذا كان هذا الجنون حقا عن عقيدة دينية مطلقة، أى عن اعتقاد فى الإسماعيلية بلغ مداه) إلى قبول نظريات غلاة الإسماعيلية والتشجيع عليها، وهى القائلة بأن الله قد حل فيه. وقد ساق المؤرخون بيانات أقرب إلى الاضطراب عن الأدوار الخاصة التى لعبها دعاة الإسماعيلية في هذا الشأن، وهم حسن بن حَيْدَرَة الفرغانى الأخرم، وحمزة بن على بن أحمد الزوزانى ومحمد بن إسماعيل أنُشْتكين الدَرَزى، ومن المحقق أن عدة مراحل فى هذه الرواية قد التبس بعضها فى بعض. على أن الظاهر أن هذا الموضوع بدأت الدعوة إليه سنة 408 هـ (1017 - 1018 م) بموافقة الخليفة. ويكاد يكون من المحقق أن حمزة دعا إليه أولًا وأن الدرزى كان تلميذه، ولو أن يحيى يجعل حمزة يظهر بعد الدرزى. زد على ذلك أنَّه كان ثمة تنافس بين الاثنين. ويقول راوية أن الدرزى قتل على يد الأتراك الذين أثارت نظرياته غضبهم، وجاء فى رواية أخرى أن الخليفة خشى على حياة الدرزى فأرسله سرًا إلى حوران. ويقال أيضًا إن الأخرم كان تابعا من أتباع حمزة، ويقال إنه قدم للقاضى وهو يحكم بين الناس فى مسجد عمرو صحيفة بدأت بعبارة "بسم الحاكم الرحمن الرحيم"، وقد أثار ذلك شغبا ذبح فيه أصحابه على حين استطاع هو الهرب. وتقول بعض الروايات إنه قتل على يد تركى من الأتراك. وجاء فى رواية أن حمزة الذى كان صاحب حظوة كبيرة لدى الحاكم وكان على صلة خاصة به، قد اضطر إلى المضى إلى حوران والاختفاء فيها. ولا نعلم ماذا انتهى إليه أمره بعد اختفاء الحاكم، ولكن المعلوم أنَّه كان مؤسس المنهج الكلامى عند الدروز. وليس من الواضح هل كان اختفاء الحاكم نتيجة مباشرة لهذا كله وإلى أى حد تسببت هذه الدعوة فى زيادة جنون الخليفة؟

وقد كانت نهاية الحاكم عجيبة على نحو ما كانت حياته، ولعل من المستحيل أن نعرف كيف كانت هذه النهاية. ففى 27 شوال سنة 411 هـ (13 فبراير سنة 1021 م) اختفى وهو يتمشى ليلا فوق تلال المقطم وعلى الهضبة التى تؤدى إلى حُلوان، ذلك أنَّه ابتعد فى تمشيه عن تابعيه اللذين كانا يصحبانه وكان قد أمرهما بانتظاره. ولم يرياه بعد وعادا إلى القصر فى صبيحة اليوم التالى. وأجرى البحث فى ذلك ووجدت ملابسه بعد خمسة أيام وقد نفذت فيها طعنات خنجر - وثمة رواية ممدوحة تقول إنه اغتيل بتحريض أخته ست الملك التى كانت قد دبت بينه وبينها وحشة: ذلك أن ست الملك كانت قد أنبّته على شططه فى خلقه وقالت إن هذا الشطط كان يهدد بقاء الأسرة، فى حين أنب هو أخته على أسلوبها الفاسد فى الحياة. وخشيت ست الملك أن يأمر الحاكم بقتلها، فسبقته ودبرت مع شيخ كُتامة سيف الدولة بن دَوّاس أمر وجوب اختفاء الحاكم. وقد راجت عدة روايات فى هذا الشأن، ليس فيها ما يصح الاعتماد عليه، فقد قيل إنه اغتيل على يد مغتال غير معروف، ويقال إنه إلتجأ إلى دير ينهى فيه حياته، ويقال ويقال. . . إلخ. ويعتقد الدروز بالغيبة (وهو قول شيعى مشهور) التى تستمر حتى رجعته. أما النظرية التى تقول بأن الحاكم توارى لأنه رأى استحالة تحقيق أفكاره فى مصر (A. Mueller) فإنها مجرد فرض من الفروض. والصورة التى صورناها لعهد الحاكم لا تظهره بصفة عامة فى ضوء مرضى. على أنَّه لا يمكن القول بأن عهده كان عهدًا سيئًا بصفة خاصة بالنسبة لمصر. ذلك أن لهذا العهد وجوهًا أقل كآبة من المعروف. ففى عهده لم تفقد الأملاك الفاطمية المترامية الأطراف أى أرض، بل إن الحاكم قد اعترف به فى الموصل قرواش العقيلى صاحب الموصل مدة من الزمن سنة 401 هـ (1010 - 1011 م). وفى عهده أيضًا حدث سنة 406 هـ (1015 - 1016 م) أن خضع منصور بن لؤلؤ صاحب حلب للخلافة الفاطمية، وكان على حلب عدة ولاة فاطميين بعد اختفاء الحاكم. صحيح أن

الموقف فى دمشق فى آخر عهده كان مضطربا، ففى سنة 410 هـ (1019 - 1020 م) أقام الحاكم ولى العهد واليًا فاستحدث فيها عدة إجراءات متحررة مثل إباحة شرب الخمر، وكانت هذه الإجراءات لا تتفق وآراء الحاكم؛ وقد نصرته بعض طبقات الأهلين، وهم "الأحداث" فى حين أنكرته طبقات أخرى. وزاد ولى العهد على ذلك بأن دخل فى علاقات مع الجراحى فاستدعاه الحاكم، وصدع ولى العهد بهذا الأمر مباشرة، فرضى عنه الحاكم وبعثه ثانية إلى دمشق، ولكن قامت فيها فتنة عليه، وعملت ست الملك بعد وفاة الحاكم على اعتقاله وحمل إلى القاهرة. وتدين القاهرة إلى الحاكم بإنشاء مسجد الراشدة (انظر ما سبق) ومسجد المقس وإتمام المسجد المعروف بالحاكم الذى كان قد بدأه العزيز. والحاكم هو الذى شيد أيضًا أول جامعة إسلامية هى "دار الحكمة" التى أسلفنا ذكرها بما فى ذلك مكتبتها الكبيرة. وقد رعى نشر العلوم والآداب وكان المؤرخ المُسَبِّحى من أقرب أصدقائه إليه، وقد كتب له الفلكى على بن عبد الرحمن كتابه "الزيح الكبير"، وكان على علاقات طيبة بالطبيب ابن مُقَشِّر، وقد استمع الحاكم لنصحه فعاد إلى شرب الخمر. ومع ذلك فصحيح أنَّه كان له طبيب آخر قتله. وكانت نية الحاكم قد صحت فى أوائل عهده على أن يحكم بالتشاور المنتظم مع وجوه القوم فى القاهرة، ولكنه سرعان ما برم بذلك. ولا شك أن هذا كان نوبة من نوبات التواضع التى كانت كغيرها من النوبات فيها من الافتعال أكثر مما فيها من الصدق. على أن جميع المؤرخين يتفقون على أنه كان كريما وأنه بذلك أقصى ما فى وسعه لمحاربة المجاعة ببذل الهدايا ومحاولة تثبيت ثمن الطعام، وأن اهتمامه بالعدالة بلغ مبلغا جعله يحضر "الحسبة" وأنه قد أقام علاوة على رئيس الشرطة شاهدى "عدل" لا يصدر حكم إلا بموافقتهما. ويروى يحيى بأنه لم يسمح لنفسه قط بالاستيلاء على ملك أحد وأنه أبطل "المكوس" وغيرها من

الرسوم المجانبة للعدل وأنه رد إلى أصحاب البضائع ما أخذ منهم ظلمًا. وقد صوره هذا الكاتب بين شعبه يجيب كل ما يلتمسون ويحاول أن يرضيهم. وقد أبطل "الخمس" (لا شك أن الخمس كان نظرية شرعية فاطمية فرضت ويجب أداؤها للخليفة عن كل ربح) و"النجوى" وهى الضريبة التى كانت مفروضة على أولئك الذين يحضرون "مجالس الحكمة" وهى مجالس العلم التى كانت تعقد فى القصر. ونجد مدحا للحاكم بقلم كاتب يهودى فى قطعة من خبر نشره نيوباور (Neubauer فى JQR جـ 9، ص 25)، ويظهر الحاكم فى هذا الخبر محسنا إلى البلاد ويطرى الكاتب احساسه بالعدل (انظر D. Kaufmann: Beitraege zur Geschichte Aegyptens aus .juedischen Quellen Zeitschr. der Deutsch . Morgenl Gesells. ., جـ 51، سنة 1897، ص 442 - 443؛ ولكن انظر أيضًا M. Schreiner فى REJ، جـ 31، ص 217 فى شأن إحراق الحاكم حيا من أحياء اليهود). ومن أخبار سماحته أيضًا ما حفظته لنا بعض قصص ألف ليلة وليلة مثل حكاية التاجر القاهرى الذى بالغ فى إكرام الخليفة حين وقف أمام حديقته فى موكب رسمى يطالب أن يشرب، فتلقى من الحاكم مكافأة له جميع النقود التى ضربت فى دار السكة فى ذلك العام (The Arabian Nights: Lane سنة 1914, جـ 3، ص 56). وكذلك ما ورد فى حكايته وردان الجزار مع المرأة والدب (ألف ليلة وليلة طبعة القاهرة، الليالى 353 - 355): وخلاصتها أن دبا كان يحرس كنزا فاكتشفه الجزار الذى نحن بصدده (انظر هذه الحكاية المتشابكة). وقد اعطى هذا الجزار الكنز للحاكم الذى وفد على حماره ليرى الكنز الذى حدثه الجزار عنه. وقد احتفظ الحاكم ببعضه واعطى الباقى للجزار فاستطاع بذلك أن يبنى جميع الحوانيت فى السوق الذى نسبت إليه فقيل "سوق وردان". وقد روى هذه الحكاية ابن الدوادارى الذى زعم أنَّه قد بناها على "حل رموز فى علم الكنوز" وهو كتاب ألفه رجل يدعى محمَّد بن عبد الرزاق بن عبد الأعلى القيروانى.

المصادر

وأصدر المؤرخون أحكاما مختلفة أشد الخلاف حول شخصية الحاكم، وقد حاول دوزى وميلر أن يظهرا أنَّه كان يتصف بشئ من المثالية. ويظن إيفانوف (Rise: Ivanow، ص 123 وما بعدها) أنَّه كان حريصا على تحقيق مثل أهل السنة حرصه على تحقيق مثل الإسماعيلية وينتهى غرضه هذا بقمع المسيحية، كما أنَّه كان إلى ذلك يحاول دائما أن يجعل مذهب الإسماعيلية أكثر كمالا، على أنَّه كان يرى فيه أيضا رغبة فى "مخاطبة العامة" ويذهب إلى أنَّه ربما كان فيه شية من النزعة التاريخية، بل هو يحس نكهة ديموقراطية فى بعض أعماله. ولكن ما ذهب إليه إيفانوف فيه إسراف. وقد حاول يحيى الذى كان طبيبا ومؤرخا، أن يسوق تفسيرا طبيا لجنونه، فقال إنه جمع فى مخه بين أخلاط خبيثة وفاسدة جعلته منذ صباه يعانى من نوع من الكآبة (بمعناها الصحيح) واضطراب فى العقل جعله فريسة للأوهام. وقال إنه كان يتعرض فى شبابه للنوبات وأن فساد تركيب عقله جعله يقاسى من الأرق (انظر يحيى - رشيخو، ص 218 وما بعدها) وقد يفسر هذا الأرق تمشيه ليلا. ومهما يكن من شئ فإن شخصية الحاكم تبقى لغزا من الألغاز، والظاهر أنَّه كان عدة أشخاص تتعاقب بل تتناوب. المصادر: أهم المصادر التاريخية هى: (1) يحيى بن سعيد الأنطاكى، وهو مسيحى مصرى (طبعة شيخو، ص 180 - 234؛ طبعة وترجمة - Krachkovs kiy و Vasiliev فى. po جـ 23، ص 450 - 520، وهذه الطبعة الأخيرة تصل إلى سنة 404 هـ (1011 م). (2) ابن القلانسى، ص 44 - 50، 55 - 71، 79. (3) ومن المصادر التاريخية الهامة أيضا: سبط ابن الجوزى، مخطوط بباريس رقم 5866، الأوراق 154 - 242 حتى سنة 400 هـ (1010 م). (4) ابن مُيَسَّر، ص 52 - 56، وهو لا يشمل إلا السنتين 386 هـ و 387 هـ.

(5) ومن المؤرخين الآخرين: أبو المحاسن بن تغرى بردى (طبعة القاهرة، جـ 4، ص 176 - 247، وهو يزودنا بكثير من المختارات نقلها من المؤرخين القدماء مثل هلال الصابئ، وسبط ابن الجوزى، والقضاعى والذهبى. (6) وانظر أيضًا الكندى: الولاة والقضاة، طبعة Guest الفهرس. (7) أبو شجاع الروذراورى: Eclipse of the Abbasid Caliphate جـ 3، ص 221 وما بعدها. (8) ناصر خسرو: سفر نامه، ترجمة شيفر Schefer, الفهرس. (9) ابن حمّاد (Hist. des: (Hamadio rois Obaidides، طبعة وترجمة - Vonde rheyden ص 49 - 58، (الترجمة ص 67 - 86). (10) ابن الأثير فى حوادث عام 386 - 411 هـ. (11) كمال الدين ابن العديم، طبعة الدهّان, جـ 1, ص 196 وما بعدها. (12) ابن عذارى: البيان المغرب، ترجمة Fagnan, جـ 1، الفهرس. (13) ابن الصيرفى: كتاب الإشارة ... ، القاهرة سنة 1925 BIFAO)، 25) ص 87 وما بعدها والفهرس. (14) ابن خلكان، طبعة بولاق، جـ 2، ص 165 - 168 (ترجمة De Slane , جـ 3، ص 449 وما بعدها). (15) أبو صالح The Churches and . .Monastries of Egypt طبعة وترجمة Evetts، أوكسفورد سنة 1895، الفهرس. (16) ابن العبرى: التاريخ Chroni- con، طبعة Bruns & Kirsch، ص 211 وما بعدها (Chronography, ترجمة Budge، ص 180 - 190). (17) المقريزى: الخطط، طبعة بولاق، جـ 1، ص 389 وما بعدها؛ جـ 2، ص 3 - 4، 31، 277، 282 - 283، 285 وما بعدها 341 - 342 وفى مواضع مختلفة). (18) الكاتب نفسه: إتَّعاظ ... (طبعة جمال الدين الشيال، ص 266 والفهرس.

وثمة سيرة للحاكم فى (19) ابن كثير: البداية والنهاية، جـ 12، ص 9 - 11. (20) وانظر أيضا ابن الدوادارى: ... Die Chronik. des Ibn تيل 6: - Der Be richt ueber die Fatimiden، طبعة صلاح الدين المنجد، القاهرة سنة 1961، ص 256 - 312. (21) القلقشندى: صبح الأعشى جـ 10، ص 384؛ جـ 13، ص 359 - 360. (22) القيروانى: Histoire de l'Afrique ترجمة Pellissier et Remusat Explor. de l'Algerie جـ 7) ص 116 وما بعدها. ومن الكتب الحديثة فى سيرة الحاكم. (23) Expose de la Relig-: S. de Sacy ion des Druzes جـ 1، ص 278 وما بعدها، ولا يزال هذا أحسن ما كتب فى هذا الصدد. (24) انظر أيضا Gesch. der: Weil Fat. Chalifen ص 164 وما بعدها (وهو فى غاية الأهمية)؛ وروايته تعتمد فى بعضها على ابن ظافر: الدول المنقطعة. (25) A History of: S. Lane Poole Egypt in the Middle Ages ص 123 وما بعدها. (26) Der Islam im Mor-: A. Mueller gen, und Abendland، برلين سنة 1885، جـ 1، ص 629 وما بعدها. (27) A Short His-: De Lacy O'Leary tory of the Fatimid Caliphate، الفهرس. (28) محمَّد عبد الله عنان: الحاكم بأمر الله وأسرار الدعوة الفاطمية، القاهرة سنة 1937، وهو رسالة هامة جدا ومفصلة ولها فهرس بديع. (29) عبد المنعم ماجد: الحاكم بأمر الله، الخليفة المفترى عليه، القاهرة سنة 1959. (30) Precis de l'hist. de: G. Wiet l'Egypte سنة 1932، ص 182 - 183. (31) الكاتب نفسه: L' Egypte Arabe (المجلد 4 من - Hist. de la Nation Egyp (tienne ص 195 - 204.

الحاكم النيسابورى

(32) حسن إبراهيم حسن: تاريخ الدولة الفاطمية، الطبعة الثانية، القاهرة سنة 1958، ص 163 - 168، 204 وما بعدها 218 - 238، 249 وما بعدها، 258، 272 وما بعدها، 310 وما بعدها 331 وما بعدها، 352 وما بعدها، 378 وما بعدها، 428 وما بعدها، وفى مواضع مختلفة. (33) الكاتب نفسه: تاريخ الإسلام السياسى ... ، القاهرة سنة 1949، جـ 3، ص 168 - 170. (34) وانظر أيضا محمَّد كامل حسين: فى أدب مصر الفاطمية، الفهرس وثمة أيضا تفصيلات هامة فى (35) Die Renaissance des: Mez Islams, الفهرس. (36) كتاب الذخائر والتحف للقاضى الراشد بن الزبير (طبعة م. حمد الله) ص 68، 150 - 151، 232 - 233، 241. وانظر فى تأليه الحاكم (37) The God-King: P.J.Vatikiotis Al-Hakim bi-Amrillah: idea realised فى مجلة Islamic Culture، جـ 29، سنة 1955، ص 1 - 18 (وثمة نسخة منقحة للكاتب نفسه: The Fatimid Theory of State، لاهور سنة 1957، ص 149 وما بعدها). (38) Grandeur de l'Islam: G. Wiet، باريس سنة 1961، ص 18 - 70. (39) Arabs: S.D. Goitein Jews and, نيويورك سنة 1955، ص 83 - 84. خورشيد [كانار M. Canard] الحاكم النيسابورى محمَّد بن عبد الله بن محمد أبو عبد الله بن البَيَع: محدث مشهور ولد سنة 321 هـ (933 م) وتوفى سنة 405 هـ (1014 م). وقد رحل إلى عدة بلاد لدراسة الحديث وسمع أحاديث من قرابة 2000 شيخ. وكان الحاكم يشغل منصب القاضى مدة من الزمن ولذلك لقب بالحاكم. وقد كتب عدة كتب، منها "معرفة علوم الحديث" وهو كتاب هام فى علم الحديث أقام مثلا فى طريقة تناول الموضوع. صحيح أن الحاكم

المصادر

كانت له مكانة كبيرة لعلمه كما زاره كثير من الدارسين، إلا أن كتاباته قد قوبلت بالنقد. فقد نعت بأنه شيعى، ولكن السبكى ينكر ذلك. ويقول عنه الذهبى فى كتابه "تذكرة الحفاظ" إنه الحافظ الكبير وإمام المحدثين، ويذكره أيضًا فى كتابه "ميزان الاعتدال" فيقول إنه وقع فى أخطاء فى كتابه "المستدرك على الصحيحين". ويلاحظ ابن حجر فى الفقرة الخاصة التى كتبها عنه فى كتابه "لسان الميزان" بأنه أجل من يذكر بين المحدثين الضعفاء، على أن بعضهم يقول إنه أصبح مهملا فى شيخوخته. وبالرغم من النقد الذى يوجه إلى الحاكم فإنَّه يحتل مكانة مشرفة بين المحدثين. والكتب التى طبعت للحاكم هى "المستدرك على الصحيحين"، حيدر آباد سنة 1334 - 1342 هـ، و"المدخل فى أصول الحديث"، طبعة محمَّد راغب الطباخ، حلب سنة 1351 هـ (1932 م)؛ ومقدمة لعلم الحديث طبعها وترجمها روبسون An Introduction to: J.Robson: the Science of Tradition لندن سنة 1953)؛ و"معرفة علوم الحديث" طبعة الدكتور معظم حسين، القاهرة سنة 1937. المصادر: (1) تاريخ بغداد، جـ 5، ص 473 وما بعدها. (2) ابن عساكر: تبيين كذب المفترى، ودمشق سنة 1347 هـ، ص 227 وما بعدها. (3) ياقوت، الفهرس. (4) ابن خلكان، طبعة بولاق، جـ 1، ص 691. (5) الذهبى: تذكرة الحفاظ، جـ 3، ص 277 وما بعدها. (6) السبكى: طبقات الشافعية الكبرى، جـ 3، ص 64 وما بعدها. (7) ابن حجر: لسان الميزان، جـ 5، ص 232. (8) ابن العماد: الشذرات، 405 هـ. (9) حاجى خليفة، طبعة فلو كل، جـ 5، ص 521 الخ. (10) بروكلمان، جـ 1، ص 175؛ قسم 1، ص 706. خوريشد [روبسون J. Robson]

حام

حام Cham ابن نوح؛ ولم يذكر حام صراحة فى القرآن الكريم ولكن ربما يكون قد أشار القرآن إليه بأنه ابن غير صالح لنوح أبى أن يتبعه وقت الطوفان (سورة هود، الآية 42 - 49). وقد عرفت الروايات المتأخرة القصة الواردة فى التوراة فى سفر التكوين (الإصحاح 9، الآيات 18 - 27، وقد جاء فيها أن ابن حام كنعان، وليس حاما، هو الذى لُعن من أجل جرم اقترفه أبوه) والزيادات الأسطورية التى توسع فيها اليهود والنصارى. ولما كانت القصة الواردة فى القرآن إذا قرنّاها بهذه التفصيلات تقتضى وجود ابن رابع لنوح فقد جعل كنعان أو ابن مبتدع هو يام يملأ هذا الفراغ. ويختلف المؤرخون فى ذكر خطايا حام، وهى صلات جسدية وقعت فى الفلك فى رواية الأكادة اليهودية، وهذه الخطايا جرم فى حق أبيه، ويعرف هؤلاء المؤرخون أيضًا أن هذه الشخصية ولدت بيضاء ثمَّ انقلبت سوداء نتيجة للعنة أبى حام. ويقال أيضًا أن عيسى بعث حاما إلى الحياة مدة (هكذا فى الطبرى، وقد قال الثعلبى أنه سام) وأن حاما ذكر للحواريين بعض مراحل الحياة فى الفلك ونهاية الطوفان. ويروى الكُتاب المسلمون أيضًا مصير أبناء نوح الثلاثة؛ على أن ثمة رواية رواها الطبرى تخفف مصير حام الذى نزل إلى مرتبة العبودية ثمَّ أفاد من تسامح إخوته (يلاحظ أن يافث فى رواية البلعمى قد حلت به اللعنة أيضًا، وقد فسر هذا بأن هذا الكاتب الإيرانى لم يكن يعطف على الأتراك والصقالبة ويأجوج ومأجوج الذين اشتهروا بأنهم من نسل يافث). ثمَّ نجد أخيرًا أن كتب التاريخ الإِسلامية احتفظت من قائمة الأمم الواردة فى الإصحاح العاشر من سفر التكوين بالعناصر التى تكيفت بالموقف الجغرافى السياسى لذلك الزمن. ويفسر هذا كيف أن آفريدون يجب أن يعد أيضًا من نسل حام على الأقل بمقتضى إشارة وردت فى كتاب "البدء والتاريخ" (جـ 3، ص 144 - 149).

المصادر

المصادر: (1) ابن سعد: الطبقات، جـ 1، قسم 1، ص 18. (2) ابن هشام: كتاب التيجان، ص 25 وما بعدها. (3) ابن قتيبة: المعارف، طبعة عكاشة ص 23، 26. (4) اليعقوبى: التاريخ ص 12 (طبعة Smit، ص 16). (5) الطبرى، جـ 1، ص 187 - 216 (Chronique de Tabari، جـ 1، ص 112 - 114). (6) المسعودى: مروج الذهب، جـ 1، ص 75 - 80 (طبعة Pellat، جـ 1 ص 32، الفصول 66 - 68) جـ 3، ص 240؛ جـ 6، ص 154. (7) الكتاب المنحول للبلخى: البدء والتاريخ جـ 1، ص 26 وما بعدها، 27 وما بعدها والفقرة المشار إليها آنفًا. (8) الكسائى: vita prophetarum ص 98 وما بعدها. (9) الثعلبى: عرائس "المجالس، ص 36 - 38. (10) Neue Beitraege: Gruenbaum zur: semitischen Sagenkunde، ص 85 - 87. (11) Koranische Un-: J. Horovitz tersuchungen، ص 108. (12) Les origines des: D. Sidersky Legendes musulmanes، ص 27. (13) Biblische Er-: H. Speyer zaehulngen im koran، ص 105 (14) B. Heler في Handwoerterbuch des Islam ص 160 = - Shorter En cyclopaedia of Islam ص 128 [فاجدا G.Vajda] اللغات: لقد استعملت الكلمات المشتقة من الاسم حام للدلالة على اللغات المتصلة باللغات السامية. وقد اتخذت أسرة اللغات الحامية السامية اسمها منذ سنة 1887، ومن المعتقد بصفة عامة أنها تشمل المجموعة الحامية فى مقابل المجموعة السامية. وقد صححت هذه النظرة فى Les Langues du monde، الطبعة الأولى سنة

الحامدى

1924. وفى أسرة اللغات الحامية السامية أربعة فروع متميزة: السامية والمصرية القديمة هى والقبطية واللغات البريرية واللغات الكوشية. والظاهر أننا يجب أن نضيف إلى هذه الفروع لغة الحوصة (الهاوسا). ولما كانت الفروع غير السامية لا تستبين منها أية خصائص مشتركة يمكن أن توحد بينها فى مجموعة محددة تحديدًا واضحًا، فإن الإصطلاح الحامى يجب أن نفضله. وربما كان الأرجح أن نتحدث فحسب عن المجموعة الحامية السامية بفروعها الأربعة أو الخمسة. ويمكن أن نجد تاريخ هذه الدراسة ومصادرها فى Essai: Marcel Cohen -sur le vocabulaire et la phon comparatif etique du Chamito semitique, باريس سنة 1947؛ وانظر أيضًا للكاتب نفسه، من الطبعة الثانية الفصل الموسوم بعنوان Langues du Monde، ، سنة 1952 و - Resultats acquis de La gram maire coinparee فى Conferenees de l'lnstitut de Linguistique de Universite de paris، باريس سنة 1934. وإن شئت المقارنة التفصيلية أجناس طبيعة: والمصطلحان الحاميون (Hamiten, Chamites) والحامية (Hamistisch, Chamitique) يستعملان أحيانًا للدلالة على الشعوب الإفريقية التى تتحدث بلغات غير سامية هى حامية سامية وعلى بعض الشعوب الأخرى. والظاهر أنها مزيج من البيض والسود. ويشار إلى هذه العناصر أيضًا بالبيض الإفريقيين والإثيوبين (من حيث علم الإنسان)؛ انظر William H.Worrell: A Study of races in the ancient Near East، كمبردج سنة 1927 وأحدث من ذلك Le razze popoli della terra: R. Biastti الطبعة الثانية، تورين سنة 1953 - 1957 [خورشيد كوهين M.Cohen] الحامدى (1) إبراهيم بن الحسين بن أبى السعود الهمدانى: الداعى الثانى المطلق للإسماعيلية الطيبية فى اليمن؛ وقد جاء فى عُمَارة أن الملكة الصليحية السيدة

أقامته سنة 526 (1132 م) داعيًا للدعاة، ولكن لم تؤيد ذلك المصادر الطيبية، ثمَّ نقلت الرئاسة إلى أمير عدن سبأ بن أبى السعود بن زُرَيْع الذى أيد مطالبة الحافظ الفاطمى بالإمامة، وإذا كان هذا الخبر موثوقا به فإن إبراهيم ربما يكون قد أقيل بسبب تعاطفه مع دعوى الطيب. ولما توفى الداعى الخطّاب بن الحسن سنة 533 هـ (1138 م) اختاره الطيبى الأول الداعى المطلق ذؤيب ابن موسى مساعدًا. فلما توفى ذؤيب سنة 546 هـ (1151 م؛ فى الهمدانى سنة 536 هـ = 1141 - 1142) أصبح خليفة له بوصفه أعلى مرجع دينى فى غيبة الإمام. وكان موقف الجماعة الطيبية حرجًا لأنها لم تجد إلا حماية قليلة من أمراء اليمن، على حين أخذ الحكام الزريعيين لعدن يناصرون مناصرة فعالة قضية الجماعة الحافظية المنافسة للجماعة الأولى. واستقر إبراهيم فى صنعاء وكان حكامها الياميون قد تركوا الجماعة ولكنهم لم يتدخلوا فى نشاط الدعوة. وهناك توفى شعبان سنة 557 (يولية سنة 1162 م). والظاهر أن إبراهيم كان مؤسس منهج الحقائق الطيبى الخاص. وقد أدخل رسائل إخوان الصفاء فى كتب الجماعة واعتمد اعتمادًا عظيمًا على كتب حميد الدين الكرمانى وأخذ يفسرها وفق آرائه. وعمدة كتبه هو "كنز الولد" وقد أصبح هذا الكتاب النموذج لسلسلة من كتب "الحقائق" الطيبية المتأخرة. (2) حاتم بن إبراهيم (1): خلف أباه فأصبح الداعى المطلق الثالث، ونال العون من قبائل حمير وهمدان التى استولت له على حصن كَوْكبَان. وقد أثار هذا غيرة الحاكم اليامى لصنعاء على بن حاتم، فشن الحرب على هذه القبائل سنة 364 هـ (974 - 975 م) وانتزع كوكبان. وأقام حاتم بعض الزمن فى بيت رَدْم ثمَّ انتقل إلى شَعاف فى الإقليم الجبلى حَراز حيث نجح فى تحويل الناس إلى الدعوة الحافظية. وغزا حاتم عدة قلاع واختار الحُتَيْب مقامًا له. فلما قتل معينه الأكبر سبأ اليَعْبُرى ومد الأيوبيون سلطانهم إلى أغلب أراضى اليمن انحصر نشاط حاتم فى التنظيم السرى للدعوة الطيبية؛

المصادر

وتوفى حاتم فى 16 محرم سنة 596 (6 نوفمبر سنة 1199) فى الحتيب ودفن فيها. وقد أفاد حاتم فى كتابه الأكبر "الشموس الزاهرة" من كتب المفضّل للغلاة على حين ذم بعض أقوالهم. أما رسالته القصيرة "زهر بذر الحقائق" فقد نشرها عادل العوّاء (منتخبات إسماعيلية، دمشق 1958). (3) على بن حاتم (2): خلف أباه فأصبح الداعى المطلق الرابع. وقد انصرف عنه يعبرية حراز فاستقر فى صنعاء. ولم يتدخل الأيوبيون فى نشاطه، وتوفى فى 25 ذى القعدة (مايو سنة 1209) فى صنعاء. المصادر: عمدة المصادر هو (1) إدريس بن الحسن: نزهة الأفكار ولم ينشر. وقد درسه ح. ف الهمدانى: الصليحيون، القاهرة سنة 1955، ص 269 وما بعدها. (2) عمارة فى Yaman: H.C. Kay لندن سنة 1892، ص 102 وثمة مصادر أخرى نشرها وناقشها (3) The Succession to: S.M. Stern the Fatimid Imam al Amir فى Oriens، جـ 4، سنة 1951، ص 214, وما بعدها. (4) وانظر عن كتب الحامدية Ismaili Literature: W. Ivanow طهران سنة 1963، ص 52 وما بعدها، 61 وما بعدها. خورشيد [مادلنك Madelung .W] حايل أو حائل: قصبة بلاد جبل شمر فى غربى نجد وسط سهل ممتد يعرف بساهلة الخمَّشية، وهذا السهل بين جبل أجأ (مئنيف) وسلمى (فتى)، وهو يرتفع عن سطح البحر نحو 5000 قدم. وهذه المدينة من أهم المحطات التى على طريق الحجاج الفرس إلى مكة، وتحيط بها أسوار ارتفاعها نحو عشرين قدمًا بها أبراج مستديرة ومربعة، وتنقسم أحد عشر حيا، وبها مسجد جامع وقصر حصين له برجان

سامقان، وسوق هامة بها مخازن للبضائع وحوانيت تباع فيها الأطعمة كالأرز والدقيق والتوابل والبن وغيرها، وتعرض فيها الأقمشة، والملابس، والسلاح، والآلات من معاول وعتلات، والمعادن الخام من حديد وقصدير وسبائك رصاص؛ كما أن بها حدائق ومنتزهات، وهى تستورد الأقمشة من منشستر وبومباى، والملابس من الجوف وبغداد، والآلات والمعادن الخام من أوربا وتجارة حايل هامة، أما صناعاتها لا سيما تلك التى تقوم بها النساء من تطريز وتدييج فعديمة الأهمية وأصحاب الحرف من حدادين ومعدنين ونجارين قليلو العدد فى المدينة، ومنازلها حسنة البناء ومعظمها من طابق واحد، وشوارعها نظيفة. وفى خارج المدينة حدائق كثيرة وأحراج نخيل ومنازل متفرقة بعضها يملكه أعيان المدينة وبعضها خاص بأفراد البيت المالك فى شمر. ويقول بالكريف palgrave إن تعداد المدينة 20,000 و 40,000 نسمة على حين يقول داوتى Doughty إنه 3000 فحسب. وضاحية حايل هى سُويَفْلَة، وقد اجتاحها وباء فى سنة 1867 بعد مجاعة نزلت بها، وكانت المنازل خالية تقريبا فى أثناء إقامة داوتى بها، كما أن أحراج النخيل كانت مهجورة تمامًا، ولحايل ضاحية أخرى هى واسط، وقد لاحظ داوتى عند زيارته لها أنها كانت هى أيضًا مهجورة وحل بها الخراب نتيجة لهذا الوباء. وقد جفت أشجار النخيل وماتت بسبب إهمال الرى فى تلك الفترة، وقد مات فى حايل نفسها بين 700 و 800 شخص بسبب الطاعون، وأعقب الطاعون حمى خبيثة تفشت فى المدينة سنتين. وتقع مقبرة حايل وراء واسط؛ وشواهد قبورها عاطلة من الزخرف كما هى عادة البدو، وليس عليها إلا اسم المتوفى. وبين المقبرة والمدينة مستعمرة صغيرة للعرب الرحل وهم من بدو شمر، وبعضهم يمت بصلة القرابة للبيت المالك. وهم لا يسكنون تلك البقعة إلا فى فصل الربيع

المصادر

وفى أوائل القرن الماضى كانت حكومة حايل فى يد بيت على. وحوالى سنة 1820 حاول عبد الله ابن رشيد، وهو من أغنياء أسرة جعفر العريقة وأعيانها، أن يستولى على العرش بمعاونة أقاربه الكثيرين ذوى النفوذ، فنشبت الحرب بين الفريقين ودارت الدائرة على عبد الله فنفى، ولكنه عاد بعد عشر سنوات إلى حايل بمساعدة فيصل الزعيم الوهابى الذى أقام عبد الله أميرًا على جبل شمر اعترافًا بفضله فى فتح الأحساء. وقد طرد بيت على من المدينة وأبيد تقريبا على يد عبيد الملقب بالذئب وهو الأخ الأكبر لعبد الله. وقد بنى عبد الله القصر الكبير، وبدأت حايل تنعم بفترة رخاء فى عهد ابنه وخلفه طلال الذى حكم المدينة عشرين عاما ومات سنة 1864. وقد أدخل طلال كثيرًا من التحسينات على حصون المدينة، وبنى المسجد الجامع والسوق وخطط الحدائق الجميلة. وأراد أن ينهض بالتجارة والصناعة فاستحضر التجار من البصرة وواسط وغيرها من المدن والصناع من المدينة واليمن ودخل فى علاقات تجارية مع مدن أخرى من بلاد العرب وفارس. وكان محمَّد بن رشيد أميرًا على حائل عندما زارها داوتى، وكان وقتذاك يملك من الخيول ثروة عظيمة لا نظير لها فى نجد قدّرها داوتى بنحو من 250,000 جنيه. ويذكر الهمدانى وادى حايل فى حمى (ضَرَّيِة)، ولعل هذا الوادى هو عين مدينة حايل التى خصصناها بهذه المادة. ويقول ياقوت إن حايل واد بين جبلى طيى (أجأ وسلمى) وإنها أرض واسعة يزعم البعض إنها أرض اليمامة نفسها، وينزلها بنو قُشَيْر أو بنو نُمَيْر وبنو حِمان من بنى تميم، ويقول شيرنكر Sprenger إن حايل هى "أرّى كمى" فى بطلميوس. المصادر: (1) الهمدانى: صفة جزيرة العرب، ص 145، س 22؛ ص 148، س 7، 19، 24؛ ص 182، س 14، 15 (2) ياقوت: المعجم، جـ 2، ص 191

(3) Erdkunde: C. Ritter جـ 13، 343، 352، 353، 648 (4) Histoire des Wahabis: Corancez باريس سنة 1810، ص 118، 214 (5) Die Alte Geo-: A. Sprenger graphie Arabiens، ص 171 (6) Narrative etc.: W. Palgrave، الفهرس (7) Travels in: Ch. M. Doughty Arabia Deserta، كمبردج سنة 1888، جـ 1، ص 593، 613، 614 - 619؛ جـ 2، ص 1 - 4، 5 - 6، 7 - 8، 9، والفهرس (8) Tagebuch einer Reise: J. Euting im Inner - Arabien، جـ 1، ص 173 - 240 [شليفر. J. Schleifer] + حايل أو حائل: قصبة إقليم جبل شمر (بلغ عدد سكان هذه القصبة عام 1385 هـ الموافق 1965: 20,000 نسمة) فى جزيرة العرب الوسطى، وكانت من قبل قصبة أسرة الرشيدى فى نجد، ثمَّ غدت بعد سنة 1340 هـ (1921 م) قصبة إقليمية لمملكة سعود الموسعة (منذ سنة 1351 هـ = 1932 السعودية العربية). وجبل شمر الذى يحد من الشمال بحوض النفود الكبير، هو الحد الشمالى الغربى لنجد، مع أن سكانًا لمنطقة حائل يشيرون فى بعض الأحيان إلى القاسم على اعتبار أنَّه أقصى النواحى شمالا فى إقليم نجد عينه. وتقع حايل على ارتفاع 979 مترًا قرب الحافة الشرقية لكتلة جبل أجا الجرانيتيه، وهى تقوم فى قلب ديرة شمَّر وهى القبيلة المسيطرة فى هذه المنطقة. ويحد تل سَمْرَة، الذى يعرف أيضًا عند الأهلين باسم "المَوْقِدَة"، المدينةَ من الشرق. ويقوم أخدود أم أرْقَب حاجزًا فى الشمال. وقد أطلق الاسم حائل أول ما أطلق على الوادى الذى يجرى بالقرب من حافة المحلة، وكانت هذه المحلة نفسها تعرف بالقُرَيّة

فحسب. وقد ذكر حائل الشاعران امرؤ القيس وطرفة بن العبد. ويقول شبرنكر إن حائل هى عين أره كومه فى بطلميوس. وقد خضع أهل حائل الشمرية للحكم الوهابى سنة 1201 هـ (1786 - 1787)، وعرفت السنوات الأولى من القرن الثالث عشر الهجرى (التاسع عشر الميلادى) بالنزاعات التى قامت بين بيتى ابن على وابن رشيد فى سبيل السيطرة على هذه النواحى. وقد فرضت القوات التركية المصرية لحملة إبراهيم باشا التأديبية الجزية على حائل بعد سقوط الدرعية سنة 1233 هـ (1817 م). ودخلت جنود الاحتلال المدينة مرة أخرى سنة 1253 هـ (1837 م). وفى سنة 1251 هـ (1835 م) مكّن أفراد بيت رشيد لأنفسهم حكاما على حائل فى ظل آل سعود. وقد بلغ جبل شمر المستقل أوج سلطانه فى عهد محمَّد بن رشيد أمير حائل بين سنتى 1289 - 1315 هـ (1872 - 1897 م). وكان عدد سكان المدينة وقتذاك حوالى 20,000 نفس يسكنون أربعة أحياء حول ميدان السوق المَسْحَية. وكان حصن بَرْزان يقوم فى الشمال الشرقى، وقد بدئ فى إنشائه على يد محمَّد على فى مستهل القرن الثالث عشر الهجرى (التاسع عشر الميلادى). وكان حى لُبْدَة فى الجنوب وحى "المقيظة" فى الغرب، وحى "أفنان" فى الشمال الغربى. وكانت التجارة فى يد 80 من أسر التجار من النجف فى العراق، وكانت تقوم فى مسجد برزان مدرسة الشريعة المسماة المَرْشَدى، وكان فى حى لبدة مدرسة من هذا القبيل. وقد اشتهر محمَّد بن بانى، وهو صانع سلاح من حائل وقتذاك، فى جميع أنحاء الجزيرة العربية بصنع الأسلحة المزخرفة. وقد نزل الوباء بحائل وأرباضها حوالى سنة 1288 هـ (1871 م) فتوفى كثير من أهلها. وقدر داوتى عدد سكانها بنحو 3000 نفس فحسب حين زارها سنة 1294 هـ (1877 م). ولما توفى محمَّد سنة 1315 هـ (1897 م) دمر كثير من

أجزاء المدينة أيام النزاعات التى دارت حول الحكم بين الأسر مما أضعف بيت رشيد. وتلقى خلفاء محمَّد معونة فعالة من الترك لمناهضة عبد العزيز آل سعود، على أن عبد العزيز استطاع آخر الأمر الاستيلاء على حائل فى غرة ربيع الأول سنة 1340 (2 نوفمبر سنة 1921). ويقوم اقتصاد حائل على الزراعة والتجارة على نطاق صغير. وكانت المحصولات تنمو منذ أمد طويل فى المنطقة مثل البلح والحبوب، تكملها أنواع مختلفة من الخضراوات والموالح. وتقوم حائل على طريق الحجيج من العراق، ولكن المنافع الاقتصادية المتحصلة من هذا الطريق كانت فى كثير من الأحيان تتبدد نتيجة لاضطراب الأمن فى الإقليم قبل سنة 1340 هـ (1921 م). أما نقل الحجاج بالبر فقد تحول حوالى سنة 1383 هـ (1963 م) إلى الشمال عن طريق إقليم الجوف وقد اشتهر محمَّد بن رشيد بخيله الجياد، وكان يحتفظ بحوالى 500 رأس من الخيل فى منطقة حائل للفروسية والرياضة. ولم تعد الخيول تربى فى أعداد مذكورة سنة 1385 هـ (1966 م). وثمة أحياء هامة فى المدينة الحديثة، علاوة على ما سبق أن ذكرنا وهى: الجُدَيِّدَة، والزَبَارة، والوسيْطى. أما ضاحية البساتين السوُيَفلة فهى الآن ملاصقة لحائل، وقد زرعت البقعة الممحلة المعروفة بالنُعْرة بين حائل وقُفار. وكان أمير حائل سنة 1385 هـ (1966 م) هو عبد العزيز بن مُساعَد ابن جلوى الذى أقامه حوالى سنة 1341 (1923 م) عبد العزيز بن سعود، وهو يحكم منطقة تبلغ نحوًا من 160,000 كليو متر مربع بما فيها مدن قبا وتْيما، وخيبر. المصادر: غير ما ذكر (1) ابن بشر: عنوان المجد، القاهرة سنة 1373 هـ (2) A Pilgrimage: Lady Anne Blunt to Nejd، لندن 1881

حبة

(3) ابن غَنّام: روضة الأفكار، بومباى سنة 1337 هـ (4) Journal d'un voyage: C. Huber en Arabie، باريس سنة 1891 (5) J . G. Lorimer: مادة " Hail" فى Gazetteer of the Persian Gulf Oman and Central Arabia، كلكته سنة 1908 - 1915 (6) Northern Neghd: A. Musil, نيويورك سنة 1928 (7) Saudi Arabia: H. Philby لندن سنة 1955 (8) Saudi Arabia in: R.B. Winder the Ninteenth Century، نيويورك سنة 1965 خورشيد [ماندافيل J. Mandaville] حبة معناها اللغوى قمحه أو نواة، وهى فى نظام الموازين العربى عبارة عن جزء غير معين الوزن، ومعظم كتاب العرب يقولون إن الحبة تعادل 1/ 60 من وحدة الوزن المعتبر؛ و 1/ 10 من الدانق. والدانق عند العرب يعادل 1/ 6 الوحدة. وهناك تقديرات أخرى للحبة تتراوح بين 1/ 48 و 1/ 72 من الدانق، ومن هذا نرى أن الحبة تمثل شيئًا يختلف اختلافًا كبيرًا باعتبار وحدة الوزن. فهناك حبَّة بمعيار الفضة وأخرى بمعيار الذهب، وحبة من المثقال، وغيرها من الدرهم إلخ. وباعتبار المثقال أقدم وحدة للوزن عند العرب وزنته 4,25 من الجرام وهو يعادل 65,5 من الحبات، فإن الراجح هو أن الحبة فى صدر الإِسلام كان وزنها يعادل حوالى 70 - 71 ملليجرام، وهى تتفق تقريبًا مع وحدة وزن العقاقير فى أوروبا المسماة كرانوم - gra num وكانت شائعة الاستعمال إلى أقرب العصور الحديثة، والحبة فى نظام الموازين الإنكليزى تساوى 64,8 ملليجرام. والروايات الخاصة بأجزاء الحبة ومضاعفاتها تختلف أيضًا: وهى تنقسم عادة إلى حبتين من شعير وأربعة من الأرز وإلى حوالى

المصادر

مائة خردل. ويعادل القيراط أحيانًا ثلاث حبات وأحيانًا أربعة. وكان فى الآستانة الحبة وهى ربع القيراط فى وزن الحجارة الكريمة والجواهر، والعقاقير الطبية تعادل 50,04 ملليجرام ويعادل الدرهم 64 حبَّة أى 3,2025 جرامًا أو 49,4235 من الحبات الأوروبية. والحبة فى القاهرة ثلث القيراط وهى وحدة ثابتة الوزن، وتعادل 64,3417 ملليجرامًا، ويعادل الدرهم 3,0884 جراما أو 47,066 من الحبات. المصادر: (1) Notices sur les Poids: S. Bernard Arabes (Description de L'Egypte, Etat Moderne) جـ 16، طبعة قطع الثمن، ص 73 - 106، (2) Essai sur les: Don Vas Queipo -systemes metriques et monetaire des an ciens Peuples، باريس 1859. (3) The Arabian: S. Lane - Poole -Historians on Mohammedan Numismat .ics, Num. Chon المجموعة الثالثة، جـ 4، 1884) (4) Manners and: Edward W. Lane Customs of the Modern Egyptians سنة 1846، جـ 3، ص 230 (5) Materiaux pour: H. Sauvaire servir a l'histoire de la Numismatique et de la Metrologie musulmanes, باريس 1882، وله أيضا، Arab Metrology فى مجلة الجمعية الأسيوية الملكية، 1877 - 1884. (6) Traite pra-: Dedour Demanche tique des Poids et Mesures des Peuples anciens et des arabes، باريس 1909 (7) وله أيضا: Sur les Misqals et Di- rhems Arabes, باريس 1908 (8) Lois de la: Nu-: C. Mauss .mismatique musulmane etc، باريس 1898 (9) انظر أيضًا كتب الموازين مثل Muenz, Mass-und Ge-: F. Noback wichtsbuch (10) Universal Cambist.: Kelly [زامباور E. V. Zambaur]

حبيب بن مسلمة

حبيب بن مسلمة مكى من بنى فهر وهو من أعظم قواد الخليفة معاوية. ويسلم الجميع بأنه من صحابة النبى اللهم إلا مدرسة المدينة فإنها لا تسلم بذلك متأثرة بما تضمره من عداء للأمويين وإن كان التاريخ يثبت ذلك. ولا بد أنه كان فى الخامسة عشرة من سنة عند وفاة النبى [- صلى الله عليه وسلم -]، ومن ثمَّ فليس ثمت سبب يدعو إلى افتراض أنَّه لم يكن يعرف النبى [- صلى الله عليه وسلم -]، معرفة شخصية. وقد اشترك فى صباه فى حرب الشام الأولى وأبلى فى الدفاع عن قضية الأمويين بلاء حسنا. وقد برز فى غاراته الكثيرة فى آسية الصغرى وأرمينية على وجه خاص فى ولاية معاوية وفى إبان خلافته. وتنسب إليه الروايات أنَّه فاتح أرمينية. ويطلق عليه أيضًا اسم "حبيب الروم" لكثرة الحروب التى شنها على أراضيهم. وكان أيضًا "مجاب الدعوة" ولا شك أنَّه توفى عندما بلغت سنه حوالى الخامسة والخمسين فى صدر خلافة معاوية أو على الأقل لم يكن له ذكر فى التاريخ بعد هذا التاريخ المصادر: (1) ابن حجر، الإصابة (الطبعة المصرية) جـ 1، ص 309. وله ترجمة مستفيضة فى كتابى المسمى: . Etudes sur la regne du Calife Omaiyade Mo'awia ler [لامانس H. Lammens] حبيب النجار ولى أنطاكية، سمى العرب باسمه جبل سلبيوس لأنَّ به قبرا يقال إنه قبره، ويزار كثيرًا. وهذا الوالى المسلم ليس رجلًا آخر غير أغابوس المذكور فى سفر أعمال الرسل، الإصحاح الحادى عشر، الفقرات 27 - 30 والإصحاح الحادى والعشرين الفقرة 10 وما بعدها. وقصته المروية فى سورة يس آية 13 وما بعدها، وإن لم يرد فيها اسمه تدل على أنَّه من أصل نصرانى. فعندما بعث الله - كما جاء فى السورة - اثنين من الرسل يقول المفسرون إنهما يحيا ويونس، ثمَّ عززهما بثالث هو "شمعون" ليدعوا الناس إلى الإيمان،

المصادر

توعدوهم بالقتل إن لم يكفوا عن دعوتهم، وعندما جاء رجل من أقصى المدينة يسعى وحث قومه على اتباع الرسول [- صلى الله عليه وسلم -]، وأظهر إيمانه بدعوته، غضب قومه ووثبوا عليه فقتلوه، وكانوا وهم يقتلونه يستهزئون به ويصيحون: الآن ادخل أنت الجنة. على أن حبيبًا كانت تغمره السعادة لنواله شرف الاستشهاد فى سبيل الله. وأهلك الله هؤلاء الكفار جميعًا من غير أن ينزل جنودًا لقتالهم، وإنما أخذتهم صيحة واحدة من السماء فإذا هم خامدون. ويقول المفسرون إن هذا الرجل هو حبيب النجار، ويروى أنَّه كان يصنع الأصنام، ثمَّ آمن عندما شاهد معجزات الرسل. وكما نجد فى سرد القرآن لقصته أنَّه كان فخورًا باستشهاده حتى بعد موته، نجد الدمشفى (طبعة مهرن، ص 206) يروى قصة من نسج الخيال فيقول إن حبيبًا أخذ رأسه المقطوع شماله ثمَّ وضعها فى يمينه، ومشى ثلاثة أيام بلياليها فى المدينة على هذا الوضع، ورأسه يرتل فى صوت مرتفع الآيات القرآنية التى اشتملت على القصة. المصادر: كتب التفسير، سورة يس وانظر أيضًا المصادر الخاصة بمادة "أنطاكية" الحجاب هو ما يحجب بين الشيئين، ومن ثمَّ جاء المصطلح الطبى الحجاب الحاجز (أبو عبد الله الخوارزمى: مفاتيح العلوم ص 156 Trois Traites d' Anatomie: P. de Koning ص 350، 816). أما فى القرآن فللفظ معنى "الستر"، فقد جاء فى سورة الأحزاب (الآية 53) "وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب" وسيفصل فى الآخرة حجاب بين أصحاب الجنة وأصحاب النار (سورة الأعراف، الآية 44) والظاهر أن اللفظ فى هذا المقام مرادف للأعراف ولذلك فسر من قديم بأنه "سور" (الطبرى التفسير جـ 8، ص 126، البيضاوى: جـ 2، ص 326) إشارة لما ورد فى سورة الحديد (الآية 13) وجاء فى سورة فصلت (الآية 5) أن الكافرين

المصادر

قالوا للنبى [- صلى الله عليه وسلم -]، "ومن بيننا وبينك حجاب" وجاء فى سورة الشورى (الآية 51) " "وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب" كما كانت الحال مع موسى (أسباط فى رواية السدى؛ الطبرى: التفسير، جـ 25، ص 45). والحجاب عند المتصوفة "كل ما يستر المطلوب" ومعناه انطباع الصور الكونية فى القلب المانعة لقبول تجلى الحق (الجرجانى: التعريفات، ص 86، عبد الرازق: كشاف اصطلاحات الفنون، ص 35، رقم 116) والنفس هى السبب الرئيسى فيما يعرض من ظلمات، غير أن لكل جارحة شهوة معينة من شأنها أن تولد حجابًا خاصًا: فالجواهر والأعراض والأركان (العناصر) والأجسام والصور والصفات، كل أولئك حجب كثيرة تحول دون كشف الأسرار الإلهية. والحق الأعلى محجوب عن الناس جميعًا، اللهم إلا عن الأولياء وحدهم. وضد الحجاب الكشف، ويطلق على الحال الأولى القبض، كما يطلق على الحال الثانية البسط. ويثير الوجد ما يعترضه من عقبات فى المشاهدة. وقد استعيرت هذه العبارات من العارفين (Pistis Sophia فى E. de Faye: Gnostique et gnosticisme 1913 م، ص 269). المصادر (1) على بن عثمان الجلابى الهجويرى: كشف المحجوب، ترجمة نيكلسون Nicholson فى مجموعة كب التذكارية، ص 48، 149، 325، 374، 414. (2) New Researches: Hirschfeld، into the Exegesis of the Qoran، ص 43. [إيوار Cl. Huart] + الحجاب (من الفعل "حجب"): يستعمل للدلالة على كل ستر يوضع أمام شخص أو شئ ليحجبه عن الرؤية أو يعزله، وهو فى الطب غشاء يفصل بعض أجزاء من الجسم العضوى مثل "الحجاب الحاجز" أو "حجاب الجوف" (diaphragm)، و"الحجاب المسْتَبْطِن" (pleura) و"حجاب البكورية" أي البكارة (التهانوى: كشاف اصطلاحات الفنون؛ لسان العرب؛ Suppl.: Dozy).

ولا نكاد نعلم شيئًا عن الاستعمال الجاهلى لهذا اللفظ، على أن القرآن، وإن ورد فيه هذا اللفظ سبع مرات، فإنَّه يزودنا بمعلومات قيمة عن معناه الأصلى والمجازى، كما يزودنا إلى حد ما بمعلومات قيمة عن تطوره. والحجاب فى القرآن يدل على الاعتزال: فهو الستر والستارة التى اعتزلت وراءها مريم أسرتها (سورة مريم، الآية 17)؛ ثمَّ هو أيضًا السكن المستقل (السكن الداخلى من بعد) الذى فرض على أزواج النبى [- صلى الله عليه وسلم -] (سورة الأحزاب، الآية 53؛ وانظر السورة نفسها الآية 32، 33) وقد تم هذا فيما يظهر بناء على مشورة عمر. ولسوف يفصل بين أصحاب الجنة وأصحاب النار يوم القيامة حجاب، فسره المفسرون بأنه سور وقد استنبطوا هذا التفسير من القرآن (سورة الواقعة، آية 13) "وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب ... " (سورة الشورى، الآية 51) وهو حجاب المقصود منه فيما يظهر حجب المصطفين عن النور المنبعث من وجه الله. والحجاب آخر الأمر هو نوع من الستر يحجب بالفعل (الشمس التى تتوارى وراء ستار الليل، سورة ص، الآية 32) أو يحجب - بمعنى صوفى - الناس والأشياء. وهذا المعنى الأخير جدير بالالتفات خاصة. فالكافرون يقولون للرسول ... قلوبنا فى أكنة مما تدعونا إليه وفى آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب فاعمل إننا عاملون" (سورة فصلت الآية 5). وجاء فى القرآن "وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابًا مستورًا" (سورة الإسراء، الآية 45)، ولا يتفق المفسرون فى تفسير معنى هذه العبارة. وقد رؤى أن هذا الحجاب إما أن يكون ستارًا محجوبًا بعث به الله ليخفى الرسول [- صلى الله عليه وسلم -] عن أعين أولئك الذين سعوا إلى قتله (تفسير الجلالين) وأما حجابًا يطمس على المرتدين فيعجزون عن فهم ما تتلوه عليهم من القرآن (تفسير البيضاوى). وهذا التفسير الأخير يقارن بالآية 14 وما بعدها من سورة المطففين إذ جاء فيها أن المعتدين قد ران على قلوبهم ما يكسبون وأنهم عن ربهم لمحجوبون.

وجاء فى حديث رواه أبو ذر أن الحجاب يستعمل مرادفًا لستار الموت، إذ روى عن الرسول عليه السلام "أن الله يغفر للعبد ما لم يقع الحجاب. قيل: يا رسول الله وما الحجاب؟ قال: أن تموت النفس وهى مشركة ... ". وفى الإِسلام القديم والمعاصر يبدو أن الحجاب قد تطور فى أربعة اتجاهات مبتدئًا فى كثير من الأحيان من أسسه التى وردت فى القرآن. 1 - الحجاب الذى فرض أولا على زوجات الرسول عليه السلام ثمَّ توسع فيه من بعد حتى شمل جميع النساء المسلمات الأحرار. وليس الحجاب هو الانتقال من الطفولة إلى البلوغ، ومن العزوبة إلى الزواج. والحق إن الأداة التى استخدمت فى تغطية الرأس والوجه قد عرفت عادة بالأسماء: "لثام" و"قناع" و"برقع" (Dict des: Dozy Vetements). على أن الحجاب إذ يدل أيضًا على القناع نفسه فإنه يشير بخاصة إلى نظامه. ويدل الشعر الجاهلى العربى على أن سنة الحجاب كانت مرعية من قبل مجئ النبى عليه السلام، ذلك أن الحجاب كان ميزة النساء من درجة خاصة، وكان يشار إليه بأسماء "نصيف" و"سِتْر" و"سجف" وغير ذلك (على الهاشمى: المرأة فى الشعر الجاهلى، ص 79 - 80، 146). ولعل آيتى القرآن اللتين أمرتا زوجات النبى [- صلى الله عليه وسلم -] وبناته "يا أيها النبى قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن .... " (سورة الأحزاب، الآية 59) و"وقل للمؤمنات .... وليضربن بِخُمُرِهنَّ على جيوبهن .. " (سورة النور، الآية 31) ترجعان إلى السنة الخامسة للهجرة (ابن سعد: الطبقات، جـ 8، ص 173 - 17). ومع ذلك فإن عائشة يقال إنها لبست الحجاب من وقت زواجها بالنبى عليه السلام (الطبقات، جـ 8، ص 55) وقد حدث هذا الزواج فى شوال من السنة الأولى للهجرة (البلاذرى: أنساب الأشراف، جـ 1، ص 403) ومن المحقق أن سُنْة الحجاب لم تكن مرعية فى المدينة إلا فى القليل النادر. ويبرر القرآن ذلك فى الواقع على

أساس أن ذلك " ... أدنى أن يعرفن فلا يؤذين ... " (سورة الأحزاب، الآية 59). على أنَّه لما اتسعت رقعة الإِسلام انتشرت هذه السُنة بسرعة فى جزيرة العرب وغيرها من الأقطار. وقد التزمتها كل النساء فى الحضر، وخاصة النساء اللائى ينتمين إلى الطبقات الخلية. ولكن هذه السُنة لم تراعها كل المراعاة نساء البدو أو الفلاحات أو النساء العاملات. وارتداء الحجاب الذى هو عام فى الحضر حيث تطورت الحركات العقلية وانتشرت، أسهم إلى حد كبير فى إبقاء النساء المسلمات فى نوع من العزلة. على أنَّه حدث فى نهاية القرن التاسع عشر فى عهد الخديوى إسماعيل الذى أقام فى القاهرة حوالى سنة 1295 هـ (1873 م) أول مدرسة للبنات، أن هجر بعض النسوة المصريات الحجاب. غير أن النصير الحقيقى لحركة المرأة كان هو قاسم أمين. وقد استنكر فى كتابه "تحرير المرأة" الذى يتضح فيه أثر تفسير محمَّد عبده المتحرر للقرآن، إبقاء المرأة فى حالة خضوع، وقرر حقها فى التعلم ومع ذلك فإنَّه لم يطالب بإلغاء الحجاب كلية، وإنما اقترح ببساطة أنَّه يجب ألا يتمشى إلا مع فروض الدين الحقة. وقد قرر، وهو الفقيه، بأنه لا يوجد فى الشريعة الإِسلامية حقا نص يبرر استعمال الحجاب على النحو الذى كان شائع الاستعمال وقتذاك. وقد كان ذلك إيذانًا بفتح باب المعركة لتحرير المرأة، وعاد قاسم أمين إلى استئناف هجومه فى كتابه الآخر "المرأة الجديدة". وقد هز هذان الكتابان مصر وصدماها وثارت المشاعر حولهما وقاد طلعت حرب معارضة حركة قاسم أمين، وكتب فى الرد عليها كتابين طالب فيهما أيضًا باسم الدين الالتزام بالنظام القديم للتعليم. ومن الواضح أن النساء كانت فى صف قاسم أمين وقد قامت ملك حفنى ناصف - المعروفة أكثر باللقب باحثة البادية - بنشر نسائياته، وكتبت مى زيادة سلسلة من المقالات حول هذه المسألة وأهدتها إلى زميلتها. وفى سنة 1925 ولدت الحركة النسائية المصرية، وقد نبذت رئيستها السيدة هدى شعراوى باشا الحجاب سنة 1926، وائتست

بذلك أعداد متزايدة من النساء الأخريات. 2 - والحجاب يدل أيضًا على الستار الذى كان يحتجب وراءه الخلفاء والحكام عن أعين أهل بيتهم. وهذه السنة التى كانت فيما يظهر مجهولة عند السكان الأولين للحجاز، قد استنها فى الإِسلام الأمويون، ولعلهم فعلوا ذلك بتأثير الحضارة الفارسية. وهذا الحجاب يعرف أيضًا بالستارة والستر، ولكن السُنة هى هى، وقد تطورت آخر الأمر إلى نظام (يجب التمييز بينها وبين الحجابة التى تسمى فى بعض الأحيان أيضًا "حجاب" وهى تدل على منصب الحاجب). وفى رواية الكتاب المنحول للجاحظ أن معاوية ومعظم خلفائه كان يحجبهم عن آل بيتهم "ستارة" حتى لا يستطيع أحد من آل هذا البيت أن يرى أفعال الخليفة وهو تحت تأثير الخمر عاجزا عن أن يسيطر على نفسه (كتاب التاج = livre de la couronne Le، ترجمة Pellat، ص 59). وكان سلوك الخلفاء العباسيين فى بعض الأحيان أقل من ذلك رصانة: فالأمين بخاصة كان يؤثر صحبة حاشيته وخاصته على الاعتكاف وراء حجاب (الكتاب نفسه: ص 70). وقد أدخل هذا النظام فى بلاد الأندلس وشمالى إفريقية ومصر وأصبح هناك أكثر تعقيدًا إذ تطورت حياة البلاط، وخاصة عند الفاطميين. ويجب أن نذكر أنَّه بالرغم من أن هذا النظام كان هو هو عند الفاطميين الذين تأثروا كشأنهم بالآراء الشيعية فى طبيعة الإمام (انظر المقريزى: الخطط، جـ 1، ص 456) فإنَّه يظهر أن النظام قد عززته اعتبارات أخرى وأنه قد استجاب لحاجات مختلفة. فالخليفة الذى يعد جوهر العقل الفعّال للعالم أصبح يكاد يكون المقصود بالعبادة. ومن أجل هذا كان من المنتظر منه أن يستتر بقدر الاستطاعة عن عيون أتباعه المخلصين الذين يحرمون لذلك من نور وجهه. وكان العامل المسئول فى القاهرة عن الستر يدعى "صاحب المجلس" (القلقشندى: صبح الأعشى، جـ 3، ص 485؛ المقريزى: الخطط جـ 1، ص 386). وهذه الوظيفة وظيفة مختلفة

عن وظيفة صاحب الباب الذى يعادل رئيس التشريفات، وكان يسمى أيضًا "متولى الستر" (المقريزى: الخطط، جـ 1، ص 411) و"صاحب الستر" (M.Canard: كتابه المذكور، ص 374؛ ألف ليلة وليلة، جـ 1، ص 147، طبع المطبعة الكاثوليكية ببيروت سنة 1956). وكان هو كبير الخصيان، وكان يجمع فى بعض الأحيان بين وظيفة "صاحب الستر" ووظيفة الحاجب، أي التشريفاتى (M. Canard: كتابه المذكور، تعليق 374) وكانت مهمته الخاصة فى الحفلات إخطار الوزير حين يجلس الخليفة على عرشه وأن يأمر مساعدَيْه برفع الستار التى تحجب الخليفة، ثمَّ يظهر الخليفة. جالسا على عرشه مواجها المدعوين. وإذا انتهى الحفل أسدلت الستار ثمَّ يعود الخليفة إلى مسكنه (القلقشندى: الكتاب المذكور، جـ 3، ص 499 وما بعدها). ويقام ستر أيضًا أمام باب قاعة الاحتفالات إذا شاء الخليفة أن يركب فى موكبه بمناسبة بدء السنة الجديدة. وينتظر الوزير ووجوه القوم فى الخارج قريبًا من الخليفة. وفى اللحظة المقررة ترفع الستار ويخرج الخليفة يتقدمه خصيانه ويركب جواده (القلقشندى: صبح الأعشى، جـ 1، ص 506). وكان استعمال الحجاب شائعا فى احتفالات الفاطمين، واستعماله فى رمضان جدير بالذكر خاصة. ففى يوم الجمعة الثانى ويوم الجمعة الثالث ويوم الجمعة الرابع من هذا الشهر يؤم الخليفة المسجد. وحين يصل إلى المسجد يعتلى المنبر ويجلس تحت القبة، . ويصعد إليها الوزير بدعوة منه، ويدنو منه ويقبل أمام الملأ يديه وقدميه ويسدل الستائر. وهكذا يحتجب الخليفة كأنما هو فى "هودج". ثمَّ يتلو عظة قصيرة وبعد ذلك يرفع الوزير الأستار (القلقشندى: صبح الأعشى، جـ 3، ص 511؛ المقريزى: كتابه المذكور، جـ 1، ص 451 وما بعدها). وفى يوم عيد الفطر يذكر القاضى بعد صلاة العيد أسماء وجوه القوم واحدًا واحدًا وهم الذين شرفوا بارتقاء الدرج وشغل الأماكن التى إلى يمين الخليفة وشماله. ويصدر الوزير إشارة فيحتجب كل

مدعو ثمَّ يحتجب الخليفة أيضًا ويبدأ فى الحديث. وفى نهاية حديثه يرفع المدعوون أحجبتهم (القلقشندى: صبح الأعشى، جـ 3، ص 514). وفى الحفل الشيعى الذى يقام حزنا على مقتل الحسين يلقى الخليفة، وقد حجب وجهه وجلس على مقعد بلا وسادة، وجوه القوم الذين يكونون أيضًا محجبين (المقريزى: الخطط، جـ 1، ص 431). ويميز ابن خلدون بين عدة أنواع من الحجاب الذى تصطنعه الدولة بما يتناسب مع حاجتها المتطورة. وقد اصطنع أول حجاب حين نبذ الخليفة العادات الأولية، وأخذ يعتزل الناس ولا يسمح إلا لخاصته بولوج عتبة داره. وبنمو الدولة وتعقد أعمالها اصطنع "حجاب" آخر، وهذا الحجاب لا يسمح لأولئك الذين تمرسوا بعادات البلاط وآدابه بأن يكون لهم أية صلة بالسلطان، وكذلك أقام خاصة السلطان وبطانته حجابًا بينهم وبين الناس. ونجد أخيرًا حين اضمحلت الدولة، أن هؤلاء الوجوه الذين أقاموا على العرش ورثة الأسرة الحاكمة، قد أخذوا فى بعض الأحيان يسعون إلى الاستيلاء على مزايا السلطة، وهنالك يقيم الديكتاتور نفسه قيما على السلطان، ويعزله عن أسرته ومستشاريه بحاجب موهما إياه بأن هيبته تقتضى أن ينأى عنهم (ابن خلدون: المقدمة، جـ 2، ص 100 - 103؛ ترجمة روزنتال، جـ 2، 111 - 115). 3 - والحجاب فى نظر الصوفية "كل ما يستر المطلوب"، ومعناه انطباع الكونية فى القلب المانعة لقبول تجلى الحق (الجرجانى: التعريفات، ص 86) وهو الحجاب بين المريد وبين مطلوبه وبين الرامى وهدفه. والمحجوب هو الذى أغلق قلبه دون النور الإلهى لأنَّ صحوه تهيمن عليه شهوته الحسية أو العقلية. وقد قال الحلاج إن حجاب المرء هو شهوته (Massignon: كتابه المذكور، ص 699). والحق إن ثمة أسبابا كثيرة للحجاب. فما إن يزداد المرء التجاءً إلى الغذاء لتغذية ميوله الطبيعة قويت نفسه السفلى وانتشرت الشهوة غلابة فى جوارحه، وظهر فى كل عرق من عروقه نوع مختلف من

المصادر

الحجاب (الهجويرى: كشف المحجوب، ص 325). وتحقيق الاتحاد الصوفى يعوقه على حد سواء المشاعر الباطنة التى تتركز فى النفس والعقل والروح. وحجاب النفس الشهوات والرغبات؛ وحجاب القلب الملاحظة فى غير الحق؛ وحجاب العقل وقوفه مع المعانى المعقولة (التهانوى: كشاف اصطلاحات الفنون جـ 1، ص 276). وضد "الحجاب" الذى يتميز بالقبض هو "الكشف" ومعناه بالمقابلة "البسط". والقبض والبسط حالتان غير إراديتين لا يستطيع جهد إنسانى أن يحدثهما، أو يقضى عليهما، ذلك أنهما يأتيان من الله (الهجويرى: كتابه المذكور، ص 374) على أنَّه حين تضعف النفس السفلى فلا تستطيع أن تتغلب على العقبات، وحين تنمحى الشهوة، فإن جميع الرغبات الفانية تنمحى بتجلى الحقيقة. وهنالك يتمزق الحجاب ويبلغ الذى يطلب الحق غاية مراده (الهجويرى: كتابه المذكور، ص 325). 4 - ونذكر آخر الأمر أن "الحجاب" هو الاعتزال الصوفى وهو اعتزال خارق للطبيعة ووقاء يسمو فوق مألوف هذا العالم، بل هو فى الحق "طلسم" يجعل حامله لا يصيبه شئ ويضمن النجاح لما يسعى إليه من أعمال. ويكتب "شيخ" أو "فقير" إشارات خفية وآيات قرآنية على صفحة من الورق يدفع بها إلى طالبها. وثمة اعتقاد فى التبرك بها وأن هذه الكتابات فعالة ولها القدرة على اجتذاب حب الأزواج، وشفاء المريض، وحبل العقيمات، بل يعتقد أن لها القدرة على حماية المرء من الرصاص. وهى تلبس حول الرقبة ويجب ألا تنزع قط (Moab: Jaussen، ص 35، 391؛ ونجد هذا الاستعمال لكلمة حجاب قائمًا فى سورية وبين بدو النجف الذين كانوا حديثًا موضوع دراسة قام بها J. chel- hod) المصادر: عامة: (1) لسان العرب. (2) Lane . (3) Suppl.: Dozy. (4) الكاتب نفسه: - Dict. des Vete .ments

(5) البخارى: صحيح القرآن، سورة الأحزاب الآية 53. (6) انظر أيضًا: البيضاوى والطبرى بشأن الآيات المذكورة فى صلب المادة ارتداء الحجاب. (7) ابن سعد: الطبقات، طبعة صادر، بيروت سنة 1957. (8) البلاذرى: أنساب الأشراف، طبعة القاهرة سنة 1959. (9) على الهاشمى: المرأة فى الشعر الجاهلى، بغداد سنة 1960. (10) قاسم أمين: تحرير المرأة، القاهرة سنة 1899. (11) باحثة البادية، القاهرة سنة 1920. (12) la condition de la: M. Fahmy femme dans la tradition et l'Islamisme، باريس سنة 1913. (13) La: Doria Ragai (Shafik) femme et la droit religieux de l'Egypte contemporaine، باريس سنة 1940. (14) Pardah: G. Vreede de stuers فى Revue des Etudes Islmiques, جـ 30/ 1 (سنة 1962) ص 151 - 212 وانظر إلى ذلك مادة "مرأة". الحجاب السلطانى. (15) المقريزى: الخطط، بولاق سنة 1270 هـ. (16) القلقشندى: صبح الأعشى، القاهرة سنة 1918. (17) الكتاب المنحول للجاحظ: التاج، ترجمة Le livre de la: Ch. Pellat couronne، باريس سنة 1954. (18) ابن خلدون: المقدمة. (19) M. Canard: le ceremonial fat- imide et le ceremonial Byzantin فى Byz- antin، جـ 21، سنة 1951، ص 355 - 420. عند الصوفية (20) الجرجانى: كتاب التعريفات، طبعة فلوكل 1845. (21) الهجويرى: كشف المحجوب، ترجمة نيكلسون، لندن سنة 1911. (22) التهانوى: كشاف اصطلاحات الفنون، كلكتة سنة 1862.

الحجاز

(23) Studies in Is-: R.A. Nicholson lamic Mysticism، سنة 1921. (24) Passion de d'al: L. Massignon Hallaj . (25) Introduction aux: T.Burchardt doctrines isoteriques de I'Islam, سنة 1955. (26) عبد الرزاق: المصطلحات: من الناحية السلالية: (27) Coutumes des: A.Jaussen Arabes au pays de Moab، الطبعة الثانية، باريس سنة 1948. (28) Surnaturel et gueri-: J. Chelhod son dans le Neguev فى Objets et Mondes، جـ 5/ 3 سنة 1965. خورشيد [شلهود J. Chelhod] الحجاز صقع فى جزيرة العرب على بحر القلزم (البحر الأحمر) ليس له حدود معينة، وإن كنا نفهم هذه الحدود من فورنا إذا تدبرنا معنى اللفظ "حجاز"، وهو يطلق فى الخطط عند العرب على جبال السراة التى تفصل المرتفعات (نجد) عن السواحل المنبسطة (تهامة). والحجاز بوصفة اسم ناحية يقتصر على ذلك القسم من الساحل الغربى الذى لا يدخل فى اليمن، أو هو - إذا تحرينا المزيد من الدقة - الأرض الممتدة على بحر القلزم من عَكْرَة إلى اللّيْث وما يناوحها. ولا تدخل نجاد عسير فى الجنوب ولا بلاد مدين القديمة وحِسْمى فى الشمال فى الحجاز بمعناه الصحيح، وإن غلب إدخالها فيه وكان الحجاز فى النظام الإدارى التركى ولاية قصبتها مكة، وقسمت هذه الولاية ثلاثة سناجق: مكة والمدينة وجدة. وهذا النظام مفيد لأنه يحدد منطقة الحجاز عينه ولو أنه لم ينفذ قط تفصيلا. وظلت النظم الإدارية والقائمون عليها موجودة على الورق فقط. على أن الباب العالى جعل سنجق المدينة متصرفية مستقلة يحكمها شيخ الحرم ومحافظ، وهو قائد الجند الترك. والحجاز قسمان مختلفان أشد الاختلاف: القسم الساحلى (تهامة) وهو منبسط ممحل حار؛ والقسم الذى

يناوحه وهو جبلى؛ أما فى تهامة؛ وتكاد تكون خالية من الزرع لعدم وجود وديان كبيرة فى هذا الجزء من جزيرة العرب، فإن منازلها على الساحل اللهم إلا مكة التى تدين بوجودها للأماكن المقدسة القائمة فيها مثل بئر زمزم. وليس فى ساحل الحجاز مرافئ جيدة بالنسبة لكثرة آكام المرجان المكتنفة له، وإنما تقوم عليه مراس أمينة على تفاوت فى ذلك، وكانت السفن الصغيرة تخلد إليها فى الأزمنة القديمة أكثر مما تفعل اليوم. وأقفرت بعض هذه المراسى الآن مثل ليوككوم Leukekome - وقد تعَّرف عليها شبرنكر فقال إنها عين الحوراء - والجار بصفة خاصة، فقد ازدهرتا وأصبحتا مدينتين هامتين لنزول الحجيج فيهما. وسكان الحجاز قلة ومعاشهم بصفة عامة على السمك. وثمت أراض خصبة فى المنطقة الجبلية المناوحة للساحل مثل ناحية المدينة البركانية وواحة الطائف الجميلة بصفة خاصة، وكانت الطائف منذ القدم مصيفًا محببًا إلى قلوب أعيان مكة لكثرة فاكهتها وطيب هوائها. أما التلال نفسها (جبل كرى شرقى مكة) فتبلغ فى الارتفاع ما بين 6000 و 6500 قدم. وأعلاها تلال الطائف (6168 قدما) وجبل رَضْوى غربى المدينة (5900 قدم). ولا تغل هذه المناطق شيئًا له قيمة اللهم إلا البلح. ولو لم يلجأ السكان إلى استيراد ما يكفيهم من أوربا ومصر والهند لما قامت هذه البلاد بأودهم، أما صادراتها فليست بذات غناء. وترجع قيمة الحجاز الحقيقية إلى البلدين المقدسين مكة والمدينة. ولهما مكانة خاصة فى العالم الإسلامى، وسنتناول هذه المكانة فى مواد خاصة. وقد ذكر جغرافيو العرب بلادًا أخرى فيها خلا المدن الساحلية والطائف التى ذكرناها آنفًا وهى: قَرْح، وخَيْبَر والمَرْوَة، والحوراء، والسُقْيا، والعويند، والجُحْفة، والعشيرة، ثمَّ ذكروا بلادًا أقل أهمية من هذه مثل بدر وخُلَيْص، وأمَج، والحِجْر والسُوَارْقية، والفُرع، والسيرة وجبلة ومهايع وحاذة. وثمت

المصادر

عدد آخر لا يستهان به من بلاد ترجع شهرتها إلى أن الإِسلام وجدها قد برئت من أن تكون أماكن للعبادات القديمة فقدسها إما لحادث تاريخى، وإما لأنه جعل منها حرما كمكة، ومن لغو القول أن نعددها هنا. ذلك أنَّه كلما وجد لها القارئ شأنًا لأسباب دينية فيمكنه أن يجد الكلام عنها فى مادتى مكة والمدينة أو المواد الخاصة. وسكان الحجاز بدو من الأعراب اللهم إلا فى المدن الكبيرة حيث اختلطت بدماءهم دماء أخرى على تفاوت فى ذلك وخاصة فى جدة وأقل منها مكة نفسها. ولأسماء القبائل العربية القديمة كثمود والأوس والخزرج فى المدينة، وقريش فى مكة، مكانها فى التاريخ، أما ثقيف وهُذَيل فما زالوا يعرفون بأنهم سكان الطائف وجنوبى الحجاز. ونذكر أيضًا بَلِىّ وجهينة وسُلَيْم وهُتَيْم وحرب. وقد فقدت شتى طرق الحجيج التى تلتقى فى مكة معظم ما كان لها من شأن لازدياد المراكب البخارية، فقد حملت هذه المراكب معظم الحجاج الذين يسافرون عن طريق جدة، وسيهجر الناس هذه الطرق أكثر وأكثر عندما تصل سكة الحديد التى تجرى الآن بين دمشق والمدينة إلى مكة (انظر Die mekkabahn: M. Hartmann في، Orient Litteraturzeintung، 1908 م، ص 1 وما بعدها) وتاريخ الحجاز هو تاريخ مكة والمدينة ومن ثمَّ نحيل القارئ على هاتين المادتين. المصادر: (1) انظر ما ذكر فى مادة جزيرة العرب عن المؤلفات الجغرافية التى كتبت فى جزيرة العرب وانظر أيضًا مصادر مادتى مكة والمدينة. (2) ونذكر من المراجع الدينية البتنونى: الرحلة الحجازية، القاهرة سنة 1329 هـ. (3) عبد المحسن: الرحلة اليمنية لصاحب الدولة حسين باشا أمير مكة، القاهرة سنة 1300 هـ. (4) Le Berceau de I'Is-: Lammens lam ص 9 وما بعدها.

+ الحجاز: مولد الإِسلام ولا يزال هو المركز الروحى لهذا الدين، وهو الجزء الشمالى الغربى لشبه جزيرة العرب. والحجاز من حيث هو المكان الذى تقوم فيه الكعبة، ومن حيث هو موطن النبى محمَّد عليه السلام، ومنزل الوحى الذى نزل عليه وقصبة الإقليم الذى كانت فيه الدولة الإِسلامية الأولى، يعد فى نظر المسلمين مثل "البلاد المقدسة" وفلسطين فى نظر اليهود والمسيحيين. والحق إن المسلمين أكثر غيرة على الحفاظ على حرمة مزاراتهم الكبرى. فالمناطق المحيطة بمكة والمدينة المنورة حرم لا يسمح بدخوله إلا للمسلمين، وما أكثر ما فرضت القيود على دخول غير المسلمين فى غير ذلك من أجزاء الحجاز. وعلى حين تتفق المراجع العربية بصفة عامة على أن الحجاز معناه "الحاجز" فإنها تختلف فى تفسير استعماله. وأشيع الآراء هو أن الحجاز هو سلسلة جبال السراة التى تفصل أسافل الغور أو تهامة على بحر القلزم عن هضاب نجد فى الداخل. وثمة رأى آخر يقول إن الحاجز يقوم بين الشام فى الشمال واليمن فى الجنوب، وقد أظهر البحث الجيولوجى الحديث بأن جبال هذين الصعقين تقوم وراء الدرع العربى الذى تنتمى إليه جبال السراة. وفكرة الحجاز من حيث هو مانع جاءت أيضًا من أن الكثير من أرضه مغطى بحَرّات التى تجعله "حجاز أسود". ومن أشهر الحرّات فى صدر الإِسلام ليلى، وواقِم، والنار، وبنو سُلَيم. ويقتضى الأمر القيام ببحث آخر لتحقيق هذه الحرات وضبط صيغ الأسماء الحديثة. وقد علم كاتب هذه المادة فى زيارة له لتبوك مثلا أن الحرات التى تقوم إلى الجنوب فيها تسمى "الرهات" (والحركات غير محققة) وعُوَيْرِض، وليست الرَحَى والعُوَيرض كما يردان كثيرًا على الخرائط. وليس ثمة اتفاق جوهرى فى تعيين الحدود الجغرافية للحجاز: ومع أن تهامة، إذا شئنا الدقة، ليست جزءًا من الحجاز فإنها كثيرًا ما تعد داخلة فيه. وقد سميت مكة فى التلال تهاميَّة،

والمدينة نصف تهامية ونصف حجازية. وفى الشرق تمتد رقعة الحجاز أحيانًا حتى فَيْد بالقرب من أجأ وسلمى، ولكن هذا تفسير مشتط، شأنه شأن التفسير الذى يجعل الحجاز يمتد شمالا فيدخل فى فلسطين. وأكثر الروايات تحديدًا عن حده الشمالى تخرج مدين وحسمى فى الأرض المناوحة لها حسمى من الحجاز. وفى الجنوب كان الحجاز فى زمن من الأزمان يساير اليمن، ولكن الذى حدث فى الأزمنة الحديثة أن عسير كانت تقوم بين الاثنين. والحجاز، كما بحث فى هذه المادة، يطابق بصفة عامة المديرية الغربية للمملكة العربية السعودية الحديثة. ويمكن تقسيم الحجاز تلبية لأغراض الوصف إلى ثلاثة أجزاء: الشمالى، والأوسط والجنوبى. والجزء الأوسط، وهو أهم الأجزاء بالنسبة لتاريخ الإِسلام، سنتناوله أولا. ويمكن القول بأن هذا الجزء الأوسط تحده من الجنوب الأراضى القائمة فى جوار الطائف ومكة وجدة وتحده من الشمال الأراضى القائمة فى جوار المدينة وينبع. ومن حافة المدينة تمتد حرة مترامية الأطراف تساير جبال السراة حوالى 300 كيلومتر حتى تكاد تبلغ مكة. وكان الطريق القديم من الطائف يسير شمالا إلى وادى "النخلة اليمانية" ثمَّ يهبط منها سائرًا تجاه مكة. وكان يقوم فى هذا الوادى "قرن المنازل" وهو الميقات الأولى للحجاج من جنوبى نجد وعمان. و"الميقات" الحالى مكان يعرف بالسيل الكبير فى الوادى نفسه. وكانت تقوم فى "النخلة الشامية" ذات عرق، وهى الميقات للحجاج القادمين من شمالى نجد والعراق مارين بدرب زبَيْدة، وهو الطريق الذى زودته زوجة هارون الرشيد بالصهاريج وغير ذلك من أسباب الراحة. وكثيرًا ما تذكر ذات عرق حدًا للحجاز فى هذا الاتجاه. ويلتف الآن طريق عام مرصوف حول الجبال من الطائف إلى مكة مباشرة، ومن ثمَّ يستطاع تفادى العقدة التى إلى الشمال. وتصب النخلتان، اللتان يكتفى اليوم بتسميتهما اليمانية والشامية، فى

وادى فاطمة (يعرف فى الزمن القديم بمر الظهران) وهو المهد الخصيب الذى يقطعه الطريق من مكة إلى جدّة. وكان المسافرون من مكة إلى المدينة، فى جميع المراحل من تاريخ الإِسلام، لهم الخيار فى سلوك طريقين: الأول يساير الساحل (الطريق أو الدرب السلطانى)، والآخر الذى يسير إلى الشرق من الحرة الكبرى (الطريق أو الدرب الشرقى) مع بعض تغييرات فى سير الرحلة كل عام. والذى حدث قبل دخول السيارات ذات المحركات أن الذين جروا على اختيار الطريق السلطانى كانوا يجاوزون جدَّة توفيرًا للوقت. وعلى مسيرة ثلاث ساعات من مكة كان يقوم المسجد الذى فيه القبر المقبب لآخر زوجات النبى - صلى الله عليه وسلم - "ميمونة" فى سِرِف حيث بنى بها الرسول - صلى الله عليه وسلم -. وكان الطريق شمالى وادى فاطمة يسير مارًا بُعسْفان مشهد غزوة الرسول لأفراد قبيلة لِحْيان. ثمَّ يقطع الطريق منطقة خُلَيْص المزورعة التى ترتد مسافة ما من الساحل. وغير بعيد وراء القَضيمة يرى بحر القلزم. وتعد رابغ ثغرًا إلا أنَّه ليس فيها ميناء بالمعنى المفهوم، وكانت السفن ترسو على مسافة بعيدة من الساحل وتبعث ببضائعها للقوارب المحلية. وكانت رابغ ميقاتا للحجاج القادمين من الشام ومصر والمغرب، ولذلك حلت محل القرية الخربة الجُحْفَة التى تقوم فى واد يبلغ البحر جنوبى رابغ مباشرة والحجاج الذين يهبطون إلى البحر الأحمر يحرمون حين تمر سفينتهم برابغ. ويقوم شمالى رابغ القبر المشهور لأم الرسول - صلى الله عليه وسلم - آمنة، فى الأبواء واسمها الآن الخُرَيْبَة. وتخرج طرق فرعية من رابغ وتسير شمالا مارة بجبال المدينة، وتهيئ أسبابًا للاتصال مباشرة وأكثر صعوبة من الطريق السلطانى الذى يستمر مسايرًا للساحل. ومن ثغر مستورة يمتد طريق بديل يعرف باسم "الملف" وهو ينثنى إلى الداخل، ولكن الطريق الرئيسى لا يفعل ذلك حتى يبلغ بدر حنين حيث أذل الرسول - صلى الله عليه وسلم - قريشًا فى ساحة القتال. أما الطريق من ينبع التى حلت محل الجار باعتبارها الثغر

الرئيسى للمدينة، فإنَّه سيتصل بالطريق الآتى من الجنوب عند بدر، وهنالك يعتلى الطريق السلطانى وادى الصفراء تجاه المدينة. وفى هذا الوادى أحرز عبد الله بن سعود صاحب نجد نصرًا مشهودًا على أحمد طوسون وجيشه القادم من مصر سنة 1226 هـ (1811 م) ويربط الآن شارع عام مرصوف بالأسفلت مكة والمدينة ومارًا بجدة ورابغ وبدر، ومن ثمَّ أصبح من الأسهل والأسرع ألا يتخذ المرء الطرق المباشرة المارة بعسفان والممرات الجبلية القائمة أقصى من ذلك شمالا. والمجرى المألوف للطريق الشرقى يسير شمالا هابطًا عقيق ذات عِرقْ. وهو يمر فى بعض الأحيان بالواحتين القديمتين الحاذة وصُفَيْنَة على الحافة الشرقية للحرة، ويمر فى أحيان أخرى إلى الشرق منهما بقليل. أما واحة "السُوَارقية" (حديثًا "السويرقية") التى تقوم أيضًا على الحافة الشرقية للحرة، فهى تقوم بعيدًا عن الطريق. وشمالى المنجم الحديث مهد الذهب، وهو مهجور الآن، يمضى الطريق الشرقى مسافة أسفل واد آخر يعرف باسم العقيق جنوبى شرق المدينة، وهو مختلف عن الوادى المبارك، وادى العقيق غربى المدينة. وينشعب الطريق الرئيسى من المدينة إلى نجد بعيد واحة "الحَناكِيّة"، فيستمر فرع مشرّقًا إلى القاسم، ويتجه الآخر شمالا إلى حائل. أما الطريق الرئيسى المشرّق من مكة (درب الحجاز) فهو يسير الآن من السيل الكبير مارًا بالقاعية والدوادمى إلى الرياض، حالا محلَ طريق الحجج القديم المار بالقنصلية والقُوَيْعِيَّة. والقسم الشمالى من الحجاز يمكن اعتباره امتدادا إلى الحد بين العربية السعودية والأردن، وهو يخرج من نقطة جنوبى القصبة ويعبر سلسلة جبال الطُبَيق. ومن الثغور الصغيرة نذكر حَقْل، ومَقْنَى على خليج العقبة، والمُوَيْلح، وضَبَى، والوجه، وأمْلَج (ورسَمها غير محقق) على البحر الأحمر. ويخرج من الوجه دروب تقطع الجبال لتلتقى بالطريق الداخلى العام عند العلا أو بالقرب منها.

وفى القرن الماضى كانت الحركة التجارية فى الجزء الشمالى من الحجاز على أشدها فى الطرق الممتدة شرقى السراة، وأولها طريق الحجاج الشامى القديم الذى كان يمر بتبوك والعُلا ثمَّ طريق سكة حديد الحجاز التى كانت تساير فى معظم الأماكن طريق الحجاج مسايرة دقيقة. وقد تخربت السكة الحديدية فى الحرب العالمية الأولى، ولم تبدأ إعادة إنشائها إلا سنة 1383 هـ (1964). وفى هذه الأثناء أقيم طريق عام مرصوف شمالا من المدينة إلى تبوك والحد الأردنى. ويمر هذا الطريق العام بخيبر وتيماء اللتين تقومان على مسافة كبيرة شرقى طريق الحجاج والسكة الحديدية. والجزء الجنوبى من الحجاز فيه جبال أكثر ارتفاعًا، ومطرًا أشد، وزراعة أكثف من الجزءين. وثمة طريق يسير موزايًا الساحل من جدة مارًا بثغور الليث، والقنفذة وحلى (حلى بن يعقوب) إلى القَحْمَة وهى تعد الآن بداية تهامة عسير. والأجزاء السفلى من الوديان التى تصب فى تجاه البحر تهيئ للزراعة مناطق طيبة. وثمة طريق هضبى من الطائف ويؤدى إلى واحة الخُرْمَة على الجانب الأقصى لسلسلة جبال حضن (كثيرًا ما تذكر هذه الجبال على اعتبار أنها حد الحجاز فى هذه الأنحاء). وهناك طريق هضبى آخر يربط الطائف بتُرَبَة (بضم التاء وفتحها)، وهو يمتد أيضًا على الجانب الآخر من حضن؛ وطريق ثالث يتخذ مسيرًا مباشرًا أكثر إلى بيشة التى تقوم وراءها "تثليث" على الطرف الجنوبى الشرقى للحجاز. والمسافرون المشرّقون يتخذون دروبا من مناطق الحدود إلى الرياض، ووادى دَوَاسِر وغير ذلك من الأماكن فى نجد. وفى الهضاب تتركز الزراعة فى الواحات الشرقية وعلى طول قنة السراة. وقد بينا فى خريطة مادة القبائل الكبرى فى الحجاز أيام الرسول عليه السلام، علاوة على قريش فى مكة والأوس والخزرج فى المدينة. وهذه القبائل الثلاث قد اختفت منذ زمن طويل من الحجاز من حيث هى مجموعات قبلية هامة، واندمج أفرادها فى الجماعات الإِسلامية الأوسع منها.

وقد أصبح سكان مكة والمدينة وجدة من جميع الأجناس، وكثير من غير العرب يسكنونها، وتأخذ أهمية الارتباطات القبلية فى الانحسار. وقد ظلت بقايا متناثرة من قريش فى الحجاز، ومعظمها قبائل أو عشائر صغيرة تزعم أن نسبها يرتفع إلى النبى عليه السلام، واصطنع بعضها الحياة البدوية. وكانت قريش أم السلاطين والدول، منها خرج الخلفاء الراشدون، وعبد الله بن الزبير، والأمويون، والعباسيون، وعدد من بيوت الحكم الصغرى فى الحجاز نفسها، وأبرز هؤلاء القرشيين الهاشمية بمكة .. ومن أخلاف قريش الآخرين البارزين فى الحجاز بنو شيبة سدنة الكعبة الوراثيين. ولم يرد فى هذه الخريطة أيضًا ذكر للقبائل اليهودية الثلاث فى منطقة المدينة وهى بنو قَيْنُقاع وبنو قُرَيْظَة، وبنو النَضيِر، وقد اندثرت هذه القبائل جميعًا ولم يعد لها أى أثر. ومن الجزء الأوسط للحجاز نجد أن قبيلتى سُلَيْم وهلال، وهى فرع من هوازن، قد اشتركتا فى هجرة البدو الحاشدة إلى مصر ومنها إلى المغرب فى القرن الخامس الهجرى (الحادى عشر الميلادى). وقد حلت محلهما حرب وهى القبيلة الغالبة فى المنطقة القائمة بين مكة والمدينة. ولا تزال توجد فى جوار مكة والطائف أربع قبائل قديمة هى: هُذَيْل التى خرج من بين صفوفها طائفة من الشعراء؛ وثقيف، وهم سادة الطائف الأولين؛ وفَهْم، قبيلة قاطع الطريق تأبط شرَّا؛ وسعد بن بكر، وهى القبيلة التى روى أنها هى التى نشَّأت محمدًا - صلى الله عليه وسلم - حين كان فى حضن حليمة ومن القبائل الأحدث قبيلة الجحادلة التى تسكن على طول الساحل جنوبى جدة، وقبيلة عدوان فى الجبال القائمة جنوبى الطائف، وقد لعب شيخها عثمان المضائفى دورا هاما فى الصراع الذى نشب بين شريف مكة غالب وبيت سعود ومحمد على والى مصر فى مستهل القرن الثالث عشر الهجرى (التاسع عشر الميلادى).

وفى الجزء الشمالى من الحجاز اختفت قبيلتا عُذرْةَ وجُذام وقد احتلت منازلهما الآن بصفة عامة الحُوَيْطات تجاه الساحل وبنو عطية فى الداخل. أما فزارة وسعد هُذيَم فقد انفرط عقدهما، ولكن بَلىِ وجهينة فى الهضاب بقيتا زاهرتين تعتمد الأولى على الوجه والثانية على ينبع. وأما القبائل التى ظهرت على الخريطة منسوبة إلى الجزء الجنوبى من الحجاز فقد درست وحلت محلها الأحلاف الكبرى لزهران وغامد فى الهضاب وعدد آخر من القبائل فى جوارها وفى تهامة. وتحتل مناطق الحدود بين الحجاز ونجد عناصر من القبائل الحديثة، قبائل مُطَيرْ؛ وعُتَيْبَة، والبُقوم، وسُبَيْع وقد حلت هذه القبائل محل بعض الجماعات القبلية القديمة مثل غطفان وهوازن. وتقوم فى الجنوب الأقصى القبيلة التى تحمل الاسم العتيق قحطان. ولما كان تاريخ الحجاز مرتبطا أوثق الارتباط بتاريخ مكة والمدينة وغيرها من الأماكن الكثيرة والقبائل المختلفة التى اسلفنا الإشارة إليها، فإننا لا نعود إلى التحدث عنها فى هذا المقام. وحسبنا أن نذكر أن الحجاز كان من أقدم الأزمان الاسم الرسمى لدولة مستقلة وظل هذا شأنه إلى أقل من عشر سنوات مضت فى عهد الملك حسين بن على من سنة 1334 هـ (1916 م) إلى سنة 1343 هـ (1924 م) وهنالك أصبح الحجاز بأسره منذ سنة 1344 (1925 م) من أملاك البيت السعودى. والحجاز فى غالب أزمانه أرض فقيرة؛ وهو الآن من جميع الوجوه مقبل على أوقات أزهى وأكثر إشراقا. والقبائل السلابة التى جعلت الحج بالبر طوال عدة قرون أمرا محفوفا بالمخاطر، قد كبح جماحها الآن، ووضع حد للنزاع المتصل بين بعضها وبعض، وقد أدخلت على البلاد إصلاحات بارزة فى المواصلات برا وبحرا وجوا، وعقدت بينها وبين العالم الخارجى صلات أوثق. وأتاح الرقى بالتعليم والصحة العامة وغير ذلك من الميادين، لكثير من

المصادر

السكان حياة أيسر. وقد خلّصت الموارد التى تجنيها الحكومة العربية السعودية من صناعة البترول الحجاز من اعتماده السابق على معونة المسلمين التى كانت تأتيه من خارج البلاد. المصادر: (1) انظر مصادر مواد "العرب، جزيرة" و"مكة" و"المدينة" (2) وتخطيط أرض الحجاز قد رصد فى دقة كبيرة على الخرائط التفصيلية (مقياس الرسم: 500,00001) التى نشرتها المساحة الجيولوجية للولايات المتحدة. وقد ذكرت أسماء القبائل بالحروف العربية واللاتينية، ولكن مقياس الدقة بالنسبة لهذه الأسماء لا يرتفع إلى مستوى التخطيط، والمناطق التى تناولناها فى هذه المادة تشملها الخرائط الجغرافية 1 - 200 ب، 1 - 204 ب، 1 - 205 ب، و 1 - 210 ب، 1 - 211 ب، 1 - 216 ب، 1 - 217 ب فى السلاسل التى عنوانها " Miscellaneous Geologic Investigations"، وهناك خرائط جيولوجية خاصة بالمطلوب. والمعلومات الواردة فى الخرائط التى مقياس رسمها 1: 500,000 قد لخصت فى خريطة عن شبه جزيرة العرب مقياس رسمها 1: 2,000,000) أصدرت بالإنكليزية والعربية على يد USGS (الطبعة الثانية سنة 1963). خورشيد [رنتز G.Rentz] + " الحجاز، سكة حديد": واحد من المشروعين الكبيرين للسكة الحديدية فى عهد عبد الحميد الثانى (الآخر هو سكة حديد بغداد)؛ وكان الغرض الظاهر من إنشاء سكة حديد الحجاز تيسير الحج بإقامة سكة حديدية بين دمشق ومكة والمدينة، وقد استغل إنشاؤها لتأييد سياسيات الجامعة الإِسلامية والدعوة للسلطان. وقد حققت غرضًا آخر أدخل فى الاستراتيجية العملية والأهداف العسكرية وهو نقل الجنود إلى ولايات الدولة العثمانية التى كثيرًا ما كان يثور فيها الشغب والاضطرابات ومن ثمَّ يمكن الهيمنة عليها هيمنة فعالة؛ وقد استمر التفكير فى هذا المشروع أمدًا طويلا. وفى مايو سنة 1900 أصدر

السلطان "إرادة" شاهانية بإنشاء لجنتى إشراف لجنة فى إستانبول برئاسة عزت باشا وهو دمشقى كان رجلا من رجالات البلاط، ولجنة أخرى تنفيذية فى دمشق برياسة والى الشام. وفى هذه الأثناء تبرع عبد الحميد بمبلغ 50,000 جنيه تركى ولجأ إلى جميع المسلمين فى أنحاء المعمورة للمساهمة فى تنفيذ هذا المشروع؛ ولكن لم تكن جميع التبرعات اختيارية، فقد أمر عمال الدولة العثمانية العسكريين والمدنيين بالإسهام بجزء من رواتبهم كما فرضت تمغة خاصة على جميع الطبقات والملل. وقد حققت الموازنة بصفة عامة فائضًا، ولم يعان المشروع قط عجزا في تمويله. ودخل فى المشروع خط فرعى من درعة إلى حيفا، وأعطى امتيازه إلى بيت تجارى انكليزى سنة 1890، ولكن هذا البيت عجز عن إتمام المشروع. وقد اشترت وكالة الحجاز الأميال القليلة التى مدها فعلا هذا البيت التجارى من الخط كما اشترت أدوات التشييد، وأعدت أيضًا خطة فرعين آخرين، أحدهما من الزرقاء إلى مناجم الفوسفات القائمة قرب الصلت والآخر من معان إلى العقبة (وقد تخلى عن هذا الخط من بعد سنة 1905 نتيجة للنزاع الذى قام على الحدود بين مصر وتركية). وفى سنة 1901 استغنى عن خدمات لابلا La Bella المهندس الإيطالى الذى وكلت إليه فى الأصل أعمال التشييد، وحل محله المهندس الألمانى ميسر Meissner وتحت إرشاده تمت أعمال التشييد، ولو أنَّه لم يستخدم فيما وراء العُلا إلا مهندسين مسلمين. وقد مسح الخط بين دمشق والمدينة على يد مختار بك وهو مهندس تركى، وقد تتبع هذا الخط بصفة عامة طريق الحجاج والقوافل القديم، ولم يحد عنه إلا فى بعض الأحيان لتحاشى التلال والأرض غير الصالحة. وإنشاء هذا الخط فى صقع يكاد يخلو من الماء قد وصفه وصفًا حيا لورنس (- T. E. Law Seven Pillars of Wisdom: rence) فقال عنه إنه منطقة "الشموس الحاشدة" و"الرياح الوبيئة" حيث تكون هجمات الزحار لعنة ملحة، وهذا هو العمل الخطير. وكان التزود بالماء هو أكبر

عقبة، وقد أمكن التغلب على بعضها بحفر آبار وإدارتها بمضخات بخارية أو طواحين هواء أو يحمل الماء فى صهاريج السكة الحديدية. وقد قامت عقبات هندسية كبيرة واجهها القائمون على المشروع قرب عَمّان بمنحدراتها الوعرة (حيث لا مناص من أن يرفع القطار وهو يصعد إلى كسر فى قطاعين) وقرب العقبة الحجازية حيث يبلغ الخط ارتفاعا يربى على 3,700 قدم فوق مستوى البحر ثمَّ يهبط بعد ذلك مباشرة فى ثنيات حادة ببطن الجبل الوعر المعروف ببطن الغول. وقد أمكن التشييد باستخدام الجنود، فقد استعين فى ذلك بثلاث سرايا من الجنود النظامين وسريتين أدخلا فى الخدمة بالقرعة، فبلغ عدد هذه السريات 5650 جنديا منحوا علاوة خاصة نظير عملهم. وانحصر عمل هؤلاء الجنود فى القيام بدور الفعلة فى السكة الحديد ومد الطريق الدائم على حين وكل العمل الأصعب مثل إنشاء الجسور ومبانى المحطات والمصارف والأنفاق إلى الإيطاليين واليونان وأهل الجبل الأسود. وبلغت نقطة تموين المنشآت الحديدية الزرقاء (203 كيلو مترات من دمشق) سنة 1902، وقطرانة (326 كيلو مترا) سنة 1903، ومعان (459 كيلو مترا) سنة 1904، وذات الحج (610 كيلو مترات) سنة 1906، والعُلا (933 كيلو مترا) سنة 1907، والمدينة (1320 كيلو مترا) سنة 1908. وقد تم قطاع درعة حيفا (106 كيلو مترًا) سنة 1905. وبلغت تكاليف السكة الحديدية حوال 4,000,000 جنيه إنكليزى بما فى ذلك ثمن العربات والقطر وغير ذلك من المتحركات التى تسير على القضبان وإنشاء المبانى اللازمة (تقارير القناصل). وبين سنتى 1904 و 1917 مد قطاع درعة حيفا إلى بُصْرى، وأضيف إلى ذلك فروع من عكا إلى بلد الشيخ (17 كليو مترا) ومن عَفولة إلى اللد (100 كيلو متر)، ومن وادى السور إلى العوجاء (155 كيلو مترًا)، ومن التين إلى بيت هَنُم (39 كيلو مترًا، Syria and Pal-: Foreign Office Handbook

estine، لندن سنة 1920، ص 69). ومد الخط الرئيسى (دمشق - المدينة، ودرعة - حيفا) بمعدل 182 كيلو مترًا سنويا فى المتوسط، وهى سرعة فى التقدم لم يبلغها مد سكة حديد الأناضول نفسها، وكان هذا أسرع ما حدث فى تاريخ خطوط السكة الحديدية العثمانية. وقد اشتريت كل الأدوات اللازمة للمشروع من الخارج فيما عدا بعض عربات صنعت فى دار الصنعة البحرية. ووردت البيوت التجارية البلجيكية والألمانية والأمريكية القضبان والعوارض الخشبية، واقتصر توريد المتحركات على البيوت التجارية البلجيكية والألمانية فحسب. وقد حدد طول القطر بصفة عامة بمقدار ما تستطيع القاطرة البخارية ان تجر على المنحدرات الوعرة لوديان عَمّان واليرموك، وكانت تستخدم فى الأصل الكماحات اليدوية ولكن طريقة هاردى الخاصة بالكماحات الذاتية استخدمت (تقارير القناصل) وكانت مسافة الاتساع 1,05 مترا ولم يكن مقدار حمولة السكة الحديد كبيرة قط، وكانت تنقص كثيرًا بمقدار الحاجة إلى حمل زاد من الخشب (كان الفحم يستخدم وقودا فى الأصل) والماء فى كل قطار. وقد قامت مشكلة إضافية هى أن أنابيب الغلى كانت تتلف فى كثير من الأحوال بفعل المعادن التى تحتويها مياه الصحراء. ونشأ عن هذا سنة 1914 ما جاء فى التقارير من أن خمس عشرة قاطرة بخارية فحسب كانت هى الصالحة للاستعمال (- Admiralty Hand Arabia: book، لندن سنة 1917، جـ 2، ص 37 - 41). ولم يكن يستخدم السكة الحديدية من الحجاج إلا نسبة صغيرة بلغت نحوا من 16,000 حاج فى السنة، والأغلب الأعم منهم كانوا من الشآميين والأكراد، ذلك أن معظم حركة الحجاج كانت تمر بجدة، وكان السفر من دمشق إلى المدينة يستغرق 62 ساعة، بسرعة تبلغ فى المتوسط 23 كيلو مترا فى الساعة. وكانت الدرجة الثالثة تكلف 3,10 جنيها إنكليزيا للمسافر (تقارير القناصل) وكانت المحطات الكبرى هى دمشق، ودرعة، وحيفا، وقطرانة، ومعان، وتبوك، وقلعة

العَظَّم، ومدائن صالح، والعلا، وهدية والمدينة. وكان يفصل بين المحطات فى العادة حوالى عشرين كيلو مترا وكانت تستخدم قلاعا للحراسة، لحماية الخط الحديدى من غارات البدو المتصلة. وقد بلغت الغارات سنة 1908 مائة وثمان وعشرين غارة. وكان البدو يقطعون أسلاك البرق ويخرجون القضبان ويتلفون مبانى المحطات. فقد كانت السكة الحديدية "ذلك الشئ الفرنجى النجس" كما كانوا يسمونه، تهدد مصالحهم التقليدية فى نقل الحجاج الذى كان مشتركا فيه الشريف الأكبر ووالى الحجاز (التقارير القنصلية). وقد أوقف امتداد السكة الحديدية عداوتهم المشتركة وثورة تركيا الفتاة والحرب بين الأتراك والطليان، ولم يستطع تنفيذ خطة مد السكة الحديدية إلى مكة، وركنت على الرف للأسباب نفسها الخطة التى كانت ترمى إلى مد خط بين جدة ومكة والذى تم مسحه سنة 1911. وسكة حديد الحجاز "قد خيبت الآمال السياسية للذين خططوا لها". فقد كانت أبعد ما تكون عن أن تصبح "العمود الفقرى للأملاك العثمانية فى جزيرة العرب" وإنما حددت أقصى تخمها الشرقى. وكانت هذه السكة باهظة التكاليف فى إنشائها وعسيرة فى المحافظة عليها، ومن ثمَّ يصعب علينا أن نقول إنها أسهمت فى النهوض الاقتصادى بشبه الجزيرة أو فى زيادة السكان على مجراها أية زيادة ذات شأن (Arabia: Foreign Office Handbook, لندن سنة 1920، ص 26). على أنَّه ثبت أنها أصبحت نعمة عظيمة على حيفا وتطورها، ذلك أن حيفا كانت قبل إنشاء خط درعة حيفا، ميناء صغيرًا أخملته منافسة يافا. وبافتتاح هذا الخط نمت حيفا نموا مطردا، وحولت عن بيروت تصدير حبوب حوران وتجارة الوارد على دمشق وجزيرة العرب. وقد بلغت جملة صادرات حيفا سنة 1907: 270,000 جنيه إنكليزى، وفى سنة 1912 زاد هذا المبلغ إلى 340,000 جنيه إنكليزى؛ وبلغت جملة واردات حيفا سنة 1907، ويستثنى من ذلك أدوات السكة الحديدية: 240,000

جنيه إنكليزى، ونمت سنة 1912 فأصبحت 375,100 جنيه إنكليزى (Syria including: Admiralty Handbook Palestine، لندن سنة 1919، ص 304، 492). وكانت السكة الحديدية كلها تعمل حتى الحرب العالمية الأولى، وهنالك نجح لورانس فى تدمير أجزاء من القطاع الواصل بين معان والمدينة وظل من وقتها متوقفًا بلا عمل. وانتقلت ملكية السكة الحديدية بعد الحرب إلى أملاك الدولة العثمانية التى تمر فيها، فكانت الشام تملك القطاع ما بين دمشق ودرعة، وسمخ؛ وفلسطين تملك قطاع حيفا - سمخ؛ وشرقى الأردن قطاع درعة - معان، والعربية السعودية قطاعى معان المدينة (وقد تأيد هذا بقرار التحكيم الصادر فى 18 أبريل سنة 1925 على يد الأستاذ السويسرى أ. أوجين بورل E. Eugene Borel الذى عينته هيئة الأمم). وقد بذلت بريطانيا وفرنسا، وهما دولتا الانتداب، جهودا بين سنتى 1923 - 1939 لإعادة قطاع معان المدينة إلى العمل (كانت القطاعات الأخرى تعمل بالفعل) ولكن هذه الجهود خابت لإصرار ابن سعود على النظر إلى السكة الحديدية نظرته إلى "وقف" وبذلك طالب بامتلاك الخط كله باسم المسلمين. ولما نوقشت المسألة فى يناير سنة 1923 فى مؤتمر لوزان، أرادت بريطانيا وفرنسا أن تعترفا بالصفة الدينية للسكة الحديدية فأعلنتا استعدادهما إلى تأليف هيئة إسلامية استشارية تمثل الدول الأربع، وتوصى بما تراه فى شأن المحافظة على السكة الحديدية والنهوض بظروف الحج. وفى 6 أغسطس سنة 1928 عقد مؤتمر فى حيفا لمعالجة مشكلة إعادة قطاع معان المدينة إلى العمل، ولكنه فشل لأنَّ ابن سعود طالب بملكية تلك الأجزاء من القطاع التى تمر بالدول الخاضعة للانتداب تمهيدا لافتتاح هذا القطاع. وفى نوفمبر سنة 1928 تلقت اللجنة الدائمة للانتداب عرائض من بعض مسلمى الشام وشرقى الأردن يلتمسون فيها إحالة الإشراف الكامل على السكة الحديدية وتشغيلها إلى لجنة إسلامية (- League of Nations Per manent Mandates Commission, Minutes

المصادر

of the Fifteenth session, ص 189، 190، 262، 279 - 280). ورفض هذا الملتمس وتناول المؤتمر الإِسلامى الذى عقد فى بيت المقدس سنة 1931 هذه القضية وكرر الطلب الذى طالبت به العرائض السابقة. وفى هذه الأثناء عدل ابن سعود موقفه السابق وأظهر عزمه على مناقشة المسائل الفنية الخاصة بإعادة فتح السكة الحديدية من غير أن يتشدد فى مطالبته بملكيتها مع احتفاظه بحقوقه فى ذلك. وفى سنة 1938 رغبت الحكومة البريطانية فى كسب ثقة ابن سعود بالنسبة للموقف الذى كان قائما فى فلسطين، وأبدت استعدادها فى الإسهام فى نفقات الإصلاحات المراد إدخالها على هذا القطاع المار فى أملاكه واقترحت عقد مؤتمر فى السنة التالية. وأدى نشوب الحرب العالمية الثانية إلى وضع هذا المشروع على الرف. وقد أعيد تشييد القطاع الذى بين معان والمدينة سنة 1966 بعقد أبرم مع البيوت التجارية البريطانية. المصادر: (1) يوجد بيان مفصل بهذه السكة الحديدية فى تقارير القناصل المحفوظة Public Record Office، لندن" وزارة الخارجية، 78، 195، 368، 371، 424. (2) Hedschasbhn: Auler pasha، كوتا سنة 1906. (3) Die Hedschasbaln ihr: H. Guthe Damaskus nach Medina: Bau ihre von Bedeutuug، ليبسك. (Eduard Gaeblers Geographisches Institut) من غير تاريخ. (4) The History of the: Muhammad Inshaullah Hamida Hedjaz Railway project (بالأوردية والعربية والإنكليزية) لاهور سنة 1908. (5) عثمان نورى: عبد الحميد ثانى ودور سلطنتى، إستانبول سنة 1327 هـ = 1911 م، ص 718 - 723. (6) سعيد باشا: سعيد باشا نك خاطراتى، إستانبول سنة 1328 هـ = 1912، جـ 2، ص 376 - 379. (7) Times، الفهرس هذه المادة. خورشيد [زيدى Z. H.Zaidi]

الحج

الحج (*) " الحج: إلى مكة وعرفات ومنى هو آخر ركن من أركان الإِسلام الخمسة. 1 - الحج فى الإِسلام (1) الرحلة إلى مكة: فرض الشرع الحج على كل مسلم ومسلمة يؤديه مرة فى العمر على الأقل ما دام قادرًا عليه (سورة آل عمران، الآية 97)، ووفاء الشرط الأخير رهين عدة ظروف، فالمجانين والأرقاء معفون من أداء هذا الفرض وكذلك النساء اللواتى ليس لهن من أزواجهن أو ذوى محارمهن من يصحبهن، ويسقط فرض الحج أيضًا عند عدم تيسر الزاد أو توفر دواب الحمل وغيرها من المواصلات أو أمن الطريق (1) ثمَّ إن المذهب الشافعى يجيز لأتباعه إرجاء الحج إلى ما بعد الوفاة على أن يقوم عنهم فى أداء هذا الفرض نائب يستأجر من مال المتوفى، ويفسر لنا هذا كيف أن معظم المسلمين تدركهم الوفاة دون أن يروا مكة على الإطلاق. ومن الخلفاء والسلاطين أنفسهم كثيرون يظلون فى ديارهم طيلة حياتهم، فى حين يؤدى بعضهم الفريضة عدة مرات (2). وقد أخذ محمَّد [- صلى الله عليه وسلم -] بالسنة القمرية من غير قيد ولا شرط، ومن ثمَّ فإن الحج يحين فى وقته فى جميع فصول السنة، ذلك أنَّه قد حددت له أيام بذاتها فى النصف الأول من ذى الحجة (3) فإذا حل صيفا فإن مشاق الرحلة تكون أشد قسوة على كثير من الحجاج، ومن هنا روى أن النبى [- صلى الله عليه وسلم -] قال: "السفر قطعة من العذاب" (سنن ابن ماجة، باب الخروج إلى الحج)، وأكثر الحجاج تجشما للمشاق هم أولئك الذين يقصدون مكة برًا راجلين أو على ظهور الخيل، على أن تسيير البواخر بين جدة والبلاد الإِسلامية لخدمة الحجاج خاصة، وإنشاء سكة حديد الحجاز كان لهما أثر ظاهر فى الإقلال من عدد الحجاج الذين يقصدون مكة برًا، وإنما بقيت قوافل الحجاج بدافع التمسك ¬

_ (*) توجد تعليقات على هذه المادة تليها مباشرة.

بالسنن الدينية القديمة (4) وإنا لنسوق فى هذا المقال ما يلى: تسلك القافلة الشآمية الطريق التجارى القديم من دمشق أو الآستانة مخترقة ما وراء الأردن، وهى موآب القديمة مارة بمعان فمدائن صالح فالمدينة، وهى أكبر القوافل (وقد قدر G.M. Doughty عدد أفراد القافلة بنحو ستة آلاف عام 1876) ويصحب القافلة محمل وقد أقيمت معاقل فى المحطات يجد فيها الحاج طعامًا مهيئًا وشرابًا منعشًا، ويقول بوركارت (Travels: Burckhardt جـ 2، ص 3) إن الرحلة من دمشق إلى المدينة تستغرق ثلاثين يومًا. ويصحب القافلة المصرية أيضًا محمل معه الكسوة الجديدة للكعبة. ويقول لين (Manners and Cus-: Lane toms، لندن 1899، ص 493) إن هذه القافلة تخرج من القاهرة عادة فى الأسبوع الأخير من شوال، وتبلغ مكة بعد 37 يومًا، سالكة الطريق المساير للساحل. وكان ثمة طريق محبب إلى قلوب حجاج مصر والمغرب يبدأ من القاهرة أو إحدى المدن الأخرى الشمالية وينتهى بمرفأ من مرافئ البحر الأحمر تجاه جدة (انظر رحلة ابن جبير، والرحلة الحجازية للبتنونى، ص 27 وما بعدها). وتخرج قافلة من العراق مخترقة جزيرة العرب، ويذكر بوركارت (الذيلين الأول والثانى لرحلاته Travels محطات هذه القافلة من اليمن، كما يذكر أيضا ملاحظات جغرافية أخرى. على أن غالبية حجاج بلاد المغرب وفارس واليمن يفدون بطريق البحر، ومن باب أولى أولئك الذين يفدون من بلاد أقصى من هذه. وتتألف هذه القوافل من أناس شتى يختلفون بعضهم عن البعض كل الاختلاف فهى تضم الأمراء والفقراء والتجار ببضائعهم، والبدو راجلين أو ممتطين ظهور الخيل، ويجمع بينهم فى العادة وطن واحد. فيسافر أهل البلد الواحد معًا. ويتفق معظم الحجاج مع مقوّم يدبر لهم كل ما

يحتاجون إليه فى رحلتهم نظير أجر معلوم. وقد كان خطر اضطراب الأمن فى يعض الأزمنة من مساوئ الحج، فكان من يستسلم من الحجاج للنهب ينجو بحياته فى الغالب، أما من أبى منهم التسليم، فلم يكن ينجو من الهلاك فى جميع الأحوال وأخيرًا لم تجد السلطات المكية بدأ من الاتفاق مع الشيوخ الذين تمر القوافل بديارهم على تأمين الطرق ومن ثمَّ أتيح للحجاج أن يرحلوا آمنين، وأجبرت هذه السلطات على دفع مبالغ من المال يسمى صرة لقاء ذلك (5)، وفى تاريخ الحج أناس آخرون من ذوى السلطان كانوا يعترضون سبيل الحجاج، كالقرامطة، والسلطات المصرية، والقرصان وبعض الوهابيين (6) *. ووصول القافلتين الشآمية والمصرية بالمحملين هو دائمًا حادث عظيم عند أهل مكة، فهم يحتفلون بمقدمهما، وتضرب القافلتان خيامهما فى أماكن معينة خارج المدينة نفسها (انطر خطة المدينة فى كتاب مكة لمؤلفه C. Sonouk- Hurgronje وإنما تصل القافلتان فى العادة قبل الحج بأيام قلائل. أما الحجاج الذين يفدون عن طريق جدة فيكاد عددهم يكون معروفًا، ذلك أن اللجنة الدولية الصحية قد أقامت فى جده مركزًا للحجر الصحى، فقد فرض على كل حاج أن يدفع مبلغًا من المال، نظير ما تقوم به من رقابة صحية، ومن ثمَّ فإن عدد القادمين يمكن معرفته على التحقيق، ونجد أن عدد القادمين فى السنوات الأخيرة قد تفاوت بين 36,000 و 108,000 شخص وهم فى المتوسط 70,000، ولو قدر لبوركارت أن يصحب الحجاج الآن مرة أخرى لما استطاع أن يكرر ملاحظته التى ذكرها عام 1814 (Travels جـ 2، ص 1) عن عدد الحجاج وعن غيرة المسلمين على دينهم. ويصل معظم الحجاج قبيل الحج، ¬

_ (*) يوجد رد على هذه المزاعم فى التعليقات اللاحقة بهذه المادة.

على أن عددًا كبيرًا منه يقضى شهر رمضان نفسه فى مكة المكرمة والمعتقد أنهم يثابون على ذلك خاصة. ويزداد عدد الحجاج عادة إذا كان من المتوقع أن يحل يوم الحج الأكبر (9 من ذى الحجة) يوم الجمعة، ومما تجب الإشارة إليه أيضا أن بعض الشيعة يشتركون فى الحج، ولكن الرحالة يذكرون أن بعض شيعة على لا يقضون دائما أيام سلام فى المدينة المقدسة، وقد زودنا قاسم زادة ببيانات طريفة عن حج الشيعة (انظر Relation: Kasem Zadeh d' un pelerinage a la Mecque فى Revue du monde Musulman جـ 19، سنة 1912، ص 144 وما بعدها) ونشر هذا البحث أيضًا منفصلا. (ب) الوصول إلى مكة: تؤدى المناسك بما يناسبها من قدسية، ولذلك يحض الشرع الحاج على الإحرام بمجرد خروجه من بلده (7)، ولما كان ذلك غير مستطاع فى معظم الأحوال، فقد جرى الحجاج على الإحرام عند اقترابهم من الأرض المقدسة، إذ يجب أن يدخل الحاج مكة وهو محرم ثمَّ يؤدى العمرة، والحجاج كلهم أو يكادون يقومون بهذه الشعيرة، كما يؤدون غيرها من المناسك يصحبهم دليل (شيخ مطوف) ينطق فى كل مناسبة بالأدعية المقررة لها فيرددها المسترشدون به (8)، كذلك يقوم هؤلاء الأدلاء بكافة ما يحتاج إليه الحجاج، ذلك أنهم لجهلهم اللغة وعادات أهل البلاد وغير ذلك لا يستطيعون أن يفعلوا شيئًا تقريبًا بدون هؤلاء الأدلاء. فإذا أتم الحاج الطواف سبعا حول الكعبة والسعى سبعا بين الصفا والمروة قص شعره وتحلل من إحرامه إلى أن يبدأ الحج نفسه، غير أنه إذا كان قد أحرم للعمرة والحج (قران) فلا يجوز له ذلك. (جـ) مناسك الحج: جرت العادة بأن تلقى فى مسجد الكعبة فى اليوم السابع من ذى الحجة خطبة تهيئ الحجاج لتأدية مناسك الحج، ويبرح الحجاج مكة فى مساء اليوم نفسه أو صباح اليوم التالى، ويطلق على اليوم

الثامن من ذى الحجة يوم التروية، ذلك أن الحجاج، فى قول بعيد الاحتمال يتزودون فى هذا اليوم بالماء للأيام المقبلة، ويجتمع المحملان خارج المدينة ويتقدمان الركب، ويتبعهما حشد مختلط كثيف من أناس تباينت أجناسهم راجلين أو محمولين فى محفات أو راكبين الحمير أو ممتطين صهوات الخيل يتدافعون ويتنازعون دائما، ثمَّ يصلون إلى سهل عرفات فيقفون الوقوف، ويبلغون هذا السهل عن طريق مِنى (وينطبق بها اليوم عادة مُنى، وتسمى أيضا الجمع والمشعر الحرام) والمزدلفة. وقد جرى ممثلو الخليفة على إقامة علم فى هذا السهل حل محله المحمل الآن. ويصف الرحالة المحدثون اكتظاظ الوادى بالحجيج اكتظاظًا، ويتفق وصفهم فى معظم سماته مما ذكره الكتاب الأقدمون عن الأسواق التى كان يعقدها العرب الأولون. فالخيام والمظال (انظر Bilder aus: C. Snock Hurgronje Mekka رقم 13 - 16 وكذلك 10 - 12) فى كل مكان ويعرض التجار العديدون سلعهم فى المظال كما يعرضونها فى الأسواق، ويقوم البعض بتسلية الجموع بما أوتوا من مهارة (9) ويرتقى كثير من الحجاج الجبل المقدس (وهو جبل الرحمة، ويرددون وراء شيخهم الأدعية المقررة فى الأماكن المعينة لها، وترتفع الصيحات بالتلبية فى كل مكان وينقضى النهار على ذلك، فإذا حل المساء أضيئت الأنوار الباهرة، ويقضى الحجاج الليل فى التضرع والابتهال إلى الله. ويحل الوقوف نفسه فى اليوم التاسع، ويبدأ من الوقت الذى يميل فى ميزان الشمس إلى المغيب، ويكاد يستغرق هذا الوقت كله خطبتان يلقيهما عادة قاضى مكة، فهو يركب دابته صاعدًا إلى صخرة فى صدر جبل الرحمة، ويقرأ من كتاب أدعية مألوفة فلا يسمعه جل الحاضرين وإن سمعوه لا يفهمون ما يقرأه، ولكن ذلك لا يمنع أن تهتز مشاعرهم فترتفع أصواتهم عالية بالتلبية يرددونها مرارًا وتكرارًا،

ملوحين بملابس الإحرام فى الهواء وهم يبكون وينشجون، فإذا ما غابت الشمس وراء التلال الغربية بدأت الإفاضة (أو الدفع أو النفر) وهى السعى إلى المزدلفة، فيندفع كل حاج إلى المزدلفة، ويمر الركب بالعلمين وهما حد الحرم ثمَّ لا يلبث المساء أن يحل فتوقد المشاعل وهكذا يصل الجمع إلى المزدلفة، وقلما يخلو الأمر من وقوع حوادث فى أثناء ذلك، فتؤدى فى المزدلفة صلاة المغرب والعشاء معًا، ويقضى الجمع فيها ليلته ويضاء مسجدها، وفى صبيحة اليوم العاشر (أى يوم النحر) يقف الحجاج مرة أخرى عند الجامع قبل شروق الشمس ويقوم قاضى مكة بإلقاء خطبة أخرى، وبعد صلاة الصبح يسعى الحشد إلى منى. وفى منى يؤدى الجميع مناسك تختلف كل الأختلاف عما سبقها، فعلى كل حاج فى هذا اليوم أن يرمى جمرة العقبة وهى إحدى الجمرات الثلاث بسبع حصيات يجمعها من قبل من المزدلفة لهذا الغرض، ويندفع الحجاج فى حشد كثيف نحو هذه الجمرة، وهى فى الطرف الغربى من وادى منى، وقد نشرت لها صورة فى كتاب قاسم زادة السابق لنا ذكره مقابل صفحة 222، وإنما نص الشرع على رمى هذه الجمرة فى هذا اليوم، أما الجمرتان الأخريان فيأتى دورهما فى اليومين التاليين، وتتفق روايتا على بك وبرتون (Burton) تمام الاتفاق فى هذا الشأن، على أنه يجب ألا يفوتنا أن بوركارت (Burckhardt: فى كتابه Travels، جـ 2، ص 578) وكين (Keane: فى كتابه Six months in Mecca ص 161) قد قررا أن الحجاج فى اليوم العاشر من ذى الحجة يرمون بسبع حصيات جلبوها من قبل من المزدلفة الجمرة الشرقية أولا (وهى الجمرة الأولى أو الصغرى) ثمَّ الجمرة الوسطى ثمَّ يرمون آخر الأمر الجمرة الغربية (الجمرة السفلى أو الأقصى أو العقبة)، ولعل ذلك خطأ وقع فيه هذان الرحالان. ويفسر المسلمون رمى الجمار بأنه

فى الواقع رجم للشيطان، فقد قيل إنه ظهر لأبينا إبراهيم فطرده بأن رماه بالحصى على هذا النحو (10) ويقطع الحاج التلبية بعد رمى الجمار وينتهى به الحج ذاته، على أن ثمة مناسك شتى يؤديها الحاج بعدئذ أولها النحر، ومن ثمَّ جاء اسم هذا اليوم، ويحتفظ البدو والتجار فى منى بآلاف من الأضاحى معظمها من الغنم والماعز يبيعونها بأغلى الأثمان، وإنما ينحر الإبل عِلْيَةُ الحجاج، ومن لا يذبح من الحجاج الضحية بنفسه جاز له أن ينيب عنه جزارًا فى ذبحها ولم يحدد الشرع مكانًا بعينه فى منى للنحر، ولكن الحجاج جروا على إيثار صخرة فى الطرف الغربى من الوادى بالقرب من العقبة (11) (انظر Travels: Burckhardt جـ 2، ص 59 و Burton: - A Pil grimeage، جـ 2، ص 40) ويتصدق على المساكين بلحوم الأضاحى ويترك مالا يأكلونه منها، والضحية التى ينحرها المسلمون فى هذا اليوم فى مشارق الأرض ومغاربها هى سنة من السنن ومن فاته الضحية فعليه الصوم (12). وجرت العادة على حلق الرأس بعد الضحية ومن ثمَّ يقوم فى منى عدد كبير من خصوص الحلاقين ويراعى كل من الحلاق والحاج قواعد معينة خلال الحلق كالاتجاه نحو القبلة وغير ذلك، ويمكن بعد ذلك التحلل من الإحرام والعودة إلى الإحلال، ولكن لا يجوز للحاج حتى هذا الوقت أن يباشر جميع الأعمال التى يؤديها الناس كل يوم (13). والمناسك التى عددناها وهى رمى الجمار والنحر والحلق تعد فى نظر الشرع من السنة (13) (المنهاج جـ 1، ص 331) , ولكن يجب أن نلاحظ أن الشرع لم يحدد وقتًا معينًا للنحر، أما المنسكان الآخران فإنما اقتصر فى تحديد ميقاتهما على وجوب وقوعهما فى اليوم العاشر. ومن المألوف أن يعود الحجاج إلى مكة فى اليوم نفسه للطواف حيث يشاهدون الكعبة للمرة الأولى مكسوة

بالكسوة الجديدة، ويرتدى الحجاج ملابسهم العادية إن لم يكونوا قد ارتدوها فى منى، ويستحم الحاج ويغتسل وهو أمر جد مستحب فى الغالب بعد الإحرام، ومن المعتاد أيضا أن يشرب الحاج ماء زمزم المقدس أو يرش به، ولكنه يستطيع أن يؤدى هذا أيضًا فى أى يوم آخر. ويقال للأيام التالية، أى اليوم الحادى عشر واليوم الثانى عشر واليوم الثالث عشر من ذى الحجة، أيام التشريق (انظر تفسير معناها فيما يلى) وسماها النبى [- صلى الله عليه وسلم -] "أيام أكل وشرب وبعال" ويقضيها الحجاج فى منى، ويجب رمى الجمار الثلاث كل جمرة بسبع حصيات كل يوم بعد الظهر. ومن المألوف أيضًا النحر عند حجر من الصوان فى منحدر جبل ثبير (15) (انظر Travels: Burckhardt جـ 2 ص 65، والبتنونى: الرحلة، ص 196)، ويقال إن إبراهيم هيأ ابنه للذبح هناك، ويجيز الشرع نفسه (انظر سورة البقرة، الآية 203) مغادرة منى حتى فى اليوم الثانى عشر من ذى الحجة ويظهر من مصنفات الرحالة أن الحجاج ينتفعون بهذا الجواز فيعودون إلى مكة فى هذا اليوم، وقد جرى الحجاج أيضًا على رمى قبر أبى لهب المزعوم بالحصى، وهو فى جوار مكة، ثمَّ يؤدى الحجاج آخر الأمر عمرة الوداع (16) وهم لهذا الغرض يقصدون التنعيم ثمَّ يعودون إلى الإحرام، ومن ثمَّ غلب على الرحالة المحدثين القول بأن التنعيم هو أيضا العمرة، وبأداء الطواف والسعى ينتهى الحج (17) فتغادر القوافل بعد بضعة أيام مكة متجهة إلى المدينة لتتبرك بزيارة قبر النبى [- صلى الله عليه وسلم -]. ويتضح مما قدمنا أن الشرع قد قسم مناسك الحج أقساما شتى (18)، ولكن ينبغى لنا أن نلاحظ أن المذاهب تخللف فيما بينها فى جل تفاصيل ذلك، وقد ألم البتنونى (الرحلة، ص 178) إلمامًا طيبًا بمناسك الحج على اختلاف المذاهب.

2 - أصل الحج فى الإسلام

2 - أصل الحج فى الإِسلام: لقد ثار اهتمام النبى [- صلى الله عليه وسلم -] بالحج أول مرة فى المدينة ويرجع اهتمامه إلى عدة أسباب بينها Snouck Hurgronje فى كتابه Mekkandnsche Feest، فقد دعاه نجاحه الباهر فى غزوة بدر إلى التفكير فى فتح مكة، وطبيعى أن التجهيز لهذا الفتح يكون أكثر توفيقًا إذ أثار النبى اهتمام صحابته بالأمور الدينية والدنيوية جميعًا، فقد خدع النبى [- صلى الله عليه وسلم -] فيما كان يعقده من آمال على جماعة اليهود بالمدينة، وأدت خلافاته معهم إلى قيام شقاق دينى بينه وبينهم (19) لم يكن عنه محيص، وإلى هذا العهد يرد أصل نظرية دين إبراهيم (20) وهو الأصل الذى قيل إن اليهودية والإِسلام أخذا عنه، فأخذت الكعبة آنئذ يعظم شأنها شيئًا فشيئًا حتى غدت محور العبادة، وقد بناها أبو التوحيد هو وابنه إسماعيل لتكون "مثابة للناس". أما الشعائر التى تقام هناك فيمكن ردّها إلى حكم الله (سورة البقرة، الآية 198، وما بعدها)، وفى هذا العهد أيضًا جعلت الكعبة قبلة (سورة البقرة، الآية 135 - 144)، وقيل عن الحج إنه فرض (لله على الناس" (سورة آل عمران، الآية 97). كانت هذه هى الحال فى السنة الثانية للهجرة، وإنما استطاع النبى [- صلى الله عليه وسلم -] أن يسعى إلى تحقيق أغراضه بعد إذ خاب أهل مكة فى حصار المدينة فى السنة الخامسة للهجرة، وكان أول مجهود بذله فى هذا السبيل هو غزوة الحديبية، وهى وإن لم تبلغه مكة إلا أن الصلح الذى عقده مع قريش مهد الطريق للعمرة فى السنة التالية؛ وفى السنة السابعة للهجرة شرّع النبى [- صلى الله عليه وسلم -]. مناسك الحج فى الكعبة، ولكن الفرصة لم تتهيأ له لإقامة المناسك جهرا إلا بعد فتح مكة فى السنة الثامنة للهجرة، ولكنه لم ينتهز هذه الفرصة بشخصه بل أناب عنه فى السنة التاسعة للهجرة أبا بكر ليحج بالناس إلى مكة. وبينما هو فى طريقه لحقه على بن أبى طالب، وكان قد أمر بقراءة سورة براءة على الحجيج (سورة التوبة، الآية الأولى وما بعدها)

3 - الحج فى الجاهلية

وكانت نزلت فى هذه الأثناء، وقد حرم الحج فى هذه الآيات على المشركين إلا الذين عاهدهم النبى [- صلى الله عليه وسلم -] عهدًا خاصًا. فلما كانت سنة عشر للهجرة حج النبى [- صلى الله عليه وسلم -] نفسه بالناس، وفى الحديث روايات كثيرة عن هذه الحجة التى تسمى حجة الوداع، ويتفق ما جاء فى هذه الأحاديث عن المناسك التى أداها النبى [- صلى الله عليه وسلم -] فى جوهرها مع ما جرى عليه المسلمون بعد ذلك، على أن ما اتخذه محمَّد [- صلى الله عليه وسلم -] فى هذه المناسبة له شأنه فى تاريخ الحج وخاصة إبطاله النسئ واتخاذه السنة القمرية البحتة وهو أمر ذكره القرآن كما يلى: "إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرًا فى كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة واعلموا أن الله مع المتقين، إنما النسئ زيادة فى الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عامًا ويحرمونه عامًا" (سورة التوبة الآية 36 وما بعدها)، أما أحكام النبى [- صلى الله عليه وسلم -] الأخرى فى هذه المناسبة فانظر عنها ما يلى: 3 - الحج فى الجاهلية: إن البحث فى أصل معنى المادة "حج" لا يعدو أن يكون من قبيل النظريات، ومع ذلك فإن بعضها جائز (21). وقد فسر لغويو العرب الحج بأنه "القصد". ويتفق هذا ومعنى الحج (عند النصارى) على أنه من الواضح أن هذا المعنى اصطلاحى كالفعل العبرى، ولعل المادة التى معناها فى اللغات السامية الشمالية والجنوبية "يطوف" أو "يدور" لها صلة بالمعنى الذى أسلفنا، ولكن هذا لا يقدمنا كثيرًا فى البحث الذى نحن بصدده. ذلك أننا لم نصل حتى إلى معرفة هل الطواف جزء من الحج (22) الأصلى؟ والذى نعرفه أنه كان يقام فى الجاهلية كل عام سوقان فى شهر ذى القعدة أحدهما فى عكاظ والآخر فى مجنَّة، وكان يتلوهما فى الأيام الأولى من ذى الحجة سوق ذى

المجاز (23) ولا يعرف الإِسلام شيئًا عن الطواف فى عرفات ولا نعرف نحن من أمره إلا القليل (24). ولم يك هذا الحج إلى عرفات أمرًا اختص به العرب. فالحج إلى معبد من المعابد عادة سامية قديمة جعلت حتى فى الأجزاء القديمة من أسفار موسى الخمسة فرضًا يجب أداؤه، فقد ورد فى سفر الخروج، الإصحاح الثالث والعشرين، الآية الرابعة عشرة: "ثلاث مرات يعيّد لى فى السنة" وفى الآية الثالثة والثلاثين من الإصحاح الرابع والثلاثين "ثلاث مرات فى السنة يظهر جميع ذكورك أمام السيد الرب إله إسرائيل" وربما كان فى بلاد العرب أيضًا أماكن كثيرة للحج حيث كانت تقام شعائر شبيهة بالحج إلى عرفات (25) والظاهر أن شهر أجاثلبيث (Aggathalbaeith) الذى ذكره أبيفانيوس (Epiphanius) كان ينبئ فيما ينبئ به عن وجود معبد فى الشمال. وكان الحج إلى عرفات يقع فى التاسع من ذى الحجة، وكانت شتى قبائل العرب تشترك فيه. وإنما كان يتيسر ذلك فى أيام السلم، ولذلك فإن الشهور الثلاثة وهى ذو القعدة وذو الحجة والمحرم كانت أشهر حرمًا تدفن فيها الأحقاد ويلقى بالسلاح جانبًا فى الأرض الحرام. ولعل من المقطوع به أن الحج كان يقع فى زمن النبى [- صلى الله عليه وسلم -] فى الربيع، ومع ذلك فإن فلهاوزن قد أظهر أنَّه من المحتمل أن وقت الحج فى الأصل كان فى الخريف، فإذا كان شهر النسئ قد قصد به كما هو محتمل الإبقاء على هذا الفصل من السنة فإن إلحاق هذا الشهر بها لا يكون قد أدى الغرض المقصود منه، ونحن لا نعلم علة ذلك، فإذا كان الحج وقع أصلا فى الخريف، فمن الطبيعى عند البحث فى معناه الأصيل أن نوازن بينه وبين عيد الخريف عند ساميى الشمال وهو عيد المظال (أو يوم الاستغفار) وهو أمر نجد له ما يؤيده أيضًا من أن عيد المظال فى التوراة غالبًا ما يطلق عليه للايجاز اسم "حج" (انظر

سفر القضاة، الاصحاح 21، الآية 19، سفر الملوك الأولى، الإصحاح الثامن الآية 2 و 65) وسنجد بينهما فى الواقع بعض سمات متشابهة. اقترنت الأسواق العظيمة التى تقام فى ختام موسم جنى البلح بالحج، ولعل هذه الأسواق كانت أهم شئ عند معاصرى محمد [- صلى الله عليه وسلم -] وظل هذا شأنها عند كثير من المسلمين، ذلك أنَّه حتى فى هذا الوقت كانت الشعائر الدينية قد فقدت أهميتها عند الناس. وإنا لنسوق فى هذا المقام ما يلى: إن الوقوف فى سهل عرفات من أهم مناسك الحج، فالحج بدون الوقوف باطل فى الإِسلام، وإنما يفسر هذا الأمر بأنه أثر لفكرة جاهلية، وقد وازن هوتسما (Houtsma) بين الوقوف وبين إقامة بنى إسرائيل على جبل سيناء. فهؤلاء يعدون أنفسهم لهذه الإقامة بالامتناع عن النساء (سفر الخروج، الإصحاح 19، الآية 15) وبغسل ثيابهم (سفر الخروج، الإصحاح 19 الآية 15) وبغسل ثيابهم (سفر الخروج، الإصحاح 19 الأية 10 و 14) وبذلك يقفون أمام الرب (11 و 15) وعلى هذا النحو لا يقرب المسلمون النساء ويرتدون ثياب الإحرام ويقفون أمام الخالق (وقف) فى سفح جبل مقدس. ويروى أن النبى [- صلى الله عليه وسلم -] قال فى حجة الوداع "عرفات كلها موقف وكله منحر"، وقد قال Snouck Hurgronje إن المقصود من هذه الكلمات أن تفقد هذه الأماكن الخاصة التى كانت تؤدى فيها قبل ذلك الشعائر الوثنية أهميتها، ولا نعرف إلا القليل عن تلك الأماكن فى المزدلفة ومنى. وليس من المحقق ما إذا كان يوم عرفات هو يوم صوم، وجاء فى الحديث مرارًا وبلهجة التقرير أن صحابة محمَّد [- صلى الله عليه وسلم -] لم يعرفوا رأيه فى هذا الشأن فدعى إلى الشرب فشرب (26)، ولكن اتسام أيام الحج بالتقشف ظاهر مما نهى عنه الإحرام، أما أن هذه النواهى قد امتدت حينًا فشملت الطعام والشراب فبين من

تفسير النبى [- صلى الله عليه وسلم -] إذ قال: "إن أيام التشريق (من الحادى عشر إلى الثالث عشر من ذى الحجة) أيام أكل وشرب وبعال" ومن هنا كان أولئك الذين يجنحون إلى التقشف فى صدر الإِسلام يختارون زمن الحج فيختصونه بالزهد "انظر Goldziher فى Revue de l'Histoire des Religions جـ 37، ص 318، 320 وما بعدها). والوقوف فى الإِسلام يمتد من الزوال إلى غروب الشمس، وقد ورد فى الحديث أن النبى [- صلى الله عليه وسلم -] أمر ألا يغادر الحجاج عرفات قبل غروب الشمس، فى حين جرى العرف من قبل على الشروع فى الإفاضة حتى قبل الغروب، على أنَّه قيل إن النبى [- صلى الله عليه وسلم -] لم يؤخر وقت الإفاضة فحسب، بل أبطل الشعيرة كلها بنهيه عن الإسراع إلى المزدلفة وأمره بأن يكون الوصول إليها بالسير العنق (وهو ضرب من السير ليس بالسريع ولا البطئ)، ولكن يتضح من وصف الإفاضة الذى سبق أن ذكرناه إلى أى حد كانت هذه العادة متأصلة فى النفوس، ويذهب سنوك هركرونييه Snouck Hurgronje إلى أن الإفاضة شعيرة شمسية، وهو رأى زاد هوتسما (Houtsma) من تحديده فيما يتصل بصفة الحج، ونعنى بذلك أن الحج كان يعد فى الأصل ملاحقة للشمس الغاربة (27). وكان [فى الجاهلية] إله المزدلفة هو قزح إله الرعد (28)، وكانت النار تشعل على التل المقدس المسمى باسمه، وهنا يكون وقوف أكثر ما يكون شبهًا بالوقوف بسيناء. ذلك أن إله الرعد فى الحالين يتجلى فى النار، ثمَّ إننا يمكن أن نذهب إلى أن العادة المتوارثة التى تقضى بإحداث أكبر ما يمكن من الجلبة والضوضاء وإطلاق أكبر ما يمكن إطلاقه من النار كانت فى الأصل تعويذة يُستَجلب بها الرعد (29). وكانت الإفاضة إلى منى فى الجاهلية تبدأ بمجرد ظهور الشمس، ولذلك أمر النبى [- صلى الله عليه وسلم -] بأن تبدأ الإفاضة قبل شروق الشمس، ونحن هنا أيضًا بصدد محاولة لإبطال

شعيرة شمسية، وروى أنهم كانوا فى العصور القديمة يتغنون فى أثناء الإفاضة بقولهم "أشرُق ثبير كيما نغير" ولا نعرف تفسير هذه الكلمات على التحقيق ولكنها تفسر أحيانًا بما يأتى: "أدخل يا ثبير فى الشروق كيما ندفع". والظاهر أن أول ما يفعلونه إذا ما بلغوا منى هو التضحية، وما زال اليوم العاشر من ذى الحجة يعرف بيوم الأضاحى. وقديما كانت الإبل المعدة للنحر تميز بعلامات خاصة (تقليد) حتى فى طريقها إلى الحرم، كأن يوضع خفان فى رقابها، وقد ورد ذكر الإشعار أيضًا وهى عادة طعن جانب سنام الجمل حتى يظهر الدم أو شق جلده، وكثيرًا ما ذكر أن الهدى كان يغطى بأغطية خاصة. وقد جاء فى رواية لابن هشام (طبعة Wuestenfeld ص 76 وما بعدها) أن رمى الجمار إنما يبدأ بعد انحدار الشمس عن الهاجرة (30)، وقد رجح هوتسما (31) أن الرجم كان أصلا موجهًا إلى شيطان الشمس، ويدعم هذا الرأى تدعيما قويًا أن الحج كان يتفق فى الأصل والاعتدال الخريفى، ومثل هذه العادات منتشرة فى العالم كله فى بداية الفصول الأربعة، ويمكننا أن نربط فى يسر، كما رأينا فى عيد المزدلفة، بين طرد شيطان الشمس الذى ينتهى حكمه الجائر بحلول فصل الصيف وبين عبادة إله الرعد الذى يجلب الخصب والتوسل إليه. ويمكننا أيضًا أن نفسر "التروية" تبعًا لذلك على أنها تعويذة للاستسقاء. وما زالت آثارها باقية فى سكب ماء زمزم (32) ثمَّ إن لها نظائر فى عيد المظال (أو يوم الاستغفار) فليس من العسير أن نرى فى إطلاق التيس إلى عزازيل من الجبل مثالا لشيطان الشمس. كما أن سكب ماء عين شيلوة المقدسة كانت أيضًا تعويذة للاستسقاء. ذلك أن الارتباط بين عيد المظال والمطر مؤكد فى سفر زكريا (الإصحاح الرابع عشر، الآية 17) ونوجه النظر بعدئذ إلى إنارة المعبد فى عيد المظال وهو أمر له مقابل فى إنارة المسجد فى عرفات والمزدلفة كما نوجه النظر إلى الشأن الهام الذى للموسيقى فى العيدين (33).

المصادر

وثمة تفاسير مختلفة أخرى للرجم ذكرها (FeestbundeL .. aan: Van Vloten Goeje, aangeboden,1891, Prof. M. J. de ص 33 وما بعدها) وشوفان (Chauvin: Royale d'Arch. .Annales de l'Acad السلسلة الخامسة، جـ 4، ص 272 وما بعدها) أما فان فلوتن فيربط بين رجم الشيطان والتعبير القرآنى الشيطان الرجيم وبين حية كانت تسكن العقبة. وأما شوفان فيرى فى ذلك ضربًا من التحصيب Scopelism)) (34) وأن الغرض من تغطية أرض الحج بالحصى ترمى به هو منع أهل مكة من زراعتها، وقد دحض هوتسما هذين الرأيين بما فيه الكفاية. وانظر أيضًا دوتيه Doutte (Magie et Religion ص 430 وما بعدها). ويجفف بعض الحجاج فى أيام التشريق لحوم الأضاحى فى الشمس، وتوائم هذه العادة معنى كلمة التشريق كما ذكره لغويو العرب، فهم يقولون إن التشريق هو تقديد شرائح اللحم فى الشمس. ولكن قد يشك فى أن هذا هو المعنى الأولى للكلمة، ولم نصل بعد إلى تفسير مرض لها. ومع ذلك انظر Uber die Be-: Th. W. Junyboll Wortes Taschrik Zeitchr. f. deutung des Assyr, جـ 27 وما بعدها (ويجب أيضًا أن نلاحظ أن دوزى Dozy فى كتابه De Israelieten to Mekka يرد التشريق والتروية والحج كله إلى أصل يهودى. ولكننا نستطيع أن نقول إن نظريته قد دحضها دحضًا تاما سنوك هركرونييه فى مؤلفه. Het Mekaansche Feest المصادر: عن الموضوع كله: (1) S. Snouck Het Mekaansche Feest: Hurgronje طبعة ليدن 1880. (2) الأجزاء الملائمة من الرسائل والكتب الموضوعة عن الإِسلام. (3) Die Chronicken: F. Wuestenfeld der Stadt Mekka, فى مواضع مختلفة عن القسم الأول: (1) G. M. Doughty: Travels in Arabia Deserta كمبردج سنة 1888، جـ 1. (2) Travels of Ali Bey, لندن سنة 1816، جـ 2. (3) Travels in Arabia: J. L. Burckhardt لندن 1829.

(4) Personal Narrative: R. F. Burton of a Pilgrimage to el Medinah and Mec- cah، لندن 1857، جـ 2. (5) Six months in Meccah: T. F. Keane، لندن 1881. (6) Meine Wallfahrt: H. V. Maltzan nach Mekka ليبسك سنة 1865. (7) Mekka: C. Snouck Hurgronje لاهاى 1888. (8) الكاتب نفسه De hadjipolitick der indische rezearing فى onze Euw, جـ 9. (9) الكاتب نفسه: Notes sur le mouvement du Pelerinage de la Mecque aux Indes Neerlandaises فى Revue du monde musulman, جـ 15. (10) محمَّد لبيب البتنونى: الرحلة الحجازية، القاهرة سنة 1329 هـ، وهو كتاب ممتع مشهور. (11) ابن جبير: Travels (طبعة. M. J de Goeje). (12) كتب الفقه المختلفة وكتب الحجاج المعروفة باسم المناسك - وانظر فيما يتعلق بحج الشيعة قاسم زاده فى Rev. du Monde musulman جـ 19 (سنة 1912)، ص 144 وما بعدها. عن القسم الثانى: سير النبى وكتب الحديث. عن القسم الثالث: (1) De: R. Dozy Israelieten de Mekka (وبالألمانية أيضًا). (2) Rest Arab. Hei- dentums: J. Weihausen ص 68 وما بعدها. (3) Het skopelisme: M. Th. Houtsma en het Steen werpem (VersL. en Meded. der Kon Akad. V. Wetenschappen Am sterdam, Afd. Letterkunde, المجموعة الرابعة جـ 6، ص 185 وما بعدها). (4) Altorient. Fors-: H. Winckler chungen، السلسلة الثانية، جـ 2، ص 324 - 350 - وكذلك المقالات التى كتبها V. Vloten و Chauvin وورد ذكرها فى صلب المادة. [فنسنك Wensinck]

تعليقات على مادة "الحج"

تعليقات على مادة "الحج" (1) وكذلك لا يجب الحج على المريض الذى لا يتحمل مشاق السفر وإن تيسر له الزاد والراحلة ولم يشترط مالك الزاد والراحلة، بل أوجبه على من يقدر على المشى والتكسب فى الطريق. (2) ليس هذا من مذهب الشافعى ولا غيره من الفقهاء، بل لا يقول هذا مسلم، ولعل الذى أوقع كاتب المادة فى الشبهة أنهم اختلفوا فيمن لا يقدر على الحج لمرضه أو شيخوخته، وعنده من المال ما يستطيع به إنابة غيره من القادرين، هل تجب عليه الإنابة أم يسقط عنه الحج؟ فأوجب الشافعى عليه الإنابة ولم يوجبها مالك ولا أبو حنفية، وعند الشافعى أن الذى يدركه الموت ولم يستطع أن يحج يلزم ورثته أن يخرجوا من ماله ما يحج به عنه. فيكون ما بناه على هذا من أن معظم المسلمين أدركتهم الوفاة ولم يروا مكة خطأ بينا. على أنَّه ليس معظم المسلمين والسلاطين شافعية، بل الخلفاء والسلاطين الذين يعنيهم - وهم العثمانيون - كانوا أحنافًا متعصبين لحنفيتهم أشد التعصب. (3) وإنما أخذ رسول الله [- صلى الله عليه وسلم -] بالسنة القمرية لأنَّ الله هو الذى جعل الأهلة مواقيت للناس والحج، إذ قال في سورة البقرة {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} وذلك لأنها أدق الآيات وأضبطها لحساب الشهور، وهي مع ذلك أوضح العلامات وأبينها للكافة. (4) ليس من السنن الدينية القديمة ولا الجديدة أن يتكلف الناس في حجهم أو أي عبادة من عباداتهم ما لا يطيقون وما يشق عليهم. فإن الله تعالى يقول في سورة الحج {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} وفي سورة البقرة {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} وقد ثبت أن النبي [- صلى الله عليه وسلم -] حج راكبا ولم يرغب أحدا ممن حج معه في المشى. على أنَّه يلاحظ أن هذه المشاق كانت أكثر وجودًا في السنين الماضية. أما اليوم فلا يحج على الرواحل إلا أهل جزيرة العرب فقط. والفقراء من البلاد

التي يستعمرها الأوربيون في أواسط أفريقيا وغربها مثل الكونغو وكانو نيجريا، وهم قلة لا تذكر بجانب عشرات الآلاف التى تحملها البواخر من مصر والشام وبلاد المغرب والهند ونحوها، والذي يحج أو يقرأ رحلات الحجاج في هذه الأيام يعلم أن الحال قد تبدلت كل التبدل عما يتحدث عنه الكاتب وبالأخص في الأمن الذي شمل الجزيرة كلها بإقامة الملك ابن السعود الحدود وتنفيذ أحكام الإِسلام وشرائعه؛ حتى أصبحت أعظم أمنا من كل بلاد العالم بفضل الله. (5) لقد كان ذلك أيام كان حكام الحجاز وولاته أنفسهم ظلمة مضيعين لشرائع الإِسلام معتدين حدود الله منتهكين حرماته، بل كانوا أنفسهم ينبهون الحجاج وأهل البلاد ويسلبونهم أموالهم وأرواحهم ويعيثون في الأرض فسادًا. [وهذا قد تغير بعد ذلك وأصبح محلّ التقدير فى عصرنا حيث يسودها جُلّ الأمن والأمان]. (6) هذا خطأ لم يتحر فيه كاتب المادة الوقائع الصحيحة. فإن حادثة القرامطة الزنادقة التي وقعت لم تتكرر، وأما السلطات المصرية، فإنها كانت تحرص أشد الحرص على تحسين سمعتها في العالم الإِسلامي بخدمة الحرمين الشريفين. وهذه أوقاف ملوكها وسلاطينها وأعيانها من الزمن القديم على الحرمين تدل على ذلك أوضح الدلالة، اللهم إلا في الفترات التي كانت فيها الحروب بين بني العباس والفاطميين. وقد كانت الحروب بعيدة عن الحرمين. وأين هذه الحروب مما يفيد كلام الكاتب من أن السلطات المصرية كانت تعتمد إلى قطع الطريق على الحاج وتصده عن سبيل الله. وإنه ليبدو من كلام الكاتب أنه لا يعرف عن الوهابيين شيئًا، إذ يجعلهم والسلطات المصرية مع القرامطة والقرصان قطاعًا للطريق، لقد كان جديرا به أن يدرس أولا تاريخ الوهابيين وعقيدتهم ومبدأهم الإِسلامى الصحيح وما كان يملى عليهم من تعظيم شعائر الله وإقامة شرائع الإِسلام والوقوف عند حدوده فإنَّه لو درس غير هذه الدراسة لقال غير ذلك.

(7) إن الشرع لم يأمر الحاج بالإحرام من بلده وإنما حدد مواقيت حول مكة يحرم منها الحاج. (8) وهذا ليس من الإِسلام في شيء. فلم يأمر الله ولا رسوله ولا أحد من العلماء والأئمة أن يتخذ الحاج هذا الشيخ يردد أدعيته. وإنما هى عادة نشأت عن الجهل فاتبعها العوام. وقد حج رسول الله والمسلمون معه، فلم يكن يدعو وهم يرددون دعاءه، بل كان كل واحد يدعو ربه ويذكره بما يملى عليه قلبه الخاشع المخبت وحاجته التي يرجو الله أن يعطيه إياها. والأصل في هؤلاء الأدلاء أنهم جعلوا لخدمة الحاج الغريب ومساعدته على قضاء المعيشة، ثمَّ اتخذهم الجهلة بعد ذلك على الصورة التي لا أصل لها في الشريعة. (9) ربما كان ذلك في الأزمنة الماضية أيام الفوضى التي كانت ضاربة أطنانها. أما اليوم فإنما يشتغل الناس بذكر الله وعبادته منتهزين فرصة هذه الأيام المباركة وساعاتها القليلة، لا يضيعون منها لحظة في لهو ولعب ينهى عنهما الإسلام ويكرهمها، فضلا عن الشعوذة وأعمال الحواة، فلقد طهرت الحكومة السعودية الحجاز من هذه المهازل. فلا ترى فيه شيئًا منها في غير أيام الحج، ولا في مشاعره ومناسكه وأيامه المباركة. (10) لا أرى من أين جاء الكاتب بهذا التعبير؟ فليس في القرآن ولا في حديث النبي [- صلى الله عليه وسلم -] شيء يشعر بهذا التفسير، ولا من بُعد، ولعله أخذه من بعض جهلة العوام الذين لا يفقهون ما يقولون. وإنما هو شيء صنعه النبي [- صلى الله عليه وسلم -] من شعائر الحج وأمر المسلمين أن يحجوا كما رأوه ويتبعوه فيما شرع لهم. ولأن شعائر الحج كلها أشياء تعبدية ليس مما يدخل فيه التعليل ولا التفسير. فالمسلمون يعبدون ربهم كما أمرهم أن يعبدوه. (11) لعل ذلك كان في الأيام الأولى التي كان الجهل والفوضى يتحكمان فيها. أما اليوم فقد خصص للذبح مكان بعيد عن منازل الحاج، حتى لا تفسد الروائح العفنة الهواء ولا تعكر الجو. وفعل الجهال البعيدين عن الإِسلام لا

يكون حجة على الدين. ولقد كان هذا التحرى للصخرة منهم بزعم أنها الصخرة التي ذبح عندها إبراهيم عليه السلام كبش الفدية عن إسماعيل. وهذا الزعم باطل، والتاريخ لم يحدد موضع هذه الصخرة ولا جاء عن النبي [- صلى الله عليه وسلم -] تحديد لموضعها. (12) ليس في نصوص الإِسلام شيء يدل على أن من لم يقدر على التضحية يوم النحر يصوم وهذا خطأ من الكاتب، لعله نشأ عنده من أن المتمتع - الذي دخل مكة معتمرًا، ثمَّ تحلل من عمرته، ثمَّ أحرم بالحج يوم التروية - عليه ما استيسر من الهدى فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله، فلما اختلط على الكاتب الأمر عمم الحكم بالصيام لكل من لم يستطع التضحية يوم النحر في مشارق الأرض ومغاربها. (13) هذا تعبير غريب نشأ عن خطأ في الفهم. فإن الحاج برميه جمرة العقبة يوم النحر ونحره لهديه وحلقه له من كان حرم عليه بالإحرام: من لبس الثياب العادية وقص أظفاره وحلق شعره والتطيب، إلا النساء فلا يحل له إتيان امرأته حتى يطوف طواف الإفاضة يوم النحر أو بعده في أيام التشريق. وبطوافه يحل له النساء أيضًا. (14) إن هذه المناسك الثلاثة وغيرها قد عدها الشرع من الواجبات، لا من المسنونات. والذي في كتب الفقه: وثبت أن رسول الله [- صلى الله عليه وسلم -] رمى في حجته الجمرة يوم النحر بعد طلوع الشمس ثمَّ نحر بدنه ثمَّ حلق رأسه ثمَّ طاف طواف الإفاضة. وأجمع العلماء على أن هذا سنة الحج ا. هـ فلعله فهم من قولهم "إن هذا سنة الحج" إن هذه الثلاثة سنة بالمعنى الاصطلاحى عند الفقهاء. وهو خطأ. فإن معنى "هذا سنة الحج" واضح أنَّه الطريق العملى الذي عمله رسول الله [- صلى الله عليه وسلم -] وهذا هو معنى كلمة "سنة" إذا أطلقت ولم تقابل بالفرض أو الواجب. (15) كان هذا مما يعمله الجهال في الأيام الأولى وليس هو من سنن الحج ولا مناسكه. ولم يكن النبي [- صلى الله عليه وسلم -] يفعله ولا أحد من أصحابه ولا من الأئمة

وعلماء المسلمين. وكذلك رمى قبر أبى لهب هو من قبيل تحرى الجهال والعوام للذبح عند الحجر المزعوم. (16) ليس في شرع الرسول [- صلى الله عليه وسلم -] شيء يسمى عمرة الوداع. وإنما هى من جهل العوام. (17) قد انتهى الحج بنزول الحجاج من منى بعد رمى الجمرات في اليوم الثاني أو الثالث عشر من ذى الحجة. (18) إن الشرع لم يقسم المناسك كما زعم الكاتب وإنما جعلها كلها مناسك وشعائر لا بد في إتمام الحج من أدائها كلها على الوجه المشروع. (19) لم تكن مخالفة النبي - صلى الله عليه وسلم - لليهود والمشركين حين هاجر إلى المدينة عن آمال عقدها على أولئك اليهود خدع فيها بعد ذلك. فقد كانت أولًا على ما رسم الله له من الخطة الحكيمة في قوله من سورة البقرة {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} ولقد كان أبدًا يعقد آماله على تأييد الله ونصره، لا على اليهود ولا غيرهم. وكانت هذه المحالفة لإتقاء شر اليهود وكتبهم حتى يستقر للإسلام نظام حكمه وشرائعه في المدينة، التي كانت في هذا الوقت فوضى بلا نظام ولا حكم ولأجل أن يعذر إليهم - يعرف بما علمه الله - مكر اليهود وخبثهم، وشدة عدواتهم للحق وللنظام والإصلاح، وحبهم العميق للشر وإثارة الفتنة وسعيهم الحثيث في الأرض بالفساد، مما كان واقعًا في المدينة بسعاية اليهود بين الأوس والخزرج وإشعال نيران العداوة والحرب بينهم. وكان اليهود هم الذين نقضوا عهد رسول الله [- صلى الله عليه وسلم -] وبدأوه بإعلان العداوة والحرب، أما الشقاق الدينى بين اليهود وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإنما كان عداوة من اليهود لله ورسوله والنبى الأمى الذي يجدونه مكتوبًا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، ويضع عنهم إصرَهم والأغلال التي كانت عليهم. فكانت صراعًا بين الحق والباطل والهدى والضلال، والصلاح والفساد. وما فكر النبي - صلى الله عليه وسلم - في فتح مكة بالسيف إلا بعد نقض أهل مكة لصلح الحديبية.

وإعلانهم الحرب على حلفاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فيومئذ فكر في فتح مكة واتخذ لذلك أهبته ففتحها الله له. وقبل ذلك زار مكة مرتين معتمرًا، ففى سنة ست من الهجرة - بعد فشل أهل مكة وأحزابهم في غزو المدينة - ذهب معتمرًا، فمنعه أهل مكة وعقد معهم صلح الحديبية، وفي سنة سبع ذهب معتمرًا، فأتم عمرته وقضى مناسكه في ثلاثة أيام قضاها بمكة. وكان من أثر صلح الحديبية التمهيد لفتح مكة بكثرة اختلاط أهل مكة والمدينة، فانتشر الإِسلام في مكة باستعداد القلوب لسماع القرآن، وذهاب الضغائن التي كانت تمنع القلوب أن تصغى إلى دعوة الإِسلام التي أخرجتهم من الظلمات إلى النور. (20) إن دين إبراهيم وإسماعيل وموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليهم وسلم أجمعين ليس نظرية كما يزعم الكاتب ولكنه حقيقة واقعية أثبتها التاريخ الصحيح والحجج القطعية، ولم يبق مجال للشك في ذلك إلا في رءوس أصحاب الهوى. (21) يقصد الكاتب "النظريات" الفرضية التي لم تكن حقيقة واقعة، وهذه جرأة واضحة على العلم والتاريخ الذي أثبت الحج ثبوتًا قطعيًا في الكتب اللغوية والأدبية، والدينية والتاريخية. وإذا لم يكن هذا كله كافيًا لثبوت الحج وأنه لا يزال عنده نظريات يجوز للعقل أن يصدقها كما يجوز للعقل أن يصدقها كما يجوز له أن ينفيها ويكذبها، فأى سبيل بعد ذلك إلى إثبات شيء من العلم أو حوادث التاريخ؟ (22) الطواف ثابت أنَّه جزء من أهم أجزاء الحج، إذ يقول الله لإبراهيم في سورتى البقرة والحج {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ} ثمَّ هو ثابت في سجلات تاريخ العرب من أشعارهم وغيرها. ووصف الطواف مفصلًا في كثير من نصوص التاريخ، حتى وصفوا أنهم كانوا يطوفون بالبيت عرايا لما أحدثت لهم قريش هذه البدعة المنكرة فكيف لم يصل الكاتب بعد ذلك إلى معرفة الطواف؟ (23) أما الأسواق فقد كان التجار - ولا يزالون - ينتهزون فرص الاجتماعات فيعرضون فيها بضائعهم. (24) ومن الذي قال من المسلمين:

إن في عرفات طوافًا كالطواف حول الكعبة؟ إنما في عرفات وقوف من بعد الزوال إلى غروب الشمس يوم التاسع من ذى الحجة. وهذا منصوص عليه في الآية 198 سورة البقرة في قوله { .. فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ .. }. (25) إنَّ الذي يدرس دراسة صحيحة الديانات القديمة والحديثة، ويدرس القرآن دراسة فقه وتدبر يعلم يقينًا أن هذه الديانات كلها ترجع في أصلها الأول إلى دين سماوى صحيح، أفسده الناس على مر الأيام، بكثرة ما أحدثوا من البدع والأهواء والغلو حتى صارت إلى الوثنية والشرك. فإن الله تعالى يقول في سورة النحل {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ}. وشرائع الله تصدر كلها عن أصل واحد، هو الوحى من عند الله وتبليغ ممن يصطفى الله من الناس رسلًا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكلهم يصدق بعضهم بعضا، والقرآن ينص على أن العبادات: من صلاة وصيام وزكاة وحج وغيرها شرعها الله للناس قديمًا وحديثًا، وإن اختلفت في هيأتها وأوقاتها وأماكنها ومقاديرها، وللإسلام من ذلك أكمل العبادات وخير الشرائع لأنه الدين الخاتم. فالله قد شرع الحج في القديم للناس في أماكن وبقع اختارها لهم، قبل أن يقيم بيته المحرم للناس كافة، وهذا لا يمنع أبدًا أن الله قد ألغى ونسخ الحج إلى هذه البقاع كلها بعد أن رفع إبراهيم وإسماعيل قواعد هذا البيت، وألزم الله الناس جميعًا على لسان إبراهيم الحج إلى هذا البيت وحده، فأصبحت هذه العبادة مقصورة على الكعبة وحدها. قال الله تعالى في الآية 67، 68 سورة الحج {لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ (67) وَإِنْ جَادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ} والواضح الذي لا شك فيه: أن الوثنيين قد اتخذوا بما أوحى إليهم الشيطان معابد وهياكل يحجون إليها. ليس العرب وحدهم، ولا في القديم فقط، بل الناس هذا شأنهم حين تغلب عليهم الجاهلية، ويشرعون من الدين ما

لم يأذن به الله. فقد أقاموا من قبور أوليائهم ومن تماثيل معظميهم الذين غلوا فيهم، فأعطوهم الآلهية، ما يحجون إليه كل عام وينسكون عنده مناسك، يسمونها اليوم أعيادًا أو موالد كشأن الجاهلية الأولى. وكل ذلك لا يصيب به تشريع الله ولا يطعن به على الإِسلام وشرائعه وعباداته إلا من حملة الهوى أو الجهل أن يركب رأسه فيقول بغير علم ولا بينة {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى (23) أَمْ لِلْإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى}. إذا عرفت هذا وتدبرته جيدًا تساقط بين يديك كل ما زعمه الكاتب من المقارنة بين مناسك الحج في الإِسلام وأعمال الوثنية في العرب وبنى إسرائيل. فمما لا يشك فيه باحث منصف أن الوثنية كانت منتشرة قد بدلت شرائع الله ودين الرسل الذي جاءوا به لإخلاص العبادة لله وحده، وأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - بعثه الله لتخليص العبادة الحقة لله وحده من براثن هذه الوثنية القديمة والحديثة. (26) إنما اشتبه على الناس صيام يوم عرفة لأنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "صوم يوم عرفة يكفر السنة التي قبله" فظن بعض الناس أن هذا يشمل يوم عرفة للحاج الواقف بعرفة. فبين لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - أن هذا الفضل لمن لم يكن حاجًا بعرفة. (27) إن توقيت الله تعالى للعبادات بحركة الشمس في زوالها أو طلوعها أو مغيبها لا دخل له في تعظيم الشمس - كما زعم الكاتب وإخوانه - ولقد حذر النبي - صلى الله عليه وسلم - من تحرى أوقات طلوع الشمس وغروبها وتوسطها السماء بالعبادة خوفًا من التشبه بالوثنيين الذين يعبدون الشمس. وقال - صلى الله عليه وسلم -: "إنها تطلع وتغرب بين قرنى شيطان" فكيف بعد هذا يدعى أن الإفاضة من عرفة إلى مزدلفة بعد الغروب ملاحقة للشمس الغاربة إلا من غلبه الهوى وأعماه التعصب للباطل؟ ! . (28) إن الوقوف بالمزدلفة - المشعر الحرام - منصوص عليه في القرآن في سورة البقرة {فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ} وهو ينص صريحًا على أنه وقوف لذكر الله وحده

الذي هداهم بعد أن كانوا ضالين في غياهب الوثنية. وهو منسك من مناسك الحج شرعه الله لإبراهيم، ثمَّ بدل أهل الجاهلية، فيما بدلوا وأقاموا عنده من وثنيتهم ما محاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وطهر الأرض منه. أما الآلة قزح فلا نعرفه في تاريخ الجاهلية. ولكن الذي نعرفه أن الجبل الذي هناك يسمى إلى اليوم قزح. ولعل ذلك لأنَّ به صخورًا مختلفة الألوان، من أحمر وأخضر، وأبيض وأسود. فسماه العرب بهذا الاسم تشبهًا له بقوس قزح. فوافق ذلك هوى الكاتب، فادعى أنَّه كان إلهًا يسمى قزح. وتسمية هذا الوادى بوادى النار، لأنهم زعموا أن الله أنزل نارًا على قبر أبى رغال العربى الذي خان أهله ووطنه ودل أبرهة الحبشى حين جاء لهدم الكعبة. وأن الله أحرقه ليكون عبرة لكل من تغويه نفسه بخيانة وطنه وأهله ودينه بممالأة العدو. (29) ليس في الإِسلام - وهذه نصوصه من الكتاب والسنة وكتب الدين الصحيحة بين أيدى الناس - أي شبهة يتعلق بها الكاتب في أمر هذه الضوضاء والنيران. وإنما هى رعونات السفهاء وجهل الجاهلين وإنه إن أمكن للكاتب أن يتخذ من هذه الرعونات والسفاهات دليلًا على ما يهوى من طعن الإِسلام فإنَّه يمكن لكل أحد أن يطعن بما شاء من أشنع الطعون وأقذرها كل بلد تشيع الفاحشة والاستهتار فيها. وهذه حجة لا بد عند كل عاقل داحضة. (30) اختلط الأمر على الكاتب لعدم علمه، فابن هشام وغيره يقولون: إن رمى الجمرة يوم النحر لا بد أن يكون قبل الزوال. أما في الأيام الأخرى فيرمى بعد الزوال وانحدار الشمس من المشرق إلى المغرب. (31) فليرجح هوتسما وغيره ما شاءوا من الترجيحات ما داموا يأخذون في بحوثهم هذه الطرق الملتوية عن العلم والحق. ولكن الذي يرجحه كل دارس منصف لنصوص الإِسلام: أن المسلمين لا يعرفون للشمس شيطانًا يرجمونه. وأن رمى الجمار شعيرة إسلامية من يوم أن شرع الله مناسك

الحج لإبراهيم وإسماعيل ومحمد صلى الله عليهم وسلم أجمعين. وأعظم ما يهدم تدعيم هوتسما لترجيحه: أن الحج لم يكن موقتًا بالربيع ولا بالخريف وإنما كان ولا يزال موقتًا بالأشهر القمرية التي تكون في الخريف والربيع والصيف والشتاء. فلهم بعد ذلك أن يتخيلوا من الأوهام ما شاءوا ثمَّ يربطوا في عسر أو يسر بين طرد شيطان الشمس أو جلبه إن أحبوا. (32) التروية في اللغة العربية - لغة القرآن والإِسلام - مأخوذه من الرى الذي هو ضد الظمأ ومنه الرواية للقربة والرواية الناقة التي تحمل قرب الماء فيوم التروية يوم الثامن من ذى الحجة الذي كانوا يجمعون فيه الماء استعدادًا لأيام عرفة ومنى. وليساعدوا به الحجاج ويكرموهم لقلة ما كان في مكة من ماء في رشهم بماء زمزم دليلًا على أن "التروية" تعويذة لشيطان الاستسقاء. (33) إن إنارة المنارات في مزدلفة ومنى وأيام الأعياد عادة مجوسية أدخلها البرامكة في الإِسلام. والإِسلام برئ منها. ولا يعرف إلا إضاءة السرج لضرورة تبديد الظلام. فمن أعظم الظلم أن تؤخذ هذه البدع السخيفة المنافية لحكمة الإِسلام وهدايته حجة على شرائع الإِسلام، ودليلًا على أن أصله من وثنية بني إسرائيل أو غيرهم. ما يقول هذا منصف للإسلام ولا عارف به. ونختم نقدنا لحضرة الكاتب بمؤاخذته لأنه اعتمد في دراسته على المصادر الإفرنجية، وقد كان الأجدر به أن يعني أكثر بالمصادر الإِسلامية. لأنَّ الموضوع الذي تناوله لا يمت إلى الفرنج بأى سبب وإنما هو موضوع إسلامى بحت. فمن ثمَّ جانبه الإنصاف ووقع في أخطاء كان من الممكن أن يتجنبها لو أنصف العلم والحق. محمَّد حامد الفقي (34) استعمل الكاتب كلمة Scopel ism ومعناها رمى الحصى للتهديد أو الحيلولة دون زراعة الأرض اللجنة

حجة

حجة كلمة عربية وجمعها حجج، ومعناها البرهان والإدلاء به: والكلمة قرآنية، وهي تطلق على أية حجة، أى من يحاول أن يثبت ما هو باطل كما تطلق على من يحاول أن يثبت ما هو حق فقد جاء في القرآن {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ} [النساء: 165]؛ كما جاء فيه {وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ. . . .} [الشورى: 16]؛ سورة الجاثية، الآية 25): وجاء فيه أيضا: {قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ} [الأنعام: 149]، و "وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه" (سورة الأنعام، الآية 83). والحجة في معنى البيّنة قريبة كل القرب من البرهان وفي معنى المحاجّة وثيقة القرب بالدليل ولكن لما كان الدليل هو، في المحل الأول، "العلامة" و "الهادي" الذي يؤدى إلى اليقين فإن الحجة توحى بأنها الدليل القاطع الذي يفحم الخصم فلا يحير جوابًا. ولما كان "البرهان"، في المحل الأول، هو الدليل الواضح على بيّنة لا تدحض، ومن ثمَّ فهو التدليل السليم الذي يؤدى إلى البرهان، فإن الحجة تحتفظ بفكرة البينة المعارضة. وربما كان "البرهان الجدلى" هو الترجمة التي تؤدى خير أداء المعنى الأول للحجة. على أن هذا الظل من ظلال المعنى كثيرًا ما يغيب عن الأنظار ولكنه لا يختفى اختفاءً تامًا والحجة تتخذ أيضًا معنى إصطلاحيًا دقيقًا في "علم الحديث" ثمَّ هى تصبح فوق ذلك من المراحل الأولى للمعرفة عند الإسماعيلية. وهي إذا استعملت عند المتكلمين والفلاسفة (في الرسائل الخاصة بالمنطق أو المناقشات حول المنهج) تظل، بحسب نزعات الكتاب، مشوبة بشية من عدم الدقة: واستفراغ القول في هذا المبحث طويل جدًا، وحسبنا إشارات قليلة نسوقها في هذا المقام. ابن سينا: قد يشير "الدليل" عند ابن سينا إلى أية حجة أو بينة، وهو

يدل بمعنى أضيق من هذا على برهان الإنة (أو الإن) وهو الدليل على الوجود. أما القسم من كتاب الشفاء الذي يتناول المنطق فإنَّه يعد الدليل بمعنى عام هو المحاجة، ذلك أنَّه يقسمه إلى "قياس" و "استقراء" أي مشابهة المثل بالمثل (أى التمثيل) وقد عرّفت "الحجة" في الصفحة التالية بأنها "المواقعة" أو "التصديق" (انظر الشفاء: المنطق، جـ 1، [المدخل]، القاهرة سنة 1371 هـ = 1952 م، ص 18 - 19). ومن الأمور ذات الدلالة أن الترجمات اللاتينية قد ترجمت كلمة حجة في هذا المقام بكلمة ratio (انظر Lexique de la: A.M. Goichon langue philosophique d' lbn Sina، باريس سنة 938، رقم 120). ونحن نجد هذه الفكرة نفسها متضمنة في صيغة الجمع "حجج" وذلك في كتاب "الإشارات"، وكذلك هذا التقسيم الثلاثى (طبعة Forget، ص 64 وما بعدها). ويردد كتاب "منطق المشرقيين" أيضًا (القاهرة سنة 1328 هـ = 1910، ص 10) فكرة "الشفاء" (المدخل، ص 19): وهي أن الحجة هى "المواقعة". على أن "الحجج" في "أقسام العلوم العقلية" (تسع مسائل، القاهرة سنة 1326 هـ = 1908 م، ص 117) يفرق بينها وبين البرهان وتتخذ المعنى الأدق وهي المحاجة الجدلية (في الجدل) المقصود بها إقناع خصم ويترجمها ألباكو Argumentatio: Alpago (انظر A.M. Goichon: كتابه المذكور) علم الكلام: إن الغرض من علم الكلام هو الرد على المتشككين والمنكرين، وكثيرا ما تستعمل كلمة "حجة" في هذا العلم هى وكلمة "دليل" في بيان الحجج (انظر على سبيل المثل: الباقلانى: البيان عن الفرق بين المعجزات والكرامات، طبعة - R.J. Mac Carthy بيروت سنة 1958 الفهرس)، ولكنها قلما تبلغ قوة المصطلح الخالص. والحجة في علم الكلام هى أولا الدليل (والجمع أدلّة) أو الدلالة في عدد من نصوص المعتزلة كما هى في الأشعرى (كتاب اللُّمَع، طبعة R.J. MacCarthy, بيروت سنة 1953، ص 6، 12؛

استحسان، ص 91). وفي المقدمات التي صدر بها كتاب "الإرشاد" (طبعة Luciani، باريس سنة 1938، 5/ 18 - 19) يتحدث الجوينى عن "النظر" ثم يفرد فقرة عن الحجج؛ وهو يستعمل كلمة "الأدلة" ويفرّق بين "الأدلة العقلية" و"الأدلة السمعية" ويمكننا أن نسجل شواهد أخرى كثيرة على هذا. ويعرف الجوينى (كتابه المذكور)، والباقّلانى قبله، الدليل بأنه هو بيان ما خفى. ثمَّ إن الباقلانى يذكر في كتاب "التمهيد" (طبعة MacCarthy، بيروت سنة 1957، ص 14) أن هذا الدليل، الذي يشار إليه بالدلالة وهو الشئ الذي يثبت به شئ (مُسْتَدَلّ)، هو الحجة والواقع أن بيان ما لا يعرف على الفور وبالعقل، والتعريف الحق للدليل، هو الشئ الذي يقنع خصما في سياق "الكلام" والذي يكون حجة دامغة عليه. وفي الحديث عن "الحجج العقلية" يستعمل كتاب "التمهيد" أحيانًا كلمة "أدلة" وأحيانًا كلمة "حجج" (ص 102، 119). على أنَّه إذا كان الأمر أمر التفرقة الواضحة بين الحجج العقلية والحجج النقلية فإنَّه يفضل كلمة "أدلة" (التمهيد، ص 9، 12، 14). وفي المنهج الذي اتبعه كتاب "بيان عن أصول الإيمان" (مخطوط رقم 577 في المكتبة العثمانية بحلب نقلا عن الشيخ الكوثرى والأب جورج قنواتى) يسير أبو جعفر السُمنانى تلميذ الباقلانى بأمانة على نهج السلف ويستعمل أيضًا "الأدلة" للدلالة على الحجج المؤيدة للكلام والحجج التي يستخدمها الكلام. على أنه يعرف الحجة العقلية بأنها "حجة العقول" وهي تسير على خمس قواعد: الاستبعاد والتثبت، والتوصيف، والتعميم، والتوصيف والتعميم معًا (انظر Introduction: Anawati et Gardet a la theologie musulmane باريس سنة 1948, ص 365 - 367) والقواعد الأربع الأخيرة توصف بأنها تقوم على "القياس" بمعناه الجوهرى وهو قياس المثل بالمثل. وهذا يعد في علم الكلام، أوضح الشواهد التي لدينا عن "منطق

مصطلحَيْن". ويستطيع المرء أن يقول إن الحجة في هذا المقام ينظر إليها على وجه الدقة بأنها الحجة الجدلية. الغزالي: إن مفردات الغزالي كثيرا ما تكون كما هو شأنها ملتقى مفردات الفلسفة وعلم الكلام وهو يستعمل على القريحة كلمة "دليل" و"أدلة" بمعنى قريب جدًا من المعنى الذي يستعمله فيها ابن سينا. فقد ذكر بخاصة في أوائل كتاب المنقذ من الضلال أن الدليل (أى التدليل) يفترض الرجوع إلى المبادئ الأولى. على أننا نجد الغزالي الذي عرف رأيه الشخصى (فضلا عن تأثره بالجوينى) وشكه في الاعتماد على الدليل دون سواه، يقول "بتكافؤ الأدلة" وهو أمر يحدث بنور داخلى من طراز آخر. والحق أننا نجد أكثر من هذا أن الغزالي يترك للدليل معناه الأول وهو الشئ الهادي إلى الحقيقة الصريحة والغزالي وهو الذى قدر له أن ينعت "بحجة الإِسلام"، يستعمل الدليل على اليقين أكثر مما يستعمل الحجة للدلالة على البرهان العقلى. على أنَّه يستعمل الحجة بمعناها العام وهو "الحجة المقنعة"، وهي تقتضى، أو يجب أن تقتضى - القبول. ثمَّ هو آخر الأمر يستعمل هذا المصطلح بمعنى أدخل في الإصطلاح حين يبسط نظريته معتمدًا على المنطق الصوري، فيردد كلمة بكلمة تقريبًا تعريفات وتفريقات مدخل الشفاء، وهي أن الحجة التي تستعمل للدلالة على أية محاجة على أنواع ثلاثة: القياس والاستقراء والتمثيل (معيار العلم، القاهرة سنة 1346 هـ = 1927 م، ص 86؛ وانظر أيضًا La notion: Farid Jabre de Certitude selon Ghazali، باريس سنة 1958، الفهرس، مادتى دليل وحجة). وفي منهج الفلسفة والكلام تتخذ كلمة حجة معانى مختلفة اختلافًا غير هين، فأحيانًا تطابق - أو تكاد - كلمة "دليل" وأحيانًا تتميز عن هذه الكلمة؛ وهي طورا توحى بالمحاجة والقياس (والاستنباط) ذى الثلاثة حدود وذى الحدين، وطورًا المحاجة الجدلية التي

المصادر

تحير الخصم وتقنعه. والظاهر أنها في هذا المعنى الأخير قد احتفظت بمعناها الخاص والحجة كما ترجمها لاوست (La Profession de foi d' lbn: H. Laoust Batta، دمشق سنة 1958، ص 90، رقم 2) هى السند الذي يخرج به المرء من خصمه. وهي الحجة الغالبة سواء كانت من تعاليم النبوة أو من مناقب الصحابة (انظر الكتاب المذكور، ص 116)، أو من الاجتهاد الجدلى الذي يصدر عن العقل البشرى. المصادر: وردت في صلب المادة. في مصطلح الشيعة: فكرة أن شيئًا أو شخصًا كان هو "الحجة" الظاهرة على وجود الله أو أن لهذه الفكرة سوابق بين الموحدين قبل الإِسلام. والمصطلح "حجة" عند الشيعة قد استعمل ثلاث استعمالات على الأقل. فهي تدل على الأعم على الشخص الذي يصبح به الله الذي لا يدرك مدركًا، وهو الذي يقوم في أي وقت شاهدًا بين الناس على إرادته تعالى الحقة، أو من ثمَّ فإن النبي [- صلى الله عليه وسلم -] كان حجة الله. ومنذ عهد قديم جدًا اكتسبت الكلمة معنى أخص، فهي قد دلت عند بعض الغلاة على وظيفة خاصة في نطاق الوحى، أو شئ يتمثل فيه دور سلمان شاهدًا على إمامة على وكان هذا المصطلح يستخدم أيضًا للدلالة على أى شخص في طبقة أهل الدين يصبح به الشخص العزيز الذي لا يبلغه الناس قريبًا منهم. وفي عقائد "الاثنى عشرية" قُعَّد الاستعمال الأول لهذا المصطلح. فهو يدل على درجة من الأنبياء والأئمة معًا، يجب أن يكون فيها النبي أو الإمام حاضرًا دائمًا ليكون شاهدا على إرادة الله. ومن ثمَّ فإن القسم الذي يتناول النبوة والإمامة في كتاب الكُلينى: الكافي، عنوانه الحجة، ويدلل على ذلك "بأنّه إذا لم يكن ثمة ممثل لله بين البشر فإن الله كان خليقًا بأن يظل مجهولا ... ؛ ويجب أن يكون مثل هذا الممثل موجودًا دائمًا"، ويعتقدون

المصادر

بوجود مفسر معتمد. والحجة الحالى هو الإمام الثاني عشر المستتر. أما بين الإسماعيلية فإن هذا المصطلح يدل بصفة عامة على شخص معين في طبقة رجال الدين ينظر إليه على اعتبار أن له في الوحى وظيفة. وفي أيام الفاطميين استعمل هذا المصطلح للدلالة على كبير الدعاة الذي يوجه الدعاة العاديين وفي الفقرات التي تتعلّق بعدد رجال الدين يبلغ عدد الحجج أربعة وعشرين المفروض أن اثنى عشر منهم من الدعاة والاثنى عشر الآخرين في حاشية الإمام. ويذكر حجة أكبر هو عين الداعى الأكبر. وقد احتفظ الإسماعيلية الطيبية "البهرة" بالسنة الفاطمية في عقائدهم ولكنهم لم يحتفظوا بها في تنظيماتهم. وأما عند النزارية فإنَّه كان لهذا المصطلح تطور معقد. والراجح أنَّه استعمل نعتا للحسن الصباح بصفته الرأس الظاهر للحركة حين كان الإمام مستترا. ثمَّ حدث من بعد وحين اعتبر الإمام العائد محورًا للوحى الإلهى الذاتى، أن كان ثمة حجة (يجعل هو سلمان المؤمن الأمثل) وهو وحده الذي يستطيع، بالوحى الإلهى، أن يدرك إدراكا كاملًا حقيقة الإمام. والدور الدقيق لهذا الحجة قد مر بعدة مراحل تتمشى مع تطور تعاليم النزارية آخر الأمر، ومن ثمَّ فإن الحجة أصبح بطبيعة الحال ولى عهد الإمام. وفي إثبات الحجة الحالية للنزارية (الخوجات) قد حدد لكل إمام حجة أى متحدث باسمه أو شاهد ظاهر عليه. ولا يقتضى الأمر أن يكون الحجة رجلًا أو حتى شخصًا. المصادر: عن موقف الاثنى عشرية انظر (1) محمَّد الكليني: كتاب الحجة في الكافي. (2) أما عن الاستعمال الإسماعيلى المتقدم فليس ثمة مصدر عمدة ولكن نصير الدين الطوسي: روضة التسليم أو تصورات، طبعة و. إيفانوف (في

حجر

سلسلة الجمعية الإسماعيلية، أ، رقم 4، ليدن سنة 1950) مفيد بصفة خاصة فى حديثه عن المدة المتأخرة (أما ترجمة هذا الكتاب فلا يعتمد عليها). (3) Histoire de la: H. Corbin Philosophie islamique, جـ 1، باريس سنة 1964، وهو يتناول جميع استعمالات المصطلح (انظر الفهرس)، وأما فيما يختص بالنزارية فيكمله كتاب The Order Of the As-: H.G.S. Hodgson sassins، لاهاى سنة 1955، وهو يتتبع التغيرات فى فكرة الحجة فى الظروف التاريخية المختلفة. خورشيد [هودجسون M.G.S. Hodgson] حجر بن عدى الكندى: "أول شهداء" الشيعة، وتميل هذه الطائفة الى تلقيبه "بصاحب النبى". ولكن أقدم الثقات ينكرون ذلك، ويقول الشيعة أيضًا إنه شهد فتوح الشام الأولى حيث فتح إقليم مرج عذراء، ولكن هذا القول كسابقة لا يستند إلى سند قوى. على أنه من البين أن غرضهم من ذلك أن يربطوا من أول الأمر بين حجر وبين هذا المكان الذى استشهد فيه من بعد. وقد نصر حجر عليًا قلبًا وقالبًا منذ البداية، وحارب من أجله فى "وقعة الجمل" وفى صفين؛ ونحن نجده بعدئذ فى مصر مع محمد بن الخليفة أبى بكر، وكان يلى مصر من قبل على، ولما تنازل الحسن بن على عن حقه فى الخلافة غدا حجر اليد المحركة لكافة مؤامرات العلويين فى الكوفة، وأراد الوالى المغيرة بن شعبة أن يعيد السلام إلى نصابه فسعى إلى استمالة حجر حتى بالمال، وحاول زياد بن أبيه خليفة المغيرة أن يعيده إلى رشده، ولكن جهوده باءت بالخيبة أمام هذه النفس المتمردة التى كان صاحبها يطمح أبدًا إلى أن يكون له شأن وخطر؛ فلما توفى الحسن تفاوض حجر مع أخيه الحسين، فدعا الحسين إلى تولى زمام أتباعه فى الكوفة، وانتهز حجر غياب زياد فى البصرة فحاول أن يثير الفتنة، ولكن زيادًا عجل بالعودة ما استطاع، وحاول

المصادر

أن يخمد الفتنة دون إراقة الدماء، ولكن المفاوضات باءت بالخيبة، فأكره زياد على القبض على حجر وعلى أولئك الزعماء من الشيعة الذين ساهموا بأوفر نصيب فى الفتنة، ورفع الأمر إلى القضاء وأعدت ورقة الاتهام ووقعها أبرز رجال الكوفة، وأخذ حجر واصحابه آخر الأمر إلى معاوية فى الشام، وحاكمهم الخليفة من جديد، وبعد أن سأل قادة الشام رأيهم فى الأمر حكم على حجر بالموت ونفذ الحكم فيه فى مرج عذراء قرب دمشق، وفقد هذا المتشيع لعلى شجاعته تمامًا فى اللحظات الأخيرة من حياته. وكان مقتل حجر فاتحة الاستشهاد بين الشيعة ومن هنا نشأت الأهمية التى أسبغت على هذا الحادث الذى يكاد يقع كل يوم، مع أنه لا يعد فى الواقع إلا حادثًا عارضًا فى الفتن التى كانت تنتاب العراق وقال فلهوزن - Well) (hausen إن زيادًا سلك فى هذا الحادث مسلكًا قويمًا وإن معاوية كان إلى الهوادة واللين أميل لأنه عفا عن جل شركاء حجر. المصادر: (1) ابن حجر: الإصابة (الطبعة المصرية) جـ 1، ص 314 - 315. (2) الدينورى: الأخبار الطوال (طبعة كركاس Guirgass)، ص 333 - 234 (3) اليعقوبى: التاريخ (طبعة هوتسما) جـ 2، ص 229 - 230، 273 - 275 (4) الكندى: ولاة مصر (طبعة غست) ص 25 (5) ابن سعد: الطبقات (طبقة سخاو) جـ 6، ص 151 - 154. (6) الطبرى: التاريخ (طبعة ده غويه)؛ جـ 1، ص 3462، 3151, 3155، 3164، 3337، 3371، 3447. (7) الأغانى؛ جـ 14، ص 142؛ جـ 16، ص 2, 11.

حد

(8) Die religios: Wellhausen politischen oppositions parteien im alten lslam, وانظر عن المصادر الأخرى الكاتب المذكور: ziad ibn Abihi (فى - Ri vista degli Studi Orientali)؛ جـ 4، ص 70 - 74. خورشيد [لامنس H. Lammens]. حد والجمع حدود بمعنى الفاصل بين شيئين؛ وحد الشئ منتهاه، والحد المنع أو القيد. ولهذه الكلمة فى الاصطلاح العلمى معان مختلفة ففى القرآن نجدها فى صيغة الجمع دائمًا، ومعناها القيود التى فرضها الله، أى أحكام الشريعة من الأوامر والنواهى. وهى ترد بهذا المعنى فى أواخر كثير من الآيات التى تتضمن أحكامًا شرعية. ففى سورة البقرة (آية 187) جاء بعد بيان أحكام الصيام قوله تعالى "تلك حدود الله فلا تقربوها" وقد وردت بهذا المعنى أيضًا فى السورة نفسها (الآية 229 وما بعدها) حيث بينت أحكام الطلاق وكذلك وردت فى آيات أخرى. ويذهب كزيميرسكى فى تعليقه على أن هذا التعبير يذكر بالقيود المحيطة بالشريعة المرسومة Sepis Legis. والحد فى الشريعة الإسلامية (الجنائية) هى عقوبة مقدرة وجبت حقا لله تعالى. وهذه الحدود التى أوردها كزيميرسكى بحالات الزنا والقذف وشرب الخمر وغيره من المسكرات. وعقوبات أخرى للسرقة تختلف باختلاف الظروف. وتعد هذه المخالفات للشريعة خطيرة، ومع ذلك فللمذنب أن يطمع فى عفو الله لأن الذنب وقع فى حق الله، وإذا ما أنكر المذنب ورد التهم التى وجهت إليه فيحسن بالقضاة ألا يغلظوا عليه وأن يعطوه كل فرصة لتبرئة نفسه". ومن أراد زيادة فى التفصيل فليرجع إلى Hand-: Juynboll

الحديبية

buch des Islamichsen Gesetzes ص 292 وما بعدها. والحد فى الفلسفة التعريف، وتسمى الصفات التى تميز الشئ التعريفات. ويكون التعريف تامًا إذا تركب من الجنس والفصل القريبين كتعريف الإنسان بالحيوان الناطق، وهناك نوع من الحد يضع الشئ المطلوب تعريفه بين مقدارين يكون منتهى لأحدهما ومبتدأ للآخر. والتعريفات التى تجدها فى رأس شتى العلوم تسمى حدودًا كمقدمة علم الهندسة لإقليدس، أما المطلوبات فتسمى مصادرات (انظر Codex Leidensis 699 Elementa Euclides, طبعة & Besthorn Heiberg سنة 1893). والحد فى الفلك أقسام معينة تحت كل برج ويختص كل قسم بواحد من الكواكب السيارة الخمسة. والحد عند المتصوفة وبخاصة المحدود معناه تناهى المخلوقات بالنسبة إلى الله الذى لا حد له، فالإنسان عندهم منحصر فى الزمان والمكان. عباس محمود [كاراده فو B. Carra de Vaux] الحديبية (*) واد على مرحلة من مكة، أى على بعد تسعة أميال تقريبًا منها وبعض الحديبية فى حرم مكة وبعضها فى الحل وهو أبعد الحل من البيت، وكان هذا الوادى الممحل حوالى الهجرة مركزًا لعبادة يقوم بها أهل تلك الناحية. وكان فيها بئر وشجرة مقدسة (1)، ثم نشأت قرية متوسطة فى هذا المكان، فكانت قصبة للأراضى المجاورة لها وتوافرت فى هذه الأراضى المياه الخارجة من بطن الأرض. ولم يستطع النبى [- صلى الله عليه وسلم -] أن يعد نفسه قابضًا على ناصية الحال إلا فى ¬

_ (*) توجد ردود وتعليقات على ما جاء فى هذه المادة لاحقة بها.

الشهور الأخيرة من العام السادس للهجرة بعد أن قضى على العشائر اليهودية وأذل المنافقين فى المدينة، ومن ثم رأى أن الوقت قد حان لفتح مكة ردًا على حصار الخندق، وهو الحصار الذى حاولته قريش، وقد اتخذ النبى [- صلى الله عليه وسلم -] كل الأهبة لهذا الفتح بفضل السياسة التى التزمها، ولم يحد عنها، بتركيز الاهتمام على مكة أم البلاد، وقد أوحى له بتغيير القبلة وفرض الحج. ويبدو أن النبى [- صلى الله عليه وسلم -] فكر أول الأمر فى القيام بغزوة عسكرية. فقد كان المفروض أن يسير فى عدد يتفاوت بين 1400 و 1600 من الرجال المسلمين ولكنه عدل خطته وأعلن أنه انتوى العمرة. وكان المقدر أن يدخل مكة، أو أن يجبر قريشًا على مفاوضته، وكان جنده من القوة بحيث يكسب احترام المكيين، ولكن القرشيين لم يخاطروا وأخذوا الحذر فاحتلوا مشارف مكة، ودخل [- صلى الله عليه وسلم -] فى مفاوضات معهم واقتصر فى مطالبه على طلب واحد هو أن يسمح له ولصحبه بزيارة الكعبة، ولكن هذا الطلب رفض اول الأمر وتلت ذلك مفاوضات طويلة شاقة، ولم يتح لعمر أن يسفر لمكة لمفاوضة قريش، فاختير. عثمان لهذا الغرض فقد كان له فى جاه أسرته بنى أمية أصحاب النفوذ حمى ومنعة، فلما أرجف بموته جمع محمد [- صلى الله عليه وسلم -] صحبه تحت شجرة الحديبية وطلب إليهم مبايعته، وهى البيعة التى يطلق عليها بيعة الحديبية وتسمى أيضًا "بيعة الشجرة" أو "بيعة الرضوان" (وهى إشارة للآية 18 من سورة الفتح) التى تواتر انها تشير إلى هذه الحوادث (2). وقد أطلق لقب "شجرى" فى تاريخ الإسلام على كل من اشترك فى المبايعة نسبة إلى الشجرة التى بويع النبى [- صلى الله عليه وسلم -] تحتها (3)؛ وبعد بضعة أيام وصل سفراء من مكة، وقد بحث العهد الذى كان مزمعًا إبرامه حكمًا حكمًا وكلمة كلمة، وقطع على نفسه العهد بأنه يرد على قريش من يأتيه منهم ولكن المكيين لم يتعهدوا برد المسلمين، أما العمرة فقد سمح

المصادر

للمسلمين بأدائها فى العام التالى على أن يكون معهم من السلاح السيوف فى قربها ولا سلاح غيرها. وقد جانَب هذا العهد آمال الصحابة، فكانوا قد ضاقوا صبرًا بطول المدة التى قضوها فى سكون إلا أن النبى [- صلى الله عليه وسلم -] فى الواقع قد كسب فى صراعه مع مكة كسبًا سياسيًا عظيما، ذلك أنه لم يتنازل من ناحيته عن أية حقوق كان كسبها اللهم إلا مطالب بسيطة كما أنه حمل أشراف قريش على مفاوضته مفاوضة الند واعترف به لأول مرة أمام العرب جميعًا بأنه أصبح من أصحاب السلطان فى البلاد، فقد دخلت قريش فى مفاوضة مع ذلكم الرجل الذى هاجر ومعه أتباعه من الآبقين الذين قطعوا كل ما كان يربطهم من صلة بمنازلهم، فأسدلت بذلك دار الندوة على الماضى ستار النسيان ومن ثم أتيح لأبى القاسم أن يستثمر ذلك إلى أقصى حد، وأن يفيد من حرية التنقل التى أباحها له هذا العهد إفادة كاملة، ولم تعد المدينة تخشى شيئًا من مكة، وما كانت لتعوز النبى [- صلى الله عليه وسلم -] الوسيلة الى التحايل على القيود الثقيلة التى رضى بها (4) واعتزم النبى فى الوقت نفسه أن ينحر فى الحديبية الهدى الذى جاء به، وأُضيفت. المصادر: (1) ياقوت: المعجم (الطبعة المصرية)؛ جـ 3، ص 233 - 234 (2) البكرى: المعجم (طبعة فستنفلد)، ص 128، 272, 521, 813. (3) مسلم: صحيح؛ جـ 2، ص 64، 65, 91, 92. (4) ابن سعد: الطبقات (طبعة سخاو)؛ مجلد 2، جـ 1، ص 69، 70 - 73, 76؛ مجلد 4، جـ 2، ص 40 (5) ابن حنبل: المسند، جـ 3، ص 350 (7) , 355, 384, 396, 420, 486, جـ 4, ص 48 - 49, ص 323, جـ 5, ص 326. (6) Annali: Caetani , جـ 3، ص 139 (7) ابن هشام: السيرة (طبعة

تعليقات على مادة "الحديبية"

فستنفلد) ص 740، ص 743، ص 745، ص 746. (8) الواقدى: مغازى (طبعة فلهوزن) ص 242، ص 244, ص 260. (9) ابن الأثير: أسد الغابة، جـ 4، ص 59. خورشيد [لامنس H. Lammens] تعليقات على مادة "الحديبية" (1) هذا غير دقيق، إن لم يكن غير صحيح فإنا لم نجد فى المصادر التى أشار إليها كاتب المادة، ولا فى غيرها مما اطلعنا عليه، ما يدل على أن هذه البقعة كانت مركزًا لعبادة يقوم بها أهل تلك الجهة. وكلامه يوهم أن الشجرة التى يسميها "مقدسة" كانت بهذه الصفة فى ذلك الوقت، وليس كذلك. إنها شجرة قديمة حدباء سميت بها الناحية كما قال الخطابى، ولكن لم يكن لها أى تقديس. وكل ما فى الأمر أنه بعد أن بايع النبى [- صلى الله عليه وسلم -] أصحابه تحتها أو تحت شجرة غيرها بيعة الرضوان، توهم بعض الضعفاء من المسلمين فى عهد عمر أن لها ميزة خاصة. فلما أن رأى عمر ذلك خشى شبهة تعظيمها، مما قد يشعر بمعنى يتصل بالوثنية من قريب أو من بعيد، والإسلام إنما جاء أولا وبالذات لتوحيد اللَّه توحيدًا مطلقًا من كل شائبة، توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية وحارب الوثنية الظاهرة والخفية، حربًا لا هوادة فيها. لما رأى عمر ذلك أمر بقطع الشجرة حتى اندثر أثرها وخفى موضعها على من عرفها وحضرها وعلى من لم يعرفها وجاء من بعدهم. (2) لا ندرى ماذا يريد هذا القائل أن يقول. إن آية سورة الفتح {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} فهى إشارة إلى بيعة الشجرة إشارة صريحة لا مبهمة! أما إن كان يريد أن يوهم القارئ أن المسلمين يتواتر بينهم اْن هذه الآية نزلت قبل البيعة، وهو لا

يرضى أن يسلم بصحة النبوة وبصدق القرآن، فليس فى المسلمين من يجهل أن سورة الفتح نزلت بعد بيعة الرضوان وبعد العهد الذى تم فى الحديبية مع قريش، فلم تكن إخبارًا عن مستقبل مغيب، بل كانت خبرًا عن شئ وقع فعلا. (3) فى هذا شئ من الصحة فى أصله! ولكن لا يعرف على إطلاقه. فإن النسبة إلى "شجرة" فى قواعد اللغة "شجرى" فما من شئ يمنع إطلاق هذه النسبة، ولكنها لم تعرف معرفة شائعة بين الناس، ولم نسمع بها إلا فى الندرة، ولم أجد من ذكره إلا كلمة لسفيان بن عيينة، نقلها الإمام أحمد بن حنبل فى مسنده (ج 5، 326) قال: سمعت سفيان بن عيينة يسمى النقباء، فسمى عبادة بن الصامت منهم. قال سفيان "عبادة عقبى أحدى بدرى شجرى وهو نقيب". فهذا هو الموضع الواحد الذى وجدت فيه هذا الاستعمال، فما أظن بعد ذلك يستقيم قول كاتب المقال أنه يطلق "فى تاريخ الإسلام على كل من اشترك فى المبايعة". (4) هذه أخت تلك الماضية ما جرؤ أجرأ عدو للَّه ولرسوله. والإسلام أن يزعم أن رسول الله نقض العهد وهو أهل الوفاء وهو الآمر بالعدل، وهو الذى علم الناس الصدق والإخلاص، وهو الذى جعل من علامة المنافق أنه إذا حدث كذب وإذا عاهد غدر وإذا وعد أخلف. وهو الذى كان يسميه قومه شابًا فتيًا باسم "الأمين" وصفًا لخلقه فيهم وإقرارًا منهم بما يرونه من صدقه وأمانته. ثم عادوه وعاداه غيرهم فما أخذ عليه واحد منهم مأخذًا فى صدقه أو وفائه. ولكن الأب لامنس اليسوعى لم ير على نفسه غضاضة أن يقول ما لم يقل أحد من هؤلاء. أما إنكاره تشريع الإسلام فى القبلة وفى الحج وادعاؤه أن رسول اللَّه "زاد بعض المناسك فى شعائر الحج" فما يستطيع أحد أن يرغمه على الإيمان، واللَّه يقول لرسوله: إنك لا تهدى من أحببت ولكن اللَّه يهدى من يشاء. أحمد محمد شاكر

الحديث

الحديث (*) لهذه الكلمة معنى عام هو الخبر أو المحادثة، دينية كانت أم غير دينية؛ (1) ثم أصبح لها معنى خاص، هو ما ورد عن النبى [- صلى الله عليه وسلم -] ورواه صحابته من قول أو فعل. وفى هذا المعنى يطلق على جملتة عند المسلمين اسم "الحديث"، ويطلق على العلم الخاص به "علم الحديث". 1 - موضوع الحديث وصفته كان السير على سنة الآباء الأولين (والسنة هى النهج القديم المأثور الذى يعتاده المرء فى المبادلة والأخذ والعطاء) (انظر Muhamm. Stud.: Goldziher؛ جـ 1، ص 41، تعليق 8) ولما جاء الإسلام لم يُبق على القديم، وهو اتباع عادات الآباء الكفار وأحوالهم وكان لا بد للمسلمين من أن ينشئوا لهم سنة جديدة. فأصبح واجبًا على المؤمن أن يتخذ من خلق الرسول وصحابته مثلا يحتذيه فى جميع أحوال معاشه، ولهذا بذل كل جهد ممكن فى سبيل جمع أخبار النبى [- صلى الله عليه وسلم -] وصحابته (2). وفى أول الأمر كان الصحابة أحسن مرجع لمعرفة سنة محمد [- صلى الله عليه وسلم -]، فهم قد عاشروه، وسمعوا قوله بآذانهم، وشاهدوا فعله بأبصارهم. ثم كان على المسلمين بعد ذلك أن يطمئنوا إلى أخبار التابعين وهم أهل الجيل الأول بعد النبى [- صلى الله عليه وسلم -]، وقد أخذوا الحديث عن الصحابة. واطمأنت نفوس المسلمين فى الأجيال اللاحقة إلى الوثوق بروايات تابعى التابعين أيضًا، وهم من أهل الجيل الثانى بعد النبى [- صلى الله عليه وسلم -] وقد عاصروا الصحابة وهكذا (3). واحتفظت الأحاديث بصبغة الأقوال الشخصية أجيالا عدة، فكان كل حديث صحيح يتألف من شطرين: الأول عبارة عن أسماء الرواة الذين نقلوا المتن أحدهم عن الآخر، ويسمى هذا الشطر "الإسناد" أو "السند" أى البرهان على صحة الرواية. فمن يروى الحديث كان يقول: سمعت فلانًا، أو حدثنى فلان عن فلان، وهكذا يبدأ الإسناد بالمحدث، ثم ¬

_ (*) توجد تعليقات على هذه المادة لاحقة بها.

يذكر سلسلة السند إلى أن يرفع الحديث إلى مصدره الأول. والشطر الثانى من الحديث هو "المتن" أى النص أو القول المروى (انظر تفصيل ذلك فى Goldziher: المصدر المذكور، جـ 2، ص 6 - 8) وبعد وفاة محمد [- صلى الله عليه وسلم -] لم تستطع الآراء والمعاملات الدينية الأصلية التى سادت فى الرعيل الأول أن تثبت على حالها من غير تغير: فقد حل عهد للتطور جديد، وبدأ العلماء يدخلون شيئًا من التطور فى نظام مرتب من الأعمال والعقائد يتواءم والأحوال الجديدة. فقد أصبح الإسلام بعد الفتوح العظيمة يبسط سيادته على مساحات شاسعة، واستعير من الشعوب المغلوبة على أمرها آراء ونظم جديدة، وتأثرت حياة المسلمين وأفكارهم حين ذاك فى بعض النواحى بالاسرائيليات وغيرها. وعلى أية حال فإن المسلمين التزموا أيما التزام المبدأ القائل بأن سنة النبى [- صلى الله عليه وسلم -] والسابقين الأولين فى الإسلام هى وحدها التى يمكن أن تكون القانون الخلقى للمؤمنين. وسرعان ما أدى هذا بالضرورة إلى وضع الأحاديث فاستباح البعض لأنفسهم اختراع أحاديث تتضمن القول أو الفعل ونسبوها إلى النبى [- صلى الله عليه وسلم -] لكى تتفق وآراء العصر التالى، وكثرت الأحاديث الموضوعة وتداولها الناس منسوبة إلى النبى [- صلى الله عليه وسلم -] بحيث تجعله يقول أو يفعل شيئًا مما كان يعد فى ذلك العصر من الأمور المستحسنة وظهرت فى الحديث أقوال مأخوذة من أقوال الرسل والأناجيل المنحولة، ومن الآراء الإسرائيلية والعقائد الفلسفية اليونانية إلخ .. تلك الآراء التى لقيت الحظوة عند فريق معين من المسلمين، ونسبت كل هذه الأقوال إلى النبى [- صلى الله عليه وسلم -] (انظر جولدتسيهر: المصدر المذكور، جـ 2، ص 582 وما بعدها؛ Neu-: Goldziher -testamentliche Elemente in der Trad itionslitteratur der Islam فى oriens Christianus طبعة 1902، ص 390 وما بعدها). ولم يتورع الناس عند ذاك عن أن يجعلوا النبى [- صلى الله عليه وسلم -] يفصِّل على هذا النحو القصص والأساطير التى وردت

موجزة فى القرآن ويدعو إلى آراء ومعتقدات جديدة إلخ .. بل جعلوا كثير من هذه الأحاديث الموضوعة تتناول أحكام: كالحلال والحرام والطهارة وأحكام الطعام، والشريعة، وآداب السلوك ومكارم الأخلاق. ثم وضعت أحاديث تتناول العقائد، ويوم الحساب، والجنة والنار، والملائكة والخلق، والوحى والأنبياء السابقين. وفى الجملة وضعت أحاديث فى ما يتعلق بالصلة بين الله والإنسان وتشتمل هذه الأحاديث الموضوعة كذلك على عظات وتعاليم خلقية نسبت إلى النبى [- صلى الله عليه وسلم -]. ومع مضى الزمن ازداد ما روى عن النبى [- صلى الله عليه وسلم -] من قول أو فعل شيئًا فشيئًا فى عدده وفى غزارته. وفى القرون الأولى التى تلت وفاة الرسول [- صلى الله عليه وسلم -] عظم الخلاف بين المسلمين على جملة من الآراء فى مسائل تختلف طبائعها أشد الاختلاف، وعملت كل فرقة على تأييد رأيها على قدر ما تستطيع بقول أو تقرير منسوب إلى النبى [- صلى الله عليه وسلم -] ومن استطاع أن يرد رأيه إلى أثر من آثار النبى [- صلى الله عليه وسلم -] فهو على الحق من غير شك. ولهذا وجدت الأحاديث الموضوعة فى سنة محمد [- صلى الله عليه وسلم -] (4). وفى الخلافات الكبرى التى نشأت عن العصبية، جرى كل فريق على التوسل بمحمد [- صلى الله عليه وسلم -] (انظر Goldziher: . Muhamm. Stud, جـ 2، ص 88 وما بعدها فمثلا نجد أنه قد نسب إلى النبى [- صلى الله عليه وسلم -] قول تنبأ فيه بقيام دولة العباسيين. وجملة القول إنهم جعلوه يتنبأ، على نحو تمتزج فيه الرؤية بالنبوة, بما جرى بعد ذلك من حوادث سياسية وحركات دينية، بل بالظواهر الاجتماعية الجديدة التى إنما نشأت من الفتوح العظيمة (كازدياد الترف) وكان غرضهم تبرير كل ذلك فى نظر الجماعة الجديدة. وهناك قسم خاص من هذه الأحاديث التنبئية وضعت فى صورة أقوال نسبت إلى محمد [- صلى الله عليه وسلم -] تتعلق بفضائل أماكن متعددة ونواح فى بلاد لم يفتحها المسلمون إلا فى عصر متأخر (انظر Goldziher: نفس المصدر، جـ 2، ص 28 وما بعدها). وعلى هذا لا يمكن أن تعد الكثرة الغالبة من تلك الأحاديث وصفًا

تاريخيًا لسنة النبى [- صلى الله عليه وسلم -]؛ بل هى تمثل آراء اعتنقها بعض أصحاب النفوذ بعد وفاة محمد [- صلى الله عليه وسلم -]، ونسبت إليه عند ذلك فقط (5). والعلم مدين دينًا كبيرًا لما كتبه جولد تسيهر Goldziher فى هذا الموضوع (انظر. Muhamm. Stud طبع هال سنة 1890، وغيره من مؤلفاته). وهو مدين كذلك لما كتبه سنوك هرجرونييه G. Snouck Hurgronje (انظر من بين مؤلفاته العديدة رسالته المسماة Le Droit Musulman فى مجلة تاريخ الأديان Revue de l'histoire de Religions جـ 36، ص 6 وما بعدها). فهذان العالمان هما اللذان بيَّنا لأول مرة فى وضوح وجلاء صفة الحديث الحقيقية وأهميته التاريخية من هذه الناحية (6). ومع أن المسلمين كانوا يلعنون واضعى الأحاديث ومن يذيعها بين الناس عن سوء قصد، إلا أن ثمة اعتبارات مخففة أخذ بها فى بعض الأحوال وبخاصة إذا كان الحديث الموضوع يتناول بعض العظات أو التعاليم الخلقية (7) راجع التفصيلات فى (Goldziher المصدر المذكور، جـ 2، ص 131 وما بعدها وص 153 وما بعدها، والكاتب نفسه فى - Zeitschr. der Deutsch Morgenl Ge sellsch جـ 61، ص 860). والعالم الإسلامى كله يجعل للحديث مكانة عظيمة تتلو مكانة القرآن. وسرعان ما تغلب المسلمون على ما قام فى بعض الدوائر من الاعتراض على جمع الحديث وإذاعته بين الناس (انظر مقال Kaempfe um die Stellung: Goldziher ,des Hadith im Islam , فى Zeitschr der Deutsch Morgenl. Gesellsch جـ 61, ص 860، وما بعدها). وفى بعض الحالات يعتقد أن "كلام الله" نفسه يوجد فى الحديث كما يوجد فى القرآن. ومثل هذا الحديث يبدأ عادة بعبارة "قال الله" ويسميه علماء المسلمين "الحديث القدسى أو الإلهى" ويطلقون على غيره اسم "الحديث النبوى". وهناك ثبت بالأحاديث النبوية فى مخطوط بمكتبة ليدن رقم 1562 (Catal. Cod. Or جـ 4، 98).

2 - نقد المسلمين للحديث

2 - نقد المسلمين للحديث لا يعد الحديث صحيحًا فى نظر المسلمين إلا إذا تتابعت سلسلة الإسناد من غير انقطاع وكانت تتألف من أفراد يوثق بروايتهم. وتحقيق الإسناد جعل علماء المسلمين يقتلون الأمر بحثًا، ولم يكتفوا بتحقيق أسماء الرجال وأحوالهم لمعرفة الوقت الذى عاشوا فيه وأحوال معاشهم، ومكان وجودهم، ومن منهم كان على معرفة شخصية بالآخر؛ بل فحصوا أيضًا عن قيمة المحدث صدقًا وكذبًا وعن مقدار تحريه للدقة والأمانة فى نقل المتون ليحكموا أى الرواة كان ثقة فى روايته، ويسمى نقد الرجال باسم "الجرح والتعديل" (نظر - Gold Muhamm. stud: ziher جـ 2, ص 143 وما بعدها). ومعرفة الرجال لا بد منها لدرس الحديث، ولهذا تتضمن جميع الشروح لمجموعات الأحاديث تفصيلات مطولة عن الرجال تتفاوت طولا وقصرا. وهناك مؤلفات معينة تقتصر على هذا الموضوع، من بينها ما يسمى بكتب الطبقات وهى تراجم مرتبة فى طبقات، وتتناول سير عدة علماء ورواة للحديث وغيرهم (نظر Ursprung und: O.Loth Bedeutung der Tabakat., Zeitschr. der .Deutsch. Morgenl. Gesellsch جـ 32, ص 593 - 614). نضرب لهذه الكتب مثلا بكتاب الطبقات لابن سعد المتوفى سنة 230 هـ (844 م)؛ وهو كتاب مشهور؛ و"طبقات الحفاظ" للذهبى المتوفى سنة 848 هـ (1347 م). ومن هذا النوع أيضًا ما صنف فى الرواة الضعفاء مثل "كتاب الضعفاء" للنسائى (أنظر Goldziher: المصدر نفسه، جـ 2، ص 141، وما بعدها). وكذلك سير الصحابة مثل كتاب "الإصابة فى تمييز الصحابة" لابن حجر المتوفى سنة 852 هـ (1448 م) وكتاب "أسد الغابة فى معرفة الصحابة" لابن الأثير المتوفى سنة 620 هـ (1232 م). والحكم على قيمة المحدث قد يختلف اختلافًا بينًا، فربما كان ثقة عند قوم، ولكن غيرهم كانوا يعدونه فى منتهى الضعف فى روايته. بل أن الثقة ببعض كبار الصحابة لم تكن من الأمور المسلمة عند الجميع فى أول الأمر.

ولهذا نجد أن الثقة بأبى هريرة كانت محل جدل عنيف بين كثير من الناس (8). وكان الحكم على محدث يختلف باختلاف وجهة نظر كل طائفة أو فرقة معينة، ونشأ عن هذا خلافات مرة. وينبغى أن نذكر فى هذا المقام أن مادة الحديث المروى كانت أيضا أصل التنازع. وإذا كانت الثقة بالمحدثين هى محل النزاع، فالغالب أن ما فى موضوع الحديث من هوى هو الذى كان يثير المعارضة دائمًا. فالحكم النهائى لم يكن مقصودًا به قيمة المحدث وإنما كان المقصود به الحكم على مادة الروايات التى يرويها (9). وفى عصر متأخر، وبعد أن اتخذت العقائد والعبادات والنظم السياسية والاجتماعية وضعًا محددًا فى القرنين الثانى والثالث للهجرة نشأ رأى عام معين فيما يتعلق بالثقة بمعظم رواة الحديث وقيمة رواياتهم. وقد اعتبرت أصول العقائد التى اشتملت عليها كتب مالك بن أنس والشافعى وغيرهما من العلماء صحيحة فى نظر طوائف واعتبرت ثقة على وجه خاص فيما روته من أحاديث محمد [- صلى الله عليه وسلم -]. ومع مضى الزمن لم يجرؤ أحد على الشك فى صحة هذه الأحاديث؛ ولم يصبح فى الإمكان اعتبار رجال كأبى هريرة - الذى يرجع إليه الفضل فى تداول هذه الأحاديث - من الكاذبين. بل سلِّم على وجه عام بصحة كثير من الأحاديث التى تتضمن بعض أخطاء تاريخية شديدة الوضوح (10)، ولم يرفض شئ منها إلا ما كان لا يتعارض مع ما وقع الإجماع على صحته. على أن الميل على العموم كان متجها إلى الثقة بمثل هذه الأحاديث أيضًا إذا أمكن على الأقل تفسيرها بروح من التوفيق. وعلى مر الزمن فقدت الخلافات القديمة كل أهمية عملية عند الأجيال الناشئة، ووجد أن معظم الأحاديث المتصلة بهذه الخلافات، ولو أن بعضها يعارض البعض الآخر، إلا أنه أمكن فى الغالب التوفيق بينها بفضل المهارة فى تفسير مضمونها. وعلى هذا أصبح رفض الحديث يعد عملا متطرفًا لا يلجأ إليه إلا عند اليأس من تأويله (انظر

3 - تصنيف الحديث

Snouck Hurgronje المصدر المذكور آنفًا)، والأحاديث العديدة (الموضوعة) المتناقضة فى موضوع بعينه، تمد المؤرخ فى الغالب بدليل لا يقوم على التطور الداخلى للإسلام. على أن الأحاديث مع هذا لم تكن كلها متساوية القيمة عند علماء المسلمين، بل جعلوها أنواعًا متفاوتة تميزها تعريفات فنية معينة تبعًا لاكتمال الإسناد والثقة بالمحدثين، إلخ ... 3 - تصنيف الحديث ينقسم الحديث أولًا إلى ثلاثة أقسام: أ - (1) "صالح" أى صحيح، ويطلق هذا الاسم على الحديث الصحيح الخالى من الخطأ، والذى لا توجد علة فى إسناده، ولا يعارض شيئًا معلومًا من الدين بالضرورة. (2) ويسمى الحديث "حسنًا" إذا لم يكن بريئًا من الشوائب براءة تامة، كأن يكون غير متصل السند تمام الاتصال، أو كأن يقع الإجماع على الثقة براوية (11). (3) ويعتبر الحديث "ضعيفًا" إذا وقع فيه شك خطير، كأن يكون ذلك فى متنه، أو كأن يكون واحد أو أكثر من سلسلة إسناده ممن لا يوثق بروايتهم، أو ممن اتهم بشئ من البدع. ب - وقد يحدث أن تكون قيمة الرواية محل شك لأن الراوى ذكر كلامًا فى أثناء الحديث بحيث يستحيل الفصل بين قوله هو وقول الرسول [- صلى الله عليه وسلم -]. ويسمى هذا الحديث بالحديث "المدرج". ويسمى الحديث "متروكًا" إذا انفرد به راو واحد تعد الثقة بروايته ضعيفة. أما الحديث الذى يعتبر مكذوبًا فيسمى بالحديث "الموضوع". جـ - ولا تتناول الأحاديث كلها أقوال النبى [- صلى الله عليه وسلم -] وأفعاله. بل نجد منها ما يتعلق بالصحابة والتابعين. وهنا يفرق بين: (1) الحديث المرفوع وهو ما أضيف إلى النبى [- صلى الله عليه وسلم -]. (2) والموقوف وهو ما أضيف إلى الصحابى من قول أو فعل.

(3) والمقطوع وهو ما لا يرتفع إلا إلى الجيل الأول بعد محمد، وقد يراد به ما أضيف إلى التابعى من قول أو فعل. د - ويميز بين الأحاديث من ناحية الإسناد واتصاله على الوجه الآتى: إن كان الحديث متصل السند ورواته من العدول الى أن يرتفع إلى صحابى فإنه يسمى بالحديث المسند. وإذا اشتمل الحديث على ملاحظات تتعلق بالرواة جميعهم (كأن يقرر ضمنًا أنهم حلفوا اليمين عند روايتهم للحديث أو شبك كل واحد من رواته يده بيد من رواه عنه) فإنه يسمى "المسلسل". وفى الحالة الأولى يسمى "مسلسل الحلف"، وفى الثانية "مسلسل اليد" إلخ ... (انظر Katal der. Arab: Ahlwardt HSS. der Kgl. Bibliothek, zu Berlin، جـ 2، ص 267 - 273). وإذا كان الاسناد متصلا قليل الرجال بالنسبة لغيره. وذلك لأن آخر رواته تلقاه عن أولهم عن أشخاص قليلى العدد، فإن الحديث يسمى "بالحديث العالى". ولهذا النوع من الإسناد فائدة عظمى. إذ أن إمكان وقوع الخطأ فيه قليل جدًا. راجع ما يتعلق بالرواة المعمرين (Goldziher: المصدر المذكور، جـ 2، ص 170 - 174). ويسمى الإسناد متصلا إذا كانت سلسلة السند متصلة وكاملة، ويقابل المنقطع بالمعنى العام. على أن القاعدة هى أنه يراد بالحديث المنقطع، بالمعنى الخاص، ما سقط من رواته واحد من التابعين. ويطلق اسم الحديث المرسل على الحديث الذى رفعه تابعى إلى النبى [- صلى الله عليه وسلم -] ولم يكن معروفًا اسم الصحابى الذى سمعه منه. واختلف فى الاحتجاج بالحديث المرسل، فالمتقدمون من الفقهاء مثل أبى حنيفة ومالك ابن أنس قالوا بقبوله، أما المتأخرون فقد قالوا بغير ذلك (انظر بين مصادر أخرى: Zeitschr. der Deutsch. Morgenl. Gesellsch، جـ 23، ص 595، هامش 3).

والحديث يسمى "بالحديث المعضل" إذا سقط من سنده اثنان أو أكثر سواء كان السقوط من أول السند أو من أثنائه أو من آخره. ويذهب بعض العلماء إلى القول بأن المعضل هو ما سقط اثنان أو أكثر من إسناده بالتتابع. وإذا روى الراوى الحديث عن شيخه بلفظ "عن" لا غير، كأن يقول "عن فلان" فمن المحتمل أن يكون لم يسمع الحديث من الشيخ الذى روى عنه، وإنما سمعه من أشخاص آخرين لم يرد ذكر أسمائهم فى الإسناد، ويسمى مثل هذا الحديث بالحديث المعنعن (راجع التفصيلات الأخرى فى Goldziher: muh .stud. جـ 2, ص 248). والمبهم اسم يطلق على الحديث الذى يروى عن شخص لم يذكر اسمه فى الإسناد. هـ - وينقسم الحديث باعتبار طرق الإسناد إلى الأقسام الآتية: 1 - المتواتر: وهو ما رواه فى كل طبقة جماعة يمتنع تواطؤهم على الكذب، وذلك من ابتدائه إلى انتهائه ولم يخالف فيه أحد. 2 - المشهور: وهو ما رواه ثلاثة فأكثر من العدول، ويرى البعض أنه هو الذى استفاض فيما بعد ولم يكن قد رواه فى الأصل إلا واحد من الجيل الأول. 3 - والعزيز: وهو ما رواه اثنان ولم يستفض كالأحاديث المتواترة أو المشهورة. 4 - والآحاد: اسم يطلق على الأحاديث التى رواها واحد فقط (فى أى طبقة من طبقات الإسناد). 5 - والغريب: فى الغالب هو الحديث النادر. والغريب المطلق باعتبار الإسناد هو ما رواه تابعى فى الجيل الثانى فقط (انظر فرد جـ 2، ص 61 ب، وغريب جـ 2، 141 ب) وإذا انفرد برواية الحديث شخص من الأجيال المتأخرة فإن الحديث ليس غريبًا بالنسبة "لشخص معين". ويسمى الحديث بالغريب أيضًا إذا اشتمل متنه على عبارات نادرة أو غريبة، ويكون هذا الوصف باعتبار معناه. وهذه المصطلحات الفنية لم تكن فى الأصل متفقًا على تفسيرها بمعنى واحد بين

4 - مجموعات الحديث

علماء المسلمين. ويقال مثلا إن الإمام الشافعى لم يفرق بين الحديث المقطوع والحديث المنقطع. والمصنفات المتأخرة كذلك ليس بينها اتفاق مطلق على هذه التعريفات (انظر der lzz al din: F. Risch -Abu Abd Allah ueber die Kun stausdruecke Der Traditionswissenschaft nebst Er laueterungen طبع ليبسك سنة 1895, وكذلك الجرجانى: كتاب التعريفات طبع فلوكل، وكشاف اصطلاحات الفنون، طبع شبرنجر وآخرين). وتتعرض الكتب العامة أيضًا المؤلفة فى قواعد علم الرواية لمناقشة تقسيم الحديث إلى أقسامه المختلفة. ومن بين هذه المصنفات الكتب الثلاثة الآتية: 1 - "علوم الحديث" لابن الصلاح المتوفى سنة 643 هـ = 1245 م (انظر Goldziher المصدر المذكور، جـ 2، ص 187 وما بعدها؛ Brockelmann: Geschichte der Arab Litt جـ 1، 359) (12). 2 - التقريب والتيسير للنووى المتوفى سنة 676 هـ = 1277 م. وله شرح اسمه "تدريب الراوى" للسيوطى المتوفى سنة 911 هـ = 1505 م (13). 3 - "نخبة الفكر" لابن حجر المتوفى سنة 852 هـ = 1448 م. وله شرح للمؤلف نفسه نشره Lees N. فى ... Bibl Indica , رقم 37 من المجموعة الثانية، طبع كلكتة سنة 1862 م (14). 4 - مجموعات الحديث ألف علماء مختلفون مجموعات للأحاديث متعددة اكتسب بعضها مقام الشريعة بين مسلمى العصور المتأخرة. ولم تكن الأحاديث فى أول الأمر مصنفة بحسب الموضوعات، وإنما كانت مصنفة بحسب الرجال، وسميت هذه المجموعات "بالمسند" قياسًا على ما تضمنته من أحاديث كاملة الإسناد. فأخذ الوصف من الحديث المفرد وأطلق على المجموعة كلها. وأحسن هذه الكتب هو "المسند" لابن حنبل المتوفى سنة 241 هـ = 885 م (15). راجع التفصيلات فى Materialien: Goldziher zur Litteratur der Uberlieferungs - wesens bei den Muhammedanern in Zeitsch. der

Deutsch.-Morgenl. Gesellsch. جـ 1, ص 465 - 506). وصنفت أمثال هذه المسانيد أيضًا فى العصور المتأخرة، فمثلا رتب بعض العلماء الأحاديث الموجودة فى المصنفات الكبرى للتيسير على حروف المعجم (16)، ورتب غيرهم الأحاديث الموجودة فى "موطأ" مالك بن أنس أو غيره من المصنفات التى لم يقصد بتأليفها أن تكون مجموعة وافية للحديث فى كتب متفرقة (انظر: Goldziher: Muhamm. Stud جـ 1, ص 227). على أن مجموعات الأحاديث التى صنفت فى العصور المتأخرة كانت القاعدة فى تصنيف معظمها أن يكون ذلك وفقًا لمضمون الأحاديث، وما صنف منها تبعًا للأبواب يسمى "المصنف" (17). واعتبر أهل السنة من المسلمين مع مضى الزمن ستة من هذه المصنفات حجة فى موضوعها. وقد ألفت كلها فى القرن الثالث للهجرة. وأصحاب هذه المصنفات هم: (1) البخارى المتوفى 256 هـ = 870 م. (2) مسلم المتوفى عام 261 هـ = 875 م (3) أبو داود المتوفى عام 275 هـ = 888 م (4) الترمذى المتوفى 279 هـ = 892 م. (5) النسائى المتوفى 303 هـ = 915 م (6) ابن ماجه المتوفى 273 هـ = 886 م. وتسمى كتبهم باختصار الكتب الستة أو الستة الصحاح، وهى تتلو فى الرتبة القرآن وهو كلام الله. ويحظى كتابا البخارى ومسلم على وجه خاص بتقدير عظيم ويسميان الصحيحين، وهما لا يشتملان إلا على الأحاديث المتفق على صحتها. على أن شروط البخارى للصحة ليست هى هى الشروط التى رآها مسلم (18) (انظر Goldziher, المصدر المذكور، جـ 2، ص 247).

هذا إلى أن البخارى يزيد فى الغالب على عناوين أبوابه تعليقات مستفيضة لا نجدها فى صحيح مسلم، وإن كان كلاهما يتقصى الأحاديث حيثما كانت متبعين شتى الطرق، وكلاهما يشتمل، لا على الأحاديث المتعلقة بالفقه والحلال والحرام وحدها، بل على كثير من الأحاديث التاريخية والخلقية وأحاديث تتناول العقائد (انظر GoIdziher المصدر المذكور، جـ 2، ص 234 - 248). وعلى عكس ذلك نجد أن الكتب الأربعة الأخرى تقتصر على السنة أى الأفعال المأثورة، ولا تشتمل على الأحاديث التى تعتبر صحيحة فقط بل تشتمل أيضًا على الأحاديث الحسنة، وبالجملة على جميع الأحاديث التى اعتمد عليها العلماء استنباط الأحكام، ولو كان الشك قائمًا فى إسنادها. وعندما كان يرى هؤلاء المصنفون أن حديثًا يمكن رفضه، فإنهم كانوا فى العادة يلفتون نظر القارئ إلى ذلك (انظر Goldziher المصدر نفسه، جـ 2، ص 248 وما بعدها). وهناك تفسير واضح للسمعة الحسنة التى ظفرت بها هذه الكتب الستة، ففى القرن الثالث كانت الأحوال ملائمة جدًا لجمع الأحاديث إذ كان لا بد من توافر إجماع معين فى جميع المسائل المتعلقة بالعقائد والأفعال، وكونت الكثرة الغالبة من علماء المسلمين رأيًا معينًا فى قيمة أغلب الأحاديث، فأصبح من الممكن البدء عند ذاك فى جمع كل ما اتفق على صحته. ومن هنا ترى أن قيمة البخارى وغيره من أصحاب الصحاح لم تكن - كالخطأ الشائع - لأنهم قرروا لأول مرة أى هذه الأحاديث المتداولة كان صحيحًا وأيها كان كاذبًا، فرأيهم الخاص لم يكن ليؤثر كثيرًا فى الرأى الغالب، وإنما تنهض قيمة كتبهم فى الأكثر على أنها جمعت فى صعيد واحد كل ما اتفق المؤمنون فى عهدهم على أنه صحيح (انظر Snouck Hurgronje: المصدر المذكور). وهناك مجموعات أخرى مشهورة للحديث صنفت فى القرن الثالث أيضًا مثل "سنن عبد الله الدرامى، (المتوفى سنة 255 هـ = 868 م) ولكن هذه

المصنفات لم تصل أبدًا فى العالم الإسلامى إلى ما وصلت إليه الصحاح الستة من القيمة وحسن السمعة. بل إن الكتب الأخيرة من الصحاح نفسها لم يقع الإجماع على تقديرها إلا بعد تدرج طويل. ومجموعة ابن ماجة على وجه خاص ظلت موضعًا للريبة وقتًا طويلا لما اشتملت عليه من الأحاديث الضعيفة العديدة. ومع أن الكتب الستة لها قيمة عظيمة فإنه لم يعتبر من النقائص فى شئ أن يستباح نقد ما ورد فيها من الأحاديث نقدًا حرًا تلك الأحاديث التى لم ينعقد الإجماع على صحتها، وإن كانت واردة فى الكتب الصحاح, ولهذا نجد مثلا أن "الدارقطنى" المتوفى سنة 385 هـ = 995 م، صنف كتابًا دلل فيه على ضعف مائتى حديث أوردها البخارى ومسلم (19) (انظر GoIdziher, المصدر المذكور, جـ 2 ص 257). وفى عصر متأخر كذلك ظهرت مجموعات للأحاديث صنفها كثير من العلماء، وكانت مؤلفات هؤلاء تهدف بوجه خاص إلى إعداد مجموعات تتفاوت فى شمولها نقلوا فيها عن الكتب الستة وأضافوا إليها أحيانًا المجموعة المشهورة التى صنفها ابن حنبل, ثم رتبوا ذلك كله على طرق مختلفة. من هذه المصنفات كتاب البغوى المتوفى سنة 510 هـ = 1116 م، ويسمى "مصابيح السنة" وهو كتاب كان شموله وحسن ترتيبه سببًا فى شهرته بين المسلمين، ويحتوى على نخبة من الأحاديث المستقاة من الكتب القديمة دون ذكر للإسناد، واشتهر على وجه خاص تعليق لولى الدين التبريزى على كتاب البغوى ويسمى "مشكاة المصابيح", والاسم "مشكاة" مأخوذ من القرآن (سورة النور، آية 35). ونذكر من المصنفات المطولة التى ظهرت فى عصر متأخر كتابين للسيوطى المتوفى سنة 911 هـ = 1505 م: أحدهما "جمع الجوامع"، (20) والثانى "الجامع الصغير"، وغاية السيوطى الأولى من هذين الكتابين هى وضع مؤلف شامل للمجموعات

الموجودة (19) (انظر W. AhIwardt Ka: talog der Arab. Hss. der Kgl Biblioth zu Berlin , جـ 2، ص 155 وما بعدها). وقصرت طائفة من جمعة الحديث همَّها على قسم معين من الحديث الوارد فى المجموعات الكبرى، كأن يقتصروا على ما تعلق بالأخلاق وحدها، أو قصروا همَّهم على عدد معين من الأحاديث المشهورة. ولهذا نجد مثلا مصنفات عديدة اشتهرت باسم "الأربعين"، وهى مجموعات تشتمل على أربعين حديثًا مشهورًا. ولما أصبحت مادة الحديث فى الكثير من النواحى غامضة على أفهام المؤمنين فى الأجيال المتأخرة شعر كثير من العلماء بالحاجة إلى إعداد شروح لمجموعات الحديث، فالكلمات والعبارات المهجورة تحتاج إلى شرح، وينبغى على وجه خاص تعليل الكثير من التعارض أو جعله عديم الضرر بالاجتهاد فى تفسيره. وعنى معظم الشراح بعد ذلك بالأحكام التى تستنبط من الحديث والآراء المتعارضة فيها، والتى انتصر لها علماء مختلفون. نذكر من أحسن الشروح المستفيضة المشهورة شرح ابن حجر المتوفى سنة 852 هـ = 1148 م, وشرح القسطلانى المتوفى سنة 932 هـ = 1517 م، على صحيح البخارى، وشرح النووى المتوفى سنة 676 هـ = 1277 م، على صحيح مسلم (انظر Gesch. der Arab. Litt.: C. Brockelmann جـ 1، ص 156 وما بعدها). وحكم الشيعة على الحديث من وجهة نظرهم الخاصة فلم يعتبروا منه صحيحًا إلا ما رفع إلى على وشيعته ولهذا كانت لهم مؤلفاتهم الخاصة فى هذا الموضوع، ومن أهمها الكتب الخمسة الآتية: 1 - الكافى لمحمد بن يعقوب الكلينى المتوفى سنة 328 هـ = 939 م. 2 - "من لا يحضره الفقيه" لمحمد ابن على بن بابويه القُمِّى المتوفى سنة 381 هـ = 991 م. (3) "تهذيب" الأحكام. (4) "الاستبصار فيما اختلف فيه الأخيار" (وهو مختار من سابقه) لمحمد الطوسى المتوفى سنة 459 هـ = 1067 م.

5 - رواية الحديث

5 - "نهج البلاغة" (الأقوال المنسوبة إلى على) لعلى بن طاهر الشريف المرتضى المتوفى سنة 436 هـ = 1044 م أو لأخيه الشريف الرضى البغدادى (انظر Gesch der Arab: C. Brockelmann Litteratur جـ 1, 187, 404 وما بعدها The Faith of Islam: E. Sell لندن 1880, ص 69 وما بعدها هامش 2؛ GoIdziher: المصدرالمذكور، جـ 2، ص 148 هامش 4؛ وله أيضًا: . Beitraege zur Litteraturgesch. der Shi'a .in Sitz - Ber. Wiener Akad., phil.Hist. Cl 1874 ص 508). 5 - رواية الحديث الرأى الغالب بين المسلمين هو أن المعرفة بالعلوم الدينية لا سبيل إليها إلا بتلقين معلم يكون قد تلقاها بالطريقة نفسها. وهذا الرأى اعتنقه المسلمون منذ القدم وطبقوه بوجه خاص على علم الحديث (21). فالحديث يجب أن يسمع، وكان الطلاب يقطعون البيادى والقفار ليحضروا دروس الشيوخ الذين كانوا حجة فى هذا العلم ويسمونهم "حملة الحديث"، وللنبى [- صلى الله عليه وسلم -] أحاديث كثيرة تقول: "سافر فى طلب العلم" (22). وهذا يعتبر من الأعمال التى يرضى عنها الله. وفى Goldziher (المصدر المذكور، جـ 2، ص 175 - 193) تفصيلات للرحلات فى "طلب العلم" وما آل إليه أمرها، فهو يضرب مثلا كيف أن العلماء كانوا يزهون بقطع بلاد شاسعة لسماع القليل من الأحاديث تكون فى الغالب مجهولة. كان الحديث يروى بالسماع من الشيوخ. وكان من المألوف كذلك أن يقرأ أحد الطلاب نسخة من الحديث بينما يستمع له الآخرون، وكان الشيخ يصحح القراءة عند الضرورة ويشرح للطلاب ما غمض عليهم، وفى هذه الحالة أيضًا كانت العادة فى رواية الأحاديث الملقنة على هذا النحو أن يقول الشيخ: "حدثنى - أو أخبرنى - فلان قراءة عليه" وكان للطالب الذى سمع الحديث بهذه الطريقة بحضرة الشيخ وسماعه أن يرويه لغيره بدوره بعد أن يحصل غالبًا على إجازة من شيخه بذلك.

المصادر

على أن الطريقة القديمة لرواية الحديث لم تكن دائمًا مرعية. وأصبح نسخ النصوص المكتوبة وجمعها هو الغالب فى نقل الحديث، وبطل استعمال التلقين الشفوى. وكانت الأحاديث تنسخ ويجاز تلقينها مبتدئة بالعبارة المألوفة "حدثنى" كما لو كانت قد رويت بالسماع من الشيخ. راجع ما كتب عن "الإجازة" فى الإسلام وما آل إليه أمرها فى (Goldziher: المصدر المذكور، جـ 2، ص 188 - 193, A. sprenger فى - Morgenl Ge Zeitsch. der Deutsch sellsch, , جـ 10، س 9 وما بعدها و W. AhIwardt فى der katal der. arab'Hss kgl. Bibliothek zu Berlin 2, ص 54, 95). وفى أول الأمر كانت بعض الأوساط تعتبر كتابة الحديث من المحظورات، ولا يوثق إلا بالأحاديث التى ظل يذكرها ويرويها رجال من العدول، ولم يكن يوثق بالنصوص التى تنسخ فى الغالب من غير عناية كافية أو من مصادر لا يعتمد عليها. ولهذا نجد ابن عساكر يقول: "اجعل همك طلب الحديث من الرجال أنفسهم لا من الكتب حتى لا يتطرق إلى الحديث ما فى الكتب من فساد" (23) (انظر Goldziher: المصدر المذكور، جـ 2، ص 200) ومع هذا فإن العلماء الذين نفروا من الأوراق والكتب يُذكرون دائمًا على أنهم استثناء لا غير. ويظهر أن السنة المألوفة كانت تدوين الحديث كتابة حتى فى أقدم الأزمنة. على أننا نسلم فى الوقت نفسه بأن الكتابة كانت وسيلة لا غير لمساعدة الذاكرة، وأن المعرفة الحقة كانت تحفظ فى القلب لا فى الورق. انظر التفصيلات الخاصة بتدوين الحديث فى Goldziher: المصدر المذكور، جـ 2, ص 194, 202 وله أيضًا فى Zeitschr. des Deutsch Mor-: Gesellsch genl. جـ 1, ص 1, ص 475, 489, جـ 61 ص 862؛ Sprenger .A: المصدر المذكور، جـ 1، ص 1 وما بعدها، وما كتبه أيضًا فى - Asiat. Soceity of Bengal Journ. of the جـ 25, ص 303, 329. المصادر: إلى جانب الكتب والرسائل المذكورة فى صلب المادة: (1) البخارى - Les tradi

تعليقات على مادة "الحديث"

tions islamiques, ترجمه عن العربية وعلق عليه ووضع له فهرسًا O. Houdas Public. de I'Ecole des: & W.Marcais) VI. suiv) IV. t. serie Langues or. viv جـ 1 - 3, باريس 1903 - 1908 (2) Le livre des testaments: F. Peltier du Gahih d'el Bokhari مترجم عن العربية مع التعليق والشرح، باريس 1909 (3) المؤلف نفسه: Le Livre des ventes du Cahih d'el Bokhari ترجمة مع التعليق والشرح، باريس 1910 (4) الكاتب نفسه: Le Livre des Ventes du mouwatta de Malik ben Anas مترجم مع التعليق، الجزائر سنة 1911 (5): W.Marcais Le taqrib de en- Newawi ترجمة وتعليق Asiat .Journ؛ السلسلة التاسعة، جـ 16، ص 315 وما بعدها، ص 478 وما بعدها؛ جـ 17، ص 101 وما بعدها، ص 193 وما بعدها، ص 524 وما بعدها؛ جـ 18، ص 61 وما بعدها) ونشر مستقلا كذلك، باريس 1901 (6) Mishkat ul-: A.N. Matthews -masabih or a Collection of the most au thentic Traditions regarding the actions and sayings of Mohammed كلكتة سنة 1809 - 1810. (7) Zur tendenzioe-: Th. Noeldeke - sen Gestaltung der Urgeschichte des Is Iam's فى zeitschr. der Deutsch morgenl . Gesellsch جـ 52, ص 16, 33. (8) Die Religion des Is-: I.Goldziher lam (kuItur der Gegenwart, T.I Abt. III Haelfte ص 99 وما بعدها) (9) الكاتب نفسه: Vorlesungen uber den islam، هيدلبرغ سنة 1910، ص 40 وما بعدها، وانظر أيضًا المصادر الواردة فى Muhamm. stud.: Goldziher جـ 2، ص 6. عباس محمود [جوينبول Th. W. Juyn boll] تعليقات على مادة "الحديث" (1) هذان الموضعان فى مسند أحمد (ج 3 ص 350 و 384) ليس فيهما شئ له علاقة بهذه المادة، فلا ندرى لماذا أشار إليهما كاتب المقال.

(2) هذا غير صحيح، فلم يكن اتباع سنة النبى - صلى الله عليه وسلم - عند المسلمين عن عادة اتباع الآباء، وقد نعاها الله على الكفار نعيًا شديدًا وتوعد عليها وعيدًا كثيرًا، وأمر الناس باتباع الحق حيثما كان، واستعمال عقولهم فى التدبر فى الكون وآثاره ونقد الزيف من الصحيح من الأدلة. وإنما كان حرص المسلمين على سنة رسول الله اتباعًا لأمر الله فى القرآن "لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة" الآية 21 من سورة الأحزاب (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم) الآية 63 من سورة النور (وأنزلنا اليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم) الآية 44 من سورة النحل. إلى غير ذلك من أوامر الله فى كتابه، مما لا يجهله مسلم، واتباعًا لأمر رسول الله نفسه، فى الأحاديث الصحيحة المتكاثرة وفيما ثبت عمليًا بالتواتر، من عمل كبار الصحابة ثم من بعدهم من التابعين والعلماء، لم يشذ بعد الصحابة إلا أناس غلبهم الهوى أو أعمتهم الجهالة. وهذا موضوع أطال البحث فيه العلماء السابقون وأبدعوا حتى لم يدعوا قولا لقائل أو كادوا. وكتب السنة وكتب الأصول وغيرها مستفيضة، والباحث المنصف يستطيع أن يتبين وجه الحق. ويكفى أن نشير إلى كتابين فيهما مقنع لمن أراد: كتاب (الرسالة) للإمام الشافعى بتحقيقنا وشرحنا (طبعة مصطفى البابى الحلبى سنة 1938) وكتاب (الروض الباسم فى الذَّب عن سنة أبى القاسم) للعلامة محمد ابن إبراهيم الوزير اليمنى المتوفى سنة 840 (طبعة المطبعة المنيرية) فإنى رأيت كاتب المقال لم يشر فيه من أوله إلى آخره الى مصدر عربى أو إسلامى رجع إليه فى بحثه، وهذا عجب! (3) ليس هذا على إطلاقه. فالصحابة، وهم الطبقة الأولى من رواة الحديث الذين سمعوه وشاهدوه أو أخذ بعضهم عن بعض، كلهم ثقات مصدقون إلا أن يخطئ. أحدهم فى الرواية فيتبين خطؤه من درس. الروايات الأخرى وموازنة بعضها ببعض، والتابعون وتابعو التابعين، وهم الطبقات الثانية والثالثة، درس علماء الحديث أخبارهم وآثارهم ورواياتهم

فكان أكثرهم الثقة الصادق، وقليل منهم الضعيف أو المردود الرواية، وهذا علم واسع مفصل فى كتب كبار ودواوين واسعة من درسها وفهمها استيقن واطمأن، وهذه الطبقات الثلاث هى أساس علم الرواية، ومن جاء بعدهم فإنما أخذ عنهم، وفى عصر الطبقة الثالثة بدأ تدوين الحديث تدوينا عامًا فى مؤلفات، كموطأ مالك وهو من أتباع التابعين، من الطبقة الثالثة. (4) أما أنه وجد بعض الكذابين الوضاعين الذين افتروا أحاديث على النبى - صلى الله عليه وسلم -، وأما أنه وجد بعض المغفلين الذين دخلت عليهم هذه الأكاذيب فظنوها صحيحة وقبلوها ودخلت الاسرائيليات فظنوها تصلح إيضاحًا تاريخيًا لبعض ما ورد مجملا من أخبار السابقين فى القرآن والسنة الصحيحة، وأما أنه وقعت أغلاط من بعض الرواة الصادقين فى بعض الروايات، أما هذا كله فلا شك فى وقوعه وهو الذى قام علماء الحديث بهذا المجهود الضخم الهائل فى سبيل بنائه. فوزنوا الرجال، ورواة الحديث، بميزان العدل والمعرفة، بحثوا فى سيرتهم الشخصية، فقبلوا من ثبت عندهم أنه عدل لا تشوب سيرته شائبة من خلق ودين أو أمانة وبحثوا رواياتهم ونقدوها، فرفضوا من كثر خطؤه وكثر فى رواياته المخالفة لرواية غيره من الثقات وقارنوا الروايات بعضها ببعض، فرفضوا ما خالف المعقول أو خالف صريح القرآن أو خالف المعلوم من الدين بالضرورة أعنى المتواتر العملى والاعتقادى. ونفوا عن الأحاديث كل ما حاول الوضاعون الكذابون إدخاله عليها، وحفظوا السنة بيضاء نقية، كل هذا كان، ويعرفه المسلمون ويتدارسونه بينهم. وأما الصورة التى تبدو مما قال كاتب المادة أن كل تفصيل فى الأحاديث، من حلال وحرام وطهارة الخ هو من الموضوعات، فإنما هى نفى للسنة جميعها وإبطال لها، وإنما معناها أن رسول - صلى الله عليه وسلم - لم يفعل شيئًا ولم يقل شيئًا، إذ أن كل ما روى عنه مكذوب فى ظنه وإنما معناها أن كل المسلمين، من عهد الصحابة فمن بعدهم، كاذبون مفترون على رسولهم، ليس فيهم أمين! وليس على وجه الأرض منصف يقول هذا. ولست أدرى إن قيل

هذا فى السنة التى رواها الثقات وبينوا طرق روايتها ووصلوا أسانيدها شيخًا عن شيخ سماعا فى أول أمرهم وكتابة وسماعًا فيما بعد ذلك، ونقدوا الرواية والرواة أدق نقد وأحكمه، فماذا يقال فى غيرها من الروايات والكتب التى لا سند لها ولا نقد لرواتها؟ ! (5) هذا النوع من الرواية داخل فى الأنواع السابقة والروايات الصحيحة ثابتة معروفة، والروايات الباطلة معروفة، نص علماء الحديث على إبطالها. وإنما أفرد كاتب المقال هذا النوع، لأنه لا يريد أن يسلم بنبوة رسول الله وبأنه يوحى إليه من عند الله, فهو لذلك يعتبر أن كل حديث من هذا النوع مكذوب، لأن صحته معناها صحة نبوة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأنه أخبر عن شئ قبل وقوعه بوحى من الله إليه. أما المسلمون فيصدقون رسولهم ويؤمنون بأنه رسول يوحى إليه وبأنه يخبر عن الغيب الذى يوحيه الله إليه؛ لا أنه يعلم الغيب من نفسه إنما هو بشر يتبع ما يوحى إليه - صلى الله عليه وسلم -. (6) لكاتب المقال أن يطمئن إلى جولدسيهر وآرائه وأبحاثه، إذا ما راقت له وصادفت هوى نفسه، أما نحن رجال الحديث ونقاده فنأبى أن نقيم له وزنًا، لا عن عصبية وهوى, ولكن عن برهان وحجة. لم أقرأ مؤلفات جولدسيهر التى يشير إليها كاتب المقال، لأنها لم تترجم إلى العربية، ولكننى قرأت له كتابًا ترجمه أحد علماء الأزهر، وهو كتاب (المذاهب الإسلامية فى تفسير القرآن) فرأيته نقل شيئًا فى القراءات عن كتب مطبوعة، فحرف فى النقل عن عمد، ونسب إلى أكثر القراء قراءة شاذة باطلة، جعلها قراءة أكثرهم. (ص 19 من المصدر المذكور طبعة القاهرة 1944) وقد نقدت عمله هذا فى (مجلة المقتطف فى المجلد 105 فى عدد ديسمبر سنة 1944 ص 461 - 463) وقلت هناك بعد أن بينت بطلان ما نسبه لأكثر القراء: "لا تظن بعد هذا أن مؤلف الكتاب أخطأ فيما حكى، إنما الواضح الذى لا يشك فيه أنه علم الصحيح وعدل عنه ونقل غيره عارفًا أن القراء أجمعوا تقريبًا على القراءة

المعروفة، ثم نسب القراءة الشاذة إلى أكثرهم". فجولدسيهر لو عاملناه بما نعامل به رواة الحديث من النقد، بعد أن نغضى عن شروط العدالة المعروفة للعلماء، ونتمسك منها بشرط الصدق وحده، وجدنا أنه ممن لا يجوز قبول نقله فى شئ أصلا، لأن الصدق والأمانة فى الرواية شرط فى قبول ما ينقل الناقل، فإذا ثبت أنه جانب الصدق فى روايته ولو مرة واحدة سقط كل ما يرويه وبطل، لا تقبل له رواية بعد ذلك إلا أن يثبت أنه أخطأ ولم يتعمد الكذب، وجولدسيهر تعمد أن ينسب إلى أكثر القراء غير الحقيقة فى شئ مادى يلمسه كل قارئ، نقله عن كتب مطبوعة فى أيدى الناس، وكان جريئًا جدًا إذ أشار إلى المواضع التى ينقل منها بالجزء والصفحة، ظنًا منه أن القراء يصدقون نقله، فلا يرجعون إلى ما ينقل منه! ! (7) هذا كلام عجيب! يوهم أن المسلمين أجازوا وضع الأحاديث فى الترغيب والترهيب، وهو ما سماه كاتب المقال "بعض العظات أو التعاليم الخلقية"! ولعل كاتب المقال أتى من ناحية أنه اعتمد فى مقاله على مصادر غير عربية فقط، فلو أنه رجع إلى أى مصدر عربى من كتب الحديث لما قال هذا، وأقرب كتب مصطلح الحديث كتاب (علوم الحديث المعروف بمقدمة ابن الصلاح) فلو رجع إليه لرأى فيه (ص 100 من طبعة المطبعة العلمية بحلب سنة 1931 ما نصه: "والواضعون للحديث أصناف، وأعظمهم ضررًا قوم من المنسوبين إلى الزهد وضعوا الحديث احتسابًا فيما زعموا، فتقبل الناس موضوعاتهم ثقة منهم بهم، وركونا إليهم. ثم نهضت جهابذة الحديث بكشف عوارها ومحو عارها والحمد لله. وفيما روينا عن الإمام أبى بكر السمعانى أن بعض الكرّامية ذهب إلى جواز وضع الحديث فى باب الترغيب والترهيب ونحو ذلك فى كتاب (تدريب الراوى شرح تقريب النواوى للسيوطى طبعة المطبعة الخيرية سنة 1307 ص 102) وقال النواوى فى الرد على ما نقل من الكرامية: "وهو خلاف إجماع المسلمين الذين يعتد بهم"

وقال السيوطى: "بل بالغ الشيخ أبو محمد الجوينى فجزم بتكفير واضع الحديث". فهذا قول أئمة المسلمين وعلماء الحديث، لا ما نقله كاتب المقال عن كتب إفرنجية، مما يوهم أن المسلمين يجيزون وضع الحديث والكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -! ومعاذ الله أن يكون هذا منهم. وانظر تفصيل ما كتبنا عن الأحاديث الموضوعة فى شرحنا على كتاب اختصار علوم الحديث للحافظ ابن كثير (طبعة مطبعة حجازى سنة 1937). (8) لم تكن الثقة بأبى هريرة محل جدل إلا عند أهل الأهواء، ثم تبعهم بعض من اصطنع الجرأة فى الطعن على السنة من المتأخرين. وإنما كان بعض الصحابة يأخذون عليه الإكثار من الحديث خشية الخطأ، ثم كانوا إذا حققوا ما أخذوا عليه أيقنوا من صحة ما روى, والأخبار فى ذلك متكاثرة وكان هو يرد على من أخذ عليه كثرة الرواية، يقول: "إنكم تزعمون أن أبا هريرة يكثر الحديث عن رسول لله - صلى الله عليه وسلم - والله الموعد، إنى كنت امرأ مسكينًا أصحب رسول لله - صلى الله عليه وسلم - على ملء بطنى، وكان المهاجرون يشغلهم الصفق بالأسواق، وكانت الأنصار يشغلهم القيام على أموالهم". وقال ابن عمر: "أكثر أبو هريرة" فقيل له: "هل تنكر شيئًا مما يقول؟ " قال: لا، ولكن جرؤ وجبُنا" فبلغ ذلك أبا هريرة فقال: "ما ذنبى إن كنت حفظت ونسوا"، وغاضبه مروان بن الحكم فقال له: "إن الناس يقولون أكثر أبو هريرة الحديث وإنما قدم قبل وفاة رسول لله - صلى الله عليه وسلم - بيسير" فقال أبو هريرة: "قدمت ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - بخيبر وأنا يومئذ قد زدت على الثلاثين، فأقمت معه حتى مات، وأدور معه فى بيوت نسائه وأخدمه وأغزو معه وأحج، فكنت أعلم الناس بحديث، وقد والله سبقنى قوم بصحبته فكانوا يعرفون لزومى له فيسألوننى عن حديثه، منهم عمر وعثمان وعلى وطلحة والزبير، ولا والله لا يخفى على كل حديث كان بالمدينة، وكل من كانت له من رسول لله - صلى الله عليه وسلم - منزلة، ومن أخرجه من المدينة أن يساكنه". قال الوليد بن رباح راوى هذه

الحادثة "فوالله ما زال مروان بعد ذلك كافًا عنه". انظر ترجمة أبى هريرة فى كتب الصحابة، وخاصة فى الإصابة (جـ 7، ص 199 - 207 طبعة المطبعة الشرقية سنة 1907)، وغزوة خيبر كانت سنة 7 من الهجرة فقد صحب أبو هريرة رسول الله أكثر من ثلاث سنين يلازمه ليلا ونهارًا، يسمع حديثه ويروى عمله، ويفهم عنه ويفقه، فيحدث بما سمع ويصف ما يرى، وما الحديث عن رسول الله إلا هذا، أن يحدث بما سمع كما سمع وأن يصف ما رأى كما رأى وأن يحكى أحوال رسول الله التى يعلم، والتى جعل الله فيها للمسلمين، بل للناس كلهم، أسوة حسنة، فمن اهتدى اتبع ومن لا فحسابه على الله. (9) أما الخلاف فى توثيق بعض الرواة وتضعيفهم فإنه خلاف طبيعى فى كل بحث يعرض له الإنسان، لا يؤخذ مغمزًا على علماء الحديث. وأما ادعاء أن "مادة الحديث المروى كانت فى الواقع أصل التنازع ولو أن الثقة بالمحدثين هى محل النزاع فى الظاهر" فهذا كلام مجمل موهم، وليس نقدًا علميًا لصناعة المحدثين وعلومهم فإنهم بحثوا فى تاريخ كل راو حتى عرفوا سيرته وصدقه أو كذبه وحفظه أو غلطه. ثم حكموا عليه بما تبين لهم. وتتبعوا ما روى كل راو فنفوا عن روايته الخطأ غير المقصود، وردوا ما كان فيه شبهة العمد إلى رواية شئ لا أصل له، وقارنوا الروايات بعضها ببعض. فنقدوا السنة ونقدوا المتن، فماذا فى هذا؟ لا أدرى. لو ذكر الكاتب مأخذًا معينًا يريده لبحثنا ما قال وحققناه، ولكن جاء بشئ مبهم، يوقع الوهم فى نفس القارئ أنه نقد وما هو بنقد. (10) أين الأحاديث التى تتضمن أخطاء تاريخية شديدة الوضوح؟ ! (11) هذا الكلام ليس على وجهه فإن انقطاع الإسناد موجب لضعف الحديث فلا يكون حسنًا. وإنما "الحديث الحسن" هو الذى لا يكون فى إسناده راو متهم بالكذب، ولكن يوجد فى روايته من أخذ عليه شئ فى حفظه وضبطه ثم يتابعه عليه رواة آخرون غير متهمين بالكذب أيضًا فيقع فى

نفس المحدث الناقد أن لهذا الحديث أصلا معروفًا. أو كما قال الترمذى فى سننه التى تسمى (الجامع الصحيح طبعة بولاق، ج 2، ص 340) "كل حديث يروى لا يكون فى إسناده من يتهم بالكذب ولا يكون الحديث شاذًا ويرمى من غير وجه نحو ذاك فهو عندنا حديث حسن" وانظر بحث "الحديث الحسن" فى كتاب (علوم الحديث لابن الصلاح بشرح الحافظ العراقى ص 30 - 47 طبعة حلب سنة 1931) وكتاب (اختصار علوم الحديث لابن كثير بشرحنا ص 24 - 33 س 24 - 33) وكتاب (تدريب الراوى شرح تقريب النواوى للسيوطى ص 49 - 59). (12) كتاب (علوم الحديث) لابن الصلاح اشتهر أيضًا باسم (مقدمة ابن الصلاح) وقد طبع مرارًا، وأهم طبعاته طبعة مصر سنة 1326 هـ بتصحيح الشيخ محمود السمكرى الحلبى، وطبعة المطبعة القيمة فى بمبى بالهند سنة 1357 هـ، وأهم من ذلك طبعته بشرح الحافظ زين الدين العراقى المتوفى سنة 806 فى حلب سنة 1350 وهو شرح جليل واف، يقرب هذا العلم للمبتغين. (13) هذا الشرح من أنفس كتب السيوطى وأجودها وقد طبع فى مصر فى المطبعة الخيرية سنة 1307 هـ. (14) هو جزء صغير، طبع مرارًا فى مصر والهند والأستانة وغيرها. وكتب مصطلح الحديث كثيرة جدًا نشر كثير منها فى الأقطار الإسلامية، ومن أهمها وأقدمها مما نشر أخيرًا كتاب (معرفة علوم الحديث) للإمام الحاكم أبى عبد الله النيسابورى صاحب المستدرك المتوفى سنة 495 هـ وقد طبع فى دار الكتب المصرية سنة 1928 م تحت إدارة جمعية دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد بالهند، وكتاب (الكفاية فى علم الرواية) للحافظ الخطيب البغدادى صاحب تاريخ بغداد، المتوفى سنة 463 هـ وقد طبع بحيدر آباد بمطبعة دائرة المعارف العثمانية 1357 هـ (وكتاب اختصار علوم الحديث) للحافظ ابن كثير صاحب

التفسير والتاريخ المشهورين، المتوفى سنة 774 وطبع بالمطبعة الماجدية بمكة المكرمة سنة 1353 هـ ثم طبع بمطبعة حجازى بمصر سنة 1355 بشرحنا وتحقيقنا. ومن أهم مؤلفات المتأخرين فى هذا العلم الجليل كتاب (توجيه النظر إلى أصول الأثر) لأستاذنا الجليل الشيخ طاهر الجزائرى الدمشقى رحمه الله، طبع بمطبعة الخانجى بمصر سنة 1338 هـ وكتاب (قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث) لأستاذنا عالم الشام السيد جمال الدين القاسمى رحمه الله، وطبع بدمشق سنة 1352 هـ. (15) هذا كلام غير دقيق تاريخيًا، فإن كتب الحديث ألفت على النوعين - المسانيد والموضوعات - من القديم، بعضها مرتب على الأبواب، أى موضوعات الفقه وغيره، ومن أقدمها موطأ مالك، وهو مؤلف قبل (المسند) للإمام أحمد بن حنبل بزمن طويل (فإن الإمام مالك بن أنس توفى سنة 179 هـ والإمام أحمد بدأ سماع الحديث سنة 179 أى سنة وفاة مالك ولكنه لم يسمع منه وسمع من تلاميذه. (16) وهذه ليست مسانيد، بل معاجم صنعها المتأخرون على حروف المعجم للأحاديث التى وردت فى كتب معينة، وهى أشبه بالفهارس لكتب الحديث منعهم من جعلها فهارس إن لم تكن الطباعة قد وجدت، ولو كانت قد وجدت إذ ذاك لكانت فهارس حقيقية متقنة، وعلماء العرب والإسلام هم أول من رتب اللغة والأعلام والأحاديث على حروف المعجم، فهم أول من وضع أساس الفهارس التى يظن الناس أنها مقتبسة من غيرهم. (17) ليس هذا صحيحًا، فكتب السنة المرتبة على الأبواب قديمة، أقدمها الموطأ كما قلنا آنفا، ثم الكتب الستة الصحاح: البخارى، ومسلم، والترمذى، والنسائى، وابن ماجة، وغيرهم كسنن الدارمى، والدارقطنى، والمصنف لابن شيبة إلى آخر ما هو معروف من كتب الحديث، وكلها مؤلف فى القرن الثالث

إلا الموطأ كان فى القرن الثانى، وإلا الدارقطنى فإنه فى القرن الرابع. (18) كلا، بل شروطها واحدة، هى شروط صحة الحديث المعروفة، إلا فى فرق واحد، وهو أن البخارى يشترط أن يثبت أن راوى الحديث لقى شيخه الذى يروى عنه، إذا قال فى حديثه "عن فلان" فإذا ثبت عنه أنه لقيه بأن قال "حدثنا فلان" أو بأى طريق آخر من طرق ثبوت ذلك كان الحديث على شرطه، فهو أولى أن يكون على شرط مسلم. لأن مسلمًا يكتفى كما يكتفى أكثر أئمة الحديث بأن الشيخ والراوى عنه كانا فى عصر واحد وإن لم يثبت لقاء التلميذ للشيخ ثبوتًا صريحًا. وليس معنى هذا أن مسلمًا ومن وافقه يقبلون رواية منقطعة لم يسمعها الراوى من شيخه فإن هذه تكون رواية ضعيفة باتفاقهم وهى الحديث المنقطع، إنما معناه أن هؤلاء يرون أن الراوى الثقة، وأول شرط فى توثيقه أن لا يكذب، هذا الراوى إذا روى عن شيخ فإنه لا يروى إلا ما سمعه منه أو أخذه عنه بأى طريق من طرق التلقى. إذ لو كان يروى ما لم يأخذه عن شيخه كان إما كاذبًا، والكاذب ليس بثقة، وإما مدلسًا. والمدلس هو الذى يروى عن شيخ معاصر له شيئًا يسمعه منه بل سمعه عن غيره. ولكنه يرويه بصيغة "عن" أو شبهها. والمدلسون معروفون لهم، فلا يقبلون من أحاديثهم إلا ما صرحوا فيه بأنهم سمعوه وذلك احترزًا من تدليسهم، وأما ما يرويه المدلس بصيغة توهم عدم السماع فإن أكثر المحدثين على عدم قبوله، ومنهم مسلم نفسه. (19) هذا غير صحيح، فإن الدارقطنى إنما "علل" أحاديث فى الصحيحين: البخارى ومسلم، بأنهما خالفا فيها شرطهما، وهو اختيار أعلى درجات الصحة فى الإسناد أو بأن بعض أسانيد الحديث الذى ينقده أصبح فى نظره من الإسناد الذى رواه به البخارى ومسلم. ولم يتفق المحدثون على ضعف أى حديث فى هذين الكتابين، بل اتفقوا على أن البخارى ومسلما مقدمان على أهل عصرهما ومن بعدهم من أئمة هذا الفن فى

معرفة الصحيح من غير الصحيح. وانظر تفصيل القول فى ذلك فى (مقدمة فتح البارى للحافظ ابن حجر ص 344 وما بعدها، طبعة بولاق سنة 1301 هـ) وانظر أيضًا ما أشرنا إليه من كتب مصطلح الحديث. (20) كتاب "جمع الجوامع" ويسمى أيضًا "الجامع الكبير" كتاب ضخم جدًا، قصد به السيوطى إلى جمع كل الأحاديث التى وجدها فيما وقع له من كتب السنة، سواء أكانت صحيحة أم غير صحيحة ورتب فيه الأحاديث على الحروف على أوائل اللفظ النبوى فيها ورتب ترتيبًا مقاربًا لأحاديث "الأفعال" أى التى فيها حكاية ووصف لحادثة ونحو ذلك وليس فيها حديث قول للنبى - صلى الله عليه وسلم -، وهذا الكتاب لم يطبع. وتوجد منه نسخ غير كاملة فى دار الكتب المصرية. وأما "الجامع الصغير" فإنه مختصر مشهور معروف طبع مرارًا وطبعت بعض شروح عليه للعلماء وهو مرتب على الحروف أيضًا، على أوائل اللفظ النبوى اقتصر فيه مؤلفه السيوطى على الأحاديث الوجيزة، وصانه عما تفرد به وضاع أو كذاب أى صانه عن الحديث الموضوع فقط. ففيه أحاديث ضعيفة قطعًا، وهما - فى رأيى - محاولة لعمل فهارس متقنة لكتب الحديث لأن مؤلفهما رتبهما على الحروف ثم ذكر بعد كل حديث أسماء الكتب التى نقله منها، كالبخارى ومسلم وغيرهما ورمز إلى أسماء هذه الكتب برموز اصطلاحية، مثل (خ) للبخارى، (م) لمسلم، (د) لأبى داود (ذ) للترمذى، وهكذا، وهذه الرموز بعضها قديم معروف عند المحدثين، وبعضها اختاره السيوطى وجعله اصطلاحًا له فى كتابيه هذين. (12) ليس هذا التعبير على وجهه. فإنما يريد المحدثون التوثق من الرواية ومن صحتها ومن أدائها كما جاءت، والسماع من الشيخ أو القراءة عليه فى ذلك أضبط وأوثق. وأما العلوم عامة - دينية وغيرها - فالواقع فعلا أنها لا بد فيها من معلم، ثم يستقل المتعلم فيتوسع فى العلم بما منح من فهم وفقه فيه، كل على ما يسر له وبالقدر الذى تتهيأ له نفسه ويقتضيه استعداده.

الحديث القدسى

(22) لا نعرف حديثا بهذا اللفظ. والأحاديث كثيرة فى الحض على الرحلة فى طلب العلم، منها حديث أنس قال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ خرج فى طلب العلم فهو فى سبيل الله حتى يرجع" رواه الترمذى وقال: "حديث حسن". وانظر (الترغيب والترهيب للحافظ المنذرى ج 1 ص 62 - 63 - الطبعة المنيرية). (23) لم أجد نص كلام ابن عساكر، وكاتب المقال أحال على كتاب جولدسيهر وهو بلغة أجنبية، لا ندرى مبلغ صحته فى النقل. أحمد محمد شاكر الحديث القدسى ويقال له أيضًا "الحديث الإلهى" أو "الربّانى": نوع من الأحاديث يروى كلمات الله سبحانه تمييزًا له عن الحديث النبوى الذى يروى كلمات النبى عليه السلام؛ ومع أن الحديث القدسى - فيما يقال - يروى كلام الله فإنه يختلف عن القرآن الذى نزل على لسان جبريل، ذلك أن القرآن معجز محفوظ من التغيير والتبديل، وهو يتلى فى الصلاة ولا يمسه أو يتلوه المحدث. والحديث القدسى لا ينزل بالضرورة عن طريق جبريل بل يجئ بالإلهام أو فى رؤيا. وثمة قول لا يقبله الجميع، يذهب إلى أن هذه الأحاديث القدسية أوحاها الله إلى النبى [- صلى الله عليه وسلم -] ليلة المعراج. وكلمات الحديث القدسى ليست كلام الله بالضبط ولكنها تعبر عن معنى هذا الكلام. وحين تروى الأحاديث فلا ينبغى أن يقول راويها "قال الله" كما فى القرآن بل يقول "قال رسول الله [- صلى الله عليه وسلم -] فيما يروى عن ربه" أو يقول "قال الله تعالى فيما رواه عنه رسول صلى الله عليه وآله وسلم". ومن الواضح كل الوضوح أن بعض هذه الأحاديث نجد أصلها فى التوراة والإنجيل، مثال ذلك "ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر بقلب بشر" (سفر إشعيا، الإصحاح 64، الآية 4؛ سفر الرسالة الأولى إلى أهل كورنثوس، الإصحاح الثانى، الآية 9)؛ وثمة حديث يخبر بأن الله يوم البعث سوف يقول "لقد كنت

مريضا فلم تعدنى يابن آدم" وهو يكمل الأسطر التى جاءت فى سفر متى (الإصحاح 25، الآية 41 وما بعدها) (¬1) ولم تؤلف الأحاديث القدسية مجموعة مستقلة من مجموعات الحديث بل إن بعض المجموعات قد صنفت بالاعتماد على كتب السنة الستة، والأشيع أنها اعتمدت على غير هذه الكتب. وأكبر مجموعة من الأحاديث القدسية هى "الاتحافات السنية فى الأحاديث القدسية" لمحمد المدنى أو المدينى المتوفى سنة 881 هـ (1476 م) وقد نشرت هذه المجموعة فى حيدر آباد سنة 1323 هـ (1905 م) وتشتمل 858 حديثًا قسمت إلى ثلاث طوائف (1): الأحاديث التى تبدأ بقال (2) الأحاديث التى تبدأ بيقول (3) الأحاديث المرتبة على أحرف حديث. ولم يذكر الإسناد فى هذه الأحاديث، ولكن لم كانت المجموعة التى أخذ منها كل حديث تذكر، فإن من يشاء يمكن أن يجد الإسناد فيها؛ وقد طبعت فى حلب سنة 1346 هـ (1927 م) مجموعة من 101 حديث قدسى عنوانها "مشكاة الأنوار" لمحيى الدين ابن العربى المتوفى سنة 638 هـ (1240 م) هى ومجموعة من أربعين حديثًا قدسيًا جمعها ملا على القارى المتوفى سنة 1014 هـ (1605 م). أما ابن العربى الذى يقسم مجموعة إلى ثلاثة أجزاء، جزئين من 40 حديثًا، وجزء من واحد وعشرين حديثًا، فإنه يذكر الإسناد كاملا فى الجزء الأول، ويذكره أحيانًا فى الثانى, ويذكره عادة فى الثالث. وأما على القارى فإنه يذكر - فحسب - الصحابى الذى اشتهر بأنه سمع الحديث من النبى [- صلى الله عليه وسلم -] وثمة مجموعة أخرى لم تنشر، وقد جمعها عبد الرءوف، وهى مقسمة إلى جزئين (انظر حاجى خليفة طبعة فلوكل، جـ 1، ص 150)، الجزء الأول يتناول ¬

_ (¬1) لقد رددنا على ذلك فى أكثر من موضع من الدائرة، وحسبنا القول بأنه إذا جاء فى الإسلام شئ مما ورد فى الكتب المنزلة الأخرى فإن القرآن جاء مصدقا لما بين يديه من التوراة والإنجيل.

المصادر

الأحاديث التى تبدأ بقال والثانى رتبه على أحرف الهجاء. والظاهر أن المناوى - الذى يحمل كتابه الأصغر نفس العنوان الذى يحمله كتاب المدنى - يعتمد إلى حد كبير على هذا الكتاب. المصادر: علاوة على ما ذكر فى صلب المادة، انظر: (1) التهانوى: كشاف اصطلاحات الفنون، طبعة شبرنكر وغيره، كلكتة سنة 1854 - 1862, ص 280. (2) صبحى الصالح: علوم الحديث ومصطلحاته (دمشق سنة 1379 هـ = 1959، ص 122 - 125 (3) محمد طيب أوقيج: بعض حديث مسله لرى أوزرينده تدقيقلر، إستانبول سنة 1959, ص 13 - 16. (4) محمد جمال الدين القاسمى: قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث، الطبعة الثانية، القاهرة سنة 1380 هـ (1961 م) ص 64 - 69 (5) The So - called Hadith Qudsi: S.M. Zwemer فى Muslim World، جـ 12، سنة 1922, ص 263 وما بعدها = Das sogenannte Hadith Qudsi (وهو ترجمة للكتاب السابق فى Ist، جـ 13 سنة 1923, ص 53 وما بعدها) (6) وقد دخلت هذه المقالة التى وردت فى مجلة Muslim world فى Across The World of Islam بقلم الأب زويمر Zwemer، نيويورك سنة 1929، ص 75 وما بعدها (7 The Material of Tradition: J. Robson (، جـ 2 Muslim World جـ 41، سنة 1951، ص 261 - 267 (8) بروكلمان، جـ 1، ص 571؛ قسم 1؛ ص 791 (ابن العربى)؛ قسم 2، ص 151 (المدنى)؛ جـ 2، ص 393, قسم 2، ص 417 (المناوى)، ص 517؛ قسم 2، ص 539 (على القارى). خورشيد [روبسون J. Robson]

حرب

حرب ومعناها هو المعنى المعروف. (1) النظرة الشرعية قد تدل كلمة "الحرب" على "القتال" بالمعنى المادى، أو على "حالة الحرب" بين جماعتين أو أكثر، والمعنيان قد استعملا فى النظام الشرعى لجزيرة العرب أيام الجاهلية. ولم تكن فى الجاهلية سلطة منظمة، ومن ثم أصبحت الحرب أساسا للعلاقة بين القبيلة والقبيلة، وكان السلام لا يسود إلا إذا اتفقت عليه قبيلة أو قبيلتان. زد على ذلك أن الحرب كانت تؤدى أغراضا من قبيل الثأر ومقابلة المثل بالمثل. والصحراء المهيأة للغارات والتى لا حدود لها جعلت من الحرب والقتال اللذين اعتادهما العرب وظيفة من وظائف المجتمع. وقد حرَّم الإسلام أن يسفك المسلم دم أخيه، كما حّرم جميع أنواع الحرب إلا "الجهاد"، وإنما الحرب المشروعة هى الحرب التى تستهدف فى غايتها غرضا دينيا هو فرض الشريعة أو الوقوف فى سبيل الخروج عليها. وما من صورة أخرى من صور الحرب جائزة فى نطاق الدولة الإسلامية أو خارجها. ومن هنا حرم الإسلام الحرب التى تدور بين القبائل العربية، لأن هذه الحروب كانت تعد ممعنة فى الخروج على الدين مسرفة فى الوحشية تثيرها المصالح الدنيوية، ولا يجيز الإسلام من الحروب الا ما يحقق غرضا دينيا. ولذلك لم يكن هناك إلا حرب واحدة مشروعة هى "الجهاد" الذى يعلن لتوسيع رقعة المنطقة التى تسود فيها الشريعة الإسلامية والتمكين لها. والحرب، كما فى القانون الفتيالى (¬1)، يجب أن تعلن وتتابع حتى النهاية وفقا لقواعد مقررة. ففى المحل الأول، يجب أن يفرّق بين الحرب بمعنى القتال، وبين الفروض الدينية الأخرى مثل الصلاة والصوم، ذلك أن هذه الفروض فردية. أما الحرب ففرض ¬

_ (¬1) القانون الفتيالى نسبة إلى الفتيال وهو مجلس كهنوتى رومانى قديم كان يختص بإعلان الحرب ويباشر المفاوضات السياسية.

جماعى أى "فرض كفاية" تلزم المجتمع بأسره. ولما كانت حالة الحرب الدائمة قائمة بين الدولة الإسلامية (دار الإسلام) وبين الدول الأخرى (دار الحرب) فإن المسلمين يظلون دائما فى حالة عداوة مع غير المسلمين. ولكن فى القيام بفرض الكفاية، أى فرض الجماعة فى حالة الحرب، فإنه لا يكون المسلمون جميعا هم الذين يجب عليهم القتال وإنما القليلون منهم الذين يدعون إلى القيام بهذا الفرض نيابة عن الجماعة. وإذا لم يقم أى فرد إطلاقا بهذا الفرض فقد حقت العقوبة على الجماعة بأسرها. وفى حالة قيام خطر غارة مفاجئة تهدد الإسلام فإنه فى هذه الحالة دون سواها يكون أداء هذا الواجب فرضا على الجميع، بما فيهم النساء والأطفال الأرقاء. والحرب، من حيث هى فرض كفاية أى فرض جماعى، وسيلة تتوسل بها الدولة. ومن ثم فإن "الإمام" دون سواه (أو نوابه فى الولايات) هو المكلف بواجب القيام على الحرب. وتحقيق شرعية الحرب لا يقتضى إعلانها على يد الإمام فحسب، بل يقتضى أيضا بأن يكون هو مسئولا عن دعوة المؤمنين إلى القتال. ولما كانت حالة الحرب قائمة دائما بحسب الشرع من حيث النظر (إلا إذا كانت معاهدة سلام لا تزال ملزمة) فإن إعلان الحرب على يد الإمام إنما كانت تعنى أن الظروف التى تهيئ للمؤمن أن يؤدى واجب القتال قد قامت. وكانت دعوة المؤمنين إلى القتال لا تتجاوز أن يدعى إلى القيام بواجب القتال أولئك الذين حق عليهم امتشاق الحسام. ولا يكون المضى فى الحرب شرعيًا إلا إذا سبقته دعوة إلى العدو بالدخول فى الإسلام. ولما كان معنى الحرب، من حيث النظر، قيام منازعة بين الإيمان بالله ورسوله وبين الكفر، فإن الكفار كان يعرض عليهم أولا الإسلام قبل أن ينشب القتال. أما الكتابيون فقد خيّروا بين الإسلام والخضوع لحكم الإسلام وأداء الجزية والقتال. وكانت الدعوة إلى الإسلام توجه أولا إلى العدو؛ ولا يصبح القتال شرعيا إلا إذا رفض الإسلام. وهذه القاعدة قائمة على ما جاء فى القرآن " ..... وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا" (سورة الإسراء،

المصادر

الآية 15) وما ورد فى الحديث: "أمرت أن أقاتل المشركين حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإن قالوها عصموا منى دماءهم وأموالهم" (البخارى: صحيح، 236). وقد اختلف الفقهاء فى هل تجدد الدعوة إلى الإسلام إذا نشبت الحرب مرة أخرى مع العدو؟ وذهب الفقهاء المالكية والحنفية إلى أن تجديد الدعوة "مندوب"، وترك الشافعية ذلك للإمام يختار بما يلائم الموقف. وأصر الفقهاء الحنابلة على ألا توجه الدعوة إلا إلى أولئك الذين لم يدعوا من قبل. وفى القيام بالحرب يجب على المقاتلين المسلمين أن يمتنعوا عن سفك الدماء بلا ضرورة وتخريب الممتلكات. ولا يضار غير المحاربين مثل النساء والأطفال والرهبان والعجائز والعميان والمجانين، إلا إذا عاونوا فى الحرب. فإذا أسر المقاتلون تعرضوا للقتل أو الأسر وتؤخذ ممتلكاتهم غنيمة. على أن القواعد المفصلة بمعاملة أشخاص العدو ومالهم تختلف باختلاف المذاهب (أنظر مجموع قواعد كل مذهب فى أبواب "الجهاد" و"السير" أو "الغنيمة"). وتنتهى الحرب إما بانتصار الإسلام على العدو ورضائه بالخضوع لحكم الإسلام نظير أداء الجزية، أو بسلام مع العدو لمدة محدودة، إذا قرر الإمام أن القتال ضار بالإسلام. ومثل هذا السلام موقوت بأجل لا يتجاوز سنتين حين يستطيع الإمام استئناف الحرب، ويجب على الإمام ألا ينهى القتال إذا كان عدد المقاتلين المسلمين لا يقل عن نصف مقاتلى العدو (سورة الأنفال، الآية 66 - 67) حتى يتحقق له النصر. المصادر: (1) أبو يوسف: كتاب الخراج، القاهرة سنة 1352. (2) السرخسى: شرح السير الكبير (للشيبانى) طبعة صلاح المنجد، القاهرة سنة 1957. (3) الشافعى: كتاب الأم، جـ 4، القاهرة سنة 1322. (4) الماوردى: الأحكام السلطانية، طبعة M. Enger، بون سنة 1858. (5) أبو حنيفة النعمان: دعائم الإسلام، طبعة فيظى، القاهرة سنة 1951.

(2) الخلافة

(1) Islamische: W. Heffening Fremdenrecht Das, هانوفر سنة 1925. (7) Muslim conduct: M. Hamidullah of state لاهور سنة 1954. (8) War and peace in: M.Khadduri the Law of Islam, الطبعة الثانية، بالتيمور سنة 1955 ومصادره. خورشيد [مجيد خدّورى Majid Khadduri] (2) الخلافة ولسوف لا نسوق فى هذا المقام تاريخا للحروب أو حتى دراسة لشأن الحرب فى حياة المجتمعات الإسلامية. وحسبنا هنا أن نذكر بعض الملاحظات عن فن الحرب نفسه الذى يمكن أن تكمله مواد "دار الحرب" (عن فكرة حالة الحرب من حيث النظر بين الإسلام وجميع الأراضى غير الإسلامية المجاورة له) و"جهاد"، و"جيش" (عن الجيوش والتنظيم الحربى) و"حصار"، وذلك علاوة على مواد أخرى أكثر تخصصا نسوقها فى موضعها من الترتيب. زد على ذلك أننا سوف لا نتعدى على عهد الأسلحة النارية التى يجب أن يرجع فى شأنها إلى مادة "بارود". وتمضى الكتب النظرية عن فن الحرب، بالرغم من حدوث بعض التطور من حيث العمل، سائرة على تقاليد العرب الأولين واليونان وفوق ذلك كله الساسانيين. وقد تمت نقول من اليونانية والفارسية، بل من الآثار الهندية بطريقة غير مباشرة، قبل كتاب "الفهرست"، وبقى جزء من ترجمة كتاب فن الحركات الحربية الذى ألفه إيليانوس. مؤلف فى العهد اليونانى واللاتينى القديم ظل فى بوزنطة أيضا أكثر من يرجع إليه من المؤلفين فى هذه الشئون. ولكننا، بصفة عامة، لا مناص من أن نتناول التقاليد الأكثر شيوعا، وهى أوصاف لفعال أبطال العرب الأولين، والقواد المظفرين فى عهد الخلفاء الأولين، وخاصة فعال الإسكندر والحكام العظام فى تاريخ فارس. وهذه المواد قد تضمنتها كتب "الأدب" مثل "عيون الأخبار" لابن قتيبة أو "العقد الفريد" لابن عبد ربه، ودوائر المعارف المتأخرة عن ذلك فى الزمن، وهى توجد بصفة أخص فى ذلك النوع

من كتب الأدب الذى يعرف بمرايا الأمراء مثل "سراج الملوك" للطرطوشى الذى يشمل فيما يشمل من نوادر أخرى كثيرة مفيدة عن الأمراء، بعض الحكايات عن قيادة الجيوش والعمليات الحربية. على أنه قد زاد على ذلك تجارب الأجيال اللاحقة، وهذه التجارب بالذات وإن كانت لا تنفصل بحال عن التقاليد، فإنها قد أوحت على نحو مباشر أكثر بالكتب التى كتبت فى ظل النفوذ المباشر للأرستقراطيات الحربية الحاكمة فى وسط آسية أيام الحروب الصليبية ثم بعد ذلك فى ظل المماليك الذين انتهى الينا من الفترة الأخيرة لحكمهم عدد كبير من الكتب كتبت فى الأغلب الأعم من وجهة نظر التدريبات العسكرية (انظر الأثبات فى L.Mercier: La Parure des cavaliers الترجمة الفرنسية: سنة 1924, ص 432 - 459, Ritter H. فى. ISI جـ 17، سنة 1929، ص 116 - 154؛ . George T A Muslim Manual of War: Scanlon، سنة 1961، ص 6 - 20) وسنذكر هنا فقط أقدم ما بقى لنا من كتب: كتاب عن عهد الغزنويين اسمه "كتاب الحرب والشجاعة" نشره أ. و. م شفيع فى - Is Iamic Culture، سنة 1957 (والقسم الحربى من هذه الرسالة ينتسب إلى ذلك النوع من الأدب المسمى "مرآة الملوك" لفخر مدّبر مباركشاه، ويبدأ بالقرن السابع الهجرى الموافق الثالث عشر الميلادى) و"تذكرة فى الحيل الحربية" لعلى الهروى طبعه وترجمه إلى الفرنسية J.Sourdel-Thomine. في BEO, جـ 17، سنة 1962 (ويجب مقارنته بفقرة من كتاب ... Traite d' Armureie Pour Saladin، طبعه وترجمه إلى الفرنسية Cl. Cahen فى BEO، جـ 12، سنة 1948، ص 23 - 24، 148 - 149، 159 - 160) وذلك عن عهد الأيوبيين. وثمة أيضا كتابان مطبوعان كتبا فى عهد دولة المماليك، وهما كتاب عيسى بن إسماعيل الأقسرائى (وفيه نجد مختارات من إيليانوس) طبعه وترجمه إلى الألمانية فستنفلد (- Wues tenfeld: - Das Heerwesen der mu hammedaner في Ges. d. Wiss. Goettingen Abh.d.K، جـ 26، سنة 1880)

وكتاب "تفريج الكروب فى تدبير الحروب" لعمر بن إبراهيم الأوسى الأنصارى، طبعه وترجمه إلى الإنكليزية George T. Scanlon فى الكتاب الحديث الذى ذكرناه آنفا. وثمة أيضا بعض المعلومات فى "مقدمة" ابن خلدون وفى كتب الفقهاء مثل الماوردى والحسن بن عبد الله العباسى ("آثار الأول فى ترتيب الدول" ويبدأ بالقرن الثامن الهجرى الموافق الرابع عشر الميلادى) بل فى كتب الفقه العادية. (أنظر المثل الذى ساقه M.Talbi فى - Ca hier de Tunisie جـ 4، سنة 1956). ويبدأ أى تاريخ للحرب بطبيعة الحال بغربلة كتب الأخباريين (وهو عمل لم يعمل قط من هذه الزاوية) بل قصص الفروسية الشعبية التى تحفل بأوصاف المعارك على تفاوت فى الضبط والوثوق. ويجب أن نذكر أخيرا المعلومات المفيدة التى تقتطف من بعض فقرات كتابين بوزنطيين هما كتاب Taktikon لليو السادس، وكتاب " Stratigikon" لككاومنوس (بداية القرن العاشر الميلادى بالنسبة للأول ومنتصف القرن الحادى عشر الميلادى بالنسبة للثانى). والحرب، من حيث النظر، ليس لها من مبرر إلا حين تكون "للجهاد". أما الحرب العادية بين المسلمين فقد ذمت، ومن ثم الجهود التى يبذلها الحكام لتصوير عدوهم بأنه قد خرج من بعض الوجوه على أوامر الدين أو أساء إلى السنة. على أن ابن خلدون، عالم الإجتماع، يعد الحرب جزءًا لا يتجزأ من المجتمع الإنسانى منذ الحالة القبلية فصاعدا، ولو أنه يضيف أن الجهاد فى نظر الشريعة وهو إخماد الفتن هما الصورة الواحدة لتبرير الحرب. وإذا استثنينا حالات الجهاد الرسمى المعلن على الكفار، فإنه لم يرد نص بإعلان الحرب بصورة منتظمة أو صحيحة شرعًا، ولكن الشائع أن كل خصم يبعت إلى خصمه بتحديات تعلن أن الحكم الوحيد الممكن بينهما هو السيف، ومع أنه يحدث بطبيعة الحال أن ينهب "المدنيون" أو يؤسروا إلخ، فإنه يمكن أن يحدث أيضا، حتى فى الجهاد، أن القوافل التجارية تمر بين الجيوش من غير أن يصيبها أذى غير

عابئة بتنازع الحكام (أنظر مثلا ابن جبير: الرحلة، ص 281). ولا يدرك المرء - بخلاف ما ورد فى هذه الكتب - العلاقة بين الحرب والسياسة وأن نجاح الأولى يعتمد إلى حد كبير على قيمة الثانية. ومن ثم يوصى الأمير أن يسعى إلى إكتساب ثقة رعاياه، وجنوده بصفة أخص، بتصرفه حيالهم وبإدامة أعطياتهم بانتظام. وهذا يقتضى أن يكون الموقف المالى سليما، وهو حين يستعرض جنوده يجب عليه بطبيعة الحال أن يكون عالما بحالهم أو يتحرى ذلك بنفسه، زد على ذلك أنه يجب أن يكون عارفا دائما بالموقف العام فى الدولة المعادية، أو بالحالة فى الدولة التى تقف منه فعلا هذا الموقف، ومواردها المادية والحالة بالنسبة لروحها المعنوية حتى يستطيع إذا أمكن الاتصال بالعناصر الساخطة فيها، وخاصة فى حظيرة الجيش نفسه. ومن ثم وجب إقامة نظام للجاسوسية يمكن أن يستفاد فيه بحاشية السفراء (ويجب أن يغيروا كثيرا لتحاشى خطر أن يقيموا صداقات فى البلاد المعادية) وبالتجار والحجاج الذين يزمعون الحج حقا والذين يتظاهرون بذلك (كان على الهروى واحدا من هؤلاء). وبطبيعة الحال فإن من المعروف أن العدو يستطيع أن يفعل ذلك أيضا. ولذلك وجب إقامة نظام لمقاومة الجاسوسية وخاصة فى نطاق الجيش؛ على حين يتحاشى اتخاذ إجراءات ضد أولئك الذين تلقوا رسائل من العدو ما داموا لم يستجيبوا بالفعل للإغراء. ومن المستصوب فى الوقت نفسه حملهم على تجديد قسم الولاء. وكل هذا أحدث جوا من الحيل الصغيرة التى تكاد تبلغ مبلغ الخطر والاشتباه العام المأثور عن الحروب بل الحياة السياسية بأسرها فى ذلك العهد ... ونضيف إلى هذه المعلومات، فى حالة الحرب أو التهديد بالحرب، معلومات عن تحركات العدو، ومن وسائل الحصول عليها البريد، بل إن هناك فى بعض الأحيان مرافق للاتصال السريع (مراقب وخاصة على الساحل والإشارات المنظورة ومراكز الحمام الزاجل) وانظر عن هذا كله J.Sauvaget:

La poste aux chevaux dans l'Empire des Mamluks, سنة 1941. والروح المعنوية مهمة فى العمليات الحربية نفسها. والذى يشجع على قيامها أولا الهدايا والوعود تبذل بجنى المغانم، وتجدد قبل المعركة ينبذَ من مغامرات الأجداد، وفى حالة الجهاد، بالوعظ والحث على التقوى. ومن الواضح أن التعاليم العسكرية وتجارب الجيوش الإسلامية القديمة لا تتصل إلا صلة قليلة بالغارات والمبارزات الفردية المألوفة فى الجاهلية والإسلام على أول عهده، ذلك أن المتخصصين، كما فى الفقه، يفرقون بين الأصول والفروع. وتقوم الأصول فى جوهرها على التقسيم النظرى إلى خمسة عناصر (خميس): القلب، والميمنة، والميسرة، والمقدمة، والساقة، ويطبق هذا فى المعركة مع التغييرات الضرورية. والفروع هى العمليات التى يقوم بها الجنود غير النظاميين الذين ليسوا جزءًا من الجيش عينه، ولو أنهم قد يلعبون دورا فى بدايات المعركة وعلى هامشها. وحين يستقر الرأى على المعركة، تستعرض القوات اللازمة وتوزع الأسلحة (بخلاف الأسلحة الشخصية التى يحملها الجنود دائما) ويعين القائد إذا كان الأمير لا يقود الجيش بنفسه, أما النساء والأطفال (وهم بين البدو يصحبون المقاتلين ويشجعونهم معرضين لخطر الأسر فى حالة الهزيمة) فلا يدخلون فى الجيوش النظامية للدولة المنظمة. والأمتعة تكون على رأس الصف السائر أو فى مؤخرته. ويجب أن يكون الطريق قد درس من حيث طبيعة الأرض وتوفير المؤونة وتحركات العدو، وإذا لم تتحقق سلامة الموقف فإن البلاد يجب أن يرتادها الكشافة من جميع الجهات هم وجماعات الاستطلاع الصغيرة، وتعطى إشارة عند ظهور أى علامة تدل على اقتراب العدو. وقد يحدث أن ترحل مقدمة الجيش قبل قلبه بعدة ساعات، وإذا لم تكن الاحتياطات كافية فربما أخذت المقدمة على غرة وغلبها العدو بتفوقه عليها فى العدد. والجيش - وهو ماض فى سيره - يتوقف فى معسكرات يجب أن تختار مواقعها كذلك لضمان

الأمن وخاصة موارد الماء وما إلى ذلك. وإذا استطالت مدة التوقف يجب أن يكون المعسكر مربعا على وجه التقريب تحوطه خنادق، ويصطف الجنود فى رحابه على نحو يحقق الفصل بين العناصر الخمسة والقيادة: مع وجود دروب متقاطعة بين أقسام الجيش تسير على منهج المعسكرات اليونانية الرومانية تقريبا. وإذا أصبحت المعركة وشيكة أصبح من المهم اختيار أرضها بحيثُ تتحاشى بقدر الإمكان الشمس والريح، وكذلك خطر الفيضان، مع تجنب أن يسيطر عليها العدو لاحتلال أماكن أعلى. وإذا كان العدو قد اتخذ من جانبه مثل هذه الاحتياطات، وجب أن تبذل محاولة للمناورة بحيث يمكن بمضى المعركة تعديل موقع الجيش. ويُستشار المنجمون فى كثير من الأحيان فى الموعد المفضل للمعركة، ويعقد أحيانا "مجلس حرب". وإبان المعركة يتمتع كل "خميس" من حيث النظر باستقلال فى قيادته، ولو أن القائد العام - بطبيعة الحال - قد يعطى أوامره لتحقيق المناورة بقيام قسم من الجيش بعمل فى صالح الجيش كله، أو يأخذ من قسم مددًا للأقسام الأخرى. وكل خميس، من حيث المبدأ، صف متصل، ولو أنه قد يقسم فى بعض الأحيان إلى جماعات صغيرة تسمى كراديس والمفرد كردوس (وهى بدعة يقال إن الذى استحدثها هو مروان الثانى تقليدًا للبوزنطية). وقد جرت العادة أن يكون فى الجيش ثلاثة أنواع من الجنود: الأول رماة السهام والنَبَّالة، والثانى المشاة تحميهم دروعهم وقد تسلحوا بالحراب أو السيوف، والثالث هو الفرسان المدججون بالسلاح (أما الفرسان الخفاف فقد جرت الحال بأن يكونوا بين الجنود غير النظامية فحسب). وفى القلب يجب أن يكون لواء القائد منشورًا على مرأى الأعين، وقد خسرت معارك لأن تنكيس العلم اتخذ دليلا على الهزيمة. وتقوم المعركة فى جوهرها على حملة يقوم بها الفرسان، قد تكرر ثلاث مرات إذا لم تخترق صفوف العدو. ويقوم دور المشاة ورماة السهام فى فل هجوم العدو من بعد ثم من قرب، على حين تشتبك معه

الفرسان على الفور إذا استطاعت أن تبلغه. وحين يقوم الفرسان بالهجوم تترك مسافات بين المشاة، أو هم يقفون جانبا ليفسحوا المجال لهجوم الفرسان. وإذا لم يستطع كسر الهجوم بالهجوم المضاد، فإنه قد يؤدى سريعا إلى ارتداد فرسان العدو، ويحدث هذا الارتداد اضطرابا فى صفوف العدو. وفى حالة تفوق العدو كثيرا فى العدد، أو أى ضعف آخر يصيب الجيش، فإن الصفوف قد يستبدل بها مربعات متينة التكوين لتوقف سورة الهجوم. والهجوم لا يحدث عادة على القلب والأجناب فى وقت واحد، ولو أنه قد تحدث هجمة من قسم من الجيش على نقطة ومن قسم آخر على نقطة أخرى. وينشأ عن هذا أن يهزم قسم من الجيش وينتصر قسم آخر. وقد وقعت حالات ظن كل جانب انه انتصر أو انهزم. على أنه يحدث بصفة عامة أن يمضى فى القتال قسم من قسمى الفرسان الذى انتصر فى القطاعات الخاصة به قبل أن يدهم القسم الآخر القطاعات الأخرى من جيش العدو. والحق إن الخطر العظيم يكمن فى أنه ما إن يبدو الانتصار محققا حتى يهرع المنتصرون متكالبين على متاع الجيش وخلافه للاستيلاء على الغنيمة، ومن ساعتها يعودون غير قادرين على إبداء أية مقاومة إذا عاود العدو فجأة الهجوم. وكثيرا ما كانت تبذل المحاولات لتنظيم الكمائن، إما باستغلال ممر جبلى على طريق جيش العدو، وإما بمحاولة خداع العدو بالمناورات إبان المعركة وجرّه إلى مواقع معدة من قبل. وكان إعداد الكمائن فى كثير من الأحوال يقترن بحركة من الفرسان من التحركات التى يتظاهر فيها بالفرار، وقد برع الأتراك فى هذا بصفة خاصة، وكان العرب بلا شك أخف من الصليبيين وأسرع (ويعتمدون كما فعلوا على التحركات التى تفاجئ العدو فى حشد حاشد)، على حين كانوا بصفة عامة يهجمون فى صف واحد، أما الأتراك فكانوا يهجمون وهم يرمون بالنبال فى سيرهم مكونين جيشهم بحيث ينهالون على العدو بالسهام من جميع النواحى. وهم لا يصرون فى محاولتهم إلى اختراق صفوف العدو،

ولكنهم حين يشتبكون معه يحاولون جر هذه الصفوف فى مطاردة وبذلك يشيعون الاضطراب فى صفوفه، ثم هم ينقلبون عليه فجأة بمساعدة أخيرة تبذل لهم من قوة جديدة كانت مهيأة فى كمين. ومن العجيب أن الأقوام المتعاقبة شبه البدوية التى كانت تدين ببعض نجاحها إلى اتباع هذه الحركات الحربية، ما ان أصبحت أكثر استقرارا وملكت إمبراطوريات سارت جيوشها على النمط الأثقل تسليحًا والأكثر أخذًا بالتقاليد حتى أخذت واحدة بعد أخرى تنسى طريقتها البدائية فى القتال وقد أنزل بها الهزيمة وافدون جدد ظلوا يتبعون هذا النهج البدائى فى الحرب. وفى أثناء المعركة يستبدل القائد بخيل الجنود التى قتلت وسلاحها الذى فقدت أو الذى أصبح عديم الجدوى خيلا أخرى وسلاحا آخر. وثمة جدال فى الفقه حول قتل غير المحاربين والنساء والأطفال والعجائز ورجال الدين، ولكنه يستنكر ذلك بصفة عامة. وأثناء الحصار بصفة خاصة، وإبان المعارك التى تدور فى العراء بصفة عامة، فإن الأشخاص أو الجماعات قد تحصل على الأمان وقد يصدر هذا الأمان حتى من شخص عادى. ومن المآسى الكبيرة أن تجئ الهزيمة منكرة تحول دون دفن القتلى الذين يتركهم العدو فى كثير من الأحيان صرعى حيث قتلوا ونهبوا. على أننا نستطيع القول بصفة عامة أن الهدف لم يكن القتل بقدر ما كان الإستيلاء، وما إن تخاض المعركة وينتصر فيْها حتى ينهب معسكر العدو. وكان الأمير، من حيث المبدأ، يحتفظ لنفسه بخمس الغنيمة الشرعى، ولكن ما كان أكثر ما يسير توزيع الغنيمة فى منتهى الفوضى، وكان الجنود أثناء ذلك لا يراعون القواعد الأساسية فى اقتسام الغنيمة، ولا حتى يلتزمون بأى نظام. وكان كل واحد بصفة خاصة يستحوذ لنفسه على كل ما يستطيع من أسرى رجالا ونساء ثم يبيعهم بعد ذلك فى سوق الرقيق (ويتسبب بذلك فى رخص أسعارهم إذا كانوا كثيرين) أو يحتفظ بهم. وكان الفلاحون، كلما استطاعوا، يسرقون الضالين من الجنود من الطرفين المتقاتلين.

وما إن يتم النصر حتى يبعث الغازى أو وزيره برسائل الفتح التى أصبحت بمرور القرون فرصة متزايدة للإنشاء الذى تجمد على صورة واحدة وراح يمارسه رؤساء ديوان الرسائل (انظر الرسائل التى كتبها القاضى الفاضل باسم صلاح الدين والرسائل التى كتبت بمناسبة الاستيلاء على بيت المقدس). وهذه الرسائل بطبيعة الحال تبالغ فى قوة العدو ورفع شأن الانتصار الذى أحرز وتقلل من الخسائر. وفى حالة الحرب على الكفار والزنادقة كان يرفع تقرير خاص للخليفة، الذى يبعث بتهانيه ويسبغ آيات التشريف. وكذلك يمنح الأمير القائد الظافر أوسمة التشريف. وإذا كان الأمير هو الذى قاد بنفسه الحرب، فهو يقيم حفلات ويخلع ألقابا ومآثر ويسبغ العطايا، ولو أن ذلك لم يكن يحدث بصفة منتظمة كما أنه لم يكن مفروضا أو واجبا. وكان الأسرى الذين يقعون من نصيب الأمير يستخدمهم فى العمل الشاق الذى يأنس صعوبة فى أن يدبر له العمال الوطنيين (مثل بناء الحصون وما إلى ذلك). أما الأسرى الموسرون فكانوا طبيعة الحال يفتدون كما هو منتظر، من قبل أسرهم أو من قبل الأمير العدو. وقد يحدث أيضا تبادل للأسرى إذا وقعت معاهدة سلام أو صلح. ونذكر أخيرا، وخاصة فى حالة الحرب على الكفار، أن المال يبذل أو يوقف من قبل الصالحين لافتداء أسرى المسلمين (وكذلك يفعل الجانب المسيحى بالنسبة لفداء أسراه). وحين يحدث، فى مدينة مثلا، أن يؤسر مدنيون قد لا يكونون مسلمين، فإن إخوانهم فى الدين يفتدونهم، وقد حفظت وثائق الجنيزة مثلا رسائل خاصة بافتداء اليهود. وكانت فدية الأمير العادى تكاد تعادل بطبيعة الحال ثمن العبد. والظاهر إن الفقه الإسلامى لم يعن بحالة الأسرى من حيث هم أسرى فى دار الإسلام (كانوا عبيدًا). على أنه عنى بالطريقة التى يتصرف بها المسلمون الذين يقعون فى أيدى الكفار فى البلاد

الأجنبية ليحافظوا على دينهم (Erwin Religioese und rechtliche Vor-: Graef stellung ueber Kriegsgefangenen in Islam und Christentum فى Die Welt des lslam جـ 8، سنة 1963, ص 89 - 139). ولم تكن الحرب لتدوم طويلا إلا فى النادر، وخاصة إذا لم يكن فيها حصار، وقلما كان المشتبكون فيها يزيدون على بضعة آلاف من الجنود، ولو أن العدد الكلى لجيش الدولة المشتبكة فى الحرب يزيد على ذلك، وقد كان السبب فى ذلك أنه كان من العسير تدبير الغذاء اللازم لمؤونة الجيش وهو يحارب. زد على ذلك مقتضيات الجو، فإنه لم يكن فى الإمكان بصفة عامة التخطيط لحملة تشن فى الشتاء، بعد أن يكون الضباط قد أصبحوا مزارعين أو جباة ضرائب فإنه لم يعد من الممكن احتجازهم لخوض المعركة إبان موسم الحصاد. ومهما يكن من شئ فإنهم كانوا عازفين عن أن يظلوا تحت السلاح أكثر من أسابيع قلائل؛ ذلك أن مواردهم العادية كانت لا تكفى لإعالتهم أكثر من ذلك، كما كانوا يكرهون الغياب عن أسرهم، وما أكثر ما كانت الحرب تحسم فى معركة واحدة يعقبهما عدة حصارات للمعاقل. وكانت الحرب فى كثير من الأحوال تنتهى بصلح فى صورة تسليم مشروط أو معاهدة يتفاوض فيها السفراء. وكان السلام فى غير ذلك من المناسبات، وخاصة فى الحروب مع الكفار، محدودا بصلح مرهون بأجل وبمنطقة معينة. وكانت الحرب أيضا فى كثير من الأحوال يمكن أن تتوقف دون قيام أى سلام رسمى. وهذه الملاحظات التى أسلفنا بيانها لا تنطبق بلا خلاف على جميع العهود، وعلى جميع الشعوب (وقد سبق أن استثنينا الترك من ذلك) ولا على جميع الأراضى. وقد زاد شأن فرقة الخيالة شبه الثقيلة التى لم يكن دورها فى أول الأمر إلا دورا تافها، وذلك منذ القرن الثامن الهجرى (الرابع عشر الميلادى). وكانت الحركات الحربية المأثورة عن القدماء مستحيلة فى القتال الذى يدور فى الجبال والذى كان دور الفرسان فيه لا يمكن إلا أن يكون على نطاق

ضيق، وكذلك القتال الذى يدور فى البطائح مثل بطيحة العراق. وهذا من الأسباب التى امتزج فيها بالخيالة الترك فى السنوات الأخيرة التى استقلت الخلافة فيها بأمر نفسها، مقاتلون من الديلم وهم سكان الجبال الذين يحاربون على أقدامهم. وقد يحدث أنه إذا عجز كل جيش من الجيشين المتقاتلين أن يقاتل فى أرض الآخر فإن الجيشين كلاهما لا يستطيعان أن ينتصرا أو تحل بهما الهزيمة. مثال ذلك أن مشاة الموحدين الأولين عجزوا عن مهاجمة الخيالة المرابطين فى السهل، ولكنهم كذلك لم تتيسر مهاجمتهم وهم يلوذون بجبالهم. وقد رّوع الفيلة فى الشرق من العالم الإسلامى جياد أى عدو لم يكن له عهد بها. ونحن لم نتناول هنا الحرب البحرية ولكننا يجب أن ننوه بالدور الذى كانت تستطيع البحرية أن تلعبه فى نقل جنود البر عبر مضايق جبل طارق مثلا، أو من مصر إلى الثغور الشآمية التى كان الصليبيون يهاجمونها من البر. أما على الحدود، فقد كان الغزاة والمرابطون لا يدهمون العدو بمعارك بل بغارات مفاجئة (كانوا يتأخرون فى طريق عودتهم بسبب الغنيمة التى كانت تشتمل على كثير من الدواب) تقابل بغارات مثلها، على أن ذلك لا يستثنى منه عدة صور من العلاقات السلمية بين سكان الثغور (أى الحدود) فى الفترات الواقعة بين غارة وأخرى كما جاء فى وصف قصص الفروسية العربية واليونانية (ديجنيس أكريتاس؛ وذو الهمة وسيد بطّال إلخ)، وقصص أتراك الأوج، وأتباع الغزاة العرب والأكريتاى البوزنطيين أدخل فى الحرب بلا جدال. وتثير انتصارات المغول المدوية مسألة: هل كانوا يتفوقون تفوقا فنيا واضحا على أعدائهم؟ وهذه الحالة لم تدرس دراسة كافية، ولكن يبدو أن الأمر لم يكن كذلك فالظاهر أن انتصاراتهم كانت ترجع إلى النظام، وإلى سرعة تحركاتهم وفنهم فى إخفائها، وتفوق نظام الجاسوسية والمخابرات عندهم، واستخدامهم المزدوج على نطاق واسع لآلات الحصار التقليدية التى كان ينقلها

المصادر

الأسرى والخدع التى كان يمارسها البدو فى العراق، والرعب الذى كان يثيره ظهورهم، وأصلهم البعيد غير المعروف واستعدادهم غير المنتظر للتذبيح، والتعاون الملبى نتيجة لهذا الرعب مقترنا بالتسليم الاختيارى الذى كانوا يحصلون عليه، وصفوة القول أن النجاح كان يجلب النجاح. على أن معركة عين جالوت الصغيرة بعض الشئ، كانت كافية لإبطال هذا السحر وردَّ المغول إلى حالة اعدائهم المألوفة. وكان والى الإقليم فى الأجيال الأولى التى أعقبت الفتح العربى، والتى ظل فيها الوالى فى الأساس هو قائد جيش الاحتلال، يسمى "والى الحرب" ولو أن سلطانه كان يجاوز فى الحقيقة تجاوزًا كبيرًا تسيير دفة الحرب، إذا كان هناك حرب، بل تدبير أمر الجيش. المصادر: علاوة على المصادر التى ذكرت فى صلب المادة أنظر: (1) التواريخ العامة للحرب والفن الحربى ليس فيها شئ له شأن فى الميدان الإسلامى والكتب الوحيدة التى أستعرضت ذلك بصفة عامة استعراضا ذا غناء هى. (2) kulturgeschichte: A.V. Kremer des IsLam جـ 1. (3) Social Structure of IsLam: Reuben Levy The، فصل 9. ومن المعارك الهامة (إذا استثنينا الحصارات) التى بين أيدينا عنها بيانات هامة. (4) - معركة حطّين. (5) - ومعركة ملازجرد. (انظر هذه المادة التى درسها C.I.Cahen فى Byzantion جـ 9، سنة 1934، ص 613 - 642). خورشيد [كاهن C.Cahen] (3) سلطنة المماليك: ستتناول هذه المادة حملات المماليك فى خروجها من القاهرة حيث كان قوام الجيش يعسكر حتى عودتها إلى قصبة مصر. وسندرس الحملات المتجهة الى الشام، ذلك أن الشام كان هو المسرح الأكبر للعمليات الحربية. أما الفقرات التى ستتناول القتال

الفعلى فسوف تنحصر فى معارك الميدان. تعبئة الجيش حتى الوصول إلى ساحة التجمع: كان القرار بإنفاذ حملة كبيرة على عدو قوى يعرف عادة بما جرت عليه العادة من رفع علم خاص قبل القتال بمدة يسمى "جاليش" أو "شاليش" على الطبلخانه ويقترن ذلك بقرع طبول خاصة (كوس)، وبعيد إقامة هذا الحفل يستعرض الجيش، وبعد ذلك بأيام قليلة توزع "نفقة السفر" (D.Ayalon فى - Journal of the Economic and Social History of the Orent, سنة 1950, ص 56 وما بعدها) فى حينها للجندى ليعد عدته ومؤونته. وكانت تعبئة حملة تأديبية عشية التحرك من القاهرة تسمى "النفير العام". ويتلقى الجنود المعينون للاشتراك فى الحملة أوامر مكتوبة (الأوراق أو أوراق التجريد) بما يفيد ذلك. وكان البوليس الحربى (نقباء المماليك السلطانية أو نقباء الحلقة) مسؤولا عن قيام أفراد الحملة التأديبية بتقديم أنفسهم فى الوقت والمكان المقررين (بيبرس المنصورى: زبدة الفكرة، مخطوط بالمتحف البريطانى، الإضافات رقم 23: 325، ورقة 186 أ، 268؛ Beitraege: zettersteen, ص 193, 210, 222؛ السلوك، جـ 1، ص 544؛ جـ 2، ص 260, 518, 520, النجوم الزاهرة، جـ 5، ص 17، 76, 411). وقبيل تحرك الجيش تهيأ مؤونات شتى فى المحطات القائمة على طول الطريق؛ وهذه هى المخزونات (إقامات ومفردها إقامة أو إقامات وأنزال) قوامها الشعير والحنطة والفراريج والحمام والأوز، والحلويات، والبطيخ وغير ذلك من أنواع الغذاء المتنوعة وكذلك خشب الوقود، والجياد وجمال الركوب وجمال الحمل. وإذا لم يفرض عدو مهاجم أوان القتال، كما حدث فى بعض معارك الشام الكبرى، فإن الحملات الحربية كان يقوم بها المماليك غالبًا فى الربيع، حين يصبح الجو معتدلا. أما الحملات الحربية الموجهة بخاصة إلى الشام، فكانت نادرة تثير المرارة والشكاوى.

مكان تجمع الجيش

وكان خروج الجيش من القاهرة إلى مكان قريب للتجمع يسمى "تبريز". وحين كان السلطان يخرج بنفسه إلى المعركة فإنه يكون فى جميع الأحوال قائد "التجريدة" فإذا لم يخرج تولاها الأمير الذى تخوله رتبته ومنصبه أن يجلس أقرب ما يكون إلى السلطان فى المحافل الرسمية. وكان اللقب المألوف لهذا القائد حتى منتصف القرن التاسع الهجرى تقريبًا (الخامس عشر الميلادى) هو "مقدم العسكر" أو "العساكر"؛ وقلما كان يلقب بمقدم الجيش أو الجيوش؛ وكان لقبه يختصر أحيانًا فيقال المقدم فحسب. وفى الحملات التى تقتضى رحلات بحرية، كان يقام فى بعض الأحيان قائدان: مقدم العسكر فى البحر، ومقدم العسكر فى البر (النجوم الزاهرة، جـ 2، ص 548). مكان تجمع الجيش: إذا استثنينا السنوات الأولى القليلة للحكم المملوكى فإن المماليك كانوا يجعلون المكان الذى تتجمع فيه جيوشهم التى تقوم بالحملات قرب القاهرة. وقد أقام السلطان الصالح نجم الدين أيوب (637 - 647 هـ = 1240 - 1249 م) سنة 676 هـ (1248 م) مدينة الصالحية فى الجزء الشمالى الشرقى من مصر السفلى لتخدم غرضين: أن تكون مكان استراحة للجيوش العائدة بعد عبورها صحراء سيناء؛ ومكان تجمع للجيوش الخارجة قبل تحركها فى سيرها المنتظم إلى الشام. وقد استغنى المماليك عن الغرض الثانى بعد تسلمهم مقاليد السلطة. ولعل السلطان قطز فى سيره إلى عين جالوت كان آخر سلطان استخدم الصالحية فى هذا الغرض (السلوك، جـ 1، ص 330، س 4 - 6، ص 373، س 15 - 17، ص 381، س 6 - 21، ص 382، س 15 - 16؛ ص 411، س 4 - 5، ص 429، 13 - 14؛ النهج السديد، جـ 20، ص 18، س 18، الخطط، جـ 1، ص 184، س 22 - 24، ص 232، س 3 - 11). ومن وقتها درج المماليك على تجميع جيوشهم بالقرب من القاهرة. وكان مكان تجميعها أول الأمر فى مسجد التبر (يحرف فى كثير من

الأحيان فيقال التبن)، ولكنهم استبدلوا بهذا المسجد منذ نهاية القرن السابع الهجرى (الثالث عشر الميلادى) الريدانية التى وفت فى الوقت نفسه بغرض تجمع قافلة الحجيج إلى مكة فيها. السلطان فى الريدانية: كان محور مضارب الجيش فى الريدانية بطبيعة الحال هو مضرب السلطان نفسه. وقد كان يقام فى نهاية صف مضارب الأمير التى كانت تنتظم من حيث المبدأ على أساس أن تكون المضارب الأقل أهمية فى المقدمة فى حين تأتى المضارب الأكثر أهمية فى المؤخرة (الظاهرى: الزبدة، ص 136 - 137؛ ). وكان النظام المتبع لحراسة خيمة السلطان فى قول المصادر المملوكية، شبيها كل الشبه بالحراسة داخل الخيمة (صبح الأعشى، جـ 4، ص 48، س 2، جـ 9، ص 49, س 13، ص 56، س 15 - 17؛ ضوء الصبح، ص 258، س 1 - 4؛ الخطط، جـ 2 ص 210، ص 210، س 30 - 36؛ الحوادث. ص 680، س 11 - 12). وكانت حاشية السلطان بأسرها تسمى "الركاب الشريف (أو السلطانى). وكان الجيش فى الميدان لا يحمل معه أية منشآت خاصة لأداء الصلوات اليومية، وقد يقتضى ذلك فيما يقتضى أن يؤدى الجيش صلواته وهو فى الميدان فى العراء والاستثناء الوحيد لذلك هو ما فعله بيبرس الأول، فقد أمر سنة 661 هـ (1262 - 1263 م) بإقامة جامع خيام (جامع خام) اقتضى الأمر إقامته على يمين الخيمة السلطانية. وكان لهذا الجامع محراب ومقصورة (ابن عبد الظاهر، طبعة- Sa deque، ص 89 - 90، المتحف البريطانى، المخطوطات الإضافية رقم 331، 23، ورقة 71 ب، س 3 - 7). وأغلب الظن أن بيبرس قد ائتسى فى هذا المقام، كما فى غيره، بالمغول، ونحن قد استقينا المعلومات عن استخدامهم لهذه المساجد من وليام الربركى (لندن، سنة 1900، جـ 29، 31، ص 29) وكان لبركه خان حاكم القبيلة الذهبية وخليف بيبرس مساجد خيام (مساجد

خام! ) حيث كانت تؤدى الصلوات الخمس اليومية (اليونينى جـ 2، ص 365، س 6 - 7). وقد رأى ابن بطوطة (جـ 2، ص 380 = طبعة كب، جـ 2، ص 482) بعض هذه المساجد عند القبيلة الذهبية فى تاريخ متأخر عن ذلك كثيرًا. وانظر عن التزام الجنود الدقيق بأداء الصلوات حتى أصبحت عندهم عادة فى ظل بيبرس الأول: كتاب ابن عبد الظاهر (ورقة 63 ب، س 13 - 15). من الريدانية إلى دمشق (أو حلب): وكان الجيش فى جميع الأحوال يخرج من الريدانية جماعات منفصلة، ويدخل قصبة الشام على هذا النمط (أرسالا، أفواجًا، على دفعات)، ومن ثم تنشر الحملة التأديبية مسافة طويلة فى تقدمها. وقد خبّرنا فى بعض المناسبات بأن ميسرة الجيش المصرى وميمنته وقلبه قد دخلت دمشق فى ثلاثة أيام متعاقبات (النهج السديد، جـ 20، ص 22، س 3 - 6؛ ابن الدوادارى: كنز الدرر، طبعة Roemer, جـ 9، ص 32.، س 10 - 13). وإنما نستدل من شواهد أخرى هل كان الجيش المملوكى يتقدم دائمًا بنفس التشكيل الذى يخوض به ميدان المعركة؟ وكان من أكثر الإجراءات المألوفة التى يتخذها الجيش المتقدم هو إنفاذ كشافة خاصة إلى مختلف الاتجاهات. وكان يصحب الحملة العسكرية قافلة كبيرة جدًا من الجمال تحمل أثقالها. وكان كل مملوك يشترك فى حملة يتلقى على، الأقل جملا واحدًا، وكان فى بعض الأحيان يتلقى جملين، على حين كان جنود الحلقة من غير المماليك يتلقى كل رجلين منهم ثلاثة جمال (انظر D.Ayalon في Journal of the -Economic and Social History of the Ori ent، جـ 1، سنة 1958، ص 270 - 271). وقد جعل السلطان برقوق لمماليكه 7,000 جمل و 5,000 جواد حين كان يخطط سنة 796 هـ (1394 م) لحملته على تيمور لنك (ابن الفرات، ص 380، س 13 - 16. النجوم الزاهرة، جـ 5، ص 562، س 6 - 8). وكانت أكبر الحملات تتطلب من

800 إلى 1000 جمل لحمل السلاح الخفيف دون سواه (ابن الفرات، ص (371، س 8 - 11؛ ابن قاضى شهبة، ورقة 99 أ، س 6 - 7). وكانت البغال قلما تستخدم لحمل متاع الجيش، وقد استخدمها جيش السلطان سنة 691 هـ (1292 م) فى إقليم حلب لأن معظم الجمال نفقت بفعل وباء من الأوبئة (بيبرس المنصورى، ورقة 111 أ، س 6 - 9). وكذلك كان استخدام العجلات لحمل عدد الحصار نادرا جدا. وكان الجيش المتقدم يصحبه فى جميع الأحوال كثير من الأطباء والجراحين والصيدلانية ومقادير كبيرة من العقاقير (انظر مثلا صبح الأعشى، جـ 4، ص 49، س 4 - 7) ومع ذلك فالظاهر أن عدده كان يتناقص فى كثير هن الأحيان بفعل الأمراض التى كانت تدهم أفراده فى تقدم الجيش وهذا بخلاف الأوبئة التى كانت فى كثير من الأحوال تفتك فتكا بالمماليك وخاصة الشباب منهم، (انظر Ayalon D. فى. Journ of the Roy .As. Soc سنة 1946، ص 62 - 73). ولا تنبئنا المصادر كيف وأين يعالج المرضى. وكان الضعفاء ومن يتخلفون وراء الجيش يعادون فى كثير من الأحيان إلى مصر. وتسوق المصادر المملوكية معلومات وافرة موثوقا بها عن الجدول الزمنى لسير الجيش على الطريق الرئيسى لتقدمه من القاهرة إلى غزة إلى دمشق فحماة فحمص فحلب (وانظر الثبت المفصل للمحطات على طول الطريق Egypt and Syria. under the: W. Popper Circassian Sultans، ص 47, 48 - 49). وهذه المعلومات ليست موزعة بالقسطاس على العصر المملوكى، ذلك أن المصادر لا تذكر هذا الجدول إلا حين كان السلطان نفسه هو الذى يقود الحملة العسكرية. أما المعلومات عن الأقاليم القائمة خارج خط القاهرة - حلب، أى منطقة الدلتا، ومصر الوسطى والعليا والحجاز، فمتفرقة. وكان سير الجيش من القاهرة إلى حلب يستغرق ما بين 30 يومًا وأربعين يوما؛ ومن القاهرة إلى دمشق ما بين 20 يومًا وخمسة وعشرين يومًا، ومن

القاهرة إلى غزة ما بين عشرة أيام أو اثنى عشر يومًا؛ ومن غزة إلى بيسان من خمسة أيام إلى ستة أيام، ومن بيسان إلى دمشق ما بين ثلاثة أيام وأربعة أيام؛ ومن دمشق إلى حمص ما بين يومين وثلاثة أيام؛ وما بين حماة وحلب من يومين إلى ثلاثة أيام. وكانت هذه الأرقام أحيانًا تشمل أيام الراحة فى المحطات الوسطى وأحيانًا لا تشملها. وكان متوسط مدد الراحة فى المحطات الرئيسية: فى غزة ما بين ثلاثة أيام وخمسة أيام؛ وفى بيسان، ما بين يومين وثلاثة أيام؛ وفى دمشق ما بين خمسة أيام وسبعة أيام، وفى حماة ما بين يومين وثلاثة أيام. وكانت مدة الراحة فى حمص وكذلك المدة المطلوبة لنقطع المسافة بين حمص وحماة، غير مقررة. وثمة ظاهرة فى الحملات الحربية عند المماليك وهى أنه لم تكن هناك نسبة ثابتة بين الضباط والجنود فى معظم عصر المماليك على الأقل. صحيح أن القاعدة كانت تقتضى أن يكون تحت إمرة أمير الألف ألف جندى من جنود الحلقة وعدد غير محدد من أمراء الأربعين وأمراء العشرة، إلا أن مقدم الحلقة كان يجب أن يكون تحت إمرته أربعون من جنود الحلقة فى المحلة الواحدة (انظر D .Ayalon فى Bulletin of the School of Oriental and African Studies جـ 15 سنة 1953، ص 450 - 451). وليس من الواضح إلى أى حد كان هذا فى الواقع يطبق أثناء العصر الأول للمماليك، حين كانت الحلقة لا تزال قوية وافرة العدد. ولكن الحلقة كانت فى معظم هذا العصر تتقلص باطراد. وقد توقفت فى عصر المماليك الجراكسة عن المضى إلى المعركة توقفًا يكاد يكون تامًا. وحين كانت الحلقة تمضى إلى الحرب فإن عدد أفرادها لم يكن يتجاوز بحال مئات قليلة. واسم "مقدم حلقة" نفسه الذى كان كثير التردد فى عصر المماليك البحرية، اختفى كلية فى عصر المماليك الجراكسة (انظر BuIIetin of the SchooI of OrientaI and African Studies جـ 15، ص 448 وما بعدها؛ وهذا يتضمن أن النسبة المذكورة آنفا بين الجنود فحسب وبين من يفوقونهم فى

الرتبة إبان الحملة لم يكن له إلا قيمة قصاصة الورق. أما المماليك السلطانية (انظر Bulletin of the School of Oriental and African Studies، جـ 15، ص 204 وما بعدها) الذين كانوا قوام الجيش يتحملون عبء القتال فإننا لا نعلم حتى النسبة النظرية بين ضباطهم وجنودهم إبان الحملة. ويذكر أن عدد المماليك السلطانية بلغ فى الروك الناصرى لسنة 715 هـ (1315 م) 2000 وبلغ عدد قوادهم (مقدمو المماليك السلطانية) 40 مقدمًا. ولكننا لا نعلم هل قامت هذه النسبة قبل هذه السنة أو بعدها وهل اصطنعت بصفة خاصة فى ميدان المعركة. وبحسب حالة معلوماتنا فإنه لم يكن وجد إلا تشكيل واحد يشترك فى المعركة التى يمكن وصفها وصفا وافيا. وهذا التشكيل الذى يسمى "طُلب" (والجمع "أطلاب") والذى تردد ترددًا كثيرًا فى المصادر، كان ذا طبيعة مهلهلة جدا، وربما كان عدد الجنود المشتركين فيه يختلف اختلافًا كبيرًا. وكان التشكيل الذى يخرج للحرب تحت إمرة أمير يتكون من "طُلبْ" كما كانت المماليك السلطانية كلها المشتركة فى حملة من الحملات ويزيد عدد جنودها كثيرًا عن عدد جميع الأطلاب الأخرى مجتمعة، تؤلف طلبًا واحدًا فقط. السَّرية والخدع الحربية: لم تكن تبذل إلا محاولة قليلة - أو قل إنه لم تكن تبذل أية محاولة - لإخفاء الاستعدادات لشن حملة مملوكية أو إخفاء هذه الاستعدادات. وكانت إقامة علم الحرب، والاستعراض والتفتيش، ودفع الأعطيات فى محفل، قبل خروج التجريدة تتيح للعدو تحذيرًا وافيًا بأن الهجوم وشيك. ولما كان المماليك لا يستعملون الطريق البحرى لنقل جيوشهم أو عتادهم إلى الشام إلا نادرًا فإنه لم يكن لهم بد من حصر أنفسهم فى طريق برى واحد من القاهرة إلى غزة، وكان هذا ييسر إلى حد كبير مهمة العدو فى مراقبة تحركاتهم، وكان الموقف فى الشام، بالرغم من أنه أفضل بعض الشئ، إلا أنه لم يكن فى جوهره مختلفًا عن ذلك، صحيح أنه كان ثمة طريقان من غزة إلى دمشق، يتبع الأول

الساحل ثم ينثنى مخترقًا وادى إسدرالون مباشرة إلى بيسان، ويخترق الآخر الكرك فى شرقى الأردن، إلا أن الطريق الأول هو الذى كان يستعمل فى الغالب لأنه كان أفضل كثيرًا من الثانى. زد على ذلك أن المؤن التى تعد على طول الطريق الذى يسلكه الجيش قبل خروجه بأمد طويل دون أى محاولة للتخفى كانت تنبئ العدو بالناحية بالضبط التى يتوقع منها الهجوم. على أن المرء يمكن أن يجد شواهد على محاولات بذلت لتضليل العدو؛ فقد حدث مرة حين خرج بيبرس الأول على رأس جماعة من فرسانه أن منع رجاله من شراء الطعام والعليق حتى يخفوا هويتهم (السلوك، جـ 1، ص 598). وكان السلطان ططر (824 هـ = 1421 م) يعد من أعظم الخبراء بين سلاطين المماليك فى استعمال الخدع والمكائد، ذلك أنه حين خرج لقتال منافسيه من الأمراء فى الشام لم يرفع "الجاليش") انظر النجوم الزاهرة، جـ 6، ص 490 - 498)، كما قطع جميع المواصلات بين مصر والشام. وهذه الفعال التى سميت "تعمية الأخبار" (النجوم الزاهرة، جـ 6، ص 494 - 495؛ ابن الفرات، جـ 9، ص 72، س 5 - 7؛ النجوم، طبعة القاهرة، جـ 8، ص 152 - 153) قد أثنى عليها المؤرخ وقال إن ططر فى هذا الصدد قد سار على نهج سلاطين المماليك الأولين (النجوم الزاهرة، جـ 6، ص 494 - 496). وهناك شواهد أخرى على قطع المواصلات بين أجزاء مختلفة من السلطنة لإخفاء تحركات الجيش. وقد سجلت أيضًا حيل أخرى اصطنعها سلاطين المماليك. فقد وزع السلطان برسباى "نفقة السفر" ليجعل قرايلك يظن أن برسباى قد اعتزم أن يهاجمه. على أنه خشى ألا يستطيع استرداد ماله فوزع النفقة على الأمراء فحسب ولم يوزعها على المماليك السلطانية (النجوم جـ 6، ص 685 - 687). وقد لجأ السلطان المؤيد شيخ إلى عدة حيل استخدمها ضد نوروز الحافظى (النجوم، جـ 6، 336 - 337) ومن هذه إشعاله كثيرًا من النيران فى الخيمة التى كان قد تركها وشيكًا، فجعل

نوروز بذلك يظن أن عدوه ما زال هناك هو وجيشه (النجوم جـ 6، ص 147، س 5 - 7). وكان جنود المماليك فى معاركهم مع المغول يرتدون فى بعض الأحيان قلانس "سراقوج" ليضللوا عدوهم فلا يعرف من هم. وكذلك كان الجنود الأرمن فى معسكر المغول يضعون على رؤسهم هذا اللباس حتى يحسبهم العدو من المغول (السلوك، جـ 1، ص 511، س 10 - 11، ص 783، س 14 - 15، انظر المصدر نفسه، ترجمة Quatremere، جـ 1/ 1، ص 235؛ ابن عبد الظاهر، ورقة 78 ب، س 7 - 8؛ Supplement: Dozy s, هذه المادة، Mamluk Costume: L.A. Mayer الفهرس، مادة Saraquj). نظام الجيش: اضمحل كثيرًا نظام الجيش المملوكى فى عصر الجراكسة بالقياس إلى نظامه فى عصر المماليك البحرية، وانحدر إلى أسفل درك فى العقود الأخيرة من حكم المماليك (انظر عن نظام الجيش وقت السلام Bulletiin of the School of Oriental and African Studies، جـ 15، ص 211 - 213). وفى عصر المماليك البحرية لم تبد إلا شواهد قليلة على العصيان فيما يتصل بالحملات، وإذا حدث ذلك فإنه كان يعاقب عليه أشد العقاب (انظر مثلا: السلوك، جـ 1، ص 544، س 13 - 15، ابن كثير، جـ 14، ص 2). أما فى عصر المماليك الجراكسة فإن الموقف الذى ساد كان موقفًا مختلفًا عن ذلك كل الاختلاف. فقد أصبح القعود عن الاشتراك فى حملة يزداد كثرة بين المماليك السلطانية، وهم الجماعة العسكرية الوحيدة الجديرة بهذا الإسم فى ذلك العهد. وكان التهديد بأقصى العقاب، وهو الشنق فى الغالب، يمر بلا مبالاة على الإطلاق، بل لقد حدث أن حملة تأديبية بأسرها لم تقدم نفسها لأداء الواجب فيما عدا القواد بالرغم من استدعائها مرارًا وتكرارًا على أن مثل هذه الشواهد على العصيان وقعت بين الحين والحين فى حالة الحملات الصغيرة فقط إلى مصر العليا أو السفلى أو الحجاز وما إلى ذلك (النجوم الزاهرة، جـ 5، ص 28؛ جـ 7، ص 756، س 9 - 13, ص

725، س 2 - 4، الحوادث، ص 26 س 14 - 7، س 121 ص 553، س 14 - 19). وكان أفراد الحملة فى بعض الأحيان يجتمعون فى مكان التجمع ويخرجون إلى المعركة دون أن ينتظروا الأمر بالتحرك (النجوم، جـ 6، ص 259، س 1 - 19؛ جـ 7, ص 264، س 8 - 9). وكانت الحملة إذا خرجت للقتال بعزم وبلا استحثاث يعدها المؤرخ "شيئًا عظيمًا إلى الغاية" (النجوم الزاهرة، جـ 7، ص 408، س 1 - 3). وكانت الحملة الوحيدة التى تحمس فيها الجيش المملوكى كله للحرب فى عصر المماليك الجراكسة هى الحملة على قبرس سنة 829 هـ (1426 م؛ انظر النجوم الزاهرة، جـ 6، ص 600). وثمة صورة أخرى من صور العصيان جرت وهى عودة أقسام من الحملة التأديبية، بل الحملة كلها، من ميدان القتال أو من إحدى المحطات على الطريق إلى القاهرة دون إذن من السلطان. وهذه الظاهرة أصبحت شائعة منذ قيام السلسلة الطويلة من المعارك بين المماليك وبين الزعيم التركمانى شاه سُوار وحلفائه العثمانيين أيام السلطان قايتباى، على أن الدلائل الأولى عليها كانت قد ظهرت فى تاريخ متقدم عن ذلك (ابن خلدون: جـ 5، ص 483، س 13 - 15). وكان عدد الجنود العائدين إلى القاهرة مخالفين للأوامر يكثر بصفة خاصة حين يمتد أجل الحملة وتكون عسيرة. إذ كانت ندرة الطعام والعليق والأثمان الباهظة تضطرهم إلى بيع جيادهم وسلاحهم وأزيائهم العسكرية (انظر عن الزى العسكرى المملوكى Mamluk: L.A. Mayer Costume، ص 19 - 20) والعودة إلى الوطن. وفى هذه الحالة يصبح غضب السلطان عديم الجدوى، ولم يكن له خيار إلا أن يلوذ بالصمت. وقد جرت الحال بأن يعود الآبقون سرًا ويظلوا مختفين حتى يهدأ غضب السلطان، ولكن كان يحدث أن يدخلوا القاهرة جهرًا ويطالبوا فى وقاحة بزيادة فى أعطياتهم. ولم ينجح

نظام المعركة فى الميدان

السلطان قط فى ردهم إلى الجبهة، إذ هم يتخلون عن واجبهم (النجوم الزاهرة، جـ 7، ص 487، س 5 - 478، س 8؛ الحوادث، ص 602، س 21 - 603، س 13، 672 س 20 - 23؛ البدائع، جـ 3، ص 88، س 12 - 14، 89 س 2 - 3، 227، س 22، 228، س 2، 229، س 14 - 22، 254، س 22 - 23، 255، س 12 - 14، 269، س 11 - 16، جـ 4، ص 116، س 8 - 23، 437، س 3 - 6؛ جـ 5، ص 68، س 12 - 13). وكان من الأسباب الكبرى لعجز المماليك عن أن يحتفظوا بقبرس ما عمدت إليه الحامية المرابطة هناك من العودة إلى القاهرة فى كثير من الأحيان غير مبالية بأوامر السلطان، إذ كانت محاولاته الرامية إلى ردهم إلى مكانهم تبوء فى العادة بالخيبة المرة (النجوم، جـ 7، ص 724؛ س 6 - 9؛ الحوادث، ص 435 - 437، 848، س 5 - 19، ص 454، س 5). وكان الإبراء الشرعى من الحملة يسمى "دستور" وهذا المصطلح الذى شاع كل الشيوع فى العصر الأيوبى، قد بطل بالتدريج فى عهد المماليك. نظام المعركة فى الميدان: كان تنظيم الجيش لخوض المعركة يسمى "ترتيب" أو "تعبئة" (النجوم، جـ 6، ص 444، س 3، 493، الحوادث، 646) أو "المصاففة" (النجوم، ص 7، ص 67) أو "الصَّف" (النجوم، جـ 6، ص 493) فى حين كانت المعركة نفسها تسمى "المصَاف (انظر Zettersteen: Bei- traege، ص 113، س 24، النجوم الزاهرة، طبعة القاهرة، جـ 16، ص 10، ابن الفرات، جـ 7، ص 170؛ س 9، 172، س 22). والذى جرت عليه الحال فى كل معركة كبرى للمماليك ولجيش المماليك ولجيش العدو هو أن الجيش كان يقسم إلى ثلاثة أقسام رئيسية: القلب، والميمنة، والميسرة. وكان القلب هو أقوى هذه الأقسام جميعًا، إذ كان يشتمل على خيرة الجنود الذين حاربوا فى ظل "السناجق السلطانية" أو "الأعلام السلطانية" يقودهم السلطان نفسه. وكانت الأعلام

السلطانية تكشف عن مكان السلطان، وهو أمر كان يهدد سلامته الشخصية إذا حزب الأمر، ومن ثم فإن السلطان الأيوبى الناصر يوسف حين حارب المماليك البحرية خرج بعيدًا عن هذه الأعلام فنجا من الأسر (السلوك، جـ 1، ص 375، س 5 - 8). وقد أمر السلطان قلاوون فى معركته مع المغول، بطى الأعلام السلطانية حتى لا يتعرف عليه العدو (النهج السديد، جـ 14، ص 492، س 1 - 3). وقد حدث فى معركة أخرى أن ردت الأعلام السلطانية إلى الوراء وبقى السلطان فى مكانه المعهود (المنهل الصافى، جـ 1، ص 154 ب، س 22، وانظر عن الأعلام السلطانية أيضًا. ابن خلدون: المقدمة، طبعة Quatremere جـ 2، ص 46 = ترجمة روزنتال، جـ 2، ص 52). وكانت توضع لصق الميمنة والميسرة القوات الاحتياطية (الفرسان البدو بالقرب من جناح والفرسان التركمان بالقرب من الجناح الآخر). وكان المشاة أو الرّجّالة يوضعون أمام الصفوف التى ذكرناها آنفا (ابن إياس، جـ 4، ص 448، 451، جـ 5، ص 8) والظاهر أن استخدام المشاة قد زاد فى السنوات المتأخرة من حكم المماليك (انظر ابن طولون، طبعة هارتمان؛ الأنصارى: حوادث الزمان، مخطوط بمكتبة جامعة كمبردج، 11, 2) وربما كان ذلك نتيجة لنمو استخدام الأسلحة النارية، وكان المشاة المستخدمون فى ميدان المعركة قد جند معظمهم من الفلاحين وشبه البدو فى جبل نابلس وغير ذلك من نواحى الشام (Beitraege: Zettersteen، ص 81؛ النجوم، طبعة القاهرة، جـ 7، ص 303، 17؛ السلوك، جـ 1، ص 388, س 5 - 6, جـ 2، ص 93، س 7، ابن الفرات، جـ 7، ص 41، 169، س 15؛ حوادث الزمان، ص 701، س 7 - 8؛ البدائع، جـ 3، ص 51، س 5 - 7، جـ 4، ص 408 - 409، 448، س 12 - 18، 451 - س 17 - 18؛ جـ 5، ص 28، س 2 - 3, 63، س 2 - 3).

وكان الاصطفاف للمعركة فى بعض الأحيان أكثر إحكامًا بعض الشئ. وقد رتب الأمير منطاش جيشه فى محاربته برقوقا كما يلى: القلب والميمنة والميسرة وأضاف إلى ذلك جناحين. زد على ذلك أنه أقام فى مؤخرة الميمنة والميسرة وحدة من الاحتياطى أو الرديف. ولم يستطع برقوق أن يفعل هذا العمل لأن جيشه كان صغيرًا جدًا (النجوم الزاهرة، جـ 5، ص 493، س 10 - 13). وفى سنة 802 هـ (1400 م) رتب جيش السلطان فرج فى معركته مع الأمير تنم بين الرملة وغزة على النحو التالى: الميمنة، والميسرة و"قلب فى قلب فى قلب" وكل تشكيل من هذه التشكيلات رديفه (النجوم الزاهرة، جـ 6، ص 35، س 10 - 13). وفى سنة 820 هـ (1417 م) استعرض السلطان مؤيد شيخ - الذى كان مصلحًا عسكريًا عظيمًا "وإمامًا فى معرفة تعبية العساكر" - جيشه المصطف للمعركة قرب تل السلطان (قرب حلب). واستقر رأيه على ألّا يترك ترتيب "أطلاب" امرائه إلى أى شخص غيره، وأن يقوم بذلك شخصيًا. وقد رتب الأطلاب غير متبع الترتيب الذى جرى الأمراء على الجلوس بمقتضاه فى حضرة السلطان فى المحافل الرسمية، وإنما رتبها "بحسب وظيفته" أى الطلب؛ انظر النجوم الزاهرة، جـ 6، ص 363، س 6 - 2؛ وانظر أيضًا المنهل، جـ 3، ص 168 أ، س 2 - 8؛ البدائع، جـ 2، ص 8، س 23 - 25؛ JournaL oF the Amer ican Oriental Society، 1949، ص 142، Bulletin oF the School of Oriental and Af rican Studies جـ 15, ص 454 - 455)، ويبدو أن ذلك يتضمن أن ترتيب أطلاب الأمراء فى ميدان المعركة كان وقتذاك بطبيعة الحال صورة طبق الأصل لترتيب جلوسهم فى المحافل الرسمية. وفى سنة 842 هـ (1438 م) عبأ الأمير آقبغا التمرازى جيش السلطان جقمق فى قتال الأمير قُرقْماس كما يأتى: ميمنة، وميسرة، وقلب، وجناحين. وهذه التعبئة للمعركة سميت "تعبية المُجَنَّح" (النجوم الزاهرة، جـ 7، ص 46، س 6 - 8) وقد وضعت طليعة أمام القلب وسميت "جاليش القلب" (أبو الفدا،

جـ 4، ص 15، س 6) والظاهر أن القلب نفسه كان يقسم فى بعض الأحيان إلى عدة أقسام بما فى ذلك الأجنحة، كما يستدل من العبارة "جناح القلب الأيسر" (النجوم الزاهرة، طبعة القاهرة، جـ 7، ص 303، س 13 - 14). ولا تزودنا المصادر إلا بمعلومات قليلة جدًا عن الأماكن التى احتلتها جيوش الأمراء المصريين على اختلافهم هم وولاة الولايات الشآمية فى نطاق الجناحين الأيمن والأيسر والقلب. أما بخصوص جيش ولاية حماة فقد ذكر صراحة أنه كان يوضع فى العادة قريبًا من الجناح الأيمن منذ أيام صلاح الدين (السلوك، جـ 1، ص 201، س 3 - 6؛ أبو الفداء، جـ 4، ص 24، س 28 - 29). القتال الفعلى: إن هناك ظاهرة متواترة فى المعارك الكبرى التى خاضها المماليك مع أعدائهم وهى أن الجناحين ينهزمان أولا، فى حين يثبت القلب مدة أطول. وما إن يبدأ القتال حين تنقلب التعبئة المحكمة كلها انقلابًا عظيما، ذلك أن جناحًا من جناحى جيوش الأعداء ينهار تحت ضغط هجوم العدو ويعمد جنوده إلى الفرار، على حين يطاردهم الجناح المعادى بأقصى سرعة. ومن الملاحظ أن الجانب نفسه الذى انهزم هزيمة منكرة ينجح فى كثير من الأحيان، أثناء المراحل الأولى من القتال فى اكتساح جناح من أجنحة العدو ويطارده. وقد يبعد الجناح المطارد والجناح المطارَد بعدًا كبيرًا عن ساحة المعركة الكبرى، وبذلك يظل جاهلا كل الجهل بتطورات القتال (حدث هذا فى معركة غزة ضد الفرنجة سنة 642 هـ الموافقة سنة 1244 م (سبط الجورى، ص 494، س 8 - 16)، وفى معركة الناصر يوسف مع أيبك سنة 648 هـ الموافقة سنة 1251 م [المكين، ص 53 - 55؛ السلوك، جـ 1، ص 324 - 327؛ النجوم الزاهرة، طبعة القاهرة، جـ 7، ص 6، س 16 - ص 7، س 2] وفى وقعة عين جالوت وفى معركة برقوق مع منافسيه عند شقحب سنة 792 هـ الموافقة سنة 1390 [ابن الفرات، جـ 9، ص 185 - 187؛ ابن

قاضى شهبة، ورقة 59 ب، س 20 - 25، المنهل، ورقة 47 ب, س 5 - 6]؛ وكذلك حدث أكثر من مرة أن الجناح المطارد فى رجوعه إلى ميدان القتال يكتشَف أن الجيش الذى ينتمى إليه كان قد نزلت به هزيمة منكرة. وكانت المعارك الكبرى التى خاضها المماليك على الأغلب قصيرة، وقلما كانت تستمر أكثر من يوم واحد، ومن أكثر المعارك امتدادًا هى التى خاضوها مع تيمور لنك، ولكن هذه المعركة كانت مجموعة من معارك الميدان وحصارًا لمدينة دمشق، وقد كانت الحصارات أيام القرون الوسطى طويلة جدًا فى القرون الوسطى، وفى هذه الحالات النادرة، أى حين تستمر المعركة إلى اليوم التالى، كان القتال يتوقف فى الليلة التى تتخلل ذلك. ويندر أن كان المماليك يحاربون معركة ليلية مع عدو أجنبى. وكان من الحركات الحربية القديمة التى استخدمتها القبائل التركية والمغولية فى ميدان المعركة، ما عرف جيدا بالإحاطة بالعدو وإبادته فى نطاق حلقة تضيق عليه. وقد ذكرت إحاطة العدو بحلقة كثيرًا فى كتب التدريب على الفروسية التى ألفت فى عصر المماليك. وقلما ذكرت فى التدريبات العسكرية الفعلية. وهذه الحركات الحربية بالذات كانت شائعة جدًا فى الصيد (ضرب حلقة صيد) وخاصة فى العقود الأولى من حكم المماليك (السلوك، جـ 1، ص 498, س 7، 520، س 1 - 4، 549، س 9 - 11، 584، س 1 - 3، 789، س 5 - 6، 859، س 20 - 21، 421، س 10 - 14, ابن عبد الظاهر، ورقة 52 أ، س 7 - 10، 93 ب، س 11 - 16؛ Oua tremere: Sultan Mamlouks جـ 1/ 2، ص 147 وما بعدها). على أننا - بقدر ما نعلم من المصادر الميسورة لنا - نرى أن المماليك لم يتبعوا هذه الطريقة فى الحرب فى أى من معاركهم الكبرى، أى أنهم لم يعمدوا قط إلى الإحاطة بالعدو فى ميدان المعركة وإبادته بعد الإحاطة به (هم يفعلون ذلك مع بعض أقسام من العدو المهزوم المطارَد، ويكون ذلك فى العادة بعيدًا جدًا عن مسرح المعركة

الكبرى. والصورة غير واضحة فيما يتعلق بمعركة عين جالوت). وثمة تفسير واحد ممكن لذلك هو أن الطرفين لا يستطيعان اللجوء إلى هذه الحركات الحربية الخاصة بالتطويق أحدهما مع الآخر بنجاح، لأن كلا منهما كان خبيرًا بهذه الحركات (استخدمها الخوارزمية بنجاح كبير مع الفرنجة فى معركة غزة سنة 642 هـ = أكتوبر سنة 1244؛ انظر سبط بن الجوزى، ص 494، س 3 - 16. وفي سنة 701 هـ = 1302 م أخمد المماليك فتنة كبيرة أثارها البدو من الصعيد بتطويقهم "فى حلقة مثل حلقة الصيد"، المنصورى، ورقة 1231 - 1232). وثمة تفسير آخر ممكن هو أن فن الحرب عند المماليك كان قد انحرف تدريجًا من الفن عند إخوانهم الأتراك المغول تحت تأثير انتقالهم إلى حياة الاستقرار واتباع السوابق الحربية الإسلامية. وقد يصدق هذا، إلى حد أقل، على الجيوش المغولية بإيران. ومن المعروف جيدًا أن الصيد كان من الوسائل الكبرى للتدريب على الحرب الفعلية لدى بدو الفيافى. وقد ذكرت "حلقة الصيد" فى عهد بيبرس الأول أكثر بكثير مما ذكرت فى عهود السلاطين المتأخرين، وقد يدل هذا على اضمحلال أساليب الحرب البدوية بين المماليك بمرور الزمن (انظر التدريب العسكرى لدى المماليك: D.Ayalon: Furusiyya exercises and Notes on the games in the Mamluk Sultunate في - Scrip ta Hierosolymitana جـ 9 , ص 31 - 62؛ A Muslim Manual of: T.Scanlon War, القاهرة سنة 1961). ومن السنن التى جرى عليها المماليك فى معاركهم نذكر الملاحظتين الآتيتين الجديرتين بالالتفات. (أ) فى معركة أبْلُسْتَيْن (سنة 675 هـ = أبريل سنة 1277) ترجل المغول عن جيادهم وقاتلوا حتى الموت (النهج، جـ 14، ص 424، س 5 - 6؛ ابن كثير، جـ 13، ص 271 - 272؛ النجوم الزاهرة، طبعة القاهرة، جـ 2، ص 168). والظاهر أن هذا النوع من القتال كان شائعًا جدًا لدى المغول (انظر عن استخدامهم المتكرر لذلك فى حروبهم مع خوارزمشاه: سبط بن

الجوزى، ص 443، س 8 - 44، س 7). ويبدو أن المماليك لم يلجأوا قط إلى هذا النوع من القتال. على أن هذه السنة ذكرت كثيرًا أيام صدر الإسلام فى المراجع فقيل إنها كانت تمارس فى الظروف الحرجة أو الميئوس منها (انظر مثلا الدينورى: الأخبار الطوال، ص 288، ابن سعد، الطبقات، جـ 2، قسم 1، ص 93، س 14 - 19؛ الطبرى، جـ 1، ص 1614، س 8، جـ 3، ص 853، س 21 - 54، س 11؛ ابن خلدون: العبر، جـ 3، ص 338). (ب) ويذكر أصحاب الرسائل العسكرية المملوكية اصطناع ضجة هائلة لإدخال الفزع فى قلوب العدو، والحق أن المماليك لجأوا إلى ذلك كثيرًا جدًا ولاقوا نجاحا كبيرًا. وتروى مصادر المماليك أن هذه الطريقة نجحت فى حصار عكا سنة 690 هـ (1291 م)، ففى الهجوم الأخير على هذه المدينة استخدم المماليك عددًا ضخما من الطبول (كوسات) حملها 300 جمل "فكان أصوات مهولة وحس عظيم مزعج" وانقلبت الدنيا رأسًا على عقب (دول الإسلام، جـ 2، ص 2، ص 147، س 5 - 7؛ ابن كثير، جـ 13، ص 321، س 3، النجوم الزاهرة، طبعة القاهرة، جـ 8، ص 6، س 7 - 9؛ السلوك، جـ 1، ص 765، س 1 - 2، جـ 2، ص 72، س 8؛ ابن الفرات، جـ 8، ص 112، س 10 - 11) وكان أعداء المماليك البدويون يتأثرون خاصة بالطبول (دول الإسلام، جـ 2، ص 147، س 5 - 7؛ ابن كثير، جـ 13، ص 321، س 3؛ النجوم الزاهرة، طبعة القاهرة، جـ 7، ص 6 س 7 - 9؛ السلوك، جـ 1، ص 765، س 1 - 2، جـ 2 ص 162, س 8؛ ابن الفرات، جـ 8، ص 112، س 10 - 11). وحين كان المماليك يضطرون إلى خوض معارك كبرى على الأرض المصرية، فإنهم قد جروا على تفضيل أن تدور المعركة فى جوار القاهرة. وفى عدة أحوال كان الحد بين صحراء سيناء ومصر نفسها ويسمى "رأس الرمل" أو "أول الرمل"، ممتدحًا لأنه أنسب للمدافِع، ذلك أن المهاجم سوف يكون قد أنهك بمجرد عبوره الصحراء.

وقد أبى برقوق فى قتاله منطاش ويلبغا الناصرى، وطومان باى فى قتاله العثمانيين أن يأخذا بهذا الاقتراح وفضلا القتال فى جوار القاهرة (النجوم الزاهرة، جـ 5، ص 409، س 8 - 9، ص 411، ابن قاضى شهبة، ورقة 38 ب، س 5 - 8؛ ابن الفرات، جـ 7، ص 114؛ جـ 9، ص 80، س 24 - 27؛ البدائع، جـ 5، ص 136، س 6 - 9، 22 - 24 - ص 139). والظاهر أن الهزيمة التى أنزلها السلطان أيبك بالناصر يوسف فى العباسية سنة 684 هـ (فبراير 1251 م) بعد أن عبر الناصر الصحراء مباشرة وأزال إلى النهاية خطر تهديد الأيوبيين لحكم المماليك، لم تغرِ خلفاء أيبك بأن يحذوا حذوه. منديل الأمان: حين كان واحد من الطرفين المتنازعين يرغب فى التفاوض لعقد هدنة أو صلح أو تسليم فإنه كان يوفد إلى معسكر عدوه مبعوثًا أو مبعوثين يحملون (منديل الأمان). وكان هذا المنديل، الذى لم يحدد لونه, يلف عادة حول العنق أو يوضع على الرأس (قلما كان يطوى حول الوسط أو يحمل باليد). ويمكن أن يرسل مثل هذا المنديل أيضًا على يد الجانب المنتصر دلالة على قبوله العرض بالتفاوض (Zettersteen: Beitraege، جـ 7، ص 145، س 12؛ المنهل، جـ 5، ورقة 120، س 18؛ النجوم الزاهرة، جـ 5، ص 309، س 7؛ جـ 7، ص 415، س 10 - 11، ص 439، س 3 - 4؛ البدائع، جـ 2، ص 11، س 20 - 26؛ جـ 3، ص 109، س 12، ص 306، س 6، ص 353، س 10؛ ابن عربشاه: التأليف الطاهر، المتحف البريطانى، المخطوطات الشرقية، رقم 3026، ورقة 186، س 14 - 16، ورقة 197، س 18 - 19؛ وانظر أيضًا L.A. Mayer Costume: Mameluke, ص 63، تعليق 4، وانظر Dozy,. وقلما كان يستخدم "قميص الأمان" فى العرض الذى كان يستخدم من أجله المنديل (ابن الفرات، جـ 7، ص 228؛ وانظر أيضًا: المنصورى، ورقة 23/ 1، س 13).

الخسائر فى الأرواح

الخسائر فى الأرواح إن الخسائر التى ذكرتها مصادر المماليك عما فقده المماليك أو أعداؤهم معتدلة جدًا على وجه الإجمال، وإن لم تخل بحال من المبالغات. ومن الأمور الهادية فى هذا الصدد ما ذكره المؤرخ المملوكى ابن تغرى بردى. فهو ينتسب هو ومعاصره القريب ابن خلدون (المقدمة, طبعة كاترمير، جـ 1, ص 9 = ترجمة روزنتال، جـ 1 ص 7) الذى قضى عدة سنوات فى سلطنة المماليك، إلى تلك القلة النادرة من المؤرخين المسلمين الذين يناقشون صحة الأرقام التى ذكرتها المصادر التاريخية عن الخسائر. وعلى حين ينتقد كلاهما الأرقام الخاصة بأحجام الجيوش، فإن ابن تغرى بردى وحده هو الذى يدخل فى نقده أرقام الذين قتلوا فى المعارك. وابن تغرى بردى نفسه، الذى يذكر فى عدة أحيان أن الأعداد التى ذكرتها المصادر لأولئك الذين أهلكهم الطاعون مبالغ فيها كل المبالغة، يضيف فى مناسبة من هذه المناسبات أن هذا يصدق أيضًا على أولئك الذين قتلوا فى "الوقائع المتقدمة"، وذلك حين تتحدث المصادر عن أن عدد من قتلوا فى معركة واحدة بلغ مائه ألف مقاتل أو أقل أو تهبط بهذا الرقم إلى ألف بل مائة. ويمضى .. مؤرخنا فى الإدلاء بحجته فيقول إنه حتى حين لا يزيد عدد القتلى على ألف فإن جثثهم تكون مبعثرة فى منطقة واسعة، وإحصاءهم يتطلب من المرء أن يستخدم عدة آلاف ممن بقوا على قيد الحياة، ولو تحقق ذلك لاستغرق مدة طويلة للتثبت من عدد القتلى على وجه الدقة. ثم يضيف قائلا إننا لم نر ولم نسمع بأن سلطانًا قد أقام قط أحدًا لإحصاء أعداد القتلى فى أية معركة إلا إذا كان عددهم ألفًا أو أقل. أما من قتلوا فى المعارك مع هولاكو وغازان وتيمور فإن تقرير عددهم بالدقة جنون مطبق، ولا يمكن أن يصدّق هذه الأعداد إلا مجنون. ويخلص مؤرخنا الإخبارى من ذلك بأنه إنما ذكر المعارك مع هؤلاء الخانات بخاصة لأنهم كانوا يعيشون قرب زمانه، ومع ذلك فهو يعنى أية معركة وقعت فى العصر الإسلامى أو قبله (الحوادث، ص 337: س 14 - ص

338, س 12، أما عن رأى الكاتب عن مبالغات المؤرخ فيما يختص بالتجريدات وما إليها فانظر: النجوم الزاهرة، جـ 6، ص 603: س 14 - 16. وانظر أيضًا النجوم الزاهرة، طبعة القاهرة، جـ 8، ص 131، س 6 - 8, جـ 9، ص 20، س 9 - 14، وأما عن عنايته بذكر عدد المماليك فانظر المصدر نفسه، جـ 6، ص 687, س 7 - 10). وبالرغم من المعارك الكبرى الكثيرة التى دارت فى عصر المماليك البحرية والتجريدات المستمرة التى أنفذت إلى البدو فى عصر المماليك الجراكسة، فإن المصادر المملوكية لا تزودنا بمعلومات وافرة عن عدد من قتلوا فى المعارك. وأما المعلومات عن عدد من جرحوا فشحيحة، وكذلك فإن المعلومات شحيحة جدًا عن أسرى الحرب. وخسائر المماليك فى القرن التاسع الهجرى (الخامس عشر الميلادى) قليلة فى أغلب الأحيان، إذا استثنينا قتالهم مع تيمور فى مستهل هذا القرن ومع شاه سوار التركمانى والعثمانيين فى العقود الأخيرة منه. والسبب فى قلة عدد الخسائر فى الأرواح، هو انعدام القتال الفعلى فى هذه الفترة. وهذا السبب - ضمن أسباب أخرى - هو الذى أدى إلى حد كبير إلى اضمحلال جيش المماليك. وثمة قولان ذكرهما ابن تغرى بردى - أعظم حجة يرجع إليها بخصوص المجتمع العسكرى للمماليك الجراكسة - وذلك عن الصلة الوثيقة بين ندرة القتال وقلة الخسائر واضمحلال الجيش، وهما قولان على أعظم جانب من الأهمية (لم يكن ابن تغرى بردى الذى توفى سنة 874 هـ = 1470 م يعرف إلا المعارك الأولى التى خاضها المماليك مع شاه سُوار): القول الأول أن مماليك زمانه قوم يأكلون من خبز لم يكتسبوه، ذلك أنهم يدينون بالفضل فى كل شئ لصنائع مماليك الأجيال السابقة. ولم تكن هناك حرب حقيقية فى القرن التاسع الهجرى بعد الحرب مع تيمور، فالمعارك التى نشبت فى عهود الناصر فرج والمؤيد شيخ والعزيز يوسف لم تكن إلا بدائل للحرب. وأكبر معركة دارت فى هذا القرن كانت معركة شقحب) 792 هـ = 1390) ومع ذلك فإن عدد من قتل من

الجانبين كان أقل من خمسين قتيلا. وقد وقعت معارك بعد شقحب لم يفقد فيها أى جندى حياته (النجوم الزاهرة، جـ 6، ص 688). ويذكر ابن تغرى بردى فى القول الثانى الذى يدلى به وهو يحمل الحديث عن عهد السلطان قلاوون أنه لو لم يفعل قلاوون سوى تنشئة جنوده التنشئة الحسنة لكفى بذلك دليلا على عظمته. ذلك أن سلوكهم الحسن ونظامهم الجيد كانا على طرفى نقيض من سلوك مماليك زمانه ونظامهم، ويجب أن نقرن هذا بأنه لم تدر حرب حقيقية فى القرن التاسع الهجرى سوى الحرب مع تيمور. وكانت أكبر عملية عسكرية جرت فى هذا القرن هى غزو قبرس، على أن هذه العملية نفسها لم تكن حربًا بالمعنى المفهوم، ذلك أن القبارسة سلموا لكتيبة صغيرة قبل أن يصل مجموع الجيش إلى ميدان المعركة. أما بقية الحملات البحرية فلم تكن تعدو "سفرًا فى البحر ذهابًا وإيابًا". وفى قول تغرى بردى إن هذا يباين مباينة جلية ملفتة المعارك الكبيرة المتصلة والحمية فى القتال وهى ما اتسمت به الفترة ما بين عهدى صلاح الدين والأشرف خليل. وهو يضيف أن من العجيب أن جنود المماليك فى الأجيال السالفة كانوا متواضعين يتسمون بالخجل بالرغم مما حققوه من انتصارات وما أتوه من فعال باهرة: كانوا ينسون أنفسهم فى حضرة العظماء والدهاة المحنكين ولا يحتقرون أولئك الذين يشغلون مناصب أدنى من مناصبهم. بل لقد كان المماليك فى زمنه على عكس غيرهم. ما من واحد منهم كان قادرًا على الأخذ بعنان فرسه كما ينبغى. وكانوا خبراء فى التغلب على الضعيف ومن لا حول له ولا قوة. وكانت غزواتهم سلبا للتبن والدريس (النجوم الزاهرة، طبعة القاهرة، جـ 7، ص 328، س 3 - ص 39، س 15) وانظر عن انهيار نظام المماليك فى عهد الجراكسة (Bulletin of the School of Oriental and African Studies جـ 15، ص 206 - 213). وكان ثمة ميل ظاهر أيام الجراكسة لتقديس عصر المماليك البحرية، على أن هذا الميل لم يكن بحال خاليا من سند قوى.

ميراث الجندى القتيل: وكان موت جندى أثناء حملة من الحملات كثيرًا ما ينتهى بتعقيدات خطيرة. ومن أكبر العقبات فى هذا السبيل الحصول على شهادة موثوق بها عن وصية القتيل قبل موته. ولم تكن شهادة زملائه الجنود تعد كافية. ثم إن مال المتوفى كان خليقًا بأن يتبدد فى الوقت نفسه. وأراد السلطان بيبرس الأول أن يؤمّن مصالح ورثة القتيل الشرعيين فأصدر مرسومًا فى شعبان سنة 663 (مايو سنة 1265) بموافقة قاضى القضاة يقضى بأن يقيم كل قائد فى الميدان عددًا من الأشخاص ذوى الاستقامة والإخلاص يخولون الحق فى التثبت من وصية الجندى القتيل الأخيرة، وقد قوبل هذا المرسوم بالترحاب من الجيش، وكذلك أصدر بيبرس الأول، قبل ذلك، مرسومًا آخر يؤمن مصالح يتامى الجندى القتيل. والظاهر أن هذا المرسوم لم يكن مقصورًا على الجنود المشتركين فى حملة من الحملات (السلوك، جـ 1 ص 512، س 1 - 7؛ ص 536، س 10 - 18؛ الخطط، جـ 2، ص 206، س 11 - 16، 19 - 23). عودة الجيش الظافر إلى قصبة البلاد: كان إعلان الانتصار فى قصبة البلاد يقترن بعزف الفرق الموسيقية عامة وقرع الطبول خاصة فى حلقة القاهرة وعلى أبواب دور أمراء الألف. وكان هذا الأسلوب فى إعلان الانتصار يسمى "دقّة البشائر" (أو "الكوسات"). وكانت الطبول فى بعض الأحيان لا تكف عن القرع سبعة أيام سويًا، وتزين المدينة عدة أيام. وكانت هذه الزينة تشمل عادة إقامة "قلاع" من الخشب فى الطرقات، وإعادة طلاء أبواب القصبة ورسم "الرنوك" (والمفردرَنْك") عليها. وقد جرت الحال بأن يسير الجيش العائد فيشق القاهرة فى موكب ضخم. وكان هذا الموكب يضم الأسرى مصفدين، ورؤوسًا مقطوعة، وأعلامًا ممزقة أو مكسورة أو معكوسة، وطبولا مشقوقة أو مقلوبة فى بعض الأحيان. ويتلقى القائد الأكبر للتجريدة الخلع وغيرها من العطايا. مسلك الجيش المملوكى فى الهزيمة: وسلوك الجيش فى حالة

الهزيمة أو فى حالة التقهقر من خير الدلائل التى تقاس بها كفايته وروحه المعنوية. والحكم بمقتضى هذا المقياس وحده قد لا يبرر الصيت الكبير الذى لجيش المماليك. وكان من المنتظر أن أية نكسة يصاب بها تنال فى يسر من روحه المعنوية فى السنوات التى اضمحل فيها. والأمر العجيب أن المرء، بقدر ما يستطيع أن يحكم من شاهد واحد هام، يجد أن مسلكه لم يكن فى جوهره يختلف عن ذلك حين يكون فى أوج سلطانه أو قريبا من أوج هذا السلطان. وقد كانت الهزيمة الكبرى الوحيدة التى منى بها هذا الجيش فى أيام المماليك البحرية هى معركته الأولى مع الإيلخان غازان سنة 699 هـ (1299 م)، إذ سرعان ما انتهى تقهقره إلى فرار يسوده الفزع والذعر، بل إن الأمراء الكبار تخلوا عن الجنود الذين تحت إمرتهم ونجوا بحياتهم فرارًا. وأراد الجنود أن ييسروا الفرار على أنفسهم فتركوا خوذاتهم ولبسوا بدلها المناديل، وتخلى كثير منهم عن ملابس الميدان وراحوا يختبئون فى دمشق خشية غضب العامة وثورتهم. وحاول آخرون التنكر بحلق لحاهم. وانسحب الجيش المصرى والجيش الشآمى إلى مصر، وبلغ جنود الجيشين القاهرة فى جماعات صغيرة، بل "متفرقين فُرَداء" ومعظمهم شبه عرايا بلا جياد. ويقول واحد من المؤرخين إن عدد من هلكوا فى القتال الفعلى كان قليلا جدًا، وقد لقى كثير منهم حتفه أثناء الفرار. واقتضى الأمر عدة أشهر لإعادة تنظيم الجيش وتزويده بالعدة، ولكن السلطان الناصر محمدًا نهض لمجابهة الموقف على الرغم من حداثة سنه. وكان يستطاع فى مصر النهوض بمثل هذه الجيوش الضخمة وإعادة تنظيمها بالنظر إلى الازدهار الكبير الذى كانت تنعم به هذه البلاد فى ذلك الوقت، كما ذكرت المصادر صراحة (النجوم الزاهرة، طبعة القاهرة، جـ 8، ص 122، س 15 - 19، ص 124، س 1 - 8، 12 - 14، ص 128، س 13 - ص 129، س 3؛ النهج السديد [فى Patrologia Orientalis] جـ 14، ص 637، س 8 - ص 638، س 2، ص 670، س 8 - ص 671، س 3؛ - Zetter Beitraege: steen، ص 60، 23 -

ص 61، س 2، ص 80، س 1 - 5؛ ابن الدوادارى، جـ 9، ص 17 - 18، 37 - 40). وفى المعركة مع تيمورلنك التى وقعت فى جمادى الأولى سنة 803 (يناير سنة 1401) لم تكن هزيمة المماليك شديدة، ولذلك تم تقهقرهم فى غاية من النظام فى أول الأمر، على أنه ما إن علم الأمراء برحيل السلطان فرج حتى رحلوا هم الآخرون وبلغ كل منهم مصر يصحبه ما لا يزيد على مملوك أو مملوكين (النجوم الزاهرة، جـ 6، ص 61، س 14 - 17). وثمة شاهد عظيم الدلالة على اضمحلال النظام فى جيش المماليك فى مستهل القرن التاسع الهجرى (الخامس عشر الميلادى) تجلى من موقفه بعد أن رفع السلطان برسباى الحصار عن قلعة آمد سنة 836 هـ (1433 م). ذلك أن برسباى عجز عن الاستيلاء عليها فاستقر عزمه على أن يعقد معاهدة مع حاميها قَرَايُلك ثم يعود إلى مصر. وظل الجيش المحاصر لها أثناء الحصار الطويل، ولم يخسر إلا قليلا، ولم يكن هناك، بطبيعة الحال، أى مجال لنزول أية هزيمة به. على أنه ما إن انتشر فى معسكر الجيش خبر عقد معاهدة، حتى لم يكلف الجيش نفسه عناء انتظار الأمر بالانسحاب، بل ولى ظهره للقلعة وبدأ يعود جافلا إلى مصر لا يلوى على شئ. وفى فراره المضطرب هذا كان كل يسير على هواه، وسرعان ما تفكك الجيش الضخم فغدا جماعات صغيرة اندفعت إلى مصر من طرق مختلفة، لا تعلم الجماعة من الجيش بأمر الجماعة الأخرى؛ وفر الأمراء فى اتجاه واحد، على حين فر مماليكهم هم "وطلباتهم" فى اتجاه آخر. وترك السلطان نفسه فى نفر من أتباعه وتعرض أثناء الليل بأسره للخطر الداهم. ويرى المؤرخ المعاصر أن قرايلك كان يستطيع أن ينزل بالجيش خسائر فادحة فى تقهقره لو كان عنده الشجاعة الكافية لمطاردته (النجوم الزاهرة، جـ 6، ص 206 - 209). ونجد فى الهزائم المتعددة التى منى بها جيش المماليك فيما بعد ذلك من أوقات أن تقهقره فيها كان يتسم بالفوضى الشاملة، فيعود الجنود إلى الوطن جوعى يسيرون حفاة بلا نعال.

وكان بعضهم يعودون على الأقدام، وبعضهم يركبون الحمير بل كان منهم من يركب البعير (انظر على سبيل المثال: البدائع، جـ 2، ص 112, س 6 - 8؛ جـ 3، ص 12، س 5 - 6، ص 34، س 12 - 16؛ جـ 5، ص 72، س 6 - 8، ص 128، س 8 - 11). المعارك داخل المجتمع العسكرى المملوكى: كان المماليك يقاتلون أعداءهم الخارجين فى حماسة وتصميم كبير، حتى العقود الأولى من حكم المماليك الجراكسة على الأقل، فى حين كانت معاركهم الداخلية فى معظم الأحوال لا تتسم إلا بالتصميم اليسير والضراوة القليلة وعلى نحو يجنح إلى التراخى وعدم التحمس. وكان عدد خسائرهم فى الغالب قليلا جدًا. وكان القول "قتال هيّن" شائعًا جدًا فى هذا النوع من الحرب. وقد كان من المستحيل أو يكاد التنبؤ بنتائج هذه المعارك، ذلك أن المعسكرين المتنابذين كانا دائمًا فى حالة متأرجحة، ينضم المماليك إلى معسكر منهما تارة وينحازون إلى المعسكر الآخر تارة أخرى. فإذا رجحت كفة جانب على نحو حاسم فإن معظم المماليك الذين كانوا فى الجانب الخاسر ينضمون بحملتهم إلى الجانب الرابح (انظر مثلا: النهج السديد، جـ 14، ص 579، س 5 - ص 580، س 3؛ المنهل الصافى، جـ 4، ورقة 216 أ، س 18 - 26؛ النجوم الزاهرة، جـ 6، ص 35 - 36). وفى المعارك التى نشبت بين برقوق ومنافسيه، وهى المعارك التى كانت أشرس بكثير من المناوشات المملوكية المألوفة، وفى المعارك التى نشبت بعد ذلك وخاضها هؤلاء المتنافسون بينهم وبين أنفسهم، نجد أن المماليك كانوا يهرعون فى فيض لا ينقطع منضمين من معسكر إلى آخر. وبحكم هذا الفيض وما جرى عليه مقاتلو الجانبين من ارتداء زى واحد على تفاوت فى ذلك، اضطر مؤيدو المنافس من المتنافسين أن يحملوا فى بعض الأحيان شارات خاصة تميزهم (انظر على سبيل المثال: ابن الفرات، جـ 7، ص 170، س 22 - 23). وإنما امتازت المعارك بين السلطان فرج وجراكسته دون سواها

بضراوتها بصفة خاصة (انظر Journ. of .the Roy. As. Soc، جـ 69، سنة 1949. ص 141 - 142). وقد لعبت قلعة القاهرة (قلعة الجبل) دورًا رئيسيًا فى الفتن الداخلية لدى المماليك. وبالرغم من أنها كانت قد حصنت تحصينًا منيعًا، فإن الحصارات التى ضربت عليها كانت فى معظم الأحوال قصيرة الأمد، ذلك أنها كانت تنتقل من يد إلى يد دون قتال. وكانت الحصارات التى تستمر سبعة أيام نادرة جدًا (السلوك، جـ 1، ص 80، س 20؛ الحوادث، ص 179, س 13 - 21، ص 233، س 8 - 9، ابن الفرات، جـ 7، ص 147، س 3، ص 181، س 18؛ البدائع، جـ 3، ص 455، س 3). وقد استمر أطول حصار لهذه القلعة أيام المماليك 31 يوما (البدائع، جـ 3، ص 362 - 363، س 2). وقد كان لمدرسة السلطان حسن التى تقوم تجاه القلعة، شأن هام فى هذه الحصارات. وسبّب القتال بين المماليك خسائر جسيمة نزلت بالسكان المدنيين، وكان هؤلاء تنزل بهم خسائر أفدح من خسائر المماليك أنفسهم (الحوادث، ص 171، س 21 - 23؛ النجوم الزاهرة، جـ 7، ص 405، 417، س 14 - ص 418، س 4). وقلما كانت الأحزاب المملوكية المتنافسة تستنجد بالبدو ليعينوا حزبا على الآخر. ولما استنجدوا بهم سنة 902 هـ (1497 م) راح المماليك يحاربون المماليك وراح البدو يقاتلون البدو) البدائع، جـ 3، ص 356، س 7 - 9، ص 357، س 19 - ص 358، س 2). وحدث بعد ذلك بسنوات قلائل، أى سنة 906 هـ (1501 م) أن فكرت الأحزاب المملوكية مرة أخرى فى الاستنجاد بالبدو، ولكنهم نبذوا هذه الفكرة على اعتبار أن اتخاذ هذه الخطوة فيه مهانة كبيرة (البدائع، جـ 3، ص 450, س 8 - 10). أما من ناحية البدو فإنهم لم يظهروا إلا حماسة قليلة للمساهمة فى قتال مع المماليك طالما أن هؤلاء لا يهاجمونهم. وقد استنجد بوقوق مرة بالبدو ليعينوه على منافسيه، ولكنهم اعتذروا قائلين

(4) الإمبراطورية العثمانية

إنهم لا يقدرون أن يحاربوا المماليك (ابن الفرات، جـ 9، ص 72، س 11 - 19). وانظر أيضًا المواد الخاصة بمعارك بأعيانها وهى "عين جالوت" و"حمص" و"مرج دابق" و"شقحب" و"وادى الخازندار" إلخ. أما بخصوص حرب الحصار. خورشيد [د. أيالون D. Ayalon] (4) الإمبراطورية العثمانية تقتضى المعركة الكبرى مشروعًا يُدخل العثمانيين فى عمل طويل معقد من أعمال الإعداد والتجهيز، فالأخبار من الخارج من جاسوسية وتقارير، لها فى الواقع دخل واضح فى العمليات الحربية التى تدور فى الميدان، وقد حرص العثمانيون على أن يكونوا على علم جيد بالمسرح الدولى (مثال ذلك، عن طريق راغوسة: انظر Biegman N.H. فى بلتن Belletin، جـ 27، سنة 1963، ص 237 - 255؛ وانظر عن الجواسيس اليهود فى خدمة العثمانيين: A. Acre: Espionaje y ultima aventura de Jose Nasi Sefarad، جـ 13، سنة 1953، ص 257 - 286). والطرق التى اتبعت فى الحروب المتقدمة فى الزمن قد وضعت موضع الدراسة مرة أخرى فى تاريخ متأخر، إذ الظاهر أن السلطان محمدا الثانى كان قد درس حملات بايزيد الأول ومراد الثانى ليهتدى بها فى حملاته (انظر خليل إينالجق فى 10 بيزانس تدقيقلرى قونغرسى تبليغلرى، إستانبول سنة 1957، ص 220). زد على ذلك أن الجنود والضباط الذين خبروا مسرحا خاصا من مسارح الحرب قد تلتمس منهم النصيحة عن خير الطرق المتاحة (انظر Hurmuzaki: Documenti، جـ 2، قسم 1، ص 521). والمعارك الكبرى تتصل اتصالا وثيقًا بعدد من المناطق الجغرافية، وفى زمن الحرب مع فارس، كانت أرضروم (والوصول إليها من استانبول إما عن الطريق البحرى حتى طرابزون وإما عن طريق البر) قاعدة للجيوش العثمانية عظيمة الأهمية. وهكذا كان أيضًا إقليم ديار بكر ووان والموصل مع قيام حلب قاعدة فى المؤخرة، وهى مدن حصون

كان لها أيضًا شأن مماثل لذلك فيما يتصل بالعراق، حين كان البر هو مسرح الحرب. وقد استخدم العثمانيون كثيرًا، فى قتالهم مع الروس، الطرق البحرية من استانبول إلى القريم وإلى القلاع القائمة على الأنهر التى تصب فى البحر الأسود مثل آزوف ويكى قلعة (الدون ومضيق كيرتش) واوتشاكوف وكلبرون (الدنيير وبو كك) وآكرمان (الدنيستر) وكليا، وإسماعيل، وقولجه، وبرايلا، وسلستره، وروسجوق (الدانوب)، ويجب أن نضيف إلى هذه القلاع كلها التى تحرس البغدان (مثل بندر، وإياسى، وكامبنيج، وختن). أما بخصوص الحملات على الدانوب الأوسط فإن الخط الرئيسى للتقدم كان من استانبول عن طريق أدرنه وبلوفديف وصوفيا ونيش إلى بلغراد، وفيما وراءه الدانوب وتيسزا يمكن عن طريقهما اختراق أراضى المجر، وعن طريق نهر السافا ونهر الدرافا يمكن اختراق أقاليم الهرسك ودلماشيا والبوسنة. وكان مركز سلانيك الكبير معدا كل الإعداد ليتخذ قاعدة للعمليات الحربية الموجهة إلى اليونان وألبانيا (انظر عن المواصلات فى الإمبراطورية العثمانية مؤلفات Jirechek وتيشنر Taeschner). وقد كان من شأن اتساع الإمبراطورية الشاسع والمسافات الطويلة التى يجب قطعها أن تكون التعبئة العامة بصفة عامة عملا بطيئا مجهدًا. وقد جرت الحال بأن ترسل فى شهر ديسمبر أوامر باستدعاء السباهية أى الخيالة الإقطاعيين فى الولايات للاشتراك فى جملة رسم لها أن تنفذ فى السنة التالية (انظر Hurmuzaki: Documente، جـ 1، قسم 1، ص 521، . J Turcorum origine: Cuspinianus De، ص 63 ظهر - وجه؛ I.G. Duichev: - Av visi، ص 44؛ Sutton، طبعة A.N. Kurat ص 35 - 37، 90 - 91، 151 - 153). ويذكر ماسيكلى (Stato mili-: : Masigli tare. جـ 2، ص 106) كيف كان إنفاذ حملة فى أوربا يقتضى أن يمر الجنود القادمون من آسية الصغرى ومن البلاد العربية من استانبول وغايبولى إلى البلقان أو يقصدوا مباشرة إلى سلانيك

قادمين من ثغور الشام ومصر، والمجندون المختلفون يلحقون بالخط الرئيسى للمسير من بعد عند فلبه وصوفيا ونيش. أما عن الجنود القادمين من أوربا فقد كان البوسنيون يقصدون إلى أسزك، والألبانيون إلى نيش، وأما الجنود القادمين من ترانسلفانيا فقد كانوا يقصدون إلى بست عن طريق سزولنوك، ويقصد الأفلاقيون والبغدانيون وتتر القريم إلى بلغراد عن طريق طمشوار (انظر - Masig Ii: الكتاب المذكور، جـ 2، ص 106). وقلما كان فى الإمكان أيام الحرب مع النمسا أو فارس، تركيز جنود الإمبراطورية فى مسرح الحرب نفسه حتى يوغل فصل الصيف، ونخلص من هذا إلى أن عمليات الميدان الكبرى كانت فى كثير من الأحوال تقصر بالضرورة على أشهر معينة هى أغسطس وسبتمبر وأكتوبر، وكان نقصان الموارد العملية للعلف فى منطقة العمليات فى أخريات الصيف يجنح إلى تحديد مدة الحملات، ذلك أن العثمانيين كانوا يأخذون معهم إلى الحرب عددًا عظيما من دواب النقل ومن ثم كان الأمر يقتضيهم إطعامها (انظر Warnery: Remarques de، ص 37 - 38). وبدخول الشتاء (ويغلب أن يكون قاسيا فى البلقان وشديدًا بصفة عامة فى أرمينية والمناطق المجاورة لها) يحل أوان الانسحاب إلى المعسكرات الشتوية أو يكاد. وكان إنفاذ حملة جديدة يقتضى فيما يقتضيه جمع العدة الضخمة لمواد الحرب، فترسل الأوامر لمسابك المدافع (طوباخنه) فى استانبول وغيرها لسبك مدافع جديدة كما ترسل إلى مناجم الإمبراطورية للتزود بالمعادن (الرصاص والشبهان والحديد) وصنع المعاول والمجاريف والعتلات والبلط والمسامير والحدوات ومحاور عربات المدافع والعربات وما إلى ذلك؛ - J. Grze gorzewski: فى: Archiwum NouKowe جـ 6؛ سنة 1912، فى مواضع مختلفة؛ كوك بلكين: يوروقلر، ص 169). وتشتمل البيانات النمسوية عن المواد التى وقعت فى يد النمسويين من الأتراك العثمانيين أثناء الحرب الطويلة من سنة 1904 - 1110 هـ

(1683 - 1699) أنواعا متعددة من عدة القتال مثل الكلّابات والحراريف والمناجل والمحاصد والسندانات والمنافيخ والحديد والرصاص والحدوات والمسامير والكبريت البطئ الاشتعال وزيت بذر الكتان والراتينج والقار، وشعر الجمال وشعر الخيل، والحبال والأسلاك، والقطن الخام، والغرارات، وجلود الأغنام، والشحم، والدهن، وروافع العربات إلخ (انظر Kriegs-Helm: Boethius , جـ 1، ص 153؛ - Archiv. f. Kunde Oesterreich Gesch Quellen جـ 4، ص 444؛ Cyula: Veress Varos ص 452 وانظر أيضًا [عن بيتر فاردين، سنة 1716]: . Mon .Hung Hist. Scriptores جـ 27، ص 585). وهذه القوائم كانت تشمل المدافع والأسلحة النارية وغير ذلك من الأسلحة التى استولوا عليها من العثمانيين، علاوة على بيانات بالمقادير المستولى عليها من البارود والكبريت والجويدار (وهى مواد لا غنى عنها استمدها الباب العالى من داخل الإمبراطورية ومن منابع أجنبية. ومن الأمور البالغة الأهمية أيضًا واجب تيسير المؤن الكافية من الطعام للجنود فى الميدان. وكان العثمانيون فى الحملات يعيشون حياة معتدلة متزنة، فيأكلون قليلا من الخبز (أو البقسماط) والضأن والأرز ولحم البقر المجفف والبصل وما أشبه ذلك مما يكوّن هو والماء العناصر الرئيسية لغذائهم. وهذا الاعتدال فى الطعام والشراب يجنح فى قول بعض المصادر الغربية إلى جعل الجندى العثمانى أكثر مقاومة للأمراض وأكثر تحملا من عدوه النصرانى (انظر Mcnavino فى Sansovino: -Historia Uni versale ص 73 ظهر Epito-: Georgieviz me ص 52 - 53؛ Me-: d'Arvieux .moires جـ 4، ص 518؛ de Courmenin: Voiage ص 261، Re-: de Warnery marques ص 23). وقد اتخذت الحكومة المركزية إجراءات واسعة لسد الحاجة إلى المؤن والزاد، فكانت قطعان من الماشية والأغنام تصحب العثمانيين إلى الحرب لإطعام الجنود فى الميدان (انظر Turchio: Magni، جـ 1، ص 290). وعلى السكان المحليين الذين يقيمون بالقرب من خط التقدم يقع عبء تزويد

الجنود فى مسيرتهم بالحبوب والزاد على اختلاف أنواعه، ولو أن ذلك كان نظير أجر (انظر Historia: da Lezze Turchesca ص 48 - 49؛ Spandogino فى Documents Inedits: Sathas, جـ 9، ص 230 - 231؛ de Courmenin: Voiage، ص 255 - 256) والحق أنه كان يحدث فى بعض الأحيان، عندما يتوقع شن حملة، أن يصدر مرسوم يقضى بمنع تصدير المؤن من منطقة مقررة (انظر Documente: Hurmuzaki, جـ 2، قسم 1، ص 525). وكانت الحكومة وهى تضع فى اعتبارها القوات المسلحة، تشجع زراعة الأرز فى جزائر البلقان أى على طول نهرى الماريتسا والفردار. وكانت الحملة الكبرى تعنى جمع حشود حاشدة من دواب النقل والقطر والعربات. وكانت الثيران والجاموس (وبعضها يربى تحت إشراف الحكومة فى قيليقية مثلا: انظر أوليا جلبى: سياحتنامه، جـ 3، ص 40) تجر المدافع الكبيرة، على حين كانت الجمال (المأخوذة من آسية الصغرى والهلال الخصيب) والبغال وجياد الجر (باركير، وتؤخذ من البلاد التى على شاطئ الدانوب الأسفل) تؤدى دور دواب الحمل، أما السباهية، أى المحاربون الإقطاعيون، والآلطى بولوك أيضًا، أى الكتائب الراكبة للبيت السلطانى، يقدمون إلى الحرب ممتطين صهوة جيادهم الخاصة، وكانت هذه الجياد أسرع وأخف من جياد الجر الثقيلة. وقد جرت العادة، إلى ذلك، بأن توفر لأغراض النقل فتحشد من أجل ذلك العربات والحيوانات المصادرة للحرب هى والعمال من الريفيين على خط مسيرة الجيش أو خلفه (انظر Menavino فى Historia Universale: Sansovino، ص 43 ظهر، 105 ظهر، 106 وجه، Spandogino: في Documente ln: Sathas edits، جـ 9، ص 218؛ Doc: Hurmuzaki umente, جـ 2، قسم 1، ص 230؛ l.Duj- Avvisi: chev ص 203؛ - Montecuculi. Crisse جـ 3، ص 294، 295، 305 - 306؛ L.Barbar في - Wiener Staatswis senschaftliche Studien، جـ 17، قسم 1، ص 43 وما بعدها، B.A. Cvetkova: Impots extraordinaires ص 225).

وكان ابتداء حملة من الحملات يقترن بحفلات واسعة النطاق؛ فمن التوغات الست أو ذيول الخيل التى تنبئ المقام الرفيع للسلطان ينصب توغان فى الفناء الأول للقصر السلطانى فى استانبول. فإذا كان الصدر الأعظم، وليس السلطان، هو الذى يتولى قيادة الحملة نصب توغ واحد من الثلاثة توغات المخصصة له علنا أمام الجمهور. وبعد ستة أسابيع ينقل هذا التوغ (ويعرف باسم "قناق توغى" أى توغ المحطة، لأنه ارتحل ثم توقف على مسيرة يوم أمام القوات الرئيسية) إلى المعسكر الأول للحملة القائم فى داود باشا قرب استانبول إذا كانت الحرب فى أوربا، أو إسكودار (سكوتارى) إذا كانت الحرب فى آسية. وفى اليوم التالى يخرج المجندون من أرباب الحرف باستانبول الذين يزاولون حرفهم أثناء الحملة لصالح الجنود (طحانون وخبازون وجزارون وسروجيه وما إلى ذلك) فى موكب إلى المعسكر. وبعد ذلك بيومين يتحرك إلى المعسكر الإنكشارية يليهم غيرهم من فرق الحكومة المركزية وكتائبها حيث يلحق بهم الصدر الأعظم بوصفه سردارا أى قائدًا عامًا بعد أن يستأذن رسميًا من السلطان. (انظر Dujchev: Avvisi, ص 215؛ Journal: Galland, جـ 1، ص 177 وما بعدها؛ de la Croix: Memoires جـ 1، ص 266 وما بعدها، 295 وما بعدها، Re-: de Warnery ,marques ص 21 وما بعدها، Montecu culi-Crisse. جـ 3، ص 289: general d'Ohsson Tableau جـ 7، ص 387 وما بعدها Staatsverfas-: Hummer - Purgstall sung جـ 1، ص 488 وما بعدها). وتبذل عناية كبيرة لجعل خط المسيرة فى نطاق حدود الإمبراطورية على أيسر سبيل وأفعله ما أمكن. فترسل الأوامر إلى السلطات فى الولايات تطلب منها إصلاح الطرق الخاصة بالحملة لتيسير مرور العربات والمدافع. وتستخدم أكوام من الحجارة والأوتاد الخشبية لتحدد الخط الفعلى للتقدم الذى سوف يتبعه الجنود (انظر Tresor politique جـ 3، ص 861؛ l.Dui chcv: Avvisi ص 69, 264؛ Tur-: Magni chia جـ 1، ص 288؛ Auer طبعة - Luki

nich، ص 5؛ L. Barbar, المصدر المذكور، ص 22, 27, 28). وكان عبور الأنهار (مثل السافا والدرافا والدانوب أو تيسزا فى أوربا مثلا) مشكلة من المشكلات الشديدة الأهمية. فتحشد أزواد من الآلات والسلاسل والخشب والكابلات والمسامير ... إلخ لإقامة جسور كبيرة عائمة. وفى بعض الأحيان تحمل أجزاء مشيدة من الأجزاء التى سبق تجهيزها إلى الموقع المقصود فى مراكب أو قطر أو عربات. زد على ذلك أن الأوامر قد تصدر باستدعاء أرباب المهن المحليين المهرة مثل النجارين والحدادين لضمان إتمام العمل قبل الحملة وبسرعة (انظر Barovious: De rebus Ungaricis, ص 134 - 135؛ Torteneti Maradvanyui: Szamoskoezy, ص 147 - 148؛ Docu-: Hurmuzaki mente, جـ 2، قسم 1، ص 521، 525، 543؛ Auer طبعة Lukinich، ص 80؛ Turchia: magni ص 391 - 393؛ de Ia Memoires: croix ص 298 - 300؛ - MoI nar فى Mueveszettoertenari Ertesitoe, جـ 7. قسم 4، ص 259 - 263). وكان العثمانيون، فى ازدهارهم، يتبعون نظامًا صارمًا فى مسيرتهم بل لقد ذهبوا إلى إنزال العقاب الشديد على أهون ضرر يلحق بالبساتين والحدائق والحقول المزروعة على طول الطريق (انظر Menavino فى Histor -: sansovino ia Universale ص 73 ظهر؛ Georgieviz: Epitome, ص 53 - 54؛ voy -: chesneau age , ص 108 - 109). على أن هذا النظام كان فيما يظهر يقل عن ذلك كثيرًا حين تكون الإمبراطورية فى حالة اضمحلال (انظر Re-: de Warnery marques, ص 89). وكانت الأوامر المكتوبة التى تصدر من السردار عن طريق الجاووش باشى ومعاونيه، إلى الفرق والكتائب تبين نظام المسيرة والعناصر الرئيسية فيها (فى مسرح الحرب ذاته) بما فى ذلك ستار متقدم من فرسان الاستطاوع المغيرين (آقينجيلر وتتر) وطليعة من الفرسان المنتقين تحت إمرة جار خاص باشى، وقوة رئيسية تضم الإنكشارية والآلطى بولوك والجنود المتخصصة (مثل صناع الأسلحة والمدفعية إلخ) ومعهم حشد من السباهية الإقطاعيين على كل جناح،

ومؤخرة تضم متاع الجيش ومؤونته (انظر de Promontorio- de Campis, طبعة Babinger, ص 49, 61؛ ordo portae طبعة شريف باشتاف، ص 8 - 11, Marsigli: المصدر المذكور، جـ 2، ص 112 - 117؛ Hummer - purgstall: Staatsverfassung، جـ 1، ص 493 وما بعدها). والانتقال من معسكر إلى معسكر يليه يبدأ فى باكورة ساعات الصباح؛ وهنالك يخرج الموكلون باختيار موقع جديد وتحديده متقدمين فى حراسة مناسبة ومعهم الخيام والمتاع والعدة، ويؤدون واجبهم. وكان تيسر المرعى للحيوانات والماء للدواب والرجال عنصرًا له أهمية كبيرة فى اختيار الموقع التالى. كما كانت الخبرة المكتسبة من الحملات السابقة، ونصيحة الخبراء المحليين والاستطلاع الحريص تدل بطبيعة الحال على أن الاختيار يمكن أن يكون فى كثير من الأحيان موفقًا، من حيث المبدأ على الأقل، قبل قيام الحاجة بالفعل. وببدء هذه الحركة السابقة، تخرج الفرق والكتائب المختلفة الواحدة إثر الأخرى، وتجد فى المسير إلى قرب الظهيرة حتى يتيسر لها معسكر جديد فى ظروف طبيعية. ويحتفظ بوسط المعسكر لخيام السلطان والصدر الأعظم وأصحاب المناصب الكبرى فى الباب العالى. وحول هذه الخيام يعسكر الإنكشارية والآلطى بولوك، والمدفعية بمدافعهم، أى - إن شئنا الإجمال - الجنود التابعة للبيت السلطانى. ووراء هذه النواة يقوم البكلربكية والسنجق بكية وسباهية الولايات، ولكل فرقة حيها. ويمكن أن نلمح كثيرًا من التفصيلات الحية عن مثل هذه المعسكرات من المصادر الأوربية، مثال ذلك ما نراه فيها عن المصابيح التى تستخدم فى السير فى ساعات الظلام، والسقائين بقربهم المصنوعة من جلد البقر وعرائش أرباب الصناعات والحرف (رفع كل منها بيرقا فوق العرائش لينبئ بحرفة أو صنعة بعينها) وكذلك الحير الذى تقوم فيه الحيوانات الشاردة تنتظر أصحابها ليسترجعوها، أو حواجز الخيش المقامة حول مضارب السلطان والمطلية طلاء يجعلها تبدو كالحيطان. وأعمق الانطباعات التى تؤثر

فى العقل المسيحى يظهر أنها تنبع من العادات المعتدلة الرزينة للجندى العثمانى، وغياب المسكرات، والصمت العجيب الذى يخيم على هذه المعسكرات، والعناية المبذولة للمحافظة على أعلى مستوى من النظافة الشخصية والعامة بين الجنود (مثال ذلك الالتجاء المنتظم للحلاقة، والدأب على غسل الملابس، ووفرة المراحيض فى كل وحدة وفى المعسكر بصفة عامة). وكل هذا يباين بشكل ملحوظ ما درجت عليه جيوشى المسيحيين من عادات (انظر Spandugino فى sathas: Documents Inedits جـ 9، ص 230؛ Tresor politique, جـ 3, ص 865 وما بعدها؛ de courmenin: Voiage، ص 258 - 259؛ de Ia croix: Memoires, جـ 1، ص 289 وما بعدها، 301 وما بعدها؛ Journal: Galland جـ 1، ص 113 وما بعدها؛ جـ 2، ص 113 وما بعدها؛ Me -: d'Arvieux moires, جـ 4، ص 516 وما بعدها، - Mag Turchia: ni، جـ 1، ص 288 وما بعدها، 301 وما بعدها، 336 - 337, 348 - 349؛ Ambassades: Guillerangues؛ ص 323 وما بعدها؛ Relatione: Benaglia, ص 101 وما بعدها؛ Marsigli: كتابه المذكور، جـ 1، ص 81؛ جـ 2، ص 56 وما بعدها؛ Voyage: de Ia Mortraye, جـ 2، ص 5 وما بعدها؛ Voguee, طبعة Villars, جـ 1, ص 77 وما بعدها؛ de Remarques: Warnery , ص 13, 22, 27 - 28). ويذكر كثيرًا أيضًا الفخامة والحالة التى عليها الحرب لدى العثمانيين مثل زى الإنكشارية وعدتهم واحترام السلوك الحميد فى ميدان المعركة (منح الشواشى وخلع أردية التشريف، والعطايا نقدًا) أو الأعلام الزاهية التى تستخدم للتفرقة بين مختلف الكتائب والفرق وكذلك البطانة الشخصية لكبار الأعيان (انظر Tresor politique، جـ 3 ص 841, 843, 853؛ de Germigny فى L'Illustre Orbundale، جـ 1، ص 109؛ Documente: Hurmuzaki الملحق 1، جـ 1، ص 86 - 87؛ Benaglia: Relatione ص 234, Turchia: Magni, جـ 1, ص 339؛ Journal: Brue ص 24, 27, 58 - 59؛ View of: Perry the Levant, ص 42).

وتقويم فن الحركات الحربية للعثمانيين فى الميدان يتطلب شيئًا من الحيطة. لقد كان شأن الإنكشارية فى الحرب هم والآلطى بولوك والفرقة الخاصة للبيت السلطانى، هامًا جدًا، لكن يمكن أن ننوه به كثيرًا. والثقل الأكبر للقوات العثمانية يمكن أن نجده فى السباهية، والجنود الإقطاعيين فى الولايات (وهذا يهيمن إلى حد كبير على النهج الذى يتبعونه فى فن الحركات الحربية) الذين يفوقون فى العدد بكثير جنود الحكومة المركزية. وكان النظام المألوف فى ميدان المعركة (وهذا خاضع بطبيعة الحال للتغيرات التى تقتضيها طبيعة الأرض) هو قيام قلب ثابت يضم الإنكشارية وصفوة العناصر الأخرى مع وجود خنادق ومدافع وعربات للحماية، وعلى كل جانب جناح قوى من الفرسان السباهية. والحركات الحربية المناسبة لمثل هذه القوات المصطفة على هذا النسق ليس من اليسير وصفها، وهى تتلخص فى: إزعاج العدو، ومناوشته، والهجمات المفاجئة، والتظاهر بالانسحاب والتسلل إلى الجنب والمؤخرة للجنود المعادية، وأخيرًا القيام بهجمة عامة بالفرسان واكتساح العدو إذا سارت الأمور على الوجه المرغوب، ومنع فراره والمطاردة التى لا تكل. ويجب أن نضيف إلى مثل هذه الاعتبارات عوامل لها شأنها الاستراتيجى. وهى عامل الوقت وعامل المسافة (بالنسبة للحرب مع النمسا وفارس) وعامل الجو (كاقتراب فصل الشتاء) وعامل النقل والإيواء والتموين والعدة. وكأن أثر هذه العوامل أن كانت العمليات الحربية للعثمانيين فى عصرهم الذهبى تتخذ صورة الهجوم القصير المدة، وإن كان هجومًا نشيطًا عنيفًا يحقق إذا أمكن نتيجة سريعة حاسمة، وتبقى العناية بطبيعة الحال ومن الناحية التكتيكية. متركزة فى الحرب المتحركة ذات المستوى الرفيع والصفة القابلة للتشكل بمختلف الأشكال فى طبيعتها. ولما كان فن الحرب قد تغير وأصبح أكثر إحكامًا فى أوربا، فقد استحدثت بمرور الزمن حركات حربية جديدة، أو قل إنه قد نشأ بحق نهج متميز للحرب أولا فى النمسا ثم فى روسيا المواجهة

الجيوش العثمانية فى الميدان. ذلك أننا نجد أن رايموندو دى مونتكوكوللى Montecucculli Raimondo di الذى كان من أكبر أصحاب النظريات فى الحرب والذى انتصر بنفسه على الأتراك فى معركة سانت كوثارد St. Gothard سنة 1075 هـ (1664) قد وضع فى مذكراته المشهورة قواعد للعمل قصد بها أن تطبق على جميع حملات النمسا وروسيا على العثمانيين فى آخر القرن الحادى عشر وفى القرن الثانى عشر الميلاديين): " ... هاجموا بلابسى الدرقات مشاة العدو ... وتلقوا وردّوا فرسانه برماحنا وبنادقنا وقاتلوا بلا هوادة الكوكبة إثر الكوكبة بالمدفعية وبكل أنواع المدافع .... " (- Montecucculi Crisse, جـ 3, ص 302). وكان التشكيل التاكتيكى الذى ينطوى على هذه القواعد هو المربع أو المستطيل، وكل جانب (من خطين أو ثلاثة خطوط فى العمق) يتكون من جماعات تبادلية من المشاة والفرسان المزودة بجياد الجر خلفك فى المقدمة، وتقوم المدافع فى زوايا المربع، وفى داخل المربع الجنود الاحتياطى ومتاعهم. وقد اقتضت التعديلات التى أدخلت من بعد اختفاء الحراب وجياد الجرخفلك وإنقاص حجم المربعات كما اقتضت زيادة فى عددها - وهى تغيرات قصد بها فى جملتها تحقيق حرية أكبر فى الحركة (Memoires: Montecucculi, جـ 2، فى مواضع مختلفة؛ Roeder von Diersburg , جـ 2, ص 33؛ Feldz -: Eugen vege, جـ 2، ص 552 وما بعدها، وفى مواضع مختلفة؛ Vauban, جـ 2, ص 281 وما بعدها؛ Remarques: de Warnery, ص 63 وما بعدها، 74 وما بعدها؛ 109؛ Marsigli: كتابه المذكور، جـ 2، ص 86؛ Memoirs: Bruce ص 43, 46؛ Remarques . Poniatowski, ص 103 Memoires: Menstein, ص 124؛ 178 وما بعدها Muenich: F. Ley, ص 62 - 63؛ Campagnes: Anthing, جـ 1, ص 142 - 143؛ جـ 2, ص 78 - 79؛ Suworow: smitt, ص 157 وما بعدها, 341؛ Consideratione: Volney, ص 19 - 20, 47؛ Be -: Von Berenhorst trachtungen, ص 362 وما بعدها؛ Criste: Kriege, ص 272 وما بعدها).

وظلت الجيوش العثمانية تضم كثيرًا من الزاد السليم من ناحية التجهيز والمقاتلين، وقد امتدحت المصادر الأوربية بنادقهم ومدافعهم المورتر، وألغامهم وظلت الإنكشارية تحارب جيدًا إذا تهيأت لها الظروف المواتية، كما حدث فى كروجكه سنة 1152 هـ الموافقة 1739 م (انظر Criiste: كتابه المذكور، ص 272 - 273)، ومع ذلك فإن الحركات الحربية العثمانية القديمة لقيت نجاحًا قليلا حيال التنسيق بين جميع الأسلحة وجميع أنواع الجنود فى النمسا وروسيا، وزيادة اعتماد المسيحيين على نيران المدافع الحاشدة هى ونيران البنادق، واعتقادهم بأن خير الوسائل للتغلب على المسلمين هى إجبارهم على خوض غمار معركة كبرى. وقد بدأ العثمانيون سنة 1687 خلال حرب السنوات 1683 - 1699, التخندق على نحو واسع النطاق وعدلوا إلى حد ما عن الحرب فى العراء والحرب المتحركة التى أثرت عنهم من قبل. وقد ظهر سريعًا أن هذا التغيير، الذى جاء نتيجة للهزائم القاسية التى لقوها على يد النمسويين منذ سنة 1683, لم يكن مضمون النتائج. ففى زنتا سنة 1109 هـ (1697) لم يستطع العثمانيون الثبات فى خنادقهم حيال النيران الكثيفة المنبعثة من مدافع النمسويين، ومنوا بنكسة أخرى كبيرة (انظر Roeder von Diersbury, جـ 2 ص 22؛ Marsigli: الكتاب المذكور، جـ 2، ص 125؛ Remarques: de warnery, ص 22، وما بعدها). ونجد معلومات وافرة، مفصلة فى كثير من الأحيان، عند المصادر الأوربية فى أواخر القرن السابع عشر وفى القرن الثامن عشر، وهذه المعلومات من قبيل عدم كفاية القواد العثمانيين، والحركات الحربية للسباهية، وبراعة العثمانيين فى السيف، واستعمال إشارات الدخان لشن هجوم، والاندفاع الضارى للإنكشارية نحو العدو، وضخامة المدافع العثمانية التى تجعلها غير خفيفة الحركة (انظر Villars طبعة Voguee, جـ 1، ص 367، 368؛ vauban، جـ 2، ص 283, Feldzuege: Eugen, جـ 2، ص 568 وما بعدها؛ Roeder von Diersburg, جـ 2، ص 107 وما بعدها؛

المصادر

Remarques: Poniatowski، ص 104 - 105؛ Remarques: de Warnery، ص 24, 60 وما بعدها، 77 - 78, 114؛ Kerali: Histoire, جـ 1, ص 113 وما بعدها؛ suworow: Smitt، ص 162 وما بعدها؛ Kriege: Criste, ص 273 وما بعدها). والصورة المتحصلة من ذلك، حتى حين تلتمس المعاذير كلها، هى أداة حربية عتيقة عتقًا لا يرجى معه أمل فى التجديد. والجنود ذو الشهرة الكبيرة مثل لورين Lorraine وفيلار Villars وكتّاب من أصحاب البصر الأصيل مثل ده وارنرى de warnery وكيراليو - kera Iio ينوهون بالنقائص الجوهرية لفن الحرب عند العثمانيين والافتقار إلى مدفعية فعّالة، والجهل بفن الحركات الحربية وفن المناورة (انظر Villars طبعة Vogue، جـ 1، ص 79 - 80, 368, 380؛ Remarques: de warnery ص 114؛ Histoire: Keralio, جـ 1، ص 114 - 115). والحق أن الإصلاح على الأسس الأوربية أصبح فى نظر العثمانيين من ألزم اللوازم تقتضى الحاجة الملحة القيام به؛ ويمكن أن نترك الكلمة الأخيرة لأسلوبهم التقليدى فى الحرب إلى موريس ده ساكس Maurice de Saxe الذى كتب يقول إن العثمانيين لم تنقصهم الشجاعة ولا العدد ولا الثروة، إنما كان ينقصهم النظام والترتيب "وطريقة القتال" (Reveries, جـ 1 ص 87). المصادر: (لن نكرر هنا بصفة عامة أرقام صفحات المصادر الواردة فى النص). (1) Asafname de Lutfi Pascha Das , طبعة Tuerkische Bibliothek) R. Ischudi 12 .Bd) برلين سنة 1910, ص 21 وما بعدها. (2) أوليا جلبى: سياحتنامه، إستانبول سنة 1314 هـ. (3) Ottoman State-: W.L. Wright, Jr. craft فى Oriental Texts princeton, جـ 2, برنستون سنة 1935, ص 126 وما بعدها. (4) م. طيب كوك بيلكين، روملى ده يوروقلر، تاتارلر وأولاد فاتحان، إستانبول سنة 1957.

(5) م. منير آقتبه: أحمد الثالث دورنده شرق سفرينه إشتراك إده جك أوردو إنصاف خلقنده وثيقة لر، فى تاريخ دركيسى، جـ 7، ص 1954، ص 17 - 30. (6) Espionaje y ultima: A. Acre aventura de Jose Nasi في sefarad, جـ 13 (مدريد وبرشلونة سنة 1953) ص 257 - 286. (7) خليل إينالجق: - An ottoman doc ument on Boyezid I's expedition in Hun gary and wallacia فى 10 بيزانس تدقيقلرى قونغريسى تبليغلرى (Actes du X Congres d'Etudes Byzantines) إستانبول سنة 1957، ص 220 وما بعدها. (8) Ragusan spying: N. H. Biegman for the Ottoman Empire فى بلّتن، جـ 27، سنة 1963, ص 237 - 255. (9) Ordo portae طبعة - sherif Bosh Magyar- Goeroeg Tamlmanjok) tav) بودابست سنة 1947. (10) Die Aubzeichun-: F. Babinger Genuesen Iacopo de Promonto gen des rio: -de Campis ueber den Osmanen فى 1475 staat um فى - S.B. Bayer Ak., Phil Hist . K. e.، جـ 8، ميونخ سنة 1957. (11) A. Menavino فى F. Sansovino: Historia universale deTurchi, البندقية سنة 1573. (12) T. Spandugino فى C. Sathas: relatifs a l'histoire de Documents inedits Moyen Age la Grece au جـ 9، باريس 1890، ص 133 - 261. (13) Historia: Donado de Lezze (1514 - 1300) Turchesca - طبعة l. Ursu, بخارست سنة 1909، ص 47 وما بعدها. (14) De Turcorum: J. Cuspinionus Origie، أنتورب سنة 1541، الأوراق 60 ظهر وما بعدها. (15) de Turcarum: B. Georgieviz moribus epitome , ليدن سنة 1558، ص 50 وما بعدها. (16) Le Voyage de: J. Chesneau Monsieur d'Aramon. طبعة C. Schefer، باريس سنة 1887، ص 106 وما بعدها.

(17) Commentari i: J. D. Barvious de rebus Ungaricis فى Monumenta Scriptores: Hungariae Historica, جـ 17، بشت سنة 1866. (18) de Germigny فى - L'Illustre Or bandale , ليون سنة 1662، جـ 1، ص 108 وما بعدها. (19) Journal: Saint-Blancard, ص 347 فى Negotiations: E. Charriere de la France dans le Levant. باريس سنة 1848 - 1860، جـ 1، ص 340 - 353. (20) Torteneti: Istvan Szamoskoezy 1603 - 1566 Mardavanyai فى Monumenta Historica Scriptores: Hungariae, بودابست سنة 1876 (21) Tresor Politique جـ 3، باريس سنة 1611، ص 839 - 894 وفى مواضع مختلفة. (22) L'histoire de la deca-: T. Artus dence de L'Empire grec et etablissement de celuy des Turcs، باريس سنة 1620، عمود 85، ص 105 وما بعدها. (23) Viaggi: p. della Valle, البندقية سنة 1661، جـ 1، ص 176 وما بعدها، وفى مواضع مختلفة. (24) L.des Hayes de Coumenin: Voiage de Levant باريس سنة 1621، ص 255 وما بعدها. (25) Voyage de Le-: V. de Stochove vant, بروكسل سنة 1662، ص 275. (26) Quanto di piu curiaso, e vago ha potuto raccorre Cornelia Magni ... per Turchia ho، جـ 1، بولونيا سنة 1685، ص 258 - 396، وفى مواضع مختلفة. (27) Hiplomatische A. Wolf Drei Relationen aus der Zeit Kaiser Leopold's فى. Archiv. f Kunde Oesterich Gesch Quellen, جـ 20، فينا 1858، ص 321. (28) Recueil historique contenant di- verses pieces curieuses de ce temps, كولونيا سنة 1666، ص 80 وما بعدها. (29) Auer Janos Ferdinand Pozsonyi Nemes Polgarnak Hettornyi Fogsagaban 1664 Naploja Irt طبعة lmre Lukinich, بودابست سنة 123, ص 50, 80 وما بعدها، 107.

(30) Journal pendant: A. Galland (1673 - 1672) a Constuntinople sejour son, طبعة Schefer. C, باريس سنة 1881، جـ 1، ص 108، 113 وما بعدها؛ جـ 2 ص 113 وما بعدها. (31) Memoires du Chevalier d'Arvieux طبعة J.B. Labat، باريس سنة 1735، جـ 4، ص 516 وما بعدها. (32) Memoires du Sieur de la Croi, باريس سنة 1684، ص 243 - 352، وفي مواضع مختلفة. (33) Relatione del Vi-: "G. Bengalia aggio fatto a Constantinopoli, بولونيا سنة 1684, ص 101 وما بعدها، وفى مواضع مختلفة، ص 234. (34) Ruhm-: Ch. Boethius wider den ... Belorberter ... Krigs Helm Blut-besprengten. نورمبرج سنة 1688. (35) Ambassades de M. Le Comte de Guillerogues et M. Girardin aupres du Grand Seigneur، باريس سنة 1687. (36) Stato militaire: L. F. Marsigli dell'Imperio Ottomano, لاهاى - أمستردام سنة 1732. فى مواضع مختلفة. (37) Des: P. Roeder von Diersbur Markgrafen Ludwig Wilheln von Baden Feldzuege wider die Tuerken، كارلسروه سنة 1839 - 1842. (38) Feldzuege des Prinzen Eugen - Kriegs-Archiv. Oesterrerich) Savoy K.K.) en فى 21 مجلدًا، فينا سنة 1876 - 1892. (39) - Memoires du Marechal de Vil lars, طبعة de Voguee جـ 1، باريس سنة 1884، ص 77 وما بعدها ,366 وما بعدها, 379 وما بعدها. (40) Kriege unter Kaiser: O. Criste Josef ll فينا سنة 1904. (41) Vauban, Sa famille et ecrits. Ses correspondance oisivetes et sa طبعة de d'Aiglon Rochas، باريس سنة 1910، جـ 2، ص 281 وما بعدها.

(42) The despatches of Sir Robert Sutton ambassador in Constantinople (1714 - 1710). طبعة ا. ن. قورات Royal (Hist. Soc. Camden Third Series مجلد 78) لندن سنة 1953. (43) Memoirs: P. H. Bruce, لندن سنة 1782. (44) Remarques de M. le comte Po- I'Histoire de Charles Xll sur niatowski ... Roi de Suede par M. de Voltaire, لندن سنة 1741. (45) Journal de la cam -: B. Bruce conquete de la pogne en 1715 pour la Moree، طبعة Dumont A. باريس سنة 1870. (46) Voyages ... A. de la Motraye en Europe, Asie et Afrique, لاهاى سنة 1727. (47) Me-: Le General de Manstein moires historiques politiques et militair res sur la Russie، أمستردام سنة 1771. (48) A View of the Levant: C. Perry لندن سنة 1743، ص 42 وما بعدها. (49) Palestina ovvero primo viaggio -di F. Leandro di Santa Cecilia carmelita Scalzo im Oriente no، رومة سنة 1953، ص 62, وما بعدها، 195 وما بعدها. (50) Mes: Maurice Comte de Saxe Reveries: أمستردام وليبسك سنة 1757، جـ 1، ص 47. (51) Memoires de Montecucculi ... les Commentaires de M. le Comte avec Turpin de Crisse, أمستردام وليبسك سنة 1770، جـ 3، ص 96 وما بعدها، 141، 289 وما بعدها، 302، 305 وما بعدها 314. (52) Remarques sur le: de Warnery militaire de Turcs. ليبسك ودرسدن سنة 1770. فى مواضع مختلفة. (53) L.F. Guinement de Keralio: Histoire de La derniere guerre entre Les Russes et les Tures، باريس سنة 1777. (54) Considerations: C. de Volney sur la guerre actuelle des Turcs. لندن سنة 1788.

(55) Pre-: P.A. Caussin de Perceval -cis historique de la guerre de Turcs con tre les Russes, باريس سنة 1822، ص 16 وما بعدها. (56) general: M. d'Ohsson Tableau de I'Empire Othoman جـ 7، باريس سنة 1824، ص 387 - 419، وفى مواضع مختلفة. (57) Betrach-: G.H. Won Berenhorst tungen ueber die Kriexskunst, ليبسك سنة 1827. (58) Les campagnes du: F.Anthing -Feld-marechal Comte de Souworow Ry miksiki, كوتا سنة 1799. (59) Leben: F. von Smitt Suworow's Heerzuege aund فلنه سنة 1833. (60) Des: J. von Hammer-Purgstall osmanischen Reichs Staatsverfassung und Staatsverwaltung، فينا سنة 1815. (61) Heerstrasse: C. Jirechek Die von Belgrad nach constantinopel und die Balkanpaesse، براغ سنة 1877. (62) Das Anatolische: F. Taeschner Wegenetz nach asmanischen Quellen, ليبسك سنة 1924 - 1926. (63) Documente: E. de Hurmuzaki pivitore la Istoria Romunilor الملحق 1، جـ 1 (سنة 1518 - 1780) بوخارست سنة 1886. (64) الكاتب نفسه: ج 2/ 1 (سنة 1451 - 1575)، بوخارست سنة 1891، ص 520 وما بعدها. (65) Z Sidzylat-: J. Grzegorzewski Rumelijskich epoki wyprawy wieden- ow shiej Akta Turecki (Archivwam Naukowa (Dzial l.XVI لفوف سنة 1912 (66) Barbar Zur wirtschafilichen: L Turkeen ge - Grudlage des Feldzuege der -gen Wien im Jahre 1683 Wiener Staat I- swissenschaftliche (Studien XIIl فينا وليبسك سنة 1916. (67) Ofen Zu: W. Bjoerkman Tuerken Zeit، هامبورج سنة 1920, ص 68. (68) Fin: M. Lascaris Salonique a la du XVIIle siecle, ص 381 , فى - Les Bal Kans جـ 10، سنة 1938، ص 371 - 398.

(5) بلاد فارس

(69) zur: F. Stoeller Neue Quellen = 1683 Tuerken-jahres Geschichte de - Oesterreich Instittuts f. Ges .Mitt. d) chichtsforschung) Ergaenzungs Band 1933 XIll-I, Innsbruck) ص 15. (70) Avvisi di Rakusa: I. Dujchev (10 Orientalia Christiana = Anatolecta no) رومة سنة 1935، ص 21، 43، 69، 203، 212، , 215, 244 - 245, 264. (71) Toeroek Emle-: Jozef Molinar kek Eszek- Dardai Hid A XVII. Szazadban Nueveszattoer teneti Ertesito، جـ 7/ 4، سنة 1958، ص 259 وما بعدها. (72) Impots ex-: B.A. Cvetkova traordinaires et redevances a l'etat dans -les territoires Bulgares sous la domina tion Ottomane (بالبلغارية صوفيا سنة 1958. (73) Le Marechal de Muen-: F. Ley nich et la Russie au XVllle siecle, باريس سنة 1959 ص 62 - 63. خورشيد [بارى V.J. Parry] (5) بلاد فارس كان تسيير دفة الحرب فى القرون الأولى لبلاد فارس الإسلامية يعتمد فى جوهره على التراث العسكرى للإمبراطوريات الفارسية الأولى، ولكنه كان يشتمل أيضًا - فيما يشتمل - على عناصر من مأثور القتال عند عرب الصحراء ومأثور الفيافى التركية فى الإغارة. ونحن نسمع أولا بالطرائق العسكرية الفارسية فى العصر الإسلامى من أخبار الغزو العربى للعراق وفارس فى عهدى أبى بكر وعمر. فقد كان الفرسان المدرعون المسلحون بالسيف والرمح والأقواس من خصائص الجيش الساسانى كما كان انتشار هؤلاء الفرسان وحركاتهم الحربية شبيهة بلا شك بالقتال البطولى الذى صورته الشاهنامه (انظر عن ذلك Das iranische Nationalepos: Noeldeke, الطبعة الثانية، برلين وليبسك سنة 1920, ص 53 وما بعدها). وكانت الفيلة المحاربة تستخدم أيضًا فى القتال وقد انتقل استخدامها من بعد إلى عدة

دول إسلامية فى فارس وفى معركة البُويَبْ على ضفاف الفرات سنة 13 هـ (634 م) تقدم الفرس للقاء عرب المثنى فى ثلاثة صفوف من الفرسان يتقدم كل صف فيل تحميه جماعة من المشاة. وحدث فى القادسية فى العام التالى أن تقدمت جنود رستم (زعم أن عددهم بلغ 120,000 مقاتل كان فريق كبير منهم بلا شك من المشاة المجندين ومن جنود المعسكرات)، فى اليوم الأول للمعركة فى ثلاثين صفًا كل صف وراء الآخر وأمطروا العرب بالسهام. ونزلت بالعرب خسائر كبيرة لأنهم لم يكونوا يتخذون لباسًا أو خوذات لحماية أنفسهم، ومع ذلك فقد ثبتوا لعدوهم واستطاعوا التقدم واستخدموا رماحهم وسيوفهم فى التحامهم بالفرس (الطبرى فى The Cali-: Sir W. Muir phate, its rise, decline and fall, الطبعة الرابعة، إدنبرة سنة 1915, ص 104 وما بعدها؛ The Social struc-: R. Levy ture of Islam، كمبريدج سنة 1957، ص 431 - 432). وباضمحلال سلطة الخلافة المباشرة فى بلاد فارس وقيام الدول التى كادت أن تستقل بأمر نفسها (مثل ما حدث فى القرن الثالث الهجرى الموافق التاسع الميلادى وبعد ذلك) نلاحظ وجود اتجاهين عسكريين لهما دلالة ومغزى، الأول: الاهتمام بسلاح الفرسان الذى زاد بشيوع المماليك من العسكر فى الجيوش التركية ذلك أن هؤلاء الغلمان كانوا من الفرسان الذين يستخدمون سلاح الفيافى وهو القوس؛ والثانى هو أن الجيوش المرتزقة المتعددة الجنسيات أصبحت هى الأمر الشائع، ومن ثم كان القائد الأعلى أو الحاكم يواجه مشكلة سياسة تلك العناصر المتفرقة فى جيشه وتوجيهها فى القتال. ويقول نظام الملك إن محمودا الغزنوى أفاد من هذا الاختلاف فى جنسية الجنود. فقد احتفظ بالقوميات المختلفة من أتراك وجنود وخراسانيين وعرب طوائف جنسية وكان يعسكر بهم على هذا النحو حين كان جيشه يتقدم إلى المعركة. وكانت روح التنافس تحفزهم جميعًا فى ميدان المعركة لبذل أقصى ما يستطيعون من شجاعة وإقدام (سياستنامه، فصل 24). على أنه حدث

فى أكثر من مناسبة أن السلاجقة العظام وجدوا صعوبة فى لم شمل قواتهم فى ميدان المعركة. مثال ذلك أنه وقع سنة 465 هـ (1073 م) أن اضطر ملكشاة إلى الدفاع عن عرشه حيال عمه قاورد الذى كان يمثل مشاعر التركمان المحافظة، ذلك أنه حدث فى الواقعة التى قامت خارج همذان أن انقلبت الجنود التركية لملكشاه على المجندين الأكراد والعرب من جيشه، لأن هؤلاء كان لهم الدور الحاسم فى تحطيم الجناح الأيمن لقاورد والإطاحة به فأثاروا بذلك مشاعر الوحدة التركية بين أتراك السلطان (البندارى: زبدة النصرة، ص 48). على أن الأمر جرى بأنه حيثما كان يتوفر للقائد أو الحاكم قوة يعتمد عليها من الغلمان فإنه كان يستطيع أن يحركها على طول جبهة القتال إلى أى جانب يريد أن يدعمه أو يراقب أحواله (البيهقى تاريخ مسعودى الذى استشهد به Ghazneid military chaznevid . organisation: C. E فى Isl جـ 36، 1 - 2، سنة 1960 ص 47). وكان المغيرون العرب، مثل المغيرين التركمان من أهل الفيافى فى القرون المتأخرة، يرحلون حاملين أخف ما يمكن من متاع، على أن الأمر كان على خلاف ذلك فى بلاد مستقرة كفارس فإن الحركة على نطاق واسع بالنسبة للجنود كانت بالضرورة أمرًا معقدًا. ذلك أن إخضاع القلاع والمدن المسورة كان يتطلب آلات للحصار. فإذا أريد للزراعة أن تنتعش ولجباية الخراج على الأرض أن تتدعم، فإن الجيش لا يستطيع أن ينتظر العيش بعيدا عن الريف فيتطلب منه ذلك حمل مؤونته فى سيره. ثم إن الهيئات غير المحاربة مثل رجال البلاط والحريم ودوائر الإدارة كانت فى الكثير تصحب الجيش فى حملاته. وحين سار محمود الغزنوى سنة 420 هـ (1029 م) لقتال بويهى الرى والجبال فإن حملته بأسرها كانت تشمل، علاوة على المقاتلين، 12,000 جمل تحمل السلاح، و 4000 جمل لحمل الخزائن واللباس والحاجات المنزلية، و 300 فيل لنقل الخيام، و 2000 جواد لحمل الحريم ورجال

البلاط (شبانقارئى: مجمع الأنساب فى التواريخ، مخطوط يكى جامع رقم 909، الأوراق 178 ب - 179 أ). وفى القرن السادس الهجرى (الثانى عشر الميلادى) وفى عهد السلطان محمد بن محمد، حمل الجيش السلوقى معه أيضًا فى مسيرة مستشفى (بيمارستان متنقلا محمولا على 40 جملا (البندارى، ص 136 - 137؛ ابن القفطى: تاريخ الحكماء، طبعة Lippert، ص 404 - 405؛ ابن خلكان، ترجمة de Slane، جـ 2، ص 82 - 83). وطبيعى أن سرعة مثل هذه الجيوش لا يمكن إلا أن تكون بطيئة، وكانت انتصارات المغيرين السلاجقة فى خراسان الذين لم يعنوا بسلاحهم وإن كانوا قد بلغوا من خفة الحركة قدرا عظيمًا، يفسرها إلى حد كبير ما كانوا عليه من مزايا تفوق الجيوش الغزنوية المرتزقة التى كانت ثقيلة لا تقدر على المناورة عليها. وبالإضافة إلى مثل هذه المعوقات، فإن الجيش فى سيره قد يكون فى حاجة إلى أن يحمل معه عدّة يستطيع أن يواجه بها الأنواع المختلفة من الأرض والظروف المتباينة للجو. ففى سنة 430 هـ (1039 م) طلب مسعود الأول الغزنوى من قصبة ملكه عدة تناسب القتال فى الفيافى والصحراء (آلت جنك بيابان) حتى تستطيع قواته فى خراسان أن تلاقى التركمان على قدم المساواة (البيهقى، طبعة غنى وفياض، طهران سنة 1324 هـ = 1945 م، ص 588). وكانت دواب الحمل تستخدم لتمهيد الطرق فى الثلج أو يستخدم فى ذلك الفلاحون سخرة للقيام بهذا العمل. وللحماية من المطر ذكر أن الجنود الغزنويين كانوا يرتدون معاطف من القطن المزيّت (بارانيهاى كرباسان؛ البيهقى، ص 134، 534). ومن ثم فإنه إذا كان الجيش يغير فى خارج ما تعود عليه فى بلاده، وجب أن توفر له الظروف المحلية حتى يستطيع أن يقاتل بأعلى درجة من الكفاية. وتلاحظ المصادر فى كثير من الأحيان أثر الجو الرطب لساحل بحر الخزر الذى جعل الأسلحة تصدأ، كما أن النبالة الأتراك لبجكم قائد ابن رائق نزلت بهم سنة 326 هـ (938 م) هزيمة منكرة فى خراسان على يد معز الدولة البويهى، ذلك أن المطر المستمر قد أتلف

أوتار أقواسهم (ابن الأثير، جـ 8، ص 254 - 255). وكان سلب الأرياف على يد الجيش المار بها عادة متأصلة فى بلاد فارس (انظر L'Iran sous les Sas-: Christensen sanides -: الطبعة الثانية، ص 213، عن الحركات الحربية للجنود الساسانيين فى الأرض ذات الحر اللافح). وقد اكتسب بعض الجنود والقواد بصفة خاصة صيتًا قبيحًا لإمعانهم فى نهب السكان المدنيين واشتطاطهم فى ذلك مثل ديلم مرداويج بن زيار (المسعودى: مروج الذهب، جـ 9، ص 22 - 24) وتركمان خوارزمشاه علاء الدين محمد (وكثير منهم كانوا قد أقبلوا لتوهم من فيافى القفجاق وكانوا بعد على الوثنية). وقد قطع قائد غزنوى فى خراسان جميع أشجار الفستق فى واحة بيهق وبعث ببعض جذوع هذه الأشجار لغزنة ليوقدوا بها (تاريخ بيهق، ص 273). واشتهر قواد آخرون بسمعة حسنة فى النظام الذى فرضوه على جنودهم فى مسيرهم مثل يعقوب ابن الليث (مروج الذهب، جـ 8، ص 46 وما بعدها). قد اعترف بأن المسلك العنيف كان من حيث الأخلاق لا يمكن الدفاع عنه كما كان ينافى ما أمرت به الشريعة، ولكنه كان فى بعض الأحيان يلتمس له العذر حين تقتضيه الضرورة (انظر العذر الذى أبداه سليمان بن قتلمش لتخريبه إقليم حلب سنة 477 هـ = 1084 - 1085 م، فى ابن الأثير، جـ 10، ص 90). وقد حدث مرارًا، أن السكان المدنيين لإقليم بأسره كانوا يسحبون منه فى حالة جيش متقدم كما فعل علاء الدين محمد فى وادى سيحون عندما كان المغول يقتربون (انظر المصدر نفسه، جـ 12، ص 179). وكان قائد الجيش المتقدم لا مناص له من أن يضع خطته مدخلا فى حسابه اعتبارات من قبيل توفر المؤن، وتدعيم مواصلاته، وطبيعة الأرض، والظروف الطبيعية التى قد يواجهها حين يخوض المعركة. وكثيرًا ما كان فى الإمكان ببلاد فيها منشآت مائية كفارس، أن تحول الأنهار وقنوات الرى بحيث تغمر الأرض فى وجه عدو يقترب، مثال ذلك

أنه حدث سنة 459 هـ (1064 م) أن قتلمش بن أرسلان إسرائيل انتقض على ألب أرسلان، فاعتكف فى الرى وجعل الطرق الموصلة إليها لا يمكن المرور فيها بتحويل الماء بحيث يغمر البطائح السبخة حتى يصب فى الوديان (ابن الأثير، جـ 10، ص 23 - 24). ولكن الأرض المأثورة الصالحة لهذا الفن من الحركات الحربية كانت هى خوارزم، ذلك أن الجيش الذى يتقدم شمالا بغرب على طول نهر جيحون يمكن إيقافه بفيضان شبكة الرى البالغة التعقيد فى هذا الإقليم (انظر عن الشواهد المستقاة من القرن السادس الهجرى الموافق الثانى عشر الميلادى: Barthold: Turkestan ص 154، 325، 337، 339، 349). ومهما يكن من شئ فإن مثل هذا القرار بغمر الأرض بالمياه قد يؤثر على الجانبين المتحاربين جميعًا. فحين واجه علاء الدين حسين الغورى سنجر عند ناب فى وادى هرى رود سنة 547 هـ - (1152 م) قرر علاء الدين أن يغمر مؤخرته بالمياه حتى يمنع جنوده من الاستسلام، وقد انقلبت هذه المناورة عليه انقلابًا سيئًا نكبه، ذلك أن الجنود الأتراك فى الجيش الغورى تخلوا عن السلاجقة، وردّ الغورية إلى الأراضى المغمورة بالمياه والبطائح (الجوزجانى: طبقات ناصرى، ترجمة Raverty، ص 358 - 360). وكان الجيش حين يتوقف وتهيأ للمعركة يقيم حراسًا ويبعث بكشافة تستكشف له الأرض ومواقع العدو (فخر مدبّر آداب الملوك، فصل 20؛ وانظر عن هذا المرجع المصادر). ويقول فخر إن "العارض" أى رأس الفرع العسكرى من الحكومة، يفتش حينئذ الجيش كله، من الضباط إلى من دونهم، كما يفتش أسلحتهم وركائبهم، ثم يرى إن كانوا صالحين لخوض المعركة. وكان القواد يوجهون النصح إلى الجنود، ويعدونهم فى كثير من الأحيان بالعطايا الخاصة لكل من يبدى ضروبًا من الشجاعة الفائقة (انظر Bosworth فى IsI.، جـ 36/ 1 - 2. ص 69 - 70، 74). وإذا كان العدو من الكفار أمكن إثارة الحماسة الدينية، وقد أفرد فخر مدبر فصلا عن "لشكر صالح" أى

أولئك الذين يؤيدون الجنود بدعواتهم وشفاعتهم) (انظر فصل 34)، وفى أثناء حملة ألب أرسلان فى الأناضول سنة 463 هـ (1071 م) وضع الخليفة القائم دعوات خاصة من أجل الجنود المسلمين، وأرسلت نسخ منها إلى "الخطباء" الملحقين بالجيش السلجوقى، وقد تليت الدعوات قبل معركة ملازكرد (حسينى: أخبار الدولة السلجوقية، ص 47 - 48، La Campagne de: Cahen -Mantzikert d'apres les Sources musul manes فى Byzantion، جـ 9، سنة 1934، ص 633). وكانت الجيوش التى شنت الحملة على الروم والكرج فى شرقى الأناضول وعلى القوقاس تضم فى العادة عناصر دينية للتسوية بينها فى هذا المقام وبين "الغزاة" الذين لم يكتفوا بحث الجنود على القتال بل كانوا أيضًا يشتركون فى الممعمعة. وفى حلف سنة 570 هـ (1174 - 1175 م) الذى أقامه الحكام المسلمون لشمالى آسية ضد الكرج خصصت أم السلطان السلجوقى أرسلان بن طغرل جماعة من عشرة من رجال الدين لهذا الغرض برئاسة إمام همذان، ولما تراخى الجنود المسلمون قاد الإمام جماعته ودخل بها القتال فى هجوم عنيف حين نجى الإسلام فى هذا اليوم (الراوندى: راحة الصدور، ص 299 - 300). وفى عصر ساده الاعتقاد بسلطان النجوم على شئون البشر سيادة تامة، أصبح القرار بالدخول فى المعركة يقوم على مثل هذه الأسس غير العقلية مثل تنبؤ منجم القائد الشخصى، وهو شخص مهم فى حاشيته (ابن الأثير، جـ 29، ص 328). وكانت السنة العربية القديمة التى تقتضى قيام مبارزات شخصية بين أبطال كل جيش قبل أن تعطى الإشارة بالاشتباك فى القتال شائعة لم تزل، وقد أفرد مدبّر فصلا بعنوان "المبارزات" (فصل 27). وكانت نتيجة هذه المبارزات خليقة بأن تؤثر فى الروح المعنوية للجيشين المترقبين للقتال، ومن ثم تؤثر فى القتال الذى يتلو ذلك. والذى حدث فى المعركة الثالثة التى دارت بين المتنافسين السلجوقيين بركيارق ومحمد عند روذروار سنة 495 هـ (1102 م) أن المبارزات الشخصية التى

دارت لم تسفر عن نتيجة حاسمة، ومن ثم انفض الاشتباك بين الجيشين ودبر أمر الصلح (ابن الأثير جـ 10، ص 224 - 227). ونحن ننتقل الآن إلى ترتيب الجنود فى ميدان المعركة نفسه. لقد كان قواد الفرس فى الجاهلية ينشرون جنودهم صفوفًا طويلة متراصة، وهنالك يتقدمون لملاقاة العدو (كما وقع فى معركة القادسية، انظر ما سبق بيانه)، ولكن ذلك قد عدّل عادة بتقسيم الجنود إلى جماعات مقاتلة. ونشأ عن هذا التشكيل القديم "تعبئة" من خمسة أقسام، سماها فخر مدبّر "الطريقة الفارسية" التى جرى عليها الساسانيون تمييزا لها من الطريقة التركية. وقد استخدمت الطريقة الفارسية بالنسبة للجيش فى سيره وفى ترتيبه للمعركة ما دامت الأرض مستوية إلى حد معقول أو مكشوفة فى حالة الترتيب للمعركة. وكانت هذه الطريقة تشمل "مقدمة" و"ميسرة" و "قلبا" و"ميمنة" و"ساقة" أو "خليفة" وتشمل الاحتياطى، وكان قوام الجيش كله تسبقه مسيرة ستار من الكشافة (الطلائع).، يقول فخر مدبّر إن القائد المتولى المعركة يجب أن يضع نبّالته على ميسرته، وحملة الحراب على ميمنته، وحملة الأقواس والهراوات والسيوف والبلط فى القلب، ويجب أن يبدأ القتال بتحرك الميسرة إلى الأمام يتبعها القلب والميمنة (فصل 24). وتزودنا المصادر التاريخية بشواهد وافرة على استخدام التشكيل الخماسى، ولو أن "المقدمة" حين تشتبك الجيوش بالفعل، ترتد لتندمج فى الكتل الثلاث المكونة للصف الأمامى. وحين هزم محمود الغزنوى سنة 389 هـ (969 م) الأمير الساسانى أبا الفوارس عبد الملك وأمراءه عند مرو، تولى السلطان محمود نفسه قلب جيشه فى عشرة آلاف فارس و 70 فيلا، وتولى أخوه أبو المظفر نصر ميمنة الجيش فى عشرة آلاف فارس و 30 فيلا، وتولى القواد السابقون لأبيه سبكتكين الميسرة فى اثنى عشر ألف فارس وأربعين فيلا (هلال الصابى فى - of the Abbas Eclipse id Caliphate, جـ 3، ص 342 - 343؛

الترجمة، جـ 6، ص 367 - 368). وفى سنة 526 هـ (1131 م) واجه مسعود بن محمود السلجوقى وأخوه سلجوق شاه سنجرَ وتابعه تغرل بن محمد فى دينور. وقد استخدم الطرفان هذا التشكيل وسار سنجر على منوال محمود الغزنوى فأقام ستارًا، من الفيلة أمام صفوفه. وتولى مسعود بن محمد بشخصه قلب الجيش ووضع على مسيرته الأميرين قراجه ساقى وقزل، وعلى ميمنته الأميرين يُرُنْقُش بازدار ويوسف جاووش. وواجه سنجر محمودا فتولى قيادة قلب جيشه فى عشرة آلاف من جنوده، وتولى ميسرته ابن أخيه تغرل والأمير قماج وقائد آخر هو أمير أميران. وتولى ميمنته خوارزمشاه أتسز والقواد الآخرون. وهُزم جيش مسعود بحركة كثيرًا، ما مورست فى مثل هذه الظروف وهى تذكرنا بحركة التطويق القديمة التى استخدمها بمثل هذا النجاح هانيبال فى قتاله الرومان عند كاناى. واخترق قراجه ساقى قلب سنجر، ولكن تغرل وأتسز ارتدا من الجناحين وطوقا قوات قراجه وأباداها (ابن الأثير، جـ 10 ص 476). على أنه كان من المستحيل فى المعركة أن يرد جناح جيش من الجيشين الجناح الذى يلاقيه حتى ينتهى الأمر بتشكيل دائرى. وقد حدث هذا فى الاشتباك الأول بين خوارزمشاه علاء الدين محمد وابنه جلال الدين وبين جوجى المغولى. وكان المنفذ الوحيد من هذا الأزق بالنسبة للمغول هو أن يقوموا بهجوم على قلب الجيش، ولكن جلال الدين ثبت فى القتال، وانفض اشتباك الجيشين حين حل الليل (الجوزجانى، الترجمة ص 268 - 270؛ وانظر نماذج أخرى من هذا النمط من المعارك فى - Djuwayni Boyle، ص 351 - 352، 360) وكان استخدام الفيلة فى إقامة ستار أمام الصفوف الأمامية من التعبئة محببا بصفة خاصة لدى دول من قبيل الغزنويين والسلاجقة والغورية. على أنه كانت وسائل أخرى تستخدم فى حماية الخط الأمامى. وفى معركة باجِمْزَى بالقرب من بغداد التى دارت سنة 549 هـ (1154 م) بين الخليفة المتوكل وبين جيش تركى يقوده أمير

مسعود بلالى، كان فى جيش أمير مسعود عدد كبير من التركمان بخيامهم وقطعانهم وعائلاتهم وغير ذلك من المتاع. وكان الأمراء الترك يضعون هذه الآلاف من الجياد والأغنام أمام صفوفهم الأمامية متخذين إياها حاجزًا ويصفّون الجنود المسلحين خلفها. ومع ذلك فقد اخترقت جنود الخلافة هذه الصفوف (البندارى، ص 236 - 239). وفى القتال المضطرب، حين تكون الجنود محتشدة ملتحمة، كان علم الجيش مهما من حيث هو محور لمّ الشعث. وفى عهد الغزنويين والسلاجقة كان منصب حامل العلم (علم دار) يسند عادة إلى "غلام" مؤتمن. وكان الاستيلاء على علم جيش أثر فى الجنود يثبط عزائمهم، وقد يقرر ذلك نتيجة المعركة. ولما كان الأمير الخوارزمى قطب الدين بن تكش (عرف من بعد بعلاء الدين محمد) يشن حملة على الإسماعيلية فى قوهستان تدلى علمه على نحو غامض واختطف، وقد عد هذا فألا سيئا وعقد الأمير صلحًا وسحب قواته (Djuwayni-Boyle، ص 315). وكان التلويح بالعلم ثم استخدام الطبول والأبواق من أهم الوسائل التى يستطيع بها القائد أن ينقل تعليماته إلى جزء قاص من ميدان المعركة (انظر آداب الملوك، فصل 28) وكان قواد الغزنويين يعانون على توجيه القتال بتزويدهم فى كثير من الأحيان بفيلة يستخدمونها ميزة على عدوهم (البيهقى، ص 483). ويرى فخر مدبّر أن استخدام الكمائن والهجمات السرية تشن فى أوقات تنعدم فيها الحراسة مثل قيلولة الظهيرة وباكورة الصباح حين يكون الحراس يتبادلون الخدمة، من أهم وجوه فن الحرب (الفصل 22). وكانت الحركات البدوية القديمة التى تقوم على الإغارة المأثورة عن عرب الصحراء والبدو والأتراك، فى هجمة عنيفة، أو التظاهر بالارتداد والعودة إلى الهجوم مما جرت الحال بتسميته بالكر والفر، كانت هذه الحركات مما يستطاع استخدامه فى بعض الظروف. وقد استخدمه الزعماء المحليون بطبرستان بنجاح فى غزو الغزنويين سنة 426

هـ (1035 م؛ انظر البيهقى، ص 458). وقد نجح ألب أرسلان فى معركة ملازجرد فى أن يستدرج الروم إلى كمين بتظاهره بالارتداد (Cahen فى Byzantion, جـ 9 ص 634 - 635). ووجد جلال خوارزمشاه فى معركة خارج بغداد خاضها سنة 621 هـ (1224 م) أن عدد جنوده قليل، فأقام سرية من الرجال فى كمين وشن هجمتين أو ثلاثا على قشتمر قائد الخليفة، ثم تظاهر بالارتداد ثم عاود الهجوم (Djuwayni-Boyle، ص 422 - 423). ويقال إن سبكتكين، فى الحملات الهندية، استخدم طريقة الهجمات المتلاحقة، فقد قسم غلمانه، الذين كانوا مسلحين بالهراوات والأقواس، جماعات من 500 مقاتل، وكانت كل جماعة تقاتل بدورها، ثم ترتد لتسمح لجماعة أخرى بالتقدم (عتبى - منينى: يمينى، جـ 1، ص 85 - 86). وعلى حين أفادت مرونة الفرسان إفادة كبيرة فى الميادين المكشوفة حيث تنتشر القوات المتعادية فى جبهة عريضة، فإن المشادة تعود فى كثير من الأحوال إلى طبيعتها فى الأرض الوعرة المخددة أو حين يتلاحم الجيشان وتضطرب الصفوف. وقد اشتهر الديلم بأنهم مشاة أشداء، وكانوا فى بعض الأحيان يمتطون الجمال أو البغال ويندفعون إلى ساحة المعركة. وفى معركة وقعت سنة 322 هـ (934 م). حين كان ياقوت واليا على فارس، ترجل ديلم على بن بويه وتقدموا لملاقاة العدو يحميهم من خلفهم سور من الدروع المتينة واستخدموا من ثم أسلحتهم المأثورة "الروبين"، وهو حربة ذات شعبة كان من الممكن استخدامها فى الاختراق أو فى الرمى، وبلطة الميدان (مسكويه وهلال الصابئ فى of the `Abbasid Caliphate Eclipse، جـ 1، ص 297 - 298؛ جـ 3، ص 423؛ الترجمة، جـ 4، ص 336 - 337؛ 449). وكذلك كان للغزنويين قوة ثابتة من مشاة القصر البارعين (بياده كان در كاهى) تحملهم جمال سريعة إلى ميادين الحرب البعيدة ثم يترجلون للقتال (البيهقى، ص 603 - 604). وقد حدث سنة 501 هـ

(1107 - 1108 م) أن التقى السلطان السلجوقى محمد ابن ملكشاه بـ "ملك العرب" المزيدى سيف الدولة صدقة، فوجد أن الأرض عند النعمانية بين بغداد وواسط كانت من التبطح بحيث تحول دون المناورة بالجياد، ولذلك ترجل أتراك السلطان محمد وقاتلوا على أقدامهم (حسينى، ص 80). وكان غورية أواسط أفغانستان مثل الديلم، جنسا من أهل الجبال اشتهروا بأنهم مشاة مهرة. وقد ذكر الجوزجانى حركة حربية اختصوا بها، وهى استعمال الـ "كارْوَه" - وهو ستار حام من جلد البقر مبطن بالقطن - وكان هذا الستار يوضع فوق الأكتاف ويصبح وقاء للجنود المتقدمين (طبقات ناصرى، الترجمة، ص 352 - 353؛ ويقول رافرتى Raverty إن الكاروه كانت تستعمل فى أفغانستان حتى إدخال الأسلحة النارية). ولما كانت بلاد فارس أرضًا تسودها الأنهار المنعزلة، فقد قل من هذه الأنهار ما كان يجرى ماؤه طوال السنة، ومن ثم قلما تذكر المصادر عمليات حربية برمائية. وكان نهر جيحون غير صالح للملاحة على نطاق واسع، ولهذا كانت الجيوش التى تهاجم خوارزم تسير بمحاذاة ضفافه أكثر مما تركب متنه. وإنما نسمع عن حرب نهرية واسعة على حافة العالم الفارسى فى وادى السند. ففى سنة 418 هـ (1027 م) قاد محمود الغزنوى حملة على الجاط الوثنيين فى إقليم الوادى الأسفل للسند مستخدما ألفًا وأربعمائة سفينة مسلحة بالدواسر والمسامير وتحمل المشاة. ولما نشبت المعركة نطح الجنود المسلمون سفن الجاط ورموهم بالنفط، وأجهز الجنود المنتظرون على ضفاف النهر على كل من نجا منهم من الغرق (الكرديزى: زين الأخبار طبعة ناظم، برلين سنة 1928، 88 - 89؛ M. The life and times of Sultan: Nazim Ghazna Mahmud of, كمبريدج، سنة 1931، ص 121 - 122). وتقاليد الحرب تشمل سكان الديار إذ يجب أن يؤمنوا بلا مقابل وألا يقتل أسرى الحرب أو تساء معاملتهم (آداب الملوك، الفصل 34) ولذلك فقد جرت المصادر على ذكر المخالفات لهذه

التقاليد، كما حدث فى كرمان أيام أرسلان شاه ابن تغرل شاه السلجوقى المتوفى سنة 572 هـ (1176 - 1177 م) حين قتل جنوده وغلمانه غير ذوى الخبرة، أسرى من جيش غاز (محمد بن إبراهيم: تاريخ سلجوقيان كرمان، ص 46). على أنه لم يكن يعد خروجًا على الأخلاق التخفى فى الزى المأثور للعدو، فقد ورد أن الخوارزمشاه علاء الدين محمد كان مغرمًا بالحركة الحربية التى تقضى بأن يكتسى فى المعركة باللباس الذى يتميز به العدو ليشيع الاضطراب فى صفوفه (Djuwayni-Boyle، ص 352). وبعد المعركة يوزع الجيش المنتصر الغنيمة وفى غياب الحاكم نفسه، يشرف "العارض" على هذا الأمر فى كثير من الأحيان، ويخرج الخمس الذى يستحقه الحاكم هو وبقية الأشياء التى يحتفظ بها له مثل المعادن الثمينة والأسلحة والفيلة. ثم يقسم الباقى بين المقاتلين، وليس بين المعسكر التابع كما يقول كتاب آداب الملوك (الفصل 32)؛ وانظر Bosworth فى. IsI، جـ 36/ 1 - 2، ص 2 - 74). وقد استحدث المغول والتيمورية فى العالم الفارسى طرائق حربية جديدة. وفى أيام عزهم وسيادتهم (أى ما بين القرنين السابع والتاسع الهجريين الموافقين لما بين القرنين الثالث عشر والخامس عشر الميلاديين) خملت إلى حين الأصول الفنية القديمة للحرب التى كانت تعتمد فى الجوهر على بطء الحركة والجيوش المرتزقة الثقيلة التسليح. وعادت هذه الأصول إلى الظهور فى عهد الصفويين وأخلافهم ولكنها آنئذ قد طورت بإدخال الأسلحة النارية. وكانت الجيوش المغولية فى الأغلب الأعم من الفرسان مع القوس سلاحًا أساسيًا. ومن ثم فإن هذه الجيوش قد ذكرها المؤرخون العسكريون مظهرين أن الفرسان لا يحتاجون إلى الاعتماد على قاعدة ثابتة من المشاة كما كان الأمر يجرى فى الأزمنة الأقدم فى العالم القديم وعالم الشرق الأدنى (انظر The: D. Martin Journal of the Roy. As في Mongol Army Soc.، سنة 1943, ص 49).

وكان القواد من قبيل جنكيز خان وتيمور يخططون بعناية لعملياتهم الحربية قبل أن يشنوا حملة من الحملات، وهذه العناية بالتخطيط وبالتفصيلات تعطى المرء انطباعًا بارزًا بالحداثة بالقياس إلى طرائق الغزاة والقواد القدامى التى هى أدخل فى التجربة والعشوائية، ذلك أنهم كانوا يبعثون بالجواسيس، وقد حصل جنكيز خان فى الحملة المنشورية سنة 1211 والحملة الخوارزمية سنة 616 هـ (1219 م) على معلومات عن الأحوال المحلية لهذين القطرين من التجار وغيرهم ممن خبروا هذه البلاد. ويقول سيفى هروى إن جنكيز خان كان لديه خرائط لأفغانستان أعدت له، وكذلك يذكر ابن عربشاه أن تيمور كان يهتم بالخرائط. وبمثل هذه الوسائل استطاع جنكيز أن يعرف طبيعة أرض سجستان وبلوجستان وأن ينفذ إليهما أقل قوة كافية تحت إمرة ابنه جغتاى ليبلو جلال الدين خوارزمشاه فى عودته من الهند ويقطع عليه الطريق (ا. ز، وطوغان: أممى. تورك تاريخنه كيريش، إستانبول سنة 1946. ص 109 - 110، 425). وكذلك أشاع المغول الشائعات حول ضخامة قواتهم وبعثوا بعملاء سريين لنشر الفرقة والخيانة. وكانوا فى ميدان المعركة يستعملون الأسرى لتضخيم العدد الظاهر لجنودهم، بل لقد استخدموا دمى على متون الخيل (Martin: الكتاب المذكور، ص 59). ولا شك أن هذه الحيل قد أسهمت فى التضخيم الظاهرى لأعداد الجيوش المغولية فيما ذكرته عنها المصادر. وكان التشكيل الأساسى للجيش المغولى ثلاثيًا يشمل قلبا (حيث يكون فى العادة الحرس الخاص للخان من صفوة المقاتلين "بأتُر" وجناحين يمكن للمقاتلة فى كل منهما أن يكونوا وحدات عسكرية مستقلة. وكان المغول يدخلون أرضًا جديدة فى طوابير يفصل بعضها عن بعض مسافة طويلة مع ستر من الكشافة والرسل لحفظ الاتصال بالطوابير الأخرى. وقد جرى جنكيز خان على محاولة إنزال الهزيمة بالعدو فى معركة شاملة قبل التوغل قدمًا فى أرض يجهلها، وكان عدوه خوارزمشاه

علاء الدين محمد يحاول بكل الوسائل الممكنة أن يتجنب الاشتباك فى مثل هذه المعركة مجبرا المغول على الاستيلاء على ريف ما وراء النهر، وبذلك تعزل بخارى وسمرقند. وكانت خيالة المغول الخفيفة فى ميدان المعركة تركض قدما ممطرة عدوها بالسهام على حين يبدأ جناح أو جناحان فى تطويق أجناب الجيش المعادى أو مؤخرته. وكان الخيالة فى بعض الأحيان يترجلون حتى يستطيعوا أن يرموا بسهامهم فى إحكام وتركيز كما فعلت جنود غازان خان فى معركة سنة 699 هـ (1299 م) مع المماليك فى مجمع المروج قرب سَلَمْيَة فى الشام. ومع كل فإن المفاجأة كانت سمة كبرى فى استراتيجية المغول وتكتيكهم. وكانوا يؤثرون كل الإيثار الحيل التى من قبيل التظاهر بالانسحاب. وقد أثبتت هذه الخطة نجاحًا فى كثير من المناسبات المشهورة، وكان المغول أيضًا يطاردون الفارين بلا رحمة ولا شفقة، ليحولوا دون معاودة القوات المنهزمة جمع شتاتها ولما هزم المغول المماليك الهزيمة التى أسلفنا ذكرها ظهر المغول موغلين فى الجنوب حتى بيت المقدس وغزّة (Martin: الكتاب المذكور، ص 59 - 76). وفى الميدان العسكرى كما فى غيره من الميادين، ترك المغول والتيمورية أثرًا باقيًا فى العالم الفارسى، وليس بعجيب إذن أن نجد الجيش الأوزبكى لشيبانى خان الذى كان بابر فى الأصل من بين صفوفه، ظل يتبع الطريقة المغولية فى التعبئة للمعركة مع الإبقاء على ما ورثه من مواقع فى المعركة، ووضع أكثر الجنود ثقة وأمانة فى طرفى الجناحين (بابر نامه، ترجمة Beveridge، ص 154 - 155). وكان جيش دولة الآق قويونلى التركمانية مقسما على النمط التركى المغولى أقسامًا ثلاثة هى القلب (عند المغول "منقلاى" أى الجبهة) وميسرة (صول) وميمنة (صاغ؛ انظر A Civil and military Review in: Minorsky 1476 - 881 Fars in فى Bulletin of the School of Oriental Studies جـ 10، سنة 1939 - 1942، ص 154 وما بعدها). فلما ظهر الصفويون برزت المدفعية والأسلحة النارية وأحدثت تغييرًا جوهريا فى فن الحرب.

المصادر

المصادر: علاوة على ما ذكر فى صلب المادة تجد أنه ليس بين أيدينا إلا دراسة منهجية قليلة عن التاريخ العسكرى لبلاد فارس فى القرون الوسطى (1) وقد درس Bosworth بعض الوجوه الاستراتيجية والتكتيكية فى قتال الغزنويين والسلاجقة، وذلك فى بحثه: The Ghaznavids: their empire in Afghaatan and eastern Iran 994 - 1040 إدنبرة سنة 1963, ص 241 وما بعدها. (2) وثمة دراسة لمعركة دندانقان تعتمد على أخبار البيهقى فى. N .B Zakhoder: فى - Ruskiy Istorichesky Zhur nat سنة 1943, الترجمة التركية قى بلتن، جـ 18، سنة 1954، ص 581 - 587. (3) وثمة استعراض عام لفن الحرب فى بلاد فارس حتى مجئ السلاجقة كتبه Spuler فى بحثه Iran frueh-islamischer Zeit, ص 494 - 499. (4) وذكر سبولر فى مصادر هذا البحث (رقم 365 و 366) كتابين عامين فى التاريخ العسكرى لفارس هما: ج. فوزانلو: تاريخ نطاميه إيران، طهران سنة 1310 هـ = 1932؛ وغ. ح. مقتدر: تاريخ نظامى إيران، طهران سنة 1319 هـ = 1940. (5) وقد جذب المغول الجنودُ العناية أكثر؛ انظر Die Mongolen in: Spuler Iran: الطبعة الثانية، ص 413 - 416. (6) The Mongol Army: D. Martin فى Journ of the Roy. As. Society، سنة 1943، ص 46 - 58 (ومقال الكاتب نفسه بعنوان - first inva Chingiz Khan's tion of the China empire المجلة نفسها، ص 216، يصور الاستراتيجية والتكنيك عند المغول، ولكن من غير نص فارسى. (7) ولا تزال ملاحظات كاترمير Quatremere على كتابه - Histoire des Mon gols de la Perse جـ 1، باريس سنة 1836 تشمل مادة قيمة عن فن الحرب فى تلك الحقبة. (8) أما كتب مرآة الأمراء الفارسية،

(6) الهند

فانظر عنها الفصلين 20 و 41 من قابوس نامه لكيكاوس، ولكن مما له قيمة بارزة "آداب الملوك وكفاية المملوك" أو "آداب الحرب والشجاعة" لفخر مدبّر مباركشاه، كتبه فى عهد السلطان أيلتمش صاحب دلهى فى مستهل القرن السابع الهجرى الموافق الثالث عشر الميلادى؛ والجزء الأكبر يتناول بخاصة فن الحرب، ويظهر أنه يعتمد فى معلوماته أولا على ما درج عليه الغزنويون والغوريون (انظر عنه Fresh light on the Ghaznav- I. M. Shafi ids فى مجلة Islamic Culture, جـ 12، سنة 938، ص 189 - 234؛ - Bos Early Sources for the history of the worth first four Ghaznavid Sultans (977 - 1041 في The Islamic Quarterly، جـ 7، سنة 1963، ص 16. (9) وقد انتفع Cl. Cahen بمادة منه فى الملحق الذى كتبه عن أسلحة الغوريين فى - Un traite d'armurerie Cam pose pour Saladin فى Or .. BET فى، سنة 1947 - 1948، ص 160 - 162. خورشيد [بوزورث C. E. Bosworth] (6) الهند 1 - كلمة عامة: كان الجيش فى الهند موزعًا على عدة أماكن من أملاك الحاكم بحسب قيمه هذه الأماكن الاستراتيجية حتى يمكن تجنب مصاعب النقل، مثال ذلك أن ولايات الحدود الشمالية الغربية التى هددتها فى جميع الأحوال غارات المغول، كانت دائمًا مزودة بجنود ذوى خبرة تحت إمرة قواد مقتدرين موالين فى عصر سلطنة دلهى. وكان الجيش الرئيسى مركزا فى القصبة، أو فى مدينة أو معسكر يقيم فيه الحاكم، مع فصائل وحاميات فى كثير من قواعد الولايات تحت إمره "كوتوالات". وكان نظام الحاميات، الذى ورثه السلاطين الهنود فيما يظهر من العباسيين عن طريق الغزنويين مرعيا كل المراعاة فى جميع الأحوال، وكان كثير من الحكام يعلقون أهمية كبيرة على إبقاء القلاع القديمة فى حالة إصلاح دائم. كما يقيمون قلاعًا جديدة كلما اتسعت أملاكهم مهيئين لها بهيئة تستوعب المدفعية حين توفر هذا السلاح وعندما كانت الحاجة

تدعو إلى الحرب اقتضى الأمر أن تكون المحاولات الأولى لمواجهة الموقف على يد الجنود المحليين، فإذا كان هؤلاء لا يفون بالغرض، استدعيت الأمداد من المناطق المجاورة قبل أن يطلب العون من قصبة البلاد. وكان قوام قوات القصبة (حشم قلب) الفرسان المجهزين جيدًا بالسلاح الممطين صهوة جياد عربية أو تركمانية. وكان هذا الفرع من فروع الجيش بطبيعة الحال متحركا كل التحرك ويمكن إنفاذه فى يسر إلى أى جزء قصى من ممتلكات البلاد، على الفرعين الآخرين المقاتلين كانا هما الفيلة والمشاة، وهما أقل حركة؛ وكانت الفيلة يحتفظ بها فى القصبة خاصة، ذلك أن امتلاكها كان ميزة يختص بها السلطان. وكان أى سلطان لا يسمح بأن تتحرك الفيلة فى أى بلد بعيد عن القصبة، حيث كان يمكن استخدامها ضده فى حالة وقوع تمرد أو عصيان. أما المشاة الذين يحتفظ بهم فى القصبة فكانوا يستخدمون حرسًا كما يستخدمون فى الدفاع المحلى. وقد أثنى ضياء الدين البرنى على براعتهم فى استعمال القوس، وهو يذكر أن خيرة المشاة (البايك) يأتون من البنغال. ومن الواضح أن المشاة لم يكن من الميسور نقلهم على التو إلى الحملات البعيدة، ولو أنهم كانوا يستطيعون فى الحملات الكبرى أن يسيروا فى ركاب المتاع الذى يحرسونه باستمرار. ولكن ثمة نوعًا من المشاة (بايك با آسب) يذكر والظاهر أنه كان يزود بالجياد التى تقدمها الحكومة. وكانت المشاة فى الحملات القاصية يمكن التزود بها من الجنود المحليين الذين جندوا محليا أو من الجنود الذين يقدمهم الحكام الإقطاعيون. وكذلك كانت تتخذ الترتيبات المحلية اللازمة لتيسير مرور الجيش فى خط مسيره. 2 - الجيش فى مسيره: كانت الجيوش تبدأ السير فى لحظة ميمونة الطالع يحددها المنجمون، وكان الحكام والقواد والجنود قبل مسير الجيش يزورون الأولياء والأضرحة طلبًا للحماية والبركة، ولا شك أن الأولياء كانوا يسمون "لشكر دعاء"، وكان الجيش يسير فى مقدمته طليعة بما فيهم الكشافة وحملة العلم والموسيقيون

(وكانت العناية تنصرف إلى الناحية المظهرية، انظر أمير خسرو: خزائن الفتوح، عليكره سنة 1927، ص 101 - 102؛ شمس سراج عفيف: تاريخ فيروز شاهى، المكتبة الهندية، سنة 1890، ص 369 - 370)، وضباط إدارة التعيينات الذين يوكل إليهم توفير الزاد على طول الطريق، وينتقل السلطان فى قلب الجيش ويصحبه فى الحملات الكبرى العلماء والحريم، وهى سنة استمر فى اتباعها المغل، وكان المعسكر المغلى أيام همايون يبلغ فى اتساعه مبلغ المدينة المصغرة تنتقل من مكان إلى مكان، على حين كانت مسيرة الجيش مع أيام أورنكريب قد أصبحت بطيئة كل البطء، بما فيها من مدفعية ثقيلة، وركب المتاع، وخزانة السلطان محمولة على مئات الجمال، والماء العذب اللازم لبلاط السلطان (وكانت مياه نهر الكنك تفضل على غيرها والمطبخ السلطانى والمؤن، والأردية السلطانية، والهدايا التى ينعم بها على الشخصيات الديبلوماسية، والمضارب السلطانية وغير ذلك من مستلزمات المعسكر، وكذلك عدة الحرب، وهى علاوة على عُدة القذائف تشمل الألغام التى تستعمل فى الحصار والأسلحة التى تزود القذائف ويستبدل بها التالف منها (زّرادخانه؛ انظر ابو الفضل البيهقى: تاريخ، المكتبة الهندية، سنة 1862, ص 6) والأسلحة السلطانية (قورخانا). ويصحب مسيرة الجيش أيضًا عدد كبير من خدم السلطان وغيرهم من الخدم الآخرين. ويوفر النقل ببقر الجر والجمال والسياسى والفيلة، وكانت الفيلة تستعمل أيضًا فى عبور الأنهار بخوضها فى المياة الضحلة، أو بقطع قوة التيار فى المياه العميقة لتمكين الجنود من العبور (عفيف: الكتاب المذكور، ص 111). على أنه كانت تستعمل كذلك الجسور العائمة والقوارب النهرية إذا تيسرت (حيثما تيسرت فى أملاك السلاطان، انظر أهل الله مشتاقى: واقعات مشتاقى، إضافات المتحف البريطانى رقم 11633، ورقة 49 ظهر)، وقد استخدمت أيضًا قوة كبيرة من الحطابين كما فعل إسلام شاه سور فى قتاله مع همايون (عبد

الله: تاريخ داودى، القسم الشرقى من المتحف البريطانى، رقم 197، ورقة 114 ظهر) كل أولئك كان يستخدم فى عبور الأنهار كذلك. وكانت المخازن متوفرة للجيش فى مسيرته فى نطاق الحدود من مختلف أجزاء الولايات ومن الزعماء الذين يؤدون الجزية الذين كانوا يظهرون ولاءهم بإهداء الهدايا والمؤن، ومن أصحاب الأملاك فى ظل السلطنة الذين يطلب منهم أن يمدوا الجيش بالحبوب وبوسائل النقل والقوارب، بل يحدث فى كثير من الأحيان حقًا أن يصحبوا الجيش فى مسيرته، أو يمدوه ببعض أفراد أسرهم تحقيقًا لهذا الغرض. وكذلك كانت الحبوب تحمل إلى الجيش فى مسيرته أو فى ميدان القتال، على يد تجار الحنطة (بنجاراس)، وكان هؤلاء فى كثير من الأحوال بدوًا يدفعهم إلى ذلك الحصول على ثمن طيب (ضياء الدين البرنى: تاريخ فيروز شاهى، المكتبة الهندية، سنة 1862، ص 304 وما بعدها). وكثيرًا ما كانت الحبوب تشترى من السكان المحليين نقدًا (كان كتوال المعسكر يتكفل بتوفير القمح بأسعار معقولة) وكان الملجأ الأخير للحصول على الحبوب هو السلب والنهب، ولكن لما كان هذا الحل يقصى السكان المحليين الذين قد يعمدون إلى الفرار فتتعرض المؤن فى هذه الحالة إلى النقصان، فإن النهب كان لا يلتجأ إليه إلا فى النادر. ومهما يكن من شئ فإن التعويض كان يؤدى من بعد عن المخازن التى تؤخذ أو الأرض أو المحصولات التى تتلف، وكان الأمين المحلى هو الذى يقدر قيمة التعويض (يعرف الأمين أيضًا بالمشرف فى العصر السورى؛ انظر عباس سروانى: تحفه أكبر شاهى، المتحف البريطانى، القسم الشرقى رقم 164، ص 73 وجه). وكانت سرعة الحركة تقتضى فى بعض الأحيان أن يقل التوقف (لم يكن السير الإجبارى أمرًا مجهولا) إلا أن الجيش فى مسيرته كان يعسكر بصفة عامة فى الليل. وكان موقع المعسكر يختار بعناية إن أمكن، بحيث يتوفر فيه الماء والعليق والحطب، ويفضل فى هذه

الأحوال أن يكون المكان فى حمى نهر أو تل. وكانت أسلحة القتال توضع بطبيعة الحال فى المقدمة وعلى الأجناب بما يناسب مواقعها بالترتيب فى المعركة (انظر ما يلى) فجماعة السلطان الشخصية فى قلب المعسكر ووراءها الأسلحة والأتباع الخاصون بالنقل والمعسكر. وإذا كان المعسكر فى جوار قوات العدو معرضًا للهجوم على يد سرايا المناوشة أو الدوريات، فإنه يحفر للدفاع عنه خندق أو يقام سور، وكان ذلك منذ أيام الخلجى على التحقيق (انظر البرنى: كتابه المذكور، ص 301). وقد ذكر فى الحملة التى شنها تيمور على محمود تغلق أن الأشجار قطعت لتكون متراسا فى نطاق الخندق (ملفوظات تيمورى، ترجمة Elliot, جـ 3، ص 437)، وأن خطوطًا من الأبقار المعقولة وضعت أمام الصف الأول من الجنود لتكون دريئة من الفيلة التى كانت تعاق أيضًا بخوازيق مثلثة تضرب فى الأرض. وقد استخدم بابر أيضًا فى معركة بانيبت المتراس ليقى جنب جيشه، وحص مقدمته بعربات ذات خوازيق (مع أن هذه الحيلة قد أشير إليها فى الهند فى القرن السابع الهجرى الموافق الثالث عشر الميلادى؛ انظر فخر الدين مبارك: آداب الملوك وكفاية المملوك، المكتبة الهندية، مخطوط رقم 647، ورقة 87 وجه، وكذلك استعملت فى المعركة التى دارت بين همايون والسلطان بهادر صاحب كجرات سنة 942 هـ الموافقة 1535 ميلادية عربات مدفعية استخدمها الطرفان) وحدث بعيد ذلك، فى عهد شيرشاه سور، أن الأسوار أقيمت من زكائب الرمل. وقد استخدمت هذه الوسائل الدفاعية فى المعسكر الأخير، أى فى المعسكر القائم فى ميدان المعركة، مع زيادة فى وسائل الدفاع بحسب متطلبات الحملة. وظل هذا معمولا به حتى وقت متأخر من العصر المغلى، ذلك أننا نقرأ فى خبر حملة عز الدين بن جهاندار شاه على فرخسيار سنة 1124 هـ (1712 م) أنه رمى بسور ارتفاعه حوالى مترين فى داخل خندق واسع حول معسكره وأقام فوقه مدافعه العادية ومدافع الهاون (خوافى خان: منتخب اللباب، المكتبة الهندية، سنة 1869, جـ 2، ص 699).

3 - أرض المعركة: ونذكر علاوة على حاجات الجيش المعسكر (انظر ما سبق) أن أرض المعركة الفعلية تختار بعناية عظيمة: فوجود تل أو خط دفاعى طبيعى آخر فى مؤخرة الجيش أو فى أجنابه قد يريح القائد من اتخاذ تدابير واسعة النطاق للدفاع عن هذا الحى. والأرض المثلى تتميز، علاوة على هذه الدفاعات الطبيعية، بوجود سهل مترامى الأطراف فى أرض صلبه ناعمة (كانت الأرض الحجرية تتحاشى إن أمكن ذلك أنها تتلف حوافر الجياد) خالية من الغبار والرمل أو الوحل، ويشترط فيها ألا تكون قريبة كل القرب من المساكن أو بعيدة كل البعد عنها، ويكون لها مورد ماء مستقل. ويمكن أن يحمى ميدان المعركة نفسه أيضًا بالخنادق والمتاريس أو الحواجز كما هى الحال فى المعسكر. والذى حدث فى العصور المتأخرة أن مثل هذا الدفاع قد يزود أيضًا بقطع مفردة من المدفعية. والظاهر أن هذه المستلزمات كان يسعى إليها فى جميع عصور السلطان الإسلامى فى الهند. وقد أضاف تيمور إلى ذلك إضافة تقوم على التفكير وهى أن تكون الشمس فى مواجهة أرض المعركة حتى لا تزغلل أشعتها عيون الجنود. 4 - ترتيب المعركة: إن الترتيب العام فى صف الجيش فى الميدان (طليعة وميمنة وميسرة وقلبا ومؤخرة) ظل قائمًا فى الهند الإسلامية لا يريم مع قليل من التعديل، ولكننا نجد تغييرا محيرًا فى المصطلحات منذ أيام الغزنويين. على أن تكوين مختلف العناصر لم يستتب استتبابا قط، ونجد فى أوقات مختلفة أنه قد أفسح مكان للفيلة أو المدفعية أو أكثر من هذه العناصر التقليدية. وكان السلاح الأساسى الذى تتصور فيه كل الميول هو المدفعية بلا خلاف. وكان يسير فى مقدمة الطليعة الكشافة وجنود المناوشات (طاليه، مقدمه بيش، يزكى فى العصور السلطانية؛ والـ "قراوَل" أيام تيمور وبابر؛ و"مقدمة الجيش" و"منقلة" و"طليعة" فى أيام المغل المتأخرين إلى جانب طاليه) وكتائب خفيفة دربت على استطلاع الطرق ومواقع العدو والعودة

بمعلومات سريعة. وكانوا يتلقون التعليمات بألا يتحركوا جماعة حتى لا يفقدوا الصلة بعضهم ببعض، ولا يشتبكوا مع العدو حتى يهاجموا، وأن يتقهقروا فى حذر حتى لا يفسر تقهقرهم بأنه فرار فيحدثوا بذلك هزيمة عامة (آداب الملوك، الأوراق 84 وجه - 86 وجه). وكان من الممكن تقسيمهم إلى ميمنة وميسرة (قراول دست جب، قراول دست راست) كما فعل تيمور. وكانت الطليعة بمعنى الكلمة تسمى "مقدمه" فى عهد سلاطين دلهى، و"هراول" فى عهد تيمور وعصر المغل. وكان الهراول عند تيمور له طليعته "هراول هراول"، أما حملته الرئيسية فكانت تسمى "هراول بزر كك". وقد أضاف بابر فى معركة "بانيبت" إلى هذا طليعته احتياطية "طرق هراول". وكان الجناحان (جِناح وبالعربية جَناح) فى أيام السلطنة يسميان "ميسرة" وميمنة، وكل جناح يقسم إلى ميسرة وميمنة. وكان الجناحان الأيمن والأيسر فى عهد تيمور يسميان "برنغر" و"جرنغر" مع إمكان التقسيم إلى فروع أخرى، مثال ذلك بالنسبة للجناح الأيمن "هراول برنغر" (طليعة الجناح الأيمن) و"جباول برنغر" (أى طليعة القسم الأيسر من الجناح الأيمن) و"شقاول برنغر" (أى القسم الأيمن من الجناح الأيمن)، وكان من الممكن أن يقسم أيضًا إلى هراول جباول برنغر" (أى طليعة القسم الأيمن من الجناح الأيمن)، وهكذا بالنسبة للجناح الأيسر. وقد جرى جيش بابر على نفس الطريقة تقريبًا فاستعمل مصطلحين هما "يمين برنغر" و"يسار برنغر" بالنسبة للجانبين الأيمن والأيسر من الجناح الأيمن (ومصطلحين مقابلين أيضًا للجناح الأيسر). وكان لكل جناح علاوة على ذلك جماعتان جانبيتان (تُلْغُمَه وتُلْقُمَه) من الفرسان الخفاف ليطوقا جنب العدو وينالا من مؤخرته. وكان لكل جناح أيضًا احتياطيه (طَرْح). وكان الوسط يسمى فى أيام السلطنة "قلبا" بقسميه: "دست جب قلب" و"دست راست قلب" ويطلقان على اليمين واليسار على التتابع. وكان يتبعهما المؤخرة (سُقَة أو خلف). وفى عهد تيمور كان يطلق على القلب "قول" أو "غول" وعلى المؤخرة "عُقُب". وكان

بابر يستعمل مصطلحات تشبه ذلك وإن كان المغول المتأخرون قد ارتدوا أحيانًا إلى المصطلحات القديمة، واستعملوا علاوة على ذلك: "جنداول" أو "جَغْدُل" علمًا على المؤخرة. وقد استعمل المصطلح "إلَتْمَش" فى أخبار حملات أكبر للدلالة على الوحدات التى كانت تصطف بين الطليعة والقلب، ولكنها كانت تقوم أحيانًا فيما يظهر على جانبى القلب بعيدة عن مؤخرة الجناح الأيمن والجناح الأيسر، أو أمامهما. وكان عملها فى مثل هذه الأحوال يشبه بلا شك عمل التلغمة. وكان القلب فى جميع الأحوال هو المكان الذى يتخذ فيه الحاكم أو نائبه موقفه بصحبة "العلماء" والأطباء والمنجمون وغيرهم، والحرس الخاص، وكان هذا هو الموقف المألوف للفيلة أو - على الأقل - موقف فيلة المحافل بلا ريب، التى تحمل الأعلام والـ "جتره" والفيلة التى تحمل جوقات الموسيقيين. وكانت الزوجات أو الأولاد الأثيرون يصحبون فى الكثير القائد السلطانى فى "هودج" (هوده) فيله، ولو أن أورنكزيب أنكر هذه السنة، معلنا أن الأشخاص الذين لا لزوم لهم حول القائد يعوقون القيادة الفعالة كما يعوقون النظام. وسلسلة القيادة كانت تنتقل من القائد إلى جميع فروع الجيش عن طريق الملازمين (طواجى، يساول، سزاول) الذين كانوا أيضًا مسؤولين عن الاصطفاف السليم فى المعركة وعن نظامها. وكانت الأوامر يمكن أن ترسل بإشارات الأعلام، وقرع الطبول أو النفخ فى الأبواق، كما كانت ترسل عن طريق الرسل. وكان تكوين الأقسام الأخرى للجيش يختلف كثيرًا خلال العصر الإسلامى، اللهم إلا المؤخرة - فيما يحتمل - التى كانت فى جميع الأحوال تشمل المطابخ، والأسلحة، والأردية، والخزانة والدواب الاحتياطية، وأسرى الحرب، والجرحى وكتيبة قتال لحماية القلب من هجوم يأتيه من الخلف. أما بقية الأقسام، فإن ثمة مبادئ عامة قليلة يمكن أن نعددها فى هذا المقام: فقد كان فى عصر السلطنة ثلاثة طرائق للصف: المشاة، والفرسان أو الفيلة، ويمكن أن تكوّن الخط الأمامى بحسب مقتضيات الموقف. وحين كان

المشاة هم الذين يقودون كانت أربعة صفوف منهم بحسب عُدّتهم التى تختلف بعض الخلاف فى كل خط، تصف تاركة فراغًا واسعًا بين الصفوف حتى يستطيع الفرسان من خلفهم أن يراقبوا الموقف فيهجموا أو يتقهقروا خلال هذه الصفوف. وكان يحتفظ بقوة من الفرسان المتحركة على الجناح الأيمن، وجماعة من النبّالة على الجناح الأيسر. وكان جنود المنجنيقات والعرّادات يقامون على يمين القلب، وكان النبالة وقاذفو النفط يقامون على ميسرة القلب. وهذه الاتجاهات التقليدية لم تكن فى الواقع تعوق الموقف فى المعركة، ذلك أنه كان ثمة أيضًا ترتيب تقليدى منظم فى استخدام هذه القوات الاحتياطية (انظر ما يلى تحت عنوان الاستراتيجية والتكتيك). أما إذا كان الفرسان هم الذين يقودون فإن صفهم الأمامى كان يصنف على نحو الطريقة التى وصفناها آنفا بالنسبة للصف الأمامى للمشاة، فالمشاة فى هذا التشكيل يكونون الصف الثانى، وكما هى الحال أيضا بالنسبة لقيام المشاة بالقيادة، فإن الفيلة توضع فى الأغلب الأعم فى القلب، ولو أن الدواب الممتازة قد تنشر لدعم جانب الجيش. وكان الترتيب الثالث المحتمل هو حين تقود الفيلة يليها مباشرة الفرسان كما حدث فى المعركة التى خاضها غياث الدين تغلق ضد المغتصب خسروخان نامه، حيدر آباد سنة 1352 هـ = 1933 م، ص 92 - 93)، أو حين وضع الفيلة فى مقدمة كل جناح كما حدث فى معاركة الخلجى ضد المغول فى كيلى سنة 699 هـ (1299 م). على أن الموضع المألوف للفيلة كان فى القلب لحماية السلطان. وكانت تسلح بصفائح الحديد وتحمل هوادج على هيئة أبراج صغيرة يجلس فيها النبّالة وقاذفو النفط والعاملين فى آلات القذائف، وهى حيلة هندية اصطنعها المسلمون ترجع إلى القرن الرابع أو الثالث قبل الميلاد (انظر Sarva Daman Singh: Ancient Indian War- ... fare، ليدن سنة 1965، ص 82 وما بعدها) ودامت بلا شك حتى أيام المغل (انظر Travels: Barbosa ترجمة وطبعة Dames . M.L، جمعية هاكلويت، لندن سنة 1918، جـ 1، ص 118).

وأقل من ذلك يسرًا أن نحدد طريقة صف الجنود فى عصر المغل. وقد زاد شأن المدفعية باطراد، وكانت فى كثير من الأحيان تحتل الصف الأول من الطليعة وتحملها عربات ثقيلة ربطت أو سلسلت معًا، حتى يمكن أن تكون أيضًا دريئة لهجوم مفاجئ من العدو. وبين العربات كانت سلال الطوابى والستر الصغيرة دريئة لدعم جنود إشعال المدافع، وكانت القطع الخفيفة من المدافع الكثيرة تلى ذلك: مدافع زنبركية (زنبورك، شترنال) محمولة على الجمال، ومدافع صغيرة (كنجال، هتهنال) فى هوادج الفيلة ويأتى بعد ذلك الفرسان. وكان فى الطليعة مدفعية الهاون (ديكنداز) وحملة القنابل (رعد نداز) وحملة الصواريخ (تخشنداز). ويمكن أن تقام المدفعية أيضًا فى الصف الأول من الجناحين والقلب، مع وجود الفيلة كذلك أمام كل فريق من الجنود. ويصعب أيضًا أن نحدد فى معظم الفترات حجم الفروع المختلفة لقوات الميدان، ولكننا نجد فى خبر مغلى عن قوهّ من الفرسان من 40,000 فارس أن الطليعة بلغت 8000 فارس، والقلب 12,000 فارس والجناحين اللذين بينهما 11,000 والاحتياطى 4000، والمؤخرة 4,500 فارس. فإذا قلنا مثلا أن أربعين فيلا كانت ميسرة فى حملة بعينها فإننا نجد أن سبعة منها قد وقعت فى الطليعة، وخمسة عشر أمام القلب، وستة أمام كل قسم من قسم الاحتياطى، واثنين أمام كل جناح واثنين فى المؤخرة. وكانت قوة الميدان تحت إمرة الحاكم أو نائبه (وهو أمير يجرى فى عروقه الدم الملكى، أو الوزير، أو نبيل آخر من المقربين) الذى يتولى قيادة القلب أيضًا بوصفه "سر لشكر". وفى جيش سلطنة دلهى، كان يقود المقدمة "المُقدَّم" أو"سر فوج ميسرة" و"سر جندر ميمنة". أما كتيبة فرسان الحاكم الخاصة فى الميسرة والميمنة والقلب (خاصة خيل) فكان يقودها "سر جندر" ويكون قسماها تحت إمرة "سر جندر ميسر "سر جندر ميمنة" (يحيى بن أحمد: تاريخ مباركشاهى، المكتبة الهندية، سنة 1931, ص 62). وهؤلاء الضباط يكون معظمهم متولين

قيادة الفرسان؛ أما الأسماء التى تطلق على قواد المشاة فغير محققة، ولو أن الأسماء "سهم الحشم" و"نائب سهم الحشم" و"شملة الحشم" كانت كلها فيما يظهر خاصة بالمشاة (يحيى بن أحمد: المصدر المذكور؛ البرنى: المصدر المذكور، ص 30). وكانت الجياد تحت إمرة "آخور بك" والفيلة تحت إمرة "شحنه بيل"، والجمال تحت إمرة "شحنه نفر" (البرنى: المصدر المذكور، ص 24) على حين كانت الأسلحة تحت إمرة "سر سلاحدار". على أن المصطلحات المغلية كانت أقل من ذلك جمودًا، كما أن قواد القوة كانوا فى كثير من الأحوال ينادون بوظائفهم فى مؤسسة الجيش الثابت بتنظيمها العشرى، وفى عهد أكبر ندب "المنصبدارية" لتولى مختلف القيادات، وكان قسم راجبوتى فى جيشه المتعدد الأجناس يقود منصبدار راجبوتى، والقسم الأفغانى يقوده منصبدار أفغانى وهكذا ... وكانت الجياد تحت إمرة "أخته بكى" والمدفعية وغيرها من الأسلحة النارية تحت إمرة "مير آتش" وكانت الأسلحة الأخرى والأعلام تحت إمرة "داروغة قورخارنه". - الاستراتيجية والتكتيك: لا يشمل البيان الآتى التكتيك المتبع فى الحصار، . وقبل أن تبدأ المعركة يتم تقدير الموقف بمعرفة الحاكم أى الـ "سر لشكر"، والقواد ذوى الخبرة الطويلة، وموظفى "ديوان عرض"، ويخطط للحملة فى عناية. ومجلس الحرب هذا وكان أمرا مألوفًا فى عصر السلطنة (انظر مثلا أمير خسرو: تغلق نامه ص 48, 84؛ عصامى: فتوح السلطان، طبعة مهدى حسين، آكرا سنة 1938, ص 254)، كما كان ذا شأن كذلك فى نظر تيمور (توزك، ص 5) والمغل (انظر نظام الدين أحمد: طبقات أكبرى، المكتبة الهندية، سنة 1935، جـ 23 ص 25 وما بعدها؛ أبو الفضل علامى: أكبر نامه، المكتبة الهندية، سنة 1886، جـ 2، ص 48، 482). وكان إلقاء الحاكم أو القائد العام خطبة حماسية فى مرؤوسيه سمة من سمات هذه المؤسسة (انجمن)، وقد توسع فى هذا حتى أصبح دعوة مباشرة للجندية على يد شيرشاه وأكبر

والمغل المتأخرين، توجه عادة عشية المعركة أو فى أثنائها فى بعض الظروف. وكانت المعارك تبدأ فى العادة صباحًا وقد تمتد إلى دخول الليل، ولو أن المدافعين كانوا يحاولون إرجاء الاشتباك أطول ما يستطيعون حتى يتمكنوا من الانسحاب فى ظلمة الليل حين ينهزمون. وكانت بداية المعركة تتميز بقرع الطبول والنفخ فى النفير على يد الجاووشية، ثم يبدأ الاشتباك مقترنا بصيحات الحرب. وكانت كلمات العبور السرية أيضًا مستعملة لإثبات الشخصية فى حالة الالتحام يدًا ليد. وكان النمط السائر فى الهجوم أيام السلطنة، أن المعركة يقدم عليها أولا الطليعة (البرنى: كتابه المذكور، ص 260) ويتبع ذلك تحرك الجناح الأيمن؛ وهنالك يتقدم القلب، ثم يتلوه الجناح الأيسر. وقد كان فى الإمكان إنفاذ قوة لإثارة الذعر بين الأعداء، بالاعتماد أولا على سيل منهمر من السهام ينطلق من الفرسان والمشاة ومن هوادج الفيلة؛ وكان ذلك يشمل سهامًا مسمومة وحارقة. وكذلك كانت المنجنيقات المحمولة فى الهوادج تستعمل لإلقاء أحجار كبيرة وأوعية النفط على العدو. وكان يلجأ أيضًا إلى هجوم مبكر تقوم به الفيلة لإثارة الذعر فى صفوف العدو، ثم تشتبك فى القتال بعد ذلك الأسلحة الأخرى. وكان الهدف الأكبر دائمًا هو قلب العدو حيث يقف قائد الجنود. فإذا أصيبت الطليعة أو الجناح بنكسة أمكن إمدادها أو إمداده بالاحتياطى فى ذلك حتى لا يشعر العدو بأن جناحًا يُمدّ بجنود من القلب فيخرج من ذلك بنتيجة هى أن القلب قد انكسر أيضًا. وقد تجلت بصيرة تيمور الحادة فى المناورات الحربية فى بيان طويل مفصّل عن أصول الاشتباك الميدانى فى مختلف المواقف، وقد ورد هذا البيان فى كتاب "توزك" (طبعة بومباى، ص 191 - 207) وهو ينوه بالحاجة إلى التقدير المستمر للموقف أثناء المعركة. ويدعو تيمور إلى تأجيل الهجوم حتى يبدأ العدو عدوانه، وهنالك تتحرك الطليعة أولا فى ما بين 9000 و 12,000 جندى تتلوها طليعة الميمنة

لتشد أزرها تتلوها عن كثب طليعة الميسرة، فإذًا لم يكف هذا الإجراء اقتضى الأمر تحرك الفرقة الأولى للميمنة تتبعها الفرقة الثانية من الميسرة، ثم الفرقة الثانية من الميمنة، ثم الفرقة الأولى من الميسرة، فإذا لم يكتب الظفر لأى هجوم من هجمات هذه الوحدات، فإن العمل المطلوب حينئذ يأتى فيما نحسب من القلب وينتظر ذلك أمرًا يصدره تيمور. وهناك أمر أكثر تفصيلا يصدر بالهجوم إلى قوات ميدانية تتراوح بين 12,000 جندى و 40,000 جندى. وقد أفاد خلفاء تيمور من المدخل العلمى لفن الحرب الذى سار عليه تيمور، وقد تدعمت مبادئه بصفة عامة، ولو أن نمط المعارك كان قد تغير تغيرًا كبيرًا بعد استحداث المدفعية. ومن ثم نجد أنه فى وقعة خَنُوا قرب آكرا التى حدثت سنة 933 هـ (1527 م) أن المعركة قد بدأت بإطلاق نيران البنادق الصغيرة ذات الزناد والمدافع اليدوية من ميمنة جيش بابر الذى كان تحت إمرة مصطفى رومى، ثم تلا ذلك إطلاق نيران مدافع القلب الثقيلة تحت إمرة مير آتش أستاذ على قلى، وقد فتحت هذه المدافع نيرانها على فيلة العدو المغطاة بالزرد. فلما استمرت معركة المدفعية أمر بابر بهجوم قوات الجنب (تلغمه) وتقدمت المدفعية الثقيلة مكتنفة المدفعية الخفيفة المتقدمة (بابر نامه، طبعة بيفردج، ص 568 - 569). على أن المدفعية الثقيلة لم تستطع التحرك قدمًا بعد أن تجاوز الفرسان الخنادق، ذلك أنه فى حالة التقهقر فإن إنقاذ المدافع لا يمكن أن يتم إلا بصعوبة بالغة، وكل ما يمكن أن يحدث فى هذه الحالة هو أن تُبرْشم وتترك. وفى عهد أكبر يسرت حركة المدافع أكثر بحملها على عربة مدفع فردية بدلا مما جرت عليه الحال من قبل بتشغيلها من العربات تجرها الثيران وتدفعها فيلة إلى موضعها فى كثير من الأحيان من الخلف. وهذه الزيادة فى الحركة نراها على سبيل المثال فى وقعة دهرمت بالقرب من أجَّيْن سنة 1068 هـ (1658 م) التى دارت بين أورنكزيب ومهاراجا جَسْوَنْت سنغ، وقد بدأت هذه

المعركة على النمط المألوف من إطلاق النيران الطويلة المدى من الصواريخ والمدافع. ومع ذلك فقد استطاع الراجبوت، بالرغم من الخسائر التى منوا بها على يد مدافع أورنكزيب المتقدمة، أن يمضوا بعرباتهم ويحملوا على هذه المدفعية ويخسروها إلى حين، ولكن جنود المدفعية حاولوا أن يستردوا جأشهم وأقاموا مدافعهم على نشز من الأرض كان أقل عرضة للهجوم واستطاعوا بذلك أن يقذفوا قلب العدو بالمدافع فى يسر. على أن سياج نيران المدفعية يمكن أن يوقف، كما حدث فى معركة سامو كره التى وقعت فى وقت متأخر من هذا العام حين خدع داراشكوه بصمت المدافع الثقيلة لأورنكزيب وشن هجومًا فى غير أوانه، فاستطاعت بذلك مدفعية أورنكزيب الثقيلة أن ترد فأحدثت فى قوات خصمه خسائر فادحة. وقد ظل الفرسان بعدُ سلاحًا رئيسيًا حتى بعد استحداث تحسين كبير فى الأسلحة الصغيرة والمدفعية فى القرن الحادى عشر الهجرى الموافق السابع عشر الميلادى، وكان دخول هذا التحسين على يد الجنود المرتزقة الأوربيين. وكان الذى يحدث أن تبدأ النيران بتوهين صلابة العدو ثم يهجم الفرسان ويقترن هجومهم بقذف السهام ثم ينتهى الأمر إلى الاشتباك والاقتتال بالسيوف (وكانت السيوف السلاح الأثير عند فرسان المغل) أو الرماح (وهى السلاح الأساسى عند فرسان الراجبوت). والظاهر أن الفرسان لم يستخدموا الأسلحة النارية يطلقونها من على ظهر جيادهم حتى فعل ذلك الجنود الدرّانية فى أواخر القرن الثانى عشر الهجرى الموافق الثامن عشر الميلادى. وكان الفرسان الهنود، وخاصة الراجبوت، يترجلون عن جيادهم فى كثير من الأحيان إذا استحرت المعركة ويربطون أنفسهم بعضًا لبعض بذيول قمصانهم ويقاتلون حتى الموت بالرماح، والهراوات، والبلط، والخناجر. وكان أشد القتال ضراوة يحدث حول فيل القائد المنافس، وكان هذا القائد يرى أن من العار أن يتقهقر إذا

جرحته السهام. وقد جرت الحال بأن هلاك القائد أو اختفاؤه معناه فقدان المعركة وفشل الحملة. ولذلك فإن معركة سامو كره، التى ذكرناها وشيكا، قد فقد داراشكوه هذا اليوم بعد أن أصابت قذيفة فيله فترجل وامتطى صهوة جواد، ذلك أن جنود رأوا الهودج خاليا وظنوا أن قائدهم قد خر صريعًا. وتبينت الأهمية التى كان يعلقها الطرفان المتحاربان على هلاك القائد قبل ذلك فى الزمن فى إطفاء فتنة كشلوخان على يد محمد بن تغلق سنة 728 هـ (1328 م)، ذلك أن محمدًا أقام من يدعى الشيخ عماد الدين، الذى كان يشبهه شخصيًا، فى قلب جيشه تحت المظلة السلطانية، وقبع هو فى الكمين فى 4000 فارس، وهجم المتمردون على القلب وقتلوا الشيخ، وبذلك استوثقوا من ظفرهم فتفرقوا يبغون السلب والنهب فى معسكر أعدائهم، وهنالك ظهر محمد وأنزل الهزيمة بقوات كشلو المطمئنة. وهذه الحركات الحربية كانت تناسب بصفة خاصة سهول شمالى الهند، وقد وجدت القوات الشمالية (حكام سلطنة دلهى وأباطرة المغل على السواء) صعوبة فى ابتداع حركات حربية أخرى تصلح لبطائح البنغال أو حلوق جبال الدكن المشققة. وقد جعل المراطها بقيادة شواجى وخلفائه حرب العصابات فنًا جميلا، واستخدموا هذه الحرب فى عدة مناسبات لمناوشة جيوش المغل وسلطنات الدكن. وقد قدر مالك عنبر الصفات التى اتصفت بها حرب المراطها، ومالك عنبر هذا هو الذى نظم فرقة من جنود العصابات لسلطنة النظام شاهى. ومضى وقت طويل قبل أن يدرك الحكام المسلمون فى الهند إمكانيات الحرب البحرية، ولو أن السفن الحربية كانت على وجه التحقيق تكلف بحراسة قوافل الحجيج التى تسافر بالبحر. على أن هؤلاء الحكام، بعد غزو المغل كجرات وساحل كُنْكَن، بدءوا يدركون إمكانيات التعاون بين القوات البرية والبحرية، كما حدث فى بعض المعارك التى دارت على طول هذه السواحل، وانتهى الأمر بإقامة أمراء بحر جنجيرة أمراء بحر للأسطول المغلى.

(7) الحيل والمكائد

(7) الحيل والمكائد وكان من الحيل المصطنعة لخداع العدو بالنسبة لقوة الجيش المهاجم إيهامه بوصول مدد جديد: فترسل كتائب من الجيش تحت ستار الليل تعود فى الصباح، وتقرع الطبول وتنشر الأعلام كأنما هى جيش جديد يقترب. وهكذا قيل إن محمد بن تغلق أنفذ 1000 مقاتل للقاء قوة لا تتعدى مائة جندى تلحق بجيشه. وكان التظاهر بالفرار يحقق ميزة فى كثير من الأحيان، كما حدث فى معركة فيروز شاه تغلق مع شمس الدين إلياس شاه البنغالى سنة 754 هـ (1353 م) قرب لكهنوتى، ذلك أن القوات البنغالية ظنت أن فيروز تقهقر تقهقرًا عامًا، فبرزت من معقلها لتطارده. ومن ثم لقيت هزيمة منكرة (عفيف: كتابه المذكور، ص 114) على أن هذه الحيلة حيلة مألوفة، ومن ثم وقعت أخطاء فى اصطناعها. فقد حدث فى وقعة تُكرَوئى سنة 982 هـ (1574 م) أن حمل داود طليعة أكبر على الفرار بما فيها إلتمش والقلب، ولكنه لم يطاردها ظانًا أن الفرار كان خدعة، فكرّت عليه ميمنة الجيش المغلى بشدة وفقد داود هذا اليوم. وكان هذا التظاهر بالفرار فى كثير من الأحيان هو المناسبة التى تصطنع للكمين تعده فصيلة من الجيش تسحب إلى مكان يختار بعناية فى جوار المؤخرة: ومع ذلك فالكمين قد يعد لأغراض أخرى، ولغارات السلب تشن على العدو أو على خط مواصلاته، أو للموقف على أهبة الاستعداد فى حالة ما إذا احتاج الأمر إمداد أية نقطة من نقط الجيش. على أن الجيوش المغلية كانت تحتقر مثل هذا النمط من الحرب ولا تلجأ إليه. وكذلك كان المغل يحتقرون الهجوم الليلى (شب خون) ولم يمارس هذا النوع من الحرب فى حماسة كبيرة حتى فى أيام السلطنة، وقد نعته أبو الفضل قائلا إنه "صنعة الجبناء ويحتقره الأبطال" (أكبر نامة، جـ 3، ص 51): على أنه استعمل فى كثير من الأحيان ضد الجيوش الإسلامية التى نبه عليها بأن تتهيأ له. ووصف كتاب

المصادر

"آداب الحرب" تقسيم المعسكر إلى أربع جماعات لهذا الغرض: المشاة وقد سلحوا تسليحًا جيدًا ويقومون بحراسة جميع المنافذ، وتظل الميمنة والميسرة على قدم الاستعداد فى مواقعها الصحيحة مع إطفاء الأنوار أو جعلها مضاءة فى أماكن متفرقة لتضليل الغزاة، على حين تترك جماعة رابعة المعسكر لتحرس مشارفه وتستكشفها. وقد يعمد المهاجمون إلى سد الطريق إلى المعسكر، أو يصرخون عن عمد دليلا على ان قائدًا قد أسر أو قتل لإشاعة اليأس بين المعسكرين. وكان الجواسيس بلا ريب لا يعدون جزءًا من الجيش فى الميدان وإن كانوا لا غنى عنهم للقواد، وقد تأتى المعلومات اللازمة منهم للقيام بهجوم ليلى. ولكن معلوماتهم كانت موضع التقدير فى جميع مراحل الحملة. المصادر: علاوة على المصادر المذكورة فى صلب المادة. (1) Conduct of strat-: S. Sabahuddin Muslim egy and tactics of war during the rule in India فى Islamnic Culture. جـ 20، سنة 1946، ص 154، 164، 291 - 296، 345 - 352؛ جـ 21، سنة 1947، ص 7 - 15، 123 - 124، وهو تناول موسع للموضوع مع الرجوع الدائب إلى الحملات والاستشهاد بها، وجل الأخبار التاريخية الهندية تزودنا بأوصاف للمعارك مفصلة. وعن هذا انظر مصادر المواد المتعلقة بالدول الهندية الكبرى وخاصة سلطنة دلهى والمغل. (2) Storey، ص 92 - 157، 433 - 780. (3) وانظر عن العصر المغلى بصفة خاصة: The Army of the Indi-: W. Irvine an Mugals. لندن سنة 1903 والمصادر المستشهد بها فيه. (4) The mansabdari: Abdul Aziz system and the Mughal Army, لاهور سنة 1946. (5) وهناك بعض المعلومات المفيدة عن عصر السلطنة كما أن ثمة معلومات عن جيش السلطنة وإدارته فى- Qu J.H.

مصادر مخطوطة

The Administration of the Sulta-: reshi nate of Delhi، لاهور سنة 1942 (كاراتشى، الطبعة الرابعة سنة 1958، فصل 7 عن الجيش). مصادر مخطوطة: (1) محمد بن منصور قريشى المعروف بفخر مدبّر: آداب الحرب والشجاعة، المتحف البريطانى، فهرس CPM: Rieu، ص 487 - 488. (2) وثمة نسخة أخرى منه عرفت باسم "آداب الملوك وكفاية المملوك"، مكتبة وزارة الهند، فهرس Ethe، رقم 2767. (3) خير الله: دستور جهان كشا، جامعة إدنبرة. (4) سيد أمين الدين: كلّيات الرامى، كلكتة، مكتبة بهار، مخطوط رقم 274. (5) سيد مير علوى: هداية الرامى، المتحف البريطانى، فهرس CPM: Rieu, رقم 797. (6) كاتب مجهول: رسالة تير أندازى، الجمعية الأسيوية للبنغال، مخطوط إيفانوف رقم 1610. (7) كاتب مجهول: ضابطه أمثال راه رفتن سواريكاتب، الجمعية الأسيوية للبنغال، إيفانوف رقم 1645. (8) حكم نامه: الجمعية الأسيوية للبنغال، مخطوط إيفانوف رقم 1648. (9) زين العابدين: فتح المجاهدين، الجمعية الأسيوية للبنغال، مخطوط إيفانوف رقم 1650. (10) كاتب مجهول: تمهيد البصارة، الجمعية الأسيوية للبنغال، مخطوط كيرزون رقم 652. (11) أحمد بن محمد: براهين الصوارم، الجمعية الأسيوية للبنغال، مخطوط كيرزون رقم 634 (12) وانظر أيضًا مصادر مادة "لشكر". خورشيد [رضوى وبيج - S.A.A. Rizvi Burton Page W.]

الحر بن عبد الرحمن الثقفى

الحر بن عبد الرحمن الثقفى عامل الأندلس، ويقال انه ظل فى منصبه ما يقرب من ثلاثة أعوام (98 - 100 هـ = 717 - 719 م). وقد أدخل خلال تلك المدة كثيرًا من النواحى تحت الحكم الأندلسى كما ذهب بفتوحه عبر جبال البرانس، على أن الإخباريين من العرب لم يذكروا مع ذلك إلا القليل عن حكمه، وكذلك لم يفضل النصارى (. Chron. Pac) القول عنه، وهم يطلقون عليه اسم alahor أو alahort ويتضح من إشارتهم أن النصارى كانت تخشى بأسه كما كان يمقته نفر من مواطنيه لابتزازه الأموال، لذلك صرفه الخليفة عمر الثانى عن منصبه. المصادر: (1) البيان المغرب طبعة Dozy، ص 24 وما بعدها. (2) ابن الأثير، طبعة تورنبرغ، جـ 5، ص 373. (3) الضَبِّى طبعة Codera et Rivera رقم 688. (4) Estudio sobre la: E. Saavedra invasion de los arabes en Espana ص 183. (5) Der Islam: Mueller جـ 1، ص 431. الشنتناوى [هيئة التحرير] + الحر بن عبد الرحمن الثقفى: ابن أخى موسى ابن نصير وابن عم ابنه عبد العزيز؛ أقيم واليًا على الأندلس على يد ولى القيروان العربى محمد بن يزيد سنة 97 هـ (716 م). وقد وصل الحرّ إلى شبه الجزيرة فى أربعمائة من أشراف إفريقية كان من بينهم أوائل الرجال البارزين الذين دخلوا الأندلس وكان من الإجراءات الأولى التى اتخذها الحر نقل قصبة حكمه إلى قرطبة، فقد رأى أن موقع إشبيلية أصبح بعد نائيًا جدًا بالنسبة لاتساع الفتوح التى تمت فى البلاد. وكان المترجم له قيسيا ومن ثم عدوا لليمنية، فأقام صورة من صور الحكم حافلة بالصلف مليئة بالرغبة فى الخلاف حيال الأسبان والرومان الذين خضعوا للغزو. ولما كان يمارس مع هؤلاء سياسة تخالف كل المخالفة

المصادر

سياسة عبد العزيز ابن نصير فإنه يبدو لنا أن العلماء القيروانيين الذين جاءوا معه إلى البلاد بدأوا مهمة غير محمودة وهى إعادة توزيع الأراضى والمال المصادر الخاص بالمخضعين بالغزو. وقد يحق لنا أن نقول بأنه حدث أثناء حكمه الذى استمر حتى رمضان سنة 100 هـ (مارس - أبريل سنة 719 م) أن بدأت حركة إعادة الغزو على يد الأسبان بإعلان بلايو وحادث حصار كوفا دونكا، ولو أن من المستحيل علينا بعد، لعدم وجود الوثائق الوثيقة، أن نحدد على وجه الدقة تاريخ ذلك؛ وقد صرف الخليفة عمر بن عبد العزيز الحر عن منصبه، وأقام بدله السمح بن مالك وناط به شخصيًا مهمة إقامة العدل والترفق فى الحكم وفرض الخمس على الأراضى المفتوحة. المصادر: (1) Cronolo-: Lafuente y Alcantara gia de los gobernadores de Espania، وهو ذيل بطبعته لكتاب أخبار مجموعة، ص 22 - 242. (2) El nombramiento de los: S. Vila walie de Al'andalus , جـ 4، سنة 1939، ص 215 - 220. (3) Il califato di His-: F. Gabrieli ham studi di storia omayyade فى. Mem de la Soc. Royale d'Archeologie d'Alexandrie، جـ 7/ 2، سنة 1935, ص 104 - 109. (4) Mu-sul: Levi Provencal . Esp . Hist.، جـ 1، ص 39، 83. (5) وانظر أيضًا Historia: Simonet de los Mozaerabes ص 143 - 236 وفى مواضع مختلفة. (6) Mozarabes: I. de las Cajigas, ص 79 - 102. خورشيد [هويثى ميراندا - A. Huici Mie rands] الحر بن يزيد بن ناجية بن كَعْنب بن عتَاب بن الحارث بن عمر بن همّام الرياحى اليربوعى التميمي: قدم على رأس جنود من ألف فارس من القادسية

المصادر

طليعة للقوات التى أنفذها عبيد الله بن زياد والى العراق لقتال الحسين بن على بن أبى طالب. وكان الحسين يتقدم فى ذلك الوقت فى جماعة من أقربائه وأتباعه متجهًا إلى الكوفة. وقد أمر الحر بأن يتبع عن كثب جماعة الحسين ليحمله إلى عبيد الله فى الكوفة. على أنه لم يؤمر بالقتال. ومن ثم ظل قريبًا كل القرب من معسكر الحسين ومنعه من أن ينقلب راجعًا إلى المدينة، ولكنه وافق على أن يتابع الحسين سيره فى اتجاه غير اتجاه الكوفة. ولم تكن العلاقات بين الحر والحسين عدائية فى بادئ الأمر، وقد أنكر فى الوقت نفسه أن له أية معرفة بالرسائل التى بعث بها أهل الكوفة إلى الحسين. واستمسك الحرّ كل الاستمساك بأمر جديد تلقاه من عبيد الله (2 من المحرم سنة 61 م = 2 أكتوبر سنة 680 هـ) فمنع الحسين وأتباعه من بلوغ مكان مستقر مجبرًا إياهم على إقامة معسكرهم فى منطقة قاحلة بكربلاء. وأنفذ عبيدُ الله عمرَ بن سعد بن أبى وقاص فى قوات إلى الحسين، وأبى عمر أن يوافق على مقترحات الحسين وقرر مقاتلته، وهنالك استقر عزم الحر على الانضمام إلى الحسين، ولو أنه كان يعلم أن موقف الحسين ميئوس منه. وقد أبدى الحر أسفه ومضى فى جماعة صغيرة من أتباعه إلى الحسين وقال له الحسين إن الله سوف يغفر له. وحارب الحرّ آخر الأمر فى 10 محرم سنة 61 هـ (10 أكتوبر سنة 680 م). والرواية الخاصة بندم الحر وجرأته فى ذلك القتال الذى جرى وميتته البطولية أصبحت جزءا من قصة استشهاد الحسين. المصادر: (1) ابن الكلبى: الجمهرة، مخطوط بالمتحف البريطانى، ورقة رقم 71 ب. (2) البلاذرى: أنساب الأشراف، مخطوط، الأوراق 241 ب، 242 أ - ب، 245 أ - ب, 246 أ، 251 أ. (3) المسعودى: مروج الذهب، القاهرة سنة 1357 هـ، جـ 3، ص 10. (4) أبو الفرج الإصفهانى: مقاتل الطالبيين، طبعة أحمد صقر، القاهرة سنة 1949, ص 110 - 111. (5) الدينورى: الأخبار الطوال،

طبعة عبد المنعم عامر وجمال الدين الشيالي القاهرة سنة 1960، ص 249 - 252 - 256. (6) ابن كثير: البداية، جـ 8، ص 170، 172 - 174، 179، 180، 182 - 183. (7) ابن حزم: جمهرة أنساب العرب، طبعة ليفى بروفنسال، القاهرة سنة 1948، ص 215. (8) ابن الأثير، جـ 4، ص 38 - 41، 43، 51، 54 - 55، 57. (9) ابن حجر: الإصابة فى معرفة الصحابة، القاهرة سنة 1323 هـ، جـ 2، ص 16. (10) الشيخ المفيد: الإرشاد، النجف سنة 1963، ص 224 - 227، 235 - 237. (11) الطبرسى: إعلام الورى، طبعة سنة 1312 هـ، ص 137 - 138، 143 - 145. (12) ابن شهراشوب: مناقب آل أبى طالب، النجف، سنة 1956، 246، 249. (13) المحاسبى: بحار الأنوار، طهران سنة 1385 هـ، جـ 44 ص 375 - 380؛ جـ 45، ص 13 - 15. (14) عبد الله بن محمد الشبراوى: إتحاف بحبى الأشراف، القاهرة سنة 1316 هـ، ص 45 - 47، 61. (15) الصبان: إسعاف الراغبين (على هامش نور الأبصار) ص 188. (16) الشبلنجى: نور الأبصار فى مناقب آل بيت النبى المختار، القاهرة سنة 1345 هـ؛ ص 129، 130. (17) الإسفرايينى: نور العين فى مشهد الحسين، سنة 1280 هـ، ص 34 - 35، 38. (18) محسن الأمين الحسينى العاملى: أعيان الشيعة، دمشق سنة 1945، جـ 20، ص 369 - 386. (19) The Caliphate, its rise: Muir and fall طبعة Weir، سنة 1924، ص 308. (20) Die relegioes-: J. Wellhausen politischer Opposition-sparteien برلين سنة 1901، ص 65 - 66 (ترجمة إلى العربية عبد الرحمن بدوى، القاهرة سنة 1958، ص 170 - 172 - 175). (21) حسن إبراهيم حسن: تاريخ الإسلام السياسى، القاهرة سنة 1935، جـ 1، ص 419. خورشيد [كستر M.J. Kister]

حرية

حرية مصدر من حرّ، وهو ضد عبد، وفى العبرية "حور" وفى الآرامية: "حير (حروتا) "ويستعمل أيضًا استعمالا واسعًا فى اللغات الإسلامية غير العربية. ولفظ "حرّ" قد عرف من قبل فى الجاهلية ليس فقط مصطلحًا شرعيًا يدل على ضد العبد بل مصطلحًا أخلاقيًا أيضًا يدل على أولئك النبلاء فى خلقهم وسلوكهم، وظل التصور الشرعى للحرية مستعملا باعتباره أمرًا واقعا على يد الفقهاء المسلمين الذين جنحوا إلى تفضيل افتراض قيام الحرية بالنسبة للأفراد فى الحالات المشكوك فيها ولكنهم فى غير ذلك يسلمون بقيام العبودية والحرمان من الحرية بالنسبة لفريق من الناس دون أن يناقشوا، صراحة على الأقل، الأسس الأخلاقية لذلك. وبالمعنى الأخلاقى يظهر تفوق الحر فى مسلكه النبيل وكرمه واستعداده للشقاء فى سبيل قضية نبيلة، وهذا موضع الثناء فى الشعر والنثر. والكتب التى نقلت من اليونانية إلى العربية عرّفت المسلمين ببعض الأقوال التى تصور تفكير اليونان فى مسألة الحرية، كما أنها فى الوقت نفسه قد ساعدت على تدعيم المساواة بين "الحر" و"النبيل" وأضافت شيئًا من الخلط من عندها باستعمال كلمة "حرية" للدلالة على لفظ "الوثريوتيس" اليونانى بمعنى "الكرم" فى القانون الأخلاقى عند أرسطو .. زد على ذلك أن كتابات الفلاسفة مثل الفارابى وابن رشد اتخذت بعض المدلول المحدد للحرية بمعناها السياسى. وأصبحت الحرية فى النظر الإسلامى الميتافيزيقى تتخذ موقفًا أكثر دلالة من خلال الصوفية. فقد ظهرت معلمًا من معالم الهداية فى السلوك الصوفى بكتاب اللمع للسراج وفى رسالة سلفه القشيرى. وقد اكتسبت على يد "الرسالة" بصفة خاصة مكانًا ثابتا فى كتب الصوفية، وهى اعتراف بالعلاقة الجوهرية بين اللَّه السيد وعبيده من البشر الذين يعتمدون كل الاعتماد عليه، أو هى كما قال ابن عربى "العبودية المطلقة" (الإعلام بإشارات أهل الإلهام، حيدر آباد سنة 1362 هـ، ص 8). على أن المرء يسمع أيضًا بوجود أناس

يدافعون عن ضرورة "الحرية المطلقة" (Die Streitschrift des Ghazali: O. Pretzl . Ibahiya SBBayer, Ak gegen die سنة 1933، النص ص 27، الترجمة ص 51). الحرية: وهى وإن كانت قد نوقشت كثيرًا فإنها لم تبلغ حالة الفكرة السياسية الأساسية بحيث نستطيع أن نتخذها صيحة تحدًّ فى سبيل الغايات العظام. وهذه المناقشة الكثيرة هى دون سواها التى نستطيع أن نذكرها فى يقين. أما فيما وراء هذا فإن أى تقويم للموقف الذى كان سائدًا فى الإسلام أيام القرون الوسطى بالنسبة للحرية بالمعنى الذى يستعمل فيه المصطلح بصفة عامة أو قل من غير ضابط فى الغرب المعاصر - يعتمد على النظرة الخاصة التى ينظر بها المرء إلى الحرية وعلى التعريف الذى يختاره لفكرة الحرية. ومن الواضح أن الموقف الفعلى يختلف اختلافا كبيرًا على المدى الواسع للتاريخ الإسلامى، ولكن ثمة خطوطًا أساسية يمكن أن تقال فى تحديد الصورة العامة: فالمسلم الفرد ينتظر منه أن ينظر إلى خضوع حريته الخاصة للعقائد والأخلاق والعادات الخاصة بالجماعة نظرته إلى الطريق السليم الوحيد للسلوك. وعلى حين كان المسلم يقدر حريته الشخصية ويعتز بها فإنه لا ينتظر منه أن يرى فيها منفعة يدافع عنها بالنفس والنفيس حيال مطالب الجماعة. ولم يكن ينتظر من الشخص من الناحية السياسية، أن يمارس أية حرية فى الاختيار من حيث رغبته فى الطريقة التى يحكم بها. وكان يحدث فى بعض الأحيان أنه يؤكد حقه بأن ينظر له أصحاب السلطان نظرة الند وأن يعاملوه على قدم المساواة. وفى بعض الظروف كان ثمة مشاركة بعيدة المدى للمجتمع فى الحكم (مثال ذلك ما حدث فى صدر الإسلام أو بين بعض أتباع الفرق) أو قل على الأقل أنه كان ثمة قدر معين من التوزيع الواسع للسلطة السياسية بين الأهلين (مثل ذلك الذى ربما حدث فى بعض دول المدن مثل إشبيلية). على أن السلطة الحكومية بصفة عامة لم تكن تسمح بأية مشاركة للأفراد فيها بصفتهم

المصادر

الشخصية ومن ثم كانوا لا يملكون حيالها أية حرية حقيقية. أما على المستوى الميتافيزيقى فإن مسألة مقدار الحرية الممنوحة للبشر حيال اللَّه القادر على كل شئ ظلت تشغل عقول المسلمين منذ الإسلام ومع ذلك فأيما كانت الرخصة فى ذلك فإنها لم تكن تعطى فى صورة أى نوع من الحرية الشخصية وإنما كانت تعطى لضمان قيام مجتمع أحسن تنظيمًا. زد على دلك أن الحل الأشعرى للغز الاختيار الذى اتسع انتشاره كان أدق وألطف من أن تعيه الجماهير وعلى أى حال فإن هذا الحل فشل فى أن يجعلهم يعون أهمية عنصر الحرية الإنسانية التى ينطوى عليها. المصادر: (1) The Muslim con-: F. Rosenthal cept of freedom، ليدن سنة 1960. (2) أما عن الكتب الإسلامية الحديثة التى تعنى أيضًا بعض العناية بالأساس التاريخى للحرية فانظر مصادر المادة التالية. خورشيد [روزنتال. F. Rosenthal] - العصر الحديث: الإمبراطورية العثمانية وما بعدها: ترجع الشواهد الأولى على استعمال كلمة حرية بمعنى سياسى محدد تحديدًا واضحًا إلى أواخر القرن الثامن عشر الميلادى فى تركية. ولم تكن الكلمة التى استعملت للدلالة عليها هى كلمة "حرية" بل كلمة "سربستييت"؛ (ثم سربستى من بعد أيضًا) وهما مصدران عربيان وفارسيان منتحلان من "سربست"؛ وسربستييت اصطلاح تركى مقرر يدل على عدم وجود حدود أو قيود (ومن ثم كان معنى "سربست تيمار" الإقطاع الذى تعود كل موارده إلى المقطع تمييزًا له عن الإقطاع المألوف الذى يحتفظ فيه ببعض موارده لتؤدي إلى بيت المال الإمبراطورى؛ وقد دلت كلمة "سربستييت" فى أول ظهور لها معروف فى الوثائق الرسمية بمعنى الحرية الجماعية أكثر من دلالتها على الحرية الفردية، أى بمعنى الاستقلال أكثر من معنى الحرية بمدلولها القديم الليبرالى. وهذا ماثل فى المادة الثالثة من معاهدة كوجوك قينارجه المعقودة سنة 1774 م التى قررت الاستقلال

القصير العمر لتتر القريم عن تركية وروسيا. فقد اتفقت هاتان الدولتان على الاعتراف بالتتر "متحررين من أية دولة أجنبية ومستقلين عنها تمام الاستقلال"؛ وقد عدّ السلطان رئيسهم الدينى "ولكن دون مساس بحريتهم السياسية والمدنية المقررة". وصيغ الكلمات كما وردت فى الأصل الإيطالى للمعاهدة للدلالة على هاتين العبارتين هي: Liberi, immediati, ed "independenti" assolutamente da "qualunque straniera potenza" و senza pero mettere in" copromesso la stalitita loro politica e "civile, وقد نقلت العبارتان إلى التركية كما يأتى "سربستييت وغير تعلق مستقل وجوهله أجنبى بر دولته تابع أولمه ماق أوزره .. وعهد أولونان سربستييت دولت ومملكتلرينه خلل كتيرمى يرك" (النص التركى فى جودت: تاريخ، جـ 1، ص 358 - 359؛ مجموعة معاهدات، جـ 3، ص 254، النص الإيطالى فى G.F. de Martens ... Recueil des traites 4، كوتنكن سنة 1795، ص 610 - 612). وقد أكسبت الثورة الفرنسية كلمة "سربستييت" معنى جديدًا. واستعملها موره لى السيد على أفندى السفير العثمانى فى باريس فى عهد حكومة الديركتوار فى كتابه "سفارتنامه"، ترجمة لكلمة liberte وخاصة فيما يتعلق بالشعارات والتشريعات (انظر على سبيل المثال تاريخ عثمانى أنجمنى مجموعه سى، رقم 23 [سنة 1329 هـ]، 1458، 1460 وانظر عن عرض "شعارات" الحرية على يد الفرنسيين فى تركية جودت: تاريخ، الطبعة الثانية، جـ 6، ص 182 - 183). أما "رئيس الكتاب" عاطف أفندى فقد أبدى فى مذكرته التى كتبها سنة 1798 م عن الموقف السياسى الناشئ من نشاط فرنسا الثورية تفهمًا أوضح للمضمون السياسى الجديد للكلمة، وللخطر الذى تمثله حيال النظام القائم فى الإمبراطورية العثمانية وفى غيرها. وهو يتحدث فى وصفه التمهيدى للثورة كيف أغرى الثوريون عامة الناس (عوام ناس) باتباعهم باذلين لهم الوعود بالمساواة والحرية (مساوات وسربستييت) وهما الوسيلتان إلى

الحصول على السعادة الكاملة فى هذه الدنيا. وقد روعه، بصفة أخص، ما فعله الفرنسيون فى ممتلكات البندقية السابقة التى استولوا عليها وهى الجزائر الأيونية والمدن الأربع القائمة على البر الأصلى. ذلك أن الفرنسيين برجوعهم إلى صور الحكم عند اليونان القدماء وإقامة صورة من الحرية (سربستييت) قد أفصحوا بجلاء عن نواياهم العدوانية (جودت تاريخ، الطبعة الثانية، جـ 6، ص 395، 400؛ وانظر B. Lewis فى J.Wld-Hist, جـ 1، سنة 1953، ص 120 وما بعدها [نسخة منقحة فى. G.S. Mertaux & F The New Asia: Croizet,eds نيويورك - لندن سنة 1965، ص 47 وما بعدها] و Slavonic Review، جـ 34، سنة 1955، ص 234 - 235). وقبل نهاية السنة كان الفرنسيون قد نزلوا فى بر مصر، وهنالك خاطب الجنرال بونابرت عند وصوله المصريين باسم الجمهورية الفرنسية التى "قامت على أساس الحرية والتسوية" وهما كلمتان وردتا فى الجبرتى (مظهر التقديس، القاهرة، من غير تاريخ، جـ 1، ص 37؛ وانظر نقولا الترك: مذكرات، طبعة غاستون فيت، القاهرة سنة 1950، ص 8؛ والنص يظهر أيضًا فى الجبرتى: عجائب الآثار، جـ 3، القاهرة سنة 1879, ص 4؛ وانظر حيدر الشهابى: لبنان إلخ .. ) وقد استعمل فى ذلك كلمة حرية التى كانت لا تزال أبعد من أن تكون مرادفًا مقبولا بصفة عامة للمصطلح الأوربى بمعناه السياسى. ويترجم روفى Ruphy فى قائمته بالكلمات الفرنسية والعربية التى نشرت 1802 كلمة Liberte بكلمة حرية، ولكنه وضع قيدًا على ذلك فقصر المعنى على أنه يدل على "ضد العبودية" وهو يفضل كلمة "سراح" للدلالة على "القدرة على الفعل" Dictionnaire abrege: J.F. Ruphy francais - arabe باريس سنة 1802، ص 120). وقد ترجم هانجرى الفنارى فى وقت متأخر يرجع إلى سنة 1841 العبارتين Liberte civile"" و " Liberte politique" بالعبارتين العربيتين: "رخصة شرعية" و"رخصة ملكية" Dictionnaire francais arabe - persan et

turc جـ 2، موسكو سنة 1840 - 1841، ص 397 مع شروح وشواهد). والإشارات القديمة إلى الحرية فى كتب المؤلفين المسلمين إشارات فيها عداء، وهم يجعلونها مرادفة للخلاعة والفجور والفوضى. على أن ثمة تغيرًا له مغزاه طرأ على الكلمة، ويمكن أن نراه فى فقرة من تاريخ شانى زاده المتوفى سنة 1826 م فى حوادث عام 1230 هـ (1815 م) وهو يناقش طبيعة مجالس الشورى (كيفيت مجالس مشورت) التى شاعت فى تلك الأيام. وقد حرص شانيزاده على أن يجعل أساس عقد مثل هذه المشاورات معتمدًا على السوابق الإسلامية والسنة العثمانية القديمة، وهو يحذر من إساءة استعمال هذه المجالس، ويبين فى الوقت نفسه أن المجالس التى من هذا القبيل تعقد على ما جرى به العرف محققة نتائج مفيدة فى "بعض الدول ذات النظام الحسن" (دول منتظمه) وفى قوله هذا تلطف بارز فى الإشارة إلى دول أوربا - وينسب إلى الأعضاء الذين يحضرون هذه المجالس صفة تمثيلية جديدة كل الجدة على الفكر السياسى الإسلامى. وكان أعضاء المجالس طائفتين: موظفين فى الدولة وممثلين للرعايا (وكلا رعيت)؛ وهم يتناقشون ويدلون بحججهم فى حرية (بروجه سربستييت)، وبذلك يصلون إلى قرارات (شانى زاده: تاريخ، جـ 4، إستانبول سنة 1291 هـ، ص 2 - 3؛ انظر B. Lewis فى Bulletin of the School of Oriental and African Studies، جـ 29، سنة 1966, ص 385 - 386). وفى العقود التالية من السنين أصبحت فكرة الحرية السياسية أكثر إلفًا لدى الناس بفضل مناقشة الشئون الأوربية وترجمة الكتب الأوربية (مثل الترجمة التركية لكتاب Storia d': Botta Italia القاهرة سنة 1249 هـ = 1834 م، وأعيد نشرها فى استانبول سنة 1293 هـ = 1876 م، وهذه الترجمة حافلة بالإشارات إلى المبادئ والنظم الليبرالية). وكذلك نوقشت هذه الفكرة وتوسع فيها على يد عدة كتاب من المسلمين الذين تأثروا على الأخص بذلك المذهب الدستورى المائل إلى

المحافظة فى العصر التالى لعصر نابليون، وبفكرة الدولة التى تقوم على حكم القانون وتباين الحكم المطلق الذى لا عنان له المأثور عن نابليون وحكم الثورة الخالى من القيود. ومن أهم هؤلاء الكتاب الشيخ المصرى رفاعه رافع الطهطاوى الذى عاش فى باريس (من سنة 1826 إلى سنة 1831 م) وقد نشر وصفه لما رأى وعلم أول ما نشر فى بولاق بالعربية سنة 1834 م وبالتركية سنة 1839 م وقد اشتمل هذا الوصف على ترجمة وتعليق على الدستور الفرنسى ووصف للمؤسسات البرلمانية التى كان الغرض منها أن تحقق قيام حكومة فى ظل القانون وحماية الرعايا من الطغيان وما يسميه الفرنسيون "الحرية" هو عين ما يسميه المسلمون "العدل والإنصاف" أى تحقيق المساواة أمام القانون والحكم بمقتضى القانون وتجنب الحاكم القيام بأفعال تحكمية غير قانونية ضد الرعية (تخليص الإبريز فى تلخيص باريز، طبعة مهدى علام وأحمد بدوى وأنور لوقا، القاهرة من غير تاريخ [1958؟ ] ص 148). وساعدت مساواة الشيخ رفاعة الحرية بالتصور الإسلامى المأثور عن العدل على ربط التصورات الجديدة بالتصورات القديمة وكيّف رفاعة كتاباته السياسية بسلسلة المواعظ الإسلامية الطويلة الموجهة إلى السلطان ليحكم بحكمة وعدل مع الاحترام الواجب للشرع والرعاية الواجبة لصالح رعاياه وخيرهم. أما الجديد والغريب على الأفكار السياسية التقليدية فكان اقتراح أن الرعية لها "الحق" فى أن تعامل بالعدل، وأنه لا بد من قيام جهاز لضمان هذا الحق، وقد تبين الشيخ رفاعة وشرح فى إدراك عجيب مهام البرلمان المختلفة والمحاكم والصحافة فى حماية الرعايا من الطغيان، أو قل إنه بين أثرها فى تمكين الرعايا من حماية أنفسهم: على أن الأمر البعيد عن الوضوح هو مدى إحساسه بارتباط هذه الأفكار والنظم بحاجات بلاده، ففى كتاباته المتأخرة لا نجد إلا إشارات قليلة لوجود أى ارتباط من هذا القبيل، بل إن امتداحه الخديوى إسماعيل لإقامته مجلسا للمشورة سنة 1866 م يفصح عن عناية تقليدية بواجبات الحاكم (العدل والمشورة) أكثر

مما يفصح عن عناية ليبرالية بحقوق المحكومين، وفى كتابه "المرشد الأمين" (القاهرة سنة 1862، ص 127 وما بعدها) يصف الحرية تحت خمسة عناوين فرعية، العنوانان الأخيران منها أحدهما "مدنى" والآخر "سياسى". وقد وصف الاثنين مرتبطين بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية والشرعية دون أن يشير إشارة خاصة إلى "حقوق سياسية" بالمعنى الليبرالى، أما الثلاثة العناوين الأولى فهى الطبيعة والاجتماعية (أى حرية السلوك) والدينية، والحرية السياسية هى أن تكفل الدولة للفرد التمتع بماله وممارسة حريته الطبيعية (أى القدرة الأساسية الفطرية لجميع المخلوقات على الأكل والشرب والحركة .. محدودة بحاجة المخلوق إلى تحاشى أن يلحق الضرر بنفسه وبالآخرين، أنظر L, Zolondeck: political freedom Al-Tahtawi and فى مجلة Muslim World, جـ 54، سنة 1964، ص 90 - 97). أما معاصر الشيخ رفاعة التركى صادق رفعت باشا فإنه كان غامضًا فى أفكاره النظرية عن الحرية، إلا أنه أكثر من رفاعة تحديدًا فى تطبيق الحرية المباشرة ببلاده، ففى مقال له سوّده أول الأمر حين كان السفير العثمانى فى فينا (وكان على اتصال وثيق بمترنيخ) ناقش صادق الفروق الجوهرية بين تركية وأوربا والوجوه التى تستطيع تركية أن تسعى فيها للإفادة من تقليد أوربا، وقد تأثر صادق تأثرًا عميقا بثراء أوربا وصناعتها وعلمها ورأى فيها أنها خير الوسائل لإحياء تركية وهو يشرح كلامه قائلا إن تقدم أوربا وازدهارها كان ثمرة لبعض الظروف السياسية وللإستقرار والطمأنينة، وهذه الظروف تعتمد بدورها على "الحصول على الأمان المطلق على الحياة والمال، وتحقيق شرف كل أمة وكل شعب وكذلك سمعته وسمعتها، أى أنها تعتمد على التطبيق السليم لحقوق "الحرية الواجبة" (حقوق لازمه حريت)، وكانت الحرية فى نظر صادق، كما هى فى نظر رفاعة، هى امتداد للفكرة الإسلامية المأثورة عن العدل، وهى التزام من الحاكم بتحرى العدل فى أفعاله والتزام الشرع، ولكن هذه الفكرة أيضًا تقوم

على "حقوق الأمة" (حقوق ملّت)، وإقامة هذه الحقوق فى تركية مسألة "من ألزم اللوازم" (النص فى صادق رفعت باشا: منتخبات آثار، إستانبول: أوربانك أحوالنه دائر .. رسالة ص 4، وأنظر للكاتب نفسه: إداره حكومتنك بعض قواعد أساسية سينى متضمن ... رسالة، فى مواضع مختلفة، وثمة رواية أخرى للنص فى عبد الرحمن مشرف: تاريخ محاسبه لرى، إستانبول سنة 1340 هـ، ص 125)، وثمة أفكار مشابهة لذلك عبر عنها كاتب تركى آخر هو مصطفى سامى، وكان سكرتيرًا سابقًا للسفارة العثمانية فى باريس، ذلك أنه يتحدث بإعجاب فى مقال له نشر سنة 1840 م عن الحريات السياسية والدينية بين الفرنسيين، وقد وجدت مثل هذه الأفكار تعبيرا رسميا لها فى المراسيم الإصلاحية الأولى الكبرى مثل فرمان قاعة الورد (كلخانه) الصادر سنة 1839 م، وهو يعترف ويحاول أن يقرر حقوق الرعايا فى الأمان على حياتهم وشرفهم وأملاكهم وأن تستظل الحكومة بالقانون، وثمة إشارتان خاصتان إلى الحرية فى المادة التى تكفل "أن يتصرف كل فرد فى ماله بكامل حريته (سربستييت). وفى المادة التى تتعلق بالمجالس والتى تكفل لكل من يحضرها "أن يعبر عن آرائه وملاحظاته بحرية "سربستجه" وبلا تردد" (النص فى دستور السلسلة الأولى، جـ 1، ص 4 - 7، وبالكتابة الحديثة فى أ، شرف كوز بويوك و. س. كيلى: تورك أناياسه متينلرى، أنقرة سنة 1957، ص 3 - 5، الترجمة الإنكليزية فى Hurewitz جـ 1، ص 113 - 116) وهذه الأفكار عن الحرية لم تزل تلزم جانب الحرص الشديد والمحافظة، وليس للمرء أن ينتظر أكثر من الشيخ رفاعة، وهو الخادم الأمين لحكام مصر، أو من صادق رفعت تلميذ مترنيخ ومعاون رشيد باشا صحيح أن الرعايا يجب أن تعاملهم الحكومة معاملة عادلة وقد كان لهم فى الواقع الحق فى أن يعاملوا معاملة عادلة، وأن القوانين يجب أن تسن لضمان هذه المعاملة إلا أنه لم تكن هناك بعد أية فكرة بأن للرعايا أى حق فى أن يشاركوا فى تكوين الحكومة أو توجيهها - أى الحق

فى الحرية السياسية أو المواطنية بالمعنى الذى ينطوى عليه تطور الفكر السياسى الليبرالى فى الغرب. وعلى حين كان المصلحون المحافظون يتحدثون عن الحرية فى ظل القانون كما أن بعض ملوك المسلمين قد جربوا المجالس والمجمعيات فإن الحكومات قد أخذت فى الواقع تزداد تحكمًا وعدوانًا بدلا من أن تقلل تحكمها وعدوانها. ذلك أن صبغ الحكومات بالصبغة الحديثة والقضاء على القوى المتوسطة قد دعم على الفور أوتوقراطية الدولة وأزال أو أوهن القيود التقليدية على الحكومة، وكلما أمعنت الحكومة فى تحكمها أثارت نقدًا أكثر تطرفًا. وكذلك أتاحت الصحافة المنشأة حديثًا والتى انتشرت بسرعة أداة للنقد، وأمدت أوربا القرن التاسع عشر الميلادى ذلك باتساع فى أفق التأثير والقدوة. وذهب البعض إلى أن بعض الحركات اللبنانية التى وقعت ما بين (سنتى 1820، 1821 م)، وسنة 1840 م قد تكون ثمرة لإيحاء أو تأثير من المثل الفرنسية الثورية للتحرر القومى والحرية السياسية. والوثائق التى تستند إليها هذه الفروض (فيليب وفريد خازن: مجموعات المحررات السياسية، والمفاوضات الدولية عن سورية ولبنان، جـ 1، جونية سنة 1910، ص 1 وما بعدها) قليلة غير وثيقة، وقد تعكس نشاط المهيجين الفرنسيين أكثر من تعبيرها عن أية حركة محلية أصيلة - وثمة تعبير أكثر تحديدًا عن الأفكار التحررية يرد فى وصف لثورة موارنة كسروان سنة (1858 - 1859 م)، تلك الثورة التى قادها طنيوس شاهين ويقول إنه كان يهدف إلى قيام حكومة جمهورية، ولعله كان يرمى إلى قيام صورة من الحكومة تمثيلية (أنطون العقيقى، طبعة يوسف إبراهيم يزبك: ثورة وفتنة فى لبنان، دمشق سنة 1938؛ الترجمة الإنكليزية بقلم Lebanon in the last years: M.H. Kerr feudalism of، بيروت سنة 1959، ص 53؛ وانظر أيضًا The: P.K.Hitti Impact of the West on Syria and Lebanon in the nineteenth century فى J. Wld Hist، جـ 2، سنة 1955، ص 629 - 630).

ثم إن تضخم التأثير الغربى فى أثناء حرب القريم وبعدها والضغوط الداخلية السياسية والاقتصادية قد ساعدت على وقوع إحياء للأفكار والأنشطة التحررية فى العقد السادس من القرن التاسع عشر الميلادى ففى تركية أبرز شناسى أهمية حرية التعبير فى مقالاته الافتتاحية فى مجلة "ترجمان أحوال" (العدد 1، سنة 1277 هـ = 1860 م) ومجلة "تصوير أفكار" (العدد 1، 15 يونيه سنة 1278 هـ = 1862 م). وفى سورية كتب الكاتب المسيحى فرانسيس فتح اللَّه المرَّاش حوارًا رمزيا (غابة الحق، بيروت سنة 1866، وأعيد طبعه فى القاهرة سنة 1298 هـ = 1880 - 1881 م) تضمن مناقشة فلسفية سياسية للحرية والظروف اللازمة لتدعيمها. وأكثر دخولا فى السياسة فى مضمونه كتاب كاتب مسلم هو خير الدين باشا المشهور الذى كان من واضعى القانون الدستورى التونسى لسنة 1861 م ("أقوم المسالك فى معرفة أحوال الممالك"، تونس سنة 1284 - 1285 هـ = 1867 - 1868 م؛ الترجمة الفرنسية necessaires Reformes musulmans aux etats، باريس سنة 1868 م؛ النسخة التركية، إستانبول سنة 1296 هـ = 1879 م). وفى هذا البرنامج الإصلاحى الجانح إلى المحافظة درس خير الدين منابع الثورة والسلطة فى أوربا، ووجد أن هذه المنابع تكمن فى النظم السياسية فيها، تلك النظم التى تحقق العدل والحرية. وقد جعل خير الدين العدل والحرية صنوين لا يفترقان، وأدلى ببعض التوصيات الحذرة أو قل الغامضة عن كيفية تحقيقهما فى الدول الإسلامية دون الخروج أو الابتعاد عن التقاليد والنظم الإسلامية، وذلك بالاعتماد على المشورة، ذلك أن مشورة العلماء والأعيان هى المرادف الإسلامى الموثوق به للنظام الأوربى الخاص بالحكومة التمثيلية والدستورية. ويجوز لنا أن نلاحظ فى هذا الصدد أن خير الدين فى رياسته للوزراء فى بلاد تونس فى السنوات (1873 - 1877) م, وفى توليه منصب الصدر الأعظم فى تركية فى سنة (1878 - 1879) م، لم يفعل شيئًا لإعادة الدستورين اللذين كانا قد أوقفا فى البلدين جميعًا.

وقد حدث من قبل سنة 1856 م، أن خاطب شناسى فى قصيدة قالها فى رشيد باشا المصلح بمناسبة قانون الإصلاح الذى صدر فى نفس هذا العام "لقد جعلتنا أحرارا (آزاد) بعد أن كنا أسرى الظلم" ثم مضى يقول "إن قانونك هو وثيقة عتق للناس (عتق نامه) وقد بين قانونك للسلطان حدوده". والمعانى الأصيلة التى تنطوى عليها هذه الكلمات (إحلال الحرية محل العدل بوصفها ضد الاستبداد، والإيحاء بوضع قيد دستورى على سلطات السلطان) قد تطورت واتضحت فى العقدين السادس والسابع من القرن التاسع عشر الميلادى بفضل تلك الطائفة من الوطنيين الأحرار الذين عرفوا بالعثمانيين الجدد (يكى عثمانليلر). والآراء السياسية لهؤلاء العثمانيين الجدد، وإن كانت قد صيغت فى صيغ إسلامية وبذل جهد ظاهر فى إرجاعها إلى التقاليد الإسلامية، أصولها أوربية، وهى تفصح عن اقتباس عثمانى إسلامى للوطنية التحررية التى كانت شائعة فى أوربا لذلك الوقت. وكان المثال الذى يتطلع إليه هؤلاء العثمانيون الجدد هو البرلمان الإنكليزى فى وستمنستر، وقد استقوا مثلهم من التعاليم الحرة لحركة التنوير الفرنسية والثورة الفرنسية كما صاغوا تنظيمهم وتحركاتهم على منوال الجمعيات السرية الوطنية فى إيطاليا وبولنده. وكان مفتاح كتاباتهم السياسية كلمتين هما "وطن" و"حرية" (حريت)، وكانت الحرية هى اسم المجلة الأسبوعية التى أصدروها فى المنفى (لندن، يونية سنة 1868 م - أبريل سنة 1870 م؛ جنيف، أبريل - يونية سنة 1870 م). وفى هذه المجلة وفى غيرها من كتاباتهم راح المثاليون لهؤلاء العثمانيين الجدد، وأولهم نامق كمال يعبرون عن تفسيرهم للحرية أى سيادة الشعب التى تكفلها الحكومة الدستورية التمثيلية (انظر على سبيل المثال المقال الذى نقله عن (حريت" ونشره. M Colombe باللغة الفرنسية فى Orient، عدد 13، سنة 1960، ص 123 - 133). وكان الواجب الأول للحكومة، فى نظر كمال والكتاب المسلمين المتقدمين، هو بعدُ الحكم بالعدل، ولكن العدل لا يعنى فحسب العناية بخير

الرعايا بل احترام الحقوق السياسية أيضًا. ويجب أن تؤمن هذه الحقوق بإقامة المؤسسات المناسبة: "وهناك تدبيران أساسيان لسير الحكومة فى حدود العدل، أولهما أن القواعد الأساسية التى تعمل بمقتضاها يجب ألا تكون بعد مضمرة أو مفهومة ضمنيا بل يجب أن تعلن على الملأ .. والمبدأ الثانى هو المشورة التى تجعل السلطة التشريعية مستقلة عن الحكومة" (نامق كمال: حقوق عموميه فى عبرت، عدد 18، سنة 1872؛ وأعيد طبع هذا المقال فى أبو ضيا توفيق: نمونه أدبيات عثمانيه، إستانبول سنة 1306 هـ، ص 357 - 358، وبالكتابة التركية الجديدة فى مصطفى. ن. أوزون: نامق كمال وعبرت غازته سى، إستانبول سنة 1938، ص 96 - 97؛ الترجمة الإنكليزية فى Emergence: Lewis، ص 140). وقد حاول نامق كمال، شأن أسلافه، أن يعرض هذه الأفكار المستوردة على اعتبار أنها تصورات طبيعية للأفكار الإسلامية التقليدية. وبهذه الطريقة تنمو العدالة فتصبح حرية ومشورة فتمثيلا للأمة. وإلى هذا المدى كان نامق كمال وزملاؤه قد سبقهم كتاب مطالع القرن التاسع عشر الميلادى، بل الحكام إلى حد ما الذين دعوا المجالس وأصدروا المراسيم على أن العثمانيين الجدد قد ذهبوا فى أفكارهم وأفعالهم إلى أبعد من أسلافهم الحذرين بكثير ذلك أن كمال كان يرى أن مجلس المشورة، حتى إذا كان منتخبًا، لا يكفى. وجوهر المسألة أن هذا المجلس هو المالك الوحيد للسلطة التشريعية التى تحرم بمقتضاه الحكومة منها. وهذا المذهب فى فصل السلطات الذى يعبر عنه ويعزز بدستور مكتوب، يدعم بفكرة أساسية أكبر هى فكرة سيادة الشعب التى يجعلها نامق كمال هى "البيعة" التقليدية: "وسيادة الشعب (حاكميت أهالى) التى تعنى أن سلطات الحكومة تستمد من الشعب ... حق ينشأ بالضرورة من الاستقلال الشخصى (استقلال ذاتى) الذى ينعم به كل شخص بالفطرة" (نامق كمال: حقوق عموميه، الموضع المذكور). ولم يخدع كمال بالوجوه الظاهرية التحريرية والدستورية للتنظيمات ذلك أن قانون الإصلاح لسنة 1839 م لم يكن، كما

زعم البعض، وثيقة دستورية أساسية (شرط نامه أساسى) بل كان إجراءً إداريًا لصبغ البلاد بالصبغة الغربية "ولو كان الأمر العالى فى الأحكام القانونية العامة التى وردت فى ديباجته لم يقتصر على الحرية الشخصية دون سواها، وهى الحرية التى فسرت بأنها تأمين الناس على حياتهم ومالهم وشرفهم، وأعلن علاوة على ذلك مبادئ أساسية أخرى كحرية الفكر، وسيادة الشعب، واعتماد الجهاز الحكومى على المشورة (أى حكومة تمثيلية مسؤولة) لا تخذ بذلك، وبذلك فقط صفة الميثاق الأساسى .. ) (عبرت، عدد 46، سنة 1872، وقد استشهد بذلك إحسان سونغى: تنظيمات ويكى عثمانلى لر فى تنظيمات، جـ 1، إستانبول سنة 1940, ص 845؛ الترجمة الإنكليزية فى Emergence: Lewis، ص 167). وبصدور الدستور العثمانى الأول سنة 1876 م، بدا البرنامج الحر البرلمانى للعثمانيين الجدد على وشك أن يتحقق. فقد قررت المادة العاشرة من هذا الدستور أن الحرية الشخصية لها حرمتها التى لا تنتهك، وتتناول المواد التالية: حرية العبادة والصحافة والاجتماع والتعليم .. إلخ. وكذلك التحرر من الانتهاكات التحكمية لحقوق الأفراد وللسكن والمال. على أن الأحكام السياسية فى هذا الدستور جاءت أقل من ذلك أخذًا بالحرية. فهى لا تستمد من سيادة الشعب بل من إرادة السلطان الذى احتفظ بامتيازات هامة كما احتفظ بسلطاته الباقية ولم يعترف إلا اعترافًا هينًا بمبدأ الفصل بين السلطات على أن عمر هذا الدستور الفعلى كان قصيرا على أية حال. ففى فبراير سنة 1878 م حل البرلمان، وظل لا يجتمع ثلاثين سنة أخرى. وفى عهد عبد الحميد كانت الحرية كلمة محكوما عليها بالإعدام، وأصبحت المثل التى تعبر عنها تزداد ندرة. وفى نظر المجددين الأتراك لهذا الجيل كان الغرب المنبع الذى تستقى منه المثل المادية لفوائد الحرية والهداية العقلية إلى طريق بلوغها. وقد كتب سعد اللَّه من معرض باريس سنة 1878 م يقول: "إذا نظرت إلى هذا العرض الساحر للتقدم البشرى فلا تنس أن كل هذا الذى

تحقق هو بفعل الحرية ففى ظل الحرية تحصل الشعوب والأمم على السعادة، وإذا انعدمت الحرية لم يعد هناك أمن، وبلا أمن لا يكون سعى، وبلا سعى لا يكون رخاء، وبلا رخاء لا تكون سعادة .. " (سعد اللَّه باشا: 1878, باريس إكسبوزسيونى فى أبو ضيا توفيق: نمونه .. ص 288؛ الترجمة الإنكليزية فى Middle East: B . Lewis, ص 47). وكما أن جيلا سابقًا قد اتجه إلى فولتير وروسو ومونتسكيو فكذلك قرأ الجيل الجديد كتابات هايكل Haeckel وبوخنر Buechner وله بون Le Bon (وكان الأخير يفضل بصفة خاصة لتعاطفه مع الإسلام) وسبنسر ومل وغيرهم كثير. وقد كتب حسين رحمي سنة 1908 م يقول: "إذا كان يوجد اليوم أناس يستطيعون التفكير والكتابة والدفاع عن الحرية، فإنهم أولئك الذين تنورت عقولهم بهذه القبسات (من الثقافة الأوربية) وفى تلك الأيام المظلمة الكئيبة كان أصدقاؤنا وهداتنا هم تلك الكنوز العقلية للغرب، وقد تعلمنا حب التفكير وحب الحرية من هذه الكنوز" (مقدمة شبسودى، إستانبول سنة 1912؛ الترجمة الإنكليزية فى Niyazi Secularism: Berkes، ص 292). ونستطيع أن نعبر عن ذلك فى لغة سياسية عملية فنقول إن الحرية كانت تعنى حكومة دستورية تمثيلية - أى أنها نهاية للأوتوقراطية وعودة الدستور وتأمين حقوق المواطن بالانتخابات والبرلمانات الحرة. على أن الحرية لم تعد مسألة سياسية محضا، ذلك أنها كانت تقتضى فيما تقتضيه عند أنصار الأفكار المادية والعلمانية تحررًا عقليًا مما ارتأوا أنه قيود غامضة تقوم على الدين ولعل أول من تصور الحرية فى لغة الاجتماع والاقتصاد كان هو الأمير صباح الدين الذى سعى إلى الخروج بتركية من النظام الجماعى إلى نظام اجتماعى فردى بانتهاج سياسة الفيدرالية واللامركزية وبتشجيع العمل الخاص. ذلك أنه أسس سنة 1902 م جمعية كرست لتحقيق هذه الأغراض. وقد أوحت أفكار من هذا القبيل بقيام الاتفاق التحررى "حريت وائتلاف" الذى ظهر سنة 1911 م إحياء لحزب الاتحاد والترقى وثمة شاهد هام على استعمال الكلمة بمعنى اجتماعى ذاتى

نجده فى الكتاب المشهور لقاسم أمين "تحرير المرأة" (القاهرة سنة 1316 هـ = 1898 م وسنة 1905؛ الترجمتان التركيتان القاهرة سنة 1326 هـ = 1908 م، وإستانبول سنة 1329 هـ = 1911 م، وباللغة التركية الشمالية، قازان سنة 1909). وكان قيام حرية فعالة للفكر والتعبير إلى حين بعد ثورة سنة 1908 م، فاتحة فترة من المناقشة الحامية درست فيها مشكلة الحرية وغيرها من المشكلات وحللت ونوقشت من عدة وجوه. وقد وجدت الحرية السياسية والاجتماعية والاقتصادية والدينية جميعًا أنصارًا لها ومدافعين عنها. ولكن الذى حدث بعد أن أحكم العثمانيون الجدد قيود الأوتوقراطية والرقابة أن خفت المناقشة وتفه شأنها. أما فى تركية الجديدة التى برزت فى ظل الجمهورية الأولى والجمهورية الثانية فلم تختلف مناقشة الحرية اختلافا ملحوظًا عنها فى أوروبا، ولا يقتضى المقام أن نتناولها هنا. وقد لعب الرعايا العثمانيون فى البلاد العربية دورًا معينًا فى حركة التحرير من أول الأمر تقريبًا. ففى 24 مارس سنة 1867 م نشر الأمير المصرى مصطفى فاضل باشا فى الصحيفة الفرنسية Liberte خطابًا مفتوحًا للسلطان ينصحه بمنح دستور للإمبراطورية العثمانية (أعيد طبعة فى مجلة Orient، عدد 5 سنة 1958، ص 29 - 38) ولم يكتف هذا الباشا بمنحهم أول منشور (مانيفستو) بل لقد عاون ماليًا أيضًا العثمانيين الجدد المنفيين، وخلفه فى هذا من بعد أخوه الخديوى إسماعيل الذى رأى فيهم أداة نافعة لخدمة أغراضه السياسية. وفى أيام عبد الحميد كانت أول صحيفة حرة تنشر فى المنفى هى الصحيفة التى أصدرها سليم فارس من أبناء أحمد فارس الشدياق وكان صدورها فى لندن سنة 1894 م وعنوانها "حريت" كما كانت إحياءً ذا مغزى للمجلة الأسبوعية التى سبقتها على يد العثمانيين الجدد. على أن عملاء السلطان أغروه من بعد بإيقاف نشر هذه المجلة. ومن بين المنفيين الآخرين

الأمير اللبنانى أمين أرسلان الذى نشر صحيفة عربية اسمها "كشف النقاب" فى باريس سنة 1895 م؛ ونائب سورى سابق فى البرلمان العثمانى سنة 1876 م، وهو خليل غانم الذى أصبح نشطًا فى دوائر حزب تركية الفتاة. وقد وجدت أفكار وحجج العثمانيين الجدد ورجال تركية الفتاة صداها فى المطبوعات العربية التى جنحت فى تلك الأيام إلى تقديم اقتباس إقليمى للأفكار التى كانت تدور بين الجماعات الحاكمة التركية. ومن ثم فإن الشعار "حب الوطن من الإيمان" الذى كثرت مناقشته عند ظهوره فى المجلة السورية نصف الشهرية "الجنان" سنة 1870 م يعد امتدادا لاستعماله بصفة منتظمة فى مجلة العثمانيين الجدد "حريت" من (سننة 1868 إلى سنة 1870 م). ولا بد أن يكون نمو الجماعات الفدرالية بين العرب العثمانيين متصلا بالحركة الفدرالية عند الأتراك. وفى مصر فى ظل الخديوين والحكم البريطانى نشأ الفكر السياسى على أسس مختلفة، وقد تأثر تأثرا مباشرًا فى كثير بأوروبا، وتأثر تأثرًا مباشرًا فى قليل بالأحداث والحركات التى قامت فى الإمبراطورية العثمانية, ولو أنه فى هذه الإمبراطورية قد تأثر بهذه الأحداث والحركات. وكان كثير من زعماء الفكر مهاجرين من البلاد العثمانية يتحدثون بالعربية أما الوجود العرضى لنشاط شخصيات تركية فى مصر مثل الأمير صباح الدين وعبد الله جودت فإنه لا يمكن أن يكون قد مر بدون التفات. فقد كتب ولى الدين يكن وهو من أصل تركى وقد شارك فى الأمور السياسية لحزب تركية الفتاة - بالعربية كثيرًا فى المشاكل السياسية والاجتماعية. وكانت لترجمة جودت لكتاب ألفييرى عن الاستبداد (Vittorio Della tirranide: Alfieri) بعض الأثر: والظاهر أن هذه الترجمة كانت الأساس للاقتباس المشهور لكتاب ألفييرى على يد الحلبى المنفى فى مصر عبد الرحمن الكواكبى، وعنوانه "طبائع الاستبداد" (القاهرة من غير تاريخ؛ انظر Alfieri and: Sylvia G. Haim فى Oriente Maderno Kawakibi جـ 34، سنة 1954، ص 321 - 324؛ E. Rossi: Una tradizione turca dell-opera a "Della

Tirannide" di V. Alfieri. الجزء نفسه، ص 335 - 337). ومن أقدم المناقشات للحرية فى مصر التى مرت فى تلك الأيام دون التفات كبير وأتت بعد الشيخ رفاعة هى المناقشة التى قام بها الأزهرى الشيخ حسين المرصفى. فهو قد عمد فى "رسالة الكلم الثمان" التى نشرها فى القاهرة سنة 1298 هـ (1881 م) إلى دراسة وتفسير ثمانية مصطلحات سياسية شاعت على ألسنة الناس وقصد بذلك فائدة الشبان الأذكياء فى تلك الأيام، وكانت "الحرية" ص 36 - 37) مصطلحًا من هذه المصطلحات فسرها فى لغة طبيعية اجتماعية، ففرق بين الإنسان والبهائم ودرس ما درج عليه الناس اجتماعيًا من التخصص والاجتماع ومن ثم كانت الحاجة إلى التعاون الاجتماعى والاعتراف المشترك بالحقوق. وقد أدرك الشيخ المرصفى الحاجة إلى الحرية بهذا المعنى الطبيعى والاجتماعى، ولكنه يحذر قراءة الشبان فى شئ من الغموض من التوسعات العصية لهذه الفكرة فى عالم السياسة. وعلى الرغم من هذه التحذيرات فإن الفكر السياسى الليبرالى الأوربى ظل ينمو ووجد تعبيرا له بكثرة فى الكتابات العربية والتركية. فقد عرضت مزايا الحرية عروضًا شتى ودوفع عنها. ورأى البعض الذين فهموا الحرية فهمًا غامضًا أنها لم تزل طلسمًا سريًا لرخاء الغرب وسلطانه. ولذلك فإن اقتباسها كان أمرًا مرغوبًا فيه لبلوغ هذه النتائج نفسها. ورأى البعض الآخر أن الحرية هى القضاء على الاستبداد الذى تجسد فى شخص السلطان عبد الحميد، وإقامة نظام دستورى للحكم بدلا منه. ولعل آخر عرض وأقواه للموقف الليبرالى التقليدى فى العربية كان على يد المصرى أحمد لطفى السيد (1872 - 1963 م). كان هذا الرجل تليمذًا صريحًا لجون ستيوارت مل وغيره من ليبراليى القرن التاسع عشر الميلادى. وقد جعل مشكلة الحرية محور تفكيره السياسى. فالحرية فى الجوهر معناها حقوق الفرد، أجل حريته الطبيعية التى لا نزول عنها تحددها وتؤمنها الحقوق المدنية، وهذه تؤمنها التدابير والنظم السياسية والشرعية. ويجب أن يكون عمل الدولة وتدخلها فى أقل درجة. ويجب أن تؤمن حرية الفرد والأمة على يد صحافة

حرة وقضاء مستقل ونظام حكم دستورى يحقق الفصل بين السلطات. ولم يعن لطفى السيد بحرية الفرد فحسب، بل عنى أيضًا بحرية الأمة التى لها حقوق طبيعية مشتركة متميزة عن مجموع الحقوق الإضافية للأشخاص التى تتألف منها هذه الحرية، وقد أنكر لطفى السيد الجامعة الإسلامية واعترض على القومية العربية، ورأى أن الأمة هى مصر ودافع عن تحررها من الحكم الأجنبى والتسلط الوطنى. ومضى التفسير الليبرالى يجد له أنصارًا وخاصة بعد ثورة حزب تركية الفتاة سنة 1908 م، ثم بعد الانتصار العسكرى للديموقراطيات عقب ذلك بعشر سنوات، على أننا نجد فى الوقت نفسه تفسيرًا جديدًا للحرية ينمو ويكتسب أنصارًا، وقد نشأ هذا التفسير من انتشار الاستعمار وظهور القومية. ذلك أن الحرية فى استعمال الآخذين بالقومية مرادفة للاستقلال أى سيادة الدولة لا تكبلها أية سلطة أجنبية أقوى منها. ويقال للأمة أمة حرة إذا تجردت من أى خضوع من هذا القبيل للأجانب، بصرف النظر عن الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية السائدة فيها. وكان هذا التفسير للحرية بين الأتراك الذين لم يفقدوا استقلالهم قط وإن تهدد هذا الاستقلال، أقل أثرًا منه بين الشعوب العربية التى كان الموضوع الرئيسى الذى تدور حوله حياتهم السياسية هو إنهاء الحكم الأجنبى. والذى حدث فى المدة التى ساد فيها البريطانيون والفرنسيون أن الحرية الفردية لم تكن قط قضية تثير الاهتمام الكثير. صحيح أن هذه الحرية كانت فى كثير من الأحوال محدودة وفى بعض الأحوال معطلة إلا أنها كانت بصفة عامة أشمل وأفضل تأمينًا مما كانت عليه من قبل ومن بعد ذلك أن نظم الحكم الاستعمارية منحت الحرية وأمسكت عن الاستقلال. وكان من الطبيعى أن يكون الصراع ضد الاستعمار مركزًا على الاستقلال تاركًا الحرية. وفى الانقلاب الأخير على الغرب أنكرت أيضًا الديموقراطية الغربية ورميت بأنها زيف وخداع ولا قيمة لها للمسلمين. واحتفظت كلمة "حرية" وكلمة "تحرير" بسحرهما، ولكنهما خلتا من ذلك المضمون الفردى

المصادر

الليبرالى الذى استرعى أول الأمر التفات المسلمين فى القرن التاسع عشر الميلادى. ولا تزال أصوات قليلة تتحدث عن الحقوق الشخصية الفردية، وقد استعمل بعض الكتاب كلمة من الأصل نفسه وهى "التحرر" للدلالة على التحرر الذاتى النفسى أو التحرر "من قيود التقاليد وغيرها". على أن الحرية، فى نظر معظم من يستعملون الكلمة، صفة جماعية وليست صفة شخصية. فقد فسرت أول الأمر سياسيًا بأنها الاستقلال ثم ثبت أن هذه الكلمة فى ذاتها غير مناسبة فأعيد تفسيرها فى لغة شبه اقتصادية بأنها التجرد من الاستغلال الخاص والاجنبى. المصادر: عن تركية: (1) أو فى بيان بلغة من اللغات الغربية عن تاريخ الأفكار فى تركية هو The development of sec-: Niyazi Berkes ularism in Turkey, مونتريال سنة 1964. (2) وانظر عن تاريخ الفكر المعاصر فى تركية: حلمى ضيا أولكن: تركيه ده جاغداش دوسونجه تاريخى، قونية سنة 1959. (3) وانظر فى شأن موضوعات وفترات خاصة: شريف ماردين: The genesis of young Ottoman thought برنستون سنة 1962. (4) الكاتب نفسه: The mind of the 1900 - 1700 ,Turkish reformer فى The Western Humanities Review, جـ 14، سنة 1960، ص 413 - 436. (5) الكاتب نفسه: - Liberation Move 1895 - 1878 ments in the Ottoman Empire فى Middle East Journal، جـ 16، سنة 1962، ص 169 - 182. (6) الكاتب نفسه: يون توركلر ك سياسى فكرلرى 1895 - 1908, أنقرة سنة 1964 (ويشمل نسخة تركية من المقال السابق). (7) The Young Turks,: E. E. Ramsaur Prelude to the Ottoman revoluation of 1908، برنستون سنة 1957. (8) ت. ز. طونايا: حريتنك إعلانى: إيكنجى مشروطيتك سياسى، حياتنه باقيشلر، إستنابول سنة 1959. (9) الكاتب نفسه: توركيه نك سياسى حياتنده باطليلشمه حركتلرى، استنابول سنة 1960.

(10) وانظر عن المناقشات الأوجز للفكر السياسى الوارد فى هذه المادة. B The Emergence of Modern Tur-: Lewis key، نسخة منقحة، لندن سنة 1968 عن البلاد العربية (ب) (1) الكتاب الرائد فى الفكر السياسى العربى الحديث وإن كان قليل الاستعمال لا يعترف به إلا اعترافًا قليلا هو مجموعة رائف الخورى: الفكر العربى الحديث، بيروت سنة 1943، وهو مجموعة مقتطفات مع مقدمة، ويصور أثر الثورة الفرنسية فى الفكر العربى. (2) وقد نوقش موضوع الحرية فى عدد من الكتب عن القومية وما إليها: The ideas of Arob: H. Z. Nuseibeh natianalism، إيثاكا، سنة 1956. (3) The intellectual: J. M Ahmed origine of Egyptian nationlism, لندن سنة 1960. (4) Egypt in search of: N. Safran political community. كمبردج من أعمال ماساشوستس، سنة 1961. (5) Arab nationalism: Sylvia G. Haim، بركلى ولوس أنجليس سنة 1962. (6) The: Ibrahim Abu - Lughod Arab rediscovery of Europe, برنستون، سنة 1963. (7) وقد حظيت الليبرالية العربية بعناية خاصة فى Arabic: A. Hourani 1939 - 1798 thought in the liberal age, لندن سنة 1962. مصادر عامة (جـ): (1) La cite musulmane: : L. Gardet vie sociale et Politigue، باريس 1954. (2) Islam in: W. Cantwell Smith modern history برنستون 1975. (3) Der Islamische Ori-: W. Braune ent Zwischen Vergangenheit und Zukunft, بيرن - ميونخ سنة 1960. (4) Modern: G. E von Grunebaum Islam: the Search for cultural identity, بيركلى ولوس أنجلوس سنة 1962. (5) The Middle East and: B. Lewis the West. لندن - بلومنكتون. سنة 1964. خورشيد [لويس B. Lewis]

حرفوش

حرفوش اسم أسرة من أمراء الشيعة فى منطقة بعلبك أيام العثمانيين، وكان إقليم بعلبك اصطلاحًا جزءًا من "ولاية" دمشق، وتاريخًا أكثر ارتباطًا بجبل لبنان، وكان الأمراء الحرافيش فى كثير من الأحيان أتباعًا بالفعل لأمراء لبنان من دولتى معن وشهاب، وأصول أسرة حرفوش ليست واضحة، ولكن هذه الأسرة كانت من قبل قد مكّنت لنفسها فى إقليم بعلبك فى النصف الثانى من القرن العاشر الهجرى (السادس عشر الميلادى) حين تآمر موسى حرفوش مع غيره من الزعماء المجاورين على قورقماز معن الشوف سنة 992 هـ (1584 - 1585 م؛ وأصبح خلفه يونس حرفوش حليفًا لفخر الدين الثانى وتابعًا له. وظل أمراء حرفوش يسيطرون على إقليم بعلبك ويفرضون عليه حكمهم العدوانى حتى أعيد تنظيم جهاز الحكم العثمانى للإدارة الإقليمية سنة 1864. وحدث قبل ذلك، أى فى سنة 1850، أن تزعم محمد حرفوش فتنة على العثمانيين فانتقموا منه بشدة. فأطيح بأمراء حرفوش وطوردوا حتى قضى على سلطانهم تمامًا سنة 1866 ورد الباقين من الأسرة إلى حالة من الفقر المدقع. المصادر: (1) بطرس البستانى: دائرة المعارف جـ 7 ص 9. (2) عيسى إسكندر المعلوف: دواني القطوف فى تاريخ بنى المعلوف، بعبدا سنة 1907 - 1908، ص 155, 159، 213، 228، 231. (3) Feudalism in: A. N. Poliak 12 Egypt, Syria Palestine and Lebanon 1900 - 50 لندن سنة 1939 ص 59. (4) طنّوس الشدياق: أخبار الأعيان فى جبل لبنان، بيروت سنة 1859. خورشيد [ك. س. صليبى R. S Salibi] حرقوص بن زهير السعدى صحابى غزا سوق الأهواز واشترك فى حصار "الدار" وأصبح خارجيًا. ولا نجد مصدرًا يذكر تاريخ إسلامه،

ولكننا نستطع أن نستنبط أنه حدث فى تاريخ مبكر بعض الشئ استنادًا إلى أنه كان من المسلمين الذين عاهدوا النبى [-صلى الله عليه وسلم-] "تحت الشجرة" سنة 6 هـ (628 م) فى الحديبية. وقد ذكر اسم حرقوص أول ما ذكر فى كتب المؤرخين العرب سنة 17 هـ (638 م)، ذلك أن القائد الفارسى الهرمزان المدافع عن الأهواز كان يسلك مسلك التهديد بالرغم من العهد الذى كان قد أبرم مع المسلمين، فحذر عُتْبَة بن غَزْوان والى البصرة الخليفة عمر من ذلك فبادر عمر من فوره إلى إنفاذ جنود تحت إمرة حرقوص. وجمع المسلمون قواتهم وساروا إلى الهرمزان وهزموه فوق جسر الأهواز (ويعرف بالأهواز فحسب)، وكان حرقوص هو الذى استولى على هذه المدينة وفرض الجزية على أهل هذه المنطقة التى كانت تمتد حتى أرباض تُسْتَر، وحمل إلى المدينة بشرى النصر وخمس الغنائم، وأنفذ جَزءْ بن معاوية لمطاردة الهرمزان وأبلغ هو وعتبة بن غزوان هذا القائد بشروط الصلح التى فرضها الخليفة على الهرمزان وقبلها الهرمزان. وتلقى حرقوص من الخليفة لقب "أمير على القتال" ولقب "الأمير" على البلاد التى فتحها. فلما استؤنف القتال مع الهرمزان لم يشترك فيه إلا اشتراكًا ثانويًا، ذلك أنه كلف بقيادة جنود الكوفة والبصرة قواد آخرون. وظهر حرقوص مرة أخرى فى البصرة سنة 35 هـ (655 - 656 م)، ذلك أنه لما خرجت جماعة من البصرة إلى المدينة هى والمنشقون من مصر والكوفة للاحتجاج على سياسة الخليفة عثمان، كان حرقوص زعيمهم (الطبرى جـ 1، ص 2955؛ مسكويه، جـ 1، ص 487). وفى مراحل حصار دار عثمان، وهى مقتل عثمان ومبايعة على، لم يكن لحرقوص شأن هام فى ذلك وعاد حرقوص إلى الظهور فى البصرة حين كانت عائشة وطلحة والزبير يقتربون من هذه المدينة منتقضين على علىّ، وهنالك انضم إلى حُكيَم بن جبلة صاحب شرطة البصرة وإلى غيره الذين تورطوا فى مقتل عثمان ليحولوا بالقوة المسلحة بين قوات المنتقضين الثلاثة وبين حصار البصرة. وحين نقضت الهدنة بين الوالى عثمان بن

حنيف وبين أعداء على الثلاثة واحتلت قواتهم البصرة احتلالا تامًا صدر أمر يلزم أهلها باعتقال جميع من اشتركوا فى حصار دار عثمان (النُفّار). وكان حرقوص بفراره والتجائه إلى قبيلته بنى سعد، هو الوحيد الذى استطاع النجاة من المذبحة التى أعقبت ذلك؛ ولم تذكر المصادر أن حرقوصا شهد وقعة الجمل، ومن ثم فإن من المعقول أن نذهب إلى أنه سار على سياسة أفراد قبيلته الذين كانوا من العثمانية، أى الحزب الموالى للخليفة عثمان، فلم يرغبوا فى القتال من أجل على (انظر الطبرى، جـ 1، ص 3168). على ان حرقوصا شهد صفّين فى جيش الخليفة. والذهبى هو، فيما نعلم، الكاتب الوحيد الذى أنبأنا بهذا الخبر، ولكن يبدو من المحتمل كثيرًا أن حرقوصا شهد هذه الوقعة، بدليل أن الأحنف بن قيس (وهو شيخ تميم البصرة الذين كان بنو سعد فرعًا منها) بعد أن ظل على الحياد فى وقعة الجمل، قد انحاز هو واتباعه إلى جانب الخليفة على. وحدث بعد ذلك أن حرقوصا اتخذ موقفًا يختلف اختلافًا تامًا عن موقف قبيلته إذ اعتنق مذهب الخوارج. وقد ذكرت المصادر أنه شهد وقعة حروراء (انظر الشماخى: السير، ص 49) وقد قام بينه وبين على حجاج عنيف حين جاهر على بعزمه على البقاء مخلصًا لما اتفق عليه فى صفين (الطبرى، جـ 1، ص 3360 وغير ذلك من المواضع)، كما ذكرت اشتراكه فى اجتماعات المنشقين السرية فى الكوفة حيث قرروا الاجتماع قرب قناة النهروان؛ وإباءه مرتين أن يتولى زعامتهم، ثم ذكرت وفاته آخر الأمر بين الخوارج فى النهروان. على أن الأحنف بن قيس قاتل فى ثلاثة آلاف من أتباعه، فى جانب على فى هذه المعركة (صفر سنة 38 يولية - اْغسطس سنة 657). وقد قيل إن حرقوصا هو نفس الرجل التميمى الذى يدعى "عمرو ذو الخوَيْصرِة أو ذو الخنيصرة التميمى"؛ الذى أخذ عليه بأنه توقح فى حق الرسول أثناء اقتسام الغنائم (ابن هشام، ص 884؛ الواقدى طبعة فلهاوزن. ص 376. الطبرى، جـ 1، ص 1682 انظر عن القول بأن هذا الرجل هو حرقوص: المبّرد: الكامل، ص 565؛

المصادر

الدميرى: حياة الحيوان، مادة حرقوص؛ ابن حجر: الإصابة فيما يلى)، بل لقد جعل حرقوصا هو ذو الثُدَيَّة الذى كان على كتفه زائدة تشبه "الثدية" وهذا الرجل بدوره يقال أحيانًا إنه هو عين شخص آخر يلقب "بالمُخدج" أى ذى الذراع الواحدة أو أنه يلتبس به. وأمر على بالبحث بين الخوارج الذين قتلوا فى النهروان عن شخص أو آخر من هؤلاء الأشخاص ليتحقق من نبوءة سمع بها. والمصادر التاريخية التى تذكر هذا الخبر لا تزودنا بتفسير لهذه النبوءة ولكن بعض الأحاديث ترويها بلغة تربطها صراحة أو كناية بمذهب الخوارج، زد على ذلك أن الأحاديث تذكر أن شخصًا غامضًا هو ذو الخويصرة أو ذو الخنيصرة أو مخدج قد أمد النبى [- صلى الله عليه وسلم -] بالمناسبة التى تجعله يتنبأ بهذه الحركة، ومن ثم كان من الطبيعى أن يحرص علىّ على الكشف عن هذه الشخصية الغامضة بين خوارج النهروان. وأنه لا مناص من أن تجعل حينًا هى حرقوص وحينا هى مقاتلة آخرون قتلوا فى هذه المعركة انظر الأقوال والتفصيلات An- Caetani nali سنة 8 هـ، فصل 169, تعليق 1، سنة 38 هـ، الفصلان 107، 112، تعليق 2، 115، 119، 126، 129 [ص 111]، 130 [ص 114]، 139، 140، 150 - 153، 158). وموقف الكتب التى ترجمت للصحابة جدير بالملاحظة، فإن عبد البر يهمله فى كتابه الاستيعاب وابن الأثير والذهبى قد سلما بخارجيته وعداها أمرًا واقعًا، ويروى لنا ابن حجر أن ثمة شكوكًا حول مصرع هذا الصحابى بين الخوارج فى النهروان، ثم يضيف بمناسبة وجود حديث يقول بدخول جميع من اشتركوا فى بيعة الشجرة الجنة إلا واحدًا، أن هذا الواحد الذى استثنى قد جعل هو حرقوص، ولكنه لا يتحمل مسؤولية القول بذلك. المصادر: (1) الدينورى: الأخبار الطوال، طبعة Guirgass، ص 215، تعليق جـ، 217، 223. (2) الطبرى، جـ 1، ص 2541، 2542 - 2545، 2551، 2955, 3130 - 3132، 3156، 3168,

3360، 3364، 3365، 3367، 3380، 3382. (3) المسعودى: مروج الذهب، جـ 4، ص 415، جـ 5، ص 115. (4) مسكويه: تجارب الأمم، طبعة طبق الأصل من مخطوط استانبول، ليدن 1909، جـ 1، ص 487، 533، 539، 549. (5) عبد القادر البغدادى: الفرق بين الفرق، ص 60 (حيث ذكرت نسبة حرقوص على خلاف سائر المصادر الأخرى، البجلى). (6) ابن الأثير، جـ 2، ص 425 - 427؛ جـ 3، ص 125، 176 - 178، 190، 195، 279 - 282، 290، 291. (7) الكاتب نفسه: أسد الغابة، جـ 1، 396. (8) ياقوت: المعجم، جـ 1، ص 412. (9) ابن حجر: الإصابة، جـ 1، ص 656، رقم 1654. (10) البرادى: الجواهر، طبعة حجرية، القاهرة سنة 1302 هـ، ص 118، 127، 128، 129، 130، 131, 142. (11) الشمّاخى: السير، طبعة حجرية، القاهرة سنة 1301, ص 49. (12) ابن خلدون، جـ 2، ص 112. (13) Annali dell' Islam: L. Caetani, سنة 8 هـ, فصل 169. تعليق 1، سنة 17 هـ، فصل 103, 104، سنة 36 هـ, فصل 42 (ص 47) 99 (102)؛ سنة 38 هـ، فصل 90، 114، 115، 150 تعليق 2، 158، 305 (الوفيات). (14) Tra-: L. Veccia Vaglieri duzione di passi riguadenti il confitto Ali -Mu'awiya e. la seccessione kharigite An nali dell'Instuto Uniuersitario Orientale di Napoli فى جـ 5 (سنة 1954)، تعليق 10، ص 3، 20 وتعليق 4، ص 39، 41، 46، 69، 70، 80. خورشيد [فشيا فاكلييرى L. Veccia Vaglieri] " حَرَم": الممنوع أو المقدس ومن ثم إسم المنطقة الحرام لمدينتى مكة والمدينة (تطلق عليها غالبًا صيغ المثنى "الحرمين"). وهى تطلق أيضًا على مساكن الحريم التى يحرم دخولها على الغرباء، كما تطلق على ساكنيها، وهى بهذا المعنى مرادف لكلمة حرام. الشنتناوى [هيئة التحرير]

الحروف

الحروف (علم): فرع من الجفر كان فى الأصل معنيًا بهوس ترديد الحروف حتى لا تنسى بالمعنى الضيق لهذا الهوس. ولكنه أصبح، عند بعض الفرق الباطنية ضربًا من ممارسة السحر حتى أن ابن خلدون (المقدمة، جـ 3، ص 137 - 161؛ الترجمة الفرنسية، ص 188 - 200، طبعة روزنتال ص 171 - 182) أطلق علية اسم "السيمياء" التى تقتصر فى العادة على السحر الأبيض. وعلم الحروف يقوم على خصائص خفية لحروف الهجاء وللأسماء القدسية والملائكية التى تتكون من الحروف. وهناك ثلاثة عناصر داخلة فى تفسير الهوس المشار إليه وهى: "حساب الجُمّل" (أو "حساب النيم" فى قول ابن خلدون فى المقدمة، جـ 1، ص 209 - 213؛ الترجمة الفرنسية، ص 241 - 245؛ وطبعة روزنتال، 34 - 238) ومعرفة الخواص الطبيعية للحروف (علم الخواص) التى تقوم على الكيمياء؛ وقراءاتها التنجيمية. وهى فى هذا ترتبط بفن الطلسمات الذى يرى ابن خلدون أنها مشتقة منه. وتقسم الحروف الثمانية والعشرون للأبجدية العربية إلى أربع فئات، كل فئة من سبعة أحرف تطابق العناصر الأربعة الأساسية. ونحن نورد هنا التصنيف الذى يؤثره المشرق مع الخلافات المغربية: فالنار: ء، هـ، ف، م، ف، ش/ س (فى المغرب) و: ز؛ والهواء: ب، و، ى، ص/ ض (فى المغرب)، ت، ض/ ظ (فى المغرب)؛ والماء: ج، ز، ك، س/ ش (فى المغرب) والأرض: د، ح، ل، ع، ر، خ، غ / ش (فى المغرب). ويمكن أن نرى للوهلة الأولى أن الأمر أمر تقسيم الأبجد العربى إلى سبع مجموعات كل مجموعة من أربعة حروف كما يأتى: أبجد، هوزح، طيكل، منسع (فى المغرب: منصع)، فصقر (فى المغرب: فضقر) شتثخ (فى المغرب: ستثخ)، ذ ضظع. (فى المغرب: ذ ظغش)؛ والحروف الأولى من كل من المجموعات السبع هى حروف النار، والثانية هى حروف الهواء والثالثة هى حروف الماء، والرابعة هى حروف الأرض. وصفوة القول أن ذلك يعد

ضربا من "التكسير" وهو إجراء يؤدى وظيفة أساسية فى جميع صور الجفر. ويجب أن نذكر أيضًا التقسيم التوافقى لما يعرف بالحروف القمرية والحروف الشمسية. وقد تقررت القيمة العددية للحروف كما يأتى: من ألف إلى طاء تمثل الوحدات من 1 - 9؛ ومن ياء إلى صاد تمثل العشرات (10 - 90)، ومن ق إلى ظ تمثل المئات (100 - 900)؛ والغين تساوى 1000. أما فى المغرب، بحسب اختلاف ترتيب الحروف، فإن السين تساوى 300، والضاد تساوى 90، والظاء تساوى 800، والصاد تساوى 60، والغين تساوى 900، والشين تساوى 1000. ومجموعة الحروف الأربعة أيقش تلخص هذا النهج (انظر عن الطريقة المشرقية: رسائل إخوان الصفا، بيروت سنة 1957، جـ 1، ص 51؛ Ja-: p.kraus bir Ibn Hayyan, جـ 2 القاهرة سنة 1942 ص 224؛ وانظر عن الطريقة المغربية: ابن خلدون: المقدمة جـ 1، ص 211، وما بعدها؛ الترجمة الفرنسية ص 242 وما بعدها؛ طبعة روزنتال، ص 236 وما بعدها؛ انظر F.Rosenthal، ص 173, تعليق 809). وانطلاقًا من مبدأ الكيمياء، فإننا بتحليل الحروف التى تتكون منها كلمة من الكلمات، يمكننا أن نقرر من حيث الكيف والكم بناء الشئ الذى تصفه (انظر Kraus: المصدر المذكور)، ومن ثم فإن كتب "الحروف" قد تطورت فى اتجاهين متقابلين: الأول يقوم على جمع الحروف بحيث تحصل على كل يتصف بخواص معينة من المفروض أنها تؤدى إلى النتيجة المطلوبة (التنبؤ أو الأثر السحرى)؛ والثانى وله نفس الغرض الذى يتوخاه الأول، يقوم على تفريق أسماء بعينها ترتبط بها صفة باطنية ويكون هذا فى كثير من الأحوال بسبب أنها أخذت من كتاب مقدس هو فى هذه الحالة القرآن، وذلك بغية أن نتناول عناصرها الساكنة بطريقة مركبة تقوم على عوامل عددية وكيفية وكمية وتنجيمية وسحرية. ولذلك فإنه تقوم بين الحروف وقيمها العددية سلسلة من الصلات تتردد من مجموعة إلى مجموعة. مثال

ذلك أن الصلة بين ب (2) وك (20) ور (200) وهذه الحروف تمثل الأوضاع المختلفة للعدد 2، تدعمها المجموعات د. (4) وم (40) وت (400) وح (8) وف (80)، وض/ ظ (800) التى هى من مضاعفات العدد 2 وكذلك الشأن بالنسبة للمجموعة ج (3) ومضاعفاتها هـ (6) وط (9) [انظر عن خواص الأعداد "رسائل إخوان الصفا"، جـ 1، ص 56 وما بعدها]. وانطلاقًا من توزيع الحروف على العناصر الأربعة، فإن أحرف "النار" فى التنبؤ والسحر، تمنع الشرور المتصلة بالبرد، وتزيد فى أثر الحرارة حيث تطلب، سواء فى الميدان الطبيعى أو الميدان التنجيمى. ومن ثم يمكن مثلا، فى أثناء الحروب، أن يزاد أثر المريخ بتجميع حروف النار تجميعًا سحريًا. وعلى هذا النحو، تستعمل حروف "الماء" للتنبؤ بجميع الأمراض المرتبطة بالحرارة وتحاشيها مثل أنواع الحمى المختلفة، للتقوية من أثر البرد سواء كان هذا مطلوبًا فى الميدان الطبيعى أو فى الميدان التنجيمى. وبفضل هذه الحروف يمكن مثلا أن نجعل المؤثرات القمرية تسود، وكذلك الشأن بالنسبة إلى الحروف الأخرى. وعلاوة على هذه العناصر المأثورة للمعادلات العددية وصلاتها المتبادلة بالعناصر الأربعة، فإن علم الحروف لا يتألف إلا من تجارب شبه خفية ليس لها أساس منطقى على الإطلاق. والبونى المتوفى سنة 642 هـ (1225 م؟ )، وهو أكبر حجة فى هذا الموضوع (انظر بصفة خاصة مصنفه "كتاب لطائف الإشارات" طبع على الحجر فى القاهرة سنة 1317 هـ) يقول فى ذلك: "ولا نظن أن الحروف مما يتوصل إليه بالقياس العقلى وإنما هو بطريق المشاهدة والتوفيق الإلهى" (ابن خلدون: المقدمة، جـ 3، ص 140؛ الترجمة الفرنسية، ص 191؛ الترجمة الإنكليزية، ص 174). * وهذا هو السبب فى أن بعض الغلاة يلتمسون هذا السر فى "الكشف، وهذا أيضًا هو السبب الجوهرى فى الانتشار الكبير للأصول الفنية لهوس ترديد الحروف وإحصاء الأعداد فى

الإسلام، فقد ظن أنه يمكن بالتجارب القائمة على الخواص الخفية للحروف النفوذ إلى أسرار الله وإدراك الحقائق القدسية. والأسماء الحسنى التسعة والتسعون هى المادة الجوهرية لهذا الضرب من التفكر. فأصول علم الحروف تطبق عليها وتستخدم فى بلوغ "الكشف". وكان لبعض آيات من القرآن وبعض الأوراد والأحزاب مثل هذا الشأن. ويؤدى علم الحروف إلى النتائج الآتية: الأولى هى أن تمام الهوس بترديد الحروف يبدأ باجتماع الأرواح التى تهيمن على الأفلاك السماوية والنجوم. والثانية أن طبيعة الحروف وخواصها السرية تتصل بالأسماء المكونة منها. والثالثة أن الأسماء، على هذا النحو نفسه، تكشف عن الخواص الخفية للمخلوقات عن طريق الأدوار المختلفة لوجودها، ومن ثم تكشف عن أسرارها. ومن هنا فهى تهب النفوس الكاملة بالقدرة على التأثير على الطبيعة والكشف عن أسرارها فى الماضى والحاضر والمستقبل (انظر ابن خلدون: المقدمة، جـ 3، ص 137؛ الترجمة الفرنسية، ص 188؛ الترجمة الإنكليزية ص 171). ولذلك فإن "علم الحروف الشريف"، بفضل الغاية التى يتوسل إليها، له مكان ممتاز بين الأصول الفنية للتنبؤ فى الإسلام، ذلك أنه يرتبط ارتباطًا وثيقًا "بالروحانيات" والتنجيم (انظر حاجى خليفة، جـ 3، ص 50). وينشأ شرفه أيضًا من ارتباطه الوثيق بعلم الحساب الذى يعده علماء العالم القديم الركن الجوهرى للمعرفة ذلك أن إدراك سر الحروف هو النفوذ إلى سر العقل الأول، وإدراك سر الحروف هو النفوذ إلى الروح القدس، هكذا يقول صاحب الرسالة المجهولة فى خواص الحروف (إستانبول، مخطوط البلدية، و 52، ورقة 1). ويقول ابن كمال باشا المتوفى سنة 940 هـ (1534 م) فى "شرح الميئين" (استانبول، طوب قابى سراى، مخطوط أحمد الثالث 1609/ 3، ورقة 46) إن هذه العلوم قد مارسها أعظم أئمة الإنسانية مثل هرمس (= إدريس) وأفلاطون، وفيثاغورث وطاليس

المصادر

وأرشميدس، بل إنه قد نسب إلى أرسطو أثران أحداهما فى الحروف وهو "كتاب كنوز المغرمين فى أسرار الحروف واستعمالها فى الأمور والحاجات" (إستانبول، مخطوط حاجى بشير أغا، رقم 659، الأوراق 96 ظهر - 103 ظهر، تعليق سنة 1117/ 1705 هـ)؛ والثانى فى هوس إحصاء الأعداد ويعرف باسم "كتاب الاتساع يعرف منه الغالب والمغلوب" (مخطوط بإستانبول، رئيس الكتاب مصطفى أفندي رقم 1164/ 3، ورقة 93 وجه - 96 وجه، نسخى 850 هـ /1446 - 1447 م). ويجب أن نلتمس أصلهما فى المقالتين التاسعة والعاشرة من الكتاب المنحول لأرسطو وهو "كتاب السياسة" (طبعة عبد الرحمن بدوى فى Fontes -Graecae doctrinarum politicarum Islam icarum، القاهرة سنة 1954، جـ 1، ص 65 - 171). المصادر: علاوة على ما ذكر آنفا انظر: مصادر مادة جفر. (1) هناك كتب لا حصر لها غير مطبوعة تتناول الجفر والحروف والأسماء الحسنى والخواص لا يمكن أن نحصيها بالتفصيل فى هذه المادة. (2) ويوجد ثبت بالمخطوطات فى. T La divination: Fahd ستراسبورغ سنة 1966 فى نهاية الفصل الخاص بالتنبؤ بالاقتراع. (3) انظر أيضًا I. Goldziher كتاب معانى النفس: Buch Von Wesen der Seele في N. F Abh. G. Goett، جـ 9، قسم 1، برلين سنة 1907 ص 26 - 28. (4) وتوجد حقائق وإشارات إلى الحروف والأعداد فى الدراسات الخاصة بالفن الطلسمى وبالمربع السحرى. (5) انظر بصفة خاصة - H.A Wink: Siegel und Charaktere in der mu- ler hammedanischer Zauberei فى Studien u, Kultur d. isl . Orients جـ 7، برلين سنة 1931.

حروف الهجاء

(6) Studien ueber die: W. Ahrens magischen Quadrate" der Araber" فى. lst، جـ 7، سنة 1917، ص 186 - 250. (7) الكاتب نفسه: Al- Buni "Die "mogischen Quadr ate في Isl، جـ 12، سنة 1922، ص 157 - 177؛ وأنظر أيضًا. lsl، جـ 14، سنة 1925, ص 104 - 110. (8) E. Wiedmann فى lsl، جـ 8. سنة 1918 ص 94 - 97. (9) Zu den ma-: G. Bergestraesser gischen Quadraten (تكملة لمقال Ahrens) فى. Isl، جـ 13، سنة 1923، ص 227 - 235. خورشد [فهد T. Fahd] حروف الهجاء وقد حدد لسان العرب "الهجاء" بقوله: "تقطيع اللفظة بحروفها" (لسان العرب، جـ 20، ص 228، س 17؛ جـ 15، ص 353 ب، س 4 - 5). وقد تبع هذا ابن سيدة فى المخصص (جـ 13، ص 3 فى آخرها) فنسب هذا التعريف إلى صاحب العين الخليل. والقواميس المعاصرة أو الحديثة فى العالم العربى (محيط المحيط، البستان، أقرب الموارد، المنجد) يعرفونه تعريفًا أدق فيقولون "تقطيع اللفظة وتعديد حروفها مع حركاتها".أما الفعل الذى يستعمل لإفادة هذا المعنى فهو "هَجَوْتُ الحروف هجوًا أو هجاءً" أو "هجوتها تهجية" أو "هجاءً" أو "هجوَّتها تهجيه" أو تهجيتها تهجيةَ". ومن ثم يجد المرء بدلا من العبارة "حروف الهجاء": "حروف التهجية" أو "حروف التهجى" ولو أن العبارة الأولى هى أشيع العبارات حتى يومنا هذا. ومن هنا كانت "حروف الهجاء" تدل على حروف الأبجد، ونجد العبارة المألوفة "ترتيب على حروف الهجاء". والقواميس التى ذكرنا آنفًا تسجل أيضًا عبارة "أحرف المبانى" (فى محيط المحيط، والأصل هـ ج و؛ وفى البستان، الأصل ب ن ى) و"حروف المبانى" (فى أقرب الموارد: الأصل ب ن ى؛ فى المنجد: الأصل ب ن ى). ولكنها تسجل "حرف المبانى" (محيط المحيط والمنجد فى مادة حرف)

بمعنى الحرف الواحد (انظر أيضًا كشاف اصطلاحات الفنون، جـ 1، ص 319، س 1). ويخصص الزجّاجى أربعة أبواب للهجاء (الجُمّل، ص 269 - 277) وهو يعنى فيها جميعًا بضبط الهجاء، ولكنه يبدأ الباب الثانى (ص 271) بالتفرقة بين نوعين من الهجاء، واحد "للسمع"، والآخر "لرأى العين"، وإنما يقول فى الأول "هو لإقامة وزن الشعر"، ولا يذكر المخصص (الموضع المذكور) شيئًا عن هذا. ولعل المسألة هنا هى تقسيم "تقطيع البيت" بين "الحروف المتحركة" و"الحروف الساكنة" للتثبت من "الأجزاء" أو تحقيقها. والهجاء يفترض من قبل تمييز هوية "الحرف" ونطقه وفقًا للحركة المصاحبة. ومن ثم فإن حروف الهجاء تشمل تمييز الصوت الذى ترمز إليه العلامة. وفى علم الصوتيات يستعمل النحويون العرب "الحرف" والجمع "حروف" ليدل على نطق اللغة العربية. وهم يميزون 29 "أصلا" جوهريًا، و"حروف الهجاء" بطبيعة الحال لا تتيح لنا إلا 28 علامة، ولكن يجب أن نذكر أن الألف تمثل علامتين "الهمزه" و"الألف اللينة". وثمة عبارة تتصل "بحروف الهجاء" هى "حروف المعجم"، ولكن ابن جِنِّى (سر الصناعة جـ 1، ص 39 - 45) ناقش معناها وبناءها النحوى فالمعجم مصدر، وهو هنا فى موضعه النحوى مضافًا إليه، يتخذ نفس صيغة اسم المفعول به nomen patientis (انظر Traite، فصل 94) من الفعل الرباعى "أعجم" من "العجمة"، أى "الغموض" وعدم الوضوح مع معنى خاص هو إزالة عدم الوضوح. و"حروف المعجم" هى الحروف التى هى موضوع هذا الفعل. ويجب أن يذكر المرء الصيغة الأولى لكتابة العربية وخلوها من علامات التمييز والغموض الذى كان يكتنف معظم علاماتها. والتنوير الذى حدث فى هذه المسألة أمكن تحقيقه بإضافة علامات الترقيم التى أوضحت كل حرف فى شكل مألوف. ومن ثم فإن "حروف المعجم" هى على نحو صحيح الحروف التى عليها علامات الترقيم.

وأراد الكتّاب القدماء أن يتحاشوا وقوع أى خطأ فى الكتابة التى تميز هوية الحرف فأضافوا إليه حاشية هى أن الحروف المعجمة هى الحروف التى عليها نقط والحروف المهملة هى الحروف التى ليس عليها نقط مثل: غين معجمة وعين مهملة. وهذا هو الاستعمال الثالث الذى ورد فى كشاف اصطلاحات الفنون (من شاء تفصيلا أوفى فليرجع إلى Arabic: Wright Grammar, الطبعة الثالثة جـ 1، ص 4). ومن حيث العمل أصبحت عبارة "حروف المعجم" مرادفة لـ "حروف الهجاء" فى دلالتها على حروف الأبجد، ولكنها إنما تشير فحسب إلى الكتابة (انظر materialien: M. Bravmann, ص 8). و"حروف الهجاء" تشمل كل ما ينطق به فى الأبجد العربى، ومن ثم يجب علينا أن نسوق بيانًا مختصرًا بالنظرية الصوتية عند النحويين العرب فيما يتعلق بهذه الحروف والفروق التى يقولون بها. ويسجل هؤلاء النحويون ببساطة هذه الفروق تباعًا، وعناوين الفقرات التى وردت فيما يأتى قد أضفناها للمقابلة بين الأصوات عند العرب والأصوات عند الأوربيين: 1 - مبدأ الحروف: إن نقطة الانطلاق هنا هى "صوت الصدر" وهذا الصوت "عرض" و"النفس" هو "المركب" كما يقول رضى الدين الإستراباذى (شرح الشافية، جـ 3، ص 259، س 7). والنحويون العرب، فى مبدأ الحروف هذا، يحتفظون بالاسم البسيط "صوت" للدلالة على الجمع بين صوت الصدر + النفس. وهم يقابلون بين الصوت والنفس ويتناولونهما لا من حيث هما حقيقتان متميزتان فحسب بل من حيث هما مختلفتان كل الاختلاف أيضا. وهذه المقابلة بين "الصوت" و "النفس" أمر جوهرى. والحرف ثمرة "مقطع" فى هذا "الصوت" وهو يعلو فى الحلق ثم فى الفم حيثما تقابل جوارح النطق هذا "المقطع" بالصوت المتحرك. والذى يشكل الحرف حقًا هو "جرسه" الخاص (والجمع أجراس" وهو حصيلة تطبيق النطق على موضع المقطع. والأجراس تختلف باختلاف المقاطع، إذ لكل مقطع

جرس، أو حرف، بل يجوز لنا أن نسميه "حرف صحيح". والحرف الحاصل فى هذا الصوت وهو يتحرك يجعله بطبيعة الحال "مجهورًا" ذلك أن غياب النفس فى النطق به أمر أساسى. على أن النطق بحرف "مهموس" إنما يعدل "النفس" عند مخرج الحرف. فهو يحصل بالنفس وفيه. وهنا تنشأ مسألة هى كيف ينتقل المرء من واحد إلى الآخر؟ لقد وجد العرب التعريفات التى أوردها سيبويه فى "الكتاب" (جـ 2، ص 453، س 21 - 22، ص 454، س 2 - 3) ومن جاءوا بعده، الجواب فى مبلغ قوة النطق: ففى النطق القوى (أشْبِعَ الاعتماد) يتوقف النفس أو يرد، فلا يكون للحرف أو فيه إلا "صوت"، ويكون الحرف حينئذ "مجهورًا؛ وفى النطق الضعيف (أضعف الاعتماد) يبقى الطريق طليقًا للنفس: جرى النفس معه" [أى الحرف]، ويكون الحرف فى هذه الحالة "مهموسًا". ومن ثم فإن تقدير قوة النطق مهم جدًا، ذلك أنه بلا شك محور النظرية، علاوة على التباين الأساسى بين "الصوت" و"النفس". على أن نحويى العرب فى بناء منهجهم على هذا النحو استحدثوا العنصر الأضعف: ذلك أنه كيف يتسبب اختلاف فى قوة النطق وجود الصوت وحدة فى حالة ووجود النفس وحده فى حالة أخرى؟ لقد حاولنا فى موضع آخر (Examen، ص 204 - 405) أن نتبين الظواهر التى استطاعت أن تؤدى بأصحاب النظريات العرب الأولين إلى تقرير هذا الفرق المضلل. وإيما كان الأمر فإنه يجب أن نلاحظ من أية زاوية درسوا قوة النطق: أهى بإيقاف النفس أو بالسماح له بالجريان. إن وجهة نظرهم مختلفة كل الاختلاف من علم الصوتيات الحديث. ولذلك فليس فى استطاعتنا أن نلتمس فى نظرية العرب حججًا تقارع المذهب الحديث الخاص بالحروف الساكنة الصائنة حين نحاول أن نطبق هذا على الأصوات فى العربية. وفى مبدأ الحروف، يجب أن نشير إلى الحالة الخاصة. بحروف ثلاثة تعرف باسم "الحروف المعتلة" (أو حروف العلة أو الاعتلال) وهى "الألف

اللينة" و"واو حرف المد" و"ياء حرف المد"، وهذه الحروف الثلاثة ساكنة بطبيعتها. ويتميز "مخرجها" بأنه "متسع" فالمخرج له من الاتساع ما يجعل المقطع خلوًا من أى سبب للوجود. فهو يتخذ أبعاد المخرج ويفقد كل كفايته ويصبح كلمة بلا مدلول. والصوت يجرى فى هذا المخرج باستمرار وبغير انقطاع: وهذه هى "حروف المدّ" أو "المدّ والاستطالة": جريان ليّن بلا احتكاك غليظ، وهذه هى "حروف اللين" وهذه "الحروف المعتلة" هى بذلك مستمرة أو "حروف لين" و "صوتها" يدل على عنصر صوتى صحيح: فالصوت للألف اللينة، والصوت للواو الساكنة، والصوت للياء الساكنة، ولكن ما هو الذى يجرى مع الصوت إنه "الهواء". ومن ثم فإن هذه الأصوات "فى الهواء" أو "هوائية" كما قال الخليل عدة مرات. والنظر إلى "المقطع" على هذا النحو استحدث تقسيمًا مزدوجًا للحروف: أى بين هذه الحروف الثلاثة المعتلة التى ليس لها أى فعل فى المقطع وبين غيرها من الحروف وهى "الحروف الصحيحة" التى لها مقطع مألوف، والثلاثة الأولى ساكنة بطبيعتها، فماذا يحدث إذا غدت "متحركة"؟ إن "الألف اللينة" تغير حقيقتها فتصبح حرفًا هو الهمزة وهو حرف صحيح. أما الحرفان الآخران إذ يقويان بإدخال الحركة. يكتسبان المماثلة للحرف الصحيح ومن ثم قوة الفعل مثل الحرف الواحد. وكلاهما يبقى فى الأصل حرفًا معتلا؛ وكل ما فى الأمر أنهما يصبحان مثل الحرف الصحيح. وبذلك يكون تقسيم الحروف كاملا. والحركة ليست حرفًا وليس لها مقام هنا. ولكن وصفها بالحرف الصغير يسمح بوحدتها فى مجموعة الحرف كلها. 2 - المخرج: وما من داع هنا يدعونا إلى أن نسوق بيانًا وافيًا آخر بجميع المخارج. وأمر ذلك ميسور فى (Gours J. Cantineau ص 19 - 20 أو فى Traite: H. Fleisch فصل 44 ب - هـ). وحسبنا أن نسوق الملاحظات الآتية: لقد قرر الخليل دون سواه مصطلحات للدلالة على الحروف وفقا

لحيز نطقها، ويجدها القارئ فى متن كان الأزهرى من أوائل من أذاعوه فيما نعلم (Le Mande Oriental، جـ 14، سنة 1920، ص 45، س 7 - 12). "الحلقية" ونسميها نحن الأوروبيين " Laryngeals" ويقول الخليل إنها لا تشمل إلا: الهمزة والحاء والخاء والغين، على حين يجعلها سيبويه تشمل أيضًا الهمزة والألف. وهذه الحروف هى الواو والياء يصفها الخليل بأنها جوفية لأنها صادرة من الجوف وليس لها أى حيز للنطق آخر تنسب إليه إلا الجوف. ولذلك فإنه ينحيها جانبًا عن الحروف التى لها مخارج عادية. وقد أثر هذا فى ترتيب الحروف الذى اصطنعه فى مصنفه "كتاب العين" وكذلك فى الترتيب الذى اتخذته كتب فقه اللغة التى اتبع مؤلفوها سنة الخليل (انظر "المُحْكَم والمحيط الأعظم لابن سيده طبعة مصطفى السقا وحسين نصار، جـ 1، القاهرة سنة 1958 م = 1377 هـ، المقدمة، ص 16). وكل مأثور العرب فى النحو يقول إن الحاء والغين من الحروف الحلقية. أما علم الصوت الحديث فيعدهما من الحروف اللهوية، أو إن شئت الدقة من الحروف التى ينطق بها من خلف اللهاة. "النَطْعِية": وهى الدال والتاء والطاء. على أن سيبويه يتبع السنة النحوية فيقول إن مخرجه "مما بين طرف اللسان وأصول الثنايا". "الذَوْلَقية": وهى الراء واللام والنون؛ والأسلية وهى: الزاى والسين والصاد. وهذان المصطلحان يدلان على النطق بطرف اللسان ولكنهما إنما يحددان شكل اللسان: مستو مرفق عند طرفه بالنسبة للمجموعة الأولى ومحدد بالنسبة للمجموعة الثانية (انظر Traite، الفصل الثالث والأربعين) وهم لا يذكرون الوضع الذى يتخذ عند النطق. "الشَجْرِيَة": وهى الضاد، والسين والجيم من الشجر أى ركن الشفتين، ويمكن أن نفهم أن المقصود بذلك هى الحروف الجانبية Lateral التى تناسب الضاد القديمة ولكنها لا تناسب الشين أو الجيم. ويظل المصطلح غامضًا. ويتضح من الملاحظات السابقة أن ثمة خلافات فى موضوع الصوتيات

بين الخليل وسيبويه، ولكن من العجيب أننا لا نجد صدى لها فى "الكتاب". وثمة نقطة غامضة هنا فى أصول الصوتيات العربية. 3 - طريقة النطق (1) المهجورة - المهموسة، المجهورة، والمهموسة: وهى تعبر عن الأثر الصوتى كما يتلقى ويقوّم. والحق إنه ما من شك أنها تدل على طريقة النطق التى قال علماء الصوت المحدثون بأنها الصائتة وغير الصائتة. ونظرية مبدأ الحروف التى بيناها آنفا كافية فى ذاتها للدلالة على أن العرب رتبوها وفقًا لصلتها بصوتها. وتعبر مصطلحات سيبويه عن نتيجة التجربة المقترحة للتمييز بين المجهورة والمهموسة، فالأولى حروف ليس لها إلا صوت، والثانية حروف لها نفس، كما تعبر أيضًا عن الشأن المميز لقوة النطق. وهذان هما المصطلحان. "فالمهجورة حرف أشبع الاعتماد فى موضعه ومنع النَّفس أن يجرى معه حتى ينقضى الاعتماد عليه ويجرى الصوت". "وأما المهموس فحرف أضعف الاعتماد فى موضعه حتى جرى النفس معه". والحروف المجهورة هى: الهمزة، والألف والعين، والغين، والقاف، والجيم، والياء، والضاد، واللام، والنون، والراء، والطاء، والدال، والزاى، والظاء، والذال، والباء، والميم، والواو. والحروف المهموسة هى: الهاء، والحاء، والخاء، والكاف، والشين، والسين، والتاء، والصاد، والثاء، والفاء. وقد جمع المفصل بينهما فى عبارة تساعد على التذكر فقال: ستشحثك خصفه. وجميع الحروف المهموسة تطابق الحروف الساكنة غير الصائتة فى علم الصوتيات الحديث، ولكن وجود الهمزة والطاء والقاف بين الحروف المجهورة له مغزاه. أما فيما يختص بالحرف الأول وهو الهمزة فقد تناولنا الصعوبة فيه بمادة "همزة". أما حرف الطاء فهو بلا شك حرف ساكن صائت فى النطق الذى وصفه سيبويه: وهى دال شديدة؛ وثمة نص له حاسم (جـ 2، ص

455، س 9) يفرق فيه بين الطاء والدال بالإطباق فحسب، أما بخصوص حرف القاف، فلا شك أنه كان يوجد نطق صائت له، على الأقل فى جزء من العالم العربى القديم، فإذا كان هذا لم يوجد فإن من الصعوبة أن نشرح السبب فى أن هذا الصوت كان ينطق به تمامًا على هذا النحو الذى أصبح فى الوقت الحالى علامة مميزة بين اللهجات البدوية (صائت" ولهجات الحضر "غير صائت" (انظر Traite, فصل 46 هـ) أما عن تاريخ هذه المسألة فأرجع إلى: . J Cours: Cantineau ص 21 - 22 نبذة 187؛ Fleisch Traite: , فصل 46، ب - ج). (2) المطبقة - والمفتوحة: وقد اصطنع ابن جنّى (سر الصناعة)، جـ 1، ص 70، س 12) النقطة الجوهرية فى الشرح الذى به جاء سيبويه (جـ 2، ص 455، س 5 - 7) ووصف الإطباق بأنه رفع مؤخرة اللسان إلى الحنك الأعلى، بحيث يصبح الحنك الأعلى طبقا لهذا الجزء من اللسان (كشاف اصطلاحات الفنون، جـ 1، ص 323, س 16 - 18). وهذه الحركة التى تفترض خفض الجزء الأمامى من اللسان، تتحصل بالاتجاه نحو الحنك اللين أو اللهاه؛ ومن ثم فإن "الإطباق" يترجم ترجمة حسنة بلفظة Velarization وتكون الحروف المطبقة هى التى تسمى عند الإفرنج Velar. أما المنفتحة ومعناها لغة واضح فهو الحروف التى لا إطباق فيها. ويمكن أن نترجمها Non - uelar. والحروف المطبقة هى: ص، ظـ، ط، ض. أما ما عداها فهى جميعًا "حرف منفتحة" ولكننا سنميز من بينها الحروف التى هى "مستعلية". (انظر فقرة "3"). والحروف المطبقة تسمى فى كثير من الأحيان "الحروف الساكنة الشديدة". ولا يوجد فى نمط الشدة بلغات إثيوبيا السامية "إطباق" بل أصوات خارجة من مزمار اللسان - glo taltization أى حبس مزمار اللسان مع سماع همزة نطق شديد (انظر التفصيل فى Consonantisme: J. Cantineau، ص 291). وقد فحص مارسية بالراديوسكوب النطق المفخم لهجة

مغربية [Articulation de L': Ph. Marcais emphose dans un parler maghribien فى Annals de l, Institut d, Etudes Oriealesde Umiuersite d, Alger l,, جـ 17، سنة 1948] ص 5 - 28) فكشف عن صورة أخرى من التفخيم هى النطق الخارج من البلعوم Phayngalization ولكن الكشوف فى هذا الميدان قد تكون غير كاملة. ومن ثم فإنا نعد نمط الشدة أو التفخيم الذى وصفه نحويو العرب صحيحًا (انظر Traite, فصل 46 - ط - ك). 3 - المستَعْلِيةَ - والمنخفضة: "الحروف المستعلية" هى الحروف الأربعة المطبقة التى تناولناها وشيكًا مضافًا إليها القاف والغين والخاء. أما الحروف الأخرى فمنخفضة. ورفع مؤخرة اللسان للمطبقة تجعل هذه الحروف مستعلية. أما بخصوص الحروف ق، غ، خ فإن رفع اللسان لا يبلغ المبلغ الذى يجعل الحنك طبقًا على اللسان فى قول رضى الدين الأستراباذى (شرح الشافية، ص 3، ص 262 , س 8 - 9). وهذا فى رأيه إطباق منقوص أو بداية إطباق. وأهمية هذه الحروف المستعلية هى أنها تمنع "الإمالة" كما سبق أن لاحظ سيبويه (جـ 2 ص 285، س 20). وهى تحتفظ بأهميتها لدارس اللهجات الحديثة حيث ترتبط بمسألة "التفخيم" (انظر Cours: Cantineau, ص 23 - 24؛ Traite, فصل 48 ب). (4) الحروف الشديدة والرخوة والبينية: والحروف الشديدة هى: الهمزة والقاف والكاف والجيم والطاء والتاء والدال والباء. والحروف الرخوة هى: الهاء، والحاء، والغين، والشين، والصاد، والضاد، والزاى، والسين، والظاء، والثاء، والذال، والفاء. والحروف البينية هى العين، واللام، والميم، والنون، والراء، والواو، والياء، والألف ويورد المفصل العبارات الثانية للتذكير بالأولى أجدت طبقك أو أجدك قطبت ويورد للأخيرة: لم يروعنا أو لم يرعونا.

المصادر

والبينية هى التى بين بين، والاصطلاح حديث وإن كان مناسبًا، وقد استعمله محمد مكى فى كتابه "النهاية" الذى أتمه سنة 1305 هـ (1887 م؛ وقد استشهد به (M.Brav- Materialen: mann، ص 19) وكانت السنة القديمة هى استعمال جمل مثل المفصل (فصل 734): "تلك التى بين الشديدة والرخوة". والعرب بتقسيمهم الحروف إلى شديدة ورخوة قد اهتدوا إلى نفس الحقيقة التى اهتدى إليها علماء الأصوات المحدثون بتقسيمهم الحروف إلى حروف Occlusiue وحروف constrictiue، ولكن هذين المصطلحين ذاتهما لا يعبران مباشرة عن الوضع الفسيولوجى الذى يفترض وجوده المصطلحان الإفرنجيين، وإنما يعبران عن درجة تفاوت الشدة فى النطق. ولا يرى العرب فى البينية ما يتمثل عادة فى المصطلح الإفرنجى الأول ولا ما يتمثل عادة فى المصطلح الإفرنجى الثانى، وهناك ما يقال فى هذه النظرة انظر (Cours: Cantineau ص 22 - 23؛ Traite، فصل 47 ج د) إلا العين، فإن المرء لا يجد فيها شيئًا يستدعى إفرادها، ولكن خواص الحروف البينية لا تبرر أن نفردها بفئة ثالثة. أما عن شروحها التى أتى بها العرب فإن أوضح شرح هو الذى ورد فى شرح الشافية (جـ 3، ص 260، س 8) وقد ردده كشاف اصطلاحات الفنون (جـ 1، ص 322، س 20). وهناك تقسيمات صغرى للحروف قررها العرب، وحسبنا أن نذكر هنا "حروف القلقلة" وهى القاف، والجيم، والطاء، والدال، والباء؛ و"حروف الذلاقة" وهى اللام، والراء، والنون، والفاء، والباء، والميم (انظر J. Cantineau: Cours, ص 24؛ Traite فصل 48 اوج؛ وانظر أيضًا كشاف اصطلاحات الفنون فى مادة "حرف") وأما حساب الجمّل للحروف فأنظر عنه مادة أبجد وانظر عن استعمال هذه الحروف فى السحر مادة "حروف". المصادر: جرى النحويون العرب على أن يبدءوا دراستهم للصوتيات قبل باب الإدغام تمهيدًا لدرسها.

(1) سيبويه: الكتاب، جـ 2، باريس سنة 1889، باب 565 (طبعة القاهرة، جـ 2، ص 404 - 407) وله أهمية كبرى. (2) الزمخشرى: المفصل، الطبعة الثانية على يد J. P Broch، كرستيانا سنة 1879, الفصول 732 - 734 (القاهرة سنة 1323)، ص 393 - 396. (3) ابن يعيش أبو البقاء: شرح المفضل للزمخشرى، طبعة G. Jahn, ليبسك سنة 1886، جـ 2، ص 1459 - 1467) طبعة القاهرة، جـ 10، ص 123 - 131). (4) الزَجاجى: الجُمل، طبعة محمد بن أبى شنب (محمد بن شنب)، الجزائر سنة 1927، باريس سنة 1957، ص 373 - 387. (5) رضى الدين الأستراباذى: شرح الشافية، القاهرة 1358 هـ = 1939 م جـ 3، ص 233 - 292. (5) وعن متن الشافية لابن الحاجب، انظر الكتاب المذكور، ص 250، 254، 257، 258. (7) وثمة مصنفات فى علم الصوت: ابن جنى: سر صناعة الإعراب، جـ 1، طبعة القاهرة سنة 1373 هـ = 1954 م. (8) المدخل (ص 6 - 45) والفصل الأول (ص 46 - 77) وهما مهمان بصفة خاصة. (9) ابن سينا: أسباب حدوث الحروف، ص 20 وما بعدها، من قطع الثمن، القاهرة سنة 1332 هـ؛ طبعة حديثة معتمدة على أربعة مخطوطات قام بها ب. ن خانلرى، طهران سنة 1333 هـ (مطبوعات جامعة طهران، رقم 207). (10) وأنظر أيضًا تحت مادة "حرف" جـ 1 من كتاب كشاف مصطلحات الفنون، كلكتة سنة 1862. (11) وحسبنا أن نذكر من الكتاب فى التجويد الوافى: كتاب التيسير فى القراءات السبع، طبعة Bib-: O. Pretzl liotheca Islamica، جـ 2، 1930). (12) ويسجل كتاب المزهر للسيوطى حقائق كثيرة عن علم الصوت (بولاق سنة 182 هـ القاهرة سنة 1325 هـ) ولكنه لم يثبت الحركات

مصادر الكتاب الأوروبيين

ومن ثم كان عسيرًا فى الاستعمال؛ وعرض المتن فى أحدث طبعة، وهى طبعة مصطفى عيسى الحلبى أحسن بكثير، وقد أشرنا إليها باسم المزهر، الطبعة الثالثة. مصادر الكتاب الأوروبيين: (1) Cours de Phon-: J. Cantineau etique arabe, الجزائر، سنة 1941 - Es - quisse d, une phonologu de, arabe class rque (2) الكاتب نفسه - Bulletin de la So ciete de Linqurstrque de parrs، رقم 126، جـ 43, سنة 1946, ص 93 - 140. (3) الكاتب نفسه: Le onsonantisme du semitique، فى، جـ 4، سنة 1951 - 1952، ص 79 - 94؛ وقد أعيد طبع هذه الكتب فى المجلد التذكارى لجان كانتنه Etudes e linguistiques arabe باريس سنة 1960، وهذا المجلد التذكارى يرجع إليه هنا (وفى غير ذلك من المواد التى كتبتها عن حرف الهاء وما بعده) بالعناوين المختصرة. Cours و Consontisme و Esqusse وتشمل - Es quissell (ص 166 - 178) الاعتراضات الصوتية للعبارات العربية التى تذكر بالحروف ومسألة المفارقات (ص 199 - 222) وهما موضوعان لا يمكن أن نتناولهما هنا: ويحتوى الـ Cours ص (123 - 125) على مصادر بالكتاب العرب عامة والأوروبيين خاصة فيما يختص بالعربية الفصحى واللهجات، وهذه المصادر قد أخذت وأكملت فى - Na tions generales de phonetique et e phono- logie فى نفس هذا المجلد التذكارى (ص 128 - 130). (3) وحسبنا أن نذكر هنا: . M.S A Crammar of the Classical Ar-: Howell abic Language, جـ 4، الله آباد سنة 1911، ص 1702 - 1739. (4) Schaade Sibawaih's Lout-: A. lehre ليدن سنة 1911، ص 17 - 23، الترجمة الألمانية لباب 565 من الكتاب لسيبويه. (5) وانظر عن شرح السيرافى على هذا الباب G. Troupeau فى Arabica جـ 5، سنة 1985، ص 182 - 186. (6) Materialien und: M. Bravmann Untersuchungen zu den phonetischen

Lehren der Araber كوتنكن سنة 1934، ص 112 - 131, هو ترجمة ألمانية للرسالة المذكورة آنفا لابن سينا طبقًا لطبعة القاهرة. (7) The phoneties: W. H. T Gairdner of Arabic أوكسفورد سنة 1925. (8) Etudes de Phonetique: H. Fleisch Arab فى Melanges USJ، جـ 28، سنة 1949 - 1950، ص 225 - 285. (9) الكاتب نفسه La conception phonelique des Arabes d, apres le Sina, ta Al, Irab d, Ibn Djinni فى - Morgenl. Ge Zeitschr der Deutsch: sells, جـ 108، سنة 1958، ص 74 - 105، وهو دراسة أدت إلى مبدأ الحروف المجهورة والمهموسة (Examen critique بحث نقدى) فى Melanges USJ، جـ 35، سنة 1958، ص 193 - 210 (ويشار إليه بلفظ Examen). (10) الكاتب نفسه: - Traite de phi lologie arabe بيروت سنة 1961، ص 200 - 244. أو الفصل 41 - 50 (ويشار إليه بلفظ Traite). (11) وقد عرض بروكلمان لجميع النقاط الهامة للصوتيات فى العربية الفصيحة وفى اللهجات فى Grundriss -der uergleichenden Grammatik der semi tischen Sprachen جـ 1 برلين سنة 1908، ص 141 - 282. (12) S. Moscati وهو يحصر بحثه فى العربية الفصحى فى - Il sistema con sonantico delle lingue semitigh، رومة سنة 1954. (13) أما M.Cohen فيشمل بحثه ميدانًا واسعًا كما يتبين من عنوانه - Es sai comparatif sur le uocabulaire et le phonetique du Chamito semitique, باريس سنة 1947 (ويشار إليه بعبارة Essai comparatif) . (14) ونذكر أخيرًا أن فلايش نشر نصًا مهمًا جدًا لسيبويه نقله السيرافى فى شرحه وذلك فى بيان الفرق بين الحروف المجهورة والمهموسة فى L' arab classique, Esquisse d, une structure linguistique, بيروت سنة 1956، ص 134 - 136 (ويشار إليه بلفظ Es- quisse). (15) وانظر أيضًا مواد "اللغويات" و"الصوتيات". خورشيد [فلايش H.Fleisch]

الحريرى

الحريرى (ولد عام 446، وتوفى فى 6 رجب عام 516) وهو أبو محمد القاسم بن على بن محمد بن الحريرى: نحوى وكاتب رشيق؛ ولد وشب فى المَشَان بالقرب من البصرة ودرس بالبصرة. وتذكر المصادر أنه تلقى العلم على الفضل بن محمد القصَبَانى، وهذا خطأ لأن الفضل هذا توفى عام 444 هـ وولى فى البصرة منصب "صاحب الخبر" فى ديوان الخلافة (انظر الطبرى، جـ 3، ص 1260، س 13) وظل هذا المنصب لأولاده حتى عهد عماد الدين الإصفهانى الذى زار البصرة عام 556. وكان بيت الحريرى فى حى بنى حرام، أما عمله فكان فى المشان. وقد تردد على بغداد (كما حدث فى عام 504) والظاهر أنه أدى فريضة الحج. ويظهر أن رحلاته الأخرى لم تدون. وقد اتصل بحكم منصبه بكثير من أعيان قصبة الخلافة. والمقامات أشهر تواليفه، وهى مجموعة من خمسين مقامة احتذى فيها مقامات بديع الزمان الهمذانى وفيها يقص الحارث بن همام مغامرات رجل يدعى أبا زيد السروجى. ويؤكد المؤرخ ابن الدبيثى أن أبا زيد هذا شخص حقيقى يدعى المطهر بن سلام أهدى إليه الحريرى أشعاره، ولكن لا شك فى أن هذا القول من نسج الخيال شأنه فى ذلك شأن الأبطال الذين ورد ذكرهم فى القصص الأخرى. ويذكر هبة الله ابن سعيد بن التلميذ - صديق الحريرى وأحد الذين كاتبوه - أن الحريرى بدأ مقاماته عام 495 وانتهى منها عام 504، والتاريخ الأول صحيح لأن المقامات قد تحدثت عن استيلاء الفرنجة على مدينة سروج عام 490، أما التاريخ الثانى فهو متقدم كثيرا على ما يظهر إذا كان ابن الأثير على حق فيما ذكره من أن دبيس الأسدى كان شابا عام 503 فى حين أن المقامات ذكرت هذا الشخص على أنه إحدى الشخصيات المعروفة. واختلفت الآراء فى الشخص الذى ألفت هذه القصص نزولا على رغبته، وقد ذكر فى هذا الشأن اسما وزيرى المسترشد: أبو على ابن صدقة (512) وأنو شروان بن خالد.

وقد غدت المقامات من أمهات التواليف فى عهد ناظمها الحريرى، وهو يزعم انه أجاز سبعمائة نسخة منها، واحتفظت المقامات بشهرتها على الرغم من تجريح شانئيها أمثال ضياء الدين بن الأثير صاحب كتاب الفخرى. وقد أخبر شميم الحلى (المتوفى عام 601) أحد شراحها المتقدمين ياقوت أنه إنما خلقه الله ليظهر فضل الحريرى العظيم، ذلك أنه وإن بز عيون الأدب العربى جميعا فإنه يجد نفسه عاجزا عن أن يسامى المقامات؛ ومقامات الحريرى دون مقامات الهمذانى ابتكارا إلا أنها تفوقها فى السهولة وامتلاك ناصية اللغة العربية والمقدرة الشعرية. وتعدت شهرة المقامات حدود الجماعة الإسلامية إلى اليهود والنصارى الذين ترجموها أو حاكوها باللغتين العبرية والسريانية. وقد ترجم شولتنز Schultens وريسكه Reiske نماذج من هذه المقامات إلى اللاتينية فى القرن الثامن عشر وطبع ده ساسى De Sacy هذه النماذج طبعة تذكارية عام 1822, وصدرت منها بعد ذلك طبعات متعددة شرقية وأوربية كما ظهرت تراجم لها فى كثير من اللغات الأوربية الحديثة مثل ترجمة روكرت Ruckert الألمانية - Die Verwandlungen des Abu Said von Se rag 1826 الخ وترجمة Chemery and Steingass إلى اللغة الأنجليزية (لندن عام 1898). واختار عماد الدين طائفة من رسائل الحريرى ضمنها كتابه "الخريدة" وأورد ياقوت مختارات أخرى من هذه الرسائل فى ترجمته للمؤلف (معجم الأدباء، جـ 6). وهناك رسالتان من رسائله تعرف إحداهما بالرسالة الشينية والأخرى بالرسالة السينية، ذلك لأنه التزم فى الرسالة الأولى حرف الشين وفى الرسالة الثانية حرف السين، وقد طبعتا فى كتاب أرنولد المعروف باسم - Chres tomathy . وتتناول بعض الرسائل التى أوردها ياقوت فى كتابه المنظومة النحوية المسماة "ملحة الإعراب" التى نظمها الحريرى تلبية لرغبة ابن التلميذ الذى ذكرناه آنفا. أما رسالة الحريرى الباقية المعروفة باسم "درة الغواص" فهى نقدات لشتى

المصادر

التعابير التى تستعمل استعمالا خاطئا، وقد نشر ده ساسى مقتطفات من هذه الرسالة فى كتابه - Anthologie Gram maticale وطبعت الرسالة بأكملها منذ ذلك الوقت، وقد ذيلت طبعة الآستانة عام 1299 هـ بشرح لشهاب الدين خفاجى ناقش فيه كثيرا من أقوال المؤلف. المصادر: (1) ياقوت: معجم الأدباء، جـ 6، ص 179 - 174. (2) ابن خلكان: ترجمة ده سلان جـ 3، ص 490 - 494. [مركوليوث D.S.Margolyouth] حزب والجمع أحزاب ومعناها جماعة الناس وكل قوم تشاكلت قلوبهم وأعمالهم، والحزب أيضًا النصيب؛ ولعل اللفظ مستعار من اللغة الأثيوبية. والمعنى الأصلى للفظ فى اللغة العربية هو الإصابة أو الغلظ (كذلك قال نولدكه Neue Beitraege: Noeldeke؛ ص 59؛ تعليق 3) وورد اللفظ فى القرآن للدلالة على المنافقين. ومعظم المعانى التى ورد بها هذا اللفظ مسيئة. فقد جاء فى سورة الأحزاب مثلا ذكر حصار اليهود وحلفائهم أهل مكة ونجد وتهامة المدينة (ابن هشام، ص 668 وما بعدها، غزوة الخندق) وقد وردت عبارة "حزب الله" فى الآية 22 من سورة المجادلة بمعنى حسن، ولكن لفظ حزب، أى نصيب، سرعان ما اكتسب نفس المعنى الاصطلاحى الذى لكلمة وِرْد، وهو ما يجعله الرجل على نفسه من قراءة وصلاة (انظر فيما يتصل باستعمالات هذا اللفظ فى الحديث لسان العرب، جـ 1، ص 299، س 9 وما بعده)، أما تحزيب القرآن فقد تطور فى بعض البلاد الإسلامية حتى أضحى القرآن مقسما 60 حزبا كقسمته ثلاثين جزءا، وهذا هو الحال فى مصر (انظر Lane: Modern Egyptians, الفصل 27؛ Arabian Nights الفصل الخامس، التعليق 82) والظاهر أن هذا لا يصدق ولم يصدق فى كل البلاد جميعا، فالغزالى فى كتابه "الإحياء" يتكلم فى معرض حديثه عن

تلاوة القرآن (الكتاب الثامن من الربع الأول من الباب الثانى، طبع وشرح سيد مرتضى، جـ 4، ص 470 وما بعدها) عن الأجزاء الثلاثين، وإنما يتكلم عن "حزب" واحد بصفة عامة، ويتوقف عدد الأحزاب على ما جرى عليه كل متعبد، وما زال الأمر على هذا فى الهند، ذلك أن هيوز فى معجمه عن الإسلام Dictionary of Islam: Hughes لا يعرف هذه الكلمة، وكذلك كشاف اصطلاحات الفنون فيما يظهر، فلما ظهرت رباطات الدراويش اقترنت الكلمة بهم خاصة، فكل رباط فى مصر حزب (Modern Egyptian: Lane؛ الفصل الثامن عشر) ويطلق لفظ حزب أيضا على "ذكر" كل رباط يتلوه فى الحضرة التى يعقدها كل جمعة فى الزاوية أو التكية، ويتألف الذكر من مختارات مطولة من القرآن وغيره من الصلوات، والظاهر أنه أخذ من هذا المعنى معنى آخر يطلق فى نطاق ضيق على الأدعية التى يعدها الأولياء للتلاوة بانتظام أو إذا دعت إليها حاجة خاصة. وكان الإسلام يعتز دائما بمثل هذه الأدعية، فالجزء الأخير من الكتاب التاسع من الربع الأول من الإحياء (كتاب الأذكار، الطبعة المذكورة آنفا، جـ 5، ص 62 وما بعدها)، يشتمل على مجموعة من هذه الأدعية المشهورة التى وضعت من عهد آدم إلى عهد أولياء الصوفية (انظر أيضا الجاحظ: كتاب البيان، جـ 2، ص 127 وما بعدها، طبعة القاهرة سنة 1212) ولكن يؤخذ من تعريف بروكلمان للفظ حزب (Gesch, الفهرس تحت كلمة حزب، جـ 2، ص 622 وما بعدها) وتعريف حاجى خليفة له (جـ 2، ص 56 - 60) أن كلمة حزب لم تطلق على هذه الأدعية إلا فى القرن السادس للهجرة. فالغزالى (المتوفى عام 505 هـ = 111 م) لا يتكلم إلا عن الدعاء. وأول حزب سجل هو الحزب الذى وضعه عبد القادر الجيلانى (المتوفى عام 561 هـ)، ووضعت بعد ذلك أحزاب كثيرة من تصنيف ابن عربى (المتوفى عام 638 هـ) وأحمد البدوى (المتوفى عام 675 هـ) والنووى (المتوفى عام 676 هـ) وغيرهم، وأشهر هذه الأحزاب جميعا حزب البحر للشاذلى ويسمى أيضا الحزب الصغير تمييزا له عن

المصادر

حزب آخر للشاذلى أطول من الأول ولكنه دونه شهرة، وهذا الحزب محبب إلى المسافرين وخاصة من يركبون البحر لأنه فى معظمه يسخر البحر لهم، وقد كتب سنة 656 هـ, وهى السنة التى توفى فيها الشاذلى، وكانت كتابته بإيحاء من النبى [- صلى الله عليه وسلم -]، وهو يشتمل اسم الله الأعظم. وقد استولى المغول على بغداد فى تلك السنة؛ وقيل على وجه التحقيق إن الشاذلى قال إن بغداد ما كانت لتسقط لو أن حزبه تلى فيها، وقد أورد ابن بطوطة نصه كاملا (جـ 1، ص 40 وما بعدها، وانظر أيضا Zeitscher. d. Deutsch. Morgenl. جـ 7، ص 25؛ أما ترجمة Pilgrimage: Burton, الفصل الحادى عشر فناقصة جدا) وهو فقير من حيث تعلق العبد بالحق ولكن فيه إشارات قرآنية كثيرة، وتتردد فيه الحروف الغامضة الواردة فى رؤوس بعض السور، وقد أضفى عليه هذا قيمة طلسمية وضمن له الذيوع. وورد فى الفهرست (ص 307، س 7 انظر أيضا التعليق) جمع حزب على أحزاب بمعنى تعاويذ، ولكن النص غير موثوق به؛ ولم يذكر آلوارت Ahlwardt المصدر الذى استقى منه تأكيده (Verzeichnis، جـ 3، ص 225) بأن الأحزاب سميت أحزابًا لأن الأدعية إلى الله فيها قد نظَّمت طوائف بذاتها " Gewissen Gruppen". المصادر: أضف إلى المصادر السابق ذكرها فى صلب المادة، Verzlichnis: Ahlwardt der ar. Handschr. zu Berlin جـ 3؛ ص 407 - 414. خورشيد [مكدونالد D.B.Macdonald]. الحسا (أو الأحساء، ويقال أيضا الحساء) واحة، وإن شئت الدقة مجموعة من الواحات فى شرقى السعودية، وتقوم على خط طول ما بين 25 ْ 20 َ 25 ْ 40 َ تقريبا شمالا، وما بين خط عرض 49 ْ 30 َ و 49 ْ 50 َ شرقا. وقد استعمل الاسم أيضا للدلالة على الإقليم الشرقى لجزيرة العرب برمته. وقصبة الحسا الهُفوف على مسيرة 65 كيلو مترا من الخليج العربى (الفارسى) فى الداخل.

ويشتق الاسم من "حِسى" وهو النقب فى الأرض الرملية له طبقة تحتية من الحجر يستبقى ماء المطر مدة طويلة، وهذا الماء يمكن بلوغه فى يسر إذا حفرت الأرض قليلا. ومتوسط ارتفاع الواحة 175 مترا فوق سطح البحر. والحسا مساحتها نحو 180 كيلو مترا مربعا من البساتين، وهى تكاد تكون على شكل حرف L الإفرنكى: والهفوف على قمته: وتكون الواحات الشمالية ضلع الزاوية القائمة هى وطائفة كبيرة من البساتين والقرى تعرف فى مجموعها بالشروق. والفرع الرأسى الذى يتجه إلى الشمال الجنوبى طوله حوالى 25 كيلو مترا. أما الفرع الأفقى فيبلغ طوله حوالى 25 كيلو مترا واتجاهه شرقا بغرب. والأجزاء المزروعة غير متصلة وتقطعها مناطق رملية وطبقات من الحجر الجيرى بارزة من تحت الأرض وسبخات كبيرة بعض الشئ تستخدم بمثابة أحواض تحتجز المياة الشديدة الملوحة التى تصرفها البساتين وخاصة فى فصل الشتاء القليل البخر. وجو الأحساء حار رطب فى الصيف، وإن كان أقل رطوبة من الأقاليم الساحلية، ولكن الجو رطيب جدا فى الشتاء. ومتوسط الترسب السنوى حوالى 70 م. م. ويقدر عدد السكان فى الوقت الحالى بحوالى 200,000 نسمة يعيش نصفهم تقريبا فى القصبة الهفوف وفى بلدة المُبَرزَّ على مسيرة كيلو متر ونصف تقريبا شمالى القصبة. وتتوزع بقية السكان فى حوالى 50 قرية ود سكرة فى المناطق المزروعة وأكبرها يعمره نحو من 4000 ساكن. وينقسم السكان قسمين متساويين تقريبا من أهل السنة والشيعة على مذهب الإثنى عشرية. والمذاهب الأربعة ممثلة بين سكان الحسا، على أن المذهبين السائدين منها هما الحنبلية التى زاد شأنها فى الأزمنة الحديثة، والمالكية التى لها تقاليد متميزة فى الواحة. وكانت الحسا فى القرون الوسطى مركزا مهما لدراسة المذهب المالكى. وفى الحسا نيف وإثنا عشر ألف هكتار من الأرض تحت الزراعة وفيها أيضا ما يقرب من ثلاثة ملايين نخلة،

ومن ثم فإنها أكبر الواحات فى العربية السعودية وأغناها. وعماد الزراعة فى الحسا الماء الموفور الذى تتزود به من آبار صناعية تزيد على الستين بئرا ينصب منها ما يربى على 75,000 لتر من الماء فى الدقيقة. ومنذ صدر القرون الوسطى على الأقل حين كان الإقليم يسمى هجر نسبة لقصبته، كان البلح هو أوفر وأشهر المحصولات المحلية، ومن ثم جاء المثل "كناقل التمر إلى هجر" وهو على غرار المثل الإنكليزى "كناقل الفحم إلى نيو كاسل" وأوسع صنف محلى انتشارا من البلح هو ما يعرف باسم "رُزْيْز" (وينسب إليه السكان أحيانا على سبيل المزاح فيقال لهم "الرزيزية")، أما الصنف الذى يعد خير البلح جودة فهو "الخُلاص". وقد أحصى فى الحسا ما يزيد على سبعين صنفا مختلفة من البلح لا يستعمل بعضها إلا علفا للحيوان، وثمة بند آخر له أهمية اقتصادية اشتهرت به المنطقة منذ وقت طويل وهو نوع محلى من الحمير البيضاء الطوال، كانت فى يوم من الأيام تصدّر بكثرة وخاصة إلى مصر والعراق. وطرأت على نظام الغذاء تغيرات ودخلت وسائل النقل بالعربات فأدى هذا إلى هبوط متوقع فى الأهمية الاقتصادية للبلح والحمير. على أن زيادة دفع الأجور بالنقد التى ترجع إلى نمو صناعة البترول فى الولايات الشرقية من العربية السعودية قد أحدث انتعاشا فى التجارة والمرافق والصناعات الخفيفة كما أحدث تنوعا أكثر فى المحاصيل الزراعية، وأصبح لصناعة المنسوجات (ويعمل منها محليا البشت الذى كان له من زمن بعيد شهرة يستحقها)، شأن، ولا تزال هذه الصناعة مادة هامة فى الكيان الاقتصادى للحسا. تاريخها: إن الدراسة المفصلة لتاريخ الحسا، وخاصة فى عصورها القديمة، لا تزال تنتظر من يقوم بها. ويذهب البعض إلى أن الإقليم الذى كان يعرف فى القديم باسم "أتّين" ربما كان هو ما يعرف الآن بالحسا، ولكن ما من إشارة أخرى فى المصادر القديمة يمكن أن تكون ذات صلة بالواحة. ولا شك أن هذه المنطقة عرفت بالحسا (أو الأحساء) فى زمن النبى عليه الصلاة والسلام،

وقد دخل معظم أهلها فى الإسلام فى تاريخ مبكر، ولو أنهم تمردوا على السلطة المركزية عدة مرات. وكان أشهر هذه الفتن فتنة القرامطة إذ أتوا بالحجر الأسود من مكة واحتجزوه فى منطقة الأحساء عشرين عاما أو نحوها. وجاء فى المصادر العربية التى ترجع الى أيام القرون الوسطى أن الحسا كانت فيما يقال حصن البحرين غير بعيد من هجر قصبة الإقليم القديمة. وقد أنشأ هذا الحصن القائد القرمطى المشهور أبو طاهر الجنَّابى سنة 314 هـ (1051 م) بالقرب من محلة تعرف بالحسا. وأطلق أبو طاهر على الحصن "المؤمنية". على أن الحصن والمحلة جميعا ظلا يسميان بالاسم القديم. وفى سنة 443 هـ (1051 م) زار المنطقة ووصفها الفارسى ناصر خسرو، ولوصفه للحكومة القرمطية أهمية خاصة. وقضى آخر الأمر على سلطان القرامطة على يد أسرة من أهل الحسا هى العيونية. وثمة آثار للفخار العباسى فى الواحة، وهذا يدل على أن الحسا كانت كثيفة العمران فى صدر العصور الإسلامية. على أنه ليس من المحتمل أن يكون البرتغاليون والفرس الذين حكموا جزيرة البحرين أو احتلوها فى القرن العاشر الهجرى (السادس عشر الميلادى) على التوالى، قد مدوا حكمهم إلى الواحة. وقد حدث فى العصور المتأخرة أن طمع وهابيو نجد والأتراك فى الواحة بفضل موقعها الجغرافى ومواردها، إلا أن أمراء بنى خالد الذين ظلوا سادة على الأحساء عدة سنين قد حاربوا فى هذه الأثناء للاحتفاظ بسيادتها لها. وسلمت الأحساء أول ما سلمت للوهابيين سنة 1209 هـ (1793 م) واحتل الجيش المصرى لمحمد على باشا الواحة فيما بين عامي 1235 هـ (1819 م) و 1241 هـ (1825 م) وتنازعها بنو خالد والوهابيون بين عام 1241 هـ (1825 م) وعام 1247 هـ (1830 م) وأصبح للوهابيين اليد العليا فيها آخر الأمر، بيد أنهم اضطروا إلى التخلى عن المنطقة مدة قصيرة للمصريين سنة 1255 هـ (1839 م). واحتل الأتراك الواحة سنة 1289 هـ. وجعلوا المنطقة

المصادر

سنجقا فى ولاية البصرة. وكانت الحسا فى أثناء الاحتلال التركى مركزا إداريا لسنجق ومقرا للباشا المتصرف. وطرد الأتراك من الجزيرة آخر الأمر على يد عبد العزيز بن سعود سنة 1913. وكان حكم المصريين والأتراك والوهابيين حتى سنة 1332 هـ (1913 م) حكما لا يتصف بالأمن. فقد كانت قبيلتان بدويتان مع شرقى جزيرة العرب هما بنو خالد وعُجْمان تغيران باستمرار عل قرى الحسا وتهددان طرق التجارة. ونعمت المنطقة أخيرا بالأمن فى ظل الأسرة الحاكمة الحالية. وظلت الحسا من سنة 1913 إلى سنة 1952 قاعدة إدارية للمنطقة الشرقية من السعودية وسميت محافظة الحسا. وقد استخدم اسم الواحة أيضا للدلالة على امتياز البترول (امتياز الحسا) الذى حصل عليه فرانك هولمز Frank Holmes فى العُقَير سنة 1923 من الملك ابن سعود، وهذا الامتياز يشمل الأراضى القائمة بين رمال الدهناء. والخليج الذى إلى الشرق، وبين العراق والكويت الى الشمال وخط يجرى إلى الغرب من قاعدة شبه جزيرة قطر حتى الجنوب. وفى سنة 1952 نقلت قاعدة المحافظة من الحسا إلى الدمام على ساحل الخليج، وغير الاسم من محافظة الحسا إلى المحافظة الشرقية وأصبحت إمارة الحسا لا تبسط ولايتها إلا على منطقة الواحة فقط وترفع تقاريرها إلى الحكومة الإقليمية فى الدمام. وفى سنة 1960 قامت حكومة العربية السعودية بزيادة التوسعات فى الزراعة بالواحة بما فى ذلك تثبيت الرمال والصرف وإقامة مزارع تجريبية. المصادر: (1) ناصر خسرو: سفر نامه، طبعة شفر Schefer. باريس سنة 1881. (2) ياقوت: مادة الحسا. (3) Memoire sur les: M.J. de Goeje Carmathes du Bahrain, الطبعة الثانية، ليدن سنة 1886. (4) المؤلف نفسه: La Fin de L' em pire des Carmathes فى Jour. As. سنة 1895.

حساب

(5) سليمان الداخل: تاريخ الأحساء سنة 1331 هـ (6) محمد بن عبد الله آل عبد القادر: تحفة المستفيد بتاريخ الأحساء، الرياض سنة 1379. (7) In Unknown: R.E. Cheesman Arabia, سنة 1926. (8) Hasa, An Arabian: J.B. Mackie Oasis في Geographical Journal عدد 63، سنة 1924. (9) The Heart of: H.St. J.B. Philby Arabia لندن سنة 1923. (10) Gennem Wah-: R. Raunhiaer habiternes land paa Kamelryg كوبنهاغن سنة 1913. (11) The Oasis of Al-: F.S. Vidal Hasa، نيويورك سنة 1955. (12) محمد بن بليهد: صحيح الأخبار، القاهرة سنة 1370 - 1373 هـ (13) Gazetteer of the: J.C. Lorimer Persian gulf oman and central Arabia كلكتة سنة 1908. (14) Bahrain Und: F. Wuestenfeld Abh. d K. Gesch. d. Wiss. zu Jemama . Goett. (15) The Arabs of: H.R.P. Dickson .The Desert، لندن سنة 1949 (16) Iraq and the persian: Admiralty Gulf، لندن سنة 1944. (17) M. S. Lebkicher, S. Rentz Steinke وغيرهم: Aramco Handbook, الأراضى الواطئة سنة 1960. خورشيد [فيدال F.S.Vidal]. مصادر أخرى: 1 - Four centuries of: S. H. Longrigg modern Iraq أوكسفورد سنة 1952. 2 - Eastern Arabian: K.B. Kelley Frontiers, لندن سنة 1946. خورشيد [هيئة التحرير] حساب علم الحساب هو الاسم الذى أطلقه العرب على جميع موضوع هذا العلم. ويقال لمن يمارسه الحاسب أو الحسَّاب.

والحساب أحد العلوم الرياضية أو التعليمية الأربعة وهى تشمل - كما كان الحال قديما - الحساب والهندسة والفلك والموسيقى. والحساب ينقسم قسمين: نظرى وهو الذى كان يطلق عليه أحيانا الاسم اليونانى "إريثماطيقى" ويعتمد فى جوهره على الكتابين السابع والتاسع من كتب إقليدس، وعملى وهو الحساب المعنى بالذات. ونقل علماء الهند إلى بلاط بغداد حوالى عام 770 تواليفهم فى الفلك المعروفة بسدهانتا ونقلوا معها معارفهم فى الحساب وخاصة طريقة العدّ الهندية ومنها الصفر (بالسنسكريتيه سونيه). على أن البحوث الحديثة قد جوّزت أن يكون العلم بطريقة العد الهندية ذات الصفر قد انتشر قبل ذلك فى الشام، وأن يكون الأمويون الذين فتحوا شمالى إفريقية والأندلس قد نقلوا معهم أرقام الغبار القديمة من الشام إلى الغرب قبل أن تنتشر الأرقام الحديثة من بغداد الى المشرق (أنظر Note d'Astronomie: F.Nau Syrienne فى المجلة الأسيوية، المجموعة العاشرة، جـ 16، رقم 2، ص 258 وما بعدها). وبالرغم من أن هذه الأرقام الهندية كانت معروفة فى بعض دوائر أهل العلم إلا أن الغالبية الكبرى من حسَّابى العرب وفلكييهم كانوا يتوجسون من أن تكون لهم أية صلة بهذا الابتكار الهندى البارع. ويصدق هذا تماما على الأرقام العربية. فقد كانت تنازع الأرقام الرومانية فى بطء شديد بعد ذلك، أى إبان العصور الوسطى المسيحية، وكانت غالبية من ألفوا فى الحساب العربى فى القرن الحادى عشر لا يزالون يكتبون أسماء الأرقام جميعا. ونذكر من أنصار هذه المدرسة المحافظة أبا بكر محمد الكرخى (970 - 1036 م) صاحب كتاب الكافى فى الحساب. وهناك مخطوط من هذا الكتاب فى مكتبة كوتا نشر ترجمة له بالألمانية هوشهايم Hochheim (هال عام 1878 - 1880) واستخدم آخرون، وخاصة أصحاب الأزياج، الطريقة السامية واليونانية، وهى استعمال أحرف الهجاء للدلالة على الأرقام (حساب الجُمَّل؛ انظر طبعة

ناللينو لأزياج البتّانى؛ ثلاثة أجزاء، ميلان عام 1899 - 1907). ونذكر من أنصار استخدام الأرقام الهندية فى الحساب محمد بن موسى الخوارزمى (780 - 840 م) وهو صاحب أقدم ما نعرف من كتب الحساب (ولم تصل إلينا إلا ترجمة لهذا الكتاب) كما أنه أقدم ما نعرف من كتب الجبر والأزياج الفلكية، وقام كاتب مجهول فنقل كتاب الخوارزمى فى الحساب الى اللغة اللاتينية، ونشر بونكمبانى - Bon compagni هذه الترجمة بعنوان Trattati d'arithmetica (رومة سنة 1857). وممن استعملوا الأرقام الهندية معاصر للكرخى يدعى على بن أحمد النسوى (980 - 1040 م) وهو صاحب كتاب "المقنع فى الحساب الهندى" ولم ينشر هذا المؤلف كاملا (وانظر عن هذا المصنف ووبكه Woepcke فى المجلة الأسيوية، سنة 1863، جـ 1، ص 392 وما بعدها وسوتر Suter Biblioth. Mathematica المجموعة الثالثة، جـ 7، سنة 1906 ص 113 - 199). وفى هذين الكتابين المتعاصرين، وهما الكافى والمقنع، جاهدت كل من هاتين المدرستين أن تكون لها الغلبة والسيادة، ويظهر أن الحساب الهندى أهمل فى الشرق مدة طويلة، أما فى الغرب فقد استطاع أن يحتفظ بمقامه. ونذكر من تواليف عرب المغرب فى الحساب الكتب التالية: (1) "الكتاب الصغير فى الحساب" لأبى زكريا محمد الحصّار، ولعله عاش فى القرن الثانى عشر. وقد نشر كاتب هذه المادة ترجمة لأهم قسم من هذا الكتاب فى. Biblioth Mathem المجموعة الثالثة (جـ 2، سنة 1901، ص 12 - 40) (2) التلخيص، وهو تلخيص للكتاب السابق بقلم ابن البنّاء (1260 - 1340). وقد نشر مار A. Marre ترجمة فرنسية لهذا التلخيص (رومة سنة 1865، وظهر لأول مرة فى Atti dell' accad. pontif . de Nuovi lincei جـ 17، سنة 1864). ونذكر أخيرا كتاب كشف الأسرار عن علم الغبار لأبى الحسن على القلصادى المتوفى بتونس عام 1486. وقد نشر ووبكه woepcke ترجمة فرنسية لهذا الكتاب فى المجلة

المذكورة آنفا. Atti. etc (جـ 12، سنة 1859) ونشر هذا الكتاب بالعربية فى فاس عام 1315 هـ (1897 - 1898 م). ويمنعنا ضيق المقام هنا أن نفصّل القول فى طرائق الحساب، وحسبنا أن نقرر بعض النقط القليلة التى تختلف عن الطريقة الحديثة في العد، فنقول أولا إن محمد بن موسى يخالف الهندوس فيبدأ الجمع والطرح من الجانب الأيسر. وتقتضى هذه الطريقة محو الأرقام التى على اليسار، وكان ذلك ميسورا على العرب لاعتيادهم استعمال لوحة الغبار فى الحساب، وكان الحصّار أيضًا ما برح يبدأ الطرح (لا الجمع) من اليسار، أما القلصادى فهو أول من بدأ تلك العمليتين من اليمين. وتطلب الأمر ستة قرون كاملة لكى تحل هذه الطريقة الطبيعية البسيطة نهائيا محل الطرائق الأخرى، ولكن ليس من شك فى أن الحسّابين العمليين فى جهات مختلفة كانوا خلال هذه الفترة يأخذون بهذه الطريقة الطبيعية. وظل النسوى يستعمل الخط الأفقى للدلالة على الكسور، ذلك أنه قنع كما قنع الهندوس بوضع البسط فوق المقام. وكان الحصار أول من كتب الكسور فى صورتها الحاضرة مستعملا الخط الأفقى. وكان الفلكيون فى حساباتهم يستعملون فى الغالب الكسور الستينية كما فعل البابليون والروم من قبلهم (3 ْ 37 َ 30 َ) أى 3+ 37/ 60 + 30/ 60 2. وقد استخرج الجذر التربيعى بنفس الطريقة التى نستخرجه بها فى الوقت الحاضر. وعبّر العرب عن الجذور الصماء بصيغة الكسور العادية تقريبا، لأنهم لم يكونوا بعد على دراية بالكسور العشرية. ولم يهتدوا إلى علامة خاصة بالجذر التربيعى إلا على يد القلصادى الذى استعمل للدلالة عليه الحرف الأول من كلمة جذر. ويشمل الحساب العربى أيضًا تطبيقات للعمليات الأساسية المستعملة فى الحياة اليومية وفى الأغراض التجارية بل الهندسة أيضًا، أى حساب المساحات والأحجام. ومما يدخل فى موضوع الحساب النظرى، وإن كان

المصادر

يتصل فى الغالب بكتب الحساب العملى الطرق المتبعة فى اختبار صحة العمليات الحسابية (أى اختبار العمليات باطراح العمليات الحسابية، أى اختبار العمليات باطراح السبعات والتسعات) وجميع المتواليات الحسابية والهندسية وجميع الأرقام الخاصة بالجذور التربيعية والتكعيبية ومربع مربع الكمية، وكذلك النظريات الخاصة بالأرقام الكاملة والنسبية الخ ... ولا نستطيع هنا أن ندخل فى أية تفصيلات عن بعض أفرع الحساب مثل حساب الخطأين (- Regula duorum falsor um) وحساب الدرهم والدينار وغير ذلك، وهى على كل حال أدخل فى الجبر منها فى الحساب. وبقى علينا أن نذكر أن العرب كانت لديهم طريقة للحساب باليد والأصابع أو الهواء (حساب اليد أو الهواء) إلى جانب الحساب على الورق أو لوحة الغبار. وثمة طائفة من المخطوطات عن هذه الطريقة فى الحساب ما زالت باقية (انظر Suter: Nachtraege die Mathem, u Astronum فى - Abhandlungen z. Gesch. d. Mathem. Wis sensc d. Araber جـ 10، ص 203؛ جـ 14، ص 181، وانظر مجلة المشرق، جـ 3، سنة 1900، ص 171 - 174). المصادر: (1) Zur Gesch. d.: H.H. Hankel Math. in Altertum u mittelater ليبسك سنة 1874، ص 223 - 270. (2) Vorlesungen uber: M. Cantor Gesch. de Math. جـ 1، ليبسك سنة 1894. الطبعة الثالثة سنة 1907، جـ 7 Araber: . (3) F. Woepcke فى المجلة الأسيوية، سنة 1852، جـ 2، سنة 1854، وسنة 1863 إلخ. (4) Propaedeutik der Ara-: Dieterici ber ص 1 - 22. (5) مفاتيح العلوم، طبعة فان فلوتن ص 184 - 201. الشنتناوى [سوتر H. Suter] + الحساب علم: أى الأريثماطيقى: ويقسم الفارابى فى كتابه "احصاء العلوم (طبعة A.L. Palencia, مدريد سنة

1953) علم الحساب (علوم التعاليم) إلى سبعة فروع كبيرة على رأسها علم العدد. ويقول الفارابى إنه يوجد فى الحق علمان للعدد، علم عملى والآخر نظرى، وهو يستوحى بعض فقرات من أفلاطون فيشرح العلم الأول بأنه يبحث فى الأعداد من حيث هى أعداد لمعدودات مثل رجال وخيول ودنانير، أما العلم الآخر، وهو الذى يطلق عليه بحق لفظ علم، فإنه يبحث فى الأعداد مجردة من الأشياء المحسوسة. ويضيف الفارابى إلى ذلك أن العلم النظرى للعدد يختص بالطبائع الكامنة فى الأعداد بأعيانها سواء كانت أزواجا أو أفرادا، كما يختص بالطبائع التى تكتسبها الأعداد حين يضاف بعضها إلى بعض أو يتركب على بعض أو ينفصل بعضها من بعض. على أننا نجد بصفة عامة فى كتب الأريثماطيقى العربية تفرقة أخرى من أصل يونانى أيضًا، بين "علم العدد" و"علم الحساب" تضاهى التفرقة بين المفهومين الإغريقيين آلو أريثمتيكى تكنى وآلوجيوتيكى تكنى. والموضوعات التى عولجت فى علم العدد هى نفس موضوعات الأبواب السابع والثامن والتاسع من كتاب الأصول لإقليدس (ترجم أول ما ترجم فى عهد هارون الرشيد على يد الحجاج بن يوسف بن مطر) ومقدمة الأريثماطيقى لنيقوماخوس المنتسب إلى كيراسا. وقد نهج الكتاب العرب بصفة عامة نهج أسلافهم الإغريق فرأوا أن المقادير التخيلية، وهى موضوع الفصل العاشر من كتاب الأصول، تدخل فى الهندسة أكثر من دخولها فى الحساب، ولو أن بعضهم، مثل عمر الخيام، قد اتخذ خطوات لها مغزاها نحو اعتبار المقادير التخيلية أعدادًا Ges-: A.P.Yuschkewitsch chichte der Mathematik in Mittelater ليبسك سنة 1964، ص 248 وما بعدها). أما علم الحساب فيختص أساسا بالعمليات الحسابية الجوهرية وعمليات استخراج الجذور. ومع ذلك فإنه تمشيا مع المفهوم العام للحساب الذى يختص بإيجاد الكميات المجهولة عدديا من الكميات المعروفة فإن كتب

الحساب تتضمن فى العادة فصولا فى القضايا الجبرية. والحق أن عددا من الرسائل فى الحساب قد انصرفت انصرافا تاما أو يكاد إلى الجبر. والشواهد على ذلك: طرائف الحساب لأبى كامل شجاع بن أسلم المتوفى سنة 287 هـ (900 م، طبعة أحمد سعيد سعيدان: مجلة معهد المخطوطات العربية، جـ 9، سنة 1963. وقد ترجمه إلى الألمانية Bibl.Math: H.Suter, جـ 3/ 2 سنة 1911، ص 100 - 120)؛ والكافى (وقد ترجمه إلى الألمانية A. Hocheim فى ثلاثة أجزاء. هال سنة 1878 - 1880) والبديع (طبعة A.Anbouba، بيروت سنة 1964) والكافى والبديع كلاهما لأبى بكر محمد بن الحسن الكَرجَى المتوفى سنة 390 هـ (1000 م = الكرخى، أنظر Levi Della Vida في Rivistora degli studi orientali، جـ 14 ص 264 وما بعدها؛ Anbouba فى مجلة الدراسات الأدبية، الجامعة اللبنانية بيروت، العددان 1، 2 سنة 1959, ص 73 - 106) و"الباهر فى علم الحساب" للسموأل بن يحيى المغربى المتوفى حوالى سنة 570 هـ (1175 م؛ Anbouba فى مجلة المشرق، سنة 1961، ص 61 - 108). وقد يلاحظ أن هذه الرسائل جميعا تختلف عن الكتب التى تتناول طرائق الحساب الهندى، ذلك أن الأعداد فيها تكتب أساسا بالكلمات، وبالتطبيق لمصطلح "علم حساب النجوم" يمكن القول بأن مصطح "الحاسب" يدل على الفلكى أو المنجم أو العالم بالحساب. وقد ترجم مقدمة نيقوماخوس إلى العربية ثابت بن قزة الحرّانى المتوفى سنة 288 هـ (901 م كتاب المدخل إلى علم العدد، طبعة. W. Kutsch S.J، بيروت سنة 1959) وسرعان ما حظيت الترجمة بالشهرة التى حظيت بها المقدمة فى العصور القديمة المتأخرة. وعن طريقها عرف علماء الحساب فى الإسلام عرضا منهجيا للعلم الفيثاغورى فى الحساب أى ارتباط الحساب بالموضوعات الأخرى للأسطقسات (الهندسة والفلك والموسيقى) وتصنيف العدد الى تام وزائد وناقص، وكذلك إلى أعداد متحابّة

ومتواليات إلخ. ويظهر تأثير هذا العمل فى كتابات إخوان الصفا إذ تبدأ رسالتهم الأولى بالعدد (الترجمة الإنكليزية بقلم B.Goldstein فى - Centaur us، سنة 1964، ص 129 - 160). وهذه الرسالة ليست فى معظمها إلا شرحا للمقدمة، وهى تستشهد كثيرا بنيقوماخوس وفيثاغورس، ويقول إخوان الصفا: إن الحساب هو المرحلة الأولى فى الطريق إلى الحكمة، وهو دراسة لخواص الأشياء الموجودة بدراسة وحدانيات الأعداد التى تطابق هذه الأشياء: والأشياء الموجودة تتفق وطبيعة الأعداد، بل إننا حين نصنف الأعداد تصنيفا تقليديا كتصنيفها آحاد وعشرات ومئات وآلاف فإن هذا التصنيف يستوحى نمطا كونيا فى الطبيعة، وفى هذه الحالة يكون التصنيف كما يأتى: الطبائع الأربع، فالعناصر الأربعة، والأخلاط الأربعة. والأصل فى العدد الواحد هو الواحد الأحد، وكما أن الأشياء جميعا تصدر عنه فكذلك يكون الواحد هو مبدأ كل الأعداد، ولكنه ليس عددا فى ذاته. ومثل هذه التأملات لا توجد فى الكتابات العلمية الهزيلة فحسب، ذلك أن عمر الخيام أيضا، وهو من أئمة علماء الرياضيات فى الإسلام، كان يرى أن دراسة الرياضيات التى تعد أصفى نواحى الفلسفة، هى الخطوة الأولى فى السلم المؤدى الى المعاد ومعرفة الماهية الحقة للوجود (رسالة فى شرح ها أشكل من مصادرات إقليدس، طبعة عبد الحميد صبرة، الإسكندرية سنة 1961, ص 3، 75). ويجب أن نذكر أن مترجم مقدمة نيقوماخوس كان من أقدر علماء الرياضيات فى القرن الثالث الهجرى (التاسع الميلادى)؛ على أن المرء ليعجب من ندرة ما كتب فى "علم العدد" ذاته. ونحن نجد رسالة موسعة بعض الشئ فى هذا الموضوع وهى "مراسم الانتساب فى علم الحساب" التى كتبها في دمشق يعيش بن إبراهيم بن يوسف الأموى الأندلسى سنة 774 هـ (1373 هـ) وهى تشمل دراسة للأعداد الهرمية (سعيدان فى Islamic Culture, سنة 1965، ص 210، 212). وقد كتب ثابت بن قرّة رسالة قائمة بذاتها عن الأعداد المتحابّة (الترجمة الفرنسية بقلم F. Woepcke فى. Jour. As جـ 20،

سنة 1852، ص 220 - 229). وكذلك فعل كمال الدين الفارسى (انظر بروكلمان، قسم 2، ص 295، رقم 2). وقد رد ثابت بن قرة على الرأى الذى يذهب إلى أن اللانهائى لا يمكن أن يكون أكبر من لا نهائى آخر، فضرب مثل الأعداد ملاحظا أن جنس الأعداد الطبيعية وجنس الأعداد الزوجية كلاهما لا نهائى، على حين أن الجنس الثانى ضعف الأول، ثم قال إن مجموعة لا نهائية من أعداد قد تكون فى الحق جزءا ما فى مجموعة لا نهائية أخرى (المتحف البريطانى، مخطوط، فهرس إضافات المخطوطات الشرقية، رقم 7473، ورقة رقم 14 وجه) (¬1). وأول رسالة فى أوائل الحساب الهندى هى رسالة كتبها محمد بن موسى الخوارزمى (حوالى سنة 210 هـ = 825 م) ولم يبق من هذه الرسالة إلا عدد من النقول اللاتينية نقلت عن ترجمة يرجح أنها صنعت فى القرن الثانى عشر الميلادى، وثمة ترجمة من هذه يمثلها مخطوط وحيد من القرن الثالث عشر محفوظ فى كمبردج، ونشر هذا المخطوط أول ما نشر بمعرفة بونكومبانى Trattati d': B.Boncompagni aritmticai Algoritmi de numero indorum رومة 1857، وأعيد تحقيقه على يد Alchwarizmi's Algorismus: K.Vogel آلن سنة 1963) وثمة ترجمة أخرى للرسالة بعنوان Ioanis Hispalensis Liber -Algorismi or Alghoarismi de pratica aris metrice جـ 2، رومة سنة 1857). ويشرح النقل الأول النسق الوضعى للقيمة العشرية للعد اللفظى، بالرغم من عدم وجود الأرقام الهندية التسعة فى مخطوط كمبردج الذى يستخدم الأرقام الرومانية فحسب. أما الصفر فيمثل ¬

_ (¬1) ونستطيع أن نضيف هنا من عندنا نص ثابت بن قرة كما نقله لنا موسى بن عيسى بن أسيد: (أ) أن ما لا نهاية له موجود بالفعل. (ب) إن ما لا نهاية له يمكن أن يكون أكبر أو أصغر من ما لا نهاية له آخر. ويستطرد ثابت قائلا إنه يمكن البرهنة على أن مجموعة الأعداد الطبيعية الموجبة الزوجية تساوى مجموعة الأعداد الطبيعية الموجبة الفردية. وعليه فإن مجموعة الأعداد الطبيعية الزوجية هى نصف مجموعة الأعداد الطبيعية الموجبة، وأن هناك ما لا نهاية له هو نصف ما لا نهاية له آخر. د. أ. س. الدمرداش.

هنا بدائرة صغيرة (Circulus) ووظيفته الإشارة الى مكان خال differentia mansio) (martaba,: Manzila ويطلق النقل الثانى أيضا (Liber Algorismi) اللفظ صفر على ciffre أو siffre أى المكان الخالى: وعند إجراء العمليات الحسابية الأساسية توضع الأرقام الرقم فوق الآخر، ويشرع فى العمل من اليسار، ثم يحدث المحو والنقل للرقوم من مكانها مما يدل على أن العمليات كانت تجرى فوق لوح يعلوه الغبار. ومن أخص ملامح الرسالة أن عمليتى التضعيف والتنصيف كانتا مستقلتين، وهذا النهج ظل الحاسبون العرب يتبعونه حتى عصر الكاشى فى القرن التاسع الهجرى الموافق الخامس عشر الميلادى (وإن لم يتبعه الكرجى وابن البناء حوالى سنة 619 هـ = 1222 م، أو القلصادى المتوفى سنة 882 هـ = 1477 م أو سنة 891 هـ = 1486 م) كما ظل يتبعه كثير من الكتاب فى أوربا حتى القرن السادس عشر. ومن المقدمات الأولى للحساب على النمط الهندى بقيت مقدمة أبى الحسن كوشيار بن لبان الجيلى وعنوانها "أصول حساب الهند"، وقد صنفها سنة 390 هـ الموافق 1000 م (Principles of Hindu Reckoning، صورة طبق الأصل من النص العربى مع ترجمة إنكليزية بقلم Martin Levey, Marvin Petruckh, Madison and Milwaukee سنة 1965). وهذه المقدمة من جزئين، الأول يقدم التسعة الرقوم مع مبدأ قيمة التواجد العشرى، وتشير دائرة صغيرة (الصفر) إلى خلو عدد من الوضع المكانى (أى المرتبة) الذى يشغله. ثم يبدأ كوشيار فى إجراء الجمع (أى الزيادة) والنقصان (أى عمليات الطرح) والضرب والقسمة. أما عمليتا التضعيف والتنصيف فقد قال إنهما نوعان آخران من الزيادة والنقصان على التوالى. ثم يعقب ذلك طريقة إيجاد الجذر التربيعى (أى الجذر) وينتهى هذا الجزء بفصل قصير عن "الموازين"، وفيه يستخدم ميزان التسعة لمراجعة نتائج عمليات الضرب والقسمة واستخراج الجذر التربيعى. أما الكسور فيعبر عنها هنا مطلقا بالنظام الستينى. فالنصف مثلا

يعبر عنه بثلاثين جزءا من واحد، وعلى ذلك فلتنصيف العدد 5625 تظهر النتيجة كالآتى 2812. وبالمثل فإن باقى عمليات القسمة يضرب 30 فى قوى 60 ثم يقسم على المقسوم عليه. أما الجزء الثانى فقد خصص برمته للتركيب بجدول الستين فى التقدير (وهو يشمل الجذر التربيعى) بمساعدة جداول الضرب للأعداد من واحد الى ستين (وهى مفقودة فى النسخة الباقية). وفى هذه الجداول تتمثل الأعداد بأرقام الأبجد التقليدية. على أن العمليات الحسابية ذاتها تستخدم النظام الوضعى الصرف للعد باستعمال الأعداد التسعة والصفر. أما الفصل الأخير من الرسالة فيوضح عملية استخراج الجذر التكعيبى بالنظام العشرى. وتجرى العمليات الحسابية كلها فى الرسالة على تخت من الغبار وتتضمن المحو والإزاحة للأعداد، والنتيجة النهائية هى فى الإحلال لعدد واحد من الأعداد المعطاة. فإذا أردنا مثلا إيجاد حاصل ضرب العدد 325 × 243 فإن الأرقام الآتية تتتابع بعد أن يحل الواحد محل الآخر على التخت (¬1): ¬

_ (¬1) ومن المستحسن هنا توضيع عملية الضرب هذه باللجوء الى النص الأصلى من كتاب أصول حساب الهند لكوشيار بن لبان الجيلى - الفصل الرابع من المقالة الأولى تحقيق د. أحمد سعيد سعيدان، مجلة معهد مخطوطات جامعة الدول العربية مايو 1967، المجلد الثالث عشر، الجزء الأول، وهو كالآتي: نريد أن نضرب ثلاثة وخمسة عشرين فى مائتين وثلاثة وأربعين، فنضعهما على التخت على ما فى الصورة الأولى: 325 أولى المراتب السفلانية تحت آخر المراتب 243 الفوقانية. ثم نضرب الثلاثة الفوقانية فى الاثنين السفلاني، فيكون ستة، فنضعها فوق الاثنين السفلاني، بإزاء الثلاثة الفوقانية، على ما فى الصورة الثانية 6325, 143 فلو كان فى الستة عشرات كنا نضعها بعد الستة ثم نضرب الثلاثة الفوقانية أيضًا فى الأربعة السفلانية (فيكون اثنى عشرة، فنضع الأثنين فوق الأربعة) ونزيد العشرة على عشراته. وهى الستة، صارت سبعة فنحصل على ما فى الصورة الثالثة 72325 ثم نضرب الثلاثة الفوقانية فى الثلاثة السفلانية، 243 وتنقل المراتب السفلانية مرتبة. فنحصل على الثلاثة الفوقانية. وننقل المراتب السفلانية مرتبة، فنحصل على ما فى الصورة الرابعة 72925, 243 ثم نضرب الاثنين الذى فوق الثلاثة السفلانية فى الاثنين السفلاني، فيكون أربعة، فنزيده على الاثنين الذى فوق الاثنين (السفلاني) فيصير ستة، =

325 - 6325 - 72325 - 72925 - 77765 - 243 - 243 - 243 - 243 - 243 - 78975 - 343 على أنه حدث قبل زمن كوشيار أن دخلت فى علم الحساب ابتكارات عظيمة المغزى، وهذا ماثل فى "كتاب الفصول فى الحساب الهندى" لأبى الحسن أحمد ابن إبراهيم الإقليدسى، وقد صنفه فى دمشق سنة 341 هـ (952 - 953 م) وهذا الكتاب الهام لم يطبع بعد، إلا أن أحمد سعيد سعيدان قد درسه معتمدا على المخطوط الوحيد المحفوظ فى يكى جامع رقم 802 باستانبول (Isis, عدد 57، ص 475 - 490). وقد طبق الإقليدسى النظام الهندى على حساب العد القديم وعلى النظام الستينى فى الكسور وانبرى يغير طريقة التخت والغبار ويستبدل بها المداد والورق. ولم يقتصر الأمر على ظهور سخف هذه الطريقة بل إن اقتران التخت بالمنجمّين الذين يكتسبون رزقهم باستخراج الطوالع فضلا عما فى عادة محو الغبار باليد من سقم، فقد أصبح هذا التغيير مرغوبا فيه. ومن هنا فإنه من الجدير بالذكر أنه حدث فى نفس القرن الذى عاش فيه الإقليدسى أن كتب أبو الوفاء البوزجانى رسالته فى أصول الحساب ليفيد منها كتاب الحكومة وعمالها ("ما يحتاج إليه الكتاب والعمال من صناعة الحساب" انظر M.Medovoi في Istoriko Matematich eskiye Issledovaniya، جـ 13، سنة 1960، ص 253 - 324) ¬

_ = ثم نضرب الاثنين الفوقانى أيضًا فى الأربعة السفلانية، فيكون ثمانية. فنزيدها على التسعة التى فوق الأربعة، ثم نضرب الاثنين الفوقانى أيضًا فى الثلاث السفلانية، فيكون الستة، فنضعها فوق الثلاث، مكان الاثنين الفوقانى، وننقل المراتب السفلانية مرتبة، فنحصل على ما فى الصورة الخامسة 77765 - 243 ثم نضرب الخامسة الفوقانية فى الاثنين السفلانى، فيكون عشرة، فنزيدها على عشرات المرتبة التى فوق الاثنين. ثم نضرب الخمسة أيضًا فى الأربعة السفلانية يكون عشرين، فنزيد على عشرات الأربعة، فيصير تسعة، ثم نضرب الخمسة فى الثلاثة السفلانية، يكون خمسة عشر. فنترك الخمسة مكانها، ونزيد العشرة على عشراتها، فنحصل على ما فى الصورة السادسة 78975 وذلك ما أردنا أن نعمل 243 د. أ. س. الدمرداش

وقد حرص على تحرير الطرائق الهندية التى كان يستخدمها أحيانا من تخت الغبار والمحو. وزعم الأقليدسى أنه أول من تناول تناولا كافيا الجذر التكعيبى، ولكن أعجب سمة من سمات كتابه شرحه للكسور العشرية وتطبيقها، وهو ابتكار ظل ينسب حتى عهد قريب إلى الكاشى الذى عاش بعده بخمسة قرون. وقد عادت هذه الفكرة الى الظهور بصورة ما فى "تكملة فى علم الحساب" لأبى منصور عبد القاهر البغدادى المتوفى سنة 428 هـ (1037 م) وهو الذى عبر عن العدد 17,28 بالترتيب (انظر سعيدان فى مجلة Isis، الموضع (17، 02، 08) المذكور ص 487 - 488 وفى Islamic Culture, عدد 39، سنة 1965، ص 210، 220) على أن هذا الابتكار قد ضاع بصفة عامة فيما يظهر حتى جاء الكاشى بعد الإقليدسى بخمسة قرون فعاد إلى استحداث "الكسور العشرية" فى كتابه "مفتاح الحساب" معتبرا ذلك كشفا جديدا اهتدى إليه بالقياس على النظام الستينى (صورة طبق الأصل من النص العربى مع ترجمة وتعليق باللغة الروسية بقلم V.Segal, B. Rozenfeld, A.Yushkevich موسكو سنة 1956) (¬1) وعلى حين أدرك الكاشى أهمية الكسور العشرية أكثر بكثير من إدراك الإقليدسى فإن الإقليدسى قد استخدم علامة عشرية هى نقطة فوق العدد مكان الوحدات، وهى طريقة تفوق طريقة الكاشى فى الدلالة على الجزء العشرى مثلا بكتابته بلون مخالف أو ¬

_ (¬1) والنص الذى يورده الكاشى فى كتابه مفتاح الحساب الذى سبق لنا تحقيقه كالآتى: ص 123. اذا أردنا تحويل الكسور بالأرقام الستينية الى الأرقام الهندية أى إلى الكسور الإعشارية. نضرب الكسور بالأرقام الستينية فى عشرة، فإن كان أول مراتب الحاصل أجزاء أعنى درجا فهى الاعشار، وإن لم يكن أجزاء فنضع مكان الأعشار صفرا، ثم نضرب كسور الحاصل أى غير الأجزاء فى عشرة، فإن كان أول مراتب الحاصل أجزاء نضعها فى المرتبة التى سميناها ثانى الأعشار، وإن لم يكن أجزاء نضع مكان ثانى الأعشار صفرا، ثم نضرب هذا الحاصل غير الأجزاء فى عشرة، ونضع أجزاء الحاصل مكان ثالث الأعشار بعد أن رفع بالأجزاء، وعلى هذا القياس. وفى موضع آخر يقول الكاشى (ص 121): وينبغى أن نكتب الأعشار فى يمين الآحاد. وثانى الأعشار فى يمين الأعشار، وثالث الأعشار فى يمين ثانيهما وهكذا الى حيث بلغ، فيكون الصحاح والكسور فى سطر واحد. د. أ. س. الدمرداش.

فى عمود أو أعمدة غير عمود أو أعمدة الجزء الصحيح. وهناك سمة تميز الكتب التى تتناول الحساب الهندى هى استخدام الأرقام العربية التى أصبحت تقليدا رسّخه العلماء العرب فى القرون الوسطى على اعتبار أن أصل هذه الأرقام هندى. صحيح أن هذه النسبة إلى الهند قد أصبحت الآن موضع اعتراف الجميع، إلا أن المنبع الأساسى لهذه الأرقام وطريقة انتشارها وتطورها فى العالم الإسلامى وفى أوربا ظل موضوعًا للمناقشة بالرغم من البحوث المستفيضة التى قام به فوبكه Woepcke وسميث Smith وكاربنسكى Carpinski وكاراده فو Carra de Voux وكاندز Gandz وكثير غير هؤلاء. وقد بقيت الأعداد فى العالم الإسلامى وظلت باقية فى صورتين على الأغلب: الصورة الأولى فى الشرق، والصورة الثانية فى الغرب. وقد جرت العادة بأن يطلق على الأعداد الشرقية اسم "الهندية"، على حين أطلق على الأخرى التى هى الأصل المباشر للأعداد الأوربية الحديثة اسم حروف "الغبار". على أنه يحدث أحيانا أن تنعكس هذه التسمية (انظر F. Woepcke & A. Marre فى - Atti dell' Ac cademia pontificia de'Nuovi Lincei المجلد 19. السنة التاسعة عشرة، سنة 1866). أو تستعمل الصفتان كلتاهما للدلالة على الأعداد الشرقية والأعداد الغربية، فابن الهائم المتوفى سنة 815 هـ (1412 م) فى كتابه "مرشدة الطالب الى أسنى المطالب" قد عاد إلى استخدام الأعداد الشرقية والأعداد الغربية وأسماهما الاثنتين الأعداد الهندية. وثمة ملاحظة على هامش مخطوط من المخطوطات تنكر هذه التسمية بالنسبة للأعداد الغربية وتزعم أنها من أصل رومى وتسمى هذه الأعداد وتلك أعداد "الغبار" (مخطوط بمكتبة جامعة برنستون 3940، وتاريخه 981 هـ = 1573، ورقة رقم 1 وجه) ويجب أن نبحث هذا الزعم مرتبطا بالنظرية التى قدمها فوبكه وأيدها كاندز وهى تقول إن أرقام الغبار نشرها القائلون بالأفلاطونية الحديثة وأن العرب عرفوها عن طريق

الرومان. أما فيما يختص بالنمط الغربى للأعداد فإن يحيى بن تقى الدين ابن إسماعيل الحلبى (حوالى سنة 1019 هـ = 1610 م) يقول فى كتابه "مسلك الطلاب فى شرح نزهة الحساب" إن هذه هى الغبارية ويقال لها أيضا الهندية، ولكن استعمالها غلب بين أهل المغرب وبين من اتبعوهم (مخطوط مكتبة جامعة برنستون رقم 3407 وتاريخه 1037 هـ = 1627 - 1628، ورقة رقم 82 ظهر). وكان كلا النمطين من الأعداد معروفا للعرب قبيل سنة 733 م إن لم يكن أقدم من ذلك، على أنه يمكن أن نلاحظ أنه ما من أحد حتى اليوم قد وجد فى الرسائل العربية عن الحساب أية إشارة إلى مؤلفين من الهنود أو أسماء كتب هندية، والأمر على خلاف ذلك فى الكتابات العربية فى الفلك. زد على ذلك أن هذه الرسائل ليس فيها أى أثر للتقسيم الهندى للحساب إلى نحو من عشرين عملية، وإنما هى أجنح إلى أتباع التقسيم الرومى المألوف، وهى فى تسميتها للقوى التى تعلو التربيع والتكعيب فإنها تأخذ بالجمع على غرار ما نجده عند ديوفنطس، ولا تأخذ بالضرب كما هو الحال فى مألوف الطريقة الهندية. ذلك أنها تعبر عن القوى السادسة مثلا بـ "كعب الكعب" (باليونانية كوبسكوبوس) ولا تقول "مربع الكعب" أو "مكعب التربيع" (انظر Alegbra from the: H.T. Colebrooke Sanscrit لندن سنة 1917، ص 12) ومن جهة أخرى نجد أن عبارة "حساب التخت والتراب" هى المرادف الواضح للسنسكريتية "باطيكنتا" و"دهولى كرما" History of Hindu: Datta & Singht Mathematics جـ 1، ص 123 - 124). وهناك نظير فى الاستعمال السنسكريتى للقول "الجمع والتفريق" (أو "الضم والتفريق" بعبارة ابن خلدون) وهما اصطلاحان يدلان دائما فى الرسائل الباقية على الجمع والطرح، ويمكن أن يدلا أيضا على علم الحساب برمته (المصدر نفسه، ص 130، وانظر أيضا J.Ruska فى sb. Heid. Ak. Wiss phil hist. Kl.-، سنة 1917، ص 14 - 21) ومن هنا جاء تعريف الحساب فى

إخوان الصفا بأنه "جمع العدد وتفريقه". ويروى أن الخوارزمى كتب كتابا فى "الجمع والتفريق"، ومن الجائز أنه لم يقتصر على العمليات الأولية من جمع وطرح. وساد العالم الاسلامى قبل انتشار الطرائق الهندية فى الحساب ضرب من الحساب سماه الإقليدسى "حساب الروم والعرب". وقد وضعت الكتب التى تتناول هذا الحساب (مثل رسالة البوزجانى التى أشرنا إليها آنفا) قواعد لإجراء العمليات الحسابية تشمل تعيين الجذور التربيعية على نحو تقريبى، وقد جرى الأمر على أن تجرى هذه العمليات فى الذهن، والنتائج الجزئية التى تتحصل فى عملية الوصول إلى الحل النهائى لمسألة من المسائل كانت تستذكر بعقد الأصابع فى أوضاع معينة. وهذه السمات هى التى جعلت هذا الحساب يسمى "حساب اليد" و"حساب العقود" و"الحساب الهوائى". وعند التعامل مع الكسور فإن حساب اليد يأخذ بالنظام الستينى، أو يقوم بتحويل الكسور إلى أجزاء من وحدات القياس المحلية من عملات نقدية أو مقاييس (¬1). وثمة نظام آخر يستعمله هذا الحساب مستوحى فيما يظهر من خصائص تتميز بها اللغة العربية، وبمقتضى هذا النظام يعبر عن الكسور 1/ 3، 1/ 4 .. 1/ 10 فحسب بكلمات مشتقة من مقاماتها (الثلث عن ثلاثة وهكذا، أما النصف فلا يشتق من اثنين ومن ثم يطلق عليه "الموضوع" وهو ما جرى به العرف). هذا ويمكن تحويل بعض الكسور إلى كسور مساعدة مشتقة من المجموعة الأولى، فمثلا الكسر 1/ 12 هو نصف السدس. أما الكسور الأخرى مثل 1/ 11، 1/ 13 فلا يمكن التعبير عنها على هذا النحو، ولهذا فإنه يطلق عليها وعلى مقاماتها التسمية "أصم". وبهذا المفهوم قال إخوان الصفا عن العدد 11 إنه أول الأعداد الصماء. وللتعبير عن ¬

_ (¬1) فإذا كان الدرهم 24 قيراطا، والقيراط 8 حبات، والحبة 16 رزات مثلا، عبروا عن الأعداد الصحيحة بالدراهم، وعن الكسور بالقراريط والحبات والأرزات، فالقيراط 1/ 24 والحبة 24 × 1/ 8 والأرزة 24 × 8 × 1/ 6 من الوحد.

الكسر 1/ 11 يقال: جزء واحد من أحد عشر. وفى بعض النصوص الأخرى استعمل اللفظ "أصم" للدلالة على كلمة "أرتيوس" عند إقليدس فى إطلاقها على العدد مثل 2 الذى لا يمكن القول بأنه النسبة بين عددين مجردين. وقد ظلت الرسائل فى حساب العدد تصنف حتى بعد أن تبينت فوائد الحساب الهندى، وكان الهدف العام للحسّاب العرب بل ربما كان أهم ما حققوه هو صهر الطرائق المختلفة المتاحة لهم فى بوتقة واحدة لإيجاد نسق واحد للحساب يقوم على التطبيق المناسب للنظام العشرى مع استخدام الأعداد الهندية. وكانت إحدى هذه الطرائق هى الجداول الستينية القديمة التى تأثر بها العرب تاثرا قويا فى كتبهم عن الحساب بفضل ترجمة المؤلفات الإغريقية فى الفلك على أننا نجد مرة أخرى أن الطرائق الستينية فى الحساب هى وحساب الجمل الذى اقترن بها ظلت مستعملة فى جميع الأحوال عند علماء الفلك المسلمين. وبفضل هذه الحقيقة نكاد لا نجد رسالة مهمة فى الحساب العربى إلا وأفردت فصلا تتناول فيه المنهج الستينى، ويقال كذلك أحيانا "حساب المنجمين" و"حساب الزيج" أو "حساب الدَرَج والدقائق". وثمة رسالة متأخرة، وإن تكن شاملة، انصرفت إلى الكلام على هذا المنهج هى "رقائق الحقائق فى معرفة الدرج والدقائق لسبط الماردينى المتوفى بعد عام 891 هـ (1486 م) وفيها ذكر المؤلف أن الكتاب الوحيد المناسب فى الحساب الستينى فيما شاهده هو رسالة لشيخه شهاب الدين أحمد بن المجدى (مكتبة جامعة برنستون، مخطوط رقم 3325، ورقة 1 وجه). وفى الكتب العربية عن الحساب تحل "الموازين" (¬1) محل البراهين عينها، ¬

_ (¬1) ولتوضيح مفهوم الميزان يستحسن الرجوع الى نص الكاتبى فى مخطوطة مفتاح الحساب التى سبق لى تحقيقها فى دار الكتاب العربى (الباب السادس، ص 76): لحساب امتحان يعرف بالميزان، إن صح الحساب الميزان ولم يطرد، وطريقه أن نجمع مفردات العدد من غير اعتبار المراتب، نطرح منه تسعة تسعة الى أن تبقى تسعة أو أقل منها، فما بقى ميزان ذلك العدد. مثاله: أردنا أن نأخذ ميدزانية هذا العدد 64578 جمعنا الثمانية والسبعة والخمسة والأربعة والستة، وطرحنا من المجموع تسعة تسعة، فتبقى ثلاثة، وهى ميزان ذلك العدد. د. أ. س. الدمرداش.

المصادر

على النقيض من الرسائل العربية فى الجبر التى تتبع تقليدا إغريقيا، فتعتمد فى كثير من الأحوال على البراهين الهندسية. ويظهر ميزان التسعة فى أقدم الكتب الباقية، نجده فى الإقليدسى وفى كوشيار، وظل هذا الميزان مستعملا من يومها. أما الحصّار، فى القرن السادس الهجرى (الثانى عشر الميلادى) فيما يرجح، فكان يستخدم ميزان السبعة (H.Suter في Bibl. Math جـ 3 - 2، سنة 1901، ص 12 - 40). وقد استعمل ابن البناء فى كتابه التلخيص (انظر الترجمة الفرنسية بقلم Atti dell' Academia pontif-: : A. Marre icia de' nuovi Lincei، المجلد 17، السنة السابعة عشرة، سنة 1863 - 1864, رومة سنة 1864، ص 289 - 319) ميزان الثمانية وميزان التسعة، واستخدم الأموى (Islamic Culture الموضع المذكور، ص 219) ميزان الأحد عشر. أما القلصادى فقد استخدم طريقة استنزال السبعات مع الربط بينها وبين عمليات الطرح، ويقول إنه يمكن استخدام أعدادًا أخرى. وقد اعترف بأن هذه الطرائق لها حدود. وأما الكاشى الذى لم يستخدم إلا ميزان التسعة فإنه يقول إن بعض النتائج جاءت غير صحيحة، ولكن ليس معنى ذلك أن الطريقة صحيحة. ومثل هذا القول جاء فى كتاب الخوارزمى- Li ber Algorismi. المصادر: علاوة على ما ذكر فى صلب المادة: (1) Ueber das rechenbuch: H. suter des Ali ben Ahmed et Nasawi في Bibl. Math، جـ 3، 7، سنة 1906، ص 113 - 119. (2) نصير الدين الطوسى: جوامع الحساب بالتخت والتراب، نشره أ. س. سعيدان فى مجلة الأبحاث (الجامعة الأمريكية ببيروت)، جـ 20، سنة 1967، (ص 91 - 164، 213 - 292). (3) Mohammed Beha eddin Essenz der Rechenkunst (أى بها الدين العاملى: خلاصة الحساب) نشرة. Von G.H.F Nesselman، برلين سنة 1843.

(4) - B.A.Rosenfeld & A.P. Yusch Die mathematik der Laender: kewitsch des Ostens in Mittelalter, برلين سنة 1963 Sonderdruck aus Sowjetische Beitraege Zur) (Geschichte der Naturwissenschaft نشره Von Harig, برلين 1960. (5) Geschichte: A.P. Yuschkewitsch der Mathematik in mittelalter. ليبسك سنة 1964 (نشر أصلا بالروسية، موسكو سنة 1961 وهو يشمل مصادر مستفيضة). (6) Zur aeltesten ar-: J.Ruska abischen Algebra und Rechenkunst في. Sb.d Heidelberger Ak.d. Wiss. Phil. hist Kl .. سنة 1917، جـ 2، ص 1 - 125. (7) المؤلف نفسه: Arabische tetxe ueber das Fingerrechnung في Isis، جـ 10، سنج 1920، ص 87 - 119. (8) Les Anciens pro-: J.L. Lemoine cedes de calcul sur les doigts en Orient et en Occident فى - Revue des Etudes Is lamiques جـ 6، سنة 1932، ص 1 - 58. (9) Zur islamischen Re-: P.Luckey chenkunst und Algebra فى Forschungen und Fortschritte جـ 24، سنة 1948 ص 199 - 204. (10) المؤلف نفسه: Die Rechenkunst bei Gamrhid b. Mas'ud Al-Kashi, فيسبادن سنة 1951. (11) A com-: Susan Rose Benedict -parative study of the early treatises intro -ducing into Europe the Hindu art of reck oning كونكورد، سنة 1916. (12) Memoire sur la: F. Woepcke Propagation des chiffres indiens فى. Jour .As, سنة 1863، ص 27 - 79، 234 - 290، 442 - 529. (13) The: D.E.Smith & C. Karpinski Hindu- Arabic numerals بوسطن ولندن سنة 1911. (14) Sur L'origine: Carra de Vaux de chiffres في Scientia، جـ 21، سنة 1917، ص 273 - 282. (15) The Origin of the: S. Gandz Ghubar numerals فى مجلة Isis، عدد 16، سنة 1931، ص 393 - 424.

(16) la plus ancienne men-: F. Nau tion orientale des chiffres indiens فى. Jour. As سنة 1910، ص 225 - 227. (17) - D. E.Smith & Jekuthiel Gins Rabbi ben Ezra and the Hindu - Ar-: burg abic problem , فى. The Amer. Mathem Monthly, عدد 25، سنة 1918، ص 99 - 108. (18) The origin of our: H. P.Lattin present system of notation according to the theories of N. Bubnov فى مجلة Isis جـ 19، سنة 1933، ص 181 - 194. (19) Arabic nu-: Rida A.R. Irani meral Forms في Centaurus 1955، ص 1 - 12. (20) المؤلف نفسه: A Sexagesimal multiplication table in the Arabic alpha- betical system في Scripta mathematica، عدد 18، سنة 1952، ص 92 - 93. (21) Un astrolabe: M.Destombes carolingien et l'origine de nos chiffres في Archives internationales de l'histoire des sciences جـ 15، سنة 1962، ص 3 - 45. (22) Algebra from: H.T. Colebrooke the Sanscrit لندن سنة 1917. (23) History: B. Datta & A.N. Singh of Hindu Mathematics اللوحتان 1، 2، بومباى سنة 1962. (24) Introduction to the-: L.Sarton History of Science، جـ 1, 3، بلتيمور سنة 1927 - 1948. (ويضم مواد ومصادر عن الكتاب) (25) Die Mathematiker: H. Suter und Astronomen der Araber und ihre werke ليبسك سنة 1900. د. أ. س. الدمرداش [ع. ا. صبره A.I.Sabra] + " الحساب": هو الحساب الذى يقدمه العبد لربه، ويرد ذكر الحساب فى القرآن أحيانا بمعنى حساب الأوقات (سورة يونس، الآية 25؛ سورة الإسراء الآية 12) كما يرد فى كثير من الأحيان على سبيل المجاز بمعنى "حساب الله الناس يوم الدين". وعبارة

يوم الحساب (سورة غافر، الآية 27، سورة ص، الآية 16، الآية 21، والآية 53، وانظر سورة إبراهيم، الآية 41) ترادف عبارة "يوم الدين". وحساب الناس فى الآخرة على ربهم وحده (سورة الرعد، الآية 40؛ سورة الشعراء، الآية 113). والله يحاسب الناس جميعا وبخاصة الفجار (سورة الغاشية، الآية 26؛ سورة الرعد، الآية 18، الآية 21؛ سورة المؤمنون، الآية 117) .. والله سريع الحساب" (سورة البقرة، الآية 202؛ سورة آل عمران الآية 19، الآية 199، الخ). وكل إنسان يؤتى "كتابا" أى بيانا بالحساب، و"سجلا" فيه كتبت أعماله. وإذا زاد عدد الحسنات على عدد السيئات فإنه يؤتى "كتابه" بيمينه ويحاسب حسابا يسيرا (سورة الانشقاق، الآية 7، 8، 9، سورة الحاقة، الآية 19، 20، وانظر سورة الإسراء، الآية 71) وأما من يحاسب حسابا عسيرا فإنه يؤتى كتابه بشماله (سورة الحاقة، الآية 25 والآية 26) ويصلى نارا حامية. ويمكن مقارنة هذه الأحكام الواردة فى القرآن الكريم بكثير مما ورد فى اليهودية والمسيحية. ذلك أن الحساب ووزن الأعمال كانا معروفين (انظر (The Zoroastrian doctrine of a (J. parvy future life نيويورك، سنة 1929؛ P.J de Shkand-Ghumanik Vichar: Menasce, النص والترجمة الفرنسية، فريبورغ، سويسرة سنة 1945, ص 58 - 59). وتوجد مرادفات تقاربها فى اليهودية بعد التوراة (Aboth, جـ 2، جـ 3، وأنظر Juedische Eschatologie .Yolz ص 266) وفى عهد المسيحية الأولى (تحليل وإسناد بحسب Der Ur-: Tor Andrae sprung des Islams und das Christentum Arsskrift, سنة 1925). ثم حدث من بعد أن بعض كتب تفسير القرآن الكريم، وبخاصة بعض مصنفات التهذيب العامة، قد اعتمدت فى هذا الموضوع على الإسرائيليات أو المسيحيات التى اعترف بصراحة أن لها هذه الصفة.

ومهما يكن من أمر فإن كل بيئة دينية قد طورت هذه القاعدة العامة الخاصة بالآراء فى الآخرة وطبقتها تطبيقا عمليا بما يناسب روح هذه البيئة (أنظر ملاحظات Tor Andrae. المصدر المذكور ص 225). والتصورات المستعملة فى أوصافهم لا صلة لها بموضوع بحثنا الخاص بتناول علم الكلام عند المسلمين لهذه الأمور. والإلمام بهذه المعلومات خليق بأن يتضمن مناقشة شاملة لهذه المسألة برمتها ألا وهى الجزاء على الأعمال الذى تمثل فى "الوعد والوعيد" فى الآخرة. وحسبنا هنا أن نتناول بعض المسائل التى تتعلق بطبيعة الحساب نفسه، أو ببعض صوره، ونسوق بيانا موجزا بالحل العام الذى قالت به المذاهب المختلفة. 1 - "الوزن": تثير كلمة "حساب" نفسها فى الذهن خواطر عن العد والكيل وإقامة الميزان بالقسط. وقد أضفى عليها أغلبية المعتزلة، بل الفلاسفة، إلى حد كبير معنى مجازيا. والتزم "السلف الصالح"، والأشعرية بالمعنى الحرفى مع بعض التحفظات: يقدم الحكم العدل لكل إنسان بيانا بأعماله، التى "تجمع" و"توزن" وهنالك يظهر مع الكتاب الذى يتضمن بيانا بالحساب كما ذكرنا آنفا، "الميزان"، كما جاء فى القرآن الكريم (سورة الشورى، الآية 17؛ سورة الرحمن الآية 7، الآية 8، الآية 9، وسورة الحديد، الآية 25). والحساب فى اليوم الآخر هو أيضا "الوزن" (سورة الأعراف، الآية 8)، فمن عمل صالحا ثقلت موازينه، ومن أساء خفت موازينه (سورة الأعراف، الآية 8، والآية 9). 2 - مسألة "الاستحقاق" كل عمل لابن آدم يجازى به الله ثوابا أو عقابا. ويرى المعتزلة أن من يعمل حسنة "يستحق" بالضرورة أن يثاب عليها. واْن من يعمل سيئة يجازى عليها. وفى يوم الحساب إما أن تجمع "الاستحقاقات" على ما قدمه المرء من أعمال أو "تسقط" من حسابه. ويعتقد معظم المعتزلة والخوارج أن الجزاء له علاقة بنوع ما يرتكبه المرء من إثم، ويرون أن الكبيرة يمكن أن تمحق

"الاستحقاق" الذى يكسبه المرء بأى حسنات عملها قبل ذلك، وأنه يصلى نار جهنم خالدًا فيها. ومهما يكن من أمر فإن الجُبانى وابنه أبا هاشم، من المعتزلة المتأخرين فى البصرة، كانا يعتقدان أن الجزاء له علاقة بما يعمله المرء من حسنات وسيئات فيوازن بينهما وترجح إحداهما كفة الأخرى. وما يرجح منهما الآخر عددا و"وزنا" يحدد بالضرورة الثواب على ما قدمه المرء من حسنات، والعقاب على ما ارتكبه من سيئات (من شاء الاطلاع على خلاصة لوجهات النظر المختلفة فلينظر مثلا كتاب فخر الدين الرازى، المحصل، طبعة القاهرة، بدون تاريخ، ص 173). على أن الأشعرية يرون أن أعمال الإنسان لا "تستحق" جزاء "الرازى، المصدر المذكور، ص 172 - 173؛ الجرجانى: شرح المواقف، طبعة القاهرة سنة 1325 هـ = 1907 م، جـ 8، ص 305 وما بعدها) وأنه يستحيل أن تمحق مجموعة من الأعمال مجموعة أخرى منها، فقد جاء فى القرآن الكريم (سورة الزلزلة، الآية 7، الآية 8) {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ}، ولذلك فإن قيمة الإيمان لا تضار أبدا بارتكاب الآثام ولو كانت كبيرة وكثيرة استنادا إلى الحديث المشهور: "أخرجوا من كان فى قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان" (البخارى: كتاب الإيمان، 33). وفضلا عن ذلك فإن كل حسنة "يضاعفها" الله بفضله كما يشاء للمؤمن. وكل سيئة لا تحسب إلا "بسيئة مثلها والحق أن كل شئ رهن بمشيئة الله. ومن المعروف أن الله وعد بفضله ألا يحكم على المؤمن، حتى لو كان آثما، بأن يصلى نار جهنم خالدا فيها، وهو سبحانه وتعالى، إما أن يحكم عليه، وهو حكم عدل، بالعذاب فى نار جهنم لأمد محدود، أو يتفضل، وهو الرءوف الرحيم، فيغفر له ذنوبه. ومن ثم فإنه ليس من المحقق أن يعذب فى نار جهنم أى مؤمن آثم ولو كان ذلك إلى حين. وهذا موضوع لا يتفق فيه الحنفية الماتريدية مع الأشعرية (انظر عبد الرحمن بن على، نظام الفرائد، القاهرة بدون تاريخ، الطبعة الثانية، ص 38 - 39). ويرى الماتريدية حقا أن الله قد

يغفر لهذا المرء أو ذاك ذنوبه ولكنه تعالى لا يغفر للناس جميعا. فقد وجب أن يجازى الله بعض من ارتكبوا الكبيرة بقضاء فترة فى نار جهنم (اللقانى، جوهرة التوحيد، طبعة Luciani، الجزائر سنة 1907، بيت رقم 117). ذلك لأن الله يجازى على الكبائر بعذاب إلى حين إذا كان الآثم مؤمنا ووعد الله "حق". وموضوع الجزاء على الأعمال، وهو الغاية بالذات من الحساب، يؤدى بنا إلى مسألتين ترتبط إحداهما بالأخرى، وهما مسألة التوبة ومسألة الشفاعة. 3 - طريقة الحساب، لقد سبق أن رأينا أن آيات القرآن الكريم تذكر عند الحديث عن الحساب، الـ "كتاب" يؤتاه كل إنسان يوم الدين. والحديث يجعل الميزان أداة لـ "وزن" الأعمال. ويفسرهما المعتزلة وبعض الأشعرية المتأخرين بمعنى مجازى. ويقولون إن "الكتاب" هو معرفة "ما للمرء وما عليه" وهذا ما سيبينه الله لكل إنسان يوم البعث، فى حين يرمز "الوزن" إلى عدل الله وإنصافه. ولكن الله سبحانه وتعالى ليس فى حاجة إلى وزن بالمعنى الحقيقى للكلمة حتى يصدر حكمه، وبما أن أعمال الإنسان ليست إلا حوادث عابرة فإنها لا يمكن أن تعود إلى الوجود ما دامت قد انتهت إلى العدم. (ومن شاء الاطلاع على خلاصة لهذا الجدل فلينظر مثلا الغزالى: الاقتصاد، القاهرة بدون تاريخ، ص 8؛ الجرجانى: المصدر المذكور، ص 321). وفضلا عن هذا فإنه لا يمكن أن تكون للأعمال صفات خفه الوزن أو ثقله التى يقتضيها الوزن (الجرجانى: المصدر المذكور). ومهما يكن من أمر فإن أبا الهذيل البصرى وابن المعتمر البغدادى يقولان إن وجود الميزان "ممكن" ولكنهما لم يبديا رأيهما فى حقيقته. على أن الحنابلة والحنفية الماتريدية وأغلبية الأشعرية استنادا إلى الأحاديث وإلى "عقيدة السلف" يتفقون فى الاعتراف بوجود هذه الغيبيات. ويسمى الميزان، بصفة خاصة، "حقا" فى وصية أبى حنيفة (الفقه الأكبر الثانى، جـ 3، والفقه الأكبر الثالث، جـ 3؛ وأنظر The Mus-: A . J.Wensinck liM Creed , كمبردج سنة 1932، الفهرست) وكذلك فى بيان عقيدة

حساب الجمل

الأشعرى (الإبانة، القاهرة بدون تاريخ، ص 9) وعقائد الحنبلية المختلفة (أنظر La Profession de foi d'Ibn Batta: Laoust, دمشق سنة 1958، ص 95، والتعليق رقم 2). ويضيف إليه بيان عقيدة الوهابيين "سجلات الأعمال") Ibn taimiya: H. Laoust , القاهرة سنة 1939, ص 621. ويقول الحنبلية إنها مسألة أمور حقيقية ولكن الأشعرية والماتريدية يصفونها بقولهم إننا لا نعرف الحالات التى توجد عليها بالضبط. ومن العبث أن نحاول الكشف هل كان "وزن الأعمال" مجديا أم لا؟ . فالله فعّال لما يريد، ويردف الغزالى قائلا (الاقتصاد، ص 89) إن جدواه لا تعود على الله بل على الإنسان الذى يدرك على هذا النحو حكم الله العدل. وثمة روايات مأثورة عديدة تفسر وتجتهد فى شرح هذا الإيمان الأساسى بالأخرويات فى لغة مجازية وافرة. وتوجد خلاصة لها فى كتيب الباجورى المبسط فى علم الكلام، وهو حاشية على جوهرة التوحيد (القاهرة سنة 1352 هـ - 1934 م ص 101 - 106) وتقوم "شهادة الألسنة والأيدى والأرجل" بما كان يعمل الناس (سورة النور، الآية 24) واستباق الصراط (سورة يس، الآية 66؛ سورة الصافات، الآية 23) بدور ثانوى فى الحساب. وكان الفعل الثلاثى للجذم ح س ب يستعمل فى الصوفية بمعنى روحى وليس أخرويا، لبيان حساب ما يضمره الشخص الورع والذى يقدمه لله، ومن هنا ظهر فى الوجود اسم المحاسب الذى أطلق على حارث بن أسد "الذى يبز غيره فى محاسبة ضميره". المصادر: فى صلب المادة وإليها يمكن أن يضاف كثير من الأحاديث الواردة فى كتب العبادات أو الوعظ المبسطة ورسائل مختلفة فى علم الكلام فى الفصول التى تتناول الوعد والوعيد. آدم [ل. كارديه L.Garadet]. + " حساب الجُمَّل": طريقة تدوين التواريخ برمز من حروف تدل على أعداد، وتقوم هذه الطريقة بأن تجمع فى كلمة "مناسبة ذات دلالة) أو فى

عبارة قصيرة جملة من حروف إذا أضيفت مرادفاتها العددية دلت على حادث وقع فى الماضى أو فى المستقبل. وهذا النقش يعرف باسم "رمز" وفى التركية "تأريخ". وثمة ضرب أكثر تعقيدا يسمى المذيَّل. وهنا يكمل الرمز الأصلى بذيل، وحاصل جمع الأثنين يزودنا بالتاريخ. ويقتضى التفسير الصحيح لهذه الرموز بطبيعة الحال أن ندخل فى الاعتبار الفرق فى القيمة العددية لحروف بعينها، بين أبجد المشرق وأبجد المغرب (ويتضمن الأندلس)، وقد لوحظ أن هذا يتضمن ستة حروف، تأتى، حسب ترتيب قدموس، بعد النون وهى: السين والشين والصاد والضاد والزاى والغين. أما فى الفارسية والتركية فإن الحروف الخاصة بهاتين اللغتين (ب، ج، ز، ك) لها نفس القيمة العددية كالألفاظ المجانسة لها فى العربية. ويمكن أن نعّد التاء المربوطة هاءًا أو تاءًا سواء وردت فى وقف أو فى درج. ويمكن أن تحسب الحروف المشددة حرفا واحدا أو حرفين. وبالمثل يمكن أن يضاف حرف الألف فى أول الكلمة أو فى آخرها أو يغفل حسب الضرورة. وهذه الرموز تستخدم عادة فى النقوش (المنظومة بصفة عامة) احتفالا بذكرى تشييد مؤسسة. وهى بالمثل شائعة فى الموجزات التاريخية المعدة للتعليم من نوع الأرجوزة، وبخاصة فى الوفيات. والرموز فى النصوص التذكارية، ترسم أحيانا بلون متميز عن لون سائر الكتابة. وترد فى المخطوطات مكتوبة بحروف أكبر. والعبارة التى يتألف منها الرمز يكاد يدل عليها دائما حرف الجر "فى" أو إحدى كلمتى "عام أو سنة". وفى مراكش، أيام القرن الحادى عشر الهجرى (السابع عشر الميلادى) على عهد السعديين بدأ يشيع بصفة خاصة استخدام الرموز، لا فى النقوش على النصب التذكارية فحسب، بل فى الوفيات أيضًا. وكان المؤلف الأصلى فى الفئة الأخيرة هو كاتب السر وشاعر البلاط محمد بن أحمد المكلاتى المتوفى عام 1041 هـ (1631 م) صاحب لامية كانت تتمة لمنظومة على هذا النحو من

المصادر

نظم محمد بن على الفشتالى المتوفى عام 1021 هـ (1612 م). وفى القرن التالى نظم محمد المدرعَّ المتوفى عام 1147 هـ (1374 م) أرجوزة من النوع نفسه عن أعيان فاس. وكان عبد الوهاب آدرّاق المتوفى عام 1159 هـ (1746 م) صاحب أرجوزة أخرى عن أولياء مكناس. وهذه الوفيات جميعا المنظومة بالرموز قد استخدمها على نطاق واسع المؤرخون وكتاب السير فى مراكش، وبخاصة محمد القادرى المتوفى عام 1187 هـ (1773 م) فى كتابه نشر المثانى، ومحمد بن جعفر الكتانى المتوفى عام 1339 هـ (1920 م) فى كتابه سلوة الأنفاس. وجمع القيمة العددية لجميع الحروف التى تكون كلمة (اسم علم فى هذه الحالة) هو الأساس فى تنبؤ، يعرف بحساب النيم، وبه يمكن التنبؤ بمن سوف يكتب له النصر ومن سوف تكتب له الهزيمة إذا اشتبك حاكمان فى حرب. وقد وصف ابن خلدون بالتفصيل هذا العمل فى مقدمته (أنظر طبعة. Quatremere، ص 210 - 214؛ والترجمة الفرنسية بقلم De Slane, جـ 1، ص 241 - 245؛ والترجمة الإنكليزية التى قام بها Rosenthal جـ 1، ص 234 - 238)؛ وأنظر أيضا مادتى سيمياء وزائرجة. المصادر: (1) تناول الموضوع، بإيجاز شديد، كارادى فو فى ختام مقالة تأريخ فى الطبعة الأولى من دائرة المعارف الإسلامية. (2) Les historiens: E.Levi-Provencal des chorfa، ص 79 - 80 (انظر أيضا، فى فهرست كتابه، أسماء الكتاب الذين ورد ذكرهم فيما سبق). (3) الإفرانى، نزهة الحادى، ترجمة Houdas ص 28، 55، 66، 82، 168، 190، 191، 195، 234، 265، 341، 451. (4) السلاوى، كتاب الاستقصاء، القاهرة عام 1312 هـ = 1894 م؛ جـ 1، ص 179 - 180.

(5) المصدر المذكور: جـ 4، ص 281. (6) Une nouvelle in-: G.S. Colin scription arabe de Tanger , فى. Hesp جـ 4 (سنة 1924) ص 94. آدم [ج. س. كولان G.S. Colin] + " حساب العَقْد" (حساب العُقَد، حساب العقود، حساب القبضة باليد، حساب اليد). هو فن التعبير عن الأعداد بأوضاع الأصابع وتثبت بعض الإشارات أن العرب القدامى لم يكتفوا فى بعض الأحيان بأن يظهروا أيديهم الممدودة وهم يثنون إصبعا أو أكثر عند الضرورة، للتعبير عن بعض الأعداد الصغيرة (أنظر I. Goldziher فى - Arab ica، مجلد 8، جـ 3، ص 272)، بل كان فى وسعهم أيضا أن يعبروا عن أعداد أكبر بقبض أصابعهم فى وضع معين (انظر G.Levi Della Vida في Isl.، مجلد 10، سنة 1920، ص 243) وليس من المستعبد أن يكون النبى [- صلى الله عليه وسلم -] قد اتخذ إيماءات معينة وصفها المعاصرون له أو فسروها بأنها تشير إلى أعداد وفقا لنهج جرى العرف باستعماله (أنظر H.Ritter، فى. Isl، مجلد 10، سنة 1920، ص 154 - 156)، وخاصة وضع اليد فى التشهد على الرغم من أن الروايات المأثورة مختلفة كل الاختلاف عما جرى عليه العمل من بعد (أنظر I.Goldziher: المصدر نفسه). ويتحدث بلوتارخ عن ممارسة حساب العقد فى فارس (الترجمة الفرنسية التى قام بها Vies: Ricard, جـ 2، ص 514، تعليق 25)؛ ومنذ القرون الأولى للإسلام كان الشعراء العرب أو الفرس خليقين على سبيل المثال بأن يلمحوا تلميحا مستترا ذكيا بأن شخصا ما يفتقر إلى الكرم بقولهم إن يده تصور الرقم 93 (الرقم الذى تدل عليه اليد المقبوضة هو سمة البخل) مما يوحى بأن الطريقة التى لدينا أوصاف متأخرة فى الزمن لها، كانت معروفة فى مرحلة ضاربة فى القدم، وربما عرفناها عن طريق الكتاب الفرس. وينسب حمد الله مستوفى إلى ابن سينا فى أنه ابتكر سنة 420 هـ (1029 م) حساب العقد، فيكون ذلك قد حرر الحاسبين من عبء استعمال أجهزة العد؛ ثم ذكر الصولى (المتوفى

عام 335 هـ (946) فى مصنفه أدب الكتاب (القاهرة عام 1341 هـ - 1922 م، ص 239): أن الكتاب "قالوا الحساب الهندى أخرج لكثير العدد، وعلى هذا اجتنبوه لأن له آلة، ورأوا أن ما قلت آلته وانفرد الإنسان فيه بآلة من جسمه كان أذهب فى السر وأليق بشأن الرياسة، وهو ما اقتصروا عليه من العقد والبنان". ولا بد أن هذه الطريقة فى الحساب بالأصابع كانت قيد الاستعمال بالفعل منذ ما يقرب من قرن قبل ذلك، لأن الجاحظ المتوفى عام 255 هـ (868 م) ينصح المعلمين (كتاب المعلمين، مخطوط بمكتبة المتحف البريطانى، Rieu رقم 1129، ورقة 13 ظهر) بتعليم حساب العقد (العُقد) بدلا من حساب الهند، أى الحساب بالأعداد "الهندية"؛ وقد أدخل الكاتب نفسه فى طرق البيان الخمسة ما أسماه عقد "أو عُقد فى قراءة G.E. von Grunebaum للنص) الذى يجعله هو عين الحساب بالأصابع ويرى جرونباوم أنه حساب لا يحتاج إلى "كلمة منطوقة أو كتابة"؛ وبعد فإن الآيات القرآنية الكريمة (سورة الأنعام، الآية 96؛ سورة يونس، الآية 5؛ سورة الإسراء الآية 12، 13؛ سورة الرحمن، الآية 4، 5) التى يستشهد بها تأييدًا لرأيه فى فضائل الحساب (البيان والتبيين، تحقيق عبد السلام هارون، جـ 1، ص 80، وانظر أيضا جـ 1، ص 76، الحيوان، جـ 1، ص 33) تشير كلها إلى حسبان الشمس والقمر، وحساب السنين، والحساب، ومن ثم فإنها ربما تشير إلى الحساب بالأصابع، على نهج يذكرنا بصورة غريبة بالطريقة التى شرحها الأب الراهب بيد Bede في القرن السابع الميلادى (De temporum ratione فى Patrol.: Migne, مجلد 90، ص 295؛ النص والترجمة فى J.G.Lemoine ص 14 - 17). ومما يرجح هذا الفرض ترجيحا كبيرا أن هذا الكاتب الإنكليزى نفسه يشرح، فى الفصل الأول (De compute vel. loquela digitorum) من كتابه المذكور، طريقة للتعبير عن الأعداد بإيماءات الأصابع تكاد تكون مطابقة تماما للطريقة التى تضمنتها رسائل المسلمين المتأخرة عن ذلك فى الزمن

كثيرا، وهى التى ألفها الموصلى وابن المغربى، وابن شعلة، وطيبغا، وابن بندود، ويبدو أن هذه الرسائل ليست متقدمة عن القرن الثامن الهجرى (الرابع عشر الميلادى). وجاءت أيضا فى كتاب "فرهنك جهانكيرى" (بين عامى 1005 - 1017 هـ = 1597 - 1608 م)، الذى ينقل نصا من على يزدى (المتوفى عام 850 هـ = 1446 م) بالفارسية ولكنه يجرى على مألوف العرب. ويومأ إلى الأرقام فى هذه الطريقة على النحو الآتى: 1، بثنى الخنصر إلى أسفل. 2، بثنى الإصبع الثالث أيضًا إلى أسفل. 3، بإضافة الوسطى إليهما. 4، بثنى الإصبع الثالث والوسطى فقط إلى أسفل. 5، بثنى الوسطى فقط إلى أسفل. 6، بثنى الإصبع الثالث فقط إلى أسفل. 7، بثنى الخنصر ثنيا خفيضا جدا. 8، بثنى الخنصر والإصبع الثالث معا ثنيا خفيضا جدا 9، بإضافة الوسطى إليهما. 10، يوضع بنان السبابة على منتصف الإبهام 20، بمد الإبهام والسبابة فى وقت واحد. 30، يوضع بنان الإبهام وبنان السبابة معا 40، بمد الإبهام فوق أسفل السبابة. 50، بثنى الإبهام إلى أسفل فى زوايا قائمة. 60، بلف السبابة حول الابهام. 70، بوضع بنان الإبهام على العقدة الوسطى للسبابة. 80، بوضع بنان السبابة على ظفر الإبهام (ولكن هناك أشكالا مختلفة). 90، بوضع بنان السبابة على أسفل الإبهام. 100، ببسط اليد (ولكن هناك أشكالا مختلفة). والإيماءة باليد اليمنى تدل على الوحدات من 1 - 9؛ والإيماءة باليد

اليسرى تدل على نفس العدد من 1000 إلى 9000، والإيماءة باليد اليمنى تدل على العشرات من 10 إلى 90؛ وباليسرى تدل على المئات من 100 إلى 900 (¬1). أما من 10,000 فإن الطريقة التى وصفت فيما سبق تختلف بعض الخلاف عن طريقة بيد، ولكن الطريقتين على وجه الإجمال متماثلتان فى الواقع، وقد أمكن إثبات أن الرقم 1 لا يتحصل ببسط السبابة، كما تحملنا الرواية الإسلامية على الاعتقاد بهذا. وكانت هذه الطريقة معروفة فى الغرب منذ القدم، بيد أنها لم تعد تستخدم بعد بداية العصور الوسطى، أما فى الشرق فإن من الراجح أنها كانت معروفة للكتاب الذين يتحدث عنهم الصولى وأنها ظلت مستعملة حتى عهد قريب جدا، إذ جرى العمل بها للقيام بعمليات حسابية (بصرف النظر عن القسمة). وليس فى متناول أيدينا وصف قديم للطريقة، وهنا طريقة لا تزال معروفة للشيوخ فى تونس (نقل المعلومات عنها M.Souissi): فضرب 6 × 8 مثلا: إثن خنصر اليد (= 6) والأصابع الثلاثة الأولى من اليد اليمنى (= 8)، ومن ثم يكون حاصل جمع الأصابع المثنية (1+3 = 4) يبين العشرات وحاصل ضرب الأصابع غير المثنية (4 × 2 = 8) يبين الآحاد. ومن جهة أخرى فإن هناك طريقة أخرى تستعمل أيضا فى بعض المعاملات التجارية التى تشمل سلعا نادرة غالية جدا، وبخاصة اللآلئ، عندما يقوم المشترى والبائع بعقد صفقة فى حضور شهود ولا يريدان أن يبوحا بشروط الصفقة المعقودة فيعمد المتفاوضان، وهما جالسان وجها لوجه، إلى إخفاء يديهما اليمنيين تحت غطاء، ويلمس كل منهما أصابع الآخر، وفقا لشفرة دقيقة؛ وعلى الرغم من أن الآحاد فى السلسلة العددية لا يلحظ ¬

_ (¬1) الذى جاء فى كتاب الصولى: أدب الكتاب "وقد وضعوا كلا من عقود الأصابع بازاء عدد مخصوص ثم رقبوا لأوضاع الأصابع آحادا وعشرات ومئات والوفا ووضعوا قواعد يتعرف بها حساب الألوف فما فوقها ليد واحد، وقد ألف فى ذلك رسائل عديدة واراجيز ومنظومات.

الفرق بينهما فإن من يعنيهما الأمر يعرفان ماذا تعنى: 1، 10، 100، 1000 يشار إليهما بإمساك السبابة التى تحتفظ هنا بقيمتها؛ (أنظر ما سبق) 2، 20، 200، 2000 يأخذ السبابة والوسطى. 3، 30، 300، 3000 يأخذ السبابة والوسطى وإصبع ثالث. 4، 40، 400، 4000 يأخذ الأصابع الأربعة كلها. 5، 50، 500، 5000 يأخذ اليد بأسرها. 6، 60، 600، 6000 بالضغط مرتين على السبابة والوسطى وإصبع ثالث (3 × 2). 7، 70، 700، 7000 كما يحدث بالنسبة للعدد 4 ثم كما يحدث بالنسبة إلى 3 (4+3). 8، 80، 800، 8000 بالضغط مرتين على الأصابع لأربعة كلها (4 × 2). 9، 90، 900، 9000 كما يحدث بالنسبة للعدد 5 ثم كما يحدث بالنسبة إلى 4 (5+4) وهذه الطريقة التى دونها طاشكبرى زاده فى مفتاح السعادة (حيدر آباد، جـ 1، ص 229 - 231؛ ونقلها حاجى خليفة، أنظر En-: von Hammer -cyclopaedische Uebersicht der wis senschaften des Orients، ص 315 و Description de L'Arabie: Niebuhr,, الترجمة الفرنسية، عام 1779، جـ 1، ص 145، بصفة خاصة) لا يزال العمل بها ساريا فى جزيرة البحرين، وفى البحر الأحمر، وربما فى مكان آخر (أنظر الأب أنستاس فى المشرق عام 1900 Secrets de la mer: H.deMonfreid Rouge باريس عام 1931، ص 100). ويسجلها للجزائر فسكويه (H. Fisquet، في Histoire de l'Algerie باريس عام 1842، ص 171) وهناك إجراء من هذا القبيل يستعمل فى البنجاب، وهو يستخدم العُقَد وليس الإصبع بأسره، ولكنه لم يسجل فى بلاد الشرق الأوسط. وأصل الطريقة التى وصفت بإيجاز فيما سبق يكتنفه الغموض، وعلى أية حال فإنه يبدو أن الطرق التى تستعمل

المصادر

أو كانت تستعمل فى الأقطار العربية، لم تكن بأية حال من ابتكار أهلها) أنظر I.Goldziher: المصدر المذكور) أو على الأقل لا ترجع إلى عصور عربية قديمة؛ ومن جهة أخرى فإن قطعا صغيرة من العظام والخشب، عثر عليها فى مصر، تدل على الأعداد، وفقا للطريقة التى تقوم على ثنى الأصابع، وليس مما ينافى المنطق أن نرى فى هذا الأصل المحتمل للطريقة التى وصفتها المصادر العربية والفارسية والمصطلحات المستخدمة، فى قرينة أخرى، تثير صعوبة، لأنه على الرغم من أن حساب اليد أو حساب القبضة باليد واضحان، فإن هذا ليس هو الوضع الذى ينطبق على الكلمات المشتقة من المصدر "عقد، الذى يدل بجلاء على مفاصل الأصابع والعُقَد ولكنه يعنى أيضا "العَقْد" (أى الاتفاقية). ومن الممكن وفقا للتحليل الأخير، أن تكون ثمة طريقة أقدم من هذه الطرق التى بقيت مدونة، كانت تقوم على العد بعقد الأصابع، وأن المصطلح قد طبق من بعد على طرق أخرى. المصادر: (1) ترجم S.de Sacy الفصل من فرهنك جهانكيرى لجمال الدين حسين إنجو بعنوان De la maniere de compter au moyen des jointures des doigts usitee dans L'Orient , فى. Journ. As, جـ 3، (سنة 1823). (2) ترجمة A. Roediger: بعنوان - Ue - ber die in Orient Aebrae. uchliche Fin -gersprache fuer. den Ausdruck der Zah len, في Zeitschr. des Deutsch morgenl .Gesesells, سنة 1845، ص 112 - 29. (3) ترجمة S.Guyard، بعنوان - Chap itre de la preface de Farhangi Djihangiri sur la dactylonomie في Journ. As.، سنة 1871، ص 106 - 124. (4) قصيدة محمد بن أحمد الموصلى فى حساب القبضة باليد (مخطوط، باريس، المكتبة الأهلية تحت رقم 4441) وقد نشرها الأب أنستاس بعنوان "عقود"، فى المشرق، جـ 3 (سنة 1900)، ص 169 وما بعدها (أنظر أيضا ص 119 وما بعدها) وترجمها

فى A. Marre and Boncompagne جـ 1، ص 309 بعنوان: Maniere de compter des anciens ovec les doigts de la main (تعليق أحمد الطرابلسى، وقد نشره وترجمه H. Ritter فى Isl, جـ 10 (سنة 1920) ص 154 - 6، 243 وما بعدها. (5) نصوص ابن المغربى وابن شعلة وطيبغا الأشرفى البكلمشى اليونانى وقد نشرها J.Ruska بعنوان - Arabische Texte ueber das Fin gerrechnen، فى ISl, جـ 10 (سنة 1920)، ص 87 - 119. (6) الفصل الذى عنوانه "فى معرفة عقد الأصابع"، فى كتاب "مقالات" لابن بندود وقد ترجمه G.S.Colin, فى سنة 1932، جـ 1، ص 59 - 60. (7) دراسات I Goldziher, فى Ueber Gebaerdenund Zeichensprache bei den Arabern فى - Zeits. fuer voel kerpsychologie، جـ 16 (سنة 1866) ص 369 - 386 (تحليل قام به. G.H Bousquet، فى Arabica، مجلد 8، جـ 3، سنة 1961، ص 269 - 272) ويتناول بصفة عامة لغة الإشارة. (8) المؤلف نفسه فى Zeitchr. der .Deutsch, Morgenl Gesells جـ 16 (سنة 1907)، ص 756 - 757. (9) المصنف الرئيسى عن المسألة التى تم بحثها فى المقال الحالى هو ما ألفه. J.G. Lemoine, بعنوان Les anciens - procedes de calcul sur les doigts on Ori ent et en Occident, في Revue des etdes islamiques فى سنة 1932، جـ 1، ص 1 - 58. (10) انظر أيضا م. ب الأثارى، فى مذكرات البعثة الأثرية الفرنسية بالقاهرة، جـ 5 (سنة 1925)، ص 70 - 79. (11) Ueber Finger- Zah-: A. Fischer lenfiguren bei den Arabern فى Islamica, جـ 6، (سنة 1934)، ص 48 - 57 (وكذلك مادة إشارة). آدم [ش. بلا Ch.Pellat] + " حساب الغُبار": أى الحساب بالغبار: طريقة للحساب مقتبسة من

فارس نسبت إلى تخت كان الحاسب ينثر عليه، بهز قطعة من قماش أو بطريقة أخرى، طبقة رقيقة من الغبار، ثم يستخدم عصا صغيرة لرسم أرقام، تعرف باسم أعداد الغبار، ويزيل ناتجا جزئيا بحجبه بقليل من الغبار، ويجمعه بعد ذلك لاستخدامه مرة أخرى عندما يفرغ من العملية. (وانظر عن العمليات المختلفة التى تجرى على هذا النحو مادة "حساب، علم"). وهذه العملية تكمل العمليات التى عرفها العرب من قبل وهى: حساب العقد (انظر هذه المادة)؛ والعد بالحصى (ومن ثم إحصاء؛ ، والحساب المفتوح أو الهوائى، إلخ) ولكن لا يعرف إلا القليل عن أصلها. وثمة مسألة تثار بصفة خاصة، وهى هل كان استخدام الغبار ليس إلا نتيجة عرضية لترجمة غير صحيحة للفظ فارسى أو غير فارسى؟ ذلك أن اللوح قد ألصق عليه صلصال، وهو مادة أمكن فى يسر أكبر أن تحفر عليه أرقام وتمحى منه بقلم مسطح من أحد طرفيه. وعلى أية حال فإن هذه العملية لم تكن ممكنة إلا منذ أصبحت الأرقام معروفة. وقد أدخلت الأرقام الهندية - de vanagari إلى بغداد حوالى عام 155 هـ (770 م)، ولكن من المعروف أن محمد بن موسى الخوارزمى المتوفى حوالى عام 232 هـ (846 م) ساعد على نشر الحساب الهندى، ومع ذلك فإن علماء الرياضيات والفلكيين، الخ ظلوا وقتًا طويلًا يفضلون الاستمرار فى الأخذ بالطريقة القديمة فى الإشارة إلى الأرقام بحروف الهجاء (انظر مادتى "أبجد" و"حساب الجمل") ومن جهة أخرى يبدو أن أرقام العبار المستمدة من الحساب الهندى انتشرت بسرعة لا بأس بها فى هذا الجزء أرقام تصور كما هى فى المغرب والأندلس، حيث اختارها علماء الرياضيات وأصبح تاريخ تطورها فى آخر الأمر ممتزجا بتاريخ الأعداد المعروفة بـ "العربية"، وهى التى تستخدم فى أوربا. والجدول التالى يبين تطور أعداد الغبار حتى المرحلة التى صارت فيها تستخدم فى عالم الغرب المسيحى.

المصادر

المصادر: (1) ابن البنّاء، مقالات فى الحساب، مخطوط بمكتبة تونس تحت رقم 10301. (2) القلصادى فى كشف الأستار (الأسرار) من حروف الغبار، مخطوط بمكتبة تونس تحت أرقام 3392، 3934، 4775. (3) كشف الجلباب عن علم الحساب، مخطوط بمكتبة تونس تحت رقم 2043. (4) الشريشى، كتاب التلخيص بعد السبك والتخليص (رسالة عن الحساب المفتوح)، مخطوط بمكتبة تونس تحت رقم 2046. (5) البشلوى، رسالة فى الحساب المفتوح، مخطوط بمكتبة تونس تحت رقم 2043. (6) History of mathemat-: Rouse Ball ics، كمبردج سنة 1889.

حسام الدين جلبى

(7) La aritmetica: J.A.Sanchez Perez en Roma, en India y en Arabia, مدريد - غرناطة سنة 1949، ص 120 وما بعدها. (8) La grande invention: M. Cahen de I'ecriture باريس سنة 1958، ص 385. آدم [م. سويسى M. Souissi] حسام الدين جلبى حسن بن محمد بن الحسن بن أخى ترك (توفى سنة 683 هـ = 1284 م) المريد الحبيب والخليفة الثانى لجلال الدين الرومى. ولد لأسرة قدمت من أرمية الى قونية لتستقر فيها (الأفلاكى: مناقب العارفين، جـ 2، ص 759؛ ترجمة إيوار، جـ 2، ص 242). وكان حسام الدين مريدًا لجلال الدين وهو بعد شاب وقد عرف شمس الدين التبريزى المتوفى سنة 642 هـ (1244 م) ومن ثم يمكن أن نذهب الى أنه ولد حوالى سنة 623 هـ (1226 م؛ أنظر المصدر المذكور، جـ 2، ص 738؛ الترجمة، جـ 2، ص 223). وكان أبوه وأجداده من أخيه الأناضول. وفقد حسام الدين أباه فى سن باكرة، وكفله عدة أعيان فى زمنه. فلما بلغ سن المراهقة أسر جماله كل من شاهده (المصدر المذكور، جـ 2، ص 738؛ الترجمة، جـ 2، ص 224). وهنالك شخص هو وجميع خدمه ورفاقه الشبان إلى جلال الدين وأصبح مريدًا له وأعفى جميع حاشيته من خدمته، وتخلى عن ثروته جميعًا حتى متاع بيته لصالح جلال الدين وحلقته. وقد أثر إخلاصه الشديد واستقامته فى جلال الدين فجعل له الإشراف على إيراد الوقف الذى يخصه والهدايا التى كان يتلقاها من أشخاص شتى. وكانت كل هذه المبالغ من المال تحمل إليه فيوزعها أولا على أسرة جلال الدين ثم

يفرقها على أعضاء حلقته كل بحسب رتبته (المصدر المذكور، جـ 2، ص 777؛ الترجمة، جـ 2، ص 255). وسرعان ما برز شأنه بين المريدين لورعه وإخلاصه لجلال الدين، فزاد تقدير جلال الدين له لأنه على خلاف الآخرين قد أظهر تبجيله العظيم لشمس الدين التبريزى ثم لصلاح الدين زركوب (المصدر المذكور، جـ 2، ص 782؛ الترجمة، جـ 2، ص 259). ومن الواضح أنه حدث فى هذا الوقت أو بعده بقليل أن اتصل جلال الدين بعمال الحكومة لتدبير إقامة حسام الدين "شيخًا"، لخانقاه ضيا وخانقاه لا لا فى قونية، (انظر مكتوبات مولانا جلال الدين، ص 128 - 129) ونجح جلال الدين فى مسعاه (الأفلاكى، جـ 1، ص 558؛ جـ 2، ص 754)، 758؛ الترجمة، جـ 2، ص 73، 237، 241). وبعد وفاة الشيخ صلاح الدين (657 هـ = 1258 م) أقام جلال الدين مكانه فى المشيخة حسام الدين. وفى غضون هذه السنوات الخمس نظم المجلد الأول من المثنوى (659 هـ = 1260 - 1261 م) بناء على استحثاث حسام الدين الذى كان جلال الدين يمليه عليه. ولما انتهى جلال الدين من هذا المجلد توفيت زوجة حسام الدين، وتولاه الحزن والكمد لوفاتها وتوقف عن حث جلال الدين على إكمال المثنوى (المثنوى، جـ 2، ص 247؛ أفلاكى، جـ 2، ص 742 - 744؛ الترجمة جـ 2، ص 228) وبعد ذلك بسنتين تزوج حسام الدين مرة أخرى واستؤنف العمل فى المثنوى. وظل حسام الدين يعمل خليفة لجلال الدين وكاتبه حتى وفاة جلال الدين، وظل حسام الدين بعد ذلك وبناء على ترشيح جلال الدين خليفة له طوال الاثنتى عشرة سنة الباقية من حياته. (انظر سلطان ولد: ولد نامه، ص 122؛ سباه سالار: الرسالة، ص 146؛ أفلاكى، جـ 2، ص 746؛ الترجمة، جـ 2، ص 231). وقد اجتذب حسام الدين قلوب الناس من جميع الطبقات بنظرته

المتفائلة وكرمه ودماثة خلقه. وتوفى فى قونية سنة 683 هـ (1284 م) ويقول أفلاكى (جـ 2، ص 779؛ الترجمة، جـ 2، ص 256) إن وفاته كانت فى 22 شعبان الموافق 3 نوفمبر، ولكن المنقوش على شاهد قبره (انظر كولبنيار لى: مولانا دان صونرا مولوى لق، ص 28) أن الوفاة حدثت يوم 12 شعبان الموافق 25 أكتوبر، ودفن فى "تربة" جلال الدين. وترجع شهرة حسام الدين، الذى لم يترك أى أثر، إلى مساعدته فى كتابة المثنوى. وقد اعترف جلال الدين بهذه المساعدة فى فصول مختلفة من مثنويه وأثنى على حسام الدين فى عناوين وألقاب تشريف شتى، بل لقد سمى المثنوى "حسامى نامه" (المثنوى 1، 3؛ جـ 4، ص 278, س 1 - 6، جـ 6، ص 271، س 1 - 3؛ سباه سالار، ص 142؛ أفلاكى، جـ 2، ص 742 - 743؛ الترجمة، جـ 2، ص 227). وكان جلال الدين وقتما وحيثما يجد وقتًا للإملاء، فإن حسام الدين يدون الأبيات ثم يقرؤها على جلال الدين. وقد توقف العمل فى المثنوى سنتين بعد إتمام المجلد الأول، ثم استؤنف سنة 672 هـ (1263 - 1264 م) وأكتمل المثنوى قبيل وفاة جلال الدين. (انظر أ. كوليينارلى: مولانا جلال الدين، ص 120). وكانت الأجزاء من المثنوى التى تدون فى أوقات مختلفة تنقح وتشرح حين يقرؤها حسام الدين على جلال الدين (أفلاكى، جـ 1، ص 496 - 497؛ الترجمة، جـ 2، ص 19) وبعد ذلك عدت النسخة التى نسخت على أساس هذه التنقيحات والشروح من أوثق النسخ حقًا (المصدر المذكور)، وتوجد بعض مخطوطات نسخت من هذه النسخة فى مكتبات قونية وإستانبول (نهاد م. جطين: مثنوينك قونية كتبخانة لركدكى إسكى يازمه لرى فى شرقيات مجموعه سى، جـ 4، سنة 1961, ص 96 - 118). وكان الفضل الثانى لحسام

المصادر

الدين على أسلوب المولوية فى الحياة الذى تطور من بعد فأصبح "طريقة" هو وضع أسس آدابها ومن ثم فقد جعلها شعيرة يعقد "السماع" تبعا لها بعد صلاة الجمعة ويقرأ المثنوى بعد قراءة القرآن (أفلاكى، جـ 2، ص 777؛ الترجمة، جـ 2، ص 255). وقد أقيم ضريح جلال الدين فى أثناء مشيخة حسام الدين، وهكذا أصبح للطريقة مقرًا ومركزًا مما يجيز لنا أن نقول إنه غدا "قبلة" المولوية (أ. كولبنيارلى: مولانا جلال الدين صونرا مولو يلق، ص 24). المصادر: (1) سلطان ولد: ولد نامه، طبعة جلال همايى، طهران، طبعة غير مؤرخة، ص 120 - 139. (2) فريدون بن أحمد سباه سالار: رسالة طبعة سعيد منسى، طهران سنة 1325 هـ، 141 - 148. (3) شمس الدين أحمد الأفلاكى: مناقب العارفين، طبعة ت يازجى، أنقرة سنة 1959 - 1961, جـ 1، ص 496؛ جـ 2، ص 738 - 783؛ ترجمة Les Saints des Der-: C. Huart viches Tourneurs باريس سنة 1918 - 1922، جـ 2، ص 19 وما بعدها، 223 - 260، والفهرس. (4) جلال الدين الرومى: مكتوبات، طبعة م. ن. أوزلق وأحمد رمزى، إستانبول سنة 1937، ص 128، والفهرس. (5) جامى: نفحات الأنس، الترجمة التركية بقلم لامعى، إستانبول سنة 1289, ص 532 - 535. (6) أ. كولبنيارلى: مولانا جلال الدين، إستانبول سنة 1952، ص 113 - 122. (7) المؤلف نفسه: مولانا دان صونرا مولو يلق. خورشيد [تحسين يازجى Tahsin Yazici]

الحسام

الحسام ابن ضرار الكلبى أبو الخطار: والى الأندلس من عام 125 إلى 127 هـ (743 - 745 م). أقام حنظلة بن صفوان والى إفريقية أبا الخطار عاملا على الأندلس بعد أن قتل بلج بن بشر فى وقعة عام 124 هـ (742 م) وباع ثعلبة بن سلامة خليفته الأنصار الأندلسيين الذين وقعوا فى أسره بثمن بخس. ويقول ابن القوطية وابن الأثير أن الخليفة هشامًا كتب إلى صفوان بذلك بعد إذ بعث إليه أبو الخطار، وكان يبغض الشآميين بغضًا شديدًا. قصيدة يذكره فيها بعداوة القيسيين. وقد أطلق أبو الخطار من فوره سراح أسارى العرب وفل مقاومة الشآميين بأن أرسل نفرًا من زعمائهم إلى إفريقية وفرق الباقى على شتى نواحى الأندلس ومدنها، وخصص لمعاشهم ثلث المحصول الذى كان من المتعين على الأهالى أن يقدموه لبيت المال. على أن هؤلاء الزعماء ظلوا على سخطهم وأصبحوا خطرا يهدد الوالى. وقام من بينهم زعيم يدعى الصميل كان أبو الخطار قد شتمه وأهانه وتزعم الشآميين وعمد إلى إشعال الفتنة من جديد. والتقى أبو الخطار بالشآميين على ضفاف وادى لك، فتخلى عنه فريق من جنده فاضطر إلى الفرار، وأسر عام 745 م. على أنه سرعان ما تخلص من أسره على يد جماعة من أتباعه ثم حاول من جديد لقاء الشآميين فباء هذه المرة أيضًا بخيبة مرة، ولكنه نجح فى الفرار من أيدى أعدائه. ولم ير عندئذ بدًا، من التفاهم مع ابن حريث والانضمام إليه فى مسعاه، وكان ابن حريث من قبل فى صفوف أعدائه. غير أن الصميل كان يحارب دعوى ابن حريث فى طلب الاعتراف به أميرًا على الأندلس، وبلغ من أمر أبى الخطار أن رضى بزعامة ابن حريث، ومع ذلك فقد أسر الرجلان فى وقعة عند شقنده على الوادى الكبير قبال قرطبة وقتلا عام 130 هـ الموافق 747 م. المصادر: (1) البيان المغرب، طبعة Dozy, جـ 2، ص 33 وما بعدها.

(2) ابن القوطية فى Con-: Houdas quete de I'Andalousie en Recueil de textes et traductions publie a I'occasion A VIII e Congres internat. des Orientalistes a Stockholm en 1889, جـ 1 ص 234 وما بعدها. (3) أخبار مجموعة. طبعة Lafuente y Alcantara . (4) ابن الأثير، طبعة تورنبرغ، جـ 5، ص 204 وما بعدها. (5) Histoire des Musulmans ; Dozy d'Espagne جـ 1، ص 267 وما بعدها. (6) Der Islam: Mueller جـ 1، ص 451، جـ 2، ص 434 وما بعدها. + الحسام بن ضرار أبو الخطار: شريف من كلبية دمشق بلغ الأندلس واليًا عليها سنة 125 هـ (743 م) ليحل محل ثعلبة بن سلامة العاملى خليفة بلج، وكان بلج قد جرح جرحًا مميتًا فى موضع يقال له "أكوا بورتورا" Aqua Portora وقد سعى حسام إلى أن يبعد جند الشام عن قرطبة بمنحهم إقطاعات فى نواحى ألبيرة من أعمال قرطبة، ورية (أرشذونة ومالقة) وجيان، والغرب (جنوبى البرتغال) وناحية تدمير، ولو أن هذه المسألة منه كانت فيما يبدو نصيحة تلقاها من أردبستو ولد غيطشة وزعيم الذميين النصارى الذين وكل إليهم جمع الخراج منهم. على أن عصبيته للكلبيين سرعان ما غلبت على حرصه السياسى وأثار بذلك حربًا على أعدائه تقوم على العناد والحقد. وقد عمد الحزب المخاصم لحسام من القيسية إلى التحالف مع لخم وجذام بقيادة الصُمَيْل الذى بدأ من وقتها يظهر نشاطًا كبيرًا وجعل من نفسه رويدًا رويدًا الذريعة لسياسة حكومته، بل هو قد قام بعد ذلك بعشر سنين بدور هام فى ظهور الإمارة الإسلامية الأندلسية بالاشتراك مع عبد الرحمن الداخل. وقد نالت خطته فى التحالف موافقة حلفائه ومن ثم نجح فى ضم استجة ومورون واستخدم الدهاء فى جعل قيادة الحلف لثوابة بن سلامة زعيمهما ونشبت الفتنة فى الأندلس وتمركز المفتتنون فى ناحية شذونة فى رجب سنة 127 هـ (أبريل سنة 745) وما انقضى وقت طويل

المصادر

حتى التقوا بأبى الخطار الذى كان قد أسرع بجنوده وعسكر على شواطئ وادى لك وهزم أبو الخطار وأسر وما إن بلغ ثوابة قرطبة مظفرا حتى نادى بنفسه واليًا على الأندلس. ولم يبق أبو الخطار فى الأسر طويلا، فقد هاجم أتباعه بليل السجن الذى اعتقل فيه وحملوه إلى لبلة، وفيها جاهد للم شمل أتباعه ولكنه خاب فى السيطرة على الحلف الذى كان قد حل محله. أما عن علاقاته الطيبة بالنصارى المقهورين فنحن لا نعلم عنها إلا ما روى من أن سارة حفيدة غيطشة بلغت دمشق فشكت للخليفة هشام بن عبد الملك من أنها جردت من أملاكها على يد عمها أردبستو فأمر الخليفة أبا الخطار أن يرد إليها ملكها الموروث. المصادر: (1) ابن الأبار: الحلة، ص 46 - 49. (2) ابن الخطيب: الإحاطة، القاهرة، طبعة عبد الله عنان، جـ 1، ص 108 - 109. (3) Hist Esp .. E.Levi-Provencal Mus. جـ 1، ص 48 - 50، 358 - 359. (4) Recherches: Dozy الطبعة الثانية، جـ 2، ص 79 - 80. (5) Hist. des las Moza-: Simonet rabes, جـ 3، ص 197 - 198. خورشيد (هويتى ميراندا A. Huici Miranda) . حسب ونسب مزاوجة فى مألوف العرب، تجمع بين وجهين لفكرة واحدة عن شرف المحتد. ويدل اللفظ الثانى على القرابة والصلة، وبخاصة ما كان مرتبطًا بالأسلاف، أى نسب فرد أو قبيلة؛ وكان النسابة، فى الجاهلية يعنون بالحفاظ على هذا النسب، الذى كان فى الإسلام فرعًا من فروع التاريخ وكان النسب، الذى يعد من عناصر الشرف، لا يقوم على المشاركة فى الدم فحسب، بل يقوم أيضًا على أصل الأم، وإن كانت صلة القربى من جهة الأب أهم فيما يبدو، وكان من اليسير تتبعها. وكان لجميع أفراد القبيلة عادة نسب جامع، يرجع إلى جد تنسب إليه القبيلة، ونسب أضيق من هذا، يبدأ بمؤسس

العشيرة، دون أن تكون الحلقات فى هذه السلسلة بالضرورة من الشخصيات الذائعة الصيت. وكان النسب الذى يفخر به الإنسان هو ذلك النسب العريق الذى لم يشبه ما يشين، على أن أقل شائبة تشوب نسب الشخص كان خصومه لا يتورعون فى هجائهم عن التعريض بأسلافه أو عشيرته. وكان النبى - صلى الله عليه وسلم - يستهدف تأكيد المساواة بين المؤمنين وتحقيق وحدة الجماعة، إذ نهى عن الطعن فى الأنساب، أى الطعن الذى يندد بعيوب صحيحة أو مختلقة، تشين الجد عامة، والجد الأعلى الذى تنتسب إليه القبيلة أو العشيرة خاصة. وعلى حين كان الناس المحرومون من النسب هم دون سواهم المنعزلون والمنبوذون والعبيد بطبيعة الحال، فإن صاحب الحسب فى مفهوم الجاهلية كان لا يقتضى وجود أسلاف له فحسب، بل إسباغ التشريف عليهم باسناد أعمال جليلة إليهم تدل على الشجاعة أو إظهار فضائل بارزة يتصفون بها والافتخار خاصة بكرمهم كرمًا يضرب به المثل. وكانت ذكرى الأعمال الجليلة التى قام بها فيما مضى أفراد القبيلة تنتقل من الأب للابن، فتجعل من ذلك حسبًا جامعًا يستطيعون جميعًا أن يفاخروا به، وكانت شجاعة الجماعة تقاس كما يقال بمجموع هذه الأعمال والفضائل الفريدة، التى تقدم للجميع نموذجًا يحتذى، ومعيارًا خلقيًا مثاليًا يتمنون بلوغه، وكان هذا فى الحقيقة ضربًا من السنة القبلية. وفى مقابل النسب، كان فى وسع الشخص أن يكتسب الحسب بأداء أعمال فاضلة أو الإتيان بضرب من الشجاعة فوق المألوف وعلى هذا كان الحسيب شخصًا ينحدر من صلب أسلاف لهم نسب عريق أو شخصًا اكتسب بشخصه الشرف دون أن يتطلب ذلك بالضرورة نسبًا بارزًا، فى حين يجب أن يتسلح النسيب بالحسب والنسب جميعًا. ولم يقض ظهور الإسلام تمامًا على هذه الأفكار التى ظلت حية مؤثرة بين القبائل العربية (بل بين الفقهاء الذين

المصادر

كان لزامًا عليهم أن يعرفوا حسب المرأة لكى يقدروا مهرها) ولكن الأفكار القديمة قد تعدلت فى الحق بفضل النزوع إلى المساواة، والمكانة العالية التى تبوأها الإيمان. والحديث الصحيح يكشف عن تغير فجائى فى المفهوم تتيح لنا المصنفات العديدة فى فقه اللغة والتفسير أن ندرك معناه. على حين ينهى النبى - صلى الله عليه وسلم - عن الطعن فى الأنساب فيقول: "تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم". المصادر: L'honneur Chez les: B. Fares Arabes avant l'Islam; باريس سنة 1932، ص 81 - 88 و 114، والإشارات الواردة فيه؛ وانظر أيضًا المسعودى، مروج الذهب، جـ 3، ص 107 وما بعدها (ترجمة Pallat، ص 955 وما بعدها) ونظرية ابن خلدون، المقدمة، تحقيق Quatremere, ص 243 وما بعدها (ترجمة de Slane, جـ 1، ص 280 وما بعدها، وترجمة Rosenthal، جـ 1، ص 273 وما بعدها. آدم (هيئة التحرير Ed.) الحسبة مصطلح من مصطلحات القانون الإدارى معناه الحساب أو وظيفة المحتسب ثم اكتسبت الكلمة معنى خاصًا هو الشرطة، وأصبحت تدل أخيرًا على الشرطة الموكلة بالأسواق والآداب العامة. وقد استعمل المؤلفون الذين كتبوا فى الفقه الإسلامى (مثل الماوردي وابن خلدون والمقريزى إلخ) لفظ الحسبة بهذا المعنى، وهو أضيق معانيها، ولكن للحسبة من غير شك معنى أوسع من وظيفة المحتسب بمدلولها المحدود، فقد وردت فى تواليف المؤرخين إشارات عابرة عن "دار المحاسبة والمواريث أو الموتى" تدل على أن الحسبة كانت اسمًا لدار التسجيل التى يسجل فيها الوفيات والمواليد وتدار فيها تركات اليتامى وأموالهم، ونحن نجد لفظ الحسبة أيضًا مستعملًا للدلالة على دار الموازين والمكاييل وتعرف "بدار العيار" وكذلك ديوان المحاسبة الأعلى، وأخيرًا للدلالة على ديوان ميرة الجيش وذخيرته.

المصادر

المصادر: (1) Mawardii Constitutiones: Enger Politicae, Bonnae, 1853 الفصل الأخير (العشرون). (2) ابن خلدون: المقدمة، طبعة بيروت سنة 1886، 196. (3) خطط المقريزى، طبعة القاهرة 1324 هـ، جـ 2، ص 342. (4) Landerverwaltung: Hammer, برلين 1835، ص 21، وص 148 وما بعدها. (5) Kulturgeschichte: Von Kremer, فينا 1875، جـ 1، ص 190. (6) Histoire des Arabes: Huart، باريس 1912، جـ 1، ص 263 - 366. (7) Memoire sur les In-: Behrnauer .stitutions de Police, Journ. As السلسلة الخامسة، جـ 15 و 16, 1860 - 1861. عبد العزيز مرزوق [زامباور E. V. Zambaur] + الحسبة: مصطلح لم يرد فى القرآن، ويستخدم للدلالة على واجب كل مسلم أن "يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر" كما يستخدم للدلالة على الوظيفة التى يقوم بها الشخص الذى يوكّل إليه فى المدينة السلطة فى تطبيق هذه القاعدة بمراقبة السلوك الأخلاقى للناس بعامة، والإشراف على الأسواق خاصة؛ وكان هذا الشخص الذى يوكّل بالحسبة يطلق عليه اسم المحتسب. ويبدو أن ليس هناك نص يقرر صراحة العلة فى اختيار هذا المصطلح أو يبين كيف نشأت المعانى المذكورة آنفًا من فكرة "الحساب" أو "الكفاية" التى يعبر عنها جذم هذه الكلمة. 1 - كلمة عامة: المصادر، والأصول، والواجبات. إن الازدواج فى معنى كلمة حسبة هو السبب فى وجود معلومات عنها فى مصادر شتى فى وفرتها. وإلى جانب الإشارات إلى "المحتسبين" التى يمكن أن نجدها فى التواريخ الإخبارية ومعاجم السير وغير ذلك الخ، فإن هناك معلومات عن معنى واحد للحسبة

ترد فى كل ما كتب عن أخلاق الجمهور ومناهضة البدع (مثل مدخل ابن الحاج) وفى كل ما كتب عن التجارة وأحكام المعاملات المالية. وسوف نقتصر هنا على ذكر تلك المصنفات التى تكون فيها الحسبة بمعناها الأول والآخر هى موضوعها الأساسى والأصولى. ويمكن تقسيمها إجمالا إلى فئتين، يتداخلان، على أية حال، إلى حد ما، وتتناول بعض المصنفات بأسلوب عام مضمون فضيلة الحسبة، وما يترتب عليها من التزامات على المحتسب، والوجوه الدينية والشرعية التى تقترن بوظيفته؛ وتتصدى المؤلفات الأخرى فى جوهرها لتنوير المحتسب فى التفاصيل العملية والفنية فى الإشراف الذى يجب أن يباشره؛ ولما كان هذا الاشراف يطبق أولا على حرف ومهن مختلفة، فإن هذه المصنفات دليل عملى للإشراف الإدارى على المهن. وسنحاول أن نقدم ثبتًا مفصلًا بهذه المؤلفات الأخرى، فى حين يكفى أن نذكر بصفة عامة المصنفات التى تحدثنا عنها أولا. والمصنفات التى تتضمّن دراسة عامة للحسبة متعددة حقًا، ولكن مما يجدر ذكره أنها لم تظهر أولا إلا فى القرن الخامس الهجرى (الحادى عشر الميلادى) أى بعد قرنين من ظهور الوظيفة. والمصنفان الرئيسيان هما الأحكام السلطانية للماوردى، الفصل العشرون (ويشير، على أية حال، إلى رسالة أقدم لمحتسب بغداد الشافعى فى مستهل القرن الرابع الهجرى الموافق العاشر الميلادى، وهو أبو سعيد الإصطخرى، وإن كان أحيانًا يدحض ما جاء بها) وإحياء علوم الدين للغزالى (جـ 2 وص 269 وما بعدها)، وهو يتناول فى الغالب الجانب الأخلاقى. ويجب أن نذكر من الكتّاب الآخرين المؤلف الأندلسى القديم ابن حزم (الفصل فى الملل والنحل، جـ 4، ص 171 وما بعدها)، ثم بعد ذلك: فى عهد المماليك، المؤلف الحنبلى ابن تيمية (الرسالة فى الحسبة، انظر H.Lanust - Essai sur Ibn Taymiyya, الفهرست)، والنويرى (نهاية الأرب، جـ 4)، وابن جماعة، والسبكى (معيد النعم)، والقلقشندى، والمقريزى، الخ؛ وفى

آسية الوسطى "النصاب فى الاحتساب" للسنامى (؟ )، ويشير عنوانه إلى منصب المحتسب الذى كان يتولاه المؤلف (القرن السابع الهجرى = الثالث عشر الميلادى؟ )، وإذا حكمنا عليه بعدد مخطوطاته (انظر ك. عواد، فى مجلة المجمع العلمى العربى بدمشق، جـ 17، سنة 1942، ص 433 وما بعدها) فإنه قد لقى بلا شك نجاحًا كبيرًا فى البلاد الإيرانية التركية؛ ثم فى المغرب مقدمة ابن خلدون، (جـ 3، ص 31). أما المصنفات من الفئة الثانية فمن طراز مختلف. فهى، كما قيل، ليست مخصصة للتفصيلات الفنية للإشراف الذى يجب النهوض به وخاصة على الحرف، بل هى رسائل المقصود بها خاصة المحتسب، وهى إذ تتفق بطبيعة الحال مع الشريعة، فإنها تتسم بطابع إدارى، وليست لها صفة شرعية. وتعد رسالة أحكام السوق ليحيى بن عمر المالكى الأفريقى فى كثير من الأحيان أقدم مصنف من هذا النوع (لا يزال النص الجوهرى موجودًا فى كتاب ألف فى وقت متأخر، حققه محمود على مكى، فى RIEEI، جـ 4، سنة 1956، الترجمة الإسبانية التى قام بها - E. Gar cia Gomez، فى الأندلس، جـ 22، سنة 1957، ويوجد مخطوطان كاملان مباشران فى هذا الموضوع بتونس: مكتبة جامعة الزيتونة تحت رقم 3137، وهناك مخطوط فى مجموعة خاصة). على أننا إذا صرفنا النظر عن أن كلمة حسبة لم يرد ذكرها فى هذه الرسالة، فإنها فى الحقيقة فصل من مجموعة من الفتاوى الشرعية عن السوق الخ أكثر منها رسالة إدارية أعدت ليستخدمها المحتسب. وهناك مصنف آخر أقرب قليلا من النوع الذى يهمنا، ويحتوى على كلمة حسبة، وهو كتيب زيدى نشره R. B. Serjeant في Rivista degli studi orientali، جـ 28، سنة 1953، (صنف حوالى عام 300 هـ = 910 م)، وربما لم يكن من قبيل المصادفة، أن تخرج رسالة من هذا النوع من بين صفوف الزيدية، الذين كانوا يولون أهمية كبرى للتفسير الدقيق لأحكام الشريعة، ولكن

مضامينها تعانى من التخلف فى موقف طبرستان الاقتصادى والاجتماعى، الذى تم فى إطاره تصورها. ولا توجد أية رسالة حقيقية عن الحسبة بالمعنى الدقيق للكلمة حتى نهاية القرن الخامس الهجرى (الحادى عشر الميلادى) فى المغرب (وبخاصة فى الأندلس) ونهاية القرن السادس الهجرى (الثانى عشر الميلادى) فى الشرق (الشام ومصر)؛ ولم يسجَّل وجود أية رسالة أقدم من هذه الرسائل فى أية بلاد أخرى. والرسائل المعروفة هى ما يأتى: (أ) فى المغرب: كتاب فى آداب الحسبة للسَقَطى المالقى (حوالى عام 500 هـ = 1100 م؛ تحقيق G. S. Colin, E. levi- Provencal، فى. Joun. As سنة 1931) "ورسالة فى القضاء والحسبة" لابن عبدون الإشبيلى (القرن السادس الهجرى الموافق الثانى عشر الميلادى، تحقيق E. Levi- Provencal فى Joun As., سنة 1934)؛ وقد أعيد طبعها فى كتابه Trois traites hispaniques de hisba سنة 1955؛ مع ترجمة فرنسية قام بها E. Levi- Provencal في Seville musulmane au debut de Xlle siecle، سنة 1947؛ وترجمة فرنسية قام بها بالاشتراك مع Garcia Gomez, بعنوان - Sevilla musul mana سنة 1948؛ وترجمة إيطالية قام بها F. Gabrieli فى Rend - Ling , السلسلة السادسة، جـ 11، سنة 1935). ثم فى هذا الكتاب نفسه Trois traites، يأتى ذكر ابن عبد الرءوف والجرسيفى، الترجمة الفرنسية التى قامت بها Rachel Arie , في Hesperis Tamuda جـ 1، سنة 1960، والترجمة الإنكليزية لما سبق التى قام بها G. M. Wickens, فى - The Is lamic Quarterly جـ 3، سنة 1956، (ولكن انظر J. D. Latham فى Journal of Semitic Studies جـ 5 (سنة 1960) ص 124 وما بعدها). وما يأتى يعد بوجه من الوجوه ضربا من الرسائل فى الحسبة، ويدخل جزء منه فى عداد "النوازل": الفتاوى الشرعية: فصل عن الحسبة فى كتاب تنبيه الحكَّام فى الأحكام، لابن المناصف "عام 563 - 620 هـ = 1168 - 1223 م" وهو مخطوط بمكتبة جامعة الزيتونة رقم 1919، وكتاب التحفة لمحمد العُقبانى

التلمسانى، مكتبة جامعة الزيتونة تحت رقمى 2978، 6234؛ والجزائر تحت رقم 1353، وقد قام بتحليله محمد طالبى , - Quelques donnees sur la vie soci ale en occident au XVe Siecle فى- Arabi ca، جـ 1، سنة 1954). (ب) فى المشرق: هناك عدة رسائل مشرقية، أهم قليلا من رسائل المغرب، والأصل فيها جميعًا نهاية الرتبة فى طلب الحسبة، لعبد الرحمن بن نصر الشّيْزَرى المتوفى سنة 589 هـ (1193 م، حققه برنهاور Bernhauer، مع ترجمة فرنسية له باسم نبراوى، بعنوان Les institutions de police chez les Arabes فى، Jour-As. سنة 1860 - 1861؛ وهناك طبعة حديثة جيدة حققها العرينى، القاهرة سنة 1946) , وهذه الرسائل هى: أولا رسالة أطول تحمل العنوان نفسه لابن بسّام (القرن السابع الهجرى = الثالث عشر الميلادى، ألفت فى الشام أو فى مصر)، وقام بتحليلها الأب شيخو فى مجلة المشرق جـ 10، سنة 1907)؛ ورسالة أكثر تفصيلا هى "معالم القربة فى أحكام الحسبة" لابن الأخوّة المصرى (بداية القرن الثامن الهجرى = الرابع عشر الميلادى، حققها وقام بترجمة انكليزية مقتضبة لها R. Levy فى مجموعة كب التذكارية، السلسلة الجديدة جـ 12، سنة 1938؛ ثم سلسلة من المصنفات الأخرى، معظمها ليست. فيما يبدو، إلا طبعات مقتبسة من المصنفات التى ذكرناها آنفا، وتنسب أحيانًا إلى مؤلفين لا صلة لهم بها (الماوردى). ولكن مخطوطاتها لم تنشر ولم تدرس ولذلك فإنه لا يمكن تصنيفها فى الوقت الحاضر: (انظر المقالات التى كتبها M. Gaudefroy- Demombynes فى Journ. As جـ 213) سنة 1213 هـ = سنة 1938 م؛ ك. عواد، فى مجلة المجمع العلمى بدمشق، جـ 18، سنة 1943؛ وانظر كتاب الحسبة لابن عبد الهادى المتوفى سنة 909 هـ = 1503 م، والتعليق الذى كتبه حبيب الزيات فى الخزانة الشرقية، جـ 2، سنة 1937، ص 112. وعن الزيدية انظر كتاب Das staatsrecht der, R. Strothmann Zaiditen, ستراسبورغ سنة 1912، ص 90 وما بعدها).

وعلاوة على هذه الرسائل، توجد بعض براءات تعيين المحتسبين، لم تلق ما تستحقه من اهتمام: إحداها ترجع إلى القرن الرابع الهجرى (العاشر الميلادى) وردت ضمنا فى مجموعة الإنشاء للصاحب ابن عباد، رقم 39، والأخرى هى إيرانية - تركية من القرن السادس الهجرى (الثانى عشر الميلادى). وردت فى رسائل رشيد الدين وطواط، رقم 80؛ وكتاب عَتَبَة الكتبة (بالفارسية) لمنتجب الدين بديع أتابك الجوينى، طهران سنة 1329، ص 82 وما بعدها؛ وأخيرا نجد براءات أخرى من الشام ومصر صدرت فى عهد الأيوبيين، والمماليك، فى خطابات ضياء الدين بن الأثير (انظر Bulletin of -the school of Oriental Studies, London Institution جـ 14 - 1, ص 38) وفى كتاب صبح الأعشى للقلقشندى (جـ 10، ص 460، أصدرها القاضى الفاضل)، جـ 12، ص 339، وشواهد فى مواضع متفرقة، ولعل فى الإمكان وجود براءات أخرى كثيرة. هذه هى المصادر التى يمكن أن تقوم عليها دراسة الحسبة. ومن ثمَّ فإن هذه المصنفات بمعناها الواسع هى الواجب المفروض، من حيث المبدأ، على كل مسلم أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر. وقد يفعل هذا فى المجرى المألوف للأحداث بالإبلاغ عن جريمة والاعتراض عليها بعامة وبالتدخل الشرعى بخاصة، وفى بعض الظروف الخاصة بالإكراه فى حالة عدم وجود سلطة عامة إذا كان فى وسعه أن يفعل هذا - بل له، كما يقول ابن حزم، فى وجود سلطة عامة ليست شرعية، أن ينتقض عليها، وهذا الالتزام فى الحقيقة ليس إلا التزاما نظريا، يستتبع واجب كل مسلم فى أن يفعل كل ما فى وسعه لمواجهة الموقف، ومحظور عليه أن يضع نفسه فى موضع السلطة العامة إذا وجدت. ومن ثم فإن فكرة الحسبة، بالرغم من أنه يمكن أن يكون لها شأن معين فى السلوك الاجتماعى، فإنه ليس لها من حيث العمل إلا أثر ضئيل، ومن الصعب أن ندرك فى أية ظروف تطورت، مع ذلك، نظريتها.

ومنشأ وظيفة الحسبة، وهو فيما يبدو قديم جدًا ليس أكثر من ذلك وضوحًا. إذ لم تستعمل أصلا كلمة حسبة ولا كلمة محتسب، ولكن استخدم بدلا من الكلمة الأخيرة مصطلح صاحب (أو عامل) السوق. ولهذا فإن هناك مسألتين: مسألة أصل مصطلح صاحب السوق، ومسألة تحوله إلى مصطلح المحتسب. ومن المعتقد أن الأول كان خلفا لمراقب السوق الإغريقى الذى كان يتولى تطبيق قانون السوق فى المدن الاغريقية. وكانت واجباته مماثلة للمفهوم العربى إجمالا، أو أن التعبير العربى ترجمة للمصطلح الإغريقى. ومهما يكن من شئ فإنه لا يوجد أى أثر مدون عن مراقب السوق الإغريقى فى النقوش الإغريقية فى خلال الثلاثمائة سنة السابقة للفتح العربى (- Pauly. Wissowa, West and John Byzantine Egypt: son سنة 1955، الفهرست) ويمكن أن تكون الوظيفة والاسم على السواء قد أدخلا فى العصر الإسلامى، دون أن يكون بينهما أى ارتباط: وربما يكون الاسم قد ظل شائع الاستعمال، ولعل المدن القديمة قد احتفظت بنظمها القديمة على أية صورة كانت، ولكن هذا ليس من الأسباب التى تدعونا إلى الإصرار على أن صاحب السوق، فى البصرة والكوفة، وغيرهما من المدن كان من المستبعد أن يظهر دون استلهام الفكرة من الخارج. ومهما يكن الأمر فإن صاحب السوق، فى عهد خلافة المأمون، استبدل به المحتسب، وهو اسم كان لا يستخدم حتى ذلك الوقت إلا للدلالة على شخص معين بالذات يقوم بوظيفة الحسبة. ومن الواضح أن هذا التغير فى التسمية حدث فى إطار إضفاء الصبغة الإسلامية على القوانين التى قام بتنفيذها العباسيون وبخاصة فى عهد المعتزلة؟ ولكن من الصعب أن نقول إلى أى مدى حدث فعلا تحول فى طابع وظيفة الحسبة ومضمونها. ولما حدث التغير فى الشرق بعد انقسام العالم الإسلامى بين الشرق والغرب، ظل لقب صاحب السوق غالبًا فى الاستعمال فى المغرب والأندلس، حيث وقع اختيار الفقهاء أولا على فكرة الحسبة (توجد إشارة صريحة فى كتاب ابن بشْكُوال

وهناك أمثلة كثيرة من الأمثلة الأخرى، فى البيان المغرب لابن عذارى). ولكن يبدو أنه ليس هناك اختلاف كبير بين نصفى العالم الإسلامى منذ العهد الذى يمكن فيه الحديث عن تفصيلات الوظيفة. ثم أصبح من سمات المحتسب القديم التكامل فى عمله من حيث هو مراقب للسوق فى نطاق الواجب الأوسع مدى، وهو أساسًا واجب دينى، يفرض عليه الحفاظ على الانضباط اللائق للحياة الاجتماعية. ولم يكن الفرق بين واجباته وواجبات القاضى ورئيس الشرطة محددا تحديدا دقيقا، والفارق بينها فى بعض الأمور، لا يرتبط بطبيعتها الجوهوية بمقدار ما يرتبط بالأسلوب الذى يمارسونه حيالها، كان القاضى يحكم فى القضايا التى تتعلق بشكوى قدمت إليه، ويقوم بتحقيق لاكتشاف الحقيقة، أما الشرطة فكانت تتدخل فى المخالفات والجرائم التى تتطلب قيام الشرطة بهذا العمل؛ على أن المحتسب كان لا يهتم إلا بالوقائع الواضحة التى لا نزاع فيها. وكان لا يقوم بتحقيق بل كان يتدخل من تلقاء نفسه، دون أن ينتظر تقديم شكوى إليه. وكانت المسائل التى يجب عليه أن يهتم بها قد تقررت بصفة عامة فى تاريخ قديم بعض الشئ بمقتضى عرف لم يكن يطرأ عليه أى تغيير حتى الوقت الحاضر؛ ولم تكن أية مسألة منها رسمية خالصة، لكن غنى عن القول أن الطريقة التى كان يؤدى بها بعض واجباته، بصرف النظر عن شئون السوق، كانت تتوقف كثيرا على الخلفية الاجتماعية وعلى خلقه الشخصى. وبصرف النظر عن السوق فإن هذه المسائل يمكن تقسيمها ثلاث مجموعات: على المحتسب أن يراقب أداء الفرائض الدينية (حضور صلاة الجماعة، والاستعمال اللائق للمساجد وصيانتها) والاحتشام فى السلوك بين الجنسين فى الشوارع (وفى الحمامات) وأخيرا تطبيق وسائل التمييز بين المسلمين والذميين. وتروى حوادث وقعت لمحتسبين شجعان كانوا ينقدون القضاة أنفسهم الذين أصدروا أحكامًا مخطئة أو ينكرون فقهاء ثبت تلقينهم الناس دروسا تخالف الإجماع.

ومهما يكن الأمر فإن الواجب الأساسى الدائم للمحتسب حيال الجمهور هو أن يراقب السوق، وقد أصبح هذا الواجب أولا وقبل كل شئ يحدد رسميا منذ البداية فى براءة التعيين. وكان عليه أن يتحقق من صحة الموازين والمكاييل، التى كانت بحكم تعقدها وتعددها البالغ تتيح الغش على الفور. وكان عليه بوجه أعم أن يراقب ويحارب جميع أنواع النقص والخداع اللذين يمكن أن يظهرا فى صناعة السلع وبيعها على السواء (وبصرف النظر عما يوليه الفقه لها من اهتمام - فإن هناك مصنفات كاملة متخصصة تتناولها بالبحث، وأشهر مثال لها هو كشف الأسرار للجْوبرى، فى القرن السابع الهجرى الموافق الثالث عشر الميلادى). ومن ثم فإن كتب أوليات الحسبة بالمعنى الدقيق، تسوق قائمة بالحرف الرئيسية، وتمد المحتسب بالمعلومات الفنية عن كل حرفة منها، بما يتيح له تمكنه من اختبار جودة المنتجات وتتبع الأخطاء الفنية أو الصناعة السيئة - وكل هذه هى وثائق بالغة الأهمية فى دراسة الظروف الاقتصادية. بل إن للمحتسب، عندما لا يوجد موظف خاص مكلف بهذا الأمر، أن يختبر العملة ليتأكد من سلامتها. وبالإضافة إلى هذا عليه أن يتأكد أن التجار والسماسرة لم يلجأوا إلى الغش ولم يصطنعوا حيلا لخداع المشترى ليبتاع سلعة أو يدفع الثمن المطلوب للحصول عليها. وكان يتأكد أيضا، من الناحية الشرعية، أن التجار لم ينغمسوا فى أى عمل يرتبط بامتهان الربا المحرم. وكان اختصاصه يمتد إلى المهن نفسها التى لا نعدها عادة فى الوقت الحاضر مرتبطة بالسوق: وهكذا كان يراقب الصيدلانيين والأطباء، وكان فى المدارس يحذر أو يعاقب أى معلمين يفرطون فى القسوة. وكان المحتسب لا يتجاوز حدود المدنية، على أية حال، ولذلك فإن التجار، أو أصحاب الحرف فى المناطق الأخرى، كانوا لا يخضعون لمراقبته. وثمة موضوع يتعلق بهذا النشاط الاقتصادى الأخلاقى الذى يجب التنويه به فيما يختص بالتقاليد الاقتصادية الإسلامية. فقد كان المحتسب يراقب

الأسعار، ولكن لم تكن له عادة سلطة تحديدها. وكان يزجر بل يعاقب التاجر الذى تكون أسعاره مرتفعة عن المعدل المقبول، وبخاصة فى الفترات التى يقل فيها المعروض من السلع. وكان يتصرف بقسوة مع من يلجأون إلى التخزين، ولكن الشريعة الذى يحدد الأسعار، أى أنها تتجاوز نطاق سلطات البشر، ومهما يكن من شئ، فقد كان ثمة فى فترة انتشرت فيها المجاعة فى نهاية العصور الوسطى، نزعة متزايدة لتحديد السعر رسميًا. وكان يرتبط بهذه المهام عمل آخر، دعا الباحثين المحدثين إلى أن يؤكدوا القول بأن التقاليد القديمة الخاصة بأعضاء مجلس المدينة ظلت تتردد فى واجبات المحتسب. ذلك أنه كان من واجباته فى بناء المنازل وترميمها وأمانة المواقيت أن يتأكد من أنه لم يحدث فعل يضر بالأمن العام أو يعوق مرور المشاة أو العربات، وكان مسئولا عن تنظيف الشوارع، وترميم أسوار المدينة عند الضرورة، وضمان تزويد الناس بالماء وتوزيعه بانتظام، الخ .. وكل هذه واجبات دعت إلى أن يعد المحتسب فى زمرة موظفى البلدية (وهو الموظف الوحيد فى عهد الإسلام). على أنه لم يكن أهم من القاضى، بحكم طبيعة وظيفته، ذلك أنه كان لا يعين بأمر أية هيئة مدنية أو مهنية، ومع ذلك فإنه كان فى الواقع يهتم بصفة خاصة وحده دون سواه بأمور المدينة. وكانت الدولة تعين المحتسب، مباشرة فى بعض الأحيان، وفى أكثر الأحيان عن طريق الولاة أو القضاة الذين كانت تفوضهم رسميًا فى وظيفة الحسبة، لا لكى يقوموا بها من حيث المبدأ، بأنفسهم، ولكن لكى يتأكدوا من أنها قد قامت، وكان يشترط فى المحتسب أن يكون رجلا معروفًا بنزاهته وكفايته فى أمور الشرع، ومن ثم فقد جرى العرف أن يكون فقيهًا، ولكن بالرغم من أن هذه الصفة كانت فى كثير من الأحيان لا يراعى وجوب توافرها فيه، فإن الخبرة المكتسبة من الحياة المهنية دعت أيضًا إلى اختياره، إن أمكن، من بين التجار، وعلى أية حال

فإن الحسبة، فى تقسيم الوظائف إلى سياسية ودينية، كانت وظيفة دينية مثل وظيفة القاضى. وكان تسجيل الصالحين لتولى هذه الوظيفة والقيام بها تكتنفه صعاب تتعلق بمجال عمل المحتسب والأساليب التى ينتهجها. وفى الحالات التى كان لا يستطيع فيها شخصيا أن يراقب منطقة واسعة كان يعين لكل حرفة أمينًا أو عريفًا ينتمي إلى تلك الحرفة، وبالإضافة إلى ذلك كان المحتسب يستعين بعدد من الموظفين المرءوسين له مما يسمح بوجود ممثلين له بسرعة فى أى مكان، لاستدعاء المذنبين إلخ. ومع ذلك فإن هذه الأساليب قلما كانت مناسبة، وكان من الضروري وجود تعاون بين المحتسب والقاضى والشرطة. ولهذا السبب نفسه كثيرا ما حدث أن يجمع الشخص الواحد بين وظيفتى القاضى والمحتسب أو بين وظيفتى الحسبة والشرطة، وعلى الرغم من اتساع مجال عمل المحتسب والصفة الدينية التى تتسم بها وظيفته، فإنه كان يعد بصفة عامة، إخصائيا تابعا للقاضى، وكان تسجيل أسماء الصالحين للقيام بالحسبة يتم باختيار أشخاص أقل من ذلك شأنا إذ أن وظيفة المحتسب كانت تعد أقل شأنا من وظيفة القاضى (كانت وظيفة المحتسب تعد أحيانًا خطوة تمهد لتولى منصب القاضى). وكان المحتسب بقصبة البلاد فى معظم الولايات الإسلامية تلقى على عاتقه تبعة بعينها هى الإشراف على المحتسبين فى المدن الإقليمية. وفى مستهل القرن السابع الهجرى (الثالث عشر الميلادى) حاول الخليفة الناصر، فى إطار سياسته العامة التى ترمي إلى توحيد الإسلام من حيث النظر والدين تحت لوائه، أن يوطد، على الأقل فى الشرق الأدنى، دعائم إشراف عام على الحسبة، الأمر الذى لم يتحقق فعلا (انظر Oriens، جـ 6، سنة 1953، ص 21). وكانت العقوبات التى يستطيع أن يوقعها المحتسب، دون الرجوع إلى سلطات قضائية أخرى وذلك بعد الزجر، هى عادة الجلد، والطواف بالمذنب فى الشوارع مجللا بالخزى والعار، أما الموازين والمكاييل غير

السليمة والمنتجات المغشوشة فكان من الممكن مصادرتها، وكان المجرمون العائدون يمنعون من ممارسة حرفتهم بل يحكم عليهم بالنفى نفسه. وفى نهاية العصور الوسطى، حدث مع التدهور الاقتصادى والأزمات الاجتماعية القائمة وقتذاك، أن هبط قدر وظيفة المحتسب. وفى عهد المماليك كان الحصول عليها، شأنها فى هذا شأن الوظائف الأخرى، يتم بأداء مبلغ من المال، كان مؤديه يستعيضه من التجار بأن يفرض عليهم ضرائب لا سند لها من الشريعة. وكثيرا ما كان يشتجر النزاع بين المرشحين للمنصب، وهناك مثال على ذلك مشهور هو الشجار الذى نشب بين المقريزى والعينى؛ وحدث أن منحت الوظيفة لأحد أفراد الطبقة العسكرية، بالمخالفة لجميع التقاليد، واستجابة لدواعى الارتزاق، وعدم مراعاة للكفاية المطلوبة. وظل المحتسب موجودا فى الجزء الأكبر من العالم الإسلامى، حتى ظهرت اصلاحات العصر الحديث، وكان مثلا لا يزال موجودا فى مستهل القرن العشرين، فى مراكش وبخارى. ومنذ عهد السلاجقة فى البلاد الإيرانية التركية عامة وفى بلاد أخرى من حين إلى حين، كان يطلق على الوظيفة فى العادة اسم "احتساب"، واحتفظ باسم الحسبة مراعاة للفضيلة التى يجب أن يظهرها شاغل الوظيفة. وقد أخذ بها الشرق اللاتينى الذى استحدثته الحروب الصليبية، فى صورة محدودة غير دينية عرفت باسم Mathessep. المصادر: المصادر والمؤلفات الحديثة التى تتناول الموضوع ورد ذكرها فى صلب المادة. وليست هناك دراسة عامة كاملة عن الموضوع برمته. (1) المصنف الذى له مكان الصدارة ويغلب عليه الجانب الفقهى هو ما كتبه E. Tyan فى الفصل الأخير من كتابه Histoire de l'torganisation Judiciaire en Islam جـ 2، سنة 1943، مع عرض له بقلم كل من - M. Gaudefroy - De mombynes في Journal des Savants، سنة 1947، و J. Shacht فى Orientalia ص 17 سنة 1948، ص 518.

(2) انظر أيضا المقدمتين اللتين كتبهما E. Levi - Provencal ومحمود على مكى فى طبعتيهما المحققتين، والتقرير الثانى الذى كتبه J. Shcacht فى كتابه Introduction to Islamic Law سنة 1966، الفهرست وثبت المصادر، ص 231 - 232. (3) وهناك فصل مفيد كتبه A. Darrag فى L'Egype sous le regne de Barsbay سنة 1961, ص 76 - 82. (4) وكتاب ن. زيادة الحسبة والمحتسب فى الإسلام سنة 1963، مرجع نفيس باعتباره مجموعة نصوص. (5) وفى مقال إمام الدين: الحسبة وقد نشر فى Islamic Cuture سنة 1963 فى الأندلس، سير للمحتسبين الأندلسيين. (6) والمصنفات المخصصة للمدينة الإسلامية تتحدث عن المحتسب بكل تأكيد، وليس من اليسير أن نذكرها كلها فى هذه المادة، ولكننا نرى أن نذكر بصفة خاصة. (7) Considerations sur: G. Marcais la ville musulmane et le Muhtasib في - Re cueils de la Societe Jean Bodin، جـ 4، سنة 1954. (8) والرسالة الممتازة التى كتبها. R Le Tourneau عن فاس. (9) وبالنسبة لبخارى انظر - P.I. Pe Bukharskiy mukhtasib Problemi: trov Vostokovedeniya، سنة 1959، جـ 1 ص 139 - 142. (10) وعن الشرق اللاتينى انظر. CI La feodalite et les institutions pol-: Cahen itiques de L'orient latin فى Accad. Naz d. Lincei, Convegno Volta, جـ 12 سنة 1956، ص 22 - 23. آدم [كاهن وطالبى C.L.Cahen & M. Talbi] 2 - الدولة العثمانية لا يرد لفظ حسبة فى سجلات الإدارة العثمانية ووثائقها؛ ونجد بدلا منه لفظ احتساب، وهو مصطلح رسمى يستخدم فى العاصمة، وفى الإيالات على السواء، ومعناه الأساسى جباية

المكوس والضرائب المفروضة على كل من التجار وأرباب الحرف وعلى بعض الواردات. ومهما يكن من شئ فإن كلمة احتساب أصبحت أخيرا تدل على جملة الوظائف كلها التى انتقلت إلى المحتسب أو "احتساب آغاسى" (وقلما يقال احتساب إمينى)؛ وكثيرا ما ترجمت بمصطلح "شرطة السوق" الذى يتضمن معنى محصورًا فى نطاق ضيق، وقد كان المحتسب يعد على هذا النحو "مفتشا للأسواق" ولكن مسئوليته الدقيقة كانت تتجاوز مجرد الإشراف والتفتيش على الأسواق وأعضاء النقابات المهنية. وكانت الأحكام المتعلقة بواجبات المحتسب مقننة فى "احتساب قانوننامه لرى"، الذى كان فى وسع الموظف أن يجد فيه كل شئ يتصل بهذه الواجبات وهى المراقبة والتفتيش والعقاب، خاصة جباية الضرائب بالنسبة للإيالات. وكانت هذه الأحكام تشتمل على قائمة بالأسعار التى كان لا بد من مراعاتها فى بيع السلع أو المواد المصنوعة أو غيرها، وحدود الربح المسموح به، والعقوبات التى يقتضى الأمر توقيعها على التجار وأرباب الحرف المخالفين للشريعة. وكانت أيضا تبين المقدار الإجمالى أو النسبة المئوية للضرائب والمكوس، والمبالغ التى يجب اقتضاؤها والتبرعات الأخرى التى تجمع باسم الاحتساب وتفرض على أعضاء نقابات أرباب الحرف، ونجد شاهدا يذكرنا بالوظيفة الأصلية للمحتسب فى بعض مواد هذه الأحكام التى ينص فيها على أنه يجب أن يراقب المحتسب السلوك والأخلاق فى الأماكن العامة أو المقدسة واحترام المسلمين لفرائضهم الدينية. وكان هو أيضًا، فى استنانبول على الأقل، الرجل الذى يشرف على تقسيم البضائع بين تجار الجملة وعلى أرباب الحرف أو الصناع. وكان يساعد المحتسب فى جباية الضرائب وكلاء يطلق عليهم اسم "قول أوغلان لرى" وكان عددهم يبلغ 15 فى استنانبول فى القرن العاشر الهجرى الموافق السادس عشر الميلادى، وارتفع عددهم على إثر ذلك إلى 56 في القرن الحادى عشر الهجرى الموافق السابع عشر الميلادى، وستة عشر ملازما يعرفون باسم سندلى، يحملون براءة رسمية بالتعيين. وكانت وظيفة

المحتسب أو "احتساب آغاسى" تشغل سنويا بطريق الالتزام. ويتسلم شاغلها "براءة" التعيين بعد موافقة القاضى (وكان المحتسب مسئولا أمامه مسئولية مباشرة) أو الصدر الأعظم أو والى الولاية، وبعد أن يؤدى مبلغا من المال يسمى بدل مقاطعه، أو الثمن النقدى لحق الالتزام. وأولى أحكام الاحتساب المعروفة ترجع إلى عهد السلطان بايزيد الثانى (886 هـ = 1481 م - 918 هـ = 1512 م)، فى مستهل القرن العاشر الهجرى (السادس عشر الميلادى) وصدرت من بعد أحكام أخرى سنها السلطان سليم الأول والسلطان سليمان الأول والسلطان سليم الثانى والسلطان مراد الثالث والسلطان مراد الرابع والسلطان محمد الرابع، الخ .. أما بالنسبة للإيالات فكانت الأحكام الخاصة بالاحتساب، متضمنه فى أحكام أوسع نطاقا خاصة بالإدارة فى الإيالات، وهى مجموعات قانوننامه، وأقدمها يرجع إلى عهد بايزيد الثانى، وليس من قبيل المستحيل أن تكون هناك أحكام أخرى من هذا النوع صدرت فى وقت مبكر. وفى بعض الإيالات التى ضمت إلى الدولة العثمانية فى القرن العاشر الهجرى (السادس عشر الميلادى) كان السلاطين بعد الفتح مباشرة، قد اكتفوا فى أول الأمر بسريان الأحكام الأقدم عهدا، كما حدث مثلا فى دمشق. وفى المجال المالى كان المحتسب يجبى تلك الضرائب المستمدة من الاحتساب بالمعنى الحقيقى لهذا اللفظ (احتساب رسومى)، ولكنه كان يجبى أيضا بعض الضرائب التى يمكن وصفها بأنها ضرائب على الوارد أو على دخول البضائع، وأخيرا ضريبة "يومية دكاكين" يؤديها أصحاب الحوانيت لإمداد المحتسب وأتباعه بما يفى بمرتباتهم. وفى استنانبول كانت المدينة مقسمة إلى 15 منطقة ضريبية فيما يتعلق بالضريبة الأخيرة. وكانت ضرائب الاحتساب فى استنانبول وفى المدن الكبرى بالدولة العثمانية كما يلى: "باج- بازار" وهى ضريبة على السوق، وكانت من قبل موجودة فى

عهد السلاجقة والإيلخانية، على أن الأحكام التى تنظمها كانت ترجع إلى عهد محمد الثانى، وكانت هذه الضريبة تفرض على جميع البضائع التى ترد من الخارج وتباع فى أحد الأسواق بالمدينة، "بتيرمه" وهى ضريبة سنوية كانت تفرض على تجار المواد الغذائية، و"دامغه رسمى" وهى ضريبة دمغة أو رسم علامة تفرض على المنسوجات والمعادن سواء كانت ثمينة أو غير ثمينة، "وحق قبان"، أو "رسم قبان"، أو "حق قنطار" وهى ضرائب على الوزن، تدفع عينا، على وزن الحبوب والخضراوات المجففة، ، ونقدًا على وزن أى محصول آخر، ويقول بعض الكتاب أن هذه الضرائب المفروضة على الوزن كانت تعرف أيضا باسم ميزان (ضرائب الميزان) وأوزان (ضرائب على الأوزان والمكاييل) و"إكيال" أو "كيّاليّه" (ضرائب على كيل الحبوب). وكانت ضرائب الاحتساب الأخرى يمكن أن تفرض، حسب الموقع، مثل "رسومات احتسابية" (فى استنانبول) أو ضرائب على دخول البضائع تفرض على حمولة سفينة التاجر، وحق "قابى" وهى ضرائب كانت تجبى عند بوابة أدرنة و"بابعيه" وهى ضرائب على المبيعات، ظهرت فى الغالب فى القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. وألغى السلاطين من حين إلى حين بعض الضرائب التعسفية التى فرضها المحتسبون، على أساس أنها كانت بدعا ضارة بأهل البلاد خليقة بالذم. وألغى نظام الالتزام فى الاحتساب فى استانبول عام 1242 هـ = (1826 م) واستبدلت به إدارة (احتساب نظارتى) يشرف عليها احتساب ناظرى، وهو موظف حكومى. وفى عام 1271 هـ (1854 م) ألغيت وظيفة احتساب ناظرى وانتقلت إلى يد "شهر امينى". المصادر: (1) أوليا جلبى، سياحتنامه، جـ 1، استانبول سنة 1314 هـ = 1898، فى مواضع مختلفة.

(2) Stoatsver-: Hammer - Purgestall fassung (3) Memoier sur les: W. Behmauer institutions de Police Chez les Arabes, les persans et les Turcs فى المجلة الأسيوية، السلسلة الخامسة، جـ 15، سنة 1860، ص 461 - 503؛ جـ 16، سنة 1860، ص 114 - 190، 347 - 392؛ جـ 17 سنة 1861، ص 5 - 76. (4) عين على مؤذن زاد: قوانين رساله سى قوانين آل عثمان در خلاصه مضامين دفتر ديوان، استانبول سنة 1280 هـ = 1863 م. (5) قانوننامه آل عثمان، فى تاريخ عثمانى أنجمنى مجموعة سى (الملحق)، سنة 1330 هـ = 1914 م (6) عثمانلى قانوننامه لرى فى ملى تتبعلرى مجموعة سى جـ 1/ 1 (مارس - أبريل سنة 1331 هـ = 1915 م)، ص 49 - 112، جـ 1 - 2 (مايو- يونيه سنة 1331 هـ = 1915 م، ص 305 - 348، جـ 1 - 3) يوليه - أغسطس سنة 1331 هـ = 1915 م ص، 497 - 544. (7) عثمان نورى: مجلة أمور بلديه، جـ 1، استانبول سنة 1337 هـ = 1922 م، ص 327 - 469. (8) أحمد رفيق، هجرى 12 عصر ده استانبول حياتى، وهجرى 11. عصر ده استانبول حياتى، إستانبول سنة 1930 - 1931. (9) الكاتب نفسه 16 عصر ده استانبول حياتى إستانبول سنة 1935. (10) عمرو لطفى برقان، بعض بويوك شهر لرده أشيا ييه جق فياتلرى نعك تثبيت وتفتيش خصو صلر كك تنظيم إيدن قانوننامه لر، فى تاريخ وثيقة لرى، جـ 1 - 5 (فبراير سنة 1942) ص 329 - 340 جـ 2 - 7 (يونيه سنة 1942) ص 15 - 40؛ جـ 2 - 9 (أكتوبر سنة 1942) ص 168 - 177. (11) الكاتب نفسه، قانونلر، فى مواضع مختلفة.

(12) أ. ح أوزون جار صيلى: عثمانلى دولتنكك مركز وبحرية تشكيلاكى، أنقرة سنة 1947، ص 140 - 144. (13) محمد زكى باكالين: عثمانلى تاريخ تريملرى ودييملرى سوزليغى إستانبول سنة 1946 - 1954، انظر مادة احتساب. (14) Gibb - Bowen جـ 1 - 1، ص 155 - 156، 168، 279، 287 - 288، 292، جـ 1 - 2، ص 7 - 9، 12, 34، 80، 116، 129. (15) Regle-: R. Mantran, Souvaget -ments fiscaux Ottomans, les Provinces Sy riemes بيروت سنة 1951، فى مواضع مختلفة. (16) Die Siyqat Schrift.: L. Fekete in der tuerkischen Finanzverwaltung جـ 10، بودابست سنة 1955، فى مواضع مختلفة. (17) La police des: R. Mantran marches de Stamboul au debut du XV lle siecle فى C.T .. رقم 14 الثلاثة الأشهر الأولى من 1956، ص 213 - 241. (18) الكاتب نفسه. Un document sur l, ihtisab de Istanbul, a la fin du XYIIe Ziecle في melanges Massignon جـ 3: بيروت سنة 1957، ص 127 - 149. (19) Rechnungsbuecher: L.Feketen Turkischen Finanzstellen in Buda Ofen 1580 - 1550 بودابست سنة 1962 فى مواضع مختلفة. (20) The finan-: Stanford J. Shaw cial and administrative organization and developmrent of Ottoman Egypt, 1717 - 1798 , برنستون سنة 1962. (21) الكاتب نفسه: Ottoman Egypt in the eighteenth century (22) Nezanname - i Misr of Gezzar ahmea pasha هارفارد سنة 1962. (23) Istambul dans la: R. Mantran second moitie du XVlle siecle باريس سنة 1962، ص 145 - 146، 218 -

219، 226 - 229، 274، 294، 300، 308، 310 - 323، 328، 442، 459. (24) Ottoman: Stanford J. Shaw Egypt in the age of the French Revolution هارفارد سنة 1964. آدم [. د. مانتران R.Mantran] 3 - فارس استمر وجود المحتسب ووظيفته الحسبة (أو الاحتساب) مع كثير من الوظائف الدينية، فى مختلف الدول والممالك التى أنشئت فى فارس بعد انهيار الخلافة العباسية، ولم تختف نهائيا حتى القرن التاسع عشر. وكانت أخلاقيات الجمهور وأداء المسلمين لفروضهم الدينية فى ظل الرقابة الشاملة للمحتسب. وكان يعهد إليه أيضا بالسهر على ما يمكن أن يطلق عليه اسم رعاية الآداب العامة، فكان لا يسمح بالقسوة فى معاملة العبيد أو بأن توسق الحيوانات بأحمال فوق طاقتها. وكان من واجبه أيضا أن يتحقق من أهل الذمة يذعنون للقوانين المفروضة عليهم للتمييز بينهم وبين المسلمين. على أن مهمته الأولى كانت مراقبة الأسواق ومنع التجار وأرباب الحرف من الغش والخداع فى التعامل وأن يقوم بالإشراف على نقابات أرباب الحرف، وكان مفوضا فى توقيع عقوبة عاجلة على المخالفين (انظر علاوة على ذلك The Social Structure of Is-: R. Levy lam، كمبردج سنة 1957، ص 334 وما بعدها). ويقول نظام الملك إنه يجب تعيين محتسب فى كل مدينة لمراقبة الأوزان والأسعار، وملاحظة المعاملات التجارية، ومنع غش البضائع ومقاومة الاحتيال والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر. وعلى السلطان وعماله أن يؤيدوا المحتسب لأنهم إن لم يفعلوا فإن "الفقراء سوف تضيق الحال بهم ذلك أن الناس فى السوق سوف يشترون ويبيعون كما يشتهون، والوسطاء (فضلحوز) سوف يتحكمون، وسوف يشيع الفساد بين الناس، ولا يقيمون وزنا للشريعة" (سيا ستنامه، تحقيق Schefer، النص الفارسي، ص 41). ويرى حسين واعظ كاشفى المتوفى عام

910 هـ (1505 م) الذى ألف كتابه فى عهد التيموريين، أن وجود المحتسب ضمان لسير الحياة العامة وفق تعاليم الإسلام، وقد كتب يقول "كل سلطان يحاول جاهدا أن يعمل بتعاليم الشريعة وينفذ أحكام الدين، فهو مفوض من الله وظله على الأرض. ولما كان السلطان، لا يستطيع بحكم تعدد مصالح الدولة، أن ينعم النظر فى تفصيلات هذا الأمر فإنه يجب عليه أن يعين محتسبين فى مملكته. ويجب أن يكون المحتسب قوى الإيمان شديد الغيرة على الإسلام، وأن يتميز بالعفة والتقوى والصدق والاستقامة والتجرد من الطمع. وهو فى كل ما يفعله ينشد نصرة الدين. وينبغى أن تكون إرادته حرة لا تتأثر بالدوافع الخفية، كالنفاق والتماس المنفعة لنفسه والهوى، حتى يكون لما يقوله أثر فى قلوب الناس (أخلاق محسنى، تحقيق ميرزا إبراهيم تاجر شيرازى، طبعة على الحجر، بومباى سنة 1308 هـ، ص 159). وكذلك يؤكد محمد مفيد الذى كتب فى القرن الحادى عشر الهجرى (السابع عشر الميلادى) أهمية الحسبة من حيث هى إحدى الوظائف الدينية (جامع مفيدى، تحقيق إيرج أفشار، طهران سنة 1340 هـ, جـ 3، ص 380 - 381). وكان شاغل وظيفة المحتسب من رجال الدين عادة. ولا يزال هناك عدد من الوثائق الخاصة بتعيين المحتسب إحداها صادرة من ديوان سنجر آخر السلاجقة العظام، وهى تتعلق بتعيين رجل يدعى أوحد الدين فى وظيفة محتسب مازندران. وقد أمر بأن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وأن يبذل جهده حتى يراعى الناس القسط فى الميزان والكيل ويمتنع الاحتيال فى الشراء والبيع، ولا يتعرض المسلمون للغش أو الخسارة، وعليه أن يتحقق من قيام الناس بأداء الفرائض التى أمرت بها الشريعة فى المساجد ودور العبادة ومن أن المؤذنين وغيرهم من الموظفين يقومون بواجباتهم على أحسن وجه، فى المواعيد المقررة، وعليه أن يسعى جاهدًا لقمع المفسدين ومنعهم من المجاهرة بسلوكهم القبيح، وارتكاب الفاحشة وبيع الخمر، وكان عليه أن

يلزم أهل الذمة بارتداء ملابس مميزة، دليلا على أنهم أدنى مرتبة من المسلمين، وعليه أن يمنع النساء من الاختلاط بالرجال فى مجالس العلم أو الاستماع إلى العظات (منتجب الدين بديع أتابك الجوينى، عتبة الكتبة، تحقيق عباس إقبال، طهران، سنة 1950 - 1951، ص 82 - 83 وانظر أيضا Die staats verwaltung -: H, Horst der Grosselgugen und Horazmshahs (1038 - 1231) (فيسبادن سنة 1964، ص 97، 161 - 162، ص 112 - 113 و 162 فيما يتعلق بالوثائق التى ترجع إلى عهد خوارزم شاه). وفى عهد الإيلخانية ظل المحتسب، شأنه فى هذا شأن غيره من الموظفين الذين يقومون بتطبيق الأحكام الدينية، موجودًا أو قيل إنه كان يعين بعد اعتناق الإيلخانية لدين الإسلام. وعندما قرر غازان خان أن يوحد الأوزان والمكاييل فى أرجاء المملكة، أمر بتنفيذ هذا فى كل إياله فى حضور كل محتسب (رشيد الدين، - Geschichte Gha zan khans، تحقيق K.Jahn، مجموعة كب التذكارية، سنة 1940، ص 288). وفى عهود التيمورية كانت مهام المحتسب والصفات التى تتطلبها وظيفته هى على الإجمال الصفات نفسها فى أيام السلاجقة. وهناك ثلاث وثائق خاصة بتعيين المحتسب محفوظة فى كتاب شرف نامه لعبد الله مرواريد (انظر Staatsschreiben: H. R. Roemer der Timuridenzeit, فيسبادن سنة 1952، ص 53 - 57 و 150 - 152). وإحدى هذه الوثائق تتعلق بتعيين رجل يدعى عبد الله كرمانى محتسبًا فى هراة، وهى تبين أنه قد نيط به أن يشغل الوظيفة بالاشتراك مع رجل يدعى ركن الدين علاء الدولة (المصدر السابق، ورقة رقم 24 أ). وفى عهد الصفوية الأوائل كان هناك محتسب فى معظم المدن الكبيرة إن لم يكن فيها جميعًا. وكان يقوم بالمهام التقليدية التى يقتضيها منصبه، مع فارق هو أن المذهب الذى كان يؤيده وقتذاك هو مذهب الاثنى عشرية الشيعى. وفى براءة تعيين محتسب تبريز التى يرجع إلى عام 1072 هـ

(1662 م) نجد أن العامل المعين فى هذا المنصب كان يعهد إليه بالحفاظ على الأخلاق العامة، ويقتضى ذلك فيما يقتضى منع شرب الخمر، والقمار والمخالفات الأخرى للشريعة، وجمع الخمس والزكاة وتوزيع حصيلة هذه الضرائب على من يستحقونها، وصيانة المساجد والمدارس والهبات الموقوفة على البر، وكان عليه أيضا أن يراقب الموازين والمكاييل، وأن يتحقق من أن المرور فى الشوارع لا يعوقه شئ، وأن يراقب بعض الجماعات ونقابات أرباب الحرف مثل الفقهاء (الملآوات) والمؤذنين "والحانوتية". وكان الكلانترية والكدخداوية والداروغاوية و"عمال العرف" يؤمرون بأن يحجموا عن التدخل فى تحديد الأسعار وأن يتحققوا من أن المحتسب يؤدى المهام العادية لوظيفته (انظر Islam-: A.K.S. Lambton ic Society in Persia، محاضرة افتتاحية، لندن (S.O.A.S، سنة 1954). وكان المحتسب الأكبر للمملكة يعرف باسم "محتسب الممالك"، وكانت هذه الوظيفة فى عهد طهماسب يشغلها رجل أستر اباذى يدعى ميرسيد على الذى كان أيضا خطيبًا للبلاط الملكى، وشغلها من بعد طبا طبائى سيد مير جعفر، وخلفه بعد وفاته فى عهد الشاه عباس، ميرزا عبد الحسين، وكان من قبل "كلانتر" مدينة تبريز (اسكندر بك عالم آراى عباسى، طبعة على الحجر، طهران سنة 1896 - 1697، ص 111 - 112) وجاء فى كتاب تذكرة الملوك أن إجراءات شيوخ كل نقابة مهنية خاصة فيما يتعلق بأسعار البضائع التى يبيعونها ترفع كل شهر لمحتسب الممالك لإقرارها. وكان يرسل هذه الإجراءات من بعد إلى ناظر البيوتات (المشرف على الورش الملكية) للحصول على تصديقه حتى يمكن سحب الوثائق الخاصة بشراء البضائع. وكانت مخالفة ما جاء بقائمة الأسعار المذكورة تؤدى إلى توقيع عقوبات صارمة (طبعة V. Minorsky مجموعة كب التذكارية، النص الفارسي، الأوراق 79 جـ - 80 أ) ويروى شاردان Chardin، الذى قام برحلة فى فارس فى العهود الصفوية المتأخرة، أن المحتسب كان يحدد الأسعار فى إصفهان كل يوم سبت،

وأن كل بائع تتجاوز أسعاره، الأثمان المحددة يتعرض لعقوبات صارمة. ولكن شاردان يزعم أيضا أنه كان هناك فساد فى تحديد الأسعار، وأن الباعة كانوا يقدمون للمحتسب هدايا لإغرائه بتحديد الأسعار تحديدا يرفعها كثيرا (Voyages تحقيق Langles، باريس سنة 1811, جـ 10، ص 2 وما بعدها). وكان محتسب الممالك يعين له وكلاء، يعملون باسمه للتأكد من أن نقابات أرباب الحرف تبيع بضائعها فى كل مكان بالأسعار المحددة (تذكرة الملوك، ورقة 80 ب). وكان يتقاضى 50 تومانا كل عام، وعلاوة على ذلك تفرض لمصلحته ضرائب على المدن الإقليمية المختلفة، تبلغ فى مجموعها حوالى 253 تومانا أى 3000 دينار (المصدر السابق، الأوراق 90 أ - ب). ويبدو أن وظيفة المحتسب، بعد عهد الصفوية، قد ضعف شأنها، وأصبحت تزداد صفتها غير الدينية. فقد انتزعت فى الواقع من اختصاصه دلك المهام التى تتعلق بتطبيق الأحكام الشرعية، وأصبح تطبيقها من اختصاص "مراجع التقليد". وكانت هذه المهام تتضمن جمع الخمس والزكاة، وتنظيم التركات والوصايا، وتعيين الأوصياء على القصر وغيرهم، وهى أمور كانت معروفة إجمالا باسم "أمور حسبى" وكانت المراجع تصدر إجازات للإشراف باسمهم على "أمور حسبى". وكانت المؤهلات المطلوب توافرها فى من يتسلم مثل هذه الإجازة هى وجوب أن يكون مؤمنا وعادلا وعالما بأحكام الشريعة. وكان يسمح له بأن يحتفظ بما يكفى للقيام بأوده من المبالغ التى كان يجمعها بجباية الخمس والزكاة، أما الباقى فكان عليه أن يسلمه إلى المرجع الذى أصدر إجازته لتوزيعها على من لهم الحق فيها. وبقدر ما كانت مهام المحتسب تختص بنقابات أرباب الحرف فى المدن الكبرى ونظافة المدينة فإنها كانت الى حد ما من المهام التى يضطلع بأعبائها الداروغه والكلانتر. وأخذت مهامه تقتصر على تنظيم الأسعار والتفتيش على الموازين والمكاييل؛ ولكنه كان فى هذه الأمور يخضع لأوامر الداروغه

(انظر A tour to Sheeraz: E.Scott Waring لندن سنة 1807، ص 68 - 69) ويزعم تانكوانى Tancoigne ما زعمه شاردان Chardin من أن المحتسب لم يكن معصوما من قبول الرشوة وكثيرا ما وافق على أن يتقاضى ثمنا لإسباغ حمايته على التجار (A narrative of a Journey into Persia لندن سنة 1820, ص 239 - 240). وفى غضون القرن التاسع عشر اختفى المحتسب من معظم المدن. وكتب بيننج Binning حوالى عام 1827 يقول إن الوظيفة قد ألغيت أخيرا فى شيراز (A Journal of two years travel in Persia, Ceylon, etc لندن سنة 1857، جـ 1، ص 337 - 338). وما إن حل عام 1294 هـ (1877 - 1878 م) حتى أصبحت الوظيفة فى إصفهان مجردة من أى أثر من حيث العمل (ميرزا حسين خان بن محمد إبراهيم: جغرافياى إصفهان، تحقيق م. ستوده، طهران سنة 1963، ص 80). ومع ذلك فقد استمرت الضرائب التقليدية التى تجبى لدفع مرتب المحتسب تظهر فى سجلات الضرائب سنوات عديدة بعد أن اختفت الوظيفة فى الواقع. وفى القانون الصادر فى 20 آذار سنة 1305 هـ (1926 م) ألغى بند ينص على فرض مبلغ 150 قرانا على طائفة الجزارين لمصلحة المحتسب (The second: yearbook of the municipality of Tehran Statistics of the city of Teheran for the years 1925 to 1929) وورد ذكر "احتساب - أقاسى" فى طهران عام 1853. وكانت مهامه تقتضى أن يصدر بين آن وآخر قوائم بأسعار المواد الغذائية وغيرها من السلع (انظر روز نامه وقائع اتفاقيه رقم 127, فى 29 رمضان سنة 1269 هـ = 1853 م) وكانت الوظيفة التى ينتمى إليها تعرف باسم احتساب، وكانت مهمتها الأولى تنظيف الشوارع. وحدث بعيد إنشاء إدارة شرطة على أحدث الأساليب على يد ناصر الدين شاه سنة 1298 هـ (1880 م) أن وضع الاحتساب من ضمن صلاحياته (اعتماد السلطنة: روز نامه، بتاريخ 5 صفر سنة 1299 هـ = 881 م، مخطوط فى مكتبة ضريح الإمام رضا فى مشهد). وفى عام 1312 هـ (1894

1895 م) كانت مصلحة الاحتساب فى طهران تتكون من مدير ونائبى مدير وعدد من الفراشين والسياس، والسقايين، الخ (اعتماد السلطنة، تاريخ وجغرافياى سوادكوه، طبعة على الحجر، طهران سنة 1311، الفهرست). وثمة فقرة فى جريدة "تربيت" العدد 58 فى 26 شعبان سنة 1315 هـ (30 يناير سنة 1898 م) موجهة إلى منظم السلطنة، وزير النظمية والاحتسابية، تمتدحه لجهوده فى تنظيف الشوارع وتيسير المرور فيها، وتعديل الأسعار، ومنع السلوك السئ والسرقة، ومنع إساءة معاملة حيوانات الجر والحمل. وهكذا ما إن حلت نهاية القرن التاسع عشر حتى بطل وجود المحتسب من حيث هو موظف دينى مكلف بمراقبة الضمير العام، وأما مهامه التى بقيت فقد اضطلعت بها إدارة الشرطة. واستمرت "أمور حسبى" تطبق إلى القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين تحت إشراف "مراجع التقليد"، فلما دخل نظام المحاكم الحديثة فى عهد رضا شاه بهلوى اقتصرت "أمور حسبى" على جمع الخمس والزكاة، أما أمور إدارة التركات والوصايا ورعاية القصر وتعيين الأوصياء، الخ. فقد انتقلت إلى المحاكم (انظر القانون المسمى "قانون أمور حسبى"، المؤرخ: تير سنة 1319 هـ = 1940 م). المصادر: وردت فى صلب المادة. 4 - شبه القارة الهندية لم يكن لنظام الحسبة، بالمعنى الدقيق القديم، وجود فى شبه القارة الهندية الباكستانية، فى الحقبة من القرن الخامس الهجرى (الحادى عشر الميلادى) إلى القرن الثالث عشر الهجرى (التاسع عشر الميلادى) وكانت العقبة الكبرى هى تعدد ألوان السكان، وكان معظمهم من غير المسلمين. وإذا استثنيا السلاطين بلبن (664 هـ - 686 هـ = 1266 م 1287 م) وفيروز شاة تُغْلق (752 هـ - 790 هـ = 1351 م - 1388 م) وسكندر لودى (894 - 923 = 1489 م - 1517 م) وأورنكزيب عالمكير - وهذا الاستثناء

ينطبق عليهم من بعض الوجوه - فحسب فإن أحدا من حكام الهند المسلمين لم يحاول أن ينفذ الأحكام الشرعية، إما خوفا من وقوع فتنة بين السكان الهندوس المحليين، أو لقضاء مأرب سياسى، والدليل الساطع على ذلك التدابير المتزندقة التى اتخذها أكبر وكان السلاطين منذ البداية الأولى لحكمهم بلدا من البلاد بالفتح فى معظم الأحيان (من القرن السابع إلى القرن العاشر الهجرى = القرن الثالث عشر إلى القرن السادس عشر الميلاديين) قد أدركوا أن المسلمين، فى وضعهم هذا بالهند، لا يمكن أن يسمح لهم بالتهاون فى أمور الدين أو الأخلاق إلا على حساب التماسك والوحدة أو فى بعض الأحيان، لقيام دولتهم حديثا. ومن هنا كان يعين دائما محتسب وقاض فى أية مستعمرة إسلامية يتم إنشاؤها أو مدينة لها حامية (انظر منهاج السراج: طبقات ناصرى، ص 175؛ العتبى، تاريخ يمينى، ص 288؛ تاج المآثر ورقة 185) ولم يغفل هذا بلبن، الذى كان يرى أن وجود مصلحة للحسبة، على درجة كبيرة من الكفاية، ضرورة جوهرية للحكم الصالح، ولم يحدث أن قصر فى هذا، كما فعل أسلافه، حتى فى الجهات الصغيرة التى لا أهمية لها. وإنا لنقرأ فى سفرنامه قاضى تقى متقى بجنور (سنة 1909، ص 2 وما بعدها) أن إيلتمش (608 هـ 633 هـ = 1211 م -1236 م) قد عين قاضيا فى أمباله التى لم تكن وقتذاك أكثر من دسكرة تسكنها بضع مئات من الأسر من عناصر شتى: وفى عهد السلطنة كانت الوظائف التى يقوم بها المحتسب والقاضى، والعلاقات بينهما، لا تختلف كثيرا عنها فى البلاد الكبرى (انظر ما سبق)، فقرة 1. وكان السلطان يتدخل أحيانا بشخصه للخلاص من العادات والبدع الخارجة على الدين أو المخالفة لأحكام الإسلام، وكذلك يتدخل فى الأمور التى تقع خارج الاختصاص العادى للمحتسب. مثال ذلك أن فيروز شاه تُغْلق منع كثيرا من الشعائر الشائعة، التى كان يرى أنها مخالفة لمبادئ الدين (انظر فتوحات فيروز شاهى، طبعة ش عبد الرشيد، عليكره سنة 1954، ص 6 - 11). ومع ذلك

فإن السلطان كلما ازدادت قوته وازداد نصيبه من تقوى الله اشتد شوقه إلى رفع مستوى الأخلاق ونشر الصلاح بين شعبه. ويشيد أمير خسرو بالحسبة التى كان يقوم عليها خلجى، ذلك أنه حرص بخاصة على تدفق المؤن والرقابة على أسعار الأقوات. ومنع السلطان منعا باتا شرب الخمر، والقمار وغيرهما من الآفات الاجتماعية والخلقية، إذ كان يعتقد أنه لم يتشدد فى الرقابة على أخلاق الجمهور فإن العقوبات الرادعة التى توقع على مختلف الآثمين المخالفين لأحكام الشريعة سوف تكون لا معنى لها، وقد وقع تغلق (725 هـ - 752 هـ = 1325 م - 1351 م) فى عهده هذه العقوبات بقسوة لا مثيل لها من قبل. وكان شديد الحماسة للمضى فى تنفيذ الاحتساب إلى حد أنه كان أحيانا يقوم شخصيا بعمل المحتسب وكان يختبر المسلمين فى المبادئ الأولى للعقيدة. وكان المحتسب فى عهده موظفا يتبوأ مكانة رفيعة، وكان فى رواية القلقشندى (صبح الأعشى، جـ 5، ص 94؛ الترجمة الانجليزية الجزئية التى قام بها O. Spies شتوتجارت سنة 1936، ص 72) وابن فضل الله العمرى (مسالك الأبصار، الترجمة الإنجليزية الجزئية التى قام بها ش. عبد الرشيد، عليكره سنة 1944، ص 242) يتقاضى مرتبًا شهريا قدره 8,000 تنك. وأولى السلطان اهتماما خاصا بإقامة الصلاة. وفى رواية لابن بطوطه (جـ 3، ص 292؛ الترجمة التى قام بها Von Mzik، ص 149) أن سيدة من الأسرة المالكة رجمت لأنها ارتكبت جريمة الزنا، فلقيت حتفها. وبالمثل كان الحد على شاربى الخمر، علاوة على الحبس المنفرد ثلاثة شهور، ويشهد كل من برنى (تأريخ فيروز شاهى، ص 441) وابن بطوطة (المصدر نفسه) بمستوى الحسبة الرفيع الذى حافظ عليه السلطان تُغْلق غياث الدين (720 هـ 725 هـ = 1320 م = 1325 م) ولم يألُ ابنه محمد تُغْلق جهدا فى مراعاة الشعائر الدينية حتى فى بلاطه. وكان سكْندر لودى لا يقل حماسة فى مضيه فى إقامة الحسبة بسائر أرجاء مملكته. وقد تخلص بشجاعة من عادة شائعة لها مكانة رفيعة فى ذلك العهد، وهى

حمل حراب (نيزات) إلى ضريح البطل الأسطورى غازى مسعود سالار، فجدد العمل بقانون فيروز تُغّلق الذى يمنع زيارة النساء للقبور والجبانات. وفى الوقت نفسه يجب أن نؤكد أن الاحتساب كان لا ينفذ إلا على المسلمين، أما غير المسلمين فكانوا يخضعون لأحكام دينهم أو لقوانينهم الشخصية أو لما جرى به العرف فى البلاد. وكان المحتسب يقوم بمهمة جليلة أخرى هى نصرة الدين الحنيف ومنع الزندقة. وكان المعلمون والأساتذة فى المعاهد الدينية وكذلك الوعاظ الشعبيون يلزمون الحذر الشديد فى محاضراتهم وأقوالهم خوفا من المحتسب. وقد حارب فيروز بنجاح القرامطة الذين أثاروا فتنا كثيرة فى دلهى فى عهد "رضيّه" (634 هـ - 637 هـ = 1236 م - 1240 م)، ذلك أننا لم نعد نسمع بعد ذلك أى خبر عن نشاطهم، ولا نسمع الكثير عن المحتسب أثناء حكم أسرتى لودى والسادة، ولكن هذا لا يعنى أنه كان وقتذاك قد اختفى من الوجود. وعلى حين كان شير شاه سور (945 هـ - 952 هـ = 1538 م - 1545 م) مشغولا إلى حد كبير بتوحيد مملكته وبالإصلاحات الإدارية، فإن خلفه إسلام شاه (952 هـ - 960 هـ = 1545 م - 1552 م) اهتم مباشرة بالمسائل الدينية، فقد اتخذ مثلا تدابير شديدة جدا ضد المهدوية أى أتباع سيد محمد الجونّبورى الذى كان يعدَّه زنديقا، وأمر بتوقيع أشد العقاب على اثنين من مريديه هما عبد الله نيازى سِرْهندى وشيخ علائى فقد ضرب الأول حتى الموت، وأما الثانى فقد أعدم (ayyid Muhammad: A. S. Bazmee Ansari Jawnpuri and his movement فى Islamic studies، كراتشى، جـ 2 - 1، مارس سنة 1964). وخلافا لهذا يرى بعض المؤرخين المحدثين أنه إذا صح من حيث النظر أن نقول أن سياسة الدولة إبان عهد السلطنة كانت موجهة إلى المضى فى تنفيذ الحسبة، فإن أحكام الشرع من حيث العمل كانت لا تلقى إلا القليل من الاهتمام، وشاهد ذلك أن برنى يقول إن

العقوبات التى كانت تقرر على المسلمين لا تسير على ما أتى به القرآن. وبالمثل يمكن القول إنه قلما كانت تراعى القواعد التى تبين الحلال والحرام. ويروى أن أمير خسرو قال أيضًا إن تقاضى الفائدة كان شائعًا فى عهده، بل إنه كان على القاضى أن يسلم بهذا الواقع عندما يكون هناك عقد مكتوب بين الطرفين (انظر محمد حبيب الله The foundation of Muslim rule in India الله آباد سنة 1961، ص 349). ولكن هذه أمثلة فردية، قد تكون استثناء أكثر منها قاعدة. وفى أثناء الفوضى التى أعقبت وفاة شير شاه، كان نظام الحسبة قد انهار فيما يظهر، ورأى المغل، لأسباب شخصية وسياسية، أنه ليس من الملائم إحياء هذا النظام، الذى تعرض إثر هذا لانتكاسة شديدة. وكان بابر من أشد المولعين بشرب الخمر وكان همايون مدمنا للأفيون، ولم يكن ليشذ عنهما أيضًا جهانكير، فقد كانت الخمر نقيصته الكبرى. وبالرغم من أن ابنه وخليفته شاه جهان كان معتدلا فى شرب الخمر فإنه لم تكن لديه من الشجاعة ما يجعله يفلت تمامًا من إسار تقاليد أسرته أو ما يدفعه إلى المضى فى تنفيذ الحسبة بحزم. وفى غضون زيارة له للبنجاب، أبلغ بأن بعض الهندوس فى كجرات تزوجوا من نساء مسلمات فأمر بفسخ هذه الزيجات وإعادة النساء إلى أسرهن (انظر عبد الحميد لاهورى، بادشاه نامه، جـ 2، ص 57 - 58). وكان أورنكزيب هو وحده الذى أظهر الاحترام الشديد للدين وقام بتنفيذ الحسبة بحزم. وأدرج نصا خاصا فى قانون العقوبات السارى فى عهده (انظر The adminis-: M. B. Ahmed tration of justice in Mediaeval India عليكره سنة 1941، الملحق 2، ص 6 - 7) بشأن معاقبة الأشخاص الذين تثبت عليهم جريمة شرب الخمر أو تعاطى المخدرات مثل الحشيش والأفيون. وأمر بإعدام سَرْمد المتوفى عام 1710 (1639 م). وهو رجل اعتنق الإسلام كان صوفيا من أنصار الموفقة بين المذاهب على أساس أنه رفض أن يستر عُرْيه - وهذا انتهاك خطير للآداب العامة. وفى الحقيقة ليس هناك إلا أساس ضعيف نستند إليه فى مخالفة

القول "إن الأباطرة المغل لم يتمسكوا (أبدًا) بمبادئ الدين الإسلامى .. وفى بعض الجرائم كانت الحدود لا تختلف عما نص عليه القرآن وفى أمور أخرى أنصرفوا عن أحكام القرآن، والأسباب التى دعتهم إلى هذا الانصراف هى أولا أنه كانت هناك حالات كثيرة لا تدخل تماما فى نطاق الأحكام الشرعية وثانيا لأنه فى كثير من الحالات كانت الضرورات الاجتماعية والسياسية تقتضى علاجًا مختلفًا" (انظر P. Saran: -The provincial government of the Mu ghals، ص 381 - 382). وعلاوة على ذلك فإن لدينا جميع الأسباب التى تدعو إلى الاعتقاد بأن المحتسب فى عهد السلطنة قد استبدل به الكُوطُوال، وهو موظف علمانى، كانت مهمته تشبه إلى حد قريب جدًا مهام المحتسب، والفرق الوحيد بينهما هو أن الأول كان يواجه جميع ضروب الجرائم والأعمال الخارجة على القانون، على حين كان الثانى لا يهتم إلا بالأعمال المخالفة للشريعة الإسلامية. وقد وجد المُغل أن من المناسب إداريا أن يعهد بواجبات المحتسب إلى الكوطْوال، مع ما فى ذلك من آثار ضارة على الدين وأخلاق المسلمين فى الهند ثم على حياتهم الاجتماعية والثقافية وأخيرًا على حكومتهم. المصادر: (1) العتبى، كتاب يمينى، الترجمة الانجليزية التى قام بها J.Reynolds, لندن سنة 1838, ص 288. (2) حسن نظامى فى تاج المآثر (مخطوط فى مجموعة الكاتب الخاصة)، ورقة 185. (3) منهاج السراج: طبقات ناصرى، كلكتة سنة 1864، ص 175. (4) برنى: تأريخ فيروز شاهى، كلكتة سنة 1862، ص 35، 41، 72، 285، 441. (5) فتوحات فيروز شاهى، تحقيق ش. عبد الرشيد، عليكره، سنة 1944, ص 2 وما بعدها. (6) كاتب غير معروف: سيرة فيرو شاهى، مخطوط بمكتبة أزد، عليكرة، الورقتان 128، 180.

حس

(7) برنى: فتاوى جهاندارى، مكتبة وزارة الهند، مخطوط تحت رقم 1148، الأوراق 8، 9، 91، 92. (8) أمير خسرو: خزائن الفتوح، تحقيق س موينول حق، عليكره سنة 1927، ص 17 - 19. (9) ابن فضل الله العمرى: مسالك الأبصار، الترجمة الانجليزية الجزئية التى قام بها ش. عبد الرشيد، عليكره سنة 1944، ص 32, 38 , 52. (10) عين الملك ماهرو وا، إنشاى ماهرو، تحقيق ش. عبد الرشيد لاهور سنة 1965, الرسالة رقم 7. (11) ابن بطوط جـ 3 (انظر غياث الدين تغلق ومحمد بن تغلق). (12) عبد الله: تأريخ داؤدى، تحقيق ش. عبد الرشيد، عليكره سنة 1954، ص 36 - 38. (13) نظام الدين احمد: طبقات أكبرى، مكتبة وارة الهند، جـ 1، ص 336. (14) The Provincial: gov-: P.Saran ernment of the Mughals الله آباد سنة 1941، ص 381 - 382، 394، 399. (15) The administra-: I. H. Qureshi tion of the Suetanate of Dehli كراتشى سنة 1958، ص 162، 164 - 169. (16) The founda-: A. B Habibullah tion of Muslim rule in India الله آباد سنة 1961، ص 325، 330، 332، 348 - 350. (17) فخر مدبر: آداب الحرب والشجاعة، مكتبة وزارة الهند، مخطوط رقم 647، الورقتان 45 أ، 46 أ. آدم [أ. س. بزمى آنصارى A.S. Bazmee Ansari] حس الإدراك الحسى، ولكن يبدو أن الكلمة تستخدم أحيانا بمعنى حاسة والجمع حواس، ويوجد أيضا فارق، لا يراعى دائمًا، بين "حس" و"إحساس"، فالأول فِعْل آلى، والثانى فِعْل شعورى، ولعلّ خير ما يوضّح هذا هو التعريف

الذى أورده إخوان الصفاء "والحسّ هو تغيير مزاج الحواسّ عن مباشرة المحسوس لها، والاحساس هو شعور القوى الحسّاسة لتغيرات كيفية أمزجة الحواس" (رسائل إخوان الصفاء، بومباى سنة 1305 هـ، جـ 2، ص 261). ويأخذ الفلاسفة المسلمون، بصفة عامة، بنظرية أرسطو فى الإدراك الحسى، حين يعرضون للحواس "الظاهرة". وتدرك المحسوسات بما تحدثه من تغيير فى الحاسة المحسوس لها، على أن هذا التغيير ليس مجرد تغيير سلبى، وإنما هو تحقق فى العضو لكيفية تطابق الكيفية المحسة التى توجد بالقوة فى هذا العضو، ويصف ابن سينا الفعل بأنه "استكمال" (Avicenna's De Anima طبعة F. Rahman لندن سنة 1959، ص 66). ويصف الكندى فى كتابه "رسالة فى العقل" هذا العمل بما يأتى: "فالصورة التى فى الهيولى هى التى بالفعل محسوسة ... فإذا أفادتها النفس فهى فى النفس، وإنما تفيدها النفس لأنها فى النفس بالقوة فإذا باشرتها النفس صارت فى النفس بالفعل، وليس تصير فى النفس كالشئ فى الوعاء ولا كالمثال فى الجرم، لأن النفس ليست بجسم ولا متجزئة: فهى فى النفس والنفس شئ واحد ... وكذلك أيضًا القوة الحاسة ليست هى شيئًا غير النفس: ولا هى فى النفس كالعضو فى الجسم، بل هى النفس وهى الحاس ... فإذن المحسوس فى النفس هو الحاس" (رسائل الكندى الفلسفية، تحقيق محمد عبد الهادى أبو ريدة، القاهرة سنة 1950، ص 354 - 355). وليست ثمة حاسة تدرك بالاتصال المباشر بالمحسوسات، ذلك أنها لا تستطيع حقًا أن تفعل على هذا النحو، فهى تعمل عن طريق متوسط، هو بالنسبة لمعظم الحواس الهواء أو الماء. على أن الفلاسفة المسلمين، يخالفون فى هذا أرسطو ويستثنون اللمس، ويرون أن اللحم حاسة، وليس متوسطًا للحس. بل إن ابن رشد فى مصنفه "تلخيص

كتاب الحس والمحسوس لأرسطو" يستثنى اللمس والذوق باعتباره صورة للمس ويقول: ويخص قوة اللمس والذوق أنها لا تحتاج فى فعلها إلى متوسط (تحقيق عبد الرحمن بدوى، القاهرة سنة 1954، ص 193) "وأما آلة اللمس فهى اللحم" (المصدر نفسه، ص 194). ومهما يكن من شئ فإن الفلاسفة المسلمين فى وصفهم لما يسمونه الحواس "الباطنة" يختلفون فى الحقيقة عن أرسطو. فهذه الحواس هى قوى النفس التى تتلقى محسوسات الحواس "الظاهرة"، المفارقة على تفاوت للارتباطات المادية، فهى تحتفظ بها, وتتدبرها، وتفرق بينها، وتتعرف، من واقع خبرتها السابقة، على الصفات الأخرى لموضوعاتها. ويختلف شتى الفلاسفة بعض الاختلاف فى عدد القوى التى يميزونها، والوظائف التى يخصون بها هذه القوى, وهم فى الحق يختلفون فى المصطلحات التى يطلقونها عليها؛ وحسبنا أن نلمس هنا بعض مظاهر هذا الموضوع الذى يبلبل الأفهام. إن الحس المشترك عند أرسطو يظهر باللفظ فحسب فى معظم النظريات الإسلامية (الحاسة المشتركة أو الحس المشترك)، ولكنه يُجَرّد من كثير من وظائفه عند أرسطو, لأنه إنما يفيد فى تنسيق المدركات الشخصية للحواس "الظاهرة". صحيح أنه قد يقال إنه يعى "المحسوسات المشتركة" ذلك أن يراعى مثلا حركة جسم حركة مستقيمة أو ملتوية، لأنه يحتفظ بالصور المتعددة للجسم فى سلسلة الأوضاع التى تشكل هذه الحركة - Al - Farabi's philoso) (phiische Abhandlungen طبعة - F. Dieteri Ci، ليدن سنة 1890، ص 75؛ ابن سينا: تسع رسائل، القاهرة سنة 1908، ص 64 وهى نسخة منقولة حرفًا بحرف عن الفارابى؛ ابن سينا - Avicen na's De Anima ص 44 - 45) ولكنه لا يحتفظ بهذه المدركات الحسية أى مدة من الزمن، أو يكون عنها رأيًا؟ وهذه الوظائف تنتمى إلى القوة المصورة (أو الخيال) والقوة المفكرة (أو المتخيلة)

المصادر

التى تنقل إليها بدورها المدركات الحسّية. ويدرج إخوان الصفاء الحاسة المشتركة فى فهرست الرسائل (جـ 1) ص 28)، ولكنهم يغفلونها فى الرسالة نفسها (جـ 2، ص 258 - 270)، حيث تتخذ القوة المتخيلة وظيفة الحاسة المشتركة بالإضافة الى وظيفتها الخاصة. ويبدو أن الفارابى ينسب شأنًا مختلفًا بعض الاختلاف لهذه القوة، ويقول: "فى الحد المشترك بين الباطن والظاهر قوة هى تجمع تأدية الحواس وعندها بالحقيقة الإحساس (المصدر المذكور، ص 75)، فالقوة "الباطنة" للحيوان التى يواجه بها خروف ذئبًا، مثلا، تدرك أن عليه أن يهرب لأن الذئب عدو له. ومهما يكن من أمر، فإن هذا "الإدراك الصحيح" يمكن أن يدل دلالة أكثر بقليل مما تدل عليه المدركات الحسية للشخص، مجتمعة فى الحقيقة، لأنها تنقل فى الحال إلى القوة المصوِّرة ("خازنة" مدركات الحواس) والقوة الحافظة ("خازنة" مدركات الوهم). والظاهر أن الوهم عند الفارابى له فعل يماثل فعل الحس؛ فعند ابن سينا يبدو أن القوة الوهمية (أرفع قوة للحكم فى الحيوانات)، توضع فى مرتبة أعلى من القوة المُتخيّلة (التى تطابق القوة المفكرة عند الإنسان)، وتقوم عرضًا أيضًا بالوظيفة التى تقوم بها الحاسة المشتركة عند أرسطو، التى تقابل بالاستخفاف فى النظريات الإسلامية الأخرى، وهى الحاسة التى تفهم أن الإدراك الحسى يحدث. ويرفض ابن رشد التسليم بمفهوم الوهم فى الحيوان باعتباره غير لازم، ويتمسك بأن القوة المتخيلة، باعتبارها قوة فعالة، قادرة على القيام بالوظيفة المحددة للوهم (تهافت التهافت، طبعة M.Bouyges, بيروت سنة 1930، ص 546 - 547). وتعد نظريات إخوان الصفاء (المصدر المذكور) وابن سينا (المصدر المذكور) أكثر النظريات الإسلامية وضوحًا وتنسيقًا. المصادر: وردت فى صلب المادة آدم [ج. ن. ماتوك J. N. Mattock]

حسان بن ثابت

حسان بن ثابت خزرجى أبًا وأمًا، ولد بالمدينة حوالى عام 563 م، وهو لذلك يكبر النبى [- صلى الله عليه وسلم -] بسبعة أعوام أو ثمانية؛ وكان أشعر أهل المدينة فى زمانه، التحق بالبلاط فى جلّق يمدح ملوك الغساسنة أولاد الحارث بن الأعرج وأحفاده. وهناك لقى النابغة وعلقمة. وقد أجرى عليه معاش لشعر مدح به عمرًا فى وجود هذين الشاعرين. ولم يمنعه ذلك من زيارة النعمان أبى قابوس بالحيرة. وأثارت هذه الزيارة حسد الملك الغسّانى، ولكن حسان أفلح فى إزالة شكوكه، ولما عاد النعمان إلى صفائه مع النابغة اصطنع حسان الحكمة وانسحب من الميدان. وادعى حسان فى سوق عكاظ أن له السبق فى الشعر فأنكر عليه ذلك منافسه البدوى وظهر قصوره عن إدراكه، ويقال إن حسان عندما بلغ الستين من عمره رأى أن الحكمة تقتضيه أن يربط نفسه بمحمد [- صلى الله عليه وسلم -]، وكان النبى [- صلى الله عليه وسلم -] إذ ذاك يشق طريقًا سريعًا إلى مقدمة الصفوف. ولم يبعده ذلك عن صداقة الغسانيين، وإن كان حسان قد رأى بثاقب نظره أنه ليس من الكياسة أن يزور أصدقاءه القدماء فى حين يقوم النبى [- صلى الله عليه وسلم -] بغزواته. وكانت خدمات حسان للنبى [- صلى الله عليه وسلم -] لا تقدر، فقد تولى الرد على هجاء الكفار من الشعراء. وعرف النبى [- صلى الله عليه وسلم -] له هذه الخدمات وكافأه بضيعة ووهبه الجارية المصرية سيرين أخت مارية القبطية بل صفح عما بدر منه فى أمر عائشة وصفوان، ولعل أعظم خدمة أداها حسان للإسلام هى إدخاله تميمًا فى هذا الدين، وكانت بينه وبين زعمائها مساجلات شعرية: وعمَّر حسان بعد النبى [- صلى الله عليه وسلم -] بل بعد أبى بكر وعمر ورثاهم جميعًا بقصائد جميلة. على أن حسان كان مواليًا بصفة خاصة لعثمان، ذلك أن عثمان عاش فى بيت أخيه بالمدينة بعد الهجرة وجعل جريرة مقتل عثمان تسعى حتى تقف بباب على. ويقال إن حسان توفى وهو فى العشرين بعد المائة من عمره وقد انقرضت أسرته. وحسان أول من نظم الشعر الدينى فى الإسلام. وتكثر فى قصائده الآيات القرآنية وهى إلى ذلك حافلة بالتفاخر

المصادر

بالأمية. وبراعته الشعرية تنحصر فى الهجاء والتقريع، وبفضل هاتين الصفتين كان حسان لسانًا نافعًا للنبى [- صلى الله عليه وسلم -]. ويفضل الأوربيون شعر حسان على غيره من شعراء البادية، على أن القيمة الكبرى لهذا الشعر وهو أنه مصدر من مصادر التاريخ الإسلامى. المصادر: (1) ديوان حسان بن ثابت، طبعة تونس عام 1864، وبومباى عام 1865، وليدن 1910 (طبعة Hartwig Hirschfeld فى مجموعة كب التذكارية). (2) ابن هشام، طبعة فستنفلد، الفهرس. الشنتناوى [فاير T. H. Weir] + حسان بن ثابت: بن المنذر بن حرام، من قبيلة الخزرج بيثرب (المدينة فيما بعد)، المعروف فى الروايات المأثورة بأنه "شاعر النبى" (صلى الله عليه وسلم) المتّوج وهو على الأصح أبرز شاعر من عدة شعراء ارتبطوا بظهور الإسلام، وأحد الشعراء الجاهلية. الذين كانوا يتمتعون بشهرة عريضة فى الجاهلية. فلما بلغ النبى محمد [- صلى الله عليه وسلم -] المدينة كان حسان فى سن النضج. (وإن كان لم يبلغ وقتذاك، فيما يرجح، سن الستين .. وهى السن التى قالت بها معظم المصادر ومنها ابن إسحق الذى يعتمد اعتمادًا مباشرًا على رواية سعيد حفيد حسان، بل قيل الثانية والخمسين أو الثالثة والخمسين، فى رواية بعض المصادر الأخرى)، وكان قد نظم قصائد مدح بها الأمراء الغسانيين واللخميين وتردد عليهم فى قصورهم، وتلقى منهم عطايا. ولا يعرف أيضًا على التحقيق تاريخ وفاته، فقد اختلفت فيه الروايات، فقيل إنه عام 40 هـ (659 م) أو قبل ذلك، أو عام 50 هـ (669 م) أو عام 54 هـ (673 م) وآخر ما نسمعه عن حسان حدث قبل مقتل على ببعض الوقت، ومن ثم كان تاريخ وفاته وهو فيما يرجح عام 40 هـ (659 م). ولا يعرف على وجه اليقين متى اعتنق حسان الإسلام بالضبط، بالرغم من أنه يروى أن أخاه أوسًا كان من السابقين إلى هذا الدين وآخى المهاجر عثمان بن عفان واستضافه فى المدينة،

ولعل هذه الواقعة تفسر، إلى حد ما، ما ينسب إلى حسان من تعطف مع بنى أمية، يتمثل فى (أو ينعكس - فى قصائد منحولة له) عدد كبير بعض الشئ من قصائد رثى بها عثمان (8 من 32) وهى تنسب إلى حسان فى الديوان وفى مواضع أخرى ومهما يكن من أمر فقد كان لحسان أطم يملكه وكان ثريا يصادق رجالا من أمثال قيس بن الخطيم الشاعر الأوسى، وسلام بن مِشْكم سيد بنى النضير. ويبرز حسان عام 5 هـ (627 م) فى قصة الإفك الذى رميت به عائشة، إذ يقال إنه جوزى لاشتراكه فى جريمة القذف. وإن صفوان بن المعطَّل هاجمه وأصابه بجرح ثم أصلح بينهما النبى [- صلى الله عليه وسلم -]، ووهب له سيرين، وهى جارية مصرية، وهدايا أخرى. ومهما يكن من أمر فإن القصة (والدور البارز الذى يفترض أن حسان قام به فيها وعزاه بعض المصادر ومنهم ابن هشام، إلى عبد الله بن أبى لا إلى حسان) حظيت باهتمام زائد من الأجيال المتأخرة، ويجب تمحيصها جملة وتفصيلا على أساس وما وقع بين المهاجرين وأهل المدينة من احتكاك، فى المدينة وفى أثناء الحملة على بنى المصطلق، وهنالك نشأت هذه القصة، (من أراد أن يبحث تفصيلات الخلاف فلينظر و. عرفات، A controversial incident in the life of Hassan b -Thabit, Bulletin of the - school of Oriental studies, London Institu tion؛ فى 8، سنة 1955. وقد أدرك المسلمون عامة، وأهل المدينة خاصة، وقتذاك أو بعد حصار المدينة مباشرة، الحاجة إلى تأييد معظم الشعراء، وقوبل بالترحيب إسهام حسان فى هذا المجال بصفة خاصة. وكان أبو بكر لا يضن بإبداء رأيه وتقديم الحقائق الضرورية من أجل الحصول على نتيجة أفضل. وما إن انضم حسان إلى جماعة من المسلمين حتى استخدم مواهبه لمصلحة الإسلام، بالرغم من أنه لم يشارك فى الجهاد، ولعل السبب فى هذا يرجع إلى تقدمه فى السن، وليس إلى ما فطر عليه من جبن، كما ألمح البعض إلى ذلك كثيرا. وعلى أية حال فإن شأن حسان الشاعر، حتى قبل الإسلام، كان هو الغالب.

وفى عام 9 هـ (630 م) "عام الوفود" يقال إن حسان أتيحت له الفرصة لإلقاء شعر امتدح فيه النبى [- صلى الله عليه وسلم -] فى حضور وفد هام لبنى تميم. وتحظى هذه الزيارة عادة بمكانة بارزة، ومع ذلك فإن الغرض منها غير معروف على وجه اليقين، والرأى القائل بأن أصحاب الوفد أسلموا عند سماعهم قصيدة حسان موضع شك، والحق أن وجود ثلاث قصائد مختلفة، يدعى البعض أن كلا منها هى القصيدة التى ألقيت فى هذه المناسبة، يدل على ما يكتنف هذا الشعر من شك، وعلى ما كان يتمتع به حسان من تقدير كبير على السواء. ولا يسمع بعد ذلك عن حسان إلا القليل، اللهم إلا حين طلب عمر الاستئناس برأيه الخبير فى قصيدة للحطيئة تضمنت قذفًا فى حق الزبرقان ابن بدر، أو حين كان يسمع بين الفينة والفينة وهو يلقى شعره. وحدث فى إحدى المناسبات، فى مرحلة متأخرة بعض الشئ من حياته، أن خرج من عزلته على مضض، ليعين ابنه عبد الرحمن، وهو أقل براعة منه، فى معركة القذف فى حق النجاشى. وهو فيما عدا ذلك قد أخذ يطعن فى السن. ويشعر بالسعادة ويغمره إحساس مرهف حين يستغرق فى ذكرياته عن زياراته لآل غسان، ولكن الشعور بالحزن والاستنكار كان يفيض به حين يقارن بين ما كان يلقاه من احتفال صاخب مهيب فى بلاط آل غسان وبين استمتاع أبنه وأترابه المطلق بأسباب المتع التى جدت لهم. وفى الفتنة على عثمان، جاهر حسان وكعب بن مالك والنعمان بن بشير وآخرون بإعلان تأييدهم للخليفة المحاصر بل أنهم (كما روى الطبرى فى كتابه، جـ 1، 2971) حاولوا أن يثنوا المتمردين عن هدفهم. وبعد مقتل عثمان مضوا إلى معاوية فأعطى كلا من حسان وكعب منحة من المال، وكافأ النعمان بن بشير من بعد إذ أقامه واليًا، وكان لحسان ابنة واحدة، أظهرت فى إحدى المناسبات أنها قد رزقت ملكة الشعر، وأنجب من سيرين، فى قول معظم المصادر، ابنا هو عبد الرحمن،

الذى كان كوالده يثير الغيظ والغضب، ولكنه لم يكن يشارك حسان فى براعته الشعرية ولا فى طول عمره. وديوان حسان فى النسخة التى نقحها ابن حبيب يضم 228 قصيدة فى أغراض مختلفة، علاوة على 29 قصيدة تناولت السيرة، على حين توجد قصائد غير هذه وأبيات مفردة فى مواضع أخرى تنسب إليه. ومع ذلك فقد اكتنفت الشكوك فى وقت مبكر صحة هذا الشعر بصفة عامة أو صحة قصائد أو سطور بذاتها؛ وقد درس كاتب هذه المادة حديثا "دراسة مفصلة" للشعر المنسوب لحسان، لكى يثبت بالدليل الباطن والظاهر صحة كل قصيدة أو عدم صحتها. فالشعر فى الديوان تتجلى فيه ضروب مختلفة روحًا وأسلوبًا. وهو حافل بالتناقضات والأشياء الخارجة عن القياس، ويضم نسبة عالية من الشعر الردئ، مما يحملنا على القول بأن القصائد لا يمكن أن تكون ثمرة قريحة شاعر واحد أو أنها كلها من نظم شاعر يتمتع بشهرة عظيمة. ويجب أن يدرس هذا الشعر المنحول له فى ضوء القرن الزاخر بالأحداث الذى أعقب ظهور الإسلام، وارتبطت فيه الأحداث بالقبائل نفسها التى اشتركت فى الجهاد الأول، وانزوى فى غياهب النسيان الشعر الذى نظم فى مرحلة مبكرة أو طغى عليه أو أستبدل به أو أضيف إليه شعر جديد. ومن الطبيعى أن يرتبط الشعر بالخلافات القبلية أو الطائفية أو الحزبية، ولكن حسان كان أيضا ينظم لتبرئة ساحة الأشخاص الذين لم يكن فى سجلهم فى المراحل الأولى لحياتهم ما يمدحون عليه أو لتكملة المغازى وتزيينها أيضا. وكان بعض هذه القصائد من نظم رواة أو ملفقين، فى حين نسبت قصائد أخرى عمدا إلى حسان لكى تحظى بالتقدير والاحترام أو لسبب آخر دون قصد. وتظهر الشواهد أحيانًا أن قصيدة من القصائد قد لا يتضح منها إلا أبيات فحسب وأكثر من 30 قصيدة أو أجزاء من قصائد أو أبيات مفردة ينسبها أيضا ابن هشام وثقات آخرون إلى حسان أو إلى أشخاص آخرين. من بينهم

المصادر

معاصرون لحسان. ويمكن أن نرى بالدليل الباطن أن قصائد الغمز الطويلة من نظم سلالة الأنصار وهى تعكس المنزلة الدنيا التى وضعوا فيها بعد معركة الحرّة سنة 63 هـ (682 م). وبالرغم من أن النقاد الأوائل لم يشيروا إلى انتحال هذا الشعر إلا بإيجاز، فإن ابن إسحق تعرض لنقد عنيف من ابن سلام وابن النديم لأنه أورد فى سيرته شعرا منحولا منسوبا إلى حسان وآخرين. بالرغم من أن ابن إسحق نفسه برر عمله بحسن نيته وافتقاره إلى الخبرة المناسبة فى النقد. وقد حذف ابن هشام محقق ديوانه عددا كبيرا من هذه القصائد أو أبى الاعتراف بها، معتمدًا على شهادة خبير, ودمغ بعضها بلا تحفظ بأنها مزيفة ووصف البعض الآخر بأنه موضع شك. وفى حالة حسان رفض ابن هشام الاعتراف بخمس عشرة قصيدة من ثمان وسبعين تظهر فى السيرة، منها 29 قصيدة لا توجد فى النسخة المنقحة للديوان من عمل ابن حبيب، على حين توجد فى الديوان 10 قصائد من 15 قصيدة رفضت كما أشرنا. ويكتب ابن سلام فى كتابه الطبقات (ص 179) فى إيجاز ولكن بعبارات ذات مغزى: "وأشعرهم حسان بن ثابت وهو كثير الشعر جيده، وقد حُملَ عليه ما لم يُحمل على أحد. لما تعاضهت قريش واستبت وضعوا عليه أشعارًا كثيرًا لا تُنقَّى". ومن شاء إلقاء نظرة أشمل على مصادر هذا الشعر وآراء النقاد الأوائل فلينظر و. عرفات Early crit-: W. Arafat ics of the authenticity of the poetry of the sira, Bulletin of the School of Oriental studies London Institute جـ 21 (سنة 1958). والسبب الأول فى نسبة طائفة كبيرة من هذا الشعر إلى حسان هو ما كان يتمتع به من شهرة عظيمة، اعترف بها الجميع عند ظهور الإسلام. المصادر: (1) الأغانى، جـ 4، ص 1 - 17، الفهرست، مادة حسان. (2) ابن هشام؛ الفهرست مع هوامش لشرح المفردات.

(3) المبرّد: الكامل، الفهرست. (4) ابن الأثير، الفهرست. (5) البلاذرى: فتوح البلدان، القاهرة سنة 1932، ص 32 - 33. (6) البكرى، سمط اللالئ، تحقيق الميمنى، ص 31 - 170، الخ. (7) البغدادى، خزانة الأدب، جـ 1، ص 207 - 211؛ جـ 4، ص 288 - 304، الخ. (8) القالى: الأمالى، القاهرة سنة 1926، جـ 1، ص 41؛ جـ 2 ص 112 وما بعدها. (9) الذهبى: سير أعلام النبلاء جـ 2، ص 266 - 274، 394. (10) المؤلف نفسه: تأريخ الإسلام، جـ 2، ص 277. (11) المرزبانى: الموشح، ص 60 - 63. (12) Schultess فى Zeitschr, der .Deutsch, Morgenl. Gesells جـ 54، ص 421 وما بعدها (13) السهيلى الروض الأنف، القاهرة سنة 1914، جـ 2، ص 107، 155، 220, إلخ. (14) الواقدى: كتاب المغازى، المتحف البريطانى، مخطوط الإضافات، ص 20، 737، 31، 38، 86 وما بعدها، 104 - 108. (15) ابن عبد البر: الاستيعاب، جـ 1، ص 334 (= طبعة البجاوى، القاهرة حوالى عام 1958، جـ 1، ص 341 - 345). (16) ابن عبد ربه: العقد، جـ 2، ص 62 - 65. (17) ابن عساكر: تأريخ دمشق، سنة 1911, جـ 4، ص 125 وما بعدها. (18) ابن الأثير: أسد الغابة، جـ 2، ص 4 - 7. (19) ابن دريد: الاشتقاق، الفهرست. (20) المؤلف نفسه: الجمهرة، جـ 1، ص 128، 259؛ جـ 2، ص 25، الخ.

حسان بن النعمان الغساني

(21) ابن حجر، الإصابة، جـ 1، ص 667 - 669. (22) ابن قتيبة، الشعر والشعراء، تحقيق أ. م شاكر، جـ 1، ص 264 - 267، 286، - 287 = طبعة de Goeje, ص 170 - 173، 186 - 189. (23) ابن سلام الجمحى: الطبقات تحقيق، محمود محمد شاكر، القاهرة سنة 1952، ص 179 - 183. (24) ابن سيد الناس: عيون الأثر، جـ 1، ص 190، 290، جـ 2، ص 32 - 44، 66، 181، إلخ. (25) ابن حبيب وآخرون، الحواشى فى مخطوطات مختلفة عن ديوان حسان. (26) A critical intro-: A. Arafat duction to the study of the poetry debricsa to Hassan b. Thabit رسالة دكتوراه لم تنشر، لندن سنة 1953. (27) المؤلف نفسه، مقالات فى Bulletin of the school of oriental studies, London Instituion جـ 17 (سنة 1955)، ص 197 - 205، 416 - 25، جـ 21 (سنة 1958)، ص 15 - 30، 453 - 63، جـ 28 (سنة 1965)، ص 477 - 2482، جـ 29 (سنة 1966) ص 1 - 11، 221 - 232. (28) R. Blachere في HLA، جـ 2، ص 313 - 316 والمصادر (29) طبعة جديدة من الديوان، تحقيق و. عرفات فى دور الإعداد. آدم [و. عرفات W. Arafat] حسان بن النعمان الغساني والى إفريقية ظلت، إفريقية من غير وال بعد رحيل زهير وانهزامه وموته فى برقة، ولا يصح أن نعزو رحيل زهير هذا إلى تلك الشكوك الدينية التى اعتورته كما يفسر ذلك عادة. وكان الخليفة عبد الملك منهمكا فى حربه مع ابن زهير، فلما انقضت هذه الحرب أرسل حسان إلى إفريقية لإعادة السلام، بل لفتحها من جديد. فانقض أول الأمر على قرطاجنة، وكانت لا تزال فى أيدى البوزنطيين (الروم) وقد أخذت المدينة عنوة ولكن بعضًا من أهلها استطاع الفرار إلى صقلية.

المصادر

وأحدث سقوط قرطاجنة فزعا عظيما فى بلاط القسطنطينية. فجهز الإمبراطور ليونتيوس Leontios . عمارة بحرية تحت إمرة الشريف يوحنا - Jo hannes ظهرت أمام قرطاجنة عام 697. ولم يستطع حسان الوقوف فى وجهها، ذلك أن البربر كانوا قد ألحقوا به الهزيمة وشيكا على ضفاف وادى نينى بعد إذ انتقضوا عليه تحت زعامة المتنبئة التى اشتهرت بالاسم العربى الكاهنة وكانوا يتعاونون مع الروم، ونجا حسان فى نفر من أعوانه من تلك الكارثة فجّروا أذيال الفرار إلى قابس ولم يتوقفوا فى طريقهم إلا عند برقة، وهناك انتظر حسان المدد من الخليفة. وفى عام 698 حاصر المسلمون قرطاجنة من البر والبحر واستولوا عليها واضطر الشريف يوحنا فى فلول اسطوله إلى الإرتداد نحو الشرق. واستولى حسان على جميع حصون إفريقية التى كان يحتلها الروم، ثم توجه بعد ذلك لقتال الكاهنة. ولكن البربر كشأنهم عجزوا بعد نجاحهم الأول عن أن يتفقوا فيما بينهم، ومن ثم هزمت الكاهنة غدرا وقتلت فى أوراس عند بئر عرف فيما بعد باسمها، ويقول البعض إنها قتلت فى طبرقة ثم شرع حسان فى جباية الخراج من جميع البلاد المفتوحة وإذا بعبد العزيز والى مصر يعزله من منصبه فجأة ويجرده من جميع أملاكه: وتوفى حسان عام 80 هـ (699 - 700 م). ولم تعرف على التحقيق تواريخ حملاته على قرطاجنة والبربر حتى فى عهد الإدريسى؛ وقد ذكرنا فى هذا المقال التواريخ التى أوردها دييل Diehl . المصادر: (1) البلاذرى: فتوح البلدان طبعة ده خويه، ص 229. (2) ابن عذارى: تاريخ إفريقية والأندلس جـ 1. ص 18 - 24. (3) البكرى: المسالك والممالك، النص العربى، الجزائر سنة 1897، ص 7 - 8، ترجمة ده سلان، باريس 1899، ص 20 - 23.

(4) التجانى: - Voyage dans la re gence de Tunis ترجمة Rousseau باريس 1893، ص 63 - 69. (5) النويرى فى Histoire des Ber beres جـ 1، الذيل، ص 338 - 343. (6) ابن خلدون: تاريخ إفريقية وصقلية. طبعة وترجمة Desvergers، باريس 1841, النص، ص 5 - 6، الترجمة ص 24 - 28. (7) كتاب العبر، طبعة بولاق، جـ 6، ص 109. (8) Histoire des Berberes ترجمة ده سلان، جـ 1، ص 213 - 219 (9) ابن أبى دينار: المؤنس، تونس 1286 هـ. ص 17 - 18. (10) رحلة مولاى أحمد، فاس فى مجلدين، طبعة مجهولة التاريخ، جـ 1، ص 47 - 52، والترجمة الفرنسية بقلم Desvergers بعنوان Voyages dans le Sud de I'Algerie باريس 1846، ص 232 - 234. (11) Der Islam etc: A. Mueller جـ 1، ص 420 - 422. (12) L, Afrique byzantine: Diehl باريس 1896، ص 581 - 856، وانظر المصادر المذكورة فى هذا الكتاب. (13) Carthage ro-: Audollent maine باريس 1901، ص 138 - 141. الشنتناوى [رينيه باسيه Rene Basset] + حسان بن النعمان الغسّانى: قائد أموى قام بدور حاسم فى تعزيز فتح إفريقية، ذلك أنه استولى على قرطاجنة عنوة وأوقع الهزيمة بالكاهنة ومهما يكن من شئ فإن من العسير تتبع سير أعماله بسبب الشك فى تواريخ الأحداث ولوجود عدد كبير من المتناقضات. فالتواريخ الواردة عن بلوغه إفريقية هى المحرم فى عام 68 هـ (يولية - أغسطس عام 687 م)، وعام 69 هـ (688 - 689 م) وعام 73 هـ (692 - 369 م) وعام 74 هـ (393 - 694 م)، وعام 78 هـ (697 - 698 م)

وعن سقوطه: عام 76 هـ (695 - 596)، وعام 77 هـ (696 - 697 م)، وعام 78 هـ (697 - 698 م) وعام 79 هـ (698 - 699 م) وعام 82 هـ (701 - 702 م)، وعام 84 هـ (703 - 704 م)، وعام 89 هـ (707 - 708 م) والتاريخ الذى أورده الإخباريون القدامى للأحداث، مثل ابن عبد الحكم وابن قتيبة فى الكتاب المنحول له وأكده ابن عساكر، وهو الأرجح، فهو يتفق مع التسلسل المنطقى للأحداث ويجعل من الممكن تجنب التضارب بينها. وقد لقى زُهير بن قيس البَّلوى حتفه فى عام 69 هـ (688 - 689 م) وهو يحارب الروم بعد الجلاء عن إفريقية، ولما كان عبد الملك بن مروان مشغولا بالصراع مع عبد الله ابن الزبير المنتقض عليه، فإنه لم يستطع أن يجد على الفور من يخلف زهيرًا، ولكن ابن الزبير هزم عام 73 هـ (692 - 693 م) وقُتل، واستُؤنْفت الحرب مع الروم. ولذلك أنفذ حسانَ وقتذاك فيما يرجح، فى جيش قوى لإعادة فتح إفريقية، وبعد الاستيلاء على قرطاجة وتدميرها (أبحر سكانها الى صقلية) طارد الروم وحلفاءهم من البربر الى إقليم بنزرت، وهزمهم مرة أخرى ثم ردّ الروم أولا إلى بجاية (= فاجا Vaga)، حيث مكنوا لأنفسهم، ورد هؤلاء البربر، ثانيا إلى بونة. وتوقّف فى القيروان ثم زحف نحو الكاهنة. وتخطى حصن مَجَّانة، دون أن يحمل عليه وواصل زحفه، ليلقى كارثة محققة على حدود مسكيانة، وطورد مطاردة محمومة حتى قابس، واضْطر إلى الجلاء عن إفريقية، وذهب ينتظر أوامر الخليفة فى قصور حسان، (سميت بهذا الاسم تخليدا لذكراه) على مسيرة أربعة أيام من شرق طرابلس. وأدى سقوط قرطاجة إلى الشعور بقلق شديد فى القسطنطينية، وأنفذ الإمبراطور ليونتيوس Leontius الذى أطاح بيوستنيانوس الثانى عام 695 م، الشريف يوحنا فى أسطول قوى لاسترداد المدينة، بعد جلاء حسان عن إفريقية - بلا شك. وظل حسان فى

المصادر

ولاية طرابلس ثلاث سنوات، ثم استأنف الهجوم بجيش جديد عام 78 هـ (697 - 698 م) فيما يرجح، وبمساعدة بعض جماعات البربر التى كانت مستاءة من سياسة الكاهنة. وهزمت الكاهنة ولقيت حتفها فى المعركة. وتم بعد ذلك الاستيلاء على قرطاجة مرة أخرى، بعد أن هجرها المدافعون عنها، ودمرت حتى غدت خرابا بلقعا، وعاد حسان إلى الشرق لما عزله من منصبه عبد العزيز بن مروان شقيق الخليفة، ووالى مصر الذى استبدل به صفيه موسى بن نصير (صفر عام 79 هـ = أبريل - مايو عام 698 م). ومرَّ حسان بمصر مُجردًا من كل الغنائم التى استولى عليها فى إفريقية. ومات وهو يحارب الروم عام 80 هـ (699 - 700 م). وتعد حملات حسان معلما بارزا فى إرساء قواعد الفتح العربى، وإليه يرجع الفضل فى إنشاء دار الصناعة فى تونس نزولا على أوامر الخليفة الذى كان يتلهف على إنشاء أسطول قوى وإعادة بناء المسجد الجامع فى القيروان بمواد أكثر متانة. وحذا حذو المحاولات التى كانت تُبذل وقتذاك فى الشرق، فحاول أن يزود إفريقية أيضا بإدارة تتصف بالكفاية، وأراد أن يضمن تعاون البربر وولاءهم، فجعل لهم نصيبا فى الفئ وخاصة فى توزيع الأرض. المصادر: (1) ابن عبد الحكم فى فتوح إفريقية، تحقيق وترجمة A. Gateau، الجزائر سنة 1948, ص 76 - 87، لتعليق رقم 97. (2) اليعقوبى، تأريخ، بيروت سنة 1960، جـ 2، ص 277. (3) البلاذرى، فتوح البلدان، القاهرة سنة 1932، ص 231. (4) كتاب الإمامة والسياسة المنحول لابن قتية، القاهرة سنة 1904, ص 97 و 102 (عن المصّنف انظر

Le al-Imama: H. Peres ... فى RT، سنة 1934، ص 317 - 35). (5) ابن عساكر، تأريخ، دمشق سنة 1332 هـ، جـ 4، ص 146 - 147. (6) ابن الأثير، الكامل، القاهرة سنة 1357، جـ 4، ص 146 - 147. (7) ابن الأبّار، الحلة السيراء، تحقيق M. J. Mueller, فى Beitraege zur Geschichte der westlichen Araber, ميونخ سنة 1878، ص 25 (تحقيق ح. مؤنس، القاهرة سنة 1963, جـ 1، ص 164، جـ 2، ص 311 - 312. (8) ابن عذارى. البيان المغرب، تحقيق Colin و Levi- Provencal, ليدن سنة 1948، جـ 1، ص 34 - 39. (9) النويرى فى ملحق Histoire des Rerberes، ترجمة de Slane، باريس سنة 1925، جـ 1، ص 338 - 43. (10) ابن خلدون: العبر، بيروت سنة 1958، جـ 1، ص 453 - 445. جـ 4، ص 401. (11) ابن خرداذبة، المسالك والممالك, تحقيق وترجمة Sadok, الجزائر سنة 1949, ص 5، والتعليق رقم 45. (12) المقدّسى: أحسن التقاسيم تحقيق وترجمة Ch. pellat, الجزائر سنة 1950، ص 63. (13) البكرى: المسالك، ترجمة de Slane ص 22 - 23، 52، 82 - 85. (14) الإدريسى، نزهة المشتاق تحقيق H. Peres، الجزائر سنة 1957، ص 90. (15) التيجانى: الرحلة، تحقيق حسن حسنى عبد الوهاب، تونس سنة 1960، ص 249. (16) المالكى: الرياض، تحقيق ح. مؤنس، القاهرة سنة 1951، جـ 1, ص 31 - 8. (17) ابن ناجى: المعالم، جـ 1، ص 54 - 63.

الحسن البصرى

(18) Staria dei musulma- M. Amari ni di Sicilia سنة 1854 - 1782، جـ 1, ص 118، 121. (19) Reliques Car-: Ch. Courtois thaginoises et legende carolingienne (فى. Rev. Hist) سنة 1945، ص 69. (20) L'Afrique Byzan-: Ch, Diehl tine؛ باريس سنة 1896، ص 581 - 587. (21) Les Berbers: H. Fournet, باريس سنة 1875 - 1881، جـ 1، ص 207 - 24. (22) Le passe de: E. F. Gautier I'Afrique du Nord باريس سنة 1952، ص 270 - 272. آدم [م. طالبى M. Talbi] الحسن البصرى الحسن بن أبى الحسن البصرى: شخصية بارزة من شخصيات القرن الأول الهجرى، أسر أبوه إبان الفتوحات الإسلامية وحمل من ميسان إلى المدينة، وغدا فيها مولى لزيد بن ثابت الشهير وتزوج من أمة لأم سلمة تدعى خيرة فأنجبا الحسن عام 21 هـ (642 م). وشب الحسن فى وادى القرى ثم استقر فى البصرة، واشتهر فيها بمتانة خلقه وتقواه وعلمه وفصاحته، ولما سئل نفر من المشهود لهم بالفضل أمثال ابن سيرين والشعبى عن استخلاف يزيد لم يجرؤ واحد منهم على الإدلاء برأيه، أما الحسن فقد جهر بمخالفته لذلك، وقد أظهر الحسن هذه الشجاعة فى الرأى فى الكتب التى بعث بها إلى عبد الملك والحجاج حتى أن الكتاب المتأخرين مثل الشهرستانى الذين ظنوا أنهم وقعوا فيها على جنوح إلى القول بالاختيار يؤثرون نسبتها إلى واصل ابن عطاء. وكان الحسن يعد ندًا لمعاصره الحجاج فى الخطابة وراوية ثبتًا للحديث فقد عرف عنه أنه كان متصلا بسبعين رجلا ممن شهدوا وقعة بدر وإن كان عمدته فى رواية الحديث، هو أنس بن مالك. وللحسن

المصادر

فضل لا يمحى فى نمو التصوف نشأ من ورعه وتقشفه اللذين كانا يتجليان أكثر وأكثر إذا قورن بغيره من أهل عصره، ذلك أن الحرص على متاع الدنيا بدأ يغزو جميع طبقات المجتمع الإسلامى. وقد نسبت إليه عدة أقوال فى الورع، وهو عند الصوفية من السابقين يستشهدون به كثيرا كما يفعل أهل السنة، على أن المعتزلة أيضا يجاهرون بأنه واحد منهم لسببين: الأول أن عمرو بن عبيد وواصل بن عطاء، وهما أول القائلين بالاعتزال، كانا من تلاميذه، والثانى أن أبا الحسن نفسه كان يميل إلى مذهب الاختيار، ولم يغير من رأيهم انفصال واصل بن عطاء عنه فيما بعد. وهكذا يمكن أن نقول إن معظم الحركات الدينية فى الإسلام ترد إلى الحسن، ومن ثم فليس بعجيب أن نسمع أن أهل البصرة جميعا خرجوا لتشييعه عندما توفى مرضيا عنه من الجميع فى مستهل رجب عام 110 هـ (أكتوبر سنة 728 م). المصادر: (1) الفهرست، ص 183. (2) ابن خلكان: وفيات الأعيان، طبعة فستنفلد، رقم 155. (3) أحمد بن يحيى: المعتزلة، طبعة أرنولد، ص 12 وما بعدها. (4) الشهرستانى: الملل والنحل، طبعة كيورتن، ص 32. (5) الهجويرى: ترجمة نيكلسون (مجموعة كب التذكارية، جـ 17 ص 86 وما بعدها. (6) فريد الدين العطار: تذكرة الأولياء، طبعة نيكلسون جـ 1، ص 24 وما بعدها). (7) Geshichte der: V. Kremer herrschenden ideen ص 32 وما بعدها. (8) Die Philosphishen: Horten Systeme etc ص 21 وما بعدها. الشنتناوى + الحسن البصرى، أبو سعيد بن أبى الحسن يسار البصرى (21 - 110 هـ = 642 - 728 م): واعظ

مشهور من عصر الأمويين فى البصرة، وهو من التابعين. وقد أسر أبوه، الذى كان اسمه الأصلى فيروز، عند الاستيلاء على ميسان فى العراق، ويقال إنه حمل إلى المدينة واعتقته مالكته، وهى امرأة لا نستطيع أن نعرف شخصيتها على التحقيق، ثم تزوج أم حسن: خيره. وتقول الرواية إن حسن ولد فى المدينة سنة 21 هـ (642 م؛ وانظر فى نقد هذه الرواية Schaeder: Hasan Al Basri , فى ISl جـ 14، سنة 1925، ص 42 وما بعدها). وترعرع فى وادى القرى وشخص إلى البصرة بعد سنة من وقعة صفين. واشترك وهو شاب فى الفتوح التى وقعت فى شرق إيران (سنة 43 هـ = 663 م وما بعدها من سنين). ثم عاش فى البصرة حتى وفاته سنة 110 هـ (728 م). وتقوم شهرته على ما تميزت به شخصيته فى الدين من صدق واستقامة، مما كان له عميق الأثر فى معاصريه (Ritter، ص 14، 33، تعليق 5) كما قامت بصفة خاصة على مواعظه المشهورة وأقواله التى لم يقتصر فيها على تحذير بنى وطنه من اقتراف الآثام فحسب، بل إنه قد أمرهم فيها أيضا أن يتدبروا حياتهم كلها وينظموها مع النظر الى الآخرة. وهذه المواعظ التى لم يبق منها إلا شذرات، تعد من خير ما وصل إلينا من نماذج النثر العربى المبكر، والصور الجياشة والمقابلات البارعة الواردة فيها ترفعها إلى صف آيات البلاغة. ومن هنا كانت الدواوين مثل ما كتبه الجاحظ والمبرد على حق فى الاستشهاد بها ضمن الخطب المشهورة لأئمة الساسة فى العصر الأموى على اعتبار أنها من روائع الأساليب، بل إن كثيرا من هذه الأقوال قد دخلت فى المعاجم العمدة. وأشهر شاهدين هما: "حادثوا هذه القلوب فإنها سريعة الدثور" (Ritter, ص 24، وقد أسيئت ترجمته)؛ و"اجعل الدنيا كالقنطرة تجوز عليها ولا تعمرها" (المبرد: الكامل، طبعة Wright ص 158). ومن ثم فإن من الطبيعى القول بأننا لا نكاد نجد كتابا

فى المواعظ إلا استشهد فيه بأقوال الحسن. أما أحكامه السياسية على الخلفاء الأولين فليست، على ما هو مألوف، إعلانًا بالولاء لحزب من الأحزاب السياسية, وإنما هى تنبع من مبادئه الدينية. فقد نقد الحسن بلا خوف حكام زمانه ونعنى بهم أمراء العراق. وحيثما أبعد فى النقد فحمل على الحجاج لإقامته مدينة واسط سنة 86 هـ (705 م) سخط عليه الحجاج ولم يجد الحسن بدا من الاختباء حتى أدركت المنية هذا الوالى (Schaeder، ص 55 - 63، Ritter، ص 53 - 55). ومع ذلك فإن الحسن لم يرض عن أولئك الذين شاركوا فى محاولات "تغيير المنكر" الإطاحة بالولاة غير الصالحين بالانتقاض عليهم. وحين أمره أتباع الثائر ابن الأشعث بالانضمام إليهم بين لهم الحسن أن جور الطغاة فى أفعالهم هى عقاب أنزله الله ولا يمكن معالجة هذا الجور بالسيف، وإنما يجب احتماله بالصبر (Schaeder ص 56 - 57؛ Ritter، ص 51). وقد كان الحسن فى مواعظه يحذر الناس دائما من الانصراف إلى أمور الدنيا والاهتمام بنعيمها، ذلك أنهم سائرون الى الموت وأن الموتى هم السابقون والأحياء هم اللاحقون (Ritter، ص 20) وكان الحسن يرتاب فيمن يستكثرون من المال، وقد رفض خاطبًا لابنته اشتهر بثروته لا لشئ إلا لثروته (Ritter، ص 25)، ولم يطف بذهنه أن يقبل أرضا "مواتا" وزعت بلا مقابل، "ما يسرنى لو أن لى ما بين الجسرين بزنبيل تراب" (Ritter، ص 25 - 26) وكان الحسن يطلق على محب الدنيا الذى يأخذ عقيدته بخفة ويرتكب الإثم دون أن يراجع نفسه "المنافق" وكان يقتصر فى استعمال هذه الصفة على هذا المعنى ومن ثم فإن الحسن يظهر فى مختارات الحكم بأنه النصير الأكبر للمذهب القائل بأن صاحب الكبيرة منافق (Ritter، ص 42 - 44). وهو يتخذ موقف المتشدد فى المعاصى، ويرى أن الآثم مسئول كل المسئولية عن أفعاله، ولا يمكن أن يلتمس العذر لنفسه بأن جميع الأفعال من صنع الله. وهذا هو موقف القدرية.

ويدرك ابن تيمية الصلة بين تشديد المعاصى والقدرية إذ يقول إن الناس يرمون كل من يتشدد فى المعاصى بأنه قدرى، ومن أجل هذا اتهم الحسن بأنه يؤمن بمذهب القدرية. ولا شك فى أن الحسن قد اتخذ موقف القدرية، ولو أن ثمة محاولات بذلت من قبل تاريخ متقدم لتبرئته من هذه الوصمة (Ritter, ص 57 وما بعدها) ويظهر أن هذا قد وضع أيضا فى رسالته لعبد الملك (طبعة Ritter، ص 67 - 83) وكذلك نوّه بـ "أخوة" الحسن وإيثاره. وكان من المعجبين به الشاعر الفرزدق فقد دعاه شاهدا على طلاقه من زوجه "نوار" (المبرد: الكامل، ص 70). ولم يبق من آثار الحسن الكثير، فإلى جانب القطع من مواعظه التى ذكرناها، فإن له "رسالة" إلى عمر بن عبد العزيز فيها طابع التقشف والموعظة (Ritter، ص 21 وما بعدها) وله أيضا رسالة إلى "أخ " فى مكة يمتدح فيها "المجاورة" بمكة (Ritter، ص 8 - 9)، وكتاب فى 54 فريضة، لم يتثبت بعد من نسبته إليه (Ritter ص 7 - 8). ويروى الفهرست (ص 34، س 1) أن الحسن كتب تفسيرا للقرآن الكريم. وقد ذكر ماسينيون (Essai: L. Massignon . ص 162 - 163) تفصيلات قليلة عن هذا التفسير. ويتناول برجشتراسر (G. Bergstraesser فى Islamica جـ 2، ص 11 وما بعدها نظراته اللاحقة فى قراءة القرآن الكريم. ويعد الحسن فى نظر المتأخرين من المحدثين محدثا قليل العناية بالأحاديث التى يرويها، فقد ذاعت أقواله هو وقيل إنها "أحاديث" ولم ينف هو ذلك (Ritter، ص 11). ومن ثم فقد أساء الحكم عليه النقاد من المحدثين، ورماه الذهبى (ميزان الاعتدال مادة الحسن) بأنه "كثير التدليس" (Ritter ص 2 - 3). أثره: كان أهل السنة والجماعة والمعتزلة يقولون إنه واحد منهم، ولو أن المعتزلة يزعمون أنه لا يمت لهم من حيث الأصل بصلة. أما أتباع "الفتوة" فيقولون إنه لإخوته إمامهم (Ritter ص 40 وما بعدها). ويظهر اسمه فى سلاسل كثيرة من الطرق الصوفية بأنه حلقة فى هذه السلاسل ويذكر اسمه

المصادر

مرات لا تحصى فى كتب المواعظ الخلقية. وأثره فى تقشف الأتقياء يتردد فى البصرة (يجب تصحيح ذلك فى Ritter). وقد ورد فى أهم كتاب لصوفية البصرة ونعنى به "قوت القلوب" لأبى طالب المكى: "والحسن رحمه الله إمامنا فى هذا العلم الذى نتكلم به، آثاره نقفو وسبيله نتبع ومن مشكاته نستضئ" (قوت القلوب، ج 1، ص 149). المصادر: لا نكاد نجد كتابًا فى حوليات التاريخ أو كتابًا عامًا فى التراجم لا يذكر شيئا عن الحسن وكذلك لا نكاد نجد كتابا فى الأخلاق أو المواعظ أو التصوف أو الأدب لا يذكر قولا من أقوال الحسن ونذكر من هذه الكتب. (1) ابن سعد: الطبقات، جـ 7 - 1، ص 114 وما بعدها. (2) الفهرست، ص 183. (3) ابن المرتضى: طبقات المعتزلة، طبعة Bibl Isl) Susanna Wilzer ص 21) ص 18 وما بعدها. (4) ابن قتيبة: عيون الأخبار، القاهرة سنة 1925، الفهرس. (5) ابن خلكان، وفيات الأعيان، رقم 155. (6) الشهرستانى: الملل والنحل، طبعة Cureton ص 32. (7) أبو طالب المكى: قوت القلوب، القاهرة سنة 1310 هـ، فى مواضع مختلفة. (8) أبو نعيم: حلية الأولياء، القاهرة سنة 1932 - 1938، في مواضع مختلفة. (9) الهجويرى: كشف المحجوب، ترجمة R. A. Nicholson, فى مجموعة كب التذكارية، جـ 17، ص 86. (10) فريد الدين العطار: تذكرة الأولياء، طبعة Nicholson, جـ 1، ص 24 وما بعدها (11) ابن الجوزى: آداب حسن البصرى، القاهرة سنة 1931. (12) أخبار حسن البصرى، مخطوط بمكتبة الظاهرية بدمشق، فهرس التاريخ، 306 (لم نره).

الدراسات الحديثة

(13) الجاحظ: البيان والتبيين، القاهرة سنة 1949. الفهرس. (14) المبرد: الكامل، الفهرس. (15) جمهرة رسائل العرب، طبعة أحمد زكى صفوت، القاهرة سنة 1937، جـ 1، ص 378 - 389. الدراسات الحديثة: (1) Essai sur les ori -: L. Massignon gines du lexique Techique de la mysique musu;mane باريس سنة 1922، ص 152 - 175. (2) Hasan Al-Basri H. H. Schaeder فى. Isl , جـ 14، 1925، ص 42 وما بعدها. (3) Studien Geschichet: H. Ritter der Islamischen Froemmigkeit جـ 1 Geschichte فى - Hasan Isl Al Basbi جـ 21، سنة 1933، ص 1 - 83. (4) المؤلف نفسه فى I. A، مادة حسن البصرى. (5) Political Theory: J. Obermann in Early Islam مطبوعات الجمعية الشرقية الأمريكية، فصلة، سلسلة رقم 6، سنة 1935. (5) إحسان عباس، الحسن البصرى القاهرة سنة 1952 (لم أر هذا الكتاب). خورشيد [رتر H. Ritter] حسن الأطروش أبو محمد الحسن بن على بن الحسن بن على بن عمر الأشرف بن على زين العابدين ولد حوالى عام 230 هـ (844 م) فى المدينة لأمة خراسانية، وتوفى فى شعبان من سنة 304 هـ (بداية سنة 917 م) فى آمل وهو أمير طبرستان، ولا يزال معروفًا باللقب الرسمى الناصر الكبير ويطلق عليه زيدية اليمن الإمام. وقد قدم الأطروش الى طبرستان فى عهد الداعى العلوى الكبير الحسن ابن زيد. وقد شك فيه أخوه وخليفته القائم بالحق بن زيد فحاول أن يقيم مملكة خاصة به فى الشرق واستعان أولا بوالى نيسابور محمد بن عبد الله الخجستانى الذى انتزع جرجان من القائم. ولكن مروجو الإشاعات ألقوا

بظل من الشبهة على الأطروش، فألقى به الخجستانى فى السجن بنيسابور أو جرجان وأمر بجلده مما أذهب بسمعه ومن ثم لقبه الأطروش. ولما أطلق سراحه عاد إلى القائم محمد. وحدث فى سنة 287 هـ أو سنة 288 هـ أو فى سنة لا تتقدم عن سنة 289 هـ (900 - 901 م، فى رواية أبى الفرج الإصفهانى: مقاتل الطالبين، طهران سنة 1307 هـ، ص 229، س 14، طبعة القاهرة سنة 1368 هـ = 1949 م ص 694) أن شارك الأطروش فى هزيمة القائم فى جرجان على يد محمد بن هارون الذى كان نصيرًا لإسماعيل بن محمد السامانى وتوفى القائم متأثرًا بجرح أصابه. وفر الأطروش وشخص إلى دامغان والرى وغيرهما من الأماكن. ولما توفى الخليفة المعتضد سنة 289 هـ (902 م) ظهر الأطروش مرة أخرى، . وخاصة حين بذل له العون محمد بن هارون الذى تشاحن مع السامانيين. وتلقى الأطروش ترحيبا من جَسْتان الديلم (أو ابنه وهسودان، انظر Vasmer فى Islamica، جـ 3 ص 165 وما بعدها) على أن صداقة الجستانيين التى ترجع إلى أيام أن كانوا هم والأطروش فى صف القائم، كانت واهية مثل نظرتهم إلى الإسلام وكان جدهم مرزبان قد اعتنقه قبل ذلك بقرن من الزمان فحسب ولذلك نجد أنهم قد اشتركوا مع الأطروش فى عدة أفعال لم تنته إلى نتيجة، ومن هنا أدرك الأطروش أن الضرورة تقتضيه أولا أن يلتمس أتباعا له خاصة، ومن خلالهم يكسب أتباع الجستانيين، وهنالك أرسل وفودًا إسلامية وبث دعوة علوية من هَوْسَم بين القبائل التى لم تكن بعد قد اعتنقت الإسلام على ساحل بحر قزوين وفى جيلان، كما ابتنى مساجد. وفى سنة 298 هـ (910 م) أنفذ أحمد بن إسماعيل السامانى محمدًا بن صعلوق إلى طبرستان وأمره أن يحول دون قيام. دولة جديدة فيها. ولكن حدث أن جيشًا خراسانيًا أكثر عددًا وأوفر عدة قد هزمه الديلم هزيمة منكرة يقودهم الأطروش فى شالوش فى جمادى الأولى سنة 301 هـ (ديسمبر سنة 913 م)، وطوح بكثير من الهائمين

الى البحر. وفرت سرية بقيادة أبى الوفاء خليفة بن نوح الى حصن شالوش، واستسلمت للأطروش بعد أن وعدها بالعفو، ولكن قائده وزوج ابنته الحسن ابن القاسم بن الحسن بن على بن عبد الرحمن بن القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسن بن على بن أبى طالب لم يلبث أن أعمل فيهم الذبح والتقتيل. وكان الأطروش فى هذه الأثناء قد مضى إلى آمل هو وبقية الجيش بعد إذ استنجد به أهلها المروعون، ونزل فى القصر السابق للقائم محمد. وقد استطاع أن يقيم عماله من شالوس إلى سارية ولم يقف فى طريقه السامانيون، ذلك أن احمد بن إسماعيل كان قد قتل فى هذه الأونة نفسها ولم يجد ابنه نصر بدًا من أن يؤمن موقفه حيال أسرته وحيال الأعيان وهنالك تصالح الأسيهبد شروين بن رستم الباوندى مع الأطروش بعد أن كان يهدد العلويين الأوليين تهديدًا خطيرًا. وسارت الأمور على النهج المألوف فى إقامة الدويلات العلوية، فقد ازدادت المصاعب فى سبيل التأليف بين قلوب الأقارب الكثيرين بحيث يعملون متضامنين. وكان الأطروش آنذاك قد بلغ سن السبعين على الأقل حين دخل آمل، وكان أبناؤه فيما يظهر غير قادرين على فعل شئ، وتكررت الوحشة التى كانت قائمة بين القائم محمد والأطروش ووقعت آنذاك بين الأطروش، وبين القائد المذكور الحسن بن القاسم، وانتقض هذا القائد على حسن بل بلغ به الأمر أن أسره فى مناسبة من المناسبات، ولكنه اضطر الى الالتجاء إلى الديلم تحاشيًا لغضب القائد. على أن الضغط العام على الأطروش المحتضر من قبل الأعيان قد أجبره على أن يقيم هذا الحسن خليفة له، وبادر هؤلاء من فورهم إلى تقديم الولاء له بعد وفاة الأطروش. ويرجع الفضل فى ظهور الأطروش الى براعته فى استغلال التوتر السياسى الذى شاب الأمور على بحر قزوين، كما يرجع الى قدرته العقلية الفائقة. وكان الرجل أيضًا شاعرًا (انظر ملحق مخطوطات المتحف البريطانى،

رقم 1259، جـ 4، وانظر الشواهد الواردة فى كتاب الإفادة، انظر المصادر) ولكنه قد استحدث بصفة خاصة عقائد وتقاليد وفقهًا (انظر أيضًا ابن النديم: الفهرست، ص 183، س 11 وما بعده). وقد حُفظ كتاب "الإبانة" الذى أنشأه بطريقة غير مباشرة. وقد اختلف مع مألوف اليمن فى شعائر الدفن وفى مسائل صغيرة فى شريعة الميراث. وهو أيضًا قد اعترف بصحة صيغة الطلاق حين ترمى ثلاث مرات متعاقبات فتساوى ثلاث طلقات متفرقات فأثار بذلك معارضة الشيعة الإثنى عشرية الذين كان عددهم كبيرًا فى الشمال. وكان يجرى على شعيرتهم فى غسل القدم، ويتفق فى هذا مع جملة الشيعة الذين يرفضون المسح على القدم المغطاة بدلا من غسلها. وقد أظهر أيضا أنه أقل تشددًا حيال التابعين للمذاهب الأخرى، وهو أمر لا ننكره منه بالنظر إلى أغراضه السياسية والدعائية. وقد نسبت إلى فرقة خاصة من الزيدية، وهى الناصرية، واندمجت هذه الفرقة اندماجًا فى القاسمية التى أصبحت سائدة فى اليمن على يد الإمام المهدى أبى عبد الله محمد بن الحسن بن القاسم السابق ذكره. وهذا الحسن الأخير الذى يعرف بالداعى الصغير، قد خلف الأطروش واستطاع أن يغزو نيسابور سنة 308 هـ (920 م) بالاستعانة بليلى ابن نعمان وهو قائد قديم لسلفه، بل استطاع أن ينفذ جيشًا إلى طوس، ولكنه قتل عام 316 هـ (928 م) حين خرج من الرى لنجدة آمل التى كان قد استولى عليها أسفار بن شيرويه الديلمى وأبو الحجاج مرداويج بن زيار. وكان سلطانه مقيدًا دائمًا يحده ابنا الأطروش، فقد استولى أبو القاسم جعفر بن الأطروش على آمل سنة 306 هـ (918 م) بمساعدة محمد بن صعلوق أمير الرى، كما استولى عليها مرة أخرى سنة 312 هـ (925 م) وكانت تظل فى يده كل مرة وقتا قصيرًا وفى سنة 311 هـ (924 م) دخلها أخوه أبو الحسين أحمد. وأضطر ابنه أبو على الحسين وأخوه وخليفته أبو جعفر أن يحاربا أيضًا مناديًا

بالإمامة فى شخص ابن جعفر إسماعيل الذى مات مع ذلك بالسم سنة 319 هـ (931 م) وكان قريب آخر للأطروش اسمه أبو الفضل جعفر، قد أقام نفسه فى الإمامة متلقبًا بالثائر فى الله واستطاع بعيد عام 320 هـ (932 م) أن يحتل آمل إلى حين بفضل سياسته التى تلعب على الجنبين فى الحرب التى دارت بين وشمكير الزيارى وبين البويهيين الذين كانوا آنئذ يتقدمون الصفوف. وتدخل خاصة فى الحرب أيضًا: الحسن الفيروزانى ورجل "استندار" من البادوسبانية الذين كان قد غزاهم مرة الداعى الكبير الحسن بن زيد. وكانت الدويلة العلوية التى فى الشمال من العالم الإسلامى تستطيع دائمًا أن تحتفظ بكيانها، ولو أن أهميتها وحجمها كانا دائبى التغير يتبادلها الأمراء الوطنيون آل فيروزان وخاصة ما كان بن كالى، والجستانيون، والزيارية والإسبهبدية من بيت باوند، والبويهيون والسامانيون بالرغم من الاضطرابات الأهلية التى كانت تنتابها وبقيت هذه الدويلة حتى سنة 520 هـ تقريبًا (1126 م) وهى السنة التى توفى فيها أبو طالب الصغير يحيى بن الحسين البطحانى بن المؤيد الذى لم يستطع أن يسيطر على الديلم فى وجه الحشاشين. ونحن نكاد لا نستطيع أن نعد فى هذا الفرع أسرة كياحسيى العلوية المزعومة فى جيلان من نهاية القرن الثامن الهجرى (الرابع عشر الميلادى) إلى نهاية القرن التاسع الهجرى (الخامس عشر الميلادى). وكان أبو طالب ابن أخى الإمام الناطق أبى طالب الذى ولد سنة 340 هـ (951 م) هو الذى زودنا بأهم وصف للأطروش، ويعتمد هذا الوصف على شهود عيان مثل أبيه. وقد تشبع البيرونى بالروايات الفارسية القديمة فلام حسن الأطروش على قضائه على النظام الأسرى للكذحدا الذى أقامه فريدون الأسطورى (انظر الآثار الباقية، المتن ص 224، الترجمة ص 210، Turkestan: Barthold الطبعة الثانية، ص 214، المؤلف نفسه Sochinenya جـ 1، موسكو سنة 1962، ص 273).

المصادر

المصادر: (1) الناطق بالحق أبو طالب يحيى بن الحسين بن هارون البطحانى: الإفادة فى تاريخ الأئمة السادة، مخطوط ببرلين رقم 9664، ص 61 - 68، ورقم ورقة 34 ب - 40 ب. (2) أبو جعفر محمد بن يعقوب الهوسمى: شرح الإبانة على مذهب الناصر للحق، مخطوط فى ميونخ، Glaser، ورقة 85 وفى مواضع مختلفة. (3) أحمد بن على بن مهنا: عمدة الطالب فى أنساب أبى طالب، بومباى سنة 1318 هـ، ص 274 - 276. (4) الطبرى، جـ 3، ص 1523، س 13 وما بعده، وانظر الفهرس (4) عريب وهو ذيل الطبرى، ص 47. (5) أبو المحاسن بن تغرى بردى: النجوم الزاهرة، طبعة جوينبول، جـ 2، ص 194 = طبعة القاهرة، جـ 3، ص 185. (6) المسعودى: مروج الذهب، جـ 7، ص 343. (7) حمزة الاصفهانى: تاريخ سنى ملوك الأرض والأنبياء، طبعة كافيانى Kaviani، برلين سنة 1340 هـ، ص 152. (8) ابن مسكويه: تجارب الأمم، طبعة كيتانى، مجموعة كب التذكارية، جـ 7، ص 5، 102. (9) ابن الأثير جـ 8، ص 60 وما بعدها. (10) ظهير الدين بن نصير الدين المرعشى: تاريخ طبرستان ورويان ومازندران، طبعة دورن Dorn، سانت بطرسبرغ سنة 1850، ص 300 وما بعدها. (11) ابن إسفنديار: تاريخ طبرستان، ترجمة بروان Browne مجموعة كب التذكارية، جـ 2، ص 49، 195 وما بعدها. (وانظر الفهرس) (12) Chalifen: Weil، جـ 2، ص 613 وما بعدها. (13) The Life and times: H. Bowen of Ali ibn Isa كمبردج سنة 1928، ص 306 وما بعدها.

الحسن الأعصم

(14) Staasrecht der: Strothmann Zaiditen ستر اسبورغ سنة 1912، ص 52 وما بعدها. (15) الكاتب نفسه فى. Isl جـ 2، ص 60 وما بعدها؛ جـ 13، ص 31 وما بعدها. (16) Das Suedliche: C. Melgunoff Uber des Kaspischen meeres oder die Nordprouinzen persiens, ليبسك سنة 1868، ص 53. (17) Mazandran and: H. Rabino Asterabaad مجموعة كب التذكارية، جـ 7، لندن سنة 1928. (18) Iran: Spuler , ص 86، 89. (19) الرسالة الثانية لأبى دلف، ورقة 193 أ. (20) ابن فضلان، ترجمة رحلاته فى AIFAO جـ 16، سنة 1958، ص 53. خورشيد [شتروتمان R. Strothmann] الحسن الأعصم القائد القرمطى البحرينى المشهور، ولد في الأحساء سنة 278 هـ (891 م) وتوفى بالرملة سنة 366 هـ (977 م) , وأبوه أحمد بن أبى سعيد الحسن الجنابى هو أخو أبى طاهر سليمان ولقد توفى بالسم سنة 359 هـ (970 م). والراجح أن الحسن الأعصم لم يتول السلطة منفردًا قط، ذلك أن الذى تولاها بعد وفاة أبى طاهر جماعة من إخوة أبى طاهر. على أن الحسن كان فى عدة مناسبات قائدًا لجيوش القرامطة. وقد استولى سنة 357 هـ (968 م) على دمشق وهزم الوالى الإخشيدى عليها. وفقد الحسن رضا المسؤولين لسوء توزيعه لبعض الغنائم، ولكنه استعاد القيادة بعد غزو الفاطميين للشام وتغير موقف القرامطة، فقد تحالفوا مع الخلافة العباسية. واستطاع الحسن بفضل معونة بختيار البويهى وأبى غالب الحمدانى من أن يحقق سنة 360 هـ فوزًا كبيرًا خارج دمشق على القائد الفاطمى جعفر بن فلاح وقتله، وحمل الناس على لعن الخليفة الفاطمى المعز فى المساجد. ثم استولى الحسن على الرملة وتوغل في مصر وضرب

الحصار على القاهرة، بيد أن الحسن أجبر على الانسحاب إذ استطاع جوهر أن يلتمس مخرجًا من الحصار كما ارتدت عن نصرته حليفتاه عقيل وطئ، فعاد إلى الأحساء، وظلت دمشق فى أيد القرامطة. وبلغ المعز القاهرة سنة 362 هـ (973 م) وبعث برسالة الى الأعصم (انظر المقريزى: اتعاظ الحنفاء، ورقة 251) يلومه فيها على التخاذل فى نصرة قضية الفاطميين، فرد عليه الحسن ردا وقحًا غليظًا. وفى سنة 363 هـ (974 م) سار مرة أخرى لغزو مصر وضرب حصارًا على القاهرة. على أن حليفه الحسن بن الجراح خانه وهزمته الجنود الفاطمية يقودها ابن المعز الذى أصبح من بعد هو الخليفة العزيز، فعاد الأعصم إلى الأحساء. وانضم القرامطة الذين ظلوا فى الشام الى ألبتكين التركى العامل البويهى ففر هذا الرجل من بغداد واستولى على دمشق. وبلغ جيش فاطمى يقوده جوهر ظاهر دمشق فى ذى القعدة سنة 365 هـ (أغسطس سنة 976 م) وهنالك استنجد ألبتكين هو وأهل دمشق بالأعصم، فخرج من الأحساء وبلغ دمشق وأجبر جوهرًا على الانسحاب فى جمادى الأولى سنة 366 هـ (ديسمبر سنة 976 م) وطارد الأعصم وألبتكين جوهرًا فاضطر هذا إلى هجر الرملة، وترك أيضا عسقلان فى ظروف مهينة. وحدث بعد هذا أن العزيز الذى ظل خليفة منذ سنة 365 هـ (975 م) قد نزل الى الميدان بنفسه وأنزل بألبتكين والأعصم هزيمة منكرة فى الرملة، وكان هذان الاثنان قد عادا إليها. ولم يلبث أن أسر ألبتكين فى أثناء فراره، وبلغ الأعصم بحيرة طبرية، وهناك لقى رسولا من الخليفة وتم بينهما الصلح على أن يؤدى الأعصم للخليفة جزية سنوية قدرها ثلاثون ألف دينار دفعت مقدمًا عن السنة الجارية، وعاد الأعصم إلى الأحساء. وهذه التفصيلات استقيت من رواية ابن القلانسى (ونقلها عنه ابن الأثير)، وهو يقول إن المعركة فى ظاهر الرملة وقعت فى المحرم من سنة 367 هـ

المصادر

(أغسطس - سبتمبر سنة 977 م). بيد أن المراجع الأخرى تجعل الأعصم يقضى نحبه بالرملة فى رجب من سنة 366 هـ (مارس سنة 977 م) بعد وصوله إليها بأيام قلائل وقد نزل به المرض من قبل. وإذا كان الأعصم قد توفى، كما هو مرجح، سنة 366 هـ فمن المحتمل أن يكون قد حدث اضطراب فى العلاقة بينه وبين أخيه أو ابن عمه جعفر كما جاء فى رواية الدوادارى، أن جعفرًا قد خلف الأعصم بعد وفاته فى قيادة القرامطة المتحالفين مع ألبتكين. وكان الأعصم فى بعض الأحيان يعد المشجع الأول على تغيير موقف القرامطة من الفاطميين. المصادر: (1) هناك نبذة عن الأعصم فى الكتبى: فوات الوفيات، جـ 1، ص 115. (2) انظر من المؤرخين فى السنوات المذكورة: ابن القلانسى: ذيل تاريخ دمشق، جـ 1 - 2 (نقلا عن سبط بن الجوزى الذى يروى عن هلال الصابئ، ورقة 3، 15 - 21. (3) يحيى بن سعيد الأنطاكى P.O، جـ 18، ص 817 (119) جـ 23، ص 351 - 352 (143 - 144)، 358 (150)، 389 - 390 (181 - 182). (4) ابن ظافر المتحف البريطانى، المخطوطات الشرقية، رقم 3685، ورقة رقم 48. (5) سبط بن الجوزى: مرآة الزمان، مخطوط بباريس، رقم 5866، الأوراق، 12 ظهر، 13 ظهر، 60 وجه. (6) ابن الأثير فى حوادث السنوات 357 - 360، 364 هـ (7) ابن خلدون: العبر، ص 88. (8) المقريزى: اتعاظ الحنفاء، طبعة الشيال، ص 139، 180، 200، 204, 247 - 248، 250، 251. (9) المؤلف نفسه: الخطط جـ 1، ص 379. (10) ابن تغرى بردى، طبعة القاهرة جـ 4، ص 31، 56، 58 - 59، 62، 70، 74، 75، 128.

حسن بابا

(11) ابن الدوادارى: Chronik. Der Bericht ueber Fati-: Sechstre Teill, mide القاهرة سنة 1961، ص 134، 144، 148 - 149، 156، ص 159، 175، 178 - 179. (12) وانظر من المصادر الحديثة: Expose de religion des Druz-: S. de Sacy es جـ 1، المقدمة، ص 219، 227 - 239. (13) Vie du khal. Fat: Quatrmere mozz - lidin فى Journ. As سنة 1837. ص 76. (14) Hist. des Ismaeli Defremery ens de la Prese سنة 1856، جـ 2، ص 376 - 380 (15) Die statthalter: Wuestenfeld uon Agypten , فى Goett Abh. G. W. جـ 21، سنة 1876، ص 50 - 51. (16) المؤلف نفسه فى Gesch. der Fatimiden - Chalifen ص 114, 121، 137. (17) Memoire sur les: De Goeje Carmathes ص 157، 182، 183. 186، 187، 188، 190 - 191. (18) the Origin of Is- B.Lewis mailism ص 81. (19) حسن إبراهيم حسن وت شرف: المعز لدين الله القاهرة سنة 1948، ص 103 والفهرس. (20) Fatimiden und: W. Madelung Bahain - qarmaten فى Isl، جـ 34، سنة 1959، ص 35، 55، 65، 85 (وهو كتاب مهم جدًا) خورشيد [كانار M. Canard] حسن بابا باى الجزائر (1682 - 1683) ويلقب عادة ببابا حسن. كان من قبل رئيسًا (قبطان فى القرصنة) وقد اشترك فى ثورة عام 1671، التى أطاحت بحكم الأغوات واستعاضت عنه بحكم البايات. ولما كان حسن بابا قد تزوج من ابنة الحاج محمد طريقى الذى كان أول الدايات فقد قبض على زمام السلطة الفعلية باسم حميه وأثار عداوة الكثيرين بصلفه وسوء ظنه وقسوته ولكنه قمع بشدة كل المحاولات التى بذلت فى سبيل

حسن جلبى

الانتقاض عليه. وفى عام 1680 غزا تونس متذرعًا بإعادة الأمن الذى أخل به تنافس أولاد مراد بك. وفى عام 1681 قاتل فى المغرب جيوش مولاى إسماعيل. وفر الحاج محمد إلى طرابلس عام 1682 عندما بلغه أن الفرنسيين أنفذوا إليه أسطولا بقيادة دوكسن Duquesne فقبض حسن على زمام الحكم. ولما ضربت الجزائر بالقنابل لأول مرة فيما بين 20 أغسطس و 12 سبتمبر عام 1682 حكمها حسن بيد من حديد وقتل فى غير شفقة أو رحمة كل من اجترأ على الشكوى أو قال بمفاوضة العدو. وفى العام التالى ظهر دوكسن ثانية أمام المدينة. وقذفت المدينة بالقنابل عدة أيام (من 26 إلى 29 يونية) فأجبر الداى على مفاوضة أمير البحر الفرنسى. وسلم كبير الرؤساء الحاج حسن مزومرتو رهينة وأطلق سراح أسرى النصارى. ولم يستطع الطرفان الاتفاق على الغرامة التى يجب دفعها للفرنسيين فسمح لمزومرتو بالعودة إلى البر. ذلك أنه أخذ على عاتقه استعجال المفاوضات. وما إن نزل إلى الشاطئ حتى تواطأ مع الرئيس ودخل الجنينة عنوة وقتل حسن بابا ومن ثم نودى به دايا فى الثانى والعشرين من يولية سنة 1683. خورشيد [ايفر C. Yver] حسن جلبى قنالى زادة: عالم عثمانى مشهور ترجم للشعراء. ولد فى بروسة عام 953 هـ (1546 - 1547) هو ابن قنالى زاده مولانا على جلبى بن أمر الله الذى اشتهر بنظم الشعر والعلم ثم اشتغل بالتدريس فى مدرسة حمزة بك. وقد نهج حسن نهج أبيه فكرس حياته لدراسة الفقه والدين. وعاش عيشة كريمة زاخرة بالنشاط فتولى القضاء والتدريس فى بروسة وأدرنة وحلب والقاهرة وغاليبولى وأيوب وزكرة الجديدة، ثم توفى فى أثناء ولايته قضاء رشيد من أعمال مصر فى

المصادر

الثانى عشر من شوال عام 1012 (14 مارس عام 1604). وجرى حسن على نهج علماء الأتراك فكان عالمًا وشاعرًا فى آن. إلا أنه يعد فى الشعر من المقلدين. وقد كتب حواش على الدرر والغرر، وأضاف زيادات وتعليقات على بعض الكتب الدينية الهامة وغيرها من المؤلفات. على أن أعظم تواليفه هو تلكم المجموعة التى كتبت له الخلود والتى ترجم فيها لستين ومائة شاعر، وتعرف بتذكرة الشعراء. وقد أهداها للمؤرخ خوجه سعد الدين وأتمها عام 994 هـ (1586 م) وهذه المجموعة لا تقدر لما احتوت عليه من تفصيلات عن حياة الشعراء وروايات عدة نقلها حسن عن غيره. وتراجم الشعراء العثمانيين كثيرة إلا أن هذه خيرها على الرغم من تقعر أسلوب صاحبها وميله للكلمات الطنانة المصنوعة وغرامة بالنوادر. ويتناول حسن جلبى الشعراء من أقدم العصور فيقسمهم ثلاثة أقسام (أ) السلاطين (ب) الأمراء (جـ) غير ذلك من الشعراء. ولنضرب صفحًا عن تلك الهنة التى وقع فيها المؤلف فحشر فى هذه المجموعة كل أفراد أسرته وعدهم من الشعراء. المصادر: (1) الشقائق النعمانية، الآستانة 1269 هـ الذيل ص 491 - 492. (2) حاجى خليفة: فذلكة. (3) تذكرة لطيفى (1314 هـ) ص 131. (3) ثريا: سجل عثمانى (1311 هـ) جـ 2 ص 127. (4) Gesshichte des Osm: Hammer Reiche.، جـ 2، ص 75، 93. (5) المؤلف نفسه Gesshichte des Dichtkunst Osm جـ 1، ص 44، جـ 2، ص 131 (6) A History of Ottoman: Gibb Poetry , جـ 2، ص 199 وما بعدها. (7) Die arab, pers, und: Fluegel Tuerk Handschriften ... en wren (1865) جـ 2، ص 387.

المصادر

(8) Calalogue of Turkish: Rieu Manuscripts لندن 1888 ص 77، 94. خورشيد [منزل Theodor Menzel] الحسن بن الخصيب أبو بكر: فلكى عربى مشهور من اصل فارسى تنقل عنه كثيرًا كتب الفلك فى العصور الوسطى المسيحية وتسميه ألبو باثر Albubarther , عاش حوالى منتصف القرن الثالث الهجرى، ذلك أن أحمد بن أبى طاهر طيفور المتوفى عام 280، (893 م) ذكره فى مؤلفه كتاب بغداد وقال إنه من معاصريه. ولابن الخصيب كتاب منقول إلى اللاتينية بعنوان Liber de Natiuitatibus وهو يبدأ بالعبارة الآتية: . Dixit Al- bubather Magni Alchasili Alcharsi fulius نقله رجل يدعى كانونيكس ساليو (؟ ) Canonicus Salio فى بادوا عام 1218، وطبع فى البندقية عام 1492 م ثم أعيد طبعة عام 1501، كما طبع فى نورمبرغ، ومن الراجح أن الاسمين Alchasili و Alcharsi تحريف للاسم Alchasibi, Aifarsi على أن مخطوطًا من المخطوطات المحفوظ فى ميونخ قد ورد فيه الاسم Alchasibi. ولم نتثبت بعد أى المخطوطات التى ذكرها أصحاب التراجم العربية هو هذا المخطوط. ففى مكتبة الإسكوريال مخطوطان فى المواليد (غزيرى، رقم 935، 973) ينسب أحدهما لابن عزرا الخصيبى والآخر لابن الخصيب الكوفى. ولعلهما لصاحب هذه الترجمة وإن كان يحتمل أن يكون أولهما لإبراهام بن عزرا. المصادر: (1) الفهرست، طبعة مولر، جـ 1 ص 276. (2) ابن القفطى، طبعة Lippert ص 165. (3) كتاب بغداد، طبعة Keller, النص العربى، ص 192. (4) Die europaeis-: Steinschneider chen Uebersetzungen aus, dem Arabisv- hem etc , فى Sitzungsber. der K. Akad der Wissensch in Wien phil. hist. Klass جـ 149، العدد 4، ص 75.

المصادر

(5) Suter في Abhandlgn z. Geschich- te d math Wisschensch, جـ 10، ص 32، جـ 14 ص 162. خورشيد [سوتر H. Suter] الحسن بن زيد ابن الحسن: ابن حفيد على، كان رجلا صالحًا نهج نهج أبيه وجده وزهد فى جميع الأطماع السياسية وسالم العباسيين وتزوجت ابنته من الخليفة أبى العباس، وعاش الحسن فى بلاط الخليفة بل يقال إنه كان يحمل فى بعض الأحيان أراء أقربائه العلويين إلى المنصور. وولّاه المنصور عام 150 هـ (767 م) على المدينة، ولكنه أسخط الخليفة عام 155 هـ (772 م) فعزله وحبسه وصادر أملاكه. على أن المهدى خليفة المنصور أرضاه ورد إليه كل ما فقد بعد وفاة المنصور. وتوفى الحسن عا م 167 هـ (783 م) فى الحاجر فى رحلته إلى الحج ودفن بها. المصادر: (1) الطبرى، طبعة ده خويه، جـ 3، ص 144، 149، 258، 358 وما بعدها، 377، 400، 453 وما بعدها و 2518. (2) اليعقوبى: التاريخ، طبعة هوتسما، جـ 2، ص 56. (3) ابن الأثير: التاريخ، طبعة تور نبرغ جـ 5، ص 420، 454، جـ 6، ص 4، وما بعدها، 53. خورشيد [بول Fr. Buhl] + " الحسن بن زيد" بن محمد: ابن حفيد صاحب الترجمة السابقة ورأس بيت علوى فى طبرستان. وقد كان بنو طاهر يحكمون هذا الإقليم حكمًا طاغيًا لا شفقة فيه ولا رحمة فاشتد سخط أهله عليهم ودفع الشعور العلوى الذى كان متمكنًا من نفوس الناس فى هذة النواحى نفرًا منهم الى البحث عن رجل من نسل على يستطيعون أن يأتمنوه على الحكم. ومن ثم ولوا وجوههم شطر الحسن بعد إذ زكاه لهم علوى آخر. وكان آنذاك يعيش فى الرى. وحالف التوفيق هذا الاختيار. ذلك أن الحسن كان عالى الهمة ماضى العزم، وهما صفتان يندر وجودهما فى العلويين، فبايعه فريق من أهل

المصادر

طبرستان ونفر من زعماء الديلم. ونجح الحسن فى إيقاع الهزيمة بجيوش بنى طاهر واستولى على مدينة آمل وسارية واستطاع أيضًا الاستيلاء على الرى بعد إذ ردّ عنها خائبًا. على أن الحسن كان مضطرًا إلى الوقوف دائمًا موقف المدافع أمام هجمات كانت تأتيه من كل جانب، وحدث أكثر من مرة أن طرد من البلاد، فوجد أن من الفائدة بمكان عظيم أن يلتمس عند أصدقائه الديلم الملجأ الأمين وكان أبدًا يكرّ من هناك فيحالفه التوفيق فى غالب الأحيان: من ذلك أنه استطاع أن يستولى على جرجان عام 257 هـ (871). على قومس عام 259 هـ (873) وفى هذه السنة ظهر له عدو خطير هو يعقوب الحداد.، وكان حسن ينعته فى شئ من التندربالسندان. ونجح هذا الرجل فى حمل الخليفة على إنفاذه لتأديب هذا العلوى الثائر، واستطاع فى يسر أن يتلمس العذر الذى يستند عليه فى ذلك عندما رفض الحسن أن يسلم عبد الله السجستانى الذى كان قد استجار به. ولم يكن حسن من البأس بحيث يثبت لهذا الخصم المقتدر فاضطر إلى الالتجاء إلى الديلم مرة ثانية، وتمكن من النجاة بفضل سيول الأمطار التى تبلغ الخطورة فى هذه النواحى خاصة، وأوقع خصمه فى مأزق لم يخرج منه. إلا بخسائر فادحة. وخرج حسن من مأمنه وظل مدة لا يلحق به أذى. وفى عام 266 هـ (880 م) غزا خجستانى يدعى أحمد بن عبد الله جرجان وفتح جزءًا منها. وانهمك الحسن فى قتال عبد الله فى حين أشاع علوى آخر يطمع فى الحكم أنه قتل فى طبرستان. فلما عاد الحسن هزم هذا الرجل وقتله. وتوفى الحسن عام 270 هـ (884 م) من غير أن يفقد أملاكه، وظلت أسرته تحكم طبرستان حتى عام 316 هـ (928 م). وكان الحسن شديد التدين له مشاركة فى الشعر ومختلف فروع الفقه والعلوم المتصلة به. المصادر: (1) الطبرى: التاريخ، طبعة ده خويه، جـ 3، ص 1523 - 1533، 1583 - 1586، 1698، 1737

الحسن بن سهل

وما بعدها، 1840، 1873، 1880, 1883 - 1885، 1940، 2104. (2) - Fragmenta Historicorum Arabic courn طبعة ده خويه، ص 570 - 574. (3) ابن الأثير: التاريخ: طبعة نور نبرغ، جـ 7، ص 85 - 88، 109، 138، 166، 171 وما بعدها 177، 180، 183 - 185، 199، 208، 233, 286. (4) المسعودى: مروج الذهب، طبعة باربييه ده مينار، جـ 7، ص 342 وما بعدها، جـ 8، ص 353. (5) ابن اسفنديار: تاريخ طبرستان، ترجمة براون، ص 12 وما بعدها. (6) Der Islam: Ang. Mueller, جـ 1، ص 542، 545، جـ 2، ص 27 - 32. (7) Sketches from: Th. Noeldeke Easterm History. ص 184 - 185. خورشيد [بول Fr.Buhl] الحسن بن سهل ابن عبد الله السرخسى: من ولاة المأمون. وكان فى أول أمره كأخيه من الصابئة، ثم دخل كلاهما فى الإسلام. وفي عام 196 هـ (811 - 812 م) عهد المأمون إلى الفضل بحكم الولايات الشرقية وأطلق يده أو كاد فيها، على حين ولى الحسن ديوان الخراج. فلما قتل الأمين عام 198 هـ (813) ولاَّة الخليفة على بلاد العرب بما فيها العراق بفضل ما كان لأخيه من نفوذ، وبقى الخليفة نفسه فى مرو، ولكن الحسن وهو الرجل الفارسى، عجز عن أن يستميل سكانها من العرب، فشبت القلاقل سريعًا. وظهر فى الكوفة عام 199 هـ (815 م) مغامر يدعى أبا السرايا وتحالف مع ابن طباطبا العلوى بعد إذ أقنعه بالمطالبة بالخلافة. وحلت الهزيمة بجنود المأمون، إلا أن ابن طباطبا توفى فجأة، فاستنجد الحسن بالقائد المحنك هرثمة بن أعين، فحاصر هذا القائد ابن سرايا فى الكوفة. وحاول ابن سرايا الفرار فوقع فى الأسر وقطع رأسه فى ربيع الأول عام 200 (أكتوبر عام 815). على أن الجنود المرتزقة سرعان ما انتقضوا فى بغداد ولكنهم اضطروا إلى التسليم بعد قتال دام

المصادر

ثلاثة أيام. ثم حدث بعد مقتل هرثمة ابن أعين فى ذى القعدة عام 200 (يونية سنة 816) أن انضم محمد بن أبى خالد والى بغداد الى المتنقضين وسار لملاقاة الحسن فى واسط، غير أنه هزم وتوفى بعد ذلك متأثرًا بجروحه. وحدث خلال ذلك أن اعترف بالمنصور ابن الخليفة المهدى خليفة للمأمون ببغداد، على أن جنود المنصور هزموا على يد حميد الطوسى وكان هذا الرجل قد اختار معظم أعوانه من طغام الناس فأصاب هؤلاء بغداد بكل أنواع الموبقات. وعندها انحاز عقلاء المدينة إلى الحسن ووضعوا حدًا لحكم الغوغاء، ومع ذلك لم يدم السلام طويلا، ذلك أن المأمون قد جهر باستخلاف على بن موسى العلوى الملقب بالرضا، فهاجت الفتنة فى بغداد وبويع إبراهيم، وهو ابن آخر من أبناء المهدى بالخلافة. وفى رجب 202 (فبراير 818 م) هاجم المنتقضون الحسن فى واسط، ولكنهم هزموا وأجبروا على الارتداد الى بغداد. وجن الحين بعد مقتل أخيه الفضل فى شعبان عام 202 (825 - 826) على أنه برئ من لوثته وتزوج الخليفة المأمون ابنته بوران فى رمضان عام 210 (825 - 826 م). وقد حمد للحسن كثيرًا سخاؤه مع الشعراء والعلماء وتوفى فى سرخس فى غرة ذى الحجة عام 235 (16 يونية عام 850) أو عام 236. المصادر: (1) الطبرى: جـ 3، الفهرس. (2) ابن الأثير: طبعة تورنبرغ، جـ 6، ص 134 - 322, جـ 7، ص 35. (3) ابن خلدون: كتاب العبر جـ 3، ص 241 وما بعدها. (4) اليعقوبى: طبعة هوتسما، جـ 2. ص 539 - 594. (5) أبو الفدا: طبعة ريسكه. جـ 2. ص 100 وما بعدها. (6) ابن خلكان: طبعة فستنفلد، رقم 176: ترجمة ده سلان لهذا الكتاب، جـ 1، ص 408 وما بعدها.

الحسن بن صالح بن حى الكوفى

(7) Gesch. d. Chalifen: Weil جـ 2، ص 140، 184، 200 وما بعدها. (8) Der Islam im Morgen: Mueller und Abendland جـ 1، ص 502 وما بعدها. (9) The Caliphate, its Rise De-: Muir and Fall cline, الطبعة الثالثة، ص 498 وما بعدها. خورشيد [تسترشتين K. V. Zettersteen] الحسن بن صالح بن حى الكوفى أبو عبد الله: محدث ومتكلم زيدى لا نعرف عن حياته إلا القليل. ويبدو أنه ولد سنة 100 هـ (718 - 719 م). وحدث بعد أن زوج ابنته لعيسى بن زيد بن على زين العابدين، أن استتر هو وزوج ابنته فغرر بالمهدى فى بحثه عنه حتى وفاته فى الكوفة سنة 168 هـ (784 - 785 م). ويقول كتاب الفهرست (ص 178، طبعة القاهرة سنة 253) أنه ألف عدة كتب ذكر منها: "كتاب التوحيد" و"كتاب إمامة ولد على من فاطمة" و"الجامع فى الفقه" وغيرها من الكتب. وقد عدّ، هو وأخواه على وصالح اللذان شاركاه مذهبه، أنهم مؤسسو الفرقة الزيدية الصالحية، التى هى فيما يظهر عين الأبترية (البُتْرَية) ولا تختلف معها إلا فى بعض التفصيلات. ويضعه ابن قتيبة (كتاب المعارف، طبعة عكاشة" ص 509) فى زمرة "أصحاب الحديث" ويلاحظ ابن النديم أن معظم المحدثين من الزيدية. زد على ذلك أن الصلة بين الزيدية والمعتزلة معروفة حق المعرفة وقد أوضح المسعودى (مروج الذهب، جـ 6، ص 25) أن الحسن بن صالح يشارك المعتزلة رأيها فى الإمامة، وهو يقول إن الإمامة يمكن أن يتولاها أى فرد فى أية أسرة. والحق أن السمات الجوهرية فى المذهب المنسوب إليه تتعلق فى أساسها بالإمامة التى تكون بالانتخاب ويمكن أن تقع على "المفضول" حتى إذا كان "الأفضل" معروفًا. وهذا يصدق على الأقل حين يوافق الأفضل. ومن ثم فإن خلافة أبى بكر وعمر شرعية ما دام أن

المصادر

عليا، وهو أفضل المسلمين بعد النبى، قد وافق على التخلى عنها. والصالحية تخالف سائر الشيعة وهم يرون من ثم أن الصحابة لم يكونوا على خطأ حين لم يفضلوا عليًا (انظر ابن حجر: لسان الميزان، جـ 3، ص 80 حيث يستشهد باسم الحسن بن حى، وكذلك فعل الجاحظ فى رسالة التربيع والتدوير، باب 85). أما بالنسبة لعثمان فإن الصالحية لا تكفره ورأت أنه من ناحية يدخل ضمن العشرة المبشرة ومن ثم فهو "مؤمن" ... ، ومع ذلك فقد تصرفوا تصرف "المتوفقة. وفى مسألة أخرى يؤيدون الرأى الذى يقول باستعمال السيف لإجبار الناس على المبايعة بالإمامة لأى حفيد من حفدة الحسن والحسين يستحقها، وهم يسلمون بإمكان أن يحكم إمامان فى بلدين مختلفين وتجب لهما الطاعة حتى إذا قضيا بأحكام مختلفة وأعلن واحد منهما قتل منافسه فإن ذلك يتفق مع الشرع. وزاد الشهرستانى على ذلك قائلا إنه حدث فى زمنه أن أتباعا لهذا المذهب، قد التزموا التزامًا بالتقليد ولم يلجأوا للرأى أو الاجتهاد وهم فى الأصول قد اتبعوا المعتزلة، ذلك أنهم كانوا يبجلون المعتزلة فى أعماقهم أكثر من تبجيلهم لشيوخ الشيعة، أما فى الفروع فقد كانوا يتبعون مذهب أبى حنيفة إلا فى مسائل بعينها فقد اتبعوا الشافعى أو الشيعة. المصادر: علاوة على المراجع المذكورة فى صلب المادة، انظر: (1) ابن حزم: الفصل: الفهرس مادة الحسن بن صالح. (2) البغدادى: الفرق بين الفرق، الفهرس، مادة الحسن بن صالح. (3) النوبختيى: الفرق، الفهرس، مادة الحسن بن صالح. (4) الشهرستانى: الملل، على هامش ابن حزم، جـ 1 ص 216 - 218. (5) الطوسى: الفهرست، ص 50. (6) الطبرى، جـ 3، ص 2516 - 2517. (7) البلاذرى: فتوح البلدان، الفهرس.

الحسن بن الصباح

(8) الأشعرى: مقالات الإسلاميين، ص 68 - 69. (9) Muslim Theology: A. S. Tritton لندن سنة 1947، ص 32. خورشيد [بلا Ch. Pellat] الحسن بن الصباح مؤسس فرقة الحشاشين: وقد جاء فى الفقرات الواردة فى جامع التواريخ وتاريخ كزيدة ومير خواند التى تعتمد على سركذشت سيدنا (جـ 3، ص 491 أ) أن نسبه هو الحسن بن على بن محمد بن جعفر ابن الحسين بن الصباح الحميرى. ويزعم الحسن أنه من نسل ملوك حمير القدماء. بيد أن ميرخواند يورد رواية لنظام الملك تقول إن أهل طوس رأوا عكس ذلك الرأى، وقالوا إن أجداده كانوا يفلحون الأرض فى ديارهم. ويقال إنه زعم أيضًا أن أباه هاجر من الكوفة إلى قم، فى حين أن ابن الأثير يلقبه بالرازى فقط أى المنسوب إلى الرى. وتاريخ مولده مجهول ولو انه كان لا يزال حدثًا عندها انضم إلى الدعوة الفاطمية، وكان داعيتهم الأكبر فى فارس إذ داك هو ابن عطاش. وقد أوفد ابن عطاش الحسن عام 464 هـ (1070 م) إلى الخليفة المستنصر الفاطمى فى القاهرة فبلغها عام 471 هـ الموافق 1078 م (ويذهب ابن الاثير جـ 10، ص 304 إن ذلك كان عام 479) بعد أن طوف فى فارس والعراق والشام. وانضم الحسن فى النزاع الذى شجر حول ولاية الأمر بعد الخليفة المسن إلى جانب نزار بينما أيد آخرون ابنا آخر للمستنصر تولى الخلافة فى مصر بعد وفاة أبيه بالفعل وتلقب بالمستعلى. ولم يلبث الحسن أن قفل راجعًا إلى المشرق ودعا بحرارة إلى مبايعة نزار فى أماكن شتى وانتهى به الأمر عام 483 هـ (1090 - 1091 م) إلى الظفر بالحصن الجبلى المنبع ألموت وإن كانت القصص الخاصة بهده النقطة الواردة فى سركذشت سيدنا (وكذلك فى تاريخ كزيدة) تعد من الخرافات ويقول ابن الأثير (جـ 10 ص 216) إن الحسن استطاع أن يجعل القائد العلوى يحسن الظن فيه ثم استمال رجال هذا القائد وحملهم على القبض عليه واستياقه الى دامغان.

وتكرر هذا الفعل فى حصون مختلفة بوسائل أخرى. وربما كان ذلك بأمر ابن عطاش، وكان ابنه، ويعرف هو الآخر بابن عطاش، يقيم فى حصن شاهدز بالقرب من إصفهان. ولم يكن للحسن شأن كبير فى حياة ابن عطاش ولو أن نظام الملك الوزير السلجوقى المشهور قد أساء به الظن قبل ذلك بأمد طويل لكثرة ما كان يعقد من اجتماعات مع دعاة المصريين. أما القصة المشهورة عن صداقة هذين الرجلين القديمة والتى تضيف إليهما ثالثا هو عمر الخيام فحديث خرافة على الرغم مما بيّنه براون من تسليم رشيد الدين بها (انظر Recueil de textes rel.a l'hiistare de seld- joucides جـ 2 المقدمة، ص 14، التعليق) وعمد الحشاشون إلى الاغتيال كفًا لأذى ذلكم العدو الخطر نظام الملك وكان هذا العمل الوسيلة التى دأبوا عليها فى الأعوام التالية. ولم يكن لهم بد من القضاء على نظام الملك أولا فقتل عام 485 هـ (1092 م) وربما كان تنظيم الحشاشين على منوال الجماعات السرية قد حدث فى هذه الفترة، وقد أشير إلى أن الأحوال كانت مواتية لهم وقتذاك وأن السلطان محمدًا لم يفكر جديًا فى القضاء على عهد الحشاشين الإرهابى إلا بعد موت بركياروق. ولما انتزعت منهم شاهدز عام 500 هـ (1107 م) وقتل ابن عطاش تساقطت أوكار هؤلاء النهابين الواحد تلو الآخر ثم ما لبث ألموت ان سقطت آخر الأمر. ومات محمد فى حصارها عام 511 هـ (1138 م) وتفرق جنده، أما الحسن فنجا، ومن الراجح أنه كان قد أمر على الحشاشين بعد موت ابن عطاش، وتوفى بعد ذلك بسبع سنين (518 هـ - 1124 م) وقد أوصى أن يخلفه كابزرك أميدرودبارى. وإذ كان الحسن يعد مؤسس فرقة الحشاشين فينبغى ألا نظن أن غايته الأولى فى الحياة كانت ترمى إلى المحافظة على سلطانه الشخصى بالتحريض على الاغتيال، ذلك أنه ليس لدينا دليل قوى يثبت أنه أوصى باتخاذ هذه الوسائل البغيضة أو أنه اصطنعها التى حبذها أصحاب فرق معينة قبل عهد الحسن بأمد طويل. ثم فشا أمره قبيل ظهور الحسن فى ميدان الحياة

المصادر

العامة، وبخاصة فى إصفهان وإنما تعود أهمية الحسن إلى أنه أمد سلطان الحشاشين بمعقل متوسط منيع فى ألموت فاستطاعوا أن يحافظوا على كيانهم فيه حتى بعد موته. وانصرف الحسن أيضًا إلى التأليف وصنف كتبًا عدة باللغة الفارسية أتلفت جميعًا لسوء الحظ عند احتلال المغول لقلعة ألموت. ولا تخرج الفقرات التى نقلها الشهر ستانى وغيره من هذه الكتب عن المذاهب الشيعية المشهورة. ويتفق ما أكده عنه المصنفون من أنه لم يدع مذهبه على الناس مع مبدأ التقية عند الشيعة، ولم يخالف الحسن غيره من الشيعة، إلا أنه بايع بالإمامة نزارًا ولد المستنصر حتى بعد أن زج به المستعلى فى السجن عام 488 هـ (1095 م) ولسنا نستطيع أن نحدد على وجه التحقيق مدى الفضل الذى يعود إليه فى جعل الفرقة جماعة سرية لافتقارنا إلى التفصيلات الدقيقة. أما أن أتباعه كانوا يجلونه ويبجلونه فثابت من تلقيهم إياه بسيدنا. المصادر: يضاف إلى المصادر الواردة فى مادة الحشاشين (1) الشهرستانى: الملل، طبعة كيورتن ص 150 وما بعدها. (2) Schefer سياستنامه، الملحق ص 48 وما بعدها. (3) Der Islam: Mueller جـ 2، ص 97 وما بعدها. (4) Les Messianisme dans: Blochet .L'heterodoxie musulm ص 105 وما بعدها. يونس. حسن العسكرى أبو محمد حسن بن على: الإمام الحادى عشر للشيعة الإثنى عشرية، وقد لقب "الصامت" و"الزكى" و "الخالص" و"النقى" و"الرفيق" و "الهادى"، وعرف عادة بابن الرضا (الإمام على الرضا الإمام الثامن) بين أتباعه وفى حياته، أما نسبته العسكرى فترجع، شأن أبيه الإمام العاشر، إلى انتسابه إلى عسكر سامّراء.

ولد حسن فى المدينة، وتقول معظم مصادر الاثنى عشرية إنه ولد فى ربيع الأول سنة 230 (نوفمبر سنة 844)، ولكن الكلينى يجعل مولده فى رمضان سنة 232 (أبريل سنة 847, الأصول، ص 324). وكانت أمه "أم ولد" تدعى "حُدَيْث" وتقول بعض المصادر إن اسمها "سُوسَن" أو "سليل" وشب حسن بسامّراء فى كنف أبيه سن 233 أو 234. (847 - 848 م أو 848 - 849 م) واستمر يعيش فيها عيشة اعتكاف واعتزال تام، إلا أنه ظل تحت المراقبة المتصلة فى السنوات الست من إمامته، وحبسه المعتضد ردحا من الزمن، واشترك أخوه جعفر فى المؤامرات التى دبرت له. وتقول روايات الاثنى عشرية إن حسن العسكرى قد بايعه بالإمامة أبوه الإمام العاشر بعد وفاة أخيه محمد أبى جعفر الذى بويع بالإمامة قبله، وكان ذلك قبل شهور قليلة من وفاة أبيهما سنة 254 هـ (868 م). وأحدثت وفاة محمد أخى حسن فى حياة أبيهما شقاقا على أساس أن الإمام العاشر كان آخر إمام وبسبب أن جعفر كان قد طالب بالإمامة. وسقط الإمام الحادى عشر فريسة المرض فى غرة ربيع الأول سنة 260 (25 ديسمبر سنة 873) وتوفى بعد سبعة أيام، ودفن فى بيته بجوار أبيه. وكان "الباب" الذى يدين به هو عثمان بن سعيد. وتقول مصادر الشيعة الأولى (الكلينى: الأصول، ص 236، المفيد: الإرشاد، ص 365) أن المعتضد أرسل له فى أسبوع مرضه أطباءه وخدمه لرعاية الإمام وأن عددًا كبيرًا من أعيان العلوين والعباسيين زاروه وتتهم مصادر الشيعة المتأخرة المعتمد بأنه قد دس له السم. ولما توفى الإمام الحادى عشر دبَّ شقاق آخر فى صفوف الشيعة فقد اختلفوا حول من يخلفه. وذهب بعضهم إلى أنه خلف ولدًا اسمه محمد، وأنكر بعضهم ذلك، ولم يتفق من أنكروا على رأى واحد، فقد قال فريق منهم أن حسن العسكرى كان هو القائم وأنه سيرجع. وقال فريق آخر أن وفاته بلا عقب كانت دليلا على خطئهم فى تأييد إمامته وولوا وجوههم شطر جعفر. وقد ذكر الشهرستانى اثنتى عشرة فرقة من المخالفين (الملل، طبعة Cureton،

المصادر

جـ 2، ص 128 - 131) فى حين ذكر المسعودى عشرين فرقة (مروج الذهب، جـ 8، ص 40). المصادر: (1) نجد فى الكلينى فى كتابه الأصول، طبعة حجرية، بومباى سنة 1302, 324 - 333, 202 - 204 وصفًا متقدمًا فى الزمن مفصلا عن حياة الإمام الحادى عشر وكراماته، وصحابته ووكلائه. (2) ونجد بيانا بالمصادر مع استشهادات وافرة فى محمد باقر المجلسى: بحار الأنوار، طهران سنة 1302 هـ، جـ 12، ص 154 - 179. (3) انظر أيضًا المفيد: كتاب الإرشاد. طهران سنة 1308 هـ, ص 365 - 368. (4) النوبختى: فرق الشيعة، طبعة، Ritter, ص 78 - 89. (5) ابن خلكان: ترجمة De Slane, جـ 1 ص 390 - 391. (6) ابن الأثير: جـ 7، ص 189. (7) الخطيب: تاريخ بغداد، جـ 7، ص 366. (8) ابن طولون: الأئمة الإثنى عشر طبعة صلاح الدين المنجد، بيروت سنة 1958، ص 113. (9) ابن العماد: الشذرات، جـ 2، ص 141 وما بعدها. (10) أبو المحاسن: النجوم الزاهرة، طبعة القاهرة جـ 3، ص 32. وعلاوة على المصادر المذكورة فى صلب المادة يمكن أيضًا الرجوع إلى (11) عباس إقبال: خاندان نوبختى، طهران 1311 شمسية، الفهرس. (12) The Shi'ite: D. M. Donalson Religion، لندن سنة 1933، ص 217 - 225. (13) The Shi'a in India; J.N.Hollister لندن سنة 1953 ص 90 - 92. خورشيد [إلياش J. Eliash] الحسن بن على بن أبى طالب ابن على وفاطمة والمطالب بالخلافة حتى نزل عنها لمعاوية بن أبى سفيان، وهو فى نظر الشيعة الإمام الثانى.

السنوات الأولى: ولد الحسن سنة 3 هـ (624 - 625 م) ولا نعرف على اليقين الشهر الذى ولد فيه، ولعل ولادته كانت فى منتصف رمضان، وسماه النبى - صلى الله عليه وسلم - الحسن، فى حين أن أباه كان يريد أن يسميه "حرب". وقد روى بعض أحاديثه وأفعاله، مثال ذلك الحديث: "أخذ الحسن بن على تمرة من تمر الصدقة فجعلها فى فيه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كخ كخ ارم بها، أما علمت أنا لا نأكل الصدقة". وتروى الأحاديث بما فى ذلك مسانيد أهل السنة أيضا "رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب فأقبل حسن وحسين عليهما قميصان أحمران يعثران ويقومان فنزل النبى - صلى الله عليه وسلم -: فأخذهما فوضعهما فى حجره فقال صدق الله ورسوله: إنما أموالكم وأولادكم فتنة، رأيت هذين فلم أصبر، ثم أخذ فى خطبته". وكان عليه السلام يدع حفيديه يتسلقان ظهره وهو ساجد فى صلاته، وأهم من ذلك عبارات بعينها تنسب إليه يستخلص منها الشيعة أشياء مثل الحديث "الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة" وهو حديث جادل فى صحته مروان بن الحكم. وأهم من ذلك كله الحديث: "أن النبى - صلى الله عليه وسلم - جلّل عليًا وحسنًا وحسينًا وفاطمة كساء ثم قال اللهم هؤلاء أهل بيتى وخاصتى، اللهم أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرًا". ولم يكن للحسن والحسين أى شأن بارز فى خلافة أبى بكر وعمر وعثمان بعد وفاة جدهما النبى - صلى الله عليه وسلم - ووفاة أمهما بعد ذلك بقليل. فقد جاء فى أحد المصادر أنهما ظلا يعيشان فى طاعة أبيهما. والحق أنهما وإن تبعاه فى إظهار بعض اعتراضاته على عثمان، فإنهما لعبا دورًا سلبيًا لأنهما كانا صبيين صغيرين. وقد ذكر اسمهما فى حادث محاصرة بيت عثمان ذلك أن عليًا بعث بهما، فى قول عدة روايات، إلى الخليفة المحاصر يحملان إليه الماء وقد أوشك على الموت عطشًا، وأمرهما أن يدافعا عنه حين يستفحل خطر المحاصرين له. ولما دخل الحسن بيت الخليفة كان عثمان قد قتل، ولكنه أدرك الوقت الذى رأى فيه محمد بن أبى بكر يشترك فى اغتيال عثمان (انظر ابن سعد جـ 3، 1 ص 58). الحسن في خلافة على: ولما بويع

على بالخلافة وخرج عليه طلحة والزبير وعائشة، أرسل الحسن صحبة عمار بن ياسر إلى الكوفة لإقناع أهلها بالانتصار لقضية على وأنفذوا إليه مددا ثم شهد الحسن من بعد وقعة صفين فى الحملة التى شنت على معاوية. خلافة الحسن: لما قتل على بن أبى طالب دعا عبيد الله بن عباس الناس إلى مبايعة الحسن (لم يستطع على بن أبى طالب أن ينصح برأى فيمن يخلفه) وألقى الحسن خطبة ذكرت فى كثير من النصوص يمتدح بها فضائل أسرته وفضائل أبيه، ثم ختمها بذكر فضائله هو وأكد فيها أنه كان يعيش فى ظل من محبة النبى - صلى الله عليه وسلم -، وكان قيس بن سعد ابن عبادة الأنصارى أول من أعلن ولاءه له. على أنه حاول أن يعلق البيعة بشرط وهو أنه يجب أن تكون "على كتاب الله وسنة نبيه وقتال المحلين" أى الذين يحلون ما هو حرام، ولكن الحسن نجح فى تفادى قتال المحلين بدعوى أن ذلك داخل فى الشرط الأول (الطبرى: التاريخ، جـ 2، ص 1) ويرى البلاذرى أن بيعة الحاضرين قضت بأن يحاربوا من كان يحارب الحسن ويسالموا من كان يسالمه. ولكن هذا القول أدهش الجمع، ذلك أن الحسن اذا كان قد تكلم عن السلم فهل كان يقصد أن يسالم معاوية؟ وكان فى استطاعة الحسن أن يعتمد على أربعين ألفًا من أنصار على السابقين إما لأنهم كانوا مستمسكين فى عناد بآرائهم السياسية وأما لأنهم كانوا يخشون انتقام معاوية. والقول بوجود هذه الخشية يمكن استخلاصه من أن معاوية قد بادر بالوعد بالأمان لكل من طلبه ومضى فى هذه السياسة بنجاح حين دخل العراق. ونحن إذ نذكر طريقة الإخباريين العرب القدماء فإن من العسير أن نضع مراحل النضال بين معاوية والحسن فى موضعها الدقيق من تسلسل التاريخ. على أن من الواضح أن معاوية فى حديثه وفى رسائله إلى الحسن لم ين عن إظهار عزمه على عدم الاعتراف ببيعة الحسن، وبادر بالاستعداد للحرب فدعا قواد جيشه فى الشام وفلسطين والأردن إلى الانضمام إليه. وحدث فى أول الأمر تبادل للرسائل المعززة بالشعر بين الحسن ومعاوية وبين عبيد الله بن

عباس (فى بعض المصادر عبد الله ابن عباس أو ابن العباس وحسب) ومعاوية فيما يتصل بالعيون التى بعث بها إلى الكوفة والبصرة (الأغانى، جـ 18 ص 162 وما بعدها). واستمرت هذه الرسائل بعض الوقت متسمة بسمة التناظر مستندة إلى مسائل مما حدث فى الماضى مما جعلها أكثر أهمية (هذا إذا كانت الرسائل التى نقلها أبو الفرج الإصفهانى فى كتابه مقاتل الطالبيين صحيحة على الأقل). ولما اتضحت نوايا معاوية ونزوعه إلى القتال أكثر وأكثر (تقدم إلى الموصل ولكنه عمد فى الوقت نفسه على ما يرجح إلى تقديم عروض مكتوبة بتسوية النزاع) فإن الحسن لم يجد بدًا من الإعداد للحرب. ولم يستجب أنصاره أول الأمر لدعوته، وإنما تقدموا حين حثهم عدى بن حاتم على القتال. وأراد الحسن أن يوقف تقدم معاوية، فبعث طليعة قوامها 12,000 رجل لملاقاته بقيادة عبيد الله ابن عباس وأمره بأن يشاور قيس بن سعد وسعيد بن قيس الهمدانى. ولعله كان يريد بذلك أن يزيح من جانبه قيسًا الذى كان يمثل الحزب يرى القتال حتى الموت، ذلك أنه كان قد اعتزم من قبل التفاوض مع خصمه معاوية. والطبرى على الأقل يقرر ذلك صراحة (جـ 1، ص 1 وما بعدها) وهنالك تقدم الحسن أيضا (بعد البيعة بشهر أو شهرين)، وتوقف فى ساباط المدائن وخطب خطبة أزعجت أتباعه، فقد كان الشك ساورهم من قبل فيما يرجح لكلمات بعينها فاه بها أو لتباطئه فى التقدم. وذكر الحسن أنه سوف لا يحمل ضغينة لأى مسلم وأن الصلح الذى رفضه أتباعه كان أفضل من الفرقة التى أرادوها (انظر الدينورى ص 230) واحتار جنود الحسن: أهو يريد حقا أن يصالح معاوية، وكان أثر ذلك عنيفًا، فقد عمد فريق إلى نهب مضاربه وسحبوا البساط، من تحت أقدامه، وكان من الواضح أن هؤلاء كانوا مصممين تصميمًا جازمًا على السير فى سياسة على. وصرخ الحسن مستنجدًا بأنصاره من ربيعة وهمدان واستطاع بمعاونتهم أن يهرب من هؤلاء المتعصبين وامتطى صهوة جواده وفر. فلما بلغ مظلم ساباط جرحه فى فخذه رجل يدعى الجراح بن سنان الأسدى

الذى كان يومن بآراء الخوارج، فقد حمل عليه بخنجر وصاح فيه: لقد أصبحت كافرًا مثل أبيك: ونزف جرح الحسن نزفًا شديدًا فحمل إلى المدائن وعنى به فى منزل الوالى: وشاع من بعد خبر الهجوم على الحسن شيوعًا كبيرًا، فقد عمد معاوية إلى نشره وأدى ذلك إلى خيانات كثيرة للحسن. وتقدم معاوية حتى بلغ الأخنونية وواجه جنود عبيد الله الذى كان معسكرًا فى مسكن، وكانت طليعة جيشه قد اقتربت من المدائن. وهناك انتهت المفاوضات بنجاح بين المتنافسين، وهى المفاوضات التى كانت قد بدأت فيما يرجح قبل ذلك بزمن بالرغم من معارضة الحسين واستمرت على يد مبعوثين يمثلون الطرفين. ولم يكن جنود الحسن يرغبون فى القتال، وكان كل يوم يمر يزداد عدد العراقيين الذين ينضمون إلى معاوية. شروط الاتفاق بنزول الحسن عن الخلافة: أما عن شروط الاتفاق فإن ثمت اختلافات بين المصادر من المستحيل تصويبها أو التوفيق بينها. ففى بعض الروايات أن معاوية أعطى للحسن كامل الحرية (فيم؟ ) وقد ندم الحسن على أنه لم يطلب منه أكثر. أما تعويض معاوية له بالمال فقد بلغ مليونًا من الدراهم (حصة سنوية؟ علاوة على منحه نقدًا خمسة ملايين من مال الكوفة؟ ) ودخل من كورة فى فارس (دار ابجرد؟ فسا؟ الأهواز) لم يستطع الحسن قط أن يحصله لأن أهل البصرة كانوا معادين له مقررين أن هذا الدخل كان لهم. وتزيد بعض الروايات شروطًا أخرى يتعين علينا مع ذلك أن نشك فى أنها أقحمت من بعد لتخفيف الانتقادات التى وجهت ولإظهار أنه أثار بعض المسائل استمسك بها تدعيمًا لرأيه. وهذه الشروط هى: حق الحسن فى أن يسترد الخلافة بعد وفاة معاوية (ولكن فكرة التدبير السابق لهذا الاستخلاف لم تكن بعد قد ظهرت، ونحن نعلم مبلغ الصعوبات التى واجهت معاوية من بعد لضمان موافقة الجماعة الإسلامية على هذا الاستخلاف. وقد نستخلص من رسالة لمعاوية بأنه صور هذا الأمر بأنه ممكن فى المستقبل دون أن يتخذ أى إجراء من ناحيته) وفى رواية أخرى أن معاوية أخذ على نفسه عهدا بألا

يستخلف أحدًا وأنه يترك الأمر شورى (على أنه إذا كان الأمر كذلك فإن معاوية لم يفكر فى استخلاف ابنه ولا كان يستطيع ذلك! ). ثم إن معاوية وعد بأن يتبع كتاب الله وسنة نبيه [- صلى الله عليه وسلم -] وما سار عليه الخلفاء الصالحون (على أن مثل هذا الشرط الذى يعنى أن حزب على قد سلم به يتضمن إنكارًا لسياسة عثمان، فهل كان فى الإمكان أن يقبل معاوية ذلك؟ ) وقد اقتضى الأمر أن يصدر عهدًا بالأمان للجميع، وأن يؤدى للحسين مليونين من الدراهم (وهذا الشرط يبين أن الحسن كان قد فكر فى أخيه) وأن يفضل الهاشميون (العلويون والعباسيون) على بنى عبد شمس (الأمويين) فى العطاء والمنح (وهل هذا شرط مقبول؟ ). وعندما توقف معاوية فى الأخنونية فى مواجهة الطليعة من جيش الحسن، أنبأ معاوية عبيد الله بن عباس بأن الحسن طلب الصلح، ولكن عبيد الله لم يصدق. ثم عمد معاوية إلى مفاوضة عبيد الله سرًا على يد وسيط من طرف ثالث وبذل له مليونًا من الدراهم إذ هو انحاز إليه، فقبل عبيد الله من غير علم جنوده. وهذه السقطة أدت إلى حدوث انشقاق بين صفوف الطليعة من جيش الحسن، فقد حذا 8000 آلاف جندى حذو قائدهم. وهنالك تولى قيس بن سعد قيادة الأربعة الآلاف الذين بقوا للحسن ودعاهم إلى الاختيار بين الطاعة إلى إمام ضال (يقصد معاوية) وبين القتال تحت إمرة قائد (أى هو نفسه) ليس إماما (وقد بقيت لنا خطبته فى جنوده بروايات مختلفة) والظاهر أن الجنود آثروا القتال، على أنه سرعان ما تبدل الموقف مما أدى الى موافقة قيس على وضع سلاحه. وانتقل معاوية من المسكن التى كان قد بلغها إلى الكوفة وانضم إليه الحسن وأعلن رسميا فى المسجد أنه قد نزل عن الخلافة. وقد أحدث نزول الحسن عن الخلافة بطبيعة الحال آثارًا، فقد قال له حجر بن عدى ليتك مت قبل هذا، وقد اتهمه حجر أو نصير آخر بأنه أهان المسلمين. وقال آخرون أنه يجب أن يعيد النظر فى قراره هذا. وبعد ذلك بسنوات اجتمع

الشيعة وأظهروا إنكارهم لموقف الحسن لأنه لم يطلب ضمانات كافية من معاوية، ذلك أنه لم يسأله عهدًا مكتوبًا باستخلاف الحسن بعد وفاته. وقد اتخذ معاوية تدابير مختلفة لمنع وقوع انتقاضات عليه فى المستقبل، فنقل من الكوفة القبائل المخلصة لعلى وأحل محلها قبائل من الشام والبصرة والجزيرة (الطبرى، جـ 1، ص 192). ولكن ما هى الدوافع التى حملت الحسن على النزول عن الخلافة؟ إنا لنقبل ما ذكرته المصادر فى هذا الصدد: حب السلام، وكراهية السياسة وخلافاتها، والرغبة فى عدم إراقة الدماء. ولكن من المرجح أنه كان مدركًا بأن قضيته خاسرة. فإذا كان صحيحًا أن عليًا جرى على إنفاق ما فى خزينة الدولة (كل أسبوع فيما قيل) يوزعه على المستحقين فلا يبق منه شيئًا، فإن ذلك يجعل الحسن محتاجًا إلى المال. زد على ذلك أن كثيرًا من الخلل قد شاب الأيام الأخيرة من خلافة أبيه بل زاد ذلك فى خلافته هو. ومن ثم فإنه لم يكن مستطيعًا أن يعتمد على جنوده الذين كانت قد ضعفت رغبتهم فى القتال. وأثر نزول الحسن عن الخلافة آثارًا شديدة الوقع فى نفوس العلويين الذين طالبوا من بعد بالخلافة. وفى المناظرات التى دارت معهم لجأ مجادلونهم إلى التذرع بالقول بأنهم فقدوا كل حق فى الخلافة بنزول الحسن عنها، وهى حجة لم يكن من السهل دفعها. وهناك حديث، (البخارى، جـ 2، ص 169. الترجمة الفرنسية، ص 238 وما بعدها) يدل فى ظاهرة على أن عزوف الحسن عن المقاومة كان ميزة كبيرة، فيروى أن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال: "ابنى هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين". بعد نزوله عن الخلافة: وفى عودة الحسن إلى المدينة تلقى فى القادسية كتابًا من معاوية يطلب منه فيه أن يشترك فى الحملة على ابن الحسناء الطائى الخارجى الذى كان قد بدأ لتوه يحرج عليه. وأجاب الحسن بأنه قد سبق أن عزف عن قتاله لتحقيق السلام للناس وأنه سوف لا يقاتل من أجله. واستقر الحسن فى المدينة يعيش

صفات الحسن الجسمانية والخلقية

عيشة هادئة، فى الظاهر على الأقل، دون أن يشتغل بالسياسة، وظل كشأنه يخرج من زيجة الى زيجة حتى أطلق عليه لقب "المطلاق". ويبدو، أن هذه الحياة الحافلة بالمتع الحسية لم تثر مع ذلك نقدا كثيرا له. وفى سنة 49 هـ (669 - 670 م، ويقال سنة 50، 48، 58، 59 هـ) توفى الحسن بعد مرض طويل بعض الشئ، أو مات بالسم دسته له فى قول كثير من المصادر زوجة من زوجاته اسمها جعدة بنت الأشعث. ويقال إن معاوية أغراها بذلك، فقد وعدها بمبلغ كبير من المال وأنه سوف يزوجها ولده يزيد. على أننا يجب أن نذكر أن الحسن لم يكن بحال حريصًا على أن يكشف عن شكوكه لأخيه الحسين خشية أن ينزل انتقامه بعد وفاته بشخص برئ. وقد عدَ الشيعة الشيخ اليمنى الأشعت خائنًا استأجره معاوية، وأنه من المحتمل كثيرًا أن الحقد عليه قد انتقل إلى ابنته. وأبدى الحسن الرغبة فى أن يدفن بجوار جده النبى [- صلى الله عليه وسلم -] ولكن مروان ابن الحكم اتفق هو وعائشة على منع الحسين من تنفيذ هذه الرغبة (وفى رواية أخرى أن عائشة وافقت، ولكن مروان صمم على رأيه، انظر أسد الغابة، ص 14). وهمّ الحسين ومروان أن يمتشقا الحسام، على أن الحسن كان قد أشار بأن يدفن فى حالة الاعتراض بالبقيع، وأقنع أبو هريرة الحسين بأن خير السبل هو اتخاذ هذا الحل، ونحن لا نعلم التاريخين الدقيقين للاتفاق على النزول عن الخلافة والاحتفال الرسمى الذى أقيم لذلك فى الكوفة، ومن ثم فنحن لا نستطيع أن نحدد مدة خلافة الحسن. وقد واجهت المصادر هذه الصعوبة فذكرت تواريخ مختلفة، خمسة أشهر وعشرة أيام وستة أشهر وبضعة أيام، وثمانية أشهر وعشرة أيام. صفات الحسن الجسمانية والخلقية: قيل إن الحسن كان أشبه الناس بجده النبى - صلى الله عليه وسلم -، وذكر أبو الفرج الإصفهانى أنه كان يشوب كلامه لكنه ورثها عن أحد أعمامه. ويضيف آخرون أنه كان خطيبًا مفوهًا (وقد نقل الكثير من خطبه). ويقال إنه كان حاكمًا دمثًا لم

يفقد حلمه قط، وكان كريمًا وتقيًا (يشهد بتقواه أنه كثيرًا ما حج ماشيًا على قدميه)، ولكن المعلومات التى بين أيدينا عنه تقف عند هذا، كما أن خلو المصادر عن أى مدح فى ذكائه أو مهارته أو إقدامه أمر يدعو إلى التساؤل. لقد كان الحسن شخصية تتألق بما انعكس عليها من نور انبعث من جده وأبويه. الحسن فى رأى الشيعة: رأى الشيعة على اختلاف فرقهم ولم يزالوا يرون أن الحسن هو إمامهم الثانى. ولم يكفوا قط عن القول بأن أباه على قد استخلفه لإمامة المؤمنين. والمناقب التى ينسبونها إليه من حيث هو إمام هى المناقب نفسها التى ينسبونها الى الأئمة الآخرين من أهل البيت (واختلاف النسب يبدأ بإمام متأخر) ومن ثم فإن المسائل التى تتعلق بالعصمة وغير ذلك من الصفات لا تنصرف إلى شخصه. وعلى هذا النحو فإن نزول الحسن عن الخلافة الذى انتقده أشد النقد كثير من أنصاره فى حياته، لم يؤد إلى إنكار موقفه من حيث هو إمام. وبرر سلوكه بالقول بأنه ينبعث من عزوفه شأن التقاة عن أمور الدنيا. وقد ملأت أقوال الشيعة الثغرة الناجمة عن افتقاره إلى الصفات الخارقة بروايات عن كراماته ومنها: أنه كان عند مولده يسبح الله ويتلو القرآن. وكان جبريل عليه السلام يهدهده فى مهده، وكان يحميه وأخاه ملك فى نومهما بعيدا عن منزلهما. وكان وهو بعد طفل ينادى نخلة فتوافيه كما يفعل الابن إذا ناداه أبوه. وكان يستخرج وهو طفل الشهد من الحصاة، ولا يظهر على النبى - صلى الله عليه وسلم - أى عجب من هذا. وجعل نخلة عتيقة تحمل ثمرا، ورفع الكعبة فى الهواء، وجعل بيوت المدينة تنتفض. وطار فى الهواء، واختفى ثم عاد بعد ثلاثة أيام. ونقل المكان الذى كان فيه هو وغير من المسلمين إلى مكة، حتى يروا الحجاج يؤدون العمرة ثم أعاده إلى مقامه الأول. وسأل الحسن الله أن يرسل إليه طعامًا يكفى سبعين صاحبًا من المسافرين فانفتحت أبواب السماء ونزل الملائكة حاملين كؤوسًا وأباريق وموائد مجهزة لا تكفى إطعام الأصحاب جميعا

المصادر

وحسب بل هى لا تتناقص. وجعل الماء ينبثق حين كان أصحابه يطلبونه، وأمسك الحسن النجوم من السماء، ثم أعادها إلى مواقعها، وأحيا رجلًا ميتًا وغير ذلك من الكرامات. ورجع رونالدسون Ronaldson إلى مصادر تختلف عن مصادرنا ولخص روايات أخرى أيضا، ولكنه أخطأ إذ قال إن كرامات الحسن محدودة بست عشرة كرامة. ويزيد الشيعة فيقررون أن معاوية حاول أن يسمم الحسن عشرين مرة، ولكنه لم ينجح قط فى قتله لأنه كان يشفى نفسه باللجوء إلى قبر النبى عليه السلام، وأن الأمويين رموا جسد الحسن بسبعين سهما قبل أن يدفق (انظر Donalson) وأن الحسن من حيث هو من آل البيت المقربين ونعنى بهم محمدًا [- صلى الله عليه وسلم -] وعليًا والحسن والحسين كان يشارك هؤلاء فى كراماتهم وهى أنهم خلقوا على هيئة النور قبل خلق العالم بآلاف السنين وأنهم بعثوا النور فى صلب آدم ثم فى أرحام جدات هؤلاء الخمسة. والحسن من الشخصيات الكبرى فى المسرحيات الفارسية الدينية (تعزيه). المصادر: (1) ابن سعد: الطبقات، طبعة سخاو، جـ 1/ 2 ص 33، 106، جـ 3/ 1، ص 20، 24, 49، 58، 152، جـ 4/ 1. ص 43؛ جـ 5، ص 11, 24، 294، جـ 6، ص 34، 118، 184. (2) ابن حبيب: المحبَّر، حيدر آباد سنة 1361 هـ = 1942، ص 18، 19، 46، 57، 66، 293. (3) البلاذرى: أنساب الإشراف، جـ 1 طبعة حميد الله، القاهرة سنة 1959، ص 400، 204، 578 (مخطوط بباريس، ورقة 587 وجه، 606 وجه). (4) الدينورى: الأخبار الطوال، ص 230 - 232. (5) اليعقوبى: التاريخ، جـ 2، ص 254 - 256 والفهرس. (6) الطبرى: التاريخ، جـ 1، الفهرس جـ 2، ص 1 - 9، 199، 1679 والفهرس، جـ 3 ص 2323 - 2325 والفهرس. (7) العقد الفريد، الطبعة الثانية، القاهرة سنة 1928.

جـ 1، ص 194, جـ 3, ص 124 (فى العسجدة الثانية). (8) المسعودى: مروج الذهب، الفهرس. (9) المسعودى: التنبيه والإشراف فى المكتبة الجغرافية العربية، جـ 8، ص 300، والفهرس. (10) أبو الفرج الإصفهانى: مقاتل الطالبيين، طبعة سيد أحمد صقر، القاهرة سنة 1368 هـ = 1949، ص 46 - 77 والفهرس (11) المؤلف نفسه: الأغانى، الفهرس. (12) ابن عبد البر: الاستيعاب، ص 142 - 146. (13) ابن عساكر: التاريخ الكبير، دمشق سنة 1332 هـ، جـ 4، ص 199 - 228. (14) ياقوت، جـ 2، ص 3، 295؛ جـ 4، ص 1039. (15) ابن الأثير، الفهرس. (16) المؤلف نفسه: أسد الغابة، جـ 2، ص 9 - 15. (17) البياسى: الإعلام بالحروب فى صدر الإسلام، مخطوط بباريس، ص 30 ظهر، 34 وجه. (18) أبو الفرج بن العبرى: مختصر الدول، ص 185 - 187. (19) ابن كثير: البداية والنهاية، جـ 8، ص 14 - 19. (20) ابن أبى الحديد: شرح نهج البلاغة، جـ 2، ص 101 - 104؛ جـ 3، ص 292، 434؛ جـ 4، ص 4 - 20. (21) ابن حجر: التهذيب، جـ 2، ص 295 - 301، رقم 528. (22) المؤلف نفسه: الإصابة، طبعة كلكتة سنة 1856 - 1893، جـ 1، ص 673 - 679، رقم 1711. (23) الديار بكرى: تاريخ الخميس، القاهرة سنة 1302 هـ جـ 2 ص 319، 323 - 325، 326 - 328. (24) الحلبى: السيرة الحلبية، الإسكندرية. سنة 1280 هـ، جـ 3 ص 614.

الحسن بن على

(25) Der Tod Husein ben Ali und die Ruche, uebersetzt von F. Wuestenfeld جـ 30، ص 1 - 6. وانظر عن الأحاديث (26) - Wen sicnck مادة Hassan. (27) وهناك روايات أخرى فى. H Chronographia: Caetani مادة الحسن، حوادث سنة 49 هـ، ص 539 وفى تعليقات لا منس، انظر المصدر المذكور بعد. (28) وانظر المصادر الشيعية فى التراجم: ابن رستم الطبرى: دلائل الإمامة، النجف سنة 1369 هـ 1949 م، ص 59 - 70. (29) حسين بن عبد الوهاب: عيون المعجزات، النجف، سنة 1950 ص 52 - 59. (30) ابن شهر اشوب: مناقب آل أبى طالب، النجف، سنة 1376 هـ = 1956، جـ 3 سنة 1375 هـ، ص 170 - 205. (31) محسن الأمين العاملى: أعيان الشيعة، بيروت سنة 1367 هـ = 1948, جـ 2، ص 3 - 108. (32) وانظر عن المراجع الشيعية الأخرى مصادر مادة الحسين بن على ابن أبى طالب فى هذه الدائرة. (33) وانظر المراجع الأوربية عدا التواريخ العامة للخلافة H. Lammens: Etudes sur le regne du Calife Omaiyade Moawia ler ليبسك 147 - 149 faculte orientae de Melanges de la L'Universite St. Josef de Beyrouth حـ 2، ص 39 - 41). (34) The: Dwight M. Donaldson Shi'ite religion لندن سنة 1933, ص 66 - 78. خورشيد [فتشيا فالييرى L.Veccia Vaglieri] الحسن بن على آخر حكام المهدية من بنى زيرى (515 - 543 هـ = 1121 - 1122 - 1148 - 1149 م) توفى عنه أبوه على

وهو بعد حدث، وترك الحكم مضطرًا فى أيدى معاتيقه. وكان هؤلاء مشغولين بصفة خاصة برد هجمات النورمان على صقلية. وفى عام 1122 م حاصر أمير البحر جورج الأنطاكى جزيرة قوصرة Cossira من جزر بنتلاريا وقلعة رأس ديماس وشرع يحاصر المدينة، ولكنه أجبر على العودة إلى سفنه بعد قتال عنيف منى فيه بخسائر فادحة. وفى عام 1135 م ظهر الأسطول النصرانى ثانية أمام عاصمة بنى زيرى ذلك أن الحسن كان قد استنجد بروجر الثانى عندما رأى بنى حماد يهاجمونه برًا وبحرًا. وكافأ هذا الأمير المسلم ذلك الملك النصرانى على معونته فسمح له بأن يبسط سلطانه على أمراء السواحل ومنحه المال الذى ندره المكوس فى أراضيه. وفى عام 536 هـ (1141 - 1142 م) ظهر أسطول أمير البحر جورج الأنطاكى ثانية أمام المهدية فأرغم الحسن على قبول الشروط التى فرضها روجر الثانى، ومن ثم أصبح الحسن إلى حد ما تابعًا من أتباع هذا الملك. ومع ذلك فإن هذا الإذلال لم ينقذ مملكة بنى زيرى. ذلك أن روجر الثانى تذرع بالدفاع عن حقوق أولاد يوسف ابن جامى أمير قابس، وكان قد جرد من أملاكه لانتقاض الأهالى عليه، فأنفذ جورج الأنطاكى مرة أخرى إلى المهدية. وهجرها أميرها وبعض أهلها ففتحها النصارى دون قتال فى نهاية عام 543 هـ (1148 - 1149 م). وهكذا فقد الحسن ملكه جميعًا لأن بقية إفريقية كانت قد نفضت عنها قبل ذلك بسنوات نير بنى زيرى، فالتجأ إلى رياح ثم إلى بونة فبجاية فاعتقله أميرها فى الجزائر. وظل مقيما فيها إلى أن سقطت فى أيدى الموحدين عام 547 هـ (1152 - 1153 م). وأحسن عبد المؤمن وفادته ودان له الحسن بالطاعة. ولما استنقذت المهدية من النصارى. عام 555 هـ (1160 م) عاد الحسن إلى ملكه ثم استدعاه يوسف بن عبد المؤمن بعد ذلك إلى مراكش وتوفى فى أبر زلوّ من أعمال تامسنا عام 563 هـ (1167 - 1168 م).

المصادر

المصادر: (1) ابن خلدون: Beberes ترجمة ده سلان جـ 2، ص 26 وما بعدها. (2) ابن الأثير: الكامل، طبعة تورنبرغ، جـ 10، 11 (وفى ده سلان فى الموضع نفسه، جـ 2، الملحق 5). (3) التيجانى: الرحلة، ترجمة .. A Rousseau فى Journal Asiatique 1852 - 1853 م. (4) Storia dei Musulmani di: Amari Sicillia جـ 54, 6. (5) Memoires Historiques: Pellissiet et geographiques sur l'Algerie باريس 1844 م، ص 179 - 183. خورشيد [إيفر G. Yver] الحسن، مولاى مولاى أبو على الحسن بن محمد سلطان مراكش، وهو السلطان الرابع عشر من بيت الحسنى أشراف سجلماسة الذين حكموا مراكش، وهم يلقبون أيضا بأشراف فلالى أو العلوية. لما توفى أبوه محمد بن عبد الرحمن فى الثامن عشر من رجب عام 1290 (12 سبتمبر عام 1873) بايع أكابر أعيان البلاط المراكشى فى مراكش إذ ذاك ابنه مولاى الحسن. ولكن الفتن شبت من كل جدب وصوب، ففى فاس قصبة مراكش الشمالية، طرد الأهلون عامله الحاج محمد المدنى بنيس، وقتل أهل آزمور واليهم أحمد بن فرجى وانتقض مولاى عبد الكريم بن عبد الرحمن عم السلطان تظاهره قبائل البربر من بنى مقلد وآيت يوسى وآيت عياشى وطالب بالسلطنه واستولى على على مكناسة وأرباضها. وعندئذ خرج الحسن على رأس سلسلة من الحملات لإخماد شتى عناصر الفتنة فى مملكته. فوجه همه بادئ ذى بدئ إلى آزمور فأخمد فتنتها وفرض عليها غرامة ثقيلة حصلها من أهلها. ثم اخترق إقليم الشوية وجمع المتخلف من المكوس وبلغ رباط، وهى من أهم حواضر مراكش الشمالية الثلاث، فاستقبله أهلها استقبالًا جميلا، وكانوا فى يوم عيد من أعيادهم، وزار أكابر

الفقهاء والعلماء وخلع عليهم. وبذل كثيرًا من المال للمكتبات العامة والمدارس، وكشف هذا الصنيع عن ناحية من نواحى سياسته التى ترمى إلى استمالة قلوب أهم أعوانه من الفقهاء الشرفاء الذين ينتسب إليهم أجداده، ومن السكان المثقفين. وفى هذه الأثناء بوغت عمه عبد الكبير وقبض عليه بين آيت يوسى وسلم إلى السلطان، وكان السلطان قد فرغ آنئذ من إخماد فتنة عرب بنى حسن الذين كانوا ينزلون فى سهول وادى سبو الأسفل، ثم زار قبر إدريس الأول على جبل زهرون. ولم يحدث من قبل أن أعد سلطان من سلاطين مراكش العدة للحملات التى يشنها كما فعل مولاى الحسن بزيارته قبور الأولياء فى الزوايا الكبرى وخاصة تلك الزوايا التى كان يقوم عليها الشرفاء. وقد أظهرت هذه الزيارات غيرته على الدين وأعلت من قدرة بين عامة الناس المتعصبين وأكسبته تأييد الوسطاء الذين أقروا السلام بين القبائل أو زودوه بأخبار جليلة الخطر، مثال ذلك أن مولاى الحسن بدأ حملاته على مراكش الشمالية بزيارة قبر سيدى عبد السلام بن مشيش (1306 هـ = 1888 م) وحملاته على تادلا وجبال أطلس بزيارة مرابطى بو الجعد (1307 هـ = 1889 م) وحملاته على تافيلات بزيارة قبور أجداده وهكذا. على أن القوة وحدها هى التى كانت فى الأغلب الأعم تحقق له السيادة على قبائل لم تكن تجنح إلى الخضوع إلا قليلا، كما كانت تعارض فى أداء ضرائب أسئ توزيعها. وقد حاول أبوه السلطان محمد فى سبيل تحصيل الضرائب وامتلاك زمام القبائل أن ينشئ جيشًا على النظم الحديثة وخاصة الأوربية منها، ذلك أنه قد تبين له من حروبه مع فرنسا (الحملة على إسلى عام 1844) وأسبانيا (حرب تطاون عام 1860 م) أن كتائب الجيش تعوزها الكفاية الاستراتيجية، فلم يجد بدًا من اتخاذ هذا الإجراء، وأفاد مولاى الحسن من جهود أبيه فى هذا الشأن وتوسع فيها فناط أمر تدريب جنوده وإنشاء دار للصنعة (ترسانة) بفرق من

الضباط الإنجليز والفرنسيين والطليان. وتمكن بفضل الجيش الجديد، أى العسكر، وبمعاونة الجيش القديم، من وضع حد للفتن المتواصلة والاستمرار فى تحصيل الضرائب. ولم ينقطع السلطان قط طوال حكمه عن تسيير جيشه (محله) شمالا وجنوبًا إلى أنحاء ملكه كافة. فقد أنفذ فى الواحد والعشرين سنة التى دام فيها حكمه نيفًا وثلاثين حملة طال أمد أغلبها. وجرى جيشه على المرابطة فى ناحية من النواحى وقطع عدد كبير من رءوس أهلها، ثم يعمد إلى أكل ما فيها (إن شئت التعبير المراكشى) حتى يتم له جباية الضرائب المفروضة وسرعان ما جرى هذا الإجراء الذى كان الناس يخافونه أكثر من مخافتهم للقتال على القبائل أو المدن التى كان عليها أن تقوم بمعاش جنود السلطان مدة إقامتهم فيها. على أن ثمت أوقات أصيب فيها جنود السلطان بنحس الطالع، فقد حدث عام 1305 هـ (1887 م) خاصة أن جيشه الذى كان يقوده عمه مولاى صغور حلت به هزيمة نكراء على يد على بن المكى مهوش المرابطى وبربر جبال أطلس الكبرى، وذبح هذا المرابطى عم السلطان بيده. وقد أدخلت الحملات الموجهة إلى بنى سناسن (1291 - 1292 هـ = 1874 - 1875 م) وحملات الأسبان فى الريف واستقرار الإنجليز فى رأس جوبى عام 1305 هـ (1887 م) السلطان فى مفاوضات مع فرنسا وغيرها من الدول الأوربية. فأرسلت إليه عدة بعوث للحصول على شتى الامتيازات الصناعية والتجارية فى مراكش. وجرى السلطان فى ذلك على سياسة أجداده العظام فلم يقدم على أمر إلا بعد أن تشاور جهرة مع فقهاء الدولة (1304 هـ = 1816 م) فى جواز الاتجار شرعًا مع النصارى، فزاد فى عدد الموانى التى يباح لهم التجارة عن طريقها ونظم فيها المكوس الشريفية. ومن ثم أقام موردًا للدخل أثبت وأفعل من السطو على القبائل لتحصيل الضرائب. ومولاى الحسن من أعظم الحكام الذين عرفتهم مراكش همة وذكاء، وهو

المصادر

يشبه فى أكثر من جانب من جوانب خلقه مولاى إسماعيل رأس هذا البيت. كما كان مثله فى اهتمامه بتشييد العمائر. وقد بنى فى فاس قصرًا يقول كتاب المسلمين إنه على غرار قصر إشبيلية، وشق طرقًا وشيد قناطر وغير ذلك، ووجه كل عنايته إلى إنهاض التعليم الإسلامى. ولم يكن يحب قط أن يمنح الأوربيين امتيازات صناعية لأنه كان يخشى أن يستغلوا نفوذهم فينتهزوا أية فرصة تسنح لهم ويتغلغلوا فى داخل مراكش. وكان غيورًا على حقوقه وسلطانه. ومن هنا أجرى كل الإصلاحات والتحسينات باسم المخزن حتى ما نهض به الوسطاء من الأجانب، ولذلك كانت هذه الإصلاحات والتحسينات موقوته كما كان شأن القائمين بها. وتوفى الحسن يوم الثلاثاء الموافق 3 ذى الحجة عام 1311 (9 يونية عام 1894) فى عودته من حملة شنَّها على بربر أطلس الكبرى. فخلفه ابنه السلطان عبد العزيز. المصادر: (1) السلاوى: كتاب الاستقصا، القاهرة 1312 هـ، جـ 4، ص 125 إلى آخر الكتاب. (2) Le maroc d'aujourd' hui: Aubin باريس 1905 فى مواضع مختلفة منه. خورشيد [كور A. Cour] + الحسن، مولاى أبو على: سلطان مراكش من سبتمبر سنة 1873 إلى 9 يونيه سنة 1894، وهو ابن سيد محمد ابن عبد الرحمن، وقد خلف الحسن فى فى سن السابعة والثلاثين أباه سيدًا من غير أن ينازعه أحد السلطنة. على أنه ما إن تولى العرش حتى قامت الفتن فى عدة أماكن، فقد قامت فتنة فى آزمور تناهض واليها، وقامت فتنة أخرى فى مكناس انتقض فيها عم الحسن عليه مطالبًا بالسلطنة، وقامت فتنة ثالثة فى فاس حيث تمرد الصباغون مطالبين بإلغاء ضريبة فرضت عليهم. وبادر السلطان الحسن فأخمد هذه الفتن سريعًا دون أن يفرط فى القسوة على المنتقضين. وقضى فترة كبيرة من حكمه

المصادر

يشن الحملات لتوطيد سيادته على كثير من القبائل البربرية بإخضاعها لسلطانه. وفى رجوعه من حملة من هذه الحملات التى استغرقت وقتًا طويلًا بلغ فيه تافيلات أدركته منيته فى إقليم تادلا. وظلت وفاته سرًا حتى بلغ جيشه الرباط حيث بويع ابنه الصغير عبد العزيز بالسلطنة. وقد أدرك مولاى الحسن، مثل أبيه وجده أن الحاجة ماسة إلى صبغ مراكش بالصبغة المدنية ورأى أن أول قطاع يتناوله الإصلاح هو الجيش، ومن ثم أنشأ الحسن وحدات نظامية دائمة، ودعا معلمين أجانب معظمهم من الفرنسيين والإنكليز منذ سنة 1877. وكذلك أرسل عدة مجموعات من المشاة إلى جبل طارق للتدريب مع الجنود الإنكليز. واشترى السلطان سلاحًا من أوربا. وأقام مصنعًا للخرطوش فى مراكش ودارًا للصناعة فى فاس سماها "المكينة" بل هو قدم أقام نواة لأسطول وطنى. وشغل نفسه أيضا بالتدريب الفنى للمراكشيين وأرسل كثيرًا منهم إلى أوربا بغية صبغ بعض الصناعات المراكشية بالصبغة الحديثة. على أن علاقاته مع الدول الأوربية التى اجتذبتهم مراكش أكثر وأكثر، استنفذت جزءًا كبيرًا من نشاطه .. ولقى عددًا متزايدًا من الوفود. وبمبادرة منه ومن بريطانيا العظمى عقد أول مؤتمر دولى عن مراكش فى مدريد من 19 مايو إلى 3 يوليه سنة 1880. وتناول هذا المؤتمر حماية حقوق الدول الأوربية فى الإمبراطورية الشريفية .. وكان الحسن تقيًا محافظًا فى الأمور الداخلية، فلم يدرك تمامًا ملابسات مبادرته فجر مراكش إلى معترك دولى انتهى باعلان الحماية عليها سنة 1912. المصادر: (1) السلاوى: كتاب الاستقصا فى أخبار المغرب الأقصى، جـ 4، ص 235 وما بعدها (ترجمة Fumey فى Archiv.maroc، جـ 11، سنة 1907. (2) الحلل الباهية، وقد ترجم جزء

الحسن بن يوسف

منه Coufourier فى. Arch. maroc جـ 8، سنة 1906، ص 3، 350 - 395. (3) The Moorish: Budgett Meakin Empire، لندن سنة 1899. (4) Hist. du Maroc: H. Terrasse جـ 2، سنة 1950، ص 331 - 340. (5) Le Maroc et: J.L. Miege L' Europe, جـ 3، باريس سنة 1962، ص 197؛ جـ 4، باريس سنة 1963 (وانظر المصادر فى حكم الحسن جـ 3، ص 198, تعليق 7) خورشيد [لاتورنو Toruneau R.Le] الحسن بن يوسف ابن على بن المطهر الحلى الشيعى جمال الدين أبو منصور المشهور بعلّام المولود فى الحلّة عام 648 هـ (1250 م): أكبر فقهاء الشيعة فى عصره. وقد مثل الشيعة تمثيلا موقفًا فى مناقشة مع أهل السنة جرت فى بلاط السلطان غباث الدين ألجايتو خدابنده محمد (703 - 716 هـ = 1304 - 1316 م) فتأثر السلطان بحججه تأثرًا حدا إلى اعتناق مذاهب الشيعة فى كثير من المسائل، وتوفى الحسن بالحلة عام 726 هـ (1326 م)، وحمل جثمانه إلى مشهد ودفن بها. وقد أحصى له محمد بن الحسن الحرّ العاملى فى كتابه "أمل الآمل" (ص 40) ما لا يقل عن 67 مؤلفا نذكر منها ما يلى (1) كشف اليقين فى فضائل أمير المؤمنين، وهى رسالة صغيرة فى فضائل على بن أبى طالب. (2) منهاج الصلاح فى اختصار المصباح، وهو مؤلف فى الفرائض وخاصة الصلاة اختصره من مصباح المجتهد لأبى محمد بن الحسن بن على الطوسى المتوفى عام 640 هـ الموافق 1068 م (3) منهاج الكرامة فى معرفة الإمامة، وهو دفاع عن مذهب الشيعة فى الإمامة (4) منهاج اليقين فى أصول الدين، وهى رسالة فى أصول مذهب الشيعة (5) معارج الفهم، وهو شرح للمؤلف على كتابه نظم البراهين (6) نهج الحق وكشف الصدق، وهو رد على مذهب أهل السنة وفقههم (7) نظم البراهين فى أصول الدين، وهو كتاب

المصادر

فى قواعد الدين المقررة، وهو مؤلف فى فقه الشيعة من ثلاثة مجلدات الحلى". المصادر: (1) منتهى المقال فى أسماء الرجال، ص 105. (2) أمل الآمل، ص 40. (3) روضات الجنات فى أحوال العلماء والسادات، ص 171. (4) Gesch der arab.: Brockelmann .Litter جـ 2، ص 164. خورشيد [هدايت حسين] حسنى والجمع حسنيون، وهى نسبة تطلق على شرفاء العلويين من سلالة الحسن ابن على وزوجته فاطمة ابنة النبى محمد [- صلى الله عليه وسلم -]، وحسنى تقابل حسينى، وهى نسبة الشرفاء من سلالة الحسين الابن الثانى لعلى وفاطمة. على أن النسبة حسنى تطلق بصفة خاصة فى مراكش على الشرفاء من سلالة محمد النفس الزكية تمييزًا لهم عن الأدارسة أبناء عمومتهم. وكان هؤلاء الشرفاء يستوطنون فيما سبق جنوبى مراكش خاصة، وكان لهم شأن كبير فى تاريخ شمالى غرب إفريقية. ولا نعرف تاريخ استيطانهم تلك البلاد ولا علة ذلك: وتذهب الروايات إلى أنهم بلغوها فى الوقت الذى قامت فيه الأسرة المرينية: ويقال إن نفرًا من أهل الورع من مسلمى سجلماسة، وهى مدينة فى جنوبى جبال أطلس الكبرى، قد توقفوا فى عودتهم من الحج عند ينبع، وهى مدينة على ساحل بلاد العرب إلى الغرب من المدينة، وتصادقوا فيها مع شريف من الشرفاء يدعى الحسن وقدر هؤلاء المزايا الروحية التى تحصل لهم من الاستماع إلى دروس هذا الشريف والبركات السماوية التى تحصل لهم بفضل شفاعته فحببوا إليه السير معهم واستيطان بلادهم. ولقب هذا الشريف بالداخل أى الرجل الذى يحل بأسرته فى بلد من البلاد. وتحقق ما كان يرجوه المسلمون من أهل التقى، إذ كان الحسن

المصادر

وذريته مصدر بركات لمستقرهم الجديد. وفى ذلك الوقت رأى أهل وادى درعة والحزن يحز فى نفوسهم، أن نخيلهم أخذ يذوى وثماره لا تنضج فقيل لهم "لو أتيتم بشريف إلى بلادكم كما أتى به أهل سجلماسة لصلحت ثماركم كما صلحت ثمارهم" وعمل أهل درعه بهذه النصيحة واستقدموا من يتبع الشريف مولاى زيدان بن أحمد ابن عم شقيق الحسن الداخل. وانتشرت ذرية الحسن فى تافيلالت وتألف منهم عترة الشرفاء العلوية نسبة إلى جدهم على المراكشى. ما سلالة زيدان فقد عاشت فى وادى درعة وانحدر منها سلاطين السعديين الذين نسبوا عشيرة بنى سعد بن أبى بكر التى عاش بينها أبناء زيدان سويًا. ولم يكن شرفاء سجلماسة أو بنو سعد بأقل شغبًا من الشرفاء الأدارسة فى مراكش الشمالية، إذ كثيرا ما كانت المنازعات تدب بينهم وبين المرينيين، ولكنهم كانوا بعيدين عن مقر الحكومة المركزية وراء جبال أطلس الكبرى المنيعة، فسهل عليهم تنظيم أنفسهم تنظيمًا يجعلهم مستقلين بأنفسهم أو يسمح لهم ببسط نفوذهم. وقد أفلح السعديون تعاونهم عشائر عربية راسخة التكوين ويؤازرهم الحزب الدينى الذى كان يملك زمامه شرفاء من أرومة مختلفة، فى القضاء على أمراء مراكش من الأسر البربرية والهيمنة على مستقبل البلاد أكثر من قرن من الزمان (1555 - 1654 م) وبعد مضى سبع سنوات على اختفائهم من ميدان الشغب والنضال، أى حوالى عام 1671، كان مولاى إسماعيل هو المؤسس الحقيق لأسرة الشرفاء. المصادر: (1) القادرى: الدر السنى، فاس سنة 1309 هـ, فى مواضع مختلفة. (2) إدريس بن أحمد: الدرر البهية، فى مجلدين، فاس سنة 1309 هـ، فى مواضع مختلفة. (3) محمد الدلائى: نتيجة التحقق، فاس 1309 هـ فى مواضع مختلفة. (4) ابن القاضى: جذوة الاقتباس،

شجرة نسب الشرفاء الحسنيين بمراكش

الحسين بن الحسين

فاس فى تاريخ غير معلوم، ص 125. (5) الكتانى: سلوة الأنفاس، فاس فى ثلاثة مجلدات، جـ 1، ص 218, جـ 2. (6) السلاوى: كتاب الاستقصا، فى أربعة مجلدات، القاهرة سنة 1312، جـ 3، ص 3 وما بعدها، جـ 4، ص 4 وما بعدها. (7) Etablissement des Dyan-: Cour stes des Cherifs باريس 1904، فى مواضع مختلفة. (8) Le Marac: Massignon الجزائر سنة 1906، ص 169. الشنتناوى [كور A. Cour] الحسين بن الحسين آخر دايات الجزائر (1818 - 1830 م)، ولد بإزمير، وكان يشغل منصب خوجه الخيل عندما أصاب الطاعون عليَّا فأقامه خليفة له، ونودى بالحسين دايًا من غير معارضة. وكان الحسين رجلًا عظيم الثقافة معتدلًا فى آرائه لا يطمع فى السلطان ولكنه قبله على مضض، وكان الناس يعدونه محبًا للخير عادلًا. وقد بادر فاستهل حكمه بإصدار عفو عام كما أبطل شتى الإجراءات الشديدة التى اتخذها أسلافه. على أن الإنكشارية حاولوا رغم ذلك قتله مرتين بعيد اعتلائه عرش البلاد. ومن ثم عاش فى القصبة يحميه حرس من زواوة. وكانت الحالة فى السلطنة مضطربة جدًا فى هذا الوقت، فقد عمت الفتنة الولايات التى فى شرقى السلطنة وغربها، ذلك أن النممشة وقبيلتى أوراس والسوف وسكان بلاد القبائل الكبرى كانوا قد حملوا السلاح فى وجه الترك ونادى المرابطون الدرقاوية يتبعهم التجانية بالفتنة فى التل ووهران الجنوبية، فقطع الحسين العهد على نفسه بأن يعيد سلطان الترك إلى ما كان عليه، فأفلح فى ذلك بمعاونة باى قسنطينة وباى وهران وبفضل مواهب أغا يحيى العسكرية، وعاد الأمن الى نصابه فى الشرق حوالى سنة 1826 وفى الغرب سنة 1828، وقد أظهر الداى فى الوقت نفسه غيرة على

الإسلام بإرساله أسطولًا إلى شرق البحر المتوسط فاشترك مع الأسطول العثمانى من سنة 1821 إلى سنة 1827 فى قتال العصاه اليونانين. وكانت علاقات حسين بالدول الأوربية متوترة جدًا كذلك، فقد رفض اتباع قرارات مؤتمر إكس لاشابل Aix- la- Chapelle التى تقضى بتحريم تسيير السفن لسلب سفن الأعداء، فأدى ذلك إلى قيام الإنجليز والفرنسيين بمظاهرة بحرية غير أنها لم تأت بنتيجة (1819) , بيد أن طرد مكدونل Macdonell القنصل الإنجليزى كانت له عواقب أخطر من ذلك شأنًا، فقد انفذت انجلترا أمير البحر السير هارى نيل Harry Neale ليطلب تعويضًا. ولكن المحادثات التمهيدية باءت بالخيبة (فبراير - مارس سنة 1944) فضرب الأسطول المدينة بالمدافع من 17 إلى 29 يونية، إلا أن الأضرار التى أحدثها كانت طفيفة لا تذكر، وظن الجزائريون أنهم يستطيعون تحدى الدول المسيحية إذا هم لم يعمدوا إلى الأخذ بالثأر. وشعر الداى فى الوقت الذى كانت تسوى فيه أمور بكرى بزناخ المفلس بأن الحكومة الفرنسية قد أساءت إليه فرد الإساءة بأشنع منها. وتبدى سخطه من الإهانة التى ألحقها بالقنصل ديفال Deval فى 30 أبريل سنة 1827. ولم يكتف الحسين بأن رفض تقديم أى ترضية عن هذه الإهانة بل أمر بتدمير المنشآت الفرنسية فى القلعة La calle وأدت هذه الإهانات إلى حصار الشاطئ الجزائرى حصارًا بحريًا (1827 - 1830)، وقامت الحكومة الفرنسية خلال هذه المدة بعدة محاولات للمفاوضة مع الداي، ولكنه أبى الاتفاق بحال. ولعله كان يعتمد فى مسلكه هذا على مؤازرة الحكومة البريطانية له. وكاد ألا ينكر الاعتداء الذى وقع على السفينة لابروفانس La Provence التى أطلقت عليها المدافع الجزائرية النار فى يوليو سنة 1829 رغم أنها كانت ترفع علم الهدنة ولما لم يستطع وزراء شارل العاشر الحصول على أية ترضية بالوسائل السياسية غيروا أساليبهم وقرروا إنفاذ حملة إلى

المصادر

الجزائر فى 31 يناير سنة 1830, ونزلت الجنود الى البر فى سيدى فروخ فى 14 يونية، وأصبح الحسين يواجه الأمر معتمدًا على موارده وحدها، كما أنه كان قد حرم من أحسن قواده يحيى أغا الذى قتله فى سنة 1828، فلم يستطع المقاومة طويلًا واحتل الفرنسيون فورلامبرير Fort l'Empereur فى 4 يوليو فعول حسين على قبول الشروط التى فرضها الجنرال ده بورمون. وكفلت المادتان الثانية والثالثة من شروط التسليم للداى السابق الاحتفاظ بكل ثروته الخاصة والرحيل إلى المكان الذى يختاره، إلا أن الحكومة الفرنسية عارضت فى ذهابه إلى مالطة، فطلب الحسين أن ينقلوه إلى نابولى فبلغها فى 9 أغسطس سنة 1830, وبعد أن أقام فى هذه المدينة فترة وجيزة ذهب إلى ليغورن ومنها استطاع بواسطة بعض التجار اليهود الذين كانت لهم علاقات منتظمة بالجزائر أن يفاوض الساخطين فى مدينة الجزائر والزعماء الوطنيين فى داخل البلاد، ثم ذهب إلى باريس سنة 1831 ليلتمس ربط معاش له وليطلب رد أملاكه اليه، فقوبل باحترام ولكنه لم ينل شيئا من الحكومة، وكانت قد فطنت وقتئذ إلى حقيقة موقفه حيالها، فعاد إلى ليغورن واستمر فى القيام بحركاته، فلما شعر أنه مراقب مراقبة شديدة رحل عن ليغورن إلى الاسكندرية ومات بها مغمورا سنة 1838. المصادر: (1) Trois ans d'exil, trois: Demontes ans d'intrigues, le dey Hussien en Halie Bulletin societe da Geographie d'Alger,) (1905 . (2) Historie d'Alger: De Grammont sous la domination turque، باريس 1887. (3) The Scourge of Chris-: Playfair tendom لندن 1884 ص 284 - 322. (4) Histoire de l'Afrique: Mercier septentrionale؛ جـ 3، الفصل 29 وما بعده.

الحسين بن حمدان

(5) Histoire de la Con-: Nettement quete d'Alger. (6) La Conqete d'Alger: C. Rousset (7) سى حمدان بن عثمان خوجه: Le Miroir، باريس 1833. خورشيد [إيفر G. Yver] الحسين بن حمدان ولد رأس الدولة الحمدانية. وقد حدث فى أوائل سنة 282 هـ (895 م) عندما كان الخليفة المعتضد يحمل الأسرة الحمدانية على الطاعة أن كان الحسين فى قلعة دير زعفران فسلم نفسه وحمل هو وأبوه الى بغداد، وفى سنة 283 قطع الحسين على نفسه عهدًا بأن يقبض على هارون زعيم الخوارج الهارب بشرط أن يطلق سراح أبيه، وقد أفلح فى القبض على هارون وبرَّ الخليفة بوعده فكان للحمدانيين منذ تلك اللحظة مقام عظيم فى بلاد الخليفة، وبعد عشر سنوات أنفذ الحسين فى إثر أبى غانم القرمطى، وكان قد أحدق بدمشق ولكنه لم يفلح فى اللحاق به، إلا أنه هزم فى السنة التالية (249 هـ الموافقة لسنة 906 - 907 م) أتباع زكرويه فى الشام. ولما اقتربت نهاية الخليفة المعتضد رشح الحسين ابن المعتز خليفة له. فلما ولى المقتدر الخلافة (295 هـ = 908 م) هاجم الحسين القصر للقبض على شخص الخليفة، ولكن المحاولة باءت بالخيبة وتفرق الحسين هو وسائر المتآمرين. وهرب إلى الموصل ولكن قبض عليه فى تكريت، إلا أن الخليفة عفا عنه وولاه على قمّ وقاشان، وسار من قم فى سنة 297 هـ (909 م) للهجوم على الليث بن عمرو الصفّارى ولكن الجيشين لم يلتقيا، ثم اشترك بعدئذ فى الحملة التى أنفذت إلى سبكرى خصم الليث فأسر سبكرى فى منتصف سنة 298 هـ (910 م). وفى عام 301 هـ (913 - 914) انتقض عبد الله بن حمدان أخو الحسين

ولكنه خضع عندما سيرت جنود الخليفة إليه وأعيد إلى ولايته، وفى السنة التالية خرج الحسين عن الطاعة وكان وقتئذ واليًا على ديار ربيعة، وعزل عبد الله مرة أخرى وسجن، وكان جل جند الخليفة فى مصر ولكنهم ما إن عادوا حتى هرب الحسين وقبض عليه هو وسائر أسرته وأرسلوا إلى بغداد، ولكن القنوط لم يتسرب إلى قلبه فقد كان يعتقد أنه لا غنى للخليفة عنه وعن أخوته. وقد أطلق بالفعل سراح أخوته وأعيدوا إلى مناصبهم وقتل الخليفة الحسين دون سواه سنة 305 هـ (917 م) خورشيد [فاير T. H. Weir] + حسين بن حمدان بن حمدون بن الحارث، العدوى التغلبى: أول عضو من أسرة الحمدانيين .. كان له شأن هام فى تاريخ الخلافة فى نهاية القرن الثالث الهجرى (التاسع الميلادى) وأوائل القرن الرابع الهجرى (العاشر الميلادى)، ذلك أن حسينا لم يكن مثل أبيه بل كان نشطًا فعّالًا فى الداخل، أى فى الجزيرة، وفى غيرها من أقطار إمبراطورية الخلفاء أيضا. بدأ حياته خارجيًا نهازًا للفرص فأيد الخليفة المعتضد إذ نزل له سنة 282 هـ (895 م) عن أرْدُمُشت التى كان أبوه قد وكل إليه الدفاع عنها بعد فراره، فأصبح حسين حليفًا لهذا الخليفة له اعتباره. وفى السنة التالية أقامه الخليفة قائدًا لعدد كبير من الجنود، وغدا المسؤول الأول عن القبض على هارون الشارى الخارجى، مما مكّنه من إطلاق سراح أبيه الذى كان قد قبض عليه ورفع الجزية المفروضة على التغالبة وتولى أمر سرية من 500 فارس من بنى تغلب. وأبلى حسن بلاء حسنًا بعد ذلك فى الحملات التى شنت على بكر بن عبد العزيز بن أحمد بن أبى دلف صاحب الجبال، ولعل ذلك حدث سنة 283 هـ (896 م) وقد أشير إلى هذا الحادث فى قصيدة نظمها أبو فراس فى تمجيد الأسرة الحمدانية،

وفى خلافة المكتفى (289 - 295 هـ = 902 - 908 م) أحرز حسين بوصفه نائبًا لمحمد بن سليمان صاحب ديوان الجيش، نصرًا بارعًا سنة 291 هـ (903 م) على حسين بن زكرويه القرمطى (صاحب الخال) ففر ولم يلبث أن أسر. واشترك مع محمد ابن سليمان هذا فى إعادة فتح مصر وانتزاعها من آخر أمراء الأسرة الطولونية سنة 292 هـ (904 - 905 م) وكان فى هذا الفتح على رأس طليعة الجيش، وكان حسين أول من اتصل بالمتآمرين الذين كانوا يدبرون للخلاص من الطولونيين الذين كانوا يضغطون عليه للسير إلى الفسطاط. وجاء فى رواية أن محمد بن سليمان أراد أن يوليه أمر مصر، على أن حسينًا رفض وآثر أن يعود إلى بغداد حاملًا معه قدرًا كبيرًا من الغنائم. وفى سنة 293 هـ (905 - 906 م) وُلىَّ قيادة جيش أنفذ إلى بنى كلب فى الشام الذين كانوا تمردوا بتحريض من القرامطة، فأجبرهم على الفرار إلى الصحراء، ولكنه عجز عن تعقبهم، فقد شغلوا الآبار فلم يجد مناصًا من الرجوع إلى نهر الفرات عند الرحمة فأتاح بذلك الفرصة لبنى كلب أن يتقدموا حتى الفرات الأدنى حيث هزموا جيشًا سيره إليهم الخليفة عند القادسية ونهبوا قافلة الحجاج فى أواخر سنة 906 م. وأجبر بنو كلب والقرامطة على الفرار آخر الأمر بعمل حربى وجه من بغداد وحاولت فلولهم أن تعود إلى الشام عن طريق الفرات فأفناهم حسين ابن حمدان فى جمادى الآخر سنة 294 (مارس - أبريل سنة 907). وبعد ذلك ووجه حسين بمشكلة بعض العصاة من القبائل العربية، وخاصة بنى كلب، بين الفرات وحلب، وهنالك استطاع سنة 259 هـ (907 - 908 م) مع تميم الذين كانوا قد أقبلوا لنهب الجزيرة، أن يردهم إلى الشام وهزمهم بالقرب من خناسية.

وجلبت كل هذه الأعمال الحربية الشهيرة لحسين بن حمدان فأكسبته الاحترام بين الكتّاب وبوأته مركزًا يمكنه من ممارسة نفوذه السياسى حين ثارت مسألة من يخلف المكتفى سنة 295 هـ (908 م). وأيّد حسين الفريق الذى فشل فى استخلاف المعتز فحاولوا أن يحلوا محله بالقوة الشاب المقتدر بن المعتضد الذى كان قد أقيم خليفة، وتولى حسين أو أشير عليه بأن يطيح بالوزير العباس ابن الحسن الجرجرائى الذى كان قد خالف الكاتب محمد بن داود بن الجراح عم على بن عيسى فبايع للمقتدر. واشترك مع اثنين آخرين من المتآمرين وهاجم العباس وقتله فى العشرين من ربيع الأول سنة 296 (17 ديسمبر سنة 908) وحاول أن يغتال الخليفة الشاب، ولكنه لم ينجح لأنه كان قد غادر ميدان سباق الخيل وكان حسين قد دبر أن يفاجئه فيه ولاذ الخليفة بالقصر واعتصم فيه. وبايع المتآمرون من بعد ابن المعتز ثم شخص حسين إلى القصر الحسنى ليجبر المقتدر على مغادرته، ذلك أن المتأمرين ظنوا أنه سوف ينزل عن العرش طواعية. ولكن حسينًا قوبل بمقاومة أعد عدتها الحاجب سوسن والمؤنسان الخادم والخازن. صحيح أنه أشعل النار فى أبواب القصر إلا أنه عجز عن اقتحامه. وفاز حزب المقتدر وفر حسين إلى الموصل ثم إلى بلد وقضى ردحًا من الزمن يتجول هو وانصاره فى الجزيرة. وأنفذ أخوه عبد الله أبو الهيجاء لمطاردته، ولكن حسينًا فاجأ مطارديه وهزمهم. وتشجع حسين بهذا النجاح الذى أحرزه ووسّط أخاه إبراهيم طالبا الأمان من الوزير ابن الفرات، ومع أنه كان هو ومحمد ابن داود والقاضى أبو المثنى من كبار المتآمرين إلا أنه استرد الحظوة التى كانت له. على أنه قد روى إبعاده عن قصية البلاد فعين واليا على ناحيتى قم وكاشان فى الجبال. ونصر وهو والِ على هذا الإقليم جنود الخليفة بقيادة مؤنس الخادم على الليث بن على الصّفارى الذى كان قد أقام نفسه سيدًا

على سجستان وفارس ثم على قائد الليث سُبْكرَىَ الذى تخلى عن حزب الليث وانضم إلى عدوه مؤنس ثم تمرد عليه بتحريض نائبه القتّال وفى سنة 298 هـ (910 - 911) هزم المتمردان فى حين التجأ سبكرى إلى السامانى وأسر القتّال على يد حسين نفسه بحسب ما جاء فى قصيدة لأبى فراس. وجاء فى القصيدة نفسها أن حسينًا عرضت عليه ولاية مصر فأبى، ومهما يكن من شئ فقد عاد إلى بغداد. والظاهر أن الوزير ابن الفرات كان يسئ الظن به فأبعده مرة أخرى وولاه على ديار ربيعة، وشن حسين بصفته هذه حملة على الروم سنة 301 هـ (913 - 914). وحدث صدام بينه وبين الوزير على بن عيسى لأسباب غير واضحة ربما ترجع إلى أن الوزير حرمه من الإشراف على الإدارة المالية فى ولايته أو أن حسينًا لم يراع الضمير فى القيام بواجباته المالية، أو أنه طمع فى الاستقلال بأمر نفسه، فانتقض عليه حسين جهرة، والراجح أن ذلك حدث سنة 302 هـ (914 - 915). وانفذ الوزير جيشًا إليه فلقى هذا الجيش الهزيمة، فاستقدم الوزير مؤنسًا من مصر فأسر مؤنس حسينًا وهو يحاول بلوغ أرمينية فى شعبان عام 302 (فبراير 916). وحمل حسين إلى بغداد فشهر به وهو يرتدى برنسًا من العار وشملة طويلة من القصب، وحمل على ركوب جمل طول الطريق من باب الشماسية إلى القصر، وهنالك حبس بحراسة زيدان القيم على القصر. وظل فى السجن نيفًا وسنتين ثم أعدم فى جمادى الأولى سنة 306 (أكتوبر - نوفمبر سنة 918) بأمر من الخليفة المقتدر لأساب ليست جلية. وأرجح الأقوال أن إعدامه كان ذا صلة بفتنة والى أذريبجان وأرمينية ويوسف بن أبى الساج وهو أيضا يرتبط إلى حد عجيب بصرف الوزير ابن الفرات عن منصبه. ويبدو من ناحية أن مؤنسا أو الوزير ابن الفرات قد يكونان اقترحا إطلاق سراح حسين ليناط به أمر الحرب على يوسف ولكنه

أبى. وربما يكون الخليفة قد شك فى قيام تحالف عليه بين يوسف وحسين فأمر بإعدام حسين، أو لعل ابن الفرات قد تورط فى مؤامرة دبرت لنصرة قضية الشيعة التى كان ابن الفرات وحسين قد كرسا نفسيهما لها. والآراء فى هذه المسألة لا تعدو أن تكون فروضًا. ومهما يكن من شئ فإن الخليفة كان يخشى بلا شك أن يطلق سراح حسين فيعود إلى إشعال الفتنة مرة أخرى إما لرغبته فى الاستقلال بأمر نفسه وإما لإرضاء نزعته الشيعية. وأراد الخليفة أن يتحاشى محاولات أولئك (وكان عددهم كبيرا فيما يرجح) الذين يرغبون فى إطلاق سراحه بالقوة فآثر أن يتخذ قرارًا يوقف كل هذه المؤامرات. وكان حسين بن حمدان أظهر قواد الخليفة لذلك العهد، ويفوق فى ذلك القائد الأعلى مؤنس أو أى قائد آخر من القواد. على شجاعته والخدمات التى أداها ببلائه البلاء الحسن فى عدة معارك لم تكف لتمحو من الذاكرة روح العصيان التى كانت تساوره فى الكثير من الأحيان فضلًا عن كبريائه وأطماعه. ومع ذلك فيظهر أن دوافعه فى انتقاضه وتمرده الكثير كانت شريفة خالية من الهوى. ويبدو أنه رأى أن من الضرورة أن ينصر ابن المعتز ليحدث تغييرًا مفيدًا فى إدارة الحكم وإصلاحه. وكان حسين مثل الكثيرين غيره الذين تعاطفوا مع الشيعة يطمح فى أن يشهد قيام حكومة إسلامية مثالية تسود، ذلك أن عددًا كبيرًا من الناس رأوا أن العباسيين لم يعودوا يمثلونهم وأنه من الممكن أن تقوم فى الحال أو المستقبل سلطة أسرة يكلل هامتها استشهاد الكثيرين من الشهداء وقد أوتيت هذه الأسرة من الفضائل الحقيقية أو الموهومة ما يوازن آثام العباسيين. وثمة مزايا معينة يتصف بها حسين ابن حمدان تظهره فى ثوب الرجل الخارق للعادة. فبالإضافة إلى العزة التى اكتسبها من كرامة محتده العربى الذى ميزه على الموالى من جميع الأجناس وما عرف من مناقب أسرته

المصادر

بنى تغلب، فإنه كان فيما يبدو قد رزق عقلا متفتحًا واسع الأفق لا نجده فى قواد الحرب الآخرين، وتفهمًا لصراع الأفكار الكبير الذى كان يؤرق العالم الإسلامى فى ذلك العهد، ولم يكن حدثا يخرج عن المنطق أن نجده على صلة بالصوفى المشهور الحلاج وأن الحلاج أهداه كتابًا له فى السياسة. ولم يكن حسين بن حمدان هو رأس الأسرة الحمدانية، وإنما كان رأسها أخاه عبد الله أبا الهيجاء، على أن حسينًا كان هو أول عضو فيها أضفى عليها حقًا شرفًا ومجدًا وغرس فيها إظهار شجاعتها وسلطانها ونمى فيها الطموح إلى المجد والسيادة، وكل هذا تشهد به القصائد التى نظمها أبو فراس. المصادر: (1) نجد سيرة لحسين بن حمدان فى ابن عساكر، جـ 4، ص 291 - 292. (2) انظر أيضا تواريخ الطبرى وعريب ومسكويه، وكمال الدين وابن الأثير، الفهارس. (3) الدوادارى، ص 80، 81. (4) أما التفصيلات الخاصة بشأنه فى التاريخ فانظر Histoire: M. Canard de dynastie de la Homdanides جـ 1، ص 357 - 340، والمصادر المذكورة فى الحواشى. (5) القصيدة الكبرى لأبى فراس فى تمجيد الأسرة الحمدانية (طبعة سامى الدهان، جـ 2، ص 103 وما بعدها، 154 وما بعدها) وعليها شروح ابن خالويه على الأبيات التى قيلت فى حسين بن حمدان (سامى الدهان، ص 126 - 130، 150، 165، 167). وهذه القصيدة بها تفصيلات لا نجدها فى التواريخ. (6) أما شأنه السياسى فى بغداد فانظر Vizrat Abbaside: D. Sourdel ص 370 - 371، 373، 389، 403 - 413. خورشيد [كانار M. Canard]

حسين رحمى

حسين رحمى عين من أعيان المدرسة التركية الحديثة فى الأدب، وهو من أكثر الكتاب قراءً إن لم يكن أشهر كتاب الترك قاطبة فى الوقت الحاضر، وترجع مكانته الكبيرة إلى تصويره الفائق لحياة الجماهير، فهو يرسم هذه الحياة رسمًا بارعًا زاهى اللون فى صور سريعة تعكس محيط هذه الحياة بكل ما فيه من نضرة وبعد عن الكلفة. وفى مؤلفاته شئ من فن القصاص الشعبى ومهارتهم الفائقة فى محاكاة حياة الجماهير اليومية فى خشونتها وواقعيتها، تلك الحياة التى كان رحمى أول من أدخلها فى الأدب التركى. وتمثل مشاهده التى نقلها من الحياة اليومية لغة العوام من أهل البلد، وهى بمثابة مصدر دائم للبحوث اللغوية والجنسية بمصطلحاتها التى تغيب مدلولاتها ومعانيها الدقيقة فى بعض الأحيان عن المؤلف نفسه والتى نبحث عنها عبثًا فى غيره من المظان. ولرحمى إلى جانب هذا الأسلوب الطبيعى الواقعى الذى يرفع شأنه أبدًا أسلوب آخر يناقض هذا بشكل ظاهر يفترض أنه ممتاز ينم عن الثقافة، وهو ذلك الأسلوب الخليط بين لغة الصحافة واللغة التركية الرسمية المعقدة المعروفة باسم "باب عالى أسلوبى" وهو ينزل برحمى إلى مستوى الكتاب العاديين. وإذا تركنا جانبًا تلك المشاهد التى رسمها للحياة العامة فإن ما بقى من صنعته الفنية الأخرى لا يعدو المستوى المتوسط العادى. ومن يقرأ روايات رحمى لا يلبث أن يشعر بأنه يشاهد مجموعة من الصور الرائعة إلا أنها تفتقر افتقارًا شديدًا إلى الشرح والبيان. وأكثر رحمى فى السنوات الأخيرة من مجادلاته النظرية، إلا أنه مع ذلك لم يأخذ صناعة التأليف مأخذ الجد. ذلك أن الشهرة واتته هينة سهلة فحال ذلك دون نمو مواهبه نموًا قويًا مثمرًا وإبراز موضوعاته التى غلبت عليها الخلاعة إبرازًا ناضجًا فنيًا. إما فى بنائه لفكرة قصصه فهو يكاد يترك كل شئ دون أن يوفيه حقه، فضلا عن أن أفكار

قصصه ساذجة ينقصها لباقة العرض، ثم إن محاولته القيام بدور المرشد والمعلم فى حوادث قصصه الثانوية كثيرًا ما تقضى على الأثر الفنى للمشاهد التى استقاها من حياة الجماهير. ويصرح رحمى، وهو الذى درس عيون الأدب الفرنسى، أنه واقعى، وإن كان ينعى على زولا تطرفه الشديد فى الواقعية. وكانت فكاهته واختياره للموضوع ومنهاجه فى معالجته سببًا فى نعته بذلك الاسم المناسب ألا وهو بول ده كوك Paul de Kocks الترك. وقد دفعته وطنيته المتأججة إلى إبراز خصائص أمته ودافع عنها مستهجنًا التقليد السقيم للعادات الأجنبية، وكشف عن المضار التى تلحق بالمجتمع العثمانى من وراء ذلك التقليد الأعمى للمظاهر الأوربية الكاذبة، وهو مع ذلك يتجنب فى حزم أى تقديس لصفات قومه ولذلك فهو يتندر بسنن المجتمع التركى القديم ويقرنها بالبدع المستحدثة. وبدأ رحمى نشاطه فى الأدب بالترجمة عن اللغة الفرنسية، ونجد مثالا لذلك فى المجلد الثالث من "أراكل كتابخانه سى جيب رومانلرى" (الآستانة عام 1309 هـ الموافق 1891 - 1892 م) وهو يشمل "باريس ده برتأهل" (زواج فى باريس) وقصة فكاهية لجول كلارتى Jules Claretie هى "إيكى رفيق تحرير" وكذلك ترجمة لـ Frederic et Bernerette لألفرد ده موسيه. وأول كتاب ألفه حسين رحمى هو فى السخرية من تقليد العادات الأوربية: "أيينه ياخود شيق" (المرآة والغندور) وهو يفصح عن الصفة الحقيقية لمواهبه. وأصدر فى عام 1313 هـ (1895 م) القصة الفكاهية الهجائية المسماة "المربية" (الطبعة الثانية عام 1315 هـ) ولعلها أحسن مؤلفات رحمى، وهى التى جلبت له الشهرة توًا. ولقد هاجم رحمى بشجاعة طريقة التعليم الشائعة بالآستانة وما يلابسها من مربيات هن على الأغلب من

المعلمات المشكوك فى سلوكهن. وأحدثت روايته التى ظهرت فى جريدة "إقدام" مسلسلة شأن معظم مؤلفاته بلبلة كبيرة فى الأفكار وأثارت السخط فى جميع أوساط المحافظين لإباحيتها كما أسخطت التقدميين لعدائها الصريح لحركة التقدم. وكانت سببًا فى قيام حملة صحفية قوية على رحمى وجريدة إقدام ذاتها. أما مجموعة الرسائل الفكاهية المسماة "المطلقة" (1314 هـ = 1896 م) والتى قام بترجمتها إلى الألمانية إمهوف باشا Imhoff Pasha فى صوره عن الحياة التركية (جـ 1) فكانت موجهة إلى ما فى نظام الطلاق من قسوة لا مسوغ لها، وبذلك عالج رحمى مسألة تحرير المرأة وهى من المسائل الشائكة فى تركيا. وقام فريدريش جيس Friedrich Giese بترجمة بعض الفقرات الشائقة من رواية "عفت" (أى العفة) وظهرت فى العام ذاته باسم عفت - Die Volkssyenen aus Husen Ra -Orien فى humis Romam Theodor -talische Studien Noldeke Zum 70 Ge 1906, burtstag gewidmet ثم ظهرت "بر معادله سودا" أى اتزان الحب. وظهرت فى عام 1315 هـ (1897 م) أطول رواياته المسماة "الحظية" وبها دلائل على التأخر والسقوط. وظهر فى عام 1316 هـ (1898 م) كتابه "تصادف" ثم كتاب "نعمت شناس" فى عام 1319 هـ (1901) وأخذت الصفات الفنية لروايات رحمى تزداد تدهورًا منذ أصدر رواية "شيب سودى". وفى هذه الرواية نفسها وصف لرقص الزنجية مع الأغا، وهذا الرقص على شهوانيته إلا أنه جدير بأن يوصف بأنه درة من درر رحمى فى الوصف. وقد جرت عليه مؤلفاته الأخيرة "قويروقلى يلدز التينده بر ازدواج" (زواج بين المذنبات)، و"غول يبانى" (غول الصحراء)، و"جادى" (الساحرة) نقدًا مرًا وخاصة من الوسط الأدبى لمجلة رباب (مدرسة فكرت) ومن شهاب الدين بالذات. أما مؤلفه الأخير المسمى "جادى جاربيور" (الساحر ينقر) الذى ظهر عام 1329 هـ (1910 م) مصدرا

المصادر

بهذه القولة: "إن الأدب يبدأ فى اليوم الذى يصبح فيه الاهتمام بصفاء لغتنا من الشوائب أمرًا مسلمًا به" فما هو إلا كتاب فى الجدل. المصادر: (1) Geschichte der Tuer-: Horn 1902 kischen moderne ص 47 - 46. (2) Der En-: Friedrich Giese twicklungsgang der modern os manischen Litteratur فى Haupt's Kat alog رقم 13, عام 1906، ص 11 وما بعدها. (3) Osherki po: Wl. Gordlewski nowoj osmanskoj Litjeraturje موسكو 1912، ص 75 - 79. الشنتناوى [منزل Theodor Menzel] حسين رحمى (1864 - 1944): روائى تركى وكاتب قصة قصيرة ظل أروج كاتب من عام 1890 حتى أواخر عام 1920 بالرغم من نأيه عن جميع التيارات والحركات الأدبية فى زمنه. ولد حسين رحمى فى حى آياس باشا باستانبول فى 17 أغسطس سنة 1864، وأبوه محمد سعيد باشا أركان حرب السلطان عبد العزيز، وكانت الأسرة فى الأصل من أهل آيدين. وفقد حسين أمه وهو فى الثالثة من عمره حين كان أبوه يعمل فى كريت. والتحق حسين بالمدرسة الابتدائية ثم الثانوية فى استانبول ثم درس من بعد فى "مخرج أقلام" حيث كان يتدرب كتبة الحكومة، ودرس فى هذه الأثناء اللغة الفرنسية على يد مدرس خاص. وفى سنة 1878 التحق بمدرسة العلوم السياسية (ملكية) ولكنه ترك هذه المدرسة بعد سنتين لاعتلال صحته. وأصبح حسين موظفًا حكوميًا وخدم فى وزارتى العدل والأشغال العمومية حتى سنة 1908، وهنالك اعتزل الخدمة ليتفرغ تفرغًا تامًا للأدب. وفى سنة 1912 انتقل إلى هيلياده وأقام بها من بعد بيتًا خلاويًا من دخله من رواياته (وهو أمر لا سابقة له فى عالم

الأدب التركى). وهناك عاش عيشة اعتزال حتى وفاته سنة 1944, ولم يقطع هذه العيشة إلا رحلة إلى مصر سنة 1933 وفترات عارضة قضاها فى أنقرة حيث كان عضوا فى المجلس الوطنى من سنة 1936 إلى سنة 1943. وبدأ حسين تجاربه الأولى كاتبًا فى سن الثانية عشرة وشهد أول محاولة له فى الكتابة منشورة وهو فى سن العشرين (بركنج حزن آوازه شكايتى فى جريدة حوادث، عدد 42 نوفمبر سنة 1884). ونشر أول قصة قصيرة له" إستانبولده برفرنك" فى هذه الجريدة نفسها بالعدد الصادر فى 29 نوفمبر سنة 1889. وكتب حسين أول رواية له وهى "شق" سنة 1886 وأرسل الجزء الأول منها إلى أحمد مدحت إمام الروائيين المشهورين والناشر والصحفى المعروف فى هذا الزمان، واعترف أحمد مدحت فورًا بموهبته ودعاه بخطاب مفتوح أطراه فيه ونشره فى صحيفته "ترجمان حقيقت"، وطلب منه أن يوافيه فى مكتبه وحثه على إتمام روايته ونشرها مسلسلة فى جريدته سنة 1887, ثم نشرت فى كتاب سنة 1889 وضمه أحمد مدحت إلى محررى "ترجمان حقيقت" وبدأ الكاتب الشاب يملأ أنهار الصحيفة بفيض من مقالاته (ومعظمها فى الحض على الأخلاق) والقصص القصيرة والروايات وأغلبها مترجم عن الفرنسية، عن بول بورجيه وإميل جابوريو، وبول ده كوك وغيرهم. وفى سنة 1894 ترك حسين رحمى التحرير فى ترجمان حقيقت" وانضم إلى محررى صحيفة "إقدام" حيث قدر لعدة من رواياته أن تنشر فيها مسلسلة. ولما نشرت روايته "مربية" سنة 1897 فى إقدام تبينت شخصيته الأدبية المتميزة لدى النقاد وتحققت شهرته. والعجيب أن يحدث هذا فى نفس الوقت الذى بلغت فيه حركة "ثروت فنون" الأدبية المتفردة الغالبة

على أذواق العصر والتى اتخذت شعارها "الفن للفن"، عنفوانها. لقد كتب حسين رحمى نحوًا من أربعين رواية وعدة مجلدات من القصص القصيرة، وقليلا من المسرحيات الصغيرة وعددًا من الترجمات ومعظم مقالاته ومناظراته ونقداته وقليل من قصصه القصيرة ورواياته التى نشرت فى الجرائد على اختلافها لم ينشر بعد فى كتب. ورواياته الكبرى التى هى مثال لمنحاه هو فى التأليف هى "شق" أى المحب للمظاهر سنة 1888, وهى أول رواياته، وهى تعد صورة مجملة على غرار بعض رواياته المتأخرة (رقم 4، 6، 8) وتناول فيها بالنقد والسخرية المحب للمظاهر المتأثر بالغرب يقلد تقليدًا أعمى أخلاق الأوربيين وعاداتهم (2) "عفت" (1897) وهى قصة شابة متعلمة تعليمًا جيدًا، ينزل بها فقر مدقع، فتصارع لتنقذ شرفها فى أصعب الظروف (3) "مطلقة" (سنة 1898، وقد ترجمها إلى الألمانية Imhoff Pasha بعنوان Die Geschieden) وهى تصف المآسى التى تعقب المشاحنات المزمنة بين الزوجة وحماتها (4) "مربيه" (سنة 1898) وخلاصتها أن دهرى أفندى، موظف مدنى متقاعد يستأجر أمرأة فرنسية لتربية ابنيه وحفيده، تستقر والمرأة فى بيته الخلاوى على البحر وسرعان ما تسيطر على البيت كله وتشيع فيه الفوضى وتغوى جميع الرجال فى الأسرة وتنتهى بدهرى أفندى نفسه الذى كان يعجب إعجابًا أعمى بأساليب الحياة الغربية (5) "بر معادله سودا" (إنصاف فى الحب سنة 1899) وهى نقد إجتماعى شديد لما جرى عليه الآباء من تقليد يقضى بأن يختاروا فى المستقبل زوجات أبنائهم وأزواج بناتهم دون الاستماع إلى رغبات أبنائهم وبناتهم (6) "مترس" (العشيقة، سنة 1900) وهى سخرية أخرى بمحبى التظاهر من المتأثرين بالغرب فى مطلع القرن وإيوائهم إمرأة محبة للتظاهر بما يخالف المألوف (7) "تصادف" (لقاء

بالصدفة، سنة 1900) وهذه الرواية تكشف فى فكاهة ساخرة حيل قراء البخت التقليدين الذين درجوا على إزعاج الأسر الدنيا والطبقة الدنيا من الأسر المتوسطة فى استانبول (8) "شبسودى" أى دائما "فى حب" ونشر جزء منها مسلسلا فى جريدة إقدام سنة 1901، وأوقفها الرقيب، ثم نشرت كاملة فى جريدة "صباح" سنة 1908، ونشرت لأول مرة فى كتاب سنة 1912 وترجمتها إلى الألمانية Muhsine Der Liebeskranke Bey وتعد "غالبه" سنة 1916 بعنوان عين روائعه، وهى تطوير آخر للفكرة التى سبق أن تناولها فى رواياته الأولى، وفيها دراسة قوية لرجل يحب التظاهر. فمفتون بك شاب ثرثار، توفى والده، فبعث به عمه إلى باريس فلم يتعلم فيها شيئًا إلا الحياة على غرار الباريسيين المتسكعين. فلما توفى عمه، اندفع عائدًا إلى استانبول رئيسًا لقوناق مزدحم فى الريف، ولم يلبث أن بدأ يعيد تنظيم بيته على نمط الفرنجة (الفرنكه هو العنوان الأصلى للرواية حين نشرت لأول مرة مسلسلة فى جريدة إقدام سنة 1901) وأعاد تعليم أفراد البيت كله فارضًا عليهم الزى الأوربى والطعام الأوربى والسلوك الأوربى وما إلى ذلك (9) "غول يبانى" (أى الغول سنة 1912) و (10) "جادى" (الساحرة سنة 1912) وكلتا الروايتين تسخران من المعتقدات الخرافية وغفلة بعض الناس فى ذلك العهد (11) "تبسم إلم" (بسمة حزينة، نشرت مسلسلة فى إقدام وأوقفت سنة 1914، ونشرت فى كتاب سنة 1923) وهى تحليل طريف للعلاقات الفجة بين رجال هذا الزمان وسيداته (12) "صون آرزو" (الرغبة الأخيرة، سنة 1918) وتحكى قصة الحياة الشقية التى عاشتها شابة أجبرت على الزواج من رجل لا تحبه (13) "جهنملق" (الملعونة، سنة 1919) وهى تنقد زواج الفتيات بالرجال العجائز. (14) "حقه سغندق" (اللهم احفظنا، سنة 1919) وتحكى شقاوات الطبقة الدنيا والطبقة الوسطى الدنيا فى السنوات من سنة

1914 إلى سنة 1918 فى اثناء الحرب باستانبول (15) "تتشمش كوَنرلر" (قلوب تحترق سنة 1922) و (16) "بلّور قلب" (قلب صاف، سنة 1924) وكلتا الروايتين تتناول مشكلة تحرير المرأة فى استانبول بعد الحرب (17) "ميخانده خانملر" (نساء فى حانة، سنة 1924) وهى تحذير للذين يسرفون فى فهم تحرير المرأة فهمًا خاطئًا (18) "بن دلى مييم؟ (أمجنون أنا؟ سنة 1925) وفيها نقاش لمعظم المسائل الفلسفية الخلافية التى ظهرت بعد الحرب (19) "أوتنماز آدم"، (الرجل الذى لا يخجل سنة 1930) هى سخرية إجتماعية على هيئة دراسة لشخصية رجل ينجح فى الحياة بتجاهل جميع قواعد الأخلاق. وبلغت القصص القصيرة لحسين رحمى حوالى سبعين قصة جمعت فى ثمانية مجلدات. ويحتل حسين رحمى مكانًا متفردًا فى تاريخ الأدب التركى قبل عصر الجمهورية. وهو يختلف عن معظم معاصريه فى أنه لم يقلد أى مثل تركى أو فرنسى متقدم عليه. ولكنه سرعان ما هضم مؤثرات شتى ونماها تنمية جعلت منه شخصية أدبية قوية لها استقلالها. وكان حسين معجبًا بالكاتب الشعبى المكثر أحمد مدحت (1844 - 1912) ومن ثم فهو يدين بالكثير فى الأصول الفنية لأسلوبه فى الرواية والحوار، وتقليد الأقليات، ومعالجة بعض المراحل، بل فى إيثاره لموضوعات بعينها، إلى تقاليد الفنون والآداب الشعبية التركية (مثل القرا كوز، والمدّاح، والأصول الفنية للطلوعات فى أورطه أويونو والقصص الشعبية على اختلاف ألوانها). وعلى حين نجد أن أحمد مدحت قد استخدم هذه العناصر فى حرية وبلا ضوابط ومزجها بمؤثرات فرنسية مستقاة من إسكندردوماس الكبير مثلا، فإن حسين رحمى صقل هذه العناصر وهضمها لتحقيق أغراضها ومزجها مزجًا موفقًا بالأصول الفنية للكتاب الواقعيين والطبيعيين الفرنسيين وخاصة

موباسان وزولا. وهذا المزج بين التقاليد التركية الشعبية الجياشة بالحياة المأثورة فى رواية القصة رواية أخاذة، وبين الدراسة المستأنية للأصول الفنية للمذهب الطبيعى، والملاحظة الدقيقة لحياة الطبقة الدنيا والطبقة المتوسطة الدنيا فى استانبول وأنماطها والتحليل الثاقب للمشاكل الملحة فى زمنه والحس المرهف للفكاهة والسخرية جعل كل ذلك حسينًا أكثر الروائيين الأتراك أصالة حتى الثلاثينيات. وروايات حسين رحمى وقصصه القصيرة تكاد تغلب عليها صفة الوثائق وقيمتها. ذلك أن الحياة اليومية للأسر والأشخاص وتطورهم فى حدود المجتمع العثمانى المتفكك، وجميع المشاكل الاجتماعية الناجمة من أثر الأفكار والعادات الغربية فيهم، كل ذلك قد درس دراسة تفصيلية دقيقة أضيفت إليها عناصر فكاهية ساخرة فيها ما فيها من تهاويل الحياة. وقد تناول حسين رحمى فى كثير من آثاره النزعة إلى تقليد كل ما هو غربى تقليدًا أعمى، وعقدة النفص حيال أوربا، والأثر المدمر للبك أوغلى (بيره) الشرقى والمشاكل الأخلاقية على اختلاف أنواعها. والأسلوب الفنى لحسين رحمى لا نظير له، ذلك أن رواياته فى معظمها سلسلة من الصور المجملة القوية تربطها بعضها ببعض برباط واه (يغلب عليه الافتقار إلى الصلة بالموضوع الذى يتناوله) فقرات من الملاحظات الفلسفية والأخلاقية تجنح إلى القضاء على وحدة السرد. وهذا هو الضعف العام الوحيد فى منحى أحمد مدحت الذى لم يستطع أن يتحاشاه قط. ويعانى أسلوب حسين أيضًا من هذه الآفة ولو أنه أكثر صقلا من أسلوب أحمد مدحت بكثير، فهو حين يبتدع الأسلوب المباشر يصبح أستاذًا متفوقًا، يستخدم أقرب اللغة التركية المنطوقة إلى الطبيعة وأكثرها تدفقًا، ولكنه حين يبدأ فى المحاجة والجدل أو فى بسط بعض النظريات الفلسفية أو الإجتماعية فإنه

المصادر

يرتد الى ذلك الطراز من الأسلوب المنمق الزخرف الذى تناوله بالذم فى كثير من كتاباته. ومهما يكن من شئ فإن حسنًا أدرك هذه النقيصة سنة 1920 بعد انتصار حركة "اللغة الجديدة" وتشبه بمعظم معاصريه فبدأ يبسط أسلوب رواياته وقصصه القصيرة فى طبعاتها المتأخرة. وتحقق الآن مجموعة آثاره وتعد للنشر مع بعض التعديل فى لغتها فى ضوء التغيرات الحديثة. وثمة دلائل على أنه من الممكن إحياء شهرة حسين رحمى بالرغم من التغير الجذرى الذى دخل على موضوع الرواية التركية وآفاقها منذ سنة 1930. المصادر: (1) رفيق أحمد سونكل: حسين رحمى كوربيكار، حياتى، خاطره لرى، عصر لرى، مناقشة لرى، إستانبول سنة 1944 (2) نيازى بركس: حسين رحمى نك سوسيال قروشلرى فى AUDTCFD, جـ 3/ 3، سنة 1945 (3) مديحة بركس: حسين رحمى نك رومانلرنده أيله وقديم فى المجلة نفسها، جـ 3/ 3 سنة 1945 (4) المؤلفة نفسها: حسين رحمى نك رومانلرنده قادن تيبلرى، فى المجلة نفسها، جـ 3 - 5، سنة 1945 (5) برتونائلى بوراتاو: حسين رحمى نك رومانجيليغى فى المجلة نفسها، جـ 3 - 2، سنة 1945 (6) مصطفى نهاد أوزون: حسين رحمى دن سجلميش بارجالر وعصر لرى حقنده مطالعه لر، إستانبول سنة 1946 (7) فوزيه عبد اللَّه تانسل فى A I مادة حسين رحمى (8) سعاد هزارجي: حسين رحمى كور بيكار حياتى، صنعتى، عصر لرى، إستانبول سنة 1953 (9) حلمى يوجباش: برتون جبهه لريله حسين رحمى، إستانبول سنة 1964

حسين بن سليمان الصفوى

(10) أكاه سرى لوند: حسين رحمى كور بيكار، أنقره (مطبوعات TDK رقم 229) سنة 1964 (11) كنعان آقيور فى Philologiae Turcicae Fundamenta جـ 2 فيسبادن سنة 1965، ص 556 - 558 والدراسات الأربع الآتية رسائل جامعية لم تنشر وهى موجودة فى مكتبة توركيت إنستيتوسى فى استانبول: (12) مصطفى كورسس: حسين رحمى كور بيكار، حياتى، عصر لرى، سنة 1939، رقم 98 (13) سودى بيبرس: حسين رحمى كور بيكارن يارتيغى تيبلر، سنة 1948، رقم 320 (14) آيدين كوكسال، حسين رحمى نك مشروطيته قدرزيمش أولدوغى رومانلرنك قرونولوجيك أولارك تدقيقى، سنة 1953، رقم 417 (15) كوكشين يوزاق: حسين رحمى نك مشروطتك جمهوريت دورنه قدريزمش أولدوغى رومانلرنك قرونولوجيك أولارك تدقيقى، سنة 1954، رقم 451. خورشيد [فاخر عز Fahir Iz] حسين بن سليمان الصفوى شاه فارس من سنة 1694 - 1722، وقد انهارت فى عهد هذا الحاكم الضعيف مملكة الصفويين، وهى الأسرة التى لم تنجب منذ عهد عباس الأول أمير، قويًا أو أميرًا له شأن. ويقال إن الرؤى والتنبؤات تكهنت بسقوط هذه الأسرة، ومن ثم فإن أبا حسين غير اسمه من صافى إلى سليمان عند ارتقائه العرش. ولما مات سليمان نودى بحسين شاهًا على فارس فى غير مشقة، وكان فى الخامسة والعشرين من العمر، ذلك أنه كان له أخ أكبر منه حكم عليه أبوه نفسه بالموت. وترك الشاه الصغير أمور الدولة بين يدى أشراف المملكة وبخاصة اعتماد الدولة (رئيس الوزراء) فتح على خان، وكان حسين واقعًا تحت

تأثير العلماء فحاول فى مستهل عهده أن يقضى قضاءًا مبرمًا على عادة شرب الخمر التى كانت متفشية بين رجال البلاط والنبلاء ولكنه باء بالخيبة. وكان السلام يسود بعض الشئ فى السنوات الأولى من حكمه اللهم إلا فى ولايتى الحدود: الكرج وقندهار حيث كانت الحالة غير مرضية. على أن خان الكرج المتمرد كركين شخص بنفسه إلى إصفهان ليعتذر عن سلوكه فبدا أن الفتن الكرجية قد خمدت، بل ظن أنه قد وجدت الوسيلة لإخماد اضطرابات قندهار أيضًا وذلك بإنفاذ كركين خان واليًا عليها تؤازره جند الكرج. وكان الصفويون والمغل العظام يتنازعون السيطرة على قندهار منذ أمد طويل، ولكن لم تكن هذه هى الصعوبة الكبرى، ذلك أن القبائل الأفغانية التى كانت تنزل الإقليم، وهى قبائل الغلزائى كانت من أهل السنة، ومن ثم كرهوا الحكم الفارسى وكرهوا أن يتولى كبح جماحهم وال كان فى يوم من الأيام من الكفار ثم نال الحظوة بعد دخوله فى الإسلام. ولذلك فقد كان ميرويس زعيم الغلزائى بصفة خاصة خطرًا يتهدد كركين الكرجى. وأراد كركين أن يتخلص منه فبعث به إلى إصفهان وأرسل إلى الوزراء الصفويين تعليمات سرية ليحتجزوه فيها. ولكن الفرصة سرعان ما واتت ميرويس فاستمال أولى الحل والعقد بتقديم الهدايا المناسبة إليهم، وحصل على إذن بالحج إلى مكة، واستغل إقامته فى هذه المدينة المقدسة فاستصدر فتوى من السلطات الدينية توجب على الأفغان النسيين إعلان الجهاد على الكرج الكفار وحكومتهم المارقة من الإسلام. وعاد إلى فارس مزودًا بهذه الوثائق ثم خرج منها إلى قندهار. وقتل كركين خان ثم استولى ميرويس على قلعة قندهار (1708)، فأنقذت الحكومة الفارسية عندئذ خسروخان، وهو ابن أخى كركين خان المقتول ومعه جنود كرجية وفارسية ليفرض الطاعة على الأفغان

العصاة، فأكرههم ميرويس على الفرار غير أنه بدا أن الأمور قد أخذت تنقلب لصالح الفرس عندما مات ميرويس سنة 1715، وظهر أن أخاه عبد اللَّه خان يميل إلى عقد الصلح مع الحكومة الفارسية، ولكن عبد اللَّه ما لبث أن قتل بيد محمود، وهو ولد من أولاد ميرويس، واستمر محمود هذا فى مقاومة الجيش الفارسى. وفى الوقت نفسه قامت صعوبات أيضًا فى أجزاء أخرى من المملكة كان منشؤها الكرد والأزابكة، فى حين استولى عرب مسقط على البحرين، وتمنى الفرس أن يستعيدوا هذه الجزيرة بمعاونة الأسطول البرتغالى، ولكن القائد العام لطف على خان، وهو صهر رئيس الوزراء، رأى بحق أن الضرورة الملحة تقضى بقمع الغلزائى الذين كانوا قد غزوا كرمان تحت إمرة محمود، وأوقع لطف الهزيمة فعلا بالعصاة ولكن حال دون استكماله النصر ما بدا فى إصفهان من سخط على أهماله حملة البحرين، فاحجموا عن إمداده بالمؤن التى تكفل له السير إلى قندهار، بل انتهز أعداؤه وأعداء اعتماد الدولة هذه الفرصة فأثاروا الشاه عليهما مما أدى إلى أن يفقد رئيس الوزراء بصره وأن يلقى بلطف على خان فى السجن، وكان قد ذهب إلى شيراز، وبذلك مهد حسين بنفسه الطريق لسقوطه، إذ احتل محمود لتوه كرمان وتقدم هو وجنده صوب إصفهان، وجمع الصفويون مرة أخرى جيشًا عرمرمًا ليقفوا به فى وجه التقدم الأفغانى ولكنهم منوا بهزيمة منكرة فى وقعة كلناباد شرقى إصفهان (1722) ومن ثم حوصرت إصفهان نفسها. وقاومت هذه المدينة الحصار طويلا لأن الأفغان كان ينقصهم كل ما يتطلبه ذلك من مدافع، إلا أن القحط تفشى فيها آخر الأمر فلم يجد حسين بدًا من التسليم والتنازل لمحمود عن العرش. وكان طهماسب ابن الشاه قد فرّ فى أثناء الحصار إلى قزوين وتفليس وسعى إلى جمع جيش جديد يستنقذ به قصبة البلاد، وكتب على هذا الأمير السئ الطالع أن يقف موقف المتفرج على الحوادث التى تلت ذلك بفترة وجيزة، ذلك أن محمودًا استولى على

المصادر

قزوين وأقام فيها حامية من الأفغان، ولكن الفرس قتلوا أفرادها غدرًا وخيانة فأخذ محمود بثأرهم وذبح أهل إصفهان تذبيحًا، ثم قتل أكثر أفراد الأسرة الصفوية، وجن محمود بعد ذلك، واشترط أشرف - وهو ابن عبد اللَّه خان الذى قتله محمود - لاعتلاء العرش أن يقتل قاتل أبيه، وتم ذلك سنة 1725، وكان أشرف الخان الجديد فى معاملته لحسين أميل إلى اللين بعض الشئ، ولكن تركيا وروسيا كانتا تستغلان اضطراب الحال فى فارس لصالحهما فلم يتركا له فرصة يخلد فيها للراحة، وعقد أشرف صلحًا مع تركيا سنة 1727 ومع ذلك فقد أكره على امتشاق الحسام مرة أخرى عندما انتصر القائد الذى اشتهر بعد ذلك باسم نادرشاه لطهماسب، وكان الروس ينتصرون له أيضًا، وأنزل به نادر الهزيمة مرارًا ثم أكرهه على الفرار، فثأر لنفسه بقتل حسين المسن سنة 1729 ولكن اللصوص قتلوه هو نفسه بعد ذلك بسنة. المصادر: (1) Tragica Vertentis Bel-: Krusinski lipersici Historica per repetitas clades, ab anno 1711 and annum 1728 continuata post Gallicos, Hollandicos, Germanicos ac demum Turcicos Authoris typos aucti - .or Author P. Th. Krusinski etc ليوبولى 1740، وقد استفيد فى هذا المقال بالترجمة التركية وعنوانها "تأريخ صياح"، طبعة الآستانة سنة 1142 هـ (1729 م)؛ وكان كروسنسكى فى إصفهان خلال الحصار. (2) Relation de Dourry Efendy, Am- bassadeur de la Porte Otttomane aupres du roi de Perse, باريس 1810. (3) The Revolutions of Per-: Hanway sia containing the Reign of Shah Husein لندن 1753. (4) History of Persia: Malcolm، جـ 1، ص 592 وما بعدها. (5) Coins of the Shahs of: R.S.Poole Persia in the British Museum ص 36 و 80، ص 39 - 54.

الحسين بن على بن أبى طالب

الحسين بن على بن أبى طالب حفيد النبى عليه الصلاة والسلام وابن فاطمة، وقد اشتهر بالثورة التى قام بها وانتهت بمأساة فى كربلاء فى العاشر من المحرم سنة 61 هـ الموافق أكتوبر سنة 680 م. طفولته وشبابه: ولد الحسين بالمدينة فى شعبان سنة 4 (يناير سنة 626) على قول أغلب المصادر وكان بعد طفلًا عندما أدركت النبى عليه الصلاة والسلام المنية، ومن ثم لم يتيسر أن يبقى فى ذاكرته إلا القليل عن جده [- صلى الله عليه وسلم -]. وهناك عدد من الأحاديث تذكر العبارات الحانية التى قالها النبى عليه الصلاة والسلام فى حفيديه "من أحب الحسن والحسين فقد أحبنى ومن كرههما فقد كرهنى" و"الحسن والحسين سيدا شباب لم هل الجنة" (وهذا القول مهم جدًا فى نظر الشيعة، ذلك أنهم اتخذوه مبررًا من المبررات الأساسية لحق سلالة النبى فى الإمامة، و"سيدا شباب أهل الجنة" من الألقاب التى تطلقها الشيعة على الأخوين). وثمة أحاديث أخرى تمثل محمدًا عليه الصلاة والسلام وعلى ركبتيه حفيداه, وعلى كتفيه أيضا، بل على ظهره وهو ساجد فى صلاته (وابن كثير، جـ 8، ص 205 - 207, قد جمع عددًا لا بأس به من هذه الروايات استقاها فى معظمها من أسانيد ابن حنبل والترمذى). وقد أضاف عدد من المحدثين إلى هذه المشاهد القليلة الشائقة الحية بعض التفصيلات التى تبدو فى عين غير المسلم عجيبة وكذلك حين تشمل هذه التفصيلات ملائكة متخيلة لا تظهر بهذا المظهر المتخيل لدى المسلمين الذين يؤمنون بتردد جبريل كثيرًا على النبى عليه الصلاة والسلام (¬1). ومن ثم يبدو أثر الشيعة ظاهرًا فى غير ذلك من الروايات التى سوف نذكرها عند الحديث عن قصة الحسين فى هذه المادة. وقد عاش الحسين أيام شبابه فى ظل أبيه يطيع أوامره (انظر المسعودى: مروج الذهب جـ 4, ص 271, 279, 281 وغير ذلك من الصفحات) ويشارك فى حروبه. ¬

_ (¬1) هذا رأى غير المسلمين، ويلاحظ فى هذا الصدد أن جميع الأديان السماوية تؤمن بالملائكة. اللجنة

موقف الحسين من معاوية

موقف الحسين من معاوية: بعد وفاة على بن أبى طالب، أنّب أخاه الحسن على نزوله عن السلطان، وإن كان هو نفسه قد اضطر للأمر الواقع، وقد دعاه الشيعة عدة مرات حتى قبل وفاة الحسن، إلى الانتقاض على معاوية (مثل حجر بن عدى)، ولكنه كان يجيبهم دائما بقوله إنه مادام هذا الرجل (أى معاوية) حيَّا فمحال أن نفعل شيئا والصواب أن نتجه بفكرنا دومًا إلى أن نؤجل انتقامنا إلى أن تحين الفرصة وألا نذيع عن هذا شيئًا (البلاذرى: أنساب الاشراف: 634 ظهر - وجه، 636 ظهر الخ) وقد أخبر معاوية على يد واليه على المدينة مروان ابن الحكم بأن الشيعة يترددون على الحسين، فلم يروعه ذلك، بل لزم جانب الحذر ونصح مروان بأن يتحاشى الاصطدام بالحسين، وأرسل إلى الحسين رسالة مزج فيها بين الوعود الكريمة والنصح للحسين بعدم إثارته. وانتهت هذه الواقعة برد من الحسين فيه اعتزاز وأنفة، (ابن كثير، جـ 8، ص 162). وكان ثمة مناسبتان أظهر فيهما الحسين جرأة وإقدامًا، إحداهما حين دافع عن حقه فى بعض الممتلكات مناهضًا لنفر من الأمويين ذوى البأس (الأغانى، جـ 16، ص 68 - 70)، والأخرى حين طلب معاوية من كبار عماله أن يعهدوا بالخلافة من بعده ليزيد. وهنالك كان الحسين واحدًا من خمسة أبوا أن ينزلوا على هذه الدعوة التى استحدثت مبدأ جديدًا فى الاستخلاف. رفض آخر للبيعة ليزيد بعد وفاة معاوية ومعقبات ذلك: ما إن توفى معاوية (رجب سنة 60 = مارس - أبريل سنة 680) حتى صدع والى المدينة الوليد بن عتبة بن أبى سفيان بأمر يزيد ودعا إلى القصر فى ساعة غير مواتية الحسين وعبد الله بن الزبير لإرغامهما على إعلان الولاء للخليفة الجديد وأدرك الرجلان أن معاوية قد أدركته منيته وظلا على استمساكهما بعدم البيعة ليزيد، وخشيًا على حياتهما، ومن ثم فر ابن الزبير فى الليلة التالية إلى مكة، أما الحسين فقد شخص إلى قصر الخليفة مصحوبًا

مصادر ثورة الحسين ونهايته الفاجعة

بأنصاره وقدم العزاء ليزيد وأعلن أن البيعة يجب أن تؤجل متعللا بأنها لا تكون صحيحة إلا إذا تمت على الملأ، ونجح الحسين فى تأجيل البيعة يومين، وإتجه هو وأسرته إلى المدينة، ولم يلتمس إليها مع ذلك طريقًا غير مباشر، وحث مروان الوليد بن عتبة على استعمال العنف إلا أن الوليد لم يرد أن يتخذ موقفًا صارمًا مع حفيد رسول الله عليه الصلاة والسلام، ودفع ثمن هذا التصرف السلبى فعزل من الولاية. ولم يكن الموقف فى مكة إثر وصول الحسين وعبد الله ابن الزبير يسيرًا كل اليسر، فقد آثر المكيون الالتفاف بالحسين وشكوا فى أن عبد الله الذى كان يضمر فى نفسه أطماعًا، يحمل فى أعماقه غيرة من الحسين (الطبرى، جـ 2، ص 276). مصادر ثورة الحسين ونهايته الفاجعة: يقوم كاتب هذه المادة بدراسة بعض المخطوطات المحفوظة فى مكتبة برلين والمنسوبة لأبى مخنف، انظر Ahlwardt, ص 9028 - 9029، 9031 - 9038) وإن لم يثبت أن جميعها أو جزءا منها صحيح فإن أهم المتون الخاصة بجهاد الحسين ومعقباتها الفاجعة فى كربلاء هو ولم يزل الطبرى ثم البلاذرى. فالأول يروى: (1) عددا كبيرًا من الروايات منسوبة إلى أبى مخنف (المتوفى حوالى 157 هـ = 774 م) ترجع أسانيدها إلى شهود معاصرين. (2) عددًا لا بأس به من روايات هشام بن محمد الكلبى ومعظمها تلقاه من شيخه أبى مخنف. (3) عددًا قليلا من الروايات رواها بأسانيدها رواة لا تضيف على ذلك إلا روايات قليلة مختلفة عن الروايات السابقة، ومعظم هذه الروايات لا شأن له. ويكاد البلاذرى يستخدم فى معظم الأحوال المصادر نفسها التى رجع إليها الطبرى، ولكنه فى كثير من الأحيان يسوق ملخصًا لها ويفتتحها بعبارة "قالوا"، ثم يزيد على ذلك بعض الأشعار والتفصيلات. وأما الدينورى واليعقوبى وابن عبد ربه وغيرهم فيكادون لا يضيفون شيئًا إلى معلوماتنا لأنهم يعتمدون فى جميع

رواياتهم المتصلة تقريبًا على أبى مخنف. وقد كانت كتابات أبى مخنف موضع التقدير العظيم حتى لدى الشيعة، فقد كان هذا الرجل هن المتعاطفين مع الحسين، وقد استقى من مجموع رواياته أقدم كتابهم (مثل المفيد المتوفى سنة 413 هـ 1022 م) وكذلك أولئك الذين أوتوا من ملكة النقد حظًا يؤهلهم لتنقيتها من تهاويل الخيال (مثل أويس، وهو محدَث) وكانت نزعتهم الشيعية تظهر فى غير ذلك من الوقائع. ولم يحدث إلا فى عهد متأخر كل التأخر (فى أوائل القرن السابع الهجرى الموافق الثالث عشر الميلادى فيما يظهر) أن عدّل بعض من وقائع الحسين بإضافة روايات أخرى (مبارزات فردية قتل فيها الحسين خصومه بالعشرات؛ الحسين يدافع عن نفسه دفاع الأسد يذبَّح مهاجميه وغير ذلك). وإن كانت هذه الحكايات قد انتقدها ابن كثير (جـ 81، ص 201). دعوة الكوفيين للحسين وبعثة مسلم بن عقيل إلى الكوفة: قوبلت الأنباء بوفاة معاوية بالرضا والاغتباط فى الكوفة، ذلك أن معظم سكانها كانوا من الشيعة، وسرعان ما أرسلت رسائل ورسلًا تدعو الحسين إلى القدوم إلى هذه المدينة التى لم تعد تطيق الحكم الأموى، فقد وصموه بجريرة أنه استولى على الفئ وسمح بملك الله أن ينتقل إلى أيدى أصحاب السلطان والثروة وقتل خيار الناس (مثل حجر ابن عدى وأنصاره) وأبقى على شرارهم (انظر رسالة سليمان بن صرد الخزاعى وغيره من الشيعة فى الطبرى، جـ 2، ص 234، الخ). وأجاب الحسين بأنه يدرك رجاءهم فى أن تتحد صفوفهم بفضله فى الطريق المستقيم وفى الحق، وأضاف "ما الإمام إلا العامل بالكتاب، والآخد بالقسط، والدائن بالحق، والحابس نفسه على ذات الله" ومع ذلك فقد رأى الحسين أن يأخذ بالحيطة قبل أن يتخذ قرارًا، فأرسل ابن عمه مسلم ابن عقيل إلى الكوفة ليجس النبض. ولم يلبث مسلم أن جمع كلمة آلاف من المؤيدين بل هو قد استطاع أن يرأس جماعة وهو على المنبر فى المسجد (الطبرى، جـ 2، ص 257؛ الدينورى، ص 252). على أن

ذلك بلغ للخليفة يزيد، وكان يرتاب فى واليه على الكوفة النعمان بن بشير الأنصارى وفقد ثقته به فولى عليها عبيد الله بن زياد وكان يلى البصرة أيضا، وأمره أن يشخص إلى الكوفة من فوره ليخمد الفتنة فيها. وبلغها ابن زياد متخفيًا واتخذ تدابير فعالة روعت المتعاطفين مع الحسين. وبذل مسلم محاولات فاشلة لتنظيم القيام بفتنة سريعة، ففر واختبأ. وكشف أمره وقتل فى التاسع من ذى الحجة سنة 60 (11 سبتمبر سنة 680). ومن سوء حظ الحسين أن مسلمًا كتب له رسالة متفائلة كل التفاؤل بنجاح دعوته، والظاهر أنه أرسل له أيضًا مواثيق آلاف من أهل الكوفة ممهورة بتوقيعاتهم. خروج الحسين إلى الكوفة: كان ابن الحنفية فى المدينة (الطبرى، جـ 2، ص 220) ثم عبد الله بن عمر وعبد الله ابن عباس وغيرهم، قد لقوا الحسين فى الطريق من المدينة إلى مكة (الطبرى، جـ 2، ص 223) وحذروه من أخطار ثورته، وكرر ابن عباس له النصح وأصر عليه فى مكة (الطبرى، جـ 2، ص 274، البلاذرى ص 638 وجه - 639 ظهر وغير ذلك من الصفحات)، بل إن عبد الله بن الزبير حاول أن يثنيه عن القيام بمغامرته، ولكنه كان مخادعًا فى ذلك، ذلك أنه كان فى الحق راضيًا كل الرضا بإخلاء الميدان له فى مكة (الطبرى، جـ 2، ص 274 - 276 وغير ذلك من الصفحات)، وبالرغم من هذا. النصح كله فإن الحسين لم يتخل عن مواقفه. فقد اكتفى بأداء العمرة بدلا من الحج، واستغل فرصة غياب الوالى عمر بن سعيد الأشدق الذى كان يؤدى مناسك الحج فى مكة وانسل هو وجماعته فى صحبة واحدة، وكانوا قرابة خمسين رجلا من الأقوياء والأصدقاء القادرين على حمل السلاح، والنسوة والأطفال (8 ذو الحجة سنة 60 الموافق 10 سبتمبر سنة 680 فى يوم التروية) وقد ذكر الطبرى والبلاذرى جميع أسماء الأماكن التى وقف بها فى طريقه من مكة إلى الكوفة، وكذلك ذكرها فلهاوزن. وعلم عمرو بن سعيد بخروج الحسين فأنفذ جماعة من الناس بقيادة

أخيه يحيى لمطاردة الحسين، ولكن كل ما حدث بين الجماعتين كان صدامًا استعملت فيه السياط والعصى. وعند التنعيم غير بعيد من مكة لقى الحسين عيرًا قادمًا من اليمن ورأى أن من حقه أن يستولى على حمله الذى كان يشمل الحلل ونباتات للصباغة مرسلة للخليفة. ولقى الحسين فى طريقه عددًا من الناس، لقى الفرزدق فسأله الحسين فرد الفرزدق فى صراحة قائلا إن قلوب أهل العراق معه وسيوفهم مع بنى أمية (الطبرى، جـ 2، ص 277، 278 وغير ذلك من الصفحات)، وكان ابن عمه عبد الله بن جعفر قد حصل له من الوالى عمر بن سعيد على عهد مكتوب يمنحه فيه الأمان، وأتى إليه عبد الله ليقرأ له العهد، وكانت إجابات الحسين عن كل من يسأله الرجوع عن بغيته تجرى دائمًا هذا المجرى على تفاوت فى ذلك: "الله يفعل ما يشاء، وكل يوم ربنا فى شأن، إن نزل القضاء بما نحب فنحمد الله على نعمائه، وهو المستعان على أداء الشكر، وإن حال القضاء دون الرجاء، فلم يعتد من كان الحق نيته، والتقوى سريرته". وكان زهير بن القين البجلى من أنصار عثمان، وقد تحاشى وهو راحل أن يضرب خيامه فى المكان الذى ضرب فيه الحسين خيامه، واضطر فى مناسبة من المناسبات أن يضرب خيامه بالقرب من الحسين. ودعاه الحسين إلى زيارته وغير رأيه عندما لقيه، وأصبح من يومها من أشد أنصار الحسين تحمسًا له. وكان عبيد الله بن زياد قد أقام رجالًا على الطرقات المؤدية من الحجاز إلى الكوفة (الطبرى جـ 2، ص 285 - 288) وأمر بألا يسمح لأحد بالدخول أو الخروج من المنطقة التى حددت لهم. وعلم الحسين من البدو بهذا الأمر، ولكنه لم يرتع لذلك وواصل رحلته. وفى الثعلبية علم من بعض المسافرين أول ما علم بنبأ مقتل مسلم وهانئ بن عروة بالكوفة. وكان خليقًا بأن يعود أدراجه إلا أن بنى عقيل قالوا له إننا لن نبرح حتى ندرك ثأرنا أو نذوق ما ذاق أخونا، فحملوه بذلك على العدول عن رأيه. وهنالك علم فى زُبَالَة أن الرسول الذى بعث به من الحجاز إلى الكوفة

ليعلن فيها عن وصوله الوشيك (هو قيس بن مسهر الصيداوى أو عبد الله بن يقطر أخوه من الرضاعة: انظر الطبرى جـ 2، ص 288، 293، 303) قد كشف أمره وقتل. وعندئذ أخرج الحسين لأنصاره كتابًا قرأه عليهم وقال فيه إنه قد أتاه خبر فظيع هو قتل مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة وعبد الله بن يقطر وأن أهل الكوفة خذلوه، ثم أردف بأن من أحب منهم الانصراف عنه فلينصرف، ولم يبق مع الحسين إلا أولئك الذين خرجوا معه من الحجاز. وكانت شراذم من الفرسان يجوسون فى هذه المنطقة فلما ظهروا فى الأفق عدل الحسين وجهته وقصد "ذوحُسمُ" وضرب عندها خيامه. واقترب الفرسان يقودهم الحرّ بن يزيد التميمى اليربوعى، وكان الجو حارًا، فأمر الحسين أن يزودوا بالماء. وكان الموقف عند ذاك لم يزل خاليًا من التوتر حتى أن الحرّ وكتيبته شاركوا هذا اليوم فى صلاتين أمهما فيهما الحسين (الطبرى، جـ 2، ص 302). وحدث من بعد أن أربعة من الشيعة قدموا من الكوفة واستطاعوا أن ينضموا إلى المنتقضين بالرغم من أن الحرّ حاول أن يعترض على ذلك (الطبرى، جـ 2، ص 302). وبين الحسين لأعدائه، بعد هاتين الصلاتين، الدوافع التى حملته على الخروج إلى الكوفة قائلًا: "إنى لم آتكم حتى أتتنى كتبكم، وقدمت على رسلكم: أن أقدم علينا فإنه ليس لنا إمام لعل الله يجمعنا بك على الهدى، فإن كنتم على ذلك فقد جئتكم، فإن تعطونى ما أطمئن إليه من عهودكم ومواثيقكم أقدم مصركم، وإن لم تفعلوا وكنتم لمقدمى كارهين انصرفت عنكم إلى المكان الذى أقبلت منه إليكم". ولم يكن الحرّ يعلم شيئًا عن الرسائل التى تلقاها الحسين من أهل الكوفة، ولم يغير الحرّ من رأيه حين أطلعه الحسين على خرجين مليئين بهذه الرسائل، وقال الحرّ إنه تلقى أمرًا بأن يحمل هذا المنتفض بلا قتال إلى ابن زياد، وحاول أن يقنع الحسين أن يتبعه، ومضى الحسين فى طريقه، ولم يجسر الحرّ على اعتراضه فاقترح عليه أن يلتمس طريقًا لا يؤدى إلى الكوفة

ولا إلى المدينة وأن يكتب الحسين الى يزيد أو إلى ابن زياد، وقال الحرّ فى الوقت نفسه أنه سوف يكتب إلى ابن زياد آملا أن يتلقى منه ردًا يخرج به من هذه المحنة المؤلمة. على أن الحسين لم يوافق على اقتراحاته فتبعه الحرّ عن كثب وراح يحذره من حين إلى حين قائلا "يا حسين، إنى أذكرك الله فى نفسك، فإنى أشهد لئن قاتلت لتقتلن". ولكن الحسين لم يكن يخشى الموت؛ وحدث توقف فى ناحية نينوى (وهى جزء من سواد الكوفة)، وأقبل فارس من الكوفة فلم يحيى الحسين وسلم إلى الحرّ رسالة من ابن زياد يأمره فيها بألا يسمح لهم بالتوقف إلا فى مكان صحراوى ليس فيه حصون ولا ماء. وهنالك اقترح زهير بن القين أن يهاجم الحسين سرية الحرّ الصعيرة ويحتل العَقْر المحصنة، فأبى الحسين أن يبدأ بالعداوة. وفى الثانى من المحرم ضرب خيامه فى كربلاء وهو مكان يتبع ناحية نينوى. وفى الثالث من هذا الشهر ساءت الحال. فقد وصل من الكوفة جيش من أربعة آلاف رجل يقودهم عمر ابن سعد بن أبى وقاص الذى كان قد أقيم نائبًا لابن أبى زياد فى السر، وأنفذ إلى "دَسَتبى" ليخمد فتنة أثارها الديلم، ثم استدعاه ابن زياد ليخضع الحسين. وحاول عمر عبثًا أن يتخلى عن هذه المهمة الكريهة، ولكنه هُددَ بأنه سوف يفقد منصبه، فاضطر آخر الأمر إلى طاعة الأمر. وبلغ عمر كربلاء وعلم من رسول أن الحسين قد عقد العزم وقتها على التراجع، ولكن ابن زياد صمم عندما بلغته هذه الأخبار على بيعتهم جميعًا ليزيد. وكانوا قد منعوا فى هذه الأثناء من بلوغ النهر. وأقام عمر بن سعد عمرًا بن الحجاج الزبيدى فى خمسمائة فارس فى الطريق المؤدى إلى الفرات، ومن ثم ظل الحسين وحزبه ثلاثة أيام يعانون من العطش أشد البلاء ونجحت جماعة جريئة يقودها أخو الحسين العباس فى اختراق الحصار إلى النهر، ولكنها لم تفلح إلا فى ملء قرب قليلة بالماء. وكان ابن سعد فى الوقت نفسه لا يزال يحاول عقد اتفاق مع المنتقضين ويتفاوض مع الحسين ليلًا. ولم

يحضر أحد الأحاديث التى دارت بين الرجلين، ولكن أشيع أن الحسين قد طلب من ابن سعد أن يختاروا منه خصالا ثلاث: إما أن يرجع إلى المكان الذى أقبل منه، وإما أن يضع يده فى يد يزيد بن معاوية فيرى فيما بينه وبينه رأيه، وإما أن يسيروه إلى أى ثغر من ثغور المسلمين شاءوا، فيكون رجلًا من أهله، له ما لهم وعليه ما عليهم (الطبرى، جـ 2، ص 287، 314، 436؛ البلاذرى، ص 644 ظهر وغير ذلك من الصفحات). وفى هذا الصدد نصح ابن زياد ناصح سوء هو شَمِر (وهو يعرف عادة شمرْ بين الشيعة) بن ذى الجوشن (وكانَ من قبل من أنصار على وشهد معه صفين: انظر الطبرى، جـ 1، ص 3305). وكان الوالى أجنح إلى المصالحة لولا أن أقنعه شمر بأنه يجب عليه أن يجبر حسينًا على الطاعة ما دام قد دخل فى أرض تقوم فى حدود ولاية ابن زياد. ومن ثم أمر ابن زياد عمر بأن يهاجم الخارج على الخلافة إذا رفض أن يقبل الشروط التى وضعت له، أو يترك قيادة الجنود لشِمْر الذى يحمل لعمر هذا الأمر (الطبرى، ص 315). بل يقال إن ابن زياد أضاف أن الحسين إذا هلك فى القتال: "فأوطئ الخيل صدره وظهره، فإنه عاق مشاق، فاطع ظلوم، وليس دهرى فى هذا أن يُضَرَّ بعد الموت شيئًا" (الطبرى، جـ 2، ص 316). ولقى ابن سعد شمرًا وقال له "أفسدت علينا أمرًا كنا رجونا أن يصلح" وكان ابن سعد واثقًا من أن الحسين لن يستسلم لأن "نفسًا أبية لبَيّن جنبيه". وفى ليلة التاسع من المحرم تقدم ابن سعد وجنوده نحو جماعة المنتقضين، وكان الحسين جالسًا أمام خيمته مائلًا على سيفه وخفق برأسه على ركبتيه، ذلك أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى المنام يقول له إنه سيلحق به، وحذرته أخته زينب بأن جنود ابن سعد يتقدمون نحونا، فأرسل أخاه العباس ليعرف السر فى قدومهم. وفى انتظار عودة الرسول تراشق الطرفان بالمحاذير والمثالب واللعنات. وعاد العباس وعلم ما يأمر به ابن زياد، وطلب الحسين تأخير قدوم الجنود ليلة فأجيب إلى طلبه، ثم تحدث إلى أقربائه وأنصاره حديثًا تذكّره من بعد ابنه على، وهو الرجل

وقعة كربلاء ومراحلها الكبرى

الوحيد من الأسرة الذى نجا من المذبحة، قال: "أثنى [أى الحسين] على الله تبارك وتعالى أحسن الثناء، وأحمده على السراء والضراء، اللهم إنى أحمدك على أن أكرمتنا بالنبوة، وعلمتنا القرآن، وفقهتنا فى الدين، وجعلت لنا أسماعًا وأبصارًا وأفئدة، ولم تجعلنا من المشركين، أما بعد، فإنى لا أعلم أصحابًا أولى ولا خيرًا من أصحابى، ولا أهل بيت أبّر ولا أوصل من أهل بيتى فجزاكم الله عنى جميعا خيرًا، ألا وإنى أظن يومنا من هؤلاء الأعداء غدًا، ألا وإنى قد رأيت لكم فانطلقوا جميعًا فى حل، ليس عليكم منى ذمام، هذا ليل قد غشيكم، فاتخذوه جَمَلًا، " (الطبرى، جـ 2، ص 320). وأظهر أنصاره الولاء الكامل لقضيته إلا عدد قليل، وخفف الحسين من جزع أخته زينب وهدأ من ثائرتها وكانت قد غشى عليها يأسًا، ثم خرج ليتفقد التحصينات، وجعل المضارب تقترب بعضها من بعض وربط بينها بالحبال وجعل الخشب والقصب أكوامًا فى خندق ليحرق إذا استوجب الأمر ذلك ردًا لهجوم يأتيهم من الخلف وقضوا بقية الليلة فى صلاة (الطبرى، جـ 2، ص 317 - 324، 326). وبدأ القتال فى اليوم التالى بعد حلول الصبح. وقعة كربلاء ومراحلها الكبرى: إذا سلمنا بأن ابن سعد حاول أن يجبر المنتقضين على التسليم بإذاقتهم عذاب العطش والإحاطة بهم حتى يقبض عليهم (وهذا ما نخرج به فيما يظهر من دراسة الروايات دراسة موضوعية) فإنه يحق لنا أن نسلم بأن معركة كربلاء قد امتدت من الفجر حتى العصر فى سلسلة من المبارزات الفردية، والهجمات يصحبها كرُّوفر، وفترات من السكون، ومناوشات دفاعًا عن المضارب وما إلى ذلك، وطال ذلك حتى أوشكت الشمس على الغروب، وهنالك فرغ صبر جنود ابن زياد من مقاومة المنتقضين فأطبقوا على من بقى من الطالبيين وذبحوهم. وفى مثل هذا القتال الذى بدأ على هيئة تسابق مميت لا يشترك فيه إلا عدد قليل من المقاتلة وعدد كبير من المشاهدين والجنود المتحفزين، فإن بعض المحاورات بين الخصمين التى رددتها المصادر يمكن

أن تحدث، ويعلق لامنس (Laumens: Le Califat de Yazid leer ص 169) أهمية كبيرة على رواية مختصرة لأبى مخنف تقول إن القتال لم يدم إلا بمقدار قيلولة يقيلها المرء (الطبرى، جـ 2، ص 374، وغير ذلك من الصفحات) ويخلص من ذلك إلى القول: "إن مأساة كربلاء لم تدم أسابيع بل انطوت على فعل واحد وانقضت فى ساعة .. ". وبعد فإن من الروايات التى رواها أبو مخنف بعضًا لا شك فى أنه قد وضعه، ولكنا إذا نظرنا إلى رواياته فى مجملها نجد أنها رواية متماسكة معقولة، ومن ثم فإن اختيار رواية منها واحدة من حيث هى تختلف حقًا أو ظاهرًا عن سائر الروايات، منهج فى النقد تختلف الآراء فى قيمته، وخاصة أن الراوى كما فى هذه الحالة واحد، كما أن الرواية فى هذا الأمر يمكن تفسيرها بأنها تنطوى على تفاخر مقاتل أمام الخليفة، أو على وصف لآخر مشهد فى المأساة. وفى صبيحة العاشر من المحرم عبأ الحسين أصحابه (32 فارسًا و 40 راجلًا، وجعل على ميمنته زهير بن القين وعلى ميسرته حبيب بن مظاهر) أمام مضاربه، وأعطى رايته أخاه العباس وأمرهم بإشعال النار فى أكوام الخشب والقصب، ثم أمر لنفسه بفسطاط فضرب ثم أمر بمسك فميث ثم دخل الحسين الفسطاط وتطَّلى بالنَّورة. وهنالك ركب الحسين فرسه ثم تضرع إلى الله بدعاء طويل بليغ (الطبرى، جـ 2، ص 327) وراح يسترسل فى حديث إلى أعدائه قائلًا إن الله وليه، وهو الذى يحمى المتقين، ودعاهم إلى تدبر الأمر وهل من الشرع أن يقتلوه، وذكرهم بقول النبى عليه الصلاة والسلام أنه هو وأخوه سيدا شباب أهل الجنة، وأشاد بالفضائل الجمة لآل البيت ثم عاد إلى لوم أهل الكوفة الذين دعوه إلى القدوم عليهم ورجائه أن يسمحوا له بالذهاب إلى أرض تمنحه الأمان. فلما أعيد على مسامعه أنه يجب عليه أولا أن يخضع لأبناء عمومته ورد عليهم بأنه لن يذل نفسه كما يذل العبيد (وقد ذكر محسن الأمين، ص 255 - 260 هذا الحديث فى روايات أطول). ثم نزل الحسين عن فرسه وأمر فأنيخت راحلته ليدلل للقوم أنه لن يعمد إلى الفرار.

وإذا استخلصنا الروايات الكثيرة الخاصة بالمراحل الثانوية من المعركة فإننا نستطيع أن نتتبع مراحلها الكبرى تتبعًا لا بأس بوضوحه: لما فرغ الحسين من حديثه حض زهير بن القين أعداء الحسين إلى اتباعه، فلم يلق منهم إلا الوقاحة والتهديد، وهنالك رجاهم ألا تقتلوه (الطبرى، جـ 2، ص 331) ثم بدأوا يسددون سهامهم ونشبت المبارزات الفردية (الطبرى، ص 337، 342) , وهجم الجناح الأيمن للجنود الكوفية بقيادة عمر بن الحجاج، ولكنهم تراجعوا لما لقوا من مقاومة وأمرهم قائدهم بألا يدخلوا فى مبارزات فردية مرة أخرى (الطبرى ص 337، 342). وآثروا أن يواصلوا الرمى بالسهام من بعد. ووقع هجوم ومناورة للإحاطة بأصحاب الحسين قام بهما الجناح الأيسر بأمر من شمر ولكن أرواحًا فقدت من جند الكوفة وسأل قائد الفرسان ابن سعد أن ينجده بالمشاة ورماة النبال (الطبرى، ص 244) وطلب من شَبَث بن ربيع نصير على السابق، وكان فى هذا القتال على مشاة ابن زياد، أن يحمل على أصحاب الحسين، فأظهر عدم رغبته فى ذلك (الطبرى ص 324)، وكان الفرسان على صهوة الجياد المسلحة وخمسمائة (كذا) من رماة النبال هم الذين هجموا، وهنالك عقل الفرسان من أصحاب الحسين خيولهم وقاتلوا مترجلين (الطبرى، ص 345) ولما كان الحسين والطالبيون لا يمكن أن ينالوا إلا مواجهة، فإن ابن سعد أنفذ بعض رجاله إلى مضاربهم من اليمين ومن الشمال، ليجردهم من سلاحهم، ولكن أنصار الحسين تسللوا إلى ما بين المضارب ودافعوا عنها دفاعًا مستبسلًا. فأمر ابن سعد بحرق المضارب فتم له ذلك، وكان هذا فى صالح الحسين أولا لأن النيران منعت المهاجمين من التقدم من هذا الجانب (الطبرى، ص 346) , وكان شَمِر قد اقترب من خيمة الحسين وأزواجه ليشعل فيها النار أيضًا ولكن زملاءه أنفسهم لاموه على ذلك فابتعد خجلًا (الطبرى، ص 346). ولما حان الظهر أدى الحسين وأنصاره صلاة الخوف (انظر الطبرى ص 347، 350). ووافت المغرب

فأصبح الحسين وأصحابه محصورين وقد ضيق عليهم الخناق، وراح أنصاره يتساقطون أمامه وهم يقاتلون دونه (الطبرى، ص 351 - 354، 355)، وانفتح الطريق إلى الطالبيين الذين كانوا حتى هذه اللحظة بعيدين عن الاشتراك فى القتال، وبدأت المذبحة تنزل بهم. وكان أول من قتل منهم على الأكبر ولد الحسين (الطبرى، ص 356) ثم قتل ابن لمسلم بن عقيل (الطبرى، ص 357) ثم جاء دور أبناء عبد الله بن جعفر وعقيل، ثم القاسم بن الحسن الذى وصف مقتله فى عبارات مؤثرة: "خرج إلينا غلام كان وجهه شقة قمر، فى يده السيف، عليه قميص وإزار ونعلان قد انقطع شسع أحدهما، ما أنسى أنها اليسرى، فقال عمرو بن سعد بن نفيل الأزدى: والله لأشدن عليه، فقلت له: سبحان الله وما تريد إلى ذلك: يكفيك قتل هؤلاء الذين تراهم قد إحتولوهم، قال: فقال: والله لأشدن عليه، فشدّ عليه فما ولى حتى ضرب رأسه بالسيف، فوقع الغلام لوجهه، فقال: يا عماه. قال فجلىّ الحسين كما يجلىّ الصقر ثم شدّ شدّة ليث غضب، فضرب عمرًا بالسيف، فأتقاه بالساعد، فأطنها من لَدُن المرافق، فصاح، ثم ننحى عنه، وحملت خيلٌ لأهل الكوفة ليستنقذوا عمرًا من الحسين، فاستقبلت عمرًا بصدورها، فحرّكت حوافرها وصالت الخيل بفرسانها عليه، فوطئته حتى مات، وانجلت الغبرة فاذا بالحسين قائم على رأس الغلام فجاء به حتى ألقاه مع ابنه علىّ بن الحسين وقتلى قتلت حوله من أهل بيته" (الطبرى، ص 358). ولم يرد فى متنى الطبرى والبلاذرى تفصيلات عن مقتل العباس أخى الحسين، فهما قد اقتصرا (الأول فى ص 361، والثانى فى صفحة 657 ظهر) على القول بأن الحسين قد برح به العطش فشق طريقه إلى الفرات، ولكن حيل بينه وبين بلوغه، وهنالك دعا على من حرمه من الشرب أن يموت عطشًا (وقد أجيب دعاؤه بطبيعة الحال). وجرح الحسين فى فمه وذقنه فرمى بدمه الذى كان قد جمعه فى كفيه إلى السماء، وشكا إلى الله ما يُفعل بابن بنت نبيه. على أنه لا شك أنه قد بقيت

روايات عن العباس الذى سقط بلا ريب قتيلًا فى كربلاء. ويربط المفيد (ص 240) بين هذه الروايات والروايات الخاصة بالحسين، وهو يقول إن الأخوين شخصا قدما نحو النهر، وأن الأعداء قد التفوا بالعباس وأبعدوه عن الحسين وقاتل الرجل بشجاعة وقتل فى البقعة التى أقيم عليها قبره من بعد (المفيد، ص 243). وما إن حل هذا الوقت حتى كان جنود ابن زياد قد أطبقوا على الحسين، ولكن واحدًا منهم لم يجرؤ على أن يناله، وأخيرًا جرحه فى رأسه الكندى مالك بن النُّسَير وامتلأ برنسه بالدم فألقاه ثم دعا بقلنسوة فلبسها واعتم، وأخذ الكندى البرنس، ولم يجده البرنس شيئًا ولم يزل فقيرًا يلاحقه الشر حتى مات (الطبرى، ص 359). وثمة مرحلة أخرى من مراحل المأساة تروى فى عبارة مؤثرة وهى مقتل صبى كان الحسين قد وضعه فى حجره (اليعقوبى، ص 290، يعلل وجود الصبى فى حجر الحسين فى مثل هذه اللحظة غير المواتية بأنه كان قد ولد وشيكًا)، فرمى بنبل فأصاب عنقه، فتلقى الحسين دمه فلما ملأ كفيه صبه فى الأرض ودعا الله أن ينتقم من هؤلاء الظالمين (الطبرى، ص 359). واستمرت المذبحة، وأخيرًا كان شَمِر الذى لعنه الشيعة هو الذى تقدم فى جماعة من جنده نحو الحسين ولكنه لم يجسر بحال على ضربه، وإنما أعقب ذلك مشادة بين الرجلين (الطبرى، ص 362) وهنالك خرج الحسين من جموده وبدأ يستعد للقتال (وحين نتدبر السبب فى عزوفه عن القتال يجب أن نذكر أنه كان قد أشرف على الرابعة والخمسين وأنه كان مريضًا) وقام إلى جنبه بشجاعة غلام، ولم يستمع هذا الغلام إلى ما صدر له من أمر بالعودة إلى الفسطاط ولم يستجب إلى نداء زينب له بالعودة أيضًا فأصابته ضربة سيف أطنَّت يده، وأفاء عليه الحسين عزاءه وقال إن الله سوف يلحقه بأبائه الصالحين فى الجنة. ولم يبق مع الحسين من أصحابه إلا ثلاثة أو أربعة. وهجم الحسين على العدو، وكان يلبس سراويل محكمة النسج من القماش

اللامع ولكنه مزقها خشية أن يسلبها سالب بعد موته، وهى حيطة لم تغنه شيئًا، ذلك أن جسده ترك عاريًا فى ميدان المعركة (الطبرى ص 364، 366). ودنا عمر بن سعد من الحسين فقالت له زينب "يا عمر بن سعد، أيقتل أبو عبد الله وأنت تنظر إليه"، وفاضت الدموع من عينى ابن سعد (الطبرى، ص 365)، وقاتل الحسين قتال الفارس الشجاع. وثمة بعض المصادر (اليعقوبى، ص 291، وغيره من مصادر أهل الشيعة) تقول إن الحسين قتل كثيرًا من الأعداء، يعدون بالعشرات، على أن هناك رواية واحدة تقول إن أعداءه كانوا يودون أن يقتلوه لفورهم (الطبرى، ص 365). وأخيرًا أصيب فى يده وكتفه بالرغم من تهديده لأعدائه بأن الله سينتقم منهم، فكبا على وجهه (الطبرى، ص 366). وكان سنان بن أنس بن عمرو النخعى هو الذى ضربه مرة أخرى فاحتز رأسه، ذلك أن خولى ابن يزيد الأصبحى كان قد أمر بذلك فأرعد وعجز، ودفع سنان بالرأس إلى خولى فحمله إلى ابن زياد. وهكذا انتهى القتال، فعمد الجنود الى السلب، فسلبوا لباس الحسين وسيفه ومتاعه وورسه وحلله واستولوا على حلى نسائه وأثوابهن (الطبرى، ص 366). وكان صبى مريض منبسطًا على فراش فى مضرب من مضارب الحسين، وهمّ شمر بقتله أيضًا فردَّ، وأقبل ابن سعد وأمر بألا يدخل هذا المضرب أحد (الطبرى، ص 367) , وكان هذا الغلام، وهو على الذى لقب من بعد بعلى زين العابدين هو الوحيد من أبناء الحسين الذى نجا من المذبحة، فكان آية على عناية الله، ذلك أنه انحدرت من صلبه السلالة الكثيرة من الحسينية. وكان شهداء كربلاء أو الطُّف (وقد لقبوا أيضًا بهذا اللقب، ) قد بلغ عدده 72, 17 منهم طالبيون (انظر تحليلًا. نقديًا للأرقام الأخرى فى محسن الأمين، ص 352)؛ وبلغ عدد القتلى فى ميدان المعركة من جنود ابن زياد 88 جنديًا، وهذا المجموع من جنود ابن زياد قد ذكره محسن الأمين، ولو أن من العسير أن نوفق بين هذا الرقم وبين البيانات المتفرقة فى كتابه (ص 138، 267،

268، 269 وغير ذلك من الصفحات) أما عدد من قتلوا على يد هذا أو ذاك من المحاربين، فقد قتل الحرّ 40، وبرير 30، ونافع 12 أو 13، كما قتل الحسين عددًا كبيرًا من الجنود. مراحل صغرى من المعركة: ووصف المعركة حافل بعدد كبير من المراحل، ونحن نذكر هنا مصادر المراحل التى كانت هى مادة أطول الروايات وقد أصبحت هذه الروايات مشهورة شهرة لا بأس بها (والأرقام التى بين قوسين ترجع إلى الطبرى، جـ 2): توبة الحر وقتاله بجانب الحسين ومقتله (ص 332 - 334، 341، 345، 349)؛ مقتل الكلبى وزوجته فى سبيل الحسين (ص 335، 336، 344، 346)؛ هلاك عبد الله بن حَوَزَة بعد صلاة الحسين (ص 337)؛ جرح نافع وأسره وقتله (ص 341، 350). إخوة يتقاتلون من الجانبين (ص 341)؛ عابس، وهو رجل عجوز ومقاتل شجاع قتل بالحجارة (ص 353). نصير للحسين يهرب (ص 354)؛ أبطال سقطوا صرعى فى مبارزات: مسلم بن عوسجة شارك فى حملات على المنتقضين (ص 343) , بُرَيْرِ سيد القرّاء (ص 338 - 340)، حبيب بن مظاهر (ص 348) , وغير هؤلاء (وردت أسماؤهم فى الطبرى فى مواضع أخرى). حوادث وقعت بعد المعركة: يقال إن جسد الحسين المثخن بالجراح (الطبرى، ص 366) قد وطئته أفراس عشرة من الرجال تطوعوا بالانتهاء الأخير من ابن بنت رسول الله. وغادر ابن سعد ميدان المعركة ودفن بنو أسد الجسد المقطوع الرأس هو وسائر شهداء كربلاء فى قرية الغاضرّية فى المكان الذى وقعت فيه المذبحة (انظر الطبرى، ص 368؛ الضريح الذى أقيم من بعد تخليدًا لذكراهم فى "كربلاء") أما رأس الحسين ورءوس غيره من الطالبية فقد حملت أولًا إلى الكوفة ثم إلى دمشق. فلما وضعت أمام ابن زياد ويزيد كان موقف الاثنين مختلفًا، فقد كان موقف الأول مهينًا، فقد راح الأول ينكث ثنيى رأس الحسين بقضيبه، أما يزيد فقد قالت معظم الروايات أنه تلقى

قصة الحسين

الرأس بالاحترام، والظاهر أنه ندم على العجلة التى لجأ إليها واليه فى تصرفه حتى لقد بلغ به الأمر أن قال: "لعن الله ابن سُمَيَّة" ويقال أيضًا أن يزيد قال إنه لو قدم عليه الحسين لعفا عنه. وحمل الطالبيون أولا إلى الكوفة ثم إلى دمشق حيث ترفق الخليفة بهم آخر الأمر، ولو أنه خاطبهم أول لقائه بهم فى غلظة، فردت عليه زينب وأخوها بمثلها. وانضمت النساء إلى نسوة يزيد اللائى شاركتهن فى البكاء والنوح على الحسين، وتلقين تعويضًا عن متاعهن الذى سرق منهن فى كربلاء، وبعد أيام قلائل رددن إلى المدينة فى حرس موثوق به. أما على الذى كان قد نجا من خطر قتله لأنه كان فيما روى صبيًا لم يزل، فقد عامله يزيد فى عطف وتلطف وأمره أن يصحب النساء الطالبيات إلى المدينة. وهناك روايات شتى عن المكان الذى دفن فيه رأس الحسين: (1) بجوار أبيه على، أى فى النجف. (2) خارج الكوفة، ولكن ليس إلى جوار على. (3) فى كربلاء هو وبقية جسده. (4) بالمدينة فى البقيع. (5) فى دمشق، ولكن فى مكان غير معروف على وجه الدقة. (6) فى الرَقَّة. (7) فى القاهرة حيث يزعم أن الفاطميين نقلوه إليها وعلى التحقيق فى المكان الذى أقيم فيه المسجد الذى يحمل اسمه (محسن الأمين، وقد أورد تفصيلات كثيرة عن ذلك، ص 390 - 394). أما عن ندم أهل الكوفة وانتقامهم سنة 64 - 65 هـ (683 - 685 م) وأما عن الحفلات التى تقام فى ذكرى معركة كربلاء وهناك المشاهد الفارسية الشعبية التى كثيرًا ما يكون الحسين فيها هو بطلها أو شخصية من شخصياتها. قصة الحسين: فى قصة الحسين نجد أن أول تفرقة فيها يمكن أن نلتمسها تقوم بين المعتقدات التى تسيطر عليها نشأة الكون ويكون للنور شأن هام فيها والمعتقدات المتعلقة بالآخرة، وبين المعتقدات التى يبقى فيها الحسين تلك الشخصية التاريخية التى نعرفها (وهذه المعتقدات الأكثر كثيرًا) ولكنه أحيط بهالة من العجائب ترفعه فوق

العامة من الناس. وللحسين فى المعتقدات الأولى شأن يرتبط عامة بشأن سائر أهل البيت وهو يساوى مساواة تامة فى الشأن مع أخيه الحسن. وهناك دراسة مفصلة لهذه المعتقدات التى نشأت توسع فيها غلاة الشيعة. ونضرب هنا مثلا لذلك (ابن رستم الطبرى ص 59): حدث قبل العالم بسبعة آلاف سنة أن كان محمد [- صلى الله عليه وسلم -] وعلى وفاطمة والحسن والحسين "أشباحًا" من النور يحمدون الله ويمجدونه أمام عرشه. ولما شاء الله أن يخلق "صورهم" فإنه تعالى قد جعلهم "عمودًا" من النور ثم قذف بهم فى صلب آدم ثم نقلهم منه إلى أصلاب أسلافهم وأرحامهم، وبرأهم من الشرك والضلال. ومن الروايات المتعلقة بالآخرة الرواية الآتية (ولعلنا يجب أن نربطها بمعتقدات الشيعة المغيرّية وهى فرقة أنشأها المغيرة بن سعيد العجلى المتوفى سنة 119 هـ الموافقة 737 م؛ انظر ابن رستم الطبرى، ص 78): مضى الحسين إلى جبل رضوى وسيبقى هناك قائمًا على عرش من نور يحف به الأنبياء ويقف أتباعه المؤمنون خلفه، حتى يجئ المهدى، وهنالك ينتقل إلى كربلاء حيث تزوره جميع الكائنات الإنسانية والسماوية. أما الروايات الأخرى المتصلة بالآخرة فهى تنتمى إلى سلسلة تلك الروايات التى تجعل لأهل البيت مقامًا مرموقًا فى الجنة: مثال ذلك ما قاله ابن شهر اشوب (جـ 3، ص 229) من أن محمدًا عليه الصلاة والسلام رأى فى معراجه حصنًا من اللؤلؤ الصافى وعلم أنه أقيم للحسين، وتقدم فى صعوده فرأى تفاحة فأمسك بها وقسمها نصفين فخرجت منها صبية يشبه ركنا عينيها عينى العقاب، وكانت هذه الصبية من نصيب الحسين أيضًا. العجائب: وردت عجائب الحسين فى البلاذرى وابن جرير الطبرى، وابن رستم الطبرى، والمفيد، وابن شهر اشوب، وابن كثير، ومحسن الأمين. أما تفصيلات القصص المتأخرة المصطبغة بصبغة الأساطير فتجدها فى كتاب محمد مهدى المازندرانى الحائرى الذى يستشهد أحيانًا بكتاب بحار الأنوار للمجلسى، كما يستشهد أيضًا ببعض الكتب الحديثة.

عجائب خاصة بمولد الحسين وطفولته: (ص 71، ابن شهرآشوب ص 209، 231، 237). ولد الحسين قبل أوان مولده بثلاثة أشهر وعاش بعد هذه الولادة فى غير أوانها، وهى عجيبة لم تحدث إلا لعيسى، ويقال أيضًا أنها حدثت ليحيى بن زكريا (ابن شهراشوب، ص 209، 239) ورعاه محمد عليه الصلاة والسلام أربعين يومًا، وكان يضع إبهامه أو لسانه أو ريقه فى فمه (ابن رستم الطبرى، ص 79؛ ابن شهراشوب، ص 228، وهناك نظير لهذه الرواية فى ابن رستم الطبرى، ص 73؛ ابن شهراشوب، ص 213). وكان عدد الملائكة التى نزلت من السماء لتشارك محمدًا فى ابتهاجه بمولد الحسين ألفًا (ابن رستم الطبرى، ص 72؛ ابن شهراشوب، ص 209؛ محسن الأمين، ص 163) وأبلغ جبريل فى الوقت نفسه تهانى الله ومواساته لمحمد [- صلى الله عليه وسلم -] (محسن الأمين، ص 163) وأعطاه حفنة من ثرى كربلاء (ابن شهراشوب, ص 229). وداعب الحسين وأمه نائمة (ابن رستم الطبرى، ص 49؛ ابن شهراشوب، ص 228 وغيرها). وقد نفع مولد الحسين ملكًا من الملائكة غضب عليه الله فأقصاه فى جزيرة مكسور الجناحين عقابًا له فرأى فوقه زمرة من الملائكة فى طريقهم إلى النبى [- صلى الله عليه وسلم -] لتهنئته فرجاهم أن يأخذوه معهم فغفر له ذنبه بشفاعة محمد [- صلى الله عليه وسلم -] واقتعد مكانه مرة أخرى فى الجنة ومن ثم لقب بمولى الحسين (ابن رستم الطبرى، ص 79)، وهذا الملك هو الذى يسجل أسماء زوار قبر الحسين بكربلاء (ابن سهراشوب، ص 234). وكان النبى عليه والصلاة والسلام يضع ولده إبراهيم وحفيده الحسين على ركبتيه وعلم من جبريل أن الله سيأخذهما إليه وأنه يستطيع أن يفتدى أحدهما بالآخر فاختار إبراهيم حتى يدفع عن على وفاطمة البكاء عليه. عجائب خاصة بموته: لما خرَّ الحسين صريعًا فى المعركة (البلاذرى، ورقة 611 ظهر؛ المفيد، ص 251؛ ابن شهراشوب، ص 212؛ محسن الأمين، ص 302، 305) أصبح النهار ظلامًا، وبدت النجوم وما إلى ذلك، واحمرت السماء .. (البلاذى، ورقة 660 وجه؛ محسن الأمين، ص 303) وأمطرت

السماء دمًا ترك آثاره على لحى الناس وأثوابهم حتى خراسان .. إلخ (البلاذرى ورقة 667 وجه؛ ابن شهراشوب، ص 212، 218؛ 238 محسن الأمين، ص 304) وظهر الدم بين الحجارة فى الشام وغيره (روايات من هذا القبيل فى ابن شهراشوب، ص 213 وغيرها محسن الأمين ص 304) ونضح الدم من الجدران (ابن شهراشوب، ص 213، 236؛ ابن كثير، ص 200؛ محسن الأمين، ص 163). وفى الليلة التى مات فيها الحسين رأت أم سلمة أو العباس فى المنام النبى [- صلى الله عليه وسلم -] وقد تعفر رأسه ولحيته بتراب الأرض وفاض منهما الدم فى زجاجة (ابن رستم الطبرى، ص 73؛ المفيد، ص 250؛ ابن شهراشوب، ص 213؛ ابن كثير، ص 199، 200). والحفنة من ثرى كربلاء التى أعطاها جبريل أو ملك آخر للنبى [- صلى الله عليه وسلم -] واحتفظت بها أم سلمة، قد استحالت دمًا فى الليلة التى أعقبت وفاة الحسين، وهنالك أدركت أم سلمة أن المأساة قد حلت فصرخت وكانت أول امرأة صرخت فى المدينة (وجميع هذه الروايات التى تظهر محمدًا [- صلى الله عليه وسلم -] يجمع دم شهداء كربلاء، أو يتلقى حفنة من ثراها وما إلى ذلك قد تمثلت فى أحاديث بأسانيد مختلفة وروايات كثيرة وخاصة فى المسانيد الصحاح وغير الصحاح). وإن شئت مجموعة منها مرتبة حسب موضوعاتها فانظر المتقى المذكور فى مصادر هذه المادة (انظر ابن شهراشوب ص 219, ابن كثير، ص 200, 201، محسن الأمين، ص 306) وبكت الجن على الحسين وقالت شعرًا، وكذلك أبَّنته زوجات الجن، وسمعتهم أم سلمة وغيرها من النسوة. وبكت الملائكة حين حمل رأس الحسين إلى دمشق، بل لقد بكت الوحوش والأسماك عليه (محسن الأمين، ص 164). وقد علم على أن ابنه سوف يقتل فى كربلاء فلما مر عليها وقف وبكى وتذكر نبوءة محمد [- صلى الله عليه وسلم -]. وفسر اسم كربلاء بأن "كرب وبلاء" (ابن كثير، ص 199). وسوف يدخل شهداء كربلاء الجنة من غير حساب (الطبرى، ص 385) وثمة شخص مجهول سمعه الناس جميعًا ولم يره أحد يتلو أبياتًا تنذر بالشؤم فى الليلة التى سبقت المعركة.

عجائب الرأس المقطوع (ابن شهراشوب، ص 217). وقد كتبت يراعة غامضة والرأس يحمل أبياتًا منذرة بالشؤم على جدار، وسجلت الأبيات نفسها فى كنيسة للروم بنيت قبل دعوة محمد [- صلى الله عليه وسلم -] بثلثمائة سنة، وكان يفوح من الرأس عبير، وقد أخذ راهب بالنور الخارق الذى ينبعث منه فدفع مبلغًا من المال لتبقى الرأس فى صومعته، وفى الليل تكلم الرأس فأسلم الراهب فى اليوم التالى، واستحالت الدراهم التى كان قد دفعها حجارة. وتسللت حية فى إحدى خياشيم الرأس وخرجت من الأخرى (ابن رستم الطبرى، ص 77 وغير ذلك من الصفحات)، ورتلَّ الرأس آيات من القرآن (الطبرى، ص 369؛ ابن شهراشوب ص 217): وحمل الرأس إلى بيته خولى حين بلغ الكوفة ليلًا ووضعه تحت جرة، ونزل عمود من السماء وحام طائر أبيض حول الجرّة. عقاب أولئك الذين أهانوا الحسين وجرحوه: لقد نزل بجميع من أخطأوا فى حق الحسين بلاء عاجل أو مؤخر (ابن شهراشوب، ص 214 - 216؛ محسن الأمين، ص 348 - 351) ومن البلاء الذى أصابهم يذكر القتل، والعمى، وشتى العلل (مثل الطاعون أو الظمأ الذى لا يروى، وتيبس اليد كأنها الخشب فى الصيف، وترطبها فى الشتاء) والموت بالحروق، أو لدغات العقرب أو فقدان السمع، أو الفقر، أو الطرد من البيت على يد زوجة المرء نفسه (وقد ذكر الطبرى بعض هذه الآفات، فى مواضع مختلفة من كتابه). وكذلك نزل العقاب أيضا بمن سرقوا بعض أشيائه، فقد أصيب من لبس عمامته بالجنون، ونزل الفقر بمن لبس سراويله، أما من استعمل طيبه أو ورسه أو ثيابه فقد حل به الجذام أو سقط شعره. وقد حلت التغيرات بالأشياء التى سرقت من الحسين فجعلتها غير صالحة للاستعمال أو أفقدتها قيمتها (ابن شهراشوب، ص 215, 218). وأصبح لحم الجمال مرًا أو احترق واستحال الورس والطيب دمًا والذهب نحاسا أو نارا فى أيدى الصاغة. والتهب الزعفران بالنار. أما عن عجائب القبور فانظر مادة "كربلاء".

صفات خارقة للحسين أتت بالعجائب (ابن شهراشوب، ص 230): بلغ من شدة بياض جبينه أن الناس كانت تهتدى به فى الطريق إذا أظلم الليل. وكان قادرا على شفاء العلل (ابن رستم الطبرى، ص 77). وقد محا علامة بيضاء بين عينى امرأة صالحة بأن نفخ فيها (ابن شهراشوب، ص 210)، وشفا مريضا من حمى نزلت به. وفك يد رجل التصقت بذراع امرأة لأنه لمسها فى أثناء الطواف، وكان الفقهاء قد قرروا قطعها وقد مكنته مواهبه الخارقة (ابن شهراشوب، ص 210) من أن يجعل لقيطا يتكلم فيكشف عن اسم أبيه الحقيقى، وأن يسمح لمن يسأله أن يشهد ويحضر حوادث وقعت فى الماضى بأماكن قاصية (على ومحمد [- صلى الله عليه وسلم -] فى مسجد قباء؛ أنظر ابن رستم الطبرى، ص 75، 77، 78) وأن يحصل لولده على عنب وموز فى غير أوانهما، وأن يجعل نخلة عقيمًا تثمر، وأن يروى عطش جميع أتباعه بوضع سبابته فى أفواههم، وأن يطعمهم طعاما من السماء فى يوم المعركة (ابن شهراشوب، ص 209) وأن يبتعث الماء برمى سهم قرب فسطاط زوجاته بكربلاء (ابن رستم الطبرى، ص 74، وانظر ص 72) وأشار بعلامة إلى السماء فنزلت طائفة من الملائكة مستعدة للقتال فى سبيله ولكنه آثر أن يضحى بنفسه. وكان الحسين قادرا على رؤية المستقبل ومعرفة الأسرار. وكان محمد عليه الصلاة والسلام هو الذى أنبأ المحيطين به أو أنبأه هو فى رؤيا بالمصير الذى ينتظره (لقد أنبأ الخمسة [انظر ابن شهراشوب، ص 240] بأن الحسين سوف يقتل ظلما كما أنبأ أخاه أيضا وسلالتهما بأنهم سوف لا يحاسبون يوم الدين)، ولكن وحشا كشف للحسين مشاعر أهل الكوفة نحوه: وكان الحسين يعلم مقدما أن عمر بن سعد سوف يلى أمر الجنود من أعدائه (وإنه تنبأ بموته فى قول المفيد، ص 251، وابن شهراشوب، سنة 213، وأن موت عمر سيعقب موت الحسين) وأن رأسه سوف يحمل إلى ابن زياد وأن حامله سوف لا يكافأ بأى جزاء (أنظر أيضا المفيد، ص 251)، ومنع الحسين طائفة من خدمه من أن يرحلوا فى يوم معلوم، فلم يطيعوه

فقتلوا، وأنه كشف للوالى أسماء قاتليهم. أسماء الحسين وألقابه: (ابن رستم الطبرى، ص 73؛ ابن شهراشوب، ص 232). وقد سمى الله تعالى الحسين فى التوراة باسم "شبير"، وفى الأناجيل "طب هارون" أخى موسى، وأنه علم الأسماء التى سمى الله بها أبناء على، وأنه سمى بهذه الأسماء أبناء الحسين نفسه. ومن شاء ثبتا طويلا بألقاب الحسين فى صورة ابتهالات فلينظر ابن شهراشوب، ص 232. وكثيرا ما يلقب الحسين وأخوه بـ "حجة الله" على الأرض (أنظر مادة "حجة" وأنظر مثلا المفيد، ص 189). آيات من القرآن يفسرها الشيعة بأنها تشير إلى الحسين: لقد أورد ابن شهراشوب (ص 206، 236) والمفيد (ص 199) سلسلة من هذه الآيات مثال ذلك سورة الأحقاف، الآية 15 التي جاء فيها "حملته أمه كرها ووضعته كرها" فقد قالت الشيعة إنها تشير إلى فاطمة، إذ حملت بالحسين فأصابها كرب عظيم حين سمعت من النبى عليه السلام بانه تلقى من ربه العزاء على المصير الذى سوف ينزل بحفيده المنتظر. والحروف الغامضة التى تبدأ بها صورة مريم "كهيعص" قد فسرها الله لزكريا كما يأتى: ك = كربلاء، هـ = هلاك العترة، ى = يزيد، ع = عطشه، ص = صبره. وهذا التفسير إنما هو تفصيل لرواية هى أجنح إلى التشابك (انظر ابن شهراشوب، ص 237) وهى جزء من طائفة من المقارنات العجيبة بين مصير الحسين ومصير زكريا (ربما ترجع إلى موضع الرءوس المقطوعة وضعت فى طبق)، فزكريا الذى علم من جبريل أسماء الخمسة قد دهش إذ نطق باسم الحسين فامتلأت عيناه بالدموع، فى حين أنه إذ نطق بسائر الخمسة امتلأت جوانحه بالحبور. وهنالك كشف له الله عن مصير حفيد النبى [- صلى الله عليه وسلم -] فبكى زكريا وتنهد وسأل الله أن يهب له ابنا يجعله يقاسى ألما يشبه الألم الذى أنزل على حبيبه محمد [- صلى الله عليه وسلم -]، فرزقه الله بيحيا، وكان الحسين فى كل مرحلة من مراحل رحلته من مكة إلى الكوفة، يذكر يحيا. وفى رواية أخرى (ابن شهراشوب، ص 238، وانظر ص 234) أن دم الحسين سيغلى كما غلا دم

زكريا. وأن الله إذ يشاء له أن يهدأ، فإنه تعالى يقتل سبعين الفًا من المنافقين والكفار والأشرار وأنه فعل مثل ذلك مع يحيا. أحكام فى الحسين: الناس فى أرجاء العالم الإسلامى يعطفون على الحسين ويوقرونه كل التوقير، وإنما أنصار الحركة الأموية هم الذين يقولون إنه "باغ بعد انعقاد البيعة". ومن ثم فهم يجيزون قتله على يد يزيد، ولكن رأيهم هذا لم يعارضه فحسب أولئك الذين يزدرون الحكم الأموى (أنظر صدى ذلك فى احتجاجات هؤلاء وإنكارهم لصحة بيعة يزيد فى: المقرم، ص 12 - 16؛ ومحسن الأمين، ص 67) بل أولئك المسلمون أيضا الذين أبوا أن يعترفوا بأن القتلة قد تصرفوا بوحى من ضمائرهم والتمسوا فى الوقت نفسه المعاذير للإحجام عن لوم الحسين المنتقض على الخليفة أو الصحابة أو التابعين الذين وقفوا موقف الحياد خشية الفتنة (أنظر ابن خلدون: المقدمة، بولاق سنة 1284 هـ، ص 177، 181. فصل فى ولاية العهد) وحيال هذا الإكبار للحسين الذى كان يأخذ به المسلمون جميعا لقرابته للنبى [- صلى الله عليه وسلم -] ولاعتقادهم بأنه ضحى بنفسه فى سبيل مثل أعلى، فإنه ليس فى إمكاننا أن نفرق تفرقة واضحة بين آراء السنة وآراء الشيعة، إلا فى بعض الفضائل والمناقب التى ينسبها الشيعة له. والراجح أن موقف أهل السنة المتعاطف كل التعاطف مع الحسين قد تأثر إلى حد كبير بالروايات المثيرة للشجن التى جمع معظمها أبو مخنف مباشرة أو بطريق إسناد قصير من الكوفيين الذين ندموا على مسلكهم من حفيد الرسول. وكانت هذه الروايات، التى انتشرت وهى مفعمة بمشاعر الكوفيين واصطبغت بصبغة مجموعة أبى مخنف المناصرة للعلوية مناصرة مشهودة، هى أساس روايات المؤرخين المتأخرين، وعن طريقهم ذاعت فى أرجاء العالم الإسلامى. وليس بين أيدينا كتاب يتخذ مرشدا لآراء جميع فرق الشيعة فى الحسين، وحسبنا أن نذكر هنا الملاحظات الآتية: إن الحسين من حيث هو "إمام" يشارك غيره من الأئمة حقوقهم المختلفة (أنظر La religione: Bausani, ص 346) وهذا

هو رأى الشيعة الاثنى عشرية، والإسماعيلية والزيدية وغيرهم من الفرق، وهم كسائر الأئمة الوسيلة بين الله وبين أولئك الذين يدعونه، وبتوسله ينال أتباعه المؤمنون الهداية وتكتب لهم النجاة. وبوصفه واحدًا من الخمسة المباركين يحظى مثل أخيه الحسن بنعمة الله وللحسين "حرمة" لأنه حفيد النبى [- صلى الله عليه وسلم -]، ثم إنه رزق صفات شخصية أرفعها صفة التقوى، وآية ذلك حجه 25 حجة على قدميه من المدينة إلى مكة وأداؤه 1000 ركعة فى اليوم (وفى هذا العدد الذى يعد كبيرًا، انظر محسن الأمين، ص 124). ومن أجل هذا الاستغراق فى التقوى، فإن الحسين لم يجد من الفراغ إلا القليل ينفقه على أزواجه، ومن ثم قل نسله. ومن الصفات الأخرى التى اتصف بها: كرمه (وثمة قصص كثيرة تؤيد ذلك) وحلمه، وتواضعه وفصاحته (ذكرت للتدليل على ذلك أحاديث وأشعار نظمها) ونذكر آخر الأمر الصفات التى يمكن أن نستقيها من أفعاله، مثل احتقاره الموت، وإبائه لحياة الذل وأنفته وما إلى ذلك (أنظر محسن الأمين، ص 125 - 139، 152، 156) ولكن الأساس فى تعظيم الشيعة للحسين هو الدوافع النبيلة التى جعلته يضحى بنفسه فى سبيلها، والحوافز المثيرة للمشاعر التى حملته على أن يتخذ من مغامرته هاديًا للناس ونبراسا يقتدون به. والاعتقاد بأن الأئمة يعلمون كل ما كان وكل ما هو كائن، وكل ما سيكون وأن علمهم لا يزيد مع الزمن، يستفاد منه أن الحسين كان يعلم مقدما المصير الذى ينتظره وينتظر أصحابه. ومن ثم خرج من مكة إلى الكوفة وهو مدرك للتضحية التى سيلاقيها وشيكا، ولم يتردد أيما تردد فى الرضوخ لإرادة الله أو الهرب منها. وثمة رواية تقول إن الله دعاه إلى الاختيار بين التضحية والنصر (أعانه على ذلك ملك) وهذه الرواية تزيد من قيمة مغامرته إذ تجعلها عملا إراديا فترفع بذلك من قدرها ارتفاعا عظيما. وتثار مسألة حول غرضه هذا من التضحية بنفسه، والمتون الشيعية واضحة كل الوضوح: لقد بذل الحسين نفسه وأملاكه قربانا لله "ليحى دين جده محمد" و"يفتديه" و"النجاة به من الدمار الذى أراد يزيد

أن يرميه به بمسلكه"، زد على ذلك أنه أراد أن يظهر أن فعل المنافقين مشين وأن يعلم الناس وجوب التمرد على حكم الفاسقين. وصفوة القول أنه أراد أن يكون "أسوة" للجماعة الإسلامية (أنظر على سبيل المثال محسن الأمين، ص 136، 152). أما الفكرة التى تقول إن غرضه كان هو أن يفتدى بدمه الناس من آثامهم فيكون بذلك خلاصهم، وأن عمله كان تضحية فداء يخلص به العالم، فإنها بهذه العبارة غريبة على معتقدات الشيعة، وكاتب هذه المادة على الأقل لم يجد أى أثر لها فى المراجع التى رجع إليها. ويمكن أن تكون قد تسللت فى زمن متأخر إلى "التعزيات" والقصائد الحديثة، ذلك أن الانتقال من "التوسل" إلى هذه الفكرة أمر يسير، وربما ساعد على الفكرة التأثر بآراء المسيحيين. ومن بين الدارسين للإسلام من أهل الغرب نجد أن فلهاوزن Welhausen ولامنس Lammens هما اللذان حكما على شخصية الحسين بعد دراسة مستأنية للمراجع التى توفرت لهما. وقد اهتدى فلهاوزن بحسه الدقيق بالحقائق التاريخية، فرسم صورة جيدة للموقف وللشخصيات. ولكن لم يعلق واحد من هذين الدارسين أية أهمية على الأحاديث والعبارات التى يقال إن الحسين أدلى بها فى مناسبات مختلفة، ويريان أنها وضعت فى زمن متأخر. صحيح أن الراجح أن الرواة قد أعادوا صياغة هذه الروايات أو عدَّلوها، إلا أنه يجب علينا أن نسلم بأننا نخرج منها فى مجموعها ومن الحقائق نفسها، وهى أهم، بصورة رجل يسيطر عليه مثل أعلى (استحداث حكم يحقق مقتضيات الإسلام الصحيح) ويؤمن بأنه على حق، وقد صمم تصميما جازما على أن يبلغ أغراضه، وهو ما نشهده بصفة عامة فى الغيورين على دينهم إلى حد التعصب، ويعجب به ويشجعه أنصار أيضا يرون أن قضيتهم هى قضية الحق. وهذه الصورة هى التى اتخذها الجيل التالى مدفوعا بدوافع عاطفية (التوقير والأسى على مقتله) أو سياسية (الحملة على الأمويين) ويشاركه فى هذا

المصادر

المؤرخون العرب المتأخرون، الأمر الذى أدى إلى تعظيمه وإلى المكانة الأسطورية له عند الشيعة. المصادر: (1) ابن سعد: الطبقات جـ 2، ص 89: جـ 3 - 1، ص 21، 26، 152، جـ 5، ص 107، 125، 176، جـ 8، ص 204 (المراجع الكثيرة الأخرى [انظر الفهرس] تتصل بحقائق معروفة كل المعرفة أو غير مهمة فى سيرة الحسين). (2) البلاذرى: أنساب الأشراف، مخطوط بباريس، وفيه نبذ عن سيرته، انظر ورقة 347 وجه - 438 ظهر، 632 ظهر، 633 وجه، وانظر عن أحاديثه، ورقة 633 وجه، وعن الدعوات الموجهة إليه من الشيعة قبل وفاة معاوية وبعدها: ص 633 وجه 635 وجه 637 ظهر - 638 ظهر، 666 ظهر؛ صلاته بمعاوية، ورقة 634 وجه، 635 وجه، 636 ظهر؛ إنكاره لبيعة يزيد، ورقة 636 ظهر ووجه، الحسين ومروان، 635 وجه، الحسين والوليد، ورقة 636 ظهر ووجه، ورقة 636 ظهر ووجه، 637 ظهر، الحسين فى مكة، ورقة 636 وجه، والحسين وابن الزبير 639 وجه، 640 ظهر؛ مسلم فى الكوفة، ورقة 417 وجه - 418 ظهر، 419 ظهر، 423 ظهر، 666 ظهر - 667 ظهر؛ قرار الحسين بالانتقاض على الخليفة ومحاولات شخصيات شتى لحمله على العدول عن ذلك، ورقة 632 ظهر - 633 وجه، 636 وجه - 640 ظهر؛ رسالة من الحسين إلى أهل البصرة، ورقة 418 وجه، خروجه من مكة والحوادث التى وقعت حتى لقائه بالحر، ورقة 422 ظهر, 639 وجه - 642 وجه، 666 وجه؛ الحوادث منذ هذا اللقاء ووصول ابن سعد، ورقة 642 وجه - 645 وجه حتى 10 من المحرم، ورقة 645 وجه 650 وجه، 667 ظهر؛ المعركة، ورقة 650 وجه - 659 ظهر، 667 ظهر؛ بعد المعركة، والقصائد إلخ. ورقة 659 وجه - 668 ظهر. (3) الطبرى، من مولد الحسين حتى وفاة على، جـ 1، ص 1431، 3, 14، 2413، 2836، 3293، 3347, 336، 3461 - 3464؛ جـ 2، معارضته للاتفاق بين الحسن ومعاوية، ص 3،

انتقاله من الكوفة للمدينة، ص 9، إنكاره لبيعة يزيد قبل وفاة معاوية وبعدها، ص 176، 196، 216 - 223، 227، الحسين فى مكة، ص 200؛ دعوات تلقاها من الشيعة، ص 227, 233 - 235، 284؛ قرار الحسين بالانتقاض على الخليفة ومحاولات إثنائه عن ذلك، ص 220، 222، 271 - 276، 289؛ مسلم فى الكوفة، ص 227 - 229, 232 - 240 - 242 - 270، 272، 284؛ رسالة إلى أهل البصرة ومعقباتها، ص 240؛ خروج الحسين والحوادث حتى لقائه بالحرّ، ص 270، 271، 276 - 285، 296 - 308، حتى العاشر من المحرم، ص 281، 285، 308 - 325؛ المعركة ومقتل الحسين، ص 282، 286، 288, 295، 325 - 348، 439 - 367؛ بعد المعركة؛ وقائع خارقة وأشعار إلخ، ص 282 - 284، 286، 348، 367، 239، 408، 435؛ ثبت بالطالبيين الذين قتلوا فى كربلاء، ص 386 - 388؛ فضائل الحسين أشاد بها ابن الزبير، ص 395؛ ندم شيعة الكوفة، ص 497 - 513؛ الحوادث المتأخرة، انظر الفهرس. (4) ابن قتيبة؛ الإمامة والسياسة، القاهرة سنة 1377 هـ = 1957 م، جـ 1، ص 165، 178، 180، 182، 184 - 188، 204 - 206، جـ 2، ص 3، 4 - 8. (5) الدينورى: الأخبار الطوال، ص 194، 209، 231، 234، 238، 241 - 272، وانظر الفهرس. (6) اليعقوبى، جـ 2، ص 91، 175، 200، 270، 287 - 293, والفهرس. (7) المبرّد: الكامل، ص 557، 580. (8) البيهقى: المحاسن، طبعة شوالى Schwally ص 55 - 64. (9) ابن عبد ربه: العقد الفريد، القاهرة سنة 1293 هـ، جـ 2، ص 303، 305 - 310 فى كتاب العسجدة الثانية. (10) المسعودى: مروج الذهب، جـ 4، ص 157، 272، 279، 281، 313، 331، 374، 431، جـ 5، ص 2، 19، 127 - 147، 150، 158 والفهرس.

(11) أبو الفرج الأصفهانى: مقاتل الطالبيين، طبعة السيد صقر، القاهرة سنة 1368 هـ = 1949، ص 78 - 122، والفهرس. (12) المؤلف نفسه: الأغانى، طبعة بولاق سنة 1285 هـ، جـ 14، ص 163؛ جـ 16، ص 68، جـ 19، ص 34، 47، والفهرس. (13) ابن عبد البر: الاستيعاب، ص 146، رقم 566. (14) ابن عساكر: التاريخ الكبير، دمشق سنة 1329 - 1332 هـ، جـ 4، ص 311 - 343. (15) ابن بدرون؛ شرح قصيدة ابن عبدون، طبعة دوزى Dozy, ليدن سنة 1846, ص 162 - 167. (16) ابن حجر: التهذيب، جـ 2، ص 345 - 357, رقم 615. (17) ياقوت: المعجم، جـ 30، ص 539، مادة الطف (18) ابن الأثير، جـ 4، ص 9 - 16 (مسلم فى الكوفة ص 16 - 30)، ص 30 - 36، 30 - 81، والفهرس. (19) المؤلف نفسه: أسد الغابة، جـ 1، ص 18 - 23. (20) البياسى: كتاب الإعلام بالحروب فى صدر الإسلام، مخطوط بباريس، جـ 2، ص 17, 35 - 61. (21) ابن أبى الحديد: شرح نهج البلاغة، القاهرة سنة 1329 هـ، جـ 1، ص 172, 278, 283؛ جـ 2، ص 285؛ جـ 4، ص 484. (22) الفخرى طبعة درنبورغ Der- enbourg, ص 158 - 161, والفهرس. (23) الذهبى: التاريخ، القاهرة سنة 1367 - 1369 هـ، جـ 2، ص 340 - 353. (24) ابن الأثير: البداية والنهاية، القاهرة سنة 1348 - 1355، جـ 8، ص 149 - 211. (25) ابن خلدون: كتاب العبر، جـ 3، ص 21 (قصة مغامرة الحسين غير كاملة لوجود خرم فى المخطوط الأصلى). (26) العقاد: أبو الشهداء الحسين ابن على، القاهرة من غير تاريخ (طبع بعد سنة 1370 هـ = 1951 م).

مصادر شيعية متقدمة

(27) وانظر الأحاديث فى الحسن والحسين جميعا وفى الحسين وحده: المتقى الهندى: كنز العمال، جـ 6، ص 3869 - 3925، 3936 - 3948. (28) وانظر مراجع أخرى: - L. Cae Chronographia islamica: tani، ص 687 (عن سنة 61 هـ، فصل 8)، وفى الملاحظات الواردة فى كتاب المقرم المذكور بعد. مصادر شيعية متقدمة: (1) ابن رستم الطبرى دلائل الإمامة، النجف سنة 1369 هـ = 1949، ص 71 - 80. (2) الشيخ المفيد: الإرشاد، النجف سنة 1382 هـ = 1962 م. (3) ابن شهراشوب: مناقب آل أبى طالب، النجف، سنة 1376 هـ = 1956 م جـ 2 ص 306 - 372. (4) ابن طاؤس الطاؤسى، على بن موسى، صاحب النص الذى نشر مترجما بعنوان Der tod des Husein ben -Ali und die Rache. Ein Arabischen his torischer Roman, aus dem ترجمة ف. فستنفلد E. Wuestenfeld كوتنكن سنة 1883 فى Abh. G. Gott .. جـ 30. (5) ابن الصباغ المالكى على بن محمد: الفصول المهمة فى معرفة أحوال الأئمة، النجف سنة 1381 هـ = 1962 م، ص 156 - 186. (6) محمد باقر المجلسى: بحار الأنوار، جـ 10، طهران سنة 1305، معلومات عن الحسن والحسين جميعا، ص 66 - 69، وعن الحسين وحده، ص 140 - 300. مصادر شيعية حديثة: (1) محسن الأمين العاملى: أعيان الشيعة، جـ 4، بيروت سنة 1367 هـ = 1948 م، ص 121 - 405 (رواية تغطى من الحوادث أكثر من رواية الطبرى، وتحاول محاولات متزنة بعض الشئ فى النقد مع ذكر كثير من المصادر السنية والشيعية ولكنها لا تحدد بالدقة المراجع) وفى الرواية الخاصة بمغامرة الحسين لا تظهر فيها إلا تفصيلات قليلة تنزع منزع الشيعة ونجد ذكر لكرامات الحسين فى ص 302 - 310، 348 - 351.

مصادر لعلماء غربيين

(2) فهمى عويس: شهيد كربلاء الإمام الحسين بن على ابن أبى طالب، القاهرة سنة 1948، ص 100 - 217. (3) عبد الرزاق الموسوى المقرم: مقتل الحسين عليه السلام أو حديث كربلاء، النجف سنة 1376 هـ = 1956 (مع شواهد من المراجع). (4) محمد مهدى بن عبد الهادى المازندرانى الحاثرى: معالى السبطين فى أحوال الحسن والحسين، النجف سنة 1380 هـ = 1960 م، ص 60 - 465؛ جـ 2 ص 468 - 804 وهو كتاب يحتوى على الكثير من البيانات الأسطورية. مصادر لعلماء غربيين: (1) Islam in Morgen -: A. Mueller und Abendlan برلين سنة 1985، جـ 1، ص 358 - 365. (2) Die religioes Op-: J. Wellhausen positionsparteien im alten Islam برلين سنة 1901 فى Abh.: Phil-Hist. Klasse L. G.Goett,، جـ 5 - 2، ص 61 - 71. (3) المؤلف نفسه: Das arabische Reich، ص 89, 91 (= فى الترجمة الإنجليزية ص 141، 145). (4) Mo'awia: H.Lammens ص 123 - 125، 145، 182. (5) المؤلف نفسه: - Le Califat de Yaz id ier فى - Melangesde de la faculte orien tale, de Beirut , جـ، سنة 1911، ص 116، 129 - 180 (فصلة، ص 131 - 82). (6) The shi'ite re-: M. D. Donaldson ligion, a history of Islam in Persia and Irak لندن سنة 1933، الفهرس مادة إمام (3). (7) Religione Islamica: A.Bausani فى Le Civilta dell, Oriente روما سنة 1958، جـ 3، الفهرس. (8) المؤلف نفسه: Persia religiosa، ميلان سنة 1959، ص 412 - 437. خورشيد [فتشيا فالييرى L.Veccia Vaglieri].

الحسين بن على

الحسين بن على باى تونس (1705 - 1735 م) ورأس الدولة الحسينية، وهو ابن رجل يونانى أسلم. كان الحسين يلى فى أثناء الغزو الجزائرى الذى حدث سنة 1705 - 1706 منصب أغا، وقد انتخبه الأغوات بايًا على تونس بعد القبض على الداى إبراهيم، بينما اختبر محمد خوجه دايًا فى 20 ربيع الأول سنة 1117 (10 يوليو سنة 1705)؛ ورد الحسين الجزائرين ثم تخلص من خوجه محمد فقتله هو وإبراهيم الداى السابق الذى كان قد أطلق سراحه، ورزق بعيد ذلك بولد من سبيَّة من أهل جنوة، فعقد مجلسًا خاصًا لهذا الغرض وحمله على أن يقرر انتقال السلطة من بعده إلى ذريته (عام 1170 م). واجتهد الحسين طوال حكمه فى أن يكون على صلة حسنة بالدول الأوروبية، وكان موضع سره رجلًا فرنسيًا يقال له راينو (Raynaud)، فعقد المعاهدات مع فرنسا فى سنتى (1710) و (1728) وانجلترة (1716) وأسبانيا (1720) وهولاندة (1728) والنمسا (1725)، إلا أنه لم يفلح فى القضاء على القرصنة. وأكرهت هجمات القراصنة الفرنسيين على أن يسيِّروا أسطولا إلى القلعة مرتين (سنة 1728 وسنة 1731). وانتشر السلام واستتب الأمن فى ربوع البلاد فى أول حكم الحسين وتمتع أهل البلاد بأمن لم يستمتعوا به منذ أمد طويل؛ ويقول محمد الصغير ابن يوسف إن الطرق كانت مأمونة، والأرض مزدهرة، وعمرت البيوت والحدائق ثانية، وشيدت عدة قصور فى البلاد، وهو أمر لم يحدث من قبل قط، وقام الباى نفسه بأعمال عظيمة فجدد أسوار القيروان وحسن قناطر تونس المعلقة وشيد الجسور وأنشأ الخزات ثم بنى المساجد والمدارس فى صفاقس والسوس وتونس (مسجد بردو والمدرسة الحسينية)؛ غير أن تونس عانت منذ سنة 1729 اضطرابات شديدة، ذلك أن على باشا أخى الباى كان ساخطًا لطرده من الحكم فهرب من تونس ومعه ابنه يونس وأثار فتنة بين القبائل فى داخل البلاد، إلا أن حسينًا هزمه ففرَّ إلى الجزائر حيث حبسه الداى كُرَبدْى ولكن خليفته إبراهيم أطلق سراحه، وهاجم

المصادر

تونس بالاتفاق معه، وهزم الحسين فى سمنجة (4 سبتمبر سنة 1735) لتخلى بعض جنده العرب عنه، فأكره على الارتداد إلى القيروان، على حين دخل على تونس وجعل الناس ينادون به بايًا بعد أن وعد بأداء جزية سنوية إلى الجزائر، وأخذ الحسين فى إعداد العدة للهجوم مرة أخرى فهزم يونس بن على فى 3 نوفمبر سنة 1735 ثم تقدم حتى بلغ أسوار تونس ولكنه لم يجرؤ على اقتحام المدينة، فعاد إلى القيروان إلا أن جند يونس حاصرته فيها خمس سنوات، واقتحموا المدينة فى 16 صفر سنة 1152 (18 مايو سنة 1746) واستولوا عليها، وأفلح الحسين فى الهرب إلا أن فرسان العدو أرجعته فقطع يونس رأسه. المصادر: (1) محمد الصغير بن يوسف: المشرع الملكى؛ ترجمة - V. Sorres & Les Ran باريس 1900 (2) Annales Tunisiennes: Rouseau الجزائر 1864، الفترة الرابعة، ص 93 وما بعدها - وانظر أيضًا مادة "تونس" خورشيد [إيفر G. yver] الحسين بن على أمير مكة والحجاز وشريفها الأكبر من سنة 1326 إلى سنة 1335 هـ (1908 - 1916 م)، وملك الحجاز من سنة 1335 إلى سنة 1343 هـ (1916 - 1924 م)، وهو الابن الأكبر للابن الثانى لعلى ابن الأمير المشهور محمد بن عبد المعين بن عون الذى توفى سنة 1275 هـ (1858 م) وكان أول أمير شريفى لمكة من أسرة العبادلة من فرع عون من الأشراف الذين سيطروا أمدًا طويلًا أن يستعيدوا إمارة مكة كادوا ينجحون، إلا أن سلالة محمد بن عون ظلوا فى الواقع يحتفظون بهذه الإمارة حتى اختفت من الوجود. ولد الحسين فى استانبول سنة 1270 هـ (1853 م) أو 1273 هـ (1856 م) وقضى جزءًا من شبابه فى الحجاز وجزءًا فى استانبول حيث ظل بعد سنة 1311 هـ (1893 م) مقيمًا دائمًا فيها ومحتجزًا سياسيًا. وكان الحسين يجيد اللغتين العربية والتركية، كما كان محدثًا وكاتبًا فياضًا معسول الكلام، يجمع بين العناد والغموض،

ويتصف بمزاج آسر وسحر أخاذ، وقد نبه ذكره فى مجتمعه المحلى واكتسب الصفات التى أبرزها من بعد فى توليه المناصب الرفيعة. وتعلم أبناؤه الأربعة تعليمًا تركيًا، ولكنهم بفضل شخصية أبيهم المسيطرة أمضوا أيضًا فترات طويلة فى بلاد العرب، بل إن أباهم نفسه قد عين عضوا فى مجلس الدولة العثمانى وتنقل بنجاح وقبول فى أعلى الوظائف وفى دوائر القصر. وكان من آثار الثورة التركية سنة 1326 هـ (1908 م) أن نفى أمير مكة الحاكم على بن عبد الله ابن العم الأول للحسين. ووقعت الخلافة على عم عبد الله باشا، ولكن عبد الله كان شيَّخ ونزل به مرض خطير قبل أن يغادر استانبول. ومضت بعد ذلك أيام قلق وترقب تراوح الأمر فيها بين فرع عون وفرع زيد، وحظى الحسين مرشح عون بتأييد المشايع المشهور للانجليز الصدر الأعظم كامل باشا، فعين السلطان الحسين (حلمى كامل بايور: صدر أعظم كامل باشا، أنقرة سنة 1954، ص 287 وما بعدها) وقوبل الحسين باحتفال فخم فى جدة ومكة فى الأيام الأخيرة من سنة 1326 هـ (1908 م). ووجد الأمير الجديد نفسه فى موقف غاية فى الدقة حيال الوالى التركى للحجاز، فأظهر الحسين أول الأمر كل أمارات الولاء لمولاه الخليفة السلطان. وامتشق الحسام فى وجه المتمردين الإدريسين فى عسير، فاحتل أبها وحاول محاولة فاشلة فى غزو جزء من قصيم ليوطد دعائم حقوق قبلية. ومع ذلك فإن الحسين، فى أثناء تلك السنوات، كان يحقق فى وقت واحد أطماحًا شخصية له تناقض كل المناقضة ولاءه لتركيا، كما كان يصر على أن يحصل على كل شئ، بل أكثر من كل شئ يدعم المزايا الخاصة بمركزه. وأعاق بل منع فى النهاية معتمدًا على فعال قبلية، مد سكة حديد الحجاز جنوبًا من المدينة ونجح فى مقاومة المحاولات التركية لتحييد إدارة الولاية وفرض التجنيد عليها، وكان يثبت مركزه الشخصى بإقامة ولائم يومية على نطاق مسرف لاجتذاب القلوب، بل هو قد عمد، سرًا، إلى

الاتصال بالجماعات العربية السرية في سورية ومصر التى تعمل لإقامة حكم وطنى في الولايات العربية. وأجرى ابنه الثانى عبد الله اتصالات مع البريطانيين في مصر يعجم فيها عودهم. فلما قامت الحرب العالمية الأولى سنة 1333 هـ (1914 م) استأنف الحسين اتصالاته المذكورة, وتبلورت أفكاره الخاصة بالتوسع العربى والشخصى وفوت ما طلبه الأتراك من إمداد مولاهم الخليفة بقوات عربية تعينه. ووجد نفسه عاجزًا عن تأييد إعلان الجهاد باسم الخليفة في مكة والمدينة. ووثق صلاته بدمشق عن طريق ابنه فيصل والبريطانيين في مصر عن طريق مبعوثين سريين. وانتهت هذه الصلات بما يسمى "رسائل مكماهون" التى تبادلها مع السير هنرى ماكماهون المندوب السامى البريطاني في مصر. وهذة الرسائل تعبر فيما يظهر عن اتفاق بريطانى عربى واسع خطير بالنسبة إلى غموضه الخالى من الحسم. وقد اشتدت النزعة إلى إعلان ثورة عربية على الأتراك؛ بما قام به الأتراك من أعمال القمع للعرب في سورية، وزادت هذة النزعة بما لا يقل عن ذلك على إثر وعود البريطانيين بمعاونة هذه الثورة على الفور بالسلاح والمال. وفى أواسط الصيف من عام 1335 هـ (1916 م) أعلن الحسين بن على الثورة وبدأت الاشتباكات العسكرية على النمط الصحراوى العربى وطرد الأتراك من مكة، ثم من جدة بعيد ذلك، ومن الموانئ الصغيرة على البحر الأحمر، وما انقضت على ذلك فترة قصيرة حتى طردوا أيضًا من الحجاز بأسره إلا المدينة. وفى أواخر الخريف أعلن الحسين نفسه "ملكًا على البلاد العربية" وهو لقب لم يرض عنه الخلفاء (بريطانيا وفرنسا وإيطاليا) واستبدلوا به "ملك الحجاز". ولما امتد القتال إلى ما وراء الحجاز عامة، واشترك البريطانيون خاصة بضباطهم ومؤنهم وأموالهم وموظفيهم اشتراكًا جعل لهم اليد العليا في القوات العربية، عجز الملك الحسين عن السيطرة على مجرى الحوادث أو

الخطط بل عجز أيضًا عن تقدير هذا المجرى، واضطر إلى عدم الاشتراك فى كثير من الأمور أو الإسهام بنصيب فيها اللهم إلا النقد من بعيد وما كان يتاح له بفضل ابنيه الناشطين عبد الله وفيصل من أثر ضئيل في هذه الأمور. وبقى في مكة، شخصية مسيطرة فيها، فصيح اللسان، سريع الغضب، يزداد بعده عن حقائق الأمور مع الأيام. ليس له وزن كبير في عالم عربى لم يعد يهتم به إلا اهتمامًا أقل مما كان يرجو. وانتهت الحرب العالمية سنة 1918 وظل هو يحلم بمملكة عربية متحدة يحكمها هو. على أن أحلامه سرعان ما بددها سير الحوادث في الشرق وموقف الحلفاء من أطماعه الواسعة. ولو أن هذه الحقائق لم تكن تغيب تمامًا عن فطنته. وكان احتلال الحلفاء لجميع سورية والعراق بحدودهما الجغرافية والتدابير الواردة في معاهدة سيكس بيكو المعقودة سنة 1916 تحول دون قيام حكم عربى فعال. وقد طبع البولشفيك هذه المعاهدة في نوفمبر سنة 1917 وأبلغ الحلفاء حسينًا بأحكامها العامة على الأقل في مايو من تلك السنة (The Amir ... ; Dawn. ص 13). وكان الحسين أعجز من أن يؤثر في هذه التطورات، ويؤثر في أعمال ابنيه نفسيهما، بل هو قد كان أكثر نأيًا عن كل ما أخبر به بإجراءات الصلح في فرساى، حيث لم تلق مطالب العرب إلا عناية قليلة. والحق أن حسينًا كان أعجز من أن يلعب أي دور في الأمور التى تدور خارج الحجاز منذ سنة 1337 هـ (1918 م). وقد أصبح سوء إدارته لمملكته حديث الناس، ذلك أنه عجز عن أن يبسط حكمه على أى جزء آخر من بلاد العرب، ورفض في غضب الانتدابات التى فرضت على الأقاليم العربية الشمالية، وأبى أن يصدق على معاهدة الصلح. وتشاحن مع مصر حول الاتفاقات المنظمة لفريضة الحج، وأخطر من هذا نزاعه لسلطان ابن سعود في أواسط الجزيرة العربية على القبائل والواحات واللاجئين. وكانت ثالثة الأسافى إدعاءه الخلافة وهو في زيارة لعمان سنة 1343 هـ (1924) في الوقت الذى ألغى فيه الأتراك هذا

المصادر

المنصب. ولم يرض عن خلافته إلا أقلية صغيرة من العرب، بل إن هذا الادعاء أثار معارضة قوية ولم يزد في هيبته شيئًا (انظر حملة رشيد رضا عليه التى استشهد بها قدروى في مجلة الجمعية الأسيوية، سنة 1963، ص 215). وحلت نهايته على يد الأتباع الوهابيين لابن سعود، وقد هاجمهم حسين بلا داع. وقام هؤلاء هم وأصحاب نزعات دينية قوية مناهضة للتقاليد وممن أصابهم الحسين بقروح بالانتقام منه ففروا من الحجاز قبل ستة أشهر من ادعائه الخلافة وأطاحوا بقواته حتى بلغوا أسوار مكة وأرغموا الملك الشيخ على النزول عن العرش لصالح ابنه الأكبر على والاعتكاف في جدة، ثم نقل بسفينة بريطانية إلى العقبة. وحمل الحسين معه جميع ثروته التى كانت تقدر في الرأى السائد ببضعة ملايين من الجنيهات الإنجليزية ومعظمها من النقود الذهبية معبأة في صفائح البترول. وبعد بضعة أشهر قضاها الملك السابق في العقبة نقله طراد بريطانى إلى قبرص حيث قضى معيشة هادئة في بيت خلاوى بنيقوسيا. ورافقه إليها ابنه الأصغر زيد، وكان سائر الأبناء يزورونه على فترات. وكان مزاجه مزاج من تحرر من الوهم وامتلأ قلبه بالمرارة. ولكنه كان يجد متعته في الحديث وفى خيوله. وأصيب الحسين بالسكتة سنة 1930 فانتقل أو نقل، عن طريق بيروت إلى بلاط ابنه عبد الله في عمان حيث توفى في منتصف الصيف من عام 1931. ودفن في الحرم الشريف بالقدس. المصادر: تجد أكثر الدراسات تفصيلا عن دور الحسين السياسى فى: (1) The emir of: g.Ernest Dawn Mecca- al-Husayn ibn Ali and the origin of the Arab revolt في proc.American Philosphical Society, جـ 104، سنة 1960، ص 11 - 34. (2) المؤلف نفسه: - Ideological in the world في fluences in the Arab revolt of Islam studies in honour of philip Hitti, لندن سنة 1959، ص 233 - 248.

وانظر عن المصادر والوثائق العربية. (3) The Arab Awak: G.Antonius ing، لندن 1948 (4) أمين سعيد: الثورة العربية الكبرى، ثلاثة مجلدات، القاهرة سنة 1943 (5) الملك عبد الله الأردنى: مذكراتى، القدس سنة 1945 (اقتباس باللغة الإنجليزية بقلم Memoirs of: L. Khuri King Abdullah نيويورك سنة 1950 (6) حافظ وهبة: جزيرة العرب في القرن العشرين، الطبعة الثانية، القاهرة سنة 1946. وتجد شواهد مما شارك به الآخرون في الحوادث في (7) Seven Pillars of: T.E Lawrence Wisdom, لندن سنة 1835 (8) Orientations: R.Storrs: لندن 1937 (9) Memoris: Ahmed Djemal Pasha 1919 - 1913 of a turkish Statesman لندن سنة 1922 (10) Le Hedjaz dans: E. Bremond la guerre mondiale, باريس سنة 1931 (11) وثائق في - Documents on Brit ish, OM, R.M.M Foreign policy , وخاصة Documenti sull' origine e gli: E. Rossi sviluppi della questions araba 1875 - 1944, روما سنة 1944. وثمة كتب حديثة أخرى (12) Rulers of Mecca: S.de Gaury لندن سنة 1951 (13) England and the: E. Kedourie MiddIe East 1914 - 1921, لندن سنة 1956 (14) المؤلف نفسه: Cairo and khar- toum on the Arab Question 1915 - 1918 في Historical Journal، جـ 7، سنة 1964، ص 280 - 297 (15) Arab - Turkish re-: Z.N. Zeine -lations and the emergence of Arab na tionalism، بيروت سنة 1958 (16) المؤلف نفسه: The struuggle for Arab independence، بيروت سنة 1960

حسين كامل

(17) The Hashemite: J Morris Kings. , لندن سنة 1959 (18) عبد الكريم غرائبه: مقدمة تاريخ العرب الحديث، دمشق سنة 1960, ص 323 - 350 (19) Egypt and the Fertile: P.M.Holt Crescent 1516 - 1922 . لندن سنة 1966, ص 262 - 292 خورشيد [لونكريكك S.H.Longrigg] حسين كامل (1853 - 1917): سلطان مصر تحت الاحتلال البريطانى، وقد حكم من ديسمبر سنة 1914 إلى أكتوبر سنة 1917، وهو ابن الخديوى إسماعيل، ولد فى القاهرة ولما بلغ الثامنة التحق بمدرسة قصر المنيل التى أنشأها والده ليتعلم فيها بخاصة أولاده وأولاد الأعيان. وفى سنة 1867 صحب والده فى رحلة إلى إستانبول لزيارة السلطان العثمانى. ولم يلبث أن زار بعد ذلك باريس لدى نابوليون الثالث .. وعاد بعد مدة قصيرة إلى مصر ليحضر افتتاح قناة السويس سنة 1869, ثم أرسل في مهمة دبلوماسية إلى فيكتور عمانوئيل ملك إيطاليا في فلورنسة. وفى سنة 1870 عاد إلى مصر ليقيم فيها إقامة دائمة وولى سلسلة من المناصب فى الإدارة. وأقام في طنطا فترة بوصفه مفتشا للدلتا، وأشرف على النهوض بقنوات الرى في هذه المنطقة. وكذلك خدم مرات عدة فى وزارات المعارف والأوقاف والأشغال العمومية، والداخلية والمالية. ولما عزل والده إسماعيل سنة 1879 ذهب معه إلى منفاه في نابلى حيث أقام ثلاث سنوات، وعاد إلى مصر بعد ثورة عرابي باشا سنة 1882. وفي عهدي الخديوى توفيق (1882 - 1892)، والخديوى عباس الثانى (1892 - 1914) صرف معظم وقته في أعماله الخاصة ومصالحه الزراعية، وعمل في مجالس إدارة كثير من

الشركات الأجنبية مثل سكة حديد الدلتا. على أن خير ما أسداه من فضل هو نهوضه بالزراعة في مصر، فقد أنشأ الجمعية الزراعية الخديوية التى كان لها شأن هام في تنظيم وزارة الزراعة سنة 1913. وقد نظم حسين قبل ذلك المعرضين الزراعيين في الإسكندرية (سنة 1896) وفى القاهرة (سنة 1898)، كما نظم معرضا صناعيا زراعيا سنة 1900، وأنشأ في دمنهور مدرسة تجارية صناعية بمعاونات خاصة تبرع بها أشخاص. وكذلك نشط حسين إلى تنظيم النقابات الزراعية. ورأس مدة قصيرة مجلس شورى القوانين والمجلس التشريعى، ولكنه استقال من المجلسين سنة 1909 إثر الأزمة التى نشأت حول مد امتياز قناة السويس. وقضى حسين الفترة السابقة على إقامته سلطانًا لمصر في ديسمبر سنة 1914 منشغلا بصفة خاصة في إدارة أملاكه الزراعية الواسعة والعمل في عدة مؤسسات خيرية مثل الجمعية الخيرية الإسلامية وجمعية الإسعاف. وقد أعلنت تركيا، وهى الدولة التى تتبعها مصر، الحرب على بريطانيا العظمى سنة 1914. وشكت بريطانيا في أن الخديوى الشاب عباس حلمى الثانى يتعاطف مع تركيا فضلا عن معرفتها بنشاطه السابق في تأييد الوطنيين في مصر الذين كانوا يعادونها، فبدأت السلطات البريطانية يوم 18 ديسمبر سنة 1914 في إعلان الحماية على مصر. وانتهت سيادة تركيا على مصر من جميع النواحى العملية. وعزلت بريطانيا في الوقت نفسه عباسًا، الذى كان وقتذاك في تركيا، من خديوية مصر، وأقامت الأمير حسين كامل أقدم الذكور من أسرة محمد على سلطانا على مصر. وكان قبول حسين كامل للسلطنة في هذه الظروف خطوة سياسية محفوفة في نظره بالمكاره. فقد قوبلت توليته بمعارضة العناصر الوطنية في

البلاد إذ رأوى أن قبول حسين للسلطنة في ظل الاحتلال البريطانى والحكومة العسكرية والحماية البريطانية مهانة قومية. بل إن كثيرا من هذه العناصر قد رأوا قبوله خيانة عظمى ارتكبها في حق الدولة العثمانية المسلمة في حربها مع بريطانيا الكافرة. على أن رفض حسين لمنصب السلطان كان خليقا بأن يهدد من استمرار بيت محمد على في الولاية على مصر. وهذا الموقف مقترنًا بالصعوبات الناشئة من ظروف الحرب أدى إلى تدهور حالة الأمن العام في البلاد. فكانت سنة 1915 سلسلة من أعمال الإرهاب استهدفت أعضاء في الحكومة المصرية بل السلطان نفسه. ونظر غلاة الوطنيين إلى السلطان وحكومة الحرب التى رأسها حسين رشدي باشا نظرتهم إلى أدوات في يد سلطات الاحتلال البريطانى تستخدمها في مواصلة الحرب. زد على ذلك أن هؤلاء الغلاة عدوا السلطان وحكومته قد خرجوا على إجماع الأمة الإسلامية، وازدادت المصاعب وأسباب التضييق التى فرضتها مقتضيات الحرب في نفور السواد الأعظم من المصريين وخاصة سنة 1916 - 1917 فاستفحلت الوحشة بين الجمهور وبين الحكومة والسلطان. وما إن تربع السلطان حسين على دست الحكم وباشر واجباته حتى مضى يمحو البقية الباقية من آثار السلطان التركى على مصر ومظاهره الإدارية والقضائية. ذلك أنه حين رأس اجتماعا لمجلس الوزراء في 21 ديسمبر سنة 1914 اتخذ قرار بالغاء منصب القاضى في مصر (كان القاضى يصدر إليه أمر التعيين في جميع الأحوال من السلطان العثمانى في استانبول). وعلى ذلك فإن علاقات حسين كامل بالسلطات البريطانية في مصر لم تكن في جميع الأحوال علاقات ودية أو

المصادر

وثيقة. فقد كانت بريطانيا في مصر تنظر بعين السخط إلى زياراته الكثيرة للمدارس ومؤسسات التعليم العالى، وجولاته في المديريات، فقد اشتبهت في أنه يرمي بذلك إلى السعى إلى تقوية الروابط بينه وبين الحركة الوطنية. أما السلطان فقد كان يشعر أن متطلبات السلطات البريطانية المادية والبشرية والأعباء التى حملتها للبلاد كانت باهظة جدا فأثقلت ظهر الشعب بشدائد ليس من الحق أن يعانيها. وثمة سبب آخر لتدهور العلاقات بين حسين كامل والسلطات البريطانية في مصر هو ضيق السلطان بما عاناه من صرامة الحكومة البريطانية وقت الحرب التى كانت تزكيها سياستها والتى ربما لم تكن تستمع إلا إلى ما تمليه مقتضيات الحرب العظمى التى تخوضها. ومن ثم فإن البريطانيين كانوا لا يقرون محاولات السلطان بالظهور في صورة الزعيم الشعبى في حين أن الشعب المصرى كان ينكر منه أنه أداة في يد البريطانيين. وبدأت صحة السلطان حسين تضمحل سنة 1916, وقضى معظم عام 1917 في المرض، وتوفى في 9 أكتوبر سنة 1917. وكان ابنه الأمير كمال الدين حسين قد أعلن من قبل، نزوله عن حقه في وراثة عرش مصر. وهكذا خلف السلطان حسينا الأمير فؤاد الذى أصبح من بعد ملكا على مصر سنة 1922 إلى سنة 1936. المصادر: (1) The Transit of: P.L. Elgood Egypt لندن سنة 1928. (2) محمد سعيد الكيلانى: السلطان حسين كامل، القاهرة سنة 1963. (3) فرج سليمان فؤاد الكنز الثمين لعظماء المصريين، القاهرة 1917 جـ 1. (4) Egypt since Kromer: Lord Lloyd لندن 1932. جـ 1، ص 183 - 261. خورشيد [فاتيكيوتس P.J. Vatikiotis].

حسينى

حسينى " حسينى" والجمع حسينيون، وهو اللقب الذى يلقب به شرفاء مراكش الذين يرفعون نسبهم إلى الحسين بن على وفاطمة بنت الرسول [- صلى الله عليه وسلم -]، وقد جاء الحسينيون إلى مراكش في تاريخ متأخر بعض الشئ عن الحسنيين، ولكن عددهم لم يبلغ فيها أبدًا ما بلغه أولاد عمومتهم، والحسينيون فريقان كبيران: الصقليون والعراقيون. وقد خرج الصقليون من ديارهم الأصلية بسبب الفتح النورمندى، وهربوا أول الأمر إلى الأندلس ثم إلى مراكش في عهد السلطان أبى العباس أحمد بن سالم المرينى (نهاية القرن الرابع عشر) وهم يرفعون نسبهم إلى الحسين من ناحية على الرضا. أما العراقيون، وهم نسل الحسين من ناحية إبراهيم المرتضى، فقد غادروا الأندلس بعد غزو النصارى لغزناطة والتجأوا إلى فارس (سنة 1492). المصادر: (1) القادرى: الدر السنى، ص 69 وما بعدها، فاس 1309. (2) ابن القاضى، جذوة الاقتباس، فاس، وتاريخه مجهول، ص 125. (3) الكتانى: سلوة الأنفاس، فاس , 1316 جـ 2، ص 218. خورشيد [كور Acoup] " حسينى سادات أمير" (ركن الدين حسين بن عالم بن أبى الحسن)، ولد في كزيف، وهى قرية من أعمال الغور سنة 611 هـ (1212 م) وكان مصنفًا مشهورًا وشاعرًا صوفيًا عظيمًا، وفد على ملتان وتتلمذ على ركن الدين أبى الفتح (المتوفى عام 735 هـ = 1335 م) حفيد وخليفة بهاء الدين زكريا الملتانى (المتوفى سنة 666 هـ - 1260 م). ثم استقر في هراة ومات بها، وفى رواية صاحب نفحات الأنس أنه مات بها سنة 718 هـ (1318 م) على أن أحدث البحوث تشير إلى أن وفاته لم تكن قبل سنة 729 (720؟ )، ونذكر من مصنفاته: "نزهة الأرواح" وهو مصنف صوفى اختلط فيه النظم بالنثر، وشرحت فيه أحكام الحياة الصوفية وضربت لها الأمثال من نوادر عن

المصادر

الأولياء وأقوال منقولة عنهم، ثم "زاد المسافرين" ويتضمن أحكام الحياة الدينية وضربت لها أيضا أمثال من نوادر وقصص، وقد صنف أيضًا رسائل أخرى كثيرة مثل كنز الرموز وروح الأرواح وصراط مستقيم وسى نامه وطرب المسلمين، وكلها تبحث في الحب عند المتصوفة. المصادر: (1) جامي: نفحات الأنس، ص 705. (2) دولت شاه: تذكرة الشعراء، طبعة براون ص 222. (3) خواندمير: حبيب السير، جـ 3، 2 ص 74. (4) فرشته، جـ 2، ص 762. (5) حاجى خليفة، جـ 3، ص 528، جـ 6، ص 321. (6) India office Lib Cat: Ethe رقم 1832. (7) Cat. Libr, of the King: Sprenger of Oudh, ص 430 وما بعدها. (8) Cat. Pers Mss. Br Mus: Rieu ص 608. خورشيد [هدايت حسين M.Hedayet Hosain] الحسينية دولة في بلاد تونس حكمت من سنة 1705 حتى 25 يولية سنة 1957، ثم أعلنت الجمهورية التونسية. وكان رأس هذه الدولة الحسين بن على الذى تولى السلطة سنة 1705 بعد أن هزم الجزائريون الباى إبراهيم الشريف وأسروه. ونودي بالحسين بايًا ثم بكلربك (والى) ولاية تونس على يد السلطان العثمانى أحمد الثانى، وهنالك أقنع الحسين مجلسه المكون من القواد العسكريين بإقرار نظام يحصر وراثة الحكم في أسرته فيتولاه أكبر الأبناء من الذكور. وقضى هذا الباى معظم حكمه بلا مشاكل، ولكن عكرت أواخر حكمه الفتنة التى أشعلها ابن أخيه على الذى استطاع بمعاونة الجزائريين يخلع الحسين ونودي به بايًا (1735 - 1756).

وظل على باشا يتولى الحكم قرابة عشرين سنة لم تواجهه فيها أحداث، ولكنه واجه سنة 1752 فتنة ابنه يونس، ثم واجه ما هو أخطر سنة 1756 فقد انقض عليه ابن عمه محمد بن الحسين وغزا تونس بمعاونة الجنود الجزائريين. ونهب هؤلاء المدينة التى كان يتولى حمايتها حامية ضعيفة جنود تونسيون جندهم على باشا ليحلوا محل الإنكشارية الأتراك. وخلف محمدا (1756 - 1759) أخوه على بك (1759 - 1782) الذى عاد إلى السياسة القديمة التى كانت تقضي بتجنيد القوات من الشرق. ولم يعترف السلطان العثماني بعلى بك إلا واليا على ولاية تونس فحسب، إلا أن الباى كان في الواقع ينعم باستقلال ذاتى يوشك أن يكون استقلالا كاملا، ذلك أن الحكومة التركية لم تتدخل بحال في الشئون الداخلية لتونس، وظلت الأمور تسير على هذا المنوال حتى سنة 1835 واستطاع الباي بذلك أن يبرم معاهدات مع الدول الأوربية ونشأت الخلافات في الرأي بين تونس وفرنسا أول ما نشأت في عهد على باشا سنة 1741 - 1742 حول شركة إفريقية، واستفحل الخلاف سنة 1769 - 1771 في عهد على بك حول ضم جزيرة قورشقة إلى فرنسا واحتكار صيد المرجان، وبفضل زوج ابنة الباى وكبير وزرائه مصطفى خوجه سوى هذا الخلاف ومن يومها استقر قنصل عام فرنسى في تونس. أما الباى التالى حمودة باشا (1783 - 1814) فقد وجد نفسه في صدام عنيف مع البنادقة (1784 - 1792) الذين قذفوا بالقنابل السوس والقلعة وتعاونوا مع الجزائريين فغزوا الأراضى التونسية مرتين، مرة سنة 1807, ومرة سنة 1813. وفى تونس نفسها ألفى حمودة باشا نفسه يواجه فتنة أشعلها الإنكشارية. واستطاع بمعاونة يوسف صاحب الطابع ورئيس الوزراء الفعلى أن يخمد هذه الفتنة وحلَّ آخر الأمر فرقة الإنكشارية (1811). وحمودة باشا هو الذى أقام دار الباي بالقرب من القصبة كما شيد قصر المنُّوبة.

وتولى الحكم مدة قصيرة الباى عثمان (سبتمبر - نوفمبر سنة 1814) وخلفه أخوه محمود (نوفمبر سنة 1914 - مارس سنة 1824) فعاد إلى السنة التى كانت متبعة وهى تجنيد الإنكشارية في الشرق لرد هجمات الجزائريين. على أنه صالح آخر الأمر أوجاق الجزائر سنة 1821 وأهم من ذلك كله أنه لم يجد مناصا من أن يقمع غارات مراكب القراصنة بناء على طلب الدول الأوربية بعد مؤتمرى فينا وايكس لاشابل سنة 1819، وكان ذلك يصيب الاقتصاد التونسي بخسارة كبيرة. وقد أيد الباى حسين (1824 - 1835 م) الإمبراطورية العثمانية في المراحل المختلفة التى مرت بها "المسألة الشرقية" مما أدى إلى تدمير الأسطول التونسى في نافارينو وفكر هذا الباى أيضًا في التدخل في شئون بلاط طرابلس في أعقاب الأحداث التى وقعت فيها بين سنتى 1832 و 1835، فلما عادت الحكومة التركية وجعلت طرابلس ولاية يحكمها مباشرة عمال من الأتراك، تخلى الباى عن دعواه هذه. وفى عهد الباى مصطفى (1835 - 1837) والباى أحمد (1837 - 1855) توترت العلاقات بين تونس واستانبول. وحاول سلطان الأتراك، تؤيده بريطانيا العظمى، أن يرد تونس إلى الطاعة والالتزام بها، فحاول أحمد، تؤيده فرنسا، أن يحمى استقلاله الذاتى. ونجح الباى في رفضه أداء الخراج الذى يطالب به الباب العالى، ومنح لقب والى ولقب مشير، ولكنه أجبر على اتباع السنة الجارية بأن يتلقى براءة تعيينه في ولايته وتثبيته فيها بفرمان من السلطان. زد على ذلك أن الباى أحمد أظهر ولاءه للسلطان بإرساله حملة من تونس إلى تركية في أثناء حرب القريم. وكان هذا الباى أيضًا أول من أدخل إصلاحات في بلاد تونس كما أقام مرافق عامة كبيرة. واقتضى ذلك كله نفقات باهظة أفاد منها الفائدة الأكبر رجال الأعمال الأروبيون ووزير المالية مصطفى الخازندار، وتطلب ذلك فرض ضرائب جديدة ويذكر للباى أحمد أيضًا أنه ألغى الرق وأطاح بالقانون الذى يجعل اليهود التونسيين في مرتبة دنيا.

وكان الباى محمد (1855 - 1859) وأخوه محمد الصادق (1859 - 1882) مصلحين من ذوى العزيمة، ولكن ناصحيهما كانوا في كثير من الأحيان بعيدين عن الصواب: والباى محمد هو الذى أنشأ "المجبى" (أى ضريبة الرءوس) وأصدر القانون الأساسى Pacte Fondamental في 20 سبتمبر سنة 1857 على نسق "خط همايون" العثمانى الذى صدر في فبراير سنة 1856. وقد منح هذا القانون جميع التونسيين المساواة وحرية العقيدة والحرية في الأمور التجارية. وكذلك أباح للأجانب حق التملك في البلاد التونسية والمشاركة في كل نشاط اقتصادى. وأعيد تنظيم الحكومة على النمط الأوربى وسن محمد الصادق دستورا جعل البلاد ملكية وراثية يحكمها الباي بمعاونة مجلس تشريعى من ستين عضوا، وكذلك أنشأ هذا الدستور محاكم منتظمة. وتفاقم الحالة المالية للبلاد مقترنة بسوء إدارة مصطفى الخازندار للأموال حمل الباى سنة 1863 على الحصول على قرض من الصيرفى إرلانجيه Erlanger بفائدة باهظة. ولم تتوفر للباى محمد الوسائل لسداد هذا القرض فاضطر إلى مضاعفة المجبى. وأثار فعله هذا فتنة سنة 1864 اشتعلت بين القبائل الكبرى ثم امتد لهيبها إلى مدن الساحل بزعامة على بن غداهم. وأخمدت الفتنة، إلا أن تونس أصابها الخراب. فعقد محمد الصادق قرضا جديدا سنة 1865 بشروط ليست بأقل قسوة من القرض الأول. وأحسَّ الباى أنه مشرف على الإفلاس فاضطر عام 1869 إلى الموافقة على إنشاء وكالة مالية دولية من تونس وإنجلترا وإيطاليا كشفت أخيرا عن التصرفات الشائنة التى ارتكبها مصطفى الخازندار. وبذل رئيس الوزراء الجديد خير الدين محاولات لإعادة توثيق العلاقات بين تونس والإمبراطورية العثمانية، إلا أن هذه المحاولات وئدت لمعارضة فرنسا وإيطاليا. وتفاقم الضغط الفرنسي باطراد وأصبح التدخل الفرنسي بعد معاهدة برلين سنة 1878 أمرا محتوما بالرغم من بعض الجهود التي بذلتها إيطاليا لتأخير ذلك.

وتذرعت الحكومة الفرنسية بوقوع غارات من قبل قبائل خرومر على الأراضى الجزائرية فقررت في 4 ابريل سنة 1881 أن تنفذ حملة تأديبية إلى تونس بالرغم من احتجاجات تركية وسعى محمد الصادق إلى التصالح. وبلغت الجنود الفرنسية في 12 مايو سنة 1881 باردو واضطر محمد الصادق إلى إبرام معاهدة قصر سعيد نزل فيها عن السيادة الظاهرة لفرنسا وأجبر على أن يسلم بوجود وزير فرنسى مقيم. وبعد ذلك بسنتين فرض اتفاق المرسى (8 يونية سنة 1883) على علي بك (1882 - 1902) الحماية الكاملة. ورزح البايات محمد الهادى (1902 - 1906) ومحمد الناصر (الباى ناكور، 1906 - 1922) ومحمد الحبيب (1922 - 1929) تحت سلطان الإدارة الفرنسية التى دأبت على العدوان على حقوقهم، فأصبحت مناصبهم شرفية على تفاوت، ولو أن محمد الناصر قد أيد نشاط حزب الدستور الذى يسعى إلى إعطاء التونسيين نصيبا أكبر في الحياة السياسية للبلاد. وبعد سنة 1934 كان حزب الدستور الجديد بزعامة بورقيبة هو الذى أمد المشاعر السياسية القوية في البلاد بزاد جديد، على حين كان الباى أحمد (1919 - 1942) يتبع إرشادات المقيم العام. على أنه حدث في الحرب العالمية الثانية أن استرد الباى منصف (19 يونية 1942 - 13 مايو 1943) بعض الهيبة التى كانت لأصحاب العرش التونسى إذ تزعم الحركة الوطنية التى كانت في ذلك الوقت محرومة من الزعماء الأخرين. وأظهر حكمه قصير الأمد أنه سلطان عالى الهمة جمع حوله أغلب الشعب وجعل الناس ينظرون إلى أسرته نظرتهم إلى ضمان للسيادة القومية وموئل لها. وأجبر الباى منصف على النزول عن العرش بعد أن فتحت تونس مرة أخرى على يد جيوش الحلفاء، وأقيم مقامه ابن عمه الأمين (13 مايو سنة 1943 - 25 يولية سنة 1957) ولم يكن لهذا الباى ما كان لابن عمه من قدرة وهمة، وعادت المبادرة السياسية بعد الحرب إلى أيدى الحبيب بورقيبة وغيره من زعماء

المصادر

الدستور الجديد. ومن سنة 1952 إلى سنة 1954 حاول الأمين في شئ من الجبن أن يقاوم المطالب الفرنسية، وحملت مقاومته السلبية مقترنة بسلوك زعماء الدستور الجديد المناهض لفرنسا، الحكومة الفرنسية على أن توافق أولا (3 يونيه سنة 1955) على منح تونس الاستقلال الذاتى في الأمور الداخلية ثم منحها الاستقلال التام في 20 مارس سنة 1956. وما انقضى على ذلك وقت قصير حتى حرم البايات من أن يكون لهم أية امتيازات خاصة، وصدر مرسوم في 3 أغسطس سنة 1956 بنقل مباشرة السلطة من الباى إلى كبير الوزراء. وفى 25 يولية سنة 1957 أعلنت الجمعية التأسيسية سقوط الأسرة الحسينية وإقامة نظام جمهورى للحكم. وحددت إقامة الأمين مدة قصيرة في منزل بالقرب من تونس، ثم منح حريته الكاملة، وأدركته المنية سنة 1964. ولم تكن الأسرة الحسينية من أصل تونسى، إلا أنها استطاعت في بعض الأوقات، على نحو لم يكن بارزا كل البروز، أن تظهر للناس أنها الأسرة الوطنية لبلاد تونس. كانت الأسرة تركية الأصل تحافظ على مبادئ المذهب الحنفى، وتتزوج من أميرات عثمانيات، وتعترف (حتى عام 1881) بسيادة سلطان آل عثمان. المصادر: علاوة على المراجع المذكورة في مادة الحسين وتلك التى ذكرها برونشفيك في مادة تونس، بلاد، القسم 3، العصر التركى، والقسم 4، الحماية الفرنسية (وهى مراجع مكتملة كل الاكتمال حتى عام 1931) انظر. (1) monnaies: Farrugia de Candia husse'inites فى، Reu. tun الأعداد 11 - 12 (سنة 1932) ص 379 - 398, العدد 21 (سنة 1933) ص 215 - 230: العدد 17 (سنة 1943) ص 73 - 92؛ العدد 21 (سنة 1935) ص 15 - 36. (2) Les differends de: Grandchamp 1832 - 1833 entre la Regence de Tunis et les rayaumes de sardaigne et des Deux-

Siciles في. Rev.tun، السلسلة الجديدة، عدد رقم 5 (1931) ص 1 - 91. (3) الكاتب نفسه: Le diffe'rend tu- niso-sarde de 1843 - 1844, فى. Revue Tun. العددين 13 - 14 (سنة 1933) ص 127 - 215. (4) الكاتب نفسه: - Decuments re latifs a' la te'volution de 1864 en tunisie في مجلدين، تونس، سنة 1935. (5) Historique de la mis-: P. Marty (1827 - 1882) sion militaire enTunisie فى. Rev. Tun السلسلة الجديدة، عدد 22 (1935) ص 171 - 208, العددين 23 - 24 (1935) ص 309، 406. (6) عزيز سامح إيلتر: شمالى أفريقاده توركلر، في مجلدين، إستانبول سنة 1936 - 1937. (7) Docu-: M. S. Mzali & J .. Pignon ments sur Khereddine في. Rev. tun، السلسلة الجديدة، الأعداد 18، 19, 20، 21، 22، 23، 24، 26، 30، 31 - 32، 33، 34، 41 - 42، 42 - 44 (1934 - 1940) (8) En Marge du Pacte: L. Berchet Fondamental . في Rev. Tunis عدد 37 (1929) ص 67 - 86. (9) Arbre gee-: P. Grandchamp neealogique de la Fomille hassinile (1705 - 1941) في. Rev. Tunis الأعداد 45 - 47 (1941) ص 233. (10) J. Goniage: - La crise des fi nances tunistennes et l'ascension des Juifs de Tunis في Rev. Afr، سنة 1955، ص 153 - 173. (11) Les liberaux an-: A. Raymond glais rt la question tunisienne في. C.T, عدد 11 (1955) ص 422 - 465. (12) Historie de LA-: Ch. A, Julien frique du nord، جـ 2، باريس سنة 1956. (13) L'armee d'Ahmed: A. Martel Bey d'aqres un instructeur fransais في C.T. عدد 15 (سنة 1956) ص 373 - 407. (14) La titulaire des: R. Mantran Beys de Tunis au XIXe siecla d'apres les

الحشاشون

documents d'archives turcs Dar-el-Bay في C. T.، العددين 19 - 20 (1957) ص 341 - 348. (15) الكاتب نفسه: L'evolution des relations entre Tunisie et L'Empire otot- toma du Xule au XlXe sie'cle في C. T.، العددين 26 - 27 (1959)، ص 319 - 333. (16) Les origines du: J. Ganiage Prolectoral Francais en Tunisie, باريس سنه 1959، (وفيه مصادر هامة). (17) L'insurrection de: Bice Slama 1280 - 1864 dans le Sahel في C. T.، عدد 31 - (1960) ص 109 - 136. (18) la Tunsisie: A Raymond، باريس سنة 1961. (19) الكاتب نفسه: Salisbury and the Tunisian question 1878 - 1880 في St.Antony's Papes رقم 11: Middle Eastern Affairs. جـ 2، لندن سنة 1961، ص 101، - 138. (20) Inventaire des du-: R. Mantran cuments d'archives turco du Dar-el-Bey, تونس - باريس، سنة 1962. (21) Evolution Pol-: Le Tourneau itique de L'frique du Nord muslmane 1920 - 1961. باريس سنة 1962. (22) La France, la: A. Raymond -grands Bretagne et le probleme de lar (1855 - 1857) eforme a Tunis في - me langes, Etudes Maghrebines Charles An- dre Julien, باريس سنة 1964, ص 137 - 164. خورشيد [مانتران R. Mantran] الحشاشون هو الاسم الذى يطلق على ذلك الفريق من الإسماعيلية الذين كانوا يحتلون ايام الحروب الصليبية الحصون الجبلية في الشام وغيرها من ربوع المسلمين، والذين جروا على التخلص من عدوهم بالاغتيال. على أن المعنى المألوف للكلمة الأوربية assassin لا صلة له باللفظ الأصلى، ذلك لأنها يجب أن ترد إلى الكلمة العربية "حشيشيون" ومعناها "متعاطو الحشيش". والحشيش يجهز من القنب Cannabis indica الذى

يستعمله صوفية المشرق أحيانا ليبلغوا حالة الوجد أو السكر. ويقال إن الذين ينتخبون من الفدائيين على يد أئمة الحشاشين لأداء مهمة جليلة الخطر، (كالاغتيال مثلا) يدفعون إلى تعاطى الحشيش حتى يصبحوا كالآلات الصماء يقومون بكل عمل يطلب منهم: وأطلق ابن خلكان على الحشاشين بصفة عامة اسم الفداوية، أخذه من الفدائية، بيد أن المصنفات الشرقية جرت على تسميتهم؛ "الملاحدة" أو "النزارية" إن لم تكتف بتسميتهم بالإسماعيلية فحسب. ونحيل القارئ فيما يختص بالحشاشين باعتبارهم فرعًا من الإسماعيلية يشاركونهم في بعض المذاهب العامة، . ولا يميزهم عن سائر الإسماعيلية مبدأ خاص بقدر ما يميزهم تحول نظامهم السياسى إلى جماعة سرية يطيع أفرادها أئمتهم طاعة عمياء. ولم يكن استغلالهم القتل تخلصًا من عدوهم ظاهرة جديدة في الإسلام. فقد لجأ إلى القمر قبل ذلك أبو منصور العجلى ومغيرة بن سعيد، وهما اللذان عرف أنصارهما بالخَنَّاقة، وعظَّما من شأن الاغتيال يتوسل به إلى بلوغ المآرب السياسية وعدّاه عملا دينيًا يثاب المرء عليه. أما ما عدا ذلك من عقائد الحشاشين التى لم ترد في المصنفات الإسماعيلية التى عرضنا لها بعد، فلسنا نعرفها معرفة كاملة، ذلك لأن كتبهم المقدسة، وهى الكتب التى لم يصل إلينا سوى عنوان واحد منها وهو (سَرْ كذَ شْتْ سيدنا) أى تاريخ سيدنا، وهو الحسن بن الصباح قد أبيدت جميعًا في العهد المغلى، وكل ما نعلمه هو أن مؤسس الجماعة السرية، الحسن بن الصباح قد استميل إبان إقامته في مصر (1078 - 1080 م) إلى نصرة نزار بن المستنصر الفاطمى، ومنه سمى أعضاء الجماعة بالنزارية كما قدمنا. ومن المعلوم أن نزارًا لم يخلف أباه المستنصر، وإنما خلفه أخ أصغر منه نادى به الفاطميون إمامًا عليهم ولقبوه بالمستعلى. بيد أن الحشاشين ظلوا على نصرتهم لنزار حتى جاء خلف للحسن ابن الصباح اسمه أيضًا الحسن (ابن محمد) فزعم أنه معد ولد نزار ومن ثم

طالب بالإمامة. فدعا تحقيقًا لهذه الغاية أتباعه جميعًا إلى اجتماع مشهود (عيد القيامة) عام 559 هـ (1164 م). ولم يطلب في هذا الاجتماع البيعة له بالإمامة فحسب، بل جهر بإبطال الشرع الإسلامى. ثم حدث التحول على يد حسن ثالث (جلال الدين)، ذلك أنه ما إن خلف أباه عام 607 هـ (1210) حتى عاد إلى العمل بالشرع الإسلامى، وأنبأ الخليفة العباسي بولائه له وأذن لأمه بالحج إلى مكة. ومن ثم لقب بـ "نوْ مسلمان أى المسلم الجديد"، ونشأ بين الحشاشين في عهد خلفائه خلاف في الرأى وانقسام في الجماعة لا نعرف عن طبيعته شيئًا على وجه التحقيق. وسرعان ما قضى المغول على سلطان هذه الجماعة السياسى، فلم يبق للحشاشين بصفتهم تلك وجود، أما من أفلتته الكارثة منهم وظل مستمسكًا بآرائه، فقد ذهب في غمار الإسماعيلية الآخرين. ويبدأ تاريخ الحشاشين بفتح الحصن الجبلى "ألموت" على يد الحسن بن الصباح عام 483 هـ (1090 - 1091 م) وقد نقل حاضرته إليه وأخذ ينشر دعوته من هذا المكان العزيز المنال، فأدى ذلك أول ما أدى إلى احتلال أنصاره كثيرًا من الحصون الجبلية في بلاد فارس بأسرها والتخلص من أخطر عدو لهم بقتله غيلة. ومن أوائل ضحاياهم الوزير السلجوقى المشهور نظام الملك (485 هـ = 1092 م). ثم اضطربت شئون العالم الإسلامي بموت السلطان ملك شاه وما نشأ عنه من نزاع حول الملك بين مختلف الطامعين فيه وظهور الصليبيين في بلاد المسلمين بعيد ذلك، فتمكن الحشاشون من إحراز انتصارهم الخطير، وقوى سلطانهم في أعوام قليلة حتى اعتلى العرش السلطان السلجوقى محمد الأول، فلم يدخر وسعًا في القضاء عليهم، وكان حصن دزْكوه المجاور لإصفهان، وهو الذى أطلقَ عليه ملك شاه اسم "شاهدزْ" في حوزة زعيم مبرز من زعماء الحشاشين يعرف بابن عطاش، وهو الذى عد الحسن بن الصباح من تلاميذه، وقد سقط هذا الحصن بعد مقاومة مستبسلة عام 500 هـ الموافق 1107 م

(انظر الوصف الرسمى لهذه الواقعة في ابن القلانسى طبعة امدروز، ص 152 وما بعدها) وعهد عندئذ إلى الأمير التركى أنوشتكين شيركير بتسيير دفة الحرب على الحشاشين، فأحرز عدة انتصارات أدنته من احتلال حصن ألموت نفسه، ولكن موت محمد عام 511 هـ (1118 م) اضطره إلى رفع الحصار عنه. وعاش الحسن بعد هذه النازلة حوالى السبع سنين، فقد توفى عام 518 هـ (1124 م) واستخلف على الحشاشين كيابزك آمد رود بارى الذى ترك تصريف الأمور إلى خلفائه: وهؤلاء هم حكام ألموت: الحسن بن الصباح 483 - 518 هـ (1090 - 1124 م) بزرك آمد رودباري 518 - 532 هـ (1124 - 1138 م) محمد بن بزرك أمد 532 - 557 هـ (1138 - 1162 م) الحسن بن محمد 557 - 561 هـ (1162 - 1166 م) نور الدين محمد 561 - 607 هـ (1116 - 1210 م) جلال الدين حسن بن محمد 607 - 618 هـ (1210 - 1221 م) علاء الدين محمد 618 - 653 هـ (1221 - 1255 م) ركن الدين بن محمد 653 - 654 هـ (1255 - 1256 م) وقد احتمل الحشاشون إبان حكم هؤلاء الأئمة الكبار اضطهادًا مريرًا، ومع ذلك فإن الخلفاء وأمراء السلاجقة لم يستطيعوا كسر شوكتهم والقضاء على أوكارهم، فقد كانوا بارعين في التخلص من ألد أعدائهم بالقتل غيلة وأخذوا يجدون في نشر دعوتهم. وقد وفقوا بنوع خاص إلى تثبيت أقدامهم بأرض الشام حيث أفاد رضوان صاحب حلب السلجوقى من معاونتهم. وبعث برجل يدعى أبا طاهر ولعله احترف الصياغة لأنه لقب بالصائغ، رسولا إلى الشام واستمال في حلب خلقا كثيرًا، وفى عام 499 هـ؟ (1105 - 1106 م) حاول أبو طاهر التخلص من صاحب أفامية بقتله غيلة، ولكن أمله خاب في حكم المدينة لأن الصليبيين

المصادر

سرعان ما احتلوها، وتعرض الحشاشون في حلب بعد وفاة رضوان عام 507 هـ (1113 م) إلى اضطهاد دموى، على أن ذلك لم يمنع رسولًا فارسيًا آخر يدعى بهرام من أن يستميل أنصارًا كثيرين بعد ذلك بأعوام قليلة، بل لقد استطاع هذا الرجل أن يحتل مدينة بانياس عام 520 هـ (1126 م)، وهى التى استسلمت بعد ذلك بثلاث سنين للصليبيين. وكثيرًا ما تواد الحشاشون مع المسيحيين وحاولوا توطيد أقدامهم بالاستغلال البارع للأحوال السياسية. وفى عام 535 هـ (1140 - 1141 م) فتحوا حصن المصياد (مسياف) وغيرها من الحصون في شمالي بلاد الشام مثل كهف. وقدموس وعليقة والخوابى الخ .. وكان رأس هؤلاء الحشاشين الشآميين المؤقت يدعى شيخ الجبل. ومن ثم فلا يدل هذا اللقب كما قيل أحيانًا على الإمام الفارسى الكبير وهو إمام الحشاشين الأكبر. ومن أشهر الحكام الشآميين رشيد الدين سنان. وأحدث المغول انقلابات هائلة في أحوال آسية السياسية، وهم الذين استطاعو أيضًا القضاء على الحشاشين، فما إن اعتلى آخر شيوخهم ركن الدين منصب الإمامة حتى وجه هولاكو جنده نحو ألموت فأخذت ركن الدين العزة ولكن المقاومة كانت عبثًا لا طائل وراءه، فاضطر إلى الاستسلام عام 654 هـ (1256 م) وسيق إلى الخان الأكبر بيد أنه قتل في الطريق إليه. وانتزعت من الحشاشين معاقلهم الحصينة وخرب بعضها وسقطت المعاقل الشآمية إلى حين في يد المغول مثل مصياد عام 658 هـ - (1260 م) ذلك أنه كان من نصيب سلطان المماليك بيبرس أن يوجه إلى الحشاشين الضربة القاضية عام 671 هـ (1272 م) فقضى بذلك على السلطان السياسى لهذه الفرقة المروعة. بيد أنه بقى في جبال النصيرية وما زال جماعة من الإسماعيلية انحدروا من الحشاشين كما هى الحال في فارس وبلاد الهند. المصادر: (1) ورد تاريخ الحشاشين في مصنفات التاريخ العام كابن الأثير وابن خلدون وأبى الفدا .. إلخ.

حشمت

(2) انظر كذلك القسم المناسب للموضوع في تاريخ ميرخواند وهو القسم الذى نشر منفصلا في Notices et Exiraits، جـ 9 ص 194 وما بعدها. (3) والقسم المناسب في تاريخ كزيدة، وقد ترجم في المجلة الأسيوية الفرنسية , 1848. (4) Sur la dynastie des As- sassins: De Sacy (5) Notice historique: Quatremorie sur Ismailiens Mines de l'orient جـ 4. (6) Geschichte der: Von Hammer -Assassiner aus morgenlandischen Quel len . (7) Novuelles re-: Defrimery cherehes sur les ismaeliens في المجلة الأسيوية، المجموعة الرابعة جـ 13، والمجموعة الخامسة جـ 2، 3، 5، 8، 11. (8) Fragments relatifs a: St. Guyard la doctrine des ismaelis, Notices et Ex- traits جـ 22، 1. (9) انظر مقال: Un grand maitre des Assassins في المجلة الآسيوية الفرنسية، المجموعة السابعة جـ 9 (1877) ص 324 - 489. (10) des Epigraphie: Von Berchem Assassins de Syrie طبعة (1897). (11) A Literary history of: Browne Persia؛ جـ 3، ص 193 وما بعدها. حشمت شاعر عثمانى، وهو ابن قاضى عسكر عباس أفندى الذى كان معاصرًا وصفيًا لراغب باشا. وقد اختار حشمت أن يوجه حياته إلى دراسة القانون وعلوم الدين. على أنه نظم أشعارًا في الهجاء ونفى عام 1175 هـ (1761 - 1762 م) هو والشاعر نورس أفندى إلى بروسة قبل أن يتقلب في مناصب التدريس، ثم نفى وحده إلى رودس وتوفى فيها عام 1182 هـ (1768 - 1769 م) ودفن بجوار مراد رئيس. وكان حشمت مبرزا في الرماية والسيف تبريزه في الشعر. ولا ترجع

المصادر

فحولته إلى أصالة قصائده، وإنما هى ترجع إلى تقليده واقتباسه المبتكرين لأفكار أسلافه ولغتهم. وتتجلى في حشمت خصائص الشعر العثمانى بصفة عامة، ذلك أن هذا الشعر قد تميز بالبراعة العظيمة في التقليد فكان كالطفيليات التى لا تعيش وتزدهر إلا على نبات آخر أقوى منها وأعمق جذورًا، ولكنه ارتفع بهذه الخصائص وجعلها موهبة خصبة تواتيه على الاقتباس. وهو يحتذى في قصائده نفعى، أما في الغزل فهو ينسج على منوال كثير من الشعراء. وحشمت لا يقتعد بين الشعراء الخلاقين إلا مقامًا متواضعًا. وإن كان قد حاول أن يسمو إليهم. وتتميز قصائده التى يتباعد فيها عن التقليد بنفحة قوية عارمة. وقد أبدى حشمت شجاعة عجيبة في مهاجمة اعدائه من ذوى النفوذ. ولم يقم حشمت بطبع ديوانه بنفسه بل طبعه الكاتب البروسوى سيد محمد سعيد إمام زاده عام 1180 هـ (1766 - 1767 م) وقدم له بكلمة تقريظ بقلم حشمت نفسه. وطبع هذا الديوان في أربعة أجزاء في بولاق عام 1257 هـ (1841 م) وبقى من تواليفه في النثر كتاب: "انتساب الملوك" وهو رؤيا يقرر أنه رآها عند اعتلاء مصطفى الثالث عرش السلطنة. وكتاب "سورنامه" أو "ولايت نامه" وهو في وصف الأعياد التى أقيمت بمناسبة مولد الأميرة هيبت الله عام 1172 هـ (1359 م) وكتاب "سند الشعراء" وقد أهداه إلى راغب باشا وأرفقه بتقدمه من نظمه، ثم تفسير لسورة من القرآن وبعض الأحاديث منظومة. المصادر: (1) م. ناجى: أسامي، 1308 هـ، ص 121. (2) ثريا: سجل عثمانى (1311 هـ) جـ 2، ص 233. (3) Geschichte der Os-: Hanmmer manischen Dichtkunst جـ 2، ص 322. (4) A History otOuoman poet-: Gibb ry جـ 4، ص 140 - 150. (5) Cataligue: Rieu [خورشيد منزل theodor Menzel]

حصار

حصار وتتناول المواد التالية فن الحصار وحرب الحصار. 1 - ملحوظات عامة: كان فن الحصار من الأساليب الجوهرية للحرب إذا قصد بها الفتح وليس مجرد غارات للسلب والنهب، وذلك في بلاد كانت معظم مدنها الكبرى منذ العصور القديمة محمية بأسوار، وحيث كان الريف الفسيح المكشوف في العصور الوسطى تحيط به الحصون التى تزداد باطراد ومع أن القوات العسكرية لم تكن تكفى لفرض الحصار إلا في القليل النادر؛ بيد أنها كانت تسد الدروب المألوفة الموصلة إلى الحصن المحاصر حتى تجبره على الاستسلام إما بالمجاعة وإما بالتهديد بها، إذا لم تصله نجدة من الخارج، أو لم يقم المحاصرون بشن كرّة لفك الحصار وتشتيت الغزاة: على أن المخزون المحاصرين من المؤن كان يعينهم على الثبات مددًا طويلة إلى حد ما، إذا ارتفعت روحهم المعنوية بالأمل في نجدة تأتيهم وإخلاصهم لأميرهم. ويحدث أحيانا أن يكون المحَاصرُون غير مستعدين استعدادًا طيبًا لحرب طويلة الأمد (انظر مادة "حرب") أو يكون قد خامرهم الشك فيما قد يجنيه الآخرون بخلاف أميرهم من هذه الحرب فييأسون ويتخلون عن الكفاح. وكان البدو الرحل الذين لم تكن آلات الحصار متيسرة لهم، ولم يحفلوا إلا قليلا بالزراعة، ينجحون أحيانا في إجبار مدن هامة على الاستسلام بما يحدثونه فيها من دمار وتخريب دائم له أثره في حياة السكان. على أن الجنود النظامية أدركت ميزة الإبقاء على الزرع وغلات الأرض، وشاركت الرأى العام في جسامة تخريب البلاد التى قد تعوق طبيعتها أى إصلاح عاجل، فكفّت بصفة عامة عن إتلاف الأشجار، وتدمير منشآت الرى. وبغض النظر عن العمليات الحربية بمعناها الصحيح، فإن هؤلاء الجنود كان هدفهم الأكبر هو إحداث خيانة في داخل الحصن، أو اصطناع حيلة لأسر أمير من أهل البلد ليكون فك أسره شرطًا لاستسلام الحصن.

وكان يستعان بآلات الحصار في تنفيذ العمليات الميدانية، بصرف النظر عما كان يتزود به الأفراد من أسلحة، وجرى السير على الأساليب القديمة في استعمال هذه الآلات، إلا أن هذه الأساليب أحرزت قدرًا من التقدم الفنى، واستخدمت الأسلحة على نطاق أوسع بكثير عن ذى قبل في النصف الأخير من العصور الوسطى. ففى أول الأمر، كان المحاصرون يحاولون، إذا تيسر، ردم جزء من الخندق المائى المحيط بالحصن ليتمكنوا من عبوره. وفى حالة حصار المدن، كانت المحاولات تبذل إما بهجوم مباغت، وإما بالخيانة حتى يتم تسلق جدران الحصن بالسلالم، ويسرع أول مقتحم إلى فتح باب من أبوابه تسهيلا لدخول سائر الجنود، وهى مناورة لا يضمن لها النجاح إلا بالليل. ويحاول الجنود في أغلب الأحوال، وإذا ما سمحت طبيعة الأرض، أن يدقوا في أسافل جدران الحصن أبراجا خشبية متينة ذات طوابق عدة (تشبه الدبابات) ويستطيع المهاجمون أن يقاتلوا من أعالى هذه الأبراج خصومهم فوق الجدران، ثم يثبون عليهم آخر الأمر. كما اعتادوا قبل أى شئ محاولة تصديع استحكامات المدن، أو نقب جدران القلاع، أو العمل على انهيارها بشق النقبُ أو باستخدام بعض الآلات. ويبدو أن أهل خراسان كانوا ذوى مقدرة في شق الأنفاق التى من هذا القبيل، حيث كان الحفر يجرى في أماكن خفية عن المدافعين كلما أمكن ذلك ثم تدعم هذه الأنفاق بخوازيق من الخشب وتمد إلى الهدف المختار وتضرم النار في الخوازيق، فتهبط الأرض (إذا لم تكن من جلمود الصخر) ويهبط معها البناء القائم فوقها، وكان المحَاصرُون يدافعون عن أنفسهم بشق أنفاق مضادة لسد الطريق على من يشقون الأنفاق من جنود العدو. وكانت آلات الحصار على الإجمال من نوعين، استخدم أولهما لإضعاف أجزاء بعينها في الجدار المستهدف بضربات مباشرة، وعرف هذا النوع طوال العصور الوسطى باسم (كبش أو سِنَّورْ)، واستخدم ثانيهما في قذف ما يشبه الصواريخ، وهو ثلاث مجموعات من المنجنيق تختلف وفقًا لطريقة إطلاق القذائف منها، وتقوم أساسًا على أن

عددًا من الرجال يؤرجحون عارضته إلى الخلف، وقد عرف في يغرب باسم Trebuchet, بعد وضع ثقل على أحد اطرافها فتندفع القذيفة بقوة هائلة نحو الهدف المراد، وثالثهما، استخدم القسى الكبيرة الخفيفة أو ما عرف باسم العَرَّادة وتحدث الأثر نفسه بقذائف أخف وزنًا تطلق بجذب وتر القوس: وقد استخدم من نهاية القرن السادس حتى القرن الثانى عشر القوس الدولابى الضخم في رمى السهام، وكان يعرف باسم "قوس الزيار" وكان يقوم على تشغيله عدد من الرجال. وفى معظم تلك الحقبة كانت آلات الحصار هذه تصنع، أو تُجمَّع على الأقل، في ساحة المعركة نفسها يسبب مصاعب النقل، ثم تحمل فوق عربات إلى المكان المراد. وكان استخدام هذه الآلات لا ينجح إلا إذا كان تكوين الأرض يسمح بإقامتها ولم يتيسر ذلك في كثير من الأحيان بالبلاد الجبلية. وكان المدافعون يحمون أنفسهم باطلاق سيل من السهام على الجنود القائمين بتشغيل آلات الحصار، من ثم يقى هؤلاء أنفسهم بالدروع الضخمة والحسائك، وفى حالة وجود المهاجمين أسفل جدران الحصن كان المدافعون يرمونهم بالأحجار، ويصبون عليهم القار الخ ... بل كانوا يحاولون قبل أى شئ إشعال النار في آلات الحصار بقذفها بالنفط وإزاء مثل هذا النجاح في حرق آلات الحصار اضطر المهاجمون إلى تغطيتها بجلود الحيوانات المعالجة بالخل لتكون غير قابلة للحريق، وبخاصة الأبراج الخشبية التى كانت تحتل مساحة كبيرة في موقع الهجوم، أما المهندسون الذين عهد إليهم بصنع آلات الحصار تلك أو تعديلها بما يوائم الحال (والمهندسون في الحق ليسوا من الأطراف المتحاربة) فكانوا من غير المسلمين وخاصة في القرون الأولى. المصادر: انظر على وجه الخصوص ما كتبه. K Huuri, تعليقات CI.cahen في Traite d, Armurerie وفي جميع التواريخ الإخبارية أوصاف للحصار لم تكن موضوعًا لأى نوع من التحليل المنهجى، ومما له أهمية خاصة تلك التواريخ التى

2 - المغرب الإسلامى

تناولت ما دار بين صلاح الدين والفرنجة من حروب في القرن التالى لغزو المغول والهجمات المضادة للمماليك. وحذف من هذه المادة الحديث عن المدفعية في عصر الأسلحة النارية، حسن شكرى [كاهن CI. Cahen] 2 - المغرب الإسلامى: كانت أساليب الحرب التى استخدمها المحاصِرُون والمحاصَروُن هى في الأساس الأساليب نفسها التى اتبعت في المغرب والمشرق، مع اختلاف ينصب في الجوهر على الألفاظ فحسب. ومن يرد مزيدًا من التفصيلات الجوهرية يمكنه الرجوع إلى: - E. Levi provencal في l,Espagne muslmane au Xe siecle، سنة 1932، ص 150؛ H.R.Idris فى La Berberie Orientale sous les Zirides, جـ 2, ص 533؛ R. Brunch- vig في La Berberie orientale sous les Hafsides, جـ 2, ص 87. ومن آلات الحصار التي بلغت غاية القوة المجانيق التى استخدمت في عصر المرينيين، ففى عمليات الحصار الشهيرة التى فرضت على تلمسان مثلا أطلقت منها على هذه المدينة قذائف رخامية، عثر على بعض منها هناك، ويبلغ محيط أكبرها مترين، ويزن 230 كيلو جراما. على حين كان وزن أكبر قذيفة في حصار المهدية الذى ضربه سنة 601 هـ (1204 م) السلطان الموحّدى الناصر لا يزيد على 120 رطلا (روض القرطاس، ترجمة Beaumier، ص 239). وظهرت في عصر المرينيين أيضًا آلة حصار جديدة هى: قوس الزيار، وهو قوس أو مقلاع هائل يجره أحد عشر بغلا إلى المكان الذى يفرغ فيه. وصارت القسى الصغيرة (رعّادة أو عرّادة) تستخدم بدلا من العرّادة القديمة وكثر عددها، وكان المحاصرُون يضعونها فوق متاريس أبراجهم الزاحفة. وقد استخدمها المحاصَرون في الوقت نفسه في إطلاق كرات اللهب لإضرام النار في هذه الأبراج. أما الأسلحة المحمولة فمن الملاحظ أن المحاصِرين كانوا، منذ النصف الأول من القرن الخامس الهجرى (الحادى

عشر الميلادى)، مسلحين عامة بقسى عَقَّارَة شديدة الفتك يمنعون بها المحاصرين من الظهور في المزاغل ليرموا بالسهام القائمين على شق الأنفاق. وحتى يتمكن قائد جيش الحصار من الإشراف على مجرى القتال خصص له مكان للمراقبة (مرَقْبة، ديدبان، أو "شراع" في القليل النادر). أما التفصيلات الدقيقة لعمليات الحصار نفسها فنادرة. ولكن ثمة فقرات هامة عن حصار بُبَشْتر في سنة 475 هـ (1065 م، ابن عذارى: البيان المغرب، جـ 3، طبعة ليفي بروفنسال، ص 227) وعن حصار سرقسطة سنة 512 هـ (1118 م، روض القرطاس، ترجمة Beaumier, ص 233, طبعة الرباط، جـ 2، ص 88). وعن الحصارين اللذين ضربهما الموحدون على قفصة (ابن عذارى، فصل عن الموحدين، طبعة Huici، سنة 1963، ص 165 - 168؛ Hesperis, ص 25، سنة 1941، ص 45، 62) وعن الحصارين اللذين ضربهما على تلمسان المرينيون (ابن خلدون: العبر، جـ 7، ص 94، 221، 257، ترجمة De salne، جـ 3، ص 373؛ جـ 4، ص 143، 221) وعن حصار المّرِيَّة سنة 709 هـ (1309 م، العبر، جـ 7، ص 249؛ الترجمة، جـ 4، ص 204). وفعل عبد المؤمن الموحدى فعلًا خارقًا سنة 450 هـ (1146 م) لإزالة جزء من حصون مدينة فاس، فقد بنى خزانًا فوق النهر الذى يقطعها فلما تراكم قدر كاف من الماء هدم الخزان فاكتسح السيل هذه الحصون (ليفى بروفنسال في - Documents inedits d'his toire almohade، ص 164 تعليق (1). وكانت بعض الحصارات تمتد عدة سنوات: فقد ضرب السلطان المرينى يوسف بن يعقوب الحصار على تلمسان ثمانى سنوات وثلاثة أشهر، ولم يفك هذا الحصار إلا بعد اغتياله الذى أدى إلى تفكك جيشه. والحق أن السور المحيط بأى مدينة كان لا يحمى مبانيها وحسب، بل كان يحمى أيضًا أراض شاسعة مكشوفة تصلح للزراعة والرعى. وثمة بعض تفصيلات

3 - بلاد فارس

عن الأثمان التى كان على المحاصِرين في بلنسية (الأندلس، جـ 13، سنة 1948, ص 140) وفى تلمسان (العبر، جـ 7، ص 96، ترجمة De Slane، جـ 3، ص 377) أن يدفعوها نظير حصولهم على الطعام. ولقد أدت المدد الطويلة التى اقتضتها بعض الحصارات إلى قيام جيش الحصار بتحويل معسكره الحربى (محلة) إلى مدينة بمعنى الكلمة، ذات أسوار محصنة ومساجد جامعة وحمامات وأسواق. وأشهر المدن التى من هذا القبيل مدينة المنصورة في مواجهة تلمسان، ومدينة سانتافيه التى أقامها ملوك الكاثوليك سنة 1491 خلال حصار غرناطة، ويذكر المؤرخون كثيرًا من المدن الأخرى التى قامت على هذا النحو. حسن شكرى [ج. س. كولان G.S. Colin] 3 - بلاد فارس: من المؤكد أن الأساليب الفنية لحصار الحصون واستخدام آلات الحصار، كانت معروفة في بلاد فارس قبل الفتح الإسلامى، فقد كان ثمة مهندسون ماهرون في العصر الساساني (راجع Christensen في L' Iran sous les sassanids) . ومن المحقق أن سلمان الفارسى الذى يزعمون أنه فارسى، هو الذى هدى المسلمين إلى حفر خندق دفاعى على الجانب الغربى للمدينة لحمايتها من غارات قريش سنة 5 هـ (627 م) زد على ذلك أن الفرس أقاموا أسوارًا دفاعية لصد البرابرة الأجانب في عدة مناطق استراتيجية مثل دربند على الشاطئ الغربى لبحر قزوين، وجالوس، وفى قزوين لوقف غارات السلب والنهب التى كان يشنها الديلم (انظر المسعودى: مروج الذهب، جـ 2، ص 196 - 197، وعن سور أنو شروان وبنائه انظر أيضًا جـ 9، ص 5 وما بعدها) وقد ظل هذا التقليد متبعًا فى العصور الإسلامية (انظر الطبري جـ 3، ص 1275، عن الأسوار التي بناها في تميشي بجرجان قائد إيرانى من أهل البلاد سنة 224 هـ الموافقة 839 م). أما عرب الصحراء فكانوا بعيدين كل البعد أو يكادون عن معرفة الأساليب

الفنية للحصار في داخل شبه جزيرة العرب، ولم تكن ثمة أسوار دفاعية إلا في الطائف وحدها، وكان هؤلاء العرب من الناحية النفسية يكرهون شأن البدو الرحل بناء الأسوار أو الجدران والأبنية المصمتة. فلما توغلوا في العالم الإسلامى شرقًا كان لا بد لهم من اكتساب هذه المهارات، ذلك أن بلاد فارس كانت حافلة بالقلاع وبالمواقع الحصينة وبخاصة في مناطق مثل آذربيجان وفارس، وإقليم قزوين، وخراسان (انظر Iran: Spuler، ص 499 - 502). وكانت تقوم أقصى من ذلك شرقًا في مناطق لم يبلغها العرب عدة عقود من السنين، القرى الحصينة، وأملاك خوارزم التى اكتشفها الأثريون السوفييت حديثا (انظر S.P.Tolotov في Auf den spuren der Altchoresmischen kul- tur، برلين، سنة 1953، ص 73 وما بعدها). وقد استخدم الفرس عندما هاجم العرب مدائن كسرى المعروفة باسم طيْسفُون سنة 16 هـ (637 م) مجانيق ثقيلة وآلات أخرى أخف منها (عرّادات) لصد القوات العربية، ولكن رجلًا يدعى سعد شيرزاد صنع للعرب عشرين منجنيقا، وبعد ثلاث عشرة سنة استخدم العرب المجانيق في حصار إصطخر (الطبرى، جـ 1، ص 2427؛ ابن الأثير، جـ 2، ص 396؛ البلاذرى، ص 389). وفى العصر الأموى تذكر المصادر، وبكثرة، استخدام العرب للأساليب الفنية لحصار أسوار المدن والمواقع الحصينة في شرقى إيران. وفى سنة 92 هـ (710 م) حاصر والى خراسان قتيبة بن مسلم شومان من أعمال خُتَّل، واستخدم في هذا الحصار منجنيقًا قويًا سماه (الفحْجاء) أى الفسيح الأرجل، وسقطت قذائفه الحجرية في قصر والى شومان وقتلت رجلًا، وحدث في سمرقند، بعد ذلك بعامين أن قام العرب من أتباع قتيبة بتدمير أسوارها بالمجانيق (الطبرى، جـ 2، ص 1230، 1244 - 1245؛ ابن الأثير، جـ 4، ص 437، 453). وكما دل استخدام الساسانيين للمجانيق في صد العرب عند هجومهم على مدائن كسرى،

فربما كانت هذه الآلات، أو على الأقل الآلات الأخفّ منها وأكثر حركة، تستخدم في القتال المكشوف، وكذلك في فرض الحصار. ومن ثم فقد دُوَنَ سنة 121 هـ (739 م) ما يفيد أن جنود نصر بن سيَّار من تميم وأزد واجهها المنتقض الحارث بن سريج بعرادتين (الطبرى، جـ 2، ص 1692؛ ابن الأثير جـ 5، ص 178). وفى العصر العباسى أصبحت الأساليب الفنية للحصار أكثر تعقيدًا، وابتكرت أساليب كثيرة جديدة في القتال مع الروم (البوزنطيين) على حدود هضبة الأناضول حيث كانت المواقع الحصينة المنيعة وافرة ولربما بدئ هنا استخدام النفي المشتعل يرمى على مواقع العدو إما بتطويحه من المقاليع في قوارير، وإما بآلات ميكانيكية. وثمة ذكر لجماعات من الجند تخصصوا في قذف النفظ (النَّفاطُون) في أحيان كثيرة. فقد استخدمهم مثلا الأفشين قائد المعتصم في حملاته على المنتقض بابك الخُرَّمى في المناطق الجبلية الوعرة بآذربيجان، وبخاصة عند حصار حصن بابك المنيع في إقليم البَذّ (الطبرى، جـ 3، ص 1211، سنة 222 هـ = 837 م). وفى القرن التالى قامت قوات الخليفة بقذف الرماح التى ركبت في أسنتها قوارير النفط وسميت "مزاريق النفط" على الواغلين من الديلم (مسكوية، في سقوط الخلافة العباسية، جـ 1، ص 282، الترجمة جـ 4، ص 321، سنة 322 هـ = 934 م). واستفحل الرعب من قذف الغرائر المليئة بالأفاعى بالمجانيق على معسكر العدو التابع للأمير الصفّارى خلف ابن أحمد سنة 354 هـ (965 م) حين حاصره المتمردون في حصن منيع من حصون سجستان (العتبى - والمنينى، جـ 1، ص 101). ولعل الجيش الغزنوي بالصورة التى تطور بها في عهد السلطان الأكبر محمود كان أعظم قوة قتال متطورة لم يعرف العالم الإسلامى لها مثيلًا من قبل، ولنا أن نتوقع أن القائمين على هذه القوة كانوا مزودين بالعدة اللازمة لفن الحصار. فقد كانت الفيلة تجر

الآلات الثقيلة، كما كانت هذه الفيلة نفسها مجهزة بأسلحة لدك الأسوار والعمائر (وفى استخدام مثل هذه الحيوانات على نطاق أضيق بعدُ، انظر الجوينى طبعة بويل Boyle جـ 2، ص 360، حين أسرت الفيلة من جيش الخوارزميين، واستخدمها القراخطاى في دك أسوار بلاصغون). كما استخدم المهندسون المتخصصون، وعمال الأشغال العسكرية، وخبراء حفر الأنفاق في الجيش الغزنوى لتشغيل المجانيق وشق الأنفاق في أسافل الحصون. ومست الحاجة إلى مهارات هؤلاء بوجه خاص في حملات السلطان وابنه مسعود على إقليم "الغور" في أفغانستان الوسطى حيث تركزت مقاومة الزعماء من أهل البلاد في الأبراج والمواقع المنيعة. وكانت هذه الأبراج تُقذف بالصخور وتحفر الأنفاق في أسافلها، ويذكر البيهقي بعدُ أن الأناشيط كانت تلقى على شرفات القلاع حتى تتمكن القوات الغزنوية من تسلق جدرانها (انظر C.E. Bosworth: Ghaznavid military organisation في مجلة Der Islam, عدد 36، سنة 1960, ص 65, 68، وانظر The Ghaznavids their empire in Afghnistan and eastern 1040, 944 Iran, إدنبرة، سنة 1963، ص 118، 121). والسلاجقة، وهم شعب تركى يعيش في السهوب، كان لا بد لهم من تعلم فن الحصار حين دخلوا العالم الإسلامى، وظلوا زمنًا يكنون الاحترام للمبانى المتينة وللتحصينات. ويذكر البندارى (ص 37) أن إعجاب ألب أرسلان بأسوار آمد في ديار بكر التى اشتهر بمتانتها (انظر ناصر خسرو سفرنامه، طبعة دبير سياقى، طهران سنة 1335 هـ = 1956 م، ص 9) دفعه إلى لمس هذه الأسوار بيديه ثم مرر يديه على صدره تبركًا بها. وحين غزا السلاجقة بلاد فارس أرغموا سكان مدنها على الخضوع بإبعادهم عن المناطق التى كانت تمدهم بالحاصلات الزراعية، ولم يخضعوهم بالهجوم المباشر؛ وظل طغرل سنة 442 هـ (1050 م) محاصرًا إصفهان ما يقرب من عام حتى استسلم أبو منصور فرَ مرز من أسرة بنى كاكويه (ابن الأثير،

جـ 9، ص 384 - 385). وسرعان ما أقتبس جيش السلاجقة العظام نوعًا من التقسيمات الخاصة بفن الحصار بالإضافة إلى المهندسين، وعمال الأشغال العسكرية والنفَّاطين. ولا شك أن الاحتكاك بالروم (البوزنطيين) في العصر العباسى هو الذى عجلَّ بهذا التقدم. وفى أثناء حملة ألب أرسلان على بلاد الكُرْج سنة 456 هـ (1064 م) استخدم السلطان كتيبة النفاطين في جيشه لتدمير المتاريس الخشبية التى كانت في آنى، ثم اندفع جيش ألب أرسلان غربيها، ومن هناك إلى الأناضول. وفى أثناء الحصار في الأناضول أقام بالغرائر المليئة بالقش والتراب دشمًا لحماية رماة السهام، والنُشَّاب، والنفَّاطين، كما أقام برجًا من الخشب له ظُلَّة بُللتْ بالخل لوقاية المهاجمين الرابضين أعلى هذا البرج من السوائل المغلية والنيران التى تصب فوقهم، وهدمت القوات السلجوقية من هذا البرج أسوار بلاد الكرج (صدر الدين الحسينى، أخبار الدولة السلجوقية، ص 39 - 40). وفى صدر حكم ملك شاه، وبعد إخماد حركة الانتفاض التى قام بها قاوُرد سنة 465 هـ (1073 م) عهد السلطان في القيام على المجانيق وآلات الحصار التى يستخدمها الجيش، إلى واحد من أقدر قواده، هو العبد الخصى عماد الدين ساوتكين (البندارى، ص 49). والمصادر حافلة خاصة بالأساليب الفنية للحصار في عهد الخوارزمشاهية، والغورية والمغول (القرنان السادس والسابع الهجريان الموافقان للقرنين الثانى عشر والثالث عشر الميلاديين). حين بلغ العلم ذروته عند مسلمى العصور الوسطى. ولقد تبين أن ضرب مدينة بالمجانيق لم يقتصر أثره على هدم الأسوار وحسب (كانت هذه الأسوار في العالم الإيرانى مصنوعة على كل حال من اللبن) لكن ذلك كان له أثر نفسى أيضا إذ هو يجعل الحياة داخل المدينة غير آمنة لتساقط القذائف عليها بصفة مستمرة. وبهذه الوسيلة التى تشيع اليأس والرعب في أرجائها اعتمد الخوارزميون في إجبار الغور المدافعين عن هراة على الاستسلام تقريبًا سنة

600 هـ = 1203 م، الجوينى - طبعة بويل، جـ 1، ص 320 - 321). ولما كان الخوارزميون قد قدموا من إقليم من المنخفضات تقطعه القنوات ومجارى الأنهار، فقد انتبهوا إلى الاستفادة الماهرة بالأنهار والماء في عمليات الحصار. وبعد وفاة السلطان الغورى معز الدين محمد سنة 602 هـ (1206 م) قام الجيش الخوارزمى بحصار هراة مرة أخرى. وسدَّ المهاجمون نهر هرى رود فأحاط الماء بأسوار المدينة وشنوا غارتهم بالقوارب. وحين وصل الشاه علاء الدين محمود نفسه أمر بتحطيم السد، فتدفقت المياه المحجوزة وتسببت الفيضانات الجارفة في انهيار جزء طويل من الأسوار، وبعد قتال لم يدم طويلًا تم استيلاء الخوارزميين على المدينة. ومضت فترة قصيرة انتقض بعدها والى هرة حسين خرميل على خوارزم شاه، وفى هذه المرة حول خوارزم مشاه هرى رود إلى خندق مائى يحيط بالمدينة إذ رفعت ضفافه اصطناعيا بجذوع الأشجار وبالأنقاض، وتسرب الماء بمنسوبه المرتفع إلى أساسات الأسوار، ثم صرف الماء من الخندق فتسبب في انهيار جزء من الأسوار، واستطاع المهاجمون التسلق فوق الأنقاض حتى بلغوا أبواب المدينة (الجوزجانى، طبقات ناصرى، ترجمة Raverty، جـ 1، ص 259 - 260، الجوينى، طبعة بويل، جـ 1، ص 335). وثمة مثال طريف يشبه خدعة حصان طروادة، فقد حدث عند وفاة سلطان الغور غياث الدين محمود سنة 609 هـ (1212 م) أن تحايل الطامعون في الحكم من أفراد الأسرة للاستيلاء على قصبة الدولة فيروزكوه، فهربوا ثمانين رجلا خبئوهم في خزائن مال، ولكن هذه الخدعة كشفت بالخيانة، وقبض على هؤلاء الرجال وقتلوا (الجوزجانى، المصدر نفسه، جـ 1، ص 408 - 409). ومن المعروف جيدًا، من المصادر الإسلامية ومن أوصاف الرحالة الأوربيين الذين جاسوا أرجاء إمبراطورية المغول، أن المغول قد طوروا أساليب فن الحصار بدرجة كبيرة، ويقال إن كتائب جنكزخان القائمة على تشغيل المجانيق برئاسة نويين آباقا بلغ

عددها عدة آلاف (انظر المصدر نفسه، جـ 2، ص 1047) وكان من بينهم كثير من الصينيين وبعض الأوربيين. وقد ضم جيش هولاكو منجنيقية ونفَّاطين من الصينيين، ورجالا لتشغيل القسى المتعددة السهام (جرخ - أندازان). والمغول هم الذين أدخلوا الأقواس متعددة السهام في العالم الإسلامى لأول مرة، واستخدم جنكزخان بعضا منها في هجومه على نيسابور سنة 618 هـ (1221 م) أما بالنسبة للمتخصصين الأجانب الذين كانوا في خدمة المغول فيذكر ماركوبولو أنه كان منهم مسيحى نسطورى، ومعلم ألمانى للمدفعية استخدمها قبلاى، وكان من بين رجال جنكزخان عند غزوه خراسان جندى فارسى مرتد عن دينه من إقليم أستوا في شمالى خراسان كلفه بتشغيل المجانيق وتنظيم صفوف جند المشاة (النسوى، طبعة هوداس، ص 53 - 54، ترجمة، ص 90 - 91). وجرى المغول على نقل آلات الحصار فوق عربات، ويذكر جون John of Plano Carpini أن الحبال كانت من مستلزمات تجهيز الجندى المغولى لجر مثل هذه الآلات، (انظر K. Huuri في Zur geschichte des mittelalterlichen geschuetzwesens aus orienttalischen Quelen هلسنكى - ليبسك سنة 1941، ص 123 - 124، 180 - 192). ولقد أظهر المغول دهاء كبيرًا فيما لجأوا إليه من مناورات الحصار، فكانوا يبدأون عادة في حشر السكان المحليين فيما يشبه القطيع ليكونوا بمثابة درع واقية يستطيع جنودهم القتال من خلفها، مع استخدام بعضهم في حمل ذخائر المجانيق (انظر الجوينى طبعة بويل، جـ 1، ص 92 - 93, حصار خُجند، وانظر جـ 1، ص 107 عن مهاجمة دبوسية وسمرقند). ثم ينصبون المجانيق والمدفعية الثقيلة في موقع قريب من الأسوار أو التحصينات كلما أمكن ذلك. وحدث في جند سنة 616 هـ (1219 م) أن ملأوا الخندق المائى أولا، ثم استخدموا المجانيق وكباش الهدم وسلالم التسلق (انظر جـ 1، ص 89). وفى ملتان، يبدو أن القائد المغولى ترباى تقشين حمل مجانيقه على ألواح من الخشب في نهر

السند (انظر جـ 1، ص 142) , ويقال إنهم أقاموا في نيسابور مائتى منجنيق في يوم واحد، واستخدموا أخشاب الشجر التى جلبوها من منطقة مجاورة هى واحة بوشتقان الشجراء، وبنوا منها المتاريس الواقية، وصنعوا منها المجانيق والدرق (دبابات) وكباش الهدم (النسوى، طبعة هوداس، ص 54، الترجمة، ص 91 - 92). وكانوا في حالة عدم وجود الأحجار التى تستخدم ذخائر للمجانيق، كما حدث عند حصار جرجانية من أعمال خوارزم سنة 617 - 618 هـ (1220 - 1221 م)، يقومون بنقع أخشاب شجر التوت في الماء ليستخدموها قذائف بدلا عن الأحجار، وفى الوقت نفسه، في أثناء الضرب، كانوا يملأون الخندق المائي بالأنقاض، وحشر القرويين ودفعهم للأمام في تشكيل يشبه الهلال لإزالة المنشآت الدفاعية المقامة من التراب. وبطبيعة الحال، كان لاستخدام البارود والمدفعية في العالم الإسلامى أثر عميق في أساليب الحصار، وللحكم على هذه الأساليب الجديدة في بلاد فارس. المصادر: المادة التى يمكن أن تستخرج من المصادر التاريخية التى تغطى الفترة كلها كثيرة جدا، ولكن ثمة فصولا بعينها عن فن الحصار في (1) Iran: Spuler, ص 493 - 494، 499 - 502 (2) المؤلف نفسه: Mongolen، ص 413 - 416 (3) تعليقات Quatrmere عن استخدام النفط، وعن حشر القرويين والمجانيق، وآلات الحرب في Hist. des Mongoles de la pers، جـ 1، ص 132 - 137، 204 - 205، 284 - 292، ولا تزال لهذه التعليقات قيمتها. وأخيرا (4) مؤلف Huuri في صلب المادة، وخاصة ص 123 وما بعدها، ولا بد من الرجوع إلى هذا المصدر لمعرفة التفصيلات الفنية لأنواع المجانيق والقوس الميكانيكى. حسن شكرى [س. إ. بوزورث C.E. Bosworth]

4 - سلطنة المماليك

4 - سلطنة المماليك: يجب أن نتناول تاريخ فن الحصار في عصر سلطنة المماليك على الأساس التالى: وقعت معظم الحروب الكبرى لسلطنة المماليك في عقود السنين الأولى من قيامها. وخاضت هذه الحروب أساسًا مع الصليبيين حيث كان فن الحصار عاملًا حاسمًا بل يكاد يكون حقا هو العامل الوحيد، وكذلك كان ميدان القتال هو العامل الحاسم في حروبهم مع المغول رغم أن عمليات الحصار قد قامت بدور لا يمكن إغفاله بحال أما بعد ذلك فلم يخض المماليك سوى حروب محدودة باستثناء حربين بارزتين إحداهما مع تيمور لنك حيث كان لفن الحصار قدر من الأهمية، وثانيتهما هى آخر حروبهم مع العثمانيين، ولم يكن لفن الحصار أية أهمية في هذه الحرب. وفى حروبهم المحدودة كانت عمليات الحصار كثيرة العدد، ولكن هذه الصراعات كانت أتفه من أن تستدعى تطوير أساليب الحصار وآلاته. وفى معظم العصر المملوكي كانت الآلة الأساسية المستخدمة في إطلاق القذائف الثقيلة هى المنجنيق وقد بلغ حكم المماليك ذروة مجده في القرن السابع الهجرى (الثالث عشر الميلادى) وفى العقود الأخيرة من هذا القرن بخاصة، وعقب طرد الصليبيين إلى غير رجعة أو بعد ذلك بقليل، انتهى التاريخ العظيم لهذا النظام. وبعد انتهاء الحروب الصليبية بنحو سبعين أو ثمانين سنة كانت المدفعية الثقيلة للحصار عند المماليك هى المجانيق وحسب. ومع ذلك، فقد دخل خلال الستينيات من القرن الثامن الهجرى (الرابع عشر الميلادى) السلاح الثورى في سلطنة المماليك وهو البارود، وكانت أول دولة إسلامية تستخدمه ولقد استخدم المماليك. المدفعية حتى نهاية حكمهم سلاحًا للحصار وحسب؛ وعلى الرغم من السمة الثورية للمدفعية إلا أنها استخدمت فترة طويلة جدًا سلاحًا مساعدًا للمنجنيق ولم تنجح في أن تحل محله إلا قرب نهاية حكم المماليك

وحتى في هذا الوقت لم تحل محله إلا قرب نهاية حكم المماليك وحتى في هذا الوقت لم تحل المدفعية محل المنجنيق على الإطلاق. وفى فترات من النصف الثانى من القرن التاسع الهجرى (الخامس عشر الميلادى) صارت الأسلحة النارية سلاحًا أساسيًا في الحصار، ولكنها لم تصل إلى الدرجة التى وصلت إليها في بعض أجزاء أوربا المعاصرة، أو في الأمبراطورية العثمانية من حيث التغلب على التفوق المكثف الذى امتاز به الدفاع على الهجوم في فن الحصار في العصور الوسطى المتأخرة. (من أراد مزيدًا من التفصيلات فلينظر D Ayalon في - Gun powder and Firearms in the Mamluk - Kingdom - a challenge to a edieval So ciety لندن، سنة 1956، والسمة المميزة لفن الحصار في ظل المماليك هى أن الآلة التى تطلق القذائف سواء المنجنيق أو المدفعية كانت في الحق الآلة الوحيدة الهامة التى استخدمت في الحصار. ومع أن آلات الحصار الأخرى مثل "الدبابة"، والبرج المتحرك، والنفط كانت في أوجها قبل عصر المماليك إلا أنهم لم يضعوها في الحسبان والمماليك في العقود المتقدمة من حكمهم، قد لجأوا في الحصارات التى ضربوها إلى حفر الأنفاق (النقب) بكثرة كاثرة ونجحوا في ذلك نجاحًا كبيرًا. وليس بين أيدينا شاهد مباشر على أن المجانيق التى استخدمها المماليك على نطاق واسع هى ذلك النوع الذى يشبه الميزان، إلا أن ثمت دلائل كثيرة على ذلك (وعلى أن دولا إسلامية وشرقية أخرى قد استخدمت هذا النوع، ولكن على نطاق أضيق من ذلك). ومن السمات البارزة لاستخدام المجانيق في الشام (سورية) ومصر خلال القرنين السادس والسابع الهجريين (الثانى عشر والثالث عشر الميلاديين)، وبخاصة في الصراع مع الصليبيين هى زيادة عددها زيادة كبيرة في عمليات الحصار التى قام بها المماليك بالمقارنة إلى ما استخدمه الأيوبيون في حصاراتهم. ذلك أن سلاطين الأيوبيين بما فيهم صلاح الدين لم يستخدموا ما يزيد على عشرة مجانيق في الحصار الواحد، وكان

العدد الذى يستخدمونه منها أقل من ذلك بكثير، إذ يكتفون بواحد أو اثنين أو ثلاثة في العادة (الفتح القسى، ص 331؛ ابن الأثير، جـ 9، ص 120، 320، 331؛ جـ 12، ص 6، 34، 42؛ أبو شامة، جـ 2، ص 129، 135، 184، 192، 235؛ RHC Hist Or، جـ 4، ص 254؛ السلوك، جـ 1، ص 84؛ - De schamps في Les Chateaux des Croises, جـ 2، ص 52، 64؛ ولمعرفة الحالات الشاذة البارزة انظر ابن الأثير، جـ 11، ص 37؛ ومن أراد مزيدًا من المعلومات عن استخدام المجانيق في عصر الأيوبيين فلينظر الفتح القسى، ص 154؛ سبط الجوزى ص 435، 447؛ السلوك، جـ 1، ص 95، 97، 243). وربما نجد زيادة لافتة للنظر في استخدام المجانيق حين قارب العصر الأيوبى على الانتهاء (السلوك، جـ 1، ص 331، النجوم الزاهرة، طبعة القاهرة، جـ 6، ص 329؛ ولعلنا لا نجد من الحكام في حدود الممالك الإسلامية من كانوا مثل المماليك من حيث الاستخدام المكثف للمجانيق اللهم إلا المغول الايلخانية في بلاد فارس، فقد استخدموا في حالات كثيرة ما بين عشرين وخمس وعشرين آلة من هذه الآلات في الحصار الواحد (ابن كثير، جـ 13، ص 234، 269، النهج السديد (في Po)، جـ 12، ص 437؛ ابن الفرات، جـ 7، ص 41؛ السلوك، جـ 1، ص 426، 475 وانظر أيضًا Huur، ص 191 - 192 حيث تذكر أعداد مبالغ فيها، حاشية 4، صفحة 191). وكانت أعداد المجانيق التى استخدمها المماليك في حصار قلاع الصليبيين مماثلة لتلك الأعداد، على أن بعضًا منها، كان في جميع الاحتمالات، متطورًا بدرجة أكثر من الأنواع التى استخدمها المغول (انظر ما يلى، السلوك، جـ 1، ص 565 - 56؛ Zettersteen Beitraege، ص 16؛ ابن كثير، جـ 13، ص 313، 327، النهج السديد، جـ 14، ص 553، ابن الفرات، جـ 8، ص 80، 136؛ السلوك، جـ 1، ص 608، 778، حاشية 2؛ الجزرى، ص 16؛ ونجد أحسن وصف لتوزيع المماليك للمجانيق في الحصار الذى فرضوه على قلعة الروم). ولكن الحصار الذى ضربه الأشرف خليل على عكا سنة 690 هـ (1291 م) حطم

كل الأرقام القياسية المتقدمة. ويذكر أبو الفدا الذى شهد هذا الحصار أن عكا حوصرت بعدد من المجانيق الكبيرة والصغيرة يفوق أى عدد حوصرت به أى مدينة أخرى (أبو الفدا، جـ 4، ص 24). وتذكر بعض المصادر المملوكية أن عددها كان 92 منجنيقًا، وتقول بعض المصادر الأخرى أنه 72 منجنيقًا (الجزرى، ترجمة Sauvaget, ص 5؛ ابن الفرات، جـ 8، ص 5 - 6 والحاشية التى في صفحة 6؛ المنهل، جـ 3، ورقة 62 ب؛ ابن إياس، جـ 1، ص 123)؛ ويذكر ابن العبرى أن عدد المنجنيقات التى استخدمها المماليك في حصار عكا كان 300 منجانيق، ويذكر صاحب المؤلف المجهول الموسوم - Excidium Ac conis أن عددها كان منجنيقًا (انظر Huuri، ص 173، حاشية 3؛ وانظر أيضًا J. Prawer في A History of the Latin Kingdom of Jerusalem (بالعبرية)، طبعة القدس، سنة 1963، جـ 2، ص 529) ولا شك في أن هذه أعداد مبالغ فيها إلى حد كبير، ويمكن تفسير ذلك بأنه يمثل رغبة المؤلفين النصارى في تضخيم قوة المسلمين المحاصرين. وفى سنة 671 هـ (1272 - 1273 م) توقع بيبرس الأول هجوم الفرنجة بحرًا فحصن ميناء الإسكندرية بمائة منجانيق (الخطط، جـ 1، ص 175؛ السلوك، جـ 1، ص 608). وفى هذا الصدد يجب أن نلاحظ أن المصادر تذكر في أكثر الأحوال عدد المجانيق لدى الجيوش المُحاصره أكثر مما تذكره عند المحصورين. ومن شاء معرفة عدد المجانيق في عمليات الحصار فلينظر أيضًا Huuri، ص 164 - 165، 172 - 173، وبعض الأعداد المذكورة في هذا المصدر مبالغ فيها بالتأكيد، . أما بالنسبة للمراجع التى تعرضت لاستخدام المجانيق في عصر الصليبيين فانظر المرجع نفسه ص 156، حاشية (1) ويندر أن تذكر المصادر المملوكية بعد طرد الصليبيين من الشام وفلسطين عدد المجانيق التى استخدمت في الحصار مع أنها كانت تستخدم بكثرة على أن ثمة دلائل واضحة على أن عددها قد تناقص إلى حد كبير (انظر مثلا، ابن كثير، جـ 14، ص

213، 281، 282؛ وانظر أيضًا، ص 230، 209). ورغم أن معلوماتنا عن أعداد المجانيق، وبخاصة ما استخدم منها في الحصارات التى فرضت إبان سلطنة المماليك، وافرة بعض الوفرة، إلا أنها ضئيلة للغاية فيما يتعلق بعدد المدافع التى استخدمت في هذه الحصارات، ويعد هذا الأمر من أكبر العقبات في دراسة تاريخ الأسلحة النارية في عصر سلطنة المماليك (Gunpowder and firearms: Ayalon .... , ص 30). والسمة المميزة للحصار في القرن السابع الهجرى (الثالث عشر الميلادى) هى تلك الزيادة الكبيرة في عدد آلات إطلاق الصواريخ، وفى تعدد أنواعها تعددًا كبيرًا بالمقارنة بالماضى. فقد تطور النوع الجديد من مجانيق قذف الأحجار إلى عدة أنواع من الآلات القائمة على المبدأ نفسه. وكان المسلمون في كثير من الأحوال يقذفون النفط بمجانيق قذف الأحجار التى يبدو أنها كانت من أنواع أخف بالنسبة لهذا النمط من الآلات. وتذكر المصادر المملوكية أربعة أنواع من المجانيق هى: (الفرنجية)، و (المغربية)، و (القرابغاوية)، و (الشيطانية). ويرد ذكر هذه الأنواع من المجانيق في عصر المماليك أكثر مما يرد في عصر الأيوبيين بل أكثر مما يرد في ظل أى حكم إسلامى في العصر الوسيط، ونادرًا ما ترد هذه الأسماء في المصادر قبل القرن السابع الهجرى (الثالث عشر الميلادى) بل هى قد اختفت منها تماما على وجه التقريب بعد انتهاء ذلك القرن بفترة وجيزة أو قل إن اختفاءها كان من التواريخ الإخبارية على الأقل. وتعكس هذه الحقيقة التوقف الفجائى والإضمحلال الفعلى في تطور المنجنيق حين زال التحدى العظيم الذى تمثل في وجود الصليبيين في ديار الإسلام. ولا تفسر المصادر الاختلاف بين الأنواع الأربعة من المجانيق، على أنه يمكن التوصل إلى بعض النتائج الهامة من المعلومات التى توفرها لنا هذه المصادر. وحفر الأنفاق (النقب) كان أسلوبا من أساليب فن الحصار عرف منذ

قرون عدة، ولكنه لم يستخدم قبل القرن السادس الهجرى (الثانى عشر الميلادى) إلا في القليل النادر، وبلغ هذا الأسلوب في الحصار ذروة نجاحه في أواخر القرن السادس الهجرى (الثانى عشر الميلادى) وكذلك في القرن السابع الهجرى (الثالث عشر الميلادى) واستخدمه المسلمون بصفة خاصة وقد جرى تنفيذه على النحو الذى سنبينه بعد. يبدأ الأمر بحفر نفق تحت الأرض (نقب، والجمع نقوب، أو حفر سرب في القليل النادر، والجمع أسراب، وسروب) على مسافة معلومة قرب الحصن أو السور، ويستمر الحفر في هذا الاتجاه مع توسيع النفق أو السرب وتعميقه من تحت الحصن، وتقويته بدعامات من الخشب، ثم يملأ بعد ذلك بأغصان الأشجار والقش وبغير ذلك المواد القابلة للحريق وتشعل النار فيها فتحترق الدعامات الخشبية وجميع المواد الأخرى فينهار الحصن القائم فوق النفق. وكان حفر الأنفاق بطبيعته وسيلة فعالة في الأساس لدك التحصينات القائمة فوق تربة لينة على تفاوت، ولكنها لم تكن كذلك بالنسبة للتحصينات القائمة على أساسات صخرية أو المحاطة بمياه عميقة (ومن شاء معرفة إحدى المحاولات المثيرة للتغلب على صلابة التربة، فلينظر أبو شامة، في. RHC. Hist Or جـ 4، ص 254 - 255). والمزايا العظيمة لهذا الأسلوب أن عمال الأشغال العسكرية يكونون في مأمن من القذائف والنفط المشتعل التى يرميهم المدافعون بها، وكان البرج والدبابة معرضين لخطرها، كما ساعد في كثير من الحالات على أخذ الحامية المحصورة على غرة. ومن أفضل وسائل الدفاع التى كان المحاصرون يلجأون إليها القيام بحفر نفق مضاد، وكلما اقتربوا من خط العدو اكتشفوه فيواصلون الحفر فيه ثم ينقضون على النقَّابين فيقتلونهم أو يحملونهم على الفرار خشية الاختناق بالدخان ويدمرون ما عملوا. وقد استخدم حفر الأنفاق في الشام أيام الحروب الصليبية أكثر مما استخدم في أوربا، ولجأ إليه المسلمون

على نحو منتظم أكثر مما لجأ إليه الصليبيون: واستخدم ريتشارد قلب الأسد في الحصار الذى فرضه على داروم سنة 1192 بعض مسلمى حلب المهرة في حفر الأنفاق، وكان قد أسرهم في الحصار الذى فرضه على عكا (Grousset، جـ 2، ص 86، والمراجع في حاشية 3). ومما هو جدير بالذكر أن صلاح الدين حين فرض الحصار على قلعة صهيون سنة 584 هـ (1188 م) اصطحب معه كثيرًا من المشاة الحلبيين الذين اشتهروا ببسالتهم (ابن الأثير، جـ 7، ص 5 - 6). ولعل الأمر لم يكن من المصادفات حين نجد في خدمة صلاح الدين صفوة من النقَّابين والمشاة المتدربين على فن الحصار، وكانوا جميعا من هذه المدينة نفسها. كما اتبع المماليك أسلوب حفر الأنفاق على نطاق أوسع من اتباع الأيوبيين له، وخاصة في عمليات الحصار التى فرضوها على آخر قلاع الصليبيين (مرآة الزمان، ص 225، 462، 467، 474, الجزرى، ترجمة Sauvaget، ص 16؛ النهج السديد، جـ 12، ص 470، 490؛ سيرة الملك المنصور، ص 152؛ ابن الدوادارى، طبعة Roemer, جـ 9، ص 131، 261؛ ابن العبرى Bar He- braeus، ترجمة Budge، ص 492 - 493؛ اليونينى، جـ 2، ص 317 - 318؛ ابن الفرات، جـ 13، ص 80، 112؛ السلوك، جـ 1، ص 69، 84، 489، 491، 498، 747، 767 ك العينى في RHC. Hist. Or جـ 2 - 1، ص 242؛ النجوم الزاهرة طبعة القاهرة، جـ 5، ص 36، 40؛ جـ 7، ص 138؛ جـ 8، ص 6؛ وانظر طبعة Popper، جـ 6، ص 407، 462، 467؛ جـ 6، ص 52، 370 وانظر أيضًا Mon-: Quatremere gols, ص 252 - 255، حاشية 81، Rey في ... Etudes sur les monuments, باريس سنة 1871، ص 36, 37، وفى مواضع أخرى؛ Oman، جـ 1، ص 134؛ جـ 2، ص 50 - 52؛ Grousset، جـ 2؛ ص 550؛ جـ 3، ص 703 - 704، 743، 755، 762؛ Deschamps جـ 2، ص 66؛ Fedden، ص 38 - 39 prawer، جـ 2، ص 50، 452، 456 - 457، 460، 488، 539، 541). وقد عرف عمال الأشغال العسكرية باسم "النقَّابُون" (ويقال في القليل

النادر "النقَّابة"). وأطلق على حفر الأنفاق "نَقَبَ" "نَقَّبَ" وعلى من يستخرجون الأحجار من الحصون "الحَجَّارُون" كما اشتغل النجَّارُون أيضًا في حفر الأنفاق. وأطلق على إشعال النار في المواد القابلة للاحتراق "عَلَّق" ونادرًا ما يقال "أحرق". وبالأضافة إلى المراجع السابق ذكرها انظر أيضًا: الفتح القسى، ص 166؛ سيرة الملك المنصور، ص 89؛ ابن الفرات، جـ 13، ص 80؛ السلوك، جـ 1، ص 1003؛ النجوم الزاهرة، طبعة القاهرة، جـ 8، ص 6؛ وانظر طبعة - pop per، جـ 5، ص 407؛ Mon-: Qautremere gols، ص 284، حاشية 95؛ الأنصارى طبعة Scanlon، ص 92). وقد تناقص استخدام النقوب إلى حد كبير بعد الحروب الصليبية، بل اختفى، على أنه لم يبطل تماما (انظر المراجع المتعلقة بالفترة اللاحقة للحروب الصليبية، وقد تقدم ذكرها). ومما له فائدة وأهمية خاصة تلك الأوصاف التى وردت عن النقوب التى حفرها المماليك في الحصارات التى فرضوها على أرسوف سنة 663 هـ (1265 م؛ السلوك، جـ 1، ص 528 - 529) وعلى المَرْقب (سنة 684 هـ = 1285 م)؛ أبو الفدا، جـ 4، ص 27؛ سيرة الملك المنصور، ص 78 - 79؛ ابن الفرات، جـ 8، ص 17 - 18 وانظر أيضًا النجوم الزاهرة طبعة القاهرة، جـ 6، ص 40). ومن أسباب نجاح المماليك في حفر الأنفاق التى قاموا بها في أثناء فرضهم الحصار على القلاع الساحلية للصليبيين هى أنهم كانوا مطلقى اليد في استخدامها استخدامًا كاملًا وبلا تحفظ كبير أكثر مما كانوا يفعلون في الظروف العادية ذلك أنهم لم يكونوا يرغبون في الإبقاء على هذه القلاع أو ترميمها بعد الاستيلاء عليها، بل كان جل همهم هو تسويتها بالأرض. وكان السلاحان الأساسيان للحصار اللذان نجح المماليك بفضلهما في الاستيلاء على قلاع الصليبيين، ومن ثم القضاء على حكمهم في الشام وفلسطين، هما المجانيق والنقوب.

حرب الحصار وقوة المماليك البحرية: ومن أكبر عوامل الضعف عند المماليك في عمليات الحصار التى فرضوها على المدن والقلاع الصليبية الساحلية هى أنهم لم يستطيعوا قط فرض الحصار الكامل عليها، ذلك أن البحر كان مكشوفًا للمُحاصرين، وليس ثمة حالة واحدة قام المماليك فيها بالحصار من البر والبحر في آن واحد، ولم يحدث ذلك حتى في حكم بيبرس الأول الذي بلغت فيه البحرية المملوكية أوج قوتها. وقد نفذت جميع عمليات الحصار المملوكية بطول الشريط الساحلى وكان البحرية المملوكية لم يكن لها وجود على الإطلاق. ولم يحدث قط في الهجمات الإسلامية على الصليبيين أن ظهرت البحرية الإسلامية بهذه الدرجة من الضعف، كما ظهرت في الهجمة العظيمة الأخيرة. ففى حصار عكا قامت سفن الفرنجة الحربية، وبخاصة تلك السفن المحمية من النيران، بمهاجمة المحاصرين بحرًا (أبو الفدا، جـ 4، ص 25, RHC. Hist Or، جـ 1، ص 164)، ولم تقم السفن البحرية للمماليك بإعاقة الفرنجة عن تعزيز قوتهم بالإمدادات، أو بإجلاء اللاجئين عن القلاع المحصورة أو المستولى عليها، أو إنزالهم في الموانئ التى كانت لا تزال في حوزة الصليبيين (انظر مثلا، ابن كثير، جـ 13، ص 321؛ النهج السديد، جـ 12، ص 539 - 540؛ ابن الفرات، جـ 8، ص 80، 112؛ السلوك، جـ 1، ص 747، 764؛ 765، النجوم الزاهرة طبعة القاهرة، جـ 8، ص 8، 11؛ وانظر أيضًا prawer, جـ 2، ص 454 - 541، وفى مواضع أخرى، والشواهد والأمثلة فيما نذكره بعد. وعن عزلة البحرية المملوكية، وعن تدخلها الضعيف انظر Stevenson في The crusaders in the East، ص 355). لقد كانت البحرية المملوكية عاجزة بالتأكيد عن إعاقة حملة صليبية من النزول في أى موقع على الساحل الشامى الفلسطينى، بما في ذلك القلاع المحصورة لو أن حملة من هذا القبيل قد أنفذت إليها. بل كانت أكثر عجزًا عن القيام بذلك أكثر مما هى في عصر صلاح الدين حين كان المسلمون بعد معركة حطين قاب قوسين أو أدنى من

طرد الصليبيين إلى غير رجعة، ولكنهم أضاعوا هذه الفرصة بسبب التفوق البحرى الأوربى. وكانت الصعوبات تعترض بوجه خاص استيلاء المماليك على الأبراج أو القلاع الصليبية المقامة في البحر وكانت مثل هذه المنشآت تقوم في مواجهة صيداء (القصر البحرى الشهير)، ومَرَقيَّة، واللاذقية وأياس (في خليج الإسكندرونة، وكانت ثمة أيضًا جزيرة أرواد الحصينة شمالى غرب طرابلس. ولقد تركت إياس وأرواد حتى يتم طرد الصليبيين. أما قلعة صيداء البحرية فقد سلمت للمسلمين بلا قتال تقريبًا، حين فقد الصليبيون الأمل بعد استيلاء المسلمين على عكا (Deschamps جـ 1، ص 64، 73 - 76، جـ 2، ص 17، 18، 227 - 230، 253 - 254؛ Grous- set، جـ 3، ص 762، حاشية 2؛ prawer جـ 2، ص 498، 544). وبالنسبة لمَرقيِّة، كان "الحصن أو البرج" الذى يتحكم في مدخل مينائها هو حصنها الأساسى. ذلك أنها كانت قائمة في البحر على قيد مرمى قوسين من الساحل، كما كانت منيعة التحصن. ولقد صرح السلطان قلاوون بأن حصار هذا الحصن أمر مستحيل لأنه قائم في البحر، ولأن المسلمين لا يملكون سفنًا تقطع عنه الامدادات، وتوقف أولئك الذين يريدون الدخول فيه أو الخروج منه (ابن عبد الظاهر: سيرة الملك المنصور، طبعة القاهرة، سنة 1961, ص 88). ويفسر هذا القول ضعف البحرية المملوكية، ليس في حالة مرقية وحدها، بل في الحصارات الأخرى لتحصينات الفرنجة الساحلية. وثمة واقعة كاشفة وقعت في أثناء الاستيلاء على طرابلس هى: أن جماعة من الفرنجة لجأوا إلى جزيرة صغيرة هى سانت توهاس تقوم قبالة طرابلس، ولا يمكن بلوغها إلا بالسفن، ولكن "السعادة الأبدية للمسلمين" قد ساقت لهم جَزْرًا مكن المهاجمين من الوصول إليها سيرًا على الأقدام ممتطين صهوة الخيل، وأحاطوا بالفرنجة اللاجئين (ابن الفرات، جـ 8، ص 115 - 121، ومن شاء رواية أخرى تؤيد هذه الواقعة وتختلف عنها بعض الاختلاف، فلينظر أبى الفدا، جـ 4، ص 23؛ وانظر Grous-

set جـ 3، ص 744). ويعكس هذا إحساس الراوية بأنه لولا تدخل العناية الآلهية لعجز المسلمون حتى وهم في فورة النصر عن التصدى لمثل هذا الهدف الأعزل القريب كل القرب من البحر. وحين وجد السلطان قلاوون نفسه عاجزًا عن غزو حصن مرقية البحرى بوسائله الخاصة ضغط على بوهمند أمير طرابلس فحمل المدافعين عنه على تسليمه للمماليك. وقد دمر هذا الحصن بصعوبة بالغة وجهد مشترك بين المماليك والفرنجة سنة 683 هـ = 1285 م؛ سيرة الملك المنصور، ص 87 - 90، وانظر أيضًا النجوم الزاهرة، طبعة القاهرة، جـ 7، ص 315 - 317؛ Grousset، جـ 3، ص 704). أما البرج الذى كان يحمى مدخل ميناء اللاذقية فلم يستول عليه إلا بعد أن دمره زلزال (سيرة الملك المنصور، ص 151 - 152، انظر أيضًا Grousset، جـ 3، ص 734). وكانت جزيرة أرواد هى الحصن الوحيد الذى تم الاستيلاء عليه سنة 702 هـ (1302 م) بعملية بحرية (سفن حربية من مصر وجيش من طرابلس، انظر أبو الفدا، جـ 4، ص 47؛ ابن الدوادارى، جـ 9، ص 80؛ Beitraege. zettersteen, ص 108؛ النهج السديد؛ جـ 20، ص 21؛ السلوك، جـ 1، ص 923؛ النجوم الزاهرة، طبعة القاهرة، جـ 8، ص 154 - 157؛ ابن خلدون، جـ 5، ص 416؛ الدرر، جـ 3، ص 269؛ الخطط، جـ 2، ص 195). وكانت تحصينات آياس تضم قلعة وثلاثة أبراج، أقواها برج بحرى على قوس ونصف القوس من الساحل، وقد تم الاستيلاء على هذا البرج سنة 722 هـ (1322 م) بعد أن أقيمت قنطرة طولها 300 ذراع بينه وبين ساحل البحر (واستخدمت الطريقة نفسها في الاستيلاء على برج اللاذقية: سيرة الملك المنصور، ص 153، انظر أيضًا De- schamps، جـ 2، ص 231 فيما يتعلق بالاستيلاء على "قلعة صيداء البحرية"؛ Beitraege, Zettersteen، ص 150 - 194؛ أبو الفدا، جـ 4، ص 91، 115، 119؛ ابن كثير، جـ 14، ص 102؛ السلوك، ص 420 - 421، 429 - 430، 436؛

المنهل، جـ 2، ورقة 11 ب؛ ابن خلدون، جـ 5، ص ص 430 وانظر أيضًا مادة "بحرية"؛ D. ayalon في The Mamluks and naval Power, a Phase in the struggle between Islam and Christian Europe, in -Proceeding of the Israel cademy of sci ences and Humanities, جـ 1 - 8، القدس 1965). الدبابة والبرج والنفط: قامت هذه الآلات الثلاث من آلات الحصار في وقت متقدم بدور هام في الصراع بين المسلمين والصليبيين، ولكن تضاءلت أهميتها في المراحل الأخيرة لذلك الصراع، أو في الفترة التى تلت طرد الصليبيين. وكان البرج والدبابة من أسلحة الفرنجة أصلا (Cahen في Traite، ص 57، حاشية 2) ولم يقتبسها المسلمون حقا، أو في أفضل الأحوال، إلا في نطاق ضيق جدًا. فقد عرف المسلمون النزر اليسير عن هاتين الآلتين حين ظهرتا في ساحة القتال، وسببتا إلى حين، هلعا عظيما كما حظيتا بالإعجاب الكبير، وقد وصفتهما المصادر الإسلامية بتفصيل أكثر مما وصفت المجانيق. ونجد أفضل الأوصاف للدبابة في الحصار الذى فرضته بحرية صقلية على الإسكندرية سنة 570 هـ (1174 م) في حصار عكا سنة 586 هـ (1190 - 1191 م؛ انظر مثلا، أبو شامة في كتاب الروضتين، جـ 1، ص 235، جـ 2، 162 - 164، 166، 180، 185؛ السلوك، جـ 1، ص 56 - 57؛ ابن الأثير جـ 11؛ ص 272، جـ 12، ص 33؛ As . Jour سنة 1849، ص 225؛ - Qua tremere Mongols ص 284 - 286, حاشية 95). كما نجد أفضل الأوصاف للبرج في حصار عكا سنة 586 هـ (1190 - 1191 م) وفى عمليتى حصار دمياط سنة 615 هـ (1218 م)، وفى سنة 647 هـ (1249 م؛ انظر ابن الأثير، جـ 12، ص 28، 42؛ أبو شامة، جـ 1، ص 98، جـ 2، ص 153 وما بعدها، ص 162؛ السلوك، جـ 1، ص 103، 104، 189، 207، 339، 348 حاشية 95، Jour as، سنة 1849، ص 225؛ Reinaud في Extraits، ص 291؛ Joinville، ص 47, 52؛ وانظر

أيضًا Cahen في Traite، ص 18 - 19) ولم يستخدم المسلمون هذا النوع من آلات الحصار مع الصليبيين إلا في القليل النادر سواء في العصر الأيوبى أو المملوكى. أما صلاح الدين فقد استخدم عددًا من الدبابات في حصاره مدينة الكرك سنة 580 هـ 1184 - 1185 م؛ RHC. Hist Or جـ 5، ص 254 - 255) ودبابة واحدة في حصاره مدينة صور سنة 583 هـ (1187 م) بعد بضعة أشهر من معركة حطين (ابن الأثير، جـ 9، ص 366؛ انظر أيضًا Deschamps، جـ 2، ص 66 عن حصار مدينة الكرك سنة 1184 م). واستخدم بيبرس الأول الدبابات في حصاره واستيلائه على قيسارية وأرسوف سنة 663 هـ (1265 م؛ السلوك، جـ 1، ص 526 - 527؛ Prawer، جـ 2، ص 450، 452). وفى جميع عمليات الحصار الكبيرة للقلاع الصليبية التى تلت حصار قيسارية الذى اختتم به مصير الصليبيين، لم يكد يرد ذكر للدبابة أو البرج بين آلات الحصار التى استخدمها المهاجمون. (وربما توجد في مصادر الفرنجة أمثلة أخرى لاستخدام المسلمين لهذين السلاحين، ولكن المصادر الإسلامية التى تكاد لا تذكر هما فيها دلالات على ضالة شأنهما. (انظر عن التدابير الوقائية التى اتخذها المسلمون عند فرضهم الحصار على عكا Prawer , جـ 2، ص 542 - 547 وعن آلات الحصار الصليبية انظر المصدر نفسه ص 47 - 50). وكان لا بد من انقضاء قرن أو أكثر حتى يعود هذا النوع من آلات الحصار إلى ظهور سريع الزوال. فقد استخدم تيمورلنك قلعة خشبية أو "برجًا" في الحصار الذى فرضه على دمشق سنة 803 هـ (1400 م) وقام المدافعون بحرقه، فصنع برجًا آخر فلم يأت بنتيجة أفضل (النجوم، طبعة Popper جـ 6، ص 65؛ الضوء اللامع، جـ 2، ص 48) كما صنع السلطان بيبرس برجًا حين فرض الحصار على آمد سنة 836 هـ (1433 م)، ولكن لم يكن له أثر يذكر (النجوم، طبعة Popper، جـ 6، ص 705). ولم يذكر ابن فضل الله العمرى المتوفى سنة 947 هـ (1349 م)

أو القلقشندى المتوفى 821 هـ (1418 م) البرج أو الدبابة في فصول كتابيهما عن آلات الحصار (التعريف بالمصطلح الشريف، ص 207 - 209؛ صبح الأعشى، جـ 2، ص 136 - 138)، على الرغم من أنهما ذكرا في وصفهما عددًا من الأسلحة القديمة. ومن آلات الحصار التى يبدو أنها كانت تشبه الدبابة أو البرج آلة أطلق عليها الـ "زَحَّافة" استخدمها بيبرس الأول في حصاره لقيسارية وقد ورد ذكر استخدام المماليك لها بصفة عارضة في تواريخ لاحقة (السلوك، جـ 2، ص 428، 429؛ تاريخ بيروت، ص 38) ويصف هذه الآلة ابن صَصْرى الذى يتناول تاريخه الإخبارى الفترة من 786 - 799 هـ (1384 - 1397 م) بقوله: "زَحَّافّاتُ تجرى على الأرض مثل العجل وعليها جلود" (الدرر المضية، طبعة W.M. Brinner، المتن، ص 81، ترجمة إنجليزية، ص 113؛ وعن وصف آلة الزحف انظر Supplement, Dozy , هذه المادة، وعن ذكر أبو شامة لأبراج الزحف انظر Huuri، ص 158، حاشية 1). وظهور النفط سلاحًا أكبر من أسلحة الحصار خلال جزء من الحقبة الصليبية يرجع في المقام الأول إلى ظهور البرج والدبابة على مسرح الأحداث، وكان النفط هو الرد الإسلامى، بل هو أعظم الردود فاعلية على التهديد الخطير الذى سببته أسلحة الفرنجة الجديدة هذه (انظر مثلا، ابن شداد , RHC . Hist Or، جـ 3، ص 221 - 222؛ الفتح القسى، ص 227؛ السلوك، جـ 1، ص 57، 103 - 104؛ سبط ابن الجوزى ص 498؛ دول الإسلام، جـ 2، ص 117، Joinville، ص 47، 52؛ As Jour سنة 1850، ص 219، 244؛ Oman، جـ 2، ص 46، 48 - 49؛ وكذلك معظم المراجع التى تقدم ذكرها عن البرج والدبابة). وتجد في الروايات المختلفة الخاصة بأصل النفط الإسلامى (دمشق أم بغداد؟ ) النفط الذى استخدم في حصار عكا سنة 1189 - 1191 م انظر ابن الأثير، جـ 12، ص 29؛ أبو شامة، جـ 2، ص 153؛ ابن شداد، ص 102). ومن الأسباب الرئيسية في إضمحلال شأن النفي والبرج والدبابة

هو أن النفي كان تدبيرًا فعالا في الرد على هاتين الآلتين، هذا علاوة على أن قلاع الصليبيين كانت مشيدة بالأحجار ونادرًا ما دخل الخشب في بنائها (Smail في Crusading Warefare , ص 228)، كما حال دون استخدام النفط سلاحًا فعالًا في الهجوم خلال هذه الفترة هو أن المبادرة قد انتقلت آخر الأمر بلا رجعة من الفرنجة إلى المسلمين، ولم يذكر في هذه الآونة إلا نادرًا (وانظر عن استخدام المماليك للنفط سلاحًا هجوميًا في صراعهم مع الصليبيين ابن الفرات، جـ 7، ص 46؛ جـ 8، ص 80؛ السلوك، جـ 1، ص 747)، وعلى العكس مما كانت الحال عليه في الماضى القريب لم تعلق عليه أية أهمية خاصة. القوس والنُشَّاب: استخدم (المهاجمون والمدافعون) أنواعًا أثقل من القسى والنُشَّاب في الحصار، وفى الحرب البحرية، وفى الهجمات على التحصينات الساحلية. وكانت القذائف المشتعلة أو غير المشتعلة يرمي بها (استخدمت أنواع أخف في ساحات القتال، وخصوصًا على يد الرجَّالة) ومن أشهر الأسماء العربية لهذا النوع من السلاح: قوس الرِجْل والركاب واختصر الاسم في أغلب الأحوال فأصبح قوس الرِجْل) ويبدو أنه قد أطلق على القوس والنشاب بأحجامها المختلفة، بما في ذلك ما استخدم منهما في عمليات الحصار. والظاهر أن هذا السلاح لم يكن له أهمية كبيرة في المعارك التى خاضها المماليك سواء مع الصليبيين أو المغول. المصادر: علاوة على ما ذكر في صلب المادة انظر: (1) أبو شامة، كتاب الروضتين، طبعة القاهرة سنة 1287 - 1288 هـ (2) المقريزى، كتاب السلوك لمعرفة الدول والملوك، طبعة القاهرة، سنة 1934 - 1942 (3) سبط بن الجوزى، مرآة الزمان، طبعة شيكاغو، سنة 1907 (4) ابن كثير، البداية والنهاية، طبعة القاهرة سنة 1351 - 1358 هـ (5) المفضل بن أبى الفضائل، النهج السديد في Patrologia orientalis جـ 12، 14، 20

5 - الإمبراطورية العثمانية

(6) ابن الفرات، تاريخ الدول والملوك، بيروت سنة 1936 - 1942 (7) أبو الفدا، كتاب المختصر في تاريخ البشر، القاهرة، سنة 1325 هـ (8) ابن تغرى بردى: المنهل الصافى، مخطوط في باريس (9) ابن إياس، بدائع الزهور، جـ 1 - 2، القاهرة، سنة 1311 - 1312 هـ، جـ 3 - 5 طبعة استانبول، سنة 1931 - 1936 (10) المقريزى: الخطط، القاهرة، سنة 1270 هـ. (11) ابن حجر، الدرر الكامنة، حيدر آباد، سنة 1348 - 1350 هـ (12) صالح ابن يحى، تاريخ بيروت، بيروت 1927 (13) الذهبى، دول إسلام، حيدر آباد، سنة 1337 هـ (14) ابن شدَّاد، النوادر السلطانية، القاهرة سنة 1376 هـ (15): D . Ayalon في Gunpowder and Firems in the Mamluk Kingdom A Challenge to a Medieual Society -، لندن سنة 1956 (16) Zur geschichte des Mit-: K. Huuri -telalterlichen geschuetzwesens aus Orie natlischen. هلنسكى، جـ 9، سنة 1941. (17) Beitraege zur: K.V. Zettersteen Geschichte der Mamluk، ليدن 1919. حسن شكرى [د. أيالون D. Ayalon] 5 - الإمبراطورية العثمانية: كان لدى العثمانيين في أول الأمر، أى في القرن الثامن الهجرى الموافق عشر الميلادى، معرفة ضئيلة بالحصار والأدوات اللازمة لفرضه. ولم يكن استيلاؤهم على مدن مثل بورصة (سنة 1326. ونيقية أى إزنيق سنة 1331، ونيقوميدية أى أزميد سنة 1337) نتيجة لفرض حصار رسمى على هذه المدن، بل بسد الطريق عليها وقتا طويلا. فقد سعى العثمانيون إلى قطع الاتصال بين كل مدينة منها وبين العالم الخارجى ونجحوا في ذلك .. ووقفوا من سكان الأراضى المجاورة

موقف "المداراة" أى التلطف وكبح النفس بقصد استمالتهم إلى الحكم الإسلامى، وليكسبوا تعاونهم إن أمكن، وليظهروا للمدن المحاصرة أن الخضوع قد لا يعنى الهلاك (بالسهام المريشة أى باستسلام حصن من الحصون كما جرى بعد بين العثمانيين والمسيحيين في القرن 10 هـ - 16 م، وفى القرن 11 هـ = 17 م انظر مثلا (1) it: L.Bonelli trattato Turco - Veneto 1540 في - cen tenario della nascita di Michele Amari. في مجلدين، بالرمو سنة 1910). جـ 2، ص 353 وما بعدها، وكذلك. p The castle of violets, From greek: Wittek -Monemuasia to Turkish Menekshe, Bul letin of the school of oriental Studies, London Institute في جـ 20، سنة 1957، ص 604 وما بعدها؛ م. طيب كوبلكين: ونديق أرشيوى دكي وثيقة لركلياتنده انونى سلطان سليمان دوري بللكرى في بلكلر (تورك تاريخ بكلرى در كيسي جـ 1 - 2 (سنة 1964)، أنقرة 1965, ص 203 وما بعدها - وعن كل ما يتعلق باستسلام Napoli di Romania, Monemvasia للعثمانيين سنة 1540، (2) Bosio , جـ 3، ص 618 (هدنة وجيزة في أثناء حصار مالطة سنة 1565)، (3) بجوى، جـ 2، ص 181 وما بعدها (عن سقوط كران في أيدى المستعمرين سنة 1595)، (4) - An ticano Frammenti , ص 173، 318 (استسلام خانية ورتمو للعثمانيين في أثناء حرب كريت 1645 - 669). وحين نمت الدولة العثمانية من حيث الحجم والموارد زاد تمكنها من الأساليب الفنية للحصار ومن آلات الحصار التى كانت قد بلغت درجة عالية من الكمال والإتقان إبان عصر الصليبيين وبعده، مثال ذلك: الدريئة المتحركة، والأبراج المتحركة، والمجانيق، والقسى الكبيرة الخ ... (انظر بصفة عامة K. Huuri في - Zur Geschichte des mittelalterlichen Ges chuetzwesens aus orientalischen Quellen هلسنكفورس 1941؛ وانظر أيضًا ka- nanos بون سنة 1838 ص 460، 462، 469 عن مثال متقدم لفن الحصار العثمانى أى المحاولة الفاشلة التي بذلها مراد الثانى للاستيلاء على القسطنطينية سنة 1422) وفى فترة

لاحقة أى في أثناء عمليات حصار خانية (1677 - 9) , وفيينا (1683) استفاد العثمانيون فيما يظهر من استخدم المقلاع (Scheither ص 77) ومن آلة اسمها " Cacavelas) "Pioulitza ص 138، 139، 177) وهي ألة (ربما تشبه المنجنيق؟ ) تقذف القنابل والأحجار. على أن فن الحصار كان آخذًا في التغيير حتى بعد أن اكتسب العثمانيون المعرفة بهذه الأساليب الفنية الأكثر قدما. ذلك أن البارود والمدفع بدءا يحدثان تأثيرا يزداد على الأيام ويزداد شأنهما أيضًا في حسم مجريات الحصار. ولا يقل عن ذلك أثرًا أن العثمانيين ظلوا أمدًا طويلا يستخدمون تلك الآلات القديمة علاوة على اصطناعهم للتدابير الأحدث، وهى أساليب فتية مستقاة من تجاربهم في عصر متقدم انظر مثلا: (1) الدريئة المتحركة في حصار أوترانتو سنة 1480 (Foucard ص 163)، ومالطة سنة 1565 (Cirin، 113 ظهر، 114 وجه) وفى نيقوسية سنة 1570 (Lorini، ص 71: Palchi di tavole, Co-perti con pelle di bufali a guisa dtesr tuggine, per difendersi da' Fuochi (¬1) وكذلك في همدان سنة 1724 (L. Lock - hart في The Fall of the Safavi Dynasty ... , كمبردج 1958، ص 269)؛ (2) الأبراج الخشبية في مالطة سنة 1565 (Bosio، جـ 3، ص 673، 684: - un' al" tra Machina di legnami .. in modo di "Torre (¬2)، المزودة بمتراس يقبض على ما يتراوح بين خمسة أو ستة أرقبوصات يمكن رفعها وخفضها حسبما يراد)؛ (3) منجنيق قذف الأحجار المسمى " Trabuchi" في رودس (Sanuto جـ 33، ص 573؛ جـ 34، ص 67) في أثناء حصار سنة 1522). وأبقى العثمانيون أيضًا على الطريقة القديمة في هدم أسوار القلاع. مثال ذلك، أنهم كانوا يحفرون خنادق متقاربة، لنقب أساسات الأسوار، واستخدموا في ذلك عوارض خشبية لدعم البناء الحجرى، ثم يشعلون ¬

_ (¬1) يحتمون من النيران التى يصبها عليهم المدافعون بدريئة من الخشب مكسوة بجلود الانعام. (¬2) آلة أخرى من الخشب على هيئة برج.

النار فيها، حتى تنهار الأسوار فور احتراق هذه العوارض (في رودس سنة 1522، Bosio، جـ 2، ص 574؛ Tercier (1759)، ص 754؛ وكذلك - Motecucu li، ص 345). ومن الأسلحة الهجومية البارزة في العصور القديمة: الكبش والخرامة، والقوس، والمنجنيق، والمنجنيق قاذف الأحجار، التي بدأت أهميتها تقل حين اخترع المدفع وصار أداة هجومية في فن الحصار. ويبدو أن المدافع قد شاع استخدامها بين العثمانيين إبان حكم محمد الأول، أو في تاريخ متقدم عن ذلك وجُنّدَ المدفعيون من الأراضى الألمانية والإيطالية ومن سيبيريا، ومن البوسنة وسرعان ما وفر أولئك للعثمانيين أداة فعالة من مدافع الحصار. ولعل الخبراء الذين من أصل أوربى كانوا عنصرًا أساسيًا قوى الاحتمال في أداء الخدمات الفنية للعثمانيين تلك الخدمات المرتبطة بفن الحصار - ونعنى بهؤلاء المدفعيين (طوبجى لر)، والفرق المسئولة عن نقل المدافع والذخيرة (طوب عربه جيلر)، وصناع القنابل المنوط بهم إنتاج واستعمال القنابل اليدوية وقنابل المدافع والألغام المحمولة والنار الصناعية وغيرها (خمبره جيلر)، وجنود بث الألغام وحفر الأنفاق (لغمجيلر). وفى أغلب الأحوال، لم يحمل العثمانيون إلى الميدان أول الأمر، المدافع الثقيلة التى لا غنى عنها في فرض الحصار، ولكنهم حملوا كميات من المعادن اللازمة لصب المدفع وفقا لما كانت تمليه الحاجة في مسيرة حملة بعينها (انظر Barletio. جـ 2، ورقة 306 ظهر، 307 ظهر؛ - Promontorio - de Cam pis، ص 61، 85؛ da lezze، ص 103؛ Sanuto، جـ 31، ص 86. وكانت المدافع التى تصب أمام قلعة من القلاع قد تكسر إربًا إربًا بانتهاء الحصار، ويحمل المعدن لاستخدامه مرة أخرى في المستقبل (انظر Notes et: N. Lorga extraits pour servir a l'histoire des cro iervits ... ، السلسلة الرابعة، بوخارست سنة 1915 , جـ 4، ص 368). وقد بطل استخدام مثل هذه الأساليب مع مرور الزمن. ولكن ثمة مثلًا متأخرًا،

يمكن أن نجده في الحرب الكريتية التى وقعت بين عامى 1645 - 1669 حين نقل العثمانيون الصلصال لصب قوالب المدافع، من كاغدخانه إلى عِنادِيَّة ووجدوا أن من الأنسب لهم صب بعض مدافعهم على الأقل في الميدان، لا أن يحضروها مصبوبة من البر الأصلى (انظر سلحدار، جـ 1، ص 307، 467، 481، رشيد، جـ 1، ص 198، 205 - 206؛ Histoire: Hammer Purgstall, جـ 11، ص 312 - 313). وقد أمر الصدر الأعظم العثمانى أحمد كوبريلى في أثناء حصار قلعة خانية (1667 - 1669) أن تصنع المدافع في كريت من عيار يتيح للطوبجيلر استخدام قذائف المدفع التى أطلقها أهل البندقية من هذه القلعة (انظر Histoire: Hammer Purgstall, جـ 11، ص 310). ولقد مالت مدافع الحصار العثمانية، في عصر محمد الثانى وبعده بفترة طويلة، إلى أن تكون ثقيلة الوزن كبيرة الحجم (وعن مدفع محمد الثانى كبير الحجم الذى صب في سنة 868 هـ = 1463 م والمحفوظ الآن في برج لندن وثمة شواهد وافرة يمكن جمعها عن هذه المدافع من المصادر التى تصف الحصارات العثمانية الكبرى مثل حصار القسطنطينية سنة 857 هـ (1453 م، Barbaro، ص 21، 27، 35، 39، 44) , وحصار إسكدار (إشقودرة) سنة 883 هـ (1478 - 1479؛ Barletio ورقة 310 ظهر ووجه، 313 ظهر، 314 ظهر ووجه) وحصار رودس سنة 885 هـ (1480 م، - Germanicarum rerum Scrip- tores varii طبعة C. Freher، جـ 2، فرانكفورت سنة 1602، ص 158، 159؛ Fonti di storia Na- C. Foucard poletana nell Archiuio di stato in Modena Otranto nel 1480 e nel 1481 in Archivio Storico Per le provincie Napoletane. جـ 4/ 1، نابولى سنة 1881، ص 135 وما بعدها؛ Vertot جـ 2، ص 308، 602 (وحصار أوتراتو سنة 885 هـ) 1480 م؛ Lagetto، ص 23 وحصار ديو سنة 945 هـ (1538 Riberiro، ص 255 وما بعدها). وكانت مدافع البَجلشُقْة الكبيرة التى حملها العثمانيون إلى مالطة سنة 973 هـ (1565 م) يقذف

الواحد منها Ciento y ochenta quinta les" de metal, y tira verdadera relacion una -balade un quinta de peso de hierro co lado (¬1)، ورقة 21 ظهر ووجه , Cirni. ورقة 125 ظهر، Bosio جـ 3، ص 534 - 535، 695). والحق أن قوة مدفع البجلشقة كانت مشهودة: وثمة ذكر في الحصار نفسه عن quatro basiliscos, que el uno dellos Passava veynte ye un Pues de terrapleno verdadera relacion) "de claro en claro, ورقة 78 ظهر) - وكانت الطلقة من هذه المدافع تخترق عمقًا يقدر بنحو "سبعة أشبار" حتى بعد أن اخترع المسيحيون وسيلة بارعة ليجعلوا دفاعهم أقل قابلية للاختراق (Cirni، ورقة 98 ظهر ووجه؛ Bosio جـ 3، ص 545، 625). وقد استفاد العثمانيون أيضًا من استخدام مدافع الهاون: هوائى (ابن كمال، الفصلة. 50، 307، 496 منقولة طبق الأصل ص 45، 289، 448؛ مكتبة فاتح ومكتبة إستانبول، جـ 1/ 3 - 6 (1953 - 1954)، ص 307؛ سلانيكى، ص 8؛ مادة "بارود" (أو حوان) أولياجلبى، جـ 8، ص 398؛ سلحدار، جـ 1، ص 244، 443، 485, جـ 2، ص 395؛ Marsigli. جـ 2، ص 30 - 31). وقد ورد ذكر مدافع الهاون هذه بكثرة، مثال ذلك عند حصار بلغراد سنة 860 هـ (1456 م، L. Wadding: Annales Minorum ... .، رومة سنة 1731 جـ 12، ص 344. حصار نجروبونت سنة 874 هـ = 1470 م dalla Cas- tellana ص 435: - mortali cioe bon" - barde tanto larghe quanto lunghe ... la pe tra di ciascuna dug iento rotoli, che monta libre siecento, e butavano in aere, e al cascare cascavano entro la terra" (¬2) وعند حصار إسكدار (إشقودرة) سنة 883 هـ (1478 - 1479؛ Barletio, ورقة 313 وجه، 314 ظهر: ومدى طلقة الهاون هى 1200 ذراع؛ وعند ¬

_ (¬1) معنى العبارة بالاجمال: قذيفة معدنية تزن الواحدة منها قنطارا أو أكثر. (¬2) معنى العبارة بالاجمال: قذائف من الحجر مكعبة الشكل تزن الواحدة منها 300 رطل تقريبا، تحدث حين تقذف حفرة في الأرض.

حصار رودس سنة 928 هـ (1522 م؛ de Bourbon، ورقة 13 ظهر ووجه: وتقذف مدافع الهاون "قذائف من الرخام أو النحاس أو البرونز مليئة بالنار الاصطناعية؛ وعند حصار مالطة سنة 973 هـ (1565 م؛ Cirni، ورقة 125 ظهر، Bosio، جـ 3، ص 512، 613: due Morlacchi Petrieri,L,une de' quali tirava la palla di due palmi di di- ametro, el, altro di tre" palmi (¬1) ولا تقدم لنا المصادر سوى بيانات متناثرة ناقصة عن معدل النيران. ففى حصار قلعة إسكدار (إشقودرة) سنة 1478 - 1479، أطلق العثمانيون نيران واحد وعشرين مدفعا كل يوم في مناسبات مختلفة؛ 178، 187، 183، 168، 178، 182, 194، 131، 193، 173. طلقة على هذه القلعة (Barletio، ورقة 310 ظهر ووجه، 313 ظهر ووجه؛ da Lezze, ص 104). وأطلقوا نيران باسليقا عند حصار رودس سنة 1922 ويقال إنها إطلقت مائة وثلاثين مرة كل يوم (Fontanus في - Lo nicerus، جـ 2، ص 390). وكان ثمة مدفع عثمانى يطلق قذيفة وزنها ثلاثة قناطير، أطلق عشرين مرة كل يوم في حصار نابلى دى رومانيا Napoli di Ro- mania سنة 1538 (Histoire, Hammer Purgstall، جـ 5، ص 285). أما المعلومات المرتبطة بمدى مدافع الحصار العثمانية فنادرة. فعند حصار مالطة سنة 1565 نجد بعض بطاريات المدفعية (تحركت فيما بعد لتكون أقرب من أسور الحصن) تطلق نيرانها أول الأمر مسافة كبيرة تبلغ mil Passos, y mas de "Sant Etmo" Verdadera relacion ورقة 31 وجه، 39 وجه، 41 ظهر، وانظر أيضًا Bosio، جـ 3، ص 534: in distaza di 180. Canne de Architetto. Sec- ondo La note, che ne Lascio Girclamo .Cassat Ingegniere della Religione M Roberts Gustauus Adolphus لندن سنة 1958، جـ 2، ص 228، حاشية 3، وهو يرى أن أكبر مسافة معقولة كانت 720 مترا بالنسبة للمدفع الكبير في ¬

_ (¬1) حجاران يقذف أولهما احجارا يبلغ قطر الحجر منها شبرين، والآخر يقذف الأحجار التى تبلغ قطر الواحد منها ثلاثة أشبار.

القرنين السادس عشر والسابع عشر). وتختلف المصادر في مدى البندقية قديمة الطراز التى كانت تسمى الأرقبوص. ويصف أولوا Ulloa الجملة على جربة سنة 1560 فيلاحظ بشأن العثمانيين الذين يطلقون المدافع quei loro schioppetti erano si lunghi, che tirando arrivauano a cinquecento Passi" (¬1) (Ulloa، ورقة 8 وجه). وحملةُ الأرقبوصات العثمانية الذين قاتلوا في مالطة سنة 1565، والذين كانوا يستخدمون المدافع المعروفة باسم Las escopetas del largor de ix palmos de can- on,y las qmenos de siete أطلقوا النيران الملائمة على مسافة 600 خطوة - Ver dadera relacion, ورقة 34 وجه، 68 ظهر؛ وكذلك Bosio، جـ 3، ص 597، يشيران إلى " archibusoni da posta") . أما البارود الذى استخدمه العثمانيون فكان ممتازًا في كثير من الأحوال. وكان يصدر عنه في مالطة سنة 1565 دخان أبيض من أثر نقاوته على خلاف الدخان الأسود للمسحوق المسيحى (verdadera relacion، ورقة 102 وجه، Cirni ورقة 85 ظهر، Bosio جـ 3، ص 614). وقد امتدحه أيضًا مونتكوكولى Montecuculi لامتيازه الذى يفصح عن نفسه في "الجلبة، والقوة، وطول التأثير" (Montecuculi ص 283 - 284). ويصف أولياجلبى الـ "عثمانلى بارودلري أى البارود العثمانى" بأنه رطب وهو خليق بأن يلوث فوهة المدفع، على حين كان البارود الذى يجلب من مصر وبغداد جيد الصنع، والحق إنه يقارنه في مناسبات عدة بالبارود الذى كان يجلب من بلاد الإنكليز (أولياجلبى، جـ 4، ص 413؛ جـ 6، ص 314؛ جـ 10، ص 175، 454، 727) وكانت تحت أيدى العثمانيين كميات كبيرة من أفضل أنواع البارود جاءتهم من أوربا، وبخاصة من الإنكليز والهولنديين وعلى أية حال، فإن ثمة نصًا في تحفة الكبار يبين أن البارود الذى كان يجلبه العثمانيون من مصر لم يكن شديد النقاوة، ولم تكن له قوة دفع عنيفة علاوة على أنه كان يضر فوهة المدفع (تحفة الكبار، ورقة 71 ظهر؛ وكذلك نعيما، جـ 3، ص 52، وثمة تعليقات ¬

_ (¬1) أن قذائفهم كانت تصل إلى مسافة 500 خطوة.

مناقضة لذلك في تاريخ متأخر عن هذا بكثير فى peter Businello sraatsekretaers -der Republik Venedig historische Nach richten ... der osmanischen Monarchie,in C. w. Luedeke Beschreibung des tuer- kischen Reiches في Zweyter Theil ليبسك سنة 1778، ص 131، وفي Schels ص 306 - 307). ولربما كانت القذائف التى تطلقها المدافع العثمانية مصنوعة من الحجر، أو الحديد، أو الرصاص بل من البرونز (انظر في حصار رودس سنة 1522 Sanuto، جـ 19، ص 64، 78، وفي حصار كران سنة 1543؛ Hammer histoire: Purgstall جـ 5، ص 372, وفى حصار مالطة سنة 1565؛ - ver dadera relacion, ورقة 121 وجه). وفى كثير من الأحوال كانت قذائف المدافع تجمع بعد إطلاقها كلما أمكن ذلك لتستخدم مرة أخرى في حصار أية قلعة (انظر في حصار مالطة سنة 1565، Cirni، ورقة 104 ظهر؛ Bosio, جـ 3، ص 636). وإذا وضعنا مشكلات انحراف المقذوف في الحسبان نجد أن العثمانيين كانوا في كثير من الأحوال يغلفون المقذوفات بجلود الأغنام، ليضمنوا أفضل أثر لانفجار الشحنة (Montecuculi، ص 280 - 281). وفى حصار مالطة عام 1565، كان المدفعيون العثمانيون يستخدمون عند إعداد عُبُوَّة المدفع غرائر مسحوق البارود التى تتناسب حجمًا مع المدى المطلوب والنتيجة المرغوبة (انظر Bosio, جـ 3، ص 614). كما أدت ضخامة مدافع الحصار التى كانوا يستخدمونها وسمك ماسورة المدفع إلى قيام الطوبجية العثمانيين في مرات كثيرة بإطلاق هذه المدافع دون تركها مدة كافية حتى تبرد (انظر verdadera relacion، ورقة 40 وجه، 68 ظهر؛ وعن تبريد المدافع انظر Ducas. بون سنة 1834، ص 237؛ Foucard، ص 165). وقد استفاد المدفعيون العثمانيون الذين كانت نسبة كبيرة منهم قد استحضرت من أوربا - من استخدام المدفع وفقا للطريقة التى كانت متبعة في جيوش العالم المسيحى، مثال ذلك، تركيز النيران من بطاريات المدافع على

جزء بعينه من سور القلعة (Anticano، ص 147 - 148: كريت سنة 1646؛ انظر أيضًا بجوى، جـ 2، ص 193 عن المدفعيين المسيحيين في كران، سنة 1595)؛ وعن النيران المتقاطعة من بطاريات المدافع المتعددة (Bosio. جـ 3، ص 538 - 539 في مالطة، سنة 1565)؛ أضف إلى ذلك استخدام المدفع المتوسط ليؤثر بعمق في أسوار القلعة، ثم استخدام المدافع الأثقل لتهدم المعقل الحجرى من خلال الأثر العنيف لقذائف المدافع الكبيرة (Collads، ورقة 24 وجه؛ 25 ظهر، stella في schwandtner، جـ 1، ص 610 - 611, وكذلك مادة "بارود". وعن الطرق التى اتبعت في أوربا انظر مثلا. , Mendoca , ورقة 15 ظهر ووجه، veress - Marsigli، ص 29 - 30). وأطلق العثمانيون في بعض الأحيان مجموعات من المدافع في سلسلة منتظمة (Bosio, جـ 3، ص 309: طرابلس شمالى إفريقية، سنة 1551). وربما ضم عدد من بطاريات المدفعية معًا ليغطى عمليات الدفاع عن قلعة ما إلى جانب قنطرة ساترة (صممت لترفع، ولكن ليس قبل اللحظة المحددة لاجتياح القوات العثمانية للأسوار: Bosio , جـ 3، ص 648 مالطة، سنة 1565). وقد استخدمت آلة بعينها في مالطة سنة 1565، توضع قرب أسوار القلعة تتكون من Alcune havendo nella" cima certo Fuoco artifciato picche (¬1) واستطاع المدفعيون العثمانيون باستخدام هذه الآلة من إطلاق نيران المدفعية ليلا (Verdadera Relacion ورقة 98 ظهر؛ Cirni، ورقة 113 ظهر ووجه، Bosio، جـ 3، ص 628، 676 (وتذكر المصادر التى تناولت هذا الحصار نفسه أيضًا، مهارة ضاربى الأرقبوصات العثمانيين ودقتهم، ولو أطلقوا النيران في ضوء القمر) Viperanus , ورقة 10 وجه؛ Bosio، جـ 3 ص 539 - 40، 561، 611). وحظى ترتيب مدافع الحصار بعناية كبيرة وبذل فيه جهد ليس بالقليل. وثمة مراجع تتحدث مثلا، عن موضع المدافع ذات الأبواب التى تفتح وتغلق عند إطلاق نيرانها على القلعة أو الحصن (Barletio، ورقة 310 ظهر: ¬

_ (¬1) مركب في رأسها جهاز لاصلاق النار الاصطناعية.

إسكدار سنة 1478 - 1479)؛ وعن bastioni di terra, chiusi e serrati di vimine -e Veirgulti, intorno a grossi Poli con "testi (¬1) (Bosio جـ 2، ص 330: حصار رودس سنة 1480)؛ وعن mantelletti" foderati di Fuori di grossi tauoloni di- legno incastrati con traui,e dentro erano pieni di terra, molto ben Pestata e bat- tuta (¬2) (Bosio جـ 2، 553: حصار رودس، سنة 1522 - انظر أيضًا fon- tanus في Lon icerus، جـ 2، ص 390). حيث كان الافتقار إلى التراب (كما فى حالة مالطة المليئة بالصخور)، sacas de" lana, gumenas uiejas, tiendas vuiejas, y velas: قد استخدمت على ما يحتمل في بناء - bestines trincheas, y muchos de ca" bras .. ara hazer bestiones (¬3) أو Paglia con del hno a Fare ripari da piantare l'ar- verdadera relacior (¬4) tiglieria) ورقة 22 وجه، 23 ظهر، Cirni ص 53 وجه: مالطة سنة 1565). وثمة ذكر أيضًا لمواد وآلات جاهزة الصنع مثال ذلك ما حدث في حصار مالطة سنة 1565: (1) إطارات خشبية مملوءة بالتراب استخدمت لتكون بمثابة سواتر (verdadera relacion، ورقة 37 وجه)، (2) - Tronere di legno fatte a posta per pi" antare l'artiglieria, le quali Fermavano con certi chiodi grossissimi (¬5) (Citrni ورقة 46 وجه)؛ (3) i Fusi di ferro- ceppi, le diatteforme, gabbioni, ele tro- niere di legnami tutte fatte e prone (¬6) (Bosio، جـ 3، ص 512). وفى حصار رودس سنة 1522 وضعت بعض المدافع العثمانية على (tavotoioni" وأطلقت نيرانها على القلعة ليلا، ولما كانت مغطاة بالتراب والرمل نهارًا، فإن المسيحيين لم يستطيعوا تحديد مواقعها ¬

_ (¬1) معنى العبارة على الاجمال: شرفات محصنة تحيط بها أعمدة ضخمة والواح من الخشب معشق بعضها ببعض، وتملأ الفراغات الداخلية فيما بينهما بالتراب. (¬2) دريئة مكسوة من الخارج بعوارض خشبية معشقة، ويملأ فراغها الداخلى بالتراب بعد دكه دكا. (¬3) معنى العبارة على الاجمال: غرائر من الصوف مملوءة بالتبن لتكون سائرا للشرفات والخمادق وما أشبه. (¬4) غرائر محشوة بالتبن وقش الكتان، تنصب المدافع خلفها. (¬5) مصاطب خشبية تثبت بمسامير ضخمة، صنعت خصيصا لنصب المدافع فوقها. (¬6) معنى العبارة على الاجمال: مصاطب خشبية جاهزة الصنع.

(Bosio، جـ 2، ص 554). وزود موقع كل مدفع، كما يبدو، بأعلام مساوية لعدد المدافع التى نصبت فيه (verdadera relacion، ورقة 53 وجه - 78 ظهر، Cirni, ورقة 53 وجه: حصار مالطة سنة 1565). كما أقام العثمانيون أيضًا خطوط دفاع لحماية ضاربى الأرقبوصات - مثال ذلك ما حدث في الحملة على جربة سنة 1560، tre bas-" tioni in forma rotonda, a modo di tor-rione, di legname forte mente contraun in catenati, terrapienati di fascine e terra (¬1) (ulloa، ورقة 36 وجه)، وفي سجتوار سنة 1566 Certi bastioni di" motte sacca di lana, bambace, dietro a quali stando, gtanzzari, Impresa di" senza Zighet (¬2) pericolo assaltauano le mura في Sansovino، ورقة 454 ظهر ووجه). وما أعظم التدبير المسبق عند ما تدعو الحاجة لإيجاد الموقع الصحيح للمدافع ولضاربى الأرقبوصات، ويمكن استنتاج هذا التدبير من أن محمد الثانى حين فكر في حصار سنة 1480, أمر بوضع الرسومات مقدما لتحصينات رودس (Bosio، جـ 2، ص 315). وكانت آلات الحصار متوفرة بين يدى العثمانيين بجانب المدافع، ومدافع الهاون. ومنها ما عرف باسم خمبره أو (قمبره) أى القنابل والقنابل اليدوية المختلفة الأنواع مثال ذلك ال "خمبر هاون لرى" (سلحدار، جـ 1، ص 442؛ جـ 2، ص 47)، وكان منها خمبره كبيرة تزن 70 أقة (سلحدار، جـ 1، ص 595)، و"قازان أو (قازغان) قمبره (أوليا جلبى، جـ 8، ص 398، 414) , و"سبت قمبره سى" (سلحدار، جـ 2، ص 395 وكذلك طبعة نصرت نامه، جـ 1، . بارماق سز أوغلى جـ /1/ 3 استانبول سنة 1962 - 1964، جـ 1، ص 18). والفيسى قمبره سى (نصرت نامة، جـ 1، ص 81)، والـ "جوملك قمبراسى" (أولياجلبى، جـ 5، ص 191) , والـ شيشدن معمول قمبره لر (نعيما، جـ 4، ص 140 انظر أيضًا عن الضمبره" مادة "بارود" أما عن القنابل ¬

_ (¬1) ثلاث شرفات دائرية محصنة على هيئة مصطبة مثبتة بالواح خشبية معشقة مملوءة من الداخل بالتراب. (¬2) غرائر من الصوف كثيرة العدد يحتمى الجنود وراءها من قذائف الأعداء حين يهجمون على أسوار الحصن.

اليدوية المصنوعة من الزجاج مثلا (سرجه (شيشه) إيل قمبره لرى (أو من البرونز) وتونج إيل خمبره سى (وانظر أوليا جلبى، جـ 2 ص 119، جـ 8، ص 414، 432، رشيد، جـ 1، ص 208، وكذلك Cacavelas، ص 138, 139, مادة "بارود" وقد استخدمت هذه الأنواع بكثرة وخاصة من سنة 1667 حتى في أثناء حصار خانية في كريت (رشيد، جـ 1، ص 208: صنع العثمانيون في هذا الحصار 1000 قنبلة يدوية من البرونز كل يوم - انظر أيضًا سلحدار، جـ 1، ص 484، - Schei ther، ص 77) وعلى أية حال، يلاحظ Marsigli، جـ 2، ص 33 أن العثمانيين صنعوا granata a mano pore mal fate, e" di effetto assai tenue (¬1) وتذكر المصادر في أحوال كثيرة جدا أساليب فنية وآلات أخرى استخدمها العثمانيون في الحصارات التى ضربوها - مثال ذلك (1) إطلاق نيران مدافعهم ذات الطلقات الصغيرة، والأطوال المتسلسلة (أوليا جلى، جـ 10، ص 676؛ سلحدار، جـ 1، ص 337: "صشمه ودمر زنجيرلر"، جـ 1، ص 705: "وزنجير دولو طوبلر" وزُبُرَ الحديد (أ. ن. قورات، بروت سفرى، جـ 2، أنقرة سنة 1953، ص 752: دَمِربرجلرى - وانظر بالإضافة إلى ذلك - letterr scritta un pez" zo di Bronzo carico di lanterne. e Balle da Moschetto (¬2) ويذكر Bosio جـ 3، ص 641 - 642) أن العثمانيين في حصار مالطة سنة 1565 قد صنعوا " barile cerchiato di ferro" (¬3) وزودوه بشحنة متفجرة وبمفجر، وكان داخله مملوءًا بمواد مثل: Scaglie di ferro, di" pezzi di catene, e di sassi" (¬4) (2) كما استخدموا ما عرف باسم "كندرلى خمبره" (متفجرات، ومعدات للحريق مركبة في أعمدة أو أسياخ طويلة: سلانيكى، ص 40 - انظر أيضًا Bosio, جـ 3، ص 562) وعن الخمبره المليئة بشظايا الحديد انظر (نعيما، جـ 1، ص 304) (3) استخدام ما يسمى بـ (¬5) ¬

_ (¬1) قنابل يدوية رديئة الصنع، ضعيفة الأثر. (¬2) معنى العبارة على الاجمال: قطعة من البرونز على شكل قذيفة مضيئة. (¬3) برميل محزم بأطواق من الحديد. (¬4) كتل من الحديد، وقطع من السلاسل، والحصباء. (¬5) الكرات النارية.

palle di fuoco"" وهو خليط من الراتينج، والقار، والكبريت، والشمع، والزيت وما أشبه (Barletio، ص 313)، فيما يعرف باسم boulletz de cuyvre ou bronze plaine d'artiffice de feu (¬1) (de Bourbon ورقة 13 ظهر ووجه) والبارود فيما عرف باسم عبوات " peaux de cheure" (¬2) المزود بمفجر (Marsigli جـ 2، ص 34). أضف إلى ذلك أن العثمانيين استخدموا "النفط، والقطران، والقينار صو" ومن الـ "كول والكيرج، والنفط وقطرانلى والباشورة واليورغان بارجالر" (أوليا جلبى، جـ 5، ص 191، 201، وانظر أيضا نعيما، جـ 4، ص 140: "نفط إيله بولاشميش بعض كرباس بارجالر"). وثمة إشارات عدة إلى استخدام العثمانيين لـ " (¬3) sacchi di Poluere" المزود بمفجر، وكان يقذف به على الأماكن القريبة (انظر مثلا - uerdedera re lacion, ورقة 252 وجه؛ Cirin، ورقة 60 ظهر، 65 ظهر ووجه؛ Bosio، جـ 2، ص 571، جـ 3، ص 559 certi" sacchetti Loro di fuoco artificiato) ne quali era una pignattina di terra fragilissisma piena di fuoco , la quale nel percutere in terra, o ne' capi de' nostri rompendosi, accendeve s'infiammava una mistura, che tenacissima - mente at- taccandosi. fin al ferro istesso voracemente et efficement ardeva, e consmava) , ص 628، 643؛ veress, Campania creslinilor (¬4) ص 59؛ Brusoni خانية، جـ 2، ص 162؛ Dietz, ص 62؛ Marsigli جـ 2، ص 33 وما بعدها؛ Roeder von Diersburg؛ جـ 1، ص 207 dass schimmeste aber ist Ihr verfluchtes ... pulver, welches sie في saeckhen werffen: رسالة لدفيج فون بادن، مؤرخة سنة 686). وقد استخدمت أيضًا المواد الملتهبة لتكون سواتر دخانية تغطى القوات العثمانية المنهمكة في حفر الخنادق (Anticano ¬

_ (¬1) كرات من النحاس أو البرونز مليئة بالنار الصناعية. (¬2) جلد الماعز. (¬3) غرائر البارود. (¬4) معنى العبارة على الإجمال: نوع من الغرائر الصغيرة يوضع بداخلها إناء من الفخار مملوء بمادة متفجرة، يتكسر عند ارتطامه بالأرض، وتصدر عنه حرارة شديدة تؤثر حتى في الحديد.

Frammenti، ص 83؛ Brusoni، خانيه، جـ 1، ص 26؛ Ferrari، ص 132)، كما استخدمت كرات النار للإنارة ليلا (de la Solaye. ص 77 - 78)، وكذلك استخدمت بمثابة أخلاط سامة مفيدة في القتال في دهاليز الأنفاق والأنفاق المضادة (Brusoni. خانية، جـ 2، ص 157: misture maleffche evelenose, che col fumo , e col fetore ammazano" (¬1) كما استخدم العثمانيون جلود الثيران والأغنام والماعز لحماية قواتهم من النار الاصطناعية التى كان المسيحيون يرمونهم بها في أثناء الحصار (verdadera relacion، ورقة 98 ظهر؛ Bo-sio جـ 2، ص 572؛ Ephemeides daces، جـ 2، ص 266). وتذكر بعض المصادر آلات وحيلًا أخرى. ففى أثناء الحرب المجرية الطويلة من سنة 1593 حتى 1606 توصل العثمانيون إلى معرفة ما يسمى أغاج طوب أى المفرقعة النارية (بجوى، جـ 2، ص 112 - 213؛ نعيما، جـ 1، ص 190؛ أولياجلبى، جـ 7، ص 312 - 3، Brusoni خانية جـ 1، ص 42؛ - His toirs, Hammer - purgstall، جـ 7، ص 353). واستخدمت الحبال والخطاطيف أحيانا في هدم خطوط دفاع أية قلعة (Girni، ورقة 103 ظهر، 114 وجه؛ Bosio، جـ 3، ص 556، 644، 679؛ Vivonne، ص 248). وكانت تلقى القنابل في مجموعات حتى تحدث أثرها حينما تكون الشمس في عيون العدو مع إلقاء القنابل اليدوية بالمقاليع مسافات طويلة (Scheiher، ص 75، 77). أضف إلى ذلك، ما يوجد من أمثلة للهجمات الليلية المصطنعة بقصد إنهاك مقاومة القوات المحاصرة (- ver dadera relacion، ورقة 49 وجه، 79 ظهر)، وعن الأصوات المختلفة لمسيرة الجند (الطبول، الأبواق الخ ... ) وعن الوضع الحاذق لما يعرف باسم ("- Pa diglioni frnti (¬2) ") لسحب نيران مدافع الأعداء (انظر Brusoni، خانية، جـ 1، ص 26)، وعن إطلاق نيران المدفعية عشوائيًا لخداع الحامية المحاصرة (انظر verdadera retacion ورقة 85 وجه). ¬

_ (¬1) أخلاط رديئة سامة يصدر عنها دخان مميت. (¬2) نوع من المنشئات الزائفة تستخدم للتمويه على الأعداء.

وكان العثمانيون بحكم الظروف يأخذون معهم المدافع والذخائر وكميات كبيرة من الإمدادات والمعدات إلى ساحة القتال مثل: الفئوس المستدقة الرؤوس، والمجارف، والعتلات، والفئوس، والسندانات، والكيران، والأخشاب، والحبال، والمسامير ذات الأنواع المختلفة، والمراجل وخزانات القار، والقار، وزيت بذر الكتان، والبترول، وبعضًا من الحديد والرصاص، والصوف والقطن، (الفتيل)، والملح الصخرى، والغرائر وجلود الثيران والأغنام والماعز - وكل ما له صلة بفن الحصار (انظر مثلا، الإمدادات التى جمعت لحصار خانية من سنة 1667 - 1669، رشيد، جـ 1، ص 204 - 205؛ وانظر ما تزودوا به سنة 1683 للحملة على فيينا، Grzegorzewski، ص 265 وما بعدها، رقم 2، 30، وانظر أيضًا Ruhmbelorbter and Triumph, Ch Boethius leuchtender krieges Helm نورمبرج سنة 1686، جـ 1، ص 153؛ assedio di vuienna سنة 1683 Racconto Istorico Modena di L. A .... (nguisciola) موديناسة 1684، ص 77, Cacvelas، ص 138 وما بعدها؛ Zenarolla، ص 99 وما بعدها، وبالنسبة للغنائم التى وقعت في أيدى المسيحيين في فيينا سنة 1683، وكذلك في albe Stunnhlweissenburg) Rrgalis سنة 1688). وعن المؤن الحربية التى أعدها العثمانيون لبعض حصونهم المجرية (انظر ما كيار روسزاكى ترك كنجستارى دفتر لك - Amagyar tu domanyo Akademia Tortenelmi Bi- zottsaga Forditotta a Dr. Laszlofalvi Vel- ics Antal، بودابست سنة 1886 - 1890، جـ 1، ص 189 وما بعدها. (Buda Gran Pecs, Siklos , Szged, etc Gyula uaros Okleuettara, Veress، ص 452 وما بعدها. وكان الحصار الفعلى لقلعة من القلاع يقتضى فيما يقتضيه حفر خنادق قريبة (سجان يوللرى) متعامدة مع أسوار القلاع، ولكنها متعرجة أكثر مما هى مستطيلة حتى توفر الحماية من نيران العدو المحاصر، مع حفر الخنادق (مترس) الموازية للأسوار، وتتفرع من الخنادق القريبة. وكانت المتاريس " dmus dame" المغطاة بالخشب والتراب تقام على الحافة

الخارجية للخندق في مواجهة المنحدر الخفيف للقلعة (De la feuillade)، ص 45 - 46، 56؛ de la Solaye، ص 325؛ Marsigli، جـ 2، ص 138 - 139). وفي بعض الأحيان كانت تصطنع تدابير بارعة تستخدم فيما يظهر في إلقاء التراب المستخرج من الخنادق على الحفر المحيطة بالقلعة (Bosio, جـ 3، ص 614: مالطة سنة 1565). وقد ساعدت القناطر أو السلالم المكونة من عوراض خشبية لصق بعضها ببعض بالطين الرطب. لتكون بمثابة خط دفاعى ضد النار الاصطناعية، فكانت تساعد القوات المهاجمة على عبور الحفر واقتحام الأسوار (انظر في حصار رودس سنة 1480: Bosio , جـ 2، ص 327؛ وفى حصار مالطة سنة 1565؛ Cirni، ورقة 56 وجه، وأيضا Bosio، جـ 3، ص 547 - 548، 568، 609 - 610، 611). وكانت الأنفاق التحتية (لغملر) التى تحفر تحت أسوار القلعة، تضم عدة دهاليز في آخر كل منها غرفة تخزن فيها كمية كبيرة من البارود في كثير من الأحوال (انظر أوليا جلبى، جـ 8، ص 424: النفق ذى الدهاليز الثلاثة والغرف الثلاث، نعيما، جـ 4، ص 143: تسع الواحدة منها 150 قنطارًا من مسحوق البارود؛ Montecuculi ص 345: - des mines simples,double et trip les l,une sur l'autre .... tres profondes .. de 120 et de 150 barils de poudre et da- vantage (¬1) ومع ذلك، انظر أيضًا schei-ther، ص 72، الذى يلاحظ في كتابته عن الأنفاق العثمانية في خانيه سنة 1667 - 1669 أن " Massen sie nicht den Vierdten Theil so viel als die unserige gesprengt so auch nur vocaten gewesen -und die "meisten ohne sonderlirchen scha deen abgelaue ffen" وثمة بيانات كثيرة عن الأنفاق العثمانية في المصادر التى تتناول حرب كريت (1645 - 1649, وإشارات أخرى في أوليا جلبى، جـ 5، ص 135 "بوسقورمه بارودلى لغملر؛ رشيد، جـ 1، ص 143 قبورلر وبوسقورمه لر ولغملر؛ وكذلك Bosio, جـ 3, ص 618 - 9؛ J.D. Barovius: ¬

_ (¬1) أنفاق بسيطة، ومزدوجة، وثلاثية يقوم الواحد منها فوق الآخر، وهى شديدة العمق ... وتسع من 120 - 150 برميل بارود أو أكثر.

commentari de rebus ungaricis في scrip- tores rerum, M.g. Kovachich Hungar- icarum minores hactenus inediti, بودا سنة 1798، جـ 2، ص 370، Istvan Torteneyti Maradvanyai: Szamoskooezy, طبعة Masodik Koetet, Sandor Szilagy سنة 1598 - 1599، وفي - Magyar op irok: toertenelmi Emlekek، جـ 28 (بودابست سنة 1876)، ص 176 - 7؛ Feldzuege des prinzen Eugen، جـ 1، ص 623 - 624؛ Marsigli جـ 2، ص 37 وما بعدها، militiaer- verfassung des, J.B. Schels tuerkischen Reiches, Oes- treichische militaerische zeitschrift Zweeyte Auflage der Jahrgaenge 1811) und 1812, Bd. 2، فيينا سنة 1820). ص 322 - 323. لقد نفذ فن الحصار العثماني بنجاح مشهود في القسطنطينية (سنة 1453)، وفى رودس (سنة 1522)، على الرغم من عدم إحراز النصر النهائي في مالطة (سنة 1565)، ولعل جميع القلاع ذات القوة الدفاعية الكبيرة قد بلغت ذروتها في حصار خانية (سنة 1667 - 1669)، كما كانت أساليب فن الحصار هذه مقتبسة بصفة عامة من الأساليب والطرق التى سادت أوربا الغربية، وكان الخبراء الذين من أصل مسيحى هم الذين قاموا أول الأمر بدور حيوى في نقلها إلى العثمانيين، فعرفوا تقاليد فن الحصار المألوفة لجيوش العالم المسيحى ففى خانية مثلا، بذل الهولنديون، والإنكليز والفرنسيون جهدًا كبيرًا حتى يحققوا النصر النهائى للقوات العثمانية. I) Avvisi di Ragusa. Documenti: I.Dujchev sull, Impero Turco nel secolo xvll e sulla guerra di candia Orientalia christiana (101 .analecte no، رومة سنة 1935، ص 159؛ Brusoni؛ خانية؛ جـ 1، ص 23: numero grandne d' Ingegieri Fran- cesi e Fiaminghi" le Relaziono degli stati G. Berozzi Europei lette al senato dagli. Ambasciatori veneziani nel secolo decimosettino السلسلة الخامسة: تركيا، البندقية سنة 1866 - 1871, جـ 2، ص 231 - 233: رواية جيوفانى موروسينى دى ألفيز سفير البندقية سابقا في استانبول الذى جاء فيها أن القنابل والقذائف التى زود الإنكليز بها

العثمانيين، وعلمهم الهولنديون بوجه خاص كيف يستخدمونها على أفضل وجه، قد ساعدتهم كثيرًا على سقوط خانية في أيديهم. وعلى أية حال، فإن نجاح العثمانيين في خانية وفى أماكن أخرى، قد استند على عوامل مكنتهم من التفوق في النواحى العملية واليدوية في صناعة الحصار مثل حفر الخنادق، وبث الألغام وتجهيزها - أى على سيطرتهم على موارد كبيرة من العمالة البشرية، مثال ذلك جند الغرب، والمجندين من السكان المحليين، ووجود الجماعات الحاذقة في بث الألغام في نطاق الإمبراطورية وتوفيرها للاستخدام في الحرب (انظر بصفة عامة Beitraege zur: R. Anhegger Geschichte des Bergbaus im osmanischen Istanbuler schriften Reich تعليق 2، 14، إستانبول سنة 1943 - 1945، زد على ذلك، أنهم كانوا مزودين بعدة لا تقل قيمة عن ذلك، وهى امتلاكهم لكميات هائلة من الذخائر كالبارود، والمعادن، والخشب الخ .. التى لا غنى عنها في حصار واسع النطاق (انظر Feldzuege des Prinzen Eugen, جـ 1، ص 623). ومع ذلك، فقد مالت هذه العوامل إلى التلاشى من حيث القيمة، فقد شهد القرنان 11 هـ (17 م) و 12 هـ (18 م) في أوربا، تطورًا سريعًا في فن الحرب. وكان ثمة تقدم ملحوظ، قام به رجال مثل فوبان Vauban، في علم التحصين. فبعد استيلاء النمسا على بلغراد عام 1739 قامت بتحصين المدينة من جديد. وكان الرأى السائد بين الضباط الفرنسيين الذين رافقوا قوات السلطان أمام بلغراد سنة 1739 هو أن العثمانيين، بما تعودوا عليه من طرق فن الحصار، قد لا يستطيعون الاستيلاء على القلعة (Re-: de Warnery marques sur le Militarie des Turcs ليبسك، درسدن، سنة 1770، ص 51 - 52) وأكثر من هذا لفتا للنظر في أوربا، هو تطور بعض الأساليب الفنية الأفضل في صنع المدافع. كما أن الكوارث التى حلت بالجيوش العثمانية خلال الحرب المجرية من سنة 1683 - 1699 في حصار بودا سنة 1686 لا تقل عما حاق بهم في ميدان المعركة، أو عما حل بهم في زنته سنة

1697، ولا شك أنها تعزى إلى حد كبير إلى فاعلية مدفعية الميدان المسيحية (انظر مذكرات المارشال دى فيلار، طبعة de Vogeue, جـ 1، باريس سنة 1884، ص 380، على حين يكتب المارشال عن النمساويين قائلا - Leur ar" tillerie de capange est tres bien servie, et c'est peut etre-ce qu: a le plus contribue -aus aventages qu'ils ont emportes pen "dant cette guerre sur les Turcs (¬1) وفى تاريخ لاحق، نجد موريس ده ساكس، Maurice Comte de Saxe قد أدخل في اعتباره على ما يبدو وما طرأ على التحصينات من تحسينات حديثة، وفى ظهور مدفع بلغ من قوته أنه يستطيع التغلب على هذه التحصينات الحديثة، كما حدث في المراحل الأخيرة من حرب الوراثة النمسوية (أنظر - Von Scharn Handbuch Fuer offiziere Erste: horst Artillerie: Theil هانوفر سنة 1804, جـ 1، ص 18)، وحصر ملاحظته في أن القلاع بصفة عامة (tous les anciens ne volent rien, les modernes ne valent Mes reveries: Maurice Comte de Saxe guere mieux طبعة perau, أمستردام، ليبسك سنة 1757، جـ 2، ص 11). وكانت التقاليد القديمة لفن الحصار قد هجرت حقًا. وكان من المحتم أن يكون العثمانيون قد اكتسبوا أحدث الأساليب الفنية التى تطورت في أوروبا. ولكن كان من الصعب عليهم أيضًا التخلى عن الطرق التى ظلت أمدًا طويلًا تتوج انتصاراتهم التى لا تنكر، ولكن حظهم المنكود هو الذى خذلهم في حربهم مع النمسا وروسيا فيما بين سنتى 1683، 1792، وإن أردنا الإنصاف جاز لنا أن نقول ما سبق أن قلناه عن عملياتهم أمام بلغراد سنة 1739 ونصه: ils ne se baissent pas" gouverner des chretiens, et en se fient pas assey a eux , pour suivre leurs conseils de warnery، ص 51 - 52) (¬2) المصادر: علاوة على ما ذكر في صلب المادة انظر ¬

_ (¬1) إن مدفعيتهم الميدانية كانت جيدة التجهيز لدرجة يمكن معها القول بأنها صاحبة الفضل الأكبر في تفوقهم على الأتراك خلال هذه الحرب. (¬2) إنهم لم يأخذوا بنصائح المسيحيين لأنهم لم يكونوا واثقين بهم لدرجة كافية.

(1) التواريخ الإخبارية العثمانية. (2) Rumeliskich: J.Grzegorzews .Z sidzllatow epoki wyprawy wiedenskiej Akta Tureckie Archiwum Naukowe, Dzial، جـ 1، 4/ 1، لفوف سنة 1912. (3) kananos، بون سنة 1838. (4) Dukas، بون سنة 1834. (5) The siege of Vienna by: J.Cacaveles the turks سنة 1683، طبعة وترجمة F.H. Marshall، كمبردج سنة 1925. (6) Ephemerides Daces ou: C. Dapontes chronique de la guerre de quatre Ans (سنة 1736 - 1739) طبعة E.L egrand، باريس سنة 1880 - 1881. جـ 1، ص 206 وما بعدها، جـ 2، ص 266. (7) - Giornalle dell' assedio di con stantinopoli di Nicola Barbaro, طبعة - E.Cornet, فينا سنة 1856. (8) Perdita Ne-: Iacopo dalla Castellana gro ponte, in Archivio Storico Italiano السلسلة الأولى، رقم 9 (فلورنسة سنة 1853)، ص 433 - 440. (9) Die Aufzeichnugen des: F. Badinger Genuesen lacopo de preomontorio de campis ueber den osmanenstaat um 1475, SBB ayerAk., Phil - Hist. KI 1956. Hrfi 8 ميونخ سنة 1957. (10) Historia Tur-: Donado da lezze chesca - سنة 1300 - 1514، طبعة I.Ursu، بوخارست سنة 1909. (11) Dell, Assedio di scu-: M. Barletio tari, , في Historia uni- , F. Sansovino -versale dell' origine et imperio de, Tur chi، البندقية سنة 1573، ورقة 299 وجه، 321 وجه. (12) Historia della: G.M. Laggetto Guerra di otranto del 1480, طبعة - Ma glie, Maglie, L. Muscari سنة 1924. (13) la grange et: Jacques de Bourbon merveilleuse et tres cruelle oppugnation de la noble cite de Rhodes باريس سنة 1526. (14) De Bello Rho-: lacobus Fontanus dio libri tres في Chronicor- P. Lonicerus -um turcicorum .... , Tomus primus (se cundus), فرانكفورت سنة 1584، جـ 2، ص 381 وما بعدها. (15) Memoire sur la prise .. : M. Tercier de Rhodes سنة 1522 - Memoires de lit

terature de l'Academie Royale des In- scriptions et Belles lettres, جـ 26، باريس سنة 1759). (16) I Diarii: M. Sanuto، جـ 31، البندقية سنة 1891، جـ 33، 34، البندقية سنة 1892. (17) De Turcarum in reg-: J.M.Stella noHungariae .. Successibus epistolae فى chronicoum. tomus primus P. lonicerus (secundus)، فرانكفورت سنة 1584، جـ 2، ص 170 (J.G. Sschwandtner: Scriptores rerum Hungaricarum veteres ac genuini، فينا سنة 1746 جـ 1، ص 610). (18) o primeiro cerco de Stu-: L.Ribeiro dia, centro de Estudios Historicos ultra- mainas) Dio جـ 1 (لشبونة سنة 1958)، ص 201 - 271. (19) La historia dell'impresa di: A.Uloa Tripoli di Barberia البندقية سنة 1566. (20) La ver-: F.Balbi de Correggio dadera relacion ... de Malta. برشلونة سنة 1658. (21) comentarii di Malta: A.Cirni, رومة سنة 1567. (22) De bello perugia: I.A. Viperanus historia سنة 1567. (23) Dell' Istoria della: Lacomo Bosio sacra Religione et Illustrissima Militatia di san Giovanni Gierosolimitano , رومة سنة 1594 - 1602، Impresa di zighet في Historia universale dell': F. Sansvino origine et imperio de Turchi البندقية سنة 1573، ص 451 وما بعدها. (24) Le For-: Buonaiuto Lorini tificationi، البندقية سنة 1609. (25) Campania crestinlor in: A. Veress contra lui sinan pasha din سنة 1595 Academia Romana. Memoriile sectiunii Istorice) السلسلة الثالثة، جـ 4، بوخارست سنة 1925. (26) pratica manuale di ar-: L Collado teglieria البندقية سنة 1586. (27) Theorica: Bernardino de Mendoca practica de guerra، أنفرس سنة 1596. (28) Frammenti istorici: S. Anticano della guerra di Candia. بولونا سنة 1647. (29) - Journal de l'expedition de Mon sieur de la Feuillade pour le secours de

Candi. par un volontaire ليون سنة 1669, correspondance du Marechal de Vivonne relative a L'expedition de Candie (1669) طبعة societe de l': J.Cordey Historie de France باريس سنة 1910. (30) Memoires ou re-: L.de la Solaye lation Militaire .. de Candie depui l'annee 1645، باريس سنة 1670. (31) Braunschweig No-: J.B.Scheither vissima praxis militaris سنة 1672. (32) Historia dell' ultima: G. Brusoni guerra tra' Veneziani e Turchi, بولونا سنة 1674. (33) Lettera Scritta .. da Venetia .. delli progressi Fatti dall' armi .. di Venetia in Levante، البندقية وميلان سنة 1685؟ (34) Master John Dietz sur-: B. Miall geon in the Army of the Great Elector and Barber to the Royal Court, لندن سنة 1923. (35) - Avvisi del cavaliere Federio cor naro circa L' assedio di Buda nell' anno 1686، طبعة S.Bubics بودابست سنة 1891. (36) Grof Marsigli Alajos ferdinand Alasz hadi mernoek Jelente sei es Tre- kepei Buduvur 1684 - 1686 طبعة E. Veress، بودابست سنة 1907. (37) Stato Militare dell': L.F. Marsigli Imperio ottomunno, لاهاى وأمستردام سنة 1732, جـ 1، ص 85، 86. جـ 2، ص 30 - 31، 33 وما بعدها، 37 وما بعدها، 133 وما بعدها. (38) Operation di Le-: G.P.Zenarolla opoldo primo ... sotto L'anno 1688, فينا سنة 1689, ص 99 وما بعدها. (39) Memorires de Montecuculi, أمستردام سنة 1760. (40) Feldzuege des prinzen Eugen von Savoyen: رقم 1. سلسلة Bd، جـ 1، (K.K Kriegs- Archiv . فيينا سنة 1876)، ص 623 وما بعدها، ص 647 وما بعدها. (41) Des: P.Roeder von Diersburg Markgrafen Ludwig Wilhelm von Baden Fed'zuege Wider die Tuerken Carlsruhe 42 - 1839 (42) Delle notizie storiche: G.Ferrari della lega tra l'Imapratore Carlo VI.e la Republica di Venezia contra it Gran Sul- tuno Acmet III. d' loro fatti d' armi dall'

6 - الهند

anno 1714. sino alla pace di passarowitz libro quatro البندقية سنة 1723. (43) Histoire des Hospita-: de Vertot liers des. Jean de Jerusalem، جـ 2، باريس سنة 1726، ص 308، 602. (44) Gyula varos okleveltara: E.Veress 1800 - 1313 بودابست سنة 1938. (45) Lo as-: C.Sanminiatelli Zabarella sedio di malta 18 Magio سبتمبر سنة 1565، تورين سنة 1902. حسن شكرى [ف. ج. بارى V.J.parry] 6 - الهند: قامت المدن المسورة والتحصينات في الهند قبل العهد المسيحي بزمن طويل، وازداد عددها منذ القرن السادس الميلادى وما بعده، بسبب افتقار الهند إلى الحكومة المركزية، وزيادة سيطرة الحكام المحليين، ونظام الراجبوت الإدارى الغريب الذى كان يشبه من أوجه عدة نظام الإقطاع الأوروبى. ففى سهول الهند الشمالية حيث الأراضى المستوية كانت هذه المعاقل تبنى فوق روابٍ اصطناعية يجلب التراب لها من أسفل الموقع، ومن ثم يقوم سياجٌ لأخدود أو بركة يوفر الحماية للمعقل. وكانت الحراج الكثيفة وسواتر أشجار الخيزران تجعل الوصول إلى المعقل أمرًا عسيرًا. ولقد سوت الجيوش الغزنوية والغورية بالأرض عددًا من المعاقل الصغيرة بعض الصغر وهى تسلك طريقها إلى الهند، على حين قاومت معاقل ملتان، وثانِسْوَر، ولاهور، ودلهى، وقنَّوج، وأجمير مقاومة عنيدة، إلا أن المسالك سدت عليها فتم اكتساحها والاستيلاء عليها. وفى الدكن أقيمت القلاع على تلال جلمودية من الصخر، وكانت الخنادق المائية بمثابة خطوط دفاعية منيعة لم تستطع آلات الحصار وأدواته في تلك الأيام اختراقها. وبالمثل، كان ثمة أيضًا عدد وافر من قمم السلاسل الجبلية الممتدة تجاه الشمال الشرقى جنوبى راجستان، وتلال مالوا الزاخرة بالتحصينات القوية التى تعد في حالتها الراهنة من المنشآت المهيبة: البالغة الروعة. وكانت الحامية تدافع عن هذه المعاقل من الجدران الخارجية السميكة

في موقع يبلغ اتساعها من 30 إلى 35 قدما (بيجابور) ومن الأبراج القائمة في زوايا الحصن، ومن خلف المتاريس، والمواقع المخصصة لحماية المواصلات، ومن فتحات الشرفات والمزاغل التى في ارتفاع الصدر (كلكندا). كما كانت مزودة بغرف منيعة للحراسة تقوم في أماكن استراتيجية متفرقة. ولقد أجرى الأتراك والمغل تحسينات كبيرة في التحصينات القائمة وأضافوا إليها، كما أدخل علاء الدين بن خلجى شرفات على هيئة اللهب في مدينة "سيرى" الحصينة القائمة على بعد ميلين شمالى شرق دلهى القديمة، أقامها لصد غزوات المغل. وقام السلطان غياث الدين تغلق بعمل تدابير لدفاع من ثلاث طبقات من الأسوار، ومن أبراج قائمة في أركان مدينة تغلق آباد. وكان للواجهات الداخلية لأسوار عادل آباد التي بناها سلطان محمود بن تغلق، وشيد فيها أروقة متصلة بالسور بها أماكن فسيحة للحراس، ميزة أخرى فهى تحدد أى أختراق يقوم به المحَاصِرُون. ولقد بنيت معظم معاقل الدكن في ظل البهمنية أو خلفائهم، فكانت بمثابة متراس يقف في طريق الجيوش الهائلة القادمة من الشمال. كما قامت دويلات الأقاليم التى احللت تلال مالوا بزيادة تحصيناتها وأضافوا إليها قلاعًا رائعة. وتحملت الأبواب الصدمة الكبرى لهجوم العدو، وكان ساتر القلاع الجبلية التى يمكن الوصول إليها من ممرات متعرجة أو من خلال منافذ ثعبانية الشكل يحميها سور متين من جانب، والأصقاع الجبلية من الجانب الآخر. وكان للقلاع التى في مستوى الأرض ثمانية أبواب في كثير من الأحوال كما كانت "فتحبور سيكرى" تحيط الأبراج بأركانها من الجانبين، ويتم الدفاع عنها من شرفتين أو أكثر من غرف الحراسة أو من موقع حصين متين من مواقع حماية المواصلات، وكان في بعض الحالات على هيئة برج كبير. أما القلاع القائمة على ضفاف النهر، فكان يتم الدفاع عنها بالنهر من جانب وبحفر خنادق لها قناطر تسحب عند الهجوم. ولما كانت الحواجز، والجسور الحامية، والأبرج والمعاقل لم

تعد تلائم الحال حين تستخدم المدفعية، فقد أعيد تعديلها لتتواءم مع نيران هذا السلاح، كما أعاد المسلمون بناء معظم قلاع التحصينات القديمة، وكانت تعد من المنشآت المتينة ذات الأسوار المزدوجة القوية، والأبواب شديدة التحصين. ولم يوفر فن الحصار إلا مجالًا ضيقًا لعبقرية الأتراك أو لطريقة المغل في الحرب، التى كانت تنصرف أكثر إلى الهجوم النشط. فقد كان آخر ما يلجأ إليه الأتراك والمغل والراجبوت هو الاحتماء بمعاقلهم، بل إنهم في تلك الأيام نفسها، لم يحاولو استنفاد صبر المحاصرِين أو مواردهم، ولكنهم كانوا يندفعون في كثير من الأحوال لخوض معركة بعد أى مناوشة ضئيلة من جانب المهاجمين، وبصفة عامة، فإن عدم وجود فتحات قرب الأرض يمكن الإندفاع من خلالها قد جعل للقلاع قدرة هائلة على المقاومة السلبية. بل إن حامية صغيرة كانت تستطيع المقاومة مدة طويلة طالما توافرت لها المؤن، ولم تجرد من السلاح. ويعلق فخرمدبر، وهو أول تركى ثقة كتب عن فن الحرب في حكم إيلتمش، أكبر قدر من الأهمية على الخدعة الحربية وعلى الخيانة، وعلى بذل الوعود الكاذبة للانتصار على المحاصرين. وقد استولى مشير خان في أول عهده على روهتاس سنة 945 هـ (1538 م) بالخيانة حين فوض المحاصرون جماعات من الجند في اكتساح المنطقة المجاورة، فعزلت حاميتها عن العالم الخارجي بقطع الإمدادات. وكانت المجاعة أحدى أشكال فن الحصار التى لا تستطيع أية حامية الصمود لها. وعلى الرغم من الفائدة الضئيلة لسلالم التسلق في مواجهة الدفاع الفعال إلا أنها كانت من أعظم الأدوات الملائمة في الاستيلاء على قلعة من القلاع. وقد بذلت المحاولات لملء الخندق المائى الذى يحيط بالقلعة بإلقاء الأحجار فيه، وكتل الخشب وغرائر الرمل إلخ .. كما ظلت سلالم الحبال والأناشيط تستخدم حتى نهاية القرن الثانى عشر الهجرى (الثامن عشر الميلادى) وقد تسلق ثلاثمائة من المهاجمين أسوار قلعة جمبانير في ليلة مقمرة بدق حسائك تشبه الحراب في

سطح أملس بمكان من سور هذه القلعة اكتشفه همايون نفسه حين رأى جماعة من تجار الحبوب وهم خارجون من الدغل المحيط بها (943 هـ = 1536 م). ولكن عملًا من أعمال التجسس نشط، بل ضربة حظ، هى التى أنقذت حاميتها من النتائج المروعة لمباغتة من هذا القبيل. كما كانت المحاولات تبذل لفتح مدخل بتمهيد طريق بمساعدة الفيلة المزودة بعصابات من الصلب في جبين كل فيل لأن الأبواب الخارجية كانت بصفة عامة مصنوعة من الخشب الثقيل الذى يبلغ سمكه ست بوصات، ومحزمة ومرصعة بمسامير حديدية حادة ذات أشكال مختلفة يبلغ طولها من 3 - 13 بوصة في صفوف أفقية فضلا عن تقوية هذه الأبواب بألواح خشبية من الخلف. وبالإضافة إلى التدابير المتقدم ذكرها كان المحَاصِروُن يقومون ببناء ما عرف باسم "باشيب" و"كر كج"، لثلم القلعة بالمجانيق أو بالعرَّادات، وبمدافع الهاون بعد. والباشيب نوع من المتاريس العالية تملأ الفراغ بين أعلى سور القلعة وبين قاعدة معسكر المحاصرين أسفلها بغرائر مليئة بالرمل أو التراب. وأما الكر كج فبرج متحرك يشبه الأبراج التى استخدمها علاء الدين في الحصار الذى فرضه على رنثبور، كما كانت تشبه "السركوب" أو "المقابل كوب" التى شيدها رومي خان فوق قوارب كبيرة في نهر الكنج (945 هـ = 1538 م) لهدم أسوار جونر إذ لم يكن في الإمكان الاستيلاء عليها من الأجزاء المطلة على البر. وكانت هذه الأبراج هياكل غاية في المتانة، لها عوارض صلبة مكسوة بالجلد الخام، وبالقرميد أو التراب لحمايتها من السوائل القابلة للاحتراق التى تقوم الحامية بصبها عليها. ولم يكن تدميرها ممكنًا إلا بإلقاء الأحجار الثقيلة أو بالإغارة المباغتة عليها. وكلمة الساباط التى يذكرها أيضًا أمير خسرو هى كلمة على حد قول نظام الدين أحمد بخشى استخدمت للتعبير عن سورين توضع أساساتهما على مسافة طلقة واحدة من البندقية قرب القلعة ويسقفا بألواح خشبية سميكة تثبت معا بجلود الحيوانات الخام، ويقويان حتى يأخذا

شكل الزقاق، ثم يحمل الساباط إلى سور القلعة. وقد أمكن دخول عشرة خيالة جنبا إلى جنب في الساباط ثم حمل من حصن الإمبراطور أكبر لفتح جيتور سنة 975 هـ (1567 - 1568 م) واستطاع رجل يمتطى ظهر فيل وفى يده رمح أن ينفذ فيه. وكانت المجانيق والعرَّادات هى الآلات التى استخدمها كل من المهاجمين والمدافعين قبل أن تحل المدفعية محلها بالتدريج، ومع ذلك فقد استخدم أكبر المجانيق أيضًا في الحصار الذى فرضه على أسير كره. وكانت من مجموعات مختلفة. فالمنجنيق المسمى (عروس) يقذف الأحجار في كل اتجاه. والمسمى (ديو) أى العملاق، والمسمى (روان) يطلق القذائف فجاة؛ والعرَّادة يك روى (العرَّادة البسيطة) والعرداة كردان (العرادة الدوارة) والعرادة خفته (العرادة الثابتة) والعرادة روان (التى ترمى القذائف فجأة) قد ذكرها فخر مدبر، ولم توصف في أى كتاب آخر، ويمكن استنباط طبيعتها من أسمائها وحسب، وكانت تعمل على مبدأ "البرم" أو الفتل، وتتكون من عمودين قويين مربوطين بمجموعة من الحبال المزدوجة أو الرباعية، تفك فتلها بنفسها وتقذف بالصخرة أو الكورة في مسار بيضاوى، الشكل. وثمة مجموعة أخرى من المنجنيق أو العرَّادة يسمى المغربى استخدمه كل من المحاصرين والمحَاصرين. ويقال إن منجنيق العروس الذى استخدمه محمد بن القاسم في الحصار الذى فرضه على ديبل في السند سنة 92 هـ (711 - 712 م) كان يقوم خمسمائة رجل بتشغيله. أما المنجنيق المسمى جرخ (المثقاب) فكان صورة طبق الأصل من الكبش من حيث التركيب. وكان العمال يشدون سلسلته أو حبله إلى الخلف قدر ما يستطيعون ثم يطلقون له العنان ليدفع سنة الحديدى في سور المعقل. وأما المسمى جرخ، فكان صورة طبق الأصل من المنجنيق الذى يطلق القذائف ذاتيا، وصورة مكبرة من القوس والنشاب وكان يستخدم في إطلاق السهام القصيرة والثقيلة، والأعمدة الطويلة على الأهداف البعيدة عن مرمى السهام والرماح العادية. أما ما أطلق عليه الزمبرك، و"نم جرخ" فمن

المجموعة المتقدم ذكرها. وأما التوده (الكوم) فكان يكفل مزيدًا من الاستخدام المتقن للقسى والسهام، والسواتر النقالة والدروع؛ أو الجدار المؤقت المصنوع من ألواح الخشب المتينة أو من التراب فيحمى من يستخدمون آلات الحصار من النيران أو الأحجار التى يقذفهم بها المحاصرون. وكانت (الفلاخانات) أو الكوفانات (المقاليع) تستخدم أيضًا في قذف الأحجار والقذائف الخفيفة. وثمة آلات أخرى كان يحتاج إليها المحاصرون هى الحسائك، ومجارف النار، والمعاول، والمجاريف علاوة على الأحجار والقار المغلى، والنفط، والسهام المريشة، وكانت تستخدم قذائف في العادة. ولم يخفف استخدام المدفعية في القرن العاشر الهجرى (السادس عشر الميلادى) من مهمة المحَاصِرين إلى حد كبير. ففى حصار جنديرى سنة 934 هـ (1528 م) لم يسفر إطلاق الأحجار من مدفع الهاون عن نتيجة ملموسة. وفى أثناء الهجوم على راى سين سنة 950 هـ (1543 م) تم الاستيلاء على جميع النحاس الأصفر الذى أمكن الحصول عليه من سوق المحاصرين وخيامهم (الأوانى والأطباق، وأوانى الشراب) لاستخدامه في صنع مدافع الهاون التى قذفت القلعة من كل الاتجاهات، وعلى الرغم من أن أكبر قد توفر له في حصار رنثمبور ساباط مجهز بخمسة عشر مدفعا قديمة الطراز أطلق من كل منها صخور صلبة تزن الواحدة منها 5 موند و 7 موند، والهفت جوش (المصنوع من سبعة معادن) كور يحملها 500 عامل إلى قمة التل وتوضع في مواجهة القلعة وتضرب بها. أما الحامية والمدافع النارية، تدحرج كتلا حجرية ضخمة من القلاع الجبلية فتندفع بسرعة عظيمة وتحطم جميع من تقع فوقهم، وتسحق بذلك المهاجمين. ومن المؤكد أن حفر الأنفاق كان أعظم الوسائل الفعالة في الاستيلاء على معقل لا يقع فوق الصخر أو فوق أرض مرتفعة. وقد سعى محمد بن

القاسم إلى إزالة أسوار قلعة راود في السند سنة 92 هـ (712 م) بحفر الأنفاق. كما أن أمير مسعود حفر خنادق خادعة بخمسة أماكن في أسوار قلعة هانسى قبل أن يتمكن من اقتحامها سنة 428 هـ (1037 م) وأفضل الوسائل التى أستخدمها المحاصَرون ضد حفر الأنفاق هى حفر أنفاق مضادة، ثم يردم تجويف النفق. واستطاع "قمبر ديوانه" الذى كان محاصرًا في قلعة بداؤون في آخر عهد همايون سنة 962 هـ (1555 م) أن يكتشف النفق الذى تم حفره خارج القلعة بأن وضع أذنيه على الأرض في المكان نفسه حيث كان المحاصِرون يقومون باللمسات الأخيرة فيه، ومن ثم أحبط جهدهم. وقبل اختراع البارود كان تجويف النفق يملأ بالقش والخشب وبغير ذلك من المواد القابلة للاحتراق. وحينما تحترق العوارض التى تسند التجويف ينهار السور وينثلم. وفى وقت متأخر عن ذلك كان النفق يملأ بالبارود والمتفجرات. وفى كثير من الأحوال، كان يوضع أكثر من لغم لضمان سرعة انهيار القلعة، ومع ذلك كان هذا العمل محفوفًا بمخاطر جسيمة. وفي حصار جيتور (ديسمبر سنة 1567) بث الإمبراطور أكبر لغمين أسفل أحد أبراج هذه القلعة أحدهما قرب الآخر. واشتعلت النار فيهما في الوقت نفسه، ولكن فتيل أحد اللغمين كان أقصر من فتيل الآخر، وانفجر أولًا، وأطاح بهذا البرج في الهواء، وتقدم المغل واقتحموا القلعة من هذه الثلمة. وفى اللحظة ذاتها وصلت النار إلى اللغم الثانى فتطاير برج آخر وتسبب في قتل عدد من أفراد الجيش الإمبراطورى. كما أن الألغام المضادة التي بثها ضباط أبو الحسن حاكم كلكندا برهنت على قوة تدميرها للمغل الذين حملوا ثلاثة ألغام من خنادق الحصار المحفورة تحت البرج. وقد جردت الحملة أحد الألغام الثلاثة من المسحوق وأقلام التفجير تمامًا، وتركت بعضًا من المسحوق في اللغمين الآخريين وملأتهما بالماء. وقد سبب انفجار اللغمين دمارًا مروعًا للقوات الإمبراطورية، على حين كان إشعال النار في اللغم الثالث بمثابة دخان في الهواء.

المصادر: علاوة على المصادر المذكورة 1 - مؤلف مجهول: حكم نامه (الجمعية الآسيوية للبنغال، ivanow, سنة 1948) 2 - the strongholds of In-: sideny toy dia، لندن، سنة 1957. 3 - A study of For-: J.Burtan PAge. tification in the Indian Subcontinent from the thirteen th to the eighteenth century A. D في Bulletin of the London School of Asiatic Studies جـ 23/ 3 (سنة 1960)، ص 508 - 522. حسن شكرى [س. أ. أ. رضوى - S.A.A.Rizvi]. " حصار" من حصر أو حاصر، والحصار في التركية هو القصر أو القلعة أو الحصن، وهو اسم شائع يدخل في تركيب أسماء الأماكن بتركيا، وأشهر هذه الأماكن: أناضولو حصار: اسم قلعة خربة الآن بناها السلطان العثماني بايزيد الأول يلدرم على البسفور بين قنديللى وكوك صو ليسهل حصار القسطنطينية، وهذا الحصن هو وحصن روميلى حصار روميلى حصار الذى شيده السلطان محمد الثانى (الفاتح) سنة 1452 م تجاهه يسيطران تمامًا على الممر الذى اكتسب بحق اسم بوغاز كسن أى قاطع الرقاب. ثم إن كلمة حصار دخلت في تركيب كثير من أسماء الأمكنة في آسية الصغرى، مثل قره حصار صاحب (قلعة الوزير السوداء) وهو الاسم الرسمى لأفيون قره حصار (قلعة حجر الشب السوداء) من أعمال أطرابزندة، وأيدين كوزل حصار (قصر الأمير أيدين الجميل) الذى كان يسمى قديمًا ترالس، وآق حصار (القلعة البيضاء) وهى ثياترا في ليديا، وعرب حصار (قلعة العرب) أى ألباندا، وقوج حصار (قلعة الكبش) بالقرب من بحيرة توزكل الملحة على مقربة من آق سراى، وكليسه حصار (قلعة الكنيسة) جنوبى نيكده في موقع طيانة، وقره حصار دولو، وهى قرية في قضاء دولو (سنجق قيصرية من أعمال أنقره) بين

نيكده وقيصرية حيث لا تزال خرائب القلعة القديمة المسماة زنجبار قائمة هناك، وإسكى حصار (القلعة القديمة) وهى قرية بها خرائب عند كبزة (ليبَّسة القديمة) وهذا أيضًا موقع مدينة لوديسيا أديليكم شمالى دنيزلى. وحصار جق (القلعة الصغيرة) وهى قرية في ناحية آلاجسام (قضاء بافرة، سنجق سامسون من أعمال أطرابزندة) وأخيرًا حصار ليق في سنجق بيغا وهو يعين موقع طروادة. المصادر: (1) Hissar et' Koulas,: Majaff 1876 Bulliten soc. goer de. St. Petersbourg (2) Turkestanskiye Viedomasti,: Jaunov 1880 م. (3) Voyage a Bokhara: Meyyendorf (4) على جواد: لغات جغرافيا، ص 329، 330، 603. محمد عبد العزيز مرزوق [إيوار Cl. Huart] " حصار" وتكتب في المصورات الجغرافية الروسية كسَّر Gissar: ناحية في بخارى تقوم عاصمتها، وتسمى بالاسم نفسه، في بقعة خصبة حسنة الزرع ولكنها رطبة غير صحيحة على ضفة نهر خانكة الذى يصب في نهر كافرنهان. ويغادر نهر كافرنهان، غير بعيد من حصار، الوادى العريض ويدخل في واد ضيق عميق (انظر منظر حصار في Turkestan: F.Schwarz, ص 233). وموقع هذه المدينة يكاد يكون في موقع مدينة شومان التى ذكرها جغرافيو العرب. وقد ذكر الاسم، حصار - شادمان أو حصار وحسب لأول مرة في تاريخ تيمور، فقيل إنه مقر ملك من أقوى ملوك المغول الأتراك الذين قسموا البلاد فيما بينهم إبان القلاقل التى أعقبت وفاة الأمير قزغن عام 759 هـ الموافق 1358 م (انظر ظفر نامه، جـ 1، ص 40) ثم ذكر بعد ذلك على أنه دار صنعة تيمور "زرَّادخانة" (المصدر السابق، ص 451) وترجع شهرة مدينة حصار في عهد بنى تيمور وفى عهد الأزابكة إلى أنها كانت حصنًا منيعًا ومقر عدد من الملوك المستقلين أو الزعماء. وبلغت المنطقة التى تسيطر عليها مدينة حصار منتهى اتساعها في النصف الثانى من

القرن التاسع الهجرى (الخامس عشر الميلادى) على عهود محمود ميرزا ولد السلطان أبى سعيد (انظر جـ 1، ص 105 وما بعدها) وكانت دولته تضم جميع البلاد الممتدة إلى جبال هندوكش (انظر بابرنامة طبعة بفريدج، ورقة رقم 26 ب) ومع ذلك فقد كان أقليم حصار بعد حتى في عهد بنى تيمور إقليما صغيرًا مجدبا. (المصدر السابق، ورقة 26 ب) أما فيما يتعلق بالبلية العظمى التى حلت بحصار خلال المعارك الأخيرة بين بنى تيمور والأزابكة والتى يقال إنه لم يبق من أهلها بعد هذه المعارك إلا ستون رجلا فانظر تاريخ رشيدى (ترجمة روس E.D.Ross ص 262). ولما تقلص ظل دولة الأزابكة فيما وراء النهر بعد الاضمحلال أسرتها الحاكمة الأولى وقعت حصار تحت سلطان قبيلة يوز التركمانية. ولم يكن حكام بخارى منذ بداية القرن السابع عشر حتى عام 1869 بقادرين على اكتساب ولاء أمير حصار إلا بحد السيف، ولم يدم هذا الولاء في كل مرة إلا أمدًا قصيرًا. وكذلك لم يستطع الأمير مظفر كسر شوكة هؤلاء الحكام الذين كانوا يتوارثون الحكم إلا في عهد السيطرة الروسية على تلك الجهات، فأفلح في ضم هذه الناحية إلى بخارى نهائيًا. وحوالى منتصف القرن الثامن عشر كانت الجهات الآهلة بالسكان من ناحية حصار تبدأ كما يقول محمد وفا كرمينكى (تحفة الخانى، مخطوط بالمتحف الأسيوى، رقم 581 ب ورقة رقم 196 أ) عند قرية مير شادى في وادى سرخان. وفى القرن التاسع عشر كانت النواحى الأبعد من ذلك تجاه الغرب مثل بايسون وشير آباد تعتبر أيضًا من ناحية حصار. أما في الجنوب فكانت قياديان وجزء من ختَّل القديمة بما في ذلك قورغان توبة تابعين لحصار علاوة على جغانيان القديمة. واتسعت رقعة حصار بما ضم إليها مما سبق ذكره فأطلق الروس على مقاسم الماء بين زرفشان وجيحون الأعلى اسم جبال حصار. ولم يعد أمير حصار يحكم الآن إلا المنطقة بين وادى سرخان الأعلى ووخش. ويشغل هذا المنصب عادة ولد الأمير أو أى أمير آخر من البيت المالك. وما زال أهل هذا الإقليم يكثرون من الانتفاض على الحكومة.

ولم تعد زراعة الزعفران التى ذكرها جغرافيو العرب قائمة في هذه البلاد. أما أهم المحاصيل فهى الحبوب والكتان. ولا تزال لهذه البلاد بعض الأهمية الاقتصادية بالنسبة لبخارى وإن كانت دواب الحمل هى وسيلة النقل الوحيدة المستعملة حتى الآن، لأن القوم في هذه البلاد لا يعرفون العربات. وقد تمت أول الاكتشافات الأوروبية لهذه البلاد على يد بعثة حصار الروسية عام 1875 (Gissars - Kaja ekspdicija) الشنتناوى [بارتلد W.Barthold] + حصار: قصبة ناحية في ما وراء النهر، وتقوم على خانكة، وهو فرع من نهر كافرنهان، على ارتفاع 675 مترا فوق مستوى البحر، في إقليم خصب رطب وخيم يحده نهرا زرفشان وقزيل صو (انظر Cleinof & R. Olzscha: Turkestan هيدلبرغ سنة 1942، ص 187، وانظر صورة للقصبة في أوائل القرن التاسع عشر في Fr. Von Turkestan: Schwartz, فريبورغ سنة 1900، ص 233). وكان مكان هذه القصبة أيام الفتح العربى لما وراء النهر في صدر القرن الثانى الهجرى (الثامن الميلادى) يسمى "شومان" ويضم إمارة صغيرة مستقلة، خضعت من بعد حكم جغانيان؛ انظر Turkesten: Barthold ص 74، 185). وكان هذا المكان في أوائل العهد الإسلامى قد اشتهر بزراعة الزعفران الذى كان يصدر على نطاق واسع (انظر الإصطخرى؛ ص 298 = ابن حوقل ص 477؛ المقدسى، ص 289). وكان سكانه على رخاء وإن كانوا متمردين يكرهون الحكم الثابت المستقر، وهذا الأمر له بعض الخطورة، ذلك أن شومان ظلت قرونًا الحصن الأخير في وجه أتراك آسية الوسطى (ياقوت، جـ 3، ص 337 = طبعة بيروت سنة 1957؛ جـ 3، ص 373، وانظر ياقوت أيضًا: جـ 3، ص 88؛ جـ 4، ص 196). وفى تلك الأيام كانت حصار أصغر من ترمذ وهى وترمذ مجمتع واحد.

وإنما حدث في أوائل القرن الثامن الهجرى (الرابع عشر الميلادى) وفى عهد تيمور أن حل الاسم "حصاد شادمان" وكان يختصر فيقال حصار (أق)، وبقى هذا الاسم من يومها. وفى منتصف القرن الثامن الهجرى (الرابع عشر الميلادى) كان يلى أمر حصار "بك" أي أمير من أهلها، كما أصبحت حصار من بعد دارًا من دور السلاح عند تيمور (زرادخانة؛ انظر على يزدى: ظفرنامه، تحقيق إله داد، كلكته سنة 1885 - 1888، جـ 2، ص 49، 52، 450، 452، 464؛ نظام الدين شامى: ظفرنامه، طبعة Tauer, براغ سنة 1956، جـ 2، ص 14) ثم إن حصار كانت من بعد جزءًا من الأراضى التى يحكمها بنو تيمور الذين برز منهم بصفة خاصة محمود ميرزا (873 - 899 هـ = 1469 - 1494 م) ولد أبى سعيد. وامتد سلطان محمود حتى جبال هندوكش (بابرنامه، تحقيق بيفردج] A.S.Beveridge مجموعة كب التذكارية، جـ 1، ص 26 ب، 56 ب). وفى المعارك التى احتدمت في كرّ وفرّ بين بابرو الشيبانية نزل بحصار تخريب عظيم في شتاء عام 917 هـ (1511 - 1512 م) أدى بسكانها إلى أكل بعضهم بعضًا، ويقال إنه لم يبق منهم إلا 600 شخص فحسب (تاريخ رشيدى، تحقيق دنسون روس Denison Ross, ص 26 - 263). ولما انهارت دولة الشيبانية وقعت حصار في يد قبيلة يوز التركمانية، واستطاعت، شأنها شأن أربع بكويات أخرى، أن تقوم بنفسها وتقف في جميع الأغراض والأمور موقف المستقل حيال أمراء بخارى، فقد كانت هذه البلدة محاطة بأسوار منيعة. والبلدة (وكانت ترسم كسِرَ Cissar بالروسية). وأرباضها المناوحة للساحل لم تخضع حقا لأمراء بخارى إلا بعد أن غزا الروس بخارى سنة 1868. ومع ذلك فإن هذه الناحية ظلت مديرية مستقلة يعيش فيها الأزابكة والتاجيكك (على المنحدرات الجبلية) والنَوَر (Schwartz، ص 47). وكانت تضم الجزء الجنوبى من إمارة بخارى على المشارف السفلى لوخش وعلى كافرنهان، وكان لها

حكامها، وكان هؤلاء في بعض الأحيان أمراء من الأسرة الحاكمة. ولم يفتح الإقليم للبحث العلمى لأول مرة إلا على يد الحملة الروسية التى شنت سنة 1875. وكان آخر أمرائه إبراهيم بك من قبيلة لكاى التاجيكية. وظل هذا الأمير مواليا لسيده الأعلى حتى بعد أن أطاح البولشفيك بأسرته سنة 1920، ودافع عن حصار لرد هجماتهم حتى سنة 1923. وهنالك تقهقر سنة 1926 إلى أفغانستان عن طريق تاجيكستان (أ. ز. طوغان: بكونكوتوركلى، إستانبول سنة 1942 - 1947، ص 206، 255، 438، 466, Turkestan: B.Hayit, دارمشتات سنة 1959؛ ص 182، 519). وأصبحت حصار منذ سنة 1924 جزءًا من تاجيكستان (تاجيكستان جمهورية من جمهوريات اتحاد الجمهوريات السوفيتية منذ سنة (1929 وانفصلت عنه مؤخرا)، واندثرت صناعة الزعفران. وكان المحصولان الرئيسيان في القرن التاسع عشر هما القمح والكتان. وفى القرن العشرين كان ثمة وفرة في صناعة الحرير والبوبلين الحرير، وأدوات السكاكين المنزلية. وكان الحد الجنوبى لبكوية حصار يمتد حتى جبال ألاى. ومن ثم اكتسبت مقاسم الماء بوادى زرفشان اسم جبال حصار (وتبلغ ارتفاعاتها في بعض الأحيان 5700 متر). المصادر: علاوة على ما ذكر في صلب المادة انظر (1) le strange , ص 440. (2) Iran: Spuler، الفهرس. (3) Ocherki po istorii: pp. Ivanow (Srednej Azii XVI. sered XIXV) أي صور مجملة لتاريخ آسية الوسطى من القرن السادس إلى منتصف القرن التاسع عشر، موسكو سنة 1958. (4) Sowjetunion: Leimbach شتوتكارت سنة 1950، ص 40، 72 (الجبال). (5) Enciklop slovar: Brockhaus- Efron, جـ 8 أ - 16، 764 (الجبال وأعمال التنقيب أيضًا) (6) B S E، الطبعة الثانية، جـ 11، سنة 441 (خرائط تخطيطية وصور). خورشيد [سبولر B. Spuler]

الحصرى

الحصرى اسم رجلين من رجال الأدب نسبا إلى (الحُصْر) وهى قرية بالقرب من القيروان: (1) أبو إسحق إبراهيم بن على بن تميم القيروانى المتوفى سنة 413 هـ (1022 م) في المنصورية بالقرب من القيروان. ولا نعرف إلا القليل عن حياته التى قضاها فيما يظهر وادعًا مطمئنًا في القيروان التى كانت وقتذاك مركزًا زاهرًا من مراكز الثقافة العربية. والحصرى شاعر مشهور وأديب، وقد أصبح من الشخصيات المرموقة في نظر شباب القيروان، وخاصة ابن رشيق وابن شرف اللذين أفادا من علمه الغزير في أدب السلف وآرائه في مفهوم الأدب وبين أيدينا عدد من أبياته وهي في جوهرها تكشف عرضًا عن صنعته في الشعر ولا تخلو من حساسية مرهفة، ومع ذلك فإن شهرته ترجع في معظمها إلى كتبه النثرية وهى: زهر الآداب، وجمع الجواهر، ونور الطرف ونوَر الظرف، وكتاب المصون في سر الهوى المكنون. 1 - زهر الآداب وثمر الألباب، وقد طبع على هامش العقد، ثم نشره وحققه زكى مبارك. وأخيرًا نشر على محمد البجاوى نسخة أكثر اكتمالا ووثوقًا في القاهرة سنة 1372 هـ (1953 م) وهذا الكتاب ديوان كان الحصرى فيه. أمينا للمبدأ الأساسى للأدب الذى يتضمن تثقيف القارئ دون إملاله أبدًا، وهو لذلك لا يسوق إلا نصوصا متفرقة وحسب، قصيرة بعض القصر، ومن ثم فإن من الأصوب أن تؤخذ مأخذ الأمثال. وينتقل الكتاب من الجد إلى المتعة، ومن الشعر إلى النثر، وإن كان النثر هو صلب متنه. على أن المؤلف قد سعى جاهدًا إلى أن يحقق للكتاب التناسق، ونلمس هذا بخاصة في سعيه الحقيقى إلى الاقتصار تقريبًا على مقتطفات تمثل الأسلوب الفنى المنمق عند المحدثين. وقد جمع الكتاب سنة 405 هـ (1014 - 1015 م) نزولًا على رجاء كاتب الإنشاء أبى الفضل العباسي بن سليمان الذى أهدى إليه أيضًا الكتابين الآتيين فيما يظهر، وأبو الفضل هو الذى جلب من المشرق مجموعة حاشدة

من المعلومات عن الأدب المعاصر له. وقد اعترف المؤلف بأن مهمته كانت محدودة تنحصر في تخير ما يستحسنه من هذه المجموعة، على أن هذا الاختيار يدل على صفات الذى اختار، ويفصح عن تصور الحصرى الشخصى للقالب الأدبى وعن منهجه في التهذيب. فهو يسقط كل ما هو مشهور ذائع، ويقصر همه، مثل ابن عبد ربه، على المادة المشرقية التى شاء أن يكشف عنها ويحمل تلاميذه من الشباب على الأنس بها. وكتابه هذا الذى أهمل كثيرًا قد عرف في الأندلس وأصبح جزءًا من المنهج الذين يتبع في الدراسات الأدبية الفهرسة، جـ 1، ص 380، poesre Andalouse: H. peres, ص 28 والفهرس؛ ابن بَرّى وغيره قد اختصروا هذا الكتاب). 2 - جمع الجواهر في الملح والنوادر: وقد طبع أول ما طبع في القاهرة بعنوان (ذيل زهر الآداب) ثم طبعه سنة 1372 هـ (1953) على محمد البجاوي باسمه الحقيقى، وهو يقارن بزهر الآداب في منهجه، ولكنه يختلف عنه في اختيار المادة، إذ هى محدودة متناسقة ولو أنها استقيت من المجموعة نفسها التى جلبت من المشرق على يد راعى الحصرى. والحق أنها في جوهرها مجموعة من النوادر والملح، والفكاهات والحكايات عن الحمقى، ومع ذلك فقد حذف منها كل ما يخدش الحياء، ذلك أن غرض المؤلف كان تعليم فن الحديث الذى يسلى الناس ويجدد نشاطهم دون أن يؤذيهم أو يبعث فيهم الملل. 3 - نور الطَرْف ونَوْرُ الظرف (الإسكوريال الطبعة الثانية ص 392, كوتا رقم 2129، "كتاب النَوْرَيْن في رواية ياقوت" وقد نزع فيه المؤلف النزعة نفسها، واستقاه أيضًا من المصادر عينها مثل كتاب زهر الآداب الذى يمكن أن يحل محله بالنسبة للقارئ الذى يضيق وقته كثيرًا أو تضيق معرفته عن أن ترجع إليه. وهذه الآثار التى صنعها الحصرى هى أبعد من أن تكرر نفسها وهى في الحق ثلاثية تظهر في براعة تصور الحصرى لذلك القالب الأدبى للأدب. والكتاب الذى نحن بصدده هو في جملته من

الأدب التقليدى إلا أنه في نظر الحصرى محدد الخصائص تحديدًا دقيقا أكثر من غيره وفى غرضه العملى التهذيبي بخاصة. والحق أن كتاب (جمع الجواهر) يسد ثغرة في زهر الآداب، ذلك أن الجانب الممتع الخفيف الذى يكون في بعض الأحيان خليعًا في هذا القالب الأدبى كان يظن أنه لا يتمشى مع الجدية التى يتسم بها "الكتاب الكبير". زد على ذلك أن الطالب أو الأديب المتمرس والكاتب المرجى للمستقبل في حاجة إلى أن يؤهل نفسه شيئًا فشيئًا للإفادة من هذا الأثر الكامل. ونور الطرف كتب مثل جمع الجواهر بعد زهر الآداب، وهو يسد في جوهره الحاجات العملية والتهذيبية. 4 - كتاب المصون في سرّ الهوى المكنون (ليدن، فهرس المخطوطات الشرقية، رقم 2593 - 463). وقد تكون هناك صلة إلى حد ما بين هذا الكتاب والأدب، ذلك أن وفرة التفصيلات الأدبية فيه تكشف عن أنشطة أدبية لم تكن بعد معروفة عن الحصرى. وهو يتناول فيه بعامة مشاعر الحب، وبخاصة مظاهره في آلاف من الوجوه المختلفة بالرغم من رغبة عند الحصرى لإخفائه سواء كانت هذه الرغبة عن وعى أو غير وعى. والكتاب رسالة موسوعية الطابع تسعى إلى أن تراعى الأصول الفنية بل العلمية في الأمور التى تتصل بالحب. وهذا الكتاب على النقيض من كتب الحصرى الأخرى، ذلك أن معلوماته وموضوعه في معظمها قديمة معروفة، وإنما بسط الموضوع هو من إبداع المؤلف بصرف النظر عن الشواهد التى ساقها منظومة أو منثورة. ومصادره ليست كلها من العرب، فنحن نجد فيه أسماء مفكرين وعلماء وفلاسفة من اليونان تتردد كثيرًا، ثم إن التصور الكامل للكتاب على طريقة الحوار تفصح عن أنه استلهم العصر اليونانى المتأخر، وكذلك فإن الحصرى فكر في تأليف كتاب عن طبقات الشعراء، والراجح أنهم ممن ينتسبون إلى القيروان، على أنه عدل عن هذه الفكرة فيما يظهر لشدة احتجاج ابن رشيق، فقد كان هو أصغرهم سنًّا، ومن ثم لم يشأ أن يأتى في آخر طبقة.

ويتميز إبراهيم الحصري بأسلوبه المباشر في بث تعليمه، وبالنواحى الجدلية لكتابه، وأصالة فكرته في تناول الأدب ومعرفته الواسعة، فاستطاع بذلك، وهو بعد في ريعان شبابه، أن يؤكد أستاذيته التى تجاوز أثرها حدود إفريقية، وأصبح له في أمد وجيز أثر عميق في التقدم العجيب الذى اتسم به فن الأدب في المغرب الإسلامى أيام القرن الخامس الهجرى (الحادى عشر الميلادى). وأصبح من حيث هو مثال للكاتب وله دواوينه التى لا تفترق عن دواوين الثعالبى مشاركًا في إشاعة ذوق يستسيغ الأسلوب الفنى الموجز في النثر، وهو الذى أدخل في إفريقية القالب الأدبى للمقامة الذى سرعان ما نما بنجاح على يد ابن شرف على الأقل، وهو تلميذ من تلاميذه. وفكر في مشروع تركه بسرعة نتيجة ضعف في الشخصية تجلى في نواحى أخرى، ونعني به تأليف كتاب طبقات الشعراء، ولعله استوحى في ذلك أنموذج تلميذ آخر من تلاميذه هو ابن رشيق. وأخيرًا نقول أن (كتاب المصون) كان له أثر مباشر في أغلب الاحتمالات على طوق الحمامة لابن حزم القرطبى، ولا نعلم إن كان هذا الأثر عميقًا أو غير عميق. على أن الأدب التقليدى الذى يقوم على احترام جوهر الأدب العربى القديم، قدر له أن ينتصر في هذا القرن الخامس الهجرى نفسه (القرن الحادى عشر الميلادى) وغاب الحصرى شيئًا فشيئًا في زوايا النسيان، فريسة لانفعالاته الثورية (انظر العمرى الذى ينقل عن ابن بسّام، انظر المصادر). المصادر: (1) ياقوت: معجم الأدباء، جـ 2، ص 94 - 97، 169 (2) ابن خلكان، طبعة القاهرة سنة 1948، جـ 1، ص 37 - 38 (ومن المحقق أن الفقرة التى وردت فيه قائلة أن الحصرى توفى سنة 453 هـ هى حشو؛ انظر، de slane باريس لندن سنة 1848, جـ 1، ص 35، تعليق 4). (3) التجيبى: المختار من شعر بشار، القاهرة (4) سنة 1934، ص 89، 129، 147، 157، 179

(4) ابن فضل الله العمرى مسالك الأبصار، جـ 17، مخطوط بباريس رقم 2347، الورقتين 87 و 88 (5) الصفدى: الوافي بالوفيات، جـ 5، مخطوط بتونس (الزيتونة، رقم 4844، ص 68 - 69) (6) المقرى: نفح الطيب Anlectes جـ 1، ص 374 (7) الضبى: بغية الوعاة، ص 209 (8) الوزير ابن السرّاج: الحلل السندسية، تونس سنة 1287 هـ, جـ 1، ص 98 - 99 (9) حسن حسنى عبد الوهاب في مجلة البدر، تونس سنة 1340 هـ, جـ 2، ص 310 - 316 (10) المؤلف نفسه: المنتخب المدرسى، الطبعة الثانية، القاهرة سنة 1944، ص 60 - 62 (11) نيفر: عنوان الأريب، تونس سنة 1351 هـ، جـ 1، ص 43 - 44 (12) Brockelmann، جـ 1، ص 267، حيث ورد فيه أن الكتاب رقم 5، والكتاب رقم 4 أيضا تأليف على الحصرى وليس تأليف إبراهيم (13) Zirides: H. R. idris، باريس سنة 1959، جـ 2، ص 780 - 781 والفهرس (14) عبد الرحمن ياغى: حياة القيروان وموقف ابن رشيق منها. بيروت سنة 1962، ص 151 - 153 (15) محمد المرزوقى وجيلاني بن حاج يحيى: أبو الحسن الحصرى القيرواني، تونس 1963، ص 21 - 22 (16) Ch.Bouyahia في Annales de L'universite de Tunis، جـ 1، سنة 1964, ص 9 - 18. 2 - أبو الحسن علي بن عبد الغني الفهرى قارئ كفيف وشاعر مشهور، ولد في القيروان حوالى سنة 420 هـ (1029 م). ومن المرجح أن يكون ابن أخى الحصرى وليس ابن عمه، وقد ترك أبو الحسن مسقط رأسه سنة 449 هـ (1057 - 1058 م) في أثناء غزوة بنى هلال وأقام في سبتة ردحًا من الزمن، ثم شخص إلى الأندلس حوالى سنة 462 هـ (1069 - 1070 م) استجابة لدعوة إلى الإقامة

الطويلة فيها وجهها له المعتمد بن عباد صاحب إشبيلية، وعاش فيها حتى قرابة سنة 468 هـ (1075 - 1076 م) يرعاه ملوك الطوائف الذين كان كل ملك آخر يبز الآخر في إكرامه له. وكان يتحاشى الحسد واستثارة الأعداء الكثيرين عليه بحكم عطف الأمراء عليه، وموهبته الشعرية، ومبلغ علمه، وعجرفته، واحتقاره للأندلس وملوكه الصغار وناسه وعلمائه، فما بالك بقصائده العدوانية المرة، ولم يدار طبعه هذا إلا في القليل، ومن ثم كان يتنقل من مكان إلى مكان في شبه الجزيرة الأسبانية. وكانت معظم إقامته في ملقا، ودانية، وبلنسية، والمرية، ومرسية، ثم استقر أخيرًا في طنجة سنة 483 هـ - (1090 - 1091 م)، وبها أدركته المنية سنة 488 هـ 1095 م). وكان أبو الحسن ضليعًا في علوم القرآن، وقد درّسها طوال عمره، ونال فيها شهرة الأستاذ الأعلى (في عبارة ابن دحية خاصة). وكان إلى ذلك أديبًا وشاعرًا موهوبًا عجيبًا في تفننه، وجمع إلى هذا كله معرفة واسعة بالعربية وتمكنًا تامًا من قرض الشعر، ومن هنا يعد على الحصرى من أعظم من يمثلون التقدم الأدبى العجيب الذى ازدهر في عهد بنى زيرى، وقد شارك هو وغيره من المهجرين الإفريقيين في السعى إلى نشر هذا الازدهار في الأندلس، وكان يعد في الأندلس إمامًا من أئمة الأدب (زعيم جماعة في قول ابن بسام). وآثاره علاوة على رسائله التى فقد معظمها، هى كما يأتى: (1) قصيدة جدلية في أكثر من مائتي بيت في قراءات القرآن لنافع (مخطوطة بتونس، في قول أبى الحسن الحصرى، ص 78، رقم 4، انظر المصادر). (2) المستحسن من الشعر: وهى مجموعة من المدائح في المعتمد يقدمها في احترام رفيع مؤثر لراعيه الأول، عندما مر هذا الملك المخلوع بطنجه سنة 484 هـ (1091 - 1092 م) في طريقه إلى منفاه (ولعل هذا الكتاب هو كتاب القصائد الذى نسبه إليه ابن قنفذ). (3) المُعَشرّات (وهذا هو رقم 5 في بروكلمان الذى نسب خطأ، شأن رقم 4

أيضًا، إلى إبراهيم، وقد نشرها أبو الحسن الحصري، ص 12 - 240). وهى تشتمل على موشحات من عشرة أبيات يستخدم فيها كل حرف من حروف الهجاء لأداء القافية، وفي بداية كل عشرة أبيات التى تتألف منها هذه القصائد البالغ عددها تسعًا وعشرين وتدخل اللام ألف في عداد الحروف. ويقال إن على الحصرى هو الذى ابتدع هذا القالب الأدبى، ويأسى هذا الشاعر على الحب التعس بالأسلوب التقليدى الخالص للمحب العذرى. وينبعث من هذه القصائد شعور عظيم بالخراب سببه خيانة امرأة جميلة. ووحدة النغمة والموضوع وصدق المشاعر البادى يشير فيما يظهر إلى أن زوجه الشابة الجميلة قد هجرت الشاعر المسن، وكان مدلهًا في حبها. وإذا صدق هذا لما في القصائد من غنائية شخصية والتفنن الباهر في أصول هذا الفن، فإن هذا الصدق قد جعل هذه الموشحات من أجمل قصائد الحب في الشعر العربى. (4) اقتراح الكريه واجتراح الجريح (طبع في أبى الحسن الحصرى، ص 256 - 490) وقد كتب في موت ابنه الحبيب، ولعل وفاته كانت سنة 475 هـ (1082 - 1083 م) بعد مرض عضال، وهروب أمه المرأة الخائنة. وجمع الكتاب بعد ذلك بخمس سنوات، وهو يشتمل إلى جانب ثلاث مقدمات على (أ) جزء في نثر مرصع (خلط في كتاب أبى الحسن الحصرى بينه وبين المقدمة الثالثة)، وفيه موعظة خاشعة وتعبير عن الرجاء في الله بعد الشدائد الممضة التى نزلت به. (ب) جزء آخر بالشعر يشتمل على قصائد رتبت بحسب قوافيها بالحروف الهجائية في براعة. وهى تحتوى على حوالى 2600 بيت، وهى الوحيدة من إنتاجه الغزير التى قرر الحصرى أن يجمعها للحفاظ عليها. وهذه القصائد لها قيمة كبيرة جدا من حيث هى مصدر موثق لسيرة الشاعر. وبفضل اتساع مداها وما بدا فيها من تعبير جياش عن حزن أب على ابنه، فإن قصائده تلك التي بلغ فيها الحصرى الذروة دون أن تخبو

مشاعره، تعد لذلك من أنجح المثل على القالب الشعرى في الرثاء، وهى تضمن للحصرى هى والمعشرات مقامًا بين أعظم شعراء الرثاء في العربية. (5) ومن بين القطع والقصائد التى حفظتها كتب الأدب (جمع بعضها في أبى الحسن الحصرى) تتجلى أشهر القصائد على الإطلاق (ياليل الصب) التى ظلت تلهم المقلدين له في الشعر إلى يومنا هذا. ويدخله ابن سناء الملك في عداد شعراء الموشحات، على أن موشحاته لم تصل إلينا شأن أشعاره في الهجاء والمديح. وتبدو شاعرية على الحصرى الخارقة للعادة في تركيب أشعاره، وبناء أبياته واستعماله لمنابع لا تنضب من معين اللغة العربية في أسلوب محلى وقواف معقدة، مما جعله يقارن بأبى العلاء المعرى. وكان المعرى مثله شاعرًا كفيفًا قلَّدَ الحصرى تقليدًا واسع النطاق في لزوم ما يلزم في قافيته وفى حملاته المناجزة على صورة الألغاز الشعرية لعلماء عصره. المصادر: (1) ابن بسّام: الذخيرة، جـ 4/ 1، ص 192 - 216. (2) عبد الواحد المراكشى: المعجب، القاهرة سنة 1949، ص 44 - 146. (3) ياقوت: معجم الأدباء، جـ 14، ص 39. (4) ابن خلكان، القاهرة سنة 1948، 3، ص 19 - 21. (5) ابن دحية: المطرب، القاهرة سنة 1954، ص 13، 20، 74، 79، 81، 84، 94. (6) ابن سعيد: عنوان المرقصات، طبعة وترجمة مهدد، الجزائر سنة 1949، ص 5. (7) ابن الجزرى: القرّاء، جـ 1، ص 550 - 551. (8) ابن العماد: الشذرات، جـ 3، ص 385 - 386. (9) الحميدى: الجذوة، ص 296. (10) العماد الاصفهانى: الخريدة، جـ 12، مخطوط بباريس، رقم 3331، الورقتين 16 ب - 17 ب.

الحصن

(11) العمرى: مسالك الأبصار، جـ 17، مخطوط بباريس رقم 2327، الأوراق 129 ب - 130 أ. (12) الصفدى: نكت، ص 73، 213. (13) السيوطى: البغية، هذه المادة. (14) المقرى: نفح الطيب = An- alectes جـ 1، ص 562 - 563؛ جـ 2، ص 642. (15) ابن ناجى: المعالم، جـ 3، ص 250. (16) ابن قنفذ، ص 39. (17) نيفْر: العنوان، ص 55 - 56. (18) حسن حسنى عبد الوهاب في مجلة البدر، تونس سنة 1340 هـ, جـ 2، ص 166 - 175. (19) المؤلف نفسه: المنتخب المدرسى، ص 74 - 86. (20) Poesie Andalouse: H. Peres الفهرس. (21) zirides: H.R.Idris , جـ 2، ص 197. (22) م. المرزوقى وج. بن حاج يحيى أبو الحسن الحصرى القيروانى، تونس سنة 1963 (وهي دراسة في ترجمة على الحصرى يعقبها آثاره المعروفة. (23) C.h Bouyahia في Annales L'Universite de Tunis سنة 1964, جـ 1، ص 125 - 141. خورشيد [ش بو يحيى Ch.Bouyahia] الحصن كلمة معروفة تدخل في تركيب أسماء الأماكن، مثال ذلك: حصن الأكراد، وحصن كيفا، وغيرهما، وتستعرض هذه المادة، بقدر ما تسمح به المعرفة الحالية، تطور التحصينات في مناطق بعينها من العالم الإسلامى، وتتناول بعض جوانب العمارة الحربية لبرج الحصون، كما تتناول بصفة عامة المناورات الهجومية وأصول فن الحصار. ولما كانت الرسائل الأساسية العامة عن بعض المناطق غير متوفرة فقد اكتفينا بأن تشمل هذه المادة المناطق التالية وحسب.

1 - المغرب الإسلامى

(1) أراضى المغرب الإسلامى أى: الأندلس، وبلاد المغرب. (2) بلاد فارس. (3) آسيا الوسطى. (4) إندونيسيا وبلاد الملايو. [هيئة التحرير] 1 - المغرب الإسلامى سنرى في هذه المادة كيف تغلب المغرب الإسلامى على المشكلات الكبرى للتحصين، وكيف تم تخطيط وتنظيم الأنماط المختلفة للأبنية الحصينة، كحصون المدينة المطوقة بالأسوار، والقلاع المنعزلة، والثغور، ودور الصنعة، وكيف تم التغلب أيضًا على الصعوبات التى تعترض حماية أجنحة الجيوش وبوابات الحصون بداية من القرن الثامن الهجرى (الرابع عشر الميلادى)، وعلى ما أدخل على المدافع من تعديلات. حصون البلدان المطوقة بالأسوار: منذ أيام الإمبراطورية الإسلامية في عهودها المتأخرة صارت البلدان غير المحصنة شيئًا نادرًا في العالم الغربى. وبسبب القلق الذى أحدثته الغزوات حصنت المراكز الحضرية بالاستحكامات، ومن ثم ضاق نطاق إمتدادها الأصلي في حالات كثيرة. ومع ذلك، ظلت مدن كثيرة بريف البربر، بلا أسوار، وكانت في أول الأمر أسواقًا زراعية. وقد أدى التاريخ المضطرب للأسر الإسلامية الحاكمة، وخاصة في ريف البربر، إلى تحصين بلدانه أو إلى صيانة أسوارها بالترميمات الجيدة. ومنذ بداية البداية لسلاطين الأسر الحاكمة كانت الاستحكامات تقام على الدوام. وأدت الحاجة إلى وجود سور حصين حول كل بلدة مهما كان حجمها إلى ترميم ما بنته الإمبراطورية القديمة من أسوار، وبحكم الظروف، إلى تعميمها في أوائل العصور الوسطى. خطة الحصن المطوق بالأسوار، في أسبانيا وإفريقية، اصطنعت الأسوار الإسلامية أحيانًا الشكل العام للحصن

القديم المطوق بالأسوار، والاستفادة بقواعده وبأجزاء أخرى منه، كما حدث في قرمونة وفى قاصرش، كما حدث في كثير من الأحوال أن أدى ازدهار دول بعينها أو حواضر إقليمية في العصور الوسطى، إلى توسيع أسوار البلدة حتى طوقت ضواحٍ هامة. وعلى الأرض المستوية، كانت حصون البلدة المطوقة بالأسوار في أغلب الأحوال، تتخذ شكل المستوطن الذى كان قائمًا قبلها. ونجدها في الأساسات الجديدة أكثر انتظامًا من ناحية الشكل، ولها استحكامات في صفوف طويلة. وفى المواقع غير المستوية، كانت تعدل تعديلًا بسيطًا لتناسب تضاريس الأرض: والمبدأ هو الاقتصاد في استخدام الأبراج، بينما يمتد السور الساتر بطول النتوءات الصخرية متتبعًا إياها عن قرب كلما أمكن ذلك، أما البروزات والمرتدات المشهودة فنادرة. وتأخذ معظم الحصون المطوقة بالأسوار شكلًا غير منتظم هو الشكل المُحَدبْ، والمضلع. على أنه كان من الضروري في حالات كثيرة أيضًا أن يدخل في الخطة أقرب مواقع النجد التى يمكن السيطرة منها على الاستحكامات. وقد امتد سور غرناطة في القرن الخامس الهجرى (الحادى عشر الميلادى) حتى بلغ حصنين صغيرين يحميان منحدرات تل الحمراء وقمته. وامتدت الاستحكامات في شاطبة صاعدة حتى حصنين صغيرين على قمة نَجْدها ليسيطرا على المدينة من أعلى. ولا يقل عن ذلك في الأهمية كفالة الحماية لأولئك الذين يريدون بلوغ موارد المياه: فالأسوار تنتهي ببرج بارز يمتد هابطًا حتى النهر في بطليوس. وفى إشبيلية، صار البرج الذى من هذا القبيل في طرف السور شأن البرج الذهبى، نقطة حراسة قوية. و"القصبة"، وهى مقر الأمير أو حكومته، تشغل عادة أعلى جزء من البلدة، ويفصلها عنها استحكام من الاستحكامات، فإذا كان موقعها متميزًا عن موقع مستوطن البلدة فإن الأسوار تضم حينئذ الحصنين المطوقين

بالأسوار، كما هى الحال في المرَيَّة. أما في مالقة التى كانت القصبة فيها تشغل قلب المدينة، فقد كان لهذه المدينة حصنها المطوق بالأسوار، وربطت المدينة بعضها ببعض استحكاماتٌ طويلة بلغت قلعة جبل الحديد الخارجية، وكانت الحال على هذا النحو في جَيَّان. ولما امتدت القصبة حتى شملت البلدة الحكومية، كان من الممكن أن يصبح لها نظامها المستقل في التحصين سواء كانت على اتصال بالأحياء السكنية والتجارية أو لم تكن. وكانت الحمراء منفصلة بشكل ملحوظ عن غرناطة، مثلما كانت فاس الجديد عن فاس البالى. ومن ناحية أخرى، نجد قصبة الموحدين في مراكش، وقصور مولاى إسماعيل في مكناسة متصلة بالمدينة نفسها، ولو أن القصبة والقصور كانت في جزء منها كلًا محصنًا واحدًا. وفي كل حالة، كان ثمة منهجان في التحصين إما متقاربين وإما متلاصقين. وقد بنيت بعض القصبات لإيواء الحاميات التى كانت مهمتها الإشراف والرقابة على بلدة ما، تهددها أخطار الاضطرابات. وكانت الحال على هذا المنوال في رباط ماردة الذي بناه عبد الرحمن الثانى. وفى القرن العاشر الهجرى (السادس عشر الميلادى) أبقى السعديون على مثل هذه الرقابة على فاس باستخدام الأبراج الشمالية والجنوبية. خطة الحظيرة للحصن المطوق بالأسوار. يوجد السور المزدوج الذى يضم دهليزًا ضيقًا في مدينة الزهراء. كما أن الممرات الطويلة بين الاستحكامات العالية كثيرة في قصور مولاى إسماعيل بمكناسة. ويبدو أن السور الخارجى المألوف في التحصين عند الروم (البوزنطيين) لم يستخدم في الحصون الإسلامية في بداية العصور الوسطى، مع أنه أوشك أن يكون القاعدة في أسوار الحصون الأسبانية منذ القرن الخامس الهجرى

(الحادى عشر الميلادى) ونجده أيضًا في مدينة المهدية، ولكنه ظل نادرًا في المغرب. ومع ذلك، فإنه يوجد في تلمسان، وفى تازة. وثمة سور خارجى متصل يحيط باستحكامات فاس الجديد .. وجرت الحال بأن تكون هذه الأسوار الخارجية المتباينة في الارتفاع مزودة بالأبراج. أما الخندق فقد كان أمرًا مألوفًا منذ بداية القرن الخامس الهجرى (الحادى عشر الميلادى) في التحصينات الأندلسية. ولكنه ظل في أماكن أخرى أمرًا استثنائيًا للغاية. وكانت هذه الخنادق حفرًا جافة خططت لوقف زحف الخيالة وجعل التسلل أمرًا عسيرًا. ولم يكن الخندق في البلد الجاف الجو الوعر في كثير من الأحوال هو أفضل وسائل الدفاع شأنه في ذلك شأن البلاد المستوية الرطبة. القلاع المنعزلة - كان للقلاع المنعزلة وظائف مختلفة غاية الاختلاف. وكان عدد بعينه من قلاع الحدود هو الذى يحدد جبهات القتال: ومن ثم نجد في الأندلس منذ نهاية القرن الثالث الهجرى (التاسع الميلادى) أن الحدود ظلت أمدًا طويلًا تساير نهر دويره حتى سقوط مملكة غرناطة، تحميها سلسلة متصلة من الحصون غربًا وشمالًا حيث كانت المملكة معرضة لهجمات القشتاليين في هاتين الجهتين. وكذلك أدى التنافس بين ملوك الطوائف إلى إقامة خطوط من التحصينات. وفي بلاد البربر لا نكاد نجد أية حدود معلومة بين الدويلات الإسلامية حيث وجد أن التحصين القائم في الأماكن المحتمل النزاع عليها كاف؛ ومع ذلك أقام عبد الواحد خط "صُمَّام" لصد الحفصيين. وقلاع الحدود هذه، لم تستطع في الحروب التى كانت فيها الحملات المدمرة الخاطفة من أجل السلب والنهب هى أكثر أنواع القتال شيوعًا، أن تمنع مرور قوات العدو منعًا باتًا. ولكن على الرغم من أنها أتاحت مرور غزاة السرايا إلا أنهم احتاجوا إذا ما أرادوا الفتح والتمكن إلى ضرب حصارات طويلة باهظة التكاليف. وفى أغلب الأحوال، كانت هذه القلاع تبنى في أيام مملكة غرناطة

بخاصة، فوق القمم المنحدرة، ولم يكن في وسعها سد مداخل الدروب، ولكنها تعد وسيلة مثلى إذا كان الغرض وضع البلد تحت المراقبة بحيث يصعب أخذه على غرة. وفى الأندلس كان لا بد أن تقام في السهول الخصيبة المعرضة لغارات العدو قلاعٌ تتخذ مأوى، وكانت هذه القلاع في العادة تسيطر على قرية ما. وقد زاد بنو نصر عدد القلاع التي من هذا القبيل في أخصب أجزاء الريف التي كانت معرضة لغارات القشتاليين. وعلى سواحل شمالى إفريقية، وسواحل تونس بخاصة، والسواحل المطلة على الأطلسى بعامة، بنيت القلاع التي عرفت بالرباطات وهي صوامع حصينة كان النسَّاك المسلمون الذين يتعبدون فيها يعدون أنفسهم للجهاد وهم يتعبدون، ويرجع السبب في إقامة الرباطات الإفريقية بلا شك، إلى حملات الغزو الصقلى، إذ لم يكن هناك في ذلك الحين أى خطر مسيحى يهدد السواحل التونسية. ومن ناحية أخرى، نجد أن الأصل في إقامة الرباطات على ساحل مراكش المطل على الأطلسى، ورباطات أندلسية بعينها، يرجع حقًا إلى الخوف من غزوات النورمنديين. وعلى ما يظهر، لم تجر أية حروب مع عدو خارجى تحت أسوار هذه الرباطات، ولم تكن ثمة تحصينات بحرية بمعنى الكلمة، بل كانت هناك أماكن لتجنيد من يحاربون في سبيل الله، وقد أصبحت هذه الأماكن فيما بعد مراكز يعيش فيها النسَّاك بل المتصوفة. ويبدو أن بعض الرباطات المراكشية مثل قصبة أوداية بالرباط، وحصن تيط المطوق بالأسوار، كانت تحرس الحدود الشمالية والجنوبية لاتحاد خوارج برغواطة. وفى ظل الموحدين اتسع الرباط حتَّى صار له نطاق المدينة بفضل همة الخليفة الثالث أبى يوسف يعقوب المنصور، وصار مركزًا لتجمع المقاتلين الذين كانت أسبانيا مقصدهم. وفى بعض الأحيان، كانت القلاع تجمع أو تُصَفَّ بحيث تصبح خطًا دفاعيًا يشرف على البلدان التي تهددها

حركات الانتقاض، أو لتسد الطرق في وجه المنتقضين. ومن ثم، فقد حرس المرابطون الريف من معقل بنى تودة الحصين، ومن قلعة أمرجو. ولما بلغت ثورة الموحدين كتلة جبال أطلس المراكشية العظيمة بنوا فيها القلاع لإعاقة تقدم العدو الرابض فى أسفلها أو عند فتحة الممر الجبلى الضيق. وقد واجه مولاى إسماعيل المنشقين من البربر في المنطقة الوسطى لجبال أطلس والريف، وبنى أيضًا سلسلة من القصبات. وقد شغل هذا السلطان نفسه بالاحتلال العسكرى لأملاكه، كما بنى في السهول التى أخضعها لحكمه قلاعًا رابط فيها جنود حاميته الذين عرفوا بالعبيد. وكانت مهمة هؤلاء الجنود هي جباية الضرائب النقدية والعينية على حد سواء. وضمت أسوار هذه القلاع علاوة على قصر السلطان والمسجد، صوامع أسطوانية الشكل لحفظ أعلاف الدواب. ولقد بنيت قلاع كثيرة لحماية الطرق التجارية الرئيسية وتأمينها، ولإيواء المسافرين في الليل بعد عناء رحلة اليوم، ولتزود أحيانًا حاملى البريد الحكومى، في المراحل المتتابعة، بما يحتاجون إليه، وكان لذلك نظام بعينه لأنه لم يكن في مقدور البلدة الحصينة القيام بهذه المهام. وكانت الطرق المؤدية من قرطبة إلى الحواضر الكبرى للأندلس تميزها قلاع تقوم بين كل قلعة منها والأخرى مرحلة من السفر تستغرق يومًا واحدًا. وكلفت القلاع الثانوية وأبراج المراقبة في بعض الأحيان بحراسة الدروب الجبلية. وكانت الجسور المقامة على الأنهار الكبيرة في حماية قلعة هي في أحيان كثيرة قلعة لها شأنها. ومن ثم، فإن حصن رباط ماردة كان يحرس تقاطع نهر وادى آنة والبلدة التي يجرى فيها معًا. وفى معظم الأحوال، كانت تحرس الجسور المقامة على نهر تاجه قلعة من القلاع أو برجٌ على أقل تقدير. خطة القلعة: وفى كثير من الأحيان استمر اتباع التقليد الرومانى البوزنطى في خطة هذه القلاع، وكذلك اتبع أحيانًا

في القلاع الأموية بسورية، التي تدين بالفضل الكبير في خطتها إلى القلاع الرومانية والبوزنطية. وكانت خطة الحصون التي تقام على أرض مستوية منتظمة دائمًا غاية الانتظام، مربعة الشكل أو مستطيلة، وهي مزودة بأبراج الأركان وتكتنفها أبراج وسيطة تختلف في عددها. كما اتبعت الأشكال الهندسية القديمة الخالصة للتحصينات نفسها دون خروج عنها في المبانى الحكومية المراكشية، وفى عمارة البربر أيضًا. ولكن قلاعًا كثيرة بنيت فوق قمم التلال أو فوق النتوءات الصخرية. وفى مثل هذه الحالات، كانت بعض التعديلات ضرورية لتتلاءم مع التضاريس. وقد تباين محيط القلعة تباينًا كبيرًا من حيث الحجم والشكل على السواء. وفى بعض الأحيان، كان السور الساتر الواقع فوق المنحدرات لا يحتاج إلى أبراج. وقد نشأت الحاجة في البلد الَّذي تغلب الصفة الجبلية عليه إلى اكتشاف أماكن صلبة للأساسات اللازمة لإقامة الأبراج على مسافات غير منتظمة. وكانت التغييرات الحادة في اتجاه التضاريس كثيرة جدًّا، ويظهر أثرها في شكل متعرج. وقلما يظهر السور المزدوج باستثناء تحصينات بنى نصر التي كانت متأثرة بالنمط المسيحى، كما ظل السور الخارجى شيئًا نادرًا للغاية. ويدخل في باب الاستثناء أن تضم القلعة الإسلامية معقلًا لإيواء الحامية أو برجًا محصنًا. ومع ذلك، فقد كان للرباطات الإفريقية في كثير من الأحوال أبراج للمراقبة، كما كان لقلعة سوسة برج من هذا القبيل. وفى قلعة بنو حَمَّاد كان البرج البارز العظيم للمنارة يتخذ شكل المعقل المحصن. وقد أدخل البرج المحصن المحاط أحيانًا بمعقل لإيواء الحامية في تحصينات بنى نصر في القرن السابع الهجرى (الثالث عشر الميلادى) تقليدًا للقلاع المسيحية. على أنه حدث في القرنين الثامن الهجرى (الرابع عشر الميلادى) والتاسع الهجرى (الخامس عشر الميلادى) أن عادت قلاع بنى نصر وبدرجة كبيرة جدًّا إلى أشكال التحصين الأسبانى المغربى.

الموانئ ودور الصنعة الحصينة: عرف كل منها في المغرب الإسلامى. ولعل تاريخ ثغر طنجة "بالية" إلى الشرق من طنجة كان يرجع إلى العهد الإسلامى. وكان بهذا الميناء حوض داخلى للسفن، امتلأ الآن بالرمال, وكان يحميه سور محصن، وكان مدخل الميناء ومخرجه من بابين كبيرين يكتنفهما أبراج، ولم يبق من ذلك كله سوى أطلال في مستوى الأرض. ومن ناحية أخرى، نجد أن دار صناعة سلا البحرية - المطمورة الآن - ما زالت محتفظة ببابها وبرجها. وقد شغلت دار الصناعة هذه أحد أركان حصن المدينة المطوق بالأسوار. ومنذ القرن الرابع الهجرى (العاشر الميلادى) اتخذ حلًا مماثلًا في مدينة المهدية. فقد انتظم الحصن المطوق بالأسوار ميناءً داخليًا يحمى مدخله برجان متباعدان يمكن أن تمتد بينهما سلسلة حديدية. وكان ثمة عقد كبير من الحجر المنقوشى يوصل إلى ثغر حُنين الَّذي بنى في القرن الثامن الهجرى (الرابع عشر الميلادى)، وعقد مماثل في ميناء أو دار صنعة (بجاية) وفى دار صنعة مالقة. والظاهر أن العقد الكبير الذي كانت تمر من تحته السفن لشحنها وتفريغها، ينتمى إلى التقليد الأسبانى. مادة البناء: دخل حجر الدستور المنحوت في كثير من الأحوال في تحصينات الأغالبة بإفريقية. وجرت الحال باستخدامه في السور الساتر كله، وفى العمائر الهامة في جميع الأحوال. أما الأسوار التي بنيت بالدبش فكانت تربطها الأحجار المنحوتة. كما استخدم في التحصينات الأموية، في أجمل صورها بالأندلس، رباطات من أحجار سابحة ورادة على التوالى. ولكننا نجد في التحصين الإفريقى حتَّى القرن السادس الهجرى (الثانى عشر الميلادى) أن الدبش كان هو مادة البناء المستخدمة بشكل متكرر إلى حد بعيد. وكان في كثير من الأحوال يربط بينه وبين الأحجار المنحوتة لهذا الغرض، وكثيرًا كان يشذب ويبيت في صفوف منتظمة، وكان في بعض الأحيان يسوى مع التبادل في فَرْشَات سميكة ورقيقة. وفى قلاع المرابطين

كانت الأربطة المحيطة بالدبش ترصع بالحصى الأسود. وفى كثير من الأحيان استخدم الدبش في أسبانيا في بناء القلاع الثانوية، وأحيانًا مع الطبقات الرابطة وحشو من قوالب الطوب، ويتكرر الاستعمال الأخير في مدرسة طليطة بصفة خاصة. ويحدث أحيانًا أن الأربطة الموهومة تمد الطبقات الرابطة الزاوية حتَّى الواجهة المقامة بالدبش. وفى أيام بنى نصر زاد تقليد القلاع المسيحية من استخدام الدبش. أما التحصينات الكبيرة من الآجر فنادرة في المغرب الإسلامى. ومع ذلك، فإن استحكامات مدينة القيروان كانت من أول الأمر مبنية بالآجر. وهكذا كانت بعض الأجزاء من استحكامات بصرة في شمالى مراكش، ونجد في الأندلس أن الآجر لم يستخدم في العمائر إلا في العصر المتأخر بعض التأخر من حكم المدَجَّنين. ولكننا في الأبواب التي بنيت بحجر الدستور أو بالدبش المخلوط بالأسمنت أو غير المخلوط به نجد الآجر مستخدمًا بصفة عامة في بعض العقود، وفى الأقبية، بل في واجهات المداخل أحيانًا حيث كان الهيكل الأساسى مبنيًا كله بالخرسانة. ومنذ القرن الرابع الهجرى (العاشر الميلادى) نجد مادة البناء الغالبة في القلاع الأندلسية ليست إلا نوعًا من الخرسانة قوامها طين صلصالى أو حصوى تتفاوت نسبة خلطه بالجير تحشى في مغاليق يبلغ سمكها حوالى 80 سم. وقد جلبت هذه الطريقة إلى المغرب في القرن السادس الهجرى (الثانى عشر الميلادى) وظلت مستخدمة حتَّى القرن العشرين. كما أحدث استخدام الخرسانة نوعًا من التبسيط في الأشكال، ومن ثم غلب البرج المستطيل واستخدم مع الخرسانة الآجر في بناء العقود وقوائمها وفى الأقبية، وفى واجهات الأبواب في بعض الأحيان. مشكلات الأكتاف: ومن أندر النادر أن تكون المساقط والمداخل المرتدة فى

السور الساتر كافية في حد ذاتها لإقامة أكتاف جيدة. ومن ثم كان من الضرورى الاعتماد على الأبراج وأبراج الزوايا التي تكتنف جدران السور. ذلك أن أبراج الزوايا المقامة على الأسوار فوق الأرض المستوية لا تزيد المسافة بين الواحد منها والآخر على ثلاثين مترًا بحال حتَّى لا تترك بين البرجين مساحة لا تغطيها القذائف. ومع ذلك كان يمكن أن تكون الأبراج قريبة بعضها من بعض بمسافة أقل. ففي الأندلس أيام القرنين الرابع الهجرى (العاشر الميلادى) والخامس الهجرى (الحادى عشر الميلادى) استخدمت الأبراج الصغيرة الأبعاد واللاصقة بعضها ببعض في كثير من الأحوال. أما الأبراج المستديرة والأبراج التي تكاد تكون مستديرة، فلم يكن يصادفها المرء إلا في النادر، ويبدو في هذا الأثر المسيحى. فقد استخدم البرج شبه المستدير في تحصينات الأغالبة، وفى هذا دليل على التأثر بالمشرق. ويوجد هذا النمط في بعض القلاع السورية، كما أنه شائع في العمائر العباسية. وفى معظم الأحوال استخدم في الأندلس وشمالى إفريقية البرج المستطيل، الَّذي طوله أكبر من عرضه. أما الأبراج المائله فنادرة. وتوجد شرفات الحصون ذات الشكل الرباعى غير المنتظم في زوايا الحصون المطوقة بالأسوار أحيانًا. كما نجد شرفات الحصون الكثيرة الأضلاع في الأندلس أيام القرن السادس الهجرى (الثانى عشر الميلادى)، ولكنها لم تستخدم في المغرب إلا قليلًا. ومجمل القول أن العمارة الإسلامية في الغرب تظهر تباينًا طفيفًا من حيث الشكل في شرفات الحصون. ففي معظم الحصون الأندلسية المغربية المطوقة بالأسوار نجد سلسلة من الأبراج المتماثلة تبعد بعضها عن بعض مسافات متساوية بطول خط السور الساتر. وفى القرن السابع الهجرى (الثالث عشر الميلادى) ابتدعت الأندلس برجًا من طراز جديد عرف باسم (البارانا) أو البرج الخارجى المعزول عن السور الساتر، ويقع أمامه، ويتصل به بوساطة جزء بارز من السور. ويتصل

البرج وقاعدته بالطريق المستدير للمعقل. وفى حالة كهذه ربما يحيط السور الخارجى للدفاع بسفح (البارانا). وفى بعض الأحيان أيضًا يكون (البارانا) متقدمًا إلى حد بعيد، وقائمًا في طرف جزء من السور الساتر ذى حاجز مزدوج بارتفاع الصدر. وهذا التجديد الَّذي أخذ به في فترة متأخرة على الأغلب في حصون المدجَّنين لم يصل إلى المغرب فيما يظهر. وخلاصة القول، أن هذه الأبراج لا يدخل فيها إلا الحد الأدنى من التركيبات. وكان لها في بعض الأحيان قاعدة مستوية ورصيف له مزاغل لإطلاق النيران، وأحيانًا أخرى، تكون ذات غرفة داخلية على مستوى الطريق الدائرى ورصيف عال من أرضية محمولة على عوارض تدعمها، ويرقى اليها بسلم. على أننا نجد منذ القرن السادس الهجرى (الثانى عشر الميلادى) أن شرفات الحصن الكبيرة الكثيرة الأضلاع كان لها طابقان أو ثلاثة طوابق من الحجرات ذات الأقبية، وسلم داخلى. وهذه الأبراج الكبيرة كلها من نوع (البارانا). وقد أسهمت إلى حد كبير في الدفاع عن الأماكن المكشوفة عن غيرها في السور. الأبواب: لم توجد الحصون الأمامية والقلاع الصغيرة في مقدمة المدخل الرئيسى للحصن قط. وحتى القرن الخامس الهجرى (الحادى عشر الميلادى)، كان في الأندلس وفى ريف البربر فحسب، نظام المداخل التي تنفتح بين برجين، وكان لها دهاليز مقبوة تختلف أطوالها، وأنصاف أعمدة تدعم عقد باب الدخول، وعقد باب الخروج في بعض الأحيان، وتحمى مفصلات أضلاع الأبواب. وفى القرن السادس الهجرى (الثانى عشر الميلادى) يظهر في الأندلس المدخل البسيط المنحنى الذي عرف في التحصينات البوزنطية؛ وانتقل إلى المغرب في هذا القرن نفسه هو وأشكال أخرى للقلعة الأندلسية المغربية، ثم انتقل في القرن السابع الهجرى (الثالث عشر الميلادى) إلى بلاد تونس. ولبعض هذه الأبواب ممر مكشوف بدلًا من

الرواق الرئيسى المقبب. وتفتح هذه الأبواب أحيانًا بين برجين، وفى أحيان أخرى على كتف شرفة محصنة ضخمة. وفى القرن السادس الهجرى (الثانى عشر الميلادى) تظهر الأبواب الثنائية أو الثلاثية المدخل المنحنى أيام الخلفاء الموحدين. ويتكون طريقها الداخلى من سلسلة من الردهات المقبوة يقطعها ممر مكشوف في أغلب الأحوال. وتنزل ضلف أبواب الدخول والخروج بين عمودين مربعين يدعمان الممشى المقنطر. وكانت جميع هذه المداخل ذات الممرات الجانبية تنفتح بين برجين. وفى أيام الموحدين كانت الأبراج والواجهة تبنى بالحجر، وتغطى بزخارف ثرية منحوتة. وفى أيام المرينيين وبنى نصر حلت المداخل المبنية بالآجر محل تلك المداخل المبنية بالأحجار، وكانت زخرفة واجهاتها أقل إسرافًا. وكانت الكتلة السميكة للبناء التي تكّون هذه المداخل تبرز من وراء الواجهة الداخلية للمعقل، ويقوم البرجان المكتنفان بالمدخل المقنطر في الخارج وحدهما أمام السور الساتر، ولم يكونا من حيث الأبعاد أكبر بكثير من سائر الأبراج. وتعد المداخل العظيمة التي أقامها الموحدون ذات قيمة كبيرة من الناحية الزخرفية والوظيفية على السواء، بل إنها من أعظم الأعمال الإبداعية كمالًا في فن العمارة الأندلسى المغربى، ولعلها كانت من أبدعها جمالًا، كما كانت بلا شك أكثر العمائر الإسلامية ثراءً في الإسلام بأسره. أما المدخل ذو الدهليز الطويل من النمط الشرقى، فإنا نجده في القرن الرابع الهجرى (العاشر الميلادى) فحسب، ومثال ذلك المدخل الرئيسى لمدينة المهدية الفاطمية، ولسقيفة الكحلاء. وهذا الشكل لا نجد له تقليدًا في المغرب الإسلامى. والسواتر المنزلقة التي تحمى مدخل الحصن نادرة في الأندلس ولم يرد أى ذكر لها في المغرب. وظل المدخل المنحنى مستخدمًا في كل العهود من الأندلس حتى إفريقية. تعديل من أجل المدفع: لم يقم بنو نصر بشيء يذكر سوى أنهم أقاموا في

سطح بعض الأبراج وفى بعض مداخل الحمراء منصات منخفضة يوضع المدفع فوقها؛ وفى المغرب استفاد سلاطين بنى سعد في القرن العاشر الهجرى (السادس عشر الميلادى) من هذين نظامين، ذلك أنهم رأوا أن سور قصبة مراكش كان خليقًا بألا يهاجمه إلا قبائل ليست في حوزتها مدفع، ولذلك فإنهم اكتفوا بتوسيع الأبراج المستطيلة المكتنفة للجدار الساتر لإيواء مدفع هاون صغير في غرفة الدفاع بكل برج. أما في غيرها من المدن مثل حصن الزواية في تازه وفى الأبراج الشمالية والجنوبية بفاس فإنهم قلدوا (والفضل يرجع للمعلومات التي أمدهم بها المرتدون دون شك) الحصون الأوربية ذات الملاجئ المسقوفة المقبوة التي تطلق منها المدافع، والجدران السميكة المائلة من أعلى إلى الخلف والتى كانت على شكل النجمة في بعض الأحيان. واستخدمت ضروب التقليد للحصون الأوربية هذه في كل المناطق الساحلية بشمالى إفريقية، وفى المغرب، وفى الولايتين العثمانيتين حيث كان يخشى من غارات يشنها الأوربيون لاسترداد ما فقدوا أو الأخذ بالثأر. ولم يقصد بها شيء سوى أن تصمد للضرب بالقنابل من البحر وأن ترد عليه بالمثل وقد ارتفعت هذه العمائر بعض الشيء، ولم يستعمل قط التحصين المنخفض من طراز فوبان. وكانت خطوط الدفاع غاية في البساطة لا تعدو سورًا وخندقًا، ومنحدرًا ترابيًا هي بمثابة الجدار الخارجى للخندق. وعلاوة على هذه الحصون التي تتفاوت في حداثتها، فإن الطراز القديم للتحصين استمر أيام العصور الوسطى متبعًا بأبسط أشكاله، في بلاد البربر من أقصاها إلى أقصاها. ومن ثم، ظل المغرب الإسلامى مخلصًا لتقليد الإمبراطورية الرومانية القديمة وبوزنطة. وكانت الإضافات الوحيدة لهذا التقليد هي إبداع أشكال جديدة ابتكرها الأندلس. فقد ظهر البرج الخارجى (البارانا) والمدخل ذو المنعطفات الكثيرة، والممر المكشوف في الأندلس. ولم تستطع المؤثرات الوافدة

المصادر

من العالم المسيحى أن تكون حافزًا لبنى نصر في التحصين. ووقعت ضروب من التقليد للتحصينات الأوربية تتفاوت في براعتها وذلك في الحصون التي أقيمت على سواحل بلاد البربر بشمالى إفريقية في الفترة الحديثة، ولم يحل هذا التقليد دون استمرار التحصين في شمالى إفريقية على النهج القديم، كما أنه كان يقلد التحصينات الأوربية في جملتها. المصادر: ليس ثمة مؤلف عام يتناول العمارة الحربية بالمغرب الإسلامى. وهناك دراسات متعددة لكل بلد وعصر على حدة نجدها فى: (1) L'art hispano mau-: H.Terrase siecle reque de origines auxllle باريس سنة 1931. (2) L' architecuture mu-: G.Marcais sulmane d' occident باريس سنة 1954. (3) Arte arabe: M. Gomez Moreno spanol hasta los Almohades, Arte moz- arabe؛ مدريد سنة 1951 (- Ars His paniae، جـ 3). (4) Arte al-: L.Torres Balbas nazari, Arte mudejar Arte، mohade, مدريد سنة 1949 (Ars Hispaniae، جـ 4) وانظر Ars hispania-msulmane hasta la caida del califato de Cordoba، مدريد سنة 1957. حسن شكرى [هـ ترّاس H. Terrasse] 2 - إيران المواقع الحصينة أيام العصور الوسطى كثيرة جدًا في إيران. ويقول صاحب كتاب فارسنامه (تحقيق Description of: G. Le Strange the Province of Fars in Persia, ص 74) إنه كان في إقليم فارس وحده ما يزيد على 70 قلعة مشهورة وصفت 20 قلعة منها في متن هذا الكتاب. على أنه مع وجود هذه الثروة من الأطلال الأثرية فإن العمارة الحربية بإيران الإسلامية لم تدرس إلا قليلًا، وسبب ذلك دون شك، هو سوء الحفاظ على كثير من العمائر الأمر الَّذي جعلها لا تمدنا بما نريد من

معلومات. وإذا وضعنا في الحسبان ميزة التضاريس الجبلية، نجد أن كثيرًا من هذه الحصون كان يعتمد في حمايته على الموقع الطبيعى المنيع أكثر من الاعتماد على التحصينات التي من صنع الإنسان. مثال ذلك ما قاله ياقوت (ياقوت جـ 3، ص 490) من أن حصن الطاق في طبرستان معقل إصبهبذ خورشيد (سنة 120 هـ = 738 م - 149 هـ = 866 م) هو "موضع يقال له الطاق وهذا الموضع في القديم خزانة لملوك الفرس، وكان أول من اتخذه خزانة منوشهر، وهو نقب في موضع من جبل صعب السلوك لا يجوزه إلا الراجل بجهد" وكان الدخول إليه متعذرًا إلا بالمرور في مغارة طويلة. وكان مدخله مغلقًا بحجر يحتاج إلى خمسمائة رجل حتَّى يزحزحوه من موضعه، وكانت بداخله عين جارية بالماء. وقد عد الطاق حصنًا منيعًا ولم يستسلم للعرب إلا آخر الأمر لانتشار وباء الطاعون. ويقرر أولياء الله الآملى (تأريخ رويان، ص 45) أن حصن الطاق عرف في فترة متأخرة باسم عائشة كركيلى دز، وكان يقوم إلى الجنوب من سارى وراء درب كولا الجبلى. ومثل هذه القلاع التي تقوم فوق قمة تل كانت حاجتها الأولى وجود مورد مائى ثابت. ومن ثم، فإن عيون الماء أو الآبار، كما هي الحال بالنسبة لقلعة كردكوه الإسماعيلية قرب دامغان، لم يصبح لها الأهمية الكبرى إلا بعد أن تفجر الماء في بئر كانت جافة من قبل، وقد حدث هذا إثر وقوع زلزال. وعلى أية حال، فإن معظم هذه القلاع كان لا مناص لها من الاعتماد على الماء المخزون في الصهاريج التي ما زالت بقاياها ظاهرة للعيان في كثير من الأحيان حتَّى اليوم. وفى بهمندز التي تبعد حوالى 50 ميلًا جنوبى شاه رضا بإقليم إصفهان، نجد أن القلعة تتوج جُرْفًا صخريًا عاليًا شديد الإنحدار في قلب سهل عظيم. وكان الدخول إلى هذه القلعة لا يتم إلا زحفًا من خلال صدع بين صخرتين، وكان الماء يخزن في صهريجين كبيرين خارج القلعة وتحتها. وفى هذا المكان نقش عربى من الواضح أنَّه أقدم النقوش العربية

في إيران، وهو يسجل أن خازم بن محمد بنى تحصينات سنة 265 هـ (878 - 879 م). وكان الأمر يقتضى في الجبال بصفة عامة أن تتلاءم التحصينات مع درجة استواء الأرض، أما التحصينات التي تقام في السهول فكان لها في كثير من الأحوال خطة هندسية أرضية. ففي سهل جرجان كانت السمة المميزة للخطة هي محيط خارجى مربع علاوة على مربع أصغر في ركن من الأركان (انظر Flights over an-: E. F. Schmidt cient cities of Iran , اللوحات 61، 67, 68). وإذا حكمنا على ضوء المثل الَّذي نجده في موقع بلدة تَمَيَشة التي بنيت في العصور الوسطى في خرابشهر بإقليم جرجان فإننا نقول إن التحصينات التي من هذا القبيل قد يرجع تاريخها إلى القرنين الثامن أو التاسع الميلاديين. وفى إقليم جرجان أيضًا أنماط من التحصين مستقيمة خُطَّتْ لصد الغارات التي تشن من السهوب. ومن أشهرها "سد الإسكندر"؛ وثمة سور أصغر قرب خرابشهر قوامه سور ساتر من الآجر يساير قمة استحكام من الثرى تدعمه أبراج شبه دائرية أو شبه بيضية. والظاهر أن كلًا من خطى الدفاع هذين قد بناهما الملك الساسانى كسرى الأول (531 - 579 م) قبل ظهور الإسلام. ومن الحصون الإسلامية في إيران التي درست خير دراسة قلاع طائفة الإسماعيلية القائمة في سلسلة جبال ألبرز، مثال ذلك قلعة ألموت، وقلعة لمَسَرَ، وقلعة ميموندز إلى الشمال من قزوين، وكرد كوه بالقرب من دامغان. وتقوم هذه المعاقل فوق صخور شامخة وعرة، وقد بذلت جهود بارعة لإمدادها بالماء. ففي ميموندز، التي تقوم الآن قرب شمس كليه تجاه وادى ألموت، وجدت عين ماء على الأنف من قمة القلعة وثلاثة عيون على جانبها؛ على حين حُوْلَ جدول لجلب الماء إلى سفح القلعة، وقد وردت جميع التفصيلات في الجوينى (ترجمة, بويل، Boyle، جـ 2، ص 627). وفى لمَسَرَ، يوجد مجمع أمطار له صهاريج على قمة صخرة. ثم إن ويلى Willey يصف

نفقًا طوله 600 ياردة يؤدى إلى برج يطل على نهر نينه رود، ويمكن سحب الماء من النهر بالدلاء إلى أعلى البرج، ومع ذلك فإن إيفانو Ivanow يصف هذه السمة وصفًا مختلفًا اختلافًا طفيفًا. وكانت جميع مدن إيران الكبرى في العصور الوسطى محمية بأسوار لم يبق منها حتَّى الآن سوى عدد قليل. ويصف بوب Pope أسوار يزد، التي لا يزال جزء منها قائمًا. وهي مبنية باللبن، تحميها أبراج بارزة مستديرة ومزودة بفتحات (تسمى بالفارسية سنك - أنداز) وببرج عند المدخل يقوم بوظيفة الحصن الأمامى. وما زالت التحصينات الحسنة الصنع للقلعة المبنية باللبن باقية أيضًا في بَم. وكلمة حصن التي تدخل في أسماء الأماكن نادرة إلى حد ما في إيران. ويشير الجغرافيون العرب إلى محلة تسمى حصن المهدى أعلى نهر كارون أسفل الأهواز، ولكن موقع هذا الحصن لم يحدد في العصور الحديثة. وحصن الطاق في سجستان الأفغانية (ويجب ألا يخلط بينه وبين الطاق المتقدم ذكره القائم في طبرستان) كان حصنًا منيعًا يقوم على مسيرة 22 ميلًا جنوبى زَرَنْج (تسمى الآن نادعلى). وقد أخطأ له سترينج Eastern Cal-) Le Strange iphate, ص 343) إذ ذكر أنه يقوم شمالى زرنج. وقد تبين تيت G.P. Tate في- the history, to Seistan, a memoire of pography, ruins and people of the counter,, (كلكتة سنة 1910 - 1912، ص 225) , أنَّه هو مجموعة الأطلال الباقية المعروفة الآن باسم سرونز (أو تر - و - سر) التي تقوم فوق السهل المرتفع المطل على وادى هندمندم ولقد أجرى هاكن Hackin سنة 1936 بحثًا فى الموقع، وتبين أنه يتكون من معقل ضخم من اللبن، يلتف به محيطان خارجيان. ومن السمات المشهورة لهذه التحصينات استخدام المداخل المنحنية. وفى حصن الطاق ثبت الملك الصفّارى خلف بن أحمد (352 هـ = 963 م - 293 = 1002 م) للحصار الذي فرضه عليه ابنه المتمرد طاهر، ثم استعد لصد غزوة محمود الغزنوى على الرغم من استسلامه آخر الأمر، ولكن بشروط.

المصادر

المصادر: (1) Alamut, in Geog.: W. Ivanow Journal العدد 78 (سنة 1931) , ص 38 - 45؛ وانظر Some Ismaili strongholds in Persia, جـ 12 (سنة 1938)، ص 383 - 396؛ وانظر Alamut and Lamasar, طهران سنة 1960. (2) The Castles of the As-: P. Willey sassins، لندن سنة 1963. (3) " Fortifications": A. U. Pope طبعة A survey of persian art A.U. Pope, جـ 2، ص 1231 - 1235. (4) Di-: J. Cart, J. Hackin J. Meunié verse recherches archéologiques en Agh- anistan سنة 1933 - 1940، memoire de la délégation archéologique Francaise en Afghanistan, جـ 8)، ص 23 - 28. حسن شكري [أ. د. هـ بيفار A.D.H.Bivar] 3 - آسيا الوسطى: تلقى بحوث تولستوف S.P.To- lostov الضوء على التطور الطويل الأمد للتحصين المشيد باللبن في آسية الوسطى بأراضى خوارزم القديمة. وأقدم المواقع الحصينة هي تلك التي تسمى بالمحلة المسورة التي وجدت حوالى القرن السادس ق. م، والتى كانت مساكنها سلسلة من الدهاليز المقبوة الممتدة بطول الواجهة الداخلية للسور. وجرت الحال بأن تكون الخطبة الأرضية للتحصينات مستطيلة الشكل، كما هي الحال في موقع كللى كير، ذى الأسوار المزودة بعدة شقوق للسهام على شكل الرمح، وأبراج عرضية في بعض الأحيان أو قل نتوءات لإطلاق النيران صفوفًا. ويظهر أن الغرض الأساسى لهذه (الحظائر) كان حماية الدواب وقطعان الأغنام لأن الأفنية الداخلية لم تكن بها منازل مبنية. على أن القلاع التي كانت أكثر من هذا تعقيدًا تطورت في القرنين الثالث والثانى ق. م حين شرعت خوارزم في تأسيس دولة مستقلة. وكان ثمة تغير طفيف في الخطط الأرضية للحصن في هذه الفترة. ومن ثم، فإنه كان يوجد في "كوى كريلغن قلعة"، محيط دائرى وأبراج شبه مستديرة تحيط ببرج مستدير. وهذا التخطيط الكامل هو أثر

من آثار تحصينات الفترة الفرثية في إيران، مثال ذلك، مدن دارابجرد وكور (فيروزآباد) في فارس. وفى قلعة جانبس نجد الخطبة المستطيلة التي هي أدخل في التقليد مستخدمة وبدون الأبراج المكتنفة، ولكنها مزودة مرة أخرى بعدد وافر من شقوق السهام الطولية، ومزودة أيضًا بشقوق طولية مائلة مماثلة لحماية أركان السور. وعلى أية حال فإن أعظم السمات البارزة لهذا الموقع هو بناء خارجى يستر الباب ويكون نوعًا من المدخل المنحنى. ويرى كرزويل Creswell أن حدوث مثل ذلك في قلعة جانبس يدل على أن هذا التحسين وجد أول ما وجد في آسية الوسطى، ثم بلغ العالم الإسلامى وعالم بحر الروم في القرن الثامن الميلادى فحسب. وفى القرنين الثانى والثالث الميلاديين، وفى الأسرة الإفريقية المحلية شاع استخدام نوع جديد من التحصين في خوارزم. وكانت السمة الجوهرية في هذه الحالة وفى نطاق المحيط أو المحيطين المستطيلين المزودين بأبراج مستديرة, هي برج ضخم مركزى مربع ذو أسوار مائلة يقوم على قاعدة متينة من اللبن، يدخل إليه من محيط البوابة على متن قنطرة بالطابق الأول. ويرى تولستوف Tolostov أن هذه التحصينات كانت مقرًا لسكنى النبلاء أي الدهاقين. واستمر القوم يتبعون قواعد للتحصين مثل هذه في العهد الإسلامى بآسية الوسطى. وظلت الخطط الأرضية مستطيلة الشكل أساسًا، ولكن كان ثمة ميل إلى تعديل الخطبة بحيث تتمشى مع حدود الأرض. وإذا تطلب الأمر امتدادات أخرى، فقد جرى القوم على توسيع المحيط هنا أو هناك على أساس هذه الحالة فحسب، دون تشبث على طول الخط بخطة هندسية موضوعة قبلًا. وظلت أبراج الأكتاف القوية سمة هامة من سمات خطوط الدفاع، كما زودت المداخل بأبنية شبه مستديرة ذات مدخل واحد، رتبت بحيث تجبر المهاجمين على تعريض ميامنهم غير المدرعة لقذائف المدافعين. ولقد وصل فن التحصين ذروة تطوره في القرنين الثانى والثالث عشر بما شيده خوارزم شاه من أبنية ضخمة.

المصادر

المصادر: (1) Auf den spuren: S. P. Tolostov altchoresmischen kultur, برلين سنة 1935. (2) Fortification: K.A.C. Creswell in Islam before AD. 1250 في Pro- ceedings of the British Academy العدد 38 (سنة: 1952)، ص 89 - 125، وص 106 بخاصة. حسن شكري [أ. د. هـ - بيفار A.D.H. Bivar] 4 - إندونيسيا وماليزيا: إذا أخذنا بمفهوم مؤرخى العمارة الإسلامية لكلمة حصن فإنه لا يوجد حصون في أندونيسيا وماليزيا. وقد دخل هذان القطران وما اشتملا عليه من أجزاء عدة في الإسلام في أزمان مختلفة منذ نهاية القرن السابع الهجرى (الثالث عشر الميلادى)، إلا أن التحصين والدفاع قد تكونا بالفعل بحكم متطلبات الموقع المحلية من حيث الموارد والمناورات، أكثر مما تكونا بحكم القواعد المعمارية التقليدية. ومن ثم، فإنه على الرغم من أن أهالى جاوة مثلا، قد شيدوا معابد حجرية ضخمة فخمة في وقت متقدم جدًا يرجع إلى القرن العاشر - أى قبيل بلوغ الإسلام بحوالى 500 - 600 سنة، فإن مجتمعهم كان قائمًا بالفعل على التجارة البحرية والساحلية أكثر مما قام على الحرب البرية. وكانت معاقلهم وغيرها في سومطرة، والملايو، وبورنيو تقوم عادة في موقع يمكنهم من التحكم في مصبات الأنهار وملتقاها، أو من الدفاع ضد القراصنة. وكانت هذه المعاقل تُحْتَل إلى حين، عدة أيام أو بضعة أسابيع في المرة الواحدة، وكان قوامها في العادة أسوار من الثرى أو العشب، ومن استحكامات مدعومة بالأخشاب، ومحاطة بالخنادق، وبالحواجز الخشبية الشبيهة بالقضبان، أو بالكرات الحديدية ذات الرؤوس الأربعة الشائكة تلقى في طريق الفرسان لتعوق تقدمهم. وفى بعض الأحيان، كان يجرى استخدام الحجر، والآجر المصنوع محليًا، والدبش، ولكن الخشب كان أشيع المواد المستخدمة علاوة على الطين الذي كان

المصادر

متوفرًا في كل مكان وبكميات كبيرة، على حين كان الحجر نادرًا بعض الندرة. وهذه الأبنية كانت تسمى كوتا (باللغة السنسكريتية) أوكوبو في اللغة الاندونيسية ولغة الملايو. وتدل كل من الكلمتين (على القلعة) وكان النمط المتقدم أكبر وأكثر دوامًا من النمط المتأخر، ويرجح أنَّه كان مبنيًا من الحجر. وقد نصبت المدافع في بعض القلاع قبل عام 1500 م، ولكن إطلاق نيران هذه المدافع كان لأداء بعض الطقوس في كثير من الأحوال، ولم يكن ينطوى على الضغينة إلا في القليل: أما القتال الحقيقى فكان بالسيوف وبالرماح (والكريس) في الأحياء القريبة وفى ظروف يكون التحصين لا يناسب الحال. وفى هذه الظروف وفى الأراضى ذات الأدغال الكثيفة في كثير من الأحوال كان أسلوب الشرق الأوسط لفن العمارة الحربية المأخوذ عن فن الرماية طويلة المدى، وعن فنون الحصار، وكرَّات الفرسان لاختراق الحصار - لم يخرج من ثم إلى حيز الوجود قط. وكانت خطوط الدفاع عن المدن السلطانية أكبر وأكثر أهمية في قول الرحالة المتقدمين، واشتملت على الأبراج والأبواب، ولكن على قدر معرفتنا، لم تشتمل على أي عنصر إسلامى بعينه. المصادر: (1) Malayan Warfare: J.M. Gullick في Malaya in History , جـ 3/ 2 (كوالالمبور سنة 1959)، ص 116 - 119. (2) The History of Su-: W. Marsden matra، لندن سنة 1784، وفي مواضع أخرى. (3) Chapter entitled: B. Schrieke Japanese warfare and its consequences في Indonesian Sociological Studies جـ 2، لاهاي وباندونج سنة 1957. حسن شكري [ج. سي. بوتمز J.C. Bottoms]

حصن الأكراد

حصن الأكراد وكان يعرف في الأصل باسم "حصن السفح" (انظر Van Berchem: Journ Asiat, سنة 1902, ص 446 وما بعدها) وكثيرًا يطلق عليه الآن من قبيل التفاخر اسم "قلعة الحصن" وهو على هضبة البقيعة التي تحد جنوبًا بجبل عكار ولبنان وشمالًا بتلال نصيرى، وهو المقر الرسمى للقائمقام. وقد سمى هذا الحصن باسم حصن الأكراد نسبة إلى الحامية الكردية التي أسكنها هذا الحصن شبل الدولة نصر ملك حلب في النصف الأول من القرن الخامس الهجرى، وأقطعوا البلاد والغابات المحيطة بهذا الحصن في مقابل تكفلهم برد الأعداء عن الطريق الهام بين حماة وحمص وطرابلس. وحماة وحمص هما المدينتان العظيمتان الواقعتان في وادى نهر العاصى، ويقال أن حصن الأكراد هو عين الحصن الذي ابتناه هناك رمسيس الثانى. وقد استولى تانكرد الأنطاكى - Tancred of An tioch على هذا الحصن إبان الحروب الصليبية عام 503 هـ (ولسنا متأكدين من هذا التاريخ) ثم أعطاه ريموند الثانى ملك طرابلس إلى فرسان القديس يوحنا عام 537. وازداد قلق الفرسان على أمنهم وسلامتهم لأن مركز الصليبيين في الشام أخذ يضعف على مر الأيام. وكان مركز الفرسان أكثر خطورة لأنه لم تكن تسرى عليهم هدنة العشر السنوات التي أبرمت عام 626 بين الأمبراطور فريدريك الثانى والسلطان الملك الكامل لأنهم لم ينحازوا إلى جانب الإمبراطور، وكان البابا قد حرمه عطف الكنيسة. لذلك كان للفرسان العذر كله في العمل على زيادة تحصينات هذه القلعة. وقد حاول كل من نور الدين وصلاح الدين الاستيلاء على حصن الأكراد ولكنهم باءوا بالخيبة. ويحمى الحصن خطّا دفاع الأول خارجى والثانى داخلى، وهو يقع على قمة التل الذي ينحدر ناحية الشمال وناحية الشرق. ويحميه من ناحية الغرب خندق يلتف أيضًا حول الناحية الجنوبية من الحصن على عمق غير بعيد. وعلى ذلك يكون الحصن على شكل مربع منحرف على وجه التقريب ناحيته الجنوبية هي أضعف الجهات وأكثرها عرضة

للهجوم، لذلك أقيمت في تلك الناحية أقوى التحصينات، ويستدل من وصف الاستيلاء على ذلك الحصن أنَّه قد أقيمت أيضًا حول الأسوار الخارجية المحيطة به منشآت أخرى من اللبن والخشب كان من المحتمل أن تزيد في ضخامة هذا الصرح، ولكن السلاطين حالوا بين الفرسان وبين بلوغ هذا المأرب باسترضائهم حينًا وبتهديدهم حينًا. وقد قطع الإمبراطور فردريك الثانى عهدًا على نفسه بألا يسمح بتقوية تحصينات القلعة. ويحيط بالحصن من الناحيتين الشمالية والغربية تحصينات تزيد من قوتها بروج مستديرة شيدت على أبعاد معينة من هذه التحصينات. ويعلو ساحة البرج قبو على عقود مدببة، وتنيرها كوى كبيرة، وهي مزودة بالمجانيق وبها رواق يمتد على طول التحصينات فيه مكامن بارزة للحراس. وفوق هذا الرواق متاريس مستطيلة مرتفعة تتوسطها فتحات تطلق منها البنادق. وباب برج المدخل صعب المنال لأن انخفاض موقعه يجعل الدفاع عنه ميسورًا بفضل الغرف الثلاث الصغيرة البارزة فوقه وما فيها من فتحات في أسفلها. والداخل من باب الحصن الكبير يرى رواقًا مسقوفًا ينعطف ناحية الجنوب ثم ينعطف ثانية عندما يصل إلى جنوب البرج الذي في زاوية الحصن، ويصعد نحو المدخل العلوى عند البرج الشرقى. وقد بنى قسم من الجانب الغربى للرحبة المكشوفة التي بين خطوط الدفاع الخارجية والداخلية بحيث تتجمع فيه المياه، وهو متصل بالصهاريج أسفل الحصن، وتعتمد خطوط الدفاع الداخلية عند الجانبين الجنوبى والغربى على دعامة قوية من البناء تباطن الصخر الطبيعى. أما في الجانب الشمالى والشرقى فلا يباطن الصحر شيء. وهناك سلم كبير مكشوف يوصل من ساحة الحصن إلى الشرفة. وكان في استطاعة فرسان القديس يوحنا الاحتفاظ بحامية قوامها ألفا رجل في ذلك الحصن المنيع. وقد استطاعوا بمساعدة هذه الحامية إجبار أمراء حمص وحماه على دفع جزية

مقابل السماح لهم بمرور قوافلهم؛ ثم أقلعوا بعد ذلك عن فرض هذه الجزية وازداد مركزهم حرجًا. وعقد السلطان بيبرس العزم على الاستيلاء على حصن الأكراد، وكان يروم تحرير الشام كلها من الصليبيين. ومكث فترة من الزمان في الشام استغلها في استطلاع أحوالها بنفسه ومعه أربعون فارسًا لا غير. ثم خرج في العام التالى (أي عام 669) على رأس حملة كبيرة لمهاجمة الحصن. واستولى في اليوم الأول من هجومه في 19 رجب سنة 669 (3 مارس سنة 1271) على المنشآت الخارجية الضعيفة التحصين، ثم سرعان ما أفلح بعد ذلك في فتح ثغرة في السور والاستيلاء على برج المدخل الذي كان وقتذاك عرضة للهجوم من الرواق الداخلى ومن الخارج أيضًا. وفى الخامس عشر من شهر مارس استولى على البرج الثانى، ثم أقتحم بيبرس في التاسع والعشرين من ذلك الشهر طريقه إلى ساحة الحصن وأقام بها المنجنيقات لمهاجمة البرج الكبير. وأجبر الفرسان في الثامن من شهر إبريل على التسليم وسمح لهم بالتوجه إلى طرابلس آمنين. ومكث السلطان بيبرس في الحصن حتى آخر الشهر، وباشر بنفسه ترميمه. واختير حصن الأكراد مقامًا لقائد فتوح الشام ولم ينقل هذا المقر إلا عندما استولى السلطان قلاوون على طرابلس عام 686 فنقل اليها. وفقد حصن الأكراد أهميته تدريجًا بعد أن ساد السلام والطمأنينة ربوع الشام برحيل آخر الفرنجة عنها. ولم يصب الحصن بأى ضرر بسبب غزو تيمورلنك البلاد حوالى عام 803 م. ولا يزال الجزء الأكبر من هذا الحصن - وهو مقر قائمقام - محتفظًا بكيانه. المصادر: لقد درس البارون راى Rey التاريخ المعمارى لهذه الحصن بالتفصيل وقد ضمن هذه الدراسة كتابه Etude sur les momuments de l'architecture militaire des croisades en Surie باريس 1841,

ص 46 وما بعدها؛ وهناك مقتطفات من هذا الكتاب في Die Romanische und A.v. Essewien Gothische Baulainst: جـ 4. 1 - العمارة الحربية. أما الكتابات العربية التي في الحصن (وقد نشرها شفر Schefer باختصار في كتاب Rey فقد درسها بالتفصيل van Berchem في Inscriptions arabes de syrie القاهرة سنة 1897، ص 64 - 69؛ وفي Inschriften: Freiherr v. Oppenheim .aus Syrien etc مع خبر استيلاء بيبرس على الحصن. وقد نشر سوبرنهيم Sobernheim جميع الكتابات التي في الحصن وفى المدينة وتاريخها (مع مختارات من المصادر) في كتاب. Corp Insc. Arab. جـ 2 ص 14 - 35 مع تخطيط للمسجد ورسوم. الشنتناوى [سوبرنهيم M. Sobernheim] + حصن الأكراد. معقل في سورية معروف في أوربا باسم "- Crac des chev aliers" أي قلعة الحصن وهو يتوج إحدى قمم جبل الخليل المستديرة المنعزلة تقريبًا، وجبل الخليل هو آخر منعطف جنوبى بجبل الأنصارية، ويبعد حوالى 60 كيلو مترًا عن شمالى غرب حمص. وهو على هيئة وكر النسر، ويقوم فوق قُنّة ارتفاعها 750 مترًا على أنف يكتنفه بطنا جبل من الشمال الشرقى، والشمال الغربى، ويشرف من ارتفاع قدره 300 متر على سهل البُقَيْعة الذي يمتد إلى الشرق والجنوب. وإبان حكم الفرنجة كان هذا الإقليم المزروع الكثير الخصوبة يضم حقولًا كثيرة من المزارع التي تظلها أشجار التين والزيتون. ويتحكم حصن الأكراد في الأخدود الذي بين جبل عَكْار وجبل البحراء، وهو حلقة الاتصال بين السهل الساحلى شمالى طرابلس الذي يقطعه النهر الكبير (Eleuthera)، والذي يفيض أسفل الحصن، وبين سهل حمص الذي ترويه مياه نهر العاصى. ويقطع هذا الموقع الاستراتيجى الطريق على أية حركة بين طرابلس وحمص، ويتيح مراقبة المنفذ الشمالى لسهل البقاع. وتولى حصن الأكراد أيضًا الدفاع عن

حدود كونتية طرابلس في الشمالى الشرقى، وكان بمثابة ثغر يهدد أراضى الدولة الإسلامية. ويمر هنا طريقان استخدما بالفعل في العصور الرومانية أحدهما من حماة إلى حمص والآخر من رفَنيّة إلى طرطوس. وكان حصن الأكراد يتصل ببعض الحصون المجاورة بالإشارات المرئية أو بالإشارات النارية. ويمكن أن ترى بوضوح من فوق قمة حصن الأكراد البرج المربع بصافيتا وطرطوس القريب من البحر من ناحية الغرب، ومن الجنوب الشرقى، ووراء سهل البقيعة ترى بحيرة حمص وحافة صحراء تدمر. ومن ناحية الجنوب، كان الاتصال متيسرًا بقلعة (قُلَيْعَة) في السهل الساحلى لطرابلس، وبقلعة عَكَّار القائمة في سفح جبل عكار، ويكسوها الجليد معظم أيام السنة. ومنذ أقدم العصور، كان ثمة قلعة في موقع حصن الأكراد. وفى النصوص المصرية القديمة، كانت تقوم في موقعه بلدة اسمها شبتون أو شبتونة إبان غزوة رمسيس الثانى، ويظهر أقدم ذكر لحصن الأكراد في النصوص العربية في النصف الأول من القرن الخامس هـ (الحادى عشر الميلادى) حين أقام ملك حلب المرداسى شبل الدولة نصر مستعمرة حربية للكرد سنة 422 هـ (1031 م) وأقطعهم الحقول المجاورة لها مقابل قيامهم بحماية الطرق الممتدة من حمص وحماة إلى طرابلس من الهجمات القادمة من الغرب. ويبدو أنَّه لم يكن هناك سوى برج بسيط يحوطه استحكام: وكان يسمى (حصن السفح) ولم يبق من أثره شيء البتة. وحين بلغ الأكراد هذا الموقع صار يعرف بحصن الأكراد. أما أصل الاسم الذي أطلقه الفرنجة في العصور الوسطى (في Carc de L'ospital) فأمر غير مؤكد. ولربما كان مصطلح أكراد هو أصل الاسم الفرنجى Cratum. الذي تحول فيما بعد إلى Cart، ثم إلى Carc: وربما تكون الكلمة الأخيرة قد اشتقت من كلمة كرك، وأصلها السريانى كركة أى (قلعة). وعبارة

" Crat des chevaliers" عبارة حديثة، وتتمشى بشكل ما مع الاسم العربى الحديث "قلعة الحصن" وهي حشو ظاهر في الكلام. فترة الفرنجة الأولى، من سنة 503 - 537 هـ (1115 - 1142 م). في أثناء الحملة الصليبية الأولى استولى ريموند الصنجيلى على القلعة في صفر سنة 492 هـ (يناير 1099 م). وكان لاستيلائه عليها بعض النتائج المؤثرة، وقام ريموند باستقبال السفراء من حمص وطرابلس، ولكن الفرنجة مكثوا هناك بضعة أيام، إذ كان هدفهم الأساسى منذ ذلك الوقت هو بيت المقدس. وفى جمادى الآخرة سنة 495 هـ (إبريل 1102 م) حاول ريموند الاستيلاء على حصن الأكراد مرة أخرى. وبعد الاستيلاء على طرابلس في أواخر سنة 502 هـ (يولية 1109 م) تقابل الفرنجة فجأة مع طغتكين أتابك دمشق. وأسفرت المفاوضات التي جرت بين الطرفين عن تنازل المسلمين عن ثلث محصولات البقيعة، وعن قلعتى مُنَيطرِة وعكار، على ألا يعود الفرنجة مرة أخرى إلى مهاجمة حصن الأكراد الذي أجبر على دفع الجزية للفرنجة. وبعد فترة وجيزة، أى في أواخر سنة 503 هـ (يونية 1110 م) ظهر تانكرد الأنطاكى وانتزع القلعة من أمير الكرد قرجة وأقام بها حامية للفرنجة. ولما توفى برتراند الصنجيلى Sanit Gilles في شعبان سنة 505 هـ (فبراير 1112 م) تولى تانكرد برعايته "بونز" أكبر أبناء ريموند، وأقطعه القلعة. وشهدت نهاية سنة 508 هـ (ربيع سنة 1115 م) أول هجوم للمسلمين، إذ سار الأمير ألب أرسلان من حلب وحاصر حصن الأكراد بلا جدوى، ولم يقع أى حادث آخر ذى بال قبل سنة 536 هـ (1142 م). فترة الفرنجة الثانية، من سنة 537 - 670 هـ (1142 - 1271 م). استولى الأتابك زنكى على بارين ورَفَنيَّة وأصبح التهديد الإسلامى منذ هذا الوقت أمرًا ملموسًا. وتنازل ريموند الثانى ابن بونز عن حصن الأكراد

لفرسان الاسبتارية، وعن كل الأراضى المحيطة به، وعن القلاع الصغيرة المجاورة، ومنحهم أيضًا حق الصيد في بحيرة حمص. وعوَّضَ وليم الكراتومى صاحب إقطاع القلعة، وظل القرويون بالمناطق المجاورة تحت حماية الفرنجة. وفي رجب سنة 552 هـ (أغسطس - سبتمبر 1157 م) حدث زلزال عنيف صدع جدران الحصن، وقام ريموند أمير له بوى La Puy الرئيس الأكبر لفرسان الإسبتارية بإصلاح ما أصابه من عطب على وجه السرعة، ونال لقاء ذلك منحة سخية من ولد سلاس الثانى ملك بوهيميا. وكانت قلعة الأكراد القديمة التي وسعها حاكم القلعة هي التي وقع عليها نظر نور الدين سنة 557 هـ (1163 م) قبل أن يضطر إلى الالتجاء إلى بحيرة حمص في ساعة القيلولة. وفى سنة 565 هـ (1170 م) تعرضت منطقة حصن الأكراد لزلزال آخر أشد قوة، كان من نتيجته إجراء إصلاحات واسعة للحصن، وتقدم العمل فيها سنة 584 هـ (1188 م) تقدمًا أتاح له مقاومة صلاح الدين. وقد وقعت زلازل أخرى سنة 597 هـ (1201 م)، وسنة 598 هـ (1202 م) استلزمت إجراء ترميمات واسعة النطاق. ويرجع تاريخ المظهر العام لحصن الأكراد إلى تلك الفترة. وبلغ حصن الأكراد في الثلاثين سنة الأولى من القرن السابع الهجرى (الثالث عشر الميلادى) ذروة مجده. ففي سنة 613 هـ (1207 م) صد الفرسان هجومًا للملك العادل أبي بكر، وفى سنة 624 هـ (1218 م)، أى في أثناء الحملة الصليبية الخامسة، قدم جيش الملك الأشرف من حلب ليعسكر أسفل الحصن. وفى السنة نفسها خصص الملك أندرو الثانى ملك المجر حصة من ريع الضرائب لصيانة الحصن حيث كان ينزل فيه ضيفًا. ولم يدخل فردريك الثانى فرسان الاسبتارية وفرسان حصن الأكراد في اتفاقية السلام التي أبرمها فى ربيع الأول سنة 626 هـ (فبراير 1229 م) مع السلطان الأيوبي

الملك الكامل وحاول الملك الكامل بلا جدوى أن يستولى على حصن الأكراد في جمادى الآخرة سنة 626 هـ (مايو سنة 1229 م). وفى هذا الوقت قام حكام حصن الأكراد بجباية جزية مقدارها 4000 دينار من ولاية حماة، و 800 دينار من إقليم أبو قُدَيْس، و 1200 دينار ومائة مُد من القمح والشعير من الإقليم الإسماعيلى (بلاد الدعوة).، وتوقف أداء هذه الجزية سنة 665 هـ (1266 م) بعد إبرام اتفاقية سلام مدتها عشر سنوات مع بيبرس (المقريزى، طبعة Hist.: Quatremere Maml جـ 1 ص 2، 32، 42). وكان حصن الأكراد الذي بلغ عدد حاميته في الأوقات العادية حوالى 60 فارسًا من فرسان القديس يوحنا، بمثابة نقطة تجمع للحملات التي شنت على حماة في أغلب الأحوال. ففي سنة 630 هـ (1233 م) تجمع في حصن الأكراد أكثر من 2000 مقاتل: 100 من قبرص، و 80 من بيت المقدس، 30 من أنطاكية، 100 من الإستبارية، 400 من الملازمين و 1500 من المشاة. وبعد فشل الحملة الصليبية السابعة في المنصورة سنة 647 هـ (1249 م)، ورحيل القديس لويس بدأت أولى المصاعب، حيث توقف وصول المزيد من التعزيزات من أوربا. أضف إلى ذلك أن المسلمين كانوا يزدادون قوة؛ وفى أواخر سنة 649 هـ (مطلع سنة 1252 م) غزا جيش تركمانى من شيراز هذه المنطقة، إلا أن هجوم هذا الجيش على حصن الأكراد باء بالفشل. وفي سنة 658 هـ (1260 م) , أي بعد انتصار المسلمين على المغول في عين جالوت، ظهر بطل جديد للإسلام هو بيبرس الأول. ومنذ هذا الوقت، حلت بالنصارى كارثة تلو كارثة. ففي جمادى الآخرة سنة 668 هـ (يناير سنة 1270 م) أرسل السلطان جماعة للاستطلاع قوامها 40 فارسًا، وفى

صفر سنة 669 هـ (سبتمبر - أكتوبر سنة 1270 م) علم السلطان بوفاة القديس لويس، ولم يعد بذلك مهددًا من ناحية الغرب، فقاد حملة قوية على سورية، وظهر بيبرس أمام حصن الأكراد؛ وفى التاسع عشر من رجب سنة 669 هـ (3 مارس سنة 1271 م) احتل خطوط الدفاع المتقدمة، ودَكَّ السور الأمامى للحصن؛ ووصلت الإمدادات من حماة، فاستولى في اليوم الحادى والعشرين من هذا الشهر على أول حصن أمامى (باشورة)، وبعد عشرة أيام، أي في غرة شعبان (15 مارس) سقط الحصن الأمامى الثانى القائم عند منعطف المنحدر الموصل إلى حصن الأكراد. وأخيرًا حدث في الخامس عشر من شعبان (29 مارس) أن استطاع السلطان دخول الرحبة الكبرى، وانسحب المدافعون المحَاصروُن إلى البرج المحصن. وشن بيبرس هجومه بالمجانيق. وفى الخامس والعشرين من شعبان (8 ابريل) استسلم البرج المحصن، وسمح للفرسان بالتوجه إلى طرابلس آمنين. والرسالة المنحولة لحاكم طبقة الفرسان الأكبر يدعوهم فيها إلى الاستسلام، يقال إنها رسالة زورها بيبرس؛ ويبدو أنها أسطورة أشاعها النويرى. وقد تولى بيبرس نفسه الإشراف على الإصلاحات وغادر الحصن في الخامس عشر من رمضان (17 ابريل) بعد أن أقام صارم الدين قيماز حاكمًا عليه. وفى سنة 680 هـ (1281 م)، أي بعد استيلاء قلاوون على طرابلس، كان حصن الأكراد، الذي يذكره العمرى على أنه حصن هام، قد فقد أهميته، ولكن تركت فيه حامية تصد عنه أي هجوم يأتى من أوربا أو من قبرص هدفه طرطوس أو طرابلس. ولما كانت المنطقة بعيدة عن طرق المواصلات الرئيسية، فإنها كانت بمنأى عن الهجوم، من ثم لم تصب بأذى من غزوة تيمور لنك سنة 803 هـ (1401 م) يماثل ما لحقها من الفتح العثمانى بعد ذلك بأكثر من قرن.

وفى سنة 1859، وفى أثناء أول رحلة للبارون راى، كان حصن الأكراد ما زال سليما تقريبًا، ولكن فان برشم يسجل أنه في سنة 1895, كانت هنا قرية حلَتْ محله بالفعل. وفى نوفمبر سنة 1933 تنازلت دولة العلويين لفرنسا عن حصن الأكراد، وأخليت القرية، وبدأ العمل في إصلاحه بشكل جدى. وفى سنة 1947، أعادت فرنسا الحصن إلى سورية. واليوم، يعد حصن الأكراد عجيبة من عجائب الفن الحربي الباقية من العصور الوسطى؛ ويذكرنا مظهره الحالى بالحالة التي كان عليها منذ سبعة قرون مضت. وصف الحصن. إن الخطة العامة لحصن الأكراد الذي يقوم على مساحة مستوية قدرها هكتاران ونصف هكتار، (ما يزيد على ستة أفدنة) يأخذ شكل معين منحرف قاعدته الصغرى في الشمال، واضلاعه المائله في الجهتين الشرقية والغربية، ويتسع برجه المحصن من الشمال إلى الجنوب. اما مدخله الرئيسى فيقوم في الناحية الشرقية وهو على شكل مستطيل بارز من البرج الحصن الذي أملت تضاريس الأرض خطته، ويضم أبراجًا مستديرة أو مربعة على مسافات متباعدة وفق مقتضيات الدفاع. وبناحيته الشرقية ثلاثة أنوف مستطيلة تحميها فواصل من الخشب أعاد المسلمون بناءها في القرن السابع الهجرى (الثالث عشر الميلادى). أما ناحيته الشمالية فيها أبواب جانبية يقوم على حمايتها برجان مربعان، وقد تم بناء الأجزاء البارزة منها في عصر بيبرس. وقد ألحقت بها خمسة أبراج فرنجية الطراز يرجع تاريخها إلى نهاية القرن السادس الهجرى (الثانى عشر الميلادى) يربط بينها أسوار ساترة تضم شرفاتها المستديرة، وفواصلها الخشبية، فتضفى جمالًا معماريًا على الناحية الغربية. أما الناحية الجنوبية، حيث لا تتوفر خطوط دفاع طبيعية، فقد تمت حمايتها بتحصينات خارجية مثلثة الشكل وتحيط بها ثلاثة أخاديد ما زال أثرها باقيًا كما أن الاستحكام القوى الذي يرجع إلى عصر الفرنجة وتمتد خلفه

رحبة طولها 60 مترًا، فقد تمت تقويته في العصر الإسلامى بإعادة بناء أبراج الزاوية الكبرى، وبتشييد بناء مربع ضخم في وسط السور، أيام بيبرس. وثمة طريق مقنطر في جزئين من حصن الأكراد يمكن بلوغه من المدخل الرئيسى. ويتم الدفاع عنه من منعطفه، ومن طرفيه، ويوفر حرية الوصول إليه سواء إلى الرحبة الداخلية أو إلى أعلى الاستحكام القائم بين البرجين المحصنين. ويبدو أن هذا النظام للبرج المحصن المزدوج المتحد المركز قد اقتبس من التقليد البوزنطى. ويتمشى البرج الداخلى المحصن مع الاستحكامات التي ابتدعها الفرنجة في القلاع والتى حلت فيما بين سنتى 1110 و 1142 م محل القلعة الإسلامية الصغيرة في القرن الخامس الهجرى (الحادى عشر الميلادى) وكانت تحيط بتل صغير، وتزود بأبراج مربعة الشكل أصلًا، وأعيد بناء بعض منها بعدُ على هيئة أبراج مستديرة. وهذا البرج المحصن الذي يسيطر على جميع خطوط الدفاع الخارجية يمكن وصفه على النحو التالى: برج مربع الشكل بالناحية الشرقية للدفاع عن المدخل، وأنف يتمشى مع الزاوية المقبوة للكنيسة الصغيرة. ويقوم هذا الأنف هو والسواتر وسط حاجز ريفى معتدل الحجم يشير إلى أقدم الأجزاء من البناء. وفى الركن الشمالى الغربى، يقوم برج مربع كبير يتخذ هيئة أنف مستطيل الشكل، تحمل واجهته ثلاثة مزاغل تقوم على أقواس كبيرة لإطلاق القذائف على المهاجمين، ولقد عرفت المزاغل في الشرق منذ العصور اليونانية الرومانية وتوضح ذلك حواجز قصر الحير الغربى على الرغم من أن النظام الدفاعى قد انتشر في أوربا وحدها بعد نهاية القرن السادس الهجرى (الثانى عشر الميلادى). وبالجانب الشمالى الصغير من الأنف مدخل جانبى على النمط البوزنطى القديم ينحنى إلى اليمين ليوفر حماية أفضل للمدافعين من حملة الدروع. أما

الناحية الغربية فيها برج مفرد, وبالناحية الشمالية التي تعد مكشوفة أكثر من غيرها بسبب طبيعة التضاريس، توجد مجموعة تثير الإعجاب مكونة من ثلاثة أبراج مزخرفة تقع على المنحدر الخلفى، وتتصل بساترين، وقد استخدم هذا المعقل المنيع برجًا محصنًا. أما البرج الجنوبى الغربى، وكان بهوه مزخرفًا بأشكال جميلة منحوتة، فسمى "مقر الحاكم". وكان البرج الرئيسى أفضل خط دفاعى، حيث يزيد سمك جدرانه على ستة أمتار، وتخترقها فتحتان طويلتان. وأخيرًا، يقوم ناحية الجنوب الشرقى، وبجانب برج الزاوية وبين البرجين المحصنين، بناء مخمس الأضلاع أعاد بيبرس بناءه , وكان مركز تحكم في الاتصالات التي تجرى بين البرجين المحصنين، ويطل على الخندق المائى العظيم، ويسيطر على أسباب الاتصال بالمنحدر المؤدى إلى الرحبة الداخلية. وقد أقيم جسر منحدر عظيم مواجه للسور، وهو يستخدم دعامة, فضلا عن أنه يوفر المزيد من مقاومة هزات الزلازل. وشيدت الأبراج المستديرة في هذا السور الساتر القوى، وعند أسفل البرج المحصن الأصلى الذي يمكن التعرف عليه من الجزء الحجرى الريفى يسير دهليز ضيق به فتحات دائرية. وفى الناحية الجنوبية بركة عظيمة تأتيها المياه من قناة لجر الماء الذي يستخدمه الرجال والدواب، وتوفر مزيدًا من الحماية لما بين البرجين المحصنين. ويرجع تاريخ كل هذه المنشآت الدفاعية الداخلية، وغرف الحراسة المجهزة بدورات المياه ووسائل الصرف، إلى عصر الفرنجة. وهي مقامة في السور نفسه، وتنفتح على رحبة رئيسية فسيحة يمكن الوصول إليها بالطريق المنحدر القائم بالناحية الشرقية. وتحتل النصف الجنوبى من هذه الرحبة غرف مقبوة للخزين تقوم تحت أسقفها شرفة فسيحة. وأمام المدخل من ناحية الغرب غرفة مشورة ذات رواق مُعَمَّد أنيق، وأقواس حادة تعد درة متلألئة من درر الفن القوطى. وفى ناحية الشمال تقوم كنيسة على الطراز الرومانسكى

صغيرة الحجم على هيئة برميل مقبب، وبها أجزاء ناتئة شبه دائرية؛ ويرجع تاريخها إلى نهاية القرن السادس الهجرى (الثانى عشر الميلادى). وقد حول بيبرس هذه الكنيسة إلى مسجد، به ثلاثة محاريب، أحدهما في الجزء النصف الدائرى الناتئ بالاضافة إلى منبر حجرى سميك. وكانت جميع الحاجيات اليومية متوفرة داخل البرج المحصن، وتحمل مياه الأمطار إلى الصهاريج من خلال قنوات فخارية، فتستكمل بها البئر القائمة بالرحبة الرئيسية. وبنيت في الجزء الجنوبى من البرج الخارجى المحصن اسطبلات كبيرة طولها 60 مترًا، وعرضها 9 أمتار، استخدمت في حماية الماشية في أثناء الحصارات. أما البرج الشمالى الغربى فيه طاحونة هوائية. ذلك بجانب الأجران، ومخازن حفظ المؤن، وصوامع الغلال، وقوارير الزيت والنبيذ، وأحجار الرحى، ومعاصر النبيذ، وتنّور لتزويد الحامية بالطعام والمؤن في ظل أية ظروف. وفى أسفل التل قرية ذات مصاطب سميت "بيوت الحصن" وكان بها مجتمع زراعى يزرع الأرض المحيطة بمحاصيل الحبوب، ذلك إلى جانب المراعى، وأشجار الفواكه والخضر. والحصن الذي كان يغلقه جدار ذو بابين في العصور الوسطى مقسم قسمين: حارة التركمان وحارة السرائية. ويقوم المسجد الجامع في الحارة الأخيرة وكان من قبل كنيسة، أجرى بيبرس التعديلات اللازمة فيها لتلائم حاجة الإسلام. ويرجع تاريخ مئذنة المسجد إلى القرن الثامن الهجرى (الرابع عشر الميلادى) ومن المرجح أن تاريخها يرجع إلى زمن الحاكم بكتكين (719 هـ = 1319 م). ولا يزال يقوم بالمقبرة قبرا الأميرين اللذين ولاهما بيبرس وقتلا في أثناء الهجمات التي تعرض لها الحصن، وكذلك ضريح سائس السلطان الذي قتل بجواره. المصادر: (1) Le crac des chev-: P. Deschamps aliers مجلدان. (المتن، واللوحات)، باريس سنة 1934.

(2) ابن القلانسى: التأريخ، طبعة Amedroz, ص 167, 181. (3) ياقوت، جـ 2، ص 276 - 277 (4) ابن جبير، الرحلة، ترجمة Broadhurst, ص 265، 268 (5) Le Strange: palestine, ص 390، 542. (6) M.van Berchem: Inscrription arabes de syrie في MIE، عدد 3 (سنة 1897)؛ وانظر Notes sur les croisades في المجلة الآسيوية، عدد 19 (سنة 1902)، ص 446 وما بعدها وانظر Arbische Inschriften في - M. von Op Beitrage, Inschrifen aus Syrien, penheim Zur Assyriologie, جـ 7 - 1 (سنة 1909)، ص 13 - 16 من الطبعة الجديدة. (7) M.Sobernheim, CIA, جـ 2: - Sy rie de Nord (= MIFAO جـ 25 سنة 1909)، ص 14 - 36. (8) Voy-: E.Fatoi, M. Van Berchem age en syrie في MIFAO جـ 37 - 38 - 1 (سنة 1914 - 1915)، ص 135 - 164. (9) his-: R. Dussaud Topographie de la Syrie torique, سنة 1927، ص 106. وما بعدها. (10) Manuel d'archeologie: C.Enlart Francaise الطبعة الثانية، جـ 2/ 2، باريس سنة 1940, ص 635 - 641, الخطة (11) Syrie du Nord: Cl. Cahen، باريس سنة 1940 , ص 225 - 256، 715، 719. (12) Fedden R.: Crusader Castle لندن سنة 1950، ص 50 - 54. (13) De l'Amanus au: M.Dunarsd sinai. sites et monuments بيروت سنة 1953، ص 70 - 71. (14) Moyen Orient: Guides Bleus, باريس سنة 1956، ص 257 - 263، Hist .Crus جـ 1، جـ 2، والكشافات. حسن شكري [ن. إليسييف N.Elisseff]

الحصين

الحصين بن نمير من القبيلة الكندية التي كانت تنزل سكربن، وهو شيخ السفيانية. وقد قاتل في صفوف الأمويين في وقعة صفين. ولما تولى يزيد الأول الخلافة كان الحصين واليًا على جند حمص الهام، وقد توسط، وهو في هذا المنصب، عند الخليفة لابن مفرَّغ الهجّاء، وكان عبيد الله بن زياد قد حبسه، فلما أن استقر الرأى على توجيه حملة على المدن المقدسة في الحجاز عُيِّن الحصين نائبًا لأمير الجيوش مسلم بن عقبة، فأبلى بلاء حسنًا في وقعة الحرّة، واستشهد مسلم في الزحف صوب مكة فتولى الحصين قيادة المؤمنين وحاصر المدينة شهرين، وكان على وشك الاستيلاء عليها لولا أن الموت عاجل يزيدًا فأوقف القتال. وحاول الحصين أن يحمل ابن الزبير على مصاحبته إلى الشام لينادى به خليفة فيها ولكنه لم يفلح في إقناعه فرجع بجيشه إلى الشام. ولما بايع الناس كافة مروان بن الحكم بالخلافة أنفذ الحصين إلى بلاد ما بين النهرين تحت إمرة عبيد الله بن زياد فسحق الشيعة الذين كان يتزعمهم سليمان بن صرد (24 جمادى سنة 65 هـ = 6 يناير سنة 685 م)، ومات بعد ثلاث سنوات من هذا التاريخ (سنة 67 هـ = أغسطس سنة 688 م) متأثرًا بجراح أصابه بها إبراهيم بن الأشتر في الوقعة التي جرت على ضفاف الخازر. المصادر: (1) الطبرى: التاريخ (طبعة ده خويه)؛ جـ 1، ص 2004، 2220؛ جـ 2، ص 409 - 568، 571، 711, 714. (2) Das Arabische Reich: Welhausen und sein Sturz؛ ص 116 - وانظر باقى المصادر في Le califat de: H.Lammens Yazid Ir ص 312 - 316، 259 - 629. خورشيد [لامنس H. Lammens]. حضانة وحَضَانة: هي في اصطلاح الفقهاء حق حضانة الطفل، وهي فرع من الولاية على شخص، وهذه الولاية وإن كانت تمارسها في القاعدة الأم أو أية

امرأة من قريبات الأم، فإنه من الجائز في بعض الظروف أن يقع عبء ذلك على الأب أو على قريب من أقربائه. ونظام الحضانة له شأن كبير جدًا في تطبيق الشرع لما ينشأ عنه من خلافات عدة في هذا الموضوع، وخاصة إذا كان الزوجان مفترقين، وأخص من ذلك كله إذا كان الزوجان قد افترقا بطلاق الزوجة. (أ) وحق الحضانة من حيث النظر يبدأ بولادة الطفل سواء كان ذكر أو أنثى، وكان الزوجان يعيشان معًا (الزيلعى: التبيين، جـ 3 ص 46). على أن معظم الكتاب، أيا كان مذهبهم، يدركون أن المصاعب في هذا الأمر لا تنشأ بطبيعة الحال إلا بانحلال عقدة الزواج، وهم لذلك يحصرون تفسيراتهم في هذا الفرض دون سواه. وإذا لم يكن الزوجان قد افترقا فإن ثمة مجموعتين من الظروف وحسب تجعل حق الحضانة للزوج يواجه به الزوجة: إذا كان للزوجة سكن خاص منفصل عن سكن الزوج، إما لأنه سمح لها بذلك (في المذهب الحنفى) أو لأن الزوجة قد احتفظت لنفسها بهذا الحق في بند من بنود عقد الزواج (في المذهبين المالكى والحنبلى) أو لأن الزوج قد عزم على أن يأخذ الطفل الصغير معه في رحلة بدون الزوجة. وفى هاتين الحالتين فإن المذهب الحنفى دون سواه هو الذي خرج بالنتائج المنطقية من المبدأ القائل بأن الحضانة حق للأم حتى قبل حل عقدة الزواج. ومن ثم فإن الزوج ليس له أن يسافر مع طفله الذي لا يزال بعد في حضانة أمه مخالفًا رغبتها (الكاسانى، جـ 4، ص 44) أما كتّاب المذاهب الأخرى فإن عنايتها أقل من ذلك انصرافًا إلى الحضانة في حالة قيام الزواج ومبدأهم في هذا الموضع: فيه كثير جدًا من الاضطراب. (ب) - وفى رأى معظم المذاهب أن الحضانة تنتهى بسن السابعة للصبى الذي يستطيع إذا بلغها أن يطعم نفسه ويلبس دون مساعدة طرف آخر، وتنتهى بالبنت قبل سن البلوغ (حوالى التاسعة). وفى مذهب مالك أن الحضانة تنتهى بسن البلوغ للصبى، وبإتمام الزواج للفتاة.

وفى المذاهب الثلاثة التي تنهى مبكرًا جدًا حق الحضانة للأم وغيرها ممن تقع عليهم الحضانة (مذاهب الحنفية والشافعية والحنبلية) تنشأ مسألة هي: ما مصير القاصر حين يخرج عن عناية أمه. ويجب ألا نفسر هنا أن هذا الأمر ينصرف إلى الطفل الذي بلغ سن التعقل. ففي مذهب أبي حنيفة أن الطفل أو الطفلة في هذه الحالة يضم فرضًا إلى أبيه فإذا كان الأب متوفيًا أو غير أهل لذلك، فإنه يضم إلى قريب من الذكور تقع عليه ولاية الطفل بشرط في حالة البنت، هو أن يكون الولى قريبًا ومن المحارم، وبعبارة أخرى فإن الصبى البالغ السابعة والبنت البالغة التاسعة لا يوخذ رأيهما في الولى، ذلك أن المذهب الحنفى يرى أنهما أصغر من أن يستطيعا اتخاذ قرار في ذلك معقول. والشافعية (المهذب، جـ 2، ص 171) والحنابلة (المغنى، جـ 7، ص 614) يسمحون للصبى في السابعة أن يختار العيش مع أمه أو الانتقال إلى بيت أبيه. وهذا الاختيار يمنح للبنت إذا بلغت سن التاسعة، على أن هذا الإختيار إنما منحه لها مذهب الشافعي. وعند البلوغ (حوالى سن الخامسة عشرة، انظر مادة "بالغ" (تمنح المذاهب كلها الغلام الحق في سكن منفصل عن سكن أبيه، أو منفصل عن سكن أمه إذا كان قد اختار أن يعيش معها وهو في السابعة، كما يسمح بذلك المذهب الشافعي والمذهب الحنبلى. على أنه من الممدوح أن يقيم مع والديه. أما البنت التي بلغت سن البلوغ فإن من العجيب أن المذهب الشافعي قد تسامح معها أعظم التسامح، ذلك أن فقهاء هذا المذهب لم يمنعوا أن يكون لها سكن منفصل وإن ذهبوا إلى أن هذا "مكروه" خلقيًا (المهذب، جـ 2 ص 169). وفى المذاهب الأخرى فإن البلوغ لا يحرر البنت البكر من ولاية والديها. وقد رأينا أن المذهب المالكى يقضى بأن تظل في ولاية أمها حتى يتم زواجها. ويقف المذهبان الحنفى والحنبلى منها موقفًا كثير الشبه بهذا، فهما يقضيان بأن البنت البكر لا يمكن أن تغادر أبيها حين تبلغ لأنها تجهل الرجال ومكايدها. على أن

البنت إذا تجاوزت سن البلوغ وكانت ثيبًا: أرملة أو مطلقة، فإن لها حرية الحركة، بل أن الحنفية يقيمون بعض التحفظات في حالة البنت التي لا يضمن سلوكها، فيرون أنها يجب أن تعيش مع أبيها ولو كانت ثيبًا. جـ - وثمة قواعد مختلفة تحكم إنقضاء حق الحضانة في المذاهب على اختلافها، ويمكن أن نقسمها مجموعتين من هذه الوجهة. فمن ناحية نجد الحنفية والمالكية وإن لم يقصروا حق الحضانة على النساء، فإنهم قد جعلوا هذه الميزة على الأقل وظيفة يفضل في ولايتها دائما النساء حتى أنهم في حالة تساوى قريبتين للأم فإن القريبة من الرحم أولى من القريبة من الدم، ومن الناحية الأخرى نجد الشافعية والحنبلية وإن كانوا يفضلون في الحضانة تفضيلا جازمًا بعض النساء (الأم أو الجدة للأم أو الجدة للأب) فإنهم لم يترددوا حيال بعض الظروف أن يفضلوا في الحضانة الرجال على النساء ولو كان النساء على قرابة وثيقة بالطفل. وفى رأى فقهاء المذهبين الأولين أن الحضانة تكون في المقام الأول للأم، ففي غيبة الأم، أو إذا كانت غير أهل للحضانة أو نزلت عن هذا الحق، فإن الحضانة تنتقل إلى الجدة للأم، والأقرب من الجدات يجب الأبعد، ثم تنتقل الحضانة إلى جدات للأب (في مذهب مالك الخالات يأتين قبل الجدات من ناحية الأب، ويأتى بعد ذلك الشقيقات من الأب والأم والشقيقة من الرحم قبل الشقيقة من الدم ثم يأتى بعد ذلك بنات الأخت (إلا بنات الأخت من الدم اللآئى يمتن بصلة القرابة للطفل من الأب وحسب) والخالات مفضلات على العمات. وفى هذين المذهبين تقع الحضانة بمعناها الحقيقى على الرجال في حالة غياب جميع القريبات من المحارم. وتندمج هاتان الصفتان في صفة واحدة وامرأة واحدة إذا كانت تحجب الحضانة عن الرجل. ولذلك لا يدخل في الاعتبار بنات العم وبنات الخال الشقيقات لأب وأم لأن الفقه الإسلامى لا يقف في سبيل الزواج بين أبناء

الخئولة وأبناء العمومة. زد على ذلك أن وجود المرضعة أو ابنة المرضعة، بالرغم من قيام حائل يحول دون الزواج، فإن هذا الوجود لا يمنع الرجال من تولى الحضانة لأن المرضعة أو ابنتها ليست قريبة للطفل من الدم. والرجال الذين نحن بصددهم هم اولاد "العصبات" الذين تأتى درجتهم في الدرجة نفسها التي يقضى بها قانون الوراثة، ومن ثم الأب، وفى حالة غياب أي عاصب، فإن الفقه الحنفى يلقى بعبء الحضانة على الذكور الأقرباء من ناحية النساء، ويقتصر في ذلك على الذكور الذين لم يكن يباح لهم الزواج في حالة ما إذا كانت الحضانة تنصب علي بنت. ويأتى بعد هؤلاء الأقارب، رجالًا ونساء الذين ليسوا من المحارم (أبناء العم أو الخال الأشقاء، وأولادهم إلخ) والرجال يحتضنون الصبيان، والنساء يحتضن البنات. وثمة حالة واحدة يترك فيها الأمر للقاضي إذ يكلف بالحضانة شخصًا من أهل الثقة، وهذه الحالة هي عدم وجود قريبات أو أقرباء للطفل. وفى المذهبين الآخرين، أى مذهب الشافعي ومذهب ابن حنبل، فإن أولوية النساء بالحضانة أقل إطلاقًا منها في فقه أبى حنيفة وفقه مالك، ويمكن للرجال أن يتولوا الحضانة حتى في الحالات التى يوجد فيها قريبات قرابتهن بالطفل قرابة لا بأس بوثاقتها. ولذلك فإنه في غياب الأم والجدات للأم، أو إذا كانت الأم محجوبة عن الحضانة أو غير أهل لها أو نزلت عن حقها فإن الحضانة تؤول للأب، ثم للجدات من ناحية الأب. وثمة خصيصة أخرى لهذين المذهبين هي أن الشقيقة من الدم مفضلة على الشقيقة من الرحم والعمة على الخالة (المهذب، جـ 2، ص 170، 171, المغنى، جـ 7 ص 623) وهذان الحلَّان يناقضان مناقضة مباشرة الحلين اللذين يقولان بهما المذهب الحنفى والمذهب المالكى. د - وفقهاء الحنفية لا ينفكون قط عن النظر في طبيعة الحضانة وهل هي حق الحاضن أم حق الطفل؟ وقد انتهوا بصفة عامة إلى القول بأنه وإن كانت الحضانة حق للحاضن (سواء كان

رجلا أو امرأة)، وهذا يوضح كيف أن الأخير يمكن أن يرفض حمل هذا العبء، فإن الحضانة هي فوق كل شيء وأول كل شيء حق الطفل وفى مصلحته تقررت ظروف الأهلية لهذه الوظيفة. ولما كانت مصلحة الطفل تحكم جميع حلول الفقه في هذه المسألة فإن المرأة الحاضنة (ومن أجل المرأة كثرت كثرة كاثرة ضمانات الفقه) يجب أن تكون بالغة عاقلة قادرة على العناية بالطفل في أمان، ومن ثم فإنها تحرم من الحضانة إذا كانت مشاغلها تبعدها عن البيت مدة طويلة في اليوم. ومن الضروري أيضًا ألا تكون "فاسقة" وألا يكون سكنها المعتاد مكانًا للفحش، مما يجعل الإضرار بالطفل أمرًا ثابتًا. وكذلك فإن المرض والعاهات تكون سببًا في منع الحضانة. وهذا معقول جدا لأن المرض والعاهات يحولان دون المرأة والعناية الواجبة بالطفل الصغير: وكانت الإماء، وقت أن كن موجودات، محرومات من الحضانة. وتكاد مبادئ المذاهب الأخرى في هذه المسائل لا تختلف عن المذهب الحنفى. وثمة طائفتان من الظروف تعلق عليها آراء الفقهاء أهمية عملية كبيرة ونعنى بذلك القدرة على ممارسة حق الحضانة، أولاهما تقع حين تتزوج الحاضنة (وخاصة الأم) مرة أخرى؛ وثانيتهما حين يكون الأب مسلم والمرأة التي تناط بها الحضانة ليس مسلمة. والفقهاء مجمعين في رأيهم عن المسألة الأولى، ذلك أن زواج أم مطلقة أو أرملة هو بطبيعة الحال سبب في فقدان الحضانة، إلا إذا تزوجت رجلًا يمت بصلة القرابة للطفل في نطاق المحارم. ولكن كيف فسر الفقهاء القاعدة والاستثناء مع التوفيق بينهما وبين المبدأ القائل بأن الحضانة تتقرر في مصلحة الطفل؟ وتفسيرهم في ذلك بسيط أو قل سديد. ذلك أن المرأة إذا عادت للزواج بعد الترمل أو الطلاق (ومن حيث العمل هي وحدها التي يعنيها الأمر) فإنه يجب عليها شرعًا بأن تكرس وقتها كله لزوجها الجديد، فالشرع والأخلاق والدين يقضى بذلك، فكيف يمكنها في ظل هذه الظروف أن تمنح الطفل الذي تحتضنه العناية التي

تتطلبها سنه الغضة؟ والأمر على خلاف ذلك إذا كان الزوج الجديد يمت بقرابة وثيقة للطفل (كأن يكون عمه مثلًا) ذلك أن من المنتظر أن تمنعه عاطفته الطبيعية من أن يتأذى لعناية زوجه بالطفل. ويأتى بعد ذلك في مقام التواتر المسألة الثانية الخاصة بظروف القدرة على ممارسة الحضانة وهي إختلاف دين الزوجين. ولنفترض أن الأم، أرملة أو مطلقة من زوج مسلم وهي نفسها ليست مسلمة، فهل تترك الحضانة لها؟ والجواب بلا عند الشافعية (المهذب، جـ 2، ص 169) وعند الحنابلة (المغنى، جـ 7، ص 613, وحجتهما في ذلك لا تخلو من الرجحان. أفليس الكفر أخطر من مجرد سوء السيرة؟ ونحن نعرف أن سوء السيرة تنقض الحضانة بالنسبة للنساء والرجال. زد على ذلك فإنه إذا صح أن نظام الحضانة قد شرع لمصلحة الطفل فكيف يمكن أن تتحقق هذه المصلحة حين يكون أغلى ما يملكه الطفل، وهو الإسلام، مهددًا بإمكان قيام الأم بالدعوة لدينها والضغط على الطفل بما يحقق مصلحة هذا الدين؟ والمالكية على شيء من التردد، والحنفية في مزيد من الحسم، يقررون أن الذمِّية لها الحق في الحضانة، ثم إن الحنفية بعد يضيفون بعض الشروط على هذه القاعدة (الزيلعى: التبيين، جـ 3، ص 39) تفقد بمقتضاها المرأة غير المسلمة حق حضانة الطفل إذا سعت إلى أن تحوله عن دين أبيه بشرط أن يكون الطفل قد بلغ السن التي تمكنه من فهم واجباته الدينية. ولما كانت هذه السن تتفق على تفاوت مع السن التي تنتهى فيها الحضانة بطبيعتها، على الأقل بالنسبة للصبيان، فإن أهمية الشروط الحنفية تصبح قليلة الشأن. وأهم من ذلك القاعدة التي تقتضى وحدة الدين حين يتولى "عاصب" في غيبة النساء، الحضانة ما دام انتقال حق الحضانة التي يتولاها الرجال تسير على القواعد نفسها التي تسير عليها الوراثة، ذلك أن اختلاف الدين، كما نعلم، يمنع من الوراثة في الشريعة الإسلامية. ومن نافلة القول أن نذكر أن المرتدة عن دينها تحجب في أي مذهب عن

الحضانة، فبصرف النظر عن أي شيء آخر فإنه كيف يتأتى لها أن تعنى بالطفل، على حين أنها في رأى الفقهاء، يجب أن تزج في السجن فورًا وتظل فيه حتى تعود إلى الإسلام؟ وحين يحدث أن تحرم المرأة حقها في الحضانة لأى سبب كالعجز أو عدم الأهلية أو الزواج من خارج العائلة أو المرض، فإنها تستطيع أن تسترد حقها في الحضانة إذا زال المانع إلا في الفقه المالكى. وهذا المبدأ صيغ في وضوح فيما يتعلق بعودة المرأة إلى الزواج، ومن المتفق عليه أنه يمتد إلى الأسباب الأخرى التي تعوق الحضانة أو تفسخها. (هـ) وتفصل كتب الفقه الكلام عن مسألة لها أهمية عملية كبيرة، ولو أن قواعدها أصبحت الآن قد عفى عليها النسيان إلى حد كبير بسرعة المواصلات. ذلك أنه يحرم على الحاضنة أن تسكن الطفل في مكان بعيد عن سكن أبيه، وإذا غضضنا الطرف عن الفروق وفروع الفروق التي يضعها الكتَّاب فإن المسألة الجوهرية أن المرأة الحاضنة (والرجل إذا تولى الحضانة) ممنوعة من أن تنقل الطفل إلى مكان أبعد بحيث لا يستطيع الأب في يسر أن يشرف على تعليمه وسلوكه وأن يتولى العناية بما يحقق خيره. والخروج على هذا المنع قد يتسبب في انقضاء الحضانة إلى شخص آخر سواء الأب أو أية امرأة أخرى من فرعه. وإنما ينظر الحنفية إلى حالة أكثر ما تكون تواترًا، وهي حالة الأم تطلق وتصبح حرة في حركتها وهي حاضنة لطفل، فيضيفون إلى شرط منعها من أن تسكن الطفل في مكان بعيد عن الأب، شرطًا هامًا، وهو شرط يمليه الحس العام والإنصاف، فمن بين النساء جميعا اللاتى يجوز لهن تولى الحضانة فإن الأم المطلقة وحدها يمكن أن تحمل طفلها معها إذا استقرت على أن تعود إلى البلد الذي ولدت فيه وعقد الزواج الذي انجبت بمقتضاه الطفل مهما بعد هذا البلد. ذلك أنه من القسوة حقًا أن يؤخذ الطفل الصغير من زوجة مطلقة تعود إلى البلد الذي تسكن فيه

أسرتها جميعا والتى حملها زوجها السابق على تركه بزواجه منها. ويجب أن نذكر أن المذهب الحنفى لا يجعل الحضانة تنفض من تلقاء ذاتها إذا خالفت الحاضنة القاعدة التي تمنعها من الانتقال بالطفل من سكن أبيه. وكل ما على القاضي هو الحكم بالعودة إلى المكان الذي يعيش فيه أبوه. وفى رأى المذاهب الثلاثة الأخرى أن حضانة الطفل تنتقل إلى الأب حين تستقر الأم المطلقة في مكان بعيد. وتصدق هذه القاعدة على الأب الذي يسكن بعيدًا (ولا يكاد هذا الأمر أن يكون منصفًا). (و) ومن الصفة المزدوجة للحضانة فإنها تكون في الوقت نفسه ميزة للأم (وغيرها ممن هم أهل للحضانة) وهي أيضًا إجراء لحماية الطفل الصغير ومن ثم فهي تنتهى من حيث الأم والطفل إلى النتائج الآتية: المرأة المؤهلة لحضانة الطفل ليست ملزمة بقبول الحضانة إلا إذا كان الأمر يخص الأم، بل إن الأم عند الحنفية مفروض عليها أن تقبل الحضانة في حالة واحدة هي استحالة وجود حاضنة أخرى، ذلك أن مصلحة الطفل تعلو على حق الأم. ويفسر هذا ما جرى عليه الفقه الحنفى من أن الحاضنة تستطيع بلا حرج أن تطالب بأجر غير نفقة إعالة الطفل ويقع هذا بطبيعة الحال على الأب إلا إذا كان للطفل ثروة تخصه. ويفترض في هذا الأمر أن يكون الزوجان منفصلين وأن تكون فترة العدة قد انقضت. وفى غير المذهب الحنفى فإن الأم لا تستطيع أن تطالب بأجر علاوة على نفقة الطفل. ويذهب المالكية إلى حد رفض الأجر لجميع المؤهلات للحضانة. وإذا حدث أحيانًا، في رأيهم، أن تطلب أم محتاجة نفقة من مال طفلها، فإنها لا تفعل ذلك باعتبارها حاضنة وإنما تفعله كأى أم محتاجة (دردير الدسوقى، جـ 2، ص 534). ومع أن الحضانة حق النساء فإنها بالرغم من ذلك قد تقررت لمصلحة الأطفال. ومن ثم فإنه من غير الجائز تعديل هذه القاعدة الحتمية التي قررها الفقه في هذا الشأن. وهذه القواعد تدخل في باب المصلحة العامة بقدر ما

يكون الخروج عليها ضارًا بالطفل، وفى حالة (الخلع) فإن الطرفين قد يحاولان التحايل على هذا المبدأ. ومن الجائز أن يتفق الزوجان على أن تتحمل الأم النفقة الكاملة لحضانة الطفل على اعتبار أنه ليس من الممكن بالنسبة لطلاق الزوج لزوجته أن يشترط فيه أن تنزل الزوجة عن الحضانة. (وربما يكون الاستثناء من ذلك في مذهب المالكية) وفى مثل هذه الحال يكون الخلع صحيحًا والشرط المقصود باطلًا. وكذلك لا تستطيع الزوجة إذا اتفقت مع زوجها على تعويضه، أن تحصل على مد لفترة الحضانة، ويصدق هذا في الأقل على الصبيان، أما البنات فهو جائز. (ابن نجيم: البحر، جـ 2، ص 98). (ز) والتشريع الحديث المستوحى من الشرع الإسلامى (قوانين الأحوال الشخصية وقوانين الأسرة) لم يدخل إلا تعديلات قليلة على النظام الذي قضى به الفقه عند السلف. وفى البلاد التي تأخذ بالمذهب الحنفى نجد أن شغلها الشاغل قد انصب على مد فترة الحضانة التي يحددها فقه السلف تحديدًا غير مناسب. فالقانون المصري الصادر في 10 مارس سنة 1629 تبيح المادة العشرون منه للقاضي إذا استدعت مصلحة الأطفال ذلك، أن يمد فترة الحضانة إلى التاسعة للصبى والحادية عشرة للبنت. وقد أخذ بهذا الاتجاه القانون الأردنى الصادر سنة 1951 في المادة الثالثة والعشرين بعد المائة، وكذلك القانون السورى لسنة 1953 في المادة السابعة والأربعين بعد المائة. أما المنشور السودانى رقم 34 لسنة 1934 فقد أخذ في صراحة بالمذهب المالكى (يحكم السودانيين المسلمين القانون الحنفى وإن كانوا رسميًا يتبعون في شعائرهم المذهب المالكى) ومن ثم فإن الصبى يظل حتى البلوغ في حضانة النساء، أما البنت فتظل على ذلك حتى إتمام الزواج، وأما القانون العراقى لسنة 1959 فتبيح المادة 57 فيه للقاضي أن يمد الحضانة من غير تحديد أجل هذا المد.

المصادر

وقانونا الأحوال الشخصية في الشمال الإفريقى (القانون التونسى لسنة 1956 والقانون المراكشى لسنة 1958) قد أخذا عامة بمبادئ الفقه المالكى في هذا الشأن، وأضافا تعديلات قليلة استوحت الفقه الحنفى ولم تكن في جميع الأحوال موفقة كل التوفيق. ومن ثم فإنه يتعذر على المرء أن يفهم العلة في أن القانون التونسى في المادة السابعة والستين منه قد حدد مدة الحضانة بسبع سنين للصبيان وتسع سنين للبنات، على حين أن معظم البلاد التي تأخذ عملا بالمذهب الحنفى قد خرجت على هذه القاعدة التي يقول بها مذهبها. ثم حدث تأثر بالمذهب الحنفى مرة أخرى حين أجازوا للمرأة الحاضنة، بل للأم نفسها التي انفصلت عن زوجها، أن تطلب مكافأة بخلاف النفقة المقررة من الأب لطفله (المادتان 103، 104 من القانون المراكشى) والمادة 65 من القانون التونسى تقرر في عبارة محتشمة أجرًا للحاضنة على الغسيل وإعداد الطعام للطفل. ويصطنع القانونان حلًا يشبه شبهًا غير بعيد ما قضى به المذهب الحنفى بشأن الخلاف في الدين بين الحاضنة والطفل. والمادة 108 من القانون المراكشى حافلة في هذه المسألة بنتائج طول مدة الحضانة استقاها القانون من المذهب المالكى. وكل حاضنة من غير المسلمين (والحالة الوحيدة كشف عنها العمل) تحرم من حضانة الطفل المسلم حين يبلغ الخامسة، وتستثنى الأم من ذلك إلا إذا حاولت أن تخرج الطفل من الدين الإسلامى وفى هذه الحالة أيضا تفقد الحاضنة حضانتها. المصادر: (1) تتناول كتب الفقه جميعًا هذه المسألة بالتفصيل في باب النفقات في كثير من الأحيان. (2) انظر بصفة خاصة السرخسى: المبسوط، القاهرة سنة 1324 هـ. جـ 5، ص 207. (3) الكاسانى: بدائع الصنائع القاهرة سنة 1313 هـ, جـ 3، ص 46.

حضرموت

(4) الزيلعى: تبين الحقائق، القاهرة سنة 1313 هـ, جـ 3، ص 46، وكل هذه الكتب تتبع المذهب الحنفى. (5) الرملى: نهاية المحتاج، القاهرة سنة 1357 هـ, جـ 7، ص 14. (6) الشيرازى: المهذب، القاهرة من غير تاريخ، جـ 2، ص 169 (شافعى). (7) الخطاب: مواهب الجليل، سنة 1129، جـ 4، ص 214. (8) الدردير الدسوقى: شرح الكبير، جـ 2، ص 526 (مالكى). (9) ابن قدامة: المغنى، الطبعة الثالثة، القاهرة سنة 1367 هـ, - جـ 2، ص 612 (وهو حنبلى). (10) Precis de droit mu-: Bousquet sulman الطبعة الثالثة، جـ 1، رقم 95. (11) Ma-: Sayed Ameer Ali hommedan. Law الطبعة الخامسة، كلكتة سنة 1928, جـ 2، ص 248, فيما يختص بالرخص التي خرجت بها المحاكم في الجزائر وفى الهند من الفقه السلفى. خورشيد [لينان ده بلفون Y.Linand de Bellefonds]. حضرموت (وهي في نقوش جنوب بلاد العرب) وتنطق الآن حَضْرَمُوت، وهي أرض في جزيرة العرب في الجزء الشرقى من اليمن بين خط طول 47، 53 شرقا وخطى عرض 15 و 19 شمالًا ويحدها من الجنوب البحر، ومن الجنوب الشرقى أرض المهرة، ومن الشمال الشرقى والشمال والشمال الغربى الصحراء العربية الكبرى، ومن الجنوب الغربى أرض العوالق وأرض الواحدى؛ وتقول الرواية العربية إن حضرموت نسبة إلى حضر موت بن حمير ... بن يعرب بن قحطان (حضرموت بن يقطان في سفر التكوين، الإصحاح العاشر، الآية 26). وقد عرفت حضرموت في الأزمنة الغابرة بأرض اللبان الذكر، وكانت أوسع رقعة مما هي عليه الآن. وكان قوم الذين ذكرهم استرابون (أتراميتاى في بليناس Atramitae) من أشد القبائل بأسًا في مملكة جنوب بلاد العرب. وكانت حاضرتهم سباتة (سباته). وجاء في

أسطورة يونانية أن رائحة شجرة اللبان الذكر كانت مميتة مما دعا إلى إطلاق اسم (أرض الموت) على الوادى الذي نبتت فيه هذه الشجرة؛ ثم أن لغوييى العرب جعلوا لاسم حضرموت صلة بما قيل من أن موقع هذه البلاد ضار بالصحة، ذلك أنهم يقولون إنه مركب من كلمتين (حَضْر) بمعنى مدينة أو أرض و (موت)؛ على أننا إذا صرفنا النظر عن الأمر الواقع وهو: أن الأرض إنما سميت حضرموت في العصور الحديثة، فإن الناس جروا على القول بأن جوها ملائم للصحة. وكان يقطن حضرموت في الجاهلية الصَدفَ أو الصَدفَ. وقد وصل بنو كندة أنفسهم بالصَدف، وكانوا قد هاجروا إليها من البحرين، وأربى عددهم على الثلاثين ألف رجل قرابة مولد النبي. وكانت تجيب أهم عشائرهم وقتئذ. وبلغ عدد رجالهم في عهد الهمدانى 1500 نسمة، وحكم حضرموت في زمن النبي [- صلى الله عليه وسلم -] أمراء لقبوا بالعباهلة؛ وقد أسلم الأمير الكندى قيس بن أشعث في زمن النبي [- صلى الله عليه وسلم -]، فلما توفى النبي [- صلى الله عليه وسلم -] ارتد عن الإسلام ولكنه سرعان ما غلب على أمره؛ والإقليم الآن تحت السيادة التركية (¬1) ولكنها مجرد سيادة اسمية اذ أن الباب العالى لا يحتفظ بحامية في البلاد ولا يفرض عليها شيئًا من الضرائب. وحضرموت إقليم جبلى يخطه واد عظيم وعدة أودية كبيرة تتفرع منه؛ وتقوم بمحاذاة الساحل تلال تتبعها سلسلة مرتفعة من الجبال أعلاها جبل العرشة (هضبة متسعة الأرجاء)، وتتصل سلسلة ثانية من الجبال بالوادى الكبير إلى الشمال، وهذه تمتد حتى الصحراء الكبرى. ومعظم هاتين السلسلتين من الحجر الجيرى، وهما ممحلتان على الأغلب. وإنما نجد أشجار الصبر الصغيرة والعوسج الشائك والمراعى متفرقة هنا وهناك. ويمتد الوادى الكبير من الغرب إلى الشرق ثم إلى الجنوب حيث يصب في البحر بالقرب من قرية الصيد "سيحوت"، وهي من أعمال أرض مهرى. وأبعد المدن غربًا في الوادى الكبير هي مدينة شبوة، ومنها يخرج ¬

_ (¬1) كان ذلك وقت كتابة المادة قبل الاستقلال.

طريق يخترق إقليما رمليًا قليل السكان حتى يصل إلى جبل "القائمة المستقل برأسه. وإلى يسار هذا الطريق المؤدى إلى القائمة وادى جابية (وهو جيد الزرع) ووادى سور، وإلى يمينه أودية عرمة ودهر ورخية (وفى هذا الوادى مدينة سهوة الهامة [وفى رواية Wrede صهوة] وفى هذا الوادى أيضًا بحر الصافى الذي ذكره فرده Wrede ويقول هذا المستكشف: أن كل ما يرمى في وسط هذه الصحراء يغوص فيها، وإلى جنوب واديى دهر ورخية تبدأ أرض العوالق. وإلى الجنوب الشرقى من القائمة مدينتا قعوثة وهينن (هينن؛ وههنم في نيبور Niebuhr مدينة على الوادى المسمى بهذا الاسم، وكانت في عهد الهمدانى قرية كبيرة لها حصن وسوق ويسكنها بنو تجيب) وإلى الجنوب من قعوثة (إلى يمين الوادى الكبير) تخرج الأودية الثلاثة عمد (وهو الذي يتكون من اتصال واديى نير وريدة أرضين عند مدينة عمد) ودوعن والعين (وقد أطلق عليه الهمدانى أيضًا اسم عبر) والوادى دوعن الهام (ومدينة دوعن ذكرها الهمدانى وذكرها بطليموس باسم ولكن لم يعد لها الآن وجود) رافد أيمن (غربى) ورافد أيسر شرقى (دوعن الأيمن ودوعن الأيسر) ويطلق على الجزء الشمالى من الوادى اسم الهجرين نسبة إلى الجبل القائم برأسه "الهجرين"، والمدينة التي تحمل نفس الاسم القريبة منه، والوادى مكتظ بالسكان، وأهم أماكنه: الخريبة (وهي أبعد المدن في هذا الوادى جنوبًا) وصيف (وسيف في Wrede) وبثة وقيدون (فهدون في Nie- buhr و Wrede , وفيها قبر أعظم أولياء حضرموت أحمد بن عيسى الملقب بعمود الدين) ومشهد على، وفيها القبور المعروفة بقبور الملوك. ونذكر من الأماكن الأخرى: القرين وعورة وهدون وهلبون ورهاب وأرسمة. وعلى مقربة من ملتقى واديى عمد ودوعن توجد قرى: عندل (وكانت في زمن الهمدانى مدينة هامة يسكنها الصدف) وقارة (في الهمدانى قارة الأشبى) وأجلانية (وقد وصفها الهمدانى بأنها مدينة كبيرة)، وعلى وادى عمد مدينة هورة الهامة ويطلق على الوادى الكبير من مدينة هينن إلى مدينة شام القديمة التي

ما زالت ذات شأن اسم وادى الكسر (وفي الهمدانى وادى كسر قشاقس أو قُشاقش نسبة إلى المدينة القائمة على قمة تل المعروفة بهذا الاسم) ومن شبام وادى ابن رشيد أو وادى الأحقاف (وكذلك في الهمدانى) أو الوادى فقط، (حضرموت) أو وادى مسبلة، وأهم المدن في الوادى الكبير شرق شبام: الغرفة وتريس (تريس في - Nie buhr وتريسة في Wrede) (وكانت في زمن الهمدانى مدينة كبيرة) ثم سيؤون، وهي الآن أكبر مدينة وحاضرة التعليم ومدينة مريمة العريقة في القدم، وبور وتاربة (وهي تربه في Niebuhr Tarbe وتياربى في Wrede) وتريم العاصمة القديمة وعينات (عينات على الوادى المسمى بهذا الاسم) والقسم، ومنها يمكن الوصول إلى قبر هود، وهو قبر النبي هود على وادى برهوت ولا ننسى أن نذكر من المدن التي إلى الغرب من شبام فى الوادى الكبير: القتن وهي مدينة هامة، ويكتظ الوادى بالسكان من الهورة إلى القسم وتغطيه أحراج النخيل والحدائق والحقول، وفيه قرى كثيرة، ويقل عدد السكان من القسم إلى قبر هود، أما من قبر هود إلى سيحوت فعددهم قليل جدًا، وتتفرع من جنبى الوادى الكبير روافد نذكر منها: (في الشمال) وديان سر (وفيه قبر صالح) والنعام والجعيمة (وكلاهما شرق شبام) ومدر (شرق سيؤون) وثبّى (ثبى) وعيديد (وفيه قبر الولى عيديد) وهما غرب تريم، ثم الغبرى (شرق تريم)، (في الجنوب) والواديين الهامين ابن علي (شرق شبام) وعديم (أديم في Wrede وهو ليس بعيدًا عن تريم). وأهم الأماكن على الساحل علاوة على الثغرين العظيمين المكلَّا والشحر هي: بروم (ولها ثغر هام، ويقول شبرنكر Sprenger إنه عين بروتونيوس الوارد في بطليموس) وفوّة (وبها خمسون منزلًا صغيرًا بعضها متوسط الحجم) وغيل بوازير (وفيها مزارع للتبغ جيدة جدا) والحاص والشرمة والقصيعر. ونذكر من الوديان التي على الساحل: جربة وحميرة والمعدى. والوادى الكبير والوديان الجانبية جافة عادة ولا تمتلئ جنباتها بالماء إلا في الفصل الممطر.

ومن جبال حضرموت حويره (في الوادى المسمى بهذا الاسم) وعبد الله غريب، والفقرة وهضبة العرشة، وقد سبق ذكرها، وطمحة (وكلها في الشمال قرب الشاطئ) وريدة الدين (في جنوب واديى عمدو ودوعن) وهيسون والغوز وريدة المعارة (في جنوب وادى عديم) وصويغرة (وبه حصن القاع في جنوب وادى ابن علي) وجهلان وغمدان والغيوار (في شمال وادي عمد ودوعن) وجبال الأبتر (بين وادى جابية ووادى هينن) وجلدة (وبه حصن عرقوب) وجثمة (وكلاهما جنوب سيؤون) ووطى (شمال تريم) والمنيحاز (جنوب تريم) وغيل ابن نمين (شمال غربى قبر هود). وإلى غرب سلسلة الجبال الشمالية هضبة كبيرة تسمى ريدة الصيعر إنسبة إلى القبيلة البدوية القديمة "صيعر" وهي عشيرة من عشائر الصدف وقد حملت اسمها في زمن الهمدانى فصيلة كريمة من الأبل)، تتصل بها هضبة أكبر تسمى (نجد) (نييد ونجد آل كثير ونجد العوامر)، ويتصل كلاهما بالصحراء العربية الكبرى في الشمال، وليس في هاتين السلسلتين من الجبال مكان له أهمية ما. ومناخ حضرموت جاف ملائم للصحة؛ وهو شديد القيظ صيفًا شديد القرّ شتاء، ويكسو الثلج الجبال العالية حتى في الصيف، ويستمر الفصل الممطر من أكتوبر حتى فبراير وقلما تمطر السماء أربع مرات، وثمة سنوات كثيرة لا ينزل فيها المطر أبدًا؛ وتنبت الأرض الحبوب والأذرة والدخن (نوع من أنواع الشوفان) والبلح والعنب والتين والنبق والنيلة والسمسم والتبغ؛ وتروى الأرض ريًا صناعيًا بالآبار الأرتوازية؛ وقد بنيت منازلها بالآجر، وتتخذ أحيانًا شكل الحصن وهي ما بين طبقتين وأربع، وفيها كوى. ويعيش البدو في أكواخ بنيت من اللبن أو في كهوف؛ ولا توجد خيام في حضرموت ولا قهاوى كالتى توجد في سائر بلاد العرب. والطبقة الحاكمة في حضرموت هي قبيلة "قبائل" ويقيم شيوخ القبائل ويعرفون بالمقدَّمين في قصور حصينة، ويحتفظون بحرس قليل العدد. أما سكان المدن الأحرار الذين يهيمنون على التجارة والصناعات بالمدينة فهم رعايا

المقدمين، وهم يفرضون عليهم ضرائب ثقيلة؛ وأقوى الأمراء على ساحل حضرموت هو حاكم الشحر وتتبعه أيضًا مدن المكلا وغيل بوازير والهجرين والحورة والقتن وشبام؛ أما في داخل البلاد فأكبر المقدمين شأنًا مقدم سيؤون ويلقب بالسلطان، ويملك مدن تريم وتريس والغرفة، وتسكن حضرموت القبائل الآتية: (1) بريك وهم بدو يتوارثون لقب شيخ في الأرض المحيطة بشبوة (ويتبع جزء منها الشحر)، (2) آل عمرو في وادى عرمة ووُهر؛ (3) بنو كندة وهم بدو ينقسمون إلى: آل صيعر (في ريدة الصيعر والجبال التي تكتنفها) و 2 آل محفوث، وكانوا من قبل في هجرين، وهم الآن متفرقون في الجبال المجاورة؛ (4) آل الكرب وهم بدو حول ركبان في وادى جابية؛ (5) النهد في الجزء الأسفل من وادى رخية وفى الوادى الكبير حتى قعوثة وهينن (وهم ينقسمون إلى عشر عشائر أهمها عشيرة الحكمان. وشيخ الحكمان، ويقيم في قعوثة، هو مقدم القبيلة كلها)؛ (6) آل بلَّيث، (7) وآل حيدرة وهما من البدو ويقيمان في الجزء الأعلى من وادى رخية؛ (8) الجعدة وجلهم عرب بدو ينزلون وادى عمد؛ (9) آل عمود أو بنو عيسى (نسبة إلى الشيخ أحمد بن عيسى عمود الدين) ويتوارثون لقب الشيخ وهم في وادى دوعن وريدة الدَّين (وينقسمون إلى اثنتين وعشرين عشيرة أهمها آل مطهر ويقيم شيخهم في بثة)؛ (10) الذيابنة (ومفردها ذيبانى) و (11) آل ابن سعد (وهما قبيلتان من البدو تنزلان في وادى عين والجبال المجاورة)، (12) آل يافع على الشاطئ، وفى مدن هجرين وحوره والقطن وشبام وينقسمون إلى: 1 - آل ثُبْى (وهم ثمانى عشائر) 2 - آل لبعوس (مفردها البعسى وهم أربع عشائر) 3 - آل الموسطح (وهم ثمانى عشائر أهمها القعطة ومفردها القطيعى وزعيمها هو شيخ القبيلة كلها؛ (13) سيبان وهم قبيلة بدوية كبيرة تنقسم إلى: 1 - سيبان نفسها في شمال وشمال غربى جبل حويرة 2 - الأكابرة (مفردها الأكبرى) في جنوب وجنوب غربى هذا الجبل، 3 - العوابثة (مفردها

العوبثانى) في جنوب شرقى وادى دوعن، 4 - آل بَحْسَن (مفردها البحسنى) في وادى جربة والجبال المجاورة؛ (14) الهموم، وهم بدو في جبال عبد الله غريب والفقرة والعرشة وطمحة؛ (15) الشنافرة وهم سلالة شنفرى الهمدانى. وفى الرواية أنه أمير من أفراد حضرموت وهي قبيلة كبيرة تنقسم إلى: 1 - "آل كثير (كثيرى) بين شبام وسيؤون (وهم خمسة بطون كبيرة منها آل عبد الودود حول قصيعر)، 2 - العوامر (العامرى) في الوادى الكبير بين سؤون وتريم والجبال التي إلى الشمال، 3 - آل جابر، وهي قبيلة بدوية في جبلى جلدة وجثمة وواديى ابن علي وعديم. وشيخ الشنافرة هو سلطان سؤون؛ (16) آل باجراى في شمال شرقى سؤون بين كثير وعوامر؛ (17) بنوثنَّة وهي ثلاثة بطون: 1 - آل تميم في الوادى الكبير بين القسم وقبر هود، ويقيم شيخهم في القسم، 2 - المناهل (منهالى) وهي قبيلة بدوية في وادى مسيلة بين قبر هود وسيحوت وفى الجبال التي إلى الشرق وإلى الغرب (ويقيم شيخها في عينات)، 3 - آل السماح (مفردها السماحى) قبيلة بدوية في التلال التي إلى الشمال من وادى عينات. وفى حضرموت إلى جانب القبائل والرعية طبقة قائمة بذاتها هم السادة ويمثلون الطبقة الدينية الارستقراطية بالبلاد وعددهم كبير، ولهم بين الناس مقام عظيم يفوق مقام المقدمين. ويقبل سائر السكان أيديهم احترامًا لهم، وهم محافظون مغالون يقاومون كل تجديد ويلقبون بالحبيب وينقسمون إلى أسر يتوارث رؤساؤها لقب الشرف. ويرفع الناس كثيرًا من هؤلاء السادة إلى مقام الأولياء ويبجلونهم ويغمرونهم بالهدايا كما أن كثيرًا منهم لهم شهرة عظيمة بوصفهم من العلماء. وهم يحملون سلاحًا ولا يدفعون ضرائب بصفة عامة، ويعدون أنفسهم سادة الأشراف في بلاد العرب ويردون نسبهم إلى الشيخ أحمد بن عيسى الذي تقدم بنا ذكره. ويقال إن هذا الشيخ سبط من أسباط الحسين في الطبقة السابعة من ذريته، وفى رواية أن أحمد بن عيسى

وفد من البصرة إلى حضرموت قبل ذلك بعدة قرون ومعه ثمانون رجلًا أضحوا من أجداد السادة. ولا نعرف عدد سكان حضرموت على التحقيق. ويؤخذ من أبحاث فان دن برج (Van den Berg) أن سكانها لا يزيدون على 150,000 نسمة بيانهم كما يلي: من وادى دهر إلى وادى رخية 20,000؛ وفى وديان عمد ودوعن والعين 25,000؛ ومن شبام إلى تريم 50,000؛ ومن تريم إلى سيحوت 6,000. وفى شمال الوادى الكبير حتى الصحراء العربية الكبرى 15,000. ومن جنوب الوادى الكبير إلى البحر 16,000. وفى شحر وما جاورها 12,000، وفى المكلا وما جاورها 6,000. وللتجارة أهميتها على الساحل وبخاصة في مدينتى شحر والمكلا، وهي تمتد إلى الساحل الشرقى لإفريقية والهند البريطانية والبحر الأحمر والساحل الجنوبى لبلاد العرب (وبخاصة عدن ومسقط وظفار) والخليج الفارسي؛ وصادرات حضرموت هي: زعانف السمك (للهند البريطانية والصين) والبلح والأقمشة المصبوغة بالنيلة والصمغ العربى والراتنج؛ أما الواردات فهي الحبوب وجوز الهند والبن والسكر والأرز والقطن والحديد وغيرها؛ وتجارة القوافل مع داخل البلاد ضئيلة؛ وهي تسير غربًا حتى اليمن وشرقًا حتى عمان. ويقام في المدن الكبيرة سوق في يوم الجمعة من كل أسبوع وأكبرها في سيوؤن. وللقبائل ممثلوها في أسواق البلاد الكبيرة، ويسمى كل من هؤلاء "الدلال" أما السماسرة فيطلق عليهم السكان اسم كلاب السوق؛ ويعهد إلى هؤلاء الدلالين ببيع بضائع القبائل وهم يؤلفون اتحادًا خاصًا تحت إمرة "أبو" (رئيس)؛ وأكبر صناعة في حضرموت هي صناعة المنسوجات، وهي الآن آخذة في الاضمحلال نظرًا لمنافسة الواردات الأوروبية الرخيصة لها، وكان مركزها الكبير في تريم؛ ونذكر إلى جانب صناعة المنسوجات صناعة النيلة وصناعة بناء السفن على الشاطئ؛ أما الزراعة ففي أيدى القبائل والسادة الذين ينيطون بالعبيد حراثة أرضهم.

وهؤلاء على وجه عام إما صوماليون واما نوبيون، وهم في الغالب من المسلمين، ويسمون بأسماء خاصة تختلف عن الأسماء العربية المألوفة كمبروك ومرجان وغيرها. والحضرميون قوم أكفاء مجتهدون مخلصون لوطنهم، وقد اضطر كثير من السكان إلى النزوح عن حضرموت لازدياد فقر البلاد وسعوا وراء رزقهم في غير بلادهم؛ ونجد كثيرًا من الحضارمة اليوم في المراكز التجارية ببلاد العرب حيث يكسبون عيشهم من الاشتغال بمهنة الحمالين وممارسة الأعمال التجارية الصغيرة، ويوجدون أيضًا في مصر وبالأخص في جزر الهند البريطانية والهولاندية؛ وما إن يفلح الواحد منهم في جمع شيء من المال حتى يعود إلى وطنه بعد غيبة تختلف في الغالب بين العشرين والثلاثين عامًا؛ وهم شوافع متعصبون مغالون تستهويهم الخرافات ويعتقدون في الأرواح التي تسكن الأماكن المدفونة فيها الكنوز، ولا يستطيع النصارى ولا اليهود أن يقيموا ولو إلى حين في حضرموت. ويسميها أهلها (بلد العلم والدين)؛ أما نساءهم فيجهلن على وجه عام القراءة والكتابة (حتى نساء السادة أيضًا) ولكنهن أوفر حظًا من أترابهن في سائر جهات بلاد العرب. فالطلاق نادر جدًا ولا يعرف هؤلاء البدو تعداد الزوجات. وقد زار أدولف فردة (Adolph v.Wrede) حضرموت أول مرة عام 1843 ولكنه لم يستطع إلا استكشاف جزء من الأرض، فقد عرف أنه أوربى وهو في مدينة صيف ولم ينج من الموت الذي كان يتهدده إلا بإسراعه بالفرار؛ وقد زار البلاد بعد خمسين عام ليوهرش والسيد بنت وزوجه. Leo Hirsch and Mr. and Mrs Th.Bent ولكنهم لم يستطيعوا أن يكشفوا البلاد كلها. المصادر: (1) الهمدانى: الجزيرة، ص 185 - 89، 2، 728، 25 - 26، 134، 18 - 19، 177، 17، 188، 21 - 24، 203 - 16 والفهرس. (2) ياقوت: المعجم، جـ 2، ص 284 - 288.

(3) المقريزى: De valle Born' (ed. p. (Berlin: Hadharmaut Noskowiyz سنة 1866. (4) Beschrebung von: C.Niebuhr Arabien؛ ص 283 - 289. (5) Braunschweig: H. V.Maltzan Adolph von Wrede's in Hadhrumaut, 1873. (6) Erdkunde: K.Ritter , جـ 12, ص 268 - 280، ص 284 - 292, ص 609 - 644. (7) Die Sufiten im: F. Wuesrenfeld Xi (XVii) Jahr. ص 142 و 143 و 144 و 145 و 147. (8) Die alte Geographie A.Sprenger Arabiens, ص 84 - 85، 161 - 167, 189 - 190، 195، 197، 216، 246، 250، 273، 305، 307. (9) الجريدة العربية الجوائب (الآستانة) بتاريخ 18 ربيع الأول عام 1299 (= 8 فبراير سنة 1892) وتشمل بحثًا عن حضرموت. (10) Hadramawt: M.J.de Goeje في Revue coloniale internationale: جـ 2, (1866)، ص 101 - 124. (11) Le Hadrmout et: Van den Berg les colonies arabes dans l'Archipel In- dien، بتافيا 1886. (12) Reisen in Sue-: Leo Hirsch darabien. Mahraland und Hardamut, ليدن، 1897. (13) Th. Bent and Mrs.Th. Bent: South Arabia, لندن 1900، ص 70 - 226. (14) Modern Mu-: W. H. Valentine hammadan Coins لندن 1910. خورشيد [شليفر Schleifer .J]. + حضرموت: يطلق اسم حضرموت بأدق معانيه على الوادى السحيق الذي يحاذى الساحل الجنوبى لجزيرة العرب على خط طول 48 - 50 شرقًا تقريبًا. بين حائطين يرتفعان حتى يبلغا هضبة الجول التي تفصل الوادى في الجنوب عن السهل الساحلى الضيق، كما تفصله في الشمال عن صقع قاحل يندمج في صحراء الربع الخالى بجزيرة العرب. ويسمى الطرف الشرقى من هذا الوادى الذي ينعطف شرقًا إلى البحر وادى مسيلة. وهو بصحيح العبارة ليس جزءًا من وادى حضرموت. وعلى أية حال، فإن اسم حضرموت بمعناه الأعم كان

يطلق دائمًا على مساحة أكبر تدخل فيها المناطق الشمالية والجنوبية من وادى حضرموت الأصلى إلى جانب منطقة غربية لم تكن تشمل النجود التي تزود وادى حضرموت بالمصادر الرئيسية للمياه فحسب، بل تضم أيضًا عددًا من شبكات الصرف فيما وراء تلك النجود من الشمال الغربى، في رملة السبأتين (بقعة خارجة من الصحراء الرملية معزولة عن الجزء الرئيسى من الربع الخالى) وتصب في البحر ناحية الجنوب. أما الحد الشرقى لإقليم حضرموت فيمكن القول بأنه يقوم على خط طول 47 شرقًا. والرسم العبرى لاسم حضرموت، وهو حَظَرْمَوْت، مصاغ في بعضه على الرسم العربى الفصيح، ولكنه متأثر دون شك باشتقاق شعبى يذهب إلى أن ثمة علاقة بين اسم حضرموت وفكرة "حضور الموت" (التي يرجح أيضًا أنها قد أثرت إلى حد ما في التركيب العربى الفصيح لهذا الاسم) وهجاؤه في النقوش الحضرمية الأصلية ح ض ر مت على نقيض هجائه في السبئية حضر موت، ومنشأ هذا التشابه كله هو الجذر ض ر م (انظر كلمة ضِرَام العربية أي الحرارة المحرقة) التي زيدت بلاحقة مؤنثة - واو وتاء - وبسابقة مساوية لها (كما يقول C.D.Matthews) بالإضافة إلى أداة التعريف في لهجات جنوب شرقى جزيرة العرب المستعملة حاليًا، والتى تتراوح بين حرف الألف والهاء والحاء. 1 - العصر الجاهلى: إن شواهد التاريخ القديم لهذه المنطقة غاية في الندرة. وهناك سبب واحد محتمل هو عدم تعرض بعض المراكز الحضارية الرئيسية لهجرات سكانية مثل تلك الهجرات التي حدثت في أقصى الغرب، ومن ثم تُركَتْ مراكز مثل مأرب وصرواح وتُمنَاء وغيرها أطلالًا مهجورة، فزودتنا بمادة أثرية وافرة وكتابات منقوشة مفيدة. كما أن المركزين الرئيسين بوادى حضرموت وهما شبام وتريم، وإن كان قد مضى على تأسيسهما ما يزيد على ألف عام ويرجح أنهما لا يزالان بكامل هيئتهما، إلا أن مثل هذا الشاهد الأثرى الذي كان

قائمًا هناك، يحتمل أن الاحتلال المتوالى قد دمره، أو أنه دفن تحت المدن القائمة في الوقت الحالى، بحيث لا يمكن استعادة الهيكل القديم له. ولربما انطبق هذا القول نفسه على أماكن أخرى في وادى حضرموت. والمكان الوحيد الذي اكتشف في المنطقة كلها على أساس علمي هو "مدهاب" الذي كان محلة قديمة في الجانب المقابل لوادى عَمْد الذي يخرج من حُريضة الحديثة واكتشفه كاتون وثمبسون فيما بين عامى 1937 - 1938./ وقد أجريت بعض التنقيبات على سطح الأرض في شبوة قصبة حضرموت القديمة. ومن المواقع الهامة الأخرى التي سجلت السور الرائع في ميفعت (على مسيرة 15 كم شمالى المركز الإدارى الحالى في ميفعت بسلطنة الواحدى)؛ كما يمكن اقتفاء أثر الخطبة الأرضية لمحلة كبيرة عند الحوزة القديمة لبلدة كانة (غربى بير على الحديثة) المجاورة لقلعة مويت الجبلية (حصن الغراب الحديثة)، وهي سور منيع يقوم عند لبْنَة، وتعترض واديًا على مسيرة 30 كم تقريبًا شمالى بير على الحديثة، كما تعترض بلدة ذات أسوار في بَربَرة بوادى جِرْدان جنوبى شبوة. بيد أن هذه الأماكن كلها وإن كانت قد زودتنا بنقوش تاريخية قيمة إلا أنها لم تكتشف على الوجه الصحيح بعد. وتعد بعض المواقع المتناثرة التي تم اكتشافها، وأمدتنا بقليل من النقوش غير المتكاملة الأجزاء، كل مصادرنا الأولية عن حضرموت القديمة. ويجب ألا يفوتنا ذكر مكان المعبد الذي وصفه و. ف آلبرايت - W.F.Albright وهو يقوم عند منطقة خور رورى بساحل ظفار على مسيرة تقرب من 50 كم شرقى سلالة التي يبدو أنها كانت محلة حضرمية قديمة. أما مصادرنا الثانوية فتتمثل في البيانات التي تدور حول المنطقة التي أسماها كتاب الإغريق واللاتين ختراموتيتاى Chatramotitai (استخرج هذه البيانات وأوجزها على نحو مفيد C.Conti-Rosini في مؤلفه الموسوم - Chrestomathia arabia meridionalis epi graphica, رومة سنة 1931)؛ كما ورد ذكر حضرموت في نصوص من أقصى الغرب، سبئية الأصل.

وتعد الأخبار التاريخية لحضرموت القديمة مشكلة أصعب من مشكلة أخبار تلك المناطق القائمة أبعد من ذلك غربًا. وقد زودتنا كل من المصادر الأولية والثانوية بجملة أسماء لملوك حضرموت، ولكن ترتيب هذه الأسماء وفقًا للأزمان التاريخية لم يتم على نحو مرض بعد. وغاية ما يمكن أن يقال في الوقت الحالى هو أن أقدم النصوص الحضرمية ظهرت بعد ذلك بقليل في النصوص السبئية الوافرة، وعلى ما يبدو أن مملكة حضرموت المستقلة قد انتهت في أواخر القرن الثالث الميلادى تقريبًا. وفى فترة لاحقة للقب ملوك سبأ وذى ريدان بألقاب يزعمون فيها أن حضرموت جزء من ممتلكاتهم. وكان أول حاكم فعل ذلك هو شمريهرعش الذي تذكره المصادر الإسلامية باسم شَمْريَرْعَش (الطبرى، جـ 1، ص 910). على أنه يظهر أن سكان المنطقة كانوا يضمون في تاريخ أقدم من ذلك جيوبًا سبئية، ونستنبط هذا الحكم من بعض النقوش المتناثرة المكتوبة باللهجة السبئية القديمة، ومن أن أحد ملوك سبأ (زعم Pirenne بأنه عاش حوالى سنة 250 ق. م.) قد فرض سلطانه على قبائل نجود حضرموت (Corpus inscriptionum semiticarum, جـ 4، ص 126). واشتركت حضرموت أيام استقلالها في صور مختلفة من الحروب والأحلاف مع الدول الأخرى بجنوب جزيرة العرب، ويوجد الشاهد الجوهرى عليها في نصوص باللهجة السبئية. والحدثان الرئيسيان اللذان ورد ذكرهما في نصوص أهل حضرموت هما تحصين لبنة لصد عادية قبيلة حمير (وتشير البحوث الجغرافية على أن هذا يدل دون شك على بطن من حمير كان يحتل الشريط الساحلى غربى المُكلَّا. وهو الجزء الذي يستوطنونه الآن)، بالإضافة إلى تحصين قلعة مويت (حصن الغراب) في فترة الاضطراب التي أعقبت موت ذى نواس في مطلع القرن السادس الميلادى. ويعد موقع قصبة حضرموت (كما يقول إراتوسثنيس) عند شبوه موقعًا ممتازًا لقيامها بالجزء الشمالى الغربى من الأراضى الحضرمية بوادِ صغير

يصب مياهه في رملة سبأتين. ومن الواضح أن أهمية هذه القصبة ترجع إلى عوامل تجارية، ذلك أنها كانت مركزًا لتجارة البخور. وكان اللبان الذي تنتجه بلدة مَهْرَة شرقى حضرموت يسلم للقوافل التي تولت نقله عبر الساحل الغربى إلى جزيرة العرب، وإلى أسواق البحر المتوسط، وبلاد ما بين النهرين. ولربما أسهمت صناعات الملح في المناطق المجاورة في القيمة التجارية لقصبة حضرموت على حد قول فيلبى (Sheba's daughters، ص 91)، وهذه الصناعات هي اليوم المصدر الاقتصادى الرئيسى أو الوحيد للمنطقة. ومما يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالعامل التجارى أهمية القصبة شبوة التي كانت مركزًا دينيًا. ويدل وصف بليناس للوسائل التي كانت متبعة في تبادل البخور فيها على أن هذا التبادل كانت تحكمه قيود دينية صارمة، وعلى أن شبوه ظلت حرمًا مقدسًا ومركزًا يقصده الحجاج حتى آخر عهدها بالحضارة العربية الجاهلية في جنوب جزيرة العرب، ويشهد على ذلك رسم موجود هناك يرجع إلى القرن الخامس الميلادى، وله ارتباط بمذهب توحيد الرحمان. وفى فترة الشِرْك المتقدمة، يبدو هيكل الآلهة الحضرمية المتعددة قريب الشبه بتلك الهياكل التي كانت قائمة في المناطق الأخرى بجنوب جزيرة العرب، وكان يحكمها الثالوث الفلكى: القمر والشمس وكوكب الزهرة، إلا أن القمر المعبود في حضرموت كان له اسم يميزه هو سن الذي اقتبس من الديانة البابلية، ويشار إليه عادة باسم (سن الإلم) ويظن بعض الباحثين أن عبارة سن الألم هي اسم المعبد الرئيسى لهذا المعبود. وتتفق المصادر الإسلامية على أن حضرموت كانت الموطن الأصلى لقبيلة كِنْدة ولكن يجب أن نضع في تقديرنا أنَ هذه القبيلة كانت من البدو الرحل، وأن سكان جنوب جزيرة العرب من البدو الرحل كانوا حتى بداية العصر المسيحى متميزين كل التميز من الناحية الثقافية عن المستوطنين الذين كانت ثقافتهم هي الثقافة التي تُعَدُّ الكتابات

المنقوشة شاهدًا عليها، بالنسبة للفترات المتقدمة، ولا علاقة لها بثقافة البدو بوجه من الوجوه. وفى القرون القليلة السابقة على الإسلام وحسب بدأ يظهر الاندماج والاختلاط المتبادل بين ثقافة البدو الرحل وثقافة المستوطنين. ومن ثم نجد الكاتب الإسلامى المتقدم محمد ابن حبيب لا يزال يتحدث عن كِنْدة وحضرموت كما لو كانتا سلالتين مستقلتين (تمثل حضرموت الثقافة القديمة المستقرة) على الرغم من أن كلتا الثقافتين تستوطنان المنطقة الجغرافية الحضرمية. ولغة النقوش الحضرمية الجاهلية شديدة الشبه بلغة النقوش السبئية والمعينية والقتبانية التي تستوى جميعًا في أنها لهجات لغة واحدة (للنقوش المكتوبة بجنوب جزيرة العرب)، وفى أنها هي واللغتين المعينية والقتبانية مجموعة واحدة تستخدم حرفًا صغيرًا في السابقة الفعلية السببية، وفى اللواحق الضميرية مقابل حرف الهاء السبئى الذي يؤدى هذه الوظائف. ولكن ثمة استثناءات مميزة منها استخدامهما حرف الجر الهاء مرادفًا لكل من حرفى الجر إلى وعن (وفى السبئية والقتبانية حرف اللام، وفى المعينية حرف الكاف)؛ كما أن حرفا التاء والسين قد اندمجا حقًا في صوت واحد هجاؤه هجاءٌ وسط بين الحرفين، وثمة اختلاف بين الصور المذكرة والمؤنثة اللاحقة الضميرية لا نجده في اللهجتين الأخريين على الرغم من أنهما مترادفان في اللهجة الساهورية الحديثة انظر Beeston في Descriptive grammer of Epigraphic South Arabia 37: 6). المصادر: (1) H.von Wissman and M.Hoefner: Beitraege Zur historischen georaphie des vorislamischen suedarabien, فيسبادن سنة 1953. (2) Paleographie des in-: J .. Pirenne scriptions sudarabes, بروكسل سنة 1956. (3). Sebeba's: H.st. J. B. Philb insciptions by daughters Appendix on A.F.L. .Beeston، لندن سنة 1939. (4) W.L.Brown and A.F.L. Beeston: Sculptures and inscriptions from Shabwa

حضرة

في مجلة الجمعية الملكية الآسيوية، سنة 1954، ص 43 - 62. (5) The so Called: A.F.L. Beeston Harlots of Hadramaut في مجلة Oriens عدد 5 (سنة 1952)، ص 16 - 22. (6) Tombs and: G.Caton. Thompson Moon temple of Hreidha , أكسفورد سنة 1944. (7) The Himyaritic: W.F.Albright Temple at Khor Rory في مجلة Orientalia السلسلة الجديدة، عدد 22 سنة (1953)، ص 284 - 287. (8) Al-Barara: H.von Wissmann في Ghirdam, مجلة Le Museon السلسلة الجديدة، عدد 75 (سنة 1962) , ص 177 - 209. (9) Husn al-Gurab: B.Doe في مجلة Le Museon السلسلة الجديدة، العدد 54 (سنة 1961) , ص 191 - 198. حسن شكرى [أ. ف. بيستون A.F.Beeston]. حضرة كلمة يستعملها الصوفية على الاتساع في معناها مرادفة لكلمة (حضور) أي المثول في حضرة الله. والمقابل لهذا الاصطلاح هو كلمة "غيبة" أي الغيبة عن كل ما ليس الله. ويرجع بصفة خاصة إلى نيكلسون (Nicholson: كشف المحجوب، ص 248 وما بعدها) لمعرفة هل حال الحضرة أفضل في العلاقة بالله أم حال "الغيبة"، وما هو الأكمل من هذين الحالين. وابن عربى وهو بسبيل وضع مذهبه القائم على وحدة الوجود، يستعمل كلمة "حضرة" في معنى أكثر اتساعًا، وذلك حين يتحدث عن الحضرات الخمس الإلهية. ويريد بذلك درجات أو مراتب الوجود أو الموجودات في سلسلة الوجود حسب المذهب الأفلاطونى الجديد. ونجد عرضًا قصيرًا لهذه الحضرات في التعريفات للجرجانى (ص 6، طبعة القاهرة 1321 هـ) الذي ترجمه هورتن Horten في Theologie des Islam، (ص 294 وما بعدها) وهو يورد في هذا الموضع كما يورد في صفحة 151 استعمالات أخرى لهذا المصطلح أقل شيوعًا (انظر أيضًا Massignon: كتاب

حضور

الطواسين، ص 183 وما جاء فيه من إشارة إلى فصوص الحكم لابن عربى Dict. of Islam: Hughes، ص 169) ومن ثم عرف المسلمون المذهب الأفلاطونى في الفيض الديناميكى [أى فيض كل موجود عن الموجود الأكمل منه الذي يسبقه مباشرة في سلسلة الوجود] بمذهب الحضرات (ابن خلدون المقدمة، طبعة كاترمير، جـ 3، ص 69؛ طبعه ده سلان، 3، ص 100). ويطلق الدراويش على الحفلات الدينية التي يحيونها بانتظام كل يوم من أيام الجمعة اسم الحضرات. أما فيما يختص باستعمال كلمة حضرة على أنها تعبير يدل على التشريف والإجلال (في التوجه لله والأولياء والأنبياء وأى شخص مثقف) فيرجع إلى معاجم اللغة. أما استعمال حضرة (حضرة، وبالتركية حضرت) لقبًا يدل على الاحترام فانظر حسن الباشا: الألقاب الإسلامية، طبعة القاهرة، سنة 1957، ص 260 - 264. محمد يوسف موسى [ماكدونالد D.B.Macdonald] حضور (حضور بنى شعيب) جبل في جنوب بلاد العرب من جبال السراة من سلسلة جبال ألهْان إلى الغرب من صنعاء بين وادى سهام ووادى سُرْدود قرب سلسلة جبال حرَّاز، وكان يفصله عنها في زمن الهمدانى بلد الأخروج (الآن حَيمْة) وكان يسكنها الصيلحيون وهم بطن من الهمدانيين؛ وحضور نسبة إلى حضور بن علي بن مالك جد من جدود النبي شعيب بن مَهْدمَ [- عليه السلام -] الذي ورد ذكره في القرآن (انظر سورة الأعراف، الآية 85 وما بعدها؛ وسورة هود، الآية 87 وما بعدها) بعثه الله إلى قومه على جبل حضور يهديهم ويحذرهم فقتلوه. ويبلغ ارتفاع الجبل نحو 9400 قدم، وفى رواية عربية أن حضور شعيب كان أعلى الجبال الثلاثة (والجبلان الآخران هما جبل شهارة بفتح الشين أو ضمها وكنَن في خولان) فلم تبلغه الأمواج في أثناء الطوفان؛ وأعلى: رؤوس حضور هو جبل قاهر ويسمى أيضًا جبل بيت

خولان وعليه قبر النبي شعيب [- عليه السلام -] المشهور (وفيه مسجد) ويزوره الناس دائمًا (وخاصة صغار النساء ممن يسعين إليه للتداوى من العقم): وتقام فيه أعياد عظيمة في اليوم الأخير من رمضان ويوم عرفات، ويرى الواقف في شرفة المسجد منظرًا رائعًا لليمن جميعًا، وعلى بعد 700 ياردة إلى الغرب من الشمال الغربى من جبل قاهر جبل عزان وإلى جنوبه جبال ضبَحَ ومنصورة وضَبْيان (وفيه القرية التي تحمل نفس الاسم وأطلال قديمة) ويقوم جَبْل زاعْلَة إلى جنوبى القاهر. وإلى شرق حضور قاعة سَهْمان هي وقرى متنة (Moettene في نيبور) وقد سمَّاها الترك خان سنان (وتعلو عن البحر 800 قدم وفيها "سمسره" أى ملجأ يقال إن سنان باشا بناه، وهو مفتوح الأبواب لكل رحالة ينزل فيه من غير أن يدفع في ذلك أجرًا) وسهمان (وتسمى أيضًا مِرَيح) وبيت مَهْدَم وبيت رُدَم وداعر ومَسيْب بكسر السين أو فتحها وبيت قاهن وهي الآن من أعمال البلاد المسماة ببلاد ألبستان. ونذكر من الأماكن الأخرى في حضور ما يأتى: القرية وركب بسكون الكاف أو فتحها (شمالى القرية) وجَعْلَل (شمال غربى حضور) وقرية سادة (أو هجرة) ظهار أوضهار في الجنوب، وتتخلل هذه الجبال عدة أودية (منها وادى داؤد ووادى جازل، وكثيرًا ما ورد ذكر وادى جازل في نقوش جنوب بلاد العرب) وتصب هذه الأودية في وديان هذه السلسلة من الجبال كروم طيبة وأشجار فاكهة شتى، ويزرع من الحبوب وخاصة في الأجزاء العميقة من حضور الأذرة والشعيرة والبّر (وهو نوع من أنواع القمح أو الحنطة). وتمطر السماء جليدًا كل شتاء تقريبًا على حضور شعيب، ويظل الجليد أيامًا، ويبلغ ارتفاعه بضعة أقدام حتى يتعذر على الأهالى مغادرة بيوتهم. وكان مخلاف حضور يشمل زمن الهمدانى فيما يشمل نواحى المعلل [كذلك في موللر؛ الجزيرة، وقد جاءت في عدة فقرات من هذا الكتاب، وهو يقول إنها عين "ولّعم" الواردة في نقوش بلاد العرب الجنوبية وذلك بدلا

المصادر

من جعلل الواردة في جلازر وتشمل واضع وحقل سهمان والمعلل نفسها (الجملل) ومأذن (وتشمل "جَّنَتى اليمن" وضهر وضلع وريعان أو ررعان) وشمّ (قسمها الأسفل) ضخ وصابح والأغيوم وبَرَيْشَّ ومسْيَب والصجيد وكان شهد حضور الجامد مشهورًا في بلاد العرب حتى أن أمرؤ القيس ذكره في قصيدة من قصائده؛ وقد ذكر الهمدانى أن أهل حضور كانوا يتكلمون عربية قبيحة فيها لكنة (هي اللغة الحميرية). ويختلف حضور بنى أزد المسمى حضور الشيخ عن حضور شعيب، وحضور الشيخ هو أكبر جبال مجموعة المصانع (المصانعة) من سلسلة جبال السراة، ويبلغ ارتفاعه نحو 9500 قدم. وقد زار المستكشف إدوارد جلازر في العصر الحديث حضور شعيب وحضور بنى أزد وجابهما مستكشفًا. المصادر: (1) ياقوت: المعجم، جـ 2، ص 289؛ جـ 3، ص 73، 202؛ جـ 4، ص 437. (2) همدانى: الجزيرة؛ ص 68 س 16 و 20 و 22، ص 72 س 1، و 7 - 8، ص 82 س 1 و 4 - 5، ص 106 س 9 - 23, ص 107 س 10 - 11 و 15 - 16، ص 109 س 8 ص 125 س 12 و 24 و 25، ص 126 س 4 و 14 ص 135 س 10، ص 193 س 6، ص 198 س 21 - 24. (3) Beschreibung Von: K.Niebuhr Arabien كوبنهاغن، 1772 , ص 233. (4) Erdkunde: K. Ritter؛ جـ 12، ص 721. (5) nach San's: E. Glaser Von Hodeida في Petermann's Mitteilungen، جـ 23، 1886، ص 42 - 45، واللوحة رقم 1. خورشيد [شليفر J. Schleifer]. حطين أو حطين, وفى التلمود كفر حطيَّة قرية فوق بحيرة طبرية وإلى الغرب منها، في سهل خصيب يقوم في حده الجنوبى قرن جبلى وعر من حجر الجير. وفى كل من الطرف الغربى والشرقى للقرن قنة أكثر منه ارتفاعًا تعرف بقرون حطين. وثمت رواية عرفت في القرن الثانى عشر، وإن كان

المصادر

أصلها غير ثابت، تقول إن قبر النبي شعيب [- عليه السلام -] في هذه القرية. وتقع القبة التي أعيد بناؤها حديثًا والتى يزورها الدروز كل عام فوق مرتفع في واد صخرى عند القنة الغربية، وقد نشبت في الهضبة الحزون التي إلى الجنوب الشرقى من القرن الصخرى وقعة شتتت شمل الصليبيين، ذلك أن صلاح الدين انتصر في هذا الموضع انتصارًا كبيرًا على النصارى في الخامس من يوليه سنة 1187. وتفصيل الأمر أن جيوش الفرنجة برح بهم الحر والظمأ ثم قتل بعضهم وفر البعض الآخر وارتدت بقيتهم إلى القنة الشرقية حيث كان صلاح الدين قد طوح بعدد كبير منهم على سفحها الجنوبى الوعر. وأراد هذا السلطان المظفر أن يخلد ذكر ذلك الانتصار فبنى على القنة قبة عرفت بقبة النصر. المصادر: (1) ياقوت: المعجم، طبعة فستنفلد جـ 2، ص 291 وما بعدها. (2) الدمشقي: Cosmographie طبعة ليدن، ص 21, 22. (3) Halil al Zahiri: R.Hartmann ص 48. (4) Palestine under: Guy Le Strange The Moslems، ص 450 وما بعدها. (5) ابن الأثير: التاريخ، طبعة تورنبرغ، جـ 11، ص 352 - 355. (6) Kreuz-: Wilken Geschichte der zuege جـ 3، ص 2، 275 وما بعدها. (7) Palestine: Robinson جـ 2، ص 387، جـ 3، ص 341، 342 (8) Galille: Guerin, جـ 1، ص 193. (9) Zeitschr. d. Deutsch pal-: Frei Vereins جـ 9، ص 142 وما بعدها. خورشيد [بول Fr. Buhl]. الحطيئة لقب أطلق في الأصل تحقيرًا للشاعر العربى جرول بن أوس، وهو من المخضرمين وكان في نسبه ضعة فبعثه ذلك على أن يصل حبله بقبيلة عبس حينًا وبقبيلة ذُهل حينا آخر. وقد بكرت الروايات الأدبية التأريخ الذي بدأ فيه يقرض الشعر إلى حد لا يقبله العقل. وأغلب الظن أنه كان معاصرًا لعروة ابن الورد أحدث منه سنًا. ودخل

الحطيئة في الإسلام، ولكن عقيدته الدينية لم تكن متمكنه من نفسه، فقد شارك في حروب الردة أيام أبى بكر. وكانت سيرته مشينة في نظر الذين وصفوه. وأهم خصيصتين في حياته الأدبية هما شدة بخله وتهالكه على بيع شعره بأبخس الأثمان. وتنقل الحطيئة بين قبائل العرب يتغنى بشعره متكسبًا يكيل المديح لأى سرى من سراة مكة، وينذر بالهجاء الذين لا يجزلون له العطاء منهم. وسجن في عهد عمر لهجائه الزبرقان بن بدر، ولسنا نعرف على التحقيق تاريخ وفاته. فالروايات العربية تذهب إلى أنه أدرك عهد معاوية ابن أبي سفيان بل إن أبا الفدا (تأريخ، جـ 1، ص 375) يجعل وفاته عام 69 هـ (668 م) وهو أمر يصعب تصديقه. وأرجح الأقوال أنه توفى قرابة عام 30 هـ (650 م، بروكلمان جـ 1، ص 41). ويقدر الأدب موهبته الشعرية وخاصة في فنى المديح والهجاء. ويعده الشعراء المتأخرون من فحول السلف (Zeitschr. Seutsch. Mrgenl. Ges. جـ 46 ص 41؛ الكميت: طبعة هورفيتنز - Hor ovitz رقم 4، جـ 2، بهاء الدين زهير طبعة بالمر Palmer ص 217, 3) ونشط اللغويون في القرنين الثانى والثالث الهجريين إلى جمع أشعاره، وكان قد أفسدها الحشو منذ أمد طويل وخاصة على يد حَمَّاد الرواية. ولديوان الحطيئة نسختان، بقيت منهما بنصها الكامل النسخة التي تسامح فيها أبو عمرو الشيبانى وابن العربى فضمناها أشعارًا يشك في نسبتها إليه. أما النسخة الثانية، نسخة أبي حاكم السجستانى، فلم تبق منها إلا قطع متفرقة. وكان أبو حاكم أدق من الشيبانى وابن العربى فحرص فيها على رفض الأشعار المشكوك في نسبتها إليه. أما المخطوطات الباقية من هذا الديوان والطبعات المعتمدة عليها فمنقولة جميعًا من النسخة الأولى. وقد نشر كاتب هذه المادة ديوان الحطيئة وقدم له وعلق عليه بشروح (في الجزء 46، 47 من - Zeitlschsr. d Deutsch. Morgenl Ge .sellsch وأعيد طبعه في ليبسك 1893) ونشره بعدئذ أحمد الشنقيطى وضمنه شرح السكرى وحواشى كولدتسيهر (القاهرة: مطبعة التقدم) ويضاف إلى المخطوطات المذكورة في الطبعة الأولى

المصادر

(بشرح السكرى) مخطوط في إستانبول بمكتبة الفاتح تحت رقم 3821 ومنها نسخة في كمبردج (انظر E.G.Browne الثبت رقم 384, وجزء منه في فهرس عاطف أفندى تحت رقم 2777 في قول ريشر Rescher) وقد ورد ذكر ناس يلقبون بالحطيئة في العهود المتأخرة، فقد ذكر السبكى (طبقات الشافعية جـ 4، ص 234) رجلا اسمه أبو العباس بن الحطيئة وآخر اسمه أحمد بن الحطيئة (المصدر السابق ص 279) وكلاهما عاش في القرن السادس الهجرى. يونس [كولدتسيهر I. Goldziher]. حفاش جبل شاهق في جنوب بلاد العرب من جبال المصانع من خط السراة، على وادى سردد قرب حراز؛ وكثيرًا ما ذكره الهمدانى في كتابه (صفة جزيرة العرب) هو والجبل الكبير المجاور له ملحان (نسبة إلى ملحان بن عوف بن مالك الحميرى) واسمه الحقيقى جبل ريشان. ويقول الهمدانى أنه كان فيه ما لا يقل عن تسع وتسعين عينًا، وإنه كان في رأس جبل ملحان؛ مسجد شاهر، وشاهر قرن في رأس جبل ملحان ويقول الهمدانى أيضًا أن العامة كانوا يعتقدون بوجود كنز على مقربة من ملحان، وكان كثير من العرب يهمون به فيحول بينهم وبينه تنين مثل الجبل العظيم فلا يجدون إليه سبيلا؛ وكانت حفاش في عهد نيبور ناحية قائمة برأسها يتبعها أيضًا جبل ملحان؛ ويذكر نيبور من الأماكن التي لها بعض الأهمية في حفاش سفكين وهي مدينة صغيرة مسورة - وكانت مقر الدولة، وقريتى بيت النشيلى وبيت الشمَّة. المصادر: (1) الهمدانى: صفة جزيرة العرب؛ ص 68، س 25 - 26، ص 32، س 9, ص 79، س 11 - 19، ص 113، س 2 - 3، ص 125 س 8، ص 126 س 1، 5، 14 و 17، ص 190، س 22 و 23. (2) Beschreibung von: K.Neibuhr Arabien، ص 249. (2) Pertermanns Mitteilungen؛ جـ 32 (1886) اللوح الأول. خورشيد [شليفر J.Schleifer]

حفص بن سليمان

حفص بن سليمان " حفص بن سليمان" بن المغيرة، أبو عمر ابن أبي داود الأسدى الكوفي الفاخرى البزَّار: راوى قراءة عاصم. ولد حوالى سنة 90 هـ (709 م) وأصبح يتاجر في البزّ ومن ثم لقبه. وإنما ترجع شهرته إلى المعرفة التي اكتسبها من قراءة شيخ الكوفة، ذلك أنه كان زوج ابنته. فلما توفى عاصم وشيدت بغداد أقام فيها حيث تتلمذ عليه الكثيرون، ثم شخص إلى مكة ينشر قراءة حميه فيها. وكان شُعْبةَ بن عيّاش المتوفى سنة 194 هـ (809 م) معنيًا أيضًا بنشر قراءة عاصم، ولكن حفصًا أوثق منه رواية، وكان نهجه الذي انتقل بفضل جهوده هو الذي اتخذ في تقرير نص القرآن الذي نشر في القاهرة سنة 1342 هـ (1923 م) برعاية الملك فؤاد، وهو الذى يحوز الاعتراف ويعد النسخة الحديثة المعتمدة. وقد نَوَّهَ بهذا بلاشير (. R Introduction au Coran: Blachere, باريس 1947, ص 134 - 135)، وهو يقول أيضًا أن الجماعة الإسلامية سوف لا تعترف في المستقبل إلا بقراءة عاصم برواية حفص ويلاحظ ابن الجزرى أن ابن عياش يختلف عن حفص في 520 موضعًا، بيد أن حفصًا يسلم بقراءة عاصم كلها، إلا كلمة وردت في الآية 53 من سورة الروم فهو يقرأ الكلمة ضُعْف، في حين يقرأها شيخه ضَعْف (وهذا هو النطق الذي أخذ به مصحف القاهرة). وتوفى حفص سنة 180 هـ (796 م). المصادر: (1) الفهرست، ص 29، 32. (2) ابن الجزرى، القرَّاء، جـ 1، ص 254. (3) الدانى: التيسير، ص 6 وفى مواضع أخرى. (4) عبد الغنى النابلسى: صرف العنان إلى قراءة حفص بن سليمان، نشره، خليفة في مجلة المشرق، سنة 1961، ص 342 - 364 - 540 - 569 (أرجوزة في 520 بيتًا مع شروح).

حفص، بنو

(5) ابن حجر: تهذيب التهذيب، هذه المادة. (6) الذهبي: ميزان الاعتدال، هذه المادة. (7) ياقوت: معجم الأدباء، جـ 10، ص 215 - 216. (8) Gesshichte des Qoran: Noeldeke جـ 3، الجداول. خورشيد [هيئة التحرير] حفص، بنو أسرة من البربر في شمالى إفريقية حكمت "إفريقية" نيفًا وثلاثة قرون (626، 981 هـ = 1228 - 1574 م) , وقد نسبت هذه الأسرة إلى الشيخ أبي حفص عمر رأس الهنتاتة ومن أوائل مريدى ابن تومرت، وأحد ضباط عبد المؤمن المخلصين وقد بلغ من تعظيم الناس لقدرهم أنهم، كما يقول ابن خلدون قد تناوبوا الحكم على الأندلس والمغرب وإفريقية هم وأولاد عبد المؤمن ومن ثم أقام الخليفة الناصر في سنة 603 هـ (1207 م) أبا محمد بن أبى حفص حاكمًا على إفريقية، فانتصر انتصارات عظيمة على ابن غانية واحتفظ بسلطانه إلى أن توفى سنة 618 هـ - 1221/ 1222 م) , فاستخلف رؤساء الموحدين في تونس ابنه أبا زيد، ولكنه استخلف مرة أخرى كما أقام الخليفة العادل ولدين آخرين من أولاده هما أبو محمد عبد الله وأبو زكريا، فأقام الأول على إفريقية والثانى على قابس، وبقى الحفصيون تحت سلطان الموحدين إلى ذلك الحين، ولكن أبا زكريا خرج على طاعتهم وأقام أسرة مستقلة بأمر نفسها، وقد عينه المأمون حاكمًا على إفريقية بدلا من أخيه الذي رفض أن يعترف بهذا الخليفة، وأقام في تونس سنة 1228 م، ولكنه سرعان ما تذرع بقسوة الخليفة وبدعه الخارجة على الدين فحذف اسمه من الخطبة ولقب نفسه بالأمير، ثم جعل الخطبة باسمه آخر الأمر وذلك عام 634 هـ (1236 - 1237 م) وأنفذ عدة حملات ناجحة استولى بها على قسنطينة وبجاية والجزائر كما قسا في معاقبة الهوارة الذين انتقضوا عليه

واستولى على تلمسان سنة 639 هـ (1242 م) وأجبر يغمراسن على دفع الجزية له، ودان المرينيون وأهل مكناسة أيضًا بالولاء لأمير تونس فامتد ملكه من طرابلس إلى سبتة وطنجة، ومن البحر المتوسط إلى الزاب وسجلماسة، وهدد النصارى مدن بلنسية ومرسية وإشبيلية وشريش وجزيرة طريف فاستنجد أهل هذه المدن به ودانوا لحكمه ثم مات في مدينة بونة سنة 647 هـ (1249 م) وكان بحق أقوى حاكم في إفريقية المسلمة. ولم يكن عصر ابنه وخليفته أبي عبد الله المستنصر بالله (647 - 675 = 1249 - 1277 م) أقل من عصر أبيه ازدهارًا، فما كاد يخرج ظافرًا من تلك الفتنة التي أثارها عليه بن عمه اللحيانى بواسطة عرب رياح والدواودة وغيرهم حتى اتجه إلى التميكن للحفصين في المغرب الأوسط فنجح في ذلك كما نجح أيضًا في القضاء على الحملة التي وجهها على تونس القديس لويس وشارل صاحب أنجو، وذاعت شهرته في الآفاق واجتمع في بلاطه رسل المرينيين وسفراء ملك كانم وأمراء المسيحيين الذين لجأوا إليه وساهموا مع زعماء المسلمين في الحملات التي وجهوها على بلاد المغرب. ولم يقنع المستنصر بلقب الأمير الذي قنع به أبو زكريا فلقب نفسه (بالخليفة وأمير المؤمنين) ونجح في الحصول على وثيقة من شريف أشراف مكة تجعله وريثًا للخلفاء العباسيين بعد أن قضى التتار على ملك هؤلاء واستولوا على بغداد. ولقد حقق قيام إمبراطورية الحفصيين لإفريقية تقدمًا عظيما فجعل تونس لا مقر الحكم فحسب بل المركز السياسى والثقافى للقطر بأسره أيضًا (انظر مادة تونس) وشيد الحاكمان الأولان لهذه الأسرة أبنية عدة (قصورًا ومساجد وزوايا ومكتبات وقناطر معلقة) واجتذبا إلى البلاد الشعراء والعلماء من جميع بقاع العالم الإسلامى لا سيما الأندلس، وكانت العلاقات الودية بينهما وبين المسيحيين حافزًا على رواج التجارة بين أوربا وإفريقية، فعقدت معاهدات مع فردريك

الثانى ملك صقلية (1231) ومع مارسيليا وبيزة (1234) والبندقية، وجددت هذه المعاهدات جميعًا في عهد المستنصر. وأعقبت هذه الفترة المزدهرة فترة ساد فيها الاضطراب والاختلال. ذلك أن الواثق خلف المستنصر في الحكم، على أنه عزل على يد عمه أبي إسحق عام 678 هـ (1279 م). بيد أن بن عمارة اغتصب ملك أبي إسحق وطرده من قصبة بلاده ثم قتله بالقرب من بجاية سنة 682 هـ (1293 م) , وسرعان ما انقسمت إمبراطورية الحفصيين إلى مملكتين: مملكة تونس وقد حكمها أبو حفص، ومملكة بجاية وحكمها أبو زكريا (683 = 1284 م)، وشبت حرب ضروس اشتبكت فيها القبائل العربية في إفريقية والمغرب الأوسط وقبائل عبد الواد التلمسانيين ودامت هذه الحرب ثلاثة وعشرين عامًا ثم استتب السلام وعقد صلح بين أبي عصيدة محمد بن الواثق ملك تونس وأبى البقاء سلطان بجاية قضى بأن تؤول الإمبراطورية بأسرها إلى أحدهما بعد وفاة الآخر. وهكذا استطاع أبو البقاء أن يعيد للإمبراطورية الحفصية وحدتها ولكن إلى حين، ذلك أن الأمير الحفصى أبا زكريا اللحياني استولى على تونس عام 1311 وقتل أبا البقاء بينما قام مغتصب آخر يدعى أبا يحيا فأقام نفسه حاكمًا على بجاية. على أن أبا يحيا نجح عام 718 هـ (1318) في حكم تونس ووحد إفريقية والمغرب الأوسط تحت سلطانه. ومع ذلك فقد ظل مركزه مزعزعًا محفوفًا بالمكاره. ذلك أنه اضطر إلى قتال الكعوب وغيرها من قبائل سليمانى التي تحالفت مع بنى عبد الواد وقتال أبي ضربه سلطان تونس السابق وطُرد أبو يحيا من عاصمة ملكه في أربع مناسبات، وتغلب أخيرًا على أعدائه بمعاونة المرينيين الذين عقد معهم حلفًا وثيقًا. وتزوجت أميرة من بنى حفص بأبى الحسن بن سعد سلطان فاس ونجح أبو يحيا في أواخر حكمه في إعادة الأمن إلى إفريقية وفى إخضاع مدن الجريد التي انتهزت فرصة الفوضى التي كانت سائدة فجعلت من أنفسها إمارات مستقلة. وقد خرجت طرابلس من

قبضته إلا أنه نجح على الأقل في استعادة جربة التي كان المسيحيون قد استولوا عليها في نهاية القرن السابق. وعادت الفوضى إلى إفريقية مرة أخرى عند وفاة أبي يحيا عام 747 هـ (1346 م) فاغتصب أبو حفص السلطان من الوريث الشرعى أبي العباس بعد أن ذبح أمراء بنى حفص. ولقد أثار هذا العمل المرينيين ودفعهم إلى التدخل، فتقدم السلطان الحسن إلى إفريقية واحتل قسنطينة وبجاية ودخل تونس التي هجرها أبو حفص عام 748 هـ (1437 م) ولكنه هزم في السنة التالية بالقرب من القيروان على يد بعض العرب الثائرين واستدعى إلى وطنه بسبب الثورة التي قام بها ابنه أبو عنان، وبذلك لم يستطع هذا السلطان المرينى أن يحتفظ بفتوحاته. ولقد استطاع من بقى من أمراء بنى حفص أن يؤسسوا ملكهم من جديد في بجاية وبونة وقسنطينة، بل نجح أحدهم وهو الفضل في دخول تونس ثانية، ولكنه وقع فريسة لمؤامرة دبرها له وزيره ابن تافراجين، واستطاع المرينيون أن يغزوا مملكة الحفصيين من جديد، إذ نجح أبو عنان في الاستيلاء على بجاية في سنة 1353 وعلى قسنطينة وبونة وتونس في سنة 1457 م (758 هـ)، ولكنه عندما حاول أن يكبح جماح العرب الذين لم يروا في هذه الحروب إلا وسيلة للتخريب والسلب تخلى عنه جيشه مما اضطره إلى ترك إفريقية. وانتهز أبو إسحق الثانى أحد أمراء بنى حفص هذه الفرصة فدخل تونس ثانية. ومع ذلك فقد ظلت مملكة الحفصيين في حالة يرثى لها، وانتشرت الفوضى في كل ربوعها وحكمها ثلاثة أمراء في وقت واحد هم: أبو إسحق الثانى في تونس وأبو عبد الله في بجاية، وأبو العباس في قسنطينة ثم انتهى الأمر بأن أصبح أبو العباس هو الحاكم الوحيد عام 870 هـ - (1368 - 1369 م). وقد حاول في مدة حكمه أن يعيد الأمن والنظام إلى البلاد فكبح جماح العرب وأرغم مشايخ الجريد وقفصة وقابس على الخضوع له. واستمرت سلطة الحفصيين التي

استعادوها قائمة طوال عهد ابنه فارس عزيز (796 - 837 هـ = 1393 - 1434 م) الذي حافظ على توازن القوى في المغرب، واستطاع بذلك أن يتدخل في شئون تلمسان فظاهر أولا أبا عبد الله المطالب بالعرش على السلطان عبد الملك ثم انقلب إلى تعضيد عبد الملك نفسه، واستولى على السلطان بعد وفاة هذا الملك ووضع على عرشها أميرًا من بنى زيان اعترف بسيادة تونس (1431 م). وقد أحيا أبو العباس سنن أجداده في العناية بالأدب والفنون. ويذكر القيروانى بيانًا طويلًا بشتى المبانى التي أقيمت برعايته كالمساجد والزوايا والمدارس والمكتبات والمستشفيات. وقد كان خلفاؤه أبو عمر عثمان (834 - 893 هـ = 1434 - 1488 م) وأبو زكريا يحيا (893 - 899 هـ = 1488 - 1494 م) وأبو عبد الله محمد (899 - 932 هـ = 1494 - 1526 م) حماة للأدب والفن، ولكن كانت تعوزهم القوة مما أدى إلى انحلال سلطان الحفصيين من جديد فما حلت نهاية القرن الخامس عشر حتى كانت قسنطينة وبجاية وبونة قد استعادت استقلالها، وجعلت طرابلس وقابس ومدن الجريد من نفسها جمهوريات. ولم تخلص قبائل العرب في الداخل لسلاطين تونس. وكانت سياسة الحكام الحفصيين نحو المسيحيين في هذه الفترة كسياسة أسلافهم، إذ جددت في القرن الرابع عشر المعاهدات التجارية التي عقدت في القرن الثالث عشر مع جنوه وبيزه، وأبرمت معاهدات جديدة مع أراغون وميورقة ومنتبلييه والبندقية وفلورنسة. وقد كان في تونس وبونة وبجاية وصفاقس وجربة فنادق يخزن فيها التجار المسيحيون بضائعهم. على أنه كان من الصعب الإبقاء على هذه الصداقة نظرًا لما قام به المسيحيون من الأعمال العدائية باحتلالهم جربة وهجومهم على المهدية .. وغير ذلك، واشتداد القرصنة على الساحل الإفريقى منذ أواخر القرن الرابع عشر، وقد كانت موانى مملكة الحفصيين ملجأ هؤلاء القرصان مما جعلها معرضة لغزوات الأسبانيين الذين فكروا في تثبيت أقدامهم في النقط الهامة على

المصادر

الساحل الإفريقى انتقامًا من هؤلاء القرصان. على أن الأتراك سبقوهم إلى هذه الفكرة. ففي سنة 1534 استولى خير الدين على تونس عندما استنجد به الأمير الحفصى الذي نجا من المذبحة التي أنزلها بإخوته مولاى حسن خليفة أبي عبد الله محمد، وفى سنة 1535 استولى شارل الخامس على تونس واستطاع مولاى حسن بمعاونته أن يسترد مملكته على أن يدفع الجزية لأسبانيا. وفضلا عن هذا فقد كان عاجزًا عن الاحتفاظ بمركزه في عاصمته لو لم تعاونه الحامية الأسبانية بالقلعة. وقد خرجت بلاد تونس من قبضته إذا استثنينا شقة ضيقة من الأرض بين تونس وبنزرت. ثم عزله عن العرش آخر الأمر أخوه أحمد سلطان (1542 م) بعد أن سمل عينية. وقبض هذا الحاكم على زمام السلطة حتى سنة 1569 عندما استولى على تونس اولوج على ليمنع الأسبانيين من استعمال المدينة قاعدة أعمالهم الحربية الموجهة على الأتراك. وقد استطاع الحفصيون أن يستعيدوا عرشهم لآخر مرة في سنة 1573 بفضل الحملة الظافرة التي قام بها دون جوان النمسوى، ولكن سنان باشا استولى في السنة التالية على تونس والقلعة (981 هـ = 1574 م) وأخذ مولاى محمد آخر أمراء الحفصيين أسيرًا إلى الآستانة فمكن الأتراك لأنفسهم في بلاد تونس تمكينًا. المصادر: (1) ابن خلدون: البربر، ترجمة de Slare: الجزءان الثانى والثالث. (2) الزركشى: تأريخ الدولتين الموحدية والحفصية، تونس 1289 هـ, الترجمة الفرنسية بقلم Chro-: Fagnan nique des Almohades et des Hafcides, قسنطينة عام 1895. (3) القيروانى (ابن أبي دينار): المؤنس في أخبار إفريقية وتونس، تونس 1283، الترجمة الفرنسية بقلم Pellissier et Remusat: -l'Algerie sci Eploration scientifque de geographiques ences historiques et جـ 7، باريس 1845.

(4) التيجانى: الرحلة .. ترجمة فرنسية بقلم A. Russeau في Journal Asiatique 1833 - 1843. (5) ابن قنغوض: Farésiade, ou com- mencement de la dynastie des Beni Haffs, نشره وترجمه Cherbouneau في Journal Asiatique 1851 أغسطس - سبتمبر 1852. (6) Annales tunisiennes: Rousseau (الجزائر 1864) الفترة الأولى. (7) Relations et: De Mas Latrie commerce de l'Afrique septentrionale (باريس 1886) في مواضع مختلفة. (8) Histoire de l'Afrique: Faure-Biguet septentrionale sous la domination musul- mane (باريس - بدون تاريخ)، الفصل العاشر - الثالث عشر. (9) Histoire de L'Afrique: Mercier Septentrionale، جـ 2، الفاصل الحادي عشر إلى الفصل الرابع والعشرين؛ جـ 3، الفصول الأول والثالث والسابع؛ وانظر كذلك المصادر الواردة في مواد الجزائر وبجاية وقسنطينة ومدينة تونس وبلاد تونس. محمد عبد العزيز مرزوق [إيفر G. Yver] + حفص، بنو، ويقال بنو الحفصيون: دولة ببلاد البربر الشرقية (627 - 982 هـ = 1229 - 1574 م) جدها الأعلى صاحب مشهور للمهدى بن تومرت هو الشيخ أبو حفص عمر بن يحيا الهنتاتى من أوائل بناة مجد الموحدين. وقد حكم إفريقية ابنه الشيخ أبو محمد عبد الواحد بن أبي حفص من سنة 603 إلى سنة 618 هـ (1207 - 1221 م). وكان حفيده أبو محمد عبد الله بن عبد الواحد حاكمًا عليها سنة 623 هـ (1226 م) وتخلص منه أحد إخوته "أبو زكريا يحيا" سنة 625 هـ (1228 م). وتذرع هذا الحاكم الجديد بحجة الدفاع عن التراث الخالص للموحدين وتطهيره من البدع فأسقط اسم الخليفة من بنى عبد المؤمن من الخطبة (بداية سنة 627 هـ = نوفمبر - ديسمبر 1229 م) واستقل بنفسه وتلقب بالأمير وتوطد سلطانه تمامًا

سنة 634 هـ (1246 - 1237 م) وجعل الخطبة باسمه. ووحد الموحدون المغرب إلى حين، وفى القرن السابع الهجرى (الثالث عشر الميلادى)، انقسم المغرب مرة ثانية، ولم تكن هي الأخيرة، إلى ثلاث دول: إمبراطورية بنى مرين في فاس، ومملكة عبد الواد في تلمسان، ومملكة بنى حفص في تونس. 1 - الأمير أبو زكريا يحيا (625 - 647 هـ = 1228 - 1249 م)، وقد نال الاستقلال فراح يجمع شتات ما صار يطلق عليه في ذاك الوقت إقليم الحفصيين؛ أي إفريقية كلها، باستيلائه على قسنطينة وبجاية سنة 628 هـ (1230 م) وتخليصه طرابلس والريف جنوبى قسنطينة من أيدى المنتقض العنيد بن غانية سنة 631 هـ (1234 م) وفى السنة التالية ضم الجزائر ثم أخضع وادى شلف، وشجع أبو زكريا توسع بنى سُليَمَ (كُعوب مرداس) حين ردوا بنى رياح (الدواودة) عنوة إلى إقليم قسنطينة والزاب. وفى سنة 636 هـ (1328 م) أخضع الهوارة الذين يستوطنون الحدود الجزائرية التونسية. وأحبط مؤامرة خطيرة سنة 639 هـ (1242 م) وشن هجومًا على تلمسان التي كان قد استولى عليها أوائل سنة 640 هـ (يوليو 1242 م)، وأعادها إلى عبد الواد مقابل خضوعه لحكم بنى حفص. وفى أثناء عودته تنازل لرؤوس قبائل بنى تجين عن حكمه لأراضيهم، وبذلك أقام في المغرب الأوسط عددًا من الدويلات الموالية له مما يكفل له الأمن. وامتد سلطان أبي زكريا منذ سنة 635 هـ (1238 م) حتى بلغ مراكش والأندلس ومن ثم توالت عليه أمارات الخضوع. وتوفى أبو زكريا وقد امتد سلطانه إلى شمالى مراكش بأكمله، ودان بنو نصر وبنو مرين له بالولاء. وقد استمسك بتقاليد الموحدين في مباشرته الشئون المدنية والحربية. وأضاف إلى تونس حاضرة ملكه كثيرًا من المنافع: المصلى، والسوق، والقصبة، والمدرسة (أقدم المدارس العامة في بلاد البربر). ولم يتدخل المذهب الرسمى للموحدين في مذهب المالكية، أو مذهب

المتصوفة الذي اقترن باسم الدهمانى (المولود سنة 621 هـ = 1224 م) وعبد العزيز المهدوى، وسيدى أبي سعيد (المتوفى سنة 628 هـ = 1231 م) والشاذلى (المتوفي 656 هـ - 1258 م)؛ أو عائشة المنوبية (المتوفاه سنة 665 هـ = 1267 م وقد أعقب السلام والأمن نمو اقتصادى سريع وزاد التبادل التجارى مع بروفانس، ولنجدوك والجمهوريات الإيطالية، وعقدت المعاهدات معها. ومن سنة 636 هـ (1239 م) زادت العلاقات مع صقلية توطيدًا حينما بدأ الحاكم الحفصى في أداء جزية سنوية لها مقابل السماح له بحق التجارة البحرية، وحرية استيراد القمح الصقلى. وفى هذا الوقت نفسه تقريبًا، توطدت علاقات الصداقة بين مملكتى تونس وأراغون. واستقرت جماعات التجار المسيحيين (الأسبان، والبروفنساليين، والإيطاليين) في موانئ مملكة بنى حفص، وبخاصة ميناء تونس، وكان لهم فنادقهم الخاصة بهم وقناصلهم. وفى مطلع القرن السابع الهجرى (الثالث عشر الميلادى) هاجر كثير من مسلمى أسبانيا بما فيهم عدد من الصنّاع والأدباء وغير هؤلاء إلى إفريقية الحفصية، وقبل أن يمر وقت طويل، كانت قد تكونت جالية أندلسية قوية إلى جانب طائفة الموحدين بالعاصمة تونس (انظر مادة الأندلس الملحق). 2 - الخليفة المستنصر (647 - 675 هـ = 1249 - 1277 م). هو أبو عبد الله محمد، خلف أباه بصفته الوريث المنتظر دون أي صعوبة، وأرخى العنان لحبه للمباهاة، واتخذ لقب الخلافة منذ سنة 650 هـ (1253 م) وتلقب بالمستنصر بالله. وحققت سياسته المعتمدة على الثقة بالنفس انتصارات دبلوماسية هامة في مراكش والأندلس، بل في الحجاز ومصر. ولم يتعرض حكمه إلا لخطر قلة من المؤمرات والانتقاضات التي كان يبدؤها العرب أو يساندونها في كثير من الأحوال. وفى سنة 658 هـ (1260 م) أعدم حاجبه الأديب الأندلسى ابن الأبَّار. ومجمل القول أن العلاقات مع الممالك المسيحية كانت مستقرة مثلما كانت في حكم أبي زكريا

على الرغم من انتكاسها بعض الشيء حين اتجهت الحملة الصليبية للقديس لويس (توفى بقرطاجة في الخامس والعشرين من أغسطس سنة 1270 م) إلى إفريقية. وغادرها الصليبيون في أقل من شهر واحد تنفيذًا لشروط معاهدة أبرمها المستنصر معهم. وبدأت بموت المستنصر فترة طويلة حافلة بالاضطراب والانفصال (من 675 - 718 هـ = 1227 - 1318 م). 3 - حكم الواثق بن المستنصر (675 - 678 هـ = 1277 - 1279 م) كان طيبًا في بدايته، ولم تعكر صفوه إلا مكيدة دبرها صفيه الأندلسى ابن الحبَيَّر، ونشوب فتنة في بجاية آخر 677 هـ (إبريل 1289 م) تعضيدًا لأبي إسحاق أحد أشقاء المستنصر. وفى أوائل سنة 651 هـ (1253 م) قاد أبو إسحاق هذا فتنة الدواودة العرب، ولجأ إلى بلاط بنى نصر بغرناطة، واستقبله بحفاوة بالغة عبد الواد التلمسانى وهنالك توفى المستنصر. وأجبر الواثق آخر الأمر على النزول عن العرش لعمه أبى إسحاق الذي دخل تونس سيدًا لها في ربيع الثانى سنة 678 هـ (أغسطس 1279 م) وقد ساعد على ذلك إلى حد كبير ما زوده به من معونة حربية بطرس الثانى ملك أراغون، الذي كان حريصًا على أن يضمن ولاء دولة الحفصيين في صراعه مع شارل ملك أنجو. 4 - أبو إسحاق (678 - 682 هـ = 1279 - 1283 م). وقد قتل الواثق، وابن الحَبّير، وعددًا من الشخصيات المرموقة، وعهد بحكم ولاية بجاية إلى أخيه أبي فارس، وآذنت شمس صقلية بالمغيب في 30 مارس 1982 مؤذنة بسيطرة دولة أنجو على صقلية، فأعلن ابن الوزير والى قسنطينة استقلاله، كان بطرس الثالث ملك أراغون قد وعده بالمساعدة، ولكن أبا فارس دحره قبل أن تتمكن قوات بطرس من النزول إلى اليابسة، وأبحر بطرس متجهًا إلى ترابانى Trapani. وأبقى أبو إسحاق على العلاقات المألوفة مع إيطاليا، وزوج إحدى بناته من وريث تلمسان المنتظر. ولكن ابن أبي عُمارة، المغامر، استولى على

جنوبى تونس كله بمساعدة العرب، ونادى بنفسه خليفة سنة 681 هـ (1282 م)، ونجح نجاحًا جعل أبا إسحاق يهرب إلى بجاية ليلحق بابنه أبي فارس. وقد أجبره ابنه على النزول له عن العرش في آخر سنة 681 هـ (ربيع سنة 1283 م) ونادى المغتصب ابن أبي عمارة (سنة 681 - 673 هـ = 1283 - 1284 م) بنفسه خليفة، وخلع أبا فارس وقتله في (3 ربيع أول = أول يونيو 1283 م) وقتل الخليفة السابق أبا إسحاق. ولكن انتصاره لم يدم طويلًا. فقد أثارت انحرافاته وسخافاته الواضحة في معاملته للعرب بوجه خاص، حفيظتهم، فعاونوا أبا حفص عمر شقيق المستنصر، وأبا إسحاق على خلعه. 5 - أبو حفص (683 - 694 هـ = 1284 - 1295 م) نجح في استعادة سالان بنى حفص. ودفعه ورعه وحبه للسلم إلى بناء كثير من العمائر الدينية. وأصبح حلف آراغون - صقلية عدوًا له، وقامت هاتان الدولتان بالاستيلاء على جربة سنة 683 هـ (1284 م) وطالبتا تونس بأداء الجزية المنصوص عليها في معاهدة سنة 684 هـ (1285 م)، وكانت تؤديها من قبل إلى أمراء أبجو الصقليين، وعقدت الدولتان حلفًا مع المرينيين معاديًا لأبي حفص (685 - 686 هـ = 1286 - 1287 م). وشنتا غارات لنهب سواحل إفريقية، وجاءتا بدعى ليطالب بعرش أبي حفص وهو ابن ابى دَبّوس سنة (1287 - 1288 م)، وهو أمير موحدى كان قد لجأ إلى أراغون. وحدثت بعض الاتصالات إلا أن حاكم أراغون - صقلية لم ينجح قط في تجديد العلاقات السلمية مع أبي حفص؛ وبعد سنة 684 هـ (1285 م) فرض أبو زكريا، من أبناء ابى إسحاق، وابن شقيق أبى حفص، سيطرته بمساعدة العرب على الجزء الغربى بأكمله من الأراضى الحفصية بما في ذلك بجاية وقسنطينة. وفى السنة التالية سار إلى تونس وردّ جنوبًا، فاستولى على قابس، وتقدم نحو بجاية، التي كانت تهددها غارات واحد من آل عبد الواد بتحريض من أبى حفص، وكان لا يزال يفرض سيطرته على سلطان تلمسان. وفى الوقت

نفسه، نشأت دويلات مستقلة في أرض الجريد، وفى توزر، وفى قابس، وفى هذه الأثناء أظهر عرب جنوبى طرابلس العداء لأبي حفص. ومن ناحية أخرى، اكتسب بنو حفص لأول مرة في تاريخهم ولاء عرب المناطق الوسطى والشرقية، ومنحوهم إقطاعات من الأراضى ومن الموارد. وفى السنوات الأخيرة من عهده ضم أمير بجاية إقليم الزاب إلى حكمه، ومنذ سنة 693 هـ - (1294 م) تخلى أبو زكريا عن سيطرته على جنوبى قسنطينة كله. وفى السنة نفسها اعترف أمير قابس أيضًا بسيادة أبي زكريا. ويبدأ من هنا اضمحلال نفوذ بنى حفص، كما تذكرنا معارضة بجاية لتونس بمعارضة بنى حماد لبنى زيرى. 6 - أبو عصيدة (694 - 708 هـ = 1295 - 1309 م). ولد بعد وفاة أبيه الواثق، وعين الشيخ الموحدى العظيم ابن اللحيانى كبير وزرائه. وحاول أن ينتقص من مملكة بجاية التي كانت تسودها البلبلة سنة 695 هـ (1296 م)، وسرعان ما ظهر الخطر من الغرب أيضًا، لأن إقليم الجزائر كان قد خضع لبنى مرين، وحين سيطر هؤلاء على متيجة فرضوا الحصار على بجاية سنة 699 هـ (1301 م) وتوفى أبو زكريا سنة 700 هـ (1301 م). وبذل ابنه وخلفه أبو البقاء كل ما في وسعه للتوصل إلى صلح مع أبي عصيدة، فأبرما آخر الأمر معاهدة سنة 707 هـ (1307 - 1308 م) كان هدفها إعادة توحيد الفرعين الحفصيين، وقضت هذه المعاهدة بأن تؤول الإمبراطورية الحفصية بأسرها إلى أحدهما بعد وفاة الآخر. وفى السنوات الثلاث الأخيرة من حكمه بخاصة اضطربت ممالك أبي عصيدة اضطرابًا خطيرًا، بفعل قبائل كُعوب العربية. ونحن نعلم أنه أبرم معاهدات بعينها مع العالم المسيحى، ولكن الجزية التي فرضوها على تونس واحتلالهم جربة دفعاه إلى التمسك بمعارضته لفردريك الصقلى. 7 - أبو يحيا أبو بكر الشهيد (709 هـ - 1309 م). ابن عم آخر لأبي عصيدة، نصبه مشايخ الموحدين بتونس

الذين عارضوا التدابير التي ستؤول بمقتضاها إمبراطورية بنى حفص كلها إلى أبي البقاء. ولكن أبا البقاء تخلص منه بعد سبعة عشر يومًا من ولايته فحسب، وفرض على دولتى بنى حفص الاتحاد من جديد. 8 - أبو البقاء (709 - 711 هـ = 1309 - 1311 م) وقد عجز من كل الوجوه عن منع ردة جديدة لإقليم قسنطينة التابع لحكم أخيه أبي يحيا أبي بكر، وكان أبو يحيا قد فرض سيادته على بجاية أيضًا سنة 712 هـ - (1312 م). وفى الوقت نفسه، كان الموحدى العجوز الشيخ ابن اللحيانى قد استولى على عرش تونس، بعد أن أجبر أبا البقاء على النزول عنه. 9 - ابن اللحيانى (711 - 717 هـ = 1311 - 1317 م). وقد بدأ عهده بعلاقات طيبة مع مملكتى بنى حفص. وقاوم غارات بنى عبد الواد التلمسانيين) (713 - 715 هـ = 1313 - 1315 م) ثم هاجم حاكم بجاية أبو يحيا أبو بكر، تونس (715 - 716 هـ = 1315 - 1316 م)، واضطر ابن اللحيانى إلى تسليمها. 10 - أبو ضَربْة (717 - 718 م = 1317 - 1318 م). هو ابن اللحيانى، أقامه التونسيون أميرًا عليهم، ولكنه لم يقاوم هجمات أبي يحيا أبي بكر سوى تسعة أشهر وحسب، وعادت الوحدة الحفصية مرة أخرى. 11 - أبو يحيا أبو بكر (718 - 747 هـ = 1318 - 1446 م) وقد واجه مهمة صعبة هي إخماد الانتقاضات الخطيرة فيما بين السنوات 718 هـ (1318 م) و 732 هـ (1332 م) التي أثارها أبو ضربه، أو أحد أصهار ابن اللحيانى وهو ابن أبي عمران، ونفذها العرب، وبنو عبد الواد. وتعرضت مملكة الحفصيين لهجوم متصل ناجح في كثير من الأحوال على يد سلطان تلمسان خلال السنوات (719 - 730 هـ = 1319 - 1330 م) ولكن أبا يحيا أبا بكر حرر نفسه من هذا التهديد آخر الأمر بدخوله في حلف مع أمير فاس المرينى الذي تزوج وريثه المنتظر إحدى بنات أبي يحيا. وقد أدت

المصاعب التي اكتنفت الأربع عشرة سنة الأولى من حكمه إلى حدوث بلبلة في عدد من المقاطعات المحلية الجنوبية، وإلى إضطرابات قبلية. من ثم حاول أبو يحيا منذ سنة 720 هـ (1320 م) الحفاظ على وحدة أراضيه، فعهد بقدر استطاعته بإدارة الأقاليم إلى ابنه، تنفيذًا لنصائح رؤساء بلاطه. وامتاز النصف الثانى من خلافة أبى يحيا أبى بكر (733 - 747 هـ = 1333 - 1346 م) بأن الشيخ ابن تفراكين الموحدى قد شغل أقوى منصب (وهو الحاجب مما قلل الاضطراب بقمعه العنيد لشغب البدو وغضبه من سخطهم وبتحرير جربة من نير الصقليين، وبتقليل تبعية بجاية لتونس بتشجيع خاص من الشيخ ابن تفراكين وبخضوع أبى يحيا أبى بكر بالتدريج لزوج ابنته وجاره الوثيق أبى الحسن المرينى، مما دفع أبا بكر المرينى إلى ضم تلمسان ومملكة عبد الواد إلى حكمه. 12 - أبو العباس أحمد. وقد كفل له والده الأمير الراحل مساعدة المرينى أبى الحسن ليخلفه على العرش، ولكنه سرعان ما لقى حتفه على يد واحد من إخوته، هو أبو حفص، وكان هذا الاغتيال هو السبب الذي تذرع به أبو الحسن لفتح إفريقية دون عناء. ولم يلق احتلال المرينيين (748 - 750 هـ = 1348 - 1350 م) إلا تأييدًا ضئيلًا، وأشعل إلغاء الإتاوات التي كان يجمعها البدو من السكان المستوطنين فتنه عربية أسفرت عن هزيمة نكراء لأبي الحسن سنة 749 هـ (1348 م) عجز بعدها عن استعادة ما كان له من سمعة طيبة. وفقد أبو العباس الجزء الأعظم من بلاد البربر ولقى المزيد من عداوة إفريقية، واضطر إلى الهرب بحرًا إلى الغرب في شوال سنة 750 هـ (أواخر ديسمبر 1349 م). 13 - الفضل بن أبى يحيا أبي بكر حاكم بونة وقد بويع في تونس، ولكن سرعان ما دحره ابن تفرا كين سنة 751 هـ (1350 م) وأقام مقامه واحدًا من إخواته، هو أبو إسحاق ابن أبى يحيى أبى بكر. 14 - أبو إسحاق (750 - 770 هـ = 1350 - 1369 م). وكان هذا الأمير

الجديد من صغر السن بحيث أصبح ابن تفرا كين الداهية أربع عشرة سنة صاحب السلطان الحقيقى وراء صاحب العرش. وتزايدت الاضطرابات وحركات الاستقلال الذاتى من كل الجوانب، فاستولى بنو مَكِّى على الجنوب الشرقى، وبنو حفص على قسنطينة وهنالك قُدر على أبى إسحاق أن يتحمل كثيرًا من الهجمات التي كان بعضها شديدًا خلال السنوات من 752 - 757 هـ - (1351 - 1356 م). أما المرينى حاكم فاس، أبو عنان فارس، فكان متحمسًا للسير على منوال أبيه في مغامرات البطولة التي كان يخوضها، فاستولى على تلمسان، والجزائر وعلى مَدِيَّة. وقد سهلت العداوة المشتركة القائمة بين فروع بنى حفص الثلاثة الحاكمة في بجاية وقسنطينة وتونس، مهمة هذا الغازى الذي كان يتمتع إلى ذلك بمساندة بنى مزنى أمراء إقليم الزاب، وبنى مكى أمراء قابس. أما الفتح المرينى الثانى لإفريقية 753 - 759 هـ = 1352 - 1348 م) فقد بدأ بداية رائعة بالاستيلاء على بجاية سنة 753 هـ (1352 م) ثم ركن إلى الهدوء فترة من الزمن؛ وفى سنة 757 - 758 هـ = 1356 - 1357 م) حقق أهدافه بالاستيلاء على قسنطينة وبونة وتونس، وبإخضاع بلاد الجريد وقابس. على أن انهيار أبى الحسن حدث في وقت أسرع مما كان متوقعًا نتيجة لفعل قليل البصر، وهو رفض السماح للدواودة بجمع ضرائب بعينها من الأهالى المستوطنين. واندحرت قواته، واضطر أبو عنان فارس إلى الانسحاب إلى فاس سنة 758 هـ (1357 م). وعاد أبو إسحاق وابن تفراكين إلى تونس خلال بضعة أشهر وحسب، وكانا قد طُردا منها. ومات المرينى سنة 759 هـ (1358 م) دون أن يفلح في التمكين لسلطانه ببلاد البربر الشرقية. وبينما كان عبد الواد يعمل على استعادة ما فقده في تلمسان، عادت الأمور في المشرق إلى الحال التي كانت سائدة فيها حين بدأ أبو إسحاق حكمه لكل من: بجاية وقسنطينة وتونس التي

كان يحكمها ثلاثة حكام مستقلين مختلفين من بنى حفص؛ وبقى الجنوب كله والجنوب الشرقى، وجزء من الساحل محتفظة بالاستقلال عن بنى حفص التونسيين. ولما توفى ابن تفراكين سنه 766 هـ (1364 م) استطاع أبو إسحاق أن يحكم بشخصه، ولكن لم يكن لحكمه أثر يذكر. على أننا نجد أبا العباس أمير قسنطنية من بنى حفص قد استخلص بجاية من ابن عمه أبى عبد الله، ونجح في توحيد إقليم قسنطنية كله سنة 767 هـ (1366 م). 15 - أبو البقاء خالد (770 - 772 هـ = 1369 - 1370 م). وقد ساء الموقف بسرعة خلال حكم هذا الأمير الذي كان صغير السن عندما خلف أباه، مما أدى إلى توحيد إفريقية للمرة الثالثة على يد أمير من بنى حفص خرج من قسنطنية وبجاية، وهو أبو العباس. 16 - أبو العباس (772 - 796 هـ = 1370 - 1394 م). وقد أعاد هذا الأمير بفضل كفاياته العقلية والوجدانية وحزمه الرفيق، هيبة الأسرة الحاكمة التي كان واحد من أعظم أفرادها شأنًا. ومن صلبه انحدر جميع أمراء بنى حفص من بعده. وما إن كبح جماح البدو الرحل سنة 773 هـ (1371 م) وخفف سيطرتهم على الأهالى المقيمين حتى استرد شيئًا فشيئًا ما فقده أسلافه من الأراضى في الجنوب، والجنوب الغربى وتم له ذلك في السنوات من 773 - 781 هـ (1371 - 1381 م) بل استرد إقليم الزاب نفسه. وانشغل أبو العباس منذ سنة 783 هـ - (1391 م) بتعزيز ما حققه، وكبح أي محاولة لإحياء حركات الاستقلال في الداخل وتم إخمادها في الجنوب. وانخرط بنو عبد الواد في المعارك الداخلية، واشتعلت المنافسة الشديدة بين بنى عبد الواد وبنى مرين، ومن ثم لم يجد أبو العباس ما يخشاه من ناحية الغرب. وساءت العلاقات بين بلاد البربر والممالك المسيحية نتيجة أعمال القرصنة التي قام بها بنو حفص، واشتد جبروت هذه الأعمال حين أوقف زحف حملة فرنسا وجنوه المشتركة على المهدية سنة 792 هـ (1390 م). وعقد صلح بعد ذلك مع الجمهوريات الإيطالية.

17 - أبو فارس (796 - 837 هـ = 1394 - 1434 م). وقد نهض بمهمة أبيه وأكملها بذكاء. فاقتلع الدول المحلية فى قسنطينة وبجاية سنة 798 هـ - 1396 م) وفى طرابلس وقفصة، وتورز، وبسكرة في الفترة من (800 - 804 هـ) (1397 - 1402 م) وأقام مقام أمرائها عمالًا من عبيده المحررين المختارين. وقاد حملة جريئة على أوراس سنة 800 هـ (1398 م) وعلى حدود بلاد طرابلس الصحراوية سنة 809 هـ (1406 - 1407 م). وقضى على أزمة خطيرة أثارت الخواطر في قسنطينة، والجنوب الشرقى في الفترة من 810 - 811 هـ (1407 - 1408 م) واحتواها باستيلائه على الجزائر سنة 813 هـ (1410 - 1411 م) وتلا ذلك فترة هدوء طويلة قطعها بشن عدة هجمات في الغرب حيث سيطر أبو فارس علي بنى عبد الواد التلمسانيين في الفترة من 827 - 834 هـ (1424 - 1431 م). وكذلك تدخل في أمور مراكش والأندلس. وكانت علاقاته مع الدول المسيحية علاقات ودية في بعض الأحيان، وطيدة في جميع الأوقات، واستمر النشاط الدبلوماسى المكثف مع هذه الممالك طوال فترة حكمه. وكان للحالة الموفقة التي ترك والد أبى فارس المملكة عليها، ولقوته الحربية، بعض الأهمية في نجاحه الخارق، كما استفاد بالإضافة إلى ذلك من الشعبية التي أكتسبها نتيجة اهتمامه بالعدل، وسياسته الدينية السُنِّيّة التي تجلت في أمور كثيرة: فقد أسبغ النعم على أهل الورع، وعلى العلماء ولأشراف، واحتفل بالمولد النبوى الشريف، وعمل على مساندة المذهب السنى في جربة، وشيد العمائر المدنية والدينية وألغى الضرائب التي لا تقرها الشريعة، وعد التوسع في تسيير السفن الخاصة التي تحارب العدو نوعًا من الجهاد. وساد التمسك بحرفية المذهب المالكى بفعل سلطان الفقيه المشهور ابن عرفة (716 - 803 هـ = 1316 - 1401 م) ويرجع إليه معظم السبب في إبعاد ابن خلدون إلى القاهرة حيث توفى سنة 808 هـ (1406 م). ويستدل من ذكر قصر باردو لأول مرة سنة 823 هـ (1420 م) على مبلغ

تغلغل الأثر الأندلسى في بربر بنى حفص. وكان أبو فارس يحكم دولة زاهرة، كما كان كريمًا مع رعيته؛ فاكتسب بذلك شهرة عظيمة في العالم الإسلامى ببعد نظره وسماحته الواعية. وهذا الأمير الذي تجاوز السبعين وهزم ألفونسو الخامس ملك أراغون عند جربة قبل ذلك بعامين قد ختم حياته في أورسنيس، وهو سائر على رأس حملة لإخضاع تلمسان سنة 837 هـ (1434 م). 18 - المنتصر (837 هـ = 1434 - 1435 م). حفيد أبى فارس، وقد كتب على هذا الأمير أن يدخل في منازعات مع أقاربه المنتقضين عليه وحلفائهم العرب، وشيد نافورة، كما شيد المدرسة المنتصرية التي خلَّدت اسمه. 19 - عثمان (839 - 893 هـ = 1435 - 1488 م). شقيق المنتصر المتقدم ذكره، وقد واصل ما فعله جده العظيم أبى فارس. وكان عثمان ورعًا عادلًا، وبدأ في إقامة منشئات مائية كثيرة، وبنى عددًا كبيرًا من الزوايا. وشمل برعايتة صاحب الكرامات التونسى سيدى ابن عروس المتوفى سنة 868 هـ (1463 م) وقدر عليه أن يدخل مع أقاربه في نزاع طوال سبعة عشر عامًا من سنة (839 إلى 856 هـ (1435 - 1452 م) وبخاصة مع عمه أبى الحسن على. وكان ابن أبي فارس هذا قد طرد من حكم بجاية سنة 843 هـ (1439 م)، وظل بعدها مدة طويلة مناهضًا لجنود السلطان في إقليم قسنطينة، كما قام عثمان بأعمال حربية في الجنوب في الفترة من 845 إلى 855 هـ (1441 - 1451 م) وواقع الأمر، أنه ما إن انتهت المرحلة الأولى من مغامرة أبي الحسن حوالى سنة 843 هـ (1539 م) حتى كان السلام قد ساد الجزء الأعظم من البلاد. وكانت الولايات تحكم بالطريقة نفسها التي انتهجت في أيام أبي فارس - أى بعمال من العبيد المحررين المختارين الذين كان يطلق على الواحد منهم لقب قائد. وقد واجه واحد منهم يسمى نبيل، عثمانًا إذ ادعى أنه يستأثر بسلطة عظيمة في البلاط، فسجن نبيل هذا سنة 857 هـ (1453 م). وتلبَّد الجو في الجزء الثانى من حكمه ولاح شبح

المجاعة والطاعون، وعودة الاضطرابات القبيلة التي بلغت مبلغ الإزعاج بوجه خاص سنة 867 هـ (1463 م) وأخمدت هذه الاضطرابات بقسوة، بيد أنها لم تكبح تمامًا. وقام عثمان في مناسبات عدة بحملات تأديبية في الجنوب، والجنوب الغربى في الفترة ما بين سنة 862 هـ (1458 م) وسنة 870 هـ (1465 م) في هذه الأثناء استولى واحد من بنى عبد الواد على تلمسان، وأخضع مرة سنة 866 هـ (1462 م) إلا أن الأمر استلزم إخضاعه مرة أخرى سنة 871 هـ (1466 م). أما سنوات حكم عثمان الأخيرة (875 - 893 هـ = 1470 - 1488 م) فغامضة تمامًا غموض تلك السنوات الأخيرة من حكم بنى حفص. وقد مال عثمان ميلًا شديدًا إلى إقامة أقاربه ولاة على الأقاليم. ويبدو أنه شدد قبضته على تلمسان. وفى سنة 877 هـ (1472 م) اعترف والى فاس الجديد، ومؤسس أسرة بنى وطَّاس، بسيادته. 20 - أبو زكريا يحيا (893 - 894 هـ = 1488 - 1489 م). نجح في أن يخلف جده عثمانًا وعامل أقاربه الذين تحدو حكمه بلا شفقة، واغتاله آخر الأمر ابن عمه الشقيق عبد المؤمن ابن إبراهيم. 21 - عبد المؤمن بن إبراهيم (894 - 895 هـ = 1489 - 1490 م). خلعه من العرش أحد أبناء سلفه وعدوه في أيام معدودة من ولايته. 22 - أبو يحيا زكريا بن يحيا (895 - 800 هـ = 1490 - 1494 م). ربما كانت دولة بنى حفص خليقة بأن تستعيد قوتها في أيام حكمه، لولا أنه مات بالطاعون، وهو بعد شاب. 23 - أبو عبد الله محمد (899 - 932 هـ = 1494 - 1526). ابن عم شقيق لسلفه، وقد استسلم للملذَّات، وعجل باضمحلال أسرة بنى حفص. وقد كبح أبو يحيا جماح القبائل العربية المنتقضة بصعوبة، واستخلص منه الأندلسيون بجاية وطرابلس سنة 1510 م. 24 - الحسن (932 - 950 هـ = 1526 - 1543 م). ابن الأمير السابق،

المصادر

طرده من تونس في صفر سنة 942 هـ (أغسطس 1534 م)، باشا الجزائر خير الدين بربروسه، فلما احتل شارل الخامس حلق الوادى أعاده إلى قصبة ملكه في المحرم سنة 942 هـ (يوليو 1535 م). وحارب أتراك القيروان سنة 1535 - 1536 م، ثم حارب سيدى عرفة - 1540 م) شيخ دولة المرابطين الخاصة التي أسستها في القيروان قبيلة الشابيَّة، وخلعه ابنه الأكبر أحمد. 25 - أحمد (950 - 976 هـ = 1543 - 1569 م). وقد واصل هو الآخر الصراع مع قبيلة الشابيَّة التي تحالف شيخها الجديد محمد بن أبي الطيب مع الأسبان، ومع محمد الوريث الشرعى للأمير الحفصى الراحل. وفى الوقت نفسه كان القرصان طور غور المتحالف مع الأتراك ومع أحمد يحاول التمكين لنفسه في إقليم الساحل. وفى سنة 959 هـ (1552 م) هزم أحمد قبيلة الشابيَّة، وجلا الأسبان عن المهدية سنة 1554 م، وعاد من إستانبول حاملًا لقب باشا طرابلس، واستولى على قفصة في ديسمبر 1556 على القيرون في (ديسمبر 1557). وفى سنة 967 هـ (1569 م) استولى باشا الجزائر على تونس، وسار أحمد حتى انضم إلى أخيه محمد في حلق الوادى. وأخيرًا، أي سنة 982 هـ (1574 م) فقد دون جوان النمسوى تونس التي كان قد استولى عليها في السنة السابقة، وصارت المدينة بمثابة حاضرة لإحدى الولايات العثمانية. المصادر: (1) La Berberie: R. Brunschvig Hafsides des origines a orientale sous les la fin du xve Siecle , جـ 1 - 2، باريس سنة 1940 - 1947. (2) المؤلف الأساسى - Ch.Mochi Kairouan: court Etudes Kairouanaises, et les Chabbia (1592, 1450) تونس سنة 1939. (3) Histoire de: Ch. A. Julien l'Afrique du Nord، باريس سنة 1952، جـ 2، الفصلان الرابع والسادس. (4) Initiation a la Tunisie، باريس سنة 1950.

حفص الفرد

(5) la l''Algérie Initiation a باريس سنة 1957. (6) La Berbérie musul-: G. Marcais mane et l'Orient au Moyen Age, باريس سنة 1946. (7) وانظر l'Architecture musulmane d'occident , باريس سنة 1954. حسن شكرى [هـ ر. أدريس - H.R. Idris] حفص الفرد أبو عمرو أو أبو يحيى: يقول صاحب الفهرست (ص 18) إنه فقيه عربى من أهل مصر خرج إلى بغداد حيث درس على الفقيه المعتزلى أبي هذيل، وفى رواية أخرى (المرتضى: اتحاف السادة جـ 2، ص 47) أنه درس من قبل على القاضي أبي يوسف ثم لحق بالمعتزلة؛ وكانت له مناظرات كثيرة مع الإمام الشافعي الذي لم يكن يذكره أو يذكر (كلامه) بخير؛ بل لقبه بالمنفرد بدلا من الفرد (انظر Bauer: Die Dogmatik al Ghazali؛ ص 19) ويقال إنه رجع إلى مذهب أهل السنة وتبعه الأشعرى، وإنه قال بخلق الأفعال؛ وقد نسبه صاحب الفهرست والشهرستانى أيضًا) هو والنجار إلى المجبرة؛ وذكر له ستة مصنفات هاجم في واحد منها المعتزلة وفى آخر النصارى (انظر أيضًا Die phi-: Horten los Systeme der spek Theologen ص 499، والمصادر المذكورة في هذا المؤلف). خورشيد [باور H. Bauer] حفصة بنت الخليفة عمر وزوج النبي [- صلى الله عليه وسلم -]، وكان خنيس بن حذافة القرشي قد بنى بها قبله، ثم مات في المدينة بعيد غزوة بدر دون أن يعقب منها؛ وتزوجها النبي بعد يوم أحد رغبة منه في اكتساب معونة عمر (¬1)، ولا شك في أنها كانت وقتئذ في العشرين من عمرها؛ وهجرها مرة لأسبابًا مجهولة ثم عاد إليها بوحى كريم لما تحلت به من فضائل الإسلام، ¬

_ (¬1) ادعاء كاتب المادة أن زواج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحفصة كان عن رغبة في اكتساب معونة عمر، ثم ادعاؤه أن رسول الله [- صلى الله عليه وسلم -] عاد إليها بعد هجرها خشية أن يبعد ذلك بينه وبين عمر - ادعاء لا دليل عليه من التاريخ

فقد كانت منصرفة إلى الصلاة والصوم. والواقع أن النبي [- صلى الله عليه وسلم -] خشى أن يباعد ذلك ما بينه وبين عمر؛ وكانت حفصة في بيت النبي [- صلى الله عليه وسلم -] تظاهر عائشة على زوجاته الأخريات، وقد وضعت كل مالها من سلطان في خدمة "حكومة الثلاثة" وهو الحزب الذي كان يسعى إلى استخلاف أبي بكر وعمر بعد محمد، [- صلى الله عليه وسلم -] وقد تلقت نصيبها في غنائم خيبر شأنها شأن سائر زوجات النبي [- صلى الله عليه وسلم -] ولما مات محمد رصد لها في الديوان دخل يقدر بنحو 10,000 درهم سنويًا. وصفوة القول أنه لم يكن لها شأن كبير حتى في خلافة أبيها، وهي في ذلك على طرفى نقيض من عائشة التي كان لها شأن خطير في كثير من النواحى. وقد حرضت حفصة أخاها عبد الله، وكان رجلًا ضئيل الشأن (¬1)، على المطالبة بالخلافة عندها جرى التحكيم في أذرح واجتمع القول على أنها ماتت عام 45 هـ في عهد مروان بن الحكم وقد بلغت الستين أو نحوها، ولم تعقب من النبي [- صلى الله عليه وسلم -]. المصادر: (1) ابن سعد: الطبقات (طبعة Sachau)؛ جـ 3، ص 285 - 286، جـ 8, ص 56 - 60. (2) ابن حجر: الإصابة، جـ 4، ص 273 - 274. (3) Le triumvirat Abu Bakr,: H.Lammens Omar et Abu Obaida (مستخرج من Mel. facul. orientale, بيروت؛ جـ 3، ص 120. (4) ابن هشام: السيرة (طبعة Wues- tentenfeld) ص 321، 1001. ¬

_ الصحيح، بل هو من الغمزات التي اعتادها هذا الكاتب. فإن عمر كان أشد إخلاصًا لرسول الله [- صلى الله عليه وسلم -] وحبا له من أن يتأثر ما بينهما بزواج امرأة أو طلاقها. وكان عمر حين هجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نساءه كلهن - لا حفصة وحدها - من أشد الناس على ابنته وعظًا وتعليمًا، حتى لا يغضب الله عليها لغضب رسوله. وتفصيل ذلك ثابت في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام أحمد بن حنبل في مسنده (برقم 222 بشرحنا وتحقيقنا) ورواه أيضًا البخاري ومسلم في الصحيحين وغيرهما من دواوين الحديث الصحاح. (¬1) ما كان عبد الله بن عمر رجلا ضئيل الشأن, ولكن كان زاهدًا في الحكم والسلطان, يخاف الله، ويخشى أن لا يقوم بحق الولاية، فاعتزل الخلافات السياسية في عصره. وله في هذا رأيه، وليس لأحد أن يجعل من ذلك مغمزًا فيه. أحمد محمد شاكر

(5) Fatima et les Filles de: H. Lammens Mahomet؛ ص 15، 23، 46، 56، 86. (6) ابن حنبل: المسند؛ جـ 6، ص 283 - 288. (7) Das Leben des Muhamed: Sprenger, جـ 3، ص 74 وما بعدها. خورشيد [لامنس H. Lammens] + حفصة, بنت عمر بن الخطاب، زوج النبي ع [- صلى الله عليه وسلم -] , ويقال إنها ولدت قبل البعثة النبوية بخمس سنين حينما كانت قريش تعيد بناء الكعبة. وأمها زينب بنت مظعون أخت عثمان بن مظعون المشهور تزوجت حفصة أول الأمر خُمَيْس بن حذافة السهمى القريشى، وترملت وهي بعد صبية لم تعقب (زوجها ممن شهدوا بدرًا وتوفى بالمدينة بعد رجوعه من هذه الغزوة)؛ وعرضها أبوها على أبي بكر فسكت، وعلى عثمان بن عفان فأوضح عدم رغبته في الزواج وقتئذ، أما أبو بكر فاعتذر لعمر بعد ذلك بأنه عرف أن النبي عليه السلام قد نوى الزواج من حفصة. وواقع الأمر أن محمدًا عرض على عمر أن يتزوج حفصة فقبل عمر بطبيعة الحال في حماسة. ومن المرجح أن النبي [- صلى الله عليه وسلم -] سعى إلى عقد هذا الزواج لأسباب سياسة (¬1) وهى دعم الروابط التى تربطه بشخصيه مثل عمر النصير القوى، ومما يؤيد ذلك إلى حد كبير أن النبي [- صلى الله عليه وسلم -] كان قد طلب من أبي بكر قبل ذلك بقليل الزواج من ابنته عائشة. وورد اسم حفصة في المصادر مقترنًا بالحوادث التالية: الهجرة: هاجرت حفصة مع أبيها إلى المدينة. الزواج: تقول معظم المصادر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تزوج حفصة في شهر شعبان الموافق 3 فبراير سنة 625 م بعد زواجه من عائشة وقبل غزوة أحد، ومن ثم كانت رابع زوجة للنبى عليه السلام. الحوادث الخاصة بنساء النبي [- صلى الله عليه وسلم -] تومئ الآيات التي في صدر سورة التحريم (السورة 66) إلى حادثة أو حوادث هي بلا شك من الأمور الزوجية يقول الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} الآية، عتابًا له [- صلى الله عليه وسلم -] ¬

_ (¬1) سبق أن رد الأستاذ أحمد محمد شاكر على هذا في صدر هذه المادة.

بتحريمه على نفسه ما أحل الله له ابتغاء مرضاة ازواجه، وأن إحداهن أفشت حديثًا أسره إليها؛ وتشير آيات في هذه السورة أيضًا إلى أن اثنتين من زوجات النبي [- صلى الله عليه وسلم -] قد تظاهرتا عليه وتختتم الآيات بتهديدهما بالطلاق. ويشرح المفسرون، ومؤلفو كتب أسباب النزول، وكُتَّاب السيرة النبوية، والمُحَدِّثُون هذه الآيات على هذا النحو: أن الرسول عليه السلام خلا بمارية القبطية في بيت حفصة وفى غيبتها، ورجعت حفصة وعلمت بذلك واشتد غضبها فقال لها: اكتمى على وقد حرَمْتُ مارية على نفسى استرضاء لها. ولكن حفصة أفشت الحديث لصديقتها عائشة. وتغيظ النبي [- صلى الله عليه وسلم -] فطلق حفصة، فأنزل الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} فقيل له: "راجعها، فإنها صَوَّامة قوَّامة، وهي من أزواجك ونسائك في الجنّة" (ابن سعد، جـ 8، ص 58) أضف إلى ذلك أن عمر حزن على ما أصاب ابنته حزنًا شديدًا (من المرجح أن جزع عمر كان السبب في مراجعة النبي [- صلى الله عليه وسلم -] لحفصة). وتحلل النبي [- صلى الله عليه وسلم -] من يمينه بتحريم مارية بالكفارة وهجر أزواجه تسعًا وعشرين ليلة. ويرجع نولدكه تاريخ هذا الحادث إلى سنة 7 هـ (628 - 629 م)، ويرجعه كيتانى إلى سنة 9 هـ (630 - 631 م). ومن الواضح أن بعض رواة الأحاديث لم يرضو عن هذه القصة فقد رأوا فيها ما يمس النبي [- صلى الله عليه وسلم -]: ويؤكدون أن الحديث الذي أسره النبي [- صلى الله عليه وسلم -] إلى حفصة وأفشته لعائشة، هو أنه أخبرها بأن الخلافة بعده تكون في أبى بكر وعمر (البلاذرى، أنساب الأشراف، جـ 1، ص 424 إلخ ... ) أما عن الآية الأولى من سورة التحريم فتزودنا المصادر بأسباب نزول أخرى، ولكنها تقر التفسير المتقدم لما يليها من آيات، وهذه الأسباب هي أن النبي [- صلى الله عليه وسلم -] زار إحدى زوجاته، ويقال بصفة عامة إنها أُم سلمة، ويقال أحيانًا إنها حفصة (ابن سعد، جـ 8، ص 59 الخ ... ، وفى هذه الحالة تتغير الأسماء كما سيأتى) فاحتبس أكثر ما كان يحتبس، حيث قدمت له شرابا من عسل كان يحبه. فتواطأت عائشة وحفصة، وبعض زوجات النبي [- صلى الله عليه وسلم -] الأخريات

حتى لا يصبح ذلك عادة: فقالت له إحداهن تلو الأخرى حين دنا منها: ما هذه الريح التي أجد منك: أكلت مغافير (لبانة شامية حلوة من شجرة العرفط) ولكن النبي [- صلى الله عليه وسلم -] لم يكن أكل من هذا النبات، ومن ثم فإن هذه الريح لا يمكن أن تأتى إلا مما شربه من قبل عند أم سلمة، وأن السبب هو أن العرفط قد جرسه النحل. وكان من نتيجة ذلك أن حرم النبي [- صلى الله عليه وسلم -] على نفسه شرب العسل، وقد حلله الله. وفى حديث من الأحاديث (البخاري، جـ 3، ص 258، جـ 4، ص 273 وما بعدها) نجد أن السر الذي أسره النبي [- صلى الله عليه وسلم -] إلى إحدى زوجاته، والقسم الذي يشير إليه القرآن يتعلقان بتحريم النبي [- صلى الله عليه وسلم -] شرب العسل على نفسه (وليس بحادث مارية القبطية). ومن ثم نجد بعض رواة الحديث المتقدمين يؤكدون وجود قاعدة أخلاقية مختلفة عن تلك القاعدة التي سادت في وسط النبي [- صلى الله عليه وسلم -]، محاولين بقدر الإمكان تعديل الروايات التي نقلها رواة آخرون. وهذا الاتجاه الذي يرمى إلى فرض ستار من التحفظ الحكيم على حياة النبي [- صلى الله عليه وسلم -] الزوجية تؤكده التفاسير الحديثة، وخاصة تلك النسخة من القرآن وترجمته التي نشرها مولانا محمد على برعاية الطائفة الأحمدية. وثم حادثة أخرى لم يشر القرآن إليها، توضح لنا مرة أخرى كيف حاولت عائشة وحفصة الكيد لسيدة نبيلة الأرومة هي أسماء بنت النعمان الجونية التي أرسل النبي [- صلى الله عليه وسلم -] إلى قبيلتها طالبًا الزواج منها. إذ أنهما بعد أن قاما بتزينيها للدخول بالنبى [- صلى الله عليه وسلم -] نصحتاها حين يقربها أن تقول (إنى أعوذ بالله منك) وأخبرتاها بأن هذه العبارة تسره إذا فاهت بها امرأة في مثل هذه الظروف. وكان من نتيجة هذه النصيحة أن النبي [- صلى الله عليه وسلم -] غطى وجهه بكم عباءته، وقال ثلاث مرات (أنا الذي أعوذ بالله منك) وتركها وسرعان ما أعادها إلى قبيلتها محملة ببعض الهدايا ليخفف عنها حزنها، ولم تتزوج المسكينة مرة أخرى، وماتت كمدًا. وعن حفصة وهي واحدة من زوجات النبي [- صلى الله عليه وسلم -] الأربع اللاتى كن أحب نسائه إليه يقول القرآن في سورة الأحزاب الآية 51 {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا

يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا}. وتبين هذه الآية أن الله رخص للنبى [- صلى الله عليه وسلم -] أن يؤخر أو يقدم ما يشاء من زوجاته ولا حرج عليه في ذلك. وكانت أحب زوجاته إليه عائشة وزينب وأم سلمة، ولكن البلاذرى (أنساب الأشراف، جـ 1، ص 448، 467) واليعقوبي (جـ 2، ص 93) يضيفان حفصة إليهن. وفى مرض النبي [- صلى الله عليه وسلم -] الأخير تذكر الأحاديث المحاولات التي بذلتها عائشة وحفصة لتدبير أن يقع حديث خاص بين النبي [- صلى الله عليه وسلم -] وبين أبويهما قبل وفاته مع استبعاد صحابته الآخرين، وعلى بخاصة. وهذا أمر محتمل بالتأكيد رغم أن هذه الأحاديث تناقضها أحاديث أخرى فيما يتعلق بالأشخاص الذين دعاهم النبي [- صلى الله عليه وسلم -] ليكونوا بجواره. ويستحيل علينا القول أي هذه الأحاديث أقرب إلى الصحة. وتذكر بعض الأحايث أن النبي [- صلى الله عليه وسلم -] أرسل حفصة إلى أبي بكر ليؤم الناس في الصلاة في أثناء مرضه. ويقال إن حفصة اقترحت على النبي بناء على نصيحة عائشة (أو نصيحة [- صلى الله عليه وسلم -] أبي بكر عن طريق عائشة) أن يكلف عمرًا بهذا الأمر بدلًا من أبي بكر نظرًا لضعف صحته الشديد، وأن صوته قد تخنقه العبرات، ويبدو غريبًا أن تصدر هذه النصيحة من عائشة؛ على أنه قد أشير إلى أن من اختير لإمامة الناس في الصلاة، لا بد أن يحس بالضر أكثر من إحساسه بما يصيبه من فضل بخلافة النبي عليه السلام في وقت لم يكن فيه لهذه المهمة أي مغزى سياسى بعد. وفى هذا الشأن أيضًا رويت بعض الأحاديث المختلفة كل الاختلاف .. بعد موت النبي [- صلى الله عليه وسلم -] خصص لحفصة مثل سائر زوجات النبي راتب سنوى، وحظيت باحترام المسلمين، ولكنها لم تقم بأى دور سياسى حتى في أثناء خلافة أبيها، ويتعلق كل ما روى عنها خلال هذه الفترة بأمور غير ذات بال، فقد سألها بعض الصحابة أن تلح على عمر في أن يخصص لنفسه من بيت المال راتبًا أسخى، ولكن عمر لم يكن بالذى يقتنع بذلك: لأنه انتهج نهج النبي [- صلى الله عليه وسلم -] وعاش عيشة غاية في الاقتصاد في مطعمه وملبسه، كان يأكل القليل ويلبس الخشن من الثياب. على

أن حفصة حضته على أن يوسع على نفسه دون جدوى وغلبها الغضب لما قتل أبو لؤلؤة والدها فكانت من بين من حرضوا عبيد الله بن عمر على الثأر من الهرمزان، حتى أن أخاها عبد الله ضاق بهذا التدخل فصاح "رحم الله حفصة" (ابن سعد جـ 3 - 1، ص 259). وعندما انتقضت عائشة وطلحة والزبير على علىَّ، أرادت حفصة الانضمام إلى هذه الجماعة، ولكن أخاها عبد الله ألح عليها ألا تتورط في هذا الأمر. ولما جرى التحكيم على الخلافة في "أذرح" حثت حفصة عبد الله على أن يشترك فيه ليحول دون انقسام المجتمع الإسلامى. ويبرهن هذان الحادثان وحدهما على أنها لم تشترك في الأحداث التي وقعت فى أثناء الفتنة الكبرى. وفاة حفصة: تقول أغلب المصادر أن حفصة توفيت بالمدينة في شهر شعبان سنة 45 هـ (أكتوبر - نوفمبر 665 م) أي خلافة معاوية، وتذكر بعض المصادر أن وفاتها كانت سنة 41 هـ (661 - 662 م) عقب تولى معاوية الخلافة مباشرة ويقول ابن الأثير (جـ 3، ص 73) إن وفاتها كانت سنة 27 هـ (647 - 648 م) (! ) وإن مروان ابن الحكم الذي كان واليًا على المدينة وقتذاك سار في جنازتها وصلى عليها. نص القرآن في حوزة حفصة: كانت أول مجموعة من نصوص القرآن التي جمعها زيد بن ثابت بأمر من أبي بكر من ممتلكات حفصة الخاصة، وظلت هذه المجموعة في حوزة أبي بكر، وانتقلت بعد وفاته إلى أيدى عمر ثم إلى حفصة (Noeldeke-Schwally جـ 2 Gesch: ص 15). وقد أفادت الجماعة التي عهد إليها عثمان بجمع أول نسخة رسمية من القرآن بهذه الصُحُفْ، وأعادتها إلى حفصة بعد أن انتهت هذه المهمة. فلما ماتت حفصة انتقلت إلى مروان ابن الحكم الذي أعدمها (البلاذرى، جـ 1، ص 427). شخصية حفصة. لم تكن لحفصة شخصية بارزة، ذلك أنها لم تتصف بما اتصفت به عائشة من نشاط وذكاء وجاذبية ولا اتصفت بالحصافة والرصانة والنجدة مثل أم سلمة، ولم تظهر شخصيتها ظهورًا بينًا من خلال

الروايات التي تحدثت عنها بالرغم من أن بعض الأحاديث تؤكد أنها أشبهت أباها (مثال ذلك، ابن حنبل، جـ 6، ص 141، 237 وما بعدها) ومن العسير أن نجد أي وجه للتشابه بينهما، وربما تشير هذه الأحاديث إلى السهولة التي تستسلم بها إلى عاطفتها، أو إلى قدرتها على السير في حياتها على طريقتها الخاصة. ولم تكن بالتأكيد من أوسم النساء وأكثرهن خضوعًا. وحين هدد رسول الله بتطليق زوجاته كلهن (البلاذرى، أنساب الأشراف، جـ 1، ص 425 وما بعدها الخ .. ) قال عمر لحفصة لا تلحفى في سؤالك ولا تراجعى رسول الله، ولا تسأليه شيئًا وسلينى من مالى ما بدا لك، ولا يغرنك أن كانت جارتك هي أوسم وأحب إلى رسول الله [- صلى الله عليه وسلم -] منك، يريد عائشة. ومن المؤكد أن حفصة لم تكن تغار من بنت أبي بكر، بل على العكس، فقد كانتا صديقتين، وتذكر كثير من الأحاديث أنهما كانتا تتناولان الطعام معًا وتصومان معًا، وتعين كل منهما الأخرى للحفاظ على مكانهما بين نساء النبي [- صلى الله عليه وسلم -]، وربما سعتا إلى رفع شأن والديهما. على أننا يجب أن نذكر أنه في سنوات زواجهما الأولى كانت حفصة هي المهيمنة على عائشة التي كانت لا تزال صبية، ولكن سرعان ما انتقلت هذه الهيمنة إلى عائشة فسيطرت على جماعة من جماعتين من زوجات النبى [- صلى الله عليه وسلم -] (عائشة، حفصة، سودة، صفية). وإذا كان لحفصة أى تأثير على النبي ثم على أبيها، فلا بد أنها مارست هذا التأثير عليهما في حصافة بالغة حتى أن المصادر لم تذكر ذلك. ولم تعرف حفصة القراءة والكتابة، بينما كانت بعض زوجات النبي عليه السلام يقرأن ولا يكتبن وبعضهن أميات كل الأمية. المصادر: أ - بيانات من التراجم. (1) ابن سعد: الطبقات، جـ 3 - 1، ص 199، 222، 259، 286؛ جـ 8، ص 56، 58، 76، 131 وما بعدها، ص 133 وما بعدها، ص 222. (2) ابن حبيب: المُحبِّر، طبعة حيدر آباد، سنة 1361 هـ (1942 م)، ص 54، 83، 92 , 95، 99.

(3) ابن قتيبة: المعارف، طبعة وستنفلد، ص 66. (4) البلاذرى: أنساب الأشراف، طبعة حميد الله، جـ 1، القاهرة سنة 1959، ص 214، 422 - 428، 431, 448، 467، 554 - 557. (5) المؤلف نفسه: فتوح البلدان، ص 472. (6) اليعقوبى: طبعة هوتسما، جـ 2، ص 93، 282 وما بعدها. (7) الطبرى: جـ 1، ص 1383، 1771، 1801، 1810، 2241، 2242، 2732، 3100، 3101، 3105؛ جـ 3, ص 1441 وما بعدها. (8) ابن حنبل: المسند، طبعة القاهرة سنة 1313 هـ، جـ 1، ص 12، 256؛ جـ 2، ص 27، جـ 3، ص 478؛ جـ 4، ص 75، 141، 237 وما بعدها، ص 263، 283 - 288. (9) البخاري: طبعة كرهل Krehl, جـ 1، ص 176، جـ 2، ص 132 وما بعدها، جـ 3، ص 96، 206 وما بعدها، ص 359، 360 م وما بعدها، ص 393، 425، 428، 431، وما بعدها، ص 442. (10) مسلم: الصحيح، طبعة بولاق سنة 1290 هـ، جـ 1، ص 426. (11) النسائي: السنن طبعة القاهرة سنة 1312 هـ, جـ 2، ص 75، 77. (12) ابن عبد البر: الاستيعاب، طبعة حيدر آباد سنة 1318 - 1319 هـ، ص 734 (وقسم 3248). (13) ابن الأثير: أسد الغابة، جـ 5، ص 245 وما بعدها. (14) المؤلف نفسه: الكامل، جـ 2، ص 114، 234، 393؛ جـ 2، ص 73، 168. (15) ابن حجر: الإصابة، طبعة كلكته سنة 1856 - 1893, جـ 4، ص 520 - 523 (رقم 294) , ص 547، 769 وما بعدها، ص 888. (16) ابن تغرى بردى: طبعة ليدن سنة 1851 - 1857، جـ 1، ص 138، 146 وما بعدها. (17) الديار بكرى: تاريخ الخميس

(طبعة القاهرة) سنة 1302 هـ, جـ 1، ص 325، 469. (18) الحلبى: السيرة الحلبية، طبعة الإسكندرية سنة 1280 هـ, جـ 2، ص 405؛ جـ 3، ص 437 - 542 (تفصيلات عن طلاق حفصة). ب - مصادر الكتاب الغربيين: (1) Annali: L. Caetani أخبار سنة 1 هـ فصل 15، رقم 38؛ أخبار سنة 3 هـ؛ فصل 10؛ أخبار سنة 7 هـ، فصل 42؛ أخبار سنة 9 هـ, فصل 23؛ أخبار سنة 11 هـ, فصل 26، حاشية 1، فصل 221، حاشية 1، فصل 229 رقم 14، 231، 232؛ أخبار سنة 32 هـ، فصل 110 والكشافات، أخبار سنة 36 هـ فصل 30، وأخبار سنة 38 هـ، فصل 37. (2) Le "Triumvirat" d': H. Lamens Abou Bekr, Omar et Abou Obaida في Mélanges de La Faculté orientale, de Bei- rut، جـ 4، ص 120، 123 وما بعدها. (3) المؤلف نفسه Fatima et les Filles de Mohomet رومة سنة 1912، ص 15، 23، 46، 56، 86. (4) Aishah the beloved: N. Abott Muhammed الطبعة الثانية، شيكاغو سنة 1944، ص 9 - 12، 41, وما بعدها، ص 44، 50 - 54، 63، 77، 96، 138، 205. (5) Marriage in early Islam: G. Stem, لندن سنة 1939، ص 132 - 134. حادث زواج مارية القبطية وطلاق حفصة. (6) ابن سعد، جـ 8، ص 59، 133 وما بعدها. (7) البلاذرى، جـ 1، ص 423, 426, 427. (8) الديار بكرى، جـ 2، ص 135. حادث شرب العسل. (9) ابن سعد، جـ 8، ص 76، 122 وما بعدها. (10) البلاذرى، جـ 1، ص 424 وما بعدها.

(11) ابن حنبل، جـ 6، ص 59، 221. (12) البخارى، جـ 3، ص 358، 462 وما بعدها، جـ 4، ص 273 وما بعدها. (13) النسائي، جـ 2، ص 141 وما بعدها. مصادر عن بعض التفاسير، وكتاب أسباب النزول - المشروح فيها السورة 66 من القرآن (سورة التحريم) الآيات من 1 - 5 حول الحادث موضع المناقشة. (14) الطبرى، التفسير، طبعة القاهرة، سنة 1321 هـ, جـ 28، ص 90 - 95. (15) الزمخشرى، طبعة كلكته سنة 1856 - 1859، جـ 2، من 1499 - 1501. (16) البيضاوى، طبعة Fleischer, جـ 2، ص 340 وما بعدها. (17) مولوى محمد على The Holy Our-an، الطبعة الثانية، لاهور سنة 1920، ص 1089 - 1092. (18) الواحدى، كتاب أسباب النزول، طبعة القاهرة سنة 1315 هـ, ص 325 - 327 مكيدة دبرت لأسماء بنت النعمان: (19) ابن سعد، جـ 8، ص 104. (20) البلاذرى، جـ 1، ص 457. (21) الطبرى، جـ 3، ص 2458. (22) ابن حجر، جـ 4، ص 443، 444. ما كان في حوزة حفصة من صحف القرآن. (23) البخارى، جـ 3، ص 393. (24) ابن الأثير، جـ 3 ص 86. (25) السيوطى، الإتقان، طبعة كلكته سنة 1857، ص 133 وما بعدها. (26) Geschichte des: Noeldeke-Schwally Qoran، جـ 2، ص 15، 19، 21، 23، 27, 43، 48، 67 والكشافات. (27) آيات القرآن (سورة التحريم الآيات من 1 - 5، وشرح المفسرين: وانظر جـ 1 ص 217. (28) Introduction to the Qur'an: R. Bell, ادنبرة، سنة 1945، ص 40، 42، 44، 97. حسن شكرى (فتشيا فالييرى [L.Veccia Vaglieri]

التعليق على مادة حفصة: لقد كفانا الدكتور محمد حسين هيكل الرد على ما أثاره كاتب هذه المادة من شبهات. وذلك في كتابه القيم: "حياة محمد"، قال: وحدث أن كانت حفصة يومًا قد ذهبت إلى أبيها فتحدثت عنده. وجاءت مارية إلى النبي [- صلى الله عليه وسلم -] وهو في دار حفصة وأقامت بها زمنًا معه. وعادت حفصة فوجدتها في بيتها، فجعلت تنتظر خروجها وهي أشد ما تكون غيرة، وجعلت كلما طال بها الانتظار تزداد الغيرة بها شدة. فلما خرجت مارية ودخلت حفصة على النبي [- صلى الله عليه وسلم -]، قالت له: "لقد رأيت من كان عندك، والله لقد سببتنى. وما كنت لتصنعها لولا هوانى عليك". وأدرك محمد [- صلى الله عليه وسلم -] أن الغيرة قد تدفع حفصة إلى إذاعة ما رأت والتحدث به إلى عائشة أو إلى غيرها من أزواجه، فأراد إرضاءها بأن حلف لها أن مارية عليه حرام إذا هي لم تذكر مما رأت شيئًا، ووعدته حفصة أن تفعل. لكن الغيرة أكلت صدرها فلم تطق كتمان ما به، فأسرته إلى عائشة. وأومأت هذه إلى النبي [- صلى الله عليه وسلم -] بما رأى منه أن حفصة لم تصن سِرَّه. ولعل الأمر لم يقف عند حفصة وعائشة من أزواج النبي [- صلى الله عليه وسلم -]. ولعلهن جميعًا وقد رأين ما رفع من مكانة مارية قد تابعن عائشة وحفصة حين ظاهرتا على النبي [- صلى الله عليه وسلم -] على أثر قصة مارية هذه، وإن تكن لذاتها قصة لا شيء فيها أكثر مما يقع بين رجل وزوجه، أو بين رجل وما ملكت يمينه، مما هو حل له ومما لا موضع فيه لهذه الضجة التي أثارتها ابنتا أبي بكر وعمر محاولتين أن تقتصا لذاتيهما من ميل النبي [- صلى الله عليه وسلم -] لمارية. وقد رأينا أن شيئًا من الجفوة وقع بين النبي [- صلى الله عليه وسلم -] وأزواجه في أوقات مختلفة بسبب النفقة، أو بسبب عسل زينب، أو لغير ذلك من الأسباب التي تدل على أن أزواج النبي [- صلى الله عليه وسلم -] كن يَجِدن عليه أن يكون لعائشة أحب، أو أن يكون لمارية أهوى.

وبلغ من أمرهن أن أوفدن إليه يومًا زينب بنت جحش وهو عند عائشة تصارحه بأنه لا يعدل بين نسائه، وأنه لحبه لعائشة يظلمهن. ألم يجعل لكل امرأة يومًا وليلة! ثم رأت سودة انصراف النبي [- صلى الله عليه وسلم -] عنها وعدم بشاشته لها، فوهبت يومها وليلتها لعائشة إرضاء للرسول [- صلى الله عليه وسلم -]، ولم تقف زينب من سفارتها عند الكلام في ميل النبي عن العدل بين نسائه، بل نالت من عائشة وهي جالسة بما جعل عائشة تتحفز للرد عليها لولا إشارات من النبي [- صلى الله عليه وسلم -] كانت تهدئ من حدتها. غير أن زينب اندفعت ولج بها الاندفاع وبالغت في النيل من عائشة، حتى لم يبق للنبى [- صلى الله عليه وسلم -] بُدٌّ من أن يدع لحميرائه أن تدافع عن نفسها. وتكلمت عائشة بما أفحم زينب وسَرَّ النبي [- صلى الله عليه وسلم -] ودعاه إلى الأعجاب بابنة أبى بكر. وبلغت منازعات أمهات المؤمنين في بعض الأحايين، بسبب إيثاره بعضهن بالمحبة على بعضهن، حدًا هم النبي [- صلى الله عليه وسلم -] معه أن يطلق بعضهم لولا أنهن جعلنه في حل أن يؤثر من يشاء منهن على من يشاء. فلما ولدت مارية إبراهيم لجت بهن الغيرة أعظم لجاج، وكانت بعائشة ألج. ومدَّ لهن في لجاج الغيرة بهن هذا الرفق الذي كان محمد [- صلى الله عليه وسلم -] يعاملهن به، وهذه المكانة التي رفعهنَّ إليها. ومحمد [- صلى الله عليه وسلم -] ليس خليًّا فيشغل وقته بهذا اللجاج ويدع نفسه لعبث نسائه، فلا بد من درس فيه حزم وفيه صرامه يرد الأمور بين أزواجه إلى نصابها، ويدع له طمأنينة التفكير فيما فرض الله عليه من الدعوة إلى رسالته. وليكن هذا الدرس هجرهن والتهديد بفراقهن، فإن ثبن إلى رشادهن فذاك، وإلا متعهن وسرحهن سراحًا جميلًا. وانقطع النبي [- صلى الله عليه وسلم -] عن نسائه شهرًا كاملًا لا يكلم أحدًا في شأنهن، ولا يجرؤ أحد أن يفاتحه في حديثهن. وفى خلال هذا الشهر اتجه بتفكيره إلى ما يجب عليه وعلى المسلمين للدعوة إلى الإسلام، ولمد سلطانه إلى ما وراء شبه الجزيرة. على أن أبا بكر وعمر وأصهار النبي [- صلى الله عليه وسلم -] جميعًا كانوا في قلق أشد القلق على ما قُدِّر مصيرًا لأمهات

المؤمنين، وما يتعرضن له من غضب رسول الله [- صلى الله عليه وسلم -]، وما يجر إليه غضب الرسول من غضب الله وغضب ملائكته، بل لقد قيل: إن النبي [- صلى الله عليه وسلم -] طلق حفصة بنت عمر، بعد الذي كان من إفشائها ما وعدت أن تكتمه. وقد سرى الهمس بين المسلمين أن النبي [- صلى الله عليه وسلم -] مطلق أزواجه، وأزواجه خلال ذلك مضطربات نادمات أن دفعتهن الغيرة إلى إيذاء هذا الزوج الرفيق بهن، هو منهن الأخ والأب والأبن وكل ما في الحياة وما وراء الحياة. وجعل محمد [- صلى الله عليه وسلم -] يقضى أكثر وقته في خزانة له ذات مشربة، يجلس غلامه رباح على أسْكُفَّتها (عتبتها) ما أقام هو بالخزانة، ويرقى هو إليها على جذع من نخل هو الخشونة كل الخشونة. وإنه لفى خزانته يوم أو في الشهر الذي نذر فيه هجر نسائه على التمام، وقد أقام المسلمون بالمسجد مطرقين ينكتون الحصى ويقولون: طلق رسول الله [- صلى الله عليه وسلم -] نساءه، ويأسون لذلك أسى يبدو على وجوههم واضحًا عميقًا، إذ قام عمر من بينهم فقصد إلى مقام النبي [- صلى الله عليه وسلم -] بخزانته، ونادى غلامه رباحًا كى يستأذن له على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ونظر إلى رباح يروم الجواب، فإذا رباح لا يقول شيئًا علامة أن النبيّ لم يأذن. فكرر عمر النداء، ولم يجب رباح مرة أخرى. فرفع عمر صوته قائلا: (يا رباح استأذن لى عندك على رسول الله [- صلى الله عليه وسلم -] فإنى أظنه ظن أنى جئت من أجل حفصة. "والله لئن أمرنى بضرب عنقها لأضربن عنقها". وأذن النبي [- صلى الله عليه وسلم -]، فدخل عمر فجلس ثم أجال بصره فيما حوله وبكى. قال محمد: ما يبكيك يا بن الخطاب؟ وكان الذي أبكاه هذا الحصير الذي رأى النبي [- صلى الله عليه وسلم -] مضطجعًا عليه وقد أثَرَّ في جنبه، والخزانة لا شيء فيها إلا قبضة من شعير ومثلها من قرظ وأفيق (جلد) معلق. فلما ذكر عمر ما يبكيه علَّمه محمد من وجوب الإعراض عن الدنيا ما ردَّ إليه طمأنينته، ثم قال عمر: يا رسول الله، ما يشق عليك من أمر النساء؟ إن كنت طلقتهن فإن الله معك وملائكته وجبريل وميكائيل وأنا وأبو بكر والمؤمنون معك. ثم انعكف يحدث

النبي [- صلى الله عليه وسلم -] حتى تحسَّر الغضب عن وجهه وحتى ضحك فلما رأى عمر ذلك منه ذكر له أمر المسلمين بالمسجد وما يذكرون من طلاقه نساءه. فلما ذكر النبي [- صلى الله عليه وسلم -] أنه لم يطلقهن استأذنه في أن يفضى بالأمر إلى أولئك المقيمين بالمسجد ينتظرون. ونزل إلى المسجد، فنادى بأعلى صوته: لم يطلق رسول الله [- صلى الله عليه وسلم -] نساءه. وفى هذه القصة نزلت الآية الكريمة: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (1) قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (2) وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ (3) إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ (4) عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا} (¬1). وبذلك انتهى الحادث، وثاب إلى نساء النبي [- صلى الله عليه وسلم -] رشادهن، ورجع هو إليهن تائبات عابدات مؤمنات، وعادت إلى حياته البيتية السكينة التي يحتاج اليها كل إنسان لأداء ما فُرض عليه أداؤه. ما قصصت الآن، عن هجر محمد [- صلى الله عليه وسلم -] نساءه وتخييره إياهن ومقدمات هذا الهجر ونتائجه والوقائع التي سبقته وأدت إليه، هو في رأيى الرواية الصحيحة لتاريخ هذا الحادث. وهى رواية يتضافر على تأييدها ما جاء في كتب التفسير وفى كتب الحديث، وما جاء متفرقًا عن أخبار محمد [- صلى الله عليه وسلم -] ونسائه في كتب السيرة المختلفة. بيد أنه لم تكن واحدة من هذه السير تَقُصُّ الحوادث أو تضع المقدمات والنتائج بالصورة التي سردناها ها هنا. وأكثر السير تمر بهذا الحادث مَرًّا دون أن تقف عندها؛ وكأنما تجده خشن الملمس فتخشى أن تقربه. وبعضها يقف عند رواية العسل والمغافير، ولا يشير بكلمة إلى مسألة حفصة ومارية. فأما ¬

_ (¬1) سورة التحريم. الآيات من 1 - 5.

المستشرقون فيجعلون مسألة حفصة ومارية وإفضاء حفصة إلى عائشة بما عاهدت النبى [- صلى الله عليه وسلم -] أن تكتمه، سبب كل الذى وقع؛ ليحاولوا بذلك أن يضيفوا جديدًا لما يلقون فى روع قرائهم عن النبىّ [- صلى الله عليه وسلم -] العربى من أنه كان رجلًا محبًا للنساء حبًا معيبًا، وعندى أن المؤرخين المسلمين لا عذر لهم فى إغفال هذه الوقائع ولها مغزاها الدقيق الذى سقنا شيئًا من أمره، وأن المستشرقين يتخطَّون الدقة التاريخية متأثرين فى ذلك بهواهم المسيحى. فالنقد التاريخى النزيه يأبى كل الإباء على أى إنسان، بلَهْ عظيم كمحمد [- صلى الله عليه وسلم -]، أن يجعل من إفضاء حفصة لعائشة بأنها وجدت زوجها فى بيتها مع مولاة له هى ملك يمينه، فهى بذلك حِلُّ له. سببًا لهجر محمد نساءه جميعًا شهرًا كاملًا، وتهديده إياهن جميعا بأن يطلقهن. والنقد التاريخى النزيه يأبى كذلك أن تكون حكاية العسل سبب هذا الهجر والتهديد. فإذا كان الرجل عظيمًا، رفيقًا كمحمد [- صلى الله عليه وسلم -]، واسع الصدر طويل الأناة متصفًا بما لمحمد من سائر الصفات التى يقر له بها مؤرخوه على السواء، كان اعتبار أىّ الحادثين لذاته سببًا لهذا الهجر والتهديد بالطلاق مما يَزْوَرّ عند النقد التاريخى وينأى عنه بجانبه أشد النأى، وإنما يطمئن هذا النقد ويستقيم منطق التاريخ إذا سيقت الحوادث المساق الذى لا مفر معه من أن تؤدى إلى نتائجها المحتومة، فتصبح بذلك أمورًا طبيعية يسيغها العقل ويرضاها العلم. وما فعلنا نحن هو فى نظرنا المساق الطبيعى للحوادث، وهو الذى يتفق مع حكمة محمد [- صلى الله عليه وسلم -] وعظمته وحزمه وبعد نظره. ويتحدث بعض المستشرقين عما نزل من الآيات فى مستهل سورة التحريم مما نقلنا هنا، ويذكر أن كتب الشرق المقدسة جميعا لم تشر إلى مثل هذا الحادث المنزلى على هذه الصورة. وما أحسبنا فى حاجة إلى أن نذكر ما ورد بالكتب المقدسة جميعًا والقرآن من بينها، عن قوم لوط ونقيصتهم، وما كان من مجادلتهم الملكين ضَيْفَى لوط، ولا ما ورد فى هذه الكتب عن إمرأته وأنها كانت من الغابرين. بل إن التوراة لتقص نبأ ابنتى لوط، إذ سقتا أباهما حتى ثمل ليلتين متتاليتين ليمس كل واحدة منهما ليلة كيما يخصبها فتلد،

حفصة بنت الحاج

مخافة فناء آل لوط بعد أن أنزل الله بهم من الجزاء ما أنزل. ذلك بأن الكتب المقدسة جميعًا جعلت من قصص الرسل وسيرهم وما صنعوا وما أصابهم عبرة للناس. وقد جاء فى القرآن كثير من ذلك، قص الله فيه على رسوله [- صلى الله عليه وسلم -] أحسن القصص. والقرآن لم ينزل لمحمد [- صلى الله عليه وسلم -] وحده، وإنما نزل للناس كافة. ومحمد [- صلى الله عليه وسلم -] نبى ورسول خلت من قبله الرسل الذين قصَّ القرآن أخبارهم. فإذا قصَّ القرآن من أخبار محمد [- صلى الله عليه وسلم -] وتناول من سيرته ليكون للمسلمين مثلًا، وليكون للمسلمين فيه أسوة حسنة، وأشار إلى حكمته فى تصرفاته، فلا شئ من ذلك يخرج عما أوردت سائر الكتب المقدسة وما أورد القرآن من سير الأنبياء. فإذا ذكرت أن هجر محمد [- صلى الله عليه وسلم -] نساءه لم يكن لسبب منفرد من الأسباب التى رويت فى شأنه، ولم يكن لأن حفصة أفضت إلى عائشة بما فعل محمد [- صلى الله عليه وسلم -] مع مارية مما يحقّ لكل رجل مع أزواجه وما ملكت يمينه، رأيت فى هذه الملاحظة التى يبديها بعض المستشرقين ما لا يثبت أمام النقد التاريخى، ولا يتفق مع ما جرت به الكتب المقدسة فى شأن الأنبياء وحياتهم وأخبارهم. محمد حسين هيكل، حياة محمد، الطبعة الرابعة عشرة، القاهرة سنة 1977, ص 450 - 455. حفصة بنت الحاج الركونيّة بضم الراء أو فتحها: شاعرة غرناطية ولدت بعد عام 530 هـ (1135 م) وتوفيت عام 589 هـ (1190 - 1191 م) ويمتدح ابن الخطيب (الإحاطة فى أخبار غرناطة، جـ 1 ص 316) وغيره من الكتاب جمالها، وامتيازها، وثقافتها الأدبية، وذكاءها، ومواهبها الشعرية، وتذكرها الأجيال اللاحقة قبل كل شئ بقصة حبها الشاعر أبا جعفر بن سعيد من أسرة بنى سعيد. وكان أبو جعفر مصدر إلهامها فى معظم ما بقى لنا من شعرها. ولما بلغ أبو سعيد عثمان بن عبد المؤمن الموحدى غرناطة راحت شاعرتنا تغشى بلاطه وتورطت معه فى مكيدة فى الحب (ولو أنها لم تهجر أبا جعفر)، بل هى قد بعثت فى وفد إلى عبد المؤمن فى الرباط. ويقال فى هذه

المصادر

المناسبة إن عبد المؤمن منحها قرية أو ضيعة تسمى الرُكونة بالقرب من غرناطة، إليها نسبت وإن كانت هذه القرية لا تعرف إلا بذلك الحادث. وكانت الغيرة عنصرًا فى موقف أبى جعفر السياسى وفى عداء أبى سعيد له، وانتهى الأمر بأن أمر أبو سعيد بقتل غريمه وصلب أبى جعفر سنة 560 هـ (1165 م)، ورثت حفصة حبيبها الفقيد بقصيدة تجيش بالحزن الذى يحرك الأشجان، ولبست السواد مخاطرة بما قد ينزل بها من اضطهاد، ثم هجرت الشعر رويدًا رويدًا، وهيأت نفسها للتدريس. وختمت حياتها فى مراكش حيث عهد إليها السلطان يعقوب المنصور بتأديب الأميرات الموحديات. ولم يبق من شعرها الذى غلب عليه الجو الرومانتيكى الذى كان لا يزال يسود الأندلس إلا 70 بيتًا تشهد ببراعة الصنعة الواعية، ولو أنه يظهر فيها لمسات ذاتية من المشاعر الأصيلة صيغت فى كثير من الأحيان بأسلوب برئ كل البراءة من الخطابيات المصنوعة. المصادر: (1) ياقوت: إرشاد الأريب، جـ 4، ص 119 - 123 (= معجم الأدباء، جـ 10، ص 219 - 227). (2) ابن الخطيب: الإحاطة فى أخبار غرناطة، القاهرة 1319 هـ, جـ 1, ص 316 - 318. (3) المقرى: نفح الطيب = Analectes, جـ 1, ص 108, ص 147 - 544. (4) ب .. يموت: شاعرات العرب فى الجاهلية والإسلام، بيروت سنة 1934, ص 215 - 219. (5) Hispano - Arabic: A.R. Nykl poétry بلتيمور سنة 1946. (6) Une poétesse: L. Di Giacomo andalouse du temps des Almohades: Haf- .sa bint al - Hâjj ar - Rukunik فى مجلة Hesp., جـ 34 - 1, سنة 1947, ص 9 - 110 (وهى رسالة وافية شاملة تضم سيرة أكثر من ذلك تفصيلا). خورشيد [بلاّ Ch. Pellat]

حقائق

حقائق جمع حقيقة، وهو مصطلح يدل على النظام الغنوصى للإسماعيلية والجماعات المنتسبة لها. وبهذا المعنى الاصطلاحى يستعمل الطَّيْبيَة بخاصة كلمة حقائق. وفى عهود ائمة الشريعة، أى فى وقت "الستر"، فإن الحقائق هى ما يطوى "الباطن" وهو الحقيقة الباطنية وراء التنزيل والشريعة. على حين تتغير الشريعة مع كل فترة جديدة من النبوة فإن حقيقة الحقائق خالدة. وهذه الحقيقة هى خاصة من خواص الإمام الذى يهتدى بهدى الله وطبقات الأئمة الذين يقيمهم الإمام. ولا يمكن أن تنزل الحقيقة على أى شخص إلا بالتقليد المعترف به. و (القائم) يبطل كل الشريعة الإمامية ويظهر للملأ الحقيقة المستورة وفى عهده تعرف الحقائق معرفة تامة خالية من كل رمز ولا يحتاج بعد لطبقات الأئمة بل يبطل اللجوء إليهم. والمبدآن الأساسيان فى نظام الحقائق هما: تفسير التاريخ من حيث هو الصراع الدائم والانتصار الأخير للطبقات التى عندها الحقيقة الباطنة على أعدائها؛ ثم رأى فى خلق الكون يقسم العالم إلى مملكة للروح ومملكة للكواكب ومملكة للمادة. والقائلون بالحقائق ينظرون إلى التاريخ على اعتبار أنه تسلسل للدورات تتخللها نماذج متكررة ومواقف تؤدى إلى اكتمالها فى نظر "القائم" الذى سيحكم العالم ويقضى فيه. وجذور هذا التفسير للتاريخ شيعية، وهى تتجلى بسماتها الجوهرية بالفعل فى كتب الإسماعيلية فى القرن الثالث الهجرى (التاسع الميلادى). وأساس رأيهم فى خلق الكون، مقتبس على الأقل منذ أوائل القرن الرابع الهجرى (العاشر الميلادى) من الأفلاطونية الجديدة. فقد استحدث هذا المذهب الأفلاطونى الجديد فى خلق الكون الداعى الفارسى النسفى المتوفى سنة 332 هـ (943 - 944 م). وقد نقد مذهبه، فى بعض مواضعه، معاصره أبو يعقوب السِجزى وأقتبس

المصادر

الإسماعيلية الفاطميون هذا المذهب فى خلق الكون فى الظاهر فحسب على عهد الخليفة المعز وقد حكم من 341 - 365 هـ = 953 - 975 م) وقد تقدم بمذهب جديد فى ذلك حميد الدين الكرمانى المتوفى حوالى سنة 411 هـ (1020 م)، ولكنه لم يحظ باهتمام كبير فى عهد الفاطميين. واصطنع الطَّيبية فى اليمن مذهبًا جديدًا يوفق بين الآراء ويستحدث عناصر أسطورية، وكان ذلك على يد إبراهيم الحامدى المتوفى سنة 557 هـ (1162 م). وظل كتابه أساس مذهب الحقائق عند الطيبية. وأخذ اهتمام النزارية ينصرف شيئًا فشيئًا عن الحقائق ويركز أكثر وأكثر على حقيقة الإمام على اعتبار أنه شخصية خالدة مطلقة تسمو على التاريخ وعلى العالم. المصادر: (1) زاهد على: همارى إسماعيلى مذهب كى حقيقت او رأس كانظام، حيدرآباد الدكن سنة 1954، ص 576. خورشيد [مادلنج W. Madelung .] حق عاد المعنى الأول للأصل حقق غامضًا فى اللغة العربية، ولكنه يرجع للأصل المقابل له فى العبرية ومعناه "نقش على، أو فى شئ ما" ومن ثم قرر، ثبَّت، عيَّن (- Brown - Diver - Briggs He brew Lexicon , ص 349 وما بعدها) ويجب إذن أن نبدأ فى العربية من المعنى الأول "ثبوت" لا من المعنى "مطابقة" أو "موافقة" الذى هو فى واقع الأمر معنى ثانوى ابتدعه أهل المعانى (الجرجانى: التعريفات: ص 61, 111 وما بعدها، طبعة القاهرة 1321 هـ) ومما يدعو إلى الأسف أننا نجد غير قليل من اللبس والاضطراب فى هذا الصدد فى لين (Lane، مادة حق، ص 605 وما بعدها) الذى يستقى من بعض المعاجم العربية. والحق، إذن، هو المتين الثابت الدائم الحقيقى؛ ومن ثم نجده فى تفاسير القرآن يفسر بكلمة (الثابت) فالبيضاوى مثلا يفسر (الحق) بوصفه من أسماء الله بالثابت ربوبيته (القرآن،

سورة يونس، الآية 33؛ البيضاوى، طبعة فليشر Fleischer، جـ 1، ص 414، س 8) ويفسره أحيانًا أخرى بالثابت إلهيته فى مقابل الألوهية الباطلة للآلهة الأخرى (القرآن، سورة لقمان، الآية 30؛ البيضاوى، جـ 2 ص 116, س 10 وما بعدها) وجاء فى سورة طه، الآية 114, إنه الملك الحق، أى الثابت فى ذاته وصفاته (البيضاوى، جـ 1، ص 607، س 5). ثم إن البيضاوى يفسر الآية السادسة من سورة الحج "ذلك بأن الله هو الحق" ... أى بسبب أنه الثابت فى نفسه الذى به تتحقق الأشياء. ويفسر الرازى (مفاتيح الغيب، جـ 6، ص 144، س 3, طبع 1308 هـ) الآية التى سبق ذكرها بقوله إنه "الموجود الثابت" ويكتفى الصحاح (انظر كلمة "حق") بتعريف الحق بأنه ضد الباطل، ويقول بأن هذا هو الاستعمال الجارى دائمًا فى القرآن وفى غير القرآن أيضًا. واستعمال المصطلح "باطل" معروف فى العصر الجاهلى فى شعر لبيد "ألا كل شئ ما خلا الله باطل" (Di-: Huber van des Iebid 41, بيت 9) وهو يرتبط فى مناحى تفكير الساميين بالأنظار العبرية: عدم، لغو، عدم التحقق فى مقابل ما هو ثابت، محقق، مؤكد. وهكذا تقابل كلمة باطل فى العربية كلمة حق. والحق اسم مناسب جدًا لإطلاقه على الله، الحقيقى الموجود بإطلاق، مثله مثل صفة نئيمان التى تطلق على يهوه (المؤمن فى القرآن، سورة الحشر، الآية 23). فالله هو الثابت فى نفسه الواجب لذاته (البيضاوى فى تفسير الآية 62 من سورة الحج، جـ 1، ص 638, س 15) بينما كل الكائنات الأخرى تابعة له فى تحققها ووجودها (البيضاوى تفسير الآية 6 من سورة الحج). ومن ثم فإن أدق وأفضل ترجمة لكلمة حق هى Real أو Reality إذا ما استعملت اسما من أسماء الله الحسنى. أما ترجمتها بكلمة Truth وهى الترجمة الغالبة، فخاطئة. ويفرق الثقات العرب فى عناية بين "حق" و"صدق" واللفظ المقابل لصدق وهو "كذب"، ولا يجعلون لكلمة "حق"

نفس معنى كلمة "صدق" إلا حينما يكون الأمر أمر "حكم" فإذا حدثت واقعة بالفعل استعملت كلمة حق؛ ولكن الحكم أو التقرير عن هذه الواقعة يوصف بأنه صدق، ولو أنه يمكن استعمال كلمة "حق" فى هذه الحالة أيضًا. وهذه الكلمة باعتبارها اسما من أسماء الله يكون معناها غالبًا "خالق" وإن كان السند الوحيد لهذا التفسير هو ملازمتها ومقابلتها لكلمة "خلق". (انظر مثلا، إتحاف السادة، جـ 10، ص 556, س 20: ألسنة الخلق أقلام الحق). ومع هذا فيمكن الرجوع إلى تفسير آخر ذهب إليه ماسينيون (كتاب الطواسين، ص 174). وترد كلمة حق بمعنى ما هو لى وما يجب على (حق لى وحق على) أى بمعنى الحق والواجب، هذا فضلا عن المعانى المختلفة التى سبق إيرادها لكلمة حق سواء وصف بها الله وحده أو اشتقت للدلالة على خلقه. ويلاحظ أن هذين المعنيين يرجعان كالمعانى السابقة إلى معنى الثبوت والتعيين. ومن هنا التعبير "حق الله" (فى مقابل حق الآدمى أو حق الناس) فيما يتصل بالعقاب على ما يقترف من سيئات فى جانب الله وحده، أى السيئات التى لا تنال شيئًا ما من حقوق أى إنسان (Handbuch der Islam: Juynboll ص 292 الفهرس). زد على ذلك أن كلمة حق مثل كلمة حقيقة يراد بها أحيانًا فى عرف المتصوفة أعلى درجة يمكن أن يصل اليها الصوفى بعد إذ يجاوز المعرفة. ومن ثم "حق اليقين" هو الطمأنينة الحقة التى ينالها المخلوق بفنائه فى الحقيقة المطلقة بعد ما سبق له من "عين اليقين" و"علم اليقين" (انظر فيما يختص بذلك Nicholson: كشف المحجوب، ص 36 وما بعدها؛ القشيرى: الرسالة بشروح العروسى وزكريا، جـ 2، ص 99 وما بعدها؛ الجرجانى، المصدر نفسه، وقد استقيت هذه العبارة من سورة الواقعة، الآية 95) وحقوق النفس عند الصوفية ما يتوقف عليه حيويتها وبقاؤها وما زاد فهو حظوظ (انظر كشاف اصطلاحات

المصادر

الفنون، ص 311, 330, 330, 417, س 10 وما بعدها). المصادر: (1) كشاف اصطلاحات الفنون، ص 329 وما بعدها. (2) Nicholson: كشف المحجوب، انظر الفهرس. (3) Massignon كتاب الطواسين، الفهرس. (4) الراغب: المفردات، ص 124 وما بعدها. (5) Theologie des Islam: Horten ص 152 وما بعدها؛ 295 وما بعدها؛ وانظر أيضًا المصادر المذكورة آنفًا. محمد يوسف موسى [ماكدونالد - D. B. Mac donald] حقوق جمع حق وهى الحقوق الشرعية، وما يتصل بها من التزامات فى الشريعة الإسلامية. ويفرق المرء بين "حقوق الله" أى الحد و"حقوق الآدميين"، وهى الحقوق الخاصة، وهى فى جوهرها حقوق مدنية. وإذا استعملت للأشياء فهى المستلزمات التى تتعلق بها بالضرورة مثل مستلزمات المطبخ والخدمات بصفة عامة. والحقوق شائعة فى الشروط الشرعية. وفى المصطلح المعاصر فإنما تدل الحقوق على القانون بالمعنى الحديث للمصطلح، ومن ثم يقال "كلية الحقوق". وحقوق النفس فى مصطلح الصوفية تدل على المطالب الجوهرية لوجود النفس فى مقابل أية عناصر أخرى إضافية تسمى "حظوظ". المصادر: (1) ميخائيل عيد البستانى: مرجع الطُلاّب، بيروت سنة 1914, ص 39 - 41. (2) Introduction to Is-: J. Schacht lamic Law الفهرس، مادة حق آدمى، وحق الله. (3) التهانوى: كشاف اصطلاحات الفنون مادة حقوق النفس. خورشيد. [هيئة التحرير Editors]

حقيقة

حقيقة يمكن أن تنقل هذه الكلمة إلى اللغات الأجنبية بترجمات شتى تقريبية كما سيظهر بعد. ومن معانيها السائد " reality" أى الجوهر المحسوس للكائن الموجود، أو "طبيعة" الموجود، أو "الحقيقة الصورية" لذلك الموجود. وكلمة حقيقة ليست مصطلحًا قرآنيًا على خلاف مصطلح "حق" the real, the) (true الذى هو اسم من أسماء الله الحسنى؛ ولا بد أن نفرق بينه وبين المصطلح "حقيقة" (انظر ما يأتى). وكما يبين الجرجانى (التعريفات، طبعة ليبسك سنة 1845, ص 94) , فإن كلمة حقيقة مشتقة من (حق -) حقيق، والكلمة الأخيرة تصبح بإضافة تاء مربوطة اسم معنى. وإذا شئنا أن نعرف الفروق الدقيقة لظلال المعانى المنطوية على هذا المصطلح، فإنه يجب علينا أن نرجع إلى مفردات النحو والفلسفة والتصوف. 1 - فى البلاغة: (والتفسير) الحقيقة هى المعنى الأساسى لكلمة أو مصطلح ما، وتختلف عن (أ) المجاز والاستعارة والبيان والمجاز المركب (ب) الكيفية فى المعنى العام للقياس التمثيلى - وقد خَلَّفَ ابن تيمية (مخطوطة، مجموعة رشيد رضا، القاهرة) رسالة باسم "الحقيقة والمجاز". على أن المجاز إذا تكرر استعماله كثيرًا حتى يصبح عرفًا، فإنه يكتسب المعنى الأساسى، ويكون قد دَلَّ على الحقيقة العرفية (انظر: Rhetorik: A. Mehren، ص 31, فيما نقله عنه ماكدونلد فى صدر هذه المادة). كما ينقل لويس ماسينيون (Louis Massingno: Passion d'al Halladj، طبعة باريس سنة 1922, ص 822) من مخطوطة للحلاج عنوانها "الكيفية والحقيقة". والكيفية هنا تختلف عن المجاز اختلافًا بينًا (انظر المرجع نفسه، حيث يستشهد ماسينيون بكتاب آخر عنوانه: الكيفية والمجاز المألوفين عند الحلاج والأشعرى)، ومن ثم، يصبح لكلمة حقيقة المعنى الأساسى الإلهى الجازم (انظر المرجع نفسه، تعليق 2). 2 - فى الفلسفة: (فى استعمال ابن سينا بخاصة) نجد لكلمة حقيقة معنيين: المعنى الوجودى، والمعنى

المنطقى. (1) المعنى الوجودى هو (حقيقة الشئ): لكل شئ حقيقة يكون بها هو، وهذا ما أسميناه "الوجود الخاص" ولم نقصد أن ندل على الوجود "الإثباتى" ... ومن الواضح أن لكل شئ حقيقة هى "الماهية" (ابن سينا؛ الشفاء والإلهيات، طبعة القاهرة سنة 1380 هـ = 1960 م، ص 31؛ وانظر ص 45). ثم نقول بعبارة أخرى: الحقيقة هى خاصية الوجود اللازمة لكل موجود (النجاة، طبعة القاهرة سنة 1357 هـ = 1938 م, 299). وتوجد هذه الفكرة نفسها فى كتاب الإشارات (طبعة Forget، ليدن، سنة 1892؛ ص 139) , حيث يذكر أن حقيقة المثلث تقوم على سببين: صورى ومادى، ولا تقوم على أسباب كافية قاطعة. وقد سار الجرجانى على نهج ابن سينا نفسه فى تعريف حقيقة الشئ بقوله: "حقيقة الشئ ما به هو هو"؛ (التعريفات، ص 95) ومن ثم، لا بد أن تفهم الحقيقة ليس على أنها الشئ الموجود، بل على أنها جوهر الشئ بقدر ما هو موجود؛ أى الطبيعة الحقة فى وضوح الشئ المطلق، كما أن التصور الذى يدل على الحقيقة يستقيم مع الجوهر، ولكنه يتمشى فى جميع الأحوال مع فطرية الحقيقة سواء كانت فى داخل العقل أو خارجه (انظر، الشفاء، ص 32). ونحن ندرك أن نصوصًا بعينها تطابق بين الحقيقة وبين "الماهية" أو "الذات"؛ وعلى كل، يجب ألا نحسب هذه الكلمات مجرد مترادفات. ويبدو أن أفضل ترجمة لكلمة "حقيقة" يجب أن تكون بحسب الظروف إما " nature"، وإما كما تقول الآنسة كواشون (Intro-: Mlle. Goichon duction a Avicenne؛ طبعة باريس سنة 1933, ص 77) Essential Reality. ويجب أن نقر بوجود مجموعات مزدوجة من الفروق: (أ) "الهوية" Selfness " للشئ المادى"؛ و"الماهية" Quiddity وهى التعريف الجوهرى؛ و"الذات" وهى الجوهر بمعناه الصحيح؛ و"الحقيقة" أى الحقيقة الجوهرية. و"التحقق"، هو التثبت مما هو كائن؛ و"الحق" Real أو transcendingty True؛ و"الحقيقة"- Re ality أو transcendental truth.

(ب) و"الحقيقة العقلية" وهى التصور الدقيق للشئ كما يتقرر فى العقل (Lexique de La: A. M. Goichon Longue Philosophique d' Ibn Sina باريس سنة 1938 , ص 84). ومن ثم، نخلص من هذا الاتجاه العقلى إلى القول بأن الحق هو الحكم المطابق للواقع (انظر الجرجانى، المصدر المذكور، ص 94). 3 - فى التصوف: والمعنى الفلسفى للمصطلح يستبطن فى تجربة عقلية مرهفة الذوق (معرفة). والحقيقة هى الحقيقة الباطنة التى لا يفتح الطريق لها إلا الاتحاد بالله، ويترجمها نيكلسون Nicholsom: بعبارة Essential Idea 'The idea of Personality in Sufism, طبعة كمبردج سنة 1923, ص 59؛ وانظر الأنصارى: كتاب المنازل، العشرة الفصول التى يضمها القسم المعنون "الحقائق". وثمة اتجاهان لمذاهب التصوف: (أ) صوفية "وحدة الشهود" ومثال ذلك أن (الحلاج) يحتفظ للحقيقة بمعنى الوضوح المطلق للأشياء ليتفهمها الصوفى بروحه، وهى تؤدى إلى الحق، ولكنها ليست فى ذاتها هى الحق. ويقول الحلاج إن حقيقة الشئ هى دون الحق (انظر، لويس ماسينيون، Passion، ص 568). (ب) الصوفية المتأخرون إبتداء من ابن عربى، ويرون بصفة عامة أن الحقيقة هى الحقيقة المطلقة للحق نفسه ماثلة فى "وحدة الوجود"، ومن ثم، فإن حقيقة الكون هى الله متجليًا فى صفاته (انظر، الرسالة الرئيسية من كتاب فصوص الحكم لابن عربى). وعلى ذلك تكون تجربة الوحدة أو التحقق تجربة فاعلة (ذات طابع عقلى غنوصى) للحقيقة الأحدية دون الحق نفسه. وتصطنع بعض التعبيرات الصوفية هذا المعنى الثانى (الجرجانى، المصدر نفسه، ص 95): حقيقة الحقائق، وتسمى أيضا "حضرة الجمع"، و"حضرة الوجود"، وحقائق الأسماء: أى حقائق أسماء الله، وهى تعينات "الذات" وصلتها بعالم الظاهر، أى الصفات التى يتميز بها إنسان عن إنسان، والحقيقة المحمدية، هى الذات مع التعين الأول وهى "الاسم الأعظم".

4 - وثمة استعمالات أخرى يمكن أن نستعرضها. وفى وسعنا أن نسوق بعض الشواهد على سبيل التمثيل لاستعمال الغزالى الذى ينبرى للتحدث وهو واقف على الحد الفاصل بين مفردات الفلسفة والتصوف (قبل أن يشرح شرحًا وافيًا وحدة الوجود): والحقيقة هى الحقيقة الباطنة وجوهر الموجودات، والثمرة التى تكتشف تحت القشرة. ويتردد كثيرًا التعبير القائل: حقائق الأمور (انظر مثلا، المنقذ من الضلال، ص 8) وتكاد كلمة حقائق هنا أن تكون مرادفة لكلمة (أسرار)؛ وكذلك حقيقة الحق (انظر مثلا، إلجام العوام، ص 56) التى تحيل "الإيمان" فى لمح البصر إلى "يقين". وقد نعرف بعد معنى "الحقيقة" وفقًا لمقابلين متبادلين يساعدان فى كثير من الأحيان على شرحها. (أ) الحقيقة من حيث هى مختلفة عن حق. والتحليلات المتقدم ذكرها هى الخطوة الأولى فى هذا السبيل. ويمكن أن نفرق بين الحقيقة والحق فنقول: المجرد والمادى- أى الألوهية والله - على حد قول لويس ماسينيون (Passion , ص 568). وبعد فإنه "إذا كانت الحقيقة فى جانب الحق (انظر ما تقدم) "فكل شئ حق له حقيقته" كما يقول الحلاج (المرجع نفسه، ص 801، تعليق 1) ثم هل أسماء الله (السُلمَى، وانظر Lexique tech-: Louis Massingnon nique de le mystique musulmane طبعة باريس سنة 1954، ص 310): من حيث إدراكنا هى اسم واحد؛ ومن وجهة نظر الحق (الحق = الله)، هى "الحقيقة"؟ وإذا حددت كلمة حق بأداة التعريف فقيل "الحق" فإنها تكون الاسم نفسه الذى يدل فى أغلب الأحوال على الله فى استعمال الصوفية، ومن ثم لا يمكن أن يلتبس بالحقيقة. ولكن الكلمة بغير أداة التعريف "حق" يمكن أن تتخذ معنى مجردًا تمامًا يقربها من كلمة حقيقة (انظر، طبعة لويس ماسينيون، لكتاب الطواسين، باريس سنة 1913, ص 184, تعليق 1). ومن هنا نجد عند الصوفية المتأخرين أن الحقيقة أصبحت تدل على حالة مستبطنة فاعلة تدرك المرء فى بحثه عن الله وتثبت قلبه على

هذه الحال بتنزيه فكره عن الصفة الإلهية (انظر: الهجويرى: كشف المحجوب، الترجمة الإنجليزية، نيكلسون، ليدن - لندن سنة 1911, ص 384). وفى هذا المعنى، يمكن أن تدل كلمة حق فيما يتصل بالله على "الذات التى لم تتجل" وأن تكون كلمة حقيقة هى الصفات التى لا ريب فى أنها هى الوجود الباطن للأشياء (انظر، كشاف إصطلاحات الفنون، ص 333 وما بعدها). ويحب صوفية "وحدة الوجود" أن يسموا أنفسهم "أهل الحقيقة" ولكن "أهل السنة والجماعة" يتخذون لقب "أهل الحق" (انظر la prifessisn de Foi d' Ibn: H. Laoust Batta؛ طبعة دمشق سنة 1958، ص 166, تعليق 2). (ب) الحقيقة متباينة عن الشريعة. وهذا واحد من الموضوعات التى يتناولها كتاب كشف المحجوب للهجويرى. وحقيقة هنا لها معنى قريب كل القرب من استعمال الغزالى، فهى الحقيقة الباطنة التى تظل ثابتة "من عهد آدم حتى تقوم الساعة" مثل معرفة الله، أو أداء الشعائر التى لا تصح إلا بما وقر فى القلب. والشريعة هى الحقيقة التى يجوز عليها النسخ والتغيير شأنها فى ذلك شأن الفرائض والأوامر. وثمة خطأان يجب التحرز منهما: خطأ الفقهاء الخلص الذين يرفضون التفرقة بين الحقيقة الباطنة وأحكام الشريعة؛ وخطأ الباطنية وغلاة الشيعة (مثل القرامطة) الذين يرون أن الشريعة قد تنسخ حين تدرك الحقيقة الباطنة. وواقع الأمر هو أن الشريعة، كما يقول الهجويرى: لا يمكن أن تقوم إلا بوجود الحقيقة، ولا تقوم الحقيقة إلا إذا اتبعت الشريعة (كشف المحجوب، الترجمة الإنجليزية، ص 383). ذلك أن كلا منهما يقوم على ثلاث دعائم: فالحقيقة معرفة لها ثلاثة أوجه: (أ) المعرفة بذات الله ووحدانيته. (ب) المعرفة بصفاته. (جـ) المعرفة بأفعاله وحكمته؛ والمعرفة الثلاثية بالشريعة هى: (أ) معرفة القرآن.

المصادر

(ب) معرفة السنة. (جـ) معرفة الإجماع. (المرجع نفسه، ص 14). ومجمل القول، أنه يمكن مقارنة العلاقة المتبادلة بين (الشريعة والحقيقة) بالعلاقة بين الجسد والروح (المرجع نفسه، ص 383). وعلى ذلك، فإن كلمة حقيقة سواء قصد بها الحقيقة الباطنة أو الحقيقة الذاتية أو الحقيقة الصورية قد جرى استعمالها الحديث فى أكثر المعاجم اختلافًا (الحنبلى البربهارى: الطبقات، جـ 2، ص 22, الذى يقول: إن حقيقة الإيمان إنما تقوم على مراعاة جميع الفرائض والأحكام الدينية؛ (انظر، . H Laoust: المرجع نفسه، ص 82, تعليق 1). وقد قُدِّرَ للفلسفة أن تجعل الحقيقة مصطلحًا دقيقًا لعلم الوجود والمنطق، وقد استعمله التصوف على نحو مختلف عن ذلك كل الإختلاف، معتمدًا على مسألتين: هل التجربة الباطنة المحددة داخلة فى نطاق نظرة موحدة لعلاقات الله والعالم أم غير داخلة؟ . المصادر: بالإضافة إلى المصادر المذكورة فى صلب المادة. (1) الراغب: المفردات، ص 125. (2) Lexicon: Lane ص 609. (3) Theologie des Is-: M. Horton lam، ص 152 - 153. (4) القشيرى: الرسالة، شرح العروسى وزكريا، جـ 2، ص 62 وما بعدها. (5) La notion de Certitude: F. Jabre Selon Ghazali باريس سنة 1958، الفهرس، هذه المادة. (6) الأنصارى الهروى: كتاب المنازل، المتن، والترجمة الفرنسية بقلم: S de Laugier de Beaurecueil, القاهرة سنة 1962, ص 92 - 101 - 121 - 128. حسن شكرى [ل. كارديه L. Jardet]

حكاية

حكاية لهذه الكلمة تاريخ يتفاوت خطره - لا من الناحية اللغوية وحدها ولكن من ناحية تطور الأدب العربى أيضًا. ومما يؤسف له أن هذا التاريخ جاء مضطربًا فيما كتبه لين " Lane" (ص 618 وما بعدها). والعجيب أننا إذا راجعنا معاجم اللغة كاللسان مثلا (جـ 18؛ 207 وما بعدها) فإنا نجد أن المعانى التى أوردتها لهذه الكلمة تخالف كل المخالفة ما اصطلح عليه كتاب العربية فى العصور الأخيرة؛ وهى لا تذكر أبدًا "حكاية" بمعنى "قصة" أو "حديث". ولست تجد هذا المصدر مستعملا فى القرآن بهذا المعنى كذلك. وإنما يرد فيه كثيرا "الحديث" إسما، "وقص" "ونبّأ". فعلا (انظر ما كتبه شبرنكر Sprenger عن أساطير العرب فى كتابه جـ 2، ص 390 وما بعدها). وفى الحديث وردت "حكاية" بمعنى "محاكاة الفعل"، وأكثر استعمالها فى القبيح من المحاكاة (انظر اللسان: المصدر نفسه). مما تقدم يتبين أن كلمة "حكاية" تطابق الكلمة اليونانية "مميسيس"، ومن ثم جاءت جميع معانيها، فهى أولا تأتى بمعنى "المحاكاة" رغبة فى التسرية، و "الحاكية" المحترف هو الذى يقلد أيضًا، ثم ترد بمعنى رواية فتقول "حكيت عنه الحديث حكاية". وقد تدل على مجرد المشابهة، كما لو كان شئ يحاكى آخر لشبه بينهما (¬1) وظلت معانى الكلمة على هذا النحو خلال القرون الأربعة الأولى على الأقل، واستمرت زمانًا أطول فى اصطلاح رجال الدين. ويقول أبو البقاء فى "الكليات" (ويرجع تاريخها إلى القرن السابع عشر الميلادى وعنها نقل محيط المحيط جـ 1، ص 431) إنه "لا يقال "حكى" الله كذا إذ ليس لكلامه مثل" (راجع ما ذكره البيضاوى فى تفسيره للقرآن سورة ص وابن عربشاه، فاكهة الخلفاء، طبعة فريتاغ Freytag ص 108، س 25). أما كتاب الفهرست، ويرجع تاريخه إلى الجزء الأخير من القرن الرابع، ¬

_ (¬1) المحاكاة المشابهة تقول فلان يحكى الشمس حسنا ويحاكيها بمعنى - انظر لسان العرب مادة "حكى".

فيستعمل "الأخبار" وأحيانًا "الأحاديث" بمعنى الحكايات، ويستعمل "أسمار" و "خرافات" و"أحاديث" بمعنى القصص المقصود منه التسلية، ولكنه لا يستعمل كلمة "حكايات" فى هذا المعنى أبدا (انظر مثلا قوله المشهور عن أصل ألف ليلة وليلة، ص 304 وما بعدها وص 313). وقد تطلق "أسمار" على الأخبار الصحيحة (انظر الأسمار الصحيحة ص 305, س 9). أما كلمة "حديث" فتستعمل دائما للدلالة على الخبر فى أوسع معانى الكلمة. ولا تعنى كلمة "حكاية" فى كتاب الفهرست إلا رواية القول أو نقل الخط. فمثلا جاء فى ص 275, س 20 قوله: "حكاية من خط ... " وفى س 21 قوله: ما هذه حكايته، أى ما هذا قوله. وتجد استعمال المصدر فى هذا المعنى نفسه عند حمزة الإصفهانى المتوفى فى مستهل القرن الرابع (انظر ص 17، س 12؛ ص 64, س 1؛ ص 65, س 13؛ ص 201، س 4، طبعة Gottwaldt) وفى كتاب الأغانى لأبى الفرج الإصفهانى ترد "قصة" و"حديث" و "خبر" مستعملة جميعا من غير تفرقة بمعنى الأحاديث. أما "حكاية" فترد فى نفس المعنى الذى جاء فى كتاب الفهرست وعند حمزة الأصفهانى (طبعة بولاق جـ 1، ص 4، س 20 انظر قوله "هذا ما سمعت من أبى بكر حكاية واللفظ يزيد وينقص" .. ) وفى الأغانى ورد الفعل "حكى" بمعنى "حدث" أيضًا (انظر جـ 8، ص 162, س 7, 10) وقد أورد الفعل والمصدر معا مستعملا المصدر بمعنى المحاكاة. ويظهر أن الاسم احتفظ بالمعنى الأصلى زمنًا أطول، ففى مروج الذهب للمسعودى المتوفى سنة 345 - 346 هـ عبارة مشهورة عن أصل ألف ليلة وليلة استعمل فيها كلمة "خرافات" فى كلامه على مثل هذه الحكايات، ولا ترد عنده "حكاية" بمعنى "قصة"، وإنما وردت بمعنى المحاكاة (جـ 8، ص 16؛ انظر جـ 4، ص 89 وما بعدها) وقد أورد ده ساسى فى رسالته عن ألف ليلة وليلة هذه العبارة فى أربع روايات. ويمكن القول بوجه عام أن الترجمات القديمة لهذه الكلمة كانت خاطئة (انظر Barbier de: Kosegarten Meynard Cottwaldt).

وعندما نبلغ الحريرى المتوفى سنة 516 للهجرة نجد فى أوائل المقامات "حكى" و"حدث" و"أخبر" و"روى" كلها مستعملة بمعنى "قص" من غير تفرقة بينها، ولكنه يستعمل أيضًا "حكى" (طبعة ده ساسى جـ 2، ص 420) بمدلولها القديم بمعنى "شابه". ويظهر أن هذا المعنى قد بطل استعماله فيما بعد إلى حد أن الشراح اضطروا إلى تفسيره، وقد بلغ تطور معنى هذه الكلمة نهايته عند الحريرى. على أننا إذا رجعنا إلى أقدم مخطوطات ألف ليلة (مخطوط Galland ومخطوط سول وشمول فى توبنكن Tuebingen, ويرجع تاريخهما إلى صدر القرن الرابع عشر الميلادى - بعد سنة 700 للهجرة) فإنا نجد "حكاية" تستعمل باطراد بمعنى "قصة" تروى للتسلية (انظر Geschichte von: Seybold Sul u. Schmul ص 164 وما كتبته عن the story of the Fisherman and the Jinni فى مواضع مختلفة؛ Festchrift: Noeldeke) ومن بين الأسماء المستعملة فى كتاب الفهرست وعند المسعودى للدلالة على مثل هذه الحكايات كلمة "أسمار" وقد عاد إليها معناها الأصلى الذى يدل بصفة خاصة على الأحاديث والقصص التى يسمر بها الناس ليلا فى حياة الصحراء. أما "خرافات" فقد تطور مدلولها فأصبح لا يدل إلا على الأساطير المستحيلة إذا قوبلت بغيرها من الحكايات التى يقبلها العقل، وإن كانت من نسيج الخيال (انظر الدميرى: حياة الحيوان، جـ 1، ص 185 س 31, طبعة القاهرة سنة 1313 هـ, خرافات الرياضة وجـ 2، ص 101، س 25 "خرافات العرب"). ويظهر أن كلمة خرافة ما زالت تستعمل بمعنى حكاية فى طرابلس وبلاد الجزائر (انظر Marchen: Stumme aus Tripolis) . وينتهى بنا المطاف الآن إلى سؤالين: أيمكن أن نتبع تغير معنى كلمة "حكاية" بطريقة ما وأن نفسره؟ وكيف كانت طبيعة الحكايات الأولى بالمعنى الجديد لهذا اللفظ؟ لقد وجدت دائما فى اللغة العربية أخبار وأحاديث تجد بداياتها الأولى فيما ورد فى القرآن

وفيما نقله عن الفارسية نضر بن الحارث (انظر ابن هشام ص 191) وتجد خواتيمها فى "الحدوتة" تحكى باللغة العامية ولا يكتبها أو يطبعها حتى الآن إلا علماء أوربيون أو بعض المصريين والسوريين الذين شذوا عن العرف المألوف. وتعدد الأسماء التى تطلق على الأنواع المختلفة من الحكايات يبين بذاته مقدار الاهتمام بها وكيف أن العرب عنوا عناية فائقة بالتمييز بين أنواعها. وقد ذكرنا فيما سبق طائفة من هذه الأسماء، ونذكر الآن غيرها، فمثلا "رواية" كان مدلولها فى أول الأمر إعادة الحديث أو إنشاد الشعر على لسان "راو" فأصبحت الآن فى معناها العادى تطلق على الخبر والملهاة والمأساة تقرن أحيانا بكلمة تمثيلية وأحيانا تذكر مجردة. ومن الأسماء أيضًا "المثل" والجمع "أمثال" فالحكاية هنا مثل أو تصوير بعض المواقف أو الأحكام والمبادئ مثل ما اشتملت عليه الحكايات التى ذكرت على ألسنة الحيوان فى كليلة ودمنة. ومن الأسماء كذلك "سيرة" والجمع "سير" أى ترجمة حياة شخص. ومنها أيضا "نوادر" وهى حكايات متفرقة، ومنها "قصة" والجمع "قصص" وهى تطلق على الخبر أيا كان نوعه، ولكنها خصصت فى القرآن وعند أهل الفن من القصاص للدلالة على أساطير الأولين وقصص الأنبياء (انظر Goldziher: Muh Studren جـ 2، ص 161 وما بعدها). وهذه المعانى الأخيرة فيها تضاد تام لمعنى "الحكايات" فى صورته الأولى، فإنه لم يكن يطلق على قصص الغابرين بل كان يطلق للدلالة على صور الحاضر. وقد وضح هذا كل الوضوح فى المثل الوحيد الذى طبع إلى يومنا هذا، وهو حكاية أبى القاسم البغدادى التى نشرها Adam Mez بعنوان (Abulkasim ein bagdader Sittenbild) ومؤلفها محمد أبو المطهر الأزدى يقول فى مقدمتها إنه ينشئ نوعًا من الأدب جديدًا، لا هو بالمقامة ولا هو بالرسالة (ولا بد أن يكون قد عرف مقامات الهمذانى)، وإنما هو صورة واقعية تصور أحوال البغداديين وأسمارهم

تمثلت فى رجل هو فى رأينا صورة سيئة وإن كان المؤلف يعده ذا مشاركة أدبية ممتازة. ولسنا نجد فى هذا الكتاب أثرًا للقصة، وإنما هو يتناول وصف يوم أقيمت فيه مأدبة، ويسرد نماذج من الشعر وقطعًا من النثر المرصع المصنوع فى الصور البلاغية المألوفة فى عصره، كتبت لا بقصد عرض ما لدى المصنف من ذخيرة لغوية وإنما لإخراج صورة حية من صميم الحياة ويدافع المؤلف عن قصر حواره على شخص واحد يصور أحوال المدينة وآراء أهلها بعبارة طويلة نقلها عن الجاحظ (البيان، طبعة القاهرة، ص 31, س 12 - 24) وهو على ما يظهر أول من رضيت نفسه عن تصوير طبقات الناس. وقصة الأزدى فى جوهرها تطبيق للواقعية التى ميزت الشعر البدوى القديم على حضارة المدن، وقد تجلى فى هذا التطبيق كل ما فى اللغة والآراء من بداوة وغلظة تميز بين الصحراء والمدينة وتفرق بين القديم والجديد. ولسنا نجد فى القصة أثرًا للحكاية البدوية التى ذكر المؤلف أنه ألحقها بقصته للمقابلة بين القصتين. "وحاكية" فيما كتبه الجاحظ معناها "الشخص الذى يحاكى" وليس معناها الأديب الذى ينشئ القصص الأدبية. إن التطور الذى خلق هذا النوع الفريد من الأدب عند أبى المطهر يحتاج إلى تفسير، أردّه أنا إلى أثر مذهب أرسطو عن القصة فى الأدب ("مميسيس" Poetics 1 - 4) والجاحظ توفى 662 للهجرة، وكتب أبو المطهر حكايته بعد سنة 400 للهجرة (انظر Mez، ص 15) ولكن من الواضح أن كتاب الشعر لأرسطو لم يجد من ينقله إلى العربية ويعنى بدراسته إلا فى عصر متأخر عن ذلك. نعم، إن له مختصرًا صنفه الكندى المتوفى سنة 247 هـ (انظر الفهرست ص 250، س 5, ص 257، س 6) ولكنه لم يترجم بتمامه حتى نقله متى بن يونس المتوفى سنة 328 للهجرة (انظر الفهرست ص 250، س 4، ص 263 السطر الأخير) وكتب تلميذه يحيى بن عدى المتوفى

سنة 364 للهجرة تفسيرًا له (انظر الفهرست ص 250، س 4، ص 264 س 12) وفى هذه الترجمة استعملت كلمة "حكاية" ترجمة للكلمة اليونانية مميسيس (انظر Margoliouth: Analecta Orientali) وتصوير الفن الأدبى على أنه محاكاة للحياة عندما ينتقل إلى اللغة العربية يمكن أن ينشأ عنه ذلك النوع من الأدب، أدب أبى المطهر. وقد حدث بعد هذا تطور آخر فى معنى "حكاية" فأصبح يدل على القصة، ولا بد أن هذا التطور وقع سريعًا لأننا نجد الحريرى المتوفى سنة 516 للهجرة قد نسى تمامًا الاستعمالات الأولى لهذه الكلمة؛ بل نسى كذلك أنه كان فى مقدوره أن يطلق "حكاية" حتى على أمثال كالتى جاءت فى "كليلة ودمنة" على ألسنة الحيوان (انظر ده ساسى، جـ 21، ص 13، الطبعة الثانية). وعندما يقرر الحريرى فى الفقرة نفسها أن مقاماته حكايات يكون أكثر قربًا من المعنى الحقيقى لهذا اللفظ. ذلك أن المقامات تعطينا من غير شك صورًا للحياة فى عصره، وإن كان قد عرضها فى صورة من البلاغة المصنوعة، وقصد منها إلى إبراز مقدرته اللغوية لا غير. ومن هذه الناحية نجد أن المقامات هى أصدق ما عرفه الأدب العربى تصويرًا لهذا النوع من حياة الصعلكة والاعتماد فى العيش على قوة القريحة، وتلك صفات تتميز بها الروايات التى تتحدث عن مغامرات الصعاليك. وقد أخذت الفكرة نفسها، ثم بسطت بلغة العامة فى حكايات طويلة مثل حكايات على الزئبق التى تصور حياة الصعلكة تصويرًا صادقًا. واشتمل كتاب ألف ليلة وليلة على مختصر لها. وطبعت المجموعة المطولة على حدة فى بيروت والقاهرة. ولم يكن من الممكن أن تستعمل كلمة "حكاية" بمعنى القصة من أى نوع إلا بعد أن تكون القصة قد مرت بمرحلة كانت تدل فيها على القصة الخيالية التى لا تتعلق بحوادث عجيبة وقعت فى عصر سالف أو فى بلاد بعيدة، أو تتحدث عن تعاون الجن والسحرة، ولكنها تتضمن صورًا من صميم الحياة

التى عرفها القراء أنفسهم، نضرب لذلك مثلا حكاية الأحدب التى وردت فى ألف ليلة وليلة وحكاية على بن بكار وشمس النهار وهى من نوع آخر. وعلى هذا النحو دخل فى الأدب العربى لون معين جديد لا نجد له أثرًا فى كتاب الفهرست كما لا نجد فيه أثرًا للمقامة فى بدايتها الأولى: تلك المقامة التى بلغت أوجها بعد ذلك عند الهمذانى والحريرى. وفى كتاب الفهرست ثبت بالمضحكين والندماء (ص 151 - 155) وبالحكايات العجيبة، وأخبار الفساق، وحكايات الجن (ص 304 وما بعدها). وكذلك لا نجد فى هذا الكتاب شيئا يمكن أن يقال عنه إنه يتصل بهذا النوع المعين من الأدب، وهو فن المقامات. وقد نسب ابن خلكان فى النص الذى نشره فستنفلد (رقم 451) إلى أبى الفرج الإصفهانى صاحب الأغانى كتابًا سماه "كتاب الحكايات" ولكنا نجده مذكورًا فى مصدر آخر باسم كتاب الحانات (انظر prooemium: Kosegarten فى طبعته للأغانى ص 196 وكذلك Wright: Chrestomathy، ص 87, س 11 , من المخطوط 65). مما تقدم يتبين أن نوعين جديدين من الحكايات قد بدأ فى وقت واحد تقريبًا ما بين القرن الرابع والقرن الخامس للهجرة. وكانا فى أول أمرهما متقاربين جدًا، ولكن سرعان ما افترقا إلى نوعين متمايزين كل التمايز. فالمقامة كانت فى أول أمرها "حكاية" بالمعنى الأصلى لهذا اللفظ، وحكاية أبى المطهر هى فى الواقع كالمقامة، وإن كانت لا يلقيها رجل وهو واقف، كما هى الحال فى المقامة، ولكن أبا المطهر يعتبر قصته نوعًا جديدًا يتميز عن المقامة وأنه أقرب إلى أن يكون تطورًا للحكاية بمعنى المحاكاة. وهدف كل من هذين النوعين يختلف عن الآخر. وقد عبرت عن هذا الاختلاف الأسماء التى سمى بها المؤلفون ما صنفوه منها. والمقامة نوع من القول البليغ، ولهذا دخلت فى فنون البلاغة. أما الحكاية فهى محاكاة، ولهذا اتصلت بالحركة والحياة.

والتغير الأخير فى معنى كلمة حكاية قد يسره من غير شك التطور الذى دخل سريعًا على الفعل "حكى" بمعنى "قص" ولهذا نجد اسم "حكواتى" الآن معناه القصاص الذى يقص الحكايات على الجمهور، وأصبحت كلمة "حكاية" تطلق على أى نوع من أنواع القصة وإن كان لا يزال فى الإمكان استعمالها بمعناها الأصلى حتى فى لغة العوام (انظر Dozy, sub. voc) ولا نزال نحس فى اسم "حكواتى" ما يشعرنا بالمحاكاة، فإن القصاص الشرقى يمثل دائمًا الحكايات التى يقصها، على أننا فى بعض الأحوال نجد الأسماء تطلق على غير مسمياتها الصحيحة: نجد مثلا فى "نزهة الأبصار والأسماع فى أخبار ذوات القناع" وتاريخها غير معروف، قصة واقعية قصيرة فى ذم النساء يسميها المؤلف مقامة (ص 82 - 89, طبعة القاهرة، 1305 هـ) بقى الآن أمر واحد: هو أن التطور فى معنى "حكاية" كان محدودًا مقيدًا بعامل ثابت، فإن المتأدب فى العالم الإسلامى العربى على الأقل كان دائمًا لا يقدر القصة قدرها اللهم إلا فى بعض الحالات الفردية الشاذة. وهو لم يرض أبدا عن رواية وقائع وحوادث خيالية تروى لذاتها لا غير. ومثل هذه الروايات كان يعدها من شأن المسامرين والمضحكين والدهماء بوجه عام، ولم يكن المتأدب العربى بعد يعد من الأدب المهذب إلّا الحكايات التى كانت ترمى إلى أهداف أدبية كالأمثال التى جاءت فى "كليلة ودمنة" و"فاكهة الخلفاء" و "سلوان المطاع" وأمثالها؛ أو كالحكايات التى أريد بها أن تكون عرضًا للشعر الجيد والنثر البليغ مثل "لوعة الشاكى" وأنواع المقامات كلها، أو كالأخبار التى اشتملت على حوادث تاريخية وأدبية مثل "إعلام الناس" و"الفرج بعد الشدة"، و"مصرع العشاق"، أو كالقصص التى تهدف إلى غايات خلقية أو صوفية مثل "سلامان وأبسال" و "حى بن يقظان" لابن سينا و "المخيلات" لعلى عزيز الكريتى. وقد عرف الكتاب المسلمون منذ زمن بعيد حكايات ذات قيمة أدبية جاءت

إليهم من غير العرب، فقد نقلوا إلى العربية حكايات عن اليونانية والفارسية والهندية (انظر الفهرست، ص 305 وما بعدها؛ حمزة الإصفهانى، ص 41 وما بعدها). ويظهر أنه فى زمن ابن النديم نفسه كان يصح للمؤلف بمعنى الكلمة أن يصنف كتبًا فى الحكايات. وهو يذكر (ص 306، س 9 وما بعده) أسماء كثيرين من هؤلاء المؤلفين. ويروى كيف أن الجهشيارى، وهو من كبار المؤلفين؛ شغل نفسه بتصنيف حكايات كحكايات ألف ليلة وليلة، وكيف أن أخًا للشافعى اشتغل بنسخ هذه الحكايات. وفى زمن العباسيين كثرت الحكايات وانتشرت انتشارًا كبيرًا؛ فعمد الوراقون إلى وضعها مما أدَّى إلى انحطاط قيمتها الأدبية (ص 306، س 9 وما بعده) وكانت العلاقة بين المضحك والمسامر قريبة جدا (ص 140 وما بعدها، وبخاصة أخبار ابن أبى العباس الذى كان منجمًا ونديمًا للمتوكل ومصنفا لكتب الباه ص 151، س 23 وما بعده). وكانت هذه الحكايات فى الغالب لا يعرف مؤلفوها، وتذكر ضمن الخرافات مثل حكايات البطالين وحكايات جحا وحكايات "الباه" (ص 303 وما بعدها) وخير مثل على هذه الحكايات هو كتاب ألف ليلة وليلة، فقد اشتمل على حكايات بذل فى وضعها من المهارة الفنية ما يفوق بمراحل مهارة القصاص، ولو أنه لا يعرف مؤلفها أو أن واضعيها لم يجرءوا على التصريح بنسبتها إليهم. نضرب لذلك مثلا حكاية "قمر الزمان وبدور" وحكاية "سيدات بغداد"، "والتفاحات الثلاث". والقصص الواقعية وقصص البطولة باعتبارها من السير، وتواريخ الرجال تحتاج إلى سند يؤيدها وذلك بذكر أسماء مؤلفيها ولهذا ذكرت أسماء رجال نسبت إليهم هذه القصص ولكنا نرجح أن هذه الأسماء لا أصل لها. إن ما ذكرناه فيما سلف يصدق على الأقطار الإسلامية التى تتكلم اللغة العربية. أما تركيا وبلاد الفرس فقد ظفرت فيهما الحكايات بتقدير أدبى أكبر، وبذلت جهود فى صقل أسلوبها

وإن كانت مجهولة النسب فى هذه البلاد أيضًا. وفضلا عن ذلك فإن كلمة "مدّاح" التركية تطابق "الحاكية" إلى حد كبير. وقد تأثر الأدب التركى فى تطوره الأخير بحكايات المداحين، وظهر هذا الأثر واضحًا فى الروايات الواقعية، وكثير منها يشبه حكاية أبى المطهر إلى حد كبير، (انظر Tuer-: Georg. Jacob kische Bibliothek, فى مواضع مختلفة، وانظر عن الموضوع بأسره مقدمة المجلد 1، ص 6 وما بعدها؛ Gesch.: Horn d. tuerk. moderne ص 12 وما بعدها) المصادر: (1) ذكرت المصادر فى صلب المادة ولكن أول مصدر ينبغى أن يرجع إليه دائما هو المقدمة Einleitung التى كتبها Mez لكتابه Abulkasim. عباس محمود [ماكدونلد D.B. Macdonald] + حكاية: مصدر حكى، وحكى فلانا وحاكاه أى فعل مثل فعله، ولكن هذا الفعل أصبح نتيجة لتطور فى المعنى، واضحا للأفهام لأول وهلة، ويدل على: يقص، يروى، وكذلك فإن الاسم "حكاية" بداية من معنى "المشابهة" أصبح يدل بخاصة على المحاكاة أى التقليد، وانتهى إلى معنى "الحكاية" والرواية والقصة والأسطورة. وفى العربية الفصحى تدل صيغة الفاعلية "حاكية" على "المحاكاة". وقد اصطنعت العربية اسم الفاعل "حاكٍ" ترجمة لكلمة "جراموفون". والجذر حكى أو حكو لم يرد فى القرآن، ولكنه ورد فى الحديث بمعناه الأصلى أى فعل المثل أو الحاكى (لسان العرب "مادة حكى") وهو معنى، يعبر ويحتفظ حتى الآن بالوزن الثالث حاكى (¬1)، وهذا هو المعنى الوحيد الذى تورده لحاكى المعاجم القديمة. ولسان العرب الذى لا يورد معنى قصَّ للفعل، وقصة للاسم، يقول إن الوزن الأول والوزن الثالث لهما ظل من المعنى القبيح بعض القبح، فيقال: "حكاه وحاكاه" ومن ثم، فإن المشكلة تنحصر فى اكتشاف كيف اكتسبت حكى وحكاية المعنى الذى يجرى عليه ¬

_ (¬1) ليس حاكى هو الوزن الثالث، وإنما هو الوزن الرابع، لأن الوزن الثالث هو المجرد حكى.

الاستعمال الآن (¬1). ولذلك، فإننا سنحاول أن نقيم تصنيفا ونقرر الموقف الذى عليه تلك القصص التى تسمى الآن حكاية فى القصة العربية أو أدب الترويح. 1 - ويزودنا الجاحظ مرة أخرى بنقطة بداية مناسبة. ففى فقرة مشهورة من كتابه البيان والتبيين (طبعة هارون، جـ 1, ص 69 - 70) يكشف عن أنه كان ثمة مقلدون "حاكيَّة". ولم يكن هؤلاء، فيما يقول، قادرين فحسب على تقديم صورة طبق الأصل من الأساليب المصطنعة والإيماءات والصوت وعادات الكلام عند الجماعات العرقية المختلفة التى تكون منها سكان الإمبراطورية الإسلامية عامة، وسكان قصبة هذه الإمبراطورية خاصة، بل كانوا قادرين أيضا على التقليد الصادق كل الصدق لسلوك أنماط مختلفة من الناس وهيئتهم مثل العميان، ثم هو يقول آخرا إنهم كانوا قادرين على تقليد أصوات الحيوانات المفترسة والأليفة. ويضيف الجاحظ أن هؤلاء المقلدين أوجدوا أنماطا حقيقية أسبغوا عليها جميع السمات المميزة للجماعات التى كانوا يحاكونها. وهذه الموهبة فى التقليد التى تحتاج إلى قوة ملاحظة غير عادية، قد استغلها فى الشرق منذ أمد طويل أرباب السمر محترفين وهواة (انظر J: Horovitz، Spuren Griechischer Mimen in Orient, طبعة برلين سنة 1905)، كما نجد مثلا فى كتاب التاج المنحول للجاحظ (ترجمة pellat ص 149) نادرة مفادها أن رجلا من رجال الحاشية أراد أن يستعيد حظوته لدى ملك من ملوك الفرس بخدعة تقوم على محاكاة أصوات حيوانات مختلفة. وقد لاحظ آدم ميتز من قبل (- ern bag Abulkasim, dader sittenbild. طبعة هيدلبرغ سنة 1902، جـ 15 - 16) أن تكاثر المحاكين، واصطناع لون من ألوان السمر محبب إلى نفوس الملوك قد شجع عليه بلا ريب وجود لهجات عربية يختلف بعضها عن بعض اختلافا كبيرا، والمحاولات المتفاوتة النجاح التى بذلها السكان من غير العرب للتحدث بلغة ¬

_ (¬1) استعملت كلمة حكى فى القرنين الثانى والثالث الهجريين بمعنى روى أو قص فقيل حكى عن فلان.

الفاتحين. ونجد فى كثير من الأحيان محاكين بين أرباب السمر والمهرجين الذين كان يسمح لهم بالمثول بين يدى السلاطين دائما أو فى بعض الأحيان. والمسعودى (مروج الذهب، جـ 8، ص 161 وما بعدها؛ وانظر آدم ميتز، Renaissance, ص 368 - 378, الترجمة الإنجليزية، ص 408) يؤكد هذا بروايته عن نجاح واحد من هؤلاء المحاكين فى بلاط المعتضد، وهو ابن المغازلى الذى قلد (يحكى، يحاكى. حكاية) جميع صنوف الناس، وكان يقرن تقليده بسلسلة متصلة من النوادر المضحكة. والحق أن الحكاية لم تستطع أن تكون محاكاة صامتة، ولم يجد المحاكى بدًا من تأليف مقطوعة صغيرة يتلوها أو التماس قصة تزيد محاكاته حرارة. ومن ثم فلا بد أن يكون المرء على خبرة واسعة حتى يتحاشى ترجمة كلمة "حكاية" فى حالات من هذا القبيل بكلمة "قصة" ولو أن المرء يمكن أن يدرك أن هذا المصطلح قد طبق أصلا على التقليد وحده، وشمل بعد الإيماءات والألفاظ، وأخيرًا الألفاظ وحدها، وخاصة حين بدأ المؤلفون يدونون الألفاظ التى يتلوها الحاكييون. ثم إن هذا التطور قد شجع عليه بعد إهمال الكتاب فى الاستعمال الدقيق للكلمات، فحجب هذا إلى حد كبير الحقيقة التى تبين أن المحاكين استمر وجودهم؛ بيد أن البرهان على ذلك ربما نجده طوال العصور الوسطى؛ وآدم ميتز (Renaissance، ص 399؛ الترجمة الأسبانية، ص 505؛ والترجمة الإنجليزية، ص 423، غابت عنها هذه النقطة) يذكر حكاية واحدة سنة 415 هـ (1024 م)، ومما هو جدير بالملاحظة أن الأداء موضع المناقشة قد استتبع أيضًا وجود روايات خيال الظل. ومع أن المسرح الحديث يستمد أصوله من بلاد أجنبية إلا أن مؤرخيه لم يغب عنهم أن يجدوا سوابق له فى "الحكاية"، وفى "الخَيَال" إذا شئنا التدقيق (انظر J. Landau فى Studies in Arab theatre and Cinema, فيلاديلفيا سنة 1958، ص 1 وما بعدها)؛ وقد أغراهم أيضًا على وضع ذلك فى الحسبان ما يوجد فى تركيا باسم "مَدَّاح" أو "مُقَلَّد" مما يرادف تمامًا "الحاكية" الذى كان يروى النوادر فى

أثناء قيامه بالتقليد المُسَلِّى والمحاكاة المعبرة، بل يرتدى لوازم ترمز إلى الشخصيات التى كان يرغب فى تقليدها. ويبدو أن هذه المهنة اضمحلت فى تركيا كما اضمحلت فى البلاد الإسلامية الأخرى، وبخاصة فى مصر، حيث ألف شخص يدعى أحمد فهيم الفار فى بداية هذا القرن فرقة قدمت فى القاهرة تمثيليات لاقت رواجًا كبيرًا بفضل مهارته فى تقليد صراخ الحيوانات وفى إخراج مشاهد مختلفة (انظر J. Landau، المرجع السابق، والمصادر التى استشهد بها؛ ولا نستطيع أن نغفل هنا القول مرة أخرى بأن الحكاية مشتقة من الجذر ح. ك. ى أو ح. ك. و، ومنها حَكَاوَاتى المستعمل فى الشرق مرادفًا لراوى الحكايات الذى ترتبط محاكاته ارتباطًا وثيقًا بالمعنى المتقدم لكلمة "حاكية". ومنذ القرن الرابع الهجرى (العاشر الميلادى) نجد عناصر المحاكاة (انظر. J Horovitz: المصدر المذكور، ص 21 - 27) تظهر فى أسلوب المقامة على أن هذا الضرب من الأدب استقل بفضل النشاط الأدبى لبديع الزمان وخلفائه فى "الحكاية" بمفهومها الصحيح. ومن ناحية أخرى ظهر فى الحقبة نفسها، أى فى بداية القرن الخامس الهجرى (الحادى عشر الميلادى) عمل فريد فى الأدب العربى، يعيد إلى الأذهان المقامة، إلا أنه يختلف عنها فى الأسلوب الفنى إختلافًا واضحًا كل الوضوح: هو حكاية أبى القاسم البغدادى لأبى المطهر الأزدى (طبعة آدم ميتز، Abulkasim) ويعد هذا العمل علامة على فترة جديدة وإن كانت قصيرة فى تطور معنى المصطلح "حكاية". ويستعيد المؤلف فى مقدمته الفقرة نفسها للجاحظ التى سبق بيانها، وهذه الإشارة، تبرر فى رأيه ابتداع نمط جديد من الكتابة ربما يضع شخصية مفردة على المسرح تمثل عقلية سكان قصبة الخلافة؛ ويعد أبو المطهر فى مقدمته أيضًا بكتابة "حكاية بدوية" وهى تصور السلوك البدوى، ولم يقدر لهذه الحكاية البقاء. وفى النص الذى وصل إلينا نجد أن بغداد هى مسرح حوادث الحكاية التى تجرى فى وسط برجوازى، وأن البطل أبا القاسم ليس إلا ضربًا من العيّارين

الذين يُسَلُّون هذا المجتمع بسلسلة من النكات والتعليقات الساخرة المجنحة؛ وبعد وجبة العشاء يروح المعربدون فى غيبوبة من السكر، فلا يوقظهم إلا صوت المؤذن، وهنالك يعظهم أبو القاسم ويؤنبهم على فسوقهم (انظر F. Gabrieli فى مجلة Rivista degh studi ornentali؛ سنة 1942, ص 33, 45). ويتيح لنا الشاهد المنقول عن الجاحظ أن ندرك المعنى الذى أراد المؤلف أن يبثه فى هذه الحكاية، التى هى تمثيل واقعى للسلوك المأثور فى بغداد، وصورة منتزعة من حياة الواقع، وهذا هو السبب فى أن آدم ميتز قد ترجم عنوان هذه التمثيلية بما يأتى: ein bagdader sittenbild. إذ كان من المستحيل كل الاستحالة أن تترجم "حكاية" بكلمة "قصة". كما نجد أبا المطهر فى محاولته أن يستحدث "نمطًا" قد أظهر شيئًا من التفوق على الجاحظ الذى اقتصر فى دراساته لأنماط السلوك، وبخاصة فى كتابه البخلاء، على وضع النوادر بعضها إلى جانب بعض دون أن يبلغ مبلغ التوفيق أو التنسيق بينها. ومع ذلك، فإن حكاية أبى المطهر هذه التى لم يقلدها فيما يظهر أحد تثير عدة مشكلات، فمن ناحية، نجد أن صلاتها بالمقامة غير واضحة، مع التسليم بأن المؤلف، وتفصيلات حياته غير معروفة, متأخر بلا شك عن بديع الزمان؛ وأنه بلا ريب قد أراد إبتداع أسلوب مميز. ومن ناحية أخرى، نجد أن ماكدونالد D.B. Macdonald (فى صدر هذه المادة) يرى أن السبب فى التطور الذى انتهى بالحكاية، يجب أن يلتمس فى تأثير المذهب الأرسطى المعروف باسم "ميميسس" فى الفن (فن الشعر- Poet ics، جـ 1 - 4)؛ والحق إن متى بن يونس فى ترجمته لكتاب فن الشعر (تحقيق عبد الرحمن بدوى، فى فن الشعر، طبعة القاهرة سنة 1953، ص 86 وما بعدها) يستعمل كلمة حكاية ليترجم الكلمة اليونانية ميميسس (فى حين يستعمل عبد الرحمن فى ترجمته الجديدة الوزن محاكاة)؛ ومن الممكن بلا شك أن فكرة الفن الأدبى على اعتبار أنه محاكاة للحياة ربما تكون هى التى أحدثت النمط الذى مثله أبو المطهر، ولكن الإشارة إلى الجاحظ تكفى إلى حد كبير

فى تفسير هذا الإبداع الذى كان على أية حال، بتصويره الحياة فى مشاهد، مرحلة جديدة من تطور الشكل القديم للحكاية. وعلى مدى القرون التالية نجد أحيانًا أن فعل "حكى" يرد بمعنى "يشبه"، أو "يقلد" ولكنه كان مهجورًا إلى حد أن الشراح لم يجدوا بدًا من شرحه، حين يظهر بخاصة فى مقامات الحريرى (تحقيق ده ساسى de Sacy؛ الطبعة الثانية جـ 2، ص 420) والذى يستخدمه الحريرى فى بداية المقامات هو"حَدَّث", و"أخبر"، و"روى" بمعنى "يحكى"، و"يقص". واستعمال "حكى" مع حرف الجر "عن" مرادفًا لفعل "روى" كان من الاستعمالات الشائعة فترة طويلة (مثال ذلك؛ الجاحظ، فى رسالة التربيع والتدوير، الفصل ص 57) وكتاب الأغانى (جـ 8، ص 162)، الذى بلغ به الأمر أن ساق شاهدًا واحدًا على استعمال "حكى" بمعنى "روى" ونستخلص من هذا أن تطور معنى الفعل كان أسرع من تطور الاسم "حكاية" الذى يرد مع هذا فى الحصرى (جمع الجواهر، ص 4) بمعنى "نادرة مروية" كما يرد مرة واحدة على الأقل عند الحريرى (ده ساسى، الطبعة الثانية، جـ 1، ص 13) ليدل على "أمثال" كليلة ودمنة، بينما يلاحظ المؤلف فى الفقرة نفسها أن مقاماته ليست سوى حكايات، أى أنها صورة جديدة للحياة المعاصرة له. ومن ثم، فإنه حين ترد كلمة حكاية بعد لتدل بالتحديد على "القصة، أو الأسطورة" فإنها تناقض معناها الأصلى كل التناقض؛ وما دام ذلك قد انطبق بلا استثناء على الحاضر، ولم يدل على تقليد للماضى، فإنه لا مناص لنا من ثم أن نذهب إلى أن الحكاية قبل أن تستعمل للدلالة على جميع أنواع القصص قد مرت بمرحلة دلت فيها على القصة المبتدعة، وإن كانت منتزعة من حياة الواقع، أو قل إنها كانت على الأقل تعبيرًا صادقًا عن الحياة: وليس بين أيدينا دليل على هذا، ولكن حكاية أبى المطهر تزودنا بحلقة متينة من حلقات السلسلة، وسوف نرى فى مراكش أن الحكاية احتفظت بمعنى القصة التى يتفاوت حظها من الصدق ما دامت غير بعيدة الاحتمال.

ويجب ألا ننسى أن المصطلح حكاية ينتمى أيضًا إلى مصطلحات علوم الحديث، وأن القول: حكيت عنه الحديث حكاية يدل على الاستشهاد أو النقل بالحرف؛ وفى قواعد اللغة تعنى "حكاية" الرواية باللفظ لما يمكن أن يكون مستعملا فى الزمن الذى وقعت فيه الحادثة التى تروى؛ والتعبير "حكاية صوت" يحتفظ بالمعنى البدائى للمصطلح؛ و"حكاية إعراب" أو "حكاية فحسب"، تعنى الترديد الدقيق لكلمة استخدمها المتحدث فى إعراب لم يعد متفقًا مع وظيفتها فى النص الجديد، مثال ذلك "رأيت زيدًا "من زيدًا"؟ (بدلا من زيد) ولكن هذه الحكاية غير جائزة حين يكون الاسم متبوعًا بنعت (انظر Voc. L: Machuel des principaux termes techniques de la .grammaire arbe، تونس سنة 1908, ص 27). وتظهر الكلمة مرة أخرى على سبيل المثال كتاب الفهرست (طبعة القاهرة، ص 422, 429, 445 الخ .. ) لتدل على صورة طبق الأصل من النص أو بيان بالحقائق، وهى ترادف هنا كلمة رواية. كما توجد هذه المعانى نفسها عند حمزة الإصفهانى (طبعة Gottwald، ص 17، 64، 65, 201) وفى الأغانى (وخاصة جـ 1، ص 4)، على الرغم من أن "حكاية" فى هذه الفقرة الأخيرة تستعمل فى رواية الكلمات المسموعة، دون الزعم بنقلها كلمة كلمة ومن ناحية أخرى، نجد الزمخشرى أساس البلاغة، مادة حكاية) يقول إن العرب يستعملون حكاية بمعنى "اللغة" التى يعدونها بمثابة التقليد أو التمثيل، وهذا يفسر السبب فى أن اللهجات السورية واللبنانية تستعمل الفعل "حكى" عادة مرادفًا لـ "تحدث". وفى الأندلس، يلاحظ دوزى أن حكاية أيضًا تأتى فى معنى "أنموذج" ولكنه يرى أنها بالفعل "قصة" فى المقام الأول. ومن ثم يبدو أنه منذ القرن الثامن الهجرى (الرابع عشر الميلادى) فصاعدًا، كانت كلمة "حكاية" التى يعد معناها الأول مهجورًا فى الوقت الحالى، قد اكتسبت المعنى العام لكلمة "نادرة، قصة، رواية، أسطورة"؛ وهى

شائعة فى كتاب ألف ليلة وليلة، وتظهر فى عنوان "كتاب الحكايات العجيبة، والأخبار الغريبة" الذى نشره وير H.Wehr, دمشق - فيسبادن، سنة 1956، عن مخطوطة ترجع إلى بداية القرن الثامن الهجرى (الرابع عشر الميلادى). وعلى أية حال، فإننا نجد فى هذه المجموعة الأخيرة أن كل قصة مستقلة ظلت تعرف بالحديث، والحديث هو أحد المصطلحات العامة التى يميل معناها الفنى إلى إغماض استعمالاتها الأخرى. وعلى ذلك، نكون قد جمعنا هنا بقصد بين ثلاث كلمات، من الواضح أن كلا منها يمكن أن توضع موضع الأخرى، وهى: حكاية، وخبر وحديث أيضًا، ولعل من المفيد أن نردها إلى مجموعة الكلمات المستعملة فى اللغة العربية مرادفة لكلمة "قصة". ويشمل القرآن الكريم عددًا من القصص ذات الصفة الدينية بهدف تهذيب المؤمنين، وفى الكتاب الكريم وردت الألفاظ قَصَّ، حَدَّثَ، ونبَّأ، وهى ثلاثة مصطلحات جنحت بعد إلى أن تكون كلمات مخصصة أصبحت هى ومشتقاتها وغيرها من مشتقات الجذور الأخرى مجموعة من المادة اللغوية الجديرة بالبحث. وواقع الأمر، أن تنوع الكلمات المستعملة فى القرون الأولى للإسلام ربما يبدو أنها تدل على أن الحكايات والأساطير والقصص بجميع أنواعها كانت شائعة، وكان يفرق بينها فى دقة شديدة؛ ومن ناحية أخرى، فقد تعرض كل منها على مدار القرون لتطور متميز يستأهل أن نفرد له مادة خاصة، ومن ثم، فلن نحتاج هنا إلى مناقشة تاريخ الأدب القصصى كله: "القصة" والقصة تستعمل للدلالة على جميع أنواع القصص، ولكن هذه الكلمات أطلقت بوجه خاص من خلال استعمال الفعل قصَّ، والاسم قصص فى القرآن، وكذلك القُصّاص المحترفين على قصص التهذيب وقصص الأنبياء. وعلى أية حال، فإن من الملاحظ فى أيامنا هذه أنها قد اصطنعت للدلالة على الرواية، وكذلك استعملت صيغة التصغير أقصوصة للدلالة على القصة القصيرة.

"الأسطورة" وقد وردت هذه الكلمة فى القرآن فى عبارة "أساطير الأولين" (انظر سورة الأنعام، الآية 25؛ سورة الأنفال الآية 31؛ سورة النحل، الآية 24؛ سورة المؤمنون، الآية 83؛ سورة الفرقان، الآية 5؛ سورة النمل الآية 68, سورة الأحقاف، الآية 17؛ سورة المطففين، الآية 13)، وهى تنم عن السخرية حين يستعملها المشركون الذين جنحوا إلى مقارنة وحى السماء بالأساطير وبحكايات عجائز الزوجات التى يجب ألا تصدق. وتثبت الصعوبة التى يواجهها فقهاء اللغة فى التماس المفرد من أساطير، أن هذا المصطلح ربما يكون مشتقًا من الكلمة اليونانية "يوستوريا" أو من الكلمة اللاتينية - his toria, وأنه قد ساعد على صياغة الجمع الدالة على السخرية التى يبدو أن مفردها المرادف قد طواه النسيان، أو أنه لم يوجد ألبتة. وفى أيامنا هذه استقر المصطلح من جديد فى صيغة المفرد "أسطورة" بالمعنى الخاص للأسطورة أو الخرافة. "نبأ" وله فى القرآن معنى "الخبر"، و"الإعلان" وقد احتفظ بهذا المعنى حتى الآن، وورد هذا اللفظ فى بعض الآيات القرآنية (انظر، سورة الأنعام، الآية 67؛ سورة ص، الآية 67؛ سورة الحجرات، الآية 6 الخ)، كما يوجد فى القرآن أيضًا بمعنى الحكاية التهذيبية أى قصة نبى من الأنبياء (انظر سورة التوبة، الآية 70؛ سورة المائدة، الآية 27، سورة الأنعام، الآية 34 الخ .. )، وبهذا المعنى تكون كلمة نبأ قد حلت محلها تمامًا كلمة قصص، وقصة. "خبر"، وهى كلمة قرآنية أيضًا يماثل معناها معنى نبأ: أى "إعلان أو بيان عن شئ ما"، وقد قدر لهذه الكلمة أن تنتشر انتشارًا عظيمًا، وأن تطلق على الرواية التاريخية أو الرواية التى تتعلق بالتراجم. ومع أن كلمة "خبر" لا تحتاج بالضرورة إلى أن تكون لها حجية فى نظر النقاد فإنها من حيث المبدأ لا يمكن إطلاقها على قصة تنزع إلى الخيال. وعلى أية حال، فإنها تظهر مرادفة لمعنى "الحكايات" فى عنوان المجموعة المتقدم ذكرها التى حققها وير H.Wehr .

"السيرة" وتوجد فى القرآن بمعنى واحد وحسب هو: "المنزلة" أو "المظهر"، ولكنها فى الأدب تدل أيضًا على "السلوك" و"أسلوب الحياة" و "الترجمة" (وبخاصة سيرة النبى [- صلى الله عليه وسلم -])، وهى المصطلح المستعمل فى تراجم الفروسية للشخصيات الشهيرة فى العصور القديمة أو فى العصر الإسلامى. - "الحديث" ويمكن أن تترجم كما هى مستعملة فى القرآن بمعنى "مقال" ولكنها تعنى أيضًا القصة التهذيبية (مثال ذلك قصة موسى، سورة طه، الآية 9؛ سورة النازعات، الآية 15)، ومن ناحية أخرى، نجد كلمة أحاديث (جمع أحدوثة أقرب من أن تكون جمع حديث) وتستعمل فى الحكايات الأسطورية (انظر سورة، "المؤمنون"، الآية 44، سورة سبأ، الآية 19) وتعنى بوجه عام الحديث الكاذب. وبغض النظر عن معناها الاصطلاحى فى علم الحديث فإن كلمة حديث تستعمل عامة بمعنى قصة، أو حكاية، أو رواية، وقد استعملت بهذه المعانى فى كتاب "الأغانى"، وفى "الفهرست" وفى القصص التى نشرها وير H.Wehr وفى مواضع أخرى. "المثل" وهذه الكلمة فى القرآن لا تدل فحسب على الصورة أو المشابهة بل تدل أيضًا على المثال (انظر سورة الكهف الآية 54, سورة الفرقان، الآية 33 إلخ .. )، بل تدل فى واقع الأمر على ضرب المثل (انظر، سورة الكهف، الآية 45) وهى تدل فى الاستعمال على القول المأثور وعلى القصة تبتدع لتصور مذهبًا ما أو لتفسر ظرفًا من ظروف الحياة ما، كما تستعمل فى وصف الحكايات ذات المغزى الواردة بكتاب كليلة ودمنة وتستعمل بوجه عام لوصف الخرافات التى تجرى على ألسنة الحيوانات. وفى خارج نطاق القرآن، نجد فى الأدب ما يلى: "الرواية" وتعنى النقل الشفوى لحديث، أو قصيدة أو قصة، وقد احتفظ مصطلح رواية بهذا المضمون فى مصطلح الحديث، وفى قواعد اللغة وفى

النقد، وكان مرادفًا فى بعض الأحيان لكلمة "حكاية" بمعنى نقل الحقائق ووصفها. وقد اصطنعت فى العربية الحديثة للدلالة على القصة، أو الرواية بمعناها القصصى، أو المسرحية أو الفيلم. "النادرة" وقد استعملت هذه الكلمة منذ أوائل العصور الوسطى بمعنى الملحة، أو اللطيفة وخصوصا الملحة الفكاهية، والنادرة لها من الخصائص النمطية ما يبرر أن نفرد لها مادة بذاتها. "السمر" والجمع أسمار، وتعنى فى المقام الأول المحادثة، بل المنادمة بالليل، لأنها تشتق من جذر معناه "يتجاذب أطراف الحديث فى الليل" (انظر القرآن، سورة المؤمنون، الآية 67)، وهى كلمة من الكلمات التى يؤثرها ابن النديم للدلالة على القصص التى تحكى فى اجتماع ليلى، بل على القصص عمومًا على خلاف ما يؤكده موسى سليمان (الأدب القصصى، الطبعة الثانية، بيروت سنة 1956, ص 16 - 17) , بقوله إنها القصص التى لا يمكن أن تحكى، من حيث المبدأ، إلا فى الليل (انظر ما يأتى). ويبدو أن كلمة "سمر" تستعمل أساسًا لتدل على "القصص الخارقة للطبيعة" كما تدل على الأخبار، ذلك أن ابن النديم يشير فى بعض الأحيان إلى السير والأسمار الصحيحة (الفهرست، طبعة القاهرة، ص 424). ولما استعملت كلمة حكاية بمعنى عام، استردت كلمة سمر معناها المتقدم، أى تجاذب الحديث فى جمع ليلى. "الخرافة"، وأخيرًا يقال إن هذه الكلمة اسم واحد من العذريين طوحت به الشياطين، ولما عاد روى مغامراته فلم يصدقه أحد، وقد اكتسبت عبارة "حديث خرافة" معنى "الحديث الزائف كل الزيف"، ومعنى "الدجل"، وعلى أية حال، فإن النبى نفسه يؤكد على وجود شخصية من هذا القبيل وعلى صدق أخبارها (انظر الجاحظ، حياة الحيوان، جـ 1، ص 301؛ جـ 6، ص 210؛ الميدانى، مادة "حديث خرافة"). وإذا أسقطنا الكلمة الأولى من العبارة وشبناها بالجذر خ. ر ف ومعناه

"يهذى بكلام ليس له معنى" فإن الكلمة تصبح اسمًا شائعًا يطلق على القصة الخرافية. وهذه هى الكلمة التى يستعملها المسعودى (مروج الذهب، جـ 4، ص 89 وما بعدها) فى فقرة مشهورة عن أصل ألف ليلة وليلة، وذلك فى ترجمة كلمة أفسانه الفارسية، التى تدل على القصص بوجه عام. وكتاب الفهرست الذى يستفيد بكلمة خرافة استفادة عظيمة، يبدو أنه يقابل بينها وبين كلمة سمر، ومن الواضح أنه يضفى عليها سمة أمعن فى الخيال. ولقد ظل هذا المصطلح شائعا حتى اليوم بمعنى "الخزعبلة"، و"حكاية الجن" و"الأسطورة". ومن الطريف أن نلاحظ أن كلمة "حكاية" فى بعض اللهجات المراكشية تدل بوجه عام على القصة يتفاوت حظها من الصدق، ولكنها على أية حال ممكنة الحدوث؛ والخرافة تدل على قصة من قصص العجائب، وكلمة قصة تعنى وصفًا تاريخيًا (انظر Textes arabes: L.Brunot des Rabat جـ 2، ص 163 - 164)، ونلاحظ فى بلاد تونس (انظر Glossaire de Takrouna: W.Marcais؛ هذه المادة) أن كلمة خرافة تدل على "حديث لا أساس له" وخرايفى تعنى "المتفاخر" والنصاب والغشاش، فى حين أن كلمة خَرَّاف ما زالت تدل على راوى القصص فى بلاد أخرى (انظر Lexique: G.Boris du parler arab. des Marazig باريس سنة 1958)، والخرافة قصة، والحكاية رواية قصيرة أو نادرة. 2 - لعل من الاندفاع أن نزعم أن العرب القدماء قد شغلوا أنفسهم بالشعر والبلاغة وحدهما، ولم يلقوا بالًا إلى حكايات العجائب والأساطير التى هى التراث المألوف للإنسان البدائى، كما أن الدراسة الموجزة لتطور المعانى التى قدمناها فى هذه المادة لا تثبت أنهم اهتموا بحكايات العجائب والأساطير اهتماما كبيرا، والحق أن الجمع أساطير من المحتمل أن يكون قد أخذ من لغة أجنبية، وقد ثبت فى القرآن. أضف إلى ذلك، أن الأساطير الفارسية التى كانت تعرف فى الحيرة هى التى رَدَّ بها النضر بن الحارث على ما ورد بالقرآن من قصص، وعدها من "أساطير الأولين" (انظر، ابن

هشام، السيرة النبوية، طبعة القاهرة سنة 1375 هـ = 1955 م، جـ 1، ص 300) وكانت، هذه الأساطير؛ فيما يقال، هى السبب فى أن تشير إليه شخصيًا بعض آيات القرآن (وبخاصة سورة القلم، الآية 15) وواقع الأمر، أن هذه القصص التهذيبية الواردة فى القرآن الكريم، تدل فيما يظهر على أن العرب الأولين كانوا قد ألفوا القصص والأساطير، ولكن من المحتمل أن يكون تقديس الأخبار القرآنية التى أخذت على أنها حقائق تاريخية، وبخاصة فيما يتعلق بالأقوام البائدة مثل قوم عاد وثمود الخ .. قد أسفر عن سوء ظن بالأدب الروائى، أو على الأقل، بذلك الجزء منه، الذى يتيسر تحويله مباشرة إلى قصص إسلامى يوضح ما جاء بالقرآن الكريم، ويهذب المؤمن. ومن المؤكد بصفة عامة أنه حيثما يكون العصر الجاهلى هو المقصود، فإن عالم الأسطورة لا يفرق بينه وبين عالم التاريخ، كما أن مؤرخى القرون الأولى لم يترددوا فى أن ينقلوا الأفكار المتأصلة فى المأثورات الشعبية نقلا يكاد يخلو من النقد، ودخلت هذه الأفكار فى تاريخ العالم، وعلى أية حالة، فإن البحث فى المفردات القرآنية يكشف عن خط فاصل بين ما يعد فى أية حالة أمرا وثيقا ذا فضل فى تهذيب المسلمين مثل الحديث والقصص (أو القصة)، والخبر، والنبأ، والمثل ويبين ما يعد قصة خيالية، لا فائدة منها، بل خطيرة، وهى فى جميع الأحوال مما لا يليق بالمؤمن. ونعنى بها الأساطير ومرادفاتها: الأسمار، والخرافات، التى أصبح مفهومها من بعد يندرج تحت باب الحكايات. والظاهر أن جزءًا من المادة التى يتألف منها الأدب، قد ترجع كتابته إلى أوائل القرن الأول الهجرى (السابع الميلادى)؛ وأن أسماء مثل: عبيد أو عبيد بن شرية، ووهب بن منبه، وكتاب التيجان، تقفز إلى الخاطر لتوها. ومما له شأن أن هذه كانت أساطير جنوبى جزيرة العرب، ومن الممكن أن يكون الإسلام قد اصطنعها بالطريقة نفسها التى اصطنع بها قصص كعب الأحبار. وثمة معلومات دنيوية قد اكتسبت

المذاق الإسلامى لارتباطها بأناس مشهورين كانوا فوق الريب مثل عبد الله بن عباس، الذى تنسب إليه مثلا أسطورة العنقاء. وتغير الموقف منذ القرن الثانى الهجرى (الثامن الميلادى) بمعنى أن الباحثين قد دفعهم فرط الحماسة والتطلع إلى معرفة جمع أى شئ وقع فى أيديهم، فلم يعودوا يميزون بين الأفكار التى لها قيمة دينية أو علمية حقيقية وبين ماهو مجرد أدب دنيوى. ويبدو أنه قد تم فى هذا الوقت جمع القصص الغرامية التى أفرد لها كتاب الفهرست قائمة كاملة كذلك الحكايات المقصود بها شرح الأمثال والروايات التاريخية وقصص الحيوان والأساطير التى تتعلق بالعلل (انظر مادة "حيوان") والنوادر ومن المحتمل أيضًا أن يشمل ذلك قصص الخوارق، ذلك أن بعضها يرد فى المجموعات المتأخرة، ولا ريب فى أن أصلها عربى. ونجد فى الوقت نفسه أن قلب العالم الإسلامى كان يغمره فيض من الترجمة عن الفارسية، وزود ذلك العلماء بعناصر مستقاة من بلاد فارس والهند فى حين زودتهم الترجمة من اليونانية أيضًا بنصيب من المادة الأسطورية. ومن ثم ففى القرن الثالث الهجرى (التاسع الميلادى) كان متيسرًا للجمهور أدب قصصى غنى كل الغنى، وازداد هذا الأدب ثراء فى القرون التالية بفضل أنماط مختلفة من قصص المغامرات التى قد يكون من المبالغة أن ننعتها بالملاحم. وموسى سليمان فى دراسته للأدب القصصى التى استشهدنا بها فيما تقدم، وديوانه (يحكى عن العرب، الطبعة الثانية، بيروت سنة 1955 - 1956، فى مجلدين) الذى يصور هذا الأدب، ويشمل مجالًا أفسح من المجال الذى أوجزناه فى هذه المادة، قد أتى بتصنيف يستحق الذكر. وفى رأيه أن الأدب القصصى ينقسم إلى صنفين كبيرين: الأول، القصص المقتبسة التى تمثلها أساسا ألف ليلة وليلة، وكليلة ودمنة. والثانى القصص العربية الأصيلة التى يمكن تقسيمها فرعيًا إلى: القصص الإخبارية (أى قصص الموسيقيين والمغنيين؛ والقصص الغرامية، والروايات الخاصة بالفخر والهجاء الخ .. ): والقصص

البطولية: (قصة عنترة، وبكر وتغلب، والبرَّاق، الخ .. ): وقصص دينية (قصص الأنبياء، الخ .. ) وقصص لغوية: (المقامات)؛ وقصص فلسفية: (التوابع والزوابع لابن شهيد، ورسالة الغفران للمعرى، وحى بن يقظان لابن طفيل، والصادح والباغم لابن الهبَّاربّة). ويتضح من هذا التصنيف أن الكاتب موسى سليمان لم يضع فى حسبانه، لأمر ما، جميع الأدب الذى يتصل بهذا الموضوع، كما نجد أن بعض تفسيراته مشوبة بالخطأ (بالنسبة لابن شهيد بخاصة)، وأخيرًا، فإنه ينكر أن العرب كان عندهم أى قصص مبتكر عن الخوارق. ولذلك فإن من الأفضل أن نشير إلى المصدر الأساسى للمعلومات الخاصة بهذا الأدب فى القرون الأولى للإسلام. فكتاب الفهرست لابن النديم يتحدث عن الفن الأول من مقالته الثامنة تحت عنوان: أخبار المسامرين والمخرفين، وأسماء الكتب المصنفة فى الأسمار والخرافات (ويستخدم الناسخ فى هذا الصدد بالذات عبارة "حكاية خط المصنف" ليشير إلى أنه ينسخ كلمة كلمة)؛ ويضع أول الأمر قوائم خاصة بالأسمار والخرافات يتناول فيها على حدة مترجمات المتون الفارسية والهندية واليونانية الأصل؛ ويدخل فى هذا الفن روايات عن بابل، وعن الأشكانيين؛ ثم يتبع ذلك بالحكايات الغرامية، وقصص الخوارق التى يظهر فيها الجن الذين لهم علاقات غرامية بالإنس، وينتهى بأوصاف عن عجائب البحر. ويقرر ابن النديم أن أول من صنف مجموعات فى الخرافات هم فرس الحقبة الأولى أى الكيانيين، ويضيف أن هذه المادة استمرت فى النمو حتى أيام الساسانيين، وقد ترجمت هذه الحكايات بعد إلى العربية، وأضاف العرب إليها قصصا من عندهم. وهنا يتحدث ابن النديم عن هزار أفسانه التى كانت نواة ألف ليلة وليلة وعن محاولة الجهشيارى جمع ألف حكاية (سمر) - عربية فارسية ويونانية الخ - برجوعه إلى "المسامرين" والاستفادة بالمجموعات المكتوبة، ولكنه لم يبق إلا على تلك الحكايات التى تبدو له أكثرها أهمية. ولقد حاول م. ف. غازى M.F. Gazhi: La littérature d'inagination en arabe du

lleVlll au Vexle siecle؛ في Araabuc, جـ 4 - 2 سنة 1957، ص 164 - 178) الاستفادة من الصفحات التى أفردها كتاب الفهرست لهذا الموضوع، ولكن عمله لا يخلو من أخطاء، كما جاءت النتيجة التى انتهى إليها مخيبة للرجاء إلى حد ما، لأن قوائم العناوين التى ساقها ابن النديم لم تثبت ثبوت اليقين، ويمكن أن تكون عرضة لتفسيرات مخطئة. ومن الواضح أن الأغلبية العظمى من المجموعات التى ذكرها لم يقدر لها البقاء، إما لأنها قد استوعبت فى كتاب ألف ليلة وليلة، وإما لأنها قد ارتدت إلى الروايات الشفوية حيث أصبحت تدخل على تفاوت فى المأثورات الشعبية للبلاد المختلفة المتحدثة بالعربية. ونجدها فى هذا الصدد شيئًا غريبًا بعض الغرابة. ففى النصف الأول من القرن الرابع الهجرى (العاشر الميلادى) قال حمزة الإصفهانى (طبعة Gottwald, ص 41 - 42) بصريح اللفظ أن ما يقرب من سبعين كتابًا من كتب المسامرات كان القراء يقبلون عليها إقبالًا عظيمًا فى عصره، وبعد عدة عقود من السنين، ساق لنا ابن النديم قائمة أطول بهذه الكتب مؤكدا أن الأسمار والخرافات كانت شائعة كل الشيوع فى العصر العباسى بعامة، وفى خلافة المقتدر بخاصة، مما شجع النساخ الوراقين على إعادة نسخها، وربما قاموا هم أنفسهم بجمع حكايات جديدة. ويعزو آدم ميتز (Renaissane , ص 242 - 243, الترجمة الإنجليزية، ص 253؛ الترجمة الأسبانية، ص 311 - 312) لهذا الافتتان بالأدب القصصى، وبالقصص التى يعدها ناقد محنك واسع المعرفة مثل ابن النديم قصصا ضعيفة مفقودة الحيوية، إلى تدهور الذوق العربى الخالص، وإلى الشغف السائد بما هو أجنبى؛ وبازدياد هذا التدهور، يحق لنا أن نتوقع النجاح المتواصل لهذا الصنف من الأدب القصصى، وبعد فإن كتب الأدب دأبت على أن تشمل فيما تحتويه نوادر قصيرة، وظل الأدباء المغمورون يؤلفون عددًا كبيرًا من كتب السمر، إلا أن الاحتقار التام للحكايات الخرافية تجلى وظهر ونحن نعلم ما حدث لألف ليلة وليلة التى لم ير العلماء العرب الدارسون أنها جديرة بأدنى قدر من التقدير، وعدوها مجرد لهو تافه لا

يتمشى مع الأذواق التى يجب على المؤمن الصادق أن يسلم بها. ونستطيع أن نقول بعبارة أخرى إن هذه الرائعة من روائع الأدب العالمى التى كشفها المستشرقون للعرب أنفسهم ظلت غريبة عن الأدب العربى، ومع أنها كانت فى الوقت نفسه من أصل أجنبى، بيد أنها تحوى عناصر عراقية ومصرية أصيلة (انظر Themes et motifs des: N.Elisseff Mille, et une nuits بيروت سنة 1949, ص 47 وما بعدها). والاحتقار الذى شعرت به الطبقات المثقفة شعورًا قويًا حيال القصص، يفسر بأجلى بيان كيف أن المأثورات الشعبية العربية قد تطورت على نحو مختلف كل الاختلاف عن تطورها فى الأجزاء الأخرى من العالم، ويفسر أيضًا السبب فى أن انتقالها مكتوبة فى العصر الذهبى للثقافة العربية، قد تلته ردة إلى الروايات الشفوية دون سواها على الرغم من أن كتيبات القصص الشعبية كانت قد غمرت الأسواق، واستمر انتشارها على المستويات الشعبية. ومما يلفت النظر أيضًا، أن الخرافات والأساطير لم تلهم الكتاب العرب قط، فى الوقت الذى نجد فيه الفردوسى الذى لم يكن على اتصال مباشر بالروايات الأصيلة أكثر منهم، قد نجح فى استخدام مواد معروفة أيضًا حق المعرفة لدى العرب، وأنشأ ملحمة الشاهنامة العظيمة القدر. ومن ناحية أخرى، فإنه لا مناص لنا من أن نشير هنا إلى أثر القصص العربية فى الغرب، وحسبنا أن نتذكر أن عددًا من المستشرقين قلدوا كالان Galland وجمعوا بدورهم قصصا مستمدة بوجه عام من الآثار الأدبية أو من مؤلفات شعبية يتردد فيها صدى هذه القصص ومنهم على سبيل المثال: بتى ده لاكروا Pétis de Ia Croix ومجموعته المسماة Mille et un Jours , باريس سنة 1830، وكودفرى دمومبين - Gaudefroy Demombynes ومجموعته المسماه Les cent et une nuits, باريس سنة 1911, ونخص بالذكر إمام هؤلاء جميعا رينيه باسيه R.Basset الكاتب الفولكلورى النابه الذى عقد فى مؤلفه الموسوم Mille et un contes récit et Légendes arabes، باريس سنة 1924, ص 6, مقارنات عملية مفيدة من هذا القبيل.

3 - ومراعاة للإنصاف، فإن الأمر يقتضينا القول بأن بعض الكتاب العرب المحدثين يحاولون فى تردد إحياء الموضوعات القديمة ليجعلوا منها آثارًا أدبية بحق، ولكنه من المؤكد كل التأكيد أن المأثورات الشعبية بصفة عامة لا تكاد تلهم الكتاب المحدثين الذين يهتمون اهتمامًا كبيرًا بتقليد الغرب، مهملين بذلك هذه المادة الموروثة. ولربما لا يكون الاختيار فى الحقيقة يسيرا، لأن عالم اليوم أكثر انجذابا إلى الحكاية بمفهوم أبى المطهر الأزدى من انجذابه إلى خرافات الأقدمين، بل إن المرء قد يخرج بانطباع هو أن وقتهم يزداد انشغالا يوما عن يوم حتى ليضيق عن الاستماع إلى القصص التى أبهجت نفوس أسلافهم، وهم يحسون بهذا على أقل تقدير حين لا يرون أن اهتمامهم بهذه القصص يهبط بكرامتهم. ومن ملاحظة الظروف الحالية أو الحديثة فى شمالى إفريقية، وفى بلاد أخرى، نخرج بفكرة عما يحتمل أن يكون قد حدث من قبل فى البلاد العربية، وقد بسط بلاشير R.Blachére: (فى Semitica، جـ 6, سنة 1956، ص 83 - 84) النظرية القائلة بأن المصطلح القرآنى "أساطير" قد طبق على ما كان الرجال يروونه من القصص، على حين تشير الخرافات إلى ما كان يحفظه النساء من قصص. وهذا أمر محتمل كل الاحتمال، ولكن هذين المجالين ليسا متميزين تميزًا واضحًا فى جميع الأماكن إذا أخذنا بملاحظات باسيه (Essai sur la littérature: H.Basset des Berbéres , الجزائر سنة 1920, وفى مراجع أخرى) التى أوحت لبلاشير - Bla chére بفرض هام قد يؤدى بنا إلى تصديقه. وعلى الرغم من أن الكبار من الذكور يصطنعون بعامة الاحتكار لحكايات عجائز الزوجات، إلا أنهم مستعدون فى كثير من الأحيان إلى أن يستخرجوا من أعماق ذاكراتهم قصصًا سمعوها فى صباهم وتعمدوا نسيانها. وثمة أناس لا يرفضون الاستسلام لإصرار الباحثين ويروون، حتى فى أثناء النهار، بعض الحكايات الخرافية أو الحكايات التى تتسم بتهاويل الخيال؛ ومن ثم استطاع كاتب هذه المادة أن يجمع فى شمالى إفريقية وفى الشرق

الأوسط نماذج لذلك من رواة ربطت بينه وبينهم أواصر الصداقة، وكان هؤلاء تخونهم ذاكراتهم فى بعض الأحيان. ولكن هذا البحث لا يستعيد الظروف المألوفة، ومن ثم يمكن القول بأننا نميز وجود مجالين تقليدين: حكايات الخوارق، والأسمار القديمة التى تطابق الحكايات الألمانية المعروفة باسم: Hausmarchen والتى تحكيها النساء، وخصوصًا العجائز منهن، على حين أن قصص البطولة والأساطير التاريخية، كانت هى ميدان الرجال. وكانت النساء الشهيرات برواية القصص يستأجرون قبل الميعاد المحدد بفترة طويلة، ويلف حولهن بعد العشاء، فى القرية أو فى منزل بالحضر، جمهور المستمعين من النساء والأطفال بخاصة؛ وكان الشتاء هو الوقت المفضل لمثل هذه المحافل، ولكن فى بعض المناطق الحارة كانت المحافل التى من هذا النوع لا يناسبها سوى ليالى الصيف الطويلة الرطيبة. وكان التقليد الجارى يمنع رواية القصص فى أثناء النهار، ولعل ذلك يرجع إلى أن كل فرد كان لديه عمل يؤديه، على أن السبب الأول لذلك هو أن رواية قصة من القصص كانت تشوبها شية من السحر، وفى الاعتقاد الشعبى أن أى خرق لهذا المنع يكون جزاؤه عقابًا شديدًا تختلف طبيعته من مكان إلى آخر؛ ففى بلد من البلاد نجد أن المرأة التى تروى القصص فى أثناء النهار سوف تلد قزما أو مسخا؛ وفى بلد آخر يكون من المحتمل أن تقتل ذريتها الوحوش المفترسة، أو تكون مهددة بإصابة أطفالها بمرض القوباء الحلقية، إلا إذا واتت الصدفة كما كان القوم يعتقدون فى فاس، واستطاع المرء أن بعد إحدى عشرة عارضة فى سقف الحجرة. ولقد قامت عدة طرق للإفلات من العقاب، ولكن كان المنع فى معظم الحالات محل الاحترام، لأن الرواية كانت تشعر أنها تقدم على عمل خطير. والحق أن كل قصة كان يجب أن تبدأ بصيغة مقدسة قصد بها خلق المناخ السليم، وجذب انتباه المستمعين، ولكن يبدو أن هذه الصيغة كانت فى جوهرها لطلب الرحمة. وما زالت عبارة "كان ما كان" التى يستعملها رواة القصص

ذكورا وإناثا فى الشرق، باقية مع خلوها من معنى واضح؛ ولكننا نجد فى مكان آخر صيغًا أكثر وضوحا؛ سواء كانت محتفظة بسماتها الوثنية أو اتخذت قالبا إسلاميا؛ وفيما يلى صيغة أوردها م. الفاسى ودرمنجم (- M.EL Fasi et E. Dermenghem فى Contes Fasis, ص 16) هى: "كان حتى كان، حتى كان الله فى مكان، ما تخلو منه لا أرض ولا مكان، حتى كان الحبق والسوسان فى حجر النبى عليه الصلاة والسلام حتى كان ... " وبالطريقة نفسها تقال عند انتهاء القصة صيغة تطرد الأرواح الشريرة إذا احتاج الأمر مثل الصيغة المتبعة فى بلاد القبائل، فتجعل الأرواح تنفذ فى جسد الحيوان. وتميل كل هذه الصيغ إلى الاختصار دون ان تفقد شيئا أبدا من سمتها الوقائية؛ وفى بلاد البربر، يقول الراوى على الأقل: "انتهت حكايتنا، ولكن الحنطة والشعير لم ينتهيا". بل بقى ذلك فى صيغ مختصرة مثل: "توته توته خلصت الحدوته" تسمع فى سورية، ولها مذاق السحر. أما بالنسبة للرجال، فقد لاحظ تورنو R.Le Taurneau (فاس، ص 555 - 556) أن رواة القصص، ويسمون فى فاس فداوى، والجمع فداوية أو فداوة، يرتلون على نقرات الدفّ المربع فعال العرب فى سالف الأيام، وأن أغلبية المستمعين (حوالى خمسين شخصا فى الشتاء، وما يقرب من مائتين فى الصيف) كانوا من قبل على معرفة بالقصص، ويؤنبون الراوى أو يستحثونه إذا أتفق وخانته الذاكرة، على أنهم كانوا يستمتعون كل الاستمتاع حين يستمعون للمرة المائة قصص الرحلات والمبارزات بين الأفراد وفعال الخيانة والإقدام، ولا يستنكفون من أن ترتاح مشاعرهم أو تهتز بالتكرار الذى لا ينتهى لصيغ جامدة لا تتغير. ويقول الكاتب نفسه "إن إسكافيًا اشتهر بموهبته فى رواية القصة كان يختار مكانا بين صلاتى العصر والمغرب، ويتلو يومًا بعد يوم قصة طويلة، استطاع أن يجعلها جياشة بالحياة ومثيرة للمشاعر أحيانا. وعلى

أية حال، فإن برنامجه كان يحتوى على ثلاث قصص فحسب وهى: قصة عنترة واستمرت عاما؛ وقصة الإسماعلية (أى: الفاطمين) واستمرت ستة أشهر؛ وسيرة سيف ذى اليزل (كذا = يزن) واستمرت أربعة أشهر. وفى نهاية الجلسة كان يقوم واحد من المستمعين يجمع مبلغ من المال يسلمه للراوى". وليس من الممكن فى نطاق هذه المادة الموجزة أن ندرس الحكايات الشعبية المجموعة إجمالا فى كتاب ألف ليلة وليلة من ناحية، وقصص الفروسية العظيمة من ناحية أخرى. ومن المطلوب أن تخضع القصص التى تم جمعها حتى الآن، والقصص التى سوف تجمع بعد، لبحث بعيد المدى يماثل على الأقل البحث الذى أفرده باسيه H.Basset فى نطاق بلاد البربر، ولا شك أن هذه الدراسة سوف تخرج إلى النور مصادر جديدة، وربما أدت إلى حلول لكثير من المشكلات التى لا نجد لها إجابة شافية. ويجدر بنا أن نذكر بالبحث الحديث الذى قامت به منذ وقت قريب ميا كرهارت (The art of sto-: Mia I.Cerhardt 1000 ry- telling, a literary study of the and one nights، ليدن سنة 1963). المصادر: وردت المصادر الأساسية فى صلب المادة، وانظر أيضا (1) Les Penseurs de: Carra de vaux l'lslam , جـ 1، باريس سنة 1921. (2) Bibliographie des: V.Chauvin relatifs aux Arabes ouvrages arabes ou, جـ 4، ليبج سنة 1892 (3) Pearson: 23806 - 914, الملحق, 6339 - 52 (4) A survuey of: A. Abdel. Maguid -story literature in Arabic From before Is -lam to the middle of the nineteenth cen tury فى Isl.Quarteriy , العدد الأول (سنة 1945) , ص 104 - 113 (5) المؤلف نفسه: A survey of the terms used in Arabic for narrative and story المصدر نفسه، ص 195 - 204

(6) Le conte dans L'ori-: E. Montet ent musulman, باريس سنة 1930 (7) Regards sur la Lit-: R. Blachere térature narrative, en arabe au Ie Siécle (de L'hegire (VIle S.J.C فى Semitica, جـ 4 (سنة 1956) , ص 75 ويشمل بعض الأفكار الأساسية التى انتفع بها فى هذه المادة - والمصادر التى ذكرها R. Basset فى Mille et un contes وهي تشمل قائمة طويلة بالمؤلفات العربية التى تحوى كثيرًا من القصص - أما عن مجال اللهجات العربية، فانظر مادة "عربية" فى هذه الدائرة، وأضف إلى ذلك على وجه الخصوص Artin Pasha: Contes Populaires inédits de la vallée du Nile, باريس سنة 1895 (8) Modern Arabic: E. Littmann Tales, جـ 1، المتن العربى، ليدن سنة 1905. (9) Les Contes d'Al-: S. Bencheneb ger, وهران سنة 1946 (10) Essai de Folk-: Dresse Legey lore Marocain, سنة 1926 (11) Contes el: G.Marchand Legendes A Maroc, الرباط سنة 1923 (12) M. EL-Fasi et E. Dermenghem: Contes Fasis, باريس سنة 1926, وانظر أيضا. (13) المؤلفان نفسيهما: Nouveaux Contes fasis، باريس سنة 1928؛ وانظر أيضًا. (14) L'arabe dialectical: H. Péres -algérien et saharien, Bibliographie anal ytique, الجزائر سنة 1928، الفهرس، مادة Contes (15) المصادر التى ذكرها W.Fischer: Die demonstrati Bildungen neuarabischen Dialekte، لاهاى سنة 1959، وتكاد تكون شاملة، ولذلك فإنها تضم جميع القصص فى اللهجات العربية، التى تم نشرها. (16) أما بالنسبة لمجال البربر، فانظر مادة (بربر). حسن شكرى [بيلا CH. Pellat] 2 - الأدب الفارسى: ويشير مصطلح حكاية هنا من حيث الأدب الفارسى الكلاسيكى إلى القصة

النثرية القصيرة التى لا يمكن القول بأنها تقوم على أسلوب أدبى بحق فى التراث الفارسى، ذلك أن الحكايات تدخل فى كثير من الأنماط الأخرى فى الإنشاء الأدبى (التاريخ، الكتابات الصوفية، الهجاء الخ .. ) بالإضافة إلى مجموعات الحكايات بمعناها الصحيح. ومن ثم، فإن للحكاية أنماطًا مختلفة بحسب الآثار الأدبية المختلفة التى تستخدم فيها: ومن هنا تكون لدينا الخرافة الخيالية، والحكاية الأخلاقية الرمزية، والنادرة شبه الواقعية، والمقطوعات الصوفية الخ .. ، وقد يكون لكل من هذه المجموعات الفرعية أصل وتاريخ مختلف. ومن أنماط الحكاية التى لها أهمية خاصة الخرافة التى من أصل هندى. وليس ثمة شك إطلاقًا فى أن هذه هى أصل مجموعة كليلة ودمنة الذى يبدأ بالترجمة العربية التى قام بها ابن المقفع؛ توفى حوالى سنة 142 هـ = 759 م) من النسخة البهلوية التى ترجع إلى أصل هندى، وظهرت فى كثير من الترجمات الفارسية الجديدة نظمًا ونثرًا. وفى وقت متقدم بالفعل حلت محل جميع هذه الترجمات الترجمة التى قام بها أبو المعالى نصر الله بن عبد الحميد (538 = 1143 - 1144 م)، فى أسلوب أقرب إلى التنميق، وازداد حظ هذا التنميق فى النسخة المتأخرة التى صنفها حسين واعظ كاشفى (توفى 910 هـ = 1504 - 1505 م) بعنوان "أنوارى سهيلى" (أنوار سهيل). على أننا نجد تقليدًا آخر لكليلة ودمنة هو الكتاب المسمى "مرزبان نامه" للأمير مرزبان بن رسم بن شهريار الذى كتب أصلا فى القرن الخامس الهجرى (الحادى عشر الميلادى) بلهجة طبر ستان، وأعيدت كتابته باللغة الفارسية الجديدة فى أسلوب منمق فى كتاب مرزبان نامه لسعد الدين الورامينى (622 هـ = 1225 م) وفى كتاب "روضة العقول" لمحمد بن غازى الملطى (نهاية القرن السابع الهجرى = الثالث عشر الميلادى): وثمة مجموعات أخرى من الخرافات الشعبية لها أصول هندية ضاربة فى

القدم، خضعت لتطورات مماثلة لما خضعت له كليلة ودمنة وكان من أبرزها "سندباد نامه" (كتاب السندباد الذى يجب ألا نخلط بينه وبين قصة السندباد الملاح الواردة فى ألف ليلة وليلة، وهذه القصة هى الإطار لقصة الأربعين وزيرًا أو الوزراء السبعة)؛ و "بختيار نامه" وهو كتاب يشبه السابق أى (كتاب الوزراء العشرة)؛ و"طوطى نامه" أى (كتاب البَبَّغاء) وكلها مؤلفات تلتمس الموعظة، بينما تعد "قصص جهار درويش" أى قصص الدراويش الأربعة) قصصًا خيالية بحت. ولقد أعاد كتاب مختلفون كتابة جميع هذه المتون مرات عدة نثرًا ونظمًا. وأصبح الأسلوب المنمق الذى يختلف فى هذه القصص باختلاف مضامينها، رياضة جمالية خالصة فى صنف من صنوف الأدب يمكن أن يدخل فى تصنيف الحكاية، وهو "المقامة"؛ وأول المقامات فى اللغة الفارسية هى مقامات حميد الدين (توفى 559 هـ = 1164 م) التى ليست سوى ترجمة من العربية لمقامات بديع الزمان الهمذانى، وكان هو نفسه على أية حال فارسى المولد. ولقد تمت مهمة جمع أكثر ما يمكن جمعه من الحكايات وتصنيفها تحت عناوين مختلفة بالمجموعة الضخمة التى جمعها محمد عوفى بعنوان "جوامع الحكايات ولوامع الروايات"، وضمت هذه المجموعة ما يزيد على 2000 قصة ونادرة (النصف الأول من القرن السابع الهجرى = الثالث عشر الميلادى)؛ واستلهمت مؤلفات عربية مثل "الفرج بعد الشدة" للتنوخى (توفى 384 هـ = 994 م) وأعاد كتابتها بالفارسية عوفى نفسه وآخرون. وقد قام بجمع النوادر الفكاهية أيضًا عبيد زاكانى (القرن الثامن الهجرى = الرابع عشر الميلادى) الذى يعد كتابه المسمى "رسالة دلكشا" مجرد مجموعة من الحكايات تتسم بالفحش فى كثير من الأحيان، وقد كتبت بالعربية والفارسية على حد سواء. ومن أساتذة الحكاية الذين لا نظير لهم سعدى فى كتابه كلستان (656

هـ = 1258 م) الذى يعد أساسًا مجموعة من الحكايات الأخلاقية الخفيفة المصوغة فى قالب نثرى تتخلله مقطوعات من الشعر، وهو مقسم وفقًا للموضوع، وقد قلد كتاب كلستان أكثر من مرة وأفضل تقليد له هو كتاب "بهارستان" للشاعر جامى (توفى 898 هـ = 1492 م) وكتاب بريشان للقا آنى (توفى 1270 هـ = 1854 م). وهذه الإلمامة الموجزة تستثنى "الرواية" التى لا يمكن أن تعد حكاية، وإن كان فيها بعض خصائصها. فالرواية بمعناها الحديث لا تكاد توجد فى الأدب الكلاسيكى، وتحتل مكانها القصص الخرافية الطويلة (داستان؛ ولم يفكر فيها مؤرخو الأدب الكلاسيكى بصفة عامة تفكيرًا يستحق الذكر)، وأقدم مثال لها الكتاب المسمى "سَمك عيار" (585 هـ = 1189 م) الذى كتبه صدقة ابن أبى القاسم شيرازى، وهو زاخر بمغامرات الفرسان الخيالية الذين هفت نفوسهم إلى طلب يد الأميرة إبنة إمبراطور الصين. ولقد أعقب هذه القصة الخيالية البطولية كثير من القصص الأخرى التى يقف بعضها فى منتصف الطريق بين الأدب الرفيع والأدب الشعبى، وهى تروى أحداث المغامرات الخارقة لأبطال كثيرين (مثال ذلك، قصة الأمير حمزة؛ عم النبى صلى الله عليه وسلم) التى راجت فى الهند بوجه خاص. ومن الممكن أن يعد من مجموعات الحكايات أيضًا كتاب "تذكرة الأولياء" أو السير الأسطورية لأولياء الله، ومن أشهرها فى بلاد فارس كتاب فريد الدين العطار (القرن السادس الهجرى = الثانى عشر الميلادى). والعنصر المشترك فى كل هذه المادة المتباينة هو الأسلوب فى المقام الأول: فالأسلوب الروائى للحكاية القصيرة يظهر بصفة عامة فى شكلين أساسيين هما: الأسلوب الخالى من الزخرف، والأسلوب المنمق. وفى الحالة الأولى تمضى رواية الحكاية بطريقة تنصب على الأسلوب وقواعد النحو، ونادرًا ما تستخدم فيها الجمل التابعة، وقد لا تستخدم هذه الجمل إطلاقًا، ويجرى ذلك فى سلسلة من الجمل الخبرية

القصيرة تتتابع بلا رابط. وقد بذلت محاولات لجعل مثل هذا السرد المفكك أكثر ترابطًا، واصطنعت هذه المحاولات التوسع فى التنميق والزخرف، على أنه إذا حذفت المحسنات اللفظية لوجدنا الأسلوب الأصلى مستقيمًا لا عوج فيه. ولا يكون التطوير بالضرورة هو ترك الأسلوب الخالى من الزخرف إلى الأسلوب المنمق، ولربما وجد الأسلوبان معًا فى مؤلفات الفترة نفسها، ويكون ذلك أحيانًا عند كاتب واحد. ومن ثم، ففى مشارف العصر الحديث، وجد الفن القصصى الفارسى نفسه وضع غير موات إلى حد ما حين واجه الأثر الأوربى القوى للروايات والقصص القصيرة التى كانت تستند فى الغرب إلى تاريخ طويل: ومن أكثر المهام صعوبة ومتعة للكتاب الفرس المحدثين مسألة إبداع واقعية مركبة تفوق الواقعية المتقدمة فى الزمن التى حاولها الكاتب فى الحكايات، وأسلوب فى الرواية ينبذ استعمال المحسنات اللفظية المعقدة، ويحقق البساطة التى تسمو على أن تكون مجرد رواية القصة فى أسلوب مستقيم خال من الزخرف اللفظى؛ ولقد حقق هؤلاء الكتاب المحدثون أحيانًا بعض النتائج المشهودة فى هذا الاتجاه (مثال ذلك، جمال زاده، وصادق هدايت، وصادق جوبك، الخ ... ). المصادر: (1) Iranisch Literaturgeschicte: J.Rypka؛ ليبسك سنة 1959 (ويضم مراجع عن الطبعات الأساسية للمتون المستشهد بها علاوة على مصادر أخرى). حسن شكرى [أ. باو سانى A. Bausani] 3 - الأساليب الروائية للأدب التركى والأدب الشعبى. وكلمة حكاية التى تحققت أيضًا بصيغة حكايات (فى العربية: حكاية) فى النصوص العثمانية، حين تستعمل مع الفعل المساعد (إت et) بمعنى "يحكى" أو "يقص". وهى تدل على القصة إذا إقترنت بأفعال بسيطة أو مركبة مثل "ده", و"سويله" أى: "يقول", و"نقلت" أى "يحكى". ولم

يكن لكلمة حكاية من حيث هى مصطلح يدل على الجنس فى اللغة التركية التى يتحدث بها فى تركيا أى معنى خاص، ولكنها كانت تدل على كل صنف من القصة، كما تدل على صنوف القصة جميعا؛ فثمة: المسل (بالعربية: المثل)؛ ومنقبه أو أفسانه بمعنى الأسطورة؛ ولطيفة أو فكره أى النادرة، والقصة، والرواية، والقصة البطولية. ولم تكتسب كلمة حكاية مرتبة المصطلح الفنى الدقيق إلا فى المصطلحات العلمية الحديثة، وأصبحت تدل بوضوح على ثلاثة صنوف محددة: فهى فى الرواية الشفوية قصة طويلة بالنثر يتبادل النثر فيها بمقطوعات شعرية (حكاية العاشق، انظر ما يأتى) أو قصة تمثلية بالنثر يؤديها رواة محترفون ("حكاية المداحين"؛ وفى الأدب الحديث المكتوب، وهى الرواية أى القصة الطويلة (انظر ما يأتى). وفى اللغة التركية التى يتحدث بها فى تركيا تستعمل كلمة إفسانه (بالفارسية: أفسانه) مصطلحًا يدل على الأسطورة؛ ولكنها فى اللغة الجارية سواء فى الماضى أو المضارع، يمكن أن يكون لها إذا إقترنت بـ "مسل" (بالعربية مثل) وبـ "هرافه" (بالعربية: خرافة) معنى التحقير أى: "القصة الممعنة فى تهاويل الخيال الملفقة، أو الخرافية". ويجب أن نذكر أيضًا الاستعمالات المهجورة فى أيامنا هذه لبعض المصطلحات الأخرى: وأولها الكلمات التى يدخل فى تركيبها المقطع "نامه" (بالفارسية: نامه) الذى يضاف لاسم البطل أو للكلمة الدالة على الموضوع الأساسى، للإشارة إلى الكتب القصصية الكبيرة التى جرت الحال بأن تكتب بالشعر كما تكتب بالنثر أحيانًا مثل: اسكندر - نامه (قصة الإسكندر) وحمزة - نامه (مغامرة حمزة)، وغزوات - نامه (قصص الغزوات)، وفتح - نامه (قصص الفتح)، وولايت - نامه (سير الأولياء) وأوغوز - نامه (قصص عن الأوغوز)، إلخ ... وللمصطلح الأخير فى كتاب دده قورقود فى النسخة التى بقيت لنا منه، والذى يرجح أنه صنف فى القرن

التاسع الهجرى (الخامس عشر الميلادى؛ انظر, P.N. Boratav: دده قورقود حكاية لرنده كى تاريخى أولايلر وكتابك تأليف تاريخى فى: تركيت مجموعه سى، جـ 8، سنة 1958، ص 31 - 62) "معنى الحدث الملحمى الذى ألف وأنشد فى تكريم البطل الأكبر للمغامرات التى تروى". ويوجد فى الكتاب نفسه أيضًا مصطلحان هما: "بوى" و"سوى" ويستعملان معًا مع الأفعال المشتقة منهما: بوى بويله - وسوى سويله؛ وللفعل الأول معنى "يحكى بالأسلوب الملحمى، وقصة تصف الفعال المشهودة لبطل من الأبطال"؛ والفعل معناه "يخطب (يغنى أو ينشد) المقطوعات الشعرية من الملحمة القصصية". ويستعمل مصطلح بوى، بالإضافة إلى ذلك، فى عناوين الأحداث الإثنى عشر التى استعملت فى مخطوط من المخطوطين (مخطوط درسدن Dresden, وهو أقرب ما يكون إلى الأصل المفقود لكتاب دده قورقورد، ويحمل اسم البطل، ويعنى ببساطة "الحدث": بمسى بايرق بوى، أى: حدث بمسى بايرق؛ باشات دبه كوزى أو لدوردوغى بوى" أى الحدث (الذى يحكى كيف) قتل باشات دبه كوز، الخ ... وبوى وسوى مترادفان يدلان على التحقيق على "القبيلة", و"العشيرة", و"العائلة" والراجح أنهما استعملا أصلا ليدلا على القصص والأغانى التى تروى الفعال المشهودة لعشيرة من العشائر (انظر المصطلح توى بمعنى "احتفال"، و"مأدبة"، و"حفلات الزفاف" واستعملا أيضًا للدلالة على "أغنية الزفاف"، وانظر ب. ن. بورتراو: خلق حكاية لرى وخلق حكاية جيليغى، أنقره سنة 1946, ص 52, 117, 120, 294 - 297 وفى معنى "حدث" حلت محل كلمة بوى فى القصص الملحمى للأناضول الشرقية كلمة قول ("ذراع"، وأيضًا "فرع", "فصل". وهى تدل على حدث من الأحداث فى المجموعة القصصية الكبيرة التى تحكى مغامرات اللص النبيل قور أوغلى: دمير جيوغلى قولى، آيواظ قولى الخ ... وفى المخطوط الثانى الذى اصطبغ بالصبغة العثمانية أكثر من غيره (أى مخطوط الفاتيكان) المسمى "كتاب دده قورقود، نجد

المصطلح بوى قد حل محله فى العناوين كلمة حكايات: بمسى بايرق الخ .. ، بل أن عنوان الكتاب (كتاب دده قورقود فى مخطوط Dresden) قد ورد فى مخطوط الفاتيكان على النحو الآتى: حكاية أوغوز نامه قازان بك وغيره". وقد استعملت مصطلحات قصة (والجمع قصص) ومناقب (والمفرد منقبه) بالمعنى نفسه فى الكلمات التي تدخل في تركيبها "نامه" ولكنها تستعمل فى أكثر الأحيان فى الكتب التى تتناول الموضوعات الدينية الملحمية؛ ويشتق من الكلمة الأولى كلمة قصص خوان المرادفة للكلمة العربية قصّاص، وترادف فى الاستعمال كلمة قاص (أو "القارئ") للقصص التى تدور حول أنبياء ما قبل الإسلام، أو حول أبطال الإسلام أو الشخصيات الصوفية العظيمة أى: قصص أنبياء ومناقب غزوات سيد بطَّال؛ ومناقب حاجى بكتاش الخ ... ، والسير (والمفرد - سيرت؛ وبالعربية سيرة، والجمع سير) هى المصطلح الذى خصت به قصص حياة النبى محمد - صلى الله عليه وسلم - ولا يفوتنا أن نذكر من الأمثلة على المصطلحات المستعملة لصنف بعينه من الأدب القصصى مصطلحًا آخر أيضًا هو مصطلح "مقتل" الذى يدل فى دوائر الشيعة على قصة مقتل الحسين رضى الله عنه فى كربلاء. ومنذ بداية القرن العاشر الهجرى (السادس عشر الميلادى) تقريبًا، انتشر فى أرجاء الإمبراطورية العثمانية كافة تراث الشعر الشعبى، أى شعر العشاق. وكان هؤلاء الشعراء المغنون الذين جروا مجرى شعراء التروبادو الغربيين فى العصور الوسطى هم خلفاء المنشدين المعروفين باسم "أوزان" (المدَّاحون) لتراث الأوغوز الشعبى. وقد ألفوا الشعر الملحمى، ولكنهم مضوا فى السير على نهج التراث الملحمى أيضا. واستحالت الملحمة البطولية على يدهم صنفًا جديدًا أسموه حكاية. واحتفظت الحكاية هذه بعناصر بعينها من التراث القديم من حيث الشكل والموضوع، ولكنها أثريت إما بالاقتباس من الآداب الأجنبية أو بإبداعات انتزعت من الأحوال الإجتماعية الجديدة. وقد بقى

هذا التقليد القصصى حتى اليوم؛ وما زال يمثله رواة القصة المنشدون فى أقاليم قارص، وأرتوين، وأرضروم فى شرقى تركيا. أما الحكايات ذات الموضوعات البطولية مثل حكايات مجموعة قور أوغلى، وحكايات كرم، وحكايات غريب الخ ... التى تروى قصص الغرام فقد اتسمت بأنماط الأسلوب والشكل المأثورة: وفيها السرد القصصى والحوار الثنائى المألوف بالنثر؛ والأحاديث الفردية والجوار الثنائى العاطفى بالشعر يتخلل السرد القصصى، ويتغنى به بمصاحبة آلة تسمى "الساز" (آلة تشبه المزهر) راوى قصة العاشق نفسه. وثمة عدد من هذه القصص ألبست ثوب القصص الخيالية تروى سير العاشقين الحقيقيين، ولكن حتى فى هذه الحالة، نجد أنه قد أدخل عليها عنصر بعينه يتصل بالناحيتين الخرافية والأسطورية. ومع ذلك، فإنه بمقارنة هذه القصص بقصص العجائب، وبقصص مغامرات الفروسية (مثل قصة بطَّال) وبسير أولياء الله الصالحين، نجد أن الحكاية تفصح عن ميل واضح للواقعية. وفى سير "العاشقين" نجد أن الأشعار التى تقحم عليها تكون من نظم صاحب السيرة نفسه، وتستعاد على نحو تتفاوت فيه الأمانة. أما الحكايات التى لا تنتمى إلى هذه الفئة من السير الخيالية العاطفية، فهى بقسميها من النثر والشعر من آثار "كُتَّاب العشق" الذين يستهلونها بموضوعات مستمدة من مصادر شفوية أو مكتوبة، بل يستقونها فى بعض الأحيان من حدث ما يقع فى محيطهم المباشر، ويطورونها على مقتضى القواعد ومأثور التقاليد، ويدخلون فيها أشعارًا من نظمهم فى مواضع من السرد القصصى تبدو مناسبة كل المناسبة. أما الأعمال المختلفة والمراحل المتعاقبة لهذا الإنتاج فيرتجل بعضها فى أثناء الإنشاد، وقد لوحظ ذلك بين "كُتَّاب العاشقين" (= مُصَنِّف) فى الوقت الحاضر (انظر ب. ن. بوراتاو: المصدر السابق، ص 130 - 186، وبخاصة ص 158 - 163). وثمة عدد من الحكايات فى سجل الأناضول مألوفة عند الشعوب الأخرى

التى تتكلم بالتركية؛ وحسبنا أن نذكر أمثلة قليلة: فقد ذاعت قصة حياة بايرق الواردة فى كتاب دده قورقود فيما وراء إقليم الأوغوز بين القره قلبق، والأزابكه والقزخ، والآلتاى؛ كما توجد أحداث مختلفة مستقاة من مجموعة قور أوغلى فى نسخ بالآذريبجانى وبالتركمانية، وبالأوزبكية، وبالتترية التوبولية (بل فى نسخ بغير التركية: كالأرمنية والكرجية والكردية والتاجيكية). أما السير الرومانتيكية للعاشقين مثل سيرة كرم وغريب، فهى معروفة فى آذريبجان وتركمانستان، وكذلك قصة حب طاهر وزهرة معروفة أيضًا فى هذين الإقليمين، وفى أوزبكستان (انظر P.N.Boratav: -L'ép opée et la "hikâye" Philologiae Turcicae Fundamenta, جـ 2، فيسبادن سنة 1964, ص 11 - 44). وقد تختلف الحكايات فى الطول. فالحكايات الخاصة بالكور أوغلى مجموعة عريضة تروى كل مرحلة منها (قول) على حدة، وهى بصفة عامة تبلغ من الطول مبلغ الحكاية الكاملة. وحين ينشد راو بارع حكاية طويلة، فإنه يشنف بها آذان مستمعيه عدة ليال ثلاث ساعات أو أربع فى كل ليلة. وإذا ما لقى الراوى إقبالا من المستمعين المحنكين، فإنه يجد ذريعة لبسط تلاوته بقدر ما يستطع، ويزيد فيها على نحو مصطنع زيادات غير قصصية: كاللوازم الموسيقية (تعزف على الآلات أو تؤدى بالأصوات) تضاف إلى بداية القصة ووسطها عند وقفات المنشد، كما يتم إقحام النوادر والحكايات القصيرة (= قّره ولىّ) عشوائيا الخ ... وقد تطول الجلسات أيضًا حين يقوم بعض المستمعين الموهوبين بإنشاد قصص خارجة عن الموضوع. والحكايات الأقصر (تستمر ساعة أو ساعتين) وتعرف باسم سركوشته (سر كورشت) أو قصيدة. وثمة بعض الروايات المنقحة المكتوبة لحكايات العاشقين، وتوجد منها مخطوطات ترجع إلى القرن التاسع عشر (انظر P.N.Boratav, المرجع نفسه، ص 206 - 210)؛ وفى القرن التاسع عشر أيضًا صدرت بعض الطبعات

الحجرية، وأغلب الظن أنها استندت إلى مخطوطات؛ وعلى أية حال، فإن الطبعات القائمة على الروايات الشفوية تعد أمرًا محتملا، بدون تداخل النسخ المتداولة للمخطوط. وثمة طبعات معروفة حديثة جدًا (بالحروف اللاتينية، ومن ثم بدأت طباعتها منذ عام 1928) صدرت على هذا النحو (انظر P.N.Boratav, المرجع نفسه، ص 212 - 213). ويقتضينا الأمر أيضًا أن نذكر الموضوعات الكلاسيكية مثل ليلى والمجنون، وفرهاد وشيرين الخ ... وهى موضوعات لم تستوعبها الحكايات كل الاستيعاب، وخاصة فى فصولها الشعرية، على أنها أصبحت جزء من قائمة الحكايات الشعبية التى تنشر على هيئة كتب يبيعها فى الشوارع باعة متجولون، وكانت مطبوعة على الحجر أول الأمر، ثم طبعت بالمطبعة الحديثة. وقد وجدت مؤلفات كلاسيكية للنثر القصصى العربى الفارسى مثل كليلة ودمنة، وطوطى نامه، وألف ليلة وليلة منذ بداية الأدب التركى الإسلامى فى نسخ مكتوبة ومسجلة فى كثير من المناطق التى تتكلم التركية. وقد بلغ هذا الأدب ذروته فى المنطقة العثمانية فى نهاية القرن الثامن عشر، متمثلا فى المجموعة الشهيرة المسماة (مخيلات لدن إلهى) لعزيز أفندى (انظر A.Tietz: فى مجلة , Oriens , جـ 1 سنة 1948, ص 248 وما بعدها). ولكن لا تعرف سوى أمثلة قليلة جدا من القصة الشعبية الحقيقية التى نقلت فى الصورة المكتوبة: ومن الممكن أن نذكر فى هذا الصدد قصة "داستانى أحمد حرامى" (المكتوبة شعرا، على نمط الحكاية الشعبية، رقم 153 فى الفهرس التركى، ورقم 956 ب فى الفهرس الدولى الذى صنفه Aarne-Thompson) . وهى قصة لمؤلف مجهول، يرجح أنه يرجع إلى القرن الثامن الهجرى (الرابع عشر الميلادى)؛ كما نذكر حكاية شعرية قصيرة كتبها عاشق باشا فى القرن السابع الهجرى (الثالث عشر الميلادى) وهى تطابق نمط الحكاية الشعبية رقم 1626 فى الفهرس الدولى؛ ومجموعة (بلوركوشك) تشمل 13 قصة مستمدة من التراث الشفوى، وهى مصنف

حديث إلى حد لا بأس به، ويرجح أنه يرجع إلى القرن التاسع عشر. ومن ناحية أخرى، نجد الأدب القصصى الفكاهى الذى يبدو أنه قد استمد جزءًا كبيرًا من موضوعه من التراث المتواتر شفويًا، وقد ظهر وشاع أكثر من ذلك فى نسخ مكتوبة. كما أن مجموعة النوادر المسلية التى صنفها ناصر الدين خوجه بدأت من القرن العاشر الهجرى (السادس عشر الميلادى) لتكمل المجموعات الأخرى بسبب شعبيتها. والنوادر الأحدث من ذلك مثل نوادر بكرى مصطفى أو إنجيلى جاوش، وكلاهما شخص حقيقى من القرن الحادى عشر الهجرى. (السابع عشر الميلادى) قد نقلت بالتواتر الشفوى أول الأمر، ثم ظهرت أيضا فى الطبعات الحديثة يبيعها باعة الكتب المتجولون فى الشوارع. والنوادر الخاصة بأنصار الفرق المتزندقة (مثل فرقة التختجى، وفرقة القزلباش)، وكذلك قصص التمييز العنصرى التى ترويها مجتمعات عنصرية وإقليمية أو دينية، تحمل بعضها على بعض، بقيت كلها تتواتر شفويًا وبلا استثناء، حتى وقت قريب بعض القرب. ومع ذلك، نجد فى القرنين الحادى عشر الهجرى (السابع عشر الميلادى) والثانى عشر الهجرى (الثامن عشر الميلادى) مخطوطات فكاهات عن الرافضة الذين ظهروا مرة أخرى من بعد منتسبين إلى البكتاشية. ولقد بدأت الرواية الحديثة والقصة القصيرة فى تركيا بمثابة إنكار للتقليد القصصى القديم الفصيح والشعبى على حد سواء. ومع ذلك، فإن من الحق أن نقول إن الروايات والقصص الأولى كانت متأثرة تأثرًا عميقًا بهذا التقليد بشقيه الفصيح والشعبى. صحيح أنها نجحت فى استبعاد جميع العناصر المخالفة للعقل والخرافية، إلا أنها من حيث الأسلوب وأشكال التعبير والتركيب، قد بقيت فيها الأصول الفنية القديمة للرواية التى التزمها كتاب القصص من قبل فى أدبهم المنطوى على العلم وكذلك المداحين، وظلت هذه الأصول باقية مدة طويلة حتى أدركت فترة الرواية الواقعية الطبيعية فى أوائل القرن العشرين، ومثال ذلك آثار الروائى العظيم حسين رحمى

(كوربيكار؛ 1864 - 1944) , الذى نهج فى هذا المقام نهج أستاذه أحمد مدحت (1844 - 1913) أبى الرواية الحديثة فى تركيا. والعناوين نفسها للروايات المتقدمة فى الزمن، التى ظهرت فى الوقت نفسه مثل آثار أحمد مدحت لها دلالة فى هذا الصدد: "مسامرات نامه" (1872 - 1875) لأمين نهاد، "وسير سروناز" (1873 - 1874) بقلم ت. عبدى. وكانت الآثار التى من هذا النمط تسمى Roman"" (¬1) أو (حكاية) أيضًا، وكما يتبين من عنوان رواية مجهولة الكاتب هى "حكاية فردانه خانم" (1872 - 1873) , ومن ثم، فإن كلمة "حكاية" اكتسبت معنى جديدًا، وقد اقتصر استعمالها من بعد على القصة فى الأدب الرفيع المكتوب. ولا يشير المصطلح المركب "كوجك حكاية" (قصة قصيرة) إلا إلى طول القصة وحسب. المصادر: بالإضافة إلى المصادر المذكورة فى صلب المادة انظر (1) كوبريللى زاده محمد فؤاد: تور كلرده خلق حكاية جليغينه عائد بعض مادّه لر، فى تركيت مجموعه سى، جـ 1 (سنة 1925) , ص 1 وما بعدها (2) Tuerkisch: O.Spies volksbuecher، ليبسك سنة 1929. (3) مصطفى نهاد أو زون: توركجده رومان، إستانبول سنة 1935. (4) Turkish Folk: Ilhan Bashgoez Stories about lives of minstrels؛ فى مجلة المأثورات الشعبية الأمريكية، العدد 65 (سنة 1952)، ص 331 - 339. (5) Minstrel tales From: W.Eberhard Southeastern Turkey, بيركلى - لوس أنجلوس سنة 1995، والمصادر المذكورة فى المصادر التى ذكرناها، وفى - Philologiae Turcicae Fun damerenta, جـ 2، فيسبادن سنة 1965؛ 61) والبحث الأخير يزودنا بأوصاف فى الفقرات المناسبة للأسلوب القصصى فى آداب جميع البلاد التى تتكلم التركية، وهو مذيل بمصادر مسهبة. وبالنسبة للحكايات ¬

_ (¬1) كلمة فرنسية تدل على الرواية تعتمد على سرد المغامرات أو دراسة الأخلاق والطبائع أو تحليل العواطف أو المشاعر.

التركية انظر الفهرس الذى وضعه Typen tuer-: P.N.Boratav, W. Eberhard kischer volksmaerchen, فيسبادن سنة 1953. حسن شكرى [برتو نائلى بوراتاو P.N.Boratav] 4 - فى الأردية: تطور النثر فى اللغة الأردية بعد ذلك بمدة طويلة أكثر مما تطور النظم فيها. ولذلك لم تعش الحكاية النثرية فى اللغة الأردية طويلا، وأفسحت المجال لأشكال الرواية ذات الطابع الغربى في أواخر القرن التاسع عشر، وللقصة القصيرة فى أوائل القرن العشرين ويقوم معظم أدب الحكاية فى اللغة الأردية على الترجمة من الفارسية؛ ولكن لهذه المترجمات فى كثير من الأحوال قيمة أدبية، وقيمة تاريخية بالتأكيد، تفقر إليهما الأصول التى استقيت منها. ولقد ظهرت الحكاية أول ما ظهرت فى المثنويات التى كتبها فى بلاطى بجابور، وكلكندة بالدكن، ثم أعيدت كتابتها من بعد بالنثر حينما تطورت فى الشمال فى أوائل القرن التاسع عشر. والأثر الرائع الذى كتبه فى الدكن ملاّ وجهى من هذا الطراز هو "السبراوات" (طبعة عبد الحق، أورنكك آباد سنة 1932) , وهو قصة رمزية اقتبست من كتاب محمد بن سيبك فتاحى نيشابورى (توفى 852 هـ = 1448 م) المسمى "دستور عشاق" (طبعة R.S.Greenshields, برلين سنة 1926). وموضوعه هو البحث عن أكسير الحياة، ويتضمن بعض المتشابهات غير المشروحة التى تتصل بالفكرة الرئيسية لرواية الوردة. وموضوع هذا البحث متشابك النسج فى نمط رمزى لتقاليد العشق المألوفة فى الشعر الإسلامى، ويتمثل ذلك فى قصة حب الأمير "دل" (قلب) للأميرة "حسن" (جمال) مع تشخيص جميع سمات الرغبة فى المحب والمقاومة العنيدة فى المحبوب. وفى هذه القصة الرمزية بعض العناصر السحرية التى تربطها بالنثر القصصى "داستان" الذى انتقل إلى اللغة الأردية فى أوائل القرن التاسع عشر، وقد اقتبست القصة فى شعر منثور، تختلط فيه القواعد الأدبية بعامية الدكن.

وفى الهند الإسلامية، كانت القصة الرمزية "داستان" قالبًا يكتب بالنثر، وينشد شفاهة أيضًا. وكان يروى الـ "داستان" رواة محترفون فى بيوت النبلاء أو فى محافل خاصة فى: دلهى، ولكهنو، وبنارس، وحيدر آباد. وقد ظل الفن المسمى "داستانكوئى" مستعملا فى الحديث والكتابة فترة طويلة حتى الثلاثينات من القرن التاسع عشر يد ميرزا باقر على. وكانت المادة الأساسية لأدب القصة الرمزية هى مجموعة "أمير حمزة" التى كتبت وأنشدت فى معظم البلاد الإسلامية من تركيا حتى إندونيسيا. وشخصيات القصة الرمزية هم بصفة عامة ثلاث فئات: البطل، والبطلة، وأصدقاؤهما من أرباب الفروسية؛ وكذلك العيارون الذين يساندونهم ويقومون ببعض الفكاهيات للترويح عن الناس فى أثناء رواية القصة؛ والمشعوذون أو السحرة "جادو كر" الذين يمثلون دور أعدائهم. وكان للقصة الرمزية نمط تتردد فيه المواقف التى تكاد من طراز واحد، ويساعد "العيارون" فيها الأبطال ويتحدون المشعوذين فى جو سحرى يشبه التيه فى رتابته التى تتداعى فتمعن فى الإسهاب. وتأليف مجموعة قصص الأمير حمزة الرمزية - منحول لأمير شعراء أكبر فيضى: وقد نقلت المجموعة إلى الأردية من الفارسية تحت إشراف كلية فورت ويليام Fort William College سنة 1215 هـ (1801 م). وتضم القصة الرمزية كلها سبعة عشر مجلدًا مقسمة إلى عدد من المسلسلات. وأول هذه المسلسلات هى "نوشروان نامه". وأعظمها رواجًا كتاب يقع فى سبعة مجلدات هو "طلسم هو شربا" وقد ترجم الأربعة مجلدات الأولى منه عن الأصل الفارسى، مير محمد حسن جاه، وترجم سائر مجلداته الثلاثة، أحمد حسين قمر. وثمة تقليد لمجموعة قصص الأمير حمزة الرمزية، هو المجموعة المسماة "بستان خيال"، وهذه المجموعة قصة رمزية فى أربعة آلاف صفحة، ألفها بالفارسية مير تقى خان برعاية

الإمبراطور المغلى محمد شاه (1131 هـ = 1719 مـ - 1161 هـ = 1748 م). وقد ترجمها إلى الأردية خواجه أمان دهلوى، وميرزا محمد عسكرى، وآخرون. ومن ناحية الأسلوب، نجد مجموعة "بستان خيال" دون مجموعة حمزة على الرغم من أن كلتا المجموعتين تعتمدان على السجع اللغوى، والجمل الموزونة، والتعبيرات المنمقة. أما "فسانه عجائب" (سنة 1824) فمجموعة صنفها ميرزا رجب على بيك سرور (1787 - 1867) فى مجلد مختصر يضم قصصًا يربط بعضها ببعض رابط ما، وهى من الناحية الموضوعية وليدة القصص الرمزية "داستان" وتدخل فيها العناصر السحرية نفسها، ولكنها تتميز عنها بقصرها، وبما تعكسه عرضًا من الحياة الواقعية فى عصرها، وهمها الأول هو الزخرفة المركزة للأسلوب. وهذه السمات الجديدة، وبخاصة السمة الأخيرة، قد انتقلت بالوراثة من بانديت رتن ناث سرشار (1846 - 1902) ومن رواياته التى تعكس هى الأخرى أثر القصص الرمزى "داستان" فى مشاهد الغرام وبعض المواقف التقليدية. "جهار درويش"، وهى أصلًا مجموعة من القصص بالفارسية يربط بينها رابط ما، وقد نسبت خطأ إلى أمير خسرو. والراجح أنها صنفت فى خلال القرن الحادى عشر الهجرى (السابع عشر الميلادى)، ونقلت إلى اللغة الأردية بروايتين حرفيتين على قدر كبير من الأهمية. إحداهما ترجمة حسين عطا خان وعنوانها "نوطرز مرصع" وتمت الترجمة سنة 1798, بأسلوب متشبع بالفارسية كل التشبع. ونقلها بالنثر الأردى الأكثر بساطة، الذى يراعى قواعد النحو، مير أمان دهلوى فى كلية فورت ويليام - Fort Wil liam College سنة 1801 بعنوان "باغ بهار". وهذان الأثران علامة على تطور النثر الأردى. وثمة "نوطرز مرصع" أخرى أدنى مرتبة أدبية صنفها فى كلية فورت ويليام Fort William College زرّين سنة 1801 م. "سيف الملك وبديع الجمال"، وهى قصة من ألف ليلة وليلة، نقلها أول

الأمر فى ثوب المثنوى، شاعر الدكن غوَّاصى سنة 1035 هـ (1625 م). وصاغها قصة نثرية عاطفية منصور على فى أوائل القرن التاسع عشر. وتشمل النماذج الأخرى المشهورة لأدب الحكاية فى أوائل القرن التاسع عشر قصة "حياة القلوب" لولى محمد بن حافظ ميران، المنقولة من مؤلف باقر مجلسى عن قصص الأنبياء؛ و "سير عشرت، جامع الحكايات" (1825) للشيخ صالح محمد عثمان، وهى تقليد لكتاب "كلستان" لسعدى؛ و "هفت كلشن"، وهى مجموعة لناصر على خان واسطى، ترجمت من الفارسية إلى الأردية على يد ميرزا لطف على ولا؛ و"جاركلشن" لبنى نراين، التى ترجمت من الفارسية سنة 1811 م؛ وثمة مجموعتان من الحكايات النثرية هما: "مورينخى"، و"رشك برى"، ألفهما أحمد على حوالى سنة 1241 هـ (1825 م). وقد كتب أيضًا أشك مترجم "داستان أمير حمزة" قصة عاطفية هى (كلزار جين) سنة 1219 هـ (1804 م). وينتمى كتاب حيدر بخْش حيدرى (المتوفى سنة 1833) المسمى "عرائش محفل"، مثل كثير من الحكايات التى كتبت فى أوائل القرن التاسع عشر، إلى مجموعة قصص حاتم الطائى. وحيدرى هو أيضًا مؤلف "ليلى مجنون", و"كلزار دانش" التى هى ترجمة لكتاب شيخ عنايت الله "بهار دانش" الذى يضم قصصًا عن مكائد النساء وخياناتهن. ومن أشهر آثار حيدرى قصة "تتا كهانى" التى صنفت سنة 1215 هـ الموافقة 1801 م فى كلية فورت ويليام Fort William College، وتنتمى إلى مجموعة أخرى من أدب الحكاية، وهى التى من أصل هندى. وقصة ضياء الدين نّخشبى "طوطى نامه" (731 هـ = 1330 م) ليست إلا ترجمة فارسية لمجموعة باللغة السنسكريتية تضم سبعين قصة "شكاسبتنى" ومحور العقدة الرئيسية التى تدور حولها هذه القصة هى قصة ببغاء صادقة تحرس زوجة خائنة من الوقوع فى إثم الزنا، حين كان زوجها مسافرًا فى صقع بعيد، فتحكى لها الببغاء

سلسلة من القصص لتشغلها بها وتجنبها السوء. وثمة نسخة مبسطة موجزة قللت عدد هذه القصص إلى خمس وثلاثين قصة، صنفها بالفارسية سنة 1049 هـ (1639 م) محمد قادرى. أما المثنوى الذى لفه الشاعر غوَّاصى "طوطى نامه" (1049 م = 1639 م) فيقوم على ترجمة نخشبى، فى حين تقوم قصة حيدرى النثرية "تتاكهانى" على مختصر كتاب قادرى. وقد صنفت قصص أخرى هندية الأصل فى كلية فورت ويليام - Fort Wil liam College ومنها قصص "سنغاسن بتّيسى" لكاظم على جوان، ولَلُّو لال؛ و "بيتال بجيسى" وقد ترجمها إلى الأردية لطف على ولا بمساعدة لَلُّولال. وقد ترجم ولا أيضًا قصة عاطفية هندية بعنوان "مادهومال". وقصة إنشا (1756 - 1817 م) المسماة "كهانى رانى كيتكى أوركنور أديهان كى" (1803) وهى من أصل هندى، لم تستعمل فيها كلمة واحدة من العربية أو الفارسية. وثمة مجموعة هندية مشهورة تدور حول البحث عن زهرة نادرة "بكَّاولى" وهى اسم لامرأة أيضًا. وقد ترجمها إلى الفارسية سنة 1124 هـ (1712 م) عزت الله بنكالى، وترجمها إلى الأردية عن هذه النسخة نهال جند لاهورى (طبعتى كلكتة سنة 1815, وسنة 1827؛ وقد نشر الموجز الفرنسى الذى أعده Garcin de Tassy فى المجلة الآسيوية سنة 1836). وكانت النسخ المتقدمة فى الزمن لهذه القصة العاطفية مكتوبة شعرًا بلغة الدكن سنة 1025 هـ (1625 م) , و 1151 هـ (1738 م). وأشهر ترجمة أردية للقصة العاطفية "بَكاولى" هى المثنوى الذى نظمه دياشنكر نسيم وعنوانه "كلزار نسيم" وتمت ترجمته سنة 1254 هـ (1838 م). المصادر: (1) Histoire de la: Garcin de Tassy Littérature Hindouie et Hindoustanie, باريس سنة 1839. (2) A history of Urdu: R.B.Saksena Literature الله آباد سنة 1940.

(3) محمد صادق: A history of Urdu Literature لندن سنة 1964. (4) كليم الدين أحمد: فن دستانكوئى، بدون تاريخ. (5) of: Grahame Bailey A history Urdu Literature كلكته سنة 1932. (6) إعجاز حسين: مختصر تاريخ أدب أردو، كراتشى سنة 1956. (7) Storia delle let-: A.Bausani terature del Pakistan ميلان سنة 1958 (8) وقار عظيم: همارى دستانن، لاهور سنة 1963. (9) المؤلف نفسه: مقالات، لاهور سنة 1948. (10) نصير الدين هاشمى: دكن مين أردو، حيدر آباد سنة 1935. (11) شمس الله قادرى: أردو وقديم، لكهنؤ، سنة 1930. (12) سيد على عباس حسينى: ناول كى تاريخ أور تنقيد، لهنؤ، بدون تاريخ. (13) مولوى عبد الحق: باغ وبهار، بالأردية، جـ 10 (سنة 1930)، ص 395 وما بعدها. حسن شكرى [عزيز أحمد Aziz Ahmad] 5 - فى لغة الملايو تزل كلمة حكاية فى لغة الملايو، كما هى الحال فى العربية، على "القصة، والحكاية، والرواية، والقصة التاريخية". وهى تظهر فى عناوين أثرين من الآثار السومطرية فى بداية القرن التاسع الهجرى (الخامس عشر الميلادى) هما: تاريخ حكام باساى (Ht. Raja Pasai Raja), وتاريخ إسكندر ذى القرنين، أى قصة الإسكندر الأكبر، كما استقاه واعظ إسلامى من مصدر فارسى - عربى. والراجح أنه حدث فى فترة متأخرة فى الزمن قليلا، وفى ناحية من أنحاء جاوة أيام القرن الخامس عشر تسمى "ملقا" أن تمت ترجمة تاريخ بيرنكك بندوه جايا (أو بهاراتا يودها)، وتاريخ سنغ بوما (أو بهوّ مكوبا) وعدد من الحكايات التى قامت على مجموعة تمثيلية خيال الظل الجاوية (حوالى سنة 750 هـ =

1350 م) لحكايات بنجى. وينتمى إلى الفترة نفسها تاريخ سرى راما أو الترجمة الملاوية للرَامايانا. ولكن الحوليات الملاوية (القرنان الخامس عشر - السادس عشر الميلاديان) تقول إنه حين غزا ألبوكرك ملقّا سنة 1511 م، كان عند الملاويين تاريخ الأمير حمزة، وتاريخ الحنفية وكلاهما منقول من الفارسية، ثم تاريخ يوسف. كما أن حكايات النبى، التى يرجع تاريخها أيضًا إلى المرحلة الهندية - الفارسية المتقدمة للثقافة الملاوية الإسلامية، تحمل كلها اسم حكاية، ومثال ذلك حكايات النور الصوفى أى نور محمد، وانشقاق القمر بأمره عليه الصلاة والسلام، وعن حف شاربه وموته. وينطبق الاسم على ترجمات لمجموعات شهيرة من الحكايات المستمدة من مصادر إسلامية. وقد ترجمت الحكاية الفارسية "طوطى نامه" تحت أسماء تاريخ خوجه ميمون (حكاية التاجر المحظوظ): وكان فى ملقا أيام القرن الخامس عشر إمرأة تسمى سبرية (صبرية، من الصبر) نسبة إلى صفة من صفاتها. وثمة ترجمتان لتاريخ الوزراء السبعة (تاريخ بختيار)، وتاريخ غلام (أو تاريخ راجا أيبخ) من اللغة العربية، وترجمة كاملة لكتاب كليلة ودمنة، ويرجع تاريخها جميعًا إلى القرن الحادى عشر الهجرى (السابع عشر الميلادى). وأحدث نسخة لكتاب كليلة ودمنة، ترجمت حوالى سنة 1825 من اللغة التاميلية، وقد قام بهذه الترجمة كاتب لرافلز Raffles اسمه منشى عبد الله، وسميت تاريخ بنجه تندرام. كما سمى هذا المترجم نفسه سيرته الذاتية، تاريخ عبد الله. وقد ظلت الملايو المسلمة، حتى النصف الأول من القرن التاسع عشر تستمتع بكثير من الحكايات المترجمة عن مصادر هندية، حيث ينتصر الأمراء والأميرات ذوى الأصل المقدس على كل مكيدة يكيدهن بها الشيطان، وعلى المارد والإنسان، بقوس "أرجونا" أو بسيف "يافث"، ويفكون رموز الأحاجى بمساعدة الأرواح والجن، والحكماء من الهنود والمسلمين على حد سواء. وقد

شهد ظهور الإسلام الأساطير التى اصطبغت بالصيغة الهندية نقلا عن الهند المسلمة، وانقلبت إلى حكايات مرصعة بذكريات من الحكايات الفارسية، وبإشارات إلى أبطال الشاهنامة مثل: قباذ، وجمشيد، وبهرام، وإلى أحداث من ملحمة الإسكندر، وبتلميحات إلى بغداد، والمدينة المنورة، ومصر وبوزنطة (كما هى الحال فى تاريخ شاه مردان) إلى تفسيرات للعلم الروحانى الصوفى. وكان تاريخ بوستامان من الحكايات الأخيرة. ولقد بدأ تاريخ الملايو بتقليد للقصة الخيالية التاريخية العاطفية الجاوية، وعلى الرغم من أن أحد علماء الملايو يعزو تباين التواريخ من القصة الخيالية إلى أن قامت (إدارة التعليم البريطانية) بطبع "كتاب تواريخ ملايو" (طبعته الثانية سنة 1921). فإن المؤرخين الملاويين يفضلون فى كثير من الأحوال، على كلمة حكاية كلمات مثل: شجرة (حوليات)، وسلسلة (شجرة الأنساب) أو أسماء مثل: بستان السلاطين أو تحفة النفيس عناوين لمؤلفاتهم. وتضم الفهارس ما يزيد على مائة وخمسين مؤلفا من المؤلفات الملاوية الكلاسيكية تحت اسم حكاية. المصادر: (1) A history of clas-: R.O. Winstedt sical Malay Literature (وبه مصادر) فى Journal of The Malayan Branch of the R.A.S العدد 31/ 3 سنة 1958. (2) Literatuur in Ma-: C.Hooykaas leis en Indonesisch كروننكن وجاكرتا سنة 1952 (الترجمة الملاوية، بنيدر سسترة - Penyedar sastera كوالالمبور سنة 1963. (3) Note sulla Sruttura: A.Bausani della "hikayat" classica malese فى AIUON, السلسلة الجديدة، العدد 12 (سنة 1962) , ص 163 - 192 (والمصادر المستشهد بها فيها). حسن شكرى [ر. و. ونستت R.O.Winstedt]

الحكم الأول

الحكم الأول ابن هشام: الأمير الأموى الثالث من أمراء قرطبة (عام 180 - 206 هـ = 796 - 822 م) وقد شن حروبًا مستمرة دامت نحوًا من العشرين عامًا على دعاوى الفقهاء وعلى من حرضهم هؤلاء على الفتنة وبخاصة كبيرهم يحيى بن يحيى؛ وأخمد الحكم الفتنة الأولى بعيد قيامها فى قرطبة عام 189 هـ (805 م) وماردة عام 190 هـ (806 م) واستولى آخر الأمر على طليطلة بخدعة حربية وبفضل خيانة حاكمها عمروس، وكانت قد حصنت تحصينًا قويًا، كما كانت تجاهد فى سبيل نيل استقلالها؛ إلا أنه قامت فى قرطبة فتنة عامة أخرى أشد خطرًا من الأولى فى شهر رمضان عام 198 هـ (مايو عام 814 م) فى رواية ابن عذارى، وعام 202 هـ (817 م) فى رواية ابن خلدون (انظر Dozy: -Musul mans؛ جـ 2، ص 353 وما بعدها) وقد انتهت هذه الفتنة بتدمير الحكم للربض الجنوبى للمدينة (ومن هنا لُقِّبَ بالربضى)، وإعماله السيف فى جل سكانها وطرد من بقى منهم من الأندلس (حوالى 60,000) وقد نزل المنفيون فى مصر ثم فى إقريطش أو فاس ثم قامت فتنة أخيرة فى طليطلة أخمدها الحكم على نحو ما أخمد ما سبقها من فتن، ذلك أنه دمر ربع المدينة عام 199 هـ (خريف عام 814 م). وقد ساعدت كل هذه الاضطرابات الداخلية بطبيعة الحال على تقدم أعداء الحكم فى الخارج فأخذ الأذفنش الثانى صاحب أشتورية وجليقية فى توسيع رقعة مملكته جنوبًا وشرقًا، وفقد الحكم برشلونة عام 185 هـ (801 م) فقد انتزعها منه القديس لويس حليف الأذفنش، وكان وقتئذ واليًا على أكويتانيا. المصادر: (1) ابن عذارى: البيان المغرب؛ جـ 2، ص 70 - 82 (ترجمة Fagnan, جـ 2، ص 109 - 130). (2) المقرى؛ جـ 1، ص 219 - 222, انظر الفهرست والمقدمة، ص 34. (3) ابن خلدون: العبر (طبعة بولاق)؛ جـ 4، ص 126 وما بعدها. (4) E. Fagnan: ابن الأثير Annales du Maghreb et de I'Espagne؛ جـ 1, ص 154 - 179.

(5) Musulmans d'Espagne: Dozy جـ 2، ص 58 - 86, 97. (6) المؤلف نفسه: Reherches؛ جـ 1 ص 136 - 139, ص 212. (7) Islam: Mueller, جـ 2, ص 461 وما بعدها، ص 466 - 473. خورشيد [شميتز M. Schmitz] + الحَكمَ الأول: ابن هشام أبو العاصى ثالث أمراء قرطبة الأمويين، وهو الابن الثانى لأبيه الذى توفى مبكرًا، فخلفه الحكم فى الثالث من صفر سنة 180 هـ (17 أبريل سنة 796) وهو فى السادسة والعشرين. ولما نودى به أميرًا كانت الهدنة فى الداخل قد نقضت، ونازعه عماه، سليمان وعبد الله ابنا عبد الرحمن الأول السلطان وعبرا من بلاد البربر إلى الأندلس، وشخص عبد الله إلى الحد الشمالى، ولكنه وجد الظروف غير مواتية هناك فمضى هو وابناه عبد الله وعبد الملك إلى شارلمان فى إكس لاشاييل وعرضوا عليه أن يعينوه فى حملة تشن على برشلونة وعلى دال نهر إبره. وفى السنة التالية رسا سليمان أيضًا على بر القارة وأعد العدة لمهاجمة قرطبة، ولكنه هزم وانسحب إلى ماردة حيث أسر وقتل، واغتفر لعبد الله لأنه لم يخرج من بلنسية. وانصرف عهد الحكم كله أو يكاد إلى قمع الفتن المتكررة التى تنشب بلا انقطاع على حدود طليطلة وسرقسطة وماردة. وقامت فتنة فى طليطلة التى كان أغلب سكانها من المولَّدين فى السنة التالية لخلافة الحكم الأول وأنفذ الرجل الأمين عمروس لإخماد هذه الفتنة وأفنى سكانها فى "وقعة الحفرة". وعلى الثغر الأعلى أثار بنو قصى فتنًا قائمة بذاتها فانبرى لها عمروس هذا الذى كان قد نقل آنذاك إلى سرقسطة وجعل همه إخماد هذه الفتن. وأدّب عمروس أيضًا الموّلدين فى وشقة وأنشأ حصن تليطلة ليمكن لنفسه فيها. وعلى الثغر الأدنى كانت قاعدة المسلمين الجدد والبربر فى ماردة، ولم تستسلم ماردة إلا سنة 97 هـ (713 م). وقد اقترنت فتنتان كبيرتان فى القصبة قرطبة بهذه الفتن

المصادر

التى قامت على الحدود. وفى جمادى الأولى سنة 189 هـ (مايو سنة 805) اكتشفت مؤامرة لخلع الحكم الأول واستخلاف ابن عمه محمد بن القاسم، وصلب 72 قرطيبًا وشّهرا على الجسر الذى يساير الضفة اليمنى لنهر الوادى الكبير. وبعد ذلك بثلاثة عشر عامًا، أى فى سنة 202 هـ (818 م) قامت الفتنة الشعبية المشهورة فى الربض (الضاحية) وأخمدت بوحشية، وصلب ثلاثمائة من أعيانها ونفى سائر سكانها، فهاجر بعضهم إلى فاس، وانضم البعض الآخر إلى قراصنة الشرق، وقادهم تجوالهم إلى الاسكندرية وجزيرة كريت حيث بقوا قرنًا ونصف قرن من الزمان. وحالت الفتن الداخلية بين الحكم الأول وبين شن هجوم فعال على مملكة أشتورياس. وأغار سنة 180 هـ (796 م) على القلاع واخترقها ليستولى على قلهّرة ويبلغ الساحل عند سنتاندر، ولكن برشلونة سقطت فى يد فرنجة شارلمان سنة 185 هـ (801 م) واستطاع بذلك لويس الصالح أن ينظم الثغور الإسبانية. وفى السنة نفسها هزمت جنود الحكم الأول فى درب أرغنزون وأثارت كرّات الأشتورياسيين هجومًا جديدًا أدى إلى هزيمتهم فى وادى أرون (وإنا لنجزم أنه هو: أرون بالقرب من مرندة أبره). وقد اقترن عهد الحكم الأول بالرغم من القسوة الوحشية والفتن المتصلة بفترة من التحضر فى الأندلس كانت ارهاصًا منذ استخلاف ابنه عبد الرحمن الثانى، بظهور عهد غلب فيه النفوذ العباسى القادم من الشرق وزادت سيطرة المسلمين الجدد على الحكم المدنى والقيادة الحربية. وفى أواخر حياة الحكم الأول فقد ما تميزت به شخصيته من صلابة لتدهور صحته، واعتزل فى قصره تحت وصاية جنوده المرتزقة الأجانب. وفى غضون أسبوعين من العهد لابنه عبد الرحمن الثانى أدركت المنية الحكم الأول فى 25 ذى الحجة سنة 206 (21 مايو سنة 822) تاركًا لابنه مملكة موطأة الأكناف خاضعة لسلطان الأمير. المصادر: (1) Hist. Musulm. Espagne: Dozy الطبعة الثانية، جـ 1، ص 285 - 307.

الحكم الثانى

(2) Hist. de los Mozarabes: Simonet ص 298 - 309. (3) Royaume asturi-: Barru - Dihigo en ص 157 - 164. (4) Los mozarabes: de las Cagigas جـ 1، ص 150 - 151. (5) وانظر بصفة خاصة - E. Lévi Prorencal، جـ 1، ص 151 - 189 حيث أفاد من جميع المصادر المعروفة ويشمل ذلك كتاب المقتبس لابن حيان الذى لم يطبع بعد، وهو مخطوط فى فاس. خورشيد [هويثى ميراندا A. Huici Miranda] الحكم الثانى ابن عبد الرحمن الثالث الملقب بالمستنصر بالله، وهو الخليفة الأموى التاسع وأمير قرطبة الثانى (350 - 366 هـ = 961 - 976 م) وقد حارب شانجة الأول ملك ليون وقشتالة ومعه غرسيه ملك نبارة Navarra ونجح فى إجبارهما على عقد صلح دائم عام 355 هـ (966 م)، وفى العام نفسه أفلح أسطوله فى رد غزوة للنورمانديين (المجوس) على ريو شلب، وكان هؤلاء قد قضوا تقريبًا على جيش المسلمين فى بلد قرب لشبونة؛ وخاب الوالى الفاطمى بلكين فى الهجوم على سبتة فانتهت الحرب مع المعز الفاطمى وأحلافه أدارسة طنجة بفتح عبد الله بن رياحين أمير البحر فى عهد الحكم هذه المدينة، ثم بأسر القائد غالب ابن عبد الرحمن، وهو من عمال الحكم الأدارسة، وبسوقهم أسرى إلى قرطبة عام 363 هـ (974 م)؛ وكان اهتمام الحكم الثانى بمغانم السلم أكثر من اهتمامه بأسلاب الحرب. وكان نصيرًا غيورًا للعلوم والفنون والمعارف يظاهرها فى غير تحفظ، ولعله كان فى الواقع أعلم ولاة الإسلام، وقد غدت جامعة قرطبة أكبر منار للتعليم فى العالم الإسلامى الغربى، ذلك أن الحكم أقام فيها مكتبة جامعة (تضم نحوًا من 400,000 مجلد)؛ وازدهر من العلوم فى هذه الجامعة على وجه خاص الرياضيات والفلك والطب؛ وقد أخذ سلطان الأمويين بالأندلس فى التقلص

المصادر

بوفاة الحكم فى الثالث من صفر عام 366 هـ الموافق أول أكتوبر عام 976. المصادر: (1) ابن عذارى: البيان المغرب؛ جـ 1، ص 236، جـ 2، ص 248 - 269, ص 274 - 276 (ترجمة Fagnan, جـ 1, ص 331؛ جـ 2, ص 384 - 418, ص 427 - 429). (2) ابن خلدون: العبر؛ جـ 4، ص 144 وما بعدها (Hist. des Berbéres؛ ترجمة de Slane، جـ 2، ص 149 - 152، جـ 3، ص 215 وما بعدها). (3) المقرى؛ جـ 1، ص 247 - 257, انظر الفهرست والمقدمة، ص 37. (4): Dozy d'Espagne Musulmans؛ جـ 3، ص 95 - 135, ص 188. (5) المؤلف نفسه Recherches؛ جـ 2, ص 286 - 299, ص 434 - 436. (6) Islam: Muller؛ جـ 1, ص 618, ص 621 وما بعدها؛ جـ 2, ص 528 وما بعدها، ص 534 - 536, ص 540 - 546, ص 548 وما بعدها. خورشيد [شميتز M. Schmitz] + الحكم الثانى، المستنصر بالله: الخليفة الأموى الثانى فى الأندلس، وهو ابن عبد الرحمّن الثالث. وكان عهده من أكثر العهود سلامًا وثمرة للأسرة الحاكمة فى قرطبة. وبلغت فيه قرطبة، من حيث هى قاعدة للحياة العقلية، من التألق ما لم تبلغه فى عهد عبد الرحمن الثالث. وقد عهد للحكم الثانى بالخلافة فى ريق شبابه، فإنه لم يتسنم مقاليد السلطان إلا عندما بلغ السادسة والأربعين من عمره (فى 2 أو 3 رمضان سنة 350 = 16 أكتوبر سنة 961) , وقد تمرس طويلًا بالخبرة المباشرة فى الشئون العامة، وأبدى وهو رجل من رجال الدولة أنه لا يقل شأنًا عن أبيه الذائع الصيت. وقد عَم السلام حكمه الذى دام خمس عشرة سنة. ولم يعكر صفو هذه السنين إلا غارة شنها المجوس الدانمركيين (الأردمانيين فى الكتب العربية) الذين نزلوا على البر عند الكاسر دوسال Alcacer do sal ثم ردّوا فى سهل لشبونة سنة 360 هـ (971 م). وقد استطاع جنود الخلفاء بتفوقهم البين أن

يؤمنوا كل التأمين الثغور منذ بداية حكم الحكم الثانى، بل فرضوا الهدنة على أسبانيا المسيحية. وفى خلال ذلك كانت السفارات تصل إلى قرطبة باستمرار من سنة 356 إلى سنة 365 هـ (966 - 975 م). وهنالك نقض غرثية فرنانديز صاحب قشتالة السلام بمساعدة جليقية ونبرة، وهزم عند إستبان ده غورماز Esteban de Gormaz ثم عند لانجة على نهر دويره إستركويل Estercuel بالقرب تطليلة. وظهر نشاظ الحكم فى مراكش، إذ كان الفاطميون قد انتقلوا إلى مصر، وانصرفت همته، منذ ظهور سلطان المنصور بن أبى عامر السياسى والعسكرى، إلى إقالة الأمراء الأدارسة. وفى غضون سنوات عشر استطاع الحكم بفعل المؤامرات ونثر الذهب والتدخل العسكرى أن يعمل على أن يُخضع خير قواده مولى غالب الحسَن بن كنّون الإدريسى، وأن يحمله هو وأقربائه إلى قرطبة. وهذا الانتصار الصغير تم الاحتفال به فى أبهة وعظمة بوصفه الحل الحاسم للمشكلة الكبرى فى سياسة الحكم الخارجية، وارتفع صيته المجيد باهتمامه وذوقه الرفيع الذى هيأ له توسيع مسجد قرطبة الرائع وتجميله، وبدا أن نزعاته الأدبية والفنية كانت تنبئ بعهد مديد مثمر، ولكن صحته التى كانت دائما رقيقة، قد انقلبت انقلابًا إلى أسوأ نتيجة لنازلة أدركته سنتين قبل هذه الحوادث، ووقع تدبير شئون الدولة بحكم الواقع فى يد وزيره جعفر بن المصحفى. وحرص الحكم الثانى على أن يضمن استخلاف ابنه الوحيد المراهق هشامًا الثانى، فأبدى رغبته فى أن يبايع بالولاء فى حفل ضخم فى قصر قرطبة، ولكن المنية أدركته فى 3 صفر سنة 366 (أكتوبر سنة 976) وتمت البيعة لهشام الثانى فى اليوم التالى. وأظهر الحكم الثانى شدة تقواه قبل أن يدهمه المرض على العكس من سلوك أبيه، وكان يسعى فى حماسة إلى صحبة الفقهاء وعلماء الكلام، وكذلك أهل الأدب والعلماء.

المصادر

المصادر: (1) ابن عذارى، جـ 2، ص 233 - 253, 257 - 257 (الترجمة ص 384 - 418, 427 - 429). (2) ابن سعيد: المغرب، ص 114، 157. (3) ابن الخطيب: الأعمال، الطبعة الأولى ص 47 - 48. (4) ابن خلدون العبر، جـ 54 ص 144 - 147. (5) ابن الأبّار: الحلة السيراء ص 101 - 105. (6) المّقرى: نفح الطيب = Analecles, جـ 1, ص 247 - 257 وفى مواضع أخرى، انظر الفهرس. (7) His. mus. Esp.: Dozy, الطبعة الثانية، جـ 2، ص 176 - 199. (8) Est. crit. ar. esp.: Codera, جـ 9, ص 181 - 263. (9) وانظر بخاصة Lévi Provencal: Hist. Esp. mus., جـ 2, ص 165 - 196؛ جـ 3, ص 493 - 500, وقد أفاد من نص كتاب المقتبس لابن حيان الذى أعده غرثيه غومز. خورشيد [ا. هويثى ميراندا A. Huici - Miranda] الحكم بن سعد العشيرة: قبيلة فى جنوبى بلاد العرب كانت تنزل تهامة فى ناحية أبى أريش، وتجاور حاشد (حجور) وخولان. وكانت أرضهم بلد حكم وطولها خمسة أيام؛ ومن قراهم: الساعد والسقيقتان (أو السقيقتين انظر ياقوت: المعجم، جـ 3, ص 104. وقد وردت فيه "سقيفتان" ولعله خطأ فى الطبع) والخصوف (وثلاثتها جميعًا على وادى خلب بضم الخاء أو كسرها) والعداية والهجر ومجموعة قرى المخاوف (ويرويها واديًا زائرة وشاية) وثمة أودية أخرى غير ما ذكرنا وهى حَرض وحَيْران وجَدْلان وجُحفان وضمد بفتح الميم أو كسرها وجازان والحيد وتعشر وليَّة وصبيا، وأغلبها

المصادر

يأخذ من أراضى حاشد وخولان؛ وكانت الخصوف قصبة الحكم (وتسمى عادة مدينة حكم) وكانت الشرجة ساحل الحكم فى عهد الهمدانى. ويقول شبرنكر إن حكم هى حكم الممبيولس التى ذكرها بطلميوس؛ وقد انحدر زعماء القبيلة من عبد الجد بفتح الجيم أو ضمها أو كسرها، وإليه ينسبون فيقال آل (أو بنو) عبد الجد بفتح الجيم أو كسرها. المصادر: (1) الهمدانى: الجزيرة، الفهرس. (2) المعجم؛ جـ 2، ص 450؛ جـ 3، ص 104 و 874 (3) Geneal Jabel-: F. Wuestenfeld len الجدول 7, س 13 و Register، ص 197. (4) Die alte Geogra-: A. Sprenger phies ص 44 - 45 (الفقرة 45)، ص 247 (الفقرة 379) , ص 254 (الفقرة 384). خورشيد [شليفر. J. Schleifer] الحكم بن عبدل ابن جبلة الأسدى: شاعر عربى هجَّاء من أعيان القرن الأول الهجرى (السابع الميلادى)، وكان بطبيعته من المعوقين، ذلك أنه كان أحدب أعرج، يحقد بعض الحقد على الناس ويتبدى حقده فى أهاجيه، ولكنه كان متوقد الذكاء، سريع البادرة والفكاهة، فيه دهاء عشيرة الغاضرة التى ينتسب إليها. ولد الحكم فى الكوفة، وعاش فيها حتى طرد عبد الله بن الزبير أولياء الأمر الأمويين فيها سنة 64 هـ (684 م) فصحبهم إلى دمشق حيث تقرب إلى عبد الملك بن مروان واكتسب صداقته، ثم قفل راجعًا إلى الكوفة واتصل اتصالا وثيقًا ببشر ابن مروان وصحبه إلى البصرة حين أقيم بشر واليًا عليها سنة 74 هـ (693 - 694) ورثاه عند موته فى نهاية هذه السنة، وكان أيضًا على ود حميم بعبد الملك بن بشر، ويتردد على منتدى الحجاج، الذى أجزل له العطاء مرة.

المصادر

وكان الشعر على التحقيق مصدر معاش الحكم، وكان بعيدًا عن المدائح الفخمة التى تقال فى العظماء، واكتفى بإرسال رسائل قصيرة بالشعر إلى أرباب نعمته يفزع إلى كرمهم، وكان يكفل له النجاح بعامة الخوف من أهاجيه. ويصف الجاحظ (كتاب البيان والتبيين، جـ 3، ص 74) وغيره من الكتاب بعده كيف استتبت شهرته بالهجاء المخيف مرة، وكان حسب الحكم أن يبعث بعكازه إلى أصحاب السلطان الذين يريد هو أن يلجأ إليهم، ويكتب على العكاز مطلوبه، وقلما كان يقابل بالرفض. وتقوم بعض شهرته فى الحق على قصيدة أهداها إلى صاحب الخراج محمد بن حسّان ابن سعيد يضيف إليها كل مرة أبياتًا قليلة إذا استثار هذا العامل العنيد شكواه (نص القصيدة فى كتاب الحيوان للجاحظ، جـ 1، ص 249 - 253). وما وصل إلينا من شذرات شعره تدلنا على أن الحكم بن عبدل كان فاجرًا خفيف الروح مدمنًا على الشراب، مستعدًا دائمًا لقول أبيات قليلة ذكية يكتسب بها عطاء أو يهرب بها من عقوبة. وأهاجيه لا يتورع فيها عن استعمال لغة تميل إلى الغلظة والخشونة ولكنها ليست مع ذلك دنيئة، والأبيات القليلة التى قالها فى الحب وبقيت لنا أقرب إلى الفجاجة، ومن أعجب الأمور أن نجد باسمه قصيدة كتبت فى بساطة شديدة عن سوء أعمال جرذ وفائدة القط (الحيوان، جـ 5, ص 297 - 300). ولا نعلم تاريخ وفاة الحكم. المصادر: (1) تجد المراجع فى Litter-: Nollino atura, ص 149 (الترجمة الفرنسية)، ص 228 - 229. (2) الجاحظ: البخلاء، طبعة الحاجرى، ص 381 - 382. (3) ف. البستانى: دائرة المعارف، جـ 3، ص 344. ونجد بعض أشعاره فى الجاحظ: البيان والتبين، والحيوان، انظر الفهرس. (4) القالى: الأمالى، طبعة سنة 1344 هـ = 1926, جـ 2 ص 160 - 261. خورشيد [بلا Ch Pellat]

حكومة

حكومة هى فى العربية الحديثة الهيئة التى تتولى الحكم فى بلاد أو إقليم. ويبدو أن الكلمة استعملت لأول مرة بمعناها الحديث فى القرن التاسع عشر بتركيا، مثلها فى ذلك مثل الألفاظ السياسية الجديدة فى لغات البلاد الإسلامية، ثم انتقلت من التركية إلى العربية ثم إلى اللغات الأخرى. وتشتق كلمة "حكومة" من المصدر العربى (ح. ك. م) الذى يعنى يحكم أو يقضى، وهو يتصل بنفس المعنى السائد فى العبرية واللغات السامية الأحرى وهو الحكمة. وفى الاستعمال القديم. يعنى الاسم الفعلى "حكومة" عمل القضاء أو منصب القضاء أو إقامة العدل عن طريق ملك أو قاض أو محكم كما فى تعداد الوظائف الرئيسية القرشية فى مكة (ويسجل فهرس بيت المقدس وقائع وردت فى تاج العروس جـ 9, ص 68, س 9؛ ولسان العرب، جـ 14, ص 95, س 17؛ جـ 15, ص 31, س 24, ص 177, س 11 و 16؛ 304, س 25؛ جـ 16, ص 41, س 13؛ الأغانى، الطبعة الثالثة، جـ 11, ص 63, ص 4, 5, ص 165 س 7؛ جـ 13, ص 134, س 1, وهى مراجع أدلى بها الدكتور م. ج. كستر (M. J. Kister) ويتضح المثال الأخير بوجه خاص فى عبارة "فإنك قاض بالحكومة عالم". ولابن قتيبة أمثلة أخرى (عيون الأخبار، طبعة القاهرة، جـ 1, ص 67, س 11) وكذلك الجاحظ (التربيع) والحديث المنسوب للرسول [- صلى الله عليه وسلم -] كثيرًا ما يستشهد به وهو "عدل ساعة خير من عبادة ستين عامًا"، (ابن عبد ربه: العقد الفريد، جـ 1، طبعة القاهرة سنة 1953, ص 5) وبمرور الوقت، أصبح الجذر "حكم" يتواتر باستعماله بمعنى سلطة سياسية أو قضائية. وأصبح المصطلح "حكومة" يستعمل فى حكم السلاجقة ومن أتوا بعدهم (وهو فى الفارسية والتركية حكومت) ويدل على منصب أو وظيفة وال إقليمى أو محلى فى الغالب، أما فى العصر العثمانى فعادة ما تستعمل الكلمة للدلالة على قيام الوالى على منصب أو توليه هذا المنصب بالإضافة إلى معناها القضائى، كما يظهر استعمال خاص للكلمة فى الأراضى

الكردية إذ نجد عددًا من الأقاليم يطلق عليها (حكومت) وهى مدرجة ضمن أجزاء من إيالات عثمانية بعينها. وتلك هى السناجق الوراثية تحت حكم الرؤساء الأكراد، وكانت تتمتع بقدر كبير من الاستقلال السياسى والمالى (عين على: قوانين آل عثمان، إستانبول سنة 1280 هـ, ص 29, 30, Hammer: Staatsuerfassung , جـ 2, ص 245, 263, 264, 277؛ Bowen , جـ 1/ 1, ص 163, 203). ويبدو أن الكلمة اكتسبت فى نهاية القرن الثانى عشر الهجرى (القرن الثامن عشر الميلادى) المعنى الأكثر عمومًا للحكم أو ممارسة السلطة، وهكذا يصف مينو فى خطابه إلى الديوان فى القاهرة المؤرخ 15 شعبان 1215 والموافق 11 من يناير سنة 1801, أنه قائد الجيوش الفرنسية (دولت جمهور) فى الشرق وممثل سلطتها فى مصر (مظاهر حكومتها: الجبرتى: مظهر التقديس طبعة القاهرة من غير تاريخ، جـ 2 - ص 91). وفى الترجمة التركية لكتاب بوتا "تاريخ إيطاليا" Stor-: Botta ia d'ltalia (أى بونابرت تاريخى، القاهرة سنة 1249 هـ = 1834 م، وأعيد طبعه فى استانبول سنة 1293 هـ = 1876 م، ص 4، 6، 10، 13, 16, 17) تستعمل كلمة حكومة بعامة للدلالة على معانى الحكم، والسلطة السياسية، وأحيانًا نظام الحكم، ولها نفس المعنى فى الترجمة العربية للجزء الأول من كتاب ويليام روبرتسون "تاريخ حكم تشارلز الخامس" (إتحاف الملوك ... بولاق سنة 1258 هـ = 1842 م؛ الشيال: تاريخ الترجمة، القاهرة سنة 1951, 221) ويبدو أن هذا الاستعمال حديث فى اللغة العربية. وفى الترجمة العربية التى لم تنشر لكتاب ميكا فيللى "الأمير" عام 1824 - 1825 ما زالت تستخدم كلمتا "سيادة، وأميرية" وحتى الشيخ رفاعة الطهطاوى فى ترجمته للدستور الفرنسى يترجم " Government" بـ "تدبير المملكة" (تخليص الإبريز، الطبعة الأولى سنة 1250 هـ = 1834 م, وطبعة مهدى علام، القاهرة، الطبعة الثانية سنة 1958, ص 142).

1 - الامبراطورية العثمانية

واكتسبت الكلمة فى بداية القرن التاسع عشر معنى جديدًا أخذ عن أوربا إذ تدل الحكومة فيه على مجموعة من الرجال يمارسون السلطة فى الدولة. ويستعمل صادق رفعت فى كتاباته السياسية كثيرًا كلمة حكومة بمعنى نظام الحكم. وفى مقالة له كتبت حوالى عام 1837، يستطرد ويتكلم عن حكومات دول أوربا أى دول أوربا حكومتلرى (أوروبا نكث أحوالنه دائر رساله، ص 5 فى منتخبات آثار رفاعة باشا, إستانبول "بدون تاريخ". وهكذا تحافظ اللغتان العربية، والتركية, متبعة فى ذلك العرف الأوروبى، على التفرقة بين الدولة (دولت، دولة) والحكومة (حكومت). وفى الوقت نفسه تستمر فى استعمال كلمة حكومة للتعبير عن المعنى المجرد العام لنظام الحكم (انظر جودت: تاريخ، الطبعة الثانية، إستانبول 1309 هـ, ص 17 - 20؛ حسين المرصفى الكلم الثمان, القاهرة سنة 1298 هـ, ص 30 - 35). أما الفارسية، فلم تقر هذه التفرقة. ولا تزال كلمة "دولت" تستعمل لكل من الدولة والحكومة، فى حين تحمل كلمة "حكومت" المعنى الأكثر عمومية للدلالة على السلطة السياسية. وقد تناولنا بالدرس الحكومة فى الدول الإسلامية قبل القرن التاسع عشر فى مواد: "الخلافة والسلطان والوزير" وتعنى المواد التالية باستحداث وتطور جهاز الحكومة الحديث فى القرنين التاسع عشر والعشرين. 1 - الامبراطورية العثمانية بدأ استحداث الشكل الأوروبى الحديث للجهاز الحكومى فى الإمبراطورية العثمانية فى حكم السلطان محمود الثانى (1808 - 1839). فقد اعتلى العرش فى فترة حرجة للغاية من التاريخ العثمانى كانت فيها سلطة الحكومة المركزية تكاد تكون معدومة. وكان للأعيان السلطة العليا فى الولايات البعيدة عن قاعدة الامبراطورية, فى حين استمرت الإنكشارية فى إرهابها لقصبة البلاد. ومن ثم كانت مهمة محمود الأولى إسترجاع السلطة المركزية، وكان موفقًا فى هذا إلى حد كبير فى النصف الأول من حكمه. فقد قمع عام 1826

الإنكشارية الذين كانوا العائق الأول فى طريق الإصلاح العسكرى وغيره من الإصلاحات حين ثاروا على إقامته لجيش على نظام حديث. وأذن القضاء عليهم بنهاية حقبة عسكرية خالصة فى تاريخ استحداث نظم جديدة فى تركيا. وأصبح محمود قادرًا على المضى فى إصلاح المؤسسات، وحل السر عسكر محل أغا الإنكشارية وقام بمهام القائد الأعلى وزير الحربية. وما حلت نهاية القرن التاسع عشر حتى أصبح منصب السر عسكر مدنيا بين الحين والآخر (انظر: شيخ الاسلام جمال الدين: خاطرات سياسية، القاهرة سنة 1917, ص 10 - 12) لكن منصب السر عسكر لم يتحول إلى وزارة حربية إلا بعد ثورة 1908. وتحولت المؤسسة الدينية إلى ديوان، ووضعت تحت رقابة السلطان تمامًا، ودل على ذلك تكوين مكتب رسمى لشيخ الإسلام يعرف باسم "باب مشيخت" أو "فتوى خانه". وأنهى محمود الاستقلال المالى للمؤسسة الدينية بإنشاء هيئة تفتيشية للأوقاف، أصبحت وزارة فيما بعد. ولم يعد شيخ الإسلام أكثر من موظف مدنى ذى مهام استشارية. وبعد إدخال النظام الوزارى أصبح عضوًا به، إلا أنه تمتع بميزة هى تعيينه من قِبَل السلطان وليس من قبل الصدر الأعظم. وفى عام 1835, وجه محمود انتباهه إلى الباب العالى الذى كان طوال القرنين الماضيين قلب الحكومة العثمانية تتركز فيه جميع الأمور. وأصبحت وظيفة (الكاخيا) القديمة وزارة للشئون المدنية (ملكيه) أولا، ثم أصبحت فيما بعد وزارة الداخلية (داخلية نظارتى) وفى حين أصبحت وظيفة رئيس الكتاب وزارة الشئون الخارجية (خارجية نظارتى)، وفى سنة 1837, أى بعد عامين، تحول "الدفتر دارلق" إلى وزارة المالية. وحصلت هذه الوزارات على كثير من الامتيازات التى كان يتمتع بها عادة الصدر الأعظم. ولم يكن إلغاء لقبه أكثر من انعكاس لاضمحلال منصبه. وفى 30 مارس 1838, خلع اللقب الحديث "رئيس الوزراء" أو "باشوكيل" على الصدر الأعظم، وأصبح الوزير الأول فى

مجلس الوزراء. لكن اللقب الجديد ألغى فى السنة التالية بالرغم من تكرار ظهوره مددًا قصيرة فى الفترة ما بين 1878 - 1882. إلا أن استخدامه لم يصبح دائمًا إلا بعد انهيار الإمبراطورية، حين أصبح فى بعض الأحيان متخذًا صيغة "باشبكان". ولم تكن إصلاحات محمود وتجديداته فى الحكومة بهدف التدريب على أعمال الحكومة الغربية بل كان هدفها الأول المركزية وتدعيم السلطة التى انهارت نتيجة لانهيار النظام التقليدى. ولما نمت الحكومة المركزية وأصبحت أكثر قوة وثقة، اتسع نطاق نشاطها، فقد أنشئت وزارة الأشغال العمومية سنة 1839. وبالتخلص المستمر من سلطان الدين على الحكومة طبقًا للمرسومين الإمبراطوريين لعامى 1839, 1856, وإعلان دستور سنة 1876, بسطت الحكومة سيطرتها على دوائر كانت داخلة فى السلطة الدينية: وأنشئت وزارة التعليم عام 1857, ووزارة العدل عام 1879. وكانت واجبات الشرطة قد انتزعت من السر عسكر سنة 1845, وفى 1870 أسست وزارة الشرطة وأطلق على السر عسكرية اسم وزارة الحربية عام 1879. ولكن سرعان ما أغفل ذلك بدافع الحرص على التقاليد، ولم يستعد إلا على يد عبد الحميد فى 22 يوليو 1908 تنازلًا من جانبه لرجال الدستور. وتكونت نواة الحكومة على الطراز الأوروبى بإنشاء هذه المصالح. وكانت هناك إضافات تمت من بعد مثل وزارة التجارة والزراعة ووزارة البريد والتلغراف ووزارة البحرية ووزارة الغذاء سنة 1918. ولكن استحداث نظام الوزراء والوزارات بالألقاب الأوروبية لم يؤد فى الحال إلى ممارسة ما جرت عليه الحكومة الغربية بمسئوليتها الوزارية. وكما انبثقت هذه الوزارات من نمو مركزية السلطة وتزايد سلطة السلطان، فإن المسئولية الوزارية كانت ثمرة ضعف مركز السلطان وقيام صفوة من البيروقراطية الجديدة، التى هى نفسها وليدة المركزية. وصممت هذه الصفوة على المشاركة فى الحكومة.

كانت المشورة تعد دائمًا مبدأ أساسيًا فى الحكومة الإسلامية لكن دورها فى الدولة العثمانية كان يعتمد على القوة النسبية للسلطان ووزرائه، وهكذا كان المجلس المخصوص (مجلس خاص) تحت حكم محمود يجاوز قليلًا إرادة السلطان، فقد كان يعين وزرائه أو يصرفهم عن مناصبهم. ولكن إدخال النظم الحديثة تدريجيًا إلى الحكومة وزيادة التعقيد فى الإدارة، أدى إلى تشكيل هيئات متخصصة مثل: مجلس العدل ومجلس الإصلاح ومجلس الشئون العسكرية. وأدى كل هذا إلى تزايد أهمية الوزارات وهيئاتها. واستقلالها. وبمرور الوقت، أصبحت الوزارات مثل وزارة فؤاد باشا وعالى باشا قادرة على تحدى سلطة السلطان. وكان دستور 1876 هو الذى منح لأول مرة الاعتراف الشرعى بمجلس الوزراء الذى يرأسه الصدر الأعظم ويختص "بكل أمور الدولة الهامة الداخلية والخارجية". وأصبح هناك للمرة الأولى مجلس وزراء ولكن بدون مسئولية. فقد استمر السلطان يعين الصدر الأعظم وشيخ الإسلام، ويرشح الوزراء الآخرين "بإرادة" إمبراطورية (مادة 27). وكان جميع الوزراء مسئولين أمامه شخصيا (مادة 30). وهكذا ترسخ مبدأ الوزارة ولكن كان ينقصه التأييد الذى يجعله حقيقة عملية. وكان البرلمان قليل الخبرة ومنقسما على نفسه، واحتفظ السلطان لنفسه بالسلطة الكاملة. إذ أعلن الدستور فى 1876, ثم كشف عن تحكمه الشديد عام 1877 بتعطيل البرلمان وإيقاف الدستور فى الثلاثين عامًا التالية. وبعد ثورة يولية 1908، كان المرسوم الامبراطورى (خط همايون) الصادر فى أغسطس، علامة هامة فى تطور النظام الوزارى عند الاتراك. فقد خول البند العاشر من هذا المرسوم الصدر الأعظم حق تعيين جميع الوزراء ما عدا وزيرى الحربية والبحرية اللذين يعينهما السلطان، كما يعين الصدر الأعظم وشيخ الإسلام. ولكن أعضاء حزب "تركيا الفتاة" لم يقتنعوا بهذا التنازل وأجبروا السلطان على التنازل عن امتيازه بتعيين الوزراء الآخرين ما عدا الصدر الأعظم وشيخ الإسلام. وجعلت الإصلاحات

الدستورية لعام 1909 الصدر الأعظم مسئولًا عن تشكيل الوزارة (المادة 27، والتعديلات التى دخلت على دستور 1876 وقد وردت فى أ. س. كوزوبويوك وصوناكيلى. تورك آنايسه متينلرى، أنقرة سنة 1957, ص 70 - 73، ولأول مرة أرسى مبدأ المسئولية الجماعية للوزراء عن السياسة الحكومية فى كل الأمور (مادة 30). وأصبحت سلطة السلطان صورية، إذ انتقلت إلى أيدى الوزراء والبرلمان. وخلال الفترة من 1908 - 1918 مباشرة، جاهد أعضاء حزب تركيا الفتاة لتحديد الصلة الشرعية بين الوزارة والسلطان والبرلمان. وربما كان أهم آثار الأخذ بالنظام الحكومى الحديث هو إقامة مرافق مدنية جديدة ونمو طبقة بيروقراطية. وكان من السهل تشكيل وزارة على النمط الأوروبى، ولكن المشكلة الحقيقية كانت تنحصر فى تزويدها بموظفين ذوى نظرة حديثة. وحينما استبدلت مؤسسة حديثة بأخرى تقليدية، ظهرت الحاجة إلى رجال ذوى تعليم حديث. وكان محمود قد أنشأ من قبل دارًا رسمية للترجمة (ترجمة أوده سى) حيث تعلم الأتراك اللغات الأوروبية وحلوا محل التراجمة اليونانيين التقليديين. وبنفس الطريقة، كان لا مناص من البحث عن محصلين للدخل مدربين ليحلوا محل "الملتزم" القديم، ومديرى مديريات ليحكموا بدل الأعيان والدره بكوات. وأنشئت مدرسة للخدمة المدنية "مكتب ملُكِيه" ولكن ظلت مشكلة التجنيد حادة حتى القرن الحالى. وما وافت الخمسينات من القرن التاسع عشر حتى أصبحت الخدمة المدنية تنقسم إلى طبقات. وكان التجنيد بالرعاية والممارسة، جاعلا البيروقراطية بابا مغلقا. وسرعان ما أصبحت تقليدية النظرة من عدة وجوه، حتى أن دواوين تركيا فى الوقت الحاضر تبدو وكأنها ورثت بعضًا من هذه النظرة التقليدية. ولكن فى النصف الأخير من القرن التاسع عشر وحتى سقوط الإمبراطورية، حل الموظف

المصادر

الحديث محل الجندى رأس حربة فى إدخال النظم الحديثة إلى الإمبراطورية العثمانية. المصادر: علاوة على ما ورد فى صلب المادة انظر (1) عبد الرحمن شرف: تأريخ دولت عثمانيه، فى مجلدين، إستانبول سنة 1309 هـ, وفى مواضع أخرى. (2) المؤلف نفسه: تاريخ مصاحبلرى، إستانبول سنة 1340, والكتاب الأول استعراض عام للحقبة، والثانى سلسلة من المقالات عن شخصيات وحوادث فى القرن التاسع عشر وأوائل العشرين. (3) أحمد لطفى: تاريخ لطفى، فى ثمانية مجلدات، إستانبول سنة 1290 - 1328 هـ (ولم أره). (4) مصطفى نورى باشا: نتائج الوقوعات، فى أربعة مجلدات، إستانبول سنة 1294 - 1327. (5) أحمد جودت باشا: تذاكر، طبعة جاويد بايصون، أنقرة سنة 1953. (6) الكاتب نفسه: معروضات فى تاريخ عثمانى أنجمنى مجموعه سى، ص 78 - 93. (7) وخير استعراض تاريخى حديث للمدة من سنة 1826 - 1907 هو: أنور ضياقارال: عثمانلى تاريخى، جـ 5 - 8. أنقرة سنة 1947 - 1962, وفى هذا الكتاب استعانة كاملة بالمراجع الغربية والتركية، والمجلد الذى أفرد للتنظيمات يشمل مجموعة من المقالات نشرت سنة 1940 فى ذكرى العيد المئوى لصدور أول مرسوم فى الإصلاح، وهى مقالات قيمة بخاصة. (8) La Turquie et le: E. Engelhart Tanzimat, فى مجلدين، باريس سنة 1882 - 1884 وهو كتاب عمدة فى هذا الموضوع. (9) أما عن التطورات الدستورية فى هذه الحقبة فانظر مادة "دستور" التى كتبها لويس B. Lewis وهى تسوق مصادر شاملة.

2 - فارس

(10) وعلاوة على المراجع المذكورة فى صلب المادة انظر مواد باشوكيل ودفتر دار ومادة بالا فى هذه الدائرة، ومواد باب عالى وباشوكيل ودفتر دار فى (إينونو) تورك انسيلكو بيدياسى، وكل هذه المواد تزودنا بمراجع أخرى. (11) أما عن المدة التالية لثورة 1908 فانظر The Com-: Faroz Ahmad mitte of Union and Progress in Turkish 1908 - 1913 politices (رسالة جامعية لم تنشر قدمت لجامعة لندن سنة 1966). (12) وأخيرًا هناك دراسات عامة ومفصلة مثل The Emergence: B. Lewis Turkey of Modern، نسخة منقحة سنة 1968. (13) Reform in the: R.H. Davidson 1856 - 1876 Ottoman Empir برنستون سنة 1963. (14) The Development: N. Berkes of Secularism in Turkey، مونتريال سنة 1964. نجلاء عبد الرازق [ف. أحمد Ahmad .F] 2 - فارس اتبعت حكومة الأسرة القاجارية، التى تسلمت السلطة فى 1779 وخلع آخر حكامها سنة 1925, النظام العام للحكم الفارسى فى العصور الوسطى حتى الثورة الدستورية التى حدثت فى 1905 - 1906, هذا بالرغم من إدخال تغييرات خاصة فى الشكل خلال النصف الثانى من القرن التاسع عشر. وكان رئيس الوزراء يعرف باسم "المصدر الأعظم" وكان فى العصر السالف يحمل لقب "اعتماد الدولة" الذى أطلق على رئيس الوزراء فى عصر الصفويين. وكان المسئول المالى الأول هو "مستوفى الممالك" ورئيس الديوان الشاهانى هو "منشئ الممالك". واتجه عدد الوزراء إلى الزيادة منذ عصر فتح على شاه (1797 - 1834). وكان الشاه مستبدًا يعزل وزراءه ويذلهم وفق رغبته، يدعو مجلس الدولة المكون من الوزراء وأعضاء قياديين من القبيلة القاجارية وآخرين من حين لآخر لمناقشة الأمور الهامة والخضوع لإرادة الشاه. وكانت مهمة المجلس إستشارية

بحتة، لكنه لم يكن يجتمع بانتظام كما كان يقوم على مناقشة موضوع بعينه. فمثلا دعى هذا المجلس حين فكر محمد شاه (1834 - 1848) السير بنفسه للهجوم على هراة، ونصح بألا يفعل، Correspondence relating to Persia and Affghonistan وهى رسائل من مستر آليس إلى الفيكونت بالمرستون، لندن سنة 1839, رقم 25, تبريز, 2 يونية سنة 1836). وفى 1859، أنشأ ناصر الدين هيئة استشارية أطلق عليها "مصلحت خانه" برئاسة عيسى خان "إعتماد الدولة" والعضو البارز فى الأسرة القاجارية. وضمت إلى عضويتها وزراء (مستوفيه) وعدة موظفين وأعضاء من الطبقة الدينية. وكانت نية إقامة مجالس من هذا القبيل فى الولايات واضحة، ولكن يبدو أن المشروع وئد فى المهد (مستوفى: شرح زندكى من، طهران سنة 1945, جـ 1, ص 126, روزنامه وقائع إتفاقية، رقم 452 و 21 ربيع الثانى سنة 1276). وكانت العقبتان الكبيرتان فى وجه الإصلاح هما: خوف الملوك المتعاقبين من تقلص سلطاتهم، وميل الوزراء لتقبل الوضع القائم مدفوعين بعدة قرون مضت تولت فيها الحكومات المستهترة المستبدة. فقد تدخل الشاه فى أدق تفاصيل الإدارة. وإذا نجح الصدر الأعظم، كما نجح البعض بالفعل، فى اكتساب بعض القوة، فإن تلك القوة تصبح كقوة الشاه تمامًا فى الاستبداد والطغيان. وكلما زادت أثارت شكوك الشاه ومعارضة الموظفين والآخرين، وجنحت أكثر من ذلك إلى الفساد. فقد مارس "حاجى ميرزا آقاسى" الصدر الأعظم لمحمد شاه منذ البداية نفوذًا كبيرًا على مولاه حتى أنه أخضعه لسيطرته الكاملة. إذ تقلد مناصب: وزير الشئون الخارجية، ووزير المالية، ووزير الداخلية، وقائد المدفعية، ورياسة السباكة ودار الصناعة، ومنصب "نائب التولية" لمقام الإمام رضا فى "مشهد"، هذا بالإضافة إلى منصب الصدر الأعظم. وما إن انتهى حكم محمد شاه حتى أصبحت حكومة حاجى لا تحظى بأية شعبية، وسقط هذا الصدر الأعظم بموت محمد شاه، وكان ناصر الدين شاه، خليفة محمد

شاه، صغير السن تنقصه الخبرة، فجمع "ميرزا تقى خان" أول صدر أعظم له كل مقاليد السلطة فى يديه. إذ رأى، حين كان مندوب فارس فى لجنة الحدود التركية الفارسية، إدخال "التنظيمات" فى الإمبراطورية العثمانية، وكان من قبل قد زار روسيا مع بعثة "خسر وميرزا" التى أرسلت إلى هناك عقب مقتل المبعوث الروسى "جريبويدوف" فلما أصبح صدرًا أعظم، كانت الفوضى تسود كل مجال من مجالات الإدارة الحكومية تقريبًا، وبذل الرجل مجهودات فعالة للقضاء على المفاسد، وبخاصة فى الإدارة المالية. وهو يعد بوجه عام فى فارس رائد حركة الإصلاح الإدارى، ولكنه لم يدع إلى إقامة جهاز استشارى أو حكومة يتولاها مجلس وزراء - وساعد النجاح النسبى لجهوده على ظهور المعارضة والتآمر، اللذين ساندهما الشاه، فطرد ميرزا تقى وقتل سنة 1851. وتكتلت جهود خليفته "ميرزا آقاخان نورى" للقضاء على مكائد منافسيه الكثيرين ومنازعة الشاه فى الانفراد بالحكم. وفى سنة 1854, هدد بالاستقالة لأن الشاه تناقش مع البعثة الروسية فى الشئون العامة دون علمه. ونظرًا لاحتجاجاته الملحة بعث له الشاه برسالة يخبره فيها أنه سوف يتبع فى المستقبل سياسة وزيره. وبمضى الوقت تصاعد التعسف والفساد فى حكومة ميرزا آقاخان. وقد نجا من عدة مكائد لخلعه، ولكنه سقط آخر الأمر سنة 1858. وما إن حل ذلك الوقت حتى بدأ يسود اعتقاد مبهم بأن تخلف بلاد فارس وضعفها بالمقارنة بروسيا وبريطانيا، ربما كان يرجع إلى نظام حكومتها، ومن ثم قرر ناصر الدين أن يلغى منصب الصدر الأعظم ويعين ستة وزراء (الداخلية، الشئون الخارجية، الحربية المالية، العدل، الأوقاف) للنهوض بأعباء حكم البلاد. وقد ذكر الإعلان عن هذا القرار فى الصحيفة الرسمية فى 16 سبتمبر سنة 1858, أن المهام المختلفة التى أعفى منها الصدر الأعظم سوف يضطلع بها مجلس الوزراء، ويكون كل وزير منه مسئولًا مباشرة أمام الشاه، وسوف يضاف

عدد آخر من الوزراء للبلاط والتعليم والتجارة. وفى ظل النظام الجديد، ظل الوزراء لا يلتزمون بأى مسئولية فردية أو جماعية. ففى كثير من الأحيان، كانت الشئون العامة ينجزها الشاه تحت سمعهم وبصرهم. وقد شعر بالفعل وزير الداخلية أمين الدولة سنة 1858, أنه مجبر على الاحتجاج لدى الشاه فى هذا الشأن. وفى الوقت نفسه، بدأ ميرزا ملكم خان ناظم الدولة، الذى أصبح سفيرًا لفارس فى لندن عام 1872 بعد صرفه عن منصبه سنة 1889, يصدر فى لندن الصحيفة الفارسية "القانون" ويكتب سلسلة من المقالات السياسية دعا فيها إلى الإصلاح. وفى مقال له بعنوان "كتابجه غيبى با دفتر تنظيمات" كتب فى الفترة ما بين 1858 - 1860, راح يحث على انفصال السلطتين التشريعية والتنفيذية. وأشار إلى أن إقامة مجلس للوزراء، بعد سقوط ميرزا آقاخان نورى، أحدث اختلافًا طفيفًا نتيجة لفشل الفصل بين هاتين السلطتين، واقترح إنشاء مجلس من ثمانية وزراء يرأسه الشاه: ويدفع هذا بالتشريع إلى قيام مجلس يسمى "مجلس تنظيمات" كما اقترح وضع قانون للخدمة المدنية وأحكام لتنظيم شتى الوزارات (مجموع آثار ملكم، طبعة محمد محيط طبباطبائى، طهران سنة 1948 - 1949). وبعث ملكم خان بهذه المقالة إلى ميرزا حسين خان مشير الدولة الذى أصبح صدرًا أعظم سنة 1871. وفى مقالة أخرى بعنوان "دفتر قانون" ذكر ملكم خان أن الخطأ الأساسى لنظام الحكومة الفارسى هو الفشل فى فصل السلطة التشريعية عن السلطة التنفيذية. وجاء فى مقالة بعنوان "تنظيم لشكر ومجلس إدارة يا انتظام لشكر ومجلس تنظيمات" أن ما حققته الأسرة القاجارية هو إنشاء الوزارات المختلفة. ولكن هذا لم يكن كافيًا إذ كانت هناك حاجة أيضًا إلى مجلس تنظيمات. وفى مقالة "ندايى عدالت" نبة إلى الحاجة إلى المسئولية الجماعية للوزراء. وفى سنة 1871, أنشأ مجلسًا للدولة أطلق عليه "دار الشورايى كبرى"

بأمر من ناصر الدين لينهض بشئون الحكومة، وقد تألف من 16 عضوًا. وفى 12 ديسمبر 1871, شغل ميرزا حسين خان مشير الدولة منصب الصدر الأعظم، بعد أن ظل هذا المنصب شاغرًا حوالى 13 عامًا، وكان من قبل وزيرًا للحرب برتبة سباه سالار أعظم، وبدأ إصلاحًا شاملًا للإدارة الحكومية. وفى 23 نوفمبر 1872, صدر مرسوم شاهانى يعيد تنظيم مجلس الدولة، الذى أصبح يطلق عليه "دربار أعظم " برغم عودته إلى الاسم الأول فيما بعد. ويقسم شئون المملكة بين تسع وزارات: الداخلية والشئون الخارجية والحربية والمالية والعدل والتعليم والأشغال العمومية والتجارة والزراعة والبلاط، برئاسة الصدر الأعظم الذى أصبح رئيسًا للحكومة، أى "الشخص الأول فى الدولة" و"الدربار الأعظم". وأصبح تعيين وإقالة الوزراء بأمر من الشاه بناء على توصية الصدر الأعظم. وكما أصبح هناك مجلس للوزراء، ذكر المرسوم أن الأوروبيين يطلقون عليه هذا الاسم، ويرأسه الصدر الأعظم ولكل وزير السيطرة الكاملة على وزارته ولا يتدخل فى شئون الوزارات الأخرى. ويجتمع الوزراء بانتظام للتشاور فى كل الأمور التى تخص الحكومة، وهم مسئولون جماعيًا عن شئون الحكومة، وعليهم إبلاغ الشاه بتقاريرهم عن طريق الصدر الأعظم الذى أصبح مسئولًا أمام الشاه (مستوفى جـ 1، ص 163 وما بعدها). وافتتح مجلس الوزراء فى 3 ديسمبر سنة 1872. وفى الحقيقة، لم يكن مجلس الدولة ولا مجلس الوزراء يشبهان كثيرًا نظيريهما فى أوروبا الغربية، وربما كان مجلس الدولة يشبه إلى حد كبير مجلس روسيا الملكى، ولعله أنشئ أيضًا على طرازه. إذ كان جهازًا استشاريًا بحتًا ينعقد فى بعض الأحيان لتقديم النصح مسبقًا للشاه، أو لمناقشة تحقيق أوامر الشاه، كما جرى العرف، بعد إصدارها بالفعل، إذ استمر الشاه هو المنفذ الأوحد. وفى 1883, أقيل حسين خان وأثبتت إصلاحاته فشلها الذريع. وفى

سنة 1888 - 1890، بلغ عدد أعضاء مجلس الدولة 30 عضوًا، لكنه كان نادرًا ما يجتمع فى السنوات الأخيرة من حكم ناصر الدين، وفى ظل حكم مظفر الدين (1896 - 1907) اختلف عدد الوزراء ووزراء الدولة. وفى عام 1900 كان هناك وزراء للشئون الخارجية والحرب والمالية والبلاط (دربار) والعدل والتجارة والتعليم والبرق والبريد والزراعة والأراضى الشاهانية والأشغال العمومية والأوقاف والمعاشات والمطبوعات ومنشآت التاج ومجلس الشاه (وزير خلوت) والتعدين والصناعة والسكة وشئون الجيش ودار الصناعة، وكانت الوزارتان الأخيرتان تتبعان وزير الحربية. وشغل الصدر الأعظم وزارتى الداخلية، والخزانة والمكوس. وكانت بعض الوزارات موجودة بالاسم فحسب والبعض الآخر نادرًا ما يستشار. ومن الحملات التى شنت للإصلاح الحكومى فى السنوات الأولى من القرن التاسع عشر، لا نجد فيما يظهر إلا إهتمامًا قليلًا بسلطات الحكومة ومهامها. وفى اجتماع لمجلس "انجمن مخفى"، فى 9 مارس سنة 1905, صيغ طلب لتقنين التشريع بحيث يدرج تحت كل مجموعة تصور لواجبات الوزراء وتحديد سلطات الولاة (ناظم الإسلام: تاريخ بيدارى إيرانيان، طهران، من غير تاريخ، ص 182 - 183). ولم يطرأ تغيير جذرى على مهمة مجلس الوزراء إلا بعد إصدار الدستور على يد مظفر الدين فى 30 ديسمبر 1906. وبالرغم من أن الوزراء لم يكونوا أعضاء فى المجلس الاستشارى القومى، إلا أنهم أصبحوا مسئولين أمامه، وخولوا الحق فى حضور جلساته والإدلاء بآرائهم (القوانين الأساسية، المواد 29, 31, 40, 42) ووضعت "القوانين الأساسية التكميلية" فى 17 أكتوبر 1907 قاعدة جديدة هى أنه لا يرتقى إلى منصب الوزير إلا من كان مسلم الديانة فارسى المولد وأحد رعايا فارس (المادة 58) , وأبعد عن منصب الوزراء أمراء الدرجة الأولى، أى أولاد وأخوة وأعمام الشاه الحاكم (مادة 59).

المصادر

وأصبح الوزراء مسئولين شخصيًا عن الشئون المتصلة بوزاراتهم، وجماعيًا عن أعمال بعضهم البعض، وغير ذلك من شئون أخرى أعم أمام المجلس الإستشارى القومى ومجلس الشيوخ (المواد 60, 61, 65). ووضعت المادة 67 قاعدة هى أنه أظهر المجلس الإستشارى القومى أو مجلس الشيوخ بغالبية مطلقة عدم الرضا عن مجلس الوزراء أو عن وزير بعينه، فإن المجلس أو الوزير يجب أن يستقيل من مهامه الوزارية، ولا يستطيع الوزراء تجريد أنفسهم من مسئوليتهم بصدور أمر كتابى أو شفوى لهم من الشاه (مادة 64). وهكذا آذن الدستور ببداية عهد جديد فى حكومة فارس حيث لم يعد الوزراء مجرد عمال للشاه، ولكنهم مسئولين فرديًا وجماعيًا أمام مجلس منتخب. المصادر: (1) فريدون آدميت: فكر آزادى ومقدمه نهضت مشروطيت، طهران سنة 1340 شمسية. (2) ميرزا على خان أمين الدولة: خاطرات سياسى، طبعة حافظ فرمان فرمائيان، طهران سنة 1962. (3) محمود فرهاد معتمد: تاريخ سياسى دوره صدارت ميرزا حسين خان مشير الدولة سياه سالار أعظم، طهران سنة 1947 - 1948. (4) Persia: Guzon, لندن سنة 1892. (5) Secret Societies: A.K.S Lambton and the Persian Revolution فى St. Antony Papers, رقم 4 , Middle East Affairs رقم 1، لندن سنة 1958. (6) The Persian Rev-: E.G. Browne 1905 - 1909 olution of, كامبردج سنة 1910. (7) قاسم زاده: حقوق أساسى، الطبعة السادسة، طهران سنة 1955 - 1956. (8) Iran: Political develop-: L.iBinder ment in a changing Society, بركلى ولوس انجليس، سنة 1962. نجلاء عبد الرازق [لامبتون A.K. Lambton]

3 - فى مصر وفى بلاد الهلال الخصيب

3 - فى مصر وفى بلاد الهلال الخصيب (سوريا ولبنان والأردن والعراق) ظهر اتساع نظام الإدارة ونطاق الحكومة ومهامها أى السلطة الزمنية للدولة بصفة عامة) فى عصر المماليك والعثمانيين. وكان التفكك السياسى والعسكرى للمملكة قد أصبح حقيقة قبل سقوط الإمبراطورية الإسلامية وتخريب بغداد على يد المغول سنة 656 هـ (1258 م) بوقت طويل. وهكذا لم يجرد الخليفة، وإمام الجماعة، من سلطته الدنيوية فحسب، بل انتقص أيضًا من سلطته الروحية حتى تقلصت فى الحق تمامًا. فقد أرسى ولاة الأقاليم فى مصر وسوريا على سبيل المثال، دعائم حكوماتهم المستقلة إستقلالًا ذاتيًا، وأقاموا أسرًا حاكمة فى كثير من الأحيان وأصبحت الحكومة فى الأراضى الإسلامية ملكية بسيطة، الكلمة العليا فيها للحاكم القوى. وكانت الحكومة غالبًا مستبدة قاسية، وكثر فى كل مكان الحكام الذين يستطيعون أن يسبغوا الشرعية على حكمهم بالقوة الغاشمة. وفى الهلال الخصيب، أدت الاختلافات الطائفية التقليدية العرقية والقبلية إلى أن تقوم مرة أخرى الأسس الحقيقية للحكومة والسياسة. ويرتبط قيام الحكومة الدنيوية الحديثة والإدارة فى مصر بحكم محمد على الكبير (1805 - 1849). فقد أسس دولة حديثة مستقلة استقلالًا ذاتيًا هو وورثته من بعده. فبالإضافة إلى تكوين جيش قوى حديث على الطراز الأوروبى، أقام محمد على إدارة مركزية تحكمت وراقبت عن كثب شئون الدولة. واستعار محمد على من أوروبا فكرتين أساسيتين جديدتين، وبالنسبة لمصر طبق أفكارًا مبتكرة هى: أصول الإدارة الدنيوية الرشيدة ومهام الحكومة الواسعة وسلطاتها التنظيمية. وقد امتدت هذه السلطات لتشمل كل مظهر من مظاهر الحياة العامة: الزراعة والتجارة والداخلية والخارجية والصناعة والتعليم. وتركت الأحوال الشخصية فحسب لحكم الشريعة والمحاكم الشرعية، وحتى هذا المجال من مجالات الحياة كان يخضع لرقابة حكومية مباشرة فى ظل سياسة محمد على المركزية. وهكذا كانت هناك بعد

بيروقراطية مقصودة للعلماء، وإصلاح تدريجى فى إدارة الأزهر ومعاهده، وسيطرة مالية تفرضها الحكومة آخر الأمر على الأوقاف والممتلكات الأخرى للمؤسسات الدينية. وفى باكورة حكمه، أنشأ محمد على مجلسًا حكوميًا هو "الديوان العالى" لمساعدته فى جميع شئون الحكومة والإدارة، ويرأس هذا المجلس نائبه "كتخدابك" الذى كانت له سلطات واسعة فى جميع أمور الحكومة. ويعد هذا المجلس الممهد لمجلس الوزراء الحديث لأنه كان حتى 1878 يعرف بالديوان الخديوى أو ديوان المعاونة. وفى نفس الوقت شكل محمد على مجالس قائمة بذاتها لكل فرع من فروع الحكومة مثل: الجهادية والبحرية والتجارة والتعليم والأشغال العمومية والشئون الخارجية. وقامت هذه المجالس مقام الوكالات التنفيذية أو المصالح التابعة لمجلس الدولة الحكومى. وأدى اتساع المهام الحكومية إلى تكوين مجلس أعلى جديد للدولة سنة 1834 يتكون من رؤساء المجالس القائمة بذاتها. وضم إلى عضويته العلماء وكبار التجار وأعيان المديريات. أما "مجلس المشورة" الذى أنشئ مبكرًا سنة 1829 , فلم تكن له سوى مهام إستشارية، أسسه محمد على بنية ضم أكبر عدد من الزعماء الوطنيين والمحليين والقبليين إلى نظام حكمه. ويعتبر قانون السياستنامه أو القانون النظامى أكثر الأشياء دلالة على تأسيس الحكومة المنظمة والإدارة المنهجية، بالإضافة إلى نجاح الحاكم فى فرض النظام العام. وفى الواقع، كان هذا إجراءًا اتخذ لإعادة تنظيم الحكومة حدد نظامها ومجال مسئوليتها ومهام كل مصلحة. فقد أعيد تنظيم الحكومة فى سبع مجالس أو مصالح أو وزارات أولية، ويسيطر "الديوان العالى" الذى أصبح "الديوان الخديوى" فيما بعد، على السلطة القضائية، وخاصة بعض الجرائم التى تقتضى حفظ النظام العام والأمن فى القاهرة، بالإضافة إلى مسئوليته عن السياسة الداخلية العامة. وكانت هناك مصلحة تشرف على الدخل من

المديريات فى مصر وكريت والسودان والأراضى الأجنبية الأخرى. كما كانت مسئولة عن دخل المكوس ولها السلطة فى تعيين مفتشى الأقاليم وغيرهم. وبالإضافة إلى مصالح الحربية والبحرية، أشرف ديوان المدارس على نظام المدارس الجديد فى الدولة ومطبعة الدولة فى بولاق وما يتصل بذلك من نشاطات. وكانت مصلحة شئون الفرنجة هى البداية لوزارة العلاقات الأجنبية والتجارة الخارجية. وأخيرًا أنشئت مصلحة المصانع التى عنيت بمشاريع الدولة الصناعية. ومع إعادة التنظيم الشاملة تلك أنشأ محمد على "الديوان الخاص" للنظر فى المسائل السياسية العامة، ووضع التشريعات، وإصدار التوجيهات لكل مصالح الحكومة. كما كان هناك مجلس خاص فى مصلحة المالية والدخل للنظر فى مسائل السياسة المالية. وكانت إعادة تنظيم الحكومة وإصلاحها على يد محمد على، هى أول إدارة حديثة استحدثت فى البلاد. وكان لجميع مصالح الحكومة ومجالسها مهام تنفيذية صارمة، كما كانت مسئولة أمامه - وأكثر من هذا، فإن محمد على أعاد تنظيم مصالح البلاد فقسمها إلى 7 مديريات و 5 محافظات عين لها أول مديرين للأقاليم والنواحى باعتبارهم موظفين عموميين للحكومة المركزية. كما نظم قوة شرطة حديثة يرأسها حاكم أو مفوض يعمل تحت إمرته ضباط ينتشرون فى أرجاء البلاد كافة. والقضاء نفسه تأثر بنظام محمد على الحديث. فبالرغم من أن هذا الميدان ظل إلى حد كبير من مهام المؤسسات الدينية ومسئوليتها، إلا أن محمد على قبيل سنة 1830, منح سلطات قضائية لمجلس الدولة. وفى سنة 1842, إستحدثت هيئة جديدة هى "الجمعية الحقانية" التى كانت إرهاصا بقيام مجلس إدارى الدولة، وخولها سلطة محاكمة كبار موظفى الدولة، والنظر فى المخالفات الإدارية التى تحيلها عليها مصالح الحكومة على اختلافها. كما أسس "مجلس التجارة" ليقضى فى المنازعات التجارية بين أهل البلاد بعضهم البعض وبينهم وبين الأجانب. وبهذا بدأت سلطة الحكومة العلمانية الحديثة تتعدى تدريجيًا على مجال من

مجالات سلطة الدولة، كان حتى ذلك الوقت مدخرًا للشريعة. والتعليم مجال آخر تقلصت فيه السلطة التقليدية إذ خرّجت مدارس الدولة العلمانية والكليات الجديدة ومدارس التجارة والتعليم الفنى والبعثات الدراسية إلى أوربا، مجموعة من الإداريين المصريين الوطنيين والفنيين للعمل بالدولة، فساعدوا على زيادة تطور الإدارة العلمانية والحكومة الحديثة فى مصر. ووقعت المرحلة الكبيرة الثانية فى تطور الحكومة الحديثة بمصر، فى حكم الخديوى إسماعيل (1863 - 1879) وفى هذه الفترة تدفق الأوروبيون تدفقًا على البلاد. وكان برنامج إسماعيل فى التنمية فى جميع المجالات طموحًا للغاية وسريعًا بالنسبة لموارد الدولة. وأدى هذا إلى مديونيته للدائنين الأوروبيين، وإلى إفلاسه فى النهاية وفرض الرقابة المالية والسياسية الأوروبية على الحكومة المصرية، ثم الاحتلال البريطانى فى النهاية سنة 1882. ومع ذلك، فإن هذه العوامل جميعًا أدت إلى تغييرات فى النظام الإدارى، وكان أكثرها دلالة إنشاء "مجلس النظار" فى أغسطس سنة 1878 ليكون مسئولًا عن إدارة البلاد. ودل هذا على أن حاكمًا مستبدًا مثل إسماعيل كان مضطرًا تحت الضغط إلى أن يستحدث صورة معدلة للنظام الأوروبى الذى يقوم على حكم وزارى. وكان أعضاء هذا المجلس أو الوزراء مسئولين عن سياسة مصالحهم التى يرأسونها أو إدارتها، كما كانت لهم السلطة على جميع الموظفين العموميين أو العاملين المدنيين فى تلك المصالح. وكان للمجلس رئيس أو وزير أكبر، أصبح فى ذلك الوقت مسئولًا عن اختيار الوزراء الآخرين. وحتى ذلك الوقت، ساعد المجلس المخصوص حاكم مصر فى إدارة البلاد. وكان أعضاؤه، بالإضافة إلى رؤساء المصالح المتعددة بالحكومة، موظفين لدى الحاكم ولا تقع عليهم أي مسئولية خاصة. وأصبحت الدواوين الجديدة وزارات فعلية، وحل مجلس الوزراء محل "المجلس المخصوص" القديم باعتباره الجهاز الشرعى المعترف به لحكومة مصر.

وأعاد إسماعيل تنظيم الإدارة فى مصر فقسمها إلى 13 مديرية و 8 محافظات وهو التقسيم الذى لا يزال قائمًا دون تغيير تقريبًا حتى اليوم. وظهرت التغيرات البعيدة الأثر فى مجالات التشريع والقضاء، فى حين ظلت الأحوال الشخصية داخل نطاق القضاء الشرعى والمحاكم الدينية. وطغت القوانين الوضعية وسادت فى جميع المجالات الأخرى. وأعدت وصدرت مجموعة القوانين التجارية والمدنية والجزائية وقوانين العقوبات على الطراز الأوروبى، وأصبحت هذه القوانين فى الثمانينات من القرن التاسع عشر أساس القضاء الوطنى. وتحت حكم إسماعيل، تشكلت محاكم القضاة ومحاكم الدرجة الأولى فى جميع أرجاء البلاد. وبدأ العمل لإقامة المحاكم الوطنية فى عهد إسماعيل، وتم فى عهد توفيق باشا سنة 1883. وأسست المحاكم المختلطة للقضاء بين أهل البلاد والأجانب سنة 1876. وأصبحت وزارة العدل الجديدة مسئولة عن المحاكم الوطنية الجديدة وكل درجات القضاء فى البلاد. وبإنشاء المراقبة الثنائية على مالية مصر سنة 1876, بلغ النفوذ الأوروبى المباشر الحكومة والإدارة المصرية. وأصبحت مراقبة الميزانية وإدارة الدين والكفاية الإدارية أهم مجالات الإصلاح الحكومى لفترة الثلاثين عامًا التالية، وخاصة فى أثناء الاحتلال البريطانى. وأصبح نظام المستشارين الأوروبيين، والإنجليز فيما بعد، للوزارات الحيوية ومديرى المرافق العامة والأشغال والمواصلات والمفتشين، دعامة هامة فى الإدارة المصرية خاصة تحت حكم كرومر. ومنذ الاستقلال سنة 1923 وحتى الإطاحة بنظام الحكم القديم فى يولية سنة 1952, كان الجهاز الإدارى فى مصر فى جوهره، هو الجهاز الذى طوره أولًا محمد على وإسماعيل ثم أصلح تحت الوصاية البريطانية. ودعت الزيادة السريعة فى السكان، وقيام صناعة قومية صغيرة ومعها قوة عمالية صغيرة أيضًا، إلى اتساع مهام الحكومة والسلطات التنظيمية. وكان أكثرها دلالة إنشاء وزارة الشئون الإجتماعية سنة 1939 - 1940 تضم

مصلحة للفلاح - وتنظر هذه الوزارة فى شئون العمل والأمن والرفاهية الإجتماعيين، على المستوى القومى فيما هو مفروض. وزادت القوة العمالية العامة خلال الحرب العالمية الثانية حتى أصبح إنشاء وزارة للعمل أمرًا حتميًا. كما تمخضت الحرب عن وزارة للتموين أيضًا. ولعل الاقتصاد المصرى الذى ظل فى جوهره زراعيًا حتى وقت قريب يعتمد على التوزيع العادل لمياه النيل وحسن استخدامها، هو السبب فى أن أوجب واجبات الحكومة هو ما تقوم به وزارة الأشغال العمومية والرى منذ عصر محمد على. وكان الموقف السياسى بعد الحرب حريًا يخلق هوة واسعة بين الطبقات الحاكمة من السياسيين، أيًا كانت مذاهبهم السياسية، وبين الشعب. وقد خلقت مشاق الحرب، وما تبعها من بطالة، مشاكل جديدة دعت إلى التدخل الحكومى. وسرعان ما انتشرت بعد الحرب فكرة مؤداها أن المهمة الرئيسية للدولة والحكومة هى توفير الخدمات الاجتماعية وأسباب الرفاهية على نطاق واسع. زد على هذا، أن الناس أصبحوا ينظرون إلى الدولة والحكومات على اعتبار أنها أدوات للتغيير والتنمية. وفى هذه الأثناء، كانت الحكومات المصرية مشغولة كل الانشغال بالمنازعات الشخصية التى تتورط فيها الأحزاب السياسية والملك، بالإضافة إلى السعى إلى طرد القوات البريطانية من منطقة السويس. وفى الفترة بين 1946 - 1952, دعمت الحكومة قوات الشرطة والأمن، وهى من أجهزة الحكومة التى تشكلت وتطورت إلى حد كبير خلال الخمسين سنة السابقة بمساعدة البريطانيين. وكانت الحكومة تستخدم أجهزة الأمن وشتى إدارات الشرطة بأقصى قدراتها بدافع من المضايقة من قبل بعض الجماعات، مثل الإخوان المسلمين، وكانت هذه المعارضة تعمد إلى العنف أحيانًا. وعندما انهار النظام البرلمانى، وأطاح الضباط الأحرار بالملكية فى يوليو 1952 والشهور التالية، استولى هؤلاء الضباط على مقاليد الحكم القائمة

ووضعوها تحت الإشراف العسكرى. وبعد إلغاء الملكية فى يونية سنة 1953، أعلنت الجمهورية وأقيمت الحكومة على النظام الرئاسى سنة 1956, واتسمت الحكومة منذ ذلك الوقت بالسلطة التنفيذية القوية والمركزية الشديدة. وبدافع من التركيز والعناية بالتنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية وسياسات الرفاهية، قام النظام الحاكم الجديد بتغييرات جذرية فى الإدارة، إذ توسعت فى مهامها إلى حد كبير. وانبثق عدد من الوزارات الجديدة من تلقاء نفسها نتيجة لانهماك الحكومة فى التخطيط القوى للاقتصاد والنشأة السريعة للصناعة والتعبئة السياسية للجماهير، وكانت وزارة الصناعة قد نشأت من قبل سنة 1952, أما وزارة الثقافة والإرشاد القومى مثلًا، فكانت جديدة. والتأميم الشامل للمشروعات الاقتصادية والتجارية سنة 1961, وهو الذى استحدث سياسة إشتراكية، أدى إلى تغيير آخر لمهام الحكومة لتشمل بالفعل كل مجال من مجالات العمل القومى والخاص. واتسع نشاط الحكومة فى هذه المجالات أكثر نظرًا لاتباع سياسة الإصلاح الزراعى واستصلاح الأراضى وإعادة توزيع الأراضى على الفلاحين مع ما تبعه من تكوين الجمعيات التعاونية للزراعيين والمستهلكين. وبالرغم من أن الدولة التزمت بالتعليم المجانى والإجبارى لكل المصريين منذ 1950 - 1951، إلا أن نشاط الحكومة فى هذا المجال إتسع حديثًا إلى درجة كبيرة خاصة فى المستويات العليا للتدريب الفنى والجامعى. وتأميم الصحافة سنة 1961 واستيلاء الحكومة على دور النشر، جعل من هذه المؤسسات والوظائف أيضًا أجهزة للدولة وحكومتها. كما ظهرت الهيئات الحكومية والخاصة فى ظل النظام الحاكم الحالى وأبرزها هيئة قناة السويس. وكان مشروع سد أسوان، الذى بدأ فى سنة 1960, من الضخامة بحيث تطلب وزارة خاصة له.

وفى سنة 1966 أصبحت الوزارة فى مصر إدارة تنفيذية بمعنى الكلمة، والرئيس هو ونائبه أو نوابه الذين يختارهم يضعون سياسة حكومية قومية. وفى ظل الدستور المؤقت لمارس سنة 1964, أصبحت الوزارة وزارة رئاسية، أى ليس لها فى الحق مركز شرعى مستقل. ويتولى وزراء الوزارات شئون الحكومة بإرشاد وتعاون من وزاراتهم فيقترحون التشريعات وتقديمها للرئيس للنظر. ولكن الرئيس يرسم السياسة العامة للدولة بمشاورة حكومته (نواب الرئيس ووزراء الوزارة) فهو يصدر جميع قوانين ولوائح الأمن ويشرف على تنفيذها. ومنذ 1962, شكلت الدولة تنظيمًا شعبيًا سياسيًا لتشجيع الشعب على المشاركة فى البرامج القومية. ويقال إن الاتحاد الاشتراكى العربى ضم، فى عام 1966، ستة ملايين عضو، ونظم على المستويات المحلية والإقليمية والقومية ويرأس الرئيس اللجنة التنفيذية العليا له، ويعين هو أعضاءها. ومن ناحية أخرى، ما زالت ترتيبات الحكومة المحلية تتبع أساسًا النظام الذى نبع من الماضى. ويخضع ضباط الحكومة وكبار الموظفين العموميين لوزارة الداخلية. وما زالت هيئة القضاء تتبع النظام القديم لمحكمة النقض، التى تعمل فى ظلها 6 محاكم إستئناف وعدة محاكم ابتدائية (أى محاكم الدرجة الأولى)، والكثير من المحاكم المستعجلة. وأدخل النظام الحاكم الجديد تغيرًا جذريًا واحدًا وهو إلغاء المحاكم الشرعية سنة 1955 - 1956. وكان حكم العراق بالنسبة للعثمانيين، قبل عام 1914, صعبًا ومكلفًا. ومع أن البلاد كانت فى ذلك الوقت منظمة فى 4 وحدات إدارية رئيسية هى ولايات الموصل، وبغداد، والبصرة ومتصرفية دير الزور، إلا أن سلطة ورقابة شتى الولاة الذين كانت تعينهم استانبول سلطة أقرب إلى الاسم من الفعل. وكان يصعب إخضاع العراق لسلطة مركزية أو ممثلين لها فى بغداد، إذ كان يسكنها مجتمع متفرق الأجناس والأديان من الأكراد والتركمان والأشوريين والشيعة واليزيدية وسكان البطائح والقبائل الأخرى.

ومن المحتمل أن تطوير بعض وسائل المواصلات والخدمات البريدية فى القرن التاسع عشر قد أدى بلا شك إلى جنوحها إلى السلم وإخضاعها لسلطان مركزى. وقد استغرقت قوات الاحتلال البريطانى عامين (1918 - 1920) لفرض بعض النظام والأمن المظهريين فى أرجاء البلاد. وأسس المفوض المدنى، تحت حكم القائد الأعلى البريطانى، نواة إدارة لحكم العراق بتكوين مصالح جديدة وحديثة فى حكومة بغداد، كان أهمها تلك التى اضطلعت بالنظام والأمن العام، خاصة وأن عدة أقاليم فى البلاد كانت تجاهر بتحديها للسلطات فى بغداد. وكذلك تلك المصالح التى تختص بالزراعة والأشغال العمومية والرى والصحة والنظافة، ناهيك عن المالية. ومورست السلطة الإدارية لمصالح الحكومة الجديدة فى طول البلاد وعرضها عن طريق تنظيم المديريات. وكان هذا بالضبط هو نفس نظام الوحدات الإدارية الذى كان موجودًا قبل الحرب العالمية الأولى، وكان عددها وقتئذ 16 وحدة. أما اليوم فهى أربع عشرة وحدة إدارية. وعندما انتهى الحكم العسكرى فى أكتوبر سنة 1928, تشكل مجلس الدولة العراقى باعتباره جهازًا للدولة مسئولًا عن الإدارة، لكنه يستمع لنصيحة موظفين بريطانيين. واستمر الحكم بوزارة عراقية، مع بعض الوصاية البريطانية على جميع فروعه فى ظل الملكية من سنة 1922 - 1932, وهنالك حصلت العراق على استقلالها واشتركت فى عصبة الأمم. ثم انتهى الانتداب البريطانى رسميًا وحلت محله معاهدة إنجليزية عراقية. وكان تكوين جيش قوى بعض الشئ وقوة طيران وقوة شرطة فى العراق، ضروريًا لحكم البلاد، وبحلول عام 1936, كانت الشعب الثلاث التنفيذية للحكومة قد تقدمت إلى حد كبير بالمقارنة بمثيلاتها فى دول الهلال الخصيب الأخرى. ولا يقل عن ذلك أهمية، تطور القضاء بالنظر إلى تفرق البلاد بين طوائف دينية وقبلية وسلالية. وبالرغم من ازدياد المركزية

للسلطة فى بغداد، ظلت محاكم التحكيم الخاص والإجراءات الإدارية للقبائل كما هى. وأصبحت تنمية الموارد القومية منذ وقت مبكر مسئولية الحكومة فى العراق وخاصة فى مجال الرى والزراعة. وشجعت البلديات، ومدت بالمال لتطوير مواقعها (قانون البلدية العام سنة 1929). وبتحسن المواصلات تقدمت الإدارة الحكومية المباشرة لبغداد على حساب القوى الأخرى خاصة شيوخ القبائل. ويماثل نظام محاكم الدرجة الأولى للمديريات نظيره فى مصر. ومع ذلك، ظل "القانون المدنى العثمانى" مطبقًا فى العراق حتى سنة 1951 - 1952, وهنالك حلت محله قوانين أخرى. وكما فى مصر تتحكم وزارة الداخلية فى العاصمة فى إدارة المديريات، حتى أن المبادرات المحلية ظلت محدودة. ويعد هذا شيئًا بالغ الأهمية فى العراق حيث تميل الجماعات إلى تحدى السلطة المركزية للحكومة، ومع هذا، تشكل بمرور السنوات جهاز دائم من الموظفين المدنيين تزايد عدد أفراده، كما هى الحال فى الدول العربية الأخرى، خاصة منذ بداية الانقلابات العسكرية فى يولية سنة 1948, وهى الانقلابات التى أدت إلى أن تتوسع الحكومة فى الخدمة العامة. واستمرت هيئات الخدمة العامة فى استيعاب العراقيين المتعلمين. ونهض القانون الصادر عام 1957 بإجراءات الخدمة المدنية، وأنشأ "مجلس الخدمة العامة". وكما فى مصر، أصبحت إدارة العمل والأمن الاجتماعى مسئولية الدولة سنة 1939 - 1940, وتوسع فيها سنة 1956. كما أصبح من أكبر مهام الحكومة منذ 1953، ترشيد استخدام موارد رسوم البترول لمشاريع التنمية الرئيسية. كما أصبح التعليم الإجبارى مسئولية الدولة وتديره الحكومة منذ سنة 1940. ولكن عدم الاستقرار السياسى الذى ينعكس بعضه فى التورط الدائم للجيش فى السياسة والفتن القبلية المتعددة، والصراع الدائم بين الحكومة والأكراد، أثر بطريقة عكسية على سير الأجهزة الإدارية فى عملها برفق ويسر. كما تضاءلت كفاءة الحكومة منذ أغسطس

سنة 1958، حين أدى "القانون ضد التآمر" إلى أعمال التطهير وقيام المنظمات البرلمانية فى صورة أحزاب سياسية ومليشيات شعبية وغير ذلك. ومنذ الانقلاب السياسى سنة 1958، أصبح هناك اتجاه فى الجيش للسيطرة على الدولة والحكومة. وتمخض عن هذا فوضى فى الإجراءات الحكومية. وأدخل الدستور الجديد لمايو سنة 1964 قوى تنفيذية كبيرة فى نظام رئاسى للحكومة، تفوق مثيلاتها فى ظل الملكية. ويعين الرئيس وزراء الوزارة ويعفيهم من مناصبهم، ويحكم بمعاونة مجلس الدفاع القومى. وحدث فى العراق ما حدث فى مصر. فأصبحت هيئة حكومية قومية واحدة هى التى أعلن عنها، ونعنى بها "الاتحاد الاشتراكى العربى العراقى". زد على ذلك أنه قد صرح بأن الدولة مسئولة عن التخطيط الذى يوجه الاقتصاد القومى ويتوسع فى المنهج التعاونى، واتخذت حديثًا سلسلة من التأميم للمشروعات. وفى سوريا ولبنان، أعاقت الانقسامات السياسية والاجتماعية والسلالية الحكومة فى جميع الأوقات، وربما كان ذلك أوسع مدى مما حدث فى العراق. وقد حاول العثمانيون تطبيق صورة من صور الإدارة هنا تقوم على تقسيم البلاد إلى مديريات، ومع هذا. استطاع الحكام العثمانيون أن يحكموا حكمًا مباشرًا دمشق والمدن الكبرى الأخرى فحسب، وتم لهم ذلك حتى جاء الغزو والاحتلال المصرى سنة 1831 - 1832. أما فى سائر المناطق، فقد حكمها شيوخ القبائل والزعماء المحليين لا يزعجهم فى ذلك مزعج. وقد حاولت السلطة المصرية فى تلك الفترة القصيرة من حكمها إقامة حكومة مركزية قوية، وفرض ضرائب منتظمة لمواجهة تلك الاتجاهات الانفصالية المحلية. وعمدت السلطات العثمانية إلى الأخذ ببعض الإصلاح الذى تفرع من نظام "التنظيمات"، فقامت بإجراء فى الإصلاح الإدارى يهدف إلى دفع مرتبات منتظمة للعاملين المحليين، وتوسيع التسهيلات التعليمية. وسرعان ما دخل النفوذ الأوروبى

والأمريكى بعد ذلك إلى المنطقة فى صورة بعثات دينية وتعليمية، واقترن هذا بتحسن المواصلات فى البلاد. وظلت لبنان، أو الجزء الجبلى منها على الأقل، حتى منتصف القرن التاسع عشر، تحكمها عائلتان قويتان على اعتبار أنها إمارة، وقضى على العائلة الثانية، وهى عائلة الشهابيين سنة 1842, وقسم العثمانيون الولاية إلى ناحيتين: ناحية درزية وناحية مارونية، لكل منها مدير ومجلس إدارى يمثل الجماعات الدينية، وكان هذا بمثابة اعتراف غير رسمى بالأساس الطائفى للحكومة والإدارة فى لبنان، ولكنه أدى أيضًا إلى مشكلة خطيرة فى الفترة ما بين 1856 - 1860 تفاقمت فى صورة مذابح طائفية وتدخلت فيها الدول. وعلى هذا صدر قانون أساسى فى 1861 - 1864 يجعل لبنان سنجقية مستقلة استقلالًا ذاتيًا يحكمها والٍ مسيحى غير لبنانى يعينه السلطان وتوافق عليه الدول. وأدار هذا الوالى البلاد بمساعدة مجلس إدارى منتخب. وقد جسد هذا المجلس مبدأ الطائفية فى الحكومة والإدارة. وأقام الانتداب الفرنسى سنة 1920 "دولة لبنان الكبرى" بإضافة المناطق الساحلية: طرابلس وصيدا وصور وبعلبك والبقاع وبيروت إلى السنجقية الأصلية لجبل لبنان. وكذلك أقر الدستور الصادر فى سنة 1926 الأساس الطائفى للحكومة رسميًا بجعل رئيس الجمهورية اللبنانى مسئولًا عن الإدارة أمام المندوب السامى الفرنسى. وخلال الفترة من 1926 - 1932 اضطلعت حكومة لبنانية قومية بالمهام الإدارية ولكن تحت الوصاية الفرنسية. فقد عين المندوب السامى الفرنسى العاملين بالحكومة فى الدول الأربع التى قسمت إليها سوريا أولا سنة 1920 (انظر ما يأتى). ومع ذلك، أدارت السلطات الفرنسية المرافق مثل: الجمارك والبريد والبرق مباشرة وبالتعاون فى كل من لبنان وسوريا. ومنذ عام 1934، أصبح رئيس لبنان مارونيًا، طبقًا للعرف المعمول به، ورئيس الوزراء سنيًّا مسلمًا. وكان

التركيز على سلطة تنفيذية قوية فى الحكومة تتمثل فى الرئيس ويقوم بها مجلس للوزراء. ويستطيع الرئيس أو المجلس أن يسنا التشريعات ويصدرا القوانين بالفعل. وامتد عمل جهاز الحكومة المركزية إلى المديريات، إذ يشرف وزير الداخلية ويسيطر على الإدارة المحلية والإقليمية. وهناك خمس مديريات هى: بيروت ولبنان الشمالية وجبل لبنان ولبنان الجنوبية والبقاع. وتتركز الإدارة الحكومية بصورة شديدة حتى أن مديرى المديريات ليسوا إلا ممثلين للسلطة المركزية، وليس للمجالس المحلية إلا مهام تنحصر فى تقديم النصح. ومنذ عام 1955، ظهرت محاولة للتخفيف من حدة مركزية الإدارة إلى حد ما. وبسبب الأساس الطائفى المميز للسياسة والحكومة اللبنانية، ظهر اتجاه شعبى ينظر للوزراء ومديرى المصالح الحكومية نظرته إلى ممثلين للمصالح الطائفية أكثر من تمثيلهم للنشاط الخاص بالوزارات التى يتولونها. وظل توزيع مناصب الخدمات المدنية، مثل مناصب الوزراء، خاضعًا للموازنة بين المصالح الطائفية. وتحت ضغط الأفكار القومية الحديثة، ظهرت محاولة للإصلاح الإدارى سنة 1958 - 1959 ووفق على قانون للعاملين سنة 1959، وأنشئ بمقتضاه أيضًا مجلس للخدمات العامة، وكان هدف هذا التشريع الجديد إقامة مستويات عامة محايدة ومعايير للتعيينات فى الخدمة العامة وعلى معظم المستويات. وتحكم الدولة فى لبنان من عدة وجوه عن طريق التوفيق بين مصالح الطوائف الدينية المختلفة، أكثر من حكمها بتدبير الحلول التى تفرض على الناس الأخذ بأحكامها الفعالة، والدولة تدير أيضًا المرافق. ومن ثم، فإن كثيرًا من أعمال الحكومة يقضى بمعرفة الحاشية التى تحيط بالرئيس سواء كانت رئيس وزراء أو وزير فى الوزارة. وكما يمارس الرئيس سلطة كبيرة، فإن مجلس النواب، وهو هيئة تشريعية وحيدة، يجنح إلى الخضوع للهيئة التنفيذية.

وفى مجال إقامة العدل، حلت قوانين مدينة وقوانين عقوبات جديدة محل القوانين العثمانية فى وقت مبكر يرجع إلى سنة 1931 - 1932, وأصبح لوزير العدل مع ذلك مهام تنفيذية بحتة. ويقيم العدل "المجلس الأعلى للعدل" الذى يهيمن على القضاة. ونظمت المحاكم آخذة فى الكثير بالنظام المتبع فى سوريا والعراق، أى أنه أصبحت هناك محاكم درجة أولى ومحاكم استئناف فى كل قاعدة من قواعد المديريات الكبرى ومحاكم نقض فى العاصمة، كما كان هناك أيضًا مجلس للدولة لتطبيق العدالة الإدارية. وعلى خلاف الموقف فى مصر، ظلت المحاكم الشرعية والدينية تمارس مهامها فى مسائل الأحوال الشخصية. ولما كان التاريخ السياسى لسوريا منذ الانتداب الفرنسى وفى أثنائه شديد الاضطراب، فإن الجهاز الإدارى للحكومة فيها سار على منوال لبنان بالرغم من افتقاد سوريا للأساس الطائفى الذى نشأ فى لبنان وفهم ضمنًا. وبعد تقسيم ما يعرف الآن بالجمهورية السورية إلى أربع دول: اللاذقية للعلوييين، وحلب ودمشق وجبل الدروز، وحدّ الفرنسيون كل هذه الدول فى دولة واحدة سنة 1936, وقسموا الدولة الجديدة إلى تسع مديريات، بالإضافة إلى مدينة دمشق، يديرها مديرون معينون تعاونهم مجالس محلية. وأنشأ دستور سنة 1950 وزارة مسئولة أمام مجلس نيابى واحد. وفى سنة 1953، وفى ظل الدستور الجديد للشيشكلى، أصبح هؤلاء مسئولين أمام الرئيس. ومن ثم كان الاتجاه فى سوريا أيضًا إلى إقامة سلطة تنفيذية أوسع. وأخذت الحكومة على عاتقها مسئولية أكبر لتنظيم الاقتصاد القومى والتخطيط له، كما حدث فى البلاد الأخرى. وفى أثناء الوحدة القصيرة الأجل مع مصر من 1958 - 1961، كان يحكم سوريا مجلس تنفيذى إقليمى قائم بذاته يخص الإقليم الشمالى (سوريا) من الجمهورية العربية المتحدة. وحاولت السلطات المركزية فى القاهرة شيئًا فشيئًا جعل الحكم أكثر

انسيابًا فى إقليمى الجمهورية العربية المتحدة. وبذلت الجهود لفرض سيطرة أكبر على الاقتصاد السورى. ولقيت السلطات فى مصر بعض العوائق السياسية، وألغت القاهرة بالفعل الوزارة الإقليمية سنة 1961، وأصبح يحكم سوريا حاكم إدارى مسئول أمام رئيس الجمهورية العربية المتحدة أو نائبه فى سوريا. ويشبه تنظيم القضاء فى سوريا شبهًا قويًا نظيره فى لبنان والعراق إلى حد كبير بالرغم من وجود محاكم إدارية قائمة بذاتها فى سوريا ومجلس للدولة. وأدخل دستور سنة 1950 المحكمة العليا لتستوثق من صلاحية القوانين والتشريعات. وبالنظر للفورات السياسية المتعددة فى سوريا، فمن الإنصاف القول بأن الجيش فى الوقت الحاضر (سنة 1966) يتحكم فى إدارة الدولة. وتضع الأردن من حيث هى ملكية دستورية، مسئولية الحكم والإدارة على عاتق وزارة يكون أعضاؤها مسئولين أمام الجمعية الوطنية منذ سنة 1952، حين حَلَّ دستور 1952 محل دستور 1947. وخولت الجمعية مجلس الوزراء سلطة أكبر سنة 1955، وخاصة فى مسألة التصويت على الثقة فى الحكومة واستقالتها فى حالة حل الجمعية الوطنية. وتحت الانتداب البريطانى 1922 - 1946، حكم الملك الأردن، وكانت وقتها تسمى إمارة شرقى الأردن، بمساعدة مجلس تشريعى أنشئ سنة 1929 بمقتضى القانون الأساسى لسنة 1928 ومجلس تنفيذى. وباستقلال الأردن عام 1946 وإعلان الملكية، أصبح المجلس التنفيذى مجلسًا للوزراء. وكان فى شرق الأردن مستشارون بريطانيون كما كانت الحال فى العراق، وكان الممثلون للمندوب السامى البريطانى فى فلسطين، المقيم فى عمان، يشيرون على حكومة شرق الأردن فى جميع المسائل السياسية الهامة. والحق أن جميع القرارات المتعلقة بالدفاع والمالية والعلاقات الخارجية لا بد أن تحظى بموافقته. وكانت قوات الأمن العامة

والجيش بخاصة تنظم وتدرب على يد الضباط البريطانيين، وتزودها الحكومة البريطانية بالمال وتدعمها بالقروض حتى 1956. وحتى سنة 1952، كانت للملك سلطات واسعة للحكم يتولاها بمساعدة قواته الخاصة بالأمن واحتفظ القضاء إلى حد كبير بالطابع العثمانى مستخدمًا القوانين العثمانية التجارية والمدنية وقوانين العقوبات حتى سنة 1950. ومنذ ذلك الوقت، أعلنت واستخدمت قوانين جديدة. وأصبحت هناك محاكم مدنية ودينية ومحاكم خاصة بالإضافة إلى الديوان الخاص الذى يفسر القوانين. وفى حين خول الدستور الجديد لعام 1952، سلطات أكبر للوزارة والهيئة التشريعية، تقلصت سلطات العرش، فنشأ من إدماج فلسطين الوسطى فى المملكة، إزدياد المركزية فى الشئون الإدارية وتزايد سريع فى عدد الموظفين بالخدمة العامة. ويرجع هذا إلى العدد الكبير من السكان اللاجئين الذى انتقل إلى البلاد مع هذا الإدماج حاملًا معه المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، كما زاد وزراء الوزارة بتطور المهام الحكومية. وأدت الحاجة إلى التشريع الاجتماعى والتخطيط الاقتصادى للتنمية إلى تشكيل أجهزة رسمية مثل "هيئة التنمية" و"هيئة خليج العقبة" وبنك التنمية وبنك التعمير. ويتضمن التقسيم الإدارى للبلاد الآن (1966) ثمانية ألوية. كل لواء يديره مدير تعينه الحكومة المركزية. ثم تنقسم هذه الألوية إلى نواح يحكمها قائمقام، ثم للبلدان والقرى عمدًا ومجالس بلدية، وللنواحى مجالس للإدارة. وقد اتسم الحكم فى مصر وبلاد الهلال الخصيب بسمة أساسية هى تركيز الإدارة وسرعة التطور والتوسع فى مهام الحكومة اللذين صاحبا الحاجة المتزايدة لخدمات الإصلاح والخدمات العامة. هذا باستثناء لبنان التى قام بها نظام متعدد يسمح بحسم الصراع بالاعتماد على أسلوب يقوم على

الموازنة الدقيقة بين المصالح الطائفية، أما الحكومة فى مصر والعراق وسوريا بل الأردن فإنها تقوم على المركزية الشديدة ويسيطر عليها الجيش سيطرة مطلقة. وفى حين نلاحظ فى لبنان أن الشعب يفضل قيام حكومة صغيرة بقدر الإمكان، وهذا لا يصدق على سائر بلاد الهلال الخصيب ومصر، ففى هذه البلاد، تعد الحكومة على تفاوت فى المقدار، جهازًا للتغيير والتنمية لا بد أن يوفر للناس الخدمات الاجتماعية والفوائد الاقتصادية. وأكثر من هذا، فإن الحكومة فى مصر والعراق تجنح إلى التحكم الفردى المتسلط. وعلى هذا، لا تعكس الأحكام الدستورية فى هذه البلاد بدقة أسلوب الحكومة والإدارة. ويبدو أن السلطة التنفيذية تهيمن على المجالس التشريعية أينما وجدت وأينما حلت. وحدث أخيرًا فى المجالس التشريعية وخاصة فى مصر، أن نما الوعى إلى التمثيل المشترك أو المهنى. وعلى هذا، فليست هناك أى صلة بين حياة الوزارة أو الحكومة (وخاصة اليوم تحت النظام الرئاسى) وبين حياة هيئات التشريع فى تلك البلاد. وبعبارة أخرى، قلما تلتزم السلطة التنفيذية بحدود الجهاز التشريعى المنتخب ما دامت هذه السلطة تحظى بتأييد الجيش. ولم تستطع الحكومة فى سوريا أو العراق، وإلى حد طفيف فحسب فى لبنان، تفويض الولاء للطائفة والقبيلة والأبرشية تفويضًا تامًا. ولعلنا إذا استثنينا لبنان، استطعنا أن نقول إن الحكومات فى هذه البلاد استمرت تعتمد على القسر والإجبار أكثر من اعتمادها على الإقناع فيما تؤديه من مهام. وإنا لندخل فى هذه البلاد الأردن وإن كان السبب فيها مختلفًا ألا وهو القضية الفلسطينية. وربما يتمثل الدور الرئيسى الذى تلعبه الحكومة بالقوة فى هذه البلاد أيضًا فى حكم الجيش للدولة، فإن لم يكن ذلك هو الشأن، كان هو السبب فى اختلاط العناصر العسكرية والمدنية فى حكمها. ونظرًا للتركيب الاجتماعى، والتباين الدينى والعرقى، فإن المهمة الرئيسية

للحكومة فى العراق والأردن ظلت سنوات عدة تقوم على فرض النظام والأمن العام، أو بعبارة أخرى، فإن المهمة الأساسية للحكومة المركزية كانت هى التأكد من أن سلطتها تحظى بالاعتراف والقبول العام من جانب كل الجماعات التى تضمها الدولة. وكان هذا ضروريًا أيضًا لتحصيل الضرائب على نحو أكثر تنظيمًا وتوفير الدخل الكافى للتنمية الزراعية وتنفيذ الأشغال العمومية. وفى سوريا والعراق خاصة، أدت الاضطرابات السياسية الحديثة كما تتبين فى الانقلابات والانقلابات المضادة والتطهيرات، إلى المعاناة الشديدة التى تلاقيها هيئات العاملين الإداريين الدائمة فى النهوض بأعمالها. وأسوأ من هذا عدم ثقة الشعب فى جميع نواحى الإدارة والشك فيها مما يجعل عمل أى حكومة أكثر صعوبة. وقد خبرت جميع البلاد التى تناولناها هنا لونًا من الوصاية من قبل الاحتلال الإنجليزى أو الفرنسى. وأثر ذلك على بنائها الحكومى وإجراءاتها، وخاصة فى مجال القضاء والإدارة الإقليمية وإدارة التعليم العام. والاستقلال الحقيقى حديث جدًا بالنسبة لهذه البلاد، حتى يمكن للمرء أن يقول إنها تمر بفترة انتقالية. ومع هذا فالفرق بين الحكومة فى هذه البلاد الآن وفى الماضى، علاوة على المحافظة على القانون والنظام، هو أنها اضطلعت بمهام جديدة واسعة فى التخطيط، كما عالجت فى بعض الأحيان الاقتصاد القومى، ووفرت خدمات بعيدة المدى للجمهور. ويبدو أن تنمية أحدث فى بعض هذه البلاد قد قدر لها أن تؤدى إلى تزايد المركزية، ومن ثم سيطرة وتنظيم إدارى أقوى، وهذه ظاهرة فى الدول ذات الحزب الواحد كالاتحاد الاشتراكى العربى فى مصر، والاتحاد الاشتراكى العربى العراقى فى العراق. وهكذا لا تمارس السيطرة على الدولة عن طريق الحكومة والإدارة فحسب، بل تمارس أيضًا عن طريق تنظيم سياسى شعبى ليس له منافسون، فقد حرمهم القانون حتى من حق الوجود العام.

المصادر

المصادر: عامة: (1) Royal Institute ot International Affairs: The Middle East: a political and economic survey، الطبعة الثالثة، لندن سنة 1958. (2) G. Lenczowski فى طبعة Ruth Mid-East: World - Center, N. Anshen yesterday, today and tomorrow, نيويورك سنة 1956، ص 118 - 172. (3) D. A. Rustow فى (طبعة) , (. edd) -G A Almond and J. S. Coleman: the pol itics of the developing areas برنستون سنة 1960، ص 369 - 454. (4) Government and pol-: M. Harari itics of the Middle East انجلوود كليفس، سنة 1962. (5) Government and: H. Sharabi politics of the Middle East in the twentieth century، نيويورك سنة 1962. (6) The Military in the: S. N. Fisher Middle East (ed.) Problems in society and government: ، كولمبوس، أوهيو 1965. مصر (1) Modern: Lord Cromer Egypt، فى مجلدين، لندن سنة 1911. (2) The founder of: H. Dodwell modern Egypt، كمبردج سنة 1931. (3) Egypt Since Crom-: Lord Lloyd er، فى مجلدين، لندن 1933 - 1934. (4) L'evolution de: M. Colombe 1950 - 1924 L'Egypte باريس سنة 1951. (5) Egypt in tran-: J. et S. Lacoutur sition، باريس سنة 1956. (6) Bureaucracy and so-: M. Berger ciety in Modern Egypt برنستون 1957. (7) The Egyptian: P. J. Vatikiotis army in politics، بلومنكتون، إنديانا، سنة 1961. (8) Egypte societe: A. Abdelmalek militaire، باريس سنة 1962. العراق: (1) Longrigg & F. Stoakes: Iraq، لندن سنة 1958. (2) Independent Iraq: M. Khadduri، الطبعة الثانية، لندن سنة 1960.

4 - شمالى إفريقية

سورية ولبنان: (1) A. Hourani: Syria and Labanon، لندن سنة 1946. (2) Les institutions pol-itiques du Liban: Rondot, لندن سنة 1957. (3) A: A. Grassmuck and K. Salibi manual of Labanese administration بيروت سنة 1955. (4) S. H. Longrigg & F. Stoakes: Syria and Lebanon under the French mandate لندن سنة 1958. (5) A modern History of: K. Salibi Lebanon، لندن سنة 1965. (6) The struggle for Syria: P. Steale, لندن سنة 1965. (7) Politics in Lebanon: L. Binder (.ed) نيويورك سنة 1966. الأردن: (1) The Kingdom: R.patai of Jordan، برنستون سنة 1958. (2) Jordan, a state: B. Schwadran of tension، نيويورك سنة 1959. (3) Jordan, a Political: A. Abidi 1957 - 1949.study لندن سنة 1965. (4) Politics and the military in Jorda: P. J. Vatikiotis, لندن سنة 1967. نجلاء عبد الرازق [فاتيكيوتس P. J. Vatikiotis] 4 - شمالى إفريقية يبدو أن استخدام كلمة "حكومة" فى المغرب بمعناها المعروف لم يحدث إلا فى وقت حديث جدًا. وفى بحث لم ينشر للأب دمير سمان، ولم تظهر الكلمة فى آثار الكتاب التونسيين حتى النصف الثانى من القرن التاسع عشر، ثم ظهرت على نحو نادر فحسب بالمعنى الضيق وهو حكومة غير مستقلة أو ولاية مستقلة استقلالًا ذاتيًا فى دولة كبيرة. ولم يكتسب هذا المصطلح المعنى المجرد للحكومة إلا تحت النفوذ الأوربى. وعلى هذا فهو مثال للمصطلحات العربية الصرف التى استوعبت الأفكار الغربية. وقبل أن تخضع الدول الثلاث فى المغرب للسيطرة الأوربية قام الحكام المحليون بعدة محاولات لإدخال بعض النظم الحديثة إلى الإدارة.

ولنبدأ بالجزائر، حيث حاول الأمير عبد القادر أن يقوم بتنظيم دولة مسلمة تواجه السلطة الفرنسية، وأن يزودها خاصة بقوة عسكرية كافية تمكنها إذا قضت الضرورة من أن تقاتل القوات الفرنسية. ولكن الظروف أجبرت عبد القادر على توجيه اهتمامه الأكبر للحرب. ومنذ سنة 1840, اضطرته حركة "بوجو" إلى أن يكتفى بحكومة بدوية ألزمتها الضرورة أن تتحاشى كل الأفكار الحديثة. وفى تونس، كانت الأمارات الأولى لإدخال النظم الحديثة ترجع إلى النفوذ الفرنسى، الذى استقر فى الجزائر، وظهرت خلال حكم أحمد باى (1837 - 1855) وبدأت الإصلاحات العسكرية أيضًا هناك مع تجنيد جيش وأسطول فى "ثغر الحديد". ولكن سرعان ما تفاقمت الصعاب المالية واتجه أحمد باى للإصلاح المالى. وكان محمد باى (1855 - 1859)، خليفة أحمد باى، مضطرًا بحكم الظروف وضغط بعض القناصل الأوربيين إلى إدخال إصلاحات أكثر شمولًا، فأنشأ المحكمة الشرعية للنظر فى مسائل قانون الوراثة وملكية الأراضى سنة 1856، ثم أصدر رسميًا فى 10 سبتمبر 1857 مرسومًا يطلق عليه بالعربية "عهد الأمان" وبالفرنسية " Pacte Fondamental" وفى السنوات التالية، أقيمت فى تونس حكومة محلية من أعيان المواطنين. وكان خليفة محمد باى أخاه محمدًا الصدوق الذى أعلن فى 26 أبريل 1861 سلسلة من الإجراءات التشريعية التى يمكن اعتبارها دستورًا، واستشار فى ذلك نابليون الثالث بالجزائر فى العام السابق. وظلت أحكامه فيما يختص بخلافة العرش لا تتغير حتى سنة 1957. وأقيمت وزارة مسئولة أمام الباى، وهى مجلس أعلى من 60 عضوًا يعينهم الباى. وشاركت الحكومة فى المسئولية التى ترمى إلى تطوير الجهاز القانونى والتصويت على ميزانية الدولة، وأعلن استقلال القضاء. ولكن هذه الإصلاحات أدخلت قبل أن يتأهب لها الرأى العام فى تونس بل الطبقات الحاكمة. ومنذ أن أدى الموقف

المالى علاوة على ذلك، إلى فرض الضرائب، قام قطاع من الشعب بالثورة سنة 1864. ثم عطل الدستور سنة 1861 عمليًا وليس قانونًا. وكان آخر من أدخل إصلاحات من التونسيين قبل قيام الحماية الفرنسية هو القائد خير الدين الذى تقلد منصب الوزير عدة مرات وأصبح بخاصة رئيسًا للوزراء من 1873 - 1877. ولم يكن الاعتقاد فى الحاجة إلى الإصلاح وليد الظروف، بل كان عقيدة عنده يثبتها كتابه: "أقوم المسالك فى معرفة أحوال الممالك" (تونس 1867). فلما تقلد السلطة بذل جهودًا كبيرة لإدخال برنامجه الخاص بصبغ البلاد بالصبغة الحديثة على المناهج الأوربية ولكن فى إطار إسلامى بحت، وبعد 4 سنوات، أحاطته المؤامرات المتشابكة، وعجز الرأى العام عن فهم أهدافه مما دفعه إلى التخلى عن جهوده. وحدث بعد ذلك أن تفاقمت الأزمة نتيجة للانهيار المالى للبلاد والمؤامرات الأوروبية وعدم كفاية الحكام التونسيين الجدد أو الشك فى نزاهتهم، وانتهى الأمر بقيام الحماية الفرنسية. ونهج التطور فى مراكش نهجًا مماثلًا، ولكن ذلك حدث فى تاريخ متأخر. إذ لم تتصل مراكش بأوروبا عن كثب إلا فى منتصف القرن التاسع عشر من خلال حربها القصيرة مع فرنسا فى أغسطس 1844، والاتفاقية التجارية لعام 1856 مع بريطانيا العظمى، والحرب المراكشية الأسبانية سنة 1859 - 1860. وأدرك السلطان محمد بن عبد الرحمن (1859 - 1873) الذى كان قائمًا بالحكم عام 1860 أن دولة مراكش لن تستطيع البقاء بعد كما هى وقد حاول الرجل من قبل، فى حياة أبيه، إدخال بعض الإصلاحات فى الجيش المراكشى. فلما أصبح سلطانًا، حاول أن يقود البلاد إلى اقتصاد حديث وأن يكبح جماح الفساد الذى لحق ببعض الموظفين بأن يدفع لهم مرتبات. ولكن الصعوبات الجمة واجهت تلك المهمة نظرًا للمؤامرات الأوروبية وفشل مراكش فى فهم أهدافه. وأخيرًا أجبرته الأزمة الزراعية التى وقعت سنة 1867 - 1869، على أن يعدل عن محاولاته.

وأحس ابنه الحسن (1873 - 1894) أيضًا بالحاجة لتطوير الدولة المراكشية فقرر عند ولايته العرش أن يستأنف مشروعات أبيه الاقتصادية والعسكرية، وكان هو الذى استقدم إلى مراكش معلمين أوروبيين لجيشه. وكانت إصلاحاته محدودة المدى تعوقها دائمًا المنافسات الأوروبية وتضعفها الأزمة المالية التى بدأت فى الظهور بمراكش فى الربع الأخير من القرن التاسع عشر، إلا أن هذه الإصلاحات نجحت فى إثارة الرأى العام المراكشى، ليس فى المدن فحسب بل بين القبائل المنشقة أيضًا. وظلت الحال كما هى عليه إلا من بعض التحصينات القليلة على الساحل والقليل من سريّات مدفعيات الميدان، والكثير من المشاعر التى تنطوى على السوء. وحين اعتلى ابنه عبد العزيز العرش (1894 - 1908) لم يكن الوقت مناسبًا للإصلاح، إذ كانت مراكش تتدهور أكثر من أن تتقدم. وظل عبد العزيز حتى موت وزيره وناصحه أحمد بن موسى، لا يمارس سلطته إلا نادرًا، وإذا به يجد نفسه وحيدًا فى مايو 1900، لكنه رغب فى أن يدخل إصلاحات. ولم يكن الذى دفعه إلى ذلك الموقف فى مراكش فحسب، بل دفعته أيضًا نظرته إلى التجديد. وقد جلب من أوروبا جملة من الآلات والمعدات بنية إقامة سكة حديدية تمتد إلى فاس، ثم تصور بخاصة أن يقيم إصلاحًا فى المالية المراكشية عن طريق إصدار مرسوم يقضى بأن يتساوى ممولو الضرائب فى أداء ضريبة الأرض. وأدت ردود الفعل العنيفة للقبائل المراكشية، والمنافسة الشديدة لبعض الدول الأوروبية إلى إغراق مراكش فى إضطرابات أجبرت عبد العزيز سنة 1908 على النزول عن العرش دون أن تثمر محاولاته للإصلاح أية ثمرة. وقبل أن يعتزل عبد العزيز السلطة، نودى بأخيه الأكبر عبد الحافظ سلطانًا على مراكش (1907 - 1912)، ليواجه الإنتهاكات الأوروبية، ثم اعتلى العرش أخيرًا سنة 1908 ولكنه ووجه بأزمة مالية، وقبائل غاضبة على استعداد للإنتقاض، ودول أوربية لها أطماع

كبيرة فى مراكش. واعترف عبد الحافظ كأسلافه بالحاجة إلى الإصلاح الذى حثه عليه عدد من المراكشيين الذين رأوا فى الإصلاح الطريقة الوحيدة للخلاص من قبضة الدول الأوروبية. وقد بلغ من أمر إحدى هذه الجماعات التى أسست فى طنجة وعززها السوريون المطرودون من تونس، إلى وضع مشروع دستور فى 11 أكتوبر سنة 1908، نشرته صحيفة عربية بطنجة هى "صوت المغرب" (نشر الترجمة الفرنسية J. Robert فى - La Mon archie، باريس سنة 1963، ص 311 - 323) ولكن الحكومة المراكشية لم تأخذ بهذا الدستور، كما أدى فشل الخطط المختلفة للإصلاح إلى توقيع السلطان والمسيو رينو Regnauult ممثل فرنسا، معاهدة الحماية فى 30 مارس 1912 بفاس. وهكذا يتبين أن محاولات الحكام فى القرن التاسع عشر لإدخال النظم الحديثة إلى الحكومة فى بلادهم، كانت بلا جدوى. إذ أن الرأى العام لم يكن معدًا أى إعداد لهذا التغيير، فقد ظن الرأى العام (ليس بدون مبرر) أن هذه النظم هى ثمرة للنفوذ الفرنسى الذى كانت ترتاب فيه البلاد، ثم إنه لم يكن ثمة حاكم قوى يمتد عهده مدة طويلة تسمح له بفرض نظام جديد للحكومة. وقد نجم عن الاحتلال الأوروبى، وخاصة الاحتلال الفرنسى. لشمالى إفريقية تغييرات كبيرة فى تنظيم الحكومات هناك. وفى الجزائر، مرت البلاد بمدة طويلة من التجربة والخطأ، ثم قسمت حكومة الجمهورية البلاد بمقتضى مرسوم صدر فى 9 ديسمبر سنة 1848 إلى قطاعات تحت إمرة مدير، كما هى الحال فى فرنسا. وقبل ذلك منح المواطنون الفرنسيون المقيمون فى الجزائر الحق فى أن يرسلوا نوابًا عنهم إلى الجمعية الوطنية. ويمكن القول بأنه إعتبارًا من سنة 1848, اعترف بالتمثيل الإدارى حقيقة واقعة بالرغم من تقلبات شتى ليس لها شأن كبير. وكذلك يتساوى الأمر، ذلك أن حكم السكان الوطنيين كانت له مشاكله، ومن ثم استحدث نظام خاص جديد للحكم

فى بلاد الجزائر. ففى البداية، أقيمت حكومة حقيقية للجزائر فى وقت مبكر، تتألف من حاكم عام، تكون المرافق العامة التى أقيمت محليًا مسئولة أمامه معظم الوقت، وألغى منصب الحاكم العام وحل محله، ابتداء من 24 يونية وحتى ديسمبر سنة 1860، وزير للجزائر مقره باريس. ثم جعلت حكومة الجمهورية الثالثة جميع المواطنين العاملين فى الجزائر مسئولين مباشرة أمام وزاراتهم فى باريس، فى الوقت الذى استرجعت فيه وظيفة الحاكم العام، واستمرت هذه التجربة حتى 31 ديسمبر سنة 1896، لكنها أثبتت فشلها، فاستعيد النظام القديم، وظهر واضحًا فى تلك الحالتين، أن المركزية الشديدة لم تسفر عن نتائج حسنة وأن الجزائر لا بد وأن تحكم من داخلها تحت سلطة الحكومة الفرنسية وسيطرة البرلمان الفرنسى. وفى الواقع، لقد تبين منذ السنين الأولى للغزو أن الإدارة الفرنسية لا يمكن أن تطبق دون تعديل، ذلك أن العادات وردود الأفعال والعقائد المتأصلة فى شعوب المسلمين تختلف اختلافًا كبيرًا عن تلك الموجودة فى فرنسا. ومن ثم، بقى فى جميع الأحوال نظامان للحكومة بالرغم من وجود الحكام والقوانين والنظم وجميع المؤسسات الفرنسية التى زرعت زرعًا فى الجزائر، لأن ذلك البلد الواحد ضم شعبين مختلفين تمامًا لا يجمع بينهما شَبَهُ كاف للتفكير فى إقامة وحدة. وبدأ هذا النظام بالمكاتب العربية وهى منظمة عسكرية مسئولة عن حكم السكان المسلمين، وانتهى بقانون 20 سبتمبر سنة 1947 الذى أنشأ فى الجزائر هيئتين منتخبتين. واحدة للأوروبيين والأخرى للمسلمين، بالرغم من تفاوتهما فى العدد والتركيب، وذلك أن نساء المسلمين لم يعطين حق التصويت حتى عام 1958. وكانت هيئة مكتب الحاكم العام والمصالح الإدارية التابعة لها تتألف عادة من الفرنسيين، ولم يشغل الجزائريون المسلمون وظائف مسئولة فيها إلا بعد الحرب العالمية الثانية. وهكذا كان حكم الجزائر فى أثناء العهد الفرنسى حكمًا هجينًا لعب فيه

الفرنسى المقيم فى بلده والفرنسى المقيم فى الجزائر دورًا غالبًا، فى حين نزل الجزائريون إلى مرتبة ثانوية دنيا بالرغم من مطالبتهم بحقوقهم، وخاصة منذ سنة 1936 وما بعدها. وفى تونس، أقامت إتفاقية قصر سعيد المعروفة باسم "باردو" والمبرمة فى مايو 1881 إحتلالًا فرنسيًا مؤقتًا، إنقلب بعد ذلك إلى حماية فرنسية بمقتضى إتفاقية المرسى فى 8 يونية سنة 1883. وظلت الحكومة التونسية وإدارتها قائمتين، لكن القائد الفرنسى المقيم وهيئته كان لهما السلطة للسيطرة عليهما، ولإنشاء مصالح إدارية فنية حديثة بجانبهما للمالية والأشغال العمومية والتعليم والصحة العامة. إلخ من أجل إدخال الإصلاحات التى تصورتها إتفاقية المرسى فى تونس. وهكذا وجدت إدارتان جنبًا إلى جنب حتى إبرام إتفاقيات 3 يونيو سنة 1955 التى أنشأت فى تونس نظامًا حاكمًا مستقلًا فى الداخل استقلالًا ذاتيًا يقوم على إدارة تونسية تعمل تحت سلطة الباى ويديرها وزراء تونسيون كانوا هم أنفسهم تحت سيطرة موظفين فرنسيين، ونظام إدارى حديث يعمل نظريًا تحت سلطة الباى، ولكنه فى الواقع يعمل تحت سلطة المقيم والسكرتير العام لحكومة تونس، وكان فرنسيًا فى جميع الأحوال. ولم تستعد الحكومة التونسية استقلالها إلا فى 3 يونيه سنة 1955. ويجب أن نضيف إلى ما قلنا أن المصالح الإدارية الفنية كانت فى البداية تعج بالفرنسيين، إذ كان القليلون من التونسيين هم الذين حظوا بالتعليم الحديث وقد أظهروا ميلًا واضحًا للبقاء متفرنسيين تحت الإدارة الفرنسية وأن يطبقوا المقاييس الفرنسية ويعترفوا بسلطة القائد المقيم والحكومة الفرنسية فحسب، وكانت النتيجة أن الحامية الفرنسية قد انقلبت إلى إدارة مباشرة بالرغم من التصريحات الرسمية. وكان فى مراكش عاملان على الأقل شجعا على التطبيق المحكم لروح الحماية: الموقف الداخلى وشخصية ليوتى. ولم تنجح فرنسا بالفعل فى

التمكين لحاميتها بمراكش بقبول رهونات دولية خطيرة والاتفاق على أن جزءًا من الأراضى التونسية ينبغى أن يظل تحت الحماية الأسبانية. ولم يكن غالبية الموقعين على اتفاق الجزيرة الخضراء فى 17 أبريل سنة 1906 يميلون إلى السماح للسلطة الحامية أن تنتهك أى حق من الحقوق التى اعترف بها هذا المؤتمر الدولى. صحيح أن الحرب العالمية الأولى تسببت فى اختفاء بعض هذه الدول مثل ألمانيا والنمسا والمجر. ولم يستمر الاتحاد السوفيتى فى دعاواه الإمبراطورية فى تلك المسألة، ولكن ظل عدد من الموقعين على جانب كبير من اليقظة يؤكدون أن فرنسا تشعر بأنها هى نفسها ملتزمة بتلك الاتفاقية، ليس أمامهم فحسب، بل أمام مراكش أيضًا. أما ليوتى، فكان يؤمن إيمانًا راسخًا بصيغة الحماية. فقد درسها فى أراض أخرى من قبل ووجدها أكثر مرونة وبساطة من نظام المستعمرات. كما أنه لم يكن لمراكش احترامًا وتقديرًا عاليًا وتمنى أن يحيى البلاد لا أن يخربها. إذن فقد تركت إتفاقية الحماية فى 30 مارس سنة 1912 الهيكل الحكومى والإدارى، من حيث المبدأ، فى مراكش كما هو وإن كانت وضعته تحت سيطرة سلطات الحماية وقد أثبت الاحترام الذى لم يدخر وسعًا فى إبدائه للسلطان وحاشيته المراكشية مبلغ الإخلاص فى تطبيق هذا النظام. ومع ذلك فإن الطبقات الحاكمة المراكشية كانت أقل استعدادًا لقبول الأفكار الغربية الحديثة إلى حد لعله يفوق فى ذلك استعداد التونسيين. فقد اضطر الفرنسيون إلى البدء فى إقامة مصالح فنية تتكون بالضرورة من الفرنسيين ومن ثم فإن هدا العمل نفسه الذى لاحظناه فى تونس، قد تكرر بنصه وفصه فى مراكش، حيث نما فيها تدريجيًا نوع من الإدارة الفرنسية (نظام إقطاعى) إلى جانب الموظفين المراكشيين ومن حكموهم. وفى خطتهم للإصلاح سنة 1934، طالب "المراكشيون الوطنيون"، وكانت حركتهم وقتذاك حركة صغيرة، بالتحاق المراكشيين بالمصالح الإدارية الفنية، والحد فى صرامة من عدد

الفرنسيين الذين يجب أن يتخلوا عن أى فكرة للإدارة المباشرة وأن ينحصر دورهم فى مراقبة الأجهزة المراكشية وأداء الواجبات الفنية ومراقبة الأجهزة المراكشية وأداء الواجبات الفنية ومراقبة الأجهزة المراكشية وأداء الواجبات الفنية الصرف. وفشلت هذه المطالبة، وظلت الإدارة المباشرة موضوعًا من الموضوعات الكبرى التى استغلتها فى الدعاية للحركة المراكشية الوطنية. وظل الموقف ثابتًا لا يتغير حتى وقع التصريح الفرنسى - المراكشى فى لاسال سان كلود فى 6 نوفمبر سنة 1955، واعلن قيام المفاوضات لجعل مراكش دولة مستقلة متحدة مع فرنسا بروابط دائمة للمصلحة المشتركة المحددة والمتفق عليها اتفاقًا حرًا محددًا. وأعلن الاستقلال فى 2 مارس سنة 1965. الموقف الحالى (ديسمبر سنة 1966)، طبقًا لدستور 30 يولية سنة 1959، يقوم فى جمهورية تونس الآن حكومة رئاسية. وانتخب الحبيب بورقيبة رئيسًا فى نوفمبر 1959، ثم أعيد انتخابه فى شبه إجماع لفترة رئاسة أخرى فى 8 نوفمبر سنة 1964، وعين بمقتضى مرسوم 12 نوفمبر سنة 1964، أعضاء حكومته المكونة من 13 وزيرًا وثلاثة وكلاء وزارة ومديرين: أحدهما للخدمة الإذاعية والآخر للوزارة الرئاسية، وهم جميعًا مسئولون أمامه. وظل موظفو هذه الوزارة ومهامها بلا تغيير فيما عدا وزير الشئون الداخلية الذى أدركته المنية واستبدل به غيره. وتعاقبت على مراكش ست وزارات فى الفترة ما بين 4 ديسمبر سنة 1955 وإعلان الدستور فى 7 ديسمبر سنة 1962، ورأس الوزارتين الأخيرتين الملك محمد الخامس (26 مايو سنة 1960) والملك الحسن الثانى (2 يونيو سنة 1961). ولما أنشئت المؤسسات الدستورية، عين الملك الحسن الثانى السيد أحمد بحنينى رئيسًا للوزراء وشكل الوزارة من 14 وزيرًا وخمسة وكلاء وزارة. وأعيد تنظيم المناصب الوزارية فى 20 أغسطس سنة 1964 ثم تشكلت

حكومة جديدة فى 8 يونيو سنة 1965 برئاسة الملك ثم عدل تشكيلها تعديلًا بسيطًا فى 10 يولية. وقد اتخذت هذه الترتيبات بعد أن قرر الملك فى 7 يونيو إعلان حالة الطوارئ بتطبيق المادة 35 من دستور سنة 1962. وتتكون الحكومة الحالية (ديسمبر سنة 1966) من عشرين وزيرًا، وثلاثة مديرين للوزارة الملكية ووكيلين للوزارة. وأصبحت الحكومة مسئولة أمام الملك فحسب، إذ أوقف البرلمان لأجل غير مسمى. وفى الجزائر قرر المجلس المنتخب فى 20 سبتمبر سنة 1962، تكليف السيد أحمد بن بلاّ بتشكيل الحكومة الجزائرية وتقلد منصب رئيس دولة الجزائر حتى يتم إعداد دستور وإعلانه، وشملت تلك الحكومة نائب رئيس و 17 وزيرًا. ولما تم التصويت على الدستور الجزائرى فى 28 أغسطس 1963، ثم الموافقة عليه فى استفتاء 8 سبتمبر، انتهى الأمر بانتخاب السيد أحمد بن بلاّ فى 15 سبتمبر رئيسًا للدولة، وتشكلت فورًا حكومة شرعية على يد الرئيس فى 18 سبتمبر وبالإضافة إلى رئيس الجمهورية الذى تقلد أيضًا منصب رئيس مجلس الوزراء تكونت الحكومة من ثلاثة نواب للرئيس أحدهم وزير بلا وزارة و 12 وزيرًا. وأعيد تنظيم الوزارة فى 2 ديسمبر سنة 1964 وجعل عدد نواب رئيس الوزراء إثنين فحسب أحدهما وزير دولة، وزاد عدد الوزراء من 12 إلى 15 وزيرًا، بالإضافة إلى وكيل وزارة. وفى أعقاب الإنقلاب العسكرى فى 19 يونيو سنة 1965 الذى عزل فيه أحمد ابن بلاّ من منصبه وأقيم بدله العميد هوارى بومدين، شكل هوارى فى 15 يوليو حكومة برئاسته تتكون من 19 وزيرًا. ونص المرسوم الدستورى على أن رئيس الحكومة ورئيس المجلس يتولى بالإضافة إلى ذلك منصب وزير الدفاع القومى، وتقوم الحكومة بمهامها تحت سلطة مجلس الثورة الذى قام بالانقلاب العسكرى فى 19 يونيو. ويشارك هذا المجلس كليًا أو جزئيًا فى إعادة تنظيم الوزارة بأمر من المجلس.

المصادر

وقضى بأن أعضاء الوزارة مسئولون كل بشخصه أمام رئيس الحكومة وجماعيًا أمام مجلس الثورة. ويعملون بالسلطة المخولة لهم من قبل هذا المجلس. وأخيرًا تعلن كل الإجراءات الحكومية فى صورة أمر أو مرسوم وأعيد تنظيم هذه الحكومة من بعض النواحى نتيجة للاستقالة أو عزل عدد من الوزراء. المصادر: الجزائر (1) Trente deux: L.Roches ans a 'travers l 'Islam, جـ 1، باريس سنة 1884 (2) L'Agerie a l'epoque: M.Emerit d'Abdel-Kader، باريس سنة 1951 (3) Histoire de lAlg: Gh. A. Julien contemporaine، جـ 1، باريس سنة 1964 (4) Manuel de legisla-: J. Lambert tion algerienne، الجزائر سنة 1952. تونس: (1) A. Demeersman سلسلة مقالات عن خير الدين فى مجلة. I.B.L.A الفصل الرابع سنة 1956، والفصول الأول والثالث والرابع سنة 1957. (2) Docu-: D.S.Mzalu et J.Pignon ments relatifs a Khereddine فى، RT سنة 1934 - 1940. (3) Origines de Pro-: J.Ganiage tectoral francais en Tunisie, باريس سنة 1959. (4) La: D'Estournelles de Consta - Politique trancaise en Tunisie: Le protc (1891 - 1854) torat et ses origines باريس سنة 1891. (5) E. Fitoussie: ، رسالة جامعية فى القانون، باريس سنة 1901. مراكش: (1) Le Maroc et: J.L.Miege L'Europe جـ 3، 4، باريس سنة 1962 - 1963. (2) Histoire du Maroc: H.Terrasse - des origines a l'etablissment du Pro tectorat francais، جـ 2، الدار البيضاء سنة 1950. (3) Le government mar-: M. Lahbabi ocain a I'aube duXXe siecle الرباط سنة 1958.

5 - باكستان

(4) Traite de droit public: E. Durand marocain، باريس سنة 1955. [له تورنو R. Le Tourneu] 5 - باكستان كانت المنطقة التى تعرف الآن بباكستان الشرقية جزءً من ولاية البنغال قبل الاستقلال، وكانت هذه أول الأراضى الهندية فى الخضوع للحكم البريطانى، ثم قسمت إلى مقاطعات إدارية شاسعة المساحة، مثال ذلك أن عدد سكان مقاطعة (ميمنسنغ) يفوق عدد سكان سويسرا، وكان جابى الضرائب فى المقاطعة هو العامل الرئيسى المسئول عن النظام العام، وتحصيل الضرائب. ورأس قاضى المقاطعة هيئة الفضاء، وبعيدًا عن رئاسة المقاطعة، كان ممثلو الحكومة الوحيدون هم ضباط الشرطة. وقد ساعد حاكم البنغال مجلس ينبثق منه مجلس تشريعى يختار منه الوزراء منذ سنة 1920 للنهوض بمهام المصالح فى الحكومة الإقليمية. ولم تكن للمنطقة المعروفة حاليًا بباكستان الغربية تلك الإدارة الموحدة التى وصفت من قبل. وكانت هناك ثلاث ولايات هى: البنجاب والسند، والحدود الشمالية الغربية، قسمت إلى مقاطعات إدارية أضيق نطاقًا من مثيلاتها فى البنغال، وكانت هذه الولايات آخر ما انضم للهند البريطانية، ولذلك كان لها إدارة تحمل سمات إدارات الحدود، وفى البداية كانت جميع المهام الحكومية فى المقاطعة، بما فيها القضاء، يقوم بها مأمور إنجليزى واحد، هو نائب المندوب البريطانى، وبالرغم من أنه قد عين فيما بعد قضاة للمقاطعة قائمون بذاتهم، وعاون نائب المندوب جهاز قوى من المآمير يقيمون فى المراكز الأقل أهمية فى المقاطعة، ومع هذا كان نصف منطقة باكستان الغربية الحالية يخضع وحده للإدارة البريطانية المباشرة، كما كان هناك عدد من دول الإمارات أكبرها: بها ولبور وكلات ثم آمب، وشيترال، ودير، وسوات وقد اعترف بالاستقلال الداخلى الذاتى لها، وكانت كلات

مقسمة إلى مشيخات تابعة لها من بينها (خران) التى كانت شبه مستقلة، زد على ذلك أن جزءًا كبيرًا من ولاية الحدود الشمالية الغربية وجزءً كبيرًا من ولاية الحدود الشمالية الغربية وجزءً كبيرًا من بلوجستان التى تقوم فيها كلات كانتا تعاملان معاملة الأراضى غير المحكومة التى لا يسودها القانون البريطانى. فقد كانت القبائل فيها تجرى على عاداتها القديمة. وكان على قمة هذا النظام، الحاكم العام الذى يرأس الهند البريطانية كلها ويمارس الوصاية على الأمراء، وكان يساعده فى الإدارة المركزية مجلس تنفيذى يرأس كل واحد من أعضائه واحدة أو أكثر من مصالح الحكومة. وقد كان المسلمون قبل الحكم البريطانى غالبين على الجهاز الإدارى، وقد استبدل البريطانيون شيئًا فشيئًا الإنجليزية بالفارسية، لغة للإدارة العليا، بينما حلت اللغات العامية كالبنغالية محل الفارسية والأردية بين المستويات الدنيا. وزاد الاعتماد فى التعيين أيضًا على التنافس فى اختبار مفتوح تفضل فيه موضوعات العلوم الغربية على الموضوعات الشرقية القديمة. ونتيجة لذلك وجدت العائلات الإدارية المسلمة التقليدية نفسها فى خسارة مستمرة، وكانت خسارتهم للوظائف الإدارية والقضائية أكثر وضوحًا فى البنغال. وكان المسلمون فى ولاية البنغال الكبيرة القديمة التى شملت بها وأورسّه والبنغال عينها، يضمون 31 % من مجموع السكان، ولكنهم لم يتقلدوا بحلول سنة 1880 إلا 8,5 % فحسب من المناصب التنفيذية. وعلى العكس من ذلك فى البنجاب، حيث كان عدد المسلمين فيها 51 % من السكان تقلدوا 39 % من المناصب. ومع ذلك نجح المسلمون فى الحفاظ على مكانتهم فى بعض الولايات. ففى الولايات الشمالية الغربية وفى أوده (تسمى الآن أوتار براديش) فى الإتحاد الهندى، شكل المسلمون 13 % من السكان ولكنهم تقلدوا 45 % من المناصب التنفيذية. وفى جميع أرجاء الهند شغلوا 20 % من المناصب التنفيذية، ولا يقل هذا كثيرًا عن نسبتهم فى عدد السكان هناك، وكان

يتم اختيار رؤسائهم من العاملين الهنود المدنيين. وكان هذا الجهاز إنجليزيًا بالكامل حتى 1853 حين فتح فيه مجال التنافس بشروط مشددة. وقد حصل مرشح من الطائفة الهندية الإصلاحية على منصب سنة 1864, وبعد ذلك بدأ تيار صغير، لكنه ثابت، من الهندوس فى إقتحام الوظائف. ولم يعين أى مسلم فى جهاز الخدمة الهندية إلا سنة 1885. وما وافى عام 1915، حتى كان عدد موظفى هذا الجهاز قد بلغ 1971 موظفًا: 1305 من البريطانيين 32 من الأوروبيين الآسيويين، و 41 من الهندوس، و 6 من الزرادشتيين الهنود، و 7 من الهنود المسيحيين، و 9 من المسلمين. ومع ذلك، نجح المسلمون فى الخمس والعشرين سنة الأخيرة من الحكم البريطانى فى الاستيلاء على أماكن أكثر فى جهاز الخدمة الهندية المدنية. ووقت الاستقلال، كان فى هذا الجهاز حوالى مائة عضو من المسلمين، ثلثهم من البنجاب والباقى من المناطق التى أصبحت فيما بعد الإتحاد الهندى. ولم يكن من بينهم أحد ينتمى إلى البنجاب الشرقية، إذ كان مستوى التعليم فيها منخفضًا. زد على ذلك أن المسلمين حصلوا لأنفسهم على نصيب أكثر عدلًا فى التنظيمات العليا الأخرى للخدمة العامة، واستبدل جهاز الخدمة العامة للباكستان بجهاز الخدمة العامة الهندى وخاصة فى إدارة الحسابات والمراجعة. وكان من بين العاملين بهذه الإدارة (جودهرى محمد على) الذى أصبح رئيس وزراء، وشخص آخر هو (غلام محمد) الحاكم العام لباكستان. ومنذ سنة 1918، أصبح الهنود قابلين للترشيح لقطاع الضباط فى الجيش الهندى، كما حصل المسلمون على نسبة من التعيينات والترقيات تتناسب ومجموع عددهم، وغلب فى هذا المضمار الضباط من البنجاب ولاية الحدود الشمالية الغربية. وبعد الاستقلال الذى تم سنة 1947, ظلت الصفوة هى التى تحصل على الوظائف المدنية العليا. وحل جهاز الخدمة الباكستانى محل جهاز الخدمة

المدنية الهندى. وأصبح التعيين يتم بأسلوب جديد فى التنافس. وشغلت الوظائف العليا، وتبلغ نسبتها 20 % من مجموع الوظائف العليا، وتبلغ نسبتها 20 % من مجموع الوظائف، بالكفاية فى الإمتحانات المفتوحة، أما نسبة الـ 80 % الباقية فتوزع بالتساوى بين باكستان الشرقية وباكستان الغربية. وما وافت سنة 1961، حتى أصبح العاملون فى جهاز الخدمة المدنية الباكستانى 257 عاملا منه 28 ما زالوا تحت التمرين. واستمر هذا فى إمداد الغالبية العظمى من عاملى المقاطعات والعاملين الرؤساء فى المصالح والوزارات. وكانت المهمة الرئيسية للحكومة فى دولة الباكستان الحديثة هى ضم جناحى الدولة معًا، وكان يفصلهما ما يزيد على ألف ميل من الأراضى الهندية، والموازنة المعقولة بين باكستان الشرقية والغربية. ولكن الاختلاف الإدارى فى باكستان الغربية عقد المشكلة. على أنه قد حدث تدريجًا إدماج العناصر المختلفة فى عنصر واحد، إذ حرم أمراء (بهاولبور) وكلات من سلطانهم. وفى سنة 1955، أقام القانون الخاص بباكستان الغربية وحدة واحدة، أو ولاية واحدة للجناح الغربى لباكستان قاعدتها لاهور. واستبعدت المناطق القبلية فى بلوجستان ومناطق الحدود الشمالية الغربية هى ودويلات آمب، ودير، وجترال، وسوات من هيمنة باكستان الغربية وكذلك كراتشى التى كانت العاصمة. وظلت جميع هذه المناطق تحت سيطرة الحكومة المركزية مباشرة. وأصبح الطريق آنئذ معبّدًا لإصدار دستور لباكستان. وفى التسع سنوات الأولى استمرت الباكستان تحكم بمقتضى القانون الهندى لسنة 1935 مع تعديل بسيط. وقد استبقى هذا القانون حاكمًا عامًا على قمة النظام مع سلطات واسعة فى يده. وكانت الحكومة فى الظاهر فى يد رئيس الوزراء والوزارة وهى مسئولة أمام مجلس تشريعى وطنى، ولكن السلطة الحقيقية كان يمارسها الحاكم العام إلى حد كبير (وقد كان منذ 1951 غلام

محمد من العاملين السابقين، ثم خلفه عامل آخر أكبر هو إسكندر ميرزا). وتحت إمرة هذين الرجلين، كان يتولى الإدارة الفعلية فى الباكستان الإداريون وضباط الشرطة. واستحدث دستور سنة 1956 عددًا من القيود على رئيس الدولة الذى أصبح وقتذاك رئيسًا معينًا. ولكن الإضطراب السياسى استمر، وفى عام 1958، أعلن الرئيس حالة الطوارئ، وألغى الدستور. وعزز خليفة إسكندر ميرزا، وهو المشير أيوب خان (أصبح بعد مشيرًا)، مركز الرئيس، وفى ظل الدستور سنة 1962 (مادة 31) تمركزت السلطة التنفيذية فى رئيس الجمهورية ومن أجل تأمين القوات المسلحة، يقضى الدستور (مادة 238) بأن يكون وزير الدفاع حاصلًا على رتبة لواء أو ما يوازيها فى البحرية أو القوات الجوية. ويختار الرئيس مجلس الوزراء دون أى قيد خارجى وقد يشارك الوزراء فى أعمال الجمعية الوطنية ولكنهم مسئولون أمام الرئيس. وقامت الثورة العسكرية سنة 1958، فنقلت العاصمة بعد ذلك بقليل من كراتشى إلى "راولبندى" كانت توجد إحدى عشرة وزارة هى: المالية والتجارة والشئون الداخلية وكشمير والصناعة والمصادر الطبيعية والمواصلات والتعليم والإعلام والعدل وشئون البرلمان والزراعة والأشغال والصحة والعمل والرخاء الاجتماعى. وتشمل الأجهزة الهامة، الخاضعة للرئيس مباشرة، مجلس التخطيط القومى ومكتب التعمير القومى. ويطلق على الموظف الدائم الذى يرأس الجهاز "سكرتير الحكومة" وتتكون طبقة الرؤساء من سكرتيرين، وسكرتيرين مشاركين ونواب سكرتيرين وسكرتيرين مساعدين. وفى عام 1956، كان ينتمى إلى الجناح الغربى لباكستان 19 سكرتيرًا ومعهم 38 من 41 سكرتيرًا مشتركًا و 123 من 133 من نواب السكرتيرين. وتسبب الاستياء من السيطرة المزعومة للجناح الغربى فى إثارة الخواطر دائمًا فى باكستان الشرقية التى كانت تطالب لنفسها باستقلال أوسع. وقدمت لها عدة تنازلات

وتحولت "السكك الحديدية" من السلطة المركزية إلى السلطة الإقليمية. ويحكم الولايتين حاكمان يعينهما الرئيس. وقد يكون الحكام موظفين مدنيين أو ضباط جيش أو زعماء سياسيين، ولكل ولاية سكرتارية تتكون من المصالح التى تقع تحت السيطرة الإقليمية مثل التعليم والصحة العامة والزراعة. وتنقسم الولايات إلى مناطق إدارية كبيرة تسمى وحدات تحت إمرة وكلاء، وهى أربع وحدات فى الشرق و 112 وحدة فى الغرب. وتظل المنطقة الإدارية الرئيسية هى المقاطعة التى يديرها نائب الوكيل أو جابى الضرائب، ويوجد 17 مقاطعة فى الشرق و 51 مقاطعة ووكالة سياسية فى الغرب. وقد جاء الرئيس أيوب خان ببدعه، فقد أقام جهازًا استشاريًا للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية قاعدته الشعب. وينتخب الشعب المجالس المعروفة باسم الديمقراطيات الأساسية على مستوى القرى وأحياء المدن. وترسل هذه المجالس الاتحادية بأعضاء إلى مجالس فروع المقاطعات (أى مجلس التحصيل) وهذه بدورها تشارك فى مجالس المقاطعات وعلى المستويات الدنيا، يغلب ممثلو الشعب (أى الديمقراطيون الأساسيون) فإن إلتحام الإداريين بالأجهزة الفنية يصبح أقوى. وفوق هؤلاء "المجالس الجزئية والإقليمية" وثلث أعضائها من الديمقراطيين الأساسيين. ولا يكتمل وصف حكومة الباكستان إلا بذكر دور القوات المسلحة فى الحكومة. وكان الجيش هو العنصر الأساسى بما يشمله من فرقة مدرعة وست فرق أو أكثر من المشاه بالرغم من أن القوات الجوية كانت حديثة وقوية. وقد حدث كثيرًا أن الجيش كان يستدعى لإعادة النظام إلى نصابه حين عجزت الإدارة المدنية عن السيطرة، كما يصبح الجيش مسئولًا عن تدبير الخلاص فى حالة الكوارث العامة مثل الأعاصير التى تجتاح باكستان الشرقية فى مواسم. كما استدعى ضباط الجيش لإدارة برنامج الديمقراطيات الأساسية، فى حين أن الجيش منح الحق فى ترشيح 10 % من المرشحين لشغل

6 - إندونيسيا

وظائف جهاز الخدمة المدنية الباكستانى، وإن كانت النسبة فى كثير من الأحيان تزيد على ذلك فى الحقيقة. وفى ظل هذه الظروف، كان من المهم أن يتم تجنيد أغلبية القوات المسلحة للجناح الغربى، وخاصة من البنجاب، من ولاية الحدود الشمالية الغربية، وفى سنة 1955، كان من بين الـ 900 ضابط برتبة المقدم فما فوقها 14 فحسب من باكستان الشرقية، ومن بين الـ 680 ضابط فى القوات الجوية 40 من باكستان الشرقية. وليس من المنتظر أن يتغير هذا الحال من التوازن عدة سنوات أخرى، وهو السبب الأكبر فى قيام الحركة التى تدعو إلى التوسع فى الاستقلال الإقليمى الذاتى والتى تؤرق الباكستان الشرقية باستمرار. ومع هذا، فإننا فيما يظهر يمكننا التنبؤ بأن جناحى باكستان لن ينفصلا (¬1)، وسوف تبقى باكستان مثالًا فريدًا لدولة واحدة وحكومة تعتمد على شطرى دولة متلاحمين. [هـ. تنكر H.Tinker] 6 - إندونيسيا منذ نشأة شركة الهند الشرقية المتحدة فى مستهل القرن السابع عشر، تولى السلطة فيها حاكم عام يساعده مجلس للهند الشرقية Raad van indie, مع سلطات تشريعية وتنفيذية محلية. ولكن السلطة المطلقة كان يمارسها كاملة مجلس إدارة الشركة وهو "السادة السبعة عشر Heren Zeventien" فى هولندا. وحينما تحمل التاج مسئولية الشركة سنة 1800، ظل الجهاز الحكومى فى جزائر الهند الشرقية إلى حد كبير لا يتغير. كما ظلت أحوال البلاد كما هى حتى عندما انتزع البرلمان الهولندى الامتياز الملكى فى الهيمنة على شئون المستعمرات (القانون الحكومى لجزر الهند الشرقية سنة 1854، وقانون المساءلة المالية سنة 1864). وبالرغم من أنه حدث من وقتها أن وقعت المسئولية عن حكومة المستعمرات وميزانيتها على عاتق وزير ¬

_ (¬1) كان ذلك التنبؤ وقت كتابة المادة، هذا وقد دارت الحرب بين باكستان الغربية والشرقية من مارس حتى ديسمبر 1971، واستقلت باكستان الشرقية بعد، سميت جمهورية بنجلاديش الشعبية.

المستعمرات وهو مسئول أمام المجلس البرلمانى الثانى، أثبتت الرقابة البرلمانية نفسها أنها زادت مركزية فى تناول الشئون الإندونيسية أكثر من سلطة الملك أو الشركة فى الماضى. وفى الوقت الحديث، أصبحت أيضًا أكثر فاعلية بفضل النهوض بالمواصلات بين الأرض الأم والمستعمرة. وفى بداية القرن العشرين، حين امتدت السلطة الهولندية إلى جميع أجزاء الأرخبيل، ضمت جزر الهند الشرقية الهولندية مجتمعات وطنية متباينة غاية التباين تحكمها إجراءات دستورية وإدارية شتى. وكانت السيطرة الهولندية المتزايدة تدير مباشرة جزيرة جاوة قلب المستعمرات الكثيفة السكان، مثلها كمثل عدة مناطق هامة فى الجزائر الأخرى (أى الأراضى الخارجية) وأخصها بالذكر أجزاء من سومطرة. أما فى غير ذلك من البقاع، فقد حكم الهولنديون بطريقة غير مباشرة من خلال زعماء ورؤساء من الأهلين. وكان هذا الخلاف يرجع فى بعضه إلى الحوادث التاريخية ومتطلبات الاقتصاد العربى، وبعضه الآخر إلى المستويات المختلفة للتطور السياسى للشعوب والمجتمعات المحلية فى المستعمرة. وكانت النظرية الدستورية الهولندية، علاوة على ذلك، تتمسك بالمبدأ الأساسى للسلطة المقسمة، بمعنى أنها تترك أهل البلاد يحكمونها كلما أمكن ذلك. وهكذا اقتصر دور المديرين الهولنديين رسميًا فى الجزء الأكبر من الجزائر الخارجية على النصح للأمراء والسلاطين المرتبطين بالأراضى المنخفضه باتفاقات تعاهدية أو عقود. وحتى فى جاوة التى كان الحكم فيها مباشرًا، فقد كان فيها طبقات بيروقراطية مزدوجة: واحدة هولندية والأخرى جاوية. وهذا الإزدواج كان له نظيره فى مجموعة القوانين القائمة بذاتها وفى الإجراءات وفى المحاكم الخاصة بالمجتمعات العرقية المختلفة فى جزر الهند الشرقية. أما من حيث الواقع، فقد شكلت المستعمرات وحدة إدارية مركزية صرف، قوامها بيروقراطية خاضعة،

يتم توجيهها مباشرة من جاكرتا، فى جاوة، قاعدة حكومة المستعمرات. وعلاوة على الحاكم العام ومجلس الجزر الهندية، تكونت حكومة المستعمرات من عدة مصالح تزايد عددها بنمو الخدمات المتخصصة فى القرن العشرين، وكان مديروها مسئولين أمام الحاكم العام، ولكنها لم تشكل مجتمعة الجهاز الوزارى الجامع الموازى لذلك الجهاز المحكم لشركة الجزر الهولندية وكانت مصلحة الإدارة الداخلية (Binnenlands Bestur) وجهاز السكرتارية الموجودين فى المقر الرسمى الدائم لنائب الملك فى غرب جاوة (الذى يسمى بوغور) هما أرفع المؤسسات الحكومية بعد الحاكم مكانة. وفى كلتا الإدارتين المركزية والإقليمية، احتل الموظفون الهولنديون الوظائف السياسية الهامة، وكلها خاضعة بطبيعة الحال للمراقبة الشديدة فى تفصيلات المسائل المالية لوزارة المستعمرات فى لاهاى. وبفشل الجهود المتفرقة للتقليل من سلطة هولندة على شئون المستعمرات، وفى نفس الوقت لتقليل الاحتكار البيروقراطى لزمام حكومة المستعمرات، إستمر الانقسام بين الديمقراطية فى هولندة والحكم المطلق فى الجزر الهندية حتى منعطف القرن العشرين، وبدأت البلديات وبخاصة من وقتها تتمتع بالنذر اليسير من الحكم الذاتى الذى أفاد مع ذلك الأوروبيين أكثر من أهل البلاد. وقد استغرق إدخال إصلاحات جديدة بعيدة الأثر قرابة خمسة عشر عامًا، وبدأ بتأسيس هيئة إستشارية (Volksraad) فى باتافيا (جاكرتا) افتتحت فى سنة 1918 وبعد ذلك بقليل، وضعت الحكومة الهولندية، آخذة بتوصيات الهيئة التى عينها الحاكم العام، سنة 1918 تشريعًا بعيد الأثر للحد من المركزية، يضع الأسس الإدارية والسياسية للمجلس الشعبى المركزى الذى نشأ سريعًا. وفى نفس الوقت، مهد القانون الأساسى الجديد لجزر الهند عام 1925 الطريق لمنح استقلال ذاتى أكبر للمستعمرات فى مواجهة برلمان العاصمة خاصة فيما يختص بمسألة الميزانية. وكان الحد من المركزية فى جزر الهند مقصورًا على

جاوة حتى منتصف الثلاثينات، وكان هدفه تحرير الأجهزة الإدارية الوطنية، التى كان معظم موظفيها من الطبقة الأرستقراطية من السيطرة الدقيقة لكبار الموظفين الأوروبيين فى الإدارة الداخلية وأنشئت وحدات إقليمية جماعية جديدة، وهى الإمارات والسلطنات، للقيام بمهمة تحويل هذه الأجهزة وكذلك لإقامة الأجهزة الدينية الأقل مستوى، وهى المجالس الأقليمية والقائمقاميات، وشغلت بعض وظائف هذه المؤسسات بالتعيين، ومعظمها بالاختيار القائم على تصويت ضيق النطاق، وقامت المجالس القائمقامية الستون العارضة بدور مجمعات انتخابية للمجالس الاقليمية الثلاثة بالجزيرة, وهذه المجالس أدت الخدمة نفسها لمجلس الشعب. وسرعان ما ارتبطت هذه الوسيلة الشبيهة بالديمقراطية بل المعوقة بنظام الدولة البيروقراطية الذى استغرق تدعيمه 40 عامًا قبل الاحتلال اليابانى للجزر الأندونيسية، ولم يكن نجاحه فى تلك الفترة القصيرة منتظمًا، وإن كان قد بلغ أقصى النجاح فى المركز حيث يقوم مجلس الشعب الذى وفر نوعًا من التدريب على الإجراءات السياسية الحديثة بالرغم من المعوقات الكثيرة الخطيرة ومنها مقاطعة عدة جماعات وطنية له. وفى آخر العشرينات من القرن العشرين، اكتسب غالبية إندونيسية أو كاد، وأسبغت عليه سلطات تشريعية مشتركة هامة خاصة بالنسبة للميزانية السنوية. ولكن التطرف المتزايد للحياة السياسية الإندونيسية زاد من شأنه الثورات المسلحة سنة 1926 - 1927، وما تلا ذلك من تقوية الجهاز البيروقراطى، وقد قلل ذلك كثيرًا من فائدة مجلس الشعب. كما أعقب الإجراءات الجائحة التى اتخذت للقضاء على المركزية إنبعاث لسلطان البيروقراطية، فأعاق ذلك أيضًا العمل السليم للمجالس الدينية الصغرى. ولما امتدت اللامركزية إلى الأراضى الخارجية فى نهاية الثلاثينات من هذا القرن، كادت أن تخلو تمامًا من التجربة السياسية التى حدثت فى جاوة. وهكذا أورث الحكم الهولندى لإندونيسيا نظامًا مركزيًا فى جوهره،

ظل سائدًا بالاعتماد على موظفى الدولة، لكن اكتسب بعض السمات البدائية الضعيفة للحكم الذاتى الديمقراطى. وكان الوجود اليابانى فى إندونيسيا قصير الأمد (1942 - 1945) إلا أنه أحدث تغييرات بعيدة الأثر فى النظام الهولندى. فإذا استبعدنا تمامًا تقسيم الأرخبيل (كانت الجزر المختلفة تدار بأوامر عسكرية متفرقة) طرد اليابانيون الموظفين الهولنديين وأحلوا اليابانيين والإندونسيين محلهم، وأدخلوا مجالس ذات اختصاصات محدودة للغاية محل النمط الغربى للأجهزة التشاورية شبه الديمقراطية وظهرت التغيرات الأساسية فى مجال السياسة القائمة على إثارة المشاعر مصحوبة بالتجديدات التنظيمية اليابانية التى أثرت بعمق فى السكان وخاصة الجيل الجديد الأصغر، ووقف هذا التحرك السريع للحياة السياسية الإندونيسية والذى زاد من حدته التصدع الفكرى وظهور التفوق السياسى للقوات العسكرية، فى تناقض واضح مع مبدأ المحافظة الثابت فى جوهره للأجهزة الإدارية البيروقراطية التى كانت تنطبع فى إطراد بالطابع الإندونيسى وكذلك لم تتأثر السيطرة الحكومية بالتغير فى السيادة الاستعمارية ولو فى الأسلوب التحكمى الذى لا يرحم. وزاد من إهتمام المجتمع الإندونيسى إهتمامًا جادًا بالسياسة، والاستقلال الإندونيسى الذى أعلن فى أغسطس 1945، وما تبعه من سنوات الكفاح الأربع للمحاولات الهولندية العسكرية لعودة استعمارها لإندونيسيا. ودفع الدستور المؤقت للجمهورية الإندونيسية الذى أعلن بعد ثلاثة أسابيع فحسب من الاستسلام اليابانى والذى كان متأثرا بالوصاية اليابانية إلى قيام حكومة على النظام الرئاسى. ووضع تصور لمجلس تشريعى منتخب طبقًا للدستور، ولكن الثورة والصراع المسلح الدائم مع الهولنديين، لم يسمح بإجراء الانتخابات إلا فى سنة 1955، وفى تلك الأثناء قامت لجنة قومية إندونيسية مركزية معينة بعمل السلطة التشريعية

وقوى سلطانها كثيرًا حين نقلت إليها مسئولية الوزارة فى أواخر عام 1945، وتضاعف عدد أعضائها، ثم سرعان ما تأثرت بقيام تنظيمات سياسية أبرزها حزب "مسجومى" المسلم الوطنى والأحزاب الاشتراكية. ولم تفعل الأجهزة الجمهورية للحكومة ما فعلها إلا فى بعض أجزاء إندونيسيا، وأخصها بالذكر جاوة وسومطرة، أما فى باقى الأنحاء، فقد أدت عودة القوات العسكرية والإداريين الهولنديين إلى قيام عدة مجموعات شتى من دويلات شبه مستقلة استقلالًا ذاتيًا تحت الرعاية الهولندية، ثم انتهت فى أواخر سنة 1940 إلى 16 وحدة سياسية متميزة بما فى ذلك الجمهورية وغير الهولنديون السيادة إلى جمهورية الولايات المتحدة الإندونيسية الاتحادية ذات مجلسين فى عام 1949، وفى أقل من سنة أفسح الميثاق الفيدرالى الطريق لدستور أندونيسيا المؤقت الثالث سنة 1950، وظل هذا الدستور قائمًا مدة تقل عن عشر سنوات، فأسس نظامًا برلمانيًا موحدًا، وقامت الوزارات على أساس من أحلاف جمعت الأحزاب الثلاثة الكبرى التى كان لها الصدارة (الوطنى ومسجومى ونهضته العلما وهو حزب العلماء المسلمين) قبل الانتخابات العامة سنة 1955، وخاصة بعد هذه الانتخابات. وظل الحزب الرابع. الهام وهو الحزب الشيوعى خارج ائتلاف الحكومة بالرغم من أثره المتزايد فى المركز، وخاصة بين الناخبين، وخلال الفترة الأولى، عمل النظام الديمقراطى الليبرالى فى يسر لا بأس به بالرغم من أن جذوره لم تكن تأصلت فى الثقافة السياسية الأندونيسية وبدأ هذا العمل باللامركزية بمفهوم الكلمة السليم. وقامت الحكومة الإقليمية والمحلية على المجالس الانتخابية، ولكن نمو الاستقطاب الفكرى بين الجماعات الإسلامية والعلمانية الذى تجلى بخاصة فى المجلس التأسيسى الذى انتخب على هذا النحو سنة 1955، وتكاثر الأحزاب مع الافتقار إلى نظام الأحزاب الداخلى وعدم الاستقرار فى الوزارات مع الإحباطات الدولية المستمرة بسبب استبقاء هولندا الأراضى الغربية لغينيا الجديدة

والتدهور الاقتصادى المقترن بسخط الأقاليم والتدخل العسكرى المتزايد فى السياسة، كل هذه العوامل المعاكسة أدت إلى عدم الثقة بالحكومة الدستورية من جانب وبين صفوة المجتمع وقطاعات واسعة من الجمهور السياسى من جانب آخر. وفى أعقاب الثورة المسلحة الواسعة النطاق والتهديد بانفصال الأراضى الخارجية، نهجت السلطات العسكرية المركزية والتنفيذية الرئيسية نهجًا متسلطًا يتزايد فى شدته، وألغى الرئيس المجلس التأسيسى الذى كان فى حالة توقف كامل، وقضى على بعض الأحزاب وخاصة الحزب السياسى المسلم، منذ عام 1957 أخذ يقيم نظامًا سياسيًا جديدًا هو "الديمقراطية الموجهة" وأقر أول دستور مؤقت للجمهورية عام 1955، وهو الذى أعيد إقراره بمرسوم الرئاسة فى يوليو سنة 1959، الأساس الشرعى لنظام الحكم الجديد. وهكذا اضطرت الحكومة البرلمانية إلى الخضوع لنظام مركزى لا يختلف فى مادته كثيرًا عن الأشكال القديمة. وسرعان ما طغت الذرائع التى تذرعت بها الديمقراطية الموجهة والتى قامت على صورة متفرقة لا تتسم بحال بتناسق واضح، على البرلمان الذى كان ينعكس عليه التدهور الشديد للأحزاب، وأعيد تشكيله فى الواقع باعتباره تشريعًا يقوم على "المساعدة المشتركة" ويكون أعضاؤه بالتعيين، واتسعت عضويته بانضمام عدة جماعات من العاملين وخاصة من الجيش. وسرعان ما أضيفت إليه أجهزة جديدة كانت فى كثير من الأحيان أضخم من أن تحكم كما كانت متعارضة الإختصاصات. وكان ذلك يتم بإيعاز من الرئيس وباختياره بما فى ذلك "المجلس الاستشارى الأعلى" و"مجلس الشعب الاستشارى المؤقت" (وكلاهما فى الحقيقة قد نص عليه فى أحكام ميثاق 1945) بالإضافة إلى "مجلس التخطيط القومى". وتحقيقًا لذلك عينت وزارة رئاسية من 90 وزيرًا. وكان المجلس الاستشارى،

وليس البرلمان، وأعضاؤه يفوقون 600 عضوًا، هو الذى قام بعمل الجهاز الشرعى الأعلى وله حق إنتخاب المُنَفذ الأول والذى كان بدوره مسئولا أمامه. ومع هذا، لم يعتمد السير الرفيق للديمقراطية الموجهة كثيرًا على الإجراءات الرسمية التى كان يظهر عليها الافتقار إلى التناسق. وسحبت القوة السياسية الفعلية من الأحزاب السياسية العشرة التى سمح لها بعد بالبقاء، باستثناء جزئى للحزب الشيوعى الذى شكل تنظيمه الضخم بؤرة من البؤر الحقيقية للقوة السياسية. وكان يوازيه ويقف أمامه الجيش الذى كان يزداد تنظيمه تنظيمًا جيدًا، وتنمو مشاركته باطراد فى المسائل السياسية والإدارية نتيجة للإضطراب الداخلى والمواجهات الأجنبية مع هولندة أولا ثم مع إتحاد ماليزيا. وكان الجيش أيضًا هو المستفيد الأول من تأميم المشروعات الأجنبية وتجريد الأحزاب السياسية من قوتها بالأجهزة اللامركزية للحكم المحلى والإقليمى. وكان الرئيس على قمة "الديمقراطية الموجهة" الذى أسسها هو وصاحب الفكر الأول فيها، وقد خولت له سلطات تنفيذية مدى الحياة فى جلسة المجلس الاستشارى الأول. وما وافت الستينات من هذا القرن، حتى تحول نظام الحكم فى إندونيسيا إلى الأنظمة الحكومية الممعنة فى التحكم والتى تعتمد اعتمادًا كبيرًا على الأشخاص. ومع أن الرئيس كانت له سلطات شرعية وفوق شرعية واسعة فى الحق جدًا، فإن نطاقها لم يتحدد بالرسميات بمقدار ما كانت تحدده عوامل قوى أخرى وقامت ثورة سياسية كبرى بدأت فى أكتوبر سنة 1965 وظلت أسبابها ونتائجها غامضة إلى وقت كتابة هذه السطور (اواسط 1966. وقد يتوقع المرء أن يكون لها آثار بعيدة المدى على الحكومة الأندونيسية حتى لو بقى إلى حين الهيكل الدستورى الهش لنظام "الديمقراطية الموجهة". وقد كان من النتائج الأساسية لهذه الأحداث الهامة تقوض الحزب الشيوعى إن لم يكن

المصادر

دماره الفعلى على يد الجماعات الإسلامية المناهضة له. وثمة نتيجة أخرى أقل من هذه وضوحًا بكثير هى ما بدا من انتقاص لسلطات الرئيس جرده من التمتع بها مدى الحياة مجلس الشعب الاستشارى المؤقت، وفى أواسط الستينات كان الجيش هو المستفيد الأول من إعادة البناء السياسى، على أن جميع المظاهر تدل على أنه أخذ فى ممارسة السلطة فى صورة أقل تحكمًا وتمركزًا عما كان عليه فى نظام الحكم السابق لذلك مباشرة وسوف يظل التساؤل قائمًا: هل كان فى إمكان الديمقراطية السياسية، أو هل هى تقدر مرة أخرى على تطعيم هذه الشجرة القديمة الحديثة، أو هل هى تستطيع مرة ثالثة أن تضرب فى الشجرة بجذور أقوى؟ المصادر: (1) The Cresent and the: H. Benda rising sun: indonesian islam under the Ja- 1945 - 1942 phanse occupation, لاهاى وباندونج سنة 1958. (2) The decline of con-: H. Fieth stitutional democracy in indonsesia، إيتاكا، نيويورك سنة 1962. (3) المؤلف نفسه: - Dynamics of Guid ed Democracy n indonesia فى (ed) Ruth. T.Mcvey، نيوهافن، كونكتيكت سنة 1963، فصل 8 (4) المؤلف نفسه: Indonesia فى Government and: (ed) G.Mc.T.Kahin politics in southeast ASIA, الطبعة الثانية، إيتاكا، نيويورك، سنة 1964 ص 309 - 409 (5) Neth-: A study of: J.SFumivall erlands india plural ecomomy، كمبردج ونيويورك سنة 1944 (6) Nationalism and: G. mc T Kahin revolntion in indinesia، إيتاكا، نيويورك سنة 1952 (7) المؤلف نفسه: Indonesia فى (Major governments: G.M T. Kahin (ed of Asia، الطبعة الثانية، إيتاكا، نيويورك سنة 1963، ص 535 - 700

حكيم

(8) Central authority: J.D. Legge - 1950 and regional autonony in indonesia 1960, إيتاكا، نيويورك سنة 1962. (9) المؤلف نفسه: Indonesia، انكلوود كلفس، نيوجيرسى سنة 1964. (10) A. Vandebisch: هفس The: Duch East indies government, problems and politics؛ الطبعة الثالثة، بيركلى ولوس انجليس سنة 1944. (11) a history of: B.H.M. Vlekke: Nusantara indonesia الطبعة الثانية، لاهاى وباندونج، سنة 1959. (12) indonesiam a: W.F. Wertheim society in transi-: study of social change tion، الطبعة الثانية، لاهاى وباندونتج سنة 1959. نجلاء عبد الرازق [بندا H. j. Banda] حكيم (والجمع حكماء) الاسم العربى للطبيب، وأصل معناه العاقل الحاذق الماهر وقد تطور من هذا المعنى كلمة حاكم وحكيم وهى موضوع بحثنا (قارن الكلمة الفرنسية Sage-femme بمعنى حكيمة وكلمة Sag-homme بمعنى فقيه) وعلى هذا النحو أيضًا يكون معنى الكلمة العربية الأخرى طبيب (والجمع أطباء) هو الطب بمعنى الحاذق بالأمور العارف بها. وتطور هذا الأصل بوجه خاص فى اللغة الإثيوبية. وكانت كلمة طبيب فى الزمن القديم أكثر شيوعًا من كلمة حكيم وخاصة فى اللغة الفصحى. أما فى الزمن المتأخر فقد غلبت كلمة حكيم وخاصة فى اللغة العامية. وقد مُيز بين الكلمتين أحيانًا تمييزًا دقيقًا فاستعملت كلمة حكيم للدلالة على من يزاول مهنة الطب وكلمة طبيب لمن درس الطب، وثمة أسماء أخرى للإخصائيين عدا اللفظ العام "حكيم" فيقال الجراح والكحال (وهو طبيب العيون) وقد جرى العرف فى اللغة الحديثة على استعمال لفظ الحكيم مركبة للدلالة على الاخصائيين كحكيم العيون وحكيم الأسنان؛ وقد وضعت عدة مصنفات فى تاريخ الطب بعنوان تاريخ الحكماء أشهرها كتاب ابن القفطى الذى نشره ليبر (J Lippert) بليبسك عالم 1903 خورشيد [متفوخ Mittwoch E.]

الحلاج

الحلاج (أى حلَّاج الصوف)، أبو المغيث الحسين بن منصور بن محمّى البيضاوى، متصوف من علماء الكلام المتحدثين بالعربية (244 - 309 هـ = 857 - 922 م)، تلقى حياته وتعاليمه ووفاته الضوء على فترة حرجة فى تاريخ الثقافة الإسلامية، وتعد رياضته الباطنة نقطة تحول فى تاريخ التصوف (وتشمل هذه المادة، بالإضافة إلى ما ورد فى صدرها من هذه الدائرة إضافات مسهبة منقولة من أحدث مؤلفات ماسينيون L. Massignon). 1 - تفصيلات سيرته: أصله: ولد الحلاج حوالى سنة 244 هـ (857 - 858 م) فى بلدة الطور، شمالى شرق البيضاء ببلاد فارس. وكانت الطور تتحدث بلهجة إيرانية؛ والبيضاء بلدة مستعربة ولد بها سيبويه. ويقال إن الحلاج حفيد رجل يدعى "جبر" كما كان من سلالة أبى أيوب أحد صحابة النبى - صلى الله عليه وسلم -. وغادر أبوه، الذى كان فيما يرجح حلاجًا للصوف، بلدة الطور إلى منطقة صناعة النسيج التى امتدت من تستر إلى واسط (على نهر دجلة)، وهى مدينة صغيرة أسسها العرب، ومعظم سكانها من السنيين الحنابلة (كان بضواحيها الريفية أقلية من غلاة الشيعة). وكانت مركزًا لمدرسة شهيرة لقراء القرآن الكريم. وفى واسط، فقد الحسين القدرة على الكلام بالفارسية. وقبل أن يبلغ الثانية عشرة من عمره، كان قد حفظ القرآن كله، وأصبح حافظًا. وحاول فى مرحلة مبكرة جدًا أن يكتشف بعض المعانى الباطنة فى سور القرآن، ودخل فى التصوف على مدرسة سهل التسترى. فى البصرة: وعندما بلغ الحلاج العشرين من عمره ترك التسترى وقصد البصرة. وهناك، تلقى شعائر التصوف على يد عمر المكى، وتزوج أم الحسين بنت أبى يعقوب الأقطع، ولم يبن بأخريات وظل هو وزوجته على وفاق طوال حياتهما، وأنجبا مالا يقل عن ثلاثة أبناء وبنت واحدة. وقد جلب عليه زواجه هذا معارضة عمر المكى وغيرته، وكان الحلاج حينما يغيب عن

خوزستان وخراسان، والرحيل من تستر

بيته يعهد برعاية أسرته إلى شقيق زوجته، واسمه الكرَنْبَائى. وعن طريق صهره هذا، وجد الحلاج نفسه على صلة بعشيرة كانت تؤيد انتقاض الزيديين من الزنج الذين كانوا متشبعين على تفاوت بمبادئ غلاة الشيعة؛ ولعل هذا هو السبب فى الشهرة التى لزمته من غير أساس بأنه داعية شيعى. وإلى هذه الفترة يرجع احتفاظه بتعبيرات عجيبة تظهر عليها اثار الشيعة، بيد أنه واصل فى البصرة حياة النسك الشديد، وظل مؤمنًا أعمق الإيمان بمذهب أهل السنة. وشخص الحلاج إلى بغداد لمشاورة الجنيد المتصوف الذائع الصيت وقد ضاق بالصراع الذى نشأ بين والد زوجته الأقطع، وبين عمر المكى، ولم يستمع إلى نصيحة الجنيد فرحل بعد إخماد فتنة الزنج مباشرة. الحجة الأولى: وفى مكة أدى فريضة الحج الأولى، ونذر البقاء عامًا معتمرًا بساحة البيت الحرام، ملازمًا الصيام والصمت لا يتحول. وكان يمارس فى هذا رياضته الشخصية للاتحاد بالله، وذهب مذهبًا مناقضًا للكتمان الذى يلتزم به المتصوفة، وبدأ فى الإعلان عن طريقته. وهنالك قطع عمرو المكى علاقته به، بيد أن الحلاج أخذ يجتذب المريدين. خوزستان وخراسان، والرحيل من تستر: وعاد الحلاج إلى خوزستان، وخلع خرقة الصوفية، واتخذ لباس عامة الناس (لعله القباء، وهو عباءة يلبسها الجند) حتى يستطيع أن يتكلم ويعظ بحرية أكثر. وهذه هى بداية دعوته التى كان هدفها الأساسى تمكين كل إنسان من أن يجد الله فى قلبه، مما أكسبه لقب "حلاج الأسرار"، وعرضه للريبة والكراهية وإلى افتضاح أمر الصوفية وأصبح من مريديه بعض السنيين الذين كانوا من قبل نصارى، وصار منهم وزراء فى بغداد من بعد. ولكن بعضًا من المعتزلة والشيعة الذين كانوا يشغلون مناصب هامة فى بيت المال، اتهموه بالخديعة وبزائف المعجزات، وأثاروا عليه الدهماء. فنزح إلى خراسان ليواصل دعوته بين الجاليات العربية

بشرقى إيران، ومكث فيها خمس سنوات يعظ فى المدن، كما مكث غير قليل فى الرباطات على الحدود، التى كانت ملجأ للمتطوعين فى "الجهاد" ثم عاد إلى إقليم تستر، واستطاع بمساعدة الوزير حمد قنائى أن يوفر لأسرته الإقامة فى بغداد. الحجة الثانية، والأسفار البعيدة، والحجة الثالثة: حج الحلاج حجته الثانية بمكة، ومعه أربعمائة من مريديه، وهناك اتهمه بعض أصدقائه السابقين والصوفية بالسحر والعرافة ومخاواة الجن. وبعد حجته الثانية هذه رحل رحلة طويلة فى بلاد الهند (الهندوكية) وفى تركستان (المانوية والبوذية) فيما وراء حدود دار الإسلام. "متوجهًا إلى ما يجاوز المجتمع الإسلامى، إلى البشرية جمعاء يريد أن يكشف لها الشوق الحبيب إلى الله فى صبر وصفاء مما اتصف به الحلاج منذ ذاك ... " (L. Massignon) وحوالى سنة 290 هـ (902 م) عاد الحلاج إلى مكة ليؤدى حجته الثالثة والأخيرة، أجل عاد إلى مكة مرتديًا المرقعة والفوطة حول وسطه. وكان يدعو الله بعرفات أن ينزل به إلى مرتبة العدم ليكون محتقرًا منبوذًا، ومن ثم فالله وحده هو الذى يفئ على نفسه تعالى نعمته من خلال قلب عبده وشفتيه. الموعظة الأخيرة فى بغداد: عاد الحلاج إلى بغداد، وأقام فى بيته أنموذجًا للكعبة المشرفة، وظل يقوم الليل بجوار المقابر، ويعلن بالنهار فى الطرقات والأسواق عن حبه المتوقد لله، وعن رغبته فى أن يموت مغضوبًا عليه من مجتمعه بحكم اتحاده بالله. وكان يقول: "أيها الناس أغيثونى عن الله" .. "اعلموا أن الله تعالى أباح لكم دمى: فاقتلونى" .. وقد أثارت هذه الدعوة مشاعر الجمهور، وأشاعت القلق بين الطبقات المثقفة. وغضب محمد بن داود الظاهرى من ادعاء الحلاج بأنه اتحد صوفيًا بالله؛ وشكاه إلى القضاء، وطالب بالحكم عليه بالقتل، ولكن القاضى الشافعى المذهب ابن سريج قال إن الإلهام الصوفى خارج عن ولاية المحاكم. وفى هذه الفترة، وحيال الموقف العدائى لنحاة البصرة، قام الحلاج بالرد على الشبلى، فى جامع المنصور

بالشطحة الشهيرة: أنا الحق، والحق لله حق لابس ذاته، فما ثم فرق". القبض عليه: كان ثمة حركة لصلاح المجتمع أخلاقيًا وسياسيًا، أخذت تتبلور فى بغداد، مستلهمة مواعظ الحلاج، وما دعا إليه أولئك المخلصون المهتمون بأن يروا فيه قطب الزمان المستتر فى عصره. وقد أهدى الحلاج لابن حمدان وابن عيسى بعض الرسائل عن واجبات الوزراء. وفى سنة 296 هـ (908 م) قام بعض المصلحين من أهل السنة (تحت تأثير الحنابلة أتباع البربهارى، انظر La: H. Laoust Profession de foi d'Ibn Batta دمشق سنة 1958، فى مواضع مختلفة) بمحاولة فاشلة للاستيلاء على السلطة، ولمبايعة ابن المعتز بالخلافة. ولكنهم أخفقوا، وأعيد الخليفة الصبى المقتدر، وكان وزيره ابن الفرات المدبر للمال. وكان الحلاج متورطًا فيما تلا ذلك من حركة القمع المناهضة للحنابلة، ونجح الحلاج فى الفرار إلى السوس من أعمال الأهواز، وهى بلدة حنبلية، على الرغم من أن أربعة من مريديه قد تم القبض عليهم. وبعد ثلاث سنوات، ألقى القبض على الحلاج نفسه، وحمل إلى بغداد ضحية لكراهية حامد السنى، ومكث فى السجن تسع سنوات. سجنه: فى سنة 301 (913 م) وضع الوزير ابن عيسى، وهو ابن عم واحد مريدى الحلاج، حدًا للمحنة (انظر فتوى ابن سريج) وأطلق سراح المسجونين من أنصار الحلاج. وأدى ضغط أعدائه ونفوذ رئيس الشرطة الذى كان عدوًا للوزير ابن عيسى، إلى وضع الحلاج فى "الصليبة" ثلاثة أيام، وكتب فوقه عبارة "عميل قرمطى". وحبس بعد ذلك فى القصر، حيث استطاع أن يعظ السجناء من العامة وفى سنة 303 هـ (915 م) شفى الحلاج الخليفة من الحمى، وفى سنة 305 هـ "أعاد إلى الحياة" ببغاء ولى عهد الخليفة. وفضح المعتزلة "شعوذته". وفى سنة 304 - 306 هـ, صرف الوزير ابن عيسى الذى كان من المحابين للحلاج، وحل محله ابن الفرات المعادى للحلاج، ولكن نفوذ أم الخليفة منع ابن الفرات من إعادة المحاكمة.

ويظهر أن اثنين من أهم مؤلفات الحلاج يرجع تاريخها إلى هذه الفترة، هما: طآسين الأزل، وهو تأمل فى حالة إبليس "الموحد العاصى" والرسالة المختصرة عن "معراج" محمد عليه الصلاة والسلام، الذى وقف قاب قوسين أو أدنى من جوهر الذات الإلهية. وقد أدانت هذه التأملات رفض إبليس طاعة الله وذهبت إلى أن اتحاد المحبة بين الله والإنسان أمر ممكن خارج عن تجربة النبى عليه السلام. ويبدو أن هذه التأملات إنما كانت ردًا على رجل من غلاة الشيعة هو الشلمغانى، الذى ذهب إلى أن الإيمان والإلحاد، والفضيلة والرذيلة، والإصطفاء واللعنة ليست جميعًا سوى "مقابلات" ترضى الله على حد سواء. وكان للشلغمانى نفوذ كبير فى بلاط بغداد، بل حتى فى مجرى محاكمة الحلاج. الحكم: أعيدت المحاكمة، وأثيرت القضية سنة (308 - 309 هـ = 921 - 922 م). وكان أساسها مضاربة حامد المالية التى عارضها ابن عيسى دون جدوى. وأراد حامد القضاء على نفوذ ابن عيسى، فدبر إعادة محاكمة الحلاج. وساعده على ذلك ابن مجاهد الشيخ الوقور لجماعة قرّاء القرآن، وصديق الصوفيين ابن سالم والشبلى ولكنه كان من المعارضين للحلاج. وتظاهر الحنابلة بتحريض ابن عطاء، وهو نفسه حنبلى متصوف، وصلوا "للدعاء" على حامد: منكرين سياسته المالية ومستهدفين إنقاذ الحلاج. بل هم قد تظاهروا أيضًا على الطبرى الذى أدان أعمال الشغب. وقد هيأت هذه الاضطرابات الفرصة للوزير حامد، ليدخل ابن عطاء فى المحاكمة. ولكن ابن عطاء رفض أن يشهد على الحلاج، وقرر أن الوزير لا يملك حق الحكم على سلوك "الأولياء". وأهانه أحد الحراس فى جلسة المحاكمة، ومات متأثرًا بما لحق به من جراء ذلك. وقد أعد الحكم سلفًا كل من حامد، والقاضى المالكى أبو عمر بن يوسف، الذى كان دائم التأييد لمن فى يدهم السلطة وقتذاك، وكان الحكم يدين

الحلاج. وقد قال الحلاج ما معناه: إن أهم الأمور أن يطوف قلب الإنسان حول الكعبة سبع مرات: ولذلك اتهموه بأنه ثائر قرمطى، أراد أن يهدم الكعبة. ولم يحضر المحاكمة أى واحد من الشافعية. وامتنع القاضى الحنفى عن إصدار حكم، ولكن مساعده وافق على تأييد أبى عمر، ونجح وكيل الشهود المحترفين فى تقديم أربعة وثمانين موقعًا على عريضة الاتهام. وفى أثناء الجلسة، نطق أبو عمر، بتحريض حامد، بهذه العبارة: "الشرع يحل إهدار دمك". تنفيذ الحكم: وظل كبير الحجاب نصر، وأم الخليفة يومين يتشفعان للحلاج عند الخليفة الذى داهمته الحمى، فألغى تنفيذ الحكم. ولكن دسائس الوزير انتصرت على تردد المقتدر الذى وقع الأمر بقتل الحلاج فى أثناء مغادرته وليمة كبرى. وفى الثالث والعشرين من ذى القعدة، أعلنت أصوات الطبول قرب تنفيذ الحكم. وسلم الحلاج لرئيس الشرطة، وفى المساء وعظ نفسه، وهو فى زنزانته استعدادًا للاستشهاد، وتنبأ ببعثه المجيد. وقد دونت هذه الأدعية والمواعظ وجمعت فى كتاب أخبار الحلاج. وفى الرابع والعشرين من ذى القعدة، وعند باب خراسان، "وأمام حشد هائل" ضرب الحلاج وعلى رأسه تاج ضربًا مبرحًا، حتى أصبح شبه ميت، ثم صلب وهو بعد حيى على "صليب". وفى هذه الأثناء، أشعل المشاغبون النار فى الحوانيت وراح الأصدقاء والأعداء يسألونه، وهو مصلوب، وتحكى الروايات بعض إجاباته عن هذه الأسئلة. ولم يصل أمر الخليفة بضرب عنق الحلاج حتى حل الليل، وواقع الأمر، أن التنفيذ النهائى للحكم أرجئ حتى اليوم التالى. وفى أثناء الليل، ذاعت أخبار عن وقوع أحداث عجيبة خارقة، ولما أصبح الصباح تجمع فى قول التوزرى أولئك الذين وقعوا العريضة، حول ابن مكرم، وصاحوا قائلين: إنه فى سبيل الإسلام، دع دمه يسيل فوق رؤوسنا. وسقط رأس الحلاج، ورش جسده بالزيت وأحرق، وألقى رماد رفاته فى نهر دجلة من قمة مئذنة فى 27 مارس سنة 922 م.

2 - آثاره الكبرى (المنشورة)

وروى شهود تنفيذ الحكم فى الحلاج أن آخر كلمات هذا الإنسان المكروب معناها: أن كل ما يعنى صاحب الوجد أن الواحد الأحد قد ينقله إلى الوحدة مرددًا الدعوة إلى التوحيد الحق الذى يلقيه الله فى قلب أحبابه، ثم قرأ الآية رقم 18 من سورة الشورى من القرآن الكريم. 2 - آثاره الكبرى (المنشورة) (1) سبع وعشرون رواية جمعها مريدوه سنة 290 هـ (902 م) تقريبًا فى صورة أحاديث قدسية والنص العربى منشور بالطبعة الثالثة من كتاب أخبار الحلاج (الترجمة الفرنسية Massihnon؛ passion d'aj halla، باريس سنة 1922، ص 893، ص 904). (2) كتاب الطواسين، وهو سلسلة من إحدى عشرة رسالة (بما فيها طآسين الأزل)، النص العربى وترجمة فارسية للبقلى، تحقيق L. Massignon، باريس سنة 1913 (الترجمة الفرنسية d'al: L. Massignon passion ص 830 - 893)؛ بعض الأشعار المجموعة (انظر، كتاب التعرف لمذهب أهل التصوف للكلاباذى) فى ديوان الحلاج، النص العربى، والترجمة الفرنسية - L. Massig non, باريس سنة 1931، وله ترجمة فرنسية جديدة، باريس سنة 1938؛ بعض تعاليمه وخاصة آخر أقواله فى الليلة الأخيرة، جمعت فى كتاب أخبار الحلاج، تحقيق L. Massignon . (باريس سنة 1914؛ والطبعة الثانية باريس سنة 1936؛ والطبعة الثالثة باريس سنة 1957). وعن الكتابات الأخرى للحلاج وعن بحث حجيتها انظر L. Massignin, كتاب الطواسين، المقدمة، ص 1 - 4؛ Passion d'al Hallaj ص 804 - 822؛ ديوان الحلاج، طبعة سنة 1931، ص 1 - 9؛ Opera Minora، بيروت سنة 1963، جـ 2، ص 40 - 45، 191). 3 - التهم الأساسية: حدثت محاكمة الحلاج على أساس من المكائد الدينية والسياسية، وتلك التى تتعلق بالسياسة المالية، وأقلقت بلاط بغداد والمقتدر الذى كان يعد

قاصرًا. وقد أوضحت هذه المحاكمة وضع الأسرة العباسية الحاكمة فى بداية القرن الرابع الهجرى (العاشر الميلادى) والدور الذى قام به الوزراء الذين جمعت بينهم المصالح المشتركة. وكان العدوان اللدودان للحلاج هما الوزير الشيعى ابن الفرات، والوزير السنى حامد. وقد استهدفت جميع مواعظ الحلاج فى أسواق بغداد التطبيق الصارم لقيم الإيمان على الحياة الباطنة، وإعلان وحدة الحب بين النفس والله: وكلها تدخل فى إطار عقيدة تؤكد تمسكه بمذهب أهل السنة عن بصيرة. ولكن مواعظ الحلاج لم تلق آذانًا صاغية، ليس فى الدوائر السياسية لبلاط الخلافة فحسب، بل فى عالم الفقهاء التقليديين أيضًا، ومعظمهم من المالكية والحنفية، الذين التفوا بهم. ومما يثير الدهشة أن أقوى مؤيدى الحلاج كانوا من الحنابلة الذين كان لتقواهم وقتذاك أثر كبير بين عامة الناس. وكانت مطالب الحلاج بالإصلاح الروحى وأثره فى الناس، مصدر إزعاج لكثير ممن كانوا فى السلطة. وقد أقاموا اتهامهم له على ادعائين: (1) الاداء الدينى: أقوال الحلاج غير المتزنة التى أثارت مسألة البصيرة الباطنة ومبدأ الكتمان الذى أصبح القاعدة فى دوائر المتصوفة منذ استدعى نورى ومريدوه للمساءلة أمام القضاء عن تعاليمهم فى حب الله. وكانت إحدى نتائج هذا أن الصوفية من أمثال عمر المكى والجنيد اللذين كانا من أصدقاء الحلاج لاماه على التحدث علنا عن رياضته الشخصية وتعبيره عنها بشطحات؛ زد على ذلك أن بعضهم قد جنحوا إلى إنكار النزعات الصوفية، وتلك التى كانت تتعلق "بالحب العذرى" خاصة، وشعروا أن من واجبهم إدانة البحث عن الواحد من خلال الحب المراد وأسلوب مجاهدة النفس. ولربما كان هذا هو السبب الجوهرى فى أن أصبح ابن داود الظاهرى عدوًا للحلاج، ونزع إلى هلاكه. وبعد هذا اتهم الحلاج بالتجديف وادعاء الحلول وحرصه على أن يجعل للشعائر مدلولًا باطنيًا (الطواف بالقلب حول الكعبة سبع مرات") وعد ذلك منة بمثابة رغبة فى إبطال الشعائر نفسها.

4 - مغزى الرياضة والشهادة

(ب) الادعاء السياسى: والراجح أن هذا الادعاء كان أعظم الادعاءات مغزى وأشدهما حسمًا. فقد ربط زواج الحلاج بينه وبين الزنج الزيدية؛ وجعلته أسفاره البعيدة يبدو للأعين كما لو كان داعية قرمطيًا؛ كما أن اللغة التى استعملها بل موضوعات تأملاته، استعارت عددًا من العناصر الشيعية، على الرغم من أن إجاباته عن الأسئلة فى هذا الموضوع ظلت تفصح عن استلهام عميق للمذهب السنى، ومن ثم قرر متهموه الذين خافوا تأثيره على الناس، وعلى قضاة المحكمة، تقديمه للمحاكمة على أنه مهيج للخواطر وثائر يهدد نظام، المجتمع. ومن التأويلات الحفية الزائفة لبعض أقواله (انظر ما تقدم) ما اتهم به من الرغبة مثل القرامطة فى هدم الكعبة المشرفة. ومن ثم أصبح "إهدار دمه حلالا شرعًا" باسم المجتمع نفسه. وواقع الأمر أن الحلاج فى السنوات الأخيرة من حياته، قد جلب على نفسه فيما يظهر العذاب والهلاك وإن كان ذلك لأسباب مختلفة كل الاختلاف. فقد اعترف بأن الطريق الذى يجب أن يتبعه من خلال الحب، ومجاهدة النفس أمر يسمو على الإطار الشرعى للمجتمع، وقدم نفسه ضحية للمجتمع بالخضوع لقوانينه عن طيب خاطر. 4 - مغزى الرياضة والشهادة: وفى تاريخ التصوف، يحتل الحلاج مكانة ممتازة بين القائلين بوحدة الشهود. وقد قيل فى بعض الأحيان أن هذه العبارة يجب أن تكون "وحدة الرؤية" أو النظرة (إشارة إلى معنى الوزن الثالث للجذر ش. هـ. د)؛ وأفضل من ذلك إلى حد بعيد أن تكون "وحدة الحضور". ولكن كلمة شهود تعنى حقًا حضور شئ أو شهوده؛ ونحن نرى من الأصوب الاحتفاظ بمعنى "وحدة الشهود" (أو شهادة الوحدانية، Lexique Tech-: L. Massignon nique de la mystique musulmane باريس سنة 1954، ص 103). ووحدة الشهود ليست "البصر" أو "النظرة" وحسب، بل هى وجود فعلى، هو شهود كلى: شهود الله لذاته فى قلب عبده. ويؤدى هذا الجمع بالله إلى "اتحاد"

ليس هو اتحاد المادة، ولكنه: عشق ومحبة يرحبان فى فراغ نفس الإنسان بالزائر المحبوب (= الله) أى "الجوهر الذى جوهره الحب" كما عبر الحلاج عنه. والرياضة التى فهمت على هذا النحو تعرضت لنقد لاذع من الفرع الصوفى الأساسى الآخر أى القائلين بمذهب وحدة الوجود (انظر Massignon المرجع نفسه)، الذى كان سائدًا منذ القرنين - السادس والسابع الهجريين (الثانى عشر والثالث عشر الميلاديين)؛ وقد واجهت هذه الرياضة اعتراضًا مزدوجًا. (1) اعتراض على فكرة الحلول ودخل هذا الاعتراض فى التهم التى حوكم من أجلها: قال الحلاج: (جبلت روحك فى روحى كما يجبل العنبر فى المسك الفَتِق) (ديوان الحلاج، م.- 41)، ثم قوله فوق ذلك "نحن روحان حللنا بدنًا" (انظر م. - 57). ولكن النص الكامل للأشعار والكتابات يوضح أن الحلول هنا، لم يكن ليفهم بالمعنى الذى شاع بعد أى "التجسيد" أو اتحاد المادة. وحلول الحلاج بأجلى معانيه، يجب أن يفهم على أنه اتحاد كامل مراد (فى الحب) يعمل فيه عقل العبد إرادته وكل ما يمكنه فى واقع الأمر من أن يقول "أنا" بفضل الله. ومن ثم فإن عبارة "نحن روحان حللنا بدنًا" يجب أن تقارن بقول المتصوف النصرانى القديس يوحنا الصليبى: "طبيعتان، إله وإنسان فى روح واحد، وحب الله". (2) ومن هذه نشأ الاعتراض الثانى الذى شاع كثيرًا، ووجه إلى الحلاج وقوله بوحدة الوجود، وهو قول كان يجب أن يعبر عنه فى رأى ابن عربى، بأنه قرر بالجمع والاتحاد (ثنوية). ووحدانية "وحدة الموجود" يقصد بها فى واقع الأمر، أن الاتحاد يجب ألا يعمل حقًا من خلال الحلول؛ ولكن من خلال بديل كامل لأنا الإلهية بأنا القائمة على الرياضة. فالاتحاد بالله هو أن تحقق اللاهوت الذى فاض من الله على روح الإنسان (فاض، ولم يوجد من عدم؛ انظر، رواية الغزالى فى الرسالة اللدنِّية: ["روح الإنسان من أمر الله"].

5 - المفردات و"المصطلحات"

وهذه التهمة "بالثنوية" التى استهدفت "وحدة الشهود" تكشف الفرق فى الغرض بين الطريقتين: الاتحاد بالإيمان والحب ومن خلالهما "الشهادة العظمى" من أجل وحدة الشهود، وإعادة استيعاب أفعال الموجود فى أول فعل مارسه فى الوجود (تفهم هنا على أنه فاض من الوجود الإلهى) من أجل وحدة الوجود. 5 - المفردات و"المصطلحات": كتابات الحلاج الأساسية إما تأملات فى موضوعات ترمز إلى تقدم الصوفى فى بحثه عن الله، وإما تعبيرات (شعرية) مباشرة عن هذا التقدم الفعلى. وكان الحلاج يحرص دائمًا على أن يجعل مفرداته أكثر إحكامًا، وقد اجتمعت له معرفة عميقة بمصطلحات الفقه وعلم الكلام، والفلسفة التى كانت فى دور التكوين فزودته بزاد من المعانى أهله على نحو عجيب لتحليل الأحوال عند الصوفية، وقد حاول الحلاج الذى كان من أرباب الجدل وأصحاب المواجد (انظر - Lullius sweden borg) أن يوفق بين العقيدة وبين الفلسفة اليونانية على أساس من الرياضة الصوفية؛ وكان رائدًا للغزالى فى هذا المجال (L.Massignon). وفى الفصل الأخير من كتاب التعرف لمذهب أهل التصوف، أفرد الكلاباذى عدة فصول للمصطلحات الصوفية، وتقوم تعريفات هذه المصطلحات بصورة واضحة على الحلاج: ومن ثم، نجد مصطلح "وجد"، و"سكر" و"جمع"، الخ. وبخاصة تلك المقابلات مثل التجريد والتفريد، والتجلى والاستتار، وفناء وبقاء الخ .. وكان لا مناص من أن يكون لهذه المصطلحات معنى دقيق كل الدقة فى وحدة الشهود عند مدرسة الحلاج، وقد اكتسبت معنى آخر فى المستقبل هو وحدة الوجود؛ وفى كل حالة، وكان لا بد لفهمها من الإشارة مباشرة إلى الرياضة التى وصفت وإلى تصور العالم الذين ينطوى عليه صياغتهما ومع ذلك فإن أول تعريف لهما وضعه الحلاج، كان له أهمية كبرى فى تطور علم التصوف. وقد نشأ عن ذلك فى كثير من الأحيان اختلافات، وحتى بين مريدى الحلاج أنفسهم: كاستعمال مصطلح عشق باتفاق الآراء، مع

6 - مدرسة الحلاجية وفرقها

تفضيله كثيرًا على المصطلح محبة، لحب الله وحب الإنسان. وكان مصطلح العشق جزءًا من مفردات الصوفية الأولين (انظر، الحسن البصرى)؛ ولكن معنى "الرغبة" الذى كان أحد مدلولاته المألوفة، كان يذكر خوفًا من أن ينسب إلى الله عدم الثبات أو السلبية. وقد أوضح ماسينيون L. Massignon، أن محققى نصوص الحلاج، ومن بينهم البقلى الشيعى، لم يترددوا فى استبدال مصطلح محبة، بمصطلح عشق فى هذه النصوص، ومن ثم خففوا نظرية الحلاج بأن المصطلح عشق من صفات الذات الإلهية (انظر Notion de L'essentiel) فى ماسينيون Opera Mino- ra، بيروت سنة 1963، جـ 2، ص 226 - 253). 6 - مدرسة الحلاجية وفرقها: يبدو أن مريدى الحلاج أنشأوا سنة 309 هـ (922 م) طريقة. وقد لجأوا بعد قتل شيخهم إلى الاختفاء والتشتت، بل انشقوا على أنفسهم. وفى واقع الأمر، أن الاضطهاد الشرعى قد استمر، وفى سنة 311 - 312 هـ (924 - 925 م) ضربت أعناق الكثيرين من أتباع الحلاج فى بغداد. وقد هرب عدد من مريدى الحلاج إلى خراسان حيث شارك كثير منهم فى حركة الإصلاح الحنفية - الماتريدية. فابن بشر بعامة وفارس بن عيسى بخاصة (مؤسس الحلاجية الحلولية) اعتنق تعاليم الحلاج فى الدوائر الصوفية بخراسان ونشرها، وقد انبثق كتاب التعرف لمذهب أهل التصوف للكلاباذى من هذه المدرسة. وفى القرن الخامس الهجرى (الحادى عشر الميلادى). يقول السلمى والخطيب أنه كان لا يزال فى نيسابور بعض غلاة الحلاجية، ولربما كان من بينهم ابن أبى الخير (وهو موضوع دراسة للمستشرق نيكلسون Nicholson) والفارمذى الذى كان شيخًا للغزالى - ومن هنا كان حكم الغزالى فى صالح الحلاج. وثمة مريدون آخرون للحلاج مثل ابن خفيف (الذى كان صديقًا للحلاج فى أواخر حياته، أكثر منه مريدًا له) وأدخل بعض العناصر السالمية فى حركة الإصلاح التى قام بها الأشعرى. وفى الأهواز والبصرة، يقال إنه كان ثمة طائفة عابرة من الحلاجية (لا

تعرف إلا من خلال حملات أعدائها عليها وحسب، وبخاصة التنوخى) وكانت تذهب مذاهب متطرفة. وكان ممثلها الأكبر: الهاشمى، ويقال إنه نادى بنفسه نبيًا توحى إليه الروح التى اتحدت بالحلاج ثم حلت فى واحد من زبنائه، وقد استترت عن الجميع (وهذه مؤثرات إسماعيلية). وفى بغداد ادعت طائفة حلاجية أخرى، ذكر العطار أنها من أهل السنة، ولكن بمعنى متحرر كل التحرر، ورأت أن ثمة علاقة بين أنا الحق التى قال بها شيخها الحلاج، وكلمة الله التى خوطب بها موسى حين رأى نارًا (سورة طه، الآية 14). وهناك ابن عقيل الحنبلى النابه الشأن (الذى قام بدراسته جورج مقدسى)، فقد دافع عن الحلاج أول الأمر، ثم اضطر إلى التراجع. وفى كتاب الفرق للبغدادى، تذكر الحلاجية بين الفرق التى يجب أن تعامل شرعيًا على اعتبار أنها فرقة متزندقة، وحلال القرن الخامس الهجرى (الحادى عشر الميلادى)، كان ثمة جدل نشط، ويبدو أن النقاط الأساسية التى دار حولها هذا الجدل هى: (أ) فى الفقه: كانت التكاليف الشخصية الخمس (الفرائض) قابلة للاستبدال، بما فيها الحج (= إسقاط الوسائط). (ب) فى علم الكلام: تنزيه الله تعالى عن صفات المخلوقين (طول، عرض)؛ ووجود "روح ناطقة" تتحد فى روح الزاهد المخلوقة (حلول اللاهوت فى الناسوت) ويصبح "الولى" هو الشاهد الحى الشخصى لله (هو هو) ومن ثم التعبير الانجذابى "أنا الحق". (جـ) فى التصوف: الاتحاد التام بالإرادة الإلهية (عين الجمع) من خلال المجاهدة المقبولة والمرغوبة. والذكر الذى ينسبه الشيخ السنوسى إلى الحلاجية، قول حديث. وفى دوائر الشيعة الإمامية، كان أول أثر لإدانة الحلاجية وتكفيرها، هو أنهم غلاة زنادقة. ونجد من بعد تلميذًا

7 - أحكام معاصريه، ومن أتى بعدهم عليه

لابن سينا، هو نصير الدين الطوسى (القرن السابع الهجرى = الثالث عشر الميلادى) كما نجد صدر الدين الشيرازى (القرن الحادى عشر الهجرى = السابع عشر الميلادى يصرحان بأن الحلاج ولى، على الرغم من أنهما فى واقع الأمر، قد فسرا طريقه للاتحاد حسب أفكارهما الفلسفية الخاصة. وعلى هذا النحو استمر الاعتقاد فى الحلاج موجودًا فى بعض الدوائر الإيرانية، ولكن حركات أخرى هاجمته هجومًا عنيفًا. وعند أهل السنة لم يعد مصطلح الحلاجية يعنى بعد الأخوة الدينية، ولكن هناك من الأصوليين، وعلماء الكلام، والصوفية من اقتنعوا اقتناعًا شخصيًا فى ولاية الحلاج (انظر فيما تقدم مواقف ابن عقيل والغزالى وغيرهما ... ) على أن ابن تيمية استنكر هذا الاتجاه بشدة، ولم يجد آخر المتمسكين بالحلاجية بدًا من أن يندمجوا فى طريقة القادرية ولا نجد اليوم أحدًا من أهل السنة يعتقد فى الحلاج، ويعذر كثير منهم الحلاج عملا بالقاعدة الشافعية الفقهية، ولكنهم وقفوا عند هذا الحد. وعلى أية حال، فإن التوسل بالحلاج مستمر، وما زال الحجاج يفدون من القرى البعيدة لزيارة قبره. 7 - أحكام معاصريه، ومن أتى بعدهم عليه: لم يدرس فى الإسلام مثلما درس الحلاج، سوى قلة من الأشخاص. وعلى الرغم من إجماع القضاة الذين أدانوه فإننا نجد له متعصبين من الحكماء، وعامة الناس. ونقدم هنا آراء الحكماء الذين شاركوا فى النقاش المشهور مع بعض التعليقات. وتنقسم هذه الآراء المختلفة إلى ثلاث مجموعات: (أ) ترد (إدانة) وينقسم إلى رد (رفض هين) وتكفير (حرمان) وسنضع أمام أصحاب هذا الرأى كلمة (رد)؛ (ب) ترحم (تمجيد) أو ولاية (إقرار بالولاية) وينقسم إلى اعتذار (تبرير وصفح) وقبول (قبول تام) وسنضع أمام أصحاب هذا الرأى كلمة

(ولاية)؛ (جـ) توقف (تعليق الحكم، وامتناع) وسنضع أمام أصحاب هذا الرأى كلمة (توقف). (أ) فقهاء: ظاهرية: ابن داود، وابن حزم (رد)، إمامية: ابن بابويه، وأبو جعفر الطوسى، والحلِّى (رد)، والشوسترى، والعاملى (ولاية)؛ مالكية: الطرطوشى، وعياض، وابن خلدون (رد)، العبدرى، الدلنجاوى (ولاية)؛ حنابلة: ابن تيمية (رد) وابن عقيل (الذى تراجع عن رأيه)، والطوفى (ولاية)، حنفية: ابن بهلول (توقف) والنابلسى (ولاية)؛ شافعية: ابن سريج، وابن حجر، والسيوطى، وعُرْضى (توقف)، والجوينى، والذهبى (رد) والمقدسى، واليافعى، والشعراوى، والهيثمى، وابن عقيلة، وسيد مرتضى (ولاية). (ب) علماء الكلام: المعتزلة: الجبّائى والقزوينى (رد)، ونصير الدين الطوسى، والميبذى، وأمير داماد (ولاية)؛ سالمية: جمهورهم (ولاية)؛ أشعرية: الباقلانى (رد)، وابن خفيف، والغزالى، وفخر الدين الرازى (ولاية)؛ الماتريدية: ابن كمال باشا (رد)، والقارى (ولاية). (جـ) الفلاسفة: (فلاسفة وحكماء): ابن طفيل، والسهروردى (شيخ الإشراق)، وصدر الدين الشيرازى (ولاية). (د) المتصوفة: عمرو المكى، وأغلبية الشيوخ المتقدمين (رد) باستثناء ابن عطاء، والشبلى، وفارس، والكلاباذى، ونصر آباذى، والسلمى (ولاية). الحصرى، والدقاق، والقشيرى (توقف). وبعدهم: الصيدلانى، والحجويرى، وابن أبى الخير، والأنصارى، والفارمذى، وعبد القادر الجيلانى، والبقلى، والعطار، وابن عربى، وجلال الدين الرومى، وأغلبية المحدثين: (ولاية). ويجب أن نذكر توقف أحمد الرفاعى، وعبد الكريم الجيلى. ويمكن القول بأنه على الرغم من أن الحلاج كان خليقًا بإنكار أقوالهم

المصادر

الباطنة المتبصرة، إلا أن المتصوفة عامة قد جعلوه شهيدهم الأول. وللوقوف على مزيد من التفصيلات والبحوث والتحليلات انظر Passion,d'al-Hallaj L. Massignon devant le sufisme الفصل 9، ص 400 - 429. ولقد استحال الحلاج بعد موته أسطوة على نحو علمى أحيانًا فى (العربية، والفارسية، والتركية. والهندوستانية، والملاوية، والجاوية) وعند عامة الشعب أحيانًا (انظر L.Massignon المرجع نفسه، الفصل العاشر، ص 430 - 460 والمؤلف نفسه , La legende de Hallace Mansur en pays turcs فى opera Minora، جـ 2، ص 93 - 139. وفى الغرب، كان ثمة اختلاف كبير فى الرأى عن الحلاج، وكانت آراء الكتاب المتقدمين آراء سطحية. ومن ثم ذهب ميلر ودربلو D`Herbelot, A. Mueller إلى أن الحلاج كان فى سريرة نفسه نصرانيًا، واتهمه ريسكه Reiske بالكفر، ووصفه ثولوك Tholuck بأنه شخصية متناقضة الأحوال، ورأى كريمر Kremer أنه موحد، وقال كازانسكى Kazanski أنه مريض بالعصاب، وقال Browne إنه "شخصية خطيرة بارعة فى تدبير المكائد" الخ .. ولكن البحوث الدقيقة المتميزة التى أجراها. L. Massignon، أعادت هذه الشخصية الفذة إلى مكانها الصحيح فى بيئتها وفى تطور الفكر الإسلامى. وبعد، فإننا قلما نجد كتابًا عن ثقافة البلاد الإسلامية يغفل ذكر الحلاج؛ فى حين أننا نجد تأكيدًا متصلًا لقيمة وأصالة منهجه الصوفى ولشهادة حياته ومماته. وبالإضافة إلى كتابات هؤلاء المتخصصين، يمكننا القول بأن شهرة الحلاج قد أصبحت جزءًا لا يتجزأ من الثقافة العالمية (انظر مثلا، مقالات P. Marechal التى كتبها فى أوائل سنة 1923. والمؤلف الحديث (سنة 1964) للمستشرق R. Arnaldez. المصادر: أضف إلى مؤلفات L.Massignin المذكورة فى صلب المادة: (1) للمؤلف نفسه: Recueil de:

texts indits concernant L'histoire: de la mystique en pays d'ilslam باريس سنة 1929، ص 57 - 70. (2) المؤلف نفسه: Opera Minora بيروت سنة 1963، جـ 2، ص 11 - 342. وثمة قائمة مسهبة بالمصادر عن الحلاج (حتى سنة 1922) فى La passion d'al hallaj, Mar-: L.Massignon tyr mystique de L'islam، الفصل الخامس عشر (الفهرس). (3) وحتى سنة 1948 للمؤلف نفسه، قائمة مصادر حلاجية جديدة فى Opera Minora، جـ 2، ص 191 - 220. ويجب أن نضيف إلى هذه المصادر الكثيرة الأحدث عهدًا التى تشمل: (1) Experiences my: L. Gardet tiques en terres non chetiennes باريس سنة 1953، ص 131 - 141، ص 173. (2) revelation and rea-: A.J. Arberry son in islam. لندن ونيويورك سنة 1957، ص 29 - 30، ص 107 - 108. (3) Themes et textes mys-: L.Gardet tiques، باريس سنة 1958، ص 19، ص 135 - 140. (4) ibn Abbad de Ron-: Paul Nwyia da، بيروت سنة 1961. (5) L. Gardet و G - C. Anawati و Mystque musulmane، باريس سنة 1961، ص 35 - 40، 101 - 104، 107 - 110، 118 - 121، 171 - 173، وفى مواضع مختلفة. (6) ibn Aquil et la Resur -: G. Makdisi -gence de L'islam traditionnel au Xle site cle، دمشق سنة 1963. (7) Hallaj de la relig-: R. Arnaldez ion، باريس سنة 1964. (8) Histoire de la philoso-: H.Corbin phie islamique، باريس سنة 1964، ص 275 - 279. وثمة طبعة منقحة لكتاب Le passion d'al-Hallaj, ومزيدة بزيادات كثيرة بالنصوص والتعليقات التى خلفها L.massignon, يقوم بإعدادها G. D. Massignon. [ماسينيون، ل كارديه L.Massignon] حسن شكرى

الحلم

الحلم والحلم كلمة عربية تفيد فكرة مركبة من لطائف الأفهام تشمل عددا من الصفات الشخصية والمواقف الخلقية تتراوح بين العدل الرصين والاعتدال، وبين التحمل والترفق المقترنين بالتحكم فى الذات والصبر الكريم الذى يتوسط بين هذين النقيضين. وهذا المصطلح الذى يرتبط أحيانًا بالعلم ارتباطًا أقرب إلى اعتبارات الأسلوب وتذوق الجناس منه إلى أية ارتباطات تتعلق بالتصور، هو فى أساسه نقيض الجهل والسفه أو السفاهة. وثمة اشتقاق من الجذر الأخير يظهر فى عبارة "سَفّه الأحلام". ولم تزودنا المعاجم العربية إلا بتعريفات جزئية؛ فقد جاء فى لسان العرب أن الحلم هو "الأناة والعقل" على حين يقال للحليم الصابر. وجاء فى تاج العروس أن الحلم هو "ضبط النفس والطبع عن هيجان الغضب" وقد عّرفه المحيط فقال: "الحلم الطمأنينة عند ثورة الغضب" (انظر أيضًا ابن أبى الحديد: شرح نهج البلاغة، جـ 4، ص 290، 335، وفى مواضع أخرى) ويتبين من هذه التعريفات أن فقهاء اللغة يرون أن الأساس فى الحلم هو ضبط النفس والعزة والترفع (ولو أن هذا الترفع لا يبلغ مبلغ البراءة من الهوى عند اليونان كما ذهب إلى ذلك إزوتسو T.Izutsu فى كتابه The structure of the ethical terms in the koran، طوكيو سنة 1959، ص 26 = الطبعة المنقحة بعنوان Ethico. religious concepts in the Quran, مونتريال سنة 1966, ص 31، 69)، ولم يشيروا أية إشارة إلى غفران الذنوب، فى حين أن الكلمة فى العصر الحديث (منذ عدة قرون فيما يرجح) تدل بعامة على الصفات التى تقترن بالصبر والترفق والتفهم (انظر Woerterbuch: H. Wehr, مادة الحلم). وثمة مصدر حديث (. S.H The etical system underlying: AI- Shamna the Quran توينكن سنة 1959، ص 7) يقتصر على القول بأن معنى الكلمة هو "السلوك الحسن" فحسب. والمشاكل التى تثيرها هذه الكلمة ليست بسيطة بحال. ذلك أن كولدتسيهر (Muh. Stud. I. Goldziher جـ 1 ص 319 وما بعدها) عند دراسته لفكرة الجاهلية فى التحليل الذى بسطه

بوسكويه (G.H. Bousquet فى مجلة Arabica جـ 7، عدد 3، ص 246 - 249) قد أصاب كبد الحقيقة بقوله إن الحلم ضد الجهل، ويتضمن ذلك "فكرة الصلابة الطبيعية ومن ثم الاستقامة الخلقية والتماسك والفكر المطمئن البعيد عن الهوى واللطف فى التعامل مع الناس. والحليم هو الرجل المتمدن بخلاف الجاهل وهو الهجمى. ويضيف كولدتسيهر "المروة" ويجوز أن يجدها المرء فى الحالات التى يجوز فيها الركون إلى الجهل، أى فى الحالات التى يسمح المرء لنفسه أن يضله ضرب من العفوية غير المصقولة، ذلك أن الحلم يمكن أن يكون دليلا على الضعف (انظر الميدانى، جـ 1، ص 220: "الحليم مطية الجهول") وبعد فإن بشر فارس (فى كتابه؛ L'honneur chez les Arabes avant l'Islam باريس سنة 1932، ص 21) الذى لم يرجع إلا إلى المجلد الثانى من الدراسات الإسلامية لكولدتسيهر (Muh. Stud: Goldziher) يجعل الحلم من العناصر الأربعة للشرف هو والكرم والنهى والشجاعة (المصدر المذكور، ص 56) وإذ يذكر (المصدر نفسه، ص 55) أن الحلم يقوم على "عدم الاستسلام للغضب" فإن هذا الكاتب يدرك أن الحلم يتجاوز أحيانًا الاعتدال البسيط فيصبح مطابقا للاحتمال، وفى هذه الحالة "فإن الرئيس يعانى باختياره الإهانات ويمسك عن ردها بالانتقام، ومن عجب فيما يبدو أنه لا يبالى بشرفه هو". وفى هذا الموقف الذى يختلف كل الاختلاف مع تشدد العرب القدماء يرى بشر فارس تفسيرا لذلك هو "أن العار الذى تستثيره ممارسة الحلم يزكى هيبة الجماعة ويتحاشى طغيان الرئيس". والحق أن هذا الضرب من الحلم وهو النظر إلى الإهانات باحتقار، ينطوى على قوة خلقية كبيرة، ذلك أن إهمال الإهانات يمكن إذا اتصف المرء بنبل فى خلقه أن يحصل عبرة أكبر ثمرة من عقوبة بدنية يوقعها بالمذنب. على أن هذه الفضيلة إنما هى من شيمة الأشراف، ولا شك أن الروايات تحكى نوادر عدة يمكن أن ترى فيها أحلام الناس يتغاضون عن أخطاء تتفاوت فى عظمها، فى حين أن

الكتاب يقولون فى مثل هذه الحالات إنها لو وقعت لعامة الناس لخرجوا عن وعيهم وامتشقوا الحسام. ويربط أبو العتاهية (الديوان، ص 286 - 287، البيت الثالث وما بعده) بين الحلم والصمت فيقول: (والصمت للمرء الحليم وقاية ينفى بها عن عرضه ما يكره) ومن ثم فإن الحلم قبل الإسلام كان فيما يبدو يقوم على مزيج من الخصائص تضفى على أصحابها الذين كانوا من السادة سلطانًا أدبيًا لا ينازعهم فيه أحد. فلما جاء الإسلام لم يكن بد من أن تتغير طبيعة الحلم تغيرا كاملا من حيث المبدأ على الأقل إذا حكمنا بالتفسيرات التى وردت عنه. والكلمة ذاتها لم ترد فى القرآن، أما الصفة الحليم التى يوصف بها الله، وإبراهيم (سورة التوبة، الآية 114؛ سورة هود، الآية 75) وإسماعيل (سورة الصافات الآية 101) وشعيب سورة هود، الآية 87) فإنها تفسر بعامة بأنها الطويل المعاناة الصابر، الذى رزق التسامح، والمتريث فى العقاب. ثم هذه الصفة هى الاسم الثالث والثلاثين من أسماء الله الحسنى. ولكن لما كان من المسلم به أن الإسلام هو نقيض الجاهلية وأن الجهل هو الصفة الأساسية لذلك العصر الجاهلى، فإن المنطق الذى لا يحيد يستتبع أن يكون الحلم هو السمة الأساسية للإسلام. وهذا هو المنطق الذى اتبعه كولدتسهير (كتابه المذكور) فيما ارتآه من أن الدين الجديد "رغب فى أن يسود حلم أرفع من الحلم الذى عرفه العرب فى وثنيتهم". وهذا الرأى المبتكر قد أحياه وبسطه حديثا إيسو تزو (كتابه المذكور آنفا، ص 25) إذ ذهب إلى أن "سعى محمد [- صلى الله عليه وسلم -] " كله فى جانبه الخلقى يمكن أن يصور فى اطمئنان بأنه محاولة جريئة لمحاربة روح الجاهلية حتى آخر نفس، والقضاء عليها قضاء مبرما، وأن تحل محلها حتى النهاية "روح الحلم". على أنه ينبعث من بعض الآيات وأخصها على التحقيق الآية 63 من سورة الفرقان: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا}. والحق أنه للخلاص من

نزعات العرب فإنه كان من المناسب أن تحل الحضارة محل "همجية" الجاهلية، وأن يتحول العرب إلى أناس متحضرين قادرين على أن يكبحوا جماح غرائزهم والعفو عن الإهانات، وصفوة القول أن المراد كان أن تنشر فضيلة الحلم خارج محيط الصفوة التى كان الحلم مقصورا عليهم؛ وهذا الإصلاح فى الأخلاق كان يدعمه الاعتقاد فى يوم الحساب الذى يفرض نظاما للحياة على الأرض، وفى الله الذى يجمع فى ذاته جميع عناصر الحلم والمسؤولية التى تنتقم من الناس بتطهير المذنب. وهذا التحليل للأخلاق عند المسلمين الذى ارتآه كولدتسيهر وردده إيسوتزو ترديدا أكثر منهجية لا يثير أية معارضة كبيرة؛ يطابق تعريف هذه الفضيلة المركبة، ثم إننا نجد فى الحياة العملية أن المسلم الحق حليم بالضرورة وإن كان ثمة بقاء فكرة الحلم الجاهلية نجده فى المقام الأول فى الحقائق التى سيقت لتفسير الأصل فى القول المأثور "أحلم من الأحنف" (الميدانى، جـ 1، ص 229). وهذا التميمى النبيل المتوفى سنة 67 هـ (686 - 687 م؛ انظر مادة "الأحنف") لا يزال يمثل السيد الأمثل فى العصر الجاهلى؛ والحلم الذى جعله مضرب المثل يشمل العناصر الآتية: ضبط النفس، والترفق بالأعداء، وكبح جماح الغضب، والميل إلى الجد، والتبصر، وكراهية الاتهام. ومن بعد الأحنف يعد معاوية أكثر الناس حلما، على أن هذا الخليفة من ناحية ينتمى إلى أسرة لم تهدر جميع صفاتها البدوية، ومن ناحية أخرى فإن تحليل حلمه يدل على أنه قد جعل منه مبدأ سياسيا، وقد نجح بلينه فى تجريد بعض أعدائه من سلاحهم وبتسامحه من تحقيق الخضوع من جانب الآخرين قائلا إن الحرب أبهظ ثمنا من الكرم. ومثل هذا الحلم لا يعد بحال فضيلة إسلامية (انظر - H. Lam Etudes sur le regne du calife: mens omaiyade Moawia) والجاحظ الذى بذل دون سائر الكتاب القدماء أقصى الجهد فى تحليل مشاعر الأشخاص وخلائقهم لم يجد صعوبة (فضل هاشم على عبد شمس فى الرسائل، طبعة السندوبى، ص 104) فى القضاء على أسطورة حلم الأحنف ومعاوية، فقد لاحظ أن الرجلين

لم يحققا شروط الحلم الصحيح الذى يقتضى الجمع بين صفات عَدَّدَها وخاصة فى فقرة جيدة عن "كتمان السر" (طبعة مراوس والحاجرى، ص 40) وقد ذكر كتاب الأدب من بعد أسماء عدة أشخاص آخرين اشتهروا بالحلم ونخص بالذكر منهم المأمون (انظر الأبشيهى: المستطرف، طبعة القاهرة بدون تاريخ، جـ 1، ص 262) ولكن هؤلاء الكتاب اعتمدوا بعامة وفى المقام الأول على الروايات الجاهلية وروايات القرون الأولى للإسلام (انظر بصفة خاصة ابن قتيبة: عيون الأخبار، فى مواضع شتى؛ وابن عبد ربه: العقد الفريد، القاهرة سنة 1346 هـ = 1928 م، جـ 2، ص 75) بل إننا نجد فى الجاحظ فى الفقرة التى ذكرناها، عنصرًا جديدًا منتظرًا من كاتب معتزلى وهو أن العقل بالضرورة الذى يكبح جماح الأهواء. ومسكويه فى كتابه "تهذيب الأخلاق" (ص 25) يدخل الحلم ضمن صفات أخرى، ويقول (ص 232) إن الحلم هو "استشارة العقل". أما الغزالى فى كتابه الإحياء (الكتاب 25) فيجمع بين الغضب والكراهية والحسد، ولكنه يربط بين الحلم والغضب ويصف الحلم بأنه سمو العقل والتحكم فى النفس وإخضاع الأهواء للعقل، وأما ابن سينا فإنه يدخل الحلم فى منهج الفلسفة الإغريقية. وأما الهروى (كتاب التذكرة الهروية فى الحيل الحربية، حققه وترجمه J. Sourdel Thomine فى BEt. Or جـ 17، سنة 1966 - 1967 ص 236، 246) فيرى أن الحلم بعد القدرة من صفات الحاكم، ونجد صاحب موسوعة شعبية مثل الإبشهى فى الفصل السادس والثلاثين من كتابه الجامع المستطرف يجمع بين العفو والحلم والوداعة وكبح جماح الغضب، ويستشهد بعدد من الأقوال المأثورة التى ترجع إلى القرون الأولى للإسلام، وختم قوله بأنه يجب على كل امريء أن يسعى إلى اكتساب هذه الصفات وتقليد الرسول - صلى الله عليه وسلم - الذى كان أحلم الناس. ونتبين من هذا أن الحلم كان يعد من الصفات المحمودة. والرأى العام الذى يقصر الحلم عمومًا على ضبط النفس ومغفرة الإهانات، فإن الحلم فى هذا

حمزة بن حبيب

الرأى صفة تتحول آثارها إلى الظاهر. على أن المنكرين ورجال الأخلاق يجنحون إلى القول بأن هذه الصفة هى ضرب من التحكم الباطنى والسيطرة على الأهواء بفضل الرجوع إلى العاقل الذى يجب أن يحكم السلوك الذى يتبعه المرء حيال ظرف خاص. المصادر: وردت فى متن المادة. خورشيد [بلا. آ H. Pellat] حمزة بن حبيب ابن عمارة بن إسماعيل أبو عمارة التيمى الكوفى الزيات: أحد "القراء السبعة" للقرآن الكريم. وهو مولى أسرة عِكْرمة بن ربيع التيمى، ولد فى حلوان سنة 80 هـ (699 م) وصار تاجرًا؛ وقد جاء لقبه "الزيات" من أنه كان ينقل الزيت من الكوفة إلى حلوان ومنها كان يجلب الجبن والنقل. واستقر بالكوفة واهتم بالحديث والفرائض، وخلف فى هذا الشأن "كتاب الفرائض" الذى جمعه على الأرجح تلاميذه (الفهرست، ص 44). ومع ذلك فإن شهرته تقوم على "قراءته" بوجه خاص. وهو فى هذا الميدان تلميذ للأعمش ولعمران بن أعين، وقد اتبع كلاهما قراءة ابن مسعود عن عاصم وابن أبى ليلى الذى استند فى قراءته إلى علىّ. وأقام حمزة منهجًا مستقلًا، وجمعه فى "كتاب قراءة حمزة" (الفهرست؛ ص 44)؛ وإن كان قد انتقده بوجه خاص كل من ابن حنبل، وابن عياش. وكان من أبرز تلاميذ حمزة الكثيرين سفيان الثورى، والكسائى، ولكن من نقلوا "قراءته" هم تلاميذه المباشرون، ومنهم خلف بن هشام (سنة 150 - 229 هـ = 767 - 843 م) فى 220 هـ (835 هـ) فى الكوفة. وتوفى حمزة فى حلوان سنة 156 هـ (772 م). وكانت قراءته قد انتشرت فى أرجاء المغرب، إلا أن قراءة نافع حلت محلها بفضل عالم من القيروان اسمه الخيرون المتوفى سنة 306 هـ (918 م). ويعزى انتشار هذه القراءة إلى أن الإمام مالك أخذ بها، ومن ثم فقد كان انتشارها تابعًا لانتشار المذهب المالكى، ومع ذلك فإن قراءة حمزة لم تزل قائمة فى بعض أنحاء المغرب، حيث نجد النسبة "حمزاوى" شائعة.

المصادر

المصادر: (1) ابن قتيبة، المعارف، تحقيق ثروت عكاشة، ص 529. (2) الفهرست، ص 44. (3) ابن خلكان، طبعة القاهرة سنة 1310 هـ، جـ 1، ص 167. (4) ابن العماد: الشذرات، جـ 1. (5) ابن الجزرى: القراء، جـ 1، ص 261، 264، رقم 1190. (6) المؤلف نفسه: النشر، جـ 1. (7) الدانى، التيسير، ص 6 - 7، ص 9، وما بعدها. (8) ابن حجر: تهذيب التهذيب، هذه المادة. (9) الذهبى، الميزان، هذه المادة. (10) ياقوت: معجم، الأدباء، جـ 10، ص 189 - 293. حسن شكرى [بلاّ Ch. Pellat] حمزة الحرانى فى دمشق أسرة وجيهة من نسل العلويين ظل أفرادها قرونًا طويلة يلون منصب نقيب الأشراف فى هذه المدينة، ومن هنا يكتفى فى بعض الأحيان بتسمية هذه الأسرة ببيت النقيب. وقد ضمن المحبى كتابه خلاصة الأثر (جـ 2، ص 105) نسب هذا البيت كاملًا حتى القرن الحادى عشر للهجرة (القرن السابع عشر الميلادى). وكان أحد رجال هذا البيت، وهو إسماعيل بن حسين النتيف نقيبًا فى تاريخ مبكر جدًا يرجع إلى عام 330 هـ (940 - 941 م) ثم ظل هذا المنصب مقصورًا على الأسرة يتوارثه الابن عن الأب إلى يومنا هذا. وقد عرف عدد من أفراد هذا البيت بالعلم والتبريز فى الأدب كما يستفاد من كتاب المحبى (جـ 2، ص 105 وما بعدها؛ جـ 4، ص 124 وما بعدها)؛ ومن أشهر رجال هذه الأسرة فى العصر المتأخر محمود حمزة المولود بدمشق عام 1236 هـ (1821 م) فقد ولى منصب الإفتاء فى الشام وكان سلوكه فى أثناء المذابح التى حدثت فى مسقط رأسه عام 1860 م باعثًا على رضى النصارى. وقد كتب محمود سلسلة من الرسائل الرائعة بلغ عددها

المصادر

خمسًا وثلاثين رسالة معظمها فى المسائل الفقهية الشرعية، وقد طبع بعضها؛ وكان أيضًا خطاطًا مبدعًا شغف بأن يقضى أوقات فراغه فى كتابة الفاتحة على حبة من الأرز أو كتابة أسماء من استشهدوا فى غزوة بدر على فص خاتم التوقيع، ومات محمود حمزة عام 1305 هـ (1887 م). المصادر: (1) جورجى زيدان: مشاهير الشرق؛ جـ 2، ص 165 وما بعدها. (2) Gesch d. Arab.: Brockelmann Lit؛ جـ 2، ص 466. خورشيد حمزة بن عبد المطلب عم النبى [- صلى الله عليه وسلم -]، وتزيد الروايات أنه أخوه فى الرضاعة سعيًا منها إلى تمجيد هذا البطل من أبطال الإسلام فى عهده الأول (¬1)، ولا نعرف عن حمزة فيما عدا ذلك إلا القليل. ويذكر مادحوه أيضًا أنه اشترك فى حرب الفجار ولكن ¬

_ (¬1) هذا المستشرق "لامنس" عجيب فى آرائه واستنباطاته! والعصبية تطغى على بصره، والحقد على الإسلام يطمس بصيرته. يريد تكذيب الأحاديث والروايات الإسلامية بكل وجه وحيلة فيندفع حتى يأتى بما لا يخطر على بال بشر! حمزة بن عبد المطلب: سيد الشهداء، وعم رسول الله [- صلى الله عليه وسلم -] وفضله يعرفه كل مسلم، أما أن يجهله الأب لامنس فلا يقدم فى ذلك ولا يؤخر، بل إنه يعرفه وينكره، وقد وصف الله فى القرآن أقواما مثله، كانوا من قبله، وكانوا فى عصر رسول الله [- صلى الله عليه وسلم -]، يرونه ويجالسونه، فيقول الله فيهم {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} فماذا يزيد فى فضل حمزة أن يكون أخا لرسول الله فى الرضاع، وماذا ينقص من فضله أن لا يكون أخاه من الرضاع. وأفضل الصحابة - على الإطلاق - أبو بكر وعمر وعثمان وعلى، ومع ذلك لم يكذب المسلمون - فى زعم الأب لامنس - فيدعوا أن واحدا من هؤلاء كان أخا لرسول الله فى الرضاع! ثم هذا الخبر فى أن حمزة أخو رسول الله [- صلى الله عليه وسلم -] فى الرضاع، هل جاء فى أثناء ذكر مناقب حمزة، فى سياق الرواية؟ كلا. كلا أنه إنما جاء عرضا، حين عرض على بن أبى طالب على رسول الله [- صلى الله عليه وسلم -] أن يتزوج بنت حمزة، فأجابه: "إنها ابنة أخى من الرضاعة، وأنه يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب". فقد جاء هذا فى سياق تقرير حكم شرعى يتعلق بالحل والحرمة يعلمهم رسول الله [- صلى الله عليه وسلم -] جعل الرضاع بمنزلة النسب، وحرم فيه من النكاح ما حرم من النسب، لم يذكر قط فى سياق مدح حمزة أو ذكر مناقبه. ويتضح من ذلك - أن الأب لامنس لم يستطع فهم معنى الحديث، فى أخوة حمزة من الرضاع، على معناه الدقيق الواضح الذى يعرفه كل مسلم، من عالم وجاهل. فظن أن هذا الخبر إنما يراد به إثبات صفة جديدة بقصد التمجيد، فكتب ما كتب. أحمد محمد شاكر

المصادر

هذا القول يناقض ما رواه صاحب كتاب الأغانى. وفى أول الأمر وقف حمزة من الدين الجديد موقف العداء شأنه فى ذلك شأن سائر بنى هاشم، على أن لجاج أبى جهل فى خصومة النبى [- صلى الله عليه وسلم -] استثاره، ومن ثم يقال إنه دخل فى الإسلام بعد نزول الوحى على محمد [- صلى الله عليه وسلم -] بسنتين، أو بست فى روايات أخرى. ثم هاجر معه إلى المدينة وقد وصف حمزة فيما عدا ذلك بأنه جندى باسل، وأكسبته هذه الصفة لقب أسد الله ورسوله، وانتقل هذا اللقب إلى الشعر. واستعان محمد [- صلى الله عليه وسلم -] بعمه حمزة فأنفذه على رأس سرية ليقف فى سبيل قافلة قرشية. وقد لازمته صفة الشجاعة فى غزوة بدر بصفة خاصة، فكان هو وعلى أصحاب القدح المعلى فيها. كما اشترك حمزة فى حصار عشيرة بنى قينقاع اليهودية فى المدينة. ولقى مصرعه فى غزوة أحد بعد أن أبدى فيها كثيرًا من ضروب الشجاعة الخارقة، ذلك أن العبد وحشى طعنه بحربة بقرت صدره ثم انتزع قلبه ولما يزل ينبض وسلمه إلى هند أم معاوية فلاكته بأسنانها: هذا على الأقل هو ما ترويه رواية واحدة ضعيفة السند مناهضة للأمويين. وقيل إن حمزة مات وهو بين السابعة والخمسين والتاسعة والخمسين من عمره. على أنه إذا صح رأينا الذى يحتم إسقاط عشر سنين من عمر النبى [- صلى الله عليه وسلم -] وهو يتراوح بين الستين والخامسة والستين على حد القول الشائع (¬1) فإنه ينبغى إسقاط عشر سنين أخرى من عمر حمزة. هذا ولم يعقب أحد من أولاد حمزة. المصادر: (1) ابن سعد: الطبقات (طبعة سخاو Sachau) جـ 3، ص 3 - 11. (2) ابن حجر: الإصابة (الطبعة المصرية)، جـ 1، ص 353 - 354. (3) Fatima et les filles: H.Lammens de Mahomet؛ ص 23 و 25 و 30 و 45، و 46 و 138. ¬

_ (¬1) لماذا كان رأى لامنس أنه يجب إسقاط عشر سنين من عمر رسول الله [- صلى الله عليه وسلم -]؟ لا أدرى، ولكنه لا غرض له إلا أن يفترى على المسلمين ويرميهم بالكذب. أحمد محمد شاكر

المصادر

(4) ابن هشام: السيرة (طبعة Wuestenfeld)؛ ص 69 و 120 و 183 و 232 و 344 و 419 و 433 و 442 و 485 و 516 و 563 و 657. (5) ابن قيس الرقيات: الديوان (طبعة Rhodokanakis) رقم 39، س 20. (6) الأغانى؛ جـ 4، ص 25؛ جـ 14 ص 15 و 32، جـ 19، ص 81 - 82. (7) Das Leben des Mo-: Sprenger hammed جـ 2، ص 69 و 81 و 88؛ جـ 3، ص 100 و 120 و 172 و 180. (8) L'age de (Journ: H.Lammens Mahomet et la chronologie de la (Asiat Sira المجلة الآسيوية، سنة 1911، ص 209 - 250). خورشيد [لامنس H. Lammens] + " حمزة بن عبد المطلب": عم النبى [- صلى الله عليه وسلم -]، وهو ابن عبد المطلب وهالة بنت وهيْب، وقد شارك فى التحدث مع خويلد بن أسد والد السيدة خديجة رضى الله عنها طالبًا يدها للنبى [- صلى الله عليه وسلم -]، وأصبح بعد دخوله فى الإسلام أعظم أبطال الإسلام شجاعة، مع أنه كان قبل ذلك خصمًا للدين الجديد. دافع حمزة عن النبى [- صلى الله عليه وسلم -] ودفع عنه إهانات أبى جهل، واشترك فى المعركة التى دارت مع عشيرة بنى قينقاع اليهودية، وقاد حملة إلى ساحل البحر عند العيس فى ثلاثين من المهاجرين. ولقوا أنصار أبى جهل فى الطريق، ولم يدر بينهما قتال، ويرجع الفضل فى هذا إلى تدخل مجدى ابن عَمْرِ الجهنى. وقاتل حمزة بشجاعة عظيمة فى وقعة بدر سنة 2 هـ (624 م)، وأبلى البلاء الحسن بدخوله فى مبارزات فردية مع كثير من المشركين، ولكنه قتل فى السنة التالية، وهو يقاتل ببطولة فى وقعة أحد على يد العبد الحبشى "وحشى" الذى أعتق من أجل ذلك. ولما سقط حمزة مثل بجثته تمثيلًا وحشيًا ومضغت كبده. ومن الواضح أن هذا العمل كان إحياء لمذهب حيوية المادة. المصادر: (1) ابن هشام، ص 69، 120، 184، 232، 322، 344، 419، 433، 442، 485، 516، 563، 567، 584، 607. (2) ابن سعد، جـ 3 - 1، ص 3 - 11. (3) ابن حجر، الإصابة (طبعة القاهرة)، جـ 1، ص 353 - 354.

حمزة فنصورى

(4) L'age de Mahomet: H.Lammens et la chronologie de la sira فى المجلة الآسيوية، سنة 1911 - 1، ص 209 - 250. (5) Das Leben des Mo-: Sprenger hammad جـ 2، ص 69، 81، 88؛ جـ 3، ص 108, 120، 172، 180. (6) Fatima et les Fille: H.Lammens de Mahomet ص 23، 25، 30، 45، 46، 138. (7) ابن قيس الرقيات: الديوان (تحقيق Rhodokanakis)، رقم 39، ص 20. (8) الأغانى، جـ 4، ص 25؛ جـ 14، ص 15، 22؛ جـ 19، ص 81 - 82. حسن شكرى [ج، م مرديث أويتز - G.M. Meredith - Owens] حمزة فنصورى متصوف إندونيسى كتب الرسائل والأشعار باللغة الملاوية، وهو من بلدة بنصور، أى بروس Barus على الساحل الغربى لسومطرة. عاش قبل شمس الدين البسائى (توفى سنة 1630) الذى استشهد بأشعاره وعلق عليها، قبل أن يصبح مذهب الفيض على سبع درجات مذهبًا مألوفًا فى إندونيسيا بتأثير كتاب محمد بن فضل الله (توفى سنة 1620) المسمى "التحفة المرسلة" ولربما كانت حياته واقعة فى النصف الثانى من القرن العاشر الهجرى (السادس عشر الميلادى). وينتمى إلى مدرسة الصوفية المتجسدة فى ابن العربى، والعراقى. كتبه: أسرار العارفين، وشراب العاشقين، ورباعيات بالشعر (تحقيق De ges-: J. Doorenbos chriften van Hamzah Pansoeri سنة 1933، وكثير من القصائد غير المحققة من الواضح أنها ليست من أشعار حمزة؛ انظر TITLV.Drewes العدد 73، ص 391)، وكتاب المنتهى (غير مطبوع، وانظر Twee Maleise ges-: Voorhoeve chrifter ص 25). مذهبه: (H.Kraemer: Een Jauaansche Primbon سنة 1921، ص 24 - 44, فى Djawa، جـ 4، ص 29 وما بعدها. A.Johns، فى JABRAS, العدد 28 - 1 سنة 1955، ص 74. حسن شكرى [ب وور هوف P.Voorhoeve]

الحمس

الحمس الحُمْس: هو الاسم الذى جرى العرف بإطلاقه على أهل الحرم بمكة أيام ظهور النبى [- صلى الله عليه وسلم -] من حيث أنه كانت لهم مناسك خاصة إبان الإحرام يتميزون بها عن القبائل الأخرى التى كانت تعرف جميعًا باسم الحلّة. ويقال إن الحُمْس كانوا إذا نسكوا لم يسلئوا أو يأكلوا سمنًا ولم يدخروا لبنًا ولم يحولوا بين مرضعة ورضاعها حتى تعافه، ولم يأكلوا اللبن الخثر (الأقط) أو اللحم ولم يدهنوا ولم يمسوا الطيب ولا النساء، ولم يجزوا شعرا ولا ظفرًا. ويلبسون فى حجهم جديدًا ولا يلبسون وبرًا ولا صوفًا ولا شعرا. ويروى عنهم أيضًا أنهم لا يخرجون إلى عرفات ويلزمون المزدلفة أو نمرة فى رواية أخرى (- Snouck Hur gronje، المصدر المذكور بعد، ص 130 وما بعدها) ومنها يبدءون الإفاضة (ويقال إن القرآن نهى عن ذلك، سورة البقرة: الآية 198؛ الطبرى: التفسير، جـ 2، ص 163 وما بعدها) وأنهم إنما يسكنون فى حال نسكهم قباب الأدم، ويطوفون بالبيت فى نعالهم، ولا يدخلون البيوت من أبوابها (ولكنهم يدخلونها من ثقب فى السقف مثلا) والنهى الذى ورد فى الآية 189 من سورة البقرة موجه إلى هذه العادة. وهناك روايات متناقضة تذهب إلى أن الأنصار هم الذين كانوا يمارسونها (انظر الطبرى: التفسير، جـ 2، ص 105 وما بعدها) على أن الأزرقى (ص 112) يُسلك الأوس والخزرج فى زمرة الحمس. ويروى أيضًا أن ملابس الحلة تبقى فى الحرم بعد أن ينتهوا من الطواف، ذلك أنها تلقى حول الكعبة بوصفها لقى (وقد يصبح الرداء لقى فى أحوال أخرى؛ انظر الأزرقى، ص 118 س 4 وما بعده) حتى تبلى بتأثير الجو. ومن أراد الاحتفاظ بردائه خلفه على باب الكعبة وطاف بالبيت عاريًا أو فى ثوب يستعيره أو يكريه من الحمس (Lectures on the Re-: Robertson smith ligion of the Semites ص 451). ويقال أيضًا إن الحلة الذين كانوا يفدون للحج أو العمرة لم يكن يباح لهم أكل الطعام الذى يجلبونه معهم من الحل، وإنما

المصادر

يأكلون ما يشترونه من أهل الحرم أو ما يزودهم به هؤلاء. وتشير الآيتان 27، 29 من سورة الأعراف إلى هذين المنسكين فيما يقال (الطبرى: التفسير، جـ 8، ص 104، ص 19 وما بعده، ص 108 - 111). ويكتنف الغموض معنى كلمة حمس (ومفردها أحمَس أو أحمسى) ويذهب فلهوزن إلى أن المقابلة بين كلمة حمس وكلمة حلة تفيد معنى المقدّس. أما نولدكه فقد أظهر فى رسالة خاصة ميلا إلى الشك فى حقيقة هذه المقابلة وقال إن الحمس كالأحامس (الحماسة، ص 283، 5، 1) قد تفيد معنى المتحمس من حيث صلتها بأصل الكلمة التى نحن بصددها. وقد استعمل الأزرقى (ص 123، س 10، 11) الفعل المضعف حمّس فى الحديث عن أم نذرت ابنها ليكون أحمس. المصادر: (1) ابن هشام، طبعة فستنفلد، ص 126 وما بعدها. (2) اليعقوبى، طبعة هوتسما، جـ 1، ص 297، س 11 وما بعده. (3) الأزرقى فى Chron der Stadt Mekka جـ 1، ص 18 - 125، 130 وما بعدها. (4) Het Mek-: Snouck Hurgronje kaansche Feest ص 21 وما بعدها، 77 وما بعدها، 11. وما بعدها، 130 وما بعدها. (5) Reste Arahischen: Wellhausen Heidentums ص 5 وما بعدها، ص 100، 122 وما بعدها، 245 وما بعدها. (6) Annali dell' Islam: Caetani جـ 1، فقرة 121، 122. الشنتناوى [أرندنك C. van Arendonk] حمص (وتنطق حمص بضم الحاء المهملة): مدينة فى سهل العاصى الكبير الذى فى أواسط سورية، على مسيرة نحو ميل من نهر العاصى وعلى قناة متصلة به. وعدد سكانها خمسون ألف نسمة منهم خمسة عشر ألفًا من الروم الأرثوذكس؛ وهى قصبة لواء ويشرف عليها قائمقام. وتتبع ولاية دمشق (¬1). ¬

_ (¬1) كان ذلك وقت كتابة هذه المادة.

ويصلها خط حديدى بطرابلس وحماة وحلب كما تتصل بدمشق عن طريق الرياق. وليست حمص (ويطلق عليها اليونان والرومان Emesa, انظر حول صيغها المختلفة مادة Emesa فى Pauly Realencyct: - Wissawa) من المدن التى أنشأها السلوقيون Seleucids, وبليناس هو أول من ذكرها. وكانت الرستن (Arethusa) المجاورة لها مقر دولة عربية (انظر Roemische Staas-: Marquardt verwaltung جـ 1، ص 245) وحمص هى مسقط رأس الإمبراطور إلاكابالوس Elagabalus الذى جدد فيها بناء معبد إله الشمس فى كثير من الأبهة والفخامة ومنه أخذ اسمه. وهو الذى منحها بعض المزايا فزاد ذلك فى ازدهارها من كل ناحية، كما كانت فى عهد البوزنطيين مدينة زاهرة ومقر أسقفية، وكان الاسم تشمسى معروفا بالفعل فى ذلك العهد. وعقد سكان حمص فى ختام العام الثالث [الهجرى] صلحًا مع العرب تعهدوا فيه بأن يدفعوا قدرًا من المال تأمينًا لتجارتهم. واستطاعوا فى بداية العام الرابع عشر أن يصدوا غارة عربية على المدينة بمعاونة حامية من الروم، لكنها سقطت فى يد العرب فى نهاية هذا العام بعد حصار دام شهرين. والظاهر أن العرب جلوا عن المدينة ثانية فى العام التالى، وأقل ما يقال فى هذا الصدد ما روى مرارًا من أنها قد استسلمت لأبى عبيدة فى العام السادس عشر ومنحت عهد الأمان. وعند تقسيم بلاد الشام إلى مناطق، عسكرية، أصبحت حمص قصبة "جند" وقد شقت عصا الطاعة فى عهد الخليفة مروان بن محمد فاجتاحها بجنده، وأنزل بها العقاب الصارم. وجرت العادة أن يدير جند حمص وحلب عامل واحد. ولدينا بعض الأخبار عن دخل حمص فى عهود مختلفة، وإذا أعوزتنا الأرقام فيما أورده جراح الدولة والمقدسى، فحسبنا الأرقام التى ذكرها اليعقوبى والإصفهانى. وكان ما تؤديه حمص من الضرائب (انظر Le Strange:

Palestine under the Moslems ص 44 - 84؛ ويحسب الدينار بعشرة شلنات) (¬1). (أ) فى حكم هارون الرشيد (170 - 193 هـ) وفقًا لفقرة أوردها الجهشيارى فى كتابه الوزراء: 000 ر 320 دينار، 1000 حمل بعير من الزبيب (وكانت كروم حمص مشهورة ولم تتلف إلا إبان الحروب الصليبية). (ب) فى عام 304 هـ (قدامة: كتاب الخراج): 18,000 دينار (أورد ابن خرداذبة عن الإصفهانى الرقم نفسه). (جـ) فى عام 250 هـ: 240,000 دينار كما جاء فى ابن خرداذبة. (د) فى عام 278 هـ: 220,000 دينار (عن اليعقوبى الذى صنف كتابه حوالى ذلك العهد). والسبب فى انخفاض الأرقام التى أوردها قدامة والأصفهانى واليعقوبى راجع إلى اتباع طريقة مخالفة فى حساب الإيراد، ولعلهم أسقطوا من حسابهم مرتبات العمال أو غيرها من نفقات الإدارة. ودخلت حمص أيام سيف الدولة الحمدانى فى حكم ملوك حلب، وكثيرًا ما أقطعوها بعض الأمراء، نذكر منهم الشاعر المشهور أبا فراس على ابن عم سيف الدولة، وقد اغتصبها منه سعد الدولة، فمنحها عام 367 هـ قائده بكجور وهو الذى أثنى الناس على حكمه ثناءً عاطرًا، وإليه تنسب مئذنة لها قيمتها فى فن العمارة، وعليها نقوش بالخط الكوفى. وابتليت حمص فى ذلك العهد بغارات الروم المتتالية. وفى عام 475 هـ كانت حمص فى يد الأمير البدوى خلف بن ملاعب (انظر Zeitscher. d Deutsch Pal.: M. Hartmann Verein جـ 24، ص 49 - 66) الذى اعترف بولائه للخليفة الفاطمى فأغضب ذلك السلطان السلجوقى وتحركت نفسه لشكاوى الأهلين من جور ذلك الأمير فأمر صاحب الشام أن يزج به فى السجن، فحوصر عام 843 هـ وأسر وحمل فى قفص إلى إصفهان. وأقطعت حمص بعد ذلك إلى السلطان تُتُش وعنه ورثها ابنه رضوان. ووهبها ¬

_ (¬1) أى نحو خمسين قرشًا مصريًا.

رضوان عام 491 زوج أمه جناح الدولة وهو الذى قتله الإسماعيلية فى العام نفسه. ونجد بعد ذلك على حمص أميرًا يدعى قراجا (ولعله القيل صاحب حران أحد مماليك ملكشاه) وبموته عام 506 هـ خلفه عليها ابنه خرخان الذى توفى عام 523 هـ. ولاقى أبناؤه - وكانوا لا يزالون أحداثًا - عناء كبيرًا من جراء الجهود التى بذلها زنكى ليفتح حمص، وظلوا على هذا الحال حتى أعطاها الوصى عليهم عام 530 هـ شهاب الدين محمود صاحب دمشق، وأخذ بدلا منها تدمر والرحبة، وأقطعها شهاب الدين أول الأمر إلى وزيره أونور ثم نزل عنها بعد مفاوضات طويلة إلى زوج أمه زنكى عام 532 هـ (وقد أخذ أونور مدنًا أخرى فى مقابل حمص) وعنه ورثها ابنه نور الدين فإسماعيل بن نور الدين ثم أخذها صلاح الدين عام 570 هـ، ونصب عليها بعد أربعة أعوام ابن عمه محمد بن شيركوه. وظل أبناؤه يحكمون حمص إلى عام 661 هـ، مع استثناء فترة واحدة (فقد استولى عليها الناصر الثانى صاحب حلب عام 646 هـ وأذعنت له ولكن يلوح أنها ظلت فى حوزته أمدًا قصيرًا) وهم الذين فتحوا أبوابها مختارين لخان المغول هولاكو. ولبث على حكمها منذ عام 661 هـ نواب من قبل حماة حينًا ودمشق حينًا آخر، وحكمها إبان القرن السابع عشر أغا من أسرة وطنية مستقلا عن الباشا التركى والى دمشق. وانتقلت فى القرن التاسع عشر إلى الحكم المصرى (1831 - 1840 م) مثلها فى ذلك مثل مدينة حلب فعانت كثيرًا من تعسف العمال وأدى ذلك إلى نشوب ثورة لم تقمع إلا بعد جهد. ولم يبق من سور المدينة وأبوابها إلا أطلال لا قيمة لها فى حين بقى من القلعة التى خربها إبراهيم باشا برج عليه نقش لابن عم صلاح الدين محمد بن شيركوه يرجع إلى عام 594 هـ. وأعيد حديثًا بناء ضريح القائد العظيم خالد بن الوليد وزوجه فضة (وقد تم نقل النقوش النفيسة من قبل - van Ber chem و Freiheriv Oppenheim و M. So-bernheim) وفى زمام حمص عدد من طواحين نهر العاصى ترجع إحداها كما

المصادر

تدل النقوش العربية إلى عام 824 هـ. وترجع أخرى عليها نقوش تركية إلى عام 975 هـ (يلاحظ أن هذه النقوش التركية هى الوحيدة عن هذا العهد فى بلاد الشام). وأهم أبنية حمص المسجد الجامع ويقال إن نصف الكتدرائية أدمج فى بداية الحكم الإسلامى. وقد كتب عنه هرزفلد Herzfeld البيان الآتى: المسجد الجامع فى وسط السوق والدخول إليه من جنوبه. ويؤدى المدخل الرئيسى، وهو فى الجانب الغربى، إلى الصحن عن طريق ممر معقود، كما يؤدى مدخل جانبى ناحية الشرق إلى الحرم مباشرة. والحرم ساحة مستطيلة لها صحنان لكل منهما ثلاثة عشر قبوًا متقاطعًا. وللمسجد قبة صغيرة فوق المدخل أمام المحراب الساذج. وناحية الغرب محراب أقدم من هذا عليه فسيفساء مذهبة، والظاهر أنه يرجع إلى العهد الإسلامى القديم. وتدل وجهة صحن الحرم على أن خطة الجامع قد طرأ عليها تعديلات كثيرة. ومن الواضح أن هذا الحائط كان فى الأصل فاصلا بين الصحن الرئيسى والصحن الجانبى لكنيسة بازيكيلية من طراز مألوف. فهو عبارة عن أربعة عقود كبيرة يتعاقبها ثلاثة أقسام ذات طابقين لكل منها خمسة عقود صغيرة. والأعمدة وتيجان الأعمدة، وكثير منها فى صحن المسجد، هى بقايا المبنى القديم. وهذا الصحن مستطيل يحيط به أروقة ضيقة غير مزخرفة على الإطلاق تكاد تملؤها منصة بها حوض ومحراب، وإلى جانبها، ناحية الغرب، بئر تعلوه قبة تعتمد على ستة أعمدة أثرية. المصادر: (1) Inscriptions de Syrie: v. Berchem القاهرة 1897، ص 54 - 56. (2) Inschriften: Frhr.v. Oppenheim aus Syrien etc ص 4 - 13. يونس [سوبرنهيم M. Sobernheim] + حِمصْ (باللاتينية Emesa, وبالفرنسَية والإنكليزية Homs, وبالتركية حُمَص): مدينة فى سورية على خط عرض 36 شرقًا، وخط طول 34 و 20 شمالا، وترتفع عن سطح البحر 500 متر، وتقوم على الضفة الشرقية لنهر العاصى، وتتوسط سهلا

مترامى الاطراف صالحًا للزراعة يحدّه من الشرق الصحراء ومن الغرب جبال بركانية. وهى تقوم أيضًا فى مدخل منخفض بين جبال لبنان وجبل أنصاريّة فتفيد من المؤثرات الجوية للبحر التى تتخلل هذه الفتحة، وتنعم بجو أقل قارية من سائر أنحاء سورية. ودرجة حرارتها السنوية فى المتوسط 16 درجة مئوية، ويجودها أكثر الأمطار غزارة فهو يبلغ فى المتوسط السنوى 600 مم، على حين أن مدينة حماة القريبة منها يبلغ متوسط ما يسقط عليها من أمطار: 350 مم. وتربتها متنوعة تكونت من رسوب الغرين وجداول البازلت المتحللة، ومن ثم فهى صالحة للزراعة والرعى بفضل مواردها المائية الوافرة، وقد سبق المصريون فأقاموا فى الألف الثانية قبل الميلاد سدودًا على نهر العاصى، ولعلهم كانوا أول من رتب نظام الرى الذى اكتمل بمرور الزمن. وكان ثمة قناة فى القرون الوسطى تحمل ماء سلمية ليروى الأرض المزروعة فى شرقى المدينة. وأقيم نظام حديث للرى سنة 1938 أسفل البحيرة، وتخرج قناة من السد وتتفرغ فى عدة قنوات فرعية تتيح الرى بين نهر العاصى وحمص. وحمص فى مفترق طرق هام، فهى تقوم على رفرف يعرف بثغرة حمص، وهو أيسر ممر من الخليج الفارسى إلى البحر المتوسط عن طريق تدمر، وكان هذا الممر منذ عهد ضارب فى القدم معبرًا لمنتجات ما وراء النهر، وهو اليوم ييسر أن تحمل خطوط الأنابيب البترول من كركوك إلى طرابلس وبانياس. وتقوم حمص أيضًا فى منتصف الطريق الذى يربط حلب بدمشق. وكانت الرحلة إلى دمشق تقطع على متن الخيل فى خمسة أيام قبل إنشاء السكة الحديدية. والخط المفرد من السكة الحديدية التى أنشئت سنة 1902 يحقق الاتصال ببيروت عن طريق رَيك. وكان لهذه السكة الحديدية فى عصر الدولة العثمانية شأن استراتيجى كما تبين سنة 1914 إذ أقيم رصيف بحمص له أهمية عسكرية عظيمة.

تاريخها

تاريخها استقرار الإنسان فى هذا الموقع ظل يحكمه الرى خمسة آلاف عام، والأصل فيه يعود إلى أزمان ضاربة فى القدم. وكانت حمص فى الألف الثانية قبل الميلاد لا يزال شأنها ضئيلا، ذلك أن المدن الكبرى فى هذا الإقليم كانت هى قادش التى احتلها الحيثيون أيام الملك رمسيس الثانى، وقتنة التى هى مشرفة حاليًا. ويذكر ياقوت أن نسبة المدينة ترجع إلى حمص بن المَهْر بن هاف بن مكنيف العمالقى، وأن الذى أسسها هم الأغريق القدماء الذين زرعوا فيها الزيتون الفلسطينى. وما من ريب فى أن حمص كانت من المدائن التى أنشأها سلوق نيكاتور أو قل إنها من المدن التى سماها هو بأسماء إغريقية، ولكن هذه المدن لم تحقق هويتها حتى اليوم. ودخلت حمص فى فلك الإمبراطورية الرومانية حين جعل بومبى سورية ولاية رومانية. ولا شك فى أن فن تخطيط المدن عند الرومان قد ترك آثاره على حمص، ذلك أن المرء يستطيع بعد أن يتتبع آثار مدينة شيدت على خطة مربعة تقوم قلعة فى ركنها الجنوبى الغربى، ولكن يندر أن نستطيع أن نميز فى شبكة طرقاتها بوابات المعسكرات الرومانية والمفارق. وقد نزل عرب كثيرون هذا الصقع قبل الإسلام بمدة طويلة، وقامت فيما بين سنة 81 ق. م و 96 م أسرة محلية حكمت حمص، وكان ألمع أمير من هذه الأسرة هو سامبسيجراموس الذى آثر أن يقيم فى رستان (Arethusa) ومنها تحكم فى الطرق القائمة على نهر العاصى. والضريح الهرمى الذى شيده هذا الأمير فى حمص سنة 78 م تخرب سنة 1911. وكان معبد الشمس الذى كان يتعبد الناس فيه على صورة كتلة من البازلت الأسود ينافس بعلبك فى العصور القديمة. ونهضت حمص، مفترق طرق الإمبراطوريات، من غمرتها فى أيام دوميتيان وحملت اسم إيمسا، وبدأت تضرب السكة فى القرن الثانى للميلاد أيام انطونينوس بيوس، ولكنها لم تصبح لها المكانة الأولى بين مدائن الشرق الرومانية حتى جاءت سنة

217 م. ونادى جنود الكاهن الأكبر للشمس هليو جابالوس إمبراطورًا. وحكم هذا الإمبراطور باسم مرقس أوريليوس أنطونينوس، وكان له وريث للعرش مواطن آخر من حمص هو ابن عمة إسكندر سفروس الذى قاتل الساسانيين. وشهدت حمص سنة 272 م هزيمة زنوبيا ملكة تدمر على يد الكتائب الرومانية. وقد رسخت أقدام المسيحية فى حمص منذ بداية القرن الخامس، وكان فيها مقر أبرشية فى الولاية اللبنانية الكنسية فينيقيا التى كانت تتبع دمشق ثم اكتشف رأس القديس يوحنا المعمدان بالقرب من حمص (سنة 452) فأصبحت المدينة بذلك مقر مطرانية. وكان بنو تنوخ من القبائل العربية التى نزلت آنئذ بهذا الإقليم. وفى أيام الفتح العربى جاءت عدة قبائل عربية شبه متبدية من الجنوب لتنزل هذه المنطقة، ومن ثم أصبحت حمص مركزًا يمنيًا هامًا ودخلت فى أرض بنى كلب الذين كانوا مهرة فى تربية الخيل. وهجر الإمبراطور هرقل حمص بعد وقعة اليرموك. ولما ظهر جيش المسلمين بقيادة أبى عبيدة بن الجراح وفى صحبته خالد بن الوليد أمام أسوار حمص، طلب أهلها الأمان ورضوا بأن يؤدوا فدية قدرها 71,000 دينار. ودخل المسلمون حمص دون إراقة الدماء سنة 16 هـ (367 م) وجعلوا كنيسة القديس يوحنا التى كانت من أكبر الكنائس فى الشام، مسجدًا، ويروى أن خمسمائة صحابى تقريبًا قدموا للعيش فى المدينة المفتوحة حديثًا وكان واليها فى عهد الخليفة عمر سعيد بن عامر. وفى سنة 26 هـ (647) استولى معاوية على حمص وقنسرين وأدخلهما فى ولايات الشام. ولما قسمت هذه الولايات خمسة أجناد أصبحت حمص قصبة واحد من هذه الأجناد. وفى هذه الفترة من أيام حكم المسلمين أصبح هذا الجند يشمل الإقليم الذى إلى الشمال من حمص حيث تقوم قنسرين والعواصم. وكان خراج حمص يدر على بيت المال 800,000 دينار.

وأقام الخليفة واليا عليه الأمير شرحبيل، وبدأ هذا الأمير يوزع البيوت فاحتل المسلمون الأحياء والمساكن التى هجرها النصارى. وفى وقعة صفين سنة 37 هـ (657 م) انضم أهل حمص إلى على، وظل المذهب الشيعى مدة طويلة هو المذهب السائد فى هذه المنطقة. وفى سنة 41 هـ (661 م) أى فى عهد يزيد بن معاوية انتقص من جند حمص إقليمه الشمالى لإقامة جند جديد دخلت فيه قنسرين وحلب ومنبج، إذ أصبحت هذه المدائن مراكزه الرئيسية. والظاهر أن الحدود بين الجندين كانت خطًا يمر ببانياس، وطرطوس وجسر الشُغُر ومعرة النعمان، وأفامية، وشيزر، وحماة، ورستان، وسلمية، وقريتين، وتدمر. ويقال إنه لما مات يزيد آل جند حمص إلى النعمان بن بشير المتوفى سنة 65 هـ (684 م)، على أن كثيرًا من الكتاب يقولون إنها كانت من نصيب ابنه خالد بن يزيد الذى كان قد بنى قصرًا فى حمص. وبموت يزيد الثالث حدث أن تدخل مروان الثانى فى شئون الشام بتأييد من القيسية، وهاجم سليمان بن هشام الذى كانت تؤيده الكلبية. وهزم سليمان سنة 127 هـ (754 م) وفر إلى حمص ومنها إلى الكوفة. وثبتت حمص مدة لمروان الثانى، وانتهى الأمر باستيلائه على هذه المدينة. وأراد مروان هذا أن يحول دون استخدام حمص، التى كان جندها يبلغ عشرين ألفا من اليمنيين، قاعدة عسكرية للكلبية فهدم أسوارها. وفى سنة 128 هـ (746) استعيد الأمن فى حمص. وفى سنة 132 هـ (750 م) ظهر فى الشام عبد الله بن على العباسى الذى قدر له أن يطيح بآخر الخلفاء الأمويين مروان الثانى. ومن وقتها خضع الشام لسيطرة العراق. وفى سنة 137 هـ (745 م) ولى الخليفة العباسى أمر حلب وقنسرين وحمص صالحًا بن على ابن عبد الله بن العباس، وكان عمر العباسيين عصرًا مظلمًا فى تاريخ

حمص. فقد انتقض أهلها، ومعظمهم من أصل يمنى، على القيسية واستدعى ذلك إنفاذ عدة حملات تأديبية عليهم منذ أيام هارون الرشيد (170 - 193 هـ = 786 - 809 م) وكانت حمص فى تلك الأيام تنعم بالرخاء، ذلك أن خراجها بلغ فى قول الجهشيارى 320,000 دينار وحمل ألف جمل من العنب، وكانت آخر حملة تأديبية شنت عليها فى عهد المستعين، ذلك أنه عمد سنة 250 هـ (864 م) إلى وضع حلب وقنسرين وحمص فى ولاية والٍ واحد. فلما ضعفت الخلافة العباسية مَدَّ أحمد بن طولون والى مصر سلطانه إلى الشام سنة 264 هـ (878 م) وظل سلطان الطولونيين يمكن لنفسه حتى سنة 282 هـ (896 م) وفى سنة 269 هـ (883 م) أقام أحمد نائبًا له الأمير لؤلؤًا ففرض لؤلؤ سلطان مولاه على حمص وحلب وقنسرين وديار مضر. وظهر القرامطة فى هذه الأيام وبذروا بذور الفتنة فى أرجاء هذا الإقليم وبلغ زعيمهم حسين الملقب بصاحب الشامة حمص سنة 290 (903 م) قادمًا من دمشق، وأراد أهل المدينة أن يتحاشوا أعمال الغصب والابتزاز فقبلوا أن تكون الخطبة باسم السيد الجديد، واستولى هذا السيد على حماة وسلمية ومعرة النعمان قبل أن يبلغ حلب، حيث امتشق الحمدانيون الحسام فى وجهه. وفى منتصف القرن الرابع الهجرى (العاشر الميلادى) سعت حمص إلى الاستعانة بالحمدانيين أصحاب حلب تحاشيًا لوقوعها فى سلطان الإخشيديين أصحاب دمشق. وفى سنة 333 هـ (944 م) انتصر الحمدانيون فى وقعة رستان على نهر العاصى، واستولى سيف الدولة على حمص وظلت فى حكم أسرة الحمدانيين حتى سنة 406 هـ (1016 م). وفى سنة 356 هـ 967 م) توفى سيف الدولة، فحكم حمص سنة أبو فراس. وحاول هذا الشاعر الفحل أن يشعل فتنة على سعد الدولة ولكنه هزم وأسر وقتل فى الثانى من جمادى الأولى سنة 357 (4 أبريل سنة 969).

وفى السنة التالية احتل نقفور فوكاس حمص فى حملته الظافرة على الشام، وجعل المسجد الجامع كنيسة وأقام القداس فيها ثم أشعل فيها النار. وفى سنة 362 هـ (973 م) رحل نقفور وعاد الحمدانيون إلى حكم المدينة. وفى رجب من سنة 364 (مارس - أبريل سنة 975) نجح القائد البوزنطى يوحنا تزيمسكس فى احتلال جزء كبير من الشام، وحصّل الجزية من حمص، ودمشق، وبيروت وبعلبك. وهنالك ظهر أمير تركى هو ألبتكين بكجور الذى انتقض فى حمص على الحمدانيين أصحاب حلب. وخاب فأله فى تلقى الإمدادات البوزنطية التى كان يعول عليها فأجبر على الانسحاب. وبعد ذلك بثلاث سنوات أقطعه سعد الدولة حمص. وقد خلد ذكر هذا الأمير بنقش بالخط الكوفى، وهو الأثر الباقى الوحيد لمنارة خرِّبت سنة 1912. وظلت حمص رهينة المنافسة بين العرب والروم، وأشعل الإغريق فيها النار فى ربيع الثانى سنة 373 (سبتمبر سنة 983). وفى سنة 385 هـ (995 م) مكّن الإمبراطور بازيل الثانى لسلطانه على حلب وشيزر وحمص. ولم تؤخذ هذه المدينة إلا بعد مقاومة عنيدة. وأعملت فيها يد التخريب ثم وضعت فى حكم دوق أنطاكية البوزنطى. وفى سنة 381 هـ (999 م) أحرقت بأمر من باسليوس. وفى سنة 406 هـ (1016 م) ولّى سلطان الحمدانيين، ووقعت حلب فى قبضة المرداسيين وبعد ذلك بعشر سنوات كانت حمص فى حكم صالح بن مرداس أمير بنى كلاب، ثم حدث سنة 420 هـ (1029 م) أن صارت حمص فى حكم شبل الدولة نصر بن مرداس. ومنذ منتصف القرن الخامس الهجرى (الحادى عشر الميلادى) مَدَّ الفاطميون سلطانهم إلى الشام ولم تفلت حمص من أيديهم وكان الأمر فى حمص سنة 475 هـ (1082 م) لأمير مشايع للفاطميين هو خلف بن ملاعب وقد أثار هذا الأمير كثيرًا من الاضطراب بقطعه الطرق وغارات السلب والنهب التى كان يشنها. وفى

سنة 483 هـ (1090 م) قدمت فى حقه شكوى من الأمراء والقادة السلاجقة فى الشام، فاستجاب لها السلطان ملك شاه وكتب إليهم يأمرهم بمهاجمته والتخلص منه. وأخذت حمص بعد حصار وقبض على خلف وحمل إلى إصفهان. وولى على حمص تاج الدولة تتش، ثم انتقلت سنة 487 (1094 م) إلى يد ابنه رضوان والى حلب. وتشاحن الأمير جناح الدولة حسين أتابك رضوان مع حراسه فالتجأ إلى حمص واستقل بأمرها سنة 490 هـ (1097 م) فلما قدم الفرنجة من بعد، لم يجد بدًا من الانضمام إلى دقاق لحربهم. واستولى الصليبيون على انطاكية سنة 491 هـ (1098 م) فاتجهوا فى هجمتهم الأولى صوب الجنوب، ونهبوا معرة النعمان، وحاصروا حمص بلا طائل. وكان يحكم المدينة وقتذاك الأمير قرجه الذى كان مملوكًا للملكشاه، بوصفه نائبًا لجناح الدولة، وأمر حمص كان مخالفًا للأسطورة التى أخذ بها دربلو d'Herbellot ثم بوكوك Pococke وله سترانج Le Strange من بعده، ذلك أن الفرنجة فشلوا فى الاستيلاء على حمص التى أطلقوا عليها اسم "الناقة". وكل ما استطاعوه أنهم عزلوا ثغر طرطوس. وفى منتصف سنة 496 هـ (مايو سنة 1103) اغتيل جناح الدولة على يد ثلاثة من الإسماعيلية فى المسجد الجامع بحمص. واتخذ أمير دمشق إجراءات سريعة تحسبًا لمحاولة يبذلها الفرنجة لاستغلال هذا الموقف بمهاجمة حمص فوضع حمص تحت ولاية دمشق. أما رواية ابن الأثير التى تجعل مقتل جناح الدولة سابقًا بسنة لجميع التواريخ التى حددتها المصادر الأخرى، ومن ثم يحدد تاريخها باللحظة التى كان فيها جناح الدولة يتأهب لمهاجمة رايموند ده سانت جيل، ويقرن ذلك بالهجوم المباشر لرايموند على حمص، فرواية يجوز لنا أن ننكرها. وفى السنة التالية توفى دقاق وخلفه ظهير الدين طغتكين وترك قرجه واليًا على حمص. ومن هذا الوقت أصبحت حمص معسكرًا ضخمًا يناهض الفرنجة، ومجمعًا للجنود، ودار صناعة، ومخزنًا لأدوات الحصار الثقيلة ثم إنها

فوق ذلك كانت تمد جهاز الحرب بعدد كبير من المقاتلين. وفى سنة 506 هـ (1112 م) خلف خيرخان (قراخان) أباه فى الولاية على حمص. وبعد ذلك ظهر نجم الدين إيلغارى خارج حمص، ولكن خيرخان تغلب على خصمه فى شعبان سنة 508 (يناير سنة 1115) وفى سنة 512 هـ (1118 م) استولى ظهير الدين بن بورى على حمص وفرض سلطانه على خيرخان. وبعد ذلك بخمس سنوات هاجم أتابك دمشق حمص مرة أخرى، ولكنه أجبر على الانسحاب أمام خيرخان الذى كان قد تلقى مددا. وفى ربيع الثانى من سنة 520 (مايو سنة 1126) غزا الفرنجة منطقة حمص وخربوها، ولكن عز الدين مسعود بن آق سنقر أقبل من حلب وخلّص المدينة. وكان زنكى قد جعل فى صفوف جيشه الأمير خيرخان سنة 524 هـ (1129 م)، ولكنه طرده وقبض عليه وحاصر حمص وطلب من أهل حمص أن يستسلموا. وأراد أن يشجعهم على التسليم بعد إذ حاصرهم، فقسا أشد القسوة فى تعذيب أميرهم خيرخان أمام أعينهم، ولكن المدينة لم تستسلم. وبعد ذلك بسنوات قلائل حدث أن كان الأمير خُمَرتاش يحكم حمص نائبًا عن أبناء خيرخان، فقدم زنكى مرة أخرى لحصار المدينة التى كانت من خير المدن تحصينًا كما كانت قلعتها لا تُنال، وهنالك استنجد خمرتاش بأمير دمشق شهاب الدين محمود. وتفاوض أبناء خيرخان لتسليم المدينة إلى أمير دمشق فى ربيع الأول سنة 530 (ديسمبر سنة 1135) فما كان من هذا الأمير إلا أن منح ولايتها للحاجب يوسف بن فيروز. وفى رمضان سنة 531 (مايو سنة 1137) عاد زنكى إلى صف جنده خارج حمص فقاومه أنر مقاومة شديدة وحدث بعد ذلك بأشهر قلائل إبان حصار آخر لحمص دام ثلاثة أشهر، أن تبادل الرسائل زنكى وشهاب الدين

محمود وانتهت بحلف يقوم على المصاهرة، فقد تزوج أمير دمشق ابنة زنكى وتزوج زنكى صفوت الملك الملكة الأم لأمير دمشق فأهدته حمص صداقا لها. وتلقى والى هذه المدينة معين الدين أنر بارين ولكمة وحصن الشرقى على سبيل التعويض. وتوفى زنكى بعد ذلك بسنتين فبادر أنر إلى التمكين لسلطانه على والى حمص، وكانت الرحبة على نهر الفرات، وتدمر تعتمدان على حمص. وكانت حمص من المعاقل الهامة التى دار حولها الصراع مع الفرنجة، ومجمعًا لجنود المسلمين تحميها من الهجمات المباغتة الضفة اليمنى لنهر العاصى، ومن ثم أصبحت من قواعد الحرب تتوسط خطًا يسير من الشمال إلى الجنوب، من حلب مارًا بشيزر وحماة إلى دمشق وبصرى وصلخد. وقد عسكر نور الدين هناك سنة 544 هـ (1149 م). ولما حوصرت دمشق على يد الفرنجة فى الحرب الصليبية الثانية أصبحت حمص معقلا تتجمع فيه جنود نور الدين وسيف الدين غازى. وقد وصف الإدريسى الجغرافى المعاصر لتلك الأيام حمص فقال إنها مدينة عامرة الأسواق طرقاتها مبلطة، ولاحظ أنه يقوم فيها أكبر مسجد جامع، ويذكر بصفة خاصة القنوات الكثيرة التى تروى البساتين والحدائق. وفى سنة 548 هـ (1153 م) عسكر نور الدين فى حمص ومنع المؤن من أن تحمل إلى دمشق آملا أن تستسلم هذه المدينة. ونجح نور الدين بعد أشهر قلائل فى الاستيلاء على دمشق فى 10 صفر سنة 549 هـ (25 أبريل سنة 1154)، فمنح مجير الدين أبق الأمير المهزوم حمص تعويضًا له عن دمشق، إلا أن مجير الدين لم يحتفظ بها إلا مدة قصيرة. وابتليت حمص وغيرها من مدن شمالى الشام بلاء شديدًا بالزلازل المتصلة التى وقعت سنة 552 هـ (1157 م) فلما جاءت هزة سنة 565 هـ (1170 م) أصابت حصونها التى قد وهنت بفعل الزلازل الأولى بأضرار فادحة.

وبعد وقوع الحملة الأولى للجنود الشآمية على مصر سنة 559 هـ (1164 م) أقطع نور الدين الأمير إسفهسلار أسد الدين شيركوه حمص هى والرحبة وتدمر، وكان ذلك هو منشأ الأسرة الأسدية الحاكمة فى حمص. وتوفى شيركوه سنة 564 هـ (1169 م) واسترجع نور الدين المدينة من ابنه ناصر الدين محمد ومنحها أميرًا آخر. وفى منتصف سنة 570 هـ (أوائل سنة 1175 م) استولى صلاح الدين على حمص وحماة. وأعاد صلاح الدين تنظيم شمالى الشام بعد ذلك بأربع سنين فردّ حمص لابن عمه ناصر الدين محمد بن شيركوه. وبعودة الأسرة الأسدية إلى حكم حمص أخذت على عاتقها رد فرنجة طرابلس الذين كانوا يزيدون من غاراتهم على الإقليم الغنى بالمزارع حول حمص حيث كانوا يفرون إليه بجيادهم. ولاحظ ابن جبير الذى مر بحمص سنة 580 هـ (1185 م) أن الأسوار المحيطة بحمص كانت فى حالة جيدة. وفى سنة 581 هـ (1186 م) خلف الملك المجاهد أسد الدين شيركوه الثانى أباه فى حمص. وفى سنة 602 هـ (1205 م) قاتل هذا الملك المجاهد الاسبتارية فرسان حصن الأكراد وفى سنة 604 هـ (1207 م) لم يجد بدًا من الاستنجاد بأمير حلب الأيوبى الملك الظاهر غازى. وفى السنة التالية تولّى الملك المنصور إبراهيم القيادة فى حمص، فاضطر عدة مرات إلى رد البروفنساليين أصحاب طرابلس واسبتارية حصن الأكراد، وأراد أن يزيد دفاعه تمكينًا فأشرف على دعم أسوار المدينة ورمم الباب المسدود. وفى سنة 623 هـ (1226 م) شاركت حمص فى الصراع الذى دار بين الأمراء الأيوبيين، فكان إبراهيم حليفًا للملك الأشرف صاحب حلب. وهوجمت المدينة على يد المعظم عيسى أمير دمشق. وفى سنة 640 هـ (1242 م) استعان إبراهيم بجنود من حمص للتغلب على الخوارزمية الذين قدموا من

الشرق. وأدركته المنية فى دمشق سنة 644 هـ وحملت رفاته إلى حمص وخلفه ابنه الأشرف موسى فى الولاية عليها. وفى سنة 646 هـ (1248 م) استولى الملك الناصر الأيوبى صاحب حلب على حمص وقطع إلى حين سيادة الأسرة الأسدية عليها. وفى صفر سنة 658 (فبراير سنة 1260) استولى المغول عليها، واستعاد موسى أملاكه وحارب فى صفوف هولاكو فى وقعة عين جالوت وبعد هزيمته فى 25 رمضان سنة 658 (3 سبتمبر سنة 1260) منحه قطز الأمان وعاد إلى موقعه فى حمص. وبعد ذلك بمدة قصيرة أطيح بجيش مغولى بالقرب من حمص فقد أنزل به أميرها بمعاونة أمير حماة هزيمة منكرة. واستولى بيبرس على مقاليد الحكم فى القاهرة سنة 659 هـ (1261 م) وأصلح القلعة فى حمص وزودها بالمئونة حتى تستطيع ردّ أى هجمة للمغول إذا عاودوا الهجوم فجأة. وتوفى الأشرف موسى سنة 661 هـ (1262 م) ودالت بموته دولة الأسرة الأسدية التى حكمت حمص قرابة قرن من الزمان. وفقدت المدينة استقلالها. فقد حكمها من يومها نائب أمير فكانت تتبع حينًا أمير حماة وتتبع حينًا أمير دمشق. وفى سنة 680 هـ (1282 م) شهدت حمص انتصار قلاوون على حلف من الأرمن والمغول، ومنذ عهد محمد بن قلاوون لم يصبح لحمص أى شأن سياسى آخر. فقد كان يحكمها أمير ألف، ثم عهد بالقيادة إلى أمير الطبلخانة، وما من واحد من هؤلاء الحكام ترك أثرًا فى تاريخ المدينة. وكان النائب على القلعة مملوكًا من مماليك سلطان القاهرة. وفى تلك الأيام أقيمت دار رسمية للحمام فى حمص لتحقيق الاتصال بين قرا فى الجنوب وحماة فى الشمال. وفى ربيع الأول سنة 699 (ديسمبر سنة 1299) حطم غازان المماليك فى حمص ولكنه لم يبق فى الإقليم. ويروى الجغرافى الدمشقى أن حمص كانت فى ذلك الوقت أصغر ولاية فى الشام وشملت شمسين وشُمَيمس وسلمية، وألحقت نيابة

حمص بنيابة دمشق. والظاهر أن الفوضى التى سادت الشام فى القرن التاسع الهجرى (الخامس عشر الميلادى) لم توقف الحياة الاقتصادية فى حمص إذا أخذنا بالمرسومين المملوكيين اللذين صدرا سنة 817 هـ (1414 م) وسنة 844 هـ (1440 م) ذلك أنهما يدلان على الشأن الهام للنساجين فى حمص حيث ظلوا قرونا ينسجون الصوف عامة والحرير خاصة منافسين الإسكندرية فى قيمة منسوجاتهم وجمالها. وعمد تيمورلنك بعد استيلائه على حلب سنة 803 هـ (1400 م) إلى الاستيلاء على حماة وحمص قبل أن يحتل دمشق. وفى القرن التالى لم يقع حادث له شأن فى حمص، وتعرضت منطقتها لغارات السلب والنهب يشنها البدو. وفى سنة 916 هـ (1510 م) وقعت حمص تحت تهديد قبيلة آل فضل بن نُعَيْر القوية الشوكة. وأنقذت من هذا التهديد بمعونة سيباى أمير دمشق، واغتنم سيباى هذه الفرصة وغنم غنائم وافرة من الجمال والأغنام وأخضع السلطان سليم العثمانى الشام سنة 922 هـ (1516 م) فأصبحت حمص لواء من الألوية الخمسة الملحقة بطرابلس. وتوفى السلطان سليم سنة 926 هـ (1520 م) فنادى جانبر دى الغزالى أمير دمشق بنفسه أميرًا مستقلا واستولى على طرابلس وحمص وحماة. ومنح منصب والى حمص للمقدم ابن حرفوش. وبين أيدينا صورة لحمص فى القرن العاشر الهجرى (السادس عشر الميلادى) دبجها قلم بيير بلون Pierre Belon, إذ قال فى وصفها إنها مدينة جيدة الأسوار من الحجر المنحوت وقلعة بناها الرومان فى قوله. والأسوار المحيطة بها بقيت كما هى لم تمس. أما داخل الأسوار فإن المدينة فى رواية هذا الرحالة الفرنسى "ليس فيها شئ جميل يشاهد إلا السوق والبزستان اللذين شيدا على الطراز التركى. وحدث فى عهدى سليمان الأول وسليم الثانى أن توفرت عدة مساحات للأراضى، وإحصاءات لعدد الذكور البالغين من السكان وخراج المكوس والرسوم التى جبيت من مدن الشام وولاياته" (انظر عن حمص:

The Ottoman archives as a: B. Lewis source for the history of Arab Lands فى مجلة الجمعية الملكية الآسيوية، سنة 1951، ص 152 - 153). ونستطيع أن نستخلص من اللوائح المالية العثمانية معلومات عن النشاط الاقتصادى فى حمص لذلك العهد، وأصبح اليوغورت الذى جلبه التركمان إلى حمص يصدر حتى بلغ دمشق وكانت الطواحين المائية التى تطحن الحنطة والسمسم كثيرة، كما كانت عصارات الزيت ناشطة كل النشاط. وظلت الأعناب من أهم موارد حمص وكان يتوفر لها محصولات جيدة من الأرز تضاف إلى محصولات البطائح المزروعة لتوفير الغذاء للمدينة وكانت الصناعة الأولى هى النسيج. وكانت حمص من أهم المراكز التى يصنع فيها الحرير، ذلك أن أشجار التوت التى تقوم فى جوارها كانت تغذى ديدان القز، وكان ينسج فى حمص المنسوجات المرقشة تتخللها خيوط الذهب وتصدّر حتى بلغت استانبول وكانت تتجمع فى حمص الإبل والماشية العابرة من دمشق إلى حلب، فتلقى قطعان الأغنام والماعز القادمة من حلب وحماة إلى دمشق. ودمر العثمانيون خلال القرون أبواب الأسوار فى حمص واحدًا بعد الآخر، مما حمل فولنى Volney على وصف حمص سنة 1875 قائلا إنها: "مدينة كانت من قبل منيعة عامرة بالسكان ولم تعد بعد إلا قرية خربة واسعة بعض الاتساع لا يسكنها أكثر من ألفى نفس بعضهم من الإغريق وبعضهم من المسلمين. وفى البلدة يقيم أغا يلى من باطن باشا دمشق جميع أراضى الريف حتى تدمر. وكان إيجار المزارع يعطى للباشا وقدره 400 كيس أو 500,000 ليرة، ولكنها كانت تدر أربعة أضعاف ذلك" (انظر Volney، طبعة سنة 1823، جـ 3، ص 18 - 19). وكان الأغا ينتسب إلى أسرة من أهل حمص. وفى سنة 1246 هـ (1831 م) وقعت حمص فى يد المغامرين، ثم خضعت لسلطان إبراهيم باشا الذى ظل حتى سنة 1256 هـ (1840 م) ممثلا لسلطان محمد على فى الشام. وفى تلك

الأيام قامت فى المدينة فتنة خطيرة بنوع خاص حتى أن الجنود المصريين لقوا صعوبة فى إخمادها. وكان من آثار هذه الفتنة تدمير القلعة كلها تقريبًا. وبعد سنة 1840 عادت المدينة فخضعت للحكم العثمانى. وحمص مركز زراعى هام ومدينة صناعية ناشطة، وبها مدرسة حربية، وهى قصبة محافظة وقد بلغ عدد سكانها سنة 1920: 50,000 نسمة، زادوا على 130,000 نسمة سنة 1962 خمسهم من النصارى ومعظم هؤلاء من الأروام الأرثوذكس. وسهل حمص ينتج الحبوب وخاصة الشعير والحنطة، وفيه مزارع مترامية الأطراف فى شرقيه. وتحيط بحمص من جميع النواحى آثار عدة لقنوات تشهد بالجهود التى بذلها الإنسان قرونًا لإستغلال الأرض وأقيمت بتشجيع الدولة عدة قرى جديدة على محلات قديمة، ومن السمات الأصلية لإقليم حمص ملكية الفلاحين، ذلك أن المزارع هو مالك الأرض التى يعمل فيها. زد على ذلك أن أصول الاقتصاد الزراعى تبلغ شأوًا عظيمًا من الكمال. فتجد هناك علاوة على الشعير والحنطة الأذرة (وهى تنحدر منذ سنة 1940) والعدس والقطن (تشجع زراعته منذ سنة 1940) وكذلك سكر البنجر الذى زرع منذ سنة 1949. أما الأشجار التى تنمو فهى الجوز والزيزفون والسرو، وأشجار الفاكهة كالمشمش والرمان والكمثرى والتفاح والبرقوق. وقد ظلت الأعناب تنمو شرقى حمص فيما وراء البطيحة وفى منطقة وأر البازلتية على الضفة اليسرى لنهر العاصى من أهم موارد البلاد منذ القدم. وقد امتدح خمرها الأخطل أيام الأمويين، وهو محصول اقتصادى على أعلى درجة، ذلك أن الكروم لا تعالج بسلفات النحاس أو تخمّر، وهى لا ترفع مستندة إلى حوامل بل إن الفروع تنمو مفترشة الأرض وتباع الأعناب طازجة أو مجففة أو محولة إلى دبس. وتمتد حول حمص البطائح وبساتين التسويق شاغلة مساحة تقرب من

1,200 هكتار، وهى أكبر رقعة خضراء فى وادى العاصى، وأكبر جزء فى منطقة الوادى المروية تكثفت فيه الزراعة إلى أقصى حد، وهذه البساتين عمادها الآن ملكيات صغيرة (صيفية) تبلغ مساحة كل منها فى المتوسط 30 دونمًا ومعظمها تملكه أسرة واحدة، وهى ثمرة من ثمار إنسان دؤوب استفرغ الجهد فى عمل دام قرونًا. وحمص سوق هامة. ولا تربط أهلها بالهضبة الغربية إلا صلات قليلة، فهم يؤثرون الاتجار مع القبائل البدوية، إذ لا توجد عوائق تفصلهم عن الصحراء ففى الصيف يقبل البدو مصعدين إلى نهر العاصى يشترون من الأسواق، على حين يتلقى أهل حمص منهم منتجات الألبان ويعهدون إلى هؤلاء البدو رعى قطعانهم. وحمص مركز هام للاستهلاك تأخذ المحصولات الزراعية وتعطى البلاد الملابس والأمتعة المصنوعة. وقد ظلت الصناعة فيها قرونًا. فالحنطة والشعير تعالجان ليستخرج منهما النشا اللازم لصقل المنسوجات وفيها صناعة كبيرة للدبس، وبقيت حتى تاريخ حديث ست عشرة معصرة. وكان فى حمص سنة 1949 مصنعان لمعالجة السمسم واستخراج السراج أو الطحينة. على أن النسيج ظل أهم صناعاتها وعماد تجارتها. ذلك أن أقمشة حمص وحرائرها اشتهرت منذ أوائل القرون الوسطى فى أسواق العالم وقبل سنة 1914 كان فى حمص 4,000 نول تستخدم 30,000 عامل. والمدينة تصدر اليوم منسوجاتها من القطن والحرير إلى مصر والعراق. وأقيمت مصانع حديثة فى حمص ومنطقتها، وهناك مطحنتان للدقيق (1938) ومعصرة، ومصانع للنشا، ومصنع للدبس، ومصنع للسكر، ومصنع للزيت النباتى يستخرجه من بذرة القطن وعباد الشمس (1951). ثم نذكر أخيرًا أن المرء يستطيع أن يرى على مسافة بعيدة خزانات البترول تتألق فى الشمس، على حين تفصح المداخن الطويلة عن وجود معمل هام لتكرير الزيت وينقل الزيت فى خط من

آثارها

الأنابيب من كركوك إلى طرابلس أو بانياس، على أن بعضه يكرر فى حمص سدًا لحاجات البلاد. وتقوم حمص فى مفترق طرق هامة ثم هى إلى ذلك مركز زراعى وصناعى، ومن ثم فإن لها شأنًا رائدًا فى الاقتصاد السورى. آثارها أوشك السور القديم القائم الزوايا أن يختفى سنة 1895 حين مر فان برشم بحمص سنة 1895 أما أبوابه فلم يبق إلا اسمها وبعض الحجارة لم تزل تدل على بعض الأبواب. وحول المدينة امتدادًا من الشمال الشرقى: باب تدمر حيث يبرز من المدينة منحدر يضم آثارًا هلينية وإلى الجنوب خندق واسع عميق يساير السور الدفاعى الذى دعّم بأبراج مدورة ومربعة لا تزال أطلالها ظاهرة للعيان؛ وباب الدُرَيْد ولم يبق منه إلا الاسم المسمى به الحى القائم فى الركن الجنوبى الشرقى من المدينة، وتقوم فى الجنوب كتل ضخمة من الحجر تدل على موقع باب السباع. وعلى مسافة غير بعيدة من هذه الكتل باب التركمان. ثم الباب المسدود على الجانب الغربى، وقد رمم عدة مرات فى القرون الوسطى، وهو لا يزال فى مظهره يدل عن أثر جيد التحصين فيه بقايا من قواعد عمد. ويكتنف هذا الباب من ناحيتيه برج مربع والطريق الذى يرتد فى اتجاه شمالى يسمى شارع الخندق، مما يذكر بالخندق الذى اندثر، وثمة باب آخر هو باب هود ينفتح على السور قبل أن يبلغ المرء الركن الشمالى الغربى الذى تحدد ملامحه ثلاثة أبراج مدورة لا تزال قائمة. ونجد أخيرًا بابًا ينفتح فى الواجهة الشمالية بالقرب من المسجد الجامع وهو باب السوق، وقد اندثر الآن. القلعة: وفى الركن الجنوبى الشرقى من المدينة تقوم القلعة المشرفة على المدينة التى تبدو منها كالظل، إذ ترتفع أكمة قطرها 275 مترًا. والمظنون أن هذا التل، الذى يبدو صناعيًا، من أصل حيثى أو آرامى. ووصف القلعة

رحالة متعددون حتى بداية القرن التاسع عشر. وقد دمر إبراهيم باشا القلعة سنة (1831 - 1840) , ولم يترك بداخلها إلا جامع السلطان الذى لم يبق له أثر الآن. وكل ما بقى فى واجهته الشمالية جزء من برج له أهمية خاصة إذ رسم سنة 1952، وعليه نقشان يرجعان إلى سنة 594 هـ (1198 م) وسنة 599 هـ (1202 م) باسم الملك المجاهد شيركوه الأسدى. ولم يبق من القلعة الأيوبية المملوكية إلا قليل من الحجارة، والأحدور، وصهريج ضخم، وقطع ممتدة من الأسوار وأبراج مربعة نال منها الخراب تشرف على الخندق. المساجد: ومعظم المساجد القديمة فى حمص وخاصة المسجد الجامع ومسجد أبى لبادة ومسجد الفضائل، ومسجد العُمَرى، ومسجد السراج، تشترك فى ثلاث خصائص: المئذنة ورواق الصلاة والمصطبة، والمئذنة مربعة يبلغ طولها نحوًا من عشرين مترًا. وفى قاعدتها أسس من حجارة ضخمة وقواعد عمد وحجارة مستعملة بعضها عليه قطع من نقوش إغريقية، وإذا ارتفعنا عن ذلك وجدنا أساسات من البازلت أقل ضخامة. وعلى قمة كل واجهة تنفتح فسحة مزدوجة عالية تعلوها أسطوانة مثمنة الشكل تحمل هى نفسها قبة مطلية بالجير. أما رواق الصلاة المسقوف بسلسلة من العقود ذوات الروافد وقد زود بمرافق للوضوء، فينفتح بأبواب ضخمة على صحن المسجد، وتقوم إلى الشمال من الصحن مصطبة تظلل بعضها كرمة، وهى تستخدم للصلاة فى العراء. مسجد نور الدين الجامع: وهو يقوم فى شمالى المدينة وسط الأسواق. وامتداد موقع المحاريب يحملنا على الذهاب بأن هذا المسجد أقيم على موقع معبد الشمس وكاتدرائية القديس يوحنا التى كان صحنها الأمامى يشغله فيما يقال المسجد الأصلى. ومسجد نور الدين عمارة ضخمة قائمة الزوايا محورها الأساسى يتجه اتجاهًا شرقيًا غربيًا. وللمسجد بابان، الباب الغربى ويؤدى من الطريق إلى الصحن، والباب

الجنوبى ينفتح على حى باب السوق ويؤدى بدهليز معقود إلى رواق الصلاة. وهذا الرواق طوله 99 مترًا وعرضه 17 مترًا، وله باحتان طويلتان تغطى كلّا منهما عقود ذات روافد. وكل محراب من المحاريب الثلاثة التى فى الجدار الجنوبى يكتنفه عمودان من المرمر الأبيض. ولا يزال المحراب الأوسط تحمل محارته فسيفساء مذهبة يمكن أن تكون أقدم من القرن الخامس الهجرى (الحادى عشر الميلادى). وإلى الشمال من هذا المحراب باب ينفتح على حجرة مربعة يضيئها مصباح وهى مخصصة للنقشنبدية وينفتح رواق الصلاة على صحن المسجد من خلال أحد عشر بابًا واسعًا. وهذا الرواق المستطيل له مصطبة مرصوفة بالمرمر الأسود والأبيض وقد زود بحوض صغير للوضوء. وثمة حجر على النمط القوطى قوِّس بحدة وثقب حتى يستخدم محرابًا. وإلى الشمال تحت ظلة ذات عمد انفتحت سبع حجرات، فى حين زود الجزء الغربى من هذا الرواق بصنابير لزوم الوضوء. وبالقرب من المسجد الجامع، فى السوق التى إلى الغرب، كانت تقوم قبة تعلوها دوارة للريح فى صورة تمثال صغير من النحاس يقف فوق سمكة. وكانت هذه القبة تعد طلسمًا يقى من العقارب. ويقوم فى الوقت الحالى نحو من خمسة عشر حمامًا لا تزال تستعمل، وأروجها حمام صفاء، وحمام السراج، والحمام العثمانى. ويقوم هذا الحمام فى سوق الصباغة، وهو وقف على المسجد. ويستبين من خطته أنه فيما يظهر أقدم حمام فى حمص. وبقى فى حمص من أيام القوافل حوالى عشرين خانًا، اتخذ بعضها حظائر للحافلات. صحيح أن خان السبيل حيث نزل الرحالة ابن جبير اندثر، إلا أنه قد بقى خان أسد باشا، وخان الحرير الذى هو فى حقيقة الأمر قيسارية ظل الحرير يباع فيها قرونًا.

أما الأسواق التى كانت مبلطة فى القرون الوسطى فقد رصفت الآن بالقرميد، ولم يقتصر الرواج الشديد على سوق المنسوجات بل تعدى ذلك إلى سوق الصاغة وجيرانهم صناع الصناديق. ويقوم سوق دكاكين الفطائر فى الوسط، فى حين تقوم أسواق الخضر ومنتجات الألبان فى طرف المنطقة التجارية هى وصناع الصناديق والسروجية وصناع المعادن والحدادين. المزارات: المزارات متعددة خارج المدينة القديمة (الهروى: الزيارات، ص 8 - 9). وأكثرها إقبالا من الناس جامع خالد بن الوليد القائم فى الضاحية الشمالية، وترجع شهرته إلى العصر الأيوبى على الأقل، وقد احتفظ بهذه الشهرة فى أيام المماليك. ويقال إن خالد ابن الوليد الذى توفى فى المدينة دفن فيه هو وزوجته فضّى. ويعجب ياقوت من ذلك متسائلا ألا يكون من الأقرب أن يكون هذا المسجد ضريحًا لخالد بن يزيد بن معاوية الذى شيد القصر الذى بجواره أو لخالد بن عياض بن غنم القرشى الذى فتح الجزيرة، وكان الضريح الأصلى يقوم بجوار المسجد. وقد غير من ذلك صلاح الدين ثم السلطان بيبرس سنة 664 هـ. (1265 م). وقد قام الملك الأشرف خالد بن سيف الدين قلاوون بعمارات هناك سنة 691 هـ (1292 م). وفى سنة 1326 هـ (1908 م) دمر هذه الجامع كله وأعيد بناؤه بالطراز العثمانى على نسق مساجد إستانبول، وقام بذلك ناظم باشا والى الشام. ورصد السلطان عبد الحميد 6,000 دينار لعمارة به تمت سنة 1331 هـ (1913 م). فقد علت رواق الصلاة الذى يكاد يكون مربعًا (32 فى 30 مترًا) سبع قباب، ترتفع القبة الرئيسية التى يبلغ قطرها 12 مترًا، 30 مترًا، وتقوم على أربعة عمد متينة. وأقيم متنزه عام حديثًا من المقبرة الواسعة التى تحيط بهذا المسجد. وبعض القبور تعود إلى أيام الرومان، يشهد بذلك الضريح الذى وجد هناك. ونذكر من المزارات خارج باب دريد: مقام كعب الأحبار، وهو مسجد فى

المصادر

الطابق الأعلى. وفى المقبرة المجاورة بناء مربع متسع بعض الشئ فوقه قبه، وهو مقام جعفر، ويقوم على مبعدة منه وسط مقابر من البازلت طليت بالجير عقد كبير الحجم يدل على مقام عبد العزيز. ويقوم فى حمص أيضًا قبران لأميرين أيوبيين هما مسجد الخضر إلى الجنوب من المدينة حيث دفن الملك المنصور إبراهيم المتوفى سنة 644 هـ (1246 م فى دمشق)، وتقوم داخل الجدران تربة الملك المجاهد أسد الدين شيركوه الثانى، وهو بناء مكعب نالت منه يد التخريب كثيرًا تحيط به أسطوانة قائمة الزوايا لها قبة من الآجر. وقد تطلبت مقتضيات التخطيط الحديث للمدن اختفاء تكية الدراويش المولوية سنة 1950، وكانت من قبل تقوم غربى المدينة بالقرب من دار الحكومة الحالى، وكانت هذه التكية ترجع إلى سنة 480 هـ (1087). وأخيرًا نذكر دارين واسعتين خربتين قائمتين، هما بيت الزهراوى وبيت الملاح، من آثار العز القديم. أما الكنائس العشر القائمة فى حمص فليس لواحدة منها أية قيمة أثرية كبيرة، ويصدق هذا على كنيسة مار إليان للأروام الأرثوذكس، وعلى الكرسى السابق للبطرق السريانى الكاثوليكى ونعنى بها كنيسة أم الزَنّار، ذلك أن الكنيستين كلتيهما من العمائر الحديثة. وخارج الأسوار تقوم عدة طواحين مائية تطحن الحبوب على نهر العاصى، أقدمها طاحونة السبعة التى يدل نقشها على أنها ترجع إلى سنه 824 هـ - (1421 م) وطاحون الخصوبة التى ترجع إلى سنة 975 هـ (1567 م) كما يدل النقش التركى الذى عليها، وطاحون الميماس، وليس عليها نقش يدل على تاريخها. المصادر: جغرافيتها: (1) G. Le strange: Palestine.

(2) Topographie de la: R. Dussand Syrie باريس سنة 1927، ص 103. (3) La vie rurale en Syrie: A. Latron et au Liban، بيروت سنة 1936. (4) L'Oronte etude de: J. Weulerre Fleuve . تور سنة 1940. (5) Le Probleme de l'eau: N. Mously en syrie، ليون سنة 1951 ص 233 - 247. (6) Le pays de Homs,: A. Naaman -etude de regime agraire et d'economie ru rale (رسالة مكتوبة بالآلة الكاتبة سنة 1951). (7) La Med-: J. Birot & J. Dresch iterranee et le Moyen Oriemt، جـ 2، باريس سنة 1956، الفهرس. تاريخها القديم: (1) - Pauly - Wis sowa، جـ 5، ص 2496. (2) Dict. Archeologie Chre-: Cabrol tienne et Liturgie، باريس سنة 1921، جـ 4 - 2 مادة Leclercq) Emesene). (3) Aubert & van Cauwenbergh: -Dict. Histoire et geographie Ec clesiastiques، باريس سنة 1961، العدد 85، مادة Emese، ص 397 - 400. النصوص العربية (1) ابن العديم: تاريخ حلب، جـ 1، جـ 2، تحقيق الدهّان، دمشق سنة 1951 - 1954. (2) ابن جبير، الرحلة، الترجمة الفرنسية بقلم Gaudefroy - Demombynes باريس سنة 1956، جـ 3، ص 289 = الترجمة الإنجليزية بقلم Broadhurst, ص 267 - 268. (3) الهروى: الزيارات تحقيق- J. Sourdel Thomine، دمشق سنة 1953، ص 8 - 9. (4) ياقوت، جـ 3، ص 335 (ينقل عن الهروى). (5) ابن بطوطة، جـ 1 ص 140، ترجمة كب، كمبردج سنة 1956، جـ 1، ص 90. (6) وصفى زكرياء: جولة آثارية فى بعض البلاد الشآمية، دمشق سنة 1934.

(7) سليم عادل عبد الحق: بحث موجوز فى تأريخ مدينة حمص وآثارها فى ASAS، جـ 10، سنة 1961، ص 5 - 36. تاريخها وآثارها (1) أوليا جلبى: سياحتنامه، جـ 9، إستانبول سنة 1935، ص 243. (2) Voyage en Egypte et en: Volney Syrie، تحقيق Gaulmier، لاهاى سنة 1959، ص 330. (3) Mittelsyrien und: A. von Kremer Damaskus فينا سنة 1853، ص 219. (4) Arabische Ins-: M. van Berchem chriften فى E.Fatio & F. von Berchem: Voyage en Syrie, القاهرة سنة 1914. (5) La digue du lac de: R. Dussaud Homs et le mur egyptien de Strabon فى Monuments Piot جـ 25، سنة 1921 - 1922، ص 133. (6) L'enceinte Primitive: J.Sauvaget de la ville d'Alep فى MIFD، سنة 1929، ص 133 - 159. (7) Etudes sur le siecle: H. Lammens des Omeyyades، بيروت سنة 1930، الفهرس. (8) L'architecture mu-: J.Sauvget sulmane en Syrie فى Revue des Arts Asiatiques, جـ 8، سنة 1934، ص 21، 28. (9) Histoire des Croi-: R: Grousset sades. فى ثلاثة مجلدات، باريس سنة 1934 - 1936, الفهرس. (10) Damascus, Studies: E. Herzfeld in Architecture, جـ 2 فى - Ars Is Iamiea جـ 10، سنة 1943، ص 66 - 70. خورشيد [إليسيف N. Elisseeff] + " حمص" معركة: أول امتحان كبير بين المماليك والمغول وقع فى حمص سنة 680 هـ (1281 م) بعد معركة عين جالوت بأكثر من عشرين سنة. صحيح أن المعركة كسبها قلاوون، ولكن المخطط الحقيقى لها كان بلا شك السلطان بيبرس الذى أقام فى السنة السابعة عشرة من حكمه

(658 - 676 هـ = 1260 - 1277) عدّة حربية أثبتت أنها بلغت من القدرة ما استطاعت به أن تحطم أقوى الجيوش طرًا التى قذف بها المغول الإيلخانية فى ميدان القتال ولو أن هذه العدة اضمحلت بعد أربع سنوات من وفاة بيبرس. وكان المماليك فى وقعة عين جالوت عدوا جديدا لم يكن للمغول به عهد، ومن ثم نالت منهم المفاجأة. على أنه ما إن وقعت وقعة حمص حتى كان المغول قد خبروا كل الخبرة جيش المماليك إذ كانوا نازلوه فى سلسلة طويلة من المعارك. ومن ثم أقبلوا على حمص وقد اكتملت عدتهم وتجهزوا لها أكمل تجهيز. وشاهد ذلك ما لاحظه بيبرس المنصورى بحق بأنه لم يحدث من المغول قط أن ساروا إلى الشام بمثل هذه الجيوش الجرارة. ومن ثم فإن انتصار حمص كان انتصارا مشهودا يفوق كل نصر سبقه (ورقة رقم 117 أ، س 12 - 17). وقد وقعت المعركة فى وطاء من أرض حمص قرب مشهد خالد بن الوليد وكانت عدة الجيش المغولى 80,000 مقاتل، خمسين ألفا منهم مغول فى رواية، وأربعة وأربعين ألفا فى رواية أخرى أما البقية فكانوا من الكرج والروم والأرمن والفرنجة. وتقدم الجيش المغولى حتى جناح ميمنته حماة وبلغت ميسرته سلميّة. أما قلبه وقوامه 44,000 مقاتل فكان يقتصر على المغول. وقد استقر عزمهم على شن هجوم كثيف على قلب جيش المماليك. وكانت ميمنة المغول بالغة القوة (وعشية المعركة زود آبق من المغول المماليك بمعلومات قيمة عن قوة الجيش المغولى. وقبل هذا زود آبق من المماليك المغول بمثل ذلك من المعلومات عن قوة جيش المماليك). ولم تذكر المصادر عدة جيش المماليك. وقد قسم هذا الجيش ميمنة، وميسرة، وقلب، وجناحين وجاليش. وكانت الميمنة تضم أمير حماة الأيوبى وعددا من أمراء المماليك بجيوشهم الخاصة. ووضع فى مقدمة الميمنة بدو الشام بقيادة عيسى بن مُهنّى. وقد دعمت الميسرة وفقا

للتحذيرات التى قدمها الآبق المغولى، وكانت تتألف من ظاهرية بيبرس بقيادة سنقر الأشقر، وعدد من أمراء المماليك بجيوشهم الخاصة، وكان فى مقدمة الميسرة التركمان وجنود حصن الأكراد. أما الجاليش الذى هو طليعة القلب فكان يتألف من نائب السلطنة وغيره من الأمراء بجيوشهم الخاصة وعدد لم يحدد من مماليك قلاوون. وكان السلطان قلاوون فى القلب فى ظل الأعلام السلطانية وفى صحبته 4,000 جندى من نخبة جنود الحلقة و 800 جندى من المماليك السلطانية وعدد غير محدد من مماليك. ولم تذكر المصادر مم تألف الجناحان. وقبيل المعركة اختار السلطان 200 من مماليكه الخاصة، وترك لواءه ومضى معهم إلى قمة تل يشرف على المعركة وكان أى "طُلْب" يتمزق يزود بمدد بناء على أوامره. وسددت ميسرة التتر ضربة ثقيلة إلى ميمنة المسلمين ولكن هذه الضربة لم تمزقها. وفى الجانب بادرت ميمنة المصريين بكرّة اكتسحت ميسرة التتر. وفى الجانب الآخر من ميدان المعركة نجحت ميمنة التتر فى إلحاق هزيمة ثقيلة بميسرة المصريين. وبذلك ألحقت هزيمة منكرة بجناح القلب الأيسر. ولم يكن الجناح المهزوم من المماليك ولا الجناح المظفر من التتر لديهما أية فكرة عما يدور فى الطرف الآخر من ميدان المعركة وتابعا الفرار والمطاردة. وبلغ جزء من ميسرة المماليك المهزومين هزيمة نكراء صفد، وبلغ جزء آخر دمشق، وبلغ جزء ثالث بعيدًا حتى بلغ غزة. وتوقف التتر الذين يطاردونهم بعد لحظة، وترجلوا منتظرين أن يلحق بهم بقية الجيش المغولى، ولم يظهر الباقون من زملائهم فاستقر عزمهم على الرجوع إلى ميدان المعركة. وهنالك مضى المسلمون فى انتصاراتهم، ولكن قواهم كانت قد وهنت. على أن الحظ كان حليف المسلمين، ذلك أن القائد المغولى منكو تيمور وهم بأن الجيش الذى يواجهه لم يزل قويًا بالغ القوة.

المصادر

والحق أن قلاوون ترك وليس معه إلا 300 من الفرسان (فى رواية) و 1000 فارس (فى رواية أخرى) وبهذه القوة الصغيرة هاجم قلاوون التتر وهزمهم. وفى هذه الأثناء عادت ميسرة التتر إلى ميدان المعركة. وأراد قلاوون أن يخفى ما جرى لجيشه من التتر العائدين، فأمر طبوله بالسكوت وطويت اللواءات السلطانية ونجحت خدعته، ذلك أن التتر مروا به دون أن يلاحظوا شيئًا. وما أداروا له ظهورهم حتى هاجم مؤخرتهم وألحق بهم هزيمة منكرة. وزاد عدد قتلى التتر فى تقهقرهم كثيرًا عما فقدوه من القتلى فى المعركة. المصادر: (1) بيبرس المنصورى: زبدة الفكرة، المتحف البريطانى، المخطوطات الإضافية 23، 325، الأوراق من 112 ب إلى 121 ب. (2) المقريزى: السلوك، جـ 1، ص 690 - 699. (3) ابن تغرى بردى: النجوم الزاهرة، القاهرة سنة 1934 - 1942, جـ 7، ص 303 - 305. (4) أبو الفداء: المختصر، القاهرة سنة 1325 هـ، جـ 4، ص 14 - 15. (5) المفضل بن أبى الفضائل: النهج السديد ضمن Patrol .Or، جـ 24، ص 491 - 493. (6) ابن الفرات: تاريخ الدول والملوك، بيروت سنة 1936 - 1942. جـ 7، ص 214 - 218. وتجد أوصافًا مختصرة فى: (7) A. History of: S.Lane - Poole Egyptian in the Middle Ages الطبعة الثانية، لندن سنة 1914، ص 279 - 280. (8) L'Egypte arabe: G. Wiert, باريس سنة 1937، ص 445 - 448. (9) A History of the: S. Runciman Crusades، جـ 3، كمبردج سنة 1954، ص 391 - 392. خورشيد [آيالون D. Ayalon]

حماد، بنو

حماد، بنو أسرة حاكمة بالمغرب الأوسط (سنة 405 - 547 هـ = 1015 - 1152 م) تعادل أسرة بنى زيرى فى بلاد البربر الشرقية، وقد نسبت إلى مؤسسها حماد بن بلكين بن زيرى بن مناد. وحدث أن كانت لأمراء صنهاجة وبنى زيرى ونواب الفاطميين وأقيالهم فى المغرب، أطماح إفريقية فأدى ذلك إلى الفُرقة بين المغرب الأوسط وإفريقية عينها. وفى أيام الخليفة الثانى من خلفاء بنى زيرى، المنصور بن بلكين حاول عمه أبو البهار بن زيرى، أن يقيم مملكة فى المغرب الأوسط (سنة 379 - 383 هـ = 989 - 993 م). ولكن محاولته باءت بالخيبة. وهنالك كتب على باديس خليفة المنصور أن يواجه فورة عاتية لقبيلة زناتة انطلقت من تاهرت إلى طرابلس منذ سنة 386 هـ (996 م) واكتسحته آخر الأمر سنة 391 هـ (1001 م)، ومعظم الفضل فى ذلك يرجع إلى عمه حماد بن بلكين. وفى سنة 395 هـ (1004 - 1005 م) عهد إلى حماد بتهدئة الغرب الجامح، ولم يقم قط باستدعائه أو بالتنازل له عن آشير، والمغرب الأوسط, أو أية بلدة كان قادرًا على فتحها. وبلغ من نجاح حماد أنه أسس سنة 398 هـ (1007 - 1008 م) مدينة جديدة إلى الشمال الشرقى من مسيلة، متطلعا أن تكون حاضرة لملكه، وهي القلعة الشهيرة (قلعة حماد/ قلعة بنى حماد/ القلعة. ولم يمتثل حماد لأمر باديس بتسليم جزء من أراضى قسنطينة إلى ولى عهده، وانتقض عليه هو وأخوه إبراهيم سنة 405 هـ (1015 م). 1 - حماد بن بلكين (سنة 405 - 419 هـ = 1015 - 1029 م). قطع حماد علاقته بالفاطميين فى القاهرة، وأعلن ولاءه للعباسيين فى بغداد؛ ومن ثم خرجت مملكة بني حماد إلى حيز الوجود. وحاصر باديس القلعة، وبعد ستة أشهر حقق انتصارا حاسما سنة 406 هـ (1015 م)؛ ولكن المنية أدركته، حينما كان فيما يظهر على وشك أن يجبر عمه على الطاعة فى أواخر سنة 406 هـ (مايو سنة 1016 م). وقد وجه

خلفه المعز بن باديس إلى هذا المنتقض ضربة ساحقة سنة 468 هـ (1017 م) حملته على التماس العفو وطلب الأمان. وتوطد هذا السلام بعهود تمت بالمصاهرة فحققت له السيادة الكاملة على المغرب الأوسط بأسره، وظل هذا السلام مرعيا على يد حماد حتى وفاته سنة 419 هـ (1028 م). ومن المحتمل أنه عاد إلى الولاء للفاطميين. 2 - القائد بن حماد (سنة 419 - 446 هـ = 1028 - 1054 م). صد القائد بنجاح مغامرة فراوى أمير فاس، وجعله يقسم يمين الولاء له سنة 430 هـ (1038 - 1039 م). وفى سنة 432 هـ (1040 - 1041 م) أنهى الحلف الذى عقده أبوه مع المعز بن باديس، فسار المعز إليه وحاصر القلعة عامين؛ وفى نهاية هذه المدة تم التصالح بين أبناء العمين حوالى سنة 434 هـ (1042 - 1043 م). وثمة بعض الشكوك حول تاريخ خروج القائد على الولاء للفاطميين وصرف ولائه إلى العباسيين، ولكن هذا التاريخ, لا بد أن يكون قريبا من عصر المعز (الذى كان خروجه على القاهرة حقيقة واقعة، بحلول سنة 439 هـ = 1047 م) ذلك أنه بعث إليه بجماعة من الفرسان اشتركوا فى معركة حيدران المشهورة سنة 443 هـ (1052 م). وأغلب الظن أنها وقعت بعد هذا النصر الهلالى الذى وضع حدا لثقافة القيروان، مما دفعه إلى الاعتراف بسيادة الفاطميين مرة أخرى؛ ومن ثم حصل على لقب التشريف، وهو شرف الدولة الذى ناله ابن عمه من قبل. 3 - المحسن بن القائد (سنة 446 - 447 هـ = 1054 - 1055 م). ولم يكترث المحسن بنصيحة أبيه فى التعامل مع أعمامه بحذر. فقد غلب عليه جنوحه إلى العنف والطغيان مما انتهى باغتياله بعد تسعة أشهر من توليه الحكم، على يد واحد من أبناء عمه، إرتقى العرش بعد اغتياله. 4 - بلكين بن محمد بن حماد (سنة 447 - 454 هـ = 1055 - 1062 م). وازداد التحالف بين بنى حماد وأثبح الهلالى توثقا ومن ثم ازداد اعتماد بنى زيرى على قبيلتى

رياح وزغبة، وهنالك طردته قبيلة رياح من إفريقية فجاء دور قبيلة زغبة فى وضع نفسها تحت تصرف بني حماد. وفى سنة 450 هـ (1058 - 1059 م) أجبر بلكين شيوخ بسكرة على الاعتراف بسيادته، وعامل قبيلة زناتة معاملة قاسية. واستولى المرابطون على سلجماسة احدى الطرق الرئيسية للذهب وكانت أهميتها قد زادت بالغزو الهلالى، فهاجم بلكين قبيلة زناتة المراكشية، واستولى على فاس سنة 454 هـ (1062 م). وانقضت بعد ذلك فترة وجيزة ثم اغتاله فى طريق عودته، ابن عمه الناصر بن علناس، ودخل القلعة. 5 - الناصر (سنة 454 - 481 هـ = 1062 - 1089 م) وطد الناصر سلطانه شيئا فشيئا، وجذب إليه حلفاء لهم شأنهم: ودان له بالولاء ملك صفاقس الصغير, حَمّو بن مَليّل، ومقدم قسطيلية، وطلب منه وفد من شيوخ التونسيين أن يقيم واليا. فكان هذا الوالى هو عبد الحق بن عبد العزيز بن خراسان، أول أمير خراسانى يحكم تونس هو ومجلس من الشيوخ. وغزا الناصر إفريقية على رأس حلف جليل الشأن ضم الأثبج. ولكن قبيلتى تميم ورياح أبليا فى الدفاع بلاء تسبب فى أن تلحق به عند سبيبة (بين القيروان وتبسه) هزيمة لا تقل فداحة عن تلك التى منى بها المعز بن باديس فى حيدران. وانتشرت الفوضى والدمار فى المغرب الأوسط من أقصاه إلى أقصاه، فذاق وقتذاك من الشرور ما لقيته إفريقية سنوات. وانتهت الهزيمة الساحقة لقبيلة صنهاجة فى سبيبة سنة 457 هـ (1065 م) بتولى الهلالية الحكم فى جميع أنحاء بلاد البربر الشرقية، فى حين بقي سلطان قبيلة رياح فى إفريقية، وسلطان الأثبج فى المغرب الأوسط. وكما اضطر بنويرى إلى تسليم القيروان، والتقهقر إلى المهدية، فكذلك فقد بنو حماد سيطرتهم على القلعة وتقهقروا إلى بجاية، وسموا الناصرية باسم مؤسسها الناصرى الذى مكن لنفسه فيها بعد فترة وجيزة من سنة 461 هـ (1068 - 1069 م). وثمة بعض الشواهد على انتعاش

سلطان بنى زيرى وبنى رياح حين استوليا على تونس الخراسانية سنة 459 - 460 هـ (1067 م)، وأراد إحباط هذه المحاولة فسير الأثبج للهجوم على إفريقية سنة 460 هـ (1067 - 1068 م)، فاستولى على لربة، ثم على القيروان (على الرغم من أنه اضطر إلى تسليمها) وعاد إلى القلعة. وكان للناصر على وجه التأكيد بعض الشأن فى بيع القيروان على يد قبيلة زغبة حوالى سنة 470 هـ (1077 - 1078 م) , وهى السنة التى عقد فيها حلف بين بنى زيرى وبنى حماد، ولو أن هذا الحادث الخاص بالبيع يحيط به الغموض، وتزوج الناصر إبنة تميم، واسمها بلارة. وقدر لهذا السلام أن يبقى حتى نهاية حكم تميم سنة 501 هـ (1108 م) وهو يعد ذروة ما بلغه بنو حماد من سلطان على أبناء عمومهم الباديسية، الذين قهرهم الغزو الهلالى. وقاد الناصر عددا من الحملات إلى الغرب، وعقد أحلافا مع شيوخ لقبيلة زناتية ذات شأن، وهم بنو ماخوخ. واضطر فى مناسبات كثيرة إلى أخذ قبيلة زناتة بالشدة حين انضمت إلى العرب فى غارات لقطع الطريق. 6 - المنصور (سنة 481 - 498 هـ = 1088 - 1105 م). رغم حداثة سنه فإن ابن الناصر وبلّارة هذا اتبع خطوات أبيه بحزم، وكان موضع مدح ابن حمديس. واجتاح العرب هذا الإقليم، بيد إن المنصور بقى فى القلعة حتى غادرها إلى بجاية سنة 483 هـ (1090 - 1091 م). ويرى ابن خلدون أنه كان الأول من أمراء دولته فى إصدار سكة، وكان هو الذى (مَدَّنَ) مملكة بنى حماد، التى كانت حتى ذلك الحين شبه بدوية، تفتقر إلى ما بلغه بنو باديس أصحاب القيروان من تمدين وتهذيب. ولما تولى المنصور العرش أمر أبى بكنى، بالتخلص من أحد أعمامه أمير قسنطينة بليار، وكافأه على ذلك بإقامته واليا على هذه المدينة، وعلى بونة وفى سنة 487 هـ (1094 م) انتقض عليه أبو يكنى، وحاول أن يعقد حلفًا واسع النطاق مع أعداء المنصور - تميم (الذى عرض عليه ولاية بونة)، والعرب والمرابطين. واسترد المنصور بونة وقسنطينة ولجأ أبو يكنى إلى جبال أوراس، ثم قتل من بعد. وقُدر

للمنصور أن يتدخل فى الغرب أيضًا، الذى كان سلطان المرابطين يوسف بن تاشفين قد اجتاحه حتى بلغ الجزائر (سنة 473 - 475 هـ = 1080 - 1083 م). وكان المرابطون يهاجمون أراضى صنهاجة من تلمسان بتستر من قبيلة زناتة، التى حرضها بنو ماخوخ، على الرغم من مصاهرتهم للمنصور. وعاقب المنصور بنى ماخوخ فأحدق بتلسان مما حدا بيوسف بن تاشفين إلى السعى للسلام. وما لبث المرابطون أن خرجوا على هذا السلام، وأجبروا مرة أخرى على الانسحاب. ولكن المنصور منى من بعد بالهزيمة (بعد سنة 484 هـ = 1091 م) على يد قبيلة زناتة، وبنى ماخوخ، واضطر إلى التقهقر إلى بجاية. ولم يقنع بقتل زوجته أخت ماخوخ، بل أنزل بهم أيضًا انتقامًا آخر، إذ نهب تلمسان سنة 496 هـ (1103 م). وشهدت السنة التالية نهاية العداوة بين بنى حماد والمرابطين فقد أبرموا فيما بينهم معاهدة سلام. وأتاحت هذه المعاهدة للمنصور أن ينصرف إلى قمع قبيلة زناتة صاحبة المغرب الأوسط. 7 - باديس (سنة 498 هـ = 1105 م) كان ابن المنصور هذا قاسيًا، ومن حسن الحظ أن طغيانه الدموى لم يستمر سوى أقل من سنة واحدة. 8 - العزيز (سنة 498 هـ = 1105 م إلى 515 هـ أو 518 هـ = 1121 - 1122 م أو 1124 - 1125 م). لم يكن مثل أخيه باديس، فقد نعم بفترة طويلة سادها السلام. وكان يسره أن يستمتع بصحبة رجال القانون. وقد أبرم العزيز معاهدة سلام مع قبيلة زناتة، وتزوج إحدى بنات ماخوخ. ومع ذلك، فقد أخضع أسطوله جربة (فى تاريخ غير مؤكد) وفرض الحصار سنة 514 هـ (1120 - 1121 م) على تونس، وأجبر الخراساني أحمد بن عبد العزيز على تقديم فروض الطاعة له. وفى هذا الوقت تقريبا ألقى على ابنه تبعة استرداد القلعة من الهلاليين. 9 - يحيا (سنة 515 هـ = 1121 - 1122 م أو 518 هـ = 1124 - 1152 م إلى 547 هـ = 1152 م). طرد يحيا الخراساني أحمد بن عبد العزيز من تونس، ونفاه إلى بجاية وفيها توفى

آخر الأمر، وأقام عليها واحدا من أعمامه سنة 522 هـ (1128 م). وبقيت تونس فى يد بنى حماد حتى سنة 543 هـ (1148 - 1149 م). واستولى جيش حمادى على قلعة توزر (التاريخ غير مؤكد) التى كان قائدها المنتقض مسجونا فى الجزائر، وفى السجن انتهت حياته. وقد شن يحيا هجوما كبيرًا من البحر والبر على المهدية سنة 529 هـ (1135 م) نزولا على رغبة بعض العشائر العربية، والسكان الذين كانوا يتميزون من الغيظ, لأن أميرهم الحسن، آخر أمراء بنى زيرى، قد سلّم ببعض طلبات روجر الثاني ملك صقلية. وباءت هذه المغامرة بالفشل, لأن الحسن تمكن من الاستعانة بمجندين من العرب وبالأسطول الصقلى. وحوالى سنة 536 هـ (1141 - 1142 م) بذل يحيا قصارى جهده لتحقيق الوفاق مع الحافظ الفاطمى، ولكنه اعترف فى النهاية بسيادة العباسيين؛ ذلك أنه ضرب السكة سنة 543 هـ (1148 - 1149 م) فى الناصرية "بجاية" باسم الخليفة المكتفى، وحوالى سنة 537 هـ (1143 م) أصبحت أطماع النورمان فى إفريقية واضحة الخطر، إذ شنوا غارة على ججلّى سنة 539 هـ (1144 - 1145 م)، وجاء دور بلدة برجك بين تشرشل وتنس فى التعرض لهجمات الأسطول الصقلى. وطردوا الحسن التعس ابن عم يحيا وآخر أمراء بنى زيرى من عاصمته المهدية سنة 543 هـ (1148 م) على يد أمير بحار الملك روجر الثاني، جورج حاكم أنطاكية، وأجبر على الحياة فى ظل العبودية بالجزائر, لأن يحيى انتابه القلق خشية أن يعمد هذا الطريد إلى الاتصال بعبد المؤمن الموحدى الذى كان نفوذه الآخذ فى الازدياد مثيرا لهذا القلق وفى سنة 543 هـ (1148 - 1149 م) جمع يحيا فى بجاية ما ادخره من كنوز فى القلعة. وهنالك حل الغزو الخاطف للمغرب الأوسط سنة 547 هـ (1152 م). فقد استولى عبد المؤمن على تلمسان ثم مليانة ثم الجزائر (حيث اخضع الحسن آخر أمراء بنى زيرى، وأمير الأثبج)، ثم ختم ببجاية. وفى جمادى الأولى سنة 547 هـ (اغسطس 1153 م) وهرب يحيا إلى بونة، ومنها

شجرة نسب الأسرة 1 - حماد بن بلكين بن زيرى (سنة 405 - 419 هـ = 1015 - 1028 م)

المصادر

إلى قسطنطينة. واستولى عبد الله بن عبد المؤمن على القلعة، وأنفذ جنوده منها إلى قسطنطينة. ودارت معركة دموية انتهت بانتصار المهاجمين؛ واستسلم آخر أمراء بنى حماد، وحمل إلى بجاية، حيث عامله الخليفة عبد المؤمن معاملة طيبة هو وأسرته، وحملوا آخر الأمر إلى مراكش حيث أجرى عليهم معاش طيب، وتوفر ليحيا من الفراغ ما أنفقه فى الصيد, الذى كان هوايته المفضلة. وتبع عبد المؤمن إلى شالة سنة 548 هـ (1153 - 1154 م)، وقضى آخر أيام حياته فيها، وتوفى سنة 557 هـ (1161 - 1162 م). وعلى أية حال، فإن تاريخ بنى حماد أقل وضوحًا من تاريخ بنى زيرى الذى يتداخل فيه تداخلًا وثيقًا فى المصادر التى قوامها كتب تتسم بالهوى كما تتسم بأنها مصادر ثانوية. أما حياة بنى حَمَّاد اليومية، ومعاهدهم، فهي دون شك، أقل تمدنا وأبسط صورة، منها فى إفريقية بنى زيرى، ثم إنها تكاد تكون مجهولة لدينا تمامًا. المصادر: (1) Le Berberie Orien-: H. R. Idris tale sous Les Zirides فى مجلدين، باريس سنة 1962, والفهرس. (2) وانظر بوجه خاص أعمال - Gol vin وأبحاثه فى ala Qal'a des Banu Hammad باريس سنة 1965. حسن شكرى [هـ ر. إدريس H. R. Idris] حماد الراوية أى راوية أشعار العرب وبخاصة القدماء، ولد بالكوفة عام 75 هـ (694 - 695 م) وفى رواية ابن خلكان, عام 95 هـ. واختلف الرواة فى اسم أبيه فقال بعضهم إنه هرمز، وقال آخرون إنه ميسرة، وقال غيرهم إنه سابور، وكنيته أبو ليلى، وكان من سبى الديلم، وقد كشف حمّاد نفسه عن أصله فى حديث من أحاديثه. وذاع صيته لعلمه الواسع بأشعار العرب ما نُظم منها فى الجاهلية أو فى الإِسلام، وبأيام العرب ولغاتهم. وقيل

عنه إنه يستطيع أن ينشد على كل حرف من حروف المعجم قصائد طوالًا من شعر الجاهلية، وأنه يستطيع أن يميز من فوره بين القديم والمحدث من الشعر. وكان لحكمه على الشعر والشعراء قيمة كبيرة، وكان فى مقدوره فى جميع الأحوال تقريبًا أن يكشف عن السرقات والاستعارات الشعرية؛ على أنه لم يكن أمينًا كل الأمانة فى رواية الشعر، فقد استغل مواهبه فى نسبة بعض شعره إلى الشعراء الأقدمين وهو أمر أخذه عليه المفضل الضبى وسأله عنه المهدي (الأغانى: جـ 5، ص 132, س 16 وما بعده). وقال نولدكه إن مأثرة حماد الكبرى هي جمعه المعلقات. وكان أحد ثلاثة يقال لهم "الحمادون" وهم حماد الراوية وحماد عجرد وحماد ابن الزيرقان، وكان الشاعران مطيع بن إياس ويحيى بن زيادة من أصحابه أيضًا. وكان الخليفة يزيد الثاني يعطف عليه، ولكن حمادًا كان يخشى هشامًا. ومع ذلك فقد قيل إن هشامًا استزاره مرة وأجزل عطاءه؛ ولكن هذه الرواية موضع شك نظرًا لخطأ فى تسلسل التواريخ ولتشابه سمات هذه الرواية بسمات رواية قيلت عن الوليد الثاني، وكان هذا الخليفة يستمتع خاصة بإنشاد حماد للشعر؛ إلا أن حمادًا لم يكن ينتظر أن يصيبه خير كثير على يد العباسيين، فقد كان أحد الشعراء الذين رحلوا عن بغداد فى عهد المنصور "طلبًا للعيش" ثم قصد الكوفة، ومع ذلك يُقال إن الخليفة استدعاه من البصرة إلى بغداد، ولكن جعفرًا ابن الخليفة أساء معاملة حماد عندما أنشد فى حضرته شعرًا لا يوائم ما يعتقده من خزعبلات، وكان مطيع صديق حماد هو الذى ألح عليه فى الذهاب إلى جعفر. وقد اختلفت الروايات فى تاريخ وفاة حماد فقال ابن خلكان إن وفاته كانت عام 158 أو ما بعده، بل ذكر صاحب الأغانى (جـ 3، ص 80، الحاشية) أنه أدرك عهد الرشيد.

المصادر

المصادر: (1) ابن قتيبة: كتاب المعارف (طبعة فستنفلد)؛ ص 169 و 268؛ كتاب الشعر والشعراء (طبعة ده خويه) ص 157، س 6، ص 482 وما بعدها، ص 490: (2) الفهرست؛ ص 91 وما بعدها. (3) الأغانى؛ جـ 5، ص 163, 175 وفى مواضع أخرى منه. (4) ابن عبد ربه: العقد (طبعة القاهرة، 1316 هـ)؛ ص 3، ص 96. (5) Fragm. Hist. Arab (طبعة ده خوية)؛ جـ 1، ص 126 وما بعدها. (6) ابن خلكان (طبعة فستنفلد) رقم 204 (ترجمة ده سلان؛ جـ 1، ص 47 وما بعدها). (7) خزانة الأدب؛ جـ 4، ص 128. (8) Beitrage zur Kennt-: Noeldeke niss der Poesr der Alten Araber؛ ص 20 وما بعدها. (9). Encycl. Brit جـ 18، ص 633 (ب). (10) Gesch. der: Brockelmann .Arab. Lit؛ جـ 1، ص 18 و 63. خورشيد [فان أرندنك C. Van Arendonk] + حَمَّاد الراوية، ابن أبي ليلى، جامع للأشعار العربية، وبخاصة المعلقات. ولد فى الكوفة سنة 75 هـ الموافقة سنة 694 - 695 م (وتاريخ سنة 95 لبس فى القراءة) إنحدر من سلالة إيرانية، وكان أبوه من سبى الديلم، ومن ثم سمى سابور أو هرمز أو ميسرة. وقد انتمى حماد مثل سمييه ونديمى مرحه حماد عجرد وحماد بن الزبرقان إلى طائفة من الظرفاء جروا على معاقرة الخمر، وإنشاد الشعر فى اجتماعاتهم المرحة. وكان الأتقياء ينظرون إليهم نظرة الشك ويرمونهم بالزندقة. وكان حماد ولوعًا بالشعر؛ وتظهره كثير من النوادر فى حوار مع الطرمّاح (الأغانى، الطبعة الثالثة، جـ 6، ص 95)، والكميت (الأغانى، الطبعة الأولى، جـ 14، ص 114) وعمر بن أبي ربيعة (الأغانى، الطبعة الأولى، جـ 1، ص 50)، وكُثير (الأغانى، الطبعة الأولى، جـ 8، ص 152 وما بعدها)، ومع الفرزدق (الأغانى، الطبعة الثالثة، جـ 6، ص 73)، وجرير (الأغانى، الطبعة الثالثة، جـ 8، ص 36)، وذى الرمة (المَرْزبانى: الموشح، ص 177) ومع غيرهم من الشعراء. وقد

أكسبته معرفته الوثيقة بالشعر والأنساب وتاريخ البدو ومأثورهم، مكانة أثيرة عند الخلفاء، وبخاصة الوليد بن يزيد، وعند الأعيان الذين يلوذ بهم. ولا نعرف على وجه اليقين هل دعاه يزيد بن عبد الملك إلى بلاطه؛ ذلك أن القصة التى رواها (الأغانى، الطبعة الثالثة جـ 6، ص 75 وما بعدها) متناقضة تاريخيًا، ذلك أن يوسف بن عمر لم يؤمّر على المشرق إلَّا سنة 120 هـ (738 م). وآلمه سقوط دولة بنى أمية أشد الألم. ويبدو أنه قد قصد المنصور (الأغانى، الطبعة الثالثة، جـ 6، ص 80) ولكنه أحس بإهماله (الأغانى، الطبعة الثالثة، جـ 6، ص 82 وما بعدها؛ جـ 8، ص 253 وما بعدها) فرجع إلى الكوفة حيث وافته المنية سنة 155 هـ = 772 م (ياقوت) أو سنة 156 هـ = 773 م (الفهرست) والتواريخ المتأخرة عن ذلك ليست وثيقة. وقد نعاه محمد بن كناسة، بمرثية (الفهرست، الخ ... ). وكان من تلاميذه راويته الهيثم بن عَدِيّ (الأغانى، الطبعة الثالثة، جـ 6، ص 70، ص 72)، وخلف الأحمر (ياقوت، جـ 4، ص 179) , والأصمعى الذى كانت جل قصائد امريء القيس قد نقلها عن حَمَّاد. ولم يكن حماد عالمًا، بل هاويًا، استمتع بالشعر، وعدّه من طيبات الحياة، ولم يهتم كثيرًا بالتأليف وتوثيق أخباره. ولم يعن أية عناية بدراسات النحو التى كانت تحرز تقدمًا سريعًا فى سنى حياته المتأخرة. زد على ذلك أنه كانت قد قامت منافسة بين مدرسى البصرة والكوفة. وقد أكبره أبو عمر بن العلاء مؤسس مدرسة البصرة (الأغانى، الطبعة الثالثة، جـ 6، ص 73)، ولكن الجيل التالى، أنكره. ويقول يونس بن حبيب البصري إن حمادًا لم يكن على علم بشئ من النحو، والعروض، وصحيح الكلام (الأغانى، الطبعة الثالثة، جـ 8، ص 283؛ والجمحي، ص 14) فى حين لم ينكر منافسه الكوفي المُفَضّل بن محمد الضبى، معرفته الواسعة، بيد أنه اتهمه بإفساد المأثور. من شعر البدو برواياته الزائفة البارعة إفسادًا يتعذر إصلاحه (الأغانى، الطبعة الثالثة جـ 6، ص 89).

المصادر

وقد جمع حماد، فى قول النحاس المتوفى سنة 337 هـ الموافقة 948 - 949 م (ابن الأنبارى نزهة الألباء، ص 48) القصائد السبع الطوال، التى ذاع صيتها باسم "المعلقات" ويستشهد أبو حاتم السجستاني بقصائد للخطيئة نقلًا من كتاب حماد الراوية، لا لشئ إلَّا لومه على إدخاله فى كتابه أشعارًا زائفة منحوله (ابن الشجرى: المختارات، ص 123, 127, 136؛ وانظر كولدتسيهر Goldziher فى Zeitschr der .Deutschen Morgenlandischen Zeseilsch, العدد 46، ص 48 وما بعدها) وفى ديوان عامر بن الطفيل نجد مقطوعة (رقم 26، تحقيق المستشرق ليال Lyall) تطابق أبياتًا نسخها ابن الكلبي من مخطوطة عنوانها أيضًا "كتاب حماد الراوية". أما ما عدا ذلك فإن آثار نشاط حماد الراوية الأولى فنادرة. المصادر: (1) الجمحي: طبقات الشعراء، ص 14. (2) ابن قتيبية: المعارف، ص 228. (3) الأغانى، الطبعة الثالثة، جـ 6، ص 70 - 95. (4) الفهرست، ص 91 - 91. (5) المرتضى: الأمالى، جـ 1، ص 90 - 91. (6) ابن الأنباري: نزهة الألباء، ص 43 - 50. (7) ياقوت: معجم الأدباء، جـ 4، ص 137 - 140. (8) ابن خلكان، جـ 1، ص 292 - 294. (9) ابن حجر: لسان الميزان, جـ 2، ص 356. (10) السيوطى، المزهر، الطبعة الثانية، جـ 2 ص 253. (11) Mufaddaliyat: Lyall، جـ 2، المقطوعة رقم 13، والمقطوعة رقم 27 وما بعدها. (12) The Seven Odes: Arberry. (13) R. Blachere: فى HLA العدد (1)، ص 103 - 105. حسن شكرى [ى و، فوك. J.W Fueck].

حماد عجرد

حماد عجرد (فى الحقيقة الثابتة): شاعر عربى هجّاء, لا يعرف نسبه على وجه التحديد؛ وكنيته: أبو عمر قد تبرر قولنا الآتى: وهو أنه حماد بن عمر بن يونس (وهذا أصح من قولنا ابن يحيا أو يونس بن عمر) بن كليب الكوفي. ولد على أكثر تقدير فى مستهل القرن الثاني الهجري (الثامن الميلادى)، ومن الراجح أنه مولى عشيرة من عشائر عامر بن صعصعة، وقد لقب بعجرد لقول قاله بدوى. ويتفق كُتَّاب سيرته فى بيان أنه أحرز شهرته أيام العباسيين وحسب، ومع ذلك فلم تفهم الإشارة إلى أن الوليد الثاني بن يزيد الثاني (125 - 126 هـ = 743 - 744 م) قد دعاه إلى بلاطه هو وعدد من الشعراء الآخرين، وأنه عاد لموطنه الأصلى بعد موت هذا الخليفة الأموي (على أن Melanges Gau-: R. Blachere detroy- Demombynes، ص 110، لم يستشهد بهذا القول). وعلى أية حال فإن هذه هي المعلومات التاريخية عن حياته التى كانت فيما يبدو حافلة بالأحداث. والجهشيارى وحده (الوزراء، ص 190) هو الذى يقول إنه كان كاتبًا فى الديوان، ويلاحظ أنه خدم تحت رئاسة يحيا بن محمد بن صول فى الموصل، وعقبة بن سلم بن قتيبة فى البحرين، ولعل عمله هذا يرجع إلى ما قبل سنة 140 هـ (758 م). ويبدو أنه فى أيام السفاح، قد نعم بصحبة والى الكوفة محمد بن خالد، وأنه كان مؤدبًا لمحمد بن أبى العباس بن الخليفة، وفى أيام المنصور اتصل بوزيره الربيع بن يونس، ويقال إن الخليفة نفسه قد قدرّ حماسته فى الهجاء. وجاء فى رواية من الروايات، أن الخليفة نفسه، أغراه هو وغيره بصحبة محمد بن أبى العباس إلى البصرة حين أقيم واليًا عليها سنة 147 هـ (764 - 765 م)، لأن المنصور أراد أن يشوه صورة ابن أخيه، ويجعله غير أهلٍ للخلافة. وكان هذا الأمير هو الشخص الوحيد الذى بقى حماد عجرد على وفاق معه، ونظم القصائد فى مدحه، على الرغم من أن الحُصرى (جمع الجواهر، ص 312) يعجب من إحدى قصائده فى محمد بن أبى العباس أهى مدح أم هجاء؟ ؛ وقد

رثاه حين موته سنة 150 هـ (767 - 768 م). ونظم حماد له عدة قصائد غزلية فى أميرة عباسية، هى زينب، وظل أخوها محمد بن سليمان من وقتها يسعى إلى الانتقام منه. ولهذا السبب، غادر الشاعر البصرة لاجئًا إلى المنصور الذى حماه بالفعل، بل كلفه بهجاء عدوه. ويصف بعض كُتَّاب السير إقامته فى بغداد، مع مجموعة أخرى على شاكلته، فى عهد المهدي (سنة 158 - 169 هـ = 775 - 785 م)، ولكن الروايات حول وفاته تختلف إلى حد كبير. فيقول بعضها إن محمدًا بن سليمان الذى أقيم واليًا على البصرة ثلاث مرات (انظر Milinu: Ch. Pellat, ص 281)، قد عمد إلى اغتياله بالأهواز، حيث ثبت وجوده بالفعل، وتقول روايات أخرى، إنه مات متأثرًا بمرضه بين الأهواز والبصرة، ولكن تاريخ هذا الحادث يختلف فى المراجع اختلافًا كبيرًا، إذ تجعله سنة 155 و 161 و 167, أو سنة 168 هـ. والظاهر أن سنة 161 هـ هى التاريخ الأرجح، ذلك أنه من ناحية مات قبل بَشَّار (توفى سنة 167 هـ أو سنة 168 هـ = 784 - 785 م)، ومن ناحية أخرى، نجد أسطورة أخرى تقول إن بشارًا، من سخرية الأقدار، قد دفن بجواره. والجزء الأكبر من أشعار حماد الباقية، ليس إلَّا تشهيرًا ببشار، ويحفل كتاب الأغانى بنوادر عما ثار بين الرجلين من عداوات. ومع أن الشاعر الأعمى يعترف بموهبة خصمه، وأن بعض أشعاره أصابته بضربات أليمة (الأغانى، طبعة بيرون، جـ 14، ص 328؛ والجاحظ: البيان والتبيين، جـ 1، ص 30؛ والمؤلف نفسه، الحيوان، جـ 4، ص 66)، إلا أن النقاد يجتمعون على أنه لا وجه للمقارنة بين الشاعرين. وفى كتاب الأغانى (جـ 14، ص 332) أن علماء البصرة لم يجدوا سوى أربعين بيتًا من الشعر لها قيمة فى حكم حَمَّاد، فى حين وجدوا ما يربو على مائة من الحكم فى شعر بَشَّار؛ ويرى الجاحظ، وهو يزن عرضًا موهبة حماد (انظر، الحيوان، جـ 1، ص 239؛ ص 240 - 242) يحكم عليه بأنه أدنى مرتبة بكثير من خصمه، بل هو يرى أن البون شاسع بينه وبين أبان اللاحقى.

المصادر

وكان حماد بارعًا فى الوقيعة بين الأصدقاء، وعاجزًا عن احترام صداقاته الشخصية، ومن ثم هاجم هؤلاء بشدة، ولم يسلم من هذا مطيع بن إياس، وكانت لدغاته تلك حافلة فى كثير من الأحوال بالكلمات المقذعة، وقد استغل هذه البراعة فى ممارسة الابتزاز الدنئ، وشغل نفسه بجلب العار على ضحاياه فى لغة تنتقص من قدره هو نفسه. وما من داع يدعو إلى العجب من أن من أتوا بعده منذ نهاية القرن الثاني الهجري (الثامن الميلادى) لم يجدوا مناصًا من اتهامه بالمانوية، وهي تهمة ليس هو جديرًا بأن تلحق به، فقد كان فيما يبدو عاجزًا عن الشعور بأى إحساس دينى. وترجع زندقته فى حقيقة الأمر إلى شعوره العميق باللامبالاة فى الدين وإباحيته ووقاحته التى كان يشاركه فيها على تفاوت أصحابه المألوفين، ومنهم سميه حَمَّاد الراوية، وسميه عالم النحو حماد بن الزبرقان (وانظر عنه بوجه خاص كتاب الحيوان، جـ 4، ص 445, 447؛ الأغانى، الفهرس؛ العسقلانى: لسان الميزان, جـ 2، ص 347). ولا يذكره ابن النديم (الفهرست, ص 473) فى عداد الزنادقة؛ وقد تناول فاجدا G. Vajda بشكل حاسم، الاتهامات بالمانوية التى وجهت لأهل المجون الذين أدخل هو فى عدادهم (انظر - Les Zindiqs en Pays d'Is lam فى Rivista degli Studi orientali العدد 17، سنة 1937, ص 173 - 229). ولم يبق من قصائد حماد التى كانت وافرة بالتأكيد، سوى أبيات ركيكة بعض الركاكة، معظمها من شعر الهجاء. على أن ثمة بعض القصائد يبدى فيها من الحكمة ما نعجب له منه، وبعض قصائد شهوانية فيها من العذوبة ما يجعلها فيما يبدو خليقة بأن تغنى. المصادر: توجد الملاحظات والأشعار فى: (1) الجاحظ: البيان والتبيين، والحيوان، الفهرس. (2) ابن قتيبة؛ الشعر والشعراء، ص 754 - 756، والفهرس. (3) المؤلف نفسه، عيون الأخبار، الفهرس.

الحمال

(4) البحترى، ديوان الحماسة، ص 372. (5) ابن المعتز، الطبقات, ص 23 - 26. (6) الأغانى، جـ 8، ص 70 - 98 (طبعة بيروت، جـ 14، ص 304 - 363). (7) الصولى، ص 3 - 8، ص 10. (8) الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد، جـ 8، ص 148. (9) ياقوت، معجم الأدباء، جـ 10، ص 249 - 254. (10) ابن خلكان، جـ 1، ص 165. (11) الآمدى: المؤتلف، ص 157. (12) العسقلانى: لسان الميزان, جـ 2، ص 349 - 350. (13) المرزبانى، المعجم، الفهرس. (14) ابن الجوزي: المنتظم. (15) طه حسين: حديث الأربعاء، جـ 1، ص 197 - 212. حسن شكرى [بلا CH. Pellat] الحمال (من حمل) وهو حامل الرسائل أو السلع؛ والحمال لا غنى عنه فى حمل مختلف أنواع البضائع فى البلاد التى كانت أو لازالت طرقاتها أو وسائل النقل فيها على الفطرة، وأبسط ما يستعمله الحمال من الأدوات حبل سميك بعض السمك يلفه حول ما يريد حمله وبذلك يثبته على ظهره، إلَّا أن الحمالين فى البلاد التى يؤلفون فيها نقابات كما فى القسطنطينية يحملون على ظهورهم سرجًا على هيئة وسادة (سمر) مغطى بالجلد. ويستند السرج إلى قطعة من الجلد مثبته على الظهر (أرقاليق) ويرتكز على هذا السرج عبء الحمل، وهو يقوم مقام قفص الحمال. فإذا كان الحمل من الثقل بحيث ينوء به رجل واحد تعاون عدة حمالين على حمله فيمسك كل اثنين فيما بينهما عصا طويلة (صيريق) تتدلى منها الحقيبة أو الحزمة (البالة) المربوطة فى العصاة بالحبال؛ أما إذا سار الحمالون رافعين أحمالهم فى زحمة فإنهم

يدفعون الناس إلى جوانب الطريق وهم يصرخون بالعربية "إوع رأسك أو ظهرك" أو بالتركية "دوقو نماسين" بمعنى حذار، أو يصرخون قائلين "ورده" (وتقابلها فى الإيطالية كلمة (guarda). وتحمل النساء الأوربيات فى بيرة فى هودج يسمى سديه (sedia) وهو يشبه ضريبه الذى كان يستعمل فى أوربا فى القرن الثامن عشر؛ ويضطلع الحمالون بهذا العمل أيضًا. خورشيد [إيوار Cl. Huart] + الحمّال: واستخدام الحمالين فى الزمن القديم بالدروب الملتوية الضيقة كان أمرًا لا غنى عنه فى نقل الحزم والصناديق والأثاث وما إلى ذلك، وهو ما كانت تقوم به فى أماكن أخرى دواب الحمل والعربات، ثم السيارات الآلية فى وقتنا الحالى. وكانت الأدوات الأولية للحمال هى حبل بسيط سميك بعض السمك يلفه أول الأمر حول ما يراد حمله ثم يعقده على جبينه. وعلى هذا النحو يحمله الحمال على ظهره ويضع يديه الاثنتين عليه ليحكم حركته الجانبية. وفى بعض الحالات كما فى استانبول، تكون عدّة الحمال أكثر من ذلك إحكامًا، فهو يحمل على ظهره ميدعة صغيرة من الجلد (أرقاليق) وسرجًا مبطنًا (سمر) يستند إليه ثقل الحمل الذى يحمله. فإذا كان الحمل فوق طاقة حمال واحد عامة، أو من العسير عليه أن يتناوله خاصة، أمسك حمالان أو أكثر قائمًا طويلًا اسمه "سرك بالتركية" يتدلى منه بحبال الصندوق أو حزمة البضائع. وتضفى صيحات الحمالين وهم يفسحون لأنفسهم الطريق بهاءً وحسنًا على الطرقات فى المشرق (وهذه الصيحات هي: بالك فى المغرب، ورأسك أو ظهرك أو جنبك فى المشرق العربي؛ ودقو نماسين، وورده، أو ورده دستور فى تركيا). وقلما تعنى كتب الحسبة بالحمالين اللهم إلا حين تحذر عليهم إعاقة سير المرور أو حمل أثقال أكثر من طاقتهم مما يعود بالخطر عليهم أو على المارة (انظر R. Arie فى Hesperis - Tamuda,

جـ 1، 3، سنة 1960 , ص 360). ويذكر ابن عبدون فى هذا الصدد (Levi- Provencal: Seville Musulmane باريس سنة 1947، ص 91) أن حمل الحمّال يجب ألا يزيد على نصف "قفيز" وهو ما يساوى 116 لترًا تقريبًا من الطعام الجاف. وفى فاس يغلب على الحمالين حمل الحبوب، فى حين أن "الزرزاية" لهم نقابة خاصة ذات تاريخ عريق، وكان لها أيضًا تنظيم خاص. ولا شك أن هذا الاسم منسوب إلى قرى زرزاية (بالبربرية أزرزاى، والجمع أزرزاين، ومنها اشتق المفرد زرزاى فى العربية) ويقال فى رواية محلية إن الحمالين منحوا مزايا خاصًا منذ عهد متقدم يرجع إلى حكم إدريس الثانى، ومن حيث العمل نجد أن البربر الوطنيين من القبيلة نفسها هم الذين تتألف منهم النقابة حتى الآن (انظر Les: M. Lakhder izerzarn ou Portetaix Berberes فى - Hes peris، جـ 19، سنة 1934, ص 193 - 194) ويفصل ليو الإفريقى الكلام عنهم (ترجمة Epulard جـ 1، ص 193 - 194) فيقول إن أمينهم يختار كل أسبوع الحمالين الذين يعملون ويظلون تحت أمر الجمهور هذه المدة، وتوضع أجورهم فى رصيد يشتركون فيه جميعًا، ويوزع ما يرصد فيه فى نهاية الأسبوع، وهم يدعمون وحدتهم المستمرة ويتمتعون بمزية الإعفاء من الضرائب ويخبزون رغيف عيشهم مجانًا. وقد درس له تورنو بآخرة (R. Le Fes avant Le Protectorat: Tourneau, الدار البيضاء سنة 1949, الفهرس مادة Poriefaix) تنظيمهم الذى يكاد لم يصبه تعديل منذ ذلك الوقت. فهم ينقسمون إلى عدة جماعات تنتخب أمينها كل ستة أشهر، وهؤلاء الأمناء ينتخبون بدورهم كل سنة واحدة الأمير الأكبر الذى تعترف به الحكومة رئيسًا لنقابتهم. وعددهم يماثل إلى حد كبير عددهم أيام ليو الإفريقى (حوالى 300 عضو) وأعضاء النقابة يتغيرون كثيرًا فيحل محلهم غيرهم، وهو السبب فى قصر مدة عمل الأمناء. وكلهم يلبسون

الحمام

لباسًا واحدًا ويزودون بحبل وغرارة وهم يقفون معًا جماعات فى أماكن الطلب المختلفة حيث يبحث عنهم الزبائن. ولا تحكم أجورهم تعريفة وهم بصفة عامة يرضون فيما يظهر بما يعطيه لهم الزبائن. زد على ذلك أن أمانتهم يضرب بها المثل، وأى تقصير منهم يكون محل عقاب شديد من الأمين. وظلوا إلى وقت قريب ينامون جماعات فى الأسواق والمخازن والفنادق، ويقومون بجولاتهم لمنع السرقات والإنذار فى حالة نشوب حريق. خورشيد [إيوار وبلّا Cl. Huart & Ch. Pellat] الحمام أو حمام البخار، وما يزال فى كثير من الأحيان يعرف بـ "الحمام التركى" (وفى الفرنسية "الحمام المغربى"): بناء له سمات وخصائص العالم الإسلامى، حيث تشهد الأطلال الأثرية بأنه قديم قدم العصر الأموى، علاوة على وجود ما يشير إليه فى بعض النصوص التى تذكر بناء حمامات فى المدن الأولى التى أنشئت بعد الفتوحات: حمام عمرو بالفسطاط، ذكره ابن دقماق (جـ 1، ص 105) والحمامات الثلاثة الأولى بالبصرة، ذكرها البلاذرى فى "الفتوح"، (ص 353) وحيث استمر بناء هذه الحمامات حتى يومنا هذا يحتل أهمية كبيرة يقر بها الكتاب العرب أنفسهم (فهم - على سبيل المثال - يذكرون الحمامات ضمن المفاخر التى توجب المكانة الرفيعة لأى مدينة قديمة، ويضعون لها قوائم مفصلة ومعاصرة، علاوة على قوائم تسجيل الآثار). واستعمال الحمام فى الشعائر الدينية لأداء التطهر الأكبر (الاغتسال) يفسر لنا لم كان الحمام يعد دائمًا إحدى مرافق الحياة ومتعها فى المدينة الإسلامية، التى استوعبته شيئًا فشيئًا ليصبح "ملحق للمسجد" (كما يقول مارسيه W. Marcais) فى الوقت الذى أضحت فيه حياة الحى بأسره تدور حول الحمام. وهكذا نسى المسلمون شيئًا فشيئًا ما أحاط به فى بادئ الأمر من أهواء تزعم أنه من العناصر المستعارة من حضارة أجنبية (فحتى

وقت متأخر كالقرن الرابع الهجري الموافق العاشر الميلادى ظلت الإشارة إلى الحمام بعبارة "حمامات رومية") علاوة على أن زخرفته اقتبست، على مدى حقبة طويلة، من تقاليد عرفت قبل الإِسلام. وكان الناس يقصدونه طلبًا للراحة والاسترخاء، كما كانوا يقصدونه استيفاءًا لقواعد الصحة والنظافة أو إقامة شعائر دينية. وكانت الحمامات العامة كثيرة فى كل مدينة وتخص فى أيام بعينها أو أوقات بعينها للرجال وفى أيام وأوقات أخرى للنساء. وكانت مصدر دخل كبير لمن ينشؤنها من الأفراد أو السلطات. وقد أدى شيوع استعمال الحمام أيضًا إلى إقامة حمامات خاصة داخل حدود القصور أو داخل المنازل الكبرى بالمدن. ويمكن العثور فى المصادر المتقدمة فى الزمن على معلومات بشأن عدد الحمامات التى كانت موجودة فى الحواضر الإِسلامية فى العصور الوسطى، حين وضعت التقديرات الحديثة لعدد سكان المدن فى ذلك العهد وفقًا لهذه المعلومات. والحقيقة أن قيمة التفصيلات التى تتوافر لنا على هذا النحو تتفاوت بدرجة كبيرة طبقًا للمصدر الذى تم استقاؤها منه: هل هو قوائم تسجيلية دقيقة للآثار أم مجرد تقديرات الإخباريين؟ فمما يندرج تحت الفئة الأولى، على سبيل المثال، ما قدمه ابن عساكر من معلومات عن دمشق فى القرن السادس الهجرى الموافق الثاني عشر الميلادى (57 حمامًا داخليًا: تاريخ دمشق، تحقيق صلاح المنجد، المجلد الثاني، الجزء الأول، دمشق، سنة 1954، ص 162 - 164) ثم ما قدمه ابن شدّاد بعد ذلك بقرن من الزمان عن حمامات حلب (80 حمامًا داخليًا و 94 حمامًا خارجيًا، علاوة على 21 حمامًا خاصًا فيكون مجموعها 195: Description d'Alep، تحقيق: D. Sourdel , دمشق، 1953، ص 130 - 138)، وكذلك عن حمامات دمشق (85 حماما داخليًا و 31 حمامًا خارجيًا، أي 116 حمامًا على وجه الإجمال: Description de Damas, تحقيق سامى الدهان، دمشق، 1956، ص 291 - 302) وهى معلومات تبدو

معقولة حينما نأخذ بعين الاعتبار أنه كان بدمشق منذ 30 عامًا ستون حمامًا تعود إلى تواريخ مختلفة وأن 41 حمامًا منها كانت ما تزال قيد الاستعمال فى ذلك الحين. أما البيانات المتناقضة التى ساقها كاتب مثل هلال الصابى عن بغداد، فتقل درجة الثقة فيها والتعويل عليها كثيرًا عن البيانات السابق ذكرها: فإن الرقم الذى ذكره عن عدد الحمامات فى هذه المدينة فى حقبة زمنية تمتد من القرن الثالث الهجري الموافق التاسع الميلادى إلى القرن الرابع الهجري الموافق العاشر الميلادى يترواح بين 60 ألفًا وألف وخمسمائة. وبالمثل نجد الأرقام المذكورة عن قرطبة فى نهاية القرن الرابع الهجري الموافق العاشر الميلادى تتراوح ما بين 300 حمام فى عهد عبد الرحمن الثالث (ابن عذارى: البيان، جـ 2، تحقيق دوزى، ص 247؛ والترجمة الفرنسية بقلم Fagnan ص 383) و 600 فى عصر المنصور بن أبى عامر (المقرى: نفح الطيب Analectes, الجزء الأول، ص 355) وتبدو المعلومات التى ذكرها ليو الإفريقى عن فاس فى القرن العاشر الهجرى الموافق السادس عشر الميلادى) أجدر بالتعويل عليها (حيث أورد قائمة بمائة حمام، فى حين لم يوجد منها سنة 1942 سوى ثلاثين)، وكذلك المعلومات التى ذكرها أوليا جلبى عن استانبول فى القرن الحادى عشر الهجري الموافق السابع عشر الميلادى (61 حمامًا داخليًا و 51 حمامًا خارجيًا، علاوة على حمامات خاصة أخرى، مما يجعل إجمالى عددها نحو 150 حمامًا) وهي تفصيلات يصعب وصفها بالمبالغة. على أننا سقنا هذه الإحصائيات القليلة على سبيل المثال فحسب؛ لنبين المدى الذى تذهب إليه الوثائق المتاحة، مما يقتضي عقد مقارنات متأنية بين مصادر المعلومات المتماثلة (مع اللجوء إلى المحفوظات كلما أمكن ذلك) فى سبيل إصدار إضافة يعول عليها فى مجال التاريخ الاجتماعى والاقتصادى. ومن جهة أخرى لا بد من ذكر الأوصاف الحية للحمامات الإِسلامية،

التى تبرز فى كتابات الرحالة الغربيين، المتقدمين منهم والمتأخرين، بدءًا من شاردان Chardin أو لابولاى له جوز La Boullaye le Gouz, على سبيل المثال (عن الوصف الذى كتبه لابولاى مما يعد أقل شهرة، انظر Voyages et observations, باريس، 1657، ص 40 - 42) حتى إدوارد وليم لين (Manners: E.W. Lane and customs of the modern Egyptians فصل 16؛ وانظر كذلك النص الذى كتبه ن. دياز دى إسكوفار - N. Diaz de Es De Como se construia un banio en: covar tiempo de los arabes الذى استشهد به ليفى بروفنسال E. Levi. Provencal)، من غير أن يفوتنا ذكر المادة الفنية من الرسوم والصور التى توفرها لنا بعض المنمنمات الفارسية أو التركية، مثال ذلك صورة أحد الحمامات أبدعها فنان ينتمى إلى مدرسة بهزاد (انظر B. Gray: Persian Painting جنيف, 1961). على أن بالإمكان الحصول على معلومات أعظم نفعًا بالرجوع إلى الكتب الفقهية وكتب الحسبة التى توفر لنا تفصيلات أكثر عن الرقابة التى كان المحتسب يمارسها على نظافة المبانى وعلى السلوك اللائق لروّاد الحمام وللقائمين بالخدم فيه. ومما يؤسف له أنه لم تظهر حتى الآن دراسة وافية التفصيلات عن عدد الحمامات واستعمالها، تلك الحمامات التى ما تزال تقوم بدورها فى الأحياء القديمة من مدن إسلامية مختلفة، وتكون هذه الدراسة على مثال الدراسة التى سبق القيام بها عن دمشق، وتم فيها منذ وقت قريب جدًا استكمال قائمة تسجيلية أثرية بدأت فى عام 1931 للمبانى التى تندرج تحت هذا النوع، وقد استكمل هذا الحصر بإضافة بعض الملاحظات الجديدة. والحق إن وجود هذه الحمامات يعد برهانًا على حيوية العادات (على الأقل بين العوام) التى تأصلت فى تراث المجتمع الإِسلامى على مدى فترة طويلة، والتى يحتاج الكثير من جوانبها لإلقاء الضوء عليه عن طريق إجراء الدراسات الاجتماعية واللغوية، وبالأخص الاختلافات المحلية فى الاستعدادات والمصطلحات.

وهناك يمكن أن نقارن التفصيلات التى تجمع على هذا النحو مقارنة مفيدة بالتفصيلات الأخرى التى تضيفها النصوص الفقهية أو الأدبية، ومن ذلك، على سبيل المثال، الأسماء التى اصطلح على إطلاقها على مختلف العاملين المنوط بهم تشغيل الحمام، والتى نجدها عند كاتب مثل هلال الصابى فى القرن الرابع الهجري الموافق العاشر الميلادى (رسوم دار الخلافة، بغداد سنة 1964, ص 19). وبخصوص هذا الموضوع الأخير مثلًا، فقد كشف بحث مختصر أن اثنين من طاقم العاملين بالحمام وهما "الوقّاد" و"الزبّال" (وهو الذى يشرف على إمداد الحمام بالوفود الذى هو عبارة عن الروث" لإيقاد التنور) ما يزالان يعرفان بهذين اللقبين فى دمشق (أما فى فاس فيطلق على الأول "السخان" وعلى الثانى "الغبَّار")، فى حين قد تبين أنه لم يعد يستخدم اليوم مصطلح "صاحب الصندوق" للدلالة على المشرف على غرفة تغيير الملابس (يُسمى "الجَلّاس" فى فاس ويرتبط فى دمشق بـ "المعلم" أي صاحب الحمام) كما لم يعد يستعمل مصطلح القَيَّم" للدلالة على مستأجر الحمام. أما وظيفتا "المُزَيَّن" و"الحجَّام"، التى ذكرهما هلال أيضًا، فيبدو أنهما فقدا أهميتهما وحل محلهما وظيفة "المكيس" أو "الكَيَّاس" (أى المدلِّك الذى يستخدم الكيس ببراعة، وهو كيس من ألياف الكتان يستخدم لتدليك الزبون) ومن الراجح أن وظيفة "الكيَّاس" مرتبطة بوظيفة "الحكَّاك" التى ثبت وجودها فى قرطبة فى القرن الرابع الهجرى (العاشر الميلادى) وبوظيفة "الدلّاك" - التى تدل على المعنى نفسه وذكرها أوليًا جلبى فيما يختص باستانبول. وهكذا وجب علينا أن نتناول جملة مفردات بالغة الثراء وكثيرة التغير، مما يعكس الفروق التى لا مناص من أنها قد وجدت بين الاستخدامات الاصطلاحية التى تميزت بها كل منطقة وكل حقبة زمنية على حده، مما يحفظه لنا فى كثير من الأحيان التراث الأدبى الزاخر بالأمثال والحكايات والأساطير الشعبية، ذلك التراث الذى يبدو دائمًا وقد أحاط بالحمام باعتباره مرتعًا خصبًا للمعتقدات والخرافات المحلية،

وباعتباره كذلك خاصة المكان المفضل لسكنى الجن وانظر على سبيل المثال "نادرة الحمام" المضحكة التى نشرها. F Saussey وهى Une farce de karagueuz en: dialecte arabe de Damas فى B F O, جـ 7، 8 سنة 1937 - 1938, ص 5 - 37). على أن جانب العمارة من الحمام الإسلامى هو أجدر الجوانب بالدراسة. وكثيرًا ما كانت المبانى من هذا النمط تتحكم فيها عوامل اختيار الموقع (كضرورة توفر الماء بغزارة) كما تحكمها الضرورات العملية التى يفرضها حل المشاكل العسيرة والتي كثيرًا ما تكون على شئ من الطرافة. إن الحمامات التى يمكن التعرف على هويتها والتي هى متاحة للدراسة الأثرية اليوم توفر لنا منطلقات ممتازة لإستكشاف وتصور المراحل التى تطورت فيها المدن التى تنتمى إليها، من واقع الحقب المتطاولة التى شغلت فيها المواقع نفسها، وعلاوة على ذلك توفر لنا أجزاؤها الأكثر قدمًا أوصافًا هامة لطرق البناء والأذواق الكامنة وراء الزخارف، والقدرات الفنية لبُنَاتها الأوائل، وهي تقدم ذلك فى تكوينات تتميز فى كثير من الأحيان بالأصالة سواء فى الخطة أو فى الشكل. وهذا ما يجعل معرفة مراحل تطور هذه المبانى أمرًا نافعًا بصفة خاصة، وهى المراحل التى لم يتتبعها أحد حتى الآن بالدقة والعناية الواجبتين، ومرجع ذلك فى المقام الأول إلى الافتقار إلى الأعداد الكافية من الرسائل المتخصصة التمهيدية فى الموضوع - أما الخطوط العريضة لها فنحن على الأقل نستطيع بذل الجهد لتتبع أثرها. وهذا التطور يغلب عليه فى الحقيقة - منذ أول ظهور الحمامات فى العصر الأموى حتى انتشارها إلى أقاصى الأقاليم - وجود إجراءات صارمة، تبدو فى التفسيرات الأكثر اختلافًا وتنوعا كالتى كانت متأثرة أو مشروطة بطبيعة العمليات التى تؤدى فى الحمامات الإِسلامية. وقد ظل الترتيب الذى تؤدى به هذه العمليات هو هو فى كل مكان. فزبائن الحمام الذين خلعوا ملابسهم وارتدوا مئزرًا بسيطًا من عدة فوط معقودة معًا، يعودون أنفسهم شيئًا فشيئًا على جو

تتزايد حرارته ورطوبته كلما تقدموا نحو وسط المبنى، حيث تؤدى الفترة التى يقضونها فى غرفة العرق إلى إفراز غزير من العرق. فيمضون إلى أيدى طاقم من العمال المدربين تدريبًا خاصًا، من الذكور بالنسبة للرجال، ومن الإناث بالنسبة للنساء، حيث يتولى هؤلاء تنظيفهم برغوة الصابون، ويحكون أبدانهم بقوة، ويدلكونهم، وينزعون شعر أجسامهم ويحلقونهم. ثم يتقدمون بعد ذلك إما للإستحمام فى الماء الدافئ وإما بغمر أنفسهم فى حمامات من الماء الدافئ أو الساخن. وأخيرًا تأتى فترة قصيرة من الاسترخاء فى حجرة للاستراحة يقصد بها استرداد عافية الأجسام التى أنهكتها هذه المعالجة العنيفة. ومن أجل أن يتم هذا البرنامج، فإن الحمام يتكون بصفة أساسية من عدد بعينه من الغرف كل منها لها وظيفة خاصة: ففي البداية غرفة لخلع الملابس والراحة، تعرف عادة بـ "المُشَلَّح" أو "المَشْلَحْ" فى الشرق، وبـ "المَسْلَخ" فى مصر ومراكش، و"المحْرَس" فى بلاد تونس، حيث تتصل هذه الغرفة بالمراحيض وقد توصل بالقسم الأوسط من الحمام بممرات متعرجة يتفاوت طولها، ثم غرفة انتقالية خالية من أى وسيلة للتسخين ولكن جوها مع ذلك سبق تدفئته بقربها من القسم الساخن، وهى تستعمل فى الشتاء لخلع الملابس، وقد تعرف باسم "البرّانى" كما فى فاس، أو "بيت أول" كما فى القاهرة: أو ربما اطلق عليها اسم آخر أكثر دقة مثل "الوسطانى البرانى" كما فى دمشق، أو "بيت البارد" كما فى تونس (وهو يلاصق قسمًا يسمى "بيت البدل")؛ ثم أول غرفة ساخنة أو دافئة، حيث يطلق عليها فى دمشق اسم "الوسطانى الجوانى" وفى فاس "الوُسْطى" وفى تونس تعرف عادة بـ "بيت السخُون"، وأخيرًا، غرفة ساخنة أخرى وهي الغرفة الساخنة الرئيسية أو حمام البخار (وتسمى "التحميم أو "عراقة" أو "زقاق" فى تونس) ويمكن أن تسمى ببساطة "حرارة" كما فى القاهرة أو على نحو أكبر صدقًا فى التعبير "جوانى" فى دمشق و"داخلى" فى فاس. وغرفة البخار هذه مزودة عادة

بعدد بعينه من الفجوات (تسمى فى دمشق بـ "المقصورات") حيث توجد إما "مصاطب" من الحجر أو الطوب تستعمل لأوجه الرعاية التى يقوم بها طاقم العاملين للمستحمين، أو "حنفيات" تنقل موارد من الماء الساخن أو البارد، أو أحواض حجرية تقوم بدور حمامات سباحة صغيرة "مغاطس" مملوءة بالماء الساخن أو البارد. وبالرغم من أن الضوء والهواء يتوفران فى بعض الحالات عن طريق فتحات ذات أغطية يمكن تحريكها (للفتح والإغلاق)، إلَّا أنه لا النوافذ ولا فتحات التهوية تتوفر فى القسم الأوسط, حيث تعمل الجدران السميكة بكفاية كبيرة على ضمان الاحتفاظ بالحرارة والبخار، وهذه الجدران تعلوها أقبية أو قباب صغيرة متساوية السمك ولها بطانات حافظة للبخار من الرخام أو الجص المصقول على أديم الأرض الممهدة؛ كما أنها مزودة بقنوات صغيرة لنقل الماء للخارج. ولا يتسرب الضوء إلا من خلال قطع كثيفة من الزجاج، شبيهة بأغطية الزجاجات مرصعة بالقباب، حيث تشكل فى معظم الأحيان موضوعات زخرفية بسيطة. ولا يوجد أثاث إلَّا فى غرفة تغيير الملابس والراحة، التى هى أفخم الغرف ترتيبًا وتنسيقًا بما تحويه من مصاطب خشبية مغطاة بوسائد موزّعة فى العادة حول حوض ماء به نافورة فى تونس: "خصّة") وأما المدخل نفسه الذى يدلف منه زبائن الحمام فلا ينظر إليه إلَّا نادرًا نظرة موضوع معمارى لتجميل واجهة ذات أهمية. وهو الفتحة الوحيدة التى يتصل من خلالها هذا البناء المحكم الإغلاق بالعالم الخارجى. ومجموعة الغرف سواء تلك المتاحة للجمهور فى الحمامات العامة أو التى يستعملها من يملك حمامًا خاصًا (حيث لا يختلف طراز البناء فى أحدهما عن الآخر إلَّا فى حجم البناء ومبلغ ثراء الزخارف) تتصل بها ملاحق لا يمكن الاستغناء عنها، تحوى نظام التسخين وخدماته، ولا يصلها بالحمام نفسه أى ممر وإنما لها مخرجها الخاص إلى الشارع، حيث يستخدم بصفة خاصة

لاستقبال الزاد من الوقود. وغرفة التنّور التى تسمى فى دمشق "الخزانة" (أى خزانة الحرارة والبخار) وفى تونس "الفرناق"، لا يفصلها عن الغرفة الساخنة إلَّا حاجز رقيق تخترقه ثقوب يمر منها الهواء المشبع بالبخار: وفيها يحفظ التنور الذى يستمر إضرامه فيحفظ درجة حرارة المراجل (فى تونس: "النحاسة") التى تحتوى على الماء المغلى. ومن هذه المراجل يتوزع الماء الساخن فى داخل الحمام، ويستكمل ذلك بتوزيع الماء البارد عن طريق نظام التهوية من الموقد وعن طريق الدائرة التى تصرف الماء المتخلف، ويتم تسيير هذا كله عادة فى أنابيب فخارية مطمورة فى الجدران، أو تحت أديم الأرض. وأخيرًا يتوفر إمداد المياه من الخارج على نحو مضمون إما عن طريق أنابيب تنقله من مرفق إمداد الماء بالمدينة - إن وجد - أو بالاستعانة بآلة رفع (ساقية) يديرها حيوان من حيوانات الجر. ثم ظهرت فى وقت متأخر صور من التطوير ترتكن على هذا الترتيب التقليدى المتكامل، كتب النجاح لبعضها ولم يكتب للبعض الآخر، فأحيانًا تأخذ صور التطوير هذه صورة إجراءات لا تختلف إلَّا اختلافًا طفيفًا (كوضع المرجل فى وسط غرفة البخار بدلًا من وضعه فى غرفة مجاورة يفصلها حاجز) وأحيانًا أخرى تأخذ شكل تيسيرات تنطوى فى أكثر الأحيان على إزالة غرفة أو عدة غرف من تلك التى تهيئ السبيل لارتفاع تدريجى فى درجة الحرارة. وتتلاقى مختلف هذه التعديلات مع العادات المحلية أو التقاليد المؤقتة التى ما يزال من العسير التحقق منها على نحو واف فى ضوء وثائق البحث بصورتها الحالية. ومع ذلك فمن أنواع الحمامات التى يتوفر بشأنها أكبر قدر من المعلومات الحمامات الأموية التى خلفت الحمامات العامة للإغريق والرومان فى العصور القديمة واقتبست منها على ما يبدو، مما يفسر ظهورها الفجائى فى القرن الثانى الهجرى (الثامن الميلادى) فى صورة مكتملة النمو - ولكن هذا الاقتباس لم

يتم بدون إجراء تعديلات تبلغ من العمق ما يجعلها تصرف عن الأذهان تمامًا الظن بأن الأمر كان مجرد محاكاة مملاة لنماذجها, وليس علينا إلَّا أن نقارن أهم بقايا الحمامات من هذا العصر بالمبانى السابقة عليها لكى نتحقق من أصالة الخطة التى نجد أنه لم يعد فيها على سبيل المثال أثر للتتابع التقليدى للأقسام المتدرجة للغرف وهما الأبوديتيريوم (الاستراحة) والفريجيديوم (الغرفة الباردة) والتيبنديريوم (الغرفة الدافئة) ثم الكالديريوم (الغرفة الساخنة) ولا للتناسب بينها بالرغم من أوجه التشابه الشديدة الوضوح فى طرق البناء (استعمال التدفئة المركزية وأنابيب التسخين داخل الجدران على سبيل المثال). والحق أن أول مصطلح من هذه المصطلحات الخاصة بغرف الحمام يمكن أن يسرى على غرفة تغيير الملابس والراحة فى الحمام الأموى، حيث احتفظت على تفاوت بوظائف ومظهر "الأبوديتريوم" لدرجة تضمين زخارفها تماثيل ولوحات جصية بأشكال مقلدة من أعمال هيللينية (أى على الطراز الإغريقى القديم) ولكن الغرفة المجاورة غير الساخنة لم يعد بها أى أثر أو ملمح مشترك يجمع بينها وبين "الفريجيديريوم" (وذلك على الرغم من أن الاستعمال الشائع لإسم "الغرفة الباردة" قد أدى إلى قدر من الخلط في هذا الموضوع) ولم يبق من "الفريجيديريوم" أبعاده الشاسعة ولا بقى منه - وهو الأهم .. ما به من تجهيزات الأروقة وحمامات السباحة وقاعات الرياضة البدنية"، وهى التى جعلت هذه الغرفة العنصر الأساسى فى حمامات العصور القديمة ومركز النشاط الاجتماعى والرياضى الذى كان الحمام ساحة له. وأخيرًا فإن الغرفتين الساخنتين تختلفان كذلك عن غرفتى "التيبيديريوم" و"الكاليديريوم" العتيقتين (وتسمى الأخيرة أيضًا "السوداتيريوم") فى أنها قصد بهما - بالنسبة لباقى أقسام الحمام - شغل مكان هام تدل أهميته على حدوث تحول عن التقاليد المتبعة فى أواخر العصور القديمة.

وقد كان د. شلومبركر D. Schlum- berger هو أول من أوضح هذه الحقيقة حين نشر نتائج بحوثه الأولية عن حمام خاص صغير من العصر الأموى، وهو حمام قلعة "قَصَرْ الحبر الغربى" بالقرب من تدمر. على أن هذا التعديل نفسه للخطة القديمة لمواجهة متطلبات جديدة، بطمس "الفريجيديريوم" وأجزاء من السمات المعمارية التى لم يعد لها ثمة نفع - هذا التعديل لإنزال نشهده فى خرائب كثير من المواقع الأموية، وأول تعريف بطبيعتها الحقيقية ظهر فى بحوث ج. سوفاجيه J. Sauvaget والواقع أن هذا لا يتضح فحسب فى الحمامات الشهيرة فى "قُصَرْ عَمْرَة" و"حمام الصرخ". والحمامات المذكورة أولًا تدين بشهرتها للزخرف الفنى من اللوحات، على حين أن بكليهما نماذج من الزخرفة البديعة لغرفة الراحة، والمعدلة فى هذه الحالة لتوائم وظيفة غرفة الاستقبال لعلية القوم، ولكن هذا التعديل، علاوة على ذلك، يلقى الضوء على المبانى الأقل شهرة والتى تعود إلى تاريخ هو فى بعض الأحيان موضع ريب، والتى ما يزال بمقدورنا رؤية بقاياها فى السهوب الشآمية الأردنية (فى جبل سيس وخربة البيضا وعبدة، والرُحَيْبَة، والحسُوبَ) والتى تظهر فيها بانتظام - بالإضافة إلى مجموعة الغرف الثلاث (الباردة والدافئة والساخنة) غرفة مخصصة للراحة أو لخلع الثياب وغرفة أخرى - كانت فيما سبق تحتوى على المرجل، محاطة من جانب بغرفة البخار ومن الجانب الآخر بفناء الخدمات الأساسية. والاستثناء الوحيد من هذا الطراز الموحد هو الحمام الرائع فى "خِرْبَة المفْجَر" الذى اكتشف أخيرًا فى منزل أموى بالوادى الأردنى، ذلك أنه خليق بذكره فى هذا الصدد ذكرًا خاصًا. فقد كانت غرفتاه الداخليتان الصغيرتان المزودتان بالبخار عن طريق فتحة فى جدار غرفة التنور المتاخمة، وكذلك غرفتاه الوسيطتان اللتان لهما نفس أبعاد ما سبقهما من الغرف - كانت كلها مقرونة بقاعة مربعة كبيرة المساحة تزيد فى طولها على ثلاثين مترًا، ولها أعمدة داخلية وسطح من القباب

الصغيرة، وملحق بها مراحيض متقنة البناء مليئة بالزخارف، وغرفة صغيرة بها ظلة لها مقاعد مزينة بعناية خاصة، وهذه الغرفة الرحيبة الخاصة بالاستراحة كان الوصول إليها يخترق رواقًا ضخمًا مرفوعًا سقفه على تمثال رائع فخم، وكان هذا الرواق نفسه يقوم مقام غرفة الانتظار أو الاستراحة التى تؤدى إلى الغرفة ذات الظلة exedra, حيث كان يجلس صاحب الحمام على الراجح. وكانت غرفة الراحة "الأبوديتيريوم" مزودة بزخارف رائعة كالبلاط الفسيفسائى ومطلية ومنحوتة بالجص فى كل أجزائها العليا. كما أن وجود حمام للسباحة كبير يشغل مساحة تمتد على طول الجدار الجنوبى من الغرفة يكشف عن تعديل متعمد للغرفة الباردة "الفريجيديريوم" التى تنتمي إلى العصور القديمة. وهذا الإجراء هو من قبيل الاستثناء تمامًا من حمام إسلامى. وقد سبقت البرهنة على أنه يتواءم مع أذواق الفخامة والرفاهية التى كان يتسم بها منشئو هذه القلعة. وينبغي النظر لهذا الموقع الذى كان ثمرة للخيال المحلق الذى يكلف ثمنًا باهظًا لكى ندرك لِمَ لَمْ يُستلهم هذا الحمام بعد ذلك فى بناء أى حمام آخر، كما يظهر لنا. والنسق الذى سارت عليه حمامات العصور الوسطى اللاحقة - حسبما يمكن الحكم عليها من النماذج المتناثرة المتاحة لنا - لا يعدو أن يزودنا بنسخة أخرى مع مزيد من التبسيط من النموذج الأولى لحمام من الحمامات الأموية: أربع غرف تتكون من غرفة لخلع الثياب وغرفتين وسيطتين وغرفة للبخار ملاصقة للقسم الذى يتضمن جهاز التسخين. وهذه هي الخطة التى تلتزم بها على وجه الخصوص حمامات العصر الأيوبى. وقد كانت هذه الحمامات موضوعًا لدراسات أثرية مفصلة تفصيلًا خاصًا، ويمكن لهذا السبب ذكرها هنا بصورة مفيدة، بالرغم من أنه لا تتوافر لسوء الحظ معلومات معمارية عن فجوة القرون الأربعة التى تفصلها عن المبانى الأموية، أو معلومات عن الحمامات الإيرانية فى العهد السلجوقى أو العهود السابقة التى ربما كشفت لنا عن بعض ملامحها

(وفى هذا الصدد فإن الملاحظات المختصرة التى قام بها أ. شرودر. E Schroeder فى كتاب A. U. Pope وهو A Survey of Persian art أوكسفورد سنة 1939, ص 998, حول وجود حمام قديم فى نيكر، فى الجنوب من كرمان - هذه الملاحظات يشوبها النقص بدرجة كبيرة). وفى دمشق فى القرن السادس الهجرى (الثانى عشر الميلادى) نلحظ لأول وهلة الإستعاضة عن نظام التدفئة المركزية بأسلوب أكثر بساطة يتمثل فى إمرار مدخنة الموقد تحت الأرضيات الممهدة المقرر تسخينها. وهكذا يتم تخطيط غرف القسم الأوسط من الحمام طبقًا لمحور هذه الأنبوبة التى ينفذ منها الهواء الساخن. وبعد ذلك نحس بما كان للعراق القديم من أثر على الطرق المعمارية ظهر فى الاستعمال الذى يتسم بالبذخ للمحارات وللقباب الصغيرة ذات الروافد. ثم لا بد فى الختام أن نذكر الغلبة الواضحة من ترتيب الحمام كله للغرفة الوسطى أو الدافئة التى قد تكون ذات شكل ثماني معقّد الزخارف والتي تكون عندئذ نقطة المركز من خطة البناء. أما التعديلات التى أتت بها العصور التالية وأدخلتها فى هذا النسق فقد تضمنت أولًا فى القرن التاسع الهجرى (الخامس عشر الميلادى) اختفاء الغرفة الوسطى غير الساخنة، ثم الاتساع المستمر للغرفة الساخنة التى تزايدت وتعاظم حجمها بفضل الإكثار من المقصورات المحيطة بها، إلى أن حَلَّ القرن الثانى عشر الهجرى (الثامن عشر الميلادى) فطغت هذه الغرفة على كل الغرف الأخرى وأصبحت - حتى فى أبنية أحدث زمنًا - هي الغرفة الوحيدة. وقبل أن نبرز هذا الترتيب إبرازًا يتجاوز به أهميته المحلية، لا بد لنا من التأكد من حدوث تطور فى باقى المدن الشامية، وعلى الأخص فى حلب (حيث ينبغى ربط هذا التطوير بتغيير سابق عليه فى عادات الذين يستخدمون الحمام). وسيكون من النافع كذلك أن نعرف هل ظهر فى إقليم مجاور مثل مصر، وبالذات فى القاهرة، حيث أن

بعض حماماتها القديمة ذات الخطة المتميزة بالانتشار فى كل الاتجاهات والتى يعود منشأ معظمها إلى العصر المملوكى، لم تُدرس بعد الدراسة الأثرية ذات التفاصيل الشافية. أما فى الأندلس والمغرب فيبدو أن أبنية الحمامات تنتمى لتراث مختلف ذى منشأ أندلسى أو أموى. وهكذا تكشف لنا بعض النماذج التى ترجع إلى تاريخ قديم ومنها حمامات من القرن الخامس الهجرى (الحادى عشر الميلادى) والسادس الهجرى (الثانى عشر الميلادى) بغرناطة وتلمسان عن قدر عظيم من البساطة فى التصور والتنفيذ دون بذل محاولة للزخرفة المعمارية فى أى مكان ما خلا غرف تغيير الثياب. ثم يظهر فى القرن السابع الهجرى (الثالث عشر الميلادى) والثامن الهجرى (الرابع عشر الميلادى) نوع بعينه من الزخرفة المعقدة لأبنية الحمامات بسبب اتخاذ أنماط الغرف الباردة والدافئة والساخنة (مع طغيان الغرفة الدافئة) - فى تصميمات محورية ومستطيلة - كتلك التى وجدت فى الحمامات الأيوبية فى الشرق. على أن العلاقة التى يحتمل وجودها بين الحمامات المرينية ذائعة الصيت ونماذجها الشرقية التى تتباعد عنها على نحو يتفاوت مقداره هى مسألة لم تدرس بعد ولا حتى ذكرت بالعناية التى يستحقها هذا الافتراض. وتكوّن الحمامات التى بنيت بعد الغزو السلجوقى لإيران وحمامات تركيا فصلًا له أهمية خاصة فى تاريخ الحمام. وتلاحظ هذه الأهمية بالذات فى انتشار الأبنية من هذا الطراز على نحو مدهش فى الأناضول واستانبول. والحمامات التركية تمتاز ببناء أكثر متانة من الحمامات الصفوية التى نفتقر - فى كل الأحوال - إلى دراسات وبحوث عنها (ويوجد لها نموذج واحد نادر هو حمام كاشان الذى نشر كوست P. Coste خطته فى كتاب Monu- ments modernes de la Perse, باريس، 1867, لوحة رقم 45) والحمامات التركية لها هذه الميزة، فقد تواتر ذكرها

المصادر

فى معرض الاستشهاد بأعمال تمتاز بالكمال الفنى الذى يبلغ الذروة وهى فى ذلك تتطابق مع النسق الإِسلامى من ناحية العادات والتقاليد، وترث فى الوقت نفسه الخبرة التى اكتسبها البناة البوزنطيون من قبل فى هذا المضمار. وقد شهد العصر العثمانى - فوق هذا كله - تشييد كثير من الأبنية المرتبة ترتيبًا منسجمًا تم فيه التخلى عن مبدأ كثرة الغرف فى سبيل التركيز على تغيير الثياب غرفة البخار، التى كانت تبنى فى أكثر الأحيان فى شكل قاعات مقببة تمتاز بالروعة والفخامة. وكانت هذه الحمامات فى معظم الأحيان تتألف من مجموعتين متماثلتين من المبانى تخصص إحداهما للرجال والأخرى للنساء، ولكنهما كانتا مزودتين بالملاحق نفسها المشتملة على الخدمات، على مثال العمائر المختلفة المأثورة عن المهندس سنان (والحمام الخاصفى فى استانبول. المصادر: سبقت الإشارة إلى المصادر العربية فى صلب المادة، وانظر أيضًا: (1) الهمذانى الذى يقدم فى "المقامة الحلوانية" وصفًا فكاهيًا لسلوك القائمين بالخدمة فى أحد الحمامات. وعن دور الحمامات فى المجتمع الإِسلامى، وخصوصًا فى بعض المدن الكبيرة، انظر: (2) Renaissance A. Mez. (3) La Poesie andalouse en: H. Peres arabe classique, باريس, 1937, ص 333, 338. (4) Hist Esp.: E. Levi Provencal .mus, الجزء الثالث، ص 430 - 431. (5) Fes avant le: R. Le Tourneau protectorat, الدار البيضاء, 1949، ص 247 - 249. (6) Les hammams du: E. Pauty Caire, القاهرة، 1963 (فى MIFAO, المجلد 64). (7) Istanbul dans la sec-: R. Mantran onde moitie du Xvlle siecle, باريس، 1962, ص 503 - 505. وعن تصميم

إدارة الحمام لأغراضه المختلفة، من نماذج دمشق مع أوصاف فنية ومعمارية بالغة الاستفاضة ومسهبة التفاصيل فإن المصدر الأساسى هو. (8) Ch. Le Coeur & M. Ecochard: Les bains de Dam مجلدان، بيروت (PIFO), 1942 - 1943؛ وانظر أيضًا. (9) العرض الذى قدمه J. Sauvaget فى المجلة الأسيوية، العدد 243, سنة 1943 - 1945, ص 327 - 332. (10) J. de Maussion de Favieres: Note Sur Les bains de Damas, فى. B. Et .On، العدد 17, 1961 - 1962، ص 121 - 131 و 12 لوحة. وعن وجهة النظر المعمارية الخالصة انظر. (11) Early Mus-: K. A. C. Creswell lim architecture, الجزء الأول، أوكسفورد، 1932, ص 253 - 280 (قُصَير عَمْرهَ وحمام الصرخ). (12) Les fouilles: D. Schlumberger de Qasr el. Heir el-Gharbi , 1936 - 1938، فى "سورية"، رقم 20, 1939, ص 213 - 223. (13) Les ruines amayy-: J. Sauvaget ades du Djebel Seis, فى "سورية"، رقم 20، 1939, وخصوصًا ص 246 - 247, 254. (14) المؤلف نفسه Remarques sur Les monuments Omeyyades, الجزء الأول: Chateaux de Syrie. فى المجلة الأسيوية JA، العدد 231، 1939, ص 15 - 16، رقم 1، ص 36 - 39، 52. (15) khirbat al: R. W. Hamilton Mafjar، أوكسفورد، 1959، ص 45 - 105. (16) Un bain da- J. Sauvaget masquin du Xlllle siecle، فى "سورية"، الجزء الحادى عشر, 1940, ص 370 - 380. (17) Trois pains ayy-: M. Ecochard oubides de Damas فى Les monuments ayyaubides de Damas, باريس, 1940. ص 92 - 112. (18) Larchitechture mu-: G. Marcais sulmane d'Occident, باريس، 1945.

وخصوصًا ص 215 - 217 وص 315 - 316. (19) Trois bains mer-: H. Tesrasse inides du Maroc فى Melanges W. Marcais، باريس, 1950، ص 311 - 320. (20) Cronica ar-: L. Tarres Balbas quocologica فى al. And , الجزء السابع، 1942, ص 206 - 210, (جبل طارق) الجزء التاسع، 1944, ص 475 - 447, (رندة)، الجزء الحادى عشر، 1946 (ص 443 - 446)؛ الجزء السابع عشر، 1952, ص 176 - 186 (Torres Torres ومواضع أخرى فى الشرق)، ص 433 - 438، (مرسيه). (21) Tuerlcische: K. Klinghardt Bader اشتوتجارت، 1927. (22) Turkish Islamic ar- chitecture ; E - Unsal لندن، 1959، ص 74 - 76. معتز محمود [سوردل تومين J. Sourdel Tomine] والحمام فى المغرب - علاوة على كونه مكانًا مقصودًا به التطهر الأكبر (أو الاغتسال) للمؤمن والحفاظ على صحته الجسمانية يعد أيضًا مكانًا للالتقاء ومركزًا للحياة الاجتماعية. فإن مدخله القريب من المسجد - والذى يقوم الحمام تقريبًا مقام الغرفة المؤدية إليه - وموقعه الذى يتوسط السوق فى بعض الأحيان، يجعلان الحمام فى المدينة المغربية يضطلع بدور المركز الاجتماعى. والحمام فى معظم الأحيان عتيق يتطاول تاريخه إلى عدة قرون خلت، ويكشف متباهيًا عن شجرة نسبه الأصيل، وأما بابه ذو المدخلين المطلى بالطلاء الأخضر والأحمر فتعلوه فى بعض الأحيان لوحة رخامية عليها نقوش تشهد على بنائه فى عهد قديم. والحمامات التركية فى تونس العاصمة يبلغ عددها فعلًا أربعين حمامًا أو نحو ذلك، وتختلف من حيث الحجم وألوان الرفاهية التى توفرها لروادها، إلَّا أنه ليس ثمة تفاوت يذكر فى الخطة العامة لمبنى الحمام والطريقة التى يعمل بها.

والساحة المخصصة لمستعملى الحمام تتألف من قسمين متمايزين عن بعضهما البعض تمامًا: القسم الخاص بارتداء الثياب والراحة ثم الحمام نفسه الذى يشتمل على غرف دافئة وساخنة يصل عددها جميعًا إلى ثلاثة بصفة عامة، كل واحدة تفضى إلى الأخرى. وصاحب الحمام "الحمامجى" والعاملون به كانوا فى العهود السابقة يخرجون من بين المزابيين من جنوبى الجزائر، الذين سبق لهم أن استقروا فى تونس العاصمة، وأقاموا لهم نقابة. فعلاوة على المدير، يتكون طاقم العاملين من عامل يتولى غرفة ارتداء الثياب "حارس المحرص" يعاونه فريق من المساعدين يقيمون فى غرفة الاستراحة، ويسمى كل منهم "حارس المقصورة"، وعامل يتولى شئون الثياب "حارس البِدَل" يعاونه عدد من مضيقى وخدم اللواوين الذين يغسلون المآزر، والمدلكين "الطيّابين" الذين يقدمون خدماتهم عند الطلب، وعامل يتولى التسخين "فرانقى" ومعه مساعد أو مساعدان. ولقب "رئيس الحمام" وهو الذى كثيرًا ما يطلق على من يتولى رئاسته فيه إشارة واضحة إلى أهمية واجباته. وفى الزمن السابق كان رئيس التنوّر ومعاونوه جميعهم من مواطنى ورجلا (جنوبى الجزائر) وكانوا كذلك ينتمون إلى نقابة خاصة بهم، وكان يتم توظيفهم من غير عقد ويتقاضون من صاحب الحمام (المالك) كل عام مبلغًا من المال دفعة واحدة. ولا يعد الحلاق ونادل القهوة اللذان يوجدان تحت طلب الزبائن، من طاقم العاملين، بل مجرد مستأجرين للحمام. وطاقم العاملين بحمامات النساء كلهم من النساء: المديرة ونائبتها يساعدهما عدد من العاملات "حارزه" على أنه ليس ثمة مدلكات محترفات. ويقدم الزبون نفسه للمدير الذى يقوم أيضًا بدور أمين الصندوق، وحينما يدلف إلى غرفة الثياب يتولى

خدمته "حارس المحرص" أو المشرف على "المقصورة" الذى يناوله مئزرًا عبارة عن "فوطة" ومنشفة للحمام "بشكير" وزوجًا من "القباقيب". كما يناوله فوطة ثانية ليصر فيها ثيابه. ثم يذهب بعد ذلك إلى "البيت البارد" وعند خروج المستحم من هذه الغرفة "الباردة" يناول رداء الاستحمام الطويل إلى "حارز البدل" المكلف بحفظ الثياب، ويساق وليس عليه من الثياب سوى المئزر إلى الغرفة الثانية "بيت السخون". وما إن يتعود تعودًا كافيًا على الحرارة حتى يمضى إلى الغرفة الثالثة حيث ينتظر إلى أن يبدأ جسمه فى إفراز العرق. وبعد أن يتصبب عرقه بغزارة يغادر "العراقة" ويعود أدراجه إلى الغرفة الثانية لحك جسمه بقفاز خاص "كاسة" ودعك جلده، ثم للتدليك أو "التمسيد" إذا هو رغب فى ذلك. وقفاز الحك يصنع من خليط من الخيوط الصوفية والخيوط المغزولة من شعر الماعز بعد نسجها معًا وإعدادها بحيث يتألف منها سطح خشن غليظ. وهذا الحك العنيف يجعل الطبقة التى تعلو الجلد ومعها القذارة "الوساخة" المتراكمة فى المسام تخرج بالحك فى صورة دوائر تضرب إلى اللون الرمادى. وبعد انتهاء الحك والدعك والتدليك يتوجه المستحم إلى الليوان لإتمام عملية التطهير وضروب العناية اللازمة للصحة العامة. فإذا ما طلب منه خادم الليوان أن يدس مئزرة من تحت الباب فعل ذلك، وأخذ "البشكيرين" اللذين يمررهما له الخادم فيتدثر بهما ويذهب إلى "بيت البدل" حيث يجففه "حارس البدل" ويلفه فى مناشف جافة جديدة ويغطى رأسه بقماش إسفنجى على صورة عمامة. وهنالك يستقبله المشرف على غرفة الثياب أو غرفة الاستراحة إما فى ردهة المدخل أو فى إحدى غرف الاستراحة الصغيرة الملاصقة لها، ويتمنى له تمام الصحة والعافية، ويعد له مكانًا ليستلقى فيه. ويحضر إليه نادل القهوة

ليعرض عليه المرطبات. وهذا هو وقت الاسترخاء بعد كل ضروب الرعاية والخدمة التى تلقاها المستحم، ويستمر ذلك حتى موعد الغذاء الذى يدعو الزبائن للتخلى عن أماكنهم لمستحمين جدد. وغالبية الحمامات تقوم بخدمة الرجال والنساء فى أوقات مختلفة، وإن كان بعضها مخصصًا على نحو صارم لجنس بعينه من الجنسين. وفى كثير من الأحيان يستخدم خمار معلق بالعرض على واجهة ردهة المدخل يدل على أن هذا هو دور النساء. وعندما يستحم النساء تحل مديرة وطاقم من العاملات محل نظرائهن من الرجال .. وفيما مضى كانت السيدة التونسية تذهب إلى الحمام فى كثير من مظاهر الاحتفال ترافقها حاشية من اثنتين أو ثلاث من الخادمات، واحدة تحمل الثياب النظيفة ملفوفة فى وشاح من الحرير "صرة"، وأخرى تحمل الدلو الفضى أو النحاسى (سُطُول الحمام جمع سطل) حيث توضع الحاجيات التقليدية وهي: وعاء نحاسى له مقبض طويل لغرف الماء به "طاسة"، وصندوق تراب القصّار (¬1) "طفّالة"، والمشط خشن الأسنان "الخلّاص"، والمشط ناعم الأسنان المصنوع من عظم ظهر السلحفاة "الفلّاية"، والمشط المستدير الصغير "المِحَاكَّة أو الحَكَّاكة" المصنوع من خيوط من الصوف الغليظ أو نسالة القنب تركب على قرص من الفلين. أما الصلصال "الطفل" فيكون قد سبق شراؤه قبل ذلك بفترة طويلة من السوق وتم تعطيره بماء الورد أو بروح العِتْر الوردى أو بماء زهرة البرتقال. وفى معظم منازل المدينة كل ما تحتاجه المرأة لزينتها الخاصة والعناية بجسمها، إلَّا أن المرأة التونسية ما تزال ترتاد الحمام. وفى أيامنا هذه حل الكثير من أدوات التجميل الحديثة محل التركيبات السائلة التقليدية (الغسول) ¬

_ (¬1) تراب القصار: يستعمل لتبيض الأنسجة الصوفية أو إزالة البقع الدهنية منها.

التى كانت تصطحبها المرأة هى والثياب النظيفة فى الحقيبة إلى الحمام. ولكن بعض الطقوس ما تزال تتكرر وتتوارثها النساء جيلًا بعد جيل: فبعد غسل الجسم وحكه يأتى دهن الشعر بـ "الطفل" ونزع شعر الجسم إلى آخره. وقد يطول بهن المكوث فى الحمام ما لم تطلق رئيسة التسخين نفثة عنيفة من البخار تسمى "القطُّوس" لتذكر المستحمات أنه قد حان الوقت لكى يتدثرن بالمناشف التى يناولنها لهن العاملات ثم يذهبن للاستراحة فى المقصورة. وتتيح هذه الزيارات النسائية للحمام الفرصة - سواء فى المدن أو القرى - للعروس الشابة أن تستعرض نفسها أمام صديقاتها وعليها مختلف بنود جهازها. وتضفى الأغانى "يويو" والأحاديث الطويلة أو القيل والقال البهجة والحيوية على إجراءات الاحتفال، كما تهتبل النساء فرصة اجتماعهن بالحمام لكي يجملن وجوههن بالمساحيق ويرتدين أجمل ثيابهن وحليهن وأفخرها. وعلاوة على استخدام الحمام للتطهر باعتباره شعيرة دينية، فإنه يعد طبيبًا صامتًا أو كما تقول العبارة الشائعة "الطبيب البكوش" القادر بجوه الدافئ وبما يحدثه أيضًا من عرف غزير متصبب على مداواة كل الأوجاع وعلى الأخص الروماتزم بمختلف أنواعه. وكل المناسبات العظيمة الشأن فى الحياة يصاحبها اغتسال فى الحمام. فالمرأة الحامل تذهب إلى الحمام لكى تضمن ولادة أكثر يسرًا وسهولة، ثم تحضر مرة أخرى للاغتسال والتطهر بعد انقضاء أربعين يومًا على الولادة. كما يحمل الصبي الصغير إلى الحمام قبل ختانه. وتزور العروس الشابة الحمام ثلاث مرات خلال فترة احتفالات الزواج = "حمام الأوساخ" وهو اغتسال للنظافة قبل الزفاف بسبعة أيام و"حمام الدباغ" وهو حمام لوضع الحنة فى اليوم الثالث من الاحتفالات، و"حمام التشليل" وهو

المصادر

حمام الشطف أو الغسل الرفيق فى ليلة البناء بها أو "الدُخلة". أما العريس فيدعو أصدقاءه ليصحبوه إلى الحمام فى مستهل احتفالات الزواج، ويعود بعد وضع الحنة، ثم يذهب مرة أخرى قبل دخوله بيت الزوجية بساعات قلائل، ويذهب أيضًا فى اليوم التالى لليلة الزفاف. ولم يفت مشاهير الشعراء أن يتحدثوا عن ذلك الاسترخاء اللذيذ. للجسم الذى يصرف عن النفس كل ذكريات المعاناة والقلق، وأن يتحدثوا عن الحرارة المفيدة التى تؤدى إلى الراحة والاسترخاء وعن الجو الذى لا سبيل إلى وصفه من الرفاهية والغموض الذى تتميز به الحمامات، ولذلك قالوا عن الحمام إنه: "ماء الشتاء وحرارة الصيف وحلاوة الخريف وابتسامة الربيع". المصادر: عن الحمامات التركية: أولًا: (تونس): (1) Tunis et ses en-: Ch. Lallemand virons باريس، سنة 1880, ص 85 - 97. (2) Fragmens his-: Comte Filippi torique et statistique sur la Regence de Tunis (1829) فى Ch. Monchicourt: - Relations inedits de Nyssen, Filippi et cal ligaris, باريس، 1929, ص 82 (قوائم خاصة بتونس: 18 حمامًا للرجال و 4 للنساء). (3) cours pratique: J. Jourdan d'arabe dialectal, تونس، 1957، جـ 2 ص 144 - 146 (وصف لحمام تركى والمصطلحات المستعملة). (4) Element algeriens al-: G. Marty logenes a Tunis, فى IBLA، الجزء العاشر, 1948, ص 428 - 333, بخصوص طاقم العمال المزابيين. (5) المدرسون بكلية - College Louise Rene Millet فى تونس Les hammams ou bains maures فى Bulletin economique et social de la Tunisie, رقم 36، يناير 1950، ص 63 - 70، ورقم 37، فبراير

1950، ص 65 - 73 (وصف للحمام وطقوسه وزبائنه ومزاياه وما يدور حوله من أساطير وما نظم فيه من قصائد). (6) Le hammam con-: A. Bouhdiba tributions a une psychanalyse de l'lslam فى مجلة Revue Tunisienne des sciences sociales الجزء الأول، 1964, ص 5 - 14 (وهو يحلل على وجه الخصوص الطبيعة المزدوجة "لطقوس" الحمام: (7) Tunisie agriculture, industrie, commerce 1900, الجزء الأول، ص 446 - 451 (7) النورى: لولا القُفَّة، فى مجلة "الفكر"، العدد الثامن، 7 أبريل 1963, ص 61 - 63. ثانيًا، (الجزائر): (1) Eidenschenk & Cohen - Solal: Mots usuels de la langue arabe، الجزائر، 1897, ص 113 - 118. (2) nootumes in-: J. Desparmet stitutions et croyances des indigenas de I'Algerie، الجزائر، 1913, الجزء الأول، ص 17 - 20، الجزء الثانى، ص 59 - 60، 100 - 103, 146 - 148, (الترجمة من العربية إلى الفرنسية قام بها - G. Bous quet, H. Peres، الجزائر، 1939, ص 25 - 27, 176 - 177, 203 - 205, 234, 237. (3) O mes soeurs: Zoubeida Bittari musulmanes, pleurez! , باريس, 1964, ص 54 - 59. ثالثًا، المغرب): (1) Essan de folklore: Desse Legey marocain، باريس، 1926 , ص 12، 14, 18, 92 - 94, 113 - 114. (2) Les hammams de Fes: E. Secret, فى Bull. de l'lnst. d'Hygiene du Maroc، العدد الثانى, 1942, ص 7761. (3) Vue d'ensemble sur les: E. Pauty hammams de Rabat - Sale, فى R A، الجزء 88, 1944, ص 202 - 226, 23 شكلا (النظام المعمارى، التأثير التاريخى والطقوس فى الحمامات). (4) La boete a mer-: A. Sefrioui veilles (زيارة للحمام). معتز محمود [لويس A. Louis]

حمام الصرخ

حمام الصرخ حمام خرب، خرائبه فى ساحة قائمة بذاتها لها سور على مسيرة نحو ستة عشر ميلًا شرق الزرقاء فى البلقاء، وثلاثة أميال جنوبى شرق قصر الحلابات. وزار هذه الخرائب ورسم خطتها لأول مرة بتلر H.C. Butler، سنة 1905, 1909. ولكن أحدث رسوم لهذا البناء كانت على يد فنسنت. P. H Vincent وكروزويل K. A. C. Creswel: Early Muslim Architecture جـ 1، ص 274 - 275). وقد عانت الخرائب كثيرًا من الزلزال ولصوص الأحجار حتى أن جميع الصور الشمسية المطبوعة لها بما فيها صور أحدث من سنة 1926 تظهر جدرانًا وقناطر قائمة سليمة، وليس لها وجود فى الوقت الحالى. ومن ثم فإننا نصف فى هذا المقام ما سبق أن كانت عليه الأحوال فى هذا الحمام: بركة مربعة مرصوفة بالحجر ومبطنة، هى الدلائل الظاهرة الوحيدة على الماء. أما الحمام فقد بنى بالحجر وقنطر فى جميع أرجائه بمواد جلبت من محاجر محلية، وأقيمت معظم الجدران بالحجر الجيرى المربع، وأما القناطر فشيد بعضها بالحجر المربع، ولكن معظمها أقيمت بقطع من الحجر المصفح بالصخر أو من خليط من الرماد البركانى الخفيف، والأقبية والقناطر فى جميع أرجائه حادة الطرف قليلًا. وتعلو الحجرات المربعة أقبية برميلية الشكل تقوم على أقبية مستطيلة وأقبية متقاطعة، وقد وجد كل من بتلر Butler وموزل Musil على الجدران سنة 1909 آثار رسومات حائطية مزينة بالصور. أما الأسقف فقد غطيت بملاط لا ينفذ فيه الماء خلط بكسر الفخار. ويشبه البناء شبهًا وثيقًا قصير عمرة فى خطته كما يشبه من بعض الوجوه حمام خربة المَفْجَر وهو يتألف من جزئين متمايزين تمايزًا واضحًا: دهليز واسع له رواق عميق على أحد المحاور تكتنفه حجرتان منعزلتان، وسلسلة من الغرف الصغيرة. وكان الدهليز بلا شك يستخدم استراحة

وحجرة استقبال، أما الغرف الصغيرة فكانت تستخدم للاستحمام. وكان الدهليز مربعًا تقريبًا (8,9 × 8,9 مترًا) تتجه أركانه فى اتجاه البوصلة، وكان الجدار الأقصر الجنوبى الغربى يشمل مدخلًا تخرب الآن تمامًا، وفى منتصف الجانب الجنوبى الشرقى رواق عميق، أو إيوان، ومنه يوصل بابان إلى الحجرتين المكتنفتين له، وقد أنارت كل غرفة منهما ثلاثة نوافذ بالطول، زودت بمشكاة مربعة تقوم فى ركن خلفي. وتنير الدهليز الرئيسى ثلاث نوافذ فتحت على ارتفاع فى الجدار المقابل للرواق. وسقف الرواق بثلاثة أقبية برميلية الشكل تستند إلى قنطرتين متقاطعتين ترتفعان من دعامتين واطئتين ملحقتين بالجدران الطويلة، والقبوة الوسطى تنفذ إلى الرواق، وثمة أقبية من هذا القبيل تغطى الغرف المكتنفة. وهناك باب فى الجدار الشمالى الشرقى يؤدى إلى الحمامات عينها، التى هى أصغر إلى حد عجيب من الدهليز. وتقوم ثلاث حجرات أو أربع متصلة هى سلسلة متعاقبة تزداد سخونتها واحدة بعد أخرى. ولا يوجد تنور ظاهر، ولكن الذى يظهر مداخن عمودية فى جدران الحجرتين الثانية والثالثة مما يثبت أنهما كانتا تحميان، فالأولى للتدفئة والثانية للسخونة، أما الغرفة الأولى فكانت باردة. وكان الاهتمام المعمارى ينصب خاصة على الغرفة الساخنة، وهى غرفة مربعة مقببة ذات زوايا قبوية شبه مدورة فى جدارين متقابلين. وفى هذه الغرفة أربع حنايا فى الحائط تحمل مدليّات من الحجر المربع تستند إليها قبة مشيدة بكسر من الطفل المصفح تنحشر بين رافدتين بارزتين نصف قطريين مشيدتين من أطوال على هيئة الأوتاد من الطفل المصفح. وكانت ثماني نوافذ مدورة تضئ القبة. أما القباوات فشبه مقبية كل فقرة من فقرات العقد فيها قد وضعت فى مجار على هيئة الأوتاد تتشعب من كتلة هلالية فى وسط خصر العقد، وكل رواق له نافذة مدورة الرأس. وفى مقابل باب الحجرة الساخنة ممر مقبو يبلغ اتساعه مبلغ الحجرة

المصادر

نفسها، وهو يؤدى إلى غرفة مستطيلة تخربت الآن تمامًا. وثمة ترتيبات من هذا القبيل احتفظت بحالها جيدًا فى خربة المفجر، تثبت أن هذا الممر كان يضم غلاية كانت بلا شك تحمى بتنور تحتها وتزود بالبخار الغرفة الساخنة. وخطة حمام الصرخ تكاد تطابق خطة قصير عمرة، وهذه المطابقة هى والصور الحائطية قد تحملنا على الذهاب بأن عقلًا واحدًا هو الذى خطط الحمامين بهدف واحد هو أن يهيئ على الفور مكانًا يسترخى فيه أمير أموى ويستقبل استقبالًا رسميًا. وما من مأوى فى كلتا الحالتين يقوم بالقرب من الحمامين. وكان فى كل حمام منهما رواق مستطيل هو المحراب الأميرى، يواجه مباشرة محور دهليز يجتمع فيه الزبائن ويستريحون. وهذا يدل على احتفال أبسط من غرفة الاستقبال القائمة بنفسها المحكمة التى كانت قائمة فى خربة المفجر والتى تنسب عمارتها إلى الوليد بن يزيد. ومن ثم يجوز لنا أن ننسب حمام الصرخ إلى ما قبل ذلك ببضع سنين أو بعقود من السنين، ولعله يرجع إلى خلافة الوليد بن عبد الملك، إذا كان قصير عمرة وحمام آخر يشبهه شبهًا وثيقًا وهو الحمام القائم عند جبل سيس (Syria, جـ 20، ص 246 - 256) كانت نسبتهما صحيحة. المصادر: (1) Ancient Architec-: H. C. Butler ture in Syria القسم 1, South Syria، ص 77 - 80, والملحق، 19 - 25. (2) Early muslim: K. A. C. Creswel architecture، جـ 1, ص 273 - 284). خورشيد [هاملتون R.W. Hamilton] الحمة الحَمّة أو الحّامة Alhama، والحامة الحمام الساخن: اسم عدة مواضع وبضع مجار مائية فى الأندلس أشهرها: (1) الحمة إلى الجنوب الغربى لغرناطة عند السفح الشمالى لجبال الحمة وعلى نهر الحمة. وفى عام 1482 باغتها فرديناند الكاثوليكى

صاحب أرغون واستولى عليها، وكان ذلك تمهيدًا للاستيلاء على غرناطة عام 1492 م (انظر الأغنية الشعبية المشهورة) (¬1) وفى 25 ديسمبر سنة 884 دهمتها الزلازل وكادت تأتى عليها. (2) الحمة على وادى شلون الأعلى إلى الجنوب الغربى من سرقسطة، وهى أكواى بلبلتناى القديمة - Aquae Bil bilitanae. (3) الحمة، وهي بين مرسية ولورقة. خورشيد [تسيبولد C.F. Seybold] + الحَمّة، وبالأسبانية ALHAMA: اسم يطلق عامة على الينابيع الساخنة فى تلك النواحى من أسبانيا التى احتلها المسلمون أمدًا طويلًا، وقد حل هذا الاسم محل الاسمين، الرومانيين القديمين كالداس Aquas cali-) Caldas das) وبانيوس balneos)) Banios. على أن هذا الاسم نفسه يطلق على نهرين ليسا يتصفان بالسخونة بأى مدلول، أحدهما ينبع من مقاطعة سورية وهو يعد الضفة الغربية لنهر إبره، والآخر جدول صغير ينبع من المنحدر الشمالى لجبال الثلج Sierra Nevada ثم يصب مياهه فى نهر فاردس. وأشهر الحمّات بتاريخها وحماماتها أربع: حمة المرّية التى يقول كتاب الروض المعطار إن فيها خير مياه طبية فى شبه جزيرة أيبريا؛ وحمة أراجون التى عرفها الرومان الأسبان باسم Aqua Bilbilitanae؛ وحمة مرسية، وهي رومانية أيضًا استردها جيمس الأول صاحب أراجون ونزل عنها لقشتالة، ثم نذكر أخيرًا أشهر الحمات وهى حمة غرناطة، وكانت غنية بمنسوجاتها الذائعة الصيت ومنعة حصونها الطبيعية والصناعية وقد اتخذها ملوك غرناطة مصيفًا لهم. وهى تقوم على مسيرة 25 ميلًا تقريبًا من القصبة وظلت فى حوزة المسلمين حتى سنة 887 هـ (1482 م) وفى هذه السنة استولى عليها عنوة بعد مقاومة عنيدة دييجو بونثه ده مرلو مركيز قادس ودييجو هرنانديز بوركوكاريرو والى الأندلس. وقد حاول السلطان أبو ¬

_ (¬1) أغنية شعبية تغنى فيها الأسبان بهذا الانتصار.

المصادر

الحسن على ثلاث مرات أن يستردها وبذل فى سبيل ذلك جهدًا دؤوبًا وأراق دماء كثيرة، ولكن الملوك الكاثوليك كانوا قد عقدوا العزم على السيطرة عليها ومنها يستطيعون السيطرة على مملكة غرناطة بأسرها، ومن ثم أعادوا تحصينها وأمدوها بجنود كثيرة مما حمل السلطان على العدول عن محاولته. وهناك قصص مشهورة مثل " Ay de mi Alhama" تتغنى بهذه الخسارة التى حزت فى قلوب المسلمين، وقد خلد ذكر هذا الهجوم الملحمى فى نقش بارز رائع بكاتدرائية طليطلة. المصادر: (1) Diccionario geografico: Madoz de Espania, هذه المادة. (2) Encyclopedia Espania, جـ 4، ص 660 - 663. (3) Manual d' His-: Aguado Bleye toria de Espania، جـ 2، ص 44. (4) Historia de Espania: Soldevila جـ 2، ص 419. [هويثى ميراندا A. Huici Miranda] حمود (بنو) هم خلفاء ابنى سليل النبى حمود بن ميمون أحمد بن على بن عبيد الله بن عمر بن إدريس بن عبد الله بن الحسن ابن على بن أبى طالب، ويتصلون بصلة النسب بأدارسة مراكش (172 - 375 هـ = 788 - 985 م) من ناحية إدريس بن عبد الله مؤسس هذه الدولة؛ وقد ولى الأخ الأكبر القاسم على الجزيرة الخضراء فى أثناء الاضطراب الذى حدث من جراء الفتنة التى سبقت سقوط الدولة الأموية فى قرطبة, كما ولى أخوه الأصغر، على، وكان رجلًا طموحًا، طنجة وسبتة، فلما فتحت ملقا Malaga خلع على الخليفة الأموى الضعيف سليمان المستعين (407 هـ = 1016 م) ونادى بنفسه خليفة على قرطبة، ولما قتل حذا أخوه القاسم حذوه (408 هـ = 1018 م)، وفى سنة 412 - 413 هـ (1021 - 1022 م) خلعه ابن أخيه يحيى بن على إلَّا أنه استرد عرشه سنة 413 - 414 هـ (1022 - 1023 م) وحكم فى الوقت نفسه ملقا فى السنوات من 1018 إلى 1021

المصادر

ومن 1022 إلى 1025 وقد بقى أحفاد على وعددهم ثمانية فى ملقا من سنة 1025 إلى سنة 1057 ثم انتقلت هذه المدينة إلى الأمير الزيرى البربرى باديس صاحب غرناطة، على حين ظلت الجزيرة الخضراء خاضعة لسلطان محمد المهدى بن القاسم (431 - 440 هـ الموافقة 1039 - 1048 م) وسبطة القاسم الواثق (440 - 450 هـ = 1048 - 1058 م) ثم استولى عليها بنو عبّاد أصحاب إشبيلية؛ وقد حكم يحيى بن على ملقا فى السنوات 416 - 427 هـ (1025 - 1035 م) وخلفه إدريس الأول بن المتأيد (427 - 431 هـ = 1035 - 1039 م) ثم حسن المستنصر (431 - 434 هـ = 1039 - 1042 م) فإدريس الثانى العالى (434 - 438 هـ = 1042 - 1046 م) فمحمد الأول المهدي (438 - 444 هـ = 1046 - 1052 م) فإدريس الثالث الموفق (444 - 445 هـ = 1052 - 1053 م) فإدريس الثانى (تولى الحكم مرة أخرى عام 445 هـ = 1053 م) فمحمد الثالث المستعلى (446 - 449 هـ = 1054 - 1057 م). وكما أن بنى حمود الأوائل الذين أصبحوا أشبه بالبربر قد ساهموا فى مجد أسبغته عليهم الخلافة فى قرطبة وكانت مؤذنة بزواله، فكذلك حدث بعد قرن من الزمان أن بدد عِلم الشريف الإدريسى الظلام الذى أخذت تتردى فيه هذه الدولة، وكان الشريف الإدريسى جغرافيًا فى بلاط نورمان روجر الثاني صاحب صقلية فى بلرمو، وهو حفيد إدريس الثانى صاحب ملقا الذى عرف بدماثة الخلق وإن كان قد وصف بالضعف. المصادر: (1) Dozy: Histoire des Muslmans d'Espagne؛ جـ 3، ص 312 وما بعدها، جـ 4، ص 229. (2) Guillen Robles: Malaga Musul- mana؛ ملقا (1880) , ص 58 - 124. (3) ابن الأثير؛ طبعة تورنبرغ؛ جـ 9، ص 188 وما بعدها. (4) ابن خلدون: كتاب العبر؛ جـ 4، ص 152 - 155 (وقد نقل عنه

البستانى فى دائرة المعارف، جـ 7، ص 229 وما بعدها). (5) عبد الواحد المراكشى: The His- tory of the Almoheds ص 40 وما بعدها. (6) Tratado de numismatia: Codera arabigo - espanola؛ مدريد (1879)، ص 113 - 130. (7) De la Rada y Delgado: Catalogo de Monedas arabigo. espanolas؛ مدريد (1892)، ص 74 - 78. (8) Mo-: Antonio Vives y Escudero nedas de las dinastias arabigo-espanolas؛ مدريد (1893)، ص 98 - 107. (9) Catalg der orientalis-: Nutzel chen Muenzen, برلين، جـ 2، (1902)، ص 66 - 82. (10) Estudios criticos de: Codera -Coleccion: des es) = historia arabe espanola tudios aerabes. Vii. - 301. 822 Hamudies de Malaga y Algeciras, noticias tomadas de .(Abenhazam خورشيد [تسيبولد C. F. Seybold] + حَمّود، بنو: دولة حكمت عدة مدن فى الأندلس من عام 407 إلى 450 هـ (1016 - 1058 م)؛ ولما تولى سليمان المستعين مقاليد الخلافة للمرة الثانية فى شوال سنة 403 هـ (مايو سنة 1013). لم يجد بدا من توزيع إقطاعات واسعة بين البربر الذين أقاموه على عرش الخلافة؛ فأقطع عليا ابن حمود ولاية سبتة كما أقطع أخاه القاسم الجزيرة الخضراء وطنجة وأرزيلة. وكان هذان الأميران إدريسيين حميمين فقد كان جدهما الأكبر حمود ابنًا لحفيد إدريس الثانى. وزعم على أنه وريث هشام الثانى فأعلن استقلاله بأمر نفسه، وتذرع بتخليص هشام (ظن أنه لا يزال بقيد الحياة) فاستقر عزمه على أن يصبح سيدًا لقرطبة. ولم يبذل سليمان المستعين مقاومة تذكر فهزم وأسر فى المحرم من سنة 407 (يولية سنة 1016). وأمر على صاحب الأطماع بنبش جثمان هشام الثانى، فلما ثبت له أنه قتل، عاهد نفسه على أن يقتل سليمان بيده انتقامًا من قتله لأبيه، وحمل النَّاس على مبايعته بالخلافة مبايعة رسمية فى احتفال وتكريم. ومن

ثم أصبح أول خليفة من غير المروانيين يلى عرش الخلافة القرطبية منذ عودة الأمويين إلى إمارة الأندلس. وفى الأشهر الثمانية الأولى من حكمة حاز رضا رعاياه بأخذ البربر فى شدة بحكم الشرع بعد أن كانوا قد درجوا على عدم الخضوع. على أنه لم يلبث أن رأى أن القرطبيين بدءوا يتذمرون منه ويعدونه مغتصبًا أجنبيًا للخلافة وراحوا يبدون تعاطفهم مع المرتضى المطالب الأموى بالعرش، فنسى ما جرى عليه من اعتدال، وسمح للزناتة بأن ينعموا بامتيازاتهم وحصاناتهم وأخضع قصبة البلاد لحكم إرهابى حتى اغتاله ثلاثة صقالبة من مماليك قصره. ودعا أنصاره الزناتة أخاه القاسم الذى كان يتولى أمر إشبيليه، ونادوا به خليفة. وكان المطالب الوحيد الذى ينازعه الخلافة ابن حفيد عبد الرحمن الثالث، فنودى بهذا المطالب خليفة فى 10 ذى الحجة سنة 408 (29 أبريل 1018) على يد الفتى الصقلى خيران صاحب المرية والمنذر العربى صاحب سرقسطة، ولكنه إذ هاجم غرناطة تمهيدًا للسير إلى قرطبة، اختفى عن الأنظار وقتل. وهنالك استطاع أهل قرطبة أن ينعموا بسلام لم يكونوا يتوقعونه ثلاث سنوات بفضل اعتدال القاسم الذى استطاع بحرسه أن ينتصر على زعماء الصقالبة الذين كانوا يساندون المرتضى. ولم يكن هذا النظام السمح فى الحكم ليستطيع أن يدوم. فقد أحس بربر القصبة أنهم أهينوا فدعوا يحيى الابن الأكبر لعلى ابن حمود إلى العبور من مراكش إلى مالقة والسير إلى قرطبة. وانصرف عمه المسن القاسم عن النضال والتجأ إلى إشبيلية. ونودى بيحيى خليفة بقصر قرطبة فى الثانى والعشرين من ربيع الآخر سنة 412 (5 أغسطس 1021). واستطاع أن يدعم عرشه سنة واحدة ونصف السنة، ذلك أن فظاظته التى باعدت بينه وبين عطف أولئك البربر أنفسهم الذين ولوه الخلافة فولى هاربًا إلى مالقة. وعاد عمه من إشبيلية ليتولى بنفسه الخلافة مرة أخرى فى القصبة، ومضت ستة أشهر ضاق أهل قرطبة بالإفريقيين فانقضوا عليه فى 21 جمادى الآخرة سنة 414 (10 سبتمبر 1023) وأجبروه على

المصادر

الفرار. وأبى الإشبيليون أن يلقوه فمضى ليستقر فى شريش فسار ابن أخيه يحيى من مالقة ليضرب عليه الحصار. فاستسلم وسجن هو وابناه ثم قتل فى السجن بعد سنوات قلائل. وحكم يحيى فى مالقة سنة 427 هـ (1035 م)، وتولى الحكم بعده خلفاؤه فى مالقة حتى سنة 449 هـ (1057 م) وهنالك دخلها باديس أمير غرناطة البربرى. وأقال محمد الثانى المستعلى آخر بنى حمود. وحكم محمد المهدى بن القاسم فى الجزيرة الخضراء من سنة 431 إلى 440 هـ (1039 - 1048) كما حكم ابنه القاسم الواثق من سنة 440 إلى 450 هـ (1048 - 1058 م) وفى هذه السنة استولى على مالقة بنو عبّاد أصحاب إشبيلية. المصادر: (1) Hist Mus. Esp.: Dozy الطبعة الثانية، جـ 2، ص 310 - 321؛ جـ 3 ص 5 - 17, 234. (2) Levi Provencal: Hist. Esp. Mus جـ 2، ص 328 - 330. (3) ابن عذارى: البيان، جـ 3، ص 115. (4) ابن حيان فى ابن بسام: الذخيرة جـ 1، ص 78 - 82. (5) المقرى: نفح الطيب = Ana- lectes، جـ 2، ص 315 - 319. (6) المراكشى: المعجب، ص 35 - 38 (الترجمة ص 42 - 46). (7) ابن الأثير، جـ 9، ص 188. (8) النويرى تحقيق Gaspar Remiro ص 231. (9) ابن الخطيب: الأعمال، ص 142. (10) المؤلف نفسه: الإحاطة، مخطوط فى الإسكوريال، مادة على بن حمود. (11) ابن الأبار: الحلة فى Dozy: Notices، ص 160 - 161 (تحقيق حسين مؤنس، الفهرس). (12) Estudios criticos de: Codera - historia arabe-espaniola, Coll. de estudi os arabes, جـ 7، ص 301 - 322 (بنو حمود أصحاب مالقة والجزيرة الخضراء نقلًا عن ابن حزم). خورشيد [هويثى ميراندا A Huici Miranda]

حمى

حمى (كلمة عربية هي: لغة ما حُمى من شئ، ومنها الأرض الحِمى): رقعة ممتدة من الأرض فيها بعض الزرع يعلن الذين انتحلوا ملكها سواء كانوا فردًا أو أكثر أنه ممنوع دخولها أو استغلالها، وهذا النظام الذى يرجع إلى أيام العرب الجاهلية له أصل دنيوي فيما يظهر. ذلك أن شيوخ البدو الأقوياء أرادوا أن يحموا قطعانهم من مضار الجفاف واحتفظوا لأنفسهم بحقوق الرعى والرى فى بعض المراعى الخصبة. وثمة قصة ذائعة الصيت عن كليب بن ربيعة المشهور مفادها أنه استحوذ على بعض المراعى وحدد حدود حماه بمسمع نباح كلب. وأقبلت ناقة غريبة ترعى فى وسط حماه فرماها بسهم جرحها جرحًا مميتًا. وانتقم جسَّاس منه فقتله. ويقال إن هذا كان منشأ الحرب المشهورة بحرب البسوس. وكان الحمى فى كثير من الأحيان يوضع تحت حماية رب قبلى، ومن ثم يشبه بالحرم الذى كان له الامتيازات نفسها. فقد مُنع حيوانه ونباته، كما كان من حقه أن يُلتجأ إليه، وقد اشتهرت منعة حمى صنمين همَا فَلس وجَلْسَد، وكانت الأنعام المخصصة له تُرى آمنة لا يجسر أحد على أن يقتلها أو يسرقها. والحيوان الضال الذى يتجاوز حدود الحمى يصبح ملكًا لصاحب الحمى، ذلك أنه يدخل بذلك فى رعاية إله الحمى. والقرآن الذى لا يعترف إلَّا بالحرم (سورة القصص، الآية 57؛ سورة العنكبوت، الآية 67) قد أشار مع ذلك إشارة حكيمة إلى الحمى حين أثار قصة النبي صالح {وَيَاقَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ} (سورة هود، الآية 64؛ سورة الأعراف، الآية 73). وواضح أن الآية تشير إلى حيوان موقوف على العيش آمنًا فى أرض الله. على أن الإسلام الذى أصبح معترضًا على وسم الحيوانات وتكريسها للآلهة (سورة المائدة، الآية 103؛ سورة الأنعام، الآية 138) كان

المصادر

قد استقر على وضع حد لهذه الشعائر الوثنية، ومن ثم فإن الأرض الوحيدة التى غدت حرمًا محرمًا كانت هي مكة التى قضى الله سبحانه بمنعتها (سورة الإسراء، الآية 91 (¬1)؛ العيني: العمدة، جـ 5، ص 89, 92) وتوسع فى ذلك بحكم ظروف اتخذ فيها النبي [- صلى الله عليه وسلم -] تصرفًا خاصًا فأصبحت المدينة من ثم تتمتع بالامتيازات الدينية، على أن نظام الحمى لم يحظر لهذا، ذلك أن الإِسلام رده ببساطة إلى التطبيقات الدنيوية ومن ثم فقد لجأ إليه النبي [- صلى الله عليه وسلم -] والخلفاء الراشدون فى حفظ عدة الجيوش الإِسلامية سواء الجمال التى حصل عليها بيت المال والقطعان الصغيرة الخاصة بفقراء المسلمين والانتفاع ببعض المراعى واحتلالها (فى أماكن تعرف بالنقيع، والربدة، والشرف). ويتجادل الفقهاء حول الإجراءات التى اتخذها خلفاء النبي [- صلى الله عليه وسلم -]، ذلك أنه جاء فى حديث مشهور "لا حمى إلا لله ورسوله". المصادر: (1) ابن الكلبى: كتاب الأصنام. (2) الميدانى: مجمع الأمثال، بولاق سنة 1284 هـ، جـ 1، ص 427. (3) ياقوت، طبعة بيروت سنة 1956، جـ 2، ص 307؛ جـ 3، ص 24، 330, 336, 457؛ جـ 4, ص 282؛ جـ 5، ص 301. (4) العيني: عمدة القارئ، هذه المادة. (5) الآلوسى: بلوغ الأرب فى معرفة أحوال العرب، ص 178 وما بعدها؛ جـ 3، ص 31 وما بعدها. (6) الماوردى: الأحكام السلطانية، ص 178 وما بعدها. (الفصل 17) القاهرة من غير تاريخ. (7) Le bercean de l'Is-: Lammens lam ص 60 - 70. خورشيد [تشيلهود J. Chelhod] ¬

_ (¬1) لم نجد فى هذه الآية شيئًا يشير إلى ذلك، وجاء فى سورة المائدة الآية 97 {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ ... }.

حميد الأرقط

حميد الأرقط شاعر عربى من العصر الأموى الأوسط، لا نعلم عن حياته إلَّا القليل، اللهم إلَّا ما نعلمه من قصائده. ويمكن تحديد تاريخ حياته على وجه التقريب من قصائده فى مدح الحجَّاج. ولا شك أن قصيدة منها (البكري: سمط اللالئ، 649) يهجو فيها عبد الله بن الزبير قد نظمت أيام حصار مكة سنة 72 هـ (691 - 692 م). وترجع قصيدة أخرى (الطبري، جـ 2, ص 1137) إلى وقت الحرب التى شنها الحجاج على ابن الأشعث، ومن ثم فهى قد نظمت فيما بين سنتي 81 و 85 للهجرة (انظر أيضًا Proverbia Arabum، جـ 2، ص 326). وينسب إلى حميد قصيدة هجاء فى الحجاج (البيهقي: المحاسن، ص 394) ولكنها فيما يبدو أمر غير محتمل. وقد جمع أشعار حميد الأصمعي أبو عمرو الشيباني، وابن السكيت والطوسى (انظر فهرست ص 158). وكان ديوانه لا يزال بين يدي ابن المستوفى (الخزانة، الطبعة الأولى، جـ 2، ص 253) واشتهر حميد ببراعته فى الزجل، وعدّه النقاد فى زمرة شعراء الرجز (البيهقي: المحاسن، 458، 10) كما كان سابقًا للعجاج ورؤبة. ولم تكن أشعاره فيض الخاطر، ذلك أنها كانت منظومة فى رؤية وتتناول جميع المواضيع المأثورة عن الشعر العربي. فهو يصف على سبيل المثال جوادًا (المبرد: الكامل، ص 495)، ومشهد صيد (الحماسة، 795) وحمارًا وحشيًا (ابن السكيت: المنطق، ص 291) وشكوى محب (المصدر نفسه، ص 496). وثمة بعض أشعار تشير إلى سورة الفيل وقصته، ولكنها تنسب أَيضًا إلى رؤبة (رقم 77 Ahlwardt). ونظم حميد أيضًا قصائد من أوزان أخرى غير الرجز (ولو أن بعضها ينسب إلى حميد بن ثور؛ انظر Lane, جـ 1، ص 2112) , ومنها قصيدتان يلوم فيها ضيف جشع (الميدانى جـ 1، ص 427؛ العينى، جـ 2، ص 82). وهذه الصفة التى تخالف جميع ما تواضع عليه كرم البدوي أن إلى إدخال حميد

المصادر

فى عداد أبخل البخلاء (الأغانى الطبعة الثالثة، جـ 2، ص 163) ويخلط أحيانًا بينه وبين سميه حميد بن ثور. المصادر: ذكرت فى صلب المادة. خورشيد [فوك J. W. Fueck] حميد بن ثور الهلالى: شاعر عربى من أعيان القرن الأول الهجرى (السابع الميلادى)، ويقول الأصمعي (ابن عساكر: تاريخ دمشق، جـ 4، ص 457) إنه شاعر من شعراء صدر الإِسلام، لغته سليمة، ولكنه لا يعده من البلغاء الفصحاء. ويرى المرزبانى (الموشح، ص 80) والجمحى (الطبقات, ص 113)، وابن قتيبة (الشعر، ص 230) أنه شاعر "إسلامى". ومن قصائده قصيدة فى رثاء عثمان (ابن عساكر، ص 458) وأشعار مدح بها الخليفة مروان. على أن المصادر المتأخرة فى الزمن تذكر أنه كان من صحابة الرسول [- صلى الله عليه وسلم -] وتوفى فى عهد عثمان. وقد جمع شعره الأصمعيّ، وأبو عمر، والشيبانى، وابن السكيت، والطوسى، والسكرى (الفهرست، ص 158، س 7؛ وانظر أيضًا القالى، جـ 1، ص 133، 248, 252). وكان شعره لا يزال بين يدي البطليوسى (الاقتضاب ص 475، س 1) وابن خير (فهرسته، ص 397, س 19) بل عبد القادر (الخزانة، جـ 1، ص 9). ولم يبق لنا من هذا الشعر إلَّا قطعًا مثل أوصافه المشهورة للذئب (ابن قتيبة: الشعر، ص 231؛ مرتضى، جـ 2، ص 121 مع تعليق للشنقيطى؛ ابن الشجرى: الحماسة، ص 207) والقطا (الأغانى، الطبعة الأولى، جـ 7، ص 159 = الطبعة الثالثة، جـ 8، ص 260؛ العيني، جـ 1 ص 178) واليمامة (ياقوت: . Geogr wtb, جـ 2، ص 1006). المصادر: وردت فى صلب المادة. وقد نشر ديوانه عبد العزيز الميمنى، القاهرة سنة 1951. خورشيد [فوك J. W. Fueck]

الحميدي

الحميدي أبو عبد الله محمد بن أبى نصر فتوح ابن عبد الله بن فتوح بن حميد بن يصل (¬1) الأزدي. ولد أبوه فى قرطبة بحى الرصافة ثم نزح إلى ميورقة ليعيش فيها. وفيها ولد الحميدي قبل عام 420 هـ (1029 م) ببضع سنين، ودرس فى الأندلس بإرشاد أبي عمر يوسف بن عبد البر وأبى محمد على بن أحمد بن حزم الظاهرى، وقد لازم الحميدى ابن حزم بصفة خاصة ثم شخص إلى المشرق عام 448 هـ (1056 م). ودرس فى خلال رحلاته الرسالة ومختصر المدونة على مؤلفهما الفقيه ابن أبي زيد. وزار القاهرة ومكة والمدينة والشام والعراق، واستقر ببغداد حيث توفى فى ليلة الثلاثاء 17 ذى الحجة سنة 488 (17 - 18 ديسمبر 1095 م) ودفن بمقبرة باب أبرز، ولكن رفاته نقلت فى صفر عام 491 هـ (يناير 1098 م) إلى مقبرة باب حرب ووريت التراب بالقرب من قبر بشر الحافى. ونذكر من شيوخه المشارقة أبا عبد الله بن أبي الفتح والمؤرخ أبا بكر الخطيب وأبا نصر بن ماكولا، ومن تلاميذه يوسف بن أيوب النهرانى ومحمد بن طرخان وشيخه أبا بكر الخطيب. وكان الحميدي فقيهًا ومحدثًا ومؤرخًا وأديبًا، ويعده معاصروه أوحد. زمانه لعلمه ودماثة خلقه. وكان ظاهريًا، ومن ثم عاش عيشة بسيطة ولم يكن له مطمع فى الحياة إلَّا العلم. ولم يبق لنا من المؤلفات التى نسبها له كتاب سيرته إلَّا "جوهرة المقتبس فى ذكر ولاة الأندلس وأسماء رواة الحديث وأهل الفقه والأدب وذوى النباهة والشعر" وهو مخطوط في مكتبة بودليان (الفهرس، جـ 1، ص 783). المصادر: (1) ابن بشكوال؛ الصلة، ص 508، رقم 1114. (2) الضبي: بغية الملتمس، ص 113، رقم 257. ¬

_ (¬1) ورد بهذا الاسم فى ابن خلكان: الوفيات، طبعة القاهرة سنة 1910 هـ, جـ 1، ص 485.

(3) ابن خلكان: الوفيات، القاهرة 1310 هـ, جـ 1، ص 485. (4) الذهبي: تذكرة الحفاظ، حيدر آباد، طبعة مجهولة التاريخ, جـ 4، ص 17. (5) السيوطي: طبقات الحفاظ، طبعة فستنفلد جـ 15، ص 9. (6) ابن تغرى بردى: النجوم الزاهرة، طبعة بوبر W. Popper, جـ 2، ص 313. (7) المقري: نفح الطيب، القاهرة 1302 هـ, جـ 1، ص 375. (8) ابن الأثير: الكامل، طبعة القاهرة 1303, جـ 10، ص 88. (9) أبو الفدا: التاريخ، الآستانة 1286 هـ, جـ 2، ص 218. (10) Biblioth. arab. hisp.: Casiri . Escur, ص 134, 146. (11) Die Geschichts-: Wustenfeld chreiber der Araber، ص 73، رقم 219. (12) Ensayo biblio-: Pons Boigues grafico ص 164, رقم 126. (13) Dozy: البيان المغرب، المقدمة ص 67. (14) Die Zahriten: Goldziher، ص 172. (15) Gesch. d. Arab.: Brockelmann .Litt جـ 1، ص 338. خورشيد [محمد بن شنب] + الحميدي، أبو عبد الله بن محمد بن أبي نصر بن فتوح بن عبد الله فتوح بن حميد بن باسل: عالم أندلسى من أصل عربى، تنتسب أسرته إلى قبيلة أزد اليمنية. ولد أبوه فى الرصافة من أرباض قرطبة، ولكنه شخص إلى ميورقة حيث ولد ابنه هذا فى حدود سنة 420 هـ (1029 م). وقد انصرف أبو عبد الله إلى دراسة علم الكلام، والحديث، والفقه على عدة شيوخ، وكان بخاصة من أتباع المذهب الظاهرى يهتدى بأشد أنصار ابن حزم فى معتزله بنبلة. ثم هاجر أبو عبد الله إلى المشرق واستطاع بلين عريكته وورعه وواسع علمه فى قيامه بالتدريس فى

المصادر

بغداد (حيث توفى سنة 488 الموافق 1095 م) أن ينجو من الاضطهاد والكره اللذين أثارتهما سرعة بادرة شيخه، وأصبح من أعظم علماء عصره استحقاقًا للإعجاب والثناء. ويمتدح كاتب سيرته الضبى ثم متممها الذهبي وكذلك المقرى فى أسلوب حار أبا عبد الله ويشيدون به أصوليًا ومحدثًا ومؤرخًا وشاعرًا. على أنه لم يبق لنا من كتبه فيما نعلم إلَّا "جذوة المقتبس فى ذكر ولاة الأندلس وأسماء رواة الحديث وأهل الفقه والأدب وذوى النباهة والشعر" (تحقيق محمد بن تاويت الطنجى، القاهرة سنة 1953) ويدل هذا الكتاب على أن أَبا عبد الله كان أعلم بالمحدثين منه بالمؤرخين، ذلك أنه يفسح فراغًا كبيرًا لعلماء مجهولين كانوا زملاءه ثم يمر مر الكرام على مؤرخين ذوى شأن مثل عيسى الرازى وغريب بن سعد، وقد كنا نتوقع من شهرته التى نالها فى التدريس أن يكون كتابه أحسن من ذلك، ولكنه كتبه ليرضى معجبيه فى بغداد الذين كانوا يريدون أن يعرفوا حالة الأدب فى الأندلس، فاكتفى بالاعتماد على ذاكرته دون أن تتاح له المصادر التى كانت خليقة أن تعينه فى كتابة مصنفه، ومن ثم فإنه ما من عجب أن يضم بين دفتيه كثيرًا من الوقائع التى تفتقر إلى الدقة أما فى تأريخه للحوادث فقد اكتفى بالتقريب مما أدى إلى وقوعه فى بعض الاضطراب بل انتهى الأمر به إلى أخطاء فاحشة فى بعض الأحوال. أما عدا ذلك، فالأمر فيه كما يقول دوزى فى نقده الصارم، أننا قد نصفه بالبعد عن الهوى لأنه كان رجلًا أمينًا, ولا نزيد، ذلك أن عقله كان لا يسمو على عقل أوساط الناس. المصادر: (1) ابن بشكوال، ص 508، رقم 114. (2) الضبي، ص 113، رقم 257. (3) ابن خلكان، جـ 1، ص 485. (4) الذهبى: كنز الحفاظ، جـ 4، ص 17.

المصادر

(5) السيوطي: طبقات الحفاظ تحقيق فستنفلد رقم 15، ص 9. (6) ابن تغرى بردى، جـ 2، ص 313. (7) المقرى: نفح الطيب، القاهرة سنة 1302 هـ = 1784, جـ 1، ص 375. (8) ابن الأثير: الكامل، القاهرة سنة 1303 هـ = 1885 م، جـ 10، ص 88. (9) أبو الفداء: التاريخ, إستانبول سنة 1286 هـ (1869 م) جـ 2، ص 218. (10) Bibl. ar. hisp. escur.: Casiri جـ 2، ص 134, 146. (11) Die Geschichts-: Wustenfeld chreiber der Araber، ص 74, رقم 219. (12) Pons Boigues, ص 164 - 167, رقم 126. (13) Dozy: البيان، المقدمة, جـ 1، ص 67. (14) Die Zahiriten: Goldziher, ص 172. (15) Brockelmann، جـ 1، ص 338، رقم 1، ص 578. خورشيد [هويثى ميراندا Huici Miranda] حميدى وهو حَميد الدين أبو بكر عمر بن محمود البلخي، صاحب مقامات فارسى توفى عام 559 هـ (1164 م)، وكتب مقاماته، وبعضها يعد من قبيل المناظرات، عام 551 هـ (1156 م) على نسق مقامات سلفيه العربيين، الهمذانى والحريرى، ويبلغ عدد مقاماته 23 أو 24 مقامة طبعت بكاونبور عام 1268 (1852 م) ولكنهو عام 1789 م، وطهران عام 1873 م. المصادر: (1) Ethe فى Grundriss der lran. Phil. جـ 2, ص 228. (2) A Literary History of: Browne Persia، جـ 2، ص 346 وما بعدها. (3) Cat. of Pers. Mss. in the: Rieu British Mus.؛ ص 747. خورشيد

حمير

حمير اسم شعب قديم فى بلاد اليمن. وتوحى الصيغة هوميريتاى Homeritae التى ذكرها المصنفون الأقدمون بأنها صيغة تصغير؛ ولا توجد الصيغة العربية المستعملة الآن إلَّا عند تيودورس أناغنوسطس Theodoros Anagnostes الذى عاش فى القرن السادس الميلادى (جـ 2، فصل 58؛ انظر Hist. eccles: Nicephoros Callistos جـ 16، فصل 37) بصيغة إمَريس أو إمّرينوى. وقد استعمل نونّوزوس - Non nosos الذى ذهب إلى أكسوم وبلاد اليمن موفدًا من قبل يوستينانوس الصيغة إمريتاى وتبعه فى ذلك ملالاس Malalas, وهذه الصيغة ترجع إلى حمير الإثيوبية، أما الصيغة الموجودة على النقوش فهي حميرم بالتمويم، والجمع إحمرن ولعلها تنطق أحموران (= الأحمور). وتقول المصادر العربية إن حمير التى تنقسم إلى قبائل صغيرة كانت تعيش حول لحج بناحية ظفار ورداع وكذلك ناحية الشرق فى سر وحمير ونجد حمير. وذكرت الهوميرتاى Homeritae لأول مرة فى وصف إيليوس جالوس Aelius Gellus لحملته على جنوبى بلاد العرب عام 25 ق. م. وقد حفظ بليناس (Hist. Nat.: Pliny جـ 6، ص 161) هذا الوصف وعلق عليه بأن هؤلاء القوم أوفر القبائل عددًا (mumerosissmus esse)؛ ويذهب استرابون (جـ 16، فصل 4، باب 21) إلى أن مريابا Meriaba أو مأرب، حاضرة سبأ، كانت أيام الفتح الرومانى متابعة لـ "إلا زاروس" Ilasaros الذى كان يحكم الرهمنيين Rhammanites وتشير هذه الرواية فيما يرجح إلى إيليشرح يحضب ملك سبأ وذوريدان، أو بعبارة أخرى ملك سبأ وحمير المعروف فى النقوش. وعندما ألف كتاب Periplus Maris Erythrael الذى لا يعلم مؤلفه (حوالى عام 70 م) كان الحميريون يحكمون الجزء الأكبر من نواحى جنوبى بلاد العرب، أعنى ساحل البحر الأحمر والمحيط الهندى إلى حضرموت مع ما يتصل بها من البلاد الداخلية التابعة لأهل سبأ؛ كما كانوا يحتلون جانبًا من الساحل الإفريقى

الشرقى (Azania) وقد اتخذ ملكهم شربئيل - وهو الحاكم الشرعي للحميريين وأهل سبأ - مقره فى ظفار (ظ - ف - ر، فى النقوش؛ علاوة على الصيغة التى ورد فيها حرف التاء ترار، ترادون، تارارا، وتفورا وتفره Taphra - كما وردت أيضًا الصيغة التى فيها حرف السين: سفَّر Sapphar, فى بليناس وبطلميوس، والصيغة الإثيوبية صفار؛ وينبغي ألا يخلط بينها وبين الثغر الذى يحمل الاسم نفسه على المحيط الهندى) وظلت ظفار أهم بلاد اليمن حتى الفتح الفارسى. وكان هذا الحاكم على صلة ودية بالرومان، ويظن أنه هو نفس "كزبئيل وتريُنْعِم" ملك سبأ وذوريدان، الذى ذكر فى النقوش؛ وقد عرفت كذلك السكة الخاصة به المضروبة فى ريدان. وانتقلت زعامة جنوبى بلاد العرب من أهل سبأ الحميريين حوالى نهاية القرن الثانى قبل الميلاد، ولعل بعض السبب فى ذلك راجع إلى الكشف عن الطريق البحرى إلى الهند على يد امراء البحر البطلميين مما أفقد سبأ أهميتها باعتبارها مركز التجارة البرية فى جنوبى بلاد العرب. ولم يذكر أى مصدر من المصادر اليونانية والرومانية شيئًا عن تاريخ الحميريين حتى القرن الرابع؛ وتزودنا النقوش التى كشفت إلى الآن بمجموعة من أسماء الملوك دون أن تذكر تواريخ محققة. وفى عهد الإمبراطور قسطنطين الثانى (337 - 391 م) دخلت المسيحية إلى هذه البلاد على يد ثيوفيلوس الهندى Theophilos وهو من أهل ديو؛ وقد شيد هذا الرجل الكنائس فى عدن وظفار وغيرهما من البلدان، وكانت هناك حتى فى ذلك الوقت جاليات يهودية كبيرة العدد (Hist. eccles.: Philostorgius جـ 3، فصل 4) وثمة إشارة أخرى أوردها تيودورس أناغنوسطس تقول إن دخول الحميريين فى المسيحية لم يحدث حتى عهد أناستاسيوس Anastasius (491 - 518 م) ونجد حوالى منتصف القرن الرابع الميلادى أن الأحباش (الأحبشن المذكورين فى النقوش)؛ أو بعبارة أخرى حكام أكسوم، قد وطدوا أقدامهم فى بلاد اليمن، ومن الألقاب التى اتخذها أيزناس Aezanas ملك أكسوم فى نقوشه، وهو معاصر للإمبراطور قسطنطين الثانى، لقب "ملك الحميريين

وأهل ريدان" ويظهر أن الغزوة الحبشية ترجع إلى القرن الثالث الميلادى. ويصف مرقيانوس Marcianus (فى بداية القرن الرابع) الحميريين بأنهم شعب إثيوبى ويتردد هذا الوصف دائمًا عند المصنفين البوزنطيين القدماء. وكان أباطرة الرومان على اتصال منظم بهم (انظر. Zeitschr. d .Deutsch Morgenl Gesellsch جـ 31، ص 73) تحقيقًا للمصالح التجارية حينًا وتأييدًا لنفوذهم ضد الساسانيين الذين كانوا يحاولون التسلل إلى بلاد اليمن عن طريق عمان. وقام الأمراء الوطنيون حوالى عام 521 م بزعامة ذو نواس (Dimnos, Dunaas Damianos وهى الصيغ الواردة فى المصادر اليونانية) بثورة عنيفة على الفاتحين الأحباش. ويقال إن ذا نواس تهود وقام على اضطهاد المسيحيين فى نجران، وقد اشتهرت نجران باستشهاد القديس أرتاس. St Arthas الذى مات عام 526 فى قتال "كلب إلَ أصبحه" ملك أكسوم، وهكذا دخلت البلاد فى حكم أسرة حبشية استقل مؤسسها "إلَ أبرهة" بالأمر فى أكسوم بعد أعوام من انسحاب "كلب إلَ أصبحه". ولدينا مصدر موثوق به عن تاريخه وصلاته ببوزنطة وفارس وبلاد الحبشة، وعلاقاته بالغساسنة وغيرهم من أمراء العرب، وهو نقش مأرب الكبير الذى يرجع إلى عام 540 م، وفيه يصف قيامه بترميم السد العظيم. ونشأت فى هذا العهد "قوانين الحميريين" وغيرها من المصنفات المنحولة التى تقترن باسم القديس غريجنتيوس St Gregentios أسقف ظفار أيام إل أبرهة وخلفه (apr tol.: Migne Graeac، مجلد 86, جـ 1, 563 - 782) ودعا أمراء الحميريين فى عهد الإمبراطور يوستن الثانى Justin II حوالى عام 750 م الفرس إلى دخول بلادهم، وسقط مسروق - آخر الحكام من أسرة إل أبرهة (وقد حرف إلى San- aturkes فى Theophranus Byzantius) فى قتاله الفرس الذين أخضعوا البلاد للاحتلال العسكرى تاركين نواحيها المختلفة (مخلافاتها) تحت حكم أمراء من الوطنيين. وكان مرازبة الفرس يقيمون فى صنعاء. ولما بعث محمد [- صلى الله عليه وسلم -] برسله الأوائل إلى بلاد اليمن كانت مملكة حمير كما وصفناها قد

عفى عليها الزمن منذ أمد طويل فدخل فى الدين الجديد بلا مقاومة تذكر أمراء حمير وسلالة الفرس الذين يدعون "الأبناء". وترجع النقوش التى عثر عليها إلى الآن فى جنوبى بلاد العرب، والمكتوبة بالأبجدية المحلية وهي التى نطلق عليها عادة النقوش الحميرية، إلى عصور جد متفاوتة (أى من حوالى عام 700 ق. م إلى 550 ق. م تقريبًا) وقليل منها أصله حميرى بالمعنى الأخص للكلمة، وهى تندرج من الناحية اللغوية فى مجموعتين أساسيتين: النقوش السبئية والنقوش المعينية. وتنتسب النصوص الحميرية إلى المجموعة الأولى فى حين نجد أن السكة التى كشفت إلى الآن، وجلّها من الفضة، تنسب فى مجموعها إلى حمير مع استثناء قليل منها ضرب فى عهود قديمة. والأبجدية (ويطلق عليها العرب المسند وإن كانت تسمى فى النقوش بالكتابه فقط) عبارة عن مجموعة متنوعة من الحروف الفينيقية اقتبست للأبجدية الإثيوبية، وهى تحوى جميع حروف اللغة العربية، بإضافة حرف صفير مغاير للسين. ولغة حمير السبئية لهجة عربية تنماز عن عربية الشمال بخصائص نحوية معينة (التمويم بدلا من التنوين واستبدال آن بأداة التعريف وهفعل بأفعل فى الفعل الرباعى) وتنماز منها كذلك فى المفردات. أما قول اللغويين من العرب إن لهجات اليمن المتأخرة بل لهجتى مهرة وقارة هي فروع من لغة حمير القديمة فقد ثبت بطلانه، وإن احتفظوا فى مفرداتهم بمصادر وكلمات كثيرة، لا تعرفها عربية الشمال ولو أنها وجدت فى النقوش. وقبل أن تكشف هذه النقوش كانت روايات العرب مضافًا إليها الإشارات الضئيلة التى أوردها المصنفون الأقدمون والبيزنطيون مصدرنا الوحيد عن تاريخ اليمن القديم. وقد ذكر القرآن الكريم من قبل تبابعة اليمن، ومن ثم عرف ملوك حمير بهذا الاسم، ونحن نعلم الآن من النقوش أن ملوك سبأ وحمير كانوا يلقبون أنفسهم دائما بـ "الملك" وأن "تبع" تحريف لاسم الأسرة القوية "بتَعْ" من قبيلة همدان، وتعلمنا النقوش

المصادر

نفسها أن الأخبار الواردة فى كتب الأدب عن "قيل" و"أذوى" حمير (أى الملوك وأمراء الإقطاع) قامت فى جملتها على خلط. ولا تزال قوائم الملوك التى وصلت إلينا بهذه الطريقة، والأعمال التى قام بها التبابعة منفردين أكثر تعرضًا للشك. ونجد فى القرآن الكريم إشارات إلى قصة العهد القديم عن ملكة سبأ (انظر - Zeitschr, der Deutsch. Mor genl جـ 15، ص 610 وما بعدها) وعن حملة أحد التبابعة على مكة. وفى عهد جد متقدم بدأ مفسرو القرآن الكريم والقصاص فى بلاط الخلفاء الأول يهتمون بالتاريخ القديم لتلك البلاد (ابن عباس، كعب الأحبار، وهب بن منبه، عبيد بن شريه) وهم وإن كان كثير منهم من أهل اليمن، فإنهم لم يعنوا كثيرًا بالروايات الصحيحة الشائعة عنايتهم بالأساطير الدخيلة مثل قصة الإسكندر والإسرائيليات، كما أضافوا مادة أخرى من مخيّلهم. والآثار الأخيرة لهذا الضرب من البحث التاريخى عبارة عن كتب شائعة لا يزال يشغف بها الشعراء مثل قصة بلقيس وذى القرنين وسيرة سيف بن ذى يزن إلخ. على أن ثمة كتبًا ثلاثة ألفها كتَّاب يمنيون هي: التيجان فى ملوك حمير لابن هشام كاتب السيرة النبوية المشهور، والإكليل، وصفة جزيرة العرب للهمدانى، وهذه الكتب أرصن من سابقتها، أضف إلى ذلك القصيدة الحميرية بما عليها من شرح لغوى وتعليق عنوانه "شمس العلوم" لنشوان (المتوفى سنة 573 هـ) فقد قرأ هؤلاء كتابات المسند القديمة، ولو أن لغتها لم تكن بعد مفهومه لهم تمامًا، وأفادوا منها فى أبحاثهم الخاصة بالأنساب والتاريخ؛ أما مدى ما أفادوه من الروايات المحلية القديمة فلا يزال قيد البحث، ومهما يكن من شيء فقد استقلوا بآرائهم عن العلماء الذين ذكرناهم، ولا يمكن الاعتماد فى كتابة التاريخ الصحيح إلَّا على المعارف المتصلة بالقرن الأخير قبل الإِسلام. المصادر: تجد ثبتًا خاصًا بالمصادر وبخاصة عن قراءة النقوش القديمة إلى 1893 فى:

(1) Suedarabische: F Hommel Chrestomathie ص 63 وما بعدها؛ كما تجد تتمتها إلى عام 1908 فى: (2) Studien Sur Suedar: O. Weber Altertamskunde، جـ 3، ص 71 - 101 وانظر فيما يختص بتاريخ حمير القديم مقالات: (3) Blau. O وغيره فى Zeitscher der .Deutsch. Morgenl. Ges، جـ 22، ص 654 - 673؛ جـ 24، ص 559 - 592؛ 25، ص 525 - 592؛ جـ 27، ص 295 - 363؛ جـ 30، ص 320 - 324, جـ 31, ص 61 - 74. (4) Die alte geographie: Sprenger Arabiens عام 1870؛ وانظر فيما يختص بالغزوة الحبشية: (5) De Aethiopum imperio: George in Arabia Felicl طبعة برلين عام 1833. (6) Ueber dle An-: A. Dillmann faenge des Axumitischen Reiches طبعة برلين عام 1879. (7) Zur Geschichte des Axumitischen ,Reichs Vom IV bis VI ibid Zahrhundert الطبعة ذاتها عام 1880 , Bemerkugen sur Grammatik des Geez und zur alten Gesechichte Abessiniens فى - Berliner Sit zungsber عام 1890 جـ 1. (8) Die Christenverfolgung: W. Fell in Suedarabien und die himjarisch. aethi-opischen Kriege nach abessinischer Ue berlieferung فى Zeitcher. d. Deutsch. .Morgenl. Ges, جـ 35، ص 1 - 74, وكذلك المصدر السابق ص 693 - 710. (9) La lettera di Simeone,: J. Guidi vescoco di Beth. Arsham Sopra i martiri Omeriti طبعة رومة عام 1881. (10) Sopra i martiti Om-: E. Glaser eriti عام Die Abessinier in Arabien und Afrika عام 1895. (11) Un doc-: Carolo Conti Rossini unento sul Cristianesimo nello yemen طبعة رومة عام 1911. وأخيرًا نجد نقوش أكسوم الملكية، وأحدثها فى (12) جـ 4 من: Deutsche Aksum. Ex- pedition عام 1913 ويضاف إلى ما نشر من النقوش التى ذكرها Hommel

and Weber فى المصدر المذكور آنفًا وإلى المقالات الكثيرة التى صدرت منذ ذاك فى المجلات العلمية تكملة باريس بصفة خاصة. (13) - Corpus inscriptionum Semiti carum. (14) Der Isla-: Martin Hartmann mische Orient مجلد 2: Die Arabische -Frage: mil einein Versuche der Archaeol ogie yemens طبعة برلين عام 1909. ووصف السكة الحميرية فى: (15) La Tzesor de: Schlumberger San'a. طبعة باريس عام 1880. (16) Num Chron: Barclay V. Head, N. S .. مجلد 18، ص 273 - 284، المجلد 20 ص 303 - 310. (17) Suedar, Alter-: D.H. Muller thuemer im Kunsthistorischen Hofmu- seum طبعة فينا عام 1899. ص 65 - 78. وجمع الروايات العربية. (18) Historia imperi: A. Schultens Zoctanidarum، Harderovici Gelrorum عام 1786. (19) Caussin de Perceval فى - His toire des Arabes avant L'Islamisme, انظر كذلك الفقرات المتصلة بالموضوع فى. (20) ابن إسحق (21) ابن قتيبة (22) الطبري (23) حمزة الإصفهانى (24) المسعودى (25) ابن خلدون. وانظر فيما يتصل بنشوان والهمدانى: (26) Die Himyarische: V. Kremer Kassideh طبعة ليبسك عام 1865. (27) Ueber die Suedarabische Sage طبعة ليبسك 1866. (28) Altarabische Gedichte Ueber die Volkssage von yemen طبعة ليبسك 1867. (29) Zeitschr.d.: D. H. Muller Deutsch. Morgenl. Ges المجلد، 29 ص 620 - 628. (30) Suedarabische Studien طبعة فينا 1877.

الحنابلة

(31) - Die Burgen und Schloesser Sue darabiens جـ 1، 2 طبعة فينا 1879 - 1881 مع (32) ملحق فى Suedarab Alteruemer. الخ ص 80 - 95. (33) The: Captain W. F. Prideaux Lay of the Himyarites طبعة سيهور عام 1879. وأهم مصدر عن الجغرافية التاريخية هو: (34) الهمداني: صفة جزيرة العرب، نشره ميلر، ليدن عام 1884 - 1891. انظر كذلك الفقرات المنقولة عن ابن المجاور فى: (35) Post. und Reiserout-: Sprenger en des orients طبعة ليبسك عام 1864 وانظر فيما يتصل بلهجة اليمن: (36) Etudes sur les Dia-: Count lectes de l'Arabie؛ Landberg Meridionale المجلد 1، 2 طبعة ليدن عام 1901 وما بعدها ومصنفات. A. Jahn, D. H Muller عن - Die Mehri. und Sokotris prache فى (37) Suedarabische Expedition الخ المجلد 3، 4 طبعة فينا عام 1902. يونس [ج. هـ مورتمان J. H. Mordtmann] الحنابلة جمع "حنبلى": هم أتباع المذهب الدينى والفقهى والأخلاقى الذى نشأ من تعاليم أحمد بن حنبل (المتوفى سنة 241 هـ = 855 م) الذى بدئ العمل فى تقنين كتابيه البارزين "المسند" و"المسائل" فى حياة صاحبهما نفسه. والمذهب الحنبلي، على عدائه من حيث المبدأ نفسه لعلم الكلام وللصوفية الباطنية (صوفية الحلول والمعرفة والإباحة) - فإنه لم يتطور بمعزل تام عنهما. فقد كان عدد كبير من مؤلفى الحنابلة هم أنفسهم من المتكلمين أو المتصوفة المتشددين، بل إن الصلابة الصارمة التى يتميز بها فى كثير من الأحيان ذلك الموقف المتشدد للمذهب الحنبلي من حيث عدم الاعتراف بأى مصدر آخر خلاف القرآن والسنة لم تعجز على غير المنتظر عن أن تؤثر

تأثيرًا راسخًا فى باقى المذاهب الإسلامية فى صميم تكوينها. 1 - المذهب الحنبلى من سنة 241 إلى 334 هـ (855 - 945 م). كانت الحقبة الممتدة من عودة المتوكل إلى مذهب أهل السنة (232 - 247 هـ = 847 - 861 م) حتى ظهور البويهيين سنة 334 هـ (945 م) هى التى شهدت قيام الحنبلية من حيث هى مذهب بالمعنى الصحيح. وليس ثمة شك فى أن المجموعات الكبيرة من "المسائل" التى خرجت إلى النور وقتذاك بفضل غيرة عدد لا يستهان به من علماء الدين الذين قدموا من شتى بقاع العالم الإِسلامى لشاهدة على الجهد المشترك فى سبيل البحث فى وحدة العقيدة. على أننا - إذا جاز لنا أن نصدر حكمًا على ضوء ما بقى من الرسائل - فإن هناك الكثير من الأسباب التى تجعلنا نذهب إلى أن هذه الرسائل كانت إلى حد كبير مجموعات ينصب التركيز فيها على أفكار بعينها لابن حنبل أو جوانب بعينها من مذهبه، وذلك حسب شخصيات الرواة أو اهتماماتهم. ولم تكن قط رسائل بسيطة من الفكر أو التأمل النظرى المحض، بل كانت بمثابة الاستجابة للحاجة إلى التوجيه الدينى والخلقى، وما أكثر ما كانت تتم فى وقت واحد مع نشر مسائل لشيوخ آخرين، وفى مقدمتهم شيوخ مدرسة الحجاز أو مدرسة خراسان مثل مالك ابن أنس أو الفضيل بن عياض أو عبد الله بن المبارك أو إسحاق بن راهويه. فقد أسهموا فى استقرار المذهب الحنبلي فى مرحلة مبكرة جدًا دون أن يخلصوا من ذلك إلى منهج محدد كل التحديد، تاركين الفرصة - فى الوقت ذاته - لقيام خلافات عن فكر صاحب المذهب تستمر من بعده. وقد كان لاثنين من أبناء ابن حنبل شأن فى إذاعة مذهبه - أكبرهما صالح المتوفى سنة 266 هـ (879 - 880 م) وقد عمل فى عهد الخلافة العباسية قاضيًا فى طرسوس وأصفهان؛ أما الأصغر عبد الله المتوفى سنة 290 هـ (903 م) فقد رتب بصفة خاصة مادة كتاب "المسند" وضم إليه عددًا معينًا من الإضافات، وجاء تلميذه أبو بكر

القطيعى المولود سنة 368 هـ (978 - 979 م) فوضع للكتاب اللمسات الأخيرة. وإضافات القطيعى مثار نزاع فى كثير من الأحيان داخل المدرسة الحنبلية ذاتها. وثمة عدة محدثين آخرين من المحدثين البارزين رووا "المسائل" ولعلهم يعدون بحق تلاميذ لابن حنبل. فقد ألف أبو داود السجستاني المتوفى سنة 275 هـ (888 - 889 م) "كتاب السنن" ويعد مؤلفه "كتاب المسائل" (المنشور بالقاهرة سنة 1353 هـ = 1934 م) هو المجموعة الوحيدة من المسائل المتوفرة فى يومنا هذا. أما أبو حاتم الرازى المتوفى سنة 277 هـ (890 - 891 م) الذى يقرن فى بعض الأحيان فى صعيد واحد مع البخارى وأبى زرعة الرازى، فقد اتبع تعاليم ابن حنبل وجمع عددًا كبيرًا من المسائل. وهو يدافع فى كتابه "العقيدة" عن الأفكار الأساسية لمذهب ابن حنبل، مستندًا إلى طبيعة الإيمان وإلى القرآن ومعتمدًا كذلك بالدرجة نفسها على ذم علم الكلام. ومن أبرز الأسماء فى تاريخ المذهب الحنبلى فى ذلك العصر أبو بكر الخلّال المتوفى سنة 311 هـ (923 - 924 م) الذى تتلمذ على أبى بكر المروزى وعرف الشيخ عبد الله وقام بالتدريس فى بغداد فى مسجد المهدي. وفى كتابه "الجامع" جمع وصنف "مسائل" ابن حنبل التى كانت من قبل موضع تنقيح يقوم به أفراد. وهذه المادة الضخمة التى جمعت أفاد منها أيضًا فى القرن الثامن الهجرى (الرابع عشر الميلادى) ابن تيمية وابن القيِّم. وما تزال هناك آثار أخرى منسوبة لأبي بكر الخلّال، حظيت بثقة عظيمة، وعلى وجه الخصوص "كتاب الإيمان" و"كتاب السنة" و"كتاب فى العلم" و"كتاب العلل". وعلاوة على ذلك فقد وضع أبو بكر الخلّال أول تاريخ نعرفه للمذهب الحنبلى ثم أتم عمله هذا عبد العزيز بن جعفر المتوفى سنة 363 هـ (973 - 974 م) المعروف بغلام الخلّال. وثمة اسمان آخران يرتبطان كذلك ارتباطًا وثيقًا بتاريخ المذهب الحنبلي فى ختام القرن الثالث الهجرى (التاسع الميلادى) وبداية القرن الرابع الهجرى

(العاشر الميلادى). أما أولهما فهو أبو بكر السجستاني المتوفى سنة 316 هـ (928 م) وهو ابن المحدَّث أبى داود. ومما بقى لنا من مؤلفاته "كتاب المصاحف" (حققه ا. جيفرى A. Jeffery طبعة ليدن سنة 1937) ورسالة قصيرة فى العقيدة وضعها شعرًا. وهى من خير ما أثر عن ابن حنبل. وثمة عدة كتب أخرى فى التفسير والحديث نسبت له. وأما الثانى فهو أبو محمد الرازى المتوفى سنة 327 هـ (938 - 939 م) الذى حظيت آثاره بشهرة واسعة. ويعد مصنفه "كتاب الجرح والتعديل" من أهم ما كتب فى هذا الفرع. أما تفسيره للقرآن الكريم فهو فى رأى ابن كثير أعظم كتب التفسير التقليدية ويفوق فى قيمته المذهبية تفسير الطبري. ومصنفه "كتاب العلل" فى عيوب وعلل الحديث يبين ميله لاتباع طريقة أبواب الفقه. وينسب لأبى بكر الرازى كذلك رد على الجهمية وترجمة لحياة أحمد بن حنبل يثنى فيها عليه. ومن ناحية أخرى، كان للمذهب الحنبلى شأن أى شأن فى تاريخ الخلافة الدينى والسياسى مما يتجلى فى الهمة التى أبداها البربهارى المتوفى سنة 329 هـ (940 - 941 م) المحدث والفقيه، تلميذ أبى بكر المروزى وسهل التُسترى، وهو واعظ عالى الهمة ناضل التشيع ومذهب المعتزلة نضالًا مريرًا مبتغيًا إصلاح الخلافة السنية. غير أن حماسته المفرطة دفعت الخليفة الراضى إلى إصدار أمر فى سنة 323 هـ - 935 م بذم المذهب الحنبلى. أما معاصره أبو القاسم الخرقى المتوفى سنة 334 هـ (945 - 946 م) الذى ارتحل من بغداد عندما ظهر البويهيون ولجأ إلى دمشق، فهو صاحب أول رسالة فى الفقه الحنبلى، ونعنى بها "المختصر" الذى شرحه ابن حامد المتوفى سنة 403 هـ (1012 - 1013 م) ثم القاضى أبو يعلى المتوفى سنة 458 هـ (1066 م) ثم الشيخ موفق الدين بن قدامة المتوفى سنة 620 هـ (1223 م). وهذا المختصر الذى شرحه ما يقرب من ثلاثمائة حسب رواية يوسف بن عبد الهادي المتوفى سنة 909 هـ (1503 - 1504 م)

ما يزال حتى اليوم مدخلا ممتازًا للمذهب الحنبلى فى مجال الفروع. 2 - المذهب الحنبلى فى ظل البويهيين: (334 - 447 هـ = 945 - 1061 م). منذ اللحظة التى اعتلى فيها البويهيون دست الحكم فى بغداد والمذهب الحنبلى مدرسة يغمرها النشاط وتمتاز بالقوة لكثرة أتباعها، ولها من التراث المذهبى ما يقف على قدم المساواة مع التراث الذى استطاعت المذاهب الأخرى أن تقدمه. ثم كان من أثر تقدم كل من الشيعة الإمامية التى شجعها البويهيون، والإسماعيلية بعد فتح الفاطميين لمصر سنة 358 هـ (969 م) وإنشائهم مدينة القاهرة، أن وقع صدام بين هذه المذاهب وبين علماء الدين الحنابلة ودعاتها الذين كان لهم نفوذ حاسم فى بدايات حركة العودة إلى السنة التى بدأت تفرض نفسها من عهد القادر (381 - 422 هـ = 991 - 1021 م). ثم قام المذهب الحنبلى بعد ذلك بدور حرب المعارضة السياسى والدينى، وكان فى الطليعة من المذاهب الفكرية التى نمت أو تأسست دفاعا عن الخلافة والمذهب السنى. ومن بين أولئك النفر الكثيرين الذين يمثلون المذهب الحنبلى وحفظت أسماءهم لنا كتب الطبقات سنكتفى فيما يلى بذكر قلة قليلة منهم هم أولئك المعلمون الذين نرى فيهم - لما خلفوه من آثار وكتب وما عرف من نشاطهم كذلك - من مثل حيوية هذا المذهب وما امتاز به من تنوع فى داخله: أبو بكر النجاد المتوفى سنة 348 هـ (959 - 960 م): عقد حلقات لدعوة الناس فى مسجد المنصور ببغداد. وجمع "مسند" ابن حنبل وألف "كتاب السنن"، وأما فى الفقه، ففضلا عن تصنيفه رسالة فى الفقه، فقد ألف "كتاب اختلاف الفقهاء". أبو بكر الآجُرى المتوفى سنة 360 هـ (971 م): ملقى العلم فى بغداد وبعدئذ عاش حياة من العزلة فى مكة، ويدعى كل من الحنابلة والشافعية فى الوقت نفسه انتسابه لمذهبهما، ومصنفه "كتاب الشريعة" (المنشور بالقاهرة سنة 1369 هـ = 1950 م) يفصح عن

تشابه واضح مع كتب العقيدة ذات الأسلوب الحنبلى، ويمكننا أن نرى فيه كما يبدو واحدًا من أولئك المعلمين الشافعيين الذين دفعهم رفضهم للأخذ بأى شئ من علم الكلام أو المذهب الأشعرى، إلى أن يكونوا حنابلة فى الأصول وشافعية فى الفروع. أبو القاسم الطبراني المتوفى سنة 360 هـ (971 م) صاحب ثلاثة معاجم شهيرة وكتاب السنة وكتاب مكارم الأخلاق ... (الطبقات, جـ 2، ص 49 - 51). أبو الحسن بن سمعون المتوفى سنة 387 هـ (977 م): وهو، بحكم ممارسته للمذهب الحنبلى وميله إلى الصوفية، واحد من أولئك العلماء الذين يصعب تصنيفهم بأى قدر من اليقين فى حدود مذهب واحد؛ والقاضى أبو الحسين (الطبقات، جـ 2، ص 155 - 162) وابن عساكر (تبيين المفترى، ص 200 - 206) كلاهما يدعى أنه من مذهبه. وقد شرح ابن سمعون "مختصر" الخرقى وعقد حلقات للوعظ الدينى والخلقى ببغداد حازت شهرة عريضة. أما معاصره ابن بطة العكبرى المتوفى سنة 387 هـ (997 م) فتلقى تعليمه ببغداد، ثم عاد إلى مسقط رأسه فى سن يناهز الأربعين بعد أن كان قد ارتحل إلى مكة والشام. ونحن ندين له بجملة آثار ذات شأن، ونخص بالذكر منها كتابًا يتبرأ فيه من الحيل الفقهية التى كان يلجأ إليها البعض، وكتابين فى العقيدة صارت لهما فيما بعد منزلة المرجع الواسع الانتشار وهما "الإبانة الكبيرة". و"الإبانة الصغيرة"، وكتاب "الإبانة الصغيرة" (انظر H. Laoust: Profession de foi d'Ibn Batta, 1958) قصد به فى المقام الأول أن يكون كتابًا عامًا فى العقيدة يخاطب النشء الصغير وغير العرب على وجه الخصوص، وهو يرمى إلى العودة بكل أولئك الذين كانوا يميلون إلى التذبذب فى عقيدتهم بسبب شيوع الفرق والمذاهب المختلفة إلى اقتفاء سنة النبي [- صلى الله عليه وسلم -]. ابن حامد المتوفى سنة 403 هـ (1012 - 1013 م؛ الطبقات جـ 2، ص 171 - 177): واحد من المقربين

للخليفة القادر، وكان فى المقام الأول معلمًا وفقيهًا وأشهر آثاره "كتاب الجامع فى اختلاف الفقهاء" الذى أصبح كثيرًا من بعد مرجعًا فى المذهب الحنبلى. وعلاوة على ذلك تنسب إليه رسالتان فى الأصول كثيرًا ما يستشهد بهما أيضًا، وهما: "كتاب فى أصول الدين" و"كتاب فى أصول الفقه". وقد أسهم ابن حامد، سواء عن طريق تدريسه أو عن طريق كتبه المؤلفة، فى تعليم عدد كثير من الحنابلة من أبناء بغداد أو من أولئك الذين اجتذبتهم قصبة الخلافة العباسية بما لها من شهرة فى مجال العلم. ومن تلاميذه القاضى أبو يعلى بن الفراء المتوفى سنة 458 هـ (1066 م) وقد عمل ببغداد فى خدمة الخليفة القائم. ومؤلفات القاضى أبى يعلى - التى فقدت كلها تقريبًا - معروفة لنا عن طريق كتابه "الأحكام السلطانية" (المنشور بالقاهرة سنة 1356 هـ - 1938 م) ويظهر أنه نسخ نسخًا حرفيًا من رسالة الماوردى المتوفى سنة 456 هـ (1064 م) فى أحكام الشريعة العامة، ما لم يكن الكتابان قد استقيا من معين واحد؛ أما أكثر مؤلفاته التى كان يرجع إليها كثيرًا فهى حاشيته على الخرقى، ورسالة فى أصول الفقه هى كتاب "المجرد" ورسالة أخرى فى الآراء المتفاوتة لعلماء الشريعة هى "كتاب الاختلاف" وأخيرًا رسالة مهمة فى أصول الدين وهى "كتاب المعتمد"، الذى بقيت لنا نسخة مختصرة (مخطوط فى المكتبة الظاهرية، بدمشق). وكتاب "المعتمد" الذى ألف على غرار الرسائل المعاصرة له فى علم الكلام، يفرد فراغًا كبيرًا للكلام عن نظرية الخلافة. وقد كان القاضى أبو يعلى الذى حضر سنة 433 هـ (1041 - 1042 م) وسنة 445 هـ (1053 - 1054 م) قراءة القادرية رسميًا - مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا بسياسة العودة إلى السنة فى عهد القائم من خلال واجباته الرسمية ومن خلال أستاذيته وتدريسه سواء بسواء. 3 - المذهب الحنبلى خلال القرنين الأخيرين من الخلافة فى بغداد (447 - 656 هـ = 1061 - 1258 م). احتل طغرل بك بغداد سنة 447 هـ (1061 م) وأنهى حكم أسرة البويهيين

الشيعية. وتميزت محاولة البساسيرى سنة 451 هـ (1059 م) لإعادة المذهب الشيعى إلى بغداد بكل ما تتميز به الأعمال اليائسة سريعة الزوال. وفى سنة 459 هـ (1067 م) افتتحت المدرسة النظامية فى بغداد لتدريس الفقه الشافعى. وتبع ذلك غزو المذهب السنى من جديد لأواسط الشام وجنوبيه. ثم أعاد الأمير أتسز سنة 467 هـ (1074 - 1075 م) الخطبة للعباسيين فى دمشق. وقد بدأ أول تمزق سياسى فى الإمبراطورية السلجوقية الكبرى سنة 485 هـ (1092 م) بموت ملك شاه. وعقيب ذلك، ظهر الصليبيون فى الشام وفلسطين واحتلوا أنطاكية سنة 491 هـ (1098 م) والقدس سنة 492 هـ, وطرابلس سنة 503 هـ (1109 - 1110 م) إلا أن القوة الدافعة لحركة العودة إلى المذهب السنى استمرت بإحياء الخلافة، التى بدأت بالخليفة المكتفى (530 - 555 هـ - 1136 - 1160 م) وبتأسيس أسرة بنى زنكى وأسرة الأيوبيين الحاكمتين فى الشام. وكانت هذه الحقبة التى دامت قرنين هي العصر الذهبى للمذهب الحنبلى الذى بدأ أيضًا من خلال شخصيات أكابر دعاته فى صورة حركة تنطوى على خلافات فى الرأى بالرغم من التزامه الكبير بالتقاليد التى تقوم عليها العقيدة الحنبلية. الشريف أبو جعفر الهاشمى المتوفى سنة 470 هـ (1077 - 1078 م) وهو يعد فى الجوهر خليفة للبربهارى وابن بطة، إلَّا أنه امتاز على وجه الخصوص بالجهود النشطة التى بذلها لتأييد العقيدة الحنبلية واستعادة سلطان الخلافة العباسية. فنراه وقتذاك فى بغداد متزعمًا لسلسلة من الانتفاضات الشعبية ضد مذهب المعتزلة والتصوف؛ وفى سنة 460 هـ (1068 م) ناهض تدريس مذهب المعتزلة بالمدرسة النظامية؛ وفى سنة 461 هـ ناهض ابن عقيل الذى أدين لتعاطفه مع فكر المعتزلة أو الحلاج؛ وفى سنة 464 هـ شن حملة على شتى صور الفساد؛ وفى سنة 465 هـ إلى مناهضة ابن عقيل الذى أجبر على أن يعلن على الملأ رجوعه عن معتقداته السابقة؛ وأخيرًا

ناهض سنة 469 هـ ابن القشيرى الذى عاد مرة أخرى فى محاضراته بالمدرسة النظامية إلى الهجوم على المذهب الحنبلى متهمًا إياه بتلك التهمة القديمة، وهى "التشبيه". أما أبو الخطاب الكلوذانى المتوفى سنة 510 هـ (1116 - 1117 م) فكان متبحرًا فى الفقه عاش بمنأى عن أى اضطراب سياسى أو قلاقل (الطبقات, جـ 2؛ ص 258) وقد أسدى إلى المذهب الحنبلى صنيعًا بتأليفه رسالة "الهداية" وهى مرجع مختصر ظل ردحًا من الزمن عمدة فى موضوعه. أما مصنفه "كتاب التمهيد فى أصول الفقه"، الموجود فى مخطوطة بدمشق، فمن الكتب الخليقة بالتحقيق. وثمة آثار أخرى كثيرة له يستشهد بها فى تراث هذه المدرسة، ومن ذلك رسالتان فى الاختلاف ورسالة أخرى فى موضوع ولاية الخلافة، وإن كانت هذه الرسالة موضع خلاف أكثر. ثم قصيدة موجزة فى العقيدة، وهى المعروفة "بالدالية" والتى ظلت تحفظ عن ظهر قلب فى القرن الثامن الهجرى (الرابع عشر الميلادى). أبو الوفاء بن عقيل المتوفى سنة 513 هـ (1110 - 1120 م): وليس أبو الوفاء واحدًا من أعاظم علماء الحنابلة فحسب بل هو أيضًا واحد من أشهر الكتاب العرب فى النثر، وكان كثير من شيوخه من الحنفية أو الشافعية. وكان فى شبابه مهتمًا بمذهب المعتزلة وعقيدة الحلاج. وقد أشرنا فيما سبق إلى المعركتين (سنة 461 هـ = 1069 م) و 465 هـ = 1073 م) اللتين كان يعارضه فيهما الشريف أبو جعفر إلى ان اضطره هذا إلى إعلان توبته عما كان يعتنقه من أفكار. وقد شن سنة 475 هـ (1082 - 1083 م) هجومًا علميًا عنيفًا على مذهب الأشعرية. وحدث سنة 484 هـ (1091 - 1092 م)، أى وقت قدوم ملك شاه ونظام الملك إلى بغداد، أن تم استدعاؤه ليشرح لنظام الملك معنى المذهب الحنبلى وأهميته. وقد حظى بسمعة حميدة وثناء عظيم لدى الخليفتين المقتدى (467 - 487 هـ = 1074 - 1094 م) والمستظهر (487 - 512 هـ = 1094 - 1118 م) وكثر تدخله فى الحياة السياسية.

كان ابن عقيل مؤلفًا غزير الإنتاج خصب القريحة على نحو خاص (الذيل، جـ 1، ص 158) ومؤلفه الضخم "كتاب الفنون"، الذى لم يبق لنا منه سوى مجلد واحد، هو رسالة فى الأدب كان ابن الجوزى يرجع إليها كثيرًا. على أن كتبه الأخرى الأكثر تخصصًا ينبغى ألا تغيب عن ذاكرتنا: وهى "كتاب الفصول" المعروف كذلك باسم "كفاية المفتى" و"كتاب الإرشاد فى أصول الدين وهو رسالته الكبرى فى هذا الباب، و"كتاب الواضح فى أصول الفقه"، وأخيرًا "كتاب الانتصار لأهل الحديث" الذى يدل عنوانه دلالة ما بعدها من مزيد على المكانة التى رفع إليها هذا المؤلف دراسة الحديث - G.Mak Ibn Akil et la resurgence de l'Islam: disi) traditionaliste, PIFD, 1962). وفى القرن الذى سبق سقوط الخلافة سطعت فى تاريخ المذهب الحنبلى ثلاثة أسماء. أولهم الوزير ابن هبيرة المتوفى سنة 560 هـ (1165 م) الذى تجول وهو بعد فى ريعان الشباب فى أسواق بغداد مع داع من دعاة الصوفية لحث أهلها على اتباع أحكام القرآن الكريم والسنة فى حياتهم. وكان للخليفة المقتفى الفضل فيما شغل ابن هبيرة من مناصب، فقد أقامه وزيرًا له. وثبته المستنجد (555 - 566 هـ = 1160 - 1171 م) فى منصبه، وإن كان هذا الأمر لم يمر دون صعاب. وقد أسس ابن هبيرة سنة 557 هـ فى حى باب البصرة مدرسة خصصت لتدريس الحديث والفقه على المذهب الحنبلى ووقف عليها مكتبته الخاصة ذات القيمة العظيمة. وقد قام برنامج ابن هبيرة السياسى على هدفين اثنين هما استعادة مكانة السنة واستعادة سلطان الخلافة. وأراد أن يوفق فى بغيته هذه، فسعى من ناحية إلى تحرير الخلافة من السيطرة السلجوقية وحث نور الدين على فتح مصر الفاطمية، كما جاهد من الناحية الأخرى لجمع كل أسر المذهب السنى حول العقيدة الحنبلية ومناهضة فكر الشيعة. وقد حوى مؤلفه "كتاب الإفصاح" بين دفتيه شرحًا لصحيحى البخارى ومسلم كما ضمنه رسالة فى الاختلاف (نشرت فى حلب سنة 1928). والظاهر أن هذا

الكتاب الذى كان يقرأ ويشرح فى المساجد حسب رغبة الوزير نال رواجًا كبيرًا وحظى بشهرة لا بأس بها فى حياة مؤلفه على الأقل (الذيل، جـ 1، ص 251 - 289). الشيخ عبد القادر الجيلى المتوفى سنة 561 هـ (1166 م): هو مؤسس أول طريقة صوفية كبيرة، وهى الطريقة القادرية. غير أن موقفه المذهبى يصعب التثبت منه نظرًا لما تعرضت له شخصيته وأفكاره من تحريف وتشويه على يد مترجم حياته الرئيسى الشطانوفى المتوفى سنة 713 هـ (1313 - 1314 م) وكذلك الأساطير التى رواها عنه مريدوه. ولم يكن الشيخ عبد القادر ينتمى إلى المذهب الحنبلى عن طريق الدراسة فحسب، بل بحكم طبيعة مؤلفاته نفسها. فمؤلفه "كتاب الغنية" الذى حقق غير مرة هو رسالته الكبرى فى أصول الدين والأخلاق. وهنا سوف نجده قد جمع فى صعيد واحد بين كلام فى العقيدة ورسالة فى الآداب الشرعية وتلخيص لأحكام الفقه الأساسية ومبادئ أخرى - وكل ذلك مكتوب على منهج المذهب الحنبلى الذى يتسم بالورع والجهاد. أبو الفرج بن الجوزي المتوفى سنة 597 هـ (1200 م) وهو فقيه ومحدث ومؤرخ، وفوق ذلك كله واعظ. كان وطيد الصلة بالحياة السياسية فى عصره. وقد تتلمذ على شيوخ من الحنابلة كان كثير منهم من المشهورين. ويرجع الفضل فى نجاحه أولًا إلى المناصب التى شغلها بفضل الوزير ابن هبيرة فى خلافة المقتفى والمستنجد. فأما الفترة البارزة فى نشاطه من حيث قيامه بالدعوة الرسمية فقد بدأت فى خلافة المستضئ (سنة 566 - 574 هـ = 1171 - 1179 م) ولم يضع ارتقاء الناصر (575 = 622 هـ = 1179 - 1225 م) للخلافة حدًا لنشاط ابن الجوزى على الفور ولكنه كان بمثابة بداية لانحدار مكانته وتدهور شأنه شيئًا فشيئًا. وقد اعتقل سنة 590 هـ (1194 م) وحبس خمس سنوات فى أحد المنازل بواسط، وما لبث أن قضى نحبه بعد إطلاق سراحه بقليل. ونستطيع القول بأن مجموعة مصنفاته

الضخمة (انظر الذيل، جـ 1، ص 416 - 420) تضم بين طياتها كل ضروب المؤلفات الإِسلامية وألوانها. فهو مؤرخ الخلافة فى كتابه "المنتظم" ومؤرخ الصوفية فى كتابه "صفة الصفوة" وقد تأثر فيهما غاية التأثر بابن عقيل وأبى نعيم الإصفهانى. كما أن كتابه "تلبيس إبليس" الذى شن فيه هجومًا على البدع التى استحدثت فى الإِسلام؛ وهو كتاب يسير على النهج الحنبلى فى مهاجمة الخصوم. على أن أفضل ما صنف هو كتبه المسماة "بالمناقب" التى خصصها لترجمة حياة الشخصيات الدينية والسياسية فى قرون الإِسلام الأولى. ولما كان ابن الجوزى ناقدًا لا يعرف المهادنة فقد وضع كذلك ردودًا يفند فيها آراء الحلاج وعبد القادر الجيلى والخليفة الناصر. وقد بقى للمذهب الحنبلى فى السنين الخمسين التالية عدة من الرجال البارزين يمثلونه فى بغداد، منهم ابن المارستانية المتوفى سنة 599 هـ (1203 م) وكان هذا الفقيه مشغوفًا بالعلوم الموروثة عن عصور الإغريق الغابرة، كما صنف تاريخًا لبغداد، وقد نافح بحماسة عظيمة عن سياسة ابن هبيرة فى الرسالة التى خصصها لترجمة حياته والإشادة به (الذيل، جـ 1 , ص 442 - 446)؛ ومحمَّد ابن عبد الله السامرى المتوفى سنة 616 هـ (1219 - 1220 م) وكان قاضيًا فى سامراء ومحتسبًا فى بغداد وانخرط فى الخدمة بديوان الخلافة، وقد خلف رسالتين فى الفقه لهما شأن عظيم هما: "كتاب المستوعب" و"كتاب الفروق" (الذيل، جـ 2 ص 121 - 122)؛ وإسحاق بن أحمد العُلثى المتوفى سنة 634 هـ (1236 - 1237 م) وهو صوفى وأخو جدل لايلين، اشتهر بحاسة شديدة للإصلاح بلغت به حد انتقاد الخليفة الناصر فى السياسة التى انتهجها، وابن الجوزى لتسامحه فى موضوع التأويل (الذيل جـ 2، ص 205 - 211). ومحيى الدين ابن الجوزى المتوفى سنة 652 هـ (1255 م) وهو ابن الواعظ الشهير أبى الفرج بن الجوزى، وقد اشتغل إسحاق فى خدمة الناصر والظاهر والمستنصر. وقبل مقتله هو وأبناؤه الثلاثة عند

استيلاء التتار على بغداد خلف رسالة يدافع فيها عن المذهب الحنبلى. وأقام فى أثناء رحلته الرسمية مدرسة فى دمشق هى "الجوزيّة" التى أصبحت محكمة للقاضى الحنبلى. وفى الأقاليم كذلك كان للمذهب الحنبلى ظهور مبكر جدًا. ففي أصفهان كثيرًا ما يذكر أبو عبد الله بن منده المتوفى فى سنة 395 هـ (1004 - 1005 م) وابنه أبو القاسم المتوفى سنة 470 هـ (1077 - 1078 م) باعتبارهما من الكتاب ذوى المكانة (الاختصار، ص 339 - 396). وفى هراة خلّف الأنصارى المتوفى سنة 481 هـ (1088 - 1089 م) أشهر رسالة صوفية فى تاريخ المذهب الحنبلى وهى "كتاب منازل السائرين". وفى دمشق كان من أوائل شيوخ المذهب الشيخ أبو صالح مفلح المتوفى سنة 333 هـ (941 - 942 م) وقد أسس مسجدًا يحمل اسمه خارج الباب الشرقى (البداية، جـ 11، ص 204 - 206). على أن المذهب الحنبلى أصبح راسخ القدم فى فلسطين والشام على يد أبي الفرج الشيرازي المتوفى سنة 486 هـ (1093 م) بوجه خاص (الطبقات, جـ 2، ص 248 - 249؛ الذيل، جـ 1، ص 68 - 73). بل إن ابنه عبد الوهاب المتوفى سنة 536 هـ (1141 - 1142 م) الذى كان هو نفسه واعظًا ومؤلفًا لكتاب فى الرد على المذهب الأشعرى، قد أسس بدمشق أول مدرسة حنبلية عظيمة الشأن (الذيل، جـ 1، ص 198 - 201). ومن علماء الحنابلة الآخرين علا نجم أسرتين بدمشق أيام حكم بنى زنكى والأيوبيين وهما بنو منجى ثم بنو قدامة على وجه الخصوص وهم من أبناء فلسطين (Precis de: H. Laoust drou d'Ibn Kudama, فى PIFD، 1950) ولهذه الأسرة الأخيرة ينتمى الشيخ عبد الغنى المتوفى سنة 652 هـ (1254 - 1255 م) وهو محدث ذو ميول صوفية مناوئة للأشعرية، وكذلك الشيخ موفق الدين بن قدامة المتوفى سنة 620 هـ (1223 م) الذى ندين له برسالة فى الفقه الحنبلى هى "المغنى" (فى 12 مجلدًا، القاهرة, 1922 - 1930) , وكانت هذه الرسالة وما زالت

عظيمة الشهرة. ومن ناحية أخرى، كانت مدينة حرّان من عهد قديم جدًا مركزًا لنشاط المذهب الحنبلى. أما أشهر شيوخ المدرسة فكان مجد الدين بن تيمية المتوفى سنة 652 هـ (1254 - 1255 م) الذى ندين له بمصنفيه "المنتقى" (القاهرة سنة 1932) و"المحرر" (القاهرة سنة 1950). 4 - المذهب الحنبلى فى ظل المماليك والعثمانيين: ظل المذهب الحنبلى على نشاطه الواسع بالشام وفلسطين فى ظل المماليك البحرية. وفى هذا العصر كان أحمد بن تيمية المتوفى سنة 728 هـ (1328 م) هو أشهر من يمثل المذهب؛ وكانت أسرته قد احتمت بدمشق سنة 666 هـ (1267 - 1268 م) تهيبًا من الغزو التترى الوشيك. وقد تلقى ابن تيمية تعليمه بدمشق ولم يشغف بالتراث الحنبلى فحسب بل بكل المذاهب الإِسلامية أيضًا يستوى فى ذلك شغفه وإقباله على الفقه وعلم الكلام والفلسفة. ولما كان ابن تيمية منهمكًا ومشاركًا عن قرب فى الحياة الدينية والسياسية فى عصره، فإنه سرعان ما وجد نفسه، بسبب حماسته فى الجدل، مصطدمًا بكثير من خصومه مما عرضه لمحن كثيرة. ولما حمل إلى القاهرة سنة 705 هـ (1305 - 1306 م) سجن مرة حوالى ثمانية عشر شهرًا حتى سنة 707 هـ (25 سبتمبر 1307 م). وبعد أن نفى إلى الإسكندرية سبعة أشهر أطلق سراحه الملك الناصر وأعاده إلى القاهرة بعد سقوط بيبرس الجاشنكير. وعاد إلى دمشق سنة 712 هـ (1313 م). وسجن مرة أخرى سنة 720 هـ (1320 م) بالقلعة قرابة خمسة شهور لاعتناقه رأيًا فى مسألة الطلاق عُدَّ من الزندقة. ثم سجن من جديد سنة 726 هـ (1326 م) لآرائه فى زيارة القبور حيث أنكر زيارة القبور وعدها بدعة. وكانت وفاته فى السجن بقلعة دمشق فى العشرين من ذى القعدة سنة 728 هـ (26 سبتمبر سنة 1328 م). وسواء نظرنا إلى مصنفات أحمد بن تيمية فى المذهب أو إلى دروسه التى ألقاها أو إلى نشاطه الشخصى، فإنه فى كل هذه المجالات ترك بصمة

واضحة وأثرًا عميقًا على تاريخ المذهب الحنبلى. وأهم تلاميذ ابن تيمية هو ابن قيم الجوزية المتوفى سنة 751 هـ (1350 - 1351 م؛ الذيل، جـ 2، ص 447 - 453) وقد شاركه بعضًا من محنه الأخيرة. وكان واعظًا أكثر منه متكلمًا وله حاشية على كتاب "المنازل" للأنصارى (3 مجلدات، القاهرة، سنة 1916) كما بقى لنا من مؤلفاته رسالة ذات أهمية فى أصول الفقه، وكتاب "إعلام الموقعين" (3 مجلدات، القاهرة سنة 1915) ورسالة فى الفقه العام أدارها حول نظرية فى الأدلة وهى رسالة "الطرق الحكمية" (القاهرة، سنة 1317 هـ والطبعات التالية)، ثم منظومة فى العقيدة هى "النونية" انصرف كلامه فيها بصفة خاصة إلى الهجوم على الجهمية ومذهب الاتحاد (صدرت منها طبعات كثيرة بالقاهرة منذ سنة 1902 م). عبد الرحمن بن رجب المتوفى سنة 795 هـ (1393 م) وهو من أسرة كانت نشأتها فى بغداد ولكن المقام استقر بها فى دمشق. وقد تتلمذ على ابن القيم. ولما كان فقيهًا أصوليًا ومحدثًا فقد اكتسب لنفسه بمصنفه "الذيل" صفة المؤرخ المثبت الدقيق للمذهب الحنبلى. ومؤلفه الفقهى الضخم "القواعد" (القاهرة، 1933) حرى بأن يكون رسالة تتناول موضوعًا واحدًا. ولابن رجب أيضًا عدة رسائل يسعى فيها لتوطيد دعائم موقف السلف، على أساس من العقيدة مع الاستمساك بشئ من الصلابة فى الرأى. وفى ظل حكم المماليك الجراكسة (784 - 923 هـ = 1382 - 1517 م) فقد المذهب الحنبلى بعض ماله من مكانة فى الشام وفلسطين لأسباب من العسير التأكد منها، على أنه ليس ثمة ريب فى أن من بين ما يعين على جلاء الأمر وتعليل هذا الاضمحلال النسبى عداء المذهب الحنبلى لمدرسة ابن عربى ومذهب الاتحاد اللذين كان أثرهما فى نمو وازدياد. ومع ما اعتور المذهب الحنبلى من ضعف كبير، فإنه لم يغب عن الساحة غيابًا كاملًا. فقد كانت تمثله أسر عظيمة من الفقهاء الذين احتكروا

التدريس كما احتكروا الوظائف الرسمية، كما يتميز هذا المذهب بكثيرين من علماء الأصول الذين تستوجب مكانتهم منا أن نعمل على إبرازها. وثمة قائمة بأسمائهم فى كتاب "مختصر طبقات الحنابلة" الذى ألفه المفتى الجليل للحنابلة فى دمشق الشيخ محمد جميل الشطى (نشر فى دمشق سنة 1330 هـ = 1921 م) وهو يعتمد على كتاب "المنهج الأحمد" - الذى لم ينشر حتى الآن - لمجير الدين العُليمى المتوفى سنة 927 هـ (1521 م) مؤرخ القدس والخليل. قاضى القضاة برهان الدين بن المفلح المتوفى سنة 884 هـ (1479 - 1480 م) وهو سليل أسرة أمدت المذهب الحنبلى بعلماء آخرين كثيرين يضارعونه فى الشهرة وذيوع الصيت، وقد صنف فيما صنف تاريخًا للمذهب الحنبلى، لم يقم أحد بتحقيقه حتى الآن. علاء الدين المرداوى المتوفى سنة 885 هـ (1480 - 1481 م) معروف على وجه الخصوص فى تراث المذهب بمرجعه الضخم فى الفروع وهو "كتاب الإنصاف" وبرسالة فى أصول الفقه هى "كتاب التحرير فى أصول الفقه". وقد بدا أثره واضحًا جليًا على كثيرين من علماء مصر فى هذا العصر (المختصر، ص 69) وأتم كتابه شهاب الدين العسكري المتوفى سنة 912 هـ (1506 - 1507 م؛ المصدر السابق، ص 78 - 79). وبعد فتح الشام ومصر (1517 م) لم يكن نظام الحكم العثمانى موافقًا للمذهب الحنبلى، إلى حد أنه جعل الصدارة للمذهب الحنفى أو الماتريدى. على أن كثيرًا من العلماء فى الشام وفلسطين ومصر خليقون بأن نذكرهم هنا: شرف الدين موسى الحُجاوى المتوفى سنة 986 هـ (1560 - 1561 م) من أبناء القدس وقد كان موضع ثقة عظيمة فى هذه البلاد الثلاثة. وما يعنينا فى المقام الأول أنه مؤلف "كتاب الإقناع" (نشر بالقاهرة) الذى ظل على مدى زمن طويل من الرسائل الأساسية فى الفقه الحنبلى، وما يزال يرجع إليه بصفة مستمرة (المختصر، ص 85).

منصور البهوتى المتوفى سنة 1051 هـ (1641 م) وقد قام بالتدريس بجامعة الأزهر، وخلف أيضًا عدة رسائل ذات قيمة. ابن العماد المتوفى سنة 1089 هـ (1679 م) ولد بدمشق وتلقى العلم بالقاهرة وتوفى بمكة. وهو فى المقام الأول، وفى عيون الأجيال التى تلته - مؤلف "شذرات الذهب" (المختصر، ص 61). على البرادعى المتوفى سنة 1150 هـ (1737 - 1738 م) كان واعظًا رسميًا بمسجد سنان باشا بدمشق وتولى أمر المدرسة العمرية، وقد أثر عنه أنه كان واعظًا عظيمًا (المختصر، ص 123). الشيخ عبد الرحمن البَعْلى المتوفى سنة 1192 هـ (1778 م) وقد أنجبت أسرته أيضًا علماء مبرزين آخرين فى العلوم الإِسلامية. وانخرط عبد الرحمن فى صوفية ابن عربى وابن الفارض بإرشاد الشيخ عبد الغنى النابلسى (المختصر، ص 133) - الأمر الذى لا يعد ظاهرة قائمة بنفسها، إذ إن المذهب الحنبلى لم يعدم من الحنابلة من سعوا إلى الجمع فى ذكاء بين الشريعة والحقيقة جنبًا إلى جنب. وأبرز حقيقة فى تاريخ المذهب الحنبلى فى ظل حكم العثمانيين هى ظهور المذهب الوهابى على يد الشيخ محمد بن عبد الوهاب المتوفى سنة 1206 هـ (1792 م؛ انظر H. Laoust: Essai sur Ibn Taymiya، ص 506 - 540). ولد محمد بن عبد الوهاب بالعُيَيْنَة حوالى سنة 1115 هـ (1703 م) ولكنه تلقى القدر الأكبر من علومه فى مكة والمدينة، ونجح فى استمالة الأمير محمد بن سعود أمير الدرعية إلى دعوته بعد عدة محاولات لم يكتب لها النجاح. وهكذا ولدت الدولة السعودية سنة 1157 هـ (1744) واستطاعت بعد تقلبات شتى أن تبقى. وما يزال محمد بن عبد الوهاب عبر هذا التاريخ الطويل، هو مُنَظِّر هذه الحركة الأول المشهود له بالقدح المعلى فى ذلك. وعلاوة على كتب أخرى كثيرة فى العقيدة ألفها محمد بن عبد الوهاب، فإن أخطر مؤلفاته شأنًا هو "كتاب التوحيد"

(طبعت منه طبعات كثيرة). ويمكن العثور على المؤلفات التى تحمل سمة الحركة فى "مجموعة التوحيد النجدية" (القاهرة سنة 1346 هـ) و"مجموعة الرسائل والمسائل النجدية" (القاهرة 1346 هـ, 4 مجلدات). واستفاد محمد بن عبد الوهاب وتلاميذه استفادةً عظيمة من مؤلفات أحمد بن تيمية، ولا سيما "الواسطية" و"السياسة الشرعية" و"منهاج السنة" وسائر رسائل ابن تيمية التى حمل فيها على تقديس الأولياء وعلى صور بعينها من الصوفية فى مقدمتها مذهب الاتحاد. ويأتى بعد ابن تيمية، ابن القيم الذى يستشهد بمؤلفاته كثيرًا هو الآخر، وإن كان هناك مؤلفون آخرون من المتقدمين أو المتأخرين، مثل القاضى أبى يعلى أو الحجاوى اللذين رجع إليهم أيضًا الكتاب الوهابيون. على أن الوهابية لم تكتسب داخل المذهب الحنبلى تأييدًا مطلقًا أو مجمعًا عليه، فقد كان من المؤلفين الحنابلة من لم يتبع الوهابية بل ناصبها العداء أيضًا: ومن أمثال هؤلاء ابن حميد المكى المتوفى سنة 1295 هـ (1878 م؛ Brockelmann, قسم 2, ص 812) وهو صاحب مجموعة هامة من التراجم الحنبلية وهى "السحب الوابلة"، وتحقيق هذا الكتاب من شأنه أن يسهم إسهامًا عظيمًا فى فهم أفضل للإسلام فى الزمن الحديث والمعاصر. إن الوهابية التى ناقشها الناس بحماسة وانفعال إبان ظهورها وفى أوقات أخرى من تاريخها كان لها خصوم ألداء فى الامبراطورية العثمانية وفارس وبلدان عربية مختلفة، واستطاعت أن تخلف أثرًا باقيًا وعميقًا - وإن تفاوت مقدار بقائه وعمقه - فى بلاد المغرب العربى والهند وشبه جزيرة العرب. وقد اتضح أثرها على الحركة الشامية المصرية للإصلاح الإِسلامى، وعلى الأخص فى شخص رشيد رضا المتوفى سنة 1935 م فى الحقبة التى أعقبت الحرب العالمية الأولى. وقد كان هناك سعى فى بعض الأحيان للتأثير عن طريق المذهب الحنبلى فى مولد حركة الإخوان المسلمين (راجع J. Heyworth - Dunne: Religins and Political trends in modern

المصادر

Egypt، ص 16). أما فيما عدا ذلك، فما يزال الفقه الحنبلى يفعل فعله إلى حد كبير فى المملكة العربية السعودية. كما صدر الكثير من كتب الحنابلة فى غضون القرن الماضي، لا فى شبه الجزيرة العربية فحسب، بل فى الهند والشام ومصر أيضًا. المصادر: (1) Ie hanbalisme sous le: H. Laoust - 856 - 656 - 241) caliphat de Baghdad (1258 فى REI، سنة 1959، ص 67 - 128. (2) المؤلف نفسه: le hanbalisme sous les Mamhauks Baharides فى REI، سنة 1960، ص 1 - 71. كما يمكن أن نشير هنا إلى المصادر الآتية المنشورة. (3) أبو الحسين (المتوفى سنة 256 هـ = 1132 م): طبقات الحنابلة، تحقيق: محمد حامد الفقى، مجلدان، القاهرة , 1371 هـ = 1952 م. (4) ابن رجب (المتوفى سنة 795 هـ = 1393 م): ذيل على طبقات الحنابلة، تحقيق جزء منه قام به لاوست والدهان, PIFD, سنة 1951، وتحقيق كامل قام به: محمد حامد الفقى، مجلدان، القاهرة, 1372 هـ - 1953 م. (5) النابلسى (المتوفى سنة 797 هـ = 1395 م): كتاب الاختصار، تحقيق: أحمد عبيد، دمشق، سنة 1350 هـ - 1932 م (6) ابن العماد (المتوفى سنة 1089 هـ = 1678 م): شذرات الذهب، 9 مجلدات، القاهرة، 1351 هـ (1933) (7) جميل الشطى: مختصر طبقات الحنابلة، دمشق, 1339 هـ - 1921 م. ومن الكتب التمهيدية المفيدة فى الموضوع: (8) ابن بدران: مدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل، دمشق، بدون تاريخ. معتز محمود [هنرى لاوست H. Laoust] الحناطة هى التطييب، وجذر الكلمة مألوف فى اللغات السامية، ويعنى أولا "تغير اللون" وبخاصة فى الثمرة الناضجة

(ومن هنا حنطة = "قمح") ومن ثم الأثر الذى تخلفه الزيوت العطرية إلخ .. والمعنيان موجودان فى العربية والعبرية. وتفسر كلمة حَنَّاط (العربية) فيقال إنه الشخص الذى يحترف الحناطة؛ ويشرح السمعانى كلًا من كلمة "حَنَّاط" و"حَنّاطى" فيقول إنهما يطلقان على بائع الحنطة. ويبدو أن اللغة الآرامية وحدها هى التى تعنى بكلمة "هَنَّاطا" المُحَنِّط. والحنوط هو طيب، أو مرهم ذو رائحة زكية، ولكنه يرتبط بالموت على الدوام؛ وكان العرب حين يستعدون للحرب يضمّخون أنفسهم بالحنوط، ليكونوا أقوياء فى مجابهة الموت (عبيد بن الإبرص (¬1)، سنة 1913, ص 17). وثابت بن قيس الذى حمل راية الأنصار، حنط نفسه، وارتدى كفنه واحتفر حفرة غطس فيها حتى ظنابيب ساقيه، وحارب منها حتى قتل. وتردّ هذه العادة إلى ثمود، ذلك أنهم: لما استيقنوا بالعذاب تكفنوا بالأنطاع، وتحنطوا بالصبر لئلا يجيفوا وينتنوا. ولم يكن هذا التقليد مقصورًا على المحاربين؛ لأن ثمة شاعرًا يقول: "وكل ذى عمر يومًا سيحتنط"؛ ولم يكن هدفه المنفعة بالتأكيد لأن الإنسان وهو على شفا الموت، يجب أن يتطيب "تشريفًا للملائكة". ولم يحنط الشهداء، بما فيهم الحاج الذى هلك بسقوطه عن جمله. ويروى الإنجيل عبارة مماثلة هى "فطيبت جسدى سالفًا للدفن (¬2) ". وكانت الأفاوية تحمل إلى القبر. وكان الحنوط أنواعًا مختلفة؛ وعبارة "أفضل حنوط هو الكافور" تناقض عبارة "كافور وحنوط" وعبارة "ضعوا الحنوط على رأسى ولحيتى، والكافور على مواضع سجودى", أى أجزاء الجسم التى تلمس الأرض فى أثناء الصلاة، ومقدمة الرأس (الجبين والأنف)، وأطراف اليدين، والركبتين، وأصابع القدمين. ويصنع الحنوط من ¬

_ (¬1) ورد فى ديوان عبيد بن الأبرص بيت من الشعر يقول فيه: وكل مجتمع لا بد مفترق ... وكل ذى عمر يومًا سيحتنط (ديوان عبيد بن الأبرص، تحقيق سير تشارلس ليال، دار المعارف, القاهرة، بدون تاريخ, ص 22). المترجم (¬2) إنجيل مرقس.

ذريرة من نبات الأسل الحلو، أو من خليط من المسك والعنبر (والراجح من الزعفران)، أو من كافور أو قصب هندى، أو من خشب الصندل المسحوق. وقد أصر البعض على الكافور الجاف، ومنع آخرون استعمال الزعفران حنوطًا للذكور. وبالنسبة لحنوط الميت، يعد المسك ألطف من الكافور، والكافور أفضل لتجفيف الجسد، وحفظه باردًا، وزيادته صلابة، وفى إبعاد الحشرات عنه. ويجب ألا يوضع الكافور فى الماء الذى غسل به الجسد، بل يوضع فوق الجسد بعد أن يجف. وقال بعضهم إن الحنوط لا بد أن يوضع فوق الجسد، وقال آخرون، إنه ينبغي أن يوضع بين الأكفان، وألا يوضع فوقها، وقد سمحت جماعة ثالثة بوضع الحنوط على الأكفان وعلى النعش. فكيف كان يستعمل الحنوط إذن؟ جميع العبارات المستعملة يشوبها الغموض، ولكن ثمة عبارات كثيرة جدًا ليس ثمة شك فى مدلولها. كان الحنوط يوضع على العيون، والأنف والأذنين والبطن، وتحت الذقن والإبطين، وفوق السرة, وبين الفخذين، وخلف الركبتين، وعلى كعبى القدمين. وقد يسد البعض فتحات الجسم بالقطن، ويضعه بعضهم فى فتحة الشرج، ويضيف أحد الكتاب بأن الغرض من ذلك هو إبعاد الديدان. وقد منع واحد من أهل النظر، الإسراف فى استعمال القطن, لأن الجثة يجب أن تكون مثل عود واحد، وليس مثل الحزمة. ويجب ألا يوضع القطن فى الأنف، والحنجرة أو فى فتحة الشرج. وكان ثمة عادة تقتضى وضع سكين أو ثقل فوق البطن خشية أن ينتفخ القلب أو ينفجر البطن قبل الدفن. ولم تصل هذه العادات إلى ما يسمى الآن بالتحنيط. فقد قتل رجل فى البصرة فى أثناء فتنة الزنج سنة 257 هـ (871 م)، ولم يعثر على جسده إلَّا بعد عامين؛ ولم يصبه أى تغير (لم يتحلل جسده) ولكن الجلد كان ملتصقًا بالعظام، ولم يكن بطنه مبقورًا. وثمة تفسير محتمل للعبارة الأخيرة، هو أن العرب كانوا يعرفون [حينئذ] نزع أحشاء الموتى. وقد حكم البعض بأن إخراج الجثة من

القبر، لم يكن أمرًا مشروعًا, ولكن إعادة الدفن كان أمرًا شائعًا كل الشيوع مما يستدعى الالتفات. والأرجح أن تؤخذ عبارة "أخرجت عظامه، وأعيد دفنها" بمعناها الحرفى. وفى زمن لاحق، نجد كلمة صَبْر، من صَبِر، وتعنى عصارات نبات الصبر، أو عصارات بعض النباتات المرة الأخرى، كانت مستعملة مرادفة للحنطة. ويبدو أن عصارات الصبر ذكرها بعض الكتاب العرب فى قصة ثمود وحسب؛ بيد أنها لم ترد فى غير ذلك إلَّا فى معجم سرياني. وهناك كثير من القصص افترضت وجود التحنيط. ففي سنة 559 هـ (1164 م) مات رجل فى الموصل وحمل جسده إلى بغداد، والحلة، والكوفة، وارتحل به رحلات قصيرة إلى كربلاء, والنجف، ثم إلى مكة، وعرفات، حيث عومل معاملة الحجاج، وحمل آخر الأمر إلى المدينة ليدفن فى الرباط الذى سبق أن أقامه. وفى سنة 615 هـ (1218 م) توفى أمير دمشق؛ وظل أمر موته سرًا، وحنط جسده، ووضع فى محفة، ومعه عبد يقوم بالتهوية عليه، ثم حمل إلى دمشق. وفى سنة 556 هـ (1527 م). مات رجل فى بغداد، وحمل جسده مع الحجاج أثناء العودة إلى وطنهم، ولهذا تركت جثته لدى بعض البدو حتى العام التالى. وتوحى الشواهد بأن التحنيط كان له أثر، وأنه منع تحلل الجسد. ومن ناحية أخرى نجد ابن بطوطة (جـ 2، ص 313, ترجمة كب Gibb, جـ 2، 447) يقول إن أحد أبناء صاروخان، حنط ووضع فى تابوت، ودفن فى كنيسة صغيرة ليس لها سقف، حتى لا تفوح الرائحة المنتنة، وقد حدث ذلك كما يبدو سنة 731 هـ (1331 م). وحين مات سيف الدولة سنة 356 هـ (967 م) غسل جسده بالماء عدة مرات، وبأنواع كثيرة من الطيب، ودهن بالمر والكافور؛ ووضع 100 مثقال من الغالية على صدغيه ورقبته و 30 مثقالًا من الكافور فى أذنيه وعينيه وأنفه وقذاله. وكان ثمن الأكفان 1000 دينار؛ ووضع جسده فى تابوت، ونثر فوقه الكافور. ولما مات ابن كلّس سنة 380 هـ (990 م) وهب له الخليفة الأكفان، وكانت 50

المصادر

درجًا من الكتان الديبقى، يزن كل درج منها 30 مثقالا لما اشتملت عليه من خيوط الذهب، وكان حنوطه صندوقًا من الكافور، وقارورتين من المسك، وحمل خمسون رجلًا ماء الورد، وبلغت جملة تكاليفه 10000 دينار (المقريزى، الخطط سنة 1270 هـ, جـ 2، ص 7؛ وتبدو كلمة الحنوط هنا اسم جمع للعطور). ولعل الأجساد التى تحمل للدفن فى كربلاء والنجف، كانت توضع فى توابيت غليظة، أو تُلف فى الحصير، وكان التحنيط على أى شكل بدائيًا، ذلك أن الرائحة المنتنة كانت مريعة. وتزودنا المعاجم الحديثة بمعنى "يحنط"، ولكن لسان العرب، يقول: "أحنط الرمث، أبيض وأدرك"؛ وفى تونس الآن، قد يكون الحنوط من المادة الصمغية للفستق، والقرنفل، وبراعم الورد. المصادر: (1) لسان العرب، وتاج العروس، وهذه المادة. (2) Dozy: الملحق، ومادة "صَبَرَ". (3) البخارى، صحيح (كتاب الجنائز)، الشروح. (4) كتب الفقه السنية. (5) ابن الحجاج، المدخل سنة 1929, جـ 3، ص 237 - 272. (6) Renaissance des Islam: Mez ص 371. حسن شكرى [أ. س. تريتون A.S. Tritton] حنظلة بن صفوان حنظلة بن صفوان بن زهير الكلبى. تقلد ولاية مصر سنة 102 للهجرة (720 - 721 م) من قبل الخليفة يزيد الثانى، فحل بذلك محل أخيه بشر بن صفوان الذى أنفذ إلى إفريقية. وقد دمر حنظلة الصور والتماثيل بأمر من يزيد، وحكم زهاء ثلاثة أعوام (شوال سنة 102 هـ - شوال سنة 105 هـ) إلى أن أقاله هشام. وقد اضطر هشام بعد ذلك إلى أن يعيده إلى مصر عندما تبين أن خلفه عبد الرحمن بن خالد كان من العجز بحيث عرض البلاد لغزو البوزنطيين

المصادر

(7 من شعبان سنة 118 = 20 من أغسطس سنة 736 م)، واستمرت ولاية حنظلة خمس سنوات وثمانية أشهر إلى أن تزعزع سلطان العرب فى المغرب بقيام دولة البربر، وهم من الخوارج، فأفنوا جيشًا عربيًا على شطوط وادى سبو وقتلوا الوالى كلثوم. وكان مجئ حنظلة فى الوقت المناسب لرد البربر الذين غزوا إفريقية وزحفوا صوب القيروان فأنزل الهزيمة بجيش كان يقوده عكاشة عند القرن، وأسر عكاشة ثم قتله، كما مثل بجيش آخر عند الأصنام يقوده عبد الواحد بن يزيد الذى سقط قتيلًا فى المعركة (جمادى الآخر عام 124 هـ = أبريل - مايو عام 742 م). وكان الاضطراب الذى نشأ عن سقوط بنى أمية له أثره المحسوس فى المغرب كذلك، فإن عبد الرحمن بن حبيب، وهو من سلالة عقبة بن نافع، عاد من الأندلس وقوى عضده حتى طرد حنظلة. ولم يقاومه حنظلة لاعتبارات دينية، ولكنه غادر القيروان فى جمادى الأولى سنة 127 هـ (فبراير - مارس سنة 745 م) وعاد إلى المشرق وهو يلعن إفريقية، وفى رواية أخرى أن عودته كانت سنة 129 هـ (يناير - فبراير سنة 747 م). المصادر: (1) ابن عذارى: تاريخ إفريقية، جـ 1 ص 45 - 48, وما بعدها. (2) ابن عبد الحكم: تاريخ فتح الأندلس طبعة Jones, كوتنكن 1898. ص 23 - 24. (3) الطبرى، جـ 2 ص 1871. (4) ابن واضح اليعقوبى: التاريخ, جـ 2، ص 382. (5) ابن الأثير: الكامل، طبعة القاهرة 1312, جـ 5، ص 124, ص 147. (6) ابن خلدون: تاريخ إفريقية وصقلية طبعة باريس 1841، ص 13 - 14 من المتن، وص 38 - 41 من الترجمة. (7) ابن خلدون: كتاب العبر، جـ 6، ص 111. (8) المؤلف نفسه: تاريخ البربر ترجمة de slane، جـ 1، ص 217 - 219.

المصادر

(9) النويرى على هامش الجزء الأول من تاريخ البربر ص 362 - 365. (10) ابن دينار: المؤنس، طبعة تونس 1286 هـ, ص 297 - 302, 322 - 323. عباس محمود [رينيه باسيه Rene Basset] حنظلة بن صفوان من أهل "الفترة"، وقيل أنه نبى أصحاب الرس الذين أساءوا إليه وقتلوه قبل أن يهلكوا هم أنفسهم. والظاهر أن هذه القصة نشأت فى القرن الثالث الهجرى (التاسع الميلادى؛ انظر الجاحظ: التربيع تحقيق بلا, الفهرس)، على أن ابن قتيبة لم يذكر حنظلة ضمن أنبياء "الفترة" واكتفى المسعودى (المروج، جـ 1 ص 125؛ جـ 3، ص 125) بالحديث عنه فى سطور قليلة. ثم حدث من بعد أن بعض مفسرى القرآن الكريم لم يجدوا مندوحة من ان يلتمسوا تفسيرًا للعبارة القرآنية "أصحاب الرس" (سورة الفرقان، الآيات 38 - 40) فتوسعوا فى القصة توسعًا ذاع أمره، وانتهى بهم ذلك إلى أن نسبوا إلى حنظلة الشأن الذى كان لخالد بن سنان من أنه هو الذى طرد أو قضى على الطائر الخرافى "العنقاء" التى كانت تنزل الدمار بأصحاب الرس (القزوينى: عجائب المخلوقات، طبعة فستنفلد، ص 367): وكان لهؤلاء قرب عدن بئر تمدهم بالماء الوفير وملك يحكمهم بالعدل ويكفل لهم السعادة. فلما مات هذا الملك حنّطه شعبه حتى يبقوا على صورته وتسلل الشيطان إلى جسد الملك الميت وأعلن أنه لم يمت فحثهم بذلك على عبادة هذا الصنم بعد إذ أمر بأن يختفى خلف قناع. وقيل بأنه أُرسل إلى هؤلاء الناس حنظلة بن صفوان العبسى، ليكشف لهم خدعة الشيطان ويردهم إلى عبادة الله، ولكن أصحاب الرس لم يصدقوا كلامه وقتلوه ورموه فى البئر. ولم يلبث عقاب الله أن نزل بهم فقضى عليهم. المصادر: علاوة على ما ذكر فى صلب المادة: (1) الثعلبي: قصص الأنبياء، القاهرة سنة 1292 هـ ص 129 - 133. (2) الدميرى: كتاب الحيوان، مادة العنقاء.

حنظلة بن مالك

(3) المقدسى، جـ 3، ص 134 من المتن، وص 138 من الترجمة. (4) Contes, etc.: R. Basset, جـ 3، ص 86 - 88, وهو هنا يستشهد بفقرة من ابن كثير: البداية، جـ 2 متبعًا - Ham ongines russes: mer, سانت بطرسبرغ سنة 1852، ص 15 - 16, 87, ويقرن قوله بدراسة مقارنة للقصة والشيطان الذى يتخذ هيئة الميت. خورشيد [بلا Ch. Pellat] حنظلة بن مالك قبيلة عربية من بنى معد، نسبها حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم. ومن بطونها الهامة البراجم وإليها ينتسب الفرزدق الشاعر؛ ودارم ويربوع. ويرفع الشاعر علقمة بن عبادة نسبه إلى حنظلة. وكانت حنظلة تسكن جُراد والمبَروُت وهما تلان من الرمال بالقرب من حمى ضَريَّة باليمامة. ومن بلادهم الصَمّان وفيها كثير من الآبار وطرق الرى، والرقمتان. ومن وديانهم الغمتين ووادى العرِق. ومن بحيراتهم "خَبى" وتذكر خطأ باسم جبى (انظر Register: Wustenfeld، ص 203) واللواحظ؛ وبها أيضًا جبال كرفة. تاريخها: كان لحنظلة شأن كبير فى أيام العرب. ففى يوم أوارة الثانى الذى حدث فى الدهناء بالقرب من البحرين أمر الملك اللخمى عمرو بن هند بأن يدفن مائة دارمى من حنظلة أحياء؛ لأن أخًا له كان فى جوار زرارة بن عدس شيخ قبيلة دارم قتله سويد بن ربيعة زوج ابنة زرارة. ومن ثم لقب عمرو بالمحرّق. وأشعلت قبيلة عامر بزعامة الأخوص أخى خالد بن جعفر الحرب على حنظلة لأن حاجب بن زرارة أجار حارث بن ظالم بعد أن قتل خالد بن جعفر رئيس قبيلة عامر بن صعصعة. فسطوا على قافلة لهم عند "رحرحان" وسبوا نساءهم، وأسروا معبدًا أخا حاجب واستولوا على إبله. وكان ذلك سبب الوقعة التى نشبت بين عامر وتميم.

المصادر

وفى الحرب التى نشبت بين بكر بن وائل وبين تغلب بزعامة شرحبيل وسلمة ابنى الحارث بن عمرو المقصور شيخ قبيلة كندة فى يوم كلاب الأول الذى وقع فى الدهناء، كانت حنظلة تقاتل فى صفوف قبيلة بكر بن وائل - ثم تركتها بعد ذلك فى المعمعة ولاذت بالفرار، فانتقمت اللواحظ - وهى بطن من بطون بكر بن وائل - من قبيلة حنظلة، وانضم إلى اللواحظ أقاربهم من بنى ذهل وبنى عجل فأغاروا على حنظلة وأسروا منهم أسرى كثيرين، واستولوا على أسلاب وغنائم كثيرة، وكان ذلك فى وسيط بناحية تمان من أعمال الدهناء. وفى يوم كلاب الثانى الذى نشبت الحرب فيه بين بلحارث وهمدان وقضاعة وغيرهم من ناحية، وبين تميم من ناحية أخرى، قاتلت حنظلة فى صفوف تميم. وادّعت سجاح النبوة، وكانت قد نشأت فى قبيلة تغلب بأرض الجزيرة، وكثر أتباعها من التغالبة ومن إياد وقضاعة إبان خلافة أبى بكر. فانحاز إليها كثير من الحناظلة نخص منهم بالذكر بنى يربوع، فجرد عليهم أبو بكر جيشًا بقيادة خالد بن الوليد فأخضعهم وأدوا الجزية. المصادر: (1) الهمدانى: الجزيرة (طبعة Mueller) ص 138، س 10 - 15، ص 148, س 9, 11, ص 153, س 18، ص 165، س 14, ص 170، س 18، ص 179, س 6, ص 182 س 14. (2) ياقوت: المعجم، طبعة - Wuesfen feld، جـ 2، ص 261، 348, 401, 801، جـ 3، ص 182، 384، 417, 651, 785, 818, جـ 4، ص 260، 744. (3) الأغانى، جـ 11، ص 65، جـ 19، ص 5، وص 129 - 130 وانظر الفهرس أيضًا. (4) Essai sur: Caussin de Perceval l'hist. des Arabes avant I'Islamisme, جـ 2، ص 120 - 124, 297 - 298, 460 - 472, 580 - 592, 603, جـ 3 ص 354, 364, 366. (5) Geneal. Tabel -: F. Wustenfeld len، جـ 2 Table K. and Register: ص 203. عباس محمود [شليفر J. Schleiferr]

الحنفية

الحنفية هم أولئك المسلمون من أهل السنة الذين اتبعوا مذهب أبى حنيفة (المتوفى عام 150 هـ = 767 م؛ ) الذى جمعه تلاميذه وضمّنوه تواليفهم الصحاح التى تتفاوت فى إسهابها. وأبو يوسف والشيبانى هما بخاصة تلميذا أبى حنيفة المباشران اللذان توسعا فى فقه أستاذهما مهتدين بهديه، وأقاما المذهب الحنفى على قواعد راسخة. وثمت مذاهب أخرى نافست هذا المذهب، فقد نشأ من بعده مباشرة مذهب مالك ثم تلا ذلك مذهب الشافعى، وتشيعت لهما بعض أقطار العالم الإِسلامى أكثر مما تشيعت للحنفية. على أن هذا المذهب استطاع دائمًا أن يمكن لنفسه فى الأقطار الشرقية للخلافة الإِسلامية ثم انتهى الأمر بغلبته على جميع المذاهب فى الامبراطورية العثمانية. أضف إلى ذلك أن معظم أهل السنة فى آسية الوسطى وفى الهند البريطانية من أتباعه. ولسنا بصدد كتابة مدخل لتاريخ المذهب الحنفى، ومن ثم فإننا لن نحاول فى هذا المقام تحديد الصلة بين هذا المذهب وغيره من المذاهب. ذلك أن القواعد التى يقوم عليها تماثل القواعد التى تستند إليها المذاهب الأخرى. هذا وقد اكتفى العرب بأن يجمعوا المواد الخاصة بالتراجم والكتب فيما يعرف بالطبقات, ومن خير هذه الطبقات الموجز الذى ألفه ابن قطلوبغا ونشره فلوكل Fluegel بعنوان - Die Klas sen der Hanefitischen Rechtsgelhrten فى Abhardi. der Koe-Saechs. Gesells. der Wissench .. المجلد الثامن ليبسك 1861 م. وحسبنا أن نذكر هنا عددًا قليلًا من أهم المختصرات الفقهية التى تعد حجة بين أتباع هذا المذهب ومن هذه المختصرات كتاب الخراج لأبى يوسف، والجامع الصغير للشيبانى، ومختصر القدورى، والهداية للمرغنانى، وشروحها وخاصة الوقاية لبرهان الدين محمود، والفرائض للسجاوندى، وكتاب مجمع البحرين لابن الساعاتى، وكنز الدقائق للنسفى، وملتقى الأبحر للحلبى. خورشيد

+ الحنفية، المذهب الحنفى نسبة إلى أبى حنيفة النعمان بن ثابت، وقد نما هذا المذهب من صلب مدرسة الكوفة القديمة، واستوعب مدرسة البصرة القديمة أيضًا. ونحن نجد فى زمن متقدم يرجع إلى الجيل الذى تلا أبا حنيفة المتوفى سنة 182 هـ (795 م) أن أبا يوسف أشار إليه بقوله "الإمام الأعظم" (كتاب الخراج، جـ 2)، ويتحدث الشيبانى المتوفى سنة 189 هـ (805 م؛ ) عن أتباع أبى حنيفة. ويردد الشافعى المتوفى سنة 204 هـ (820 م؛ ) القول بأن أتباع أبى حنيفة جماعة متجانسة (اختلاف الحديث على هامش كتاب الأم، جـ 7، ص 122, 337 وغير ذلك من المواضع). وقد تحول معظم مادة مدرسة الكوفة القديمة إلى المذهب الحنفى بفضل النشاط الواسع لأبى يوسف فى التأليف عامة، وبفضل أمهات الكتب التى ألفها الشيبانى خاصة وهى "كتاب الأصل" (بدأ بتحقيقه شفيق شحاته، القاهرة سنة 1954) وكتاب "الجامع الكبير" (بتحقيق أبى الوفا الأفغانى، القاهرة سنة 1356 هـ)، وكتاب "الجامع الصغير" (بولاق سنة 1302 هـ على هامش كتاب الخراج لأبى يوسف)، وأصبحت هذه الكتب عمدة المذهب الحنفى، وأصبح أبو يوسف والشيبانى يعدان الصاحبين الأكبرين لأبى حنيفة، وغدا ثلاثتهما أوثق مراجع هذا المذهب، ولو أن أصحابًا آخرين له مثل زفر بن الهذيل والحسن بن زياد اللؤلؤى لا يقلون عنهما شأنًا فى ذلك الزمان. وهم يختلفون فيما بينهم كثيرًا، على أن صفة الوحدة فى المذهب الحنفى أقل وضوحًا بكثير من المذاهب الأخرى (والخلافات فى الرأى بين هؤلاء الأثبات الثلاثة سجلها أبو الليث السمرقندي فى كتابه "مختلف الرواية"). وقد أصبح أبو حنيفة ومذهبه لأسباب عارضة، الهدف الرئيسى لأهل الحديث فى إنكارهم للأخذ بالرأى فى مسائل الفقه. ونشأ المذهب الحنفى فى العراق ومن ثم أيده الخلفاء العباسيون الأولون. وقد عرض دائمًا العرض الحسن فى موطنه وفى الشام. وانتشر مبكرًا فى المشرق، فامتد إلى خراسان،

وما وراء النهر، وأفغانستان (حيث يعترف الدستور بالمذهب الحنفى)، وشبه القارة الهندية، وكذلك امتد إلى آسية الوسطى التركية والصين. وثمة أعلام مشاهير كثيرون لهذا المذهب قدموا من خراسان وما وراء النهر. ومنذ القرن الخامس الهجرى (الحادى عشر الميلادى) حتى دخل عصر المغول استطاع بنو مازة أن يمارسوا السلطان السياسى فى بخارى بوصفهم الرؤساء الوراثيين للحنفية فى هذه المدينة وتلقبوا بلقب "الصدر". وسن الحنفية فى خراسان منذ القرن الثالث الهجرى (والتاسع الميلادى) تشريعًا خاصًا بالرى يناسب شبكة القنوات هناك: (انظر الكرديزى زين الأخبار، ص 8) وكان للمذهب الحنفى أيضًا أتباع فى المغرب إلى جانب المالكية أيام القرون القليلة الأولى للإسلام، وخاصة فى إفريقية أيام الأغالبة، بل لقد ساد الأحناف فى صقلية (انظر المقدسى، ص 236 وما بعدها) وأخيرًا، نجد أن المذهب الحنفى أصبح المذهب الأثير لدى السلاطين السلاجقة الأتراك والأتراك العثمانيين. وحاز هذا المذهب الرضا المستمر لدى هذه الأسرة الحاكمة، وأصبح هو المذهب الرسمى الوحيد فى جميع أرجاء الإمبراطورية العثمانية. واحتفظ المذهب الحنفى، من حيث تراث الحكم العثمانى الأولى، بمكانته الرسمية فى تلك الولايات العثمانية السابقة ما بقى الشرع الإِسلامى سائدًا فيها، بل فى تلك الولايات التى كان معظم أهلها المسلمين يتبعون مذهبًا آخر مثل مصر والسودان والأردن، وفلسطين، ولبنان، وسورية. ونذكر من أعلام المذهب الحنفى فى العصر السالف ممن بقيت لنا من تآليفهم كتب يتفاوت حظها من الشأن: الخصّاف المتوفى سنة 261 هـ وكان فقيهًا لبلاط الخليفة المهتدى، وقد كتب رسالة فى "الوقف" أصبحت عمدة، ورسالة فى واجبات "القاضى"، وكتابًا فى "الحيل"؛ الطهاوى المتوفى سنة 321 هـ (933 م) وهو حنفى كان من أتباع مذهب الشافعى؛ والحاكم الشهيد

المتوفى سنة 334 هـ (945 م) الذى اختصر محتويات الكتب الأمهات للشيبانى وضمنها كتابًا له هو "الكافى"؛ وأبا الليث السمرقندى المتوفى سنة 375 هـ (985 م) وهو كاتب غزير المادة فى الفقه وغيره من فروع العلوم الدينية؛ والقدورى المتوفى سنة 428 هـ (1036 م) الذى اقتبست الكتب المتأخرة الكثير من كتابه "المختصر". وفى أثناء هذه الفترة كلها شاعت فى المذهب الحنفى سنة قوية تهدف إلى تأليف كتب فى تطبيق الشريعة الإِسلامية. فالمبسوط لشمس الأئمة السرخسى المتوفى سنة 483 هـ (1090 م)، وهو شرح على "الكافى" للحاكم الشهيد، يعد نقطة التحول إلى ترتيب المادة فى كل فصل ترتيبًا أكثر تمشيًا مع المنطق وأقرب إلى المنهجية. ثم أعقب ذلك كتاب "بدائع الصنائع" للكاسانى المتوفى سنة 587 هـ (1191 م) الذى التزم فى ترتيبه بالمنهجية التزامًا دقيقًا. على أن هذه الكتب القديمة أجملتها رسائل أحدث هى وشروحها، وهو أمر مألوف فى جميع مذاهب الفقه الإِسلامى. ومن أهم هذه الرسائل: "الهداية" للمرغينانى المتوفى سنة 953 هـ (1196 م؛ الترجمة الإنكليزية بقلم Charles Hamilton لندن سنة 1791؛ وأعيد طبعها فى لاهور سنة 1957). وكتبت عدة شروح على الهداية. وكتب مختصرًا لها برهان الدين محمود المحبوبى من أعيان القرن السابع الهجرى (الثالث عشر الميلادى) وسماه "وقاية الرواية". ومن هذا النوع من التأليف المستقى من الهداية: "جامع الرموز" للقهستانى المتوفى سنة 950 هـ (1543) وكانت له حجية كبيرة فى ما وراء النهر. والكتاب التالى لذلك فى الأهمية هو "كنز الدقائق" لأبى البركات النسفى المتوفى سنة 710 هـ (1310 م) وله أيضًا عدة شروح مثل "تبيين الحقائق" للزيلعى المتوفى سنة 743 هـ (1342 م)، وبخاصة "البحر الرائق" لابن نجيم المتوفى سنة 971 هـ (1563 م). وقد كتب ابن نجيم هذا "كتاب الأشباه والنظائر" وهو رسالة فى الكيان المنهجى للفقه الوضعى. أما فى الإمبراطورية العثمانية فإن كتاب "درر الحكّام" لملاخسرو المتوفى سنة 885 هـ (1480 م) وهو شرح على كتابه "غرر الأحكام"، قد اكتسب حجية

خاصة. واعتمد إبراهيم الحلبى المتوفى سنة 956 هـ (1549 م) على "المختصر" للقدورى, و"المختار" للبُلْدَجى المتوفى سنة 683 هـ (1284 م) و"كنز الدقائق"، و"وقاية الرواية" فكتب رسالته "ملتقى الأبحر" وسرعان ما أصبحت هذه الرسالة عمدة المذهب الحنفى فى الإمبراطورية العثمانية، وأشهر شرحين عليها هما "مجمع الأنهر، للشيخ زاده المتوفى سنة 1078 هـ (1667 م) , ودرر "المنتقى" للحَسْكفى المتوفى سنة 1088 هـ (1677 م). وهذا الحسكفى نفسه هو صاحب كتاب "درر المختار" الذى كتب عليه ابن عابدين المتوفى سنة 1252 هـ (1836 م) شرحًا سماه "ردّ المحتار" وهو شرح نال تقديرًا كبيرًا ويعنى عناية خاصة بمشاكل عالمنا اليوم. وأحدث عرض كبير للمذهب الحنفى بالأسلوب التقليدى هو كتاب "حقوق إسلامية وإصلاحات فقهيه قاموسى" لعمر نصوحى بيلمن مفتى استانبول (فى ستة مجلدات، الطبعة الأولى، إستانبول سنة 1950 - 1952، مطبوعات جامعة إستانبول، رقم 402، كلية الحقوق، رقم 90). وأوثق رسالة فى المذهب الحنفى التقليدى بالهند بعد كتاب "الهداية" هو الكتاب الذى يعرف باسم "الفتاوى العالمكيرية" وليس هذا الكتاب مجموعة من الفتاوى، وإنما هو مختارات ضخمة من الكتب العمدة فى المذهب، صنفت بأمر من الإمبراطور المغلى أورنكزيب عالمكير (1067 - 1118 هـ = 1658 - 1707 م) وقد ترجمت أجزاء من هذه المختارات إلى الإنكليزية بقلمى: (Mahomed Ullah ibn S. Jung, N.B.E. Baillie). ومن أهم مجموعات الفتاوى الحنفية مجموعة برهان الدين ابن مازة المتوفى حوالى سنة 570 هـ (1174 م) المسماة "ذخيرة الفتاوى"؛ ومجموعة قاضى خان المتوفى سنة 592 هـ (1196 م)؛ ومجموعة سراج الدين السجاوندى من أعيان القرن السادس الهجرى (القرن الثانى عشر الميلادى)، وهو أيضًا صاحب رسالة ذائعة الصيت فى علم الوراثة؛ ومجموعة البزّازى الكردرى المتوفى سنة 827 هـ (1424 م)، ومجموعة أبى السعود المتوفى سنة

982 هـ (1574 م) ومجموعة الأنقروى المتوفى سنة 1098 هـ (1687 م). ومن كتب الحنفية المشهورة فى الأصول: "كنز الوصول" للبزدوى المتوفى سنة 482 هـ (1089 م)؛ و"كتاب الأصول" لشمس الأئمة السرخسى؛ ومنار الأنوار لأبى البركات النسفى و"التوضيح لعبيد الله بن مسعود المحبوبى الملقب بصدر الشريعة الثانى المتوفى سنة 747 هـ (1346 م) وقد كتب عليه الكاتب الشافعى التفتازانى المتوفى سنة 792 هـ (1398 م) شرحًا سماه "التلويح" وكتاب "التحرير" لابن الهُمام المتوفى سنة 861 هـ (1457 م) مع شرحه "التقرير" لابن أمير الحاج المتوفى سنة 879 هـ (1474 م)؛ و"مرقاة الوصول" لملاخسرو المتوفى سنة 885 هـ (1480 م؛ وانظر عن كتاب البزدوى Theorie gene-: R. Brunschvig rale de la capacite chez les Hanafites mes- dievaux فى Revue intern. des Droits de l'Antiquite. جـ 2، سنة 1949, ص 157 - 172). أما كتب الحنفية فى الطبقات فهى: "الجواهر المضيئة" لعبد القادر بن محمد المتوفى سنة 775 هـ (1373 م)؛ و"تاج التراجم" لابن قطلوبغا المتوفى سنة 879 هـ (1474 م؛ تحقيق Die Krone der Lebensbes-: G. Fluegel chreibungen، ليبسك سنة 1862)؛ و"طبقات المجتهدين" لكمال باشا زاده المتوفى سنة 940 هـ (1534 م) وقد لخصه G. Fleugel فى Die Classen der Hanefitischen Rechtsgelehrten فى Abh. Saechs. Ges Wiss جـ 8، ليبسك سنة 1860, ص 269 - 358)؛ و"الشقائق النعمانية" لطاشكبرى زاده المتوفى سنة 968 هـ (1560 م؛ انظر الترجمة الألمانية له بقلم O. Rescher الآستانة - غلطة، سنة 1927)؛ و"الفوائد البهية" و"التعليقات السنية" لمحمد عبد الحى اللكنوى المتوفى سنة 1304 هـ (1886 م). أما فى الهند البريطانية (¬1) فإن الشريعة الإِسلامية كما كانت تطبق ¬

_ (¬1) كان ذلك وقت كتابة المادة

محليًا قد تأثرت بالفكر الانكليزى القانونى منذ سنة 1772, وقام نظام قانونى مستقل يختلف اختلافًا جوهريًا عن الشريعة الإِسلامية وفقًا للمذهب الحنفى (أما عن الأقلية الشيعية فكانت تتبع الفقه الشيعي). وقد سمى ذلك النظام بالتشريع الإنكليزى الإِسلامى. وثمة رسائل عديدة فى الشرع الإنكليزى الإِسلامى أكثرها بساطة وأقربها إلى الدقة العلمية: - A.A.A. Fay Qutlines of Muhammadan Law: zee, الطبعة الثالثة، لندن سنة 1964، وقد أتم هذه الرسالة فى كتابه Cases in the Muhammadan Law of India Pakistan، أوكسفورد سنة 1965. أما الإمبراطورية العثمانية فقد وصف دوسون النظام الشرعى القائم وإقامة العدل فى نهاية القرن الثامن عشر (Tableau: I.Mouradgea d'Ohsson general de L'Empire Ottoman, باريس سنة 1787 - 1820, فى ثلاثة مجلدات, 1788 - 1824 فى سبعة مجلدات). ثم إن تركيا العثمانية سنت سنة 1877 مجموعة من قوانين العقود والالتزامات والإجراءات المدنية طبقًا للمذهب الحنفى وهى التى سميت باسم "المجلة" وتأثرت فى ذلك بالأفكار الأوربية، وليست هذه القوانين إسلامية بقدر ما هى وضعية، على أن المحامين المحدثين قد يكونون طبقوها فى كثير من الأحيان على اعتبار أنها نصوص عمدة للمذهب الحنفى. ثم إن المجلة تضم أيضًا تعديلات بعينها للفقه الإِسلامي الدقيق.، ومعظم هذه التعديلات كانت بالإسقاط. على أن الهيكل الحنفى للشريعة قد أثر من خلال المجلة على القانون المدنى فى بلاد شتى من الشرق الأدنى. ذلك أنه حدث فى مصر حوالى هذا الوقت أن صاغ قدرى باشا المذهب الحنفى عن الأسرة والوراثة والملكية والوقف فى مجموعة قوانين، ولكن هذه الجهود قد شملت بالرعاية الرسمية فيما يختص بالأسرة فحسب، ولكنها لم تطبق من حيث هى قوانين. والكتب الغربية الوحيدة عن المذهب الحنفى الدقيق فى الشريعة الإِسلامية هى Istituzioni di diritto musul-: L.Blasi mano, مدينة كاستلّو سنة 1914؛

المصادر

Grundzuege des Isla-: G. Bergestraesser mischen Rechts, تحقيق شاخت، وقد حل محله الآن: Introduction to Isla-: Schacht mu Iaw, الطبعة الثانية أوكسفورد سنة 1966. المصادر: (1) إسلام أنسيكلوبيدياسى، مادة حنفيلر. (2) The Orgins of Mu-: J. Schacht hammadan Jurisprudence, جـ 1 فصل 2 (عن ظهور المذهب الحنفى)، جـ 2، فصل 4 (عن الأدلة العقلية للثقات الأولين من الحنفية). (3) المؤلف نفسه An Introduction to Islamic Law، الفصل 9 (عن تمكن المذهب الحنفى)، الفصل 13 (عن المذهب الحنفى فى الإمبراطورية العثمانية)، فصل 24 (عن المذهب الحنفى فى الهند المحلية وعن التشريع الإنكليزى الإِسلامى، فصل 15 (عن أثر المذهب الحنفى فى القوانين المدنية فى الشرق الأدنى). وانظر عن انتشار المذهب الحنفى: (1) Die Renaissance des Is-: A. Mez lam، هيدلبرغ سنة 1922, ص 202 - 256 (الترجمة الإنكليزية ص 210 - 215). (2) أحمد تيمور باشا: نظرة تأريخية فى حدوث المذاهب الأربعة، القاهرة سنة 1344 هـ, ص 8 وما بعدها. وانظر عن الكتب الحنفية العمدة: (1) Muhammedan: N. P. Aghnides theorites of finance, with a bibliograghy نيويورك سنة 1916, ص 161, 173 وما بعدها، 177 وما بعدها (وأعيد طبعة فى لاهور سنة 1961). (2) Remarks upon: J.H. Harington the authorities of muslman Law فى Asialu Researches or Transactions of the society instituted in Bengai, جـ 1، كلكته سنة 1808، ص 475 - 512 (فى الكتب الحنفية المستعملة فى الهند). خورشيد [هفننك وشاخت Heffening - Schacht]

حنيف

حنيف (والجمع حُنفَاء): تكرر ورود هذا اللفظ في القرآن الكريم للدلالة على أهل الدين الحق الصحيح، مثال ذلك ما ورد في سورة يونس الآية 105، وسورة الحج الآية 32 (¬1)، وسورة الروم الآية 29 (¬2)، وسورة البينة الآية 4 (¬3) الخ. وهو ينطبق على إبراهيم [عليه السلام] خاصة في عبادة الله الخالصة. وقد جرى القرآن على المقابلة بين إبراهيم والمشركين كما جاء في سورة آل عمران عمران، الآية 89 (¬4)، وسورة الأنعام الآيتين 79، 162 (¬5) وسورة يونس الآية 105 وسورة النحل الآيتين 121، 124 (¬6) وسورة الحج الآية 32 (¬7). على أنه يصفه في الوقت نفسه في آية أو آيتين بأنه لم يكن يهوديًا ولا نصرانيًا كما في سورة البقرة الآية 129 (¬8): "وَقَالُوا (أي أهل الكتاب) كُونُوا هُودًا أو نَصَاري تَهتَدُوا قُل بَل مِلَّةَ إبَراهيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ منَ المُشركينَ" وفى سورة آل عمران الآية 60 (¬9) "مَا كَانَ إبَراهيمُ يَهُوديًا وَلَا نَصْرانيًا ولكن كَانَ حَنيفَا مسلمًا ومَا كَانَ منَ الْمُشركينَ". وهذَا الجمَع البسيطَ بين كلَمَتي "حنيف" و"مسلم" في هذه الآية يكفى للدلالة على أن "حنيف" لم تكن عند النبي [- صلى الله عليه وسلم -] علمًا على جماعة دينية بعينها. والأمر أوضح من ذلك في عبارة "حنفاء لله" الواردة في سورة الحج (الآية 32) (¬10). أما الآية 29 (¬11) من سورة الروم فهى من الأهمية بمكان في فهم المدلول القرآنى للكلمة. قال [تعالى] " {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا (أي) فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ. .} (وانظر أيضًا سورة الأنعَامَ الآية 79: وسورة يونس الآية 105). وهنا معناها: الدين الأول الفطرى ¬

_ (¬1) رقم الآية في المصحف العثماني 31. (¬2) رقم الآية في المصحف العثماني 30. (¬3) رقم الآية في المصحف العثماني 5. (¬4) رقمها 95. (¬5) رقمها 161. (¬6) رقمهما 120، 123. (¬7) رقمها 31. (¬8) رقمها 135. (¬9) رقمها 67. (¬10) رقمها 31. (¬11) رقمها 30.

القديم أما فيما يختص بوقت نزول هذه الآيات فإننا نستطيع أن نقطع بنسبتها في الغالب إلى العهد المدنى اللهم إلا الآيات 79 من سورة الأنعام و 105 من سورة يونس و 4 (¬1) من سورة البينة، فإن نسبتها إلى هذا العهد محل شك، ولكن يجب أن ندخل في حسابنا هنا أيضًا أن من الجائز أن تكون قد صيغت فيما بعد بصيغة أخرى (¬2). وقد استعمل المسلمون المتأخرون كلمة "حنيف" قياسًا على معناها القرآني، والحنيفية (وقلما يقال الحنفية) معناها دين إبراهيم [عليه السلام] (ابن هشام ص 143، س 8 (¬3)، 147، س 4 (¬4) , 822، س 1) (¬5) ولما كان محمد [- صلى الله عليه وسلم -] قد بعث دين إبراهيم الحق فإن لفظ "حنيف" كثيرا ما يستعمل بمعنى "مسلم" كما ورد في ابن هشام (ص 82، س 18 (¬6)، 995، س 11 (¬7). وانظر أيضًا ص 781، س 5 (¬8) إشارة ¬

_ (¬1) رقمها 5. (¬2) هذه عبارة مبهمة تثير التشكك في صحة القرآن الكريم، والمعروف أن الناسخ والمنسوخ من الآيات كلاهما مذكور بنصه الأصلى في القرآن الكريم. (¬3) حدثت عن سلمان الفارسى أنه قال لرسول الله [- صلى الله عليه وسلم -] حين أخبره خبره أن صاحب عمورية قال له ايت كذا وكذا من أرض الشام فإن بها رجلًا بين غيضتين في كل سنة من هذه الغيضة إلى هذه الغيضة مستجيزًا يعترضه ذوو الأسقام فلا يدعو لأحد منهم إلا شفى. فسله عن هذا الدين الذي تبتغى فهو يخبرك عنه. قال سلمان: فخرجت حتى جئت حيث وصف لى فوجدت الناس قد اجتمعوا بمرضاهم هناك حتى خرج لهم تلك الليلة مستجيزا من إحدى الغيضتين إلى الأخرى فغشيه الناس بمرضاهم لا يدعو لمريض إلا شفى، وغلبونى عليه فلم أخلص إليه حتى دخل الغيضة التي يريد أن يدخل إلا منكبة، قال فتناولته فقال من هذا والتفت إلي قال قلت يرحمك الله. أخبرنى عن الحنيفية دين إبراهيم، قال إنك لتسأل عن شئ ما يسأل عنه الناس اليوم. (¬4) ". . . وكان زيد بن عمرو قد أجمع الخروج من مكة ليضرب في الأرض يطلب الحنيفية دين إبراهيم. ." (¬5) قال ابن هشام حدثني بعض أهل العلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل البيت يوم الفتح فرأى فيه صور الملائكة وغيرهم فرأى إبراهيم [عليه السلام] مصورًا في يده الأزلام يستقسم بها، فقال قاتلهم الله جعلوا شيخنا يستقسم بالأزلام ما شأن إبراهيم والأزلام، ما كان إبراهيم يهوديًا ولا نصرانيًا ولكن كان حنيفًا مسلمًا وما كان من المشركين. ثم أمر بتلك الصور كلها فطمست. (¬6) من قصيدة لابن أنيس. وقلت له خذها بضربة ماجد ... حنيف على دين النبي محمد (¬7) من أبيات لامامة المزيرية: حباك حنيف آخر الليل طعنة ... أباعفك خذها على كبر السن (¬8) من قصيدة لكعب بن مالك حين أجمع رسول الله [- صلى الله عليه وسلم -] السير إلى الطائف بعد غزوة حنين: لأمر الله والإسلام حتى ... يقوم الدين معتدلًا حنيفا

إلى الدين ذاته أي الدين الخالص القويم، وكذلك في بيت الفرزدق (النقائض جـ 1، ص 378) (¬1) حيث يؤدى الخلاف في رسم اللفظ إلى قراءة أخرى. ويصف النبي [- صلى الله عليه وسلم -] في أحاديث مختلفة الدين الذي يدعو إليه بأنه "الحنيفية السمحة". تمييزًا له عن النزعات الرهبانية (ابن سعد، جـ 1، ص 128 (¬2)، جـ 3، ص 287) (¬3) وكان الفعل (المصدر) "تَحَنُّف "يرد أحيانًا بمعنى خلوص العبادة في العصر الجاهلي (Skizzen and Vo-5 - : Wellhausen rarbeiten جـ 4، ص 156) وأحيانًا أخرى مرادفًا بالفعل للدخول في الإسلام (الكامل، ص 526: في بيت لجرير (¬4) لسان العرب جـ 10، ص 404 (¬5). ويصدق هذا أيضًا على الفعل (المصدر) "تَحَنَّث". ويرى هرشفيلد Hirschfeld ولَيَال Lyall ومن قبلهما دويتش E. Deutsch أنه مشتق من اللفظ العبري "ثحنّوث" ولعل الأرجح أنه مشتق من "تَحَنُّفَ" (نولدكه Neue Beitrage zur Semit.: Noeldeke Sprach Wis senschaft ص 72) ذلك لأن الاشتقاق الأخير يفسره ابن هشام (ص 152 (¬6) جـ 1، ص 149 (¬7) بـ"التبرر"، وإن كان من معانيه أيضًا الدخول في الإسلام (الطبرى جـ 1، ص 2827) (¬8). ¬

_ (¬1) إذا غاب نصرانيه في حنيفها ... أهلت بحج فوق ظهر العجارم. (¬2) قال رسول الله [- صلى الله عليه وسلم -] "بعثت بالحنيفية السمحة". (¬3) قال النبي [- صلى الله عليه وسلم -] "يا عثمان إن الله لم يبعثنى بالرهبانية -مرتين أو ثلاثًا- وإن خير الدين عند الله الحنيفية السمحة. .". (¬4) إن الفرزدق إذ تحنف كارهًا ... أضحى لتغلب والصليب خدينا. (¬5) ". . . والحنيف الصحيح الميل إلى الإسلام والثابت عليه. . .". ". . . والدين الحنيف الإسلام، والحنيفية ملة الإسلام وفي الحديث أحب الأديان إلى الله الحنيفية السمحة. .". (¬6) كان رسول الله [- صلى الله عليه وسلم -] يجاور في حراء من كل سنة شهرًا وكان ذلك مما تحنث به قريش في الجاهلية. والتحنث التبرر. (¬7) قال ابن هشام: تقول العرب التحنث والتحنف يريدون الحنيفية فيبدلون الفاء مكان الثاء كما يقولون جدث وجدف يريدون القبر. (¬8) .. وفيها "أي سنة 82 هـ" تزوج عثمان نائلة ابنة القرافصة وكانت نصرانية فتحنثت (أي تحنفت فأسلمت) قبل أن يدخل بها.

والمعنى الذي جاءت به الآية المذكورة آنفًا (سورة الروم، الآية 29 (¬1) وهو أن كلمة حنيف معناها الدين الفطري يتردد في مصنفات العرب المتأخرين مثل الكامل (ص 244) (¬2) ". . ما حنيف على الفطرة .. ؟ " أو الديار بكرى (جـ 2، ص 177): إذا مت "على الفطرة لله". ويتصل بهذا، وإن أصابه تعديل جوهري، استعمال بعض المصنفين للفظ "حنيف" لا للدلالة على الدين الفطري الخالص، ولكن للدلالة على ما سبق الأديان المتأخرة القائمة بذاتها. ويستعمل المسعودي بخاصة في كتابه "التنبيه والإشراف" لفظ "الحنفاء" مرادفًا للصابئين من الفرس والرومان قبل اعتناقهم المجوسية فالنصرانية (¬3) وهو يسمى هذا الطور من أطوار الرقى الديني بالحنيفية الأولى (¬4) ليفرق بينه وبين الدين الحنيف. ويقرر في الوقت نفسه أن هذه الكلمة "حنيف" صيغة معربة من السريانية "حنيفوا (¬5) " ويجب أن نذكر في هذا المقام أن الكلمة السريانية "حنف" إنما تستعمل للدلالة على الصابئين بالذات (ابن العبرى: التاريخ ص 176). وإذا أردنا الآن أن نحقق أصل كلمة "حنيف" وتاريخها الأقدم فإن أول ما ينبغي أن نعمله هو البحث عن عبارات قد ترد فيها الكلمة بمدلول مستقل عن الاستعمال القرآني. ومما يستوجب الأسف أن معظم هذه العبارات تكتنفها الصعاب الشديدة، إما للشك في صحتها وإما لأنها من التداخل والإلتباس بحيث تتعرض لكثير من التأويلات. ومن ثم انتهى العلماء إلى نتائج مختلفة، ¬

_ (¬1) رقمها في المصحف العثماني 30. (¬2) من قصيدة لعمرو بن زعبل يعترض فيها على أبي عيينة: إني أحاجيك ما حنيف على الـ ... فطرة باع الرباح بالغبين (¬3) المسعودي: التنبيه والإشراف طبعة ليدن 1891، ص 6، س 4 ". . وملوك الروم على طبقاتهم من الحنفاء وهم الصابئون والمتنصرة. ." (¬4) المسعودي: ص 136، س 15: ". . فهذه الطبقة الأولى من ملوك الروم الذين كانوا على دين الصابئة وهي الحنيفية الأولى. ." (¬5) المسعودي: ص 90، 91 ". . وكانوا قبل ذلك على رأى الحنفاء وهم الصابئون، وهو المذهب الذي أتى به يوذاسب إلى طهاروث، وهذه كلمة سريانية عربت وإنما هي (حنيفوا) قيل جئ بحرف بين الباء والفاء وإنه للسريانيين فاء.

فقلهوزن Wellhausen مثلًا يخرج من هذه العبارات بأن "حنيف" كانت تدل في الأصل على الراهب النصراني. بينما يرى مرجوليوث D. S. Margoliouth أن "حنيف" معناها في كل ما وردت فيه "المسلم". ولا مشاحة في أن هذا المدلول الأخير يطابق كل المطابقة بيتًا من شعر القرن الأول الهجري كثيرًا ما يستشهد به (ياقوت، جـ 2، ص 51: كتاب الأغاني جـ 16، ص 45 الخ .. ) وفيه ينماز الحنيف من القس النصراني والحبر اليهودي (¬1) ونجد من ناحية أخرى أن من المشكوك فيه أن يكون هذا المعنى هو الذي يستخلص من قصة مصرع بسطام البكري النصراني، وقد جعلوا مسرح هذه القصة في الشمالى الشرقى من جزيرة العرب (الكامل، ص 131؛ النقائض، طبعة بيفان جـ 1، ص 314) فقد صاح بسطام بأخيه عندما أراد أن يرجع إليه: "إن كررت يابجاد فأنا حنيف (¬2) ". ومهما يكن من شيء فإن المبرد يبين بتعليقه على ذلك أن النبي [- صلى الله عليه وسلم -] كان قد بُعث آنئذ، وأنه أي المبرد، قد عرف أن الحنيف هو المسلم (¬3). بيد أن المعنى يكون أسوأ تأثيرًا إذا فسرنا الحنيف هنا بـ"الكافر" (نولدكه Noeldeke) أو المشرك. أما بيت صخر (هذيل Kosegarten جـ 18، ص 11) الذي يرد فيه ذكر نفر من سكارى النصارى يصخبون حول "حنيف" من الحنفاء، فإن أحد الشراح يفسر الحنيف هنا بأنه المسلم، ولكن العبارة يمكن أن تدل أيضًا على راهب يرغب عن الخمر. ويصدق هذا أيضًا ¬

_ (¬1) وصهباء جرجانية لم يطف بها ... حنيف ولم تنغر بها ساعة قدر. ولم يشهد القس المهينم نارها ... طروقا ولا صلى على طنجها حبر. (¬2) النقائض جـ 1، ص 314 ". . فأسر عيينة بسطاما قال ونادى القوم بجادا أخا بسطام بن قيس: كر على أخيك وهم يرجون إذا أبى أن يكر فيأسروه، فنادى بسطام أخاه إن كررت يا بجاد فأنا حنيف وكان نصرانيا قال نلحق بجاد بقومه. ." (¬3) الكامل ص 131 ". . وكان بسطام نصرانيًا، وكان مقتله بعد مبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - فأراد أخوه الرجوع إلى القوم فصاح به بسطام أنا حنيف إن رجعت. ."

على بيت الشاعر ذي الرمة (لسان العرب جـ 13، ص 206 (¬1) الذي يتجه في صلاته ناحية الغرب، وهي غير وجهة النصارى. أما بيت الهذلى (¬2) لسان العرب جـ 6، ص 133 الذي يشير إلى مقام الحنيف للعبادة فلا غناء فيه، على أننا قد نعلق أهمية أكبر على بعض أبيات ورد فيها لفظ "تحنف" بمعنى إقامة الشعائر، وهو المعنى الذي ذكرناه آنفًا، وأحد هذه الأبيات لشاعر جاهلي هو جران العود من بنى نمير من قبيلة هوازن بنجد (لسان العرب جـ 10، ص 404 (¬3): وانظر خزانة الأدب جـ 4، ص 198 (¬4) وفيه يذكر "العابد المتحنف" الذي يقيم صلاته، وهو لا يقصد بذلك إلا الناسك العربي، ولا شك أن جريرًا (النقائض جـ 2، ص 595) (¬5) كان يفكر في رجل مثل هذا عندما تحدث عن إحدى القبائل بأن أهلها تحالفوا على الخزى والعار كما تحالف النصارى مع دين من يتحنف. وقد تدفعنا القصائد المنسوبة إلى بعض معاصرى النبي [- صلى الله عليه وسلم -] خطوة جوهرية إلى الأمام إذا كانت صحتها ثابتة ولو بعض الشئ، ولكن الواقع يخالف ذلك للأسف. ويصدق هذا بصفة خاصة على الأبيات المنحولة لقيس بن الأسلت، وهو خصم للنبي [- صلى الله عليه وسلم -] من الأوس، وفيها يدعو إلى "دين حنيف" (ابن هشام، ص 180) (¬6) ويوازن بين هذه الديانة الفطرية وبين النصرانية واليهودية (المصدر السابق، ص 293) (¬7). أما قصيدة أمية بن أبي ¬

_ (¬1) إذا حول الظل العشى رأيته ... حنيفا وفي قرن الضحى يتنصر والمعنى يقول إذا حول الظل العشى وذلك عند ميل الشمس إلى جهة المغرب صار متوجهًا للقبلة فهو حنيف. فإذا كان في أول النهار فهو متوجه للشرق لأن الشمس تكون في جهة المشرق فيصير متنصرًا لأن النصارى تتوجه في صلاتها إلى جهة المشرق. (¬2) وهو أبو ذؤيب الهذلى قال: أقامت به كمقام الحنيف ... شهرى جمادى وشهرى صفر (¬3) وأدركن إعجازًا من الليل بعدما ... أقام الصلاة العابد المتحنف (¬4) عن التعريف بالشاعر: وجران العود لقب شاعر جاهلي من بنى صعصعة بن نمير بن عامر بن صعصعة. (¬5) وحالفتم للؤم يا آل درهم ... حلاف النصارى دين من يتحنف (¬6) أقيموا لنا دينًا حنيفًا فأنتم ... لنا غاية قد يهتدى بالذوائب (¬7) فلولا ربنا كنا يهودا ... وما دين اليهود بذى شكول ولولا ربنا كنا نصارى ... مع الرهبان في جبل الجليل ولكن خلقنا إذ خلقنا ... حنيفا ديننا عن كل جيل

الصلت التي يتحدث فيها عن دين الحنيفية على أنه الدين الحق الذي سيبقى بعد البعث (انظر Schulthess: Beitraege Zur Assyriologie جـ 8، 3، ص 72، 129، على أننا إذا طرحنا هذه القصائد جانبًا، فإن الأبيات المذكورة آنفا تكفي لتبيان ما ينبغي أن نسلم به وهو أن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - إنما كان في استعماله لهذه الكلمة متبعًا استعمالًا مقررًا؛ ويمكن أن نرجح أن كلمة حنيف كانت حتى قبل عهده تدل على القوم الذين رفضوا النصرانية واليهودية، وإن تأثروا بالأولى، التماسًا لدين أبسط وأدنى إلى الفطرة. بيد أن التطور التاريخي لمثل هذه الحركة يكتنفه غموض لا يمكن كشفه بالمعلومات التي بين أيدينا الآن. ومن المحتمل أن تكون الكلمة متصلة بالحركات الدينية التي نشأت في بلاد اليمن، كما يذهب إلى ذلك بعض العلماء المحدثين، ولكن ذلك غير مقطوع به، لأن أكثر ما يروى من أبيات الشعر الموثوق بها إنما ينسب لعرب الشمال. أما كلمة "حنيف" من حيث الاشتقاق، فإن المسعودي نفسه -كما ذكرنا آنفًا- يرى فيها كلمة آرامية دخيلة، ولرأيه مؤيدون في العصر الحديث، يجعلونها مشتقة من الكلمة الكنعانية الآرامية "حنف". ومهما يكن من شئ فحسبنا هذا الاشتقاق من الآرامية، ذلك لأن الكلمة الإثيوبية الموافقة لها التي يفترض فنكلر Winckler أنها قد اشتقت منها، إنما هي كلمة دخيلة لا توجد إلا في المؤلفات. وقد أشار شولتس Schulthess بحق إلى أن الكلمة الآرامية "حنف" أو "حنفا" لا يمكن أن تصير إلى "حنيف" العربية، وقد لا نستطيع أن نخرج من هذا إلا بأمر واحد يقتضينا أن نفرض صيغة وسطًا تؤيد الصيغة التي وجدت عند الماندويين [الصائبة] (انظر اسم المعنى السريانى "حنيفوا" الذي ذكره المسعودي). أضف إلى ذلك أننا نستطيع، إذا لم نجد سبيلًا آخر، أن نستخلص معنى "المنشق" من الكلمة العربية "حنف" أي (كسر أو شق) التي قد تشير إلى تطور مماثل في المعنى. وينبغي أن لا نطرح من حسابنا أن

حنيفة بن لجيم

النصوص اليمنية الجديدة قد تلقى بعض الضوء على الكلمة وتاريخها. المصادر: (1) لسان العرب، جـ 10، ص 402 - 405. (2) اليعقوبى: التاريخ طبعة hout- sma جـ 1، ص 51 وما بعدها. (3) المسعودي: المكتبة الجغرافية العربية، طبعة ده خويه جـ 8، ص 6، 90 وما بعدها , 122 وما بعدها 136 (الحاشية). (4) Leben Muhammeds: Sprenger جـ 1، ص 46 وما بعدها. (5) National Religions and: Kuenen Universal Religions (محاضرات هيبرت) Hibbert، 1882، ص 19 وما بعدها. (6) Reste arab. Hei-: : Wellhausen dentums ص 238، وما بعدها. (7). Deutsch.: Noeldeke Morgenl. Gesellsch Zeitschr. d. جـ 41، ص 721، - Neue Beitraege Z Semit. Sprachewis sensch ص 30. (8) New researches into: Hirschfeld the composition and exegesis of the qo- ran، ص 19، 26. (9) Arabisch. Semitisch: H. Wincker . Orientalisch ص 79. (10) Mohammed: H. Grimme جـ 1، ص 13؛ جـ 2، ص 59 وما بعدها. (11) Journal of: D. S. Margoliouth , the Roy. As. Soc 1903 ص 467 - 493. (12) lyall: المصدر السابق ص 771 - 187. (13) Orient Studien: Schulthess Noeldeke) (festschrift جـ 86 - 88 Bei-، traege Zur Assyrlologie جـ 8 ص 3، 5. يونس [بول Fr. BuhlD] حنيفة بن لجيم بطن هام من بطون القبيلة العربية العظيمة بكر بن وائل التي نزلت شمالى بلاد العرب وربطتها بقبيلة عجل أواصر

الدم. وكان بعض حنيفة في الجاهلية وثنيًا وبعضها نصرانيًا. وكان الوثنيون منهم يعظمون صنمًا مصنوعًا من الزبد والعسل على هيئة كعكة، وقد جروا على أكله إذا جد بهم الجدب. واستقر المقام بحنيفة في اليمامة حيث أنشأت فيها مدينة حجر الحصينة، واتخذوها قصبة لهم فيما بعد. ونذكر من منازلهم فيما عدا وادى العرض: العَوقَة (وتنزل بها عشيرة عدى) وفَيْشان (وتقطنها عامر) والكِرْس وهي في وادى العرض الأدنى وَتقطنها (عدى) والخضرمة، وهى مدينة كبيرة تتبعها قرى عدة (تسكنها سحيم وعامر مع قبيلة عجل) وقُرّان (وهي لقبيلة سحيم) والمَنْصف (مدينة حصينة تسكنها عامَر)، وتلعة ابن عطاء (وتسكنها عامر) والثقب -هكذا في كتاب الهمدانى: صفة جزيرة العرب، ص 141 ,س 7؛ وورد في الكتاب، ص 162 , س 25 اسم النقب؛ والظاهر أن الأسمين لمسمى واحد أو أنه خطأ مطبعى أو تحريف وقع في المخطوط- (وتسكنها عدى)، وتَوَم (ويسكنها كل من الأزد وعبد القيس)؛ وأباض، وقد حدثت عندها وقعة خالد بن الوليد ومسيلمة؛ وأثال. وكانت حنيفة تنزل أيضًا في إيصان وهى منزل نمير بن كعب. تاريخها: انفصلت حنيفة في السنوات الأخيرة من حرب البسوس عن بكر وانضمت إلى خصومهم تغلب وحاربت في صفوفهم آنئذ. وكانت حنيفة مثل تغلب تقر بالسيادة للخميين في الحيرة، وهم أقيال الساسانيين. والتزمت حنيفة الحياد في وقعة ذي قار الشهيرة التي نشبت بين بكر والفرس وكان هودَة بن على زعيم حنيفة يسكن الحجر. وقد قدر له أن يقود القوافل الفارسية القادمة من العراق إلى اليمن ليحميها من مخاوف الطريق. وقد أغارت عليه نميم بالدهناء في رحلة من هذه الرحلات. ولم تكن هذه هي الوقعة الوحيدة التي اضطرت فيها حنيفة إلى قتال تميم، ذلك أن قبيلة عمرو هاجرت من اليمامة إلى حنيفة عقب وقعة هباءة التي نشبت بينها وبين ذبيان، ثم خاسحت زعيم حنيفة قتادة

ابن مسلمة، فشخصت إلى سعد بن زيد مناة التميمية واستجاروا بهم. وقد حدث في وقعة الستار أن قتل قيس بن عاصم التميمي قتادة. ونذكر من الوقائع الأخرى التي نشبت بين حنيفة وتميم وقعة الخشيبة بالقرب من اليمامة ووقعة الظهر. وفي المحرم من العام السادس للهجرة (628 ميلادية) كان زعيم حنيفة ثمامة بن أثال في طريقه إلى العمرة فباغته ثلاثون رجلًا من المسلمين وأسروه، فدخل في الإسلام فأخلوا سبيله. واستطاع ثمامة بفضل سلطانه على حنيفة وبدافع من صداقته للنبي [- صلى الله عليه وسلم -] أن يحول دون وصول الميرة من اليمامة إلى قريش في مكة، وكانت قريش تلتمسها من اليمامة. وفي عام الوفود (9 هـ = 631 م) مثلت حنيفة أمام النبي [- صلى الله عليه وسلم -] وعلى رأسها هرون بن حبيب المعروف بمسيلمة، وهو الذي ادعى النبوة فيما بعد وزعم أنه صاحب النبي [- صلى الله عليه وسلم -] وخليفته. وظهر مسيلمة الكذاب -كما كان يسميه النبي [- صلى الله عليه وسلم -]- على مسرح الحوادث عام 11 هـ (633 م) في الوقت الذي ادعى النبوة فيه الأسود العنسى وطليحة -فتبعه قسم كبير من حنيفة بإيعاز زعيمهم الرجّال بن عنفوة، فقد أذاع رجَال بين الناس أنه سمع النبي [- صلى الله عليه وسلم -] في المدينة يقول إن مسيلمة صاحبه وخليفته. وقد ظلت كثرة حنيفة موالية له حتى في عهد الخليفة أبي بكر. وحلت الهزيمة بعكرمة بن أبي جهل الذي خرج لمقاتلة مسيلمة. وصدت حنيفة أيضًا هجومًا شنه عليها شرحبيل بن حسنة، ومن ثم حشد مسيلمة جموعه عند عقرباء، وهو موضع بالقرب من حجر، وهناك حدثت وقعة مشهورة بينه وبين المسلمين بقيادة خالد بن الوليد انتهت بهزيمة حنيفة واستئصال شأفتهم. وقد هلك في هذه الوقعة المحكم بن طفيل والرجال بن عنفوة قائدًا حنيفة، وأخذ مسيلمة الكذاب فقتل، ويقال إن حنيفة فقدت في هذه الوقعة ما بين عشرة آلاف وعشرين ألف رجل، وتقدم خالد ابن الوليد لحصار حجر فاستسلمت حنيفة بتدخل مجاعة، وقبلت أن تدخل في الإسلام وأن تسلم كل مالها من

أملاك منقولة فقسمت بين جند المسلمين. المصادر: (1) الهمدانى: صفة جزيرة العرب، طبعة مولر، D.H. Mueller. ص 139، س 5 - 8، س 12 - 13، ص 141 س 3 - 4، 16، ص 161، س 24، ص 162 س 1، 4، 7 - 9، 25 - 26، ص 163، س 3 - 4. (2) ياقوت: المعجم، جـ 1، ص 116، 887؛ جـ 2، ص 117، 447، 955؛ جـ 3، ص 582، 643، 753؛ جـ 4، ص 669، 782. (3) تاريخ الطبري، طبعة ده خويه، جـ 1، ص 1205، 1737، 1739، 1929 - 1957، وانظر الفهرس. (4) سيرة ابن هشام، طبعة فستنفلد، ص 945 - 946. (5) الأغاني، جـ 4، ص 135؛ جـ 11، ص 152 - 153؛ جـ 12، ص 144، 149, وانظر الفهرس. (6) Erdkunde: K. Ritter جـ 12، ص 106، 149، 387، 602. (7) Wustenfeld . Genealogische: F. Tabellen der arab. Stamme und Familien جدول ب 16. (8) المؤلف نفسه: ص 204. (9) Essai sur: Caussin de Perceval 1 جـ l,histoire des Arabes avant 1'isla misme ص 102، جـ 2، ص 178، 270، 372، 378، 404، 459، 573، جـ 3، ص 152، 153، 289، 310 - 311، 346، 364، 371 - 378. (10) The Life of Mahomet: W.muir. ص 223، جـ 2، ص 303. (التعليق) جـ 3، جـ 1، ص 217، 246 - 247. (11) المؤلف نفسه: Annals of the early Caliphate ص 38 - 46. (12) Annati: Princile L. caetan dell' Islam جـ 6، 335 - 337، 451 - 453، 635، 644، 723، 762.

حنين

حنين (لعله الشرائع في الوقت الحالي): واد عميق غير منتظم به أحراج من شجر النخيل، وهو على مسيرة يوم من مكة على طريق من الطرق الممتدة إلى الطائف. وقد شهد من هذا الوادي الوقعة الشهيرة التي حدثت بعد فتح مكة وهي ثاني وقعة تذكر بالاسم في القرآن (سورة التوبة الآية 25 - 26)، ذلك أن قبائل هوازن المتحالفة لم تشأ التمهل انتظارًا لما يسفر عنه هذا النضال الأخير فحشدت جميع ما لديها من الجند، وعسكرت في الدروب المشرفة على سهل حنين. وعمد مالك بن عوف قائدهم إلى جلب أسر المحاربين وقطعانهم إلى هناك اعتقادًا منه بأن ذلك يثبت من أقدام جنده فلا يمكن قهرهم. ويوحى لنا القرآن بجملة ملاحظات عن سير هذه الوقعة. قهو ينبئنا بأن المسلمين هزموا في أول المعركة على الرغم من كثرة عددهم، ولم يسلم جيش النبي [- صلى الله عليه وسلم -] إلا بعد أن أنزل الله جنودًا من عنده لم ترها العين. وقد خرج كل مؤلف من ذلك برواية تصف هاتين المرحلتين من مراحل المعركة ولم يفته أن يشيد بشجاعة أفراد قبيلته أو أشخاص كان لهم شأن خاص في صدر الإسلام، أما فيما عدا ذلك فإن الروايات تتضارب ويسودها الاضطراب، وهي تدلنا على أن كتاب السيرة النبوية في طورها المتقدم قد لاقوا صعابًا كثيرة في استعادة تطور الحركات التي وقعت في هذه المعركة، ويدخل الطريق بعد أن يغادر واحة حنين الضيقة في ثنيات متعرجة صالحة لأن تكون مكامن ومخابئ. ومن ثم كمن مالك بن عوف في هذه الدروب انتظارًا لمقدم المسلمين. وأقبل هؤلاء في غير نظام دون أن يتوقعوا مباغتة العدو لهم فدهمتهم خيالة البدو بهجوم مفاجئ وانهالت عليهم السهام من كل ناحية فولى جنود النبي [- صلى الله عليه وسلم -] مدبرين {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ} (سورة التوبة. الآية 25) وتركوا النبي [- صلى الله عليه وسلم -] وحده فترة من الزمن فأحاط به

خطر داهم. وتجد كتب السيرة غضاضة في التعليق على هذا التخلى عن النبي [- صلى الله عليه وسلم -] وهي تلقى تبعة ذلك على البدو المتحالفين من قبيلة سُليم وعلى الطلقاء من أهل مكة الذين كان الإسلام لم يتغلغل في قلوبهم. وتختلف الروايات في وصف المعركة باختلاف أسانيدها، فالقرشية تنسب الفضل في ثبات من ثبت من المسلمين إلى المهاجرين، أما الأنصارية فتنسب هذا إلى الأنصار. وكذلك لم تكن الروايات المتأثرة ببلاط الخليفة في بغداد أقل تحمسًا من الأولى للهاشميين. وقد حاول بعض المؤلفين المساس بسمعة أبي بكر وعمر اللذين وليا الخلافة بعد ذلك. وقد كان النصر حليف المسلمين آخر الأمر، وشاهد ذلك ما جاء في القرآن وما كان من أمر تقدم النبي [- صلى الله عليه وسلم -] لمحاصرة الطائف، ذلك أن الطريق إلى هذه المدينة كان قد عبد، ولكن كيف تم لجند المسلمين الغلبة والنصر؟ ذلك ما يحدثنا عنه القرآن: "ثم أنزَلَ الله سكينَتَهُ على رَسُوِلِه وعلى المؤمنينَ وأَنزل جنودًا لم تروهَا وعَذَبَّ الذَين كَفَرُوا وذَلكَ جزاء الكافرين". سورة التوبة الآيه (26) وقد كان خالد ابن الوليد قائد الفرسان من المسلمين القلائل الذين جرحوا في ذلك اليوم، ولا شك أنه كان يخاطر بحياته، ومن ثم يدعونا واجب الإنصاف إلى أن ننسب إليه الفضل في انتصار المسلمين، وكذلك ينسب الرواة من أهل المدينة هذا الفضل إلى الأنصار. ولم تكن حنين معركة بالمعنى الحقيقي للكلمة بل كانت هزيمتين منكرتين أصابت الأولى المسلمين ونزلت الثانية بالبدو من هوازن، وهذا يفسر لنا السبب في كثرة الأسرى، فقد جاء في الروايات أن عدد الأسرى بلغ نحوًا من ستة آلاف امرأة وطفل، علاوة على خسائر المسلمين التي لا يؤبه لها والتي بلغت نحو اثنى عشر قتيلًا. أما الغنائم التي غنمها المسلمون فهائلة، فهي تربى على 24 ألف جمل. وقد اعتصم البدو الهاربون وراء أسوار الطائف. المصادر: (1) معجم ياقوت، الطبعة المصرية، جـ 3، ص 354.

حنين بن إسحاق العبادي

(5) البكري: المعجم، طبعة فستنفلد، ص 287. (3) تاريخ اليعقوبى، طبعة هوتسما، جـ 2، ص 64. (4) صحيح مسلم، جـ 1، ص 289, 291، جـ 2، ص 61، 62، 67. (5) طبقات ابن سعد، طبعة سخاو جـ 2، ص 108 - 109، 110، 112، 113، جـ 3، ص 11 - 12، 124، 195. (6) مسند ابن حنبل، جـ 1، ص 207، 454، جـ 3، 157، 190 , 279، 280، جـ 4، ص 58، 281، 289، 351. (7) تفسير الطبرى، جـ 10، ص 62، 63، 64. (8) سيرة ابن هشام، طبعة فستنفلد، ص 884، 845، 859 - 856. . (9) تاريخ الطبري طبعة ده خويه، جـ 3، ص 2342، 2343. (10) ابن الأثير: أسد الغابة، جـ 4، ص 59. (11) النووى: التهذيب، ص 450. (12) Annali: caetani جـ 2، ص 167. الشنتناوى [لامنس H. Lammens] حنين بن إسحاق العبادي أهم معرّب للعلم الإغريقي القديم، وكان لترجماته الوثيقة البينة لبقراط وجالينوس الفضل الأكبر في أن أصبح الأطباء العرب في القرون الوسطى جديرين بأن يكونوا خلفاء للإغريق. حياته: ولد حنين سنة 192 هـ (808 م) في الحيرة حيث كان أبوه حسين صيدلانيَّا. وتدل نسبته إلى أنه كان سليل العباد وهم قبيلة عربية اعتنقت مرة النصرانية وظلت بعد ظهور الإسلام أمينة للكنيسة السريانية النسطورية، وأبت أن تدخل في الدين الجديد. ويمكن أن نذهب إلى أن حنين كان منذ شبابه يتكلم بلسانين، ذلك أن العربية كانت لغة مسقط رأسه، أما السريانية فكانت لغة الطقوس الدينية النصرانية ولغة الدراسة المسيحية العالية، واستقر حنين في بغداد في مرحلة تالية من حياته وفيها ترجم كتبا إلى السريانية أكثر بكثير مما ترجم إلى

العربية مستجيبًا في ذلك لرغبة الزبائن. وأبدى هو نفسه نزوعًا إلى اللغة السريانية على حساب العربية، فقد نعى عليها الافتقار إلى الأسماء العلمية المناسبة إذا قورنت بالسريانية أو الإغريقية أو الفارسية (انظر قطعة من مؤلفه "كتاب النُقَط" نشرها شيخو في مجلة المشرق، جـ 20، سنة 1922، ص 373). على أنه هو وأفراد مدرسته تحاشوا قدر الاستطاعة أن ينقلوا الأسماء بالحرف، وبذلك ساعدوا على نحت مصطلحات عربية علمية. وكان حنين إلى ذلك يشق عليه أن يكتسب معرفة سليمة بالنحو العربي، بل يقال إنه درسه في البصرة وأنه استحضر منها كتاب العين للخليل بن أحمد. أما أنه قد تهيأت له الفرصة للقاء هذا النحوي المشهور شخصيًا كما أشار إلى ذلك ابن جُلْجُل وغيره فأمر مستحيل لأسباب تتعلق بالتسلسل الزمنى (انظر M. Plessner في rso، جـ 31، سنة 1956، ص 244 وما بعدها) ويجمع أصحاب الطبقات من العرب على أن حنين كان "فصيحًا". وأخبرنا شاهد عيان كيف تأتى لحنين أن يحصل هذه المعرفة العجيبة باللغة الإغريقية، وهذا الشاهد يدعى يوسف بن إبراهيم (انظر ابن أبي أصيبعة، طبعة Mueller, جـ 1، ص 185)، ويبدو أن هذه الرواية وثيقة كل الثقة حقًا، فهي تقول إن حنين بدأ دراسة الطب في بغداد على يوحنا بن ماسويه طبيب البلاط المشهور ورئيس "بيت الحكمة". وجرى حنين على الإكثار من الأسئلة العويصة فأثار غضب شيخه وانتهى الأمر بأن أمره الشيخ بترك مدرسته. وهنالك اختفى حنين من قصبة الخلافة نيفًا وسنتين، وسكت الراوى عن ذكر تنقلاته، وإن كانت بعض المراجع تناقض ذلك فتقول إنه شَخَص إلى الإسكندرية، وبعضها تذهب إلى أنه كان يقيم في "بلاد الروم". فلما عاد كان قد تضلع في اللغة الإغريقية حتى بلغ به الأمر أنه كان يستطيع أن يتلو شواهد من هوميروس. ثم اصطلح مع ابن ماسويه الذي شجعه تشجيعًا على الترجمة من الإغريقية (انظر Les axiomes medicaux de Yuhanna Ben

Massawaih تحقيق P. Sbath القاهرة سنة 1934، ص 8، 33). وفي عهد الخليفة المتوكل أقيم حنين رئيسًا لأطباء البلاط، ولكنه قاسى المحن الشداد من جراء تقلبات هذا الخليفة. ففي يوم من الأيام وقع حنين فريسة لمكيدة دبرها زملاؤه النصارى. ذلك أنه كان عدوًا لعبادة الأصنام فأغروه بأن يبصق على أيقونه في حضرة أناس، وأثار ذلك غضب الجاثليق النصراني بل غضب الخليفة نفسه. فجلد وحبس وحرم من ضيعته كلها بما في ذلك مكتبته (وانظر عن نصيب هذه الرواية من التاريخ B. Hemmerdinger في Actes du XII .، Int. d'Etudes Byzant, Congr جـ 2، بلغراد سنة 1964، ص 467 - 469 و Klio ,i G. Strohmaier، جـ 53 - 55، سنة 1965، ص 525 - 533). وأطلق سراحه بعد ستة شهور ورد إلى منصبه وظل متوليًا له حتى وفاته سنة 260 هـ (873 م). وخلف حنين ابنين داود واسحاق، وأصبح الاثنان طبيبين ممارسين، وسار الثاني على منوال أبيه، وبرع في الترجمة من الإغريقية، ولكنه ركز على ترجمة الكتب الفلسفية. ترجماته: نسب إلى حنين ترجمة عدد ضخم من الكتب، من طبية إلى فلسفية إلى فلكية إلى كتب في الرياضيات والسحر وتفسير الأحلام. وترجمته العربية للتوراة نقلًا عن ترجمتها السبعينية من أفضل الترجمات (انظر المسعودي: التنبيه، ص 112). وبقدر ما بقى من ترجماته فإن ذلك الذي بقى يمكن أن يساعد على إقرار النص الإغريقي، ذلك أن حنين كانت بين يديه مخطوطات إغريقية أقدم مما بين أيدينا بعدة قرون. ثم إن هذه الترجمات تعد بديلًا قيمًا لبعض الكتب التي فقدت. وبفضل التحقيق الهام لكتاب حنين "رسالة. . . إلى على بن يحيى في ذكر ما ترجمه من كتب جالينوس بعلمه وبعض ما لم يترجم" الذي قام به بركسنراسر , Hunain: G. Bergstraesser -Ishaq ueber die Syrischen and Arabis م Ibn chen Galen. ubersetzungen، ليبسك سنة 1925، جـ 17 - 2) توفر

لنا ثبت مفصل بالترجمات المختلفة لجالنيوس التي كانت ميسورة في زمن حنين. وهناك نسخ مختلفة من هذه الرسالة عثر عليها بعد ذلك (- G. Berg Neue Materialen zu Hunain: straeser Ibn Ishaq's Galen Bibliographie، لييسك سنة 1932 Abh. K. M.، جـ 19 - 2). ويذكر حنين 129 عنوانا من الكتب التي ترجمها هو 100 منها إلى السريانية والعربية أو إلى كلتا اللغتين. وليس هذا الثبت شاملًا مع ذلك، لأن الرازى كتب رسالة خاصمة "في استدراك ما بقى من كتب جالنيوس مما لم يذكره حنين ولا جالنيوس في فهرسته" (انظر الفهرست، جـ 1، ص 300؛ وانظر Epitre de Be-: P. kraus باريس سنة 1936، رقم 175). ويجب ألا يغيب عنا أن حنين كتب رسالته بعد ضياع مكتبته بأكملها وهو أمر ينوه به حنين مرارًا (ص 1، 11 ورقة 32، 5 - 10، رقم 95، انظر الرقمين 42 و 118). وفي رسالته كما في مقال آخر هو "في ذكر الكتب التي لم يذكرها جالينوس في فهرست كتبه" (تحقيق Bergstraesser في - Neue Materi alen، ص 84 - 98) يدلى بأقوال عن عدة كتابات نسبت زورًا إلى جالنيوس، ومما هو جدير بالتنويه أن نلحظ مبلغ اتفاق هذه الأقوال مع النتائج التي توصل لها البحث أخيرًا (انظر M. Meyerhof: في SBPr. AK. W. Phil - hist. Kl سنة 1900، ص 531 - 48؛ F. Kudlien في Rheinisches Museum " جـ 108، سنة 1965 ص 295 - 299)، وإنما مسألة شرح قسم أبقراط هي التي بقيت موضع شك. ويروى حنين أن هذا الشرح صحيح، والذي لا مناص من أن نعتمد عليه الآن هو قطع عربية قليلة منه (جمعها - F. Rosen thal في Bulletin of the History of Medi cine جـ 30، سنة 1956. ص 52 - 87) على حين أن حنين كان بين يديه النص كاملًا. ويورد حنين أيضًا في الرسالة بعض ملاحظات عارضة عن مناهجه في فقه اللغة، وهي لا تختلف عما لدينا، ققد جرى على أن يجمع أكبر عدد ممكن من المخطوطات ويقارن بعضها ببعض حتى يخرج بأساس من النص سليم

يترجم منه، وكان يرحل في طلب المخطوطات إلى الشام وفلسطين بل إلى مصر. على أن المبادئ التي التزم بها في فقه اللغة تختلف من وجه واحد عن مبادئنا. فقد أحس شأنه شأن غيره من المترجمين النصارى أن الواجب يقتضيه أن يُسقط كل شيات الوثنية من كتب الأقدمين، وشاهد ذلك أنه كان يستبدل بالآلهة الوثنية الإله الواحد وملائكته وما إلى ذلك. ولم يكن هذا في معظم الأحوال ينقص من القيمة العلمية لترجماته، وإن كان يجور على المادة الأسطورية الغنية الواردة في كتاب الحلم لارتميدورس (انظر G. Strohmaier في Die Araber in: Altheim & F. Steih der Alten Welt، جـ 5، برلين وما يستجد). وتشمل الرسالة أيضًا معلومات قيمة عن ترجمات جالينوس سواء صنعها حنين أو معاصروه، ولم يعفهم من النقد العنيف، إذا لزم الأمر، كما أنه كان يراجع في كثير من الأحيان ترجماتهم إلى السريانية أو العربية. وكان هو شخصيا يترجم إلى السريانية خدمة لزملائه النصارى أو إلى العربية خدمة لرعاته. ومما يستلفت النظر أنه لم يتحدث بكلمة عن "بيت الحكمة"، والظاهر أن النشاط الكامل في هذا الميدان كان يعتمد على ضرب من الجهود الشخصية: واستخدم حنين شخصين من أفراد عائلته: ابنه إسحاق، وابن أخته حبيش بن الحسن الأعصم، وتلميذًا آخر اسمه عيسى بن يحيى الذي اشترك أيضًا في ترجمة جالينوس. ولم يكن حبيش ولا عيسى يحسنان فهم الإغريقية جيدا، ومن ثم كانا يترجمان إلى السريانية ما ترجمه حنين إلى العربية (رقم 36، 38، 119)، وكانا في أكثر الأحوال يترجمان إلى العربية ما ترجمه حنين إلى السريانية. وكان هذا يؤدى إلى بعض الفساد في نقل النصوص (انظر Galeni Compendium Timaei Platonis تحقيق P. R. Waltzer و Kraus . لندن سنة 1951، ص 22 - 24) إذا لم يجد حنين أو إسحاق فرصة لمقارنة الترجمات المختلفة الجديدة بالأصل الإغريقى (الأرقام 20، 49، 69، 86، 113،

126). وجرت الحال بأن تذكر البيانات التي في آخر مخطوطات هذه الترجمات الجديدة غير المنقولة عن اللغة الأصلية اسم حنين على اعتبار أنه المترجم الوحيد، وهو أمر ذكره بالفعل كتاب الفهرست (جـ 1، ص 128، 289) والسبب في ذلك ليس واضحًا. ولعله يرجع إلى تواضع المترجمين أنفسهم أو أنهم أرادوا أن يخفوا ترجمتهم عن غير اللغة الأصلية كما يفطن إلى ذلك ذو النهى من المسلمين إذ يدركون قصر باع المترجمين. ومن سوء الحظ أنه لم يتوفر لنا رسالة أخرى من هذا القبيل تذكر ما لم يصنعه جالينوس، وبقى علينا أن نثبت بالتحليل اللغوى وبما قد يقع من أخطاء ناشئة من غموض الكلمات السريانية هل الترجمات العربية الحالية من صنع حنين نقلها مباشرة عن الإغريقية أو هي من صنع مترجم آخر نقلها عن الترجمة السريانية؟ على أن جل هذه الترجمات السريانية مفقود في الوقت الحالي (انظر عن إمكان نسبة بعض القطع من الترجمات إلى حنين: - G. Fur lani في Zs جـ 3، سنة 1924، ص 28؛ J. Schleifer في RSO، جـ 18، سنة 1940، ص 348). مؤلفات حنين: ألف حنين علاوة على ترجماته عدة كتب معظمها في الطب، وبعضها في الفلسفة وعلم طبيعة الأرض، وعلم الأرصاد، وعلم الحيوان، وفقه اللغة والمسائل الدينية. بل إنه لينسب إليه تاريخ للعالم من آدم إلى عهد المتوكل. ورسائله الطبية معظمها ملخصات لمعارف القدماء وترتيب موادها ترتيبًا جديدًا. وكثير منها كتب في صورة السؤال والجواب، وهذا اللون من التأليف شائع جدًا أيضًا في تفاسير الكنيسة النسطورية في ذلك الزمن للكتاب المقدس (انظر E. G. The selected questions of Ishobar: Clarke Nun on the Pentateuh، ليدن سنة 1962، ص 10 - 13) وكتابه الأساسى في ذلك هو "المسائل في الطب (ومنه مخطوطات كثيرة) وقد ترجم بعد إلى العبرية واللاتينية. وبقى له أيضًا ما يعرف بعنوان - Isagoge Johannitii ad Parvan art en Galeni (ومنه كثير من المخطوطات

اللاتينية ومتون مطبوعة متقدمة في الزمن). ويقول شتابنشنيدر (Uebersetzungen Die: M. Steinschneider Hebraeischen ص 710) إن هذا الكتاب هو نسخة أخرى من المسائل في الطب. وعناوين الرسائل التالية تفصح عن اهتمام حنين بطب العيون خاصة: "العشر مقالات في العين" (تحقيق. M. The book of the ten treatis-: M. Meyerhof es on the eye ascribed to Hunain ibn Ishak القاهرة سنة 1928). وهذه الرسالة ظهرت في ترجمتين لاتينيتين هما Liber des oculis Constantini Africani Galini de oculis liber a Demetrio, translatus و (انظر في J. Hirschberg في SBPr. AK. W. سنة 1903، ص 1080 - 1904). وكتب حنين لابنيه داود وإسحاق "المسائل في العين" (تحقيق. P. Le livre des ques-: Sbath & M. Meyerhof tions Sur l'aeil de Honain ibn Ishak، القاهرة سنة 1938، MIE، ص 36). وله مقالة صغيرة في حقيقة الضوء هي "الضوء وحقيقته" يظهر فيها أنه جعل أرسطو عمدته في ميدان الفيزياء (تحقيق لويس شيخو في مجلة المشرق، جـ 2، سنة 1899، ص 1105 - 1113 مع ترجمة فرنسية لها في أعمال مؤتمر المستشرقين الدولى، باريس سنة 1897، القسم الثالث، باريس سنة 1899، ص 125 - 142؛ ومع ترجمة ألمانية بقلم C. Pruefer و M. Meyerhof في مجلة. Isl جـ 2، سنة 1911, ص 117 - 128). أما مصنفه "نوادر الفلاسفة" الذي يستشهد به كثيرًا فموجود في مختارات عربية لاحقة في الزمن. وثمة ترجمة عبرية لها صنعت في القرون الوسطى حققها لوينتال (thal- A. Loewen " سفر موسرى هابيلوسوفيم" فرانكفورت على الماين سنة 1896. وترجمها إلى الألمانية هذا الكاتب نفسه، برلين سنة 1896): أما النسخة العربية فلا تزال تنتظر من يحققها (انظر Die Sitten sprueche der Philo-: K. Merkl sophen "Kitab adab al -falasifa" von Hon ein ibn Ishaq in der Ueberarbeitung des Muhammed ibn Ali al-Ansari, ليبسك

سنة 1921؛ M. Plessner في Tabriz جـ 24، سنة 1954 - 1955، ص 60 - 72، 6 ورقة؛ J. Kraemer في. Zeitschr. der Deutsch. Morgenl. Gesells، جـ 106، سنة 1956، ص 292 - 302). والكتاب في جوهره مجموعة من القصص والرسائل والأقوال المنسوبة إلى الفلاسفة الإغريق القدماء مختلطة بأفكار حنين نفسه، وهي تعتمد على ديوان من مختارات بوزنطية من هذا القبيل وتشتمل على مادة عتيقة (انظر G. Strohmaier في Hermes، عدد 95، سنة 1967) ويتناول الجزء الثالث وفاة الإسكندر الأكبر. أما صلته بقصة الإسكندر فلا تزال تفتقر إلى التحقيق. وثمة مقال صغير يقوم على التبرير هو في كيفية إدراك حقيقة الديانة، وهو محفوظ في صيغته المختصرة (تحقيق L. Cheikho في. Noeldeke-Festschrift. جـ 1، كيسن سنة 1906، ص 283 - 291 و P. Sbath j في - Vingt traites philos ophiques apologetiques. القاهرة سنة 1929، ص 181 - 185) ويمكن أن تفهم بعض النقاط في هذا المقال على اعتبار أنها مناظرة ذكية حذرة تحمل على الإسلام. أما رسالة حنين إلى على ابن يحيى في المراجع فقد ذكرناها آنفا. وبقيت لنا أيضًا رسالة صغيرة إلى راعيه سلمويه بن بونان على اعتبار أنها مقدمة لترجمته لكتاب جالينوس المعروف باسم De consuetudinibus (الترجمة الألمانية بقلم Corpus: F. Pfaff. Medicorum Craecorum, الملحق، جـ 3، ص 41). المصادر: علاوة على ما ذكر في صلب المادة: (1) الفهرست، جـ 1، ص 294. (2) ابن جلجل: طبقات الأطباء والحكماء، تحقيق ف. سيد، القاهرة سنة 1955، ص 68 - 72. (3) ابن صاعد الأندلسي: كتاب طبقات الأمم، طبعة لويس شيخو، باريس سنة 1935، ص 80. (4) على بن زيد البيهقى: تتمة صوان الحكمة، تحقيق م. شفيع، لاهور سنة 1935، جـ 1، ص 3.

(5) ابن القفطي: تاريخ الحكماء، تحقيق j. Lippert، ليبسك سنة 1903، ص 171 - 177. (1) ابن أبي أصيبعة: عيون الأنباء في طبقات الأطباء تحقيق A. Mueller القاهرة سنة 1882، جـ 1، ص 184 - 200. (7) ابن خلكان، رقم 208. (8) ابن العبرى: Chronicon eccle- siasticum: تحقيق J. B. Abbeloos و Th. J. amy لوفان سنة 1872 - 1817، جـ 3، ص 197 - 200. (9) المؤلف نفسه: - Chronicon syria com، تحقيق J. Bedjan باريس سنة 1890، ص 162، الترجمة اللاتينية بقلم P. J. Bruns G. Kicch و، ليبسك سنة 1789، جـ 1، ص 173. (10) المؤلف نفسه: تاريخ مختصر الدول، تحقيق أ. صالحانى، بيروت سنة 1890، ص 250 - 253. (11) Biblioteca J. S. Assemanus orientalis، جـ 3/ 1 رومة سنة 1725 , ص 164. (12). Geschichte: F. Wuestenfeld. der arabischen Aerzte und Naturforscher كوتنكن سنة 1840 (وأعيد طبعه في هلدسهايم، سنة 1963) ص 26 - 29. (13) Histoire de la: L. Leclerc medicine arabe جـ 1، باريس سنة 1876 (وأعيد طبعه في نيويورك من غير تاريخ)، ص 139 - 152) طبعة غير نقدية). (14) Die Her-: M. Steinschneider -baeischen Uebersetzungen des Mittelal ers , برلين سنة 1893 (وأعيد طبعه في كراتز سنة 1956، 1055 (الفهرس). (15) المؤلف نفسه: Die arabischen Uebersrtzungen aus dem Griechischen في Z.DMG - العدد 50، سنة 1896 (أعيد نشره في كراتز سنة 1960 , ص 390، الفهرس). (16) Suter، ص 21 - 23. (17) Geschichte der: J. Hirsherg Augenheilkunde، جـ 2 - 2، ليبسك سنة 1905 ص 34 - 37.

(18) Die euro-: M. Steinschneider paeischen Uebersetzungen aus dem Ara- bischen في Wien, phil. hist. . Kl . ,.SBAK سنة 1905. (أعيد طبعة في كراتز سنة 1956، ص 98، الفهرس). (19) Hunain Ibn: G. Bergstraesser Ishak und seine Schule، ليدن سنة 1913 (ولا يزال محتفظًا بأهميته) ليدن سنة 1913. (20) Geschichte der: A. Baumstark syrischen literatur، بون سنة 1922، ص 227 - 230. (21) G. Gabrieli ,Ishaq: Hunayn Ibn في Isis جـ 6، سنة 1924، ص 282 - 292. (22) New light on: Meyerhof Hunain Ibn Ishaq and his period, في Isis جـ 8، سنة 1926, ص 685 - 724. (23) المؤلف نفسه: Les version sy riaques et arabes des ecrits galeniques في Byzantion، جـ 3، سنة 1926، ص 33 - 51. (24) Introduction to the: G. Sarton history of science جـ 1، بالتيمور، سنة 1927، وأعيد طبعه سنة 1950) ص 611 - 613. (5) Die arabische Ue-: Tkatsch ber setzung der Poetik des Aristotles, جـ 1، فينا سنة 1928، ص 80 - 84. (26) Ara-: H. Ritter & R. Waltzer -bische Uebersetzungen Rriechischer Aerz te in Stambuler Bibliotheken في SBPr AK. W. Phil. hist Kl سنة 1974، ص 801، 846. (27) A bibliogarphi-: Lutfi M. Sa'di cal study of في Hunayn ibn Is-haq al- Ibadi of the Institute of the history of Medicine جـ 2، سنة 1934، ص 409 - 446. (28) Brockelmann جـ 1، ص 224 - 227؛ قسم 1، ص 366 - 369. (29) Die arabische: F. Rosenthal Autobiographie في Studia Arabica جـ 1، سنة 1937, ص 15 - 19.

(30) المؤلف نفسه: Review f Galen on medical experience، تحقيق R. Walzer. في Isis جـ 36 سنة 1945 - 1946. ص 253. (31) المؤلف نفسه: The technique and approach of Muslim Scholarship رومة سنة 1947، في مواضع مختلفة. (32) Geschichte der: G. Graf lireratur chriatirschen arabischen جـ 2، مدينة الفاتيكان سنة 1947 studi etesti 133)، ص 122 - 129 هو مصدر هام). (33) صلاح الدين المنجد: مصادر جديدة عن تاريخ الطب عند العرب في Revue de L'lnstitut Des Manuscrits Arabes جـ 5، سنة 1959، ص 229 - 348. (34) إبراهيم شبّوح: فهرس المخطوطات المصورة، جـ 3 - 2، الطب، القاهرة سنة 1959. الترجمات: أرتميدورس: (1) Le Livre: Artemidore de Ephese des songes traduit du grec en arabe Par Hunayn b. Ishaq. تحقيق ت: فهد، دمشق سنة 1964؛ جالنيوس. (2) lung darueber Galens: P. Bachmann dass der vorzuegliche Aerzt Philosoph sein muss في Nachrich - ten der Akad d. Wissensch in , Goetlingen phil - hist KI سنة 1965، رقم 1. (3) On the parts of medi-: Galen cine , On cohesive causes. On regimen in accordance with the the ories of acute diseases in Hippocrates (تحقيق: M. C. Corpus medicorum Graecorum,: Lyons SuppL Orient جـ 2، برلين). (4) Ueber die Verschieden: Galen heit der homoiomeren Koerperteile تحقيق، Gorpus Medic: G. Strohmaier orum Graecorum Suppl. Orient جـ 3. أبقراط: (5) The ophorisms of Hippocrates, translated into Arabic by Honain Ben Is-chak تحقيق J. Tytzer كلكتة سنة 1832.

حواري

(6) Prognosticon في M. Klamroth: ueber die Auszuege aus griechischen Schriftstellern bei al Ja'qubi في ZD.M.G جـ 40، سنة 1886، ص 24 - 233. وانظر عن المقارنات الجديدة: (7) Prognostikon Die hippokra-: B. Alexanderson tische Schrift. كوتبوغ سنة 1963، ص 156 - 173. (8) De Diaeta in morbis acutis تحقيق C. Lyons، كمبردج سنة 1966. بروقلوس: (9) قطعة من الشرح على طيماوس في - Galeni De conuetudin ibus تحقيق J. M. Schmutte & F. Pfaff ليبسك، برلين سنة 1941 Corpus me- dicorum Graecopum, Suppl. جـ 3) ص 55 - 60 (الترجمة الألمانية). خورشيد [شتروهماير G. Strohmaier] حواري وهي مأخوذة من الكلمة الإثيوبية "حواريا" التي تحمل المعنى نفسه (انظر Beitraege zur sem. Sprach-: Noeldeke wiss ص 48) ولا صحة للاشتقاقات التي تقول إن الكلمة مأخوذة من العربية بمعنى "من يرتدى الثياب البيض"، وكان لقب الزبير بن العوام "الحواري". ونحن نجد في الوقت نفسه أن صيغة الجمع "الحواريون" تطلق على اثنى عشر شخصًا، روى أن محمدًا [- صلى الله عليه وسلم -] في بيعة العقبة الثانية أو شهود هذه البيعة) أقامهم نقباء على أهل المدينة قائلًا لهم "أنتم على قومكم بما فيهم كفلاء ككفالة الحواريين لعيسى ابن مريم وأنا كفيل على قومي"، وقد تواتر القول بأن مجموع من شهدها بلغ سبعين أو اثنين وسبعين شخصًا. وكان من الحواريين الاثنى عشر تسعة من الخزرج وثلاثة من الأوس، وهم: سعد بن عبادة، وأسعد بن زُرارة، وسعد بن الربيع، وسعد بن أبي خيثمة، والمنذر بن عمرو، وعبد الله بن رواحة، والبراء بن معرور، وأبو الهيثم بن التيهان، وأسيد بن حضير، وعبد الله بن

الحور

عمرو، وعبادة بن الصلت، ورافع بن مالك. على أن رواية أخرى تذهب إلى أن الحواريين كلهم من قبيلة قريش وهم: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وحمزة، وجعفر، وأبو عبيدة بن الجراح، وعثمان ابن مظعون، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وطلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، (انظر الثعالبي: قصص الأنبياء، طبعة القاهرة، 1290، ص 344) وربما أوّلَ البعض الحديث الخاص بهؤلاء الحواريين المسلمين الاثنى عشر تأويلًا لآية من آيات القرآن، ففي سورة آل عمران الآية 45 (¬1) وسورة الصف الآية 14، قال عيسى ". . . من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله. . .". وثمة أقوال لبعض المصنفين المسلمين تتعلق بتلاميذ المسيح عليه السلام يعود أغلبها إلى آيات في الأناجيل. يونس [فنسنك A. J. Wensinnck] الحور جمع حوراء، والمذكر أحور. ومعناها لغة "النساء البيض" أي العذارى في الجنة، ويتميزن بسواد إنسان العين مع اشتداد بياضها. وتعرف الواحدة منهن nomen unitatis في الفارسية باسم حورى (حورى بهشتى أيضًا) وبالعربية حورية. وتفسر الكتب العربية هذه الكلمة بقولها أن الحور هن اللواتى يحار الناظر إليهن، ولا شك أن هذا التفسير خاطئ، بل إن اللغويين العرب الآخرين يرفضونه. وقد وصف القرآن في آيات مختلفة حور الجنة بأنهن "أزواج مطهرة" (سورة البقرة، الآية 23 (¬2)؛ سورة آل عمران، الآية 13 (¬3)؛ سورة النساء، الآية 60) (¬4) ويقول المفسرون في معنى ذلك أن الحور مطهرات أيضًا من أدران الجسد ونقائص الخلق. وجاء في سورة ¬

_ (¬1) رقم الآية في المصحف العثماني 52. (¬2) رقم الآية في المصحف العثماني 25. (¬3) رقم الآية في المصحف العثماني 15. (¬4) رقم الآية في المصحف العثماني 57.

الرحمن أنهن قاصرات الطرف إلا على أزواجهن: "فيهن قاصراتُ الطرف لم يَطمثهنَّ إِنس قبلهم وَلا جَانٌ" (الآية 56) وجاء في تفسير هذه الآية أن الحور على صنفين أناسى وجن. والحور كما جاء في القرآن (سورة الرحمن، الآية 72) مقصورات في الخيام، وقد شبهوا بالياقوت والمرجان (سورة الرحمن، الآية 58). وقد استطاعت الكتب العربية فيما بعد أن تفيض في وصف جمال خلق الحور، فذكرت أنهن خلقن من الزعفران، والمسك والعنبر والكافور، وأنهن على ألوان أربعة: بيض وخضر وصفر وحمر، وأنهن من الشفوف بحيث يظهر نخاع عظامهن من خلال سبعين رداء من الحرير. وإذا تنخمن فإن نخامتهن على الأرض تنعقد مسكا. ومكتوب على صدورهن اسمان: اسم من اسماء الله واسم زوجهن. وهن يتقلدن جواهر وحليًا كثيرة .. إلخ. وتسكن الحور القصور الجميلة تحيط بهن الجوارى وتحف بهن مظاهر الترف .. الخ. وعندما يدخل المؤمن الجنة ترحب به حورية من هؤلاء الحور. ولكل مؤمن عدد كبير منهن رهن مشيئته، وهو يواقع كل واحدة منهن بعدد الأيام التي صامها من رمضان وبعدد الحسنات التي أداها. وهن مع ذلك عذارى كلما أتاهن أزواجهن (سورة الواقعة، الآية، 35) (¬1) وهن مستويات في السن مع أزواجهن (سورة الواقعة، الآية 36) (¬2) أي أن الواحدة منهن في سن الثالثة والثلاثين (البيضاوى). وهذه الأوصاف إلى جانبها أوصاف أخرى من طبيعة مغايرة. فالبيضاوى يتساءل عند تفسيره لكلمة أزواج (سورة البقرة، الآية 23) (¬3) عن هدف المضاجعة في الجنة من حيث أن الغرض منها في الحياة الدنيا هو التوالد وحفظ النوع، وهو يقول في تفسير هذه المعضلة أنه وإن كانت المساكن والمطاعم والمناكح وسائر الأحوال في العالم العلوى تشارك نظائرها وتسمى بأسمائها فإنما يكون ذلك "على سبيل ¬

_ (¬1) رقم الآية في المصحف العثماني 36. (¬2) رقم الآية في المصحف العثماني 37. (¬3) رقم الآية في المصحف العثماني 25.

حوران

الاستعارة والتمثيل ولا تشاركها في تمام حقيقتها حتى تستلزم جميع ما يلزمها وتفيد عين فائدتها". ويلاحظ البيضاوى في آية أخرى (سورة الدخان، الآية 54) أنه اختلف في أن الحور نساء الدنيا أو غيرها. ويذهب سيل The Koran) Sale لندن 1821، Preliminary Discourse ص 134) إلى أن النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - استقى فكرة حور الجنة من المجوس Parsis ولكن دوزى (Het Islamisme: Dozy هارلم سنة 1880، ص 101، التعليق) يرفض هذا الرأي، ويلاحظ أن المصدر المجوسى الذي يقول به سيل أحدث عهدًا بكثير من القرآن، وعلى ذلك تنعكس الحجة. المصادر: (1) انظر تفاسير القرآن للآيات الواردة في هذه المادة. (2) البخاري: صحيح، كتاب بدء الخلق، باب في صفات الجنة. (3) الغزالي: إحياء علوم الدين، القاهرة سنة 1828، جـ 4، ص 464. (4) كتاب أحوال القيامة، طبعة وولف Wolff ص 111 وما بعدها، النسخة الألمانية، ص 199 وما بعدها. (5) وانظر المؤلفات الأوربية التي كتبت عن الإسلام. الشنتناوى [فنسنك A. J. Wensinck] حوران وهي بالعبرية حورن الواردة في الكتاب المقدس، وحوارنو المذكورة في الكتابات المسمارية، وأيرانيتيس باليونانية التي ذكرها يوسفوس - Jose phus. إلخ: إقليم على الجانب الآخر من نهر الأردن ليس له حدود معينة واضحة المعالم. وحوران ذاتها هي جبل حوران وسهل النقرة، أما حوران بمعناها الواسع فتشمل الأراضى الممتدة إلى إقليم جيدور ونهر العلان أحد روافد اليرموك ووادي الشلّالة. وتمتد جنوبًا حتى البلقاء وسهوب الحماد، ومع ذلك فإن متصرفية حوران التركية تضم أيضًا إقليم جيدور وجولان (Gaulanitis) وعجلون Gilead والبلقاء. ويقيم الحاكم (المتصرف) في الشيخ

سعد. أما المراكز الإدارية التي يتولاها القائممقام فهي بصر الحريرى والسويداء والقنيطرة ودرعات (Edrei) وإربد والسلط وهي تابعة له. وكان هذا الإقليم يعرف في عهد مماليك مصر باسم القبلية، وكان الوالى يقيم في درعات. وكانت بصرى قصبة هذا الإقليم في عهد متقدم على ذلك. وتتكون أرض حوران بأكملها من الحمم البركانية، وهي وافرة الخصوبة. وسهل النقرة هو بمثابة أهراء الشام. على أن منطقة اللجاء المجاورة له عبارة عن صحراء موحشة. وجبل حوران (يعرف باسم Asalmanos عند القدماء) ويسمى عادة باسم الدروز نسبة إلى سكانه الحاليين هو أعلى جبل في إقليم شرق الأردن إذ يبلغ إرتفاعه ستة آلاف قدم. تاريخها: لحوران شأن كبير في الأحداث التاريخية. ولما كانت هذه الأحداث ترجع إلى عصور موغلة في القدم أو إلى العهود الرومانية والبوزنطية فلسنا بحاجة إلى التحدث عنها في هذا المقام. فقد كان يقوم في هذه البقعة حتى في العهد السابق على الفتح العربي مملكة عربية تحت حماية البوزنطيين (الروم)، وكانت العاصمة بصرى أول مدينة فتحها العرب (عام 634 م) وكانت حوران وفقًا لنظام الجند تابعة لجند دمشق، وظل هذا شأنها منذ ذلك، وإن كان هذا التقسيم الحربى قد بطل استعماله من بعد، وظهر الاسم ولاية "دمشق" بعد اصطناع التقسيم الإدارى. وعلى هذا فإن تاريخ حوران يندمج في تاريخ الشام. بل إن تاريخ حوران كان له، في فترة من الزمن، شأن أهم من ذلك إبان الحروب الصليبية عندما أخرج المسلمون من فلسطين وهاجروا إلى هذا الإقليم واستطاعوا الصمود أمام النصارى هناك، وعاد هؤلاء المهاجرون إلى أوطانهم الأولى بعد سقوط بيت المقدس، ولم يتخلف بحوران سوى أشتات من القبائل العربية ينتظمون تحت ذلك الاسم العام ألا وهو "عربان الجبل".

وأخذت حوران في العمران في القرن الثامن عشر فسكنها دروز لبنان، ذلك أن الشهابيين انتصروا على خصومهم اليمنيين عام 1711 ثم هاجروا إليها، وكان على رأسهم أسرة حمدان التي استقرت في السويداء. وقد تكررت هذه الهجرات في القرن التاسع عشر عندما أخذت أحوال لبنان تزداد سوءًا بالنسبة للدروز. وكان الدروز من ناحية يعيشون في حوران عيشة مستقلة لا يؤدون الضرائب، وسرعان ما عمهم الرخاء لخصوبة أرض هذه البلاد. وانقرضت أسرة حمدان التي كانت حتى ذلك الحين في طليعة الأسرة الدرزية البارزة فحلت محلهم أسرة الأطرش. ثم إن الباب العالى قرر عام 1852 إنفاذ حملة لإخضاع الدروز، ولكن هذه الحملة سحبت ثانيًا عند نشوب حرب القريم. وقد رأى مدحت باشا أن يتفق وديًا مع الدروز فاختار واحدًا من شيوخهم قائمقامًا على حوران وجعل مقره السويداء. وأفلح هذا القائمقام في إدارة هذا الإقليم على النمط التركى، وقد رضى الشيوخ عن ذلك رضاءً تامًا لأن الحكومة التركية كانت تشد أزرهم، إلا أن الفلاحين حنقوا أشد الحنق وانتفضوا على الحكومة فعادت الفوضى وعمت أرجاء حوران سريعًا بل أفلح الدروز عام 1895 في محاضرة السكان المسلمين في قرية الحراك من أعمال النقرة، وكان هؤلاء قد احتموا بالمسجد وأجبروهم على التسليم وهدموا المسجد. واضطر الباب العالى مرة أخرى إلى التدخل، وحدثت حروب دموية لم تؤد إلى استقرار السلام في ربوع البلاد، واخيرًا تمكن عبد الله باشا بما اتخذه من إجراءات حاسمة من كسر شوكة الدروز وأقام الأمور في مجراها الحسن. المصادر: لقد ذكر Le Strange المصادر العربية القديمة في كتابه (1) Palestine under the Moslems، ص 32 - 34. (2) على جواد: ممالك عثمانية تاريخ جغرافيات لغات، ص 350 وما بعدها. (3) ابن فضل الله: التعريف بالمصطلح الشريف، القاهرة 1312 هـ، ص 117، وما بعدها.

(4) Erdkunde: Ritter جـ 15. (5) Damascus: Porter Five Years in جـ 2، ص 1 وما بعدها. (6) and Drake Syria Unexplored: Bunion جـ 1، ص 112 وما بعدها. (7) Reiseber uber den: Wetzstein Hauran and die Trachonen . (8)Zeitschr. des Deutsch. Palaesti- na- Vereins جـ 12، 20، 21. (9) Vom mittelmeer zum: Oppenheim Pers. Golf. جـ 1، ص 87 وما بعدها. (10) Geographie des alt. Pa-: Buhl Last انظر الفهرس. (11) Palestine and Syria.: Baedeker [الشنتناوى] حوران إقليم في جنوبى سوريا، تتاخمه من الشرق الكتلة البركانية لجبل الدروز، ومن الشمال هضبة اللجاء وسهل دمشق، ومن الغرب الجولان ومن الجنوب اليرموك، وهو إقليم يطابق تقريبًا المنطقة الإدارية، أو اللواء الذي يحمل الاسم نفسه، ويمتد حوالى 100 كيلو متر من الشمال إلى الجنوب، و 75 كيلو مترًا من الشرق إلى الغرب، وكان قد أطلق اسم حوران فيما سبق على الإقليم البازلتى الذي يفصل سوريا عن الأردن. ومن ثم كان يشتمل على جبل الدروز واللجاء. والهضبة المنخفضة (متوسط ارتفاعها 600 متر فوق مستوى البحر)، التي هي "قلب حوران (المعروفة باسم النقرة) وسفوح الجبل أيضًا، مغطاة بأرض صالحة للزراعة، نشأت من تحلل الصخرة البركانية، والماء المستمد من الينابيع العديدة التي تنبجس على جانب الكتلة الضخمة، هي ومياه الأمطار التي تسقط كثيرًا نسبيًا، تسمح بزراعة الحبوب. وقد كانت حوران آهلة بالسكان منذ تاريخ قديم جدًا. وورد ذكر مدنها الصغيرة وقراها في رسائل تل العمارنة وفي سفر التثنية (الإصحاح الثالث، الآية 4 و 5)، ولكن الإقليم، وقتذاك، كان بصفة عامة معروفًا باسم

بشان. واحتله العبرانيون في منتصف الألف الثاني قبل الميلاد، وتنازعت على ملكيته مملكتا إسرائيل ودمشق، وأخيرًا اجتاحه وغزاه الأشوريون الذين ظلت لهم السيادة عليه طوال قرن من الزمان (732 - 610 ق. م). وفي القرون التالية حققت سيطرة الأكمينيين لحوران فترة طويلة عَمّ فيها السلام، وازدهرت في خلالها المدن واصطبغت البلاد بالصبغة الآرامية على نطاق واسع. وكان العصران اليوناني المتأخر والرومانى أقل استقرارًا. ولما اضمحلت الإمبراطورية السلوقية نما عدد من الدويلات الأهلية حول حوران وأصبحت من بعد مسرحًا للمعارك التي نشبت بينها. وكان النبط، وهم من أصل عربي، هم في الغالب الذين تسللوا إلى حوران واستقروا بصفة دائمة في الجنوب في بصرى وصلخد، على حين عهد الرومان إلى الإيدوميين بحفظ النظام في مناطق تراخونيتس (لجاء) وأورانيتيس (جبل حوران) وباتانيا (سهل حوران) وفي عام 106 م ضم الرومان حوران، التي أصبح جنوبها جزءًا من الولاية الجديدة للجزيرة العربية، على حين أن الباقى الذي ألحق أولًا بولاية سوريا، أصبح شيئًا فشيئًا ملحقًا بالجزيرة العربية أيضًا. وقد اتسم العصر الرومانى بتطور مدن وقرى كبيرة، يسكنها في الغالب آراميون ويهود، وازدادت عمرانا بالتسلل المتزايد لعناصر عربية، ونبطية وصفاوية. واستمر هذا التسلل في اطراد في العصر البوزنطى، عندما نفذت جماعات جديدة، من جنوبى الجزيرة العربية أحيانًا إلى حوران والسهب المجاورة، لتكسب السيطرة على أطراف الصحراء. والتحق البعض بخدمة البوزنطيين. وحلوا أي هؤلاء الغساسنة، محل بنى صالح حوالى القرن الخامس الميلادى. وكانوا شبه بدو، نصبوا في حوران مخيمات دائمة، أشهرها مخيم الجابية ثم أصبح الإقليم مستعربًا مستغرقًا في عروبته على حين انتشرت النصرانية في الوقت نفسه.

وفتح المسلمون آخر الأمر حوران، في رجب سنة 13 هـ (سبتمبر سنة 634 م) بعد وقعة اليرموك، التي أوقفت الهجوم المضاد للروم (البوزنطيين) ويبدو أن سكانها قد أيدوا الأمويين، وبعد سقوطهم في أيديهم قاموا، بزعامة من يدعى حبيب بن موسى، بفتنة قمعها عبد الله بن على عم الخليفة العباسى. وخلال العصر العباسى، عانت حوران، بصفة خاصة، من غارات عصابات القرامطة ثم كانت حوران، في عصر الحروب الصليبية، مسرحًا لمعارك وغارات عديدة قام بها الصليبيون الذين كانوا يجيئون من آن لآخر لنهب المنطقة، محاولين الاستيلاء على حصونها الرئيسية، أو كانوا يعبرون بها في طريقهم لمهاجمة دمشق. على أن حوران عانت أيضًا من فعال زنكى، عندما كان يحاول الاستيلاء على دمشق. وفي عام 614 هـ (1217 م) ظهر الصليبيون آخر مرة في حوران. وبعد ذلك بقليل، أي في عام 642 هـ (1244 م) نهب الخوارزميون الذين كان الحكام الأيوبيون قد استدعوهم، شمال حوران، ثم ظهر المغول هناك عام 658 هـ (1260 م) قبل هزيمتهم على يد المماليك في عين جالوت. وفي القرن السادس -السابع الهجري (القرن الثاني عشر- الثالث عشر الميلادى) قسمت حوران مقاطعتين، هما حوران بعينها، التي تناظر أورانيتيس في الأزمنة القديمة، والبثنية، التي تناظر بتانيا، وكلاهما يتبعان ولاية دمشق. وكانت وقتذاك إقليما ينعم بالرخاء، فيه قرى عديدة، وله إنتاج كبير من الحبوب، وفريق من سكانه نصارى. وكان الإقليم في عصر المماليك، يتكون من ولايتين هما حوران وعاصمتها بصرى، والبثنية، وعاصمتها أذرعة، هما ونيابة صلخد، التي كان الآمر في حصنها المنيع أمير رتبته رفيعة وضم إليها، على الأرجح، منطقة تناظر اللجاء، بعاصمتها في زرع. وفي هذا الوقت كان

يمر بالإقليم طريق البريد من دمشق إلى غزة، على حين كانت قوافل الحجاج تنطلق من بصرى. ولكن الإقليم عانى في القرن الثامن الهجري (العاشر الميلادى) من تسلل جماعات بدوية، تنتسب إلى بنى ربيعة الذين استقروا بالتدريج هناك. وشهد العصر العثماني تسللا لجماعة بدوية أخرى تنتسب إلى بنى ربيعة هي جماعة عنزة، التي ساقت تجاه الغرب البدو الذين وصلوا في وقت سابق، وتغلغلوا في المنطقة المستقرة، ونشروا أسباب الاضطراب وتعكير الأمن. وأكره سكان القرى على أداء "ضريبة أخوة"، وهناك نشبت بين الجماعات المتنافسة، وبخاصة في بداية القرن التاسع عشر، معارك لم يجد باشا دمشق مناصًا من أن يوقفها. وفي القرن الثاني عشر الهجري (الثامن عشر الميلادى) انتقل طريق الحج إلى أبعد من ذلك غربًا، ولم يعد الحجاج يتجمعون في بصرى، بل في المُزَيْرِب، حيث تقام سوق سنوية منذ ذاك. وشهد القرنان الثامن عشر والتاسع عشر أيضًا توطن الدروز، الذين كانوا في الأصل يقطنون جنوبى لبنان، في جبل حوران. وفي القرن الثامن عشر، طرد هؤلاء القوم الجبليون السكان الأصليين إلى السهل، فأصبح وجودهم عنصرًا جديدًا من عناصر القلق. وعلى حين ظهرت، حوالى عام 1844 , قبيلة الروالة في حوران، واشتبكت في صراع مع عنزة، فإن الدروز الذين كانوا قد ظلوا في لبنان وتورطوا في مذابح عام 1860، فروا أيضًا إلى جبل حوران وطردوا آخر الباقين من السكان غير الدروز. وفي السنوات الأخيرة من القرن التاسع عشر، أدمج العثمانيون حوران في ولاية أكبر، شملت علاوة على جبل حوران ونقرة، جيدور، والجولان، وعجلون والبلقاء. وهذه الولاية الجديدة كانت بمثابة قاعدة للحملات التي قصد بها إخضاع الدروز، وفي هذا الوقت أدخلت في الإقليم مستعمرات الشراكسة. وعجز العثمانيون عن أن يجعلوا السلام التام

يسيطر على الإقليم، ومع ذلك فإنهم أعادوا الأمن للسهل، الذي كف فيه البدو عن طلب دفع ضريبة الأخوة من بعض القرى. ولما أنشئت السكة الحديدية للحجاز عام 1904 وضع ذلك حدا لتجمع الحجاج في المزيرب وللسوق السنوية التي كانت تقام هناك. وكان لهذه السكة الحديدية شأن استراتيجى في حرب 1914 - 1918 وبخاصة في أثناء إنسحاب الجيش التركى في سبتمبر سنة 1918. واحتل جنود الأمير فيصل حوران عامين تقريبًا، وثارت حوران في يوليو عام 1920، عندما دخل الجنود الفرنسيون دمشق. وقمع تمرد آخر قام به الدروز عام 1925 بمشقة أكبر. ومع ذلك فإن الدروز وإقليم حوران شهد أيام الانتداب الفرنسى فترة ساد فيها الأمن وانتشر الرخاء بعض الانتشار، ولقى فيها السكان المستوطنون الحماية من مطالب جيرانهم البدو. وأعيدت حوران في دولة سوريا إلى حدودها العادية مكوّنة لواء، عاصمته أذرعة، ويتألف، من قضاءين -أذرعة وأزرع. وكان سكانها عام 1933، 000. 83 نسمة، منهم 000. 77 نسمة يقطنون في 110 قرية، بعضها مثل أذرعة، ونوى وبصرى وأزرع، مدن صغيرة في الواقع. والسكان مختلفو الجنس: ويوجد هناك مع الدروز، الذين يعيشون في الغالب على سفح الجبل، والفلاحين الحورانيين المسلمين السنيين، شراكسة وبدو في سبيلهم إلى أن يصبحوا مستوطنين، وبعض النصارى من الأرثوذكس والكاثوليك يتجمعون بصفة عامة على حافة الجبل. وحوران إقليم يعج بالحركة، وينعم بالرخاء. وهو يعتبر "مخزن الحبوب لسوريا" ويشقه طريق وسكة حديدية يربطان دمشق والأردن، ويطرقه البدو الذين يأتون هناك بعد الحصاد ليستبدلوا بالصوف والزبد السلع المختلفة التي يحتاجون إليها. المصادر: (1) Les cultes au Hauran: D. Sourdel L'epoque romaine باريس سنة 1952، المقدمة.

(4) La Penetration des: R. Dussaud Arabes en Syrie avant L'Islam باريس سنة 1955. (3) Les Parlers arabes: J. Cantineau du Horan باريس سنة 1946، ص 1 - 65. (4) Topographie histo-: R. Dussaud rique de La Syrie,، باريس سنة 1927، ص 81. (5) Glographie de la: F. M. Abel Palestine جـ 1، باريس سنة 1938 ص 8 - 11. (6) Palestine under: G. Le Strange .the Moslems ص 33 - 35. (7) La: M. Gaudefroy Demombynes Syrie a L'epoque des Mamelouks باريس سنة 1927، ص 65 - 19، 178 , 191 - 19. (8) Hiestoire des Croi-: R. Grousset sades، باريس سنة 1934 - 1936 الفهرست، انظر Hauran. (9) La Poste aux che- J. Sauvaget vaux dans L'empire des Mamelouks باريس سنة 1941، ص 68. (10) Le Pelerinage syrien: R. Tresse aux Villes Saintes de L'Islam باريس سنة 1937. (11) البلاذرى: فتوح، ص 112 و 135. (12) اليعقوبى: البلدان، ص 326. (13) ابن خرداذبة، ص 77. (14) ابن حوقل: ص 126. (15) ياقوت: جـ 2، ص 358؛ جـ 4، ص 316. (16) ابن شداد: الأعلاق الخطيرة، جـ 2 - 2: لبنان والأردن وفلسطين، تحقيق س. الدهان، دمشق سنة 1963، ص 55 - 66. (17) الطبرى: جـ 3، ص 52 و 55 - 56، 2258. (18) المسعودي: التنبيه، ص 372. آدم [د. سوردل D. Sourdel]

الحوض

الحوض وهو الحوض الذي يلقى عنده محمد [- صلى الله عليه وسلم -] أمته يوم القيامة، ولا وجود لهذه الفكرة في القرآن، ولكنها توجد في الحديث، فهو يزودنا بتفاصيل كثيرة منوعة أهمها ما يأتي: يسمى محمد [- صلى الله عليه وسلم -] فَرَط أمته (أي الشهيد عليها) وأول من يلقاه من أمته يوم القيامة عند الحوض هم الفقراء الذين لم يعرفوا نعيم الدنيا. (البخارى: كتاب الجنائز باب 83؛ كتاب المساقاة باب 10؛ كتاب الرقاق، باب 52؛ أحمد بن حنبل جـ 2، ص 132, الطيالسى رقم 695). وتثير أوصاف الحوض مسائل تتصل بصفة الكون، فإن بعده كما بين جرباء وأذرح (وفي أقوال أخرى كما بين أيلة وصنعاء من اليمن أو كما بين عدن وعمان أو كما بين المدينة وصنعاء .. إلخ) وفيه من الأباريق كعدد نجوم السماء، وماؤه أشد بياضًا من اللبن وأحلى من العسل، ومن شرب من مائه لا يظمأ أبدًا، ويملؤه صنبوران من الجنة أحدهما من الذهب والآخر من الفضة. وتصل بعض الأحاديث الحوض بنهر الجنة الكوثر. والقول بأن منبر محمد - صلى الله عليه وسلم - فوق الحوض إنما هو جزء من صفة الجنة (جنة فردوس). ومن المتعذر تعيين موضع بعينه للحوض بين مشاهد القيامة، فقد ورد في حديث صحيح (الترمذى: كتاب القيامة، باب 9؛ أحمد بن حنبل جـ 2، ص 178) أن محمدًا [- صلى الله عليه وسلم -] قال إنه إذا لم يكن بالقرب من الصراط، فإنه يكون إلى جانب الميزان أو الحوض. وفي المجموعة المعروفة بالفقه الأكبر الثاني، يأتي الحوض بعد الميزان مباشرة (مادة 21) ولم يذكره الغزالي في مصنفه الدرة الفاخرة، ولا صاحب كتاب أحوال القيامة. أما في كتاب الإحياء فقد وضعه (الغزالى) بين باب الشفاعة وصفة الجنة والنار. المصادر: (1) الأقوال المتصلة بالأحاديث في Handbook of Early Muh. Tra-: Wensinck dition مادة حوض.

الحوطة

(1) الطبري: التفسير، جـ 30، ص 176, وما بعدها. (3) مواد الحديث في The: Wensinck Muslim Creed. والفهرس، مادة حوض. (4) الغزالى: الإحياء، طبعة القاهرة 1302 هـ، جـ 2 ص 478. يونس [فنسنك A. J. Wensinck] الحوطة اسم عدد من المدن في الجزيرة العربية، نذكر هنا أهمها. وتضم المدن القائمة في الجزء الجنوبى من شبه الجزيرة أضرحة أولياء ذائعى الصيت. وحوطة القطن تقوم أسفل الجدار الجنوبى لوادي حضرموت على بعد حوالي 20 كم غربى شبَام، وهي تنتمى إلى سلطنة الشِّحر والمكَلأ الكُعَيطيّة، وهي الدولة التي كانت تحتل المكانةَ الأولى في المحمية البريطانية الشرقية بجنوبى الجزيرة العربية، والقصر القائم هناك هو مقر إقامة الحاكم الكُعيطِي لإقليم شبام. وقد وصف بنت Bent البناء بقوله إنه "مثل قصر للجن في حكايات ألف ليلة وليلة، أبيض مثل كعكة الزفاف، فيه معاقل وأبراج عديدة، ونوافذه مدهونة بطلاء أحمر .. وخلفه ترتفع الصخور الوعرة الحمراء للجبال المحيطة به" وبعض سكان المدينة ينتمون لقبيلة يافع وهي قبيلة السلطان الكعيطى. ومدينة الحوطة تقوم في الحوض الأعلى لوادي ميفعة، وهي أيضًا في المحمية الشرقية، وليست في الشمال الأقصى من عَزان، عاصمة سلطنة بل حاف الواحدية، التي تقوم المدينة داخل أراضيها. وفي سلطنة عَوْلَقِى الدنيا، وهي دولة في المحمية الغربية، تقوم قرية الحوطة على الساحل قرب مصب وادي أحور. وبلدة أحور في داخل البلاد، وهي عاصمة السلطنة. وقاعدة سلطان لحج العبدلى، أول رئيس في المحمية الغربية، هي بلده الحوطة الجفارية الكبيرة التي نسبت إلى ضريح الولى مزاحم بلجفار، الذي يحتفل بزيارته في شهر رجب.

وقد نشأت قبيلة تميم في نجد الوسطى منذ عصر الجاهلية. وأحد مراكزها هو الوادي الذي أطلق عليه الهمدانى (القرن الرابع الهجري - العاشر الميلادى) اسم بطن الفَقى، وهو يعرف الآن باسم وادي سدَيْر، شمالى غرب الرياض. ويجرى الوادي أسفل المنحدر الشرقى لطويق، ويصب في العتك. ويدخل الهمدانى في منازل تميم هناك، "الحائط"، والراجح أنه هو عين الحوطة الحديثة (حوطة سدَير) في الجزء الأوسط من الوادي، بين الروضة والجنوبية. ومهما يكن من أمر فإن سكان الحوطة لا ينتسبون إلى تميم وحدها، وذلك أن فيهم عناصر من بنى زيد وبنى خالد. . . ولقبيلة تميم مركز آخر جنوب الرياض في إقليم عُلَيَّة حيث يجرى أيضًا وادي الحوطة أسفل المنحدر الشرقى لطويق. ويضارع وادي الحوطة تقريبًا وادي برك الذي يقع جنوبه تمامًا. وفي الجزء الأوسط من وادي الحوطة، يقوم الحريق أو حريق نعام (نعام هو الاسم الذي أطلقه الهمدانى على الوادي). وأبعد من ذلك، ينثنى الوادي انثناءً حادًا ويجرى تجاه الشمال متخذًا اسم وادي السوط (الذي ذكره الهمدانى)، ليصب في وادي الصهباء. وقبل هذه الثنية مباشرة تقوم الحوطة نفسها، وتسمى أيضًا حوطة بنى تميم، وهي مجموعة من الواحات، وأهمها الحلة والحلوة. وهناك عرب آخرون يعيشون جنبًا إلى جنب مع تميم، وتربط علاقات وثيقة بين تميم في الحوطتين. وما من شاهد واحد يدل على ضريح في أية حوطة من حوطات نجد. ورجال تميم في هذه الأجزاء مشهورون بإخلاصهم إلى حد التعصب لتعاليم محمد بن عبد الوهاب وهو نفسه فرد من هذه القبيلة، هاجم بقوة المعتقد الديني في الأولياء وتبجيل العامة للأضرحة. المصادر: (1) الهمدانى. (2) صلاح البكري: في جنوب الجزيرة العربية، القاهرة سنة 1368 هـ = 1949 م.

حواء

(3) أحمد فضل العبدلى: هدية الزمان في أخبار ملوك لحج وعدن، القاهرة سنة 1351 هـ. (4) تركى بن محمد آل ماضى: تاريخ آل ماضى القاهرة سنة 1376 هـ (تفصيلات عن تميم وحوطات نجد). (5) Southern Ara-: J. and M. Bent bia لندن سنة 1900. (6) D. Van der Meulen and H. Von Hadramaut: Wissmann، ليدن سنة 1932. (7) Arabia and the: W.H. Ingrams Isles، لندن سنة 1952. (8) Arabica: C. de Landberg جـ 5، ليدن سنة 1898. (9) المؤلف نفسه جـ 2: Etudes جـ 2: 3، ليدن سنة 1913. (10) الأميرالية A handbook of Ara- bia، الطبعة الثانية، لندن سنة 1916 - 7. (11) الأميرالية: Western Arabia and the Red Sea، لندن سنة 1946. آدم [ج. رنتز G. Rentz] حواء زوج آدم، خلقت في الجنة من ضلعه الأيسر في أثناء نومه دون أن يستشعر لذلك ألمًا، وإلا لما اتصلت مودة كل رجل لزوجه (الثعالبى ص 18؛ الكسائى ص 31). ولما كانت قد خلقت من كائن حى فقد أسماها "حواء" (المصدر السابق؛ الطبرى جـ 1، ص 109؛ ابن الأثير جـ 1، ص 23؛ وانظر سفر التكوين، الإصحاح الثاني، الآية 23) (الثعلبى؛ نفس المصدر، وهو يتفق مع سفر التثنية، الإصحاح 6؛ سفر التكوين الإصحاحين 14، 17) وعلى حواء (سورة الأعراف، آية 20؟ ) معظم الوزر في الخطيئة الأولى (¬1) فقد ¬

_ (¬1) من البديهي أن الكاتب يحمل القرآن الكريم هنا معنى ليس فيه. فالآية التي يعتمد عليها في أن "على حواء معظم الوزر في الخطيئة الأولى، فقد أغواها إبليس فأكلت من شجرة الشر" لا تشير إلى شئ من ذلك البتة. وهذا هو نصها ونص ما قبلها وما بعدها من الآيات المتصلة بالموضوع: "ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة، فكلا من حيث شئتما، ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين. (19) فوسوس لهما الشيطان ليبدى لهما ما وورى عنهما من سوءاتهما، وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين. (20) وقاسمهما إني لكما لمن =

أغواها إبليس فأكلت من شجرة الشر. وتذهب رواية إلى أن حواء قدمت لزوجها الخمر الأولى فضلا عن الفاكهة المحرمة فأصبحت الخمر الخطيئة الأولى (الثعلبى؛ وسفر التكوين، الإصحاح نفسه) ثم أصبحت مصدر الشر كله. وتقول رواية أخرى إن هذه الأكلة غمرت الإنسانية كلها في ألم مقيم (الثعلبى، الموضع نفسه والمدرش) وتتذكر بنات حواء جريرة أمهن بالعقوبات العشر التي منها الحيض والحمل والمخاض، وأخذت حواء عهدًا يسرى عنها وهو أن كل امرأة تقية برة بزوجها تدخل الجنة جزاء ما احتملت من آلام المخاض القاتلة. فإذا ماتت إبان الولادة سلكت مع الشهداء وضمت إلى زوجها في الجنة. وتكاد تتفق المصادر اليهودية والعربية اتفاقًا حرفيًا في رواية زواج آدم وحواء الذي شهده الله وجبريل وغيره من الملائكة (A Sanh, Baba. B. Levit R. 17 , 11 Gen. R. 11 Erubin 20، A Koheleth 8، الكسائى ص 35). وقد حج آدم وحواء إلى مكة بعد أن خرجا من الجنة وأقاما بعض المناسك، وحاضت حواء للمرة الأولى، فنكت آدم الأرض فتفجرت عين زمزم وتطهرت بمائها. وماتت حواء لسنتين خلتا بعد موت آدم ودفنت إلى جواره. المصادر: (1) الطبرى، تاريخ، جـ 1، ص 109 وما بعدها. ¬

_ = الناصحين. (21) فدلاهما بغرور. فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوءاتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة، وناداهما ربهما: ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين (22) قالا ربنا ظلمنا أنفسنا، وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين. (23) " وهذه الآيات صريحة في أن وسوسة الشيطان كانت لهما، وأنهما ذاقا الشجرة وأن الله تعالى ناداهما بقوله: "ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين". وآيات سورة البقرة (35 - 37) تسير على نفس النسق وتحمل كلا من آدم وحواء مسئولية الأكل من الشجرة. على أن آيات سورة طه صريحة في عكس ما ذهب إليه كاتب المقالة، فإن يكن فيها إفراد أحدهما بالمسئولية فهو آدم: "إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى (118) وأنك لا تظمؤا فيها ولا تضحى (119) فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى (120) فأكلا منها فبدت لهما سوءاتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة، وعصى آدم ربه فغوى. (121) ". د. مهدي علام

حيدر

(2) ابن الأثير، جـ 1، ص 24 - 26. (3) الثعلبي: قصص الأنبياء، طبعة القاهرة 1312 هـ، ص 18، 29. (4) الكسائى قصص الأنبياء ص 30 - 78. (5) Beitrage: Gruenbaun ص 64 وما بعدها. (6) Bibl. Legenden etc: Weil ص 17 - 30. يونس [إيزنبرغ J. Eisenbetg] الحويزة والصيغة القديمة الحُوَيْزَة، (وهي مصغر الحوزة) مدينة في الخور الأعظم شرقى دجلة موقعها غير صحى إلى حد بعيد، وللمدينة وأهلها من النبط شهرة سيئة حتى بين العرب كما يتضح من كلمات أبي الوفاء بن خودكام التي أوردها ياقوت، فهو يرسم لها صورة منفرة في عبارة يتأثر بها أسلوب القرآن. ولم يذكر جغرافيو العرب القدامى مدينة الحويزة، وشاهد ذلك، كما يقول ياقوت، هو أن دبيس ابن عفيف الأسدى المتوفي عام 286 هـ (996 م) كان أول من شيد بها مسكنًا؛ أما حمد الله مستوفي فينسب تخطيط المدينة إلى سابور ذي الأكتاف، ويقول هذا المصنف الذي عاش في القرن الثامن الهجري أنها كانت من أزهر مدن خوزستان. ولا تزال الحويزة مركزًا للمنداويين (الصابئة) Mandaeans (انظر جـ 1، ص 678 أفي أعلاها). المصادر: (1) ياقوت: المعجم، جـ 2، ص 371 وما بعدها (2)، The Lands of the: Le Strange Eastern Caliphate ص 241. حيدر من أسماء الأسد في العربية، سمى به لغلظ عنقه وقوة ساعديه (لسان العرب؛ جـ 5، ص 246)، وقد سمّت أم علي أول الأمر ابنها بهذا الاسم نسبة لأبيها، ذلك أنها كانت تعرف بفاطمة

الحيرة

بنت أسد؛ فلما آب أبو طالب من رحلته سماه عليًا، وقد سمى عليّ نفسه "حيدرة" في بعض الأشعار المنسوبة إليه، ولكن ابن مكرم يذهب إلى أن القافية هي التي استلزمت استعمال هذه الصيغة. ومع ذلك فإن ثمت شاهدًا على هذه التسمية ورد في بيت لابن أبي ميّاس المرادى قاله عند مقتل على، والمرادى هذا ينتمى إلى قبيلة القاتل (الطبرى؛ جـ 1، ص 4466، س 14). خورشيد [إيوار Cl. Huart] الحيرة قصبة الملوك اللخميين، وكانت على ثلاثة أميال جنوبى الكوفة وعلى مسيرة ساعة إلى الجنوب الشرقى من النجف (مشهد على) وعلى بحيرة النجف التي جفت أو كادت عند تخوم الصحراء. وهذا الاسم آرامى (وهو يطابق الاسم السريانى حرْتا والعبرى حاصير) ومعناها لغة "المخيم" ثم أصبحت علمًا على المخيم الثابت لأمراء اللخميين تحت سيادة الفرس، ومنه تطورت المدينة على الأيام. والعرب يجعلون تاريخ تخطيط المدينة في عهد بختنصر، ولا سبيل إلى تحديده؛ فقد ورد ذكر أحبار الحيرة في المجامع الدينية منذ بداية القرن الخامس الميلادى. (وانظر فيما يختص بما يعثر عليه الآن من النقوش - Florile gium de Vogue ص 389، 463 وما بعدها). أما موقع الحيرة فكان مناسبا، لأن الشقة بين النجف والفرات تقطعها القنوات، وتغزر فيها حقول القمح وأحراج النخيل، كما يمتدح هواؤها لملاءمته للصحة، وكان بين أهلها -كما يدل على ذلك ذكر الأحبار- عدد من النصارى يعتنقون النسطورية، ومنهم آل شاعر الحيرة عدى بن زيد. وقد تنصر أمراء اللخميين أنفسهم آخر الأمر وأقامت هند أم الملك عمرو (حكم بعد عام 550 م) ديرًا بالحيرة. وبالقرب من الحيرة معاقل، منها الأبلق الذي بناه أحد أكاسرة الفرس، وقصر ابن بُكيلة وقصر العدسيين، وهم من كلب. ويرد ذكر عدة الخيل من بين منتجات الحيرة بخاصة، وذلك في أشعار القدماء (امرؤ

القيس ص 4، بيت 59، النابغة ص 5، س 29) وبلغت الحيرة مرحلة من الحضارة، وتزاحم الشعراء على بلاط ملوكها. وتقص الروايات أيضًا أن صناعة الكتابة راجت في الحيرة، ومنها انتشرت في ربوع جزيرة العرب. ولما مات الملك النعمان الثالث (602 م) لم يتورع الأكاسرة عن القضاء على الأقيال اللخميين، وأحلوا محلهم على المدينة عمالًا من الفرس، يدين لهم أمراء العرب بالولاء. وظل الحال على هذا المنوال إلى عام 663 م عندما هاجم خالد الحيرة على رأس جيش المسلمين فاستسلمت المدينة بلا قتال، وقبلت أن تؤدى جزية لا بأس بها، ومن ثم زالت أهميتها وإن بقيت أمدًا طويلًا بعد ذلك. ولم يخترها العباسيون مقرا لحكمهم، كما زاد ظهور الكوفة في اضمحلالها. ومع هذا فقد ألم بها الخليفة هارون الرشيد فترة وشيد فيها المباني، فأثار ذلك سخط أهل الكوفة مما دعاه إلى تركها. وتعرضت في عهد المقتدر (908 - 932)، كغيرها من ربوع السواد، لغارات البدو فاضطرت الحكومة إلى إنفاذ الجند إليها. وقد وصفت في النصف الثاني من القرن العاشر الميلادى بأنها متسعة الجنبات قليلة السكان. واضمحلت باضمحلال الإقليم بأسره حتى أصبحت أثرا بعد عين. وفي موضعها مراع ليس فيها ما يذكر بماضيها إلا تلال وأكوام من الأنقاض. المصادر: (1) الطبرى، التاريخ، طبعة ده خويه، جـ 1، ص 821 وما بعدها، 853، 2016 وما بعدها؛ جـ 3، ص 645 (انظر أيضًا الفهرس). (2) البلاذرى، طبعة ده خويه، ص 241 وما بعدها. (3) الدينورى، طبعة جير جاس، ص 117. (4) ابن الأثير، طبعة تورنبرغ، جـ 6، ص 105؛ جـ 8، ص 131. (5) ياقوت، طبعة فستنفلد، جـ 2، 375 - 379. (6) المكتبة الجغرافية العربية، جـ 1، ص 82، جـ 2، ص 163؛ جـ 7، ص 192، 309.

(7) Geschichte der Sas-: Noeldeke saniden، ص 25، 348. (8) miden Rothstein: Die Dynastie der Lakh- ص 12 - 40، 138. (9) Skizzen und Vorarbe-: Welhausen iten، جـ 6، ص 38 وما بعدها، 68 وما بعدها. (10) von Babylon nach: Meissner den Ruinen vom Hira und Huarnak .(Semdschreiben der Deutschen Orient (Gesells، 1901. يونس [بول Fr. Buhl] + الحيرة: اسم حاضرة اللخمين. ويقارن هذا الاسم بالكلمة السريانية حرْتَا "المخيم" وقد أطلق الاسم على موقَع الحيرة دون شك، لأنه كان أول الأمر معسكرًا؛ وثمة عدة أساطير حول نشأة الحيرة أوجزها ياقوت الحموى في كتابه معجم البلدان، بما يفيد أن هذا كان شأنها. ولا يوجد هذا المعنى للكلمة في اللغة العربية الفصحى، ولكنه يوجد في نقش مكتوب بجنوبى الجزيرة العربية هكذا: حرت - حيرت (انظر A.F.L. Beeston في le Museon العدد 67، السلسلة الجديدة، سنة 1954، ص 311 - 313) على حين تسجل المعاجم الفصيحة معانى مشابهة لذلك الفعل تحيِّر (- أقام) والاسم هو "حير". حسن شكرى [A.F.L. Beeston] وحقائق الجغرافيا -أي الهواء النافع للصحة، والمنطقة المجاورة الخصيبة، والقرب من نهر الفرات- تفسر تفسيرًا ملائمًا اختيار الموقع للاستيطان، إذ إنه كان في جنوبى شرق مدينة النجف القائمة بالعراق حاليًا. ولكن كان ثمة عامل سياسى هو الذي جعل الحيرة تصبح من محلّة مغمورة بعض الشئ إلى أهم مدينة عربية بالهلال الخصيب خلال القرون الثلاثة الأولى السابقة لظهور الإسلام؛ أعنى ظهور الأسرة اللخمية الحاكمة القوية التي اتخذت الحيرة حاضرة لها. وارتقت بها إلى درجة من السيادة تجلت أكثر مع اضمحلال هنرة والرها وتدمر في القرن الثالث الميلادى. وصارت الحيرة مدينة لخمية لحمًا ودمًا حتى سميت

"حيرة النعمان" نسبة إلى أحد ملوك اللخميين. وقد زين هؤلاء مدينة الحيرة وضواحيها بالقلاع والقصور التي من أشهرها: الخورنق والسدير، كما شيدت الأميرات النصرانيات من الأسرة الملكية، بعض الأديرة الشهيرة مثل: دير هند. وبلغت مدينة الحيرة أوج عظمتها أيام حكم الملك المنذر الثالث ذائع الصيت (سنة 503 - 554 م) حينما صارت مركزًا للأنشطة السياسية والدبلوماسية والحربية التي شارك فيها كل من فارس وبوزنطة وشبه جزيرة العرب. ومع ذلك، ظلت الحيرة بالنسبة للساسانيين بمثابة قلعة لحماية بلاد ما بين النهرين من غارات البدو الرحل، ومدينة للقوافل ذات أهمية حيوية للتجارة العابرة بين بلاد فارس وشبه جزيرة العرب. وصارت الحيرة بحكم موقعها الجغرافي ملتقى ثلاثة تيارات ثقافية متفاعلة: تيار الثقافة الفارسية، وتيار الثقافة العربية الوثنية الفطرية، وتيار الثقافة البوزنطية، التي مثلتها أساسًا النصرانية النسطورية، ومن هنا كان شأنها المتزايد ثباتًا ودوامًا، والراجح كل الرجحان أن الخط العربي تطور أول ما تطور، في الحيرة. وكانت الحيرة مقر أسقف من أساقفة النساطرة، ومن ثم انتقلت النصرانية منها إلى شبه جزيرة العرب. واجتذبت من حيث هي عاصمة اللخميين شعراء العرب من شبه الجزيرة مثل: عبيد، وطرفة، والنابغة، ومن ثم، كانت حافزًا لتهذيب شعر المديح العربي واكتماله. وقد أنجبت الحيرة أيضًا شاعرًا جاهليًا فحلا هو عدى بن زيد الذي انتمى إلى جاليته النصرانية الشهيرة العباد، ويصور شعر هذا الشاعر جوانب كثيرة من الثقافة الحضرية لمدينة الحيرة. ومع أن الغساسنة استولوا على الحيرة وخربوها مرتين، بيد أنها بدأت تفقد أهميتها ومكانتها مع تدهور اللخميين وسقوط مملكتهم إلى غير رجعة بعد وفاة النعمان الثالث سنة 602 ميلادية، واستقبلت حاكمًا فارسيًا سنة 12 هـ (633 م)، واستسلمت للجيش الإسلامي بقيادة خالد بن الوليد، وتعهدت بأداء الجزية، ثم إن

حيص بيص

العالم الجاهلي الذي انتمت الحيرة إليه، حانت نهايته، فقد عاشت الحيرة بذكرياتها وآثارها النصرانية حياة تنطوى على المفارقة التاريخية، وقدر لها أن تشهد الأحداث التي أثرت فيها إبان حكم هارون الرشيد (170 - 193 = 320 هـ = 908 - 932 م). وقد تفوقت مدينة الكوفة الجديدة التي أسسها المسلمون تفوقًا عظيمًا على الحيرة، وكسفت شمسها، واختفت الحيرة آخر الأمر عن ظهر الأرض. ولكنها ظلت عند الشاعر العربي مثالًا للعظمة الدارسة، وعنوانًا للفخر، حتى أنها في زمن متأخر يرجع إلى القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادى) ألهمت الشاعر العباسى ذائع الصيت، الشريف الرضى، نظم مرثيتين. المصادر: (1) الطبري، جـ 1، ص 821 وما بعدها، ص 858، ص 2016. وما بعدها، ص 2038 وما بعدها، جـ 3، 645 - 646 والفهرس ص 968. (2) ياقوت، جـ 2، 375 - 379. (3) Die Dynastie der: J.Rothstein Lakhmiden in al-Hira برلين سنة 1899، وبخاصة الصفحات 12 - 40. (4) The Middle Euphrates,: A.Musil American Jeographical Society, نيويورك سنة 1927، ص 99 - 118، ص 283 - 314. (5) The Oxford ex-: D. Talbot Rice cavations at Hira , في Ars Islamica، جـ 1/ 1، ص 51 - 73. (6) Byzantino - arabi-: : Irfan Shahid ,ca, the conference of Ramla, A.D. 524 في JNES، العدد 23 - 2، ص 115 - 131. حسن شكرى [عرفان شهيد Irfan Shahid] حيص بيص لقب الشاعر العربي شهاب الدين أبو الفوارس سعد بن محمد بن سعد بن الصيفي التميمى، وقد زعم هذا الشاعر أنه من نسل أكثم بن صيفي (انظر أسد الغابة. القاهرة، 1286 هـ، جـ 1، ص 112 وما بعدها)؛ وإنما قيل له حيص بيص لأنه رأى الناس يومًا في

حركة مزعجة وأمر شديد فقال ما للناس في حيص بيص فبقى عليه هذا اللقب (انظر اللسان، جـ 8، ص 274, 285 وما بعدها و Gruenert في - Ve rhandlungen des VII Orient Congresses فينا، 1888 Sem. Sect. ص 202 وما بعدها) والظاهر أنه لم يكن يعرف تاريخ مولده. وجاء في خريدة العصر (الورقة 70 (أ)، 2) أنه كان في ريعان عمره عام 520 هـ (1126 م) وقد تفقه بالرى على القاضى الشافعى محمد بن عبد الكريم الوزان (انظر السبكى: طبقات الشافعية؛ جـ 4، ص 77 وما بعدها) ولكن غلب عليه الأدب وذاع صيته في الشعر والكتابة لرشاقة أسلوبه؛ وكان حيص بيص من أخبر الناس بأشعار العرب ولغاتهم، وكان لا يخاطب أحدًا إلا باللسان العربي الفصيح، كما أغرم بلبس زى العرب مما دعا بعض خصومه إلى هجائه، وكانت له مع ابن القطان الشاعر الهجاء المعروف جولات كثيرة (وقد عاش ابن القطان ما بين سنتى 477 [478] و 558 هـ) ويقال إن ابن القطان هذا هو الذي لقبه بحيص بيص. ونخص بالذكر من أولياء نعمته الوزير شرف الدين على بن طراد الزينبى (في عهد الخليفتين المسترشد والمقتفي)؛ وقد تضمنت خريدة العصر لعماد الدين الإصبهانى متفرقات كثيرة من أشعاره وهي تشمل إلى جانب أشعاره في الوصف طائفة كبيرة من القصائد التي نظمها في مدح الخليفتين المسترشد (عام 512 - 529 هـ = 1118 - 1135 م) والمستضيء (566 - 575 هـ = 1170 - 1180 م) وسلاطين السلاجقة مثل محمود بن محمد بن ملكشاه (511 - 525 هـ = 1117 - 1131 م) ومسعود بن محمد بن ملكشاه) (527 - 547 هـ = 1133 - 1152 م) والوزراء، وبخاصة الوزير الزينبى الذي ذكرناه آنفًا من أعيان عصره؛ وقد اشتمل كتاب الإصبهانى أيضًا على مقطوعات من مراثيه وشواهد من رسائله. واشتمل مخطوط برلين (Verzeichnis.wardt Ah رقم 8627، 3) على سبع رسائل وجيزة توسل فيها الشاعر بالخليفة ورد الخليفة عليه. وتوفي حيص بيص ببغداد في السادس من شعبان عام 574 هـ (17 يناير 1179 م).

حيفا

المصادر: (1) ابن خلكان (طبعة Wuestenfeld)؛ رقم 257 و 724 و 780 و 817 (ترجمة de Slane؛ جـ 1، ص 559 وما بعدها؛ جـ 3، ص 337، 583 وما بعدهما؛ جـ 4، ص 119 وما بعدها). (2) الكتبي: فوات الوفيات؛ (طبعة بولاق , 1283) , جـ 2، ص 392 وما بعدها. (3) عماد الدين الإصبهاني: خريدة العصر؛ مخطوط بليدن، 21 (أ) Gol (Cat. Cod. Orient جـ 2، ص 208 ما بعدها) الورقة 44 ب و 75) ص 77 - 138. (4) Recueil de Textes relat-: Houtsma ifs a I'Histoire des Seldioucides جـ 2، ص 175 , 212. (5) ابن أبي أصيبعة (طبعة A. Mueller؛ جـ 1، ص 283 وما بعدها. (6) ابن الأثير (طبعة تورنبرغ)؛ جـ 11، ص 106، 218، 300. (7) ابن الطقطقى (طبعة Ahlwardt) ص 355. خورشيد [فان ارندنك C. vam. Arendonk] حيفا مرفأ في سفح جبل كرمل، لم يذكر في التوراة وإنما ذكر أولًا في يوزبيوس (usebius) باسم "إيفا" ثم في التلمود باسم "حيفا"، ولم يكن لحيفا شأن يذكر بعد فتح العرب لفلسطين، فقد كانت عكا تبزها، وظلت حيفا خاملة الذكر إلى أن وصفها ناصر خسرو وصفا موجزًا في منتصف القرن الحادى عشر الهجري، فتحدث عن أحراج النخيل الكثيرة التي فيها وعن السفن التي يبنيها أهلها، واستولى الصليبيون على المدينة عام 1100 هـ فارتفع شأنها نوعًا ما تحت حكم الفرنجة كما هو واضح من وصف الإدريسى لها، ذلك أنها أصبحت ثغر طبرية ومرسى حسنًا؛ وما وافت سنة 1177 هـ حتى كان صلاح الدين قد استعادها وردها لحكم المسلمين؛ وارتفع شأن حيفا في العهد الحديث على حساب عكا، فقد عدت مرسى للبواخر وبها خط للسكك الحديدية؛ ولا تشغل المدينة الحديثة موقع حيفا القديمة وإنما تقوم إلى الشرق منه.

المصادر: (1) Onomastica sacra (La-: Eusebius garde). ص 267 و 270. (2) Geographie duTal-: Neubauer mud ص 197. (3) المكتبة الجغرافية العربية، طبع ده خويه، جـ 7، ص 329. (4) ياقوت، طبعة فستنفلد، جـ 2، ص 381. (5) الإدريسى في zeitschr. des deutschen Pal - Vereins جـ 8، ص 129. (6) Palestine under: Guy le Strange the Muslims، ، ص 446. (7) Palestine: Robinson جـ 3. (8) Neuere bible. Forschungen ص 129. (9) Samarie: Guerin. جـ 2، ص 251 وما بعدها. (10) Zeitschr. des deutschen Pal. Ve- reins جـ 13 ص 175 وما بعدها؛ جـ 31، ص 19 وما بعدها. خورشيد [بول Fr. Buhl] + حيفا: وحيفا الحديثة ميناء في سفح جبل الكرمل لم يرد اسمها في الكتاب المقدس، ولكنه يرد مرارًا في التلمود والمصادر اليهودية المتأخرة في الزمن، ويذكره يوزبيوس باسم "إيفا". وقد أفل نجم حيفا في القرون الإسلامية الأولى بازدهار عكا، وناصر خسرو هو أول من وصفها، حيث كان بها سنة 438 هـ (1046 م). ويذكر في وصفه أحراج النخيل. والأشجار الكثيرة لهذه القرية (ده) والرمال المجاورة لها من النوع الذي استعمله الصاغة الفرس وسموها الرمال المكية. كما وجد فيها نجّارى السفن الذين يقول عنهم إنهم يصنعون السفن الكبيرة التي تمخر البحر، وتسمى "جودى" (سفر نامة، حققه وترجمه إلى الفرنسية Sh. Schefer, باريس سنة 1881، النص ص 18 والترجمة ص 60، طبعة Kaviani، برلين س 1340، ص 26؛ والنسخة الإنكليزية في PPTS، جـ 4، ص 13). وقد مر الصليبيون بحيفا لأول مرة وهم في طريقهم إلى الجنوب. وما لبث

انتباههم أن تحول إلى هذا الميناء المفيد الذي كان لا يزال يضم فيما يحتمل حوضًا للسفن، وفي شهر شوال سنة 493 هـ (أغسطس 1100) تقريبًا، وبعد حصار دام قرابة شهر، استولوا على حيفا بمساعدة أسطول البندقية. ويقول ألبرت ده ايكس Albert of Aix (جـ 7، ص 22 - 25 في RHC,OCC, جـ 3، ص 251 وما بعدها) إن الأهالى كانوا يهودًا، سكنوا هذا المكان الذي وهبه لهم الخليفة الفاطمى نظير أداء الجزية، ودافعوا عنه بالسلاح بمساعدة الجيوش الإسلامية. ولما استولى الصليبيون على حيفا، قاموا بجمع الحاميات اليهودية والإسلامية والسكان، بغض النظر عن القلة التي لاذت بالفرار وأعملوا فيهم الذبح. واكتسبت حيفا أيام الفرنجة قدرًا من الأهمية، وكثيرا ما كانت مثار نزاع بين باروناتهم. ويصفها الإدريسى، الذي يرجع وصفه إلى هذه الفترة، بأنها مرفأ ممتاز، من حيث هي ميناء لبحيرة طبرية (تحقيق Gildemeister في des Deulschen Palastinave Zeitschrift reins، العدد 8 سنة 1885، الملحق). وفي أثناء الحروب بين الصليبيين والمسلمين، ارتبط مصير حيفا مثل غيرها من الموانئ القائمة على ساحل فلسطين بمصير عكا. وفي سنة 583 هـ (1187 م)، حدث بعد سقوط عكا، وحيفا وغيرهما من المواقع، أن احتلتها جيوش صلاح الدين (بهاء الدين بن شداد؛ النوادر السلطانية، تحقيق جمال الدين الشيال، القاهرة سنة 1964، ص 79؛ أبو شامة: الروضتين، الطبعة الأولى، جـ 2، ص 88، محمد الحموى، التاريخ المنصورى، تحقيق - P.A. Grya zenevich، موسكو سنة 1960، ورقة 92 ب؛ ابن واصل: مفرج الكروب، تحقيق جمال الدين الشيال، جـ 2، القاهرة سنة 1957، ص 202) ونستدل من الشواهد التي ذكرتها المصادر الإسلامية على أن رواية بعض المصادر الفرنجية التي يرددها أكثر المؤرخين الغربيين المحدثين عن الحروب الصليبية بأن الاستيلاء على حيفا قد تم قبل سقوط عكا، لابد من رفضها (انظر The Crusaders: W.B. Stevenson in the East، كمبردج سنة

1907، ص 250). وفي سنة 587 هـ (1191 م) حدث أن توقع صلاح الدين نية الفرنجة لاسترداد عكا، فهدم أسوار حيفا وتحصيناتها قبل أن يخليها لهم. وهناك بقيت حيفا في أيدى الفرنجة، وأعاد تحصينها لويس التاسع ملك فرنسا حوالى سنة 1250 - 1251 م. وفي سنة 663 هـ (1265 م) أخلاها سكانها قبل تقدم بيبرس الذي سوى تحصيناتها بالأرض. ثم استعادها الفرنجة بعد، وأعاد فتحها السلطان المملوكى الأشرف خليل سنة 690 هـ (1291 م)، بعد إعادة فتح عكا. وقد تأثرت حيفا أيام المماليك بالسياسة العامة التي استهدفت الإبقاء على ساحل فلسطين في حالة دمار وهي احتياط دُبِّر خشية عودة الصليبيين. ويذكر القلقشندى هذا الساحل على اعتبار أنه مجرد خرائب وحسب (صبح الأعشى، جـ 4، ص 155 La: Gaudefroy Demombynes - Syrie a L'epoque des Mamelouks باريس سنة 1923، ص 124). ولا تذكر أول سجلات المسح العثماني للفتح حيفا بين الأماكن المأهولة. وفي الوقت نفسه تقريبًا لا يذكر بيرى رئيس في وصفه لساحل فلسطين سوى قلعة خربة (U. description of the coast: Heyd A Trukish of Palestine in the early sixteenth centu - ry في IEJ، جـ 6: 4، سنة 1956، ص 206، ص 210، ص 210 - 211). وعلى أية حال، فإنه بحلول سنة 1019 هـ (1611 م)، نجد وثيقة تركية تتحدث عن تجار الفرنجة الذين "اعتادوا المجئ" إلى ميناء (إسكله) حيفا. وتوقفوا عن المجئ إلى هذا الميناء نتيجة لما يتعرضون له من تحرش، كان يجب من ثم أن يتوقف (U. Heyd: -1552 ottoman docment on Palestine 1615 أكسفورد سنة 1960، ص 129). ويبدو أن حيفا في هذه الفترة كانت جزءًا من ممتلكات أسرة طرباى وفي سنة 1032 هـ (1623 م) حاصرها فخر الدين الثاني معن، الذي عرض رفع الحصار عنها إذا تعهد أحمد بن طرباى ألا يهاجم منطقة صفد، على أن ابن طرباى فضل أن يدمر حيفا على المخاطرة بسقوطها في أيدى عدوه (أ. بن زفي: إرش يسرائيل ويشوواه بيمه

ها شلطون ها عثمانى، القدس سنة 1955، مستشهدًا بما ذكره كل من La terre sainte, E. Roger باريس سنة 1664، ص 76 - 77؛ Din II Fakhr al-: P. Cnrali, جـ 1، رومة سنة 1936، النسخة الإيطالية رقم 80، العربية رقم 83؛ أحمد الخالدى: لبنان في عهد الأمير فخر الدين. . .، تحقيق أ. ج. رستم، بيروت سنة 1936 , ص 197 - 198). والشواهد الوافرة التي يرددها الرحالة تؤكد الفائدة المتزايدة لحيفا خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر، على الرغم من أن عدد سكانها ظل ضئيلا فيما يظن. وفي أواخر الأربعينات أو مطالع الخمسينات من القرن الثامن عشر وقعت حيفا وما حولها في قبضة الشيخ ظاهر العمر. وفي شوال سنة 1174 هـ (مايو سنة 1761 م) أرسل عثمان باشا والى دمشق العثماني الذي خول له السلطان ضم حيفا وأرباضها إلى ولايته، ثلاثين جنديًا على سفينة فرنسية من بيروت إلى حيفا، ومعهم أوامر بالاستيلاء على القرية والحصن بشن هجوم مفاجئ. واستطاع الشيخ ظاهر بتحذير من عيونه أن يطرد هذه السفينة بنيران المدافع. وبعد هذا الحادث، دمر القرية القائمة، وبنى قرية جديدة تبعد 2 كم تقريبا من الشمال الشرقى، ونقل السكان إليها. وسمى هذه القرية "العمارة الجديدة"، ولكنها أصبحت تعرف باسم "حيفا الجديدة". وكان الدفاع عنها يتم بأسوار ذات أبراج مستديرة تقوم على الأجناب الثلاثة للبر، وقلعة مستطيلة من طابقين مزود بالمدافع، تشرف على القرية والميناء. ويذكر ميخائيل صباغ أن هذا الحصن بنى بغرض الدفاع ضد الكفار (المالطيين؟ ) القراصنة، والواقع أنه بنى لصد الهجمات المحتملة الآتية من نابلس، وسمى برج أبو سالم أو برج السلام. وبقيت بعض الخرائب فوق الكل الذي ما زال يسمى الـ"برج" (. U Heyd [ثم سمى هيّط بالعبرية]، داهر العمر (في العبرية)، القدس سنة 1942, ص 29 - 30، ص 39 - 40، ص 94 مستشهدًا بما ذكره نعمان قسطلى: ملخص تأريخ الزيادنة، في مجلة الجنان، سنة 1877, ص 851؛ وعبود الصباغ: الروض الزاهر في

تاريخ ضاهر، مخطوطة بمكتبة الجامعة الأمريكية، بيروت، ورقة 9 أ، ب؛ وميخائيل نيقولا الصباغ: تأريخ الشيخ ظاهر العمر الزيدانى Documents inedits pour servir a L,histoire du patriarcal melkite d'Antioche جـ 4، تحقيق. ب. قسطنطين باشا، حريصا بدون تاريخ (1927؟ )، ص 45 - 46). وكانت القرية الجديدة التي بناها الشيخ ظاهر هي نواة حيفا الحديثة. وبعد سقوط الشيخ ظاهر آل حكمها إلى جزار أحمد باشا، واستولى الفرنسيون عليها سنة 1799، ثم أخلوها، على أية حال، بعد فشلهم في الاستيلاء على عكا. وفي سنة 1837. استولى عليها إبراهيم باشا المصرى. وفي سنة 1840، حاق الدمار بحيفا وعكا حين قامت السفن التركية والبريطانية والنمساوية بضرب الميناءين بالقنابل. ونتج عن امتلاء ميناء عكا شيئا فشيئا بالغرين، أن تحولت التجارة إلى حيفا وأخذت في النمو حجمًا وأهمية. وزاد السكان اليهود بالوافدين الجدد من مراكش وتركيا، ثم من أوربا. وكان ثمة عنصر جديد هو فرسان الداوية، وهم جماعة من الألمان البروتستانت من ويرتنبورغ، استقرت في حيفا سنة 1868. ومع أن غرضهم من المجئ إلى حيفا، كان مدفوعًا بالورع، بيد أنهم بدأوا بالتطور الاقتصادى الحديث لمدينة حيفا. فقد مهدوا الطرق، وأدخلوا المركبات ذات العجلات الأربع، ووفروا خدمات منتظمة للمسافرين إلى عكا والناصرة. ومن الأنشطة الأخرى التي قاموا بها، أنهم أقاموا الطاحونة البخارية، وزرعوا بساتين الكروم، وأدخلوا وسائل الزراعة الحديثة. كما استوطن حيفا بعض أتباع بهاء الله الذي مات بالمنفي قرب عكا سنة 1892. وتوجد مقبرة سلفه الباب وابنه عبد البهاء، المعروف باسم عباس أفندى، في ضريح يقوم على منحدرات جبل الكرمل؛ وحيفا هي المركز الإدارى للديانة البهائية. وفي سنة 1886. بدأ العمل في طريق حكومى للعربات من حيفا إلى طبرية وجنين؛ وفي سنة 1898، وبمناسبة زيارة إمبراطور وإمبراطورة

ألمانيا، أقيم جسر ومهد طريق للعربات من حيفا حتى يافا. ولكن عدد السكان ظل ضئيلًا على الرغم من هذه التطورات. وقرب نهاية القرن التاسع عشر، بينت الإحصاءات التركية أن عددهم كان 6000 نسمة معظمهم من المسلمين، وباندلاع الحرب سنة 1914، زاد عددهم إلى ما بين 10000 و 12000 نسمة، كان نصفهم من المسلمين، وبقيتهم من المسيحيين الكاثوليك والأرثوذكس، وبضع مئات من اليهود، وفرسان الداوية الألمان (لمعرفة انطباع الأتراك عن المستوطنين الألمان واليهود وعملهم، انظر بركت زاده إسماعيل حقى: باد ماضى، إستانبول سنة 1332 هـ = 1914 م، ص 132 وما بعدها). وفي العصور العثمانية المتأخرة كانت حيفا دار القضاء في سنجق عكا بولاية بيروت. وفي الثالث والعشرين من سبتمبر سنة 1918، احتلت القوات البريطانية حيفا، بوصف أنها كانت جزءًا من أرض فلسطين الواقعة تحت الانتداب، ومن ثم دخلت حيفا مرحلة من مراحل النمو والتطور الكبير. وبدأ عهد جديد للحياة الاقتصادية لمدينة حيفا بالفعل سنة 1905، بافتتاح فرع من درعة إلى حيفا من سكة حديد الحجاز. وقد ساعد هذا الفرع الذي ربط حيفا بدمشق وحوران وجزيرة العرب، على قيام حافز عظيم لتطوير حيفا من حيث هي ميناء. كما وفرت لها تكاليف الشحن المنخفضة، بفضل المنحة العظيمة لسكة حديد الحجاز، ميزة مباشرة على كل من يافا وبيروت. وفي سنة 1918 , ربط خط حديدى جديد حيفا بجنوبى فلسطين ومصر، وتم تحسين الميناء سنة 1921، وجرى فيه توسع كبير سنة 1933، ساعد على تضاعف وزن البضائع الواردة إلى ميناء حيفا أربع مرات في عشر سنوات. وكان لإتمام مد أنابيب البترول من العراق سنة 1933، ومعمل التكرير سنة 1939, فضل عظيم في النمو الاقتصادى للمدينة. وساعد على هذه التطورات، وساندها هجرة العرب الكبيرة إلى مدينة حيفا في الثلاثينات والأربعينات بخاصة، وهجرة أعداد كبيرة من اليهود الوافدين من أوربا

الوسطى والغربية أساسًا. وتبين إحصاءات السكان التي أجريت في فترة الانتداب أعداد السكان على النحو التالى: سنة 1922: 377 ,9 مسلم، 8، 863 مسيحى، 6، 230 يهودي، 164 من عناصر أخرى؛ سنة 1931: 20، 322 مسلم، 13، 824 مسيحى، 15، 923 يهودي , 332 من عناصر أخرى. وبانتهاء الانتداب سنة 1948، قدر عدد سكان حيفا بـ 120، 000 نسمة، ثلثين من اليهود، والباقي من العرب. وفي أبريل سنة 1948، أخبر القائد العام للقوات البريطانية في حيفا، زعماء العرب واليهود، بأنه سيركز قواته في منطقة الميناء، والطرق المؤدية إليه، وسيسحبها من باقي المدينة. وقد أعقب هذا التصريح صراع سريع، تمخض عن ترك المدينة في أيدى اليهود بعد مفاوضات فاشلة استهدفت استسلام الجزء الأعظم من السكان العرب وترحيلهم بحرًا إلى عكا ولبنان، أو برا إلى الناصرة. وقد ظلت ظروف ترحيل السكان العرب هذه غامضة وقابلة للجدل (لمعرفة الروايات المختلفة، انظر، عارف العارف: النكبة، جـ 1، بيروت سنة 1956، ص 206 - 223. R.E. A Politcal study of the Arab - Jew-: Gabbay ish conflict جنيف - باريس سنة 1959، ص 94 - 95؛ Both J& D. Kimche sides of e hill لندن سنة 1960، ص 115 - 116، ص 118 - 124؛ The Middle East 1945 - 1950. G .Kirk, لندن سنة 1954، ص 261 - 263؛ وليد خالدى، The Fall of Haifa، في Middle East Forum ديسمبر سنة 1959، ص 22 - 32 محمد نمر الخطيب: من أثر النكبة، غير مطبوع (دمشق؟ ) سنة 1951؛ The edge of the N.S. Lorch sword لندن، نيويورك سنة 1961، ص 97 - 100؛ Israel, the es-: H.Sacher tablishment of a state لندن سنة 1952، ص 241 - 245؛ Cordon: R.D. Wilson and search، ألدرشوت سنة 1949، ص 167 وما بعدها، ص 190). وفي الوقت الحاضر (سنة 1965) يوجد في حيفا سكان من العرب يبلغ عددهم حوالى 10، 000 نسمة، من

حيوان

المسلمين، والدروز، والبهائيين، والمسيحيين. ويعيش معظم المسلمين في حى وادي نسناس على منحدرات جبل الكرمل. وقد أعيد ترميم المسجد الجامع، أو جامع جرينة، الذي دمر في أثناء معارك سنة 1948 وأقيمت فيه الشعائر مرة أخرى في يونيه 1949. كما يسكن قرية كبابير بجبل الكرمل جماعة الأحمدية وتدخل الآن في حدود مدينة حيفا. المصادر: بالإضافة إلى ما ذكر في صلب المادة. (1) Palestine: Le Strange ص 446. (2) Textes geogra-: A.S. Marmardji phiques arabes sur la Palestine، باريس سنة 1951، ص 58. (3) Some: L. A. Mayer & J. Pinkerfeld -Principal Muslim religious buildings in is rael. القدس سنة 1950، ص 39 - 40 من النص الإنجليزى، ص 35 - 36 من النص العربي. (4) Survey: Palestine Exploration Fun of western Palestine, Memoir . (5) Description de la Pal-: R. Guerin estine. Samarie جـ 2، باريس سنة 1876، ص 251 - 259 gali - lee- جـ 1، باريس سنة 1880، ص 499 - 450. (6) Geographie de la pal-: F.M. Abel estine جـ 2، باريس سنة 1938. (7) Haifa: E.T. Dawling The town of، في QSPEF) (سنة 1914)، ص 183 - 191. (8) Haifa, or life in mod-: L. Oliphant ern palestine، لندن سنة 1887. (9) History of Haifa: J.J. Rothschild and Mt. Carmel (Popular outline). حيفا سنة 1934. حسن شكرى [هيئة التحرير] حيوان أي المملكة الحيوانية، كلمة مشتقة من أصل سامى (انظر الكلمة العبرية ح ى هـ) ينطوى على فكرة الحياة. وقد وردت في القرآن مرة واحدة (سورة العنكبوت، الآية 64)، وفيه تعنى

"الحياة الحقة"، وتستخدم للدلالة على الدار الآخرة. وتذكر المعاجم أن عينًا في الجنة تسمى أيضا بهذا الاسم، ولكن المعنى المألوف الأكثر شيوعًا لكلمة "حيوان"، المستخدمة مفردًا أو جمعًا، هو حيوان أو حيوانات، بصفة عامة، ويشمل الإنسان الذي يسمى على وجه أكثر دقة "الحيوان الناطق". 1 - الحيوان لغة: تناولت مادة "جزيرة العرب رقم 5" حيوانات شبه الجزيرة العربية. والراجح أن هذه الحيوانات لم تتغير أو كادت منذ العصر الجاهلي، إذا استثنينا اختفاء الأسد منذ عهد بعيد واختفاء النعامة في عهد أحدث من ذلك، بل إن المصطلحات اللغوية القديمة في شبه الجزيرة، بحسب ما وردت في المعاجم اللغوية العمدة، لم يقدر لها البقاء دائما؛ وعلاوة على ذلك فإن الحيوانات، سواء كانت مستوطنة في شبه الجزيرة العربية أو مجلوبة من خارجها، فإنها مع اتسامها بالخصائص المشتركة لحيوانات البحر المتوسط إلا أن مسمياتها لا تتفق كل الاتفاق مع المسميات في الجزيرة العربية القديمة؛ لأن المسميات اللهجية قد صنعت أو استعيرت من لغات محلية (انظر، مثلا Faune du Sahara: V. Monteil occidental باريس سنة 1951)، وعلاوة على ذلك فإن الكلمة نفسها يمكن أن تطلق على حيوانات مختلفة في مناطق مختلفة، ومهما يكن من أمر، فإننا نستطيع أن نقول بصفة عامة إن المسميات التي تطلق على الحيوانات المختلفة المألوفة أكثر من غيرها، متشابهة كل التشابه في جميع أرجاء البلاد الناطقة باللغة العربية. وقد اتخذت هذه المفردات في العصر القديم منذ القرن الثاني إلى القرن الثالث الهجريين (الثامن - التاسع الميلادى) موضوعًا لسلسلة من الرسائل تتناول بصفة خاصة الحيوانات المستأنسة (الحصان، الجمل وغيرهما) وسجلت معاجم اللغة العربية في عناية هذه المفردات، ونجد من ثم معجمًا مثل "المخصص" لابن سيده يفرد للحيوانات فراغًا يتناسب وأهميتها في حياة العرب (جـ 6، ص 135؛ جـ 8، ص 186) , والحق أن ثراء اللغة العربية

في المفردات التي تصف أنواعا معينة من الحيوانات أمر معترف به منذ أمد بعيد. وهذا الثراء يرجع بعضه إلى أن المحققين جمعوا ألفاظًا لها صلة بلغات قديمة مختلفة، كما يرجع بعضه الآخر إلى تعدد الاستعارات التي استخدمها الشعراء، وهو يرجع أخيرًا إلى تفرقة بين الحيوانات عظيمة الخطر من الدقة، من حيث السن، والجنس، والإخصاب، ولون الفراء أو الريش، وتكوين الأعضاء والشفاه إلخ؛ ومن ثم فإن ف. هوميل (Fr. Hommel في (Die Namen der Saugerhiere bei den Sudsemitischen Voelkern ليبسك سنة 1879) يسجل ما ينوف على 120 اسما للحصان وأكثر من 160 اسما للجمل. مهما يكن من أمر فإن عدد المسميات الخاصة بحق يختلف باختلاف عوامل مختلفة عددها ما بين واحد وأربعة. (أ) معظم الحيوانات المتوحشة يدل عليها لفظ واحد، إذا ما استبعدنا الألفاظ المرادفة له أو أسماء الضروب المختلفة، التي من الصعب التعرف عليها (عقاب، مؤنث، وطاووس مذكر، الخ). (ب) لفظان يستخدمان للدلالة على: (1) الحيوانات المتوحشة التي تعيش قطعانًا: اسم جمع واسم مفرد يستخدم لكلا الجنسين (نمل - نملة)، ولكن اسم الجنس، الذي يتسم في هذه الحالة بنفس الكاسعة مثل المؤنث، يميل بنا إلى أن نستشعر بأنه مؤنث (حمام/ حمامة) (أنثى حمام). (2) حيوانات متوحشة أو مستأنسة، يميز فيها بين الجنسين: وصيغة المذكر تقتصر على النوع حين تشتق صيغة المؤنث من نفس الأصل (كلب: كلبة)، وفي حالة العكس، فإن اللفظ للمؤنث، وإن كان مؤنثًا حرفيًا، تكون له صيغة مذكر، وكثيرا ما يدل على المؤنث وعلى النوع معًا [ضبع (أنثى): ذيخ (ضبع ذكر)]. (جـ) تستخدم ثلاثة ألفاظ للدلالة على عدد معين من النوع: اسم جمع، واسم جنس يستخدم بغض النظر عن الجنس، ولفظ للدلالة على ذكر حيوانات معينة تعيش قطعانًا [نعام/ نعامة لكلا الجنسين: ظليم (ذكر النعام)] وفي حالات مثل حمار/ وحمارة وأتان (أنثى

الحمار) ويبدو أن حمارة مؤنث ثانوى وليس اسم وحدة لأى واحد من الجنسين (انظر كلمتى حمور/ أتون العبريتين). (د) بالنسبة لبعض الأنواع المستأنسة التي تعيش قريبًا جدًا من البدو، يمكن أن توجد أربعة ألفاظ: أحدها للنوع، والثاني للفرد بغض النظر عن الجنس، والثالث للأنثى، والرابع للذكر [إبل/ بعير (حيوان من القطيع) / ناقة (أنثى الجمل) / جمل (ذكر الجمال)]. وفي هذه الطائفة يكون اسم النوع، بصفة عامة، مذكرًا في الصياغة، ولكنه يعامل نحويًا معاملة المؤنث (مثل إبل وغنم، إلخ) بسبب رجحان كفة الإناث على الذكور. ويتبين من دراسة عدد معين من أسماء الحيوانات أن اسم الأنثى مستقل عن اسم الذكر وأن صيغة المؤنث بإضافة الكاسعة أي تاء التأنيث/ والألف الممدودة هنا علامة تأنيث ثانوية؛ وهذه الكاسعة "المخصصة" تفيد أساسًا في صياغة أسماء الجنس المستخدمة للدلالة على كلا الجنسين (بغلة تعنى ذكر البغل، وكذلك أنثى البغل)، ولكن نظرًا لأن الإناث دائمًا أكثر عددًا من الذكور بين الحيوانات التي تعيش قطعانًا، فإن اسم الجنس أصبح يخلط بينه وبين اسم الأنثى (فمثلا دجاجة إحدى طيور الدواجن/ دجاج؛ وبالنسبة لهذه المسألة: انظر Sur quelques noms d'ani-: Ch. Pellat maux en arabe classique في GLECS، 25 مايو 1960). ومن العدد الكبير من الأسماء الواردة بالمعاجم والمصنفات عن الحيوان نلاحظ بلا شك وجود تسميات، بالإضافة إلى ألفاظ نوعية أو مجازية مصاغة مثل الكنية أو المعرفة (الحِرْباء، وابن آوى الخ) وهذه الصيغ الاستعارية، التي استخدمت على نطاق واسع خلال القرون الماضية، وبخاصة في اللهجات العربية (Suppl,: Dozy, مواد ابن، وأبو، وأم) كانت تنتهي أحيانًا بأن تحل محل اللفظ المناظر الخاص، ولكن هذا لا يمكن أن يعد تشخيصًا منهجيًا للحيوانات موضوع البحث، لأن عددا من النباتات تحمل نفس الاسم، ولعله يجدر بنا أن نعدها

بمثابة توريات مستخدمة لغرض وقائى أو كضرب من أسماء التدليل، وبخاصة عندما تطلق على مخلوق جذّاب، كالعصفور مثلا ألقاب "أبي محْرِز" و"أبي يَعْقوب"؛ إلخ. 2 - حيوانات بين ظهرانى العرب قبل الإسلام. ومع ذلك فإن البدوى، شأنه في هذا شأن أناس آخرين، نسب إلى الحيوانات صفات البشر وزلاتهم، كما ثبت من عدد من الأمثال، التي ترجع، بلا شك، إلى عصر ما قبل الإسلام. وهذه الأمثال تكاد تبدو في صورة مديح يعقبه اسم حيوان؛ ومن ثم فإن الكرم ينسب إلى الديك (أسخى من لافظة)، والغدر للعظاية (أخْدَع من ضبّ)، والغباء للحَبَارى (أحمق من حبَارى)، والجرأة للأسد (أجْرأ من ليث)، إلخ (انظر مجموعات الأمثال وبخاصة فهرست الأمثال في كتاب الحيوان للجاحظ). وقد لوحظ، علاوة على ذلك، أن عددًا معينًا من قبائل الجزيرة العربية القديمة تحمل أسماء حيوانات: أسد "ليث" وقريش (قرش) إلخ. وثمة مذهب يقول إنها قد تكون لها دلالة طوطمية؛ وفيما يتعلق بهذا الموضوع جمع سميث (W. R. Smith في، Kinship and marriage in early Arabia, لندن سنة 1903) بعض التفاصيل الواقعية عن الآثار الباقية لعبادة الحيوان، وتحريم أطعمة معينة، وجمع شواهد أخرى واستنتج منها وجود نظام طوطمى بين العرب الأوائل؛ ومهما يكن من أمر فإن نظريته في جملتها لم يقبلها علماء السلالات، ويمكن أن تكون الأهمية التي يعلقها البدو، للضرورة، على الحيوانات من كل نوع، لا تنبع على الإطلاق من الطوطمية، بل هي مجرد صورة من عقيدة حيوية المادة (انظر J. Henninger (تحقيق) L'antica society be-: F. Gabrieli duina، رومة سنة 1959، ص 85 - 86 والمراجع الواردة فيه) ولعل من الجدير بنا أن نذكر في هذا المقام أن العرب الأوائل صوروا أرواح الراحلين في صورة طائر (هامة)، وهو في المألوف ضرب من البوم، يحوّم بعض الوقت حول القبر، ويصرخ بين الفينة والفينة مطالبًا بالانتقام (انظر - I, Gold ziher في Globus، جـ 83؛ سنة 1903، ص 3 وما بعدها تحليل G. H. Bousquet،

في Arabica سنة 1960 - 1963، ص 257 - 260). وعلى الرغم من أن النبي [- صلى الله عليه وسلم -] أنكر هذه العقيدة (لا عدوى ولا هامة ولا صفر)، فإنها عاشت في الإسلام بصور متعددة. ويندد القرآن (سورة المائدة، الآية 102 و 103؛ سورة الأنعام، الآية 138 و 139) بأفعال الجاهلية، التي تشمل تخصيص حيوانات معينة لآلهة معينة أو تحريم إبل وأغنام وحيوانات أخرى من القطعان. وكانت عقيدة أن الإنسان حيوان ليست له صفات روحية، في العصر القديم، تشمل هي والبلية أيضا، قرابين مختلفة، وفيما يتعلق بها يكفي الإشارة إلى الكتاب الجامع لشيلهود (J. Chel - Le Sacrifice chez les Arabes: hod باريس سنة 1955؛ ومهما يكن من أمر فإن عددًا منها قد استبقى في الإسلام) ولا يزال المسلمون اليوم يقدمون أضاحى في مناسبات عديدة (انظر، مثلا: A. Coutumes des Arabes au pays de: Jaussen Moab ص 337 - 363). وكانت الحيوانات ولا تزال مرتبطة بممارسة سحر تعاطفي مثل الاستمطار؛ بل إن علماء الحيوان في عصر قريب يحبون أن يطنبوا في طريقة تفسير رؤية حيوان أو آخر في حلم كما يحبون أيضًا الإطناب في الخواص السحرية للأعضاء المختلفة التي يستخدمها السحرة إلى حد كبير. وكان ثمة حيوانات خرافية تسكن الصحراء وكثيرا ما كان الجن يواجهون الناس في صورة حيوان. ويرى البعض أن حيوانات مثل الإبل والخيل والبقر والغنم وكلاب الصيد والقطط والنحل فيها بركة ولكن الكلاب والقطط وغيرها لها عين شريرة (بشأن كل هذه المسائل انظر - E. Wester Pagan Survivals in Mohammedan: marck civilization؛ لندن سنة 1933، في مواضع مختلفة). 3 - خلق الحيوانات: علاوة على الأمثال التي سبق ذكرها، فإن التراث الشعبى للجزيرة العربية قديمًا، في الصورة التي بلغتنا، لا يكاد يحتوى على أي قصص للحيوان (انظر ما يلى) ونحن نجد في الغالب أساطير تفسر خلق حيوانات معينة أو تحوير لها. ومن

ثم فإن الفأرة كانت زوجة طحان أو يهودية مسخت؛ وبالمثل فإن عظايا معينة كانت فيما سبق جباة ضرائب إلخ (انظر الجاحظ: التربيع، ص 197 والإشارات الواردة فيه). ومسألة مسخ الحيوان تحتفظ بأهمية خاصة، حتى في عهد الإسلام، على حين يستبين أن القرآن حل هذه المسألة لأنه يقرر مرارًا أن الله خلق الحيوانات (سورة البقرة، الآية 164؛ سورة لقمان، الآية 10؛ سورة الشورى آية 29؛ سورة الزخرف، الآية 12؛ سورة الجاثية، الآية 4)، : "وما أنزل الله من السماء. . ." سورة البقرة، الآية 164، قال تعالى "ومن كل شئ خلقنا زوجين. . ." (سورة الذاريات، الآية 49). وكلمة "دابة" (والجمع دواب) المستخدمة هنا بدلا من كلمة "حيوان"، وهي تشير بصفة خاصة إلى حيوانات الركوب والحيوانات المستأنسة، يقابلها في الآيات المقصود بها تأكيد العناية الإلهية، اللفظ "أنعام"، التي أنزل الله منها "ثمانية أزواج" (سورة الزمر، الآية 6؛ انظر أيضًا سورة الفرقان، الآية 49؛ وسورة يس، الآية 71)، وتستحق الإبل أن ينوه بها تنويهًا خاصًا لأن الله تعالى يقول: "والأنعام خلقها لكم" (سورة النحل، الآية 5). ومهما يكن من أمر، فإن المعتقدات الأولى الخاصة بالمسخ الموقوت أو الدائم لبعض البشر حيوانات، تؤكدها آيات مثل "قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه، وجعل منهم القردة والخنازير. . ." (سورة المائدة، الآية 60) أو الآية: "ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين" (سورة البقرة، الآية 65؛ وانظر أيضا سورة الأعراف، الآية 116). وكان ثمة مسألتان واجهتا المفسرين: أولاهما معرفة الأحداث التي ذكرتها الآيات المشار إليها فيما سبق، والثانية تقصى المصير المدخر لهذه المخلوقات التي مسخت. وغنى عن القول أن الإجابات على المسألة الأولى متعددة، فالكسائي في (قصص الأنبياء , ص 274) مثلا، رأى أن القردة ناس من بنى إسرائيل تعرضوا للمسخ في عهد داود لأنهم

صادوا سمكًا وطهوه يوم السبت، وأن الخنازير (المرجع السابق، ص 307) أناس معاصرون لعيسى لم يؤمنوا به. ويرى الكسائي نفسه، منتهجًا بذلك نهج كتاب آخرين، أن الحيوانات التي أسفر عنها المسخ المذكور، تكاثرت، بينما يرى آخرون عكس ذلك، ويقولون إنها ماتت دون أن تعقب، أي أن الله خلق، أنواع الحيوانات موضوع البحث خلقًا مستقلا عن خلق الأخرى (انظر الجاحظ: كتاب الحيوان، جـ 4، ص 68). والاعتقاد في خلق حيوانات بعينها بالمسخ أو التعديل لا يزال متداولا (انظر، مثلا، - H. Mas Croyances et coutumes Persanes: se باريس سنة 1938، جـ 1، ص 185 وما بعدها)، والمسخ مرتبط ارتباطًا وثيقا بمسألة التقمص، على الأقل، عند الفرق التي لا تتمسك بمذاهب السلف وعلماء الكلام الذين يسلمون بتقمص الأرواح في أجساد الحيوانات. ولابد من أن نذكر، في سياق الحديث، أن البهيمة مرتبطة، في فلسفة الأخرويات لدى المسلمين، باليوم الآخر، وأن آية قرآنية (سورة الأنعام، آية 38) تقول: "وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون" تسمح للمفسرين بأن يروا أن الحيوانات أيضًا تبعث وتحشر يوم القيامة. وعلاوة على ذلك فإن القرآن الذي يذكر نحو اثنى عشر نوعًا مختلفًا منها يحتوى على خمس سور مسماة بأسماء حيوانات: البقرة والنحل، والنمل، والعنكبوت، والفيل -وبهذا فإن أكبر المخلوقات وأصغرها مذكورة فيه. 4 - الحيوان في الشريعة الإسلامية: يهتم الإسلام بالحيوانات في مسائل عديدة أخرى تتصل بها، ولا يكاد يكون هناك باب في الشريعة الإسلامية لا يتناولها بالحديث، فالحيوانات الأليفة تخضع للزكاة، وبيع الحيوانات مقيد بقيود، فيما يرتبط بجواز أكل لحمها شرعًا (فمثلا بيع، الخنازير محرم، ولكن بيع ديدان العلق مباح، وإن كان أكلها محرمًا؛ وعن مسألة مقايضتها بحيوانات أخرى: (انظر Origins J. Schacht، ص 108) أو إبرام عقد لتسليمها مع الدفع سلفًا

موضع جدل أيضا. وشعائر الأضاحى تخضع لحدود دقيقة، كما في ذبح الحيوانات المزمع أكلها ويرتبط بهذا باب الصيد والقنص، وفي المقام الثاني باب الفراء؛ والمحظورات المفروضة على الحجاج في حالة الإحرام مسألة شرعية أخرى، على حين تثير بعض أحاديث النبي [- صلى الله عليه وسلم -] مسألة: هل يجوز في غير حالة الإحرام ذبح حيوانات بعينها، وأكل لحمها في مناسبة من المناسبات. ومن ثم فإننا نقف عند المسألة الجوهرية التي تتعلق بالطعام، من جهة، وباستخدام جزء أو آخر من حيوان محرم على الناس، في أغراض أخرى، من جهة ثانية. وسنقتصر فيما بعد على الاهتمام بحكم الأنواع المختلفة من الحيوانات. ويعدد القرآن في عدة مناسبات حالات التحريم الخاصة بأكل لحم الحيوان الذي لم يذبح وفق الشريعة الإسلامية، فيما يتصل بالدم المراق. والخنزير (سورة المائدة، الآية 3، 4؛ وانظر أيضًا سورة البقرة الآية 168، 173؛ سورة الأنعام. الآية 145 و 146؛ سورة النحل، الآية 115 و 116)، ولكن القرآن في الآية 115 ينص على رفع التحريم في حالة الضرورة المطلقة (فيما يختص بمسألة الخنزير وبالنسبة للدم المراق، فإننا نذكر أن العرب الأوائل، عندما كانوا يشرفون على الموت عطشًا، في الصحراء، كانوا يسلمون أحيانًا بذبح جمل وشرب دمه [مجدوح، انظر Arabica سنة 1955 عدد 3، ص 327]). وأحاديث النبي [- صلى الله عليه وسلم -] والشرع الإسلامي يسلمان بهذه الضرورة، ولكنهما بصفة عامة أشد صرامة، والحق أن المذاهب الفقهية وضعت قوائم بالحيوانات، التي يكون أكلها حلالا، أو حرامًا، أو مكروها، دون التوصل إلى اتفاق تام في هذا الأمر (وكتاب حياة الحيوان للدميرى الذي يجب أن نتناوله في حذر هو خير رسالة ينتفع بها في هذا الميدان، لأن المؤلف يبين التصنيف الشرعى لكل نوع، حسب المذاهب المختلفة). والانتهاء إلى حكم في هذا السبيل اتخذت جميع المذاهب عدة معايير عامة تعتمد على القرآن والحديث، ومن ثم فإنه بنص الآية 96

من سورة المائدة "أُحل لكم صيد البحر وطعامه" يعد جميع السمك حلالا، ويمكن أكل لحمه، ومهما يكن من أمر، فإن بعض الحيوانات البحرية أو المائية قد صرح بأنها حرام أو مكروهة أو لا تزال محل جدل، لأنها تدخل في النطاق، الذي يؤخذ فيه بمعايير أخرى؛ ومن ثم فإن الضفدع، الذي كان يمكن أن يكون في المألوف حلالا يعد حراما، لأن النبي [- صلى الله عليه وسلم -] نهي عن ذبحه. وعلاوة على ذلك فإن بعض الفقهاء المتزمتين، في بحثهم المستفيض المتحذلق يستنكرون أكل تلك الحيوانات المائية، التي لها أسماء تشبه أسماء الحيوانات البرية المحرمة ("كلب البحر"، و"خنزير البحر" و"حمار البحر")، وتؤدى بهم غيرتهم الدينية إلى تحريم حيوان، له الاسم نفسه الذي يطلق على حيوان محرم، حتى لو كان بلغة غير العربية، كما هو الحال بالنسبة للحمار، الذي يطلق عليه في غرب إفريقيا نفس الاسم الذي يطلق على الخنزير (انظر L,Islam: A.Gouilly dans l,Afrique Occidentale _francaise باريس سنة 1952، ص 205) أو تحريم حيوانات على هذه الصورة نفسها (وبخاصة ثعبان السمك الذي على هيئة الثعبان). وهم يذهبون إلى حد التصريح بأن جميع المخلوقات البحرية التي ليست على هيئة السمك حرام (الحنفية)، ويفسرون ذلك بأن النص القرآني يرخص بصيد البحر، ولكنه لا يجيز بالضرورة أكل كل شيء يصيده الناس (المرغنانى: الهداية، مخطوط، باريس رقم 6763، ورقة 5، 248). وثمة حالات خاصة هي السمك الآكل للبراز، وهو سمك وجد في بطن سمك آخر، ناهيك بالسمك "الطافي" أي السمك الميت يطفو فوق الماء، وهو حلال عند المالكية والشافعية فحسب، وإن كان الحنفية يجيزون "الطافي" إذا كان قد قتل بفعل حادث، ولم يمت ميتة طبيعية، وهذا يؤدى إلى إثارة جدل حول مسألة: هل إذا كان الموت من الحر أو البرد يعد موتًا طبيعيًا (المرغناني: المرجع السابق، ورقة 249، 5). والقشريات، في كثير من الأحيان، حرام أو مكروهة، كما هي الحال بالنسبة لجميع أنواع الحيوانات ذات الأصداف.

وتقضى الآية 4 والآية 5 من سورة المائدة: "قل أحل لكم الطيبات. . ." و"اليوم أحل لكم الطيبات. . ."، ويشمل باب ما هو من حلال، تلك الحيوانات التي يحظى لحمها بالتقدير لطيب طعمه (الدجاج والغنم إلخ)؛ وعلى العكس من ذلك نجد أن الطاووس وحيوانات أخرى قد صرح بأنها حرام لرداءة لحمها. ومن هذا القبيل "الاستقذار" أو "الاستخباث"، أي أكل الطعام المنفر، فإن الحيوانات التي يتصف لحمها بهذه الصفة تدخل في باب المحرمات مثل الخنافس. ويحيط بهذا الحكم قدر من التأرجح وشئ كثير من البعد عن الفطنة، ذلك أن طائر اللقلق، الذي كان يمكن أن يكون حلالا، يعد حرامًا، لأنه يأكل الحيات، وأكلها يدخل طائر اللقلق في زمرة اللواحم. والحق أن من أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - التي تثار في هذا الصدد حديث (انظر أبو داود)، جـ 26، ص 32) وزيد بن على: Corpus iuris رقم 538)، يصلح أيضًا أساسًا لتقسيم الحيوانات إلى بهائم وسباع (انظر ما يلى)، وبمقتضاه تكون جميع اللواحم محرمة، سواء كانت حيوانات ثديية من ذوات الناب أو طيورًا من ذوات المخالب، بيد أن هذا غير مقبول بصفة عامة. والمالكية (انظر القيروانى: الرسالة، تحقيق وترجمة Bercher، الجزائر، الطبعة الثالثة سنة 1949، ص 299) يجيزون أكل لحم الطيور الجارحة، بينما الأوزاعية (انظر الدميرى، تحت كلمة "بازى") يرون أنه ليس ثمة طائر حرام. وكل الفقهاء يرون أن القط والكلب والذئب والتمساح إلخ .. حرام، ويروى الرحالة في تقزز أية حالات رأوا فيها أناسا يأكلون لحم الكلاب (انظر مثلا المقدسى: musulman l,Occident Description de الجزائر سنة 1950، ص 61، تعليق 172)؛ ويعد أكل الثعلب، بصفة عامة، حلالا، أما ابن آوى والقط البرى فمحل خلاف، والضبع حلال إلا عند المالكية الذين يصرحون بأنه مكروه (ويقال إن النبي [- صلى الله عليه وسلم -] عندما سئل هل الضبع حلال رد بقوله: "ولكن ما يأكل الضبع؟ "؛ انظر الدميرى في مادة "أرنب"؛ وابن ماجه،

جـ 28، ص 15؛ والترمذي، جـ 23، ص 4). أما الفيل فموضع جدل، لأنه على الرغم من أنه حيوان آكل للعشب فإن لديه وسائل للدفاع اصطلح على تسميتها بالأنياب في اللغة العربية. وفي حديث آخر يقال إن النبي [- صلى الله عليه وسلم -] قد حرم قتل النحل (لأن الله أوحى بها إليه) والنمل [للسبب نفسه]، والضفادع (لأنها كانت قريبة من الله، عندما استوى العرش على الماء، ولأن نقيقها تسبيح لله)، والهداهد (بسبب الشأن الذي كان لهدهد منها مع سليمان)، وأخيرًا الصرد (غراب الزاغ)، الذي كان أول من صام؛ ويترتب على ذلك أن لحم هذه الحيوانات محرم أيضًا، على الرغم من أن الآراء لا تتفق كلها في هذا الشأن. وطيور الخطاف والوطاويط تخضع للتحريم نفسه لأن النبي [- صلى الله عليه وسلم -] نهي عن أكلها لأسباب من هذا القبيل، ولكن الفقهاء بعيدون عن الاتفاق على صحة الأحاديث التي رويت بشأنها. وبالعكس نجد أن بعض الحيوانات حرام، لأن النبي [- صلى الله عليه وسلم -] أمر بقتلها لفسوقها؛ وهذه الفواسق هي الحدأة، والغراب الأبقع، والعقرب، والفأر والكلب العقور؛ والحدأة والكلب داخلان بالفعل في قائمة تحريم آخر؛ والأنواع الأخرى من الغربان حلال على حين يمتد التحريم المتعلق بالفأر إلى كل الحيوانات القاضمة، ما عدا اليربوع، الذي يدرج أحيانًا، على أية حال، في قائمة الحشرات، التي تعد حرامًا، إلا عند المالكية. ومن ثم فإن العقرب سبق القول بتحريمه في باب الحشرات، ولكن فكرة الحشرات تغلب عليها البلبلة، لأن من بينها العظاية (وهي حلال) والقنفذ (حلال عند الشافعية)؛ ومن جهة أخرى فإن الجراد الذي هو غذاء ثانوى لدى البدوى، ليس محرمًا في أي مذهب، حتى لو وجد ميتًا (وهذا مع السمك، هو إحدى الميتتين اللتين يعدان حلالا في حديث شريف): ولكن البعض يصرون على أنه يجب أن يذبح عن نية وتقطع رءوسه. (ومع ذلك فإنه يمكن أن نذكر ما يناقض هذا عن على، فقد جاء أنه قال: "كله كله" حين كشف له عن كوم من الجراد بعضه ميت فعلا؛ (المرغناني:

المرجع السابق، ورقة 249، 5). وتعد الزواحف، بصفة عامة، حرام أو مكروهة، إلا عند المالكية، الذين يأخذون بمعيار الضرر فحسب، ويرخصون بأكل الثعابين السامة نفسها، إذا ما اقتطع الجزء السام .. ومهما يكن من أمر فإن من المسلم به في كثير من الأحيان أن الضب حلال، عملا ببعض الأحاديث التي نذكر منها أن النبي [- صلى الله عليه وسلم -]، أمسك عنها فحسب، بسبب نفور شخصى، بيد أن بعض الآخرين يقولون إن هذا النوع يمثل قبيلة من بنى اسرائيل، كانت قد مسخت، وهذا يؤدى إلى تحريمها (البخارى، جـ 19، ص 10، 28؛ أبو داود، جـ 26، ص 27؛ والدارمى، جـ 7، ص 80؛ ابن سعد، جـ 1 - 2، ص 111 وما بعدها إلخ .. ؛ وانظر الغزالى: إحياء علوم الدين، جـ 2، ص 93). والحيوانات التي تعد بلا دم سائل، هي حلال بصفة عامة إذ إن الدم هو الذي يسبب نجاسة الحيوانات التي لم تذبح على مقتضى الشرع (الغزالى: إحياء علوم الدين، جـ 2، ص 83). ومهما يكن من أمر فإن العديد منها محرم (إلا عند المالكية) بسبب الاشمئزاز الذي يشعر به الناس حيالها، ويجعلها تدرج في قائمة الخبائث التي يحرمها القرآن (سورة الأعراف آية 157) وهذه الدائرة المفرغة، من حيث المنطق، تطبق، فضلا عن ذلك، على أطعمة أخرى، وتبيح تقنين كل حالات التحريم. ويصدق هذا بصفة خاصة، على حشرات الأرض (أحيانًا خشاش) وهو مصطلح يشمل على نحو متغير بعيد عن المنطق، الحيوانات الصغيرة التي تعيش على ظهر الأرض، والتى هي، بصفة عامة، محرمة أو مكروهة، على الرغم من وجود حديث بشأنها أبو داود، جـ 26، ص 129؛ وانظر الدميرى). وهي تشمل العقارب، وجميع أنواع الحشرات، والديدان. وفيما يختص بالحشرات الأخيرة فإن هناك خلافًا شديدًا بشأنها، لأن من الصعب أن نتحاشى أكلها عرضًا مع أطعمة أخرى. وتبذل بعض المذاهب جهودًا للتمييز بين الحشرات التي تولدت من الطعام نفسه وبين تلك التي لم تتولد منه، وبين الحشرات الحية والحشرات الميتة، وتلك التي فيها روح والتي ليس

فيها روح (انظر البحث الذي كتبه الجزيرى، في كتاب الفقه جـ 2، ص 3، تعليق أ). وعلى وجه العموم فإن الطيور التي ليست لها مخالب مباحة، ولكن بعضها محل جدل، وهي تتناول في تصنيفات مختلفة، حسب آراء المذاهب؛ وهذه هي الحال، وبصفة خاصة، بالنسبة للببغاء والبومة. وغنى عن القول أن عددًا معينًا من الحيوانات لم تتناول بأى تصنيف، لأنه لم يحدث أن أكل لحمها. ويصدق هذا بالمثل على نوع نادر جدًا إذ لم يتيسر حل المشكل بشأنه لأنه لم ينشأ؛ ومن ثم فإن الدميرى يذكر أن أحدًا لم يهتم بالخرتيت، الذي يعده هو نفسه بالنظرة الأولى حلالا؛ وحالة الزرافة محل جدل؛ وأخيرًا فإن القرد يعتبر حرامًا إلا عند المالكية؛ وهنا توجد اعتراضات، كما في حالة النسناس (انظر ابن الأخوة: معالم القربة، تحقيق R.Levy, لندن سنة 1938، ص 105، الترجمة ص 34) والفكرة الجديدة عن وجود تشابه بين الحيوانات وأبناء آدم، وهي فكرة تمنع الناس، بضرب من القانون الطبيعى، من أكل هذه المخلوقات، دون أن يستوجب ذلك تحريم صريح (ابن عبد البر، فيما كتبه؛ الدميرى، حيث يوجد علاوة على ذلك حديث يستنكر أكل القردة). وعلى حين لا يثير الجمل والثور والغنم إلخ .. من الحيوانات الأليفة أية مشكلة، فإن فصيلة الخيل تثير خلافات؛ والحصان حلال لدى الشافعية والحنابلة، أما المذاهب الأخرى فهو مكروه عندها؛ والحمار الأليف حرام إلا عند الحنابلة الذين يرون أنه مكروه، أما حمار الوحش فحلال عند المذاهب جميعًا إلا الحنفية. والبغل الذي ينشأ من تهجين نوعين مختلفين في التصنيف محرم، إلا أنه، على الأقل، عند من يرون الحصان حلالًا يعد من حيث هو نسل حصان وحمارة وحش مباحًا. وعلى النقيض من المذاهب الأخرى فإن الظاهرية، وبخاصة ابن حزم يعتمدون بعد على معيارهم الأصولى، ويعولون أساسا على القرآن، سورة الأنعام، آية 119: "وما لكم ألا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه وقد فصل لكم ما حرم عليكم" فينكرون حالات التحريم التي لم ينص عليها في القرآن.

ولا يختلف الشيعة عن أهل السنة اختلافًا جوهريًا، صحيح أنهم يختلفون عنهم في بعض التفاصيل، إلا أنهم يقيمون أحكامهم على معايير واحدة. ومن ثم فإن القاضى النعمان (كتاب الاقتصار، تحقيق محمد وحيد ميرزا، دمشق، سنة 1376 هـ = 1957 م، ص 95 - 96) الذي يبسط مذهب الإسماعيلية، يبين أن الله قد حرم أكل الميتة والدم ولحم الخنزير (القرآن، سورة المائدة، الآية 3)، وأن النبي [- صلى الله عليه وسلم -] صرح بأن اللواحم ذات الأنياب والطيور ذات المخالب حرام (انظر ما سبق)؛ وهو يضيف أن الضبع والثعلب محرمان وأن أكل العظاية والقنفذ والحشرات والثعابين وجميع الزواحف الصغيرة أو الحشرات التي تندرج تحت اسم خشاش مكروهة؛ ولا يباح إلا الجراد الذي يمسك به حيا وهو يطير. ومهما يكن من أمر فإن الشيعة يدخلون في لحوم الحيوانات المحرمة أو المكروهة لحم طيور عديدة بالذات (القنبرة إلخ). ولحم فصيلتين جديدتين: طيور تحوم أكثر مما تطير، وطيور ينقصها قونصة وجوارح أخرى (Droit Musul-: Querry man جـ 2، ص 232 وما بعدها). ولا يرخص الإسماعيلية أكل لحم الحصان إلا في الحالة التي يكون فيها الحيوان لا نفع منه في أي عمل، وهم يحرمون على وجه الإطلاق لحم البغال والحمير الأليفة، وحرم أيضًا لحم الحيوانات التي جرت على أكل الروث (الجلالة)، ما لم تكن قد أطعمت عشبًا، حينًا من الزمن. وحرام أيضًا الاغتذاء بلبن الحيوانات المحرمة أو بيضها، ولكن الإمساك عن أكل أجزاء معينة من الحيوانات المباح أكل لحمها -الغدد والطحال والأعضاء التناسلية إلخ- ممدوح أيضًا. وما لا قشر لها، أي (الفلوس) من الحيوانات المائية (انظر سفر اللاوييين، الإصحاح، ص 9، سفر التثنية، الإصحاح 14، الآية 9) أكلها حرام، مثل الحيوانات التي لا تكون على قيد الحياة عند صيدها. ومهما يكن من أمر فإن كل هذه التحريمات تترك في حالات الضرورة. وتترك هذه الاعتبارات العامة الطريق مفتوحا للجدل، وبخاصة في حالة الحيوانات التي يصعب تصنيفها؛

وعلى سبيل المثال الجرى، أي سمك القط (انظر Profession de foi: H_Laoust on d'Ibn Batta ص 136 - 138). وتظهر الاختلافات في الآراء كذلك بين فرق الشيعة؛ ومن ثم فإن ابن بطوطة (جـ 2، ص 352؛ ترجمة Gibb جـ 2، ص 468) يروى عن سكان سنوب الأحناف أن خير طريقة عندهم للاطمئنان إلى أن المسافر ورفاقه متمسكون بمذهب أهل السنة هي أن يقدموا لهم أرنبًا، لأن الرافضة لا يأكلون لحم هذا الحيوان (إلا أن الإسماعيلية يأكلونه). ويضاف إلى مسألة جواز أكل حيوانات بعينها شرعًا، نهى الحجاج في حالة الإحرام عن سفك الدم، ومن هنا تنشأ مشكلة كيف يتعامل امرؤ مع إحدى الهوام؛ ويثور السؤال أيضًا فيما يرتبط بالصلاة. وعلى صعيد آخر ينشأ السؤال عن الأسلوب الذي ينظر به إلى الحيوانات؛ فمثلا يجوز ذبح الديك، ولكن النبي نهي عن لعنه لأنه يقوم بالوظيفة الدينية الخاصة بإيقاظ المؤمنين في وقت الصلاة؛ والقاعدة نفسها على البراغيث "التي أيقظت نبيا". وينصح المسلمون، بصفة عامة، معاملة الحيوانات، وبخاصة مطاياهم، معاملة حسنة، لأنهم سوف يحاسبون في الآخرة عن أية قسوة أنزلوها بها (في شأن معاملة الحيوانات انظر Des ani-: G.H. Bousquet maux et de leur traitement selon le Ju- daisme .. le Christianisme et l,Islam في St. Isl، جـ 9، سنة 1958، ص 31 - 48؛ Das Meer der Seele: H. Ritter . ليدن سنة 1955، الفصل 22). والمشكلة التي يثيرها استعمال أجزاء الحيوانات التي يحرم أكلها مشكلة معقدة لا يمكن أن نتناولها هنا بالبحث المستفيض الذي تستحقه (يسرد الدميرى تفاصيل دقيقة في هذا الموضوع). فعند المالكية (القيروان: المرجع المذكور، ص 297) على سبيل المثال: لا يمكن للمسلم الذي تدعوه الضرورة إلى أن يأكل لحم حيوان لم يذبح على مقتضى الشرع الإسلامي أن يتخذ من جلده سجادة للصلاة، ولا أن يبيعه. وبالمثل فإنه لا يمكن اتخاذ جلود

السباع سجاجيد للصلاة. وعلى الرغم من أن الخنازير محرمة بنص القرآن فإن المالكية يبيحون استعمال شعر الخنازير الشائك. ولا يكاد يكون في الإمكان، في نطاق هذه المادة، التوسع في موضوع جواز الانتفاع شرعًا بالحيوانات لأن المذاهب توسعت في الأحكام التي أوجزت في صدر هذا الباب من هذه المادة فأخذت بمعايير مختلفة (وهم ليسوا دائمًا على اتفاق بالإجماع بشأنها) ومن ثم فإن تناول هذا الموضوع المتشابك كل التشابك يقتضى تدوين قائمة بجميع الحيوانات وبيان الحكم الذي اتخذه كل مذهب من المذاهب المختلفة بالنسبة لكل واحد منها. ومن المفيد أيضًا مقارنة هذه التصنيفات بالأحكام الواردة في التوراة؛ والإنجيل؛ (سفر "اللاويون"، الإصحاح 11، الآيات 1 - 47؛ سفر التثنية الإصحاح 14، الآيات 4 - 21 وانظر أيضًا سفر أشعياء، الإصحاح 65، الآية 4، الإصحاح 66، الآية 3 و 17) وبالمعايير المقررة فإن أكل الحيوانات المجترة من ذوات الأربع التي لها أظلاف حلال (وهذا يستثنى الحصان والحمار والجمل والأرنب والخزر والخنزير) وكذلك الحيوانات المائية ذوات الزعانف والحراشف؛ والطيور التي تستكره وتعافها النفس، والزواحف التي هي حلال، تدرج في قائمة منفصلة على حدة. وحالات التحريم المبينة في العهد القديم تعد في القرآن (سورة النساء، آية 160) عقابًا نزل باليهود لظلمهم وعصيانهم أوامر الله. وليس في القرآن الكريم نص يدعو المسلمين إلى التمسك بهذه الأحكام الصارمة، وهكذا فإن "الوبر" بوجه عام، يعد حلالا، على النقيض من حكم الكتاب المقدس، ولكنه موضوع تحريم يقوم على العادة، بين البدو المصريين مثلا (انظر - G.W. Mur Sons of Ishmael: ray لندن، سنة 1935، ص 90)، أو بين الجماعات المستوطنة لجنوبى الجزيرة العربية (انظر Freya Stark The southern gates of Arabia طبعة بنكوين Penguin لندن، سنة 1945؛ ، ص 67 وما بعدها). 5 - الحيوانات في الأدب: تشغل أنواع عديدة من الحيوان مكانًا ملحوظًا

في الشعر العربي الجاهلي، وإذا شئنا أن نكون فكرة عن هذا المكان في المجلد الأول من كتاب المجانى الحديثة للبستانى، (بيروت سنة 1945) الذي يسوق إحصاء له دلالته عن هذا الشعر. فإننا نجده يورد بأسماء مختلفة حوالى 80 حيوانًا منها إبل وجياد ونعام وأسود تتردد أكثر من غيرها (درس م. م. د. النويهي هذه المسألة في رسالة لم تنشر، قدمت في لندن عام 1942 بعنوان: الحيوانات في الشعر العربي القديم [مع استبعاد الجواد والجمل]؟ وهناك رسالة في باريس بعنوان "الجمل في الشعر العربي قبل الإسلام"، قام بها أ. ك. زكريا). ومن الطبيعى أن حيوانات الصحراء في الشعر العربي في العصر الإسلامى تميل إلى أن تشغل حيزًا أقل أهمية، حتى بين الكتاب الكلاسيين والكلاسيين الجدد، على الرغم من أن هؤلاء يواصلون وصف إبلهم ويفاخرون برحلاتهم التي يقطعون فيها الأماكن المقفرة، وعلى الرغم من وفرة مصادر الإلهام الجديدة فإن "المجددين" لم يترددوا في استعراض معرفتهم اللغوية في "طرديات"، نحتوا فيها ذخيرة غنية كل الغنى عن المفردات اللغوية، ونظم بعضهم قصائد خلابة عن حيوانات مدللة، وبخاصة محمد بن يسير (انظر Ch. Pellat: محمد بن يسير الرياشى وأشعاره، في مجلة المشرق، سنة 1955، ص 289 - 338، أو القاسم بن يوسف بن القاسم؛ انظر Vizirat: D. Sourdel , ص 229، الفهرست)، الذي نظم قصائد رثاء لماعز وقطط وطيور (انظر An: K.A. Fariq -Abbassid secretary- Poet who was interested in animals في Ic جـ 24، سنة 1950، ص 261 - 270). ويحتفظ الغراب والأسد، خلال القرون التالية لذلك، بمكانتهما في الأدب (لأنهما يرمزان على التعاقب للأسى على الفراق والقوة والجرأة)، على حين تظهر أنواع جديدة: مثل الفيل والزرافة. وتغرى أوصاف الطبيعة بتقديم موضوعات جديدة ورموز أصيلة، ويصف الشعراء أقبح الحيوانات وكذلك ألطفها، وتستخدم الحمامة والبلبل والطاووس رموزًا لا في الأدب العربي فحسب، بل

في الأدبين الفارسى والتركى أيضًا. واهتم شعراء المغرب الإسلامى كثيرًا بالحيوانات المدللة، وتجاهلوا الجمل الذي لا يكادون يعرفونه (انظر H. Peres: Poesie Andalouse ص 235 - 247). والموقف، في مجال النثر، مختلف تمامًا. فلا توجد قصص عن الحيوانات أيام الجاهلية في الجزيرة العربية التي لم تكن لديها، بصفة عامة، تراث شعبى متطور كل التطور، والخرافات المنسوبة إلى لقمان ترجع، في معظمها، إلى ما بعد صدر الإسلام. ومن ثم فإن ترجمة كليلة ودمنة كانت ضربًا من الإلهام، ولكنها ظلت رائعة تحاكى من حين إلى حين ولم يبزها أثر آخر أبدًا. وينبغى أولا ذكر القصيدة التي تعيد ترديد هذه الخرافات من نظم أبان اللاحقى ثم القصيدة التي نظمها ابن الهبّارية المعروفة باسم "نتائج الفطنة في نظم كليلة ودمنة"؛ ثم الآثار المقلدة لسهل بن هارون في مصنفه كتاب ثعلا وعفرا، وكتاب النمر والثعلب (مخطوط تم التحقق منه في تونس؛ انظر ع. المهيرى، في حوليات الجامعة التونسية، جـ 1، سنة 1964، ص 19 - 40) لابن ظفر في كتابه "سلوان المطاع في عدوان الأتباع" وكذلك كتاب "الصادح والباغم" لابن الهبارية، و"فاكهة الخلفاء لابن عربشاه" ويبدو أنه ليس هناك أثر من هذه الآثار نال من النجاح ما نال كتاب كليلة ودمنة، ويمكن أن يقال إن الأدب العربي لا يزال في انتظار شاعره الذي يناظر لافونتين. ونلاحظ أيضا أن عددًا بعينه من الحيوانات يدخل في ألف ليلة وليلة وأنه يرد فيها موضوع المسخ على نطاق واسع (انظر - N. Elis Themes et motifs des Mille et une: seeff nuits. بيروت سنة 1949، ص 93، 142 - 144 و 193 وفي مواضع مختلفة؛ The art of story-: M.I. Gerhardt telling. ليدن سنة 1963 ص 305 وما بعدها). وإلى جانب الجن والغيلان يوجد أيضًا عدد معين من الحيوانات الخرافية، وبخاصة الطيور. وحكايات الحيوان، في التراث الشعبى لبعض أقاليم العالم الإسلامى، متعددة جدًا؛ ففي شمالى إفريقية، بصفة خاصة، نجدها عنصرًا هامًا في

أدب البربر الشعبى، وتفصح عن وجود أوجه تشابه كثيرة مع الحكايات الغربية المناظرة لها؛ ونجد هنا أن ابن آوى، وهو بين الذئب والثعلب، يعد الشخصية المحورية في هذا التراث (انظر - H. Bas Essai sur in litterature des Berheres: set الجزائر سنة 1920، ص 240 وما بعدها). وفي اللهجة العربية بشمالى إفريقية يضاف تأثير البربر الملحوظ في الاستعارات الشرقية المستمدة أساسًا من كليلة ودمنة؛ وإلى جانب ابن آوى فإن معظم الشخصيات المألوفة حيوانات معروفة كل المعرفة: وهي الحمار والثور والكبش والجدى والدجاجة والكلب والقط، وكذلك الثعلب والغزال والضبع والأسد. وتردد معظم الرسائل ومجموعات النصوص باللهجة المحلية بعض هذه القصص. آدم [ش بلا Ch. Pellat] 6 - الحيوانات في الفن: لا تحتل صور الحيوانات إلا حيزًا محدودًا في فن الأقطار الإسلامية، تحدده الاتجاهات التي تفرض عدم تمثيل الأشياء والتجريد الزخرفي الذي يضفي على هذا الفن طرازًا خاصًا، وهو، وإن كان يختلف في نموه إلى حد كبير من إقليم إلى آخر ومن عصر إلى آخر، فإنه يسهم إسهامًا كبيرًا في أصالة الحضارة الإسلامية. ذلك لأن القيود الدينية هي التي أدت أولا إلى تحريم كل تصوير للأحياء، وتعلل عدم وجود هذه الصور إطلاقًا في العمائر العامة، مثل المساجد. ومهما يكن من أمر، فإن هذه القيود، لم تقف بحال حائلا دون أن تستلهم التكوينات المصورة أو المنحوتة ذات الطابع الدنيوى، وبخاصة من الحيوانات التي تعيش في موطن معين، حتى عندما تحاشت رسم صورة دقيقة جدًا للشكل الطبيعى، أو تجنبت أن تبرز كثيرًا، في نطاق الثقافة الإسلامية، أنها ماضية في إتباع التقاليد العتيقة أو إحيائها. ولم يضطلع أحد بعد بوضع قائمة جرد منهجية بالأشكال الحيوانية المستخدمة على نحو ما ذكرنا وطرزها الأساسية العديدة، والحق أن تنوع المجالات المختلفة التي كانت خليقة بأن تكون موضع بحث، من زخرف

معمارى إلى رسوم إيضاحية للمخطوطات وتشمل كل أدوات الترف التي يبدعها الصناع المهرة، يكفي للدلالة على أهمية ذلك. ولكن ليس من شك في أن النتائج المحصلة سوف تختلف اختلافًا كبيرًا باختلاف طبيعة الأشياء موضوع البحث ومادتها. وسوف تكشف أيضًا عن اختلاف أساليب التناول لكل نوع من الحيوانات، تلك الأساليب التي تعتمد على أفكار مستمدة من الأدب أو من المشاهدة اليومية، كما تكشف عن الأهمية الرمزية والسحرية. وقد ألقى الضوء على هذه المسألة في جميع الدراسات النادرة جدًا، التي تتصف بشئ من العمق وتعتمد على موضوعات بعينها تمثل الصور الحيوانية كوحيد القرن أو الوعل وهو يلتهم ثعبانًا مثلا (انظر Studies in Muslim iconog-: R.Ettinghausen raphy، جـ 1, The Unicorn، واشنطون سنة 1950 و The "Snake-eating Stag. . ,in the East في Late and medieval studies in honour of Albert Mathias Friend Jr برنستون سنة 1955، ص 272 - 286). بل إننا قبل الاضطلاع ببحوث أخرى من هذا النوع، يمكن أن نذكر أن بعض الأشكال الحيوانية المستخدمة بكثرة من أجل صفاتها الزخرفية. والمفهومات المختلفة التي يمكن أن تحملها والمرتبطة في كثير من الأحيان بسلطان الملوك، قد ظهرت في الفن الإسلامى في بواكير العصر الأموى. ومن ثم فإن بعض العناصر في مجموعة حكايات الحيوان تجسدت في أعمال النحت المنقوشة على الصور نصف البارزة فوق واجهة قصر مشتة على حين رسمت موضوعات من الطراز نفسه، وإن كانت أكثر شيوعًا، على عقد الحمام في قصير عمرة، والفسيفساء الكبرى لقلعة خربة المفجر قد رسمت عليها صورة موضوعها غزالان متقابلان وجهًا لوجه وهما يرعيان وأسد يهاجم أحدهما، على كل جانب من جانبى شجرة عظيمة. ولا مناص من ذكر التصوير الواقعى لجواد ينهب الأرض ركضًا وأيل جريح في صورة جصية جدارية بقصر الحير الغربى، لأننا نستطيع أن نرى في هذه التجارب أول شاهد للذوق الذي ظل من بعد

قائمًا في العالم الإسلامى. والحق أن زخرفة القصور والصروح الفخمة أخذت زمنًا طويلا تلتمس ذخيرة كاملة من موضوعات حيوانية تتراوح في جمودها على شكل معين، استمدتها من الشرق الساسانى أو من العصر اليونانى المتأخر في المشرق، وارتبطت هذه الذخيرة بعد بحياة الترف والمسرات التي كان يعيشها الحكام الجدد الذين تسلموا الملكية. وتفسر هذه الأسباب نفسها تواتر هذه الموضوعات على قطع الأثاث المرتبطة بالحياة اليومية الرتيبة للأمراء وهل كانت المصنوعات الخزفية أو المعدنية، بل المنسوجات الثمينة، تتسم كلها على السواء بالحاجة إلى تأكيد مجد الرعاة الذين أمروا بصنعها وسعادتهم وطالعهم المشرق. ولهذا السبب ظهر إيثار خاص لتصوير تلك الحيوانات التي استفيد بها زمنًا طويلًا رموزًا للسلطان الملكى (الأسد والطير الجارح، الخ)، ذلك أنها يمكن أن تثير ذكرى الأيام الخالية للسلطان (مشاهد الصيد) أو أنها يمكن أن تتصف ببعض الخواص الكريمة لأصل طلسمى وتنجيمى (صور البروج). وأمدت هذه الصور الصناع المهرة بالعناصر الجوهرية للزخارف الخطية (مصورة، أو محفورة أو مرسومة على سطح مستو) التي تجمع، بصفة عامة، بين الأشكال النباتية والهندسية موشجة بشرائط منمقة بخيوط لحيوانات من ذوات الأربع أو الطيور، وكذلك أوسمة مزخرفة بأشكال تتكرر بدقة تامة أو يقابل أحدها الآخر أحيانًا في تناسق. وهي أيضًا تبرز موضوع أعمال النحت النادرة بالنقش البارز، التي تحاكى الصور الظلية لحيوانات معروفة، وبخاصة الجرار والمباخر. وتظل النماذج من هذا النوع نادرة بعض الشئ إبان القرون الأولى للإسلام، ولا نستطيع أن نذكر من هذا العصر إلا أعمال البرونز المتأثرة بالتقليد الساسانى، مثل المجموعة التي ينتمى إليها ما يسمى بإبريق مروان الثاني. ولكن عددها ازداد زيادة مطردة بنمو الحضارة العباسية، وتقبلها المتزايد لعادات أجنبية، وبعضها مشوب

بالمروق. وهناك دليل هام على هذا تقدمه المشغولات الذهبية للصاغة البويهيين أو المنسوجات التي روعيت فيها القواعد الجمالية للاستنماط والتكرار فزينت بحيوانات مثل السنانير والوعول والفيلة والنسور والطواويس بل بطيور العنقاء المغربة (هناك تحليلات لهذه الموضوعات في Soieries Persanes: : G. Wiet. القاهرة سنة 1947). بيد أننا نستطيع أيضًا أن نضرب مثلا بالعلب العاجية التي صنعت في الأندلس في القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادى) والمنحوتات المصرية الفاطمية من البلور أو العاج أو الخشب (انظر بصفة خاصة Les Figures d'hommes et de: G. Marrais betes dans les bois sculptes d'epoque fatimite Conserves au Musee arabe du Caire, في Melanges Maspero III وسنة 1935 - 40، ص 241 - 257)، دون أن تغفل ذكر الأطباق والأقداح من القاشانى المزخرفة بزخرفة براقة صنعت في تلك الحقبة في أرجاء مختلفة من العالم الإسلامى. ومن هذه الأمثلة المختلفة، التي تتخذ فيها الزخرفة الحيوانية مكانًا بارزًا، يستخدم البعض سلسلة من الأشكال على طراز "الرنوك"، ونجد هذه الأمثلة بصورة أخص في العراق أو إيران، ويمكن التعرف بلا صعوبة على أصولها الساسانية: وتظهر تفسيرات مبسطة لهذه الموضوعات الرئيسية حتى في أكثر الأنماط شيوعًا من الخزف المزخرف (انظر على سبيل المثال، من القرن الخامس الهجري الموافق الحادى عشر الميلادى، قطعًا، وجدت في بست، ودرست في كتاب - J. C. Gar Les trouvailles: din ا، Lashkari- Bazar, ص 45 - 49، الفهرست): وتكشف أشكال أخرى عن ظهور لمسات من واقعية لطيفة، تجدد، بصدق تفاصيلها أو بالوعى بالحركة، أسلوب التناول لموضوعات كلاسيكية وتبدى حرية راسخة في الوضع الذي تتخذه الحيوانات المحفورة على اللوحات المصرية، أو المصورة بضربات سريعة على الخزف تنتمى إلى الأصل نفسه (انظر ملاحظات Early: R. Ettinghausen realism in Islamic Art في- Studi Orienta

listici in onore di Giorgio Levi Della Vida جـ 1، رومة سنة 1956، ص 250 - 273). ولكن آثار هذه الواقعية تتجلى بصورة غالبة، أولا وقبل كل شئ، في الفن السلجوقى أو في الفن الأكثر تأخرًا الذي يرجع إلى القرن الخامس الهجري (الحادى عشر الميلادى) والقرن السادس الهجري (الثاني عشر الميلادى) وبداية من التاريخ الذي مهدت فيه الإمبراطوريات التركية الجديدة السبيل في الشرق الأدنى لقيام مؤثرات إيرانية وآسيوية مطردة. وفي ذلك الوقت نفسه صنعت التحف المعدنية ذات الأشكال الحيوانية الأخاذة المعروفة في الفن الإسلامي، وهي تحف أمكن، بفضل المعارض المتعاقبة المخصصة للفن الإيرانى في السنين الأخيرة، الجمع بينها ومقارنة بعضها ببعض. وفي نفس الحقبة ظهرت في العمائر العامة ببلاد الجزيرة العليا والأناضول صور عديدة لحيوانات، نحتت على الحجر أو على ملاط الجبس وقصد بها أولا أن تكون بمثابة طلاسم، وكانت أحيانًا تستلهم الرمز بالنجوم ثم انتشرت على نطاق واسع جدا (موضوع حيوانات التنين المعقدة، وصور مختارة من منطقة البروج؛ انظر Amida: M. Van Berchem, هيدلبرغ سنة 1910، ص 78 وما بعدها؛ Medieval Harran: D.S. Rice في Anatolian Studies، جـ 2 سنة 1952، ص 65 - 66) ويمكننا أن نقارن هذه بضروب العملة المعاصرة لها وبخاصة الأرتقية والدانشمندية، التي تزودنا بموضوعات مماثلة -وفي العصور الأولى لم تكن هناك إلا شارة واحدة للخليفة العباسى المتوكل على وجهها الآخر صورة نجيبة (انظر T. Arnold: Painting in Islam أوكسفورد سنة 1928 لوحة 59 د) على حين نجد صدى متأخرًا عن ذلك ماثلا في أسود بيبرس، التي كانت بشبهها بالرنوك تمثل المنشآت الكبرى لهذا السلطان المملوكى. وفي الحقبة نفسها استخدمت أشكال حيوانية في زخرفة خطية لتزيين جدران المبانى العامة، أو لتزيين

نمادج من التحف (انظر تحليلات الزخارف من هذا الضرب، مع رسوم رائعة، في دراسات D. S. Rice . المخصصة لنماذج من أشغال المعدن الإسلامية المكفتة بالفضة). والروائع التي تدين بنسبة كبيرة من أهميتها لهذه المظاهر، تنتمى لإيران أو الأناضول في عهد السلاجقة بقدر ما تنتمى إلى الشام ومصر (أولا في عهد الأيوبيين، ثم في عهد المماليك) ولا يفوتنا أن نذكر إقليم الموصل (بالنسبة للورش الخاصة بالعاملين في أشغال البرونز). ولكن لا مناص من أن نلاحظ أن ولايات خراسان فحسب هي التي شهدت تطور هذه الضروب العجيبة من النقوش الحيوانية المقصورة على تحف من المعدن، والتى اجتذبت حديثًا جدًا الأنظار، واستخدمت الصور الظلية لبعض الحيوانات، لتحديد ملامح الشخصيات الحقيقية أو "لتبعث الحياة" فيها برسمها داخل أوراق النبات المتشابكة، التي تشكل الخلفية (انظر The Wade Cup in the Cleve-: D.S. Rice land Museum of art، باريس سنة 1955، ص 21 - 33). وليس من شك في أن هذا يقتضينا أن نعده أكمل أنموذج لتطويع الحيوانات الأهلية لمقتضيات الفن الزخرفي العربي الذي نجده ماثلا في الضروب المثالية للفن القديم في الإسلام. وفضلا عن ذلك فإن الميل إلى استخدام موضوعات حيوانية في الفنون الإيرانية أو الهندسية الإيرانية، خلال العصور المتأخرة، ظل يتخذ وسيلة لأنماط زخرفية حافلة بالنضارة، على حين تخلى الفنانون عنها شيئًا فشيئًا في مناطق أخرى من العالم الإسلامي. ومن ثم فإن منسوجات الديباج والسجاجيد في عهد الصفويين، تزودنا حتى عهد قريب، بشاهد على موارد هذه الذخيرة الأنيقة والتقليدية في آن واحد، والتى وفق في إحيائها البحث في عصر المغول، وإن كان قد قدر لها فيما بعد أن تظل مجهولة لدى الصناع المسلمين، الذين كانوا يعملون في قطر آخر غير فارس. وجنبًا إلى جنب هذه العناصر الحيوانية في الزخرفة الإسلامية، يجب

أيضًا ألا نغفل تصاوير حيوانات تكاثرت، وإن كانت قد اهتدت بروح مختلفة كل الاختلاف على يد مصورين أو رسامى منمنمات مسلمين، كانوا كثيرا ما يتخذون نماذجهم من عالم الحيوان، ونجحوا في تمثيل ذلك بصورة زخرفية جلية، ومع ذلك فإن هذا التمثيل لا يخلو أحيانًا من الدقة بل الواقعية. والحق أنه في العصر القديم نفسه، وفي إبان نهضة رؤى حديثًا أنه يجب أن نطلق عليها اسم "التصوير العربي" (انظر Arab Painting: R. Ettinghausen. جنيف، سنة 1962)، وهي شاهد أدق على ازدهار ألم بالثقافة فيما بعد العهد السلجوقى العراقى الجزرى أو الثقافة السورية - المصرية (من نهاية القرن السادس الهجري الموافق الثاني عشر الميلادى إلى القرن الثامن الهجري الموافق الرابع عشر الميلادى) كانت الصفة الطبيعية الفعلية للآثار المصورة، أي كتب الأدب التي تشمل مجموعات من الخرافات أو الرسالات الفنية المؤثرة في علم الحيوان، تشجع أيضًا على ذلك الرواج المتفرد الذي لقيته في ذلك الوقت التصاوير الحيوانية؛ ويكفي، على سبيل المثال، الإشارة إلى ما بقى بين أيدينا من النسخ المحلاة بالصور لكتاب كليلة ودمنة لابن المقفع، (نسخ في باريس، المكتبة الأهلية، فن رقم 3465 و 3467؛ ميونخ، المكتبة القومية، القسم العربي، رقم 616؛ القاهرة، دار الكتب المصرية، الأدب الفارسى، رقم 61؛ أوكسفورد، مكتبة بود ليانا Pococke 400)، وكذلك إلى نسخ من كتاب منافع الحيوان، تحقيق ابن بختيشوع (بالفارسية؛ نيويورك، مكتبة مورجان، مخطوط 500؛ وواشنطون، صالة عرض فرير Freer , رقم 27 - 5) وابن الدريهم الموصلى (مكتبة الإسكوريال فن 898) دون إغفال كتاب البيطرة لأحمد بن الحسين بن الأحنف (إستانبول، طوب قابى سراى، أحمد الثالث رقم 2115) وكشف الأسرار لابن غانم المقدسى (إستانبول، سليمانية، لالا إسماعيل، رقم 565) وكتاب الحيوان للجاحظ (انظر O.Loef Ambrosian fragments of an illumi-: gren nated manuscript containing the zoology

of al Gahiz أوبسالا - ليبسك سنة 1946). على أننا ونحن بصدد هذه الآثار المختلفة، التي يمكن أن يضاف إليها "المشاهد الخاصة بنوع معين" المحلاة بالحيوانات المألوفة التي نجدها من حين إلى حين في مخطوطات مصورة أخرى ترجع إلى العصر نفسه (انظر على سبيل المثال، المشاهد المعروفة باسم "قطيع الإبل" أو "رحيل القافلة" أو "حديث قرب قرية" في مخطوط لمقامات الحريرى: باريس المكتبة الأهلية، فن رقم 5847)، نرى أنه من الأهمية بمكان أن ننوه بوجود تواصل نمطى يتيح لنا أن نتحدث عن أسلوب فنى خاص في تمثيل الحيوانات بالفن التصويرى، على نحو ما نراه ماثلا فيها. ويمكن تعريف هذا الأسلوب أساسا بأنه "مزيج من الإدراك الحسى الثاقب لصفات الحيوان الخاصة وأسلوب طبيعى في تصويرها" (- R. Et Arab Painting: tinghausen , ص 136). والحق أننا نستطيع أن نرى بسهولة في أقدم نسخة معروفة من كليلة ودمنة، ترجع إلى بداية القرن السابع الهجري الموافق الثالث عشر الميلادى؛ (مخطوط، باريس، المكتبة الأهلية، فن رقم 3465)، مبلغ ما بذل من عناية في إضفاء الحياة وصدق التعبير على أشكال الحيوان، وذلك بالتخلص شيئًا فشيئًا من النزعة التقليدية الفطرية في الأسلوب المأثور الإيرانى، الذي ينعكس أحيانًا في نسب الموازنة بكل صورة وأخيرا تتمثل الذروة التي بلغتها هذه النزعة في أثر نموذجى لما يسمى مدرسة بغداد مثل مخطوط الحريرى الذي حققه شيفر وسبقت الإشارة إليه، وهو يحمل توقيع كاتب يدعى الواسطى عام 634 هـ (1237 م). ويمكن أن نرى أن هذه النزعة اختفت إلى غير رجعة بعلو شأن المذهب الشكلى الذي اتسم به التصوير المملوكى، على حين قدر لهذه النزعة أن تبعث بصورة جديدة في مدارس التصوير الفارسية الخالصة، التي قدر لها أن تتخذ شكلها بعد التصدع الذي حدث بفعل الغزو المغولى. وكان من نصيب هذه المدارس حقًا أن تحافظ على

الإحساس بحركة الحيوان، حتى حين استبدلت بالمحاولات الأولى للواقعية العودة إلى تصور أكثر زخرفًا للموضوعات المختلفة التي تتناول، وحين تبلورت روائعهم باستلهام مشاعر جمالية مختلفة أشد الاختلاف (علاوة على الآثار الكلاسيكية عن الموضوع، انظر البحث الأخير للأستاذ ب. جراى Person Painting: B. Gray جنيف، سنة 1961). ومن ثم يمكننا أن نضفي على رسامى المنمنمات المسلمين، باعتبارهم وحدة كاملة، لقب "أستاذة مصورى الحيوان"، وهو لقب يبدو من الصعب أن نوفق بينه وبين الأحكام المقيدة لحرية الخيال المبدع في تلك المدينة، وإن كان مع ذلك يؤكد بحق مظهرًا من المظاهر الخلابة في الفن الإسلامي. المصادر: ليست هناك دراسة شاملة مخصصة لهذا الموضوع. وهناك دراسات فردية مختلفة أشرنا إليها في صلب المادة. ومن شاء الاطلاع على دراسة أخرى لبعض المظاهر التي تناولها الحديث فيما سبق، فإنه يجدر به الرجوع إلى A Bibli-: K.A.C. Creswell ography of the architecture, arts and crafts of Islam لندن سنة 1961، ويمكن أن يضاف إليه Three minim-: E.J. Grube -tures from Fustat in the Metropolitan Mu seum of Art في Ars Or، جـ 5 (1963)، ص 89 , 95، و Indo- Islamic: H. Goetz Figural sculpture المرجع نفسه، ص 235 - 241. آدم [سوردل- تومين Sourrdel- Thomine] 7 - علم الحيوان عند المسلمين: على الصعيد العلمى قد يظن المرء أن الكتب المخصصة للحيوانات التي كتبها أرسطو مؤسس علم الحيوان المطابق للعقل، وربما تكون قد أتاحت لأولئك العلماء من العرب الراغبين في الإفادة من نتائج الدراسات الإغريقية، في إحراز تقدم عظيم في معرفة مملكة الحيوان وإدخال علم الحيوان في المناهج العلمية التي وضعها المسلمون، على مستوى الجغرافيا العلمية، أو الرياضيات، أو الطب، مثلا. ولكن على الرغم من ترجمة يحيى بن البطريق

لكتاب أرسطوطاليس "تاريخ الحيوان" Historia animalium (في القرنين الثاني والثالث الهجريين = الثامن والتاسع الميلاديين) فإن مما له دلالة أن علم الحيوان لم يكن قط من فروع المعرفة التي تروج كل الرواج بين الجمهور، كما أن مكانته كانت محدودة على نحو متزايد بين التصنيفات النظرية المختلفة للعلوم وهو في تصنيف أرسطوطاليس جزء لا يتجزأ من "الفيزياء" يرتبط بعلم النفس، ولا يزال يوجد مع النفس ضمن العلم الطبيعى في كتاب إحصاء العلوم للفارابى (تحقيق عثمان أمين، القاهرة سنة 1949 ص 99؛ انظر أيضًا M.M. Introduction a la: Anawati et L. Gardet .theologie mus، ص 106؛ وهو يظهر علمًا مستقلا بذاته عند إخوان الصفاء (Gardet- Anawati. ص 109) ويدرج بين العلوم الدخيلة في كتاب مفاتيح العلوم للخوارزمي (Gardet- Anawati. ص 111)، ولكنه لم يعد يوجد في كتاب إحياء علوم الدين للغزالي (Gardet- Anawati- ص 117) أو في كتاب المقدمة لابن خلدون (Gardet- Anawati، ص 123 - 124). ويبدو أنه لم يثر أيضًا اهتمام القلقشندى، الذي لم يذكر أي كتاب في علم الحيوان بمفهومه الصحيح في كتاب Les classiques du scribe egyption (G. Wiet، في St. Isl. جـ 18، ص 50 - 53) وهذا الإهمال المطرد الذي أبداه المفكرون والكتاب العرب، من الصعب أن نجد تفسيرًا له حين نرى الاهتمام الذي تحظى به الحيوانات في الشريعة الإسلامية، ولكن لعل هذا يرجع في معظمه إلى عدم وجود بحث منظم وكتب متخصصة ذات طابع علمي حقًا، على الرغم من وجود حدائق للحيوان (حير الوحش)، جمعت فيها أندر أنواع الحيوانات وأشدها ضراوة وأنفقت فيها مبالغ طائلة (انظر Renaissance: A. Mez ص 383؛ الترجمة الإنكليزية، ص 404 - 405 حيث يرد أيضًا ذكر وقائع نزال منظمة) وكان ذلك خليقا بأن يثير فضول علماء ويشجعهم على الاضطلاع بدراسات عميقة. ولكن علم الحيوان لدى المسلمين ظل على المستوى الأدبى، أو ربما يمكن القول على المستوى الديني؛ بل لا يمكن أن يقال أنه ظل على المستوى الوصفي

في كتب المؤلفين الذين بذلوا جهودًا لإضفاء شئ من الترتيب على حقائق سبق اكتشافها واصطناع قوائم بالترتيب الأبجدي. والراجح أن السبب البسيط لهذا القصور هو الجاحظ، صاحب كتاب الحيوان الضخم في سبعة مجلدات، وكان الغرض الصريح من تأليفه ليس الدراسة العلمية لأنواع الحيوان، وإنما كان الغرض إثبات وجود الخالق بالدليل عن طريق مشاهدة خلقه (جـ 2، ص 109 وما بعدها؛ جـ 3، ص 209 وما بعدها)، وتمجيد حكمة الله، الذي لم يخلق شيئًا عبثًا أو مؤذيًا كل الإيذاء: فالحيوانات الخطرة أو المؤذية التي يباح قتلها هي في الواقع محنة يبتلى بها الله الناس (جـ 3، ص 300). والجاحظ على علم تام بما قاله أرسطوطاليس وأحيانًا ينتقده (مثلا جـ 6، ص 17) وينقل منه على سبيل الاستشهاد فقرات كثيرا جدًا (انظر ط. الحاجرى: تخريج نصوص أرسطوطالية من كتاب الحيوان للجاحظ، في مجلة كلية الآداب بالإسكندرية، سنة 1953 وما بعدها)، ولكنه مقتنع بأنه ليس في حاجة إلى الالتجاء للأفكار الإغريقية، نظرًا لأن كل ما يرد في مصنفات الفلاسفة في علم الحيوان معروف بالفعل للبدو (جـ 3، ص 268)؛ وهكذا فإنه رغم أنه معجب بصاحب المنطق فإنه يتجاهل عمدًا مبادئ أرسطوطاليس في التصنيف التي من المسلم به أنها أدنى إلى السلبية ومن الصعب فهمها (انظر Parties des ani-maux، ترجمة J.M.Le Blond. باريس سنة 1945، جـ 1، ص 66) مما دعا الجاحظ إلى أن يتمسك بمذهب تجريبى أولى. وبعد أن ذكر الجاحظ (جـ 1، ص 26) أن المخلوقات تنقسم إلى ثلاث طبقات: متفق ومختلف ومتضاد، فإنه بعد شئ من التردد حول المرتبة التي يضع فيها النجوم، والعناصر الأربعة إلخ، يفرق بين الجماد، من جهة، وبين النامي، من جهة أخرى. ثم يقسم النوع النامى إلى "مملكتين": حيوان ونبات. وتنقسم مملكة الحيوان، بدورها، إلى أربعة فروع، حسب الطريقة التي يتحرك بها الحيوان: ما يمشى، وما يطير، وما يسبح، وما ينساح، وهذا التصنيف الذي يقوم على مجرد المشاهدة الجارية

هو التصنيف نفسه الذي يتفق مع التقسيم الوارد في الكتاب المقدس (سفر الملوك الأول، الإصحاح الرابع، آية 33: "وكلم "سليمان" أيضا بهائم وطيرًا وزواحف وسمكًا")، ويطابق معيارًا من المعايير الأفلاطونية في التصنيف. وانطلاقًا من هذه "الطبقات" يكابد الجاحظ شيئًا من الحيرة، ذلك أنه لا يسلم بأن تقسيمه ليس مطابقًا للعقل فحسب من حيث أنه اضطر إلى استبعاد النعامة من "طبقة" الطيور، في حين أنه أدرج فيها الخفاش، بل إنه يجد لزامًا عليه أن يتخلى عن محاولة اختيار تقسيمات صارمة جدًا، بسبب العجز عن الانتقال من الخاص إلى العام في تحديد الصفات الأساسية للأنواع والأجناس. وأخيرًا فإنه يخلط بين المعايير الوظيفية وعادات الحياة لتحديد الأنواع، وبالرغم من أنه كانت لديه فكرة غامضة عما ينبغي أن يكون " قبائل" و"فصائل" و"أجناسًا" في التصنيف المنهجى الحديث، فإنه، بصفة عامة، يتمسك بالأنواع، التي قسمها إلى أربع طبقات، السابق ذكرها: 1 - حيوانات تمشي: الناس والبهائم (أي حيوانات من ذوات الأربع ليست آكلة للحم، سواء كانت أليفة أو برية و"السباع" (حيوانات مفترسة، أي آكلة للحم، أليفة أو برية) وحشرات بلا أجنحة. 2 - حيوانات تطير: ومن هذه الحيوانات ليس ثمة إلا ثلاث "قبائل": (أ) سباع الطير، وهي بدورها تنقسم إلى أحرار (أي طيور جارحة كبيرة مثل العقاب والنسر إلخ). وبغاث (وهي أقل تجهيزًا بوسائل الدفاع)، وطيور صغيرة تقتات بحشرات؛ (ب) طيور هي بهائم أي آكلة حبوب تحمى نفسها بالفرار؛ (ج) الهمج، وهي حشرات مجنحة. وهو في مجريات كتابه يميز الكثير من الأنواع المختلفة للزواحف، ولكنه لا يعرض أي تصنيف لها. وكذلك لا يجسر على تصنيف السمك (الذي يدرج معه عمدًا ثدييات مثل الحوت)، وهو على أية حال يقول إنه لم يجد في الشعر القديم دليلا كافيًا يعتمد عليه وروايات الملاحين غير موثوق بها (جـ 6، ص 16).

وكتاب الحيوان، وهو مصنف في الأدب له طابع ديني، وليس كتابًا في العلم الطبيعى، يتسم بأكبر قدر من التشويش. ومصادره متنوعة، ولكن أهمها المعلومات الأدبية التي جمعها الباحثون في القرنين الثاني والثالث الهجريين (الثامن والتاسع الميلاديين) وأثرتها الروايات الشفوية، والمعلومات التي تحصلت من الأحاديث والمشاهدة السائرة ومن التجارب الصغيرة التي مر بها المؤلف نفسه أو أصدقاؤه من المعتزلة، وهي التي تتعلق بأثر المشروبات الروحية على الحيوانات (جـ 2، ص 228 - 229) أو بحوثه عن التولد الذاتى (جـ 3، 348) وهو لذلك نصير عن اقتناع (جـ 3، ص 372)؛ جـ 5، ص 371 الخ). مخالف لمن ينكرونه، ويزعمون أن الحيوان لا يمكن أن يلده إلا حيوان (جـ 5، ص 349). ويهتم الجاحظ اهتمامًا خاصًا بالحيوانات المولدة بالتهجين، ويخصص للبغل رسالة، تذيل كتاب الحيوان. والجاحظ على صعيد آخر، ينتهج نهج أرسطوطاليس، الذي يربط علم الحيوان بدراسة النفس، وينثر، في ثنايا مصنفه، ملاحظات سديدة عن نفسية الحيوانات (مثل ما ورد في جـ 6، ص 69 وما بعدها، عن الاعتزاز بالنفس) ثم إن الجاحظ إذ يرى أن تأثير البيئة بالغ الأهمية، فإنه يلم في إجمال بنظرية في التطور لا تخلو من شأن. وعلى الجملة، فإنه تم بحث حالات ما يقرب من 350 حيوانًا على نحو يتفاوت في العمق، وإن كان على غير منهج، إذا أراد المرء, أن يجد ثمرة لذلك فإن الأمر يقتضيه أن يرجع إلى الفهرست الرائع للطبعة التي حققها عبد السلام هارون. ومن ثم يمكن سبر غور ما عرفه العرب الأوائل عن الحيوانات، وتحصيل فكرة عن الآراء التي يتخذونها عن بعض أنواع الحيوان. والجاحظ معتزلى حق، يخضع كل شئ لمعيار العقل، ولذلك فهو يبذل جهدًا في مضيه إلى تقويض دعائم بعض الأساطير (مثل، جـ 2، ص 14)، ويخلط الروايات التي يرويها بأفكار من صنعه، كانت كفيلة، لو لم يعبر عنها بطريقة مشوشة، بأن تكسبه

مكانة مشرفة بين أرسطوطاليس وبيفون (¬1) وعلى حين يسير كتابه "البيان" على منهج بعض الشئ، ويعرضه العسكرى في صورة أكثر تنظيمًا في مصنفه "كتاب الصناعتين" فإن كتاب الحيوان وعلم الحيوان بصفة عامة لا يكادان يلهمان الكتاب المتأخرين. وفي الوقت الذي ازدهر فيه الأدب فإن ابن قتيبة في كتابه "عيون الأخبار" (ترجمة The natural: L. Kopf history إلخ.، باريس وليدن، سنة 1949) وأبا حيان التوحيدى، بعد ذلك بقليل، في كتابه الإمتاع والمؤانسة (ترجمة L. Kopf، في Osiris جـ 12، سنة 1956، ص 390 - 466)، خصصا بعض الفراغ للحيوانات، ولكن دون أن يعنيا بالتصنيف العلمى. وثمة تناول للموضوع من هذا القبيل في الموسوعات العامة، وخير مثال لها هو المستطرف (فصل 62) للإبشيهي. ومن جهة أخرى عرض إخوان الصفاء بوضوح في نهاية الجزء الثاني من كتابهم "الرسائل" طبقات المخلوقات شاملة في ترتيب تصاعدى: المعادن والنباتات والحيوانات والإنسان والأجرام السماوية، وفي كل طبقة من هذه الطبقات نجد أعلاها رتبة قريبة من أدناها في الطبقة التالية: وهكذا فإن النخلة، التي تنتمى إلى أعلى رتبة بين النباتات، تزحزح قليلا عن الحلزون، الذي لا يتصف إلا بحاسة اللمس، ذلك أن الحكمة الإلهية لا تهب للحيوان أعضاء، ليس في حاجة إليها. ويحتل القرد الذي يقارب الإنسان غير المتحضر أعلى رتبة بين الحيوانات، ويوضع في أدنى درجة في الفرع التالى من التقسيم. ويكون الإنسان طبقة قائمة بذاتها، لأنه يتصف دون سواه بجميع المزايا، التي لا توهب للحيوانات إلا على حدة. وظلت الحال على هذا المنوال حتى جاء القزويني (المتوفي سنة 682 هـ- 1283 م) فاصطنع بطريقة منهجية أفكارًا أقدم عهدًا، وأدخل في كتابه "عجائب المخلوقات" رسالة عن علم الحيوان؛ وهو يقسم الكائنات الحية ¬

_ (¬1) الكونت جورج لوى لكلير دى بيفون عالم فرنسى في الطبيعات.

ثلاث "ممالك" ويضع الحيوانات في أعلى رتبة، ويعلق أهمية كبرى على طرقها في الدفاع، ويتخذ هذه الطرق معيارًا لتصنيفها: 1 - حيوانات تصد أعداءها بقوتها مثل الأسد والفيل. 2 - تلك الحيوانات التي تحمى نفسها بالفرار، مثل الغزال والأرنب والطيور. 3 - تلك الحيوانات المزودة بوسائل خاصة للدفاع مثل القنفذ. 4 - تلك التي تعيش في حصن مثل الفئران أو الحيات. ولكنه يقسم بعد ذلك الحيوانات إلى سبع فصائل: 1 - الإنسان. 2 - الجن. 3 - الدواب (الحصان، البغل، والحمار). 4 - الحيوانات الأليفة (النعم). 5 - الحيوانات المفترسة. 6 - الطيور. 7 - الحشرات والزواحف الخ. وفي الأجزاء الثلاثة الأخيرة من رسالته، يخصص للحيوانات حواشى مرتبة بحسب الحروف الهجائية، وفيها بعض الملاحظات العامة البعيدة كل البعد عن العلم، تليها الخواص السحرية أو الطبية لأعضاء الحيوان المختلفة. وهذا بالمقارنة إلى الجاحظ هبوط في التصنيف واضح، ويمكن أن يصدق الشئ نفسه، من حيث الصعيد العلمى الخالص، على كتاب "حياة الحيوان الكبرى" للدميرى المتوفي عام 808 هـ-1405 م؛ الذي لا يأتي بتصنيف جديد، بل يقتصر على نقل (انظر كتاب الحيوان) تصنيف الجاحظ، بيد أنه يجمع بطريقة مفيدة، في حواشى مرتبة حسب الحروف الهجائية، ملاحظ لغوية، وروايات مختلفة، والموقف الشرعى الخاص للحيوان (بالأدلة التي قدمها فقهاء المذاهب المختلفة) والأمثال التي كانت الحيوانات مضربًا لها، والخواص السحرية أو الطبية لأعضائها المختلفة، وأخيرًا تفسير الأحلام التي تظهر فيها هذه الحيوانات. وكان هناك أطباء أو علماء في الطبيعيات مثل ابن بختيشوع (كتاب

منافع الحيوان، انظر ما سبق فصل 6) أو ابن البيطار أو الأنطاكى يهتمون أحيانًا بالحيوانات أيضًا، ولكن الفروع الوحيدة لعلم الحيوان التي كانت حقًا موضع دراسات متعمقة ومنهجية هي علم الخيل والبيطرة وكذلك علم الطيور في تطبيقه على الصيد بالصقور. وخارج نطاق المجال العربي بالمعنى الدقيق، فلا يوجد فيما يعلم كاتب هذه المادة، كتاب يتسم بأصالة. ولا يذكر أ. عدنان إديوار (عثمانلى توركلرنده علم، إستانبول سنة 1934، ص 15، 76، 91) إلا ترجمة تركية واحدة لكتاب حياة الحيوان مع بعض الإضافات، كتبها محمد بن سليمان، وهو معاصر للدميرى (مخطوط طوب قابى سراى، روان كوشكى سنة 1664)، و"تحفة الزمان وخريدة الأوان" للموسوعى التركى مصطفى بن على الموقت، الذي يشتمل على منهج في علم الحيوان يقوم على كتابى الدميرى والقزوينى، وأخيرًا ترجمة فارسية لكتاب حياة الحيوان، قام بها حكيم شاه قزويني لسليم الأول. وننهي حديثنا في ذلك بكتاب في علم الحيوان، وهو خواص الحيوان، جمعه وصنفه، في القرن الثاني عشر الهجري (الثامن عشر الميلادى)، الكاتب الفارسى حزين. المصادر: علاوة على المصادر المذكورة في صلب المادة: (1) Arab. zool. dict.: A. Malouf القاهرة سنة 1932، وهو كتاب مفيد في تحقيق أسماء الحيوانات. (2) شروح عن الحيوان في بلاد بعينها في A. Hanoteau و A. Letour - La Kabylie et les coutumes Kabyles: neux باريس سنة 1893 , جـ 1، ص 208 وما بعدها. (3) Les mammiferes du: J.B. Panouse Maroc طنجة سنة 1957 ص 191 وما بعدها. (4) V. Montiel Occidental: Faune du Sahara، باريس سنة 1951. وانظر أيضًا.

حكايات الحيوان في الأدب الفارسي

(5) Renaissance A. Mez هذه المادة ص 429 - 431 من الترجمة الانكليزية، وفي مواضع متفرقة. (6) Instituzioni: D. Santillana رومة، من غير تاريخ، الفهرست، جـ 2، ص 665. (7) Gesetz im Koran,: J. Rivlin Kultus and Ritus القدس سنة 1934. (8) Islam's contribution: Maswani to Zoology and natural history في IC جـ 12، سنة 1938، ص 328 - 33؛ وبالنسبة لقطعة من كتاب غير معروف بعد في علم الحيوان انظر: (9) A.J.Arberry في JRAS سنة 1937 ص 481 - 483. وبالنسبة لما يسمى تقويم "الاثنى عشر حيوانًا" انظر: (10) Remarques sur les noms: L. Bazin tures des "Douze animaux" du calen drier dans I'usage persan، في Melanges H. Masse طهران سنة 1963، ص 21 - 30. آدم [ش بلا Ch. PELLAT] حكايات الحيوان في الأدب الفارسي عند البحث عن أصل حكاية الحيوان في الأدب الفارسى يعترضنا عدم وجود كتب دنيوية بالفعل ترجع إلى ما قبل القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادى). وأقدم المصادر الأدبية الباقية التي ترد فيها حكايات للحيوان (إذا ما استثنينا القطع الباقية من كتابى رودكى المتوفي عام 329 هـ = 940 - 941 م، "كليلة ودمنة" و"سندباد نامه") هي ترجمة أبي المعالى نصر الله للكتاب الأول، التي قام بها عام 538 - 539 هـ = 1143 - 1145 م، ورواية ظهيرى سمرقندى للكتاب الثاني المؤلف عام 556 - 557 هـ = 1160 - 1161 م. وفي حين نجد أن كتاب كليلة ودمنة صدر من الهند على وجه اليقين. فإن ب. ا. بيرى B.E. Perry أثبت بالدليل المقنع أن كتاب سندباد من أصل فارسى (The Origin of the book of sindbad، برلين سنة 1960)، وإن كان فيما يرجح لا يرجع تاريخ تأليفه إلى ما قبل القرن الثاني الهجري (الثامن الميلادى). ويمكن تتبع تاريخ كتاب هزار أفسانه، الذي يظن أنه الأصل الفارسى لألف ليلة وليلة، إلى

العصر نفسه تقريبًا. ومن جهة أخرى فإن الترجمة البهلوية لكتاب (البانجاتنترا السنسكريتى يمكن أن نرجعها دون أن نخشى الزلل بحال إلى القرن الخامس الميلادى، بل إن تعريب ابن المقفع لهذا الكتاب حدث في تاريخ أقدم من سندباد نامه. ومن ثم يحق لنا أن نتساءل: متى وأين دخلت حكاية الحيوان في الأدب الفارسي؟ يقول ابن النديم صاحب كتاب الفهرست (حوالي عام 400 هـ 1008 م) "أول من صنف الخرافات، وجعل لها كتبًا، وأودعها الخزائن وجعل بعض ذلك على ألسنة الحيوان، الفرس الأول" (مقالة 8، فن 1، ترجمة د. ب. ماكدونالد - D.B. Macdon The earlier history of the Arabian: ald nights؛ في JRAS سنة 1924، ص 364 - 265). وتشير العبارة الأخيرة في هذا النص إلى أول أسرتين مالكتين فارسيتين، وهذه الفقرة، على أية حال، شاهد على أن الرأى في القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادى) قد تواتر بأن رواية حكايات عن الحيوانات كانت راسخة كل الرسوخ في التراث الفارسي. وأدلى تيودور بنفي Theodor Benfey (البانجاتنترا، مجلد 1، ص 21، ليبسك سنة 1859)، بالنظرية التي تقول إن الخرافات التي تقوم فيها حيوانات بدور البشر هي من أصل هندى، على حين أن الخرافات التي تقوم فيها الحيوانات بدور الحيوانات هي إيسوبية (¬1)، أي من الشرق الأدنى. واستحدثت حكاية الحيوان في الأدب الفارسي القديم أساسًا لإيضاح أمور أخلاقية أو صوفية، ومن الشواهد المشهورة على ذلك: "حديقة الحقيقة" لسنائى (المتوفي سنة 525 هـ = 1130 م) وتفسير أبي الفتوح رازى (المتوفي سنة 538 هـ 1143 م) و"أسرار نامة" و"إلهي نامة" للعطار (المتوفي حوالي عام 627 هـ = 1229 م) وقبل ذلك كله يأتي المثنوى لجلال الدين الرومى (المتوفي سنة 672 هـ = 1273 - 1274 م) وفي تراث أقدم مجموعات من حكايات الحيوان تأتي بصورة مباشرة أكثر من ذلك مجموعة "مرزبان نامه" للوراوينى (622 هـ = 1225 م)، و"طوطى نامه" ¬

_ (¬1) نسبة إلى ايسوب (620؟ -560؟ ق. م) وهو كاتب إغريقى وضع عددًا من الحكايات على لسان الحيوان.

لنخشبى (730 هـ = 1330 م)، و"الحديقة" الثامنة من كتاب "بهارستان" لجامى (893 هـ = 1487 م) و"أنوار سهيلى" لحسين واعظ كاشفي (المتوفي سنة 910 هـ = 1504 - 1505 م). ويلى هذه المجموعات كتاب "لطائف الطوائف" لفخر الدين على صافي (المتوفي سنة 939 هـ = 1532 - 1533 م) و"جامع التمثيل" لمحمد جبلرودى (1054 هـ = 1644 م) ومجموعات أخرى من هذا القبيل ليس فيها أي مضمون أخلاقى خاص. وإلى جانب هذا كله فلا نزال نجد بعد مادة جديدة كثيرة، لابد من استنقاذها من الأدب الشفوى الحالى. ويمكننا، على سبيل التجربة، أن نصنف حكايات الحيوان في الأدب الفارسي المكتوب والشفوى على النحو التالي: 1 - حكايات أخلاقية، وفيها تفعل الحيوانات فعل البشر، وتتخذ أنماطًا. 2 - حكايات، تشترك فيها الحيوانات والبشر جميعًا بأدوار، وكثيرًا ما تبدى الحيوانات فيها خصائص لا نجدها إلا في البشر مثل النطق. 3 - حكايات مغامرات وقصص خيالية عاطفية، فيها يقوم البشر بالأدوار الأولى، في حين تظهر الحيوانات عاملًا مساعدًا أو معاديًا، ويكون لها في المألوف قوى سحرية. 4 - قصص تتضمن حيوانات أسطورية. وفي الأدب الشفوى، في مقابل الأدب المدون، نجد أن الطائفتين الأخيرتين هما الأكثر شيوعًا. والشواهد على ذلك. حاتم الطائي ورستم وحسين كرد. وحلقات شيرويه. وقائمة الحيوانات التي تظهر صورتها في الحكايات مستفيضة، وكثير منها يتحقق بسمات خاصة. فالأسد رمز المهابة، وهو طاغية وكريم؛ والدب غبي وأناني وشفيق، والذئب ساذج وشفيق، والثعلب ماكر، وابن آوى داهية، والطاووس والهدهد متعاجبان مختالان، والببغاء حكيم بأمور الدنيا، والفيل أرعن وغر ساذج، ومهما يكن من أمر فإن حيوانات نجسه مثل الكلب والخنزير يمكن أن نراها تقوم بأدوار تستثير العطف.

الحيوانات في المأثورات التركية

المصادر: علاوة على النصوص والمراجع المذكورة فيما سبق فإن مجموعات الحكايات الشعبية الآتية يمكن الرجوع إليها من حيث هي شواهد على حكايات الحيوان: (1) أمير قلى أمينى: دستانهايى أمثال، إصفهان، سنة 1945. (2) Contes persanes: A. Christensen en longues populaires, كوبنهاغن سنة 1918. (3) حسين كوهي كرمانى: بانزاده أفسانه روستائى، طهران سنة 1955. (4) Persian: D.L.R.& E.O. Lorimer; tales لندن سنة 1919. (5) صبحى مهتدى: أفسانهايى كهن، طهران سنة 1949. وانظر أيضًا: (6) Les versions per-: H. Masse sans des contes d'aninmaux في L,ame de l'Iran باريس سنة 1951، ص 127 - 49. آدم [لويل ستن L.P.Elwell Sutton] الحيوانات في المأثورات التركية إن الصيغ التركية للكلمة العربية حيوان (حيوان، وأيوان، وأيبان، إلخ) في اللغات التركية المختلفة تشير إلى أنواع الحيوان، مع استبعاد الإنسان، والكلمة القرغيزية "جانبر" بالمدلول نفسه مركبة من لفظ فارسي هو جان (روح) ولفظ تركى هو بر (بمعنى فيه أوله)؛ وكلمة جانور، في تركية تركيا (من الكلمة الفارسية جانور، أي له "روح") لها معنى خاص آخر هو: ذئب، خنزير برى، حيوان مفترس، حيوان برى، وحش؛ والكلمات جانلى وجاندق إلخ، المشتقة من الكلمات الفارسية جان، وترك ودرى، وتنلغ، إلخ وهي مشتقة من أصول تركية، تستخدم للدلالة على جميع الكائنات الحية، ومنها الإنسان. وكثير من القبائل التركية تتسمى بأسماء الحيوانات، وثمة قبائل أخرى مثل العشائر الأربعة والعشرين التي تنحدر من صلب الأوغوز والقاغان، تتخذ كل منها شعار طائر؛ وكثير من أسماء الأشخاص التركية مشتقة من أسماء الحيوانات؛ وفضلا عن ذلك فإن عددًا كبيرًا من المعتقدات والشعائر،

كانت من العناصر الهامة في ديانات الأتراك قبل أن يدخلوا في دين الإسلام. وللذئب مكانة هامة بصفة خاصة في هذه الديانات: وفي رواية تحققت في مرجع صينى يعود إلى القرن السابع الميلادى أن التوكئو انحدروا من زواج ذئبة برجل (انظر إركنيكون) ولا تزال آثار عبادة قديمة للذئب تتمثل في التراث الشعبى الأناضولى (انظر على رضا: أناضولى ده بوزقورت، في خلق بلكيسى خيرلرى [= H B H]، جـ 1، سنة 1930، ص 200 وما بعدها؛ جـ 2، سنة 1930، ص 32 وما بعدها). والدب أيضا هو الموضوع الأكبر لقصص عديدة، تروى اليوم (في تركيا على الأقل) على اعتبار أنها مغامرات بحق، ولكنها مع ذلك هي البقايا التي لا تكاد تظهر في الأساطير القديمة (انظر Histoires d'ours en: P.N. Boratav Anatolie. في FFC، رقم 152، هلسنكى سنة 1955). وفي هذه الطائفة نفسها من بقايا عبادة الحيوان يمكن أن ندخل قصص الأبطال الذين أطلقت أسماؤهم على أجداد شعوب معينة، وربتهم لبؤة (انظر كتاب دده قورقود، تحقيق وترجمة E. Rossi. الفاتيكان سنة 1952، ص 193؛ وكتاب أبي بكر ابن عبد الله بن أيبك: كنز الدرر، إستانبول، طوب قابي، مخطوط أحمد الثالث رقم 2932، مجلد 7، ص 173 وما بعدها). ومن الروايات الواردة في التراث الشفوى الخاص بالحيوانات (هناك قصص حيوانات من طراز الخرافة وقصص عجائب أبطالها حيوانات) عدد من الطراز الذي تكون فيه للحيوانات جوارح تحس بها، وهذا جزء من الذخيرة العالمية؛ ومنها عدد من القصص التي هي جزء من حلقات الطوفان، وأخرى تدور حول هدهد سليمان. ولا شك أن مصدر هذه القصص ما روته التوراة، وما رواه القرآن (التفاسير والأسفار المنحولة). ولكن عددًا كبيرًا من الأساطير التي تتعلق بجوارح الحس هي، على التحقيق، إبداع من التراث الشعبى التركى، أو صياغة جديدة أصيلة لموضوعات مستعارة من المأثورات التي تنتمى لبلاد احتلها الأتراك. ويحتل الجواد المرتبة الأولى، بالنظر إلى أهميته

في الأدب القصصي؛ وهناك أساطير تتردد حول أصوله الخارقة: جنس من الجياد يقال أنه انحدر من صلب جواد كان يقطن أعماق المياه، أو جنس آخر من جياد أصيلة مجنحة، أو جنس من جياد استؤنس جده على يد بطل نسبت إليه أمة، ويطلق عليه اسم "الحصان النارى" (عن هذا، الجنس الأخير انظر كتاب أبي بكر، المصدر السابق، جـ 7، ص 180 وما بعدها). وفي الملاحم وحكايات البطولة الأخرى يصور الحصان تصوير الرفيق المخلص للبطل؛ وقد وهب النطق ويستطيع أن يتحادث مع سيده ليبذل له المشورة ويحذره من الأخطار. ويبدو أن تبجيل الحصان أضفي عليه، في بعض الظروف، هالة من القداسة. فأصبح قبر جواد السلطان عثمان الثاني في إسكدار مزارًا يحج إليه وكان معروفًا باسم آت أوليا سى ("ولى الجياد")، وكانت الجياد المريضة يؤتى بها إليه (انظر إستانبول انسيكلوبيدياسى، مادة آت مزارى). والخزعبلات الشعبية، من وجهة نظر أخرى أعم، تنسب إلى بعض الحيوانات قوى سحرية لأنها تعد قادرة على تجسيد أرواح شريرة. ومسخ أناس في صورة حيوانات وهو الأعم، وحيوانات في صورة أناسى وهو الأقل، وينتمى إلى باب كرامات الأولياء، بصرف النظر عن ذخيرة الحكايات الحافلة بتهاويل الخيال. ويمكن تتبع آثار معظم الخزعبلات والأساطير والشعائر المرتبطة بهذه الكاثنات الخارقة إلى طقوس تتصل بالصيد والمعتقدات المرتبطة بها. وكانت الروح الحارسة في الأصل هي الحيوان نفسه، وهذا يفسر تسمية أنواع الحيوان، عند القرغيز مثلا، باسم الولى الحامى: أو يسول آتا (أويس القرانى) الولى الحامى للجمال و"النياق" أيضا) وقمبر آتا، الولى الحامى للجياد و"الأفراس"، إلخ. وفي تركيا لا يزال الغزال الأحمر يعد مقدسًا، ويعتقد أن الولى الحامى للغزلان الحمراء (امرأة أحيانًا) يضرب الصيادين الذين يطاردونها. (انظر ى. ز. د ميرجيوغلى: بوروقلروقويلولرده حكاية لر مسالر،

إستانبول سنة 1934، ص 115 وما بعدها، و 120 وما بعدها). وهناك أيضًا أساطير تتحدث عن أولياء مسخوا في صورة غزلان حمراء أو يمتطون صهوتها (انظر أسطورة أبدال موسى، في كتاب س. ن. إركون: تورك صائر لرى؛ إستانبول، بدون تاريخ، جـ 1، ص 166 - 169، وأسطورة كبيكلى بابا، في كتاب أ. كولبكارلى: يونس إمره وتصوف، إستانبول 1961، ص 10 - 13). وللأولياء أيضًا القدرة على سحر الحيوانات، وتشمل الحيوانات المتوحشة والحيوانات الخرافية مثل حيوانات التنين. وهناك ذخيرة من الأساطير تسوق أمثلة على التهذيب تتمثل في شفقتهم بالحيوانات الأليفة والمتوحشة. والثور يستخدم في الحرث ولذلك نجده قد اكتسب، على الأخص في أقاليم البكتاشية العلويين الريفية، احترامًا خاصًا، وعدد عديد من أحداث السيرة الذاتية الأسطورية لحاجى بكتاش هي قصص مستوحاة من هذه الفكرة (ولا يتنامه حاجى بكتاش، تحقيق كولبكارلى ص 53 وما بعدها، ص 83، وترجمة E. Gross ليبسك سنة 1927، ص 90 و 93 وولا يتنامه خادم سلطان، تحقيق R. Tschudi و G. Jacob. برلين سنة 1914، ص 28، 32). ويعد رعاة الأغنام من الذين أوتوا بعض القوى الخارقة، التي تفسر بصفة عامة بأنها شواهد على القداسة؛ وتؤكد قصص عديدة في التراث الشعبى على التفاهم الوثيق بينهم وبين حيواناتهم، وينسب جزء من قواهم السحرية بجلاء إلى الحيوانات. وقد كان الفن التركى، حتى في العصر الإسلامى حافلا إلى حد لا بأس به بموضوعات عن الحيوان. ففي النسيج والتطريز وأشغال الإبرة ثبت عدد من الأشكال جمدت على نمط واحد في صور حيوانات. والعنصر الزخرفي الوحيد، البادى على نوع من سجاجيد الصلاة، وهو أقدم طراز على هذه الأداة من أدوات الشعائر -مستنسخ من جلود الحيوان: خروف أو غزال أحمر أو جدى أو دب .. ويبدو أن هذا

الضرب من الزخرف يمثل المرحلة الانتقالية بين استخدام جلد فعلى لحيوان، واستخدام سجادة صلاة عليها أشكال زخرفية ذات طابع دنيوى (انظر يوسف درول: توركمان يوروك، أفشار حالى وكليم موتيفلرى أوررينده برأرشترما، في تورك اتنوجرافيا دركيسى جـ 2، سنة 1957، ص 65 - 66، لوحة 40 و 41). وفي صور الآثار الشعبية لفنانين مجهولين وفي آثار الفنانين المعروفين (من رسوم ولوحات زيتية ومنمنمات) تصور الحيوانات في معظم الأحوال بموضوعات نمطية حتى ليغلب عليها التجريد، كما تصور تصويرًا ممعنًا في الواقعية في صلب مشاهد الحياة اليومية: مثل مشاهد الصيد، وتربية الماشية، والتدريب إلخ. (انظر M.Sh. Ip- Sur L'Album du: siroglu et S. Eyuboglu Conquerant إستانبول، سنة 1960). مالله آكسل: أناضولى خلق رسملرى؛ إستانبول سنة 1960. المصادر: علاوة على المصادر المذكورة في صلب المادة انظر: (1) La faune et la flore: J.P. Roux dans les societes altaiques رسالة دكتوراه. (2) أحد و. بيكول: طوب قابى سراينده هاس آخر، في كوزل صنعتلر، جـ 4، سنة 1949 ص 118 - 131. (3) أقطاى أصلانبه Turkish arts، إستانبول بدون تاريخ. (4) هـ ز. قوصاى: حيوان جيليك، في تورك اتنوجرافيا دركيسى، جـ 3، سنة 1958، ص 5 - 59؛ وبالنسبة للأساطير والمعتقدات والشعائر المتعلقة بعالم الحيوان انظر سلسلة العروض الواردة في الدورية التركية، تورك فولكلور أرشترمالرى، بقلم P.N. Bora- tav، في Oriens جـ 10 سنة 1957 وما بعدها، والمصادر التي ذكرها المؤلف نفسه في ختام الفصول المقصورة على L,epopee et la hikaye و Le conte et la le- gende في T.F. Ph، جـ 2، ص 38 - 44 و 62 - 67. آدم [بترونائلي بوراتارو Pertev Naili Boraatav]

حي

حي كلمة عربية معناها البطن، أي المجتمع الأول في الحياة البدوية، وهي التي وصفها نولدكه وصفًا جيدًا فقال إنها تدل على واحد من المحاربين يعسكرون ليلة في العراء بمعسكر واحد ويتنقلون فيما حولهم سويًا. والرابطة التي تربط أفراد الحى بعضهم ببعض تعد من قبيل رابطة الرحم، وتقتضى مسؤوليتهم الجماعية عن أي جريمة قتل يرتكبها واحد منهم، كما تستلزم واجبًا محتومًا هو الأخذ بالثأر. والحلف بين حيين تدعم روابطه طقوس سحرية عقيدية تقتضى امتزاج الدم والقسم باليمين بغمس اليد في الدم المتحصل من إقامة طقس من هذا القبيل. وهذه الحقائق التي نبه إليها روبرتسون سميث Robertson Smith في كتابه المشهور مبكرًا في تاريخ يرجع إلى سنة 1885 وعنوانه "صلة الدم والزواج في بلاد العرب القديمة"، لا تزال محتفظة كل الاحتفاظ بصدقها، إلا أن تفسيره القائل بأن النظم السامية الاجتماعية هي الطوطمية قد سبق أن فنده نولدكه 1886 في بحثه الذي نقد فيه هذا الكتاب. صحيح أن نظرية الطوطمية فقدت اليوم فيما يبدو جاذبيتها، إلا أن القول بأن ثمة فترة من سيادة الأم سبقت قيام النظام الأبوى يستند إلى حجج متعددة، ذلك أن المصطلحات الخاصة بأقسام القبائل تتضمن أسماء لأجزاء من الجسم مثل "البطن" و"الفخذ" وغير ذلك من الأسماء التي فسرها روبرتسون سميث تفسيرًا ليس بعيدًا عن الاحتمال بقوله إنها كناية تشير في الأصل إلى صلة الرحم، ثم حدث بعد تغير النظام الأموى إلى النظام الأبوى أن أصبحت جوارح الذكر هي الكناية مثل الركب والكلاوى والأفخاذ. وثمة سمات مشابهة لذلك في المفردات الجرمانية والهندية الأوربية، بل إن المصطلح الذي يدل على النسب في البطن يدل بوضوح كاف على أن هذا النسب كان من قبل بلا شك يدل على رابطة الأم لأن الرحم ليس إلا عضو المرأة

حي بن يقظان

المعروف. أما عن كلمة حي فإن من الطبيعى فيما يبدو أن نسلكها في سلسلة هذه الاشتقاقات، ملاحظين أن الجذر "حي" الذي يتمثل بوضوح في "حيوان" وفي الهجاء القرآني "حيـ (و) اة" أي الحياة إنما اتخذ هذا المعنى المجرد وهو "الخجل والاحتشام" ومع ذلك فإن الجذر العبرى المرادف وهو "حياه" لا يدل إلا على معنى واحد هو "يحيا"، ولكن اسم "حواء" أم البشر وهو "حواه" الذي يفسره سفر التكوين (الإصحاح الثالث، الآية 20) بصيغة قال بها بيل Piel تدل على "واهب الحياة" يمكن أن تمثل البداية المحسوسة لهذا الاشتقاق المعنوى نفسه. وتدل كلمة حي في بعض اللهجات الحديثة على حي في مدينة أو محلة، كما تدل بصفة أدق على حي يسكنه أناس من عنصر عرقى أو قبلى واحد. المصادر: (1) marriage in ancient Arabia Kinship and: Robertson Smith: ، سنة 1885. (2) Noeldeke: استعراض لما سبق في مجلة Zeitschr. der Morgen. Gessles، عدد 40، سنة 1886 ,ص 176. (3) Le propleme du J. Henninger totemisme chez Les Arabes apres quatre- Vingts ans de Recherches في أعمال المؤتمر الدولى السادس للاجتماع وعلم الإنسان والسلالات، باريس سنة 1964، جـ 2، ص 401 - 404. (4) المؤلف نفسه L, Antica societa La so- ciete bedouine ancienne في beduina (جامعة رومة، الدراسات السامية)، رومة سنة 1959، ص 69 - 93. (5) Bible du Centenaire باريس So ciete Biblique سنة 1941، جـ 1، ص 4، تعليق ف. خورشيد [له سرف J. Lecert] حي بن يقظان اسم الشخصية الأولى في قصتين رمزيتين فلسفيتين إحداهما لابن سينا وهي "حي بن يقظان"، والأخرى لابن طفيل وهي "رسالة حي بن يقظان في

أسرار الحكمة المشرقية" "بضم الميم" (حسب نطق كوتييه L. Gauthier، ويرى حورانى Hourani أنها المشرقية بفتح الميم). وحتى نهاية القرن التاسع عشر، كانت قصة ابن طفيل أكثر شهرة بكثير من قصة ابن سينا الموجزة التي لم تكن محتوياتها معروفة بله عنوانها، وقد أدى تشابه العنوانين إلى القول بأن بينهما صلة وثيقة في الفكر، وقيل أحيانا إن إحداهما كانت ترجمة للأخرى. ويترجم مهرن (- Traites mys tiques: Mehren, جـ 1، ص 7 - 8) العنوان الذي أطلق سنة 1299 هـ (1882 م) على الرسالة المطبوعة في إستانبول Traite Hayy ben yagzan sur la philosophie orientate, que L'Imam Abou Djafar ben Thofeil a tire des ouurages precieux du grand matitre Abou Ali ben sind وورد بالصفحة الأخيرة تعليق: ينسب فيه ابن خلكان هذه الرسالة إلى ابن سينا, "ولعله كتبها بالفارسية، ولذلك قد يكون بين أيدينا ترجمة عربية لها، قام بها ابن طفيل". وكان ده خويه De Goeje، في ليدن، أول من لاحظ حين بحث مخطوطة للرسالة، أن رسالة ابن سينا كانت في الحق مكتوبة بالعربية، وأن العنوان هو كل ما تشترك فيه مع الرسالة الأخرى. وليس ثمة شك الآن في أصالتها، وهي تظهر في جميع قوائم الكتب، ولكن متنها لم يثبت وينشر إلا بعد قرنين من نشر رسالة ابن طفيل. 1 - قصة حي بن يقظان لابن سينا، كتبها وهو سجين بقلعة فردجان سنة 414 هـ (1023 م) فيما يرجح لأن سجنه ربما يكون قد حدث فيما بين سنة 412 هـ الموافقة لسنة 1023 - 1024 م (حين خلف الأمير البويهي شمس الدولة أباه في الحكم وكان ابن سينا عند وفاته مازال يعمل طبيبًا له)، وسنة 414 هـ الموافقة 1023 - 1024 م (حين استولى علاء الدولة علي مدينة همدان، وكان ابن سينا وزيره). ويذكر الجوزجانى قصة حي بن يقظان في ترجمته لنفسه ولغيره، تلك الترجمة التي يتردد ذكرها في جميع الإشارات العربية. وكانت قصة ابن سينا، مصدر

إلهام للقصة الشعرية الرمزية المسماة "حي بن مقيص" للكاتب الأسبانى العبرانى إبراهام ابن عزره (سنة 1092 - 1176). طبعات محققة: 1 - Traites mystiques: Mehren جـ 1، سنة 1889 , وقد صدر المتن بما يشبه أن يكون ملخصا بالنثر، ولا يعد ترجمة له، ودخلت فيه مختارات من الشرح الذي كتبه بالعربية ابن زيله، أحد تلاميذ ابن سينا. Corbin -2 - ، سنة 1952، وترجمته لا تلتزم بالنص العربي كل الالتزام، وتضع في حسبانها الترجمة الفارسية، بل الشرح الفارسي نفسه، وتصاحب النص هذه الترجمة الفارسية والشرح الفارسي، وهما مطبوعان بالكامل؛ وقد كتبا تلبية لرغبة الأمير علاء الدولة في السنوات الخمس التالية لوفاة ابن سينا كتبها كاتب مجهول يحتمل أن يكون الجوزجانى) Avicenne et Le rec- Corbin it visionnair، جـ 2، ص 151). وقد أضفى تقسيم الشارح الفارسي للرسالة فصولا قدرا عظيمًا من الوضوح على النص الذي هو في ذاته شديد الصعوبة، ولا تحاول الترجمة الفرنسية أن تنقل النص نقلا أمينا أو كاملا, زد على ذلك أن التعليقات المستفيضة المصاحبة لها، والدراسة الخاصة بآثار ابن سينا (- Etude sur le cy cle des Recits avicenniens) تقرر أن شرحها يقوم على تبسيطها كلها تقريبا بالاعتماد على مأثورات إيرانية وغنوصية، كما يقوم في حالات كثيرة على مأثورات ترجع إلى تاريخ متأخر كثيرا عن زمن ابن سينا. وعلى أية حال فقد كتب السهروردى أنه لم ير أية إشارات إلى هذه المأثورات في رسالة حي بن يقظان، وأن ابن سينا لم تكن له أية دراية بالمصادر الفارسية القديمة (Le Recit d. initiation et L.hermetis-: Corbin , me en Iran، في Eranos Jahrbuch، العدد 17، ص 124، ص 135، Cycle des Recits avicenniens ص 48 - 49). ومن الواضح أن مهرن Mehren لم يفهم قصة حي بن يقظان، فقد حكم بأنها مكتوبة في "أسلوب غامض، لغة بيانية معقدة"، وبها "مصطلحات ممعنة

في الصوفية" يغيب فيها المعنى، والواقع أن الشرح يكاد لا يحمل أي معنى"، ولا يسوق أية إشارة إلى المصادر التي تتكشف للقارئ اللبيب. وكان افتقار مهرن إلى الدراية بالمذهب المشروح في آثار ابن سينا العمدة، عقبة لا يمكنه هو نفسه التغلب عليها. وعلى أية حال، فإن قصة حي بن يقظان، تزود القارئ الذي ألف ابن سينا، بذخيرة لأصداء موضوعات تم بحثها بالفعل إلى حد أن الترجمة الفرنسية التي نشرتها الآنسة ا. م. كواشون A.M. Goichon سنة 1959، قد زودت بشرح متصل منقول عن هذه الكتب نفسها التي كتبت في الفلسفة والطب، ولذلك فإنها تأخذ بنصيحة الشارح الفارسي. والحق أن الشارح الفارسي اختتم شرحه بهذه الكلمات: "لا مناص من أن ندرك أن بيانا بسيطا قد أدلى به هنا عن كل مسألة من المسائل المبحوثة في هذه الرسالة. ويمكن أن نجد لهذه المسائل عرضا كاملا في الكتب العمدة. والرئيس ابن سينا قد تناولها هو نفسه. ." (متبعة ترجمة Corbin). ومع الالتزام الدقيق قدر الإمكان بالنص العربي فإن هذه الترجمة الجديدة قد ضبطت بمقارنة جميع الأفكار الواردة في النص، عبارة عبارة بل كلمة كلمة في كثير من الأحوال، بالفقرات التي تضمنتها الكتب العمدة لابن سينا، مما خطر منها بالبال. ويتيح هذا المنهج أن يحظى معنى قصة حي ابن يقظان بتقدير كامل من حيث الحكم العام، ومن حيث التفصيلات. وقد نظر إليها حينذاك نظرة تقوم على أنها قصة شعرية تنسب من حيث القالب إلى قصيدة ابن سينا الشهيرة في النفس، وأنها قامت كذلك على مذهب فلسفي، ويبقى وراء الخيال البديعى المجلوة فيه فكر محكم غاية الإحكام. وهذا المعنى الفلسفي أكده البحث في المصادر التي نتبينها في آثار أرسطو، وأفلاطون، وفر فريوس، وجالينوس، وبطليموس، والفارابى، وفي القرآن الكريم، وفي الأساطير الشعبية السامية والإيرانية، وعند الجغرافيين العرب. ولكن فصولا بعينها يظهر فيها بخاصة أثر ابن سينا، وبالتحديد أكثر

ثلاثة فصول حسنا وهي التي تختتم بها قصة حي بن يقظان. ويمكن من ثم استيعاب وحدة القصة: إنها هي نظرية الصور التي قال بها ابن سينا. وكذلك هي ثمرة العقل الفعال الذي هو منتهي العقول الخالصة، والصور المادية هي قوام العالم الأرضى، أما الصور العقلية فهي التي تتيح معرفة الكون معرفة تختص بها نفس الإنسان الناطقة، وبها يستطيع أن ينفذ إلى ما وراء ما تحصله الحواس. ومع أن الصور المادية للأجرام السماوية، وصور العقول الخالصة تسمو فوق العقل الفعال، والعالم الدنيوى، فإنه من المستطاع معرفتها. ومن ثم فقد وجدنا أن الغاية من قصة حي بن يقظان هي أن تحمل في طياتها نظرية ابن سينا في المعرفة في أسمى درجاتها، أي معرفة العلة الأولى وواجب الوجود. ومن ثم، يسهل تبين مرمى الاسم الذي أطلق على القصة، ذلك أن حي بن يقظان اسم علم للعقل الفعال "حي", ولما كان ابن سينا يضع كمال الحياة في العقل والفعل فقال: "ابن يقظان" لأن اليقظة تنبعث من العقل الخالص الذي لا يعرف النوم أو الغفلة. ويرتبط هذا الاسم ارتباطا وثيقا بنظرية الفيض الخلاقة التي قال بها الفارابى وابن سينا. والعقل الفعال هو أيضا الذي يتوسل بالمعرفة التي تسمو فوق العالم المحسوس، إلى هداية النفس إلى العلة الأولى والخالق الذي يشرق بنوره علي جميع الكائنات. وفيما يأتي نص القصة (¬1): بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وما توفيقى إلا بالله وإليه أنيب، وبعد فإن إصراركم معشر إخوانى على اقتضاء شرح قصة حي بن يقظان هزم لجاجى في الامتناع وحل عقد عزمى في المماطلة والدفاع فانقدت لمساعدتكم وبالله التوفيق. ¬

_ (¬1) آثرنا ان ننقل قصة حي بن يقظان بنصها من كتاب "حي بن يقظان" لابن سينا، وابن طفيل، والسهروردى. تحقيق وتعليق أحمد أمين، لجنة التأليف والترجمة والنشر. القاهرة سنة 1958.

إنه قد تيسرت لى حين مقامى (¬1) ببلادى (برزة)، برفقائى إلى بعض المتنزهات (¬2) المكتنفة تلك البقعة، فبينا نحن نتطاوف إذ عن لنا شيخ بهي قد أوغل في السن وأخنت عليه السنون وهو في طراءة العز (¬3) لم يهن منه عظم ولا تضعضع له ركن وما عليه من المشيب إلا رواء من يشيب -فنزعت إلى مخاطبته وانبعثت من ذات نفسى لمداخلته ومجاورته (¬4)، فملت (¬5) برفقائى إليه فلما دنونا منه بدأنا هو بالتحية والسلام وافتر عن لهجة مقبولة، وتنازعنا الحديث حتى أفضى بنا إلى مساءلته عن كنه أحواله واستعلامه سنه وصناعته بل اسمه ونسبه وبلده فقال أما اسمى ونسبى فحي بن يقظان، وأما بلدى فمدينة بيت المقدس، وأما حرفتى فالسياحة في أقطار العوالم حتى أحطت بها خبرًا ووجهي إلى أبي وهو حي، وقد عطوت منه مفاتيح العلوم كلها فهدانى الطريق السالكة إلى نواحى العالم حتى زويت بسياحتى آفاق الأقاليم، فما زلنا نطارحه المسائل في العلوم ونستفهمه غوامضها حتى تخلصنا إلى علم الفراسة، فرأيت من إصابته فيه ما قضيت له آخر العجب، وذلك أنه ابتداء لما انتهينا إلى خبرها فقال: "إن علم الفراسة لمن العلوم التي تنقد عائدتها نقدا فيعلن ما يسره كل من سجيته فيكون تبسطك إليه وتقلصك عنه بحسبه، وأن الفراسة لتدل منك على عفو من الخلائق ومنتقش من الطين وموات من الطبائع (¬6) وإذا مستك (¬7) يد الإصلاح ¬

_ (¬1) حين مقامى بتلك البقعة، أي وقت إقامتى، وبلاده هي بدنه وأعضاؤه التي هي محل قواه ويريد ببرزه النهضة والتيقظ إلى أن وراء حيلة البدن والأعضاء حياة روحية أخرى. (¬2) المتنزهات: هي الأمور البعيدة عن الأحوال التي كان فيها من قبل ويريد بها المعقولات. (¬3) أي لم يغيره الزمن بل حاله ثابت دائم لا يتغير كما يتغير الجسم. (¬4) يلاحظ القارى أن تعبيراته تعبيرات أعجمية غامضة لا كما هو الشأن عند ابن طفيل، ومقاصد أي بواعث. (¬5) أي عرفت المناسبة التي بين العقل وبين الغرائز. (¬6) أشار بذلك إلى ما يحصل للإنسان بقوة علم الفراسة الذي يريد به علم المنطق من تمييز بين الصدق والكذب والحق والباطل, وإلي ما جبل عليه. (¬7) "وإذا مستك يد إلخ" أشار به إلى أنه مع ذلك مستعد للرذائل وأنه يصير إلى الفضائل أو الرذائل بمقتضى الدواعي من العادات والأفعال.

أتقنتك، وإن خرطك العار في سلك الذلة انخرطت وحولك هؤلاء الذين لا يبرحون عنك (¬1) إنهم لرفقة سوء ولن تكاد تسلم عنهم وسيفتنونك أو تكتنفك عصمة وافرة. وأما هذا الذي أمامك فباهت مهذار يلفق (¬2) الباطل تلفيقًا ويختلق الزور اختلاقًا ويأتيك بأنباء ما لم تزوده قد درن (¬3) حقها بالباطل وضرب صدقها بالكذب، على أنه هو عينك وطليعك ومن سبيله أن يأتيك بخبر ما غرب عن جنابك وعزب من مقامك وأنك لمبتلى بانتقاد حق ذلك من باطله والتقاط صدقه من زوره واستخلاص صوابه من غواشى خطئه، إذ لابد لك منه فربما أخذ التوفيق بيدك ورفعك عن محيط الضلالة وربما أوقفك التحير، وربما غرك شاهد الزور، وهذا الذي عن يمينك (¬4) أهوج، إذا انزعج هائجه لم يقمعه النصح ولم يطأطئه الرفق كأنه نار في حطب، أو سيل في صبب أو قرم مغتلم أو سبع ثائر، وهذا الذي عن يسارك فقذر (¬5) شره قرم شبق لا يملأ بطنه إلا التراب، ولا يسد غرثه إلا الرغام، لعقة لحسة طمعة حرصة كأنه خنزير أجيع ثم أرسل في الجلة، ولقد ألصقت يا مسكين بهؤلاء إلصاقا لا يبريك عنهم إلا غربة تأخذك إلى بلاد لم يطأها أمثالهم (¬6) وإذ لات حين تلك الغربة ولا محيص لك عنهم فلتطلهم يدك وليغلبهم سلطانك، وإياك أن تقبضهم زمامك أو تسهل لهم قيادك بل استظهر عليهم بحسن الإبالة وسمهم سوم الاعتدال فإنك إن متنت لهم سخرتهم ولم يسخروك، وركبتهم ولم يركبوك، ومن توافق حيلك فيهم أن نتسلط بهذا الشكس الزعر على هذا ¬

_ (¬1) أشار به إلى القوى البدائية التي لا تفارق القوة العقلية. (¬2) أشار به إلى قوة التخيل، وأشار بقوله "يلفق الباطل" إلى أن من طبيعة هذه القوى أنها دائما تحاول أن تشبه الشئ بالشئ من دون أن تكون علاقة قوية بينهم. (¬3) لعلها درًا. (¬4) إشارة إلى القوة الغضبية وأنها أقوى من القوة الشهوانية التي وصفها بأنها على اليسار. (¬5) الفاء زائدة لسوء التعبير. (¬6) أراد بذلك ما عليه قوته للعقلية من ملازمة هذه القوى الأخرى لها، وضرورة مجاورتها إياها ولا مخلص للعقل ولا منجى، مادام مع البدن.

الأرعن الهم تزبره زبرًا فتكسره كسرًا وأن تستدرج غلواء هذا التائه العسر بخلابة هذا الأرعن الملق فتخفضه خفضا، وأما هذا المموه (¬1) المتحرص فلا تحتج اليه أو يؤتيك موثقًا من الله غليظا، فهنالك صدقه تصديقا ولا تحجم عن إصاخة إليه لما ينهيه إليك، وإن خلط فإنك لن تعدم من أنبائه ما هو جدير باستثباته وتحققه به، فلما وصف لى هؤلاء الرفقة وجدت قبولى مبادرًا إلى تصديق ما قرفهم به فلما استأنفت في امتحانهم طريقة المعتبر صحح المختبر منهم الخبر عنهم، وأنا في مزاولتهم ومقاساتهم فتارة لى اليد عليها وتارة لها على، والله تعالى المستعان على حسن مجاورته هذه الرفقة إلى حين الفرقة - ثم إني استهديت (¬2) هذا الشيخ سبيل السياحة استهداء حريص عليها مشوق اليها، فقال إنك ومن هو بسبيلك من مثل سياحتى لمصدود وسبيله عليك وعليه لمسدود (¬3) أو يسعدك التفرد، وله موعد مضروب لن تسبقه فاقنع بسياحة مدخولة بإقامة تسيح حينا وتخالط هؤلاء حينًا، فمتى تجردت للسياحة بكنه نشاطك وافقتك وقطعتهم، وإذا حننت نحوهم انقلبت إليهم وقطعتنى حتى يأتي لك أن تتولى براءتك منهم. فرجع بنا الحديث إلى مساءلته عن إقليم إقليم مما أحاط بعلمه ووقف عليه خبره، فقال لى إن حدود الأرض ثلاثة -حد يحده الخافقان (¬4) وقد أدرك كنهه وترامت به الأخبار الجلية المتواترة والغريبة يجل ما يحتوى عليه، وحدان (¬5) غريبان- حد المغرب وحد قبل المشرق، ولكل واحد منهما صقع قد ضرب بينهما وبين عالم البشر حد محجوز لن يعدوه (¬6) إلا ¬

_ (¬1) أشار به إلى الطريق الذي يجب أن يسلك في تدبير القوة المتخيلة للوصول إلى السلامة. وذلك كأن لا يثق بها كل الثقة. ويميز صدقها من كذبها، وباطلها من حقها. (¬2) استهديت. أي لما وجدت العقل على هذا الكمال، وأنه منبع العلوم والمعارف. حرصت على سلوك سبيله، واقتباس العلم منه. ففزعت إليه ليهديني السبيل السوى. (¬3) أراد استحالة التعقل الخالص من شوب التخيل والحس، ولا يزال هذا دأبه وديدنه إلى أن يدركه الموت وتفارق النفس البدن. (¬4) "حد يحده الخافقان" هو عالم المركبات المحسوسة في عالمى الأرض والسماء، وهي التي يحيط بها الخافقان. (¬5) الحدان هما الهيولى والصورة فالتى وراء المغرب الهيولى، والتى من قبل المشرق الصورة. (¬6) أي لكل من الهيولى والصورة كنه وحقيقة قد ضرب بينهما وبين عالم البشر بسور.

الخواص منهم المكتسبون منه لم يتأت للبشر بالفطرة (¬1) ومما يفيدها الاغتسال في عين خرارة في جوار عين الحيوان الراكدة إذا هدى إليها السايح فتطهر بها وشرب من فراتها سرت في جوارحه منة مبتدعة يقوى بها على قطع تلك المهام ولم يترسب في البحر المحيط ولم يكأده جبل قاف ولم تدهدهه الزبانية هدهة إلى الهاوية، فاستزدناه شرح هذه العين فقال سيكون قد بلغكم حال الظلمات المقيمة بناحية القطب فلا يستطيع عليها الشارق في كل سنة إلى أجل مسمى، إنه من خاضها ولم يحجم عنها أفضى إلى فضاء غير محدود قد شحن نورًا فيعرض له أول شئ عين خرارة تمد نهرًا على البرزخ (¬2) من اغتسل منها خف على الماء فلم يرجحن إلى الغرق وتقمم تلك الشواهق غير منصب حتى تتخلص (¬3) إلى أحد الحدين المنقطع عنهما، فاستخبرناه عن الحد الغربى لمصاقبة بلادنا إياه فقال إن بأقصى المغرب بحرا كبيرا حامئا قد سمى في الكتاب الإلهي عينا حامئة (¬4) وإن الشمس تغرب من تلقائها وممد هذا البحر من إقليم غامر فات التحديد رحبه لا عمار له إلا غرباء يطرؤون عليه والظلمة معتكفة على أديمه (¬5) وإنما ينمحل المهاجرون إليه لمعة (¬6) نور مهما جنحت الشمس للوجوب، وأرضه سبخة كلما أهلت بعمار نبت لهم فابتنى بها آخرون، يعمرون فينهار ويبنون فينهال، وقد أقام الشجار بين أهله بل القتال فأينما طائفة عزت استولت على عقر ديار الآخرين وفرضت عليهم الجلاء تبتغى قرارا، فلا يستخلص إلا خسارا (¬7) وهذا ديدنهم (¬8) لا يفترون، ¬

_ (¬1) يريد علم المنطق. (¬2) أي يصير مددا للعقل الهيولانى المستعد للمعارف. (¬3) أي بلغ علم المنطق درجة بحيث يطلع على الحقائق من غير تعب ولا نصب. (¬4) أشار بها إلى الهيولى. وغروب الشمس فيها نصيب الصورة منها وملابستها إياها. (¬5) أي إنه من إقليم واسع مشتمل على أصناف من الكائنات من العناصر. والصورة طارئة عليها من موضع بعيد عن موطن الهيولى. إذ من حق الهيولى أن تكون بلا صورة فهناك تكون الظلمة مستولية. والصورة نور من واهبها. وبواسطتها تزول الظلمة عن الهيولى المجردة. (¬6) لمعة، أي أن الكائنات الفاسدة استحدث نورها من صورها المستفادة عند أفول الصورة في هيولاها. (¬7) أي إن هذه الأحوال طبيعية في هذه الكائنات الفاسدة (¬8) أي أغراض تلزمها السبب الهيولى.

وقد تطوق هذا الإقليم كل حيوان ونبات لكنها إذا استقرت به ورعته وشربت من مائه غشيته غواش غريبة من صورها (¬1) فترى الإنسان فيها قد جلله مسك بهيمة ونبت عليه أثيث من العشب، وكذلك حال كل جنس آخر، فهذا إقليم خراب سبخ مشحون بالفتن والهيج والخصام والهرج يستعير البهجة من مكان بعيد. وبين هذا الإقليم وإقليمكم أقاليم أخرى (¬2) لكن وراء هذا الإقليم مما يلى محط أركان السماء إقليم شبيه به في أمور (¬3) منها أنه صفصف غير آهل إلا من غرباء واغلين، ومنها أنه يسترق النور من شعب غريب وإن كان أقرب إلى كوة النور من المذكور قبله، ومن ذلك أنه مرسى قواعد السماويات كما أن الذي قبله مرسى قواعد هذه الأرض ومستقر لها، لكن العمارة في هذا الإقليم مستقرة لا مغاصبة بين ورادها للمحاط، ولكل أمة صقع محدود لا يظهر عليهم غيرهم (¬4) غلابا فأقرب معامره منا بقعة سكانها أمة صغار الجثث حثات الحركات ومدنها ثمان (¬5) مدن ويتلوها مملكة أهلها أصغر جثثا من هؤلاء وأثقل حركات يلهجون بالكتابة والنجوم والنيرنجات والطلمسات والصنائع الدقيقة والأعمال العميقة، مدنها (¬6) تسع ويتلوها وراءها مملكة أهلها متمتعون بالصباحة مولعون بالقصف والطرب مبرأون من الغموم لطاف لتعاطى المزاهر مستكثرون من ألوانها تقوم عليها امرأة قد طبعوا على الإحسان والخير فإذا ذكر الشر اشمأزوا عنه ومدنها ثمانى مدن (¬7) ويتلوها مملكة قد ¬

_ (¬1) أي أن الصورة الإنسانية إذا حصلت في المادة اقترنت بها أعراض غريبة، ولا تختص بشكل دون شكل, ولا قدر دون قدر، ولا وضع دون وضع. (¬2) يريد بالأقاليم الأخرى الأنواع المعدنية والنباتية والحيوانية. وبإقليمكم النوع الإنسانى. (¬3) أراد بها الأجرام السماوية التي أقربها إلينا فلك القمر، وهو أولها. وآخرها الفلك التاسع. وفوقه إقليم آخر وهو علة العلل وهو الله تعالى. وطبيعته مباينة لطبيعة الكون والفساد. (¬4) أي صورها صور لا تفارقها ولا تتبدل بأضدادها، وهذا شأن عالم الكون والفساد. (¬5) أشار بذلك إلى فلك القمر. وعنى بسكانها القمر نفسه. ووصفه بصفر الجثة، إذ كان حجمه أصغر من حجم الأرض. (¬6) يشير به إلى فلك عطارد، ووصفه بالكتابة والنجوم والطلمسات إلخ على مذهب أصحاب النجوم. واعتقادهم دلالة عطارد على هذه الأمور. (¬7) أشار به إلى فلك الزهرى، ووصفه بهذه الأوصاف على مذهب أصحاب النجوم.

زيد لسكانها بسطة في الجسم وروعة في الحسن ومن خصالهم أن مفارقتهم من بعيد عزيزة الجدوى ومقاربتهم مؤذية ومدنها خمس مدن (¬1). ويتلوها مملكة تأوى إليها أمة يفسدون في الأرض حبب إليهم الفتك والسفك والاغتيال والمثل مع طرب ولهو يملكهم أشقر مغرى بالنكب والقتل والضرب وقد فتن كما يزعم رواة أخبارها بالملكة الحسنى المذكور أمرها قد شغفته حبًا. ومدنها سبع مدن (¬2) ويتلوها مملكة عظيمة أهلها غالون في العفة والعدالة والحكمة والتقوى وتجهيز جهاز الخير إلى كل قطر واعتقاد الشفقة على كل من دنا وبعد وبذل علم وجهل وقد جسم حظهم من الجمال والبهاء ومدنها سبع مدن (¬3) ويتلوها مملكة كبيرة يسكنها أمة غامضة الفكر مولعة بالشر فإن جنحت للإصلاح أتت نهاية التأكيد وإذا وقعت بطائفة لم تطرقها طروق متهور بل توختها بسيرة الداهي المنكر لا تعجل فيما تعمل ولا تعتمد غير الأناة فيما تأتي وتذر ومدنها سبع مدن (¬4) ويتلوها مملكة كبيرة منتزحة الأقطار (¬5) كثيرة العمار بقعة لا يتمدنون إنما قرارهم قاع صفصف مفصول بإثنى عشر حدًا فيها ثمانية وعشرون محطًا لا تعرج طبقة منهم إلى محط طبقة إلا إذا خلا من أمامهم عن دورهم فسارعته إلى خلافها (¬6) وإن أمم الممالك التي قبلها لتسافر إليها وتترد فيها، ويليها مملكة لم يدرك أفقها إلى هذا الزمان لا مدن فيها ولا كور ولا يأوى إليها من يدركه البصر (¬7) وعمارها الروحانيون ¬

_ (¬1) يشير به إلى فلك الشمس، ووصف الشمس بأنها أوتيت بسطة في الجسم لأنها عظيمة المقدار دون غيرها. (¬2) ذلك فلك المريخ، وهذه الصفات صفاته كما يزعم المنجمون. (¬3) وذلك فلك المشترى. (¬4) وذلك فلك زحل. (¬5) أي فضاء واحد مستو غير منقسم إلى بقاع مختلفة. (¬6) أشار بهذا إلى منطقة هذا الفلك التي تسمى فلك البروج وقد قسموه إلى اثنى عشر قسما سمي كل قسم منها باسم، وهي الحمل والثور، والجوزاء والسرطان. والأسد والسنبلة. والميزان والعقرب، والقوس والجدى. والدلو والحوت. وجعلها محطا إذ كان مقدار سير كل منها بقدر لا يتعداه، وأبعاد ما بينها ثابتة لا تتغير "لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار". (¬7) أشار به إلى الفلك التاسع، ويقولون إنه لا يعرف مقداره، لخلوه من الكواكب.

من الملائكة لا ينزلها البشر ومنها ينزل على من يليها الأمر والقدر، وليس وراءها من الأرض معمور، فهذان الإقليمان بهما يتصل الأرضون والسماوات ذات اليسار من العالم التي هي المغرب، فإذا توجهت منها تلقاء المشرق رفع لك إقليم لا يعمره بشر بل ولا نجم ولا شجر ولا حجر، إنما هو بر رحب ويم غمر (¬1) ورياح محبوسة ونار مشبوبة، وتجوزه إلى إقليم تلقاءك فيه جبال راسية وأنهار ورياح مرسلة وغيوم هاطلة، وتجد فيها العقبان واللجين والجواهر الثمينة والوضيعة أجناسها وأنواعها، إلا أنه لا نابت فيه، ويؤديك عبوره إلى إقليم مشحون بما خلا ذكره إلى ما فيه من أصناف النبات نجمة وشجرة مثمرة وغير مثمرة محبة ومبرزة لا تجد فيه من يضئ ويقفز من الحيوان، وتتعداه إلى إقليم يجتمع لك ما سلف ذكره إلى أنواع الحيوانات العجم سابحها وزاحفها ودارجها ومدومها ومتولداتها، إلا أنه لا أنيس فيه وتخلص عنه إلى عالمكم هذا. وقد دللتم على ما يشتمله عيانًا وسماعًا فإذا قطعت سمت المشرق وجدت الشمس تطلع بين قرنى الشيطان، فإن للشيطان قرنين قرن يطير وقرن يسير (¬2) والأمة السيارة منها قبيلتان قبيلة في خلق السباع وقبيلة في خلق البهائم (¬3) وبينهما شجار قائم، وهما جميعا ذات اليسار من المشرق، وأما الشياطين التي تطير فإن نواحيها ذات اليمين من المشرق (¬4) لا تنحصر في جنس من الخلق بل يكاد يختص كل شخص منها بصيغة نادرة، فمنها خلق لمس في خلقين أو ثلاثة أو أربعة كإنسان يطير وأفعوان له رأس خنزير، ومنها خلق هو خداج من خلق مثل شخص هو نصف إنسان، وشخص هو ¬

_ (¬1) يشير إلى الفلك العاشر الذي هو علة العلل وهو الذي له الأمر المطلق، وقدره ينزل إلى سائر الموجودات. ويشير بما يأتي إلى فناء الأجسام عنده لإخلاء ولإملاء، بل عنده تنقطع الأجسام، وسطحه ينتهي إلى لا شئ. وهذا النظام هو الذي كانت تجرى عليه فلسفة اليونان وفلسفة العصور الوسطى كلها. (¬2) أراد بالقرن الذي يطير القوى المدركة في الإنسان والقرن الذي يسير القوى المحركة له. وشبه الإدراك بالطيران لشدة حركته والوصول بها إلى الأشياء البعيدة وشبه المحركة بالسير لبطئها، والوصول بها إلى الأشياء القريبة. (¬3) يشير بهما إلى القوة الغضبية والقوة الشهوانية. (¬4) هذه هي القوة المتخيلة.

فرد رجل إنسان، وشخص هو كف إنسان أو غير ذلك من الحيوان. ولا يبعد أن يكون التماثيل المختلطة التي يرقمها المصورون منقولة من ذلك الإقليم، والذي يغلب (¬1) على أمر هذا الإقليم قد رتب سككا خمسا للبريد (¬2) جعلها أيضا مسالح لمملكته، فهناك يختطف من يستهوى من سكان هذا العالم ويستثبت الأخبار المنتهية منه، ويسلم من يستهوى إلى قيم على الخمسة مرصد بباب الإقليم ومعهم الأنباء في كتاب مطوى مختوم لا يطلع عليه القيم إنما له وعليه أن يوصل جميعه إلى خازن يعرضه على الملك (¬3) وأما الأسرى فيتكلفهم هذا الخازن، وأما آلاتها فيستحفظها خازنا (¬4) آخر وكلما استأسروا من عالمكم أصنافًا من الناس والحيوان وغيره تناسلوا على صورهم مزاجا منها وإخراجا إياها. ومن هذين القرنين من يسافر إلى إقليمكم هذا فيغشى الناس في الأنفاس حتى تخلص إلى السويداء من القلوب. فأما القرن الذي في صورة السباع من القرنين السيارين فإنه يتربص بالإنسان طروا أذى معتبا عليه فيسفره ويزين له سوء العمل من القتل والمثل والإيحاش والإيذاء فيربى الجور في النفس ويبعث على الظلم والغشم (¬5) وأما القرن الآخر منهما فلا يزال يناجى بال الإنسان بتحسين الفحشاء من الفعل والمنكر من العمل والفجور إليه وتشويقه إليه وتحريضه عليه، قد ركب ظهر اللجاج واعتمد على الإلحاح حتى يجره إليه جرًا (¬6). وأما القرن الطيار فإنما يسول له التكذيب بما لا يرى، ويصور لديه حسن العبادة للمطبوع والمصنوع ويساود سر الإنسان أن لا نشأة أخرى ولا عاقبة للسوى والحسنى ولا قيوم على الملكوت (¬7) وإن من القرنين لطوائف تصاقب حدود ¬

_ (¬1) أراد به النفس الإنسانية. (¬2) هي الحواس الخمس. (¬3) أراد بالملك النفس الإنسانية. وعنى بقوله "ويستثبت الأخبار" معرفة المعانى غير المحسوسة. وأراد بالقيم الحس المشترك. (¬4) الصواب خازن: ويشير بالخازن الآخر إلى القوة الوهمية. وأراد بقوله "وكلما استأثروا من عالمكم" المحاكاة والتركيب والتفصيل على حسب ما كان معروفا في القديم من علم النفس. (¬5) يشير به إلى القوة الغضبية التي في خلق السباع. (¬6) أي أن القوة الشهوانية تستولى على النفس. وتبعثها على العمل الشهوانى. (¬7) يشير بهذا إلى القوة المتخيلة.

إقليم وراء إقليمكم تعمره الملائكة الأرضية تهدى بهدى الملائكة قد نزعت عن غواية المردة وتقيدت سير الطيبين من الروحانيين، فأولئك إذا خالطوا الناس لم يعبثوا بهم ولا يضلوهم ويحسن مظاهرتهم على تطهيرهم وهي جن وجن (¬1) ومن حصل وراء هذا الإقليم وغل في أقاليم الملائكة فالمتصل منها بالأرض إقليم سكنته الملائكة الأرضيون وإذا هم طبقتان طبقة ذات الميمنة، وهي علامة أمارة، وطبقة تحاذيها ذات الميسرة وهي مؤتمرة عمالة، والطبقتان تهبطان إلى أقاليم الجن والإنس هويا وتمعنان في السماء رقيا، ويقال إن الحفظة الكرام والكاتبين منهما (¬2) وإن القاعد مرصد اليمين من الإمارة وإليه الإملاء (¬3) والقاعد مرصد اليسار من العمالة، وإليه الكتاب (¬4) ومن وجد له إلى عبور هذا الإقليم سبيل خلص إلى ما وراء السماء خلوصا، فلمح ذرية الخلق الأقدم ولهم ملك واحد مطاع، فأول حدوده معمور بخدم لملكهم الأعظم عاكفين على العمل المقرب إليه زلفي (¬5) وهم أمة بررة لا تجيب داعية نهم أو قرم أو غلمة أو ظلم أو حسد أو كسل قد وكلوا بعمارة ربض هذه المملكة ووقفوا عليه وهم حاضرة متمدنون يأوون إلى قصور مشيدة وأبنية سرية تنوف في عجن طينتها حتى انعجن ما لا يشاكل طينة إقليمكم (¬6) وإنه لأجلد من الزجاج والياقوت وسائر ما يستبطأ أمد بلائه، وقد أملى لهم في أعمارهم وأنسئ في آجالهم فلا يحرمون دون أبعد الآماد ووتيرتهم عمارة الربض طائعين. وبعد هؤلاء أمة أشد اختلاطًا بملكهم مصرون ¬

_ (¬1) أراد بالجن القوة المتعقلة من الحواس. (¬2) أراد به النفوس الناطقة الإنسانية. أي إذا تجاوزت بنظرك رتبة هذه القوى البدنية انتهيت في النظر إلى رؤية الملائكة. (¬3) أراد بالحفظة والكرام الكاتبين قوة العقل من قوله تعالى "وإن عليكم لحافظين كرامًا كاتبين يعلمون ما تفعلون" وذلك لأن العقل هو الذي يحفظ الإنسان ويدبر أمره. (¬4) في الإنسان قوتان. قوة علمية وقوة عملية. وقد جعل العلمية ذات اليمين لشرفها، وفضلها على الأخرى العملية. (¬5) أشار به إلي النفوس الفلكية، فإنها تشرف بالقرب من الله في الاستكمال. وكانوا يعتقدون ذلك، وأنهم أمة بررة منزهة عن القوى الأرضية والغضبية والشهوانية. (¬6) أي ليست هي مجردة عن المادة كل التجريد، بل ملابسون لها على نوع من الملابسة، وقوله يأوون إلى قصور، هي صور الأفلاك التي شبهها في علوها وارتفاع محلها بالقصور المشيدة.

على خدمة المجلس بالمثول وقد صئنوا فلم يتبدلوا بالاعتمال (¬1) واستخلصوا للقربى ومكنوا من رموق المجلس الأعلى والحفوق حوله، ومتعوا بالنظر إلى وجه الملك وصالًا لا فصال فيه، وحلوا تحلية اللطف في الشمائل والحسن والثقافة في الأذهان والنهاية في الإشارات والرواء الباهر والحسن الرائع والهيئة البالغة، وضرب لكل واحد منهم حد محدود ومقام معلوم ودرجة مفروضة لا ينازع فيها ولا يشارك، فكل من عداه يرتفع عنه أو يسمح نفسا بالقصور دونه، وأدناهم منزلة من الملك واحد هو أبوهم وهم أولاده وحفدته (¬2) وعنه يصدر إليهم خطاب الملك ومرسومه، ومن غرائب أحوالهم أن طبائعهم لا تستعجل بهم إلى الشيب والهرم، وأن الوالد منهم وإن كان قد أقدم مدة فهو أسبغ منه وأشب بهجة، وكلهم مسخرون قد كفوا الاكتفاء. والملك أبعدهم في ذلك مذهبًا، ومن عزاه إلى عرق فقد زل (¬3) ومن ضمن الوفاء بمدحه فقد هذى قد فات قدر الوصاف عن وصفه وحادت عن سبيله الأمثال فلا يستطيع ضاربها إلا بتباين أعضاء بل كله لحسنه وجه ولجوده يد (¬4) يعفي حسنه آثار كل حسن ويحقر كرمه نفاسة كل كرم، ومتى هم بتأمله أحد من الحافين حول بساطه غض الدهش طرفه فآب حسيرًا يكاد بصره يختطف قبل النظر إليه، وكان حسنه حجاب حسنه. وكان ظهوره سبب بطونه، وكان تجليه سبب خفائه كالشمس لو انتقبت يسيرًا لاستعلنت كثيرًا، فلما أمعنت في التجلى احتجبت وكان نورها حجاب نورها، وإن هذا الملك لمطلع على ذويه بهاءه لا يضن عليهم بلقائه وإنما يوتون من دنو قواهم دون ملاحظته، وإنه لسمح فياض واسع البر غمر النائل رحب الفناء عام العطاء من شاهد أثرًا من جماله وقف عليه لحظة ولا يلفته عنه ¬

_ (¬1) أشار به إلى العقول الفعالة المفارقة للمادة أصلا. (¬2) يريد به العقل الفعال الأول وهو المبدأ الأول وسماه أبا لهم إذ كان وجود ما سواه منه. (¬3) يشير بذلك إلى أن من انتسب إلى أصل من مادة أو صورة أو فاعل أو غاية فقد زاغ عن الحق. (¬4) أي أنه لا يتقسم على وجه من الوجوه لا معنى ولا مقدارًا، لأنه واحد من كل جهة.

غمزة، ولربما هاجر إليه أفراد من الناس فيتلقاهم من فواضله ما ينوبهم ويشعرهم احتقار متاع إقليمكم هذا، فإذا انقلبوا من عنده انقلبوا وهم مكرهون. قال الشيخ حي بن يقظان لولا تعزبى إليه بمخاطبتك منبها إياك لكان لى به شاغل عنك وإن شئت اتبعتنى إليه والسلام. تمت رسالة حي بن يقظان بحمد الله ومنه والصلاة على محمد خير خلقه وعلى آله وأصحابه. 2 - رسالة حي بن يقظان في أسرار الفلسفة المشرقية، للفيلسوف الأندلسى والطبيب ابن طفيل المدافع عن ابن رشد، كتبها فيما يرجح بين سنة 565 هـ (1169 م)، وما قبل سنة 581 هـ (1185 م) ببضع سنوات، وهي السنة التي توفي فيها. وتعد رسالة حي ابن يقظان أفضل ما نعرف من آثاره، بل هي الآثر الوحيد من بين هذه الآثار الذي بقى إلى اليوم سليما لم يمس؛ وفيما يأتي قائمة تشمل مخطوطات الرسالة ومن قاموا بتحقيقها: كوتييه Hayy ben Yaqdhan, Gauthier الطبعة الثانية، الفصل 22 - 33 وهي تكملة للقائمة الموجزة التي اشتملت عليها طبعة سنة 1900. وقد طبعت رسالة حي بن يقظان أول مرة سنة 1671، مصحوبة بترجمة لاتينية للمستشرق بوكوك Edward pocock في أكسفورد (أعيد طبعها سنة 1700)، وتلتها مباشرة ترجمتان إنجليزيتان، وترجمة هولندية عن اللاتينية، وترجمة ألمانية أيضا تاريخها سنة 1726 عن النص العربي: ترجمة عبرية، لكاتب مجهول مصحوبة بتعليقات عبرية بقلم موسى التربونى سنة 1349؛ ثم ترجمات من النص الذي حققه بوكوك Pocock: ترجمة إنجليزية للمستشرق أوكلى Ockley، لندن سنة 1708، وسنة 1731؛ وترجمة ألمانية للمستشرق آيخهورن Eichhorn برلين سنة 1783؛ وترجمة قشتالية للمستشرق بون بواجس Pons Boigues, سرقسطة سنة 1900 (أعيد طبعها في

القاهرة سنة 1905). ومن المحتمل أن رواية روبنسون كروزو التي ألف ديفو Defoe الجزء الأول منها سنة 1719، تدين ببعض الفضل لترجمة أوكلى Ockley لابن طفيل. وثمة ترجمة إنكليزية أخرى للمستشرق p. Broenni، ظهرت في لندن سنة 1904 (نقحها A.S. Fulton- سنة 1929)، وقد طبع نص الرسالة في القاهرة وحدها ثلاث طبعات سنة 1882, وسنة 1921، وطبعتين في الاستانة، وطبعة في بيروت (سنة 1936). هناك طبعات محققة مصحوبة بترجمة فرنسية: كجوتييه Gauthier، الجزائر سنة 1900، وتلتها طبعة جديدة للنص، ازدادت جودة بالاستفادة من مخطوطات جديدة، وصحبتها ترجمة جديدة، الجزائر سنة 1936، ترجمة روسية للمستشرق كوزمين Kuzmin. سان بطرسبرغ سنة 1920؛ وترجمة أسبانية للمستشرق كونزالز بالنثيا Gonzalez Palencia، مدريد سنة 1934، عن النص الذي حققه كوتييه Gauthier. وليس ثمة أدنى شك في أن ابن طفيل قد استعار عنوان رسالته من ابن سينا، ولكن الغريب كل الغرابة أنه استحدث رسالة فلسفية على طرفي نقيض من رسالة ابن سينا. ولقد رأينا فيما تقدم أن اسم حي بن يقظان نفسه وشأنه، كانا استلهاما من نظرية الفيض التي ترى أن العقل الفعال هو منتهي العقول القائمة بذاتها. وإذ نسب ابن سينا إلى العقل الفعال نعمة معقولات النفس البشرية فإنه يكون قد جرد النفس البشرية من أسمى وظيفة عقلية لها، أعنى تجريد المعقولات. ونقول بالنثا Gonzalez Palencia إن ابن طفيل في مقدمته (ص 22 - 23)، يعلمنا أن الإنسان لا يمكنه أن يطبق مقولاتنا عن الفكر أو طرق تفكيرنا عن الجواهر المفردة، وأثار بذلك مسألة وحدة العقل البشرى. وفي رأينا، أن ابن طفيل قد نزيد، ذلك أنه يعود إلى الاسم الذي يدل على العقل الفعال ناسبا إياه للإنسان. وهذا الإنسان، وهو الفيلسوف المعلم نفسه Philosophus auto didactus، كما أسماه Pocock في عنوان ترجمته، نجح نجاحا دقيقا في أن

يكشف وحده، وليس معه إنسان ما، العلوم والفلسفة، ومن الواضح أن هذا يتم عن طريق التجريد. أي أنه يظهر في صورة "تجسد العقل الفاعل في الإنسان" "على حد قول كوتييه Ibn (Gauthier Thofail، ص 89)، وأفضل من ذلك بعد أن نقول إنه: "تشخص العقل البشرى الفعال في الإنسان" ومن ثم، فإن وظيفته الحقة ترد إلى عقل الإنسان وهذا تغيير أساسى في المذهب الذي تقدم وصفه متمثلا في صورة كتابة تقوم على الخيال. ويلخص هذا الأثر ما جرى في الغرب من خلافات استمرت قرنين من الزمان؛ لأنه يتضمن النظرية التي أبرزها القديس، توما الأكوينى بعد ما يقرب من مائة سنة، وهي تذهب إلى أن كمال الطبيعة البشرية يقتضى ألا يكون العقل الفعال خارجًا عن الإنسان (In Aristotelis Librum de Anima Commen tarium، الفصلان 730، 734). ويشير استهلال الرسالة بصراحة إلى إبن سينا فيما يتعلق باختيار هذا الاسم، واسمى أسال وسلمان اللذين يردان في ثنايا القصة كما يشير في نقاط معينة إلى مذهب ابن سينا، ومذهب الغزالى الذي يدرس ويقارن "آراء قيلت في وقتنا هذا" من حيث إنها كلمات جعلت استخلاص الحقيقة أمرًا ممكنًا (طبعة سنة 1936، ص 6 - 7). وثمة أربعة شواهد مسهبة من متن كتاب الإشارات (تحقيق Forget. ص 202 - 204, الترجمة الفرنسية، ص 493 - 497) لا تدع أي مجال للشك في أن ابن طفيل سلم بما عرضه ابن سينا في أحوال الصوفية وزهدهم، وإرهاصات الوجد، والراجح أيضا أنه سلم بنهاية قصته حي بن يقظان التي لم يستشهد بها على أية حال كلمة بكلمة. ويعد هذا التوافق في الآراء أكبر دليل على أن الحرية التي يتناول بها مصدره هي كذلك أكثر ظهورًا، ويتمثل هذا أيضا في أن عدم ارتياحه إلى ما يثيره في نفسه الفارابى وكتاب الشفاء لا يقل عما يثيره فيها العلماء الأندلسيون (الترجمة، ص 10 - 11 وما بعدها). وليس في رسالة ابن الطفيل أية اشارة إلى نزعة باطنية من نزعات ابن سينا.

وقد لخصت قصة ابن طفيل عدة مرات، منها ملخص كاراده فو Carra de Vaux، كما لخصها كوتييه Gauthier نفسه تلخيصا موجزًا (Ibn Thofail ص 62 - 63) على النحو الآتى: في جزيرة مقفرة من جزائر الهند تقوم على خط الاستواء، وفي ظروف ملائمة كل الملاءمة لتخمر طين البيئة المحيطة، ولد طفل لا أب له ولا أم. وفي رواية أخرى، يخبرنا المؤلف، أن التيار حمله إلى الجزيرة في صندوق كبير من الخشب، اضطرت الأم، وهي أميرة مضطهدة، تسكن بجزيرة مجاورة، إلى إلقائه في اليم لتنقذ حياة وليدها، . وكان هذا الطفل، هو حي بن يقظان. وتولت رضاعته ظبية، صارت مكان أمه. وحين شب الطفل أخذ يلاحظ ويتأمل. كان ذا عقل ألمعى مكنه من أن يوفر كل ما يحتاج إليه ببراعة، بل هو قد استطاع أيضا بالملاحظة والتعقل أن يكشف بنفسه سريعا أسمى حقائق الطبيعة وما وراء الطبيعة. وأدى به المنهج الفلسفي الذي بسطه، وهو منهج الفلاسفة بطبيعة الحال، إلى محاولة أن يلقى في الوجد الصوفي اتحادًا وثيقًا بالله الذي يجد عنده على الفور وفرة المعرفة والجلال، والنعيم الدائم الأبدى. فقصد كهفا، واستطاع أن يصوم أربعين يومًا سويا، ودرب نفسه على أن يستخلص عقله من العالم الخارجى ومن جسده بالانشغال بالله دون سواه وبذلك يتحد به تعالى وأفلح في هذا آخر الأمر. وهنالك لقى أسال، وهو رجل ورع، وفد من الجزيرة المجاورة، ليسلم نفسه في سلام لحياة الزهد على أرض هذه الجزيرة الصغيرة التي ظن أنها غير آهلة بالسكان. ويعلم أسال صاحبة اللغة على اعتبار أنه وحيد لم يكن يتوقع وجوده، ودهش إذ وجد في المذهب الفلسفي الذي اكتشفه حي ابن يقظان تفسيرًا ساميا للدين الذي كان يعتنقه هو نفسه، ولجميع الديانات المنزلة. ويأخذه أسال إلى الجزيرة المجاورة التي يحكمها ملك ورع هو سلمان، ويعهد إليه بنشر الحقائق السامية التي اكتشفها ولكن تصاب هذه الخطة بالفشل. وكتب على هذين الفيلسوفين أن يدركا بأن الحقيقة الخالصة، لا تناسب بحال العوام الذين

تستعبدهم الحواس كما أنها لا تنفذ إلى تلك العقول المادية، ولا تؤثر في تلك الإرادات المتمردة، وأن الضرورة تحتم أن تلبس ثوب الرموز التي تقوم عليها الديانات المنزلة، ولذلك نبذ الفيلسوفان أولئك التعساء إلى غير رجعة وأوصياهم في إخلاص أن يتبعوا دين آبائهم؛ وعادا من بعد إلى الجزيرة المقفرة، ليعيشا حياتهما السامية القدسية الخالصة التي خص بها الأقلون" (Ibn Thofail، ص 62 - 63؛ ثمة ملخص آخر أكثر تفصيلا، ص 101 - 113). ويمثل حي ثم أسال، ثم الملك الطيب سلمان، الفلسفة والتوحيد، والإيمان الفطري (Ibn Rochd، ص 20). ويمكن أيضا تقسيم كتاب ابن طفيل بصورة أكثر منهجية وهو ما تقصاه حورانى (The principal: G.F. Hourani subject . . .، ص 40) على النحو الآتى: 1 - مقدمة المؤلف, مصادر المعرفة في الفلسفة الصوفية، 2 - : حي يرتقى وحده بلا عون من المعرفة في بداياتها الأولى إلى أسمى أحوال الصوفية 3 - توافق فلسفة حي مع الدين الذي يزعم أسال أنه دين منزل 4 - انجذاب معظم الناس لوجوه الدين الظاهرة 5 - خاتمة المؤلف. ويقول كوتييه Gauthier. إن المقصد الأكبر للرسالة هو إيضاح "التوافق بين الدين، وبخاصة دين الإسلام، وبين فلسفة الفلاسفة" (Ibn Thofail ص 89، تكررت العبارة نفسها في ابن رشد ibn Rochd، ص 20). ويبدو أن كل قاريء فسر الكتاب بطريقته الخاصة: فمونك Munk: يرى أنه رسالة مبسطة في الفلسفة الطبيعية، ويرى بوكوك Pocock: أنه تاريخ الفيلسوف المعلم نفسه، الذي ترتقى حياته سلم الرقى الممكن للعقل البشرى حتى منتهاه؛ ويرى رينان Renan: أنه باطنية صوفية (انظر Thofail Ibn ص 64 - 66) , ويرى مهرن Mehren: أنه يدلل على أن الحدس يمكن أن يقود الإنسان إلى التطور نفسه الذي تقوده إليه الحضارة الخ. وقد عارض كوميز E. Garica Comez, تفسير كوتييه Gauthier الذي اكتشف قصة شعبية فيها جوانب تشبه رسالة ابن طفيل، وزعم أنه يجد فيها دليلا

على أنه كان ثمة مصدر مشترك لكل من ابن طفيل وكارسيان B. Carcian الذي كتب في القرن السابع عشر رواية رمزية يرى فيها كوتييه Gauthier تقليدًا لابن طفيل. وربما تغير الآراء التي عبر عنها كومز Garcia Gsmez منظور الرواية كله، ولكن هذا الفرض لا يفسر الإشارات إلى الفلاسفة الذين ذكرهم ابن طفيل بوضوح، كما أنه لا يفسر إلا بدرجة أقل تلك الفقرات الكثيرة المستوحاة من آثارهم ومن آثار الأطباء، التي لا تشير إلى مصدرها، وإن كان في استطاعتنا بعد التعرف عليه. ويمكن أن ندحض ما ذهب إليه كوتييه Gauthier على أساس أكثر التزامًا بهذا بالرجوع إلى حورانى G. F.Hourani، الذي يشير إلى (The principal subject , ص 42) أن مقدمة ابن طفيل التي تتأثر ابن سينا تبين أنها تصف الحالة الصوفية التي تم تناولها حقا في القسم الثاني، أي ترقى حي، الذي قدم في نهاية الرسالة على أنه الغاية من جميع رغباته، لأنه هجر الناس حتى يعود إليها. ولا شك أن قصد الرسالة في نظر القاريء هو تبيان قدرة العقل البشرى، فهو ليس قادرًا على اكتشاف العلوم ووجود النفس وحسب، بل وهو قادر أيضا على الإحساس بوجود الله، فيما وراء العالم القابل للفساد، وأن يصل نفسه بالله وحده حين يجده وتحتم وصف رحلة حي بلغة المعرفة العلمية، ثم بالفلسفة التي فهمت آنئذ، ثم إن الرحلة في الوقت نفسه تجيب عن الشغل الشاغل للفلاسفة بتأكيد التوافق بين الفلسفة والدين. وهذا نوع من خلاصة التجربة التي حصلها حي بن يقظان، بيد أنه من الصعب بمكان القول بأن حيا قد تصور أنه يسوق دليلا عليها. وعلى أية حال، فإنه حين تم التوصل إلى النتيجة، فقد وجب على كوتييه Gauthier وعلى حورانى Hourani أن يقوما بمقارنتها بنظرية فلسفية أكثر تفردًا لهذا التوافق بين الفلسفة والدين، كما فسره ابن رشد خاصة في كتابه "فصل المقال". المصادر: 1 - ابن سينا: مخطوطات نوه بها خاصة بمعرفة الأب قنواتى، Essai de

bibliographie avicennienne سنة 1950 ورقم 219، والمهدوى، Biblio graphie d'ibn sina سنة 1954، رقم 65.- Traites mystiques: A.F.Mehren الكراسة رقم 1، ليدن سنة 1889، L'alleorie mystique Hayy benyagzan مسبوقة بمقال بالعنوان نفسه في Museom، سنة 1886. - رسالة حي بن يقظان، ص 91 - 113 في مجموعة جامع البدائع، القاهرة سنة 1917 , وإستانبول سنة 1937 , ص 41 - 53 في كتاب أحمد أمين حي بن يقظان لابن سينا وابن طفيل والسهروردى، القاهرة سنة 1952؛ ولكن الكتاب الموجز إيجازًا شديدًا والمنشور بهذا الاسم والمنسوب للسهروردى هو في الحقيقة "قصة الغريبة الغربية" الذي كتب استكمالا لما كان في رأيه ثغرة في رسالة حي بن يقظان لابن سينا، وهي رسالة لم يرد بها أي ذكر لجبل سيناء العظيم بالمعنى الباطني.- نصوص محققة، ترجمة فارسية، شرح فارسي، ترجمة فرنسية بقلم Le recit de Hayy ibn Yaq-: H.Gorbin zan المجلد الأول عن Avicenne et le recit visionnaire طهران سنة 1952، وتلاه المجلد الثاني، Etude sur le cycle des rec its Avicenniens سنة 1954. -. A.M Le recit de Hayy ibn Yagzan: Goichon commente par des textes d'Avicenne باريس سنة 1959، وترجمة فرنسية مصحوبة بتعليقات تفسيرية منقولة من كتب أخرى لابن سينا، وحواش؛ المؤلفة نفسها Le pretendu esoterisme d'Avicenne dans le Recit de Hayy ibn yaqzan محاضرة ألقيت في مؤتمر المستشرقين الرابع والعشرين ميونخ سنة 1957، ونشرت كاملة في Gior nale di metafisica: سنة 1959، ص 538 - 546, المؤلفة نفسها، La theorire des Formes chez Avicenne في Atti del Xll congresso internazionale Filosofia, العدد 9، ص 131 - 138,المؤلفة نفسها: Le srr, L'intime de coeur , dans -la doctrnne avicennienne de la connais sance، في Melanges Jan Bakosh براغ سنة 1965. 2 - ابن طفيل: انظر عن الطبعات والترجمات نص هذه المادة، وبروكلمان، القسم الأول، ص 460، والقسم الثاني،

ص 704، والقسم الأول ص 831. وانظر أيضا طبعة سنة 1952 تحقيق أحمد أمين المتقدم ذكرها، وترجمة فرنسية للمستشرق Quatremere، في مخطوطة في staatsbibliothek ميونخ؛ Leon Gauthier ibn Thofail, sa vie ses oeuvres باريس سنة 1909، المؤلف نفسه , La theorie d'Ibn Roched (Aver roes) sur les rapports de la religion et de la philosophi، باريس سنة 1909، وخاصة ص 168 - 174. تشابه الفكر بين ابن طفيل وابن رشد؛ المؤلف نفسه Ibn Rochd (Averroes) باريس سنة 1948: E. Garcia Comez Un cuento arabe, fuente comun de Abentofail y de gracian في Re vista de Archivos, Bibliotecasvy museos سنة 1926 The prin-: GeorgeF.Hourani cipal subject ibn Tufayl's Hayy ibn of yaqzan في JNES العدد 15 (سنة 1956) ص 40 - 46 المؤلف نفسه، Averroes on the harmony of religion and philosophy لندن سنة 1961. حسن شكرى [أ. م. كواشون A,M. Goichon]

خ

خ

خادم الحرمين

خادم الحرمين أي مكة والمدينة: لقب تلقب به عدد من سلاطين المسلمين واتخذه السلطان سليم الأول العثماني بعد غزو مصر سنة 922 هـ (1517 م) كما اتخذه بعض خلفائه، وعد هذا اللقب في الأيام المتأخرة للعثمانيين لقبا من ألقاب الخليفة، ويقال إن سليما الأول انتحله من الخليفة العباسى في القاهرة وهذا القول لا يتفق مع الشواهد ويبدو أنه جزء من أساطير الخلافة العثمانية. وبقدر ما نستطيع أن نتثبت من الأمر فإن اللقب لم يتخذه الخلفاء العباسيون في العراق أو في مصر. ومهما يكن من شئ فإن عدة سلاطين من المماليك اصطنعوه، ومن سلاطين مصر، وليس من خلفائها، اصطنع العثمانيون هذا اللقب هو وغيره من ممتلكات السلطنة ومستلزماتها. والقلقشندى واضح كل الوضوح (صبح الأعشى، جـ 6 ص 46) إذ ذكر هذا اللقب ضمن ألقاب السلاطين. والظاهر أن أول من اتخذه هو صلاح الدين، وأقدم ذكر لذلك ورد في ترميم نقش بقبة يوسف في بيت المقدس يرجع إلى سنة 587 هـ الموافقة لسنة 1191 م (CIA jeusalem جـ 2، رقم 150 = RCEA جـ 9، رقم 3447). والراجح أن استحداث هذا اللقب الجديد كان خطوة من خطوات المنافسة بين صلاح الدين والخليفة الناصر حول إمارة الحج وما يتصل بها من مسائل تتعلق بالأماكن المقدسة في الحجاز انظر عن هذه المنافسة E.Sivan: Saladin et le calife al-Nasir في scripta Hierosolimitana جـ 23 , سنة 1972، ص 126 وما بعدها، وخاصة ص 139 وما بعدها).

وفي نقش بيت المقدس المؤرخ سنة 587 هـ (1191 م) جاء بعد عبارة "خادم الحرمين" عبارة "وهذا البيت المقدس" أي بيت المقدس. وهذه الصيغة تتردد بدون "الحرمين" في نقش بيت المقدس تاريخه سنة 589 هـ الموافقة سنة 1193 (CIA Jerusalem، جـ 1 رقم 36 = RCEA جـ جـ 9، رقم 3464). وكان لقب "خادم الحرمين" أو صيغة منه مختلفة بعض الخلاف (مثل خادم حرمى الله ورسوله؛ انظر قايتباى، القاهرة سنة 885 هـ = 1480 م , CIA Egypt، جـ 1، رقم 325) لا يتخذه سلاطين المماليك إلا بين الحين والحين، ويبدو أنه لم يكن يدخل في ألقابهم المعهودة. وثمة رسالة غير مؤرخة يظهر أنها أرسلت من تيمور إلى بايزيد الأول يشكو فيها من أن السلطان المملوكى يتخذ لقب "سلطان (كذا! ) الحرمين"، ويرى الكاتب أن ذلك من باب الخيلاء والادعاء، وحسب السلطان أن يكون خادما للحرمين (فريدون: منشآت، جـ 1 , ص 128 , وانظر: T.W. Arnold The caliphate، أوكسفورد سنة 1924 , وأعيد طبعه في لندن سنة 1965, ص 151). ويروى إخبارى تركى أن العثمانيين جروا على مخاطبة سلاطين مصر بلقب "سلطان حرمين بابام" أي أبي سلطان الحرمين، ولكن محمدًا الثاني استبدل بهذا اللقب لقبا أقل احتفاء وهو خادم الحرمين بل لقب "قارنداشم مصر سلطان" أي أخي سلطان مصر (عاشق باشا زاده: تاريخ آل عثمان، استانبول سنة 1332 , تحت سنة 863، ص 209، ووردت هذه الفقرة في الحاشية المجهولة الكاتب على تاريخ عاشق باشا، وانظر صلاح الدين تانسل: عثمانلى قاينا قلرنده كوره فا تح سلطان محمد سياسى وعسكرى فعاليتى، أنقرة سنة 1953 , ص 337 - 338). وجاء في المصادر العربية أن سليما الأول في أثناء غزوه الشام ومصر حياه الوعاظ في مساجد حلب ثم بعد ذلك في مساجد القاهرة (Arnold Cali Phate، ص 140 - 141, ص 145، وهو يستشهد بابن إياس: تاريخ مصر، جـ 3، ص 98 وقطب الدين: Chroniken der staat Mecca جـ 3، ص 278 - 279, وانظر Histoire: Von Hammer جـ 4. ص 280 و 448) وتعلق

المصادر العثمانية بعض الأهمية على هذا الاعتراف من قبل شريف مكة، وبذلك تؤكد سلطانه على الحرمين دون أن تشير إلى اللقب، وهذا أمر له مغزاه (انظر مثلا سعد الدين: تاج التواريخ، جـ 2، ص 371 - 372؛ صولاق زاده: تاريخ، ص 480، وعن بعض الوثائق انظر: صلاح الدين تانسل: باوز سلطان سليم، أنقرة سنة 1969 ,ص 215 - 217) وجاء في رسالة بعث بها السلطان سليمان إلى شريف مكة يعلن فيها السلطان ولايته للعرش، إشارة إلى أبيه السلطان سليم ملقبًا أياه بلقب "خادم بيت الله والحرم فاتح ممالك العرب والعجم" (فريدون، جـ 1، ص 448, وانظر Arnold ص 155). على أن هذا يعد من السلطان سليمان وصفًا تشريفيا أكثر منه لقبًا، وفي وثائق هذا السلطان التي يدخل فيها مكة والمدينة في أملاكه لم يستخدم فيما يبدو لقب خادم. على أن هذا اللقب يظهر على سكة سليمان التي ضربت في بغداد سنة 942 هـ (1535 - 1536 م؛ انظر انتزاع بغداد من الفرس) وفي سنة 985 هـ (1551 م) وسنة 960 هـ (1553 م؛ انظر خليل أدهم: مسكوكات عثمانية، إستانبول سنة 1334 هـ، ص 250 - 252)، واستمرت الحال على هذا المنوال أحيانا في عهد السلاطين المتأخرين ولكنها لم تكن مطردة الحدوث. ومن ثم فإن اللقب ظهر في ديباجة المعاهدة مع بولندة ضمن ألقاب السلطان الأخرى (Histoire: Hammer. ص 407 مستشهدًا بدستور الإنشاء لصارى عبد الله). وكذلك ظهر في توقيع السلطان محمود الأول (ا. ح أوزون جارصيلى: عثمانلى دولتنكك سراى تشكيلاتى، أنقرة سنة 1945، ص 292 - 293) وعاد إلى الظهور في بعض الوثائق الأخرى التي ترجع إلى القرن الثاني عشر الهجري (الثامن عشر الميلادى) في صيغة مختلفة بعض الاختلاف: "خادم وحاكم مكة والمدينة وبيت المقدس" H.Scheel: Die schreiben der Tuerkischen Suitane and die preussisschen Koenige un der Zeit von 1721 bis 1774 في MSOS جـ 33/ 2، سنة 1930 ,ص 30 , 34 , 37, 39 , 62، 65, 67، 70) وثمة صيغة مشابهة لهذه استعملت في وثائق السلطان سليم الثالث Poleografia Sidip lomatica turcu .Osmana M. Guboglu بوخارست سنة 1958 و، ص 60). خورشيد [لويس B. Lewis]

الخازني

الخازني أبو الفتح عبد الرحمن المنصور الخازنى (الخازن) الذي ذاع صيته حوالي عام 500 للهجرة (آخر القرن الحادى عشر وبداية القرن الثاني عشر الميلادى). وقد أورد البيهقى في كتابه أخبارًا عن الخازنى مفصلة بعض التفصيل، كما وردت إشارات متفرقة عنه في الزيج السنجرى الذي وضعه، وفي مصنفه "كتاب ميزان الحكمة". وكان الخازنى عبدًا روميًا شب في خدمة على الخازن المروزى بمرو وتلقى دروسًا في علوم الهندسة والفلسفة تناسب مواهبه التي مكنته من تأليف الكتب التي سنذكرها بعد. وصحب الخازنى بعد ذلك سلطان خراسان معز الدين أبا حارث سنجر بن ملكشاه بن ألب أرسلان (511 - 552 هـ - 1117 - 1157 م) وكان من قبل قد ولى على خراسان مدة عشرين عاما، من 491 حتى 511 هـ. وقد نال الخازنى الحظوة عند هذا الوالى وبطانته من الأشراف، بينما ظل أسلوبه في الحياة غاية في البساطة والتواضع شأنه شأن البيرونى. وقد بقى لنا من مؤلفاته كتابان: 1 - الزيج المعتبر السنجرى، وهو يذكر في هذا الزيج مواقع الثوابت في عام 509 هـ (115 - 1116 م) والمطالع المائلة والمعادلات الزمنية لخط عرض مرو (37 ْ 40 َ) التي كانت في مملكة سنجر. وقد أفاد ناللينو من هذا المصنف في كتابه al. Battenii Opus .astronomicum 2 - كتاب ميزان الحكمة، وقد انتهى من تأليفه عام 515 هـ (1121_ 1122 م) ويقول البيهقى إنه هو الذي كشف عن هذا الكتاب. وقد ذكرت فقرة من هذا الكتاب في مخطوط محفوظ بمكتبة وزارة الهند. المصادر: (1) ظاهر الدين زيد البيهقى: تاريخ حكماء الإسلام (مخطوط ببرلين، آلوارت Catalogue: Ahlwardt رقم 10052) وفيه ترجمة لحياة الخازنى (E. Wiedemann في Beitr. XX. Einige Bi ographien nach of Baihaki رقم 103 في S.B.P. M.S. Erlg. سنة 1910 ,جـ 42، ص 73). (2) Die Mathematiker und: H. Suter Astrnomen der Araber رقم 293 ,

خالد, بنو

والملحق رقم 226 وقد نشر - N. Kha nik off جزءًا كبيرًا من كتاب ميزان الحكمة بعنوان Analysis and Extracts of the book of the Balance of Wisdom ets في J.A.O.S. سنة 1859، جـ 6، ص 1 - 128. وقد قام كاتب هذه المادة بنشر أجزاء أخرى من هذا الكتاب في Beiter. XV Ueber Bestimmung der Zu sammensetzung von Legierungen في. S.B.P.M.S. Erlg سنة 1908 جـ 40، ص 105 - 132. (3) Beitr. X. VI, Ueber die Lehre Schwimmen, die Hebelgesetze and die Konstruktion des Qarastun, ibid سنة 1908, جـ 40، ص 133 - 159 وقد نوقشت هنا أيضا الأقسام التي نشرت حتى يومنا (4) Beitr. XXXVll, Ueber die Stunden wage, ibid سنة 1914 جـ 45، ص 27 - 38. (5) Beitr. XLVII, Ueber die Wage des Wechselns von at harini and ueber die Iehre von den proportionen nach al Biruni. ibil سنة 1916 جـ 48، ص 1 - 15. (6) Ueber die Kennt-: E.Wiedemann nisse der Muslime auf dem Gebiet der Mechanik and Hydrosatik في Archiv Fner Geschichte der Naturwiss. enschaften etc سنة 1910 ,جـ 2 ,ص 394 - 398. (7) المؤلف نفسه: Ueber den wert von Edelsteinen bei den Muslimen في isl , سنة 1911 جـ 2، ص 345 - 358. الشنتناوى (فيدمان E.Wiedemann] خالد, بنو خالد، بنو؛ قبيلة عربية تسكن الجزء الأوسط من الولايات الشرقية للمملكة العربية السعودية، وهو الإقليم المساير لساحل الخليج الذي عرف منذ الأزمان القديمة بالأحساء أو الحسا وتشغل القبيلة الآن المنطقة الممتدة بين المقطع في الشمال والبياض في الجنوب وقصبتها الحسا. وظلت زعامة هذه القبيلة خلال القرنين الأخيرين في يد أسرة عَرَ يْعِر. وبدأت القبيلة تظهر في المصادر التاريخية منذ القرن العاشر الهجري (السادس عشر الميلادي) مما يدل على نمو شأنها. وفي سنة 989 هـ (1581)

حارب أبناء القبيلة جنود الشريف التي كانت تريد أن تحتل الحسا من البحر، ولكنهم لم يستطيعوا بعد ذلك بقليل أن يمنعوا العثمانيين من احتلال الإقليم بمعاونة قبيلة المنتفق التي كانت تقطن العراق الأدنى، واحتفظ العثمانيون بها حتى سنة 1082 هـ (1670 م)، وهنالك قتل براك بن عريعر آل حامد من أبناء قبيلة ذات شأن من بنى خالد، رشيدا بن مغامس آل شبيب من قبيلة المنتفق وطرد الأتراك من مدينة الهفهوف أو الهفوف وبذلك قضى على الاحتلال التركى الأول لهذه الولاية. وبراك هذا هو الذي أقام مصيفا في الكويت يسمى على نهج الهفهوف: كوت (ومن ثم صيغة التصغير كويت المأخوذة من هذا اللفظ الهندي)، ونهب أيضا مدينة الدرعبة حوالي سنة 1091 هـ (1680 م) ولم تلبث المنية ان أدركته وخلفه أخوه محمد في شياخة القبيلة. ودأب محمد، حتى وفاته، على شن الغارات على اليمامة والخرج وسدير من أعمال نجد. وخلفه سعدون بن محمد بن حسين بن عثمان الذي كان حليف براك حين طرد الأتراك، وفي عهد سعدون بلغت الرقعة التي شغلها بنو خالد أقصى اتساعها، فامتدت من الكويت شمالا إلى قطر جنوبًا. ودبر سعدون أيضًا خطة ترمى إلى فتح نجد، وكان الشريف الإدريسى إدريس بن وَطْبان الذي كان يسيطر في هذه الأثناء على الدرعية قد قتل سنة 1095 هـ (1684 م) على يد رجل يدعى سلطان بن حامد القيسى الذي كان فيما يحتمل من بنى خالد، وكان وقتذاك قد أقام نفسه حاكمًا على هذا البلد، وظل سلطان وأخوه عبد الله يحوزونها نحو عقدين من الزمن. ومع ذلك فقد استمرت الغارات من قبل الحسا. ذلك أن سعدون يغير على عقربا وعمّارية وينهبهما مرة أخرى سنة 1133 هـ (1721 م) قبيل أن يلقى مصرعه في القتال سنة 1135 هـ (1733 م). وأعقبت ذلك سلسلة من النزاعات المميتة في الأسرة انتهت بفوز سعدون ابن عم على بن محمد ثم خلفه بالدور أخوه سليمان. وفي عهده بدأ محمد بن عبد الوهاب دعوته في نجد، وكانت معارضة بنى خالد لهذه الدعوة من أكبر أسباب القتال الذي نشب بين هؤلاء وبين آل سعود، وهو قتال بدأ بطرد محمد بن عبد الوهاب من عينية

على يد عثمان بن أحمد آل معمر بقيادة سليمان بن محمد، ومن بعدها استقر في الدرعية سنة 1157 هـ (1744 م). واستمر النزاع الداخلى بعد بين بنى خالد فأدى إلى طرد سليمان من الحسا سنة 1265 هـ (1752 م) ووجد سليمان ملاذا في الخرج، ولكنه توفي هناك في السنة نفسها. وهنالك تدخل آل سعود في الحسا بدعوة من الأفراد الساخطين في الأسرة الحاكمة، فلما هزم سعدون من بنى خالد في جدعة على يد الثوار الذين كان يعينهم ثوينى شيخ المنتفق، استطاع أن يلجأ إلى الدرعية عند غريمه عبد العزيز بن محمد ابن سعود ولم يلبث أن توفي فيها. وهناك أصبح زعيما المنتقضين دويحس ومحمد بن عريعر هما وعمهما عبد المحسن زعماء بنى خالد في الحسا حتى سنة 1203 هـ (1879 م) ثم خلفهم يعيد ذلك زيد بن عريعر وبراك بن عبد المحسن. وفي سنة 1207 هـ (1793 م) أحس عبد العزيز أنه بلغ من القوة ما يمكنه من غزو الحسا، وأنزل بعد سنتين هزيمة ساحقة ببراك. وتسنم السلطة رجل يدعى ناجما من أسرة مغمورة في الحسا وأصبح قيلا أو واليا من قبل آل سعود. وانتهج سعود بن عبد العزيز سياسة توسعية، فما وافي عام 1223 هـ (1808 م) حتى سيطر على الحجاز وعسير والحسا والبحرين وكذلك نجد، فأثار ذلك فزع الباب العالى العثماني فأنفذ إليه من مصر جيشًا بقيادة إبراهيم باشا فدك الدرعية حتى سواها بالأرض سنة 1233 - 1234 هـ (1818 - 1819 م) وأتاح ذلك الفرصة لبنى خالد حتى يستعيدوا السيطرة على الحسا فبادر أخوان من عريعر هما ماجد ومحمد بأن يستوليا على الهفهوف وقطيف قبل قائد إبراهيم محمد الكاشف، وظهرا هناك. على أن ماجدًا يحكم الحسا حتى سنة 1245 هـ (1830) , وهنالك قتل في معركة عَقْلى مع آل سعود الذين كانوا قد جددوا نشاطهم. ودخلت الحسا مرة أخرى في السيطرة السعودية بالرغم من أن الأتراك والمصريين كانوا قد فرضوا سيطرتهم على نجد إلى حين سنة 1838 , وظل هذا شأنهم حتى أتاح النزاع الداخلى بين آل سعود سنة 1872 إلى عودة العثمانيين إلى التمكين

خالد بن سعيد

لأنفسهم في نجد متخذين لهم مقرًا في الهفهوف. وفي السنة التالية انسحبت الجنود التركية وأقام الأتراك متصرفا محليا هناك من أنصارهم الأولين بنى خالد وهو بازع بن عريعر، على أن موقفه ظل مزعزعا، فلما هاجمه عبد الرحمن بن فيصل السعودى وحاصره في قلعة الكوت بالهفهوف لم يجد الجنود الأتراك بدا من العودة لطرد السعوديين. وفي سنة 1912 وقعت منطقة الحسا بأسرها في قبضة منشئ السعودية العربية الحديثة عبد العزيز الثاني، وانتهج هذا العاهل سياسة وصل بنى خالد بأسرته عن طريق المصاهرة، ومن ثم نجد كثيرًا من أمراء السعودية قد ساطت دماءهم دماء من بنى خالد. المصادر (1) Sa'udi Arabia: H. St. B. Philby لندن سنة 1954. (2) منير العجلانى: تاريخ البلاد العربية السعودية، بيروت من غير تاريخ. (3) سمو الأمير سعود بن عدلول: تأريخ ملوك آل سعود، الرياض سنة 1961. (4) ابن بشر: عنوان المجد في تأريخ نجد، بيروت سنة 1963. (5) Saudi Arabra in the: R.B. Binder nineteenth century لندن سنة 1965. (6) أحمد أبو حاكمة: History of Eastren Arabia 1750. 1800، بيروت سنة 1965. (7) محمد بن إبراهيم الحُكَيل: كنز الأنساب ومجمع الآداب، الرياض سنة 1972. خورشيد [دى مكليو R.Di Meglio] خالد بن سعيد ابن العاص بن أمية بن عبد الشمس بن عبد مناف بن قصى بن كلاب ابن مرة بن كعب بن لؤى، المتوفي سنة 13 هـ (635 م): هو في قول بعض المحدثين رابع صحابة النبي [- صلى الله عليه وسلم -] أو على الأقل واحد من الثلاثة الذين يأتون بعدهم. على أن ابن إسحق يجعل إسلامه في تاريخ متأخر عن ذلك كثيرًا، وبذلك يحرمه الفضل من أن يكون واحد، من الثمانية السابقين أو المتقدمين.

كان خالد رجلًا موسرًا من العشيرة الأموية، كان على حظ من التعليم، ويحتمل أنه كان الكاتب الثالث للنبي [- صلى الله عليه وسلم -] بعد عثمان وعلى، فقد حل في ذلك محل على، وكان إلى ذلك مسؤولا عن قواعد الرسميات حين كان النبي [- صلى الله عليه وسلم -] يلقى قبيلة ثقيف ذات الشأن وحلفاءها سنة 9 للهجرة. وقبل هذا كان خالد من مهاجرى الحبشة، وتزوج النبي [- صلى الله عليه وسلم -] امرأة من عشيرته هي أم حبيبة بنت أبي سفيان بعد وفاة زوجها الذي كان هو نفسه من المهاجرين. ووقعت المسؤولية على خالد حيث كان وليا أو وكيلًا للزوجة، ولو أن رواية من الروايات أوقعت هذه المسؤولية على عثمان. وبدأت حياة خالد السياسة سنة 10 هـ، حين ارجع النبي [- صلى الله عليه وسلم -] فروة بن مسيك الذي كان قد أقبل وشيكا عليه يعلن دخوله في الإسلام إلى قبيلته في اليمن، وهنالك أمر النبي [- صلى الله عليه وسلم -، ] خالدًا بأن يصحبه وأن يجمع الصدقة. وعمد النبي [- صلى الله عليه وسلم -] في أول سنة 11 هـ وقبل وفاته مباشرة إلى إقامة سبعة ولاة على اليمن وعمان ومنهم خالد ولاه ما بين نجران ورمح وزبيد. وفي أيام فتنة الأسود قدم هؤلاء الولاة والتفوا حول طاهر بن أبي هالة الذي كان يلى تهامة واليمن، إلا أن خالدًا بن سعيد وعمرًا بن حزم والى نجران، تركا ولايتهما وعادا إلى المدينة بعد وفاة النبي [- صلى الله عليه وسلم -، ] بشهر أي في ربيع الثاني الموافق شهر يولية سنة 632 م. وفي أوائل سنة 13 للهجرة كان أبو بكر يتهيأ للحملة على الشام فعهد في حديث لعمر بن شبة (الطبرى، جـ 1، ص 2079) لخالد بن سعيد بقيادة الجيش الأول ولكنه عدل عن ذلك قبل أن يخرج الجيش للقتال. وفي النهاية عهد أبو بكر إلى خالد الدفاع عن تيماء حتى وصلت الجيوش من الجنوب وأنجز هذه المهمة بنجاح أول الأمر وانضم إليه الكثير من قبائلها واستطاع أن يرد الروم على أعقابهم. المصادر: (1) ابن هشام: السيرة. (2) ابن حجر: الإصابة. (3) ابن عبد البر: الاستيعاب. خورشيد [لوسل H. Loucel]

خالد بن سنان

خالد بن سنان ابن عيْث العبسى (انظر نسبه في ابن الكلبى: الجمهرة، النسب رقم 133): من أعلام الفترة بين المسيح والإسلام، قيل إنه نبى، ويقال إنه تنبأ بمجئ محمد [- صلى الله عليه وسلم -]، كما يقال إن النبي - صلى الله عليه وسلم - حيا ابنة خالد إذ قدمت عليه فقال: "هذه ابنة نبى ضيعه قومه". ويذهب الاعتقاد الشائع إلى حد بعيد فينسب إليه العلم بسورة الإخلاص (ثمار القلوب، ص 456). ويذكر خالد فيما يتصل بالنار التي تعرف باسم "نار الحرتين" (الجاحظ: الحيوان، جـ 4، ص 476؛ القلقشندى صبح الأعشى، جـ 1، ص 409 - 410) فقد ألقى بنفسه فيها ثم أطفأها ليظهر سخف الاعتقاد بالنار الذي شاع بين العرب (ثمار القلوب وص 456) كما ذكر فيما يتصل بالعنقاء التي قضى الله على قبيلها استجابة لصلاة أداها خالد. R. Mille et un contes: Basset جـ 3، ص 203 - 204). ونحن نجد في الجاحظ بالفعل رواية تروى أن خالدًا فيما يقال قد طلب من شعبه أن يخرجوا جثته من القبر بعد مماته حتى يستطيع أن يكشف أسرار الآخرة، وهذه الرواية تتواتر كثيرًا من بعد (ابن قتيبة: كتاب المعارف، ص 62؛ المسعودي: مروج الذهب، جـ 4، ص 21 - 22 = الفصلين 1349 - 1350,الهروى: الزيارات، ص 61: 137: إلخ). وقد أنكر الجاحظ هذه الأساطير كما أنكر نبوة خالد (الحيوان، جـ 4، ص 478) ومن ثم فلا يمكن أن يكون خالد نبيا (وهو قياس أخذ به خاصة في كتاب ثمار القلوب، ص 456). المصادر: علاوة على ما ذكر في صلب المادة: (1) الجاحظ: التربيع، الفهرس. (2) الدميرى: حياة الحيوان. (3) المسعودي: مروج الذهب، الفهرس. (4) ابن حجر: الإصابة، رقم 2355. (5) المقدسى: الخلق Creation. جـ 3، ص 7، 130 , 178 - 179. خورشيد [بلا Ch. Pellat]

خالد بن صفوان

خالد بن صفوان ابن عبد الله بن عمرو بن الأهتم (ومن ثم كان يكنى أحيانا بابن الأهتم) التميمى المنقرى أبو سفيان، وموطنه البصرة (توفي سنة 135 هـ الموافق 752 م)، وهو صاحب عمر بن عبد العزيز، وهشام بن عبد الملك، وخالد ابن عبد الله القسرى ومن الراجح أنه كان أيضا صاحب أبي العباس السفاح: راو للروايات التاريخية والشعر والخطب المشهورة، ولكنه اشتهر خاصة بالفصاحة، ذلك أنه كان يقوم بشأن مواز لشأن الشعراء، وذلك أنه كان قادرا على ارتجال الموعظة أو الوصف بالاعتماد الكثير على الشعر المنثور، كما أن أقواله كانت تنتشر انتشار الأبيات المشهورة مع فارق هو أنه لم يجرؤ أحد على أن ينحل له كلمة واحدة (الجاحظ: البيان، جـ 1، ص 317، 318). ثم إنه إلى ذلك ينتمى إلى أسرة بنى منقار التي أنجبت عددا كبيرًا من مشاهير الخطباء. (عددهم كتاب البيان والتبيين، جـ 1، ص 355) ونخص بالذكر منهم شبيب بن شيبة، الذي يتردد ذكره كثيرا تردد ذكر خالد. وبلغ من شهرة خالد أن أفردت له رسالتان، إحداهما كتبها المدائنى (الفهرست، طبعة القاهرة ص 151: كتاب خالد بن صفوان) والأخرى كتبها عبد العزيز بن يحيى الجلودى (الفهرست، ص 168: كتاب أخبار خالد بن صفوان). صحيح أن خالدًا زعم أنه ما انفرد بخليفة إلا وذكره بالله، على أنه كان أحيانا يبذل نصائح من طراز آخر، وخاصة للسفاح، فيدافع في حضرته دفاعا فصيحا عن موطنه، ومن ثم أثار خالد معارضة أم سلمة مما اضطره إلى التراجع (المسعودي: مروج الذهب، الفقرات 2327 - 2330؛ محمد بن هلال الصابيء: الهفوات النادرة، تحقيق ص. الأشتر، دمشق سنة 1387 هـ الموافقة 1967 م، ص 101 - 104، ابن الجوزى: كتاب الأذكياء، بيروت من غير تاريخ، ص 116 - 118). وكانت فصاحة خالد تقوم على التلاعب بالألفاظ، وتتابعها والإجابات الذكية، وكانت بعض أمثاله تتسم بالصدق عامة. ولم يكن خالد يتميز بالصفات المحمودة فحسب، فقد كان عليه

خالدة أديب

مأخذان، تخليطه في اللغة وعدم تدبره فيما يقول في كثير من الأحيان، أما المأخذ الآخر فإنه قد رمي بالبخل (انظر الجاحظ: البخلاء، الفهرس) وفقد خالد بصره في أخريات حياته (الصفدى: العمدة، ص 148 - 149). المصادر: (1) ابن الكلبى: الجمهرة، تحقيق كاسكل Caskel 76، جـ 2، ص 343. (2) الجاحظ: البيان والتبيين، والحيوان، انظر فهارس الكتابين. (3) ابن قتيبة: عيون الأخبار، الفهرس. (4) المؤلف نفسه: المعارف، الفهرس. (5) ابن عساكر تاريخ دمشق، جـ 5، ص 53 - 63. (6) الهروى: الزيارات، ص 82. (7) ابن عبد ربه: العقد الفريد، الفهرس. (8) المبرد: الكامل. (9) ياقوت: الأدباء، جـ 11، ص 24 - 35. (10) دائرة المعارف جـ 2، ص 351 - 352. (11) بروكلمان، القسم الأول، ص 105 (ويجب ألا يخلط بينه وبين القناص، قسم 1، ص 93). خورشيد [بلا Ch. Pellat] خالدة أديب (في التركية الحديثة Halide Edib Adivar): روائية تركية بارزة، وكاتبة ووطنية (1884 - 1964 م)، ولدت في بشيكطاش غير بعيد من قصور يلدز حيث كان أبوها كاتب السر الأول للجيب السلطانى الخاص (جيب همايون سر كاتبى)، وكان أديب ابنًا بالتبنى للشيخ محمود السلانيكى، وقد نشأه هذا الشيخ ثم بعث إلى إستانبول ليستكمل تعليمه (خالدة أديب: Memoirs، نيويورك سنة 1926 , ص 200)، ثم أصبح في وقت متأخر من حياته مديرا لإدارة الطباق في يانينا وبورصة. وكانت بدر فم أم خالدة أديب ابنة على أغا من بلدة كماح (في الشمال

الشرقى للأناضول) الذي كان من قبل رئيس القهوجيه (قهوجى باشى) في قصر الأمير رشاد (محمد الخامس). وتزوجت بدرفم في سن الخامسة عشرة على شامل بك (باشا من بعد، 1855 - 1908 م)، على أن هذا الزواج لم يدم، وكان محمد أديب هو زوجها الثاني. وتوفيت بدرفم بالسل بعد ذلك بسنين قلائل، وبادر أديب بك إلى الزواج مرة أخرى، وأحست خالدة بالحاجة إلى عطف الأم فوجدته عند جدتها وأختها غير الشقيقة مخمورة وغيرهما من أفراد البيتين. وأطلعتها نساء العامة والخدم على الأسلوب الإسلامى والتركى التقليدى في الحياة وأطلعوها على الحكايات الشعبية وقصص الملاحم من الأدب الشعبى، وعلمها إمام من أهل البلد القراءة والكتابة وتلاوة القرآن الكريم. فلما بلغت الحادية عشرة أرسلها مدة سنة إلى الكلية الأمريكية حيث تعلمت الإنكليزية ودرست -على سبيل المعرفة- الكتاب المقدس فأثارت فزع أهل المنزل. ثم أصبح لها بعد مربية إنكليزية وعدة مؤدبين من المشاهير، وخاصة رضا توفيق رائد الشعر الشعبى الملهم (رستم أشرف: ديورلركي, إستانبول سنة 1918, ص 133، 134 , 179). وفي سنة 1899 م عادت إلى الالتحاق بالكلية الأمريكية في القسم الداخلى، وكانت بذلك التلميذة التركية الوحيدة. وكانت سنة 1900 م نقطة تحول في حياتها، ذلك أن العالم بالرياضيات صالح ذكى بك أصبح مؤدبًا لها (انظر إ ا. كوصة: تورك مشهور لرى انسيكلوبيدياسى، استانبول سنة 1948) وتزوجته خالدة في سنة تخرجها (1901) وأعقبت منه ابنين. وفي السنوات من 1901 إلى سنة 1908 أدمنت قراءة شيكسبير وزولا والإخباريين الأتراك. وفي يولية سنة 1908 أعيد الدستور فأصبحت خالدة كاتبة طول الليل تحث على القيام بإصلاحات عاجلة في التعليم والحياة الاجتماعية، ونشرت مقالاتها بصفة خاصة في الصحيفة اليومية "طنين" لسان حال جمعية الاتحاد والترقى, وكان قد أسس هذه الصحيفة في أغسطس سنة 1908 حسين جاهد

وتوفيق فكرت ووجدت خالدة استجابة طيبة سريعة لهذه المقالات: ولما قامت المحاولة المناهضة للثورة في 13 أبريل سنة 1909 ظنت خالده أن حياتها في خطر فشخصت إلى مصر ومنها مضت إلى إنكلترة حيث تأثرت بحديث الوطنى الإيرلندى جون ديلون John Dillon فكان ذلك "من الأسباب العاطفية التي وضعتها على طريق الوطنية" (المصدر المذكور، ص 293) وعادت إلى تركيا في أكتوبر سنة 1909، وكتبت أول رواياتها الهامة "سويه طالب" (نشرت سنة 1910) وعلى حين مضت تكتب مقالاتها في المسائل التعليمية فإنها انضمت إلى زمرة المعلمات في كلية المعلمات (دار المعلمات)، واستطاعت بمعاونة المعلمة المشهورة نقية خانم (نقية إلكون 1882 - 1965) أن تصلح منهاجها الدراسى وإدارتها. وفي الوقت نفسه طلقت من صالح ذكى بك، فقد تركت بيت الزوجية من فورها حين أنبأها بزواجه من امرأة ثانية (1910). ولم تلبث خالدة أن استهوتها الحركة الجديدة (توركجولوق) فكتبت روايتها "يكى طوران" (1911) واشتركت في نشاط "البيت التركى" (تورك أوجاغى) فعملت مع ضيا كوك آلب ورفقائه. واستقالت من منصبها في التدريس لخلاف على المبدأ مع وزير التعليم العام شكرى بك (انظر كوصة المصدر المذكور) فوليت منصب المفتش العام لمدارس الأوقاف التي قام الوزير (شيخ الإسلام من بعد، مصطفى خيري أفندى) بتجديدها. وأتاح لها هذا فرصة زيارة أحياء إستانبول البعيدة وأفقر هذه الأحياء ودراسة ناسها فأصبح ذلك على غير اتفاق معينا لها على كتابة رواياتها، كما شاركت مع نقية (إلكون) في نشاط نادى السيدات (تعالئ نسوان جمعيتى) وأسهمت في الإسعاف الاجتماعى والتمريض. وفي خريف عام 1916 دعاها جمال باشا قائد الجيش في الشام إلى القيام بجوله في جميع معاهد التعليم الهامة فيه وقبلت ثم عادت إلى إستانبول وقدمت تقريرها، ثم مضت تزاول نشاطها في التعليم هناك فنظمت مدارس وأصلحت ملجأ أيتام عينتورة الكبير، وتزوجت بالوكالة في هذه

الأثناء الدكتور عدنان (أديوار) من أعضاء جمعية الإتحاد والترقى البارزين (23 أبريل سنة 1917). وأتمت مهمتها في التعليم، فعادت إلى إستانبول في باكورة شهر مارس سنة 1918؛ وفي الخريف من السنة نفسها انتهت الحرب العالمية الأولى، وعقدت هدنة مدروس في 30 أكتوبر، وفر من البلاد الثلاثى المتولى رئاسة جمعية الإتحاد والترقى وأعضاء الجمعية البارزين ودخلت أساطيل الحلفاء إستانبول وحل البرلمان واحتلت الجنود الإيطالية أنطالية، ونزل اليونانيون بمعاونة الحلفاء في إزمير يوم 15 مايو سنة 1919 وراحوا يتقدمون صوب الداخل. وبدأت المقاومة المتفرقة وحرب العصابات تناوشهم في الأناضول، واشتركت خالدة في الاحتجاج والدعوة إلى ضم الصفوف. واقترن اسمها خاصة بالاجتماع التاريخى الهائل الذي عقد يوم 23 مايو في ميدان السلطان أحمد، وألقت فيه خطابا مثيرًا يلهب المشاعر، ويقوم تمثال لها اليوم هناك تخليدًا لهذه المناسبة الفريدة Halide The Turkish ordeal: Edib نيويورك سنة 1928، ص 32 - 33) وفي الأسبوع التالى نفي البريطانيون 55 شخصًا من المفكرين إلى مالطة. وفي هذه الأثناء تولى مصطفى كمال أتاتورك قيادة حركة المقاومة في الأناضول. وفي 10 أغسطس من السنة نفسها كتبت خالدة أديب رسالة مشهورة تجادله فيها مؤيدة قيام انتداب أمريكى على تركيا (غازى مصطفى كمال: نطق، أنقرة سنة 1927، ص 56 - 59؛ Speech، الطبعة الثانية، إستانبول سنة 1963، ص 76 - 80) وكانت خالدة تمثل فريقًا من الرأى العام رأى في صيف عام 1919 أنه يمكن العدول عن المقاومة المسلحة وانقسام البلاد إلى سؤال الدول الكبرى أن تتولى حكم تركيا بالانتداب (The King. Crane Commis-: H.N.Howard sion بيروت سنة 1963، الفهرس؛ صباح الدين سلك: أناضولى احتلالى، الطبعة الثانية، إستانبول سنة 1968 , ص 276 - 278, نيازى بركس: توركيه ده جغدا شلشمه، أنقره سنة 1973 ,ص 419 - 420) وباقتراح من خالدة بعث تشارلس د. كرين (4 - 11 سبتمبر) الرئيس المشارك لوكالة كنج

كرين الأمريكية ممثلا من قبله لأمريكا في مؤتمر سيواس ليلقى مصطفى ويستقصى مسألة الانتداب الأمريكى. (نطق، ص 63، Speech، الطبعة الثانية، ص 85 - 86: Kinross: Ataterk ص 188 Howard: المصدر المذكور، ص 289 - 290). ونوقشت الفكرة ورفضها المؤتمر رفضا حاسما، (على فؤاد جبه صوى: ملى مجادلة خاطره لرى، إستانبول سنة 1953، ص 175 - 176). وفي أشهر الشتاء من عام 1919 - 1920 ظلت خالدة على اتصال وثيق بالوطنيين وأنصارهم في إستانبول وتحدثت مرارًا مع عدد من الموظفين الأمريكيين والبريطانيين، ولكن الاحتلال البريطانى عزز في إستانبول (16 مارس سنة 1920) وأعقبته غارة على البرلمان وزيادة في إجراءات القبض والنفي مما حمل البرلمان المنتخب حديثا من غلاة الوطنيين والذي أقر الميثاق الوطنى (ميثاق ملى) على أن يؤجل في 18 مارس اجتماعاته (انظر Emer: B. Lewis gence، الطبعة الثانية، ص 251). وأرادت خالدة أديب وزوجها الدكتور عدنان أن يتحاشيا أسباب الاعتقال والنفي (انظر Ordeal ص 65 - 68؛ A.E Yalman: كوردوقلرم وكجيرديكلرم، جـ 2، إستانبول سنة 970 ص 55)، فاختبآ في تكية للدراويش (أوزبكلرتكيه سى) في أسكدار ثم شخصا سرًا إلى أنقرة، وبلغاها في أول أبريل سنة 1920 (وتبعهما بعيد ذلك العميد عصمت إينونو) وفوزى جاقماق باشا (Tuerh Kurtulus savashi kro-: G. Jaechke nolojisi أنقرة 1970 , ص 96 - 100) , وبدأت خالدة من فورها تعمل في "المدرسة الزراعية" قاعدة الوطنيين حيث أشرقت على الصحافة الأجنبية وأخذت تجمع الأخبار للوكالة الأناضولية وتترجم أو تكتب مسودات الرسائل الإنكليزية والفرنسية، وتسهم بين الحين والحين في تحرير الصحيفة اليومية , "حاكميت مليه" لسان حال الوطنيين. وسرعان ما أصبحت عضوة في "دائرتهم الداخلية"، وحكم عليها بالإعدام هي ومصطفي كمال باشا وخمسة من زعماء الوطنيين في 11 مايو بأمر من حكومة السلطان في إستانبول. وأحرز الجيش النظامى

الوطنى أول انتصار له في وسط الأناضول على يد عصمت إينونو (10 يناير سنة 1921) بعد أن انضم قائد العصابات جركس أدهم إلى اليونانيين بعد أيام قلائل وانهمكت خالدة في العمل تستثير همة نساء المدينة وتعيد تنظيم الصليب الأحمر وأعمال الإسعاف. ومضت إلى اسكيشهر قبل الهجوم اليونانى في يولية واشتغلت ممرضة في مستشفى الصليب الأحمر حتى سقطت هذه المدينة. وفي 5 أغسطس انتخب مصطفى كمال قائدًا عاما (باش قومندان)، ولم تلبث خالدة أن تطوعت للعمل في الجبهة الغربية بقيادة عصمت باشا. وعملت في الأسابيع الحرجة التي سبقت معركة سقاريا وفي خضمها بين 22 أغسطس و 11 سبتمبر في مقر القيادة العامة (Ordeal، ص 284 - 310) ورقيت إلى رتبة أومباشى، وأصبح الاسم "خالدة أومباشى" رمزًا على النساء التركيات اللائى أسهمن في النضال الوطنى. وحوالي نهاية ديسمبر سنة 1921 انتقلت خالدة إلى آقشهر (بين أفيون وقونية) التي أصبحت المقر الجديد للقيادة، وقضت خير أوقات الأشهر الثمانية الأولى من عام 1922 مع الجيش الذي كان يتأهب للهجوم العام. وفي 24 أغسطس استدعيت إلى الجبهة قبيل أن يبدأ الهجوم، وبدأ الجيش اليونانى في التقهقر بعد معركة دوملو بيكار الحاسمة، محرقًا المدن والقرى مذبحًا السكان المدنيين في أعقاب ارتداده (Atatuerk: Lord Kinross، لندن سنة 1971 ,ص 318). وأمضت خالدة أسبوعًا مع القادة في إزمير التي استردوها، ثم تركتها هي وجماعة من الصحفيين بعد أن أصبحت في رتبة نقيب أول، لتدرس المنطقة التي تخربت بين أزمير وبورصة وتقدم تقريرًا عن مشاهداتها (نشر التقرير في إزمير دن بور صايا بالاشتراك مع يعقوب قدرى وفالح رفقى، إستانبول، سنة 1922) وألغيت السلطنة بعد هدنه مدانية، (11 أكتوبر) التي عززت انتصار الوطنيين، بقرار من المجلس الوطنى الكبير برئاسة

الدكتور عدنان (أول نوفمبر) واستقرت خالدة في إستانبول، ذلك أن زوجها عين ممثلا لوزارة أنقرة للشئون الخارجية (خارجية مرخصى) في إستانبول. وقامت خلافات إيديولوجية بين مصطفى كمال الذي كان متطرف المبادئ لا تلين له عريكة وبين معظم رفقائه المقربين (بما فيهم خالدة وعدنان) محافظين وأحرارًا، وسرعان ما تطورت هذه الخلافات إلى فرقة انتهت بتأليف حزب الترقى الجمهورى (ترقى برور جمهوريت فرقه سى) في 17 نوفمبر سنة 1924. ولم يلبث هذا الحزب أن صودر في 3 يونية سنة 1925 عقب الثورة التي قامت ضد الثورة يقودها بخاصة الشيوخ الكرد في الشرق. ومضت خالدة والدكتور عدنان إلى أوربا قبل اكتشاف المؤامرة على حياة مصطفي كمال في 15 يونية سنة 1926 التي دبرها بخاصة جماعة من حزب الاتحاد السابقين. وقبض على جميع الأعضاء البارزين لحزب الترقى السابق، فقد اشتبه في أن يكونوا ضالعين مع المتآمرين وحوكم الدكتور عدنان غيابيا وأدين إدانة تامة، ومع ذلك فقد عاش هو وخالدة أديب في أوربا في نفي فرض عليهما أربع عشرة سنة. وكتبت خالدة في أثناء إقامتها بإنكلتره أربع سنوات، من سنة 1924 إلى سنة 1928 مذكراتها ومضت تؤلف الروايات التي نشرت تباعًا في الصحف اليومية التركية (انظر ن. ا. بان أوغلى في لقائه بخالدة أديب الذي نشر في يديكون عدد 28 مايو سنة 1939). وعاشت خالدة معظم الوقت في باريس بين سنتى 1929 و 1939 حيث شغل زوجها منصب محاضر في اللغة التركية بمدرسة اللغات الشرقية الحية. وكانت خالدة في الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1929 وقامت وهي فيها برحلة تلقى المحاضرات في شتى الجامعات الأمريكية. وكانت أستاذًا زائرا في جامعة كولومبيا في السنة الدراسية 1931 - 1932. وفي سنة 1935 مضت إلى الهند تلقى محاضرات في محور الحياة السياسية

والثقافية في تركيا والمشاكل التي تعانيها تركيا الحديثة بجامعة مليه إسلامية في دلهي، وتركتها في جولة من المحاضرات بالجامعات الكبرى في شبه الجزيرة الهندية. ثم عادت إلى باريس فكتبت روايات أخرى، وخاصة روايتها الوحيدة بالإنكليزية The Clown and his daughter، وأعادت كتابة هذه الرواية من بعد بالتركية بعنوان "سينكلى بقال". وزارت إستانبول زيارة قصيرة في أغسطس سنة 1935 وعادت إلى تركيا في الخامس من مارس سنة 1939 لتستقر فيها إلى غير رجعة بعد وفاة أتاتورك بأربعة أشهر (10 نوفمبر سنة 1938). وأقيمت خالدة في ديسمبر سنة 1939 رئيسة لقسم اللغة الإنكليزية في جامعة إستانبول، وكان قد أقيم حديثًا، حيث تخرج عليها في عشر سنوات جملة من الدارسين الشباب تعاونت معهم على ترجمة شيكسبير ترجمة جديدة. وانتخبت خالدة عضوا مستقلًا في البرلمان عن دائرة إزمير في الانتخابات العامة التي أجريت في مايو سنة 1950، واعتزلت الحياة السياسية في يناير سنة 1954. وتوفي زوجها الدكتور عدنان في يولية سنة 1955، وبدأت صحتها في الانحدار وأدركتها المنية ببيتها المتواضع في بايزيد يوم 9 يناير سنة 1964، وقد بلغت من العمر ثمانين عاما. كانت خالدة أديب امرأة قلة، ولكنها كانت عارمة الحيوية والنشاط. وتعد خالدة في المقام الأول روائية، ولكنها كانت كاتبة متفننة كل التفنن في نواحى كثيرة، غزيرة الإنتاج في فروع جمة، ويمتد إنتاجها الضخم نحو ستين عامًا ويشمل ميدانا واسعا من روايات إلى قصص قصيرة ومقالات ونقد وموضوعات في الشئون الاجتماعية والتعليمية والسياسية، والمسرحيات والمذكرات والترجمات والبحوث. وقد ظهرت كثير من مقالاتها وغيرها في صحف يومية ودوريات شتى حيث نشرت معظم رواياتها مسلسلة أيضا. وبدأت خالدة حياتها الصحفية في صحيفة طنين اليومية وكانت توقع اسمها خالدة صالح حتى طلقت من صالح ذكى سنة 1910. ثم أخذت

تسهم في الكتابة بخاصة في الصحف اليومية أقشام ووقت وجمهوريت ويكى إستانبول والدوريات تورك يوردو، وبويوك مجموعه، ودركاه، ويديكون، وحيات وغيرها (انظر ثبتًا مفصلا بالتواريخ في مقدمة ديوان إينجى انكينون لخالدة أديب أديوار، إستانبول سنة 1975). أما رواياتها العشرون فيمكن تقسيمها ثلاث فئات: (1) روايات محورها الأول الحب والعاطفة وبطلاتها التي تسيطر على هذه الروايات تتناولهن بتحليل نفسى مستفيض، وشاهد ذلك بعض رواياتها الأولى مثل "سويه طالب" (1910) و"خندان" (1912) وصون أثرى (نشرت مسلسلة سنة 1913 , وطبعت سنة 1919) و"موعود حكم" (1919) والروايتان اللتان كتبتهما في العشرينات: "قلب أغرسى" (1924) وتكملتها "زينونون أوغلى" (1926) وتشمل هذه الروايات جميعًا عناصر من الترجمة الذاتية وبطلات عاطفيات مستقلات قويات الإرادة تبدين ما تسمو إليه الكاتبة من مثال للمرأة التركية المتحررة. وظل محيط رواياتها في معظمه حتى انضمت إلى الوطنيين سنة 1921 , هو محيط أسر الطبقات العليا الآخذة بالحياة الغربية الموسرة متأثرة تأثرًا بلا وعى فيما يحتمل بتقاليد مدرسة "ثروت فنون" السابقة، مما حدا بكوك آلب أن ينقدها نقدًا شديدًا (Memoirs، ص 319) وينتقل محيط الروايتين الأخيرتين من إستانبول وأوربا إلى ريف الأناضول. (2) روايات تتناول حوادث حرب التحرير: "آتشدن كوملك" (نشرت مسلسلة في صحيفة "إقدام" من 6 يونية إلى 11 أغسطس سنة 1922، وطبعت سنة 1923 وترجمت إلى الإنكليزية بمعرفة ى. خان باسم The Daughter of Smyrna لاهور سنة 1938) و"وورن قحبية") أي إضرب العاهرة؛ نشرت مسلسلة في صحيفة "أقشام" وطبعت سنة 1926). وهاتان الرواياتان تعتمدان على التجربة الشخصية والمعلومات الفنية شأنهما شأن معظم قصصها القصيرة التي كتبت في هذا الوقت (انظر "داغة جكان

قورت، إستانبول سنة 1922 , وتوسع في طبعتها الرابعة سنة 1963). وتعدان آثارا رائدة عن هذه الفترة وقد راجتا رواجا كبيرًا وكانتا موضوعا لعدة أفلام سينمائية (انظر آيتكين ياكار: تورك رومانينده ملى مجادله، أنقرة سنة 1973). (3) روايات مرحلية، ذلك أن خالدة أديب كتبت بعد سن الخمسين سلسلة من الروايات رأت أن تصف فيها النواحى المختلفة للمجتمع التركى. وبدأتها بأشهر رواياتها "سينكلى بقال" (كتبت أصلا بالإنكليزية بعنوان The Clown and daughter لندن سنة 1935) ونشرت مسلسلة في الصحيفة الإستانبولية اليومية (خبر) سنة 1935 , وطبعت سنة 1936 ونالت جائزة حزب الشعب الجمهورى بوصفها خير رواية ظهرت سنة 1942 وأصبحت على الدوام أكثر روايات الأدب التركى مبيعًا (ظهرت الطبعة الثالثة والثلاثون منها سنة 1976) وكانت موضوع فيلم سينمائى في سنة 1968 , وهي تصف بصفة خاصة مجتمع إستانبول بمناحيه المختلفة في منعطف القرن أيام حكم عبد الحميد الثاني. وموضوعها مهرج "قراكوز" وابنته ذات الصوت العذب يعيشان في طريق خلفي بإستانبول "في حي بقالين عامر بالذباب" وهما الشخصيتان البارزتان في الرواية يساعدهما عدد كبير من الأبطال الثانويين ومن بينهم الباشا الحميدى الذي لا غنى عنه وأتراك من تركيا الفتاة (ملخص الرواية في Ltteratur Lexiecon، انظر المصادر). وهذه الرواية الشعبية رسمت فيما يظن لتسلى المشاهدين من الأجانب الذين يلتمسون تفصيلات العجائب التي تشرح لهم جو الرواية وعقدتها التي ينكرها العقل. وكتبت خالدة بعد هذه الرواية "تاتار جيك" (أي التترى الصغير) سنة 1939، وهي أيضا وصف غير واقعى لجيل من الشباب نشأ في السنوات التي كانت قد نفيت فيها خالده (انظر ملخص هذه الرواية في المصدر المذكور، وفي مظفر أويكونز: خالدة أديب أديوار، إستانبول سنة 1968 ,ص 63). وبعد أربعة عشر عاما استقر النوى مرة أخرى بخالدة في حي قديم من أحياء إستانبول لم تلبث فيه أن اجتذبت

دائرة واسعة من الأصدقاء، ولم تكتف بذلك بل هي قد اكتشفت أيضا عالما جديدًا هو عالم الأناضول وسكان الريف الصغار الذين انتقلوا إلى إستانبول. وتنطوى معظم رواياتها التي كتبت بعد هاتين الروايتين، وخاصة رواية "سونسوز باناير" (أي السوق الدائمة سنة 1946) و"دونر آينه" (المراية الدائرة، سنة 1954) و"عقيلة هانم سوقغى" (شارع عقيلة هانم، سنة 1958) على تناول واقعى لتجاربها الشخصية وملاحظاتها عن المجتمع التركى في أواخر الأربعينيات وفي الخمسينيات، ووصف قوى للمشاهد المتتالية لأنماط مختلفة من الشخصيات والمشاكل الخاصة بمجتمع يأخذ بالمتغيرات السياسية والاجتماعية السريعة التي أعقبت سنوات الحرب العالمية الثانية. وروايتها "يكى طوران" (نشرت مسلسلة في صحيفة "طنين" سنة 1912 وطبعت في هذه السنة نفسها، وترجمت إلى الألمانية بمعرفة F.Das neue Turan: Schrader سنة 1916) نسيج وحدها من حيث هي ثمرة توددها القصير العمر لحركة الجامعة الطورانية أو الجامعة التركية التي أيدتها في ذلك الوقت جمعية الاتحاد والترقى (ملخص هذه الرواية في Lit- teratur. Iexicon انظر المصادر) ولو أن خالده تنكرت لهذه الحركة من بعد من حيث هي عقيدة سياسية (خالدة أديب توركيه ده شرق، غرب وأمريكان تسير لرى، إستانبول سنة 1956، ص 99 - 101)، على أن هذه الرواية تنبض بالروح الوطنية القوية التي تتميز بها معظم كتاباتها. ثم إن ما منيت به هذه الحركة من نكسات واضحة بعد الفترة التي أعقبت سنة 1908 قوت أيضا من وعيها الوطنى (Memoirs ص 312 , 329 - 334) ثم إن وطنية خالدة العارمة في سنوات محنتها من 1911 إلى 1922 , قد ازدادت إرهافا وثراء بما كابدته من تجارب في منفاها. وجمعت بعض قصصها القصيرة في ثلاثة كتب وهي "داغه جيكان قورت" التي أسلفنا بيانها، و"خراب معبدلر" (1911, والطبعة الرابعة سنة 1973) وتضمان أقدم آثارها، وما

تلاهما من مجموعة تضم قصصا شتى: "قبّه ده كالان حوش ساده" (إستانبول سنة 1974). وكتبت خالدة ذكرياتها في مجلدين باللغة الإنكليزية في السنوات التي قضتها منفية في إنكلترة (Memoirs of Halide Edib , نيويورك سنة 1926؛ The Turkish Ordeal سنة 1928) وهذان المجلدان لهما قيمتهما الأدبية الجوهرية، ولهما علاوة على ذلك أهمية لا تقدر من حيث هما وثائق عن سيرتها حتى سنة 1922 وأساس لكثير من حوادث التاريخ التركى بين سنتي 1900 و 1922. وقد تحرت فيهما منتهى الصدق والنزاهة في تسجيل كل شئ عن حياتها الشخصية كما أنهما يتميزان بالإنصاف والإتزان في وصفها لغيرها من الناس والحكم عليهم. ومن ثم فقد كانت كريمة في الثناء على كثير من الزعماء البارزين أمثال طلعتْ باشا وجمال باشا وعصمت باشا. ولكنها تفقد روح الإتزان والإنصاف كثيرًا وهي تتناول مصطفي كمال باشا. فهي تنوه بتفوقه الذي لا ينازع، ونشاطه الذي يكاد يفوق نشاط البشر وقدراته على القيادة، ولكنها تنوه أيضًا بعناده، وذلك يجعلها تتراوح بين الثناء واللوم. بل لقد بلغ بها البعد عن الإنصاف ما حملها على أن تغضى عن أمر واضح جلى فتسقط اسمه وهو بطل غاليبولى حين تشير إلى هذه الحملة (Memoirs، ص 384) , وتشتكى في غير ذلك من المواضع من أن "الشعب التركى هو في جميع الأحوال ضحية عبادة الأبطال، وخاصة في الأمور العسكرية" (Memoirs، ص 341). ولا شك أن ذلك جاء منها بطبيعة الحال نتيجة للصراع الجوهرى بين آرائها الحرة ونزعة التطرف عند مصطفي كمال. ونشرت خالدة روايات مختصرة في جوهرها معدلة لذكرياتها: "مورسالكيملى أو" (نشرت مسلسلة على مراحل متقطعة في يكى إستانبول ما بين سنتى 1951 - 1955 وطبعت سنة 1963) و"توركون آتشله امتحانى" (نشرت مسلسلة في المجلة الأسبوعية "حيات" بعنوان: ملى مجادله خاطره لرى، سنة 1959 - 1960 , وطبعت سنة 1962) وقد حذفت منها أو خففت الكثير من

موضوعاتها التي كانت مثار جدل. ولم تكن خالدة أديب تتحرى الدقة دائمًا في التواريخ، ومن ثم لا مناص من وضع معلوماتها التاريخية موضع النقد. ونشرت خالدة أديب، علاوة على روايتها الإنكليزية السابق ذكرها، ثلاثة كتب بالإنكليزية وهي خارج البلاد، واعتمدت في الكتابين الأولين على محاضراتها في أمريكا والهند، وهما Turkey Faces west نيوهافن سنة 1930, Conflict of East and west in tur- Key، لاهور سنة 1935. أما الكتاب الثالث وعنوانه Inside India لندن سنة 1937، فيشمل انطباعاتها وأفكارها عن بلاد "أحست بأنها أقرب إلى جوها النفسى من أي بلد آخر غير بلادها"، وفي الهند لقيت المهاتما غاندى وسائر الزعماء الوطنيين البارزين في شبه القارة هذه. وقد نشرت الترجمة التركية: "هند ستانه داير" مسلسلة في "يكى صباح سنة 1940 - 1941، ولكنها لم تنشر في صورة كتاب. وكانت خالدة تهتم اهتماما شديدًا بالمسرح ولكنها لم تكتب إلا مسرحيتين لم تلقيا نجاحا وهما: المسرحية التجريبية "كنعان جوبانلرى" أخرجت في الشام سنة 1916. وطبعت سنة 1918)؛ و"ماسكه وروح" (نشرت مسلسلة في "يديكون" سنة 1937 - 1938، وطبعت سنة 1945، والنسخة الإنكليزية بعنوان. " Masks and souls" سنة 1953)، وأشرفت على ترجمة أربع مسرحيات لشيكسبير في قسم اللغة الإنكليزية بجامعة إستانبول وهي: هاملت (سنة 1941)، وكما تحب (سنة 1943)، وأنطونيو وكليو باتره (سنة 1943)، وكوريو لانوس (سنة 1945)، وترجمت بنفسها كتاب جورج أورويل AnimaI Farm حيوان جفتليغى، التي نشرت مسلسلة في "جمهوريت" سنة 1952، وطبعت سنة 1954؛ وتشمل بحوث خالدة في معظمها تاريخا للأدب الإنكليزى من أصوله حتى نهاية القرن السابع عشر في ثلاثة مجلدات "إنكليز أدبياتى تاريخى" (إستانبول سنة 1940 - 1949). وكانت لغة خالدة أديب موضع نقد شديد من زملائها الكتاب ومن النقاد

(روشن أشرف: كتابه المذكور، في مواضع مختلفة؛ جودت قدرت: تورك أدبيا تنده حكايه ورومان، جـ 2، أنقره سنة 1970، ص 66 - 67). صحيح أن لغتها في كثير من الأحيان غليظة لا تسير مع قواعد النحو، وأسلوبها خلو من الأناقة وغير مصقول، إلا أن ما اتسم به حقا من حرارة وذاتية مسرفة يجعل له سحرا عجيبًا وأثرًا مباشرًا على القارئ. كانت معجبة إعجابا كبيرًا بالأدب الشعبى ومن ثم كرهت على الدوام اللغة المفتعلة المتأنقة المأثورة عن معظم معاصريها، وكتبت، مثل رفيق خالد بلغة تركية بسيطة مستقيمة حتى قبل أن ينادى عمر سيف الدين وأصدقاؤه في سلانيك، باللغة الجديدة (يكى لسان). وهذا هو السبب في أنها ما زالت أكثر كتاب جيلها رواجًا بين القراء. المصادر: علاوة على ما ذكر في صلب المادة: (1) إسماعيل حييب (سووق): تورك تجدد أدبياتى تاريخي إستانبول سنة 1924، ص 628 - 631. (2) المؤلف نفسه: تنظيما تانبرى , إستانبول سنة 1940 , 479 - 486. (3) كنعان آقيوز La Litterature moderne de Turquie في phTF، جـ 2، فيسبادن سنة 1964 ,ص 587 - 589. (4) Kindlers Littera-tur Lexicon زيورخ، السنوات 1965 - 1972, الملحق، سنة 1974 , الفهرس. (5) بهاء دوردر: خالدة أديب وصنعتى، إستانبول سنة 1940. (6) خ. و. بارلاس: خالدة أديب أديوار، إستانبول سنة 1963. (7) Die moderne tuerkische: O.SpiesLiteratur في Handbuch der Orientalistik جـ 5، ليدن سنة 1963 ,ص 362 - 363. (8) حلمى يوجباش: بوطون جفلريله خالدة أديب، إستانبول سنة 1964. (9) تورك ديلى: رومان أوزل ساييسى، أنقرة سنة 1964.

خالد بن الوليد

(10) آيليق ببليوغرافيا، بكى يايينلر، جـ 2: 9، إستانبول سنة 1964. (11) نازان كونتوركون: خالدة أديب إيله أديم أديم، إستانبول سنة 1974. (12) عشر رسائل غير منشورة عن خالدة أديب محفوظة في مكتبة جامعة إستانبول وفي مكتبة القسم بجامعة أنقرة: دل وتاريخ -جغرافيا فاكولته سى، وانظر فهارس الجامعتين في مادة "تزلر". خورشيد [فاخر عز Fahir Iz] خالد بن الوليد ابن المغيرة المخزومى: صحابى وقائد إسلامى: كان خالد على ميمنة الجيش المكى في غزوة أحد، وكان تدخله في الوقت المناسب هو السبب في انتصار قريش. وأظهر في هذه الواقعة كفاية ممتازة في القيادة الحربية، حاز الإسلام بفضلها كثيرًا من انتصاراته فيما بعد. وكان دخول خالد في الإسلام هو وعمرو بن العاص في مستهل العام الثامن من الهجرة (629 م) وقد شارك في الواقعة التي شنت على الروم، في مؤتة وأفلح خالد بذكائه وشئ من الجهد في العودة بمن معه الارتداد إلى المدينة. فكافأه النبي عليه السلام على ذلك بأن خلع عليه لقب "سيف الله". واشترك في العام نفسه مع المسلمين في فتح مكة. ويروى أنه استجاب لأمر النبي [- صلى الله عليه وسلم -] فهدم بيت العزى من أصنام المشركين ثم أوفد بعيد ذلك إلى بنى جذيمة وحمل في رجب من العام التالى (أكتوبر - نوفمبر 630) على أكيدر النصراني صاحب دومة الجندل وأنفذه النبي - صلى الله عليه وسلم - في مستهل السنة العاشرة لهجرته (صيف عام 631) إلى نجران ليدعو بنى الحارث بن كعب إلى الإسلام فتم له ذلك دون قتال. وفي العام الذي يليه أرسله أبو بكر لقتال طلحة بن خويلد فهزمه عند بزاخة ثم وجه همه إلى بنى تميم وكانوا ينزلون فيما جاور ذلك، وكان مالك بن نويرة يتزعم بطنا من بطونها في قتال البطون الأخرى ولما دانت هذه البطون لخالد استسلم مالك أيضا، بيد أنه أسر وقتل، وبنى خالد

بأرملته، فشكا الناس إلى الخليفة فعل خالد. ويروى أن خالدا اعتذر عن قتل مالك وسائر الأسرى بأنه كان نتيجة خطأ في الفهم، فقد أمر جنده أن يبذلوا لأسراهم من اللباس ما يستدفئون به قائلا "أدفئوا أسراكم" ففهم الأعراب أن المقصود بها "اقتلوا أسراكم" (¬1) ومهما يكن من شئ فقد قنع أبو بكر بلومه وأبقاه في منصبه على الرغم من شدة اعتراض عمر، وسرعان ما خرج خالد بعد ذلك لقتال مسيلمة الكذاب، فلحق به عند عقرباء على تخوم اليمامة وأوقع به الهزيمة وقتله وأتباعه، وكان ذلك في مستهل السنة الثانية عشرة للهجرة (بداية 633 م) ثم نفذ بعد ذلك لقتال الفرس ففتح الحيرة في ربيع الأول من عام 12 هـ (مايو - يونية 633) أو بعد ذلك بأشهر، ثم احتل الفرات بأسره. ويقال إن الروم عبروا الفرات آخر الأمر ولكنهم منوا بالهزيمة عند الفراض في ذي القعدة من عام 12 هـ (يناير 634 م) ولم يخرج خالد لفتح الشام إلا في المحرم من العام التالى (مارس - أبريل 634 م) أو ربيع الآخر (يونية) في قول روايات أخرى. وقد هزم الروم شر هزيمة في أجنادين فارتدوا إلى دمشق، وكان ذلك في جمادى الأولى أو الآخرة (صيف 634) ثم دحرهم مرة أخرى وأحدق بهم وحاصرهم حتى سقطت دمشق في يده في شهر رجب عام 14 هـ (أغسطس - سبتمبر 635). وقد عزل خالد حوالي هذا الوقت عن قيادة الجيش وأقيم مكانه أبو عبيدة بن الجراح ولكنه ثابر على فتح الشام، فكان على رأس الفرسان في وقعة اليرموك (12 رجب عام 15 هـ = 20 أغسطس عام 636 م) وإليه يرجع معظم الفضل في انتصار المسلمين، وبعد ذلك بقليل استعاد حمص ثم توجه إلى قنسرين وهزم جيشًا من الروم يقوده ¬

_ (¬1) جاءت هذه الرواية في كتاب "الصديق أبو بكر" لهيكل باشا: تجرى رواية بأنه (أي خالد) أمر بحبس مالك وأصحابه حتى ينظر في أمرهم. وحبسوا في ليلة باردة جعلت تزداد بتقدم الليل بردا، وأخذت خالدا الشفقة بالقوم فأمر فنادى: "أدفئوا أسراكم" وكانت هذه العبارة في لغة كنانة معناها القتل. وكان الحراس من بنى كنانة. فما لبثوا حين سمعوها أن ظنوا أن خالدا أراد قتلهم فقتلوهم. وسمع خالد الضجة فخرج وقد فرغوا منهم فقال: أراد الله أمرا أصابه.

ميناس فما لبثت هذه المدينة أن سقطت في يده وجعلها مقره حينذاك. وولى خالد على جزء من الشام فترة من الزمن، ثم صرف عن ولايته بعد ذلك. وتوفي خالد بن الوليد في حمص، أو في المدينة، لإحدي وعشرين سنة خلت من الهجرة (641 - 642 م). وقد وصفه ميلر A. Muller وصفًا رائعًا في كتابه Der Islam (جـ 1، ص 257) فقال "لقد كان أحد الذين استغرقت عبقريتهم الحربية كل حياتهم العقلية، مثله في ذلك مثل نابليون لا يصرفه شئ عن الحرب ولا يحب أن يعرف شيئًا غيرها". . . المصادر: (1) ابن هشام، طبعة فستنفلد ص 273 وما بعدها. (2) المغازى للواقدى، طبعة Well- hausen ص 77 وما بعدها. (3) ابن سعد، جـ 4، القسم الثاني، ص 1. (4) ابن قتيبة: المعارف، طبعة فستنفلد ص 136. (5) البلاذرى، طبعة ده خويه، ص 38 وما بعدها. (6) اليعقوبى طبعة هوتسما، جـ 2 ص 48 - 180. (7) الطبرى: جـ 1، في مواضع مختلفة، الحاشية ص 241. (8) المسعودي: مروج الذهب، طبعة باريس جـ 1، ص 216 - 222؛ جـ 4 ص 211. (9) الأغاني: الفهرس. (10) ابن الأثير: الكامل، طبعة تورنبرغ جـ 2 في مواضع مختلفة. (11) أسد الغابة جـ 2، ص 101 - 104. (12) ابن حجر: الإصابة جـ 1، رقم 2190. (13) Gesch d. Chalifen: Weil جـ 21، ص 18 وما بعدها. (14) Der Islam im Morgen: Muller und Abendland جـ 1 , ص 124 , 145، 150 وما بعدها، 165 , 177 وما بعدها, 226 - 237، 250 - 257.

الخالدي

(15) The Caliphate, its Ries,: Muir Decline and Fall ص 17 وما بعدها. (16) Reste arabischen: Wellhausen Heidentums ص 36 وما بعدها. (17) المؤلف نفسه Skizzen und vo- rarbeiten جـ 6، ص 9 وما بعدها 37 - 65. (18) Annali dell Islam: Caetani جـ 1 - 4 وانظر الفهرس. (19) Histoire des Arabes: Huart جـ 1، ص 30 وما بعدها. يونس [تسترشتين K. V. Zettersteen] الخالدي روحى: باحث ودبلوماسى وسياسى فلسطينى، ولد في بيت المقدس سنة 1864 في أسرة مشهورة من الباحثين ترفع نسبها إلى خالد بن الوليد وتلقى الخالدى تعليما دينيًا ولغويًا في مسقط رأسه وفي نابلس وطرابلس وبيروت، ودرس الفلسفة والقانون وعلم السياسة في الكلية السلطانية بالآستانة. واستمر في دراسته للاقتصاد السياسى والفلسفة والعلوم الإسلامية والشرقية في السوربون، ثم درس بعد العربية في باريس وحضر مؤتمر المستشرقين سنة 1897. وفي عام 1898 أقيم القنصل العثماني العام في بوردو حيث شارك بنشاط في الحياة الديبلوماسية والعلمية. وعاد إلى بيت المقدس بعد إعلان الدستور العثماني سنة 1908، وانتخب ثلاث دورات نائبا عن بلده في البرلمان العثماني. وتوفي في الآستانة سنة 1913. ويعد كتابه "تاريخ علم الأدب عند الإفرنج والعرب وفكتر هوكو (فيكتور هوجو) " أول كتاب في الدراسات الأدبية المقارنة في الأدب العربي الحديث. وهو يتناول فيه أوجه الشبه وأوجه الخلاف بين الأدب الأوربى والأدب العربي (وخاصة الأدب الفرنسى) وتطورات كل منهما وأثر الأدب العربي في الأدب الأوربى وشأن فيكتور هوجو في استحداث هذا الأثر في الأدب الفرنسى. وهذا الكتاب نشر

أول ما نشر في مجلة الهلال سنة 1902 - 1903 ثم نشر في صورة كتاب سنة 1904 باسم المقدسى. ولم يذكر عليه اسم الكاتب إلا في طبعات سنة 1912 و 1929 و 1932. أما آثار الخالدى الأخرى فمعظمها سياسى وعلمى مثل: "الانقلاب العثماني وتركيا الفتاة" وقد طبع على الحجر في 7 أكتوبر سنة 1908، ولعل طبعه كان بخط يد الكاتب، ثم نشر في الهلال (عدد 17، سنة 1908) ثم طبع في القاهرة سنة 1909 بعنوان "الانقلاب السياسى العثماني". وكتب الخالدى أيضا: "المقدمة في المسألة الشرقية منذ نشأتها الأولى إلى الربع الثاني من القرن الثامن عشر" (بيت المقدس سنة 1925؟ )؛ و"الكيمياء عند العرب" (القاهرة سنة 1935)؛ و"رسالة في سرعة انتشار الدين المحمدى في أقسام العالم الإسلامي" (طرابلس سنة 1314 هـ الموافقة 1896 م)؛ وحقق كتيبًا لسعد الدين الخالدى الملقب بابن الديرى عنوانه "الحبس في التهمة والامتحان على طلب الإقرار وإظهار المال" (1321 هـ = 1903)، وثمة كتب أخرى له ما تزال مخطوطة. المصادر: (1) ج. ا. داغر: مصادر الدراسة الأدبية، جـ 2: 1: الراحلون (1800 - 1955) بيروت سنة 1956، ص 333 - 335. (2) الزركلى: الأعلام، الطبعة الثانية، جـ 3، ص 64. (3) سركيس: معجم المطبوعات، النهران 813 - 814. (4) شيخو: تاريخ الآداب العربية، بيروت سنة 1926 , ص 50. (5) الخالدى: المقدمة في المسألة الشرقية، ص 1 - هـ خورشيد [س. موره S. Moreh]

خالد بن يزيد

خالد بن يزيد ابن معاوية أبو هاشم: من أبناء الخليفة يزيد الأول وفاطمة بنت أبي هاشم ابن عتبة بن ربيعة، ولم يسجل تاريخ مولده، والراجح أنه ولد حوالي سنة 48 هـ (668 م) وتوفي أخوه معاوية الثاني سنة 64 هـ (683 م) دون أن يعهد لأحد بالخلافة فتنازع المطالبون عليها وانتصر حسان بن مالك ابن بحدل لخالد، ومع ذلك فإنه لم يُبايع لأنه كان حديث السن كل الحداثة، وبويع العالى السن مروان بن الحكم شريطة أن يخلفه خالد بن يزيد ثم عمرو بن سعيد بن العاص الأشدق ثم إن مروان تعهد بالزواج من فاطمة فاكتسب بذلك أنصار خالد. على أن مروان عاد إلى مصر فاستوثق بالعهد إلى ابنه عبد الملك ولعله فعل ذلك لأنه كان يرى أن خالدًا لم يكن له في السياسة أي شأن. وذكره خالد بوعده فأهانه مروان على الملأ، وهنالك انتقم منه فقتلته فاختة في رواية تشوبها الأساطير (والحق أن وفاة مروان سنة 65 هـ الموافقة 685 م قد تكون لسبب خلاف ذلك). وبويع عبد الملك، ولم يعد أحد يذكر خالدًا، ولا هو طالب بحقه في الخلافة، بل ان أواصر الصداقة توطدت بين الاثنين، وتزوج خالد ابنة عبد الملك عائشة (البلاذرى: الأنساب، جـ 11 , تحقيق آلوارت Ahlwardt ص 153، سطر 12) وراح يبذل لعبد الملك المشورة، وانضم إليه بقرقيسياء صيف سنة 71 - 72 هـ (691 م) في حملته على زفر بن الحارث الكلابى. أما بعد ذلك فإن خالدا قصر نشاطه فيما يظهر على إدارة شئون إمارته بحمص. وتزوج خالد على عائشة بنت عبد الملك بن مروان أم كلثوم بنت عبد الله بن جعفر بن أبي طالب وآمنة بنت سعيد بن العاص بن أمية، ورملة بنت الزبير بن العوام. وتواتر عن حبه لرملة قصص حافلة بالعاطفة والخيال، والراجح أن خالدا توفي سنة 85 هـ (704 م) في خلافة عبد الملك، وتقول مصادر أخرى إن وفاته كانت سنة 90 هـ (709 م). وفي علم الرجال يدخل خالد في زمرة علماء الحديث، على أن شأنه من حيث هو محدث كان في الحق لا وزن له. أما في الشعر فلا يعدو أن يكون من هواته.

وقد جعلت الحكايات المتأخرة خالدًا من أصحاب الكيمياء، إذ يقال إنه أمر الباحثين المصريين أن يترجموا إلى العربية الكتب اليونانية والقبطية في الكيمياء والطب والفلك، وأنه أخذ الكيمياء على راهب رومى (بوزنطى) يدعى مريانوس (ويقال أيضًا إسطفانوس)، وهذا كله لا سند له من التاريخ. وترد هذه الحكايات إلى نادرة تزعم أن خالدًا كان موضوعًا للسخرية والاستهزاء لأن الخلافة سرقت منه ومن ثم راح يزجى فراغه بـ"طلب ما لا يقدر عليه" (البلاذرى: أنساب الأشراف، ص 71، س 5) وفسرت هذه العبارة من بعد فقيل إن المقصود بها الكيمياء وأصبح هذا التفسير جزءًا من الندرة (انظر على سبيل المثال: الأغاني، الطبعة الأولى، جـ 16، ص 90، س 7 = جـ 17 من الطبعه الثالثة، ص 345، س 12) فارتبط اسم خالد بكتب هامة في الكيمياء مثل "كتاب فردوس الحكمة" وهو ديوان من قصائد في الكيمياء تبغى الإرشاد والهداية، وعدة رسائل أخرى مثل قصة مريانوس، ووصيته الأخيرة لابنه، وراجت في القرون اللاتينية كتب نسبت إلى Calid filius Jazidi . المصادر: (1) ابن سعد، جـ -5، ص 28، 168، 212. (1) الزبيرى: النسب، ص 128. (3) الجاحظ: البيان والتبيين، تحقيق عبد السلام هارون، جـ 1، ص 328. (4) البلاذرى: أنساب الأشراف، جـ 4 ب، ص 65 - 71 - 137, جـ 5، ص 128 - 135, 145 , 150 , 157؛ جـ 11 (تحقيق Ahlwardt) ص 153، 224. (5) أبو حنيفة الدينورى: الأخبار الطوال، تحقيق Guirgass ص 272 , 294، 328. (6) اليعقوبى: التاريخ، جـ 2، ص 301 - 307. (7) المبرد: الكامل, تحقيق رايت Wright، ص 196. (8) الطبرى، جـ 2، ص 469 - 477, 577 , 804. (9) ابن عبدربه: العقد الفريد، تحقيق أمين، الفهرس. (10) المسعودي: التنبيه والإشراف، ص 307؛ المروج، جـ 8، ص 176.

(11) الأغاني، الطبعة الأولى، جـ 16، ص 87 - 92 = الطبعة الثالثة، ص 340 - 350. (12) الفهرست، ص 242 , 244، 354. (13) البيرونى: الآثار الباقية، ص 302. (14) ابن عساكر، تحقيق عبد القادر بدران، جـ 5، ص 116 - 120. (15) ياقوت: معجم الأدباء، جـ 4، ص 165. (16) الذهبى: التاريخ، جـ 2، ص 364 , 366، 368 , جـ 3، ص 246. (17) ابن خلدون المقدمة، جـ 3، ص 193 , ترجمة Rosenthal، جـ 3 ص 229. (18) Arabische Alchemis-: J. Ruska ten I Chalid ibn Jazid . ibn Mu' awiya هيدلبرغ سنة 1924. (19) H. E. Stapelton في Isis عدد 26، سنة 1936، ص 128 - 131. (20) Sezgin جـ 4، ص 120 - 126. (21) Die Natur. Und: M. Ullmann HO, Geheimwissenschaften im Islam Erg bd. VI-2 ليدن سنة 1972 , ص 192 - 195. (22) المؤلف نفسه Katalog der ara- bischen Alkemistischen Handschriften der Chester Beatty Library جـ 1، فيسبادن سنة 1974، الفهرس. خورشيد [أولمان M, Ullmann] + " خالد بن يزيد" الكاتب التميمى أبو الهيثم: بغدادى من أصل خراسانى، كان كاتب الجيش في وزارة الفضل بن مروان (218 - 221 هـ = 833 - 836 م) واحتفظ بمنصبه هذا في وزارة ابن الزيات وهنالك اختلط عقله في ظروف ظلت غامضة (ياقوت، معجم الأدباء، جـ 11، ص 48)، ومن وقتها راح يتجول في طرقات بغداد وقد تعرى أو كاد يلاحقه جمع من الصغار يرمونه بالحجارة (الأغاني، جـ 20، ص 244، الصابئ: الوزراء، ص 162 - 163) , وأدركته المنية حوالي سنة 269 هـ (883 م).

كان خالد نديمًا لعلي بن هاشم ثم للفضل بن مروان وكان يباح له الدخول على صحبة المعتصم، كما كان مقربًا للشاعر على بن الجهم ومعاونًا لعازف الطنبور المشهور أحمد ابن صدقة (الأغاني، جـ 22، ص 216 - 217، 517 - 518)، ولكن أشعاره هي التي أبقت عليه من النسيان، وقد وصف نفسه قائلا: "أنا غلام أقول في شجون نفسى لا أكاد أمدح ولا أهجو" (الشابشتى: الديارات، ص 16 - 17؛ تاريخ بغداد، جـ 8، ص 313). وهو من حيث العمل صاحب أبيات قصار، لا تتعدى الأربعة أبيات. وحين تجاوز ذلك إلى نظم قصائد طويلة أشاد فيها بانتصارات المعتصم (يشتمل ديوانه على خمسة مدائح) نقده دعبل لتعرضه لموضوعات لا ترقى إليها قدراته الشعرية. وموهبة خالد تنحصر في الرثاء الذي يصف فيه عذابات المحب وقسوة ما هو فيه من وحدة. وكانت ذكرى المحبوبة تلازمه ويشقيه أن الهوى مكتوب لا نجاة منه. وقد خاطب بأشعاره المرأة والغلمان، فخصهما بقصائد كثيرة كما نظم بعض الأشعار المؤثرة حين اختلط عقله، وشكا في تلك الأيام من فقد أشعاره وقال في يأس إن الناس لم يحفظوها وأنه هو نفسه قد نسيها (الأغاني، جـ 20، ص 244). والصفة التي لصقت به عند أصحاب الدواوين في تناولهم أشعاره هي "الرقة". وهنا نجد فنًا شعريا رقيقًا يعبر في لغة رشيقة عن الأحوال المتقلبة تطرأ على فؤاد حساس صادق. ولا مناص من أن نلاحظ ما كان يعوله من شأن على جرس الألفاظ، فكثيرًا ما كان يستعمل في البيت الشعرى جذرًا واحدًا مرتين أو ثلاثًا، وهذا النمط في الأسلوب يعبر عن حس مرهف بتداعي المعاني. المصادر: (1) الإصفهانى: الأغاني، طبعة بيروت، جـ 20، ص 234 - 249، وفي مواضع مختلفة. (2) الشابشتى: الديارات، بغداد سنة 1966 ,ص 15 - 21 مع إشارات إلى مخطوط الديوان. (3) الكتبى: فوات الوفيات، القاهرة سنة 1951، جـ 1، ص 296 - 297, رقم 119.

الخالديان

(4) النويرى نهاية الأزب، القاهرة سنة 1954، جـ 5، ص 33 - 34. (5) ابن المعتز: الطبقات، القاهرة سنة 1956، ص 405 - 406. (6) الخطيب البغدادى: تاريخ بغداد، القاهرة سنة 1931 جـ 8، ص 308 - 314. (7) ابن خلكان: الوفيات، طبعة بيروت سنة 1968 - 1972, جـ 2، ص 232 - 237, رقم 215. (8) ياقوت: معجم الأدباء، جـ 11، ص 47 , 52. (9) الحصرى: زهر الآداب، القاهرة سنة 1953، الفهرس. (10) انظر أيضًا Les: Bencheikh voies d'une creation, رسالة جامعية لم تطبع، باريس سنة 1971 ,جـ 1، ص 171 وما بعدها. خورشيد [بن شيخ J. E. Bencheikh] الخالديان الاسم الذي عرف به عامة شاعران من حاشيه سيف الدولة أخوان متلازمان لا يفترقان، وهما أبو عثمان سعد (أو سعيد) المتوفى عام 350 هـ (961 م) وأبو بكر محمد المتوفى عام 380 هـ - 990 م) ابنا هاشم بن سعيد ابن وعلة، خرجا من قرية في إقليم الموصل تعرف بالخالدية (ياقوت، جـ 2، ص 390) وربما عاشا في البصرة حينًا من الزمن (ياقوت: معجم الأدباء، جـ 11، ص 208، وهو يؤكد ذلك ويلقب أبا عثمان بالبصرى)، على أنهما اشتهرا من بعد بتوليهما أمانة مكتبة سيف الدولة، وقد خصاه بشعرهما الذي كانا يقرضانه بين الحين والحين، وجذب الخالدان الالتفات بمنافستهما الرفّاء الذي رماهما بالسرقة بالاعتماد على ذاكرتهما العجيبة. ويتعجب ابن النديم من هذه الموهبة ويعلل ذلك على لسان أبي بكر قائلا إنه كان يحفظ ألف سفر كل سفر من مائة صفحة. وقد جمع شعرهما الذي نقرأ مختارات منه في الثعالبى (اليتيمة، جـ 1، ص 507 - 530) أو عثمان في ديوان لم يصل إلينا فيما يظهر. وبقى لنا من آثارهما ديوانان: "حماسة شعر المحدثين" (أو "الأشباه والنظائر") و"الهدايا والتحف" (انظر بروكلمان، جـ 1، ص

خباب بن الأرت

147 , قسم 1، ص 41، 226)، وينسب لهما أيضا "مختار من شعر بشار" عرفناه عن طريق مختار لأبي طاهر إسماعيل التجيبى ونشر بعنوان "مختار المختار من شعر بشار" على يد محمد بدر الدين العلوى في القاهرة سنة 1353 هـ (1934 - 1935؛ انظر: ديوان بشار تحقيق محمد الطاهر بن عاشور، القاهرة سنة 1369 هـ الموافقة 1950، جـ 1، ص 90). وأخيرًا فإن أصحاب الطبقات يذكرون من آثارهما: "كتاب في أخبار أبي تمام ومحاسن شعره" و"كتاب اختيار شعر البحتري" و"كتاب في أخبار شعر ابن الرومي" و"كتاب اختيار شعر مسلمة بن الوليد" (انظر سامى الدهان: شرح ديوان سريع الغنوى، القاهرة من غير تاريخ، ص 338 , 340 , في رواية الصفدى: الغيث، القاهرة سنة 1305 هـ، ص 143، 187) ص 363؛ A history of Muslim F. Rosenthal historiography ص 405، رقم 2) و"الديارات". المصادر: علاوة على ما ذكر في صلب المادة: (1) الفهرست، ص 169 طبعة القاهرة، ص 240 - 241. (2) الكتبى: فوات الوفيات، الرقمان 141، 457. (3) العباسى: معاهد التنصيص، جـ 1، ص 60. (4) Sayf al Daula: M.Canard، الجزائر سنة 1934، ص 293 - 295. (5) Renaissance: Mez. الترجمة الإنكليزية، ص 264 - 265. (6) Motanabbi: Blachere، ص 132، 142. خورشيد [بلا Ch. Pella] خباب بن الأرت أبو عبد الله أو أبو يحيى أو أبو محمد أو عبد ربه: صحابى، وليس بين الروايات إجماع على أصله، فبعضها يقول إن أباه أسر في غارة شنتهما ربيعة في السواد وحمل إلى مكة وبيع لسباع بن عبد العزى الخزاعى حليف بنى زهرة" وسباع أهداه إلى ابنته أم أنمار فأعتقته، وسباع هذا هو الذي قتله

حمزة من بعد في غزوة أحد، وفي رواية نسبت لعلى أنه قال إنه أول النبط الذين دخلوا في الإسلام، وتزعم روايات أخرى أن أم خباب كانت امرأة تحترف الختن وأنها ولدت سباعا، ومن ثم فإن حمزة وهو يقتل سباعا صاح به "يا ابن مقطعة البظور"، وبحكم هذه الصلة زعم خباب أنه حليف زهرة بمكة، وتقول بعض الروايات أن أباه هذا خرج من كسكر أو من جوار الكوفة، وثمة رواية مختلفة عن هذه كل الاختلاف تروى أن الأرت تميمى من بنى سعد أسر في غارة وبيع في مكة لأم أنمار الخزامية وأعتقته، وهذه الرواية التي أخذ بها حفدته تجعل نسبه كما يأتي: خباب بن الأرت بن جندلة بن سعد بن خزيمة بن كعب بن سعد من تميم، وثمة رواية أخرى تقول إنه كان مولى ثابت بن أم أنمار، وتزعم هذه المصادر أن ثابتا هذا كان مولى للأخنس بن شريق الثقفي الذي كان بدوره حليفا لزهرة، وهذه الروايات المتناقضة لا تساعد على تحقيق أصله بالضبط ومكانه في مكة، على أنه كان بلا شك ذا مكانة متواضعة جدا ذلك أنه كان مولى مرتين، مولى أسرة كانت بدورها من موالى قبيلة زهرة، وكان خباب نفسه حدادا وهي حرفة تعد وضيعة في مكة خاصة وفي شبه الجزيرة العربية عامة، والظاهر أن الرواية التي تقول إنه من السواد هي المفضلة بحكم أن لغة أبيه العربية كانت غير سليمة يشهد بذلك لقبه "الأرت" ويدل هذا فيما يبدو على أن العربية لم تكن لسانه الأصلى، والراجح أنه كان يتحدث بالنبطية أي بالآرامية الحديثة، وقد اكتسب خباب، فيما يظهر، بعض النفوذ في أسرة سيده الخزاعية بالرغم من أنه كان من الموالى، وهو الذي أيد الرأى القائل بأن أسرة سباع يجب أن تلحق بعوف بن عبد عوف الزهرى (أسرة عبد الرحمن بن عوف) حلفاء له، ولاشك أنه نجح في تحقيق هذا الرأى. وكان خباب من السابقين إلى الإسلام، وهو يذكر على الأغلب بأنه السادس أو السابع فيمن دخلوا في الإسلام، وثمة رواية فريدة تجعل له مكانة في الإسلام رفيعة كل الرفعة، إذ تقول إنه أول رجل اعتنق الإسلام. ويذكر أن خباب كان من المستضعفين في مكة لا يمنعه أحد، وقد تعرض للاضطهاد والتعذيب الشديد، وكان القرشيون وشيوخ القبائل يدأبون على السخرية بالنبى عليه الصلاة السلام حين يرونه اصطحب معه

خبابا وغيره من المستضعفين، وقد نزلت بعض الآيات من القرآن على النبي [- صلى الله عليه وسلم -] في هذا الخصوص: ويقال إن خبابا كان مقربا من النبي [- صلى الله عليه وسلم -] وسمع من فمه عليه السلام سورا من القرآن، وشهد إسلام عمر حين كان حاضرا في بيت أخت عمر وهي تتلو سورا من القرآن. وترك خباب مكة مهاجرا وسكن المدينة في بيت كلثوم بن هدم، فلما توفي كلثوم انتقل إلى بيت سعد بن عبادة، وتدخله بعض المصادر في زمرة أصحاب الصفّة. وآخى النبي عليه السلام بينه وبين جبر بن عتيق، وشهد خباب بدرا وعهد إليه توزيع الغنائم، وتضيف الروايات في الغالب أنه شهد سائر غزوات النبي ومع ذلك فإنه لم يذكر في ثبت المقاتلين في خبر هذه الغزوات. وليس بين أيدينا تفصيلات عن تقلبات حياته في خلافتى أبي بكر وعمر، ومنحه عثمان ملك صعنبى أو إستينيا في جوار الكوفة واستقر في هذه المدينة، وتزعم رواية شيعية أنه شهد وقعة صفين والنهروان، وتذكر بعض المصادر الشيعية أنه وقع وثيقة التحكيم في صفين. وتوفي خباب سنة 37 هـ أو (39) في سن الثالثة والستين (أو 73) في بحبوحة من العيش، فقد خلف حوالي 40.000 دينار نقدًا، وأسف قبل موته لأنه جمع هذه الثروة، فقد خشى أن يكون قد ضيع جزاءه في الآخرة بنوال جزائه في الدنيا، وأمر خباب بأن يدفن خارج الكوفه مخالفا بذلك سنة دفن الموتى في بيوتهم، ويقال إن عليا صلى عليه حين رجع من يوم صفين، وروي خباب 32 حديثا للرسول [- صلى الله عليه وسلم -] سجلت في كتب الحديث الصحاح، كما روت ابنته بعض الأحاديث عن الرسول [- صلى الله عليه وسلم -] وقتل الخوارج ابنا له أشنع قتلة. المصادر: (1) ابن هشام: السيرة النبوية طبعة القاهرة سنة 1355 هـ (1936 م) جـ 1، ص 271 - 368 - 370 - , 383، جـ 2، ص 337. (2) ابن سعد: الطبقات، بيروت سنة 1377 هـ (1657 م) جـ 3 , ص 164 - 167، جـ 5، ص 245. (3) الواقدى: المغازي "تحقيق M.Jones" لندن سنة 1966 ,جـ 1، ص 100, 155.

(4) البلاذرى: أنساب الأشراف "تحقيق محمد حميد الله" القاهرة سنة 1959، جـ 1 الفهرس. (6) الطبري: التاريخ، الفهرس. (7) الكاتب نفسه، المنتخب من كتاب ذيل المذيل، القاهرة سنة 1358 هـ (1939 م)، ص 57. (8) خليفة بن خياط: الطبقات، تحقيق أكرم ضياء العمري" بغداد سنة 1386 هـ (1967 م) الفهرس. (10) محمد بن حبيب المنمق" تحقيق خ: 1، فارق حيدر آباد سنة 1384 هـ (1964)، ص 294 - 295. (11) الكاتب نفسه: المحبر "تحقيق - Lichten Staedter، حيدر آباد سنة 1361 هـ (1942 م) ص 288. (12) المنقري: وقعة صفين، القاهرة سنة 1382 هـ، ص 506، 530. (13) ابن قتيبة: المعارف، تحقيق الصاوى، وأعيد طبعه في بيروت سنة 1390 هـ (1970 م) ص 138. (14) عبد الله بن المبارك: كتاب الزهد والرقائق، تحقيق عبد الرحمن الأعظمى، مالجاون سنة 1385 هـ (1966 م) ص 183 - 184. (15) الطيالسى: المسند حيدر آباد سنة 1321 هـ ص 141 - 142. (16) مقاتل: التفسير، مخطوط طوب قابى سراي "أحمد الثالث" 74، جـ 2 والأوراق 43 ب , 165 ب، 224 ب. (17) الواحدى: أسباب النزول، القاهرة سنة 1388 هـ (1968 م)، ص 146، 251. (18) الحاكم النيسابورى: المستدرك "حيدر آباد سنة 1342 هـ، ص 381 - 383. (19) المسعودي: التنبيه والإشراف، تحقيق الصاوى، القاهرة سنة 1357 هـ (1938 م) ص 199 (وقد استشهد به مغلطاى: الزهد الباسم، مخطوط في ليدن، المخطوطات الشرقية رقم 370، ورقة 3118).

(18) أبو نعيم الإصفهانى: حلية الأولياء، القاهرة سنة 1387 هـ (1968 م)، جـ 1، ص 336. (19) ابن عبد البر: الاستيعاب، القاهرة سنة 1380 هـ (1960 م) ص 347 - 539، رقم 628. (20) ابن سيد الناس: عيون الأثر القاهرة سنة 1356 هـ جـ 1، ص 272. (21) ابن حزم: جوامع السيرة، تحقيق عباس وناصر الأسد وشاكر، القاهرة من غير تاريخ، الفهرس. (22) ابن كثير: البداية والنهاية، بيروت - الرياض سنة 1966، جـ 7، ص 288. (23) الكاتب نفسه: شمائل الرسول، القاهرة سنة 1386 هـ (1967 م) ص 358. (24) البيهقى: دلائل النبوة، المدينة سنة 1389 هـ (1969 م) جـ 1، ص 425، جـ 2، ص 57. (25) إبراهيم بن محمد البيهقى: المحاسن والمساوى، القاهرة سنة 1380 هـ (1961 م 9) جـ 2 بيروت سنة 1967، جـ 9، ص 298 - 299. (26) مجمع الزوائد بيروت 1967، جـ 9، ص 298 - 299. (27) الماوردى: أعلام النبوة، القاهرة سنة 1319 هـ، ص 77. (28) ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة، القاهرة سنة 1964، جـ 18، ص 171 - 172. (29) محمد بن ناصر الدين الدمشقى: جامع الآثار، مخطوط بكامبردج، المخطوطات الشرقية رقم 913 ,ورقة 339. (30) الذهبى: أسير أعلام النبلاء، القاهرة سنة 1957، جـ 2، ص 234 - 235. (31) الكاتب نفسه: تاريخ الإسلام، القاهرة سنة 1367 هـ، جـ 2، ص 175 - 176. (32) الكازرونى: السيرة النبوية، مخطوط في المتحف البريطانى الملاحق رقم 18499 , ورقة 106.

خبر

(33) ابن حجر: تهذيب التهذيب، حيدر آباد سنة 1325 هـ، ص 133 - 134, رقم 254. (34) الكاتب نفسه: الإصابة، القاهرة سنة 1325 هـ (1907 م) جـ 2، ص 101، رقم 2206. (35) الفاسى: العقد الثمين، القاهرة سنة 1384 هـ (1965 م)، جـ 4، ص 300 - 303، رقم 1119. (36) السيوطى: الخصائص الكبرى: القاهرة سنة 1386 هـ (1967 م) جـ 2، ص 262. (37) على بن برهان الدين: السيرة الحلبية، القاهرة سنة 1351 هـ (1932 م) جـ 1، ص 335. (38) ابن عبد ربه: العقد الفريد، تحقيق أحمد أمين وغيره، القاهرة سنة 1368 هـ (1949 م) جـ 3، ص 238. (39) المتقى الهندى: كنز العمال، حيدر آباد سنة 1388 هـ (1968 م) جـ 15، ص 343 رقم 941. (40) المجلسى: بحار الأنوار، طهران سنة 1270 هـ، جـ 8، ص 728. (41) النابلسى: ذخائر المواريث، القاهرة سنة 1352 هـ (1934 م) جـ 1، ص 200 - 202 , الأرقام من 1811 - 1820. (42) اليعقوبى: التاريخ النجف سنة 1384 هـ (1964 م) جـ 2، ص 22. (43) ابن بابويه القمى: كتاب الخصال، طهران سنة 1389 هـ، 312. (44) ياقوت: معجم البلدان، مادة صعنبى وإستينيا. (45) Muham-: W. Montgomery Watt mad at Mecca أوكسفورد سنة 1953، الفهرس. خورشيد (كستر M. J. Kister) خبر والجمع أخبار وأخابير: لم تستعمل الكلمة استعمالًا خاصا في القرآن، وقد وردت في الأحاديث التي تصف كيف أن الجن (والشياطين) يسترقون خبر السماء وكيف أنهم يرجمون بالشهب المحرقة للحيلولة

الخبر

بينهم وبين ذلك (البخارى: كتاب الأذان، باب 105، مسلم، باب الصلاة، الحديث 145, الترمذى، حديث رقم 1 في تفسير سورة الجن). وفي البخاري باب عنوانه أخبار الآحاد يدور حول صحة الأحاديث المتصلة بالأذان والصلاة والصيام والإرث والمعاملات والتى لم ترو إلا عن شخص واحد. ويسمى الغزالى الأحاديث التي ترقى إلى النبي باسم الأخبار، وهو يطلق على أقوال الصحابة لفظة آثار تمييزا لها عن أحاديث النبي [- صلى الله عليه وسلم -] (انظر الإحياء في مواضع مختلفة) ويرجع عن هذه الألفاظ وعن التفرقة بين المصطلحات المشابهة إلى Lexicon: Lane وإلى كشاف اصطلاحات الفنون طبعة شبرنجر وليز Nassau Lees). وكثيرا ما ترد كلمة أخبار في أسماء الكتب التاريخية (انظر Brockelmann: Gesch. d. Litter فهرس 2). صاحب الخبر: هو اللقب الذي كان يطلق على أحد عمال السلطان في حواضر الأقاليم، وكانت مهمته إبلاغ السلطان جميع الأحداث الجديدة وأخبار من يصل من الأجانب ونحو ذلك، وكان يسند هذا المنصب إلى صاحب البريد في كثير من الأحيان (انظر Dozy: Suppl تحت مادة خبر، وانظر أيضا المراجع المذكورة فيه: يونس [فنسنك A. J. Wensinck]. الخبر يشير في النحو العربي إلى تركيب الجملة الاسمية مثل "زيد كريم" فزيد هنا مبتدأ وكريم خبر، ويرادف ذلك في الجملة الفعلية الفاعل والفعل: ونحويو العرب، كما تبين من قبل، يميزون بين ضربين من الجمل في لغتهم، وهما الجملة الاسمية، والجملة الفعلية، وهم يميزون أيضا ضرورة "العقد" الذي يربط بين هاتين الجملتين ويسمونه "الإسناد" بين "المسند إليه" و"المسند" , على أن "المسند إليه" و"المسند" ظلا مصطلحين في منطق النحو يستعملان لتحليل العقد بين هذين النمطين من

الجملة: مبتدأ وخبر، وفاعل وفعل، وهما المصطلحان الوحيدان اللذان نتبينهما في تكوين الجملة الاسمية في الأولى والجملة الفعلية في الثانية، وقد درس كل ضرب من الجملتين لذاته، وظلت فكرة "الفاعل" غريبة على نحويى العرب (انظر Etudes Sur le uerbe: Fleisch arab في Melanges Massignon، جـ 2، ص 153 - 155). و"الخبر" مرفوع أي في حالة رفع مثل المبتدأ، وكان ينبغي في نظر النحو العربي تعيين "العامل" الذي يسمى في هذا المقام "الرافع" وكذلك الخبر والمبتدأ، ذلك أن المسألة مترابطة، وكان هذا مثار جدل كبير بين نحويى الكوفة والبصرة، بل بين البصريين أنفسهم (انظر المسالة الخامسة التي نوقشت عند ابن الأنبارى: كتاب الإنصاف تحقيق فابل G. Weil، ص 21 - 26 , وملخصها ورد في ابن يعيش في شرحه على المفصل للزمخشرى، تحقيق يان، G, Jahn ص 101، س 15 - 26). وفي الأفعال المعلقة التي تخرج عن القاعدة المقيسة من قبيل "زيد ذهب أبوه" فإن نحويى العرب يرون أن الجملة ج التي أتت بعد زيد هي "خبر" (الزمخشرى: المفصل، الطبعة الثانية تحقيق بروخ Broch باب 26). وخبر إن وأخواتها (أن، لكن، ليت، لعل، كأن) مرفوع، وقد تنازع البصريون والكوفيون حول تحديد "العامل" أي حول "الرافع" الذي جعل الخبر في محل رفع (انظر المسألة الثانية والعشرين التي نوقشت في كتاب الإنصاف، ص 81 - 84, والمفصل، الباب الثالث، وابن يعيش، ص 124، س 23 - 125، س 17). أما بخصوص "خبر كان" وأخواتها مثل أصبح وأمسى فإن النحويين العرب قد اضطلعوا بتفسير نصب الخبر وضربوا مثلا لذلك كان حكيما، وحلوا هذه المسألة بالرجوع إلى قياس الفاعل والمفعول في الفعل (المفصل، باب 97، ابن يعيش، ص 282)، ويمكن في الحق تفسير هذا المنصوب بأنه حال، كما قال بذلك من قبل الكوفيون معارضين البصريين (كتاب الإنصاف في المسألة

الخبر

التي نتناولها، ص 348 - 351، انظر أيضا L'arabe Classique Es-: Fleisch Puisse d' une Strueture Linguistique الطبعة الثانية، ص 181) , والنصب يأتي بعد النص بما (وأقل من ذلك بعد النص بلا) حين تكون ما في مقام ليس (المفصل، باب 38، ابن يعيش، ص 132 - 134). وهذا يثير مسألة "ما الحجازية" (كتاب الإنصاف، ص 19، وانظر هذه المسألة التي نناقشها في ابن يعيش، ص 132، س 24 - 25). وانظر عن موقع الخبر المسألة التي نناقشها: كتاب الإنصاف، رقم 9، ص 34 - 36، رقم 17، ص 70 - 72، ورقم 18، ص 73 - 76) وانظر عن المفصل بين الخبر والنعت المسألة رقم 100. المصادر: علاوة على ما ذكر في صلب المادة: (1) سيبويه: الكتاب، باريس، الفصل الثالث ص 17 - 19, 120 - 121 , 136. (2) المبرد: كتاب المقتضب، إشارات إلى الفهارس (القاهرة سنة 1388 هـ الموافق 1968 - 1969). (3) الزجاجى: الجمل، ص 48 - 50 - 53، 69، 119 - 120. (4) رضى الدين الأستراباذى: شرح الكافية، إستانبول سنة 1275 هـ (1858 - 1859 م)، ص 76 - 101. (5) ابن مالك: الألفية، 113 - 163. (6) شرح ابن عقيل، القاهرة سنة 1370 هـ (1951 م)، جـ 1، ص 163 - 176. (7) شرح الأشمونى، القاهرة سنة 1375 هـ (1955 م) جـ 1، ص 88 - 128. (8) أبو حيان الأندلسى: المنهج السالك، تحقيق كليزر Glazer، ص 56 - 67. خورشيد [فليش H. Fleisch] الخبر بلدة على ساحل السعودية العربية للخليج الفارسي، وعلى خط طول 26 ْ

17 َ شمالا وخط عرض 50 ْ 12 َ 45 َ شرقا، وأغلب الظن أن هذا الاسم هو الجمع العامى من خبراء ومعناها الوشل يحدثه المطر. وأول من استقر في هذه البقعة قبيلة الدواسر الذين نزلوا إلى البر فيها سنة 1341 هـ (1923 م) بعد إذ هربوا من جزيرة البحرين خشية انتقام البريطانيين مما وقع بينهم وبين العناصر الشيعية من مصادمات، ويعد عيسى بن أحمد الدواسرى أول من نزل الخبر، وثمة أفراد آخرون من القبائل نزلوا إلى البر في الدمام القريبة منها قبل عيسى بأسابيع قليلة ثم انتقلوا من بعد إلى الخبر، ومن أبرز الذين سكنوها من السابقين محمد بن رشيد وأخوه عيسى، وحسن بو سريح، وخالد بن ميبر وأخوه ناصر، وسعد بن محمد، وصالح بن جمعة (والد كاتب المادة)، وأقام النازلون أكواخا من سعف النخيل بطول الساحل، واعتمدت القرية عشرين سنة على صيد اللؤلؤ على نطاق صغير، وعاش أهلها على صيد السمك، وكان يخرج من القرية إلى صيد اللؤلؤ ما لا يزيد على عشرين قاربا في موسم صيده، وكان بعض صياديه من أهل القرية، ومعظمهم من الواحات القريبة. وفي أوائل الثلاثينات من هذا القرن، عاد عيسى ابن أحمد إلى البحرين ومعه جماعة من القرويين معظمهم ملاحون في مراكب صيد اللؤلؤ. وظلت الخبر قرية صغيرة تعيش على صيد السمك واللؤلؤ بلغت مساحتها حتى سنة 1935 أقل من خمس الكليومتر المربع. وهناك أقامت شركة كاليفورنيا ستاندارد الأمريكية العربية، رصيفا في الخبر لدعم حفر آبار البترول في الظهران القريبة، وفي سنة 1357 هـ (1938) أقيمت في الخبر محطة نهائية للتخزين والشحن تخرج منها السفن حاملة البترول البحرينى (بايكو)، وقل شأن ثغر الخبر منذ سنة 1369 هـ (1950) حين بدأ الرصيف العميق المياة يعمل في الدمام، وأصبح ما يقدمه ثغر الخبر من التسهيلات لا يوائم إلا سفن الصيد والمراكب الساحلية، على أن البلدة نفسها لا تشغل إلا رقعة مساحتها

خبر الواحد

ثمانية كيلو مترات مربعة، وهي تزدهر بحكم أنها من أنشط المراكز التجارية على ساحل الخليج السعودى بعد الدمام، وثمة مشروعات تجارية يحفزها حافز أصيل مستمد من صناعة البترول التي تزدهر الآن ازدهارا ذاتيا مدعما بقطاعى الاقتصاد العام والخاص، وتجتذب الخبر إليها جماعات الأجانب من جميع الجنسيات، بفضل المبانى الرسمية الحديثة وأجنحة السكن والمحلات تعرض البضائع المستوردة من جميع أنحاء العالم، وفرص العمل الكبيرة المتاحة. خورشيد [عبد الله س. جمعة A. S. Jum'ah.] خبر الواحد لغة: حديث أو رواية ترتفع إلى سند واحد، ومرادفات الخبر الواحد هي: "خبر الآحاد" و"خبر الإنفراد" ,و"خبر الخاصة"، والتعريف المسلم به عامة هو: الخبر الواحد رواية هي دون "المتواتر"، ويقرر بعض العلماء إنه ما دون المشهور، انظر مادة "مشهور") من حيث إنه ليس لها إلا راو واحد أو قلة من الرواة (من اثنين إلى خمسة) في كل طبقة من إسنادها، وأول عالم من العلماء السابقين كتب عن خبر الواحد هو في قول النووى (انظر شرح صحيح مسلم، القاهرة 1349 هـ، جـ 1، ص 131) الشافعى المتوفى سنة 204 هـ (820 م) وهو يفرد في كتابه "الرسالة" فصلين لهذه المسألة، ويدلل على أن خبر الواحد "حجة" إذا كان في كل طبقة من الإسناد راو ثقة وثقته تقوم على الشروط الستة الآتية: (1) يجب أن يكون قوى الإيمان. (1) يجب أن يكون معروفًا بتحرى الصدق في رواية الأحاديث. (3) يجب أن يكون قادرًا على إدراك معنى ما يرويه. (4) يجب أن يعنى باللفظ الدقيق للحديث. (5) يجب أن يروي من الذاكرة. (6) يجب أن يكون بريئًا من التدليس. وخبر الواحد "أصل" وهو لا يمكن مقارنته بالشهادات إلا في جزء منه، ولا يمكن نقضه إلا برواية أو أكثر تسوق

رأيا مخالفا ويتوفر فيها في الوقت نفسه أسباب الثقة توفرًا سليمًا. ومعظم علماء المسلمين يتفقون على أن خبر الواحد يمكن أن يعد "ظنًا" وليس "علما" ولو أن محدثين مختلفين يرون أن الأحاديث التي رواها البخارى ومسلم في صحيحيهما تتسم أيضًا بالعلم دون غيرها. ومعظم العلماء من أهل السنة انتهوا إلى أنه مادام خبر الواحد ينطوى في الأقل على احتمال الصدق فإن كل مسلم مقيد به ويجب عليه أن يستمسك به. وممّن ينكر الخبر الواحد ولا يرى أنه قياس صحيح أو أنه واجب الأخذ به: القدرية والرافضة وبعض أفراد من الظاهرية ولو أن ابن حزم يوليهم كامل تقديره، انظر الإحكام في أصول الأحكام، تحقيق شاكر، القاهرة، سنة 1345 - 1347 هـ، جـ 1، ص 108) والمعتزلة. المصادر: (1) التهانوى: كشاف اصطلاحات الفنون، كلكتة سنة 1862، ص 1463. (2) النووى: شرح صحيح مسلم، القاهرة سنة 1349 هـ، جـ 1، ص 130. وما بعدها. (3) الشافعى: الرسالة، تحقيق أحمد محمد شاكر، القاهرة سنة 1940، ص 369 - 471. (4) The origins of Mu-: J. Schacht hammadan Jurisprudence، أوكسفورد سنة 1950، ص 40 وما بعدها، 50 وما بعدها. (5) ابن أبي حاتم الرازى: كتاب الجرح والتعديل، حيدر آباد سنة 1952 - 1953، جـ 1 - 1، ص 37. (6) صبحى الصالح: علوم الحديث ومصطلحه، دمشق سنة 1959، ص 152. (7) Traditions from indi-: J. Robson viduals في Journal of semitic studies عدد 9، سنة 1964 ,ص 327 - 340. (8) The authenticity: J. A. Juynboll of the tradition Literature discussioms in Modern Egypt ليدن سنة 1969 , الفهرس مادة آحاد. خورشيد [جوينبول G.H.A. Juynboll]

خبيب بن عدى الأنصاري

خبيب بن عدى الأنصاري من أوائل الشهداء في الإسلام، وتتفق جميع الروايات في ذكر أهم ما تميزت به قصته على الوجه الآتى: كشف المشركون أمر سرية بعث بها النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد وقعة أحد (انظر التواريخ الخاصة بذلك فيما يلى) تتألف من عشرة رهط من صحابته، فأحاط بها مائة (أو مائتا) لحيانى من قبيلة هذيل فيما بين مكة وعُسفان، وكان على رأس هذه السرية، التي ضيق عليها الخناق، عاصم بن ثابت الأنصارى (ويقول البعض بل كان على رأسها المرَثْدَ) فرفض التسليم بشمم وإباء. وقتل هو وستة من جماعته، فاستسلم خبيب وزيد بن الدثنة ورجل ثالث، وقد لقى هذا الرجل حتفه من جراء عناده. أما خبيب وزيد فاقتيدا إلى مكة وبيعا فيها. ووقع خبيب في أيدى بنى الحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف، وما إن انقضت الأشهر الحرم حتى خرجوا بخبيب من الحرم إلى التنعيم فرفعوه على خشبة وقتلوه (صبرًا) بالحراب ليثأروا للحارث الذي قتله خبيب في وقعة بدر. وقد طلب خبيب قبل أن يوثق على خشبته أن يذروه يصلى ركعتين، وهي سنة من قتل صبرًا، ويروى أنه أنشد وهو مشدود بيتين من الشعر في أن المسلم الشهيد لا يبالى ما يُصنع بجسده، فإن الله إن يشأ يبارك أوصال شلوه الممزع (¬1). ولقد وصل إلينا قنوته علاوة على ما تلاه من آى القرآن، وفيه يدعو الله أن يثأر له من أعدائه (¬2) ويقال إن الذين شهدوا قتله أخذتهم الرجفة من دعائه على عدوه. ويروي أن أبا سفيان ألقى بابنه الصغير معاوية إلى الأرض ليقيه شر دعوة خبيب. وكان سعيد بن عامر تصيبه غشية طويلة كلما خطر ذلك المشهد على قلبه. ¬

_ (¬1) عن ابن هشام ص 643 و 644: وذلك في ذات الإله وإن يشأ ... يبارك على أوصال شلو ممزع ووالله ما أرجو إذا مت مسلمًا ... على أي جنب كان لله مضجعى وتختلف الروايات في ترتيب البيتين ولكنها تكاد تجمع على صورة البيت الأول. أما البيت الثاني فتختلف عباراته باختلاف الرواة والمعنى واحد. من ذلك عن الإصابة جـ 2 ص 103: ولست أبالي حين أقتل مسلما ... على أي جنب كان في الله مصرعى والشطر الأخير عند الطبرى جـ 2، ص 1436: على أي شق كان لله مصرعى (¬2) وهذه هي عبارة الدعاء عن ابن هشام ص 641 "اللهم أحصهم عددا، واقتلهم بددا، ولا تغادر منهم أحدا".

وهناك تباين واختلاف يبدوان عند موازنة الروايات بعضها ببعض؛ كما أن هذه الروايات فيها مسحة من التمجيد. فقد دعا عاصم ربه عند مقتله أن يخبر نبيه [- صلى الله عليه وسلم -] في مكة نبأ هذا الحادث فاستجاب الله له. وأحاطت الدَّبْر (¬1) بجسده ومنعته عن عدوه ثم جاء الوادي فذهب به. ويذكر الواقدى (ص 155) أن النبي [- صلى الله عليه وسلم -] أخبر بهذا الحادث مع قصة بئر معونة. ويقول ابن هشام (ص 641) إن خبيبًا لا عاصمًا هو الذي دعا الله أن يخبر النبي [- صلى الله عليه وسلم -] بخبر هذا الحادث. ويذهب الزهري وعروة (انظر رواية عروة المقتضبة في الواقدى، ص 156) إلى أن الرجال العشرة إنما خرجوا في سرية عينًا على أهل مكة، ويذهب ابن هشام (ص 638) والواقدى (ص 157) وابن سعد (جـ 2، القسم الأول، ص 39 وما بعدها؛ جـ 3، القسم الثاني، ص 33 وما بعدها) إلى أنهم عشرة فقهاء كانوا متوجهين إلى إحدى القبائل يبصرون أفرادها بأمور الدين فغدر بهم أدلاؤهم وتركوهم لعدوهم. وهذه القصة عظيمة الشبه بالقصة التي حيكت حول مأساة بئر معونة التي وقعت في هذا الوقت نفسه. ويذكر الواقدى في أخبار العام السادس الهجري أن خبيبًا لم يكن وقتذاك أسيرًا في يد أهل مكة (ص 227). والرواية التاريخية الوحيدة المعول عليها هي التي تذهب إلى أن الحادث وقع بعد غزوة أحد، وذلك لأن عاصما كان ممن شهدوها. وقد ذكر هذا الحادث في سيرة ابن هشام تحت عنوان قصة يوم الرجيع في سنة ثلاث للهجرة. أما الواقدى فقد أورده في حوادث السنة الرابعة. وكانت شخصية هذا المثال الأول من أمثلة الشهداء مدعاة للعجب، ذلك أن ابنة الحارث (وفي رواية أخرى ماوية مولاة حُجَير ابن أبي إهاب) وهي التي حبس خبيب في بيتها، طلعت عليه يومًا وفي يده قطف من عنب يأكله، مع أن هذه الفاكهة لم يكن لها وجود في مكة. وطلب حين حضره القتل موسى يتطهر بها (وهي العادة المرعية في مثل هذه ¬

_ (¬1) الدبور (والباء غير مشددة)، والدبر: الزنابير من النحل، ويسمى عاصم رضى الله عنه لذلك (حمى الدبر).

ختم

الأحوال) فأعطت ماوية الموسى لغلام صغير ثم خشيت أن يصيب ثأره بقتل الغلام. فأذهب خبيب روعها وأكد لها أن الغدر ليس من شأن مثله. وقد زيد في البيتين اللذين قيل إن خبيبًا أنشدهما وهو موثق إلى خشبته، حتى أصبحا في سيرة ابن هشام قصيدة بأكملها. وأورد ابن هشام كذلك (ص 644 وما بعدها) المراثى التي قيلت فيه. ويرجع إلى الطبرى (جـ 1، ص 1432 وما بعدها، الإصابة جـ 1، ص 862) لمعرفة كيفية منع جسده على قريش (وكأنما ابتلعته الأرض). المصادر: (1) حديث الزهرى أو أبي هريرة في مسند أحمد بن حنبل جـ 2، ص 294 وما بعدها 310 وما بعدها؛ وفي البخارى كتاب الجهاد باب 170. (2) ابن إسحق، ص 638 وما بعدها، ويرجع إلى عاصم بن عمر بن قتادة. (3) الواقدى ترجمة Wellhausen ص 156 وما بعدها وفيها تلخيص للقصة بأكملها من مصادر مختلفة. (4) ابن سعد: كتاب الطبقات، طبعة Horovitz جـ 2، القسم الأول، ص 39 وما بعدها، طبعة Sachau جـ 3، القسم الثاني، ص 33 وما بعدها. (5) الديار بكري: تأريخ الخميس، القاهرة 1203 هـ، جـ 1، ص 454 وما بعدها. (6) ابن حجر: الإصابة، جـ 1، ص 86 وما بعدها. (7) ابن الأثير: أسد الغابة جـ 2، ص 111 وما بعدها. (8) Annali dell Islam: Caetani حوادث عام 4، 7، 8، حوادث عام 6، 2. (9) الطبرى، طبعة ده خويه، جـ 1، ص 1431 وما بعدها وهو يورد الروايتين الرئيسيتين. يونس (فنسنك A.J. Wensinck) خَتْم أو خَتْمة: كلمة عربية، معناها اصطلاحا قراءة القرآن من أوله إلى

آخره. وهي مصدر ختم، وقد اشتقت بمعناها "بلغ آخر الشيء أو عاقبته" من الكلمة الدخيلة "خاتم" ومعناها الطابع أو الحلقة المركب فيها خاتم Die: Fran- kel aramaischen Fremdworteer in Arabis chen ص 252) لأن الخاتم في نهاية الوثيقة. وختم القرآن عمل له ثوابه (ابن سعد، جـ 3، القسم الثاني، ص 60، س 23؛ وانظر أيضا ما قيل عن عثمان: المصدر السابق، جـ 3، القسم الأول، ص 53، س 3). وقد روي عن سليمان الأعمش (في Lane: هذه المادة) أنه ختم القرآن في وقت قصير على مصحف عثمان كما ختمه أيضا في وقت قصير على مصحف ابن مسعود. ويطلب إلى القراء تلاوة الختمات على روح المتوفي (انظر الشاهد على ذلك في كتاب ألف ليلة وليلة في قصة التاجر أيوب وابنه) والختمة في مصر حفل يستقبل الضيفان فيه. ويحتفل في مكة الحديثة بختم الصبى للقرآن، ويسمي ذلك عندهم "إقلابة" (والحفل الذي يقام إذا أتم الصبى نصف القرآن أو ثلثه يسمى عندهم "إصرافة"). أما في اليمن فيقدم خاتم لكل من يختم القرآن للمرة الأولى. المصادر: (1) Mekka: Snouch Hirgronhe جـ 2، ص 146، 272. (2) Arabica: Landberg جـ 5، ص 126 وما بعدها. (3) Arabian Nights: Lane جـ 1، ص 328. (4) Goldziher: : في / s/ 1915، جـ 6، ص 214 عن ختم البخارى. يونس [بول Fr. Buhl]

خديجة

خديجة أولى زوجات النبي، [- صلى الله عليه وسلم -] وهي ابنة خويلد بن عبد العزى القرشى. وقد أجمع الثقات على أنها كانت -في الوقت الذي عرفت فيه محمدًا [- صلى الله عليه وسلم -] وعمل في تجارتها- أرملة تاجر ميسور الحال تقوم بنفسها على شئون تجارتها. وقد تزوجت قبل النبي [- صلى الله عليه وسلم -] مرتين، وأعقبت فيهما ذرية؛ فأما زوجها الأول فهو رجل من مخزوم، وأما الآخر فهو أبو هالة التميمى الذي اختلف الرواة في اسمه الحقيقى، وذكره بعضهم بين صحابة النبي [- صلى الله عليه وسلم -] إذا صحت هاتان الروايتان فإن خديجة تكون امرأة مطلقة (¬1). وقد كشفت خديجة في وكيل ¬

_ (¬1) أبو هالة زوج خديجة قبل رسول الله [- صلى الله عليه وسلم -]، لم يذكره أحد من الذين ألفوا في تراجم الصحابة، ممن وصلت إلينا كتبهم، إلا الحافظ ابن حجر، فإنه ذكره في الإصابة (جـ 6، ص 270) باسم (نباش بن زرارة التميمى) في القسم الرابع من باب النون، وهو القسم الذي خصه في كل حرف من الحروف بتراجم من ذكره مترجمو الصحابة "على سبيل الوهم والغلط" كما صرح بذلك في مقدمة الإصابة (جـ 1، ص 4) بل صرح بأنه لا يذكر في هذا القسم "إلا ما كان الوهم فيه بينا، وأما مع عدم احتمال الوهم فلا". ولذلك قال في الترجمة التي ذكرها لأبى هالة ما نصه: "زوج خديجة قبل النبي صلى الله عليه وسلم، ووالد هند، وخال الحسن بن على ذكره المستغفرى، وتبعه أبو موسى في الذيل، وهو غلط"، فمن عجب بعد هذا كله أن يذكره كاتب المادة بطريقة تدل على أن له أصلا أو صحة، ويبنى عليه احتمالا. وما هذا شأن المحقق المنصف. وإنما يريد الكاتب وأمثاله الغمز فقط، شأنهم ودينهم! ثم ماذا في ذلك إذا صح؟ فيه في نظره أن تكون خديجة امرأة مطلقة! وماذا يكون؟ العرب يرون جواز الطلاق، ولا يرون فيه شيئا يعيب الرجل أو المرأة، وجاء الإسلام فنظم الطلاق في التشريع، وجعل له حدودًا وقواعد دقيقة، ولم يجعل عيبًا في الرجل أن يطلق ولا أن يتزوج امرأة مطلقة، ولم يجعل عيبا في المرأة أن تكون مطلقة ولا أن تتزوج رجلا آخر بعد الطلاق. ورسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج زينب بنت جحش أم المؤمنين، وهي بنت عمته، بعد أن طلقها مولاه وعتيقه زيد بن حارثة، ثابت ذلك بنص القرآن الكريم والسنة الصحيحة المتواترة، بل الطلاق مباح في كل الأديان، وإنما حرمه البابوات وشددوا في تحريمه، ثم صار في نظر أولئك القوم عارًا عندهم، وغلوا في ذلك غلوًا شديدًا، ولكن أيكون غلوهم هذا حكما يمضونه على غيرهم من الأمم، وعلى دين وشريعة لا يؤمنون بهما. ثم الذي لا شك فيه بعد هذا كله، أن أبا هالة مات في الجاهلية قبل زواج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خديجة، وأن خديجة لم تكن -حين تزوجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - امرأة مطلقة.

تجارتها الشاب ما يتصف به من محامد فعرضت عليه الزواج كما تذهب إلى ذلك الرواية السائدة، ولم يكن أبوها على قيد الحياة في حين تقول روايات أخرى إنه كان حيا وقد عارض في ذلك الزواج ولم تستطع حمله على قبوله إلا بعد أن أسكرته، وهذا من الدوافع المقبولة في الروايات الخيالية (¬1) وتذهب أكثر المصادر إلى أن محمدًا [- صلى الله عليه وسلم -] كان وقتذاك في الخامسة والعشرين، أما خديجة فكانت في الأربعين. على أن ما نعرفه من أن نساء العرب يهرمن بسرعة وأن خديجة قد أنجبت له خمسة أطفال على الأقل يجعل هذا القول بعيد الاحتمال (¬2) على الرغم مما نسب إلى نساء قريش بعد ذلك من صفات في هذا الشأن لا قبل بها لغيرهن من نساء العرب (انظر الجاحظ ¬

_ (¬1) هذا افتراء عجيب على المسلمين، فما كان المسلمون قط ليروا الإسكار من الدوافع المقبولة، ولا في الروايات الخيالية، والرواية القائلة بأن والد خديجة كان حيا إذ ذاك، وأنه لم يوافق على الزواج إلا حين سكره، رواية باطلة، بطلانها ثابت في النصوص التي أشار إليها كاتب المقال نفسه. فإنه أشار إلى ما ذكره ابن سعد في الطبقات (جـ 1، ص 84 وما بعدها)، (ج 8، ص 7 - 11) وابن سعد نفسه قال في الموضع الأول، بعد حكاية شئ من هذا، ما نصه: "قال محمد بن عمر: فهذا كله عندنا غلط ووهم، والثبت عندنا المحفوظ عن أهل العلم أن أباها خويلد بن أسد مات قبل الفجار، وأن عمرو بن أسد (يعنى عمها)، زوجها رسول الله [- صلى الله عليه وسلم -]. وقال في الموضع الثاني ما نصه: "فإن أباها مات يوم الفجار. قال محمد بن عمر: وهذا هو المجمع عليه عند أصحابنا، ليس بينهم فيه اختلاف". فماذا بعد ذلك من دلالة لرجل منصف إذا أراد أن يقول الحق وحده؟ بل نزيد كاتب المقال مصدرًا آخر لهذه الرواية الضعيفة، لم يره ولم يشر إليه، وهو حديث رواه الإمام أحمد بن حنبل في مسنده بإسنادين، برقم 2851 , 2852 من طبعتنا للمسند، وقد بينت في شرحى للمسند ضعف هذين الاسنادين وما كان ذلك بضار أحدا إلا من أراد أن يمسك بالشبهات ويدع الحقائق. أحمد محمد شاكر (¬2) وهذا لون آخر من ألوان المغالطة والتهافت في الغمز والتشكيك. بل هو جرأة على تغيير الواقع المشاهد. فإن الواقع المشاهد لنا ولغيرنا، في عصرنا هذا وقبل عصرنا، أن نساء العرب لا يهرمن بسرعة. بل النساء اللائى يهرمن بسرعة هن نساء الأجناس الأخرى المتهالكة، يظهر ذلك لمن يرى بعينى رأسه، لا بعين هواه. وليس فيما قاله كاتب المقال من بأس إذا كان صحيحا، ولكنه باطل يخالف المشاهد الواضح. أحمد محمد شاكر

Tria opuscula طبعة فان فلوتن ص 78). أما فيما عدا ذلك فليس ثمة ما يدعونا إلى الشك في دقة هذه الرواية لأن تغير ظروف محمد [- صلى الله عليه وسلم -] لها سند من القرآن (سورة الضحى، الآية 6 وما بعدها) ولم يتزوج [- صلى الله عليه وسلم -] سوى خديجة، طوال حياتها، التي عُرف عنها علو المكانة في المجتمع، وقد استعان النبي [- صلى الله عليه وسلم -] بمال خديجة في جهاده، (وكانت وفاتها قبل الهجرة بثلاث سنين) على أن شخصية خديجة كانت فيما يظهر ذات أثر عميق في حياة زوجها. ومهما يكن من شئ فإن الرواية ترسم صورة جذابة جدًا للمعونة الأدبية التي أسدتها للنبى [- صلى الله عليه وسلم -] عندما اعتراه القلق والحيرة أول نزول الوحى. ولامشاحة في أن ابن عمها ورقة بن نوفل كانت له يد في استمالتها إلى الدعوة التي يهدف إليها النبي [- صلى الله عليه وسلم -]. المصادر: (1) ابن سعد، طبعة Sachau جـ 8 ص 7 - 11، جـ 1، ص 84 وما بعدها، 130، 141. (2) ابن هشام، طبعة فستنفلد ص 119 - 122، 153 - 156 - 232 - 277، 1001. (3) الطبرى: طبعة ده غوى جـ 1 ص 1127 - 1130، 1151 - 1156 - وما بعدها، 1159، 1166، 1199، 1766. (4) ابن حجر: الإصابة، طبعة شبرنجر جـ 3، ص 1130. (5) الأزرقى، طبعة فستنفلد، ص 463. (6) Das Leben des: Sprenger Mohammed جـ 1، ص 194 وما بعدها. (7) Annali dell, Islam: Caetani جـ 1 ص 138 - 144، 166 - 172، 221؛ 225، 227. (8) Kinship and: Robertson Smith marriage in early Arabia ص 273 وما بعدها. (9) Lammens Fatima: ص 13 وما بعدها. يونس [بول Fr. Buhl]

خديو

خديو بفتح الخاء وكسرها: كلمة فارسية معناها "سيد" وهي من الألقاب التي يلقب بها أحيانا الحكام المسلمون منذ العصور الوسطى (انظر كتاب كنه الأخبار للمؤرخ التركى عالى الذي عاش في القرن السادس عشر الميلادى، طبعة الآستانة، جـ 5، ص 17) ومن ثم منح السلطان عبد العزيز سلطان آل عثمان إسماعيل باشا والى مصر هذا اللقب في عام 1767. وذلك أن إسماعيل كان يرغب في أن يضاف إلى اسمه لقب يدل على أنه أرفع منزلة من سائر الحكام العثمانيين الذين يحملون لقب "باشا"، ولم يكفه أن منصب باشا مصر قد أصبح بمقتضى فرمان عام 1841 وراثيا في أسرة محمد على. وعرض إسماعيل في المفاوضات التمهيدية الخاصة بهذا الموضوع أن يلقب بالعزيز (وقد ورد هذا اللقب في الآية الثلاثين من سورة يوسف) لكن أسبابا عدة (منها وجود لفظ العزيز في اسم السلطان نفسه) رجحت اختيار لقب "خديو" (ويذكر هذا اللقب في الوثائق الرسمية خديو مصر، وكثيرا ما يرد في صورة "الخديو") وكان محمد على نفسه قد لقب بهذا اللقب من قبل (انظر ما جاء في القسم الثاني من هذا المقال، وانظر أيضا ما قاله ديسى Dicey في كتابه The Storu Of the Khedivate ص 58) كما كان جميع أفراد الأسرة الحاكمة التي أسسها محمد على في مصر يلقبون به من عهد مؤسسها إلى وقت إعلان الحماية الإنكليزية في عام 1914. وفي هذه السنة سمى الحاكم الجديد سلطانا، ثم استبدل بهذا اللقب لقب ملك بعد أن ألغيت الحماية في 28 فبراير سنة 1922. على أن لقب نائب الملك Viceroy الذي يطلقه الكتاب الأوربيون كثيرا على خديو مصر كان مستعملا بالفعل في عهد محمد على نفسه. وإلى القارئ أسماء أعضاء الأسرة الخديوية الذين حكموا مصر تحت سيادة سلطان تركيا. محمد على 1805 - 1848. إبراهيم 1848 (من يونيه إلى نوفمبر).

عباس الأول 1848 - 1854 سعيد 1854 - 1863 إسماعيل 1863 - 1879 توفيق 1879 - 1892 عباس حلمى الثاني 1892 - 1914 ثم خلفهم السلطان حسين كامل 1914 (19 ديسمبر) 1917 (9 أكتوبر). السلطان أحمد فؤاد 1917 - 1922 ثم أصبح الملك فؤاد الأول من 1922 (16 مارس) وهاك أسماء أهم أعضاء أسرة محمد على وهم كثيرون (*). محمد علي 1769 - 1849 إبراهيم (1789 - 1848) ... طوسن (1796 - 1816) ... إسماعيل (1798 - 1822) ... سعيد (1822 - 1863) ... عبد الحليم (1831 - 1894) أحمد (1858 م) ... إسماعيل (1830 - 1895) ... مصطفى فاضل (1875 م) ... عباس الأول (1813 - 1854) ... طوسون (1876 م) توفيق (1852 - 1892) ... عباس حلمي الثاني (1874 - 1945) ... حسين كامل (1852 - 1917) ... (أحمد فؤاد الأول) ولد في 1867 ¬

_ (*) كان آخر من تولوا الملك فاروق الأول وانتهى حكمه بقيام ثورة 23 يوليو 1952.

ونظم فرمان عام 1841 وراثة العرش فجعلها للأكبر ثم الأكبر من أسرة محمد على ثم استبدل فرمان سنة 1866 بالنظام السابق نظاما آخر جعل الوراثة لأكبر أبناء إسماعيل ثم لأكبر أبناء هذا الابن وهكذا. وفي 13 أبريل من عام 1922 صدر مرسوم ينظم وراثة ملك مصر تنظيما جديدًا. وأسرة محمد علي من أصل ألباني، ولكن الخديويين كانوا يعدون في مصر على الدوام أتراكًا، وليس يسعنا أن نعد هذه الأسرة أسرة مصرية بالمعنى الصحيح (¬1). وقد قيل إن كل فرد من أفرادها يختلف في أخلاقه عن سائر الأفراد (انظر Geschichte: Hasenclever Aegyptens ص 199) وكان الخمسة الأولون منهم يحكمون البلاد حكما مطلقًا على نمط حكام الشرق، ولكنهم بعد الاحتلال البريطانى لم تتح لهم الفرص لأن يحكموا البلاد الحكم الذي يشاءون. وظلت الروابط التي تربط هذه الأسرة بتركيا قوية إلى حد استطاع معه أحد أفرادها، وهو الأمير المصرى سعيد حليم باشا، أن يصبح صدرًا أعظم في الآستانة عقب الانقلاب التركى الذي حدث في عام 1909. وأخذت مصر في عهد الخديويين تصطبغ بالصبغة الأوربية شيئًا فشيئًا فأدخلت فيها كثير من النظم الأوربية الفنية والقضائية والاقتصادية والاجتماعية. وحدث هذا بعينه في أثناء تلك الفترة نفسها. في غير مصر من البلاد الإسلامية. وكانت المثل التي احتذتها مصر ومعظم البلاد الإسلامية نظما فرنسية، لكن الصبغة الأوربية التي اختصت بها مصر دون سائر البلاد الإسلامية -وهي نهضتها تحت حكم أسرة تكاد تكون مستقلة بشئونها، وما حدث في مرافقها الاقتصادية من نمو مدهش سريع، وما انتابها من ضعف شديد أدى إلى سيطرة إحدى الدول الأوربية عليها- كانت تختلف كل الاختلاف عن مثلها في تركيا وفي بلاد الجزائر وغيرهما ¬

_ (¬1) هذا ما يقوله الكاتب، ولكن محمد علي وأسرته والمصريين على بكرة أبيهم يعدون أفراد هذه الأسرة على أنهم مصريون منذ أيامهم الأولى على أنهم مصريون في كل شئ في عواطفهم وآمالهم وصلاتهم بسائر المصريين.

1 - تاريخ مصر السياسي

من البلاد الإسلامية. وظلت مصر في الوقت نفسه قصبة العالم الإسلامى والحضارة الإسلامية، وأخذ سكانها يزدادون زيادة مطردة سريعة حتى بلغوا الآن نصف سكان الأقطار التي تتكلم اللغة العربية (انظر Massignon في R. M. M، جـ 57، ص 75. وما بعدها) وسيكون أهم ما نعنى به في الصفحات التالية عند الكلام على أحوال مصر منذ بداية القرن التاسع عشر هو الطريقة التي استجاب بها هذا البلد الإسلامي لعملية صبغه بالصبغة الأوربية، وما كان لهذا العمل فيه من آثار. 1 - تاريخ مصر السياسي وفي وسعنا أن نقسم تاريخ مصر من أوائل القرن التاسع عشر حتى حرب عام 1914 إلى أربعة عهود متمايزة: 1 - من الحملة الفرنسية إلى أن استتب الأمر نهائيا لمحمد على (1798 - 1805). 2 - من بداية حكم محمد علي إلى نهاية العهد الذي كانت فيه مصر إحدى الدول الكبرى 1805 - 1841. 3 - من ذلك الوقت إلى بداية الاحتلال الإنجليزى (1841 - 1882). 4 - عهد الإحتلال الإنكليزى حتى إعلان الحماية الإنكليزية (1882 - 1914). وكان من أهم أسباب الحملة الفرنسية على مصر رغبة فرنسا في أن تمنع إنكلترة من أن تقوم هي نفسها بمثل هذا العمل. ذلك أن مصالح فرنسا التجارية في مصر كانت خلال القرن الثامن عشر أعظم شأنًا من مصالح إنكلترة فيها، فلما عقدت إنكلترة معاهدة تجارية مع على بك الكبير الذي اغتصب ملك مصر لنفسه وسمح لها بمقتضاها أن ترسل سفنها إلى مياه البحر الأحمر لتنقل المتاجر بين الهند ومصر، أصبح تدخل إنكلترة في شئون مصر خطرا سياسيا عظيما. وكان موقع مصر الجغرافي مما جعلها مركزا تلتقى فيه المصالح الأوربية السياسية منذ الساعة التي ثبتت فيها دعائم الاستعمار في الهند، وأصبح الطريق البحرى وحده لا يفي بمطالب الاستعمار الأوربى. فكان الاستيلاء على مصر موضع البحث في

فرنسا طوال القرن الثامن عشر. لكن العلاقة التقليدية الطيبة التي كانت قائمة بين فرنسا وتركيا حالت دون تنفيذ هذه النية، وأخيرا وافقت حكومة "الإدارة الفرنسية" Directoire في 5 مارس سنة 1798 على إرسال هذه الحملة بإيعاز من نابليون بونابرت ومعاضدة تاليران Talleyrand. وتدل الإجراءات الفعالة غير المألوفة التي اتخذها الباب العالى في عام 1788 ضد على بك على أن تركيا نفسها كانت تتوجس خيفة من هذه الحوادث المقبلة. أما في مصر نفسها فلم يكن ثمة ما يدل على أن البلاد تخشى أن تغزوها دولة أوربية. وفي اليوم الثاني من شهر يولية سنة 1798 ألقى الأسطول الفرنسى مرساه على الشواطيء المصرية دون عناء، وكان هذا الأسطول مؤلفًا من نحو 400 سفينة، ويُقل قوة برية يبلغ عددها 35.000 رجل بقيادة بونابرت نفسه. ثم زحف الفرنسيون من فورهم على القاهرة ونظم إبراهيم بك ومراد بك زعيما المماليك قواتهما بالقرب من إمبابة على نهر النيل لصد الفرنسيين، ولكن سرعان ما بدد هؤلاء شملها في واقعة الأهرام، وأعقب ذلك احتلال مدينة القاهرة قصبة الديار المصرية في الرابع والعشرين من شهر يولية. وفر مراد بك إلى الصعيد كما فر إبراهيم بك إلى الوجه البحرى؛ وسكن الذعر الذي انتشر في العاصمة بعد قليل من الوقت، لكن بونابرت ما لبث أن اضطر إلى اتخاذ إجراءات شديدة حاسمة شرقية في صبغتها لإخماد ثورات الأهلين. ولم يمض على نزول الفرنسيين إلا شهر واحد حتى دمر الأسطول الفرنسى في خليج أبي قير على يد نلسون في أول يوم من أغسطس، وبذلك تبدلت صبغة الحملة الفرنسية عما كانت عليه في مبدأ الأمر. وكان هذا العمل أول الضربات التي كالتها إنكلترة لهذه الحملة والتي انتهت بإنسحابها من مصر نهائيا. ثم أعلن الباب العالى على كره منه الحرب على فرنسا في سبتمبر من تلك السنة. ولكن الجنود التركية لم تصل إلى مصر إلا في منتصف العام التالى (1799). وكان الفرنسيون في هذه الأثناء قد أنشئوا في مصر إدارة

منظمة، أما المصريون أنفسهم فكان موقفهم من الفرنسيين موقف الساخر منهم، المستهزئ بأعمالهم، ولم يغن عن الفرنسيين ما أظهروه من احترام لشعائر البلاد الدينية وما قام به العلماء الذين جاءوا مع الحملة العسكرية من بحوث علمية. ولم يلبثوا إلا قليلا حتى خاب ظنهم في الفرنسيين، إذ رأوا أنهم هم أيضا يطالبون بأداء الضرائب العقارية. وغضبت أكثرية أهل البلاد المسلمون حين رأوا الفرنسيين الأجانب يستعينون بالمسيحيين من المصريين (الأقباط والأروام والسوريين) في المناصب الحكومية الصغرى، فشبت في القاهرة في الحادى عشر من شهر أكتوبر سنة 1798 ثورة على جانب من الخطر لم تسكن إلا بعد أن أطلقت القنابل على الجامع الأزهر في اليوم التالى. وأراد بونابرت أن يحول دون مقدم الجيش التركى لنجدة مصر فسير حملته الشهيرة على الشام في فبراير من عام 1799 , فلما عجز عن الاستيلاء علي عكا وكان يدافع عنها الجزار باشا اضطر إلى الارتداد عنها في مايو من تلك السنة. وبعد شهرين من عودته إلى مصر نزل أول فوج من الجنود التركية في أبي قير (14 يوليه سنة 1799) تقلهم سفن إنكليزية، وكان من بينهم محمد على برتبة ضابط في الفرقة الألبانية. لكن بونابرت هزمهم شر هزيمة وأخرجهم من آخر ملجأ اعتصموا به وهو قلعة أبي قير في اليوم الثاني من شهر أغسطس. وبقى الفرنسيون في مصر عامين آخرين بعد أن غادرها بونابرت في الثاني والعشرين من أغسطس. وكانوا في خلالها تحت قيادة كليبر (وقد اغتيل في يونية من عام 1800) ثم مينو. وقضى الإنكليز والترك على ما كان باقيا لديهم من قدرة على المقاومة في عام 1801، فاضطروا في تلك السنة إلى مغادرة البلاد. وإذا غضضنا النظر عن النتائج السياسية المباشرة للحملة الفرنسية، وهي القضاء على قوة المماليك، وعودة مصر إلى سلطان تركيا، رأينا أن النتائج العلمية التي أسفرت عنها هذه الحملة والتي نشرت في المجلدات الثمانية من كتاب وصف مصر Descsription de L'Egypte (انظر المصادر الواردة في آخر هذه المادة)

كانت عظيمة غاية في الخطر. وقد تركزت هذه الأعمال العلمية في المعهد العلمي المصري Institut Egyptien الذي أنشأه بونابرت في القاهرة في 21 أغسطس سنة 1798 (انظر بريييه Bre- L'Egypte de 1798 - 1900: hier ص 65 - 80). وكان ما قامت به هذه البعثة من بحوث في "أحوال مصر الحاضرة" هو الأساس الذي بنى عليه كل ما يعلمه الأوربيون عن مصر الحديثة (ومن أمثلة ذلك البحوث الوافية التي قام بها ليبر Lepere عن إمكان شق قناة تصل البحر المتوسط بالبحر الأحمر). على أن أثر الفرنسيين المباشر، في أثناء هذه الفترة، في تطور مصر الثقافي يكاد يكون معدوما. ذلك أن الفوارق العظيمة بين الحضارة الشرقية والحضارة الغربية كانت أكبر من أن تجعل لهذا العهد الأول أثرا محسوسا في تطور البلاد الثقافي. كما يتبين المرء ذلك بوضوح عندما يقرأ وصف الجبرتى لعهد الاحتلال الأجنبي. ولما غادر الجيش الفرنسي البلاد تجدد النزاع القديم بين الولاة الأتراك والبكوات المماليك الذين أرادوا بمساعدة الإنكليز أن يستردوا ما كان لهم في مصر من السلطان. ولما مات مراد بك أصبح عثمان بك البرديسى أكبر زعمائهم. أما الأتراك فكانوا بطبيعة الحال يرغبون في أن يغتنموا هذه الفرصة السانحة ليمكنوا لأنفسهم في البلاد، لكن طرائق الحكم التي كانوا يسيرون عليها، وعجز الولاة الذين تعاقبوا عن أن يكبحوا جماح جنودهم لقلة ما لديهم من المال، كل ذلك أفاد البرديسى وشيعته إلى حين. وكان حماته الإنكليز قد جلوا عن البلاد في شهر مارس من عام 1803، ولكن محمد على وجنوده الألبانيين كانوا من أكبر أنصاره. وقد استطاع البرديسى والشيخ المعمر إبراهيم بك بفضل هذه المعونة أن يوطدا أقدامهما في القاهرة، فلم يكن لولاة الباب العالى سلطان إلا في بعض أجزاء الوجه البحرى. على أن واحدا من الولاة الذين أرسلوا إلى مصر في آخر ذلك العهد، وهو خورشيد باشا، استطاع أن يقيم في قلعة القاهرة بعض الوقت حتى أخرجه

منها محمد على آخر الأمر بفضل ما كان له من نفوذ أخذ في الازدياد. ولما انقضت خمس السنين الأولى ذات النتائج السلبية استهل القسم الثاني من أقسام التاريخ المصرى في القرن التاسع عشر، وهو من أعظم العهود خطرا في مصائر البلاد. وكان أهم النتائج السياسية التي أسفر عنها حكم محمد على أنه أقام في مصر أسرة حاكمة. نعم إن الأعمال التي قام بها لخير مصر لم تكن إلا وسائل لتحقيق مطامعه، ولكن هذه الأعمال قد كان لها مع ذلك أعظم الأثر في تاريخ البلاد (¬1) فقد أطلق محمد على القوى التي شكلت مصير البلاد كما قرر بنفسه مصير أسرتها الحاكمة. وفي وسعنا أن نلخص أعماله في مصر في نقطتين: أولاهما: تعبئة القوى الوطنية للمصريين أنفسهم. وثانيتهما: الاستعانة بالمعلمين الأوربيين والأساليب الأوربية. ونستطيع أن نقول إن مصر من بداية حكم محمد على إلى عهد الاحتلال البريطاني كانت أكثر تعرضا لنفوذ الأتراك منها في جميع العهود السابقة (¬2) ومهما يكن ما في نظام الحكم الذي أقامه الوالى من التأثر بشخصيته ومن مظاهر استقلاله فإن أساليبه الإدارية وذوقه الشخصى وذوق بطانته كانت كلها متأثرة بتقاليد الدولة العثمانية (وإنا لنذكر على سبيل المثال المسجد المسمى بمسجد المرمر الذي شيده محمد على في قلعة القاهرة على طراز مساجد الآستانة). وكان اتساع أملاك محمد على بين عامي ¬

_ (¬1) من أغرب الأمور أن يحكم الكاتب على نيات محمد على كأنما كان مطلعا على ما في نفسه فعرف منها البواعث الخفية التي كانت تدفعه إلى هذه الأعمال التي يقر هو نفسه بأن مصر جنت منها الخير الكثير. (¬2) ذلك في رأينا ما لا يؤيده الدليل. فقد بدأت، الثقافة الغربية تنتشر في مصر على يد الأساتذة الأوربيين الذين استقدمهم محمد على من أوربا وعلى يد الطلاب الذين أوفدهم محمد علي للتعلم في المدارس الأوربية، وعلى يد رجال الأعمال الأوربيين الذين عهد إليهم محمد على بمشروعاته العمرانية الكثيرة. ويخيل إلينا أن الكاتب نفسه في هذه الفقرة يناقض نفسه.

1833 و 1840 إحدى النتائج التاريخية الطبيعية لنمو قوة مصر السياسية، فما من مرة عظمت فيها هذه القوة إلا وضمت مصر إليها بلاد الشام. ولم تكن سياسة محمد على التي كانت ترمى إلى تقوية سلطانه بالتى تهم مصر كثيرا، لكن فتح السودان كان أنفع لها وأفيد لمستقبلها. ثم طرأ على مركز مصر الدولى تغيير ذو شأن في عام 1841، أي في آخر سنى ذلك العهد الذي اختتم بالفرمان الشاهانى الصادر في 2 ربيع الثاني من عام 1257 (23 مايو سنة 1841) فقد كان يبدو في الظاهر أن مصر قد عادت كما كانت من قبل ولاية تابعة لتركيا؛ أما الحقيقة فهي أن تدخل أربع دول أوربية كبرى (ليس منهن فرنسا) في شئونها كان بداية عهد اعتمدت فيه هذه البلاد على دول أوربا بوجه عام وعلى إنكلترة بوجه خاص. وكان احتلال البريطانيين لعدن في شهر فبراير من عام 1838 إيذانا بهذا التحول الجديد. وكان محمد علي طوال عهده يعلم هذا الأمر حق العلم (انظر Modern Egypt: Cromer جـ 1، ص 16) وقد ظل هو نفسه صديقا صدوقا لفرنسا وإن كانت هذه الصداقة لم تجده نفعا. على أنه قد استطاع مدة حكمه أن يحول دون كل تدخل خارجى في شئون مصر الداخلية، ومن أجل هذا كان يعارض على الدوام في حفر قناة في برزخ السويس. أما السنوات الأخيرة من حكمه وكذلك حكم إبراهيم القصير الأمد فيدخلان هما وحكم عباس وسعيد وإسماعيل (في القسم الأخير من تاريخ مصر في القرن التاسع عشر. وفيه أخذت مصر تنفصل شيئًا فشيئًا عن الدولة العثمانية، وتقترب شيئا فشيئًا من دائرة السياسة الأوربية والاقتصاد الأوربى. وفي هذا العهد لم تتسع رقعة أملاكها إلا في الجنوب (الحرب الحبشية في عام 1872 , والاستيلاء على سواكن ومصوع من الباب العالى سنة 1865). وكانت علاقتها بتركيا في ذلك العهد ذات صبغة شخصية بحتة توجهها رغبة الخديويين في الحصول على امتيازات لهم من سلاطين آل عثمان نظير زيادة

الجزية السنوية التي يؤدونها لهم؛ وكلما حاولت الحكومة العثمانية أن تفرض سلطانها الفعلى على الشئون المصرية تبين لها أنها كانت مخدوعة في اعتقادها بوجود سلطان لها على الإطلاق (كما حدث في عهد عباس) حتى لقد كان من السهل على إسماعيل أن يتجاهل أمر السلطان بأن لا تعقد مصر القروض إلا برضاه. يضاف إلى هذا أن الجيش المصرى لم يكن قسمًا من الجيش العثماني إلا من الوجهة النظرية (وإن كانت الجنود المصرية قد اشتركت مع الجنود الترك في حرب الروسيا) وكانت ظروف خاصة هي التي أتاحت للسلطان الفرصة لأن يخلع إسماعيل في عام 1879. وكان الولاة في مصر نفسها ذوى سلطان مطلق على النمط الشرقى المألوف، وكانوا كلهم يشجعون دخول الفنون والعلوم والنظم الأوربية في بلاد مصر ما عدا عباس الأول، فقد أظهر هذا الوالى عداءه للحضارة الأوربية بوجه عام، وللحضارة الفرنسية بوجه خاص. وكان من أثر هذا الاتجاه العام أن اصطبغت مصر في زمن قصير بالصبغة الأوربية أكثر من أي بلد إسلامي آخر. وكلنا يعلم حق العلم أن هذه الأعمال لم تزد في رخاء البلاد، بل أوقعتها في مهواة الخراب المالى. ولم يكن منشأ هذا الخراب ما أثر عن إسماعيل من تبذير بالغ الناس كثيرًا في وصفه، بل في الطريقة التي أخرجت بها إصلاحاته إلى حيز الوجود. فقد قامت هذه الطريقة على الأساليب الإدارية الشرقية التي يسودها الإهمال وعدم العناية، وضاعف من عواقبها الوخيمة ما كان يظهره الأوربيون من استعداد لتقديم المال اللازم لهذه الإصلاحات. يضاف إلى هذا أن كثيرين من السماسرة الأوربيين لم يكونوا أكثر من رجال أفاقين مغامرين لا ذمة لهم ولا ضمير، همهم الوحيد أن يحصلوا على تعويض عما يزعمونه من نقض الحكومة المصرية لما أبرمته معهم من عقود. فأدت هذه الصعاب وأمثالها إلى بقاء كثير من الأعمال العامة ناقصًا. وكانت النتيجة الأولى لهذه السياسة أن تورطت البلاد في دين سائر مطرد الزيادة (وقد أوضح فون كريمر Von Kremer في الجزء الثاني من كتابه

ص 28 بداية هذا التطور المشئوم أحسن إيضاح). بيد أن أهم الصعاب التي تمخضت عنها هذه السياسة قد نشأت من القروض المختلفة التي عقدها في أوربا سعيد وإسماعيل (في أعوام 1862 , 1864 , 1866 , 1868 , 1872) وزادت هذه القروض زيادة أطاحت بإسماعيل عن عرشه. وكانت الكثرة الغالبة من حملة أسهم الدين المصرى من الفرنسيين وقلتهم من البريطانيين. ومن أجل هذا تولت إنكلترة وفرنسا، اللتان كانتا من قديم شديدتى التنافس على النفوذ في مصر، زعامة التدخل الأجنبى في تلك البلاد. واشترك ممثلو هذين البلدين في "المراقبة الثنائية" التي فرضت على إيرادات مصر ومصروفاتها من عام 1876 , ولم ترفع عنها إلا في الفترة التي كان فيها في الوزارة المصرية وزيران أحدهما إنكليزى والآخر فرنسى (وهي الفترة الواقعة بين 28 أغسطس سنة 1878، و 5 أبريل سنة 1879) وما من شك في أن مصالح فرنسا المالية كانت ترجح مصالح إنكلترة، ولكن إنكلترة نفسها كانت قد أصبحت في ذلك الوقت أعظم من فرنسا نفوذا بفضل تجارتها الواسعة ومركزها السياسى الممتاز. وزاد مركزها هذا قوة على قوته احتلالُها جزيرتى بريم في عام 1857 وقبرص في عام 1878. ومع هذا كله فقد ظلت علاقة مصر الرسمية مع البلاد الأخرى من ذلك العهد إلى عهد الاحتلال البريطاني علاقة الدولة المستقلة أو القريبة منها، ولا تقيد هذا الاستقلال إلا الإمتيازات الأجنبية والمحاكم المختلطة بعد إنشائها في عام 1876 (انظر القسم الثاني من المقال). وكان في وسع الخديو من عام 1873 أن يعقد المعاهدات مع الدول الأجنبية (ماعدا المعاهدات السياسية المحضة) ولما احتفل إسماعيل بافتتاح قناة السويس كان ملوك أوربا الذين جاءوا ليشهدوا هذا الاحتفال يعاملونه معاملة الند للند. بيد أن نفوذ قناصل فرنسا وإنكلترة في مصر أخذ يزداد زيادة مطردة تبعا لزيادة الموظفين الأوربيين في الإدارة المصرية. وكانت أحوال مصر عند بداية القسم الثالث من تاريخها في القرن التاسع

عشر قد أصبحت أحسن مما كانت عليه من قبل وبخاصة بعد أن ألغيت الإحتكارات الحكومية. ولكن الفلاحين لم يستفيدوا إلا قليلا من هذه الظروف الإقتصادية الملائمة. وبخاصة بعد عام 1876 , وهي السنة التي بدأ فيها فرض الضرائب الباهظة القاتلة التي لم تجد الحكومة مندوحة عنها لأداء ما عليها من الالتزامات؛ فحل بالفلاحين من ذلك الوقت عهد من البؤس لم ينقض إلا حوالي عام 1890. وكانت هذه الظروف السيئة سببًا من أسباب الحركة الوطنية الأولى. وقد قامت هذه الحركة في أول الأمر بين الطبقة الوسطى من أهل البلاد الأصليين، وهي الطبقة التي نشأت في عهد محمد على وتأثرت بالنفوذ الأوربى والشرقى معا (جمال الدين الأفغانى) فأصبحت عاملا خطيرًا من عوامل الحياة الإجتماعية في مصر وإن ظلت الدوائر الدينية المستمسكة بعقائدها بمنأى عنها في أول نشأتها، لأن ما كان يعتنقه القائمون بها من أفكار جديدة وما كان لهم من صلة بالماسونية لم يكن مما يرتضيه رجال الدين. وأخذ الوطنيون ينقدون سياسة إسماعيل المالية وتحيزه الظاهر إلى العناصر الأوربية في البلاد، ومحاباته لطبقة الأتراك الجراكسة وتفضيلها على أهل البلاد. وكانت المعاملة التي يلقاها المصريون في الجيش بنوع خاص قد أثارت غضبهم (فقد كان الجنود الذين أرسلوا إلى السودان والحبشة سنة 1875 كلهم من أبناء الفلاحين) وبدأ الرأى العام يظهر بجلاء في عام 1877. ففي هذا العام أصدر الوطنيون صحفًا مصرية (منها جريدة مصر والوطن) وارتفعت لأول مرة صيحة مصر للمصريين. ولم يفد ما اتخذ وقتئذ من إجراءات شديدة لمنع الجرائد الوطنية من أن توجه قوارص النقد إلى أعمال الحكومة، وبخاصة إلى اشتراك الجنود المصريين في الحرب التركية الروسية. وكانت أولى النتائج الموضحة لأعمال الوطنيين المصريين هي الانقلاب السياسى المفاجيء الذي وقع في أبريل سنة 1879 وأدى إلى سقوط وزارة نوبار باشا المشتملة على وزيرين أوربيين (ولعل الوطنيين أنفسهم قد ساعدوا على خلع إسماعيل، انظر كتاب محمد صبرى La Genese etc ص 160)

وثمة نتيجة أشد خطرًا من هذه، وهي الحركة التي سرت في الجيش ضد الضباط الأتراك الجراكسة وتطورت إلى ثورة علنية انتهت باحتلال الإنكليز للبلاد. ويبدأ العهد الرابع من تاريخ مصر الحديث بهذه الحركة الحربية المعروفة بالثورة العرابية. وذلك أن الخديو الجديد توفيق باشا قد حاول هو ووزراؤه في السنتين السابقتين لهذه الثورة أن يسيروا في حكم البلاد على نهج وطنى متفاوت الدرجات. فلما أن تقدم عرابى بمطالبه، وأصر على إصلاح الجيش، ودعوة البرلمان إلى الاجتماع، وسن نظام دستورى لحكم البلاد، أخذ الخديو ووزراؤه يتطلعون إلى التدخل الأجنبى، ويعدونه الوسيلة الوحيدة للنجاة من هذا المأزق. وكان عدم وجود سلطة قوية بحق قادرة على تسيير دفة الأمور (لأن العرابيين كانوا ضعافًا من هذه الناحية لقلة خبرتهم وعدم كفايتهم) مما مكن إنكلترة من التدخل في شئون مصر. وكان أهم الأسباب التي بعثت فيها الرغبة في أن توطد أقدامها في القطر المصرى، موقع هذا القطر الجغرافي في طريقها إلى الهند. وقويت هذه الرغبة لديها بعد استيلاء فرنسا على بلاد الجزائر وتونس وبعد شق قناة السويس، وذلك أنه كان من صالح إنجلترا أن تبقى هذه القناة بعيدة عن نفوذ أية دولة أجنبية قوية، وأعانها على الوصول إلى غرضها تطور الأمور في مصر نفسها، إذ أتاح لها الحجة التي تذرعت بها لتدخلها المسلح بعد أن أحجمت فرنسا في آخر لحظة عن تحمل تبعة هذا التدخل، لأن مصالحها لم تتأثر بالحركة الوطنية تأثر المصالح الإنكليزية. ويدل تاريخ مصر بعد عام 1882 على الخطة التي اختطتها إنكلترة لتحمل هذه التبعة. وبقى مركز مصر الدولى من الوجهة النظرية بعد الاحتلال البريطانى كما كان قبله لم يطرأ عليه تغيير. أما من الوجهة العملية فقد أصبحت من ذلك الوقت خاضعة لسلطان دولتين، ولوصاية مالية، ولسلطة قضائية ثلاثية، ولاحتلال عسكرى أجنبى، كما أصبحت مسرحًا تصطدم فيه مدنيتان

مختلفتان. وكانت أولى الصعاب التي اضطرت السياسة البريطانية لمواجهتها هي التي يسميها لورد كرومر "الارتباكات الدولية" وهو يقصد بهذا الاسم تدخل الدول الأجنبية الأخرى وبخاصة فرنسا في شئون مصر الإدارية معتمدة على ما كان بينها وبين هذه البلاد من اتفاقات سابقة لعهد الاحتلال. ولم تطلق يد إنكلترة في مصر أو تكاد إلا في سنة 1904 حين عقد الاتفاق الودى بين إنكلترة وفرنسا. وكان الرجل الذي تم على يديه تثبيت مركز الإنكليز في وادي النيل هو لورد كرومر قنصل بريطانيا العام في مصر من 1883 إلى 1907 , وهو الذي أصبح رغم منصبه الرسمى المتواضع نسبيا أقوى رجل في البلاد. وكانت السياسة التي سار عليها هي أن "يحكم حكامَ مصر" وكان أكبر معاونيه هم المستشارين الإنكليز في النظارات المختلفة. وما من شك في أن مصر قد أفادت كثيرا من اتفاق مصالحها ومصالح إنكلترة إلى مدى بعيد في تلك السنين. من ذلك أن إنكلترة أفلحت بالقرض الذي عقدته بضمانة الدول الكبرى وبما اتخذته في مصر نفسها من إجراءات حاسمة في أن تضع مالية البلاد على أساس صالح متين حتى أمكنها في عام 1904 أن تحد كثيرًا من اختصاصات "صندوق الدين" وتعيد إلى مصر حريتها في الأمور المالية. نعم إن الدين العام لم يكن في سنة 1914 أقل كثيرًا منه في عام 1882, ولكن رخاء البلاد الاقتصادى زاد كثيرًا عن ذي قبل. (انظر القسم رقم 3 من هذا المقال) أما تركيا فقد أخذ نفوذها في الشئون المصرية يضعف على مر الأيام. ولم يكن لتعيين الغازى مختار باشا مندوبا ساميا تركيا في مصر أثر سياسى على الإطلاق، وإن كانت الدعاية غير الرسمية التي قام بها الباشا لحركة الجامعة الإسلامية ظلت في أثناء وجوده قوية. ولما حاول السلطان في عام 1892، وفي عام 1906 أن يؤيد حقوقه في جزيرة سيناء أخفق في ذلك إخفاقا كاملا. ولما شبت الحرب بين إيطاليا وتركيا لم تسمح إنكلترة لمصر أن ترسل جنودًا منها إلى طرابلس، أما تركيا نفسها فلم

يكن يسعها أن تعطف على الوطنيين المصريين، بل إن حزب تركيا الفتاة (وكان كثير من أعضائه قد لجئوا إلى مصر في عهد السلطان عبد الحميد) كان بعد عام 1908 أقل عطفًا عليهم من عبد الحميد نفسه. لكن معارضة فرنسا للاحتلال البريطانى كان لها من الأثر أكثر مما كان لمعارضة الأتراك، وذلك لما كانت تتمتع به من عطف قوى في البلاد، وانتعش نفوذ فرنسا الثقافي بعد تولية عباس حلمى الثاني، حتى رأي الإنكليز أحيانا أن يتخذوا من الإجراءات ما يحد من هذا النفوذ (ومنها إسقاط وزارة نوبار باشا سنة 1894) وكانت فرنسا هي الدولة التي ظل الوطنيون المصريون يرجون منها العون حتى عام 1904. أما الخديو فلم يكن مركزه ذا شأن سياسى كبير. ولم يوفق عباس حلمى في مواقفه الوطنية في بداية حكمه أكثر مما وفق في أواخره حين أخذ يتقرب من الآستانة ويحسن علاقته بها. أما السودان الذي يؤثر امتلاكه في رخاء مصر وفي مركزها الدولي أعظم تأثير فقد كان هو أيضا من الوجهة النظرية ولاية عثمانية لا يختلف عن مصر من هذه الناحية. فقد خول فرمان سنة 1841 لمحمد على أن يحكم ذلك القطر "دون أن يكون له حق توريثه" أبناءه من بعده. وفي عهد إسماعيل كان حاكمان من الإنكليز (بيكر وغردون) يحكمان السودان باسم مصر، فلما ثار محمد أحمد المهدى واستولى على الخرطوم (في 26 يناير سنة 1885) وزالت السيادة المصرية عن السودان إلى حين أصبحت السياسة البريطانية وحدها في تلك الفترة هي المتصرفة في شئون السودان، كما كانت أيضًا المهيمنة على استرجاعه. ذلك أن الخديو كان هو القائد الأعلى للجيش اسميًا، ولكن الرتب الرئيسية كلها أصبحت، بعد تنظيم هذا الجيش من جديد في عام 1883 , يشغلها ضباط إنكليز، ولما استرجع السودان في عام 1898 لم تسمح السياسة الإنكليزية أن يعود ذلك القطر إلى مصر، ووضعت له معاهدة 1899 نظامًا من الحكم الثنائى تشترك فيه مصر وإنكلترة، وأغفلت فيه حقوق الباب العالى. وتصرف الخديو حين

عقدها تصرف الحاكم المستقل، وإن كان من الوجهة الرسمية تابعًا للسلطان. أما إنكلترة فإن توطد أقدامها في السودان قد قوى سلطانها على وادي النيل. وقضت هزيمة عرابى على الحركة الوطنية إلى حين، فلم تكن حتى آخر أيام لورد كرومر عاملًا سياسيًا عظيم الخطر في مصر، ونشأ في خلال تلك الأيام جيل جديد من المصريين وجد في الشاب مصطفى كامل باشا زعيمًا له، (مات مصطفي كامل في 10 فبراير سنة 1908 في الرابعة والثلاثين من عمره) فأصدر في سنة 1899 صحيفة اللواء، وأصبح عام 1907 أول رئيس للحزب الوطنى. وكان هذا الجيل الجديد من الوطنيين متأثرًا كالجيل السابق بنفوذ فرنسا الثقافي. ولكنه كان أكثر منه عدة. ولما بدءوا حملتهم الجديدة وأخذوا ينادون بأن تكون "مصر للمصريين" أظهروا الشئ الكثير من الاعتدال، وابتعدوا عن الأفكار الثورية. ولما حل سير ألدن غورست محل لورد كرومر (1907 - 1911) أصبح موقف بريطانيا من الحركة الوطنية مشكلة من مشكلاتها السياسية. وأظهرت حادثة دنشواى التي وقعت في عام 1906 أن شعور الكراهية لإنكلترة لا يزال عظيم الانتشار بين المصريين. ومع أن المذنبين قد عوقبوا أقسى عقاب فإن العميد الجديد اختط لنفسه خطة سياسية قائمة على استرضاء الشعور الوطنى. غير أن هذه السياسة الجديدة لم تؤد إلى النتيجة المرغوبة، فقيدت حرية الصحافة من جديد في عام 1909، وأغلق الجامع الأزهر فترة من الزمن بسبب المظاهرات التي قام بها طلابه ضد الإنكليز. وحدث في 20 فبراير من عام 1910 أن اغتيل ناظر النظار القبطى بطرس باشا غالى (وكان سعد باشا زغلول وقتئذ أحد هؤلاء النظار) بيد شاب وطنى مسلم، فأثارت هذه الحادثة الشقاق بين عنصرى الحزب الوطنى المسلمين والأقباط، وكاد هذا الشقاق يؤدى إلى اضطرابات خطيرة. وفي ذلك العام نفسه رفضت الجمعية العمومية أن تمد أجل امتياز قناة السويس بعد عام 1968. وكان من أثر هذا أن نهجت السياسة

الإنكليزية، بعد اعتزال السير ألدن غورست، ومجئ لورد كتشنر في عام 1911 , نهجا في الحكم قويًا دام حتى أعلنت الحماية الإنكليزية على مصر في 18 ديسمبر سنة 1914. وفي اليوم التالى أعلن الإنكليز خلع عباس حلمى وتولية عمه حسين كامل مكانه، وتلقيبه بسلطان مصر. وأصدر شيخ الإسلام في الآستانة وقتئذ فتوى دينية يعلن فيها أن الحاكم الجديد خائن لقضية الإسلام وأنه يستحق القتل وتجب محاربته (انظر نص الفتوى في كتاب، Hilfsbuch Pür Vorlesungen über: Jacob das Osmanische Turkische جـ 2، طبعة برلين 1916 , ص 46). ولم تكن مصر في أثناء الحرب الأوربية الماضية [الأولى] إلا حلقة في سلسلة الخطط الحربية الفنية للإمبراطورية البريطانية. وأصبحت من 6 نوفمبر سنة 1914 في حالة حرب مع تركيا، ولكن إنكلتره هي التي تولت الدفاع عن الأراضى المصرية. وأجلت جلسات الجمعية التشريعية، وأعلنت في البلاد الأحكام العرفية وكانت نتيجة هذه الحرب بالنسبة لمصر انفصام الرابطة السياسية بينها وبين تركيا انفصامًا نهائيًا بمقتضى معاهدة لوزان (25 مايو سنة 1923) التي لم تشترك مصر في توقيعها. لكن هذه الحرب كان لها في مصر أثر أعظم من الأثر السابق، ألا وهو انتعاش الحركة الوطنية من جديد. فقد تجمعت في البلاد أسباب عدة أدت إلى إثارة المعارضة للحماية البريطانية، منها المطالب الباهظة التي فرضت على المصريين في أثناء الحرب، ومنها ازدياد عدد الموظفين البريطانيين، ومنها أن مبادئ الرئيس ولسن شجعت المصريين على المطالبة باستقلالهم السياسى، وكان الوطنيون في هذه المرة تؤيدهم طائفة من الأهالى أكبر عددًا ممن كانوا يؤيدونهم من قبل، فقد عاد الأقباط مرة أخرى إلى صفوف الوطنيين، بل إن الدوائر الأزهرية نفسها أخذت تشجع الدعاية الوطنية، وتزعّم هذه الحركة سعد زغلول باشا، وكان قبل الحرب ناظرًا للحقانية ومعروفًا باعتدال آرائه السياسية. غير أن ما لاقته المطالب الوطنية في لندن من عدم الاكتراث حمل المصريين على أن

2 - نظام الحكم والإدارة

يخرجوا عن جادة الاعتدال، وقام بينهم وبين الإنكليز نزاع دام ثلاث سنين لجأ المصريون فيه إلى وسائل العنف (كتقطيع السكك الحديدية والهياج على الأوربيين) (¬1) وإلى المقاومة السلبية (كالإضراب ومقاطعة لجنة ملنر) وإلى التشهير بمساوئ الإدارة البريطانية. واستخدم البريطانيون القوات العسكرية لإخماد هذه الحركة) وكانت الأحكام العرفية لا تزال قائمة) ونفوا زعماءها (وقد نفى زغلول مرتين) وانتهز المهيجون البلاشفة وأنصار عودة الخديو السابق عباس حلمى هذه الفرصة فأخذوا هم أيضًا يعملون للوصول إلى أغراضهم. وأخيرًا عدلت الحكومة البريطانية، موقفها فأعلنت إلغاء الحماية البريطانية، واعترفت بمصر دولة مستقلة ذات سيادة (28 فبراير سنة 1922) لكنها احتفظت ببعض النقط الهامة لتسوى فيما بعد (كالدفاع عن مصر وكمسألة السودان) ولاح من هذا الموقف الذي وقفته الحكومة الإنكليزية أن الصعاب التي تكتنف المسألة المصرية قد ذللت، ولكن الوطنيين المصريين لم يروا هذا الرأى. فقد دلت الحوادث التي وقعت بعد شهر فبراير عام 1922 على أن الكفاح القائم بين طلب الاستقلال التام والتدخل البريطانى في شئون مصر لم تضعف حدته قط، ولم يصبح أقل خطرا على تقدم البلاد السلمى مما كان من قبل. 2 - نظام الحكم والإدارة أكمل عدد البكوات المماليك بعد خروج الفرنسيين من مصر إلى أربعة وعشرين كما كان قبل مجيئهم، ولكن الضربة التي أصابت نظامهم الحكومى على أثر الاحتلال الفرنسى أعجزتهم عن مقاومة إرادة محمد على القوية؛ كذلك لم يبق الاحتلال الفرنسى في مصر ما يكفي من الزمن لوضع تقاليد جديدة لحكم البلاد، فقد اضطر الفرنسيون في جمع الضرائب إلى استخدام النظم التي كانت قائمة فيها وقت قدومهم. وكان أهم ما ابتكروه هو ¬

_ (¬1) من الثابت أن الحركة المصرية في ذلك العهد لم تتجه اتجاها عدائيا للأوربيين، وإنما كانت حركة وطنية محددة الأهداف، وهي الجلاء واستقلال البلاد. مهدي علام

"الديوان" الذي أقاموه في القاهرة، وألفوه من عشرة مشايخ (حرص الفرنسيون على ألا يكون من بينهم أحد من طبقة المماليك) لينظروا في أمور الحكم، وأقام بونابرت إلى جانبه "كتخدا" (ويسميه المصريون "كخيا") كما كان يفعل الباشوات الأتراك من قبل. وما لبث نظام الحكم الذي استنه محمد على أن أصبح نظامًا مركزًا في يده شديد التركيز، وهو ما كان يحدث في مصر على الدوام إذا ما أتيح لها حاكم قوى، فألغيت كل السلطات الإقطاعية (مذبحة المماليك) ولم يبق في البلاد حاكم عظيم إلا الباشا نفسه يحكم باسم السلطان. وكانت أساليب حكمه في بداية الأمر هي الأساليب الشرقية التركية الخالصة، ولكن الطريقة التي إنهار بها هذا النظام الحكومى المطلق لم تكن هي الطريقة الشرقية، ذلك أن مصر لم تعد بعد إنهياره إلى الوقوع في أيدى طائفة من الأمراء الإقطاعيين لأن المصالح الأوربية كانت أخذت تتغلغل فيها تدريجًا، وانتهى الأمر بأن صار حكم البلاد صورة من النظام الملكى الدستورى وإن أبقى هذا الحكم على الأسرة الخديوية. على أن القيود التي فرضت على هذا الحكم المطلق لم تقم بها هيئة ممثلة للشعب بل قام بها ممثل لحكومة أوربية. ولم تكن العلاقة القائمة بين الباب العالى وتابعه في مصر لتقيد يد الولاة من التصرف في الشئون الإدارية الداخلية حتى بعد صدور فرمان 23 مايو سنة 1841 , وهو الفرمان الذي ظلت نصوصه من وقت صدوره إلى عام 1914 أساسًا لمركز مصر القانونى من الوجهة الدولية (انظر نص هذا الفرمان في كتاب "تاريخ دولت عليه عثمانية" لمؤلفه أحمد لطفي طبعة الآستانة سنة 1302 هـ, جـ 6 , ص 235). ولم ينص هذا الفرمان فيما يتعلق بإدارة البلاد الداخلية إلا على وجوب تطبيق الـ"خط شريف الكلخانى" الصادر في عام 1839 وعلى دفع الجزية من إيرادات مصر (وقد حدد مقدارها بثمانين ألف كيس

في فرمان خاص صدر في ذلك التاريخ نفسه ثم زيد في عام 1866 إلى 150000 كيس أي 750000 جنيه تركى) وأن تسك العملة باسم السلطان وأن ينقص عدد الجيش المصرى إلى 18000 رجل (وقد رفع هذا القيد في عام 1873 وأبيح للوالى أن يمنح الرتب العسكرية إلى رتبة أميرالاى، وحرم عليه أن ينشئ سفنًا حربية إلا بإذن خاص ولم تعدل الفرمانات التي صدرت بعد عام 1841 هذه الحقوق إلا قليلا، ثم أعادها فرمان سنة 1873 إلى ما كانت عليه من قبل. واحتوى الفرمانان الصادران بتولية توفيق وعباس حلمى على هذه القيود نفسها أو ما يقرب جدًا منها. وكان النظام الذي سار عليه محمد على في حكم البلاد يقوم على طائفة من الدواوين والمجالس (يعين أعضاءها بنفسه) وتتكون منها جميعًا حكومة البلاد المركزية؛ وكان أعظمها شأنًا الديوان الخديوى الذي كان ينعقد في قلعة القاهرة ويرأسه "الكخيا"، وكان هذا الديوان في الوقت نفسه محكمة قضائية عليا (انظر كتاب لين Lane ج 1، ص 130) يقوم إلى جانبه مجلس المشورة ومجلس الجهادية ومجلس الترسخانة وديوان التجار وغيرها من المجالس والدواوين. وكانت كلها تقوم في بعض الأحيان بأعمال قضائية وتنفيذية. وكان يشرف على القضاء الشرعى قاض حنفي يرسل في كل عام من الآستانة ويتخذ مجلسه في محكمة العاصمة. وكان هناك أيضًا مجلس من العلماء، ولكن هذه الهيئة القومية التي كانت تفوق غيرها من الهيئات في هذه الصفة، والتى كانت عظيمة الأثر في أيام الاحتلال الفرنسى لم تلبث أن فقدت نفوذها في أيام محمد على. على أن عدد الدواوين المختلفة وأسماءها واختصاصات كل منها لم تكن ثابتة على الدوام (انظر: جرجى زيدان: مشاهير الشرق ج 1 ص 42) وحول سعيد باشا ثلاثة منها إلى وزارات على رأس كل منها وزير وهي: الخارجية والمالية والجهادية، واستبدل بمنصب الكخيا ديوانًا آخر يعرف بديوان "المعية" ولم يكن العمل في هذه الدواوين وفق نظام محكم دقيق (انظر،

ما وصفها به فون كريمر ج 2 ص 9 وما بعدها) وأنشأ إسماعيل فيما بعد نظارات الداخلية والبحرية والمعارف العمومية (وكان يرأس هذه الأخيرة على باشا مبارك) والأشغال العمومية والتجارة (1876) وعهد بالإدارة المركزية إلى "المجلس الخصوصى" أما إدارة الأوقاف فلم تكن في هذا الوقت قد تحولت إلى نظارة مستقلة. واستطاع هذا الخديو في أول حكمه أن يسيطر على دولاب الحكومة، ولكن نفوذ النظار أخذ يظهر بالتدريج، وبخاصة في أواخر حكمه حين أصبح ناظران من الأوربيين عضوين في وزارة نوبار باشا. وكان عدد من كبار الموظفين الأوربيين في خدمة الحكومة المصرية يشغل في الوقت نفسه مناصب كبيرة في المصالح الحكومية المختلفة. وكان الخديو قد أنشأ في سنة 1866 هيئة نيابية (مجلسًا نيابيًا افتتح في الخامس والعشرين من نوفمبر سنة 1866) تختار أعضاءه الهيئات النيابية المحلية، ولكن هذه الهيئة التي كانت بداية للحياة النيابية في مصر لم تكن تجتمع إلا مرة واحدة في كل عام، ولذلك لم يكن لها شأن كبير في تسيير أعمال الحكومة، ولم تصبح برلمانًا بالمعنى الصحيح فيه "حزب معارض" للحكومة إلا بعد عام 1879. على أن الحكم النيابى الذي أقامه إسماعيل في عام 1878 حين أعلن أنه من ذلك التاريخ سيحكم البلاد على يد وزارة مسئولة لم يدم طويلا وكان يرجى بعد خلعه أن يستطيع الخديو توفيق -وقد منح البلاد دستورًا في 7 فبراير سنة 1882 - العمل بالاتفاق مع البرلمان الذي أنشأه وقتئذ، ولكن الثورة العرابية بددت هذه الآمال، وتدخلت إنكلترة في أعمال الحكومة بعد أن احتلت البلاد، فأرسلت اللورد دفرين على رأس بعثة لوضع نظام حكومتها، وقدمت هذه البعثة تقريرها في شهر فبراير من عام 1883. وأعقب ذلك صدور قانون نظامى جديد في شهر مايو من السنة نفسها، وقد أعاد هذا القانون السلطة التشريعية بأكملها إلى الخديوى، وأنشأ مجلسًا تشريعيًا من ثلاثين عضوا -مجلس شورى القوانين

- وجمعية عمومية كانت صورة مكبرة من المجلس السابق ولكنها محدودة السلطة جدًا، وظل هذا النظام قائما ثلاثين عاما كاملة مكن الإنكليز في خلالها من أن يسّيروا شئون الحكم في مصر بوساطة "المستشارين" الذين عينوا في النظارات المختلفة. وفي عام 1913 تكونت من الهيئتين السالفتى الذكر جمعية تشريعية واحدة ذات سلطات استشارية وتتألف من النظار ومن ستة وستين عضوا منتخبا وسبعة عشر عضوًا معينًا، إلا أنها عطلت بعد إعلان الأحكام العرفية في عام 1914، وظلت معطلة إلى أن أعلن استقلال مصر في 28 فبراير سنة 1922، فعهد إلى لجنة مكونة من ثلاثين عضوًا بوضع دستور جديد أعلنه الملك في 19 أبريل سنة 1923. وقد أقام هذا الدستور في مصر حكومة ملكية نيابية برلمانية. وبدأ في ظاهر الأمور أن كل ما يوحى بأن مصر قد كان لها في يوم من الأيام تقاليد غير أوربية قد انمحى من البلاد أو كاد. ولننتقل الآن إلى نظام الحكم في الأقاليم، فنقول إن النظام الذي وضعه محمد على لتصريف شئونها بدأ في عام 1813 , وقد قضى هذا النظام بإنقاص عدد المديريات وإنشاء إدارة لها مركزة أشد التركيز. وكان عدد هذه المديريات في عام 1840 لا يزيد على سبع في الوجه البحرى هي البحيرة والمنوفية والدقهلية والشرقية (يضاف إليها محافظتا القاهرة والإسكندرية) وعلى ثلاث في مصر الوسطى والعليا وهي مديريات بنى سويف (وتشمل الفيوم) والمنيا وإسنا، وكان على رأس كل واحدة منها مدير، وكانت المديرية نفسها تنقسم إلى مراكز يحكم كلا منها مأمور، وكل مركز ينقسم إلى أقسام على رأس كل منها ناظر، وكل قسم إلى نواح على رأس كل منها رئيس يلقب بشيخ البلد (وقد أخذ هذا اللقب كما أخذت اختصاصاته من العهد السابق) وكان يوجد في كل ناحية موظف يلقب بالخولى يشرف على الأعمال الزراعية، وصراف يجمع الضرائب، وشاهد أو مأذون ينوب عن القاضى. وكان المديرون على الدوام "أتراكا" أما

"الخولة" و"الصيارفة" فكانوا كلهم من الأقباط، وكان معظم من عداهم من المصريين المسلمين. ولما ضعفت السلطة المركزية في عهد الواليين اللذين خلفا محمد على بدأ الفساد يدب في الإدارة الإقليمية. وجاء إسماعيل فقسم البلاد من جديد ثلاثة أقسام كبرى: القسم "البحرى" ويشمل مديريات البحيرة والجيزة والقليوبية والشرقية والمنوفية والغربية والدقهلية، والقسم "الوسطانى" ويضم مديريات بنى سويف والفيوم والمنيا؛ و"الصعيد" (انظر فيما بعد) ويضم مديريات أسيوط وجرجا وقنا وإسنا، هذا عدا المحافظات، وهي القاهرة والإسكندرية ودمياط ورشيد والعريش وبورسعيد والسويس وسواكن. وبقيت الأقسام الصغرى كما هي، إلا أنه وضع على رأس كل ناحية "عمدة" يساعده في القيام بأعماله "شيخ البلد" وكلاهما يختاره الأهالى. وألغى في الوقت نفسه منصب الخولى على أثر ما منح للهيئات التمثيلية الإقليمية من استقلال بشئونها الزراعية (انظر القسم 3 من هذا المقال) وأنشئت في كل مركز وفي كل مديرية هيئة من هذه "الهيئات النيابية" تتألف من الأعيان، وعلى نمط هذه الهيئات أنشئ المجلس النيابى السالف الذكر في مدينة القاهرة. وكان من التغييرات التي لا تقل عن هذا التقسيم خطرًا اختيار المديرين من أبناء البلاد بدل اختيارهم من الأتراك. وكان لابد من أن يمضى بعض الوقت حتى يعتاد المصريون إطاعة كبار الموظفين الذين اختيروا من بينهم، ولا تزال المعالم الرئيسية في هذا النظام الإداري السالف الذكر قائمة في البلاد إلى وقتنا الحاضر. وكان النظام الإدارى في الوقت الذي نتحدث عنه كما كان في العهود السابقة وثيق الارتباط بنظام امتلاك الأراضى الزراعية. فقد ألغى محمد على الملكية الزراعية الكاملة إلغاء تامًا تقريبًا، ثم قسم جميع الأراضى الصالحة للزراعة بين الفلاحين بوساطة مصلحة الرزنامة (فأعطى كلا منهم ما بين ثلاثة أفدنة وخمسة) وكل ما كان لهم من الحقوق على هذه الأرض هو حق الانتفاع بها دون التصرف فيها بحال من الأحوال،

وكان عليهم أن يؤدوا عنها "الخراج" ولذلك سميت هذه الأراضي بالأراضي "الخراجية" وكان يجمعه موظفون (سبق الكلام عليهم) وألغى نظام الالتزام، وعوض الملتزمون السابقون عما أصابهم بهذا الإلغاء بأن سمح لهم أن يحتفظوا "بالوسايا" وهي الأراضي المعفاة من الخراج التي كانت لهم في عهد المماليك، ينتفعون بغلتها دون أن يكون لهم حق التصرف فيها، وقد عادت هذه الأراضي على مر الأيام إلى أملاك الدولة فأصبحت كالأراضي الخراجية أو أصبحت ملكا حرًا. كذلك عادت أنواع أخرى من الملك الاستثنائى الخاص (الرزقة) فضمت شيئًا فشيئًا إلى الأراضي الخراجية. وظهر في عهد محمد علي نوع جديد من الأراضي الزراعية يعرف "بالأبعديات" وقوامه أرض غير منزرعة أقطعها الأعيان وكبار الموظفين ليقوموا بزراعتها. وكانت معفاة من الضرائب ولا يجوز التصرف فيها بالبيع. وكان هذان الشرطان نفسهما ينطبقان على الضياع الواسعة المعروفة بالشفالك التي منحها محمد علي لأعضاء الأسرة الحاكمة ولبعض كبار الموظفين، وهي التي سميت بأراضي الدائرة السنية في أيام إسماعيل. وقد أصبحت هذه الأقسام كلها على مر الزمن أملاكا حرة خالصة كما ألغيت جميع القيود التي كانت مفروضة من قبل على ملاك الأراضي الخراجية. وصدرت بهذا الإلغاء عدة قوانين نخص منها بالذكر قانون المقابلة (انظر فيما بعد) وهكذا تطور نظام الملكية الزراعية في مصر من الحالة التي لم يكن لأحد فيها ملك على الإطلاق إلى النظام الحاضر الذي أصبحت فيه الملكية الخاصة هي القاعدة المتبعة. أما الأجانب فلم يسمح لهم من الوجهة الرسمية بامتلاك الأراضي الزراعية إلا بعد صدور القانون التركى المؤرخ 10 يونيه سنة 1867 وإن كان محمد على قد منح بعض الأجانب أبعديات قبل صدور ذلك القانون. على أن مساحة الأراضي الزراعية التي يمتلكها الأجانب في مصر لا تزال مع ذلك قليلة. ويوجد قانون الملكية المصرية في الوقت الحاضر ضمن القانون المدنى الأهلى والمختلط. بقى أن نقول أن محمد علي صادر جزءا كبيرًا من أراضي

الأوقاف السابقة لعهده، وإن هذا الجزء المصادر أصبح الآن من الأملاك الخاصة. فإذا انتقلنا بعد ذلك للإدارة المالية في مصر وجدنا أننا نعرف عن هذه الإدارة أكثر مما نعرفه عن أي فرع آخر من فروع الحكومة وذلك بفضل البحوث الواسعة المستفيضة التي قام بها الخبراء الأوربيون وفي طليعتها تقرير المستركيف Mr. Cave الصادر في سنة 1876 , ولقد كانت جباية أهم الضرائب في مصر وهي ضريبة الأراضي الزراعية (انظر القسم 3 من هذا المقال) مصحوبة على الدوام بضروب كثيرة من الفساد، وبخاصة في عهد إسماعيل حين كانت هذه الضرائب تجبى مقدمًا للوفاء بمطالب الدين العام الملحة. وكان من أغرب النظم المالية في ذلك العهد قانون المقابلة الصادر في سنة 1871 والذي عدل مرارًا قبل أن يلغى إلغاءًا تامًا في سنة 1880، فقد أعفي هذا القانون ملاك الأراضي الذين يؤدون لخزانة الدولة ستة أمثال الضريبة السنوية إعفاء دائمًا من نصف الضريبة المفروضة على أراضيهم. وكانت العوائد الجمركية، وهي مصدر آخر من أهم مصادر الإيراد، لا تزال في بداية القرن التاسع عشر يعهد بجبايتها إلى الملتزمين. وقد صلح نظام جباية هذه الضرائب المختلفة بعد أن عين في الإدارة المالية موظفون من الأوربيين، ومن الأنظمة المالية الجديرة بالذكر في عهد إسماعيل ضم أملاك الخديو الخاصة (أملاك الداثرة السنية) إلى أملاك الحكومة. أما النظام القضائى في مصر فكان أول حافز على إعادة النظر فيه إنشاء المحاكم المختلطة في عام 1876, وتم إنشاؤها على يدى نوبار باشا بعد مفاوضات شاقة مع الدول الأوربية. ذلك أن إصلاح النظام القضائى أصبح من الضرورات الملحة بعد أن ازدادت الحقوق القضائية التي تمارسها القنصليات الأجنبية وتخطت الحدود التي يخولها إياها نظام الامتيازات، وذلك لما كان عليه النظام القضائى المصرى من الضعف. فلما وضع النظام القضائى المختلط اقتصرت حقوق

القناصل القضائية على المنازعات التي تقوم بين الأجانب المنتمين إلى جنسية واحدة وعلى الجرائم التي يرتكبها رعايا دولة القنصل نفسه. وكان قانون إنشاء المحاكم المختلطة ينص على أن يعد قضاتها موظفين تابعين للحكومة المصرية، ولكنهم أصبحوا في الواقع أشبه بسلطة أجنبية مستقلة في داخل الحكومة المصرية، لأنهم كانوا من رعايا الحكومات الغربية المتمتعين بالامتيازات الأجنبية ولأنه كان من حق هذه المحاكم أن تصدر الأحكام على الحكومة المصرية نفسها. وكان وجودهم بهذه الصورة دليلًا واضحًا على الصبغة الأوربية التي اصطبغت بها مصر. وكان لابد من التغلب على معارضة الباب العالى القوية في إنشاء هذه المحاكم، ذلك أن تركيا لم تكن ترغب في أن ترى هذه الهيئة القضائية المستقلة قائمة في إحدى الولايات التابعة لها. على أن السلطان وافق آخر الأمر على إنشائها بفرمانه الصادر في عام 1872 (انظر نرادوغيان جـ 3، ص 340) , وبعد سبع سنين من إنشائها أنشئت أيضًا محاكم أهلية جديدة على النمط نفسه، وعهد إليها بالحقوق القضائية التي كان يمارسها ولاة الأمور الإداريون ودواوينهم. ولا يكاد يوجد في الوقت الحاضر فرق بين القوانين التي تطبقها هاتان الهيئتان القضائيتان، ومعظمها مستمد من القانون الفرنسى. وقد نشر القانون الأهلى الجديد في عام 1883 (كما نشر قانون العقوبات وقانون المرافعات الجنائى من جديد في عام 1904) , ويمكن الاطلاع على قانون العقوبات الذي كان متبعًا في أيام سعيد باشا وما كان فيه من الاضطراب في الصفحات من 52 إلى 66 من الجزء الثاني من كتاب فون كرامر. واحتفظت المحاكم الشرعية التي تحكم على أساس المذهب الحنفي بحقها في الفصل في قضايا الأحوال الشخصية الخاصة بالمسلمين. وقد نظمت هذه المحاكم تنظيما جديدًا بمقتضى الأمر العالى الصادر في عام 1879 (وأعيد تنظيمها مرة أخرى في سنتى 1909 , 1910). وقد جمعت أيضًا النصوص المتعلقة بالزواج والوصاية على القصر وعديمى الأهلية والوراثة حسب أصول المذهب الحنفي في صورة مواد ليستعين بها

3 - التطور الاقتصادى

قضاة المحاكم المختلطة. وأضيفت الترجمة الفرنسية لهذه المواد البالغ عددها 467 مادة إلى الطبعة التي صدرت حديثا من كتاب " The Egyptian Codes & Laws" تأليف J.R. G. Brunton Wathelet (طبع في بروكسل عام 1920) ونشر النص العربي لهذه المواد في القاهرة عام 1917. وكان قدرى باشا أحد نظار الحقانية السابقين قد جمع هو أيضًا قواعد المذهب الحنفي الخاصة بالملكية والالتزامات (صدرت الطبعة العربية بالقاهرة 1909) ولكن المحاكم الشرعية المصرية غير مقيدة بهذه القوانين وحدها على عكس المتبع في حالة القوانين التركية (المجلة). وتخضع الطوائف المسيحية المختلفة لقوانينها الخاصة في قضايا الأحوال الشخصية. 3 - التطور الاقتصادى أهم أعمال محمد على الاقتصادية في مصر عملان: أولهما إدخال زراعة القطن وثانيهما نظام الاحتكار، وبفضل هذين العملين اللذين كانا يستندان إلى نظام الحكم المركزى الشديد التركيز استطاع أن ينفذ مشروعاته السياسية الواسعة. ولقد كان نظامه الاقتصادى في واقع الأمر نظامًا شرقيًا محضًا، ولكنه مع ذلك أحكم الصلة بينه وبين أوربا من طريقين، أولاهما أن الوالى أراد أن يستخدم طرائق العمل الأوربية فاستقدم إلى مصر الخبراء الأوربيين، وثانيهما أنه كان يبيع محاصيله الزراعية إلى أوربا فنشأت من ذلك بينهما علاقات تجارية كان لها أعظم الأثر في البلاد بعد إلغاء نظام الاحتكار في عهد عباس الأول. فقد تمت في ذلك الوقت صلات تجارية حرة بين المشترين الأوربيين والزراع المصريين وكان الوسطاء في هذه الأعمال التجار في جميع الأحوال تقريبًا من عناصر غير مصرية. إلا أن هذا التطور صحبته مع ذلك ظروف عاقت إلى حد كبير تقدم البلاد المستقل السليم. منها أن الأفكار الأوربية الخاصة بنظام الإئتمان المالى قد أدخلت إلى بلد لم يكن يعرف من أعمال الائتمان المالى إلا الشئ القليل، وأخذ التجار الأوربيون ووكلاؤهم يقدمون للزراع المصريين الأموال الطائلة ثمنا للمحصولات

الزراعية قبل حصادها. وكانت النتيجة المحتومة لهذا العمل أن تورط الزراع في الدين، وأن خسر التجار أموالهم. ولم تكن هذه إلا صورة مصغرة من النظام الذي حمل الحكومة نفسها دينًا باهظًا أثقل كاهلها، وكان منشؤه المغالاة في الثقة برخاء البلاد الاقتصادى. وما من شك في أن المصريين لم يكونوا يعرفون كيف ينتفعون بالأموال المقترضة، لأن تقاليدهم الاقتصادية لم تجعلهم على علم بطرائق جمع رءوس الأموال، يضاف إلى هذا أن الاستيراد من أوربا قد جاء إلى مصر بسلع لم يكن المصريون في حاجة ماسة إليها من الوجهة الاقتصادية، ولكنهم مع ذلك استوردوا منها كميات كبيرة نذكر منها المنسوجات القطنية التي كان معظمها يرد من إنكلترة. وكانت نتيجة هذا كله أن زيادة الإنتاج لن تعد على مصر بالثراء، وقد بقى الأهالى بوجه عام فقراء مثقلين بالدين شأنهم في ذلك شأن خزانة الدولة سواء بسواء. لكن الروابط الاقتصادية والمالية التي نشأت بين مصر وأوربا بوجه عام وبينها وبين إنكلترة بوجه خاص كانت روابط قوية لا تنفصم عراها حسبنا أن نلقى نظرة واحدة على جداول الوارد والصادر حوالي عام 1850 كما أوردها كريمر لنعرف ما كان لإنكلترة في ذلك الوقت من مصالح تجارية في مصر، وندرك السبب الذي حدا بها إلى التدخل في شئون البلاد تدخلًا قويًا نشيطًا حين تأزمت أحوالها الاقتصادية والمالية، وكيف أدى تدخلها هذا إلى احتلال البلاد عسكريا. وأصبحت مصر بعد عام 1882 أكثر مما كانت من قبل اعتمادًا على إنكلترة في شئونها الاقتصادية بسبب توسعها في زراعة القطن وإن كانت السيطرة الإنكليزية قد حالت بينها وبين الوقوع مرة أخرى في مخالب الإجداب. وهكذا نرى كيف هيأ محمد على للبلاد موارد من الثروة لم يجن ثمارها أهل مصر أنفسهم، وقد حدث ذلك بعينه في كثير من البلاد الإسلامية الأخرى. ولم تظهر بعد في عالم التأليف بحوث شاملة للطريقة التي صبغت بها أحوال مصر الاقتصادية بالصبغة الأوربية كالكتاب الذي كتبه عن شئون

التركستان رينولد يُنج (Reinhold junge: Das Problem der Europaisierung Orien- talischer Wirtschaft dargestellt un der Verhaltnissen de sozialwirtschaft von Russisch-Turkestan فيمار 1915) وبسبب هذا النقص سنكتفي بالإشارة إلى بعض مظاهر هذا التطور البارزة، ونورد بعض الإحصاءات الدالة عليه. لقد بقيت مصر بلدًا زراعيًا يكاد يعتمد كل الاعتماد على الزراعة. وليس هذا هو كل شئ بل إنها سارت في هذا التخصص الزراعى شوطًا بعيدا فاق كل ما كان مقدرا لها من قبل. ولم تكن مصر في عهد المماليك تنتج من القمح ما يكفي ساكنيها، فلما جاء محمد على وأنشأ في البلاد نظام المركزية الذي امتاز به عهده أعاد إلى البلاد ما كان لها في الزمان السابق من قدرة عظيمة على الإنتاج. وكان أهم ما عنى به الوالى للوصول إلى هذا الغرض إصلاح نظام الرى الذي أصابه الإهمال الشديد في الأزمان السابقة. ولم يجد الفرنسيون من الوقت إلا ما يكفي لدراسة حال قنوات الرى التي كانت في البلاد وقت مجيئهم. فلما حكم محمد على البلاد عنى بهذه المسألة عناية جدية، وبذل فيها كثيرًا من النشاط. وقد كلفه إصلاح حال القنوات القديمة وحفر قنوات جديدة آلافا من الأرواح. وأشهر هذه القنوات كلها قناة المحمودية التي تجرى من الإسكندرية إلى فرع رشيد. ولم تكن نتيجة ما قام به من الأعمال لإصلاح نظام الرى هي زيادة مساحة الأراضي المنزرعة فحسب بل إنه فضلا عن هذا قد مكن مصر لأول مرة في التاريخ من أن تروى أراضيها ريًا دائمًا من قنوات يجرى فيها الماء على مدار السنة. وقد عهد بالإشراف على أعمال الرى وعلى توزيع الماء إلى موظفين مختصين (الخُوَلة؛ انظر القسم 2 من هذا المقال) ولم يترك للفلاحين أنفسهم حرية التصرف في هذه الشئون. وواصل إسماعيل أعمال حفر قنوات الرى (فحفر قناة الإبراهيمية في الصعيد وقناة الإسماعيلية التي تربط النيل بقناة السويس). وفي عهده أصبح الإشراف على شئون الرى من اختصاص مجالس المديريات والمجالس المحلية بعد أن كان هذا الإشراف من

اختصاص الإدارة المركزية. وكانت هذه المجالس تقوم بهذا الواجب بإشراف مهندسى الحكومة، ولكن الفساد أخذ من ذلك الوقت يدب في شئون توزيع المياه على يد ولاة الأمور في الأقاليم. ولم تنصلح هذه الحال إلا بعد عام 1882 حين عهد بهذا الإشراف إلى موظفين من الإنكليز. وقد أصبحت العناية بأعمال الرى من أهم القواعد التي تقوم عليها الإدارة الإنكليزية في مصر. مثال ذلك أن هذه الأعمال خصص لها من قرض عام 1884 مبلغ مليون جنيه، في حين أن المصروفات الأخرى أنقصت كلها لقلة المال. وكان لهذه السياسة ثمرتها المرجوة. وقد أتم المهندسون الإنكليز أيضًا تشييد قناطر محمد على قرب الجيزة (¬1) -التي بدأ العمل فيها المهندسون الفرنسيون في زمن محمد على. ثم أنشئ بعد ذلك سد أسوان الشهير (الذي تم بناؤه في عام 1902، وعُلِّىَ في عام 1912 (¬2) الذي لم يقتصر نفعه على رى الأراضي المنزرعة فحسب بل إنه جعل في الإمكان خزن الماء الذي يكفي إلى حد ما لإرواء الأراضي الواقعة إلى شماله. ويصدق هذا القول نفسه إلى حد أكثر مما سبق على مشروعى السدين العظيمين اللذين بدئ بإنشائهما بعد الحرب العالمية (1914 - 1918) أحدهما على النيل الأزرق والثاني على النيل الأبيض جنوبى الخرطوم (وقد افتتح أولهما في عام 1926) (¬3) وقد أصبحت سيطرة إنكلترة على مياه النيل وسيلة من أقوى وسائل الإرغام في نزاعها مع الوطنيين المصريين في أثناء الاضطرابات التي تلت الحرب الأوربية. وقد عادت السيطرة على شئون الرى في مصر نفسها في الوقت الحاضر إلى أيدى الموظفين المصريين. وإذا استثنينا الطرق المتخذة في مصر لوقاية الجسور والسدود رأينا الفلاحين أنفسهم لا يزالون في معظم الأحوال يستخدمون ¬

_ (¬1) يقصد القناطر الخيرية. (¬2) بدأت أعمال التعلية الثانية لهذا السد في عام 1929 وتمت في 1933. ثم أنشئ السد العالى بعد ثورة 1952 وتم البدء فيه في يناير 1960. (¬3) وقد وضع الحجر الأساسى في بناء السد الثاني، سد جبل الأولياء في 30 نوفمبر 1933 وتم البناء في أغسطس سنه 1936 وبدئ بملئه في شهر يوليه سنة 1937.

وسائل الرى البدائية كالسواقى والشواديف، ورأينا أن الآلات الحديثة لا تستخدم إلا في الضياع الكبرى. ولم تقتصر أعمال محمد علي على العناية بوسائل الرى بل إن النظام الذي وضعه للإشراف على الأراضي قد زاد مساحة المزروع منها زيادة كبيرة (انظر القسم 2 من هذا المقال) يضاف إلى هذا أن نظام الاحتكار الذي وضعه قد مكنه من توجيه التطور الزراعى الوجهة التي يريدها. فقد استطاع به أن يركز الإنتاج كله في يده، وأن يتصرف فيه كما يشاء ولم يكن الفلاحون في عهده إلا عمالًا يرغمون على بيع محصولهم إلى الحكومة بأثمان محددة، ويؤدون ما تفرضه عليهم من الضرائب عينا. وهذا النظام قد حرمهم هو ونظام السخرة والتجنيد الإجبارى من القدرة على الابتكار؛ ولكنه على الرغم من ذلك مكّن الوالى من أن يرغم الأهالى على أن ينتجوا مقادير كبيرة من المحصولات الزراعية فيزيد بذلك ما يتبقى من المحصول لتصديره إلى الخارج. وكان القمح في جميع العصور أهم المحصولات الزراعية المصرية. ثم أدخل محمد على زراعة القطن في مصر عام 1821 واضطر وقتئذ إلى الاستعانة بالقوة للتغلب على مقاومة الفلاحين السلبية. وكان أول ما زرع منه نوع برى ينبت طبيعيا في البلاد، ويعرف بالماكو، ثم جئ ببذور قطن سى أيلند Sea Island في عام 1828 وما لبثت زراعة القطن أن انتشرت انتشارا واسعا في طوال البلاد وعرضها، وأخذت مساحة الأراضي المنزرعة قطنا تزداد بنسبة أكبر من ازدياد مساحة أراضي القمح. وكان الفرق بين المحصولين أن الجزء الأكبر من محصول القطن يصدر إلى الخارج في حين أن الحبوب -وهي القمح والشعير والذرة والأرز (في الوجه البحرى) - كانت تستهلك في داخل البلاد. وظل هذا التطور الزراعى يسير في مجراه بعد إلغاء نظام الاحتكار، ولما احتل الإنكليز البلاد -وكانوا قد أصبحوا قبل ذلك الاحتلال بزمن طويل أكبر المشترين للقطن المصرى- توسعوا في زراعته توسعا أكثر من هذا التوسع الذي وصفناه. فتضاعفت بين عامي 1883 , 1908

المساحة المنزرعة قطنا (زادت من 800.000 فدان 1.640000 فدان وأصبحت أكبر من المساحة المنزرعة حبوبا. ثم بدأ عهد من الركود. ولما قامت الحرب العالمية الأولى قضت الضرورة بتشجيع الزراع على زراعة الحبوب (¬1) (فقد كانت الأراضي المنزرعة قطنا في عام 1919 هي 1.573.000 فدان والمنزرعة قمحا 1.274.000 فدان) بل إنه قد حرم على الزراع في وقت ما أن يزرعوا القطن في أكثر من ثلث الزمام. ومن الحاصلات الأخرى التي أدخلها محمد على في مصر "القنب" وقد أدخل زراعته في مصر ليتخذ منه حبالا لسفن أسطوله البحرى. وأدخلت زراعة القصب في عهد إسماعيل وزرع لأول مرة في أملاكه بالوجه القبلى عام 1867. غير أن هذا المحصول لم يكن له من النتائج الهامة ما كان لزراعة القطن. ومن الزراعات القديمة التي اضمحل شأنها الكتان، ومنها أيضًا زراعة الدخان التي كانت من قبل نامية مزدهرة، ولكنها حرمت أخيرا في عام 1890 وأجريت بعد الحرب العالمية الأولى تجارب لإعادة زراعته من جديد. وليست فائدة الزراعة مقصورة على ما تنتجه البلاد من غلات، بل إنها أيضًا مورد هام لخزانة الدولة بما تجبيه على الأرض الزراعية من ضرائب كانت على الدوام أهم مصادر إيراد الحكومة، كما كانت أيضًا عبئًا ثقيلا على كاهل الفلاحين. وكان محمد على يأخذها عينًا، ومن عجز عن أدائها أكثر من ثلاث سنين انتزعت منه أرضه. ثم صارت الضريبة بعد ذلك تؤدى نقدًا، وكثيرا ما كان الفلاحون في عهد إسماعيل يلجأون إلى المرابين يقترضون منهم النقود لأدائها، بل إن الحكومة نفسها كانت تستعين أحيانا بالمرابين ليقرضوا الفلاحين ما عليهم من الضرائب (كما حدث في عام 1888؛ انظر كتاب لورد كرومر جـ 1 ص 37). وكان يقوم بهذا العمل فيما بعد البنك الزراعى، وكثيرا ما أدت هذه السياسة إلى بيع الأراضي بأمر الحكومة. ولم تنصلح الحالة إلا قليلا بعد صدور قانون "خمسة الأفدنة" في ¬

_ (¬1) وحدث نفس هذا في الحرب العالمية الثانية.

عام 1912 وهو القانون الذي يحرم رهن الأراضي التي تقل مساحتها عن خمسة أفدنة أو بيعها وفاء لدين. أما الصناعة فقد بقيت قليلة الشأن في مصر كما كانت في الأزمان السابقة. وكانت الصناعات الأهلية الصغيرة (كصناعة الغزل وصناعة النسيج على الأنوال اليدوية وصناعة الفخار وصناعة المعادن) لا تزال في بداية نشأتها في العصور الوسطى. فلما جاء محمد على ضم هذه الصناعات هي الأخرى إلى نظام الاحتكار. وفرض أشد العقوبات على من يشتغلون بها لحسابهم الخاص (انظر لين Lane جـ 1, ص 149) وكان نظام "الطوائف" القديم لا يزال قائما في ذلك الوقت وإن كان اضمحل شأنه كثيرا بعد الفتح التركى. (انظر Turkische Bibliotherk: Thorning جـ 16 ص 60) وزاد هذا الضعف بتأثير منافسة السلع المستوردة من أوروبا حتى إذا كان عام 1880 ألغيت هذه الطوائف رسميًا. وفي وسعنا أن نذكر من الصناعات الجديدة وقتئذ صناعة عصير القصب في مصانع الوجه القبلى، وصناعة السجاير المنتشرة كثيرًا في الإسكندرية (منذ عام 1873) والتي لا يستخدم فيها الآن إلا الدخان المستورد من الخارجِ أما القطن فكان لا ينسج منه في مصر نفسها إلا القليل، وإن كان قد أنشئت مصانع لغزله (شركة الغزل الأهلية المصرية Filature National Le d'e Egypte) والصناعات الجديدة كلها تقريبا في أيدى الأوروبيين (¬1) (وفيها تقطير الخمور، وعمل الصابون، والحلوى، وضرب الأرز). وكان أصحاب المصانع يستخدمون في أول الأمر عمالا من الأوربيين ثم استبدلوا بهم تدريجا عمالا مصريين. وقد تعلم هؤلاء نظام النقابات الأوروبية. وسايرت طرق الاتصال في مصر نمو البلاد الاقتصادى. وقد أضيفت الآن قنوات الرى الكبرى إلى الطريق المائى القديم وهو نهر النيل وفرعاه، فاتسعت ¬

_ (¬1) لقد تغيرت هذه الحال كثيرًا ويكفي أن نذكر منها شركات بنك مصر وغيرها ثم مصرت تماما في ظل الجمهورية وأصبحت الغالبية العظمى من الصناعات بأيدى المصريين. المحرر

بذلك طرق الملاحة المائية الداخلية. أما قناة السويس فلم يكد يكون لها شأن في التجارة المصرية ولكن لها أهميتها في التجارة الدولية، والعمال المصريون هم الذين قاموا بحفرها (1859 - 1869) وقدم الوالى سعيد باشا نصف رأس مال الشركة التي احتفرتها، فأوجد بذلك لأسرته على الأقل مصدرا كان يمكن أن يعود عليها بربح كبير في المستقبل. فلما اضطر إسماعيل إلى بيع أسهمه للحكومة الإنكليزية في عام 1876, لم تعد مصر تجنى شيئًا من أرباح القناة الطائلة. ولما كانت القناة ستعود إلى مصر بعد عام 1968 (*) فإن المصريين رفضوا في عام 1910 أن يمدوا أجل امتيازها بعد تلك السنة. وقد فرضت القناة فضلا عن ذلك التزامات دولية أخرى على مصر، فقد أعلنت المعاهدة الخاصة بقناة السويس والمبرمة في 29 أكتوبر سنة 1888 (والتى صادقت عليها إنكلترة في عام 1904) حرية الملاحة فيها في أوقات السلم والحرب لجميع السفن على اختلاف أنواعها، وناطت بتنفيذ هذا الاتفاق ممثلى الدول الموقعة على هذه المعاهدة في القاهرة. ولكن إنكلترة بوصفها الدولة المحتلة لمصر اتخذت في جميع الأحوال الإجراءات اللازمة للدفاع عنها وبخاصة في أيام الحرب العالمية الأولى حين أخذت قوة تركية ألمانية تهدد بالزحف على القناة من الضفة الشرقية. وظل أمر الدفاع عن القناة من أسباب النزاع بين إنكلترة ومصر بعد أن أعلن استقلال البلاد. أما النقل البرى فكان وسائله كلها السكك الحديدية، لأن قنوات الرى لا تجعل الحاجة ماسة إلى الطرق البرية الأخرى. وبدأ مد السكك الحديدية في أيام عباس باشا الأول عام 1852. وفي أيام إسماعيل مدت معظم الخطوط الحديدية التي في الوجه البحرى، ومد في الوجه القبلى الخط الواصل من القاهرة إلى أسيوط، ولم يمد هذا الخط الأخير إلى أسوان إلا في عهد الاحتلال. ولم يكن هناك اتصال بالسكك الحديدية بين أسوان وحلفا حيث تبدأ الخطوط الحديدية السودانية الواسعة. ومد في أثناء الحرب خط ¬

_ (*) تم تأميم القناة عام 1956.

حديدى إلى القنطرة (¬1) على شاطئ القناة يتصل بالخط الجديد الآخر الممتد من حيفا. وقد ظلت السكك الحديدية المصرية حتى عام 1904 تحت إشراف إدارة دولية خاصة، وذلك بسبب الصعاب المالية التي نشأت في مصر. ويدير مصلحة السكك الحديدية منذ عهد إسماعيل موظفون ومهندسون من المصريين. ونقول أخيرا إنه إذا كان ثمة شئ يدل بوضوح على الاتجاه الجديد لمركز مصر الاقتصادى -ومن ثم لمركزها الثقافي- فهو تجارتها الخارجية. فقد كان كل ما ظل باقيًا لمصر من علاقات تجارية في أوائل القرن التاسع عشر هو بقايا التجارة العظيمة العابرة من الحاصلات الهندية التي كانت رائجة أيما رواج في العصور الوسطى والتى كانت مقصورة في هذا العهد القريب على غلات السودان وجنوب بلاد العرب. فلما أنشأ محمد على نظام التجارة الحكومية أو نظام الاحتكار التجارى عادت مصر لأول مرة منذ تاريخها القديم تنتج للتصدير. على أن هذا النظام أغضب المسلمين لأن الوالى لم يكن يعاملهم كما يعامل التجار الأجانب، كما أغضب أيضًا هؤلاء التجار أنفسهم. وبلغ هذا الاستياء حدًا حمل إنكلترة على أن تعقد مع تركيا معاهدة تجارية موجهة ضد سياسة محمد على التجارية. وكان الصادر من الحبوب في أيام سعيد باشا لا يزال أكثر من القطن، ثم أصبح للقطن المكان الأول في عهد خلفه. وكانت الحرب الأهلية الأمريكية هي العامل الأكبر في زيادة الصادر من القطن زيادة كبيرة، وقد أصبحت إنكلترة منذ منتصف القرن الماضى تشترى الجزء الأكبر من القطن المصرى المصدر إلى الخارج، فكانت من أجل ذلك البلد الذي يهمه أكثر من غيره الاحتفاظ بزراعته. وأصبحت مصر بعد ما طرأ على أحوالها الزراعية من تطورات بعد عام 1882 أهم البلاد المنتجة للقطن في العالم بعد أمريكا والهند. وفي وسع من يشاء أن يطلع على أرقام الصادرات في الكتب والنشرات الخاصة بهذا الموضوع. وتعتمد الإحصاءات الواردة ¬

_ (¬1) يقصد الخط الممتد في شبه جزيرة سيناء من القنطرة.

فيها على ما تصدره البيوت التجارية في الإسكندرية. لكننا أقل من ذلك علما بالطريقة التي كانت عليها التجارة المصرية بعد إلغاء تظام الاحتكار، وأكبر الظن أن المشترين الأجانب قد استعانوا إلى حد كبير بوسطاء من السوريين والأقباط، ولعلهم اتبعوا في ذلك طرقًا كان لها أسوأ الأثر في نمو التجارة، نخص بالذكر منها تقديم المال للفلاحين على محصولاتهم، أو شراء هذه المحصولات قبل نضجها، وهو نوع من المعاملات ينطوى على مجازفة شديدة، ويعرض البائع والمشترى على السواء للخسائر الفادحة. ولم تكن صادرات الحبوب ثابتة ثبات الصادر من القطن. (وكانت نسبة الأولى إلى الثانية بين عام 1910 , 1920: 1 إلى 9) وحدث في بعض السنين (في أثناء الحرب مثلا) أن اضطرت مصر إلى استيراد كميات من القمح. أما المصنوعات فأهم ما يصدر منها السكر والسجاير. وكان أهم الواردات في الماضى، البضائع القطنية والمنسوجات من المصانع الإنكليزية، والفحم النباتى (من تركيا) والحديد والدخان والآلات. وكانت أهم البلاد التي تستورد منها مصر حاجاتها قبل الحرب العالمية الأولى بعد إنكلترة هي تركيا وفرنسا والنمسا (الملابس الجاهزة والطرابيش). وسرعان ما أصبحت هذه البضائع المستوردة من الضرورات التي لا يستغنى عنها أهل مصر، وإن أصبح لها أثر كبير في صبغ البلاد بالصبغة الأوروبية. ولا جدال في أن حظ إنكلترة من تجارة مصر الخارجية بعد أن أخذت هذه التجارة في النماء قد فاق حظ أية دولة أخرى. فقد كان نصيب إنكلترة منها قبل الحرب الماضية 37 % ثم زاد في سنة 1919 إلى ما يقرب من 60 % وكان ميزان التجارة الخارجية على الدوام -عدا بعض سنين شاذة قليلة- في صالح مصر. وليس من السهل أن نعرف كيف استفادت البلاد من هذا الظرف. وما من شك في أن جزءًا كبيرًا من زيادة الصادر ذهب للوفاء بالتزامات الدين العام. ومهما يكن من شئ فإن الثروة التي دخلت البلاد

4 - السكان

بهذه الطريقة قد قسمت فيها تقسيما هو أبعد ما يكون عن المساواة. فالفلاحون لا يزالون فقراء مثقلين بالدين. أما الطبقات فأولها طبقة الملاك (وبخاصة طبقة الباشوات الأتراك - المصريين؛ انظر القسم رقم 4 من هذا المقال) ويليها طبقة الأجانب الأوربيين، وهم أحسن حالا من أهل البلاد، لأن الامتيازات تعفيهم من جميع الضرائب (¬1) وكانت فضلا عن ذلك لا تسمح بزيادة الضريبة الجمركية على الواردات إلى أكثر من 8 % (¬2). وكانت التجارة الداخلية هي الأخرى معقدة في أيام محمد على. فقد كان يلزم الفلاحين بأن يشتروا منه بأثمان مرتفعة المحصولات التي كان يبتاعها منهم بأثمان تقل عن الأثمان التي يشترونها بها. وقد وصفها في عصر سعيد باشا فون كريمر وصفا مسهبا (جـ 2، ص 212 وما بعدها). وكانت لا تزال هذه التجارة محتفظة بكثير من مظاهرها القديمة بالرغم مما تأثرت به من أساليب التجارة الأوربية. ونخص بالذكر من هذه المظاهر القديمة نظام الأسواق التي لا تزال الحركة التجارية فيها منتعشة نشيطة (ومن أمثلة هذه الأسواق سوق خان الخليلى في القاهرة) وإن كانت مظاهر الحياة فيها لم يبق لها ما كان لها في الماضى من روعة وجمال كما أن السلع التي فيها كانت قد انحطت عما كانت عليه من قبل. 4 - السكان يدل الازدياد السريع في عدد سكان مصر منذ بداية القرن التاسع عشر دلالة واضحة على أن أحوال المعيشة فيها قد تحسنت كثيرًا عما كانت عليه من قبل. فقد تضاعف عددهم تقريبًا في الفترة المحصورة بين الاحتلال الفرنسى وحكم سعيد (زاد هذا العدد ¬

_ (¬1) عدا ضريبة الأطيان والعقارات والضرائب الجمركية وقد انقضى عهد الامتيازات بعد عام 1937. (¬2) لم يكن سبب هذا التحديد هو الامتيازات الأجنبية بل كان سببه المعاهدات التي ارتبطت بها مصر مع الدول وقد انتهت كلها في عام 1930 وأطلقت يد مصر في فرض الضرائب الجمركية بما يتفق ومصالحها.

من 2.460.000 إلى 4.476.440 نسمة) وبلغ مقدارهم في عام 1897: 9.734.405 , ثم نقص هذا العدد قليلًا بعد هذا العام. ثم عاد فارتفع إلى 11.287، 359 في عام 1907 وإلى 12.750.918 في عام 1917 (¬1). وبما أن مساحة الأراضي الصالحة للزراعة في مصر قليلة بالنسبة لعدد السكان فإن كثافة السكان في مصر تعد عظيمة، ويتألف العنصر الوطنى الأصيل المتجانس الذي يتكلم اللسان العربي وقتئذ من 92 % من هذا العدد. وهو يشمل طبقة الزراع (الفلاحين) والوطنيين من سكان المدن. ومن السكان 93 % مسلمون والباقون هم الأقباط المسيحيون (وقد كان عددهم 854.778 في تعداد 1917) أما العناصر غير الأصيلة فتتألف من الأتراك والمسيحيين واليهود من أبناء الشرق ومن الأوربيين. ويقابل اختلاف الدين والجنس في مصر كما يقابلهما في غيرها من البلاد الإسلامية اختلاف مثله في الوظائف الاجتماعية. ويسكن الفلاحون، وهم العنصر الوطنى من أهل البلاد، في قرى قائمة على ضفتى النيل وعلى ضفاف قنوات الرى، وكانوا لا يزالون يعيشون بطريقة لا تختلف إلا قليلًا عن الطريقة التي كانوا يعيشون بها في القرون الماضية. وقد أفقرتهم أشد الفقر الوسائل الاقتصادية التي اتبعها محمد على. وكثيرًا ما كانوا من عهد إسماعيل موضع الأسى من الكتاب الأوربيين لما يرزحون تحته من الضرائب الباهظة ولما يعانونه من الوسائل الوحشية الفاسدة التي كان يتبعها جامعو الضرائب. إلا أن الزيادة المطردة في عدد السكان في هذه الفترة لا تترك مجالًا للشك في أن ظروف الحياة مهما يكن فيها من بؤس وشقاء هي الآن خير مما كانت عليه في العصور السابقة. وجدير بالذكر أن الفلاح المصرى كان في كل العصور يظهر كراهية تقليدية لأداء الضرائب المفروضة عليه، إلا إذا أرغم على ذلك. أضف إلى هذا أن عجز الفلاحين عن إدخار رءوس الأموال قد جعل مستوى حياتهم بوجه عام أقل من غيرهم. ولما أراد محمد على أن يؤلف ¬

_ (¬1) وقد بلغ 16 مليونا في عام 1927 بينما بلغ أواخر عام 1995 نحو الستين مليونا.

منهم فرقًا في جيشه كان كرههم للخدمة العسكرية يدفعهم في كثير من الأحيان إلى أن يحاولوا الفرار منها بتشويه أجسامهم. ومع هذا فإن الفلاحين قد برهنوا على أنهم جنود صالحون إذا تولى قيادتهم ضباط قادرون كما حدث في حروب السودان في عام 1897. وكان السكان الطاعنون في أجزاء من مصر لا يزالون في أثناء القرن التاسع عشر يعدون أنفسهم من سلالات القبائل العربية. وليس لأفقر الطبقات من الزراع أملاك مطلقًا، وأفراد هذه الطبقة يعملون أجراء في الضياع الكبرى. وتلى هذه الطبقة طبقة صغار الملاك (وهم الذين يملك الواحد منهم أقل من 50 فدانا) وأرقى هذه الطبقات كلها طبقة مشايخ القرى وهم الذين يسميهم لورد كرومر (طبقة السادة الملاك Squirearchy) . ولقد كان عهد الخديويين من أهم العهود بالنسبة للعنصر المصرى الأصيل، فقد استطاع هذا العنصر في ذلك العهد أن يكون له نصيب موفور في حياة البلاد العامة وفي إدارتها. لقد كان علماء الأزهر في القرون السابقة لحكم محمد على يخرجون من هذه الطبقة وحدها إلا فيما ندر. ومنذ زمن محمد على -الذي لم يكن يسمح لغير "الأتراك" بأن يتولوا المناصب الكبرى- أخذت طبقة وسطى تظهر في البلاد. وكان سعيد الذي اشتهر بأنه صديق الفلاح -يشجع هذه الطبقة على الوصول إلى المناصب الكبيرة في الجيش وفي الإدارة المدنية، وبهذه الطريقة نشأ في عصر إسماعيل ما يمكن أن نسميه بالرأى العام (وكان في الغالب معاديًا للأتراك- (انظر القسم رقم 1 من هذا المقال) ومن أبرز الممثلين لهذه الطبقة المصرية الأصيلة المتعلمة على باشا مبارك والعالم الرياضى محمود باشا الفلكى. ومن التغييرات التي حدثت لاسترضاء هذا العنصر المصرى الأصيل استبدال اللغة العربية باللغة التركية في دواوين الحكومة في عهد سعيد باشا. على أن العامل الأكبر في وجود هذه البداية الأولية للنزعة القومية هو تأثير الأوربيين وقتئذ. ولم تكن هذه النزعة متأصلة في وعى الجماهير من المصريين، ويلوح أن

الشعور القومى الذي بعث في القرن العشرين هو وحده الذي كانت تفهمه جماهير المصريين. على أن الفلاحين قد ظلوا بمنأى عن هذه الدعاية الوطنية، فلم تصل قط إلى نفوسهم اللهم إلا من كان يعيش منهم قريبًا من المدن الكبيرة. والمذاهب الأربعة السنية معترف بها في مصر رسميًا. ولكن أوسعها انتشارًا هو المذهب الشافعى. ويتبع بعض أهل الصعيد مذهب الإمام مالك. ولما كان القضاء في مصر منذ الفتح العثماني يسير على الدوام حسب أصول المذهب الحنفي فقد أصبح هذا المذهب الآن هو المتبع في الشئون الدينية ما عدا العبادات الخالصة. وكان متوسط عدد من أدوا فريضة الحج من المصريين في ذلك الوقت حواليِ 16.000 حاج. ويحتفل في مصر بالأعياد السنية الرسمية فضلا عن الاحتفال بطائفة من الأعياد المصرية الخالصة المعينة في التقويم القبطى القديم، وهو إلى الآن التقويم الذي يسير عليه الفلاحون. وكانت أيام هذه الأعياد تتفق منذ أقدم الأزمنة مع وقوع حوادث طبيعية معينة أجدرها بالذكر ارتفاع مياه النيل. ولهذا كان عيد "جبر الخليج" من أشهر الأعياد المصرية منذ أقدم العصور، وهو يقع في شهر أغسطس من كل عام. وهناك أعياد أخرى تتصل بموالد الأولياء المسلمين يحتفل بها في كل عام (منها مولد سيدى أحمد البدوى (¬1) في طنطا ومولد البيومى في القاهرة) وعدد هذه الموالد لا حصر لها. وكثير من الأولياء الذين تقام لهم لا تعرف أسماؤهم. وما من شك في أن بعض الأماكن التي يزارون فيها من المواضع التي كانت مقدسة قبل الإسلام. ويجد القارئ وصفًا كاملا مفصلا للعقائد والعادات المصرية الشعبية في الخطط الجديدة لعلى باشا مبارك (وبخاصة في الأجزاء من 8 إلى 27, انظر أيضًا جولدسهير Goldziher في W.Z.K.M. جـ 4, ص 351) وقد ذكر هذا المرجع أوسع الطرق الصوفية انتشارًا (جـ 3، ص 129 وكذلك في R.M.M. جـ 53، ص 123) وشيخ مشايخ الطرق الصوفية من عام 1550 ¬

_ (¬1) يسميه الكاتب الشيخ حسن البدوى.

ينتسب إلى البكري، وقد أصبح فوق ذلك نقيبًا للأشراف منذ عام 1811. أما العنصر التركى من أهل مصر فقد ظل طوال عهد الأسرة المحمدية العلوية صاحب المكان الأول في البلاد، وإن كان عدد أفراده أقل كثيرًا من أفراد العنصر الأصيل، وكانت هذه الأسرة نفسها أكبر من يمثل هذا العنصر، كما كان يمثله أيضًا كبار الموظفين في الجيش وفي الإدارة المدنية. وكان أفراده هم الحاملين للواء التقاليد التركية السياسية والثقافية. أما من حيث أصولهم فقد كانوا يتألفون من جميع العناصر غير العربية في الدولة العثمانية. وكان المنحدرون من أصل جركسى منهم كثيرى العدد في البلاد من أيام المماليك وما بعدها. وكان عدد الأسر "التركية" إلى عهد الاحتلال الإنكليزى يشمل أحيانًا أسرًا نزحت من أجزاء أخرى من بلاد الترك. وكان الباشوات الأتراك هم الطبقة الحاكمة في البلاد، وكانوا فضلا عن ذلك يكونون طبقة كبار الملاك بفضل الرعاية التي كان يحوطهم بها الولاة (انظر القسم رقم 2) على أن معظم هؤلاء "الأتراك" قد تمصروا فيما بعد (ويسميهم لورد كرومر الأتراك المصريين) وأظهروا عطفهم على الحركة القومية، ومن الممثلين لهذه الطبقة ناظر النظار شريف باشا ورياض باشا اللذان توليا رياسة الوزارة في أيام الحركة العرابية والأيام التالية لها مباشرة. وقد ظل كبار "الأتراك" نحو جيلين أو ثلاثة أجيال أكثر المصريين اصطباغا بالصبغة الأوربية، ويلوح أن معظمهم ممن لا يتقيدون بقواعد الدين. أما البدو من أهل مصر فقد بلغ عددهم في الربع الأول من القرن العشرين بلغ حوالي 600.000، وهم من العرب الخُلص ويعيشون في شبه جزيرة سيناء وفي الوجهين البحرى والقبلى. وقد استعربت قبائل البربر التي تسكن الصحراء الغربية إذا استثنينا منها سكان واحة سيوة. ومن أقدم القبائل التي عاشت في مصر "العبابدة" "والبجة".

وقد كان الاسترقاق من الأنظمة الاجتماعية المعترف بها في مصر حتى عام 1877. وفي هذه السنة حُرمت تجارة الرقيق في البلاد المصرية بمقتضى اتفاق بين إنكلترة ومصر. وفي عام 1895 وقع اتفاق آخر في هذا الشأن نص فيه على أن التدخل في الحرية الشخصية جريمة. وتنص المادة الثالثة من دستور عام 1923 على أن الحرية الشخصية مكفولة لجميع الرعايا المصريين. أما من الناحية العملية فقد بقى الاسترقاق إلى ما بعد عقد الاتفاق الإنكليزى المصرى، على أن الإجراءات الصارمة التي اتخذت ضد تجارة الرقيق قد جعلت استيراد العبيد الجدد مستحيلا أو في حكم المستحيل. وكان معظم الرقيق من النساء، وكان الباقون من الخصيان. وكان للدم الزنجى أثر في خواص بعض المصريين الجسمية في خلال القرن التاسع عشر. وقد كان الرقيق الأبيض لا يزال يستورد من بلاد القوقاز والحبشة (¬1) في النصف الأول من القرن التاسع عشر. ومن أهم العناصر المسلمة غير المصرية في مصر مجاورو الأزهر، وأكثرهم عددا مسلمو شمال إفريقية وبلاد الشام. وقد يندمج بعضهم أحيانًا في طائفة العلماء المصريين. ولا يوجد من الشيعة إلا جالية إيرانية صغيرة تقيم في المدن. وقد قامت الدعوة لتحرير المرأة المسلمة في مصر في أواخر القرن التاسع عشر ونادى بها في ذلك الوقت قاسم أمين (توفي في عام 1908) وهو مصرى من أصل كردى نشر في عام 1899 كتابه "تحرير المرأة" ثم نشر بعد بضع سنين كتابه الآخر "المرأة الجديدة" (وقد أهداه إلى سعد زغلول). وأثار هذان الكتابان معارضة قوية في بعض الأوساط، وعطفًا لا يقل عنها قوة في البعض الآخر. وعضدت النساء أنفسهن هذه الحركة، وكان من ¬

_ (¬1) قد لا يكون من الخطأ أن يعد الأحباش من الجنس الأبيض فهم مزيج من البيض والسود.

زعيماتها السيدة ملك حفنى ناصف (ولدت في عام 1866 وكتبت عددا من النسائيات وقعتها باسم مستعار هو باحثة البادية). وانضمت إليها كذلك بعض النساء المسيحيات السوريات ذوات الكفاية الممتازة (انظر مجلة Oriente Moderno جـ 5، رقم 11) وكان من نتائج هذه الحركة انتشار تعليم البنات (انظر القسم رقم 5 من هذا المقال، وكذلك ما كتبه مارتن هارتمان Martin Hartmann في Dte Frau im islam هال، سنة 1909). ويؤلف الأقباط في مصر عدا الذين يعيشون منهم في الوجه القبلى طبقة وسطى دنيا، ويشتغل معظمهم بالحرف والصناعات اليدوية في المدن، وتأخذ منهم الحكومة صغار الموظفين الإداريين (¬1) وقد قدرهم "لين" بمائة وخمسين ألفًا، ويدل هذا التقدير على أنهم يزيدون بنسبة أكثر من نسبة ازدياد المسلمين. ويشترك المسلمون مع الأقباط -المسيحيين- في بعض السنن والتقاليد كعادة الختان وتحجب النساء. ولم يبق للعادة القديمة، عادة إلزام الأقباط بلبس العمامة والملابس السوداء أثر إلا عند رجال الدين الأقباط. وكان يؤخذ منهم صغار الموظفين الفنيين في الإدارة الإقليمية أيام محمد على (انظر القسم رقم 2) وكان لأعيان الأقباط في أيامه نفوذ كبير في البلاد لا يقل عما كان لهم في عصر المماليك. ومن رجالاتهم في ذلك العهد المعلم جرجس الجوهري (المتوفى في عام 1811) والمعلم غالى (المتوفي في عام 1821) وكان كلاهما رئيسًا للكتاب في أيامه، إلا أنهما تعرضا أحيانًا للأذى على يد الوالى. وقد ترجم لهما جرجى زيدان نقلا عن كتاب تاريخ الأمة القبطية تأليف يعقوب بك نخلة رومانيل؟ وكان بطرس باشا غالى أول وزير قبطى (ولد في عام 1847 وتوفي في عام 1910). فلما قتل قضى مقتله على أسباب التعاون بين الأقباط والمسلمين في الحركة الوطنية (¬2) (انظر ¬

_ (¬1) إن صغار الموظفين الإداريين لا يؤخذون الآن من الأقباط وحدهم بل يؤخذون منهم ومن المسلمين على السواء. (¬2) لقد انضم الأقباط إلى الحركة الوطنية منذ نشأتها وضحوا فيها كما ضحى المسلمون سواء بسواء.

القسم رقم 1) وكان مركز الحركة الثقافية القبطية في تلك الأيام مدينة أسيوط. ويؤلف الأرمن في مصر جالية قليلة العدد معظم أفرادها من أصحاب الحوانيت. وقد شغل بعض كبار رجالها مراكز سامية في الحكومة في القرن التاسع عشر. ومن أشهر هؤلاء بوغوص بك، وكان في أول الأمر من ملتزمى الضرائب، ثم أصبح بعدئذ من مستشارى محمد على (انظر كتاب مشاهير الشرق جـ 1، ص 226) ومنهم أيضًا نوبار باشا الذي تولى رياسة الوزارة عدة مرات قبل الاحتلال البريطانى وبعده. وكان هؤلاء الأرمن المثقفون عاملا قويًا في نشر الثقافة الفرنسية في مصر. واستوطن المسيحيون المارونيون السوريون (الشوام) مصر في عهد المماليك وأصبحوا في أيام إسماعيل من أنفع العناصر في التنظيم الإدارى الجديد لعلمهم باللغات الأجنبية، ولما طبعوا عليه من استعداد لمسايرة طرائق الأوربيين (انظر كتاب لورد كرومر جـ 2، ص 217). لكننا لا نكاد نجد منهم من تولى منصبًا من المناصب الكبرى في البلاد. وهاجر إلى مصر غيرهم من السوريين ليثروا من طريق التجارة، ومنهم من افتقر بعد غناه بسبب المشاكل الإقتصادية التي حدثت في ذلك العهد. ومن أمثلة هؤلاء أمين شميل (1828 - 1897 وتجد ترجمة حياته في جـ 2 من كتاب مشاهير الشرق ص 169) وكان من المهاجرين السوريين وممن جمعوا ثروة طائلة من تجارة القطن ثم خسرها، وختم حياته كاتبًا كثير الإنتاج وناشرا ذا قدرة عجيبة على تكييف نفسه وفق الظروف. والسوريون منتشرون -في ذلك الوقت- في جميع أنحاء القطر المصرى يبثون الحياة العقلية الحديثة في بلاد مصر بتأليف الكتب ونشرها وإصدار الصحف والمجلات، ومنهم من كانوا طلائع الدعاية الوطنية (مثل سليم نقاش انظر مصادر هذا المقال) غير أن لهم من الصفات ما يجعلهم طائفة غير محبوبة من المسلمين. أما اليونان فطائفة وسط بين المصريين والأوربيين وأثرهم في مصر اقتصادى محض. ويبدى اليونانيون

المقيمون في الإسكندرية نشاطًا تجاريًا عظيمًا. ويرى الإنسان الطبقات الدنيا منهم منتشرة في كل ناحية من نواحى القطر المصرى يتجرون في البقالة ويعملون في بعض الأحيان مرابين. وهم في مصر كما في غيرها من بلاد الدولة التركية القديمة يحتفظون "بطابعهم الخاص" في المدنية الغربية. واليهود في مصر طائفة بين الوطنيين والأجانب، وكانت عدتهم في أواخر القرن الماضى حوالي 30.000، وكلهم تقريبًا يعيشون في القاهرة والإسكندرية، ويشتغل معظمهم بالأعمال المصرفية. وقد كان لهم -كما كان للسوريين- أثر في الحركة الوطنية الأولى التي قامت سنة 1877, ومن هؤلاء جيمس سنوا James sanus الذي سمى نفسه "أبو نظارة" وأنشأ أول مسرح عربي في القاهرة. ثم أصدر في عام 1877 صحيفة باللغة العربية الدارجة انتقد فيها أعمال الخديو. ثم خرج بعد ذلك من مصر (انظر كتاب صبرى La Genése etc ص 127) وكانت توجد في القاهرة مدارس لليهود أنشئت أولاها سنة 1840. ولم تكن الزيادة المطردة في عدد الأوربيين في مصر سببا من أسباب اصطباغها بالصبغة الأوربية بل كانت نتيجة من نتائجها. وفي مصر طائفة من الأوربيين لا يعدون أجانب إلا بجوازات سفرهم وحدها، وهؤلاء من أهالى شرق البحر المتوسط. وقد أثروا بفضل الحصانة التي يتمتعون بها بسبب الامتيازات الأجنبية أما الأوربيون الذين عملوا في الحكومة المصرية لتنفيذ الإصلاحات والأعمال الفنية فينتمون إلى أمم مختلفة، فمنهم الفرنسيون (ده سيف أو سليمان باشا الذي أنشأ جيش محمد على النظامى، وكلوت بك الذي نظم مدرسة الطب، وفردنند ده لسبس وغيرهم) ومنهم أبناء سويسرا (أمثال دوربك Dorbey وميزنجر Munzinger) ومنهم النمساويون (أمثال سلاطين باشا في السودان، وبلوم باشا المستشار المالى في عهد إسماعيل) ومنهم الإنجليز

5 - التربية والعلوم والآداب

(أمثال بيكر وغردون حاكمى السودان) ومن الأجانب ذوى النفوذ الكبير طائفة تعد من الوجهة النظرية من الموظفين المصريين شغلت في الماضى مناصب في بعض الهيئات كالمحاكم المختلطة، وصندوق الدين، ونخص بالذكر من هذه الطبقة كبار الموظفين البريطانيين في الوزارات والمصالح الحكومية المختلفة (بعد الاحتلال). وليس في وسعنا أن نقول إن الإنكليز كان لهم في البلاد أثر ثقافي عظيم بل إن اللغة الإنجليزية نفسها أقل انتشارًا في مصر من اللغة الفرنسية. ومنشأ ذلك ما كان للحضارة الأوربية ذات الصبغة الفرنسية من تفوق قديم العهد في البلاد. وجدير بنا أن نذكر في آخر هذه الفقرة طائفة الأوربيين الأفاقين المغامرين الذين جاءوا إلى مصر في عهد سعيد وإسماعيل، وحاولوا أن يبتزوا نقود الواليين المفرطين في التسامح بما كانوا يعرضون عليهما من مشروعات تجارية وهمية. 5 - التربية والعلوم والآداب ظل التعليم طوال القرن التاسع عشر يسير على الطريقة الإسلامية القديمة، ثم جاء محمد على فأدخل في البلاد نظم التعليم الأوربية. غير أنه لم يتيسر آنئذ مزج الطريقتين إحداهما بالأخرى وإخراج نظام واحد منهما ولذلك ظلت الكتاتيب القديمة منتشرة في جميع أنحاء البلاد إلى هذا اليوم، ولم يكن للحكومة عليها رقابة ما (اللهم ما تعينها به من أموال الأوقاف التي تشرف عليها) قبل صدور قانون 1876 الذي أدخل فيها تعليم الحساب. وكان عماد التعليم الديني الإسلامى خلاف هذه الكتاتيب هو الجامع الأزهر وهو المعهد الذي أهمله محمد على، ثم أصبح من بعده موضع رعاية الخديويين المتأخرين. وكان عدد طلاب الأزهر في عام 1924: 10.287 منهم 9.785 من المصريين (نقلا عن المحاضرة التي ألقاها محمد أبو بكر إبراهيم عن الجامعة الأزهرية نشرت في القاهرة) ومن المعاهد الأخرى التي نظمت على غرار الجامعة الأزهرية معاهد

الإسكندرية وطنطا ودسوق ودمياط (¬1). ويوجد عدا ذلك في القاهرة مدرسة خاصة لتخريج القضاة الشرعيين (¬2). وقد اتخذت الحكومة في عام 1924 بعض الإجراءات التي ترمى إلى المساواة بين الدرجات التي يمنحها الأزهر والتى تمنحها المدارس الحكومية (انظر Oriente Moderno السنة الخامسة، العدد الثاني). وللطوائف المسيحية وأهمها الأقباط مدارس ابتدائية وثانوية في البلاد. ولما أدخل محمد على نظام التعليم الأوربى إلى مصر كان غرضه الأول من إدخاله أن يتزود ضباط جيشه وموظفو مصانعه بالمعلومات الفنية التي تتطلبها أعمالهم. وكان من الوسائل التي استعان بها على بلوغ هذا الغرض إرسال البعوث العلمية إلى باريس. وكانت أول بعثة أرسلها في عام 1826، 40 شابا مصريا، ثم وقف إرسال هذه البعوث في عام 1870. ولم تحقق البعوث العلمية كل الأغراض التي كانت ترجى منها. وكان من أهم أسباب إخفاقها النظام العسكرى الذي فرض على الطلاب والذي لم يغرس في نفوسهم مبادئ الاستقلال الفردى والاجتماعى. لكن عددا من المصريين النابهين مدينون لها بما حصلوه من العلوم. وأنشأ محمد على فضلا عن المدارس الحربية المحضة في القاهرة والإسكندرية (التي لم يكن يسمح لأبناء البلاد بدخولها) مدرسة الطب في عام 1825 تحت إشراف كلوت بك. وفي عام 1836 أنشأ مجلس المعارف، وكانت الثقافة الفرنسية هي الغالبة عليه، ثم أنشئت في الوقت عينه نحو خمس وأربعين مدرسة ابتدائية وثانوية في أنحاء البلاد المختلفة (وكانت المدارس الثانوية على غرار الليسيه الفرنسية). وكان الغرض الذي أنشئت من أجله هذه المدارس بنوع خاص هو تعليم أبناء المصريين ¬

_ (¬1) وأسيوط وشبين الكوم وغيرها في حواضر القطر المختلفة. (¬2) أصبحت من أقسام التخصص التابعة لجامعة الأزهر.

أنفسهم، وكانت لغة التعليم فيها هي اللغة العربية. وكانت الحكومة تلجأ أحيانا إلى إجراءات صارمة لإرغام الأهالى على إرسال أبنائهم إليها. ويقول "دور" Dor إن عباس باشا أغلق هذه المدارس كلها، إلا أن عمله هذا لم يكن ناشئًا عن نزعة رجعية بل كان يرمى إلى إعادة تنظيمها وفتحها. وفتحت مدرسة الطب من جديد في أيام سعيد باشا بإشراف كلوت بك، وأنشئت في عهد إسماعيل مدارس عليا ومؤسسات علمية جديدة كان معظمها في القاهرة (ومن أشهرها كلها دار العلوم) وكان زعيم هذه النهضة العلمية على باشا مبارك ناظر المعارف العمومية في ذلك الوقت، وهو واضع قانون 8 نوفمبر سنة 1867 الذي سبق الكلام عليه، والذي قسم المدارس إلى ابتدائية تجهيزية وعليا. وكان الأساس الذي بنى عليه عمله هو توحيد نظام التعليم العام في مصر. ومع أن هذا النشاط التعليمى قد أفاد في نشر المعارف الفنية في البلاد فإن إدخال العلوم الغربية فيها لم يؤثر إلا في أقلية ضئيلة من أهلها، يضاف إلى هذا أن طرائق التعليم لم تكن تشجع على نمو الشخصيات الفردية الحرة، وأن قلة المال -التي أدت إلى إغلاق كثير من المدارس في آخر عهد إسماعيل- كانت سببًا في ضآلة مرتبات المدرسين، فكان من أثر هذا كله أن اتسعت الهوة التي تفصل جمهرة السكان الأميين عن الطبقات المتعلمة التركية المصرية، والمصرية الخالصة. ويمكن أن يعد هذا العامل سببًا من أسباب فشل الحركة القومية الأولى. وكانت الجهود التي بذلت لنشر التعليم في أوائل عهد الاحتلال جهودا ضئيلة (وانظر أيضًا ملاحظات فولرز الانتقادية في - His torische Zeitschirft . 1909، 79 وما بعدها) وافتتحت مدرستان لتعليم البنات في عام 1875, ولكن النهضة الحقيقية في تعليم البنات لم تبدأ إلا في أواخر القرن الماضى. وأنشئت الجامعة المصرية بالقاهرة في عام 1908 من تبرعات كبيرة وهبات، وبدأت حياتها برياسة الأمير أحمد فؤاد باشا الذي أصبح ملك مصر فيما بعد. ولم يكن يلقى فيها في بداية

عهدها إلا محاضرات في موضوعات أدبية وتاريخية من أساتذة مصريين وأوربيين ومن بعض المستشرقين الأوربيين كانوا يدعون خاصة لهذا الغرض (وقد طبعت هذه المحاضرات في القاهرة) وأرسلت هذه الجامعة في السنين الأولى من حياتها جماعات من الشبان المصريين إلى الجامعات الأوربية المختلفة لإعدادهم لأن يكونوا أساتذة فيها بعد عودتهم. ومنذ عام 1924 وضعت الجامعة تحت إشراف الحكومة، ثم وضعت عدة مشروعات لدعم نظامها وزيادة نشاطها (انظر مجلة Oriente Moderno السنة الخامسة العدد 110، ص 434) ولا جدال في أنها حققت ما كان يعلق عليها من آمال في تشجيع البحث العلمى، ولكن هذه البحوث العلمية قلما عارضت الروح الإسلامية السائدة معارضة جدية. ويوجد في مصر فضلا عن المؤسسات العلمية السالفة الذكر عدد كبير من المدارس الأجنبية من بينها مدارس تابعة لإرساليات التبشير، ومنها إرسالية التبشير الأمريكية في القاهرة والإسكندرية؛ وقد أنشأت أول مدرسة لها في القاهرة في عام 1855, وكانت الحكومة المصرية في بعض الأحيان تعين هذه المدارس بالمال (كما حدث في عهد سعيد باشا) وكان لها من الأثر في الحياة العقلية للطبقات العليا في مصر ما لا يقل عن أثر المدارس المصرية. وكان إدخال الطباعة في مصر وثيق الاتصال بنظام التعليم الذي وضعه محمد على، ذلك أن المطبعة التي جاء بها الفرنسيون لأغراضهم الخاصة لم يكن لها أثر في البلاد، فلما أسست أول دار للطباعة في بولاق حوالي عام 1821 بدأت أعمالها بطبع الكتب العربية والتركية لتسد بها حاجة المدارس الحكومية الجديدة. ثم بدأت في هذه الفترة عينها نشاطها العظيم في طبع الكتب الأدبية القديمة العربية والتركية وقليل من الكتب الفارسية. وربما كان من أوائل الكتب التي قامت بطبعها كتاب الأجرومية (طبع في عام 1230 هـ الموافق 1824 م. انظر Zenker Bibliotheca Orientalis جـ 1، المطبوع في ليبسك عام 1846, ص 19) الذي كان يدرس في الأزهر (انظر

Von Kermer جـ 2، ص 285) وأخذ هذا النشاط العظيم في طبع الكتب يتجلى بأعظم مظاهره حوالي عام 1850، وكان لأوربا بعض الفضل في تشجيعه. على أن التطور العلمى والأدبى في مصر نفسها لم يفد من هذا النشاط العظيم الذي تشهد به كثير من فهارس دار الكتب الأوربية بقدر ما أفادت منه الدراسات الشرقية في أوربا (G.A.L.: Brockelmann , ص 471). ولا يقل عن المطبعة شأنا إنشاء دار الكتب الخديوية على يد على باشا مبارك في عام 1870 وتتصل نشأة الطباعة في مصر كذلك بنشأة الصحافة فيها، فقد بدئ في عام 1828 بطبع الجريدة الرسمية المسماة "الوقائع المصرية" في مطبعة أخرى في القلعة. غير أن مطبعة بولاق الأميرية ظلت إلى حوالي عام 1875 (وكانت هي ومصانع الورق في بولاق ملكا للدائرة السنية) أعظم دور الطباعة في مصر، وإن كان عدد قليل من مطابع الحروف ومطابع الحجر الخاصة قد أنشئ أيضا في القاهرة والإسكندرية. ثم عظم شأن الطباعة في مصر بعد عام 1876 على أثر ما أدته من الخدمات الجليلة للصحافة العربية التي شرعت تزدهر في ذلك الوقت، ويرجع معظم الفضل في هذا الإزدهار إلى إقدام السوريين ونشاطهم وإلى الحركة القومية الأولى. وإذا أراد القارئ المزيد من العلم بالصحافة العربية، وهي التي كانت أعظم شأنا في الحركة العقلية من الكتب المطبوعة، فليطلع على مادة "الجريدة" في هذه الدائرة (وبخاصة على الحركة الصحفية في عام 1878 وعلى كتاب محمد صبرى Le Génése ص 127) (¬1) وفي عام 1915 توقفت الصحيفة السياسية الإسلامية "المؤيد" عن الظهور، في حين استمرت المقطم والجرائد الوطنية إلى حين. (R.M.M ص 124) (¬2). ¬

_ (¬1) قد ظهرت منذ كتابة هذه المقالة عدة كتب عربية في تاريخ الصحافة العربية نذكر منها: إبراهيم عبده: أعلام الصحافة العربية، نفس الكاتب: تطور الصحافة المصرية؛ عبد الله حسين: الصحافة والصحف؛ فيليب دى طرازى: تاريخ الصحافة العربية وغيرهم. (¬2) ليست كل الجرائد الوطنية التي تصدر الآن هي الجرائد التي كانت تصدر في عام 1915 فقد اختفت معظم تلك الجرائد ونشأت بدلها جرائد أخرى. مهدى علام

أما الآثار العربية الدينية الإسلامية فإن ما كان منها حلقة في سلسلة السنن الدينية القديمة التي ظهرت في القرون الماضية لم يشتهر منه إلا عدد قليل جدا من الكتاب عاشوا كلهم في النصف الأول من القرن التاسع عشر، وأشهر هؤلاء وأوسعهم شهرة الشيخ الباجورى (المتوفي سنة 1861) , على أن ثمت فرعا من الآثار الإسلامية له شأن عظيم هو كتابات الشيخ محمد عبده ومدرسته، فقد أوجد بكتاباته حركة تجديد دينية في الإسلام. نعم إنه هو وأتباعه كانوا يسيرون في بحثهم على نمط البحث العلمى الإسلامى في الزمن القديم، ولكنهم مع ذلك كانوا يفسرون النصوص الدينية تفسيرا حرا مستقلا، ويحاولون أن يثبتوا أن الإسلام لا يزال دينا عالميا حيا لا يتعارض في شئ مع المدنية الحديثة، وقد نشر عدد كبير من مقالات الشيخ محمد عبده في مجلة المنار (التي بدأ السيد رشيد رضا -وهو رجل سورى الأصل- في إصدارها في عام 1897). ولا جدال في أن هذه الآراء الجديدة -التي يسميها جولدسيهر Kul- turwahhabitismus- قد نشأت بتأثير الحضارة الحديثة، ولكننا لا يسعنا مع ذلك أن نقول إنها هي نفسها خضعت لسلطان التفكير الغربى، وقد لقيت مقاومة شديدة من دوائر الأزهر المحافظة التي كانت تعبر عنها صحيفة "الأفلاك". ولم تتحول لغة الشعر (بوصفه صورة من الأدب) عن اللغة العربية الفصحى. وقد ذاعت شهرة بعض الشعراء في أثناء حياتهم (ومنهم الشيخ محمد شهاب الدين الذي عاش بين عامى 1787 , 1858 , انظر جـ 2، من كتاب فون كرامر ص 294) فإن مصر الحديثة على ما يظهر لم تخرج شاعرا عظيما تعترف له بهذه العظمة جميع الأقطار العربية (¬1). أما الفروع الأخرى من الأدب فقد تخلت شيئا فشيئا وبخطى مختلفة ¬

_ (¬1) قد حدث أنه في سنة 1927 أن اعترفت جميع الأقطار العربية بزعامة المرحوم أحمد شوقى وبايعه شعراؤها في حفل عظيم في القاهرة. مهدي علام

البطء عن الأنماط القديمة والأسلوب القديم واستبدلت بها الأنماط والأساليب الأدبية الغربية التي يسرتها لها حركة الترجمة الواسعة النشيطة. وكان أول ما ترجم من المؤلفات الكتب العلمية الفرنسية لسد حاجة المدارس التي أنشأها محمد على. وترجمت منذ أيام سعيد باشا كتب أوربية كثيرة في العلوم والآداب، نذكر منها الكتب الفرنسية في التاريخ والجغرافية التي ترجمها رفاعة بك الطهطاوى (1801 - 1872). وكان لهذه الكتب المترجمة أثر كبير في نشر الأساليب الأدبية الأوربية. وقلما استخدم النثر في كتابة الروايات والمسرحيات كما يستخدمه الأوربيون، لكن المطابع المصرية أخرجت طائفة كبيرة من المطبوعات شبه العلمية التي تبحث في المسائل السياسية والاجتماعية نذكر منها كتابات مصطفي كامل وغيرها من الكتابات الأدبية في الحركة القومية والحركة النسوية، وقد أشرنا إلى هذه الحركة الأخيرة في القسم الرابع من هذا المقال. وكانت بعض هذه الموضوعات تنشر في الصحف والمجلات الدورية، وبعضها ينشر في صورة كتب. وكان للسوريين واليهود فيها جميعا نصيب موفور. ويعد كتاب الجبرتى من أمهات الكتب في التاريخ المعاصر وقد كتبه المؤلف بأسلوب الكتب التاريخية القديمة. أما الكتب الأحدث منه في التاريخ المصرى ككتاب فريد بك عن محمد على، وكتاب إلياس الأيوبى في تاريخ مصر في عهد إسماعيل (انظر المصادر في آخر هذا المقال) فتسير على النهج الأوربى في كتابة التاريخ، وتعتمد على المصادر الأوربية. ويصدق هذا القول نفسه على كتب جرجى زيدان السورى، وهي كتب عظيمة الشأن في التاريخ والسير. وليست الخطط الجديدة لعلى باشا مبارك إلا حلقة من سلسلة كتب "الخطط" المصرية القديمة، ولا شك في أن مؤلفها نفسه قد أرادها كذلك. وتعد بعد كتاب لين Lane عن المصريين المحدثين Modern Egyptians من أهم

المصادر التي يمكن أن نستمد منها معلوماتنا عن مصر وأهلها في القرن التاسع عشر. وفي وسعنا أن نضم إلى هذا النوع من الكتب كتب الرحلات الوصفية المتنوعة، وبخاصة ما يصف منها الحج إلى مكة ككتاب البتانونى (انظر Lammese في R.M.M العدد الثامن والثلاثين) ووصف الرحلات الحجازية في السنين المختلفة (1901، 1903 , 1904 , 1908) للواء إبراهيم رفعت باشا في كتابه مرآة الحرمين (وقد طبع في مجلدين بالقاهرة في عام 1334/ 1925). ويجدر بنا قبل أن نختم هذا البحث أن نذكر ما كان باقيًا طوال القرن التاسع عشر من كتابات شعبية كثيرة باللغة العامية منظومة كانت كالمواويل والأزجال، أو منثورة كالأغاني والسير التي تصف أفعال أبطال العرب القدماء. وقد مصرت هذه السير تمصيرًا مختلف الدرجات، ومن هؤلاء أبو زيد وعنترة وغيرهما. وقد حاول محمد بن عثمان جلال، أن يستخدم اللغة المصرية العامية في الكتابة الأدبية، فترجم بين عامى 1880 , 1890 عددا من مؤلفات راسين Racine وموليير Molière إلى اللغة المصرية العامية. لكن الجمهور المتعلم لم يرض عن هذه الخطة. ثم قام أحد الأمريكيين في عام 1896 يدعو إلى استخدام الحروف الهجائية اللاتينية (¬1) لكتابة أدب شعبى جديد بإحدى اللهجات العامية المصرية، ولكنه لم يفلح في دعوته، وإن اعتقد بعض المستشرقين أنفسهم في ذلك الوقت (مثل م. هارتمان M. Hartmann) أن هذه الدعوة قد تنجح (انظر: Z.A. , 1898, ص 277 وما بعدها) (¬2). ¬

_ (¬1) وقد تجددت هذه الدعوة فيما بعد على يد عبد العزيز باشا فهمى الذي تقدم إلى المجمع اللغوى بمشروع يرمى إلى هذا الغرض. (¬2) إن أخطر ما نتعرض له إذا نحن سمحنا بتدوين أدب باللهجات العامية هو استقلال كل لهجة عن الأخرى استقلالا يجعل الفوارق بينها، على مر السنين، كبيرة بحيث تصبح لغات مستقلة، كما حدث عندما انشعبت اللغة اللاتينية فكتب أهل إيطاليا بلهجتهم الخاصة، وكتب أهل فرنسا بلهجتهم كذلك، وفعل مثل ذلك أهل أسبانيا، وأهل البرتغال، وأهل رومانيا؛ فكانت النتيجة لغات مستقلة لا يتفاهم أهلها بعضهم مع بعض. مهدى علام

وقد درس بريفر Prüfer وكاله Kahle لعبة خيال الظل الشرقية التي ظلت باقية في مصر في القرن التاسع عشر، ولكنها كانت سائرة بالتدريج إلى الزوال. ثم جاء رجل من أبناء الجزائر يدعى حسن القشقاش وأعاد إليها شيئًا من الحياة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وبقيت على صورتها من ذلك الوقت إلى هذه الأيام (انظر مادة خيال الظل) وورد كذلك ذكر لعبة القركوز التركية في كتاب لين Lane (جـ 2, ص 113). المصادر: (1) The Lit-: Prince Ibrahim Hilmy erature of Egypt and the Sudan, في مجلدين، لندن 1886. (2) Bibliographie écon-: R. Maunier omique, juriddique, et Sociale de l'Egypte (1798 - 1916) moderne , القاهرة 1916 م: أوصاف عامة: (3) - Description de l'Egypte, ou re- cueil des observations et des recherches qui ont été faites en Egypt peniant l'ex- pedition de l'armée française, publieé par l'ordre du Gouvernment، في ثمانية مجلدات (جـ 4 - 6 Etat Moderne) باريس 1818 - 1828 (وألحق به 11 مجلدا من لوحات وخرائط) والطبعة الثانية في 15 مجلدا، باريس 1820 - 1830. (4) An Account of the: E. W. Lane Manners anmd Customs of the Modern Egyptians، في مجلدين، لندن 1836. (5) Aperçu général sur: Clot Bey l'Egypte بروكسل 1840. (6) Aus Mehemed: Pückler Muskau Alis Reich شتوتجارت 1844. (7) Aegypten: A.Von Kremer في مجلدين، ليبسك 1863. (8) , Aegyptens neue Zeit: M. Lüttke ليبسك 1873. (9) Egypt as it is: J. C. Mc Coan, لندن، باريس، نيويورك 1878. (10) Aegypten: Georg Ebers، في مجلدين، شتوتجارث وليبسك 1879. (11) Moslem Egypt: W. Mc E. Dye and Christian Abyssinia, نيويورك 1880.

(12) L'Egypt et: C. Van Remmelen l'Europe, par un ancien juge mixte في مجلدين، لندن 1882 - 1884. (13) على باشا مبارك: الخطط التوفيقية (انظر القسم الخامس من المقال) في عشرين مجلدا، بولاق 1306 (1888/ 1889). (14) Modern Egypt: Lord Cromer، في مجلدين، لندن 1908. (15) Egypt in Transi-: Sidney Low tion لندن 1914. (16) Egypt of the Egyptians: W. Balls لندن 1915. (17) Auf unbetretenen: Schweinfurth Wegan in Aegypten برلين تاريخ 1923 تاريخ مصر السياسى، المراجع. (18) Re-: G. Eff. Moradounghian cueil d'Actes Internationaux de l'Empire ,Ottoman في أربعة مجلدات، باريس 1898 - 1906. (19) Recueil Général de: Martens Traités ولست أستطيع أن أورد في هذا المقام ثبتًا كاملا بالمؤلفات الخاصة بهذا الموضوع مما لا حصر له، ومن ثم فإنى أكتفي بأن أورد بيانًا بأهم هذه المؤلفات مرتبة بحسب أزمانها. وقد انصرفت الكتب الأوروبية المتأخرة إلى الاهتمام بصفة عامة بعلاقات مصر الدولية: (20) الجبرتى: عجائب الآثار، جـ 3، 4 حتى عام (1820). (21) أحمد جودت باشا: تاريخ، المجلدات 7 - 12 (حتى عام 1825 م) الآستانة 1271 - 1301 (1855 - 1883). (22) Geschichte des os-: Zinkeisen manischen Reiches in Europa, جـ 6، جـ 7، طبعة غوتا 1864. (23) Histoire de I'Egypte: F. Mengn sous le Gouvernment de Mohammed Aly، في مجلدين، باريس 1823. (24) Historire de: Ed. de Cadalvéne la guerre de Méhémed Ali contre la Porte (1933 - 1831) Ottomane باريس 1837. (25) Histoire de Mé: P. Mouriez في خمسة مجلدات hémet Ali باريس 1857 - 1858. (26) L'Egypt con-: P. Merruau temporaine de Méhémet Ali Saïd Pacha, باريس 1858.

(27) جرجى زيدان: تاريخ مصر الحديث، القاهرة 1306. (28) سليم النقاش: مصر للمصرين، جـ 4 - 9, القاهرة 1302. (29) محمد فريد: البهجة التوفيقية في تاريخ مؤسس العائلة الخديوية، بولاق 1308. (29) England in Egypt: Milner, لندن 1894. (30) محمد عبد المعطى الإسحاقى: أخبار الأول فيمن تصرف في مصر من أرباب الدول، القاهرة 1331). (31) ميخائيل شاروبيم بك: الكافي في تاريخ مصر القديم والحديث، بولاق 1318. (32) L'Egypt de 1798: Louis Bréhier ,â 1900 باريس 1900. (33) The Story of the: Edw. Dicey Khedivate لندن 1902. (34) La Question: C. de Freycinet d'Egypte باريس 1905. (35) Egypt's Ruin: Th. Rothstein . لندن 1910. (36) History of: A.E.B.P.Weigall 1914 - 1798 Events in Egypt إدنبره 1915. (37) عبد العزيز جاويش: Aegypten ,und der Krieg برلين 1915. (38) Die Knechtung: M. M. Rifat Aegyptens برلين 1915. (39) Abbas II: Lord Cromer لندن 1916. (40) Geschichte: A. Hasenclever , Aegyptens im Jahrhundert هال 1917. (41) The Egyptian Prob-: V. Chirol lem، لندن 1920. (42) L'Egypte et: Roger Lambelin ,l'Angleterre باريس 1922. (43) La Génése de l'Es-: M. Sabry (1863 - 1882) prit National Egyptien، باريس 1924. (44) إلياس الأيوبى: تاريخ مصر في عهد إسماعيل باشا، في مجلدين، القاهرة 1341 (1923) الحكم والإدارة. (45) Recueil de tous les documents ,officiels du Gouvernement Egyptien القاهرة 1876 - 1904.

(46) Recent Constitu-: W. Hayton tional Development in Egypt كمبردج 1924. (47) La Nouvelle: Ibrahim White Constitution de L'Egypte، باريس 1925. (48) La Propriété fon-: Aritn Bey ,ciére en Egypte القاهرة 1883. (49) Mohammed Kamel Moursy: De l'étendue du droit de propriété en ,Egypte باريس 1914. (50) La Ré-: G. Pélisser du Rausas -gime des Capitulations dans L'Empire Ot toman. جـ 2 وهو خاص بمصر باريس 1911. التطور الإقتصادى: (51) ' Annuaive statistigue de L , Egypte 1918. (52) Erwachne Agrar: S Strakosch Lander , Nationalwirtchaft in Aegypten und im Sudan unter englischen Einfusse برلين 1910. (53) Cours d, écon-: G Blenchard omie Politique II (avec Appendice sur les (particularités de l'Egpte, باريس 1912. (54) Aegypten seine: F. Magnus Volkswirtschaftlichen Grundlagen und ,sein Wirtschatsleben توبنكس 1913. (55) Die volkswirtschaftliche: Pyritz Entwicklungstendenz in Aegypten und im englisch-aegyptischen Sudan (Kolaniale (52/ 56 Abhandlungen, part برلين 1912. (56) L'Egypte: O.pickot (L'Economiste français 1922. ص 426). (57) Textbook: Foaden and Fletcher of Egyptian Agriculture، في مجلدين، القاهرة 1908 - 1910. (58) Les irrigations en: J. Barois Egypte، باريس 1904. (59) La production du: F. C. R. ux ,coton en Egypte باريس 1908. (60) Les forêts en: Ali Bahgat Egypte (المعهد المصرى سنة 1900). (61) La Ques-: Hussein Ali el Rifai ,tion agraire en Egypte باريس 1919. (62) Der Suezkanal im: R. Dedreux ,internationalen Rechtes بولاق 1913.

(63) Les bazars du: G. Martin ,Caire et les petits métiers arabe باريس 1910. السكان: (64) Le Fellah: Edmond About، باريس 1869. (65) Vom armen: H. Wachenhusen egyptischen Mann, Fellahleben برلين 1871. (66) جرجى زيدان: مشاهير الشرق، القاهرة 1910. (67) Bedouin justice;: A Kennett laws and Customs among the Egyptian ,Bedouin كمبردج 1925. (68) Annuaire du Monde Musulman R. M. M 1922 - 1923, جـ 54 , ص 24 - 29. (69) Modern Sons of: S. A. Leeder ,the Pharaos لندن، نيويورك، تورنتو 1918. (70) An Aegyptian Ca-: Michell lender. لندن 1900. التربية والعلوم والآداب. (71) L'Instruction publique: E. Dor ,en Egypte بروكسل 1872. (72) L'Instruction: jacoub Artin ,publique en Egypte القاهرة 1889. (73) P. Aminjon L'Enseignmant, la -doctrine et la vie dans les Uuversites mu sulmanes d'Egypte باريس 1907. (74) محمد بن إبراهيم الأحمدى الظواهرى: العلم والعلماء ونظام التعليم، طنطا 1904. (75) , G.A.L.: C. Brockelmann جـ 2, ص 469 - 492. (76) Die Richtungen: I. Goldziher der islamischen Koranauslegung ليدن 1920, ص 320 - 370. (77) فيليب دى طرازى: تاريخ الصحافة العربية، بيروت 1913. (78) Ein islamisches Schat-tenspiel: Prüfer , إرلانكن 1906. (79) أحمد زكى باشا: Le passé et l'avenir de l'Art musulman en Egypte L'Egypt contemporaine) جـ 4، القاهرة 1913). بدران [كرامرز J. H. Kramers]

الخراج

الخراج كلمة عربية. استعارها العرب من مصطلحات الروم الإدارية، ولعلها مأخوذة من الكلمة اليونانية (انظر Die Herkunft von: P. Schwarz arabisch herag في , Der Islam 1916, جـ 6، ص 97 وما بعدها) وكان معناها بصفة عامة الضريبة التي فرضت على غير المسلمين في دار الإسلام (وهي في هذا تماثل الجزية سواء بسواء) وظلت كلمة خراج تدل على هذا المعنى العام نفسه في كتب الفقه المتأخرة، ولعل كلمة خراج قد اعتبرت عربية الأصل بمعنى "خراج الأرض"، ومن ثم فإنه ما إن استهل القرن الأول الهجري حتى أصبحت تدل بخاصة على الضريبة التي تجبى على الأرض المملوكة في مقابل الجزية التي لا تستعمل الآن إلا بمعنى "خراج الرأس". وفي أيام الفتوحات الإسلامية الكبرى، تُرك سكان البلاد المفتوحة وشأنهم في الأراضي التي يملكونها، فتقرر أن تخضع الأرض لنظام الضرائب. ومن ثم كان على الأهلين أن يدفعوا نصابًا محددًا من خراج أرضهم جزية لبيت المال. وقد جرت العادة قبل ذلك بأن يدفعوا ضريبة من هذا القبيل في تلك الربوع أيام خضوعها لحكم الروم والفرس. واحتفظ العرب بكثير من تفاصيل النظام القديم في جبايتها، فجبيت مقادير محددة من البر وغيره من مواد الغذاء من القرى بل ومن الأقاليم في بعض الأحيان. وحول عمال المسلمين هذه المقادير نقدًا، فحصل بيت المال على موارد كبيرة بهذه الوسيلة وبخاصة في القرن الأول للهجرة. ونحن نجد في أوائل العصر العباسى أن عددًا من العلماء (مثل أبي يوسف والخصاف ويحيى بن آدم) كانوا لا يزالون يحاولون جمع الأحاديث والأحكام الشرعية عن الخراج وتصنيفها في فصول خاصة بها في تآليفهم وظلت الأحكام الخاصة بجباية الخراج في تلك الأيام موضوعًا على جانب كبير من الأهمية. فلما دخل أهل البلاد المفتوحة في الإسلام بصفة عامة

خراسان، بنو

شرعوا في الانصراف عن دفع الخراج تدريجًا، ورؤى أن دفع العشر من خراج الأرض يكفي، ثم بطل استعمال الخراج في نهاية الأمر. ولذلك فنحن لا نجد في كتب الفقه المتأخرة، إلا الأحكام المفصلة الخاصة بخراج الرأس، على حين لم ترد الأحكام الخاصة بالخراج إلا مقتضبة، أو قل أنهم أغفلوها إطلاقًا على أننا نلاحظ أن كتاب الماوردى الخاص بالأحكام السلطانية هو وحده الذي ظل يذكر الأحكام الخاصة بالخراج في كثير من التفصيل. المصادر: علاوة على المصادر الواردة انظر: (1) Cul-: A. von Kremer turgeschicte des Orients جـ 1, ص 75 وما بعدها، 175 وما بعدها. (2) La Propriété: M. van Berchem territoriale et l'impôt foncier, étude sur l'impôt du Kharâg لييسك 1886. (3) Das arabische: J. Wellhausen ,reich und sein sturz برلين 1902، ص 18 وما بعدها؛ 168 وما بعدها. (4) Beitrage z.: C. H. Becker Gesch Aegyptens جـ 2, ص 83 وما بعدها, 124 وما بعدها. (5) المؤلف نفسه: Die Entstehung von Ushr und Harag - land in Aegypten في Z. A.، 1904/ 1905 جـ 18 ص 301 - 319 (6) المؤلف نفسه: Papyri Schott- Reinhardt جـ 1 هيدلبرج 1906, ص 37 وما بعدها. (7) E. Fagnan: أبو يوسف يعقوب، le livre de L'impôt foncier باريس 1921. يونس جوينبل [Th. W. Juynboll] خراسان، بنو أسرة تونسية استقرت في تونس نتيجة للغزوة الهلالية. وذلك أن أهل تونس كانوا قد غضبوا لأن السلطان الزيرى المعز لم يعمل على حمايتهم من أعمال السلب التي يتعرضون لها فطلبوا من الوالى الحمادى على القلعة أن يبعث إليهم بمن يلى أمرهم، فاختار هذا الأمير

عبد الحق بن عبد العزيز بن خراسان لولاية هذا المنصب، وهو رجل تقول بعض الروايات إنه خرج من تونس، وإن كان ابن خلدون يقول إنه ينتسب إلى قبيلة صنهاجية. واستمال عبد الحق الأهالى بحسن إدارته لأمورهم، وأفلح في القضاء على أعمال السلب التي يقوم بها العرب بأن عقد معهم حلفًا، ولكنه اضطر إلى محاربة بنى زيرى الذين أرادوا استرجاع تونس. وقد حاصره تميم بن المعز فاضطر إلى الاعتراف به سلطانًا. وانتقلت السلطة بعد وفاة عبد الحق (488 هـ = 1095 م) إلى ابنه عبد العزيز ثم إلى حفيده أحمد. وكان هذا الأمير كما يقول ابن خلدون أشهر من مثَّل أهل بيته، فقد قتل عمه إسماعيل وتخلص من مجلس الشيوخ الذي كان يشركه عبد الحق في الحكم، ثم حكم البلاد حكمًا مطلقًا، وأحاط تونس بأسوار محصنة، وأبرم معاهدة مع العرب ليضمن تموين المدينة وحماية المسافرين، وابتنى لنفسه قصرًا، وجمع حوله رجال الأدب. على أن بنى زيرى لم يلقوا السلاح، ذلك أنهم شدوا من أزر محرز بن زياد زعيم العرب الذين استقروا في خرائب قرطاجنة وكان أحمد قد هاجمها وأجبر والى تونس على أن يخضع لمطالبهم (510 هـ = 1116 - 1117 م). وبعد ذلك بأربعة أعوام أقبل بنو حماد بدورهم لحصار تونس مدفوعين إلى ذلك بنفورهم من انتقاص سلطانهم لصالح بنى زيرى واضطر أحمد إلى الاعتراف بسيادة سلطان بجاية، وبقى بالرغم من ذلك في الحكم حتى عام 522 هـ (1128 م) وجرد حينذاك من سلطانه وسجن في بجاية وولى مكانه عامل حمادى. وبعد ذلك بعشرين سنة كان التونسيون قد طردوا واليهم فاستعاد بنو خراسان سلطانهم. واختير عبد الله بن عبد العزيز أميرًا عليهم (543 هـ = 1148 - 1149 م) وتوفي عبد الله عام 552 هـ (1157 م) على حين كان الموحدون يحاصرون المدينة. وقد ولى مكانه ابن أخيه على بن أحمد، ولكنه اضطر إلى التسليم بعد خمسة أشهر وخضع لعبد المؤمن فأرسل هو وأفراد أسرته إلى مراكش وتوفي وهو في الطريق إليها.

الخرطوم

المصادر: (1) ابن عذارى، البيان المغرب، طبعة دوزى، جـ 2، ص 324 وما بعدها؛ ترجمة فانيان، جـ 1، ص 474 وما بعدها. (2) ابن خلدون: تاريخ البربر، طبعة ده سلان، جـ 1، ص 205، 207 , 209 , 210 - 212؛ الترجمة، جـ 2، ص 22 , 25 , 27 , 29 - 32. (3) Les Arabes en: Marçais Berbérie du XI' au XIV Siécle قسنطينة - باريس سنة 1912 الفصل الثاني. الشنتناوى [إيفر G. Yver] الخرطوم أي خرطوم الفيل لأن الشقة الضيقة من الأرض التي تشغلها هذه المدينة بين النهرين تشبه خرطومه؛ اسم العاصمة ومقر الحكومة والمركز التجارى لخمسة عشر إقليما من أقاليم السودان، والخرطوم على الضفة اليسرى أي الجنوبية للنيل الأزرق الذي يتصل بالنيل الأبيض على نحو ميل إلى الجنوب؛ وهي تمتد على النيل ميلين، وترتفع عن سطح البحر المتوسط 1250 قدمًا. وهي على خط عرض 15 ْ 36 َ شمالا وخط طول 32 ْ 32 َ شرقا، وتبعد عن بور سودان على البحر الأحمر 432 ميلا بالسكة الحديدية، كما تبعد عن القاهرة بالسكة الحديدية والنيل 1345 ميلا. والخرطوم الشمالية على النهر، ويبلغ اتساعه هناك 700 ياردة. وعدد سكانها 16 ألف نسمة وبها أحواض السفن والسجن المدنى والثكنات الحربية. أما أم درمان فهي على مسيرة ميلين تقريبًا إلى الجنوب، على الضفة اليسرى لنهر النيل، ويبلغ عدد سكانها ستين ألف نسمة. وكانت الخرطوم قبل فتح السودان عام 1819 على يد محمد على والى مصر قرية وطنية صغيرة بعيدة عن الطريق الرئيسى من الشمال إلى سنار. ويتجه هذا الطريق مباشرة، بعد أن يترك النيل عند شندى على مسيرة مائة ميل شمالى الخرطوم، إلى سوبة عبر الصحراء ثم يتجه ناحية الجنوب

على طول الضفة اليمنى أي الشرقية للنيل الأزرق. وقد اتخذ المصريون مدينة الخرطوم قاعدة لهم لوقوعها عند ملتقى الطريقين المائيين الرئيسيين، وأصبحت عاصمة للبلاد عام 1823، ولكن لم يبدأ تشييد مبانيها بالآجر إلا عام 1839. والخرطوم مقر الحكومة ومركز النشاط التجارى، ومن ثم أصبحت أيضًا مركزا لتجارة الرقيق. وغادر السير صمويل بيكر مدينة الخرطوم عام 1862 للكشف عن منابع النيل، ثم في عام 1870 صوب الجنوب للقضاء على تجارة الرقيق بدافع من ضغط الدول الأوربية على مصر في هذا الشأن، ولفتح الأقاليم التي في الجنوب ووصل الجنرال غوردون إلى الخرطوم أيضًا في فبراير عام 1874 عندما اختير حاكمًا عامًا للأقاليم الاستوائية، ولكنه تخلى عن هذا المنصب في أكتوبر عام 1876. ثم عاد في فبراير عام 1877 وهو كاره أشد الكره أن يشغل منصب الحاكم العام للسودان، ولكنه استقال من منصبه في ديسمبر عام 1879 بعد أن يأس من إدخال أي اصلاح في إدارة البلاد. ولما شبت ثورة المهدى عاد غوردون مرة ثانية في فبراير عام 1884 ليشغل منصب الحاكم العام، واشترك اشتراكًا فعالا في الدفاع عن الخرطوم ضد الدراويش، وقد لقى حتفه في ذلك القتال على سلالم قصره في السادس والعشرين من يناير سنة 1885؛ ولم تصل النجدة البريطانية إلا بعد ذلك بيومين فلم يستعن بها في شئ. وتخلى الدراويش عن الخرطوم ليستطيعوا الاحتفاظ بأم درمان فاستردتها الجيوش البريطانية والمصرية بقيادة اللورد كتشنر بعد إنهزام الدراويش. وقد بدئ في الحال بإعادة تشييد مدينة الخرطوم عقب إعادة فتح السودان، فأنشئ قصر جديد من ثلاث طبقات على أسس القصر القديم ولا تزال في الحدائق الفسيحة القائمة هنالك شجرة ورد مزدهرة تعرف باسم شجرة ورد غوردون نسبة إلى غارسها. وأعيد بناء مدينة الخرطوم وفق الخطة التي وضعها اللورد كتشنر وراعى فيها تقدم المدينة ونموها في

المستقبل وما تتطلبه الضرورات الحربية فأنشئ بها على فترات سلسلة من الثكنات للجنود الوطنيين علاوة على المنشآت المشيدة من اللبن التي استعملت إبان الحصار. وأقيمت ثكنات الحامية البربطانية عند الطرف الشرقى من المدينة قبال النيل الأزرق وإلى الغرب من الجسر الممتد عليه خط السكة الحديدية الواصل من الشمال إلى الخرطوم. ويمتد هذا الخط الحديدى ناحية الجنوب على طوال النيل الأزرق مسافة 170 ميلا، ثم يتجه غربًا عبر النيل الأبيض مخترقًا حدائق الصمغ إلى كردفان. ويمتد النهر قبال الخرطوم نحو ميلين، وتزين شاطئيه أحراج النخيل المشهورة. وقد خصصت قطعة من الأرض واضحة المعالم في المنطقة المستوية الخالية من الأشجار لتشيد عليها المبانى الحكومية وقصور الحكام، ولم يترك في هذه الأرض فراغ خال من المبانى. وأقيم حاجز على طول جزء كبير من النهر لحماية الشاطئ من طغيان مياهه التي ترتفع نحو ثلاثين قدما خلال الفيضان العالى ويشتد جريانها. ويمتد بمحاذاة هذا الحاجز طريق عام تظلله الأشجار من أوله إلى آخره، وتحف به من الداخل حدائق عنى بها عناية كبيرة. ويقوم وراء هذا الطريق المصارف ومراكز الشركات التجارية والحوانيت والسوق الوطنى والبيوت. وقد يسرت شروط إقامة المبانى في داخل المدينة ليتمكن الأوربيون وميسورو الحال من الأهلين من السكنى في بيوت أقل كلفة من غيرها وتسكن الطبقات الفقيرة من الأهالى في قرى خارج الخط الذي يكتنف ثكنات الجنود وإلى الجنوب منه. وقد افتتح الخديو السابق عباس حلمى في ديسمبر عام 1901 مسجدًا جميلا شيد من الحجر المستخرج من هناك وأقيم بأموال المصريين وفي يناير سنة 1912 دشن أسقف لندن الكاتدرائية الكاثوليكية التي أقيمت في المدينة. وهناك كنيسة يونانية وأخرى قبطية وثالثة رومية كاثوليكية في البعثة الأمريكية، وفي المدينة أماكن أخرى للعبادة وتزود كلية غوردون التي أنشأها كتشنر، وجمع الأموال اللازمة لها أهالى السودان، الطلاب بدراسات

عليا في الشريعة الإسلامية، وبها مدرسة لتخريج نظار المدارس، كما أن بها مصانع لتدريب الصنَّاع. وهناك مدرسة أولية حكومية ومدارس أخرى متعددة تابعة للبعوث الدينية المختلفة (¬1). وبالخرطوم مستشفى مدنى من الطبقة الأولى يقوم بعلاج المرضى من جميع أنحاء السودان، ولهذه المستشفى شهرة فائقة بين الأهالى. وبالمدينة أيضًا حديقة صغيرة للحيوان. واستعمل النور الكهربائى في الخرطوم أول مرة عام 1906. وقامت مجموعة من الشركات الإنكليزية (عام 1925) بإنشاء الترام والمعديات التجارية، كما أنها قامت ببناء جسر يصل الخرطوم بأم درمان (¬2). وسكان الخرطوم وعددهم حوالي 23 ألف نسمة خليط من عدة أجناس. والإنكليز واليونانيون هم أكبر الجاليات الأوربية. وقد هاجر السوريون والمصريون إلى الخرطوم من ناحية الشمال، غير أن الغالبية العظمى من السكان تتألف من أهالى السودان والعرب النازحين من الأقاليم الشمالية والسود من الجنوب. المصادر: (1) The: Lord Edward Gleichen Anglo - Egyptian Sudan لندن 1904. (2) The: E.A. Wallis Budge Egyptian Sudan جـ 2, الفصل 14, 19, لندن 1907. (3) The Sudan Almanac , الخرطوم سنة 1925. الشنتناوى [فيبس P.R. Phipps] ¬

_ (¬1) في يناير 1944 أنشأت وزارة المعارف المصرية مدرسة ثانوية بالخرطوم، وكان بها (سنة 1950) نحو 400 طالب. وكذلك أنشأت الوزارة مدرسة أولية بالشجرة بالقرب من الخرطوم، ومدرسة ابتدائية بجبل الأولياء وأخرى في ملكال. وفي الخرطوم وعطبرة وبورسودان مدارس حرة (أهلية) تسير وفق الخطة المصرية، ويتقدم تلاميذها وتلميذاتها للامتحانات المصرية، والتعليم فيها بالمجان كما هو الحال في جميع المدارس بمصر. وعدد تلاميذ هذه المدارس الثلاث 1500 تلميذ. وتنفق وزارة المعارف المصرية على هذه المدارس وتمنح بعض المدارس السودانية إعانات مادية لمساعدتها على استكمال معداتها ومبانيها. مهدي علام (¬2) كان ذلك وقت كتابة هذا المقال وقد تطور كثيرًا بعدئذ. اللجنة

الخرقة

الخِرْقة كلمة عربية معناها القطعة أو المزقة من الثوب، ومن ثم فقد أصبحت تدل على خرقة الصوفي الخشنة لأنها كانت تتألف في الأصل من مزق مرقعة. وهي الخرْقة الباطنة التي تجعل الصوفي صوفيًا على حد قول الهجويرى، وليس الشعار الديني "الخرقة". وكان هذا الرداء هو المظهر الخارجى للفقر الذي ينذر له الصوفي نفسه. وكانت الخرقة في الأصل ذات لون أزرق في العادة، وهو لون الحداد. ومع ذلك فلم ير بعض الصوفية ارتداء لباس بعينه قائلين إن اتخاذ شعار من هذا النوع لله لا جدوى له لأن الله أعلم به، أما إذا كان للناس فإن ذلك لا يعد خروجًا من هذا المأزق. فإما أن يكون الدرويش صادقًا في دعوته، فتكون الخرقة بذلك مظهر صدق، وإما أنها مظهر كاذب فتكون رياء. ومهما يكن من شئ فقد اتخذت شعارًا خاصًا بصفة عامة. ولا يحصل عليه المريد حتى تنتهي السنوات الثلاث لصحبته شيخه، وإلباس المريد الخرقة على يد شيخه (شيخ بير) له مراسم تصطبغ بصبغة الشعائر. ويقول السهروردى في كتابه: عوارف المعارف: "فيكون لبس الخرقة علامة التفويض والتسليم ودخوله (أي المريد) في حكم الشيخ دخوله في حكم الله". والخرقة نوعان: خرقة الإرادة وهي التي يطلبها المريد من الشيخ وهو عالم كل العلم بالواجبات التي تفرضها عليه هذه الخرقة وأنها تسلبه إرادته عند قبوله. وخرقة التبرك، ويعطيها الشيخ لأشخاص يظن أن من المفيد دعوتهم إلى الدخول في طريق الصوفية دون أن يدركوا تمام الإدراك دلالة هذا الشعار. وطبيعى أن تكون الخرقة الأولى أرفع مرتبة من الثانية كما أنها تميز الصوفية بحق من أولئك الذين يتشبهون بهم في المظهر الخارجى فحسب (Etudes sur: E. Blochet l'esoterisme Musulman في Muséon جـ 10 , 1909 ص 176 وما بعدها).

خرقة شريف

المصادر: (1) الهجويرى: كشف المحجوب، ترجمة نيكلسون ص 45 وما بعدها. (2) Beitrâge Zur: H. Thorning Kenntniss. des Islam Vere inswesens (المكتبة التركية جـ 16) الفهرس. (3) Pend - nameh: S. de Sacy ص 63؛ N.E .. جـ 12 , ص 305 (4) Konia, la Ville des: CI. Huart derviches tourneurs ص 204. يونس [إيوار Cl. Huart] خرقة شريف هو الاسم الذي يطلق على بردة النبي [- صلى الله عليه وسلم -]، وهي تعظم باعتبارها أثرًا وقد احتفظ بها في الأستانة. ويحتفل بيوم زيارتها (وهو اليوم الخامس عشر من رمضان في كل عام) وقد وضعت أول الأمر في غرفة خاصة بالسراى، وحفظت في صندوق متوسط الحجم لف بغطاء من المخمل الأخضر وله إطار عريض من الذهب والفضة. وكانت زيارتها على الوجه الآتى: يدعى في المساء السابق لليوم المحدد، الوزراء والعلماء وقواد الإنكشارية وغيرهم من فرق الجيش، فترسل إليهم كتب يحملها الجواش فيجتمعون قبل صلاة الظهر أمام باب السعادة، ثاني أبواب السراى. ويجلس الوزراء والعلماء إلى اليمين، ورجال الجيش إلى اليسار انتظارًا لقدوم الصدر الأعظم، الذي ما إن يبلغه نبأ وصول شيخ الإسلام إلى أيا صوفيا في رفقة رئيس الكتاب، حتى يخف إلى هناك ومعه موظفو الباب العالى، ويؤدون جميعا فريضة الظهر ثم يتوجهون إلى السراى السلطانى. وبعد أن يمروا بـ"عرض أو طه سى" ويؤذن لهم بالسير يدخل الموكب إلى الغرفة الخاصة بالخرقة الشريفة، ويجلس إماما السلطان، الأول والثاني، أمام الصندوق، ويأخذ كل منهما في تلاوة عشر من القرآن. ويفتح السلطان بنفسه الصندوق ويأذن لمن معه أن يمسوا الخرقة بجباههم (يوزسورماك) فيبدأ بذلك الصدر الأعظم فشيخ الإسلام فبقية الأعيان،

وكلما فرغ واحد عاد إلى مكانه حيث يظل واقفا؛ ثم يقف مشايخ الطرق الصوفية أمام الصندوق ويتوجهون بالدعاء، ويمسون الخرقة بجباههم ويعود الجميع بالموكب نفسه، ويمتطون جيادهم خارج الباب الأوسط (أورته قبُو) وتوزع بمناسبة هذا الحفل، الحلوى المعروفة بالبقلاوة على الإنكشارية وغيرهم من فرق الجيش. والخرقة بردة ذات أكمام كبيرة من وبر الجمل الأبيض الخشن. وبعد انتهاء الاستقبال يمسح الصدر الأعظم وقائد السلحدار الخرقة بقطعة من الحرير (دولبند) ثم يعطيانها أتباعهما. ويغسلون الموضع الذي مسته الجباه في طاس من الذهب ويجففان البلل ببخور الند والعنبر. وفي عام 1265 هـ (1849) نقلت البردة إلى مسجد شيدته خصيصًا لها السلطانة الوالدة أم السلطان عبد المجيد. ويسمى هذا المسجد "خرقة شريف جامعى" وهو مقام في اسطنبول بحى يكى باغجه غربى جامع الفاتح وعلى السفح الجنوبى للتل الخامس. وهو يتوسط حديقة متسعة يحيط بها سور من الحديد. وطراز بنائه فريد في إستانبول. وهو يدل على جنوح إلى محاكاة الطرز الأوربية، لأنه يصطنع أعمال الحديد في إقامة المبانى الدينية. وهذا المسجد بناء مثمن متناسق تعلوه قبة وعلى جوانبه جواسق مقببة تتصل بها أفنية من الزجاج، وعلى طول السقف حاجز جميل من الحديد، وله مئذنة مجوفة ترتكز عليها شرفة خفيفة من الحديد المطروق. المصادر: (1) أسعد أفندى: تشريفات قديمة ص 14 , 18 (2) De Paris â: L. Rousset (Constantinople (Guides Joanne ص 263. (3) Nouvelle relation: Tavernier (du Serrail (Voyages, t. vi ص 189. يونس [إيوار Cl. Huart]

خزاعة بن عمرو

خُزَاعة بن عمرو اسم قبيلة من عرب الجنوب، وهي فرع من قبيلة الأزد الكبيرة والنسَّابة يجمعون، باستثناء قليل منهم، على رد نسب هذه القبيلة إلى عمرو الملقب بلُحىّ ابن ربيعة بن حارثة بن مزيقياء. وهم يتفقون فوق ذلك على أن خزاعة تركت مع غيرها من بطون الأزد، اليمن في عهد سحيق واتجهوا جميعا صوب الشمال. فلما بلغوا ربوع مكة تابع أغلبهم الرحلة، فذهب بنو غسان إلى الشام، وأزد شنوءه إلى عمان، بيد أن لحيًّا بقى مع عشيرته بالقرب من مكة وبذلك انخزعوا (أي انفصلوا) عن بقية القبيلة. وكانت مكة والأرض المقدسة إذ ذاك في يد قبيلة جرهم. ونحن نحدد ذلك الوقت بأنه القرن الخامس الميلادى على وجه التقريب، وإن كان العلماء بالتاريخ القديم من العرب يجعلون هذا النزوح إلى مكة أسبق من ذلك بعدة قرون، وذلك بإطالة أعمار بعض أمراء القبيلة. ويذهب هؤلاء العلماء أنفسهم إلى أن جرهما أفقدت الأرض المقدسة الكثير من ازدهارها، كما أن تعرض الحجاج للسلب أدى بالناس إلى الانصراف عن الحج. وطلب ثعلبة بن عمرو أمير الأزد إلى جرهم أن تسمح له بالبقاء في الأرض المقدسة إلى أن يجد رواده الكلأ في غيرها، بيد أن جرهما لم تكن لتجيبه إلى سؤله، وأصر ثعلبة على أن يبقى، سمحوا له أو لم يسمحوا، فأدى ذلك إلى اشتجار حرب ضروس استمرت أيامًا، وانتهت بهزيمة جرهم المنكرة. ولم يؤذن لغير مضَاض ابن عمرو الجرهمى الذي ترفَّع عن القتال بمغادرة القرية في سلام، وأنشأ مع بنيه وأتباعه منزلا جديدًا عند قَنَان وحلَى، وكان بنوه مازالوا هنالك حتى القرن الثالث الهجري، وأصبح بنو خزاعة هم السادة المسيطرين على مكة وما جاورها من ربوع، فسمحوا لبني إسماعيل أن يعيشوا بينهم، وكان عددهم قليلا، كما أنهم لم يشتركوا في القتال. ونشر في السنة التالية لغلبتهم الوباء بين الأهلين. ويرى بعض المؤرخين أن بطون الأزد الأخرى لم تكن قد رحلت طلبا للمرعى حتى ذلك الوقت. وأراد ربيعة بن حارثة بن عمرو أن يكسب لنفسه حقا مشروعا في

سدانة الكعبة فتزوج فُهَيْرَة بنت عامر ابن عمرو بن الحارث بن مضاض وكان أبوها آخر حكام مكة، فأصبح ربيعة بذلك أغنى أهل القرية جميعًا. ويؤخذ من هذه الرواية الأخيرة أن الراجح أن القبيلتين قد عاشتا معا في مكة زمانا، وأن انتقاض خزاعة كان أقل عنفًا مما يفهم بصفة عامة من الرواية الأولى. وليس ثمة شك في أنه قد حدث في هذا الموضع نفس التطور الذي يحدث دائمًا وهو أن القبائل خارج القرية يصبحون هم السادة الغالبين بضغطهم المتواصل على أهلها وهم أودع جانبا وأبسط رزقا، ثم يتعرضون للمصير نفسه في أجيال مقبلة. وينسب إلى ربيعة أنه هو الذي أحيا مواسم الحج، ذلك أنه كان بصفة خاصة يعنى بشئون الكثيرين الذين كانوا يفدون إلى الكعبة، بيد أنه ينسب إليه كذلك أنه أول من وضع الأصنام حول الكعبة وبخاصة لأنه استحضر صنم هبل من هيت بأرض الجزيرة. وقد ظل مع غيره من الأصنام إلى أن جاء النبي [- صلى الله عليه وسلم -]، وظل ربيعة وبنوه سدنة الكعبة أمدًا طويلا (ويذكر مؤرخو العرب أنهم ظلوا 300 أو 500 عام - ولابد أن تكون هذه الأرقام مبالغًا فيها كثيرا). وكان آخر حكامهم هليل ابن حبشية بن سلول بن كعب بن عمرو، وهو الذي زوج ابنته حُيىّ من قصَىّ أمير العشيرة الصغيرة قريش، وهي بطن من قبيلة كنانة، حتى إذا شاخ هليل سنَّ سنة إعطاء ابنته أو زوجها مفاتيح الكعبة ليقوم بالشعائر التي ينماز بها سادن البيت الحرام فلما مات هليل ترك السدانة لابنته وزوجها وأراد قصىّ أن يتخذ هذا الحق لنفسه فلقى معارضة شديدة من جميع بنى خزاعة الذين اغتصبوا مفاتيح الكعبة من حيى. وكان لقصى كثير من الأنصار في كنانة، وكانوا يعيشون بجوار الأرض المقدسة وفي قضاعة، فاتفق مع أنصاره عند نهاية موسم الحج والفراغ من مناسكه على أن يعلنوها حربا سافرة على خزاعة، وانتهى الأمر بقتال شديد هلك فيه كثيرون، واتفق الفريقان حسمًا للنزاع على أن يحتكما إلى يَعْمَر بن عوف الكلابى، ودعى الفريقان إلى الاجتماع عند أبواب الكعبة فلما استوثق يعمر أن قتلى خزاعة أكثر من قتلى أنصار

قصي، حكم لصالح قصى، فتولى سدانة البيت ومعها حكم مكة، في حين سمح لخزاعة أن تعيش مَع قريش بجوار البيت، وبذلك كانت نهاية حكم خزاعة بداية لحكم قريش وهناك رواية أقل من هذه احتفالا بالبطولة، وهي تخبرنا بأن قصيّا ابتاع سدانة البيت من أبي غبْشان آخر الحكام من قبيلة خزاعة، وهي نفس الرواية التي أوردها ابن الكلبى في مصنفه "كتاب المثالب" ونحن نجد عند ظهور الإسلام أسماء عدد من الرجال ينتسبون إلى قبيلة خزاعة. وتم فتح مصر وبلاد المغرب في الحقيقة على يد جند من بلاد العرب الغربية؛ ومن ثم فليس بعجيب أن نجد نفرًا من خزاعة يصيبون النفوذ في هذه البلاد المفتوحة حديثًا وبخاصة في الأندلس. أما أن أنساب هذه القبيلة يشيع فيها كثير من الاضطراب فأمر يتضح من أن بنى خزاعة لم يكونوا ينسبون إلى قبائل الجنوب مطلقًا. ومن ثم فإن القاضى عياضا -مثلا- يروى نسبهم: خزاعة بن لحى بن قمعة بن إلياس ابن مضر. وهو النسب الذي يحاول السهيلى تفسيره في شرحه للسيرة بقوله إن حارثه بن ثعلبة تزوج أرملة أبيه قمعة، وهي التي كانت في الوقت نفسه أم لحىّ، وفي كلتا الحالتين يصبح النسب صحيحًا بانتهائه إلى قبائل الشمال أو الجنوب. وثمة خلاف كبير فيما يتصل ببطون خزاعة، فبعض النسَّابة يذكرون بطون كعب ومُلَيْح وسعد وسلول في حين لا يعرف غيرهم إلا عديا وعوفا وسعدا. والأسماء الكثيرة المتعددة للرجال الذين ينتسبون إلى هذه القبيلة تجعلنا نعتقد أنهم كانوا أوفر عددًا مما نستخلص من الأسماء القليلة نسبيًا للرجال الذين ذكروا بين صحابة النبي [- صلى الله عليه وسلم -] ولعل مرد ذلك إلى أن قريشا، كانوا أقوى شكيمة، قد أجلوهم شيئًا فشيئا إلى الربوع المجاورة خارج مكة نفسها عند ظهور الإسلام. المصادر: (1) الأزرقى: أخبار مكة (Chroniken der Stadt Mekka) جـ 1 ص 55 - 64. (2) ابن دريد: كتاب الاشتقاق، طبعة فستنفلد ص 276 - 281.

الخزرج

(3) النويرى: جـ 2 ص 317. (4) القلقشندى: نهاية الأرب، بغداد ص 205 - 206. (5) الطبرى، طبعة ده غوى. (6) ابن هشام: السيرة ص 59 وما بعدها؛ ومصنفات كثيرة أخرى تعالج تاريخ صدر الإسلام. يونس [كرنكوف F. Krenkow] الخزرج اسم قبيلة كانت تنزل هي والأوس، التي انحدرت معها من أصل واحد إقليم المدينة، ثم اتسعت منازلها شمالا في مستهل الإسلام حتى بلغت خيبر وتيماء، وتعرف هاتان القبيلتان بالأنصار تشريفًا وتكريمًا لما كان لهما من شأن هام في قيام الإسلام. ويجمع نسَّابة العرب وإخباريوهم على أن الخزرج والأوس وغساسنة الشام هاجروا من جنوب بلاد العرب في عهد جد قديم، وأن السبب في هجرتهم هو تصدع سد مأرب في تاريخ غير معلوم على وجه الدقة، ويمكن تحديد هذا التاريخ على وجه التقريب في القرن الخامس للميلاد، وشجرة النسب لفروع هذه القبيلة ثابتة بيِّنة إلى حد كبير، لأن عشائرها قد سجلت في الديوان الذي أنشأه الخليفة الثاني عمر بن الخطاب لنصرتهم للإسلام، ووضعوا في المنزلة الثانية ممن فرض لهم العطاء. ولكن الشك يحيط بأقدم الأسماء الواردة في سلسلة نسبهم، وهي الخزرج بن عمرو ابن ثعلبة بن عمرو مُزَيْقِيَاء، وهي الأسماء التي يشتركون فيها مع الأوس. ولما وصل الأوس والخزرج في هجرتهم إلى يثرب -التي عرفت فيما بعد باسم مدينة النبي [- صلى الله عليه وسلم -] (*) - وجدوا هناك عددًا من القبائل اليهودية منها بنو قينقاع، وقريظة، والنضر، ونحو عشرين عشيرة أخرى عرفت أسماؤها، وكان لهذه القبائل والعشائر في يثرب وأرباضها أكثر من سبعين حصنًا تعرف بالآطام (المفرد أطم) وهذه الآطام من الظواهر المميزة لتلك المدينة، التي كانت تبعث في نفوس ساكنيها طمأنينة لم تعهد في غيرها من مدن ¬

_ (*) المدينة المنورة.

بلاد العرب. وقيل إن بعض هذه العمائر من إنشاء اليهود في كتاب أخبار العرب أو أنها بنيت على غرار المنشآت المماثلة لها في اليمن، وقد أدخلها المهاجرون إلى يثرب. واستقر الخزرج بادئ الأمر على تخوم المدينة شأنهم شأن الأوس، ولكن سرعان ما وطدوا سلطانهم وتحكموا في بعض هذه الآطام لتكاثر عددهم بسرعة بالقياس إلى اليهود الذين كانوا مستقرين في هذه المدينة. وتذكر الروايات أن السبب المباشر في نشوب أول حرب بين الخزرج واليهود هو أن أميرًا من أسرة زهرة اليهودية يدعى القيطن عقد العزم على أن يتزوج قهرًا امرأة من قبيلة الأوس، فكان من أمره أن قتله أخو العروس، ومن الواضح أن اسم القيطن مختلق، وما هو إلا الاسم اليونانى وكانت عاقبة ذلك أن استنجدت القبائل المتحالفة بالغساسنة في الشام وباليمنيين في جنوبى بلاد العرب، كما أنها قتلت كثيرًا من أبرز رجالات اليهود؛ وما إن استولت هذه القبائل على الجزء الأكبر من المدينة حتى شبَّ الخصام بينها. فقد كانت السمات المميزة لتكوين هذه المدينة -وهي تتألف من عدد من المنازل القائمة برأسها تقوم بينها الحصون- تحول دون استمرار الحروب داخل حدود هذه المدينة أمدًا طويلًا. ولم يكن عدد الأوس أو الخزرج كبيرًا، ومن ثم تحالفت كل بدورها مع القبائل الرحل النازلة في البلاد المحيطة بيثرب. وكانت الخزرج أكثر عددًا من الأوس، ولذلك رأت الأوس أن تتكاتف مع الخزرج فكانت تتحالف في أوقات مختلفة مع قبيلة سليم، كما كانت تلقى العون بوجه عام من قبل اليهود. ولم يحدث التوازن أو التعادل بين القوى المختلفة في يثرب إلا بعد وقعة بعاث التي منيت فيها الخزرج بهزيمة ماحقة. ومهما يكن من الأمر فإن الحروب المتقطعة بين هاتين القبيلتين وما كان يعقبها من وقائع الأخذ بالثأر ظلت موصولة لا يخمد لها أوار. وحدث التغير الشامل نتيجة لهجرة النبي محمد [- صلى الله عليه وسلم -] من مكة إلى يثرب، فقد بلغ ضاحية قباء في الثاني عشر من ربيع الأول (الثلاثاء 29 يونية

سنة 622) وهناك تعاهد مع القبائل التي كانت إلى ذلك الحين دائبة على مناهضة الدعوة الإسلامية، على معاونته في قتال عشيرته من أهل مكة. ويمكننا أن نقدر عدد المحاربين في كل قبيلة من هاتين القبيلتين تقديرًا صحيحًا من جرائد المحاربين الذين اشتركوا في وقعة بدر. فقد أورد ابن سعد في طبقاته (جـ 3، القسم الثاني) أسماء ثلاثة وستين مقاتلًا من قبيلة الأوس ومائة وخمسة وسبعين محاربًا من الخزرج. وسرعان ما فقد العنصر اليهودي في يثرب أهميته بعد أن دخل هذا المجتمع بأسره في الإسلام كما انقرضت في واقع الأمر عشائر قريظة والنضر. ولقد كان السابقون إلى الإسلام من أهل مكة موضع تقدير الناس وتبجيلهم على الدوام، إلا أن الأنصار ظلوا بقية حياة النبي [- صلى الله عليه وسلم -] دعامة قوية، ومن ثم لم يكن من المستغرب أن يشعر الخزرج عقب وفاة النبي [- صلى الله عليه وسلم -] دون أن يستخلف بأنهم وارثو الدولة التي أنشأها لكثرة قبيلتهم. ولم يحل دون اختيار سعد بن عبادة رئيسًا لهذه الدولة إلا تدخل عمر تدخلًا جاء في حينه. وكانت الخزرج لعهد النبي [- صلى الله عليه وسلم -] منقسمة عشائر غير متكافئة في العدد، وكان أكثرها عددا بنى النجار ثم يليهم العشائر التالية: الحارث، فجشم، فعوف، فكعب. وقد خرج أيضًا من بين الخزرج شعراء النبي [- صلى الله عليه وسلم -] حسان بن ثابت، وكعب بن مالك، وعبد الله بن رواحة. وقد ظل سلالة السابقين الأوائل إلى الإسلام في عهد الدولة الأموية يشغلون مناصب هامة في الدولة، كما أن كثيرًا منهم كان دعامة قوية للأمويين اللهم إلا إذا استثنينا النعمان بن بشير الذي كان واليًا على حمص، فقد انحاز بلا طائل إلى عبد الله ابن الزبير فلقى بذلك حتفه. ونجد أيضًا بين النازحين الأوائل إلى مصر عددًا من الخزرج، كما أن سلالة عبد الله بن رواحة ظلت قرونًا لها شأن يذكر في الأندلس، وقد استقرت بصفة خاصة في سرقسطة من مدن الشمال. وإذا تدبرنا العدد الوفير من المهاجرين الذين نزحوا إلى مصر من المدينة وجنوبى

الخزرجى

بلاد العرب، فإنا لا نعدو الحق إذا قلنا إن لغة الخزرج قد أثرت أيضًا في اللهجة العربية في مصر لنشوئهم في جنوبى بلاد العرب، فقد كانوا ينطقون الجيم معطشة على خلاف أهل المشرق. المصادر: (1) طبقات ابن سعد، طبعة سخاو، جـ 3، القسم الثاني. (2) السمهودى: خلاصة الوفاء، مكة سنة 1316 , ص 73 وما بعدها (وهذا المؤلف مفيد من حيث أنه يعين بالتفصيل منازل الخزرج القديمة في يثرب). (3) Mohammed en: A. J. Wensinck de Joden te Medina ليدن سنة 1980. (4) Dîwân des Kais ibn: Kowalski al-Khatim . المقدمة. (5) Médine â la: H. Lammens . veille de I'Islam بيروت، وانظر أيضًا معظم الكتب التي تتحدث عن النبي [- صلى الله عليه وسلم -] وعن تاريخ صدر الإسلام. (6) Tabellen und: Wüstenfeld Register . (7) القلقشندى: نهاية الأرب، بغداد سنة 1332. (8) النويرى: نهاية الأرب، جـ 2 ص 316 - 317. الشنتناوى [كرنكوف F. Krenkow] الخزرجى ضياء الدين أبو الحسن على بن محمد بن يوسف بن عفيف الخزرجى الساعدى، وينتسب إلى قبيلة أصلها من غرناطة وقد ولد في بيغة (Priego de Côrdoba) حوالي عام 590 هـ الموافق 1194 م. واستقر في الإسكندرية حيث كان يلتقى كثيرًا بابن رشيد (الذي ذكره في رحلته)، وفيها توفي عام 626 هـ (1128 - 1129 م) أو عام 627 هـ وفي روية أخرى أنه عاش إلى عام 650 هـ (1252 - 1253 م) وروى أحد شراحه، وهو الزمُّورى، أنه ولد في فاس, ورحل إلى المشرق وتوفي في سبتة عام 610 هـ. ويعود

هذا الخطأ الذي وقع فيه الزمُّورى إلى أنه خلط بين هذا الخزرجى وبين سمى له أورد ابن القاضى ترجمته في مصنفه الموسوم بـ"جذوة الاقتباس" ص 298 ويضم كتاب الخزرجى [الذي نترجم له] وعنوانه: "الرامزة الشافية في العروض والقافية" منظومة في ستة وتسعين بيتًا من بحر الطويل، يناقش فيها الأوزان والتفاعيل وأسبابها وأوتادها، ثم يورد وصفًا يعالج فيه المصاريع وما يدخل عليها من تغير في بدايتها ونهايتها وما يجوز فيها وما لا يجوز. ويسرد بعد ذلك مختلف الأعاريض حتى ينتهي إلى القافية وحروفها وما يتورط فيه الشعراء من الخطأ في هذا الباب. وهذا المصنف، كجميع الرسائل التي على شاكلته، لا يمكن أن يفيد منه الدارس بلا شرح مفصل وبخاصة في الأبيات الكثيرة المصطلحات: 8 - 12 , 16 , 27 - 29, 52 - 76. ونذكر من شراح هذه الأرجوزة أبا القاسم الفتوح الزمُّورى (عاش حوالي عام 750). وقد طبع شرحه طبعة حجرية في فاس؛ وأبا القاسم محمد بن محمد المعروف بالشريف الغرناطى، المتوفى في شعبان عام 760 هـ (يونية - يولية 1359)؛ وبدر الدين محمد المعروف بالدمامينى المتوفى في كَلْبِرجه في شعبان عام 727 هـ (يونية - يولية 1424 م) لا في عام 856 هـ كما ذهب إلى ذلك فريتاغ Freytag. وطبع شرحه في القاهرة 1303 م؛ ومحمد بن مرزوق الحفيد التلمسانى المتوفى في 24 شعبان عام 842 هـ (9 فبراير 1439 م) وعلي بن محمد البَستى الملقب بالقلصاوى المتوفى في باجة (Beja) بناحية تونس في ذي الحجة عام 926 هـ (1519 - 1520 م) وقد طبع شرحه طبعة حجرية في الإسكندرية سنة 1288 م، وفي القاهرة عام 1303 م؛ وأحمد بن على البلوى المتوفى عام 938 هـ (1531 - 1532 م) وأول طبعة لهذه الأرجوزة هي التي نشرها كوادانيولى Guadagnoli في مصنفه Breves arabicae linguae institutiones رومة 1642, ص 286 - 299؛ وطبعت بعد ذلك في مجموعات عدة، وقد نشرت طبعة لهذه الأرجوزة

الخزف

مع ترجمة فرنسية ومقدمة تاريخية وشرح، عنوانها La Khazradjiyah الجزائر 1902 م. المصادر: (1) المقرى فى Dozy's Analectes جـ 1 ص 590. (2) Darstellung der ar.: Freytag Vers - Kunst ص 35 - 37. (3) G.A.L.: Brockelmann جـ 1 ص 312. يونس [رينيه باسيه René Basset] الخزف ليس ينبغي أن يُبحث عن أصل الخزف الإسلامي في جزيرة العرب، وإنما يبحث عنه فيما أثر عن البلاد التى فتحها العرب أولا، وهى البلاد التى حدث فيها التحول الاجتماعى والسياسى: أى فى مصر وبلاد الشام وأرض الجزيرة وإيران وفن الخزف الفرثى الذى كان متأثرًا بالفن القديم المتأخر حينًا، وخاضعا لسلطان الشرق القديم حينا آخر، وخاضعًا لسلطان الشرق القديم حينًا آخر، وبخاصة فن الخزف الساسانى الذى كان بمثابة الحافز الأكبر الذى أثار همم الفنانين المسلمين من حيث دقائق صنعته وتركيبه وتصويره؛ وأحدث التطورات الأولى التى أصابت هذا الفن في أرض الجزيرة وإيران في عهد الخلافة العباسية. وقد ازدهر فن الخزف فى القرون التالية فى البلاد التى لم يواجه فيها الفتح الإسلامى حضارات عظيمة لها مثل هذه الفنون، من أواسط آسية إلى شمالى إفريقية والأندلس. الفخار غير المزجج: (اللوحة الأولى، 5 - 8) كانت الأدوات الفخارية المألوفة فى العالم الإسلامى بأسره منذ عصور ما قبل التاريخ جرارا كبارا وصغارا بيضية أو أسطوانية قصيرة الأعناق، وزمزميات طبلية الشكل، وصحافًا ومصابيح زيت صغار الحجم، بلغت أوج الكمال في أرض الجزيرة وبخاصة فى ناحية الموصل أيام السلاجقة (بين القرنين الحادى عشر والثالث عشر الميلاديين). وكانت طرائق زخرفتها جد متنوعة، فقد أقحمت

الحوافي في الصلصال الرطب بالإبهام، وزينت بقوالب صلصالية، ونقشت عليها أشكال -بأسنان مشط مثلا- ورسوم مخرقة، ومصبوبات بارزة على هيئة نسور وطيور متقابلات وحيوان، وفي نهايتها نقش بارز منخفض طبع في قوالب مجوفة أو صب من أنبوبة (وهو المسمى بالصناعة البربوتينية Barbotine work (¬1) (لوحة 1، شكل 5) ووجد الشغف بالإبداع الفنى تعبيرًا خاصًا في ضرب من المرشحات (gargoulette) كان يثبت على جانب الإبريق تحت شفته. وكانت تصنع إلى جانب جرار الماء الكبار، صنابير النافورات من الفخار المحروق، على هيئة رءوس الحيوان. وفي العصور الوسطى المتأخرة كانت القنابل اليدوية تصنع من الفخار كذلك. الفخار المزجج: أما الفخار المزجج في صدر القرون الوسطى فقد كشفت عنه البحوث الأثرية التي أشرف عليها ف. سار F. Sarre وهرزفلد E. Herzfeld في سامراء (على دجلة شمالى بغداد) التي كانت مقر الخليفة من عام 838 - 883 م. والأدوات الإسلامية التي كشف عنها هناك مقصورة على تلك الحقبة، ولذلك يمكن تأريخها، فقد وجدت في تلك البقعة صحاف ذوات أرجل، كل صفحة قطعة واحدة، ويذكرنا زخرفها بصياغة الفضة، وهي مماثلة يقويها لمعان الزجاج ببريق الذهب (لوحة 1، شكل 9) فقد حرم الدين الإسلامى حيازة هذه الأوانى والزهريات والصحاف المصنوعة من الفضة أو المصوغة أو المغشاة بالذهب أحيانًا، وهي التي كانت على طراز الفن الساسانى في الصياغة، وكان لا يزال وقتذاك حيا، وربما كان تعليل وجود هذا الخزف أن أدوات الترف هذه التي صاغها الساسانيون من الفضة قد حوكيت في الخزف. وسرعان ما انقرض هذا الضرب من الخزف وحل غيره محله، فعدل عن المواد المصنوعة التي كانت تراث إحساس العالم القديم بجمال الشكل -وهو ما أنكره المسلمون- واصطنعت الألوان التي نقشت على ¬

_ (¬1) بربوتين Barbotine اصطلاح في صناعة الخزف يطلق على عجينة الصلصال التي تستعمل في النقوش البارزة على الفخار الغفل.

مهاد أبيض من الرصاص المزجج، بأكاسيد معدنية حمراء وصفراء وخضراء وسمراء عرفت بالطلاء (لوحة 1، شكل 12) وهذا الطراز من الطلاء بلمعته المعدنية تشهد عليه القطع التي عثر عليها في سامراء، وقد اكتمل بأرض الجزيرة في القرون الأولى للإسلام. وهو ابتكار إسلامى ربما كانت أهم مصانعه في بغداد حيث كان يصدر منها إلى فارس (السوس) والهند (برهمن آباد) ومصر (الفسطاط) وشمالى إفريقية (القيروان) والأندلس (مدينة الزهرة) وتدل على ذلك الآثار الخزفية التي عثر عليها بتلك البلاد وكان فيها علاوة على أدوات الترف هذه، ضرب من الخزف دهن بأزرق الكوبالت على رصاص مزجج أبيض مائل إلى الصفرة، وهو أول نوع من القاشانى دهن بالأزرق على مهاد أبيض (لوحة 1، شكل 10). وتشهد أنواع خزفية، من سامراء بتأثير النقش الصينى على الحجر الذي يعود إلى العهد التعنجى، وقد وجدت نماذج مستوردة منه، ووجد كذلك خزف صينى وسلادونى Cledon Ware (¬1) وآثر الخزاف المسلمون أن يقلدوا القدور المزججة والصحاف والأطباق ذوات التزجيج المنثور بألوان شتى من أصفر وأسمر وأغبر (وفيها زخارف مصوغة ومنقورة أحيانًا) أبدى هؤلاء الخزاف المسلمون حذقًا بالغا فاكتسبوا بذلك الطابع المحلى الخاص بهم (لوحة 1، شكل 11). فارس: وهي التي أخرجت المعماريين والرسامين والنحاتين الذين نهضوا بمنشآت الخلفاء الأوائل، وكان لها نصيب كبير في تقدم الفنون الإسلامية بعامة (النسيج وصياغة المعادن) والخزف بخاصة (انظر الأدوات المزججة بالنحاس الأخضر التي صيغت في العهد الساسانى للاستعمال اليومى [لوحة 1 شكل 4] والخزف المصنوع في السوس) وأقدم خزف فارسي، وهو المعروف بـ الـ "كبرى" والمزين بالزخارف المنقورة ¬

_ (¬1) خزف مزجج بلون أخضر فاتح. والاصطلاح فرنسى مأخوذ عن السترة التي كان يرتديها الممثل الفرنسى في القرن الثامن عشر الميلادى عند قيامه بتمثيل دور سلادون.

والتزجيج المنقور بألوان شتى (أخضر النحاس وأزرق الكوبالت والمنجنيز) يقطع بالأثر الجلى للأفكار الفارسية، ففيه موضوع الصيد المشهور في الفن الساسانى في صورة الصياد والكلب , والتنين والسباع والعنقاء (لوحة 2، شكل 2). واتخذت جميعها طرازًا خاصًا بها، وذلك بتأثير الإتجاه الإسلامي والديني الذي كان يعارض التصوير الحى والرمز، ولم يأخذ الفرس به إلا بعد لأي. ومن ثم نجد أصداء ديانة زرادشت كمعابد النار والديكة (لوحة 1، شكل 12؛ لوحة 2، شكل 1)، وكان لها شأنها بوصفها بشائر بزوغ فجر هذا الفن. أما كلمة كبرى فقد كانت في الأصل اصطلاحا على عبَّاد النار ولعلها نقلت بفضل أولئك الخزاف الذين أظهروا تشبثهم بعقيدتهم القديمة في صناعتهم. وقد ألقت الآثار التي عثر عليها في الرى (Rhages) بالقرب من طهران قدرًا كبيرًا من الضوء على الخزف الفارسي في العصور الوسطى. فإن الصحاف والزهريات والقدور والأقداح من أزرق الكوبالت وأخضر الفيروز تماثل من نواح كثيرة صياغة المعادن، كما أنها فيما يبدو توافق تمام الموافقة صناعة الخزف، ذلك بأن مواد التزجيج الغروى كانت تستعمل استعمالا عظيم الجدوى. وهذا النوع، وهو خير ما يشهد بعمل النحات يزخرف عادة في نقش بارز جد منخفض (لوحة 2، شكل 3، 4). وتوجد صناعة خزفية جميلة بنوع خاص في الصحاف والأقداح والتزجيج الأبيض المائل إلى الصفرة، وهي في أصلها عبارة عن محاكاة للخزف الصينى. وقد بلغت صناعة الطلاء في الرى أوجها فغذيت أحيانًا بتزجيج أزرق الكوبالت (لوحة 2 شكل 5، 7). وتدلنا المواد المصنوعة على تنوع عظيم في الشكل والزخرف، إذ توجد منها ضروب جد منوعة من الصحاف العميقة والمفلطحة، والصحون والجفان والزهريات الأسطوانية، والقدور والأباريق الصغيرة ذوات الصنبور، والقنانى ذوات الأجسام الكروية والأعناق الضيقة، والأباريق التي على هيئة الحيوان (لوحة 2، شكل 4). واتخذ فن الزخرف العربي (أرابسك)

وتمثيل الصور المستمدة من الأساطير الفارسية، أشكالهما التقليدية. وليس خزف المينا بأقل شأنًا من صناعة الطلاء في تنوع الشكل وموضوع الزخرف (لوحة 2، شكل 6) كما نرى في مشاهد حرب الفرسان وفي العروش وأسطورة بهرام كور إلخ .. وهو عمل أدنى إلى الترف تظهر فيه العلاقة بينه وبين تصوير المنمنمات الفارسية. وهي تنماز بالأجسام أو الأشكال المدهونة بألوان كثيرة أو المغشاة بقشرة من الذهب (وهذه الأشكال مهادها مصوغة في أكثر الأحيان) على تزجيج من أبيض الرصاص أو من فيروز أو في أحيان نادرة على أزرق الكوبالت. ويوجد فيما خلا الرى، أي في الشمال الشرقى من آمل وفي سمرقند بخاصة، خزف صنع جانب هام منه للاستعمال المنزلى (انظر الصحاف والجرار ذوات الزينة التي تحاكى الكتابة). وظل بعض من خزف فارس الوسطى باقيًا بعد الفتح المغلى، وإن كانت الرى نفسها قد دمرت (1227 م) وفي هذا العهد عدل عن طلاء الخزف فوق التزجيج إلى طلائه تحته (لوحة 2، شكل 8) إذا استعيض عن تزجيج الرصاص الكثيف المعتم بغطاء طلى الزخرف عليه ثم كسى بدوره بتزجيج رصاص شفاف ملون أو غير ملون. وظل الفن الخزفي محتفظًا باستقلاله في الحرفية والطراز، وإن دخل في موضوع أشكال هذا الفن الحيوان الصينى مثل التنين والفونج هوانج وزهر اللوتس الصينى وغصن الصنوبر. ويلوح أن الأدوات الخزفية كانت في "سلطانية" وهي القصبة التي اختطها المغول وقد سميت بخزف سلطان آباد نسبة إلى مدينة في هذا الإقليم أحدث من ذلك عهدًا ومارس الخزاف في العهد المغولى الثاني الطلاء الأزرق على مهاد أبيض تحت تزجيج من الرصاص. وكان التأثير الصينى هنا ملحوظًا كما كان في محاكاة النحت السلادونى. وازدهر دهان الطلاء في العصر الصفوى (1502 - 1736 م) للمرة الأخيرة (الصحاف، الزهريات، والقنانى ذوات التزجيج الأزرق أو الأغبر أو الأبيض. كانت هناك أدوات

أشبه بالصينى بيضاء التزجيج مطلية باللونين الأزرق والأسود؛ وارتقت هذه الأدوات بتأثير الخزف الصينى، وقد جمع خزف آسية الشرقية في بلاط الأمراء لذلك العهد وصنعت خزائن خاصة لعرضه كما هي الحال تماما في القصور الباروكيه الأوربية (¬1) (baroque) وكان آخر ما عرف من الخزف الفارسي هو ذلك الذي ظهر بالقرب من قباجة في داغستان، ولم يكن مفقود الصلة بفن الخَزَّاف التركى الذي يتألف من تصوير الأجسام والأزهار على دهان مغرى خفيف، أصفر وأحمر ومعالمه سود. وكانت لبلاد الشام في بواكير العصور الوسطى آثار خزفية هامة في الرقة على الفرات (فقد وجدت هناك قمائن وقطع من الفخار)، وأول ما ظهر منها مصابيح الزيت والقدور والزهريات المزججة بالرصاص الكثيف الأخضر. وبلغ هذا الخزف كماله الفنى بالطلاء تحت التزجيج، وهو الذي ازدهر في هذا الموضع في فترة تسبق ازدهاره في أي بلد إسلامى آخر (من القرن الحادى عشر إلى الثالث عشر الميلاديين) واستعمل الحيوان والنبات وحدات زخرفية تدهن بفرجون عريض على مهاد أبيض وتغطى بتزجيج رصاصى كثيف يتحدَّر نقطًا كبيرة غير ذات لون أو بلون أخضر فيروزى أو أزرق (لوحة 3، شكل 4) ونجد كذلك ضربًا آخر دهن على قصدير مزجج أبيض (لوحة 3، شكل 6) في طراز يشبه فن "المينا" الفارسي. ونخص بالذكر علاوة على الأنواع المختلفة من الصحاف وأوعية القاشانى، الأوعية الأسطوانية المعروفة باسم "ألبارللو" (¬2) Albarrello، وهي التي صنعت في الأندلس أيضا في أشكال مماثلة. ¬

_ (¬1) كلمة Baroque مأخوذة عن الكلمة البرتغالية Barroco ومعناها الجوهرة غير المنتظمة الشكل، وتدل في الاصطلاح الفنى على طراز خاص شديد الزخرف شاع في أوربا بين عامى 1600 - 1720 أو 1760 والكلمة من أصل عربي هو لفظ "براق". (¬2) Albarrello نوع من الجرار الماجوليكا أسطوانية الشكل على تفاوت في ذلك، ولكن جوانبها مخروطية تستخدم في حفظ العقاقير والمربيات وغير ذلك.

وأوحت أعمال الماجوليكا (¬1) Majolica الإيطالية بفكرة جرار العطار (لوحة 3، شكل 5). أما في مصر حيث أوجد المستورد من خزف سامراء (قطع من الفخار وقمائن في الفسطاط) ضربًا وطنيًا من الخزف المطلى الذي ازدهر في العصر الفاطمى بخاصة (لوحة 3 شكل 8) كما أدخل خزاف الشام الدهان تحت التزجيج في العصور الوسطى المتأخرة. ويجب أن نذكر إلى جانب الخزف ذي التزجيج المنتثر (لوحة 3، شكل 7) هذا الضرب ذا الزخرف المعروف باسم جرافياتو Graffiatto (¬2) المتأثر بفن بوزنطة، وهو الذي ازدهر وعظم تنوعه في العصر المملوكى (أغمدة الأسلحة والشارات). ورقى الخزاف الوطنيون في الأندلس بفنهم، وبخاصة في مالقة (أيام بناء الحمراء في غرناطة) وتدل صفحة مطلية عليها كلمة "مالقة" (لوحة 3، شكل 7) على أن ما يسمى بزهريات الحمراء، وهي أوعية كبيرة للزينة لها مقابض (لوحة 3، شكل 8) مطلية وملونة بالأزرق، قد جلبت من مالقة، وجلى أن جودة هذا الخزف المطلى تعود إلى تأثير الخزافين الفرس الذين كانوا يقيمون في الأندلس، كما أشار إلى ذلك ابن بطوطة (صدر إلى إيطاليا ما يسمى بالفخار الباسينى Bacini الذي وجد على جدران الكنائس وأبراجها في بيزاوسان بييرو وجرادو Grado ورافنا Ravenna إلخ .. ) فأثروا في الصناعة الوطنية. وازدهرت صناعة الخزف في الربوع التي استعادها النصارى وبخاصة في ناحية بلنسية Valencia (وفي Manises: خزف مطلى وأدوات مائدة وزهريات كبيرة المقابض مزينة بأوراق أعناب مطلية وملونة بأزرق مطلى ولمعة نحاس (لوحة 3، شكل 2) وفي باترنه Paterna خزف مطلى ¬

_ (¬1) الماجوليكا Majolica: ضرب من الخزف الإيطالى يطلى بالقصدير ويزخرف بالرصاص، ويطلق هذا الاصطلاح الآن على كل خزف يحاكيه. (¬2) كلمة جرافياتو graffito , graffiato ,sgraffito' وكلها بمعنى: اصطلاح إيطالى، يطلق على ضرب من حرفة الخزاف تبدو الصورة فيه بالنقر فوق التزجيج لإظهار مهاد بلون آخر.

بأخضر نحاس وأسمر منجنيز على هيئة الحيوان [لوحة 3، شكل 9]). ولم نعرف صناعة الخزف في تركيا إلا منذ القرنين الخامس عشر والسادس عشر الميلاديين. ذلك أن فيها مجموعة من الصحاف والجرار مدهونة بزخرف بسيط أزرق هندسى وملولب. وتدل الصحاف الكبار وقناديل المساجد المدهونة بالأزرق أو بظلال شتى من الأزرق والأخضر، على كيفية اجتماع الخط العربي وعناصر الفنين العربي والصينى في وحدة زخرفية (لوحة 2 شكل 8). أما خزف إزنيق فقد عظم ولعه بالألوان. ومما يدل على خصائص موضوعات الزهر التركى (السوسن، الزنبق، براعم الورد) الذي كان قد بلغ حد الكمال، تلك الظلال المختلفة من الأزرق، والأخضر، والأحمر الذي في لون الطماطم -وهو ما يتسم به هذا الفن- ذوات الحوافي السود المحزوزة في مهاد أبيض أو أزرق أو أخضر أو أحمر، وكانت في بعض الأحيان تزود بنقش بارز خفيف. ويضاف إلى الأطباق والصحاف والجفان والقدور، ضرب خاص من الأوانى على شكل الزهريات الأسطوانية ذوات المقبض، ويوجد مثال منها في ألمانيا (متحف هول) وعليها كتابة تقول إنها صنعت في نيقية Nicaea. وازدهر الخزف في القرنين السابع عشر والثامن عشر الميلاديين في كوتاهية من أعمال الأناضول، وقد تأثر هذا الخزف بالقاشانى الفارسي وكذلك بالركوكو الأوربى Rococo (¬1) . الخزف في العمارة: عثر في سامراء على آجر قاشانى مدهون بألوان طلاء أعدت لكساء الجدران (لوحة 4، شكل 1) ويوجد في مسجد سيدى عقبة بالقيروان جدار محراب بآجر مطلى مماثل لذلك مستورد من بغداد. وقد بلغت صناعة القرميد في فارس أوج كمالها، وكان هذا القرميد على هيئة الصليب والنجمة دهن بطلاء منجنيز أسمر (لوحة 4، شكل 3) ¬

_ (¬1) Rococo: مأخوذة عن الكلمة الفرنسية rocaille ومعناها الحصاة على شكل الصدفة. وهو اصطلاح في الفنون الزخرفية يطلق على زخرف يتألف من الأصداف والأحجار وقد شاع منذ عام 1830 عند ختام الطراز الباروكى.

وتوجد نماذج كثيرة منه مؤرخة أو على شكل قطع مستطيلة أو غير مستطيلة أحيانًا، مدهونة بأزرق الكوبالت والطلاء، وقد خصصت لمحاريب المساجد، وأشهرها المحراب الذي كان في مسجد الميدان بقاشان (عام 1226 م) (لوحة 4، شكل 6) وآخر من قم (عام 1264 م) (وكلاهما في برلين، Staatl. Museen) ولأولهما أهمية خاصة، ذلك لأن مصانع آجر هذا المحراب كانت في قاشان (كش ومعناه القرميد في الفارسية) وهناك أيضًا آجر مختلف ألوانه أو مكسو بقشرة ذهب على رصاص مزجج أبيض أو فيروزى أو أزرق (لوحة 4، شكل 2) (بالمينا). أما في العصر المغولى فنجد قرميدًا ذا نقش بارز مزجج على نسق واحد بأخضر فيروز أو أزرق كوبالت، وعليه عادة حيوان صينى خرافي، إلى جانب القرميد المطلى الذي زود وقتذاك بنقش بارز منخفض كان يدهن عادة بالأزرق إلى جانب الطلاء. وازدهر الخزف في العصور الوسطى المتأخرة في سمرقند وبخارى حيث صنعت قطع كبيرة على نمط منقور غائر، بتزجيج كثيف منثور، فيروزى أو أزرق أو أخضر، وقد خصص هذا الخزف للأضرحة والمساجد والقصور. وهناك طراز من القرميد على جانب من الأهمية يحاكى فسيفاء القاشانى المشهورة في التركستان بخاصة، وهو المعروف بصناعة "أزرق المسحوق" (¬1) وفيه يبسط الطلاء وينثر على السطح على هيئة غبار. وفي القرنين السادس عشر والسابع عشر الميلاديين صورت مشاهد الصيد ومناظر البلاط وتواليف من الحيوان والنبات على قوالب آجر مربعة أو مستطيلة كبيرة، وذلك في الغرف الداخلية للقصور، وكانت ذات ألوان شتى (متأثرة التصوير المنمنم) (لوحة 4، شكل 7). وحظنا من معرفة صناعة الآجر الخزفي الهندى في العصر المغولى أقل من ذلك، وقد كانت في جوهرها ¬

_ (¬1) (Powder blue): لون يطلق على ما يسمى في مصر باللون اللبنى، وهو لون أزرق خفيف الزرقة مشوب ببياض. مهدي علام

تتأثر بفارس، وإن اتسمت بسمات خاصة بها. ويضاف إلى قرميد العصر السلجوقى الأول الجدران في فارس، فقد كانت تكسى بفسيفساء من قطع من الملاط صغيرة مستطيلة مزججة وغير مزججة من المغرة الصفراء والمنجنيز الأسمر والأزرق (انظر أبراج الأضرحة في جرجان وردكن ودامغان والرى ونقجوان)؛ وقد أنتج هذا الفن في العصور الوسطى أروع نوع من خزف العمارة أي فسيفساء القاشانى (لوحة 4، شكل 10 , 11) وكانت الخطط المفردة التي يقوم عليها هذا المنهج تتكون عادة من تواليف كثيرة المفردات على هيئة رصيعة أو زخرف عربي يشبه رسوم السجاد، وكانت تقتطع من الفخار كسرًا صغيرة، وتتداخل الواحدة منها في الأخرى من أسفل ثم تلصق في ملاط الجدار أو عقدة، ولم يكن يرصع الجدار بالرسوم فحسب، بل كان يرصع أيضًا بمهاد من أزرق الكوبالت بين الرسوم الصفراء والخضراء والسمراء والسوداء والبيضاء، حتى ليكسى الجدار كله بالقاشانى، ووجدت البنى ذوات الفسيفساء القاشانية في فارس والتركستان منذ العصر المغلى الثاني فحسب (مشهد: إمام رضا وجوهر سد وسمرقند: طريق القرافة شاه سنده) ونجد من ناحية أخرى أن خزاف الفرس الطوسيين أدخلوا الفسيفساء القاشانية التي كانت تزين مسجد سرجلى إلى قونية في وقت متقدم، وذلك مند القرن الثالث عشر الميلادى. وبلغ هذا الضرب في فارس أوج كماله في بنى تبريز وأردبيل وإصفهان. وبينما نجد قطعًا من الفخار على بنى في أرض الجزيرة في العصور الوسطى المتأخرة، إذا بنا نجد في الشام نماذج متفرقة من القرميد عظيمة الحظ من الإتقان (انظر: قرميدا قُزَحيَّا من درج عليه خط نسخ من عهد نور الدين، والكتابة في أصلها بيضاء على مهاد أزرق داكن (لوحة 4، شكل 4) وقرميدين مربعين، عليهما رسوم حيوان، مدهونين بطلاء أسمر: متحف برلين الرسمى).

كذلك نصادف هنا وهناك في مصر فسيفساء قاشانية تتأثر بالفن الفارسي وقرميدًا وطنيا بسيطًا، جنبًا إلى جنب مع قرميد تركى وأندلسى مستورد من الخارج. وكان أول ظهور خزف العمارة في البلاد التركية في قونية حيث ظهرت فيها الفسيفساء القاشانية، وذلك بتأثير خزاف الفرس في عصر متقدم يرجع إلى القرن الثالث عشر الميلادى (لوحة 4، شكل 9) ولكنه يمتاز على أي حال بخصائص في اللون والزخرف (الأزرق الفاتح ورسوم من أسمر المنجنيز أو أسوده على مهاد من طلاء أحمر أو أسود أو أبيض، ورسم من أسمر المنجنيز وأزرق الكوبالت على مهاد أزرق فيروزى فاتح). ومحاكاة الفسيفساء القاشانية من الأهمية بمكان، ذلك أن المهاد ينقش أحيانًا على قوالب كبيرة من الآجر المزجج بلون واحد لتثبيت الزخرف، أو يوضع القرطاس الذي عليه خط، المزجج بلون واحد أو عدة ألوان على القرميد، كما هي الحال في بروسة، وذلك بالاستعانة بحواف مصمتة (في صفوف من قوالب الآجر لا تغلب على التزجيج) وكانت في قونية كذلك ضروب منوعة من القرميد ويدل أزرق الكوبالت في القرميد الأخضر المدهون بالطلاء أو المذهب، على الأثر الفارسي، مثله في ذلك مثل القرميد النجمى الشكل المدهون بضرب من الميناء الأحمر والأزرق والأخضر على مهاد أبيض، وإن كان هذا الدهان تحت التزجيج. ولكن هذا الضرب الأخير، هو الذي أخذت عنه صناعة القرميد العثمانية الغنية، وكان هذا القرميد قطعًا مربعة أو مستطيلة على نسق الألوان التي كانت عليها الزهريات والجرار. وكان زخرف النبات التركى يملأ المحاريب تارة والرصائع تارة أخرى بنماذج مستوحاة من الفن الصينى تستعمل في الخزف كما هو الشأن في الديباج التركى (انظر المساجد والقصور في إستانبول). أما خزف العمارة في الأندلس فلم يبق منه إلا النزر اليسير، إذا استثنينا الفسيفساء القاشانية التي تتألف عادة من نماذج هندسية متداخلة، وهو ما

لوحة رقم (1) 1 - جرة من الخزف، فرثية برلين، المتحف الرسمي. 2 - رام أو ضارب سهم فرثي مصنوع من الصلصال، برلين، المتحف الرسمي. 3 - جرة غير مزججة بمقبض من مدينة طيسفون، برلين، المتحف الرسمي. 4 - جرة بتزجيج أخضر، ساسانية القرنين السادس - السابع الميلاديين، برلين، المتحف الرسمي. 5 - جرة من فخار غير المزجج بريتونية الصنعة، القرنين العاشر - الحادي عشر الميلاديين، المتحف الرسمي ببرلين. 6 - جرة غير مزججة بمقبض، أرض الجزيرة، القرنين الثاني عشر - الثالث عشر الميلاديين، برلين، المتحف الرسمي. 7، 8 جفنة من الفخار بقاعدة، من السوس، متحف اللوفر بباريس. 9 - طبق من الخزف عليه زخرف، سامراء القرن التاسع الميلادي، برلين، المتحف الرسمي. 10 - طبق مدهون بالأزرق، سامراء، القرن الحادي عشر، طهران، المتحف الوطني. 11 - جفنة بتزجيج منثور، سامراء، القرن التاسع، برلين، المتحف الرسمي. 12 - طبق مطلي من صناعة سامراء، القرن التاسع الميلادي، برلين، المتحف الرسمي.

لوحة رقم (2) 1 - إبريق بتزجيج أبيض، فارس، القرن العاشر الميلادي، برلين، المتحف الرسمي. 2 - صحفة بزخرف جرافيتو وتزجيج منثور، فارس، القرنين العاشر - الحادي عشر الميلاديين، برلين، المتحف الرسمي. 3 - أبريق بتزجيج أزرق، الكوبالت، الري، القرن الثاني عشر الميلادي، برلين، المتحف الرسمي. 4 - إبريق على هيئة أسد بتزجيج أزرق الكوبالت وطلاء، الري، القرن الثاني عشر الميلادي، برلين، المتحف الرسمي. 5 - طبق مطلي، الري، القرن الثاني عشر الميلادي، مجموعة أمورفوبولس Eumorfopoulos لندن. 6 - قنينة روعي فيها ما يسمى بصناعة المينا، القرن الثاني عشر الميلادي، مجموعة كلكيان، نيويورك. 7 - زهرية بطلاء وكوبالت (الآلهة الأم عشتروت) الري القرن الثاني عشر الميلادي، برلين، المتحف الرسمي. 8 - قنديل مسجد، تركيا. 9 - طبليه من الخزف بتزجيج أخضر فيروز، الري، القرن الثالث عشر الميلادي، مجموعة.

لوحة رقم (3) 1 - طبق من الخزف، الشام، القرن الثالث عشر الميلادي، برلين، المتحف الرسمي. 2 - خزف البارلو بزخرف طلاء، الشام، القرنين الثالث عشر، الرابع عشر الميلاديين، فرانكفورت، متحف الفنون الصناعية. 3 - طبق من الخزف، القرن الثالث عشر الميلادي، برلين، المتحف الرسمي. 4 - دب من القاشاني المزجج، مصر، القرن الرابع عشر الميلادي، برلين، المتحف الرسمي. 5 - زهرية مطلية، مصر، القرن الحادي عشر الميلادي، القاهرة، دار الآثار العربية. 6 - طبق من الخزف، مصر، القرنين الرابع عشر - الخامس عشر الميلاديين، برلين، المتحف الرسمي. 7 - طبق من الخزف، يسمى "مالقه" القرن الرابع عشر، برلين، المتحف الرسمي. 8 - قاشاني مطلي، مالقة، القرن الرابع عشر الميلادي، بالرمو، المتحف الرسمي. 9 - طبق من الخزف باترتة، القرن الخامس عشر الميلادي، برلين، المتحف الرسمي. 10 - خزف بالطلاء، مالكو، القرن الخامس عشر الميلادي، بولونيا المتحف الوطني.

لوحة رقم (4) 1 - قرميد من الخزف، سامراء، القرن التاسع، برلين، المتحف الرسمي. 2 - قرميد روعي فيه صناعة المينا، فارس، القرن الثالث عشر، مجموعة بارافيتشيني. 3 - قرميد مطلي، فارس، القرن الثاني عشر، برلين، المتحف الرسمي. 4 - قرميد خزفي، الشام، القرن الثالث عشر الميلادي، برلين، المتحف الرسمي. 5 - قرميد خزفي، الأندلس، القرن الخامس عشر الميلادي، برلين، المتحف الرسمي. 6 - محراب من قاشان، مؤرخ 1226 م، برلين، المتحف الرسمي. 7 - ضريح قجوان. 8 - سمرقند، طريق الفرافة، شاة سندة. 9 - قونية فره طائع مدرسة. 10 - قرميد خزفي، فارس، القرن السادس عشر الميلادي، برلين، المتحف الرسمي. 11 - قرميد خزفي، تركيا، القرن السابع عشر الميلادي، برلين، المتحف الرسمي.

نشاهده في قصر الحمراء في غرناطة (لوحة 4، شكل 5) ويدل بعض القرميد الكبير الحجم المدهون بالطلاء، على أن هذا الأسلوب الفنى كان يصطنع أيضًا في البناء. ويبدو عمل الدرج أو الزخرف على القرميد المزجج على نسق واحد رتيب، وذلك بنقر التزجيج على مهاد من الفخار، وقد اصطنع منها أيضًا أسلوب الحواف المصمتة (Cuerda Secca) . وتنوع القرميد المستطيل المعروف بالزليج Azulejos ذي الرسوم الإسلامية من الحيوان في ألوان صارخة عاد من غير صناعة المغاربة، وهو شاهد على أثر حرفة الخزاف في الغرب المستمدة من الخزف الإسلامى. وهناك مجموعات قيمة من الفن الإسلامى في برلين، في المتحف الرسمى Staaliche Museen وفي لاهاى، متحف جمينت The Hague, Gemeente Museum؛ وفي القاهرة، دار الآثار العربية؛ وفي لندن، المتحف البريطانى ومتحف فيكتوريا وألبرت، وفي مدريد، متحف أوزما Museu Osma؛ وفي نيويورك، متحف المتروبوليتان؛ وفي بالرمو؛ وفي باريس، بمتحف اللوفر للفنون الزخرفية؛ وفي طهران بمتحف كلستان. المصادر: عام: (1) Burlington fine Arts Club, Exhibition of the Faynce of Parsia and the Nearer East لندن 1908. (2) Loan Exhibition: M.S. Dimand of Ceramic Art of the Nearer East نيويورك 1931. (3) Majolika: O.V.Falke برلين 1907. (4) A Guide to the: R.L.Hobson Islamic Pottery of the Near East المتحف البريطانى، لندن 1932. (5) The kelekian: D.K.Kelekian collection of Persian and Analogous ,Potteris باريس 1910. (6) R. Koechlin Alfassa L'art de l'Islam: la Céramique, Musée ,Des Arts Décoratifs 1928. (7) La céramique: M. Pézard ,archaïque de l'Islam et ses oigines باريس 1920.

(8) The Parish: R. M. Riefstahl Watson Collection of Mohammedan ,Potteries لندن 1923. (9) La Céramique: H. Riviére dans l'art musulman باريس 1914. (10) Die Keramik: F.Sarre في Die Ausstellung von Meisterwerken Mohammedanischer Kunst in Munchen 1912 جزيرة العرب، أرض الجزيرة، الشام. (11) Geschichte: H. Th. Bossert ,des Kunstgewerbes برلين، 1929 وما بعدها. جـ 4. (12) Die Keramik von: F.Sarre ,Samarra برلين 1925. (13) المؤلف نفسه: Die Keramik im Euphart und Tigrisgebiet برلين 1922. (14) المؤلف نفسه: Die Keramik ,und andere Kleinfunde aus Baalbek برلين 1925. (15) M. Addullah Chughtai: Lustred Tiles from samarra, in Ashmolean Museum لاهور 1933 مصر. (16) La: F. Masoul A. Bahgat Bay céramique musulmane de L'Egypte القاهرة 1930. (17) Islamic Pottery: A.T.Butler لندن 1926. (18) Contribution a: D. Fouquet ,L'étude de la céramique orientale القاهرة 1930. (19) Les Faïences a: G. Marçais reflets métalliques du mihrab â Kairouan باريس 1927. (20) Musée de l'art Arabe du Caire, La céramique egyptienne de ,l'époque musulmane بازل 1922. (21) Les rêvetements: C. Prost céramiques dans les monuments muslmans de L'Egypt في , M.I.F.A.O. 1917 - الهند. (22) Tile Mosaics J. P.h. Vogel

Of the Lahore Fort كلكتة 1920 - فارس. (23) Les Céramiques: R. Koechlin musulmanes de Suse au Musée du Louvre في M.M.A.P جـ 19 باريس 1918. (24) A.U.Pope: مادة " Ceramic" في Survey of Persian Art أكسفورد. (25) Datierte: E. Kühnel Persische Fayencen, in Fahrbuch der Asiatischen Kunst 1924. (26) المؤلف نفسه: Der Cicerone 1924. (27) Oriental Art 1931 - 1932. (28) Denkmaler F. Sarre ,Persischer Baukunsi برلين 1908. (29) The Godman: H. Wallis ,Persian Ceramic Art Callectinn لندن 1894 - الأندلس. (30) Notice: Y. Folchi Torres ,Sobre la ceramica di Paterna برشلونة 1921. (31) Daten zur: E. Kühnel Geschichte der spanisch-maurischen Keramik في Jahrbuch der Asiatischen Kunst 1925. (32) Hispano: A. Van de Put ,Moresque Ware of the 15 th Century لندن 1904. (33) Supplementary Studies لندن 1911. (34) Die spanisch-maurischen: F.Sarre lüsterfayencen und ihre Herstellung in Malaga في , Jahrb, der Preussischen Kunstammlungen 1904 - تركيا، . (35) Die Baukunst in: C. Gurlitt Konstantinopel, برلين 1912. (36) La: A. Sakisian' G. Migeon Céramique d'Asie mineure et de Constationple , باريس 1922. (37) Alttürkïache A. Raymond Keramik in Klein-Alien und Konstantinopel، ميونخ 1922. (38) Denkmaler F. Sarre . persischer Baukunst loc. cit يونس [ج. هـ. شمت J.H. Sclmidt]

خسرو بك

خسرو بك ويعرف أيضًا باسم غازى خسرو: أحد ولاة العثمانيين على البوسنة. كان خسرو ولد نصوح بك والى البوسنة (869 - 870) ثم والى سكوتارى (ألبانيا) وقد تزوج من ابنة بايزيد الثاني عام 894 هـ الموافق 1849 م (انظر Die Altosman Anonymen Chroniken طبعة Giese، برسلاو عام 1922, ص 122 , س 5، العمود الأول؛ وانظر أيضًا G.O.R.: J.v. Hammer جـ 2، ص 2: 3؛ سجل عثمانى، جـ 3، ص 555 مادة نصوح بك) ومن ثم أطلق عليه أحيانًا اسم سلطان زاده. وقد أقيم خسرو بك، بفضل صلاته برجال الدولة، واليًا على البوسنة في سن مبكرة عام 924 هـ (1518 م)، ثم نقل واليًا على سكوتارى (ألبانيا) عام 927 هـ (1521 م) ثم إلى (سميدروفو بالصرب وعاد خسرو في عام 932 هـ (1525 م) إلى البوسنة، ثم أفل نجمه مدة من الزمن، وطرد من منصبه ولكنه عاد إليه ثانية. وعاش في سراييفو حيث توفي عام 948 هـ (1541 - 1542 م) ودفن في المسجد الذي ابتناه عام 937 هـ (1530 م). وكان أحد أولاد خسرو يسمى محمودا. واشتهر غازى خسرو بغزواته المتعددة للبلاد التي على حدود تركيا وخاصة البوسنة. وقد غزا أيضًا بعض البلاد المجرية هو وأتباعه من رجال السلب (انظر G.O.R .. : von Hammer جـ 3, 189) ذلك أنه نهب البلاد التي حول إسزك Eszek وبوزكه Pozega واحتلها. وذكر أوليا جلبى أن عدد غزوات خسرو بلغت مائة وسبعين غزوة، وهو عدد فيه بلا شك مبالغة مألوفة في مثل هذه الأحوال. ويشتهر غازى خسرو فوق ذلك بهباته السخية. وقد زعم أوليا جلبى أنها بلغت 300 هبة. وهذا القول أقل مبالغة من روايته السالفة، وشاهد ذلك أن منشآته الخيرية في سراييفو وحدها وافرة كثيرة. وقد ابتنى علاوة على المسجد الذي يسمى باسمه مدرسة مقابلة له، كما شيد حمامات للرجال والنساء وبزستان به تسعون حانوتا مسقوفة و"طاشلو خان" به ستون

مخزنا مسقوفا وقد فصّلت هذه المنشآت في وثيقة الوقف "وقفنامه" بتا ريخ عام 938 هـ (1531 م) وترك خسرو أملاكًا كثيرة ينفق من ريعها على منشآته وعلى المطابخ العامة. وقد بلغ ما تركه من نقود وآنية ذهبية وفضية وجواهر مازنته ثلاثة ملايين درهم، وهو مبلغ هائل في تلك الأيام. وكانت هذه الأملاك تدر دخلا سنويا قدره 2500 جنيه منذ عشرات قليلة من السنين على الرغم من أنها قد نقصت على مر الزمن إلى أقل من ربع ما كانت عليه من قبل. ومازالت الضياع والعقارات التي وهبها باقية إلى الآن. ومن ثم خلف خسرو بك في قلوب أهل البوسنة ذكرى خالدة، فأهلها يعترفون بفضله وهم جميعا يبجلونه ويعدونه وليا ومحسنا عظيما. المصادر: (1) أوليا: سياحتنامه، جـ 5، ص 441. (2) Wissenschaftliche Mitteilungen aus Bosnien جـ 1، فينا سنة 1893, ص 503 وما بعدها. (3) Die Ottom -: C. V. Peeze anischen Statthalter von Bonien, جـ 2، ص 344 وما بعدها معتمدًا على ما جاء في سالنامة البوسنة عن عام 1295 ذاكرًا أن خسرو ظل في منصبه من عام 924 إلى 927 هـ ومن 938 إلى 949 هـ وأن خلفه هو حسن أو مخالزاده محمد. ويرجع تاريخ الخطاب النفيس (مقرر نامه) الذي ألقاه السلطان عثمان الثاني بمناسبة تجديد منشآت غازى خسرو إلى ذي القعدة عام 1027 هـ (1618 - 1619 م) وقد ورد في Sachisische Landesbibliothek في درسدن (انظر H.O. Fleischer: Catalogus Codd Mss. Orr ليبسك 1831, ص 47، رقم 320 , 322) ولا يزال هذا الخطاب في انتظار من يطبعه وينشره. (4) رفعت: دوحة المشائخ، إستانبول في تاريخ غير معلوم، ص 8 وما بعدها. الشنتناوى [بابنجر Franz Babinger]

خسرو ملا

خسرو ملا فقيه عثمانى مشهور واسمه الحقيقى محمد بن فرامرز بن على. وجاء في رواية أن ملا خسرو من أصل تركمانى (قبيلة وارسق) وأنه ولد في قرية قرغن (في منتصف الطريق بين سيواس وتوقات). وجاء في روايات أخرى أنه من أصل فرنجى، وأنه ابن نبيل فرنسى دخل في الإسلام. وذكر سعد الدين أن أباه كان من أصل رومى. ودرس خسرو على برهان الدين حيدر الهروى تلميذ التفتازانى المشهور (انظر Islam، جـ 11، ص 61؛ سعد الدين، تاج التواريخ، جـ 2، ص 430) وحصل على منصب مدرس في مدرسة شاه ملك في أدرنة. وأصبح في عام 848 هـ (444 م) قاضى أدرنة، ثم قاضى عسكر الرومللى، وخلف خضر بك قاضى قضاة الآستانة بعد وفاته، وكان في الوقت نفسه مدرسًا في أياصوفيا، وذهب إلى بروسة عام 867 هـ (1462 م) وأنشأ مدرسة هناك، ذلك أنه استاء لما تقدم عليه في الترقية ملاكورانى وعاد خسرو إلى إستانبول بأمر من السلطان في عام 874 هـ (1469 م) وأصبح شيخًا للإسلام، وتوفي فيها عام 885 هـ (1480 م). وحمل جثمانه إلى بروسه، ودفن في فناء المسجد الذي أنشأه في هذه المدينة. وأنشأ خسرو أيضًا مسجدًا بالآستانة يعرف باسمه (انظر حافظ حسين: حديقة الجوامع، جـ 1، ص 201؛ J.von. G.O.R: Hammer جـ 9، ص 87، رقم 428). وكان ملا خسرو فقيهًا عظيمًا، وقد اشتهر كثيرًا من تلاميذه بعد وفاته، كما نال شهرة واسعة في التأليف. وقد شرح أهم كتابين من كتبه مرارًا وهما: "درر الحكام في شرح غرر الأحكام" وهو في أصول العبادات، كتبه عام 877 - 883 هـ الموافق 1473 - 1477 م (طبع بالقاهرة عام 1294 وعام 1305) وكتاب "مرقاة الوصول في علم الأصول" (طبع بالقاهرة عام 1262 , إستانبول عام 1304). وانظر عن مؤلفاته الأخرى: von Hammer . G.O.R جـ 2، ص 589 وما بعدها،

الخشبية

G.A.L: Brockelmann - جـ 2، ص 236 وما بعدها، المصادر: (1) طاشكبرى زاده - مجدى: الشقائق النعمانية. جـ 1، ص 135 - 139 (2) سعد الدين: تاج التواريخ، جـ 2، ص 462 - 465. Hammer جـ 2, القسم الأول, ص 27. (3) أوليا: سيا حتنامه جـ 2، ص 3 Travels طبعة Hammer جـ 2، القسم الأول، ص 27. (4) السيد إسماعيل بليغ بروسوى: كلدسته رياض عرفان، بروسة عام 1302، ص 258 وما بعدها. (5) سجل عثمانى، جـ 2، ص 271, وما بعدها (6) علميه سالنامه سى، إستانبول سنة 1334, ص 328 وما بعدها (مع شواهد من كتابه) (7) بروسه لى محمد طاهر: عثمانلى مؤلفلرى، إستانبول سنة 1333، ص 292 وما بعدها (مع نماذج من خطوط المؤلفين) (8) G.A.L.: Brocjelmann جـ 2، ص 226 - 227. الشنتناوى [بابنكر Franz Babinger] الخشبية أي "أصحاب الخشب"، وكان هذا الاسم في الأصل هجاء يطلق على موالى الكوفة، الذين كانوا يتسلحون بالخشب ويؤلفون الجانب الأكبر من أتباع المختار ويحاربون تحت إمرة قواد كإبراهيم بن مالك الأشتر (ابن قتيبة: كتاب المعارف، طبعة فستنفلد ص 300؛ ابن رستة: الأعلاق النفيسة، المكتبة الجغرافية العربية جـ 7 ص 218؛ الطبرى: تأريخ، طبعة ده غوى جـ 2، ص 684 , س 16، 1798 , س 4 وما بعده؛ المسعودي: مروج الذهب، طبعة باريس, 1861 - 77, جـ 5 , ص 226, س 8 وما بعده، ص 227, س 7 وما بعده؛ المؤلف نفسه: التنبيه، المكتبة الجغرافية

العربية جـ 8، ص 313. س 4 وما بعده؛ المطهر بن طاهر المقدسى: البدء والتاريخ، طبعة هيوار جـ 5، ص 133 , س 10 - 12؛ ابن الأثير: الكامل، طبعة تورنبرج جـ 4، ص 207 س 11؛ مجد الدين بن الأثير: النهاية في غريب الحديث، طبعة القاهرة 1311 , جـ 1، ص 294 أسفل الصحيفة؛ لسان العرب، جـ 1، ص 340، س 10 وما بعده؛ تاج العروس جـ 1، ص 234 , س 25 وما بعده). ويعرف بالخشبية، الجند الذين ساروا إلى مكة بأمر المختار وخلصوا محمد بن الحنفية وكان قد حبسه عبد الله بن الزبير (انظر الطبري: المصدر المذكور، جـ 2، ص 693 , س 4 وما بعده؛ ابن سعد: طبقات، طبعة سخاو جـ 5، ص 74، س 16 وما بعده، وانظر أيضًا ص 76، س 15؛ ابن الأثير: الكامل جـ 4، ص 206 وما بعدها) وواضح أن الخشبية أنفسهم كانوا يطلقون على سلاحهم "كافر كوبات" (من الكلمة الفارسية "جوب" ومعناها خشب أو خشبة) أي "الخشب للكفار" (الطبرى: المصدر المذكور جـ 2، ص 694 س 15؛ ابن الأثير: المصدر المذكور جـ 4 ص 207، س 7 [وفي مواضع أخرى متفرقة] (وقد وزع هذا السلاح من الخشب بعد ذلك أيضًا بين أنصار أبي مسلم الدينورى: الأخبار الطوال، طبعة روزن ص 359، س 10 وما بعده؛ الأغاني جـ 4 ص 93، س 21؛ انظر Verh. K. Ak.: G. van Vloten Amst., Afd. letterk., .. Recherches جـ 1, رقم 3, 1894 , ص 67) كما وزع في الفتنة التي نشبت في بغداد عام 251 هـ (865 م) على العيارين (الطبرى: المصدر المذكور جـ 3، ص 1586 , س 13 , 1587 , س 4 , 1589 , س 7؛ ابن الأثير: المصدر المذكور جـ 7، ص 99، س 5) وأورد الجاحظ في مصنفه "ثلاث رسائل" (طبعة فان فلوتن Van Vloten , ده غرى ص 11 , س 9) أن الكافر كوبات من أسلحة الترك. أما قول ابن الأثير في تاريخه (المصدر المذكور جـ 4، ص 207، س 13) إن الذين أرادوا إنقاذ ابن الحنفية [دخلوا مكة] وبأيديهم الخشب

كراهة إشهار السيوف في الحرم، فبعيد الاحتمال، مثله في ذلك مثل التفسير الذي يربط اسم الخشبية بالحطب الذي جمعه ابن الزبير بجانب محبس بن الحنفية تهديدًا منه بتحريق ابن الحنفية وأتباعه. وفي حديث عبد الله بن عمر أنه كان يصلى خلف الخشبية، وقد فسر هذا بأن الخشبية اسم يطلق على الذين عمدوا خاشعين إلى حفظ الخشبة التي صلب عليها زيد بن على، بيد أن هذا التفسير في رأى مجد الدين بن الأثير (المصدر المذكور) لا يتفق مع التسلسل التاريخى للحوادث. وفي عبارة لابن حزم (الفصل في الملل والأهواء والنحل، مخطوط، ليدن 480 ب ورقة 138 ب أسفل الصفحة؛ انظر The Heterodoxies: I. Friendlânder of the Shiites according to Ibn Hazm نيوهافن 1909 جـ 1 ص 63، تعليقة 1) أن الخشبية حرّموا سلاح الحديد إلى أن يظهر المهدى المنتظر. وكان الثأر للحسين هو الصيحة المدوية للخشبية "يا لثأرات الحسين" (الطبرى: المصدر المذكور، جـ 2، ص 694 , س 14) فأدى ذلك إلى التخلى عن اسم الخشبية وإحلال "الحسينية" محله، وهذا الاسم لا يختلف عنه في رسم الحروف إلا قليلا. وقد احتفظ بالاسم الأخير في مواضع من مصنفات أمثال ابن عبد ربه (العقد الفريد، طبعة القاهرة 1317 , جـ 1، ص 190، س 17 وما بعده) وابن بدرون (شرح قصيدة ابن عبدون؛ طبعة دوزى، ص 187, س 12 - 14). ومن ثم فقد كان الخشبية اسمًا آخر للكيسانية ثم أطلق على أنصار النحل التي كانت شائعة بين الكيسانية مثل الرجعة والتناسخ. وكثير هو الشاعر الممثل لهذه الأهواء، ويعرف بالخشبى، ويقال إن الذي حوله إلى الخشبية هو الشاعر خِنْدِف الأسدى (الأغاني: جـ 8، ص 33, س 16 , 20 - 24, ص 34 , س 20، جـ 11، ص 47، س 22 وما بعده؛ وفي هذا الموضع صُحّف خندف إلى خندق). ويذهب محمد بن أحمد الخوارزمى (مفاتيح العلوم، طبعة فان فلوتن

ص 29، س 5 وما بعده) إلى أن الخشبية اسم يطلق على فرقة من الزيدية تعرف بـ"الصرخابية" نسبة إلى رجل يدعى صرخاب الطبرى، ولا يعلم عنه شئ فيما يظهر، وربما جاز لنا أن نفترض وجود رجل يدعى صرخاب، كان له شأن في طبرستان أيام حسن بن يزيد ابن اسفنديار، الترجمة الإنجليزية التي قام بها بروان E. G. Browne: مجموعة كب التذكارية جـ 2، ليدن -لندن 1905، الفهرس) ويجب ألا نقطع برأى في أن الخشبية نسبوا إلى سلاحهم أو إلى مذاهب الكيسانية التي تأصلت فيهم. ونحن نجد الإشارة نفسها عند أبي المعالى: (بيان الأديان في Chréstomathie persane طبعة شفر جـ 1 [P. E. L. O. V. المجموعة الثانية جـ 7، باريس 1833] ص 157، س 18 , وما بعده، ويجب أن تصحح صرحات إلى صرخاب). ويؤخذ من عبارة نسبت إلى الليث (وواضح أنه ابن المظفر) أن الخشبية كانت أيضًا اسما على قوم من الجهمية (لسان العرب جـ 1، ص 343 , س 9؛ تاج العروس جـ 2، ص 234 س 25). المصادر: يضاف إلى المصادر المذكورة في صلب المقال: (1) السمعانى: الأنساب، مجموعة كب التذكارية جـ 20، ليدن - لندن 1912 وورقة 199 ب. (2) الطبرى تأريخ، طبعة ده غوى، تعليق، مادة خـ - ش - ب، ك - ف - ر. (3) المكتبة الجغرافية العربية تعليق ص 278. (4) Mohtar de: H. D. van Gelder valsche Profeet بحث، ليدن 1888 ص 71 - 73. (5) Die religiôs pol-: Wellhausen -itischen Oppositionsparteien im alten Is Abh. G. W. phil. hist. Kl. N. f.) lam. رقم 3, برلين 1901) ص 80. (6). Muhammed ibn al: H. Bonning Hanafiya بحث إرلانكن 1909 ص 46.

خشقدم

(7) The Hetero-: Isr. Friendlânder doxies of the Shiites according to Ibn J. A. O. S.)Hazm جـ 28, 29) جـ 2 ص 93 - 95. يونس [فان أرندنك C. Van. Arendonk] خشقدم الملك الظاهر سيف الدين الناصرى، نسبة إلى مولاه الأول: سلطان مصر والشام، حكم من عام 865 إلى عام 872 هـ (1461 - 1467 م). وهو أول سلطان يفد من سلطنة الروم بآسية الصغرى. وهذا القول يصدق أيضًا في رأى كثيرين على بيبرس الثاني والسلطان لاجن (696 - 698 هـ = 1296 - 1298 م) اشتراه السلطان شيخ وألحق بفرقة الجمدار ثم انخرط في سلك الحرس الخاص "خاصكى" في عهد أحمد ولد شيخ الذي لم يحكم سوى أشهر قليلة؛ ولم يصبح أميرًا لعشرة مماليك ورأس نوبة إلا في عهد السلطان جَقْمَق عام 846 هـ (1442 م). وغدا في عام 850 هـ (1446 م) قائد ألف من المماليك بدمشق، ثم حاجب الحجاب بالقاهرة عام 854 هـ ثم وزيرًا للحرب في عهد السلطان إينال بعد ذلك بثلاث سنوات أي في عام 860 هـ (1456 م) وخرج على رأس حملة لقتال أمير القرمان، فخرب بلاده في غير شفقة أو رحمة دون أن يشتبك مع جنوده. وعينه أحمد ولد إينال أتابكا. وقد سخط الأشرفية (مماليك السلطان أشرف إينال) على السلطان أحمد فتآمروا عليه وعرضوا العرش على جانم والى دمشق. على أن الظاهرية (مماليك السلطان الظاهر جقمق) كانوا يؤثرون خشقدم، ومن ثم بادروا إلى انتخاب الأتابك خشقدم سلطانا قبل وصول جانم، وقبضوا على أحمد وأرسلوه إلى الإسكندرية. فلما وصل جانم بعد ذلك إلى مشارف القاهرة لم يكن في طاقته إلا الاعتراف بخشقدم والرجوع إلى دمشق، غير أنه لم يكن ليأمن على حياته طويلا، فالتجأ إلى حسن الطويل سلطان تركمان القطيع الأبيض حيث قتل بعد قليل، وكذلك أمر خشقدم بقتل أمير آخر من أمراء الظاهرية أصحاب النفوذ، وهو جانى بك والى جدة مع أن السلطان

كان يدين له بكل شئ وبذلك حرم فرق المماليك من قوادها، واستطاع أن يضرب كل فرقة بالأخرى. وضعف شأن المماليك أيضًا بسبب الحملات التي وجهت إلى قبرس نتيجة للسياسة التي رسمها إينال. ذلك أن إينال نصر الملك جيمس على أخته شارلوت التي كانت ترجو أن يساعدها فرسان القديس يوحنا في رودس. وقد عهد إينال في أواخر عهده إلى والى طرابلس بالقيام بحملة على الملكة، ولكنه لم يفرغ لهذه الحملة إلا أمدًا قصيرًا بسبب التغيرات التي طرأت على عرش مصر. وسرعان ما عاد الأمراء الذين أنفذوا إلى قبرس على رأس كتائب من الجند لمعونة جيمس بسبب القلاقل التي شبت عقب مقتل جانى بك، ولم يبق بقبرس إلا أمير واحد على رأس كتيبة صغيرة من الجند. وسقطت فماكستا Famagusta عاصمة الجزيرة في يد جيمس الذي كان قد غدا بالفعل صاحب الكلمة العليا في الجزيرة كلها، وعاد في غير حاجة إلى معونة المصريين الذين عاملوه بصلف وغلظة. وعمد إلى التخلص منهم فحرض أهل فماكستا على مهاجمتهم من الخلف، ثم انقض عليهم بنفسه وأظهر للسلطان أن تلك المذبحة حدثت نتيجة لفتنة شبت بين رعاياه ولم يكن له ضلع فيها إطلاقًا، غير أن شارلوت كشفت الحقيقة لخشقدم اكتسابا لمعونته كما حازت رضاه بافتدائها سفينة كانت قد وقعت في أيدى فرسان رودس. بيد أن السلطان كان قد رغب في العيش في سلام مادام جيمس يؤدى له الجزية بانتظام، كما أنه كان متحالفًا تحالفًا وثيقًا مع تابعه حسن الطويل سلطان القطيع الأبيض الذي كان مضطرًا إلى الاعتماد على معونة سلطان مصر في قتاله المستمر مع سلطان القطيع الأسود، وولاة أبُلِستين من بيت ذي الغادر. وظل حسن مخلصًا لخشقدم في جميع الدسائس والحروب التي وقعت، ذلك أن علاقاته بالسلطان محمد الثاني العثماني لم تكن صافية تمام الصفاء. فقد قضى محمد الثاني على إمبراطور أطرابز ندة البوزنطى أحد أقرباء حسن،

الخضر

فما كان من حسن وخشقدم إلا أن مدا يد المعونة إلى إسحاق والى قرمان الذي كان مشتبكًا في حرب مع العثمانيين، كما عاونا أميرى أبلستين بداغ ورستم في تنافسهما على الولاية مع شاه سوار الذي كان هواه مع العثمانيين ولم ينشب القتال بين السلطانين قط، وإن كانت العداوة قد تأصلت في نفسيهما. وقد استطاع خشقدم أن يكبح جماح مماليك أسلافه من السلاطين، إلا أن مماليكه ساموا الشعب الخسف مرارًا وتكرارًا. وكانت حالة السلطان المالية مرتبكة على الدوام، ومن ثم حاول أن يحصل على المال متوسلا ببيع المناصب وزيارة أفراد شعبه. ومرض السلطان عام 872 هـ (1467) وتوفي بعد عشرة أيام من مرضه. والحق أن خشقدم لم يكن حاكمًا عظيمًا، ولكنه أفلح في بسط السلام على ربوع مصر. ونجت مصر في عهده من شر الأوبئة. وكان يكره الإصلاح كما كان مستمسكا بالعادات القديمة على خلاف قايتباى الذي كان متمردًا لا يستقر له قرار. المصادر: (1) ابن إياس، بولاق 1311, جـ 2، ص 70 - 74. (2) Geschichte der Chalifen: Weil جـ 5، ص 240 - 315. (3) The Mamluk or Slave: Muir Dynasty of Egypt ص 163 - 11. الشنتناوى [سوبرنهيم M. Sobrenheim] الخضر الخَضِر (الخِضْر) اسم شخص معروف مشهور له شأن كبير في الأساطير والقصص. واسم الخِضْر (تشبيها بالنبات الأخضر). وتتصل الروايات والقصص المتعلقة بالخضر أولا وقبل كل شئ بالقصة التي وردت في القرآن (سورة الكهف، الآيات 59 - 81) (¬1) {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ ¬

_ (¬1) رقم الآيات في المصحف العثماني: 60 - 82. (علام)

الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا (60) فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا (61) فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا (62) قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا (63) قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا (64) فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا (65) قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا (66) قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (67) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (68) قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا (69) قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا (70). .} ثم انطلقا حتى إذا قام عبد الله ببعض الأمور غير المألوفة في ظاهرها عيل صبر موسى ولم ير بدًا من السؤال فأجابه عبد الله: ". . ألم أقل إنك لن تستطيع معى صبرا" وفارق موسى آخر الأمر بعد أن نبأه بتأويل فعاله وأبان له عن وجاهة الأسباب التي دعت إليها. ويطلق جمهور المفسرين للقرآن الكريم على هذا العبد اسم الخضر، أما غيرهم فيجعلونه فتى موسى. وقد جمع المفسرون والمحدثون والمؤرخون حشدًا من الأقوال حول قصة القرآن الكريم. وأول مسألة دارت حولها المناقشة هي: هل الشخصية الأساسية هي شخصية موسى بن عمران أو شخصية موسى بن ميشا (= منسة) بن يوسف ابن يعقوب، أو بعبارة أخرى واحد من نسل الأب الأول يعقوب (الرازى: مفاتيح الغيب، جـ 4 ص 333؛ الزمخشرى: كشاف تفسير الآية 59) (¬1) ويكاد المفسرون يجمعون على الرأى الأول [موسى بن عمران] وهم يبنون رأيهم هذا على الرواية الآتية التي وصلت إليهم في صيغ شتى: وهي أن موسى النبي المشهور قام في بنى إسرائيل خطيبًا، فقيل أي الناس أعلم فقال أنا، فقال الله بل عبد لى [الخضر] عند مجمع البحرين، فعزم على أن يلتقى بهذا الحكيم، وهذه الرواية ¬

_ (¬1) الصواب: الآية 60 (م. ع).

موجودة في كثير من المصادر العربية (البخارى: علم، باب 16, 19, 44؛ الأنبياء، باب 27؛ التفسير: سورة الكهف، باب 2 - 4؛ مسلم: الفضائل، حديث 170 - 174؛ الترمذى: تفسير سورة الكهف، باب 1؛ الطبرى: طبعة ده غوى جـ 1، ص 417؛ تفسير جـ 15 ص 165 وما بعدها؛ فخر الدين الرازى: المصدر المذكور جـ 4، ص 333). أما الحوت (المملوح) فيستعان به هاديًا إلى الطريق، والموضع الذي فقد فيه أو عادت إليه الحياة فيه هو نهر الحياة حيث كان يعيش الخضر (الطبرى جـ 1، ص 417) وثمة إشارة أخرى إلى نهر الحياة هي أن أماراته الصخرة لأنه يقوم عند سفحها (الطبرى: تفسير جـ 15، ص 167؛ البخارى: تفسير سورة الكهف، باب 4) وجعلت الصخرة أيضًا أمام نهر الزيت أو نهر الذئب (البيضاوى والزمخشرى في سورة الكهف، الآية 61 (¬1)؛ الطبرى: تفسير جـ 15، ص 164) وليس من المستبعد أن تكون هناك علاقة بين نهر الزيت ونهر الحياة. ذلك أن ثمة روايات تذهب إلى أن الزيت صفة من صفات أنهار الجنة، ومن ثم فإن كلمة الذئب تكون تصحيفا لكلمة الزيت، وهو أمر سهل الوقوع، ويعد فولرز Vollers نهر الذئب صحيحا، فهو يرى أن نهر الذئب ترجمة لاسم لوكوس Loukos وليس هذا الاسم قليل الشيوع بين أسماء الأنهار في المصادر القديمة. وإذا صح هذا الفرض، فإن المرء قد يتبادر إلى ذهنه لوكس Lukkos في مراكش أو ليكوس Lycus على ساحل الشام، وهما موضعان تقترن بهما فكرة أقصى المغرب كما سنرى ذلك بعد. وقد فسر "مجمع البحرين" تفسيرات شتى، فيعده البعض "الموضع الذي يلتقى فيه البحر الفارسي ببحر الروم إلى الشرق" البيضاوى: سورة الكهف آية 60؛ الطبرى: تفسير جـ 16, ص 163). وهذا يشير إلى خليج ¬

_ (¬1) صواب الرقم 63 (م. ع).

السويس، وهو صدى للفكرة التي تذهب إلى أن ساحل الشام كان هو أقصى المغرب (انظر: Bird: A.J Wensinck and tree as consmological Symbols in western Asia في Verk A.K. Amsterdam ص 17 وما بعدها) ويقول بعضهم إنه التقاء بحر الروم بالمحيط (طنجة، إفريقية؛ الطبرى: تفسير، جـ 15، ص 163؛ الزمخشرى، على الآية نفسها) ويتصل هذا الرأى بفكرة متأخرة في علم نظام الكون، تعد مضيق جبل طارق هو أقصى المغرب. وثمة تفسير مجازى هو أن مجمع البحرين يعنى اجتماع موسى بالخضر، وهما بحرا الحكمة (الدميرى: حياة الحيوان جـ 1، ص 318). وعندما رأى موسى الخضر أول مرة وجده مسجى بثوبه كما ورد في القرآن (¬1) "لأنه كان نائما" كما يقول الطبرى (طبعة ده غوى جـ 1، ص 418) وعندما رأى عصفورا ينقر في الماء قال لموسى: "ما ينقص علمى وعلمك من علم الله إلا مقدار ما نقر أو نقد هذا العصفور من البحر" (الطبرى: طبعة ده غوى، جـ 1، ص 418؛ البخارى: تفسير سورة الكهف، باب 3؛ الرازى: مفاتيح الغيب جـ 14، ص 333 وما بعدها). وكان الخضر يعيش في جزيرة (الطبرى. طبعة ده غوى جـ 1، ص 422) أو على طنفسة خضراء علي كبد البحر (البخارى: تفسير سورة الكهف، باب 3). وروى المفسرون حكاية اختبار الصبر زاخرة بالتفاصيل، ولا يتسع المقام للخوض فيها (انظر تفاسير سورة الكهف، آية 59 (¬2) وما بعدها ومصنفات التاريخ والحديث المذكورة في المصادر). ويؤكد فرع آخر من الرواية، العلاقة بين الخضر وبحث الإسكندر عن نهر الحياة بخاصة، ويتجاوز فريد لاندر Frienlânder القصد Die ¬

_ (¬1) لم يرد في القرآن أن موسى وجد الخضر مسجى بثوبه، ولعل الكاتب أخذ هذه العبارة من التفاسير. (¬2) صواب الرقم: 60 (م. ع).

(chadhir - legende ص 108 وما بعدها) بقوله: "أما شأن الخضر بالفتى المحيِّر الوارد ذكره في الآية 64 فهو يندرج في حلقة أخرى من القصص مختلفة تمام الاختلاف، ولكنه يتصل بفتى موسى (الإسكندر) الذي كان الحوت معه -كما ورد في الآية 59 وما بعدها- أو بعبارة أخرى: هذا الفتى هو عين طاهي الإسكندر الذي نعرفه جيدًا من كاليستينيز المزعوم Pseudokallisthenes والعظة السريانية، لأن الخضر كما رأينا، وكما سوف نرى بعد، يتصل بـ"أتنبشتم" اتصاله برفيق الإسكندر. وليست هناك ترجمة معروفة لقصة الإسكندر في الأدب العربي (Weymann , انظر المصادر) في حين توجد أجزاء غير محققة من قصة الإسكندر التي بحثها فريد لاندر. ونحن نجاوز القصد كثيرًا إذا خضنا فيما بين هذه النسخ من خلاف، لأن هذه المصادر تبدو مستقلة عن القرآن الكريم، لا لأنها تجعل الخضر رفيق ذي القرنين فحسب، بل لعدم وجود إشارة ما إلى الفتى الوارد في القرآن الكريم أيضًا. ويبدو الخضر فيها عادة على مقدمة جيش الإسكندر في مسيره إلى نهر الحياة، ويسمى في رواية الصورى وزير الملك، كما غدا الشخصية الأساسية التي أخملت الملك نفسه. أما رواية عمارة فتذهب إلى أنه ابن عم الإسكندر، ولد ونشأ معه في ظروف واحدة وفي وقت واحد، وتجعل الرواية الشائعة للرحلة إلى نهر الحياة، الخضر والإسكندر وقد ذهب كل منهما في طريق. ويأخذ الإسكندر الحوت معه في رواية أخرى ويكشف عن العين العجيبة التي يعود حوته إلى الحياة فيها عندما يمس الماء؛ في حين نجد قصصًا أخرى لا يرد فيها ذكر الحوت، وإنما يعرف الخضر النهر بأمارات أخرى. وتروى قصص غير هذه ودلك أنه يغطس فيه وهو لا يعلم فضائله (الطبرى جـ 1، ص 414) وثمة رواية واحدة لنظامى تقول إن الخضر لا يرافق الإسكندر، ولكنه

يرافق إيليا إلى النهر وهناك يشربان منه ويخلدان. السمة الوصفية العامة لاسم الخضر واضحة كل الوضوح من معناه حتى أن الرواية إنما استطاعت أن تعطى البطل اسمه الحقيقي وأن تضع له نسبًا وتاريخًا. فنحن نجده كثيرًا ما يسمى بليا بن ملكان. وروى المسعودي (مروج، جـ 3، ص 144) أن هذا الاسم الأخير يطلق على أخ لقحطان، ومن ثم يجعل له مكان في أنساب اليمن، مما يرجح أن ملكان هو عين ملكم (سفر الأيام الأول، الإصحاح 8، آية 9) المندرج كذلك بين بطارقة اليمن. ورد هذا النسب بعد ذلك إلى سام من ناحية فالغ وعابر (انظر الطبرى، طبعة ده غوى، جـ 1، ص 415, المسعودي. مروج الذهب جـ 1، ص 92؛ النووى: صحيح مسلم، جـ 5، ص 135) وربما لا يكون اسم بليا تصحيفا لاسم يليا الذي هو عين الاسم السريانى إيليا ونجد أن إيليا قد ورد من ناحية أخرى بالصيغة الإسلامية إلياس علما على الخضر وعلما على اليسع وأورميا (انظر الإصابة ص 887) وخضرون (الطبرى، طبعة ده غوى جـ 1, ص 415؛ الديار بكري: تاريخ الخميس جـ 1، ص 106، Friedlânder: chadhirlegende ص 333). ويورد ابن حجر أيضًا الأنساب الآتية (الإصابة ص 883 وما بعدها): (1) أنه ابن آدم (بإسناد ضعيف) وتتصل بهذه القصة (الإحياء ص 887 وما بعدها؛ أبو حاتم السجستانى: كتاب المعمرين ص 1) التي تروى أن الخضر عنى بجسد آدم ثم تولى دفنه بعد الطوفان. (2) أنه ابن قابيل الملقب بخضرون (3) أنه (المعمر) ابن مالك بن عبدالله بن نصر الأزد. (4) أنه ابن عمائيل بن النور بن العيص بن إسحاق (5) أنه ابن بنت فرعون (6) أنه فارسي أو كان أبوه فارسيا وأمه رومية أو كان أبوه روميا وأمه فارسية. ويقال أيضًا إنه ولد في مغارة ورضع

لبن الضوارى ثم دخل آخر الأمر في خدمة ملك من الملوك (الدميرى. جـ 1، ص 318؛ ابن حجر؛ ص 891 وما بعدها) وانظر أيضًا اجتماعه في "سوق بنى إسرائيل" بالرجل الذي سأله الصدقة بوجه الله (الإصابة ص 894 وما بعدها). ولا تحيط هذه الأقوال بجميع الروايات عن اسمه ونسبه، وحسبنا أن نذكر هنا الفقرة الآتية من ماراتشى (Prodromi: Maracci على سورة الكهف، الآية 57) (¬1). Alchedrus, quem fabulantur Moslemi eundem fuisse, ac Phineas filium Eleazari filii A aron ; Cujus anima Per metem , Psychosin emigravit Primo in Eliam deinde ex Elia in S. Gregorium, quem Propterea Mahumetani Omnes summo honore Prosequuntur (¬2) . ولعل المطابقة الأخيرة ترجع إلى خلط بينه وبين القديس جرجيس الذي يماثل الخضر من وجوه معينه (انظر في هذا الشأن Clermont - Ganneau في Revue archéologique جـ 32 وما بعده، Friedlânder كتابه المذكور ص 275) ويشير كانو بعد ذلك إلى العلاقة بين حرف خ - ض - ر والحروف السامية الشمالية ح - ص - ر, ومن ثم يكون الاسم تصحيفا لـ"خسسترة Guyard): R.H.R. جـ 1، ص 344 وما بعدها) أو يتصل بـ "أهسويروس Ahousuerus اليهودي التائه (Lidzbarski في الـ Z.A جـ 7، ص 116). وتذكر تواريخ جد متفاوتة للعهد الذي وجد الخضر فيه، فيقال أحيانًا إنه معاصر لإبراهيم الذي هاجر معه من أرض بابل (الطبرى، طبعة ده غوى، جـ 1، ص 415) ويوضع أحيانًا في ¬

_ (¬1) لا يمكن أن يكون هذا الرقم صحيحًا فهذه الآية لا تشير إلى الخضر وإنما تبدأ الآيات المتصلة بهذه القصة من آية 60. مهدى علام (¬2) الخضر الذي في أساطير المسلمين هو فنياس ابن إليعازر بن هارون الذي حلت روحه بالتناسخ في إيليا ثم في القديس غريغورى الذي وقره المسلمون جميعًا لهذا السبب توقيرا عظيمًا. مهدى علام

عهد أفريدون أو يجعل أحيانًا أخرى معاصرًا للإسكندر، وأنه عمر إلى زمان موسى (ابن حجر: الإصابة ص 886) ويذهب آخرون إلى أنه ولد في عهد ناشية بن آموص، أو بعبارة أخرى أشعياء بن آموص (الطبرى: المصدر المذكور ص 415، وما بعدها) ويرجع الخلاف في هذه الأقوال من بعض الوجوه إلى خلوده (انظر بعد). وأهم من هذا شروح الاسم التي أوردتها المصادر الشرقية، من ذلك ما يروى أنه أخضر لتدليه في عين الحياة وسمى لذلك الخضر (الصيغة الإثيوبية لقصة الإسكندر، انظر فريد لاندر، المصدر المذكور، ص 235 وما بعدها) وكان يعيش كما ذكرنا آنفا على جزيرة من الجزائر (الدميرى: المصدر المذكور ص 317) كما يقال إنه يعبد الله في الجزائر (الصورى، انظر فريد لاندر: المصدر المذكور ص 83، الثعلبى ص 197). وقد يشير هذا إلى أن الخضر كان في الأصل كائنًا بحريًا، وتؤيد الملابسات الآتية هذا الاتجاه: فهو كثيرًا ما يوصف بأنه راعى الضاربين في البحر (تاريخ الخميس جـ 1، ص 107) ويقال إن البحارة عند شاطئ الشام يدعونه إذا عصفت العاصفة وأصبح في الهند يعرف باسم خواجه خضر وهو عندهم إله نهرى ويمثل جالسًا على حوت، ويغلب على كانو وفريد لاندر هذا الاتجاه في بحثهما عن أصل هذه الشخصية. واستند الأخير إلى افتراض ان أسطورة كلوكوس Glaukos اليونانية قد وصلت إلى المسلمين عن طريق وسيط سريانى (المصدر المذكور، ص 107 وما بعدها) ولكنا إذا لم ندخل في حسابنا أننا لا نعرف شيئًا عن هذا الوسيط فإن العلاقة بين الخضر وكلوكوس لا تفسر إلا جانبا واحدًا من جوانب الاسم الأول. كما أن هذه العلاقة لا تنبئنا بشئ عن أصل هذه الشخصية، والحق أن المرء ليشك في صواب البحث عن شخصية جد معقدة كشخصية الخضر

الذي له خصائص مشتركة مع أتنبشتم وطاهي الإسكندر وغيرهما. ويجب أن ندخل في حسابنا أشياء أخرى. ففي الشروح العربية للاسم لا يعد الخضر متصلا بالبحر، ولكنه يعد متصلا بالمملكة النباتية: "إنه جلس على فروة بيضاء فإذا هي تهتز تحته خضراء" (النووى على صحيح مسلم جـ 5، ص 135؛ انظر الطبرى: تفسير جـ 5، ص 168) ويضيف النووى "الفروة هي الأرض اليابسة". أما الديار بكري (جـ 1، ص 106)، فهو أكثر تحديدا إذ يقول "الفروة وجه الأرض إذا أنبتت واخضرت بعد أن كانت جرداء" ويقول عمارة إن الخضر خوطب عند نهر الحياة: أنت الخضر وكلما مست قدماك الأرض اخضرت (فريد لاندر: المصدر المذكور ص 145) وهو كلما وقف أو صلى تخضر الأرض (النووى: المصدر المذكور؛ الرازى: مفاتيح الغيب جـ 4، ص 336). وتذكرنا هذه الأقوال (وبخاصة الأخيرة منها) بقول للرب في العهد القديم: "هو ذا الرجل الغصن اسمه، ومن مكانه ينبت. ." (سفر زكريا، إصحاح 6، آية 12) والحق أن الخضر يتعلق بشخصيتين مسيحيتين: أولاهما إيليا والثانية المسيح. ويؤلف هؤلاء الثلاثة مع إدريس الأربعة الذين لم يذوقوا طعم الموت (تاريخ الخميس جـ 1، ص 107). ويعود سبب الخلاف في صفة الخضر إلى الآراء المختلفة حول طبيعته، فإن عد نبيا (انظر الإصابة، ص 882 وما بعدها) بقى الخلاف في اعتباره من الرسل (النووى: المصدر المذكور، ص 135) وكان إلى هذا كله إنسيًا ملكيًا أرضيًا سماويًا (الطبرى طبعه ده غوى، جـ 1، ص 544، 798) ويسلكه الأتقياء والمتصوفة في عداد الأولياء وثمة قول صوفي: أن لكل عصر خضره، كما يعد الخضر اليوم نقيب الأولياء ويدعوه الناس بصفته وليًا ثلاث مرات فيحميهم من السرق والحرق والغرق والسلطان والشيطان

والحية والعقرب (تاريخ الخميس جـ 1, ص 107, الإصابة ص 903) وتطيعه السماء والبحر وبقاع الأرض، وهو خليفة الله في البحر ووكيله على الأرض، ويحتجب عن الأبصار متى شاء (عمارة فريد لاندر: المصدر المذكور ص 145) وهو يطير في الهواء، ويلقى إلياس عند سد الإسكندر ويحج معه إلى مكة كل سنة (انظر الإصابة ص 904 وما بعدها) ويشرب كل يوم جمعة من زمزم ومن جب سليمان ويغتسل من عين سلوان (تاريخ الخميس جـ 1، ص 107؛ فريد لاندر: المصدر المذكور، ص 148 وما بعدها، 151) ويستطيع أن يجد الماء تحت الأرض ويتكلم لغة الناس قاطبة (الصورى في فريد لاندر ص 184). ويؤكد خلوده بخاصة (انظر قصيدة روكرت Childer": Rückert عمارة في فريد لاندر: المصدر المذكور، ص 145؛ أبو حاتم السجستانى: كتاب المعمرين ص 1؛ الإصابة ص 887 وما بعدها، 892 , 895) وقد منحه، كما ورد في الإصابة (ص 882) بعد حديث بينه وبين صديقه الملك روفائيل ليقر عبادة الله الحقة على الأرض ويحافظ عليها. ويصف ابن حجر اجتماعًا بين الخضر ومحمد [- صلى الله عليه وسلم -] في روايات شتى (الإصابة ص 899 وما بعدها؛ انظر المؤلف نفسه فيما يتعلق باجتماعه بأشخاص آخرين ص 908 وما بعدها) وانظر كذلك المصدر نفسه عن المائدة التي نزلت عليه من السماء (ص 919) وانظر مروج الذهب فيما يختص بشهوده وقعة القادسية (جـ 4، ص 216). ويعيش الخضر في بيت المقدس ويصلى الجمعة في مساجد مكة والمدينة والقدس وقباء وعلى جبل الزيتون وطعامه الكمأة والكرفس (تاريخ الخميس جـ 1؛ الإصابة ص 889 وما بعدها، 904) وبين أيدينا عن زيجاته قصة قديمة (انظر ابن ماجه: كتاب الزهد باب 23) وردت أيضًا في

(الثعلبى: القصص ص 193 وما بعدها). المصادر: تفاسير القرآن لسورة الكهف الآيات 59 - 81 (¬1). سورة البقرة الآية 261 (¬2)؛ سورة هود الآية 86 (¬3)؛ والمصادر الخاصة بالحديث والتاريخ المذكورة آنفًا. (1) الثعلبى: قصص الأنبياء، القاهرة 1290 , ص 125, 190 وما بعدها. (2) الديار بكري: تاريخ الخميس، القاهرة 1283, جـ 1، ص 106 وما بعدها. (3) ابن حجر: الإصابة، كلكتة. . . ص 882 وما بعدها. (4) الدميرى: حياة الحيوان القاهرة 1274 جـ 1 ص 317 وما بعدها. (5) النووى: تهذيب الأسماع، طبعة فستنفلد، ص 228 وما بعدها. (6) أبو حاتم السجستانى: كتاب المعمرين، طبعة كولدسيهر في Abh. Zur or Philologie جـ 2، ص 1. (7) المسعودي: مروج الذهب طبعة باريس جـ 4، ص 216. (8) الفردوسى: الشاهنامه، طبعة مول جـ 5 ص 216 وما بعدها؛ طبعة ما كان جـ 3، ص 1340. (9) نظامى: اسكندر نامه في القصيدة الخاصة بالاسكندر وبحثه عن ماء الحياة. (10) Alexanders Zug zum: Ethé lebens quell في S.B. Bayr. AK عام 1871, ص 343 - 405. ¬

_ (¬1) صواب ترقيم الآيات هو: 60 - 82. (¬2) الآية التي يشير إليها هي: "أو كالذي مر على قرية". ورقمها 259. (¬3) الآية المشار إليها رقم 85.

(11) Horus et: Clermont - Ganneau Saint Georges d' aprés un bas - relief inédit du Louvre في الـ Revue d' ar chéologie جـ 32 - 34؛ (12) Ursemit Religion: S.I. Cirtiss im Volksleben d. heut Orients، ليبسك 1903, مادة خضر. (13) Wer ist Chadhir: Dyroff في الـ Z.A. 1892 جـ 7، ص 319 - 327. (14) Zur: I. Friendlander Geschichte der Chadhirlegende في الـ A.R. 1910, جـ 13، ص 92 وما بعدها. (15) المؤلف نفسه: Alexanders Zug - nach dem Lebensquell und die chad hirlegende في الـ A.R. جـ 13، ص 161 وما بعدها. (16) المؤلف نفسه: Die Chad- hirlegende und der Alexanderromans, ليبسك 1913. (17) Wer ist: M. Lidzbarski Chadhir في الـ Z.A. 1892, جـ 7 ص 104 - 116؛ (18) Beitrâge zur Ges-: Nôldeke Denks. AK.) chichte des Alexanderroman Wien جـ 38 رقم 5). (19) Chadher: K. Vollers في الـ A.R 1909 جـ 12, ص 243 - 284. (20) Chidher in Sage: G. Huart und Dichtung Sammlung gemeinverst (wiss, Vortrâge رقم 280 وليس هذا المؤلف في متناول يدى)؛ (21): Die athiopische: Weymann und arabische übersetzung des Pseudokallithenes, كرشهاين 1902. (22) Sirat Saif ibn Dhi: R. Paret Jazan هانوفر 1924 الفهرس، تعليقة 1. (23) Drie: G.W.I. Drewes Jovaansche Goeroe's ليدن، ديسمبر 1925 , ص 56 وما بعدها، 195 وما بعدها. يونس [فنسنك A.J. Wensinck]

الخطابية

الخطابية فرقة من غلاة الشيعة، نسبت إلى أبي الخطاب محمَّد بن أبي زينب الأسدى الأجدع، وكان له أتباع في الكوفة، وفيها هاجمه عيسى بن موسى الذي استعمل عليها أعواما (إلى عام 147 هـ 764 - 765 م) فقُتل من أنصاره سبعون رجلا وقُبض عليه في دار الرزق على شط الفرات، ووضع على السفود وأحرقت جثته، وحمل رأسه إلى بغداد. ولم تقض هذه المحنة على الفرقة. ويذهب بعض أفرادها إلى أن أبا الخطاب وأنصاره لم يقتلوا بالفعل ولكن شبه لأعدائهم. وقد أحصى أعلم المصنفين بهذه الفرقة عدد أفرادها عام 300 هـ فقال إنهم مائة ألف من الأنفس يسكنون سواد الكوفة واليمن ولا حول لهم ولا طول. وثمة إشارة مجملة إلى مذهبهم في كتاب المعارف لابن قتيبة، وهو أسبق من غيره في الحديث عنهم، وفي كتاب المطهر بن الطاهر الذي ظهر بعده بحوالي خمسين سنة. ولكن يظهر أنهم لم يفعلوا شيئًا ذا غناء يلفت إلى هذه الفرقة أنظار المؤرخين. ويروى أنه لما توفي أبو الخطاب نقل أصحابه الإمامة إلى محمَّد ابن إسماعيل بن جعفر الصادق، فأصبحوا بذلك من الإسماعيلية. والأخبار التي ذكرت عن مذاهبهم بخاصة نادرة، ويجب أن تؤخذ في حذر وحيطة، وتؤكد الروايات أنهم يقولون إن النبي [- صلى الله عليه وسلم -] نقل النبوة إلى عليّ يوم الخندق، ويجوز أن يكون أبو الخطاب قد جهر بانتقال مماثل للإمامة من جعفر إليه. ويقرر المصنفون من أهل الشيعة والسنة على السواء، أن جعفرًا أنكر المزاعم التي أوردها أبو الخطاب على لسانه، وكانت صلته به كصلة المختار بن أبي عبيد بابن الحنفية. أما أقوله الأخرى فأدناها إلى الصحة دعوته إلى الشدة المطلقة في معاملة خصومه، ومقالته في ذلك هي عين مقالة الأزارقة. وهو يرى الشهادة بالزور على من خالفه، ويذهب المطهر إلى أن الفقهاء لم يجيزوا شهادة الخطابية نتيجة لذلك.

الخطبة

ويعرف المصنفون المتأخرون، في الملَل والنحل، عن الخطابية أكثر مما عَرف السابقون لهم، فالبزيغية عند المطهر فرقة قائمة برأسها، في حين يجعلهم الشهرستانى فرعا من الخطابية، كما أن هذا المصنف يجعل لهم فرعا آخر هو العُمَيْرية الذين يعدهم عبد القاهر في مصنفه فرعا من الجناحية؛ ويرى الشهرستانى أيضًا أن المعمرية فرع من الخطابية، أما ابن حزم فيقطع بأنهم مستقلون عنهم. وقد بلغت فروع الخطابية أيام المقريزى خمسين فرعا. وذكرت كنية أبي الخطاب بصيغ شتى مثل أبي ثور وأبى يزيد، ولعل ذلك يرجع إلى تصحيف اسم زينب. ويتهم الخطابية بأنهم ينكرون عدة قواعد أخلاقية وكذلك إنكارهم لعدة شعائر إسلامية. ويذكر الحلول من بين المعتقدات المنسوبة لهم، ومن العسير أن نتحقق من صحة هذه الأقوال، لأن الفرقة لم تخلف فيما يظهر مؤلفات خاصة بها. المصادر: (1) أبو محمَّد الحسن بن موسى النوبختى: كتاب فيه مذاهب فرق أهل الإمامة (مخطوطة في حيازة A. G. Ellis Esq). (2) The Hetero-: I. Friedlander doxies J.A.O.S. of the Shiites جـ 28 , 29 (ترجمة في هامش ابن حزم: الفصل جـ 5 ص 187 وما بعدها). (3) الشهرستانى: ترجمته Haarbrucker جـ 1 ص 206. (4) عبد القاهر البغدادى: الفرق بين الفرق ص 242. (5) الكشى: معرفة أخبار الرجال، طبعة بمباى 1317 , ص 187) وهو كتاب لا يوثق فيه). (6) المقريزى: الخطط جـ 2، ص 352. (7) عضد الدين الأيجى: المواقف طبعة Sarensen ص 345. يونس [مارجوليوث D.S. Margoliouth] الخطبة الخُطْبة (كلمة عربية) وهي الخطاب يجاهر به الخطيب ولها مكانها المحدد من شعائر الإِسلام، ونعني بذلك

الخطب التي تلقى في صلاة الجمعة وفي العيدين وعند الكسوف وانقطاع المطر. والخطبة في الجمعة تسبق الصلاة، ولكن الصلاة تسبقها في غيرها. ونحن نورد في هذا المقام خلاصة الشروط التي يجب توافرها في خطبة الجمعة كما أوردها الشيرازى (انظر: التنبيه، طبعة جوينبل ص 40) وهو من علماء الشافعية المتقدمين: (أ) مما يجب أن يتوافر في صلاة الجمعة لكي تصح أن تسبقها خطبتان يشترط لصحتهما الطهارة، والستارة، والقيام والقعود بينهما، والعدد الذي تنعقد به الجمعة. ويجب فيها: أن يحمد [أي الخطيب] الله تعالى ويصلى على النبي [- صلى الله عليه وسلم -] ويوصى بتقوى الله في الخطبتين والدعاء للمؤمنين الكريم، ويقرأ في الأولى شيئًا من القرآن، وقيل تجب القراءة فيهما، وسنتهما أن يكون على منبر أو موضع عال، وأن يسلم على الناس إذا أقبل عليهم، وأن يجلس إلى أن يؤذن المؤذن، ويعتمد على قوس أو سيف أو عصا، وأن يقصد قصد وجهه، وأن يدعو للمسلمين، وأن يقر الخطبة. (ب) ويقول المؤلف نفسه (ص 42) عن الخطبة في العيدين، إنهما خطبتان كخطبتى الجمعة، إلا أنهما تختلفان عنهما في النقاط الآتية: أن الخطيب يستفتح الأولى بتسع تكبيرات والثانية بسبع تكبيرات ويعلمهم [أي الناس] في الفطر زكاة الفطر، وفي الأضحى الأضحية، ويجوز أن يخطب من قعود. ويذكر الشيرازى (ص 43) في خطبة صلاة الكسوف أن الإِمام يخوف الناس بالله. وفي خطبتى الاستسقاء يستغفر الإمام الله في افتتاح الأولى تسعًا وفي الثانية سبعا، ويكثر فيهما من الصلاة على رسول الله [- صلى الله عليه وسلم -] ومن الاستغفار ويقرأ الآية التاسعة من سورة الملك ويرفع يديه ويدعو بدعاء النبي [- صلى الله عليه وسلم -] (ويورده الشيرازى كاملا) ويستقبل القبلة أثناء الخطبة الثانية، ويحول رداءه من يمينه إلى شماله، ومن شماله إلى يمينه ويجعل أعلاه أسفله ويتركه.

وتثير هذه الشعائر الملاحظات الآتية: كان بِكَر C.H. Becker أول من أشار إلى العلاقة بين المنبر الإِسلامي ومقعد القاضى في الجاهلية (¬1)، وهذا يفسر السبب في توكئه على عصا أو سيف أو قوس، ذلك لأن هذه الأدوات كانت من لوازم القاضى العربي في الجاهلية. وليس من اليسير أن ندرك لماذا تسبق الخطبة صلاة الجمعة في حين تسبق الصلاة في العيدين وغيرهما الخطبة (¬2). وينبئنا الحديث بأن مروان بن الحكم كان أول من غيَّر هذا النظام بأن خطب الناس قبل الصلاة في العيدين (انظر البخارى، كتاب العيدين، باب 6؛ وانظر خاصة الصورة المحركة للنفس الواردة في صحيح مسلم، كتاب العيدين، حديث 9). وقد روى أيضا أن مروان كان أول من خطب الناس في العيدين على منبر، وأن السنة القديمة كانت تقضى بالصلاة بلا منبر ولا أذان. وتذهب مصادر أخرى (مسلم: كتاب الإيمان, الحديثان 78 , 79؛ وشرح النووى عليهما) إلى أن الخطبة قبل الصلاة تعود إلى عثمان بل إلى عمر (¬3). ورأى جمهور المحدثين أن ذلك بدعة، سببها نزوع الأمويين إلى العمل لصالح دولتهم أكثر من العمل على صالح الدين. وإذا صح هذا الرأى، فإن هذه ¬

_ (¬1) هذا غير صحيح. فإن الثابت في الأحاديث التي لا شك في صحتها أن رسول الله [- صلى الله عليه وسلم -] كان يخطب قائما بين الناس، ثم أشار عليه بعض أصحابه باتخاذ المنبر، فصنع له من ثلاث درجات، وكان يخطب عليه إلى آخر حياته. وليس هناك ما يشير إلى تقليد هذا لمقعد القاضى في الجاهلية. ثم لو كان لم يكن به بأس، وما ندرى ما علاقة هذا بأحكام الخطبة؟ وانظر بعض ما ورد ذلك في مسند الإِمام أحمد بن حنبل (بتحقيق أحمد محمَّد شاكر) في الحديث رقم 2236، وفي البخاري وشرحه فتح الباري (ج 2، ص 329 - 332 طبعة بولاق) وتاريخ ابن كثير: البداية والنهاية، ج 6 ص 125 - 132). (¬2) ليس لهذا سبب يدركه كاتب المادة أو غيره، ، لأن هذه عبادة أمر الله بها رسوله [- صلى الله عليه وسلم -]، وأمره أن يبلغها للناس ويعلمهم إياها، وعليهم القبول والطاعة. (¬3) سوق الكلام على هذا النحو يوهم أن الرواية التي تذكر أن عثمان فعل ذلك وأن عمر فعله أيضا -رواها مسلم في صحيحه! وهو غير صحيح، فإن مسلما لم يرو هذا قط في صحيحه, بل ذكره النووى في شرحه، وعقب عليه بأنه "ليس بصحيح". انظر شرح مسلم للنووى (ج 6 ص 171 - 172 طبعة محمود توفيق بمصر) وهو الموضع الذي يشير إليه كاتب المادة. وقد فصل القول في ذلك الحافظ ابن حجر العسقلاني في فتح الباري (ج 2 ص 376 طبعة بولاق).

البدعة والاستماع إلى الخطبة من قعود، يمكن أن ينظر إليهما على إنهما محاولة للعودة إلى مراسم القضاء في الجاهلية المتصلة بالمنبر والخطبة (¬1). ويجب أن يلاحظ في دعاء المؤمنين أن العادة جرت بأن يذكر السلطان فيه قبل صلاة الجمعة. وتاريخ الإِسلام زاخر بالشواهد الدالة على الأهمية التي أسبغت على هذه العادة، وبخاصة أيام الفتن السياسية، فإن الاسم الذي يذكر في هذا الدعاء يكشف عن رأى الإِمام السياسى أو مكانته. وإذا كانت الشريعة لم تفرض على الخطيب أن يذكر اسم الإِمام، فإن إغفال الخطيب اسمه يعرضه لمظنة السوء عنده. أما في البلاد التي يعيش المسلمون فيها تحت إمرة غير المسلمين، فإن الدعاء بتوفيق السلطان غير المسلم في الدنيا، يعرض الخطيب لمظنة السوء عند إخوانه المسلمين (¬2) (انظر Is-: Snouck Hurgronje lam and Phonograph ص 13 وما بعدها؛ Verspr, Geschr = جـ 2 ص 430 وما بعدها، المؤلف نفسه: Mr.L.W.C Van den beoefening van het Mo-: Berg hammedaansche recht في Ind. Gids جـ 16 ص 809 وما بعدها = Verspr Ges - chriten جـ 2 ص 214 وما بعدها) وقد وردت سنة ذكر اسم السلطان في الصلاة في عصر متقدم يرجع إلى القرن الخامس ق. م في البردى الآرامى الذي عشر عليه في فيلة (¬3) (ورقة 1، سطر 26؛ انظر أيضا Mission: Harnack und Ausbreitung des Christentums جـ 1، ص 286). ¬

_ (¬1) لا أزال في عجيب من محاولة كاتب المادة إرجاع ما يتعلق بالخطبة إلى مراسم القضاه في الجاهلية، دون أن يأتي بدليل أو شبه دليل! ويكفي في هذا العجب أن يجعل الاستماع إلى الخطبة من قعود مؤيدا لما يقول! أفكان الناس في أمة من الأمم مطلقا يسمعون الخطباء واقفين وانفرد العرب بسماعها وهم جلوس؟ أحمد محمَّد شاكر (¬2) أما الدعاء في الخطبة باسم خليفة معين بشخصه فإنه بدعة، لا تجوز شرعًا، وإن فعلها أكثر المسلمين في أكثر البلاد من عهود قديمة. وأما الدعاء بالتوفيق للسلطان غير المسلم فإنه خروج عن الإِسلام، بل أن الإِسلام لا يعترف بصحة ولاية غير المسلم على المسلمين أصلا. وهذا كله من بديهيات الإِسلام. (¬3) هذا الشئ الذي يذكره كاتب المادة عن القرن الخامس ق. م لا علاقة له بالإسلام، ولا يكون له أثر علمى أو تاريخى في مثل هذا الموضوع الإسلامي الصرف. أحمد محمَّد شاكر

ويرد في الحديث كثير من خصائص الخطبة التي اشترطها علماء الفقه. وكانت خطبة النبي [- صلى الله عليه وسلم -] تبدأ عادة بقوله "أما بعد" (البخاري: كتاب الجمعة، باب 29). وتقترن "الحمدلة" (مسلم: كتاب الجمعة، حديث 44, 45) بالشهادة (أحمد بن حنبل جـ 2، ص 302 , 343: "الخطبة التي ليس فيها شهادة كاليد الجذماء") وروى في كثير من الأحاديث أن النبي [- صلى الله عليه وسلم -] اعتاد أن يقرأ آيات من القرآن (مثال ذلك: مسلم، كتاب الجمعة، حديث 49 - 52؛ أحمد بن حنبل جـ 5، ص 86 وما بعدها، ص 88 وما بعدها، 93 الخ .. ) ويشترط في الخطبة أن تكون قصيرة متفقة مع قول النبي [- صلى الله عليه وسلم -]: "أطيلوا الصلاة وأقصروا الخطبة" (مسلم: كتاب الجمعة. حديث 47) كما يشترط فيها أن تكون كالصلاة قصدًا (¬1) (مسلم: كتاب الجمعة، حديث 41) والإنصات في الجمعة واجب "وإذا قال [أحدهم] لصاحبه أنصت فقد لغا" (البخاري: كتاب الجمعة، باب 36). ووقوف الإِمام في الخطبتين وقعوده بينهما سنة عن النبي [- صلى الله عليه وسلم -] (البخاري: كتاب الجمعة، باب 27؛ مسلم: كتاب الجمعة، حديث 33 - 35؛ أحمد بن حنبل جـ 2، ص 35, 91, 98). وكان النبي [- صلى الله عليه وسلم -] يجلس على المنبر أثناء الأذان، ثم تقام الصلاة عند نزوله عنه (وذلك لكي يخطب قائما) وقد سار على هذه السنة أبو بكر وعمر (أحمد بن حنبل، جـ 3، ص 449 أسفل الصحيفة). ولم يرد لفظ خطبة ولا فعل خَطَبَ بمعناهما الاصطلاحى في القرآن [الكريم] بل إن الآية التي تحض على عدم ترك الجمعة من أجل البيع لم تذكر إلا الصلاة فقط (¬2) (سورة الجمعة، آية 9 - 11) ومن الخطأ أن نستخلص من هذا الإغفال أن الخطبة لم تكن قد أصبحت جزءا أساسيا في العبادات أيام ¬

_ (¬1) هذا ليس بشرط، بل هو الأفضل فقط. أحمد محمَّد شاكر (¬2) هذا غير صحيح، فإن الآية (11) من سورة الجمعة: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} إنما نزلت في شأن خطبة الجمعة حين قدمت تجارة إلى المدينة والنبي [- صلى الله عليه وسلم -] يخطب فخرج أناس كثيرون من المسجد. كما ثبت ذلك في الأحاديث الصحيحة في البخاري ومسلم وغيرهما. انظر تفسير ابن كثير (ج 8 ص 360 طبعة المنار) وفتح الباري (ج 2 ص 352 - 354 طبعة بولاق. أحمد محمَّد شاكر

النبي [- صلى الله عليه وسلم -]، وليس من المحتمل كذلك أن الصلوات على اختلافها كانت قد تحددت تحديًدا دقيقا منذ البداية (¬1)، ذلك أن الحديث قد احتفظ بأوصاف تبين أن خطبة النبي [- صلى الله عليه وسلم -] لم تكن لها علاقة كبيرة بالخطبة المنظمة في العصور التالية، فقد أورد أبو داود (كتاب الديات، باب 13) "أن النبي [- صلى الله عليه وسلم -] بعث أبا جهم بن حذيفة [إلى بني الليث] مصدِّقا (¬2) فلاجه (¬3) رجل في صدقته، فضربه أبو جهم فشجه، فأتوا النبي [- صلى الله عليه وسلم -] فقالوا القود يا رسول الله فقال النبي [- صلى الله عليه وسلم -] لكم كذا وكذا فلم يرضوا، فقال لكم كذا وكذا فلم يرضوا، فقال لكم كذا وكذا فرضوا، فقال النبي [- صلى الله عليه وسلم -] إني خاطب العشية على الناس ومخبرهم برضاكم، فقالوا نعم، فخطب رسول الله [- صلى الله عليه وسلم -] فقال إن هؤلاء الليثيين أتونى يريدون القود فعرضت عليهم كذا وكذا فرضوا، أرضيتم، قالوا لا، فهم المهاجرون بهم فأمرهم رسول الله [- صلى الله عليه وسلم -] أن يكفوا عنهم فكفوا، ثم دعاهم فزادهم فقال أرضيتم فقالوا نعم فقال إني خاطب على الناس ومخبرهم برضاكم، فقالوا نعم. فخطب رسول الله [- صلى الله عليه وسلم -] فقال أرضيتم، قالوا نعم". ومن الواضح أن مثل هذه الخطبة يعد نموذجا لخطب أمراء العرب الأولين في رعاياهم، ويتعذر القول بأن لها صلة بالخطبة الدينية، أضف إلى ذلك أنه ليس من اليسير التفريق بين أنواع الخطب كما قد يتضح ذلك من الأحاديث الآتية (¬4)، ففي حديث عن أبي سعيد الخدري "أن النبي [- صلى الله عليه وسلم -] كان يبدأ يوم ¬

_ (¬1) قد حددت الصلاة تحديدا واضحًا منذ الإسراء والمعراج، لم يزد عليها شيء ولم ينقص. والمثال الذي سيذكره مستدلا به على ما يريد، ليس في خطبة الصلاة، بل كان رسول الله [- صلى الله عليه وسلم -] يخطب الناس في الأحداث والمسائل العامة، وعند المناسبات دائما, ولم يكن لهذا علاقة بالصلوات، بل هي خطب للفصل بين الناس ولتعليمهم وإبلاغهم الوحي، بوصفه رسولا وبوصفه حاكما وقاضيا ورئيس دولة، كما هو بديهي عند كل خبير بشئون المجتمع الإسلامي حينئذ. (¬2) المصدق، بضم الميم وفتح الصاد وكسر الدال المشددة: هو عامل الزكاة الذي يستوفيها من الناس، أي جابى الصدقة. (¬3) لاجه. بتشديد الجيم، أي نازعه وخاصمه من اللجاج. (¬4) إن كان كاتب المقال يريد بالخطبة الدينية خطبة الصلاة، فنعم، ليس لهذه الخطبة علاقة بها، وإن كان يريد المعنى الأعم، فلا. ومن الخطأ أن يظن الناس أن الدين الإِسلامي لا علاقة له بالمعاملات ولا بغيرها من شؤون =

الفطر ويوم الأضحى بالصلاة قبل الخطبة ثم يخطب فتكون خطبته بالبعث والسرية" ونجد حديثا مشابها لذلك رواه مسلم وهو (كتاب العيدين، حديث 9): "أن رسول الله [- صلى الله عليه وسلم -] كان يخرج يوم الأضحى ويوم الفطر فيبدأ بالصلاة، فإذا صلى صلاته وسلم قام فأقبل على الناس وهم جلوس في مصلاهم، فإن كان له حاجة ببعث ذكره للناس، أو كانت له حاجة بغير ذلك أمرهم بها، وكان يقول: تصدقوا تصدقوا تصدقوا. . . ثم ينصرف؛ فلم يزل كذلك حتى كان مروان .. ألخ، وهذا وصف بسيط جدًا للصلاة، وفيه تأييد كبير للرأى القائل بأن الصلاة ذات النظام المحدد، إنما نشأت بعد زمن النبي [- صلى الله عليه وسلم -] بوقت طويل (¬2). ويجب ألا ننسى أن هذا الوصف يكشف عن الميل إلى المقابلة بين صلاة النبي [- صلى الله عليه وسلم -] على بساطتها، وبين تلك الصلاة ذات الطابع الرسمي العريق التي أدخلها مروان؛ وهو لم يكتف بها بل أمر ببناء منبر على المصلى (¬3)، ويشير الشاهد الآتى إلى ¬

_ = الدولة والحكم، وعن هذا كان خطأ كاتب المقال فيما سيأتى من الاضطراب والتناقض ومن محاولة ادعاء أن الخطبة عند المسلمين مأخوذة من غيرهم. ولكن المعنى الصحيح إجمالا ما أشرنا إليه من قبل في هوامش هذا المقال، والأمثلة التي سيذكرها الكاتب تؤيد ما قلنا وتوضحه. بل إن بعضها -ومثله كثير في السنة الصحيحة- يدل على أن الخطبة مطلقا، سواء أكانت للجمعة أم العيدين أم غيرهما، إنما هي تعليم وتبليغ وإرشاد وتنظيم، في كل شؤون المسلمين من عبادة، ومن خلق، ومن نظم للحكم، ومن فصل القضاء في وقائع فردية، ومن تحريض على الجهاد، وتنظيم للجيوش والسرايا، وتعليم للأفراد، وإجابة سائل مستفيد، فهي تشمل كل هذا وغيره. وما ضعف المسلمون واضطرب أمرهم إلا بعد أن ترك أمراؤهم وحكامهم هذه الخطة السامية الدقيقة التي رسمها لهم رسول الله [- صلى الله عليه وسلم -]، وإنما تركوها لأن أكثرهم فقدوا الشرط الأول والأساسي في الإمام (أي الخليفة) والحاكم والوالي والقاضي، وهو معرفة الدين والعلم به إلى درجة الاجتهاد، فإذا فقدوا هذه فقد فقدوا أكبر مقوم لهذه المناصب الجليلة العظيمة. أحمد محمَّد شاكر (¬2) لعل الكاتب يقصد بعض التفصيلات التي في الصلاة مما ليس من أركانها، كعبارات التسبيح في الركوع والسجود، وما تختم به "التحيات" وطريقة ضم اليدين إلى الصدر أو إرسالهما في الوقوف ألخ. أما الأركان الأساسية للصلاة فقد نشأت وتمت في عهد النبي [- صلى الله عليه وسلم -]. مهدي علام. (¬3) كاتب المقال يظلم مروان، فالرجل لم يخترع صلاة (ذات طابع رسمي عريق! ) بل كان يصلى صلاة الوالى الصحيح، أو الإمام الأعظم، وإن أخطأ في شيء مما فعل، كتقديم الخطبتين على الصلاة في العيدين، فإنما خطؤه على نفسه. وأما بناؤه منبرًا في المصلى، فلا شئ فيه، ولا يدل على شيء مما وهم فيه كاتب المقال. فإن الأصل في صلاة العيدين أن تكون في الصحراء لا في المساجد، فإذا بنى مروان منبرا في المصلى (وهو الصحراء) فما كان ذلك بضاره شيئًا.

خطبة الجمعة وهو: "قال أبو رفاعة: انتهيت إلى النبي [- صلى الله عليه وسلم -] وهو يخطب قال فقلت يا رسول الله رجل غريب جاء يسأل عن دينه، قال فأقبل على رسول الله [- صلى الله عليه وسلم -] وترك خطبته حتى انتهى إلي فأتى بكرسي حسبت قوائمه حديدًا، قال فقعد عليه رسول الله [- صلى الله عليه وسلم -] وجعل يعلمنى مما علمه الله ثم أتى خطبته فأتم آخرها" (مسلم: كتاب الجمعة، حديث 60) وهذا الحديث على ما له من الأهمية يؤكد عدم وجود المنبر (¬1) وتعطينا أحاديث أخرى من هذا القبيل صورة بسيطة مماثلة لصلاة الجمعة، كتلك التي أوردها مسلم (كتاب الجمعة، أحاديث 54 - 59) وهي تصف النبي [- صلى الله عليه وسلم -] عندما يدخل عليه المسجد رجل وهو يخطب فيسأله النبي [- صلى الله عليه وسلم -]: أركعت الركعتين؟ ومن الجلى أن الغرض هن ذلك إنما هو الإبانة عن أن النبي [- صلى الله عليه وسلم -] يهتم كثيرا بركعتى السنة [وهما تحية المسجد] (¬2). ومهما يكن من أمر نعتقد أن النظام المحدد للصلاة يوم الجمعة والعيدين إنما نشأ بعد وفاة النبي [- صلى الله عليه وسلم -] (¬3). وحسبنا أن نورد هنا ملاحظ قليلة بدلا من إيراد تاريخ للخطبة الدينية الإِسلامية، فإن خطبتى النبي [- صلى الله عليه وسلم -] ¬

_ (¬1) هذا الحديث لا يدل على شئ مما يرمي إليه كاتب المقال، فلا هو يدل على عدم وجود المنبر، لأن الراوى لم يذكر ذلك، بل اقتصر على المهم من قصته، وهو أن النبي [- صلى الله عليه وسلم -] ترك الخطبة وأقبل عليه يعلمه ما أراد أن يعلم من دينه، ثم عاد إلى خطبته. وهذا وذاك من عمل الرسول المعلم المبلغ عن ربه، ومن عمل الإمام الأعظم، ومن عمل الوالى النائب عنه. فلا شيء منه ينافي ما شرعت من أجله الخطبة في الجمعة والعيدين وغيرها. ثم لو كان يؤخذ من هذا الحديث عدم وجود المنبر لم يكن بذلك بأس؛ لأن المنبر لم يصنع للنبى [- صلى الله عليه وسلم -] من أول دخوله دار الهجرة، بل صنع بعد ذلك بدهر. (¬2) شأن الركعتين عظيم، وهما تحية المسجد ولكن المعنى فيما فعل رسول الله [- صلى الله عليه وسلم -] في سؤاله هذا الرجل وأمره بهما، فهو كما قلنا من قبل، أن الخطبة جعلت للتعليم والتبليغ والوعظ وما إلى ذلك مما بينا. (¬3) هذا غير صحيح، كما أوضحنا من قبل وإنما يدور كاتب المقال حول شيء واحد، يدور حوله معظم المستشرقين، وهو أن شعائر الإِسلام وشرائعه كلها مقتبسة من عادات قديمة ومن ديانات سابقة. وقد رددنا على ذلك في أكثر من تعليق على هذه الدائرة وأما بعد ذلك، فمناقشة كاتب المقال فيما سيذكر من (المثل المستقاة من اليهود والنصارى) فلا جدوى منها لأنها فروض لم يسق عليها أي دليل. أحمد محمَّد شاكر

الأولى والثانية في المدينة قد وردتا في كتاب ابن إسحاق (طبعة فستنفلد، ص 340) وسنورد أولاهما بعد، لأنها نموذج يقاس عليه: "إن رسول الله [- صلى الله عليه وسلم -] حمد الله وأثنى عليه بما هو له أهل ثم قال: أما بعد أيها الناس فقدموا لأنفسكم. تَعلمُن. والله ليَصْعقَن أحدكم ثم ليَدَعَنَّ غنمنه ليس لها راع ثم ليقولن له ربه ليس له ترجمان ولا حاجب يحجبه دونه ألم يأتك رسولى فبلَّغك، وأتيتك مالا وأفضلت عليك فما قدمت لنفسك، فلينظرن يمينا وشمالا فلا يرى شيئًا ثم لينظرن قدامه فلا يرى غير جهنم فمن استطاع أن يقى وجهه من النار ولو بشقة من تمرة فليفعل ومن لم يجد فبكلمة طيبة، فإن بها تجزى الحسنة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته". ووردت خطبة الوداع في صحيح البخاري (كتاب الجمعة، باب 29) كما ورد وصف لمشاعر النبي [- صلى الله عليه وسلم -] وهو يخطب في صحيح مسلم (كتاب الجمعة، حديث 43) وذكر لين وصفا دقيقا لصلاة الجمعة مع ترجمة لخطبتين من الخطب التي قيلت فيها (Manners and Customs: Lane بيسلى ولندن 1895 , ص 99 وما بعدها). وتوجد مجموعة من الخطب المنسوبة إلى علي في المكتبة الملكية (سابقا) ببرلين وبينها خطبة ليس فيها حرف "الألف". وقد أصبح منصب الخطيب عملا منتظما ومن ثم صارت الخطبة للخطيب كالوثيقة الخطية للناسخ، يبرز أحدهما فنه بتزويق الحروف الأولى ويبرزه الآخر بالنثر المسجوع. وترتب الخطب على التقويم الهجري عادة: أربع خطب لكل شهر، وأخرى للعيدين ومولد النبي [- صلى الله عليه وسلم -] وإسرائه؛ (انظر Ahlwardt: Verzeichnis der arab Hss جـ 3، ص 437). وجرى العرف بأن تكون الخطبة بالعربية، وكثيرا ما خولفت هذه القاعدة في تركيا.

خط همايون

المصادر: (1) Handleiding tot de: Juynboll Kennis Van de Moh. Wet ليدن 1925، ص 71 وما بعدها، 109 وما بعدها. (2) شيخ نظام: الفتاوى العالمكيرية، كلكته 1828 وما بعدها، جـ 1، ص 205 وما بعدها, 210 وما بعدها، 214 وما بعدها. (3) أبو القاسم الحلي: كتاب شرائع الإِسلام، كلكته 1893، جـ 1، ص 44 , 48. (4) Kanzel im Die: C. H. Becker Kultus des alien Islam في - Noldeke Fests chrif طبعة Giessen 1906، ص 331 وما بعدها. (5) المؤلف نفسه Zur Geschichte des islamischen Kultus في IsI جـ 3، ص 374 وما بعدها؛ (6) Zur Entstehungs: E. Mittwoch geschichte des islamischen Gebets und Kultus في W. Abh. pr .AK , 1913, رقم 2. (7) G.A.L: Brockelmann جـ 1، ص 92. يونس [فنسنك A.J. Wensinck] خط همايون " أي المرسوم السلطانى" قانون يعرض للإصلاح في نظم الدولة العثمانية يصدره السلاطين. والأصل في عبارة "خط همايون" أنها كانت تطلق على أمر السلطان يكتبه بنفسه على رأس المرسوم؛ فلما نيطت الطغراء بموظف عرف بـ"نشانجى" حدث خطأ في التوسع في مدلول العبارة حتى شملت المرسوم كله. وخط همايون مرادف لـ"خط شريف"، بيد أن الاستعمال في القانون الإدارى العثماني قصر الأخير على خط شريف "كلخانه"، وهو قانون دستورى منحه السلطان عبد المجيد (في شعبان من عام 1255 هـ = 3 نوفمبر عام 1839 م) وقصر الأول على خط همايون الذي صدر في الثلث الأول من شهر جمادى الآخرة عام 1272) 18 نوفمبر 1856)، وأنفذ إلى الصدر الأعظم محمَّد أمين على باشا، وكان صدوره ثمرة الجهد المشترك الذي بذله السياسيون الفرنسيون والأنكليز عندما انتهت حرب القريم. وقد اعترف

خطيب

السلطان في هذه الوثيقة بأن رعاياه تجمع بينهم الأخوة في الوطن (وطنداشى، وهو تعبير استعمل في هذا المقام لأول مرة، ولكنه لم يستمر) وصرح فيها بأنه سيحافظ على الضمانات التي وعد بها قانون كلخانة تأمينا للأرواح والأموال بلا تفريق في المراكز أو الدين، علاوة على الامتيازات والحصانات التي يستمتع بها غير المسلمين: كما تعهد فيها بإصلاح الكنائس وغيرها من العمائر الخاصة بمختلف الطوائف، وأبطل استعمال العبارات المهينة في الوثائق الإدارية (مثال ذلك اصطلاح "رعايا" الذي يطلق على أهل الذمة) وصرح بأن رعاياه جميعًا أهل للخدمة في المناصب العامة. وأنشأ محاكم مختلطة تتألف من المسلمين وغير المسلمين؛ وأعلن العزم على إصدار القانونين الجنائى والتجارى وتحسين إدارة الشرطة وتجنيد غير المسلمين مع منح كل فرد منهم حق الإعفاء من الخدمة العسكرية بالبدل المالى، وإعادة تنظيم المجالس المحلية وتقرير حق الأجانب في تملك الأرض؛ وإصلاح جباية الضرائب وإنشاء المصارف المالية ومد الطرق وشق الترع. وظل هذا القانون معمولا به إلى أن صدر دستور مدحت باشا في عام 1876. المصادر: (1) Khaththy ' hu-: T.X.Bianchi maioun (1856) في نهاية الـ Nouveau Guide de la Conversation . يونس [إيوار Cl. Huart] خطيب (كلمة عربية) والجمع خطباء والخطيب عند العرب في الجاهلية هو المتحدث عن القبيلة، ولذلك فقد كان يذكر مع الشاعر جنبا إلى جنب (ابن هشام: السيرة، طبعة فستنفلد ص 934، س 1 , من أسفل؛ ياقوت، طبعة فستنفلد جـ 4، ص 484، س 11 وما بعده) وهو أمير من أمراء القبيلة كالكاهن والسيد. ويشرح الجاحظ (كتاب البيان والتبيين، طبعة القاهرة 1332، جـ 1 - 3) بعبارة جلية طبيعة عمل الخطيب ومكانته. والتفريق بين الشاعر والخطيب غير محدد ولا قاطع، بيد أن الشاعر من الناحية العملية

يتوسل بالقالب الشعرى، في حين يعبر الخطيب عن نفسه بالنثر، وكثيرا ما استعمل الأسجاع (انظر الجاحظ: المصدر السابق جـ 1، ص 159) وتبدأ خطبته بعبارة "أما بعد" (الحريرى، طبعة ده ساسى 1822, ص 42) ويقول الجاحظ إن من الخطباء من يكون شاعرًا (جـ 1، ص 27) ويروى أن الشاعر في الجاهلية كان يقدم على الخطيب، فلما كثر الشعراء واتخذوا الشعر مكسبة ورحلوا إلى السوقة صار الخطيب عندهم فوق الشاعر (جـ 1، ص 136؛ جـ 3، ص 227) ويقرن الخطيب مع القاص، وأصحاب الأخبار والآثار أيضا (الجاحظ، جـ 1 ص 167 وما بعدها وفي مواضع أخرى) وكانت الخطابة وراثة في البيت الواحد أحيانا. ولم يؤلف الخطباء فيما بينهم نقابة أو طبقة، ولكنهم كانوا الرجال ذوى الاقتدار على التحدث عن الجماعة، لا يترأسون الوفود عن قبائلهم فحسب، كما ندرك ذلك من السيرة (انظر Abhandl. Zur: Goldziher arab. Philol جـ 1، ص 20) ولكنهم كانوا أيضا أمراء المفاخرة، شأنهم في ذلك شأن الشعراء. ويشترط في الخطيب أن يكون مقتدرا على الإشادة بمفاخر قبيلته ومحامدها في لغة صحيحة، وأن يكون مقتدرًا في الوقت نفسه على تبيان مثالب عدوه، ومن ثم وجب عليه أن يكون لسنًا، يعرف كيف يستخدم البلاغة ليقهر بها عدوه (انظر المفضليات طبعة ليال، 91، ص 22 وما بعدها، 96، ص 9، القطامى، طبعة بارت جـ 14، ص 20؛ ابن قيس الرقيات، رودوكاناكس، S.B. Ak. Wien 1902؛ 44، ص 19؛ الكامل، طبعة رأيت، 20، س 15 وما بعده) وتزودنا الأهاجى بصفات الخطيب العيى: كان إذا تكلم يتمطق (¬1) ويتلفت عن يمين وعن شمال ويتلجلج ويتنحنح ويمس لحيته ويفتل إصبعه، وهذه كلها من علائم الجبن (الحماسة، طبعة فريتاج، ص 650 بيت 5؛ الكامل، طبعة رايت، ص 20، س 9.7 وما بعده) ويسلك الخطيب مع الفرسان والأشراف، وهذا يساير ¬

_ (¬1) التمطق: تذوق الشيء بضم إحدى الشفتين على الأخرى مع صوت بينهما.

طبيعته في الجاهلية (القطامى: الكتاب المذكور؛ الجاحظ جـ 1 ص 134 , س 8 وما بعده ص 172 س 11): والواقع أن لفظ "خطيب" يدل في ذاته على الفارس الشجاع (الجاحظ جـ 1، ص 129) وكانت علامته إذا برز للناس، القناة والعصا والقوس (المخاصر)، مثله مثل المقسم يحمل شارات كرم محتده يخد وجه الأرض بها (انظر القطامى، قصيدة 27، بيت 6؛ لبيد: الديوان، طبعة الخالدى، قصيدة 7، بيت 15 [ص 27]، 9, بيت 45 [ص 45]؛ الجاحظ، جـ 1، ص 197 وما بعدها، جـ 3، ص 3 وما بعدها، ص 61 وما بعدها). واحتفظ الخطيب بكثير من سماته القديمة في صدر الإِسلام "فإن الرسول [- صلى الله عليه وسلم -] قام. . . خطيبا" بعد فتح مكة (ابن هشام، طبعة فستنفلد ص 823، س 3 من أسفل) وتحدث إلى الناس في احتفال وسلطان, ولكن الخطبة أصبحت الآن مقصورة على حديث يذاع في المسلمين، وليست بعد جزءا من جهاد العدو، كما أن المفاخرة ليست بعد جزءًا من عمل الخطيب. بيد أنها ظلت مع ذلك مسايرة لما كانت عليه في صدر الإِسلام مسايرتها لطبيعة الخطيب العربي، فكان الإمام نفسه هو المتحدث عن الجماعة، لا يقوم في الناس خطيبا ليسمعهم من فوق المنبر الخطب التي تهديهم إلى الصراط المستقيم فحسب، بل كان إلى ذلك يصدر الأوامر والأحكام ويعلن آراءه في شئون السياسة عامة وما يتصل منها بالنفع العام خاصة. وظل الحال على هذا المنوال أيام الراشدين وخلفاء بني أمية (الجاحظ، جـ 1، ص 190) فكان ولاتهم من الخطباء (انظر اليعقوبى، طبعة هوتسما، جـ 2، ص 318 من أسفل؛ الجاحظ جـ 1، ص 179 وسط الصحيفة الخ .. ) كما كان عمال النواحى الذين يستعملهم هؤلاء الولاة، إنما يولون على المنبر والصلاة (الطبرى: جـ 2، ص 929. س 11 وما بعده). ومنافرة العدو واستنهاض الهمم جزء من خطبهم المنبرية بين حين وآخر (الجاحظ، جـ 1، ص 165) ومن ثم بقى الخطيب مرادفا لـ"الأمير" وإليك ما قاله في هذا المقام شاعر من الخوارج:

ولا صلح ما دامت منابر أرضنا ... يقوم عليها من ثقيف خطيب (الجاحظ، جـ 3، ص 135) وورث الخطيب الإسلامي عن الخطيب الجاهلي العصا أو القناة يمسكها بيمينه وهو يخطب، مما أثار استهزاء الفرس (الجاحظ، جـ 3، ص 135) إلا أن العلاقة الوثيقة بين الخطبة والصلاة أسبغت على الخطيب الإِسلامي مسحة دينية، فلما انتهت فتوح الأجيال الأولى اشتدت غلبة المسحة الدينية. ففي عصر العباسيين، منذ هارون الرشيد، نجد أن الخليفة قد ترك للقضاة أمر الخطبة في الصلاة، واكتفى هو بالإنصات إليها (الجاحظ جـ 1، ص 161) , وإن كان الرأى الشائع من الناحية النظرية أن أئمة المساجد الكبرى إنما يمثلون الخليفة (انظر ابن خلدون: المقدمة، طبعة القاهرة 1322 , ص 173). وكان الفاطميون في مصر لا يزالون يدعون لأنفسهم أحيانا (من وراء ستر) ثلاث مرات في رمضان والعيدين بخاصة (ابن تغرى بردى، طبعة جوينبل جـ 2، ص 482 - 486؛ طبعة ببر ص 231 وما بعدها؛ المقريزى: الخطط، القاهرة 1334 جـ 3، ص 322, 327, 329) ويقف في هذه المناسبة أكابر رجال دولتهم على درجات المنبر (المصدر السابق، ص 327، 239) على حين نجد أن رئيس الناحية من النواحى يقف عادة على المنبر عند ما يلقى الخطيب خطبته، وهي سنة تشهد بما كان عليه الخطيب في الأصل من علو المنزلة، ولكن المتشددين في الآداب رفضوها بعد ذلك (ابن الحاج: كتاب المدخل القاهرة 1320 , جـ 2، ص 74) وعيّن في كل موضع خطباء مختصون، منهم ثلاثة في القاهرة إبان العصر الفاطمى الأول (انظر المقريزى: الخطط جـ 3، ص 348، س 6 مساجد عمرو وابن طولون والأزهر، ). والظاهر أن من تناط الخطبة به يكون عادة في رتبة القاضى الشريفة (المصدر السابق. ص 224, س 8 من أعلى الصحيفة) ويلقى خطيب خاص في عيد الغدير الخطبة على منبر ذي تسع درجات في المشهد الحسينى بالقاهرة؛ والإمامة في الصلاة لقاضى القضاة، ويعطى الخطيب في هذه المناسبة حلة حرير

يخطب فيها وثلاثون أو خمسون دينارا (المقريزى الخطط، جـ 2، ص 224 وما بعدها) كما تخلع على الخطيب الخلع السنية في مناسبات أخرى (المصدر السابق، جـ 2. ص 387) والعادة أن يكون الخطيب هو الإمام في صلاة الجمعة التي يقوم بالخطبة فيها. ويذهب أبو حنيفة ومالك إلى إيجاب الإمامة على الخطيب إلا من عذر. ويتولى الإمامة في الصلوات الخمس عادة أئمة آخرون؛ (الماوردي: الأحكام السلطانية، طبعة إنجر، ص 181 , س 3 من أسفل) ويرى الشافعي ومالك أن صلاة الجمعة والخطبة، إنما تصحان في موضع واحد من كل بلد، إلا إذا اتسعت رقعتها واستحال ذلك على الناس، ولم يشترط أبو حنيفة هذا الشرط، ومن ثم كانت الخطبة تلقى في القاهرة -مثلا- بعد نهاية العصر الفاطمى في الجامع الحاكمى وحده، لأن صلاح الدين قلد قاضيا للقضاة من الشافعية، وجاء بيبرس فغير هذه السنة عندما قلد قاضيا للقضاة من الحنفية (المقريزى: الخطط جـ 4، ص 53) ويرى أبو حنيفة أن الجمعة تختص بالأمصار بحضور السلطان أو من يستنيبه فيها. والمذاهب الأخرى في هذه المسألة أقل تشددًا وإن كان الإِمام الخطيب في الجمعة، من الناحية النظرية، نائبا عن الإمام الأعظم في قول المذاهب الأخرى. وربما انتخب أكثر من إمام عند الضرورة مع تحديد وظائفهم بالضبط. ويذهب الماوردي (ص 172) إلى أن السلطان هو الذي ينتدب أئمة المساجد السلطانية تمشيا مع القول بتمثيلهم إياه. ولكن القلقشندى (صبح الأعشى القاهرة جـ 4، ص 39) يروى أنه كان لكل مسجد في أيام المماليك خطيب ولا يتعلق منها بولاية السلطان إلا المساجد الكبرى. وكان منصب الخطيب في المساجد الهامة ممتازًا, حتى إننا نجد أن عبد الظاهر يذكر أن قاضى قضاة الشافعية كان هو الخطيب في مسجد القلعة الكبير بالقاهرة (انظر p. Ravaisse: زبدة كشف الممالك، 1894 ص 92) كما محمد شرفًا عظيما يتنافس عليه عندما اختار صلاح الدين القاضى

محيى الدين أبا المعالى ليكون الخطيب الأول للمسجد الأقصى بعد فتحه بيت المقدس (شهاب الدين: كتاب الروضتين في أخبار الدولتين، القاهرة 1288 , جـ 2، ص 108 وما بعدها) وكتاب توليته أيام المماليك شاهد آخر على علو منزلة الخطيب القلقشندى: المصدر المذكور، جـ 2، ص 222 - 225؛ العمرى: كتاب التعريف بالمصطلح الشريف، القاهرة 1312 ص 126 وما بعدها) فقد كان المرجع الطبيعى الذي يتلقى الكافر ويسمع منه النطق بالإِسلام (ابن الحاج: كتاب المدخل، ص 86) ويمس الناس رداءه للتبرك إلخ (¬1) .. (الشعرانى: كتاب الميزان, جـ 1، 169) ويستحسن الماوردى (ص 185) لبس السواد للخطيب. أما الغزالي فيرى البياض، ويذهب إلى أن الأول بدعة (إحياء.، القاهرة 1322 , ص 131 , س 10 وما بعده) وشارته "العودان" أي المنبر والعصا أو السيف الخشبى يقبض عليهما بيده عند الخطبة، كما تذهب إلى ذلك كتب الفقه. وفي قانون 1911 م الخاص بالأزهر، المادة 59، أن كل من ينجح في القسم الثاني من الأقسام الثلاثة للمعهد يمكنه أن يصبح خطيبا (¬2) وبينما نجد للأزهر نفسه خطيبًا واحدا (الزياتى: تأريخ الأزهر، القاهرة, 1320 , ص 207) إذ نجد أنه كان في مسجد الرسول [- صلى الله عليه وسلم -] بالمدينة عام 1909 م 46 خطيبا وفي مكة 122 خطيبا غير نوابهم؛ ووقفت عليهم بعض الأوقاف. والخطبة [في مكة] وراثية غالبا (البتنونى: الرحلة الحجازية، الطبعة الثانية، القاهرة 1329 , ص 101 , 242). ويقوم الواعظ إلى جانب الخطيب الرسمى بوعظ الناس متى شاء (انظر Die Renaissance des Isls' ams: A.Mez، 1922 ص 318 وما بعدها). المصادر: (1) Der Chatib bei den al-: Goldziher ten Arabern. W.Z.K.M .. ، 1892, جـ 6 ص 97 - 102. ¬

_ (¬1) وهذه عادة لا تمت إلى التعاليم الإِسلامية بصلة. (¬2) قد تغير هذا القانون وأصبحت هذه الوظيفة مقصورة على المتخرجين في الأقسام العالية.

الخطيب البغدادى

(2) Islam und: Snuck. Hurgronje Tijdschr. Bat. Gen) Phonograph 1900 جـ 62، ص 401 - 404 = Verpreide Geschriften , 1923 جـ 2 ص 426 وما بعدها). (3) Die Kanzel im Kul-: C.H. Becker -tus des alten Islam. Noldeke Festschrift جـ 1، ص 331 - 351 Islamisc = hen 1924 جـ 1، ص 450 - 471. (4) المؤلف نفسه: Zur Gesch.d. is lamischen . في. Isl 1912 جـ 3 ص 374 - 399 Islamstudien = , جـ 1 ص 472 - 500. (5) Handbuch des: T. W. Juynboll islamischen Gesetzes 1910, ص 87 - 89. (6) Manners and Cus-: E.W. Lane Euery) toms of the Modern Egyptians (Man's Library (ص 84. (7) كتب الفقه في صلاة الجمعة. (8) الشعراني: كتاب الميزان, القاهرة 1329 , جـ 1 ص 164 - 171. (9) ابن عبد ربه: العقد الفريد، القاهرة 1321 , جـ 2، ص 128 وما بعدها. ومراجع قليلة استقيت من lexicographical collections A. Fischer's يونس [بيدرسن Johs. Pedersen] الخطيب البغدادى أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت المعروف بالخطيب البغدادى. ولد في الرابع والعشرين من جمادى الآخرة عام 392 (1002 م) في درذجان وهي قرية كبيرة على الضفة الغربية لدجلة أسفل بغداد. وبدأ دراساته مبكرًا جدًا لأنه كان ابن أحد الخطباء، وقضى شبابه في الرحلة طلبًا للحديث. فزار البصرة ونيسابور وإصفهان وهمدان ودمشق. واستقر به النوى في بغداد وشغل فيها منصب الخطيب ومن ثم لقب بالخطيب البغدادى وهو اللقب الذي عرف به من بعد. وقد أكسبته درايته الواسعة بالحديث شهرة فائقة ومكانة علمية كبيرة في مستقره الجديد. ويقول أحد كتاب سيرته أن الخطباء وفقهاء الحديث جروا على أن يعرضوا عليه ما جمعوه من أحاديث ليحكم عليها بثاقب رأيه قبل أن يضمنوها خطبهم

ودروسهم. على أن الخطيب البغدادى كان فيما يظهر يعاني من عداء الحنابلة له، وكان عددهم في بغداد كثيرًا إذ ذاك ونفوذهم قويًّا. وقد اعتنق الخطيب مذهب الشافعية بعد أن كان في أول أمره من الحنابلة، ودان بآراء في الدين متشددة في أشعريتها فجر عليه ذلك سخط أتباع الإِمام أحمد الذين كانوا يناهضون جميع الآراء الفقهية الجريئة ونجح الخطيب بالرغم من معارضة الحنابلة في إملاء دروس في الحديث بجامع المنصور بفضل الحماية التي أظله بها الخليفة القائم والوزير ابن المسلمة. والظاهر أن الخطيب قد انطوت نفسه على الحقد المرير مما لاقاه من عداوة الحنابلة فكان لا يدع فرصة تمر دون أن يعرض بأحمد بن حنبل وأتباعه في دروسه وكتاباته تعريضًا لاذعًا بل كان يهاجمهم صراحة. ومن ثم اتهمته الأجيال المتأخرة بالتعصب، ووجدت طائفة من الكتب الجدلية تنال منه (انظر حاجى خليفة، جـ 3، ص 632). وفر الخطيب إلى دمشق عندما أدت فتنة البساسيرى الناجحة إلى القضاء على ابن المسلمة، وهناك قبض عليه الوالي الفاطمى، ولم ينج من الموت إلا بشق الأنفس، ذلك أنه فر إلى صور ثم إلى حلب. وعاد إلى بغداد بعد أن عاد السلاجقة النظام إلى هذه المدينة. وتوفي الخطيب "حافظ الشرق" فيها بعد ذلك بعام، أي في يوم الإثنين السابع من ذي الحجة عام 463 (1071 م) في السنة التي مات فيها ابن عبد البر "حافظ الغرب". ودفن الخطيب في حضرة جمع كبير من القوم إلى جانب مقبرة بشر الحافي الطيب الذكر. وللخطيب البغدادى مؤلفات كثيرة يقول كتاب سيرته إنها بلغت نحو مائة رسالة. وأشهرها كتاب تاريخ بغداد، وهو سجل للمحدثين الذين عاشوا في بغداد ولهذا الكتاب مقدمة في الجغرافية والتاريخ تسبق ترجمته لهؤلاء المحدثين. وقد اختصرها سالمون G.Salmon وترجم جزءا منها إلى الفرنسية ونشره. وقد استغل هذا الجزء Le Strange في بحثه A Greek Em 917 bassy to Bagdad in (المنشور بالمجلة الأسيوية عام 1897 , ص 35 - 45) , وفي طبعه لنص الكتاب .. ونذكر أيضًا

من تواليفه "الكفاية في معرفة أصول علم الرواية" و"تقييد العلم" ويرجع عن هذا الكتاب إلى البحث التحليلى الذي نشره Ahlwardt في Verzeichniss der arab Handschriften der Koing . Bibliothek Zu Berlin جـ 2، ص 1039 , 1035 وهناك ثبت بمؤلفات ابن الخطيب الأخرى ذكره سالمون (ص 8 - 10) نقلا عن كتاب "مرآة الزمان" لابن الجوزى. ويمكن الإفادة من هذا الثبت بعد إدخال التصحيحات الآتية عليه: رقم 2: الجامع لأخلاق الراوى والسامع (بدلا من "لأخلاف")؛ رقم 4: المتفق والمفترق (بدلا من و"المعترف")؛ رقم 10: الفقيه والمتفقه (بدلا من و"المتفقهة")؛ رقم 20: من حدث فَنَسىَ (بدلا من فَنَسَى)؛ رقم 26: التفصيل لمبهم المراسيم (بدلا من "التفضيل" وهو كتاب في الحديث المرسل)؛ رقم 32؛ الإجازة للمعدوم والمجهول (بدلا من "الإجادة وهو كتاب في إجازة الشخص غير المسمى أو الذي لم يولد بعد)؛ رقم 33: البخلاء (بدلا من "البخلا" انظر Supplement to the Catalogue of.: Rieu Arab. Mss. in the British Museum No 1132) والأسماء المتواطئة (وهي نقيض الأسماء المشككة في المنطق) رقم 41: الموضح، والقنوت، وهما كتابان منفصلان (بدلا من "الموضح والقنوت" على اعتبار أنهما كتاب واحد). المصادر: (1) G.A.L: Brockelmann جـ 1، ص 329. (2) L'introduction to-: Salmon pographique a L'histoire de Bagdadh d'Abou Bakr Ahmad ibn Thabit al Khatib al - Bagdadhi باريس 1904. (3) Muh Studien: Goldziher، جـ 2 ص 154، 183, 184. (4) وذكر ابن خلكان سيرة الخطيب في كتابه رقم 33. (5) طبقات الحفاظ جـ 14، ص 14. (6) وهناك أخبار مفصلة عنه في كتاب مرآة الزمان لابن الجرزى (مخطوط في باريس، 1506، ص 131، 132). الشنتناوى [مارسيه W.Marcais]

خفاجة

خفاجة بطن من قبيلة هوازن عقيل، وقد احتفظ هؤلاء البدو بقوتهم مدة أطول من معظم القبائل الأخرى التي استوطنت الجزيرة العربية في فجر الإِسلام. ويربط النسابة بينهم وبين العشائر التي تتصل بهم بصلة الرحم فيقولون: خفاجة بن عمرو بن عقيل. وتنقسم خفاجة إلى أحد عشر فرعا: معاوية ذو القرح، وكعب ذو النويرة، والأقرع، وكعب الأصغر، وعامر، ومالك، والهيثم، والوازع، وعمرو، وحزن، وخالد. وكانت منازلهم في الجاهلية إلى الجنوب الشرقى من المدينة. وكان لهم عدد من القرى يذكر من بينها سرولبن وشرائن. ونحن نجدهم بعد ذلك بقرن قد أوغلوا أكثر من ذلك ناحية الشرق في قتالهم مع قبيلة حنيفة باليمامة (الأغاني، جـ 7، ص 122). ولعل فتنة القرامطة باليمامة في النصف الأول من القرن الرابع الهجري قد زحزحتهم إلى الشمال صوب حدود العراق، ذلك أننا نجدهم قد مكنوا لأنفسهم هناك حوالي نهاية القرن الرابع، وأصبحوا سادة الكوفة في ظل أميرهم ثمال وأبنائه. وربما كانوا في بادئ الأمر أحلافا لبنى عمومتهم بني يزيد (بضم الياء وليس بوزيد كما ذكر فستنفلد في كتابه Tabellen أو يزيد بفتح الياء كما في روايات أخرى) الذين استتب لهم حكم الموصل والبقاع المجاورة لها. وكانوا في الواقع إلى معارضتهم أقرب منهم إلى مصافاتهم، ففي عام 391 هـ (1000 م) باغتهم قرواش في الكوفة فاضطروا إلى مغادرتها والسير في محاذاة الفرات صوب الشام، ولم يمكثوا فيها إلا إلى العام التالي فحسب، فقد استنجد بهم القائد العباسى أبو جعفر الحجاج لشد أزره عندما حاصر العقيليون المدائن، وقد أدى بهم ذلك إلى العودة إلى ربوعهم القديمة. والظاهر أن حكومة بغداد قد زودتهم بالأسلحة فاستغلوها بعد ذلك بسنوات قلائل، أي عام 402 هـ (1011 م) في مهاجمة قافلة من قوافل الحجيج. وقد استولوا على آبار المياه عند واقسة إلى الجنوب الغربي من الكوفة على مسافة قصيرة في داخل الصحراء، ومنعوا الحجاج من

ورود هذه الآبار، ثم انقضوا عليهم وأعملوا فيهم القتل وأسروا من نجا منهم من الموت. وقد شجعهم ذلك على المطالبة بالأراضي التي إلى اليمين من نهر الفرات، وكانت في أيدى العقيليين، وساروا تحت زعامة سلطان وعلوان ورجب أبناء ثمال نحو الأنبار مخربين كافة البقاع المجاورة لها ثم حاصروا المدينة. وأنفذت بغداد جيشا لمحاربتهم، وتمكن هذا الجيش بمعاونة العقيليين من إجلائهم عن البلاد وأسر سلطان، ثم استشفع له أبو الحسن بن مزيد الأسدى فأطلق سراحه. وما إن تخلص من الأسر حتى وصلت الأخبار في العام التالي (403) إلى بغداد منبئة بأن بني خفاجة ينهبون البلاد المحيطة بالكوفة تحت زعامة سلطان. فأنفذ جيش لقتالهم بمعاونة أبي الحسن بن مزيد وباغتهم هذا الجيش عند نهر الرمان ففر سلطان ولكن أخاه محمدا وقع في الأسر، وكان من آثار هذه الهزيمة أن أطلق سراح عدد كبير من الحجاج الذين كانوا قد أسروا في عام 403، ثم رجع هؤلاء الحجاج إلى بغداد، وكان الظن أنهم لاقوا حتفهم. وقد حدث في ذلك الوقت أن أسر الأمير قرواش العقيلي ثم أطلق سراحه، فأخذ يسعى إلى التحالف مع خفاجة، وحاول أن ينضم إلى سلطان بن ثمال فلما تم له ذلك هاجمهما الجنود الذين أنفذوا من بغداد واستأصلوا شأفتهما، ثم طلب الأميران العفو، والعجيب أنهما أجيبا إلى طلبهما عن طيب خاطر، فأدى ذلك إلى استتباب السلام بعض الشئ سنوات قلائل، ولكن دبيس بن علي بن مزيد الأسدى، وأبا الفتيان منيع بن حسان الذي كان في ذلك الوقت زعيم خفاجة، شنا في عام 417 هـ (1026 م) غارة سلب ونهب على البلاد التي كانت في حوزة قرواش في السواد، يشد أزرهما جند من بغداد. والتقيا وفر قرواش بالقرب من الكوفة، وكان قد أقام نفسه سيدا عليها، وقرواش ناحية الشمال فتعقبته قبيلتا أسد وخفاجة المتحالفتان، وكانتا قد استولتا على الأنبار فعلا, ولكنهما تفرقتا بعد هذا النجاح إلى الأحياء التي يطيب فيها المرعى، ثم خرج منيع بن حسان هو وأتباعه إلى الجامعين، وهو موضع بين بغداد والكوفة كان في حوزة دبيس بن

صدقة بن مزيد، وأعملوا السلب والنهب في البلاد التي حوله. فلما طاردهم دبيس عادوا إلى الشمال وهاجموا الأنبار. وقد دافع أهلها عن أنفسهم مدة من الزمن، ولكن خفاجة تمكنت من دخول المدينة لأنه لم تكن تحيط بها أسوار تحميها، وأعملوا فيها السلب والتحريق. وغادر بنو خفاجة المدينة عندما بلغهم أن قرواش قادم لإخراجهم منها يعاونه جند من بغداد، ولكنهم سرعان ما عادوا ونهبوها مرة أخرى، وتمكن قرواش من طردهم آخر الأمر من المدينة وأمضى فيها فصل الشتاء، وأمر ببناء أسوار تحميها مما قد يقع عليها من هجمات مباغتة. وفي ذلك الوقت أقسم منيع يمين الولاء لأبي كاليجار الوالى البويهي ثم سار ناحية الجنوب إلى الكوفة وجعل الخطبة فيها لأبي كاليجار فكافأه بولاية سقى الفرات ومن ثم خرج دبيس عن ولائه لأبي كاليجار عام 420 خوفا من غارات خفاجة. وكانت خفاجة في السنوات التالية تنحاز حينا إلى فريق وحينا إلى آخر، فلما تشاجر دبيس مع أخيه ثابت انحازت إلى دبيس سنة 425 هـ (1033 م). على أن النزاع نشب أيضًا بين زعماء خفاجة وقتل فيه علي بن ثمال، فأصبح ابن عمه الحسن بن أبي البركات زعيما لهذه القبيلة. وانتقض الحاجب بارس طغان في بغداد عام 428 هـ (1036 م) فاستعان البساسيرى قائد جند الخليفة بقبيلة خفاجة فيما استعان به من قبائل للقضاء على هذه الفتنة التي انتهت بقتل بارس طغان. وانقطعت عنا أخبار خفاجة بضع سنوات فلم نسمع عنهم الكثير، ولكنهم أغاروا مرة أخرى على الجامعين عام 446 هـ (1054 م) ونهبوها، وكانت متابعة لدبيس، فهب البساسيرى لمساعدته فارتد بنو خفاجة إلى الصحراء وتعقبهم المتعقبون إلى معقلهم خفان وحاصروه ودمروه تدميرا ماعدا القلعة، وكانت بناء حصينا مشيدًا بالحجر. وانقض البساسيرى على الخليفة في العام نفسه واستولى على الأنبار بعد حصار طويل، وكان من بين الأسرى الذين وقعوا في يده مائة رجل من قبيلة خفاجة. وأعقب ذلك فترة

ساد السلام فيها إلى حد ما, ولكن حدث في عام 485 هـ (1092 م) أن هاجمت قبيلة خفاجة حجاجا من بغداد بعد أن جاوزوا مدينة الكوفة. وبلغت الأخبار بغداد فأنفذت إليهم جندًا قتلوا منهم خلقا كثيرا، فذهب عنهم بأسهم وأصبحوا من بعد أعجز من أن يصيبوا أحدا بأذى كبير، ثم انقضت سنوات قلائل ونشب نزاع بين خفاجة وقبيلة عبادة الطيئية عام 499 هـ (1105 م) على بعض الإبل المسروقة، واستطاعت عبادة أن تجند خمسمائة محارب، أما خفاجة فلم يستطيعوا أن يحشدوا مثل هذا العد ولكنهم استعانوا بصدقة بن منصور زعيم أسد فخرجوا من القتال منتصرين. ولم يطل أمد هذا الانتصار فقد استأصلت عبادة، يشد أزرها بدران ولد صدقة، شأفة بني خفاجة الذين اضطروا إلى ترك مراعيهم وهاموا على وجوههم شمالا صوب الشام. على حين احتلت عبادة فيما بعد البلاد المجاورة للسواد. ثم نسمع ببنى خفاجة ثانية عام 536 هـ، ذلك أنهم أغاروا على العراق، ولكن الجنود الذين أنفذوا لقتالهم استطاعوا إجلاءهم في يسر بعد أن قتلوا منهم مقتلة عظيمة. ونستدل على مدى الضعف الذي أصاب بني خفاجة من أنهم قد اجتمعوا في عام 556 هـ (1161 م) في أرباض الحلة والكوفة سائلين إسعافهم بالطعام والتمر. والظاهر أنهم كانوا قد وعدوا بذلك، غير أن والى هاتين المدينتين رفضا إجابة سؤلهم وأنفذ قيصر وإلى الحلة مائتين وخمسين جنديا لطردهم كما أنفذ إليهم وإلى الكوفة مثل هذا العدد. واقتفى الجند أثر بني خفاجة الذين ركنوا إلى الفرار على طول نهر الفرات حتى رحبة الشام حيث توقفوا، ولم يستطيعوا الإمعان في الإرتداد، ونشب قتال بين الفريقين قتل فيه والي الحلة في حين احتمى أرغش والي الكوفة بوالى رحبة. فالتمس بنو خفاجة العفو معتذرين بأنهم أرغموا على القتال إرغامًا، فقد شدد عليهم النكير فلم يجدوا عن القتال بدا. وقد صادف اعتذارهم آذانا صاغية لأن الوزير ابن هبيرة الذي كان قد خرج لقتالهم رأى أنه من الحماقة أن يتعقبهم في جوف الصحراء. وكان عام 588 هـ (1192 م)

الخفاجي

هو آخر سنة نسمع فيها شيئًا عن أخبار بني خفاجة، ذلك أنهم هبوا في هذه السنة لنجدة مدينة البصرة عندما كانت تهددها قبيلة عامر. ونحن نجدهم فيما عدا ذلك من الروايات التي رويت عنهم من بين القبائل العربية التي استعين بها أثناء حصار طبرية عام 507 هـ (1113 م) عندما احتمى بلدوين بهذه المدينة بعد خيبته في الغارة على حلب. ويقول القلقشندى أن بطنًا من بطون هذه القبيلة استقر في مصر السفلى. ومن شعراء خفاجة القدماء توبة بن الحُمَيِّر الذي اشتهر بحبه لليلى الأخيلية وبالمراثى التي رثته بها عند مقتله في غزوة من الغزوات. المصادر: (1) النويرى: نهاية الأرب، طبعة القاهرة سنة 1342 , جـ 2، ص 340. (2) القلقشندى: بغداد سنة 1322 , ص 207. (3) Tabelien and Reg-: Wustenfeld ister . (4) ابن الأثير: الكامل، في مواضع مختلفة. (5) هلال الصابى، طبعة Amedroz, ليدن سنة 1904، في مواضع مختلفة. (6) ابن خلدون، العبر، طبعة القاهرة، وخاصة الجزء الرابع وانظر أيضًا جميع مؤرخى القرن الخامس الهجري. الشنتناوى [كرنكوف F. Krenkow] الخفاجي أحمد بن محمَّد بن عمر الخفاجي، المعروف بشهاب الدين المصري الحنفي: ولد بالقرب من القاهرة حوالي عام 979 هـ (1571 م) وتلقى أول دروسه على خاله أبي بكر الشنوانى الذي لقب نفسه بسيبويه عصره، وأخذ عليه الفقه الحنفي والفقه الشافعي. وقرأ سيرة النبي [- صلى الله عليه وسلم -] الموسومة بـ"الشفاء" للقاضى عياض على إبراهيم العلقمى كما درس الطب على داود البصير. ثم أدى فريضة الحج في صحبة والده، وانتهز هذه الفرصة وحضر على علماء مكة والمدينة. وبعد عودته من الحج

خرج في رحلته الأولى إلى الآستانة فلقى فيها عدة علماء من ذوى الفضل ذكر منهم ابن عبد الغنى ومصطفى بن عربي والرِّبى داود اليهودي الذي درس عليه الرياضيات وكتب إقليدس. أما أستاذه الأول فكان سعد الدين بن حسن، فلما مات وتوفي من بعده شيوخه الآخرون، خلت الآستانة من العلماء. وعرف فضل الخفاجى في ذلك الوقت، فعين قاضيًا للرومللى، ثم ترقى فأصبح قاضى أسكوب في عهد السلطان مراد، ثم عينه هذا السلطان آخر الأمر قاضيًا لسالونيك. وقد درت عليه هذه المناصب الثراء الوفير، ثم بعث في النهاية قاضى عسكر لمصر. على أنه لم يتول هذا المنصب مدة طويلة إذ صرف عنه نتيجة للدسائس التي حيكت له في الآستانة، فعقد عزمه على زيارة هذه المدينة مرة أخرى ومر في رحلته بدمشق وحلب، واحتفى به العلماء في هاتين المدينتين. ولم تتحقق آمال الخفاجى من رحلته إلى الآستانة فنفس عن موجدته بتلك الفورة الأدبية التي أثمرت مؤلفه المعروف باسم "المقامات الرومية". ولم يعمد الخفاجى إلى تيسير الطريق في وجهه بل جر على نفسه حنق المفتى يحيى بن زكريا فأمر بمغادرة الآستانة من فوره. وعين من بعد قاضيًا من قضاة القاهرة اعترافا بعلمه، والظاهر أنه قد كرس بقية عمره للدرس والتأليف. وتوفي الخفاجى بالقاهرة في يوم الثلاثاء الموافق 12 رمضان عام 1069 (3 يونية 1659). وقد أحصى الخفاجى معظم مؤلفاته في سيرته التي كتبها بنفسه، وكثير منها كبير الحجم، ويذكر الخفاجى نفسه أن كثيرا من رسائله لم تجمع قط في كتاب. وأكبر مؤلفاته شرح على تفسير البيضاوى عنوانه "عناية القاضى" وقد طبع هذا الشرح بالقاهرة في أربعة مجلدات كبار. ونهج في هذا الشرح المنهج الشاق الذي يقوم على تفسير كل كلمة تقريبًا. وقد أورد روايات عدد كبير من المؤلفين الآخرين الذين تناولوا نفس الموضوع عند عرض الأحاديث والتفاسير. واتبع هذا المنهج أيضًا في وضع مؤلفه الكبير الثاني، وهو شرح على "الشفاء" للقاضى عياض، الذي درسه على إبراهيم العلقمى كما ذكرنا من قبل. وقد سماه "نسيم الرياض"

واستشهد في هذا الشرح بكل ما أمكنه الحصول عليه من سير النبي [- صلى الله عليه وسلم -] مع ذكر الأسانيد المختلفة للأحاديث نفسها. ولم يأت الخفاجى بشيء مبتكر في هذه المؤلفات، لأن الموضوع لم يكن يستدعى الإتيان فيه بجديد. وكل ما يمكن أن يطلب من المؤلف هو أن يجمع من الكتب التي تيسرت له كل التفاصيل الخاصة بموضوعه. وقد طبع هذا الكتاب أيضًا في الآستانة عام 1267 هـ في أربعة مجلدات. وللخفاجى كتابان آخران من كتب السير يختلفان اختلافا تامًا عن المصنفين السابقين، وهما "خبايا الزوايا فيما في الرجال من البقايا" والثاني "ريحانة الألبا ونزهة الحياة الدنيا" (¬1) ويوحى اسما هذين الكتابين بالأسلوب الذي كتبا به ويتجلى فيهما الأثر السئ الذي كان لكتاب "اليتيمة" للثعالبى "والخريدة" لعماد الدين في نفس المؤلف. والحق أن هذين الكتابين لا نجد فيهما سيرًا وإنما هما قد ملئا بالحشو ولغو القول وخليا من المعلومات القيمة بحيث لا نستطيع أن نستخلص منهما في كثير من الحالات إلا أن الأشخاص المترجم لهم قد عاصروا الخفاجى أو عاشوا قبله بزمن قليل. على أن ترجمته للأعيان بحسب البلاد تزودنا بمعلومات عن البلاد التي عاشوا فيها. أما قيمة الكتابين من حيث التفاصيل الخاصة بحياة المترجم لهم فمعدومة. على أنهما يمداننا بمجموعة طيبة من الأشعار تعيننا على الحكم على مدى انحطاط فن الشعر في ذلك العهد والكتاب الأول لا يزال مخطوطا. أما كتاب الريحانة فقد طبع في القاهرة ثلاث مرات (1273 , 1294 , 1306) مما يدل على أن لهذا الكتاب قيمة خاصة في مصر. وأهم قسم فيه هو سيرة الخفاجي التي كتبه بنفسه وأغفل فيها ذكر تاريخ مولده والبلد الذي خرج منه. ثم المقامات الرومية التي هاجم فيها علماء الآستانة. وقد ¬

_ (¬1) هذا الكتاب معروف في فهارس دار الكتب بالقاهرة باسم "ريحانة الألبا، وزهرة الحياة الدنيا" وله عدة نسخ مخطوطة بها، كما أنه طبع في بولاق سنة 1273 هـ وقد تناوله العلماء بالتعليق والتذييل والاختصار؛ وفي كل حالة من هذه الحالات ترد في الاسم كلمة "زهرة". (انظر فهرس دار الكتب ج 3 أدب س 176 - 177 طبعة 1927). مهدي علام

زودتنا سيرته التي كتبه بنفسه بالمادة التي أوردناها عن حياته في صدر المقال وبالمادة التي في كتاب المحبى. وأهم من ذلك كتاباه "طراز المجالس" و"شفاء العليل". والأول من طراز كتب الأمالى وبه خمسون مجلس، وهو يذكر في مقدمة هذا الكتاب أنّه لو قدر لابن الشجرى وابن الحاجب والقالى بل وثعلب أن يطلعوا على هذا الكتاب لأشادوا بفضله. وترجع قيمة هذا الكتاب إلى أنه حفظ لنا فقرات من مصنفات أقدم منه عهدًا تعد الآن في حكم المفقودة أو قل إنه لم يكشف عنها بعد. على أن ثمت شيئًا له شأنه وهو أن الخفاجى يورد مقتطفات من كتاب المعانى للأشناندانى (طبع في دمشق عام 1340) والملل لابن حزم والفهرست لابن النديم والأنساب للزبير بن بكار، وما أندر المخطوطات الباقية من هذه الكتب. وكتاب "طراز المجالس" هو في الواقع مجموعة مهمة من المعلومات العجيبة استقاها من شتى المصادر. والظاهر أن هناك طبعتين لهذا الكتاب الأولى طبعت بالقاهرة عام 1284 هـ (¬1) والثانية طبعت بطنطا من غير تاريخ؛ وكتاب "شفاء العليل فيما في كلام العرب من الدخيل" يبحث كما يتبين من عنوانه في الكلمات الدخيلة في اللغة العربية. وقد استغل الخفاجى في تأليفه كتاب المعرب للجواليقى وما شابهه من الكتب. على أنه لم يقنع بذكر هذه الكلمات أو تفسيرها، وإنما هو يذكر أمثلة عدة للأخطاء الشائعة في لغة الكلام الفصيحة. ويشبه هذا الكتاب شبها كبيرًا شرحه على درة الغواص للحريرى الذي طبع هو والدرة بالآستانة عام 1299 هـ وقد عمد الخفاجى في كثير من مواضع هذا الشرح إلى تصحيح ما وقع فيه الحريرى من أخطاء ويزيد معلومات مفيدة. ولعل هذا الكتاب وكتاب الطراز هما أحسن تواليفه. وقد ذكر المحبى ديوان الخفاجى، ولهذا ¬

_ (¬1) الذي في فهرس دار الكتب بالقاهرة هو أن الكتاب طبع في المطبعة الوهبية بمصر سنة 1283 هـ انظر فهرس دار الكتب ج 3 ص 244 طبعة سنة 1927. مهدي علام

خلعة

الديوان مخطوط في كوبنهاكن، ولا تعدو معرفتى بشعره ما استشهد به المحبى أو ما ذكره الخفاجى نفسه من أشعاره في كتبه. ولا يعد ديوان الخفاجى من الدواوين الجيدة، بيد أن مصنفاته جميعًا تتسم بطابع عصره، وتزودنا بصورة واضحة لما قد نتوقعه من معاصريه. المصادر: (1) المحبى: خلاصة الأثر، جـ 1 ص 331 - 343. (2) G.A.L.: Brockelmann جـ 2، ص 285. الشنتناوى [كرنكوف F.Krenkow] خلعة كلمة عربية مشتقة من خلع أي خلع لباسه. والخلعة حلة من حلل السلطان يكف عن لبسها ويخلعها على من يريد تكريمه (والتكريم مرادف لكلمة تشريف والجمع تشاريف؛ انظر ابن خلكان، الترجمة ج 4، ص 117، تاريخ أبي الفداء، جـ 5، ص 80؛ خطط المقريزى وقد نقل عنه كتاب السلوك، جـ 4، 70، تعليق رقم 1، 8 شهاب الدين: مسالك الأبصار في N.E. جـ 13، ص 276). وهذه الحلة تكون بطبيعة الحال ثمينة فاخرة عظيمة القدر. وهي تخلع أيضًا على العامل من عمال الدولة إشعارًا بتوليه منصبه، ويستعاض عنها أحيانا بقدر من المال. ومن ثم أطلقت عبارة "خلعت - بها"ـ أي ثمن حلة التشريف في تركيا على ذلك القدر من المال الذي يوزع على ضباط الإنكشارية عند اعتلاء السلطان العرش (انظر - Barb Dictionn. turc.,: ier de Meynard . جـ 1، ص 709) وجرى ملوك فارس على أن يبعثوا حلة مع رسول خاص إلى ولاة الأقاليم الذين يرغبون في تشريفهم، ويرتدى هؤلاء هذه الحلة في المناسبات الخاصة، ويكرمون الرسول اعترافا بهذا الفضل ويغدقون عليه الهدايا. وكانت الخلع في آسية الوسطى تصنع من خيوط الذهب المنسوج في جزائر الهند ومن شيلان الكشمير ومن الحرير المختلف الألوان. وكان المنعم عليه بكساء من هذه الكسى يلبس الخلعة

(خلعت بالفارسية والتركية) فوق الملابس التي يرتديها. وكانت كسوة التشريف في مصر على عهد المماليك منازل أو مراتب بحسب رتبة الأشخاص المنعم عليهم بها. وكان هؤلاء ثلاث طبقات (1) رجال السيف (2) رجال القلم أي عمال الحكومة (3) العلماء. وكان يضاف إلى خلعة التشريف سيف محلى بالذهب يؤخذ من دار الصنعة (سلاحخانه)، وجواد كامل العدة عليه كنبوش (بالفارسية كونبوش أي غطاء) من الذهب يؤخذ من الاصطبلات الملكية (ركاب خانة)، وهناك تفاصيل أو في من ذلك وردت في كتاب مسالك الأبصار الذي نقل عنه كاترمير Quatremere في L'histoire des Mamlouks جـ 4، ص 72 وما بعدها وفي La Syrie: Gaudefroy Demombynes ,a l'epoque des Maml باريس 1923, ص 89 وما بعدها. ويرجع عن هذه الحُلل بوصفها من شارات الحكم إلى Alcuni temi: Meloni semantici في R.S.O جـ 3، سنة 1910, ص 533 وما بعدها؛ Two Istances of Khilat in: F.W.Buckler -the Bible Journal of Theological Stud ies جـ 23, سنة 1922، ص 197 وما بعدها. ويرجع عنها في بلاد الهند وخاصة في لكنهؤ إلى مير حسن على: - Observa tions on the Musulmans of India. سنة 1832, الطبعة الثانية سنة 1917 , ص 149؛ The political theory: F.W.Buckler of the Indian Mutiny في Transactions of the Royal Historical Society جـ 5، سنة 1922, ص 81 وما بعدها. المصادر: (1) Etat de I'Empire: M. d'Ohsson othoman جـ 27، ص 199. (2) Estat de: Le P. Raphael du Mans la Perse ص 153. (3) Asie Mineure Terse Texier, جـ 2. (4) A Travers I'Asie Cen-: H. Moser trale ص 78. الشنتناوى [إيوار CI. Huart]

خليفة

خليفة لقب رأس الجماعة الإِسلامية، وهو الإِمام بوصفه (خليفة رسول الله [- صلى الله عليه وسلم -]). 1 - ترد هذه الكلمة كثيرًا في القرآن بصيغتى المفرد والجمع (خلائف وخلفاء) وهي في صيغة الجمع تشير إلى الذين يخلفون آباءهم في نعيم الله ورضوانه (سورة الأنعام؛ الآية 165؛ سورة النور. الآية 54 (¬1)؛ سورة النمل، الآية 63 (¬2)؛ وهي في هذه الآيات بمعنى عباد الله الصالحين، وهي تشير في سورة الأعراف الآيتين 67, 72 (¬3) إلى قبائل عاد وثمود الوثنية) وتشير كلمة خليفة في صيغة المفرد إلى آدم (سورة البقرة، الآية 28 (¬4) (سواء أكان خليفة للملائكة الذين كانوا يعيشون في الأرض من قبله أم خليفة لله؛ وداود (سورة ص الآية 25) (¬5) (يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب). وليس في هذه الآيات كلها دليل واضح على أن المقصود بهذه الكلمة أن تكون لقبًا لمن يخلف محمدًا [- صلى الله عليه وسلم -]. ويقرر المؤرخون المسلمون بصفة عامة أن أبا بكر هو أول من استعمل هذه الكلمة في هذا المعنى، ومع ذلك يشك في أن أبا بكر قد اتخذها في أي وقت من الأوقات لقبًا له (Annali: Caetani dell' Islam حوادث عام 11 من الهجرة، فقرة 263 , تعليق رقم 1) ولكنها أصبحت منذ عهد عمر اللقب الشائع لأمير المؤمنين. وفي اللقب "خليفة رسول الله" ما ينبئ بإدعاء القيام بما كان يقوم به النبي [- صلى الله عليه وسلم -]، وممارسة حقوقه فيما عدا النبوة التي انتهت ¬

_ (¬1) رقم الآية في المصحف العثماني هو 55 ولم ترد فيها الكلمة بصيغة الجمع، بل لم ترد فيها بصيغة الاسم، وإنما وردت بصيغة الفعل: "وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم. .". (¬2) رقم الآية في المصحف العثماني هو 62. (¬3) رقم الآيتين في المصحف العثماني هو 69 , 74. (¬4) رقم الآية في المصحف العثماني هو 30. (¬5) رقم الآية في المصحف العثماني هو 26.

بموته. أما التسمية "خليفة الله" ففيها ادعاء أكثر جرأة، ويقال إنها أثارت غضب أبي بكر، ولكنها استعملت منذ عام 35 للهجرة في رثاء حسان بن ثابت للخليفة عثمان (طبعة Hirschfeld 20، 1، 9) وأصبحت شائعة جدًا في عهد العباسيين ومن جاء بعدهم من الأمراء (Muhammedanische -Gnldziher Studien جـ 2، ص 61). على أن هذا اللقب لم يقتصر مدلوله خلال التاريخ الإسلامي على هذا المركز الجليل، فقد استعمل منذ القرن الأول للهجرة في أوراق البردى المعروفة باسم أفروديتو Aphrodito Papyri للدلالة على الـ أي الوكيل المقيم في العاصمة والذي يقدم إليه عامل بيت المال فيها ما يجمع من ضرائب (انظر - Greek Papyri of the Brit ish Museum جـ 4، ص 35؛ C.H. Becker Islamstudien جـ 1، ص 257) وقد استعمل هذا اللفظ كثيرًا اسما لأشخاص (انظر فهرس الطبرى وغيره). والخليفة في الطرق الدينية، وخاصة بين القادرية، هو نائب شيخ الطريقة وله بعض سلطان الشيخ ويمثله في البلاد التي تبعد عن الزاوية الكبرى للطريقة. والخليفة عند التجانية هو الذي تحل فيه بركة مؤسس الطريقة، وهو وحده الذي يلقب بالشيخ (D.Depont et Les confreris religieuses: X Coppolani musulmame ص 194 - 195, الجزائر سنة 1897؛ marabouts et: L.Rinn Khouon ص 78 سنة 1884). والخليفة في الحركة المهدية هو خليفة المهدي، ومن ثم كان مير دلاور خليفة للسيد محمَّد المهدي (المتوفى عام 910 هـ) مؤسس الطريقة المهدوية وكان عبد الله خليفة محمَّد أحمد المهدي بالسودان؛ ثم إن ولد غلام أحمد قاديانى وخلفه يعرف اليوم بين أتباعه بالخليفة. وقد أطلق هذا اللقب أيضًا على أشخاص أقل شأنا، فمن ذلك أنه كان يطلق على المرأة التي تشرف على الجوارى في بلاط الإمبراطور بابر (كل بدن بيكم همايوننامه ترجمة A.S.Beveridge ص 136). أما في الأزمنة الأحدث عهدا من ذلك فإن هذا

اللقب يطلق بصفة عامة في تركيا على أي كاتب صغير في مكتب عام (Tableau general de I'Empire othman لمؤلفه C.M.d.Ohsson جـ 7، ص 271) وهو لا يزال لقبا من ألقاب التشريف يطلق على المدرس المساعد في مدرسة من المدارس. والخليفة في مراكش هو نائب والي المدينة (The Moorish: B.Meakin Empire ص 224) ويطلق في بلاد الهند الحديثة حتى على أشخاص قليلى الخطر كالحائك والحلاق ورب اللعب بالسيف والطاهي (Glossary: H.A.Rose of the Tribe and Castes of the Punjab جـ 2، ص 490، لاهور سنة 1911) وتدل كلمة ألفا (وهي مساوية لكلمة خليفة) في توكو وما جاورها من بلاد إفريقية الغربية على المعلم المسلم، بل على المسلمين بوجه عام (Die Welt des Islams جـ 2، ص 200). المصادر: نذكر علاوة على المصادر التي ذكرت من قبل (1) Du sens propre des: Goldziher -expressions Ombre de Dieu Pour de signer les chefs daps l'Islam (R.H. R , (1897 XXXV . (2) D.S.Morgoliouth The sense of the -title Khalifah (A volume of Oriental Studies Presented to Edward G. Rrnwne ص 322 - 328). 2 - يمكن التفريق بين تاريخ الخلافة أي النظام السياسى الذي يقوم الخليفة على رأسه وبين النظريات الخاصة بالخلافة؛ ولما كان النظام السياسى سابقا في الزمن على قيام النظريات، فإنا نفضل أن نبدأ في هذا المقام بتاريخ الخلافة: (1) تاريخها: لقد كان من شأن الثروة الطائلة والسلطان العظيم اللذين اكتسبهما خلفاء النبي [- صلى الله عليه وسلم -] الأولين بفتحهم أقاليم من الإمبراطورية الرومانية مثل الشام ومصر علاوة على ما فتحوه من بلاد فارس، أن بلغ الخلفاء مركزا وجاها أكسبا ذلك اللقب المتواضع الذي لقبوا به مدلولا جديدًا. فقد غدا الخليفة، حتى قبل أن تصل الفتوحات الإِسلامية إلى غايتها، من أقوى ملوك العالم وأغناهم. فكان بوصفه أميرا

للمؤمنين قائدًا لهذه الجيوش الغازية، وقد وصف نفسه بهذا الوصف على السكة التي ضربها. وكان بصفته إماما على رأس الناس في الصلاة العامة، وهو الذي كان يلقى الخطبة في المسجد، وكان بوصفه خليفة ينتظر من رعاياه المسلمين أن يؤدوا له آيات التبجيل والاحترام التي كانوا يؤدونها لصاحب الرسالة المحمدية (¬1). وقد أفضت الفتن التي نشبت بين المسلمين أنفسهم في عهد علي بن أبي طالب إلى وضع أسس تلك النظريات عن الصفات الواجب توفرها في الخليفة، تلك النظريات التي تحددت في المذاهب السياسية ومذاهب أهل الفرق. ففي عهد بني أمية لم تكن الواجبات الدينية المقترنة بمنصب الخلافة مرعية تماما (ولو أن كثيرًا من الخلفاء الأمويين كانوا يؤمون المسلمين في الصلاة) ذلك أنهم لم يكونوا فيما يظهر يتشددون كثيرًا في أمر دينهم اللهم إلا إذا استثنينا الخليفة عمر بن عبد العزيز (ثم إن أسس العقيدة الإِسلامية وتنظيم الشريعة المحمدية قد تم معظمه في المدينة) ولم يشجع ¬

_ (¬1) ليس ثمة ما يؤيد هذا الرأى, وهذه خطب أبي بكر وعمر عقب البيعة لهما، وفي أثناء خلافتهما، إن نطقت بشيء فإنما تنطق بتواضعهما، وبتأكيد مساواتهما مع الناس. ففي خطبة البيعة يقول أبو بكر: "أيها الناس، إنى قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن رأيتمونى على حق فأعينونى، وإن رأيتمونى على باطل فسددونى. أطيعونى ما أطعت الله فيكم، فإذا عصيته فلا طاعة لي عليكم، إلا إن أقواكم عندي الضعيف حتى آخذ الحق له، وأضعفكم عندي القوى حتى آخذ الحق منه -أقول هذا وأستغفر الله لي ولكم-" (عيون الأخبار للدينورى، المجلد الثاني ص 234) وفي خطبة أخرى يقول: "أيها الناس إنما أنا مثلكم .. وإنما أنا متبع، ولست بمبتدع. فإن استقمت فتابعونى، وإن زغت فقومونى" (شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 4 ص 167). وإذا كان عمر لم ير نفسه أهلا لمكانة أبي بكر فهل يعقل أن يرى نفسه أهلا لآيات التبجيل والاحترام التي كان يؤديها المسلمون لصاحب الرسالة المحمدية؟ فقد روى ابن قتيبة (عيون الأخبار ج 1 ص 234) أي لما ولى عمر صعد المنبر فقال: "ما كان الله ليرانى أرى نفسي أهلا لمجلس أبي بكر. ثم نزل عن مجلسه مرقاة. فحمد الله وأثنى عليه ثم قال. . . ألا وإنى أنزلت نفسى من مال الله بمنزلة والي اليتيم، إن استغنيت عففت. وإن افتقرت أكلت بالمعروف، تقرم البهمة الأعرابية .. القضم لا الخضم" وفي خطبة أخرى له يقول: "فإن عمر أصبح لا يثق بقوة ولا حيلة إن لم يتداركه الله -عَزَّ وَجَلَّ- برحمته وعونه وتأييده .. وإني امرؤٌ مسلم وعبد ضعيف، إلا ما أعان الله -عَزَّ وَجَلَّ- ولن يغير الذي وليت من خلافتكم من خلقى شيئًا إن شاء الله، إنما العظمة لله -عَزَّ وَجَلَّ-، وليس للعباد منها شيء، فلا يقولن أحد منكم: إن عمر تغير منذ ولى، أعقل الحق من نفسى، وأتقدم وأبين لكم أمرى، فأيما رجل كانت له حاجة. أو ظلم مظلمة. أو عتب علينا في خلق فليؤذنى، فإنما أنا رجل منكم. ." (شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 3 ص 124). مهدي علام

الخليفة في دمشق ذلك إلا قليلًا. وتجلت مطالبة سلالة على بأحقيتهم في زعامة المسلمين في قيام فرقة الشيعة ولكن جهودهم لم تصب نجاحا سياسيًا بضعة قرون. ويرجع معظم الفضل في غلبة العباسيين إلى إدعائهم مؤازرة العلويين في مطالبهم وإلى دعوتهم الدينية النشيطة. فقد اتخذ الخليفة لنفسه في بغداد صفة جديدة، إذ أصبح راعيًا كريمًا للعلماء، كما أظهر غيرة على القيام بواجبه في الذود عن حياض الدين الإسلامي. وقد حلت بغداد بفضل رعايته وعنايته محل المدينة بصفتها مركز النشاط الديني، واستقرت المذاهب الفقهية الكبرى في صورتها الواضحة، وأصبح الخليفة ليس مجرد ملك دنيوى كما كان كثير من خلفاء الأمويين في نظر أهل التقى والورع. وزاد من هيبة الخليفة في نظر الناس تلك المراسم المعتدة التي اتخذت في بلاطه وفي المحافل التي كان يقيمها. لقد كان خلفاء الأمويين في أوائل عهدهم قريبين إلى رعاياهم، فمعاوية قد احتفظ بقدر كبير من صراحة زعماء العرب في الجاهلية وخلالهم المألوفة، فكان ينتقل بين غيره من زعماء العرب تنقل الزعيم بين أتباعه Primus inter Pares أما في العاصمة الجديدة فقد برزت تقاليد الملك الفارسية، فكان الخليفة العباسى يجلس على العرش في أبهة وجلال يحيط به حرسه وإلى جانبه السياف شاهرًا سيفه. وكان إلى ذلك يبرز في الوقت نفسه الصفة الدينية لمنصبه بارتدائه بردة النبي [- صلى الله عليه وسلم -]، كما كانت صلة القرابة بينه وبين النبي [- صلى الله عليه وسلم -] تتردد في الوثائق الرسمية وفي مدائح المادحين والمتزلفين من رجال البلاط. وضعفت رقابة الخليفة المباشرة على إدارة ملكه منذ القرن التاسع [الميلادى] بسبب ازدياد السلطة الممنوحة للوزير وتقدم دواوين الحكومة في الكفاية والدقة. وأخذت سلطة الخليفة الزمنية تضمحل حوالي ذلك الوقت بسبب تفكك الإمبراطورية الإِسلامية وقيام إمارات في شتى الولايات حتى كاد سلطان الخليفة لا يتجاوز أرباض مدينة بغداد. واقترن هذا الاضمحلال الذي أصاب سلطة الخليفة الزمنية بازدياد في الشعور بخطر منصبه الديني بوصفه الإِمام وحامى الإِسلام. كما ازداد في

الوقت نفسه اضطهاد الزنادقة ومن يدينون بغير الإِسلام، وما وافى عام 946 حتى تسربت كل سلطة فعلية من بين يدي الخليفة، ورأينا في بغداد ثلاثة أشخاص ولوا من قبل هذا المنصب الجليل، ثم خلعوا آنئذ من مناصبهم وسملت أعينهم واعتمدوا في معاشهم على الصدقة. وأصبح الخليفة من ذلك الوقت إلى عام 1055 ألعوبة إلى حين في أيدى البويهيين ثم السلاجقة. ولم يستطع الناس أن يتناسوا المكانة العظيمة التي كان يشغلها الخلفاء الأولون على الرغم من أن الخليفة كان قد فقد آنئذ سلطانه الإدارى كله. وظل الفقهاء يعدون الخليفة الضعيف مصدر السلطات والنفوذ في العالم الإسلامي، ومن ثم كان هناك حكام مستقلون ينشدون منه الألقاب وبراءات التعيين، نذكر منهم على سبيل المثال محمودا الغزنوى الذي تلقى من الخليفة اعترافًا باستقلاله وبلقبيه "يمين الدولة" و"أمين الملة" بعد أن خرج عن ولائه للأمير السامانى عام 997. وخلع الخليفة المقتدى على يوسف بن تاشفين رأس المرابطين في الأندلس لقب أمير المسلمين بعد ذلك بقرن من الزمان تقريبًا. وفي عام 1175 ادعى صلاح الدين ملك مصر والشام، فثبته الخليفة المستضئ في ملكه وبعث إليه ببراءة التولية وكساوى التشريف. وكذلك سأل نور الدين عمر رأس الأسرة الرسولية باليمن الخليفة أن يمنحه لقب سلطان وبراءة التولية نائبا عنه، فأرسل المستنصر في عام 1235 رسولًا خاصًا يحمل إليه هذه البراءة، كما استجاب المستنصر في عام 1229 لسؤل ألتتمش الوالى التركى على شمال الهند، فمنحه لقب سلطان وثبته في ولايته. وظل ملوك دلهى المتعاقبون يكتبون اسم المستعصم، آخر خلفاء بغداد على سكتهم أكثر من ثلاثين عامًا بعد مقتل هذا الخليفة التعس على يد المغل. ونحن نجد ما يناقض هذا الاعتراف بخليفة بغداد مصدر السلطة الشرعية في قيام خلافتين متنافستين. ففي عام 928 اتخذ عبد الرحمن الثالث بالأندلس لنفسه لقب خليفة، وظلت سلالته تحمل هذا اللقب من بعده، وكان هؤلاء الأمويون بالأندلس على المذهب السنى

شأنهم شأن أسلافهم في دمشق، أما الفاطميون في مصر، الذين نادى زعيمهم بنفسه خليفة أول الأمر في المهدية عام 909، فكانوا من الشيعة. وظل الفاطميون ينافسون العباسيين في بغداد منافسة مرة إلى أن قضى صلاح الدين على دولتهم عام 1171. واستولى هولاكو على بغداد عام 1258 وقتل الخليفة المعتصم الذي لم يعقب ولدًا. وكانت هذه النكبة فريدة في تاريخ الإِسلام، ذلك أن المسلمين ألفوا أنفسهم لأول مرة ولا زعيم لهم من الوجهة النظرية يذكرون اسمه في خطبة الجمعة. وقد نجا اثنان من البيت العباسى من مذبحة بغداد، واحتمى كل منهما بعد الآخر بسلطان المماليك في مصر. فقد دعا بيبرس أولهما، وكان عم الخليفة المستعصم، إلى مصر ونادى به خليفة عام 1261 في حفل تجلت فيه مظاهر العظمة والأبهة. ويقال إن بيبرس طافت برأسه فكرة إعادة البيت العباسى إلى بغداد، ومن ثم غادر القاهرة على رأس جيش كبير، فلما بلغ دمشق زود الخليفة بفرقة صغيرة من الجيش هزمها المغل وهي تجتاز الصحراء، وعدنا لا نسمع شيئًا قط عن هذا الخليفة. وبلغ الثاني القاهرة عام 1262 وفيها نصب هو أيضًا خليفة، على أنه لم تبذل في هذه المرة تلك المحاولة الطائشة ألا وهي استعادة بغداد، وظل هذا الخليفة في واقع الأمر بمثابة سجين في القاهرة وإن أحيط بمظاهر الاحترام. وظل سلالته يتعاقبون على هذا المنصب الوهمى في القاهرة أكثر من قرنين ونصف قرن من الزمان معتمدين على كرم سلاطين المماليك الذين كانوا يرون أن وجود الخليفة في مصر يسبغ على حكمهم مظهرًا شرعيًا. فقد كان الخليفة ينصب كل سلطان جديد باحتفال وأبهة ويقدم السلطان بدوره ولاءه للخليفة. على أنه لم يكن لأحد من هؤلاء الخلفاء أية مشاركة في الحكم أو أي نفوذ سياسى، اللهم إلا إذا استثنينا الخليفة المستعين الذي اتخذته الأحزاب السياسية المتنافسة ألعوبة في أيديهم عام 1412 ونودى به سلطانًا مدة ستة أشهر. وقد وصف المقريزي الخليفة فقال إنه كان ينفق وقته بين

الأشراف وعمال الحكومة ويزورهم شاكرًا لهم دعوتهم له إلى المآدب والولائم (انظر Histoire d' Egypte طبعة Blocher ص 76) وأنكر سائر العالم الإسلامي خارج مصر وجود هذا الخليفة العباسى في القاهرة، فقد كان ثمة خليفة سنى في المغرب منذ القرن الثالث عشر، وكان عدة أمراء في البلاد الشرقية من العالم الإسلامي يتخذون لقب خليفة كالسلاجقة والتيمورية والتركمان والأزابكة والعثمانيين. على أن عددًا قليلًا من الأمراء المستقلين كانوا يلتمسون من الخليفة الاعتراف بهم ومنحهم الألقاب، رغبة منهم في أن يكتسبوا الصفة الشرعية التي تلزم رعاياهم بطاعتهم، ونذكر من هؤلاء أول أميرين من أمراء البيت المظفرى في جنوب فارس (1313 - 1384) ومحمد بن تغلق (1325 - 1351) وخليفته على عرش دلهى فيروز شاه (1351 - 1388)؛ بل يقال إن بايزيد الأول طلب من الخليفة العباسى في القاهرة عام 1394 أن يمنحه رسميا لقب سلطان (انظر - Ham . Gesch. d. Osmon Reiches: mer جـ 1، ص 195) ولكن الشك يحيط بهذه الرواية, ذلك أن مراد الأول، والد بايزيد الأول كان يلقب بخليفة الله المختار (انظر فريدون، جـ 1، ص 93 القسم 22) منذ منتصف القرن الرابع عشر أي بعد فتح أدرنة وفيليبوبولس Philipopolis وغيرهما من البلاد، ومن ثم درج سلاطين آل عثمان وغيرهم من أمراء المسلمين المعاصرين على اتخاذ لقب الخلافة، واعترف بذلك رعاياهم ومبعوثوهم في البلاد الأخرى. وتجاهل أهل ذلك الزمان القول بأن الخليفة يختار من قريش، والتمسوا ما يؤيد دعواهم في آيات من القرآن الكريم مثل الآية 25 (¬1) من سورة ص "ياداود إنا جعلناك خليفة في الأرض. ." وكثيرا ما استشهد بهذه الآية وغيرها من الآيات في الرسائل السياسية لذلك العصر مثل الآية 165 من سورة الأنعام. ومن ثم فإن السلطان سليما عندما دخل مدينة القاهرة دخول الظافر في شهر يناير ¬

_ (¬1) رقم الآية في المصحف العثماني هو 26 (م. ع).

سنة 1517، وقضى على الخلافة العباسية بنقل الخليفة المتوكل إلى الآستانة، كان قد ألف هذا اللقب الذي لقب هو به كما لقب به أجداده قرنا ونصف قرن من الزمان. وكان قنسطنطين مورادجيا دوسون - Con stantine Mouradgea d'ohsson هو أول من نشر عام 1788 تلك الأسطورة التي تذهب إلى أن المتوكل قد خلع لقبه على السلطان سليم (Tableau general de I'Empire othmon جـ 1، ص 269 - 270, باريس 1788 - 1824) ولم يذكر أحد من المعاصرين الذين أرخوا الفتح التركى لمصر شيئًا من هذا القبيل، زد على ذلك أن المتوكل سمح له بالعودة إلى مصر بعد وفاة السلطان سليم، وظل مقيما بها حاملًا لهذا اللقب إلى أن اخترمته المنية عام 1543. أما في القرنين التاليين فلم يظهر فيهما من حكام المسلمين إلا حاكمان اتسعت أملاكهما وسلطانهما اتساعًا جعلهما أهلا للتلقب بلقب الخليفة (على خلاف أولئك الأمراء القليلى الشأن الذين اتخذوا لأنفسهم هذا اللقب من غير تفرقة) وهما سلطان آل عثمان وعاهل المغل في الهند. ولما دالت دولة المغل في القرن الثامن عشر أصبح العاهل العثماني أكبر شخصية في العالم الإسلامى. على أن سلطان هذا العاهل نفسه كان يتهدده عدوان جارته من الشمال، ذلك أنه اضطر عقب الحرب التي نشبت بين تركيا وروسيا بين عامى (1768 - 1774) إلى النزول عن أملاك له على الشاطئ الشمالى للبحر الأسود والاعتراف باستقلال تتر القريم. وقد ادعت كاترين الثانية الحق في حماية المسيحيين التابعين للكنيسة الأرثوذكسية القاطنين في البلاد العثمانية، فاستغل المبعوثون العثمانيون الذين أبرموا معاهدة كوجوك قينارجه عام 1774 لقب خليفة، وادعوا للخليفة مثل هذا الحق، فعملوا على أن تتضمن هذه المعاهدة نصًا يقرر سلطانه الديني على التتر الذين كان ولاؤهم لسلطته الزمنية قد بطل من قبل. وقد فشت في أوربا المسيحية من ذلك الوقت فكرة خاطئة جعلت أهلها يعدون الخليفة الزعيم الروحى للمسلمين كافة، شأنه في ذلك شأن

البابا بالنسبة للكاثوليك أجمعين، وأن سلطانه الروحى يمتد إلى إخوانه في الدين وإن كانوا لا يدينون له بالسيادة المدنية بصفته سلطان تركيا. ولدينا ما يحملنا على الاعتقاد بأن هذا الخطأ الذي شاع في أوربا المسيحية كان له أثر في آراء الناس في تركيا نفسها. ففي عهد السلطان عبد الحميد بوجه خاص (1876 - 1909) برز مركز السلطان، بوصفه خليفة، فقد نص في الدستور الذي صدر في بداية حكمه على "أن عظمة السلطان بصفته خليفة، هو حامى الدين الإسلامي". والظاهر أن السلطان أرسل بعوثا إلى شتى بلاد العالم الإسلامي ليحملوا الناس على تبجيل ذاته خليفة المسلمين. وصادفت جهوده في هذا السبيل استجابة لدى فريق من الناس، لأن مفكرى المسلمين، وخاصة أولئك الذين أقلق بالهم ازدياد هيمنة الدول الأوربية على شئون العالم الإسلامي، أدركوا أنه لم تبق ثمة دولة إسلامية مستقلة لها بعض الشأن في العالم المتمدين إلا تركيا على أن الطابع الذي اتسم به حكم عبد الحميد وقسوته في القضاء على كافة الحركات الحرة وكافة المجهودات التي بذلت للإصلاح الدستورى، قد حول عنه قلوب الطبقات المستنيرة من رعاياه. فلما خلع هذا السلطان عن العرش عام 1909 انتقلت مقاليد الأمور في تركيا إلى طائفة من الناس لم يحفلوا إلا قليلًا بالروح الإِسلامية ثم إنهم فطنوا إلى استحالة التوفيق بين حكومة استبدادية تدعى أنها تستند إلى وحى إلهي وبين طرائق الحكم الدستورى الحديثة. وقد أصبحت تركيا جمهورية في نوفمبر سنة 1922، وألغيت السلطنة، وجردت الخلافة من كل سلطة زمنية. ولكن مهام هذا الخليفة الجديد لم تكن قد اتضحت بعد حتى ألغى منصب الخلافة إلغاء تامًا في مارس سنة 1924. وقد اقتصر اهتمامنا فيما ذكرنا من تاريخ الخلافة على الخلافة السنية التي كان لها الشأن الأكبر في التاريخ الإسلامى. أما الخلافتان السنيتان الأخريان، وهما خلافة الأندلس وخلافة المغرب، فلم يكن لهما شأن إلا في هذين القطرين فحسب، ولم يستثيرا الولاء لهما في أي قطر آخر من أقطار العالم

الإسلامي. وكذلك اتخذ بعض أمراء جاوة لأنفسهم لقب خليفة، ولكن لم يعترف بهذه الخلافة إلا رعاياهم. وقام الشيعة في الحين بعد الحين بمحاولات ترمى إلى إقامة حكومة قوية مستقلة للعلويين، بيد أن هذه المحاولات لم تصادف نجاحا يذكر. وكان الفاطميون في مصر يمثلون الخلافة الشيعية الوحيدة التي كان لها بعض الشأن. أما في فارس فلم يفلح قيام البيت الصفوى عام 1502 في جعل المذهب الشيعي مذهب الدولة الرسمي إلا بعد أن أصبح الاعتقاد في الإِمام المستتر ركنا أساسيًا في المذهب الشيعي في تلك البلاد بزمن طويل. المصادر: إذا عددنا مصادر تاريخ الخلافة فإن ذلك يشمل الجزء الأكبر من كتب التاريخ الخاصة بالعهد الإسلامي: ويمكن الرجوع فيما يختص بالمصادر العربية إلى: (1) Die Ges-: F. Wiistenfeld chichtschreiber der A raber and ihre Werke . (2) Geschichte der: C. Brockelmann Arabischen litt . ونذكر من أهم المصادر ما يلي: (1) تاريخ الطبرى. (2) تاريخ ابن الأثير. (3) السيوطي: تاريخ الخلفاء وكتاب حسن المحاضرة. (4) المقريزى: السلوك لمعرفة دول الملوك (وقد ترجم كاترمير Quatremere جزءًا منه في Histoire des Sultans Mam loulks) (5) المقرى نفح الطيب. (6) Chroniken der stadt Mekka طبعة فستنفلد. (7) رشيد الدين: جامع التواريخ. (8) أحمد فريدون بك: منشآت السلاطين. (9) مصطفي صبرى التوقارى: النكير على منكر النعمة من الدين والخلافة والأمة، بيروت عام 1924 ونذكر من الكتاب الأوربيين:

(1) Annali dell' Islam: Caetani ميلانو 1905 وما بعدها. (2) Geschichte der chalifen: G.Weil خمسة مجلدات (1846 - 1862). (3) Der Islam im Morgen: A.Muler und Abendland (1885 و 1887). (4) The Caliphate: W.Muir . (5) Geschichte des: J.Von Hammer Osmanischen Reiches . (6) Hist de l'em-: A. de la Jonquiere pire ottoman طبعة باريس سنة 1914. (7) Oriente Moderno رومة سنة 1921 وما بعدها. (8) La fine del cosi det-: C.A.Nallino Oriente Moderno) to Califfato ottomano جـ 4 ص 137 وما بعدها). (9) Wesen. u. Ende des: R.Hartmann Osm. Chalifates ليبسك 1924. (10) Die Abschaffung des: H.Ritter Arch. f. Politik und Gesch.) Kalifats جـ 2، ص 343 وما بعدها، برلين 1924). 2 - النظرية السياسية: لقد كانت نظرية الخلافة كما أسلفنا البيان ثمرة نبتت إلى حد كبير بفضل الأحوال السياسية في صدر الإِسلام. على أن النظر العقلى بسط بسطا محكما وجوها كثيرة لهذه النظرية عجزت عن أن تجد لها تعبيرا في الوقائع التاريخية التي حدثت فعلا. ويقول الشهرستانى (طبعة كيورتن، ص 12) أن ليس ثمة مسألة من مسائل الدين وأثارت من النزاع في كل عهود التاريخ الإسلامي ما أثارت الخلافة. (1) فقد وجد أهل السنة في الحديث أول معبر عن آرائهم، فهو يبرز في جلاء صفتين أساسيتين من صفات الخليفة أولاهما أنه يجب أن يكون من قريش (كنز العمال، جـ 3، رقم 2983, ص 26 رقم 3452 , 3469) وثانيتهما أن يطيعه الناس حق الطاعة لأن من يعصيه يعصى الله تعالى (المصدر السابق، جـ 23، رقم 2580 , 2999، 3008) ومما أكد التزام المؤمنين بطاعة سلطان الخليفة المطلق بوصفه من الواجبات الدينية اللقبان اللذان كانا يطلقان على الخليفة منذ عهد متقدم

وهما خليفة الله، وظل الله على الأرض، ونجد في كتاب الماوردى (الأحكام السلطانية؛ طبعة Enger. بون عام 1853 القاهرة سنة 1298 وسنة 1327، وترجمة فانيان لهذا الكتاب، الجزائر سنة 1915) أول عرض منهجى لنظرية الخلافة التي سلم بها الناس بصفة عامة. فالماوردى قد نص على الشروط الواجب توافرها في الخليفة، وهي أن يكون من قريش وأن يكون ذكرا، بالغًا، عالمًا متصفا بسلامة الحواس والأعضاء وبالرأى المفضى إلى سياسة الرعية وتدبير المصالح، وبالشجاعة والنجدة المؤدية إلى حماية البيضة وجهاد العدو. ويقرر الماوردى أن الخلافة كانت بالانتخاب على الرغم من أن هذا المنصب أصبح وراثيًا في بني أمية ثم في بني العباس، وأجهد نفسه في التوفيق بين نظرية الانتخاب وبين حقائق التاريخ التي تثبت أن كل خليفة تقريبا منذ عهد معاوية (661 - 680 هـ) كان يعين خلفه. وظلت أسطورة الانتخاب ماثلة في سنة البيعة وكانت تؤخذ بادئ الأمر من الأمراء في بلاط الخليفة ثم من الجماعة التي ينادى بالخليفة الجديد في حضرتها، وقد حدد الماوردى مهام الخليفة كما يلي: "حفظ الدين على أصوله المستقرة وما أجمع عليه سلف الأمة وتنفيذ الأحكام بين المتشاجرين وقطع الخصام بين المتنازعين وحماية البيضة والذب عن الحريم، وإقامة الحدود لتصان محارم الله وتحصين الثغور بالعدة المانعة والقوة الدافعة، وجهاد من عاند الإِسلام بعد الدعوة حتى يسلم أو يدخل في الذمة، وجباية الفيء والصدقات على ما أوجبه الشرع نصًا واجتهادًا، وتقدير العطايا وما يستحق في بيت المال، واستكفاء الأمناء وتقليد النصحاء فيما يفوضه إليهم من الأعمال ويكله إليهم من الأموال، وأخيرا أن يباشر بنفسه مشارفة الأمور وتصفح الأحوال". وتناول ابن خلدون بعد ذلك بثلاثة قرون تقريبًا موضوع الخلافة تناولا يغلب عليه النقد وناقش نظامها في مقدمته (الفصول 25 - 28) التي كتبها فيما بين عامى 1375 و 1379 ولقد جابه ابن خلدون الحقائق التاريخية واعترف بأنه لم يبق من الخلافة بعد

زوال سلطان العرب إلا اسمها. وتتفق رواية ابن خلدون عن أصل الخلافة والغرض من هذا النظام مع ما ذكره الماوردى. فالخليفة هو نائب النبي وحامى الشريعة وعليه حفظ الدين وحكومة الدنيا. ويجب أن يكون من قريش وأن يكون متصفا بالشروط الأخرى التي ذكرها الماوردى. على أن ثمة فقهاء آخرين واجهوا الحقيقة بصراحة وهي أن القوة حلت محل النظر العقلى في العالم الإسلامي، ثم خرجت نظرية دستورية تبعًا لذلك. وخير من يمثل هؤلاء بدر الدين بن جماعة المتوفى عام 733 هـ (1333 م) فهو يقرر في كتابه "تحرير الأحكام في تدبير ملة الإِسلام" (. k.K.hofbibl فينا، 183 (أن الإِمام يلي منصبه إما بالانتخاب وإما بالقوة، وفي الحالة الثانية يجب أن تؤدى الطاعة للإمام الذي يصل إلى الإمامة بحد السيف. ويبرر هذا الاغتصاب الصالح العام ووحدة الجماعة الإِسلامية التي تتحقق على هذا النحو (ص 7 - 8). وثمة فئة أخرى من الفقهاء أهملوا كل هذه المحاولات التي قصد بها إلى تبرير ما توالى على التاريخ الإِسلامي من أحداث، وأقاموا مذهبهم على ما جاء في الحديث من أن الخلافة ثلاثون عاما فقط، أي إنها انتهت بوفاة على (انظر كنز العمال، جـ 3، رقم 3152) وتلك هي عقيدة النسفي المتوفى عام 537 هـ الموافق 1142 م (انظر العقائد النسفية، طبعة Cureton لندن 1843. ص 4) وهي العقيدة التي أخذ بها الفقيه التركى العظيم إبراهيم جلبى المتوفي عام 1549 والذي أصبح كتابه "ملتقى الأبحر" المصدر المعتمد للتشريع العثماني. (ب) ويجعل فقهاء الشيعة الإمامة من أصول العقيدة، فهم يؤكدون شرعيتها ولا يحصرونها في قريش فحسب، بل يحددونها في آل على. والشيعة ما عدا الزيدية لا يقرون مبدأ الاختيار ويعتقدون أن النبي نفسه قد أقام عليًا خليفة له، وأن صفات على قد ورثها عنه ذريته الذين اختصهم الله من قبل بولاية هذا المنصب الجليل. ويقال

إن النبي أفضى لعلي بعلم لدنى أسره علي لولده، وانتقل على هذا النحو من جيل إلى جيل. ولكل إمام صفات تفوق صفات البشر ترفعه فوق مستواهم، وهو يهدى المؤمنين بحكمة معصومة من الخطأ، وأحكامه مطلقة لا مرد لها. ويعزو البعض ارتفاع عليّ على سائر البشر إلى اختلاف جوهره، ذلك أن الله منذ أن خلق آدم انتقل قبس من النور الإلهي وأخذ يحل في شخص مختار يظهر في كل جيل، وهذا القبس حل في على ثم هو يحل في كل إمام يخلفه. وقد تشعب مذهب الشيعة تشعبا كبيرًا انظر الشهرستانى، كتاب الملل والنحل، ص 108 وما بعدها؛ ابن خلدون، المقدمة، جـ 1، ص 400 وما بعدها) (جـ) أما الخوارج فهم على نقيض الشيعة لا يحصرون الخلافة أو الإمامة في قبيلة أو بيت بعينه، بل يقولون إن كل مسلم أهل للخلافة وإن كان أعجميًا أو عبدًا. وهم إلى ذلك يختلفون عن سائر المسلمين بقولهم إن قيام الإِمام ليس من الفروض الدينية، وإن الجماعة الإِسلامية تستطيع في أي وقت من الأوقات أن تقوم بجميع الفروض الدينية وأن تكون لها حكومة مدنية مستكملة لجميع الصفات الشرعية من غير أن يقوم فيها إمام على الإطلاق. فإذا ما رأت هذه الجماعة في ظروف خاصة أن من المستحب أن يكون لها إمام أو أوجبت الضرورة ذلك فلها أن تختار من يلي هذا المنصب، فإذا تبينت أنه ليس أهلا لهذا المنصب على أي وجه من الوجوه فلها أن تعزله أو تقتله (انظر الشهرستانى، كتابه المذكور، جـ 1، ص 85 وما بعدها). وقد تجلت كل هذه النظريات التي عرضنا لها فيما سبق في صور مختلفة من صور النظم السياسية التي قامت فعلا، على أن ثمة مذاهب أخرى عن الخلافة لم تخرج قط عن حيز التفكير النظرى، وخاصة تلك المذاهب التي قال بها أئمة المعتزلة كقولهم إن منصب الخلافة يجب أن يترك شاغرًا إبان الفتن ولا يشغل إلا في عهود السلام، أو كقولهم إن الإِمام لا يكون إلا باتفاق أهل

الملة الإِسلامية جميعًا (انظر الشهرستانى، كتابه المذكور، ص 51؛ Hellenisticher Enfluss auf mu-: Goldziher tazilitische Chalifats Theorien في مجلة Der Islam. جـ 6، ص 73 - 771). المصادر: إن أوفق المصادر لدراسة الحديث هو كتاب السيوطي: كنز العمال، طبعة حيدر آباد 1312 - 1314. أما كتب المسلمين في هذا الموضوع فهي: (1) الماوردي: انظر ما سبق. (2) عضد الدين الأيجى: المواقف في علم الكلام، الآستانة عام 1239. (3) ابن حزم: كتاب الفصل في الملل والأهواء والنحل جـ 4، ص 87 وما بعدها، طبعة القاهرة عام 1320. (4) الشهرستانى: كتاب الملل والنحل، طبعة Cureton، لندن 1842 و 1846. (5) ابن خلدون: المقدمة، طبعة Quar tremere باريس 1858؛ ترجمته ده سلان، باريس 1862 - 1868. (6) عبد العزيز جاويش: الخلافة الإِسلامية، برلين سنة 1915. (7) ميرزاجواد خان كسى Das Kal Die) ifat nach islamischem Staatsrechl Welt des Islams , جـ 5، ص 189 وما بعدها سنة 1918). (8) أبو الكلام: خلافت وجزيرة عرب، كلكتة سنة 1920. (9) محمَّد رشيد رضا: الخلافة، القاهرة سنة 1923. (10) على عبد الرازق: الإِسلام وأصول الحكم، القاهرة سنة 1925. أما كتب الأوروبيين في هذا الموضوع فهي: (1) Geschichte der: A. Von Kremer herrschenden Ideen des Islams ليبسك 1868 و Culturgeschichte des Orients unter den Chalif فينا 1875 - 1877.

(2) Avindication of: J. W.Redhouse the Ottoman 'Sultan's title of "Caliph -showing the antiugity, validity, and uni versal acceptance لندن 1877. (3) Die islamische: M. Hartmann Die Kultur) Verfass ung und Verwaltung (der Gegenwart, Teil II. Abteilung II (4) Verspreide: C.Snouck Hurgronje Gesehriften جـ 3، 4. (5) Islamstudien: H.Becker جـ 1. (6) Muhammedanische: I.Goldziher Studien - جـ 2، ص 55 وما بعدها. (7) Khalif i Sultan: W.Barthold في Mir Islama جـ 1، ص 203 وما بعدها، سانت بطرسبرغ سنة 1912, وقد ترجم جزء منه في Der Islam جـ 6 ص 350 وما بعدها سنة 1915. (8) Kalifat und Imamat: J.Greenfield Blatter fur vergleichende Rechtswiss - enschaft und Volkswirtschaft lehre جـ 11، سنة 1915. (9) Handbuch des is-: Th.W.Juynboll lamischen Gestzes ليدن سنة 1910. (10) Appunti sulla na-: C.A.Nallion tura del Califfato' in genere e sul Presunto Califfato Ottomano رومة سنة 1917. (11) Introduction: L.Massignon a'l'etude des revendications islamiques في R.M.M جـ 39، ص 1 وما بعدها. (12) De crisis van het: B.Schrieke De Indische post) chalifaat 15، 25، 29 مارس Maart سنة 1924 بتافيا). (13) Il concette di ca-: De Santillana -Liffato e di sovranita nel di musulmano Oriente Moderno) ritto جـ 4، ص 339 وما بعدها سنة 1924). (14) Islam and: Snouck Hurgronje Foreign AF-) Turkish Nationalism Fairs جـ 3، رقم 1، ص 61 وما بعدها نيويورك سنة 1924). (15) Etudes sur la nation islamique de souverainete في , R.M.M. جـ 59 سنة 1925. الشنتناوى [أرنولد T.W.Arnold]

الخليل

الخليل هي حبرون القديمة، وقد سميت بالخليل نسبة إلى خليل الله إبراهيم عليه السلام: مدينة في جنوب فلسطين، وتعرف أيضًا باسم حبرون وحبرى ومسجد إبراهيم، وتقوم في واد به مرتفعات جبل نصرة (قراءة غير محققة) يشتهر بوفرة فاكهته خاصة. وثمة رواية شائعة تذهب إلى أن النبي محمدا [- صلى الله عليه وسلم -] أقطع تميم بن أوس الداري بائع الزيت والمصابيح وأحد الذين دخلوا في الإِسلام ثم ذريته من بعده النواحى الأربع: حبرون والمرطوم (هكذا وردت في ياقوت جـ 2، ص 14، أما في ناصر خسرو: سفر نامة طبعة كوينى Kawaini سنة 1923 ص 46، س 14، فقد وردت مطلون ثم مرطلون ومرطون وهما روايتان في مطلون، ووردت في صبح الأعشى للقلقشندى، طبعة القاهرة، جـ 13 ص 120، س 6: الرطوم) وبيت عينون (إنجيل يوحنا: الإصحاح الثالث، الآية 33 وغيرها، خربت بين عينون) وبيت إبراهيم وقد نسبت إلى تميم الداري سنة إيقاد القناديل في المسجد على الدوام (انظر Rec. d'arch -: : Clermont Orient جـ 18، ص 216 , 220) ولا تزال الخليل تعد وقفا على بني تميم. ومع ذلك فما من شك في أن الكتاب الذي يقال إن النبي [- صلى الله عليه وسلم -] كتبه إلى نعيم ابن أوس الداري، أخي تميم، قد انتحله المتأخرون لتدعيم حقوق التميميين (انظر Annali dell' Islam: Caetani جـ 2، القسم الأول، حوادث عام 298 هـ, الفقرة رقم 69). وكل ما لدينا من المعلومات عن تاريخ هذه المدينة في القرون الأولى للهجرة مستمد من مصادر إفرنجية قليلة غير وافية، وأهمها التقرير المسهب الخاص بنتيجة البحوث التي قام بها الرهبان النصارى في مغاور الدفن في سنة 1119 و 1120 (نشر هذا التقرير Riant في Recueil des Hist. des Croisades hist. Occid - جـ 5، ص 302 - 316). وجاء في هذا التقرير أن اليهود دلوا الفاتحين العرب على مدخل المعبد الذي كان قد أحاطه الروم بالأسوار، وكافأهم العرب على ذلك بالسماح لهم

بالعيش آمنين بمدينة الخليل وأن يشيدوا فيها معبدًا لهم أمام مدخل معبد إبراهيم abramium . ولا نستطيع أن نعرف على التحقيق متى تم تحويل الكنيسة الرومية إلى مسجد إبراهيم. وأول ما ذكر عن المسجد ورد في كتاب الإصطخرى وكتاب ابن حوقل في القرن العاشر وليس في القرن الثامن كما ذكر Palestine) Le Strange ص 309) وفنسنت Hebron) Vincent ص 160). ويقول المقدسي، وهو أول من أسهب في وصف الخليل، إن قبر إبراهيم عليه السلام كانت تعلوه قبة بنيت في العهد الإسلامي. ويقول مجير الدين (في ترجمة كتابه التي قام بها Sauvaire ص 11) إنها شيدت في عهد الأمويين. وكان قبر إسحاق مغطى بعضه وقبر يعقوب قباله. وكان المقدسي أول من ذكر تلك الهبات الثمينة التي قدمها الأمراء الورعون من أقاصى البلاد إلى هذا الضريح، وذلك الاستقبال الكريم الذي كان يلقاه الحجاج من جانب التميميين وتلك المقادير من الزيت والعدس التي كان الحجاج يتلقونها في تكايا التميميين، ويفضل هذا الكاتب الإمساك عن ذلك الزاد لأسباب دينية محضة، وأنكر بعد ذلك الفقيه المغربي الفاسي المتوفى عام 737 هـ (1336 م) أكل هذا العدس، وكان يعرف "بالعدس الخليلى" وحذر الناس من الصلاة داخل المسجد بدلا من الصلاة أمامه، لأن موضع قبر إبراهيم لم يكن معروفا على التحقيق. واشتد في ذم الرقص الذي يصاحب الموكب الموسيقى الذي كان يقام للخليل، ومن ثم اشتق اسم الخليلية، وهو يطلق على فرقة من الموسيقى خاصة بهذا الموكب. وهذا الموكب يشاهده المرء كل يوم في الضريح (انظر Goldziher: ZD.P.V سنة 1894 جـ 16، ص 115 - 120، وانظر أيضا Shreiner في Z.D. M.G جـ 53؛ ص 5 وما بعدها). وزار ناصر خسرو هذه المدينة قبل نشوب الحروب الصليبية بنصف قرن (1047) وكانت في ذلك الوقت على الجانب الشمالى من الحرم فحسب، وهو يذكر في يومياته وصفا دقيقا لهذا الضريح، يقول إن الخليفة المهدي

الفاطمى (918 هـ) شيد أول الأمر بابا في منتصف السور الشمالى الشرقى للضريح، ولم يكن من الميسور قبل ذلك الوصول إلى الحرم، أما المقصورة فتضم قبور البطارقة وهي غنية بزخارفها وبها محاريب كثيرة. ولما استولى الصليبيون على الخليل أعطاها كودفرى بويون Godfrey de Bouillon عام 1100 إلى جيرار دافيسن Gerard d'Avesnes المتوفى عام 1102 ثم وليها من بعده، هيكوده ربيك Hugo de Rebeqe ثم روهاردوس Rohardus ثم كلتريوس محمَّد Galterius Mahomed ثم وليها آخر الأمر بلدوين، وفي عهده (1119) كشف عن قبور البطارقة وكان بلدوين وخلفاؤه فيما يظهر ولاة على حبرون فحسب، وكانوا بادئ الأمر تابعين لصاحب الكرك. وجعلت مدينة حبرون أسقفية عام 1168. ويقول على الهروى الذي زار بيت المقدس والخليل عام 567 هـ (1171 - 1172 م) إنه تعرف بفارس نصراني في بيت لحم كان قد زار وهو في صحبة أبيه عندما كان صبيا في الثالثة عشرة من عمره، المغاور التي دفن فيها البطارقة وقد ذكر هذا الفارس أن هذه المغاور جددها فارس يدعى جفرى بن حرج بأمر من الملك بردويل (بلدوين الثاني). ولعل هذا الملك هو الذي دعا إلى إقامة المبانى التي تقوم حول الحرم، وفيها استعيض عن سقف المقصورة المستوى بعقود عليها سقوف منحدرة (انظر Hebron: Vincent ص 166) وانتقلت الخليل مرة أخرى إلى حوزة العرب بعد وقعة حطين. ويذهب مجير الدين (طبعة بولاق، ص 56 من أسفل، ترجمة Sauvaire ص 16) إلى قول يمكن أن يكون صحيحًا (انظر Heb-: Vincent ron كتابه المذكور، ص 242 - 250) وهو أن المنبر الذي يقوم إلى جانب المحراب بالحرم كان في الأصل هبة قدمها الخليفة الفاطمى المستنصر عام 484 هـ (1091 - 1092 م) لمشهد الحسين بن علي رضي الله عنه بعسقلان كما جاء في إحدى الكتابات الكوفية الباقية إلى اليوم، وأن صلاح الدين أمر بنقله إلى الخليل ووضعه في الحرم. والظاهر أن ذلك كان عام 588 هـ (1192 م) بعد إزالة أسوار

عسقلان (انظر Berchem في Festschrift Eduard Sachau gewidment برلين 1915، ص 298 - 310 Hebron: Vincent، ص 219 - 250). وانتقلت مدينة الخليل بعد وفاة صلاح الدين إلى يدي الناصر داود صاحب الكرك، والواقع أن جيوش السلطان الصالح أيوب قد انتزعت هذه المدينة من الناصر هي وغيرها من المدن عام 1244 , ولكنه استعادها في العام التالي بمساعدة الخوارزمية. ولدينا من هذا العهد وصفان مفصلان للحرم، أحدهما لأبي الفداء إسحاق الخليل كتبه عام 1251 ونقله السيوطي عنه عام 1470 م ومجير الدين عام 1496، والثاني لابن بطوطة الذي زار الخليل عام 1355. ويؤيد ابن بطوطة صحة موقع مقابر البطارقة في حين يشك آخرون في ذلك مثل مواطنه العبدري (انظر ما أسلفنا بيانه). ونقل إسحاق الحبرونى قصة عن محمَّد ابن بكران الخطيب (320 هـ = 932 م) أحد خدام مسجد إبراهيم عليه السلام وذكر مراحل إسنادها وقد رويت هذه القصة التي ذكرها الحبرونى من قبل بروايات أقصر من ذلك في كتاب علي الهروى. وقد جاء فيها على لسان أبي بكر الإسكافي، الذي كانت له أفضال على هذا الضريح، كيف تيسر له الوصول إلى مغارة الدفن نزولا على رغبته، وأن الهبوط إليها اقتضاه نزول اثنتين وسبعين درجة، ومع ذلك فإن من الجلى أن تفاصيل هذه القصة مختلقة. ومحمد بن بكران هذا هو مصدر تلك الترجمة الخيالية التي قام بها أحد فقهاء حلب لكتابة يونانية لا تزال باقية (انظر altchristl. Ba-Mader siliken ص 135 تعليق رقم 3؛ - Vin Hebron: cent ص 160 وما بعدها). واستولى المغل على مدينة الخليل عام 1260 , ولكن بيبرس أخرجهم منها في هذا العام نفسه. وزار بيبرس هذه المدينة في مايو سنة 1266 عندما ولى السلطنة المصرية، وكان محرما على اليهود والنصارى في ذلك الوقت دخول الحرم (Gesch. Konigr Je-: Rohrricht rusalem ص 929).

وأمر بيبرس به. عادة بناء المسجد عام 1267، وإعادة بناء المدينة عام 1268 (المقريزى ترجمة Quatremere جـ 2، ص 48، 51). ولا يمكن أن تشير هذه الرواية إلا إلى بعض التعديلات المعمارية اليسيرة التي أدخلت على الحرم (Vincent: كتابه المذكور ص 109) وأدخل السلطان قلاوون أيضا (1279 - 1290) شيئًا من الزخرفة كما طلى الأسوار في أجزاء مختلفة من الحرم، نستدل على ذلك من النقوش التي تركها في الخليل. ويذكر لنا مجير الدين أيضا بعض المعلومات الأخرى عن أعمال التجميل والتعديلات المعمارية التي أدخلت على بناء الضريح على يد تنكز نائب الشام وأحد معاصري أبي الفداء، فقد غطى الواجهات الأربع الداخلية للمسجد بالمرمر عام 732 هـ الموافق 1331 - 1332 م (انظر Z.D.P.V.: Berchem سنة 1896 , جـ 19، ص 111 وما بعدها) وأحدث السلطان برقوق أيضا تغييرات كبيرة في الحرم بإيحاء شهاب الدين أحمد اليغمورى والي بيت المقدس والخليل وحارس الضريحين. ففي عام 796 هـ (1394 م) لم يكتف برقوق بإقامة محراب جديد للمالكية في مسجد النساء بل أقام أيضًا بابًا جديدًا في الجانب الغربي للكنيسة الرومية القديمة خلف قبر إبراهيم مباشرة، كما شيد بابا آخر في السور الغربيّ للحرم فيما يعرف بحائط سليمان، وهذا الباب قريب من مقام يوسف. وقد قام السلطان الناصر حسن (1347 - 1361 م) ببناء هذا المقام علاوة على القلعة التي أقيمت في العصور الوسطى، وأصبحت فيما بعد مدرسة. ويقع مدخلها قبالة عين الطواشى. وأمر اليغمورى ببناء قبة فوق المقام شبيهة بالقباب التي فوق القبور التي في داخل الحرم. وفي عهد السلطان محمَّد الناصر (1293 - 1341 م) شيد الأمير سنجر الجاولى عام 718 - 720 هـ (1318 - 1320 م)، في الجوانب الصخرية من جبل جعابرة المسجد الذي يقوم قبالة السور الشمالى الشرقى

للحرم، والذي سمى باسم الجاولية نسبة إليه. وكان للسلطان الملك الأشرف، والسلطان إينال (559 هـ = 1454 م)، والسلطان الظاهر خشقدم (867 هـ = 1462 - 1463 م) وهم من سلاطين المماليك، أياد بيضاء على الحرم ومسجد الجاولية. ولا نعرف شيئًا أكثر من ذلك عن تاريخ الخليل وعن عمارة الحرم بعد عام 951 هـ (1496 م) وهو العام الذي كتب فيه مجير الدين كتابه. ومن المحتمل أن تكون عمارة الحرم قد تمت حوالي ذلك الوقت. وليس لدينا من عهد الحكم التركى، ومدته أربعمائة عام (1517 - 1917) علاوة على الإشارات التي ذكرها الرحالة الغربيون، سوى كتابات قليلة ترجع إلى السنوات من 1008 هـ (1599 - 1600 م) إلى 1313 هـ (1895 - 1896 م) من عهد عبد الحميد) Vincent: كتابه المذكور، ص 206، صورة رقم 79). وتتكون مدينة الخليل الحديثة من الأحياء السبعة: حارة الشيخ (أي الشيخ على بكا) وحارة باب الزاوية، وحارة القزازين، وحارة العَقَّابى، وحارة الحرم، وحارة المُشَاركة، وحارة القَيْطون. وتقع المدينة في وادى الخليل، بين تلال الرميدة التي تقوم عليها المدينة القديمة ونهر (أبو الرمان) في الجنوب الغربي، وجبل جعابرة في الشمال الشرقى. وبلغ عدد سكان الخليل عام 1921: 17 ألف نسمة منهم 1500 من اليهود. والحرم هو أهم عمائر الخليل. ولم يتيسر لفنسنت Vincent والكابتن ماكاى Mackay التوسع في التنقيب عن آثارها والكشف عن خطة عمائرها إلا في الأسبوع من 26 يناير إلى 3 فبراير سنة 1920 بعد أن قام الميجور Rich mond ريشموند عالم الآثار الفرنسى بالأعمال التمهيدية لذلك. ويقال إن قبور البطارقة واقعة تحت الحرم كما جاء في رواية قديمة، هذا ولم يكشف بعد عن هذه القبور. المصادر: (1) المكتبة الجغرافية العربية، جـ 1، ص 57؛ جـ 2، ص 113؛ جـ 3، ص 172.

(2) ناصر خسرو: سفر نامه، طبعة شيفر Scefer , ص 53 - 58 وطبعة كوبانى، ص 46 - 49, برلين 1923. (3) الإدريسى في Z.D.P.V جـ 8 (النص) ص 9؛ الترجمة، ص 127. (4) على الهروى، ترجمة شيفر في Archives de L'Orient Latin جـ 1، ص 606 وما بعدها وفي ياقوت، جـ 2، ص 468. (5) الطبرى، طبعة ده غوى، جـ 1، ص 343 , 349 , 371. (6) ابن الأثير: الكامل، طبعة تورنبرغ، جـ 10، ص 484. (7) ياقوت: المعجم، طبعة فستنفلد، جـ 2، ص 194. (8) صفي الدين: مراصد الاطلاع، طبعة Juynboll جـ 1، ص 284. (9) ابن بطوطة، طبعة باريس، جـ 1، ص 119 وما بعدها. (10) السيوطي (عن إسحاق الخليلي) في Le Strange: مجلة الجمعية الأسيوية الملكية المجموعة الجديدة، جـ 19، ص 289 وما بعدها. (11) خليل الظاهرى: زبدة كشف الممالك، طبعة Ravaisse, ص 24 , الترجمة بقلم R.Hartmann ص 33 وما بعدها. (12) القلقشندى، صبح الأعشى، جـ 4، ص 103. (13) La: Gaudeferoy - Demombynes .. Syrie، ص 62. (14) مجير الدين: كتاب الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل, بولاق، سنة 1283 , ترجمة sauvaire بعنوان Histoire de Jerusalem et d'Hebron باريس 1876. (15) Palestine under the: Le Strange Moslems, ص 309 - 327. (16) Hist. des Sultans: Quatremere Mamlouks جـ 1، القسم الثاني ص 239 - 252. (17) Hebron et le tombeau: Barges du Patriarche Abraham باريس 1863. (18) Riant في Archives de l'or. Latin جـ 2 (سنة 1884) , ص 411 - 421 , ونجد في ص 412 ثبتا بأسماء

الخليل بن أحمد

من زاروا الحرم من عام 1087 إلى 1882. (19) Conder في Quarterly State ment of the P.E.F 1882, ص 197 - 214. (20) المؤلف نفسه في Survey of Western Palestine Memoirs جـ 3، ص 333 - 346. (21) Altchristliche Basi-: Mader liken ... في Studien zur Gesch. und Kultur des Altertums جـ 8، القسم 5/ 6، سنة 1918 , ص 120 - 136, المصدر الحجة هو كتاب H.Vincent and Hebron, le Haram e! -: E.J.H.Mackay Khalil. Sepulture des Patriarches باريس 1923 وبه مجموعة من الصور 1 - 28. الشنتناوى [هونيكمان E.Honigmann] الخليل بن أحمد ابن عمرو بن تميم الفراهيدى الأزدى: نحوى عربي وفقيه لغوى من أهل عمان، توفي بالبصرة بين عامى 170 و 175 هـ (786 و 791 م) بالغًا من العمر خمسًا وسبعين سنة. درس الخليل الحديث وفقه اللغة على أيوب السختيانى وعاصم الأحول والعوام بن حوشب وغيرهم. وقد تخلى الخليل عن المذهب الإباضى واعتنق مذهب أهل السنة عملا بنصيحة أستاذه أيوب. وكان الخليل رجلًا شديد الورع عاش فقيرا. ونذكر من تلاميذه: سيبويه والأصمعى والنضر بن شميل والليث بن المظفر بن نصر وغيرهم. ويتفق كتاب السير جميعًا على أن الخليل هو واضع علم العروض وقواعده في العربية. ولا تزال طريقته هي السائدة اليوم على الرغم من المحاولات الكثيرة الأخرى التي بذلت لوضع طريقة غيرها. على أنه لم يصل إلينا من مؤلفاته في هذا الموضوع سوى شواهد من أبياته وردت في رسائل مختلفة. وكان الخليل أيضا أول من صنف معجما عربيًا هو كتاب العين. والظاهر أنه رتبه على حروف الهجاء عند نحاة

السنسكريتية، وهي التي تبدأ بحروف الحلق حتى تصل إلى حروف الشفة: عين، حاء هاء، خاء، غين، قاف، كاف، جيم، شين، صاد، ضاد، سين، راء، طاء، دال، تاء، ظا، ذال، ثاء، زاى، لام، ميم، فاء، نون، واو، ألف (همزة)، (¬1) ياء. وثمة قول يقرر أن الخليل ليس هو مؤلف كتاب العين وإنما الذي ألفه هو تلميذه الليث؛ وقول آخر يذهب إلى أن النضر صنف هذا المعجم على الأساس الذي وضعه أستاذه أو أنه هو الذي أتمه. وقد يحق لنا أن نعتقد أن هذين القولين ما هما إلا محاولة للتقليل من شهرة الخليل. ومهما يكن من شيء فإنه لم يصل إلينا من هذا المعجم سوى المختصر الذي قام به أبو بكر الزبيدى الفقيه اللغوى الأندلسي (برلين Verz، رقم 6950 - 6952؛ مدريد المكتبة الأهلية، رقم 5؛ Bib! . de La Junta رقم 35، 49؛ الآستانة مكتبة كوبرللى، رقم 1574؛ Les manuscrits arabes de L'Escurial درنبورغ, الأرقام 569, 57, 571). وثمة مصنفات أخرى تنسب للخليل وصلت إلينا ولكنا نشك في صحتها أو نشك على الأقل في صحة الصورة التي وصلت بها إلينا، وهي: (1) كتاب في معنى الحروف (. Cat Cod. Arab جـ 1، ص 81، برلين، رقم 7015 - 7016). (2) كتاب شرح صرف الخليل وتوجد فقرة منه في برلين، رقم 6909. (3) كتاب فيه جملة آلات الإعراب، آيا صوفيا، رقم 4456. (4) فقرة عن تصريف الفعل، بودليانا، جـ 2. رقم 1067 , 4. المصادر: (1) الفهرست، طبعة فلوكل، جـ 1، ص 42. ¬

_ (¬1) هنا بعض الاختلاف مع ترتيب الخليل كما رواه ابن منظور (ص 7 مقدمة "لسان العرب") إذ يقول "وترتيبه العين والحاء والهاء والخاء والغين والقاف والكاف والجيم والشين والضاد والصاد والسين والزاى والطاء والدال والتاء والظاء والذال والثاء والراء واللام والنون والفاء والباء والميم والياء والواو والألف. مهدي علام

خليل بن إسحاق

(2) ابن قتيبة: كتاب المعارف، القاهرة سنة 1300 , ص 183. (3) ابن خلكان: الوفيات، القاهرة 1310, جـ 1 ص 172. (4) السمعانى: كتاب الأنساب، ليدن 1912, ورقة رقم 421. (5) النووى: تهذيب الأسماء، طبعة فستنفلد، ص 230. (6) ابن حجر: تهذيب التهذيب، حيدر آباد سنة 1325 جـ 3، رقم 312. (7) السيوطى: بغية الوعاة، القاهرة 1326, ص 243. (8) المؤلف نفسه: المزهر، بولاق سنة 1282 , جـ 1، ص 38. (9) الخزرجى: خلاصة تهذيب الكمال، القاهرة 1322 , ص 91. (10) الأنبارى: نزهة الألبا، القاهرة سنة 1294 , ص 54. (11) الدلجى: الفلاكه والمفلوكون، القاهرة سنة 1322 , ص 69. (12) ابن خلدون: المقدمة، ترجمة سلان، جـ 3، ص 314. (13) ابن تغري بردي: النجوم الزاهرة، انظر الفهرس. (14) Darstellung d. Arab.: Freytag Verskunst بون سنة 1830، ص 17 , 31 , 34. (15) Die gramm. Schulen: Flugel der Araber ليبسك سنة 1862 ص 37 وما بعدها. (16) Abhandl. z.arab.: Goldziher philologie ليدن سنة 1896 جـ 1، ص 139. (17) Gesch der.: Brockelmann arab. Litt جـ 1، ص 100. (18) Litt., Arabe: Huart ص 138. الشنتناوي [محمد بن شنب] خليل بن إسحاق ابن موسى بن شعيب أبو المودة ضياء الدين، ويكنى بابن الجندى، ويعرف في الجزائر عادة باسم سيدي خليل: فقيه مالكى عظيم من فقهاء

مصر، توفي بالقاهرة في 13 ربيع الأول عام 776 (21 أغسطس سنة 1374) أو في 767 أو 769 في رواية أخرى. درس خليل على ابن عبد الهادي والرشيدي، وعلى عبد الله المنوفي خاصة. وكان أبوه على المذهب الحنفي، ولكن خليلا اعتنق المذهب المالكي نزولا على رغبة شيخه المنوفي. فلما توفي المنوفي عام 740 هـ (1348 م) كرس خليل حياته للتعليم، ودرّس في المدرسة الشيخونية. والتحق خليل أيضا بخدمة الحرس المظفر فأسهم بذلك في انتزاع الإسكندرية من أيدى النصارى عام 767 هـ (1365 - 1366 م). واعتزل خليل الناس والعالم بعد ذلك وتفرغ للدرس والعبادة، وقد حج إلى مكة وأقام ردحًا من الزمن في المدينة. والخليل من حيث هو فقيه يشبه إمامه ابن الحاجب، فهو يمثل المدرسة الفقهية التي لم تتأثر بالشافعية إلا قليلًا، وهي المدرسة التي نشأت من امتزاج الآراء المصرية بالآراء المغربية في الفقه المالكي. وما زال كتابه المختصر أكثر الكتب الفقهية تداولا في الجزائر على الرغم من إيجازه الذي يصل إلى حد الإبهام. وقد طبع هذا الكتاب في باريس عام 1855، وتعددت طبعاته حتى عام 1883. وفي عام 1900 أخرج دلفين G. Delphin طبعة جديدة من هذا الكتاب. ونشر فانيان E. Fagnan كتاب concordances du manuel du droit بالجزائر عام 1889 معتمدًا على طبعة عام 1883. واصدر الدكتور بيرون Dr. Perron ترجمة هامة لهذا المختصر جعل فيها النص متمشيا مع الشرح وسماها Precis de Jurispr . musulm Ou Princines de legisl musulm. civile et relig. selon ke rite . malkite) باريس 1848 - 1854). وقد ظهرت منذ ذلك الوقت عدة نقول لبعض أجزاء من هذا المختصر هي: Sautayra et Du Statut personnel et des: Cherbonneau successions باريس 1873 - 1874؛ Code musulman par Khalil rite: Seignette malekite- Statut reel القسطنطينية 1878؛ Le Djihad ou Guerre: Fagnan

Sainte الجزائر 1908؛ المؤلف نفسه: mariager et repudiation, trad. avec comment, الجزائر عام 1909. ونذكر من مؤلفات خليل الأخرى: (1) التوضيح، وهو شرح على مختصر ابن الحاجب، الجزائر، المكتبة الأهلية، رقم 1077 - 1084 (2) كتاب المناسك، المتحف البريطانى، الفهرس، رقم 259، جـ 2، المكتبة الخديوية (1)، الفهرس، جـ 3، ص 184. (3) مناسك الشيخ عبد الله المنوفي، وهو سيرة لأستاذه، المكتبة الخديوية (¬1)، جـ 5، ص 159. (4) ضبط الموجهات وتعريفها، المكتبة الخديوية (1)، الفهرس، جـ 7، ص 278. المصادر: (1) السيوطي: حسن المحاضرة، القاهرة 1321 , جـ 1، ص 217. (2) المقرى: Analecte , جـ 2، ص 120. (3) ابن فرحون: الديباج، فاس سنة 1316 , ص 117. (4) أحمد بابا: نيل الابتهاج، فاس سنة 1317 , ص 95 (وقد ورد هذا الكتاب أ - في بداية الطبعة الفرنسية كتاب المختصر وترجمه إلى الفرنسية Fagnan في بداية كتابه Mariahe et repudiation ب - في كتاب ابن مريم: البستان: الجزائر عام 1325, ص 96، وترجمة Provenzali الجزائر سنة 1910, ص 104 - جـ ترجمة Vincent في Etudes sur la loi musulm باريس 1842، ص 46). (5) أحمد بابا: الكفاية، مخطوط بمدرسة الجزائر، ورقة رقم 44. (6) Le droit musulum. al-: Morand ger (rite malekite) Ses Origines, الجزائر 1913. (7) Gesch. der arab.: Brocklmann litt جـ 2، ص 83. (8) Litt arab.: Huart ص 340. (9) محمد بن شنب: Etudes sur les pers. Ment. Dens l'idiaza du cheikh Abd el-Qadir al-Fasi - باريس 1907، رقم 293. الشنتناوى (محمَّد بن شنب). ¬

_ (¬1) وهي التي تسمى الآن دار الكتب والوثائق القومية بالقاهرة.

خليل أفندي زاده

خليل أفندي زاده أحمد سعيد أفندي: من العلماء الذين ظهروا في عهد السلطان محمود الأول (1730 - 1754). وهو ابن بركلى خليل أفندي، ولى منصب قاضى عسكر الأناضول مرتين. ودرس خليل على أبيه ثم تلقى الدروس المألوفة في المدرسة، وبدأ حياته مُلا في يكى شهر عام 1135 هـ (1772 - 1723) ثم أخذ يرتقى مراتب العلماء حتى بلغ أسماها. واختير خليل شيخا للإسلام عام 1162 هـ (1749 م) ولكنه صرف عن منصبه عام 1750، بعد أن ظل فيه عشرة أشهر، لصلابته وعناده، ونفي إلى بروسه حيث توفي بها عام 1168 هـ (1754 - 1755) ودفن بالقرب من أمير سلطان. وكان خليل في نظر الناس عالما من أصحاب الأقلام مؤهلا تمام التأهل لكل ما يتطلبه منصبه. وخلف لنا خليل، علاوة على شرحه لتاريخ عينى المتوفي عام 762 , ترجمة تركية لجزء من ذلك الكتاب. واشتهر كثير من أبنائه وأحفاده بالتفقه في الدين. المصادر: (1) رفعت أفندي: دوحة المشايخ، طبعة حجرية بالآستانة في تاريخ مجهول. (2) سامى: قاموس الأعلام، الآستانة عام 1308 ك جـ 3، ص 2056. (3) ثريا: سجل عثمانى، الآستانة سنة 1311 , جـ 2، جـ 3، ص 28. الشنتناوى [منزل Th. Menzel] خمارويه ابن أحمد بن طولون، ولد عام 250 هـ (864 م) وأقامه أبوه أحمد نائبا له على مصر منذ عام 269 هـ (882 م) وعين أحمد ولده خمارويه خليفة له نزولا على رغبة قواده عندما كان في حملة له في شمال الشام، وكان ذلك قبيل وفاته بقليل إذ حضرته الوفاة في ذي القعدة عام 270 (مايو 884). أما أخوه الأكبر عباس فكان قد خرج على أبيه من قبل، ومن ثم عد رجلًا فظا لا يعول عليه. وأظهر أحمد وهو على

{فراش الموت ميلا إلى مصالحه الموفق أخي الخليفة المعتمد، وكان على جانب عظيم من القوة والنفوذ. وكان المعتمد قد أخذ ينظر عن طيب خاطر فيما اقترحه أحمد، غير أن المفاوضات لم تتم لوفاة أحمد. ذلك أن نفوذه العظيم إنما هو الذي دفع أعداءه إلى النظر في مفاوضات الصلح على أساس تعيينه حاكما على مصر والشام. ولما توقفت هذه المفاوضات ذهب اثنان من أتباع الخليفة وهما ابن كنداج، وكان قد أقيم من قبل واليًا على دمشق، وأبو الساج، والي الجزء الشمالي من أرض الجزيرة، على رأس جيوشهما إلى الشام طلبًا لمعونة الموفق، فوعد بها، وانضم إليهما والي دمشق ونزل عن أنطاكية وحلب وحمص لابن كنداج. وعندئذ أنفذ خمارويه جيشه إلى الشام فأخمد الفتنة في دمشق ثم تقدم الجيش في سيره حتى بلغ شيزر على نهر العاصى. وقد اضطر الفريقان إلى الالتجاء إلى مشتيهما بسبب حلول الشتاء. وفي ذلك الوقت بلغ أحمد بن الموفق الشام على رأس جيش الخليفة واقتحم أحمد هو وابن كنداج معاقل الجيش المصري وألحقا به هزيمة منكرة وفر الجيش إلى دمشق، فلما طرد منها لجأ إلى الرملة، غير أن أحمد تشاحن مع قائدى الخليفة فتخليا عنه، ولم يبق معه سوى أربعة آلاف رجل. وكان خماروية في الوقت ذاته قد وصل من مصر إلى الرملة على رأس جيش كبير تبلغ عدته سبعين ألف رجل على ما يقال. وتقابل الجيشان في 16 شوال عام 271 (16 أبريل عام 885) وحدثت بينهما وقعة الطواحين المشهورة إلى الشمال من يافا. ولم يكن خمارويه قد اشترك في قتال من قبل. لذلك لم يستطع المقاومة طويلا وفر راجعا إلى مصر ومعه الجزء الأكبر من جيشه. وعندئذ انقضت جيوش أحمد على معسكر المصريين وأخذوا في نهبه فتصدت لها كتيبة من الجنود المصريين كانت قد بقيت هناك للاستعانة بها عند الحاجة، فظن أحمد أن خمارويه عاد هو وجنده، ففر على عجل إلى دمشق، ولكن والي هذه المدينة قفل أبوابها في وجه جنده فذهبوا إلى طرسوس في جنوب آسية الصغرى. وقد وقع جزء كبير من هذا الجيش في الأسر، ونقل إلى مصر؛ وهنا أظهر خمارويه حبه

العجيب للإنصاف والسلام فخير الأسرى بين العودة إلى العراق دون أن يؤدوا الفدية أو المكوث في دولته. وعاد أحمد إلى أرض الجزيرة. وانتقض على خمارويه أحد قواده، ولكنه أوقع به الهزيمة، ذلك أنه كان قد استرد شجاعته، بل تمكن بفضلها من هزيمة ابن كنداج، وكان قد حمل السلاح في وجهه من قبل، ثم أخذ خمارويه آنئذ في مفاوضة الموفق، وفي عام 273 هـ (886 م) اعترف بخمارويه واليًا على مصر والشام وتخوم آسية الصغرى وأرمينية مدة ثلاثين عاما نظير جزية ضئيلة يؤديها. ونشب القتال مرة أخرى عام 273 - 277 هـ (886 - 890 م) بين خمارويه والولاة المنتقضين عليه، وانتهى بالاعتراف بخمارويه سيدًا على أرض الجزيرة أيضًا. وفي رجب عام 279 هـ (أكتوبر 893) توفي الخليفة المعتمد وخلفه أحمد بن الموفق وتلقب بالمعتضد، وقد ثبت المعتضد خمارويه في ملكه. وأراد خمارويه أن يوثق صلته بالخليفة فعرض عليه ابنته لتكون زوجا لولده، غير أن الخليفة اختارها لنفسه وتزوجها، وقد ضحى خمارويه بأموال وفيرة لبلوغ إربه هذا، ويقال إن مهر الأميرة يقدر بخمسين ألفا من الجنيهات الإنكليزية، وكان التباين بين ثراء والي أحد الأقاليم وفقر الحكومة المركزية التي يمثلها الخليفة عجيبا في هذه المناسبة، ذلك أنه كان من المستحيل على الخليفة أن يجبى الأموال من الأقاليم لأن ولاتها المستقلين قد احتفظوا لأنفسهم بكل الدخل ولم يقدموا إليه إلا جزية متواضعة، ويروى أن الأميرة عندما جاءت إلى بغداد، بحث الخليفة ورئيس خصيانه عن شمعدانات لاستقبالها الاستقبال اللائق بها, ولكن صاحب الرواية يقول إن الخليفة لم يستطع أن يجمع أكثر من خمسة شمعدانات مموهة بالذهب والفضة، ثم سمع أن الأميرة جاءت في صحبة مائة وخمسين خادما يحمل كل منهم شمعدانا مموها بالذهب والفضة وعندئذ قال لكبير الخصيان: هلم ودعنا نختفي عن العيون حتى لا يرانا الناس في هذا الفقر. وقد اشتهرت الأميرة قطر الندى بذكائها وجمالها, ولابد أنها سيطرت

على الخليفة كما نستبين من القصص والروايات، فقد قالت ذات مرة عندما دخل الخليفة غرفتها واحسرتاه لقد مات أبي. فلما سألها كيف عرفت ذلك أجابته، إنك كنت حين تقدم على تجثو على ركبتيك وتعفر جبينك بتراب الأرض تحية لي، أما الآن فلا تقول إلا طاب يومك. ومن الطبيعى أن يكون إسراف خمارويه في حياته اليومية وفي زواج ابنته قد أضر كثيرا بمالية البلاد التي يحكمها، ومن الشواهد على إسرافه الشديد على بلاطه وفي تشييد العمائر الغالية، أنه أقام في فناء قصره بركة من الزئبق ترتكز على عمد لتخفف عنه ما يلاقيه من سهاد، فقد كان يرقد فوق سطح الزئبق على وسائد مملوءة بالهواء مشدودة إلى العمد، وكانت هذه الوسائد تؤرجح برفق فينام على حركتها فوق الزئبق، وإنه لمن سوء طالع مصر بصفة خاصة أن خمارويه سقط فريسة مؤامرة حين كان لا يزال شابًا. فقد بلغه أن زوجته المحبوبة كانت تخونه مع أحد خدمه، وأراد هذا الخادم أن ينجو من العقاب فصمم على قتل مولاه فانقض عليه هو ونفر من المتآمرين وقتلوه. وصفوة القول أن خمارويه قد أفاء على بلاده عهدا من الأمن والسلام فنجت مصر من شر الحروب في عهده، إلا أنه أصابها شيء كثير من الضر نتيجة لإسرافه حتى أن أولاده الذين خلفوه فقدوا سلطانهم بإطراد، وسقطت الأسرة الطولونية عام 292 هـ (905 م). المصادر: (1) انظر مادة أحمد بن طولون حيث ذكر بها أهم المصادر كما ورد فيها بصفة خاصة نظرات نقدية معتمدة اعتمادا كبيرا على: WUstenfeld Becker (Statthalter): في كتاب Beitrage zur Geschichte C.H Agygtens جـ 2، ص 149 - 153, 182 - 192. (2) ابن الأثير: الكامل؛ جـ 7، وفي مواضع مختلفة منه. انظر الفهرس. (3) Geschichte der Chalifem: Weil جـ 2، ص 432 - 434, 468 , 481.

الخندق

(4) memoire geo-: Quatremere graphiques et historiques sur Egypte باريس 1811 , جـ 2، ص 462 - 473 (ترجمة فصل القطائع من كتاب خطط المقريزى. حيث نجد تفاصيل وافية عن حياته). (5) ابن خلكان، ترجمة ده سلان، جـ 1، ص 498 - 500. الشنتناوى [سوبر نهيم M. Sobrenhei] الخندق كلمة فارسية وعربية ومعناها الحفير (وانظر عن اشتقاق الكلمة، Studien uber die Persischen: A Siddiqi Fremdworter im Klassischen Arahisch جوتنجن 1919 , ص 73) استعارها في عهد متقدم أهل شمالى بلاد الجزيرة الذين كانوا يتحدثون بالسريانية، ذلك أنها ترد بالفعل بصيغة خندق في كتاب بني حمير (النصف الأول من القرن السادس الميلادى، طبعة موبرغ Moberg، ص 30، فصل 14) ونستخلص من ذلك أن الكلمة قد تكون آرامية استعيرت في العربية. على أن الروايات تذكر أن أول من استعملها في العربية هو سلمان الفارسي الذي أشار على النبي [- صلى الله عليه وسلم -] بأن يحفر حول المدينة خندقا يحميها من شر محاصريها سنة ست للهجرة، وهي وسيلة من وسائل الدفاع لم يكن العرب قد عرفوها بعد، وكانت شائعة بين الفرس. أما حادثة حصار المدينة في هذه السنة فقد ارتبطت منذ ذلك بكلمة خندق أو بكلمة الأحزاب، وتمدنا السيرة وغيرها من كتب التاريخ بروايات شتى عن مقدار امتداد الخندق، وعن ذلك الجزء من المدينة الذي حفر الخندق لحمايته، ويجوز لنا أن نرجح أن الخندق كان يبدأ من السوق ومن التل المعروف بـ (سلع)، ويمتد إلى الشمال والشمال الشرقى خاصة كما يتجه جزء منه إلى الجنوب. ويتردد ذكر حفر الخندق في الحديث، ذلك أن النبي [- صلى الله عليه وسلم -] نفسه قد اشترك فيه (البخاري: الجهاد، الأبواب 33 , 34, 161, مسلم: الجهاد، الأحاديث 125 - 130 وغيرها) وقد

الخنساء

ضرب صخرة كبيرة فصدعها وبرق منها برقة أضاءت ما حولها (ابن سعد جـ 4/ 1، ص 59 وما بعدها) ورويت أبيات من الرجز قالها النبي [- صلى الله عليه وسلم -] أو بعض صحابته أثناء العمل في الخندق، ومنها الدعاء المشهور الذي قيل في المهاجرين والأنصار. ويطلق الخندق أيضًا على عدد من الأماكن (انظر البلاذرى: فتوح البلدان، طبعة دى غوى، ص 85؛ ياقوت: المعجم، مادة خندق). المصادر: (1) Das Leben und die: Sprenger Lehre des Mohammad، جـ 3، ص 307، وما بعدها. (2) Mohammed: Grimme , فونستر 1892 م، جـ 1، ص 106 وما بعدها. (3) Annali dell Islam: Caetani سنة 5 هـ، ص 21 - 43. (4) Mohammed en: A. J. Wensinck de Joden to Medina,، ليدن 1908، ص 26 وما بعدها. خورشيد [فنسنك A. J. Wensinck] الخنساء اشتهرت بأنها أعظم شواعر العرب. واسمها تماضر، وهي ابنة عمرو بن الشريد من قبيلة سُليم، التي نشأ فيها زهير بن أبي سلمى الشاعر المشهور وغيره، ولا شك في أن أباها كان من ذوي الجاه والثراء، ذلك أن المرزوقى أورد في كتابه الأزمنة (طبعة حيدر آباد، جـ 3، ص 168 وما بعدها) رواية تقول إن أباها ذهب إلى سوق عكاظ مع ولديه صخر ومعاوية في سنة خمس وثلاثين من عام الفيل ومنحه معمر بن الحارث، جد جميل الشاعر، أرضا له بالوحيدة من مخلاف يثرب، وقال الأصمعي إن كتاب هذه المنحة ظل عند ولده وذلك في أيام الرشيد (¬1) ونحن إذا فرضنا أن الوثيقة صحيحة (وأنا أشك في ذلك) فإن أخوى الخنساء كانا، قبل الهجرة بخمس عشرة سنة، أي في عام ¬

_ (¬1) لم يقل الأصمعيُّ ذلك بالضبط وإنما قال: فهي باقية (أي الأرض) إلى الآن يفضى على ولده دخلها وذلك في أيام الرشيد (كتاب الأزمنة، الموضع المذكور).

607 م قد بلغا من العمر حظا يسمح لهما بمشاركة أبيهما في أعماله. ولكن ربما كان عام الفيل أسبق بكثير من التاريخ الذي يحدده له مصنفو العرب عادة. أما أقدم حادثة في حياة الخنساء ذكرها المترجمون لها فهي خطبتها لدريد بن الصمَّة -بعد أن أسن- وهو الذي قتل عام 9 هـ وكان صديقا حميما لأخيها معاوية، وتعاهدا أن يرثى أحدهما الآخر إذا مات قبله، والخنساء إذ ذاك صبية حدثة، ونحن نستطيع أن نستخلص من خطبتها هذه من أخيها أن أباها كان قد مات (¬1) ومما له دلالته أن الفتاة كان يؤذن لها في الحكم على من يخطبها في تلك العهود، فلما رأت الخنساء دريدا رفضته، بل قالت أبياتا في هجائه سخرت فيها منه ومن قبيلته، وذكرت عرضا في بيت منها أنه قد سبق لها وأن رفضت خطبة رجل آخر من بدر لا نعرف عنه غير ذلك (¬2)، وزوجت بعد ذلك من رجل من قبيلتها سليم اسمه عبد العزى (ويذهب ابن قتيبة إلى أن اسمه رواحة بن عبد العزى) فأولدها أبا شجرة عبد الله الذي كان له شأن كبير في الردة التي وقعت بعد وفاة النبي [- صلى الله عليه وسلم -]، ولم يعد إلي المدينة إلا في خلافة عمر. ولعل عبد العزى هذا مات مبكرًا، فتزوجت الخنساء من رجل آخر من قبيلتها هو مرداس بن أبي عامر، فأولدها ثلاثة بنين هم زيد ومعاوية وعمرو، وجاءت منه كذلك بابنتها عمرة وهي أصغر ولدها. ¬

_ (¬1) اكتفى الكاتب بهذه الرواية واعتمد عليها في استنتاجه وأغفل رواية أخرى تشير إلى خطبتها من أبيها، ونحن نوردها للمقابلة واستكمالا للبحث، فقد ذكر صاحب الأغاني: كانت الخنساء في أوج قُوتها لما رآها دريد بن الصمة وهو شيخ كبير، تهنأ بعيرًا لها .. وقد تبذلت فأعجبته فغدا على أبيها فخطبها إليه. . . (جـ 9، ص 11؛ جـ 13 ص 136، من طبعة الساسي). (¬2) نص البيت: أتكرهنى، هبلت على دريد ... وقد أصفحت سيد آل بدر الأغاني الموضع السابق؛ الديوان طبعه شيخو، ص 120).

ونحن نجد مشقة كبيرة في التوفيق بين التواريخ وتحديد تاريخ مولد الخنساء على وجه التقريب، ولكننا إذا ذكرنا أن ابنها أبا شجرة كان له شأن كبير في الردة عام 13 هـ، وأنه ربما كان في الثلاثين من عمره إذ ذاك على الأرجح، فإنه يجوز لنا بحق أن نفترض أن الخنساء كانت بين الأربعين والخمسين، بل لعلها كانت أسن من ذلك. ومن المحقق أن العباس بن مرادس، وهو من شعراء النبي [- صلى الله عليه وسلم -]، لم يكن ابنها، وإنما كان ولد مرداس من زوجة أخرى تزوجها قبلها. وقد حاول مرداس، وكان صاحب جد وعمل، أن يفلح هو وصاحبان من أصحابه قصباء بالقرب من عين ماء، فأرادت الجن التي تسكن هذا الموضع أن تثأر منه بقتله قتلًا بطيئا، أو قل إنه قد أصابته حمى في هذا المكان الوبئ إذا شئنا أن نكون أقرب إلى الواقع. ونقطة التحول في حياة الخنساء هي فجيعتها المزدوجة بفقد أخويها معاوية وصخر .. فإن معاوية خرج على عادة العرب ومعه ثمانية عشر رجلًا من أصحابه للإغارة على قبيلة مُرة، فاختلف في سوق عكاظ مع رجل من هذه القبيلة اسمه هاشم بن حرملة، وحاول أن يغير على أرض بني مرة فخاب سعيه وقتله دريد أخو هاشم. وأصبح لزامًا على أخيه صخر أن يثأر له، فاستطاع أول أمره أن يقتل دريدًا الذي قتل أخاه معاوية، وكان آنئذ يتماثل إلى الشفاء في بطء من أثر المبارزة (¬1). وقتل سلمى آخر هاشما أخا دريد، ولم يقتنع صخر بهذا الثأر المزدوج لأخيه فتابع غاراته على مُرة حتى أصيب بجرح قتال على يد رجل من فقعس، وهي بطن من أسد كانت متحالفة مع قبيلة مُرة فلزم داره أمدًا، وثقل على امرأته حتى أسلم للموت. وكانت هذه الأحداث كلها في الجاهلية، ولكن الخنساء عمرت إلى أن أدركت نصر الإِسلام المبين. ويروى أن الخليفة عمر وعائشة نهياها عن بكائها الذي كانت تواصله على أخويها، وبخاصة على صخر. ¬

_ (¬1) في رواية الأغاني أن الذي كان مريضا أثر الطعنة التي طعنه إياها معاوية إنما هو هاشم وليس بدريد.

وبقيت لحسن الحظ مخطوطات عدة من مراثيها، واستطعنا بفضل شيخو وجهده الذي لا يفتر، أن نحصل على نسخة كاملة غير منقوصة من أشعارها جميعًا. ومن الطبيعي أن نجد بين الشعر المدون في هذه النسخة قصائد كثيرة نحلت للخنساء لاستفاضة شهرتها بإجادة الرثاء، ومع ذلك فلسنا نشك في أصالة قصائد كثيرة أخرى، وبخاصة لأن القصائد التي لا شبهة في صحة نسبتها إليها رويت عن رجال من قبيلتها وجمعت منهم في زمن جد مبكر. ومما له دلالته أننا نجد في هذه القصائد غير المنحولة، التعبير عن المشاعر الصادقة للجاهلية، فلم يذكر فيها شيء عن الآخرة، وإنما ورد فيها أن دم القتيل لا يفتأ يطالب بثأره كما ترد د فيها الأسى على الراحل الذي لا يمكن أن يعوض، وعددت فضائله وأشيد بسجاياه. وقد عرض شيخو وجبريلى Gahrieli ورود وكناكس Rhodokanakis لسيرتها ومزايا شعرها بالنقد والبحث المستفيض حتى أصبح من اليسير علينا أن نحصل من هؤلاء الدارسين على تقدير أدنى إلى الكمال لحياتها وأدبها. ومن العسير أن نقطع برأى فيما إذا كانت الخنساء قد أضافت سمات إلى المرثية أو لم تضف، ولو أننا نكاد نقطع بأن قصائدها ألهمت عددًا كبيرًا من شعراء المراثى المتأخرين ومنهم ابنتها عمرة. أما إذا وازنا بين شعرها وشعر غيرها من أصحاب المراثى من معاصريها -وحسبى أن أذكر منهم متممًا وأبا ذؤيب- فقد حق لنا أن نعترف بأن قصائدها يعوزها ما عندهم من الجمال الشعرى؛ ولكنا نجد فيها على قصرها بالنسبة لقصائدهم حزنًا أبلغ صدقا، وإن كنا نجد فيها تكرارًا لنفس الأفكار والأنظار يبعث السآمة في النفس. المصادر: (1) Beitrage zur Kenntnis der: Noldeke altarab. Poesie، هانوفر 1864. (2) الديوان، طبعة شيخو، بيروت 1889. (3) شرح الديوان Commentaire sur le Diwan d'al Khansae طبعة شيخو، بيروت 1895. (4) I tempri. la vitae it Can-: Gabrieli zoniere della Poetessa al-Hansae فلورنسة 1899.

الخوارج

(5) al- Hansae und: N.Rhodokanakis ihre Trauertieder, S.B. AK. Wien 1904. (6) Le Diwan d' al-: Coppier Khansae ترجمة pere de coppier بيروت 1889. (7) الجمحي: الطبقات, ص 48 , 51. (8) كتاب الأغاني، جـ 13؛ ص 136 وما بعدها. (9) الطبري، جـ 1، ص 1905 وما بعدها. (10) ابن قتيبة: كتاب الشعر والشعراء، طبعة ده غوى، ص 197 وما بعدها -تضاف إلى ذلك أشعار للخنساء وأخبار عنها موجودة في جميع المصنفات التي تعالج الشعر العربي القديم تقريبا من الحماسة وكتاب الأغاني إلى المصنفات التي صنفت بعدهما كما توجد قصائد مفردات لها مترجمة في عدة دواوين أوربية للشعر الشرقى وذلك قبل ظهور طبعة شيخو لديوانها. يونس [كرنكوف F.Krenk] الخوارج (كلمة عربية، مفردها خارجي) هم أتباع أقدم الفرق الإِسلامية، وترجع أهمية الخوارج بنوع خاص، إلى أقوالهم في نظرية الخلافة، وفي الإِسلام الصحيح وهل يكون بالإيمان أو بالعمل. هذا من ناحية تطور الاعتقاد. أما من ناحية تطور التاريخ السياسى فإن الدور الذي نهضوا به قد عكر السلام في الجزء الشرقى من الإمبراطورية الإِسلامية في السنتين الأخيرتين من خلافة علي وفي عهد الدولة الأموية، ويسر السبيل عن غير قصد منهم إلى فوز معاوية على علي ثم إلى فوز العباسيين على الأمويين من بعد، ذلك أنهم أثاروا فتنًا متصلة انتهت في كثير من الأحيان بغلبتهم على ولايات بأسرها إلى حين. 1 - أصول حركة الخوارج: تفرقت كلمة المسلمين باقتراح معاوية على عليّ إبان وقعة صفين (صفر عام 37 هـ = يولية عام 657 م) أن يحتكما إلى حكمين يعتمدان في حكمهما على القرآن، ليحسما الخلاف الذي نشأ عن

مقتل عثمان وأدى إلى اقتتالهما؛ فبادر أكثر جند علي إلى قبول هذا الاقتراح. بيد أن فريقا واحدًا من المحاربين، معظمهم من قبيلة تميم، عارضوا بعنف تحكيم الرجال في حكم الله، وجاهروا بالاحتجاج قائلين: "لا حكم إلا لله"، ثم تركوا الجيش وانسحبوا إلى قرية حَرُوراء غير بعيد من الكوفة، وأمروا عليهم رجلًا من الجند مغمورًا، هو عبد الله بن وهب الراسبى وسمى هؤلاء الخوارج الأوائل بالحروريَّة أو المحكمة (أي الذين يقولون "لا حكم إلا بالله" انظر R. S. O. جـ 8، ص 879 , تعليق 1). وقد توسع في مدلول هذا اللفظ في كثير من الأحيان فأطلق على الخوارج المتأخرين أيضًا. وأخذت هذه الطائفة القليلة من الناس تتزايد وبخاصة لأن التحكيم قد انتهى إلى حكم يناقض كل المناقضة ما توقعه القراء (ولعل ذلك كان في رمضان أو شوال من عام 37 هـ = فبراير أو مارس من عام 658 م). وخرج في هذه المناسبة سرًا من الكوفة (وهي البلدة التي كان الجيش قد شخص إليها أثناء الهدنة كثيرون من أتباع علي، بينهم عدد من القراء لينضموا إلى عسكر ابن وهب، وكان قد ذهب إلى كورة جَوْخَى على الضفة اليسرى لنهر دجلة وتخير منها موضعا يشرف على مخارج الطرق من فارس ورأس الجسر، وهو موضع كانت تقوم عليه بليدة بغداد التي أصبحت فيما بعد حاضرة الخلافة. وكان عسكر العصاة على طول ترعة نهروان. وخروجهم هذا من الكوفة هو السبب في تسميتهم بالخوارج (أي الذين خرجوا) وهو أرجح من القول بأن التسمية مأخوذة من صفة عامة تسمهم بأنهم الذين خرجوا على الجماعة، وهو التفسير الذي فسر به الاسم فيما بعد في عصر جد متقدم (انظر اسم الفرقة اليهودية الفريسية التي يشتق اسمها und Ursprung: Meyer Anfange des Christentums جـ 2، ص 283 - 284 من حادثة انفصال أتباعها عن أتباع يهوذا مقابيوس Judas Macchabeus في عام 163 ق. م. وهي

الحادثة التي أوردها تأييدا لتفسيره اسم الخوارج). وقد أطلق على هؤلاء الخوارج الأوائل اسم آخر (وقد توسع في معناه كذلك حتى انسحب على خلفهم، ويظهر أنه الاسم الذي أطلقوه على أنفسهم) هو الشُراة (وهو جمع شار) أي الذين يشرون أنفسهم ابتغاء مرضاة الله. وسرعان ما ظهرت مغالاة الخوارج في التعصب في سلسلة من الأقوال المتطرفة والأعمال الإرهابية: فقد قالوا بعدم أحقية علي للخلافة، كما طعنوا في مسلك عثمان وأبوا الثأر لمقتله. بل تجاوزوا ذلك فوصموا بالكفر والارتداد عن الدين من لا يجاريهم في التبرؤ من على وعثمان، ثم اقترفوا بعد ذلك كثيرًا من جرائم القتل ولم يبقوا في ذلك على النساء. وقويت شوكة الجيش الخارجى شيئًا فشيئا بتزايد العناصر المتشددة المشاغبة، ومن بينها عدد من غير العرب اجتذبهم مبدأ المساواة بين الشعوب في الاعتقاد، وهو المبدأ الذي قال به الخوارج وتمهل علي حتى ذلك الوقت عن مواجهة العصاة تجنبا لنشوب القتال في ساقته، إذ كان عليه أن يواجه جيش معاوية، ثم اضطر بعد الصدع الذي أحدثته مقدمات الصلح إلى أن يتخذ عدته للقضاء على الخطر المستشري، فهاجم الخوارج في معسكرهم، وألحق بهم هزيمة منكرة قتل فيها ابن وهب وأكثر أتباعه (وقعة النهروان في 9 صفر عام 38 هـ = 17 يوليه 658 م) ولكن النصر أبهظ عليا، ذلك أنه لم يقض على الفتنة القضاء المبرم، فظهرت في سلسلة من الفتن المحلية عامي 39، 40 هـ، بل كانت سببًا في استشهاده, فقد قتل بسيف خارجى يدعى عبد الرحمن بن ملجم المرادى وهو زوج امرأة فقدت معظم أهلها يوم النهروان. ويكاد يكون من المحقق أن الرواية التي تذهب إلى أن الخوارج تآمروا على قتل عليِّ ومعاوية وعمرو بن العاص والي مصر رواية منحولة. ويجب أن نلاحظ أن روايات مؤرخى العرب عن أصل حركة الخوارج مضطربة ومتناقضة. ويظهر

2 - حروب الخوارج في العصر الأموي

أنها لم تفطن إلى العلاقة الحقيقية بين هذه الحركة وبين التحكيم، فنحن نجد من ناحية أخرى أن طبيعة هذا التحكيم وتاريخه غير محققين، والتصحيح الذي ورد آنفا هو رأى كاتب هذه المادة، وهو يخالف به رأى فلهاوزن Wellhauzen (اتبعه في هذا الرأى لامانس Lammens وكايتانى Caetani) الذي ظن أن فتنة الخوارج والتحكيم ينفصل أحدهما عن الآخر، بل إنه يؤرخ وقعة النهروان قبل حكم الحكمين. 2 - حروب الخوارج في العصر الأموي وأعقبت إدارة معاوية الحكيمة النشيطة إدارة على، فمنعت ثورة الخوارج من الاندلاع ولكنها عجزت عن إخمادها عجزها عن كبح مشاعر الشيعة وأطماحهم. وتذكر مصادرنا عدة فتن شبت في الكوفة والبصرة إبان السنوات العشرين التي استخلف فيها معاوية (40 - 60 هـ = 660 - 680 م) ولكنها سرعان ما أخمدت، ولم يكن لها من ثمرة إلا مضاعفة عدد الشهداء الذين أصبح تقديسهم والثأر لهم من سمات حركة الخوارج. وكانت البصرة بخاصة إبان ولاية زياد بن أبيه وابنه عبيد الله مسرح أكثر الفتن وإخمادها. وكانت هذه الفتن -وأشدها هولا تلك التي قام بها مرداس بن أدية التميمي أبو بلال- هي التي قررت خطط الخوارج في القتال، وكانت غاراتهم إلى ذلك العهد بحرب العصابات أشبه، ويرجع معظم الفضل في انتصاراتهم إلى سرعة فرسانهم، وهي السرعة التي أصبحت بعد قليل أسطورة من الأساطير (وقد حفظت أسماء بعض خيلهم في المصنفات العربية عن الخيل) وكانوا يتحركون فجأة لا يتوقعهم أحد، ويكتسحون البلاد، ويباغتون المدن غير الحصينة، ثم ينسحبون مسرعين تخلصا من مطاردة جيش الدولة لهم. وكانت المواضع التي يتجمع فيها الخوارج هي البطائح حول البصرة وحول جَوْخَى على الضفة اليسرى لنهر دجلة حيث نشأت حركتهم، ومنها يستطيعون إذا هزموا الاستيلاء توًا على النجاد الإيرانية.

ولم تتسع حركة الخوارج اتساعًا خطيرًا إلا في إبان الاضطراب الشامل الذي نشأ من الفتنة الكبرى التي أعقبت وفاة يزيد بن معاوية، وكانت هذه الحركة أهم العوامل التي أوهنت من قبضة عبد الله بن الزبير المطالب بالخلافة على الربوع التي استطاع أن يخضعها لسلطانه أول الأمر، فلما قضى على عبد الله بن الزبير اضطر عمال بني أمية إلى خوض غمار صراع عنيف مع هؤلاء العصاة العتاة الذين كانوا أعداء لعبد الله بن الزبير وللأمويين على حد سواء. ومن ذلك الوقت أخذنا تميز بين الخوارج شعبا أشبه بالشعب السياسية وشعبا أشبه بالشعب الدينية، وليس أصلها واضحا على الإطلاق. ولعل الرواية التي تجعلهم يظهرون فجأة بالبصرة عند وفاة يزيد، قد غيرت السياق الحقيقي للحوادث. ومهما يكن من شيء فنحن نجد الخوارج منذ ذاك يقومون في الجانب الشرقى بأسره من الدولة الإسلامية (وكانت بلاد الشام بنجوة منهم دائما ولم تعرفهم إفريقية إلا في عهد العباسيين) بفتن خطيرة ويعقدون اللواء في كل فتنة منها لأفراد نسب إليهم: الأزارقة والأباضية، والأفضل أن تنطق إباضية، والصُفرية وكانت أخطر هذه الفتن على وحدة الدولة الإِسلامية وأهولها, لما اتسمت به من وحشية لا تهون ولا تلين، هي من غير شك تلك الفتنة التي حمل لواءها نافع بن الأزرق والتي مكنت الخوارج من السيطرة إلى حين على كرمان وفارس وغيرهما من الولايات الشرقية، وبذلك أصبحوا مصدر خطر دائم على البصرة وما حولها. ولم يتغلب على هذه الفتنة إلا المهلب بن أبي صفرة أولًا، والحجاج بن يوسف ثانيا -في عام 78 أو 79 هـ (698 أو 699 م) - بعد جهد دام سنوات طوالًا، وانتهى بهزيمة آخر قواد الأزارقة وأعظمهم شأنا وهو قطرى بن الفجاءة المقدام وموته. وثمة فتنة كانت أقل من هذه خطرًا وأضيق رقعة، وإن كانت قد بلغت في استعصائها مبلغ فتنة الأزارقة، هي تلك الفتنة التي

نسبت إلى شبيب بن يزيد الشيبانيّ (76 - 77 هـ = 696 - 697 م) ولم يكن هو البادئ بها, ولكنه كان أبرز قوادها. بدأت هذه الفتنة في نجاد دجلة بين ماردين ونصيبين، وكان هدفها فتح الكوفة وتخريبها. ونشر أتباع شبيب الفزع في العراق بأسره، وكانوا يتقدمون في فرق صغيرة من مئات الفرسان، ويلتف بهم في كثير من الأحيان زمر من الساخطين، فأوقعوا الهزيمة بجنود الحجاج مرات، ولم يقض عليهم إلا بمدد من كتائب مختارة استدعيت من الشآم. ولقى شبيب حتفه، وغرق في دجيل وهو يحاول بلوغ كرمان. وكان خلفاؤه مصدر قلق لعمال يزيد بن الوليد وهشام، ولكنهم لم يكونوا من بعد قط خطرًا داهما يهدد الدولة. وكانت جزيرة العرب مسرحا لجهود الخوارج، ففي عهد ابن الزبير، أي بين عامى 65 هـ (684/ 685 م) و 72 هـ (691/ 692 م) استولى قوادهم أبو طالوت ونَجْبَة بن عامر وأبو فديك، على اليمامة ثم على حضرموت ثم على اليمن ومدينة الطائف. ولم يمنعهم من الاستيلاء على مكة والمدينة إلا خوفهم من إثارة الريب في دينهم، وإنما قضى عليهم بعد تدخل الحجاج، وإن خلفوا وراءهم بذور الحركات التي قامت بعد ذلك وبخاصة في الجانب الشرقى من الجزيرة. وقد استطاع الحجاج بقدرته أن يكسر شوكة الخوارج، فبدا أن مذهبهم قد قضى عليه القضاء المبرم. وثمة عامل آخر شارك كثيرا في القضاء على هذا المذهب ألا وهو تعصب الثوار وعدم تسامحهم، فقد انتهت خلافاتهم الدينية بتصدع كيانهم، وكانت هذه الخلافات تفضى في بعض الأحيان إلى إقصاء أقدر قوادهم بحجة أنه عجز في مناسبة من المناسبات عن اتباع مبادئهم الصارمة التي كانوا لا يحيدون عنها قيد أنملة. وهناك سبب ثالث من أسباب ضعفهم يمكن أن نلاحظه في المنازعات الدائمة التي اشتجرت بين العرب والموالي، فكانت لها نتائج وخيمة

3 - مذاهب الخوارج السياسية والدينية

وخاصة على فلول الأزارقة بعد موت قطرى بن الفجاءة. ولكن الخوارج عادوا فرفعوا رءوسهم مرة أخرى عندما تصدعت الحكومة المركزية تصدعًا لا يرجى رأبه في عهد أواخر خلفاء بني أمية، وتابعوا غاراتهم، ولم يكونوا في هذه المرة فرقا صغيرة، وإنما كانوا كتائب كبيرة. وأشد فتن هذا العهد هما الفتنتان اللتان قام بإحداهما الضحاك ابن قيس الشيبانيّ في الجزيرة والعراق، وقام بالأخرى عبد الله بن يحيى الملقب بطالب الحق، وأبو حمزة، في جزيرة العرب (وفي خلالها احتلت المدينة ذاتها) وانتهت كلتاهما بالهزيمة، بيد أنه من الحق أن نقول إن ما نشرتاه من الفوضى قوض أركان الجانب الشرقى من الدولة الأموية، وأعان فتنة العباسيين على التسلل في يسر إلى قلب الدولة. ويمكن أن يقال إن حركة الخوارج أيام الخلافة العباسية كانت قد انقرضت فعلًا من العراق وما جاوره، اللهم إلا فتنًا محلية قليلة سرعان ما أخمدت، وعاد مذهب الخوارج غير ذي خطر جدى، فقد غدا مجرد فرقة من الفرق الدينية ليس لها نشاط حيوى ملحوظ أو انتشار واسع. ولكننا نجد في الجانب الشرقى من جزيرة العرب وفي شمالي إفريقية، ثم في الساحل الشرقي لإفريقية من بعد فرعا من الفروع الأساسية للخوارج، ألا وهو الإباضية (أباضية). وكان للإباضية شأن هام في السياسة، بيد أن مكانتهم الدينية بقيت حتى بعد انتهاء شأنهم السياسى، وهم يعيشون إلى يومنا بعقائدهم وشعائرهم وشرائعهم الخاصة بهم. 3 - مذاهب الخوارج السياسية والدينية لم تكن للخوارج قط -كما رأينا- أية وحدة حقيقية في أعمالهم السياسية أو العسكرية، ولم تكن لهم كذلك مجموعة متسقة من المبادئ. وتظهر لنا مذاهبهم وكأنها آراء خاصة تقول بها فروع من الخوارج قائمة برأسها (وتذكر كتب الملل عشرين شعبة على

الأقل من الخوارج بينها فرق وفروع) يمثل بعضها مذاهب دينية وحركات سياسية ذات طابع جماعى في آن واحد، ويعبر بعضها الآخر عن خلاف نفر من علمائهم في الرأى فحسب. ولكنهم يجمعون على مبدأ واحد: هو الذي يعالج مسألة الخلافة، وهي المسألة التي يبدأ عندها تشعب جميع الفرق في الإِسلام. وفي هذه المسألة يعارض الخوارج الشيعة في قصر الإمامة على أبناء على، كما يعارضون المرجئة في توقفهم عن الحكم فيها. وهم يقولون من ناحية بما أسماه فلهاوزن بحق "الخروج على السلطان nonconformity" أو بعبارة أخرى إن على المؤمنين أن يخرجوا على الإِمام إذا غير السيرة وعدل عن الحق ويخلعوه (بهذا يبررون تركهم عليا بعد قبوله التحكيم) ويصرحون من ناحية أخرى بأن كل مؤمن غير متهم في دينه أو خلقه يستطيع ببيعة الجماعة أن يبلغ الإمامة الكبرى "ولو كان عبدًا" ونتج عن ذلك أن نادوا بكل زعيم من زعمائهم "أميرًا للمؤمنين"، وإن افتقروا جميعًا إلى النسب القرشي افتقارهم إلى غيره من شروط الإمامة. ولم يقروا بالخلافة لغير أمرائهم، إلا لأبي بكر وعمر وعثمان، في السنوات الست الأولى من خلافته، وعلى حتى وقعة صفين. وللخوارج في الاعتقاد أصل آخر، هو الإنكار المطلق للإيمان بلا عمل، وهم يغالون في تشددهم في الدين إلى حد تكفير صاحب الكبيرة، ويعدونه مرتدًا. ويقول غلاتهم -ويمثلهم الأزارقة- إن كل مرتد على هذا النحو لا يقبل إسلامه من بعد قط، ويجب قتله هو وأزواجه وأولاده. وكان من الطبيعى أن يحكم الخوارج على غيرهم من المسلمين بالارتداد عن الدين، وهو مذهب الاستعراض الذي طبق منذ ظهر الخوارج وقبل أن يتخذ صيغته الفقهية، وكان أبلغ تطبيق له في حرب الأزارقة. وهذا المذهب الوحشى يناقضه إلى حد عجيب، وإن لم يخرج عن حدود المنطق، ما أظهره الخوارج نحو غير المسلمين من تسامح بالغت بعض فرقهم فيه إلى حد التسوية في كل شيء بين المسلمين واليهود والنصارى إذا عدلوا الشهادة وقالوا: ". . إن محمدًا رسول الله إلى

العرب لا إلينا" وتوسع فقيه من فقهاء الخوارج هو يزيد بن أبي أنيسة (مؤسس اليزيدية) في التسوية بين العرب والموالى (وهذا المذهب كان بالفعل ثمرة موقفهم من مسألة الإمامة). وتمتد الطهرية المأثورة عن الخوارج في تصورهم للدولة وفي فكرتهم عن الإيمان, إلى مبادئ الأخلاق، فلا تصح العبادات عندهم إلا بطهارة القلب التي تستتبع بالضرورة طهارة البدن. وإذا تركنا المبادئ العامة وبعض الملابسات الخاصة فإننا لا نعرف فقه الخوارج وعقائدهم في مجموعها إلا عند الإباضية، فقد حافظ بقاؤهم إلى يومنا هذا على عرفهم الديني صحيحا سليما، فهم من ناحية والصفرية من ناحية أخرى أصحاب مذهب معتدل بالقياس إلى مذاهب غيرهم من الخوارج، وتأثرت آراؤهم الحالية بعض الشيء في الإيمان والفقه على السواء، المذاهب الإِسلامية الأخرى. وقد لاحظ الدارسون حديثا (نللينو C. A. Nallino: R. S. O. جـ 7، ص 455 - 461) العلاقة الوثيقة بين عقائد الإباضية وعقائد المعتزلة. ويمكن أن نقول أيضًا إن المعتزلة استوحوا الخوارج في بعض المسائل. ولا شك في صحة ما قاله فلهاوزن من أن مذهب الخوارج كان له شأن خطير في تطور علم الكلام بطريق مباشر، أو بتشجيعه على إمعان النظر في مسائل الاعتقاد. ومذهب الخوارج فيما يبدو لنا حركة شعبية في أصولها, ولكننا يجب أن نلزم جانب الحرص فلا يذهب بنا الظن إلى أنه يفتقر إلى النظر العقلى. بل إن الأمر على عكس ذلك، إذ لا شك في أن تحرر هذا المذهب الذي يبلغ مبلغ التطرف قد اجتذب كثيرين من ذوى العقول النيرة، مثله في ذلك مثل غيره من المذاهب في عصور أخرى وبلاد أخرى. فقد قيل إن بعض العلماء والأدباء، في أيام العباسيين الأولين بخاصة، قد اعتنقوا آراء الخوارج متأثرين بثقافة هذا العهد المتشككة ومعارضين لها في آن واحد، ولم

يمنعهم ذلك من مخالطة علية القوم أو يحرمهم من عطف الخليفة. وأشهر هؤلاء المستسرين لمذهب الخوارج هو الفيلسوف المعروف أبو عبيدة معمر بن المثنى. فقد روى ابن خلكان حكاية لاذعة تدل على تعصبه في القول على الأقل (جـ 1، ص 107، طبعة 1310, ويجب أن يصحح الشاهد الشعرى الذي أورده على أمالى المرتضى جـ 3، ص 88 - 89) (¬1) وللخوارج شعر وفصاحة، لأن أكثر قوادهم -وخصوصا في عهدهم الأول- كانوا ينتسبون إلى البدو من جند الكوفة والبصرة. وقد جمعت الخطب التي قالها زعماؤهم. يزودنا ما بقى منها بصورة بارعة عن أقوالهم كما يزودنا بفكرة طيبة عن ملكتهم في الخطابة. وبين أيدينا عدة شواهد من شعرهم بعامة (وقد جمعت أيضا في دواوين خاصة) وشعر عمران بن حطان بخاصة (وهو الذي يعد في الوقت نفسه من مؤسسى فقه الخوارج) وقد أورد الجاحظ (البيان والتبيين، 1313 هـ, جـ 1 ص 131 - 133؛ جـ 2، ص 126 - 127) ثبتا طويلا بخطباء الخوارج وشعرائهم وفقهائهم. وسجلت حروب الخوارج منذ بداية التأريخ العربي في مصنفات عدة لم تصل إلينا بنصها الكامل، ولكننا نعرف مادة أهمها -ومن بينها مصنفات لأبي مخنف وأبي عبيدة والمدائني- من الفقرات التي ذكرت في المصادر التاريخية التي نوردها بعد. ¬

_ (¬1) يشير الكاتب إلى ما رواه السيد المرتضى في أماليه ". . أخبرنا أبو حاتم قال: كان أبو عبيدة معمر بن المثنى صفريا، وكان يكتم ذلك .. وقال الثورى: كنت إذا أردت أن أبسط أبا عبيدة ذكرته بأخبار الخوارج فأبعج منه ثبج بحر فجئته يوما وهو مطرق ينكث في الأرض في صحن المسجد وقد قربت منه الشمس فسلمت عليه فلم يرد، فتمثلت: وما للمرء خير في حياة ... إذا ما عد من سقط المتاع والبيت لقطرى بن الفجاءة. فنظر إلى ثم قال: ويحك أتدرى من يقوله؟ قلت: قطرى. قال: اسكت فض الله فاك. فإلا قلت أمير المؤمنين أبو نعامة. ثم انتبه فقال اكتمها على ياثورى. فقلت: هي ابنة الأرض .. ) (مهدي علام)

المصادر: القسمان 1 , 2: (1) المبرد: الكامل، طبعة رايت في مواضع متفرقة (والمادة مبعثرة في هذا المصدر دون سياق أو نظام، وهي تضيف مراجع أدبية وتاريخية كثيرة إلى الموضوع؛ وقد ترجم هذه المادة Die Kha-: O. Rescher ridschitenkapitel aus dem Kamil, شتوتجارت 1922). (2) الطبرى، طبعة ده غوى، جـ 1، ص 3341 وما بعدها؛ جـ 2، في مواضع متفرقة. (3) البلاذرى: أنساب الأشراف, R. S. O. جـ 6، ص 488 - 497 (خلاصة ومقتطفات من النصوص الخاصة بخلافة على، انظر التصويبات في المصدر السابق ص 5، 9). (4) المصدر السابق، طبعة أهلوارت ص 78 - 96, 125 - 151 فيما يتعلق بخلافة عبد الملك). (5) المسعودي: مروج الذهب، طبعة باربييه ده مينار، جـ 4 - 6 في مواضع متفرقة. (6) Annali dell' Islam: L. Caetani جـ 9، ص 541 - 556, جـ 10 ص 76 - 151 , 168 - 195 وفي مواضع متفرقة أخرى (ترجمة كاتب هذه المقالة للنصوص التاريخية الخاصة بخلافة على وغير ذلك من المواد الخاصة بالخوارج عن كتب الحديث وغيرها. (7) المؤلف نفسه: Chronographia Islamica جـ 1. (8) Die Charids-: R. E. Brunnow chiten unter den ersten Omayyaden, ليدن 1884. (9) Die religios-: I. Wellhausen politischen Oppositionspartein im alten Abh. G. W. Gott) Islam. L. Die Ghavariag المجموعة الجديدة 1901، جـ 5 ص 2). (10) Le caliphat de: H. Lammens Moawia Ire (أعيد طبعها نقلا عن M. F. O. B . ص 125 - 140. (11) R. S. O.: G. Levi Della Vida, 1913, جـ 6، ص 474 - 488. القسم 2 بوجه خاص: (1) الشهرستانى: الملل والنحل، طبعة كيرتن ص 85 - 103 (ترجمة Religionsparteien und Phi-: Haarbriicker losophenschulen ص 128 - 156).

تعليق على مادة الخوارج

(2) ابن حزم: الفصل في الملل، القاهرة 1320 هـ جـ 4، ص 118 - 192. (3) عبد القاهر البغدادى: الفرق بين الفرق، القاهرة 1328، وهي طبعة ناقصة جدا ص 54 - 92 , 263 - 265 (وترجمة قاصرة جدًا قام بها K. Ch. Seelye Moslem Schisms and Sects المجموعة الشرقية التي أصدرتها جامعة كولومبيا، المجلد 15، نيويورك 1919, جـ 1، ص 74 - 115. (4) Vorlesungen Uber: I. Goldziher den Islam هيدلبرغ 1925 , ص 191 - 196 (الطبعة الأولى ص 204 - 208؛ ترجمها إلى الفرنسية F.Arin , ص 159 - 164). القسم 3: (1) De strijd over: M. Th. Houstma het Dogma in den Islam tot opal-Ashari ليدن 1875. (2) Vorlesungen uber: I.Goldziher den Islam، هيدلبرغ 1910, الفهرس. يونس [ليفي دلافيدا G. Levi Della Vida] تعليق على مادة الخوارج نورد هذا التناول للكاتب أحمد أمين تعليقا من كتابه (فجر الإِسلام). لما كانت وقعة صفين بين على ومعاوية، وطلب معاوية تحكيم كتاب الله اختلفت أصحاب على: أيقبلون هذا التحكيم لأنهم يحاربون لإعلاء كلمة الله وقد دُعُوا إليها، أم لا يقبلون لأنها خُدعة حربية لجأ إليها معاوية وصحبه لمَا أحسوا بالهزيمة؟ وبعد جدال وتردد قَبلَ علي التحكيم، واختار معاوية عمرو ابَن العَاص ليمثله، واختار أصحاب علي أبا موسى الأشعري؛ إذ ذاك ظهر قوم من جند علي أكثرهم من قبيلة تَميم، نفروا من أن يحكَّمَ أحد في كتاب الله، ورأوا أن التحكيم خطأ، لأن حكم الله في الأمر واضح جلي، والتحكيم يتضمن شك كل فريق من المحاربين أيهما المحق، وليس يصح هذا الشك، لأنهم وقتلاهم إنما حاربوا وهم مؤمنون -بلا شك- أن الحق في جانبهم. هذه المعانى المختلجة في نفوسهم صاغها أحدهم في الجملة

الآتية: "لَا حُكْمَ إلا لله"، فَسَرت الجملة سير البرق إلى مَن يعتنق هذا الرأي، وتجاوبتها الأنحاء، وأصبحت شعار هذه الطائفة. طلبوا من عليّ أن يقر على نفسه بالخطأ بل بالكفر، لقبوله التحكيم، ويرجع عما أبرم مع معاوية من شروط، فإن فعل عادوا وقاتلوا معه، فأبى علي، وكان موقفه في منتهي الدقة، فكيف يرجع عن اتفاق أمضاه، والدين يأمر بالوفاء بالعهود، ولو رجع لتفرق عنه أكثر أصحابه، وكيف يقر على نفسه بالكفر، ولم يشرك بالله شيئًا منذ آمن، فضايقوه بالإكثار من "لا حكم إلا لله" فإذا خطب في المسجد قاطعوه بقولهم: "لا حكم إلا لله" فتجاوبت بها أنحاء المسجد، ورآه أحدهم فَتَلا: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} يعرض به. وزاد بعض الناس ميلا إلى رأيهم فشلُ الحكمين في حكمهما, وخيبة الآملين في أن التحكيم يحقن الدماء ويعيد المسلمين إلى الوئام، حتى انضم إليهم بعض القراء -من جيش عليّ- فلما يئست هذه الجماعة من رجوع عليّ إلى رأيهم اجتمعوا في منزل أحدهم، وخطب خطيبهم يقول: "أما بعد؛ فوالله ما ينبغي لقوم يؤمنون بالرحمن، وينيبون إلى حكم القرآن، أن تكون هذه الدنيا .. أثر عندهم من الأمر بالمعروف والنهي عِن المنكر، والقول بالحق، وإن مُنَّ وضُرَّ، فإنه من يُمَنّ ويُضَرّ في هذه الدنيا فإن ثوابه يوم القيامة رضوان الله -عَزَّ وَجَلَّ-، والخلود في جناته، فاخرجوا بنا إخواننا، من هذه القرية الظالم أهلها إلى بعض كور الجبال، أو إلى بعض هذه المدائن منكرين لهذه البدع المضلة". ثم خرجوا إلى قرية قريبة من الكوفة تسمى "حَرُورَاء"، وسموا حينذاك بالْحَرُورية نسبة إلى هذه القرية، وبالمحكمة -أي الذين يقولون لا حكم إلا لله- وهما اسمان كثيرًا ما يطلقان على الخوارج، وأمَّروا عليهم رجلًا منهم اسمه عبد الله بن وهب الراسبى. واسم الخوارج جاء من أنهم خرجوا على عليّ وصحبه، وإن كان منهم من يشتق اسم الخوارج من الخروج في سبيل الله أخذًا من قوله

تعالى: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ}، وسموا أيضًا "الشُّرَاة" أي الذين باعوا أنفسهم لله من قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ}. وقد حاربهم علي في الوقعة الشهيرة بوقعة النهروان، وهزمهم وقتل منهم كثيرًا، ولكنه لم يبدهم ولم يبد فكرتهم، وزادت هذه الهزيمة في إمعان الخوارج في كره عليّ، حتى دبروا له مكيدة قتله، فقتله عبد الرحمن بن ملجم الخارجى، وقد كان زوجا لامرأة قُتِلَ كثير من أفراد أسرتها في وقعة النهروان. وظلت الخوارج شوكة في جنب الدولة الأموية يهددونها ويحاربونها حربا تكاد تكون متواصلة في شدة وشجاعة نادرة، وأشرفوا في بعض مواقفهم على القضاء على الدولة، وظل المهلب بن أبي صُفْرَة يجالدهم ويعاني في قتالهم الشدائد والأهوال السنين الطوال، مما لا محل لذكره هنا (¬1)؛ غير أنا نشير إلى أنهم كانوا فرعين: فرعا بالعراق وما حولها، وكان أهم مركز لهم "البَطائح" بالقرب من البصرة، وقد استولوا على كرْمَان وبلاد فارس وهددوا البصرة، وهؤلاء الذين حاربهم المهلّب، واشتهر من رجالهم نافع بن الأزرق، وقَطَرى بن الفُجَاءة. وفرعا بجزيرة العرب: استولوا على اليمامة وحضرموت واليمن والطائف، ومن أشهر أمرائهم فيها: أبو طالوت، ونجدة بن عامر، وأبو فديك. ولم يتغلب الأمويون على هذين الفرعين إلا بعد حروب طويلة شديدة استمرت طول عهد الدول الأموية. ثم كانوا كذلك في الدولة العباسية، ولكن لم يكن لهم من القوة ما كان لهم في عهد الأمويين، فقد ضعف شأنهم، وانحط قوادهم. تعاليمهم: ابتدأ الخوارج كلامهم في أمور تتعلق بالخلافة، فقالوا بصحة خلافة أبي بكر وعمر لصحة انتخابهما، وبصحة خلافة عثمان في سنيه الأولى، فلما غيّر وبَدّل، ولم يسر سيرة أبي بكر وعمر، وأتى بما أتى من أحداث وجب ¬

_ (¬1) قد ألف الأقدمون كثيرًا من الكتب في أخبار الخوارج خاصة كالمدائنى ولكنها لم تصل إلينا، وقد جمع ابن أبي الحديد في الجزء الأول من شرح نهج البلاغة أخبارهم مطولة في موضعين من كتابه وللمزيد يمكن الرجوع إليه.

عزله، وأقروا بصحة خلافة علي ولكنهم قالوا إنه أخطأ في التحكيم وحكموا بكفره لما حكم، وطعنوا في أصحاب الجمل: طلحة، والزبير، وعائشة، كما حكموا بكفر أبي موسى الأشعري وعمرو بن العاص، "وقد قُبض على أحدهم وقُدم إلى زياد ابن أبيه، فسأله زياد عن أبي بكر وعمر، فقال فيهما خيرًا؛ وسأله عن عثمان فقال: كنت أتولى عثمان -على أحواله- في خلافته ست سنين، ثم تبرأت منه بعد ذلك، وشهد عليه بالكفر؛ فسأله عن أمير المؤمنين علي فقال: أتولاه، إلى أن حكم، ثم أتبرأ منه بعد ذلك، وشهد عليه بالكفر؛ فسأله عن معاوية فسبه سَبًّا قبيحا .. إلخ (¬1) ". فترى من هذا أن كلامهم كان يدور حول تشريح أعمال الخلفاء وأنصارهم، والبحث فيمن يستحق أن يكون خليفة ومن لا يستحق، ومن يكون مؤمنا ومن لا يكون. وقد وضعوا نظرية للخلافة وهي: أن الخلافة يجب أن تكون باختيار حر من المسلمين، وإذا اختير فليس يصح أن يتنازل أو يحكم، وليس بضروري أن يكون الخليفة قرشيا، بل يصح أن يكون من قريش ومن غيرهم ولو كان عبدًا حبشيًا، وإذا تم الاختيار كان رئيسَ المسلمين، ويجب أن يخضع خضوعًا تاما لما أمر الله، وإلا وجب عزله. ولهذا أمّروا عليهم من اختاروه منهم، "وسموا عبد الله بن وهب الراسبي أمير المؤمنين ولم يكن قرشيا وإنما هو من "راسب" حَيٌّ من الأزد، وكذلك أمراؤهم من بعده". وقد خالفوا بهذا نظرية الشيعة القائلة بانحصار الخلافة في بيت النبي: علِيّ وآله، وأهلَ السنة القائلين بأن الخلافة في قريش؛ وهذه النظرية هي التي دعتهم إلى الخروج على خلفاء بني أمية ثم العباسيين لاعتقادهم أنهم جائرون غير عادلين، لم تنطبق عليهم شروط الخلافة في نظرهم. نرى الخوارج في أول أمرهم كانت صبغتهم سياسية محضة، ثم نراهم في عهد عبد الملك بن مروان قد مزجوا ¬

_ (¬1) الشهرستاني 1: 161.

تعاليمهم السياسية بأبحاث لاهوتية، وأكبر من كان له أثر في ذلك الأزارقة، أتباع نافع بن الأزرق. وأهم ما قرره الخوارج في ذلك أن العمل بأوامر الدين -من صلاة وصيام وصدق وعدل- جزء من الإيمان. وليس الإيمان الاعتقاد وحده، فمن اعتقد أن لا إله إلا الله وأن محمَّدًا رسول الله ثم لم يعمل بفروض الدين وارتكب الكبائر فهو كافر. والخوارج لم يكونوا وحدة ولم يكونوا كتلة واحدة، وإنما كان واضحًا، أنهم سرعان ما يختلفون, وينضمون تحت ألوية مختلفة يضرب بعضها بعضا, ولو اتحدوا لكانوا قوة في منتهى الخطورة على الدولة الأموية. لذلك لا نستطيع أن نذكر ما هو من تعاليمهم مشترك بين جميعهم إلا النظريتين السابقتين: نظرية الخلافة، ونظرية أن العمل جزء من الإيمان. حتى هاتان النظريتان ليستا من اعتقاد جميعهم إلا بقليل من التسامح؛ فمنهم من يرى أن لا حاجة للأمة إلى الإِمام، وإنما على الناس أن يعملوا بكتاب الله من أنفسهم، ويظهر أن هذه الفكرة هي التي كان يفهمها بعضهم من جملتهم المشهورة: "لا حكم إلا لله" ولكن قيل: "كلمة حق يراد بها باطل، نعم إنه لا حكم إلا لله! ولكن هؤلاء يقولون: لا إمْرَة إلا لله، وإنه لابد للناس من أمير بَر أو فاجر، يعمل في إمرته المؤمن، ويستمتع فيها الكافر، ويبلغ الله فيها الأجل، ويجمع به الفيء، ويقاتل به العدو، وتأمن به السبل، ويؤخذ به للضعيف من القوى حتى يستراح بر، ويستراح من فاجر"؛ وقد قال ابن أبي الحديد: "إن الخوارج كانوا في بدء أمرهم يقولون ذلك، ويذهبون إلى أنه لا حاجة إلى الإِمام، ثم رجعوا عن ذلك القول لَما أمروا عليهم عبد الله بن وهب الراسبي" (¬1). على كل حال قد اتفق جمهور الخوارج على النظرتين السابقتين، وتفرقوا إلى فرق بلغت في العدد نحو العشرين، كل فرقة تخالف الأخرى في بعض تعاليمها, ولا يسع هذا المختصر ذكر جميعها (¬2): غير أنا نذكر هنا أن من أشهر فرقهم الأزارقة أتباع نافع بن الأزرق، وكان من أكبر فقهائهم وقد كفر ¬

_ (¬1) جزء 1: 215. (¬2) ارجع إلى ذلك في الملل والنحل للشهرستانى، والمقالات الإِسلامية للأشعرى، والفرق بين الفرق للبغدادي.

جميع المسلمين ما عداهم، وقال: إنه لا يحل لأصحابه المؤمنين أن يجيبوا أحدًا من غيرهم إلى الصلاة إذا دعاهم إليها، ولا أن يأكلوا من ذبائحهم، ولا أن يتزوجوا منهم، ولا يتوارث الخارجى وغيره، وهم مثل كفار العرب وعبدة الأوثان، لا يقبل منهم إلا الإِسلام أو السيف، ودارهم دار حرب، ويحل قتل أطفالهم ونسائهم، ولا تحل التِقيَّة (¬1). لأن الله يقول: {إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً}، واستحل الغدر بمن خالفه، وكفر القعدة، أي الذين يقعدون عن القتال مع قدرتهم عليه، ولو كان هؤلاء القعدة على مذهبهم. ومن فرقهم النجدات، أتباع نجدة عامر، وأهم تعاليمه التي انفرد بها أن المخطئ بعد أن يجتهد معذور، وأن الدين أمران: معرفة الله ومعرفة رسوله وماعدا ذلك فالناس معذورون بجهله إلى أن تقوم عليهم الحجة، ومن أداه اجتهاده إلى استحلال حرام أو تحريم حلال فهو معذور، وعظم جريمة الكذب على الزنا وشرب الخمر. ولنافع مع نجدة بن عامر مناقشات طويلة ممتعة حول هذه المبادئ (¬2). كذلك من أشهر فرقهم "الإِبَاضيَّة" نسبة إلى رئيسهم عبد الله بن إبَاض التميمي، ولا يزال أتباعه في المغرب وغيره إلى اليوم، وهم لم يغالوا في الحكم على مخالفيهم كالأزارقة، بل قالوا: يحل التزوج منهم، ويتوارث الخارجي وغيره، ونزعتهم أميل إلى المسالمة، فقالوا: لا يحل قتال غير الخوارج وسبيهم في السر غيْلَة، ولا يجوز قتالهم إلا بعد الدعوة وإقامة الحجة وإعلان القتال إلخ، وقد ظهر عبد الله بن إباض في النصف الثاني من القرن الأول للهجرة، وعاش أتباعه في أكثر أحوالهم مسالمين للخليفة. وفرقة أخرى من فرقهم "الصُّفرْيه" أتباع زياد بن الأصفر، وهم لا يختلفون كثيرًا في تعاليمهم عن الأزارقة. وهذه الفرق الأربع: الأزارقة والنجدات والإباضية والصفرية هي أشهر فرق الخوارج وأكثرها دورانا في الكتب. ¬

_ (¬1) انظر معناها عند الكلام على الشيعة. (¬2) انظر: الجزء الثاني من الكامل للمبرد؛ وفي ص 382 من الجزء الأول من ابن أبي الحديد.

والخوارج يقولون إن ممن اعتنق مذهبهم عكرمة مولى ابن عباس وأنس ابن مالك الصحابي. وكان الحسن البصري يوافق الخوارج في رأيهم بأن عليا أخطأ في التحكيم ولكن لا يعتنق مذهبهم، "وكان إذا جلس فتمكن في مجلسه ذكر عثمان فترحم عليه ثلاثًا، ولعن قتلته ثلاثًا، ويقول: لو لم نلعنهم للُعنَّا، ثم يذكر عليا فيقول: لم يزل أمير المؤَمنين علي رحمه الله يتعرف النصر ويساعده الظفر حتى حكم، فلم تحكم والحق معك؟ ألا تمضي قُدما -لا أبالك- وأنت على الحق! " (¬1). وكان مما حاربهم به المهلب بن أبي صفرة اختلاق الأحاديث عليهم، فقد كان يضع الحديث ليشد به أزر قومه ويضعف به من أمر الخوارج ما اشتد، ويقول: إن الحرب خدعة. وكان حي من الأزد إذا رأوا المهلب خارجًا قالوا: "راح يكذب! " وفيه يقول رجل منهم: أنت الفتى كل الفتى ... لو كنت تصدق ما تقول! (¬2) ولعل هذا وأمثاله هو السر فيما ترى من أحاديث كثيرة ملئت بها كتب التاريخ والأدب في ذم الخوارج. كان أكثر من اعتنق مبدأ الخوارج عربا بدوًا، وقد انضم إليهم بعض الموالى إعجابا برأيهم الديمقراطي في الخلافة، فليس بضروري أن يكون من قريش ولا من العرب، فهم في نظرهم إلى الخلافة شعوبيون، ولكن مع هذا لم ينضم إليهم من الموالى إلا قليل، لأنهم وأكثرهم بدو شديدو العصبية لجنسهم، يحتقرون الموالى ويزدرونهم، روى ابن أبي الحديد أن رجلًا من الموالى خطب امرأة خارجية فقالوا لها: "فضحتنا"، ولولا هذه العصبية العربية الجَافة لتبعهم من الموالى كثير. والناظر في تاريخهم يتبين فيهم سمات واضحة منها: التشدد في العبادة والإنهماك فيها، يصفهم الشهرستانى بأنهم أهل صوم وصلاة. ويصفهم المبرد "بأنهم في جميع أصنافهم يبرأون من الكاذب ومن ذي المعصية الظاهرة"، وقد قتل أحدهم زياد، ثم دعا مولاه فاستوصفه أمره؛ فقال: "ما أتيته بطعام بنهار قط، ولا فرشتُ له فراشا بليل قط! ". ولما أرسل علي عبد الله بن العباس لأهل النَّهْرَوَان من الخوارج "رأى منهم ¬

_ (¬1) الكامل 1: 136. (¬2) الحكاية في ابن أبي الحديد 1: 386.

جباها قَرِحَة لطول السجود وأيديا كثَفِنَات الإِبل، عليهم قُمصٌ مرحضة وهم مشمرون". ولعل خير ما قيل فيهم ما قاله أبو حمزة الخارجى في وصف أصحابه: "شباب والله مكتهلون في شبابهم، غضضةٌ عن الشر أعينهم، ثقيلة عن الباطل أرجلُهم، أنضاء عبادة، وأطلاح سهر، فنظر الله إليهم في جوف الليل منحنيه أصلابهم على أجزاء القرآن، كلما مرّ أحدهم بآية من ذكر الجنة بكى شوقا إليها، وإذا مرّ بآية من ذكر النار شهق شهقة كأن زفير جهنم بين أذنيه، موصول كَلالهم بكلالهم، كلال الليل بكلال النهار، قد أكلت الأرض ركبهم وأيديهم وأنوفهم وجباههم، واستقلوا ذلك في جنب الله، حتى إذا رأوا السهام قد فوِّقت، والرماح قد أشرعت، والسيوف قد انتضيت، ورعَدت الكتيبة بصواعق الموت وبرقت، استخفوا بوعيد الكتيبة لوعيد الله، ومضى الشاب منهم قُدمًا حتى اختلفت رجلاه على عنق فرسه، وتخضبت بالدماء محاسن وجهه، فأسرعت إليه سباع الأرض، وانحطت إليه طير السماء، فكم من عين في منقار طير، طالما بكى صاحبها في جوف الله من خوف الله! وكم من كف زالت عن معصمها، طالما اعتمد عليها صاحبها في جوف الليل بالسجود لله! " وقد غلوا في أنظارهم حتى عدوا مرتكب الكبيرة -وأحيانا الصغيرة- كافرًا، وخرجوا على أئمتهم للهفوة الصغيرة يرتكبونها، وتشدد كثير منهم في النظر إلى غيرهم من المسلمين فعدوهم كفارًا، بل كانوا يعاملونهم أشد من معاملة الكفار. ويحكون أن واصل بن عطاء -رأس المعتزلة- وقع في أيديهم فادعى أنه (مشرك مستجير) ورأى أن هذا ينجيه أكثر مما تنجيه دعواه أنه مسلم مخالف لهم، وكذلك كان؛ واشتدوا في معاملة مخالفيهم من المسلمين، حتى كان كثير منهم لا يرحم المرأة ولا الطفل الرضيع ولا الشيخ الفانى، بل لم يرضوا من مخالفيهم أن يقولوا: إن عليا أخطأ في التحكيم، وعثمان أخطأ فيما أحدث، بل لابد أن يقر بكفرهما وكفر من ناصرهما، وطلبوا من عبد الله بن الزبير أن يتبرأ من أبيه، ولم يكتفوا من عمر بن عبد العزيز بعدله وجمال سيرته، بل طلبوا منه كذلك أن يتبرأ مما تبرأوا هم منه، وأن يلعن أسلافه من بني أمية؛ ولعل هذا التشدد وإقدامهم على سفك دماء معارضيهم هو أكبر ما شوه حركتهم.

الخوارزمي

الخوارزمي أبو عبد الله محمَّد بن أحمد بن يوسف (وجرى المقريزى على تلقيبه بالبلخي في كتابه الخطط، بولاق 1270 هـ, جـ 1، ص 258). وقد عاش أبو عبد الله في النصف الثاني من القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي). وهو أقدم كاتب مسلم ألف كتابا موسوعيا هو "مفاتيح العلوم" (نشره فان فلوتن G.Van Vloten، ليدن 1895 م)، أهداه إلى أبي الحسن عبيد الله بن أبي العتبى الذي كان وزيرا من وزراء نوح الثاني السامانى (366 - 387 هـ = 976 - 997 م)، وكان أبو عبد الله يعيش في بلاطه بنيسابور. ولعل الخوارزمي قد ولد في بلخ. ويستدل من كتابه أنه كان يلي منصبًا إداريًّا، وكان بحكم مقامه في خراسان خبيرًا بالأحوال السائدة في المشرق خاصة. ويعد كتابه، الذي كان العرب ينزلونه منزلة كبيرة، عظيم النفع في إظهارنا على معارف في مواضيع جد متباينة، وقد تناولها الخوارزمى في دقة وإحكام. ويقال أن الخوارزمي قد أفاد في ميدان الرياضيات مما نقل عن اليونانية من مؤلفات علماء من أمثال إقليدس ونيقوماخوس وهيرو وفيلون وغيرهم. وكتابه مفاتيح العلوم مقالتان، المقالة الأولى تتناول الشريعة والعلوم المتصلة بها كالفقه، والكلام، والعروض، والتاريخ؛ وتتناول المقالة الثانية الفلسفة، والمنطق، والطب، والحساب، والهندسة، والفلك، والموسيقى، والحيل، والكيمياء. المصادر: (1) Gesch. d. Arab: Brockelmann Lit . جـ 1، ص 224. (2) انظر ما كتبه عن قسم الطب من المقالة الثانية Die Medizin im: E.Seidel Kitab Mafatih Al- Ulum في S.B.P.M.S.Ergl، 1915 جـ 47، ص 1 - 79. (3) وانظر أيضًا: E. Weidmann Beitrdge VI Zur Technik bei den Arabern

الخوارزمي

في. S.B.P.M.S. Ergl 1906, جـ 38، ص 1 - 56. (4) Beitrage X Zur Technik bei den Arabern في. S.B.P.M.S. Ergl 1906, جـ 38، ص 307 - 357. (5) Beitrdge XIV uber, die Geo metrie u Arithmetik nach den Mafatih Alulum في S.B.P.M.S. Ergl 1908 م، جـ 40، ص 1 - 64. (6) Beitraage XVIII Astronomische Instrumente , في. S.B.P. M.S. Ergl, 1909 جـ 1 جـ 41، ص 33 - 35. (7) Beitrdage XXII Stucke aus den 4776 PUh Al - ulum في S.B.P. M.S. Ergl, 1910 م، جـ 42، ص 303 - 322. (8) Beitrage XXIV Zur chemie bei den Arabern , في S.B.P.M.S. Ergl 1911 م، جـ 43، ص 72 - 113. (9) Beitrage XXVII Geographische Stellen aus den , Mafatih Al - Ulum في , S.B.P.M.S. Ergl. 1912 م, جـ 44، ص 37 - 40. (10) Beitrage XXVII Uber die Astronomie nach den Mafatih Al-Ulum في S. B. P.M.S. Ergl. 1915 م، جـ 47، ص 214 - 242. (11) Beitrage LVII Defenitionen verschie dener Wissenschaften und uber diese verfasste Werke في S. B. P.M.S. ErgL 1918/ 1919 جـ 40/ 41, ص 1 - 22. (12) Beitrage LXVI Zur Geschichte der Musik , 1922/ 1923 في S.B.P.M.S. ErgL جـ 44/ 45، ص 7 - 22. خورشيد [فيدمان E.Wiedemann] الخوارزمي محمَّد بن موسى، وجرى الطبرى (طبعة ده غوى، جـ 3، ص 1363) على تلقيبه بالمجوسى، والقطربلى أي الذي

عاش أو خرج من قطربل، وهي ناحية غربى دجلة بالقرب من بغداد. والأخبار عن حياته قليلة جدًا وغير موثوق بها لأننا في كثير من الأحيان لا نعرف أهو المقصود بها أم محمَّد بن موسى بن شاكر (Nachtrage: H. Suter die Zu "Mathemathiker" 'etc' في. Abhandl. Zur Gesch. der Math Wissensch . 1902 م، جـ 14، تعليق رقم 19، ص 158 (ونحن لا نعلم تاريخ مولده، كما أن تاريخ وفاته غير محقق، ويقول سوتر H.Suter . إنه توفي ما بين عامى 220 هـ (835 م) و 230 هـ (844 م)، أما نلينو Nallino فيجعل تاريخ وفاته بعد عام 232 هـ (846 - 847 م). وعاش الخوارزمى في عهد المأمون، وكان أحد منجميه، ولعله اشترك في حساب ميل الشمس في عهده. وجرى الخوارزمي على العكوف في مكتبة المأمون للدرس. ويقول الطبرى (الموضع المذكور) إنه كان من المنجمين الذين استدعاهم الواثق في مرضه الأخير لينبئوه بما يكون من أمره، فبشروه بالعمر الطويل، ولكن المنية أدركته بعد ذلك بقليل. وقد انصرف الخوارزمي إلى دراسة الرياضيات والجغرافية والفلك والتاريخ. وألف "كتاب التاريخ" الذي ذكره المسعودي من بين مصادره، ولعل الطبرى نقل عنه الفقرة التي تتناول حادثا وقع في عهد المأمون سنة 210 هـ (825/ 826 م) انظر Al Huwarizmi: C.A.Nallion etc، ص 12). ونستدل من كتب الخوارزمي التي كان بعضها هاما مبتكرا على أنه كان عظيم الموهبة. وقد ألف الخوارزمي كتبه قبل العصر الذي ازدهر فيه النقل عن اليونانية، ولو أنه عاصر الحجاج فترة من حياته. ويُقال أن الخوارزمي اعتمد فيما بلغ إليه من شأو في الجبر على الهندوس والفرس ومدرسة جنديسابور بصفة خاصة. أما المصادر اليونانية فكانت بالنسبة إليه في المرتبة الثانية. والغالب أن ذلك لم يكن شأنه في الفلك والجغرافية. وثمة قائمة بكتبه في الفهرست ليعقوب النديم (ص 275)

وابن القفطى (ص 286). ويأتي سند ابن علي في الفهرست بعد الخوارزمي مباشرة، ولعل كاربنسكى (كتابه المذكور في المصادر) قد أصاب فيما ذهب إليه من أن الكتب الموسومة بـ"الحساب الهندي" و"الجمع والتفريق" و"الجبر والمقابلة" والتي نسبت بسند ليست له، وإنما هي الواقع من تأليف الخوارزمي. وأهم كتبه الرياضية هو الكتاب المعروف بالجبر "حساب الجبر والمقابلة" (وهو في رأى رسكا J.Ruska " عمليات في حساب التفاضل والتكامل"). وليس هذا الكتاب في الجبر كما نفهمه، وإنما هو مقدمة في الحساب العملي القائم على عدة مسائل محلولة. ومادة الكتاب في الوقت نفسه جد متباينة. فهو يحوى (أ) عمليات في التفاضل والتكامل في أبسط صورها (ب) المساحة والأخطاء فيها (جـ) قواعد في تقسيم المواريث في الوصية. وقد نقل الكتاب إلى اللاتينية ج. القرمونى ور. الشسترى وغيرهم (G. of Cremona. R.of Chester, انظر المصادر، وما يتعلق منها بـ Rosen & Karpinski). وقد نشأ عن تحريف اسم الخوارزمي والخطأ فيه الكلمات التي تنتهي بـ algorism في اللغات الأوربية ومعناها أية طريقة متواترة في الحساب غدت قاعدة من القواعد. وثمة إشارات إلى شروح عربية على هذا الكتاب كتبها سنان بن فتح (سوتر، رقم 149) وعبد الله بن السيدنانى (سوتر، رقم 152) وأبو الوفاء (سوتر، رقم 167). ويزيد روزن Rosen (المصدر المذكور، ص 14) شرحا آخر لرجل يدعى المزيهفي. وكان أثر كتاب الخوارزمي عظيما، وقد نعته بهذا النعت في عصر متأخر عن ذلك أبو كامل شجاع بن أسلم (سوتر رقم 81) وتتردد الأمثلة التي استخدمها (مثل س 2 + 10 س = 39) باستمرار في مؤلفات كتاب من قبيل أبي الكامل والكرخى وعمر الخيامى، كما نجد كتابا من النصارى تأثروا بالخوارزمي مثال ذلك ليوناردو البيزى.

وبقى من كتب الخوارزمي أيضًا نقل لاتينى لكتاب له في الرياضة معنون بعنوان Algoritmi de Numero Indorum (نشره Bald. Boncompagni في Trattati d'aritmetica pubbl . da B.B. Noma 1857 م، رقم 1) وقد بين رسكا أن هذا النقل يطابق كتاب الجمع والتفريق (ولعل من الواجب أن نزيد على هذا العنوان "بحساب الهند"؛ انظر J.Ruska المصدر المذكور، ص 18). وقد نقل محمَّد بن إبراهيم الفزارى كتاب "السدهانتا" إلى اللغة العربية، وعرف باسم "السند هند الكبير" (ولا نعلم أهذه الترجمة تطابق السدهانتا الذي نحن بصدده؟ ؛ : H.suter .Die Astronomischen Tafeln etc ص 32) وقد أعد الخوارزمي نسختين من السند هند، ولعله أعد من قبل موجزًا لها. وسمي كتاب الجداول المتحصل من ذلك كما جاء في رواية ابن يونس "في زيج" (انظر Al Battuni Opus: C.A.Nallino، جـ 1، ص 157). وهذا الكتاب شأن كتب الزيج جميعًا لا يشمل جداول فحسب بل يشتمل أيضًا مقدمة فلكية طويلة بعض الشئ، وهي أشبه بعلم الفلك النظري. وقام مسلمة المجريطى بتنقيح هذا الكتاب الجيد في الجداول وأعاد نشره كما ذكر ابن أبي أصيبعة (جـ 2، ص 39). وكانت هذه النسخة فيما يرجح أساس الترجمات اللاتينية لهذا الكتاب. ونحن نجد فيه جداول تعتمد على حساب المثلثات، وترد فيه كلمة "جيب" بمعنى Sine دائمًا، في حين أن ثابت بن قرة المتأخر عن الخوارزمي لا يذكر هذه الكلمة إلا لمامًا (Axel & H. Burger Bjornbo Thabits Werk uber: C. Kohl den Trans - versalensatz في Abhandl Zur Gesch. der Naturwissensch. und Medizin , 1924 , جـ 7، ص 5) ومن ثم فمن الممكن أن تكون هذه الكلمة قد أدخلها مسلمة في كتاب الخوارزمي (Al Battani Opus: C.A. Nallino، جـ 1، ص 154). ولعل الخوارزمي قد تناول ظهور القمر الجديد في كتاب آخر (C.A.Nallino. كتابه المذكور، جـ 1،

ص 269) ويذكر ياقوت (المعجم، جـ 1، ص 161 , س 1) محمَّد بن موسى الخوارزمي على أنه صاحب الزيج وذلك في سياق رواية له عن حجم الأرض، ولكن هذه الرواية لم تذكر في الزيج. وقد ألف الخوارزمي كتابين في الاسطرلاب: "كتاب العمل بالاسطرلاب، و"كتاب عمل الاسطرلاب"، على أنهما لم يصلا إلينا لا بالعربية ولا باللاتينية. وفي كتاب الفرغانى "في صفة الأسطرلاب بالهندسة" (مخطوط ببرلين، الفهرس رقم 5790) عدة مسائل فلكية حلت بالاستعانة بالاسطرلاب، ويبدأ هذا الباب من الكتاب بالعبارة الآتية: "يقول محمَّد بن موسى الخوارزمي. ." (Die J. Frank Verwendung des Astrolabs nach AlKhwarizmi في Abhandlungen Zur Gesch der Naturwiss. und Medizin. , 1922 م، جـ 3، ص 1 - 32؛ وانظر أيضًا C.A.Nalliono المصدر المذكور، جـ 1، ص 49). ونحن لا نعرف شيئًا عن كتابه في "الرخامة" أكثر من أنه ألف كتابا من هذا القبيل. وتناول الخوارزمي إلى ذلك مسائل في التنجيم من الناحية العملية. مثال ذلك ما رواه أبو معشر من أن الخوارزمي بحث إلى أي حد نبأ اقتران الكواكب عند مولد محمَّد [- صلى الله عليه وسلم -] برسالته (حمزة الأصفهاني: تاريخ، طبعة Gott waldl . الكتاب السابع، الفصل 4 (النص) ص 153 وما بعدها؛ الترجمة، ص 123). وأعد الخوارزمي أيضًا مجموعة من صور السماوات والعالم نزولا على إشارة المأمون، والراجح أن علماء غيره اشتركوا معه في ذلك. ومن هذه الصور "كتاب صورة الأرض" وهو مخطوط محفوظ في ستراسبورغ، ويسمى أبو الفداء هذا الكتاب باسم كتاب "الربع المعمور". وقد سبق أن بين نللينو أن هذا الكتاب هو النص الذي كان يصاحب الصور. وقد تم إعداد هذه المجموعة في

نسختيها بالاستعانة بجغرافية بطلميوس، ولكنها نشرت وتوسع فيها من غير استعانة به تقريبا. وقد نشر نللينو هذا الكتاب في ترجمته اللاتينية، وبحث مادته الجغرافية بحثا مستفيضا بمقارنتها بمعلومات بطلميوس. ثم تناول فون مزيك H.von Mzhik هذا الكتاب بالدرس الشامل ونشره وترجمه وعلق على الجزء الخاص بإفريقية (Mitt.d. K. K. geogr, Gesellsch. in Wien، 1915 م، جـ 38، ص 152 وما بعدها؛ Denkschr. ,Ak. Wien, Philos. Kl 1916 م، جـ 54، رقم 4) وأعد إلى ذلك صورة تعتمد على ما ذكره الخوارزمي (Neue: J.Ruska Raustiene Zur Geschichte der Arahisehen Geographie في. Geogr. Zeitschr 1918 م، جـ 14، ص 77 - 81). المصادر: (1) Die Mathematier und: H.Suter Astronomen der Araber und ihre Werke, رقم 19 في Zeitschrift fur Mathematik . und Physik, 1900 م، جـ 10، رقم 19، والذيل بصفة خاصة، الموضع نفسه، 1902 م، جـ 14، ص 158 - 160. (2) Vorlesungen Zur Ges-: M.Cantor chichte der Mathematik 1907 م، جـ 1 ص 700 وما بعدها وغير ذلك من المؤلفات في تاريخ الرياضيات. (3) The Algebra of Mohammed ben Musa، طبعه ونشره Fr. Rosen 1831 م، جـ 16، الترجمة ص 208، النص ص 122. (4) Robert of Chester's Latin Translation of the Algebra of Al- Khowarizmi نشره University of: L.Ch. Karpinski Michigan Studies Humanistic Series , نيويورك 1915 م، جـ 9. (5) Zur Altesten arabischen: J.Ruska Algebra u.Rechenkunst , في. S.B. AK. Heid، 1917 , رقم 2، ص 125، وعرض هذا الموضوع بقلم E.Wiedmann في Berliner Philologische Wocjenschift 1919 م, جـ 39، ص 48 - 53.

خواندمير

(6) Die Astomonomischen: H.Suter Tafeeln des Mohammed ben Musa AlKhuwarizmi etc . كوبنهاغن 1914 م في Kgl. Danske Vidensk. Selsk. Skrifter السلسلة السابعة Historisk og filosofisk afd جـ 3. (7) أما جداول حساب المثلثات، فقد طبعها AlChwarizmi's: A.A.Bjombo trigornometiske Tavler في. Festskruft til H.G. Zeuthen كوبنهاغن 1909. (8) Al- Huwarizmi e it Suo riffacimento della geografia di Tolmeo في Memorie della Classe di Sciene Morali etc . 1894، جـ 2/ 1 م. (9) وقد أورد نلينو معلومات كثيرة عن الخوارزمي في نشره لكتاب البتانى. خورشيد [فيدمان E. Wiedmann] خواندمير مؤرخ فارسي، واسمه الحقيقي غياث الدين، وهو ابن خواجه همام الدين بن خواجه جلال الدين بن خواجه برهان الدين محمَّد شيرازى. أما جده لأمه فهو المؤرخ ميرخواند وخاله نظام الدين سلطان أحمد صدر. وقد وزر أبوه سنين طويلة للسلطان محمود السمرقندى عم السلطان بابر. ولابد أن يكون خواندمير قد ولد حوالي عام 1475. ولعل ولادته كانت في هراة حيث كان يعيش جده لأمه. على أن "هفت إقليم" يسلكه ضمن مواليد إقليم بخارى. والظاهر أن جده ميرخواند كان في الأصل من أهل بلخ. وقد التحق خواندمير بخدمة بديع الزمان أكبر أولاد السلطان حسين، وكان في صحبته في بل جراغ عام 1502، وسمعه يقص أخبار مغامراته بعد هزيمته هنالك على يد أبيه قبل ذلك بخمس سنوات أو ست. وكان خواندمير صحبة بديع الزمان عند مَرَل في شمال فارس بعد وفاة السلطان حسين في مايو عام 1506. وفي ربيع عام 1507 كان الرأى متجها إلى مقاومة شيبانى في تقدمه، فأشار بديع الزمان، وأخوه وشريكه في الملك مظفر، على خواندمير بالذهاب إلى قندهار وإغراء شاه بك أرغون على الانضمام إليهما. وقد وصل خواندمير في مسيره

إلى هراة، ولكنه توقف لوفاة جوجك بيكم ابنة بديع الزمان واقتراب شيبانى، ولم يشخص إلى قندهار. وذهب مرة أخرى أيضًا في سفارة إلى خسرو شاه في كندز ولكن سفارته لم تنته إلى شيء. وبذلت محاولة ضعيفة عند مرل للوقوف في وجه شيباني، إلا أن الأميرين ركنا إلى الفرار وذبح ذو النون أرغون الشجاع. وأعقب ذلك السير إلى هراة في مارس سنة 1507، وقد أناب السكان عنهم خواندمير وابن أخيه عثمان الذي كان يشغل منصب محتسب المدينة لمقابلة شيبانى في معسكره والحصول على شروط التسليم. وقد ذهب عثمان في هذه المهمة وأفلح في مقابلة شيبانى وإن كان قد نهب في الطريق وجرد من ثيابه. وظل خواندمير في هراة بعد سقوطها، وزودنا بأخبار مقبولة عما لاقاه هو وأصدقاؤه من عنت الأزابكة. وكان خواندمير أيضًا في هراة عندما هزم الشاه إسماعيل شيبانى وقتله واستولى على المدينة في عام 1510. وفي عام 920 هـ (1514 م) اعتزل خواندمير الناس، واستقر في قرية بَشْت أو بشت في غرجستان من أعمال شمالى فارس وليس في الكرج كما ذهب إلى ذلك إليوت Elliot, واشتغل هناك بتأليف كتبه (انظر de Sacy عن غرجستان في Mines de l'Orient جـ 1، ص 321). ثم التحق خواندمير بمحمد زمان التافه الشأن، وهو أكبر أبناء مولاه السابق، وربط مصيره بمصيره مدة من الزمن في بلخ وغيرها. فلما عزم محمَّد زمان على السير إلى قندهار استأذنه خواندمير في العودة إلى بشت. ولا شك في أنه استقر في هراة بعد ذلك؛ لأنه كان بها في يوليه عام 1527 عندما غادرها إلى قندهار. ولم يمكث خواندمير طويلًا في أفغانستان، فقد ذهب إلى الهند في مارس عام 1528 ووصل إلى آكره ومثل بين يدي بابر في سبتمبر، ثم صحبه في عام 1529 إلى البنغال، وكان معه عند تريموهينى Trimohini وهو ملتقى نهر سرجو بنهر الكنج (انظر حبيب السير طبعة حجرية، جـ 2، ص 84، نهاية الجزء الرابع من المجلد الثاني) وتوفي

بابر في نهاية عام 1530 فالتحق خواندمير بخدمة ولده همايون وقال فيه مديحا نقش على منشآت همايون وعمائره واسماه "قانون همايونى" أو همايوننامه (وتوجد نسخة خطية منه في المتحف البريطاني) وذكر إليوت Elliot في كتابه تاريخ الهند History of India (جـ 5، ص 116) شيئا عن هذا القانون وأورد فقرات منه. والشائع أن خواندمير توفي عام 941 هـ (1534 - 1535 م) أثناء حملة همايون على كجرات، ولكنا نستدل من رواية فرشته على أن خواندمير توفي بداء الزحار (الدوسنطاريا) في عودته من كجرات. وعادت الحملة في عام 942, وكان خواندمير على قيد الحياة في هذا العام. وقد كتب عبارة تضمنت تاريخ وفاة صديقه وزميله في الترحال شهاب الدين صانع الغرابيل (انظر البداؤونى، ترجمة Ranking جـ 1، ص 450). والراجح أن خواندمير توفي عام 942 أو 943 هـ (1535 - 1537 م). وقد دفن في دهلي تلبية لرغبته بالقرب من مقبرتى نظام الدين أوليا وأمير خسرو، ولعله كان قد بلغ آنئذ حوالي الستين عاما. وكان خواندمير كاتبا مكثرا، وأول تواليفه هو كتاب خلاصة الأخبار، كتبه عام 905 هـ (1499 - 1500 م) وأهداه إلى على شير، وكان قد استعان بمكتبته في جمع المادة اللازمة لهذا الكتاب. وخلاصة الأخبار أثر من آثار شباب هذا الكاتب، ومن ثم لم يرد فيه من معارف المؤلف الشخصية إلا القليل. فهو في الواقع مجمل وتمهيد لكتابه حبيب السير، ولكنه أكثر استيفاء في بعض المواضع من كتاب حبيب السير، مثال ذلك أن ما جاء فيه من أخبار عن سقوط يادكار محمَّد ووفاته، أوفى مما جاء في كتاب حبيب السير. وأثمن كتب خواندمير هو كتابه "حبيب السير" وهو الكتاب الوحيد المطبوع من بين مؤلفاته، وقد بدأ فيه عام 1521 وانتهى منه. عام 1523 - 1524 وإن كان قد أضاف إليه بعض الإضافات بعد زيارته للهند. وكتاب حبيب السير، الذي أطلق عليه المؤلف هذا العنوان تيمنا باسم مولاه الثاني حبيب الله، تاريخ عام من أقدم الأزمنة إلى ما يقرب من نهاية حياة إسماعيل الصفوى الأول. ومن الطبيعى أن يكون هذا الكتاب عظيم النفع بصفة

خوجه أفندي

خاصة فيما يتصل بالأحداث التي وقعت في زمن المؤلف. وأحسن أجزاء الكتاب ما يتصل بحياة حسين، سلطان هراة، وحياة إسماعيل الأول. وقد اتفق أن توسع خواندمير في ذكر المعلومات الخاصة بشيبانى وبابر، ويعد كلامه عن بابر أحسن ما لدينا من المصادر عن الفترتين الطويلتين اللتين لم يذكر عنهما بابر شيئًا في مذكراته. وخواندمير كاتب منصف حي الضمير فقد كتب مؤلفه "حبيب السير" ثلاث مرات كما أنّه كان يتحرى الدقة في كتابته. وهو في كثير من الأحيان يستمد مادته من معلوماته الشخصية، وعيبه الأكبر هو أسلوبه في الكتابة، فهو أسلوب طنان بليغ يماثل الأسلوب الذي كتب به معاصره حسين واعظ كتابه "أنوار سهيلى" وهو يستشهد في كتابته بأبيات من الشعر، ويكيل خواندمير المدح للسلطان حسين وإسماعيل الصفوى، وهو أحيانا يطيل الكلام إلى حد الإملال، وشاهد ذلك إنه فصل الكلام تفصيلا عن مغامرات محمَّد زمان. وقد طبع كتاب "حبيب السير" طبعة حجرية في كل من طهران وبمباى وكتب خواندمير أيضا المجلد السابع من كتاب "روضة الصفاء". المصادر: (1) History if India: Elliot جـ 5، 4. (2) Vie de Sultan Hossein: H. Ferte Baikara, traduite de Khondemir باريس 1898. (3) Translation of: Mrs. Beveridge Babur's Memoirs. (4) Asiatic Miscellany جـ 1. (5): F. B.Charmoy Mem. de l'Acad emie imperial de Saint. Petersbourg المجموعة السادسة، جـ 3، 8. (1) Jouranal des Sa-: Quatremere vants سنة 1843 , ص 386 - 394. (7) Cat. of Persian Mss.: Rieu جـ 1، ص 98 وما بعدها. الشنتناوى [بفردج H.Beveridge] خوجه أفندي سعد الدين بن حسن جان بن حافظ محمَّد بن حافظ جمال الدين

الإصفهاني، ويعرف عادة باسم خوجه (سعد الدين) أفندي. مؤرخ عثمانى شهير وشيخ من شيوخ الإِسلام النابهين، ولد عام 943 هـ (1536 - 1537 م) في إستانبول. وهو ابن رجل يدعى حسن جان، هاجر من فارس والتحق بخدمة السلطان سليم الأول حاجبا له خلال السنوات السبع الأخيرة من سنوات حكمه، ولقد قص حسن جان على ولده جميع القصص والأخبار التي تتصل بحياة السلطان، فما كان من سعد الدين إلا أن ألف منها كتابا سماه "سليم نامه" وجعله ذيلا لتاريخه المشهور (جـ 2، ص 221 - 401؛ انظر Turk Hss. Berlin: Pertsch ص 241, رقم 212, Die .. Hss ... in: Flugel Wien جـ 2، ص 210 رقم 987؛ G.O.R .. : J.V.Hammer جـ 2، ص 6، 10؛ جـ 3، ص 634؛ جـ 9، ص 203 , 259؛ وكذلك كتابه Lettere sui mss. Orientali في Bibliotheca Ilaliana جـ 42 (سنة 1826) وقد ترجم دييز H.F.Diez كتاب "سليم نامه" إلى الألمانية، ماعدا المقدمة، بعنوان Denkwiirdigkeiten aus Asien جـ 1، ص 256 - 302, من الترجمة, برلين 1811 , وقد درس سعد الدين الفقه الإِسلامي واندمج في زمرة العلماء منذ عهد متقدم. وفي عام 963 هـ (1555/ 1556 م) أصبح سعد الدين ملازما للفقيه المشهور أبي السعود. ثم أصبح في المحرم من عام 981 (1573/ 1574) مدرسا (خوجه وهو اسمه المشهور الذي لا يزال يعرف به إلى الآن بوجه عام) لمراد ولى العهد. وكان في ذلك الوقت واليا على مغنيسية. وظل خوجه أفندي مشير مراد الثالث الأمين بعد اعتلائه العرش في ديسمبر سنة 1574 واحتفظ برتبة "خوجة سلطاني" أي مدرس السلطان في عهد محمَّد الثالث خليفة السلطان مراد. وغدا سعد الدين شيخا للإسلام في شعبان عام 1006 هـ (1598 - 1599) وتوفي وهو شاغل هذا المنصب بعد ذلك بعامين بمدينة إستانبول في الثاني عشر من ربيع الأول عام 1008 (12 أكتوبر 1599) عندما كان يعد العدة للاحتفال بمولد النبي [- صلى الله عليه وسلم -] في مسجد أياصوفيا. وقد حمل أربعة من أبنائه الخمس نعش أبيهم إلى أيوب حيث دفن في المدرسة الخاصة بتحفيظ

القرآن وتلاوته. وقد بلغ بعض أبنائه مناصب رفيعة فقد بلغ ولداه محمَّد (سجل عثمانى، جـ 4، ص 144) ومحمد أسعد (الكتاب السابق جـ 1، ص 330 وما بعدها) منصب الإفتاء، وعبد العزيز (الكتاب السابق، جـ 3، ص 338) وصالح (المصدر السابق، جـ 3، ص 200 وما بعدها) منصب قاضى عسكر، أما ولده مسعود فقد مات صغيرًا، وكان حاجبًا (المصدر السابق، جـ 4, ص 365 وما بعدها). وسعد الدين هو مؤلف التاريخ العثماني المشهور المعروف باسم "تاج التواريخ" ولا يزال هذا التاريح يعد بوجه عام من عمدة المصادر في التاريخ العثماني، ولو أن سعد الدين لم يؤلفه بأمر السلطان (لم يكد سعد الدين حاملًا للقب مؤرخ السلطان "وقعه نويس" انظر أيضًا. Mitt. zur Osm , جـ 1، ص 241). وقد أسدل هذا التاريخ حجب النسيان على جميع التواريخ المتقدمة الخاصة بآل عثمان وهي المعروفة باسم "تواريخ آل عثمان" بل إنه جعلها شيئًا تافها زريا (انظر حاجى خليفة: كشف الظنون، جـ 2، ص 112 رقم 2158، J.H.Mordtmann في مجلة ISL جـ 1، ص 160) ويتناول هذا التاريخ الكلام عن البيت العثماني من وقت إنشائه حتى وفاة السلطان سليم الأول المتوفى في 21 سبتمبر سنة 1520. واستقى هذا التاريخ مادته من كتب المؤرخين المتقدمين، وهو مكتوب بأسلوب يغلب عليه الإطناب والطنطنة. وتم هذا الكتاب في عهد السلطان سليم الثاني (1556 - 1574 م) وكان المقصود منه على وجه التحديد أن يكون ذيلا للكتاب الفارسي "مرآة الأدوار ومرقاة الأخبار" لمصلح الدين محمَّد اللارى المتوفى عام 979 هـ (1571) ونقل سعد الدين هذا الكتاب إلى التركية (مخطوط بفينا انظر , Flugel. جـ 2 ص 80، رقم 845) وقد ذاع هذا الكتاب، وأصبح الناس يقرءونه في عدة مخطوطات إلى أن أصبح في متناول الأيدى بوجه عام عندما طبع عام 1279 هـ (1861) في مجلدين كبيرين (586 و 619 صفحة، انظر المجلة الأسيوية سنة 1863 , جـ 2، ص 262). وكثيرا ما كانت تنسخ مخطوطات جميلة من هذا الكتاب

(كالمخطوط الذي في الفاتيكان) وهي منتشرة في المكتبات الأوربية. ونذكر فيما يلى أهم وأنفع هذه المخطوطات التي تفيد في إخراج طبعة منقحة من هذا الكتاب: برلين، رقم 213؛ درسدن، رقم 386؛ ليدن، الفهرس. جـ 3، ص 27؛ لندن، cat. Turrk. Mss: Rieu ص 51 وما بعدها؛ ميلان، Ambrosiana رقم 243؛ ميونخ رقم 76 - 81؛ أكسفورد Uii، الفهرس رقم 1، 4؛ باريس رقم 63 - 70؛ سانت بطرسبرغ، المكتبة الأهلية، رقم 1، 2؛ فهرس von C.Salemann and V. v.rosen ص 21؛ رومة، الفاتيكان، وبها مخطوط فاخر كانت تملكه فيما قبل كرستيانا ملكة السويد (انظر J.V.Hammer في Biblital. جـ 46، ص 35، 115 و P. Horn في Z.D.M.G جـ 51 سنة 1897, ص 45؛ وما بعدها). أبسالا رقم 245؛ فينا Bibl. Naz. Marciana رقم 30، 85/ 3, 134؛ فينا Bibl. Na zMarciana . المكتبة الأهلية، فلوكل جـ 2، ص 244؛ A.krafft: Konsular - AKademie. Die ... Hss.d.or. Ak. رقم 263. ولقد عرف هذا الكتاب منذ عهد متقدم في الغرب، وكثيرا ما ترجمت أجزاء منه: انظر The Reign: W.Seaman of Sultan Orchan لندن 1652؛ Chronica dell' origine e Pro-: V.Bratutti gressione della casa ottomana composta de Saidino Turco جـ 1، فينا 1649، جـ 2، مدريد 1652 (نظر W.I., جـ 7، سنة 1919، ص 110، ISI جـ 12، سنة 1922, ص 228 وما بعدها) Saad ed-Dini Annales Turcici usque ad Muram I Turcice et Latine cura Fr . Kollar, . فينا 1755, ص 243, التعليق W.I جـ 7، سنة 1919، ص 125 وما بعدها وقام كارسن ده تاسى Garcin de Tassy بترجمة أجزاء من هذا الكتاب في المجلة الأسيوية جـ 4، ص 347؛ جـ 8، ص 306، 340؛ جـ 9، ص 153؛ The Capture of Constantinople طبعة E.J.W.Gibb, مع سيرة سعد الدين، لندن سنة 1879. وأعد أنطوان كالان Antoine Gallalamd ترجمة فرنسية مخطوطة لكتاب تاج التواريخ في عام 1710 ويظهر أن المجلد الأول من هذا المخطوط قد فقد،

أما الباقي فمحفوظ في المكتبة الأهلية بباريس. ويقال إن محمد أسعد أفندي بن سعد الدين قد أتم التاريخ الذي كتبه أبوه (انظر بروسه لى محمد طاهر: عثمانلى مؤلفلرى، جـ 2، ص 22 وما بعدها؛ علمية سالنامه سى، إستانبول سنة 1334، ص 426 وما بعدها). المصادر: (1) نعيما: تأريخ، جـ 1، ص 191. (2) بجوى: تأريخ، إستانبول سنة 1283 , جـ 2، ص 288. (3) حاجي خليفة: فذلكه، إستانبول سنة 1286, جـ 1، ص 130. (4) عطائي: ذيل الشقائق، إستانبول سنة 1268, ص 429 وما بعدها. (5) قنالى زاده حسن جلبى: تذكرة الشعراء، مخطوط في فينا رقم 1228 = Flugel جـ 2، ص 387، انظر Z.D.M.G جـ 14، سنة 1860، ص 544 وما بعدها (انظر Flugel, كتابه السابق، جـ 2، ص 388 , 9 وما بعدها). (6) محمد ثريا: سجل عثمانى، جـ 3، ص 18 وما بعدها. (7) Geschichte der osman.Dicchikunst: V.Hammer جـ 3، ص 98. (8) المؤلف نفسه: G.O.R., جـ 4، ص 306. (9) المجلة الأسيوية، المجموعة السادسة، جـ 2، ص 262 - 269. (10) حاجى خليفة: كشف الظنون: جـ 2، ص 549 رقم 202؛ جـ 2، ص 112, رقم 2158؛ جـ 2، ص 615, رقم 7244. (11) علمية سالنامه سى (بها سيرة المفتى) إستانبول سنة 1334, ص 424 وما بعدها، وبها نموذج من الكتابة وبنجه سعد الدين. (12) ما كتب عن ولديه، محمد ومحمد أسعد في الكتاب السابق، ص 426 وما بعدها. (13) مقدمة طبعة كتاب تاج التواريخ. (14) History of Ottoman Poet-: Gibbry جـ 1، ص 164, 165, 205 - 208

خولان

وكتابه الآخر The capture of Constantinople لندن 1879 , المقدمة. الشنتناوى [بابنكر Franz Babibinger] خولان " خَوْلان" (1): اسم قبيلة من قبائل العرب. وهذه القبيلة قديمة قدم الكتابات التي كشفها كليزر هناك (Glaser ص 1076 , ص 18 وما بعده halevy؛ ص 585 س 11 وما بعده (. . .) وثمة إشارة إلى منازلها (. . .) في الكتابات التي كشفها كليزر، ص 119، س 5، وذكر كليزر عشيرة تحمل هذا الاسم ص 204، س 3) وتبرز كل هذه الفقرات القول بأن قبيلة خولان كانت قد استقرت فعلا في هذا الإقليم في الألف الأولى قبل الميلاد، ومازالت تعيش الآن، هي أو فريق منها على الأقل في الأرض التي بين صنعاء ومأرب والتي أطلق عليها الهمداني "خولان العالية" وكانت أرض القبيلة هي وقبيلة ذي جُرّة من أعظم البلاد التي تزرع الغلال في اليمن فقد كانت الأذرة والشعير عامة والقمح بخاصة تجود فيها. وخولان تابعة الآن لقبيلة بكيل الكبرى التي تستطيع أن تجند 80.000 مقاتل. وقد ارتاد الرحالة كليزر E. Glaser منازل هذه القبيلة عام 1885/ 1886. ويروى نسابة العرب أن جدها هو خولان بن عمرو بن مالك ابن الحارث بن مرة بن أدد بن زيد بن عمرو بن غارب بن زيد بن كهلان بن سبأ. ويروى آخرون إنه خولان بن عمرو بن الحاف بن قضاعة، ومن ثم كانت نسبتهم خولان قضاعة. على أن التفريق بين خولان العالية وخولان قضاعة لا يقوم على النسب، وإنما يقوم على الوطن. ذلك أن خولان العالية هم أيضًا من قضاعة في قول نشوان على الأقل. والسبب في هذا التفريق هو أن قبيلة خولان بأسرها كانت قد استقرت أول الأمر في مأرب وصرواح. على أن فريقًا هاجروا إلى الهضاب التي في شرق صنعاء فسموا بخولان العالية في حين أقام سائرهم في مأرب، ولم تحدث بينهم هجرة أخرى إلى ناحية صعدة إلا في عهد متأخر عن ذلك، وما تزال صعدة أهم مدينة في منازل خولان الشمالية. وكان ثمة حيان لهذه القبيلة في زمن متقدم

قدم نيبور كان يحكمهما كما هي الحال الآن شيوخ مستقلون. وكان الحى الثاني منهما في قول نيبور على مسيرة أربعة أيام من ميناء حلّى في منتصف الطريق بين صنعاء ومكة، ويمتد في قول كليزر غربي صعدة وشمالي غربها، وهذا الحي هو حي زيدى. ورواية الهمداني جديرة بالذكر، فهي تقول إن أهل الهضاب هم الذين كانوا، دون سواهم، يتحدثون بلسان عربي فصيح، أما في الوادي والقَدِّ فكان يغلب على لغتهم ضرب من الرطانة. ولا يزال اسم خولان في هذه الناحية بخاصة يقترن بسمتين أخريين، هما قمة خولان (عُر خولان) وهي قمة جبل يمكن رؤيتها من جبل تُخْلى، وبيت خولان وهو الاسم الذي أطلق على قمة جبل حَضُور. ولا يذكر نيبور في خولان صعدة إلا القرى الآتية وهي عَقَبَة المُسلم، وحَيْدان ودُهْر، وسوق الجمعة. ولعل منجم الذهب في القُفَاعَة الذي يملكه بنو مُعْمَر بن زرارة بن خولان قد حمل هو وغيره من الاعتبارات شبرنكر على القول بأن خولان لها صلة بـ"حَويِلَة" التي وردت في الكتاب المقدس، وقد ذهب نيبور أيضا هذا المذهب. ويذكر نيبور في خولان صنعاء قرى: بيت راجح، وتنْعيم، وبيت الكبْسى، وبيت النَوْم، وسِيَان، وزُراجة، وبرَّاش. وفي شعبان من السنة العاشرة للهجرة (نوفمبر سنة 631 م) مثل وفد خولان أمام النبي [- صلى الله عليه وسلم -] في المدينة وأعلنوا دخول قبيلتهم في الإسلام ووعدوا بتحطيم صنمهم عم أنس، فمنحوا تشريفا لهم اثنتى عشرة أوقية من الفضة ثم عادوا إلى أوطانهم. وارتدت خولان أول الأمر بعد وفاة النبي [- صلى الله عليه وسلم -]، إلا أن يعلى بن منية الذي أنفذه أبو بكر إليهم على رأس حملة نجح في إرجاعهم إلى حظيرة الإسلام في غضون سنة 11 هـ (632 م). وكان بنو خولان من الناحية السياسية أوثق صلة بحكومة المدينة من سائر قبائل اليمن، ولعل السبب في ذلك يرجع إلى قيام علاقات بينهم وبين ولاة الفرس في صنعاء. وقد حموا الأميرين الفارسيين جُشَيْش وفَيروز اللذين طردا من صنعاء إثر الفتنة التي قام بها العرب بقيادة قيس بن عبد يغوث بن مكشوه، ونصروهما إلى أن أقبل المدد من المدينة.

ودانت منازل خولان للإسلام بعد إخضاع اليمن في سنة 13 أو 14 للهجرة، فكان لبنى خولان شأن كبير بين قبائل عرب الجنوب الذين أسهموا في فتح مصر واستقروا فيها. وكثيرًا ما نجد أفرادا من بني خولان يلُون مناصب جليلة في مصر. وقد نسبوا إلى أنفسهم حيًا من أحياء القاهرة القديمة (الفسطاط) ويتردد اسم خولان في أوراق البردي وعلى شواهد قبور العرب في مصر. (2) اسم قرية بالقرب من دمشق، دفن فيها صحابي من أبرز صحابة النبي [- صلى الله عليه وسلم -] ألا وهو عبد الرحمن بن مشْكم أبو مسلم الخولاني. المصادر: (1) ابن حوقل: المكتبة الجغرافية العربية، جـ 2، ص 31 , 32. (2) اليعقوبي: كتاب البلدان، المكتبة الجغرافية العربية، جـ 7، ص 320. (3) الهمداني: صفة جزيرة العرب، طبعة مولر، ليدن 1884 - 1891, ص 107 , 113 - 115, 136, 125, 192. (4) المؤلف نفسه: الإكليل، جـ 10. Beral Glaser Cod.، 22 , ص 2. (5) ياقوت: المعجم، طبعة فستنفلد، جـ 2، ص 499؛ جـ 4، ص 147. (6) مراصد الإطلاع، طبعة كوينبل، ليدن 1852، جـ 1، ص 375. (7) عظيم الدين أحمد: Die auf sudarabien bezuglischen Angaben Nashwan's im Shams al'Ulum. G. M. S جـ 14، ليدن 1916 م، ص 35، 61، 76. (8) Beschreibung von: C. Niebuhr Arabien كوبهاغن، 1772 م، ص 182, 270 , 280 وما بعدها. (9) Die Erdkunde von Asi-: C. Ritteren، جـ 8/ 1، برلين 1846 م، ص 712, 819 , 843. (10) Die Alte Geo-: A. Sprenger graphie Arabiens، يرن 1875, ص 51، 54 وما بعدها 58 , 249 , 286 وما بعدها. (11) المؤلف نفسه Das Leben und die Lehre des Mohammed , برلين 1869, جـ 3، ص 457 وما بعدها.

خويلد

(2) Meine Reise durch: E. Glaser Arhab und Haschid Petermann's Mitth 1884 م، جـ 30، ص 171. (13) المؤلف نفسه Uber mwine Reisen in Arabien, Mitth. d. Geogr. Ges. in Wien . 1887 م، جـ 30 ص 23. (14) المؤلف نفسه: Skizze der Geschischte und Geographie Arabiens. برلين 189 م. جـ 2, ص 37، 72، 101. (15) المؤلف نفسه: Sammlung Eduard Glaser . جـ 1. E. Glaser's Reise nach marib . طبعة Rhodokanakis D.H. v Mulle. N. فينا 1913 م، ص 155، 125. تعليق 1. (16) Der Islamische: M. hamann Orient, Berichte und Forschungen جـ 2. Die Arabische . ليبسك 1909 م، ص 245، 360 - 362. (17) Beitrage Agyptens unter dem Islam: C.H. Becker سترايبورغ، 1903 م، جـ 2، ص 123 , 124. (18) Annali dell' Islam: L. Caetani ميلان 1907 م، جـ 2، ص 320 وما بعدها، ص 604. 669، تعليق ص 800، تعليق 8. (19) Zur Orientalischen Altertumskunde: J.v. Karabacek، جـ 5 S.B.A.K. Wen, 1915 م، جـ 178/ 5، ص 4، تعليق 1. المصادر (2): (1) ياقوت: المعجم، طبعة فستنفلد، جـ 2، ص 499. (2) مراصد الإطلاع، ليدن 1852 م، جـ, ص 375. (3) عظيم الدين: Die auf sudarabien bezuglischen Angaber Naswan's im Sams Al-Ulum . ص 76. خورشيد [كرومان Adolf gro] خويلد ابن خالد بن محرز، أبو ذؤيب الهذلي: شاعر من قبيلة هذيل، وهو من المخضرمين أي ممن أدركوا الإسلام. وكانت لخويلد مكانة مرموقة بين شعراء قبيلته وعصره. ولم يرد اسمه

الخياط

فيما بقى لنا من أشعار الهذليين، إلا أن ديوانه قد انتقل إلينا في مخطوطات لم تطبع بعد للأسف، وهي مخطوط لاندبرغ الذي ذكره بروكلمان (Gesch. d.arab. Lit: Brockelmann جـ 1 ص 42) ومخطوط الآستانة، المكتبة العامة رقم 5598، ومن هذا المخطوط نسخة في مكتبة فينا الإمبراطورية استنسخها رودوكاناكيس، الملحق رقم 4164. ولا نعرف السنة التي ولد فيها الهذلي، ولكن من المحقق أنه دخل في الإسلام في أخريات حياته. وشخص إلى إفريقية عام 26 هـ (647 م) تحت قيادة عبد الله بن سعد بن أبي السرح, وأسهم في فتحها. وأوفده عبد الله في صحبة الشاب عبد الله بن الزبير إلى الخليفة عثمان، فأدركته المنية وهو في الطريق ولما يبرح حدود مصر, والراجح أن وفاته كانت سنة 28 هـ (649 م). المصادر: (1) Gesch. d.Arab.: Brockelmann Litt, جـ 1, ص 41 وما بعدها. (2) ابن قتيبة: كتاب الشعر، طبعة ده غوى، ص 413 - 416. خورشيد [هافنر A.Haffner] الخياط " الخياط" يحيى بن غالب أبو على. منجم عربي، وهو تلميذ ماشا الله؛ وقد ذكر كتاب النصارى في العصور الوسطى الخياط في كثير من الأحيان باسم البوهلى Albohali ولا نعرف على التحقيق تاريخ مولده أو وفاته ولكننا نستطيع أن نقول شئ من اليقين إنه توفي فيما بين عامى 210 و 230 هـ (825 - 844) وقد بقى لنا من مؤلفاته ما يلى: 1 - كتاب سر العمل، وهو يبحث بصفة خاصة في تكوين المسائل التنجيمية وما إلى ذلك (محفوظ في برلين). 2 - كتاب المواليد (في أكسفورد والقاهرة؟ ) وقد ترجم هذا الكتاب إلى اللاتينية أفلاطون التيفولى Plato of Tivoli (1126 م) ثم ترجمه بعد ذلك يوحنا هسبالنس John Hispalensis عام

خيال ظل

1153 وقد طبعت هذه الترجمة الأخيرة في نورمبرغ عام 1546 بعنوان: ALbohali Arabis astrologi antiquissimi acclnrissimi de iudicuc nativitatum liber unus antehac non editus. Cum privilegio D. loanni Shonero concessa . ويذكر اسم الخياط في المخطوطات بصيغ مختلفة منها , Alboali Alchait Albohali Alghihac Albenahait وغيرها بدلا من الصيغة البسيطة Albohali, المصادر: (1) الفهرست، ص 276. (2) Steinschneider في Biblioth, Mathem سنة 1890 المجموعة الثانية، جـ 4، ص 69 - 70. (3): Wustenfeld Die Ubersetzungen arabischer Werke in das Latein seit dem 11 Jahrh 1877 ص 41 - 42. (4) Abhandl. z. Gesch. der: H. Suter Mathem Wissensch في جـ 10، ص 9 - 10. الشنتناوى [سوتر H. Suter] خيال ظل ويسمى أيضا "ظل خيال" يجمع مسرح خيال الظل بين فن التشخيص بالإشارات وبين الموسيقى والتصوير والشعر. وشخوصه الشفافة من الأدم الملون تُظهر على شاشة الكتان المضاءة من الخلف تخييلا، وهو عند الشرقى المتأمل شئ أقوم من مسرحنا الواقعى الذي يميل إلى الخشونة. وجاء خيال الظل فيما نعلم إلى الغرب من الصين ومن المحقق أنه لم ينشأ في تاريخ اليونان والرومان القديم. وتشير أقدم ما نعرف عن خيال الظل من أخبار إلى الهند التي عاد لا وجود له فيها. ولكن "الوتنكك" الجاوى الذي يغلب عليه اصطناع المواد الهندية يدل على وجوده السباق في الهند. والظاهر أن الترك أخذوا خيال الظل من أهل الصين عن طريق المغل. ومهما يكن من شئ فإن من الممكن أن نثبت وجود صلات بين خيال الظل الصيني والعالم الإسلامي. ويمتد الطريق من الصين والهند إلى العالم الإسلامي عبر فارس. ونحن نجد

بين شعراء الفرس كثيرا من الفقرات التي تشير إلى خيال الظل، ولكنها لا تعطينا عن التمثيلية إلا معلومات ثابتة جد قليلة. ولا يزال خيال الظل باقيًا في فارس الحديثة باسم "كجل بهلوان". وقد ارتقى خيال الظل مبكرا جدًا في مجال الثقافة العربية، وبخاصة في مصر. ولم يبق من الشعر التمثيلي العربي في القرون الوسطى على الإطلاق إلا تمثيليات الطبيب محمد بن دانيال (المتوفى عام 1311 م). وبلغ خيال الظل حظًا كبيرًا من الرقى والذيوع عند الترك. ولا يمكن القول على وجه اليقين بأن الترك استعاروا تمثيليات خيال الظل من المصريين على الرغم من وجوه الشبه الكثيرة بين الفريقين، ذلك لأن الترك أطلقوا على خيال الظل منذ القرن الثالث عشر الميلادي على الأقل اسما من عندهم هو "قبر جُقْ" هذا إذا صح ما ذهب إليه هوتسما من أن هذا الاسم معناه "دمية خيال الظل الصيني" Houtsma في Turkisch - Arabisches Glossar ليدن 1894 ص 43 و 87) بيد أن هذا المعنى يحيط به شك كثير، لأن الاسمين اللذين مازالا باقيين في اللغة التركية الشرقية وهما "قوْرَجق" و"قُغُرْجَقْ" لا صلة لهما بخيال الظل على الإطلاق. أما خيال الظل في التركستان وغيرها، فيظهر أنه انقرض إذا كان قد وجد في تلك الربوع بالفعل -وحل محله مسرح الدمى المعروف باسم "قل قرجق" و"جدير خيال". ويسمى خيال الظل عند الترك العثمانيين "القراكوز" ولم يكن أروج مسلاة في رمضان للنساء والدهماء فحسب، بل اجتذب إليه أيضا الطبقات العليا والمثقفة بل عددا كبيرا من السلاطين؛ وقد ظل هذا شأنه إلى العهد الحديث الذي أخذت فيه الصور المتحركة (السينما) تنافسه منافسة مرة. ويوجد خيال الظل حيث يكثر الترك الذين يضمنون لمحترفه شيئا من الرزق. وانتشر خيال الظل من تركية إلى غيرها من البلاد غير التركية ويظهر أنه نال حظًا خاصًا من الاستقرار عند اليونان، وظل كذلك إلى عهد جد قريب

خيبر

(وبخاصة في أثينا وبيريه وسلانيك) وأحرز في رومانيا هذا الرواج العظيم نفسه بين مختلف الطبقات. المصادر: (1) Geschichte des Schat-: G.Jacob tentheaters هانوفر 1925، حيث توجد فيه جميع المصنفات التي يحتاج إليها دارس الموضوع. (2) انظر Karagheuz ou: L. Roussel un theatre d' ombres Athenes أثينا 1921. (3) Het Jovaansche Tooneel: J. Kats جـ 1 Wajang Poerwa فلترفردن 1923. (4): A.Samojlowic Kukoljnij teatr, w.Turkestane في , Russkij, Muzej Etnograficeskij otdel بتروغراد 1923, رقم 1. يونس [مِنزل Th. Menzel] خيبر واحة على الطريق ما بين المدينة والشام، على مسيرة مائة ميل من المدينة وقد وصف دوتى Doughty الذي مكث في خيبر من نوفمبر سنة 1877 إلى مارس 1878 هذه الواحة بقوله إنها مجموعة من الوديان الفسيحة الكثيرة المياه مجتمعة على هيئة جريدة النخل على حافة الحرة، وتسير جميعا بحيث تلتئم في واد كبير واحد. وهذه الوديان أغوار في منطقة الحرة تحتها طبقة من الحجر الرملى وحيثما برزت هذه الطبقة أصبح لها لون حائل لها مظهر الشئ المخروق. والواحة على ارتفاع 2800 قدم فوق سطح البحر، ويقدر دوتى Doughty عدد سكانها بألف نسمة تقريبًا. وتغطى الحلفاء قيعان الوديان وينابيعها فيها شئ من طعم الكبريت ويحيط بها طبقات من الملح. والنخيل كثير في هذه الواحة، ومع ذلك فمنظرها لا ترتاح إليه النفس كما أن مساحات واسعة من أرضها خالية من الزرع. والحصن السابق المهيمن عليها (وقد رسمه دوتى في كتابه، ص 104) صخرة عظيمة من البازلت ترتفع في وادي الزيدية كأنها كتلة من الصخر شاردة، وقد شيدت المحلة الحديثة على الجانب الجنوبي لهذه الصخرة ويبلغ طول المصطبة

المسورة للحصن مائتى خطوة وعرضها تسعين خطوة، أما أرضها فطبقة من الطين سميكة، ولعل بعضها تكون من المنشآت الصلصالية القديمة التي تبددت فوق الصخر الوعر. والتنقيب في هذه الأرض يظهرنا على قطع من الخزف وكسر من الزجاج وقشور البيض وروث الخيل. وهناك هرمان قديمان مشيدان من الآجر يكسو الحجر أجزاءهما السفلى، وهما يكتنفان بئرًا قديمة مغطاة كانت تزود جنود الحامية بالمياه. ويقول ياقوت إن لفظ خيبر هو الحصن بلسان اليهود الذين كانوا يعيشون هناك. ويقول سهل بن محمد الكاتب إن هذه الواحة اشتقت اسمها من خيبر بن كانيه بن مهلائيل أول من استقر فيها. وخيبر القديمة في قول جغرافي العرب القدماء في ولاية كثيرة الخصب غنية بنخيلها وحقول قمحها الوافر الغلة، وهي على سبعة حصون: حصن نعيم، وحصن أبي الحقيق، وحصن الشِّق، وحصن النطاة وحصن السلالم، وحصن الوطيح، وحصن الكتيبة. وأضاف البكري حصن وجدة، وكان به نخيل وأشجار أخرى. وقد أصبح فيما بعد ملكًا للمسلمين. أما معقل خيبر الأعظم المسمى حصن القميص فهو الحصن الذي فتحه علي بن أبي طالب -وقد أصبح خليفة فيما بعد- وقد شغل القسم الأسفل من هذا الحصن مسجد النبي [- صلى الله عليه وسلم -] (ويعرف أيضًا باسم المنزلة) الذي بناه عيسى بن موسى بعد فتح خيبر، وكانت العين التي في حصن الشق تعرف باسم الحمة. وأطلق عليها النبي [- صلى الله عليه وسلم -] اسم "قسمة الملائكة". وكانت موضع الإعجاب لما اتصف به ماؤها من خصائص عجيبة. ويتسرب ثلثا مائها في مجرى ويتسرب الثلث الباقي في مجرى آخر. والمجريان يسيران في اتجاه واحد. وإذا ما ألقى في العين بثلاث قطع من الخشب أو بثلاث بلحات فإن اثنتين منها تذهبان إلى المجرى الذي يسير فيه ثلثا المياه، والثالثة تذهب إلى المجرى الآخر. ولا يستطيع أحد أن يأخذ من هذا المجرى أكثر من ثلث ماء النبع، وإذا وقف أحد في المجرى الذي يفيض فيه ثلثا ماء العين ليزيد من الماء الذي يجرى إلى المجرى الأصغر فإن المياه تغمره وتتجاوزه فلا يرتد منها شئ إلى المجرى الثاني بما يزيد في مائه.

وأقدم الكتابات التي ذكرت حصن خيبر كتابة بلغتين تاريخها عام 568 م تنتمى إلى حران في اللجة. وقد ذكر لنا ليتمان Littman التفسير الصحيح لهذه الكتابة في Osservazioni sulle iscrizion di Harrane di Zebed المنشور في R.S.O., سنة 1911 - 1912, جـ 4، ص 193 وما بعدها. ويستدل من هذه الكتابة أن تاريخها عام 463 (أي من عهد بُصرى) أي بعد عام من حملة خيبر. ويقول ابن قتيبة في كتاب المعارف (طبعة فستنفلد ص 313) إن هذه الحملة كانت بقيادة الملك الحارث بن أبي شمر (الحارث بن جبلة) الذي حكم من عام 528 إلى عام 569 - 570 م، وهنا تذكر الكتابة أن التاريخ الدقيق لهذا الحادث هو عام 567 م. وكان لغزوة النبي محمد [- صلى الله عليه وسلم -] أثر بالغ في تاريخ خيبر وسكانها من اليهود. فقد خرج النبي [- صلى الله عليه وسلم -] لغزوها في مستهل العام السابع من الهجرة (628 م) على رأس جيش عدته نحو 1600 مقاتل. والجلى أن يهود خيبر تأهبوا لملاقاة النبي [- صلى الله عليه وسلم -]، ولكنهم كانوا متنابذين، ذلك أنهم لم يكونوا هيئة متماسكة يعيشون مجتمعين في بقعة واحدة بل كانوا متفرقين في الأودية المجاورة حيث كانت كل جماعة صغيرة تحتل بعض المنازل المحصنة وسط أحراج النخيل وحقول القمح الغنية. وكان لكل منزل من هذه المنازل اسمه الخاص. وكان الوادي مقسما ثلاثة أقسام، النطاة والشق والكتيبة. وكانت هذه المنازل من الناحية الحربية غير مواتية لليهود. وزاد مركز أهل خيبر حرجا عندما تخلى عنهم أحلافهم من غطفان غادر جندهم وعددهم أربعة آلاف مقاتل خيبر عائدين إلى منازلهم. ومن ثم خلا الميدان أمام النبي [- صلى الله عليه وسلم -] فتقدم نحوهم ليلا، وما إن أصبح الصباح حتى رأى أهل خيبر جند المسلمين أمامهم وكانوا قد عسكروا خلف الحرة على حافة الصحراء. وصرف النبي [- صلى الله عليه وسلم -] ستة أسابيع في فتح إقليم خيبر بأجمعه فقد اضطر أن يحاصر كل منزل ومعقل حتى يفتحه عنوة بعد قتال عنيف في كثير من الأحيان. وانصب الهجوم أولا على حصن النطاة الذي صمد للقتال أسبوعًا واحدًا. ثم اقتحم حصن الشق. وأضعفت انتصارات المسلمين من عزيمة المدافعين وسقط حصن النطاة كما سقط حصن الكتيبة آخر معاقلهم

من غير قتال تقريبًا. وحكم على اليهود بالتخلي عن جميع أملاكهم وسمح لهم هم وزوجاتهم وأولادهم بحرث الأرض التي كانوا يملكونها من قبل وفرض عليهم أن يقدموا نصف غلتها للنبي [- صلى الله عليه وسلم -] وظل هذا مفروضًا عليهم إلى أن أخرج الخليفة عمر بن الخطاب اليهود من بلاد العرب. على أن بعض اليهود عادوا بعد ذلك إلى خيبر. يقول بنيامين التطيلى Benjamin of Tudela أنه كان يعيش في خيبر عام 1173 م جالية يهودية قوامها 1150 رجل وما بنا من حاجة إلى أن نعلق أهمية كبيرة على تلك الرواية. ويذكر بيركهارت Burckhardt الذي زار خيبر في بداية القرن التاسع عشر أن الجالية اليهودية التي كانت مستقرة في خيبر في وقت ما قد اختفت تماما. المصادر: (1) الإصطخرى: المكتبة الجغرافية العربية، جـ 1، ص 21. (2) ابن حوقل: المكتبة الجغرافية العربية، جـ 2، ص 28. (3) المقدسي: المكتبة الجغرافية العربية جـ 3، ص 83. (4) الهمداني: صفة جزيرة العرب؛ طبعة Muller؛ ليدن 1884 - 1891 ص 124 - 130. (5) البكري: المعجم؛ طبعة فستنفلد؛ جـ 1؛ ص 331 - 333. (6) معجم ياقوت؛ طبعة فستنفلد؛ جـ 2؛ ص 503 - 505. (7) مراصد الإطلاع؛ طبعة Juynboll؛ ليدن سنة 1853؛ جـ 1؛ ص 376 وما بعدها. (8): Noel Desvergers L'Arabiel Uivers, Histoire et description de tous les peuples,Asie جـ 5) ص 177 - 180. (9) Die alte Geographie: A.Sprenger Arabiens برن سنة 1875؛ ص 153؛ 204. (10) Annali dell Islam: Caetani جـ 2؛ القسم 1؛ ص 8 - 33. (11) Travels in Arabia: Doughty Deserta جـ 2؛ لندن سنة 1923؛ ص 75؛ 92؛ 101؛ 103؛ 105؛ 199؛ 211؛ توجد صور خيبر في الكتاب نفسه ص 95, 104. الشنتناوى [كرومان Adolf Grohmann]

خير الله أفندي

خير الله أفندي مؤرخ تركي نابه الذكر، ولد في الآستانة من أسرة ظلت تخدم السلاطين دون انقطاع أكثر من 160 عامًا. وأبوه عبد الحق أفندي المشهور (توفي عام 1270 هـ = 1853 - 1854 م)، وكان من رجال الدين والطب وقد بلغ مرتبة "سر أطباء" ثلاث مرات ثم خلع عليه لقب التشريف "رئيس العلماء" منذ عام 1269. بدأ خير الله حياته مقتفيا أثر أبيه، فنشأ نشأة دينية وكان أول منصب تولاه هو منصب ملا أزمير عام 1258 هـ (1842 م) ثم اتجه نحو العلوم والطب والتربية، وأصبح سنة 1265 عضوا في مجلس التعليم ومجلس الزراعة ورئيسا ثانيا لمجمع العلوم (انجمن - دانشى) ورئيسا لعدة هيئات علمية. وشغل مناصب رفيعة في وزارة المعارف التي ألفت تأليفا جديدًا، وظل مدة طويلة ناظرًا لمدرسة الطب إلى أن اختير سفيرا في طهران عام 1281 هـ (1864) حيث توفي فجأة عام 1283 هـ (1866 م). ولخير الله أفندى ولدان هما: عبد الحق حامد أشهر شاعر وكاتب مسرحى في تركيا الحديثة، وعبد الخالق نصوحى وكلاهما اشتغل بالسفارة لتركيا في الخارج. ولخير الله عدد من التواليف في التاريخ والجغرافية والطب والعلوم والزراعة، ومعظم كتبه في الزراعة مترجمة عن اللغات الأجنبية، وقد طبعت بعض تواليفه، مثل كتاب "مسائل حكمت، وبيت دهقانى، ورحلته إلى أوروبا المسماة أوروبا سياحت نامه سى. وتعود شهرته إلى تواليفه في التاريخ، فله إلى جانب كتابه "وقائع مصرية" تاريخ مفصل للدولة العثمانية عنوانه "دولت عليه عثمانية تاريخى" بدأ صدوره تقريبا في نفس الوقت الذي ظهر فيه التاريخ القيم الذي أصدره أحمد جودت مؤرخ الإمبراطورية في اثنى عشر مجلدا، وهو يشمل تاريخ الدولة العثمانية فيما بين عامي 1774 و 1826 م. وكان هم خير الله أفندي أن يكتب التاريخ التركي بأجمعه في مصنف واحد متصل الحلقات. وهو أول مؤرخ تركي حاول أن يتناول التاريخ التركى من ناحية مكانته بالنسبة لتاريخ العالم

وذلك على عكس الطريقة التي كانت مألوفة إلى ذلك الوقت عند أصحاب الحوليات من الترك الذين لم يخرجوا في تأليفهم عن المصادر والشئون التركية دون غيرها. وقد كان خير الله في الواقع أول كاتب نجح إلى حد ما في كتابة تاريخ شامل للعالم "تاريخ عمومى". وكان معظم اعتماده على المصادر الفرنسية مع استثناء كتاب Geschichte des: Von Hammer Purgstall osmanischen Reiches ويتبين لنا ذلك مما عمد إليه من كتابة الأعلام الأجنبية بحسب نطقها الفرنسى وقد كان في الوقت نفسه يعتمد على المصادر التركية التي لم تكن بعد قد استقلت تماما. وقد خص مجلدًا من كتابه بالمقدمة وبالتاريخ المتقدم للدولة العثمانية وهو العهد السابق على حكم عثمان الأول. ووضعت خطة الكتاب بحيث يستغرق عهد كل سلطان من سلاطين آل عثمان مجلدًا من مجلداته. وقد عرض في الوقت نفسه للحكام المسلمين والنصارى المعاصرين ثم هو يتناول بعد ذلك مادة الكتاب متوخيا الفائدة من غير اعتبار لسرد الأخبار. ولغة خير الله بسيطة واضحة سهلة الفهم إذا قسناها بلغة المؤرخين المتقدمين الطنانة، ويمتاز تاريخه أيضا على تواريخ من تقدموه ببعده عن المحاباة والبغض الأعمى للثقافة غير الإسلامية ولكل ما يخرج عن نطاق الإسلام. وقد ظهر من هذا التاريخ خمسة عشر مجلدا فقط (1271 - 1281 هـ = 1853 - 1864 م) وهي تبدأ بعهد عثمان الأول وتنتهي بعهد أحمد الأول (1603 - 1617 م)، ثم توفي المؤرخ بعد ذلك، فحاول على شوكت المفتش في "ديوان أحكام عدلية" أن يتم الكتاب الذي لم يستطع خير الله أن ينجز إلا بعضه بعد مشقة. ولم يظهر بعد ذلك إلا ثلاثة مجلدات أخرى، من المجلد السادس عشر إلى الثامن عشر (1289 - 1292 هـ = 1872 - 1875 م) وصلت بهذا التاريخ إلى عهد السلطان إبراهيم (1639 - 1648 م)، المصادر: (1) تاريخ خير الله ذاته، جـ 1، ص 2، جـ 16، ص 3.

خير الدين

(2) أحمد رفعت: الروضة العزيزية، طبعة حجرية، القسطنطينية سنة 1282, ص 181, 205. (3) جمال الدين: عثمانلى تاريخ ومؤرخلرى، القسطنطينية، سنة 1314 ص 125. (4) سامى: قاموس الأعلام، جـ 3، ص 2274. (5) ثريا: سجل عثمانى، جـ 2، ص 319. (6): Hammer- Purgstall Bericht uber die zu Konstantinopel im Druck erscheinende Geschichte des osmanischen Reiches uon Chairullah Efendi في S.B. Ak. Wien Phil-Hist, Klasse جـ 12، ص 533. (7): O.von Schlechta- Wssehrd Ausfuhrl Bericht uber die in Konstant- inopel erschienenen orientalischen Werke في , S.B. Ak. Wien جـ 14، ص 77، رقم 229؛ جـ 17. ص 169، رقم 308؛ جـ 20، ص 461, رقم 309؛ جـ 26، ص 344 رقم 319. الشنتناوى [منزل Menzel، Th] خير الدين " خير الدين" مهندس معمارى تركى مشهور من عهد السلطان ولى بايزيد الثاني (1481 - 1512 م)، وأخبار خير الدين ونشاطه محوطة بالإبهام والغموض وذلك أن المؤرخين الترك درجوا على الإشارة بكل صاحب آثار دينية أو كاتب عبارات تاريخية أو خطاط، ولكنهم قلما يذكرون أصحاب الآيات الفنية في العمارة أو يذكرون شيئًا عن سيرتهم، وليس من شك في أن خير الدين من الشخصيات التاريخية. ويقال إنه ابن مهندس معمارى يدعى أستاذ مراد. وتحفته الفنية هي جامع بايزيد بالآستانة. وقد بنى ما بين عامي 1501 و 1507 م وهو آية من آيات العمارة تمتاز بقوته الفنية، ويمكن الرجوع فيما يختص بهذا المسجد إلى (أوليا: سياحت نامه، إستانبول سنة 1314, جـ 1، ص 142؛ سعد الدين: تاج التواريخ، إستانبول 1279, جـ 2، ص 211؛ von Hammer Constantinopolis der Bosporos بست سنة 1821, جـ 1، ص 421 Skarlatos

خير الدين

Konstantinopolis: Byzatios أثينا سنة 1890, جـ 1، ص 421). وينظر إليه الترك بوجه عام على أنه المؤسس الحقيقى لفن العمارة العثماني لا يماثله أحد ممن تقدموه (إلياس على، محمد المجنون، موسى وغيرهم) ولا ممن أعقبوه حتى عهد سنان أمثال محمد قاسم وكمال الدين، فهو أعظم مهندس معمارى عثمانى ومن أعظم المعماريين في العالم يؤيد ذلك جامع بايزيد أعظم آثاره الفنية. والواقع أن طريقة دعم القبة الرئيسية بنصفي قبة قد نقلت عن أيا صوفيا ولكنها اصطبغت بروح آخر وزيد عليها كثيرًا. وقد حيكت حول هذا المسجد جملة أساطير دينية. وشيد خير الدين مسجدًا آخر صغيرًا يسمى باسمه لا يبعد كثيرًا عن مقبرة الصدر الأعظم سنان باشا عند بارمق قبسو ويواجه قبر خير الدين هذه المقبرة، المصادر: (1) حافظ حسين: حديقة الجوامع، إستانبول سنة 1281، جـ 1، ص 13 - 200. (2) محمد ثريا: سجل عثمانى، جـ 2 ص 314. (3) ساعى: تذكر البنيان، إستانبول سنة 1315 , ص 5. (4): Surlitt Die Baukunst Konstantinopels برلين سنة 1912 ص 64, 76. (5): E. Diez Die Kunst der Islamischen Volker برلين 1915، ص 133. (6): Babinger Quellen zur Osmanischen Kunstergeschichte, Jahrbuch der Asiatischen Kunst ليبسك 1924، ص 34. الشنتناوى [منزل Th. Menzel] خير الدين بربروسه: القرصان التركى المشهور، وبيلربك الجزائر وأخو أوروج. وهو الرجل الذي يشار إليه باللقب بربروسه اينوباربوس Barbarossa Aenobarhus في رسائل البلاط الفرنسى الدبلوماسية على الرغم مما ذكره هايدو Haedo خلافا لذلك. ولد

خير الدين في متلين Metellin حوالي عام 888 هـ (1483 م) وكان في أول أمره قرصانا تحت إمرة أخيه، اكتسب شهرة فائقة لمهارته وشجاعته. وقد ولاه أخوه أوروج على الجزائر عندما خرج في حملته على تلمسان وكان قد استولى على الجزائر قبيل ذلك ولما بلغت خير الدين الأخبار بوفاة أخيه أوروج اختاره أتباعه بالإجماع خلفا له. وسرعان ما شعر خير الدين بأن مركزه شديد الحرج فقد ثار أهل شرشال وتنس، وتخلى عنه رجال قبائل ابن القاضى ملك كوكو، وأغار أبو حمو ملك تلمسان على وادي شلف، وكان أهل الجزائر متربصين لخلع نير الترك بعد أن ضاقوا بقسوتهم. لهذا شعر خير الدين بعجزه عن منازلة خصومه جميعا بتلك القوات التي كانت تحت إمرته فطلب عون سليم سلطان الآستانة، وقدم له فروض الولاء باسم البلاد التي فتحها أخوه، ووعده بدفع الجزية. وكان السلطان آنئذ قد فرغ وشيكا من فتح مصر (1517 م) فاهتبل هذه الفرصة التي تتيح له وضع القسم الغربي من شواطئ البحر المتوسط تحت سلطانه. وتلقى السلطان ولاء خير الدين بالقبول ومنحه لقب باشا ورتبة البيلربك وأرسل السلطان في الوقت ذاته ألفي رجل بمدافعهم إلى الجزائر كما صرح بتجنيد المتطوعين ومنحهم حقوق رجال الإنكشارية بامتيازاتهم، وبذلك أصبح تحت إمرة بربروسه أربعة آلاف من الترك أو من أهل الشرق، وهؤلاء الجنود هم الذين تكون منهم "الأوجاق" أو قوة الجزائر الحربية. وتمكن خير الدين بفضل هذا الإمداد من مواجهة الأخطار التي تهدده. فقضى على مؤامرة الجزائريين الذين اتفقوا مع أهل القبائل على إحراق الأسطول وذبح الترك، وعلق رؤوس زعمائهم على أبواب قصره، كما صد قوة أسبانية بقيادة أوكوده مونكاد Ugo de Moncade ذلك أن النصارى كانوا قد نزلوا إلى البر عند مصب الحراش واختاروا مراكزهم عند مرتفعات كدية الصابون، وأخذوا في ضرب المدينة بالمدافع. وقد أفلح بربروسه في إخراجهم من خنادقهم بهجومه على سفنهم المصفوفة على الشاطئ، وأجبرهم على الرحيل (1519). أما في

الشرق فقد كان بربروسه أقل توفيقا منه في الغرب، فقد تقدم جيش تونس نحو الجزائر، فخرج خير الدين لملاقاته، والتقى به في أرض القبائل في فلست يملليل، وتخلى عنه سلطان كوكو في إبان المعركة وحارب الترك، وكان السلطان الحفصى قد استماله سرا، ونزلت بالترك هزيمة منكرة، واضطر بربروسه إلى الالتجاء إلى جيجل بعد أن سد الطريق أمامه إلى الجزائر. وفي خلال هذه المدة خرب أهل القبائل متيجة واحتلوا الجزائر في حين ثارت شرشال وتنس مرة أخرى عام 1520. وأخذ خير الدين وهو في ملجئه جيجل يعيد تنظيم جيشه ويجمع الأمداد. واستأنف مهنته القديمة وهي القرصنة، وسلب الشواطئ الغربية للبحر المتوسط فيما بين عامى 1520 و 1525 وجمع أسلابا هائلة، كما التف حوله عدد كبير من المغامرين، وسرعان ما غدا من القوة بحيث استطاع الاستيلاء على كللو collo عام 1521، وعلى بونة عام 1522 وقسطنطينة، كما ضم إلى جانبه أهل القبائل الصغرى بتحالفه مع عبد العزيز زعيم بنى عباس ومنافس سلطان كوكو. فاستطاع في عام 1525 العودة إلى منازلة ابن القاضى، وأوقع به الهزيمة عند وادي بقدورة ثم عند ممر بنى عائشة، وقتل ابن القاضى بيد جنوده. وعاد الترك فاحتلوا متيجة والجزائر، وقتلوا زعماء الثوار في تنس وشرشال، وعاقبوا أهل قسطنطينة عقابا شديدا لأنهم طردوا قائدهم عام 1527 وقتلوا الحامية التركية. وأخيرا قدم حسين خليفة ابن القاضى ولاءه لهم واتفق على دفع جزية سنوية للترك (1528). واستولى خير الدين على بنون Penon. وهو معقل أسبانى بنى على جزيرة صغيرة على مرمى قذيفة مدفع من الجزائر، وبذلك استعاد الترك سلطانهم على تلك الجهات. ففي بداية شهر مايو من عام 1529 بدأ بربروسه في ضرب هذا المعقل بالمدافع، وكانت حاميته الإسبانية قد أهملت تحصينه، فسقط الحصن عنوة في 27 مايو بعد أن جرح جل رجاله، ولم يسلم منهم سوى 25 رجلا. وأمر خير الدين بقتل حاكم هذا الحصن دون مارتن ده فار كاس Don Martin de Vargas كما أمر

بهدم أسوار بنون عن آخرها, واستخدمت الأنقاض في بناء رصيف يصل هذه الجزيرة بأرض القارة وقد حمى هذا الرصيف المرسى من الرياح الغربية، ومكن القراصنة من ترك سفنهم في مأمن، وكانوا قبل ذلك يضطرون إلى سحبها إلى الشاطئ عندما يسوء الجو، وقد أصبحت الجزائر نتيجة لذلك مرفأ تلجأ إليه سفن القراصنة وتتخذه قاعدة لغاراتها. وقد انزعج الأسبان لهذا النصر الجديد الذي أحرزه خير الدين، فأرادوا الاستيلاء على شرشال ليتخذوا منها مهبطا لهم على الشاطئ، ولكن الحملة التي وجهت إلى هذه المدينة بقيادة أندريا دوريا Andereas Doria باءت بالخيبة عام 1531. وعندئذ توطدت أقدام بربروسه نهائيا في الجزائر، وأراد أن يزيد في قوته العسكرية فأقام إلى جانب الإنكشارية، الذين أصبحوا خطرًا عليه لعنادهم وتمردهم، فرقا من الجند موالية له، فكون له حرسا من خمسمائة من المرتدين عن دينهم من الأسبان. وجمع ما بين سبعة آلاف وثمانية آلاف من اليونانيين والألبانيين ورجال القبائل المجندين، وأمَّر على هذه القوة الجديدة وعلى مدفعيته "رئيس" زميله القديم. وألفي خير الدين نفسه بفضل هذه التدابير قادرا على المسير نحو تونس، وكان قد دخل مع أهلها في مفاوضات سرية منذ أمد طويل. ولما استولى على هذه المدينة أراد أن يحتاط من الأسبان وأن يضمن لنفسه الإشراف على الشاطئ الشرقى لإفريقية بأكمله. وقد فوض السلطان خير الدين في اتخاذ ما يتراءى له بعد أن أطلعه على خططه كما زوده بأمدادات أخرى من الجند، ودخل بربروسه بلاد تونس بعد أن جعل على الجزائر خليفته حسن أغا، واستولى على حلق الوادي Le Goulette (16 أغسطس سنة 1534) ثم تقدم منها نحو تونس. وحاول مولاى حسن الوقوف أمام بربروسه، ولكنه هزم في وقعة بالقرب من باب الجزيرة، واضطر إلى الفرار (18 أغسطس) ودخل الترك مدينة تونس ونهبوها. وخضعت باقي بلاد تونس دون أن تبدى مقاومة.

على أن انتصار بربروسه لم يطل أمده، ذلك أن شارك الخامس ظهر أمام شاطئ تونس في شهر يونيه من عام 1535 واستولى الأسبان على مدينة حلق الوادي في 14 يوليه، وفي 20 منه أصبحوا أصحاب الكلمة العليا في تونس. وقد حطم العبيد النصارى الذين أبي خير الدين بربروسه قتلهم قيودهم وانضموا إلى المهاجمين، وخشى البيلربك أن يطوقه العدو فارتد إلى بونة وهنالك وجد أسطوله، وكان قد أرسله إلى هناك عندما بلغته أخبار استعداد الأسبان للقيام بحملتهم، ثم أبحر إلى جزائر البليار ونهب ما هون وعاد إلى الجزائر ومعه ستة آلاف أسير وأسلاب هائلة. وذهب خير الدين بعد ذلك بقليل إلى الآستانة تلبية لأمر السلطان، فعينه في عام 1533 "قبودان باشا" وعهد إليه بإدارة الحملة البحرية التي وجهها لمقاتلة شارل الخامس وأحلافه. ولم يكن ثمة ما يضطره إلى الذهاب إلى الجزائر فقد كانت الأمور هناك في يد خليفته يديرها باسمه. وانصرف بربروسه في الآستانة إلى القيام بأعباء منصبه الجديد، فأعاد تنظيم الأسطول التركى وزاد فيه، وكان له شخصيا نصيب فعال في المعارك التي خاضها هذا الأسطول. ففي عام 1537 سلب شواطئ أبوليا Apulia وحاول الاستيلاء على برنديزى بغتة، ولكنه خاب في ذلك، كما اشترك في حصار كورفو، إلا أنه عجز عن الاستيلاء عليها، فوجه همه إلى ممتلكات البندقية في بحر إيجه، واستولى على جزائر الدوديكانيز. وفي العام التالى استولى على سكياتوس Sciatos وسكيروس Scyros وكرباتوس Carpathos فأتم بذلك فتح جزر الأرخبيل. ثم نزل في جزيرة كريت فأحرق فيها مدينتين وثمانين قرية. ونال في البحر الأيونى انتصارين على أندريا دوريا عند بريفيزا Preveza وسانت مورا. وفي عام 1539 استطاع بمعاونة قائديه حسن كرسووطرغوت استعادة كاستلنووفو Castelnuovo في خليج كتارو cattaro وملفازيا Malvasia ونوبليا Nauplia في المورة، واضطر البنادقة إزاء هذا إلى مهادنة الباب العالى.

وقد جعلت هذه الانتصارات بربروسه صاحب النفوذ الغالب في الآستانة، فقد حظى بصداقة السلطان سليمان فأغراه باستئناف حروبه في غرب البحر المتوسط، وكذلك كان بربروسه بلا شك من أنصار التحالف مع الفرنسيين، وكانت بينه وبين فرنسوا الأول مراسلات منذ عام 1534. وكان بربروسه بعد الانتهاء من معاهدة بغداد المؤتمن على سر سفراء ملك فرنسا أكثر الملوك تعلقا بالنصرانية، كما كان زعيم الحزب الفرنسى في بلاط السلطان. وأراد شارل الخامس أن يستميل إليه بربروسه، فعرض عليه سرًا أن يعترف به صاحب السلطان على شمال إفريقية كله نظير دفع جزية صغيرة. وتظاهر بربروسه بممالأة خطط الإمبراطور، ولكنه كشف عنها من فوره للسلطان. ومما زاد كثيرا في نفوذ بربروسه هزيمته المنكرة لحملة شارل الخامس على الجزائر عام 1541، وإن كان هو نفسه لم يشترك في الدفاع عن هذه المدينة. وعاد الخصام مرة ثانية بين فرنسوا الأول وشارل الخامس (1541) وكان قد خمد منذ هدنة نيس عام 1538 م. وولي خير الدين بربروسه قيادة الأسطول الذي تأهب للقتال في صف الفرنسيين. وفي عام 1543 كان نشاط بربروسة أمام الشواطئ الإيطالية فاستولى على ريجيو Reggio ونهب شواطئ كلابريا ثم حاصر مدينة نيس بعد انضمامه إلى قوات الدوق دانغين d'Enghein عند مرسيليا. ونزل الترك إلى البر في فيلفرانش Villefranche واستولوا على هذه المدينة وخربوها. وسقطت نيس إلا أن قلعتها امتنعت على المغيرين، على أن وصول أسطول دوريا وجيش المركيز دل فاستو del Vasto أجبر الترك على الارتداد، وأمضى قسم من الأسطول التركى الشتاء في طولون، أما باقي الأسطول فأبحر على طول شاطئ قطالونيا، وسلب بالوموس Palomns وروزاس Rozas. وانتهت الحرب بصلح كرسبى Crespy عام 1544، وعاد خير الدين إلى الشرق ونهب جزائر توسكانيا وشواطئها ومملكة نابلى. وعاد بربروسه بعد هذه الحملة إلى

الآستانة، وكانت له فيها ثروة هائلة من بينها عدة قصور على البوسفور. وتوفي خير الدين بربروسه في 4 يولية عام 1546 بالغا من العمر ثلاثة وستين عاما، ودفن في المسجد الذي ابتناه في بيوك دوره. وأمر في وصيته بتحرير جميع العبيد الذين كانت سنهم دون الخامسة عشرة، وترك الباقي وعدهم ثمانمائة للسلطان، كما ترك له ثلاثين سفينة مسلحة. وقسمت ثروته الباقية بين ابن عمه وولده حسن، وكانت أمه امرأة من عرب المغرب. وقد ولى حسن هذا على الجزائر في ثلاث مناسبات مختلفة ولم يكن بربروسه قرصانا ناجحا وجنديا ماهرا فحسب، بل كانت له بعض صفات الرجل السياسى، فقد كان عزمه لا يلين، وبذلك استطاع أن يتخطى أعظم الصعاب التي صادفته. كانت له حاسة دقيقة جدا عرف بها الظروف التي يعتمد عليها في إقامة دولة في بلاد البربر وطيدة الأركان. فقد أدرك أن الحكم التركى مقصور على الشاطئ، ومن ثم فهو خليق بطبيعة الحال أن يكون مقلقلا غير ثابت؛ لذلك حاول أن يجعل نفسه صاحب الكلمة العليا داخل البلاد. وكان بربروسه يطمح إلى جمع شمال إفريقية كله في دولة واحدة يكون هو صاحب الأمر فيها. وإذا كانت الظروف لم تتح له أن يحقق هذا الغرض فإنه قد استطاع على أقل تقدير أن يتم العمل الذي بدأه عَروج. ويمكننا أن نعد بربروسه، إلى جانب ذلك، المؤسس الحقيقي لولاية الجزائر. المصادر: (1) حاجي خليفة: تحفة الكبار في أسفار البحار، الآستانة عام 1141، ص 15 - 27، وقد ترجم بعض هذا الكتاب J. Mitchell: The History of the Maritime Wars of the Turks لندن 1831, ص 28 - 69. (2): Haedo Topografia e Historia general de Argel, طبع في بلد الوليد سنة 1612 وترجمه إلى الفرنسية Monnereau, Berbrugger في Rev. Africaune جـ 14, 15. (3) المؤلف نفسه: Epitome de los reyes de Argel وترجمه إلى الفرنسية H.

de Grammont بعنوان Hist. des Rois d'Alger في Rev.Africaine جـ 24, 25. (4) Documents: E. de la Primaudaia indedits sur l'Historie de l'occupation espagnole en Afrique في Rev.Africaine جـ 19, 20, 21. (5): Th. de Sandoval Historia de la vida y hechos del emperdor Carlos V ... أنتورب 1511. (6): Sander F. Denis & Rang Fondation de la regence d'Alger, historie des Barberousses, chonique du XVIe siecle باريس 1837 وهو مترجم عن نسخة عربية بعنوان خير الدين، وقد نسب هذا الكتاب خطأ إلى خير الدين بربروسه نفسه، أما الترجمة الإيطالية وهي عن نسخة أسبانية قديمة ترجمت في عام 1578 بقلم Giovan Luidgi Alcamora فقد نشره M Pelaez بعنوان La vita e la storia die Ariadino Barbarossa بالرمو عام 1887. (7) Hist. de l'empire Ottoman: Hammer تحت اسم بربروسه. (8): E.Charriere Negociations de la France dons le Levant جـ 1، باريس 1848. (9): Lopez Gomara Gronica de los Barbarojas في memorial historico espanol جـ 6، مدريد 1854. (10): Berbugger Le Penon d'Alger الجزائر 1860. (11): H. de Grammont Le R'azaouat est-il l'Oeuver de Kheir ed Dine Barbe rousse? طبع في Villeneuve sur Lot عام 1873. (12) المؤلف نفسه: Hist. d'Alger sous la domination turque باريس 1886. (13): G.Medine L'expedition de Charles Quint a Tunis, la legende et la verite في Rev. Tunisienne جـ 13. (14): S. Lane-Poole The Barbary Corsairs لندن 1890, ص 31 وما بعدها؛ وانظر أيضا المصادر الواردة في مادتى مدينة الجزائر وبلاد الجزائر وتونس وبلاد تونس. الشنتناوى [إيفر G.Yver]

د

د

دابق

دابق كورة شمالى الشام بناحية عَزَاز (ياقوت، جـ 2، ص 513) على الطريق بين مَنْبِج وأنطاكية (الطبرى جـ 3، ص 1103) وعلى نهر قُوَيْق فوق حلب (Zeitschrift des Deutch. Pal. Vereins جـ 7، ص 65) وتكفي هذه الروايات لإثبات أن موضعها هو عين موضع قرية دابق الحالية (وبالقرب منها دويبق، وبالتركية طايبق). وكانت دابق مركز القيادة وقاعدة المروانيين والعباسيين في حملتهم على الروم. وقد أمضى الخليفة سليمان بن عبد الملك بصفة خاصة وقتا غير قليل فيها. وتوفي في صفر من عام 99 هـ الموافق سبتمبر من عام 717 م، ودفن فيها. فعقد رجاء بن حيوة، وهو رجل صالح، البيعة في مسجد دابق لمن أوصى سليمان بأن يكون ولى عهده، ولما فرغ من ذلك أحضرت وثيقة تعين عمر بن عبد العزيز خليفة لسليمان (انظر Arab Reich: Wellhausen ص 165 وما بعدها) ولما تم الأمر للعباسيين خربوا قبر سليمان (المسعودي: مروج الذهب جـ 4، ص 171). على أن هذا الموضع اشتهر بالوقعة الفاصلة التي نشبت بين السلطان سليم الأول العثماني وقانصوه الغورى سلطان المماليك لخمس وعشرين خلت من رجب عام 922 هـ الموافق 24 أغسطس عام 1516 في مرج دابق غير

دابة

بعيد من قبر النبي داود الذي لا يزال الناس يعظمونه إلى يومنا هذا (ياقوت، جـ 4، ص 53؛ المشرق جـ 12، ص 902، رقم 5) وفيها خر سلطان المماليك صريعا وقضى على المملكة المصرية (Gesch. des Osm. Reiches: .Hammer جـ 2 ص 474, وما بعدها: Jorge: Gesch-der Osm جـ 2، ص 336؛ Weil: Gesch 4. der Chalifen جـ 4، ص 413). وثمة أسطورة شعبية تقول إن وقعة فاصلة ستنشب مرة أخرى في مرج دابق المخضب بالدماء يقتتل فيها الترك والفرنجة طلبا للنصر. المصادر: (1): G. le Strange Palestine under the Moslems ص 61 , 426, 503. (2) M. Hartmann في Zeitschr. der Ges. fur Erdkunde جـ 29، ص 488, 518، 520، 521 وفي Zeitcher. des Vereins fur Volksk جـ 1، ص 102). الشنتناوى [هارتمان R. Hartmann] دابة الدابة كل حيوان يسير أو يدب أو يزحف على الأرض. "والله خلق كل دابة من ماء فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشى على أربع. ." (سورة النور، آية 44) (¬1)، واللفظ هنا يدل على المخلوقات الحقيقية والخرافية جميعا. بيدا أنه قد اصطلح بلفظ دابة على "الحيوان الخاص بالركوب" وبخاصة الخيل والبغال والحمير، وهو يدل على الذكر والأنثى معا. ودابة الأرض من أكبر أشراط الساعة. ويروى أن طولها سبعون ذراعا، وهي مختلفة الخلقة تشبه عدة من الحيوانات، فرأسها رأس ثور، وأذناها أذنا فيل، وأقدامها أقدام بعير .. إلخ، وتظهر في تهامة أو بين الصفا والمروة فتضع على وجه الكافر علامة سوداء، وعلى وجه المؤمن علامة ¬

_ (¬1) رقم الآية في المصحف العثماني هو 45.

الدار البيضاء

بيضاء، وتنتشر هذه العلامات حتى تشمل الوجه كله، وهكذا ينماز المؤمن من الكافر، ويقال إن الدابة ستجلب معها عصا موسى وخاتم سليمان فتضرب المؤمن بالعصا، وتكتب في وجهه مؤمن، وتطبع الكافر بالخاتم وتكتب في وجهه كافر. وقد نشأت هذه القصص من تأويل سورة النمل، آية 84 (¬1) وقد ورد فيها: "وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض" (¬2) وقد ذكرت الآية 13 (¬3) من سورة سبأ (¬4) دابة الأرض. المصادر: الدميرى: حياة الحيوان. الشنتناوى [فولتن A.S.Fulton] الدار البيضاء وتعرف عند الأوربيين بـ "كازابلانكا " Casablanca مدينة على ساحل مراكش المطل على المحيط الأطلسى، على مسيرة مائة ميل جنوبى شرقى طنجة، وعلى مثلها شمالى غربى موجادر، وهي على خط عرض 33 ْ 37 َ شمالا، وخط طول 12 ْ 15 َ غربى غرينتش. ويقطنها 300.00 نسمة (¬5) منهم عدد من اليهود يتراوح ما بين 4000 و 5000، وعدد من الأوربيين يتراوح بين 400 و 500 (أسبان وفرنسيين وإنكليز وألمان وبرتغال). وتحيط بالمدينة أسوار تتوجها أبراج، ويخترقها أربعة أبواب. وتنقسم ثلاثة أحياء: المدينة ودورها ¬

_ (¬1) رقم الآية في المصحف العثماني هو 82. (¬2) يعتمد الكاتب طبعا في وصف "الدابة" الواردة في هذه الآية على ما جاء في جمهرة كتب التفسير. انظر مثلا الطبرى ج 20، ص 9 - 11 (بولاق)؛ والنيسابورى ج 20 ص 16 - 17 (بولاق). ومن الآراء الجديرة بالاعتبار في تفسير هذه الدابة رأي العلامة محمد على في تعليقه على هذه الآية بأن المقصود بدابة الأرض التي تكلم أي تجرح الناس حين يصدون عن سبيل الله فيقع عليهم القول، هو العذاب والمحن التي تصيبهم من حروب ومجاعات وأوبئة. (انظر Muhammed Ali: - The Holy Quran ص 755 حاشية رقم 1863 (¬3) رقم الآية في المصحف العثماني هو 14. (¬4) نص الآية: " {فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ} ". (¬5) كان ذلك وقت كتابة المقال. (مهدي علام)

مبنية بالحجر على الطراز المغربى، وإن كانت نوافذها تفتح إلى الخارج، وتخترقها طرق متسعة غير منتظمة؛ والملاح أو حي اليهود؛ والتناكر وهي حي دوره أكواخ من الطين والقصب. ومسلمو الدار البيضاء يجلّون إجلالا خاصا سيدى أبي الليوث [بليوت] ويعدونه ولى المدينة. والظاهر أن طريقة هذا الولى قد انتشرت بصفة خاصة في النصف الأخير من القرن التاسع عشر، ويقال إنه كان يستطيع الظهور في كل مكان وإخضاع الوحوش، ويذهب دوتيه (Doutte في كتابه Merakech ص 15، باريس 1905) إلى أن اسمه تحريف للاسم العربي أبي الليوث. ويوصف الماء الذي يسقط في قبته بأنه يرغم كل من يغادر الدار البيضاء إلى العودة إليها. وتقوم الدار البيضاء في مكان "أنفا" وهي إنافة التي ذكرها مادمول Madmol. وكان هذا المكان موضعًا زاهرًا في القرون الوسطى. وقد ذكره الإدريسى، فقال إنه ميناء تقصد إليه التجارة للتزود بالقمح والشعير (الإدريسى، طبعة ده غوى، ص 84) ويذهب الحسن بن محمد الوزان الزياتى leo Africanus إلي أن "أنفا" كانت مدينة غنية عامرة، مبانيها جميلة. وكانت بعض آثارها باقية في أيامه حيث كان يلقى فيها العلم ويبجله أهلها تبجيلا. وفي القرن الخامس عشر تنازع "أنفا" أمراء بنى مرين أصحاب "فاس" وسلاطين مراكش، ولكن يظهر أنها استطاعت الاحتفاظ باستقلالها. وكان من شأن غارات القراصنة من سكانها على سواحل الأسبان والبرتغال أن هب النصارى يثأرون لأنفسهم، فتعرضت المدينة لهجماتهم. ذلك أن البرتغال أنفذوا إلى "أنفا" أسطولا عدته 50 سفينة عام 1458. فلما اقترب هذا الأسطول من المدينة شعر سكانها بعجزهم عن ملاقاته، فهجروها، فدخلها المسيحيون بلا عناء وخربوها عن آخرها.

دار الحرب

وظل مكان "أنفا" مهجورًا حتى أسس البرتغال عام 1515 محلة باسم كازابلانكا ولكنهم سرعان ما أجلوا عنها وظل هذا شأنها حتى القرن الثامن عشر عندما أراد السلطان مولاى محمد أن ينهض بالتجارة المراكشية فأعاد بناء المدينة، وأطلق عليها اسم الدار البيضاء. ولم تكن الدار البيضاء في القرن التاسع عشر إلا بليدة فقيرة، مع أنها أعطت الأسبان حق احتكار تجارة الحبوب عام 1789 , واستطاعت الوقوف في وجه غارة قام بها سكان المناطق المحيطة بها عام 1790. وتقدمت المدينة تقدما ملحوظا أيام مولاى عبد الرحمن وخلفائه، ولم يأت آخر القرن التاسع عشر حتى أصبحت أهم مراكز التجارة في الدولة كلها. وأضحى توسيع الميناء أمرا واجبًا وقد نفذ فعلا. وأدى قتل بعض العمال الفرنسيين المستخدمين في الميناء في 30 يوليه عام 1907 إلى تدخل فرنسا المسلح. فاحتلت المدينة فصيلة من الجند وأعادت الأمن إلى نصابه في ناحية الشاوية، وكانت قد قامت بفتنة، وأدى الاحتلال الفرنسى إلى تغير المدينة تغيرا جوهريا، وزاد عدد الفرنسيين المقيمين فيها زيادة واضحة. المصادر: (1) الحسن بن محمد الوزان الزياتى: طبعة شيفر جـ 2، ص 9. (2): Budgett Meaken The Lands of The Moors جـ 9، ص 173. (3): Weisgerber Etude Geographiques sur la Maroc في Geographie، 15 يونيه سنة 1900. يونس [إيفر G. Yver] دار الحرب تقسم الشريعة الإسلامية العالم إلى دار حرب ودار إسلام، فدار الإسلام هي التي دانت للإسلام "ودار الحرب" هي التي لم تدن له، وإن كانت في الواقع -أو يمكن أن تكون- دار حرب للمسلمين حتى تصير بالفتح "دار إسلام" ومن ثم فإن رد دار الحرب إلى دار إسلام هو غاية الجهاد. والدولة

الإسلامية من الناحية النظرية إذن في حالة حرب دائمة مع العالم غير الإسلامى (¬1)، ولكن هذا الأمر مستحيل اليوم من حيث الواقع، وليس الحال يسمح بمحاربة العالم حربا لا تنقطع. ثم إن ثمة بقاعا كانت في يوم من الأيام تحت الحكم الإسلامى تنتقل الآن تدريجا إلى حكم غيرهم. ومن هنا لم يكن بد من أن يتغير الوضع القديم المنطقى لمسايرة هذا الموقف. ولا تصبح الدار التي كانت في يوم من الأيام دار إسلام دار حرب إلا في ثلاثة أحوال: الحالة الأولى أن تقام فيها شرائع الكفار ولا تقام شرائع المسلمين، والثانية الاتصال بدار الحرب بحيث لا تكون بينهما بلدة من بلاد الإسلام، الثالث زوال الأمان للمسلمين وذمييهم. والحالة الأولى أهمها جميعا، بل إن بعضهم قد رأى أنه مادام حكم واحد من أحكام الإسلام قائما ومتبعا في بلد من البلاد فإنها لا يمكن أن تكون دار حرب. وقد اهتم كشاف اصطلاحات الفنون (ص 466) بالموقف في الهند فقال: "هذه البلاد دار الإسلام والمسلمين". والواقع بطبيعة الحال أن الفتنة في مثل هذه الظروف لا تكون شرعية إلا إذا كانت مأمولة النجاح يقود لواءها سلطان مسلم. المصادر: (1): Juynboll Handb des Islamischen Gesetzes ص 340. (2): Snouch Hurgronje Politique Muslmane de la Hollande Nederland en de Islam ص 8. ¬

_ (¬1) ينبغي الاحتياط في فهم هذه العبارة، إذ ليس المقصود أن يكون بين المسلمين وغير المسلمين "حالة حرب" قائمة دائما. فالقرآن الكريم صريح في قصر الحرب على الحالات التي يعتدى فيها غير المسلمين: " {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190) وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ} " (البقرة 190 - 191). بل إن سماحة الإسلام تؤكد نفسها في قوله تعالى: " {عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (7) لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} " (الممتحنة 7 - 9) (مهدي علام)

دار السلام

(3): Hughes Dictionary of Islam ص 69 وما بعدها. (4) Indian Muslmans: W.W. Hunter؛ والمصدران الأخيران عن الموقف في الهند. الشنتناوى [مكدونالد D. B. Macdonald] دار السلام هي أولا الجنة التي ذكرها القرآن (سورة الأنعام، آية 127؛ سورة يونس، الآية 25) لأنها في قول البيضاوى (¬1) دار السلامة من المكاره، أو دار السلامة من التقضى والآفة، أو دار يسلم الله والملائكة فيها على من يدخلها. خورشيد [فير T.H.Weir] دار السلام " دار السلام" قصبة إفريقية الشرقية الألمانية وقد خطَّت دار السلام، على خط عرض 6 ْ 49 َ جنوبا، وخط طول 39 ْ 16 َ شرقى غرينتش، على هيئة نصف دائرة حول لسان بحرى مياهه بعيدة الغور يكوَّن في هذا الموضع مرفأ بديعا، ومن ثم كان اسمها، وهو اختصار لـ "بندر السلام" كما يسميها المثقفون من أبنائها إلى اليوم. ويردّ اسمها "دار السلام" إلى اشتقاق شائع ابتدعه الأوربيون، ومدينة دار السلام جد حديثة على الرغم من طيب موقعها. وقد كانت "قلوة" أهم مدن هذه الناحية إبان القرون الوسطى، وهي أبعد من دار السلام ناحية الجنوب، وقد عرفت فيما بعد ببر الزنج (زنجبار) ولم يكن محط القوافل في دار السلام، وإنما كان في بكمويو المجاورة لها. وقد أصبح لقرى السماكين هناك بعض الأهمية لأول مرة عندما شيد السيد ماجد سلطان رنجبار قصرا فيها، وكان ذلك عام 1862. وينسب إلى هذا العهد طريقها الرئيسى "بررسته" وهو الذي يسمى اليوم Unter den Akazien كما تنسب إليه الداران العظيمتان اللتان ¬

_ (¬1) في تعليقه على آية سورة "يونس".

بنيت حولهما فيما بعد فيسمان Wissman. ولم يبدأ ازدهار المدينة إلا عندما احتلها الألمان. وكانت دار السلام بالفعل محطة من محطات الأراضي الساحلية لا تزال خاضعة رسميا لحكم سلطان زنجبار، وقد سلم حكم هذه المدينة وإدارتها ومكوسها إلى هذه الشركة في 28 إبريل سنة 1888. وأدى هذا إلى قيام الفتنة العربية الكبرى (من عام 1888 إلى عام 1890) وهي الفتنة التي لم تستطع الشركة خلالها أن تحتفظ بمحطة من محطاتها اللهم إلا دار السلام وبكمويو، فلما أخمدت الفتنة وضع الساحل بأسره تحت الحماية الألمانية (أول يناير عام 1891) وأصبحت دار السلام مقر الحاكم الإمبراطورى. وكانت المدينة في أول عهدها مدينة هادئة وإن كانت رائعة يسكنها موظفون، وطرقها متسعة وفيها بنايات حكومية شتى. وقد أصبحت مركزا من مراكز التجارة في شرق إفريقية. ويصلها بداخل البلاد خط حديدى. وقد بلغ الخط مدينة تابورة (ويتراوح طوله من الشاطئ ما بين 500 و 600 ميل) وسيمد إلى بحيرة تنجانيقا، وقد نقلت مصانع أوربية كثيرة إدارتها الرئيسية من زنجبار إلي دار السلام التي تخالف الأولى في كونها مدينة غربية على أرض شرقية. وقد أثر الإسلام في دار السلام تأثيرا بالغا كما هي الحال على طول الساحل، والسواحليون، أي أهل الساحل، الذين يتكلمون لهجة البنتو مسلمون على مذهب الشافعى. ويقال إن الذين أدخلوهم في الإسلام عرب من حضرموت، وكان ذلك في القرن السابع إن لم يكن قبله. وقد كان في قلوة عدد من الشوافع عندما زارها ابن بطوطة، ويتبع السنة والمذهب الشافعى الذي أخذ به الأهلون العرب الوافدون من حضرموت الذين كثر مقامهم على طول الساحل، وهم في الغالب جد فقراء، ويسمون عادة الشحريين نسبة إلى أهم ثغور بلادهم. وأحسن منهم من حيث

دار الصلح

الرتبة الاجتماعية عرب مسقط سادة زنجبار الذين كانوا أصحاب الأرض فيها، وهم من الإباضية. والهنود، وإن لم تكن لهم مكانة رفيعة جدا، أغنى السكان من غير الأوربيين إلى الآن، وثلثاهم على التقريب من المسلمين. وقد وفدوا من ساحل كجرات وجاءوا بنحلهم العديدة إلى إفريقية الشرقية وأهم هذه الجماعات جماعة التجار، وهم الخوجه والبوهرا والميمنية. والميمنية من الحنفية، أما الخوجه والبوهرا فمن الشعب الإسماعيلية. والخوجه من النزارية (الذين يتزعمهم أغا خان في بمباى) والبوهرا من أنصار المستعلى، ويسمون كذلك الداؤدية وزعيمهم هو مولاى في سورات. وقد تحول كثير من الخوجه إلى مذهب الاثنى عشرية (ويعرفون عند السواحلية بالسنشرية) كما تحول عدد من البوهرا إلى مذاهب أهل السنة. وفي دار السلام مساجد، لفرقتى الخوجه، ولشعبتى البوهرا المتخاصمتين، وللإباضية، ولأهل السنة. المصادر: (1) Die Deutschen Schutzgebiete in Afrika und der Sudsee Amtl. Jahres. berichte herausg. uom Reichskolonialmt (2): Hans Meyer Das Deutsch Kolonialreich؛ ليبسك 1909. (3) Erich Obst في Das uberseeische Dutschland, جـ 2، شتوتكارت 1911. (4) وقد ذكرت المصادر العربية واعتمد عليها في كتاب C.A. Becker: Materialien Zur Kenntnis des Islam in Deutsch- Ostafrika جـ 2 ص 1 وما بعدها؛ وانظر كذلك المصدر الأحدث. (5): Klamroth Der Islam in Deutsch Ostafrika (برلين 1912). الشنتناوى [بكر C.H. Becker] دار الصلح تقرر بعض المذاهب الفقهية وجود دار ثالثة علاوة على دار الحرب ودار الإسلام هي "دار الصلح" دار العهد، وهي الدار التي ليست في حكم الإسلام

وإنما تدفع الجزية له. ويجمع الفقهاء على أن الدار التي تفتح صلحا تقابل الدار التي تفتح عنوة، والمثلان التاريخيان لهاتين الحالتين والدالان على نشأة الاصطلاحين هما نجران وبلاد النوبة. وقد عقد النبي [- صلى الله عليه وسلم -] صلحًا مع نصارى نجران أمنهم فيه على حياتهم، وفرض عليهم ما رآه بعض الفقهاء فيما بعد خراجًا وبعضهم الآخر جزية وتفصيل هذه الرواية في كتاب البلاذرى (طبعه ده غوى، ص 63 وما بعدها Leben, Mohammads: Sprenger جـ 3، ص 502 وما بعدها) وكانت هذه الحماية المضروبة على أهل نجران قليلة الجدوى في مجرى الحوادث بفضل وجودهم داخل الجزيرة العربية. أما بلاد النوبة فكان أمرها مختلفا بعض الشئ، فإن براعة أهلها في رمى السهام جعلتهم يقفون في وجه الفتح الإسلامى، ويحتفظون باستقلالهم قرونًا حتى إن عبد الله بن سعد عقد معهم عهدًا لم يطلب منهم فيه الجزية، واكتفى بقليل من العبيد. على أن بعضهم قد كره أن تكون هناك أرض ليست في واقع أمرها دار إسلام أو دار حرب مما يجعلها خارج نطاق الفتح الإسلامى، فقالوا إن ذلك لم يكن صلحًا أو عهدًا، وإنما كان هدنة يتبادل فيها الفريقان السلع (البلاذرى: فتوح، طبعه ده غوى ص 236 وما بعدها؛ Gesch. d. Chalifen. Weil جـ 1، ص 16 وما بعدها؛ Lane Poole " وقد اتبع المقريزى" ص 21 وما بعدها؛ Torrey مترجما عن ابن الحكم. Yale Bibl & Sem. Studies ص 307 وما بعدها) ولعل هذه النظرة في صورة من صورها الغامضة بعض الشئ كانت هي الأساس الذي جعل التعاهد مع الدول النصرانية أمرًا مسلما بإمكانه، ومن ثم تعد الهدايا المرسلة من هذه الدول خراجا. وقد وضع الماوردى طبقا لذلك أساس الحكم الفقهي في هذه المسألة من الناحية الشكلية فقال: كل الديار تنقسم ثلاثة أقسام: الأول الديار المفتوحة عنوة، والثاني المفتوحة بلا قتال بعد فرار أهلها، والثالث المفتوحة صلحًا. وينقسم هذا النوع أيضًا قسمين حسب تسمية الأرض "أ" الأرض الموقوفة على المسلمين "ب" التي تظل مع أهلها

السابقين. ويظل أهل الأرض الأولون عليها في واقع الأمر، ويصبحون بذلك ذميين ويدفعون الخراج أو الجزية وتصبح الدار دار إسلام أما في الحالة الثانية، "ب" فإن الصلح ينص على احتفاظ أهل الأرض بأرضهم على أن يدفعوا من غلتها الخراج، وأن هذا الخراج يسمى الجزية، وأنهم يعفون منه إذا دخلوا في الإسلام، وأن بلادهم ليست دار إسلام ولا دار حرب وإنما تسمى دار صلح، أو تسمى دار العهد، وإن أرضهم ملك لهم يبيعونها أو يرهنونها فإذا انتقلت إلى مسلم لا يؤخذ الخراج منه. وهذا الشرط يبقى للمالكين ما احترموا شروط التعاهد، ولا تؤخذ الجزية منهم ماداموا ليسوا في دار إسلام، ويرى أبو حنيفة مع هذا أن ديارهم قد أصبحت دار إسلام، وأنهم ذميون فرضت عليهم الجزية. وهناك خلاف بين أصحاب المذاهب في حالة حنث غير المسلمين بالعهد بعد أن قطعوه على أنفسهم. ويذهب الشافعى إلى أن هذه الدار إذا فتحت فإنها تدخل في الباب الأول، أي المفتوحة عنوة، وإلا فهي دار حرب. ويرى أبو حنيفة أنه إذا كان في دارهم مسلم أو كان بينهم وبين دار الحرب بلد للمسلمين فهي دار إسلام على أهلها حكم البغاة، فإذا لم يتوافر لها أحد هذين الشرطين فهي دار حرب. ويقول بعض الفقهاء إنها دار حرب على الحالين (الأحكام السلطانية طبعة القاهرة عام 1298 هـ، ص 131 وما بعدها) وواضح أن هذا الموقف شاذ يشوبه الغموض، فإن الماوردى نفسه وهو يعدد بلاد الإسلام قد جعل منها دار الصلح هذه (ص 150 و 164) , لم يذكر البلاذرى هذه التفرقة وهو يورد أحكام الخراج. المصادر وقد وردت المراجع في صلب المقال ولم يعرض العلماء الغربيون لهذا الموضوع اللهم إلا القليل منهم (1): Juynboll Handb. des Islamischen Gesetzes ص 340, 348. والمصادر المذكورة فيه ص 344, 345. (2) يحيى بن آدم، كتاب الخراج، طبعة جوينبول ص 35 وما بعدها. يونس [مكدونالد D.A. Macdonald]

دار الصناعة

دار الصناعة ويقال لها أيضًا دار الصناعة أو دار الصنعة. ومعناها اصطلاحا المسفن. أما معناها لغة فعام لا ينسحب على المسفن. وإنما ينسحب على المصنع أيضًا (كدار الصياغة مثلا انظر Dozy: Supplement) بيد أن عبارة "دار صناعة البحر" هي أشيع العبارات إلى الآن، وقد انتقلت إلى اللغات الرومانسية من العربية شأن كثير من المصطلحات التجارية والبحرية. فقد ظهرت في الإيطالية دارسنا Darsena وأرسنالى Arsenale وفي الأسبانية بصيغة آرسنال Arsenal ومنها انتقلت إلى جميع اللغات الأوربية تقريبًا (Dozy and Engelmann: Glossaire des Mots Espagnols et portugais derives de l' Arabe, ص 205 وما بعدها). وكانت دور الصناعة في أول أمرها أحواضًا خاصة بالأسطول. ويظهر أنه لم تكن هناك دور للصناعة أول أيام الخلافة إلا في مصر (البلاذرى، فتوح، ص 117) وبنى معاوية عام 49 هـ (669 م) دارًا للصناعة في عكا. وقد نقلها خلفاء بنى أمية المتأخرون إلى صور، بل إن الخليفة عبد الملك كان يبنى السفن الحربية في تونس (Dozy and Engelmannn. الموضع المذكور) ونحن نستمد خير معارفنا عن دور الصناعة في مصر من المقريزى الذي خص بها فصلا شاملا من كتابه الخطط (جـ 2، ص 189 وما بعدها)؛ وتزودنا أوراق البردي الأفروديتية بمعارف قيمة عن دور الصناعة في مصر (H.I.Bell. فهرس أوراق البردى في المتحف البريطانى جـ 4، الأوراق الأفروديتية ص 33؛ Becker في Zeitscher fur Assyr جـ 20، ص 84 وما بعدها) وقد قامت بعد ذلك دور للصناعة في جميع المواضع المهمة من الساحل، وكان المشرف على دار الصناعة يسمى "متولى الصناعة". ويعطينا ابن مماتى في مصنفه قوانين الدواوين بعض الأخبار عما كان يصنع في دار من دور الصناعة الحكومية هذه؛ (وانظر عن كلمة Arsenal التي أخذتها اللغات الأوروبية عن الكلمة العربية دار الصنعة , Ducange. مادة: Dozy Engelmann, darsena Glossaire des mots espagnols ect. ص 205 وما بعدها) يونس [بكر C.H.Becker]

الدارقطني

الدارقطني أبو الحسن على بن عمر بن أحمد بن مهدى، إمام من أئمة الحديث، و"أمير المؤمنين في الحديث". ولد عام 350 هـ (917 - 918 م) في دار القطن، وكانت حيًا من أحياء بغداد. وقد جرى الدارقطني على مألوف عصره، فارتحل لأخذ الحديث عن أشهر المحدثين في أيامه، ومن ثم زار البصرة والكوفة وواسط والشام ومصر. وأخذ قراءة القرآن عن ابن مجاهد المتوفى عام 323 (935 م) وعن محمد بن الحسن النقاش المتوفى عام 351 هـ (962 م) وعن غيرهما (ابن خلكان) وأخذ الفقه عن سعيد الإصطخرى المتوفي عام 328 هـ (939 - 949 م). وكان الدارقطني إلى ذلك من الدارسين للأدب، حفظ ديوان الحميرى فنسب إلى التشيع. ومن تلاميذه الحاكم النيسابورى المتوفي سنة 405 هـ (1014 - 1015 م)، وأبو حامد الإسفرايينى المتوفي عام 406 هـ (1015 - 1016 م)، والقاضي أبو الطيب الطبرى المتوفي عام 450 هـ (1058 م)، وأبو نعيم الأصفهاني المتوفي عام 430 هـ (1038 - 1039 م) صاحب حلية الأولياء. وتوفي الدارقطني ببغداد في سن الثمانين يوم الأربعاء 8 ذي القعدة سنة 385 هـ (4 ديسمبر سنة 995) ودفن بمقبرة باب الدير بالقرب من معروف الكرخى، وأبَّنه تلميذه الإسفرايينى. وقد كان الدارقطني من أولئك الرجال الذين فعلوا الكثير في سبيل الرقى بدراسة الأحاديث دراسة نقدية، ومن ثم فإن كتبه، ولم تصل إلينا كلها، تتناول أولا وقبل كل شئ علوم الحديث. 1 - السنن: دلهي سنة 1310 هـ وقد جرى في هذا الكتاب على ذكر الأحاديث على اختلاف إسنادها وروايتها، وهو يختلف عن كتب الصحاح في أنه يقتصر على أبواب الفقه المهمة. ويصدق على السنن قول الخطيب البغدادى (ص 35، س 3): "لأنه لا يقدر على جمع ما تضمن هذا الكتاب إلا من تقدمت معرفته بالاختلاف في الأحكام" ويقال أيضًا إن الدارقطني ساعد ابن حنزابة، الوزير الإخشيدى،

على تأليف مسند، وأنفق عليه ابن حنزابة نفقة واسعة (ابن خلكان؛ ياقوت: إرشاد الأريب، جـ 2، ص 408). على أن اليافعى يشك في هذه الرواية شكا كثيرًا، ويذهب ياقوت (إرشاد الأريب، جـ 2، ص 406، س 13) إلى أن هذا المسند هو فيما يظهر أثر من آثار الدارقطني ألفه لابن حنزابة. 3 - كتاب علل الحديث، أملاه الدارقطني من حفظه، وأعده ونشره تلميذه البرقانى على هيئة مسند (الخطيب، ص 37، س 14 وما بعده) وقد بقى من هذا المسند المجلدات الثاني والثالث والخامس (Catalogue Bankipore الأرقام من 301 إلى 303). وقد امتدحه النووى للدارسين في كتاب التقريب (ترجمة مارسيه في المجلة الأسيوية، المجموعة التاسعة، جـ 18 , 1901 م؛ ص 94). 3 - إلزامات على الصحيحين، وهي مجموعة من الأحاديث التي تنطبق عليها الشروط التي وضعها البخارى ومسلم وإن لم ترد في صحيحيهما (حاجى خليفة، رقم 1122). 4 - كتاب الاستدراكات والتتبع، وهو بيان بمائتى حديث من الأحاديث الضعيفة وردت في البخارى ومسلم (حاجى خليفة، جـ 2، ص 545، رقم 9956). 5 - كتاب الأربعين (حاجى خليفة، رقم 406). 6 - كتاب الأفراد (السيوطى؛ حاجى خليفة، رقم 9874). 7 - كتاب الأمالى (السيوطى). 8 - كتاب المستجاد (حاجى خليفة، رقم 10488, 11923). 9 - كتاب الرؤيا، في خمسة أجزاء (حاجى خليفة، رقم 10150). 10 - كتاب التصحيف في الأخطاء الواردة في كتب الحديث (النووى: كتابه المذكور، ص 115؛ حاجى خليفة، رقم 9975). 11 - كتاب المدبح وهو في الأحاديث التي خلط بينها المعاصرون (ابن حجر العسقلانى: نخبة الفكر، طبعة Nasaau Lees، ص 51، س 11؛ والمدبج هي القراءة الصحيحة للقراءات

الخاطئة التي وردت في أقوال ياقوت: إرشاد، جـ 2، ص 406 (مذبح) والذهبى (مدلج) والسيوطى (مديح). 12 - غريب الحديث (حاجى خليفة، رقم 8620). 13 - كتاب المختلف والمؤتلف في أسماء الرجال (ابن خلكان؛ حاجى خليفة، رقم 708). 14 - كتاب الضعفاء (النووى: كتابه المذكور، ص 142) وهو مخطوط محفوظ في إستانبول، (: Spies Beitrage zur Arabischen Literaturge Schichte، ص 105). 15 - كتاب القراءات (الفهرست، ص 35؛ حاجى خليفة، رقم 10387) وهو كتاب مختصر موجز جمع أصول القراءات في أبواب عقدها في أول الكتاب (الخطيب، ص 34، س 21). ونسب له حاجى خليفة (رقم 12413) كتاب "معرفة مذاهب الفقهاء" وهذه النسبة خطأ وقع فيه حاجى خليفة كما تبين بجلاء مما ورد في كتاب الخطيب (ص 35، س 2) ونساخه. المصادر: (1) الخطيب البغدادى: تأريخ بغداد، القاهرة 1931، جـ 12، ص 34 - 40. (2) السمعانى: الأنساب، مجموعة كب التذكارية، جـ 20، ورقة 217 (ومصدره الخطيب) (3) ياقوت: "المعجم، طبعة فستنفلد، جـ 2، ص 523. (4) ابن خلكان: الوفيات، القاهرة 1310 هـ، جـ 1، ص 331. (5) الذهبى: تذكرة الحفاظ، حيدر آباد، طبعة غير مؤرخة، جـ 3، ص 199 - 203، وجل اعتماده على الخطيب. (6) السبكى: طبقات الشافعية الكبرى، القاهرة 1324 هـ، جـ 2، ص 310 - 312 (ومصدره الذهبى). (7) اليافعى: مرآة الجنان، حيدر آباد 1338 هـ , جـ 2، ص 424 - 426 (وهو يعتمد على الخطيب وابن خلكان). (8) السيوطى: Liber Classium, طبعة فستنفلد، كونتكن 1833, جـ 2، ص 113 (وهو فقرة أكملت من الذهبى)

الدارمي

(9): Wustenfeld Der Imam el-Schafu كوننكن 1890, رقم 235. (10): Mez Renaissance des Islam، جـ 1، ص 165. (11): Brockelmann Gesch. d. Arab.Litter , جـ 1، ص 165. خورشيد [هفننغ Heffening] الدارمي هو أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن ابن الفضل بن بهرام بن عبد الصمد التميمى، ولد عام 181 هـ (5 مارس 797 - 21 فبراير 798) في سمرقند، وبها توفي لسبع أو ثمان خلون من ذي الحجة عام 255 هـ (18 أو 19 نوفمبر عام 869 م). وقد رحل طلبا للحديث في خراسان وبلاد الشام والعراق ومصر والحجاز، ودرس على الحكم أبي اليمان ابن نافع، ويحيى بن حسن، ومحمد بن عبد الله الرقاشى، ومحمد بن المبارك وحبان بن هلال، وزيد بن يحيى بن عبيد الدمشقى، ووهب بن جرير وغيرهم. ومن تلاميذه: مسلم، وأبو داود، والترمذى، والنسائى وعبد الله بن أحمد بن حنبل، وعيسى بن عمر السمرقندى وغيرهم. وأقيم قاضيا على سمرقند فحكم في قضية واحدة، ثم اعتزل القضاء وكان تقيا ورعا غيورا على دينه حاد الذكاء فقيرا. وهو مصنف الكتب الآتية: 1 - "المسند" -وهو مجموعة من الأحاديث صنفها لينتفع الناس بها في معاشهم وقد رتب فيها الأحاديث على فصول الفقه، وطبع هذا الكتاب على الحجر في كونيور عام 1293. 2 - "التفسير". 3 - "كتاب الجامع" ويعد مفقودا. المصادر: (1) الذهبى: تذكرة الحفاظ، طبعة حيدر آباد، وهي غير مؤرخة، جـ 2، ص 115. (2) ابن القيسرانى، الجمع بين كتابى أبي نصر الكلاباذى وأبى بكر الإصبهانى (حيدر آباد 1323 هـ) جـ 1، ص 270.

دار الندوة

(3) ابن الأثير: الكامل، طبعة القاهرة 1303 هـ, جـ 7، ص 71. (4) الديار بكري، تأريخ الخميس، طبعة القاهرة 1283 هـ, جـ 2، ص 341. (5) أبو الفدا: التأريخ (طبعة إستنابول 1286, جـ 2، ص 49. (6): Brockelmann Geschichte der Arabischen Litteratur طبعة فيمار عام 1898 م, جـ 1، ص, 165 (7): Ben Cheneb Etude sur les Personnages mentionnes dans I'Idjaza de sidi Abd al- Kadir al- Fasy (طبعة باريس عام 1907، رقم 150. (8) Litterature Arabe: Huart (طبعة لندن عام 1903 ص 221) يونس [محمد بن شنب] دار الندوة هو الاسم الذي كان يطلق على مكان الاجتماع في أية مدينة من المدن العربية، وتناقش فيه الشئون الخاصة بالمدينة والدين وغيرها من الأمور العامة. بيد أن الاسم يطلق بصفة خاصة على البيت الحرام في مكة، وهذا البناء القائم في الجنوب الغربى من الكعبة مشرفا على الطواف الشريف كان في الأصل دار قُصى، وقد أحالها قصرًا عام 440 م. وسمى بدار الندوة لأن قريشا كانت تجتمع فيها للمشاورة في أمورها. وكان لا يشترك في الاجتماع إلا من كانت سنه فوق الأربعين، وكان يعقد في هذه الدار النكاح، وفيها تلبس الجوارى اللائى يبلغن الشباب الدرع لأول مرة، وفيها يعقد قصى اللواء لأمير الجند. وقد ظل الحفل الذي تعقد فيه الراية البيضاء على الرمح متبعا إلى أواخر أيام الدولة الإسلامية، ويعرف بعقد اللواء (ابن هشام، ص 80) وقد أعطى قصى ابنه عبد الدار الحجابة والسقاية والرفادة واللواء والندوة. فلما هلك عبد الدار حاول بنو أخيه عبد مناف أن تكون لهم هذه الأمور لشرفهم في قومهم وسعة مالهم. وانقسمت لذلك قريش فريقين، وانتهى الأمر بأن أخذ بنو عبد مناف السقاية والرفادة، واحتفظ بنو عبد الدار

الداعى

بالحجابة واللواء والندوة. ثم انتقلت الرفادة والسقاية إلى عبد المطلب. ووزعت الثلاثة الأخرى على أفراد مختلفين من عبد المطلب أقل شأنا من هؤلاء. وفي دار الندوة اجتمعت قريش لترى رأيها في محمد وحضر هذا الاجتماع إبليس، وكان ذلك قبل الهجرة مباشرة (ابن هشام، ص 323) وظل هذا البناء على حاله كما كان أيام قصى. وأمام الندوة وقفت قريش كذلك ترقب محمدا وصحابته وهم يطوفون بالكعبة في العام السابع للهجرة كما جاء في حديث عن العباس (المصدر السابق، ص 789). المصادر: (1) Essai: Caussin de Perceval جـ 1، ص 235. (2) الطبرى جـ 1، ص 1098 وانظر كذلك. (3): Lammens La Republique marchande de la Mecque Ints، Bull (Egypt، المجموعة الخامسة، جـ 4، ص 23 - 54) (4): Mart. Hartmann Qusaij fur Zeitscher: Assyriologeie جـ 27 وما بعدها ويرى أن دار الندوة كانت معبدا لقصى. يونس [فير T.H.Weir] الداعى " الداعى": ومعناه لغة، الذي يدعو، أي الذي يدعو إلى الدين الحق، وهو كثير الورود في تأريخ الإسماعيلية والقرامطة والدروز. والداعى هو الخامس في سلسلة الأئمة الإسماعيلية. وإلى جانب هؤلاء الحجة أو النقيب ومهمته نشر مذاهبهم. والمراتب الخمس في الإسماعيلية تتفق وخمسة مبادئ ميتافيزيقية، فمرتبة الداعى تمثل الزمان، ومرتبة الحجة تمثل المكان. أما في عقيدة الدروز، كما وضعها حمزة فليس الدعاة من الأئمة الخمسة الكبار، كما أنهم ليسوا في طبقتهم من حيث إنه تتمثل أو تتشخص فيهم المبادئ الروحية. والدعاة على رأس الأئمة الذين دون ذلك، وتحت إشرافهم

المأذون والمكاسر، وهما يساعدانهم في عملهم. ويستمد الدعاة سلطانهم من الإمام الخامس الملقب بالتالى. ويلقب الداعى أحيانًا بـ"الجدّ" لأنه جَدَّ في تحصيل العقيدة الحقة كما يلقب كذلك بـ"داعى الإجلال" لأنه يُعتقد أن المسيح الدجال سيكون له أيضًا دعاة يلقبون بـ"دعاة الدجال". وقد أوصى "مقتنى" وهو الذي أصبح صاحب الكلمة النافذة في الدروز بعد اعتكاف حمزة، بأنه يجب أن ينصب اثنا عشر داعيًا وستة مأذونين بأسرع ما يستطاع لكل منطقة، ويتسلم كبار الدعاة الرسائل من أئمة الفرقة، وهي الرسائل المقرر أن تقرأ على المؤمنين. ويستعمل لفظ داعى أيضًا للدلالة على رجال من طبقات مختلفة يتبع أحدهم الآخر، ونحن نجد لقب داعى الدعاة أو الداعى الأكبر في أخبار القرامطة والفاطميين، فلما نودى بعبيد الله مهديًا وجاء إلى رقَادة عام 297 هـ, عقد أحد الأشراف يحيط به الدعاة مجمعًا هاما فكان بذلك الداعى الأكبر له. وقد عرفنا من المقريزى والنويرى كيف كان هؤلاء الدعاة يقومون بعملهم، فقد كانوا يتحدثون إلى الناس على قدر عقولهم وعلمهم، ويشرحون لهم مناهج الفلسفة القديمة، ويختمون تعاليمهم هذه بالقول بأن شعائر الدين إنما هي رموز، فإذا قبل المرء أقوالهم طلبوا إليه أن يسلم نفسه إلى الإمام ثم يصبح من أبناء الفرقة. ولم يستكمل أغلب الدعاة عند الإسماعيلية مراسم تعيينهم. وللحفل الخاص بالتعيين سبع درجات أصبحت بعد ذلك تسعًا، وكثير من الدعاة يقفون عند الدرجة السادسة. ويجب علينا أن نحتاط فلا نظن أولئك الدعاة من رجال الدين فحسب، فقد كانوا يصحبون الغزوات، وكان كثير منهم من القادة المبرزين في القتال. وأشهر الدعاة هم: عبدان وحمدان قرمط، وهما الداعيان الإسماعيليان اللذان أنشآ الفرقة الإسماعيلية. وكان حمدان أول داع للدعاة في العراق، وزكرويه داعى العراق الغربى وهو الذي استطاع بفضل ما كان معه من

الدعاة أن يجمع القوة اللازمة التي اكتسح بها المدن التي على حدود الشام والعراق، ولكنه هزم آخر الأمر وقدر عام 294؛ وأبو سعيد الجنابى الذي ظهر على جند الخليفة المعتضد وفتح جميع بلاد البحرين، وقوض أركان الخلافة، ومات عام 300 هـ؛ وأبو عبيد الله وكان من أصغر الدعاة مرتبة، ثم استطاع بفضل مواهبه الحربية الأصيلة أن يتأمَّر على قبيلة كتامة القوية، وفتح شمال إفريقية بأسره لعبيد الله، وهو الذي جعل الناس ينادون بعبيد الله المهدى، وهكذا أسس الدولة الفاطمية عام 296 هـ. ونفس عليه عبيد الله فقتله بعد عام من ولايته (298 هـ)، المصادر: (1): Stansilas Guyard Fragments elatifs a la doctrine des Ismaelis ص 12 - 14. (2): de Sacy Expose de la religion des Druzes ص 11, 15 وما بعدها، 300 وما بعدها. (3) جـ 1، المقدمة ص 67 من الكتاب نفسه. (4): de Goeje Memoire sur les Carmathes du Bahrein et les Fatimides. (5) Islam: Muller جـ 1، ص 589 وما بعدها. يونس [كارا ديفو B. Carra de Vaux] تعليق "الداعى" لغة اسم فاعل من الفعل الثلاثى دعا يدعو، وقد ورد أصل الكلمة وما يشتق منه في القرآن الكريم في آيات كثيرة مثل 3: 38, 39 , 8 , 2: 186,, 14: 22. الخ، وسمى النبي في القرآن داعيا [سورة الأحزاب آية 46] وكذلك نقول عن جميع الأنبياء المرسلين فهم دعاة إلى سبيل الله تعالى. ولما ظهر التشيع على مسرح الحياة الإسلامية قام أفراد يدعون إلى الرضا من أهل البيت وعرفوا بالدعاة، ولم يصبح هذا اللفظ من المصطلحات التي لها مدلولها الخاص إلا بعد ظهور فرقة الإسماعيلية عقب وفاة جعفر الصادق سنة 148 هـ, فقد جعل الإسماعيلية نظامًا خاصا لنشر دعوتهم التي كانت سرية، وبفضل هذا النظام وجهود

الدعاة تم تأسيس الدولة السياسية التي عرفت في التاريخ بالدولة الفاطمية [296 - 963 هـ] ودرجات الدعاة عند الإسماعيلية هي: (1) الباب -وهذه أعلى درجات الدعاة ولم يصل إليها إلا أفراد قلائل كما أنهم أحاطوا من يشغل هذه الدرجة بسرية تامة حتى في عصر الظهور، وقد وصف أحد دعاة الإسماعيلية هذه الدرجة بقوله "وحد الباب الذي هو من الحدود الصفوة واللباب هو حد العصمة ولم يبق فوقة إلا حد الإمام [راجع رسالة البيان لما وجب من معرفة الصلاة في نصف رجب، مخطوط رقم 25740 بمكتبة مدرسة اللغات الشرقية بليدن]. (2) الحجة أو داعى الدعاة، ويكون بجانب الإمام وله الإشراف على كل شئ يختص بالدعوة، ويعقد مجالس الحكمة. (3) داعى البلاغ وله رتبة الاحتجاج وتعريف المعاد. (4) الداعى المطلق وله رتبة تعريف التأويل الباطن. (5) الداعى المحدود، وله التعريف بالعبادات الظاهرة. (6) الداعى المأذون وله أخذ العهد والميثاق. (7) الداعى المكالب أو المكاسر، وهو الذي يشكك الناس في عقائدهم ويستميلهم إلى مذهب الإسماعيلية [راجع كتاب راحة العقل ص 138] وبناء على ذلك نجد أن ما ذهب إليه الأستاذ كارا دى فو من أن الداعى هو الخامس من سلسلة الأئمة الإسماعيلية غير صحيح، فمرتبة الإمامة غير مرتبة الدعاة، لأن الدعاة يبشرون للأئمة. وليس بصحيح أيضا ما قاله من أن المراتب الخمس عند الإسماعيلية تتفق وخمسة مبادئ ميتافيزيقية، وأن مرتبة الداعى تمثل الزمان ومرتبة الحجة تمثل المكان فالحجة أحد الدعاة الكبار. وجعل الإسماعيلية نظاما دقيقا للدعاة أخذ من دورة الفلك وتقسيم السنة إلى شهور والشهر إلى أيام، واليوم إلى ساعات، فقسم الإسماعيلية العالم إلى اثنتى عشرة جزيرة (قسما) وجعلوا على كل قسم حجة جزيرة هو

كبير دعاتها، ولكل حجة ثلاثون داعيا. ولكل داع أربعة وعشرون داعيا منهم اثنا عشر مأذونا واثنا عشر مكالبا. ويختار الإمام من شيعته واحدًا لمرتبة الحجة (أو داعى الدعاة) وقد يختار آخر ليكون الباب (ويسمى أيضا باب الأبواب) ويعين الإمام جميع الدعاة على اختلاف مراتبهم خلاف ما ذهب إليه صاحب المقال من أن أغلب الدعاة أنفسهم بين الإسماعيلية من غير المعينين، فقد جعلوا شروطا خاصة لابد أن تتحقق في الداعى نلخصها في (1) العلم (2) التقوى (3) حسن السياسة نحو نفسه ونحو أتباعه [راجع كتاب الأزهار لحسين بن نوح، جـ 2 ص 74 نسخة خطية] مع وجوب أن يكون الداعى نسيبا في قومه [راجع ما كتبه الداعى اليمنى حاتم بن إبراهيم الحامدى في تحفة القلوب وفرجة المكروب]. وأوَّل الإسماعيلية الملائكة بأنهم الدعاة، وفي ذلك يقول المؤيد في الدين داعى الدعاة المتوفي سنة 470 هـ: أنا آدمى في الرداء حقيقتى ... ملك تبين ذاك للمسترشد كما قالوا إن الحدود الروحانية وهي: السابق والتالى والجد والفتح والخيال هي ممثولات للنبى والوصى والإمام والحجة والداعى (راجع نظرية المثل والمثول لمحمد كامل حسين) ولست أدرى كيف فسر كارا دى فو (أن الداعى يلقب أحيانا بالجد لأنه جد في تحصيل العقيدة) إذ الجد في اصطلاحات الإسماعيلية رمز لجد علوى هو عند بعض الكتاب ميكائيل [سرائر النطقاء لجعفر بن منصور] وعند بعضهم الآخر إسرافيل [كتاب الأنوار اللطيفة وكتاب المجالس المؤيدية] على حين أن الدعاة من الحدود السفلية، وهم مثل للحدود العلوية. أما في مذهب الدروز فلم نسمع عن دعاة لهم بعد دور هؤلاء الذين أسسوا المذهب، مثال حسن بن حيدرة الفرغانى المعروف بالأحزم الذي قتله المصريون سنة 408 هو محمد بن إسماعيل الدرزى الذي هرب إلى سورية واستتر

بها يدعو للمذهب وإليه تنسب الطائفة، وحمزة بن على بن أحمد الزوزنى صاحب الرسائل والمؤسس الحقيقى للمذهب، والداعى إسماعيل بن محمد التميمى الذي لقبه حمزة بسفير القدرة، ذلك أن حمزة اكتفي بمن اعتنق مذاهبه ولم يشأ أن يتوسع في دعوته بل طلب من أتباعه الستر والتقية. ومن دعاة القرامطة عبدان وحمدان قرمط وسعيد الجنابى وزكرويه، ونلاحظ خطأ ما ذهب إليه كارا ده فو إذ ادعى أن عبدان وحمدان قرمط هما اللذان أنشآ فرقة الإسماعيلية، فإن الإسماعيلية أقدم عهدًا منهما، ولكنهما من مؤسسى فرقة القرامطة، وهي فرقة اشتقت من الإسماعيلية وحاربت الأئمة الإسماعيلية في سلمية [راجع: إيفانوف: استتار الإمام، نشر بمجلة كلية الآداب بعدد ديسمبر سنة 1936]. وشيوخ دعاة الإسماعيلية الذين لهم أثر قوى هم: الحسين بن حوشب بن زادان الكوفي المعروف بمنصور اليمن الذي نشر الدعوة الإسماعيلية باليمن قبل أن يظهر عبيد الله الشيعى، وهو الذي أرسل الشيعى للدعوة بالمغرب ومهد لظهور الدولة الفاطمية، والداعى النخشبى صاحب كتاب المحصول، وهو الذي استجاب له نصر بن نوح السامانى، والداعى اللغوى العالم أبو حاتم الرازى أحمد بن حمدان صاحب كتاب الزينة في اللغة وتلميذ المبرد وثعلب، وأبو يعقوب السجزى أستاذ شيخ الدعوة الأكبر أحمد حميد الدين ابن عبد الله الكرماني المتوفى سنة 412 هـ الذي على يديه نمت فلسفة المذهب، وكان حجة جزيرة فارس والعراق، وهو الذي أدحض دعوة تأليه الحكم (راجع الرسالة الواعظة ورسالة مباسم البشارات من مجموعة رسائل الكرمانى). ونذكر الداعى هبة الله بن موسى الشيرازى المعروف بالمؤيد في الدين داعى الدعاة مناظر أبي العلاء المعرى، والذي دبر مؤامرة البساسيرى فدعا للفاطميين في بغداد سنة 450 هـ (راجع سيرة المؤيد في الدين). وبعد وفاة الآمر الفاطمى سنة 525 هـ دخلت الدعوة الإسماعيلية

الداني

الغربية في الستر وعرفت بالدعوة الطيبية، وأصبح رئيس الدعوة هو الداعى المطلق وهذه الدعوة هي التي تعرف الآن بالبهرة ورئيسها الداعى المطلق طاهر سيف الدين، ويعد الداعى الحادى والخمسين من دعاة هذه الفرقة. المراجع: (1) المؤيد في الدين داعى الدعاة: المجالس المؤيدية (مخطوط) (2) جعفر بن منصور اليمنى: كتاب اْسرار النطقاء -كتاب الكشف (نسخ خطية) (3) النعمان بن محمد بن محمد حيون: تأويل دعائم الإسلام (مخطوط) -كتاب الهمة في آداب إتباع الأئمة- كتاب المجالس والمسايرات (مخطوط) (4) أحمد حميد الدين الكرمانى: راحة العقل رسائل الكرمانى (نسخة خطية) (5) محمد بن طاهر الحارثى: الأنوار اللطيفة (مخطوط). (6) الحسن بن نوح: كتاب الأزهار (مخطوط) (7) محمد كامل حسين: ديوان المؤيد في الدين داعى الدعاة (ص 50 - 57) أدب مصر الفاطمية (ص 19 - 23) محمد كامل حسين الداني أبو عمرو عثمان بن سعيد بن عمر الأموى: ولد بمدينة قرطبة عام 318 هـ (981 - 982 م) وغلب عليه اسم أبي عمرو الدانى نسبة إلى مدينة (دانية) لأنه عاش طويلا في مدينة دانية بناحية بلنسيه. وقد حدث عن نفسه قائلا: بدأت أتلقى العلم سنة 385 هـ (وفي روايات أخرى 384 - 386 أو 387 هـ) في الرابعة عشرة من عمرى، ورحلت إلى المشرق في يوم الأحد الثاني من المحرم عام 397 هـ (29 سبتمبر عام 1006 م) وأنفقت في مدينة القيروان أربعة أشهر، ودخلت مدينة القاهرة في شوال من السنة نفسها، ورحلت من مصر عام 398 هـ (1007 م) إلى مكة والمدينة للقيام بفريضة الحج. وقد أمضيت الجانب

الأكبر من هاتين السنتين في الدرس والتحصيل، ثم عدت إلى قرطبة في ذي القعدة من 399 هـ (أغسطس عام 1009). وأراد الداني يخلص من الفتنة التي نشبت في تلك المدينة فانتقل إلى المرية ثم إلى دانية، وأقام فيها إلى أن مات في الرابع عشر من شوال عام 444 هـ (8 فبراير عام 1053 م) ودفن في مشهد عظيم سار الأمير نفسه في مقدمته. وكان من الشيوخ الذين تخرج عليهم في قرطبة واستجة وبجانة وسرقسطة والقيروان والقاهرة ومكة والمدينة: أبو المطرف عبد الرحمن بن عثمان القشيرى، وأبو بكر حاتم بن عبد الله البزار، وأبو عثمان سعيد بن القزاز، والقاضى يونس بن عبد الله، وأبو عبد الله بن محمد بن عبد الله بن أبي زمنين، وأبو محمد بن النحاس، وأبو القاسم عبد الوهاب بن أحمد بن منير بن الحسن الخشاب، وأبو الحسن القبيسى، وغيرهم. أما تلاميذه فهم أبو داود بن نجاح مصنف كتاب "التنزيل في الرسم" وخلف بن إبراهيم الطليطلى وغيرهما. وكان أبو عمرو الدانى فقيها مالكيا اشتهر في كل مكان شهرة واسعة بامتلاكه ناصية جميع العلوم المتصلة بالقرآن والحديث، وكانت سيرته خالية من كل شائبة وتعليمه موضع الإكبار والثناء. ويقول الذين ترجموا له إنه كان إلى ذلك ذا حافظة عجيبة ليس لها ضريب بين أحد من معاصريه. وكانت له في مدينة دانية صحبة بالأمير مجاهد المعروف باسم Mugetus عند الإخباريين المسيحيين الأولين. وكان هذا الأمير مشغوفا بالعلوم التي حصلها أبو عمرو الدانى. وقد أحصى الدانى ما ينيف على مائة تصنيف له في أرجوزة من نظمه، ولم يصل إلينا من هذه الكتب غير ما يأتي: 1 - "التيسير في القراءات السبع" وهو رسالة في القراءات السبع التي أجيزت في الصلاة (برلين رقم 579 - 589، كوتا رقم 550؛ المتحف البريطانى رقم 74؛ الجزائر رقم 367 و 368).

2 - "جامع البيان في القراءات السبع المشهورة، وهو رسالة في الموضوع نفسه (دار الكتب المصرية، الفهرس جـ 1، ص 490). 3 - "خطاب المقنع في معرفة رسم (وفي رواية خط) مصاحف الأمصار" وهو رسالة في رسم المصاحف (برلين رقم 419؛ فينا رقم 1624؛ باريس 593، ملحق المتحف البريطانى رقم 88). 4 - "كتاب الإيجاز والبيان" (وفي رواية إيجاز البيان) عن أصول قراءة ورش عن نافع، وهي رسالة في أصول قراءة نافع بن عبد الرحمن عن تلميذه ورش بن سعيد (وتوجد قطعة منه في مكتبة باريس، 592 , 3). 5 - "كتاب التهذيب في القراءة" (أيا صوفيا رقم 39). 6 - "كتاب التعريف في القراءات الشواذ" وهو رسالة في مختلف القراءات التي افترق فيها تلاميذ نافع: إسحق بن محمد، وإسماعيل بن جعفر، وعيسى بن موسى، وعثمان بن سعيد المعروف بورش (الجزائر، رقم 367 , 2). 7 - "مفردات القراء السبعة" وهي رسالة في خصائص القراء السبعة (دار الكتب المصرية، جـ 1، ص 114). 8 - "كتاب المكتفي في الوقف والمبتدا" وهو رسالة في قواعد الوقف. 9 - "كتاب الإدغام" وهو رسالة في إدغام الحركة (¬1). المصادر: (1) الضبى: بغية الملتمس في تأريخ رجال الأندلس، طبعة كودرا مدريد رقم 1185. (2) ابن بشكوال: كتاب الصلة، طبعة كودرا، مدريد 1883, رقم 873. (3) ابن خير: فهرسة، طبعة كودرا وريبيرا، سرقسطة 1894. (4) المقرى: نفح الطيب، ليدن، جـ 1، ص 550؛ طبعة القاهرة 1202 هـ, جـ 1، ص 386. ¬

_ (¬1) نضيف إلى ذلك أيضا كتاب "الموضح لمذاهب القراء في الفتح والإمالة" مخطوط بالمكتبة الأزهرية. مهدي علام

دانيال

(5) ياقوت: معجم البلدان، طبعة فستنفلد جـ 2، ص 540. (6) ابن فرحون: الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب، فاس 1316 , ص 191. (7) مرتضى: تاج العروس، مادة دانية. (8) الذهبى: تذكرة الحفاظ، حيدرآباد، طبعة غير مؤرخة، جـ 3، ص 316. (9) السيوطى: طبقات الحفاظ طبعة فستنفلد، كوتنكن 1833, جـ 14، ص 5. (10): Wustenfeld Die Gechichtschreiber der Araber und ihre iher Werke كوتنكن، 1882 م، ص 197. (11): Brockelmann Gechichte der Arabischen Litteratur فيمار 1898 جـ 1، ص 407. (12): Pons Boygues Ensayo bio bibligrapico مدريد رقم 1898, رقم 91. (13) Litterature Arabe: Cl. Huart باريس 1902، ص 258 , 259. يونس [محمد بن شنب] دانيال وهو النبي دانيال، ولم يذكر هذا النبي كثيرًا في التواليف الإسلامية. وقد جاء في تاريخ الطبرى (انظر الفهرس) أنه كان ممن أسرهم بختنصر في بيت المقدس، ولكن هذا الملك عرف له عقله، فجعله كاتب سره (سفر دانيال، الإصحاح الأول الآيات من 1 - 6) ثم هدى دانيال كورش بعد ذلك (الإصحاح 14، آية 62) ويقال إن كورش استوزره، واستأذن دانيال هذا الملك في السماح لبنى إسرائيل بالعودة إلى بيت المقدس، ليعمروا المدينة والهيكل، فأجاب الملك طلبة الناس، ولكنه استبقى النبي دانيال إلى جانبه، ولم يُسمح له بالعودة إلى مسقط رأسه إلا عند موت الملك. وتذهب رواية أخرى أن الملك رده إلى وطنه على رأس بنى إسرائيل. أما قصة غار الأسد والبشارة (السفر نفسه، الإصحاح 11) فقد وردت أيضا في تاريخ الطبرى، ولكن بخلاف ملحوظ.

داود

وقد أنبئنا علاوة على ذلك بأن دانيال بعث إلى الحياة ألف رجل ماتوا ألف سنة -وهي قصة يظهر أنها تقوم على خطأ في تفسير الإصحاح الثاني عشر من سفر دانيال. ويفرق المسعودي في كتابه "مروج الذهب" (جـ 2, ص 128) بين اثنين يحملان اسم دانيال، فأما أصغرهما فقد عاش أيام التيه، في حين ظهر الآخر في زمن قديم بين عهدى نوح وإبراهيم وتنسب إلى أكبرهما البشارة بملك العالم، ويقال أيضًا إنه ألف كتابًا في النبوءات هو كتاب "الجفر". ويقول المسعودي (المصدر نفسه، ص 118) إنه كانت هناك بئر بجوار مدينة بابل تنسب إلى النبي دانيال يزورها النصارى واليهود في مواسم بعينها. ويردد البيرونى ذكر قصة تذهب إلى أن هذا النبي استمد حكمته من غار الكنز، وهو غار أخفي فيه آدم أسرار الحكمة (البيرونى: الآثار الباقية، طبعة سخاو، ص 300، انظر فيما يختص بهذه الفكرة Die Schatzhohle طبعة وترجمة بزولد Bezold ليبسك عام 1883 - 1888) ويذكر المؤلف نفسه نبأ خلاف نشب بين اليهود والنصارى حول تفسير الآيتين الحادية عشرة والثانية عشرة من الإصحاح الثاني عشر من سفر دانيال. وانظر فيما يختص بقبر دانيال في مدينة السوس أو تستر: Zeitschr. der Deutsch Morgaenl جـ 53، ص 58 وما بعدها؛ Jewish Encyclopaedia جـ 4، ص 430 وكتاب العرب المذكورين فيها. وانظر أيضا قصص الأنبياء للثعلبي (طبعة القاهرة عام 1325 , ص 213 وما بعدها) يونس [كارا دي فو B.Carra De Vaux] داود وقد ورد ذكره في التوراة. وفي القرآن عدة آيات تشير إلى قصة الملك النبي داود، خليفة الله (سورة ص، الآية 25) (¬1). وقد حرفت هذه القصة شأن غيرها من قصص الأنبياء بعض التحريف، ويظهر فيها أثر من مذهب الربانيين، أو قل إنه يبدو فيها أثر ¬

_ (¬1) رقم الآية في المصحف العثماني 26.

السعى إلى تفسير بعض آيات من التوراة لم تعرف على وجهها الصحيح. فقد كان محمد [- صلى الله عليه وسلم -] يعلم أن داود قتل جالوت (القرآن، سورة البقرة، الآية 250 وما بعدها) (¬1) وأن الله آتاه الزبور. والزبور سفر من الأسفار الأربعة التي عرفها محمد [- صلى الله عليه وسلم -] من التوراة. وقد آتى الله داود وسليمان الحكمة (سورة البقرة، الآية 252 (¬2) سورة النمل، الآية 15) (¬3)، وقد حكم النبيان؛ في قضية واحدة حكما مأثورًا في شأن الضرر الذي ألحقته غنم بحرث. ويقول المفسرون إن سليمان أظهر حكمته في هذه القضية على الرغم من أن سنه كانت إذ ذاك لا تتجاوز الحادية عشرة، ذلك أنه أصلح الحكم الذي حكم به أبوه. وقد وردت في آية أخرى قضية خصمين دخلا على داود متظاهرين بأنهما يسألانه أن يحكم بينهما بالحق، والواقع أنهما جاءا ليعرضا بخطيئته (سورة ص، الآيات 20 - 25) (¬4). وقد جاء في الآية 16 (¬5) من سورة ص ذكر توبة داود. ويعد هذا النبي الملك مبدع الدروع، وكانت من قبل صفائح. والظاهر أن الحديد قد لان بين يده (سورة الأنبياء، الآية 80؛ سورة سبأ، الآية 10) وقد أوتى داود نعمة الصوت الطيب، فكانت الجبال والطير يسبحن معه (سورة الأنبياء، الآية 79؛ سورة سبأ الآية 10؛ سورة ص، الآيتان 17 - 18) (¬6). ومن الواضح أن ذلك ليس إلا تفسيرا حرفيا لآيات التوراة التي يدعو فيها صاحب المزامير الجبال ووحش الفلاة إلى تسبيح الرب معه. ثم إننا نتبين من الجمع بين الآية 82 (¬7) من سورة المائدة والآية 61 (¬8) من سورة البقرة أن داود قد عاقب الخارجين على سنن بنى إسرائيل يوم السبت بمسخهم قردة. وقد توسع المفسرون كثيرًا في الإشارات القصيرة التي وردت في القرآن عن داود. وتتفق هذه الإشارات ¬

_ (¬1) الآيات التي تشير إلى الموضوع هـ 246 - 251. (¬2) رقم الآية في المصحف العثماني 251. (¬3) تذكر هذه الآية أن الله آتاهما "علما". (¬4) رقم الآيات في المصحف العثماني 21 - 26. (¬5) رقم الآية في المصحف العثماني 17. (¬6) رقم الآيات في المصحف العثماني 18 - 19. (¬7) رقم الآية في المصحف العثماني 78. (¬8) رقم الآية في المصحف العثماني 65.

في صميمها مع التوراة. وهاك أهم ما ورد في الطبرى عن ذلك: هاجم جالوت، الذي انحدر من عاد وثمود، طالوت؛ فقتل داود جالوت بمقلاعه. وتزوج داود ابنة طالوت وناصفه حكمه. ووجد طالوت في نفسه على داود، وحاول قتله، ففر داود منه، وأوى إلى غار فنسجت العنكبوت بيتا على بابه، فحمى الكهف داود من طالوت. ويذكر الطبرى نسب داود ويروى قصة سابغ بنت شائع امرأة أورياء، وتوبة داود، وخطة بناء الهيكل، ثم يضيف إلى ذلك قصصا أخرى قليلة. وقد عرف المسعودي المحراب الذي بناه هذا الملك في بيت المقدس، وكان هذا المحراب لا يزال قائما في عهد هذا المؤرخ. وهو يقول إنه أعلى بناء في هذه المدينة، وإن المرء يستطيع أن يرى منه البحر الميت والأردن. ومن الواضح. أن هذا المحراب حصن داود أو برجه. وكان المسعودي على علم قليل بالمزامير. وظل المسلمون إلى القرن الرابع عشر (الميلادى) مثل المسيحيين من قبلهم يجعلون قبر داود في بيت لحم، ولو أنهم كانوا على علم بالروايات الأخرى في هذا الصدد. وقد وجد في أيام الحروب الصليبية قبر قائم على التل الجنوبى الشرقى في بيت المقدس، وقيل إن هذا القبر هو قبر داود. واستولى المسلمون عليه في القرن الخامس عشر، ذلك أنهم كانوا لا يزالون يعتقدون بقداسته (المشرق، جـ 12، ص 898 - 902؛ : Kahle PALASTINA- Jahr- buch جـ 7، ص 74، 86). ولداود مقام خاص عند الصوفية. وقد ذكره جلال الدين الرومى مرارا. ويبالغ كتاب "كشف المحجوب"، وهو من أقدم كتب التصوف، مبالغة تكاد تخرج به عن الصواب في القصص الخاصة بحلاوة صوت داود. فهو يقول (الكتاب المذكور، ص 402 - 304): إن الوحوش كانت تترك مرابضها للاستماع إليه، وكذلك كان الماء يقف عن الجريان وينزل الطير من السماء. وكان الناس يتبعونه إلى الفلوات ذاهلين عن مأكلهم ومشربهم أياما. كما كان كثير من المستمعين إليه يموتون وهم

تعليق

على هذه الحالة من الوجد. وقد مات في مناسبة من هذه المناسبات 700 عذراء و 12.000 رجل. وذكر هذا الكتاب بعضًا من شمائله الحلوة مثال ذلك ما جاء في صفحة 197: "اكره نفسك لأن حبى لك يتوقف على كراهيتك لها". وما زالت في كردستان فرقة قليلة العدد من أتباع داود (الداودية)، وهم يعيشون في ناحية كرند الجبلية بالقرب من خانقين، وفي مندلة شمالى بغداد. ويعد داود في رأيهم أعظم الأنبياء شأنا (الأب أنستاس: La Secte de Davidiens في المشرق، 1903 م، العدد رقم 2، ص 60 - 67). المصادر: علاوة على القرآن والكتب التي تتناول قصص الأنبياء: (1) المسعودي: مروج الذهب، طبعة وترجمة Barbier de Meynard، جـ 1، ص 106 - 112. (2) الطبرى: Persian Chronicle، ترجمة Zotenberg (3) الجلابى: كشف المحجوب، ترجمة نيكلسون في سلسلة جب التذكارية 1911 م. (4) الثعلبى: قصص الأنبياء، القاهرة 1325 م, ص 170 - 180. (5): Wiel Biblische Legenden der Muselaanner. (6): Grunbaum Neue Beitrage Zur Semitischer Sagenkunde ص 189 وما بعدها. خورشيد [كارادى فو B.Carra de Vaux] تعليق القرآن جاء لتقرير العقائد الدينية، ولبيان التشريعات التي لابد منها لسعادة الفرد والمجتمع والأمة والإنسانية كلها، جاء فيه ذكر كثير من أحوال الأمم الماضية وقصص الرسل والأنبياء السابقين. وكان اشتماله على هذه الأنباء والأحوال والقصص أمرا لازما، تعريفا للرسول والأمة بما كان من أحوال من اصطفاهم الله من رسله بين أممهم، وبيانا لمعاقبة المكذبين بتلك الرسالات السماوية، وتسلية لخاتم

الرسل عما قد يصيبه من أذى وعنت من قومه في سبيل تحقيق رسالته وإذاعتها. ومصدر الوحى في القرآن، وغيره من الكتب السماوية التي سبقته، واحد، وهو الله جل وعلا؛ هذه الكتب التي جاء كل منها مناسبا للبشرية في عهده، حتى جاء محمد [- صلى الله عليه وسلم -]، فكان خاتم الرسل، وكان القرآن خاتم هذه الكتب. من الطبيعى، الذي يتفق مع طبائع الأمور إذا، أن يكون في القرآن بعض ما في تلك الكتب والرسالات السماوية من أنباء وقصص، وإن كان بعضها على نحو أبسط أو أوجز. هذا لا عجب فيه، ولو كان الأمر على غير هذا لكان هو العجب! من هنا، كان خطأ بعض المستشرقين خطأ كبيرا في المنهج، حين يتعرضون لشئ مما حوى القرآن من تلك الأنباء وذلك القصص، متخذين التوراة وحدها المقياس للحقيقة والمصدر لكل شئ من أخبار الماضين، متناسين أن كلا من التوراة والقرآن من عند الله الذي أودع في كل من الكتابين ما شاء من العقائد وقصص الماضين، على النحو الذي شاء من البسط أو الإيجاز. لا معنى إذا للقول بأن القرآن أخذ هذه القصة أو تلك عن التوراة، وأنه حرف كثيرًا أو قليلا ما أخذ عنها. ولا معنى كذلك لما يذهب إليه بعض أولئك المستشرقين، تفسيرًا لوجود قصص الأنبياء وأممهم في القرآن، من أن الرسول كان يعرف التوراة وأخذ عنها. هذا وذاك لا ضرورة لافتراضه، ولا معنى لالتزامه مادام كل من الكتابين من عند الله؛ وبخاصة أنه قد تعارف الناس جميعا وثبت للعالم كله أن محمدا عليه الصلاة والسلام كان أميًا لا يقرأ ولا يكتب، وفي هذا يقول القرآن (العنكبوت 29: 48): {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ} ثم، كيف يفسر هؤلاء المتعنتون اشتمال القرآن على قصص أنباء لم تجئ في التوراة، بل لم تشر إليها، إن كانت هي المصدر الذي أخذ منه الرسول ما أخذ في هذه الناحية! وبعد، فداود، كما نعلم وكما جاء في كتاب قصص الأنبياء للمرحوم الأستاذ

الشيخ عبدالوهاب النجار وهو حجة فيما كتب، هو داود بن يسى، وينتهي نسبه إلى يهوذا بن إسحق بن إبراهيم عليه السلام. وقد ورد ذكره في ستة عشر موضعا في سور مختلفة من القرآن، وقد أتاه الله الحكمة وفصل الخطاب والنبوة والملك في بنى إسرائيل. لقد طلب بنو إسرائيل من قاضيهم ونبيهم صمويل أن يولى عليهم ملكا منهم يقاتلون تحت إمرته وتوجيهه أعداءهم الذين أذلوهم دهرا طويلا، فأعلمهم أن الله جعل طالوت (ويسمى في سفر صمويل من أسفار التوراة شاول) ملكا عليهم، وقد جاء ذكر قصة شاول هذا في سفر صمويل، الإصحاح الثامن إلى الحادى عشر. وجمع طالوت الجنود لقتال الفلسطينيين، الذين كان يقودهم شجاعهم وعظيمهم جالوت أو جليات عند العبرانيين، وكان من قصته وقتله على يد داود ما نعرفه، ثم كان أيضا ما نعلم من تغير قلب طالوت أو شاول على داود، بعد أن زوجه ابنته وعظمت منزلته لديه، حتى حاول قتله مرات، ولكن الله سلمه، وقتل الفلسطينيون طالوت بعد أن هزموه هزيمة منكرة، وانتهي الأمر بدواد أن صار ملك بنى إسرائيل جميعا. وقد أنعم الله على داود بنعم تزيد فيها القصاص وأكثروا، ولكن من الثابت منها بنص القرآن: تسخير الجبال له (سبأ وص)، وتسبيح الطير معه (سبأ وص أيضا) وتعليمه منطق الطير (النمل)، وإلانة الحديد يعمل منه دروعا سابغات (سبأ والأنبياء)، وإيتاؤه الزبور (النساء والإسراء). هذا، ويستوقف الدارس لقصة داود أمران: حكمه في مسألة البحث ومسألة الفتنة، وكلا الأمرين ذكره القرآن. 1 - جاء في كتب التفسير عن الأمر الأول أن غنما لبعض الناس نزلت ليلا على حرث أي زرع لآخرين فأهلكته، فتحاكم أهله وأصحاب الغنم إلى داود فحكم بأن تعطى الغنم لأصحاب الحرث عوضا عنه؛ لكن ابنه سليمان رأى أن هذا حكم شديد، فحكم -وكان حكمه الحق كما جاء في القرآن- بأن تعطى الغنم لأصحاب الحرث ينتفعون بها

حتى يعود الحرث إلى ما كان عليه بقيام أصحاب الغنم عليه، وبعد هذا يعود كل ملك -من الغنم والحرث- لأهله. 2 - والأمر الآخر هو ما قصه الله في آيات من سورة "ص" خاصا بتحاكم خصمين إليه في أن أحدهما وله تسع وتسعون نعجة أراد أخذ النعجة الواحدة التي يملكها خصمه، فحكم فور سماعه القصة بظلم الأول، ثم تبين له أن هذه القصة جعلها الله تنبيها له على خطأ وقع منه. وهنا يذكر المفسرون من الأقوال الصحيحة أن خطأ داود وذنبه الذي قارفه هو أن عجل بالحكم قبل سماع الخصم المدعى عليه، ونري أن هذا معنى حسن وتحتمله الآيات. وفي رأى آخر أن الأمر يتعلق حقا بامرأة هي زوجة لأحد جند داود، وقد تمنى داود أن تكون له، فنبهه الله إلى أن من الواجب أن يقنع بما عنده من النساء، وحينئذ عرف أن الله ابتلاه فاستغفره وأناب إليه. هذا المعنى أو ذاك هو ما يجب أن نفسر به ما جاء في القرآن عن القصة (راجع مثلا تفسير البيضاوي). ومن الافتراء على الله أن نصدق ما يرويه القصاص، تابعين فيما يروونه للتوراة التي بأيدينا، من أن داود أرسل هذا الجندى للحرب، وعمل على أن يقتل فيها، ولما قتل تزوج امرأته؛ هذا افتراء وبهتان عظيم يستحق صاحبه الذي يرويه الحد مضاعفا، ولهذا قال على رضى الله عنه: "من حدث بحديث داود على ما يرويه القصاص، جلدته مائة وستين"؛ لأنه قذف، وقذف لنبى بالباطل. وما كان لنبى آتاه الله الحكمة وفصل الخطاب، وأعد له عنده زلفي وحسن مآب، أن يكون فاسقا قاتلا! ولعلنا لا نبعد عن الحق إن أخذنا من رواية التوراة التي بأيدينا لهذه الناحية من أمر داود على هذا الوجه الظالم، دليلا آخر على ما أصابها من تحريف. وأخيرا، نذكر آية البقرة وآية المائدة اللتين يشير كاتب المادة إليهما لبيان أن الله عاقب الخارجين على سنن بنى إسرائيل بمسخهم قردة، هما: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} (المائدة 78)،

داود باشا

وقوله {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} (البقرة 65). الدكتور محمد يوسف موسى داود باشا اسم طائفة من كبار عمال الدولة العثمانيين. 1 - داود باشا: الصدر الأعظم في عهد بايزيد الثاني، وهو ألبانى المولد، أسر في حداثته، ونشأ في البلاط السلطانى، وبدأ حياته العملية في عهد محمد الثاني، وحارب بصفته بكلر بك الأناضول في وقعة ترجان (1473) ضد أوزون حسن (سعد الدين، جـ 1، ص 537)، واشترك في حصار شقودرة عام 1478 بصفته بكلر بك الرومللى (سعد الدين، جـ 1، ص 564). وفي عام 888 هـ (1483 م) ولي الصدارة العظمى في عهد بايزيد الثاني (سعد الدين، جـ 2، ص 216) ثم صرف عن منصبه في الرابع من شهر رجب عام 902 الموافق 8 مارس عام 1497 (سعد الدين، الموضع المذكور، وجاء في التقرير البندقى الوارد في كتاب von Hammer: Geschichte des Osmanischen Reiches جـ 2، ص 309 وما بعدها أن ذلك كان في 3 مارس). ويعزى السبب في إقالته إلى أنه مهد لفرار ميرزا احمد إلى فارس، وهو حفيد من أحفاد أوزون حسن تزوج إحدى بنات بايزيد الثاني (Leunclavius: Hist., ص 644 وما بعدها). وأرسل داود باشا مغضوبا عليه إلى ديموتيقة حيث توفي في الرابع من ربيع الأول عام 904 الموافق 20 أكتوبر عام 1498 (سعد الدين، كتابه المذكور). ولم يشترك داود باشا في الحرب إبان توليه منصب الصدارة العظمى إلا مرتين. ففي عام 892 هـ (1487 م) أخضع الورسك وقبائل ترغود في قره مان (سعد الدين، جـ 2، ص 53 وما بعدها) وفي عام 897 هـ (1492) صحب السلطان في حملته على ألبانيا (المصدر نفسه جـ 2، ص 17). ومسجده الكبير الذي شيده في الآستانة عام 895 هـ (1490 م) مشهور معروف، وقد سمى باسم هذا المسجد باب من الأبواب القائمة في الأسوار المطلة على بحر

مرمرة (حديقة الجوامع، جـ 1، ص 104 وما بعدها). وقد خلد اسمه أيضا بإطلاقه على سهل داود باشا أمام أسوار الآستانة حيث احتشد الجيش عند مغادرته هذه المدينة إلى الرومللى. وشيد داود باشا هناك قصرا له (حديقة الجوامع، جـ 1، ص 298, وانظر: Kamtemir Gesch. des Osm. Reiches ص 428؛ V. Hammer Gesch. des Osm. Reiches, جـ 2 ص 286، وهذا الكتاب ملئ بالأغلاط في هذا الموضع). 2 - قره داود باشا: من أهل البوسنة وقد نشأ في القصر السلطانى، وفي عام 1013 هـ (1604 م) عهد إليه السلطان أحمد الأول بعدة حملات حربية في آسية الصغرى بصفته بكلر بك الرومللى، واشترك في الحملة على إريوان عام 1612 وولى منصب قبودان باشا بضعة أيام في العهد الأول لحكم السلطان مصطفى الأول (1613)، وفي عهد السلطان عثمان الثاني اشترك في حملة جوكم Chocim التي وقعت عام 1621 , ولما انتقض الناس على عثمان الثاني (مايو 1662) اختاره الإنكشارية صدرًا أعظم باقتراح وليده سلطان، أم مصطفي الأول، وكان داود باشا قد تزوج من أختها، وقام بتنفيذ حكم الإعدام على السلطان المخلوع (20 مايو عام 1622). وقد عم السخط عليه بسبب هذا الفعل الذي ينطوى على القسوة وصرف عن منصبه بعد أسابيع قليلة في الثالث من شعبان (13 يونية) ثم حوكم بعد ذلك وقضى عليه بالإعدام في السابع من ربيع الأول عام 1032 (9 يناير عام 1623)، وقبره قائم في مسجد مراد باشا في حي أق سراى (حديقة الجوامع، جـ 1، ص 204؛ وانظر حاجى خليفة: فذلكة؛ نعيما: Von Hammer Gesck. des Osm. Reiches . جـ 4؛ Roe: Negotiations). [مورتمان J.H. Mordtmann] 3 - داود باشا: آخر ولاة العثمانيين على بغداد من فرع المماليك، وهو مملوك من أهل الكرج ولد حوالي عام 1188 هـ (1774 م) وحمل إلى بغداد وهو في سن الحادية عشرة،

فاشتراه سليمان باشا. ولما بلغ السابعة والعشرين اختير خازندارا للوالى. وتزوج داود باشا من أخت سعيد بك ولد سليمان، فاختاره سليمان مدبرًا لشئونه (1229 هـ = 1814 م) ولكنه صرف عن هذا المنصب بعد ذلك مباشرة تقريبا. ولم يرض داود باشا عن ذلك، فجمع عددًا قليلا من المماليك واعتصم بالسليمانية (1231 هـ = 1816 م) وطالب بمنصب الوالى فكان له ما أراد. وقد ولى هذا المنصب دون قتال (5 ربيع الأول عام 1232 = 22 فبراير عام 1817) وعمل على اغتيال سلفه. وأعاد داود الأمن إلى البلاد خلال السنوات الخمس عشرة التي دام فيها سلطانه وذلك بالتوفيق بين اليزيدية والعنيزية (1234 هـ = 1818 م) وحال دون تقدم الجيش الفارسي، واشترك في إخضاع الإنكشارية، وقام بكثير من الأعمال العامة (حفر الترع، وإصلاح المساجد وتشييدها) وأنشأ مصانع للنسيج وصنع المدافع، واستخدم ضابطا فرنسيا يدعى دفو Deveaux أخذه من خدمة الفرس ليدرب فرقة أنشأها عدتها عشرة آلاف جندى نظامى (1834) , وقد اعتزمت الحكومة التركية وضع حد للاستقلال الفعلى الذي كانت تتمتع به ولاية بغداد لما أنسته من تباطؤ داود باشا في إرسال الإمدادات التي طلبها الباب العالى في أواخر الحرب بين تركيا وروسيا، وكان نصيب صادق أفندى الذي عهد إليه القيام بهذا الأمر القتل على يد رسل داود الموثوق بهم وحاول داود القتال، ولكن الهزيمة لحقت به، وهي ترجع إلى الفيضانات والأوبئة أكثر مما ترجع إلى الأعمال الحربية التي وجهت إليه (1247 هـ = 1831 م)، وحمل داود إلى الآستانة، بيد أن السلطان محمود الثاني والسلطان عبد المجيد أحسنا معاملته. وعين في عام 1260 هـ (1844 م) واليًا على قبر الرسول [- صلى الله عليه وسلم -] في المدينة حيث توفي عام 1267 هـ (1851 م) ودفن قبال قبر الخليفة عثمان. وقد تغنى الشاعر العربي عبد الغفار الأخرس بمديحه. المصادر: (1) أمين بن حسن الحلوانى: مطالع السعود (بومباى 1304).

داود بن خلف

(2) شانى زاده، جـ 2، ص 306، 379. (3) أحمد عزت الفاروقى: الطراز الأنفس، الآستانة 1304، ص 249. (4) ثابت أفندى: بغداد كيلمن حكومتى. (5): Aucher Eloy Relations de Voyages en Orient جـ 1، ص 325 وما بعدها. (6) Histoire de Bagdad: Cl. Huart ص 168, 175. [إبوار Cl. Huart] 4 - داود باشا: أول وال (متصرف) لإقليم لبنان (1861 - 1868) وكان داود أرمنيا كاثوليكيا ولد في الآستانة عام 1816 , وبدأ حياته العملية ملحقا بالسفارة التركية في برلين، ثم أصبح قنصلا في فينا. وعين في عام 1868 وزيرًا لأشغال العمومية، ولكنه فشل في محاولته عقد قرض في أوروبا. وأخذت صحته في الوقت نفسه تتدهور، فاضطر إلى ترك منصبه. وتوفي داود عام 1873 في بيارتز (انظر سامى بك: قاموس الأعلام، جـ 3 ص 2111). [الشنتناوي] داود بن خلف الإصفهانى أبو سليمان: صاحب المدرسة الظاهرية في الفقه الإسلامى، وهي المدرسة التي لا تأخذ في القرآن والحديث إلا بظاهر اللفظ. ولد داود بالكوفة حوالي عام 200 هـ (815 م) ولكنه نشأ في بغداد، ثم تلقى العلم في البصرة ونيسابور مع إسحاق بن راحويه، ثم عاد إلى بغداد حيث توفي عام 270 هـ (883 م) , وكان أبوه على المذهب الحنفي، أما هو فقد انتسب إلى الشافعية، ولكنه كان أكثر منهم تعصبًا، ذلك أنه لم ينكر الرأي فحسب بل أنكر أيضًا القياس, ومن ثم أنكر في الحقيقة التقليد، أعنى الأخذ بتعاليم الإمام دون قيد ولا شرط، وهو ما يعده فقهاء السنة أمرًا مباحا. وإنما أقر داود الإجماع بالاسم دون الفعل، لأنه وقفه على صحابة النبي [- صلى الله عليه وسلم -] وقد أطنب الناس

الدجال

في مدح ورعه وزهده، أما كتبه فكانت أقل من ذلك قدرًا في أعينهم، ولذلك لم يبق منها شئ، وإن كان قد ألف منها الكثير. وقد التف حوله كثير من التلاميذ، ووجدت تعاليمه بعد ذلك في شخص ابن حزم داعيا موهوبا متعصبا لها. المصادر: (1) الفهرست، جـ 1، ص 216 وما بعدها. (2) ابن خلكان، طبعة فستنفلد، رقم 222. (3) السبكى: طبقات الشافعية، جـ 2، ص 42 وما بعدها. (4): Wiistenfeld Der Iman al - Shafi رقم 46. (5) Die Zahiriten: Goldziher في مواضع مختلفة. (6) المؤلف نفسه في: Hastings: Encyclopaedia of Religion and Ethics جـ 4، ص 405. (7): Brockelmann Geschichte der Arab. Litt جـ 1، ص 183 وما بعدها. الشنتناوي الدجال شخصية وردت في علم الساعة عند المسلمين ويسمى أيضا المسيح الكذاب. وتقول القصص العربية إنه يسكن جزيرة من جزائر إمبراطورية المهاراج أو الزابج (جاوة). ويزعم البحريون من أهل سيراف وعمان أنهم يسمعون وهم يمرون بهذه الجزيرة أصواتا مطربة صادرة من العيدان والسرنايات والطبول وسائر أنواع الآلات المطربة مصحوبة بالرقص والتصفيق. وهذه القصة واسعة الانتشار، نجدها في ابن خرداذبة والبيرونى والقزوينى والدمشقى والجرجانى وابن إياس، وفي كتاب المسعودي: مروج الذهب (طبعة Meynrd et de Courteille جـ 1 ص 343) وفي كتاب التنبيه والإشراف (Livre de l'Auertissement, ترجمة كارادى فو، ص 92) وفي كتاب عجائب الهند وغير ذلك من الكتب. وهي تظهر أيضًا في قصة السندباد البحرى. ويسمى ابن خرداذبة (ص 68, 48)

هذه الجزيرة باسم "برطائيل". وقد وردت في مختصر العجائب (Alrege de Merveilles, ص 38, 57) بهذا الاسم، وجاء فيه أيضًا أن القرنفل يباع في هذه الجزيرة، وتجرى التجارة فيها دون أن يرى التجار أهلها، وذلك أن أهلها يضعون بضاعتهم على ساحلها فيأخذ التجار منها ما يشاءون ويتركون مقابلا لما يأخذون، ويروى صاحب هذا المؤلف أيضا (ص 150) أن الدجال مربوط إلى صخرة في هذه الجزيرة القائمة في البحر، ويجلب الجن له طعامه. ويقال إن تميما الدارى معاصر النبي [- صلى الله عليه وسلم -]، قد زار الدجال هناك (مروج الذهب، جـ 4، ص 28). وتجمع الأقوال على أن الدجال مسيخ، ولكنها تختلف في صفته وهويته ومكان ظهوره في آخر الزمان. ففي قول إنه رجل يهودي عاصر النبي [- صلى الله عليه وسلم -] ويدعى صائف بن سعيد (ابن الوردى، ص 143 - 144)، وفي قوله أنه ابن الساحر "شِقّ" وهو أول من تسمى بذلك (Alrege de Merveilles الموضع المذكور). ويجعله الطبرى في تاريخه (Persian Chronicl . (طبعة زوتنبرغ، جـ 1، ص 67 وما بعدها) رجلا كذى القرنين، جبارًا، وملكا من ملوك إسرائيل سيحكم العالم كله، ويطبق عليه نبوءات بنى إسرائيل عن المسيح. فهو سيظهر ممتطيا حمارًا في مثل حجمه عندما ينفذ يأجوج ومأجوج من السد. ولن يدوم حكمه إلا أربعين يوما، ومع ذلك فإن وقته سيتسع بحيث يجوب العالم من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب. وسيذهب بأسه ويتلاشى جسمه الجبار أمام المسيح والمهدى، وأن المهدى سيقتله. وتذهب رواية الطبرى إلي أن اسمه الحقيقى هو عبد الله الصياتيد. وسيكون ظهوره في خراسان أو في الكوفة أو في حي اليهود بإصفهان (ابن الوردى، المصدر المذكور؛ البيرونى، الآثار الباقية، ص 195 - 196). خورشيد [كارا دى فو B. Carra de Vaux]

الدجال أو المسيح الدجال (وقلما يقال الكذاب: البخارى: الفتن، باب 36؛ والمسيح الضلال (¬1) في الطيالسى، رقم 2532): هو المسيح الدجال عند المسلمين. ولم ترد هذه الكلمة في القرآن الكريم، ولعلها استعيرت من الآرامية. وهي ترد في السريانية لقبًا له (مثال ذلك ما ورد في إنجيل متى، الإصحاح الرابع والعشرين، الآية 24، حيث ترجم الـ"بشته" كلمة (. . .) بـ"مسيحى دجالى") ونحن نجد في السريانية أيضًا العبارة "نبيا دجالا" أي المسيح الكذاب، و"شاهدا دجالا" أي شاهد الزور وغير ذلك. على أنه يشك في وجود فعل "دَجّل" في العربية بمعنى "غش وخدع" وهو الفعل الذي أوردته معاجم اللغة من غير إشارة إلى شواهد أخرى. ولا يوجد هذا الفعل في القرآن ولا في الحديث. ويمكن أن نذهب مذهب بوسيه M. Bousset فنقول إن شخصية المسيح الكذاب في المؤلفات النصرانية الأولى ترد إلى عناصر شتى أهمها، وهو قول يتفق وتصور المسلمين (¬2)، هو (أ): أنه الشيطان بوصفه عدو الله في علم الساعة (ب) أنه الملك الذي سيظهر في آخر الزمان فيوحد الأمم جميعًا على بنى إسرائيل (جـ) أنه الطاغية الذي سيخرج من قبيلة دان فيجد ملكا له في بيت المقدس ويقضى عليه المسيح هو وجنوده. وهذه الصفات ترد مرة أخرى في الأحاديث الصحاح في صورة يكثر فيها التحريف: (أ) ونحن نجد العلاقة بين الدجال والشيطان، بل القول بأنهما شخص واحد، في حديث من الأحاديث المشهورة: يفتح المسلمون القسطنطينية، وبينما هم يقتسمون الغنائم إذ صاح فيهم الشيطان كذبًا بأن الدجال قد عدا على أهليهم في غيابهم فيرتدون حتى إذا بلغوا الشام ظهر عدو الله فيلقاه ¬

_ (¬1) في الطيالسي مسيح الضلالة لا المسيح الضلال. (¬2) لا يتفق هذا في جملته وما يعتقده المسلمون في الدجال، فهو عندهم رجل يظهر في آخر الزمان، يدعى الألوهية ويحمل الناس على الإيمان به يصحبه الكفار والمنافقون واليهود وأكثر ما يتبعه النساء، فمن آمن به فهو كافر ومن عصاه فهو مؤمن.

عيسى بن مريم فيذوب كما يذوب الملح (¬1) (مسلم، الفتن، حديث 34؛ ابن ماجه، الفتن، حديث 33) -ثم يأتي في المقام الثاني أن الصلة بين الدجال والشيطان تتجلى في وصف ظهور الدجال. فالدجال أحمر (البخارى: الرؤيا، باب 33) جعد قَطَط (البخارى: اللباس، باب 68) جسيم (البخارى: اللباس، باب 33) (¬2) عريض النحر (الطيالسى، رقم 2532) أعور (البخارى، الأنبياء، باب 3؛ الرؤيا، باب 11) أجلى الجبهة (الطيالسى رقم 2532) كأن عينه عنبة طافية (البخارى: المغازى، باب 77) ومكتوب بين عينيه كافر (البخارى: الحج، باب 30؛ الأنبياء، باب 8) وإحدى عينيه كأنها زجاجة خضراء (الطيالسى رقم 544) وباليمنى ظَفَرة غليظة (الطيالسى، رقم 1106). أما آله فيوصفون باضطراب الخلق (الطيالسى، رقم 865). (ب) والدجال أيضًا شرط من أشراط الساعة يلحق بالملاحم (ابن ماجه، باب 35) وهو مثل الطاغية الوارد في التوراة في وصف قيام الساعة، سيخرج من بلاد سحيقة ليست في الشمال، وإنما هي قطر من أقطار المشرق (ابن ماجه: الفتن، باب 33)، سيخرج من خراسان (ابن حنبل، جـ 1، ص 4، 7) أو إصبهان (ابن حنبل جـ 3، ص 224 , جـ 6، ص 75) وسيسبق ظهوره جهد شديد (ابن ¬

_ (¬1) نص الحديث كما جاء في صحيح مسلم ج 8 "حدثني زهير بن حرب، حدئنا معلى بن منصور، حدثنا سليمان بن بلال، حدثنا سهيل عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لا تقوم الساعة حتى ينزل الروم بالأعماق أو بدابق، فيخرج إليهم جيش من المدينة من خيار أهل الأرض يومئذ، فإذا تصافوا قالت الروم خلوا بيننا وبين الذين سبوا منا نقاتلهم، فيقول المسلمون لا والله لا نخلى بينكم وبين إخواننا فيقاتلونهم فينهزم ثلث لا يتوب الله عليهم أبدا، ويقتل ثلثهم أفضل الشهداء عند الله، ويفتتح الثلث لا يفتنون أبدا، فيفتتحون قسطنطينية فبينما هم يقتسمون الغنائم قد علقوا سيوفهم بالزيتون إذ صاح فيهم الشيطان أن المسيح قد خلفكم في أهليكم فيخرجون وذلك باطل، فإذا جاءوا الشام خرج فبينما هم يعدون للقتال يسوون الصفوف إذ أقيمت الصلاة فينزل عيسى بن مريم عليه السلام فأمهم فإذا رآه عدو الله ذاب كما يذوب الملح في الماء، فلو تركه لانذاب حتى يهلك، ولكن يقتله الله بيده فيريهم دمه في حربته". (¬2) ورد هذا الوصف في كتاب التعبير باب 33 لا كتاب اللباس.

حنبل، جـ 6، ص 125 , 453 وما بعدها) ويوصف هذا الجهد وصفًا مسهبًا (مسلم: الفتن، حديث 110، ويتناول هذا الحديث أيضا صلة الدجال بيأجوج ومأجوج، وهم أولئك القوم من أهل الشمال الذين ذكرتهم التوراة والذين سيظهرون في آخر الزمان: الأحاديث 111 - 117؛ أبو داود، الملاحم، باب 14؛ الترمذى: الفتن، باب 57 - 59 وما بعده). (جـ) أنه هو المضل الأكبر الذي تظهره مقارنته بالمسيح (أي أنه عدو المسيح بمعنى أنه مقابل له، انظر القول بأنه يركب حمارا، وهي صفة من صفات المسيح (ابن حنبل، جـ 3، ص 367) وأن عينيه تنامان ولا ينام قلبه، (الطيالسى، رقم 865) وأتباع الدجال الكفار والمنافقون (انظر ابن حنبل، جـ 2، ص 238) والنساء (ابن حنبل، جـ 2، ص 67) واليهود (مسلم، الفتن، حديث 124. وابن ماجه، الفتن، باب 33؛ وابن حنبل، جـ 3، ص 224, 292، جـ 6، ص 75). وقد حذر كل نبى قومه من هذا الكذاب (البخارى: التوحيد، باب 17؛ أبو داود: الملاحم، باب 14؛ ابن حنبل، جـ 1، ص 195، جـ 2، ص 135، جـ 3، ص 79 , 103, 173 وما بعدها) وكل من الحديث والإنجيل (إنجيل متى، الإصحاح 24، آية 24، إنجيل مرقس الإصحاح 13، آية 22) يؤكد أن ثمة عددًا كبيرًا من الدجاجلة (البخارى، الفتن، باب 25؛ مسلم، الفتن، الأحاديث 28 - 58). (د) وسيظهر المسيح مزودًا بطعام وماء ونار (مسلم: الفتن، الأحاديث 106 - 108، ابن ماجه الفتن، باب 33 وما بعده) ويغزو الأرض جميعًا ما عدا مكة والمدينة، ويكون هلاكه في الشام أو فلسطين على يد عيسى أو المهدى (انظر مسلم: الحج، حديث 486, ابن ماجه: الفتن، باب 33؛ ابن حنبل، جـ 2، ص 397 - 398, 407 - 408 وما بعدها) بعد أن يحكم أربعين يوما أو أربعين عاما (أبو داود: الملاحم، باب 414؛ ابن ماجه، الفتن، باب 33؛ ابن حنبل، جـ 2، ص 166؛ جـ 4، ص 181 وما بعدها)،

دجلة

المصادر: (1) ما ورد في الحديث، وخاصة قصة تميم الدارى عن الدجال بوصفه من جن البحر مذكور في Wensinck: Handbook of Early Muh. Tradition, مادة الدجال. خورشيد [فنسنك A.J. Wensinck] دجلة " دجلة" (من غير أداة التعريف): هي الصيغة العربية للاسم الإفرنجى لنهر دجلة وهو المعروف في البالية باسم (إ) دكنت أو (إ) دكلت وبالعبرية (. . .) وبالسريانية (. . .). ويذكر جغرافيو العرب أن أول مخرج دجلة من شمال ميارقين (تكرانو كرتا Tigranokerta) عند هُلوُرس، وهو موضع مشهور في التاريخ استشهد فيه على الأرمنى عام 249 هـ. الموافق 863 م (انظر: Tomaschek Susan ص 33) من كهف مظلم تحت حصن ذي القرنين، وهو الكهف الذي عند المنبع (وفقا لما ذكره Belck في verhandlungen der Berl Ges fur AnthropoLogie، سنة 1900، ص 459). ويبلغ طول المجرى الجوفي لدجلة نحو ميل تقريبا بالقرب من إلجة (هلورس = إلليرسس = إلكردة = إلجة: انظر: Leh mann Haupt: كتابه المذكور، ص 523؛ Herzfeld في Memnon جـ 1، ص 133) وتقوم عند مدخله أطلال القلعة الكلدانية التي لا يزال اسم ذي القرنين يطلق على الجهات المجاورة لها. ويعد ابن سرابيون والمقدسى وياقوت أهم مصادرنا عن المجرى الأعلى لنهر دجلة وروافده، وقد خلفوا لنا معلومات غزيرة لا يتفق بعضها مع بعض اتفاقا تاما، كما أنه لا يسهل دائما التحقق منها. والظاهر أن ياقوت قد استمد معلوماته من أدق المصادر، فهو يذكر لنا أن نهر الكلاب هو أول رافد لدجلة، ولعل هذا النهر هو عين نهر الذئب الذي ذكره المقدسى. ويصف ياقوت نهر الكلاب بقوله إنه يخرج من فوق كورة شمشاط، ويتضح لنا من هذا الوصف أنه يشير إلى نهر أرغانه

صو (انظر الإصطخرى، ص 75؛ : Ghazarian Armenuen unter Arab Herrschaft ص 72؛ Huntington, في Verhandlungen der Berl. Ges Fur Anthrop سنة 1900، ص 149) , ثم ينصب في دجلة تحت دياربكر وادي صلب (= الرمس الذي ذكره المقدسى؟ ولعله نهر أمبرجاى الحديث) ووادي ساتيدما وهو بتمن صو على جاى الحديث) ووادي ساتيدما وهو بتمن صوعلى على وجه التحقيق، ولعله المسوليات الذي ذكره المقدسى؛ انظر Eranshahr: Marquart ص 141 وما بعدها، 161) ثم ذلك وادي السربط (ويسميه ابن سرابيون نهر الذئب) ونهر أرزن وتنثنى دجلة ثم توافي تل فافان (وهو تل الحديث المعروف باسم تله عند الأشوريين، انظر Lehmann-Haupt جـ 1، ص 327 وما بعدها) فينصب إليها وادي الزرم المعروف أيضا باسم بهتان صو، أو دجلة الشرقى، وهو مجرى كبير تغزر مياهه بفعل انصباب نهر بدليس جاى فيه وهو يلتقى بصنوه الغربى من ناحية ديار بكر. ويجب أن يكون اسم الرافد التالى لدجلة الذي يطلق عليه ياقوت اسم نهر يرنى هو نهر بزنى كما ذكر أندرياس (في Bohtan: M. hartmann . ص 131) ومن ثم نستطيع أن نقول إن هذا الاسم مشتق من اسم قبيلة بزنوى إحدى القبائل الكردية. ولا نعرف على وجه التحقيق المجرى الحديث الذي ينطبق على هذا النهر، ويصدق هذا أيضًا على نهر باعيناثا الذي يذكره ياقوت بعد ذلك وليس ذكره، ص 31, 136 وما بعدها) وليس من المحقق أن يكون هذا النهر الأخير هو عين نهر باسانفا الذي ذكره ابن سرابيون (مجلة الجمعية الأسيوية الملكية سنة 1895، ص 262، 263 وما بعدها) وخصوصًا أن رواية هذا المؤلف بها أخطاء واضحة. على أن من المرجح أن يكون نهر باسانفا هو عين الرافد الغربى لدجلة الذي يطلق عليه المسعودي كتابه التنبيه (ص 54، س 15) اسم سفّان كما هو شأن هذين الاسمين بالنسبة إلى اسم سافة Sapphe الذي ذكره بطلميوس وغير ذلك من

الأسماء (انظر M. Hartmann ص 101 تعليق رقم 1، ص 99 وما بعدها، 133). ولسنا نعرف شيئا يقينا عن الرافد التالى الذي ذكره ياقوت باسم بويار، في حين أن من الواضح أن اسم وادي دوشا قد بقى ممثلا في النهر الحالى المعروف باسم دوش ونردوش وغير ذلك من الصيغ (Hartmann كتابه: المذكور، ص 65 , 146). ولم يكن لدى جغرافي العرب شئ كثير يروونه لنا عن خابور الحسنية الذي يخرج من موضع يعرف باسم الزوزان ويلتقى بدجلة إلى الشمال من فيشابور مكونا الحد الجنوبى لبهتان. على أنه يصح لنا أن نذكر قنطرة سنجة ذات الشهرة العالمية، وهي في قول المقدسى (ص 139، 147) تقوم فوق نهر الحسنية (= زاخو؟ انظر Hartmann كتابه المذكور، ص 39، 70 وما بعدها؛ وانظر عن القنطرة الحديثة Miss G.L.Bell: Amurath ص 287, 289 والرسم رقم 181؛ : Preusser mesop. Baudenkamaler Nord ص 22 وما بعدها). ويشير ياقوت إشارة مقتضبة إلى أبو ماريا دون أن يذكر اسمه، وهو المجرى الذي يصب في دجلة من ناحية الغرب عند بلد (= إسكى موصل؛ انظر von Oppenheim جـ 2 ص 159، 163) ثم يتابع كلامه، من غير أن يشير في هذه الفقرة أية إشارة، إلى الموصل فيذكر مباشرة الزاب الأعظم وهو الزاب الأعلى، وهذا النهر يخرج من إقليم موشتكهر ويخترق بلاد حفتون مارًا (انظر: Hoffmann Auszuge aus Syrischen Akten Marrscher meirtyre ص 227 وما بعدها, 233 وما بعدها). ثم تكون ممازجته بدجلة فوق مدينة الحديثة التي درست اليوم. ولا نجد ذكرًا في مصوراتنا الجغرافية لمدينة السن (انظر Herzfeld في Memnon, جـ 1، ص 232) الواقعة عند ملتقى الزاب الأسفل أو الصغير (انظر Hoffmann ابة المذكور ص 245 وما بعدها) الذي يخرج من أرض شهر زور. ويشق نهر دجلة آخر الأمر طريقه خلال جبل حمرين بعد أن يعظم بمياه

الزاب الأسفل، وقد حول هذا الجبل منذ أمد طويل مجرى دجلة إلى اليمين. ويقال إن الثرثار الكمنشعب من نهر الهرماس، وهو النهر يخرج من نصيبين، قد بلغ دجلة عن طريق الحضر فوق تكريت (انظر Herzfeld في Memnon جـ 1، ص 28 وما بعدها). وقبيل زمن ياقوت لم يكن هذا المجرى المائى الذي اختفي اليوم في الفيافي يجرى طوال أيام السنة. ويمكننا أن نقول إنه من المشكوك فيه أن القناة التي ربطت فيما سبق بين الفرات ودجلة كانت صالحة للملاحة فعلا كما يقول ياقوت (المعجم، جـ 1 ص 921). والواقع أن شبكة القنوات الكبرى في بابل تبدأ عند سر من رأى قصبة ملك المعتصر. ذلك أن شبكة عظيمة من المجارى المائية تتفرغ من دجلة والفرات فتحمل مياه الفرات إلى دجلة في القسم الأعلى، ومياه دجلة إلى الفرات في القسم الأسفل، وقد كانت هذه الشبكة التي يرجع عهدها إلى أقدم الأزمنة عرضة لتقلبات كبيرة على مدى الزمن، ولم تحدث هذه التغيرات بسبب حركات السكان على ضفاف هذه القنوات وإهمالهم فحسب بل كانت أيضا نتيجة لفعل المياه ذاتها. وقد ناقش شترك Streck هذه المسائل في كتابه Die alte Landschaft Babylonien مناقشة مستفيضة. ولا يتيسر قط حل كثير من هذه المسائل حلا كاملا، وخاصة على أساس الرواية التي ذكرها ابن سرابيون. ونذكر فيما يلى إلمامة موجزة للصورة صورها لنا العرب استنادا على النتائج التي وصل إليها شترك. يتفرع نهر الإسحاقى ناحية الغرب من نهر دجلة أسفل تكريت بقليل، ثم يتحد به ثانية أسفل سر من رأى بعد اْن يروى إقليم صيرحان. ونجد تحت التقائهما مباشرة، على هذا الجانب نفسه من دجلة، نهر دجيل الهام الذي يروى الإقليم المعروف باسمه على الجانب الأيسر لدجلة. والظاهر أن مياه قناة الفرات المعروفة بهذا الاسم ذاته تمتزج به قبل أن تعود إلى المجرى الرئيسى جنوبى عكبرة، حيث تفيض مغربة، وتجرى في المجرى المعروف الآن باسم شطيط (انظر Streck, كتابه

المذكور، ص 24، 23، 220 وما بعدها، 226 وما بعدها). ويلوح لنا أن التغيرات التي طرأت على مجرى دجلة، وهي التي نجد آثارا لها منذ القرن العاشر، قد انتهت إلى وضع معين منذ عهد المستنصر (1226 - 1242 م) وهذه التغيرات تجعل فهمنا للروايات القديمة متعذرا إلى حد غير مألوف (انظر Herzfeld في Memnonz جـ 1، ص 134 وما بعدها). ويتفرع من دجلة ناحية الشرق، غير بعيد من مخرج نهر إسحق عند دور، قناة قطول -تامرًا- نهروان التي تجرى مسافة طويلة محاذية لدجلة، وتنصب فيها مياه نهرى الأضيم وديالى من الجبال التي إلى الشرق حتى تعود ثانية إلى النهر عند جورجرايا، ولعل ذلك لا يحدث إلا عند ماذرايا (انظر Streck كتابه المذكور، ص 298، 300، 310 وما بعدها). وتنصب في دجلة فيما بين ذلك من ناحية الغرب أربع قنوات كبيرة آتية من الفرات وهي: نهر عيسى (المعروف حديثا باسم نهر صقلاوية) أسفل بغداد، ونهر صرصار (أبو غريب) فوق المدائن، ونهر الملك (رضوانية، انظر Herzfeld في Memnon جـ 1، ص 134) أسفل المدائن، ثم نهر كوثى (نهر إبراهيم) الذي يبلغ نهايته على بعد عشرة أميال أسفل المدائن. وهنا أيضا يصعب تعيين مواضع هذه القنوات على وجه الدقة بسبب ما طرأ على مجرى دجلة من تغيرات جعلته ينحرف ناحية الغرب منذ سنة 1000 أو 1200 م (انظر Steck، كتابه المذكور، ص 292). ويذهب ابن سرابيون إلى أن القناة المعروفة باسم قناة الهندية هي المهد الرئيسى للفرات، في حين أن نهر سورا (وينطبق على جزء من المجرى الرئيسى الحالى) يحمل -كما في رواية ابن سرابيون- اسم الصراة الكبيرة حتى مدينة النيل، وعندها يعرف باسم نهر النيل (انظر شط النيل الحديث) وأخيرا يفيض في دجلة باسم نهر سابس (= قناة الزاب الأسفل: انظر Steck, ص 413) عند قرية بهذا الاسم عن طريق النعمانية حيث يتصل بدجلة عن طريق قناة الزاب الأعلى (انظر De Coejel في Zeitschr d, Deustsch Morgenl Ges

جـ 39، ص 8). وعن طريق نهر سابس نصل إلى شط الحى، وهو دجلة الحقيقية في نظر العرب في العصور الوسطى، أما دجلة الحديثة التي تنفصل عنه عند ماذرايا (كوت العمارة على وجه التقرب) فلم يكن لها أهمية حقيقية. وتمر دجلة العرب خلال واسط (انظر عن موقع هذه المدينة H.Wagnre في Gottinger Nachricheu, Phil. Hist. . Kl سنة 1902، ص 271 وما بعدها) وتتفرع عنه سلسلة من القنوات ثم تنتهي أخيرا بمستنقعات البطائح وهي التي كانت تربط بين بحيراتها قنوات صالحة المرور للقوارب الصغيرة، وتصب هذه القنوات مياهها آخر الأمر في نهر أبي الأسد. ويتصل هذا النهر بنهر دجلة العوراء (انظر Stertck ص 41 Memmon جـ 1، ص 135) الذي ينطبق فيما يظهر على المجرى الأدنى لدجلة، ويذكر ابن رسته (ص 94) أنه جرت العادة في وقت من الأوقات أن تبحر السفن صعدا في النهر الأخير، فتبلغ دجلة العرب فوق واسط عند خيزرانية، وقد يكون ذلك عن طريق قناة فم الصلح (= فامية 1, Apamea علي سلاس , Sellas وفم هي اختصار مألوف لفامية بالقرب من واسط؛ انظر رواية ياقوات، جـ 3، ص 140] مقرونة بالفقرة المأخوذة من ستيفانوس التي ذكرها Herzeld: كتابه المذكور ص 135 /) ثم تستمر حتى يتعذر عليها السير في هذا الطريق بسبب الإنهيارات من جسور النهر، ولا يبقى أمامها إلا المجرى الغربى الذي يخترق البطائح. ويتفرع ثانية من الجزء الأخير من مجرى النهر المعروف باسم دجلة العوراء (= شط العرب) قنوات لا عدد لها. وحسبنا أن نذكر من القنوات التسع الرئيسية التي تتفرع من الضفة الغربية اثنتين فقط تربطان البصرة بالنهر، وهما نهر المعقل ونهر الأُبلَّة. وأهم القنوات التي على الضفة الشرقية نهر بَيان، وهو قناة صالحة للملاحة تربط دجلة السفلى بدجيل الأهواز المعروف الآن باسم كارون وتقوم

عبّادان عند مدخل هذا النهر، وكان عندها منارات تنار ليلا لإرشاد السفن. والظاهر أن هذه المدينة قد فقدت منذ القرن الرابع عشر أهميتها تمامًا بصفتها ثغرا من الثغور بسبب امتداد الشاطئ. ومن الطبيعى أن يكون مجمل وصف مجرى دجلة، وفقًا لروايات جغرافي العرب في العصور الوسطى، مجرد ذكر للحقائق الرئيسية. وقد وردت إشارات عدة إلى التغيرات غير المشكوك فيها التي طرأت على مجرى النهر وإلى التواريخ التي يظن أنها أحدثت فيها. وليس من المستطاع ذكر تفاصيل هذه التغيرات على التحقيق. ومازال التاريخ الذي اتجه فيه المجرى الرئيسى لدجلة ناحية الشرق بعد بلوغه كوت العمارة من المسائل المطروحة للبحث. ويعتقد شترك streck (كتابه المذكور، ص 312) أن بداية ذلك كانت لا محالة في آخر عهد الخلافة العباسية، ونحن لا نعرف أيضا إلا النزر اليسير من تفاصيل نمو دلتا شط العرب، وهي التي يقوم أمام مصبها عند فآو شط غرينى يعرقل حركة الملاحة. ومن الواضح أن دجلة كانت منذ أقدم الأزمنة على جانب كبير من الأهمية بصفتها طريقا للتجارة وموردًا تستقى منه سهول بابل. ولا تزال حركة الملاحة جارية في النهر أسفل دياربكر بواسطة تلك الرموس العجيبة المأثورة تدعمها قرب منفوخة نجد رسوما لها محفورة على الآثار الأشورية. وكانت البواخر الإنجليزية والبواخر التركية منذ عهد مدحت باشا تتردد بين بغداد والبصرة التي أصبحت من القرن الثالث عشر [الميلادى] (؟ ) على شط العرب مباشرة وكانت بمثابة الحد الذي تنتهي عنده الملاحة البحرية، وكثيرا ما وضعت في القرن الماضى المقترحات لإعادة شبكة الرى القديمة التي تخربت الآن تماما، وقد تعدت هذه المقترحات الآن مراحلها التمهيدية بفضل نشاط ويلكوكش الذي لا يكل غير أن تنفيذ هذا المشروع الضخم تعترضه على ما يظهر صعاب لا يمكن التغلب عليها؟

المصادر: (1) المكتبة الجغرافية العربية، طبعة ده غوى، جـ 1، ص 72 - 77, 90؛ جـ 2، ص 138 , 162؛ ص 20, 124, 136 , 144؛ جـ 6، ص 174؛ جـ 7, ص 94 - 96؛ جـ 8، ص 52 وما بعدها. (2) ابن سرابيون في مجلة الجمعية الأسيوية الملكية، سنة 1895، ص 1 - 76, 255 - 315. (3) المسعودي: مروج الذهب، طبعة Barbier de Meynard جـ 1, 221 - 230. (4) معجم البلدان لياقوت، في مواضع مختلفة وخاصة جـ 2، ص 551 وما بعدها. (5) أبو الفداء، طبعة Reinaud ص 53 - 55. (6) الدمشقى، طبعة Mehren ص 95 - 98. (7) القزوينى، طبعة فستنفلد جـ 1، ص 178. (8): Le Strange The Lands of the Eastern Caliphate ص 24 - 114. (9): M. Streck Die alte Landschaft babylonien وخاصة ص 22 - 43. (10): Hommel Geogr. u. Gesch des alten Orients ص 263 - 298. (11) E. Herzfeld في Memnon جـ 1، ص 89 - 143, 217 - 238. (12) Erdkunde: Ritter جـ 9 - 11. (12): Ghesney The Exped for the Survey of the Rivers Euphr. and Tigris جـ 1، ص 13 - 62. (14) Roch في Records of the Bombay Government جـ 43، سنة 1857 (15): M. von Oppenheim vom Mittelmeer zum Persischen Golf جـ 2، ص 192 - 235, 252، وما بعدها، 282 - 319. (16): Sachau Am Euphrat u. Tigris . (17) Muller Simonis et Hynernat: L'Armenie, le Kurdistan et la Mesospotamie ص 323 - 489.

دحلان

(18) Armenien: Lehmann-Haupt جـ 1، ص 327 - 432. (19): Sarre u. Herzfeld Archaol. Reise im Euphrat-u. Tigris-Gebit جـ 1. (20): Willcocks The Restoration of the Ancient Irrigation Works on the Tigris القاهرة 1901. (21) المؤلف نفسه: The Irrigation of Mesopotamia القاهرة 1905. الشنتناوى [هارتمان R. Hartmann] دحلان أحمد بن زينى: ولد في مكة حوالي بداية القرن التاسع عشر، وتولى في عام 1871 م منصبى مفتى الشافعية وشيخ العلماء فيها. ولما هاجر الشريف الأكبر عون الرفيق عام 1886 م إلى المدينة لمناهضة عثمان باشا إياه، صحبه دحلان؛ بيد أن مشقات الرحلة كانت مضنية لصحته، فمات في المدينة قبل أن يحول عليه الحول فيها، ولم يكن المترجم له مكثرا في تأليف المصنفات الخاصة بعلوم المسلمين القديمة فحسب، بل احتفل أيضا بتاريخ عصره، وأصدر الفتاوى في مشكلات زمانه. وقد نشرت معظم مصنفاته في القاهرة في أواخر القرن الثالث عشر وأوائل القرن الرابع عشر الهجريين (1875 - 1895 م) وإن كان دحلان قد فرغ من تأليف بعضها قبل ذلك بأمد غير قصير. مثال ذلك، رسالة في المنطق كتبت في المدينة عام 1278 هـ (1861 م) وطبعت في القاهرة مع رسالتين أخريين عام 1292 هـ. وأهم تواليفه في التاريخ هي: "الدول الإسلامية بالجداول المرضية" (القاهرة، 1036 هـ) ولم يتبع فيه الترتيب التاريخي المعتاد بل كان يتناول الدولة بعد الدولة، مبتدئا بالنبى [- صلى الله عليه وسلم -] فالخلفاء السنيين والشيعيين إلى زمانه، مع إشارات خاصة إلى جزيرة العرب ومصر؛

و"خلاصة الكلام" وهو تاريخ الحجاز من عهد النبي [- صلى الله عليه وسلم -] إلى آخر القرن الثالث عشر الهجري، وقد طبع في القاهرة عام 1305 هـ، وفي مكة عام 1311 هـ, وجانب منه مختصر لتاريخ الحجاز للسنجارى الذي كتبه عام 1095 هـ (1684 م) ولكن مصنف دحلان أصيل فيما يتعلق بالقرنين الأخيرين، وهو خير المصنفات المعروفة عن هذه الفترة، ويكمل أخبار مكة لفستنفلد (انظر Snouck Hurgronje: Mekka جـ 1, 16)؛ و"السيرة النبوية"، وقد كتبها في مكة عام 1278 هـ , وطبعت في القاهرة عام 1292 هـ, واشتهرت بالسيرة الدحلانية تمييزا لها عن السيرة الحلبية التي طبعت على هامشها؛ و"الفتوحات الإسلامية"، وهو تاريخ سياسى للإسلام، طبع في مكة قبل وفاة المصنف بعام؛ و"الفتح المبين"، وقد طبع في القاهرة عام 1302 هـ. وهو خير مختصر لتاريخ القرن الأول الهجري، وبخاصة فيما يتعلق بحكم الخلفاء الراشدين. ولدحلان مصنفات أخرى هي: "الدرر السنية" وهو رد على الوهابية طبع في القاهرة عام 1299 هـ؛ ورسالة في الرد على سليمان أفندى، وهو متصوف من الشرق الأقصى كان يعيش في مكة (Snouck Hurgronje: Mekka جـ 2، ص 241 وما بعدها) و"صيغ صلوات"، وهي صلوات على النبي [- صلى الله عليه وسلم -] قام بها عبد القادر وغيره، وطبعت في بولاق عام 1292 هـ؛ و"تنبيه الغافلين" وهو مختصر منهاج العابدين للغزالى، طبع في القاهرة عام 1298 هـ؛ و"شرح الآجرومية"، وغير ذلك من الرسائل في العقائد، والميتافيزيقا، والدين. المصادر: (1): Snouck Hurgronje En Rector der Mekkaansche Universiteit. (2) Bijdr. t. d. Taal-land-en Volkenkunde van Neder L. Indie. جـ 2، 344 - 405 (وقد وردت في بروكلمان، . Geschichte d. Arab. Litt جـ 2، ص 449).

دحية

(3) Van Dyck: اكتفاء القنوع بما هو مطبوع، القاهرة 1896 م، انظر الفهرس. يونس [فاير T.H. Weir] دحية دِحية أو دَحْيَة بن خليفة الكلبى، وقد أصبح من صحابة النبي [- صلى الله عليه وسلم -] بعد غزوة أحد، كما تذهب إلى ذلك بعض الروايات الإسلامية، أو بعد غزوة الخندق، كما تذهب المصادر المعتمدة. واختلفت الأقوال في بقية نسبه، ولا يمكن التحقق منه مثله في ذلك مثل كل ما نعرفه عن هذه الشخصية التي يكتنفها الغموض. وكان دحية تاجرًا غنيا جميلا حسن الصورة، وكان من أصحاب النبي [- صلى الله عليه وسلم -]؛ ويظهر أنه كان شريكا له في التجارة. وشبهه النبي [- صلى الله عليه وسلم -] بجبريل [عليه السلام]، وأيد الخبر بأن جبريل [عليه السلام] كان يأتيه مرارًا على صورة دحية الكلبى. وكان إذا قدم بتجارته إلى المدينة، هرع أهلوها جميعا للقائه وتركوا النبي [- صلى الله عليه وسلم -] قائمًا وحده. ولعل بعض آيات القرآن تشير إلى ذلك (سورة الجمعة الآيات 9 - 11) (¬1). وأتاح له أصله الكلبى أن يكون على معرفة بالربوع التي تتاخم إقليم الشام، كما سمح له اشتغاله بالتجارة أن يكون حرًا في تجواله هنا وهناك، دون أن يثير مظنة ما، ومن ثم كان رسولا للنبى [- صلى الله عليه وسلم -] في السر، فقد روت السيرة أن النبي [- صلى الله عليه وسلم -] أوفده إلى هرقل ليدعوه إلى الإسلام. وليس من سبب يدعونا إلى تصديق هذه الرواية، لأنها وشيت بتفصيلات قصصية ولكن دحية استطاع خلال رحلاته طلبًا للتجارة، أن يفاوض واحدًا من نسل الأمراء الجفنيين أو القدماء أو شيوخ بادية الشام، حتى أننا سرعان ما نجد عرب هذه النواحى يصبحون على علاقات طيبة بالمدينة. ¬

_ (¬1) نص الآية 11: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} , والذى يدل عليه ما جاء في تفسير الطبرى (ج 28 ص 67 - 68) أن ذلك حدث مرة واحدة، لا على سبيل التكرار كما تدل عليه عبارة الكاتب، وأن الذين انفضوا إلى التجارة لم يكونوا جميع المصلين، فقد بقى منهم مع النبي [- صلى الله عليه وسلم -] اثنا عشر رجلا وامرأة. د. مهدي علام

وقاد دحية عددا قليلا من الكتائب في وقعة اليرموك. وظل له شأن في فتوح الشام، وإن كان هذا الشأن ثانويًا. وقيل إنه وكل إليه فتح تدمر، ومن ثم تدخل سيرته في الغموض الذي يشوب الجانب الأول منها، ولعله ذهب إلى مصر، كما تقول بذلك رواية فردة. ومن العجيب أننا لا نجد له شأنًا إيجابيا أو قل ذكرًا ما في عهد معاوية، نصير الكلبيين ومقرب رجال السياسة. ويقال إنه توفي عام 50 هـ (670 م) أي حوالي منتصف عهد هذا الخليفة -وتحديد هذا التاريخ على هذا النحو فيه تعسف كبير- وأنه دفن في المزة بالقرب من دمشق. ولسنا نعرف هل أعقب دحية أو لم يعقب، وأغلب الظن أنه لم يترك ذرية، وقد وضع مصنفو السيرة دحية مع ابن الحضرمى وعمرو بن العاص وغيرهما، مثُلا للسفراء الذين استعملهم النبي [- صلى الله عليه وسلم -] لتأييد سياسته في الجزيرة العربية كلها وفي الربوع المتاخمة لها. ولما تعرضت تجارة دحية للخطر، أو انتهبها الأعراب، بادر النبي [- صلى الله عليه وسلم -] بإعداد سرية تنقذه وتعيد الغنيمة التي استاقوها. وظل دحية شخصية مهمة في التاريخ الإسلامى. المصادر: (1) ابن سعد: الطبقات جـ 3، ص 173؛ جـ 4، ص 184 - 185؛ جـ 8، ص 46, 114, 115. (2) ابن عبد البر: الاستيعاب، طبعة حيدر آباد ص 172. (3) الطبرى: تأريخ جـ 1، ص 1755 وما بعدها، 1741 , 2093 , 2154؛ جـ 2 ص 1836 , جـ 2، ص 2349. (4) الأغاني، جـ 6، ص 95. (5) البلاذرى: أنساب الأشراف، في مخطوطة باريس، ص 300. (6) السمعانى: الأنساب في مخطوطة باريس، ص 85. (7) ابن حنبل: المسند، جـ 1، ص 262, جـ 2، ص 107. (8) ابن حجر: الإصابة، جـ 1، رقم 2378.

الدردنيل

(9) النووى: التهذيب، ص 239. (10): Noldeke - Schwally Geschichte des Qorans جـ 1، ص 22 - 24 , 186. (11): Goldziher Zahirten ص 178 - 179. (12): H.Lammens Etudes sur le Regne du Calife Omaiyade Mo awial ص 292 , 293. (13) ابن هشام السيرة، ص 685، 758, 971 , 974. (14) البكري: المعجم جـ 1، ص 530. يونس [لامنس H.Lammens] الدردنيل ويعرف بالتركية باسم قلعة سلطانية بوغازى، وكان يعرف قديمًا باسم هلسبونت Hellespont: مجاز يصل بحر الأرخبيل، ببحر مرمرة (Propontis) ويفصل أوربا عن آسية. ويبلغ طوله 44 ميلا ويتراوح عرضه بين ميل وخمسة أميال. وتغشى شواطئه الحصون التي تحمى الطريق إلى القسطنطينية، وهي مسلحة بمدافع كروب ذوات العيار العالى، وتتألف حامية هذه الشواطئ من فرقتين من المدفعية الراجلة وفرقة من المهندسين (¬1) والحصون والبطاريات التي على الجانب الأسيوى هي: قلعة سلطانية وقوم قلعه، وحميدية (وهي حصن حديث)، ومجيدية (وكانت تعرف سابقا باسم كوسه برنو)، ونغره (أبيدوس)، أما التي على الجانب الأوربى فهي: سد البحر، وحوضلر، ، مجيدية (وهي حصن حديث)، ونمارية، وكليد بحر، ودكر من برنو، وجام برنو، وميدوس، وبوقالى قلعه، وكليا نبه (سستوس) وقد أعيد بناء هذه الحصون في عام 1659 تحت إشراف الصدر الأعظم محمد كوبريللى وكانت مدينة ¬

_ (¬1) كان ذلك وقت كتابة المقال.

الدردنيل (قلعه سلطانية وقد اشتهرت باسم جناق قلعه، أي القلعة التي عند مصانع الفخار) قصبة سنجق بيغا، وهو تابع للباب العالى وليس ملحقا بولاية من الولايات، وكانت إلى عام 1879 عاصمة إقليم جزائر بحر الأرخبيل، وقد ألحقت عام 1881 بولاية قرسي إذ ألغى هذا الإقليم. وكان بمدينة الدردنيل إثنا عشر مصنعا للفخار لا يرجع واحد منها إلى ما قبل عام 1740 , وكانت هذه المصانع، الآخذة الآن في الاضمحلال، تنتج أوانى الفخار العادية والزهريات ذات الأشكال الغربية (ونخص منها ما كان على هيئة الخيل وذوات الأربع التي تمثل عادة حصان طرواده) المصبوغة بالألوان الزاهية والمذهبة في بعض أجزائها وقد بنى الحى الإفرنجى الملاصق للشاطئ عام 1860 بعد حريق شب فيه، وأعيد بناء الأحياء الأخرى عام 1865 لنفس هذا السبب، ويبلغ عدد سكان هذه المدينة 11062 نسمة منهم 3551 من المسلمين و 2577 من اليونان الأرثوذكس (¬1) ومعظم الأرمن هناك من أصل فارسي، وقد وفدوا إلى هذه المدينة في عهد السلطان سليمان (1529). أما اليهود فهم لاجئون طردوا من إسبانيا عام 1493 م، وهناك شواهد تدل على وجودهم في تلك المدينة منذ عام 1660 , ويبلغ عدد سكان القضاء كله 19494 نسمة منهم 9059 من المسلمين، 5501 من اليونان الأرثوذكس و 1805 من اليهود و 2173 من الأجانب الذين لا يقطنون إلا المدينة نفسها، وهناك كثير من الغابات الجميلة في هذا الإقليم كما توجد مناجم الذهب في أستيرة وعثمانلر. المصادر: (1) على جواد: جغرافيا لغاتى، ص 622 (2) Turquie d `Asie: V. Cuinet جـ 3، ص 689 وما بعدها. الشنتناوى [إيوار Cl. Huart] ¬

_ (¬1) كان ذلك وقت كتابة هذا المقال.

الدرعية

الدرعية (Dreyeh, Deraya (Daruaije, Drahia: بلد في ناحية العارض بإقليم نجد ببلاد العرب، على طريق القوافل الذي يمتد من البحر الأحمر إلى الخليج الفارسي. وكانت بيوتها جميلة البناء مشيدة بالحجر وكانت الدرعية تقوم عند سفح تلال مرتفعة في واد ضيق، وكان يخترقها واد صغير (وادي جنيفة) يجف في الصيف عادة وكان بها مسجد جامع وعدد من المساجد الصغيرة علاوة على عدة مدارس. وكانت أرباضها موفورة الخصب، ويحيط بالبلد حقول مترامية من القمح والشعير والدخن، وتكتنفها أيضًا بساتين زاهرة، وأحراج نخل ممتدة، وأشجار خوخ وتين. وكانت تربى فيها سلالة عريقة جيدة من الخيل اشتهرت في جميع أنحاء بلاد العرب. وكان يسكن الدرعية عدد من القبائل من بينها قبيلة عنزة الكبيرة. وقد بلغت الدرعية أوج ازدهارها عندما أصبحت في اْواخر القرن الثامن عشر وأوائل التاسع عشر قصبة المملكة الوهابية في ظل الحكام المستقلين سعود وعبد العزيز وعبد الله. وفي عام 1818 فتحت عنوة على يد القائد المصرى إبراهيم باشا بعد أن قاومت الحصار الذي ضربه عليها مقاومة المستميت خمسة أشهر، وكاد يسويها بالأرض بفعل النيران التي صبها عليها واستحال معظم البساتين العامرة وأحراج النخيل المحيطة بها رمادًا وانصرف الوهابيون عن تعميرها، ونقلوا حاضرتهم إلى الرياض على مسيرة سبعة أميال أو نحوها. وبلغ سكان الدرعية في أوج عزها [آنئذ] عددًا يتراوح بين 33.000 و 40.000 نسمة (بلغت حوالي 60.000 نسمة في قول كثيرين) أما الآن فيسكنها نحو 1.500 نفس ينتثرون في بقاع هذه الناحية وخاصة في موسم حصاد البلح. ورينو Reinaud هو الأوربى الوحيد الذي زار الدرعية في إبان مجدها، وهو رجل إنجليزى قام بزيارة الحاكم عبد العزيز في أبريل سنة 1805 مبعوثًا سياسيًا من قبل مانستى Manesty المقيم الإنجليزى في كران على الشاطئ. وقد

درقاوى

رآها الكابتن سادلير Sadlier بعيد تخريبها. ذلك أن الحكومة الهندية اْوفدته ليقدم احترامها إلى القائد المظفر إبراهيم باشا في معسكره بالدرعية. وزارها الرحالة بالكريف Palgrave في تاريخ أحدث من هذا. المصادر: (1): Niebuhr Beschreibung uon Arabien، كوبنهاغن 1772, ص 343, 345 - 347. (2): Corancez Histoire des Wahabis، باريس 1810 , ص 176 - 178. (3): G.F. Sadlier Account of a Journey from Katif on the Persian Gulf to Jambo on the Red Sea Transactions of the Lit. Soc. of Bombay جـ 3، لندن 1823 م، ص 471. (4) Erdkunde: K, Ritter، جـ 12، ص 149، 228 , 399 , 567 - 569, 829 - 582، جـ 13 , 944 , 455 - 456, 494 , 523. (5): W.G. Palgrave Travels in Arabia لندن 1867. خورشيد [شليفر J. Schleifer] درقاوى اسم جمع يطلق على أبناء الطريقة التي تنتظم أنصار مولاى العربي الدرقاوى، ويمتد سلطانهم على الشمال الغربى لإفريقية، وعلى الجزائر ومراكش بنوع خاص, ويُعرف الواحد منهم بالدرقاوى، وطريقتهم فرع من الطريقة الشاذلية الأقدم منها عهدا بكثير، والتى أسسها الصوفي المغربى أبو الحسن على الشاذلى. أصل الدرقاوى: كان أول من دعا إلى مذهب الدرقاوية الشريف إدريس من جماعة العمرانيين، ومنازلهم في البقعة الشمالية الغربية من فاس التي يحتلها بنو حسن، وكان هذا الشريف يدعى على بن عبد الرحمن الجمل، وقد انخرط وهو شاب في خدمة "المخزن"، وذلك إبان العهد الذي سادته الفوضى والفتن عقب موت السلطان مولاى إسماعيل؛ وقد غرر على بالأشراف، وهم أبناء قبيلته، وجعلهم ينصرون مولاى محمد بن مولاى إسماعيل. فلما سقط هذا الأمير عام 1151 هـ

(1738 م) لم يجد بدا من الفرار إلى المغرب، ولجأ إلى تونس، وفيها تخرج على عدد من الشيوخ، وقد أقنعوه بعد عامين بالعودة إلى مسقط رأسه، وأوصوا به مولاى الطيب شيخ زاوية وزان، فبلغها عام 1153 هـ (1740 م) وبعثه مولاى الطيب إلى فاس، فأقام فيها حيث درس التصوف على أبي عبد الله جسوس، ثم انضم إلى طريقة أبي المحامد سيدى العربي بن أحمد بن عبد الله بن معن الأندلسى، وكان يدعو إلى مذهب الشاذلى، وظل عليّ من أتباعه نيفا وست عشرة سنة، فلما مات سيدى العربي خلفه عليّ وشيد زاوية في فاس في الموضع المعروف باسم "همت الرميلة" وكانت سنه عندما أدركته الوفاة عام 1193 هـ الخامسة بعد المائة في قول البعض. ويقول آخرون إنه مات عام 1194 هـ, في حين يذهب غيرهم إلى أنه مات عام (1779 - 1780 م) ودفن بزاويته. وقد اجتمع حوله تلاميذ كثيرون أشهرهم مولاى العربي الدرقاوى الذي عرفت الطريقة باسمه. أما أبو حامد مولاى العربي بن أحمد ابن الحسين بن محمد بن يوسف بن أحمد، فكان شريفا إدريسيا من أشراف الدرقاوى الذين أقاموا بين بنى زرول المراكشيين، وقد نسب هؤلاء الأشراف إلى جدهم يوسف بن جنون الذي يكنى بـ "أبي درقى (¬1) " (أي صاحب الترس من جلود) وقد ولد مولاى العربي بعد عام 1150 هـ (1737 م) وتوفي عام 1239 هـ (1823 م) بين بنى زرول في زاويته "بوبريح". وقد دعاه شيخه على بن عبد الرحمن الجمل إلى الزهادة في متاع الدنيا واحتقار الغنى والسلطان، والإقبال على موارد التصوف الصافية بعامة ومذهب الشاذلى بخاصة. وتتصل شجرة نسبه بالشاذلى عن طريق: 1 - سيدى العربي بن أحمد بن عبد الله بن معن الأندلسى. 2 - سيدى العربي بن أحمد بن عبد الله، وهو أبو المتقدم ذكره. 3 - سيدى أحمد اليمنى. 4 - سيدى قاسم الخصصى. 5 - أبي المحاسن يوسف الفاسى وغيرهم. ¬

_ (¬1) هكذا في الأصل وصحتها الدرقة وهي الترس من جلود.

وتوفي هؤلاء الشيوخ الخمسة في فاس خلال القرنين الحادى عشر والثاني عشر الهجريين، وهذه السلسلة السابقة على أبي المحاسن الذي يعد بمثابة محيى التصوف في فاس أشهر من أن يستدعى المقام ذكرها هنا، ويمكن أن نجدها مثلا في تراجم أبي المحاسن ونخص بالذكر من هذه التراجم "مرآة المحاسن" (طبعة فاس 1323) ورسائل مولاى العربي الدرقاوى (طبعة فاس 1318). وقد أظهر مولاى العربي الدرقاوى الاستقامة كشيخه، كما اتبع شعائر بعض "الأولياء العارفين بالله" فقد لقى ذات يوم في أحد شوارع فاس أمام دكان من الدكاكين الولى المشهور سيدى العربي البقال، وكان في حالة وجد يحيط به جمع من الناس يخاطبهم متحمسا، فوقف مولاى العربي الدرقاوى إلى جانبه، فدعاه الولى العارف بالله، وأمسك به وعانقه وقال متنبئا "إني أعطيك السلطان على الشرق والغرب" وذهب مولاى العربي لحال سبيله، ولم ينقض يومان حتى مات الولى العارف بالله. وقد أحيا هذا الضرب من أخذ العهد بعد ذلك بعض جماعات الدرقاوى (وبخاصة الهبرية) وزعيم فتنة مرغريت Margueritte . وما إن تزعم مولاى العربي على طريقته حتى بادر إلى تنظيمه على أسس راسخة، وزاد كثيرا في عدد أتباعه، وزودهم في رسائله بقواعد مناسبة للسلوك، وهي ضرب من الشريعة يوحد مذهب الإخوان، وكانوا يعرفون منذ ذاك بالدرقاوى (أي أتباع الدرقاوى) وأخذ عددهم يتضاعف في جميع الأنحاء، وهم ينمازون من غيرهم بالعصا التي يتوكئون عليها، تشبها بالنبى موسى [عليه السلام]؛ أو بالعقد ذي الحبات الخشبية الكبيرة، يلبسونه تقليدا للصحابى أبي هريرة، وباللحية الطويلة يرسلونها، وبأرديتهم من الخرق (يلبسها المتشددون منهم) تقليدا لأبى بكر وعمر بن الخطاب، مما جعل الواحد منهم يكنى بـ"أبي دربالة" (¬1) (أي لابس الخرق) ووضع بعضهم وخاصة في جنوب مراكش، على رأسه عمامة خضراء، كما أوصاهم شيخهم أن يذكروا الله بالتمايل (¬2) وأن ينفردوا ¬

_ (¬1) الدربالة في المغرب هي الثوب الخلق المرقع - إطفيش. (م. ع.) (¬2) كانت في الأصل "الرقص" المقصود طبعًا التمايل في "الذكر" المحرر.

بصلاتهم، أو يقوموا بها في الصحراء، وأن يسيروا حفاة أو منتعلين نعالا بسيطة، وأن يصبروا على الجوع، ويكبحوا شهواتهم مرارا وتكرارا بالصوم، وأن يرغبوا عن أصحاب السلطان وينصرفوا إلى أهل التُقى والورع دون سواهم. وشعائرهم في أخذ العهد علاوة على هذه الرياضات المنطوية على الزهد جد بسيطة؛ فإن الشيخ يمسك المريد من يده اليمنى ويتلو هذه الآية "سورة النحل" الآية رقم 91: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} ثم يطلب إليه الشيخ أن يقرأ "الاستغفار" مائة مرة في الصباح ومثلها في المساء وهو "أشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شئ قدير" وعلى المريد أن يختم دعاءه بقوله مائة مرة "أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله. . ." وهذا هو "الذكر" الخاص بالطريقة والذي لا مناص من أدائه. وبعد الفراغ من شعائر الدخول في الطريقة، يلتئم الإخوان الموجودون في الحضرة للاحتفال بالدرقاوى الجديد، وهو اجتماع ديني يتخلله غناء ورقص (¬1)، وهما ضرب من النشيد التوقيعى. شأنهم السياسى: وقد شجع سلطان مراكش صنيع مولاى العربي تشجيعا كبيرا، ذلك أن هذا السلطان، مولاى سليمان، سار على سياسة تتلاءم مع الجماعات الدينية والأشراف، واتصل السلطان بشيخ الطريقة الجديدة اتصالًا مباشرا، حتى أصبحت السنة المرعية في البلاط المراكشى أن يكون بينه وبين الطريقة الجديدة صلة، وانتشر أتباع هذه الطريقة في طول مراكش وعرضها، كما انتشرت شعبها في بلاد المغرب وإمارة الجزائر، فأصبحت بذلك حصنا يحمى سياسة سلاطين مراكش. وترجع الرواية المحلية المنازعات الأولى بين الترك والدرقاوى في ولاية وهران، إلى الخلاف الذي نشب بين الدرقاوى المرابط محمد بن على من عين الحوت ¬

_ (¬1) انظر الحاشية السابقة.

بالقرب من تلمسان، والبك التركى حاجى خليل، ولم تنته هذه المنازعات إلا بوفاة حاجى خليل (1195 هـ = 1780 م) أما المؤرخون فلم يذكروا نشوب خلاف ما قبل بداية القرن التاسع عشر. وأيد ترك الإمارة الجزائرية ثوار الريف، فيسمح مولاى سليمان سلطان مراكش من ثم للمرابطين الذين انتقضوا على الترك، بالالتجاء إليه. فثارت فجأة: عام 1803، القبائل الجزائرية تحت لواء زعيمها "زبوشى" بدعوة من الشريف الدرقاوى الحاج محمد بن الأعرج وكنيته "بودلى". وأصاب الثوار حظا من النصر فتهوروا وهاجموا حصن قسنطينة التركى المنيع، فهزموا واضطر بودلى المثخن بالجراح إلى الفرار، ولكن الثوار ما لبثوا أن باغتوا في العام التالي عثمان بك قائد حامية قسنطينة في خوانق وادي رمل الأدنى، وأعملوا فيهم السيف وبينهم البك، فاضطر الترك إلى إنفاذ مدد جديد إلى قسنطينة تحت إمرة البك عبد الله بن إسماعيل، فانتصر عبد الله في يناير عام 1805 على بودلله وحلفائه، وصد قوات الدرقاوى بمساعدة المقرانى أمراء مجانة وحلفاء الترك في الغرب على النجاد جنوبى بلاد القبائل الكبرى، وحدث هذا حوالي فبراير عام 1806. وكان على الترك أيضا أن يخمدوا فتنا أخرى في هذه الربوع، فقد ثارت قبيلة أولاد نايل وضيقوا الخناق على المدينة بعد أن وثبوا على "صور الغزلان"، وهو حصن تركى يعرف الآن باسم "أومال". وأخذ بودلله يكتسح شرق إمارة الجزائر بالسيف والنار، في حين بادر رجل يدعى عبد القادر بن شريف المقدم الأكبر لمولاى العربي الدرقاوى إلى اجتياز ناحية تلمسان معلنا في كل مكان أن الترك على وشك أن يطردوا من ربوع إفريقية الشمالية، وما جاءت سنة 1805، حتى كانت جميع الربوع من شلف إلى التخوم المراكشية، قد اشتعلت فيها نيران الثورة. وبوغت مصطفي بك أمين وهران في معسكره في عين فرطاسة فلم يجد مناصا من الفرار والاحتماء وراء أسوار وهران وسد أبوابها، كما حاصر الدرقاوى في

الوقت نفسه ترك تلمسان في معقلهم المعروف باسم مشوار، وكنوا على تفاهم مع بربر هذه المدينة، واستحلفوهم يمين الولاء لمولاى سليمان مراكش. وما لبثت هذه الفتنة التي أشعلت الدرقاية نارها أن استفحلت فاستدعى "داعى" (¬1) (داى) الجزائر الباى مصطفى واستخلف على البلاد من بعده محمد المقلش وكان رجلا عالى الهمة. فأخذ محمد من فوره في مهاجمة الثائرين، وقطعت قبائل مختلفة الطريق على ابن شريف وطردته ناحية الشرق واستطاعت بهجمة موفقة أن تستعيد مدينة بسكرة للباى محمد، وكان بين أسراه آل غريمه. وقد ارتد غريمه هذا هو وأنصاره إلى زاوية محمد بن عودة وفيها منى بهزيمة منكرة وقطعت رءوس أتباعه. ويروى الإخبارى المحلى أن هذه الرءوس بعثرت عند قدمى الباى بعثرة البصل الكثير، وكان ذلك عام 1807. وأحرز الباى نصرا آخر عند سوق الأحد في أرض بنى عامر حيث سقط نيف وستمائة درقاوى، مما دفعه إلى العمل على تخليص مدينة تلمسان والضرب على أيدى العصاة وإعادة المدينة إلى سلطان الترك، وبينما كانت الجنود الجزائرية مشغولة في شرق الإمارة الجزائرية ووسطها وغربها، غزا مولاى سليمان فيجيج عام 1805، وقورارة وإتوات عام 1808. وانتزع من الترك جميع بقاع الجنوب الشرقى من إقليم وهران. ونفس ديوان الجزائر على الباى محمد المقلش المكانة التي بلغها بفضل انتصاراته فقبض عليه فجأة بحجة عجيبة، ثم زج به في السجن وقتل. فحل محله مصطفي باى وهران السابق، ولكنه عجز هذه المرة أيضا عن أن يثبت أمام الدرقاوى. فاضطر داى الجزائر بعد ذلك بعام إلى إحلال الباى أبو كبوس للدرقاوى أن يغمضوا جفونهم، كما أجلى عبد القادر ابن شريف الذي كان قد شرع يعود إلى مناوشة الوالى التركى جنوبا نحو عين ¬

_ (¬1) الداى هو الحاكم العام للجزائر من قبل الترك وليس بداعى واستعمال هذا خطأ. [إطفيش]

ماضى على يد الباى الجديد، وحاول أن يجد لنفسه ملجأ هناك. ولما لم يستطع بلوغها رجع سرا من حيث أتى، ولجأ إلى بنى سنسن، وهناك استنفر أهل الحدود الوهرانية المراكشية بمعونة زوج ابنته بوترفاس، وبخاصة قبيلة ترره، فسار الباى لملاقاتهم وهزمهم، وفي عودته عرقل الجليد سير جنده فلم يجد بدا من المبادرة إلى الانسحاب بجيشه وقد شاع الاضطراب فيه. ثم استدعى إلى وهران وصرف عن منصبه وأعدم. وعندئذ ثارت الربوع الشمالية من إقليم وهران بأسرها، واعتكف قائد مجد يعمل مع الترك اسمه على قره وغلى في مزونة وثبت للثائرين، على حين سار عمر أغا رسول الداى لتخليص حامية ندرومة على الحدود. وعين قره بغلى بايا، وسار القائدان بجيوشهما في أنحاء تلمسان وترره لإرهاب السكان وإخضاعهم لسلطانهما. واستتب الأمن بعض الوقت في غرب الإمارة، على أنه حدث في عام 1816 أثناء ضرب الإنجليز الجزائر بالقنابل، أن ظهر عبد القادر بن شريف مرة أخرى واستنفر الأحرار على الحدود وسار لملاقاة الترك، ففرق الباى جنوده وانسحب ابن شريف إلى فيجيج. ولم يكظم سلطان مراكش موجدته طويلا على النفوذ الذي أصابه مولاى العربي الدرقاوى وأتباعه، فقد اشتبه فيه أو اتهمه بتحريض الثوار في مملكته وألقاه في السجن؛ واستعاد مولاى العربي حريته بموت السلطان مولاى سليمان عام 1821 م. ومن ثم لم يصبح للدرقاوى الشأن الأول في السياسة العسكرية ضد الترك، وقد كتب لهم أن يستعيدوا شأنهم فيما بعد إبان الوجود الفرنسى. وفي عام 1834 استنفر سى موسى الدرقاوى أولاد نايل وقادهم في جهاد ضد النصارى واحتل مدية، ولكنه هزم سنة 1835 على يد الأمير عبد القادر الذي كان سى موسى قد قلب خططه رأسا على عقب، بيد أن سى موسى ظهر مرة أخرى إبان فتنة "زاتشة" وفيها قتل.

وما انقضت عشرة أعوام حتى حال سى عبد الرحمن التواتى الدرقاوى، بمعونة ثلاثين من أتباعه، وكلهم من قبيلة بنى عامر، أن يفاجئ حصن "سيدى بلعباس" بيد أن حاميته الصغيرة استبسلت في الدفاع عن نفسها، وثبتت للمهاجمين الذين هلكوا كلهم تقريبا. ويسجل هذا المجد العسكرى ختام عهد البطولة بالنسبة للدرقاوى في إقليم الجزائر على الأقل، وقد أثبتت زواياهم صلابة عقيدتهم وغلوها، وهكذا برروا وجودهم في أعين قوم من المتعصبين. ما كادت تتوطد أقدام هذه العقيدة وتدين بها الجموع، وتنتشر فروعها في طول البلاد وعرضها، حتى قصروا همهم على مضاعفة مواردهم لتمد زاويتهم الكبرى؛ وقد خضعوا لأصحاب السلطان في الظاهر على الأقل. وهذا ضرب من القانون لا يفر من العمل به مسلم من الإخوان. ولم يجهر شيخ من شيوخهم إبان الثورات التي نشبت في جنوب وهران عام 1864 وعام 1881 بالانتقاض على الفرنسيين؛ ثم إنه لما نشبت ثورة مرغريت عام 1898 , التي أشعلها مريد درقاوى في مليانة، لم يسع شيخ الدرقاوى في الإقليم، سى غلام الله، إلا أن يستعمل نفوذه ويهدئ النفوس الثائرة، وقد أخلص الحاج أحمد ولد مبخوت، مقدم الطريقة بين هميان الهضاب على حدود الجزائر الغربية، هو وخلفاؤه، في إتباع إرشادات الفرنسيين. وقصر مقدم الدرقاوى في وهران همه على أمور الطريقة الصوفية، ونصح الإخوان بالخضوع للسلطات الفرنسية. ونحن نجد درقاوى مراكش على العكس من إخوانهم في الجزائر قد شنوا حربا متصلة على السلطات الفرنسية حتى تم إحتلال الأراضي المراكشية الجزائرية المناوحة للساحل عام 1907 م، وجعلهم احتلال عين الصفرة عام 1881 على اتصال مباشر بالفرنسيين. وقد أعلن الشرف سى محمد الهاشمي بن العربي، ورأس زاوية كوز في إقليم مدغرة، وهي أهم

زاوية في مراكش بعد بوبريح، الجهاد على النصارى؛ ولكن شيخوخته (وكان قد نيف على الثمانين) لم تكن لتسمح له بالاشتراك في الجهاد اشتراكا فعليا. وحدث مثل ذلك أيضا عند احتلال جنان ابن رزق. وفي عام 1887 اتجهت كراهيته إلى الحكومة المراكشية، متهمين إياها بالاتفاق مع النصارى. ولما مات شيخهم في فبراير عام 1892 فشا الاضطراب في الطريقة الدرقاوية في الجنوب، واستخلف سى محمد العرب على الطريقة سى العربي ابن الهوارى شيخ زاوية فركلة الذي وقف جهوده على خير الإخوان، بيد أن أبناءه اختلفوا في ذلك، فقد أنشأوا زوايا تنافس زاوية خليفة أبيهم، على حين حاول بعض الأشراف الذين يرأسون جماعات درقاوية أخرى أن يحصلوا لأنفسهم على امتيازات أخرى من أصحاب الطريقة. وقد أدى هذا التصرف هو ونزعة البربر الاستقلالية إلى التوهين من عداوة جماعات الدرقاوى للتقدم الفرنسى الذي أفاد من خصومات الجماعات المتنافسة. ثم نظم رجل يدعى عليا ولد حدى، وهو من قبيلة إيت أتّه البربرية، الهجوم على الفرنسيين في مترفة وتيممون، كما شاعت الفوضى في تافيلالت، وكون عدد من درقاوى الإقليم طائفة أو فرقة عرفت باسم "طائفة الحراق" (نسبة إلى منشئها) وهي تمثل أكثر المذاهب عنفا في معارضة النظام القائم. وأراد شيوخ المقدمين أن يواجهوا هذا الاضطراب ويدفعوا الأخطار الناجمة من خطط فرنسا في الشرق، وأن يتخلصوا من حالة القلق التي ألفوها تجثم على صدورهم وينتهوا إلى خطة موحدة للعمل، فاتفقت كلمتهم على تعيين شيخ يكون له التوجيه الأعلى على الإخوان، وانتخبت الجمعية المؤلفة من مندوبى الزوايا، محمد بن أحمد عام 1901 م. شيخا لزاوية سفْرو، وقابل الجمهور هذا الاختيار بقبول حسن، ولكن سى العربي بن الهوارى رفض أن يعترف به، في حين أسرع أبناء سى محمد الهاشمى بن العربي في مدغرة بالموافقة على هذا الاختيار؛ وهكذا زاد القلق في الجنوب الشرقى من مراكش منذ ذلك الحين، وأعان عليه عدد لا

يحصى من الأشراف الذين تتفاوت قرابتهم من سلطان مراكش والذين يعيشون في تافيلالت وما جاورها من ربوع، ويستنكرون أشد الاستنكار بدع سلطانهم. وفي الشمال الشرقي من مراكش أهم طائفة للدرقاوى، يترأس عليها خلفاء الحاج محمَّد الهبرى، مؤسس زاوية دروَة، بين بنى سنسن بالقرب من حدود الجزائر، وقد أصبح نشاطهم ملحوظا في كل ناحية منذ عام 1890. والشيخ الهبرى مثال للدرويش المتعصب يكره غير المسلمين، ولا يعترف بسلطان لغير أشياخه في الدين. وقد وجد أتباعا كثيرين شمال غربى وهران، بل إن جهود نوابه -حتَّى قبل فتنة مرغريت- قد ظهرت آثارها في إقليم الجزائر للمقدم على زاوية أولاد الأكراد المنافسة لهم بالقرب من تيارت (وإن كانت تتبع نفس الطريقة) وقد بدا لقبائل البربر أن اتفاقيتى عام 1901 و 1902 بين فرنسا ومراكش تتهددان استقلالها، فقلقت خواطرهم مرة أخرى (وشاهد ذلك فتن ركوى بوعمارة وبوعمامة وغيرهما) واشتدت ثورة الدرقاوى باحتلال بركوانت عام 1904، وإنشاء سوق وجدة عام 1906. وكان واحد من مقدمى الهبرية، ونعنى به شيخ زاوية زكزل، هو الذي أشعل فتنة بنى سنسن على الفرنسيين عام 1907، فأدى ذلك بهؤلاء إلى احتلال أراضي أولئك الجبليين احتلالا تامًا. وكذلك أدى مشروع التجنيد بين أهل الجزائر إلى إثارة حفيظة الدرقاوى على السلطات الجزائرية، وقد عجز مقدم من الهبرية في تلمسان، اسمه الحاج محمَّد بن إلسَّ، أن يحرض أبناء قبيلته على الجهر بالثورة وأخذ يدعو إخوانه إلى الخروج إلى أرض المسلمين، وبخاصة تركيا، ونجح في خلق حركة خاصة تسير في هذا الاتجاه. وهاجر مئات من أسر تلمسان وما جاورها إلى طرابلس أو إلى بلاد الشَّام، بين عام 1909 وصيف 1911. بيد أن الحرب بين إيطاليا وتركيا وقفت في وجه هذه الحركة بعض الشيء، ثم إن المقدم ابن إلسَّ وجد الخطر يتهدده فعمد إلى

الفرار في سبتمبر 1911 والتجأ إلى الشرق. وعاد مائتان من المهاجرين المشردين إلى تلمسان؛ ويلوح أن حركة الهجرة توقفت, لأن الحكومة كانت جادة في قمعها. وهذا هو مجمل ما كان للدرقاوى من شأن في سياسة الجزائر ومراكش نيفا وقرنا من الزمان. الحالة الحاضرة: لهذه الطريقة عدد كبير من الزوايا، وهي من أهم الطرق في مراكش، إن لم تكن أهمها جميعًا، وأكبر هذه الزوايا هي الزاوية الأصلية التي أنشأها مولاي العربي الدرقاوى في قبيلته، بني زرول، في الموضع المعروف باسم بوبريح، وهي المقر المفضل البعيد عن سلطة الحكومة المدينة تمامًا، والذي كان يعيش فيه المنشئ العظيم للطريقة، ولا يزال خلفاؤه يقيمون فيها. ولهذه الزاوية سلطان إداري ومعنوي على سائر الزوايا، وقد جرت الحال بأن تخضع لها جميع الزوايا، وترسل كل الجماعات بلا استثناء إلى هذه الزاوية هبات، وليس لسلطانهم منازع بين بنى زرول, ولها السيادة على بنى تمسمن وبنى عمارة وقبائل الريف. وهذه الطريقة خاضعة لسلطان القبائل الكبيرة التي أخذت بعهدها، وهي تنقسم إلى عدد معلوم من الفروع نذكر منها في مراكش: 1 - فرع زاوية كوز في مدغرة. وكانت هذه الزاوية قبل ذلك مكانا ينفي فيه أقارب السلطان وحلفاؤه الذين يطالبون بالعرش (وهو عمل من أعمال التحوط يقوم به أولو الأمر في مراكش)، وقد أصبحت مباءة للعداوة ضد المخزن الذي يمالئ النصارى. ونفوذ هذه الزاوية هو الغالب أو يكاد على تافيلالت وعلى بربر مراكش في أطلس الكبرى وأطلس الشَّرقية الوسطى، وفي وادي ملوية الأعلى. 2 - فرع زاوية دروة، ويشمل نفوذها أرض بنى سنسن وشمال وهران الغربى. والفروع الهامة في الجزائر هي: 1 - فرع أولاد مبخوت في مشرية، ويشمل نفوذها الهميان وبعض بني كوبل على الحدود الجزائرية المراكشية.

2 - فرع قدور بن سليمان المستغانمى ويغلب نفوذه على تل وهران. 3 - فرع أولاد الأكراد بالقرب من تيارت ونفوذه غالب على وادي شلف وجبال ورسنيس وبسكرة. وهناك زوايا قليلة الشأن في بلاد تونس وطرابلس وفي الشرق. ومن ثمرات الدرقاوى طرق أخرى ظهرت بمراكش في صور معدلة، وهي أكثر من الدرقاوية تشددا، وهذه الطرق هي الكتانية (من تلاميذ سيدي محمَّد الكتانى مؤلف كتاب "صلوات الأنفاس") والحراقية، وهم من الخوارج (تلاميذ سيدي محمَّد الحراق الخليفة الثالث لمولاى العربي الدرقاوى) الخ. . . وقلما يتعدى نفوذ هذه الطرق فاس وما جاورها، وقد سبق أن رأينا السلطان الذي لجماعة من الحراقية في تافيلالت. المصادر: (1) Salouat Al-Anfas Recherches sur les: R. Basset sources de la, الجزائر 1905، ص 1 وما بعدها. (2) أبو حامد محمَّد العربي الفاسى: مرآة المحاسن، فاس 1323 هـ, في مواضع مختلفة. (3) مولاى العربي الدرقاوى: رسائل، فاس 1318 , في مواضع مختلفة. (4) السلاوى: كتاب الاستقصا، القاهرة 1312 , جـ 4، ص 140 وما بعدها. (5) الكتانى: صلوات الأنفاس، فاس 1316 هـ, في مواضع مختلفة منه، وبخاصة جـ 1، ص 176، 267, 358. (6) Etablissement des dy-: A. Cour nasties des Cherifs, باريس 1904 م، ص 227 وما بعدها. (7) Les Con-: Depont et Coppolani freries Musulmanes , الجزائر 1897، ص 503 وما بعدها. (8) L'Islam en 1900: E. Doutte, الجزائر 1901، في مواضع مختلفة. (9) Histoire de Gigelli: Feraud قسنطينة 1870، في مواضع مختلفة.

درويش

(10) Hist, d'Alger: De Grammount، باريس 1887, ص 349 وما بعدها. (11) Les Derkaoua d'Hier: Lacoix et d'Aujourd hui الجزائر 1902. (12) De L'Etat Present et: Montet de I'Avenir de l'Islam، باريس 1910، ص 96 وما بعدها. (13) المؤلف نفسه: Les Confreries Religieuses de l'Islam Marocain، ص 16 وما بعدها في مجلة Revue de I'Hist des Religions, 1902، جـ 45. (14) Notice sur la Zaouiya: Nehlil de Zegzel، الجزائر 1910. (15) Marabouts et Khouan: Rinn، الجزائر 1884 , ص 233 وما بعدها. (16) Chronique du Beylik: Rousseau d'Oran الجزائر 1854، في مواضع مختلفة. (17) Resume Historique: Delpech sur la Soulevement des Derk'aoua de la Province d'Oran في مجلة Revue Africaine . جـ 18، ص 39 وما بعدها. يونس (كور A. Cour). درويش بفتح الدال وكسرها: يقال في تفسير هذا اللفظ عادة إنه مشتق من الفارسية (Lexicon: Vullers. جـ 1، ص 839 , 845 ب؛ Grundr d. iranPhil، مجلد 1، جـ 1، ص 260، جـ 2، ص 43 , 45) والظاهر أن الاشتقاق الحقيقي لكلمة درويش مجهول. ويمكن أن نقول بصفة عامة إن هذه الكلمة استعملت في تاريخ الإِسلام للدلالة على العضو في طريقة من الطرق الصوفية، على أن معناها في الفارسية والتركية أضيق من ذلك، فهي تدل على الشحاذ الصوفي الذي يعرف في العربية بالفقير. والكلمة الغالبة على الدراويش بصفة عامة في مراكش والجزائر هي الإخوان، وينطق بها "خُوان" وهذه الطرق هي التعبير المنظم عن الصوفية في الإِسلام. وقد ظلت الصوفية قرونًا تقوم على الأشخاص. فإذا صرفنا النظر عن سعى النفس إلى النجاة بالزهادة والتقشف أو بالتفكر فقد جرت الأحوال بقيام شيخ تلوذ به طائفة من المريدين، وقد تبقى مثل هذه

الطائفة جيلا أو جيلين بعد وفاة الشيخ يتزعمها تلميذ نابه من تلاميذه. وظلت الحال تجرى على هذا المنوال زمنًا طويلا، فلم يكن ثمة هيئة لها طبيعة الهيئات الدائمة تحتفظ بنظام خاص وعبادات خاصة يجمعها اسم معروف معلوم. ولم تقم الطرق التي لها هذه الصفات إلَّا في القرن السادس الهجري، أي في الحقبة المضطربة التي تمزقت فيها أوصال الدولة السلجوقية. والظاهر أن القادرية التي أنشأها عبد القادر الجيلاني المتوفى سنة 561 هـ هي أول طريقة باقية لها أصل تاريخى معلوم. ثم ظهرت طرق أخرى بكثرة تحير العقول. وبعض هذه الطرق أنشأها أولياء قائمون برأسهم، وبعضها انشعبت من طرق أخرى أقدم منها عهدًا. على أن هذه الأصول التاريخية يجب أن نفرق تفرقة تامة بينها وبين الروايات التي ترويها كل طريقة عن أصل شعائرها الخاصة وأذكارها. وكما أن الصوفية ترد أصلها إلى النَّبِي [- صلى الله عليه وسلم -] نفسه، بل إلى الله وجبريل والنبي [- صلى الله عليه وسلم -] فتحمى بذلك شرعيتها من التجريح، فكذلك ترد هذه الطرق أصولها إلى طبقة من الأولياء المشهورين حتَّى تصل بها إلى منشئها الأول. ويعرف ذلك بسلسلة الطريقة. وثمة سلسلة أخرى مشابهة لهذه تبدأ بمنشئ الطريقة وتنتهي بشيخها الحالى. ويجب على كل درويش أن يعرف السلسلة التي تربطه بالله ذاته، وأن يؤمن بأن العقيدة التي تقول بها طريقته هي روح الإِسلام وأن شعائرها صحيحة صحة الصلاة. والشيخ (شيخ، مرشد، أستاذ، ببر) الذي يدخل المريد على يديه في الطريقة هو الصلة بينه وبين السلسلة. ويتم هذا الدخول بأخذه "العهد" عليه، وهذا العهد إجازات وعوائد (¬1) صوفية تختلف باختلاف الطرق. وكان المريد من قبل يمر بمراحل طويلة أو قصيرة في دخوله في الطريقة، ويتضح من بعض صور هذه المراحل أن المريد يكون مسلوب الإرادة حيال الشيخ ويكون بينه وبينه وفاق. وشريعة الدراويش هي دائمًا ضرب من الصوفية تتفاوت باختلاف الطرق ¬

_ (¬1) العوائد ما يقدمه المريد للشيخ بين حين وحين.

من سكينة الزهادة إلى القول بأن الإيمان إنما يكون بالقلب وذلك تمشيا مع مذهب وحدة الوجود. ويغالى في هذا القول إلى حد أن الدراويش في فارس ينقسمون فريقين: فريق مع الشرع (باشرع) أي يتبعون الشريعة الإِسلامية، وفريق بلا شرع (بى شرع) أي ينكرون شعائر الدين وما جاء به من قانون خلقى. ويمكن أن نقول بصفة عامة إن بعض طرق الفرس والترك قد انحرفت عن الإِسلام أكثر من السوريين أو العرب أو الإفريقيين كما أن الطريقة الواحدة في أمة قد تختلف صورها باختلاف البلاد. وتعنى شعائر الطرق دائمًا بالحياة الوجدانية الدينية، وتجنح إلى استحداث ظواهر من الاستدراج (¬1) (الذاتى أو غير الذاتى) وحالات من الوجد. وتتميز طريقة من هذه الطرق، هي الخلوتية بأنها تتطلب من جميع أتباعها أن يقضوا فترة من كل سنة في خلوة ممسكين عن الطعام إلى أقصى ما يسعهم الجهد مرددين الأذكار ترديدًا لا ينقطع. ويؤثر هذا في جهازهم العصبي ومخيلتهم تأثيرا واضحا بينا. وتعرف العبادة الشائعة بين أرباب الطرق جميعًا بالذكر أي ذكر الله (القرآن، سورة الأحزاب، الآية 41، وهذه الآية هي عمدة أرباب الطرق)، والغرض من الذكر هو تذكير العابد بعالم الغيب وأن اعتماده عليه. ومن الواضح أن الذكر يصحبه ضرب من السمو بالشعور الديني وإحساس بالسعادة. على أن الاستدراج يصحبه أَيضًا حالات جسمانية معينة وظواهر تثيره أو تعقبه، ويتواجد أرباب طريقة المولوية التي أنشأها جلال الدين الرومي المتوفى في قونية سنة 672 هـ بالرقص الدوار. أما السعدية فقد جروا على اصطناع ما يعرف بالدَوْسةَ وما زالوا يلجئون في تكاياهم إلى قرع الطبول الصغيرة المعروفة باسم "باز" وقد حرم استخدام هذه الطبول الآن في المساجد المصرية وعد بدعة من البدع (انظر تاريخ محمَّد عبده جـ 2. ص 144 , وما بعدها) ولكل طريقة من ¬

_ (¬1) الاستعانة بوسائل سيكولوجية كالاستهواء.

طرق السعدية والرفاعية والأحمدية فعال خاصة قوامها أكل الجمرات والثعابين الحية أو العقارب والزجاج وإنفاذ الإبر في أجسامهم وإدخال المسامير في عيونهم. وإلى جانب هذه الفعال، والتي قد يكون بعضها قائمًا على الحيل وبعضها قد تيسر بحالة من حالات الاستدراج، فإنَّه تبدو بين الدراويش ظواهر ذاتية من محاضرة ومكاشفة بل تصعيد في الهواء. وهذه الظواهر جديرة بأن تلقى من عنايتنا واهتمامنا أكثر مما لقيت حتَّى الآن على أنها لا تظهر إلَّا على الأولياء دون سواهم وهم يعرفونها بالكرامات (. . .) يفيئها الله عليهم. على أنَّه يوجد علاوة على هذا العدد الصغير من شيوخ الطرق الذين يقيمون في التكايا (خانقاه أو رباط أو زاوية أو تكِيّة) أو يطوفون طواف فقراء الرهبان (والقلندرية طريقة مأخوذة من البكتاشية، وهي تفرض على أربابها مداومة الطواف) عدد آخر كبير من الأتباع غير العارفين وهم يشبهون الطَّبقة الثالثة من رهبان طائفة الفرنشسكان والدومينيكان، يعيشون مع سائر النَّاس، ولا يفرض عليهم إلَّا أداء عبادات يومية معلومة، وحضور حلقات الذكر في التكايا من حين إلى حين. ولا شك في أن عدد الدراويش كان في وقت من الأوقات أكثر بكثير مما هو الآن، وخاصة في مصر أيام المماليك، فقد كانت تكاياهم كثيرة جدًا والأوقاف المحبوسة عليها كبيرة. وكان مقامهم في تلك الأيام أرفع كثيرًا مما هو عليه الآن فالفقهاء والعلماء ينظرون إليهم في الوقت الحاضر بازدراء في النزاع الجوهري بين أهل الباطن من ناحية وأهل الحديث وأهل الرأى من ناحية أخرى. ويخرج معظم الدراويش في الوقت الحاضر من بين الطبقات الدنيا في المجتمع، والزاوية في نظرهم بمثابة مسجد ومنتدى. وصلتهم بها أخص من صلتهم بالمسجد، ومن ثم أصبحت الطرق تعادل في مكانتها وشأنها الهيئات الكنسية القائمة بذاتها عند المسيحيين البروتستانت. وهذا هو السبب الذي حدا بالحكومات في عصر متأخر إلى الإشراف عليها بعض

الإشراف غير المباشر. وكان يقوم بهذا الإشراف في مصر الشيخ البكري (¬1) , فهو شيخ مشايخ الطرق جميعًا (كتاب بيت الصديق، ص 379 وما بعدها). أما في غير مصر فإن ثمة شيخًا للدراويش في كل مدينة. ولم يتحلل من هذا الإشراف إلَّا السنوسية وحدهم بحكم اعتكافهم في صحراوات بلاد العرب وشمال إفريقية بخاصة واحتفاظهم بطريقتهم في قلب الصحراء عزيزة بعيدة المنال بعامة. ثم إن أتباع هذه الطريقة ينتمون إلى طبقة من طبقات المجتمع أرفع من طبقة أتباع الطرق الأخرى. والنساء في الإِسلام متساويات بالرجال دينًا وإن لم يتساوين بهم شرعًا (¬2) , ولذلك كان منهن دراويش وهن يتلقين العهد على شيخ من الشيوخ. على أن إرشادهن إلى سلوك الطريقة يتم في كثير من الأحيان على يد نساء. وهن يقمن بأذكارهن في الغالب الأعم بمعزل عن الرجال. وكان الدراويش من النساء في الإِسلام أيام القرون الوسطى يعشن في كثير من الأحيان في التكايا، وقد خصصت لهن دور وتكايا تشرف عليها نساء من جنسهن. أما الآن فمعظم هؤلاء النساء فيما يظهر من عامة الأتباع ولسن من مشايخ أرباب الطرق. ويستحيل علينا في هذا المقام أن نورد قائمة كاملة بأسماء الطرق، وعلاوة على الطرق التي ذكرناها آنفًا في هذا المقال: العروسية، الأشرفية، البدوية (¬3)، البيومية، البكرية، بكتاش، جلوتى، كلشنى، عيساوة، خلوتى، نقشبندى، الشاذلية، سهروردى، السنبلية، التيجانية. ¬

_ (¬1) كان ذلك وقت كتابة هذا المقال، ثم انتقلت مشيخة الطرق الصوفية في مصر. من بيت البكري إلى السيد أَحْمد الصاوى الذي أصبح شيخًا لمشايخ الطرق الصوفية منذ عام 1947. (¬2) يظهر أن المقصود بعدم المساواة هنا هو الأمور التي تختلف فيها المرأة عن الرجل لظروف خاصة بها، كعدم جواز صومها أو صلاتها في حالات الحيض والنفاس وكذلك جعل شهادة امرأتين مساوية لشهادة رجل واحد إلخ. مهدي علام (¬3) تنسب طريقة أَحْمد البدوي والطرق التي تشعبت منها إلى أَحْمد لا إلى بدوى فيقال الطريقة الأحمدية لا الطريقة البدوية.

المصادر: إن مصادر هذه المادة كثيرة جدًا ونكتفي هنا بذكر مختارات منها: (1) Deport et coppolsni Les confreries religieuses musulmans، الجزائر 1897. (2) les confreries: A. Ler Chatelier musulmanes du Hedjaz, باريس 1887. (3) Vorlesungen: Goldziher, ص 168 وما بعدها، 195 وما بعدها. (4) Modern Egyptians: Lane. الفصول 10، 20, 14, 15. (5) The Derwishes, or: J.P. Browne Oriental Sprititualism لندن 1868. (6) Dictionary of Islam: Hughes , مادة فقير. (7) Tableau general. de: D'Ohsson L'Empire Othoman . جـ 3، باريس 1790. (8) Turkey in: Sir charles N. E. Eliot Europe, لندن 1900. (9) A year among the: E. G. Browne persians, لندن 1893. (10) Shaikhs of Morocco: T.H. Weir , إدنبره 1904. (11) The Moors: B. Meakin, لندن 1902، الفصل 19. (12) Travels in Central Asia: H. Vambery , لندن 1864, وجميع كتب فامبرى في الرحلات والتاريخ. (13) The Way of a: W.H.T. Gairdner Mohammedan Mystic في مجلة Moslem World عدد أبريل 1912 وما بعده. (14) المقال الذي كتبه كاتب هذه المادة في Encyclopaedia Britannica، مادة Dervish الطبعة الحادية عشرة، ويمكن تصحيح ما ورد في هذه المادة على المادة الواردة هنا. (15) Religious Attitude and Life in Islam: D.B. Macdonald نيويورك 1911. خورشيد [مكدونالد D.B. Macdonald]

درويش باشا

درويش باشا اسم عدد من ولاة الترك وساستهم. (أ) درويش باشا: من أهل مُسْتر، وقد أصبح واليًا على البوسنة عام 1004 هـ (1595 م). ونشر غزله في جسر مستر في. . Wissenschaftl. Mitteil. aus Bosnien فينا عام 1843، جـ 1، ص 511. (ب) درويش باشا: كان قبودان باشا عام 1014 هـ (1605 م) وصدرًا أعظم في عهد محمَّد الثالث عام 1015 هـ (1606 م) ولكنه أعدم في ذلك العام نفسه. (جـ) درويش باشا: الصدر الأعظم في عهد السلطان عبد الحميد الأول، وقد غضب عليه السلطان في عام 1190 هـ (1770 م) بعد أن ظل في منصبه الرفيع ثمانية عشر شهرًا، وتوفي بعد ذلك في خيوس. (د) درويش باشا: قائد تركي. كانت له القيادة في حملة عام 1862 م على الجبل الأسود، وعين حاكما وقائدًا أعلى في البوسنة والهرسك, غير أنَّه فقد هذا المنصب عندما مني بالخيبة في ثورة عام 1875 م. وولى عام 1877 م قيادة الجند المرابطين في باطوم، فاستطاع أن يوقف تقدم الروس. فلما وضعت هذه الحرب أوزارها أنفذ لمقاتلة الألبان. وفي عام 1882 م بعث في مهمة إلى مصر، ولكنه لم ينجح فيها، وتوفي درويش باشا عام 1896 م. المصادر: (1) سامى بك: قاموس الأعلام، جـ 3، ص 2136 وما بعدها. (2) Geschichte des Osman. Reiches: V. Hammer انظر الفهرس. الشنتناوي درويش محمَّد باشا اسم اثنين من الصدور الأعظمين: وقد ولى أولهما هذا المنصب في مستهل عهد محمَّد الرابع بعد أن كان واليًا على جهات مختلفة وشاغلا لمنصب قبودان باشا. وصرف عن منصبه عام 1649 م وأعدم واستصفيت ثروته الهائلة. وولى الثاني منصب الصدارة في عهد محمَّد الثاني 1818 - 1820 م،

درهم

وتوفي عام 1237 هـ (1822 م) في ينبع في طريق حجه إلى المدينة، المصادر: سامى بك: قاموس الأعلام، جـ 3، ص 2138. درهم (1) وحدة من وحدات العملة الفضية في نظام السكة عند العرب. وقد كان هذا الاسم (باليونانية وبالفارسية درم) مستعملا منذ القدم، في حين استعار العرب العملة التي عرفت به من الفرس. واستعارة الوزن القانونى للدرهم أعسر من استعمارة وزن الدينار، ذلك أن الدراهم لم تكن تراعى الدقة التامة في ضربها. وقد اختلف المؤرخون اختلافًا عظيمًا في تحديد الدرهم القانونى، ولكنهم أجمعوا على أن نسبة وزن الدرهم إلى وزن المثقال هي 7: 10 ولما كان المثقال يدل على عدة معان، فإن هذه المعادلة لا تصح إلَّا إذا كان المثقال يساوى الدينار القانونى، أي المثقال المكى الذي يبلغ وزنه 4.25 من الجرامات. ونخلص من هذا إلى أن أقرب أوزان الدرهم إلى الاحتمال هو 2.97 من الجرامات، وهذا الوزن يتفق على خير وجه مع السكة الباقية والأوزان الزجاجية كما يتفق مع أوزان السكة التي ضربت في عهد المقتدر (295 - 320 هـ = 908 - 932 م) وكشف عنها روجرز E.T Rogers في الفيوم. وقد اتخذ سوفير Sauvaire الرقم 3.0898 أساسًا لجميع حسباناته، وهو الرقم الذي استقرت عليه اللجنة المصرية التي عقدت عام 1845 م، ومن ثم ظهر بطلان النتائج التي وصل إليها أول الأمر، وقد استقر دكوردمانش Decourdemanche الذي بين خطأ سوفير عند الرقم 2.83 مستعينا في بلوغ هذا الرقم بحسبانات بارعة، ولكن هذا الرقم لا يتفق مع النسبة التي تقضي بأن يكون الدرهم 7: 10 من المثقال. وربما كان الخليفة عمر هو أول من قرر أن الوزن القانونى للدرهم هو 2.97 من الجرامات. وقد أمر عبد الملك بأن يكون الدرهم من هذا الوزن هو دون سواه السكة الفضية الصحيحة. وليس ثمة شك في أن الدرهم العربي

مأخوذ من درهم الساسانيين، وقد أدخل أردشير الأول (226 - 241 م) هذا الدرهم على أساس الدراخمة الأتيكية الجديدة التي بلغ وزنها 4.21 من الجرامات وظل هذا الدرهم ثابتًا يكاد لا يتغير حتَّى سقوط الدولة الساسانية (بلغ وزن الدراخمات التي ضربها سنة 628 أردشير الثالث 4.10 من الجرامات). وقد احتفظ ولاة العرب في فارس بهذا الأنموذج الساسانى، ولكنهم خفضوا وزنه فجعلوه 3.90 من الجرامات. وكان كثير من العملة التي ضربوها يزن 2.90 من الجرامات على وجه التقريب، ومن ثم فهي تتفق مع الدرهم القانونى. وترجع أقدم الدراهم الإِسلامية الخالصة مع استثناء النماذج المشكوك فيها والنماذج القائمة برأسها إلى عام 75 هـ (694 م). وبعد هذا التاريخ ضربت سكة من طراز جديد في الولايات كافة، على الرغم من أن الدراخمات العربية الساسانية ظلت تضرب في فارس إلى ما بعد هذا التاريخ بأمد (ظلت تضرب في طبرستان إلى حوالي سنة 180 هـ = 796 م). أما الدراهم النحاسية التي ضربها في القرنين السادس والسابع الهجريين بنو أرتق وبنو زنكى وغيرهما من الأسر التركية التي حكمت آسية الصغرى ففريدة في بابها، فهي قطع نحاسية كبيرة عليها كتابة ويبلغ وزنها في المتوسط 12 جرامًا، والراجح أنها ضربت بصفة خاصة لاستعمالها في المتاجرة مع النصارى. وكان للدرهم شأن هام في شمالى أوربا وشرقيها، ذلك أنَّه كان السكة الوحيدة في هذه الأنحاء ما بين عامى 600 و 1000 م. وكان من النادر أن نجد قطعًا من العملة أكبر قيمة من الدينار أو أصغر منه في القرون الأولى للهجرة. وكان أعم كسور الدرهم هو سدسه أي الدانق (أبلوس) وأشيعها نصف الدرهم. وقد اختفى الدرهم من الوجود حوالي نفس الوقت الذي اختفى فيه الدينار. وكانت نسبة الذهب إلى الفضة في أوائل عهد الإسلام هي 14: 1 (20 درهم = 1 دينار).

دريد

(2) والدرهم هو أَيضًا اسم وزن من الأوزان (درهم كيل) يبلغ 3.184 من الجرامات، وهو يختلف اختلافا بينا عن السكة المعروفة بهذا الاسم. وقد بقى هذا الكيل، وإن اختلف من بلد إلى بلد، حتَّى العصور الحديثة، يستعمله الصيدلى والصائغ. وقد وجدته الحملة الفرنسية مستعملا في القاهرة عام 1799 م بالغا وزنه 3.0884 من الجرامات، وحددته اللجنة التي انعقدت عام 1845 م بـ 3.898 من الجرامات. ويبلغ وزنه القانونى في إستانبول اليوم 3.207 من الجرامات، المصادر: (1): J. Karabacek Uber Mohammedanische Viccriatsmunzen und Kupfer-drachmen في Wiener Num Zeitschr, 1869 م. (2) Orientalische Munzen in Nord - und Osteuropa: E. Zambaur في Monasblat. Num Ges Wien، 1902 . (3): J.A. Decourdemanche . Etude Metrologique et numismatique sur les Misqals et Derhems Arabes 1908 . (4) الكتاب المذكورون في مادة دينار. خورشيد [زامباور E.V. Zambaur] دريد ابن الصِمَّة الجشمي، من سلالة جشم بن معاوية بن بكر بن هوازن واسمه الحقيقي معاوية، واسم أَبيه الحارث. وكان دريد من أشجع فرسان العرب وأحسن شعرائهم. وكانوا يفضلونه على عنترة نفسه، وقد قاد أبوه قبيلة جشم في يوم مَخْلة من حرب الفجار، وتوفي بعد ذلك بقليل في وقعة أخرى. وبعد زمن من انتهاء تلك الحرب نشب قتال آخر بين كنانة وسُليَم تعاونها جُشم، وكان من سوء طالع دريد أن أسرته فراس، وهي بطن من كنانة، ولكن أطلق سراحه لأنه كان قد أهدى في مناسبة من المناسبات رمحه إلى رجل من كنانة، ولم يحارب قط بعد ذلك في صفهم، وإن كان يقال إنه قام بمائة غارة كان التوفيق حليفه في كل منها. وقد رغب دريد في أواخر حياته الزواج من الخنساء الشاعرة،

الدسوقى

وهي من قبيلة سليم من بنى عمومة قبيلة هوازن، وكان لدريد أربعة أشقاء قتلوا جميعًا في الحرب قبله، أشهرهم عبد الله الذي هلك في غارة على غطفان، وهي الغارة التي نجا منها دريد بشق الأنفس، وقد أسر قراب جواد عبد الله المشهور في اليوم الذي قتل فيه صاحبه (مقامات الحريرى، المقامة 45؛ Arab,: Freytag Prov جـ 2، ص 210) (¬1). ومن المهام الأخيرة التي قام بها دريد توسطه في النزاع الذي قام حول زعامة قبيلة سليم بعد وفاة معاوية وصخر أخوى الخنساء. وقتل دريد في وقعة حنين عام 8 للهجرة دون أن يدخل في الإِسلام، وقضى السنوات الأخيرة من حياته في فقر مدقع بسبب إفراطه في الجود، وكان يطلق عليه اسم "أخى هوازن" (الطبرى، جـ 1 ص 3344، حيث يستشهد علي ببيت من شعره، ص 3368). المصادر: (1) الطبري، جـ 1، ص 1255 - 1257, 1666 - 1667. (2) Essai: Caussin de Perceval جـ 2، ص 539 وما بعدها، 245 وما بعدها. (3) كتاب الأغاني، جـ 9، ص 2 - 20. الشنتناوى [فاير T.H. Weir] الدسوقى أو الدَّسُوقى: أو الدُّسوقى إبراهيم ابن أبي المجد عبد العزيز (أو عبد المجيد) (633 - 676 هـ = 1235 - 1236 - 1277 - 1278 م) من أهل دسوق، وهي بلد من أعمال مديرية الغربية بالوجه البحرى بمصر. وهو مؤسس الطريقة الدسوقية، ويذكر شارح حزبه (حسن شمه: مسرة العينين بشرح حرب أبي العينين، القاهرة في تاريخ غير معلوم) أن أباه جاء من قرية ¬

_ (¬1) الذي جاء في مقامات الحريرى هو المثل: "الفرار بقراب أكيس". وقال بعض شراح المقامات إن قراب (بضم القاف) اسم فرس لعبد الله أخى دريد بن الصمة. ولكن لسان العرب يذكر أن "قرابا"مكسور القاف. من القرب، ويفسر المثل بأن الأكيس أن يفر المرء بحيث يطمع في السلامة من قرب. ومهما يكن الأمر فلابد أن يكون قصد كاتب المقالة أن يشير إلى شرح المقامات لا إلى المقامات نفسها. فليس فيها إشارة إلى أسر فرس أو قتل صاحبه. مهدي علام

مرقس على الضفة الأخرى للنيل وكان هو نفسه من الأولياء. وكانت أمه ابنة ولى آخر هو أبو الفتح الواسطى. ويقال إن الدسوقى درس الفقه الشافعى قبل أن يسلك طريق الصوفية، وأنه اعتكف عشر سنوات في خلوة بدسوق وألف كثيرًا من الكتب وقد استقيت تفصيلات خاصة بسيرته من بعض هذه الكتب (وتسمى الحقائق أو الجواهر أو الجوهرة) وذكرت هذه التفصيلات وافية شافية في "طبقات الشيخ أَحْمد الشرنوبى" لمحمود البلقينى (القاهرة عام 1280 هـ) غير أنها حفلت بتهاويل نكاد لا نجد لها مثيلا وخاصة أنها تقترن في بعض حلقاتها بمرحلة طفولته وبمسألة صلته بالملائكة والجن .. إلى غير ذلك. ويقرر الدسوقي في قصيدة له محفوظة بالمتحف البريطانى (مخطوط Rich رقم 796) أن سلطان مصر قد عدا عليه هو وجيوشه، فأتى لنجدته أولياء كثيرون، وأنه غدا [في الاعتقاد] سلطانا على مصر والعراق. وذكر الشعراني في كتابه "لواقح الأنوار" (القاهرة سنة 1299 , جـ 1، ص 221 - 245، وهي السيرة الوحيدة التي اعتمد عليها على باشا مبارك في كتابه الخطط الجديدة التوفيقية، بولاق سنة 1305، جـ 11، ص 7) بعض ادعاءات الدسوقي واعتذاره عنها، مثال ذلك أنَّه أمر بأن يُلبس جميع الأولياء الخرقة، وتناول صالح بن المهدى هذه الادعاءات بشئ أكثر من الحزم في كتابه "العَلمَ الشامخ" (القاهرة سنة 1328، ص 476) والظاهر أن شهرة الدسوقى قد ذاعت في طول البلاد وعرضها، ذلك أن صاحب كتاب تاج العروس يسميه أحد الأقطاب الأربعة (والثلاثة الآخرون هم عبد القادر الجيلانى، والرفاعى، وأَحمد البدوى) ويذكر أنَّه زار قبره مرتين. ويعرف الدسوقى في مخطوط ليدن الذي يشتمل على بعض مواعظه باسم "برهان الملة والدين" (. Catal جـ 4، ص 333). ويذكر حسن شمه مولدين يقامان في دسوق احتفالا بذكراه. ويذكر على باشا مبارك ثلاثة موالد تقام في الأشهر القبطية برمودة وطوبة

ومسرى على التعاقب، ويستمر آخر هذه الموالد ثمانية أيام، وتقام بمناسبته سوق تكتظ بالخلق تباع فيها السلع من جميع الأنواع. وتحديد موعد إقامة هذه الموالد في الأشهر القبطية يوحى لنا بأن إبراهيم الدسوقى قد نسب إلى نفسه آيات من التبجيل اختصت بها عقيدة قديمة أو بعض العبادات السابقة له في الزمن. (¬1) ويقدم لنا شاتلييه A. le Chatelier معلومات أوفى عن إبراهيم الدسوقى في كتابه Les Confreries Musulmanes du Hedjas (باريس 1887، ص 190) وإن كان يخطئ في تعيين زمانه بمدة قرن من الزمان. فهو يكرر القول في استشهاداته التي نقلها عن الشعرانى أن الدسوقى من أهل القرن السابع. والمادة الوعظية في هذه الاستشهادات تحث على الاستمساك الشديد بقواعد الأخلاق والأخذ بمذهب أهل السنة. وحزبه الذي ذكرناه يتسم في بعض أجزائه بطابع السحر. ولما كان الدسوقي يعتقد أنَّه قد سيطر على طلاسم السور، فالراجح أن شهرته ترجع إلى الخوارق التي قام بها. وهو يقرر أنَّه رأى النَّبِي محمدا [- صلى الله عليه وسلم -] وكان أخوه عبد القادر الجيلانى يقف خلفه والرفاعى وراءه. وقد تكون طريقته قائمة على طريقتى هذين الشيخين وإن كان الدسوقى يعتقد أنَّه يسمو على جميع الأولياء الآخرين بل على عبد القادر بصفة خاصة، ويذهب الدسوقى في بعض هذه الآراء أحيانًا إلى حد الشطحات على حسبما يعتقد بعض الصوفية. إلى أكثر مما ذهب إليه الحلاج فهو يقول إنه عين الله في حين أن الحلاج قد سمى نفسه "الحق" المصادر: ذكرت في صلب المقال. الشنتناوى [مرجوليوث D.S. Margoliouth] ¬

_ (¬1) لعل الأصوب أن اتخاذ الأشهر القبطية (أي المصرية القديمة) راجع إلى رغبة النَّاس في أن تقع هذه التواريخ في فصل معين من السنة دائما مما لا يتحقق إذا اتخذ التاريخ الهجري. وبديهي أن هذه التواريخ لا تتصل بالتاريخ الحقيقي للمولد، إذ لا يمكن أن يكون قد ولد ثلاث مرات وإنما هي أسواق ومجتمعات يختار لها النَّاس الموسم الذي يلائمهم. د. مهدي علام

الدسوقي

الدسوقي إبراهيم بن محمَّد بن عبد الرَّحْمَن: صوفي عربي ولد عام 833 هـ (1429 م)، وتوفي في التاسع من شعبان عام 919 هـ (11 أكتوبر سنة 1513 هـ) بدمشق وقد جمع الدسوقى طائفة من الدعوات المستعملة في الصلاة، وقد حفظت في مخطوط ببرلين (verzeichnis: Ahlwardt رقم 3778؛ انظر النعمانى: كتاب الروض العاطر، God Wetzet جـ 2 ص 289؛ Verz: Ahlwardt رقم 9886 , ورقة رقم 17). الشنتناوى [بروكلمان C. Brockelmann] الدسوقي السيد إبراهيم بن إبراهيم (عبد الغفار) من سلالة موسى أخى الصوفي إبراهيم الدسوقى. ولد الدسوقى عام 1226 هـ = 1811 م في أسرة رقيقة الحال تدين بالمذهب المالكى. وأتم دراسته الأولى في مسقط رأسه دسوق، ثم حضر على مشاهير الشيوخ في الأَزْهَر، ومن بينهم الشيخ محمَّد عليش المالكي الشهير المتوفى عام 1299 هـ = 1882 م. وقد اشتغل هو نفسه بالتدريس في الأَزْهَر مدة من الزمن، ثم التحق بخدمة الحكومة عام 1248 هـ (1832 م) حيث اشتغل مصححا للكتب التي تدرس في المعاهد العليا بسبب دقة معرفته بفقه اللغة العربية، ثم اختير آخر الأمر "باشمصححا" في المطبعة الأميرية ببولاق في عهد الخديو إسماعيل باشا. واشتغل أَيضًا فترة من الزمن مساعدا لرئيس تحرير الوقائع المصرية. وتوفي عام 1300 هـ (1883 م). والفضل في قيامه بهذا العمل يرجع إلى أنَّه قد اشتغل، بتوصية من فرسنل Fresnel عدة سنوات مع لين Lane E.W (منصور أفندى) خلال الفترة الثَّانية التي أقام فيها لين في القاهرة, ذلك أنَّه عاونه معاونة صادقة في إعداد وجمع المواد اللازمة لمعجم لين العربي - الإنجليزى Arabic - English Lexcion وقد أشاد لين في مقدمة معجمه بمجهودات الدسوقى. واستمر الدسوقى بعد عودة لين إلى إنجلترا في مساعدته بتقديم

الدعاء

مختارات من المصنفات العربية (المقدمة، ص 1, 22, 23). ولدينا مذكرة مستفيضة مسجوعة بقلم الدسوقى أعدها للمصنف الجامع الذي كتبه على مبارك الوزير المصرى الأسبق، وقد وصف فيها مقابلته وحديثه مع لين والأثر الذي تركته شخصيه لين في نفسه، وشئونه المنزلية وطريقة حياته في القاهرة ومقابلته للمسلمين بها (ومن بينهم الشيخ أَحْمد الذي خلد اسمه لين في مقدمة كتابه the Manners and Customs of Modern Egyptians) وسيطرته الفريدة على اللغة العربية "وكأنه عدنانى أو قحطانى" وتعاونهما في دراسة كتب فقه اللغة العربية وعملهما في استغلال هذه المواد في المعجم Lexicon, وسخاء لين في معاملة معاونيه العرب وغير ذلك من الأمور. وتعد هذه المذكرة وثيقة هامة في تاريخ حياة هذا الإنجليزي الكبير المستعرب. المصادر: (1) على مبارك: الخطط الجديدة لمصر والقاهرة ومدنها وبلادها القديمة والشهيرة، بولاق سنة 1305، جـ 11، ص 9 - 13. (2) Life of E.W. Lane: S. Lane. Poole ص 117 وما بعدها. الشنتناوى [كولدتسيهر J. Goldziher] الدعاء ومعناه مماثل لمعنى الكلمة العبرية بركه، ومن ثم انتهى إلى الدلالة على اللعنة، ويجب أن لا نخلط بينه وبين الصلاة (¬1). والسورة الأولى من القرآن هي دعاء المسلمين المألوف، ولذلك غلب عليها اسم "سورة الدعاء" وهناك بطبيعة الحال عدد آخر كبير من صيغ الدعاء يتلى في مناسبات مختلفة، ونجد هذه الصيغ في الفهارس تحت مادة دعاء أو ¬

_ (¬1) هذا الاحتراس لا لزوم له في العربية لاستقلال كلمة "الدعاء" عن كلمة "الصلاة" في المعنى الاصطلاحي؛ ولكن الكلمة بالإنكليزية التي تعبر عن المعنيين بكلمة واحدة هي: " Prayers" يحتاج لهذه التفرقة. مهدي علام

دعبل

حزب. مثال ذلك حزب البحر للشاذلى فهو مشهور كثير الذيوع هو ودعاء الجزولى، والاعتقاد بقوة الدعاء مألوف جدا بين النَّاس. خورشيد دعبل (ومعنى الاسم "الناقة المسنة الهرمة"): الاسم المستعار لشاعر عربي مشهور من العهد العباسى، واسمه الحقيقي في رواية صاحب كتاب الأغاني هو محمَّد، في حين تذكر مصادر أخرى أن اسمه الحسن أو عبد الرَّحْمَن، وكنيته أبو على أو أبو جعفر. وكان جده رزين مولى لعبد الله بن خلف الخُزَاعِي كاتب الخليفة عمر بن الخطاب. ولد دعبل عام 148 هـ (765 م) ولا نعرف مكان ولادته وقد استقرت أسرته في بغداد، ولكنها كانت في الأصل من أهل الكوفة، ولو أن البعض يقول إنها من قرقيسياء (Circesia). والمؤكد أن هذا الشَّاعر قضى شبابه في الكوفة. وقد زل دعبل في ساعة طيش زلة جلبت عليه الشقاء فاضطر إلى الاختفاء عن الأعين مدة طويلة يهيم على وجهه في البلاد في صحبة الأفاقين والأشرار على اختلافهم. والظاهر أنَّه استقر بعد ذلك في بغداد، وتعرف فيها بالشاعر مسلم بن الوليد الذي شجعه على قول الشعر، وقد أدت به إحدى المناسبات السعيدة إلى بلاط هارون الرشيد. ونحن نعرف على وجه التحديد الحقائق التالية عن حياة دعبل بعد ذلك في بلاط هارون، ثم في بلاط الأمين. لقد كان دعبل في بادئ الأمر واليا على مدينة سمنجان من أعمال طخارستان، وهي ناحية من خراسان. ويذكر ياقوت (المعجم مادة سمنجان) أنَّه ولى سمنجان للعباس بن جعفر ومحمَّد بن الأشعث والراجح أن هذين الشخصين هما في الحقيقة شخص واحد، ونعنى به العباس بن جعفر ابن (! ) محمَّد بن الأشعث الذي ذكره الطبرى (جـ 3، ص 609، 612) , وكان هذا الرَّجل (والظاهر أنَّه كان من نفس قبيلة دعبل) واليا على خراسان من عام 173

إلى عام 175 هـ (789 - 792 م) في عهد هارون الرشيد، ولا بد أن تكون ولاية دعبل قد وقعت في هذه الفترة نفسها على أرجح الأقوال، وقد أدى دعبل فريضة الحج قبيل عام 200 هـ (815 - 816 م) ثم شخص إلى مصر قاصدا المطَّلب بن عبد الله أحد أفراد قبيلته، وكان واليا على مصر من عام 198 حتَّى رمضان من عام 200 هـ (813 إلى أبريل - مايو سنة 816 م) وقد نظم القصائد في مدحه، فأجزل له العطاء وولاه على أسوان، غير أنَّه فقد رضاء مولاه الذي أحسن إليه، وسرعان ما عزل عن منصبه بسبب هجائه له. والراجح أن هذا الهجاء قد نظم في عهد أقدم من ذلك. والظاهر أن دعبل أسرع بالعودة إلى العراق، وشاهد ذلك أنَّه لما استخلف بنو العباس ومواليهم ببغداد (25 ذي الحجة عام 201 = 14 يوليه عام 817) عم المأمون، إبراهيم بن المهدى المغنى وراعى الفنون والآداب في غيبة الخليفة في خراسان، هجاه دعبل هو والعباسيين عامة هجاء مرا، ومن قوله في ذلك. إن كان إبراهيم مضطلعا بها ... فلتصلحن من بعده لمخارق ولتصلحن من بعد ذاك لزلزل ... ولتصلحن من بعده للمارق أنى يكون وليس ذاك بكائن ... يرث الخلافة فاسق عن فاسق وكان من الطبيعى أن يشتد غضب إبراهيم بن المهدى لإدخاله في زمرة "الفاسقين"، فلما عاد إلى الخضوع لابن أخيه المأمون ونال صفحة، طلب معاقبة دعبل أشد عقوبة، غير أن هذه الأبيات أفعمت قلب الخليفة بالسرور، بل شفت ما في نفسه من موجدة، وهو أمر من اليسير أن نتوقعه منه، فغفر للشاعر كل ما قاله فيه وفي آل بيته، وبلغ من أمره أنَّه اغتفر البيت الذي يتفاخر فيه دعبل بأنه من أبناء القبيلة التي خرج منها قاتل أخيه ونعنى به طاهر بن الحسين قائد المأمون وفاتح بغداد. وهذه القصة لا يستبعد وقوعها بحال، بيد أن انتقاض العباسيين في بغداد والمناداة بإبراهيم خليفة يرجع

أصلها في الواقع إلى أن المأمون قد اختار في أثناء غيبته في خراسان على ابن الرضا الإمام الشيعى الثامن خليفة له، وكان دعبل طوال حياته شيعيا مخلصًا، فقد نظم القصائد في مدح على الرضا فخلع عليه خلعة من ثيابه احتفظ بها احتفاظه بأثر شريف. ويقال أَيضا إنه تلقى عشرة آلاف درهم من الدراهم المضروبة باسمه (الأغاني، ج 8، ص 42 وما بعدها). ولعل تظاهر المأمون بصداقة العلويين قد دفعت دعبل إلى مسالمة هذا الخليفة. ومهما يكن من شئ فإن دعبل نظم في الفترة التي أعقبت ذلك القصائد في مدح العباسيين. ويقال إن عبد الله بن طاهر قد تلى إحداها على الخليفة. وقد احتفظ دعبل برضاء الخليفة مدة طويلة، ولعل الخليفة رأى فيه أداة نافعة. ثم إن دعبلا لم ينله أذى من عداوة إبراهيم بن المهدى الذي رجع إلى مصافاة الخليفة ولا من أَحْمد بن أبي دؤاد القاضى المعتزلى، في حين أن الخليفة كان يجد لذة في هجاء دعبل اللاذع لكاتبه أبي عباد. وتوفي على الرضا في آخر صفر عام 203 (أغسطس سبتمبر 817) وفي التاسع والعشرين من ذي القعدة عام 207 (15 أبريل عام 823) استبدل علم العباسيين الأسود بعلم العلويين الأخضر، وهذا هو آخر تاريخ (207 هـ = 823 م) في ذلك العهد يمكن أن يكون دعبل قد عاد فيه إلى مناوأة العباسيين. وقد يكون دعبل نظم في هذا التاريخ أو بعده بقليل تلك القصيدة التي يصف فيها هارون الرشيد بأنه شر الرجال وبأن العباسيين بوجه عام ليسوا أهلا للخلافة بل أقل استحقاقًا لها من الأمويين. وقبيل انفصام هذه الصلات الودية بين دعبل والبلاط العباسى بدأ نضال آخر استرعى اهتمام معظم أفراد المجتمع البغدادي سنوات بل عشرات السنين: ألا وهو نضال دعبل مع الشَّاعر أبي سعد المخزومى. فقد كان هذا الشَّاعر يشايع عرب الشمال (النزاريين) وينتقص من عرب الجنوب (القحطانيين) في حين كان هوى دعبل على خلاف ذلك، فبينما نجد أن أَبا سعد

يلزم جادة الاعتدال أمدًا طويلا في هجائه من غير أن يخرج عن الصور المألوفة للقصائد البدوية القديمة إذا بدعبل يقذع في هجائه له ويصطنع لغة السفلة من النَّاس. وقد نشأ من ذلك أن العلماء هم وحدهم الذين عنوا بأشعار أبي سعد، في حين كانت أشعار غريمه يتغنى بها شباب بغداد في الطرقات. وكان دعبل نفسه يسهم في هذا التغنى بنصيب. واستمر هذا الخصام حتَّى عهد المعتصم خليفة المأمون، وبقيت لنا قصيدة من قصائد أبي سعد حاول في آخر بيت منها أن يستدرج المعتصم ويشركه في النزاع القائم بينه وبين دعبل. وقد ابتلى المعتصم نفسه ثامن الخلفاء العباسيين بهجاء دعبل المر عند اعتلائه عرش الخلافة وعند وفاته. إذ يقال إن دعبلا قال هذا البيت: خليفة مات لم يحزن له أحد ... وآخر قام لم يفرح به أحد وقد نظم الوزير مُحَمَّد بن عبد الملك الزيات مرثية عند وفاة المعتصم فما كان من دعبل إلَّا أن رد عليه بهجاء لا مثيل له دعا فيه على الخليفة بقوله: اذهب إلى النَّار والعذاب فما ... خلتك إلَّا من الشياطين وأخيرًا هجا دعبل المتوكل، وهو آخر خليفة حضر دعبل عهده، ومن الطبيعي أن وزراء الخليفة وعماله لم يسلموا من هجائه ولم يكونوا أحسن حالا. وكانت نهاية دعبل متفقة ومسلكه طوال حياته فقد عاقبه إسحاق بن العباسى وإلى البصرة وقتذاك عقابًا صارما لهجائه عرب الشمال. ولما أطلق سراحه فر إلى الأهواز. ويقال إنه قتل غيلة فيها بقرية الطيب عام 246 هـ (860 - 861) بتحريض رجل يدعى مالك بن طوق، وكان قد أثاره بهجاء قارس. على أن تفاصيل هذه القصة التي تروى خبر مقتله مشكوك فيها إلى حد كبير على ما يظهر. وأصوب من ذلك أن نذهب إلى أنَّه تُوفي متأثرًا بالمعاملة السيئة التي لقيها في البصرة، وكان قد بلغ من العمر ثمانية وتسعين سنة هجرية. ومن الدلائل البينة على ما كان لأشعار دعبل من شأن أن والي البصرة

السابق ذكره عهد إِلى شاعر من عرب الشمال هو أبو الدلفاء بالرد على هجاء دعبل وابن أبي عيينة بقصيدة نشرها بعنوان "القصيدة الدامغة". وكان من الطبيعى أن يفخر رجال قبيلة دعبل "بنو خزاعة" بشاعرهم. وإذا نظرنا إلى أشعار دعبل نظرة نقدية فإننا لا نجد فيها إلَّا القليل من الشعر الذي يسمو إلى مرتبة الشعر الجيد. كما أننا لا نجد له من الشعر الذي يمتاز بجلال موضوعه إلَّا بضع قصائد مفردة. (مثال ذلك وداعه مسلم ابن الوليد، ورثاؤه ابن عمه: الأغاني ج 18، ص 47 , 34) وبعض قصائده معابثات مسلمة قليلة الغناء (ونذكر منها بصفة خاصة ما أورده ابن قتيبة في كتاب الشعر والشعراء، طبعة دى غوى ص 541؛ وقد يدخل هذا الشعر أَيضا في مجون أبي نواس). أما أغلب قصائده فهجاء مفحش وأغاني مبتذلة تغنى النَّاس بها في الطرقات. وعلى ذلك فإن هذه الأشعار تهمنا بصفة خاصة لوفرة ما بها من إشارات تاريخية تهدينا في كثير من الأحوال إلى تاريخ القصيدة التي وردت بها هذه الإشارات، وهذا الأمر غير مألوف بحال في الشعر العربي، كما أنها تزودنا بكل التفاصيل عن الشخصيات التاريخية المذكورة في هذه الأشعار. وربما لا يكون ثمة سبب يدعونا إلى القول بأنه ينبغي لنا أن لا نصدق كل ما قاله دعبل عن خصومه وديوان دعبل لم يصل إلينا بتمامه، ذلك أن شهرته العظيمة، ونعنى بذلك شهرته بين العامة، قد منعت فيما يظهر فقهاء اللغة المحققين من دراسة هذا الشَّاعر دراسة وافية شاملة. المصادر: (1) الأغاني، الطبعة الأولى ج 18، ص 29 - 60؛ جـ 20، ص 38. (2) ابن قتيبة: كتاب الشعر والشعراء، طبعة دى غوى ص 593 - 541. (3) ابن خلكان، طبعة فستنفلد، رقم 226 , ترجمة دى سلان، جـ 1، ص 507 - 510، وانظر أَيضا سير

دف

إبراهيم بن المهدى، وطاهر وولده عبد الله، الترجمة، جـ 1، ص 17 - 19, 649 - 655؛ جـ 2، ص 49 - 55. (4) ابن الأثير، طبعة تورنبرغ، جـ 7، ص 60. (5) حاجى خليفة، ج 3، ص 279 وما بعدها. (6) Gesch. d, Arab, Litter: Brockelmann جـ 1، ص 78 وما بعدها. (7): Goldziher Muhammedsanische Studien ج 1، ص 83، 156. الشنتناوى [شاده A Schaade] دف دُفّ: (دَفّ، وهو النطق الحديث، ويمكن أن نرجعه إلى أبي عبيدة المتوفى حوالي عام 825 م): اسم جنس يطلق على أية آلة موسيقية من فصيلة "الطار"، وإن كان يطلق أحيانًا على نوع منها بعينه، وتذهب الرواية الإِسلامية إلى أن تُبَل بن لَمَك هو الذي ابتكر الدف (المسعودي: مروج الذهب، جـ 8، ص 88)، في حين يتردد في أحاديث النَّاس أن الدف قد نقر عليه لأول مرة في زفاف بلقيس على سليمان (أوليا جلبى جـ 1/ 2، ص 226). ويقول المفضل ابن سلمة المتوفى عام 920 م إن الدف من أصل عربي (ورقة رقم 20). ويذكر ابن إياس المتوفى حوالي عام 1524 في كتابه "بدائع الزهور" إن الدف هو الآلة التي كان يعزف عليها الإسرائيليون أمام العجل الذهبى، ومن المؤكد أن الاسم دف يمكن أن نجعله مرادفًا للكلمة العبرية تُف toph ولعله مرادف للكلمة الأشورية أدبه adapa . وقد ترجم سعديا اليهودي المتوفى عام 924 كلمة تُف بكلمة دف. ونحن نشاهد في الفن السامى القديم كلا الدفين المستدير والمربع (: Rawlinson Five great Monarchies جـ 1، ص 535؛ Perrot - Chi Hist de l' art: piez جـ 3، ص 451؛ HeuFigurines Antiques: zey صورة رقم 6، ص 4) كما نشاهده في الفن المصرى القديم (: Wilkinson Manners and Customs of the Ancient Egyptians جـ 1، ص 443, رقم 220).

ويمكن تقسيم دف الشعوب الإِسلامية إلى سبعة أنواع متميزة: 1 - النوع المربع 2 - النوع المستدير البسيط 3 - النوع المستدير ذو الأوتار 4 - النوع المستدير ذو الصنوج الرنانة 5 - النوع المستدير ذو الجلاجل الرنانة 6 - النوع المستدير ذو الأجراس الصغيرة 7 - النوع المستدير ذو الأوتار والأدوات الرنانة. 1 - ودف الأزمنة الحديثة المربع له رأسان أو جلدتان وأوتار تشد بطول الرأس أو الرأسين من الداخل. ونعلم مما ذكره المُطَرّزى (المتوفى عام 610 هـ = 1213 م) أن اسم الدف أطلق على كلا الطارين المربع والمستدير. وقد جاء ذكر الدف في أشعار الشَّاعر جابر بن حُيَىّ منذ عهد متقدم يرجع إلى القرن السادس الميلادى، والراجح أنَّه كان الدف المربع. ويقول صاحب كتاب "كشف الهموم" إن الطار الجاهلي كان يختلف عن الدف المصرى المستدير المعروف في زمانه (ورقة رقم 193) وكان طويس، أول مغن عربي كبير في الإِسلام، يضرب على الدف المربع (الأغاني، جـ 4، ص 170). ولقد كان طويس من المخنثين، ولعل هذا هو السبب في تحريم الدف المربع وإباحة الدف المستدير (المطرزى) وفي هذا الوقت نفسه كان صفوة أهل المدينة في القرن الأول الهجري يؤثرون الدف المربع (المفضل بن سلمة، ورقة رقم 11) ونحن نعلم أَيضًا أن السريان كانوا يستعملون هذا النوع المربع، وشاهد ذلك أنَّهم كانوا يطلقون عليه اسم ربهيعة (في الترجمة السريانية للتوراة (سفر الخروج، الإصحاح 15، الآية 20؛ يهوديت Judith الإصحاح الثالث، الآية 7). وقد بطل اليوم استعمال هذا النوع في بلاد العرب والشَّام ومصر وفارس، ولكننا قد نجده مستعملا في بلاد المغرب. وتوجد صور هذا النوع في كرستيانوفتس (ص 32، لوحة رقم 11) حيث يطلق عليه اسم دَفْ، وفي هوست Host (ص 262, لوحة 31, 11) حيث يطلق عليه اسم بندير. وتوجد نماذج منه في بروكسل،

رقم 339, 340 (Mahillon جـ 1، ص 400) وفي نيويورك، رقم 392, 1316 (Catalogue جـ 2، ص 82؛ جـ 4، ص 50). 2 - النوع المستدير البسيط. وكان يعرف أَيضًا باسم الدُّف (المطرزى) ويقال إن هذا النوع الخلو من الصنوج الرنانة أو الأجراس كان يعد النوع "المباح شرعًا" (أوليا جلبى 1/ 2، ص 226) ولعل هذا النوع هو المَزْهَر أو المزْهَر الذي كان معروفًا في الجاهلية وصدر الإِسلام. صحيح أن أصحاب المعاجم العربية يقولون إن المزهر هو العود، وهو تعريف جرى عليه العرب الذين كتبوا في الموسيقى (العقد الفريد، جـ 3، ص 186؛ المفضل بن سلمة، ورقة رقم 27؛ كتاب الامتاع والانتفاع، ورقة رقم 13؛ المسعودي: مروج الذهب، جـ 8، ص 93) ولكن من المشكوك فيه كثيرًا أن يكون المزهر بكسر الميم وفتحها هو العود. ولعل هذا الخطأ منشؤه أن أحد أصحاب المعاجم المتقدمين قال إن المزهر آله موسيقية مثل العود (انظر المصباح المنير للفيومى) أي أنَّه كالعود يعد من الآلات الموسيقية. وفي القرن الحادى عشر جاء في Glossarium Latino - Arabicum أن المزَهر (ص 562) أو المزهر (ص 508) يعادل الـ"تنفانوم" Tinfanum (= تيمبانوم Tympanum أي الطبلة)، ولا يزال هذا النوع معروفًا بهذا الاسم في تركيا (Lavignac, ص 3023) وفي فلسطين (Z.D.P.V. جـ 1، ص 64، لوحة رقم 8). والمزهر المصرى له جلاجل رنانة معلقة به. 3 - النوع المستدير ذو الأوتار: هذا النوع شبيه بالنوع السابق مع زيادة أوتار تشد بطول الرأس من الداخل، ولا نستطيع التأكد من اسمه في صدر الإِسلام، غير أن من المحتمل أنَّهم كانوا يطلقون عليه اسم "الغِربْال"، وقد سمى بهذا الاسم لأنه كان مستديرا كالغربال، ويقول الصغاني (المتوفى حوالي عام 1261 - 1262 م) إن هذا هو الدف الذي عناه النَّبِي محمَّد (صلى الله عليه وسلم) عندما قال "أعلنوا هذا النكاح واضربوا عليه بالغربال (¬1) "، وهناك ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه جـ 1، ص 300 وإسناده ضعيف.

روايات أخرى لهذا الحديث سميت فيها هذه الآلة باسم الدف، ويعرف هذا النوع من الآلات الموسيقية ببلاد الجزائر في العصر الحديث باسم البَنْدَيْر أو البَنْدِير، وهو اسم مشتق فيما يظهر من الكلمة القوطية بنديرو Pandero وهي إحدى الآلات التي كانت مستعملة في إسبانيا قبل الفتح العربي، وقد ذكرها إيزيدور الإشبيلي، والبندير أكبر بوجه عام من الأنواع الأخرى كالدف والمزهر والطار، وإن كان صاحب كتاب كشف الهموم قد ذكر أن الدفوف تصنع من أحجام مختلفة من الطار الكبير إلى الغربال الدقيق، ويرجع فيما يختص بالدف المصرى إلى فيوتو Villoteau (ص 988) وبالدف الجزائرى إلى كرستيانوفتش Christianowitsch (ص 31, لوحة رقم 9)؛ وإلى Guin, Delphin, (ص 37) وإلى Lavignac (ص 2931). وكان يطلق على هذه الآلة في مراكش في قول هوست Host (ص 121, لوحة رقم 31، ص 6) اسم ضيف. وتوجد نماذج منها في بروكسل رقم 308 , 309 (Mahillon، جـ 1, ص, 393 - 400) ونيويورك رقم 452 (Catalogue جـ 2، ص 50). 4 - النوع المستدير ذو الصنوج الرنانة: هذا النوع شبيه بالنوع الثاني مع زيادة عدة أزواج من الصنوج تثبت في هيكل الآلة أو جسمها. وهذا النوع هو الطار. ويزعم صاحب كتاب كشف الهموم أن هذا الاسم أقدم عهدًا من الدف، إلَّا أنَّه ليس لدينا دليل قوى على ذلك. وكان الطار معروفا في اليمن في القرن الثاني عشر الميلادى (: Kay Yaman ص 54)، وفي القرن الثالث عشر ذكر الطار في vocabulista in arabico (Tinpanum) ووصف كايمفر Kaempfer الآلة الفارسية تحت اسم دَف (ص 741, رسم 7). ويبرز لنا نيبور Niebuhr أنموذجا عربيا، ويطلق عليه اسم الدف (جـ 1، لوحة رقم 26)، ويزودنا هوست Host (ص 261 , لوحة 21) برسم للآلة المراكشية في القرن الثامن عشر ويسميها ترّ، وتعرف هذه الآلة في الجزائر باسم الطار (Delphin et Guin ص 42، تذكرة النسيان، ص 93, Lavignac ص 3844) وأورد كرسيتانوفتس رسما لها (لوحة رقم 10).

وقد وصف الطار المصرى ورسمه كل من فيوتو Villoteau (جـ 1، ص 988) ولين Lane (الفصل 18) في حين توجد نماذج حقيقية له في بروكسل رقم 312 - 315 (Mahillon جـ 1، ص 394 - 295) ونيويورك رقم 455، 1319 , 1359 (Catalogue جـ 3، ص 51). وتعرف الأنواع الصغيرة منه في مصر باسم رق (Villoteau جـ 1، ص 989) ولا يعد هذا الاسم بأية حال من الأسماء الحديثة (كشف الهموم، ورقة رقم 193) وهناك نماذج له في بروكسل، رقم 316 , 317 (Mahillon جـ 1. ص 395). 5 - النوع المستدير ذو الجلاجل الرنانة: وهذا النوع مماثل للسابق، غير أن به جلاجل رنانة مثبتة في هيكله أو جسمه بدلا من الصنوج الرنانة. وكان يعرف بمصر في عهد فيوتو Villoteau (جـ 1، ص 988) باسم المزهر، غير أنَّه كان يعرف في فارس قبل ذلك باسم "الدائرة" على حد قول كايمفر (ص 741). 6 - النوع المستدير ذو الأجراس الصغيرة: هو نفس الآلة السابقة من حيث الشكل، غير أن الأدوات الرنانة لا تثبت في هيكله أو جسمه على مسافات بل تعلق بداخل الهيكل أو الجسم. وهذه الأجراس تكون كروية الشكل في كثير من الأحيان مثل أجراس التنبيه، وهي تربط أحيانًا إلى قضيب من المعدن أو الخشب مثبت بطول الرأس من الداخل. وهذه الآلة شائعة في فارس والتركستان حيث تعرف بوجه عام باسم الدائرة. وقد بين لنا كايمفر آلة منها كانت مستعملة في القرن السابع عشر (742). ويرجع إلى كتاب لافنيال Lavignal (3076) فيما يختص بالآلة الحديثة. والواضح أن كلا من الدائرة والدف قد أصبحا اسم جنس يطلق على جميع أنواع الدفوف، وإن كان الاسم الأول قد خص بالنوع المستدير. 7 - النوع المستدير ذو الأوتار والأدوات الرنانة: وتعرف هذه الآلة في المغرب باسم الشكْشَاك (, Delphin, Guin ص 38, 65 Lavignac ص 2932 ,

2944) غير أن هذا النوع يعرف في بعض الأنحاء باسم الطبلة، وهو يعرف في مصر بالبندير على حد قول فيوتو Villoteau. وإذا كان صوت الطبل يؤذن بالحرب في الإِسلام كما قال دوتى Doughty ذات مرة فإن صوت الدف يؤذن بحادث من الحوادث الاجتماعية. والحق أن الدف في الجاهلية كان في أيدى المحصنات والقينات أثناء الحرب، وكان يصحبه المزمار في بعض الأحيان، كما هي الحال عند القبائل اليهودية (الأغاني جـ 1، ص 172) وقد كان الدف أَيضًا الآلة البارزة في الحياة الاجتماعية (السيوطى: المزهر, جـ 2، ص 236) كما تشهد بذلك كثير من الأحاديث. وكان الدف في الموسيقى الراقية ولا يزال أهم آلة لضبط الإيقاع (إيقاعات, أصول، ضروب). وأصبح الدف يدل على ما يعرف في الفارسية باسم دَف أو دَبْ وبالكردية دَفك وبالألبانية والبوسنية دف، وبالإسبانية والبرتغالية أدُفه، كما أصبحت الدائرة تعرف في القوقازية باسم دَهَره، وفي الصربية والألبانية ديره، وفي الهندية دارا. وبقى اسم الطار في اللغة البولندية بصيغة تُر، وفي اللغة السواحلية بصيغة أترى. وقد أشاع عرب الأندلس استعمال الدف في أوربا، وظل يعرف أمدًا طويلا باسم طمبور الباسك tambour de Basque وكان هذا الإقليم أحد المنافذ التي تسربت منها الحضارة العربية. وبطل استعمال الدف في أوربا حوالي القرن الخامس عشر، ولكنه عاد إلى الظهور في القرن الثامن عشر عندما عدته أوربا جزءًا من الموسيقى التركية أو موسيقى الإنكشارية المدروشة. المصادر: (1): Fanner History of Arabian Music to the XIII th Century سنة 1929. (2) المؤلف نفسه: Studies in Oriental Musical Instruments سنة 1931. (3): Sachs Reallexikon der Musikinstru - mente سنة 1913. (4): Fetis Histoire general de la musique سنة 1869 - 1876.

(5): Christianowitsch Esquisse historique de la musique arabe سنة 1863 (6): Delphin & Guin Notes sur la Poesie et la musique arabes dans le Maghreb algerien سنة 1886 (7): Advielle La musique chez les Persans en 1885 سنة 1885 (8): Host Nach - richten von Marokosuand Fez سنة 1787 (9): Kaempfer Amoenitatum exoticarum . سنة 1712. (10) المفضل بن سلمة: كتاب الملاهي، مخطوط بالقاهرة، ورقة رقم جـ 533. (11) كشف الهموم، مخطوط بالقاهرة، ورقة رقم جـ 1 (12) كتاب الأغاني، طبعة بولاق. (13): Mahillon Catalogue .. du Musee Instrumental du Conservatoire Royal de Musique الطبعة الثَّانية (14) Catalogue of the Grosby Brown Collection of Musical Instruments نيويورك. (15) أوليا جلبى: ... by Evuliya Efendi Narrative of Travels سنة 1846. (16) ابن عبد ربه: العقد الفريد، القاهرة سنة 1887 - 1888 (17) كتاب الامتاع والانتفاع, مخطوط بمدريد رقم 603. (18): Toderini Letteratura Turchesca سنة 1787. (19): Lavignac Encyclopedie de la musique جـ 5، سنة 1922 (20) Villoteau في Description de l' Egypte جـ 1، (21) Glossarium Latino - Arabicum طبعة سيبولد (22) Voyage en Arabie: Niebuhr سنة 1776 (23) Uzbik Kilassik musikasi: Fitrat طشقند سنة 1927 (24): Mironov Pesni Fergani Bukhari i khivi طشقند سنة 1931 (25): Belaiev Musikalnie instrumenti usbekistana موسكو سنة 1933 (26) كامل الخلعى: كتاب الموسيقى الشرقى سنة 1922. الشنتناوى [فارمر H.G. Farmer]

دلدل

دلدل اسم بغلة النَّبِي [- صلى الله عليه وسلم -] الشهباء التي كان يركبها في غزواته. وقد عاشت هذه البغلة بعد وفاته، وكانوا يطعمونها البر في فمها عندما هرمت وسقطت أسنانها. ويقال إنها عاشت إلى عهد معاوية، وأنها ماتت في ينبع. وتذهب رواية شيعية إلى أنها احتفظت بقواها طوال المدة التي كان فيها على قادرًا على ركوبها في غزواته للخوارج. وكانت دلدل هي والحمار عفير من الهدايا التي أهداها المقوقس إلى النَّبِي محمد [- صلى الله عليه وسلم -]، وكانت هذه المناسبة أول مرة يرى فيها المسلمون بغلة. وتذهب رواية أخرى تخلط بين دلدل وبين أتانة أخرى تدعى فضة، إلى أن النَّبِي [- صلى الله عليه وسلم -] قد تلقى هذه البغلة من فروة بن عمرو الجذامى، ومعنى دلدل الحقيقي القنفذ (تاج العروس، جـ 7 ص 324؛ لسان العرب، جـ 13، ص 264) (¬1) على أن هذا الاسم لا يصح إطلاقه على بغلة، ومن ثم فإن من المرجح أنَّه إنما أطلق عليها لسرعتها. المصادر: (1) النووى biographical Dictinary: ص 46. (2) ابن الأثير: الكامل، جـ 2، ص 238. (3) الطبري، جـ 1، ص 1783. (4) الدميري: حياة الحيوان، جـ 1، ص 420. الشنتناوى [إيوار، CH. Hurat] دمشق دِمِشْق، أو دِمَشْق، أو دِمَشْق الشَّام، ويقال لها أَيضًا الشَّام فقطَ شأنها في ذلك شأن سورية: أكبر مدن سورية على خط طول 36 ْ 18 َ شرقى جرينتش، وخط عرض 33 ْ 21 َ شمالا، وترتفع عن سطح البحر 2130 قدمًا، وهي على حافة الصحراء العربية الشآمية في ظهر الحاجز المزدوج المكون من جبال لبنان وجبال لبنان الشَّرقية هي وجبل حرمون، وتحمى شعب هذه الجبال (وأقربها جبل قاسيون) سهل دمشق من الشمال ومن ¬

_ (¬1) الصواب ص 265 (م. ع).

الجنوب. ويحمى الجبل الأسود وجبل المانع المدينة من الجنوب بعض الحماية، ولكنها مكشوفة من الشرق. (وتسود دمشق الرياح الشَّرقية وإن كانت تهب عليها أَيضًا رياح غربية تجلب الثلج والمطر، كما تهب عليها في الرَّبيع رياح الخماسين من وقت إلى آخر، وتتفاوت فيها درجة الحرارة بين 6 ْ مئوية في منتصف يناير و 26 ْ مئوية في منتصف يوليه) ولكنه في مجموعة خير من مناخ المنطقة المجاورة لها من الشرق. وموقع دمشق مهم لأن نهر بَردَى قد أنشأ فيه واحة متسعة هي الغوطة المشهورة التي تنفرج من جبال لبنان الشَّرقية إلى إقليم قليل المطر (ويقدر متوسط ما يسقط سنويا من المطر بأربع عشرة بوصة) قبل أن تغيض مياهها أبعد من ذلك غربًا، في بطائح عتيبة. وهذه الواحة الرائعة تعد بحق روضة من الرياض، وقد كونت من الناحية الطبيعية مركزا حضريا للأرض الواسعة المناوحة للساحل الشبيهة بالفيافي. واستطاعت دمشق أن تجتذب تجارة شمال سوريا والعراق وأرض الجزيرة وبلاد العرب وبابل من ناحية، والبحر المتوسط ومصر من ناحية أخرى، بفضل الطرق الطبيعية الممتدة مسافات بعيدة في شمالها ثم في جنوبها، وأن تصبح مركز هذه التجارة، ذلك لأن المناطق المحيطة بها لا مثيل لها في خصب تربتها ولأن المدينة نفسها تقع على الطريق الممتد من الشمال إلى الجنوب مخترقًا الأراضى الداخلية لسورية. وقد أصبحت دمشق بفضل هذا الموقع مركزا ثقافيا من الطراز الأول منذ أقدم العصور. وجلى أن اسم المدينة يرجع إلى ما قبل العهد الإسلامى (ورد في قائمة تحتمس: تمسقو، وفي الأشورية: دمشقى وتمشكى، وفي العبرية: ثم وردت بعد ذلك بفك الحرفين المدغمين كما في السريانية). ويظهر الاسم في العهد القديم بالفعل متصلا بقصة إبراهيم (سفر التكوين، الإصحاح 14، آية 15). وقد توسعت الروايات في هذه الصلة، بل إن المسلمين لا يزالون إلى اليوم يمجدون

مسجد إبراهيم في برزة شمالي دمشق (الذي أورده يوسفيوس) ويجعلونه المكان الذي ولد فيه إبراهيم. كما أننا نجد بعد القرن العاشر قبل الميلاد مملكة آرامية في دمشق ذكرت في العهد القديم وفي النصوص الأشورية, وقد دمرها الأشوريون عام 732 ق. م. ونحن نحيل القارئ إذا أراد دراسة تاريخ هذه المملكة والأحداث المتأخرة التي حاقت بدمشق في ظل الحكام الأشوريين البابليين، والفرس، واليونان، والرومان إلى مقالة I. Benzinger في Real-Encyclopaedie: Pauly.Wissowa جـ 4، ص 2042 - 2048 إلى المصادر المذكورة فيها. وحسبنا هنا أن نتحدث عن دمشق في صلتها بالعرب، وقد انتقلت المدينة لأول مرة إلى حكم النبط حوالي عام 85 ق. م. (أرتياس الثالث نصير اليونان) ويعود الفضل في احتلال النبط مدينة دمشق للمرة الثَّانية إلى رومية (بين عامي 27 و 54 م في عهد أرتياس الرابع فيلوباتور انظر Second Corinthians جـ 11 , 32) وظهر الأثر العربي منذ عهد قديم جدًا قويا واضحا على المدينة التي كانت شديدة التعرض للصحراء (يوستن) ولم تصبح مدينة دمشق قط قصبة ولاية من الولايات أيام الرومان، ولعل من أسباب ذلك انجذابها نحو الصحراء، وقد ألحقت في التقسيم الإدارى الرومانى الذي تم من بعد بليبانيزيا الفينيقية Phonike Libanesia التي كانت قصبتها السياسية حمص. ونجد دمشق، وهي المدينة الشديدة التأثر بالثقافة اليونانية، لم تخضع مباشرة لمشايخ العربان الذين كانوا يحكمون المناطق المجاورة، بل لم تخضع للغساسنة، ومع ذلك فقد كان هؤلاء الغساسنة يحكمون المناطق الملاصقة لدمشق (انظر Noldeke: Ghassan Fursten ص 47) وكان هناك دائمًا اتصال قوى بين البدو وسوقهم الكبيرة. وكانوا يعرفون دمشق ويرونها مثالا للأبهة.

وليس لدينا وصف دقيق لدمشق العتيقة، بل إن يوليان الذي امتدح موقع المدينة وعماراتها في عبارات تنم عن الدهشة لم يذكر لنا شيئًا مفصلا عنها. ونكاد لا نعدو الحقيقة إذا قلنا إن خطة المدينة العامة ظلت قرونا على الحال التي لقيها عليها الفتح العربي، وقد مرت قبيل ذلك بمحن وشدائد نزلت بها من جراء الفتح الفارسي، ولكن هذا لم يحدث تغييرا جوهريا في شكلها. والحق أن أسوار المدينة ومعالمها الأساسية لم تتبدل منذ الفتح الإِسلامى، ومعظم السبب في هذه الظاهرة العجيبة راجع إلى موقع دمشق الطبيعى، ذلك أنها تقع عند مفرق الطريق الذي يخترق قلب سورية من الشمال إلى الجنوب، ويعبر نهر بردى الذي يجرى من الشرق إلى الغرب، ومن ثم انتظمت على هذا النحو طرقات المدينة، وقد أبرز هذه السمة المعبد الضخم المعقد الرباعى (معبد الشَّمس؟ ) الذي شيد فيه تيودوسيوس أو أركاديوس كنيسة القديس يوحنا. ويجب أن ننظر إلى المدينة على أنها ظلت منذ العهد الرومانى على صورتها الراهنة مستطيلا ممتدا على ضفة بردى اليمنى (جنوبا) يقطع معظم طوله طريق لا يزال يعرفه الأجانب باسم الطريق المستقيم (تأويلا للآية 11 من الإصحاح التاسع من سفر أعمال الرسل) وفي الشمال المعبد الكبير الذي يعد سرة المدينة بحق. وقد يرجع إلى العصور القديمة أَيضًا تأسيس القلعة التي في ركنها الشمالى الغربى، ولسنا نعرف أين كانت مخازن الأسلحة التي شيدها دقلديانوس، بل إن أبواب المدينة، وكانت موجودة قبل الفتح العربي، لا تزال باقية إلى الآن. ويذكر البلاذرى (عن الواقدى) في حديثه عن حصار دمشق هذه الأبواب مبتدئًا بالباب الشرقى، وهو على الطرف الشرقى للطريق الكبير، ثم باب توما وباب الفراديس على الجانب الشمالى. ثم باب الجابية في الغرب عند نهاية الطريق الممتد طولا، والباب الصغير وباب كيسان في الجنوب.

فتح المسلمين لدمشق

فتح المسلمين لدمشق تقدمت جموع العرب بعد وقعتى بيسان وفحل في ذي القعدة عام 13 هـ (يناير 635 م) صوب دمشق على طول طريق جولان، ولم يلقوا مقاومة حتَّى بلغوا مرج الصفر شمالى الصنمين. ونجح الروم أول الأمر في مباغتة مقدمة الجيش الإِسلامي، ولكنهم أرغموا آخر الأمر على التراجع نحو دمشق (محرم عام 14 هـ الموافق فبراير عام 635 م). ولم تمض أربعة عشر يومًا حتَّى كان العرب أمام دمشق. وجعل خالد بن الوليد قائد المسلمين مقر قيادته شمال المدينة أو شمالها الشرقى عند دير صليبا أو دير خالد. (انظر ابن شداد الذي نقل عنه دى غوى في كتابه المذكور، ص 94؛ والرواية الغالبة أنَّه أقام معكسره في وقت متقدم على هذا التاريخ أبعد من ذلك ناحية الشرق عند قبر الشيخ أرسلان؛ انظر Porter جـ 1، ص 55 والمجلة الأسيوية، السلسلة التاسعة، جـ 5، ص 405؛ جـ 6، ص 449) وكان هم العرب أن يحولوا بكل وسيلة بين الجند الروم الذين أجبروهم على الارتداد نحو دمشق وبين النجدة التي قد تأتيهم من الشمال، وقد حقق العرب بغيتهم. وكانت النتيجة أن فتح أهل دمشق في رجب عام 14 هـ الموافق سبتمبر عام 635 م باب المدينة الشرقى سرًا لخالد وجنده (ولعل ذلك كان بوساطة الأسقف كما يقول البلاذرى، أو بوساطة المنصور جد يوحنا الدِّمشقي كما يقول يوتيخيوس Eutychius) فارتدت الحامية الرومية ناحية الشمال، ووقعت المدينة في قبضة المسلمين. وثمة روايات كثيرة تدور حول فتح المدينة يناقض بعضها بعضًا، وحسبنا أن نذكر هنا أهمها. والرأى الشائع الذي نشره في الشرق ابن عساكر وفي الغرب فون كريمر A.von Kremer هو أن خالد بن الوليد فتح الجانب الشرقى للمدينة عنوة من الباب الشرقى، في

حين استسلم جانب باب الجابية لأبى عبيدة، والتقى القائدان عند كنيسة القديس يوحنا العتيقة، وهكذا احتل المسلمون الجانب الشرقى من الكنيسة هو والجانب الشرقى من المدينة، أما الجانب الغربى منها فقد ظل في أيدى النصارى. وقد سلم النَّاس منذ عهد طويل بتهافت هذه الرواية المتأخرة التي تناقض كل الروايات الموثوق بها السابقة عليها في الزمن. ويظهر أن رواية البلاذرى أدنى إلى الصحة، وهي تذهب إلى أن أَبا عبيدة احتل باب الجابية ولقيه خالد، وكان قد دخل المدينة من الباب الشرقى، ولعله أخذه عنوة أو بخيانة أهلها، وكان ذلك عند كنيسة مَقْسلات. (انظر المجلة الأسيوية، جـ 6، السلسلة التاسعة، ص 376, 381, 404, عند القناطر الثلاث، Topographie: v.Kremer جـ 2، ص 6: تحت القناطر) في البريص (دى غوى = ولعله الطريق المستقيم). ونحن ندين بالفضل لكيتانى لأنه بين لنا بصفة قاطعة في دراسته المستفيضة لهذه المسألة أن أَبا عبيدة لم تطأ قدماه قط أرض الشَّام عام 14 هـ، وأن خالدا هو الذي استسلمت له المدينة. ومن ثم تسقط رواية التقاء القائدين في وسط المدينة التي تتردد كثيرا في الروايات اللهم إلَّا إذا اتجهنا وجهة جديدة في فهم ما ذهب إليه لامانس (Lammens: Melanges de la Facule Orientale, بيروت جـ 3، ص 255) واستبدلنا بأبى عبيدة يزيد بن أبي سفيان الذي دخل المدينة من الباب الصغير فيما تقول الرواية الشائعة. وبهذا لا يكون ثمة مجال للقول بتهافت قصة تقسيم المدينة بعامة وكنيسة القديس يوحنا بخاصة. وقد سمح للنصارى بالاحتفاظ بأملاكهم وديارهم وكنائسهم، ولم يفرض عليهم إلَّا أداء الجزية. وشتى العرب في دمشق، ولكنهم اضطروا إلى الجلاء عنها عند تقدم جيش هرقل الجرار في ربيع عام 636 م, وكان على العرب أن يضربوا حول المدينة حصارًا ثانيًا بعد وقعة

دمشق في عهد الأمويين

اليرموك الحاسمة في رجب عام 15 هـ الموافق ديسمبر سنة 636 م. وقد عقد اللواء فيها لأبى عبيدة. ومن ثم يسلك كيتانى الحوادث التي قيل إنها وقعت عند باب الجابية في هذه المرحلة الثَّانية. ومهما يكن من شئ فقد استسلمت المدينة للمرة الثَّانية في ذي القعدة من عام 15 هـ الموافق ديسمبر عام 636 م في ظروف ربما كانت أشد وأقسى من المرة الأولى، ولعل الكنائس التي تركت للنصارى بهذه المناسبة كانت خمس عشرة كنيسة. وكان لسقوط دمشق، جنة الأرض، أهمية لا توصف. وسكن المسلمون الديار التي أخلاها الروم. وكانت الأحوال في هذه البقعة مواتية أكثر منها في أي بقعة أخرى لأن يهضم العرب الثقافة اليونانية في هذه القصبة الحضارية العظيمة التي كان قد استقر في أرباضها عدد كبير من العرب. وكان من حسن الطالع للإسلام والمدينة على السواء أن يستعمل عليها رجل من بيوتات مكة التي أثبتت أنها قادرة قبل كل شئ على أن تنقل الحضارة إلى أمة محمَّد، ونعنى بهذا الرَّجل يزيد بن أبي سفيان الأموى. دمشق في عهد الأمويين ومات يزيد عام 18 هـ في طاعون عمواس، وخلفه أخوه معاوية فوحد الشَّام بأسرها تحت حكمه عام 31 هـ. ومكن لنفسه تمكينًا في ولايته حتَّى استطاع بعد مقتل عثمان أن يحارب الخليفة عليًا ليثأر لعثمان، وهي الحرب التي انتصر فيها آخر الأمر عام 41 هـ الموافق 661 م بعد مقتل على وتنازل ولده الحسن عن حقه في الخلافة. وأصبحت دمشق قصبة الدولة الجديدة، وبلغت شأوا عظيما في تاريخ العالم لم تبلغه من قبل ولا من بعد. ومن العسير أن نقدر مدى ما أفادته المدينة من هذه المكانة بعد ذلك. ويظهر أن معاوية لم يبذل جهدا كبيرًا في عمارة المدينة على نطاق واسع. وظلت المنطقة المحيطة بكنيسة القديس يوحنا التي أصبحت فيما بعد المسجد الأموى الكبير سرة المدينة كما هو شأنها اليوم.

ويقوم في هذه المنطقة جنبًا إلى جنب المسجد القديم وكنيسة القديس يوحنا وقصر معاوية الجديد "الخضراء". وليس لدينا وصف معاصر للمدينة في هذا العهد إلا ما كتبه الأسقف الغالى أركلف Arculf. ونخلص منها إلى أن المسجد كان منفصلا تمام الانفصال عن الكنيسة. وواضح من الروايات العربية التي تصف الحوادث التي وقعت بعد ذلك أن المسجد والكنيسة كانا متجاورين وأن قصر الخضراء كان ملاصقا لهما، ومن ثم كان معاوية ينفذ منه إلى المسجد مباشرة، كما أن الكنيسة كانت قريبة منه إلى حد أن ناقوسها كان يقلق منامه وهو في شيخوخته (ابن قتيبة: عيون الأخبار، ص 238). ويروى ابن جبير (طبعة دى غوى، ص 269) أن القصر كان إلى يسار الخارج من المسجد الأموى من باب الزيادة (انظر الخطة الواردة في Baedeker) في الموقع الذي قام عليه سوق النحاسين من بعد، وهو سوق الصاغة في العصر الحديث (انظر أَيضًا كتاب الأغاني، جـ 6، ص 139, س 3 وما بعده). ولم يوجه يزيد بن معاوية وخليفته عناية خاصة بالمدينة، ومع هذا فقد أسدى إلى النواحى المجاورة لدمشق جميلا وذلك بشقه قناة يزيد أو مدها (انظر المجلة الأسيوية، السلسلة التاسعة، ج، ص 400 وما بعدها). ولما مات معاوية بن يزيد (عام 64 هـ الموافق 683 م) لم يكن هناك من الفرع السفيانى الأموى من له حق واضح في الخلافة، فتنازعتها الأحزاب، ونشبت في دمشق فتنة أثناء الصلاة وبعدها كان للضحاك بن قيس فيها شأن مزدوج، فقد تعارك أنصاره مع أنصار الأمويين وعلى رأسهم حسان ابن مالك بن بحدل، وقد عرفت هذه الفتنة بيوم جيرون. ويروى ياقوت (جـ 2، ص 175) أن جيرون سقيفة مستطيلة ذات عمد من أيام الجاهلية نسب إليها الباب الشرقى للمسجد الكبير فقيل باب جيرون، وهذا البناء المشهور إلى الشرق من المسجد الحديث

قد بقى إلى عام 559 هـ الموافق 1164 م حتَّى أتت النَّار عليه. ويقول المسعودي (مروج الذهب، جـ 3، ص 271) إن قطعًا منه استعملت في بناء المسجد. وبعيد عن الشك أن الأبهاء ذوات العمد كانت جزءًا من عمارة المعبد القديم، ولم تكن كنيسة القديس يوحنا تشغل إلَّا جانبا منه، وقد أخذت من هذه الأبهاء الأعمدة المنفصلة أو المجتمعة التي لا تزال قائمة إلى يومنا هذا في بنايات أخرى (انظر عن جيرون أَيضًا De Sacy في ترجمته لعبد اللطيف، ص 442 وما بعدها) وإذا ذكرنا أن اليوم الذي اشتهر بجيرون وقع في المسجد نفسه (الطبرى، جـ 2، ص 470 وما بعدها) رجح عندنا أن جيرون هو المسجد القديم ذاته. ومن ثم وجب أن نبحث عن موقع هذا المسجد إلى الشرق من المسجد الأموى الحالى كما تقول الروايات. ولا نستطيع أن نتثبت على وجه اليقين من موضع المسجد من كنيسة القديس يوحنا. ولعل تعيين موقع الكنيسة أشق من تعيين موقع المسجد القديم (انظر الرأى الجديد الذي قال به تيرش Thiersch: Pharos, ص 104) وهذه المسألة على الرغم من بساطتها البادية في كتاب كايتانى: Caetani Annali dell' Islam جـ 3، ص 390 وما بعدها (وإن كان ينبغي ألا يفوتك أن تنظر المؤلف نفسه ص 349 و Becker في Islam, جـ 2، ص 297) ليست بحال سهلة إلى هذا الحد. وانتهت الحروب التي بدأت بيوم جيرون بوقعة مرج راهط الدامية التي حفظت الخلافة للفرع المروانى من بيت بني أمية. وزاد الشعور رويدًا رويدًا بالحاجة إلى التظاهر بمجد الدولة وعظمتها لما ضعفت مكانة الخلفاء الشخصية وقل سلطانهم في الفترة التالية، ومن ثم كانت هذه الفترة أزهي الفترات في تاريخ الخلافة وفي تاريخ دمشق، ولو أن عوامل الانحلال كانت قد بدأت تعمل فيهما خفية. ويرجع الفضل الأكبر في شهرة المدينة إلى المسجد الأموى الذي شيده الخليفة

الوليد بن عبد الملك. وهو أعظم من اهتم بالعمارة في العصر الأموى. أما المسجد القديم فلم يستعمل إلَّا بصفة مؤقتة، وهكذا أصبح للحاضرة بيت للعبادة جدير بمكانتها. وقد سبق أن بينا الموقع الذي اختير لإقامة المسجد عليه. وظلت سرة المدينة كما كانت في العهد الجاهلي والمسيحى فيما جاور المعبد الكبير، وكان هم المسلمين الأول هو بناء مسجد جديد في موضع المسجد القديم بالمواد التي كانت لا تزال باقية في أطلال المبانى القديمة الفخمة، وتم لهم ما أرادوا. وفي عام 86 هـ الموافق 705 م هدم جزء من الكنيسة شيد على أطلاله البناء الجديد، وهو الذي عده النَّاس فيما بعد ثالث عجيبة من عجائب الدنيا. وجرى النَّاس على القول بأن بناء الكنيسة لم يتغير في جوهره، وأن كل ما عمله الوليد هو القيام بزخرفته. على أنَّه قد وجهت إلى هذا الرأى حديثًا اعتراضات لها قيمتها ووزنها (انظر بصفة خاصة Thiersch: Pharos، ص 104, 314). وأثبت الدرس الدقيق للبناء أن الصحن والمحراب بصفة خاصة لا يمكن أن يرجعا إلى ما قبل الإِسلام (Dickie: Quarterly Statement of the Palestine Exploration Fund، 1897 م, ص 268 - 282). وكانت النفقات التي أنفقها الوليد على هذا البناء باهظة. فقد استحضر له من القسطنطينية حشودًا من العمال لصنع الفسيفساء بخاصة. وقد ثبت من أوراق البردي التي عثر عليها حديثا أنَّه استقدم من مصر مهرة العمال وجلب منها مواد البناء. (انظر Islam, جـ 2، ص 274, 374). ولعله لم يبق إلَّا على أركان الجدران القديمة، وإذا صح رأى تيرش فإن هذه الأركان لم تكن بالضرورة جدران الكنيسة نفسها، كما أبقى على أبراج الكنيسة الغربية والشرقية واتخذها مآذن. والذي يقرأ المصادر العربية يرجح أن المسجد القديم برمته قد دخل في بناء المسجد الجديد، إلَّا أن هذا القول مشكوك فيه إلى حد كبير. وتفصيلات الأمر جديرة بأن تتجلى بأجلى بيان إذا عاود الخبراء دراسة هذا الموقع عن كثب وتناولوا الروايات

الخاصة بذلك تناولا حكيما يقوم على الإنصاف. ومهما يكن من شئ فمن الثابت أن الوليد لقد جعل مجموعة المبانى الباقية إلى الآن مسجدًا واحدًا، وشيد المئذنة الشمالية المعروفة بمئذنة العروس التي استخدمت برجا للمراقبة كما يتضح من أقوال الكتاب المتأخرين، وأقام المصلى بفسيفسائها الجميلة في صورة لا تختلف في الجوهر عن الصورة التي تبدو عليها الآن، فهي معبد له ثلاثة صحون ومحراب، وتعلوه القبة المشهورة المعروفة بقبة النصر. (انظر عن هذا الاسم Zeitschrift der Deutschen Morgenl. Ges , جـ 60، ص 369 , 702؛ جـ 74، ص 661؛ أما عن القيمة الفنية للمسجد فانظر أَيضا H. Saladin: Manuel d' Art Musulman جـ 1، ص 80 - 87؛ Van Berchem & Strzygowski: Amida, ص 326 وما بعدها). ولم يفعل الخلفاء المتأخرون شيئًا كثيرًا لدمشق، ونقل بعض المروانيين حاضرة الخلافة إلى مكان آخر، في حين كان ينفق غيرهم شطرا كبيرا من السنة في قصورهم بالبادية، أما قصور دمشق العظيمة التي كانت خليقة بإظهار مجد الأمويين لو كتب لها البقاء فقد ذهبت طعمة للثورة التي انتابت العباسيين في سعيهم إلى محو آثار أسلافهم. وقام بالمدينة في عصر متأخر سجن في موضع الخضراء، وحسبنا أن نذكر قصرًا أمويا واحدا آخر هو قصر الحجاج نسبة إلى الحجاج بن عبد الملك ابن مروان، ذلك أن الطريق الكبير المؤدى إلى الربض الجنوبى الغربى المعروف بربض الميدان لا يزال يحمل اسمه إلى وقتنا هذا، وكان هذا القصر خارج الباب الصغير وباب الجابية (ياقوت، جـ 4، ص 110 ومن ثم يتضح لنا أن قول فون كريمر Von Kremer في كتابه Topigraphie, جـ 1 ص 14 غير مقنع، انظر المجلة الأسيوية، السلسلة التاسعة، جـ 7، ص 379). وقد رسم فون كريمر (جـ 1، ص 114 Culturgeschichte) صورة شائقة جدا للحياة في حاضرة الخلافة، ومن سوء الحظ أننا لا نعرف إلَّا النزر

دمشق من سنة 750 م - 1150 م

اليسير عن وقت إسلام هذه المدينة ومدى ما بلغه الإِسلام منها. ولكن من الجلى أن عدد المسلمين الذين أقاموا فيها بعد الفتح مباشرة زادوا بلا شك زيادة كبيرة بالهجرة إليها. ولم يكن الدين في عهد الخلفاء الأمويين الأول على الأقل حاجزا منيعا بين المسلمين وغيرهم، فنحن نجد النصارى على صلات وثيقة بالخلفاء يشغلون أرفع المناصب، ونخص بالذكر الأسرة الرومية من جباة الخراج التي كان لها شأن في إخضاع المدينة والتى ينتمى إليها يوحنا الدِّمشقي (Caetani. جـ 3، ص 376؛ : Lammens Melanges de la Fac. Or جـ 3، ص 348 وما بعدها) وكانت الأحوال في المدينة وقتذاك تتطلب إحكام العلاقة بين الديانتين، ومن الواضح أَيضًا أن كتابات يوحنا كانت من بعض الوجوه ثمرة للمناظرات بين النصارى والمسلمين (انظر Becker: في Zeitschr. fur Assyriologie جـ 2، ص 175 وما بعدها). وجر دوال العهد الأموى، وما صحبه من فتن، الويلات على المدينة. فقد أشعل العراقيون المشاغبون النَّار فيها مرارًا في غضون سنة 122 هـ (740 م) ودمروا عددًا من أحيائها (الطبرى، جـ 2 , ص 1814؛ Theophanes طبعة دى بور de Boor، ص 412) ونجح يزيد بن الوليد عام 126 هـ في استعادة القصبة والخلافة بانقلاب قام به بغتة، والظاهر أن هذا الانقلاب تم من غير إراقة دماء. ولما مات يزيد احتل مروان بن محمَّد عام 127 هـ (844 م) دمشق من غير مقاومة، وعمد خصمه سليمان بن هشام إلى الفرار. ولكن الخليفة الجديد نقل حاضرة دولته من دمشق إلى حران فانتقض عليه أهل الشَّام. وأخمدت الفتنة، وعوقب المنتقضون بهدم أسوار دمشق كما يقول تيوفان. وقد قامت دمشق بواجبها بوصفها حاضرة الخلافة الإسلامية. دمشق من سنة 750 م - 1150 م وبدا أن مروان قد مكن لدولته، على أنَّه لم ينقض على ذلك سنتان حتَّى سقطت الدولة الأموية أمام ضربات العباسيين. وفتح دمشق "عبد الله بن

على"، أحد أعمام الخليفة الجديد، بعد حصار قصير في غرة رمضان عام 132 هـ الموافق 28 أبريل 750 م. ويقول مؤرخو العرب إن أسوار دمشق القديمة هدمت في ذلك الوقت. واستقر الخلفاء الجدد في العراق، وانكمشت دمشق فأصبحت قصبة ولاية فحسب. وكان الخلفاء في كثير من الأحيان يستعملون على الولايات الغربية أحد الأمراء المقربين لهم في بغداد، فيكتفي هذا الأمير أَيضًا بإنفاذ نائب عنه يلى أمرها, ولم يكن ذلك في مصلحة هذه الولايات. ولم تذكر دمشق في العهد التالى إلَّا قليلًا، وواضح أن الخلاف الذي أخذ أمره يستفحل أيام المروانيين، بين القيسية واليمنية في الشَّام، استمر في عهد العباسيين (ففي عام 176 هـ أنفذ موسى البرمكى إلى دمشق، وفي عام 180 هـ أنفذ أخوه جعفر) وطبيعى أن زيارات الخليفة لدمشق من وقت إلى آخر لم تعد إلى هذه المدينة عزها القديم حين كانت قصبة الدولة الأموية. وانصرف المتوكل عن فكرته في إعادة قصبة الخلافة إلى دمشق (عام 244 هـ الموافق 858 م) بعد إقامته القصيرة فيها. وكانت الدولة تسير بخطى سريعة نحو الإنهيار. ففي عام 254 هـ (868 م) تولى أَحْمد بن طولون القوى المقتدر أمر مصر، فلم تلبث هذه الولاية أن أصبحت مستقلة بالفعل عن الخلافة، وفي عام 264 هـ (878 م) وقعت بلاد الشَّام بما فيها دمشق في قبضة أَحْمد. ولم تُعمَّر السيادة الطولونية عليها إلَّا حوالي ربع قرن. وكانت الفترة الأولى من هذا العهد فترة ازدهرت فيها مصر ازدهارًا, ولا ينطبق هذا القول تمامًا على بلاد الشَّام, لأنها كانت أكثر من مصر تعرضا لهجمات الأعداء، وإن كنا قد قرأنا عن قصر شيده خمارويه لنفسه بالقرب من دمشق أسفل دير مرّان على نهر تورا، وهو القصر الذي اغتيل فيه في ذي الحجة عام 282 هـ. أما الفترة الثَّانية فقد أفل فيها نجم الطولونيين، واقترنت بغارات مخربة شنها القرامطة الذين كانوا دائبين على الظهور عند أبواب دمشق منذ عام 389 هـ (903 م) حتَّى قضى جند الخليفة عليهم، ثم

قضى هؤلاء الجند على الحكم الطولونى بعد ذلك. وولى طغج بن جُف حكم دمشق أيام خمارويه، وكان طغج سليل الإخشيدى فيما وراء النهر وجنديا مقتدرا. وقد قدر لولده الإخشيد، الذي حكم مصر عام 323 هـ (935 م) أن يكون له في مصر والشَّام ما كان للطولونيين من شأن. فقد كانت الشام دائمًا ولاية تحف بها المخاطر لا يستتب أمرها لمن يملكها. وإنهار الإخشيديون آخر الأمر أمام دولة كانت هي أَيضًا تناضل في سبيل الحصول على اللقب الديني الذي كان يحمله الخليفة المجرد من الحول والطول. ذلك أن دولة الفاطميين الشيعية كانت منذ أمد طويل متأهبه للانقضاض على مصر، ووجد المعز أن الفرصة واتته عندما ألفى القرامطة يعاودون نهب الشام، فاستولى على مصر عام 358 هـ (999 م) وعلى دمشق في العام نفسه، ولكن دمشق خرجت عن طاعته بعد ذلك مباشرة. فأخذها القرامطة أولا، فلما قضى عليهم عمت الفوضى المدينة وأحرق كثير من أحيائها. وحكم الفاطميون دمشق بعد ذلك قرنًا لم تكن فيه أسعد حالا. فنحن نقرأ كثيرًا عن تبديل الولاة وعن قيام فتن لا يمكن أن ترد أسبابها إلى ما فطر عليه أهلها من شغب فحسب. وقد أدت إحدى هذه الفتن إلى إحراق المسجد الأموى عام 461 هـ (1068 م). وفي عام 468 هـ (1086 م) استولى القائد السلجوقى أتسز على دمشق، وبذلك خسر الفاطميون المدينة إلى الأبد. وخطب باسم الخليفة العباسى مرة أخرى على منابرها. ويقال إن أتسز هو الذي شيد القلعة (المجلة الأسيوية، السلسلة التاسعة، جـ 7 ص 375) ولكن من المحقق أن أساسها قد أقيم قبل عهده. ولم يدم حكم أتسز إلَّا أعوامًا قليلة، واضطر إلى إخلاء المدينة عام 471 هـ (1079 م) للأمير السلجوقى تتش. (انظر كتاباته في: Van Berchem INscr. Arabes de Syrie ص 12 وما بعدها، 90 وما بعدها، وفي المجلد السابع، جـ 1، ص 149) ولما تُوفي، حكم طغتكين البلاد باسم ابنه دقاق، وإليه ينسب بيمارستان من بيمارستاناتها (المجلة الأسيوية،

دمشق في عهدى نور الدين وصلاح الدين

السلسلة التاسعة، جـ 3، ص 282) وخانقاه من خانقاهاتها (المصدر السابق، جـ 5، ص 282) ويقال إن أقدم مدرسة في المدينة ترجع إلى عهده (المصدر السابق، جـ 4، ص 266) وتوفي دقاق سنة 469 هـ (1104 م) ثم توفي ابنه بعده بقليل، فاستقل طغتكين بأمر دمشق فعلا، وأسس بذلك الدولة البورية التي حكمت دمشق نصف قرن من الزمان. ولم تنشط العمارة في المدينة على نطاق واسع في تلك الفترة العاصفة التي أغار فيها الفرنجة على الشَّام (ومع ذلك فإنا نحيل القارئ إلى مجموعة النقوش الخاصة بهذه الدولة التي أوردها: Van Berchem Florilegium de Vogue ص 39، 43) وأنقذ طغتكين ما يعرف بمصحف عثمان الأصلى في طبرية التي كان يهددها الصليبيون عام 492 هـ (1099 م) فزاد بذلك في جلال المدينة الديني. وأثبت خلفاؤه شيئًا فشيئًا أنَّهم عاجزون عن مواجهة الأخطار التي كانت محدقة بهم. فقد كان الفرنجة يهاجمون دمشق حينًا (مثال ذلك في عام 523 هـ الموافق 1129 م، وفي عام 543 هـ الموافق 1148 م) وكان البوريون يستنجدون بالفرنجة حينا آخر على زنكى (534 هـ الموافق 1129 م) وابنه ثور الدين (546 هـ الموافق 1151 م) صاحبى حلب. واستطاع نور الدين في النهاية أن يستولى على المدينة في عام 549 هـ الموافق 1154 م. دمشق في عهدى نور الدين وصلاح الدين كان حكم نور الدين لدمشق فاتحة عهد جديد من الرخاء أصاب المدينة، وكان عهده وعهد صلاح الدين أزهر أيامها، ويختلف مجدها هذا عنه أيام الأمويين. وقد تأثر هذا العهد كله بالجهاد الديني، فأصبح لزامًا أن يعنى أولا وقبل كل شئ بتحصين المدينة والنهوض بعلوم الدين، ومع ذلك لم تهمل علوم الدنيا إهمالا تامًا. ويمثل هذا العهد ابن عساكر مؤرخ دمشق العظيم، ثم اقتصر شيئًا فشيئا على تدريس علوم الدين. وكان للاضطراب الذي شاع أيام الحروب الصليبية

نصيب كبير في ازدياد نعرة التعصب الديني في دمشق، فأصبحت بذلك أعظم حصون الإِسلام. واقترن اسم دمشق في العهود المتأخرة باسم صلاح الدين، بل إن شعراء الغرب المعاصرين أنفسهم قد أشادوا بمجدها بوصفها مقامًا له، ومع ذلك فإن سلفه نور الدين هو الذي أسبغ على المدينة في الحقيقة طابعها الذي عرفت به، فقد زاد في تحصينها بتجديد أسوارها بأبراجها وأبوابها، وشيد مسجدًا في شمال قلعتها، وفتح في هذه الناحية منها بابًا جديدا هو باب الفرج، وبنى بالقرب منه دار العدل أو دار السعادة (انظر المجلة الأسيوية، السلسلة التاسعة جـ 7، ص 246؛ حاجى خليفة، جهاننما ص 572) والراجح أن هذه الدار كانت قائمة كما يستدل من قول كريمر (Von Kremer: Topographie جـ 1، ص 14؛ جـ 2، ص 11) في موقع سراى الحربية الحالية وظلت مستعملة حتَّى العصر التركى قصرا للحاكم. ولكن أشهر هذه الأبنية هي التي أقامها للبر والتقوى، ولا نستطيع هنا أن نذكر إلا أهمها، أي المدرسة الخاصة بالحديث، وهي أقدم مدرسة من نوعها، وقد درس فيها ابن عساكر (: Goldziher Muh. Studien جـ 2، ص 176 وما بعدها) ثم البيمارستان المشهور المعروف بمارستان نور الدين، ولا يزال قبره قائمًا في المدرسة النورية التي نسبت إليه، يبجله النَّاس ويحترمونه. ومات نور الدين سنة 569 هـ (1174 م) فوقع جل مملكته، بما فيه دمشق، في يد صلاح الدين بن أيوب، وكان صلاح الدين قد استقل بأمر مصر بالفعل. وقد أكسبت انتصاراته دمشق عزا لم تحلم به من قبل. والحق أن النشاط الذي بدأه نور الدين في إقامة العمائر لم يخمد؛ إلا أن الحروب المتصلة التي خاض غمارها صلاح الدين لم تترك له فسحة يوجه همه فيها إلى توطيد دعائم السلام. وتوفي صلاح الدين بعد عقد الصلح مع رتشارد الأول (قلب الأسد) بستة أشهر لسبعة وعشرين يومًا خلت من صفر عام 589 هـ (4 مارس 1193 م)

ودفن أول الأمر في القلعة، ثم نقلت رفاته إلى المدرسة العزيزية. وحوصرت المدينة مرات إبان القتال العنيف الذي استعر بين ولدى صلاح الدين، الأفضل والعزيز، وأخيه العادل فأصاب هذا الحصار المدينة بشر كبير، ولم تستعد دمشق هدوءها وأمنها في عهد العادل إلَّا بموت العزيز، والقضاء المبرم على الأفضل (وفي هذا العهد وسعت القلعة، وشيد مسجد العيدين، انظر المجلة الأسيوية، السلسلة التاسعة جـ 7، ص 31). وهدد الفرنجة دمشق أيام ولده وخليفته المعظم عيسى، ولكن خطرهم زال عنها، وبعد أعوام نشب الخلاف بين أمراء البيت الأيوبى، وانتهى هذا النضال بتحالف الصالح إسماعيل صاحب دمشق مع النصارى على الصالح أيوب عزيز مصر، وهو التحالف الذي أسخط العالم الإسلامى أشد السخط. وقد استطاع الصالح أيوب بمساعدة الخوارزميين أن يهزم الحليفين في غزة عام 643 هـ (1244 م) وأن يعيد دمشق إلى حوزة مصر. ولما مات المعظم توران شاه بن الصالح أَيُّوب عام 648 هـ (1250 م) استولى الناصر يوسف صاحب حلب على قصبة الشَّام الجنوبية، وكان بذلك آخر من استولى عليها من الأيوبية. ولم تتأثر العمارة التي بدأها نور الدين بالفتن التي سادت هذا العهد. فقد تنافس أمراء البيت الأيوبى وأميراته وسائر أشراف المملكة في إنشاء المبانى الخيرية، واصبحت دمشق بذلك مدينة المدارس، وزار ابن جبير المدينة أيام صلاح الدين، وأحصى فيها نحو عشرين مدرسة، ولكن هذا العدد زاد بعد ذلك أضعافًا. على أن شأن هذه العمائر في تاريخ العلوم الإِسلامية، وبالأحرى في أعمال البر والتقوى، أهم من شأنها في تاريخ المدينة ذاتها. ومن ثم نحيل القارئ إلى ترجمات سوفير في المجلة الأسيوية، السلسلة التاسعة جـ 3، 7؛ ويمكن أن نقارن ما كتبه سوفير بما ورد في zeitschr. Der deutsch. Morgenl, جـ 8، ص 356 - 374.

عهد المماليك

عهد المماليك قضت غزوة هولاكو المغولية على الحكم الأيوبى في دمشق بعد منتصف القرن السابع الهجري (الثالث عشر الميلادى). وفتحت المدينة، وقد خلت من الجند، أبوابها للغزاة في ربيع الأول عام 658 هـ (مارس 1260 م) ولم يلق هؤلاء إلا مقاومة في قلعة دمشق لم تُسفر عن شئ. ثم أصبح مماليك مصر بانتصارهم في عين جالوت سادة الشام. وفر المغول، ولقى النصارى الجزاء الوفاق على حسن استقبالهم للمغول بهدم كنيسة مريم المشهورة (انظر أبو شامة. Rec. Hist. Crois, Or جـ 5، ص 194). وأصبحت دمشق في العهد التالى قصبة أهم ولايات المماليك في الشَّام، ألا وهي مملكة دمشق، التي كانت تضم في الواقع سورية الجنوبية بأسرها، من حدود مصر جنوبا إلى بيروت وحمص وتدمر والرحبة على الفرات شمالا (ثم انتقلت القصبة إلى حلب فيما بعد) مع استثناء دويلات الكرك وصفد (ومع استثناء غزة وحمص أَيضا اللتين ظلتا فترة من الزمن بعيدتين عن قبضة المماليك). وقد عادت مدينة دمشق إلى سابق ازدهارها في عهد الظاهر بيبرس منشئ دولة المماليك العظيم. وكان هذا السلطان الذي لم تكن تفتر له عزيمة، كثيرا ما يعقد ديوانه في مدينة دمشق. ولم يكتف بيبرس بإعادة بناء أسوار المدينة المتخربة والقلعة فحسب، بل شيد لنفسه أَيضًا قصرًا جديدًا في الميدان الأخضر على نهر بردى، وهو القصر الأبلق المشهور. ويقال إن السلطان الناصر قلاوون اتخذه مثالا شيد على صورته القصر المعروف بالاسم نفسه في القاهرة في موضع التكية الحديثة (انظر Quatremere في ترجمته لكتاب السلوك للمقريزي، جـ 1، القسم الثاني، ص 44، المجلة الأسيوية، السلسلة التاسعة، جـ 7، ص 353؛ ابن شاكر: فوات الوفيات، جـ 1، ص 109) وتوفي السلطان بيبرس في مدينة دمشق عام 676 هـ (1277 م) ودفن بالمدرسة الظاهرية التي أمر ابنه السلطان السعيد

عامله على دمشق عز الدين أيدمر ببنائها في الناحية الشمالية الغربية من الجامع الأموى. (المقريزى: السلوك، جـ 1، القسم الثاني، ص 162؛ المجلة الأسيوية، السلسلة التاسعة، جـ 3، ص 240 وما بعدها). وكان حكم بيبرس جديرا بأن يعد امتدادا للازدهار الذي أصاب المدينة منذ عهد نور الدين؛ وكانت العلوم تنشر فيها باطراد، وحسبنا أن نذكر شاهدا واحدا على ذلك هو اسم "النووى". ولكن المدينة أصابها شئ من الاضمحلال في عهد سلاطين المماليك المتأخرين، وظلت المدينة الثَّانية في الدولة بلا منازع، وكان من الطبيعى ألا يولى على هذه الولاية التي كانت أهم الولايات جميعا إلا أبرز المماليك وأعظمهم. ولكن سرعان ما نشأ عن ذلك تنافس بين السلطان في مصر وعامله على دمشق. وكان السلطان دفعا لهذا التنافس يعين بنفسه أمير القلعة مستقلا عن سلطة الوالى، وأدى هذا بطبيعة الحال إلى توتر دائم في العلاقات بين هذين العاملين. وما إن خُلع السعيد بن بيبرس وتولى قلاوون السلطة حتَّى ثار سنقر الأشقر عام 678 هـ (1279 م) مؤيدا بفتوى من قاضى القضاة ابن خلكان، ولكن هذه الثورة أخمدت في العام التالى. وحدث أثناء الاضطراب الذي أعقب اغتيال الأشرف خليل، أن أحاطت بالسلطان "كتبُغا" كتائب من الجند تابعة للاجين في قلعة دمشق، وأرغم كتبغا على التسليم عام 696 هـ (1297 م). ويقال إن نائبا آبقًا من دمشق يدعى "قبجاق"، هو الذي تسبب في استقدام حملة غازان المغولية عام 699 هـ (1300 م) وقد لقيت دمشق من جرائها شر الدمار خلال المعارك التي نشبت بين المغول الذين كانوا يحتلون المسجد، وبين المماليك الذين كانوا يستميتون في الدفاع عن أنفسهم بالقلعة، على حين خربت أرباض المدينة مثل الصالحية تخريبا تاما. وسوى جند حامية القلعة الأماكن المجاورة كلها بالأرض، من باب النصر إلى باب الفرج، أما المغول فقد أحرقوا أقسامًا كبيرة من المدينة، منها دار الحديث التي شيدها نور الدين. وسرعان ما ارتد المغول، وخضع

"قبجاق" للسلطان الناصر، وكان قد استعمله غازان واليا من قبله. ونجت دمشق من غزوة المغول عام 702 هـ (1303 م) ولم يصبها من جراء ذلك إلا ذعر انتاب أهلها. ونحن نلاحظ فيما يتصل بالحياة العقلية للمدينة في ذلك العهد نشاط ابن تيمية الذي انتهت به آراؤه الحنبلية إلى الاصطدام بالحكومة. وفي الفترة الثالثة من حكم الناصر، ظل تنكز والي دمشق الذي كان يتبعه نواب الشام جميعا، أميرا على الشام ربع قرن (712 - 740 هـ = 1312 - 1339 م) وكان سلطانه في الواقع مطلقًا. وقد أسس عام 717 هـ مسجد التنكزية في موضع دور الحربية الحالية وخلف سراى الحربية (المجلة الأسيوية، السلسلة التاسعة، جـ 7، ص 237 وما بعدها)؛ كما أسس عام 739 هـ مدرسة لدرس التفسير والحديث (المجلة الأسيوية، السلسلة التاسعة، جـ 3، ص 184) وأصلح الجدار الجنوبى الغربى المتهدم من الجامع الأموى، ويقال أَيضا إنه وسع الطرق، وبينما كان مشغولا بترميم ما أحدثته النيران في المدينة من تلف غضب عليه السلطان فقتل شر قتلة وهو سجين في الإسكندرية. وأعقب عهدى الناصر وتنكز اللذين كانت ترفرف فيهما ألوية السلام على دمشق حكم سادته الفوضى والتنازع، واقتتل فيه الأمراء على السيادة. وعادت دمشق في السنوات 753, 762, 790 هـ مسرحا لهذه الحروب. ونشبت عام 791 هـ (1389 م) أمام أبواب المدينة الوقعة الحاسمة بين "منطاش" الوزير المطلق النفوذ وبرقوق السلطان المخلوع، وهي الوقعة التي استعاد بها هذا السلطان ملكه. وكان لابد لابنه فرج أن يسترجع المدينة عام 801 هـ (1399 م) وعاد التنافس بين الأمراء مرة أخرى في عهد السلطان الفتى، ومن ثم وقعت بلاد الشام لقمة سائغة في فم تيمور. وعسكرت جنده في جمادى الأولى عام 803 هـ (ديسمبر 1400 م) أمام دمشق. وتقرر مصير الحملة، لما ترك فرج عسكره لفتنة نشبت بينهم، وفر إلى مصر، فاستسلمت المدينة وإن ظلت القلعة

تدافع عن نفسها دفاع المستيئس أمدًا طويلا. وعاث الجند في المدينة نهبا وسلبا مخالفين في ذلك شروط التسليم، وأشعلوا فيها نارًا أتت على الجانب الأكبر منها وذهبت بأرواح لا تحصى من أهلها. وقد روى يوحنا شلتبرجر البافارى الذي كان مملوكا في جيش تيمور زمانًا طويلا أن ثلاثين ألفًا من النساء والرجال والأطفال حبسوا في المسجد الكبير، ثم أشعلت النَّار فيه، ومن المحقق أن غارة تيمور هذه كانت على أقل تقدير أشد نازلة أصابت دمشق لعدة قرون، وهي المدينة التي تقلبت عليها النوائب. ومرة أخرى غلبت على الفترة الثَّانية من حكم فرج الفوضى التي تسبب فيها الأمراء الثائرون الذين انحصرت وقائعهم بصفة خاصة حول دمشق المنكودة، وكانت هذه المنازعات تتكرر باستمرار في القرن الأخير بأسره من حكم المماليك. وكان تغير السلطان في القاهرة يعد عادة دليلا على انتقاض والى دمشق، ومن ثم فليس بعجيب أن المدينة لم تفق بسرعة من الويلات التي جرتها عليها غارة تيمور. ويقول القلقشندى المتوفى عام 821 هـ (1418 م) إنه لم يعمر في زمانه سوى جانب يحيط بالمسجد، وبقيت سائر أجزاء المدينة أنقاضا (ضوء الصبح، ص 283) ومهما يكن من شئ فقد كانت تبنى باستمرار مدارس جديدة ومساجد. وشاعت أسماء السلاطين في نقوش كثيرة تدل على تشييد مبان جديدة وتعمير أخرى خربة خاصة بأعمال البر ومظاهر الملك. وإلى هذا العهد تدين دمشق بمبان كثيرة مثل الصابونية الجميلة في طريق الميدان (المجلة الأسيوية، السلسلة التاسعة، جـ 3، ص 264)، ومسجد يلبغا ناحية الشمال الغربى من القلعة (المصدر نفسه ص 236 , 431 وما بعدها) كما يعود تاريخ المئذنة الغربية في المسجد الأموى في صورتها الحالية إلى عهد قايتباى, لأن ذلك الجزء منه قد أحرق عام 884 هـ، على أن أمراء المماليك أنفسهم الذين كانوا أعلى من ذلك همة عادوا لا يستطيعون أن يردوا المدينة إلى عهد دائم من الرخاء والازدهار.

العهد التركي

العهد التركي وما انقضت بضعة أسابيع على هزيمة المماليك في دابق لخمسة وعشرين يوما خلت من رجب عام 922 هـ (24 أغسطس 1516 م) حتَّى فتحت دمشق أبوابها للعثمانيين. وكانت المدينة فيما مضى من العهد المملوكى قصبة ولاية من الولايات فحسب، ولم تصبح تلك البقاع منذ ذلك الوقت مشهدا لأحداث تاريخية عظيمة. وليس حقا خالصا ما يقال من أن اضمحلال المدينة إنما يرجع إلى سوء الحكم التركى، ذلك لأن مواردها كانت قد استنفدتها حروب القرون الماضية. والعهد التركى جدير بأن يفاخر بما أسداه لتاريخ العمارة في دمشق, لأن عددا من أبدع آثار المدينة الحديثة يعود تاريخه إليه. وكان الطراز المصرى قد أصبح هو الغالب في عهد المماليك، ولكن الأثر التركى غدًا آنئذ واضحا ملموسا. وشيد السلطان سليمان الأول عام 962 هـ (1554 م) تكية أمام أبواب المدينة الغربية مكان القصر الأبلق القديم وبأنقاضه؛ وقد بنى هذا البناء الجميل في موضعه البديع على نهر بردى على الطراز التركى (انظر المجلة الأسيوية، السلسلة التاسعة، جـ 7، ص 253 وما بعدها Manuel de L'Art: Saladin Musulman جـ 1، ص 74) وحسبنا أن نذكر هنا مسجدين من أشهر مساجد دمشق أنشأهما الباشوات الأتراك، وكلاهما على طريق الميدان، وأولهما الدرويشية وقد بدأ بناءه درويش باشا عام 979 هـ الموافق 1571 م (المجلة الأسيوية، السلسلة التاسعة، جـ 7، 260) والثاني السنانية، وله شهرة فائقة للقاشانى الذي فيه، وقد شيده سنان باشا عام 994 هـ (1585 م) في موضع مسجد البصل القديم (المجلة الأسيوية، السلسلة التاسعة، جـ 7، ص 262) ويذهب فون كريمر (: Von Kremer Topographie جـ 1، ص 48) إلى أنَّه أجمل مبانى دمشق بعد المسجد الأموى. والواقع أن العمارة في دمشق لم تتوقف قط وإن كانت المصادر التي بأيدينا عن تاريخها في القرون الأخيرة جد قليلة. وقد اقترنت نهضة الشرق بظهور محمَّد على.

وكانت مدينة دمشق من عام 1832 إلى عام 1840 م تحت حكم المصريين، وقد شمر إبراهيم باشا عن ساعد الجد وأخذ يعيد الأمن والنظام إلى الربوع الخربة. وبدأت التجارة والصناعة في الازدهار، وشيدت المبانى للأغراض الإدارية، والعسكرية بنوع خاص، ومما يؤسف له أن بنايات قديمة هدمت تحقيقا لهذا الغرض في كثير من الأحيان. وهكذا حولت التنكزية إلى مدرسة حربية وشيدت سراى الحربية على أنقاض دار العدل التي شيدها نور الدين. وأدت العداوة بين الدروز والموارنة في لبنان التي أخذ أمرها يستفحل إبان الحروب المصرية التركية أيام بشير الشهابى إلى مذبحة هائلة أصابت المسيحيين في دمشق عام 1860 م؛ وفي أثنائها وضع عبد القادر، وكان قد نفي من الجزائر، معظم النصارى في كنفه. ويستطيع المرء أن يذكر في الأعوام الأخيرة العهد القصير الذي حكم فيه المصلح مدحت باشا عام 1878 م، فقد تحسن التعليم، ولو أن بعض منهاجه قد عاد إلى الإنهيار سريعا، ومن إصلاحاته الباقية استبداله الشوارع بأزقة السوق القديمة الضيقة. وقد تأثر تقدم المدينة في العهد القريب بشبوب الحرائق العظيمة كما حدث مرارا يخطئها الحصر في القرون السابقة. وفي عام 1893 م احترق الجامع الأموى حتَّى جدرانه، وأَتت النيران في أبريل عام 1912 م على أجزاء كبيرة من الأسواق الجديدة. وتأثرت التجارة المارة بدمشق تأثرا بالغًا بحفر قناة السويس وقد وصلت السكك الحديدية المدينة من سنة 1894 م بحوارن المنتجة للقمح، كما وصلتها ببيروت من عام 1895 م، وبحيفا من عام 1905، فعوضها ذلك بعض التعويض عما خسرته، في حين لم يؤثر خط الحجاز الرئيسى على ما يظهر أي أثر كبير في رقيها الاقتصادى، وسيقضى الاستمرار في مد الخطوط الحديدية في الشَّام بمرور الزمن قضاء مبرما على حركة القوافل. وليس من شك في أن الأراضى الضيقة المرتفعة المتاخمة للساحل ستصيب تقدما كبيرًا قد يحقق للمدينة رخاء دائمًا إن لم يعد إليها سيادتها السابقة.

صورة المدينة الحديثة

وقد بلغ مجموع تجارة دمشق وفقا لتقارير القنصليات الإنكليزية عامى 1909 - 1910 ما قيمته حوالي مليون جنيه إنكليزي للصادرات والواردات. ودمشق قصبة ولاية من ولايات سورية تضم أربعة سناجق: دمشق وحماه وحوران والكرك، وهي مقر وال وقيادة أركان حرب، وقد قدر بدكر Baedeker عدد سكانها سنة 1913 م بثلاثمائة أَلْف نسمة (ولا يدخل في ذلك عدد رجال الحامية ويتراوح عددهم بين 3000 و 4000 جندي) ولعل هذا التقدير مبالغ فيه. صورة المدينة الحديثة ولم تتغير الخطة الأساسية لسرة المدينة تغيرًا ملحوظًا، كما أشرنا من قبل، في أي مظهر من مظاهرها الجوهرية على الرغم من كثرة ما تداول على المدينة من حرائق وحروب منذ العهد الأموي، ومن ثم فإن الإلمام بخطة المدينة الحديثة يتبع استعراض تاريخها. وقد يرجع السبب في أن الجزء الشرقى من المدينة لم يتعد في الواقع حدود أسوارها إلى قيام الأحياء النصرانية واليهودية فيه، ولكننا إذا عكسنا الآية كان ذلك أقرب إلى الاحتمال، فإن هذه الأحياء قامت في موضعها ذاك, لأن المسلمين الحاكمين آثروا الأحياء القريبة من المدينة لأنها كانت مشرفة على الطرق المؤدية إلى البقاع السورية الأخصب من غيرها، وسرعان ما تجاوزت المدينة حدودها القديمة، وكنا نقرأ منذ عهد جد متقدم عن ربض العُقَيْبة ناحية الشمال الغربى من دمشق. وقد نشأت أيام نور الدين، عندما أشرق عهد جديد من عهود الازدهار على المدينة، أرباض جديدة أمام باب الحبانية، وأخذت هذه الأرباض تمتد غربا نحو الميدان الأخضر (كوك ميدان) وميدان الحصى (وهو يشير إلى ربض الميدان الجديد) ناحية الجنوب الغربى (وهذا الميدان هو نفس ضاحية الميدان الحديثة) وغدت حدود المدينة الغربية القديمة شيئًا فشيئا المركز العسكري والإداري، في حين ظل نشاط الأهلين التجارى يتركز كما كانت

الحال قبل ذلك حول الجامع الأموى، وأخذ هذا التطور يسير حثيثا وإن يكن في بطء منذ عهد نور الدين إلى أيامنا هذه. وينتهي الطريق الذي يسمى بالمستقيم، الممتد من الشرق إلى الغرب شرقى المدينة، عند الباب الشرقى القديم، ويمتد سور المدينة من هذه البقعة، ولا يزال محتفظا بشكله، بمحاذاة ضريح الشيخ أرسلان (انظر المجلة الأسيوية السلسلة التاسعة جـ 4 ص 404) شمالا حتَّى يبلغ نهر بردى عند باب توما، ثم يتبع الفرع الجنوبى من فرعى النهر اللذين يضمان في هذا الموضع جزيرة من الجزائر حتَّى يبلغ باب السلام (السلامة) وقد قام بين هذين البابين الأخيرين في يوم من الأيام كما يقول ابن شاكر (انظر المجلة الأسيوية؛ السلسلة التاسعة، جـ 7، ص 373 وما بعدها) باب هو باب الجينيق الذي نسب إلى حي معروف بالاسم نفسه، وهذا الاسم يدفع المرء دفعًا إلى تذكر الاسم الشعرى القديم لدمشق وهو جلّق. ولا زلنا نستطيع أن نقص أثر سورين آخرين، وإن كانت المبانى قد غطتهما في كثير من المواضع، يتجهان من باب السلام ناحية الغرب، ويسير بينهما طريق "بين السورين" إلى "باب الفراديس" ولهذا الباب، كما يقول بورتر (Porter جـ 1، ص 53) باب آخر أبعد منه إلى الداخل، و"باب العمارة" في الخارج عبر بردى. وقد أخذ هذا الباب اسمه من ربض العمارة الذي يبدأ من باب السلام، ويتسع تدريجيًا بانضمام أحياء كانت في الأصل قائمة بنفسها مثل العُقَيْبَة غير بعيد من مقبرة الدحداح (المجلة الأسيوية، السلسلة التاسعة، جـ 7، ص 451) والبحصة وغيرهما. وتخرج منه الآن طريق عامة تتجه شمالا بغرب إلى الصالحية (انظر المجلة الأسيوية، السلسلة التاسعة، جـ 4، ص 473 وما بعدها) التي قامت عند سفح جبل قايسون قبل عام 600 هـ (1200 م) ولا شك في أن سور المدينة كان متصلا بالقلعة في مكان ما من هذا الموضع. وقد تعود التغيرات المتعددة التي يشهد على

إحداها تشييد نور الدين لباب الفرج (في موضع باب العمارة القديم، انظر المجلة الأسيوية، السلسلة التاسعة جـ 7، ص 734) إلى الرغبة في حماية الأحياء التي كانت تنمو على الأيام وتتصل بالمدينة. ولكن المدينة كانت تتسع باستمرار فتجاوز الحدود المضروبة حولها؛ ولم يوفق "بورتر" ولا "فون كريمر" في تحديد مجرى الأسوار القديمة في هذا الجزء من المدينة تحديدا دقيقًا. وقد ألحق "باب الحديد" بالقلعة أثناء التغيرات التي أحدثها "العادل" فيها، على حين نقل الاسم القديم إلى الباب الذي كان معروفًا في الماضى "بباب النصر" الذي كان قائمًا أبعد من ذلك بقليل صوب الجنوب، ولا يزال هذا الباب باقيًا إلى اليوم. ثم يأخذ السور في السير بقرب الجانب الشرقى لطريق الميدان وبمحاذاته حتَّى يبلغ باب الجابية الذي يطابق الآن الطرف الغربى للطريق الكبير الذي يساير طول المدينة. ويستمر السور من غير شك مسافة لا بأس بها في الاتجاه نفسه، وإن كان قد اختفى كل أثر له هنا، ويتبع سوق السنانية حتَّى ينعطف شرقًا عند الباب الصغير ويمتد في الوقت الحالى ربض الميدان بمساجده الكثيرة الجميلة ميلا أو ميلين ناحية الجنوب في هذا الجانب حتَّى يبلغ بوابة الله، وهي مبدأ طريق الحجيج، غير بعيد من مسجد القدم، وهو المسجد الذي تحاول الروايات أن تجعل ضريح موسى قائما فيه، كما أنها تشير إلى آثار أقدامه هناك (انظر ابن جبير، طبعة دى غوى، ص 281 وما بعدها؛ ابن بطوطة، جـ 1، ص 226 وما بعدها)، وقد قيل من بعد إن هذه آثار أقدام محمَّد [- صلى الله عليه وسلم -] (انظر فون كريمر: Von Kremer Topographie , جـ 2، ص 22؛ Zeitschr. des Deutechen Palastina Vereins, جـ 7، ص 284). وليس من المحقق تمامًا فيما يظهر، وإن رجح ذلك من ياقوت (جـ 2، ص 236) أن الباب الصغير القديم هو نفس باب الشاغور الحديث، وفيه بابان يقدمان دليلا آخر على أنَّه كان ثمة في الماضى حلقة مزدوجة من الأسوار. وقد بطل الآن

إطلاق اسم الباب الصغير على هذا الباب، إلَّا أن هذا الاسم لا يزال يطلق على أشهر مقبرة في دمشق، وهي مقبرة الباب الصغير حيث دفن جماعة من الصَّحَابَة ومن زوجات النبي [- صلى الله عليه وسلم -] وابنته فاطمة. وقد عفَّى الزمان على كل أثر لقبر معاوية الذي كان يقوم في هذا الموضع في وقت من الأوقات. ويقوم بالقرب من جامع الجراح القبر المنسوب إلى يزيد بن معاوية، وهذا القبر محل لعنة النَّاس واستنكارهم، ولعل بعضهم قد التبس عليه الأمر فذهب إلى أنَّه قبر أبي عبيدة (: Von Kremer Topographie , جـ 2، ص 20، انظر، Zeitschr der Deutsch. Morgenl Ges جـ 15، ص 360). ولا يزال السور من هذا الموضع إلى باب كيسان المغلق الآن -حيث تعين الأسطورة مشهد حوادث سفر أعمال الرسل (الإصحاح التاسع آية 25) ثم من باب كيسان إلى الباب الشرقى- باقيًا في حالة لا بأس بها هو وأبراجه الكثيرة، ولكنه أصبح خطًا واحدا من خطوط الدفاع، ولو أنَّه كان فيما يبدو مزدوجا في هذا الموضع (انظر Voyage Suite du de Levant: Thevenot باريس 1673, ص 25 وما بعدها). ويقوم في البساتين جنوبى المدينة القبر المنسوب إلى بلال بن رباح وقبر نصراني للقديس جورج. وقد سبق أن ذكرنا أجل آثار العمارة في دمشق، ونكتفي هنا بأن نسوق بعض الملاحظات العامة عن قلب المدينة. ففي دمشق كما في سائر المدن الشَّرقية، الأزقة الخاصة بحى السكنى الهادئة بحوائطها المرتفعة الكئيبة التي تضم في كثير من الأحيان قصورا، وهي تقابل مقابلة عجيبة طرق الأسواق الدائبة الحركة الجياشة بألوان الحياة بخاناتها الضخمة ومكاتب التجار الشرقيين ومستودعات بضائعهم. ولهذه المدينة مزية واحدة على سواها ألا وهي مواردها التي لا تنفد من الماء يمدها به نهر بردى. فلا عجب إذن أن يكون لحمامات دمشق صيت بعيد، وهي مزينة في كثير من الأحيان بالقاشانى البديع. وقد أعطانا فتزشتاين Wetzstein صورة بهيجة للمناظر البديعة

في أسواق المدينة حوالي منتصف القرن الماضى (Zeitschr der Deutsch Morgenl, Gesl, جـ 11، ص 475 - 525) وإذا كانت المدينة قد فقدت بعض صبغتها الشَّرقية الخالصة فإنَّها ظلت على كل حال أنقى وأخلص من حواضر الشرق العظيمة الأخرى التي خضعت أكثر من دمشق لتأثير العالمية الأوربية. وأخذت صناعات دمشق القديمة العريقة تضمحل اضمحلالا كبيرًا على الأيام، ذلك أن صناعة الأسلحة التي يمكن تتبعها إلى أيام دقلديانوس قد انقرضت منذ أخذ تيمور صناعها. والحق أن أنوال الحرير (انظر الإدريسى، كتابه المذكور) التي كان لها شهرة عالمية في يوم من الأيام لم تختف بعد، ولكنها فقدت ما كان لها من شأن. أما في الوقت الحاضر فإن السلع المصنوعة (وبخاصة القطنية منها) لها الصدارة بين صادرات دمشق ونحن نجد من ناحية أخرى أن كثيرين من أصحاب الحرف لا يزالون يمدون الأهلين بمصنوعاتهم الجيدة المتقنة. ولصناعة الجلود بنوع خاص شهرة ذائعة. ولا يزال الصاغة يصنعون مصوغات مخرمة بديعة، في حين تجد مصنوعات الخشب والمعدن (النحاس الأحمر والأصفر) إقبالا في أسواق البلاد الأجنبية. والمدينة وإن خسرت خسارة لا تعوض ما كان لها من شأن في يوم من الأيام باعتبارها حاضرة دولة عظيمة ومركزا للتجارة العالمية، فإنَّها تعيش على ماضيها المجيد وحده، ومع ذلك فإنَّه يصح لنا أن نؤيد ما ذهب إليه فون أوبنهيم M.Von Oppenheim من "أن عهدا جديدا من الازدهار أخذ يشرق عليها إشراقا". المصادر: (1) البلاذرى: فتوح البلدان، طبعة دى غوى، ص 120 - 130. (2) المكتبة الجغرافية العربية، طبعة دى غوى، جـ 1، ص 59 - 61؛ جـ 2، ص 114 - 116؛ جـ 3، ص 156 - 160؛ جـ 5، ص 104 وما بعدها؛ جـ 7، ص 325 وما بعدها. (3) الإدريسى: Zeitschr. d. Deutch Pal. Vereins, جـ 8، ص 12 وما بعدها؛ 130 وما بعدها.

(4) ابن جبير: طبعة دى غوى, ص 260 - 298. (5) ياقوت: معجم البلدان، جـ 2، ص 587 - 598. (6) ابن بطوطة: طبعة (Defremery et Sanguinetti) جـ 1، ص 187 - 254. (7) حاجى خليفة: جهاننما طبعة الآستانة سنة 1145 هـ , ص 571 وما بعدها. (8): G Le Strange Palestine under the Moslems، ص 224 - 273. (9) H. Sauvaire: Description de Damas في المجلة الأسيوية، السلسلة التاسعة، جـ 3 - 7 وثمة مصادر أخرى خطية كثيرة، قد عرضت لدمشق بخاصة، نذكر منها على سبيل التخصيص: (10) ابن عساكر، ولم يطبع للأسف الشديد إلى الآن، بل إن المصادر الموجودة لم تستغل بطريقة منظمة، والحق أن خطة مدينة دمشق الحديثة لم تدرس بعد دراسة دقيقة، وسيمدنا طبع النقوش الخاصة بدمشق التي أعلن Van Berchem أنه سيقوم بنشرها بأسس جديدة للبحث. (11): A. V. Kremer Topographie von Damascus , جـ 1، جـ 2: Denkschr . .der phil-hist. Cl.der k. Akad, d. Wissench wein, جـ 5، 6، عام 1854، وهو كتاب قديم به أخطاء في كثير من المواضع وإن كنا لا نستطيع أن نستغنى عنه. (12) السلوك طبعة Quatremere, جـ 2، القسم الأول، ص 262 - 288. (13) A. Von Kremer: Mittelsyrien und Damaskus، فينا عام 1853. أما فيما يتصل بفتح العرب مدينة دمشق فانظر: (14): De Goeje Memeire Sur la Conquete de la Syrie, ص 82 - 113. (15) Annali dell' Islam: Caetani جـ 3، ص 326 - 422. وقد درس الرحالة القدامى. (16) Erdkunde: Ritter، جـ 17، ص 1332 - 1428. وانظر أَيضًا بصفة خاصة:

الدمشقي

(17): J. L. Porter Five years in Damascus جـ 1، ص 24 - 148. (18) Reisen im Orient: H. Petermann جـ 1، ص 44 - 184. (19) La Syrie d'Aujord' hui: Lortet ص 567 وما بعدها. (20): M. Von Oppenheim Vom Mittelemeer Zum Pers. Colf، جـ 1، ص 49 - 77. (21) Palestine and Syria: Baedeker عام 1912, ص 298 - 322. يونس [هارتمان R. Hartmann]. الدمشقي أبو عبد الله محمَّد بن أبي طالب الأنصارى الصوفي شمس الدين: عالم عربي من الباحثين في الخلق، توفي وهو إمام ربوة بالشَّام عام 727 هـ (1327 م) وقد نشر مؤلفه المعروف باسم "كتاب نخبة الدهر في عجائب البر والبحر، بعنوان Cosmographie de ch. A, Abd, M. deDimishqui, Texte Arabe publie d' apres 1'Edition Commencee par M. Frahn et d'apres les mss. par A. F . Mehren سانت بطرسبرغ عام 1866. وقد ترجمه مهرن أَيضًا بعنوان: Manuel de la Cosmographie du MoyenAge كوبنهاغن عام 1874. وكتب الدمشقى أَيضا "كتاب السياسة في علم الرياسة". وثمة مخطوط آخر من هذا الكتاب غير المخطوطات التي ذكرها بروكلمان في مؤلفه الوارد في المصادر، وهذا المخطوط في ليبسك (انظر K.Vollers Katalog der Islam. u.s.w. Hdss. der Universitats-bibl . رقم 857، جـ 1). المصادر: (1) Geographie d' Aboulfeda: Reinaud الترجمة جـ 1, 150. (2) Die Ssabier: Chwolson جـ 2، ص 28، رقم 647. (3) Mehren في. Annaler for nord Oldkundigheid سنة 1857، ص 54، رقم 25.

الدميرى

(4): H. Deherain Quid Schemseddin al-Dimaschqui geographus de Afrika cognitum habuerit باريس 1898. (5): Brockelmann Gesch. der Arab. Litt., جـ 2، ص 130, 138. الشنتناوى [بروكلمان Brockelmann] الدميرى محمَّد بن موسى بن عيسى كمال الدين، ولد الدميرى بالقاهرة عام 750 هـ الموافق 1349 م (على أن هذا التاريخ مشكوك فيه). وتوفي بها عام 808 هـ (1405 م)، وهو ينتسب إلى دميرة البحرية لا إلى دميرة القبلية، وهما بلدتان بالقرب من سمنود في الدلتا (الخطط الجديدة، جـ 11، ص 59). وكان الدميرى شافعى المذهب، تتلمذ على بهاء الدين السبكى المتوفي عام 773 هـ (Brockelmann جـ 2، ص 12) وكان تابعه، كما تتلمذ على جمال الدين الإسناوى المتوفي عام 772 هـ (Brockelmann جـ 2، ص 90) واشتغل الدميرى بادئ الأمر خياطا ليقوم بأود نفسه، ثم أصبح فقيهًا محترفا، ونال شهرة في تدريس التفسير والحديث والفقه والفلسفة والأدب بالقاهرة في حي الأَزْهَر، وفي جامع الظاهر، وفي الحسينية وغيرها. وكان يعقد حلقة لتدريس الدين (ميعاد) في مدرسة ابن البقرى داخل باب النصر، وقد اختاره لذلك مؤسس هذه المدرسة (خطط المقريزى، الطبعة الأولى، جـ 2، ص 391 = الطبعة الثَّانية، جـ 4، ص 236). وعُهد إليه أَيضًا بإلقاء درس في الحديث عقد في قبة خانقاه بيبرس الجاشنكير (المقريزى، الطبعة الأولى، جـ 2، ص 416 = الطبعة الثانية، جـ 4، ص 276؛ ابن شهبة: الطبقات في Wustenfeld: Aerzte ص 17)، وقد أدى الدميرى فريضة الحج عدة مرات، وقام بالتدريس في مكة. وذكر أحد تلاميذه أنَّه استمع إليه داخل الكعبة، واشتهر الدميرى بزهده ومواعظه بصفته أحد صوفية الخانقاه بدار سعيد السعدا

(خطط المقريزى، الطبعة الأولى جـ 2، ص 415 = الطبعة الثَّانية، جـ 4، ص 273 وما بعدها). ويذكر لنا المقريزى الذي كان معاصرا له وإن كان يصغره في السن, في كتابه "العقود" أنَّه اعتاد أن يذهب للاستماع إليه معجبا به، وظل يتردد عليه سنوات. وتنسب إلى الدميرى بعض الكرامات، فقد كان في شبابه نهما ثم أصبح مقيما على الصيام لا يكاد ينقطع عنه. والغالبية العظمى من مؤلفاته شروح جرت على النهج المألوف، وملخصات ومتنوعات، والظاهر أن معظمها فقد. فقد كتب الدميرى شرحا على منهاج النووى، استقاه من السبكى (Brockelmann, جـ 1، ص 248) وضمنه إشارة إلى أن بعضهم يعتقد أن المقامات (مقامات الحريرى على ما يظهر) وكتاب كليلة ودمنة هي رموز كيميائية. وخلف الدميرى أَيضًا خُطبًا ورسائل في الفقه كتبها بالرجز. وكل هذه المصنفات تتصل بوظيفته، أما كتابه الكبير "حياة الحيوان" الذي عرف به في الشرق والغرب فمن الواضح أنَّه كتبه بدافع من نفسه على الرغم من أنَّه أنكر في مقدمة الكتاب أن تكون له قريحة لمثل هذا العمل. وهذا الكتاب معجم في الحيوان إلَّا أن مادته في هذه الناحية مختصرة، وقد وردت فيه أسماء الحيوانات مرتبة على أحرف الهجاء، كما أن جميع مواده المطولة موزعة على سبعة أقسام: (1) مواد لغوية مستمدة من ابن سيده والجوهرى، ومن الجاحظ الذي سبق الدميرى إلى تصنيف كتاب عن "حياة الحيوان" (2) وصف الحيوان وطباعه (3) حوادث جاء فيها ذكر الحيوان (4) بيان الحلال والحرام بالنسبة للحيوان طبقا لمذاهب الفقه المختلفة (5) أمثال تدور حول الحيوان، وقد اعتمد في ذلك على كتاب الميدانى اعتمادا كبيرا (6) الخصائص الطبية لأجزاء الحيوان المختلفة (7) تفسير رؤية الحيوان في المنام. وقد كانت ثمرة ذلك كله مصنفا جامعا حافلا بالاستطرادات يكاد يتعذر على المرء

دنيا

قراءته قراءة متصلة، ومع ذلك فهو ذخيرة لا تقدر من الأدب الشعبى والحديث وطب العوام ومرآة لنفسية الشعوب. وكثيرا ما يبدو لنا الدميرى جاهلا كل الجهل بالحيوانات التي يكتب عنها، ولكنه كان على علم واسع بكل ما قيل عنها. وقد جمع كل هذه المعلومات في عناية ودقة، ولكنه رتبها ترتيبًا تحار فيه العقول، ويوجد هذا الكتاب في ثلاث نسخ = مطولة، ومقتضبة، ومتوسطة، ومن حسن الحظ أن الذي طبع هو النسخة المطولة، وقد طبعت على الأقل في بولاق والقاهرة، وهناك أَيضًا مختصرات لهذا الكتاب وترجمة فارسية له وأخرى تركية، ويمكن الرجوع في شأنه إلى Brockelmann (جـ 2 ص 138) وقد يسَّر الكولونيل جاياكار A.S.G. Jayaker هذا الكتاب للأوربيين بترجمته إلى الإنكليزية (لندن وبمباى سنة 1906، سنة 1908) ترجمة بلغ بها إلى مادة أبي فراس، ويعادل ذلك ثلاثة أرباع الكتاب. المصادر: نذكر علاوة على المصادر الواردة في صلب المقال: (1) Aerzte: Wustenfeld رقم 265. (2) Medeine Arabe: Leclerc جـ 2، ص 278. (3) كمقدمة الترجمة التي قام بها Jayakar لهذا الكتاب. (4) Encyclopedia Britannica الطبعة التاسعة، وهي أوسع كثيرا من الطبعة الحادية عشرة. الشنتناوى [مكدونالد D. B. Macdonald] دنيا هي عالم الأرض أو هذه الدنيا السفلى، والظاهر أنها اشتقت من دنئ. وقد استعملت في القرآن الكريم وفي الشريعة الإِسلامية بمعنى ينم عن التحقير للدلالة على هذه الدنيا التي تقابل الآخرة. {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا

الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ} (سورة البقرة، الآية 80) (¬1) وجاء في القرآن الكريم أَيضًا (سورة الأعلى الآيات من 16 - 18) (¬2) {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى}. ونحن نستدل من هذه الآيات أن محمدًا [- صلى الله عليه وسلم -] لم يدع أنَّه أتى بجديد في هذا الشأن وهو يتلو هذه الآيات. ويروى الإِمام الأشعرى عبارة أخرى تصور الدنيا تصويرًا لطيفا فيقول: أحذركم من الدنيا فهي مرج براق خداع يخدع ساكنيه كما جاء في القرآن {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا} (سورة الكهف، الآية 44). (¬3) {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} (سورة الرَّحْمَن، الآية 25) (¬4) فلتراعوا إذن في أعمالكم الآخرة والحياة الباقية (¬5). ويورد الغزالى في رسالته "الدرة الفاخرة" أن الله تعالى يقول عند قيام الساعة حين لا يبقى في العالم كائن حي "يا دنيا، يَا دنية أين أربابك، أين أصحابك، فتنتهم ببهجتك وشغلتهم عن آخرتهم بزهرتك" ثم إن الغزالى يصف ¬

_ (¬1) رقم الآية في المصحف العثماني هو 86.، (¬2) ينبغي أن تكون الأرقام 16 - 19. مهدى علام. (¬3) رقم الآية في المصحف العثماني هو 45. (¬4) رقم الآية في المصحف العثماني هو 26. (¬5) أورد كاتب هذا النص ولم يذكر المصدر الذي استقاه منه، وقد بحثنا عنه في كل المظان التي يحتمل وروده فيها فلم نجده، ومن ثم لم نجد بدًا من ترجمته. الذي يرمى إليه الإِسلام في التحقير من شأن الدنيا هو العكوف عليها والانصراف عن الآخرة إليها. أما الاعتدال في العيش، والتمتع بما أحل الله في الدنيا من غير إسراف فهو سياسة دعا إليها الإِسلام من غير تردد، تدبر مثلا قوله تعالى: {يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31) قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} (الأعراف 31 - 32). راجع في هذا الموضوع "نظرية الوسط في الفضيلة بين فلاسفة اليونان وفلاسفة المسلمين، لمهدى علام في "صحيفة دار العلوم" العدد الثالث، السنة الثَّانية، يناير 1936.

تعليق

الدنيا بعد البعث فيقول "كذلك تأتي الدنيا في صورة عجوز شمطاء أقبح ما يكون، فيقال للنَّاس أتعرفون هذه؟ فيقولون نعوذ بالله من هذه، فيقال لهم: هذه الدنيا التي كنتم تتحاسدون عليها وتتباغضون فيها". المصادر: (1): von mehren Abu 'l Hasan Ali alAsh'ari, مقتطف من المجلد الثاني من أعمال مؤتمر المستشرقين الدولى في دور انعقاده الثالث، 45 صفحة. (2): Lucien Gautier La Perle precieuse de Ghazali, جنيف 1878, ص 25 و 88 من الترجمة. خورشيد [كارا دى فو B.Carra de Vaux] تعليق اشتقاق كلمة "دنيا" من الدنو وهو القرب، أو من الدنئ وهو الساقط الضعيف، كما جاء في القاموس. على أن مقابلتها بالآخرة، يجعلنا نميل إلى أن المعنى الأول الملاحظ فيها هو القرب لا الدناءة، فإن الأول أقرب زمنا من الآخر دائمًا. والإِسلام وإن كان نظره إلى الدنيا نظرة أفضل من نظرة المسيحية لها، فإنَّه لم يعلق دخول ملكوت السماء على نبذ الدنيا تماما، يرى أنها لا شئ حين تقابل بالدار الآخرة الخالدة بنعيمها وعذابها، والتى فيها من ذلك ما لا عين رأت أو أذن سمعت أو خطر على قلب بشر، والتى يسود العدل المطلق فيها فلا يظلم أحد مثقال ذرة. ومنذ أول الزمان حتَّى الآن يوجد من يؤثر الدنيا, لأنه يعيش فيها ويلمسها ويراها، على الآخرة التي لا يؤمن بها، كما يوجد من يؤثر الآخرة على الأولى إذ عرفوا حقيقة كل من الدارين، ومن أَجل ذلك، ليس عجبا أن يقول القرآن الكريم: {إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى}، وهو يريد بهذا ما أرسل للعالم من رسالات سماوية سابقة، من إبراهيم إلى عيسى الذي يعتبر التوراة كتابه الأول بلا ريب وإذا فليس صحيحا ما يقوله كاتب المادة

دواسر

من أن الشئ الذي ينسبه، أي رسولنا محمَّد [- صلى الله عليه وسلم -]، هنا لليهودية يجب أن ينسب للمسيحية. بقى أن نقول بأن تصوير الأشعرى -إن صح ما نقله الكاتب عنه- للدنيا، وكذلك ما روى عن الغزالى، ليس بعيدًا عما نعرف من نظرة الإِسلام للدنيا وتصويره لها في مقابل الآخرة. الدكتور محمَّد يوسف موسى. دواسر دَواسِر أو دُوَاسر شقة من الأرض إلى الجنوب الغربي من نجد ببلاد العرب بين خطى عرض 21 ْ و 24 ْ شمالا، وخطى طول 44 ْ و 46 ْ شرقًا، وهي ناحية من نواحى مملكة الرياض. وأقصى حد لهذه المملكة تجاه الجنوب الغربى هو وادي سليل الذي يفصل وادي دواسر عن إقليم عسير باليمن. ويظهر أن وادي دواسر نفسه هو امتداد لوادي تربة ووادي بيشة في اتجاه شمالى شرقى، كما أن وادي الأفلاج تكملة له. وتقع دواسر التي نسبت إلى إحدى القبائل العربية شمالى الصحراء الجنوبية المترامية الأطراف أي الدهناء مباشرة، وقد وصفت هذه الصحراء بأنها قاحلة بلقع. وتنتشر في طول أرض دواسر المنخفضة الذي يربى على مائتى ميل عرض أو مسيرة عشرة أيام قرى من أكواخ مشيدة من جذوع النخيل. وأهل هذه القرى يعيشون حيثما تيسر لهم (*) على السلب، ويقال إنهم أكثر الوهابيين تعصبا، ويذكر بلجريف Palgrave أن المتنبي قد عرض بهم، وهم لا يزالون "أكثر العرب حقارة وأشدهم مهانة". ويقول دوتى Doughty إن دليلا قال له إن المرء قد يركب الجمل ثلاثة أيام قاطعا وادي دواسر فلا تغيب عن نظره قط أحراج النخيل، على أن القول الشائع هو ما ذكرناه آنفًا، وقد قيل أَيضًا إن دواسر حافلة بالقرى الحسنة، وقد سمى بعضها دوتى، وقيل أَيضًا إن المسافة من الأفلاج إلى وادي بيشة تقطعها الذلول في اثنى عشر يومًا. ويروى أن الثور الوحشى قد وجد في هذا الإقليم. ¬

_ (*) كان ذلك فيما مضى وهو ما تغير كثيرا بعد تطور المملكة العربية السعودية.

الدواني

المصادر: (1) Central and East: Palgrave Arabia جـ 2، ص 72، 75 وما بعدها. (2): Doughty Arabia Deserta جـ 2، ص 38 , 324 , 397. (3) Alte. Geogr.Ar.,: Sprenger فقرة 279, 363 , 371 , 372. الشنتناوى [فاير T.H. Weir] الدواني محمَّد بن أسعد جلال الدين صاحب تواليف باللغتين العربية والفارسية ولد عام 830 هـ (1427 م) في دوَّان من أعمال كازرون، وكان أبوه يلى منصب القضاء فيها. ويزعم الدواني أنَّه من سلالة الخليفة أبي بكر، ومن ثم نسبته الصديقى, وقد أصبح آخر الأمر قاضى فارس ومدرسا بمدرسة الأيتام في شيراز، وتوفي عام 907 هـ (1501 م) أو في عام 908 م في روايات أخرى، بالقرب من كازرون, وللدوانى علاوة على شروحه المتعددة على كثير من الكتب المشهورة في الفلسفة والتصوف، سلسلة من الرسائل الصغيرة في العقائد والتصوف والفلسفة كتبها باللغة العربية. وقد طبع من هذه الرسائل شرحه على العقائد العضدية للإيجى (المتوفى عام 756 هـ = 1355 م) إستانبول سنة 1817 وسانت بطرسبرغ سنة 1313, وشرحه على تهذيب المنطق والكلام للتفتازانى (المتوفى عام 791 هـ = 1379 م) لكهنو عام 1264 , 1293 (مع حواش لميرزاهد) ورسالته المسماة "رسالة الزوراء" وهي رسالة في كثير من المسائل الفلسفية والصوفية أتمها عام 870 هـ = 1465 م (القاهرة سنة 1326 مع تعليقات) وقد واتته فكرة هذه الرسالة في مكان لا يبعد عن دجلة يعرف أَيضًا باسم الزوراء عقب رؤيا شاهد فيها علي [بن أبي طالب]. وأشهر كتبه الفارسية نشره لكتاب ناصر الدين الطوسى (المتوفي عام 672 هـ = 1273 م) المسمى "أخلاق ناصرى" وهذا الكتاب هو ترجمة لكتاب الطهارة لابن مسكويه (المتوفي عام 421 هـ = 1030 م) المعنون "لوامع الإشراق في مكارم الأخلاق" أو "أخلاق جلالى"

الدوسة

فحسب، وقد طبع في كلكتة سنة 1910، ونفلكشور سنة 1283, وترجمة إلى الإنكليزية طومسن W. T. Thompson بعنوان Practical Philosohy of the Muhammedan People لندن سنة 1839. المصادر: (1) خواندمير: حبيب السير، بومباى سنة 1857 جـ 3، ص 4، 111. (2): Rieu Catalogue of the Persian Manuscripts in the British Museum جـ 2، ص 242. (3): Brockelmann Gesch. der Arab Litt . جـ 2 ص 217. الشنتناوى [بروكلمان Bockelmann] الدوسة الدَوْسَة أو الدُوسة، ومعناها لغة الوطء بالأقدام: قد كانت الدوسة احتفالا يقيمه في القاهرة شيخ طريقة الدراويش السعدية في الموالد، كمولد النبي [- صلى الله عليه وسلم -]، ومولد الشافعى، ومولد السلطان الحنفي (وهو ولى قاهرى توفي سنة 847 هـ, الخطط الجديدة، جـ 3، ص 93، جـ 4، ص 100) ومولد الشيخ الدشطوطى (أو الطشطوطى وهو ولى آخر؛ انظر: Lane Modern Egyptians الفصل 25، الخطط الجديدة، جـ 3، ص 72 , 133؛ جـ 4، ص 111) ومولد الشيخ يونس (انظر ما يلى). وكانت هذه الاحتفالات تقام نهارا. وكان الشيخ البكري يقيم احتفالا من هذا القبيل في مولد الدشطوطى، ولكنه كان يقيمه ليلا. وقد وصف لين (كتابه المذكور) هذا الاحتفال وصفا مفصلا، ونحن نجمل وصفه هنا فنقول إن قرابة ثلثمائة درويش من دراويش هذه الطريقة كانوا ينبطحون على وجوههم فوق الأرض ويدوسهم الشيخ ممتطيا جواده، فلا يصيب أحدا منهم بضر قط، وهذه كرامة من كرامات الطريقة، وبهذه الوسيلة المادية تنتقل بركة الشيخ إلى أتباعه. ويقام هذا الاحتفال في غير ذلك من البلاد، فقد شاهدته الليدى برتون Lady Burton في برزة بالقرب من دمشق (Inner Life of Syria , الفصل العاشر) ويشير دوزى في هذا الصدد (Supplement: Dozy, مادة دوسة) أيضا

إلى كتاب Voyage au Ouadey, ترجمة Perron , ص 700. وفي بعض الطرق الأخرى أَيضا تحل البركة بالتمسح بقدم الشيخ بل بالتراب الذي وطئته أقدامه. ولا شك في أن اصطناع السعدية للجواد يتصل برتبة صاحب طريقتهم بوصفه من سلالة النبي [- صلى الله عليه وسلم -] وأصل دوسة القاهرة غامض، ولكن الرواية تقول إنه عندما حضر الشيخ يونس بن سعد الدين الجباوى رأس الطريقة السعدية إلى القاهرة سأله دراويش هذه الطريقة في القاهرة أن يسن لهم بدعة حسنة تكون كرامة لولايته ومصدرا إلهيا لطريقتهم فأشار عليهم بأن يصفوا على الأرض صفوفا من أوان زجاجية مستديرة ثم ركب جواده ووطئ هذه الأوانى فلم تنكسر. وعجز خليفته عن الإتيان بذلك فاستبدل بالأوانى القابلة للكسر دراويش, انبطحوا على وجوههم (Golziher في. Zeitschr. d. Deutsch. Morgenl. Ges، جـ 26، ص 647 وما بعدها؛ تاريخ محمَّد عبده, القاهرة 1324 هـ، جـ 2، ص 147 وما بعدها). ويقول البعض (كولدسيهر مثلا) إن الشيخ يونس دفن في باب النصر، ويقول غيرهم إنه دفن خارج هذا الباب في طريق العباسية (الخطط الجديدة، جـ 2، ص 72) وهذه التواريخ غير مضبوطة قط، والظاهر أن مرجع ذلك إلى الخلاف الدائر حول أصل السعدية والرفاعية، وربما كان مرجعه أَيضًا إلى الخلط بين الشيخ يونس وبين المجذوب الشيخ يونس الشيبانى (المقريزى: الخطط، الطبعة الأولى، جـ 2، ص 435 الطبعة الثَّانية، جـ 2، ص 304 وما بعدها) صاحب الطريقة اليونسية. والشائع أن سعد الدين من رجال النصف الثاني من القرن السابع للهجرة، وقد ألغيت الدوسة أخيرا على يد الخديو محمَّد توفيق سنة 1881 م استنادا إلى فتوى أصدرها مفتى الديار المصرية. فقد رؤى أنها بدعة قبيحة فيها زراية بالمسلمين. وقد التمس السعدية أن يسمح لهم بإقامهّ الدوسة في مولد الشيخ يونس على الأقل، ولكن طلبهم هذا لم يجب. وكل ما بقي من هذه البدعة أن الشيخ يرى في صبيحة هذه الموالد عددا من الدراويش منبطحين على الأرض فيسير فوقهم. (A.Le .

الدهر

Confreries Musulmanes: Chatelier ص 225). المصادر: يضاف إلى المصادر المذكورة في صلب المقال: (1) الخطط الجديدة، جـ 4، ص 112. (2) Confreries: Depont et Coppolani religiouses Musulmanes, ص 329 وما بعدها. خورشيد [مكدونالد D.B. Macdonald] الدهر ومعناه عند الفلاسفة "الأبد" بخلاف الزمان. فالزمان شئ يمر وينقضى، أما الأبد فدائم، والزمان محل ما يتغير أو يتبدل، ويقاس بحركة الكواكب السماوية. فالأشياء التي لا تتحرك ولا تفنى لا تحل في الزمان بل في الأبد كَمُثُل أفلاطون. ويقول الفلاسفة إن هذه الأشياء هي على وجه من الوجوه أساس الزمان أو كما يقال "باطن الزمان" (انظر كتابي Avicenne ص 198). وقد عرّف صاحب التعريفات الدهر بقوله "هو الآن الدائم الذي هو امتداد الحضرة الإلهية، وهو باطن الزمان وبه يتحد الأزل والأبد". خورشيد [كارا دى فو B. Carra de Vaux] دهلك اسم الجزيرة الرئيسية في مجموعة الجزائر المعروفة بهذا الاسم ذاته الواقعة في البحر الأحمر قبال مصوّع. ولا نعرف على وجه التحقيق أصل هذه الكلمة، ويكاد يستحيل علينا أن نقول إنها مشتقة من إليا (. . .) Elaea، وهو اسم هذه المجموعة التي ذكرها أرتميدورس كما ذكرت في Periplus Maris Erythraei, أو من الاسم إليايو Aliaeu الذي ذكره بليناس الأكبر (الكتاب السادس, 34 ,1). وسكان هذه الجزيرة من أصل تكرى وهم يتحدثون بهذه اللغة. وقد دخل الإِسلام إلى جزيرة دهلك في عهد متقدم جدًا. وكانت تتخذ منفي في عهد الأمويين، فقد نفي إليها الشَّاعر الأحوص، والأرّاك فقيه المدينة. وظلت مستعملة لهذا

الغرض في فترة من عهد العباسيين. غير أن دهلك قد ضاعت من خلفاء العباسيين وسقطت في أيدي أمراء بنى زبيد فنزل بها من الأحداث ما نزل بهم. وأثرى هذا الثغر بفضل تجارته مع الحبشة. ذلك أننا نجد في دهلك بعد القرن الحادى عشر الميلادى كتابات عربية، وهي الكتابات التي قام بجمع جزء منها فقط فلنتيا Valentia وسولت Salt وروبل Ruppel ومالموزى Malmusi واستقلت هذه الجزيرة في عهد الحكام الذين يلقبهم المقريزى بلقب الملك. وقد رحب هؤلاء الملوك بعقد صلات مع سلاطين المماليك، والراجح أنَّهم فعلوا ذلك ليكونوا أقدر على الوقوف في وجه دعاوى اليمن، ومع ذلك فقد خضعت دهلك مرة أخرى لسلطان اليمن عندما وصل إليها ألفونسو ألبوكيرك Alfonso d' Albuquerque والبرتغاليون عام 1513 م، وقد تظاهر أَحْمد أمير الجزيرة في ذلك الوقت بالترحيب بهم ولكنه كان في الحقيقة يدبر لهم المكائد. وقد عرفنا اسم هذا الأمير من شاهد قبر. وخربت هذه الجزيرة عقابًا لها عام 1520 م، ولكن سكانها كانوا قد غادروها، على أن السلام عاد يرفرف عليها ثانية، فقد سمح للشيخ أَحْمد بامتلاك الجزيرة مرة أخرى على شريطة أن يدفع الجزية للبرتغاليين الذين لم يمنعوه من أن يصل حبله بأحمد كران عندما أصبح كران سيد مملكة الحبشة بأسرها وتقلد مهام الحكم في دَحونو (أركيكو). وسار خلفه على منواله، غير أنَّه فر هو وجميع سكان الجزيرة عندما اقترب منها أسطول برتغالى بقيادة دون استيفام دا جاما Don Estevam da Gama عام 1541 م. ولا نعرف شيئًا عن تاريخ هذه الجزيرة من بعد، حتَّى قام بفتح اليمن الباشا أزدمير على رأس حملة، وقد شاركت هذه الجزيرة اليمن مصيرها. أما تاريخ دهلك في الفترة التي تلت ذلك فهو تاريخ مصوع. فقد انتقلت إلى السيادة المصرية، ثم ألحقت آخر الأمر بإيطاليا إلى حين الاستقلال. ويقدر عدد سكان هذه الجزيرة [آنئذ] بنحو أَلْف وتسعمائة نسمة. وقد هجرت تقريبا مصائد اللؤلؤ فيها.

الدهناء

المصادر: (1): Issel Viaggio nel Mar Rosso , ميلاند سنة 1889 , ص 75 - 83. (2): R. Basset Les inscriptions de L' ete de Dahlak باريس سنة 1893. (3) المؤلف نفسه: Histoire de la conquete de l' Abyssinie, trad, d' Arab Faqih باريس سنة 1897، جـ 2، ص 450 وما بعدها، تعليق رقم 1 حيث توجد مصادر أخرى. الشنتناوى [رينيه باسيه Rene Basset] الدهلوى ولى الله، واسمه الحقيقى قطب الدين أَحْمد بن عبد الرَّحِيم: أشهر محدثى الهند وفقهائها في زمانه. ونستدل من ترجمته لحياته المعروفة باسم "الجزء اللطيف في ترجمة العبد الضعيف" أنَّه ولد عام 1114 هـ (1702 م) وأنه انضم إلى الطائفة النقشبندية وهو في الخامسة عشرة من عمره، وكان أبوه المرشد الروحى لهذه الطائفة. وخلف الدهلوى أباه في هذا المنصب بعد ذلك بسنتين وحج إلى مكة وهو في الثالثة والأربعين من عمره، ومكث فيها عامين أكب فيهما على دراسة الحديث خاصة. وكرس حياته بعد عودته إلى دهلى للكتابة والتأليف، فكتب عددا كبيرا من المصنفات تبحث في الحديث وفي غير ذلك من فروع الفقه الإِسلامى، المصادر: (1) صديق حسن خان: إتحاف النبلاء، ص 428, وأبجد العلوم، ص 912. (2) فقير محمد اللاهورى: حدائق الحنفية، ص 447. (3) عبد الأول الجونبورى: مفيد المفتى، ص 134. (4): Brockelmann Geschichte d. Arab. Litteratur جـ 2، ص 418. الشنتناوى الدهناء أي الحمراء، وقد سميت بهذا الاسم لحمرة أديمها، أكبر صحراوات بلاد

ديار بكر

العرب، وقد عرفها الجغرافيون بالرُّبع الخالى. وهي تمتد جنوبًا من ناحية حَريق إلى تخوم اليمن وحضر موت، كَما تمتد شرقًا من وادي دواسر إلى عمان، وتبلغ مساحة هذه الصحراء 50000 ميل مربع تقريبًا. وأرضها بلقع مصلحة تظهر فيها على أبعاد شاسعة مجموعات صغيرة من الشجيرات وبعض النخيل القمئ. وتخط أديم هذه الصحراء من الشمال إلى الجنوب جبال من الرمال تعترضها وتقطعها على زوايا قائمة، أي في طريق الرياح الشَّرقية السائدة، وجبال أصغر منها وأضأل. ويقال إن هذه الصحراء تتعرض بالنهار وبالليل لحرارة شديدة جدا بحكم وقوعها في المنطقة الحارة وانخفاض أرضها. ولا يستطيع أحد أن يجتاز هذه الصحراء كلها بل يتعذر ذلك على البدو أنفسهم. المصادر: (1) ياقوت: المعجم، طبعة فستنفلد. (2): Doughty Travels in Arabia Deserta. (3): Palgrave A Year's Journey through Central and Easterm Arabia . خورشيد [فولتن A.S. Fulton]. ديار بكر وينطقها الترك ديار بِكِر: اسم كورة كانت موجودة فيما سبق، أما الآن فهي اسم يطلق على مدينة آمد (أمدة القديمة) ويعرفها الترك بقره آمد لسواد أسوارها ومبانيها المشيدة بحجر البازلت. وهي قصبة الكورة المعروفة بهذا الاسم، وتقع على الضفة اليسرى لدجلة على ارتفاع 2070 قدما فوق سطح البحر. ويصبح نهر دجلة صالحا للملاحة فيما يليها، ذلك أن الرموث المصنوعة من الجلد المنفوخ (كلِكِ) تسير فيه هابطة حتَّى تبلغ بغداد. ويبلغ عدد سكإنها 35000 نسمة منهم 20142 من المسلمين (ويدخل في هذا العدد 4130 كرديا) و 13560 من النصارى (¬1). وأسوارها على هيئة دائرة غير منتظمة يكتنفها 72 برجًا ما بين ¬

_ (¬1) كان ذلك وقت كتابة المقال.

مستدير ومربع ومثمن، بما في ذلك قلعتها (إيج قلعة). وقد شيد قسطنطين هذه الأبراج ورممها يوستنيان. ولهذه الأسوار أربعة أبواب: باب الروم أو باب حلب في الغرب، وباب ماردين في الجنوب، وباب داغ قبو (أي باب الجبل) أو باب خربوت في الشمال، والباب الجديد في الشرق. وبالمدينة 28 مسجدا جامعا و 12 كنيسة و 130 سبيلا. وتصنع فيها الجلود المراكشية والمنسوجات الحريرية والقطنية والأدوات النحاسية والزجاجية والفخارية، كما يصنع فيها شراب مشهور جدًا يعرف باسم "شربت خيريه". وعلى مسيرة ميلين من منبع النهر جسر له أحد عشر عقدا. وسلمت هذه المدينة لعياض بن غنم الفهرى من غير مقاومة سنة 19 هـ (640 م) إبان فتوح العراق (البلاذرى، ص 167) على عهد الخليفة عمر وغزاها العثمانيون سنة 921 هـ (1515 م) بعد وقعة جالدران. واسترد الروم آمد عام 347 هـ (958 م) أي بين هاتين الغزوتين. ودانت المدينة بعد انقضاء عهد تتش السلجوقى، لأسرة حاكمة انحدرت من صلب إينال التركمانى، وكان وزراء إينال هذا أحفاد أبي على بن نيسان. وفتحها صلاح الدين في المحرم سنة 579 هـ (مايو 1183 م) ونزل عنها لحليفه نور الدين محمَّد الأرتقى، وقد قوى خلفاء نور الدين حصونها، وأخذها تيمور بالحيلة. ثم ظلت في حوزة قرة يوسف وبيت الأق قيونلو إلى أن غزاها الشاه إسماعيل الصفوى عام 908 هـ (1502 م) وولى عليها أستاجلو أوغلى. وانتفض الأكراد وغيرهم من قبائل ديار بكر على الفرس فاضطر سكانها إلى الجهر بالولاء للسلطان سليم الأول، وحاصرهم قرة خان أخو أستاجلو أوغلى عاما وبعض عام ثم رفع بيقلو محمَّد عنهم الحصار واستولى على المدينة باسم هذا السلطان. وتعد أسوار المدينة متحفًا للخطوط بحق. وشاهد ذلك أن عليها كتابات للخليفة العباسى المقتدر (297 هـ = 909 - 910 م) وكتابات لمحمد الأرتقى (579 هـ = 1183 م) وابنه ملك

صالح محمود (605 هـ = 1208 - 1209 م). ويروى هذه المدينة نهيران، الأول فيه سمك يقدسه الأهالى بنوع خاص. والثاني يعرف باسم هَمْرَوث، ويخرج من قره داغ جنوبى المدينة. وضفاف دجلة مغطاة ببساتين ينبت فيها البطيخ. وريحان باغى أي حديقة الريحان، أجمل هذه البساتين، وبالمدينة قبران يجلهما النَّاس: قبر الشَّهيد ابن خالد بن الوليد في مسجد خالد داخل القلعة، وقبر المؤرخ الفارسي لارى (منلا عزيز مصلح الدين) الذي ولد في لار، واعتكف في رباط للدراويش ودفن بالقرب من شيخ رومى (أوليا: سياحتنامه، جـ 4، ص 53, 55). المصادر: (1) حاجى خليفة: جهاننما، ص 436 - : Charmoy Cheref-nameh , المجلد الأول، جـ 1، ص 141 وما بعدها, 441 وما بعدها. (2): Niebuhr Voyage en Arabie , جـ 2، ص 324. (3): Hommaire de Hell Voyage en Turquie، جـ 2، ص 466. (4): Galden Description of Diarbekr Journ of the Royal Geogr Soc جـ 37، 1867 م، ص 182. (5): Max Van Berchem Arabische Materialien: Lehmann--Haupt Ischriften في. Gottinger Abhandle, ص 22. (6) المؤلف نفسه: Inschriften Max von Oppeheim جـ 1, Inschriften Arab, ص 71، 91 وما بعدها. (7) Max. Van Berchem & Amida: J.Strzygowski. (8) H. Derenbourg في Bulletin de l'Acad. des Inscr, اجتماع 14 يونيه 1907. (9): Strzygowski Kara-Amid (.Oriental. Archiv, جـ 1، ص 5) وبه صور شمسية. خورشيد: [إيوار C. I. Huart]

الديار بكري

الديار بكري حسين بن محمَّد الحسن، ولد بديار بكر، ثم استقر به المقام في مكة وتولى منصب القضاء فيها، وتوفي بعد عام 892 هـ (1574 م). كان الديار بكري حنبليًا أو مالكيًا. ويقول حاجى خليفة ويتبعه فستنفلد إن الديار بكري الذي أتم مؤلفه "تاريخ الخميس" في الثامن من شعبان سنة 940 هـ (23 فبراير سنة 1534 م) قد تُوفي سنة 966 هـ (1559 م). وقد جاء في النسخ المتعددة التي بقيت لنا من هذا الكتاب ذكر اعتلاء مراد الثالث عرش السلطنة العثمانية. ونحن نعرف أن هذا السلطان لم يكن قد اعتلى العرش حتَّى عام 982 هـ (1574 م) ونخلص من ذلك إلى أن الديار بكري لا يمكن أن يكون قد توفي قبل هذه السنة اللهم إلَّا إذا كان ذيل هذا الكتاب قد كتبه نساخ من نساخى كتابه. وقد كتب الديار بكري المؤلفين الآتيين: (1) "تاريخ الخميس في أحوال أنفس نفيس" (وفي رواية بروكلمان: نفس نفيس؛ وفي رواية حاجى خليفة وإيوار: النفس النفيس). وهذا التاريخ سيرة للنبي [- صلى الله عليه وسلم -] أسهب فيها المؤلف إسهابًا, ولكنه حاول أن يزن مختلف الروايات ويميز الخبيث منها من الطيب. ثم أردف السيرة بتاريخ موجز للخلفاء حتَّى اعتلاء مراد الثالث عرش السلطنة العثمانية. ويشمل تاريخ الديار بكري (أ) مقدمة في تجلى نور النبي [- صلى الله عليه وسلم -] (ب) ثلاثة أركان، الأول يتضمن الحوادث التي وقعت بين مولد النبي [- صلى الله عليه وسلم -] والبعثة النبوية. والثاني يتضمن الحوادث من البعثة النبوية إلى الهجرة. والثالث من الهجرة إلى وفاة النبي [- صلى الله عليه وسلم -] (جـ) الخاتمة، وهي تتناول الكلام على الخلفاء الأربعة الراشدين ثم على الأمويين ثم العباسيين ثم الدول الأخرى حتَّى اعتلاء السلطان مراد الثالث. وقد طبع تاريخ الديار بكري في القاهرة سنة 1283 هـ وسنة 1302 هـ. وقد نشر أوتو فون بلاتن Otto Von Platen (برلين 1837 م) مقتطفا من تاريخ الخميس وترجمة لهذا المقتطف

ديار ربيعة

بالألمانية ومقدمة وجيزة بعنوان Gschichte der Todtung des Chalifen Omer، وهذا المقتطف يتناول الكلام عن مقتل الخليفة الثاني عمر بن الخطاب. وقد أورد بترمان petermann في مؤلفه Ling. Arab Grammatica (الطبعة الثَّانية ص 43) مقتطفا موجزا من هذا التاريخ يتعلق بالخليفة عمر الذي أمر بجلد ابنه عبد الرَّحْمَن حتَّى مات لشربه الخمر في مصر. (2) وصف دقيق للكعبة والمسجد الحرام، وقد بقى من هذا الوصف مخطوطان أحدهما في برلين تحت رقم 6069 والثاني في دار الكتب المصرية، جـ 3، ص 177 من الفهرس (¬1). المصادر: (1) حاجى خليفة: جـ 3، ص 177. (2): F. Wustenfeld Die Geschicht. schreiber der Araber und ihre Werke, كوتنكن 1882 م، رقم 526. (3): Brockelmann Geschichte der Arabischen Litteratur، برلين 1902 م، جـ 2، ص 381. (4) Litterture Arabe: Cl. Huart، باريس 1902، ص 371. خورشيد [محمد بن شنب]. ديار ربيعة تمتد منازل ربيعة في أرض الجزيرة على طول دجلة من تل فافان إلى تكريت قصبة الموصل، وهي تشمل وديان خابور وخرماس وثرثار على الضفة اليمنى لدجلة، والمجرى الأسفل لخابور الصغير والمجريين الأعلى والأسفل للزاب على الضفة اليسرى لدجلة (انظر: G.Le Strange The Lands of the Eastern Caliphate، ص 87 وما بعدها). خورشيد ديار مضر أي منازل مضر في الجزيرة، وهي تشمل وادي الفرات من سميساط إلى عانة -وقصبة هذه البلاد الرَّقة- ¬

_ (¬1) ليس في هذه الصفحة من الجزء الثالث لفهرس دار الكتب المصرية أية إشارة إلى هذا المخطوط. (مهدي علام)

الديباج

والأراضى التي على نهر بليخ (انظر.: G. Le Strange The Lands of the Eastern Caliphate، ص 86 وما بعدها، 101 - 108). خورشيد. الديباج نسيج من الحرير مختلف الأجناس، والديباج فارسي معرَّب من ديبا أو ديباه، ومعناه نسيج ملون لحمته وسداه من الحرير (أبريشم، وبالعربية أبريسم). والأرجح أن كلمة ديباج دخلت اللغة العربية أولا عن الآرامية. ومهما يكن من شئ فإنَّها كانت معروفة بالفعل في عهد محمَّد [- صلى الله عليه وسلم -] , لأنها وردت في شعر حسان بن ثابت (كتاب الأغاني، جـ 4، ص 17، س 1 طبقا لما ذكره Aram. Fremdworter: Fraenkel ص 41). ولا شك في أن اشتقاق ديباج من ديوبف بمعنى "نساجة الجن" (تاج العروس) اشتقاقَ شائع. وقد استعمل الديباج كثيرًا في العصور الوسطى في المشرق لباسًا للرجال على الرغم من تحريم لبس الحرير عليهم. وكانت تصنع منه بصفة خاصة كسى التشريف. وكان في بلاط الفاطميين في القاهرة دار للديباج قائمة بذاتها (المقريزى: الخطط، جـ 1، ص 464؛ : Karabacek Die Pers, Na delinalerei Susandschird، ص 84) , وكان المظنون أن هذه الدار تصنع الديباج، ولكن الأرجح أنها كانت تجهزه فقط، أما النسيج نفسه واسمه فقد جلبا من فارس. ويوصف الديباج في كثير من الأحوال بالخسروانى، ويغلب على الظن أن هذه الصفة لم تطلق عليه للتحلية وإنما هي تشير إشارة مباشرة إلى أصله. وكان الديباج بطبيعة الحال سلعة رائجة يمتدحها النَّاس كثيرًا، فقد جاء في "كتاب الإشارة في محاسن التجارة" لأبى الفضل جعفر بن على الدمشقى (القاهرة 1317 م، ص 25): "وهو أجناس، فمنه ما يحتاج إليه للباس، ومنه ما يحتاج إليه للتعليق والفرش. أفضله ما حسن صبغه وانتظمت نقوشه ودق حريره وصفق نسجه وأشرق لونه وثقل وزنه وسلم من النَّار في جندرته. وأدونه ما كان بخلاف هذه الصفات، وجيد ما يصلح

ديك الجن

للتفصيل أن يكون مائة وعشرين شبرا، وما كان للفرش والتعليق أن يكون الثوب مائتى شبر، وقد يكون أكثر من هذا أو أقل، فإذا نقص ما هو برسم الكسوة عن هذا فإنَّه من أكبر العيوب، إذ لا يفصل، وعوده متعذر، وإن وجد ثوب يشاكله لم تسمح النفس أن تقطع بسببه خرقة" ويمكن أن نقول إن كثيرا من القطع الحريرية المحفوظة في متاحفنا تعد من الديباج. ولما كان الديباج جميل المنظر واسع الشهرة فقد استعيرت كلمة ديباج أو ديباجة وأطلقت على أشياء مختلفة شتى، ففاتحة القصيدة أو الكتاب تعرف بالديباجة لأسلوبها الموشى المنمق. وهي تطلق أَيضًا على عروق نوع من الخشب أو الحجر (حاشية الإدريسى). وانظر معاني الكلمة الأخرى في معاجم اللغة. وقد أصبحت كلمة ديباج هي والكلمات المتصلة بها تدل في بعض مواضع الكلام على الجميل أو المشرق أو الرشيق. وقد استعمل ابن مسعود عبارة ديباج القرآن على السور، من المعروفة بالـ"حواميم" والتى أخذت اسمها من الحرفين حم وهما فاتحة هذه السور (*). خورشيد [بكر C.H.Becker] ديك الجن اسم شاعر عربي من الشآميين يعرف بعبد السلام بن رغبان السلام وكان جده تميم ممن أسلم من أهل مؤتة على يد حبيب بن مسلمة الفهرى الذي أصبح واليًا على قنسرين بالقرب من حلب في عهد أبي عبيدة سنة 15 هـ (636 - 637 م). ولد ديك الجن عام 161 هـ (777 - 778 م)، وقضى معظم حياته في حمص، وتوفي سنة 235 هـ (849 - 850 م) أو سنة 236 هـ في خلافة المتوكل. وقد وصفه ابن أخيه أبو وهب (الأغاني، جـ 12، 142) قائلا "كان عمى خليعًا ماجنا منعكفًا على القصف واللهو متلافا لما ورث عن آبائه". وتكسب بشعره من ¬

_ (*) السور التي تبدأ بـ"حم" هي غافر، فصلت، الشورى، الزخرف، الدخان، الجاثية، الأحقاف، وقد أشير في الأصل إلى سورة المؤمنون وهي لا تبدأ بـ"حم". د. خلف الميرى

أَحمد وجعفر بن على الهاشميين، وله مدائح كثيرة فيهما, وله أَيضًا قصائد قليلة في الهجاء، ومراث في الحسين ابن على بن أبي طالب. وكان ديك الجن يتشيع تشيعًا معتدلا، وقد نظم قصائد خليعة مسايرة لأذواق الذين عرفوا بالانحطاط من أهل عصره. وشاهد ذلك قصيدته التي تناولت موضوعًا شائعا من موضوعات زمانه وحفظها لنا صاحب الأغاني (جـ 12، ص 146) وفي هذه القصيدة مزاج عجيب جمع بين غلظة العرب الشآميين والرذيلة التي عرفت عن الفرس. وهي أبيات قيلت في غلام جميل تودد إليه ديك الجن فتمنع وتصون ثم بطش به أناس آخرون وفسقوا به، ومنها هذا البيت: "وكنت تفزع من لمس ومن قبل ... فقد ذللت لإسراج وإلجام" وجاء في الروايات العربية التي تحدثت عنه أنَّه كان يحس بقصوره عن سائر الشعراء من معاصريه، وخاصة أبي نواس، وتساق القصة الآتية شاهدا على ذلك: لما مر أبو نواس بحمص قاصدًا مصر لامتداح الخصيب سمع ديك الجن بوصوله فاستخفي أول الأمر عنه خوفا أن يظهر لأبى نواس أنَّه قاصر بالنسبة إليه. وللشذرات القليلة التي وصلتنا من قصائد ديك الجن شأن هام مرجعه إلى أنَّه كان ينادى بالمساواة بين أهل عشيرته الشآميين المستعربة بصفة خاصة والعرب الخلص، كما كان في بعض الأحيان يندد بالتنافس بين عرب الشمال وعرب الجنوب، وكان ديك الجن من ساكنى حمص، ولم يبرح نواحى الشام ولا وفد إلى العراق ولا غيره منتجعًا بشعره ولا متصديًا لأحد، ولعل السبب في ذلك لا يعود إلى مزاجه الخاص فحسب بل يعود أَيضا إلى إحساسه بقصر باعه في الشعر. المصادر: (1) الأغاني، جـ 12، ص 142 - 149. (2) ابن خلكان، طبعة فستنفلد، رقم 394 , ترجمة دى سلان، جـ 2، ص 133. (3): Goldziher Muhammedaische Studien جـ 1، ص 156. خورشيد [شاده A. Schaade]

دينار

دينار من الكلمة اليونانية اللاتينية ديناريوس (Aureus) Denarius اسم وحدة من وحدات العملة الذهبية التي كانت متداولة في الإِسلام. ولا نستطيع أن نتبين بجلاء من الكتابات اليونانية أو اللاتينية والمصادر الأدبية السبب الذي حدا بالعرب إلى إطلاق كلمة دينار على العملة الذهبية، فقد أطلق بليناس (التاريخ الطبيعى، الكتاب الثالث والعشرون، فصل 13) مرة لفظ أوريوس على ديناريوس، كما أننا نجد العبارة ديناريوس أوريوس أو مستعملة بكثرة في المشرق هي والمعادلة على أن الاسم العربي السريانى دينار يشير فيما يظهر إلى أن العملة الذهبية قد غلب عليها في الشام الاسم فحسب (أي بعد إصلاح العملة على يد قسطنطين الأول من سنة 309 إلى 319). وعرف العرب هذه العملة الذهبية الرومانية واستعملوها قبل الإِسلام (القرآن، سورة آل عمران، الآية 68) (¬1). وقد أجمع المحدثون على أن الإصلاح الذي أدخله الخليفة عبد الملك على العملة سنة 77 هـ (696 م) لم يمس معيار العملة الذهبية. ويمكن أن نتثبت على الفور من الوزن المضبوط لهذه العملة من الدقة المتناهية التي روعيت في ضرب أقدم الدنانير التي تناولها الإصلاح. ومن ثم نجد أن الدينار يزن 4.25 من الجرامات (66 حبة). وينطبق هذا انطباقا تاما على الوزن الفعلى للصولديوس البوزنطى الذي كان معاصرا له في الزمن والذي سكه البوزنطيون على أساس الدراخمة الأتيكية المتأخرة التي كانت تزن 4.24 من الجرامات. ويمكننا التحقق من ذلك بالاستعانة بالموازين المصرية الزجاجية. وكان المعول عليه في الشرق دائمًا فيما يختص بالعملة الذهبية هو وزنها لا قيمتها الاسمية، ومن ثم اختلف وزن الدينار اختلافا كبيرا عن وزنه الرسمى وهو 4.25 من الجرامات (أما ما جاء في المقدسى، طبعة دى غوى، ص 420، من توكيد يخالف ذلك فصحيح على غير قياس). ¬

_ (¬1) رقم الآية في المصحف العثماني هو 75. د. مهدي علام

وأقدم دينار مؤرخ فيما نعلم يرجع إلى سنة 67 هـ (695 م)، وكان هذا الدينار لا يزال يحمل الطابع البوزنطى (صورة الخليفة) وثمة دينار آخر مشابه له يرجع تاريخه إلى عام 77 هـ. وفي السنة نفسها ظهرت الدنانير التي تناولها إصلاح عبد الملك. وكانت هذه الدنانير على خلاف الدراهم لا تحمل اسم المكان الذي ضربت فيه. ويكاد يكون من المحقق أن الأمويين لم يضربوا العملة الذهبية إلَّا في دمشق والقاهرة، ثم في قرطبة بعد عام 100 هـ (718 م). وبعد سقوط الأمويين ظلت دمشق مدة من الزمن أهم مكان لضرب العملة الذهبية فيما يظهر. ثم انتقل هذا المكان عام 146 هـ (763 م) إلى بغداد التي كانت قد أنشئت حديثًا. وفي عهد المأمون تفرقت أماكن ضرب العملة الذهبية، وتقرر ضرب طراز جديد منها على غرار الدرهم. وأصبحت العملة الذهبية بعد عام 212 هـ (827 م) تضرب في أهم حواضر الولايات الإِسلامية. ولم تدخل الدويلات الصغيرة أي تعديل على الدينار، اللهم إلَّا في جنوب بلاد العرب، فقد كان له هناك معيار آخر قدره 2.97 من الجرامات (46 حبة). وقد ضرب آخر دينار في بغداد بعيد سقوط الدولة العباسية، واختفت كلمة دينار حوالي عام 661 هـ (1262 م) وعادت لا تطلق على هذه العملة الذهبية. أما في مصر فإن آخر دنانيرها ضرب في عهد سيف الدين حاجى سنة 747 هـ (1346 م). وضربت سكة ذهبية جديدة في عهد متقدم لعله يرجع إلى أيام الأشرف شعبان (764 - 778 هـ = 1366 - 1367 م) والأرجح أن ذلك لم يحدث قبل أيام الأشرف برسباى (825 - 842 هـ = 1421 - 1438 م)، وهذه السكة هي "الأشرفي" (3.47 من الجرامات = 53.8 حبة) الذي حل محل الدينار في جميع أنحاء آسية الشرقية. والحق أن الدينار لم يكن له قط مقام ثابت في هذه الأنحاء، فقد اختفى من الهند في عهد ناصر الدين محمود (644 - 664 هـ = 1246 - 1266 م) الذي أدخل في تلك البلاد العملة الذهبية الوطنية المعروفة باسم "تنكه" وجعلها العملة الرسمية.

وظلت الدنانير تضرب في المغرب حتَّى نهاية القرن الخامس الهجري، ولكن الحساب بالدينار استمر معمولا به إلى عهد متأخر عن ذلك كثيرا. وكانت مضاعفات الدينار وكسوره مستعملة في جميع العهود. وشاهد ذلك أن عبد الملك أدخل فيما يظهر الثلث ووزنه 1,40 من الجرامات (22 حبة) كما يتضح من القطعة الذهبية التي تحمل سنة 92 هـ. وكان ربع الدينار (1 جرام تقريبًا = 15,5 من الحبات) عملة شائعة، وقد اقتصر على ضرب هذه العملة دون سواها تقريبًا في صقلية واستمرت إلى العهد الحديث باسم " Tari d'oro". وكان معيار الدينار مرتفعًا جدًا دائمًا، وكان يراعى أن يكون الذهب خالصًا من الشوائب ما استطاعت العمليات الفنية إلى ذلك سبيلا. وكان للدينار شأن هام في تاريخ التجارة في البحر المتوسط، وقد قلده كثير من الحكام النصارى وسموه Bezant Sarrasinato. وما زال الشرع ينص على أن الدينار الرسمى يكون وزنه 4,25 من الجرامات (66 حبة) ونحن إذ نلتمس تقويم قيمة الدينار الذي ذكره كتاب العرب لتقتضينا الحال دائمًا أن نعده قطعة من الذهب الخالص وزنها 4,25 من الجرامات (66 حبة) إلَّا إذا نص صراحة على أن قيمته تخالف ذلك. المصادر: (1) المقريزى: كتاب شدود العقود، الطبعة الأولى التي قام عليها O.G. Tychen. (2): C.D. Castiglioni Monete Cufiche dell' J.R. Musseodi Milano، جـ 60 وما بعدها. (3): Henrihavoix Catalogue des Monnaies Musulmanes de la Bibliotheque National, جـ 1، المقدمة. (4): E.v. Bergmann Die Nominale der Munzreform des Chalifen Abdel-Melik في Sitz. Ber. phil. hist. Cl. d. Kais Ak d Wien، فينا 1870, ص 239 - 266. (5): H. Sauvaire Materiaux pour servir a l'historie de la Numismatique et de

الدينوري

la Metrologie Musulmanes في Journ As, 1879 - 1887 م. (6) المؤلف نفسه: Arab. Metrology, خمس مقالات في. Journ. K. As. Soc 1877 - 1884. (7): J.G.Stickel Handbuch Zur Morgenlandischen Munzkunde, جـ 1، 1845 م، جـ 2, 1870 م. (8): W. Tiesenhausen Monnaies des Khalifes Orientaux , بالروسية. (9): E.Th. Rogers Notice on the Dinars of the Abbaside Dynasty في Journ. . R. As. Soc 1874 . وانظر المؤلفات الكثيرة التي كتبت في السكة الإِسلامية. (10) Gesano, مادة دينار. (11) Denarius aureus في Duggiero: Dizioniario epigrafice، جـ 2, 1661. (12) Hultsch مادة دينار. (13) Denarius في Pauly- Wissowa: Real-Encyclopadie der Classischen Altertumswssinschaft, جـ 5، ص 202. خورشيد [زمباور E. V. Zambaur] دينار ملك أمير الغز الذي استولى على ولاية كرمان عقب سقوط البيت السلجوقى فيها سنة 582 هـ (1186 م) وظلت هذه الولاية في قبضته إلى أن أدركته المنية عام 591 هـ (1195 م). المصادر (1) Recueil de textes relatifs a l'histoire des Seldjouc، جـ 1، ص 130 وما بعدها. (2): DerDeutsch Zeitschr Morgenl.Ges، جـ 39، ص 392 وما بعدها. خورشيد الدينوري أبو حنيفة أَحْمد بن داود: فقيه لغوى عربي وعالم، ولد فيما يرجح في العقد الأول من القرن الثالث الهجري بمدينة دينور من أعمال العراق العجمى، وتلقى دروسه في فقه اللغة على والد النحوى الكوفي، ابن السكيت، وعلى ابن السكيت نفسه، وأقام عام 235 هـ بإصفهان لرصد الكواكب، وسجل نتيجة أرصاده في مؤلفه "كتاب الرصد". والظاهر أنَّه قضى بعد ذلك

معظم أيامه في مسقط رأسه حيث ظل مرصده يشار إليه فيها عدة قرون من بعد. أما تاريخ وفاته فيختلف الرواة فيه. ولعل أوثق الروايات هي التي تقول إنه توفي في السادس والعشرين من جمادى الأولى سنة 282 هـ (24 يوليه 895 م) وكان إنتاجه الأدبى، مثل الجاحظ الذي كان يقرن به في كثير من الأحيان، يجمع بين التسلية والتثقيف. ولم يصل إلينا من مؤلفاته بنصه الكامل إلَّا "كتاب الأخبار الطوال" وهو يتخير فيه تلك الفترات من تاريخ العالم التي زودنا الحديث عنها بمادة نصلح للبحث المستفيض. وهو يوجه أَيضًا عناية خاصة إلى المسائل التي يهتم بها الفرس اهتماما شديدًا. ومن ثم فهو يمدنا بأخبار مفصلة عن تاريخ الإسكندر، ودولة الساسانيين وفتح العراق على يد العرب، ويسهب في وصف معركة القادسية، والمعارك التي وقعت بين على ومعاوية، ويتحدث عن الخوارج، ومقتل الحسين، وفتن الأزارقة، وفتنة المختار، وسقوط الأمويين، ومكائد العلويين وخاصة في خراسان في أثناء تناوله بإيجاز تاريخ الخلفاء (طبعة W. Guirgass , ليدن 1888, وقد قدم له بمقدمة أخرى وعمل له فهرسا كراتشكوفسكى سنة 1912 م). أما مؤلفه الآخر "كتاب النبات" الذي فقدت نسخته الأصلية وبقيت منه مقتطفات عدة في كتب فقهاء اللغة وخاصة ابن سيده، وكذلك في ابن البيطار، فهو أهم بكثير من الناحية العلمية. وهذا الكتاب، كالكتب التي تقل عنه كثيرا في الشمول والتى تشترك معه في الاسم ككتاب أبي زيد وكتاب الأصمعى، يعد ثمرة لدراسة الشعراء الأقدمين دراسة لغوية. والغرض من تأليفه هو شرح النباتات الكثيرة التي ذكرها هؤلاء الشعراء. ومن ثم فقد اقتصر على نباتات بلاد العرب، ولكنه شمل أَيضًا النباتات الأجنبية التي تأقلمت فيها. ولم يعتمد الدينورى على ملاحظاته الخاصة في أوصافه الواضحة العظيمة الإسهاب التي يمكن أن يقال إنه يدين بها بعض الدين لمؤلفات من سبقوه من القدماء، ولكنه جمع تلك الملاحظات من المعلومات التي استقاها بنفسه أو جمعها أسلافه من عرب الصحراء. فقد كان هؤلاء العرب

أقوياء الملاحظة بصيرين بكل ما يحيط بهم. كما أنَّهم رزقوا القدرة على الوصف الدقيق ما أتاح لهم مصطلحات في النبات وأجزائه بلغت حد الدقة العلمية أو كادت. وفي هذا الكتاب الذي كان لا يزال في متناول صاحب خزانة الأدب، بمجلداته الستة الضخمة، أوصاف للنبات هي -دون سواها- التي بقى معظمها، وفيه علاوة على ذلك شواهد من شعر الشعراء ذات مغزى، على أنَّه كان يشتمل بلا شك على مباحث لغوية وتاريخية عن هذه الشواهد. ويبدأ الكتاب بوصف تفصيلى لأنواع تربة بلاد العرب وتركيبها، ومناخها، وتوزيع مائها والأحوال العامة اللازمة لنمو النباتات. ثم يتناول تصنيف النباتات بصفة عامة، وتركيب كل نبات على حدة. ويعالج الجزء الأكبر من الكتاب كل نبات على حدة مقسما النباتات إلى ثلاثة أنواع: نباتات تزرع ليقتات الناس بها، ونباتات برية، ونباتات تثمر ما يؤكل. وهو يتناول النوع الثاني من النباتات بحسب أماكن وجودها ثم بحسب طبيعتها ثم بحسب قيمتها الاقتصادية إلى حد ما. وقد أصبح هذا المؤلف عمدة فقهاء اللغة المتأخرين في أسماء النباتات، وقد كتب علي بن حمزة البصرى عنه نقدا ضئيل الشأن اقتصر على تناول المسائل اللغوية فيه وضمنه قسما من مؤلفه المعروف باسم "كتاب التنبيهات على أغلاط الرواة". المصادر: (1) ياقوت: إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب، طبعة مرغوليوث، جـ 1، ص 123 - 127. (2) السيوطي: بغية الوعاة، القاهرة 1326 هـ، ص 132. (3) عبد القادر البغدادي: خزانة الأدب، بولاق 1299 هـ , جـ 1، ص 25. (4): S. de Sacy Relation de L'Egypte ص 64, 78. (5) Steinschneider في Zeitschr. d. Deutsch. Gorgenl. Ges, جـ 24، ص 373. (6): E. Meyer Geschichte der Bot anik؛ كونكسبرغ 1856 م، جـ 3، ص 163 وما بعدها. (7): Flugel Die Grammatischen Schulen der Araber, ليبسك 1862 م، ص 190 وما بعدها.

ديو (دويبه)

(8): Leclerc Historie de la Medecine Arabe, باريس 1817, جـ 1، ص 298. (9): Wustenfeld Die Ges chichts chreiber der Araber، رقم 79. (10): Brockelmann Gesch. der Araber Literatture، جـ 1، ص 123. (11) G.van Vloten في Tweemaandlijk Tijdschrift 1897 م، مايو 1. (12): Br. Silberberg . Das pflanzenbuch des Abu H. A.B.D. ad-D في Zeitschr. fur Assyriologie . , جـ 14، ص 225 - 265 (وهذا المؤلف قد نشر بوصفه رسالة قدمت لجامعة برسلاو سنة 1910 م) جـ 15، ص 39 - 88. خورشيد [بروكلمان C. Brockelmann]. ديو (دويبه) جزيرة مساحتها خمسة وعشرون ميلا مربعا، وهي واقعة في الطرف الجنوبى من شبه جزيرة كتهياور بكجرات من أعمال الهند، وقد انتزعها المسلمون من أيدى الراجبوت الكافدة عام 1330 للميلاد. وكانت في عهد السلطان محمود بيكره صاحب كجرات (1456 - 1513 م) ثغرا إسلاميا مزدهرا، واستولى عليها البرتغاليون بعد ذلك بقليل، وظلت في حوزتهم منذ ذلك الوقت. وكانت ديو فيما بين القرنين الرابع عشر والسادس عشر على جانب من الأهمية بصفتها محطة مخابرات للسفن التي تبحر بين الهند والخليج الفارسي والبحر الأحمر. المصادر: (1) Gazetteer of the Bombay Presideney جـ 8. الشنتناوى [فانشو H. C. Fanshawe]. ديوان (مشتقة من كلمة إيرانية افترض وجودها وهي ديوان، وتمت هذه الكلمة بسبب لـ"دبير" أي الكاتب، ويقول أندرياس M.Andreas إن لها صلة بكلمة دب الأشورية): سجلات الحساب العامة، وكانت تكتب باليونانية في الشَّام ومصر، وبالفهلوية في بلاد فارس في السنين الأولى من الفتح العربي، ثم نقلت إلى العربية، وظلت تكتب بهذه اللغة من هذا الوقت (81 هـ = 700 م؛ البلاذرى: فتوح البلدان، ص 193 , 330؛ الماوردى: الأحكام

الدية

السلطانية ص 439). وأطلق الاسم بعد ذلك على مكاتب بيت المال، ومن ثم توسع في مدلوله فعرفت به حكومة الخلفاء العباسيين، بل أطلق في عهد صلاح الدين على الخليفة نفسه (ابن خلكان، ترجمة دى سلان، جـ 3، الفهرس). وديوان الزمام هو الديوان التي تمسك فيه سجلات الدخل والخرج، وديوان التوقيع هو ديوان المحاسبة الذي كان يقوم رئيسه بمراجعة حساب الولاة (Cul-: A.V.Kremer turgeschichte، جـ 1، ص 198). وديوان البر الذي أنشأه على بن عيسى وزير الخليفة العباسى المقتدر هو الديوان الذي كان يتنظر على بعض الضياع التي جعلها هذا الوزير من الأوقاف (الفخرى، ص 315). أما ديوان الخاتم الذي أنشأه معاوية فقد ظل إلى منتصف عهد العباسيين. وتدل كلمة ديوان في العربية والفارسية والتركية على مجموعة قصائد شاعر من الشعراء، ويرتب مثل هذا الديوان عادة ترتيبا أبجديا بحسب القافية. ويدل الديوان أَيضًا على بناء كبير تجبى فيه المكوس، وينزل به التجار الأغراب، ويستعمل أَيضًا مخزنا للبضائع ودارا للمقاصة، ومن ثم فإن هذه الكلمة ترادف في الواقع كلمة خان أو خاروان سراى. وهي تستعمل بهذا المعنى خاصة في المغرب (Suppl.: Dozy, جـ 1، ص 479). المصادر: (1): Max Van Berchem La Propriete Territoriale et l'Impot Foncier, وص 45، تعليق 2. (2) Islam: Muller, جـ 1، ص 42 (تعليق 1) ص 273. خورشيد [إيوار Cl. Huart]. الدية أو العقل: الغرامة أو التعويض يدفعه من قتل رجلا أو جرح آخر. ويقال إن دية القتل كانت في الجاهلية عشر نوق. وقد افتدى عبد المطَّلب ولده عبد الله بتضحية عشر نوق، وكان عليه أن يكرر التضحية عشر مرات، ومن ثم عدت حياة الرَّجل مساوية لمائة ناقة، وقد تقرر ذلك في كتاب بعث به محمَّد [- صلى الله عليه وسلم -] إلى عمرو بن حزم. وحدد هذا الكتاب ثلث ذلك العدد دية لمن تصيبه حربة تنفذ إلى مخه أو بطنه، ونصفه لمن يفقد

عينا أو يدا أو قدما، وخمس ناقات لمن يفقد سنا أو يصاب بجرح يكشف عظما. وقد قوم عمر المائة الناقة بألف دينار يدفعها الذين يتعاملون بالذهب (أهل مصر والشام) أو اثنى عشر أَلْف درهم يدفعها الذين يتعاملون بالفضة (أهل العراق). ولم تكن دية النوق تقبل من أهل الأمصار، كما أن الذهب. لم يكن يقبل من الذين يتعاملون بالفضة، ولا الفضة من الذين يتعاملون بالذهب، أما سكان الخيام فلم يكن يقبل منهم ذهب أو فضة، وإنما يوادون بالنوق. ويجب أن تكون هذه النوق من سن معينة وصفات خاصة، فيكون منها خمس وعشرون ناقة عمرها سنة، وخمس وعشرون عمرها سنتان، وخمس وعشرون عمرها أربع سنوات، وذلك دية للقتل العمد. أما القتل الخطأ فيوادي بعشرين ناقة عمرها سنة، وعشرين ناقة عمرها سنتان، وعشرين ناقة عمرها ثلاث سنوات، وعشرين ناقة عمرها أربع سنوات. وتتساوى المرأة والرجل في الدية إلى حد الثلاثين الناقة، فإذا زادت الدية عن الثلاثين أخذت المرأة نصف ما يأخذه الرَّجل، وهذا في مذهب مالك. أما في مذهب الشافعى فهي توادي بنصف ما يوادي به الرجل في بعض الحالات، مثال ذلك أنها توادي بخمس نوق بدلا من عشر إذا فقدت سنا. والقاصر والمعتوه غير مسئولين شخصيا عن دفع الدية في الحالات العادية. والدولة تقوم عنهما بأدائها. فإذا اشترك قاصر ومكلف في قتل رجل مسلم عمدا قتل المكلف ودفع القاصر نصف الدية. وكذلك إذا اشترك عبد وحر في قتل عبد عمدا قتل الحُر ودفع العبد نصف ثمن العبد المقتول. وتقدر دية العبد يجرح جرحا يكشف عن عظمه بواحد من عشرين من ثمنه، فإذا نفذ الجرح إلى مخه أو بطنه قدرت ديته بثلث ثمنه. وتزيد هذه النسبة أو تنقص بمقدار ما يفقد العبد من ثمنه في سوق العبيد. ويطبق قانون الدية بين العبيد كما يطبق بين الأحرار. وإذا قتل عبد عبدا آخر حق لمالك المقتول أن يطالب بدم القاتل، أو بثمن القتيل، أو أن يسلم مالك العبد القاتل، عبده إلى مالك العبد القتيل دية له. وإذا قتل عبد مسلم يهوديا أو نصرانيا حق على مالكه أن يدفع دية للقتيل حتَّى لو أدى به ذلك إلى بيع عبده، ولكن الشرع لا

يبيح له أن يسلم عبده لأهل اليهودي أو النصراني. وإذا قتل نصراني أو يهودي كانت ديته نصف دية المسلم الحر. ولا يقتل المسلم بدم المشرك إلا إذا قتله غدرا. وتقدر دية المجوسى بثمانمائة درهم. أما الدية التي تفرض على النصراني أو اليهودي أو المجوسى إذا أصاب نفسا بضر غير كبير فتقدر بالنسبة نفسها. وتحق الدية في حالة القتل الخطأ أو الجرح الخطأ على الفاعل دون سواه، فإذا عجز عن أدائها ظلت الدية دينا عليه، ولأهله أن يؤدوها عنه إذا شاءوا إبقاء على السلام، وهي تحق في هذه الحالة على أقرب أقربائه، وهم إخوته من ناحية الأب، ثم على جميع المذكور المنحدرين من صلب أَبيه وهكذا. وقاتل النفس لا يرث دية من قتله ولا ملكه خشية أن يكون ذلك هو الذي دفعه إلى قتله. والدية نوعان: دية العمد، ودية الخطأ. والدية بتمامها لا تؤدى عن إزهاق نفس فحسب، بل تؤدى أَيضًا عن إتلاف شفتين أو عين أعور، أو لسان، أو إتلاف أذنين بما يلحق ضررا بالسمع، فإذا أتلفت عين واحدة كانت ديتها مائة دينار، وتزيد دية الجرح العميق يصيب الوجه على الجرح العميق يصيب جزءًا آخر من الرأس. ولا تحق الدية على النساء ولا على الأطفال، فإذا تشاجر فريقان من النَّاس فإن القتلى أو المصابين يحق لهم طلب الدية من الفريق الآخر. والملاك مسئولون عن ماشيتهم وما تسببه من أضرار للغير. وثمة أضرار كثيرة لم يقدر لها دية، ويجب إحالة مثل هذه الحالات على المجتهدين. المصادر: (1) موطأ مالك بن أنس: كتاب العقول. (2) البخارى: كتاب الديات (وهو مترجم إلى الفرنسية بمعرفة هوداس ومارسيه). (3) المرغينانى: الهداية، الترجمة الإنجليزية التي قام بها هاملتون. C Hamilton، لندن 1870, الكتاب. L. (4): Th. W. Juynboll Handbuch des Islamischen Gesetzes, ص 294 - 300. خورشيد [فاير T.H.Weir]

ذ

ذ

ذاتى

ذاتى من أعظم الشعراء العثمانيين شأنًا في عهد التطور الكلاسيكى. واسمه الحقيقى عوز أو بخشى أو يَخْشِى (في رواية لطيفي)، ولد عام 876 هـ (1471 - 1472 م) في باليكسرى من أعمال قرة سى، واحترف صناعة الأحذية شأن أَبيه، ولم ينل حظًا من التعليم. وقد ظهرت موهبته الشعرية مبكرة على الرغم من كل العقبات التي صادفته، ذلك أنَّه ولد شاعرا. ووفد ذاتى على الآستانة، وكان يرمى في أول الأمر إلى تولى منصب القضاء بعد أن يتلقى بعض التعليم الذي يؤهله لذلك، ولكن خاب أمله لصممه. وقد حالت هذه العاهة أيضا بينه وبين تسنم أي منصب حكومى، ومن ثم عاش عيشة الشَّاعر الخالى من القيود يتكسب من الهبات التي كان يجود بها عليه السلطان وأعيان البلاد. وقد أهدى قصائد من قصائده لثلاثة سلاطين كتب في عهدهم، وهم بايزيد، وسليم الأول، وسليمان القانونى، فخلعوا عليه الخلع بل أقطعوه أرضًا أخذت منه بعد ذلك لأنه لم يؤد الخدمة العسكرية. وقد أكسبته موهبته الشعرية عددًا كبيرًا من الأصدقاء (كالصدر الأعظم على باشا، وقاضى العسكر مؤيد زاده، والنشانجى زاده جعفر جلبى، والدفتر دار ببرى باشا الذي أصبح صدرا أعظم فيما بعد، وقدرى أفندى وغيرهم). على أن هؤلاء جميعا فقدوا مناصبهم أو قتلوا وتركوه خالى الوفاض، فاحترف

مهنة ضرب الرمل (رَمَّال) وكتابة الأحجبة. واتخذ مقامه أولا في صحن مسجد بايزيد، ثم انتقل إلى جوار حمامات قوجه إبراهيم باشا. وقد جرى صفوة أهل الآستانة على الالتقاء هنالك، ومنهم الشعراء خيالى ويحيى وباقي وغيرهم. وكان ذاتى في يوم من الأيام إمامهم وأستاذهم يعترفون له بالأسبقية والفضل وعاش في فقر مدقع فضلا عن معاقرته للشراب، واشتهر بسرعة البديهة، وكان رفيقًا محبوبا على الرغم من دمامته. وتوفي في رمضان عام 953 هـ (نوفمبر 1546 م) ودفن خارج باب أدرنة. وكان ذاتى شاعرا مكثرا غزير الإنتاج وبعض السبب في ذلك راجع إلى فقره الذي كان يضطره إلى قرض الشعر. ويروى لطيفي أن ذاتى نظم 300 قصيدة في الغزل و 500 قصيدة أخرى، و 1000 منظومة ما بين رباعية وقطعة. على أن ذاتى نفسه يقول إن له 1600 قصيدة في الغزل و 400 قصيدة في أغراض أخرى (نقلا عن قنالى زاده). أما ديوانه الذي جمعه بيرى جلبى فيحتوى على 600 قصيدة في الغزل و 80 قصيدة في أغراض أخرى. وقد نظم ذاتى مثنويين: "شمع وبروانه (هزج) " و"أَحْمد ومحمود". كما نظم "شهرنكبز" الأدرنوى، و"فرخنامه" و"قال قرآن"، و"سيرنبى" و"مولد" و"لغزلر" (وهي في الأحاجى) و"مجمع اللطائف" ومجموعة من الحكايات عن معاصريه ولم يطبع من مؤلفاته شئ. وديوانه نادر جدًا، ومنه نسخة في مكتبة حميدية بالآستانة. ومواهب ذاتى الشعرية العظيمة تحير الألباب لأنه لم ينل حظا من التعليم والثقافة، ذلك أن شعره جياش بالحياة ولغته قوية التعبير غزيرة المعانى وخاصة في خير مراحل حياته. غير أن لغته ضعفت بعد ذلك، وأصبحت متكلفة كما أنَّه أخذ يكرر نفسه. ويُعد هو وأَحمد باشا ونجاتى من أئمة المستعملين للأمثال، كما أن كثيرا من أقواله غدا مضرب المثل.

وذاتى إمام أولئك الشعراء الذين مهدوا الطريق لنشأة الأسلوب الكلاسيكى الكامل الذي سما به باقي إلى الأوج. ثم هو ثالث منشئ للغة الشعر عند العثمانيين، وقد بز جميع أسلافه في قوة اللغة والخيال الشعرى ويجدر بنا أن ننوه برسوخ عقيدته الدينية الذي يتجلى في شعره. وكان ذاتى من أتباع الطريقة الوفائية. المصادر: (1) لطيفي: تذكرة، الآستانة 1314 , ص 156 - 161. (3) سهي: هشت بهشت (تذكرة) 1325 هـ، ص 107 - 108 (3) ضياء باشا: خرابات، 1292 هـ، جـ 3، ص 24 - 27 (4) معلم ناجى: أسامى، 1308 هـ، ص 141 - 142 (5) نفس المؤلف: مجموعة معلم، رقم 16، ص 121 - 122 (6) ثريا: سجل عثمانى، جـ 3، ص 341. (7) قاموس الأعلام، جـ 3، ص 2224. (8) شهاب الدين سليمان: تاريخ أدبيات عثمانيه 1328 هـ، ص 59 - 65 (9) كوبريللى زاده محمَّد فؤاد وشهاب الدين سليمان: عثمانلى تاريخ أدبياتى, 1332 هـ، ص 254 - 258 (10) ف. رشاد: تاريخ أدبيات عثمانيه, 1328 هـ، ص 232 - 245 (11) نفس المؤلف: أسلاف، رقم 54 في خزانة فنون، جـ 2، ص 63 - 64 (12) بروسلى محمَّد طاهر: عثمانلى مؤلفلرى، جـ 2، ص 176 - 177 (13) إبراهيم نجمى: تاريخ أدبيات درسلرى، 1338 هـ، جـ 1، ص 75 - 77 (14): Hammer - Purgstall Gesch, des Osm. Reich, جـ 2 ص 240 - 248. (15): Basmadjian Essai sur' j' histoire de la litteratare turqu الآستانة 1910, ص 44 - 45 خورشيد [منزل Th. Menzel]

ذاتى سليمان

ذاتى سليمان شاعر صوفي عثمانى من أهل غاليبولى وليس من أهل بروسه كما ذكر في كثير من الأحيان، وهو خليفة شيخ إسماعيل حقى. وقد توفي ذاتى سنة 1151 هـ (1738 م) وهو "بوست نشين" التكية الخلوتية في كشان. وخلّف ديوانًا من الشعر الصوفي ورسالة منظومة هي "سوانح النوادر في معرفة العناصر" وقد طبعت هي والديوان معًا. وله أيضًا مؤلفان بالنثر هما "23 أسئلة متصوفانيه جواب نامه" و"مفتاح المسائل". المصادر: (1) بروسلى محمَّد طاهر: عثمانلى مؤلفلرى جـ 2، ص 72 - 73 (2) ثريا: سجل عثمانى جـ 2، ص 342 (3) سامى: قاموس الأعلام جـ 3، ص 2224. خورشيد [منزل Th. Menzel] ذبيان هو ابن بَغيض بن رَيث بن غطَفان ابن سعد بن قيس عَيْلان، وهو أخو عبس وأنمار وبو فزارة وسعد وهاربة البقاع، وكانت مراعى ذبيان شرقى المدينة، وفيها منازلهم مع سائر بنى غطفان بين الحجاز وأجأ وسَلْمى، ويفصل ذبيان عن بنى طى وادي الرَحْبة، وبطنا ذبيان الكبيران هما أشجع وبغيض، وأهم ديار بغيض هي الشرَبَّة والرَبَذَة على مسيرة مائة وثلاثين ميلا عربيا شمالى المدينة (وانظر فيما يختص بالاشتقاقات المنحولة على الاسم "لسان العرب"). تاريخها: اقترن ظهور قبائل ذبيان بحرب داحس والغبراء المشهورة عندما أصبح قيس بن زهير أميرا على بنى عبس، فمال ذبيان إلى حذيفة بن بدر الفزاري، وكان أعظم غطفان جميعا، فأدى ذلك إلى قيام حرب داحس والغبراء بين القبيلتين، ودامت هذه الحرب أربعين سنة، وتشعبت بامتداد الخلاف إلى قبيلتى تميم وعامر بن صعصعة فقد استضافت عامر عبسا

فانحازت ذبيان إلى تميم مع أسد وكانوا أحلاف ذبيان، أما ضبة ورباب فكانا أحلاف تميم. وانفضت هذه الأحلاف يوم جبلة الذي يؤرخه كوسان ده بي سفال في عام 579 م. ثم اختلفت عبس مع أحلافهم بنى عامر وأرادوا العودة إلى أرض غطفان مرة أخرى فتدارك الأمر الحارث بن عوف وهَرم (أو خارجة) بن سنان وأعادا السلم إلى نصابه وأصبحت شَربَّة أهم منازل عبس (انظر معلقة زهير). وبعد أن انتهت الحرب بين عبس وذبيان ثار الخلاف بين غطفان التي كانت قد اتحدت كلمتها وبين خصفة، وشهد مواقعه من غطفان، أشجع وعبد الله ابناه، وشهدها من خصفة، بنو جشم وبنو نصر وبنو عامر، وهم من بطون هوازن، وبنو سليم إخوة هوازن، واستمر القتال حوالي ستة أعوام، وانتهى عندما بدأ سلطان النبي محمد [- صلى الله عليه وسلم -] في الظهور. ودعا النبي - صلى الله عليه وسلم - في السنة الثامنة للهجرة ذبيان إلى الإِسلام فقتلوا رسوله، ولكن الحارث بن عوف دفع ديته ثم دخلت القبيلة في الإِسلام بعيد ذلك. وفي الفتنة التي نشبت بعد موت النبي [- صلى الله عليه وسلم -] انضمت فزارة وغيرها من بطون ذبيان إلى أميرهم عيينة بن حصن، ولما هجم الأعراب على المدينة اشتركت في الغارة غطفان كلها إلَّا أشجع، وقد اجتمعوا في أبرق بناحية الربذة، وهي من ديار ذبيان، إلَّا أن غارتهم باءت بالخيبة وطردوا على يد أبي بكر. ولما عاد أسامة من الشام تم إجلاؤهم، وضمت الربذة إلى المدينة، فانقضوا على طليحة الذي ارتد بدوره إلى بزاخة تتبعه غطفان، واحتمل بنو غطفان، وفزارة بخاصة، عبء القتال في الحرب التي أعقبت ذلك، ولكنهم دحروا على يد خالد بن الوليد وخضعت غطفان مرة أخرى للإسلام، فأمن هؤلاء على حياتهم كما أمن أبو بكر عيينة إلَّا نفرا منهم قتلوا من أسلم من أبناء القبيلة، وروى أن ذبيان اشتركت في يوم مرج راهط عام 65 هـ بين أنصار مروان الأموى وأنصار ابن الزبير (الطبرى، جـ 2، ص 485) ويذكر داوتى Doughty

ذراع

قبيلة صغيرة اسمها ذبيان (زُبيان) تسكن الحِجر. المصادر: (1) الطبرى: جـ 1، ص 1872 وما بعدها. (2) ابن عبد ربه: العقد الفريد، طبعة القاهرة 1305 هـ، جـ 3، ص 49 وما بعدها. (3) Caussin de Perceval جـ 2، ص 409 وما بعدها. (4) الهمذانى: صفة جزيرة العرب، طبعة مولر، ص 131، س 7 وما بعده، وانظر أَيضًا مادة غطفان. يونس [فاير T.H. Wier]. ذراع الذراع في الأصل هي جزء اليد الممتد من المرفق إلى نهاية الإِصبع الأوسط, ومن ثم المقياس المعروف. والمقياس الذي يتألف من ست قبضات يسمى ذراع العامة، أما الذي يتألف من سبع قبضات فيسمى ذراع الملك نسبة إلى ذراع أحد ملوك الفرس الذي كان من سبع قبضات. والذراع أيضا تلك الأداة من الخشب أو الحديد التي يقاس بها طول الذراع. وتطلق الذراع على القوائم الأمامية للبقر والأغنام والماعز، أي الجزء الذي فوق الكراع، وعلى قوائم الجمال والخيل والبغال والحمير، أي الجزء الذي فوق الوظيف. ويطلق أيضا على الوشم يدق فوق هذا الجزء من القوائم اسم الذراع. ويقال إن بنى ثعلبة وبنى مالك بن سعد كانوا يستعملون هذا الوشم. ثم إن الذراع يطلق على كوكب من كوكبة الجوزاء. الشنتناوى [فولتن A.S.Fulton] الذرة شئ صغير جدًا كالنملة أو دقيقة الغبار، وقد استعملت هذه الكلمة في القرآن للدلالة على كمال عدة صفات من صفات الله، مثال ذلك كمال عدله {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا} (سورة النساء، الآية 44؛ (¬1) سورة ¬

_ (¬1) رقم الآية في المصحف العثماني 40.

الذكر

الزلزلة، الآية 7 - 8)، وكمال علمه { ... وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} (سورة يونس، الآية 62 (¬1) سورة سبأ، الآية 3؛ سورة الأنعام، الآية 59 (¬2) وعظمة قدرته {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ} (سورة سبأ، الآية 20). (¬3) وجاء في شرح الزمخشرى على سورة النساء الآية 40، أن الذرة هي نملة صغيرة، وقد وردت في هذه الفقرة كلمة نملة بدلا من كلمة ذرة. ويقول ابن عباس إن الذرة هي ما يحصل عليه المرء إذا غمس يده في التراب ثم نفخ فيها. وكلمة atom هي أحسن ترجمة لكلمة ذرة العربية، غير أن كُتّاب العرب لم يستعملوا ذرة بالمعنى الفلسفي بل استعملوا كلمة جزء. الشنتناوى [كارادى فو B. Carra de Vaux] الذكر بالقلب، ومعناه إحضار الشئ في الذهن. والذكر باللسان ومعناه التلفظ بالشئ. وتنطق هذه الكلمة في الاصطلاح الديني (ذِكر) (¬4) وهي تمجيد الله سبحانه وتعالى بعبارات محددة معينة تردد بحسب ترتيب الشعائر، ويكون ترديدها جهرة أو سرا. والذكر في الجهر ذكر جلى، وفي السر ذكر خفي. وثمة خلاف كبير حول أفضلية أحدهما على الآخر. والذكر بهذا المعنى يعتمد اعتمادا كليا على القرآن الكريم (سورة الأحزاب، الآية 41) {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا} وكثيرا ما يستشهد في ذلك بحديث عن النبي [- صلى الله عليه وسلم -]: "لا تجلس جماعة تذكر الله إلَّا وتحيط بهم الملائكة، وتشملهم رحمة الله، والله تعالى يذكرهم مع من معه ¬

_ (¬1) رقم الآية في المصحف العثماني هو 61. (¬2) ليس في سورة الأنعام آية فيها كلمة "ذرة" بل ليس في القرآن آية فيها هذه الكلمة سوى الآيات الست التي ذكرها الكاتب قبل هذه الآية وبعدها. ولكن فحوى يشتمل على المعنى المراد (¬3) رقم الآية 22. مهدى علام (¬4) أورد كاتب المقال هذه الكلمة بالزاى، والظاهر أنه أخذ في ذلك بالنطق العامي.

(انظر فيما يختص بالتطور القديم لممارسة الأفراد أو الجماعات للذكر: Goldziher في Wiener zeitscher ج 13، ص 35 وما بعدها). ولما قامت جماعات المتصوفة المتأخرين وتحددت شعائرهم أصبح الذكر ركنًا من أركان كل طريقة، وهو ترديد للعبارات الآتية وأمثالها مرات كثيرة جدا: وهي: "لا إله إلا الله، سبحان الله، الحمد لله، الله أكبر، أستغفر الله" وكذلك أسماء الله الحسنى. وربما صحب الذكر أغان صوفية، كما يصحبه الرقص والنقر على شتى أنواع الدفوف والنفخ في النايات. أما الذكر في الحضرة التي تعقد بانتظام في الزاوية أو التكية يوم الجمعة والتى يتعين على الدراويش جميعًا أن يؤموها فقوامه شهادة ألا إله إلا الله، ويسمى ذكر الجلالة، وذكر الحزب أو النصيب في مصطلح أصحاب الطريق، وهو يتألف من مختارات مطولة من القرآن الكريم والأدعية الأخرى. وثمة ذكر أبسط من هذا هو ذكر الأوقات، وهو عبارات مصطلح عليها يرددها أصحاب الطريقة عقب كل صلاة أو مرتين في اليوم على الأقل. وهناك اصطلاح آخر يستعمل في هذا المقام هو الوِرْد، ومعناه عند الصوفية الوصول، ويطلق على دعوة قصيرة يصوغها أحد مؤسسى الطريقة، وتعد تلاوتها الآن عملًا من أعمال التقوى، والحزب والورد يدلان من ناحية أخرى على أجزاء من القرآن أو الصلاة تتلى في أوقات بعينها (Lexicon: Lane, تحت مادتى حزب وورد) ولكل طريقة ذكر خاص بها أنشاه مؤسسها وفرضه على أتباعه، ولكن هذا الذكر يجوز أن يعدله الشيخ أو المقدم بحسب ما يتراءى له. (انظر فيما يختص بمعانى كلمة ذكر الثمانية عشرة التي استنبطها الفقهاء من القرآن ومدلولاتها الأخرى وشأنها عند السالكين: كشاف اصطلاحات الفنون للتهانوى، ج 1، ص 512؛ وانظر عن الأذكار Modern Egyptians: Lane ويمكنك أن تستعين في ذلك بفهرس هذا الكتاب، وانظر عن تخليص الذكر من شوائب الخرافة، كتاب التعليم والإرشاد، ص 63 وما بعدها. وهو كتاب لمشايخ الطرق الصوفية ومريديهم ألف بتوجيه البكرى الشيخ الحالى) (¬1). ¬

_ (¬1) كان ذلك وقت كتابة هذا المقال. والمقصود هو السيد عبد الحميد البكرى.

المصادر

المصادر: (1) musulmanes du Hedjaz Les Confreries: A.Le Chatelie باريس 1887. (2) freries religieuses Muslmanes Les Con-: Depont et Coppolani الجزائر 1897. (3) Vorlesungen: Goldziher في الفهرس، تحت مادة ذكر. (4) The Derwishes or J.P. Browne Orintal Spiritualism لندن 1868. (5) Dictionary of Islam: Hughes . مادة ذكر. (6) in Islam titude and life Macdonald Religious At.-: D.B. شيكاغو 1909 في الفهرس، تحت مادتى درويش وذكر. يونس [مكدونالد D.B. Macdonald]. ذمار ذَمَار أو ذِمار أو دَمار وهي في نقوش سَبأ) وهي مخلاف ومدينة في اليمن إلى الجنوب من صنعاء. وكان مخلاف ذمار خصبًا جدًا به حقول القمح الغناء والبساتين الفيحاء والقلاع والقصور القديمة، وقد سمى لخصب تربته مصر اليمن. واشتهرت خيل ذمار في طول اليمن وعرضها بأنها الخيل العتاق. ومن المواضع التي قيل إنها تدخل في مخلاف ذمار: أضْرِعَة، وبلد عَنْس، وبَرَدّون، والدرب، ودَلان، وذَموران (ويقال إنه ليس في أرض اليمن أحسن وجوها من نساء دلان وذموران) وذو خُزُب، والتَلَبُّع، والتُنَن، وثمَر، ورخَمَة (عند الهمدانى رجمة) والسمعانية، وسنَبَان، وشَوكان، والعجلة، والعَشة، والقطائط، وقَعَره، وقُنبَّة، ومُخْدرَة، والَمّلة العليا والملة السفلى، ونَهْرَان، واليفاع. ومن أوديتها: بَنَا، وخُبان، وسُرْبة أو سرَبة (وهو واد كبير حافل بطواحين المَّاء) وشُراد، وماوة. ومن جبالها إسْبِيل (وبالقرب منه على أكمة أسى السوَداء نبع حار يقال له حمام سليمان (¬1) والناس يستشفون به من الأوصاب والجرب) وصَيْد (وهو جبل ¬

_ (¬1) هكذا في الأصل وهو عند الهمداني، صفة، ص 104 ولكن وردت في ياقوت ج 1، ص 239" .. وبين اسبيل وذمار أكمة سوداء بها جمة يقال لها جمام سليمان".

المصادر

عال جدًا في رأسه قلعة يقال لها سُمارة) ومن حصونها بَرْع، وحيَاوه، ودَثَر، والرَّبْعة وعَوَادنَ، وعُيَانة، والكَوبَة، وهِرّان وبَيْنون، وهكِرةَ. وكان الاعتقاد السائد أن آثار عرش بلقيس كانت غير بعيدة من ذمار، وهي عمد متعددة دونها مياه كثيرة جارية، ولا يقدر أحد على خوض تلك المياه، وما خاضها أحد إلا عدم. ولم يعثر الرائد نيبور Niebuhr الذي زار ذمار على أثر لذلك العرش. وجرت العادة بأن تكون مدينة ذمار قصبة الفرقة الزيدية، وكانت فيها مدرسة مشهورة يؤمها خمسمائة تلميذ منهم علماء جد مشاهير. وكان بين سكانها كثير من اليهود والبانيين. ولما سقطت مملكة الأئمة الزيدية في صنعاء، فقدت ذمار مكانتها، وهي الآن بلد خامل ضئيل الشأن. المصادر: (1) الهمدانى، صفة جزيرة العرب، طبعة مولر، ص 55، س 5، ص 80، س 15 - 21. ص 104، س 1 - 20، ص 107، س 26، ص 135 س 3. (2) ياقوت: معجم البلدان طبعة فستنفلد ج 1، ص 239، 305، 556, 568، 864، 881، 935، ج 2، ص 70، 374، 550، 582، 721، 771، ج 3. ص 140، 337، 441، 640، 681، 740، ج 4، ص 132، 145، 182، 346، 440، 639، 830، 875، 958، 979، انظر الفهرس. (3) المكتبة الجغرافية العربية طبعة دى غوى ج 3، ص 70, 112. (4) المكتبة الجغرافية العربية طبعة دى غوى ج 6، ص 138، 139، 143. (5) Arabien Beschreibung von: k . Niebubr كوبنهاغن 1772، ص 235. (6) Erdkunde: k. Ritter ج 12، ص 240، 241، 256، 726، 733، 818 - 819. (7) graphie Arabiens Die Alte Geo- A. Sprenger ص 73, فقرة 83، 84.

ذو الرمة

(8) Sudarabien Reise nach: H.V. Maltzan برنشفيك 1873 م، ص 399. يونس [شليفر J. Schleifer]. ذو الرمة شاعر عربى من قبيلة بنى عدى، اسمه غيلان بن عقبة بن مسعود (أو بهيش) وأمه تدعى ظبية، وهي من بنى أسد. وكان ذو الرمة معاصرًا لجرير والفرزدق، وقد انحاز إلى جانب الفرزدق في نقائض هذين الشاعرين دون أن يبرز فيها. وهجا أيضًا قبيلة امرئ القيس التي وجدت نصيرها في الشاعر هشام. وكان هشام لا يجيد غير الرجز الَّذي لم يكن يستطيع به أن يناقض ذا الرمة بشعره الجيد القافية، فلم يجد الفرزدق بدا من نصرة هشام، ولكنه انحاز بعد ذلك إلى جانب ذى الرمة. ومدح ذو الرمة بلالًا بن أبي بردة حفيد أبي موسى الأشعرى، وكان لأبي موسى في أذرح، كما هو معروف مشهور، موقف لا يشرف صاحبه بحال، ولكن هذا لم يحل بين الشاعر وبين إظهار صنيع ممدوحه في أذرح بأنه فخر لذريته. وقد تغزل ذو الرمة أول الأمر في بدوية اسمها "مَيَّة". وكان من أشهر عشاق العرب، وقد روى أنها أبت عليه في غلظة أن يتغزل فيها، وذلك بأمر بعلها، فتوجه بغزله إلى امرأة أخرى تدعى "خرقاء"، ولكنه مات بعد ذلك بالجدرى، كما تذهب إلى ذلك بعض المراجع. وتاريخ وفاته غير محقق، فابن خلكان يقول إنه مات عام 117 هـ (735 - 736 م)، ويقول غيره إنه توفى عام 101 هـ (719 - 720 م) ويذكر كتاب الأغانى في رواية أنَّه توفى أيام الخليفة عبد الملك، ولم يكن ذلك بعد عام 86 (705 م) بطبيعة الحال، ولكننا إذا علمنا أن بلالًا الَّذي ورد ذكره على أنَّه من ممدوحى ذى الرمة كما يروى الطبرى، قد نصب كبيرا للشرطة في البصرة عام 109، وقاضيا عام 111 , ونائبًا لعاملها عام 118 (وقد ظل في هذا المنصب إلى عام 120 هـ) فإنه يتضح لنا أن ذلك التاريخ المبكر لوفاة الشاعر واضح البطلان،

ولعل الأمر يقتضينا أن نحل في كتاب الأغانى اسم هشام بن عبد الملك محل عبد الملك، كما يجب أن نفعل ذلك في موضع آخر. إذا صح هذا الاحتمال بقى عام 117 هـ الَّذي يتفق تمام الاتفاق مع علاقة ذى الرمة ببلال. وتجمع المصادر كلها على أنه توفى في عنفوان حياته أي في الأربعين من عمره) وأنه دفن في الصحراء غير بعيد من البصرة. ولعل قصة دفنه في الصحراء خرافة، ولكن من المحقق أنها تتفق كل الاتفاق وخلق الشاعر. فقد كان ذو الرمة بدويًا قحًا في مظهره وعاداته ومُثُله، وهذه البداوة ظاهرة في أسلوب شعره ظهورًا لا يقل عن ذلك، وإنما تنحصر قدرته كما يذهب إلى ذلك النقاد العرب في براعته في التشبيه، ويعده حماد الراوية كامريء القيس في هذا المضمار، وقد كان بارعًا بنوع خاص في وصف "الرمال والرمضاء والبادية والصحراء وقمل الناقة والحيات" (ابن قتيبة) وتُصور أوصافه للطبيعة دائمًا بأنها أخاذة. ويقول أبو عمرو إن ذا الرمة كان آخر الشعراء (أصحاب القصائد) كما أن رؤبة كان آخر أصحاب الأراجيز، ولكنه قصر في نظم المديح الجيد والهجاء اللاذع، وأضر ذلك به من ناحيتين، فإن أدباء العرب انكروا عليه الفحولة بل انكروا أن يكون شاعرًا مفلقًا بوجه عام (حكم الأصمعى) كما أنه قضى حياته فقيرًا - ولعل ذلك كان أسوا بالنسبة له - وإن كان محتالًا سيئ السمعة. وكان يخالط أهل المدر، ويذهب إلى الكوفة والبصرة ليأخذ بنصيبه في ولائم العرس، (الأغانى). ويجب أن نضيف استكمالا لوصف أخلاقه أنَّه سطا على شعر من سبقوه بل من عاصروه اشنع سطو. وشكا رؤبة بنوع خاص من انتهابه لشعره، ويقال إنه اغتصب قصائد برمتها نظمها إخوته، إلا أن من الانصاف له أن نشير إلى أن الفرزدق سرق من ذى الرمة أبياتا بعينها "وكانت أجدر به" ولعل العرب كانوا وقتذاك أكثر تسامحا في نسبة الآثار الأدبية لأصحابها مما هم عليه الآن. وخلاصة القول إن ذا الرمة كان أدنى إلى الناظم والمصنف منه إلى

المصادر

الشاعر، وإنه لم يولد شاعرًا. وقد اعترف بذلك كما تقول المصادر العربية. وقد نبئنا أيضًا أنَّه كان يستطيع الكتابة. ويروى أنَّه أخفى هذه الحقيقة في واقع الأمر لأنها كانت تعد منقصة في نظر البدو أو لعلها كانت كذلك بين الشعراء القدامى). وكان إلى جانب هذا كله على علم كبير بالشعر القديم واللغة، كما أظهر ذلك أكثر من مرة، وكان من عادته أن يميز بين جيد الشعر ورديئه، وأن يبين معنى الغريب من الكلمات إلخ .. وكان له شأن كبير عند الغربيين لأنه كان حجة في لهجات البدو، ويذكره ياقوت مرارا في "معجم بلدانه" لورود أسماء كثير من المواضع في شعره. المصادر: (1) كتاب الأغانى (الطبعة الأولى) ج 5، ص 172 , ج 7، ص 61 - 63؛ ج 15 ص 125 و 166، ج 16، ص 110 - 127، ج 17، ص 153. (2) ابن قتيبة: كتاب الشعر، ص 29، 41، 333 - 342. (3) الطبرى: (طبعة دى غوى) انظر الفهرس المشتجر، وانظر تحت اسم بلال بن أبي بردة. (4) ابن خلكان (طبعة فستنفلد) رقم 534 (ترجمة ده سلان) ج 2، ص 447. (5) ياقوت: المعجم (طبعة فستنفلد) ج 1، ص 147 إلخ. (6) De Dsur' Rumma Poeta: Smend (Diss: Bonn 1874) ص 1 - 2. (7) Gesch. d. Arab.: Brockelmann Litter . ج 1، ص 58 وما بعدها. (وقد ورد فيه عام 107 على أنَّه عام وفاته، وهو خطأ مطبعى صحته 101). (8) abischen Abhandlungen zur Ar-: Goldziher، ج 1، ص 82، 94 وما بعدها، 137 التعليق، 210 وما بعدها. (9) المؤلف نفسه Studien Muhamedanische ج 1، ص 112. يونس [شاده A.Schaade].

ذو الفقار

ذو الفقار اسم السيف المشهور الذي غنمه النبي - صلى الله عليه وسلم - في غزوة بدر، وكان يملك هذا السيف رجل من الكفار يدعى مُنَبِّه بن الحجاج، وللسيف ذى الفقار صلة بعبارة "سيف مُفَقّر، وقد ذكر في عدة أحاديث جمعها محدثون أمثال ابن سعد (ج 2، ص 2 في آخر الصفحة تقريبًا) في الشمائل في الباب الخاص بسيوف النبي - صلى الله عليه وسلم -، وجاء في حديث من هذه الأحاديث أن السيف عليه كتابة تشير إلى دية القتل تنتهى بعبارة "لا يقتل مسلم بكافر". وكانت جودة هذا السيف مضرب المثل في الحجاز حتَّى قيل "لا سيف إلا ذو الفقار" وهذه الكلمات شائعة جدًا، وهي تنقش إلى يومنا هذا في جميع أنحاء العالم الإسلامى على سيوف القرون الوسطى المزينة بالنقوش الجميلة. وانتقل السيف من النبي [- صلى الله عليه وسلم -] إلى علىِّ ثم آل بعد ذلك للخلفاء العباسيين. ولا شك في أنَّه كان ذا حدين شأن السيوف العربية القديمة جميعًا، فلما غلب على الناس في العصور المتأخرة اتخاذ السيوف ذوات الحد الواحد توهموا أن ذا الفقار كانت له ذؤابتان. ومن ثم فهو يبدو كثيرًا بهذا الشكل في الحلى التي تتخذ في الفن. وأخيرا أصبح ذو الفقار اسما يطلق على الرجال، وخاصة بين الشيعة. المصادر: Die Waffen der: F.W. Schwarzlose alten Araber، ليبسك 1886 ص 152. خورشيد [متفوخ Mittwoch E.]. ذو قار اسم مجرى من الماء في منازل بكر ابن وائل بين واسط والكوفة، وقد نسب إليه يوم من أيام العرب وقع بين هذه القبيلة والفرس، وكانت الغلبة فيه لبكر. وهو يعد من أشهر أيام العرب وأمجدها. وتختلف الروايات في ذكر تاريخ هذا اليوم، فبعضها يقول إنه كان في اليوم الَّذي ولد فيه النبي [- صلى الله عليه وسلم -]. على أن أغلبها يذكر أنَّه لم يقع إلا بعد غزوة بدر.

المصادر

ويروى أن محمداً [- صلى الله عليه وسلم -] قال في ذلك "اليوم أول يوم انتصفت فيه العرب من العجم وبى نصروا". ويفرق كثير من الأخبار بين وقعتين عرفتا بهذا الاسم، ثم إن يوم ذى قار ينسب أحيانًا إلى أماكن أخرى بالقرب من ذى قار حدث فيها قتال. وقد توسع توسعًا كبيرًا في الروايات القديمة عن هذا اليوم فأضيفت إليها مادة جديدة، وهذا هو عين ما حدث بالنسبة للأيام التي كانت بين بكر وتغلب. ومن ثم نشأت القصة الشعبية المعروفة بكتاب حرب بنى شيبان مع كسرى أنو شروان (طبعة بومباى 1305 هـ). المصادر: (1) الطبرى: تاريخ ج 1، ص 105 - 1016، 1028، 1037. (2) ابن عبد ربه: العقد الفريد، بولاق 1302 هـ، ج 3، ص 115 - 119. (3) البكرى: Geogr.Worterbuch. طبعة 4 Ferd. Wustenfeld كوتنكن 1887,ج 2، ص 723 - 724. (4) الميدانى: مجمع الأمثال، القاهرة 1284. ج 2، ص 325. (5) verbia Arabum Pro-: G. W. Freytag، بون 1843، ج 3، ص 557. (6) ياقوت: المعجم، طبعة فستنفلد، ج 4، ص 10 - 12. (7) ... anorum Proelia Arabum Pag-: Mittwoch (رسالة قدمت لجامعة برلين سنة 1899, ص 8). خورشيد [متفوخ E. Mittwoch]. ذو القرنين اسم يطلق دائما على الأشخاص الوارد ذكرهم فيما بعد، وخاصة على الشخص الثالث. ويرجع هذان القرنان إلى فكرة أسطورية قديمة. فنجد مثلا أن نارام سن Naram-Sin، يصور على شكل الإله أداد (¬1) ويجعل له قرنان (في لوحة السوس؛ انظر Fouilles a Suse ج 1، لوحة رقم 10). وقرنا جوبيتر أمون معروفان تمام المعرفة. أما الاسم ذو القرنين الَّذي لم يكن معناه الحقيقى معروفا للعرب، فقد اختلفوا في تفسيره أشد الاختلاف، بل كثيرًا ما فسروه ¬

_ (¬1) أداد إله الريح والعاطفة عند البابليين.

تفسيرًا عجيبًا، وهو يطلق على الأشخاص المذكورين بعد: 1 - المنذر الأكبر ابن ماء السماء جد النعمان بن المنذر، ويقال إنه لبس ذؤابتين طويلتين معقوصتين من الشعر على جبينه، ومن ثم عرف باسم ذى القرنين. وجاء في تفسير ابن دريد أنه هو ذو القرنين المشار إليه في البيت رقم 60، ص 3 من ديوان امرئ القيس (Ahlwardt Six Divans: ، ص 158). أصد نشاص ذى القرنين حتَّى تولى عارض الملك الهمام ويرى فنكلر Winckler في ذى القرنين هذا أنَّه إله الرعد. 2 - تُبَّع الأقرن، أو ذو القرنين، أحد ملوكُ بلاد العرب الجنوبية، وهو في تفسير بلاد العرب الجنوبية ذو القرنين الَّذي ذكر في القرآن (انظر رقم 3). 3 - الإسكندر الأكبر، وهو إلى الآن أكثر الشخصيات التي تعرف بذى القرنين، بل هو قد ذكر في القرآن بهذا الاسم (سورة الكهف الآية 82) (¬1) وما بعدها) أخذا بصورته الأصلية الواردة في الأسطورة السريانية التي ظهرت في القرن السادس للميلاد، والتى جاء فيهما أن الاسكندر خاطب الله سبحانه وتعالى قائلا: "إنى أعلم أنك جعلت قرنين ينموان فوق رأسى حتَّى استطيع بهما القضاء على ممالك العالم" وقد بيَّن نولدكه أن الأسطورة السريانية هي أصل عبارة "ذى القرنين" الواردة في القرآن. وإنى لأذكر فيما يلي بعض التفسيرات التي قال بها العرب بصدد إطلاق اسم ذى القرنين على الاسكندر: كان للإسكندر زائدتان من لحم في جبينه، كما كانت له ذؤابتان جميلتان (قرن- ذؤابة) وقد انحدر من أبوين شريفين. وقيل لأنه كان انقرض في وقته قرنان من الناس وهو يحيى، وقيل لأنه أعطى علم الظاهر والباطن، وقيل لأنه دخل النور والظلمة. 4 - علي بن أبى طالب، وقلما يطلق عليه اسم ذى القرنين. ¬

_ (¬1) رقم الآية في المصحف العثمانى في 83.

المصادر

المصادر: 1 - لسان العرب: ج 2، ص 211. (1) Arabisch-Semitisch: Winckler Mitteliugen der Vor-) orientalisch ,.derasiatischen Gesell سنة 1940، ص 4) ص 138 وما بعدها. (2) Sudarabische Sage Uber die: A.V.Kremer ليبسك 1866، ص 70 وما بعدها. (3) - chichte des Alexanderromans, Denks Beitrage zur Ges-: Noldeke. chriften der Kais. Akademie der Wis- senschaften (Phil-Hist. Klasse, 38 senschaften (Phil-Hist. Klasse, 38.-.vol.,)Wlen 1890 v. Abhandlung. ص 27, 32. 2 - لسان العرب، ج 17، ص 210 وما بعدها. (1) الثعلبى: قصص الأنبياء، القاهرة سنة 1310 ص 226. (2) المسعودى، مروج الذهب ج 2، ص 248 - 249. 3 - القاموس، مادة قرن. الشنتناوى [متفوخ E. Mittwoch]. ذو الكفل شخص ذكره القرآن (سورة الأنبياء، الآية 85؛ سورة ص، الآية 48) في كلامه عن طائفة من الأنبياء يحيط بحقيقة أشخاصهم غموض وشك (¬1). وليس لدى مفسرى المسلمين عن ذى الكفل إلا فكرة مبهمة أشد الابهام، ومعظم الأشخاص الذين قالوا إنهم ذو الكفل نفسه ورد ذكرهم في التوراة مثل يوشع وأليسع وزكريا أو حزقيل. وذو الكفل اسم النبي الَّذي يسمى باسمين مثله في ذلك مثل أربعة أنبياء آخرين هم يعقوب، ويقال له إسرائيل؛ ويونس ويقال له ذو النون، وعيسى ويقال له المسيح؛ ومحمد - صلى الله عليه وسلم - ويقال له أحمد، وقد توسع في هذه الفكرة توسعًا واضحًا (انظر الطبرى: تاريخ، ج 1، ص 364؛ مجير الدين: الأنس الجليل، ص 68) فروى أن ذا الكفل لقب ¬

_ (¬1) ليس ثمة غموض أو شك في غير ذى الكفل؛ ومع ذلك فقد ذكر كثير من المفسرين أن ذا الكفل هو حزقيل، وقد ذكر نيبور الرحالة أن العرب تسمى حزقيل كفل (انظر Nieubur: Travels,ii) د مهدى علام

لبشر (وتقول بعض المصادر مثل تاج العروس: بشير) ابن أيوب الَّذي اختاره الله نبيا يهدى قومه الكفار (أو الملك كنعان) في الشام حيث قضى معظم حياته وتوفى في سن الخامسة والسبعين. أما القصة التي رواها ابن إياس والتى تقول إن أبناء أيوب شنوا الغارة على الملك الوثنى لام بن دعام، وكانوا قد رفضوا أن يزوجوه أختهم، وإن بشرا قد أسر فقصة فريدة قائمة بذاتها. وقد أبي هؤلاء الإخوة أن يفتدوا بشرًا، فرماه الملك في المحرقة، ولكن الله وقاه شر الموت حرقًا على النحو الَّذي وقى به إبراهيم من النار التي هدده بها نمروذ، وعندئذ ارتد لام وقومه جميعًا عن دينهم ودخلوا في دين بشر. على أن كتب الأحاديث الصحاح لم ترد فيها آية إشارة إلى ذى الكفل، وهذا يدل على أن نقدة الحديث لم يحفلوا في قليل أو كثير بالقصص الكثيرة التي تروى عنه، ومن هنا نشط القصَّاص إلى تلمس أسباب تسمية ذى الكفل، وذلك باختراع اشتقاقات تتصل كلها بالمعانى المختلفة لكلمة كفْل وبأصل الفعل كفل. وبدءوا بأول هذه المعانى وهي "العهد" أو "الضمان" فقيل إن ذا الكفل تعهد لأليسع (وفى رواية بعض المصادر كالبيضاوى أنَّه كان ابن عمه) بأن يخلفه علي بني إسرائيل على أن يتكفل له بثلاث: يصوم النهار، ويقوم الليل، ولا يغضب، وقد وفى ذو الكفل بعهده بالرغم من إغواء الشيطان له. وجاء في قصص بشير أنه أعطى الملك الوثنى كنعان عهدا مكتوبًا بدخول الجنّة إذا هو اهتدى، أو أن هذا العهد كان ضمانًا بدفع فدية لام، وثمة قصص أخرى تتصل بمعنى "كفْل" أي "ضعْف". ذلك أن ذا الكفل قَد نعم بما أفاءه الله عليه من مضاعفة جزائه لأنه قد ضاعف من عمل الصالحات. ثم إن الاسم يتصل بـ "تَكَفَّل" في قصة تقول إن حامل هذا الاسم قد تكفل بسبعين أو مائة من بني إسرائيل أو من الأنبياء اضطهدهم ملك جبار. وقد رأى كيكر Was hat Moh. aus dem Ju- A. Gieger)؟ dent aufgenommen الطبعة الثانية، ليبسك 1902، ص 192) أن هذه

القصة، صدى لقصة عبديا (سفر الملوك الأول، الإصحاح 18، آية 4). والكفل أيضًا اسم حُلة (وله صلة بمعنى ضاعف) فهو عباءة سمكها مضاعف. وقد كان النبي [- صلى الله عليه وسلم -] يرتدى عباءة من هذا القبيل، وقد اجتهد بعضهم في أن يربط بينها وبين ما جاء في سفر الملوك الثانى، الإصحاح الثانى، الآية 8 (أليسع، ويجلوم؛ - Ein Mu hammedanischer Katechismus. بقلم محمد مسعود، طبعة F.C.Ardreas، بوتسدام 1910). زد على ذلك أن ذا الكفل ولى آخر يحمل الاسم نفسه ذكره ابن الأثير (المرصَّع طبعة سيبولد، ص 190، السطر الرابع من أسفل الصفحة وما بعده) على أن الثعلبى قد ربط قصته بالنبى ذى الكفل. كان هذا الولى في أول أمره من الخاطئين. فقد استغل حاجة امرأة فاضلة وأغراها بالإثم، غير أنَّه استعصم بالرغم من تسليمها في الظاهر له، وعاد إلى العفة والصلاح، فضاعف الله له أجره استنادًا إلى المذهب القائل بأن "التائب عند الله أحسن من العابد" (التلمود البابلى: براخوث، 34 ب، سفر متى، الإصحاح 18، الآية 3، سفر لوقا؛ الإصحاح 10، الآية 7). وهذا الطراز من الرجال يتردد في كثير من الأحيان بهذه الصورة الأخلاقية في قصص المشرق التي قصد بها إلى التهذيب والإرشاد (مثل القصة اليهودية ناتان ده صوصيثا، والقصة الإسلامية "تزيين الأسواق بتفصيل أشواق العشاق" لداود الأنطاكى (طبعت على الحجر في القاهرة سنة 1279 هـ) ص 354؛ وهذا الطراز ممثل أيضًا بعض التمثيل في "سندبان" التي نشرها Baeathgen في Zeitschr. d. Deutsch.Morgenl. Gesellsch ج 65، ص 287). ويتضح من القصص التي ذكرناها أن المسلمين اختلفوا في شخصية ذى الكفل فقالوا إنه نبى، وقالوا إنه ليس إلا عبدًا صالحًا. وإنما يستند أصحاب الرأى الأول على ما جاء في سورة الأنبياء عن ذى الكفل. وقد عينت الروايات الإسلامية المحلية قبورًا وأضرحة لذى الكفل في شتى البقاع الإسلامية المحصورة بين

فلسطين وبلخ (انظر الإشارات إلى هذه البقاع في Nedromah et les: R. Basset Trarras باريس 1901. والحواشى التي كتبها صاحب هذا المقال في Revue de I'Histoire des ReliRions، ج 45، 1902 م، ص 219) على أن ثمة مكانين بالذات من هذه الأمكنة تربطهما الروايات الإسلامية بذى الكفل ربطا فيه شيء كثير من الترجيح. أحدهما نسى الآن ما قيل من اتصاله بذى الكفل استنادا إلى ما جاء في بحث Clermont Ganneau (البحوث الأثرية في فلسطين، ج 2، ص 308) وهذا المكان هو قبة النبي ذى الكفل في كَفل حارس (وهو مأخوذ من كفر حارثَ، وقد ذكر هذا الاسم أيضًا بصيغته القديمة في مجير الدين: الأنس الجليل، ص 78، س 7، وفى تاج العروس، ج 8، ص 99، س 15) بالقرب من نابلس في الناحية التي عينت فيها قبور كثير من الأنبياء (انظر Zeitschr. d. Deutsch. Pal. Ver, ج 2، ص 15) ويبرز في هذا الصدد القول بأن ذا الكفل هو بشر بن أيوب (انظر ما أسلفنا بيانه) وينسب السامريون هذه القبة لكالب صاحب يوشع بن نون. وثمة قبر آخر أعظم من هذا، وقد ظل شأنه باقيا إلى العصور الحديثة، وهو قبص ذى الكفل في كَفِل (ويؤثر ماسينيون النطق به كيفِل) التى عرفت قبل ذلك ببر (بير) الملاحة على الضفة اليسرى لقناة الهندية جنوبى الحّلة في العراق (من أعمال ولاية بغداد، لواء كربلاء، في قضاء الهندية) ويشار في هذه النواحى إلى قبور كثير من الأولياء يجلهم الناس، وكان اليهود بلا شك أول من قدسهم (ياقوت، ج 2، ص 294). وما من ريب أن أحد هذه القبور هو قبر حزقيل الَّذي يزوره الناس ويقدسونه منذ القدم (انظر عن مكانة هذا القبر عند اليهود المصادر الواردة في - Jewish En cyclopaedia، ج 5، ص 316, ومنها وصف الرحالة الريجنسيرجى بتاخياه (القرن الثانى عشر) فهو يزودنا بوصف طريف لآيات التبجيل التي يظهرها المسلمون نحو هذا القبر (Tour du Monde ou Voyages: ECarmoly du Rabbin Pétachja de Ratisbonne باريس 1831 م، ص 45 وما بعدها) وقد أدخل المسلمون أيضًا هذا المكان المقدس عند اليهود في نطاق حرماتهم

المصادر

ووصلوه بشخص ذى الكفل. وحدث في عهد ألجايتو خدابنده (700 هـ = 1300 م) أن حاول نقيب الأشراف المتعصب تاج الدين أبو الفضل أن يمنع اليهود من زيارة هذا الحرم الَّذي شيدوه، وأخرجه من نطاق سيادتهم الدينية بوصفه مزارًا للمسلمين فحسب. وقد اتخذ منافسه الوزير رشيد الدين ذلك ذريعة إلى إسقاط غريمه والتسبب في قتله) Histoire des Mon-: : Quatremere gols de la Prese، باريس 1836 - 24 وما بعدها). المصادر: (أ) القصة: تفاسير الآيات القرآنية المشار إليها آنفا وبخاصة: (1) الطبرى: التفسير، ج 17، ص 52 - 54. (2) الزمخشرى: الكشاف، القاهرة 1307 هـ، ج 2، ص 53. (3) فخر الدين الرازي: مفاتيح الغيب، طبعة بولاق 1829 م، ج 6، ص 185. (4) الطبرى: التاريخ، ج 1، ص 364. (5) الثعلبى: العرائس، القاهرة، الميمنة 1312 هـ، ص 154 - 155. (6) ابن إياس: بدائع الزهور في وقائع الدهور، القاهرة , 129 هـ -، ص 96. (7) تاج العروس، ج 8، ص 99، مادة كفل. (8) مطهر بن طاهر المقدسي (المنحول على البلخي) وقد جمع شتى الأقوال في ذى الكفل في مؤلفه كتاب المعانى (- Livre de la Creation et de I'His toire' طبعة إيوار، ج 3، ص 100، سطر 3 من أسفل الصفحة). (ب) القبر: (1) Reisebeschreibung . Niebuhr .narh Arabie etc كوبنهاجن 1778 م، ج 2، ص 264 - 266. (2) Layard Babylon: & Niniveh لندن 1853، ص 500 - 501. (3) Expedition Scien-: Jules Opperte tifique en Mesopotamie ج 1، باريس 1863 م، ص 343 - 246.

ذو النون

(4) الأب أنستاس الكرملى في مجلة المشرق، ج 2، ص 61 - 66. (5) Mission en Mes-: L. Massignon opotamie، ج 1، (القاهرة 1910: Me-- moire ... de l'Institut Francais de l'Ar cheologie Orientale، ج 28) ص 53. (6) Erlebnisse eines A. Noldeke Beitrdge Zur في Tkrkischen Deserteurs Kenntnis d_ Orients. طبعة، H. Grothe ج 7، ص 53 - 54. (وفيه صورة شمسية لكفل) صور للقبر في عصور شتى: أقدمها في أورى بن سيمون البيلى (1563) بيخوس ها- آبوث (البندقية 1659) نقلا عن نقش صنعه فنان مجهول سنة 1536 (ويعين موضع هنا على شاطئ دجلة). وقد نقل هذه الصور: Jo. Hottinger فى Cippi Her- baici، هيدلبرغ 1662، على صفحة 83؛ Itinéraires de la Terre: E. Carmoly Saintes، بروكسل 1847، ص 459؛ Travels and Residence in Chal-: Loftus dea and Susiana لندن 1857، وقد نقلت الصورة الواردة في هذا الكتاب ووضعت في Jewish Encyclopaedia؛ وقد وردت أحدث صورة للقبر في إسماعيل حقى بك بابان زاده: De Stambul a Bagdad: في. Revue du Monde Musulm، 1911 م, ج 5، ص 253، 257. خورشيد [كولدتسيهر Goldziher]. ذو النون أبو الفيض بن إبراهيم المصري، أحد مشاهير الزهاد في أول عهد التصوف، أصله من إخميم، وولد من أبوين نوبيين، واسمه الحقيقى ثَوْبَان، ولكنه يعرف عادة باسم ذى النون المصري. عاش في مصر، وتوفى بالجيزة سنة 245 هـ (860 م) وهو يعد من الأقطاب، ومن الأولياء المستورين (عياران) ويتبع اسمه بذكر الدعاء "قدس الله سره" (انظر هذه الصيغة في عنوان لإحدى مقالات الكتاب الثانى من مثنوى الرومى). ويقال إنه كان منكرًا في حياته، وإن ولايته لم تظهر إلا عند وفاته. ويروى أن سبعين رجلًا رأوا في

المنام ليلة وفاة ذى النون أنهم سمعوا محمدا [- صلى الله عليه وسلم -] يقول: "قد لقيت ذا النون خليل الله". على أنَّه ينبغي أن يفهم أن هذا الإنكار إنما يعنى أن ولايته كانت موضع أخذ ورد لا أنَّه كان يحيا حياة مستخفية، إذ نحن نتبين من حياة الصوفية أنَّه كان له تلاميذ من معاصريه. ويذكر المترجمون له أنَّه كان ذا تأثير قوى على أهل مصر، إلى الحد الَّذي جعل حُساده ينظرون إليه على أنَّه زنديق، ويسعون به لدى الخليفة المتوكل، فاستحضره الخليفة إلى بغداد، وأودره السجن لساعته، ولكنه سرعان ما ملك عليه نفسه بصبره وأفحمه ببيانه، فإذا هو يرده إلى مصر مكرمًا، وتظهرنا هذه الوقعة على ما أثاره التصوف في عهوده الأولى من شك حوله. وقد كان ذو النون - كما ورد في كتاب نفحات الأنس - أول من تعاطى علانية التعاليم الصوفية. وفى الكتاب الثانى من مثنوى جلال الدين الرومى قصة طويلة تشير إلى هذه الشكوك، أو إلى هذه الحيرة التي ولدها مذهب ذى النون. فأصحابه ينظرون إليه على أنَّه مجنون ومقيد: "وعندما يكون السلطان إلى الفساق فلابد من أن يودع ذو النون السجن" على حد قول الشاعر. وهنا يكون الزاهد علما على المعرفة الذوقية التي يزدريها العامى الَّذي لا يفقهها. وينسب إلى ذى النون كثير من الأقوال: فمن ذلك مثلا قوله: "إن العارف يزداد في كل يوم تواضعًا لأنه يزداد في كل لحظة قربًا من مولاه"، وقوله: "المعرفة هي ما يفيضه الله من نوره على قلوبنا". والكنية "ذو النون" ومعناها "صاحب الحوت" قد أطلقت على النبي يونس (عليه السلام) في القرآن الكريم (سورة الأنبياء، آية 87). المصادر: (1) الهجويرى: كشف المحجوب (ترجمة نيكلسون) في مجموعة كب التذكارية، ص 100 - 103. (2) جلال الدين الرومى، المثنوى (ترجمة س. أ. ولسون، لندن 1910) ج 2، ص 121 - 128.

سيرة ذى النون

(3) وارجع أيضًا إلى المصنفات التي تتناول تاريخ الصوفية، كنفحات الأنس لجامى، وتذكرة الأولياء لفريد الدين العطار. محمد مصطفى حلمى. [كارا دى فو B. Carra de Voux] تعليق ذو النون المصري سيرته وحياته الروحية ومذهبه الصوفي عرض كثير من المؤرخين وكُتاب التراجم والطبقات لحياة ذى النون المصري من الناحيتين العامة والخاصة، وذكروا له طائفة من الأقوال التي تصور حياته الروحية وما عرض له فيها من أحوال، وما روى عنه من كرامات، وتعبر عما كان ينزع إليه من مذهب في الحب وفى المعرفة، وعما ينطوى عليه هذا المذهب من عناصر نظرية لها قيمتها الفلسفية، وعناصر عملية لها خطرها من الناحية الأخلاقية على أن هذا كله إنما يذكر متفرقا هنا وهناك في كتب التراجم والطبقات، ويكاد يوجد في أكثرها مكررًا بحرفيته دون أن يكون له رابط أو ضابط. ولكن دراسة هذه المعلومات دراسة علمية محققة، وإخضاعها للمنهج المقارن، ومقابلة بعضها ببعض، واستخلاص الحقائق من بعضها على ضوء ما يشتمل عليه بعضها الآخر، كل أولئك من شأنه أن يعيننا على تأليف صورة - إن لم تكن تامة من كل الوجوه، فلا أقل من أن تكون مقاربة من أكثرها - لحياة ذلك الصوفى المصري المسلم ومذهبه، ولما عسى أن يكون له من آثار باقية ونفحات صادقة سواء في الحياة الروحية الإسلامية بصفة عامة، أو في الحياة الروحية المصرية بصفة خاصة. - 1 - سيرة ذى النون أجمع الذين ترجموا لذى النون على أن أسمه هو أبو الفيض ثوبان (بفتح الثاء المثلثة، وسكون الواو، وفتح الباء الموحدة، وبعد الألف نون) ابن إبراهيم، وقيل الفيض بن إبراهيم، المعروف بذى النون المصري، وأكبر الظن أن تكون تسميته بذى النون راجعة إلى كرامة من كراماته التي تروى عنه، وذلك أنَّه

قال إن امرأة جاءته وقالت إن أبنها أخذه التمساح؛ فلما رأى حرقتها على ولدها أتى النيل وقال: اللهم أظهر التمساح، فخرج إليه التمساح، فشق عن جوفه وأخرج ابنها حيا صحيحًا (¬1). وإذا كان النون هو الحوت العظيم، وكان يونس النبي عليه السلام قد سمى بذى النون لقصته المعروفة مع الحوت، كما يدل على ذلك قوله تعالى: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} (¬2) " وكان لثوبان بن إبراهيم الصوفى المصري قصة مع التمساح كقصة يونس مع الحوت، إذا كان ذلك كذلك فقد تبين إذن لم سمى الصوفى المصري بذى النون. ولعل كل ما هناك من فرق بين ثوبان بن إبراهيم المصري وبين يونس النبي في هذه التسمية، هو أن يونس النبي عليه السلام قد سمى بذى النون لأن النون الَّذي هو الحوت كان قد التقمهً على حين أن ثوبان بن إبراهيم المصري قد سمى بذى النون لأن له كرامة مع التمساح الَّذي أشرنا إليه في القصة المروية آنفا. أما متى وأين ولد ذو النون المصري، فلا يكاد يذكر أحد من المؤرخين والمترجمين الذين وقفنا على كتبهم شيئًا عن التاريخ الَّذي كان فيه مولد ذلك الصوفى العظيم، وإنهم ليختلفون أيضًا حول الموطن الَّذي كان فيه مولده، وترد إليه نشأته الأولى: فسواد أصحاب التراجم والطبقات متفقون على أن والدى ذى النون المصري كان أحدهما أو كلاهما من أصل نوبى، ولكن بعضهم يرى أن مولد ذى النون كان بإخميم من صعيد مصر (¬3)، وبعضهم الآخر يذهب إلى أنَّه من أصل نوبى ثم نزل إخميم فأقام بها (¬4). وسواء كان مولده بإخميم أم ببلاد النوبة، فإنه كان على كل حال مصرى المولد والنشأة، والعناصر التي تتألف منها حياته وثقافته وولايته، والأحداث التي، وقعت ¬

_ (¬1) الشعرانى: الطبقات الكبرى، بولاق 1286 هـ ج 1، ص 78. (¬2) سورة الأنبياء، آية 87. (¬3) السيوطي: حسن المحاضرة، القاهرة 1337 هـ ج 1، ص 218. (¬4) المناوى: الكواكب الدرية، القاهرة 1357 هـ - 1938 م, ص 223.

له، والأقوال التي أثرت عنه، كل أولئك وغيره مما سنفصله بعد سيظهرنا من غير شك على أن الطابع الَّذي غلب عليه كان مصريًا، وعلى أنَّه قد استمد تلك العناصر من صميم الحياة المصرية، وأنه وإن كان واحدا من أئمة صوفية المسلمين، الذين ظهروا في تاريخ التصوف الإسلامى، فإنه كان أولا وقبل كل شيء إمامًا لمن ظهر من الصوفية المسلمين في تاريخ التصوف المصري. والمؤرخون والمترجمون الذين ترجموا لذى النون، وأغفلوا ذكر تاريخ مولده، واختلفوا حول موطنه الَّذي كان فيه مولده، متفقون على التاريخ الَّذي كانت فيه وفاته: فكلهم مجمع على أن وفاة ذى النون كانت في ذى القعدة سنة 245 هـ (¬1) واتفق معهم في ذلك ابن خلكان، ولكنه زاد على ذلك ما قيل من أن هذه الوفاة كانت سنة 246 هـ أو سنة 248 هـ (¬2) فإذا أخذنا سنة 245 هـ على إنها هي أضبط تاريخ لوفاة ذى النون، وذلك بحكم اتفاق السواد الأعظم من المؤرخين والمترجمين عليها، وإذا عرفنا أن السيوطي في ترجمته لحياة ذى النون قد ذكر أن عمره عند وفاته كان قد قارب التسعين (¬3)، استطعنا أن نستخلص تاريخ مولده بحيث يكون ذلك حوالى سنة 155 هـ. وذو النون الَّذي يرجع أصله إلى بلاد النوبة، ويقع مولده في بلاد النوبة أو في إخميم، لم يقض حياته كلها في هذه أو في تلك؛ وإنما ارتحل من إخميم إلى مصر وقضى شطرا كبيرًا من حياته متنقلًا بين البلدان، سائحًا في الجبال والوديان: فهو قد رحل عن إخميم إلى مصر، وله في ذلك الرحيل قصة تروى على أن ما وقع له فيها كان سببًا حمله على هذا الرحيل، ولكنها تظهرنا إلى جانب ذلك على ناحية من نواحى الحياة الروحية لذى النون الصوفى، وما ينبغي أن تقوم عليه هذه الحياة الروحية من شكر على السراء وصبر على البأساء: وذلك أن ذا النون سمع ¬

_ (¬1) القشيرى: الرسالة، القاهرة 1346، ص 8؛ المناوى: الكواكب الدرية، ج 1، ص 230. الشعرانى: الطبقات الكبرى، ج 1، ص 77. (¬2) ابن خلكان: وفيات الأعيان، القاهرة 1367 هـ- 1948 م، ج 1، ص 283. (¬3) السيوطي: حسن المحاضرة، ج 1، ص 218.

ذات يوم من أيام إقامته بإخميم صوت لهو ودفاف، فقال: ما هذا؟ قيل: عرس، ثم سمع بجانبه بكاء وصياحًا، فقال: ما هذا؟ قيل: فلان مات؛ قال: أعطى هؤلاء فما شكروا، وابتلى هؤلاء فما صبروا، لله على إن بت بهذا البلد, فخرج فورًا إلى مصر فقطنها (¬1). وهو قد رحل عن مصر إلى غيرها من البلدان، وله في أماكن عدة منها ومن غيرها من البلدان أسفار وسياحات، وتروى عنه في هذه الأسفار والسياحات طائفة من الخوارق والكرامات سنعرض لها في موضعها من الحديث عن حياته الروحية، وحسبنا هنا أن نذكر الأماكن التي تنقل بينها في مصر، والتى ارتحل إليها وساح فيها في غير مصر: فجبل المقطم وشاطئ النيل وبرابى الصعيد والفسطاط وبيت المقدس وبغداد ومكة وبوادى الحجاز والشام وتيه بنى إسرائيل وجبل لبنان وجبل أنطاكية وجبل الكام ووادى كنعان وجبال نيسان، كل أولئك أماكن شهدها ذو النون وشهدت هي من أحواله وسجلت من أقواله الشيء الكثير (¬2). وقد ظل ذو النون على هذه الحال من الإقامة والرحلة، يتلقى العلم حينا، ويلقى الحكمة حينا آخر، ويعظ الناس ويرشدهم ويبصرهم بالحقائق ويوقفهم على الدقائق على الوجه الَّذي سنبينه بعد، حتَّى كانت وفاته في ذى القعدة سنة 245 هـ = 856 م، وقد قارب وقتئذ التسعين من عمره، وذلك هو التاريخ الَّذي اتفق معظم المؤرخين والمترجمين على أن وفاة الصوفى المصري كانت فيه، إذا استثنينا ابن خلكان فإنه متفق معهم من ناحية، ويزيد من ناحية أخرى ما قيل عليه من أن وفاة ذى النون كانت في سنة 246 هـ, وما قيل أيضًا من أنها كانت في سنة 248 هـ (¬3). ويكتفى بعض المترجمين بأن يذكر أن وفاة ذى النون كانت بمصر دون أن ¬

_ (¬1) المناوى: الكواكب الدرية، ج 1، ص 223. (¬2) أبو نعيم الأصبهانى: حلية الأولياء، القاهرة 1357 هـ - 1938 م، ج 9، 10 ومواضع متفرقة؛ الكواكب الدرية، ج 1، ص 226 - 230. (¬3) ابن خلكان: وفيات الأعيان، ج 1، ص 383.

حياة ذى النون الروحية

يعين أي بلد من بلدان مصر كانت فيها الوفاة، وذلك على نحو ما فعل ابن خلكان (¬1)، على حين يذكر البعض الآخر أن تلك الوفاة كانت بالجيزة على نحو ما فعل الشعرانى إذ يقول: "لما توفى ذو النون بالجيزة حمل في قارب مخافة أن ينقطع الجسر من كثرة الناس مع جنازته .. " (¬2) ويروى الهجويرى أنَّه في ليلة وفاة ذى النون رأى سبعون رجلًا الرسول في النوم وهو يقول: "جئت لألقى ذا النون خليل الله"، وأنه بعد أن فاضت روحه وجد مكتوبًا على جبينه: "هذا حبيب الله الَّذي مات في حب الله" (¬3). ومن الكرامات التي يرددها كتاب الطبقات لذى النون والكثير غيره من الصوفية ما يذكرونه من أنَّه لما مات ذو النون أظلت الطير الخضر جنازته ترفرف عليه إلى أن وصل إلى قبره، ولما دفن غابت، وعندما رأى أهل مصر ذلك ندموا على ما فرط منهم في حق ذلك الولى، واستغفروا مما أنكروه عليه من ولايته، وما ألحقوه به من الأذى في حياته، وأجلوه بعد ذلك واحترموا قبره. أما أين دفن ذو النون المصري، فقد ذكر ابن خلكان أنَّه دفن بالقرافة الصغرى، وأن على قبره مشهدًا مبنيًا، وأن في المشهد أيضًا قبور جماعة من الصالحين (¬4). وذكر المناوى أن ذا النون قد دفن بالقرافة، وأن قبره بها ظاهر مقصود بالزيارة وعليه أنس ومهابة، وأن هذا القبر بالقرب من قبر عقبة بن عامر الجهنى الصحابى، وأنه يقال إن ذا النون وعقبة وعمرو بن العاص في قبر واحد (¬5). -2 - حياة ذى النون الروحية على أن ذا النون المصري كان صوفيًا من أصحاب الرياضات والمجاهدات، ووليًّا من أرباب الأذواق والمشاهدات؛ وقد كان له بحكم هذا كله حياة روحية تأتلف فيها العناصر العلمية والعملية التي يتألف منها مذهبه ¬

_ (¬1) وفيات الأعيان، ج 1، ص 382. (¬2) الطبقات الكبرى، ج 1، ص. 77 (¬3) كشف المحجوب (الترجمة الانكليزية لنيكلسون)، ص 100. (¬4) وفيات الأعيان، ج 1، ص 280 - 281. (¬5) الكواكب الدرية ج 1، ص 32.

الصوفى. ولهذا كان لابد لنا من أن نعرض لتلك العناصر العلمية والعملية حتَّى نتبين من خلالها آية حياة روحية كان يحياها الرجل فيما بينه وبين ربه، وفيما بينه وبين نفسه، وفيما بينه وبين أشباهه من بنى جنسه، وبحيث نقف على صورة واضحة لما تلقاه ذلك الصوفى من علم وما أخذ به نفسه من عمل وما لقيه في حياته وفى مذهبه وعقيدته من نعى الناعين وإرجاف المرجفين، وما انتهى إليه أمره من انجلاء غمرة الشك عنه فإذا هو يتجلى على حقيقته في حياته وبعد مماته وليًّا من أولياء الله، ومحبًا أفنى حياته في حب الله، وعارفًا سلك سبيل الحق المؤدية إلى معرفة الله، حتَّى أن الذين سعوا به وشنعوا عليه لدى الخليفة المتوكل أولًا، عادوا فعرفوا له قدره، وأكبروا شأنه، وأقروا بولايته، واحترموا قبره بعد وفاته. ولعل فيما كتبه أصحاب التراجم والطبقات عن ذى النون معرفين به ومكبرين من شأنه ما يعطينا صورة عامة لما كانت تشتمل عليه الحياة الروحية لذلك الصوفى المصري العظيم: فقد استهل أبو نعيم الأصبهانى ترجمته له بقوله: "العلم المضى، والحكم المرضى، الناطق بالحقائق، الفاتق للطرائق، له العبارات الوثيقة، والإشارات الدقيقة، نظر فعبر، وذكر فازدجر، أبو الفيض ذو النون بن إبراهيم المصري رحمه الله تعالى (¬1) " وذكر المناوى بعض ما ذكره الأصبهانى من الخصائص الروحية لحياة ذى النون، وزاد عليه أشياء لم يذكره الأصبهانى، ولها قيمتها في الإبانة عن بعض الخصائص الروحية الأخرى، فضلًا عما تبينه من منزلة ذى النون في تاريخ التصوف المصري وفلسفته الروحية، وفى هذا يقول المناوى: " ... ذو العبارات الوثيقة، والإشارات الدقيقة، والصفات الكاملة، والنفس العالمة العاملة، والهمم الجلية، والطريقة المرضية، والمحاسن الجزيلة المتبعة، والأفعال والأقوال التي لا تخشى منها تبعة، زهت به مصر وديارها، وأشرق بنوره ليلها ونهارها" (¬2)؛ وأبان القشيرى عن مكانة ذى النون العلمية والتصوفية في عصره فقال عنه: "فائق ¬

_ (¬1) حلية الأولياء، ج 9، ص 331 - 332. (¬2) الكواكب الدية، ج 1، ص 223.

هذا الشأن، وأوحد وقته علمًا وورعًا وحالًا وأدبًا (¬1) ". فإذا فصلنا ما أجملته، وأشارت إليه أقوال المتقدمين هذه، قلنا إن ذا النون المصري قد كانت له ثقافتان: إحداهما ثقافة علمية دينية، والأخرى ثقافة علمية دنيوية، وإن لهاتين الثقافتين أثرهما في تكوين حياته الروحية الخالصة. أما ثقافته العلمية الدينية فتتبين إذا عرفنا أنَّه تلقى علوم الشريعة والحقيقة عن بعض الأساتذة حينًا، وعن طريق الرواية حينًا آخر. على أننا لا نعرف من أساتذته إلا اثنين: أحدهما يعرف باسم إسرافيل، والآخر يعرف باسم شقران العابد. وقد ذكر السراج الطوسى إسرافيل هذا بما يبين أنَّه كان أستاذًا لذى النون فقال ما نصه: "سمعت الوجيهى يقول: سمعت الطيالسي الرازي يقول: دخلت على إسرافيل أستاذ ذى النون رحمهما الله وهو جالس ينكت بأصبعه على الأرض، ويترنم مع نفسه بشيء، فلما رآني قال: أتحسن تقول شيئًا، قلت: لا، قال: أنت بلا قلب (¬2) ". وقد ذكر جامى إسرافيل هذا باسم إسرافيل المغربى أستاذ ذى النون. أما شقران العابد فقد كان شيخًا لذى النون في الطريقة (¬3). وقد عاش ذو النون في عصر حفل بكثرة من ظهر فيه من أئمة الفقه وعلماء الحديث ومشايخ الصوفية: فاتصل بأولئك وهؤلاء، وتأثر بهم، وأخذ عنهم، وكان لهذا كله ثمراته اليانعة ونفحاته الرائعة في حياته الروحية: فهو قد اتصل بالإمام أحمد ابن حنبل واجتمع به، كما اجتمع به غيره من مشايخ الصوفية الذين كان منهم بشر الحافى والسرى السقطى ومعروف الكرخى (¬4)؛ وهو - كما يقول عنه الذهبي في تاريخه الكبير - قد روى عن مالك والليث وابن لهيعة والفضيل بن عياض وابن عيينة ومسلم ¬

_ (¬1) الرسالة القشيرية، ص 8. (¬2) اللمع في التصوف، ليدن 1914، ص 288. (¬3) وفيات الأعيان، ج 1. ص 281. (¬4) كشف المحجوب ص 117.

الخواص وغيرهم. وروى عنه الحسن ابن مصعب النخعي وأحمد بن صبح الفيومى والطائى وغيرهم (¬1)؛ وهو يعد فوق هذا كله في جملة من روى الموطأ عن الإمام مالك (¬2) " فكل أولئك كان خليقًا أن يجعل من ذى النون عالمًا عاملا سواء من الناحيتين الشرعية والتصوفية، أو مفتيًا في العلوم على حد قول مسلمة بن قاسم (¬3). على أن الأحاديث التي رواها ذو النون لم تكن دائمًا موضع ثقة الذين أشاروا إليه أو تحدثوا عنه: فمن ذلك ما قاله الجوزقانى من أن ذا النون كان زاهدًا عالمًا ضعيف الحديث، وما قاله الدارقطنى من أنَّه روى عن مالك الأحاديث فيها نظر (¬4). على أن ذا النون، وإن كان عالمًا بالحديث وراويًا له، فهو لم يشتغل به إلى الحد الَّذي جعل منه شغله الشاغل؛ بل لم يلبث أن انصرف عنه إلى الاشتغال بنفسه. وليس أدل على ذلك من أنَّه سئل لم لا يشتغل بالحديث، فأجاب بقوله: "للحديث رجال، وشغلى بنفسى استغرق وقتى (¬5) ". ولذى النون رأى في الحديث وأهله، وفى الفقه وأربابه: فهو يرى أن الحديث من أركان الدين، وأنه لولا نقص دخل على أهل الحديث والفقه لكانوا أفضل الناس في زمانهم: فهم عنده قد بذلوا علمهم لأهل الدنيا يستجلبون به دنياهم، فحجبوهم واستكبروا عليهم، وافتتنوا بالدنيا لما رأوا حرص أهل العلم والمتفقهين عليها، فخانوا الله ورسوله، وصار إثم من تبعهم في عنقهم جعلوا العلم فخًا للدنيا، وسلاحًا يكسبونها به، بعد أن كان سراجًا للدين يستضاء به (¬6). وأعجب ما كان يعجب له ذو النون هو من هؤلاء العلماء إذ يخضعون للمخلوقين دون الخالق، وهم يدعون أنهم أعلى درجة من جميع الخلائق (¬7). وأكبر الظن أن يكون ما رآه ذو النون في أهل الحديث والفقه وما ¬

_ (¬1) الكواكب الدرية ج 1, ص 223. (¬2) وفيات الأعيان، ج 1، ص 280. (¬3) الكواكب الدرية، ج 1، ص 223. (¬4) الكواكب الدرية، ج 1، ص 223. (¬5) الطبقات الكبرى، ج 1، ص 79. (¬6) الطبقات الكبرى، ج 1، ص 79. (¬7) الطبقات الكبرى، ج 1، ص 79.

نسبه إليهم هنا سببا من الأسباب التي أحنقت هذا الفريق من العلماء عليه فجعلوا يشنعون عليه ويسعون به لدى الخليفة من ناحية، ولدى الرأى العام في مصر من ناحية أخرى، فإذا هو يمتحن ويؤذى، ويتهم في عقيدته. وكما كان العصر الَّذي عاش فيه ذو النون حافلًا بأرباب العلم من الفقهاء والمحدثين الذين أخذ عنهم، فقد كان كذلك عصرًا مزدهرًا من الناحية الروحية مشرقا بكثير من الشخصيات الصوفية التي طبعت روح العصر بطابعها، والتى كان من بين أصحابها أبو يزيد طيفور بن عيسى البسطامى المتوفى سنة 261 هـ. وأبو محمد سهل بن عبد الله التسترى المتوفى سنة 273 هـ أو 283 هـ وقد لقى ذا النون بمكة سنة خروجه إلى الحج، وأبو سعيد أحمد بن عيسى الخراز المتوفى سنة 277 هـ وقد صحب ذا النون، وإسحق بن إبراهيم السرخسى، وقد قص عن ذى النون قصة روى فيها أنَّه سمع ذا النون وفى يده الغل وفى رجليه القيد، وهو يساق إلى المطبق، والناس يبكون من حوله، وهو يقول: هذا من مواهب الله تعالى، ومن عطاياه، وكل فعاله عذب حسن طيب، ثم أنشد من الخفيف: لك من قلبى المكان المصون ... كل لوم عليَّ فيك يهون لك عزم بأن أكون قتيلا ... فيك والصبر عنك ما لا يكون (¬1) وأبو يعقوب يوسف بن الحسين الرازي المتوفى سنة 304 هـ، وقد صحب ذا النون المصري وأبا تراب النخشبى، ورافق أبا سعيد الخراز: فكل أولئك وكثير غيرهم كانوا من كبار الصوفية الذين عاصروا ذا النون، واتصلوا به ألوانًا مختلفة من الاتصال، وكان لهم في حياته وفى مذهبه آثار لها قيمتها العلمية والعملية، كما كان له في أنفسهم منزلة كبرى ومكانة عظمى من الناحية الروحية، وليس أدل على هذه المكانة وتلك المنزلة مما يروى عن سهل بن عبد الله التسترى من أنَّه أقام سنين لا يسند ظهره للمحراب ولا ¬

_ (¬1) وفيات الأعيان، ج 1، ص 281.

يتكلم، فلما كان ذات يوم بكى واستند وتكلم، وبالغ في إبراز المعانى العجيبة والاشارات الغريبة، فلما سئل في ذلك، أجاب بقوله: كان ذو النون بمصر حيا، فما تكلمت ولا استندت إجلالًا له، والآن قد مات، فقيل لى: تكلم فقد أذنت (¬1). فإذا تركنا العناصر العلمية الشرعية والعلمية التصوفية التي يمكن أن يكون قد أفادها ذو النون ممن عاصرهم من أصحاب الشريعة وأرباب الحقيقة، ووقفنا عند العناصر العملية التي كان يأخذ هو بها نفسه. وكانت تعمل هي عملها في نفسه، وكان لها أثر في تصفية قلبه من شوائب حسه، ألفينا حياته الروحية الخاصة حافلة بما يظهرنا على أنَّه لم يكن عالمًا فحسب، ولا آخذًا للعلم عن غيره فحسب، وإنما كان فوق ذلك عاملًا على أن يحيا حياة روحية قوامها التوبة إلى الله والزهد في الدنيا والصبر على المحنة والرضا بكل ما تقضى به مشيئة الله والتوكل على الله والتسليم له والإقبال عليه، وما إلى ذلك من مقومات الحياة الروحية الحقة التي ينبغي أن يحياها الصوفى المتحقق، والتى سنتبينها معه في موضعها من الحديث عن تصنيفه للمقامات والأحوال، وكشفه عن حقيقة المثل الأعلى الَّذي يجب أن يحققه الصوفى المتحقق في القول والفعل سواء فيما بينه وبين ربه أو فيما بينه وبين نفسه أو فيما بينه وبين أشباهه. وحسبنا هنا أن نتبين كيف اتجه ذو النون في حياته إلى هذه الوجهة الروحية، وما هي بعض مظاهر تلك الحياة عنده: فقد روى المترجمون وأصحاب الطبقات على لسان ذى النون نفسه قصة لعلها تظهرنا من خلالها على أنَّه كان يحيا أول الأمر حياة إنسانية كتلك التي يحياها الناس جميعًا، يخضعون فيها لسلطان نفوسهم، وتفق فيها الشهوات والملذات والمنافع المادية العاجلة نفوسهم، ولكنه ما لبث أن عرض له عارض وبدا له باد، فإذا هو يتوب، وقصارى هذه القصة أن ذا النون سئل عن سبب توبته، فأجاب بقوله: خرجت من مصر إلى بعض القرى، فنمت في الطريق في بعض الصحارى، ففتحت عينى، فإذا أنا بقنبرة عمياء سقطت من ¬

_ (¬1) اللمع: ص 18؛ الكواكب الدرية، ج 1، ص 224.

وكرهًا على الأرض، فانشقت الأرض، فخرجت منها سكرجتان: إحداهما ذهب، والأخرى فضة، وفى إحداهما سمسم وفى الأخرى ماء، فجعلت تأكل من هذا وتشرب من هذا فقلت: حسبى، قد تبت، ولزمت الباب إلى أن قبلنى (¬1). والمتأمل في قوله: "حسبى، قد تبت، ولزمت الباب إلى أن قبلنى", يلاحظ أنَّه قد تاب وأخذ نفسه بالرياضة والمجاهدة والوقوف على باب المحبوب الحقيقى مجتازًا كل العقبات ومتنقلًا بين جميع المقامات حتَّى ظفر برضا المحبوب الحقيقى عنه وقبوله له. والذي يعنينا هو أن نلاحظ أن ذا النون ما فتئ على هذه الحال من رياضة نفسه ومجاهدتها حينا، ومن اتصاله بالناس وإقباله على نفوسهم حينا آخر، يبصرهم بما فيهم من عيوب، ويدعوهم إلى التوبة عما اقترفوا من ذنوب، سواء أكان ذلك في الحلقات التي كان يقيمها ويتحدث فيها عن علم الباطن وسلوك طريق الله، أم في أي مكان في أي بلد مما حل به من البلدان. وليس من شك في أن حياة ذى النون على هذا الوجه قد جعلت منه إنسانا كملت فيه الإنسانية بحيث لم يكن يؤثر بعلمه وخيره أحدا من دون أحد، وإنما المسلمون كلهم لديه سواء، لا يصدر في سلوكه معهم إلا عن حب عميق لهم، وعطف وثيق عليهم. وهو في هذا إنما كان - على حد قول الهجويرى- متشبها برسول الله [- صلى الله عليه وسلم -] إذ على الرغم من إيذاء الكفار له لم يكن يفتر عن دعائه قائلًا: "اللهم اهد قومى فإنهم لا يعلمون" (¬2) ولذى النون كرامات كثيرة عددتها وأفاضت فيها كتب الطبقات، وكلها يجعل منه وليًّا من أولياء الله الَّذي أجرى على يديه الخوارق العجيبة. ولسنا هنا بصدد ذكر هذه الكرامات أو تفصيل القول فيها، ويكفى أن نشير إلى أن كلًّا من أبي نعيم الأصبهانى في حلية الأولياء، والهجويرى في كشف المحجوب، والشعرانى في الطبقات الكبرى، والمناوى في الكواكب الدرية، وفريد الدين العطار في تذكرة الأولياء، ¬

_ (¬1) وفيات الأعيان، ج 1، ص 280. (¬2) كشف المحجوب، ص 101.

وكثير غيرهم من المؤرخين والمترجمين قد أفاض في بيان تلك الكرامات إفاضة لعلها تجعلها أقرب ما تكون في بعض الأحيان إلى الأساطير الخيالية منها إلى الحقائق الواقعية التي يمكن اخضاعها لقوانين العلم وتفسير العقل. على أننا نجمل هنا القول في تلك الكرامات التي تنسب إلى ذى النون بذكر ما كان يقال من أن روحه الشريفة كانت من القدرة بحيث تستطيع أن تدبر أجسامًا متعددة. ولعل فيما فسر به ابن عربى، وهو الصوفى المتفلسف أو الفيلسوف المتصوف، تدبير الروح الواحدة للأجسام المتعددة ما يمكننا من فهم هذا الضرب من الكرامة فهما إن لم يكن علميًا من كل الوجوه فهو على الأقل مقارب له من بعضها، أو مقرب لفهمها فهمًا علميًا: فقد ذهب ابن عربى إلى أن الروح الواحد يدبر أجساما متعددة إذا كان له الاقتدار على ذلك، وأن ذلك إنما يكون في الدنيا للولى بخرق العادة، وأن نشاة الإنسان تعطى ذلك في الآخرة، وقد قال ابن عربى عن ذى النون المصري وقضيب البان إنهما ممن لهما هذه القوة يدبران بها الأجسام المتعددة، كما يدبر الروح الواحد سائر أعضاء البدن من يد ورجل وسمع وبصر، وكما تؤاخذ النفس بأفعال الجوارح على ما وقع منها فأى شيء وقع من هذه الأجساد التي تدبرها روح واحدة، فإنما يسأل عنه ذلك الروح الواحد، وإن كان عين ما يقع من هذا الجسم غير ما يقع من الآخر (¬1) على أن في حياة ذى النون الروحية جانبا آخر يختلف كل الاختلاف عن جانبها العلمي والعملى بالمعنى المدينى الَّذي وقفنا عليه حتَّى الآن، وأعنى بهذا الجانب الآخر ما يظهرنا عليه بعض الذين ترجموا له وتحدثوا عنه وعن علمه، فإذا هو عندهم من العلماء الواقعيين المشتغلين بصناعة الكيمياء تارة، ومن الحاذقين للغة السريانية، يقرؤها ويترجم عنها، ويقرأ ويترجم غيرها من النقوش التي كانت توجد في بعض برابى مصر في زمانه تارة أخرى: فالمسعودى الَّذي توفى بعد ¬

_ (¬1) الكواكب الدرية: ج 1، ص 223 - 224.

ذى النون بمائة سنة، يحدثنا بأنه جمع معلوماته من أهل إخميم عندما زار هذا البلد، وهو يروى عنهم أن أبا الفيض ذا النون المصري الأخميمى الزاهد كان حكيما سلك طريقًا خاصًا، واتخذ في الدين سيرة خاصة، وكان من المعنيين بحل رموز البرابى في إخميم، كثير التطواف بها، وأنه وفق إلى حل كثير من الصور والنقوش المرسومة عليها؛ ثم يذكر المسعودى ترجمة لطائفة من هذه النقوش التي ادعى ذو النون أنَّه قرأها وحلها (¬1). وابن النديم يحدثنا عن ذى النون فيقول إنه كان متصوفًا؛ وله أثر في الصنعة، وكتب مصنفة، ومن كتبه: كتاب الركن الأكبر، وكتاب الثقة في الصنعة (¬2). ويتحدث القفطى وهو المترجم لحياة العلماء والحكماء والأطباء والفلاسفة عن ذى النون حديثا نتبين منه أن ذا النون كان من طبقة جابر بن حيان في انتحال صناعة الكيمياء، وتقلد علم الباطن، والأشراف على كثير من علوم الفلسفة، وأنه كان كثير الملازمة لبربا بلدة إخميم، فإنها بيت من بيوت الحكمة القديمة، وفيها التصاوير العجيبة، والمثالات الغريبة، التي تزيد المؤمن إيمانًا والكافر طغيانًا، ويقال إنه فتح عليه علم ما فيها بطريق الولاية، وكانت له كرامات (¬3). ومن هذا القبيل ما يذكره كل من أبي نعيم الإصبهانى (¬4) وعبد الرءوف المناوى (¬5) من أن ذا النون قد روى عن نفسه أنَّه قرأ في بعض برابى مصر بالسريانية كلاما تدبره فإذا فيه: "يقدر المقدرون والقضاء يضحك". وقد حاول الأستاذ نيكلسون (¬6) أن يعلل ما يقال في هذا الجانب من جوانب حياة ذى النون الروحية من كثرة عكوف هذا الصوفى التيوزوفى على دراسة النقوش المصرية القديمة المكتوبة على المعابد، وحل ¬

_ (¬1) مروج الذهب، طبعة باربية دى مينار، ج 2، ص 401. (¬2) الفهرست لابن النديم، الرحمانية، ص 503 - 504. (¬3) إخبار العلماء بأخبار الحكماء، القاهرة 1326 هـ, ص 127. (¬4) حلية الأولياء، ج 9، ص 339. (¬5) الكواكب الدرية، ج 1، ص 325. (¬6) نظرة تاريخية في أصل التصوف وتطوره (الترجمة العربية للدكتور أبو العلا عفيفى: في التصوف الإسلامى وتاريخه، القاهرة 1947. ص 10 - 12).

رموزها، تعليلا له قيمته من الناحيتين التاريخية والعمية، ولاسيما من ناحية إظهار الصلة التي توجد بين التصوف باعتباره علمًا للباطن وبين غيره من العلوم الخفية كالكيمياء والسحر والطلسمات وما إليها مما كان له شأن عظيم في تاريخ الحضارة المصرية منذ أقدم العصور وعلى تعاقبها. ومهما يكن من أمر اشتغال ذى النون بتلك العلوم الخفية، فإن أخص ما كانت تمتاز به حياته الروحية من خصائص هو أنَّه كان صوفيًا متحققا اشتغل أكثر ما اشتغل بنفسه وبما فتح عليه فيها من أبواب العلوم اللدنية والمعارف الإلهامية، وما أشرقت به جوانبها من أنوار المحبة الإلهية والمعرفة القدسية، وهذا هو الَّذي جعل له مكانة ممتازة في تاريخ التصوف المصرى فضلًا عن تاريخ التصوف الإسلامى: فقد قال عنه جامى إنه رأس طائفة الصوفية، وإن الكل قد أخذ عنه وانتسب إليه، وأن المشايخ كانوا قبله، ولكنه كان أول من فسر إشارات الصوفية، وتكلم في هذا الطريق (¬1). وقال عنه أبو المحاسن إنه كان أول من تكلم في مصر في الأحوال ومقامات أهل الولاية (¬2). ويلوح مما يذكره بعض المؤرخين أن أهل مصر في زمان ذى النون لم يكن لهم بمثل ما اشتغل به من علوم الصوفية سابق عهد، أو أنهم كانوا على أقل تقدير عند أول عهدهم بمثله، الأمر الَّذي ترتب عليه أن ثأروا به وحنقوا عليه ونسبوه إلى الزندقة. فمن الشواهد على ذلك ما يرويه صاحب الكواكب الدرية عن ابن يونس من أن هذا الأخير قال عن ذى النون إنه امتحن وأوذى لكونه أتاهم بعلم لم يعهدوه، وإنه كان أول من تكلم بمصر في ترتيب الأحوال، وفى مقامات الأولياء فحول الرجال، فقال جهلة المتفقهة هو زنديق (¬3). ومنها ما يذ كره السيوطي من أن أهل مصر قد أنكروا على ذى النون، وقالوا إنه أحدث علمًا لم تتكلم فيه الصحابة، وسعوا به إلى الخليفة المتوكل، ورموه عنده بالزندقة (¬4) ومنها ما يورده المناوى من ¬

_ (¬1) نفحات الأنس، ص 26 وما بعدها. (¬2) النجوم الزاهرة، ج 1، ص 753. (¬3) الكواكب الدرية، ج 1، ص 223. (¬4) حسن المحاضرة، ج 1، ص 218.

أن أحد تلاميذ ذى النون وهو يوسف ابن الحسين الرازي خرج ذات يوم من لدن أستاذه فوجد فقهاء إخميم تعصبوا ونزلوا إلى زورق ذاهبين إلى سلطان مصر ليشهدوا بكفره فانقلب الزورق والناس ينظرون (¬1): فاشتغال ذى النون بهذا العلم الباطنى الَّذي كان جديدًا وقتئذ على أهل مصر بصفة عامة وفقهائها بصفة خاصة وفقهاء إخميم بصفة أخص، مضافًا إليه ما سبق أن أشرنا إليه آنفا من رأى ذى النون في أهل الحديث والفقه، ونعيه عليهم، وما نسبه إليهم من النقص الَّذي دخل عليهم، ومن الفتنة بالدنيا، واتخاذهم من العلم فخا للدنيا، وسلاحا يكسبونها به، وكل أولئك كان دافعا لهم إلى أن يشنعوا عليه، ويرجفوا به، ويغروا السلطان باضطهاده وإيذائه، بل بقتله. وإذا كان ذلك كذلك، فقد استدعى الخليفة المتوكل ذا النون من مصر إلى بغداد، فحمل إليه في جماعة مغلولا مقيدا تمهيدا لقتله، لكنه لم يكد يمثل بين يدى الخليفة حتَّى تكلم واعظًا، ولم يكد يتكلم ويعظ حتَّى أعجب به الخليفة فإذا هو يبكى ويطلقه ورفقته، ويرد مكرمًا إلى مصر، ويقول: "إن كان هؤلاء زنادقة فما على وجه الأرض مسلم" وذلك على حد رواية المناوى (¬2) أو يقول: "إذا ذكر أهل الورع فحيهلا بذى النون"، وذلك على حد رواية ابن خلكان (¬3). أما كيف وقع ذو النون من نفس المتوكل هذا الموقع الحسن، وأى كلام تكلمه ذو النون فملك به على المتوكل نفسه، فذلك ما يحدثنا عنه أبو نعيم الأصبهانى (¬4) حديثًا مفصلًا يعطينا صورة لخلق ذى النون في سلوكه ومحافظته على كرامته مع أصحاب السلطان من ناحية، ويعطينا صورة أخرى لما يراه ذو النون في الزهاد والصوفية من "أن أبدانهم دنيوية، وقلوبهم سماوية، وأنهم هم الذين قد سكنت لهم النفوس، ورضوا بالفقر والبؤس, واطمأنت جوارحهم على ¬

_ (¬1) الكواكب الدرية: ج 1، ص 226 - 227. (¬2) الكواكب الدرية. ج 1، ص 223. (¬3) وفيات الأعيان، ج 1، ص 82 - 182. (¬4) حلية الأولياء، ج 9، ص 733 - 833.

مذهب ذى النون التصوفى

الدؤوب على طاعة الله عز وجل بالحركات، وظعنت أنفسهم عن المطامع والشهوات، فتوالهوا بالفكرة، واعتقدوا بالصبر، وأخذوا بالرضا، ولهوا عن الدنيا، وأقروا بالعبودية للملك الديان، ... إذا عوملوا فإخوان حياء، وإذا كلموا فحكماء، وإذا سئلوا فعلماء، وإذا جهل عليهم فحلماء، فلو قد رأيتهم لقلت عذارى في الخدور، وقد تحركت لهم المحبة في الصدور، بحسن تلك الصور التي قد علاها النور ... إخوان صدق وأصحاب حياء ووفاء وتقى وورع وإيمان ومعرفة ودين ... " (¬1) وأما كيف انتهى أمر ذى النون مع الخليفة المتوكل إلى التبرئة بعد الاتهام، وإلى رده إلى مصر مكرما بعد ما لقى من أذى واضطهاد، فذلك ما يفصله الشعرانى في قصة طويلة يكفى أن نقف منها عند ما يرويه الشعرانى على لسان ذى النون نفسه مبينا ما دار بينه وبين الخليفة من حوار كتبت له السلامة في خاتمته: فقد قال ذو النون " ... فلما دخلت على المتوكل سلمت عليه بالخلافة، فقال لى؛ ما تقول فيما قيل فيك من الكفر والزندقة؟ فسكت. فقال وزيره: هو حقيق عندى بما قيل فيه، ثم قال لى: لم لا تتكلم؟ فقلت: يا أمير المؤمنين، إن قلت لا كذبت المسلمين، بيان قلت نعم، كذبت على نفسى بشيء لا يعلمه الله تعالى عنى، فافعل أنت ما ترى، فإنى غير منتصر لنفسى، فقال المتوكل: هو رجل برئ مما قيل فيه ... " (¬2) -3 - مذهب ذى النون التصوفى ليس بين أيدينا كتب أو رسائل لذى النون أودعها وصف أحواله، وجعل منها سجلًا لأقواله التي يمكن أن يتبين منها مذهبه التصوفى، وما كان ينزع إليه في هذا المذهب من منازع روحية، ومعارف ذوقية، ولكن الأستاذ لويس ماسنيون يذكر لذى النون. كتابا يعرف باسم كتاب العجايب، كما يذكر أنَّه وقف على اسم هذا الكتاب من الثبت الَّذي أورده بروكلمان (¬3) ولعل كل ما ¬

_ (¬1) حلية الأولياء، ج 9، ص 338. (¬2) الطبقات الكبرى، ج 1، ص 79. (¬3) L. Massignon: Le Lexique Technique de la Mystique Musulmane, P 185 .

يمكن أن يقال عنه أنَّه من آثار ذى النون المكتوبة هو طائفة من الأقوال المأثورة والحكم والمواعظ المنظومة والمنثورة وما جرى على لسانه من أمثال، وما جرى بينه وبين غيره من حوار حول التعاليم الصوفية وما إليها من معرفة ذوقية ومحبة إلهية: فقد وقف المحاسبى وعلي بن الموفق ويوسف بن الحسين الرازي بصفة خاصة على طائفة مما تركه ذو النون من تلك الآثار، وكلهم كان معاصرًا له، كما أن يوسف بن الحسين الرازي المتوفى سنة 301 هـ كان تلميذا لذى النون، اتصل به، واستمع إليه، وأخذ عنه. على أن كتب التراجم والطبقات التي عرضت لحياة ذى النون، قد حفلت بكثير من أقواله وأدعيته التي تصور لنا كثيرا من آرائه في مختلف المسائل الصوفية: فالرسالة للقشيرى، والطبقات للشعرانى، والكواكب الدرية للمناوى، وحلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهانى، وغيرها من كتب التصوف الأخرى التي تجمع بين التراجم من ناحية وبين مسائل التصوف وموضوعاته ومصطلحاته من ناحية أخرى، كـ "التعرف لمذهب أهل التصوف" للكلاباذى، و"اللمع" للسرّاج الطوسى، و"كشف المحجوب" للهجويرى، كل أولئك قد عرض لذى النون وعرض علينا بعضًا من أقواله التي تختلف من حيث الكم والتنوع بأختلاف المؤلفين. ولعل أبا نعيم الإصبهانى فيما أورد في حلية الأولياء من آثار ذى النون، كان أغزر هؤلاء المؤلفين جميعًا مادة، وأوفرهم تنويعًا، وأكثرهم إيرادًا لأسماء الأشخاص الذين يتألف منهم السند الَّذي يرد في نهايته هذا القول أو ذاك إلى ذى النون. وليس من شك في أن ما أثبته أبو نعيم في هذا الباب يعد ثروة علمية لها خطرها من الناحيتين التاريخية والمذهبية لحياة ذى النون الصوفى المصري، ولما يتألف منه مذهبه من عناصر روحية لها قيمتها التصوفية والفلسفية: فالنفس الإنسانية وتحليل خطراتها وشهواتها وأخلاقها، ووصف أحوالها ومقاماتها، وتصنيف هذه الأحوال والمقامات وترتيبها، وبيان ما يستلزمه كل منها، وتحليل الأخلاق

والكشف عما يتصل بها من بعض الأحوال والمقامات من ناحية، وعن صلتها بالجبر والاختيار من ناحية أخرى، والسماع وعلاقته بالوجد، والحج ومناسكه وتأويل هذه المناسك تأويلا يبين ما تنطوى عليه من المعانى الروحية والفلسفية، والطاعة المغرضة والطاعة المنزهة عن الغرض، والأخوة في الله وعلامتها وعناصرها، وعلم الباطن وحقيقته؛ والمعرفة وسبيل الوصول إليها، ومعرفة الله ووحدانيته وعلاقته بالمخلوقات، وأن أخص خصائص المعرفة اليقينية لله أنها معرفة له به، أو أنها معرفة يلقيها الله في قلب العبد لا معرفة يكتسبها العبد، والجنّة والنار والمحبة وتعريفها وتقسيمها ودرجاتها والمحبة الألهية المتبادلة بين الرب والعبد، وعلاقة المحبة بالمعرفة، كل أولئك وكثير غيره رؤوس لمسائل عرضت لها وعبرت عنها صراحة أو ضمنا أقوال ذى النون التي أثبتها أبو نعيم الأصبهانى في حلية الأولياء، وكلها يظهرنا من غير شك على أنَّه وإن لم يكن لذى النون كتاب جامع لأشتات آرائه في مختلف المسائل على الوجه الَّذي يجعل منها مذهبا مؤتلف العناصر متسق الأجزاء، فإن أبا نعيم قد كفانا مؤونة هذا الكتاب بما قدم بين أيدينا من نصوص ذى النون، وأننا بدراستنا لهذه النصوص وتحقيقها والفحص عما تشتمل عليه من المعانى وما تنزع إليه من المنازع وما تقوم عليه من الأسس النفسية والأخلاقية إلى جانب دعائمها الدينية، يتهيأ لنا أن نقف منه على مبلغ ما تركه ذو النون في الحياة الروحية الإسلامية من آثار باقية، وما كان له في هذه الحياة الروحية من مذهب، وما كان يتسم به هذا المذهب من سمات تيوزوفية ظهرت على يدى هذا الصوفى المصري لأول مرة في تاريخ الحياة الروحية الإسلامية، ثم أخذت تدق وتتضح على أيدى من جاء بعده من الصوفية الذين أخذوا عنه وتأثروا به وزادوا عليه، فكان من تراثهم جميعا ما يعرف باسم التصوف التيوزوفى. ولكى يتبين لنا هذا كله، ويتبين معه أهم العناصر التي يمكن أن يتألف منها لذى النون مذهب، وأبرز الخصائص التيوزوفية التي يمكن أن يمتاز بها هذا

المذهب، فإنه يجمل بنا أن نقف عند مسائل ثلاث هي في رأينا جماع مذهبه وملتقى خصائصه، ونعنى بهذه المسائل الثلاث: الطريق إلى الله وتحليله إلى عناصره العملية والروحية، والمعرفة، والمحبة، ولن نقف في عرضنا لهذه المسائل الثلاث عند حد ما يذكره أبو نعيم من نصوص ذى النون التي تشتمل عليها، وإنما سنضيف إليه أطرافا مما يورده غيره من المؤلفين الذين كتبوا عن ذى النون. وسنحاول بقدر المستطاع أن نؤلف بين هذا وذاك تأليفا تتضح معه الأفكار. وتتبين من خلاله المذاهب. 1 - وأول ما يلاحظه المتأمل في مذهب ذى النون الصوفى الَّذي يكشف فيه عن معالم الطريق إلى الله هو أن مدار الكلام عنده في هذه الناحية إنما يقوم على أربعة أشياء: حب الجليل، وبغض القليل، واتباع التنزيل، وخوف التحويل: فهو قد جعل من حب الله والإعراض عن الدنيا والسير على نهج الكتاب والسنة والخوف من أن ينكص الإنسان على عقبيه متابعة لنفسه ومسايرة لنزواتها وشهواتها، أسسا يقوم عليها مذهبه الصوفى، ومثلا عليا ينبغي أن يتحقق بها من سلك طريق الله سبحانه وتعالى. وليس من شك في أن أهم هذه الأسس الأربعة وأشملها لغيرها من الأسس الثلاثة الأخرى هو ما عبر عنه ذو النون بحب الجليل، لا لأنه قدمه على غيره من هذه الأسس فحسب، بل لأنه كان يرى أن من علامات المحب لله عز وجل متابعة حبيب الله [- صلى الله عليه وسلم -] في أخلاقه وأفعاله وأوامره وسننه (¬1). وهذا يعنى بعبارة أخرى أن الوقوف مع النفس الأمارة والخضوع لنزواتها هو عند ذى النون أكثف أنواع الحجب: لأن طاعة النفس إنما هي عصيان لله، وهذا العصيان أصل جميع الحجب (¬2)، وهنا نجد لذى النون حديثًا عن الذنب وقد سئل عن سببه، فإذا هو يجيب إجابة هي أدنى ما تكون إلى تحليل النفس الإنسانية وما يوجهها من دوافع، وما تنزع إليه من نوازع تحملها ¬

_ (¬1) الرسالة القشيرية، ص 8. (¬2) كشف المحجوب، ص 200.

على ارتكاب الشر واقتراف الذنب: فهو يرى أن سبب الذنب النظرة، وأن من النظرة الخطرة، وأن في تدارك الخطرة بالرجوع إلى الله ذهابها، وإلا فإنها تمتزج بالوساوس فتتولد منها الشهوة، وهذا كله باطن لم يظهر بعد على الجوارح؛ هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن في تدارك الإنسان للشهوة ما يجعله بمأمن من غوائلها، وإلا تولد من الطلب العقل (¬1). فواضح هنا أن ذا النون قد رتب ما يقع في باطن النفس الإنسانية بعضه على بعض، ورد ما يظهر من أفعالها بعضه إلى بعض، وذلك لكى يظهرنا آخر الأمر على العلة الأولى البعيدة التي تنشأ منها وترجع اليها الشهوات النفسية التي تفسد على الإنسان حياته الروحية الباطنة وحياته العملية الظاهرة كما تفسد عليه صلته بربه إذ يخضع لنفسه ويقع في ذنبه. ولا يقف ذو النون في تحليله للنفس الإنسانية عند هذا الحد الَّذي يكشف معه عن باطنها ويعلل شهواتها تعليلًا نفسيًا خالصًا وإنما هو يتجاوزه إلى شيء آخر: ذلك بأنه يتحدث عن أخلاق النفس وما ينبغي أن تتحلى به وما ينبغي أن تتخلى عنه، حديثا نتبين من خلاله أن النفس التي هي موضوع لذلك التحليل وشهواتها التي هي مجال لما قدم من تعليل، هي أيضًا موضوع لعلم الأخلاق، ومنبع للمحمود والمرذول من هذه الأخلاق. وإنه ليتحدث عن أخلاق النفس تارة بالذات، وتارة أخرى بالعرض؛ وهو حين يتحدث عنها بالعرض إنما يذكرها على أنها مقومات أو ثمرات أو علامات لهذه الحال أو تلك، ولهذا المقام أو ذاك من المقامات التي تمر بها نفس السالك في طريق الله، والأحوال التي تختلف عليها وقد جعلت غايتها ابتغاء وجه الله. فمن أمثلة ما يعرض له بالذات من أخلاق النفس ما تحدث به عن العاقل وعن الكريم: فعنده أن العاقل يعترف بذنبه، ويحس بذنب غيره، ويجود بما لديه، ويزهد فيما عند غيره، ويكف أذاه، ويحتمل الأذى عن غيره. وعنده أيضًا أن الكريم يعطى قبل السؤال، فلا يعقل أن يبخل بعد السؤال، ويعذر قبل ¬

_ (¬1) حلية الأولياء، ج 9، ص 345.

الاعتذار، فلا يعقل أن يحقد بعد الاعتذار، ويعف قبل الامتناع، فلا يعقل أن يطمع في الازدياد (¬1). على أن أهمية ذى النون في تاريخ الحياة الروحية الإسلامية لا ترجع إلى هذا الضرب من تحليل أخلاق النفس وبيان آدابها وآفاتها من الناحيتين النفسية والأخلاقية فحسب، وإنما هي ترجع أولا وقبل كل شيء إلى هذا التحليل الرائع الَّذي يقدمه لهذه الآفات وتلك الآداب، ونتبينه من خلال ما يعرضه من تعريفات الأحوال والمقامات وتصنيفاتها: فقد كان ذو النون - كما لاحظ السلمي وغيره ممن ترجم لذى النون - أول من عرف وصنف وعلم الأحوال ومقامات أهل الولاية. وقد رسم أبو سليمان الدارانى الخطوط الأولى للطريق إلى الله، ولكن هذا الطريق إلى الله قد انتهى على يد ذى النون إلى غايته، واستكمل صورته النهائية التي أخذتها عنه، واعتمدتها من بعده كتب التصوف القديمة، صحيح أن عدة الأحوال والمقامات تختلف من مؤلف إلى مؤلف، وصحيح أيضًا أن ترتيب هذه المقامات وتلك الأحوال يتباين في كتاب من كتب الصوفية عما هو عليه في كتاب آخر، وصحيح بعد هذا كله أن ما يعده بعض الصوفية والمؤلفين حالًا قد يعده البعض الآخر مقامًا، وما يعده هذا الصوفى أو ذاك من المقامات قد يعده غيره من الأحوال، ولكن ليس من شك مع هذا كله في أن فكرة التدرج من مقام إلى مقام، وانتقال النفس من حال إلى حال، وتعريف كل حال وكل مقام وتحليله إلى عناصره النفسية والأخلاقية والإبانة عن حقيقته بالاشارة إلى علاماته أو أعلامه أو أعماله، كل أولئك قد حفلت به أقوال ذى النون الَّذي أفاض فيها إفاضة لم يكن لغيره من الصوفية المعاصرين له أو الزهاد المتقدمين عليه سابق عهد بها. وليس من شك أيضا في أن الذين جاءوا بعد ذى النون من الصوفية المتحققين، ومن المؤلفين المحققين، قد استرشدوا بما خلفه الصوفى المصري في هذا الباب، وبما اتبعه فيه من تعريفات وتصنيفات. وفى هذا يقول الأستاذ ماسينيون إنه منذ نهاية القرن الثالث ¬

_ (¬1) حلية الأولياء، ج 9، ص 341.

الهجرة قد اعتمدت هذه الطريقة في التصنيف الصورى لدى التسترى، ولدى صوفية بغداد، ثم استكملها وعدلها كل من الواسطي والسراج والقشيرى والغزالى (¬1). ولكى يتضح مبلغ ما أفادته الحياة الروحية الاسلامية من ترتيب ذى النون للأحوال والمقامات، ومدى ما تنطوى عليه هذه المقامات وذلك الأحوال من المعانى النفسية والأخلاقية التي اتشحت كلها بوشاح صوفى، يحسن أن نعدد بعض ما أورده ذو النون في هذه الناحية الهامة من نواحى الحياة الروحية، بل التي تعد أساسًا يقوم عليه صرح كل حياة روحية: فالمحبة واليقين والثقة بالله والشكر والرضى والأنس وحسن الظن بالله والشوق والخوف والإخلاص والكمال والتوكل والصبر والحكمة والزهد والعبادة والتواضع والسخاء وحسن الخلق والرحمة للخلق والاستغناء بالله والحياء والمعرفة والتسليم والإسلام والإيمان والحلم والتقوى والرجاء والحب في الله والصدق والانقطاع إلى الله والمروءة والتودد والرشد والسعادة (¬2) كل أولئك وكثير غيره أحوال تختلف على النفس الإنسانية ومقامات تنتقل بينها هذه النفس في طريقها إلى الله، وإن ذا النون ليعرض لكل منها معرفًا به ومحللًا لعناصره ومبينًا لحقائقه ودقائقه ومشيرًا إلى ماله من أثر في تصفية النفس وتنقية القلب، فيتحدث عن هذا المقام أو ذاك، وعن هذا الحال أو ذاك، اعتمادا على علاماته أو دلالاته تارة، أو استنادا إلى أعلامه أو أعماله تارة أخرى، وكل ذلك على وجه يجعل من الأحوال والمقامات موضوعا لكن من علمي النفس والأخلاق بقدر ما هي موضوع رئيسى للتصوف ودعامة قوية لما ينبغي أن يحياه المتصوف من حياة روحية قوامها الإقبال على الله وغايتها الظفر بالقرب من الله. ولكى يتبين لنا هذا كله في وضوح وجلاء، يحسن أن نقف مع ذى النون عند بعض الأحوال والمقامات، وذلك على ¬

_ (¬1). 189 P. Lexique Technique de la mystique Musulmane (¬2) حلية الأولياء، ج 9، ص 341 - 342 و 361 - 363 و 393 - 394.

سبيل المثال لا الحصر وبالقدر الَّذي يكفى لإظهار ما تنطوى عليه هذه المقامات وتلك الأحوال من المعانى النفسية والأخلاقية، وما تنزع إليه أو تتشح به من منازع روحية: فذو النون يحلل المحبة إلى عناصرها تحليلا يتبين من خلال ما يذكره من أعلامها الثلاثة وهي: الرضا في المكروه، وحسن الظن في المجهول، والتحسين في الاختيار في المحذور، ويحلل الشكر بما يذكره من أعمال ثلاثة هي: المقاربة من الإخوان في النعمة، واستغنام قضاء الحوائج قبل العطية، واستقلال الشكر لملاحظة المنة؛ ويحلل الأنس بالله فيذكر ثلاثة من أعماله وهي: استلذاذ الخلوة، والاستيحاش من الصحبة، واستحلاء الوحدة، ويعبر عن مقومات الشوق إلى الله بما يذكره من أعلام ثلاثة هي: حب الموت مع الراحة، وبغض الحياة مع الدعة، ودوام الحزن مع الكفاية، ويصور الخوف بعلامات ثلاث هي: الورع عن الشبهات بملاحظة الوعيد، وحفظ اللسان مراقبة للتعظيم، ودواء الكمد إشفاقًا من غضب الحليم، وعلى هذا النحو من التحليل والتعبير والتصوير يمضى ذو النون في بيان خصائص الأحوال والمقامات بذكر أعلامها أو أعمالها: فمن أعمال اليقين ثلاثة هي: قلة المخالفة للناس في العشرة، وترك المدح لهم في العطية، والتنزه عن ذمهم في المنع والرزية، ومن أعلام التوكل ثلاثة هي: نقض العلائق، وترك التملق في السلائق، واستعمال الصدق في الخلائق، ومن أعلام الزهد ثلاثة هي: قصر الأمل، وحب الفقر، واستغناء مع صبر، ومن أعمال السخاء ثلاثة هي: البذل للشئ مع الحاجة إليه، وخوف المكافأة استقلالا للعطية، والخوف على النفس استغناء لإدخال السرور على الناس، ومن أعلام الاستغناء بالله ثلاثة هي: التواضع للفقراء المتذللين، والتعظم على الأغنياء المتكبرين، وترك المعاشرة لأبناء الدنيا المستكبرين؛ ومن أعلام الحياء ثلاثة هي: وجدان الأنس بفقدان الوحشة، والامتلاء من الخلوة بإدمان التفكر، واستشعار الهيبة بخالص المراقبة، ومن أعلام الإسلام ثلاثة هي: النظر لأهل الملة، وكف الأذى عنهم،

والعفو عند المقدرة لمسيئهم، ومن أعلام الحلم ثلاثة هي: قلة الغضب عند مخالفة الرأى، والاحتمال عن الورى إخباتًا للرب، ونسيان إساءة المسئ عفوا عنه واتساعًا عليه، ومن أعلام التقوى ثلاثة هي: ترك الشهوة المذمومة مع الاستمكان منها، والوفاء بالصالحات مع نفور النفس عنها، ورد الأمانات إلى أهلها مع الحاجة إليها، ومن أعلام الحب في الله ثلاثة هي: بذل الشيء لصفاء الود، وتعطيل الإرادة لإرادة الله، والسخاء بالنفس والمشاركة في محبوبه ومكروهه بصفة العقد، ومن أعمال الرشد ثلاثة هي: حسن المجاورة، والنصح عند المشاورة، والبر في المجاورة، ومن أعلام السعادة ثلاثة هي: الفقه في الدين، والتيسير للعمل، والإخلاص في السعى. ولا يقف ذو النون عند تصنيف المقامات والأحوال وتحليلها على هذا الوجه الَّذي قدمنا، وإنما هو يتجاوزه إلى شيء آخر لعله أدق من هذا وأعمق. وذلك بأنه يتحدث عن الحال حديثا هو أدنى ما يكون إلى فلسفته، فيظهرنا على ما بين الحال والجبر من صلة: فعنده أنَّه لا يكون للإنسان من الأحوال إلا ما يريده الله له، وليس الإنسان في حاجة إلى أن يعلم ما هو هذا الَّذي اختاره الله، إذ كان الله قد علم ما هو كائن، وهو المكون للأشياء، وهو الَّذي يختاره للإنسان (¬1). ويتصل السماع بالنفس الإنسانية وله فيها عند ذى النون أثر بما تثيره العظة الحسنة والنغمة الطيبة من المعانى التي تؤدى بمن يستشعرونها إلى النعيم الدائم في مقعد صدق عند مليك مقتدر (¬2). وهذا يعنى بعبارة أخرى من عبارات ذى النون نفسه أن السماع هو وارد الحق الَّذي يهيج القلب حتَّى يجد الله، وأن الذين ينصتون إليه بالحق يتحققون، والذين ينصتون إليه بالنفس يتزندقون (¬3). وعلى ما يذهب إليه ذو النون في السماع قد عقب الهجويرى بالإبانة عما يعنيه هذا ¬

_ (¬1) حلية الأولياء، ج 9، ص 382. (¬2) حلية الأولياء، ج 9، ص 354. (¬3) كشف المحجوب ص 404.

الصوفى من أن من يتبع الحق في هذا السماع يحصل له الكشف، على حين أن من يتبع نفسه الأمارة يقع له الحجاب ويعمد إلى التأويل (¬1). ولما كانت العبادات عنصرًا هاما من العناصر التي يتألف منها سلوك العبد في طريقه إلى الله وكان الحج فريضة من فرائض الإسلام التي ينبغي أن يأخذ بها الانسان نفسه، وكان لهذه الفريضة ولغيرها من الفرائض الأخرى أثرها في رياضة النفس ومجاهدة الحس وتصفية القلب، فقد تأول ذو النون مناسك الحج تأويلا يكشف عن معانيها الخفية وآثارها الروحية في حياة الذين يؤدون هذه المناسك سواء في علاقتهم بربهم أو بأنفسهم أو بأشباههم: فذو النون يتأول ويعلل الوقوف بالجبل لا بالكعبة بأن ذلك إنما كان لأن الكعبة بيت الله والجبل باب الله، وإن الله ليوقف القاصدين إليه والوافدين عليها بالباب يتضرعون. ويتأول ويعلل الوقوف بالمشعر الحرام وكيف صار بالحرم، وذلك بأن الله لما أذن للوافدين عليه بالدخول إليه أوقفهم بالحجاب الثانى وهو المزدلفة، ولما طال تضرعهم أمرهم بتقديم قربانهم، وكان هذا القربان تطهيرا لهم من ذنوبهم التي كانت لهم حجابا من دون الله، وأذن الله لهم بالزيارة على طهارة. وأما أن الصوم مكروه أيام التشريق فذلك ما يؤوله ويعلله ذو النون بأنه راجع إلى أن القوم إنما زاروا الله، وأنهم في ضيافته، ولا ينبغي للضيف أن يصوم عند من أضافه. ويتأول ذو النون التعلق بأستار الكعبة فيكشف عن المعنى الَّذي ينطوى عليه هذا التعلق فيرى أن مثل الرجل وقد تعلق بأستار الكعبة كمثل الرجل وقد كانت بينه وبين أخيه جناية فتعلق بثوبه واستجدى له، وتضرع إليه ليهب له جرمه وجنايته (¬2): فكل أولئك تأويلات وتعليلات يقدمها ذو النون بين يدى مناسك الحج فيظهرنا من خلالها على تلك المعانى النفسية والأخلاقية السامية التي ينطوى عليها الحج، وعلى ما ينبغي أن يقر في نفوس المؤدين لمناسكه من تلك ¬

_ (¬1) كشف المحجوب ص 404. (¬2) حلية الأولياء، ج 9، ص 270.

المعانى، وإن ذا النون ليذكرنا هنا بما يصطنعه الإسماعيلية الباطنية من تأويل وتخريج للمعانى الخفية من الألفاظ الظاهرة، ومن يدرى فلعله كان متأثرا بهم، وإن كانت تلك مسألة لا تزال في حاجة إلى دراسة مقارنة على ضوء المعلومات التاريخية والمؤثرات الداخلية والخارجية في عصر ذى النون وحياته ومذهبه. ومهما يكن من شيء فإننا واجدون لدى ذى النون كلاما لعله أن يكون أقرب إلى كلام الإسماعيلية الباطنية فيما يذهبون إليه من حديث عن النجباء والدعاة والقائمين بالحجة والأئمة المستورين: فكل أولئك ألفاظ اصطلاحية إسماعيلية نجدها فيما تحدث به ذو النون عن هؤلاء الذين خلصت عبادتهم لله من عباد الله وهذا نصه: "إن لله (صفوة) خالصة من عباده، ونجباء من خلقه، وصفوة من برّيته، صحبوا الدنيا بأبدان أرواحها في الملكوت معلقة، أولئك نجباء الله من عباده، وأمناء الله في بلاده، والدعاة إلى معرفته، والوسيلة إلى دينه، هيهات بعدوا وفاتوا، ووارتهم بطون الأرض وفجاجها؛ على أنه لا تخلو الأرض من قائم فيها بحجته على خلقه لئلا تبطل حجج الله ... أولئك قوم حجبهم الله عن عيون خلقه، وأخفاهم عن آفات الدنيا وفتنها ... " (¬1). 2 - وإذا تركنا هذه الناحية الروحية العامة لمذهب ذى النون الصوفى وما تشتمل عليه من عناصر عملية، وانتقلنا معه إلى الناحية التيوزوفية الخاصة لهذا المذهب، ألفينا له نظرية في المعرفة وأخرى في المحبة، وكلتاهما تنطويان على كثير من المعانى الفلسفية التي ظهرت لأول مرة في تاريخ التصوف الإسلامى عند ذى النون، وكان ظهورها عنده في صورة ساذجة بسيطة، ثم أخذت هذه الصورة تدق وتتضح رويدًا رويدًا على أيدى من تعاقب بعده من الصوفية بصفة عامة، حتَّى تهيأ لها من الدقة والوضوح والتمام أكبر حظ عند الصوفية المتفلسفين، أو الصوفية الذين وقع التزاوج في مذاهبهم بين التصوف والفلسفة الإلهية وعلم الكلام من أمثال محيى الدين بن عربى، وعمر بن الفارض، ويحيى السهروردى المقتول ¬

_ (¬1) حلية الأولياء، ج 9، ص 349.

بصفة خاصة. والمعرفة على ضروب ثلاثة: معرفة عامة المؤمنين، ومعرفة المتكلمين والحكماء، ومعرفة خواص الأولياء المقربين الذين يعرفون الله بقلوبهم. وليس من شك في أن هذا الضرب الثالث من المعرفة هو عند ذى النون أرقى وأسمى ضروبها جميعًا، وذلك لأنها تتخذ موضوعها من الذات الألهية وما لهذه الذات من صفات الوحدانية، وهي لا تحصل عن طريق الكسب والتعلم والتصور والاستدلال، وإنما هي إلهام ونفث في الروع ونور يقذفه الله في سر العبد فيعرف العبد الله معرفة مباشرة لا واسطة فيها ويقينية لا شك يعتريها. ويدل على ذلك ما أجاب به ذو النون وقد سئل بم عرف العارفون ربهم؟ فقال ما نصه: "إن كان بشيء فبقطع الطمع والأشراف منهم على اليأس مع التمسك منهم بالأحوال التي أقامهم عليها، وبذل المجهود من أنفسهم، ثم إنهم وصلوا بعد إلى الله بالله" (¬1). ويدل عليه أيضًا ما أجاب به وقد سئل بم عرفت ربك؟ فقال: "عرفت ربى بربى، ولولا ربى ما عرفت ربى" (¬2). هذا فيما يتعلق بمعرفة الله، أما فيما يتعلق بالمعرفة عامة فإن ذا النون يرى أنها تنال بأشياء ثلاثة: بالنظر في الأمور كيف دبرها، وفى المقادير كيف قدرها، وفى الخلائق كيف خلقها (¬3). إذا كانت معرفة الانسان للذات الإلهية معرفة إلهامية على هذا الوجه الَّذي لا يدانيها فيه أي ضرب من ضروب المعرفة الأخرى سواء من حيث الموضوع والمنهج، فقد ترتب على ذلك أنَّه بغير هذه المعرفة الإلهامية المباشرة لا يمكن أن تعرف الذات الإلهية إلا من طريق صفات السلوب، إذ إن الذات الإلهية ليس كملثها شيء مما يتصوره وهم الإنسان. وهذا يعنى بعبارة أخرى أن الذات الإلهية قد تفردت عند ذى النون بالوحدانية، كما يعنى أن نظريته في المعرفة متصلة اتصالًا وثيقًا بنظريته في التوحيد: فعنده أن قدرة الله ¬

_ (¬1) حلية الأولياء، ج 9، ص 353. (¬2) الرسالة القشيرية، ص 142. (¬3) حلية الأولياء، ج 9، ص 354.

في الأشياء بلا مزاج، وأنه ليس في السموات العلى ولا في الأرضين السفلى مدبر غير الله (¬1). وليس أدل على هذا مما يناجى به ذو النون ربه فيقول: "إلهى، ما أصغى إلى صوت حيوان، ولا حفيف شجر، ولا خرير ماء، ولا ترنم طائر، ولا تنعم ظل، ولا دوى ريح، ولا قعقعة رعد، إلا وجدتها شاهدة بوحدانيتك، دالة على أنَّه ليس كمثلك شيء ... إلهى لاتترك بينى وبين أقصى مرادك حجابًا إلا هتكته، ولا حاجزًا إلا رفعته، ولا وعرًا إلا سهلته، ولا بابًا إلا فتحته، حتَّى تقيم قلبى بين ضياء معرفتك، وتذيقنى طعم محبتك، وتبرد بالرضى منك فؤادى وجميع أحوالى، حتَّى لا أختار غير ما تختاره، وتجعل لى مقامًا بين مقامات أهل ولايتك، ومضطربًا فسيحا في ميدان طاعتك .. " (¬2) على أن هذه النزعة التيوزوفية التي تظهر من خلال نظريتى ذى النون في المعرفة والتوحيد، والتى أجملناها هنا، قد عرض لها هذا الصوفى مفصلة، وعرضها في صورة شعرية ضمنها قصيدة طويلة نقف منها عند بعض أبياتها الدالة على منزعه التيوزوفى في معرفة الذات الإلهية وإثبات الوحدانية لها. قال ذو النون: رب تعالى فلا شئ يحيط به ... وهو المحيط بنا في كل مرتصد لا الأين والحيث والكيف يدركه ... ولا يحد بمقدار ولا أمد وكيف يدركه حد ولم تره ... عين وليس له في المثل من أحد أم كيف يبلغه وهم بلا شبه ... وقد تعالى عن الأشباه والولد من أنشأ قبل الكون مبتدعا ... من غير شيء قديم كان في الأبد ودهر الدهر والأوقات واختلفت ... بما يشاء فلم ينقص ولم يزد ¬

_ (¬1) حلية الأولياء، ج 9، ص 226. (¬2) حلية الأولياء، ج 9، ص 242 - 343.

إلى أن يقول: وجل في الوصف عن كل الصفات وعن ... مقال ذى الشك والإلحاد والعند من لا يجازى بنعمى من فواضله ... ولم ينله بمدح وصف مجتهد (¬1) 3 - وكما كان لذى النون نظرية في المعرفة وتوحيد الله فقد كان له أيضًا نظرية في المحبة: فهو يرى أن ثمة حبًا متبادلًا بين العبد المحب وبين الرب المحبوب، وأن هذا هو الحب الإلهى الَّذي ينبغي على من تحقق به ألا يتحدث عنه أو يبوح به لمن لا يعرفون من الحب غير معناه الحسى. ويرى ذو النون أن سبيل العبد إلى إقبال الرب عليه وحبه له هو أن يكون العبد صابرًا شاكرًا ذاكرًا، أما إذا كان العبد ساهيًا لاهيًا معرضًا عن ذكر الله فذلك علامة إعراض الله عنه (¬2). ويرى أيضًا أن الرب إذا آنس العبد بخلقه أوحشه من نفسه. وإذا أوحشه من خلفها آنسه بنفسه (¬3). والمتأمل فيما أثر عن ذى النون من أقوال منثورة وقصائد منظومة، يلاحظ أنَّه يصطنع لفظتى الحب والمحبة اصطناعًا صريحًا سواء في تعبيره عن إقبال الله على العبد أو إقبال العبد على الله، وأنه باستعماله لفظة الحب بنوع خاص إنما يشارك رابعة العدوية التي عاصرته، والتى تعد أول من استعمل هذه اللفظة استعمالًا صريحًا فيما كانت تناجى به ربها، أو فيما كانت تتحدث به عن علاقتها به وإقبالها عليه وإيثارها له. وعلى الرغم من أن كتب التراجم والطبقات قد تضاربت في إثبات الصلة بين ذى النون ورابعة ونفيها، فإننا لا نستطيع مع ذلك أن ننكر ما بين مذهبيهما في الحب الإلهى واستعمالهما للألفاظ الدالة عليه والمعبرة عنه من أوجه الشبه، ومهما يكن من شيء فإنه يتبين من بعض ما أورده أبو نعيم أن ذا النون قد لقى امرأة وصفهما بأنها صديقة دون أن يذكر اسمها، وأنه استمع إليها ونقل عنها كلامًا في تعريف المحبة ووصفها جرى على لسانها في ثنايا ما دار بينه وبينها من حوار، كما نقل عنها أبياتًا في تقسيم الحب إلى حبين: حب الهوى، وحب خليق بذات الله وحده (¬4). ¬

_ (¬1) حلية الأولياء، ج 9، ص 388 - 389. (¬2) حلية الأولياء، ج 9، ص 343. (¬3) حلية الأولياء، ج 9، ص 343. (¬4) حلية الأولياء، ج 9، 348.

ونحن إذا وقفنا عند هذه الأبيات التي تقول فيها مخاطبة ربها: أحبك حبين: حب الهوى ... وحبا لأنك أهل لذاكا فأما الَّذي هو حب الهوى ... فذكر شغلت به عمن سواكا وأما الَّذي أنت أهل له ... فكشفك للحجب حتَّى أراكا فما الحمد في ذا ولا ذاك لى ... ولكن لك الحمد في ذا وذاكا. وإذا عرفنا أن هذه الأبيات تنسب إلى رابعة انتهينا إلى أن ذا النون إنما يتحدث هنا عن هذه الزاهدة العابدة العاشقة وعن حبها لله دون أن يذكر اسمها. وكما كانت رابعة تذهب في حبها الإلهى مذهبًا قوامه الإقبال على الله، وإيثاره على كل من عداه، والتنزه عن عبادته خوفًا من ناره أو طمعًا في جنته، بحيث كانت غايتها القصوى هي أن ينكشف عن عين قلبها عين الحجاب، فتستمتع بما يبيحه الله لها من مطالعة وجهه الكريم، فكذلك كان ذو النون يذهب في حبه هذا المذهب الَّذي جعله يتخذ من الله غايته ومعقد رغبته: فقد كانت رابعة تناجى ربها بقولها "إلهى، إذا كنت أعبدك رهبة من النار فاحرقنى بنار جهنم، وإذا كنت أعبدك رغبة في الجنّة فاحرمنيها، وأما إذا كنت أعبدك من أجل محبتك فلا تحرمنى يا إلهى من جمالك الأزلى". وكانت تتحدث عن حبها الإلهى فتقول إنها لم تكن تعبد الله إلا حبًا له وشوقًا إليه. وهذا هو ما يعبر عنه ذو النون تعبير وإن اختلف في بعض تفاصيله عما ذهبت إليه رابعة، فهو يظهرنا من غير شك على أن الفكرة الرئيسية التي انطوى مذهبه في الحب عليها، والغاية القصوى التي كان يرمى في هذا الحب إليها، إنما هي حب الله لذاته، والإقبال عليه ابتغاء لوجهه، دون أن يكون له من وراء ذلك أي مطمع آخر، كما يدل على هذا كله قوله في هذه الأبيات: أموت وما ماتت إليك صبابتى ... ولا رويت من صدق حبك أوطارى

الذهبي

مناى المنا كل المنا أنت لى منى ... وأنت الغنى كل الغنى عند إقصارى وأنت مدى سؤلى وغاية رغبتى ... وموضع شكواى ومكنون إضمارى وهكذا ينتهى بنا كل ما تقدم من حديث عن حياة ذى النون الروحية ومذهبه في الطريق إلى الله وفى المعرفة اليقينية والمحبة الإلهية إلى أن ذا النون المصري لم يكن زاهدًا أو عابدًا من طراز الزهاد والعباد الذين حفلت بهم عهود الحياة الروحية الإسلامية الأولى فحسب، وإنما كان صاحب منهج وصاحب مذهب، وكان أخص خصائص منهجه التحليل والتعليل والتأويل وكلها أشياء تبيّنا بعض آياتها من خلال ترتيبه وتصنيفه للأحوال والمقامات، كما كان ابرز ما يتسم به مذهبه من سمات، هذه الصبغة التيوزوفية التي اتخذ فيها من الله موضوعا أسمى لمعرفته ومحبته وغاية قصوى لرغبته ومنيته. الدكتور محمد مصطفى حلمى الذهبي شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قيماز بن عبد الله التركمانى الفارقى الدمشقي الشافعي، مؤلف عربى ولد في ميافارقين في غرة ربيع الثانى أو في الثالث منه عام 673 هـ (5 و 7 أكتوبر 1274 م) وتوفى في دمشق ليلة الإثنين الثالث من ذى القعدة عام 748 هـ (3 - 4 فبراير 1348) ودفن عند الباب الصغير (ويزودنا لقبه الذهبي في حساب الجمل بتاريخ وفاته) (¬1) ويقول محمد ابن أحمد بن إياس إن وفاته كانت عام 753 (18 فبراير 1353 - 5 فبراير 1353). بدأ يدرس الحديث عام 690 هـ (1291 م روايات أخرى أنَّه بدأ دراسته في سن الثامنة عشرة) في دمشق على عمر بن قوّاس وأحمد بن هيبة الله بن عساكر وغيرهما؛ وفى بعلبك على عبد الخالق بن علوان وزينب بنت عمر بن كندى؛ وفى حلب على ¬

_ (¬1) المقصود طبعا أنها مجرد مصادفة أن يكون مجموع ما تساويه حروف اسمه هو 748 وهو سنة وفاته. (م. ع).

سَوقَر الزينى؛ وفى نابلس على العماد ابن بدران، وفى مكة على التوزرى؛ وفى الإسكندرية على أبى الحسن على ابن أحمد العراقى وأبى الحسن يحيى بن أحمد الصواف، ثم في القاهرة على ابن منظور الإفريقى صاحب "لسان العرب" وعلى شيخ الإسلام ابن دقيق العيد بخاصة. وكانت لابن دقيق العيد فراسة في اختيار تلاميذه الذين يأخذون الحديث عنه. وقد تلقى الذهبي كذلك إجازة من أبي زكريا بن الصيرفى ومن ابن أبى الخير ومن القاسم الإربلى وغيرهم. ونخص بالذكر من تلاميذه عبد الوهاب السبكى صاحب "طبقات الشافعية" وكان صديق أبيه تقى الدين السبكى الَّذي كان أعلم منه بفقه الشافعي. وأخذ الذهبي يدرّس الحديث في مدرسة أم الصالح في دمشق، ولم يخلف شيخه يوسف المزّى (المتوفى في عام 742 هـ = 1341 م) في تدريس الحديث بالأشرفية، لأن مؤسس مشيخة الحديث في هذه المدرسة اشترط شروطًا خاصة بمذهب من يتولى تدريس الحديث في هذه المدرسة لم يوافق الذهبي عليها. واشتهر الذهبي بأنه من أبرز العلماء في التاريخ وفى الحديث، ومع هذا فإن معاصريه أبا الفداء وابن الوردى وإن اعترفا بتبريزه في التاريخ والحديث، قالا إن بصره كفَّ عام 743 هـ (6 يونية 1342 م - 25 مايو 1342؛ وجاء في روايات أخرى أن بصره كف عام 743 هـ). فلما أدرك قرب منيته كتب تراجم لبعض معاصريه وهم على قيد الحياة، واستقى معلوماته من فتيان متحمسين ممن التفوا حوله. وكان عاجزًا عن التحقق من صدق رواياتهم فلوث بذلك سمعة بعض الأعلام وإن كان ذلك عن غير عمد. ومما نشر من تواليفه: (1) تذكرة الحفاظ (وهو غير الطبقات) في أربعة أجزاء، وقد طبع بمدينة حيدر آباد، وجمع فيه حفاظ الحديث وقسمهم على إحدى وعشرين طبقة متفاوتة الطول. وقد ترجم في ذيله لبعض شيوخه. وقد اختصر السيوطي هذا الكتاب وأكمله بعنوان "طبقات الحفاظ"، نشره فستنفلد بهذا العنوان اللاتينى Liber -Classium Virorum qui Korani et Tradi

tionum Cognitione excelluerunt كوتنكن 1833. (2) المشتبه في أسماء الرجال، وهو معجم للأعلام والكنى مرتب على حروف المعجم مما يرد في الحديث بخاصة ويشتبه فيه، طبعة دى يونكك de jong (ليدن عام 1881). (3) ميزان الاعتدال في نقد (أو تراجم) الرجال، وهو معجم للمحدثين غير الثقات أو المظنون أنهم كذلك ... إلخ .. طبع في لكنهؤ عام 1301 هـ (1884 م) وفى القاهرة. 1325. (4) تجريد أسماء الصحابة، وهو معجم للصحابة (حيدر آباد عام 1350). (5) الطب النبوى (وفى رواية أخرى "طب النبي") وينسب هذا الكتاب أيضًا للسيوطي، وقد ترجمه إلى الفرنسية برون Perron بعنوان La Medecine prophete (الجزائر 1860) ونشر بالعربية على هامشى تسهيل المنافع لإبراهيم بن عبد الرحمن الأزرق (القاهرة 1308 هـ) وهو مقسم إلى ثلاثة فصول: الأول في أصول الطب؛ الثانى في الأدوية والأطعمة؛ والثالث في علاج الأمراض. وللذهبى مصنفات أخرى مخطوطة: (1) أ، تاريخ الإسلام، وهو تاريخ عظيم للإسلام يصل إلى عام 700 هـ ومقسم على فترات من عشر سنين، تضم كل فترة منها طبقة من الرجال مرتبة على حروف المعجم. وبعض مجلدات هذا الكتاب موجودة في مكتبات أوربية شتى. ب، ذيل له من عام 707 - 740 (في نسخة ليدن إلى 765) ويقول عبد الوهاب السبكى صاحب طبقات الشافعية إنه كتاب قيم لولا بعض التحيز الَّذي وقع فيه، ولكن كمال الدين الزملكانى الَّذي قرأه مجلدًا مجلدًا وجده مصنفًا نفيسًا. وعالج الذهبي الموضوع نفسه مرة أخرى وعرضه في أربعة مصنفات كل منها قائم برأسه: (أ) الأخبار السياسية عن الدول الإسلامية، وهو الموسوم اختصارًا به "تأريخ دول الإسلام" كما يسمى "التاريخ الصغير" وهو تاريخ سياسى للإسلام إلى عام 716 هـ وله ذيل عن

الفترة بين عامي 716 - 740. وثمة نسخة أخرى من الكتاب نفسه انتهى الذهبي منها في ذى القعدة عام 715 (مارس 1316) عنوانها مختصر العبر في خبر من غبر (وفى رواية أخرى = من عبر) أو كتاب العبر في أخبار البشر ممن عبر، ويسمى كذلك التاريخ الأوسط، ومنه مخطوطات في المكتبات الأوربية. (ب) تأريخ النبلاء (أو سير الأشراف) وهو تأريخ لبعض الأعلام. (ج) تذكرة الحفاظ. (د) طبقات القراء (أو كتاب معرفة القراء الكبار على الطبقات والأعصار). (2) مختصر لتأريخ بغداد لابن الدبيثى. (3) مختصر أخبار النحويين لابن القفطى. (4) تذهيب تهذيب الكمال في أسماء الرجال، وهو تصحيح لتهذيب الكمال في أسماء الرجال لأبي عبد الله محمد بن محمود بن الحسن بن النجار محب الدين الشافعي المتوفى في الخامس من شعبان 643 هـ الموافق 27 ديسمبره 1245 م. وهو معجم للمحدثين المذكورين في كتب الحديث الستة. (5) الكاشف في معرفة أسماء الرجال، وهو مختصر للكتاب السابق. (6) المسترجل في الكنى، وهو معجم للكنى. (7) المقتنى في سرد الكنى وهو معجم للكنى. (8) المعجم، وهو معجم لتراجم شيوخه، وفيه أكثر من 1300 ترجمة. وله مختصر وذيل في آخر كتاج "تذكرة الحفاظ". (9) منطوقة في أسماء الحفاظ. (10) الموقظة، وهي رسالة في علوم الحديث. (11) كتاب العلوم، وهو رسالة في تمجيد الله. (12) الكبائر وبيان المحارم. (13) المغنى في الحديث عن محدثين ضعفاء. (14) تشبيه الخسيس بأهل الخميس في المحدثين المظنون أنهم ثقات.

المصادر

(15) رسالة فيما يذم ويعاب في كل طائفة. (16) مفاخرة المشمش والتوت. (17) مختصر المستدرك على الصحيحين لمحمد بن عبد الله بن محمد الحاكم النيسابورى، وهو ذيل لصحيحى البخاري ومسلم يتبع قواعدهما في اختيار الحديث. (18) الورد، (انظر فهرس فولرز لمكتبة جامعة ليبسك، رقم 252). المصادر: (1) محمد بن أحمد بن إياس الحنفى: بدائع الزهور في وقائع الدهور (بولاق 1311) ج 1، ص 199. (2) ابن ناصر الدين شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر عبد الله ابن محمد القيسي الدمشقي الشافعي: كتاب التبيان لبدائة البيان، وهو مخطوط في حوزة كاتب هذه المادة (طبقة 21، 16). (3) السيوطي: طبقات الحفاظ، طبعة فستنفلد (كوتنكن 1833) ج 21، ص 9. (4) عبد الوهاب السبكى، طبقات الشافعية الكبرى (القاهرة 1342 هـ) ج 5، ص 216. (5) ابن شاكر الكتبى، فوات الوفيات (بولاق 1299) ج 2، ص 182. (6) عمر بن الوردى، التأريخ (القاهرة 1285 هـ) ج 2، ص 348. (7) أبو الفداء؛ التأريخ (الآستانة 1286) ج 4، ص 155. (8) أبو عبد الله شمس الدين محمد بن أبي بكر بن ناصر الدين الشافعي، كتاب الرد الوافر على من زعم أن من سمى ابن تيميه شيخ الإسلام كافر القاهرة 1329) ص 19. (10) Die Ges-: Wustenfeld chichtsschreiber der Araber and ihr werke، كوتنكن، ص 410. (11) Geschichte der: Brockelmann Arabischen litteratur) طبعة برلين 1902) ج 2، ص 46. (12) Ensayo bio-: Pons Boygues bibliografico (مدريد 1898) ص 416. (13) Litterature Arabe: Cl. Huart (باريس 1902) ص 337. يونس [محمد بن شنب]

ر

ر

رابعة العدوية

رابعة العدوية ولية متصوفة بصرية مشهورة، وهي مولاة آل عتيك، وهم قبيلة من قيس بن عدى تعرف أيضًا بالقيسية. ولدت 95 هـ (713 هـ - 714 م) أو عام 99 هـ، وتوفيت بالبصرة ودفنت فيها عام 185 هـ (801 م) وقد سجلت لها أبيات من الشعر قليلة. وذكرها معظم كتاب الصوفية، أصحاب طبقات الأولياء. ولدت في بيت فقير، وأسرت وهي بعد طفلة، ثم بيعت. بيد أن صلاحها أكسبها حريتها، وانصرفت إلى الانقطاع عن الدنيا، وصدفت عن الزواج. وأقامت أول أمرها في البادية، ثم انتقلت إلى البصرة حيث جمعت حولها كثيرًا من المريدين والأصحاب الذين وفدوا عليها لحضور مجلسها وذكرها لله والاستماع إلى أقوالها. وكان من بينهم مالك بن دينار، والزاهد رباح القيسي، والمحدث سفيان الثورى، والمتصوف شقيق البلخي. وكانت حياتها عكوفا على الزهد وانقطاعًا عن أسباب الحياة الدنيا. وروى أنها لما سئلت لماذا لا تطلب من أصدقائها العون أجابت "إنى لأستحى أن أسأل الدنيا من يملكها، فكيف أسألها من لا يملكها" وقالت لصديق آخر: " ... إن الله تعالى هو الَّذي يرزقنى ويرزقهم [أي الأغنياء] أفمن يرزق الأغنياء لا يرزق الفقراء؟ فإذا كانت هذه مشيئته فنحن من جانبنا نرضى عنها

كل الرضا". ونسبت إليها كرامات، شأنها في ذلك شأن غيرها من أولياء المسلمين، فقد كان الطعام يأتيها بوسائل خارقة فتقرى به ضيوفها وتسد رمقها. ونفق بعير لها وهي تقوم بفريضة الحج، فرُدت له الحياة ليقوم بخدمتها. ولم تكن في حاجة إلى مصباح لأن النور كان يشع من حولها. وقد روى أنَّه لما حضرتها الوفاة قالت لأصحابها: "انهضوا واخرجوا، ودعوا الطريق مفتوحة لرسل الله تعالى" فنهضوا جميعا وخرجوا، فلما أغلقوا الباب سمعوا صوت رابعة وهي تقول الشهادة، فأجابها صوت {يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي} (سورة الفجر، الآيات 27 - 30) ورؤيت رابعة في المنام، فسئلت بماذا أجابت منكرا ونكيرا فقالت: "أتانى منكر ونكير فسألانى: من ربك؟ فأجبت: أيها الملكان، اذهبا وقولا لحضرة الله تعالى: أنت تأمر بسؤالى، أنا المرأة العجوز، بين هذا العدد من عبيدك، أنا التي لم أعرف غيرك! أفنسيتك مرة حتَّى تبعث إلى بمنكر ونكير يسألاننى؟ " ومن بين دعواتها دعاء اعتادت أن تردده بالليل من فوق سقف لها "إلهى، أنارت النجوم، ونامت العيون، وغلقت الملوكُ أبوابها، وخلا كل حبيب بحبيبه، وهذا مقامى بين يديك". ومن دعواتها أيضًا: "إلهى إذا كنت أعبدك خوفًا من نارك فأحرقنى بنار جهنم، وإذا كنت أعبدك طمعًا في جنتك فأحرمنيها، أما إذا كنت أعبدك من أجل محبتك فلا تحرمنى من مشاهدة وجهك". وقالت في التوبة، وهي أول مقامات الصوفية [مجيبة من سألها]، "هل لو تبت يتوب على؟ " فقالت: "لا، بل لو تاب عليك لتبت" وكان من رأيها أن الشكر يكون على رؤية المنان لا على منته. ولما طلب إليها في يوم من أيام الربيع أن تخرج لتتأمل آثار قدرة الله قالت [لخادمتها] "بل ادخلى أنت وتعالى تأملى القدرة في نفسها" وأضافت "إن مهمتى أنا هي أن اتأمل القدرة". ولما قيل لرابعة "ما تقولين في الجنّة؟ " قالت "الجار ثم الدار" وقد علَّق الغزالى على ذلك بقوله:

" .. كل من لم يعرف الله في الدنيا فلا يراه في الآخرة، وكل من لم يجد لذة المعرفة في الدنيا فلا يجد لذة النظر في الآخرة، إذ ليس يستأنف لأحد في الآخرة ما لم يصحبه في الدنيا، ولا يحصد أحد إلا ما زرع" (الإحياء: ج 4، ص 269). ويظهرنا على انقطاعها عن الدنيا قولها لمن سألها: "من أين أتيت؟ - من العالم الآخر - إلى أين تذهبين؟ - إلى العالم الآخر- وماذا تفعلين في هذه الدنيا؟ - أعبث بها وكيف تعبثين بها؟ - آكل خبزها وأعمل عمل الآخرة". وقال أحدهم ساخرًا: "إنك بارعة في الكلام، أفلا تصلحين لحراسة رباط؟ " فقالت: "إنى حارسة رباط فعلا، لأنى لا أدع شيئًا يخرج مما في داخلى، ولا أدع شيئًا يدخل مما هو خارج. وأنا لا أحفل بمن يدخل أو يخرج فأنا مشغولة بقلبى لا بمجرد الطين". ولما سئلت: "كيف بلغت هذا المقام من الولاية؟ أجابت رابعة: بقولى اللهم إنى أعوذ بك من كل ما يشغلنى عنك ومن كل حائل يحول بينى وبينك". واشتهرت بأقوالها في المحبة والأنس بالله، وهو شغل محبه الشاغل. وكل محب صادق يبحث عن القرب من محبوبه. ومما أنشدت في ذلك هذين البيتين: إنى جعلتك في الفؤاد محدثى ... وأبحت جسمى من أراد جلوسى فالجسم منى للجليس مؤانس ... وحبيب قلبى في الفؤاد أنيسى (الإحياء: ج 3، ص 358، الهامش) وأظهرت الحاجة إلى هذا الحب الشاغل والعبادة العاكفة بوضعها النار في يد والماء في اليد الأخرى. ثم أنشأت تقول: "سأشعل النار في الجنّة وأسكب الماء على النار، حتَّى ينجاب الغشاءان عن طريق السالكين إلى الله، ويتبين مقصودهم، ويشاهدون الله لا يحدوهم أمل ولا يفزعهم خوف، أفئن لم يكن جنة ولا نار لم يعبد الله أحد ولم يطعه أحد؟ " (الأفلاكى: مناقب العارفين، مكتبة وزارة الهند، رقم 1760، ورقة 114 أ) سئلت "كيف حبك للرسول؟ " قالت "إنى والله أحبه حبًا شديدًا، ولكن حب الخالق شغلنى عن حب المخلوقين". وقالت أيضًا "إن حبى لله لم يترك

المصادر

في قلبى مكانًا لمحبة ما سوى الله" وقالت عن عبادتها لله والباعث عليها "ما عبدته خوفًا من ناره ولا حبًا لجنته فأكون كالأجير السوء. بل عبدته حبًا له وشوقًا إليه"، وأبياتها عن الحبين، يبحث أولهما عن هواه فحسب، ويبحث ثانيهما عن ذات الله وجلاله، مشهورة يتردد ذكرها: أحبك حبين، حب الهوى ... وحبًا لأنك أهل لذاكا فأما الَّذي هو حب الهوى ... فشغلى بذكرك عمن سواكا وأما الَّذي أنت أهل له ... فكشفك للحجب حتَّى أراكا فلا الحمد في ذا، ولا ذاك لى ... ولكن لك الحمد في ذا وذاكا ويعلق الغزالى على ذلك مرة أخرى بقوله "ولعلها أرادت بحب الهوى حب الله لإحسانه إليها وإنعامه عليها بحظوظ العاجلة، وبحبه لما هو أهل له الحب لجماله وجَلاله الَّذي انكشف لها وهو أعلى الحبين وأقواهما (الإحياء ج 4، ص 267). وكانت رابعة كالصوفية جميعا تنشد الوصل. وقد قالت في بعض أبياتها إن أملها هو الوصل وهو غاية منيتها. وقالت أيضًا إنها انقطعت عن الوجود وانسلخت من نفسها واتصلت بالله وأصبحت كلها له. ونخلص من هذا إلى أن رابعة تختلف عن متقدمى الصوفية الذين كانوا مجرد زهاد ونساك، ذلك أنها كانت صوفية بحق يدفعها حب قوى دفاق. وكانت واعية بأن حَياتها اتصلت بالله، كما كانت من أوائل الصوفية الذين قالوا بالحب الخالص، الحب الَّذي لا تقيده رغبة سوى حب ذات الله وحده. وكانت من أوائلهم أيضًا في الجمع بين الحب والكشف. المصادر: أهم المراجع هي: (1) العطار: تذكرة الأولياء، طبعة نيكلسون، ج 1، ص 59 وما بعدها. (3) تاج الدين الحصنى: سير الصالحات، باريس رقم 2042، ورقة 126 وما بعدها. (3) م. ذهنى: مشاهير النساء، لاهور 1902 م، ص 225. (4) ابن خلكان: وفيات الأعيان،

راحيل

ترجمة ده سلان، ج 3، ص 215. (5) المناوى: الكوا كب الدرية، ملحق المتحف البريطانى 23، 29 ورقة رقم 50 وما بعدها. (6) الشعرانى: الطبقات الكبرى، القاهرة 1299 هـ، ص 56. (7) جامى: نفحات الأنس طبعة sau-Less Nas-، ص 716 ما بعدها. وأهم المراجع في أقوالها: (1) الغزالى: الإحياء، القاهرة 1272 هـ، ج 4، ص 267، 269، 291، 308. (2) الكلاباذى: كتاب التعرف، طبعة أربرى، القاهرة: 1934 ص 73، 121. (3) القشيرى: الرسالة، بولاق 1867، ص 86، 173، 192. (4) المكي: قوت القلوب، القاهرة 1310 هـ، ج 1، ص 103، 156 وما بعدها؛ ج 2، ص 40، 57 وما بعدها. واذا شئت تفصيل حياتها وأقوالها مع بيان واف بالمصادر فارجع إلى Rabi'a the Mystic and: Margaret Smith her Fellow-saints in islam, كمبردج 1928. د. يونس [مرغريت سميث Margaret Smith] راحيل Rachel: زوجة يعقوب وأم يوسف وبنيامين؛ ولم يرد ذكر راحيل في القرآن، على أن ثمة إشارة إليها في الآية 27 من سورة النساء (¬1): " .. وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سَلف إن الله كان غفورًا رحيمًا". ويقال إن هذه الفقرة من الآية تومئ إلى زواج يعقوب من ليا وراحيل. وكان الجمع بين الأختين صحيحًا قبل أن تنزل التوراة على موسى، وقد قال الطبرى بهذا التفسير في تاريخه (ج 1، ص 356، 359 وما بعدها، وأخذ به ابن الأثير، ص 90). على أن الطبرى فسر هذه الآية ¬

_ (¬1) رقم الآية في المصحف العثمانى هو 23.

التفسير الصحيح في تفسيره (ج 4، ص 210) وهو أن الله حرم الجمع بين الأختين إلا ما قد سلف، ولكنه تعالى لم يقض بتفريق مثل هذه الزيجات التي عقدت قبل التحريم (¬1). والروايات الإسلامية تأخذ بصفة عامة بالرأى القائل بأن يعقوب إنما تزوج راحيل بعد وفاة ليا. وهذا هو ما جاء فعلا في الطبرى (ج 1، ص 355) والزمخشرى والبيضاوى وابن الأثير وغيرهم. بل إن الكسائى يذهب إلى أن يعقوب لم يتزوج راحيل إلا بعد وفاة ليا ووفاة أمتيه. وفى هذا الأمر أيضًا تختلف الروايات الإسلامية عن التوراة، فتقول هذه الروايات إن يعقوب لم يتزوج راحيل إلا بعد أن خدم أربعة عشر عامًا. أما التوراة فتقول إنه خدم سبع سنين ثم تزوج ليا. وبعد انقضاء أسبوع على بنائه بها تزوج راحيل ثم خدم سبع سنين أخرى. وهناك أقاويل عن خطبة يعقوب والحيلة التي عمد إليها لابان بأن دفع إليه ليا بدلا من راحيل ليلا "من غير قنديل ولا شمعة" تنير الغرفة التي دخل بها فيها. ولراحيل أيضًا شأن في قصة يوسف. فقد ورث يوسف جماله عن أمه راحيل. ذلك أنَّه كان لهما نصف الجمال ولسائر العباد النصف الآخر، وفى روايات أخرى أنَّه قسم لهما ثلثا الحسن. بل جاء في قصة هجّاداة (قدوشين، 49 ب) أن الحسن عشرة أجزاء لهما تسعة وواحد بين سائر الناس (الثعلبى، ص 69). وعندما ترك يعقوب لابان لم يكن لديه مال ينفق منه على رحلته، ولما قام أخوة يوسف ببيغه مر بقبر أمه راحيل فلم يتمالك أن رمى نفسه عن الناقة إلى القبر وهو يقول "يا أمى انظرى إلى ولدك، يا أماة لو رأيتنى وقد نزعوا ¬

_ (¬1) الَّذي جاء في الطبرى هو ما يأتى بالنص "وأما قوله أن تجمعوا بين الأختين فإن معناه وحرم عليكم أن تجمعوا بين الأختين عندكم بنكاح، فإن في موضع رفع كأنه قيل والجمع بين الأختين إلا ما قد سلف، لكن ما قد مضى منكم فإن الله كان غفورًا لذنوب عباده إذا تابوا إليه منها، رحيما بهم فيما كلفهم من الفرائض، وخفف عنهم فلم يحملهم فوق طاقتهم. يخبر بذلك جل ثناؤه أنَّه غفور لمن كان جمع بين الأختين بنكاح في جاهليته وقبل تحريمه ذلك إذا اتقى الله تبارك وتعالى بعد تحريمه ذلك عليه فأطاعه باجتنابه، رحيم به وبغيره من أهل طاعته من خلقه".

المصادر

قميصى، وفى الجب ألقونى، وبالحجارة رجمونى، وكما تباع العبيد باعونى" فسمع يوسف مناديا من خلفه وهو يقول "اصبر وما صبرك إلا بالله". ولم يرد في قصة هجاداه القديمة شيء من هذا المنظر المؤثر، ولكن هذا المنظر تسرب إلى كتاب القصص الَّذي يرجع إلى العصور الوسطى المتأخرة ونعنى به "سفر هياشار" (طبعة Goldschmidt ص 150) وقد اقتبس الشاعر الفارسي اليهودى شاهين الَّذي عاش في القرن الخامس عشر هذا الموضوع من منظومة الفردوسى يوسف وزليخا وضمنه مؤلفه في التكوين. المصادر: (1) الطبرى، طبعة دى غوى، ج 1، ص 355 - 360، 371. (2) الطبرى: التفسير، ج 4، ص 210. (3) الثعلبى: قصص الأنبياء، القاهرة 1325 هـ، ص 69، 74. (4) ابن الأثير، طبعة تورنبرغ، ج 1، ص 90 وما بعدها. (5) الكسائى: قصص الأنبياء، طبعة أيزنبرغ، ص 115 وما بعدها، 160. (1) A Muhammedan Jo-: Neumann Ede zef monda ,، بودابست 1881، ص 12، 39 ما بعدها. (7) Gesmmelte Aufsdtze zur: Grünbaum sprach-und sagenkunde طبعة F.perles برلين 1901 م، ص 523، 534 - 538، 548. (8) Zwei judisch-persische: W. Bacher بودابست , Dichter, Schahin und Imrani 1907، ص 199. خورشيد [هللر B. Heller] الرازى أبو بكر محمد بن زكريا: أحد المشاهير في الطب والكيمياء والفلسفة، ولا نكاد نعرف عن حياته شيئًا. ولد عام 250 هـ (864 م) في الرى حيث تعمق على ما يظهر في الرياضيات والفلسفة والفلك والأدب. ولعله درس

في شبابه الكيمياء. ولم ينصرف الرازي إلى الطب إلا في سن عالية. وقد خدم صاحب الرى وسرعان ما دبر مارستانها الجديد، ثم نجده بعد ذلك يدبر مارستان بغداد، ولا نعلم على وجه الدقة كم قضى من الزمن فيها. وكان الرازي أشهر طبيب في زمانه، وهذا هو السبب في أنه كان ينتقل من بلاط إلى آخر. ولم ينعم بالاستقرار في حياته بالنظر إلى تقلب أهواء الأمراء واضطراب الأحوال السياسية على أيامه. وعاد الرازي إلى مسقط رأسه أكثر من مرة حيث توفى 313 هـ الموافق 925 م (في رواية البيرونى، شعبان سنة 313) أو عام 323 هـ. ونحن لا نعلم عن شيوخ الرازي أكثر مما نعلم عن حياته. ويقول كثير من أصحاب التراجم العرب إنه درس الطب على عليَّ بن ربَن الطبرى، وهذا القول مستحيل من حيث التسلسل التاريخى. ويذكر صاحب الفهرست أنَّه تتلمذ في الفلسفة على رجل يلقب بالبلخى (وهو غير الجغرافى أبو زيد البلخي)، ويقال إن الرازي قد أخذ عنه بعض الآراء الفلسفية. ويذكر ناصر خسرو هذا القول نفسه عن فيلسوف معتزل ذى اسم عجيب هو إيرانشهرى (زاد المسافرين، ص 73، 98، وانظر أيضًا كتاب الهند للبيرونى، ص 4، 326؛ البيرونى: كتاب الآثار الباقية، ص 222، 522) ومن المرجح أن ناصر خسرو والبيرونى قد قصدا بذلك شخصًا واحدًا. وقد كان للرازى أثر كبير في غيره، ومع ذلك فنحن لا نعلم شيئًا عن تلاميذه. ويقال إن يحيى بن عدى، أحد المشائين اليعاقبة وتلميذ الفارابى، قد درس الفلسفة على الرازي (انظر المسعودى: كتاب التنبيه والإشراف) وقد تحدث كاتب من المتأخرين (الهجويرى: كشف المحجوب، ترجمة نيكلسون، ص 150) عن علاقات كانت قائمة بين الرازي والصوفى الحلاج. وإنما تركت آراء الرازي الفلسفية أعمق الأثر في بيئات الشيعة، فقد نقل عنه أبو إسحق إبراهيم ابن نوبخت الفقيه الاثنا عشرى مذهبه في اللذة، وذلك في مؤلفه "كتاب الياقوت". وقد حاول أبو حاتم الرازي المتوفى سنة 322 هـ (926 م)

والكرمانى المتوفى بعد عام 412 هـ (1021 م) وناصر خسرو، وثلاثتهم من الإسماعيلية، أن يردوا على بعض مناح من مذهبه الفلسفى. ونذكر من الكتاب الذين حملوا على آرائه الفارابى وابن الهيثم وعلي بن رضوان وابن ميمون. والرازى طبيب قبل كل شيء، وهو يعد بحق أعظم أطباء الإسلام. فهو لم يكتف بالرسائل الكثيرة التي كتبها في شتى الأمراض، وأشهرها رسالته في الجدرى والحصبة (كتاب الجدرى والحصبة) بل ألَف أيضًا عدة كتب مطولة في الطب هي أشهر ما عرفت القرون الوسطى في هذا العلم. وقد ترجم عدد من تواليفه إلى اللغة اللاتينية، وظل الرازي إلى القرن السابع عشر حجة الطب بلا مدافع. وأهدى كتابه "المنصورى" (- Liber Al mansoris) إلى منصور بن إسحق والى الرى، وكتابه "الملوكى" (Regius) إلى علي بن ويهسوذان صاحب طبرستان. وكتابه "الحاوى" (ومن المرجح أنَّه هو الجامع) أكبر موسوعة طبية في اللغة العربية. ويقال إن الرازي قد انقطع خمسة عشر عاما من حياته لكتابته، والظاهر أنَّه مات قبل أن يتمه. وقد جمع الرازي في هذا الكتاب مقتطفات أخذها من جميع الأطباء الإغريق والعرب في كل مسألة من مسائل الطب وختمه بنتائج محصلة من تجاريبه. ويأخذ الرازي بعلم القدماء، على أنَّه يعد أقل الأطباء تمسكًا بآراء السلف، كما أنَّه يبز علم القدماء في ممارسة مهنة الطب. ومازال بين أيدينا مذكراته العلاجية التي يصف فيها بغاية العناية سير مرض أولئك الذين طببهم. ونحن نجد هذه النزعة التجريبية ماثلة في غير ذلك من فروع العلم التي درسها. ففي الكيمياء التي نعرف عنها أكثر مما نعرف عن غيرها، أنكر الرازي جميع التفاسير الخفية والرمزية للظواهر الطبيعية، وانصرف انصرافًا تامًا إلى تصنيف الجواهر والعمليات، ووصف تجاريبه وصفًا دقيقًا. وكان الرازي فيما يظهر غير مسلم بالمؤلفات المنسوبة إلى جابر بن حيان في الكيمياء على الرغم مما ذكره صاحب الفهرست.

وقد حاول المجريطى المزعوم في مؤلفه كتاب رتبة الحكيم أن يوفق بين كيمياء الرازي وكيمياء جابر. أما مؤلفات الرازى في الميكانيكا فليس بين أيدينا منها إلا ملخص لرسالته في الميزان الطبيعى. وأما مؤلفاته في العلم الطبيعى والرياضيات والفلك والبصريات التي أحصى أصحاب الفهارس عددًا كبيرًا منها فقد ضاعت. ويصدق هذا القول أيضًا على آثاره الميتافيزيقية التي لم يصل إلينا منها إلا أجزاء قليلة بقيت في كتب المتأخرين، فعلاوة على متكلمى الشيعة الذين ذكرناهم آنفا، يجب أن نخص بالذكر البيرونى فهو كثيرًا ما يشير إلى الرازي في كتبه المختلفة، كما أنَّه أفرد رسالة كاملة لدراسة حياة الرازي ومؤلفاته. وهذه هي أهم السمات التي يتميز بها العلم الإلهى عند الرازي. فهو يقول بوجود خمسة مبادئ قديمة هي: الله والنفس والهيولى والزمان والمكان. ويذهب الرازي إلي أن قدم العالم هو النتيجة المحتومة لفكرة الله، المبدأ الواحد الثابت (وهذا هو طريق المشائين في البرهنة). ولكن الرازي ينكر هذا القدم. ولا يمكن أن يفسر الخلق الزمانى إلا بتعدد الصفات القديمة وتضادها وائتلافها. ويتصور الرازي مبدأ العالم ومعاده في صورة أسطورة ذات صفات من طبيعتها العلم. أما النفس، وهي المبدأ القديم الثانى، وفيها الحياة ولكنها تخلو من العلم، فيتملكها الشوق إلى الاتحاد بالهيولى، وأن تحدث من ذاتها صورًا تقبل اللذة الجسميه. ولكن الهيولى خادعة، ومن أجل ذلك خلق الله برحمته هذا العالم وما فيه من صور ثابتة حتَّى يتسنى للنفس أن تستمتع به، وخلق الله العقل كذلك، وهو فيض من ذاته الإلهية، ليوقظ النفس النائمة في هيكلها وهي الانسان، وليعلمه أن هذا المخلوق ليس مكانه الحق ولا مكان سعادته وقراره. وليس أمام الانسان إلا طريق واحد للتخلص من قيود الهيولى هو دراسة الفلسفة. فإذا تحررت جميع الأنفس، انحل العالم وعادت الهيولى العارية من الصور إلى حالتها الأولى.

ويعتمد الرازي في العلم الطبيعى على أفلاطون وعلى الفلاسفة الذين جاءوا قبل سقراط، ويعارض المشائين والمتكلمين. ويتصل مذهبه في الذرة الَّذي يختلف اختلافًا جوهريًا عن مذاهب المتكلمين المناظرة له بمذهب ديمقريطس من عدة وجوه، وهذه حالة شاذة في فلسفة القرون الوسطى. ويذهب الرازي إلى أن الهيولى المطلقة كانت قبل خلق العالم مركبة من عدد لا نهاية له من الجزء الَّذي لا يتجزأ، ويمتاز الجزء بالامتداد، واذا تركبت الأجزاء بنسب مختلفة مع أجزاء الخلاء - ويقول الرازي بوجود الخلاء على عكس المشائين - تكونت العناصر، وعددها خمسة: التراب، والهواء، والماء، والنار، والعنصر السماوى [الأثير]. وتتحدد جميع كيفيات العناصر (الخفة والثقل والكثافة واللطافة إلخ) باختلاف نسبة تركيب الهيولى والخلاء. ويتجه التراب والماء، وهما من العناصر الكثيفة، نحو مركز الأرض، على حين أن الهواء والنار، وهما اللذان تغلب فيهما أجزاء الخلاء، يتجهان إلى أعلى أما العنصر السماوى؛ مزيج معتدل من الهيولى والخلاء، فإن حركته الخاصة به هي الحركة الدائرية. وتنبعث النار من طرق الحديد بالحجر، لأن الحديد عندما يتحرك يحرك الهواء ويخلخله فيستحيل نارا. ويميز الرازي بين المكان الكلى، أو المكان المطلق، والمكان الجزئى المضاف. فالمكان المطلق الَّذي أنكره المشاؤون امتداد محض مستقل عن الجسم الَّذي يحتويه، ذلك أن المكان يمتد خارج نهايات العالم، ومن ثم فهو لا نهائى. وثمة من الأسباب ما يحملنا على الاعتقاد بأن الرازي كان يقول بتعدد العوالم، وأن قوله بالمكان الإضافى أو الجزئى إنما يقصد به حجم أي جسم بعينه أو امتداده. أما مذهبه في الزمان الَّذي يزعم أنَّه أفلاطونى، فإنه يميز كذلك بين الزمان المطلق والزمان المحصور. ولا ينطبق تعريف المشائين للزمان بأنه عدد الحركة (وهو قيل كل شيء حركة الأجرام السماوية) إلا على الزمان المحصور، وذلك كما جاء في كتاب

التحليلات الأولى والتحليلات الثانية. والزمان المطلق جوهر مستقل فياض، كان موجودًا قبل خلق العالم، وسوف يوجد بعد فنائه. والزمان عند الرازي هو الدهر، على عكس ما جاء في طيماوس من التمييز بينهما، وقد انتقل هذا التمييز إلى الفلاسفة العرب عن طريق القائلين بالأفلاطونية الحديثة. وقد حمل الرازي على آراء المشائين في الزمان والمكان مصطنعاً نظرة الرجل العادى ذى العقل السليم الَّذي يتعثر في دقائق المسائل الفلسفية. أما في الأخلاق، فإن الرازي ينكر الإسراف في الزهد على الرغم من اتسام آرائه في الإلهيات بسمة التشاؤم - فهو يتخذ سقراط مثالا يحتذيه، سقراط البعيد كل البعد عن تلك الصورة التي رسمتها له الروايات الساخرة، فقد كان هذا الفيلسوف يسهم بنصيب وافر في الحياة العامة. ويتبع الرازي حكمة أرسطو فلا يذم الانفعالات الإنسانية، وإنما يذم الاستسلام لها. ويقوم مذهبه في الأخلاق على أساس من نظرية خاصة في اللذة والألم. فاللذة ليست شيئًا إيجابيًا وإنما هي نتيحة بسيطة للارتداد إلى الحالة الطبيعية التي يسبب اضطرابها الألم، وغاية "السيرة الفلسفية" هي كما يقول أفلاطون (تايتيتيس، ص 176 ب) أن يتشبه صاحبها بالخالق فيكون منصفًا للناس مغتفرًا خطاياهم. ونحن نستطيع بالنظر إلى آراء الرازي الذاتية في الأخلاق أن نفهم منحاه في نقد الأديان المقررة. فقد رد في كثير من كتاباته على متكلمى المعتزلة (الجاحظ؛ وناشئ، وأبو القاسم البلخي، ومسمعى = ابن أخي زرحان) الذين حاولوا أن يدخلوا البراهين العلمية في الدين. ولم يسلم من نقده غلاة أهل السنة (رده على أحمد الكيال)، والمانوية. ونذكر من خصومه في الفلسفة علاوة على أبي بكر حسين التمار الدهرى المتطبب: ثابت بن قرة الصابئى، والمؤرخ المتعدد الجوانب المسعودى، وأحمد بن الطيب السرخسى تلميذ الكندى. وينكر الرازي، على خلاف المشائين

المصادر

المسلمين، إمكان التوفيق بين الفلسفة والدين، وتبرز في ثبت كتبه رسالتان تتسمان بالمروق وهما "مخاريق الأنبياء" أو "حيل المتنبيين" وكانت هذه الرسالة تقرأ في حلقات زنادقة الإسلام وخاصة بين القرامطة (انظر الفرق بين الفرق للبغدادى، ص 281) بل هي قد أثرت في موضوع De Tribus Impostribus المشهور الَّذي ظل عزيزًا على متكلمى الغرب منذ أيام فردريك الثانى (انظر Revue de l'histoire des L. Massignon Religions 1920 م). ورسالة في نقد الأديان " وقد بقى جزء من هذه الرسالة في رد كتبه أبو حاتم الرازي الأسماعيلى بعنوان "كتاب أعلام النبوة". والمبحث الَّذي تدور عليه هذه الرسالة هو أن الناس سواء بالطبيعة، ولا شك في أن رسالة الرازي هذه قد تضمنت أقسى ما وجه للدين من حملات خلال القرون الوسطى. وقد اصطنع الرازي فيها إلى حد ما حجج المانوية المعاصرين له في الطعن في الأديان الوضعية، على أن الرازي فيما يظهر قد استوحى قبل كل شيء النقد الَّذي وجه للدين في الأزمنة القديمة. وكان الرازي يؤمن بتقدم المعرفة العلمية والفلسفية. وقد زعم أنَّه بز معظم الفلاسفة القدماء، بل هو قد ذهب إلى أنَّه فاق أرسطو وأفلاطون. أما الطب فقد بلغ الرازي فيه مبلغ أبقراط، وأما الفلسفة فهو يشعر أنَّه قد أشرف فيها على مرتبة سقراط. ولكن ينبغي أن يأتى بعده علماء آخرون ينكرون بعض النتائج التي وصل إليها، كما حاول هو أن يأتى بمذاهب تحل محل مذاهب أسلافه. المصادر: لقد وردت فهارس بمؤلفات الرازي في الكتب الآتية مشفوعة بتراجم له تشوبها الحكايات بكثرة أو بقلة: (1) الفهرست: ص 992 - 203، 853. (2) ابن القفطى: تاريخ الحكماء، طبعة لييير، ص 271 - 277. (3) ابن أبي أصيبعة: عيون الأنباء، طبعة مولر، ج 1، ص 309 - 321. (انظر The Life and: G.S.A. Ranking Works International Congress of) of ,Rhazes Medicine, historical section لندن

1913 م ص 237 - 268]). (4) البيرونى: رسالة في فهرست كتب محمد بن زكريا الرازي، طبعة كرواس، باريس 1931, وقد ترجم جزءا منها رسكا Al-Biruni als J. Ruska -Quelle fir das Leben and die Schriften al؛ Raz في Isis، ج 5، 1922، ص 26 - 50 [مصادر أخرى: (5) ابن خلكان، ص 678. (6) أبو صاعد الأندلسى: طبقات الأمم، بيروت 1912 م، ص 33، 61. (7) أبو علي التنوخى: الفرج بعد الشدة، القاهرة 1903 - 1904 م ج 2، ص 94 - 104. (8) جهار مقاله (طبعة محمد قزوينى في سلسلة كب التذكارية، ج 11، 1910) ص 74 وما بعدها. (9) ابن حزم، الفصل، القاهرة 1317 هـ، ج 1، ص 3، 24 - 33، 34. (10) نظام الملك: سياستنامه، ترجمة شفر، ص 288. (11) ناصر خسرو: زاد المسافرين، برلين 1341، ص 73 وما بعدها، 103، 114 وما بعدها، 231، 235، 318 وما بعدها (انظر L.Massignon في Revue du Monde Musulman, ج 62، ص 218). (12) المؤلف نفسه: الرسالة، في آخر الديوان، طهران 1304 - 1307 هـ، ص 572. (13) ابن ميمون: دلالة الحائرين، طبعة مونك، ج 3، ص 18. (14) ابن ميمون: قوبهص تشو بهوث، ليبسك 1859، ج 2، ص 28. (15) البيرونى: كتاب الهند. (16) البيرونى: الآثار الباقية، ص 253. (17) إلياس النزيبى: المناظرة (نظر ب عزيز في Arthopoos ج 5، ص 2، 444 وما بعدها) (نقد للغة العربية). (18) داود جلبى: كتاب مخطوطات الموصل، ص 58 (نقد للكتابة العربية). (19) Gesch. d. Arab.: Brockelmann Lit.، ج 1، ص 233 وما بعدها. (20) Geschichte der Ar-: Wustenfeld abischen Arzte، كوتنكن 1840. ص 40 - 49.

(21) Histoire de la Med-: L. Leclerc icine Arabe؛ ج 1، ص 337 - 354. (22) Arabian Medicine: E.G.Browne كمبردج 1921 م، ص 44 - 53. (23) Traite sur le cal-: P. de Koning rul dons les reins et dans la Vessie، ليدن 1896 م. (24) A Persian Manu-: G. Elgood script attributed to Rhazes في مجلة الجمعية الملكية الآسيوية، 1932 م، ص 905 وما بعدها. (25) Thirty three clin- M. Mcyerhof ical observations by Rhazes؛ (حوالى عام 900 م) في Isis المجلد 23، ج 2 (1935 م) ص 322 وما بعدها. (26) Al-Razi als Chemiker J. Ruska في Zeitschr. f. an gewandte Chemiker 1922 م، ص 719 وما بعدها. (27) Uber den: J. Ruska gegnwdrtigen Stand der Razi-Forshung في Archivio di Storia della Scienza ج 5، 1924 م، ص 335 وما بعدها. (28) Die Alchemie Al-Razi J. Ruska في Der Islam، ج 22، 1935 م، ص 281 وما بعدها. (29) Ubersetzung and J. Ruska -Bearbeitungen vonAl-Razi's Buch Ge heimnis der Geheimnisse في Quellen - und Studien zur Geschichte der Na turwissenschaften und der Medizin, المجلد 4، ج 1، 1935 م. (30) Die Wage in Altertum: Th. Ibel und Mittelater أرلانجن، رسالة علمية قدمت سنة 1906 م، ص 153 وما بعدها. (31) De "Medicina: Tj. de Boer Versl. Med.) Mentis", van den Arts Razi .Ak Amst، جـ 53، سلسلة أ، أمستردام 1920). (32) Aristoteles bei: A. Baumstark den Syrern، ص 115 وما بعدها. (33) عباس أغيال: Les Nawbakht طهران 1933 م، ص 167، 170، 179. (34) Zeitschr. d.: H.H.Schaeder Deutsch. Morgenl. Gesells. ج 69، ص 228 وما بعدها. (35) Recueil des Tex-: L.Massignon tes inédits، ص 180 وما بعدها.

الرازي، أبو بكر- رازى أمين أحمد (36) Raziana T. Kraus في - Orien ,talia السلسلة الجديدة، ج 4، 1935 م، ص 300 وما بعدها؛ ج 5، 1936 م، ص 35 وما بعدها. (37) Beitrage zur is-: S. Pines damisehen Atomenlehrp برلين، 1936 وثمة مراجع مفصلة وردت في G. Introduction to the History of Sci-: Satron ence، ج 1، ص 609 - 610. خورشيد [كرلوس , وبينس P. Kraus & S. Pines] رازى أمين أحمد كاتب من كتاب السير الفرس، لا نكاد نعرف شيئًا عن حياته. وهو من أهل الرى حيث كل اشتهر أبوه خواجه ميرزا أحمد بثرائه وإحسانه. وكان مقربًا من شاه طهماسب فعينه "كلانتر" لمسقط رأسه. وكان عمه خواجه محمد شرف وزيرًا لخراسان ويزد إصفهان، كما كان ابن عمه غياث بك من أكابر بلاط الامبراطور أكبر. ويقال إن أمينا نفسه قد زار الهند. وترجع شهرته إلى مجموعة السير الكبرى التي صنفها بعنوان "هفت إقليم" وأتمها عام 1003 هـ (1094 م). وقد صرف أمين سنوات كثيرة في جمع أخبار مشاهير الرجال ثم استجاب آخر الأمر لرجاء أحد أصدقائه فرتب المواد التي جمعها في كتاب وأنفق في نشره في ثوبه الأخير ستة أعوام. وقد رتبت السير في هذا الكتاب ترتيبًا جغرافيًا وفقًا للأقاليم السبعة. ويسبق التراجم في كل إقليم مقدمة جغرافية وتاريخية قصيرة تليها تعليقات عن الشعراء والعلماء ومشاهير الشيوخ وغيرهم مرتبة ترتيبًا زمنيًا. ولهذا الكتاب أهمية خاصة بالنسبة لتاريخ الآداب الفارسية، لأن تراجم الشعراء تحوى كثيرًا من شواهد أشعارهم وبعضها نادر كل الندرة. وهو يشتمل على الأقسام التالية: الإقليم الأول: اليمن وبلاد الزنج، وبلاد النوبة Nubia. والصين. الإقليم الثانى: مكة والمدينة، واليمامة، وهرمز، والدكن، وأحمد نكر، ودولت آباد،

المصادر

وكلكندة، وأحمد آباد، وسورت، والبنغال، وأورشة، وكوشن. الأقليم الثالث: العراق (¬1) " وبغداد، والكوفة، والنجف، والبصرة، ويزد، وفارس، وسيستان قندهار، وغزنين، ولاهور، ودهلى، والهند من أقدم العصور إلى عهد أكبر، والشام ومصر. الأقليم الرابع: خراسان، وبلخ، وهراة، وجام، ومشهد، ونيسابور، وسبزوار، وأسفرائين، وإصفهان، وكاشان، وقم، والسوس، وهمدان، والرى، وطهران، ودماوند، واستراباذ، وطبرستان وما زندران، وجيلان، وقزوين، وأذربيجان، وتبريز، وأردبيل ومراغة. الإقليم الخامس: شيروان، وكنجة، وخوارزم، وما وراء النهر، وسمرقند، وبخارى وفرغانه. الأقليم السادس: تركستان، وفاراب، وياركند، والروس، والقسطنطينية، والروم. الإقليم السابع: البلغار، والصقلب، ويأجوج ومأجوج. ومما يؤسف له أن هذا الكتاب القيم لم ينشر بعد. وقد بدأ مولوى عبد المقتدر نشر هذا الكتاب ضمن مجموعة المكتبة الهندية Rihliotheca Indica وظهر منه قسم واحد في (كلكتة عام 1918. المصادر: (1) , Catalogue: Rieu ص 335 (2) A. Hist. of Persian: E.G. Browne Literature in Modern Times كمبردج سنة 1923، ص 448. (3) Neupersische Literatur: H. Ethe في Gr.I.Ph ج 2، ص 213. الشنتناوى [برتلز E. Berthels] الرازي "مؤرخ" اسم ثلاثة من مؤرخى الأندلس: 1 - محمد بن موسى بن بشير بن جناد بن لقيط الكنانى الرازي، وقد نسب إلى مسقط رأسه مدينة الرى من أعمال فارس. وفد الرازي من المشرق إلى قرطبة حوالى منتصف القرن الثالث الهجرى (864 م) ليتاجر فيها. وقابلته المجتمعات العلمية في عاصمة الأمويين بالترحاب لتبحره في الثقافة العربية، ¬

_ (¬1) طبيعى أن الكاتب لا يقصد قطر العراق الَّذي يشمل بغداد والكوفة .. الخ. وإنما يقصد جزءًا منه أطلق عليه اسم العراق، ولعله يقصد جزءًا من العراق العجمى. (م. ع).

المصادر

وعهد إليه الأمير محمد بن عبد الرحمن في عدة مناسبات بمهام سياسية في المشرق وفى الأندلس نفسها. وقد وثق به أيضًا ابنه وخليفته المنذر. ومات الرازي محمد بن موسى في عودته من سفارة إلى ألبيرة بتكليف من هذا الأمير، وكان ذلك في ربيع الثانى عام 273 (5 سبتمبر- 3 أكتوبر 886). وما كنا لنعرف شيئًا عن محمد الرازي بوصفه مؤرخًا من المؤرخين لولا خبر ذكره محمد بن مزين ونقله عنه الكاتب المراكشى محمد الوزير الغسانى في مؤلفه عن سفارة إلى الأندلس عام 1691 بعنوان "رحلة الوزير في افتكاك الأسير" (انظر. E. Les Historiens des Chorfa: Levi Provencol باريس 1922 ص 384 - 386). ويقول ابن مزين في مؤلفه هذا أنَّه رأى بإحدى مكتبات إشبيلية عام 471 هـ (1078 - 1079 م) كتابًا صغيرًا لمحمد ابن موسى الرازي عنوانه "كتاب الرايات" يتحدث فيه عن فتح المسلمين للأندلس، ويفصل الكلام عن الفرق العربية المحاربة التي دخلت شبه الجزيرة مع موسى بن نصير، وكانت كل فرقة منها تتميز برايتها الخاصة، وقد وردت عبارة ابن مزين في طبعة مدريد لكتاب ابن قتيبة المعروف باسم "فتح الأندلس" (انظر المصادر). ونحن نأسف أشد الأسف لضياع كتاب محمد الرازي وإن كنا لا نعرف إلا القليل عنه. المصادر: (1) ابن الأبار: تكملة الصلة (المكتبة الأندلسية العربية، ج 5) مدريد سنة 1887، رقم 1048. (2) المقرى: نفح الطيب، ج 2، ص 76، وقد أورد إشارة ابن الأبار. (3) R.Dozy: مقدمته لطبعته لكتاب البيان المغرب لابن عذارى المراكشى، ص 22. (4) Historia de la Con-: J. Ribera quista de Espana de Abenelcotia el Cor- dobes مدريد 1926، ص 197 من النص وص 170 من الترجمة. (5) biblio- Ensayo: Pons Boigues grafico sobre los historias- dores y geo- grafos arabigo-espanoles مدريد، سنة 1989 رقم ع والمراجع الواردة في

ص 45، تعليق رقم 2. (6) Historia de A. Gonzalez Palencia la Litteratura arabigo-espnola برشلونة - بونس أيرس، سنة 1928، ص 130 2 - أحمد بن محمد: ابن صاحب الترجمة السابقة، ويلقب بالتأريخى، وهو أقدم مؤرخى الأندلس الأكابر. ولد بالأندلس في العاشر من ذى الحجة عام 274 (26 أبريل سنة 888) وتوفى في الثامن عشر من رجب عام 344) أول نوفمبر سنة 955). درس في قرطبة على مشاهير العلماء أمثال أحمد بن خالد، وقاسم بن أصبغ؛ وكتب عدة رسائل في تاريخ الأندلس مثل "تاريخ ملوك الأندلس" و "كتاب في صفة قرطبة" كتبه على منوال كتاب صفة بغداد لأبي الفضل بن أبي طاهر، و"موالى الأندلس". ثم نذكر أخيرًا كتابا كبيرًا في أنساب عرب الأندلس ويعرف ب "كتاب الاستيعاب" وهو من المؤلفات الكبرى التي اعتمد عليها ابن حزم في تأليف كتابه "جمهرة الأنساب". ومما يؤسف له أن هذه المؤلفات المختلفة لم تصل إلينا، بل قل إنه لم يكن لدينا منها إلى عهد قريب سوى شواهد قليلة حفظها لنا الكتاب المتأخرون. وقد عثر أخيرًا على مخطوط غير كامل لتاريخ للأندلس في القرن التاسع زودنا بمقتطفات مطولة عن أحمد الرازي وابنه عيسى (انظر الترجمة رقم 3) وقد جمعت هذه المقتطفات تحت عنوان Documets inedits .d'histoirie hispano umaiyade ولم ينسب معظم الكتاب الذين ترجموا لأحمد الرازي أي مصنف في الجغرافية، غير أن بعضهم مثل الضبى وياقوت يشيرون إلى جغرافى أندلسى يسمونه أحمد بن محمد التأريخى، ومن الواضح أنَّه هو أحمد الرازي نفسه. وقد كتب هذا الجغرافى - كما يذكر هؤلاء المؤلفون كتابًا مطولًا في مسالك الأندلس ومراسيها وأمهات المدن بها والأجناد العربية الستة التي استقرت بالأندلس بعد فتحها. وينسب المقرى هذا الكتاب إلى أحمد الرازي مباشرة. وقد بقى لنا هذا الوصف لبلاد الأندلس في ترجمة له بلغة قشتالة نشرها عام 1850 P. de Gayangos كايانكوس ذيلا

لكتابه Memoria sobre la autenticidad de la Cronica denominada del Moro Rasis (وقد أكمله: - R. Menendez Pi Matalogo de Real Biblioteca. Ca-: dal nuscritos, Cronicas generales de Espana مدريد سنة 1898). ويؤلف هذا الوصف القسم الأول من هذا التاريخ Cronica. وهو في صورته القشتالية قد أخذ عن ترجمة برتغالية فقدت الآن، أعدها بأمر من دنيس Denis ملك البرتغال حوالى بداية القرن الرابع عشر رجل من رجال الدين يدعى بريز Gil Perez . وليس من شك في أن بريز هو مؤلف القسم الثانى، وقد قصر همه في القسم الثالث على أن يلخص مع الإيجاز الشديد تاريخ أحمد الرازي بنصه الدقيق. ومهما يكن من الأمر فإن وصف الأندلس للرازى على الرغم من الصعوبات الكثيرة الناجمة عن وصول هذا الكتاب إلينا عن طريق ترجمتين يشوبهما في كثير من الأحيان إهمال شديد واضطراب في ضبط أسماء الأماكن، فهو يعد وثيقة جليلة الشأن من الناحية الجغرافية، وكذلك من الناحيتين السياسية والاجتماعية بالنسبة للقسم الإسلامى من أسبانيا في عهد عبد الرحمن الثالث. وفى هذا الكتاب نظرات عامة في الأندلس من حيث موقعها بالنسبة لباقى العالم المعمور ومناخها، ويليها وصف شاهد عيان لكل لإقليم من أقاليمها الكبرى، وهو الوصف الَّذي أفاد منه ياقوت بصفة خاصة فيما أورده من إشارات عن الأندلس في كتابه معجم البلدان. ونحن نستطيع بمقارنة النص الأسبانى لوصف الرازي بما ذكره ياقوت أن نكشف عن الصلة الوثيقة بين هذين الكتابين. فقد اتفق الكاتبان في ذكر عدد كور الأندلس في العهد الأموى في القرن العاشر، وهي تبلغ إحدى وأربعين كورة نذكرها فيما يلي: قرطبة، وقبرة، وألبيرة، وجيان، وتدمير، وبلنسية، وطرطوشة، وطركونة، ولاردة، وبرباطانية، ووشقه، وتطيلة، وسرقسطة، وقلعة أيوب، وباروشة، ومدينة سالم، وشنتبرية، وراقوبيل، وزوريتة، ووادى الحجارة،

المصادر

وطليطلة، وأوبيط، وفحص البلوط (Llano de las bellotas) وفريش، وماردة، وبطليوس، وبيجة، وأقشنوبة، وشنتربن، وقويمرة، وإكشيتانية، وإشبونة، ونبلة، وإشبيلية، وقرمونة، وموردن، وشذونة، والجزيرة، وريَّة، وإسجة، وتاكرنّا. المصادر: (1) ابن الفرضى: تاريخ علماء الأندلس (المكتبة العربية الأندلسية، ج 7 - 8) مدريد سنة 1892 رقم 135. (2) الضبى: بغية الملتمس (المكتبة الأندلسية العربية 3) مدريد سنة 1885، رقم 329، 330. (3) المقرى: نفح الطيب، ج 2، ص 111، 118. (4) ياقوت: إرشاد الأريب، طبعة مرغوليوث، سلسلة كب التذكارية، ج 6، ص 2، ليدن سنة 1909، ص 76 - 77. (5) دوزى انظر ما سبق. (6) Ensayo: Pons Boigues رقم 23. (7) Hist. de: A. Gonzalez Palencia ,.la lit. ar esp ص 30 - 131. (8) La Geo-: J. Alemany Bolder -grafa de la Peninsula Iberica en los es critores arabes غرناطة 1921، ص 28 وما بعدها. 3 - عيسى بن أحمد بن محمد: ابن صاحب الترجمة الأولى. أتم كتاب أبيه عن تاريخ الأمويين إلى عهده، وتوسع في الأجزاء التي تتناول العهود المتقدمة مستعينا في ذلك بمصادر لم تكن في متناول أحمد الرازي. ولم يشر إليه أحد من كتاب السير الأندلسيين الذين نشرت مؤلفاتهم، وإن كان المؤرخون المتأخرون قد استشهدوا به كثيرًا، وخاصة ابن حيان وابن سعيد وابن الأبار. ويذكر ابن الأبار أن عيسى كتب أيضًا رسالة عن حجّاب بلاط الأمويين بقرطبة عنوانها: "كتاب الحجاب للخلفاء بالأندلس". المصادر: (1) ابن حيان: المقتبس، مخطوط باكسفورد، في مواضع مختلفة. (2) ابن الأبّار: الحلة السيراء في

راسم أحمد

Notices sur quelques manuscrits: Dozy arabes ليدن 1847 - 1851، ص 74. (3) المقرى: نفح الطيب، ج 2، ص 671. (4) Ensayo: Pons Boigues رقم 41. (5) Hist. de la: A. Gonzalez Palencia lit. ar esp., ص 131. الشنتناوى [ليفى بروفنسال E. Lévi-Provengal] راسم أحمد كاتب تركى ولد ,- 1283 هـ (1866 - 1867) في صارى كوزل وفقد أباه بهاء الدين وهو بعد حدث فكفلته أمه. والتحق عام 1292 هـ (1875 م) بمدرسة دار الشفقة المشهورة بإستانبول وتخرج فيها عام 1300 هـ (1883 م) بعد أن نال إجازتها. وأظهر إبان سنواته الأخيرة بالمدرسة شغفا بالفن والأدب، ولذلك صح عزمه أن يصبح كاتبًا. وظل وفيًا لهذه الصناعة التي كان يطلق عليها اسم طريق الباب العالى "باب عالى جادّه سى" فلم تزعجه التغيرات السياسية التي حدثت في ذلك الوقت. وبدأ عمله صحفيًا شأنه شأن الكثيرين من الكتاب، وقد حظيت جميع الصحف الهامة تقريبًا بثمرات قلمه، نذكر منها صحف: حوادث، وترجمان حقيقت، وإقدام، وصباح، وثروت فنون ورسملى غازيت. وجمع بعد ذلك مقالاته وموضوعاته الكثيرة في المجلدين المعروفين باسم "مقالات ومصاحبات" عام 1325 وفى المجلدات الأربعة المعروفة باسم "عمر أدبى" أي حياة أديب (1315 - 1318). وليست هذه المجلدات الأربعة رواية لتاريخ حياته، وإنما هي صورة لمشاعره النفسية وأحاسيسه انعكست فيما نشره في سنوات مختلفة. وزاد إنتاج أحمد راسم بمضى الزمن زيادة كبيرة، ويقال إنه زاد على مائة كتاب من قلمه ما بين كبير وصغير. ولم يكن أحمد مع ذلك نساخًا بالمعنى السيئ لهذه الكلمة. فقد كان دائمًا لا يتناول موضوعًا إلا إذا درسه من قبل دراسة مستفيضة، ثم يكتب عنه كتابة

جدية، وهو يصوغه أحيانًا في قالب فكه برع فيه، أو في صورة حديث شائق، على أنَّه كان في الحالتين يصدر عن إحساس فنى، ويكتب بأسلوب خاص تميز به. وكان دائما أبد، يدرك ذوق. قرائه إدراكًا تامًا، وقد نال تقديرهم العظيم. وكان أسلوبه جديداً لم يتأثر بأساليب المدارس والأندية القائمة. وقد أنشا هو نفسه مدرسة، ولا شك في أن أثره في الأدب التركى قوى، وهو جدير بأن يبقى كذلك أمدًا طويلا. وتناولت مؤلفاته الأدبية ميادين الرواية والقصة القصيرة والطويلة. ونذكر من رواياته الأولى: "ميل دل" أي هوى القلب (1895)، "وتجارب حياة" (1891) ونجد لهما تحليلا قصيرا في كتاب Geschichte der: Horn turkischen Moderne ص 46 وما بعدها. ونذكر أيضًا روايته الوطنية: "مشاق حياة" (1308) ومن قصصه: "تجربه سز عشق" (1311) و"مكتب أرقاداشم" (1311) ثم أصدر بعد ذلك بقليل: "ناكام" (1315) وروية وطنية أخرى بعنوان: عسكر أوغلو" (1315) ثم كتابًا أدخل من هذا في الأدب الغنائى بعنوان "غم كتابه لرى" (1315) وكتاب "عندليب" وهو بالشعر. وكان راسم يؤثر من أول الأمر الكتابة في التاريخ، على أنَّه لم يكن بطبيعة الحال يدعى أنَّه يضيف جديدًا على التاريخ ببحوثه المستقلة عن غيره، ولكنه كان يرى أن من واجبه أن يثير اهتمام مواطنيه بالتاريخ يعرضه في صورة شعبية، ومن ثم يمكن أن نعد مصنفاته التاريخية تصنيفًا أعد بعناية واهتمام. وقد كتب راسم في عهده الأول تاريخًا لرومة القديمة (إسكى روماليلر 1304) وتاريخًا مختصرًا للحضارة (تأريخ مختصر بشر 1304) ورسالة في تقدم العلم والمدنية (ترقيات علمى ومدنيه، 1304) ورسائل في موضوعات من هذا القبيل بعنوان "تاريخ ومحرر" (1329 هـ = 1911 م)، وتاريخا لتركيا من عهد السلطان سليم الثالث إلى عهد مراد الخامس بعنوان "استبدادان حاكميت مللييه" في مجلدين 1341 - 1342،

واستعراضا مفيدا لتاريخ تركيا بعنوان "عثمانلى تأريخى" في أربعة مجلدات، 1326 - 1330. وله أيضًا ملحق قيم لهذه المصنفات التاريخية من أربعة مجلدات عنوانه "شهر مكتوبلرى" 1328 - 1329 ويضم 218 رسالة، وهو وصف لا يجارى للحياة القديمة في إستانبول على اختلاف صورها. وقد كتب راسم هذه الرسائل بأسلوب لاذع نابض بالحياة يدعو إلى التبصر والتفكير مما يجعله من أحسن كتبه. وقد بحث في كتابه "مناقب إسلام" سنة 1325 الأعياد الاسلامية والمساجد وغير ذلك من الموضوعات الدينية. والظاهر أن راسم لم يجنح إلى الكتابة في تاريخ الأدب إلا أخيرًا، مثال ذلك كتابه عن شناسى الَّذي قصد به أن يكون بمثابة تقدمة لتاريخ الأتراك المحدثين (مطبوعات تأريخنه مدخل إيلك بويوك محرر لردن شناسى 1927)، في حين أنَّه جمع خواطره الشخصية عن الكتاب الأتراك في كتاب آخر عنوانه (مطبوعات خاطر لرندن، محرر شاعر وأديب 1924) كما جمع خواطره عن أيام المدرسة والطريقة القديمة في التعليم بوجه عام في كتابه المسمى "فلقة" (1927). وكان راسم أيضًا مؤلفًا مكثرًا للكتب المدرسية في النحو والبلاغة والتاريخ وغير ذلك، وكتب أيضًا مصنفًا في كتابة الرسائل (علاولى خزينة مكاتب ياخود مكمل منشآت، الطبعة الخامسة، سنة 1318). وفى كتبه كلها قطع مترجمة، كما أن مجموعة كبيرة من آثاره في أول عهده تعرف باسم (أدبيات غربيه دن بر نبذه، سنة 1877). وكان مثل هذا النشاط الأدبى الجم الَّذي أظهره راسم يقتضى نصيبًا من الحرية كبيرًا، ولم تكن هذه الحرية متوفرة في عهد السلطان عبد الحميد، وكان يتعذر عليه أن ينالها بحال لأنه كان من موظفى الدولة. وقد اختير أحمد مع ذلك مرتين عضوًا في لجنة وزارة المعارف (أنجمن تفتيش ومعاينه) ولم يستمر في هذه العضوية إلا فترة قصيرة جدًا، وأظهر راسم اهتمامه بالمسائل الدينية في عام 1924، ذلك أنَّه كتب بعد إلغاء الخلافة مقالا في

المصادر

"وقت" بتاريخ 4 مارس سنة 1924 عن مخلفات النبي [- صلى الله عليه وسلم -] (أمانات، مخلفات) وهي الخرقة واللواء والسجادة وغير ذلك. وظهر هذا المقال بالعربية في كل من القاهرة ودمشق. واقترح أن تكون هذه المخلفات تحت أنظار الجمهور بوضعها في متحف من المتاحف (انظر Nallino في. O.M .. ج 4، سنة 1924 ص 220 وما بعدها). وكان لراسم في السنوات الأخيرة نشاط سياسى، فقد كان نائبا عن إستانبول هو ورجال من أمثال عبد الحق حامد وخليل أدهم (انظر Oriente Moderno ج 7، سنة 1927؛ ص 416؛ ج 11، سنة 1931؛ ص 227؛ محمد زكى: - En cyclopédie biographique de Turquie ج 1، سنة 1928 ص 23، ج 2، سنة 1929 ص 88). المصادر: نذكر إلى جانب المصادر المذكورة في صلب المقال: (1) نوسال ملى، ج 1، سنة 1330, ص 265 - 267. (2) إسماعيل حبيب: تورك تجدد أدبياى تأريخى، إستانبول سنة 1925، ص 567 - 569. (3) على كتب: أدبيات، إستانبول سنة 1929، ص 171 - 174. (4) بولقورلى زاده رضا: منتخبات بدايع أدبية، إستانبول سنة 1326 هـ، ص 347 - 350. (5) باصماجيان Essai sur l'histoire de la Litterature ottomane. الآستانة سنة 1910، ص 217. (1) أحمد إحسان: مطبوعات خاطره لرم، 1888 - 1923 إستانبول سنة 1930, ص 76. (7) Ocerki po now-: W 1. Gordlewskij oi osmanskoi literaturie ص 76، 100 موسكو سنة 1912. (8) Unpolitische: M. Hartmann. Der islamische) Briefe ans der Turkei Orient ج 2) ليبسك سنة 1910 الفهرس، ص 252. الشنتناوى [بجوركمان w. Bjorkman]

الراشد بالله

الراشد بالله أبو جعفر المنصور بن المسترشد الخليفة العباسى. في الثانى من ربيع الثانى عام 513 هـ (13 يولية 119 م) عقد الخليفة المسترشد البيعة لولده وولى عهده أبي جعفر المنصور، وكان وقتذاك في الثانية عشرة من عمره. وفى ذى القعدة من عام 529 (أغسطس - سبتمبر سنة 1135) نودى بأبى جعفر خليفة ولقب بالراشد بالله. وسرعان ما طالبه السلطان السلجوقى مسعود بن محمد بأن يؤدى له أربعمائة ألف دينار، فأبى الراشد بالله. وزعم أنَّه ليس لديه مال. وحاول مبعوث مسعود أن يفتش قصر الخليفة والاستيلاء على المال عنوة. فقاوم جنود السلطان وبدد شملهم ووقع القصر فريسة للسلب والنهب. وسحب عدد من الأمراء ولاءهم للسلطان، وخرج ابن عمه داود بن محمود من أذربيجان للإغارة على بغداد فبلغها في بداية شهر صفر عام 530 (نوفمبر 1135). على حين ازداد مؤيدو الخليفة. وكان من بين من انضم إليه أتابك الموصل عماد الدين زنكى ونودى بداود سلطانا على بغداد. وما إن سمع مسعود بذلك حتَّى استعد للحرب، وتقدم نحو بغداد وحاصرها، ولكنه لم يفلح في الاستيلاء عليها، فارتد عنها بعد خمسين يوما تقريبا؛ وشخص إلى النهروان ثم إلى همذان. وتقدم طرُنطاى والى واسط وامد السلطان بعدد واف من القوارب وبذلك استطاع عبور نهر دجلة واحتلال ضفته الغربية. وكان من نتيجة ذلك أن تفرق الخلفاء، فعاد داود إلى أذربيجان، ورجع زنكى إلى الموصل مصطحبا معه الخليفة، أما مسعود فقد دخل في منتصف شهر ذى القعدة عام 530 (أغسطس 1136) مدينة الخلفاء القديمة، وقضى على أعمال السلب والنهب وما إليها، وأعاد النظام إلى المدينة. ثم جمع مجلسا من القضاة والفقهاء فأعلنوا أن الخليفة الهارب غير أهل للخلافة. وكان من بين التهم التي رمى بها الخليفة أنه حنث بيمينه للسلطان، ذلك أنَّه كان فيما يقال قد أقسم لمسعود بأنه لن يجرد السلاح

المصادر

لقتاله أو يترك العاصمة، كما اتهم أيضًا بارتكابه آثاما أخرى. وولى بدلا عنه عمه أبا عبد الله محمد المقتفى ابن المستظهر أميرًا للمؤمنين. على أن الراشد لم يمكث طويلا في الموصل، بل ذهب إلى أذربيجان حيث انضم إلى داود. وغضب كثير من الأمراء على مسعود، فانحازوا أيضًا إلى داود بقصد إعادة الراشد إلى العرش. على أن الراشد لم يشترك في القتال. وفى الخامس والعشرين أو السادس والعشرين من رمضان عام 532 (6 أو 7 يونية سنة 1138) قتل الحشاشون الخليفة السابق بالقرب من إصفهان. المصادر: (1) ابن الأثير: الكامل، طبعة تورنبرغ، ج 1، ص 377، 394؛ ج 11، ص 17، 22 - 24، 26، 30، 29 - 41. (2) أبو الفداء: التاريخ، طبعة Reiske ج 3، ص 463 وما بعدها. (3) ابن خلدون: العبر، ج 3، ص 510 وما بعدها. (4) ابن الطقطقى: الفخرى، طبعة درنبورغ، ص 411 وما بعدها، 415 وما بعدها. (5) Recueil de textes relatifs: Houtsma Seldioucid L' histoire des a ج 2، ص 178 - 185. (6) Gesch. d .Chalifen: Weil ج 3، ص 256 - 260. (7) Baghdad during the Ab-: Le Strange baside Caliphat انظر الفهرس. الشنتناوى [تسترشتين K. V. Zettersteen] راشد الدين سنان (أو سنان راشد الدين، وهو الاسم الَّذي جرى الإسماعيلية على تسميته به): إمام الإسماعيلية الشآميين المشهور في النصف الثانى من القرن الثانى عشر، وقد غلب لقب "شيخ الجبل". واسمه الكامل أبو الحسن سنان بن سليمان بن محمد. ولد بالقرب من البصرة، وتلقى العلم في فارس. واختاره الإمام حسن الألموتى

عام 558 هـ) (1163 م) إمامًا لإسماعيلية الشام (النزارية). وظل يشغل هذا المنصب إلى أن توفى وقد وهن العظم منه بمصياف في شهر رمضان من عام 589 (سبتمبر 1193). وكان لسنان شأن هام في أمور مصر والشام السياسية في عصره، فقد أفلح في أن يصد عن شيعته الضغط المستمر من جانب الحكام المسلمين من أهل السنة، وخاصة صلاح الدين المشهور من ناحية، وضغط الصليبيين من ناحية أخرى. وما من شك في أن معظم السبب في بقاء هذه الجماعة إلى الآن (بالقرى القريبة من حماه) على الرغم من موقف جيرانهم العدائى منهم راجع إلى الأسس المكينة التي وضعها راشد. وقد أشار إليه جميع المؤرخين الذين كتبوا عن الأحداث التي وقعت في عهده، غير أن ستانسلاس كويار Stanislas Guyard قد فصل الكلام عنه في بحثه المعنون Un grand maitre des Assassins, au temps de Saladin) المجلة الأسيوية، سنة 1877, ص 324 - 489). ذلك أنَّه أورد في هذا البحث النص العربى الأصلى لكتاب "الفَصْل" وهو كتاب إسماعيلى صميم، لعله من تأليف أحد المعاصرين لسنان، وعدد فيه مناقبه استنادًا على الروايات التي كان يتناقلها شيعته. ويصحب هذا النص ترجمة فرنسية ومقدمة تعرض عرضًا وافيًا المعلومات التاريخية المتصلة بسنان خاصة والفرقة الإسماعيلية عامة، وما زالت هذه المقدمة في جوهرها محتفظة ببعض قيمتها. والظاهر أن كتاب الفصل غير معروف الآن لدى إسماعيلية الشام، ويبدو أنَّه ليس لديهم أي تاريخ أصيل لجماعتهم يمكن الاعتماد عليه. أما الكتاب الَّذي نشر حديثا بعنوان "الفلك الدوَّار في سماء الأئمة الأطهار" لمؤلفه عبد الله بن المرتضى أحد الإسماعيلية من خوابى (حلب 1352 = 1933 م) فليس به أثر من هذه الروايات المحلية، كما أن الأخبار الواردة فيه عن سنان تعتمد اعتمادًا تامًا على كتب التاريخ العامة

المصادر

المعروفة مثل كتب ابن الأثير وأبى الفداء وغيرهم. ومحور الروايات الخاصة بسنان هو تنظيمه للفدائيين الذين اتخذهم عدة للقضاء على خصومه السياسيين بالاغتيال. وليس من شك في أن هناك ظلا من الحقيقة في هذه الروايات، ولكن من الواضح أن الشائعات المثيرة التي كانت تدور على الألسن في الأسواق قد غالت كثيرًا في هذه الروايات، ونسبت إليه وإلى فرقته عدة مغامرات ليس لهم يد فيها. ويذكر كثير من المؤرخين أن سنان كان الزعيم المطلق لهذه الفرقة، الزعيم الَّذي يأتى من الفعال ما هو فوق طاقة البشر. ومما يؤسف له أنَّه لم يرد ذكره في أي كتاب من كتب الإسماعيلية الفرس الصحيحة المتيسرة لنا، كما أن من العسير أن نتحقق من مكانه الحقيقى في مراتب هذه الطائفة. وأغلب الظن أنَّه كان يشغل أسمى المراتب بعد الإمام، أي مرتبة "الحجة" وهي المرتبة التي تجعل شاغلها في نظر عقيدة النزارية المعدلة على حظ كبير من القدرة التي تفوق قدرة البشر. ومهما يكن من الأمر فليس ثمة من سبب يجعلنا نظن أنَّه إدعى الإمامة، أو أنَّه كان ينظر إليه على أنَّه الإمام، وإن كانت الروايات الشائعة تربط نسبة الشريف بعلى، شأنه في ذلك شأن البارزين من أئمة الإسماعيلية الآخرين أمثال ناصر خسرو وحسن بن الصباح. المصادر: المصادر واردة في صلب المقال. الشنتناوى [إيفانوف ivannw .W] راشد محمد مؤرخ سلطانى عثمانى ينتسب إلى إستانبول حيث ولد، وأبوه القاضي ملآ مصطفى من أهل ملطية. أتم راشد دراسته في مسقط رأسه، وولى بها منصب المؤرخ الرسمى للدولة (وقعه نويس) عام 1126 هـ الموافق 1714 م، وظل شاغلا لهذا المنصب إلى أن عين قاضيًا لحلب عام 1134 م الموافق

1720 م. ثم بعث سفيرًا لبلاده في فارس بلقب قاضى مكة، وغدا قاضيًا لإستانبول في شعبان سنة 1142 (فبراير 1730) , وصرف عن هذا المنصب بعد ذلك ببضعة أشهر. وفى جمادى الأولى 1147 (أكتوبر 1734) عين قاضى عسكر الأناضول. وتوفى في الثامن عشر من صفر عام 1148 الموافق 10 يولية 1735 في إستانبول (انظر صبحى: تأريخ، ورقة 13، 22، 66، وهو تاريخ مختصر جدًا) ودفن تجاه مسجد أفضل زاده في شارع قره كمرك (انظر عن شاهد قبره بروسلى محمد طاهر: عثمانلي مؤلفلرى، ج 3، ص 55، التعليق). وقد كتب راشد ذيلا لتاريخ نعيما عن الدولة العثمانية من عام 1071 هـ (1660 م) إلى عام 1134 هـ (1721 م) يعرف عادة بـ "تأريخ راشد" فحسب (انظر حاجى خليفة، رقم 14، 526) وهو العمدة في تاريخ هذه الفترة وخلفه في منصب المؤرخ السلطانى إسماعيل عاصم المعروف بكوجوك جلبى زاده (انظر راشد: تأريخ، ج 3، ورقة 114). وثمة مخطوطات كثيرة لتاريخ راشد (انظر Die T. Babinger Geschichtschreiber der Osmanen and ihre Werke, ص 269، ويجب أن نضيف إلى هذا مخطوطات أبسالا، الأرقام من 667 - 668 [طغراء راشد؟ ]، وإستانبول، لالا إسماعيل، رقم 378) علاوة على الطبعتين الموجودتين من هذا التاريخ (طبعة إستانبول 1153 هـ، في أربعة مجلدات من القطع الكبير؛ وطبعة إستانبول 1282 هـ في ستة مجلدات من القطع الصغير؛ انظر عنهما المجلة الأسيوية، سنة 1868 م، ج 1، ص 477). وقد ترجم أجزاء من هذا التاريخ نوربرغ (Trkiska: M. Norberg Trikets annaler هرنو ساند 1822، ج 3، ص 635 - 1079) ,وسكوفسكى (Collec tanea z J.I.S. Sekowski Dziejopisow Tureckich، ج 2، وارسو 1825، ص 1 - 208).

المصادر

المصادر: Geschichtschreiber der T. Babinger Osmanen and ihre Werke، ص 269 ما بعدها. خورشيد [بابنكر Franz Babinger] الراضى بالله أبو العباس أحمد (محمد) بن المقتدر، الخليفة العباسى للثانى عشر. ولد في شهر ربيع الثانى 297 م (ديسمبر 909 م) وكانت أمه جارية تدعى ظلوم. رُشح للخلافة عقب مقتل أبيه المقتدر مباشرة، غير أن الاختيار وقع على القاهر وكان من أمر القاهر أن زج به في السجن، وقد أطلق سراحه بعد سقوط القاهر، واعتلى عرش الخلافة في جمادى الأولى 322 (أبريل 934). واختار الراضى إبان هذه الشدة علي بن عيسى وزير المقتدر مستشارًا له، غير أن عيسى طلب منه أن يعفيه من ذلك لتقدمه في السن، ومن ثم اختار ابن مقلة ليشغل هذا المنصب. وقد ظل محمد بن ياقوت صاحب النفوذ الأكبر بين رجال البلاط. ولما سقط محمد في جمادى الأولى عام 323 (أبريل 935) استطاع ابن مقلة أن يستعيد سلطانه على إدارة البلاد، أما الخليفة فقد ظل مجردًا من الحول والطول. ولم يبق ابن مقلة في الحكم أمدًا طويلًا، فقد قبض عليه المظفر بن ياقوت أخو محمد السالف الذكر في جمادى الأولى عام 324 - (أبريل 936 واضطر الخليفة المسلوب السلطة أن يصرفه عن منصبه وأن يستدعى في العام نفسه محمد بن رائق والى واسط والبصرة ويكل إليه مقاليد الأمور كلها بصفته أميراً للأمراء. وكان معنى هذا قطع الصلة بالماضى قطعًا تامًا، إذ لم يسمح للخليفة إلا باستبقاء العاصمة وأرباضها، كما جرد من جميع سلطانه في إدارة الحكم، وأخذ ابن رائق هو وبطانته يبتون في جميع المسائل الهامة وظل ابن رائق قابضًا على زمام الأمور قرابة سنتين، وكان اسمه يذكر في الخطبة مع اسم الخليفة. ومهما يكن من الأمر فقد حل محله في الرياسة بحكم في ذى القعدة عام 326 (سبتمبر 938).

ومما زاد الطين بلة أن الصعاب المالية والمنازعات المستمرة بين الوزراء والأمراء في ذلك الوقت قد أضيف إليها الحروب التي نشبت مع أعداء البلاد في الخارج. ففي عام 323 هـ (935 م) حاول الراضى أن يصرف ناصر الدولة وإلى الموصل عن منصبه ولكنه خاب في ذلك. وبعد سنوات قلائل هاجم بجكم، وفى صحبته الخليفة، الحمدانيين لاجبارهم على دفع الجزية المفروضة عليهم، ولكنه اضطر إلى مصالحتهم ذلك أن ابن رائق الهارب قد ظهر فجاة في بغداد. واستمر القتال أيضًا مع البوزنطيين، وتقدم الحمدانيون إلى ساحة الحرب بصفتهم حماة الإسلام. وأنشأ محمد بن طغج في مصر الأسرة الأخشيدية واضطر بجكم في الوقت نفسه إلى محاربة البويهيين الذين كانوا يتقدمون من عدة نواح، ثم دخلوا بغداد بعد ذلك بسنوات قلائل دخول الظافر المنتصر. وكان على الراضى أن يتخذ في العاصمة ذاتها بعض الإجراءات ضد الحنابلة المتعصبين (323 هـ - 935 م) الذين كان لهم أتباع كثيرون بين عامة الشعب، وكانوا قد اقترفوا كل أنواع الشطط. فقد دخلوا البيوت الخاصة وحطموا الآلات الموسيقية، وأساءوا إلى الجوارى المغنيات، وأراقوا كل ما عثروا عليه من خمور وتدخلوا في التجارة، وضايقوا عابرى السبيل، واعتدوا على الشافعية، وسلكوا بوجه عام مسلكا استبداديًا يذكرنا بمحاكم التفتيش. وتوفى الراضى بالاستسقاء في منتصف شهر ربيع الأول عام 329 (ديسمبر 940). ويشيد المؤرخون العرب بورعه وعدله ورحمته وكرمه وكذلك باهتمامه بالأدب. ومن قبيل ذلك ما جاء في الفخرى (ابن الطقطقى: الفخرى، ص 380): من "أنَّه آخر خليفة دون له شعر. وآخر خليفة انفرد بتدبير الملك، وآخر خليفة خطب على منبر يوم الجمعة، وآخر خليفة جالس الندماء ووصل إليه العلماء، وآخر خليفة كانت مراتبه وجوائزه وخدمه وحجابه تجرى على قواعد الخلفاء المتقدمين".

المصادر

وقد تصدق عليه هذه الصفات في جملتها، ولكن الراضى لم يكن مستقلا في تصرفاته، بل كان على العكس من ذلك ألعوبة في أيدى وزرائه وأمرائه. المصادر: (1) عريب، طبعة ده غوى، ص 33، 43 - 45، 57، 79، 92، 116، 139، 155، 158، 180، 183، 185. (2) المسعودى: مروج الذهب، طبعة باريس ج 1، ص 166. ج 8، ص 308 - 344 - ج 9، ص 31، 48, 52. (3) المؤلف نفسه: التنبيه والإشراف، طبعة دول غوى، ص 105، 122، 154، 174، 193، 788 - 397. (4) ابن الأثير، الكامل، طبعة تورتبرغ، ب 8 انظر الفهرس (5) تاريخ أبي الفداء طبعة Reiske , ج 2، ص 383 وما بعدها. (6) ابن خلدون: العبر، ب 3، ص 396 وما بعدها. (7) أبو المحاسن بن تغرى بردى: النجوم الزاهرة، طبعة - Juynboll and Mat thes ج 2، انظر الفهرس. (8) ابن الطقطقى: الفخرى، طبعة درنبورغ، ص 370 وما بعدها، 374, 397 - 385. (9) The: Amedros and Margoliouth Eclipse of the Abbasid Caliphate, انظر الفهرس. (10) حمد الله مستوفى قزوينى: تاريخ كزيده، طبعة Browne. ج 1، ص 339، 344، 346، 778، 788. (11) الصولى: أخبار الراضى والمتقى، طبعة J.H. Dunne. (12) Gesch der Chalifen Weil ج 2، ص 650، 655 - 678. (13) The Caliphate, its Rise,: Muir Decline and Fall طبعة جديدة لموير، ص 569 - 572. (14) Baghdad during: Le Strange the Abbasid Caliphate ص 155، 194 وما بعدها. الشنتناوى [تسترشتين K.V. Zettersteen]

الراغب الإصفهانى

الراغب الإصفهانى أبو القاسم الحسين بن محمد بن المفضل (وفى بعض الروايات: الفضل، وقد ورد خطأ في السيوطي: المفضل ابن محمد): فقيه عربى كتب في المسائل الدينية. ولا نعرف من تفصيلات حياته شيئًا أكثر من أنَّه توفى في بداية القرن السادس الهجرى (الثانى عشر الميلادى)، ولعل ذلك كان فى عام 502 هـ (1108 م) ويرى البعض أنَّه من المعتزلة، غير أن فخر الدين الرازي يقول في كتابه "أساس التقديس" إنه من أهل السنة. وتدور مصنفاته حول التفسير والتهذيب. واستهل الراغب الأصفهانى دراساته للقرآن، وهي الدراسات التي قيل إن البيضاوى نقل عنها، برسالة عنوانها "رسالة منبهة على فوائد القرآن" وهي مفقودة الآن، ولعلها نفس الرسالة المعروفة باسم "مقدمة التفسير" التي طبعت بالقاهرة 1329 ذيلا لكتاب "تنزيه القرآن عن المطاعن" لعبد الجبار. وصنف الإصفهانى بعد ذلك معجمًا قيما للقرآن"، رتبه على حروف الهجاء بحسب حروف الابتداء وعنوانه "كتاب مفردات ألفاظ القرآن ويوجد علاوة على مخطوطات هذا الكتاب الواردة في. Gesch der Arab Litt (ج 1، ص 289) مخطوطات أخرى كثيرة منه في إستانبول (انظر مثلا Le Monde Oriental ج 7، ص 106، 127) وفى بنكبور (انظر Cat. ج 18، ص 1484). وقد طبع بعنوان "مفردات في غريب القرآن" على هامش "النهاية" لابن الأثير، القاهرة سنة 1322 , وقام على نشره محمد الزهري الغمراوى (القاهرة عام 1324 هـ). وهو في مقدمة هذا الكتاب يرسم خطة كتاب آخر في مترادفات القرآن: "الألفاظ المترادفة على المعنى الوحيد وما بينها من الفروق الغامضة". ولعل كتابه "تفسير القرآن" آيا صوفيا رقم 212) قد صنفه بهذه الطريقة، وقد تكون الإشارة إلى "درة التأويل" لآيات القرآن الواردة في أكثر من موضع مع اختلاف في التعبير Br. Mus. Or 5784: Descriptive List بقلم E. Edwards Ellis

A.G. ص 3) ولعله نفس كتاب "حل متشابهات القرآن" (إستانبول، راغب 180). ويتضح لنا من فقرة جاءت في المقدمة أنَّه كان قد أتم كتابه الكبير في الأخلاق وعنوانه "كتاب الذريعة إلى مكارم الشريعة" قبل كتاب المفردات. ويقال إن الغزالى كان يحمل دائما نسخة من هذا الكتاب. ويوجد علاوة على مخطوطات هذا الكتاب الوارد ذكرها في. Gesch. der Arab. Litt مخطوطات أخرى في المتحف البريطانى تحت رقم 7016 (Descr. List رقم 62) وفى إستانبول (انظر على سبيل المثال Le Monde Orientale، ج 7، ص 101 - 102؛ Melonges de la Faculte Orientale de Beryrouth ج 5، ص 469) وقد طبع بالقاهرة عام 1299 هـ (سركيس عام 1899؟ ) 1324. وهناك كتاب آخر مثيل له هو "كتاب تفصيل النشأتين وتحصيل السعادتين" وقد طبع بالقاهرة في تاريخ مجهول؛ وقام بطبعه طاهر الجزائرى عن مخطوط بيت المقدس (المكتبة الخالدية رقم 72، س 3) الَّذي يرجع تاريخه إلى عام 963 هـ، في بيروت سنة 1319، وسنة 1323. ويمكن الرجوع فيما يتصل بهذين الكتابين إلى Abenhazam: Asin Palacios dv Cordoba ج 2، ص 19. وأشهر كتب الراغب الأدبية هو "محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء والبُلغاء" أو بالاختصار "كتاب المحاضرات" وينقسم هذا الكتاب إلى خمسة وعشرين حدا، تنقسم بدورها إلى فصول وأبواب تتناول الموضوعات الأدبية، وتبدأ بذكر الذكاء والغباوة وتنتهى بذكر الملائكة والجن والحيوان في فقرات بعضها نثر وبعضها شعر. ويوجد علاوة على مخطوطات هذا الكتاب الوارد ذكرها في. Gesch. der Arab Litt, مخطوطات أخرى في إستانبول (سليم أغا، رقم 987) ودمشق (عمومية، سجل رقم 86، س 5، 7) وفى القاهرة (الفهرس، ج 3، ص 334) واستعرض السيوطي هذا الكتاب في مؤلفه المذكور، ص 345، وفى كتاب لا نعرف مؤلفه (برلين رقم

المصادر

8350) وفى دمشق (الموضع المذكور، ص 86، س 8) وعرف هذا الكتاب في أوربا لأول مرة بالقسم الَّذي نشره فلوكل G. Flugel بعنوان Der vertraute Gefkhrte des Einsamen in schlagfertigen " Gegenreden von Abu Mansur Abdulmelik ben Mohammed ben Ismail Ettsealibi aus Nisabur miteinem Vorwort von jos.v " Hamme فينا 1829، ص 171). (انظر Z.D. M. .G: Gildemeister .، ج 34 ص 171) وقد طبع هذا الكتاب وعلى هامشه كتاب "ثمرات الأوراق" لابن حجة في مجلدين ببولاق بدون الهامش بتواريخ 1310، 1324، 1326. ونشر إبراهيم زيدان مختصرًا لهذا الكتاب بالقاهرة عام 1902 لا يحوى سوى اثنى عشر حدا، وينقصه الحدان العاشر والثالث عشر الواردان في مخطوط فينا، وهو مختصر بطرق أخرى، وترجم محمد صالح بن محمد باقر القزوينى هذا الكتاب إلى اللغة الفارسية بعنوان "النوادر" بطهران (انظر cat., de la Bi-: Y.Ettessami Madness bilotheque du ج 2، ص 308) ونختم هذا الثبت بكتاب "أدب الشطرنج" في قاشان (انظر Menzel في Isl .. ج 17، ص 94). ويوجد كتابه في الأدب "تحقيق البيان" (وهو اللغة والكتابة والأخلاق والعقائد والفلسفة وعلوم الأوائل) الوارد ذكره في مقدمة كتاب الشريعة في مشهد، رقم 5 (i Kutubkhana-i Mu-: Okrai . Fihrist baraka-i Asitani Kudsi Ridwani سنة 1845 , ج 1، ص 24، رقم 56). المصادر: (1) السيوطي: بغية الوعاة ص 396. (2) الذهنى: طبقات المفسرين (Cod. Bankipore) ورقة رقم 121 ب. (3) محمد باقر الخوانسارى: روضات الجنات، ص 249. (4) سركيس، ص 922 وما بعدها. (5) Gesch, der Arab Litt. Borckelmann ج 1، حيث 269. الشنتناوى [بروكلمان C.Brockelmann]

الرامى

الرامى اسمه بالكامل حسن بن محمد شرف الدين: كاتب فارسى من أصحاب الأساليب، لا نعرف شيئًا من تفصيلات حياته، بل إن ما وصل إلينا من إشارات تاريخية تتصل به يشوبها الغموض. وترجع شهرة الرامى إلى مؤلفه المعروف "أنيس العشاق"، وهو رسالة في أشهر الاستعارات الشعرية التي وصفت بها أعضاء الجسم البشرى. ويقول الرامى إن نيته صحت على تصنيف هذه الرسالة وهو في زيارة مرصد نصير الدين الطوسى الفلكى الطائر الصيت بمراغة. وقد أهدى هذه الرسالة إلى السلطان أبي الفتح أويس، ويروى حاجى خليفة (طبعة فلوكل، ج 1، ص 448) أنه أتمها في شوال عام 826 هـ (سبتمبر 1423 م)، وهذه الرواية تناقض التسلسل التاريخى للحوادث، ذلك أن أذربيجان كانت آنئذ داخلة في أملاك شاهرخ التيمورى منذ عام 823 هـ (1420 م). ويضيف الرامى إلى ذلك أيضًا أن الشاعر أوحدى المتوفى سنة 738 هـ (1337 م) كان من معاصريه، كما ذكر أنه درس على رجل يدعى حسن بن محمود الكاشى المتوفى سنة 710 هـ (1370 هـ) ونستخلص من ذلك أن رواية حاجى خليفة تقوم على الالتباس، وأن رسالة الرامى لا يمكن أن تكون قد كتبت بعد عام 1373. وقد قسم الرامى رسالته إلى تسعة عشر بابًا تبدأ بشعر الرأس وتنتهى بالقدم، وتتناول جسم الانسان من الرأس إلى القدم. وللرامى علاوة على هذه الرسالة الجليلة النفع في دراسة الشعر الفارسي القديم - التي أفاد منها الشارح التركى العظيم مصطفى بن شعبان سرورى المتوفى سنة 909 هـ (1561 م) في مؤلفه "بحر المعارف" - حاشية على المؤلف المشهور فى صناعة الشعر الَّذي كتبه رشيد الدين الوطواط بعنوان "حدائق السحر" (الطبعة

المصادر

الجديدة للنسخة الفارسية بقلم عباس إقبال، طهران 1930 م)، وقد وسم الرامى هذه الحاشية بـ "حقائق الحدائق" أو"صنائع البدائع" (حاجى خليفة، ج 3، ص 77)؛ وله أيضًا مؤلف آخر يعرف بحلية المداح، ولا نعرف عنه شيئًا أكثر من ذلك (حاجى خليفة، ج 3. ص 112) وديوانه من قصائد ومقطوعات ورباعيات، على أن هذا الديوان لم يكن موجودا على أيام دولتشاه إلا في العراق وأذربيجان وفارس. ولم يصل إلينا من كل هذه التواليف الخاصة برامى إلا "أنيس العشاق". ويقال إن ثمة قصيدة للرامى وردت في "جواهر الأسرار" لشيخ آذرى المتوفى سنة 866 هـ (1461 - 1462 م) (دولتشاه: تذكرة الشعراء، طبعة براون، ص 308) وقد صنف آذرى هذا الكتاب سنة 840 هـ (1436 - 1437 م). المصادر: (1) Neupersiche Litteratur: H. Ethb في Grundriss. der Iranischen Philologie جـ 2، ص 335، 343، 260. (2) الترجمة الفرنسية لكتاب أنيس العشاق بقلم: Huart description de la beaute relatifs a la ures، باريس 1875. (3). A Literary His-: E. G. Browne tory of Persia . ج 2، ص 19, 83. (4) المؤلف نفسه: literature Persian , Dominion under Tatar ص 462. (5) Pavet de Courteille في المجلة الآسيوية، جـ 7 (1876 م) ص 588 - 591. (6) Hammer-Purgstall: Geschichte Redekiinste Persiens .der Schonen ص 27. (7) Catalogne: Rieu ص 814. (8) فهرس ميونخ، ص 122. (9) فهرس فينا، ج 1، ص 414. خورشيد [برتلز E.Berthels]

راهب

راهب والجمع رهبان ورهابنة: لقد عرفت شخصية الراهب في الشعر الجاهلى وفى القرآن والحديث. وأشار الشعراء الجاهليون إلى الراهب في صومعته، وذكروا أن المسافر يرى نور هذه الصومعة من بعيد فتثير في ذهنه فكرة المأوى يلوذ به. ويذكر القرآن الراهب والقسيس، والأحبار في بعض الأحيان، ويقول إنهم أئمة النصارى. وجاء في بعض آياته أن الأحبار والرهبان يعيشون على حساب غيرهم (¬1) (سورة التوبة، الآية 34) وأنهم اتخذوا أحبارهم ورهبانهم والمسيح ابن مريم أربابًا من دون اللهَ (سورة التوبة، الآية 87). وجاء في آية أخرى أن أقرب الناس مودة للذين آمنوا النصارى لأن منهم قسيسين ورهبانًا (سورة المائدة، الآية 87). (¬2) أما في الحديث فإنا كثيرًا ما نصادف الراهب في القصص التي من قبيل قصص الأنبياء (البخاري: الأنبياء، باب 54؛ مسلم: الزهد، حديث 73، التوبة، حديث 46، 47؛ الترمذى: التفسير، سورة البروج، حديث 2؛ المناقب، حديث 3؛ النسائي: المساجد، حديث 11؛ ابن ماجة: الفتن، حديث 20، 23؛ الدارمى: فضائل القرآن، حديث 16؛ أحمد بن حنبل، ج 1، ص 461؛ ج 2، ص 434، ج 3، ص 227، 337، 347.ج 5، ص 4؛ ج 6، ص 17). وقد أطلقت كتب المسلمين في القرون الأولى للهجرة لقب الراهب على أناس شتى من أهل الورع، ونستدل من ذلك على أن لفظ الراهب ليس فيه ما يشين. خورشيد [فنسنك A. J. Wensinck] الرباط زاوية إسلامية محصنة. وقد وردت تفاسير مختلفة لهذه الكلمة واشتقاقها من الأصل "ربط"، على أن أقرب هذه التفاسير إلى العقل هو ما جاء في ¬

_ (¬1) الَّذي جاء في الآية 34 من سورة التوبة {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ .. } (¬2) رقم الآية في المصحف العثمانى 82 (م. ع.)

القرآن: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} (سورة الأنفال، الآية 62) (¬1) والرباط في الأصل هو المكان يجتمع فيه الفرسان ويتكأكئون متأهبين للقيام بحملة من الحملات. ويتصل الرباط أيضًا اتصالًا وثيقًا بمعنى تجهيز نقلة البريد والقوافل بالخيل. على أن هذه الكلمة أطلقت منذ عهد متقدم على منشأة دينية وحربية في آن اختص المسلمون بها دون غيرهم. ويتصل نظام الرباط بالجهاد أي الذب عن بلاد الإسلام والعمل على توسيع رقعتها. (¬2). وكانت دولة الروم (البوزنطيون) تعرف هذه الأديرة المحصنة، مثال ذلك دير ماندراكيون Mandrakion الَّذي شيد بقرطاجنة قريبًا من البحر، وقد ذكره بروكوييوس Procopius. على أننا نشك في أنَّه كان للرهبان الذين عاشوا فيه أي شأن حربى. والمستقرون في الرباط أو الذين يلمون به معظمهم من المجاهدين في سبيل الله. والرباطات أولا وقبل كل شيء قلاع وأماكن يتجمع فيها الجنود عند الثغور الاسلامية المعرضة للخطر. فهي تشبه القلاع عند أهل الغرب في أنها ملاذ يحتمى به سكان البلاد المجاورة له وقت الخطر. وتتخذ هذه الرباطات أبراج مراقبة لتحذير أهل البلاد المهددين وجنود الحاميات التي في داخل البلاد وعلى حدودها الذين يستطيعون شد أزر المدافعين. ومن ثم كانت خطة الرباط من سور حصين يحيط به، وتقوم فيه حجر للسكنى ومخازن للأسلحة والمؤن وبرج للأشارة. وهذا الطراز من العمارة الَّذي سنتناول تطوره بالحديث بعد، كان يقام على نطاق صغير في كثير من الأحيان. فكان يقتصر في هذه الحالات على برج للمراقبة وحصن صغير أشبه بالحصون البوزنطية التي كانت تشيد على الحدود، وهذا هو العلة في كثرة عدد الرباطات التي ذكرها الجغرافيون. وشاهد ذلك ما روى من أنه كان في ما وراء النهر وحدها ما لا يقل عن عشرة ¬

_ (¬1) رقم الآية فى المصحف العثمانى هو 6 (م. ع.) (¬2) المعروف أن الرباط هو الإقامة بالثغر المعرض للعدو للذود عنه: "الرباط والمرابطة ملازمة ثغر العدو، وأصله أن يربط كل واحد من الفريقين خيله، ثم صار لزوم الثغر رباطًا .. والرباط في الأصل الإقامة على جهاد العدو." لسان العرب مادة "ربط" وانظر ما سيجئ في هذه المقالة نفسها. (مهدى علام)

آلاف رباط (ابن خلكان، ترجمة ده سلان، ج 1، ص 159، رقم 3). وكانت الشواطئ تعج أيضًا بهذه الرباطات. من ذلك أنَّه كان ثمة رباطات على طول شاطئ فلسطين وإفريقية. وقد ذكر أن المنارات التي كانت تلحق بالرباطات أو تنشأ قائمة برأسها قد أتاحت للقوم بعث الرسائل من الاسكندرية إلى سبته Ceuta في ليلة واحدة. ومن الواضح أن في هذا شيئًا من المبالغة. ومع ذلك فإنا نلاحظ أنَّه كان هناك نظام لإرسال الإشارات سريع سرعة لا بأس بها، كما نلاحظ أن الإسكندرية قد ذكرت في هذا المقام، والظاهر أن منارها كان يتخذ رباطًا. وكانت الرباطات موجودة أيضًا على شواطئ الأندلس. وكذلك قامت ثغور إسلامية على تخوم الممالك المسيحية وخاصة بعد مجئ المرابطين الذين استكثروا من الجهاد. وذكر ابن حوقل في كلامه عن صقلية أخبارًا عجيبة عن الرباطات القريبة من بَلرم (بالرمو) ونحن نعلم أيضًا البلدة الصغيرة المعروفة باسم "رباطو" في جزيرة كوزو بالأرخبيل المالطى. وقد استكثر الناس من إقامة المنشآت مدفوعين بغيرتهم على الدين، وخاصة بإفريقية في أرباض مدن من قبيل طرابلس وصفاقس. ذلك أنَّه إذا أقام شخص رباطًا على نفقته أو عزز حصون رباط قائم كان ذلك عملًا من أعمال البر والتقوى. وكذلك كان من الثواب أن يحض المرء الناس على الانخراط في سلك الرباطات للجهاد في سبيل الإسلام وتعزيز حامياتها، ثم إن الثواب كل الثواب أن يبدأ المرء بنفسه. وذكر المقدسي أن الرباطات التي قامت على شواطئ فلسطين كانت تستعمل لأغراض أخرى من الأغراض التي يقصد بها وجه الله. فقد كانت مناراتها تستخدم لتنبيه القوم عند اقتراب السفن النصرانية التي تحمل أسرى المسلمين الذين اتفق على تبادلهم. وكان كل امرئ يسعى حتَّى يكون له نصيب في هذا العمل ما وسعته طاقته. وكان عبء تشييد الرباطات الكبيرة وكثير من الرباطات الصغيرة يقع

بطبيعة الحال على كاهل حكام البلاد. وكان رباط المنستير هو أول رباط أنشئ في إفريقية، شيده الوالى العباسى هرثمة بن أعين عام 179 هـ (795 م). وكان القرن الثالث الهجرى (التاسع الميلادى) هو العصر الذهبي للرباطات، فقد ضاعف الأغالبة عدد الرباطات الحقيقية والمحارس على طول الشواطئ الشرقية. والمحرس منطقة محصنة تضم حامية صغيرة أو برج مراقبة. وقد احتفظت المنستير بتفوقها في هذا المضمار، ويقال أن النبي [- صلى الله عليه وسلم -] قد تنبأ لها بذلك. وكان الشهداء في القرن الثانى عشر تحمل رفاتهم من المهدية إلى هناك لتثوى عظامهم في هذه البقعة المباركة. واكتسب رباط سوسة الَّذي أنشأه زيادة الله الأغلبى 206 هـ (821 م) شأنًا عظيمًا. والمعروف أن سوسة كانت الثغر الَّذي يبحر منه الجند لغزو صقلية. وكانت بقية الشواطئ المغربية أقل ازدحامًا بهذه الرباطات إذا قورنت بالشاطئ الشرقى لإفريقية الَّذي كان عرضة لهجمات الروم المباشرة، أو كان قاعدة تخرج منها الحملات البحرية. على أنَّه كان ثمة رباطات على شاطئ المغرب الأقصى بعضها في نكور وأرزلة، وقد قصد به رد غارات قراصنة الشمال، وبعضها في سلا لتيسير أسباب الغارة على هراطقة برغواطة. وكان معظم هذه الرباطات منشآت حكومية، إلا أن خدمة المحاربين فيها لم تكن بأى حال من الأحوال إجبارية. فرجال الرباط (المرابطون) متطوعون من أهل التقى والورع نذروا أنفسهم للذب عن الإسلام. وقد يلتحق بعضهم بالرباط بوصفه تكية يقضون فيها بقية أيامهم، على أن الغالبية الكبرى كانت تقضى فيه أيامًا من السنة محدودات طالت أو قصرت. وكانت الحاميات في الرباطات تستبدل استبدالًا تامًا عدة مرات في السنة. وكان استبدال الحامية برباط أرزلة يتم في عاشوراء (اليوم العاشر من المحرم) وفى بداية رمضان، وفى عيد الأضحى. وكان يقام - لهذه المناسبة سوق هام. وكانت حاميات هذه الرباطات تدعم في حالة الخطر برجال ذوى بأس من البلاد المحيطة. وقد جرت

الحال على استدعائهم بقرع الطبول (في فلسطين، كما جاء فى المقدسي). وكان أهل الرباطات ينفقون حياتهم في التدريب العسكرى وفى الحراسة كما كانوا ينفقونها أيضًا في التعبد. وكان المرابطون يعدون أنفسهم للاستشهاد بالصلوات الطويلة يقيمونها تحت إرشاد شيخ من الشيوخ المبجلين. ولكن كشف لنا الرحالة ابن حوقل عن جانب مظلم لهذه الصورة الحافلة بأسباب الهداية والتهذيب. في حديثه عن رباطات بلرم (بالرمو) في القرن الرابع الهجرى (العاشر الميلادى). وقد تجلت الصفتان الحربية والدينية لحياة المرابطين في عمارة الرباطات القديمة التي ما زالت قائمة إذ احتفظت بلاد تونس برباط المنستير وسوسة. ولايزال أولهما يبعث المهابة في النفس، غير أن التجديدات الكثيرة التي طرأت عليه قد عقدت من خطة البناء الأصلى. ويمكن أن نعد الرباط الثانى ذا الخطبة البسيطة مثالا لهذه الرباطات. فهو بسوره المربع المرتفع الَّذي تكتنفه الأبراج نصف المستديرة من أركانه ووسطه يذكرنا بحصون الروم (البوزنطيين) في هذه البلاد. وينفتح مدخله الوحيد في منفذ من المنافذ القائمة في منتصف السور. وثمة سلم يهبط درجة إلى الداخل حيث تقوم الباحة الوسطى تحيط بها أروقة مسقوفة وصوامع غاية في البساطة. والصعود إلى الطابق الأول أيضًا من صوامع تقوم على الجوانب الثلاثة للباحة. وتمتد على طول الجانب الرابع قاعة بها محراب. وهذه القاعة هي مصلى الرباط. وبحائط القبلة كوى للمدافع. ويقوم على مستوى الشرفات التي تعلو هذا الطابق الأول باب برج الإشارة، وهو برج أسطوانى الشكل يرتفع من القاعدة المربعة لإحدى الزوايا الخارجية القائمة في ركن من أركان الرباط ويشرف على الحصن من ارتفاع يبلغ ستين قدمًا تقريبًا. وهناك قبة صغيرة تقوم أيضًا فوق الشرفات تتوج الساحة المربعة التي أمام المحراب في المصلى كما هو الشأن فى مساجد هذا العهد.

ويردنا رباط سوسة إلى عهود البطولة عندما كانت هذه المؤسسة تصطبغ بطابع حربى واضح، وقد كان لهذه الثغور شأن حربى هام على تخوم البلاد الإسلامية، كما أنها احتفظت بهذه الصبغة طوال القرنين الحادى عشر والثانى عشر بالمغرب الأقصى حيث ابقى القتال الَّذي كان مشبوبًا مع النصارى في الأندلس على سنة الجهاد. ونحن نعلم أن الرباط الَّذي شيد على جزيرة من جزائر السنغال الأدنى كان هو المعقل الَّذي خرج منه بربر لمتونة للجهاد، ومن ثم عرفوا بالمرابطين، وهو الاسم الَّذي اشتهروا به في التاريخ وكان للموحدين الذين جاءوا من بعدهم رباطاتهم الخاصة. وهناك رباطان من رباطاتهم على الأقل تستأهل الذكر، وهما: رباط تازا الَّذي حصنه عبد المؤمن عام 528 هـ (1138 م) في الوقت الَّذي خرج فيه على رأس حملة لقتال المرابطين، وهي الحملة التي اصطبغت بصبغة الجهاد. ورباط الفتح، الَّذي بقى اسمه علمًا على مدينة رباط، كان على أيسر تقدير المعسكر الكبير الَّذي تتجمع فيه الجيوش التي تستعد عبور البحر إلى الأندلس، ولعله كان الثغر الَّذي تبحر منه هذه الجيوش. وقد بقيت مكانة هذه المؤسسة الموحدية إلى ما بعد زوال الأسرة التي قامت بتشييده. وكانت رباط، أو بالأحرى مدينة شالة الصغيرة المجاورة لها - وتعتبر أيضًا رباطًا - هي المقبرة التي يدفن فيها أمراء المرينيين، وكانوا يبتغون من ذلك أن يكون لهم أجر المقاتلين في سبيل الله. وكان القوم لا يزالون يشيدون المحارس وأبراج الإشارات في القرن الرابع عشر ويتخذونها رباطات تنبههم إلى نزول النصارى على الشاطئ. ويذكر ابن مرزوق مورخ أبى الحسن المرينى وجغرافيه الخاص في حديثه عنها أنه كان يرابط في هذه المعاقل جنود من المرتزقة. ولم تكن هذه المحارس والأبراج رباطات بالمعنى الصحيح للكلمة، وكانت حامياتها من المتطوعين. على أننا إذا صادفنا بالمغرب الأقصى في القرن السادس عشر رباطات من قبيل رباط آسفى كان له شأن حربى في النضال مع البرتغال،

فإننا نجد أن صفة هذه الرباطات قد تغيرت في الشرق، أى في البلاد التي أصبحت بنجوة من تهديد الكفار، وعزف أهله عزوفًا تامًا عن التدريب العسكرى واستبدلوا به حياة قوامها الزهد والتقشف وترديد الصلوات التي كانت سنة الرباطات القديمة. وقد كان تطور التصوف وتشعب المتصوفة فرقًا وطرائق منذ القرن السادس الهجرى (الثانى عشر الميلادى) أو القرن الَّذي سبقه هو العلة التي بررت استمرار هذه الثكنات باتخاذها زوايا وتكايا. وهذا التطور الَّذي أصاب الرباطات، وكان منشؤه في بلاد فارس أخذ ينتشر منها إلى العالم الإسلامى كافة. وفى المشرق اندمج الرباط في الخانقاه المأثورة عن الفرس. ويشير ابن جبير (طبعة رايت Wright ودى غوى de Goeji ص 234) إلى خانقاه أنشاها الصوفية في رأس العين إلى الشمال من صحراء الشام، وكانت تعرف أيضًا باسم الرباط. على أننا إذا وجدنا كاتبًا من الكتاب مثل ابن الشحنة يصف حلب ويفرق فيما يبدو بين الخانقاه والرباط فإن هذا التفريق يغيب عن أذهاننا. ويحق لنا أن نذب إلى أن الخانقاه كانت مستقرًا دائمًا لأناس يقضون فيها كل حياتهم، في حين أن الرباطات كان ينزلها رجال من الصالحين مددًا محدودة كما ذكرنا من قبل. على أننا لا نستطيع أن نجزم بأن ذلك هو الفارق بينهما. ومهما يكن من شيء فإن الرباطات الأربعة القائمة في مدينة حلب أكان أحدها ملحقًا بمدرسة من مدارسها وبضريح منشئه وكان بالضريح قراء وصوفية) قد فقدت كل صفاتها الحربية، وكان هذا هو حال الرباطين القائمين بمكة، وهما اللذان ذكرهما ابن بطوطة. أما في القاهرة فإن الكتابة الوحيدة التي وجد فيها فان برشم Van Berchem ذكر الرباط، فهي الكتابة المنقوشة في زاوية الملك أشرف إينال (860 هـ = 1455 م) وقد بلغت موجة التصوف الشرقى إلى بلاد البربر في القرنين الحادى عشر والثانى عشر. واحتفظت هذه البلاد أيضًا بكلمة رباط، ولكنها كانت تطلق فيها على الزاوية وهي المكان

يجتمع فيه الزهاد حول شيخ من الشيوخ أو حول ضريع واحد منهم. ومن الحقائق التي لا تقبل الجدل أن ابن مرزوق يفرق في هذا المقام بين الزاوية والرباط، على أن هذه التفرقة مازالت مع هذا غامضة. ذلك أنه يذكر لنا في حديثه عن الزوايا التي أنشأها شيخه أبو الحسن أن كلمة الخانقاه، وهي كلمة فارسية، لها معنى كلمة رباط، ثم يضيف قائلًا إن الرباط في مصطلح الفقراء هو الانقطاع للجهاد وحماية الثغور، أما عند الصوفية فهي تدل على المكان ينقطع فيه المرء لعبادة الله. والظاهر أن هذا الاستعمال الأخير هو الَّذي كان شائعا في عهده. ورباط العُباد هو مجموع المنشآت الخيرية التي قامت بالقرب من تلمسان حول ضريح الصوفى الشهير سيدى بومدين، وقد أقيم رباط تسكدلت إلى الجنوب الغربى من وهران إحياء لذكر ولى من أولياء بنى إزناسن. ويضم رباط تافر طاست القائم على حدود وادى سبوقبرى أميرين من أمراء المرينيين وأروقة للطلباء (المقرئين). ويمكننا أن نربط هذا الاستعمال الخاطئ للكلمة العربية القديمة بالتغير المماثل الَّذي طرأ على كلمة مرابط، فهي تطلق على ولى من الأولياء اكتسب احترام من يلوذون به وتبجيلهم بفضل خلاله الخاصة أو بفضل أخذه الولاية الصوفية عن غيره، أو بفضل علاقته بولى آخر من الأولياء. أما في الأندلس آخر بلاد الجهاد، فيحق لنا أن نذهب إلى أن الرباطات كانت ترصع تخومها التي كانت تتغير على تعاقب الأزمان وفقًا لما كانت تلقيه إعادة فتح الأندلس من أعباء على البلاد الإسلامية. والتحقق من ذلك يقتضينا أن ننتظر حتَّى تمدنا دراسة النصوص والبحوث التي يشرف عليها كل من هرناندز F. Hernandez وتراس - H. Ter rasse للمنشآت الحربية بالأندلس من تفصيلات دقيقة عن تاريخ معاقلها والأغراض التي أقيمت من أجلها. وقد يؤدى بنا تطور معنى كلمة رباط إلى القول بأنها أصبحت لا تدل بعد على الحصن. وكثيرًا ما يستعمل كتاب العرب الأندلسيون وكذلك المقرى والفقراء الذين ذكرهم ابن مرزوق كلمة رباط

المصادر

للدلالة على الجهاد بمعناه العام المقتصر على الدفاع، وقد انتقلت هذه الكلمة إلى اللغة الأسبانية بصيغة رباتو Rebato كما بين أوليفر آسين Oliver Asin وهي تدل على الهجوم المفاجئ تقوم به فرقة من الفرسان وفقًا للفن الحربي الإسلامى. وإذا كان اللفظ العربى قد فقد معناه الأصلى، فإننا نجد مع ذلك كلمة أخرى مشتقة منه كانت شائعة الاستعمال مع تغير طفيف في معناها. ذلك أن أسبانيا قد شاهدت الرباطات تتكاثر فبقيت آثارها في أسماء الأماكن بصيغ: ما [Rabita، Ravita، Rabida. وكان البربر يعرفون أيضًا كلمة رابطة. والرابطة صومعة يعتزل فيها رجل من الصالحين يعيش محاطًا باتباعه ومريديه (انظر المقصد، ترجمة كولن Colin ص 240، ). وكل الدلائل تشير إلى أنها كانت جميعًا على سنن واحد في أنحاء شبه الجزيرة كافة، ويتصل ازدياد عدد الرابطات في أسبانيا وإمكان قيام الالتباس بينها وبين الرباطات بنزعة الورع الصوفية الكبرى التي نشأت في بلاد فارس وأدت إلى إحلال الخانقاه والزاوية (تعرف بالخانقاه في المشرق، والزاوية في المغرب) محل المنشآت التي كانت تغلب فيها الصفة الحربية على الصفة الدينية، وذلك في عصر البطولة عند المسلمين. المصادر: (1) أبو العرب Classes des Savants de L'Ifrikiya طبعة وترجمة ابن شنب، الجزائر سنة 1920. (2) البكرى Description de L'Afrique septentrionale طبعة وترجمة ده سلان، الجزائر 1911 - 1913. (3) الإدريسي Description de L'Afrique et de L'Espagne طبعة وترجمة دوزي ودي غوي، ليدن سنة 1866. (4 ابن حوقل: طباعة وترجمة ده سلان في المجلة الأسيوية سنة 1842، ج 1 ص 168. (5) المؤلف نفسه Description de Pa- lerme ترجمة Amari في المجلة الأسيوية سنة 1845، ج 1، ص 96. (6) ابن خلكان، ترجمة ده سلان , باسم Biographical Dictianary ج 1، ص 159، رقم 3.

رباعى

(7) المقدسى فى كتاب: Le strange: under the Moslems palestine ص 23 - 24. (8) ابن الشحنة: Les perles chois- ies ترجمة Sauvaget بيروت سنة 1933, جـ 1، ص 107. (9) ابن مرزق: المسند، طبعة وترجمة ليفى بروفنسال Hesperis جـ 5، سنة 1925. (10) Supplement aux dic-: Dozy tionnaires arabes مادتي رباط ومحرس، باريس سنة 1894، ص 162 رقم 3 , 408 رقم 4. (11) Les Mar-: revue de: Doutte abouts L'histoire des religions جـ 90 - 91، مستخرج سنة 1900. (12) Chella: H.Basset et E.Levi.Provencal باريس 1923. (13) Note sur les ribats: G. Marcais Melanges: Rene Basset في en Berberie باريس سنة 1925، جـ 2 - ص 395 - 430. (14) المؤلف نفسه: Manuel d'art Musulman ج 1، ص 45 - 46. (15) Origen: Jaime Oliver Asin arabe de rebato, arrobda y sus hom'onimos مدريد سنة 1928. (16) Sanc-: H.Basset et H. Terrasse forteresses almohades Le ribat / tuaires et de Tit: : سنة 1932 (مجموعة Hesperis) ص 337 - 376. الشنتناوى [مارسيه Marcais George] رباعى (الجمع رباعيات) وقد شرحت أهم خصائصه بالتفصيل (وذكرت القوالب الخاصة بالأغانى العربية الشائعة فى الرباعيات). وهو يتألف من بيتين أو من أربعة مصاريع تتحد فى القافية وتختلف عن الثالث (آبه) ويسمى خَصًى. ويجب أن ينتهى المصراعان فى البيت الأول (الُمصًّرع) بجرس واحد. وُوجد الرباعى المقفاة مصاريعه الأربعة فى الشعر القديم بخاصة وهو قالب يصلح لجميع أغراض الشعر. وقد أشار أحد العلماء إلى أن المصاريع الثلاثه

الأولى تمهد للمصراع الرابع الذى يجب أن يكون رفيعاً (بلند)، لطيفاً، يجرى مجرى المثل (تيز). وقد أوضح براون Lit. Hist. of Persia: E. G. Browne جـ 1، ص 472 "أن الرباعى يكاد يكون أقدم ثمرات العبقرية الفارسية على التحقيق". ونسب اللغويون الفارسيون ابتداع هذا النظم إلى طفل كان يلهو بلعب الجوز مع رفاقه، فسقطت جوزة بعيداً عن الحفرة ثم انكفأت متدحرجة فصاح الطفل "غَلْتان غلتانَ همى رَوُد تَأبَن كو" ومعناها: تتدحرج وتَتدحرج حتى تهبط إلى قرار الحفرة ونحن إذا رجعنا إلى تذكرة دولتشاه (طبعة Browne ص 30) فإننا نجد أن الطفل هو ابن الأمير يعقوب بن الليث الصّفارى، وقد فطن رجال الحاشية إلى أن هذا المصراع ضرب من الهزج "ثم أضافوا إليه مصراعاً ثانياً من البحر نفسه، وعقبوا عليه ببيت آخر، وأسموا الجميع دُوبْيتى (أى ذو البيتين). ولكن بعض الدارسين انتبهوا إلى أنه يتألف من أربعة مصاريع فأطلقوا عليه اسم "الرباعى"، وكان رودَكى أول من برع فى نظمه" (ويجب أن نلاحظ هنا أن معجم أسدى: لغة فارس، طبعة هورن قد ذكر ضربين من الرباعى وردا فى شعر قديم قدم: أبى المؤيد ص 68، وشهيد ص 112 على الأقل) وقد وردت هذه الرواية أيضاً فى مصنف من المصنفات التى كتبت عام 1220 (أى قبل دولتشاه بثلاثة قرون) وذكر معجم "فى معايير أشعار المعجم" لمصنفه شمس قيس (طبعة ميرزا محمد وبراون ص 88): أنه قد حدث فى يوم عطلة وفى طريق من طرق مدينة غزْنين، أن الشاعر رودكى (" وأنا أصدق هذا على الأقل" هكذا يقول المؤلف) كان ينظر إلى غلمان يلعبون بالجوز، وكانت سن أحدهم بين العاشرة والخامسة عشرة، وهذا الغلام هو الذى ارتجل هذا المصراع نفسه فى هذه المناسبة. "وخيل إلى الشاعر أن هذا المصراع يصلح للنظم عليه، بل يصلح لأن يكون بحراً مطرباً من بحور الشعر، فاحتكم إلى العروض فوجد أن هذا الضرب من النظم إنما هو من مشتقات الهزج بالنظر إلى المكانة الشعبية التى كانت لهذا البحر فى نظره، وقيد

رودكى نفسه بأن ينظم القطعة من بيتين اثنين". ولما كان مبتدع هذا النظم غلاماً صغيراً غريراً (تْر) فإن رودكى أطلق على هذا النظم الاسم "تَراَنة" (انظر هورن Horn: Grundr.der neupersischen Etymol. رقم 382، ورقم 3) وليس من شك فى أن مصراع نظامى مقتبس من "فرهنك جهانكيرى: هرترانه ترانه ميكوفت" ومعناها: "كان كل شاب يتغنى بالشعر". ويصف الَهْفت فقلُزم الترانه بأنها كالرباعى الذى تنتهى مصاريعه الأربعة بنفس القافية (وهذا القول فيه نظر) ويقول شمس قيس (المصدر السابق، ص 90) "إن حذاق الملحونات (أى الشعر الملحن بالموسيقى) أطلقوا اسم ترانه على الرباعيات الملحونة، واسم الدوبيتى على الرباعيات غير الملحونة، لأنه لا يتألف إلا من بيتين اثنين من الشعر. وأطلق المعجم المستعربة على الرباعى اسم الدوبيت، لأن الهزج في العربية يتألف من أربعة "مفاعيلُن" [فى حين أنه يتألف فى الفارسية من ثمانية مفاعيُلن] وكل بيت فارسى على هذا الوزن يؤلف بيتين فى الوزن العربي [أو بعبارة أخرى: أن المصراع الفارسى يساوى بيتاً عربياً] ولم ينظم الشعر العربي على هذا الوزن، لأن التنوع فيه لم يستعمل فى الشعر العربي، بيد أن شعراء العرب المحدثين لا يجدون أى بأس من استعماله. وقد أصبح الرباعى شائعاً فى البلاد العربية". وفى هذه المسألة يقول الباخرزى (القرن الحادى عشر) فى مصنفه: دمية القصر (طبعة حلب عام 1349 هـ، ص 73 أ) إن أباه ردد له عدة رباعيات عربية، ويمكن أن تعد هذه الرباعيات من أقدم ماورد منها فى اللغة العربية؛ ويظهر أن الرباعى بلغ أوجه فى العصر السلجوقى. ويروى روندى (راحة الصدور، طبعة محمد إقبال ص 344) فى مقدمته عن أديب من أدباء همذان: "إنه كان يسمى نجم (الدين) دوبيتى، وكانت له ثروة بددها على النوابغ، وأخذ يسجل بالدواة والقلم كل رباعى يعثر عليه؛ ولم يخلف مالاً أو رياشاً، واقتسم ورثته خمسين مَنَا من المخطوطات التى تحتوى على أشعار من الدوبيت" وليس فى أوزان الشعر الفارسى ما يسمح بكل هذا

التنوع. والحق أن علماء العروض يحصون أربعة وعشرين نوعا من الرباعيات نصفها من الهزج الأخرم ونصفها الآخر من الهزج الأخرب (والأخير أجمل وقعًا على الأذن فى رأى شمس قيس) ويقسم اللغوى الخراساني حسن قًّتان هاتين المجموعتين إلى شجرتين تردان فى كتب العروض (شمس قيس ص 92؛ Persians: Blochonann the Prosody of ص 68) كما تبينان بوضوح زحافات الهزج المثمن الصحيح (مفاعيلُن مكررة ثمانى مرات) وقد تظهر فى الشعر الرباعى أربعة أوزان فى المصاريع الأربعة المختلفة. وهكذا يوضح شمس قيس نظام هذا القالب الشعرى: "إن بداية مصاريع الدوبيت هو مفعول (ويسمى أخرب) أو مفعوُلن (ويسمى أخرم) وإذا كان التفعيل الأول هو مفعوُل فإن الثانى يصبح مفعوُلن (وهو السالم) أو مفاعُلْن (مقبوض) أو مفاعيُل (مكفوف)؛ أما إذا كان التفعيل الأول مفعولُن فإن الثانى يصبح مفعولُنْ أو مفعوُل أو فاعلُنْ (وهذا الأخير هو الأشتر) وإذا كان التفعيل الثانى هو مفاعُيلن مفعولُنْ، فإن الثالث يصبح مفعولُن أو مفعوُل؛ أما إذا كان التفعيل الثانى مفاعلُن. أو فاعُلن. أو مفعوُل فإن الثالث يصبح مفاعيُلْن أو مفاعيُل. والتفعيل الأخير الذى يعقب مفاعيلُنْ أو مفعوُلن يصبعَ فْع (ويسمى أبتر) أو حتىَ فاْع (ويسمى أزّل)؛ والتفعيل الأخير الذى يعقب مفاعيُل أو مفعوُل يصبح فعول (ويسمى أهتم) أو فَعَل. (ويسمىَ مجبوب) ". أضف إلى ذلك، كما يقول شمس قيس أيضاً، إن بعض الشعراء نظموا بعض المقطعات على هذا الروى، مثال ذلك أبو طاهر ختونى (وقد نقل عنه شاهداً من نظمه) كما نظم فروخى قصيدة بوزن الدوبيت، وهو يحافظ أحيانًا على وحدة القافية فى كل مصراعين حتى أن المرء يستطيع أن يستخلص منها عدة رباعيات. ويجب أن نذكر أن عبارة "لاحول ولاقوة إلا بالله" وزنها (مفعوُل مفاعيُل مفاعيلُن فاع) استعملت مصراعاً فى بعض الرباعيات (وقد ذكرها أغا أحمد على فى رسالة ترانه، طبعة بلوخمان 1867. ص 9) ومعظم

المصادر

شعراء الفرس ينظمون الشعر على الأوزان المتقدمة. وبعضهم يدين بشهرته لهذا الوزن مثل أبى سعيد وعمر الخيام، وبابا أفضل الدين كاشانى (طبعة سعيد نفيسى، طهران 1311 هـ = 1923 م) ونحن نجد من ناحية أخرى أن اسم الرباعى يطلق عاده وإن كان ذلك خطأ، على رباعيات بابا طاهر التى على وزن الهزج المسدس المحذوف (وهو مفاعيُلنْ مفاعيلُنْ فعوُلْن) وعلى أشعار أخرى بلهجة فهلوية (انظر هـ كوهى كرمانى: ترانهاى مللى، طهران 1310) والواقع أن هذه مقطوعات. وانظر فيما يختص بالرباعيات فى الشعر العربي: dozy: supplement ابن شنب: تحفة الأدب فى ميزان أشعار العرب (الجزائر 1928 ص 113 - 117) وفيما يختص بالرباعيات فى الشعر التركى Gibb: Poetry ottoman جـ 1، ص 88؛ وفيما يختص بالرباعيات فى الشعر الهندستانى Lit. hin-: Garcin de Tassy douie الطبعة الثانية جـ 1 ص 36 - 37) وطبعته لديوان والى. المصادر: علاوة على المصادر الواردة فى صلب المقال: (1) شمس قيس: المصدر المذكور، ص 338؛ (2) Rhetorique et: Garcin de Tassy Prosodie الطبعة الثانية 1873، ص 339 وما بعدها (3) Ruckert: Grammatik poetik und Rhetorik der Perser 1874 ص 65. يونس [هـ. ماسيه Heuri Masse] ربيب الدولة أبو منصور بن أبى شجاع محمد بن الحسن: أحد الوزراء. وقد اختار الوزير أبو شجاع محمد الروذراورى عند خروجه إلى مكة للحج عام 481 هـ (1089 م) ولده ربيب الدولة، ونقيب النقباء طراد بن محمد الزينبى نائبين عنه وفى عام 507 هـ (1113 - 1114 م) اختير ربيب الدولة وزيراً للخليفة المستنصر بعد وفاة أبى القاسم على بن فخر الدولة محمد بن جهير

المصادر

وفى شهر ذى الحجة سنة 511 (أبريل 1118) خلف محمود بن محمد أباه على عرش السلاجقة، وكان وقتئذ فى الرابعة عشرة من عمره. وأراد هذا السلطان أن يبحث عن وزير كفء فأشير عليه بأن يختار وزيراً من "تربية دار الخلافة" لأنه لم يكن بين رجال حاشية هذا السلطان الصغير من يصلح لهذا المنصب. ووقع الاختيار على ربيب الدولة، فاستدعى على الفور من بغداد إلى إصفهان، واثبت أنّه صالح من جميع الوجوه لتولى هذا المنصب الجليل الخطر، وقد أيد هذا القول أيضاً ما جاء فى رواية البندرى. على أنه لم يمكث فى منصبه إلا أمداً قصيراً، إذ توفى فى شهر ربيع الأول عام 513 (يونية- يولية سنة 1119) وذكر فى رواية أخرى أنه توفى فى سنة 512 هـ (1118 - 1119 م). المصادر: (1) ابن الأثير: الكامل، طبعة تور نبرغ، جـ 10، ص 111، 349 , 373، 387، 394 (2) Recueil de textes re-: Houtsma h l'histoire des Seldioucides latifs a ج 2، ص 115 - 126. الشنتناوى [تسترشتين K.v. zettersteen] الربيع بن يونس ابن عبد الله بن أبى فروة (كنى بذلك لأنه دخل المدينة وعلى ظهره فراء) وهو عتيق الحارث الحفّار (حفار القبور) وكان الحفار مولى لعثمان بن عفان ثم أعتقه. والحق أن الربيع مجهول النسب، وهى حقيقة كثيراً ما عيره بها أعداؤه فيما بعد. وقد ولد رقيقاً بالمدينة حوالى عام 112 هـ (730 م) واشتراه زياد بن عبد الله الحارث، وأهداه إلى سيده أبى العباس السفاح أول الخلفاء العباسيين. وأنفق حياته كلها فى خدمة ثلاثة خلفاء آخرين من خلفاء العباسيين، هم المنصور والمهدى والهادى وإن اختلف حظه مع كل منهم. وبلغ الربيع أوج سلطانه فى عهد المنصور (136 - 158 م) فقد وجد رجلا من بطانته النافعين المقتدرين،

فعينه حاجباً، ثم استوزره خلفا لأبى أيوب الموريانى. وتولى ابنه الفضل بن الربيع منصب الحجابة الذى كان يتولاه أبوه، والفضل هذا هو الذى قدر أن يكون له شأن هام فيما حيك بعد ذلك من مؤامرات ودسائس لآل برمك. ولما أنشئت بغداد، قسمت هذه المدينة الجديدة إلى أربع قطائع، أقطع المنصور إحداها إلى الربيع ومن ثم أطلق عليها اسم قطيعة الربيع. والظاهر أن نفوذه فى عهد المهدى (158 - 169 هـ) قد خبا فترة من الزمن فقد ولى الوزارة عبد الله بن أبى عبيد الله (المعروف باسم أبى عبيدة) ومن ثم اشترك الربيع فى مؤامرة أدت إلى سقوط منافسه، وذلك باتهام ولده بالزندقة عام -163 هـ (779 - 780 م). ولم يفز الربيع بعد ذلك إلا بالاحتفاظ بمنصبه القديم، وهو منصب الحاجب، ولم يصبح قط وزيراً للمهدى، بل إن عبد الله بن يعقوب بن داود هو الذى خلف ذلك الوزير المغضوب عليه. ولما ولى الهادى عرش الخلافة (169 هـ = 785 م) رقى الربيع إلى منصب الوزارة، ولكنه بقى فى المنصب مدة وجيزة، ثم أقيم كاتباً لديوان الخليفة المعروف باسم ديوان الأزمة. وظل فى هذا المنصب إلى أن أدركته منيته بعد مرض لم يمهله إلا ثمانية أيام. وأدت وفاته الفجائية إلى القول بأن الهادى دس له السم. غير أن هذه الرواية قد ضحدتها أصح المصادر الموثوق بها، ولا نعلم على التحقيق تاريخ وفاته، فالجهشيمارى والطبرى يذكران أنه توفى عام 169، فى حين يقرر الخطيب البغدادى وابن خلكان أنه توفى فى بداية عام 170 (786 م). وليس لدينا إلا تفاصيل شحيحة عن أعماله فيما تولاه من مناصب إدارية، على إنه لا شك فى أنّه كان رجل أعمال عظيم المقدرة دؤوباً معتدلا أريبا. ولا أدل على ذلك من أن المهدى الذى لم يكن قط مسرفاً فى إظهار عطفه على الربيع قد وصفه ذات مرة بأنه مثال لرجل الإدارة الممتاز (اليعقوبى، جـ 2، ص 486). ومهما يكن من شئ فإن كتب الأدب لا تصفه بأنه كان راعياً للأدب، وهى الصفة التى اشتهر بها العباسيون وخلفاؤه من البرامكة.

المصادر

المصادر: انظر فهارس الكتب التالية: (1) الخطيب البغدادى: تاريخ بغداد، جـ 8، رقم 4521، القاهرة 1931 (2) الجهشيارى: كتاب الوزراء، طبعة H.v. Mzik ليبسك 1926 (3) الطبرى، طبعة دى غوى، جـ 2، 3، ليدن 1879 - 1901 (4) ابن خلكان: كتاب وفيات الأعيان، طبعة ده سلان، باريس 1838 الخ (5) وتاريخ اليعقوبى، طبعة هوتسما، ليدن 1883 (6) أبو الفرج المعروف بابن العبرى: تاريخ مختصر الدول، بيروت سنة 1890 (7) ابن قتيبة: عيون الأخبار، 4 مجلدات، القاهرة 1925 - 1930 (8) الإصفهانى كتاب الأغانى، جـ 1، 3، القاهرة سنة 1927 إلخ (9) الجاحظ: كتاب التاج، القاهرة 1914؛ البيان والتبين، 3 مجلدات، القاهرة 1926 - 1927 (10) السيوطى: تاريخ الخلفاء، وله طبعات متعددة (11) Geschichte der Cha-: G. Weil فى ثلاثة مجلدات، مانهايم 1846 - 1851 (12) Caliphate: W. Muir T.H.weir طبعة أدنبره سنة 1924 (13) Histoire des Arabes: Cl. Huart فى مجلدين باريس 1912 - 1913 (14) G. Le Strange Baghdad during the Abbasid.Caliphate أكسفورد سنة 1924 (15) E. de Zambaur Manuel de ge ,.nealogie etc هانوفر سنة 1927 (16) S. Lane - Poole: Mohammedan ,Dynasties باريس سنة 1925 الشنتناوى [عطية A.S. Atiya] ربيعة ومضر أعظم قبيلتين من الجمرات فى شمالى بلاد العرب فى الزمن القديم وأوسعها سلطانا.

والاسم ربيعة شائع جدًا بين القبائل العربية. وثمة قبائل من مضر تحمل هذا الاسم ولها شأن أكبر من غيرها، وهى ربيعة بن عامر بن صعصعة، ومنها خرجت كعب وكلاب وكليب، ثم ربيعة بن عبد الله بن كعب، وربيعة بن كلاب، وربيعة بن الأضبط، وربيعة بن مالك بن جعفر، وربيعة بن عقيل، وربيعة بن جعدة. وثمة أيضاً ثلاثة فروع من عبد شمس تسمى بربيعة. ونذكر من القبائل اليمنية الكبرى: ربيعة بن الخيار، وربيعة ابنَ جْرول، وربيعة بن الحارث بن كعب WUstrnfeld: Register، ص 377 وما بعدها). أما بنو ربيعة فحسب، أو بنو أبى ربيعة، فعشيرة من عشائر شيبان (العقد، جـ 3، ص 60، س 27 وما بعده؛ ص 65، س 25 وما بعده). وأما ربيعة الكبرى أو الوسطى، أو الصغرى، فاسم يطلق على ثلاث بطون من تميم، هى ربيعة بن مالك بن زيد مناة، وتعرف أيضًا باسم "ربيعة الجوع "، وربيعة بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة، وربيعة بن مالك بن حنظلة. والجمع الربائع يشكل كل هؤلاء (لسان العرب، جـ 9، ص 469,س 9؛ العقد, ج 2, ص 47، س 26، ص 43، س 1). أما الاسم مضر فعلى خلاف ربيعة يكاد لا يذكر فى غير ذلك من المواضع (ربما اقتصر فى ذكره على أنه رواية فى مطر بن شريك: العقد، جـ 3، ص 74، س 2، المصدر المذكور، ص 290). نسبهما: يقول علماء الأنساب إن الجد المشترك لمعظم القبائل فى شمالى جزيرة العرب هو نزار بن معّد بن عدنان وقد أعقب نزار من زوجه سودة بنت عكّ ابن عدنان ولديه مضر وإياد، ومن زوجه جدالة بنت وعلان من عشيرة جرهم البائدة ولديه ربيعة وأنمار (الطبرى، جـ 1، ص 1108؛ ويزيد البتنونى [أنظر المصادر] عليهما قضاعة؛ ولكن راجع Wustenfeld , المصدر المذكور، ص 137 وما بعدها). ولدينا علاوة على الرواية المشهورة عن تقسيم ميراث نزار بين ولديه وتلقيب مضر من ثم بربيعة الحمراء (نسبة إلى الخيمة الحمراء: Goldziher: Muh. Stud,

جـ 1، ص 268. وانظر مع ذلك لسان العرب. جـ 7، ص 26؛ س 17) وربيعة بربيعة الفرس، رواية أخرى تقول إن ربيعة دفن إلى جانب نزار. أما مضر الذى نزل بمكة فقد دفن فى الَرْوحاء على مسيرة يومين من المدينة، ويقال إن قبره هناك غدا مزاراً يحج إليه الناس. الديار بكرى: تاريخ الخميس، القاهرة 1283 هـ، جـ 1، ص 148، س 6 الحلبى: السيرة، القاهرة 1292 هـ، جـ 1، ص 21، س 17). وقد جاء فى شجرة نسب ربيعة ومضر أن مضر كان له ولدان: الياس (معرفة) أو إلياس، أو ألياس، وعيلان الناس جد قبائل عظيمة مشهورة. وأعقب إلياس ثلاثة أبناء من زوجته ليلى بنت حلوان المعروفة بخندف (انظر فستنفلد، المصدر المذكور، ص 133) ومن ثم عرفت سلالتها ببنى خندف. وهؤلاء الأبناء الثلاثة هم: مدركة، وطابخة، وقمعة (ابن عبد البر: الإنباه، ص 72 وما بعدها) وقد اصبح الولدان الأولان أيضاً جدين لقبائل عظيمة ذات شأن. ذلك أن مدركة أعقب هذيلا وخزيمة؛ وكذلك غدا خريمة جداً لأسد وكنانة وإلى كنانة تنتسب قريش وغيرها من القبائل. أما أدبّن طابخة فقد أعقب ضَبة عبد مناة، وعمرو الذى عرفت سلالته بمزينة نسبة إلى زوجته، ومّر وحُميس .. وكان تميم أيضا جدا لقبيلة من أعظم قبائل العرب. وأما أبناء ربيعة الفرس فهم أكلب، وضبيعة، وأسد وأعقب أسد عميرة، وعنزة وجديلة، وإلى هؤلاء يرفع عبد القيس والنمر، ووائل بن قاسط أنسابهم. وكان وائل جد قبيلتين من أعظم قبائل العرب سلطاناً، وهما بكر، وتغلب ومن بكر خرجت قبائل حنيفة وشبيان، وذهل، وقيس بن ثعلبة وغيرها (انظر ابن دريد: الاشتقاق، ص 189 - 216). ونخرج من معجم البكرى بالفكرة التالية عن منازل ربيعة ومضر: عندما قسمت جزيرة العرب بين أحفاد معد خص مضر تخوم الأرض المقدسة حتى السروات، كما كان من نصيبها البقعة التى على هذا الجانب من الغور وما يليه؛ أما ربيعة فقد خصها سفوح تلال غمر ذى كندة والجزء الأوسط من ذات عرق وما يليه من النجد حتى الغور الذى فى تهامة.

وقد زادت القبيلتان فى رقعة منازلهما، فطردتا أبناء معد الآخرين من مكة وناحيتها. ولما نزحت عبد القيس إلى البحرين احتل بعض قبائل ربيعة هضاب نجد والحجاز وتخوم تهامة حيث قامت منازلهم الذنائب، وواردات، والأحّص، وشبيث، وبطن الجريب، والتغلمان. وانشعبت عشائر ربيعة المختلفة نتيجة لحرب نشبت، فشقوا طريقهم إلى الإمام، وبلغ معظمهم أرض الجزيرة حيث احتلوا الأرض التى حملت أسماءهم من بعد وهى ديار ربيعة وديار بكر؛ Wohn-: Wustenfeld sitze, ص 107، 136 وما بعدها، 161 وما بعدها، 168, Blau في Zeitschr.der Deutsch. Morgenl' Gesell. جـ 23، 1869، ص 579 وما بعدها). ولما نزحت ربيعة عن تهامة بقيت مضر فى منازلها حتى هزمت خندف قيسا، فسارت قيس قدماً ودخلت أرض نجد. ودب الشقاق بين خندف، فحمل ذلك طابخة إلى الهجرة إلى نجد والحجاز وما يليهما. وسارت عشائر من طابخة حتى بلغت اليمامة، وهجر، ويبرين وعمان. واستقرت بطون منها فى البحرين والبصرة. على أن عدة قبائل من مدركة بقيت فى تهامة، مثال ذلك أن سلالة نضر بن كنانة أقاموا فيما جاور مكة (Wohn-: Wustenfeld sitze، ص 169 ومابعدها). أما مضر التى هاجرت إلى أرض الجزيرة فقد نسبت إليها ديار مضر، وهى التى تبين لبلاو Blau(المصدر المذكور، ص 577) أنها عين القبيلة العربية Mavtavtrai التى ذكرت فى الجزيرة فى القرن الرابع الميلادى. تاريخ ربيعة ومضر: ظلت ربيعة ومضر خاضعتين لليمن حتى أطاح الأحباش بمملكة حمير، واستطاع بنو ربيعة ومضر أن يرفعوا عن كاهلهم نير اليمن عدة مرات عندما كانوا يدينون جميعاً بالطاعة لأمير منهم. وقد سجلت أخبار أيام من هذه الحروب، وهى أيام البيداء والسُلاّن وخَزَاز أو خزازى، وكانت الغلبة فيها لقبائل معّد Reiske: Primae Lineae /hist. regn. Arab، طبعة فستنفلد، ص 180 وما بعدها؛ اليعقوبى، طبعة هوتسما، جـ 1، ص 257؛ ياقوت، جـ 2، ص 432 وما بعدها، جـ 3، ص 114 وما بعدها).

وقد كانت ربيعة ومضر تابعتين مدة مع الزمن لمملكة كندة التى كان حكامها يحملون لقب ملوك معّد (أو مضر) وربيعة Geogr: Sprenger ص 216). واعترفت بقية ربيعة ومضر، شأن بكر وتغلب، بإمارة الحارث بن عمرو المقصور الكندى الذى قادهم إلى النصر فى حربهم مع الملوك الغسانيين واللخميين، ولكنه فقد الأرض التى فتحها (حمزة الإصفهانى، طبعة Gottwaldt جـ 1، ص 140). وحدث عقب وفاته أن دالت مملكة ذى نواس على يد الأحباش، وأصبح الكنديون لا يدينون بالولاء لليمن، وعندئذ نشبت حرب البسوس بين بكر وتغلب. وانتهى "يوم الكلاب الأول"، ويعرف بيوم كلاب ربيعة لأن القبيلتين كانت من نسل ربيعة بن نزار، لصالح تغلب، فولت ربيعة وجهها شطر المنذر الثالث ملك الحيرة، فما كان من هذا الملك إلا أن بسط سلطانه على ربيعة ومضر وغيرهما من قبائل جزيرة العرب الوسطى (اليعقوبى، المصدر المذكور؛ ياقوت: المعجم، جـ 4، ص 294 وما بعدها). وإلى هذا العهد تنتسب غزوة تغلب لأرض الجزيرة، والراجح أن تغلب هى أول من نزل بالجزيرة من الربايعة. وتبعها بنو نمر بن قاسط وغيرهم من قبائل ربيعة الأخرى، ولم تخمد نار العداوة بين تغلب وبكر، ووقفت كل منهما فى طرف يوم ذى قار وكانت غلبة بكر التى أشيد بها وعدت نصراً كبيراً على الفرس (انظر Sasanide: Noldeke , ص 310 وما بعدها، وهى وقعة يجعلها ياقوت سابقة على هذا التاريخ، جـ 2، ص 735 وما بعدها) سبباً فى تحرير قبائل جزيرة العرب الوسطى من النير الأجنبى، ومهدت الطريق لظهور الإسلام. وتقول القصص إن مضر كانت لها صلات قديمة جداً بالكعبة. وقد طردت إياد امراء تهامة وسدنة الكعبة من مكة. وتمت الغلبة لمضر فى النزاع الذى نشب من أجل القيام على البيت العتيق، ولكنها اضطرت إلى التخلى عن سدانة الكعبة لخزاعة، ولم يبق لها من الشئون الدينية الخالصة المتصلة بالحج إلا ثلاثة هى إجازة عرفات، وإضافة المزدلفة، وإجازة منى، وظلت الأسر المضرية تتولى ذلك أيضاً بعد التقسيم الجديد الذى أجرته قصى (انظر ابن خلدون: العبر، جـ 2، ص 333 , 335؛

اليعقوبى، كتابه المذكور، جـ 1، ص 274). وكذلك تولت مضر فى ظل كندة منصب التوقيت الخطير - Spren) (Geogr: ger , ص 225). وكانت النصرانية منتشرة بين ربيعة فى أيام النبى [- صلى الله عليه وسلم -]، أما مضر فقد بقيت مستمسكة أكثر من ربيعة بشعائرها الوثنية القديمة، وكانت أقل من قبائل التخوم تأثراً بسلطان الآرامية ("وربما كان هذا بعض السبب فى الوحشة التى دبت بينها وبين ربيعة": Welhausen Reste ص 231). وكان رجب هو الشهر المقدس عند مضر (ومن ثم رجب مضر؛ انظر Wellhausen , الكتاب المذكور، ص 97؛ وثمة تعليل عجيب لذلك ذكره ابن المجاور وأورده Spren- Mohommed: ger جـ 3، ص 403)، كما كان رمضان هو الشهر المقدس عند ربيعة (الدمشقى: نخبة الدهر، ترجمة مهرن Mehren، ص 403) ونستبين من مناسكهم فى الإحرام أن جميع ربيعة وكثيراً من قبائل مضر بما فى ذلك حلف رباب كانت تابعة للحلة (اليعقوبى، كتابه المذكور، جـ 1، ص 98)، . ونجد فى الدمشقى (كتابه المذكور، ص 385) ذلك الرأى الفريد الذى يقول إن القبط هم سلالة ربيعة أو تغلب الذين هاجروا إلى مصر طلباً للقوت. وتفخر مزينة بأنها أول قبيلة مضرية دانت للنبى [- صلى الله عليه وسلم -] بالولاء (كان ذلك فى زمن متقدم يرجع إلى سنة 5 للهجرة فيما يقال؛ sprenger، المصدر المذكور، جـ 3، ص 201). وفى سنة 8 هـ حطم خالد بن الوليد صنم العَّزى فى نخلة، وهو الصنم الذى كانت تعبده قريش، وكنانة، و"جميع مضر" (الطبرى، جـ 1، ص 1648). وفى عام الوفود (9 هـ) دخلت فى الإسلام عدة عشائر كبرى من مضر وربيعة مثل تميم، وثقيف، وعبد القيس، وبكر بن وائل، ولكن هذا لا يعنى أن جميع بلاد العرب الوسطى قد خضعت للإسلام. وشاهد ذلك ما أبداه وفد عبد القيس للنبى [- صلى الله عليه وسلم -] من حسرة بقولهم "إنا لا نستطيع أن نأتيك إلا فى الشهر الحرام وبيننا وبينك هذا الحى من كفار مضر" (Sprenger: المصدر المذكور، جـ 3، ص 374؛ قارن ص 301؛ تعليق 1). وقد ذكر فى حوادث عام 11 هـ ما قاله أتباع مسيلمة الكذاب: "ولكن كذاب ربيعة أحب إلينا من

صادق مضر" (وربما كانت الرواية الأخرى التى تقول "أحب إلينا من كذاب مضر" أحسن من الرواية الأولى: الطبرى، جـ 1، ص 1936 وما بعدها؛ وربما كانت هذه الرواية أقدم ما يبين عن الخلاف بين ربيعة ومضر). وحدث فى السنة نفسها أن "ربيعة" فى البحرين ولت عليها ملكا من أهلها، ولا يمكن أن يكون المقصود بربيعة هنا سوى قبيلتى قيس بن ثعلبة وعبد القيس (الطبرى، جـ 1، ص 1960, البلاذرى: فتوح البلدان، ص 83 وما بعدها). ويرد ذكر قبائل ربيعة ومضر منذ هذا التاريخ بوصفهما من الكتائب ذات الشأن فى الجيوش الإسلامية. على أن الروايات تبالغ فى ذكر عددهم مبالغة مشكوكا فيها (انظر Annali: Caetani حوادث سنة 12 هـ، الفصل 188 تعليق 5). وقد باغت المثنى عند فتحه السواد سنة 13 هـ ربيعة وقضاعة مجتمعين فى سوق الخميس، وكانت لا تزالان خاضعتين للساسانيين (الطبرى، جـ 1، ص 2202 وما بعدها). وبعد ذلك بخمس سنوات أنفذ جيش كبير إلى الرقة ونصيبين وبدو ربيعة وتنوخ (ابن خلدون: العبر، المجلد 2، جـ 2، ص 107 وما بعدها). وليس ثمة ما يدعونا إلى تتبع تاريخ ربيعة ومضر فيما بعد، ذلك بأنه يتضح مما سبق أن هذين الاسمين إنما يعرف بهما عشائر قليلة، ولا يطلقان على جميع هذا الحلف من القبائل كما ذهب إلى ذلك علماء الأنساب. والأغلب أن الاسم ربيعة يقصد به بكر وتغلب فحسب أو واحدة منهما فقط. ونجد أحياناً جميع قبائل ربيعة داخلة فى مضر (العقد، جـ 2، ص 39، س 30)، وهذا يزيد فى أسباب البلبلة والاضطراب. وترد بعض الروايات مبدأ هاتين القبيلتين إلى تاريخ موغل فى القدم، فيتعذر علينا أن نقطع بوجودهما فى هذا التاريخ، أو يحملنا ذلك على القول بأن وجودهما فى تلك الأيام يعد كما هى الحال بالنسبة لمعد ونزار ضربا من الانتحال. وقد بين لنا كولدسيهر (. Muh. Stud. جـ 1، ص 94 وما بعدها) أن العداء بين عرب الشمال وعرب الجنوب ترد أصوله إلى المنافسة بين قريش والأنصار، وهو يرى أن الحروب الأولى التى نشبت بين معد واليمن من إبداع

المصادر

مخيلة المتأخرين. ويقول: "معد ومضر إنما هما الندان للأنصار" فلما اشتدت العداوة بين القبائل بفعل التطورات السياسية وعقب وقعة مرج راهط انتشرت نزعة عقد الأحلاف انتشاراً كبيراً، وانتهى الأمر بأن انضمت تميم وقيس إلى حزب مضر الكبير. أما أزد فقد إنحازت إلى سائر اليمنية الذين دخلت فيهم ربيعة (بكر) بخراسان، ثم انضمت إليهم قضاعة الشآمية (كلب) آخر الأمر (Das arabische: Wellhausen , Reich ص 44 وما بعدها). وأما أثر هذه الثنائية، بين مضر (تميم وقيس) واليمن (أزد ربيعة) التى غطت على سائر العصبيات وكانت المحور الذى يدور عليه العالم العربي كله فقد تناولنا خطوطها العريضة المصادر: (1) المعاجم العربية، والكتب العمدة فى الأنساب. (2) Register & Ta-: F. Wustenfeld bellen الحروف من A إلى Z. (2) ابن دريد: كتاب الاشتقاق، طبعة فستنفلد، كوتنكن، 1854، وخاصة ص 189 - 216. (3) القلقشندى: نهاية الأرب فى معرفة أنساب العرب، بغداد 1332 هـ ص 215 - 218، 340، 345 وما بعدها. (4) السويدى: سبائك الذهب فى معرفة قبائل العرب، بومباى 1296 هـ (طبعة حجرية) ص 20 وما بعدها. (5) ابن عبد البر: الإنباه على قبائل الرواه، القاهرة 1350 هـ، ص 64، 96 - 100. (6) Wohnsitze und: Wustenfeld Wanderungen der arabischen Stamme Abh. Ges. Wiss. Gottingen في ج 14, 1868 - 1869 م، ص 107، 136 وما بعدها , 161 وما بعدها؛ 167 وما بعدها، 169 وما بعدها. (7) فهارس الطبرى والبلاذرى، والمسعودى (مروج)، وكتاب الأغانى، والنقائض (طبعة بيفان). (8) Handbook: wensinck , مادة الوفود. (9) ابن خلدون: العبر، بولاق 1284 هـ، جـ 2، ص 298 - 338. (10) ابن عبد ربه: العقد الفريد، القاهرة 1316 هـ، وخاصة ب 2، ص

37 - 47، 263 - 267؛ جـ 3 ص 256 وما بعدها. (11) البتنونى: الرحلة الحجازية، القاهرة 1329 هـ، ص 25 وما بعدها. (12) Die alte Geo- A. Sprenger graphie Arabiens: برن 1875 م، ص 216، 225. (13) المؤلف نفسه die Lehre des Mohammad ,Das Leben und برلين 1865؛ جـ 3، ص 138 وما بعدها، 201، 301، 374. (14) Reste arbischen: J.Welhausen Heidentums, برلين 1897 م، ص 97، 231، 245. (15) Geschichte der: Th. Noldeke -Perser and Araber zur Zeit der Sasanid- en، ليدن 1879، ص 46، 203، 310 وما بعدها، 330. (16) المؤلف نفسه فى Zeitschr der Deutsch. Morgenl Gesells جـ 40، 1886 م، ص 178. (17) Essai sur: Caussin de Perceval .. .L 'histoire des Arabes . باريس 1847 - 1848، جـ 1، ص 110، 116، 185_ 194، 218 - 221، 240، 348 ج 2، ص 259 - 394 فى مواضع مختلفة. أما عن ربيعة ومضر فى عهدهما المتأخر فانظر: (18) Muhammedaniscke: I. Goldziher؛ Studien، هال 1888 - 1890, جـ 1، ص 80، 83 وما بعدها,92 - 98، 180، 206، 268. (19) Der Islam im Mor-: A. Muller . gen - and Abendland برلين 1885 - 1887، وخاصة جـ 1، ص 316، 346، 337، 445، 451 وما بعدها. (20) Die politischen: wellhausen Opposition Spartien؛ religios فى Ges. Wiss. Gott . جـ 5، 1901 م، ص 6، 23 , 58، 83. (21) المؤلف نفسه: Das arabische .Reich und sein Stur برلين 1902، وخاصة ص 43 وما بعدها ,122, 130 وما بعدها، 156 , 163، 196، 205، 242 وفصل 8، 9 فى مواضع مختلفة. خورشيد [كندرمان H. Kindermann]

الرجز

الرجز بحر من بحور الشعر العربي؛ ومعناه لغة "الخفق والاضطراب" (انظر مثلا لسان العرب، جـ 7، ص 218 فى منتصفها؛ Darstellung der Ar-: Freytag abischen Verskunst ص 135)، ثم أطلق على هذا البحر من الشعر، لأنه قد يجتزأ فيه بالتفعيلتين تكرران مرتين، فيصبح أشبه بالرجزاء، وهى الناقة يضطرب عجزها لضعفها عند النهوض من مبركها، ويذهب آخرون من لغويى العرب إلى أنه من "الرجازَة"، وهى ما عدل به ميل الحمل (السهيلى على هامش ابن هشام، طبعة فستنفلد، جـ 1، ص 171 س 10؛ المصدر نفسه، جـ 2، ص 58 فى أسفلها). وخير الآراء فيما يبدو لنا ما ذهب إليه نولدكه (Kunde: Noldeke Wiener Zeitschr.fur die des Morgenlandes جـ 10، 1896، ص 342) من أن الرجز شئ من الصلصلة (أي تلك الصلصلة التى تصحب الهجاء، وهو الغرض الشعرى الذى كثيرا ما استخدم فيه هذا البحر فى الجاهلية). ويخالف آلفارت Ahlwardt هذا الرأى بعض المخالفة فيقول فى مقدمته على ديوانى الرجازين العجاج والزَفَيان اللذين قام بنشرهما (برلين 1903، ص 36 فى أسفلها) إن الرجز هو "تصويتات انفعالية" (" rickweise Ausserung"). أصل الرجز وتطور أشكاله: أخذ العرب الرجز من الهزج وجعلوا مكانه السابع بين البحور المأثورة عن العرب، وحملوا عليه العروض ذا التفعيلتين المكررتين مع حذف ثانى السبب الخفيف الأول من التفعيلة الأولى (وكان هذا على الأقل هو القاعدة فيه)، ومعنى هذا جعل المقطع الأول المكون من سببين خفيفين متصل النطق غير مقطوعه بالسكون الأول. وتؤيد بحوث المحدثين هذا الرأى الأخير. وقد ذلل كيير R. Geyer فى مقدمة كتابه AL tarabische Diiamben (ص 7 - 10) مستشهداً بشواهد جمة على أن أكثر ما ورد من الرجز هو هذا النوع ذو التفعيلتين (- 5 - 5 - 5 -

- 5) كما يرد (¬1) على هذه الوجوه (-5 - 5 - 5 و- - -5 - 5، بل و- 5 - 5، وهى حقيقة فطن لها العرب تماماً). ولكن العرب لسوء الحظ لم يشيروا فى وضوح إلى مكان القطع stress من هذه التفعيلات، ذلك أنه لم تكن لديهم فكرة عن الحركة tone والقطع stress فى العروض والنحو جميعاً. ويذهب هارتمان (M.hartmann: Meturn und Rhythmus ص 22) إلى أن القطع الرئيس (ويسميه هارتمان hauptton) يقع على المقطع الأخير، بينما يقع القطع العرضى على المقطع الطويل قبل الأخير. وعلى أية حال فإن التفعيلة "مستفعلن" (أو ما يقوم مقامها) كان لزاماً أن تتكرر فى رأى العرب ست مرات لتعطى الصورة الأصلية لبحر الرجز. ويُشك كثيراً فى أن يكون ما ذهبوا إليه من ذلك هو الصواب. فليس فيما أورده أبو تمام، من شعر فى حماسته، رجز سالم acatalectic، وإن كان هذا النوع قد ورد مرة واحدة فى حماسة البحترى (طبعة شيخو، المقطوعة رقم 998 لقعنب بن ضمرة الغطفانى) (¬2). وشواهد الرجز التام فى " دوواين الشعراء الستة الجاهلين" إما موقوفة Catalectic مثل الأبيات المنسوبة إلى طرفة (رقم 4، ص 184 من طبعة آلفارت)، والأبيات المنسوبة إلى امرئ القيس (رقم 53، المصدر نفسه، ص 154 وما بعدها) - وثانية التفعيلتين فى أبيات امرئ القيس حذاء، أى أنه قد حذف من آخرها وتد مجموع- وإما ذات زيادة hypercatalectic مثل قصيدة امرئ القيس التى تلى ذلك. ونجد فى شعر المتأخرين أيضاً أن الرجز ذا التفاعيل الست الذى يقال إنه هو الأصل فى بحر الرجز، ونعنى به الرجز الطويل السالم actalectic نادر، وأن نوعية الموقوف ctalectic وذا الزيادة hypercatalectic أكثر ندرة. وشاهد ذلك أن القالى لم يورد فى أماليه من الرجز ¬

_ (¬1) هذا النوع ذو التفعيلتين المكررتين هو الذى نقصده بعد كلما أشرنا إلى "تفاعيل" الرجز. (¬2) درس كرنكوف ألفاظ هذا الشاعر (كما تسمح) بذلك المقطوعة الوحيدة الباقية من شعره فيما بلغ إليه علمنا وقد تفضل فأنبأنى بأنه أنتهى إلى أن قعنب كان من شعراء الصدر الأول للإسلام.

الطويل غير مثالين (طبعة القاهرة 1344 هـ = 1926 م، جـ 1، ص 180؛ جـ 2، ص 127) يرجع زمنهما إلى القرن الثالث الهجرى. وقد استعمل الوأواء الدمشقى، وهو رجل تقدمى فى الشعر، هذا النوع من الرجز فى ديوانه مرة واحدة. وذهب كراتشكوفسكى Kratchkovsky إلى أن وفاته كانت فى أوائل القرن الرابع للهجرة، وأيد هذا بأسباب وجيهة (الديوان، المقدمة ص 48 فى أعلاها، مقطوعة رقم 107)، كما استعمل أبو العلاء الذى جاء بعد الوأواء بجيل (363 - 449 هـ = 973 - 1058 م) هذا الرجز مرة واحدة فى شعر شبابه (سقط الزند، بولاق 1286 هـ جـ 1، ص 89). وإلى جانب الرجز ذى التفاعيل الستة نوع من الرجز ذو تفاعيل أربع سالمة، ويسميه العرب مجزوء الرجز (freytag، المصدر السابق، ص 231 وفى الأمالى ثلاثة شواهد عليه، وربما كان أحدهما (جـ 1، ص 63 وما بعدها) من الشعر القديم. أما الشاهدان الآخران (جـ 2، ص 231 وما بعدها) فواضح أنهما يرجعان إلى القرن الثالث الهجرى (التاسع الميلادى). ويرى كراتشكوفسكى (المصدر السابق، ص 121 فى أعلاها) أن هذا النوع وحده هو الذى استعمله عمر بن أبى ربيعة المتوفى فى أواخر القرن الأول للهجرة. ومن شعر أواخر العصر الأموى وأوائل العباسى أبيات حماد عجرد الواردة فى الأغانى (جـ 13، ص 83). ومن شعر العصر العباسى الأول أبيات أبى العتاهية الواردة فى ديوانه (طبعة بيروت 1909 م، ص 343 - 307). ويوجد شاهد واحد من هذا النوع أيضاً فى خمريات أبى نواس، وثلاثة عند الوأواء (المصدر السابق، أرقام 206، 222، 247). وجميع هذه الشواهد من الرجز السالم acatalectic ذى التفعيلات الأربع. ويبدو بعضها كأنه من الموقوف catalectic كأبيات سلم الخاسر فى عاصم بن عتبة (الأغانى جـ 21، ص 115) وكأبيات مسلم بن الوليد (الديوان، طبعة دى غوى، رقمى 26، 37 وكلها منظومة على وزن- 5 - 5

- 5 - 5 - 5 - 5). بيد أن العروضيين العرب يدخلونها إجمالا فى "المنسرح" Darstellung: Freytag r، ص 255 وما بعدها) ولا نجد مندوحة من التسليم بهذا الرأى إلى حين مادمنا لا نعرف أتأثر هؤلاء العروضيون بمؤثرات خلاف المد والقصر- ولو عن غير قصد منهم- وقد تكون هذه المؤثرات هى الحركة tone والقطع stress وحتى لو لم نأخذ برأى الِعروضيين العرب فى قولهم بأن مثل هذه الأبيات من الرجز، فإن عدد الشواهد من الرجز السالم ذى التفاعيل الأربع سيظل قليلا جداً. وأشكال الرجز التى كانت مدار حديثنا إلى الآن إنما تتفق قافية أبياتها الكاملة ذات المصراعين، بخلاف البيت الأول الذى يكون عادة مصرعا. ومع هذا فإن الأكثر شيوعاً من ذلك، حتى فى الشعر الجاهلى، أن تكون الأبيات كلها مصرعة، وعلى هذا نعد المصاريع (أى أنصاف الأبيات) أبياتاً قائمة بذاتها. ويظهر أن هذا الشكل من الرجز يعد عند كثير من العروضيين رجزا (انظر لسان العرب، جـ 7، ص 217 - س 10 - 11 من أسفل: "الرجز بحر من بحور الشعر معروف ونوع من أنواعه يكون كل مصراع منه منفرداً")، والقول الذى سبق أن ذكرناه من أن الرجز من الرجازة يمهد فيما يظهر لهذا الرأى. والقاعدة فى مثل هذه المصاريع أن تكون من تفعيلات ثلاث، ويجوز أن تكون من اثنتين أو حتى من واحدة فقط. وهذا الشكل الأخير يعد من الشعر تجوزاً، وقد جرى فى شعر بعض الشعراء. أما النوع الأول فيقال إن سلما الخاسر نظم فيه قصيدة قالها فى موسى الهادى، ولا تزال هذه القصيدة مروية (Abhandlungen zur: Goldziher arab Philologie، جـ 1، ص 121). والراجح أن الرجز ذا التفعيلة الواحدة كان دائما من النوع السالم acatalectic ويلزم على قول العروضيين أن يكون الرجز ذا التفعيلتين والثلاث رجزاً سالما أيضا، أو قل إنهم على أيسر تقدير قد أنكروا فيما يظهر أن يكون الرجز الموقوف catalectic من هذا النوع

(انظر محمد بن شنب: تحفة الأدب، ص 46 وما بعدها؛ شرح التبريزى على الحماسة لأبى تمام، ص 798 القصيدة التى قافيتها ن؛ المصدر نفسه ص 801؛ القصيدة التى قافيتها ب؛ ص 802: القصيدة التى قافيتها شِ؛ ص 808: القصيدة التى قافيتها يره؛ ص 809: القصيدة التى قافيتها هـ وكلها من ذوات التفاعيل الثلاث، ويعدها التبريزى من السريع! . ولكننا سبق أن وجدنا عند الرجازين الأقدمين عدداً لا بأس به من القصائد ذات الضرب الموقوف catalectic والتفاعيل الثلاث، ومن الواضح أنها من الرجز. وعندما تتعاور القصيدة الواحدة أبيات موقوفة وأخرى سالمة فليس ثمت ما يدعو الى الشك فى أنها كلها من الرجز، كما هو الشأن فى مخمسة أبى نواس التى سنعرض لها بعد، أو المنظومات التعليمية المتأخرة التى من طراز الألفية. أما الأبيات ذات التفعيلتين كتلك التى لهند بنت عتبة والتى يسلكها محمد بن شنب (المصدر نفسه، ص 66) فى منهوك المنسرح، على حين يسلكها روكرت Ruckert (ترجمة الحماسة ص 196. إضافة إلى رقم 161) فى مشطور (ولابد أنه يقصد منهوك) السريع، فيظهر حقا أنها من الرجز الموقوف، وهى تطابق قصيدة الأمثال لأبى نواس التى سنعرض لها بعد قليل (مع اختصار التفعيلة الثانية بحذف وتد مجموع منها، أى من نفس البحر الذى نظمت به المرثية القديمة التى نقلها جولدسيهر Goldizher: Abhandlungen ص 76 وما بعدها عن الأغانى، ج 10، ص 29 وقصيدة أبى العتاهية التى عارض بها أبا نواس (بزيادة حرفين على آخر كل مصراع). وجنح عروضيو العرب إلى جعل الصور القصار أقساماً من الرجز الكامل ذى التفاعيل الست (على اختلاف كثير فى تفصيلات يمكن تعرف دقائقها بالرجوع إلى Freytag: المصدر نفسه ص 234 - 236) فأطلقوا "مشطور الرجز " على الصراع ذى التفاعيل الثلاث، و "منهوك الرجز" على ذى التفعيلتين و "مقطع الرجز" على ذى التفعيلة الواحدة (ويقال إن هذا الاصطلاح الأخير قد استحدثه الجوهرى؛ انظر ابن رشيق: العمدة فى

جولدسيهر، المصدر نفسه ص 121). ومع ذلك فالواقع أن هذه الأنواع القصار- مع استثناء المقطع- كانت أكثر شيوعاً فى الأزمان الأولى، ومن الواضح أنها كانت أيضاً أقدم من البيت الطويل الكامل ذى التفاعيل الست. فمثلا الأبيات المنسوبة الى عنترة فى الفخر (الكنز الثمين، ص 180، رقم 12 = ابن قتيبة: كتاب الشعر، طبعة دى غوى، ص 131 فى أعلاها، وهى على تفعيلتين)، والأبيات التى قيل إنها أول ما صنع طرفة (المصدر السابق، ص 185، رقم 11، وهى على ثلاث تفاعيل؛ انظر ابن قتيبة: المصدر المذكور آنفاً، ص 90؛ والكلام عن نسبتها وارد فى الحماسة، جـ 1، ص 343)، بل ومقطوعتا الهجاء اللتان جاءتا على لسانى بنتى فند تهيجان بهما بكرا على تغلب (شَرح التبريزى على أبى تمام، طبعة Freytag ص 254؛ Noldeke: Delectus ص 47، س 1 - 3؛ وانظر أيضاً ابن هشام طبعة فستنفلد، جـ 1، ص 652 حيث نسبت الأبيات إلى هند بنت عتبة)، هذه كلها أقرب بلا شك إلى الحوشية من الأبيات ذات المصراعين والتفاعيل الست. ونجد طابع القدم واضحاً فى المقطوعة الأولى من أبيات الهجاء هذه، لأن الأبيات الثلاثة الأولى منها على تفعيلتين، على حين أن المقطوعة الثانية على ثلاث تفعيلات، وهو أمر لا يمكن أن يصدر عن شعراء العصر الذى يليه ويستطيع المرء أن يزعم، مخالفاً فى ذلك عروضى العرب، أن الأبيات ذات المصراعين والتفاعيل الست قد نشأت عن الأبيات القصار، أى ذات المصراع الواحد، وليس الأمر بالعكس. أما إذا أخذنا بمذهب العرب فإننا نجد لزاما علينا أولا وقبل كل شئ أن نفسر: لم لم يجعلوا المصراعين الأول والثالث من الثلاثية مستقلين بعضهما عن بعض فى الأعاريض الأخرى أيضا. وإذا صح أن شيئا من هذا وقع شذوذاً فى دواوين الشعراء الستة الجاهلين (ص 133, رقم 28، فى القصيدة المعروفة بقصيدة القطاة لامرئ القيس والتى من بحر الكامل، أو القصيدة التى على بحر الهزج الواردة فى هذه الدواوين أيضاً، ص 206، رقم 31، والواردة فى الأمالى، طبعة القاهرة 1344 هـ = 1926، جـ 1، ص 42 فى

أعلاها وهى منسوبة كذلك لامرئ القيس؛ انظر إلى ذلك Arabic: Wright Grammar، جـ 2، الفقرات 212، 219، 220 عن بحور المضارع والرمل والمديد) فإن ذلك بطبيعة الحال لا يعنى من الأمر شيئا، بل هو فى الأكثر يدل على أن الأبيات ذات المصراع الواحد من هذين البحرين كانت أسبق فى التطور إلى أبيات ذات مصراعين وتفاعيل ست من أبيات الرجز ذات المصراع الواحد. وحتى فى الأمثلة السابقة التى قيل إنها من "مشطور السريع" و "منهوك المنسرح" فإنا تنتهى رغم ذلك كله إلى التساؤل لم لا تكون حقا من الرجز. ثم إن بحر الطويل الذى لم يقل فيه الوأواء إلا مقطوعة واحدة (الديوان، رقم 143) اجتزأ فيها بأربع تفاعيل دون ثمانية، هو فيما يبدو من بدع هذا الشاعر. على أن وجود هذه الأبيات ذات المصراع الواحد والأبيات ذات التفاعيل الست جنبا إلى جنب لا يعنى بحال أن مجال الكلام فى تطور شكل الرجز قد فرغ منه. ففى أوائل الدولة العباسية، وليس قبل هذا، نشأ ضربان جديدان، بفعل ما ساور الناس من ملل لكثرة ترديد أبيات رجزية ذات مصراع واحد، أو بفعل مؤثرات خارجية: الأول منهما كان بتقفية المصراعين على قافية واحدة، والثانى، وهو أندر، كان يجعل كل خمسة مصاريع فى المقطوعة على قافية واحدة، وبهذا وجدت المقطوعات ذات البيتين والخمسة. وأطلق على الأولى "المزدوجة" (وقد وجدت فى عهد حمزة الإصفهانى، كما وردت فى كتاب الأغانى)، وأطلق على الثانية "المخمسة" وفى كتاب الأغانى (جـ 13، ص 74 فى منتصفها) حديث لأبى نواس ينسب إلى حماد عجرد (المتوفى قبل عام 167 هـ- 873 م) شعراً مزدوجا (فى النص: مزاوج) بيتين بيتين. ويظهر أن هذه الأبيات المزدوجة، ولعلها أول ما قيل فى هذا النوع، قد ضاعت لسوء الحظ. وأقدم ما وصل إلينا من شواهد المزدوجات ما نظمه منها أبو العتاهية وأبو نواس، فنحن نجد فى النسخة المطبوعة لديوان أبى العتاهية (بيروت

1909 م، ص 361 - 364) مزدوجة من مصراعين موقوفين على ثلاث تفعيلات، كما نجد فى القسم الأخير من نسخة حمزة لديوان أبى نواس التى لم تطبع بعد مزدوجتين من مصراعين مقفيين، ويقال إن الأولى لأبى نواس والثانية معارضة لها صنفها أبو العتاهية. والظاهر أن بشار بن برد (المتوفى عام 167 هـ = 783 م) هو أول من استعمل التخميس وفقاً لما ذكره فريتاج (Darstellung: Freyrag ص 411) بيد أن مختارات شعره التى جمعها الخالديان (طبعة محمد بدر الدين القاهرة 1353 هـ = 1934 م) لم يرد فيها ولا فى كتاب الأغانى شئ من ذلك. ومع هذا فعندنا فى نسخة حمزة لديوان أبى نواس التى ذكرناها آنفاً قصيدة تنسب له، وربما كان الشاعر قد صنعها حقا، وهى مخمسة طويلة كل مقطع فيها من خمسة مصاريع من الرجز ثلاثى التفعيلات، وجاء بعض مقاطعها موقوفا وبعضه الآخر سالما. ولا يضير هذا سعة البحر. ومع أن إيفالد Ewald قد قارب الصواب حين قال فى مؤلفه (De metris carninum ar) إن جميع بحور العرب التقليدية يمكن أن ترد إلى الرجز فإن هارتمان Hartmann M. قد استطاع أن يثبت أن ما لا يقل عن خمسة وعشرين بحراً من البحور المستحدثة تمت بجلاء إلى الرجز (Actes du 10 eme Congres des Orienatalistes جـ 3، قسم 3، ص 56 وما بعدها) أغراض الرجز: يقول ابن قتيبة فى مصنفه "طبقات الشعراء" مادة "الأغلب (بن جشم) الراجز": كان الرجز فى العصر الجاهلى إنما يقول الرجل منه البيتين أو الثلاثة إذا "خاصم أو شاتم أو فاخر". والواقع أن أقدم قصائد الرجز التى بقيت هى قصائد قصار فى الحماسة كالتى ذكرناها لابنتى فند ومفاخرة عنترة. والرجز يستعمل فى غرض آخر هو الرثاء، وهو كما يقول جولدسهير Abhandlungen: Goldziher جـ 1، ص 77) يحل محل "السجع".

والحق أن جولدسهير قد تجاوز القصد بقوله إن الرجز نشأ عن السجع بعد إخضاعه للميزان العروضى metrische") ('Disciplinierung . وربما كان الأمر كذلكُ، وقد يعترض عليه بأن أى وزن من الأوزان يمكن أن ينشأ عن السجع أيضا لا لشئ إلا لأنه مفتقر إلى الميزان العروضى. ومهما يكن من شئ فإن الرجز لم يقتصر على الحماسة وما يشبهها وقتا طويلا، فقد أصبح يستعمل فى شعر المناسبات كمقطوعة الصيد لطرفة التى أشرنا اليها، وفى وصف الأيام، والرثاء، كما استعمل بصفة خاصة فى المديح والفخر والأمثال الموجزة الحكمية (انظر قصائد الرجز فى حماسة البحترى) على أننا نجد أن للرجز شأنا جد يسير فى هجاء البلغاء فأنت لا تجد مثلا قصيدة واحدة من شعر الرجز فى حماسة أبى تمام فى القسم الخاص بالهجاء، كما أن جريراً والفرزدق لم يستعملا هذا الوزن الحماسى القديم كثيراً كما كان المرء يتوقع منهما. ومهما يكن من شئ فإن مجال استعمال الرجز قد اتسع اتساعاً كبيراً بالقياس إلى ما كان عليه فى العصر الجاهلى. بيد أن الراجز ظل يقتصر على أبيات قليلة يغلب عليها الارتجال. وليس من شك فى أن عادة الارتجال فى الرجز هى السبب فى أننا نجد بين الحين والحين أخطاء نحوية فى هذا الوزن مثل "ثنْتا حَنْظل" (حماسة أبى تمام، ص 801) أو حذفا شاذا لبعض الكلمة مثل رُبْ (وصحتها رُبْ) فى دواوين الشعراء الستة الجاهلين، ص 133، قصيدة رقم 28 لامرئ القيس) أو نعثر على "التقاء الساكنين" غير الجائز فى آخر الأبيات التى أوردها لسان العرب (جـ 11، ص 348). وروى ابن قتيبة (المصدر السابق ص 389، وقد نقل عبارته آلفرت قبل ذلك فى Bemerkungen ص 19) أن الأغلب بن جشم شاعر جاهلى إسلامى، وهو أول من شبه الرجز بالقصيد وأطاله. ونجد فى النصف الثانى من القرن الأول الهجرى شاعراً آخر عنى باقتفاء أثر الأغلب، هو العجاج التميمي،

ثم تلاه ابنه رؤبة الذى أدرك بداية العصر العباسى (توفى عام 145 هـ = 762 م). وقد أنشأ هذان الشاعران وغيرهما طائفة كبيرة من شعر الرجز يمكن أن توازن حقا بالقصائد الطوال التى على البحور الأخرى (انظر مدح رؤبة للسفاح الخليفة العباسى الأول الذى يبلغ مالا يقل عن أربعمائة مصراع). وهى من حيث الشكل إنما تمتاز عن القصائد الأخرى بوزنها (ومن ثم عرفت القصيدة من الرجز بالأرجوزة) وبالإكثار من مهجور اللفظ (والراجح أن ذلك يرجع إلى تعدد لهجات القبائل) وبتقفية جميع المصاريع. أما الغرض الشعرى فهو بعينه الذى يطرقه الشعراء فى القصائد التى على الأوزان الأخرى. على أن الشهرة الواسعة التى كسبها العجاج ورؤبة وغيرهما من الرجازين لهذا البحر الذى كان أثيراً لديهم لم تدم طويلا. فنحن نجد فى أوائل العصر العباسى اتجاها ملحوظا نحو التخصص فى استعمال هذا البحر، فبينما نراه فى الجاهلية وصدر الإسلام البحر المستعمل فى الحماسة، فإنا نراه يستعمل بعد ذلك فى القصص، والوصف، والتعليم خاصة. فالشاعر ردينى بن عبس الفقعسى يصف فى المقطوعة رقم 1434 من حماسة البحترى حادثا له مع تاجر من التجار، كما أن مخمسة أبى نواس التى أشرنا إليها آنفا فيها شئ من صفات الأغانى الفكهة. والشاعر يروى لنا فيها كيف أغراه وسيط على الزواج فوقع فى مأزق حرج. ويستعمل أبو نواس أيضا الرجز ذا المصراع والقافية الواحدة سواء أكان موقوفا أو سالما فى طردياته خاصة، وبعضها قصص والبعض وصفى. ولم يقف استعمال الرجز عند هذه الأغراض الشعرية بل تعداها إلى شعر المناسبات بجميع أنواعه. ومعظم مقطوعات الرجز التى صنعها الوأواء من هذا القبيل (انظر الشواهد على ذلك فى الكتاب السابق ذكره، ص 130 وما بعدها).

والذى حدث آنئذ أن المزدوجات من الرجز ذى المصراع الواحد قد اقتفت أثر البحور الأخرى وسايرتها، فتولد منها جميعا الأساس العروضى للملحمة فى نطاقها الواسع، أو قل إنها أعانت العرب فى جهودهم الصادقة التى بذلوها فى هذا السبيل. وإذا كانت هذه الجهود لم تلق نجاحا كبيرا، فإن ذلك لم يكن على التحقيق خطأ هذا البحر. ونحن نذكر فى هذا الباب القصيدة (فى 419 بيتا من المزدوج) التى قالها ابن المعتز المتوفى عام 296 هـ (908 م) فى الخليفة المعتضد (- zeitschrift, der Deuts chen Morgenl, Gesellschaft, العدد 40، ص 564 وما بعدها؛ العدد 41، ص 232 وما بعدها) والقصيدة (فى 446 بيتا من المزدوج) التى أشاد فيها ابن عبد ربه المتوفى عام 328 هـ (940 م) بغزوات عبد الرحمن الناصر الأندلسيّ الأموى (العقد، فى آخر كتاب "العسجدة الثانية"). وهاتان الأرجوزتان تتفاوتان فى أسلوبهما بين الأخبار المنظومة والمديح، والأرجوزة الثانية ضعيفة الصلة بالشعر فى معناه الرفيع. وهذا يصدق بصفة خاصة على المقطوعات التعليمية التى يخطئها الحصر والتى اصطنع لها الرجز، بل إنا لنلاحظ كثيراً فى شعر الرجز المتقدم كلفاً بالإيجاز، كما أن مزدوجات أبى نواس وأبى العتاهية المشار إليها آنفاً من ذوات التفعيلتين أو الثلاث هى فى واقع الأمر مجمع للأمثال. وازداد الأمر سوءاً عند ما تشبث المعلمون بالرجز مساعدة للطالبين على حفظ شتى الموضوعات. ومع أن الناس لم يهملوا البحور الأخرى كل الإهمال، فإنهم كانوا يستعملون الرجز، وبخاصة المزدوجات ذات المصراع الواحد، كلما أرادوا نظم آية موضوع من موضوعات العلم. وخير شاهد على ذلك ألفية ابن مالك فى النحو العربي، ومقدمة الجزرى فى التجويد (انظر هذه المادة؛ Gesch. der. Arab. Litt.: Brockelmann، جـ 2، ص 202 فى منتصفها) وتحفة الحكام لابن عاصم فى فقة المالكية. ونجد شواهد أخرى فى كتاب بروكلمان المذكور (جـ 2، ص 96، رقم 29/ 1: الكلام والفقه، والتصوف؛ الكتاب نفسه: ص 141، س 2 - 4 "التوريث"،

المصادر

ص 142، رقم 5/ 11 "البلاغة" ص 179؛ فقرة 8/ 2 - 5 "الأوقيانوغرافيا" وكذلك عن تعيين القبلة وتقويم البلدان الخ ... ) ومجموعة المتون التى نشرها فى القاهرة سنة 1323 هـ مصطفى البابى الحلبى. على أن ثمة سؤالا مازال فى حاجة إلى جواب، ، هو كيف أن الرجز الذى استهدف إثارة العواطف، وكان أهلا لذلك كما يستدل من استعماله فى الأصل، قد انتهى إلى وزن خاص بالقصص والوصف والتعليم، بل قل إنه غدا بحق نظما ركيكا يستخدمه المعلمون فى حشو أذهان الطلاب؟ وعلة ذلك أن الرجز، بفضل مافيه من سعة عروضية، كان أيسر منالا من البحور الأخرى. على أننا نجد أولا أن هذا التحرر قد اصطنع أيضاً فى البحور الأخرى (Grammar: Wright Arabic جـ 2، فقرات 205، 216، بحور السريع والبسيط والمنسرح)، ونجد ثانياً أن الشعراء والعلماء الذين استعملوا الرجز فى أغراض سلمية لم يكونوا بحال هواة غير مجيدين، بل كانوا قوما يستطيعون أن يجيدوا تناول أوزان أخرى أكثر منه صعوبة. والسبب فى تفضيلهم الرجز يجب أن يلتمس فى ناحية أخرى، ولكن أين؟ ... نستطيع فى هذا المقام أن نفترض أنهم فضلوا هذا الوزن الذى يثير الانفعالات لأنه يشيع الحياة فى موضوعات لا تستهوى الناس أو قل إنها ميتة. المصادر: وردت المصادر فى صلب المادة، ونذكر إلى ذلك: (1) مقال كولد سيهر: Bemerkungen Zur Arabischen Trauerpoesie فى Weiner -Zeitschr. Fur die Kubde des Mor ,genlandes العدد 12 (1902 م). ص 307 - 339؛ وانظر بصفة خاصة. (2) الفصل الرابع من مقدمة كراتشوفسكى لطبعته لديوان الوأواء، 109 - 113، 116، 122، 130_131، وهذه الصفحات جديرة بالتنويه. وإنى لمدين بالفضل لـ كب Gibb لأنه لفتنى إلى هذا المصدر الأخير. يونس [شاده A. Schaade]

الرجم

الرجم رمى الحجارة. ومادة ر- ج- م أصلها سامى، وتوجد مشتقاتها فى "العهد القديم"، بمعنى "قتل مخلوق بغيض أو طرده برميه بالحجارة"، والـ "رجم" "الحجارة المجتمعة، أو جماعة الناس أو الصياح أو الصخب" ومعنى مادة ر- ج- م فى لغة العرب هو القتل بالرمى بالحجارة أو السب واللعن، والرَجْم الحجارة مجتمعة، وهو يدل أيضاً على الحجارة التى تنصب على القبور إما على هيئة علامات وشواهد منفردة، وإما على هيئة حجارة مجتمعة. وقد نهى الحديث عن نصب الرجَم فوق القبور، ويوصى بأنُ يْجَعل القبر فى مستوى سطح الأرض. وقد اخُتلف فى قول عبد الله بنُ مَغفل المزني: "لا تُرجِّموا قبرى"، فقيل معناه: لا تجعلوا عليَه الرَجم، وهو الحجارة، أراد بذلك تسوية قبره بالأرض وألا يكون مرتفعاً مُسنَّما؛ وقيل معناه: لا تنوحوا عند قبرى، أى لا تقولوا عنده كلامًا قبيحاً، من الرجم، بمعنى السب والشتم. ورمى الحجارة أو موضع رميها عند منى يسمى الجمرة. وقولهم "جمرات العرب"، مأخوذة من الجمرة، وهى القبيلة المجتمعة يداً واحدة، تقاتل من ناوأها ولا تنضم إلى أحد. وهنا نجد المعنيين القديمين لمادة ر ج م التى يمكن ردّها إلى مادة جـ -م، وهى فى العربية "جم" و"جْمع". وفقهاء اللغة العربية يرون أن "الجمرة" بمعنى مجمع الحصى مأخوذة من قولهم "جمرات العرب" وعلى هذا فيجب ألا يغرب عن بالنا خاصة المعنى المزدوج لكلمة "رجم" وكذلك تبدّل مكان الحروف من قولهم "جَمر" ألى قولهم: "رجم". وإلى جانب ماتدل عليه كلمة "الرجم" من حد الزنا برمى الزانى بالحجارة فهى تدل أيضًا على رمى الجمرات فى منى، وهو من الشعائر التى كانت موجودة قبل الإسلام، وأبقاها النبى (عليه الصلاة والسلام) وجعلها من مناسك الحج (¬1). ¬

_ (¬1) الحقيقة أن الحج ومناسكه ترجع، بحسب المأثور العربي الذى لاشك فيه، إلى دين إبراهيم عليه السلام. وكان هذا لايزال موجودا فى مكة، وإن كانت قد طغت عليه مظاهر وثنية. والإسلام يبنى على دين إبراهيم من حيث العقيدة ومن حيث بعض الشعائر. والمأثور العربي القديم والعربى الإسلامى أصدق فيما يتعلق بإبراهيم من غيره، وخصوصا أن الشطر الخاص بإبراهيم وإسماعيل كان لهما شأن فى جزيرة العرب غير موجود فى التوراة، وأسباب ذلك معروفة.

والقرآن لا يذكر هذا المنسك من مناسك الحج، وإنما ورد فيه فعل" "رجم" بمعناه فى العهد القديم، وهو رمى الكافرين للأنبياء بالحجارة، كما وردت فى القرآن كلمة "الرجيم" (= المرجوم) فى صفة الشيطان، بمعنى طرد الملائكة له ورجمهم إياه برجوم من نار، كما جاء فيه فعل "رجم" بمعنى مجرد يدل على تطور طويل فى دلالة هذا الفعل (¬1) (سورة "الكهف" آية 20، 22). ورمى الجمرات بالحصى فى منى قد نصت عليه الأحاديث فى كتب الصحاح، وهناك الحج الكامل، وهو حج النبى (عليه الصلاة والسلام)، وهو الذى نجده فى الكتب المختصرة فى "مناسك الحج" مثل "رسالة ابن تيمية" (قارن إبراهيم رفعت جـ 1، ص 89 ومابعدها). وبعض الأحاديث الأولى (مثل البخارى، كتاب النكاح ب 2 (¬2) وكتاب السَّلم ب 1، 2، والعمدة (¬3) جـ 8، ص 489) تدل على أن النبى (عليه الصلاة والسلام) كان لابد له أن يضع قواعد لمسألة "الوقوف"، وهو الركن الذى يكون به تمام الحج. فكان الُحْمس (¬4)، وهم قريش ومْن دان بينها يقفون فى جمع (المزدلفة)، فى الحرم. وكان سائر العرب يقفون بعرفات خارج الحرم (¬5). ولما كان لابد للنبى (عليه الصلاة والسلام) من أن يختار بين أصحابه الذين يرجعون إلى أصلين مختلفين، أعنى المهاجرين والأنصار، فإنه اختار مع الآخرين الوقوف بعرفة، ولكنه احتفظ بوقوف ثانوى فى المزدلفة، كما احتفظ بالإفاضتين، وهذا الجمع الجديد بين المناسك يتم برمى الحصى فى جمرة العقبة. ¬

_ (¬1) يقصد الكاتب فى الغالب الرجم بمعنى اللعن أو الطرد أو الهجر أو الرجم بالغيب ونحوها. (¬2) ليس فى البخارى في هذا الباب شئ فى الموضوع الذى يشير إليه الكاتب (¬3) المقصود عمدة القارئ فى شرح صحيح البخارى للعينى. (¬4) يسمون الحمس لأنهم تحمسوا فى دينهم وتصلبوا فيه وتشددوا. (¬5) هذا ما كان قبل الإسلام، فلما جاه الإسلام أمر الله نبيه عليه السلام أن يأتى عرفات ثم يقف بها يفيض منها. وعلى هذا يكون قد وقف حيث لا يقف أهل البلدة، وهم قريش، بل مع الحجاج الآتين من خارج مكة. راجع عمدة القارئ جـ 8، ص 489 أما ما يقوله الكاتب عن اختيار النبى بين أصحابه فهو من عند نفسه.

ولما كانت العقبة تقع فى بطن وادى منى، على الممر المنحدر إلى مكة، فإنَها ليست "من منى، بل هى حد منى من جهة مكة" (العمدة جـ 4، ص 770). وفى صباح يوم النحر يهبط الحاج فى الوادى، ويمضى دون أن يقف بالجمرة الأولى، وبعد 40 , 156 متراً يصل إلى الجمرة الوسطى، وبعد ذلك بـ 77، 116 متراً يصل إلى جمرة العقبة (راجع إبراهيم رفعت، جـ 1، ص 328). وهنا يرمى سبع حصيات، وهذا هو أحد المناسك الأربعة التى يقصد منها فى يوم النحر التحلل من الإحرام. ويجب عليه أيضًا أن يحلق شعره، وأن ينحر، وأن يفيض إلى مكة. والإفاضة هى التى يكون بعدها للحاج أن يقرب أهله. أما المناسك الثلاثة التى قبلها فهى التى بأدائها تزول التكاليف عن الحاج. ولكن الفقهاء مختلفون فى ترتيب أدائها. وفى الأحاديث الشريفة أن النبى [- صلى الله عليه وسلم -] أجاب فى أمر الحجاج الذين تحرجوا لأنهم لم يقضوها على الترتيب الذى قضاها هو به بأن قال: "لاَ حَرَج" البخارى (، كتاب الحج، البابان 125، 130 ... إلخ)، ويقال فى تفسير ذلك إن النبى (عليه الصلاة والسلام) لم يشأ فى ذلك اليوم الذى هو يوم سرور أن يؤلم نفوس الجاهلين من العرب، ونستطيع أن نتصور أن أولئك العرب لم يتبعوا عادات قريش، وأن النبى (عليه الصلاة والسلام) لم يكن عنده الوقت لفرض ما اختاره من بين العادات المختلفة ولا كان هو يميل إلى فرضه. فقد كان النبى يبدأ برمى الجمار فى العقبة. وكان بعد أن يحلق وينحر وُيفيض يعود للمبيت بمنى وفى اليوم الأول والثانى والثالث من أيام التشريق كان يرمى سبع جمرات منتهياً بجمرة. العقبة. فعلى الحجاج الذين يريدون أن يسَتنوا بسنة النبى (عليه الصلاة والسلام) أن يرموا 7 + (7 × 3) 3 = 70 جمرة. ولكنهم فى العادة يأخذون بالرخصة التى جاءت فى الحديث، فيخرجون من منى فى اليوم الثانى من أيام التشريق من غير أن يرجعوا إليها، وعلى هذا فهم لا يرمون إلا 7 + (7 × 2) 3 = 49 جمرة. ومن الراجح أنه لم تكن هناك عادة قديمة. ووجود جثث الأضاحى التى كانت تنحر كان يجعل

من منى مكاناً بشعاً. ومن العسير أن يدرك الإنسان معنى ما يقوله ويفل (Pilgrim: Wavell, ص 202) من أنه رمى 63 جمرة، أى: (7 × 3) 3 = 63. على أن هذا هو عدد الأضاحى التى نحرها النبى (عليه الصلاة والسلام) بيده، أضحية عن كل سنة من سنوات حياته. ورمى الحصى فى جمرة العقبة يكون فى يوم النحر، والحجاج محرمون، أما رمى الجمرات فى الأيام الثلاثة التالية لذلك فالحجاج يؤدونه بعد زوال الإحرام. وليس شئ من ذلك ركنا من أركان الحج. وترمى حصيات صغيرة أكبر من الحمص لكن دون البندق، وهو ماسماه قدماء العرب "حصى الَخذْف"، التى كانت ترمى إما بأطراف الأصابع، وإما بقطعة من الخشب على هيئة المقلاع، وهى المخذفة (الترمذى، جـ 4 ص 123) (¬1). وهناك حديث ينهى عن هذه اللعبة الخطرة، فقد نهى النبى (عليه الصلاة والسلام) عن الخذف بالحصى وقال إنّه يفقأ العين ولا ينكى العدو ولا يحرز صيدا. ومن ثم لاشك أنه كان له طابع سحرى أو وثنى ما (¬2) وكان يتعين أن تجمع الجمرات من الحجم المناسب، ولا يصح أن تقطع من جبل، ولا يصح أن تكون من الذهب أو الفضة أو نحوها. على أن بعض النصوص تجوز رمى نوى التمر أو بعر الجمل أو العصفور الميت، وهذه أشياء كان نساء الجاهلية يستعملنها فى آخر فترة الترمل والوحدة لإزالة دنس الترمل والتمهيد لحياة جديدة. ويندب التقاط الحصيات التى ترمى عند العقبة من المشعر الحرام، عند المزدلفة، خارج منى. أما الحصيات الثلاث والستون الباقية فهى تؤخذ فى العادة من وادى منى، لكن من خارج المسجد، بعيداً من الجمرات، لكيلا يرمى الحاج بحصى قد رمى به غيره من قبل (ابن تيمية ص 383) على أنه يقال إن الملائكة تأخذ الجمرات إلى يقبلها الله من راميها- أما الحصى الذى يجمع ولا يستعمل فيجب ¬

_ (¬1) يذكر الترمذى هنا حصى الخذف، ولا يذكر المحذفة (¬2) ولكن لا يوجد فى ذلك النهي ما يدعو إلى التماس أصل له.

أنُ يْدَفن، لأنه تصير له صبغة مقدسة تجعله خطراً (¬1). والحج النموذجى الكامل المروى عن النبى (عليه الصلاة والسلام) يجعل رمى الحصى فى جمرة العقبة فى يوم النحر. ويدل هذا الحج على أن النبى (عليه الصلاة والسلام) كان يبدأ بالإفاضة فى المزدلفة بعد صلاة الفجر ويرمى الحصى بعد شروق الشمس. ولكن الشريعة سمحت بأوقات أخرى، وكان ذلك بحكم بقاء العادات القديمة أكثر مما كان بدوافع التسهيل والتيسير، فالشافعى، خلافا للأئمة الثلاثة، يجيز رمى حصى العقبة قبل الشروق (إبراهيم رفعت، جـ 1، ص 113) وبالجملة فإن وقت رمى الجمار يجوز أن يمتد إلى الضحى، وإلى الزوال، وإلى الغروب، وإلى الليل، وإلى صباح اليوم التالي: وهذه المخالفات للسنة المعروفهُّ يكفر عنها بنحر شاة أو بصدقة، على حسب اختلاف المذاهب. ورمى الحصى فى أيام التشريق الثلاثة يكون عند الزوال، وفى هذا أيضاً آراء مختلفة (البخارى، كتاب الحج، باب 134). وقد تجنب الشرع دائما فى تحديده وقت رمى الجمار أن يكون ذلك فى وقت إحدى العبادات المفروضة، كالصلوات التى تكون فى الأوضاع الثلاثة للشمس (¬2) وهى الشروق والظهيرة والغروب. وقد بين فنسنك. A (J.Wensink: الترجمة العربية للدائرة، ) جواز كون الحج الوثنى قبل الإسلام حجا ذا صبغة ترجع إلى الشمس. وقد رمى النبى (عليه الصلاة والسلام) جمرة العقبة، وهو فى بطن الوادى، راكبا ناقته، متجها إلى الجمرة، بعد أن جعل البيت عن يساره ومنى عن يمينه، وبينه وبين الجمرة خمس أذرع (ثمانى أقدام) ولكن يجوز رمى الجمرة من مواضع أخرى. ويصف إبراهيم رفعت جـ 1، ص 328) جمرة العقبة بأنها حائط من الحجر ارتفاعه نحو ثلاثة امتار فى عرض نحو مترين أقيم ¬

_ (¬1) يصعب على الإنسان أن يعرف مصدر هذا التعليل، الكاتب لا يذكر مصدره. (¬2) يقصد أنه نكره الصلاة عند شروق الشمس، وعندما تكون الشمس فى كبد السماء، وعند غروبها, تجنباً لشبهة الصلاة للشمس وهى فى هذه الأوضاع. (م. ع)

على قطعة من صخرة مرتفعة على الأرض نحو متر ونصف، ومن أسفل هذا الحائط حوض من البناء تسقط إليه حجارة الرجم. ويقال إن جهال الناس أزالوا جمرة العقبة عن مكانها برميهم الحصى فى غير موضعها ثم ردت إلى مكانها فى سنة 240 هـ = 854/ 855 م (الأرزقى، ص 212). وقد رمى النبى (عليه الصلاة والسلام) الجمرتين الأخريين راجلا، مستقبلا القبلة. وبالجملة فإن رمى الحصى يكون من أى موضع وقف فيه الإنسان. ووقوف الرامى متجها إلى الجمرة التى يرجمها يمكن تعليله بأنه يرجع إلى طبيعة الموضع، لكنه يتفق أيضا مع القصد إلى لعن الشيطان فى وجهه. أما وقوف الرامى متجها بوجهه إلى الكعبة فهو يرجع إلى ما يؤثر فى الإسلام من قصة الفتنة من جانب الشيطان، وإلى فرض التكبير الذى سنبينه فيما يلى. وبحسب السَّنة يجب وضع الحصى على الإبهام والسبابةَ مَحْنيَّة عليها، ثم ترمى واحدة كما ترمى الكرات البلورية الصغيرة فى اللعب بها. على أن الشارع لم يهمل ما قد يكون من رمى الحصيات السبع معا، أعنى باليد مملوءة فرئى أن تعتبر الرمية بمثابة حصاة واحدة، كما رُئى التدارك للخطأ أو السهو بالفدية. ولا يجوز رمى الحصى بشدة، كما لا يصح أن يقول الرامى عند الرمى: "إليك! إليك! " (الترمذى جـ 4، ص 136) , وذلك عادة وثنية كان البدو فى العصر الحديث لا يزالون عليها حتى عهد قريب جدا (إبراهيم رفعت جـ 1، ص 89) ويظهر أن النبى عليه الصلاة والسلام كان يرمى بشئ من الشدة لأنه رفع يده "إلى حذاء حاجبه الأيمن" (الترمذى جـ 4، ص 135) (¬1) وحتى ظهر إبطه (البخارى، كتاب الحج، ب 141) (¬2) وعند المسلمين يكون رمى كل حصاة مصحوباً بدعاء. ومن المتفق عليه أن التلبية تنتهى فى عرفة أو على الأقل قبل الرمي فى جمرة العقبة. البخارى، كتاب الحج، ب 101) وبعض العلماء يجوزونها بعد العقبة، ويجوز التهليل ¬

_ (¬1) فى الحديث: "على حاجبه الأيمن" والمقصود من جهة حاجبه الأيمن (¬2) لا يوجد هذا فى باب 141 بحسب طبعة ليدن عمدة القارئ فلعل الكاتب اعتمد على مصدر آخر.

والتسبيح، لكن التكبير هو المستحب (ابن تيمية ص 383: البخارى؛ كتاب الحج، البابان 138، 143) وقد رأى العلماء مع التطور فى فهم الشعائر فهمًا روحياً أن الدعاء هو العنصر الجوهرى فى الشعائر. أما رمى الحصى، وأما هيئة الإبهام والسبابة التى تجعل منهما عند الرمى "عقْداً" يمثل رقم 70 فليس إلا شيئاً رمزياً من شأنه أن يذكر الرامى بالدعاء، "وإنما جعُل رمى الجمار والسعى بين الصفا والمروة لإقامة ذكر الله" (الترمذى، جـ 4، ص 135) (¬1) أما عند الغزالى (الإحياء، جـ 1، ص 192) فالمقصود من رمى الجمار هو الانتهاض لمجرد الامتثال لله "من غير حظ للعقل والنفس فيه" تشبها بإبراهيم عليه السلام حيث عرض له إبليس فى ذلك الموضع ليدخل على حجه شبهة أو يفتنه بمعصية، فأمره الله أن يرميه بالحجارة، طرداً له وقطعاً لأمله، فالإنسان فى الظاهر يرمى الحصى فى العقبة وفى الحقيقة يرمى به وجه الشيطان (قارن - Gold Richtungen: ziher ص 252) والرامى الصالح يدعو وهو يرمى، والدعاء بمثابة الرمى من حيث قضاء المناسك. والدعاء المشهور هو: "اللهم اجعله حجاً مبروراً وذنباً مغفوراً وسعياً مشكوراً" وطبيعى أن يكون ثم وقوف بعد الرمى فى العقبة وقبل الرمى فى الجمرتين الواقعتين أعلى منها. والوقوف بعد الرمى فى الجمرة الثانية خاصة أطول من غيره، ويقاس طوله بما يكفى لقراءة سورة البقرة أو سورة يوسف أو آل عمران، هذا بتحريف مدلول فى الحديث (البخارى، كتاب الحج، ب 135، 136، 137) (¬2) ويجوز ¬

_ (¬1) إن هذا النص من، كلام النبى [- صلى الله عليه وسلم -] نفسه، والمقصود من كل عبادة فى الإسلام هو الله وذكر الله، وهذا ما يدل عليه القرآن الكريم- مثلا سورة البقرة" .... فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام ... " "فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكراً ... " فالمقصود من الشعائر هو الناحية الروحية وإن كان العلماء قد أبرزوا هذه الناحية لمن ظن الشعائر مجرد طقوس. (¬2) فى المواضع التى يشير إليها الكاتب من البخارى نجد أن الصحابة الذين أدوا مناسك الحج كما أداها النبى [- صلى الله عليه وسلم -]، مثل رميه جمرة العقبة من بطن الوادى أو رميه لها جاعلا البيت عن يساره ومنى عن يمينه، يقولون: "هذا موقف من أنزلت عليه سورة البقرة يعنون النبى [- صلى الله عليه وسلم -] الذى أنزلت عليه السورة التى فيها معظم مناسك الحج، فعلى أى وجه يمكن تحريف مدلول هذا النص، لكى يمكن تقدير الوقوف بين الجمرات؟

أن هذا الوقوف قد حل محل منسك قديم كان يقصد منه اللعن. ومخالفة الأصول التى تجب مراعاتها فى قضاء هذه المناسكُ وخصوصاً فيما يتعلق بعدد الحصى ووقت رميه (العمدة جـ 4، ص 767 وما بعدها؛ إبراهيم رفعت جـ 1، ص 113) تجب فيها فدية رأى الفقهاء أن يحدوها فيما بين نحرَ هْدى أو التصدق بُمدَ من طعام. وقد حاول فقهاء المسلمين أن يفسروا رمى الجمار فى منى. فبعض المفسرين (كالطبرى، التفسير جـ 25، ص 167) قد تبينوا فى وضوح تام أن رمى الجمار يمثل شعائر قديمة، وهم شبهوه برمى قبر أبى رجال. وثم شعائر أخرى معروفة كالتى عند بئر ذى الحليفة Betyles: Lammens ص 94) وتدل المراجع المذكورة على انتشار هذه الشعيرة، كما تبين الأحوال التى تجعلنا واثقين أن المسألة هى مسألة طرد الشر. ويمكن أن تضاف إلى ذلك عادات أخرى، فمثلا كان يرمى الحصى وراء شخص إذا ذهب إظهاراً للرغبة فى ألا يعود (مقامات الهمذانى طبعة بيروت ص 23) ويذكر أنه كان من عجائب الإسكندرية عمودان يسميان عمودى الإعياء وكانا ملقيين ووراء كل منهما جبل حصباؤه كصبر الجمار بمنى، فيقبل العيُّى بسبع حصيات حتى يستلقى على أحدهما، ثم يرمى وراءه بالحصيات السبع ويقوم ولا يلتفت، ويمضى لطلبته فلا يحس بشئ من تعبه (صبح الأعشى للقلقشندى جـ 3، ص 322) ولكن المضى فى المقارنات سيبعد بنا عن جزيرة العرب Pro-: Lods phetes d' Israel ص 354) والمأثورات الشعبية ترد رمى الجمار كما ترد كثيرا غيره من المناسك إلى إبراهيم (عليه السلام) فيروى أن الشيطان تعرض لإبراهيم أو هاجر أو إسماعيل، بل تعرض لمحمد [- صلى الله عليه وسلم -] نفسه لكى يفتنه عن قضاء مناسك الحج فرماه بالحجارة وطرده، فإذا أخذنا من ذلك أنه سمى الرجيم فإنما نكون بسبيل تفسير آية 5 من سورة الملكُ (انظر ما تقدم).

المصادر

ويود الباحث أن تتاح له معرفة مكان رمى الحصى بين شعائر الحج قبل الإسلام. ويتعين عليه فى هذه الحالة أن يكون فكرة واضحة عن معنى الشعائر وتفاصيلها وعما كان لرمى الحجارة والرجامة المقدسة من شأن فى العصر القديم من تاريخ الأمم السامية وأمم البحر المتوسط. ويظهر أن رمى الحجارة كان من شعائر طرد الشر، جاء مع تحلل الحاج من الإحرام. ويظهر أيضاً إنّه يقصد منه أن يكون سبباً فى حفظه من الشر متى عاد إلى حياته العادية. ومن الجائز أن رمى الحجارة كان فى وقت من الأوقات يعقب النحر، وأن النحر كان يحدث فى عرفة والمزدلفة. المصادر: يضاف إلى ما ذكر فى صلب المقال (1) إبراهيم رفعت باشا: مرآة الحرمين، القاهرة 1344 هـ (جزءان) (2) ابن تيمية: رسالة مناسك الحج، ضمن مجموعة الرسائل الكبرى، القاهرة 1323. الجزء الثانى، ص 355. م. أبو ريدة [ديمومبين Gaudefroy - Demombynes] رجوع بمعناه فى المذهب الأفلاطونى الجديد، هو الموضوع الأساسى للكتاب المنحول لأرسطو والمسمى "أثولوجيا أرسطو طاليس". ومسألة الرجوع هنا تتعلق فى الغالب بالنفوس الجزئية التى هبطت أو سقطت إلى هذا العالم الحسِّى واتصلت بالأبدان، ثم هى تتطهر بالمعرفة وترجع إلى وطنها الأول فى العالم العقلى. وهذا الرجوع إما أن يكون على صورة الفناء فى العالم الأعلى أثناء الحياة، وأما أن يكون بعد مفارقة النفوس للأبدان عند الموت. وتستعمل فى ذلك كلمة "مرجع" إلى جانب كلمة "رجوع" فى كثير من الأحيان وتتصل بذلك طائفة من الاصطلاحات، وهى ذات معنى مشابه لمعنى الرجوع أو مبين له بياناً أدق. على أن المترجمين العرب الذين ترجموا كتاب "أثولوجيا" قد أخذوا بعض مصطلحاتهم من القرآن والسنة النبوية، ولكن لابد لنا من أن نقتصر هنا على الكلام عن معنى الرجوع فى المذهب الأفلاطونى الجديد وعن تقبل المسلمين لهذا المعنى.

والقول بالرجوع، بمعنى من معانيه مقابل لمعنى الانبجاس أو الفيض فكل شئ يأتى من الله وإليه يرجع على أن التفكير الفلسفى والتفكير الأسطورى الرمزى (المتعلق بالنفس) يمتزجان هنا أكثر من امتزاجها فى مذهب الفيض. وأساس ذلك هو اتفاق الأولين والآخرين على القول بأن النفس الناطقة جوهر عقلى محض، وعلى القول بأنها باقية لا تفسد ولا تفنى، وهذا القول لا يستند إلى البرهان الفلسفى فحسب بل يؤيده أيضاً ما هو معروف منذ القدم من الترحم على الماضين من الأسلاف والاستغفار لهم، ومن الاستغاثة بأرواح الموتى عند الهياكل المبنية لهم والمسماة بأسمائهم (انظر كتاب أثولوجيا، طبعة ديتريصى ص 7 وما بعدها). وهنا نجد مزجاً وتوفيقاً بين المأثور من الآراء الأورفية الفيثاغورية، وآراء سقراط وأفلاطون وأرسطو. فلنبتدئ بفكرة إجمالية نأخذها من كتاب أثولوجيا. (ص 4 - 8، وفى مواضع مختلفة) النفوس الإنسانية، أعنى النفوس الناطقة، لا تشعر وهى فى البدن الأرضى بأنها فى وطنها. وهى بالنظر إلى سجنها فى أدناس المادة تشتاق إلى الرجوع إلى أصلها الطاهر، وذلك لأنها كانت من قبل جزءاً من النفس الكلية الشريفة التى أوجدها الله بتوسط العقل، وهى لما كان محلها فى النفس الكلية كانت فى مركز الكل. وللنفس الكلية وجهان: فهى من حيث أنها متجهة إلى أعلى تشاهد العقل وتشاهد الله بتوسط العقل. وهى من جهة أخرى متجهة إلى العالم الحسِّى الذى صدر عنها والذى تدبِّره (قارن كتاب أثولوجيا ص 20). ولما كانت النفس الكلية هى علة العالم الحسى فإنها تعرف معلولها، ولكنها من حيث هى جوهر عقلى تبقى دائماً ثابتة فى عالم العقل، ومع هذا فربما اشتاقت أجزاء من النفس الكلية إلى الأشياء الأرضية شوقا شديداً فعرفتها ومالت إلى الاتحاد بها. وهذا هو السبب فى هبوط النفوس الجزئية (نزول، تنازل، تنزل إلخ = باليونانية).

ولكن لما كانت نفس جزئية تشارك فى الوجود العقلى وفى حياة الدوام فإنها لا يمكن أن تهبط هبوطاً كاملاً (قارن ص 132): فهى من جهة لا تزال متعلقة بالعالم العقلى، وهى من جهة أخرى تتصل بالعالم الحسى، وهى من جهة ثالثة تتحرك وتتنقل بين العالمين، ويجب بطبيعة الحال تأويل هذا التحرك تأويلا روحانياً، أعنى مستقلاً عن الزمان والمكان. ودرجات هبوط النفس الجزئية تختلف اختلافاً كبيراً، وهى كلما انغمست فى المادة نسيت أصلها السماوى، وإذا اتبعت شهواتها ولذاتها لم تستطع الصعود إلى عالمها الشريف الأعلى، حتى بعد مفارقتها للبدن بالموت، إلا بتعب شديد. أما النفوس النقية التى انصرفت عن الشهوات ولم تتدنس بأوساخ البدن بل تأهبت بالأعمال الصالحة وتطهرت- وهذا هو الأهم .. بالمحبة والمعرفة، فإنها تستطيع، إما فى حالة الفناء (كتاب أثولوجيا وقارن فى ذلك: L. Massignon: Textes inedits ص 131 وما بعدها) وأما بمفارقة البدن، أن تصعد (صعود، نهوض، ارتفاع، ترقى = (باليونانية) إلى أصلها حيث تشاهد العقل وتشاهد بتوسطه الله ذاته فى نوره وبهائه. وقد تكلم أفلاطون من قبل عن هذا الصعود (فى الجمهورية مثلا، الكتاب السابع ص 517 ب: حسب كتاب أثولوجيا (ص 9 والصفحات التالية) فيقال إن أنباذوقليس وأفلاطون وفيثاغورس حثوا أيضاً على هذا الصعود. ويضيف إخوان الصفا إلى هؤلاء الفلاسفة بطلميوس الفلكى، كما أنهم يؤولون ارتفاع المسيح عليه السلام ومعراج محمد (عليه الصلاة والسلام) تأويلا روحانياً وقد فعل الفلاسفة والصوفية المسلمون مثل ذلك. ويتضح مما تقدم أن صعود النفس إلى أصلها يمكن أن يسمى "رجوعاً"، وهو يوسف وصفاً أدق بأنه رجوع النفس إلى داخلها، إلى ذاتها، فهو

دخول الانسان فى نفسه ووصوله إلى أن يشعر بنفسه، وليس هذا انعداما ولا فسادا. وقد سار الصوفية المتفكرون بين المسلمين فى هذا الاتجاه أبعد من ذلك بكثير. ويقول كتاب أثولوجيا (ص 18 والصفحات التالية) إن الرجوع إلى الأصل أو إلى الوجود لا يمكن أن يكون إلا حالا للنفس لا للعقل، وذلك أن العقل يبقى على حال واحدة، وهو لا يتغير، فلا حاجة له بالرجوع إلى ذاته. والعقل والعاقل والمعقول كلها فى وجوده شئ واحد دائما. وإذا نسب إلى العقل فى كتاب العلل (طبعة Bardenhewer الفصل السادس، وقارن الفصل الرابع عشر) إنّه يرجع إلى ذاته فإن هذا لا يصح فهمه إلا على أنه عند ذلك يعقل ذاته عقلا لا ينقطع وإلى هذا الحد يمكن القول بأن الآراء فى هبوط النفس ورجوعها إلى عالمها ليس بينها كبير اختلاف، فهى تعطينا عن حياة النفس فى البدن فكرة فيها تشاؤم ولكن لها تفسيرا فيه تفاؤل أيضا (أثولوجيا ص 10) ويلاحظ أنه منذ أيام أفلوطين صار كلام أفلاطون فى محاورة طيماوس (قارن ص 28 والصفحات التالية) يُفَسَّر على نحو غير ما هو موجود فى محاورة فيدون وفيدروس وفى الجمهورية. ففى طيماوس أن الله خلق هذا العالم الجميل وهو بفضله العظيم قد هيأ فيه العقل والحياة (= النفس)، وهو لم يكتف بإرسال النفس الكلية إلى هذا العالم بل هو أرسل نفوسنا الجزئية أيضا لكى يبلغ العالم بذلك أكبر ما يمكن له من الكمال. وإذا استطاعت النفس الجزئية أن تدرك العالم المحسوس على حقيقته، أعنى على أنه صورة للعالم المعقول، فلا يكون اتصالها بالعالم المحسوس شراً لها. لأن كلا العالمين من الله، وهو الخير المحض. أما السؤال الوحيد فهو: ما غاية النفس فى هذا العالم؟ وكتاب أثولوجيا (ص 43 وما بعدها) يجيب عن هذا بأن اتحاد النفس بالبدن ليس الغاية القصوى للنفس الجزئية. ومهما يكن من شئ فإن

الاتحاد بالنفس الكلية ومشاهدة العقل والله يتيحان للنفس سعادة عليا تشتاق إليها، فهى لها مهمة إلهية، وهى إذا هبطت إلى عالم الحس فإنها تتلقى قوة من أعلى تساعدها على تكوين البدن وتدبيره، فإن لم تسرف فى الهبوط حصلت منه على فائدة واستفادت منه معرفة، لأنها عند ذلك تعرف ما لها من قوة كانت نائمة، كما تعرف طبيعة هذه القوة، وهذا هو عين غايتها، وهى أن تعرف ذاتها وتعرف عالمها. فرحلتها فى عالم الحس رحلة تدريب لها. ولذلك (ص 80) لا يصح أن تُذَم النفس الجزئية ولا أن تُلاَم على تركها العالم العقلى ومجيئها إلى هذا العالم، لأنها جاءت إليه لكى تزينه وتبدى طبيعتها، وهى بعد أن تتم عملها ترجع إلى عالمها. وكل من التفسيرين المتفائل والمتشائم فيما يتعلق بمصير النفس قد أثَّر فى المفكرين المسلمين، فالتشاؤم سائد عند الغنوصيين (Gnostics)، وإخوان الصفا وكثير من الصوفية، على حين أن الفلاسفة منذ الفارابى يزدادون ميلا إلى التفاؤل. وليُلاحَظْ أن مصطلحات كتاب أثولوجيا لم يؤخذ بها كلها، فمثلا لا نجد كلمة "الرجوع" إلا عندما نستطيع أن نتعرف من السياق على أثر للمذهب الأفلاطونى الجديد. ولكن كلمة "الرجوع" لم تصر مصطلحاً فنياً بالمعنى الحقيقي، ونجد فى العادة بدلا منها ومن كلمة "مرجع" كلمة "معاد" و"عَود"، وهما يُؤَوّلان بأنهما رجوع بالمعنى المعروف فى المذهب الأفلاطونى الجديد. ومن المعروف حق المعرفة أن آراء إخوان الصفا تدور كلها تقريباً على أن النفس جوهر روحانى وأنها باقية. وقد أشار جولد سيهر (Vorlesungen ص 13، 163؛ , Koranauslegung ص 183 وما بعدها) إلى ذلك فى كثير من الأحيان إشارة صريحة وقد خصص إخوان الصفا القسم الثالث من رسائلهم كله للنفس (للمعاد خصوصا، الرسالتين الثانية والثلاثين والثامنة والثلاثين وما بعدها، طبعة بومباى) وعنوان الرسالة الثامنة والثلاثين هو:

"فى البعث والنشور والقيامة"، وهذه مترادفات ثلاثة فى معنى البعث، وهو يؤوّل هنا تأويلا روحانيا، ولكن فى رسائل أخرى من رسائل إخوان الصفا (القسم الأول، الرسالة الثالثة، والقسم الثانى من الرسالة السابعة والعشرين إلى التاسعة والعشرين والقسم الرابع، الرسالة الثالثة والأربعين وما بعدها) شئ كثير فى الموضوع نفسه. ويذكر إخوان الصفا فى رسائلهم ذلك النص المشهور فى كتاب أثولوجيا، وهو المتعلق بالفناء الأفلاطينى (القسم الرابع، الرسالة الثانية، ص 69 وما بعدها)، كما يذكرون "كتاب التفاحة" المنحول لأرسطو والمؤلف على مثال محاورة فيدون لأفلاطون (القسم الرابع، الرسالة الثانية، ص 119). نعم قد يسلم إخوان الصفا أحياناً بقيمة الحياة فى هذه الدنيا، ولكن تأكيدهم لبؤس النفس الحائرة فى هذه الدنيا أشد من ذلك. وكثيراً ما يشيرون إلى أن النفوس الضعيفة لا تستطيع إسعاف نفسها، وإلى أنها محتاجة إلى للنصح والإرشاد من جانب الأنبياء والفلاسفة فى ظل حياة دينية اجتماعية، حتى يتسنى توجيه تلك النفوس فى الطريق الصحيح الذى ترجع منه إلى عالمها. وأهم شئ هو المعرفة (Gnosis) ذلك أن العلم والحكمة للنفس كتناول الطعام والشراب للبدن (القسم الثانى، الرسالة السابعة والعشرين، ص 313، وما بعدها). وإخوان الصفا، شأنهم شأن الرازى الطبيب والكندى الفيلسوف، وقد اختاروا سقراط كما صورته روايات اليونان المتأخرين، قدوتهم الأولى، لكنه ليس القدوة الوحيدة؛ ذلك أن النفوس الجزئية تحتاج فى رأيهم إلى فلاسفة وأنبياء كثيرين، وتحتاج أيضا إلى قادة أحياء (وهذه فى الجملة فكرة من العصر اليونانى المتأخر)، وبمعونتهم تسير النفس الخيرة الحكيمة إلى الاتحاد بالنفس الكلية، وبتوسطها تتحد بالعقل وبالله. واتحاد النفس الجزئية بالنفس الكلية هو القيامة الصغرى، أما القيامة الكبرى فهى تكون عندما تنفصل النفس الكلية عن المادة انفصالا

تاما وتعود إلى عالم العقول الشريف وإلى العالم الإلهى (قارن Ti de Boer: ,Wijsbegeerte in den Islam هارلم 1921 م، ص 17 وما بعدها، وخاصة ص 98 وما بعدها). ولقد ازدادت نظرية المعاد تعقيداً بعد تلك النظرية التى قال بها الفارابى وزادها ابن سينا تفصيلا وإيضاحا، وأعنى نظرية عقول الأفلاك العشرة، فبحسب هذه النظرية لا تهبط النفوس الجزئية الناطقة من النفس الكلية بوصفها أجزاء العالم الحسى معلومات للعقل الأخير فى مراتب الفيض، وهو العقل الفعال. والنفس المطهرة تشتاق الى هذا العقل، وأول رجوعها يكون إليه، ثم يزداد شوقها لكى تبلغ فى القرب من الله أدنى مرتبة، ولكى تتشبه به بقدر الطاقة الإنسانية. ويتميز الفلاسفة عن الصوفية المتفكرين بأنهم من الفارابى إلى ابن رشد أول سؤال يضعونه هو: كيف يمكن اتصال نفوسنا بأصلها (العقل الفعال). أما الصوفية فأنهم مهما اختلفوا عن الفلاسفة فى وصف أحوالهم ومقاماتهم، لا يبغون سوى الاتحاد بالله نفسه. وعند الفارابى يكون رجوع النفس من طريق المعرفة الصحيحة والأعمال الصالحة، غير أن المعرفة أعلى قدرا من الأعمال، لأن الأعمال تبقى فى الدنيا، أما المعرفة فتدخل فى العقل (قارن مادة عمل) ويربط الفارابى، على نحو منقطع النظير بين القول بالأحوال التى تصل فيها النفس الى الفناء وبين مذهبه فى النبوة، خصوصاً فى كتابه "المدينة الفاضلة"، وهو على غرار كتاب الجمهورية لأفلاطون، ولكن بعد فهم مذهب أفلاطون فهما رواقى الصبغة. والبحث فى هذا الباب يدور عند الفارابى حول مسألة الاتفاق بين الدين والفلسفة. وأساس الاتفاق بينهما هو أن مصدرهما واحد: أما الفرق فهو يرجع إلى أن نفوس الأنبياء ونفوس الفلاسفة تختلف فى موقفها، فنفس النبى فى صعودها إلى حال الفناء فى العقل

الفعال تتلقى حقائق الوحى من طريق المخيلة، على حين أن نفس الفيلسوف تتلقى الحكمة التى تشرق فيها من طريق العقل. ولكن الحقيقة فى الحالين واحدة، حتى لنجد الفلاسفة إلى أيام ابن رشد وابن سبعين (فى القرن السابع الهجرى الموافق الثالث عشر الميلادى) يقولون بهذا الرأى نفسه ويوافقهم عليه كثير من الصوفية (انظر رسائل الفارابى طبعة ديتريصى ص 69 وما بعدها، كتاب "المدينة الفاضلة"، ص 46 وما بعدها) وعند ابن سينا فى رسالته فى "أقسام العلوم العقلية" (وهى ضمن تسع رسائل له، طبعة إستانبول ص 76 وما بعدها) أن ما بعد الطبيعة (وابن سينا يسميه العلم الإلهى متابعة لأرسطو) يشمل بين أقسامه الأصلية ما يتعلق بمذهب الفيض، ولكنه من جهة أخرى يتناول علم المعاد والعلم المتعلق بالوحى والنبوة باعتبارهما من فروع العلم الإلهى، ومعنى هذا أن نظرية الفيض أعلى مكانا من نظرية الرجوع. ويعود ابن سينا هنا إلى تأييد الفارابى، وهو يأخذ بنظرية روحانية النفس وبقائها على نحو أوضح وأدق مما عند الفارابى، فالنفس ليست مجرد سورة للبدن، كما قال أرسطو، ورأيه فى هذا متناقض بطبيعة الحال، بل هى جوهر عقلى، وهى لذلك جوهر غير فاسد. ويؤكد ابن سينا، خلافا لأفلاطون وفيثاغورس، أن النفس ليس لها وجود سابق فى النفس الكلية، وأنها لا تتناسخ منتقلة من بدن إلى آخر. والعقل الفعال يعطى (على افتراض أن خزائنه لا تنفد) كل بدن نفسا تلائمه إذا كان متهيئا لقبولها تهيؤا كافيا، ويمكن القول بوجه من الوجوه إن النفس حادثة لكنها لن تفنى وقد كان الفارابى كما لاحظ ابن طفيل (رسالة حى بن يقظان، طبعة Gauthier ص 11) مضطربا فيما يتعلق برأيه فى بقاء النفوس، الكاملة منها والشريرة، أما ابن سينا فلم يكن متحيراً، ولكنهما جميعا يؤولون الثواب والعقاب فى الحياة الأخرى تأويلا روحانيا، وهذا ما كان

المصادر

من إخوان الصفا أيضا. ومما تجب ملاحظته أيضا أن ابن سينا، خصوصا فى رسائله الصوفية، يستعمل اصطلاحات ذات صبغة صوفية أكثر مما استعمل الفارابى وقد أخذ الغزالى عن الفلاسفة الذين تقدم ذكرهم مذهبهم فى روحانية النفس وبقائها، ولكن الغزالى، فى كتبه الكبرى على الأقل، لم يستخرج من ذلك المذهب ما يلزم عنه منطقيا من صبغة روحانية للحياة الأخرى، فهو فى كتابه "تهافت الفلاسفة" (طبعة Bouyges' ص 344 وما بعدها) يدافع عن القول ببعث الأجساد فى الآخرة بحسب ما ذهب إليه أهل السنة والجماعة، على حين أنه فى كتبه المضنون بها يتكلم كلاما رمزيا على طريقة الصوفية (قارن فى هذا كتاب تهافت التهافت لابن رشد، طبعة، ص 580 وما بعدها). ولذلك يتهمه ابن رشد بالتناقض، وهو يدافع عن الفلاسفة، ويقول إن الصوفية يعتقدون بالمعاد الروحانى فهم مسلمون. ولكن ما رأى هذا الفيلسوف نفسه؟ يبدو أنه كره الإفصاح عن رأيه الحقيقي، ولذلك فلابد من التماس مذهبه فى كتبه الكبرى فيما بعد الطبيعة وفى النفس، وهى لم تدرس حتى الآن درسا كافيا. على أن من العسير جداً فى كثير من الأحيان أن يعرف الانسان فى شخص ابن رشد أين ينتهى الشارح لأرسطو وأين يبدأ الفيلسوف. ولكن يستطيع الإنسان أن يقول مطمئنا إن ابن رشد فيما يتعلق باعتباره أن النفس سورة لبدنها قد ذهب إلى أبعد مما ذهب إليه الفارابى وابن سينا، وبذلك فربما تلاشى جوهرها العقلى وبقاؤها الفردى المصادر: ذكرت المصادر فى صلب المقال؛ وانظر أيضا (1) Abenmasarra y su: Asin Palacios escuela. مدريد 1914. خصوصا ص 40 والصفحات التالية وص 110 والصفحات التالية

حياة صاحب الطريقة

(2) المؤلف نفسه La Escatologia musulmana en la Divina Comedia مدريد 1919 ص 58 والصفحات التالية. (3) إبراهيم مدكور - la Place d' al -Farabi dans l'ecole Philosophique musl mane، باريس 1934 خصوصا ص 122 والصفحات التالية، وص 181 والصفحات التالية. انظر مادة تصوف. م. ابو ريدة [دى بور Tj De Boer] الرحمانية طريقة من الطرق الدينية بالجزائر، نسبت إلى محمد بن عبد الرحمن الكشتلى الجُرجُرى الأزهرى أبى قبرين المتوفى عام 1208 هـ (1792 - 1794 م). وهى فرع من الطريقة الخلوتية، ويقال إنها كانت تعرف فى وقت من الأوقات باسم البكرية نسبة إلى مصطفى البكرى الشامى. وهى تعرف فى نفطة من أعمال تونس، وغيرها من الأماكن الأخرى باسم العزوزية نسبة إلى مصطفى محمد بن عزوز. حياة صاحب الطريقة: كانت أسرته من قبيلة أيت إسماعيل من حلف كشتلة فى قبائل جرجرة. درس فى مسقط رأسه، ثم فى الجزائر؛ وبعد ذلك حج إلى مكة عام 1152 هـ (1739 - 1740) وفي عودته جاور فترة من الزمن بالأزهر فى القاهرة حيث أدخله ابن سالم الحفنوى المتوفى عام 1171 هـ (سلك الدرر، جـ 4، ص 50) فى الطريقة الخلوتية، وأمره أن يعمل على نشر هذه الطريقة فى الهند والسودان وعاد إلى الجزائر بعد أن غاب عنها ثلاثين عاما، وبدأ فى الوعظ والارشاد فى القرية التى نشأ فيها حيث أنشأ زاوية. والظاهر أنه أدخل بعض التعديل على شعائر الطريقة الخلوتية وقد كان للرؤى السبع التى شاهد فيها النبى [- صلى الله عليه وسلم -] شأن هام فى تقوية شخصيته ودعم طريقته فالمرء يكون بمنجاة من نار جهنم إذا هو دخل فى طريقته أو بذل لها أوله الحب، أو زاره، أو وقف أمام قبره، أو استمع لتلاوة ذكره، وقد جر عليه نجاحه فى اكتساب

تاريخ الطريقة وانتشارها

المريدين حسد المرابطين من أهل بلده، ولذلك هاجر الى الحامة بالقرب من الجزائر. وقد أثار نشاطه فيها أيضا معارضة رجال الدين، فاستدعوه لمحاكمته أمام مجلس برياسة على بن أمين مفتى المالكية. وقد برئ من تهمة الزندقة بفضل نفوذ السلطات التركية التى تأثرت بكثرة المريدين من أتباعه، ولكنه رأى أن الحكمة تقتضيه أن يعود أدراجه إلى قريته حيث توفى فيها بعد قليل تاركا على بن عيسى المغربى خليفة له. ويقال إن الترك سرقوا جثته ودفنوها باحتفال مهيب فى الحامة، وابتنوا فوقها قبة ومسجداً. على أن آل إسماعيل (أيت إسماعيل) يرون أن الجثة لم تفارق قبرها الأصلى، ومن ثم فقد ذهبوا إلى أنها ازدوجت بفضل كرامة من كراماته ولذلك لقب بـ "أبو قبرين". تاريخ الطريقة وانتشارها: كان على بن عيسى المغربى شيخ الطريقة دون منازع من عام 1208 هـ (1793 - 1794) إلى عام 1251 هـ (1736 - 1837 م). ومات خلفه من بعده بوقت قصير، وانقسمت الطريقة منذ العام التالي إلى فرعين مستقلين وإن ظلت تستهوى كثيراً من المريدين. ويعزى ذلك إلى معارضة أيت إسماعيل فى خلافة الحاج بشير، وهو مغربى آخر. وقد اضطر بشير هذا إلى التخلى عن مشيخة الطريقة على الرغم من معاونة عبد القادر له (عدو الفرنسيين المشهور) فتولتها فترة من الزمن أرملة على بن عيسى، على أنها لم تجد آخر الأمر بداً من استدعاء بشير لضآلة دخل الزاوية. وفى خلال ذلك كان مؤسسو الزوايا الأخرى قد أخذوا يستقلون بأنفسهم. فلما توفى بشير عام 1259 هـ (1743 - 1844 م) أفلح زوج ابنتها الحاج عمّار فى ولاية هذه الطريقة. وأحس الحاج عمّار بأن نفوذه آخذ فى الاضمحلال لعجزه عن الاشتراك فى الهجوم على الفرنسيين الذى نظمه بوبغله فطلب من أتباعه فى شهر أغسطس عام 1956 حمل السلاح

شعائر الطريقة

وأحرز بعض الانتصارات فى بادئ الأمر ولكنه اضطر الى التسليم فى العام التالي، ثم استسلمت زوجه (أو حماته) على رأس مائة "خوان" بعد ذلك بقليل. وعاد بشير إلى تونس حيث حاول أن يستمر فى مباشرة أعمال المشيخة، إلا أن الاعتراف به لم يصدر من الناس كافة، واحتل محمد أمريان ابن الحداد الصدّوقى مكانته بين الناس. ولما بلغ محمد الثمانين من عمره فى الثامن من أبريل عام 1871 أعلن الجهاد على الفرنسيين، وكانوا قد هزموا وشيكا فى الحرب بين الفرنسيين واليروسيين. على أن هذا الانتفاض على الفرنسيين لم ينجح إلا قليلا، وإن كان قد اتسع مداه. ففى الثالث عشر من شهر يوليه سلّم ابن الحداد للجنرال سوسييه Saussier فأرسله إلى بجاية. واتخذ الفرنسيون إجراءً تحفظياً فأغلقوا الزاوية الأصلية. وأفلح ولده عزيز، وكان قد نقل إلى كاليدونيا الجديدة، فى الفرار إلى جُدّة، ومن هناك حاول أن يدبر شئون الطائفة، غير أن كثيراً من "المقدمين" الذين اختارهم أبوه، وكذلك غيرهم من منشئى زوايا الطريقة وطدوا استقلالهم، وقد ذكر كل من ديبون Depont وكوبولانى Coppolani جرائد بهؤلاء المشايخ ومجال نفوذهم الذى امتد إلى تونس والصحراء وجاء فى مؤلفها أن عدد أفراد هذه الطائفة بلغ 156214 شخصاً فى عام 1898. ولاحظ أن rinn أن رحمانية طولقا Tolga قد احتفظوا على الدوام بصلاتهم الودية مع السلطات الفرنسية. شعائر الطريقة: تكون رياضة المريد بتلقينه سلسلة من الأسماء عددها سبعة أولها صيغة "لا اله إلا الله" يرددها ما بين 12 ألف و 70 ألف مرة فى يوم وليلة، ثم تلى هذه الصيغة أسماء أخرى إذا اقتنع الشيخ بتقدم المريد: وهى 2 - الله ثلاث مرات 3 - هو 4 - حق ثلاث مرات 5 - حى ثلاث مرات 6 - قيوم ثلاث مرات 7 - قهار ثلاث مرات. ويختلف

كتب الطريقة

الترتيب الذى أورده رن عن ذلك بعض الاختلاف. ويذكر رن Rinn أن ذكر هذه الطائفة تكرار لابتهال الشاذلية ثمانين مرة على الأقل من عصر يوم الخميس إلى عصر الجمعة، كما أنهم يذكرون فى الأيام الأخرى من الأسبوع صيغة "لا إله إلا الله" ومن الدروس المحببة إليهم آية الكرسى، ثم تليها سورة البقرة وسور الناس والفلق والإخلاص (وهى المنصوص عليها فى العهد الذى أخذه منشئ هذه الطريقة، وقد ترجمه A.Del-Pech فى المجلة الأسيوية سنة 1874) ثم الرؤى السبع التى ذكرناها آنفا (وقد ترجمها رن Rinn فى كتابه صفحة 467). كتب الطريقة: ويظهر أن معظم كتب هذه الطريقة لا تزال مخطوطة، وينسب إلى منشئها عدة كتب. ويصف لنا شر بنّو - A. Cher bonneau (المجلة الأسيوية سنة 1852، ص 517) رسالة تضم تعليم هذه الطريقة على هيئة السؤال والجواب، وعنوانها الرحمانية، لمحمد بن بخترزى وعليها شرح لولده مصطفى، ولعل هذه الرسالة هى نفس المؤلف الذى يطلق عليه الكتاب الفرنسيون اسم Presents dpminicaux وهناك كتاب آخر يذكره أهل هذه الطريقة هو "الروض الباسم فى مناقب الشيخ محمد بن القاسم"، المصادر: (1) معلومات خاصة استقيت من سيد بن حسن لربه الخانجى سيدى ناجى بمساعدة M.P. Geuthner (2) E. de Neveu: : Les Khouan باريس سنة 1846 (3) Marabouts et Khouan: L. Rinn الجزائر سنة 1884 (4) Les: 0. Depont and X. Coppolani Confreries religieuses musulmanes الجزائر سنة 1897 (5) Histoire gengrale de l': H. Garrot Algerie الجزائر سنة 1910. الشنتناوى [مر كوليوث D.S. Margoliouth]

رزيك بن طلائع

رزيك بن طلائع الملك العادل بدر الدين أبو شجاع مجد الإسلام، وزير فاطمى أرمنى الأصل قتل أبوه طلائع غيلة فى 20 رمضان 556 (12 سبتمبر 1161) فخلفه رزيك فى الوزارة، وظل متوليا هذا المنصب خمسة عشر، شهرا. وكانت اهم الحوادث التى وقعت فى عهده تلك الغزوة التى شنها البربر سنة 577 هـ (1162 م) بقيادة حسين بن نزار (على أن حسينا هذا قبض عليه وقتل. وقد ورث رزيك عن أبيه تذوقه للأدب، ويقال إنّه حكم فأحسن الحكم؛ على أنه حاول سنة 577 هـ أن يقصى منافسه شاور عن ولاية الصعيد الأعلى فانقض عليه شاور بتشجيع الخليفة العاضد غفر من القاهرة فى 18 من المحرم عام 558 هـ (29 ديسمبر 1162 م) ولكن الوشاة فضحوا أمره فقتله طى بن شاور. ويلاحظ المؤرخ المقريزى (الخطط، جـ 2، ص 207 و 208) أن رزيك كان آخر من ولى منصب "ناظر المظالم" فى عهد الفاطميين. المصادر: (1) ابن تغرى بردى، طبعة بوير، جـ 3، ص 88 ,94 - 95، 109. (2) ابن خلكان، ترجمة دى سلان، جـ 1، ص 608، 660. (3) سبط بن الجوزى: طبعة Jewett ص 146. (4) جمال الدين الحلبى، مخطوط، المتحف البريطانى، فهرس المخطوطات الشرقية، رقم 3685 ورقة 90 ب- 91 ب. (5) Oumara du Ye-: H. Derenbourg men ثلاثة مجلدات في مجموعة Publi- cations de L'Ecole des langues orientales Vivantes 1897 - 1904 م. خورشيد [كب H.A.R. Gibb]. رس، بنو اسم أسرة حاكمة. ولا يفرق مؤرخو الزيدية بين أئمة الزيدية فى الديلم وأئمتهم فى اليمن. وسنتكلم فى هذه المادة عن زيدية اليمن فحسب. وقد فصل مؤرخو الزيدية الكلام عن بعض

عهود هؤلاء، فى حين لا نجد عن بعض العهود الأخرى سوى إشارات عارضة ذكرها كتاب كان اهتمامهم الخاص موجهًا إلى نواح أخرى، ومن ثم كانت هذه التفصيلات فى كثير من الأحيان ضعيفة السند، كما أننا نشك فى أن بعض أفراد الزيدية قد ادعوا الإمامة حقاً. والاسم الرس نسبة إلى عقار بالقرب من مكة كان فى حوزة القاسم الّرسى جد إمام الزيدية الأول، وهو من سلالة الحسن بن على بن أبى طالب. وفى عام 270 هـ (893 م) دخل يحيى، الملقب بالهادى إلى الحق، بلاد اليمن قادماً من الحجاز، وسار حتى أشرف على صنعاء، ولكنه عاد أدراجه بعد أن عجز عن فتح هذه البلاد. ثم عاود الكرة واحتل صعدة عام 284 هـ، واستولى على نجران، على أنه لم يمكن لنفسه فى هذه النواحى؛ وظل القتال مشبوباً؛ شاهد ذلك أنه استولى على صنعاء أكثر من مرة، وكان ولده أسيراً بها عام 290. ثم ظهر القرامطة فى اليمن واستولوا على صنعاء عام 294. وبقيت فى حوزتهم ثلاثة أعوام فضلا عن استيلائهم على كثير من المدن الأخرى. وقد عاون الإمام على إخراجهم من صنعاء، ولكنه لم يستطع الاحتفاظ بالمدينة لنفسه، وتوفى عام 267 هـ (910 - 911 م) وكان فى اليمن فى حياته ولاة وجند من العباسيين. وقد اشتبك يحيى مع القرامطة فى سبعين واقعة، وبلغ من قوته أنه كان يستطيع أن يطمس بأصابعه النقش الذى على العملة. وكان يحيى على مذهب الحنفية يستهدف إقامة حكومة إسلامية تفرض على النساء الحجاب، ويقتسم الجنود المغانم وفقاً لما جاء فى القرآن. وحاول أن يجعل الذميين فى نجران يبيعون كل ما يكونون قد اشتروه من أرض فى العهد الإسلامى. ولم يجد بداً من الاكتفاء بفرض ضريبة قدرها تسع المحصول. وبادر الناس بعد وفاة يحيى إلى مبايعة ابنه محمد الذى احتفظ بصعدة حاضرة له، وامتد حكمه على نجران وهمدان وخولان. واعتزل محمد الحكم عام 301 هـ فخلفه أخوه الذى كان فى حرب مستمرة مع الزعماء والقرامطة على اختلافهم. وقد هزمه بنو يعُفر عام 322 هـ (934 م) وأدركته المنية، فاحتل الظافرون مدينة صعدة

أربعة أشهر، وادعى ولد من أولاده اسمه حسن أحمد الإمامة. على أن الناس بايعوا ولداً آخر يدعى القاسم المختار. ونشب الخلاف بين الأخوين، ولكنهما عزلا آخر الأمر، وإن كان القاسم قد استطاع أن يستولى على صنعاء عام 345 هـ (956 م) ثم اغتيل قبل أن ينتهى هذا العام، وتوفى أخوه حسن من قبله. وكان يوسف الداعى أمير صنعاء إبان القلاقل التى أعقبت ذلك، وظل محتفظا بها إلى أن أخرجه منها واغل جديد من الشمال. وفى عام 388 هـ (998 م) كانت الدعوة فى اليمن للقاسم المنصور، ثم قابلته الوفود فى بيشة ومكن لنفسه فى صعدة بمساعدة قبيلة خثعم، واستولى على صنعاء، فى حين كانت الخطبة له فى كحلان ومخلاف جعفر. وتوفى القاسم عام 393 هـ، وحكم ابنه البلاد من ألْهان إلى صعدة وصنعاء حتى قتل عام 404 هـ ويقول البعض إنّه لم يمت، ولكنه كان المهدى، وفى رواية أخرى أنه ادعى ذلك. وربما جاز لنا وقد بلغنا هذا الحد أن نقول إن دولة الأئمة قد انتهت. أما بعد ذلك فهذه الصفة عادت لا تنطبق على أمراء هذه البلاد. وكان الجيش يتألف من نحو ألف فارس وثلاثة آلاف راجل. وجاء الإمام الذى حكم البلاد بعد ذلك من الحجاز، وصادف بعض النجاح. وأقبل قبل وفاته واغل آخر من الديلم يدعى أبا الفتح عام 430 هـ (1038 - 1039 م) استولى على صعدة وغيرها من الأماكن، وقتل وهو يحارب السلطان السليحى. ويقال إن أبا طالب يحيى الإمام فى الديلم والمتوفى عام 520 هـ (1126 م) قد بايعه الناس إماماً فى شمال اليمن، وأنه أقام عليها واليًا من قبله. وبويع أحمد بن سليمان عام 532 هـ وحكم صعدة ونجران والجوف. وفى عام 545 هـ انعقد مجلس كبير تولى مناقشة أحمد ثمانية أيام لمعرفة مدى صلاحيته للإمامة. وانتزع أحمد- تؤيده قبائل مذحج وبكيل- صنعاء من السلطان الحمدانى أو قل إنه ألحق الهزيمة به. ووقعت زبيد فى قبضته أياماً قلائل، وكانت الخطبة له فى خيبر وينبع وحارب أحمد أيضاً القرامطة بنجاح. وكف بصره فى شيخوخته، وأسره فليتة بن

القاسم فأثار ذلك سخط الجميع حتى القرامطة. ثم أطلق سراحه، وتوفى عام 566 هـ (1170 - 1171 م). ونصب عبد الله بن حمزة إمامًا عام 593 هـ (1196 - 1197 م) وقدم الناس ولاءهم له فى العام التالي بعد أن جاز الامتحان الذى عقد للتثبت من صلاحيته للإمامة؛ وقد نسب أشراف الحمزية إلى أبيه. واحتفظ بصنعاء أمداً قصيراً، ولكنه اضطر للانسحاب منها أمام السلطان الأيوبى ووطد مركزه فى الشمال، وجبى الضرائب من خيبر وينبع. وقد تحدث أحد الكتاب عن وجود جنود من بغداد فى اليمن، ولعل ذلك كان مبالغة فى الرواية التى تذهب إلى أن الُمطِّرفية استنجدوا بالخليفة. وفى عام 611 هـ (1314 م) استولى عبد الله على صنعاء وذمار وأغار على لحج. وقد اضطر إلى إخلاء صنعاء لأن الحرب كانت قد أنهكت جنده. ويقال إنه حكم جيلان والديلم بوساطة دعاته. وتوفى عام 614 هـ. أُما تاريخ الأئمة فى القرنين التاليين فقد أوردناه فى مادة "بنى رسول". وفى بداية حكم بنى طاهر قام أحد أئمة صنعاء بمحاربتهم. وقد لحقت به الهزيمة آخر الأمر، وقبض عليه بعض الأهالى أثناء فراره، وأسلموه إلى إمام آخر يدعى المطهر. واستولى بنو طاهر على صنعاء، ونصبوا ولداً من أولاد الإمام والياً على المدن والحصون. وفى عام 869 هـ (1164 - 1185 م) استعاد الإمام محمد عبد الناصر صنعاء. وفى العام التالي قتل الملك الظافر الطاهرى فى هذه المدينة. وقد بدأ شأن يحيى شرف الدين فى الظهور إلى حد ما عام 912 هـ (1506 - 1507 م) ثم استدعى بعد ذلك الجنود المصريين من كمران ليعاونوه على بنى طاهر، فاستولوا على تعز وصنعاء، ولكن عزيمتهم فترت عندما بلغتهم أخبار الفتح العثمانى لمصر، فطردوا سريعاً من هذه البلاد. واستطاع الإمام أن يفتح معظم الهضاب على الرغم من وجود بنى طاهر والأشراف الناقمين، بل استولى على جازان وأبى عريش ولكنه عجز عن الاستيلاء على عدن وزبيد. وسرعان ما استولى الترك على جازان وتعز وصنعاء، وأعانهم على

المصادر

ذلك النزاع بين الإمام وأبنائه. وكان القرامطة (الإسماعيلية) لا يزالون من الأعداء الخطرين وتم الاستيلاء على حمل أحد عشر جملا من كتب القرامطة، فعكف كبار أتباع الإمام على دراستها ليحذروا الجمهور مما جاء فيها من ضلالات. وفى عام 953 هـ (1546 - 1547 م) قسم الإمام دولته بين أبنائه. وقد خضع أحد أبنائه، وهو المطهر، للترك، إلا أنه انتقض عليهم عام 974 هـ وأصاب فى أول الأمر نجاحاً. ودفع هذا الترك إلى فتح البلاد فتحاً منظما. وحلت الهزيمة بالمطهر وسمح له بالارتداد إلى صعدة فى حراسة حامية تركية. وبعد ذلك قام إمام من أسرة أخرى، واحتفظ لنفسه بمنصب الإمامة سبع سنوات حتى وقع فى الأسر. وأتم الترك الفتح عام 999 هـ (1590 م) على أن القاسم جد الإمام الحالي (¬1) نادى بنفسه إماما عام 1006 هـ. وتمكن ولده بعد أحداث توالى عليه فيها النصر والهزيمة من إخراج الترك من البلاد عام 1045 هـ (1635 - 1636 م) وظلت مقاليد الحكم فى يد هذه الأسرة منذ ذلك. وقد يقوم النزاع على ولاية الإمامة فيسوى حيناً بالتفاهم وحيناً بعد السيف، فيتولاها إمام ضعيف فيعزل ويخلفه ابن أقدر من أبيه. وحوالى عام 1150 هـ (1737 م) انفصلت أبو عريش عن اليمن، وفى عام 1219 هـ (1804 م) أصبحت عسير مستقلة. والحاصل أن الوهابيين قد حصروا سلطان الإمام فى اليمن بمعناها الضيق فى حين أخضعت عسير لنفوذ نجد. وكان كثير من الأئمة كتابًا مجيدين ألفوا فى المسائل الدينية. المصادر: (1) De Opkomst: C. Van Arendonk in Ye- Van het Zaidietische Imamaat men ليدن سنة 1919 (2) Yemen in XL Jah-: F. Wustenfeld rhundert سنة 1884 (3) N,E,. جـ 4، ص 412 - 537 (4) Historia Yemanae: A.Rutgers sub Hasano Pasha ليدن سنة 1838 (5) Reisebeschreibung: C. Niebuhr سنة 1774 ¬

_ (¬1) كان ذلك وقت كتابة المقال.

رستم باشا

(6) Rise of the Imams: A. S. Tritton of Sanaa سنة 1925. (7) Kings of Arabia: H. F. Jacob سنة 1923. (8) Omarah's History of: H. C Kay Yaman سنة 1892. (9) Handbook of Arabia: Admiralty . (10) Munzen der Rasulid-: H. utzel en سنة 1891. وانظر فيما يختص بالبحوث غير المنشورة كلا من Tritton و van Arendonk, Kay . وانظر أيضا المصادر الواردة فى المواد المذكورة فى صلب المقال. الشنتناوى [تريتون A. S. Tritton] رستم باشا صدر من الصدور الأعظمين العثمانيين، ومؤرخ من مؤرخيهم. ولد عام 1500 بالقرب من سرايفو انظر تقرير Bailo B.Navgero فى Re-: AIberi lazioni degli ombasciatari al senato المجموعة الثالثة، جـ 3، ص 89 d'un: A .Casale abbresso it sarraglio da Bosna i.e Bosni Seray) . فى بوتومير أو ربما على الحد الغربيّ لسرايفسقوبوليه - sara jevsko Polje (انظر C'Truhelka فى Bos- nische Post سراجيفو سنة 1912، رقم 80، وقد استنتج ذلك لأن رستم باشا ابتنى جسراً له خمسة عشر عقداً على زلزنيتسا Zeljeznica لا تزال بقاياه قائمة إلى الآن). من أبوين يرجح أنهما كانا مسيحيى الأصل. وجاء فى سجل محكمة الشريعة بسرايفو أن "نفيسه خانم، ابنة مصطفى وأخت رستم باشا" قد باعت فى هذه المحكمة بيتها فى منتصف شهر شعبان عام 964 (1557 م) على يد وكيلها حاجى على بك ابن خير الدين متولى بزستان رستم باشا فى سرايفو، وهذه العبارة تزودنا باسم أبيه. ويقال إن هذه الأسرة كانت تدعى فى الأصل أوبوكوفيتش Opukovic على حين يذكر تروهلكه C. Truhelka (كتابه المذكور) أن اسمها كان جيكالتش Cigalic . وجاء فى الرواية المحلية بسرايفو أن نفيسه خانم هى أخت رستم باشا وابنة مصطفى بك أو باشا. وكان سنان باشا أمير البحر "قيودان باشا" أخا رستم باشا. ودخل رستم باشا وهو صبى مدرسة الغلمان

بإستانبول، ثم التحق بعد ذلك بخدمة القصر. وأصبح ركابدارا وحاز ثقة السلطان فوِّلى على ديار بكر ثم على الأناضول. وأصبح فى عام 1533 الوزير الثالث، ثم الوزير الثانى فى عام 1541. وتلقى فى أول ديسمبر من عام 1544 الخاتم السلطانى لأول مرة. وفى عام 1553 أعفى رستم باشا من منصبه بناء على طلبه، واعتكف فى اسكدار حيث ابتنت زوجه مهرماه ابنة سليمان الأول القانونى قصراً. ثم عين مرة أخرى فى عام 1555 صدراً أعظم. وظل يشغل هذا المنصب حتى وفاته فى العاشر من يولية عام 1561 (28 شوال عام 968، ولابد أن يكون ذلك هو التاريخ الصحيح من بين التواريخ المختلفة التى ذكرت لوفاته، على أن مورتمان J. H. Mordtmann فى. M. SO. S جـ 32/ 2، سنة 1929، ص 38 يذكر أنه توفى فى السادس والعشرين من شوال عام 978 الموافق 8 يولية سنة 1561). ودفن رستم باشا فى ضريحه (تربه) الخاص بإستانبول بجوار مسجد شاه زاده (انظر حديقة الوزراء، ص 28 ومابعدها، حسين بن اسماعيل: حديقة الجوامع، جـ 1، ص 16؛ ورواية سجل عثمانى فى ذلك خطأ، جـ 1، ص 388) واشتهر رستم باشا بالتاريخ المسمى باسمه وتناول الدولة العثمانية بعنوان "تواريخ آل عثمان" فضلا عن اشتهاره بما شيده من العمائر الكثيرة وخاصة المساجد، وهى العمائر التى شيدها بثروته الضخمة فى أنحاء مختلفة من الدولة وعهد إلى المعمارى الشهير سنان بإقامتها. ويصل هذا التاريخ فى أكمل النسخ التى وصلت إلينا إلى عام 967 هـ (1560 - 1561)، وهو يتبع فى تأريخه لصدر هذه الدولة ما جاء فى كتاب "تواريخ آل عثمان" الذى لا نعرف مؤلفه، وما جاء فى حوليات محيى الدين جمالى ونشرى ولا يظهر رستم باشا فى هذا الكتاب شيئاً من الاستقلال فى الرأى إلا بعد تجاوزه هذه الحقبة وبدئه الكلام عن عهد محمد الثانى، وإن كنا لا نشك فى أنه اعتمد فى ذلك أيضًا على مصدر أصلى استقى منه. ويتجلى شأن هذا الكتاب عندما يصف رستم أحداث عهده. ومن المعروف أن رستم باشا قد شجع الدراسات التاريخية (انظر - F. Ba

المصادر

G.o.W.: binger . ص 82، التعليق) إلا أننا لا نستطيع بحال من الأحوال أن نقطع أهو الذى ألف هذا التاريخ الذى يحمل اسمه أو أنّه أمر بتصنيفه فحسب. وقد نشر الدكتور لودفيج فورر Dr. Ludwig Forrer ترجمة ألمانية لقسم من هذا الكتاب بعنوان - Die osma nische Chronik des. Rustem Pascha فى Turkische Bibliothek جـ 21 (ليسك 1923: وانظر فى هذا O'L.Z, ج 28 (1925) ص 236 وما بعدها Isl., جـ 16 (1925) ص 164 وما بعدها، Histor - Zeitschrift جـ 138 (1928) ص 571 وما بعدها. المصادر: (1) عثمان زاده أحمد تائب: حديقة الوزراء، ص 28 وما بعدها (2) محمد ثريا: سجل عثمانى، جـ 2، ص 337 وما بعدها (3) G.o.w.,: F.Babinger ص 81 وما بعدها (4) Mehmedbeg Kapetanovic فى wissenschaftl. " Mitteilingen. aus Bosnien، und der Herzegoina فينا سنة 1895، ص 524 وما بعدها (5) Rus-: Hamdija Kresevlijakovic LL Sulejmana tempasa, veliki vezir فى Vjesnik Nastavni جـ 36, زغرب سنة 1928، ص 272 - 287 (6) Knjizevni rad: Mehemed Handzic bosanko hercegovacki muslimana مستخرج من - starjesinst Glasnik vrhovnog zaiednice vierske va islamska سرايفو سنة 1933، ص 35 وما بعدها (7) Znameniti: Safvetbeg Basagic Bosnjaci i Hercehovci u Turskoj , Hrvati Carevini زغرب سنة 1931، ص 65. الشنتناوى [بابنكر Franz Babinger] رستم، بنو أسرة من الخوارج الإباضية فى تاهرت. وقد نصب عبد الرحمن بن رستم الفارسى الأصل وأول الأئمة من هذه الأسرة واليا على القيروان عندما استولى بربر جبل انفوسة من الخوارج بزعامة أبى الخطاب المعفرى على هذه المدينة عام 141 هـ (758 م). وبعد ذلك

بثلاثة أعوام (144 هـ = 761 م) استعاد محمد بن الأشعث على رأس جيش عربى قوى مدينة القيروان، ففر ابن رستم إلى الغرب وأسس مدينة تاهرت فى إقليم كان عدد الخوارج فيه كثيرا بلا شك. وقد بايعه الإباضية بعد ذلك بخمسة عشر عاما بالإمامة. وتعاقب عليها من بعده ستة من أفراد أسرته. ولا نعرف على وجه التحقيق تواريخ حكمهم، على أنه يمكن ترتيب هذه العهود على النحو التالي مع ترك بعض ثغرات: عبد الرحمن بن رستم. 160 - 168 هـ (776 - 784 م). عبد الوهاب بن عبد الرحمن 168 - 208 هـ (784 - 823 م). أبو سعيد الأفلح بن عبد الوهاب 208_258 هـ (823 - 871 م). أبو بكر بن الأفلح، وقد خلع 257 - ؟ (871 - ؟ م). أبو اليقظان محمد بن الأفلح؟ - 281 هـ (؟ -894 م). أبو حاتم يوسف بن محمد، وقد خلع 281 - ؟ هـ (894 - ؟ م). يعقوب بن الأفلح، وقد خلع .. ؟ أبو حاتم يوسف، أعيد الى العرش؛ يعقوب بن الأفلح، وقد أعيد إلى العرش 294 - 296 هـ (906 - 908 م). إن ما يعمله المؤرخون أمثال ابن خلدون وابن عذارى والبكرى عن تاريخ العلاقات الخارجية لدولة بنى رستم لا يتجاوز حقائق قليلة. فقد كانت دولة تاهرت يحيط بها الأعداء من كل جانب (بلاد أغالبة القيروان بما فيها الزاب وأدارسة فاس وكانوا أصحاب الأمر فى تلمسان) إلا أنها ظلت قائمة مائة وخمسين عاما لا يهدد كيانها خطر مباشر. فقد أشترك عبد الوهاب الإمام الثانى مع خوارج البربر (هوارة ونفوسة) فى هجومهم على مدينة طرابلس التى كانت فى يد أمراء الأغالبة. والظاهر أن بنى رستم قد خطبوا فى الوقت نفسه ود الأمويين فى قرطبة، ذلك أنهم كانوا لا يستطيعون الاعتراف بالخلافة العباسية، بل كانوا مضطرين إلى حماية أنفسهم من الأغالبة الذين كانوا أقيالا للخلفاء فى بغداد. وقد أورد ابن عذارى فى حوادث

عام 207 هـ (822 م) ذلك الاستقبال الرائع الذى استقبل به عبد الرحمن الثانى الأموى وفد تاهرت. وكان يضم ابن الإمام عبد الوهاب. ونحن نعلم أيضا أنّه كان من وزراء هذا الحاكم الأموى وزير من بنى رستم (وهى معلومات زودنا بها ليفى بروفنسال) وأن الأفلح تلقى فى عام 239 (853 م) هدية قدرها مائة ألف درهم من محمد الأول الأموى، وقد حدث فى عهد الإمام الأفلح هذا صراع بين بنى رستم وبربر إقليم تلمسان، أنصار أدارسة فاس، وخرجت تاهرت من هذا الصراع منتصرة ظافرة. ونحن نعلم فوق هذا كيف أن دولة تاهرت انهارت عام 296 هـ (908 م) فى بضعة أيام أمام هجوم بربر كتامة تحت زعامة أبى عبد الله الداعية الشيعى. وكان القتل مصير كثير من بنى رستم، وحملت رؤوسهم إلى رَقادة وطافوا بها فى شوارع القيروان. أما البقية الباقية فقد نجحوا فى الفرار وبلغوا واحة وركلى، وتقول بعض المصادر أنه كان من بين هؤلاء الإمام يعقوب وولده أبو سليمان. على أن الحياة الداخلية لدولة بنى رستم أعظم شأنا من صلات هذه الدولة بالدول الأخرى فى الأندلس وبلاد البربر، وهى الحياة التى لم يرد عنها شئ فى المصادر التى تتحدث عادة عن هذه الدولة، غير أننا نستطيع أن نخرج بلمحة عنها مما ذكره المؤرخون الإباضيون أمثال أبى زكريا. والإمامة فى دولة بنى رستم، وإن كانت وراثية، كانت تهيمن عليها من الوجهة النظرية أصوات الجماعة الإباضية. وكان الإمام فى نظرهم أصلح الناس وأشرفهم وأعلمهم، وهو الرئيس الزمنى والروحى للدولة ويمتد نفوذه على جماعات الإباضية فى الشرق- وهذا الإمام كان فى واقع الأمر تحت إشراف شيوخ المذاهب: الشراة والمشايف والطلبة، وهم القوام على التعاليم الصارمة التى تقول بها هذه الفرقة الدينية. وكان من الطبيعى فى حكومة دينية من هذا القبيل أن تتخذ الأزمات التى تصيبها صورة الانقسام الديني. وقد حدث أشد هذه الانقسامات فى عهد عبد

الوهاب ثانى الأئمة. فقد طالب جماعة من الحانقين بتحريض من أحد الذين عجزوا عن تولى الامامة أن يحكم الإمام المنتخب بإشراف مجلس دائم. وعرضت هذه البدعة على فقهاء الإباضية بالمشرق فرفضوا رفضا باتا الأخذ بهذا المبدأ. فانفصل دعاة الإصلاح عن بقية الجماعة، وكونوا فرقة النكارية. وحدث خلاف ديني آخر فى إقليم طرابلس بعد وفاة وإلى هذا الإقليم وقيام إمام تاهرت بالبحث فى أمر من يخلفه. وهددت أزمات أخرى لا تقل خطورة عما ذكرنا سلام تاهرت وأمنها منذ عهد الإمام الرابع. ولكنها كانت تحمل طابع المنافسات العائلية. فقد اكتسب المطالبون بالعرش تأييد المعارضة التى كانت تتألف من عناصر شتى، وكانت ثروة هذا الإقليم وتجارته سببا فى اجتذاب الأجانب إلى تاهرت، بعضهم من فارس موطن أجداد بنى رستم، وبعضهم من جهات مختلفة من بلاد البربر، وبعضهم عرب من إفريقية، وبعضهم من قبائل نفوسة بطرابلس، وبعضهم نصارى من البربر. وكثيرا ما ترددت قبائل زناتة الرحل فى إفريقية والمغرب الأوسط على أسواق هذا الإقليم وأثرت منها. وكان بعض هذه الجماعات المتباينة مثل بربر نفوسة والفرس والنصارى يظهرون على الدوام بمظهر المؤيدين للسلطة القائمة، فى حين نجد أن الأخرين، وهم العرب خاصة والقبائل الرحل عامة، كانوا يجنحون إلى تشجيع الطامحين إلى العرش. وتعرضت هذه الدولة المثلى للفتن يثيرها عليها نزلاؤها وجيرانها. وكانت أسرة بنى رستم تضم ساسة محنكين مثل الأفلح الذى سار على القاعدة المعروفة "فرق تسد" Divide et impera فاحتفظ بالسلام. وفى عهده بلغت أسرة بنى رستم أوج سلطانها. وكان كثير من بنى رستم أئمة من أهل العلم لا يحفلون بمركزهم بصفتهم حكاما قدر احتفالاتهم بتأملاتهم الدينية. هذا إلى جانب اهتمامهم بالدراسات العلمية التى لا تمت للدين بسبب مثل الفلك. وكان تسامحهم العجيب مع الأجانب بل مع المناهضين من هؤلاء للفرقة الإباضية السبب الذى شجع دخول العناصر المشاغبة فى

المصادر

إدارة البلاد فمهدت السبيل لاضمحلال تاهرت وضم هذه الدولة إلى أهل الشيعة الظافرين. المصادر: (1) ابن خلدون: تاريخ البربر، طبعة دى سلان، جـ 1، ص 154، الترجمة، جـ 1، ص 242 - 243. (2) ابن عذارى: البيان المغرب، طبعة دوزى، جـ 1، ص 150 - 151؛ ترجمة فانيان Fagnan جـ 1، ص 209 - 210. (3) البكرى Description de L' Afrique septentionale طبعة دى سلان، الجزائر سنة 1913، ص 67 - 69. (4) أبو زكريا: كتاب السيرة وأخبار الأئمة، وقد ترجم قسما منه Chronique d'Abou Zakaria الجزائر سنة 1898. (5) ابن صغير: Chronique sur les imams Rostemides de Tahert . طبعة وترجمة Actes du) A.de C. Motylinski XIVeme Congres des Orientalistes القسم الثالث، الجزائر سنة 1905). (6) البّرادى: كتاب الجواهر، القاهرة سنة 1302. (7) الشماخى: كتاب السير، القاهرة سنة 1301. (8) Les sanctuaires du: R. Basset Nefousa Djebel فى المجلة الآسيوية سنة 1899, ج 2. (9) المؤلف نفسه: Etude sur la Zena- ' d; Ouargla et de l'oued Rir tia du Mzab Publications de la Faculte des letters d'Alger جـ 12). (10) Berber und Iba- A. Strothmann diten فى Isl., سنة 1928. الشنتناوى [مارسيه George Marcais] رسول تستعمل كلمة رسول وجمعها رُسل، فى اللغة العربية، بمعنى ليس له صلة بالدين، وهو الرسول الذى يبعث لأمر يؤديه. أما هنا فلا يعنينا إلا المعنى الديني لهذه الكلمة. وفى القرآن ما يدل على اختصاص كل رسول بأمته ففى سورة يونس، الآية 47 أنه "لكل أمة رسول". وفى سورة النحل الآية 38 (¬1): ¬

_ (¬1) رقم الآية في المصحف العثمانى 36 (م. ع).

"ولقد بعثنا فى كل أمة رسولاً" (راجع سورة "المؤمنون" الآية 44؛ وسورة غافر، الآية 5). وما فى هذه الآيات مرتبط بما فى الآيات التى تنص على أن الله فى يوم القيامة سيجئ من كل أمة بشهيد عليها (سورة النساء آية 41؛ سورة القصص، آية 75، راجع ما جاء من أوصاف الرسول الذى سيجوز الصراط إلى الجنة على رأس أمته: البخارى، كتاب الأذان، باب 29؛ وكتاب الرقاق باب 52 (¬1). ومحمد عليه الصلاة والسلام قد أرسل إلى قوم لم يأتهم من نذير من قبله (سورة القصص، آية 46، سورة السجدة، آية 3؛ سورة سبأ، آية 44)، أما الأشخاص الآخرون الذين يجعل القرآن لهم درجة الرسل فهم: نوح ولوط وإسماعيل وموسى وشعيب وهود وصالح وعيسى عليهم السلام. أما عدد الأنبياء فهو أكبر من ذلك، وهو يضم إلى جانب غالبية الرسل أشخاصا من الذين ورد ذكرهم فى التوراة أو ممن هم أشبه بأشخاص التوراة مثل إبراهيم وإسحاق ويعقوب وهرون وداود وسليمان وأيوب وذى النون. أما محمد [- صلى الله عليه وسلم -] فهو يسمى فى القرآن رسولاً تارة ونبياً تارة أخرى، ويظهر أن الأنبياء هم الذين يرسلهم الله هداة ومنذرين لقومهم، ولكنهم لا يكونون على رأس أمة، كما هو شأن الرسل. والإنسان يميل إلى أن يتصور أن ما فى الإسلام من تمييز بين الرسول والنبى هو كالتمييز الموجود فيما كتبه علماء النصارى: فالرسول إلى جانب أنه رسول هو فى نفس الوقت نبى أيضًا؛ أما النبى فلا يتحتم أن يكون رسولا إلى جانب كونه نبياً. غير أن هذا ليس يقيناً بالمعنى المطلق، وذلك أن الفكرة الموجودة وراء آيات القرآن ليست دائمًا واضحة. أما فيما يتعلق باختصاص الرسول بأمته فهو يمكن أن يُقارن بالرأى الموجود فى الأعمال المنحولة للرسل من ¬

_ (¬1) ليس فى هذين الموضعين من البخارى أكثر من أنه سينصب الصراط بين ظهرانى جهنم وأن النبى محمدا عليه الصلاة والسلام سيكون أول من يجوز بأمته من الأنبياء. ولن يتكلم أحد فى ذلك الموقف إلا الأنبياء وسيكون دعاؤهم: "اللهم سلم سلم"- المترجم.

الحواريين Acta apostol apocrypha) (orum وهو الرأى القائل بأن الحواريين الاثنى عشر اقتسموا العالم فيما بينهم، بحيث صار على كل منهم أن يبشر بالإنجيل لأمة من الأمم. أما فيما يتعلق بمعنى كلمة رسول فلابد من الرجوع إلى استعمال هذه الكلمة فى النصرانية، كما لابد من الرجوع أيضاً إلى استعمال الفعل المتصل بذلك (شلَح) فى الكلام عن الأنبياء الذين فى التوراة (سفر الخروج، إصحاح 3، فقرة 13 وما بعدها؛ إصحاح 4، فقرة 13؛ سفر أشْعيا، إصحاح، 6، فقرة 8، وسفر إرميا إصحاح 1، فقرة 7). أما عبارة رسول فهى كثيراً ما ترد فى صورتها السريانية (شلِحْه دَله) فى الأعمال المنحولة للقديس توما. على أن الآراء التى ظهرت بعد عصر القرآن قد زادت عدد الرسل إلى 313 أو 315، دون أن تذكر أسماؤهم جميعاً (ابن سعد، طبعة سخاو، جـ 1، قسم 1، ص 10، والفقه الأكبر (3)، فصل 22؛ وراجع كتاب Re- Mohammedica: land De religione, الطبعة الثانية، أوترخت 1717، ص 40) والقول بأن الرسل كانوا معصومين من الوقوع فى المعاصى جزء من العقيدة. أما فيما عدا ذلك فيبدو أن الفرق بين الرسول والنبى- إذا صرفنا النظر عن الفرق الهائل بين عدد الأنبياء وعدد الرسل- فرق قد غاب فى كتابات المسلمين المتأخرين فى ثنايا نظريتهم فى النبوة بوجه عام؛ فنجد أن أبا حفص عمر النسفى فى كتابه العقائد النسفية يتناول الرسل والأنبياء معاً، وهو لايفرق بين الرسول والنبى، وكذلك يتكلم الإيجى عن النبوة بوجه عام، وهو فيما يبدو يعتبر الرسل داخلين فى الأنبياء. وإذا كان يمكن أن نشير إلى فرق فهو أن الرسول خلافاً للنبى يكون صاحب شريعة ويكون معه كتاب (راجع شرح الفقه الأكبر (2) لأبى المنتهى، حيدر آباد 1321,ص 4) (¬1) أما بحسب "العقيدة" التى نشرها ريلاند Reland (ص 40 - 44) فالرسل ¬

_ (¬1) ويقول التفتازانى فى شرحه على العقائد النسفية (ضمن الجزء الأول من مجموعة الحواشى البهية: طبعة القاهرة 1329 ص 53 - 54) "فالرسول إنسان بعثه الله لتبليغ الأحكام، وقد يشترط فيه الكتاب، بخلاف النبى فإنه أعم [المترجم]

المصادر

أصحاب الشريعة كانوا هم: آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد عليهم السلام. وفى كتاب العقائد لأبى حفص عمر النسفى أن إرسال الرسل حكمة من الله. ويقول التفتازانى فى شرحه على العقيدة النسفية إن إرسال الرسل واجب لا بمعنى الوجوب على الله بل بمعنى أن الحكمة الألهية تقتضيه (¬1) ولكن هذا الرأى بما له من صبغة عقلية لا يقول به جميع المتكلمين، فعند السنوسى مثلا (انظر كتابه: أم البراهين) أن إرسال الرسل فى ذاته جائز ولكن الإيمان به واجب. المصادر: (1) Das Leben und die: A. Sprenger Lehre des Mohammed . جـ 2، ص 251 وما بعدها. (2) verspreide: Snouck Hurgroinje Geschriften الفهرس تحت عنوان. Gezanten Gods . (3) Koranische Untersu-: J. Horovitz chungen، برلين، ليبسك 1926 ص 44 وما بعدها. (4) Muhammeds Lehre von der: Pautz Offenbarung الفهرس. (5) A J. Wensinck فى - Acta Orien talia. مجلد 2، ص 168 وما بعدها. (6) المؤلف نفسه The Muslim Creed كمبردج , 1932 - ص 202 - 204 والمواقف للأبجى طبعة Soerensen ص 169. م. أبو ريدة [فنسنك A. J. Wensinck] رسول، بنو اسم أسرة. وفدت أسرة بنى رسول إلى اليمن مع تور نشاه الفاتح الأيوبى والراجح أن رسولا كان من التركمان. ولو أن ثمة قولا يصل نسبه بأمراء غسان وقد لقب بهذا اللقب لأن خليفة من الخلفاء اتخذه رسولا. ثم ارتفع شأن على بن رسول وإخوته الثلاثة. وقد سجن مسعود آخر الأيوبيين اثنين ¬

_ (¬1) راجع شرح العقائد النسفية، ص 187 المترجم

منهم عام 624 هـ (1327 م). أما الأخ الثالث نور الدين عمر الذى كان والياً على مكة فقد نصب أتابكا، ثم ولّى على اليمن بعد رحيل مسعود. وتوفى مسعود وهو فى طريقه إلى مصر، ولذلك تهيأ عمر للاستقلال بأمر اليمن. كانت زبيد حاضرة له، ثم استولى منذ عام 627 على كثير من الأماكن فى التلال مثل صنعاء وتعز وكوكبان. ثم استولى على مكة عام 638 هـ بعد أن أحرز انتصارين لم يكتب لهما الدوام، وظلت فى حوزته خمسة عشر عاما. وتصالح مع أشراف الزيدية عام 628 هـ ثم ثارت مناوشات انتهت بأن نادى أحمد بن حسين بنفسه إماماً فى ثلا عام 646 هـ (1248 - 1249 م). وقد كان فى مقدور عمر أن يعلن استقلاله عام 628 هـ , ولكن الخليفة لم يعترف به إلا فى عام 632 هـ وفى عام 645 تشاحن ابن أخيه أسد الدين محمد مع عمه وفر إلى ذمار وتحالف مع الإمام، ولكن سرعان ما اصطلح مع عمه رحارب الأشراف، وهم سلالة الإمام عبد الله بن حمزه وقتل عمر عام 647 على يد المماليك فى الَجَند. وكانت مملكته تمتد من مكة إلى حضر موت ولو أن كثيراً من الأماكن فى التلال كان مستقلا. وكان عمر مغرماً بإقامة المدارس والمساجد يرعى الأدباء مثل معظم أفراد أسرته. وقد تجمعت فى حكمه كل خصائص بنى رسول، ألا وهى المنازعات العائلية، والحروب مع الإمام، ومع الأشراف الذين كانوا فى كثير من الأحيان على خلاف مع الإمام. واستمال قتلة عمر بقية المماليك، وبايعوا ابن عم القتيل ثم ساروا إلى زبيد. وأدت دسائس القصر ومؤامراته إلى نفى المظفر يوسف أكبر أبناء السلطان إلىَ مَهْجَم. وسار يوسف، أيضًا إلى زبيد فى مائة وخمسين فارساً، وكانت زوجته تستحث الناس فيها على مقاومة المطالب بالعرش. وكان يوسف يجمع هؤلاء الجنود أثناء تقدمه، وسلم المماليك له القتلة والمطالب بالعرش. على أنّه لم يجد بداً من أن يعيد فتح البلاد، لأن كل واحد من أخويه كان يطمع فى السلطنة. فكان أسد الدين محمد فى مركز قوى بصنعاء، وكان الإمام أحمد بن حسين

دائب الحركة والنشاط، بل إن الخليفة نفسه كان قلقاً من قوته وسلطانه. وتمكن يوسف بعد ثلاث سنوات من أن يسترد صنعاء وتعز وحصن دملؤة الحصين، وتصالح مع الإمام، على أن الإمام لم يرع هذا الصلح وانضم إلى أسد الدين، ولو أن أسد الدين بادر فعاد إلى أداء واجبه. وفى عام 658 لحق بكثير من أهله فى السجن وظل فيه إلى أن أدركته المنية. وتم الاستيلاء على صعدة عام 852، ولكنه لم يحتفظ بها. وبويع الإمام أحمد بموافقة أسرة سلفه، ولكن المنازعات قامت حول ذلك، وأدت إلى قيام الأشراف بمحاربته بمساعدة السلطان وقتله عام 656. وقبض على أحد الأئمة عام 658 وسملت عينا إمام آخر عام 660 وبويع إمام ثالث عينا 670. وكان الأشراف إما قبليين وإما اقطاعيين، يناصبون السلطان العداء حيناً ويحالفونه حيناً. وفى عام 674 انضم المماليك الثائرون فى صنعاء إلى الإمام والأشراف، غير أن هذا الحلف منى بهزيمة منكرة. وتم الاستيلاء على ظفار من أعمال حضرموت عام 678 وجاءت إلى البلاد بعثة من الصين وكان يوسف حاكما قوياً موفقاً، حتى لقد أطلق عليه الخزرجى لقب خليفة فى نهاية حكمه، وتوفى عام 694 هـ (1294 - 1295 م)، ولم يحكم ابنه وخليفته إلا ثلاث سنوات وعمد فيها إلى تشجيع زراعة أشجار النخيل حول زبيد حيث حاول آخرون إدخال زراعة الحنطة. واستولى أخوه والى الشحر على عدن وحاول أن يقيم نفسه سلطاناً، ولكنه هزم وسجن. واستدعى وهو فى سجنه عام 696 ليتولى الحكم ولقب بالمؤيد داود. وتوالت فى عهده المناوشات فى التلال وفى السهول تردد اثناءه ذكر أماكن بعينها وخصوم بعينهم. وفى عام 697 هـ (1297 - 1298 م) انتزع المؤيد حصنين من القرامطة وثار الكرد فى ذمار عام 709 هـ، وانضموا إلى الإمام وهاجموا صنعاء، وحدث من بعد أن قتل بعض الكرد نفرًا من الغز. وفى عام 712 عقدت معاهدة صلح مع الإمام محمد ابن مظهر مدتها عشر سنوات نظير دفع ثلاثة آلاف دينار سنوياً. وبعد خمس سنوات خرق السلطان هذه المعاهدة، فشب القتال وكان مريراً

دمرت خلاله البيوت والأشجار، واحتزت رؤوس المقتولين. وأعيد تنظيم الجيش عام 718 على غرار الجيش المصرى. وكثيراً ماكان الولاة يعزلون ويولى غيرهم فى السنوات الأخيرة من حكمه، وربما كان ذلك شاهداً من شواهد الضعف، وكان من اليسير على الأجنبى أن يصل إلى أعلى المراتب؛ وكم من مرة جمع رجل من هؤلاء بين منصبين. منصب رئيس الوزراء وقاضى القضاة. وفى عام 721 خلف المؤيد ابن من أبنائه يدعى المجاهد على، ولكن سرعان ما زج به فى السجن، وظل فيه أربعة أشهر، ولم يخلصه إلا أصدقاؤه، ووضعوا مغتصب السلطنة مكانه فى السجن. وغدا المجاهد فى عام 724 سلطاناً من غير سلطنة، وضاعت عدن، واستقل الظاهر أحد ابناء أعمامه بأمر نفسه مدة عشر سنوات. ومكن آخرون من ذوى قرباه لأنفسهم فى بيت الفقيه وهاجم المماليك تعز واستولوا على زبيد. على أن أعطياتهم لم تحبس عنهم إلا بعد أن ظلوا على عصيانهم بضعة أشهر. وهزم الأشراف المماليك، وجاء الجنود من مصر وأمعنوا فى التخريب حتى أن الجميع فرحوا عندما غادروا البلاد بعد ذلك بقليل. وتوفى الإمام عام 728 فتخلص السلطان بوفاته من عدو خطير، وأمكنه أن يعيد النظام إلى البلاد إلى حد ما. وخرج أولاد السلطان وبعض أقربائه عن طاعته، كما رفع المماليك راية العصيان للتأخر فى دفع أعطياتهم. وقد نكل السلطان بالمعازبة، وهى قبيلة من قبائل السهول أو سفوح الجبال، وأقام امرأة زعيمة على ما تبقى من منازلهم. وفى عام 736 هـ (1335 - 1336 م) فر الفلاحون من إقليم زبيد بسبب الضرائب وضرب عملة جديدة. وخرج عامل لجمع الضرائب فأمر حراسه من الغز بقتل زعيم من الزعماء الخارجين. وغادر السلطان البلاد لحج بيت الله عام 751، ثمُ حمل إلى مصر، ولم يسمح له بالعودة إلى بلاده إلا بعد عام. وكان عرب السهل منذ ذلك الوقت مصدر القلاقل. ومن الطبيعى أن كل قبيلة من القبائل كانت تراقب الأخرى، غير أن السلطان كان قد أوهن فريقاً منها حتى أن المعازبة كانوا فى ذلك

الوقت قادرين على أن يخرجوا للإغارة عندما يحلو لهم ذلك، بل إنهم قطعوا أسباب الاتصال بين زبيد والشمال. وكانت سياسة الحكومة ترمى إلى حرمانهم من خيولهم. وقدُ قتل أحد الولاة الطغاة ولم يعاقب القاتل. واستولى شريف من الأشراف على مهجم، وتحدى وال من الولاة المنتقضين السلطان طوال عامين، كما خرج ثلاثة من أبناء السلطان عن طاعته. وخلف السلطان على العرش الأفضل العباسى عام 764. وانضم أحد أخوته الثائرين إلى الإمام، وهاجمواً حَرض ثم الشْحر. واستولى العرب على زبيد، واستولىَ الأشراف على أماكن أخرى، وامتدت غارات الإمام صلاح الدين حتى بلغت زبيد، وكان ثمة قتال حول ذمار. وتوفى السلطان عام 778 هـ, واختير الأشرف إسماعيل خلفاً له. وتمرد المماليك وأصبح أحد الأشراف صاحب الكلمة العليا فى صنعاء، وظل الإمام عدوا مبيناً له حتى وفاته عام 793 هـ. وطرد ابنه على من صنعاء على يد منافس له، فجعل ذمار حاضرة له. والظاهر أن الإمامة كانت وراثية فى أسرة واحدة طوال خمسة أجيال على الأقل. وفى عام 798 أرسل الإمام على الهدايا إلى السلطان ومن الواضح أن كثيراً من الهضاب قد ضاعت من السلطان كما أن القلاقل استمرت فى السهول، على أن السلطان ظل مع ذلك قوياً، فاحتفظ بهيمنته على عماله وكان يتلقى الرسائل والهدايا والسفراء من الهند والحبشة. وتوفى عام 803 وكان يلقب بالحاكم العادل، وخلفه الناصر فحكم البلاد بجدارة. ففى الشمال أجبرَ حلى على الاعتراف بسلطانه، وهزم فىَ الجنوب الإمام، وكان قد هاجم أمراءه بنى طاهر، كما استولى على أربعين حصناً فى وُصاب، وجاءته الهدايا الثمينة من مكة والصين. وانتقض عليه أحد أخوته فسمل الناصر عينيه، وما إن توفى هذا السلطان عام 727 حتى تشتت شمل دولته. فقد أعقبه سلاطين حكموا مدداً قصيرة، وفى النهاية قام المماليك بكثير من الثورات. واجتاح الطاعون البلاد؛ وتوفى الإمام عام 840 تاركا زمام الحكم لإحدى بناته. وفى هذا العام نفسه توفى إمام آخر هو أحمد بن

المصادر

يحيى، وكان كاتباً مكثراً. وقد زاد من خطورة الفتن الغارات التى شنها العرب، ذلك أنهم نهبوا زبيد عام 746. وتولى الأمر إمام جديد هو الناصر محمد، فعمد إلى توطيد مركزه بالزواج من حفيدة على صاحب صعدة واشترك بنو طاهر فى القتال، واستولوا على لحج وعدن حتى اعتزل الحكم بفعل هجماتهم آخر بنى رسول عام 858 هـ (1454 م) وذهب إلى مكة منفياً. وكان معظم السلاطين من بناة المساجد والمدارس، وكان بعضهم من الكتاب. وقد درج السلطان إبان عز هذه الأسرة وجاهها على أن يمضى إجازته بين أحراج النخيل فى زبيد (وكانت تسمى سبوت) وعلى ساحل البحر. وكانت البلاد تحكم على يد ولاة أو زعماء خاضعين للسلطان يدفعون له الجزية. وكان فى كل مدينة كبيرة واليان أحدهما يسمى الوالى أو الأمير، والآخر يسمى الناظر أو الزمام أو الُمشد. وكان كبار العمال يخرجون فى أوقات معلومة لجمع الضرائب. وكان الجيش يتألف من خيالة البوابة، والمماليك كردا وغزا، ومن المجندين. وكانوا يحشدون ألف فارس وعشرة آلاف راجل، ويعد هذا الجيش جيشاً كبيراً. وكان حصان الرجل يذبح أحياناً فى جنازته؟ المصادر: (1) الخزرجى: The pearl-strings فى سلسلة كب التذكارية جـ 3، ص 1918 (2) Munzen der Rasulid-: H.Nutzel en برلين سنة 1819 (3) Yaman.Its Early: H.C.Kay Mediaeval History etc, لندن سنة 1892 (4) Historia Yeme-: C. T. Johannsen nae بون سنة 1828. الشنتناوى [تريتون A. S. Tritton] الرشيد (مولاى) ابن الشريف بن على بن، محمد بن على: سلطان مراكش العلوى، والمؤسس الحقيقي للأسرة التى لا تزال تحكم الدولة الشريفية. ولد الرشيد عام 1040 هـ. (1630 - 1631 م) فى

تافيلالت بجنوب مراكش، حيث أنشأ أجداده شرفاء سجلْماسة الحسنيين زاوية مزدهرة، وَاكتسبوا شيئاً فشيئاً نفوذاً سياسياً لا بأس به نما عندما انحلت الأسرة السعدية. وكانت مراكش فى ذلك الوقت غارقة فى الفوضى، واستطاع شرفاء تافيلالت أن يصبحوا بسرعة سادة الأراضي الفسيحة الشبيهة بالسهوب الواقعة إلى الشمال من نطاق الواحات التى تؤلف منطقة نفوذهم. وتلقب مولاى محمد، أكبر أولاد شيخ الزاوية باللقب السلطانى عام 1050 هـ (1646 م) بعد إنتصاره فى تازروالت (فى الجنوب الغربيّ من مراكش) على مرابط زاوية إيلغ على أبى حسّون الذى كانت له أطماع سياسية خاصة. على أنّه لم يكن قد أفلح بعد فى القضاء على نفوذ مرابطى زاوية الدلاء فى مراكش الوسطى، فقنع مرغماً بالسيادة الفعلية على مراكش الشرقية وحسب، بعد إن احتل مدينة فاس عام 1650 احتلالا لم يدم إلا فترة قصيرة. فلما توفى مولاى الشريف عام 1069 هـ (1659 م) هجر ولده مولاى الرشيد زاوية أجداده لأنه كان لا يثق بأخيه مولاى محمد، وذهب إلى زاوية الدلاء المنافسة لها فقابله أهلها فى الظاهر بالترحاب، إلا أنه سرعان ما أوحى إليه بمغادرتها فسار نحو آزرو، ثم إلى فاس. فلم يسمح له بدخولها لأن الدريدى المغامر والى هذه المدينة اعتبره من الأشخاص غير المرغوب فيهم. وذهب مولاى الرشيد بعد ذلك إلى مراكش الشرقية فلم يلبث أن نجح فى أن يجمع حوله عدداً كبيراً من الأتباع، وخاصة الشيخ اللواتى من قبيلة بنى يزناسن (بنى سناسن) الهامة، وكان هذا الشيخ من أئمة رجال الدين واسع النفوذ مسموع الكلمة. وهاجم الرشيد فى الوقت نفسه ثرياً من أثرياء اليهود كان يعيش فى جبال يزناسن فى قرية تعرف باسم دار ابن مشعل، وكان بمثابة الحاكم لها، وقتله ثم استولى على ثروته. وقد أثار هذا الحدث خيال أهل ذلك الإقليم، وكان السبب، كما يستفاد من بيان سنيفال C. de Cenival الرائع عن هذا الموضوع،

فى نشأة أسطورة من الأساطير لا تزال ذكراها مائلة فى الاحتفال السنوى الذى يقام عقب اختيار سلطان الطلباء فى فاس. ولم يحصل الرشيد بقتل هذا اليهودى الثرى على موارد مادية هائلة فحسب. بل أتاح له ذلك أيضاً السيادة الحقيقية على أهل البلاد المجاورة. وفى 1075 هـ (1664 م) انضمت إلى سلطانه قبيلة أنكاد الكبيرة، واستقر فى وجدة واستتب له الأمر فيها. وما إن وصلت أخبار تنصيب الرشيد لأخيه مولاى محمد حتى انزعج محمد لذلك أشد الانزعاج، وأسرع من تافيلالت إلى مراكش الشرقية، والتقت جنوده بجنود الرشيد، غير أن مولاى محمد خر صريعاً فى بداية القتال، ومن ثم انضمت جنوده إلى الرشيد الذى كتبت له السلامة. وهكذا انتقل مولاى الرشيد من نصر إلى نصر. وسرعان ما استولى الرشيد من بعد على تازا من غير أن يلقى فى ذلك عناءً فهدد فاس تهديداً مباشراً، على أنّه صرف همه أولا إلى توطيد سلطانه فى تافيلالت مهد أسرته، وضم إلى أملاكه جبال الريف على شواطئ البحر المتوسط، وكان يحكمها وقتذاك مغامر يدعى أبا محمد عبد الله أعراص. وكان هذا الشيخ قد اتفق أولا مع الإنكليز، ثم مع الفرنسيين على إقامة محلات تجارية على خليج الخزامى Albucemas بالريف (وقد حِّرف فى وثائق ذلك العهد إلى ألبوزيم (Albouzeme . وقد انتزع مولاى الرشيد منه الريف فى شهر مارس عام 1666. فى الوقت الذى أخذ فيه رولان فريجوس Roland Frejus من أهل مارسيليا ينزل إلى الشاطئ المراكشى بعد أن حصل من ملك فرنسا على امتياز المتاجرة مع الريف، وذهب فريجوس هذا لمقابلة مولاى الرشيد فى تازا، ولكن سرعان ما خابت مساعيه فى الدخول فى مفاوضات مع هذا الشيخ. وبادر الرشيد إلى توجيه اهتمامه إلى فاس حاضرة مراكش الشمالية. وكانت لا تزال تقاوم سلطانه. فحاصرها واستولى عليها عنوة فى الثالث من ذى الحجة عام 1076 (6 يونية سنة 1666) وركن واليها الدريدى إلى الفرار. واتخذ الرشيد إجراءات صارمة لمعاقبة بعض أعيان المدينة، وبايعه أهلها

على السلطنة، واستطاع فى الوقت نفسه أن يستميل جماعة الشرفاء الأدارسة النابهى الشأن فى القصبة. واستغل مولاى الشريف السنوات التالية فى توسيع ممتلكاته ناحية الغرب والجنوب. فجهز بادئ الأمر حملة على العرب تمكنت من طرد الزعيم الخضر غيلان واستولت على القصر الكبير وعلى مكناس وتطوان كما استولت على تازا، وكان أهلها قد انتفضوا على الرشيد. وفى عام 1079 هـ (1698 م) استولى على زاوية الدلاء وخربها بعد أن استأصل شأفة شيخها محمد الحاج عند بطن الرمان. واستولى مولاى الرشيد فى العام نفسه على مراكش وقتل أميرهم عبد الكريم الشَّبانى الملقب ب "كروم الحاج".وفى عام 1081 هـ. (1670 م) قام بحملة على السوس وغدا حينئذ صاحب الكلمة العليا فى مراكش بأسرها. وقد ذكر المؤرخ الإفرنى أن المغرب كله من تلمسان حتى وادى نول على حدود الصحراء قد دان فى ذلك الوقت لسلطان مولاى الرشيد. وخرج السلطان فى العام التالي من فاس إلى مراكش حيث كان أحد أبناء أخيه يرمى إلى اعتلاء عرش السلطنة وتوفى مولاى الرشيد إبان مقامه فى القصبة الجنوبية إثر حادث فى الحادى عشر من ذى الحجة عام 1082 (19 أبريل سنة 1672) ولما يبلغ الثانية والأربعين من عمره، ذلك أن الجواد الذى كان يمتطيه أجفل فارتطم بفرع شجرة برتقال فشج رأسه. ودفن مولاى الرشيد بمراكش ثم نقل جثمانه إلى فاس حيث دفن فى ضريح ولى الله على بنِ حرزِهم. (وينطق باللهجة العامية سيدى حرازم). ونودى بأخيه مولاى اسماعيل الذى خلفه فى الحكم سلطاناً فى الخامس عشر من ذى الحجة من العام التالي. كانت حياة مولاى الرشيد السياسية القصيرة الأمد كما رأينا زاخرة بالنشاط مباركة الثمرات. والحق أن مؤرخى مراكش المسلمين لا يملون من الإشادة بمناقب هذا الحاكم التى لا تزال ذكراه عاطرةِ فى فاس بوجه خاص. وهو الذى شيد فى هذه المدينة مدرسة الشراطين، وجسر الرصيف، وقصبة

المصادر

الشراردة على مسيرة ميلين ونصف ميل إلى الشرق من فاس، وهو جسر على وادى سبو له تسع فتحات. المصادر: (1) الإفرانى: نزهة الحادى، طبعة وترجمة هوداس Publications de) L'Ecole des langues orientales vivantes المجموعة الثالثة جـ 3) باريس سنة 1889 ص 301 - 304 من النص وصفحة 501 - 503 من الترجمة. (2) الزيانى: الترجمان المعرب، طبعة وترجمة هوداس Le Maroc de 1631 a P.EL.O.V., 1812) فى المجموعة الثانية، جـ 18 باريس سنة 1886) باريس سنة 1886. (3) آكنسوس: الجيش العرمرم، فاس سنة 1336، جـ 1، ص 58 - 63. (4) الناصرى: كتاب الاستقصاء، القاهرة، جـ 4 سنة 1312, ترجمة. mey A. M جـ 9) باريس سنة 1906 - Chronique de la dynastie alaouie au Ma roc) الفهرس. (5) القادرى: نشر المثانى، فاس، جـ 2، ص 3 - 26, ترجمة - E. Michaux Bellaire. (A.M, جـ 24) باريس سنة 1917، ص 211 - 217؛ وغيرهم من كتاب السير المراكشيين (انظر L'evi Provencal: : Les Historiens des Chorfa باريس سنة 1922. الفهرس). (6) Histoire des conquetes: Mouette -de Mouley Archy = al - Rashid, con nu sous le nom de roy du Tafilet, et de Mouley Ismael باريس 1683. (7) Les Sources ine-: H. de Castries dites de L'histoire du Maroc باريس فى ,. Course of Publ المجموعة الثانية، فى مواضع مختلفة. (8) La Legende du: P. de Cenival Fete du في juif Ibn Mechal et le Hesperis sultan des tolba a Fes جـ 5، سنة 1925، ص 137 - 218. (9) L'etablissement des dy- A. Cour -nasties des Cherfis au Maroc et leur rival- tie avec les Turcs de la Regence d'Alger (1830 .1509) باريس سنة 1904. (10) Histoire de: Ch. A. Jilien L'Afrique du Nord: باريس سنة 1931،

رشيد الدين الطبيب

ص 487 - 490 (وبه صورة [هل هى صحيحة؟ ] لمولاى الرشيد، رسم رقم 225، ص 481) وانظر أيضاً المواد: شرفاء، سلجماسة، وتافيلالت. الشنتناوى [ليفى بروفنسال E.Levi - Provencal] رشيد الدين الطبيب من أعظم مؤرخى فارس. ولد فضل الله رشيد الدين بن عماد الدولة أبو الخير فى همذان حوالى عام 1247 م؛ وبدأ حياته العلمية فى حكم العاهل المولى أبا غاخان طبيبا ممارسا للمهنة. غير أنه كان إلى جانب درايته الواسعة بالطب سياسيا عظيم المواهب نافذ البصيرة. ومن ثم ارتقى فى عهد غازان خان (1295 - 1204 م) من مركزه السابق إلى مرتبة الصدر (وإلى مرتبة مؤرخ القصر أيضا) وذلكُ بعد مقتل صدرجهان الدين الزنجانى (4 مايو سنة 1398). وفى عام 7303 صحب مولاه بصفته هذه فى حملة له شنها على الشام. وبلغ رشيد الدين فى عهد أولجايتو (1034 - 1316) أوج حياته العلمية. وقد أنفق دخله الهائل فى إقامة كثير من المنشآت الخيرية. مثال ذلك أنه أراد أن يجمل السلطانية حاضرة المغول الجديدة فى فارس، فشيد ضاحية جديدة بأكملها عرفت باسمه "الرشيدية" وكانت تتألف من مسجد ومدرسة ومستشفى وعدة آلاف من البيوت. وكان رشيد فى الوقت نفسه دائبا على تأليف كتاب فى تاريخ العالم، قدم الجزء الأول منه لمولاه فى الرابع عشر من شهر أبريل عام 1306. وكان نفوذه فى تلك الفترة لا حد له، بل هو قد أفلح فى حمل مولاه أولجايتو على تغيير مذهبه واعتناق المذهب الشافعى. وأنقذ من الموت عالمين من أبرز علماء بغداد هما شهاب الدين السهروردى وجمال الدين، فقد اتهما بالتفاوض مع مصر وكانا يتوقعان الحكم بقتلهما. واستأنف رشيد عام 1309 نشاطه فى إقامة المبانى فأنشأ ضاحية جديدة بالقرب من غازانية إلى الشرق من تبريز، وأمدها بقناة عظيمة تأخذ مياهها من سراورود. غير أن المركز السابق الذى بلغه هذا الرجل العظيم خلق له طائفة من الأعداء. وفى

عام 1315 مر به وقت عصيب بسبب الضائقة المالية التى حالت دون دفع أعطيات الجند. ولم يدخر أعداؤه بعد وفاة أولجايتو وسعا فى سبيل القضاء على رشيد الدين. فصرف عن منصبه الرفيع فى أكتوبر عام 1317، كما أن وفاة راعية الأمير سرنج (فى يناير. سنة 1318) حرمه من آخر سند له، فأعدم آخر الأمر هو وابنه الصغير خواجه إبرهيم ذلك أنه أتهم ظلما بأنه دس السم لمولاه السابق أولجايتو (18 يولية سنة 1317) ومثل بجثمانه أشنع تمثيل كما هدم ونهب "الربع الرشيدى" مفخرته. ومع ذلك أفلح ولده الأكبر غياث الدين فى أن يحتفظ بمنصب رفيع حتى بعد وفاة والده، إلا أنه حكم عليه أيضا بالإعدام عام 1336. ولم ينته الأمر عند هذا الحد بل إن جثمان رشيد لم يترك ليثوى فى قبره آمنا، ذلك أن ميرانشاه المجنون (1404 - 1407) ولد تيمور جاء بعد ثمانين عاما فأمر بنبش قبر رشيد وأخرج عظامه ودفنها فى مدافن اليهود (1399 م). وترجع شهرة رشيد كما أسلفنا إلى تاريخه الخالد "جامع التواريخ، وهو تاريخ للمغول بدأ يكتبه بتكليف من غازان خان، ومن ثم يعرف أحيانا باسم "تاريخ غازانى". ثم أمر أولجايتو بإتمام هذا الكتاب وأن يُوفَى بتاريخ عام للعالم الإسلامى ويلحق به ذيل جغرافى. وكان الكتاب، وفقا لخطته الأصلية، يتألف من جزءين رئيسيين: (1) تاريخ المغول (2) تاريخ عام وذيل. غير أنه أتخذ الصورة التالية بعد أن تم فى عام. 1310 - 311. المجلد الأول: 1 - تاريخ القبائل التركية والمغولية، أقسامها ونسبها وأساطيرها. 2 - جنكيز خان، أسلافه وخلفاؤه حتى غازان. المجلد الثانى: المقدمة: آدم وأنبياء المسلمين والعبرانيين. 1 - ملوك الفرس القدامى. 2 - محمد والخلفاء حتى عام 1258.

تاريخ الأسرة الحاكمة فى فارس: الإسماعيلية فى الشرق والغرب. الأوغز والترك، والصينيون، واليهود والفرنجة: أباطرتهم وباباواتهم، الهند، بوذا ودينه. وكان فى عزم رشيد الدين أن يضيف تاريخ عهد أولجايتو أيضا بحيث تكون بداية هذا العهد (1306 - 1307) فاتحة المجلد الثانى، ونهايته خاتمة هذا المجلد. ولا نعلم هل نفذ ذلك أم لم ينفذه، لأن هذا القسم من الكتاب هو والذيل الجغرافى لا وجود لهما فى جميع المخطوطات التى وصلت إلينا. وأهم سمات هذا الكتاب العظيم إخلاص رشيد فى عمله، فقد حاول أن يرجع إلى أحسن المصادر وأوثقها. صحيح أنه لم يتيسر له الرجوع إلى الأخبار المغولية المشهورة المعروفة باسم "ألتن دبتر" بوصفه فارسيا من الفرس، إلا أنه استخرج منها الحقائق الضرورية بالاستعانة بصديقه بولاد جينك سيانك كما استعان أيضا بعض الاستعانة بغازان نفسه، وكان غازان على دراية واسعة بتاريخ قومه. وأمده بالمعلومات عن الهند "بهكشو" هنديا، كما زوده عالمان صينيان بالمعلومات عن الصين. ومن أعجب العجب أن نلمس فى عالم من علماء العصور الوسطى مثل رشيد الدين كل هذه المعرفة المتعددة الجوانب. لقد كان رشيد يعلم بالنزاع بين البابا والإمبراطور، بل كان يعلم أن استكلندة تدفع الجزية لإنكلترة وأنه لا توجد ثعابين فى إيرلنده. وكان رشيد الدين مدركا تمام الإدراك ما لكتابه من شأن، ولذلك حاول بكل الطرق الممكنة أن يضمن له البقاء فأمر بكتابة نسخ منه لأصدقائه ولكثيرين من العلماء. وكانت المصنفات المكتوبة بالفارسية تترجم إلى العربية والعكس بالعكس. وكان رشيد يرسل كل عام نسخا من تاريخه إلى مكتبات المدن الكبرى، ولا يضن على أى فرد بأن ينسخه دون مقابل، غير أن كل ما فعله رشيد فى هذا الصدد لم يأت بطائل، ذلك إنّه لم تصل إلينا نسخة كاملة من هذا التاريخ. ولرشيد الدين علاوة على هذا التاريخ العظيم: (1) كتاب الأحياء والآثار، وهو فى أربعة وعشرين فصلا

تناول فيها مسائل فى الأرصاد الجوية، والزراعة، وتربية النحل والقضاء على الثعابين والآفات الأخرى ألخ، وفى هذا الكتاب أيضا نبذ عن العمارة والتحصينات وبناء السفن والتعدين وصناعة المعادن. ولم نعثر بعد على آية نسخة منه. (2) التوضيحات، وهى رسالة صوفية فقهية فى تسعة عشر فصلا (3) مفتاح التفاسير، وهو فى بلاغة القرآن وتفسيره إلخ (4) الرسالة السلطانية (تمت فى 14 مارس سنة 1307) وهى خلاصة مناظرة فقهية عقدت فى حضرة أولجياتو (5) لطائف الحقائق، فى أربع عشرة رسالة فى الفقه والتصوف، وقد كتب المصنفات الأربعة الأخيرة باللغة العربية، ويتألف منها ما يعرف باسم "المجموعة الرشيدية"، وتوجد نسخة جيدة من هذه المجموعة كتبت عام 1310 - 1311 (ومن المحتمل أن يكون ذلك قد تم بطلب من المؤلف نفسه) فى المكتب الأهلية de Slane) Bibliotheque Nationale: Catalogue des manuscrits arabes باريس 1883 - 1895، رقم 2314، ص 407). (6) بيان الحقائق فى سبع عشرة رسالة فقهية تتناول بعض المسائل الطبية من وقت لآخر. وكان فى مكتبة الأستاذ بروان الخاصة. E.G. Browne مجموعة قيمة من 53 رسالة وجهها رشيد الدين إلى بعض الرجال البارزين. وقد جمع هذه الرسائل سكرتيره الخاص محمد أبرقوهى. ولتاريخ رشيد الدين قيمة عظمى، ومع ذلك فإنه ليست لدينا طبعة كاملة للأجزاء الموجودة منه سواء بنصها أو فى ترجمات لها. على أن هذه المهمة ليست يسيرة، لأن مخطوطات هذا الكتاب-وإن تعددت- غير موثوق فيها جميعا، وتحتاج إلى عمل شاق عسير يقوم على النقد، بل إن أقدم المخطوطات (المتحف البريطانى، الملحق 16, 688، Rieu رقم 78 - 979 يشوبها الخطأ. وفى رأى بارتولد أن أحسن مخطوط فيما بلغ إليه علمه هو المخطوط المحفوظ فى المكتبة العامة بليننغراد وقد نسخ عام 1407 - 1408. ويوجد مخطوط قديم قيم جدا (القرن الرابع عشر أو القرن الخامس عشر) بالمكتبة الاسيوية المركزية فى

المصادر

تاشكند (أنظر Jahresbericht: E.K.Betger fur das Jahr نلأ 3 der Mitt. . As Staatsbibliothek 1925 [بالروسية] Nach-: W.Barthold richten der Akademie der Wissenschaften ,der U.S.S.R سنة 1926، ص 217 وما بعدها وهو بالروسية). المصادر: (1) G. Browne. A History of per-E sian Literature under Tartar Dominion كمبردج سنة 1920. (2) Turkestan down to: W. Barthold the Mongol Invasion فى مجموعة كب التذكارية، لندن سنة 1928. (3) Djami el-Tevarikh,: E.Blochet" histoire generale du monde par Fadl Allah Rashid ed-Din. Tarikh-i Moubarek-i .Ghazani, Histoire des Mongols. Vol -Gontenant l'histoire des empereurs mon gols successeurs de Tchinkiz khghan (مجموعة كب التذكارية جـ 18، ص 2) لندن سنة 1911. (4) Introduction a: E. Blochet l'Histoire des mongols de Fadl Allah Rachid ed-Din باريس سنة 1910. (5) Histoire des Mon-: : Quatremere gols de la perse (Jami' ultavarikh), ecrite -en persan par Rachid-Eldin, publiee, tra duite en frangais, accompognee de notes et d'un memoire sur la vie et les ouvrages de l'auteur جـ 1، باريس سنة 1836 (وبه مراجع مستوفاة). (6) Description de la J. Klaproth - Chine sous le regne de la dynastie mon gole traduite du persan de Rachideddin et accompagnee de notes باريس سنة 1833. (7) Vollstandige: T.V. Erdmann -Uber-sicht der dltesten tilrkischen. tatari chen and mongholischen Volkertamme nach Raschid-uddins Vorgange bearbeitet سنة 1841. (8) Extrait de: Quatremere .l'Histoire des Mongols de Rashid Eldin Textepersan. Al'usage des eleves de I'Ecole ... des langues orientales vivantes باريس سنة 1844. الشنتناوى [برتلز. E.Berthels]

الرضاع

الرضاع أو الَرَضاعة، بفتح الراء وكسرها: لغة امتصاص ثدى الأم، واصطلاحًا الرضاع الذى ينبنى عليه نسب فى الرضاعة مانع من الزواج. ومن المفروض أن فكرة النسب فى الرضاعة كانت ذائعة عند العرب قبل الإسلام (انظر Kinship and: Robertson Smith , Marriage in Early Arabia ط 2 ص 176، 196 هامش رقم 1)، ومما يدل على ذلك دلالة واضحة الكيفية التى فسر بها الحديث الأوامر المتعلقة بالموضوع. فقد ذكرت الآية 23 من سورة النساء أمهات الإنسان اللواتى أرضعنه وأخواته من الرضاعة من بين الأقارب من الإناث اللاتى يحرم عليه نكاحهن؛ ولابد أن يكون ذلك مطابقاً تمام المطابقة للعادة الجاهلية القديمة التى لم تكن تعتبر النسب فى الدم مانعاً من النكاح إلا بالنسبة لهاتين الدرجتين من الأقرباء (¬1) (انظر Robertson smith فى نفس الموضع). ولكن لما كان القرآن فى الآية المتقدمة يوسع نطاق الأسباب المانعة من الزواج بحيث تتجاوز النسب فى الدم فقد عولجت مسألة النسب فى الرضاعة تبعا لذلك على أساس أنه مانع من الزواج، خلافاً لنص الآية الصريح. وكثيراً ما تساق فى الحديث تأييداً لذلك تلك العبارة المتمشية مع الرأى الجاهلى القديم، وهى أنه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب" والحادثة الحاسمة من حيث كونها أساسًا للقاعدة فى تحريم نكاح بنت الأخ من الرضاعة ترجع إلى النبى [- صلى الله عليه وسلم -] نفسه (¬2). وانظر لما جاء فى الحديث من تحريم النكاح بين الأخوة فى الرضاعة من زوجتين لرجل واحد بعينه (¬3) فقد ¬

_ (¬1) عن ابن عباس وقتادة أن أهل الجاهلية كانوا يحرمون ما حرم الله إلا امرأة الأب والجمع بين الأختين- راجع مثلا تفسير الطبرى جـ 4، ص 217 - المترجم. (¬2) جاء في كتاب كنز العمال، جـ 3، ص 246، حديث رقم 3912: عن أم سلمة، قالت: قيل: يارسول الله! ألا تخطب ابنة حمزة؟ قال: إن حمزة أخى من الرضاعة- قارن ص 244، حديث رقم 3880، ص 245 حديث رقم 3886، 3896 ص 246 رقم 3917 - المترجم. (¬3) سئل ابن عباس عن رجل تزوج امرأتين فأرضعت الواحدة جارية وأرضعت الأخري غلاما، هل يتزوج الغلام الجارية؟ قال لا. اللقاح واحد؛ لا تحل له- كنز العمال، جـ 3، حديث رقم 3898 - المترجم.

أدخلت علاقات التصاهر أيضًا فى دائرة النسب فى الرضاعة. ونجد في الأحاديث المذكورة فى تفسير الآية القرآنية المتقدمة أن النسب فى الرضاع من الأسباب المانعة من النكاح على أساس التصاهر، وُيذكر فى بيان سبب ذلك المنع أن اللقاح (وهو الذى يحدث اللبن) واحد وفى حديث (كنز العمال، جـ 3، رقم 3911) رد على رأى من يقول بالفصل والتمييز بين النسب فى الدم والنسب فى الرضاع (وهو القول الذى بحسبه لايعتبر أخو زوج الأم من الرضاعة قريباً من الرضاعة). وكانت مسألة كمية الرضاعة التى لابد منها لإيجاد النسب فى الرضاعة نقطة خلاف قديمة: فبعض الأحاديث تعتبر أن الرضعة والرضعتين أو المصة والمصتين غير كافية فى ذلك، وبعضها الآخر يحتم سبع رضعات، وبعضها يحتم الحضانة وما فتق الأمعاء وأنشأ العظم وأنبت اللحم، أى ما غذى الرضيع حقيقة. وقالت طائفة فى الرد على ذلك إنه يحرم النكاح من الرضاع قليله وكثيره، بل يقال إنه كان فى القرآن عشر رضعات، ثم رُدَ ذلك إلى خمس، ولكن هذه الرواية التى لا شك أنه يقصد منها أن تؤيد الرأى الذى ينبنى عليها غير جديرة بالثقة (انظر. Nodeke Geschichte des Qorans: Schwally ج 1 ص 253 وما بعدها؛ كنز العمال، حديث رقم 3923 وما بعده) ومن الثابت أن البعض كان يعمد إلى إلارضاع بقصد إيجاد النسب فى الرضاع على نحو غير طبيعى، وتدل على هذا الصنيع أحاديُث أخرى كثيرة لا تعتد به، وهى لا تعتد به إما بصراحة وإما على وجه غير صريح (كما قيل فى المثل الفقهى، الرضاعة من المجاعة) والمرجع الأعلى فى جعله مانعاً من الزواج إلى النبى [- صلى الله عليه وسلم -] نفسه يرخص به (كنز العمال، رقم 3919)، وكذلك يوجد نص يدل على أنّه كان لا يعتد بإرضاع الأطفال بقصد إيجاد النسب فى الرضاع المانع من النكاح (رقم 3885) وفى بعض الأحاديث أنه تكفى لإثبات النسب فى الرضاعة شهادة المرضعة نفسها على أن تُسْتَحلف، بل من غير أن تْسَتحلف، وبوجه عام تكفى شهادة امرأة أو شهادة رجل وامرأة. أما فى البعض الآخر من الأحاديث فنجد،

خلافا لهذا الذى أجيز فى أول الأمر، أنه لابد من الشهادة العادية، وهى شهادة رجلين أو رجل وامرأتين. وهذه النقط الخلافية التى تتجلى فى الأحاديث ظلت نقطة من النقط الخلافية عند أوائل الفقهاء، وقد ذكر الشوكانى فى كتابه نيل الأوطار (ط. القاهرة 1346 هـ، جـ 6، ص 269 وما بعدها) آراء كبار الفقهاء .. أما أهم نقطة خلافية ظهرت فى هذه الفترة الثانية، وهى نقطة تكاد الأحاديث لا تتناولها، فهى مسألة المدة التى فى أثنائها ينشأ عند الطفل نسب الرضاعة، فنجد أحيانا أنها الفترة إلى الفطام، أو الطفولة كلها دون تحديد ثابت؛ وأحيانا أخرى نجد أنها على التحديد مدة سنتين أو سنتين ونصف، أو ثلاث سنين، أو سبع سنين. وفيما يتعلق بتحديد مدة السنتين احتج البعض بآية 233 من سورة البقرة، وهى: "والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين، لمن أراد أن يتم الرضاعة" (وفيما يتعلق بالتفاصيل راجع الشوكانى، نفس المصدر، ص 272). والمذاهب الأربعة مجتمعة على أن النسب فى الرضاعة يقوم بين الرجل وكل ذريته من جهة، وبين مرضعته وكل أقاربها فى النسب والرضاعة وزوجها وكل أقربائه فى النسب من جهة أخرى، ولكن لا نسب فى الرضاعة بين رجل وبين آباء إخوته فى الرضاعة أو أقاربهن من غير العصبة ولا بين المرضعة وبين آباء رضيعها وأقاربه من غير العصبة. والحنفية والمالكية لا يشترطون فى الرضاعة التى يحرم معها النكاح حداً أدنى، أما الشافعية فقد اشترطوا خمس رضعات. ومدة الرضاع عند المالكية (إلا إذا وقع الفطام مبكراً) وكذلك الشافعية والحنابلة سنتان، وعند الحنفية سنتان ونصف سنة. وأجاز الظاهرية رضاع الشخص الكبير. وقد اكتفى الشافعية أيضا فى إثبات النسب فى الرضاعة بشهادة أربع نساء، والمالكية بشهادة امرأتين إذا كانت المسألة مسألة خطيرة، واكتفى الحنفية بشهادة امرأة واحدة. ومنذ فجر الإسلام إلى اليوم قد احتفظ أشراف مكة بعادة استرضاع أبنائهم من مرضعات من أهل البادية (انظر La Meque a la Veille: Lammens)

المصادر

L'hegire وكانت عادة استئجار المرضعات فى مقابل إطعامّهن ذائعة ذيوعاً كبيراً فى صدر الإسلام، وقد أدت إلى الاعتراف بهذا التعاقد الذى لا يتفق مع ما يقضى به القانون الشرعى، فيوصى أحد الأحاديث بأن يعرب الإنسان عن شكره للمرضعة بإهدائها غلاما أو جارية. وقد وضع النظام الكامل فيما يتعلق بإرضاع الأطفال من أمهم أو من مرضعة بأجر فى حالة الطلاق، وذلك على أساس الآية 233 من سورة البقرة. المصادر: (1) AHandbook of Early Mu-: Wensinck hammadan Traditian تحت كلمة: Nurs-ing (2) Handbuch des islamischen: Juynboll Gesetzes ص 219 (3) المؤلف نفسه Handleiding الطبعة الثالثة، ص 185 (4) istituzioni di diritto mu-: Santillana sulmana Malichita - جـ 1، ص 161 وفيما يتعلق بالإمامية راجع: (5) Droit musulmam: Querry جـ 1، ص 657 وما بعدها م. عبد الهادى أبو ريدة [شاخت Joseph schacht] تعليق 1 - مع اعترافنا بما لبعض المستشرقين من قدم راسخة فى الدراسات الإسلامية، فإننا نجد منهم غمزات هنا وهناك للرسول [- صلى الله عليه وسلم -] ما جاء به من تشريعات مصدرها الأساسى القرآن (¬1) ومن هذا ما يذكره كاتب هذه المادة بخصوص الآية رقم 23 من سورة النساء فى بيان المحرم زواجهن من النساء وفيها: " ... وأمهاتكم اللاتى أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة ... " حيث يقول: ولابد أن يكون ذلك مطابقاً تمام المطابقة للعادة الجاهلية القديمة إلخ. إن الرسول [- صلى الله عليه وسلم -] لم يكن حريصاً قط فى التشريع على أن يكون مطابقاً لما كان عليه العرب فى الجاهلية، فإن القرآن لم ينزله الله تعالى إلا لتغيير هذا الذى كان فى الجاهلية مما لا مصلحة ولا خير ¬

_ (¬1) راجع مثلا، منتقى الأخبار بشرحه: نيل الأوطار جـ 6: 317 - 318

فيه، ولم يقر الرسول [- صلى الله عليه وسلم -] من العادات والأعراف الجاهلية القانونية أو الأخلاقية إلا ما رأى المصلحة والخير فى إقراره، وذلك بلا ريب قليل إلى جانب سائر التشريعات القرآنية والنبوية المحضة. 2 - وكذلك يقول بأن مسألة النسب فى الرضاعة عولجت على أساس أنه مانع من الزواج، خلافاً لنص الآية الصريح"! مع أنّه من المعلوم ضرورة أن الرسول ما كان ليخالف نصاً قرآنياً صريحاً إلا بوحى من الله تعالى من ضرب آخر، وهو الذى نسميه السنة؛ فإن الرسول [- صلى الله عليه وسلم -] كما يقول القرآن نفسه "ما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحى يوحى" ويتناسى الكاتب الدور الذى للسنة بجانب القرآن، وهو بيانه وتحقيق المقصود منه، ولذلك يقول الله تعالى (سورة النحل 16/ 44): " ... وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نُزل إليهم ... " 3 - وحين يذكر الرسول [- صلى الله عليه وسلم -] فى بعض أحاديثه هذه القاعدة، وهى: "يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب"، أو- كما رواه الترمذى وأحمد - "إن الله حرم من الرضاع ما حرم من النسب"، يرى كاتب المادة أن هذا رأى جاهلى قديم سيق فى الحديث تأييداً لما أراده الرسول! مع أن الرسول [- صلى الله عليه وسلم -] نفسه يقول: "إن الله حرم من الرضاع ما حرم من النسب"، أى أن مصدر هذا التشريع هو الله تعالى نفسه لا العرف فى الجاهلية! 4 - هذا الحديث الذى ينسب للسيدة عائشة رضى الله عنها غير جدير بالثقة حقا كما يقول الكاتب، بل غير جائز اعتقاد صحته على ما ورد. وذلك -كما يذكر الجصاص فى كتابه أحكام القرآن جـ 2: 152، المطبعة البهية بالقاهرة سنة 1347 هـ (¬1) - لأنها ذكرت أنّه كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات فنسخن بخمس، وأن رسول الله [- صلى الله عليه وسلم -] توفى وهو مما يتلى. وليس أحد من المسلمين يجيز نسخ القرآن بعد موت النبى [- صلى الله عليه وسلم -] فلو كان ثابتا لوجب أن تكون التلاوة موجودة، فإذا لم توجد التلاوة، ولم يجز النسخ بعد وفاة النبى [- صلى الله عليه وسلم -] لم يخل ذلك من أحد وجهين: إما أن يكون الحديث ¬

_ (¬1) راجع بدائع الصنائع للكاسانى جـ 4: 7 - 8

رضية

مدخولا فى الأصل غير ثابت الحكم؛ أو يكون إن كان ثابتا فإنما نسخ فى حياة رسول الله، وما كان منسوخا فالعمل به ثابت، إلى آخر ما قال. 5 - من الثابت عند الأحناف أنهم لا يكتفون فى إثبات الرضاع بشهادة امرأة واحدة، كما يزعم كاتب المادة، بل لا يجيزون فى هذا شهادة النساء وحدهن. وفى ذلك يقول ملك العلماء علاء الدين الكاسانى، المتوفى عام 587 هـ ما نصه: "وأما البينة (أى على ما يثبت به الرضاع) فهى أن يشهد على الرضاع رجلان أو رجل وامرأتان، ولا يقبل على الرضاع أقل من ذلك، ولا شهادة النساء بانفرادهن. وهذا عندنا (أى عند الأحناف)، وقال الشافعى يقبل فيه شهادة أربع نسوة (¬1)؟ الدكتور محمد يوسف موسى رضية (1236 - 1240 م): المرأة الوحيدة التى وليت عرش دهلى إبان الحكم الإسلامى، وهى أيضًا الملكة الوحيدة فى تاريخ الإسلام إذا استثنينا شجرة الدر ملكة مصر. فقد اختار إيلتتمش بعد وفاة ابنه الأكبر، ابنته رضية لولاية العهد لما رآه من صلاحها للحكم على الرغم من معارضة أصحاب رأيه. وبعد وفاة إيلتتمش ولى رجال حاشيته على العرش ابنه ركن الدين فيروز ضاربين عرض الحائط برغبات الملك المتوفى. وأنفق ركن الدولة وقته فى العربدة تاركا السلطان الحقيقي بأجمعه فى يد أمه شاه تركان، فأهاجت الشعب بقسوتها وانتهى الأمر بثورة شعبية سافرة. وأخيرًا نادى أهل دهلى وفريق من رجال الجيش برضية ملكة على البلاد عام 634 هـ (1236 م) على الرغم من كراهية المسلمين الشديدة لتولية النساء الحكم. وقد رفض نظام الملك محمد جنيدى الاعتراف بها، إلا أنها كانت من الفطنة والكياسة بحيث قضت على كل معارضة قامت فى طريقها. وعينت الخواجه مهذب الدين حسين وزيراً لها، كما نصبت ملك سيف الدين على رأس الجيش ومنحته لقب قوتلوغ. وأقامت اختيار الدين ¬

_ (¬1) بدائع الصنائع، جـ 4: 14

المصادر

أيتكين أميرًا للحجاب "أمير حاجب". على أن الأمراء الترك قد ساءهم ما أظهرته هذه الملكة من رعاية لحبشى يدعى ملك جمال الدين ياقوت. وكان يشغل منصب أمير الخيل "أمير أخور"، لذلك ثار هؤلاء الأمراء آخر الأمر وقتلوا هذا الحبشى وسجنوا الملكة، ونصبوا على العرش أخاها غير الشقيق بهرام شاه (رمضان 636 الموافق أبريل 1240). وعزم ملك اختيار الدين ألطونيه والى بهاتنده- وهو الذى عهد إليه زملاؤه المتآمرون بحبس الملكة عنده- على أن يقف إلى جانب الملكة، فتزوجها وسار وإياها إلى دهلى، ولكنه هزم بالقرب من كيتهل، وكان مصيره القتل هو ورضية فى اليوم التالي لهذه الهزيمة. والمصدر الأصلى الوحيد عن حكم هذه الملكة هو كتاب "طبقات ناصرى" لمنهاج الدين [انظر جوزجانى]. أما روايات جميع الكتّاب المتأخرين مثل ابن بطوطة وفرشته والبداونى ومؤلف كتاب "طبقات أكبرى" فغير موثوق بها. وكل ما ذكره منهاج الدين أن هذه الملكة قد عاملت الحبشى معاملة تقوم على العطف والرعاية، وكان فى هذا ما يكفى لتمكين المورخين المتأخرين من القول بأن هذا العطف كان غراماً لا يصح من جانب الملكة. وقد طرحت هذه الملكة فى أواخر حكمها ملابس النساء وظهرت أمام الناس سافرة ترتدى ملابس الرجال. والظاهر أن السبب الحقيقي فى سقوطها هو معارضة أمراء الترك لها. المصادر: (1) منهاج الدين: طبقات ناصرى. ترجمة H. G. Raverty, لندن سنة 1881، جـ 1، ص 637 - 648. الشنتناوى [كولن ديفز C. Collin Davies] رطل وحدة من وحدات الوزن ترجع إلى ما قبل الإسلام، وتختلف باختلاف البلاد والأزمان. ويقول المقريزى إن جميع الموازين كانت قبل الإسلام ضعف ما أصبحت عليه فى العهود الإسلامية ماعدا المثقال، فقد ظل موحداً

المصادر

قبل الإسلام وبعده (المقريزى، ص 3, 5)، وإن الرطل 11 أوقية أو 144 درهماً. وكان الرطل فى دمشق أيام القرون الوسطى يساوى 60 درهم، وكان يساوى فى حلب 730 درهماً، أما فى مصر الحديثة فالرطل موحد، يساوى 100/ 1 من القنطار = 12 أوقية = 144 درهما = 449، . كيلو جراما = 99 ر، من الرطل الإنجليزى. و 75 ,2 رطلا تساوى فى جميع الموازين خلا موازين الأحجار الكريمة والمعادن النفيسة والعقاقير أقة = 248, 1 كيلو جراماً = رطلين إنكليزيين و 11 أوقية؟ المصادر: (1) المقريزى: Historia Monetae Arabicae طبعة، . O.G.Tyschen روستوك 1797 م (2) القلقشندى: صبح الأعشى، أربعة عشر مجلداً، 1913 وغير ذلك من الطبعات (3) Poids et: J.A.Decourdemanche neunles anciens et des mesures des arabes باريس 1909 م (4) La sy-: : Demombynes Godefroy rie a L'Epoque des Mamlouks باريس 1928 (5) القانون رقم 9، 1914 م فى الوقائع المصرية؛ القانون رقم 129، 30 سبتمبر 1914 الخاص بتوحيد الموازين فى مصر خورشيد [عطية A. S. Atiya] الرفاعى أحمد بن على أبو العباس، شيخ الطريقة الرفاعية. توفى فى 22 جمادى الأولى عام 578 (23 سبتمبر 1183) فى أم عبيدة من ناحية واسط. ويذكر بعض الكتاب أنه ولد فى المحرم عام 500 (سبتمبر 1106)، ويقول آخرون إنّه ولد فى رجب عام 512 (أكتوبر- نوفمبر 1118) فى قرية حسن إحدى قرى ناحية البصرة. وهذان المكانان فى إقليم البطائح ومن ثم نسبته البطائحى. وتفسر كلمة الرفاعى عادة بأنها إشارة إلى سلف من أسلافه يدعى رفاعة، غير أن البعض يرون أن هذا الاسم علم على قبيلة من القبائل. ويقال إن هذا السلف

"رفاعة" قد هاجر من مكة إلى إشبيلية من أعمال الأندلس عام 317، ومنها وفد جد أحمد إلى البصرة عام 450، ومن هنا لقب أيضا بالغربى. والإشارة الواردة عنه فى كتاب ابن خلكان قصيرة لا غناء فيها، غير أن ثمة تفصيلات أكثر عنه وردت فى كتاب تاريخ الإسلام للذهبى (مخطوط فى مكتبة بودليان Bodleian) أخذت من مجموعة مناقبه التى وضعها محيى الدين أحمد بن سليمان الحّمامى ولقنها أحد تلاميذه عام 680. ولم تظهر هذه المجموعة بين ثبت الرسائل الخاصة بهذا الموضوع التى ذكرها أبو الهدى أفندى الرافعى الخالدى السيادى فى كتبه: تنوير الأبصار (القاهرة 1306 هـ) وقلادة الجواهر (بيروت 1301 هـ) - وقلادة الجواهر سيرة مستفيضة تنقل كثيراً من الشواهد عن "ترياق المحبين" لتقى الدين عبد الرحمن ابن عبد المحسن الواسطى المتوفى عام 744 (وقد عرفه حاجى خليفة) - و"أم البراهين" لقاسم بن الحاج، و"النفحة المسكية" لعز الدين الفاروثى المتوفى عام 694 وغير ذلك من الكتب. وقد استقى الحمامى رواياته من شخص يدعى يعقوب بن كراز، وكان مؤذنا عند الرفاعى. ويجب أن نحتاط كثيراً فى استخدام مثل هذه المعلومات. وجاء فى بعض الروايات أن الرفاعى ولد بعد وفاة أبيه، فى حين أن معظم الروايات تجعل وفاة أبيه فى بغداد عام 519 عندما كان ولده أحمد فى السابعة من عمره. ثم كفله عندئذ خاله منصور البطائحى، وكان مقيما عند نهر دقلا من أرباض البصرة. والمنصور هذا (هناك إشارة عنه فى كتاب الشعرانى "لواقح الأنوار" جـ 1، ص 178) يذكر على أنه شيخ طائفة دينية يطلق عليها أحمد اسم الرفاعية (لو صح ما نقله عنه حفيده فى كتابه القلائد، 88 ص). وقد أرسل منصور ابن أخته الى واسط ليتفقه على أبى الفضل على الواسطى من شيوخ الشافعية، وعلى خاله أبى بكر الواسطى، وظل الرفاعى يطلب العلم حتى السابعة والعشرين من عمره، ثم قال إجازته على أبى الفضل، والخرقة من خاله المنصور الذى طلب إليه أن

يستقر فى أم عبيده وكان فيها على ما يظهر مال لأسرة أمه، وبها دفن يحيى البخارى الأنصاري والد أمه، وفى العام التالي (540) توفى منصور تاركا مشيخة الطائفة إلى أحمد حارماً منها ولده. والظاهر أن نشاط أحمد كان محصوراً فى أم عبيدة والقرى المجاورة لها التى لم تكن أسماؤها معروفة للجغرافيين، بل إن أم عبيدة ذاتها لم يذكرها ياقوت وإن كانت قد ذكرت فى نسخة من كتاب "مراصد الاطلاع". وهذه الحقيقة تدعونا إلى عدم تصديق ما ذكره أبو الهدى من جمهرة مريديه بل خلفائه وذلك العدد الكثير من العمائر الضخمة الفاخرة البناء التى كان يجتمع فيها وإياهم. وذكر سبط ابن الجوزى فى كتاب "مرآة الزمان" (شيكاغو سنة 1907، ص 236) أن شيخا من شيوخ الرفاعية أخبره أنّه شاهد نحو مائة ألف شخص مع الرفاعى فى ليلة من ليالى شعبان. ونستدل مما جاء فى كتاب "شجرات الذهب" أن سبط ابن الجوزى نفسه هو الذى شاهد ذلك، مع أن الجوزى هذا ولد عام 581، أى بعد ثلاث سنوات من وفاة الرفاعى وجاء فى كتاب "تنوير الأبصار" أن جده بل هو نفسه يؤكدان ذلك. ولم يذكر مريدو الرفاعى أنه ألف آية رسالة، غير أن أبا الهدى يذكر له ما يلى: 1) مجلسان ألقاهما فى عام 577 (3 رجب) ثم فى عام 578 (2) ديوان من القصائد الطوال (3) مجموعة من الأدعية والأوراد والأحزاب (4) عدد كبير من أقوال شتى تطول أحياناً حتى تبلغ مبلغ المواعظ، وهى مليئة فى كثير من الأحيان بالترديدات والإعادات. ولما كان الرفاعى يدعى فى مصنفاته رقم 1 و 2 و 4 أنه من سلالة على وفاطمة وأنه نائب النبى [- صلى الله عليه وسلم -] فى الأرض، فى حين أن كتاب سيرته يؤكدون إنّه كان متواضعا ذليلا وينكرون عليه هذه الألقاب: قطب، وغوث بل شيخ، فإن صحة هذه الرسائل والمصنفات تكون موضع شك وريبة. ويؤكد صاحب كتاب "شجرات الذهب" (جـ 4، ص 260) أن الفعال العجيبة التى تنسب

إلى الرفاعية كجلوسهم فى الأفران المتأججة، وركوبهم الأسد وغير ذلك (وصف هذه الفعال لين Lane فى كتابه Modern Egyptians جـ 1، ص 305) لم تكن معروفة لدى منشئ هذه الطريقة وقد استحدثت بعد الغزو المغولى. ومهما يكن من شئ فإن هذه الفعال لم تكن من بدع الرفاعى، لأن التنوخى الذى عاش فى القرن الرابع الهجرى ذكر فعالا شبيهة بها. ونستشف من الحكايات التى ذكرها الذهبى (رددها السبكى فى الطبقات، جـ 4، ص 40) أن عقيدة الرفاعى كانت شبيهة بعقيدة الأهنسا الهندية، أى الإحجام عن قتل المخلوقات أو إيذائها ولو كانت من القمل والجراد. ويقال أيضاً إنّه امتدح الفقر والزهد والبعد عن الأذى والضر والاستسلام لهما. وجاء فى كتاب مرآة الزمان كيف أن الرفاعى سمح لزوجته أن تضربه بالمسعر وإن كان أصدقاؤه قد جمعوا له خمسمائة دينار ليمكنوه من تطليقها ورد صداقها. (ولا ينفق المبلغ المذكور مع فقره المزعوم) وهناك روايات متناقضة عن علاقاته بعبد القادر الجيلانى الذى كان معاصراً له، فقد جاء فى كتاب "بهجة الأسرار" بإسناد خاطئ على ما يظهر رواية عن اثنين من أبناء أخت الرفاعى وعن شخص زاره فى أم عبيدة أن عبد القادر لما أذاع وهو فى بغداد أن قدمه على عنق كل ولىُ سمع الرفاعى يقول وهو فى أم عبيدة وعلى عنقى كذلك، ومن ثم فإن البعض يجعلونه تلميذاً لعبد القادر. ونجد من ناحية أخرى أن المصادر التى استقى منها أبو الهدى تجعل عبد القادر واحداً من الذين شاهدوا فى مكة عام 555 معجزة النبى [- صلى الله عليه وسلم -] الفريدة وهى إخراج يده من القبر ليقبلها الرفاعى. زد على ذلك أن الرفاعى قد ذكر فى ثبت أسلافه الذى ألقاه فى مجلسه عام 578 المنصور ولم يذكر عبد القادر، ومن ثم فالراجح أن كل واحد من هذين الشيخين كان له مجال من النشاط مستقل عن الآخر. وجاء فى كتاب الفاروثى، حفيد مريد من مريدى الرفاعى يدعى عمر،

المصادر

تفاصيل عن أسرة الرفاعى. ذلك أنه روى أن الرفاعى تزوج أول ما تزوج من خديجة ابنة اخى منصور، ثم تزوج بعد وفاتها نفيسه ابنة محمد بن القاسمية. وقد أنجب الرفاعى كثيراً من البنات، وكان له أيضًا ثلاثة أبناء توفوا جميعاً قبل وفاة أبيهم. وخلفه على مشيخة الطريقة على بن عثمان أحد أبناء أخته؟ المصادر: ذكرت المصادر فى صلب المقال. الشنتناوى [مركوليوث D.S.Margoliouth] رفاعة بك الطهطاوى: كاتب مشهور من كتاب القرن الماضى، ومن أئمة باعثى النهضة العربية الحديثة. ولد فى طهطا بمصر العليا عام 1801. وكان أبواه فقيرين وإن كانا من ذوى الحسب والنسب، وقد أكب وهو بعد صبى صغير السن على دراسة القرآن، ثم التحق وهو فى شبابه بالأزهر حيث درس بجد واجتهاد تحت إشراف الشيخ حسن العطار. واختير بعد إتمامه دراسته فى الأزهر عام 1824 رئيس رواتب- Pay master الجيش المصرى، وكان محمد على المشهور يحكم مصر إذ ذاك. وقد أقنع العالم الفرنسى جومار Jomard محمداً علياً بإرسال بعثة من الطلاب إلى فرنسا عام 1826 ليتعلموا الفرنسية والعلوم الحديثة، واختار رفاعة بكُ للإشراف عليهم، وهناك تعرف على طائفة من المستشرقين من أمثال جوبير Jaubert وجومار Jomard وسلفستر دى ساسى وكوسان دى يرسيفال. وتقدم رفاعه بك تقدماً سريعاً فى دراسته وتبحر فى اللغة الفرنسية فى وقت وجيز. وكانت تلك الفترة التى قضاها فى باريس الباعث له على الكتابة تلك الرسالة الشائقة الحية المعنونة "تخليص الإبريز" (بولاق عام 1323) والتى ينم كل سطر من سطورها عن بساطة فاتنة وعن الحماسة التى أثارتها فى هذه العقلية الشرقية تلك النواحى المتعددة للحياة والثقافة الفرنسية بما فيهما من أضواء وظلال مختلفة (انظر Carra de Vaux: Penseurs جـ 5، ص 237 وما بعدما).

ولما عاد رفاعه الى مصر عام 1832 التحق بمدرسة الطب، وكان على رأسها كلوت بكُ، مترجماً ومدرساً للغة الفرنسية، كما عهد إليه أيضا بتحرير "الأخبار المصرية" - Informations egyp tiennes التى عرفت فيما بعد باسم الجريدة الرسمية Journal officiel. وانتقل عام 1832 إلى مدرسة المدفعية، ثم اختير فى عام 1835 مديراً لمدرسة الألسن (وكانت فى الأصل قلم الترجمة). وظل فى هذا المنصب إلى أن اعتلى الحكم عباس الأول. ومن المؤسف أن هذا الوالى لم يتابع أعمال سلفه الباهرة، إذ أقفلت مدرسة الألسن (¬1) وأرسل مديرها إلى السودان لينظم المدرسة العالية بالخرطوم، وكان فى ذلك العمل انتقاصاً مستوراً لقدر رفاعة بك. وعاد رفاعة بك إلى مصر عندما توفى عباس، فعينه سعيد باشا مديرا للمدرسة الحربية مدة وجيزة، ذلك أن هذه المدرسة أقفلت هى أيضا أبوابها فوجد رفاعة نفسه من غير عمل. وأعيد افتتاح هذه المدرسة عام 1863 فى عهد إسماعيل، وعين رفاعة مرة أخرى مديراً لقلم الترجمة. وأصبح فى عام 1870 رئيس تحرير المجلة التعليمية المسماة "روضة المدارس" وكانت تصدر نصف شهرية وتوفى رفاعه عام 1873. وكان رفاعه بك من أشهر كتاب العربية فى القرن التاسع عشر، واسمه مرتبط ارتباطاً وثيقاً بحركة البعث الزاهرة للنشاط الأدبى والعلمى فى الشرق الحديث. وكان رفاعه متوقد الذكاء محبا للعلم والمعرفة. وقد خلف عدداً كبيراً من المصنفات فى مختلف نواحى المعرفة: كالتاريخ، والجغرافيا، والنحو، والقانون، والأدب والطب وغير ذلك. وتجد تفصيلا لهذه المصنفات فى معجم سركيس: - bibliogra Dictionnaire) phique ص 942 - 947). وحسبنا أن نذكر هنا ترجمته لتليماك - Tele ,maque وجغرافية ملطبرون Brun-Malte وللقانون المدنى الفرنسى. وإذا شئنا أن نقدر ما كان لرفاعه بك من شأن عظيم فإنه يجب أن نذكر أن العالم العربي فى فجر القرن الماضى كان فى حالة خمود وركود يفصله عن ¬

_ (¬1) أعيدت مدرسة الألسن إلى الحياة فى العصر الحاضر فقد افتتحت في مارس 1952 [م. ع]

المصادر

العلم والمعرفة الأوربية حاجز سميك. وكان الأزهر يبعث بنور ضئيل يخترق الظلمات التى كانت تخيم على ذلك العهد. وكان من نتيجة أعماله ونشاطه وأعمال زمرة الخبراء والمترجمين الذين قدمهم للبلاد أن تمكن رفاعة من القيام بمعجزة هى تبسيط العلم الأوربى وتفتيح أذهان الشرق للآراء الحديثة وتنوير أذهان معاصريه، وإيقاظ الهمم الخامدة واعداد العدة للمستقبل. ونحن نستطيع أن نقدر مدى المجهود الذى بذله فى هذا السبيل إذا علمنا أن رفاعة وتلاميذه قد ترجموا إلى العربية والتركية نحواً من ألفى كتاب. ثم إن رفاعة بك قد مكن للفكر العربي من أن يتمشى مع التقدم وأن ينشر ضوءه على العالم الإسلامى الحديث، وذلك بتوسيع آفاق اللغة العربية القديمة وإحيائها وتزويدها بحشد من الكلمات الجديدة؟ المصادر: (1) شيخو: الآداب العربية فى القرن التاسع عشر، بيروت سنة 1924 - 1926، جـ 2 ص 8 (2) جورجى زيدان: مشاهير الشرق، القاهرة سنة 1922، جـ 2، ص 22 وما بعدها (3) المؤلف نفسه: تاريخ آداب اللغة العربية، القاهرة سنة 1914، جـ 4 ص 295_297 (4) السندوبى: أعيان البيان، القاهرة 1914، ص 90 وما بعدها (5) سركيس: معجم المطبوعات العربية، القاهرة 1928, ص 942 _ 947 (6) Vicomte Ph. de Tarrazi: تأريخ الصحافة العربية، بيروت سنة 1913، جـ 1، ص 93_96 (وهو نسخة من بحث زيدان) (7) السياسة الأسبوعية، القاهرة 28 مايو سنة 1927، ص 20 - 22.وهو بحث هام بقلم محمد حسين (8) Studies in Cantem- H. A. R. Gibb B. S. 0. S.,، porory Arabic Literature, جـ 4 سنة 1928، ص 748 (9) Penseurs de: Carra de Vaux L'Islam باريس 1926، جـ 5، ص 235. (10) Litterature arabe: Huart باريس سنة 1912، ص 406 - 307. الشنتناوى [موريس شمول Maurice Chemo]

رفيع الدين

رفيع الدين مولانا شاه محمود بن شاه ولى الله ابن عبد الرحمن العمَرى نسبة إلى الخليفة عمر بن الخطاب، ولد عام 1163 هـ (1750 م) بدهلى فى أسرة من أعظم أسر الهند الإسلامية سمعة فى التقوى والعلم، عرفت بهما منذ القرن الثامن عشر، وأخرجت طائفة من أئمة العلماء حتى قيام حركة العصيان (انظر صديق حسن خان: إتحاف النبلاء، كاونبور 1288 هـ، ص 296 وما بعدها؛ Journal and Proceedings of the Asiatic Society of Bengal، جـ 13، ص 310. وقد درس رفيع الدين الحديث فى الهند على أبيه الذى كان أكبر محدث فى عصره. فلما توفى أبوه سنة 1176 كفله أخوه الأكبر شاه عبد العزيز (1159 - 1239 هـ = 1746 - 1823 م) وأتم عليه دراسة العلوم المألوفة فى ذلك العصر، وأظهر ميلا خاصا للحديث والكلام والأصول. فلما بلغ العشرين بدأ حياته العلمية مفتيا ومدرسا، ثم خلف أخاه وشيخه فى هذين المنصبين، وكان أخوه هذا قد فقد بصره فى شيخوخته وتدهورت صحته، ثم توفى فى السادس من شوال سنة 1233 (9 أغسطس 1818) بالغا من العمر سبعين سنة قمرية، ودفن فى مقبرة الأسرة فى ظاهر مدينه دهلى. وكتب رفيعى نحوا من عشرين مؤلفا معظمها بالعربية والفارسية وأقلها بالأردية، وقد كانت حصافة آرائه وجزالة أسلوبه وإحكامه موضع الثناء. ونذكر من كتبه: بالأردية: (1) ترجمة للقرآن أثبتها بين سطوره، والتزم فيها الدقة والأمانة، وكان هو وأخوه عبد القادر رائدين فى هذا الباب، وإن كان عملهما هذا قد تيسر عليهما إلى حد كبير بفضل ترجمة أبيهما شاه ولى الله للقرآن إلى الفارسية، (عنوان هذه الترجمة "فتح الرحمن فى ترجمة القرآن"). وقد ظهرت الطبعة الأولى من ترجمة شاه رفيع الدين للقرآن فى كلكته 1254 هـ (1838 - 1839)، كما ظهرت طبعة أخرى منها سنة 1266 هـ (1849 - 1850 م)، وانظر عن بعض طبعاتها الكثيرة منذ

سنة 1866 م (Cat of the: Blumhardt Hindustani Printed Books of the Libr. of the British Museum، لندن 1889 م، وما بعدها؛ وملحق هذا الفهرس، لندن، ص 290, 1909, 403). بالعربية: (2) "تكميل الصناعة" أو تكميل لصناعة الأذان" وهو يتناول (أ) المنطق (ب) "تحصيل" أى أصول الجدل، والتدريس، وصناعة الكتابة، وكيف يعلم المرء نفسه (ج) "مباحث من الأمور العامة" (وهى بعض مناقشات فى مسائل الإلهيات) (د) تطبيق الآراء (وهو مبحث فى أسباب ومقاييس الحكم على الآراء المتضاربة فى أمور الدين). وقد نقل جزء كبير من هذا المؤلف فى أبجد العلوم، ص 127 - 135، 235 - 270 (3) مقدمة العلم؛ انظر أبجد العلوم، ص 124 (4) رسالة المحبة، وهى محاضرة فى طبيعة الحب الغالبة؛ انظر أبجد العلوم، ص 254 (5) تفسير آية النور، وهو تفسير للسورة 24 (6) رسالة العروض والقافية، انظر أبجد العلوم، ص 915. (7) دمغ الباطل، وهو يتناول بعض مسائل "علم الحقائق" العويصة (8) حاشية على تفسير ميرزاهد الهروى لرسالة التصورات والتصديقات لقطب الدين (انظر بروكلمان.، جـ 2، ص 209) (9) إبطال البراهين الحكمية على أصول الحكماء، الأرقام من 4 - 9، وهذه الرسالة لم تطبع بعد. بالفارسية: (10) قيامتنامه (لاهور 1339 هـ، حيدر آباد، طبعة غير مؤرخة) وهى تتناول القيامة، وتعرف أيضا باسم محشر نامه (انظر Browne: (189 ص Supplementary Handlist وانظر عن النسختين المنظومتين بالأردية من هذا المؤلف المشهور "آثار محشر" (وهذا الاسم يساوى بحساب الجمل 1250 إشارة إلى سنة تأليفه) و"آثار قيامت" انظر Oudh: Sprenger Catalogue ص 624 catal: Blumhrdt, ص 290؛ وانظر عن نسخة أخرى مكتوبة بالنثر "قيامتنامه أو دأب الآخرة" بلومهارت، الفهرس المذكور (11) فتاوى: دهلى 1314 هـ، وهى رسائل صغيرة فى مسائل دينية وصوفية 1322 هـ (12) مجموعة تسع رسائل، دهلى وصوفية (13) شرح الصدور بشرح حال الموتى والقبور، وهو كتاب فى فلسفة الحشر والنشر يشمل 2002 صفحة من القطع الصغير

المصادر

وردت فى نسخة من مخطوط فى دار العلوم، بديوبند، وتمتلك هذه الدار أيضا مخطوطا من مؤلفه رقم (14) لطائف خمس، وهى رسالة فى التصوف (32 ورقة). المصادر: علاوة على ما ذكر فى صلب المادة (1) ملفوظات شاه عبد العزيز محدث دهلوى (ألف سنة 1233 هـ) ميروت 1314، ص 79، 83 وما بعدها. (2) محمد بن يحيى (الذى يلقب عادة بالمحسن) الترهتى: اليانع الجنى فى أسانيد الشيخ عبد الغنى (طبع على الحجر على هامش كشف الأستار عن رجال معاني الآثار، وقد ألف فى المدينة عام 1280 هـ[1863 م])، ديوبند 1349, ص 75. (3) صديق حسن خان: أبجد العلوم، بهويال 1295 هـ، ص 124، 914 وما بعدها وغير ذلك من المواضع التى أشير إليها فى صلب المادة. (4) كريم الدين: فرائد الدهر، دهلى 1847 م، ص 410. (5) سيد أحمد خان: آثار الصناديد، دهلى 1270 ص 106. (6) فقير محمد جهلمى: حدائق الحنفية، لكهنؤ 1891 م، ص 469. (7) رحمن على: تذكرة علماء هند، لكهنؤ 1914 م، ص 66 (وص 4، 34، 51، 63، 223، 276 عن التعليقات وغيرها الخاصة بأبناء شاه وتلاميذه). (8) بشير الدين أحمد: واقعت دهلى، آكره 1918، جـ 2، ص 588 وما بعدها. (9) Histoire de la: Garcin de tassy litterature et Hindouie، الطبعة الثانية، باريس 1870 م، جـ 2، ص 548 وما بعدها. (10) History of urdu Liter-: Saksena , ature الله آباد 1927 م، ص 253. (11) معارف (صحيفة شهرية تصدر عن أعظمكره بالهند) عدد نوفمبر 1928، ص 244 وما بعدها. (12) The Oriental College Maga zine. Lahore، وهى مجلة أردية تصدر كل ثلاثة أشهر، عدد نوفمبر 1925 م، ص 42 - 49 (حياته وهى تتضمن ملحوظة خاصة بترجمته استقيت من كتاب عبد الحى اللكهنوى الذى لم ينشر بعد: نزهة الخواطر، وثبتا بمؤلفاته) خورشيد [محمد شفيع]

رقية

رقية ابنة النبى محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] أجمعت المصادر على القول بأن النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] كان له من خديجة أربع بنات، ولكنها لم تتفق على ترتيب ولادتهن؛ ويشك أيضًا فى تلك القصة التى تروى بنصها تقريبا عن اثنتين من بناته هما رقية وأم كلثوم. إذ يقال إن كل واحدة منهما قد تزوجت بولد من أبناء أبى لهب عم النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، وأن أبا لهب أجبر ولديه على تطليقهما عندما قام محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] بدعوته. وأكثر من ذلك إثارة للشك ما قيل من أن كل ولد من الولدين لم يكن قد دخل بزوجه عندما وقع الطلاق، ولو أن من المؤكد أنه كان قد مضى بعض الوقت قبل أن تحدث الفرقة بين أبى لهب وابن أخيه. وإذا أردنا أن نتمشى مع الحديث وجب علينا أن نذهب إلى أن هاتين الأختين قد خطبت لولدى أبى لهب، ثم وقع الطلاق قبل الدخول كما حدث لعائشة فى تاريخ متأخر عن ذلك. ولعل الأرجح أن تكون هذه القصة قد وضعت لتنأى بأسرة النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] الطاهرة عن أن يدنسها ولدا أشد الناس عداوة للنبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] على أن الصعاب التى كانت تكتنف ذلك لم تكن قد اتضحت بعد. وقد تزوجت رقية الحسناء بعد طلاقها عثمان بن عفان وذهبت وإياه ومسلمون آخرون إلى الحبشة، ثم عادوا منها بعد مدة من الزمن. ثم هاجروا مع النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وغيرهم من المسلمين إلى المدينة. ومرضت رقية عندما كان الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] يتأهب لغزوة بدر وتوفيت قبل عودة أبيها ظافرًا من هذه الغزوة. وأنجبت رقية لعثمان بعد أن أجهضت أكثر من مرة ولدًا توفى فى حادث إذ نقره ديك فى وجهه. المصادر: (1) ابن هشام، طبعة فستنفلد، ص 121، 208 وما بعدها 241. (2) الواقدى ترجمة V.Wellhausen ص 66، 71، 83 (3) ابن سعد، طبعة Sachau: جـ 8، ص 24. (4) Fatima et les filles de: Lammens Mahomet سنة 1912، ص 3 وما بعدها. الشنتناوى [بول Fr.Buhl]

ركن الدولة

ركن الدولة أبو على الحسن بن بويه، الأخ الأوسط من الإخوة الثلاثة الذين أسسوا الأسرة البويهية وقد كان حظه كحظ أخيه الأكبر على (عرف فيما بعد باسم عماد الدولة حتى استولى على فارس عام 322 هـ (934 م). وعند ذلك وُلى ركن الدولة على كازرون وغيرها من النواحى. على أن ياقوت القائد العباسى الذى تمت الغزوة البويهية لفارس على حسابه قد بادر فأجبره على الاحتماء بأخيه. فلما هُزم ياقوت على يد مرداويج الزيارى الوالى البويهى السابق الذى انتقض عليه الأخوان، رأى عماد وقتذاك أنه من حسن الرأى أن يسترضى مرداويج (¬1)، فأرسل ركن الدولة إليه رهينة. وفر ركن الدولة عندما قُتل مرداويج فى العام التالى (323 هـ = 935 م) وانضم إلى عماد، فزوده بالجند لمنازعة وشمكير أخى مرداويج على امتلاك الجبال. وأفلح ركن الدولة بادئ الأمر فى الاستيلاء على إصفهان، ولكن المرحلة الأولى من نزاعه مع وشمكير انتهت بطرده من هذه المدينة عام 327 هـ (939 م) فلجأ إلى الفرار إلى فارس مرة أخرى. وفى العام التالى استنجد ركن الدولة بأخيه الأصغر الحسين (الذى عرف فيما بعد باسم معز الدولة) وكان الحسين فى ذلك الوقت قد وطد أقدامه فى خوزستان حتى يتيسر له قتال البريدية وعند ذلك حاول ركن الدولة، وكان وقتذاك لا يملك شيئا من البلاد، أن يستولى على واسط، ولكنه اضطر إلى الانسحاب عندما هب فى وجهه الخليفة الراضى والأمير بَجْكَم على أنه أفلح بعد ذلك فى استعادة إصفهان، مكنه منها انحياز وشمكير إلى ماكان بن كاكوى فى قتاله نصر بن أحمد السامانى ولما توفى نصر عام 331 هـ (943 م) استطاع ركن الدولة، وكان عندئذ قد وقف إلى جانب السامانيين، أن يخرج وشمكير من الرى أيضًا وكان وشمكير قد استعادها فترة من الزمن بعد انسحاب القائد السامانى ابن محتاج. ¬

_ (¬1) "مرد آويج" أو "مردآويز" أي البطل الذي يلتحم مع الرجال ويصرعهم (انظر كتاب تاريخ إيران لعباس إقبال، طبع طهران 1329 هجرية شمسية حاشية ص 76). عبد المنعم محمد حسنين

وتمكن ركن الدولة باستيلائه على الرى من أن يسيطر على بلاد الجبال كلها، واحتفظ بها إلى آخر أيامه اللهم إلا فترتين قصيرتين لا تزيد كل منهما على سنة. على أن مركزه كان مزعزعا حتى عام 344 هـ (955 - 956 م) لأن وشمكير والسامانيين كانوا ينازعونه فيها. ولم يستطع ركن الدولة الاحتفاظ بها إلا بعد أن أوقع بينهم، وبذر بذور الشقاق بين الأمراء السامانيين وبين القواد الذين أنفذهم هؤلاء الأمراء لقتاله. ومع ذلك أخرج ركن الدولة من الرى (كما ذكرنا من قبل) وطرد ولاته من معظم أنحاء هذا الإقليم مرة عام 333 هـ (944 - 945 م) ومرة أخرى عام 339 هـ (950 - 951 م) وكان ذلك فى الحالين على يد جيوش السامانيين. وانتهى به الأمر بطبيعة الحال إلى الخضوع للسامانيين. وعُقد بينه وبينهم اتفاقان على الأقل لأداء الجزية. وعلى هذا الأساس استطاع أن يصالح السامانيين عام 344 هـ (955 - 956 م) ثم، عام 361 هـ (971 - 972 م). وفى خلال نزاعه الطويل مع وشمكير الذى درب على التآمر مع السامانيين عليه حتى لقى حتفه فى حادث عام 357 هـ (968 م) أغار ركن الدولة فى مناسبات كثيرة على طبرستان وجرجان، ولكنه لم يتمكن من ضم هذين الإقليمين بصفة دائمة إلى ممتلكاته. وسيطر ركن الدولة على اذربيجان الجنوبية عام 337 هـ (948 - 949 م) بعد أن أفسد المحاولة التى قام بها مرزبان بن محمد السالارى للإستيلاء على الرى، وأخذه أسيرًا إلا أنه طرد من الرى نفسها بعد ذلك بعامين (انظر ما سبق) ومن الطبيعى أن يكون ذلك قد كلفه أيضًا الخروج من هذا الجزء من أذربيجان. وحصل ركن الدولة على لقبه عام 334 هـ (945 - 946 م) فى نفس الوقت الذى منح فيه إخوته هذا اللقب، أى عندما دخل المعز مدينة بغداد. وخلف ركن الدولة عمادًا بعد وفاته عام 338 هـ (949 م) فأصبح رأس الأسرة ولقب بأمير الأمراء وإن كان المعز قد تلقب بهذا اللقب أيضًا. وكان ركن الدولة كسير القلب أثناء السنتين الأخيرتين من حياته، ذلك أنه لم يبرأ قط من الصدمة التى حلت به عندما بلغه مسلك ابنه عضد الدولة فقد استغل عضد الدولة فرصة المعونة التى طلبها

المصادر

بختيار (ولد المعز وخليفته فى حكم العراق) فسجنه واستولى لحسابه على هذا الإقليم بالاشتراك مع أبى الفتح بن العميد وزير ركن الدولة الذى أنفذ أيضا على رأس جيش لمساعدة بختيار. وقد انصاع عضد الدولة لأمر والده وأطلق سراح بختيار وعاد إلى ولايته فى فارس، إلا أن ركن الدولة لم يقبل إلا مكرها زيارة عضد الدولة فى إصفهان عام 365 هـ (975 - 976 م) ليؤكد له مبايعته على ولاية العرش حتى يخلفه من غير نزاع. وتوفى ركن الدولة بالرى فى المحرم من العام التالى (سبتمبر سنة 976). وكان ركن الدولة موفقًا في استخدامه الوزير المشهور أبا الفضل ابن العميد من عام 329 هـ (941 م) حتى وفاته 359 هـ (970 م) أي مدة ثلاثين عامًا، وإن كان قد حال بينه وبين أن يحسن الحكم -كما اشتكى هذا الوزير نفسه- (انظر مسكويه) ذلك أن هذا الأمير كان قليل الثقافة لا يجرى فى عروقه الدم الملكى. ولم يكن ركن الدولة (وهذا هو ما قاله الوزير) إلا جنديا يعيش على السلب والنهب ولا يستطيع اكتساب ولاء اتباعه ولا بالهبات والمنح، ولم يقم بفرض ضرائب جديدة لزيادة موارده. ومع ذلك فيروى عنه أنه كان رحيما بجنده ورعاياه، وقد برهن على حسن شعوره بالكرامة والشرف وخاصة فى حادث ولده عضد الدولة الذى ذكرناه آنفًا. المصادر: (1) مسكويه: تجارب الأمم (2) ابن الأثير: الكامل، جـ 8. (3) ابن خلكان: وفيات الأعيان، ترجمة دي سلان، جـ 1، ص 407 (4) ميرخواند: روضة الصفاء Mirchond's Feschichte der: Wilkes Sultan aus dem Geschlechte Bujeh . (5) خواند امير: حبيب السير فى History of the Minor Dynasties: Ranking of Persia (6) ابن خلدون: العبر، جـ 4 الشنتناوى [هارلود بووين Harold Bowen] الرمادى واسمه الكامل أبو عمر (ويكتب خطأ "أبو عمرو") يوسف بن هارون الكندى القرطبى الرمادى: شاعر من شعراء

الأندلس عاش فى القرن الرابع الهجرى (العاشر الميلادى) ومات فى أوائل القرن الخامس (الحادى عشر الميلادى) عام 403 (1013 م) فى يوم العنصرة أى عيد القديس يوحنا (24 يونية). وفى رواية ابن حيان (فى كتاب ابن بشكوال، انظر المصادر) أنه توفى عام 413 هـ (1022 - 1023 م). ويذكر المقرى (نقلا عن ابن حيان) أنه دفن فى مقبرة قرطبة المعروفة بمقبرة كلع. وتفسر النسبة "الرمادى" على وجهين: 1 - يقال أن هذا الشاعر جاء من الرمادة، وهى قرية بين الإسكندرية وبرقة، على أن هذا التفسير لا يعتد به لأن الرمَّادة بتشديد الميم، وهو الرسم الذى ذكره الجغرافيون الذين تحدثوا عن هذا الموضع كاليعقوبى والبكرى والإدريسى، لا ينسب إليها بالرمادى بميم غير مشددة. 2 - والتفسير الثانى هو أن الرمادى نسبة إلى الرماد وهو التفسير الوحيد الممكن. ولعل الشاعر فى حداثته قد اشتغل بتجارة الرماد. وتوكيدًا لذلك نوجه النظر إلى الكنية الفرنجية التى كنى بها فى الأصل، وهى أبو جنيس (ذكرت خطأ "أبو سبيح" فى يتيمة الدهر). أى Padre ceniza ومعناها صاحب الرماد. والرمادى قرطبى قضى حياته كلها فى قرطبة اللهم إلا فترة قصيرة قضاها منفيًا فى سرقسطة، وقد سيطرت على حياته ثلاثة عوامل كبرى: اتصاله الوثيق بأبي على القالى، وإخلاصه لدعوة الحاجب أبى الحسن المصحفى، وحبه للخلوة. لم يكن لأبى على القالى منذ وصل إلى قرطبة عام 330 هـ (942 م) بعد أن استدعاه الخليفة الأموى عبد الرحمن الناصر (300 - 350 هـ = 913 - 961 م) من المشرق إلى الأندلس، تلميذ أخلص من الرمادى الذى درس عليه كتاب النوادر. وقد أفصح هذا العالم الشاب عن إعجابه بالقالى فى قصيدة لامية مشهورة من بحر الكامل لم يبق منها سوى ثلاثين بيتا وردت فى يتيمة الدهر للثعالبى وفى كتاب مطمح الأنفس للفتح بن خاقان (انظر المصادر). وهذه القصيدة هى التى أكسبت الرمادى لقب متنبئ الغرب، وهو اللقب الذى كان قد خلع من قبل على ابن هانئ الأندلسى، ثم لقب به من

بعده ابن درّاج القسطلى وأبى طالب عبد الجبار. وقد درس الرمادى أيضًا على عالم أندلسى آخر يدعى أبا بكر يحيى بن هذيل، الكفيف أى الأعمى الذى لا نعرف عنه إلا النزر اليسير. وقد أصبح الرمادى عندما بلغ أوج شهرته شاعر الخليفة الأموى الحكم الثانى المستنصر (350 - 366 هـ = 961 - 976 م) ثم غدا شاعر ولده وخليفته هشام الثانى المؤيد (366 - 339 هـ = 976 - 1009 م)، غير أن انحيازه إلى دعوة الحاجب أبى الحسن جعفر بن عثمان المصحفى واشتراكه فى المؤامرة التى دبرها الخصى جوهر لخلع الحكم الثانى والمناداة بخليفة آخر غير ولده هشام قد جرا عليه غضب الوزير العظيم المنصور بن أبى عامر، فكان أن ألقى به فى غياهب السجن بالزهراء حيث قاسى شتى ألوان العنت وسوء المعاملة. ونظم الرمادى فى سجنه أروع أشعاره (ومن بينها قصيدة بائية من بحر الطويل وقصيدة هائية من هذا البحر) كما أعد كتابًا منظومًا عن الطير ختمه بقصيدة مدح فيها ولى العهد المنتظر هشاما الثانى. وتوسط أصدقاؤه فى الإفراج عنه، ولكنه نفى خارج البلاد. فشخص إلى عبد الرحمن بن محمد التجيبى والى سرقسطة وأشاد بمناقبه فى قصيدة ميمية. وأمنه المنصور فأصبح فى استطاعته العودة إلى قرطبة على شرط ألا يختلط بالناس. ثم عفا عنه آخر الأمر فاندمج فى المجتمع وألحق "مرتزقًا" ببلاط ذلك الحاجب الواسع النفوذ، واشترك بهذه الصفة فى الحملة التى سيرت على برشلونة عام 375 هـ (975 م). وعاش الرمادى عيشة بؤس إبان الفتنة التى أدت إلى انهيار الخلافة الأموية وقيام طائفة من الدويلات المستقلة تحت حكم ملوك الطوائف، وتوفى وهو فى أشد حالات الكرب والبلاء فى السنوات الأولى من القرن الخامس الهجرى (الحادى عشر الميلادى). واشتهر الرمادى بصفة خاصة بحبه الطاهر لذلك المرأة الغامضة خلوة (وتكتب خطأَ حلْوَة أو حُلْوَة) التى لقيها فى يوم من أيام الجمعة ببساتين بنى مروان العامة على الضفة اليسرى للوادى الكبير عند نهاية الجسر، ولكنه لم يستطع أن يراها مرة أخرى. وقد بذل أبو محمد بن حزم الظاهرى، الذى

المصادر

عرف بزهادته فى تناول مثل هذا الموضوع- كل ما فى وسعه لإذاعة هذه القصة الغرامية، على أن ذكرى خلوة لم تشغل قلب الرمادى أو عقله فيما يبدو لنا إلا قليلا. صحيح أنها كانت قد ملكت عليه قلبه وهو فى سرقسطة حتى أوحت إليه بجميع النسيب الذى قاله فى مدح الوالى التجيبى، إلا أن ذكراها قد انمحت من مخيلته تمامًا بعد عودته إلى قرطبة، ذلك أن قلبه لم يتعلق هذه المرة بامرأة بل بغلام مستعرب أطلق عليه الشاعر اسم يحيى أو نصير. والظاهر أن أحدًا لم يجمع بعد ديوان الرمادى، ولم يبق من كتاب الطير الذى ألفه فى السجن سوى لامية يصف فيها الصيد بالبازى. وقد ذكرنا فيما سبق أهم ما بقى لنا من أبياتها. وكان الرمادى تلميذًا لأبى على القالى، ومن ثم جنح إلى محاكاة شعراء الشرق، ولكنه أظهر شغفًا بالموشح بعد ابن عبد ربه وقبل عبادة بن ماء السماء، وأدخل على صناعته كثيرًا من البدع. ولشعر الرمادى على الرغم من محاكاته للشعراء القدامى طابع ذاتى يتسم به، وخاصة عندما يناجى خلوة أو يصف ما عاناه فى السجن بالزهراء. ولا تخلو أبياته القليلة التى أشار فيها إلى مواطن الضعف فى شخصية هشام الثانى واستسلامه التام لأمه صبح وللحاجب المنصور، ولا الأبيات التى تحدث فيها عن مؤامرة جوهر، من الفوائد التاريخية. ونذكر أخيرًا أن المعلومات التى أوردها عن المستعربين mozarabs (عبادتهم وأزيائهم) فى خلال حديثه عن محبوبه تتيح لنا أن نحقق ما قاله أبو عامر بن شهيد فى هذا الموضوع نفسه. ومن ثم كانت هذه المعلومات وثائق لها شأنها؟ المصادر: (1) أبو الوليد الحميرى: البديع فى وصف الربيع، مخطوط بالأسكوريال، رقم 353 فى مواضع مختلفة (الأبيات التى تصف الزهور). (2) ابن حزم: طوق الحمامة طبعة Petrof ص 21 - 22, المقدمة ص 16 - 17، ترجمة NykI بعنوان The Dove's Neck Ring باريس ص 1931، ص 31 - 32، والتعليقات 225 - 226. (3) ابن بسام: الذخيرة، مخطوط باريس، جـ 1، ورقة 134؛ جـ 2 (أكسفورد) الأوراق 43، 120، 148 مخطوط جوته جـ 3، ورقة 244

(4) الثعالبى: يتيمة الدهر، طبعة دمشق، جـ 1، ص 365، 434 - 436. (5) الفتح بن خاقان: مطمح الأنفس، طبعة Const ص 69 - 74، طبعة القاهرة 78 - 82. (6) ابن بشكوال: الصلة، رقم 1376 (ص 63 - 614: ستة أبيات). (7) ابن خلكان: وفيات الأعيان، القاهرة سنة 1310، جـ 2، ص 410 - 411، ترجمة دي سلان، جـ 4، ص 569 - 572. (8) الضبى: بغية الملتمس، رقم 1451 (ص 478 - 481). (9) الكتبى: فوات الوفيات، جـ 1، ص 255. (10) المراكشى: المعجب (Hist. des Alm) ص 15 - 17, طبعة القاهرة، ص 14 - 16، ترجمة فانيان Fagnan ص 403. (11) ابن الخطيب: الإحاطة، القاهرة، جـ 2 ص 71. (12) المقرى: نفح الطيب (analectes) الفهرس، (جـ 2؛ ص 404 - 443، أورد بداية الضبى ونهاية ابن بشكوال - مع ذكر عام 413 بدلا من عام 403 سنة لوفاة الشاعر، كما أورد المطمح بأكمله). (13) Das arab Strophengedicht: M.Hartmann جـ 1 Das Muwassah فيمار 1897، رقم 108، ص 75 - 78. (14) Hist. Musul. d'Espagne: DozY الطبعة الثانية، جـ 2، ص 223 - 224 - 225. (15) El amor: A. Gonzalez Palencia Platonica en la Corte de los Bol. R. Bellas doba . . de فى Acad Califas Letras. . . de Car، قرطبة 1929، ص 3 - 4. (16) Poetas. musulmanes: E.Garcia Gomez: فى المجلة السابقة , Bol ص 13. (17) Poemas arabigo - andaluces مدريد 1903، رقم 31، ص 78 وهناك أبيات مفردة فى كتاب المطرب لابن دحية مخطوط بلندن، ورقة رقم 5، 6. (18) ابن سعيد المغربى: عنوان المرقصات، طبعة بولاق، ص 75. (19) النويرى: نهاية الأرب، القاهرة، جـ 10 ص 213. (20) ابن فضل اللَّه العمرى: مسالك، مخطوط باريس، رقم 2327، ورقة رقم 5 - 6. الشنتناوى [بيريس H.Peres]

رمضان

رمضان اسم الشهر التاسع من التاريخ الهجرى، وهو مشتق من الأصل "رمض" وفى ذلك إشارة إلى حر الصيف مما يدل على الفصل الذى وقع فيه هذا الشهر من فصول السنة، حينما كان العرب القدماء دائبين على محاولة التوفيق بين سنتهم والسنة الشمسية بالاستعانة بأشهر النسئ. ورمضان هو الشهر الوحيد الذى ذكره القرآن من شهور السنة (سورة البقرة، الآية 185) فقد نزلت هذه الآية منبئة بأن "شهر رمضان الذى أنزل فيه القرآن" وذلك بمناسبة فرض الصوم فى هذا الشهر. ولم ينته بعد الجدل حول أصل هذه الفريضة. ونزيد هنا على ما ذكر فى البحوث التى قام بها كويتين Zur Entstehung des Ramadan: F. Goitein فى. Isl جـ 18، 1929، ص 189 وما بعدها) وهو يلفت نظرنا بخصوص هذه الآية إلى التوافق بين رسالة محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] ونزول الألواح الثانية من شريعة موسى [عليه السلام] وقد جاء فى الروايات اليهودية أنها أنزلت فى يوم الكفارة (عاشوراء، ولعل هذا اليوم هو الأصل فى قيام رمضان) فكان ذلك فى الواقع هو السبب فى سن هذه الفريضة، ويذهب كويتين إلى أن الحل الأول الذى اتخذ فى هذا الشأن هو الاستعاضة عن عاشوراء بالأيام العشرة (أيام معدودات، سورة البقرة، الآية 184) لا بشهر كامل، وهذا يتفق وأيام التوبة العشرة عند اليهود السابقة على يوم الكفارة والتى بقيت إلى يومنا هذا ماثلة فى أيام الاعتكاف العشرة. وإذا تدبرنا إلى ذلك أن آراء المسلمين فى ليلة القدر (الآية 1) تتفق من عدة نواح مع يوم الكفارة عند اليهود فإنا نخلص من ذلك إلى ترجيح آراء كويتين بعض الترجيح على الرغم مما يعترضها من صعوبات لا تنكر ناجمة عن تأريخ الحوادث (تغير أجل الصوم فى مدى زمن جد قصير) وعلى الرغم من أنه لم يستطع أن يعلل تعليلا مرضيا استقرار فريضة الصوم عند شهر برمته. على أنه دعم وجهة نظر كويتين قد يقتضينا أن نوضح أن "ليلة براءة" تقع قبل رمضان فى منتصف شهر شعبان والحق أن الآراء والشعائر التى وصفها فنسنك فى مادة

شعبان، وهى تتصل بهذه الليلة، تشبه إلى حد ما انظار اليهود المتصلة بالسنة الجديدة (وهذه السنة تسبق يوم الكفارة بفترة أقل من الفترة التى تسبق بها ليلة براءة شهر رمضان) مما يقوى الصلة بين ليلة براءة ويوم الكفارة. وإذا شئنا أن نربط كلمة براءة التى لم يستطع بعد تفسيرها بالكلمة العبرية بريئا بمعنى الخلق، وتدبرنا فكرة اليهود التى تقول إن العالم خلق فى رأس السنة (وثمة شواهد كثيرة فى طقوس هذا العيد). فقد نستطيع بذلك أن نظفر بحلقة جديدة فى سلسلة هذه الأدلة. ولكن ينبغى لنا أولا أن نتحقق من الزمن الذى ظهرت فيه الأفكار المتصلة بليلة البراءة (¬1). أما الشعائر المتصلة بصوم رمضان فقد ذكرت فى مادة صوم ومن الأيام الجليلة التى ذكرها البيرونى وغيره فى هذا الشهر اليوم السادس الذى ولد فيه الشهيد الحسين بن على، واليوم السابع عشر الذى فتحت فيه مكة، واليوم الحادى والعشرون الذى توفى فيه على والإمام على الرضا، واليوم الثانى والعشرون الذى ولد فيه على ثم ليلة السابع والعشرين أى ليلة القدر. وليلة القدر تسمية قرآنية سميت بها سورة القدر. فقد جاء فيها "ليلة القدر خير من ألف شهر، تَنَزّلُ الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر، سلامٌ هى حتى مطلع الفجر". وقد نزل الوحى كما سبق أن ذكرنا فى هذه الليلة وأشير إليها فى سورة الدخان، الآية الثانية، فقيل إنها ليلة مباركة. على أن القول بأن ليلة القدر تقع فى السابع والعشرين من رمضان قول غير مقطوع به، ومن ثم جرى أهل التقوى على الاعتكاف فى جميع ليالى الوتر فى عشرة الأيام الأخيرة من رمضان على اعتبار أن ليلة القدر تكون فى ليلة منها. تكاد تتوقف التجارة والصناعة فى رمضان، وخاصة إذا وقع هذا الشهر ¬

_ (¬1) لم يأت كاتب المقال بجديد فى هذه المادة، وإنما هو يردد الدعاوى التى سبق أن قال بها كثير من المستشرقين فى مواد مختلفة من هذه الدائرة، وهى أن الدين الإسلامى وشرائعه قد أخذت من الأديان السابقة له وخاصة اليهودية. وقد سبق أن رددنا على هذه الدعاوى فى أكثر من مادة وقلنا إن الإسلام إذا كان قد أخذ من اليهودية فإن ذلك لا يضيره لأن مصدر الأديان السماوية واحد. وفد جاء القرآن مصدقًا لما بين يدى اللَّه من التوراة والإنجيل. وحسب القارئ أن يرجع إلى التعليقات التى أثبتناها فى هذا الصدد بآخر كثير من المواد.

المصادر

فى موسم حار. ومن هنا آثر الناس أن يقوموا فى الليل بما يعجزون عن أدائه بالنهار. ولما كان النوم غير محرم أثناء الصوم فإنهم ينامون فى كثير من الأحيان شطرًا من النهار. أما الليل الذى ينتعش فيه المرء ويسر فينصرف الناس فيه إلى شتى ألوان المتع والمسرات. وليالى رمضان بصفة خاصة هى ليالى التسلية للكافة، فتقام فيها حفلات خيال الظل وغيره من المسارح. وينتهى شهر الصوم بعيد الفطر. المصادر: (1) Reste: Wellhausen ط 2، ص 97. (2) البيرونى: الآثار الباقية، طبعة سخاو، ص 60، 325، 331 ما بعدها. (3) Mekka: Snouck Hurgronje، جـ 2. (4) المؤلف نفسه: De Atjehers، جـ 1. (5) Manners and Customs: Lane, الفصل 25 (6) محمد توفيق: Ein jahr in KanNachte,stantinopel. 4 Die Ramazan, ترجمة Th. Menzel، ) T. B جـ 3، 1905). (7) Arabic New Year: Wensinck فى Verh. Ak. Amst. جـ 25، ص 2. (8) المؤلف نفسه Creed the Muslim: ص 219 وما بعدها (9) Fragmenta Islamica: Pijper (10) Uber die Ehrennamen: Littmann، IsL.) جـ 8، ص 228 وما بعدها). خورشيد [بلسنر M.Plessner] الرمل بحر من بحور الشعر العربى. واسمه، حسبما يرى العرب، من السرعة والنسج -ومرد هذا على آية حال إلى اعتبارات اشتقاقية فحسب (Darstellung der arab Vers kunst: Freytag ص 136). واستنبط العرب هذا، كما استنبطوا الرجز، من الهزج. وقد جعلوا مكانه الثامن فى ترتيبهم للبحور المعروفة عند القدماء. والتفعيلة الأساسية فى الرمل هى "فاعلاتن" وقد تكون فاعلان على ندرة نادرة (Darstellung: Freytag ص 240، Detectus: Noldeke، ص 296)

وقد تهيأ هذا البحر بعد تكرار سقوط القطع الأخير من آخر البيت [يريد السبب الأخير (تن) من فاعلاتن] إلى أن يكون الوقوف على القطع الذى قبل الأخير من التفعيلة. والصورة الأولى من صور الرمل عند العرب هى بتكرار "فاعلاتن" ست مرات، غير أنه قد تبين بالاستقصاء أنها من الندرة بمكان، وأن أكثر صوره استخداما هاتان الصورتان: 1 - المصراع الأول من "فاعلاتن" مرتين، ثم "فاعلن" والمصراع الثانى مثله. 2 - المصراع الأول من "فاعلاتن" مرتين، والمصراع الثانى مثله (Freytag ص 242). ولقد كانت الصورة الأولى ذات التفاعيل الست من مستعمل الأيام الأولى، ثم ظهرت بعد ذلك الصورة ذات التفاعيل الأربع التى سميت مجزوء الرّمل والتى أصبحت أكثر شيوعا. وحسبنا أنه فى دواوين الشعراء الستة الجاهليين التى نشرها الفرت، جاء الرمل على الصورة الأولى أربع مرات فقط فى النص الرئيسى وسبعا فى القسم الملحق. وكذلك الحال فى "الحماسة" لأبى تمام التى نشرها Freytage، (ص 84، 495). وبين أن ما جاء فى حاشيته (ص 15) من أن الرمل ورد فى الحماسة ثلاث مرات، هو وَهْم أو قل إنه عد القطعة التى وردت (ص 84) مرتين. وفى "حماسة" البحترى التى تحوى 1454 طبعة نجد عشرين منها من الصورة الأولى وواحدة فقط من الصورة الثانية برقم 1192 تعزى إلى وضَّاح اليمن، وهو كما فى الأغانى (جـ 6، 7، 3 - 40) قتله الوليد بن عبد الملك -وعلى هذا فمن المؤكد أنه مات قبل سنة 98 من الهجرة (715 م). وفى ديوان عمر بن أبي ربيعة المتوفى سنة 101 هـ (719 ميلادية) مجزوء الرمل يكاد يكون بكثرة الرمل الكامل، أى بنسبة 12: 17 من بين 440 قصيدة ومقطوعة. وفى ديوان أبى نواس المتوفى سنة 198 هـ أو سنة 199 هـ (أى ما بين سنتى 813 - 815 م) نجد الرمل على كثرة غير بالغة، أربع قصائد من بين 95 قصيدة للمدح، ومرثية واحدة من بين عشرين مرثية، وثمانى خمريات

من بين إحدى وسبعين خمرية، وذلك حسب إحصاء الطبعة القاهرية التى جمعها حمزة. وفى هذا الديوان تسود الصورة الثانية ذات التفاعيل الأربع التامة. وإلى جانب الصورتين السالفتين المستخدمتين فإنا نجد أحيانا: 3 - المصراع الأول من "فاعلاتن" مرتين ثم "فاعلن" مرة -والمصراع الثانى من "فاعلاتن" ثلاث مرات. وبالإضافة إلى المثل الذى اختاره Freytag (كتابه السابق، ص 273) يمكن أن نزيد: ابن قتيبة فى كتابه الشعر والشعراء (نشره de Goeje ص 111) قطعة على رويِّ الراء المضمومة للأفوه الأودى الذى عاش قبل الإسلام كما ذكر نولدكه (Delectus: Noldeke ص 115). ومن المحتمل أن يكون من الشعر نفسه القطعة 194 من "حماسة" البحترى طبعة بيروت، حيث ذكر الأفوه عرضا باسمه الصحيح صلاءة، وليس كما ذكر ابن قتيبة: صلاة. وكذلك القطعة (1360) ورويها الميم المكسورة. وهى ليحيى بن زياد المتوفى حسب رواية مجانى الأدب (ص 452) حوالى سنة 166 هـ (سنة 777 م). وفى "حماسة" أبى تمام (طبعة Freytag ص 84) قطعة روّيها الراء المضمومة لعمرو بن معدى كرب المتوفى حوالى سنة 21 هـ (سنة 643 م). وكذلك أبيات عدى بن زيد المتوفى حوالى 604 م (الأغانى، جـ 2، ص 17). التى رويها اللام المكسورة وكذلك الأبيات التى فى الأغانى جـ 2 ص 21، 36) ورويها الراء المكسورة أيضا. وجميع صور الرمل الأخرى جد نادرة، ولعل مزدوج الرمل شئ استحدث بآخرة فقط. (A Grammer of the Arabic Language: Wright . W، ص 219). ويتضح مما ذكر قبل حول الكثرة غير البالغة التى لصور الرمل المختلفة، أن استعمال الشعراء له فى الجاهلية كان نادرا جدا. ومن المحقق أنه لا يوجد منه شئ البتة فى ديوان أوس بن حجر المتوفى حوالى سنة 620 ميلادية ولا فى نصوص النقائض بين جرير والفرزدق. وإذا وجدنا أن عدى بن زيد الذى كان شاعرا لأميرين لخميين. وكان

المصادر

فارسَّى النزعة كما كان يفَّضل الرمل إلى جانب الخفيف فإن هذه الحقيقة قد تكون من ناحية موضحة للصلة بين الرمل والخفيف الذى يجئ هو أيضا مجزوءا -وتؤيد من ناحية أخرى الرأى الذى كشف عنه "كراتكشوفسكى Kratchkovsky" فى نشرته لديوان الوأواء (ص 152) حين قال إن الرمل مثل الخفيف وإن المتقارب بحر مستنبط ومستحدث فى اللغة العربية. وبين الشعراء المتأخرين بعض شعراء استخدموا الرمل فى كثرة غير مفرطة، منهم أبو نواس. ومن بين القصائد الخمس والسبعين التى فى ديوان مسلم بن الوليد المعاصر لأبى نواس لا نجد الرمل إلا مرة واحدة (القصيدة 75) وعلى الصورة الأولى. وإن الأستاذ هارتمان (M.Hartmann) الذى كشف عن سبعة وأربعين ومائة وزن مستحدث فى الموشحات قد جعل تسعة منها من الرمل. ويظهر أنه ليس هناك قاعدة ثابتة حول البحوث عن استخدام الرمل، كما أنه ليس هناك شئ عن أكثر البحوث الأخرى (Freytag، ص 115). وقد وجدنا الرمل فى اليمين المغلظة لجساس حين توعد بالانتقام فى حرب البسوس (Delectus: Noldeke، ص 40). وفى خطرات مسلم بن الوليد عن متاعب الحياة، وكذلك فى شعر الحب السهل لعمر بن أبى ربيعة (Noldeke, ص 19) وفى خمريات أبى نواس، كما ذكر قبل. إلا أن الأمثلة التى سبقت قبلُ على ترداد الرمل واختلافاته، تعزز رأى كراتشكوفسكى (Kratchkovsky) من أن أكثر العوارض أو أقلها التى تعرض للأوزان العربية المختلفة تتوقف على الأخص على النزعة الشعرية فيما نحن بصدده. المصادر: (1) وردت معظمها فى صلب المادة. (2) انظر Altarabisches: J. jacob Beduinenleben ط 2، ص 190 وما بعدها. (3) الفصل الرابع من مقدمة كراتشكوفسكى I.Kratchkovsky لديوان الوأواء، وخاصة ص 109 - 114، ص 131 (وقد تفضل الأستاذ كب فلفت نظرى إلى المرجع الأخير). الأبيارى [شاده Schaade.A]

الرملة

الرملة كانت قصبة فلسطين، وهى على مسيرة 25 ميلا إلى شرق الشمال الشرقى من بيت المقدس. وقد كان الخلفاء الأمويون يؤثرون العيش فى البلاد الريفية الصغيرة على مدينة دمشق. والغالب أنهم كانوا يختارونها فى فلسطين، وشاهد ذلك أن معاوية ومروان من بعده وغيرهما كانوا يقيمون فى كثير من الأحيان فى الصنّبرة على الضفة الجنوبية من بحيرة طبرية، وكان يزيد الأول يقيم فى هَوارين وأذرعات، وعبد الملك فى الجابية، والوليد فى أسَيْس (الآن تل سيس إلى الجنوب الشرقى من دمشق) وفى القريتين، وأبناؤه فى القسطل؛ وكان يزيد الثانى أيضًا يقيم فى الموَّقر بالقرب من فُدين فى بيت رأس - Lam La Badia et le. Hira sous les: mens Omaiyddes فى Melanges de Faculte Orientale de Beyrouth جـ 4، سنة 1910, ص 91 - 112, The A. Musil Country Residences of the Omayyads فى Palmyrena نيويورك سنة 1928، 277 - 297). وفى عهد الوليد كان أخوه سليمان واليًا على فلسطين، وقد نسج سليمان على منوال عبد الملك مشيد قبة الصخرة فى بيت المقدس وأخيه الذى أعاد بناء مسجد دمشق (ياقوت: المعجم، طبعة فستنفلد، جـ 2، ص 818) فاختط مدينة الرملة الجديدة ونقل إليها مقر الحكومة الإقليمية التى كانت فى اللد منذ طاعون عمواس وذلك عام 18 هـ (638 - 639 م). واستمر أيضًا فى الإقامة بالرملة وهو خليفة (96 - 99 هـ = 715 - 717 هـ). ونقل سكان اللد جميعًا إلى الحاضرة الجديدة لجند فلسطين، وحصنها وترك اللد حتى صارت خرائب. وكان أول ما بنى فيها سليمان قصره، ثم دار الصباغين التى زودت بصهريج ضخم. وقد استصفيت هذه العمائر فى تاريخ متأخر هى وجميع أملاك بنى أمية ودخلت فى حوزة ورثة صالح بن على بن عبد اللَّه. وبدأ سليمان أيضًا بتشييد المسجد ثم استمر فى بنائه عندما ولى الخلافة. وتم تشييده فى عهد عمر بن عبد العزيز

وإن لم يكن ذلك على النطاق الذى استقر عليه الرأى أول الأمر. وكان أمر الإنفاق على بناء القصر والمسجد الجامع فى يد البطريق بن النكا أحد نصارى اللد (البلاذرى طبعة دى غوى، ص 143 وما بعدها ويكتب هذا الاسم بصيغ مختلفة: بطريق بن بكا فى ابن الفقيه، المكتبة الجغرافية العربية، جـ 5 ص 102، وابن بطريق فى ياقوت (ج 2، ص 817). ويذكر ياقوت (جـ 2، ص 817) أن هذا البطريق سأل أهل اللد أن يعطوه منزلا بالقرب من الكنيسة فلما أبوا عليه ذلك، عزم على تخريب الكنيسة. ويذكر المقدسى (المكتبة الجغرافية جـ 2، ص 164 وما بعدها) أن الخليفة هشاما هدد أهل اللد بتدمير كنيستهم إذا هم لم يسلموا ما أخفوه عندهم من الأعمدة الرخامية التى اعتزموا أن يشيدوا بها عمارة فاخرة. وبدأ هشام أيضًا فى مد قناة تدعى بَرَدة إلى هذه المدينة الجديدة واحتفر آبارًا عذبة، ذلك أن المدينة كانت على مسيرة 13 ميلا تقريبًا من أبى فطرس أقرب الأنهار إليها (اليعقوبى، المكتبة الجغرافية العربية، جـ 7، ص 328). وأخذ الخلفاء العباسيون فيما بعد على عاتقهم التكاليف الباهظة اللازمة لصيانة هذه القناة، وكان الأمر فى تلك النفقة يخرج فى كل سنة فلما استخلف المعتصم أسجل بذلك سجلا وصارت النفقة يحتسب بها للعمال. وقد وصف المقدسى وصفًا شائقًا مزايا هذه المدينة وعيوبها، فهى بفضل وفرة فاكهتها وخاصة التين والنخيل، وعذوبة مياهها وطيب غذائها، قد جمعت بين فضائل الريف والحضر، ومزايا المدن التى تقوم فى السهل وتجاور التلال والبحر، ومزايا أماكن الحج مثل بيت المقدس والحصون الساحلية. وكان بها مسجد كبير جميل وخمسة خانات وحمامات مريحة ومساكن رحبة وطرق فسيحة. على أنها كانت إلى ذلك أشبه بالجزيرة الموحلة إبان فصل الشتاء، أما فى فصل الصيف فقد كان حرها شديدًا. وأرض الرملة صلبة لا خضرة فيها لعدم وقوعها على نهر، ولعل قلة المياه الجارية فيها هى أهم عيب فى هذه المدينة، ولولا هذا العيب لكانت تامة

يوناني الفضائل، ذلك أن مياه الشرب القليلة المحفوظة فى الصهاريج لا تصل إلى أيدى الطبقة الفقيرة من السكان. وتشغل الرملة مساحة قدرها ميل مربع. وعمائرها مشيدة من حجر البناء اللطيف والآجر. وكانت سلعها تصدر بصفة خاصة إلى مصر. وأهم أبواب الرملة هى: درب بئر العسكر (نسبة لحى العسكر، انظر ياقوت، جـ 3، ص 674؛ صفى الدين، مراصد الاطلاع، جـ 2، ص 258)، ودرب مسجد عنابة (وافترض دى غوى أن هذه التسمية أخذت من اسم مدينة أخرى هى عنابة على مسيرة أربعة أميال إلى الشرق من الرملة) ودرب بيت المقدس، ودرب بيلعة أى بالعة أو بالغة؟ أو قرية العنب، وهى قرية بعلة القديمة التى تعرف الآن باسم أبو غوش؟ ) ودرب لّد ودرب يافا، ودرب مصر، ودرب داجون نسبة إلى مدينة مجاورة بها مسجد ومعظم أهلها من السامريين Samaritans (وبيت دكن Dagon هى الآن بيت دجن). ويقوم فى وسط سوق الرملة الجامع الأبيض الكبير ومحرابه أكبر ما نعرف من المحاريب، كما أن منبره يلى منبر جامع بيت المقدس، وكثيرًا ما أعجب الناس بمأذنة هذا الجامع الجميلة. ونحن لا نعرف على وجه اليقين هل كان ثمة مدينة قديمة تقوم فى موقع مدينة الرملة، لأن هذه المسألة موضع خلاف. وقد نبذ الناس الرأى القديم الذى يقول إن الرملة هى مدينة أريماثيا Arimathia أو رمثة Ramatha أورماثيام Ramathiam . ويجدر بنا أن ننظر بعين الاعتبار إلى الاسم القديم () أى المعسكر، وهو اسم موضوع كثير، ما أطلق على أماكن فى فلسطين نذكر منها على سبيل المثال معسكر بيت المقدس. Hebr جـ 13، ص 13، ص 11، 13؛ Act ,Apost جـ 21، ص 34؛ جـ 23، ص 32) وأسقفيات فى فلسطين (الآن بئر الزراعة، انظر Vie de S.: Federlin Denier Euthyme le Grand - ص 104 - 111) ولبنان الفينيقية Libanesia R.: Phoinike Aigrin مادة Dict. d'hist في et geoger . et de gdgr. ecles . جـ 3، ص 1194 - 1196) أما مدينة الرملة المصرية التى

على مسيرة أربعة أميال إلى الشمال الشرقى من الإسكندرية فهى تعادل مدينة نيقية Nicopolis القديمة التى عرفت فيما بعد باسم بارمبوله Parembole. غير أن كتاب العرب يذكرون أنه لم تقم من قبل مدينة فى هذا الموضع، وإنما كانت هناك منطقة رملية سميت المدينة باسمها (البلاذرى ص 143 وغير ذلك من المواضع). وكان سكان الرملة فى عهد اليعقوبى (المكتبة الجغرافية العربية، جـ 8، ص 327 وما بعدها) خليطًا من العرب والفرس (انظر منازل الفرس فى الشام كتاب الكندى: ولاة مصر، طبعة Guest، ص 19). أما الموالى فكانوا من السامريين. ويعرف الصهريج الكبير عنيزية الذى إلى الشمال الغربى من الرملة بالقرب من الطريق إلى يافا باسم صهريج القديسة هيلانه St. Helena . وبهذا الصهريج كتابات كوفية تاريخها ذو الحجة عام 172 (مايو 789) أي من عهد هارون الرشيد (Van Berchem: Inscr. arabes de Syrie القاهرة 1897. ص 4 - 7؛ M. de La Citerne de Ramla in Comptesrendus Vogue de l'Acad. des Incr. et Belles - letters، جـ 39، سنة 1911, ص 362 وما بعدها، 493 وما بعدها). وذكر المدينة بادئ ذى بدء حجاج الفرنجة باسم راموله Ramula عام 870 م وجعل منها الصليبيون أبرشية. وقد شيدت فى القرن الثانى عشر كنيسة الصليبيين الجميلة، وهى الآن الجامع الكبير، ببوابتها القوطية العالية التى زيد عليها كتابة السلطان قتبغا من غير مراعاة لمقتضيات البراعة الفنية. وبهذه الكنيسة أيضًا كتابة تدل على أن برجها المربع (ومكانه الآن مأذنة مستديرة) قد شيد أو أعيد تشييده عام 714 هـ (1314 - 1315) على يد السلطان محمد. وجدد صلاح الدين الجامع الأبيض القديم عام 587 هـ (1191 م) وزاد عليه السلطان بيبرس عام 666 هـ (1267 - 1268 م) فتبين فوق المأذنة والمحراب والبوابة المواجهة لهما (مجير الدين، طبعة بولاق، ص 418، ترجمة

Sauvaire ص 207: الكتابة فى Van Berchem كتابة المذكور، ص 57 - 64) وجدد بناء المأذنة المعروفة باسم برج الرملة، أو برج الأربعين شهيدًا فى شعبان عام 718 (أكتوبر 1318) طبقا لرواية مجير الدين وما جاء فى الكتابة التى على بابها (Zwei arabische Inschriften في Jerusalemer Warte جـ 69، سنة 1912، ص 100 وما بعدها). وثمة قول بعيد عن الحقيقة يزعم أن المسجد والمأذنة من عمل الصليبيين (انظر الرأى المخالف لذلك فى Van Berchem، كتابه المذكور، ص 63 وما بعدها). ووصفها ناصر خسرو الذى زارها فى رمضان عام 4338 (1047 م) بأنها مدينة كبيرة لها أسوار عالية منيعة من الحجر وأبواب من النحاس. ويحتفظ السكان بأوعية يجمعون فيها مياه الأمطار يضعونها عند مدخل كل بيت. وكان فيها أيضا صهريج كبير وسط المسجد الجامع يستعمله الناس كافة. وقد هدم الزلزال الذى حدث فى الخامس عشر من المحرم عام 425 (10 ديسمبر سنة 1033) ثلث المدينة، كما خرب مسجدها (انظر ابن الأثير، جـ 9، ص 298). وشيد الجزء الأكبر من المنشآت العامة والخاصة فيها من الرخام وزين بالتماثيل الجميلة والزخارف. وكان التين أهم صادرات الرملة. وقد أطلق عليها أيضًا اسم إقليم فلسطين (Recueil d'Arch,: Clermont - Ganneau ,Orient، جـ 6، ص 101). وخرب صلاح الدين المدينة عام 583 هـ (1178 م) خوفًا من استيلاء الإفرنج عليها مرة أخرى، وبقيت على هذه الحال من الخراب إلى الآن (ياقوت، جـ 1، ص 818, صفى الدين: مراصد الاطلاع، جـ 1، ص 483). وزارها ابن بطوطة عام 756 (1355 م) وذكر الجامع الأبيض وقيل له إنه دفن فيه ثلثمائة نبى. وأقام الدوق فيليب الطيب Philip the Good بمدينة الرملة ديرًا لاتينيا عام 1420؛ وأعاد الملك لويس الرابع عشر تجديد هذا الدير فيما بعد. واتخذ نابليون مدينة الرملة عام 1798 مقرًا لقيادته. ومناخها صحى والأراضى المحيطة بها خصبة.

المصادر

المصادر: (1) الخوارزمى: كتاب صورة الأرض طبعة Mzik فى المكتبة التاريخية العربية، جـ 3 ليبسك سنة 1926، ص 19 رقم 250). (2) سهراب: كتاب عجائب الأقاليم، طبعة Mzik، المصدر السابق؛ جـ 5، سنة 1930 ص 27 (رقم 220). (3) البلاذرى، طبعة دى غوى، ص 143. (4) المقدسى، المكتبة الجغرافية العربية جـ 3، ص 36، 54، 154 - 156، 164، 181، 184، 186. (5) اليعقوبى، المكتبة الجغرافية العربية جـ 7، ص 327 وما بعدها. (6) ناصرى خسرو، طبعة Schefer، ص 21. (7) الإدريسى، طبعة Jaubert جـ 1، ص 339، طبعة Gildemeister فى Z. D. P.، V جـ 8، ص 4. (8) ياقوت: المعجم، جـ 2، ص 817 وما بعدها. (9) صفى الدين: مراصد الاطلاع، طبعة Juynboll جـ 1، ص 483. (10) الدمشقى طبعة مهرن، ص 198 - 200. (11) أبو الفداء، طبعة Reinaud، ص 48. (12) ابن بطوطة طبعة Defermery . Sanguinetti ص 128. (13) Erdkunde: K. Ritter جـ 16، ص 583 وما بعدها (14) Biblical Res: Robinson earches جـ 3، ص 36 وما بعدها. (15) Survey of Western Palestine, Memoirs , جـ 2، ص 264 وما بعدها. (16) Palestine: Conder and Drake Expl. Fund Quarterly سنة 1874، ص 56 وما بعدها، 66. (17) Eglises de Terre: de Vogue Sainte ص 367. (18) La citerne de Ramleh فى Comptrend. de l'Acad d. Insc. Lett .. جـ 39، سنة 1911، ص 362 وما بعدها.

رؤبة بن العجاج

(19) Description de La Judee: Guerin جـ 1، ص 38 وما بعدها (20) Clermont - Ganneau: فى R.A.O جـ 1، ص 268؛ جـ 6، ص 101 (21) Palestine under the: Le Strange Moslems لندن سنة 1890، ص 15. وما بعدها , 20، 28، 39، 41، 56، 303 - 308. (22) Die: E. Reitemeyer Stadtegrundungen der Araber im Islam رسالة جامعية هيدلبرغ، ميونخ سنة 1912، ص 73 وما بعدها. الشنتناوى [هونيكمان E. honigmann] رؤبة بن العجاج التميمى: شاعر عربى: يتردد الاسم رؤبة بين أهل شرقى بلاد العرب وهو الجزء من هذه البلاد الذى يغلب عليه الأثر الفارسى، أكثر مما كان يظن الناس. ويذهب فقهاء اللغة فى تفسير هذا الاسم العجيب مذاهب شتى، على أننى مقتنع بأنه تعريب للكلمة الفارسية روباه بمعنى الثعلب. ويذكر الآمدى فى مؤلفه "كتاب المؤتلف والمختلف" (ص 121 - 122) ثلاثة شعراء اسمهم رؤبة، ومع ذلك فإن رؤبة بن العجاج، من عشيرة بنى مالك بن سعد زيد مناة ابن تميم، هو وحده الذى كانت له شهرة فى الرجازة، ويظن أنه بز فى هذا الضرب من الشعر أباه ومنافس أبيه أبا النجم العجلى. ونحن لا نعرف عن حياة صاحب الترجمة إلا القليل. فقد ولد حوالى عام 65 هـ (675 م) وعاش معظم أيامه فى البادية لا يغشى المدن إلا ليكتسب من مدائحه فى وجوه القوم. ولا شك فى أنه كان فى منتصف عمره يتجول مع الجيوش التى كانت توسع رقعة الدولة الإسلامية فى شرقى فارس. ولا يخامرنا ريب فى أن بواكير قصائده قد ضاعت، وإن كانت قد وصلت إلينا قصيدة منها (رقم 22 فى طبعة آلوارت Ahlwardt) وجهها إلى القاسم بن محمد الثقفى الذى فتح جزءًا من السند عام 94 هـ (713 م) وقتل فى العام التالى بعد أن استدعى من الهند. ثم تنقل رؤبة، جنديًا أو تاجرًا، فى شرقى

فارس، ووجه القصيدة التى أنشأها بعد الأولى (رقم 27) إلى وال آخر من ولاة السند هو عبد الملك بن قيس الذيبى الذى شخص إلى السند بعد ذلك ببضع سنوات. على أننا لا نعلم علم اليقين هل كان حاضرًا فى خراسان أيام الفتنة التى أعقبت مقتل قتيبة بن مسلم عام 96 هـ (714/ 715 م) أم كان غائبا عنها، وعلى أى حال فإن له عدة قصائد أهداها إلى أشخاص كانت لهم مشاركة فعالة فى تلك الحروب. ونستدل من قصيدته فى هجاء المهلب (رقم 72) أنه انحاز إلى اليمنية، كما أن مدحه مسلمة ابن عبد الملك الذى هزم يزيد بن المهلب وقتله عام 102 هـ (720 م) شاهد آخر على ذلك. أما قصائده المتأخرة فقد وجهها أيضا إلى شخصيتين فى شرقى فارس، هما محمد بن الأشعث الخزاعى الذى كان فى كرمان عام 129 هـ (747 م) , ونصر بن سّيار الذى حاول عبثا أن يقمع حركة أبى مسلم، وأدركته منيته عام 131 هـ (749 م). ولرؤبة قصيدة (رقم 41) فى آخر خلفاء بنى أمية مروان بن الحكم، ذلك أنه كان لا يزال يؤمل أن مروان سينتصر على أعدائه كافة. وقد أثبت رؤبة بذلك ولاءه لقضية الأمويين، ومن ثم فلا عجب أن خاف على حياته عندما دعى للمثول بين يدى أبى مسلم، فوجده على معرفة جيدة باللغة العربية. وقد مدح أبا مسلم بقصيدتين فضلا عن قصائد أخرى قالها فى غيره من أفراد هذا البيت الجديد. وله قصيدة فى مدح أبى العباس السفاح (رقم 55) وقصيدتان فى عم أبى العباس سليمان بن على (رقم 45، 47)، أما قصائده الأخيرة ففى مدح المنصور (رقم 14؛ Dijamben، رقم 8). وكان عند ذلك قد أسن، ويقال إنه توفى سنة 145 هـ (762 م). وجميع شعر رؤبة من بحر الرجز. وتبين لى أن الأشعار القليلة التى من بحور أخرى قد نسبت له خطأ. وتعلم رؤبة الرجز على أبيه العجاج، وقد عيّر العجاج بأنه اغتصب بعض قصائد ابنه عندما بدأ رؤبة يمارس هذا الفن. وقد وصلت إلينا قصيدة يهجو فيها أباه. ثم

إنه ورث عن أبيه ميله لغريب اللغة، ولهذا كانت قصائده من أصعب ما نظم باللغة العربية، فقد حفلت بالألفاظ المهجورة أو النادرة التى قل أن يستعملها غيره من الشعراء مما يحمل المرء على الظن بأنه إنما نحت ألفاظا جديدة من قبيل التفاخر. وهو إلى ذلك أكثر شعراء العرب طرا غراما بذلك الضرب من تجنيس الكلمات أو حشد صيغ شتى مشتقة من فعل واحد (1) ولن يجد أحد فى ذلك جمالا. ولعل معظم السبب فى حفظ قصائد رؤبة أنها ذخيرة يستمد منها اللغويون فوائد جمة. ويتضح ذلك بأجلى بيان من ذلك الحشد العظيم من الشواهد الذى ورد منها فى المعاجم الكبيرة، فقد بلغت هذه الشواهد بضعة آلاف فى لسان العرب. ونحن لا نعجب إذا رأينا كثيرًا من علماء البصرة، وبعضا من علماء الكوفة، يزورونه للاستزادة من علمه حتى برم هو بذلك. وكان لرؤبة ولدان، عبد اللَّه الذى أهداه أبوه قصيدتين من قصائده، وعقبة الذى نظم أيضًا قصائد على منوال أبيه (ابن قتيبة: كتاب الشعر؛ الجاحظ: البيان والتبيين، جـ 1؛ ص 22؛ المرزباني: الموشح، ص 218، 226 ابن رشيق: العمدة). وقد جمعت قصائد رؤبة فى ديوان، جمعها أبو عمرو إسحق بن مرار الشيبانى، وابن الأعرابى، والسكرى، ولعل نسختى وابن الاعرابى والسكرى، هما اللتان نجدهما فى مخطوطات القاهرة وستراسبورغ وبرلين (انظر Dijamben، الأرقام من 40 - 41). قد نشر آلوارت (برلين 1903) محتويات هذه المخطوطات وفاته للأسف أن يثبت الشروح التى عليها، مع أنه لا غنى عنها فى تفهم قصائد رؤبة، فضلا عن أنه أوردها مرتبة ترتيبا أبجديًا مما أغمض علينا تبين الخطة المتبعة فى جمعها. ورأى كيير S.Geyer أن هذه الطبعة ناقصة، فنشر سنة 1908 بعنوان Atar-abische Dijamben . إحدى عشرة قصيدة وأثبت الشروح التى أغفلها آلوارت. وقد زاد آلوارت على طبعته أشعارًا أخرى نسبت لرؤبة فى كتب أخرى، وعمد

المصادر

كيير أيضا إلى إضافة أشعار إلى هذه المجموعة فى كتابه Beitrage zum Diwan des Ru'ba، S.B AK. Wien) جـ 163، 1910 م) على أن ثمة أبياتا من الشعر تنسب لرؤبة غابت عن آلوارت وكيير. وعلى ذلك فكثير منها ليس لرؤبة بل لشعراء آخرين، وقد كان ثمة منذ عهد متقدم خلط بين أشعاره وأشعار أبيه. المصادر: نجد إشارات عن سيرة رؤبة فى: (1) الجمحى: طبقات، طبعة هل Hell، ص 147 (والمخطوط فى هذا المقام ناقص). (2) ابن قتيبة: كتاب الشعر، طبعة في غوى، ص 376 - 381. (3) المرزبانى: الموشح، ص 219. (4) كتاب الأغانى، جـ 21، ص 84 - 91. (5) ابن خلكان، القاهرة 1910، جـ 1، ص 178. (6) أبيات لرؤبة وردت بكثرة فى جميع المعاجم. خورشيد [كرنكوف F.Krenkow] روح بن حاتم ابن قبيصة: والى إفريقية. أقامه هارون الرشيد فى هذا المنصب الرفيع عام 171 هـ (787). وكان روح حاجبا فى عهد المنصور ثم ولى على البصرة. واختاره المهدى واليا على الكوفة، ثم على السند، ثم على طبرستان، ثم على فلسطين. وليس من شك فى أن روحا كان قد تقدم فى العمر عندما أرسله هارون الرشيد إلى إفريقية فى السنة التالية لتوليه الخلافة. وروح من أسرة المهلب، وهى الأسرة التى كان قد خرج منها والبان على هذا الإقليم نفسه، ثم أخرجت من بعده واليين آخرين. "والظاهر أن الخليفة فى ذلك العهد كان يعهد بشئون إفريقية إلى أسرة من الحكام الموالين له" (Vonderheyden). وكانت ولاية أسرة المهلب التى سبقت ولاية الأغالبة موفقة غاية التوفيق، فقد قضت هذه الأسرة على ثوار البربر قضاءًا مبرما فيما يظهر، كما أخمدت فتنة الخوارج. واستتبت الحال استتبابا حتى أن روح بن حاتم لم يواجه أية

المصادر

مصاعب خطيرة عندما وصل إلى القيروان فى رجب عام 171 (ديسمبر 787 - يناير 788). ثم إن روحا جلب معه أمدادا جديدة من الجند وخمسمائة فارس، وانضم إليهم بعد ذلك 1500 فارس آخر أحضرهم ولده قبيصة. وكان السلام يخيم على البلاد مدة ولايته التى دامت ثلاث سنوات. بل إن روحا قد أفلح فى إبرام الصلح مع عبد الوهاب إمام تاهرت الرستمى. وقد نوه الكتاب الذين استقينا منهم هذه المعلومات، وخاصة أبو العرب وابن عذارى، بسماحته وبفلسفته الرواقية التى اصطنعها حيال الشدائد، وبمهارته فى فل شوكة خصومه. وعندما تقدم روح فى السن سأل صاحب البريد وأحد قواد الإقليم الخليفة أن يختار فى السر خلفا له يمكن أن يحل محله عندما تدعو الضرورة إلى ذلك. وانصاع هارون الرشيد لنصيحتهم، فاختار نصر ابن حبيب. وتوفى روح بن حاتم فى التاسع عشر من رمضان عام 174 (3 فبراير 791) فنودى بولده قبيصة خلفا له فى المسجد الكبير بالقيروان، غير أن صاحب البريد والقائد أبلغا بذلك نصرا الوالى المختار فما كان من قبيصة إلا أن أفسح الطريق لهذا الوالى. المصادر: (1) أبو العرب ومحمد الخشنى: Classes des Savants de l'Ifrikiya طبعة وترجمة ابن شنب، فى مواضع مختلفة. (2) ابن عذارى: البيان المغرب، طبعة دوزى، جـ 1، ص 74 - 75 ترجمة فانيان، جـ 1، ص 100 - 101. (3) النويرى (ذيل لكتاب ابن خلدون، تاريخ البربر، ترجمة de Slane, جـ 1، ص 387 - 388). (4) La Berberie: Vonderheyden Orientale sous la dynastie des Benou L'Aghlab ص 8 - 9. الشنتناوى [مارسيه G. Marcais]

رودس

رودس أبعد جزائر بحر الأرخبيل ناحية الشرق. وتمتد رودس من الجنوب الغربى إلى الشمال الشرقى، وهى على بعد اثنى عشر ميلا تقريبا من الشاطئ الجنوبى لآسية الصغرى. ويبلغ طولها نحو 45 ميلا، ويتراوح أكثر جهاتها عرضا بين 20 و 25 ميلا. وترتفع أرض هذه الجزيرة تدريجا من البحر حتى سلسلة الجبال الوسطى، وأعلى قممها جبل أرتميتى، وهو يرتفع ستة آلاف قدم فوق سطح البحر. ويفسر لنا موقعها الجغرافى الوسط بين قارات العالم القديم الثلاث أهمية هذه الجزيرة فى التاريخ البحرى. وكان قربها من الإمبراطوريات العربية ثم المصرية ثم العثمانية يجعلها فى متناول الحملات الإسلامية فى كثير من المناسبات. ففى القرن الأول للهجرة أرسل الخليفة معاوية أسطولا بقيادة جنادة ابن أبى أمية الأزدى لغزو الجزيرة. واختلفت الروايات فى تاريخ هذا الفتح، فقيل إنها وقعت عام 53 هـ = 672 - 673 م (انظر Chrongraphia Islamica: Gaetani بخصوص هذا الاختلاف بين المصادر). ولا نعرف إلا القليل عن هذا الفتح المتقدم العهد اللهم إلا أن العرب قد أنشأوا هناك محلة لم تعمر طويلا، فقد تخلوا عنها عام 60 هـ (679 - 680 م) بأمر الخليفة يزيد (ثانى خلفاء بنى أمية) وبذلك استعادت الإمبراطورية البوزنطية الجزيرة. وقد ظلت المصادر التاريخية البوزنطية عهدًا طويلا تذكر للاحتلال العربى تدميره التام لتمثال رودس البرنزى الضخم المشهور وبيعه لتاجر يهودى من حمص Emesa . ويقال إن معدن هذا التمثال قد بلغ حمولة 800 جمل. وفى عام 1308 أو 1310. أى فى عهد أتدرونيكوس الثانى ياليولوجوس استولى على جزيرة رودس فرسان الاسبتارية Hospitallers الذين أخرجهم من عكا عام 1291 السلطان خليل ولد السلطان قلاوون، وغدت الجزيرة فى عهد فرقة القديس يوحنا المقدسى التى أصبحت تعرف فى ذلك الوقت باسم فرسان رودس، شوكة فى جانب الإسلام بصفتها من أقوى معاقل المسيحية اللاتينية فى الشرق الأوسط. وكان للفرسان منذ ذلك الوقت شأن بارز فى معظم الحملات الصليبية التى

شنت على تركيا ومصر، وخاصة فى الاستيلاء على أزمير عام 1344 ونهب الإسكندرية عام 1365، وفى حملة نيقية الصليبية عام 1396. وقد دفعت الحملة الثانية من هذه الحملات المصريين إلى شن سلسلة من الغزوات المضادة على قبرس ورودس. وكان من نتيجة الحملات البحرية الثلاث فى الأعوام 1424، 1425، 1426 أن ألحقت قبرس بمصر بصفتها ولاية تابعة لها. ومن هنا حول المماليك خططهم فى عهد جقمق إلى غزو رودس. ففى عام 1440 جهزوا أسطولا صغيرًا من خمس عشرة سفينة بها مائتا جندى نظامى وبضع مئات من المتطوعين، وأبحروا من دمياط إلى قبرس للتزود بالمؤن والذخائر، ثم إلى علاية بآسية الصغرى حيث زودهم أميرها المسلم بمحاربين آخر وبأربع سفن، ثم توجهوا إلى رودس. على أن الفرسان كانوا قد اتخذوا العدة لهذا الهجوم، فارتد أسطول المماليك تحت جنح الظلام بعد مناوشات قليلة. وفى عام 1443 أبحر أسطول آخر من دمياط إلى بيروت وطرابلس ولرناسه Larnaca وليماسول وآطاليه ليجمع المؤن والذخائر من الرعايا والإمارات الصديقة. وكان هدفه الأول جزيرة شاتورو Chateauroux أو كستللوريزو Castelloriza المعروفة فى المصادر العربية لذلك العهد باسم قشطيل الروج. وكانت هذه الجزيرة تابعة آنئذ للفرسان. ولم يجد المصريون صعوبة فى إخضاعها، ثم عادوا إلى دمياط نظرًا لقرب حلول فصل الشتاء. وفى عام 1444 شنت حملة ثالثة أكثر استعدادًا على رودس. وقد أبحر الأسطول المصرى، وكان عليه ما لا يقل عن ألف مملوك، من دمياط إلى طرابلس ثم اتجه رأسًا إلى رودس. وأفلح المصريون هذه المرة فى النزول إلى الجزيرة ومحاصرة مدينة رودس. وأخيرًا مرق الفرسان من المدينة المحاصرة واتخذوا خطة الهجوم. وهكذا أخذ الجيش المصرى على غرة وفقد الكثير من رجاله فأبحر عائدًا إلى دمياط. ويمكن أن نرجع السبب فى انتصار الفرسان وطردهم عدوًا قويًا كمماليك مصر إلى ثلاثة أسباب رئيسية: السبب

المصادر

الأول: شبكة الجاسوسية التى أقامتها فرقة الفرسان فى جميع الدول المعادية لها. وقد جعلت هذه الشبكة مركز قيادة الفرسان على أتم استعداد لاتخاذ الإجراء الحاسم فى اللحظة الملائمة. والثانى قوة تحصينات رودس، وقد تيسر لها إنشاء هذه التحصينات بفضل رخاء الجزيرة لكونها إحدى مراكز التجارة الهامة فى الشرق الأوسط. والثالث طبيعة التدريب العسكرى للفرسان ووحدتهم وشجاعتهم النادرة فى القتال. وانتهى الأمر بعقد الصلح بين مصر ورودس بفضل وساطة الأمير جاك كير Jacques Coeur التاجر الفرنسى العظيم فى القرن الخامس عشر، وكان مقربًا لدى بلاط السلطان. ووقعت مهمة إعداد حملة إسلامية حاسمة على رودس على عاتق سلاطين آل عثمان. فحاصر محمد الثانى القصبة عام. 1417 ولكنه لم يلق إلا نجاحًا ضئيلا. ولم يقض القضاء الأخير على الفرسان إلا فى عهد سليمان القانونى بعد أن دافعوا عن بلادهم ببطولة نادرة المثال. وأصبحت جزيرة رودس فى 24 ديسمبر سنة 1522 مقر باشا تركى، وظلت تحت سلطان العثمانيين إلى أن استولت عليها ايطاليا إبان حرب عام 1912. وانتقلت إلى الحكم الإيطالى آخر الأمر بمقتضى معاهدة لوزان فى 24 يولية سنة 1923. المصادر: الغزو العربى: انظر المصادرة التى ذكرها كيتانى Caetani فى كتابه Chronographia Islamica . تحت السنوات 52، 53 - 60. الحملات الصليبية: منشورات الشرق اللاتينى Societe de L' Orient latin (1) Les Hospitalliers a Rhodes Jusqu' a La mort de Philibert de Naillac 1310 - 1421: J. Delaville Le Roulx , باريس 1913. (2) المؤلف نفسه: La France en Orient au XIV eme Siecle فى مجلدين، باريس سنة 1886. (3) Philippes de Mezieres, 1327 - 1405, La Croisade au XlV eme siecle: N.Jorga باريس سنة 1896.

(4) المؤلف نفسه: Notes et extraits Pour servir a L'histoire des croisades au XVeme siecle المجموعة السادسة، باريس وبوخارست سنة 1899. إلخ. (5) Rhodes of the: Baron de Delabre Kinghts أكسفورد سنة 1909. (6) The Crusade of Ni-copolis: A. S. Atiya لندن سنة 1934، أما بخصوص حملة عام 1365 على الإسكندرية فإن أهم مصدر عربى عنها هو "الإلمام" (Ahlwardt: فهرس المخطوطات العربية ببرلين رقم 9815. مخطوط القاهرة، تاريخ رقم 1449) وهو الكتاب الذى يعتبر مؤلفه مجهولا حتى الآن، غير أنى أذهب إلى أنه هو محمد بن قاسم بن محمد النويرى المالكى الإسكندرانى (انظر مخطوط برلين، ورقة رقم 120؛ ابن حجر: الدرر الكامنة، رقم 375 في أربعة مجلدات، وطبعة فلوكَل لحاجى خليفة رقم 2136). الحملات على الصليبيين: لا تزال معظم مصادر هذا القسم مخطوطة. (1) ابن حجر: إنباء الغمر، المتحف البريطانى، رقم 7321, الإضافات رقم 23330. (2) المقريزى: كتاب السلوك جـ 4 (انظر Brockelmanu جـ 2، ص 39 عن مخطوطاته المختلفة). (3) الجوهرى: كتاب التاريخ، المكتبة الأهلية، القسم العربى، رقم 1791. (4) العينى: مصنفات تاريخية منوعة (انظر Brockelmann جـ 2، ص 52 - 53). (5) أبو المحاسن بن تغرى بردى: النجوم الزاهرة، طبعة W.Popper التى تولتها مطبعة جامعة كالفورنيا سنة 1915. . . إلخ. (6) السخاوى: التبر المسبوك، القاهرة 1896. (7) بيرى رئيس بهريجه، فى مجلدين، طبعة وترجمة Kahle. برلين وليبسك 1926 جـ 1، ص 61 - 64، جـ 2، ص 83 - 88. مصادر عامة: (1) Decline and Fall: Gibbon طبعة J. B. Bury فى سبعة مجلدات. لندن 1909.

(2) History of Greece: Finlay فى سبعة مجلدات طبعة Tozer، أكسفورد سنة 1877. (3) Essay on Latins in the Levant: W. Miller كمبردج سنة 1921. (4) Short History of the Near East: W.S. Davies لندن سنة 1923. (5) The Nearer East: D. G. Hogarth لندن سنة 1905. (6) Histoire du commerce du Levant au moyen age: W. Heyd فى مجلدين، ليبسك 1885 - 1886. ولا يزال لكتاب Vertot القديم المسمى Histoire des Chevaliers de Saint-Jean قيمة كبرى، وهو فى سبعة مجلدات. وقد طبع فى أمستردام عام 1732. ويمكن الرجوع عن معاهدة لوزان إلى التاريخ الرسمى للجمهورية التركية Tarith Turkiya Cumhuriyeti، إستانبول سنة 131، جـ 4، ص 125 - 131 وإلى Die Welt des Islams جـ 10، ص 74. الشنتناوى [سوريال، عطية A.S.Atiya] واحتل الإيطاليون فى عام 1912. أى إبان الحرب التركية الإيطالية، جزيرة رودس وجزائر سيوراديس الجنوبية واحتفظوا بها حتى عام 1923. ذلك أن تركيا تنازلت آنئذ (بمقتضى معاهدة لوزان) عن كل مطالبها فى رودس وجزائرها، وهى الجزائر الخاضعة الآن لسيادة إيطاليا وهى تؤلف: "الممتلكات الإيطالية المتفرقة فى بحر إيجه " Possedimento delle Isole Italiane dell'Egeo" ويبلغ عدد الجزائر أربع عشرة جزيرة وسنذكر أسماءها اليونانية الأصلية مثبتين الأسماء التركية التى تقابلها بين الأقواس مع استثناء انجرلى: رودى (رادوس Rados) كلجى (كركى وخركى)، كالينو (قالمنوز)، كاسو (قاشوط) كستلروسو (كَستلور يزو، ميس Meyis) كو (استانكوى)، ليرو (لويوز) لسّو (ليسوس)، نسيرو (نسيروس، إنجرلى)، ياتمو (باتموس)، بسكوبى (يسكوبيس، تيلوس، إيلياكى)،

الآثار التركية والإسلامية

سكار بانتو (كربه)، سيمى (سومبكى)، ستامباليا (استروباليا). وتبلغ مساحة هذه الممتلكات Possediments 2697 كيلو مترًا مربعًا، ويبلغ مجموع عدد سكانها 130855 نسمة (تعداد 21 أبريل سنة 1931) منهم 54818 نسمة فى جزيرة رودس. ويتوزع السكان تبعًا للغة والدين على الوجه التالى: 104485 من الروم الأرثوذكس ويتكلمون اليونانية، و 8276 من المسلمين ويتكلمون التركية، و 4481 من اليهود ويتكلمون العبرية الاسيانية، و 8000 من الروم الكاثوليك ويتكلمون الإيطالية. ويوجد المسلمون فى جزيرة رودس وجزيرة كو. والمسلمون معفون من الخدمة العسكرية كسائر السكان، ولهم مدارس ابتدائية، ومدرسة فى رودس، كما لهم محاكم شرعية فى رودس وكو. الآثار التركية والإسلامية لم يغير الترك كثيرًا فى تخطيط رودس. وجل ما فعلوه أنهم صنعوا شيئًا فى سبيل إظهار ملامح الجزيرة التى يغلب عليها بصفة عامة الطابع الشرقى فقد أحالوا الكنائس إلى مساجد كما ابتنوا أخرى جديدة. وأعظمها: مسجد إبراهيم باشا (947 هـ = 1540 - 1541 م) ومسجد رجب باشا (966 هـ = 1587 - 1588 م) ومسجد مراد رئيس (تخليدًا لذكرى رئيس قتل فى وقعة بحرية بالقرب من كوبريا Cypria عام 1609) وقد بناه أبو بكر باشا عام 1046 هـ (1636_ 1637 م) وجدده مرابط حسن بك عام 1212 هـ (1797 - 1798 م)، ومسجد السلطان مصطفى (1178 هـ = 1764 م) أما مسجد السلطان سليمان فهو حديث العهد. ويجدر بنا أن ننوه أيضًا بمكتبة رودس، وهى تضم مخطوطات عربية وفارسية وتركية، وقد أنشأها حافظ أحمد أغا وأوقفها فيما بين عام 1791 - 1792 وعام 1799. ويرجع تاريخ بعض المقابر الإسلامية التى تقع أسفل أسوار

المصادر

الحصن إلى حصار عام 1522. وهناك كثير من مقابر الأعيان الذين ماتوا فى الأسر أو المنفى برودس فى فناء تكية مراد رئيس، نذكر منهم: جانى كراى خان (توفى عام 1636) وشاهين كراى خان (قتل عام 1640) وسعادت كراى خان (توفى عام 1695) وصافى (ولد حسين شاه فارس بالتبنى، وتوفى عام 1175 = 1755 - 1756 م) والشاعر حشمت (توفى عام 1182 هـ = 1768 - 1796 م) والصدر الأعظم يوسف باشا (توفى 1715) والقائد عبد الكريم باشا (توفى 1302 هـ = 1884 - 1885 م). المصادر: (1) L'ile de: Biliotti and Cottret ,Rhodes رودس عام 1881. (2) Rohdes in Modern Times: C.Torr كمبردج 1887. (3) زيوربك: رودس تأريخ، رودس 1898 - 1899. (4) Rodi A. Maiuri روما سنة 1921. (5) La Cite de Rhodes A. Gabriel فى مجلدين، باريس 1921 - 1923. (6) Touring Club Italiano: Possedimenti e Colonie ميلانو 1929. (7) Rodi: G.Jacobi , برجامو سنة 1923 (8) Architetture turca in Rodi: H. Balducci ميلانو 1932. (9) E. Rossi: Assedio e Conquista turca in Rodi nel 1522 secondo le relazioni edite e inedite dei Turchi. Con un cennn Hafiz di Rodi sulla Biblioteca روما سنة 1927. (10) المؤلف نفسه: Nuove richerche sulle fonti turche relative all'assedio di .1522 Rodi nel فى R.S.O . جـ 15. (سنة 1934) ص 97 - 102. (11) II "tecche" di Murad Reis a Rndi: Vitalis Strumza فى Riv. delle colonie Italiane يناير سنة 1934، ص 3 - 19. الشنتناوى [إيتورى روسى Ettore Rossi]

رهبانية

رهبانية وهذا المصطلح مشتق من راهب، ولم ترد هذه الكلمة فى القرآن إلا فى آية واحدة (الآية 27 من سورة الحديد) كانت مثار تفاسير متباينة، ونص الآية "ثم قَفَّينا على آثارهم برسلنا وقَفَّينا بعيسى ابن مريم وآتيناه الإنجيل وجعلنا فى قلوب الذين اتَّبَعوه رأفةٌ ورحمة ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان اللَّه فما رعوها حقَّ رعايتها فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم وكثير منهم فاسقون". ويذهب بعض المفسرين إلى أن الفعل "جعلنا" يستهدف غرضين اثنين لا ثالث لهما، وهما الرأفة والرحمة، وعلى هذا تكون كلمة رهبانية مفعولا لابتدعوها. ونخرج من ذلك بأن الرهبانية فى هذا المقام هى فيما يظهر نظام ناسوتى محض، وأن الفاسقين قد حطوا من شأنها. على أن بعض المفسرين يقولون إن عبارة "وجعلنا" تتعدى إلى الرأفة والرحمة والرهبانية جميعًا. ومن ثم تكون الرهبانية نظامًا من صنع اللَّه. ويشير الأستاذ ماسينيون إلى أن هذا التفسير هو تفسير القدماء. أما المحدثون فيجنحون إلى استنكار الرهبانية، ويحتجون بالحديث الذى يقول "لا رهبانية فى الإسلام". ولم يرد هذا الحديث فى كتب الصحاح، على أنه قد مهد له فيها. فقد شكت امرأة عثمان بن مظعون للنبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] إهمال زوجها لشأنها، فانتصر لها النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] قائلا "إن الرهبانية لم تكتب علينا" (أحمد بن حنبل، جـ 6، حديث 226؛ الدارمى، النكاح، باب 3). وثمة حديث آخر أقل من ذلك تضييقا ونصه "لا تشددوا على أنفسكم فيشدد عليكم. فإن قومًا شددوا على أنفسهم فشدد اللَّه عليهم، تلك بقاياهم فى الصوامع والديار رهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم" (أبو داود، الأدب، باب 44). وعلى هذا النحو استنكر الإسلام الرهبانية وأحل محلها الجهاد. فقد جاء فى الحديث "لكل نبى رهبانية،

المصادر

ورهبانية هذه الأمة الجهاد فى سبيل اللَّه عز وجل" (وهو حديث فى مسند أحمد بن حنبل، جـ 3، . حديث 266؛ وثمة رواية أخرى للحديث وردت فى المسند عن أبى سعيد الخدرى، جـ 3، حديث 82). المصادر: (1) Essai sur les origines du lexique technique de la mystique musulmane: L.Massignon، ص 123 وما بعدها. (2) تفاسير الآية 27 من سورة الحديد. (3) ابن سعد: الطبقات، طبعة سخاو، جـ 3، قسم 1، ص 287 (4) الحريرى: المقامات، طبعة ده ساسى، ص 570 - 571. (5) الزمخشرى: الفائق، حيدرآباد 1324 هـ، جـ 1، ص 269 (6) ابن الأثير: النهاية، مادة رهبانية. (7): Sprenger Das Leben und die Lehre des Mohammed، جـ 1، ص 389. (8) Muhammedanische Studies: Goldziher، جـ 2، ص 294. (1) المؤلف نفسه فى Revue de l'histoire des Religions جـ 18، ص 192 - 194؛ جـ 37، ص 314. خورشيد [فنسنك A.J.Wensinck] رهن (ع) هو ما يُعْطَى من شئ أو متاع تأمينا لدين، والراهن هو المدين الذى يعطى شئيًا يملكه رهنا، والمرتهن هو صاحب الدين الذى يأخذ هذا الشئ تأمينا لدينه. والقرآن الكريم فى الآية 283 من سورة البقرة ينص على إعطاء رهن يقبضه الدائن من المدين، وإذا كانا على سفر ولم يجدا كاتبا (فرهان مقبوضة)، ومن الواضح أن هذا مطابقًا لما جرى عليه أهل الجاهلية فى حفظ الحقوق (¬1). ¬

_ (¬1) الرهن وقبضه ليس فقط فى السفر، ولكن فى الحضر أيضا. فإن الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] ابتاع فى الحضر ورهن، فالمراد بذكر السفر فى الآية غالب الأحوال، راجع مثلا كتاب أحكام القرآن، لابن العربى جـ 1: 109.

وشأن المرهون فى إثبات الدين هو فى الفقه الإسلامى أقل بكثير من شأن ما فيه من ضمان لأداء الحق، ومن هذه الوجهة الأخيرة تعنى الأحاديث خصوصا بأمرين: (أ) هل يُصبح الشئ المرهون، إذا لم يؤد صاحبه ما عليه من حق، ملكا للمرتهن من غير مشقة أم لا يصبح ملكا له (والجوابان يتلخصان فى القاعدتين الفقهيتين وهما: "الرهن بما فيه" و"الرهن لا يغلق". (ب) من الذى له الحق فى استعمال الشئ المرهون واستثماره وتجب عليه المحافظة عليه (والجواب الذى كثيرا ما يوجد عند علماء الفقه الأولين: وهو أن آخذ الرهن له أن يستثمره ويستعمله إذا قام بتعهده والمحافظة عليه، أصبح فيما بعد رأيا غير معمول به). وبحسب الفقه الإسلامى يجب على معطى الرهن أن يتعهده ويحافظ عليه ولكنه لا يجوز له أن يستغله إلا عند الشافعية. أما استغلال آخذ الرهن له فهو غير جائز (إلا عند الحنابلة) والزيادة التى تحصل فى عين الشئ المرهون من حق معطيه، ولكنها فى الوقت نفسه تندرج فيه تبعا (إلا عند الشافعية) وآخذ الرهن مسئول عنه عند الحنفية وعند المالكية (بشروط). وعند الشافعية والحنابلة أن الاتفاق المتعلق بالمرهون شبيه بالاتفاق فى أمر الوديعة، وأساس الرهن لابد أن يكون دينا. أما ما يلحق بالرهن من صيغة حفظ الحق فهو جائز فى الجملة، ولكن هناك حالات شاذة يعترف بها، فيها يسقط الدين إذا هلكت العين المرهونة، أعنى أن الخسارة تكون على آخذ العين المرهونة. وعلى حين أن ملكية العين المرهونة تظل للمدين فإنه لا يستطيع أن يتصرف فيها. وهى تصبح تحت يد الدائن، وللدائن الحق فى بيع العين لاستيفاء دينه إذا جاء أجله ولم يدفعه المدين. أما الرهن الرسمى (¬1) فهو غير معروف فى الشريعة الإسلامية، شأن ذلك شأن مجموعة الحقوق المتدرجة المتعلقة بالرهن. ولابد من التمييز بين الرهن وبين حبس الشئ بقصد ضمان حق قانونى، وهو حق عينى قرره الشرع ¬

_ (¬1) هو الذى يقبض هيه المرتهن الشئ المرهون، كما يجرى فى البنوك مثلا، وهو يقابل الرهن الحيازى الذى يضع فيه الدائن يده على الشئ المرهون.

المصادر

فى أحوال معينة بحيث صارت له صلة بالحق القانونى للرهن. المصادر: (1) G. Bergstrasser's Grundzuge des islamischen Rechts: J.Schach ص 55 وما بعدها. (2) Somumario diritto malechita: Guidi- Santillana، جـ 2، ص 285 وما بعدها. (3) Derecho Musulman: Lopez Ortiz ص 192 وما بعدها. (4) Muhammedanisches Recht: Sachau ص 323 وما بعدها. (5) Droit Musulman: Querry, جـ 1، ص 443 وما بعدها. (6) De hoof-dregelen der sjafi'itische leer van het panndrechl: Th. W.Juynboll، ليدن (رسالة) 1893. ع. م. أبو ريدة [شاخت Joseph Schacht] تعليق جاءت هذه المادة كما كتبها صاحبها غاية فى الإجمال، وعلى غير قليل من الغموض والقصور. ولعل السبب فى هذا وذاك اعتماد كاتبها على المراجع الأجنبية وحدها. وهيهات أن تفيد هذه المراجع فهما حقا لمسألة من الفقه الإسلامى كالمسألة موضوع البحث! ومن الخير أن تعاد كتابتها بالرجوع إلى المراجع الإسلامية الأصيلة، ولكن هذا يؤدى إلى تطويل قد يكون غير مرغوب، ولذلك نكتفى بالحديث عن أهم ما تشمله المادة، وذلك مسألتان: (أ) هل يجوز الانتفاع بالرهن وهو مرهون ولمن يجوز إن كان مشروعا؟ (ب) ما الحكم إذا هلك الرهن قبل وفاء الراهن للدين الذى عليه للمرتهن؟ وفى أثناء الحديث عن هاتين المسألتين، سنشير إلى ما لنا من ملاحظات على المادة كما كتبها كاتبها. (أ) الرهن أو الشئ المرهون ملك لراهنه المدين، ولهذا تكون منافعه وزياداته ملكا لصاحبه، وإذا فليس للمرتهن الدائن -فى بادئ الرأى- أخذ شئ من هذا أو الانتفاع بالرهن إلا بإذن الراهن. ومع ذلك ففى المسألة تفصيل يرجع إلى اعتبارات عديدة، منها أن يكون الرهن مما لا يحتاج إلى مؤنة كالدار

والمتاع، أو يحتاج كالحيوان، ثم الحيوان قد يكون له لبن يحلب أو مما ينتفع به فى الركوب ونحوه، وهكذا إلى اعتبارات أخرى ليس هنا محل تفصيل القول فيها: بل يجب الرجوع إليها فى مظانها (¬1). ثم رويت عن الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فى هذا الموضوع أحاديث أثارت شيئا من الخلاف بين الصحابة والفقهاء أصحاب المذاهب من بعدهم، ونذكر منها قوله [-صلى اللَّه عليه وسلم-]. "الظهر يرُكب بنفقته إذا كان مرهونا، ولبن الدَّرِّ يشرب بنفقته إذا كان مرهونا وعلى الذى يركب ويشرب النفقة" (¬2) وقوله فيما رواه الإمام أحمد ابن حنبل: "إذا كانت الدابة مرهونة فعلى المرتهن علفها. ولبن الدر يُشرب وعلى الذى يشرب نفقته، (¬3) وقوله: "إذا ارتهن شاة شرب المرتهن من لبنها بقدر علفها، فإن استفضل من اللبن بعد ثمن العلف فهو ربا" (¬4). وواضح أن هذا الاختلاف فيمن له حق الانتفاع بالرهن، قد جاء من قول الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-]: يركب ويشرب، أى بصيغة البناء للمجهول التى لا تعين من له هذا الحق. فمن الصحابة من ذهب إلى أن ذلك للراهن وحده لأنه مالك الرقبة، فله أن ينتفع بها مقابل نفقتها، ومن هؤلاء الصحابة ابن مسعود، ثم ذهب بعض الأئمة -لا الشافعى وحده كما ذكر كاتب المادة- من بعد إلى هذا الرأى. وفى هذا يقول الشافعى إن من رهن ذات در وظهر لم يمنع الراهن درها وظهرها لأن له رقبتها، فهى محلوبة ومركوبة كما كانت قبل الرهن. قال: "ومنافع الرهن للراهن، ليس للمرتهن منها شئ" (¬5): وذهب آخرون، إلا ابن حنبل وحده كما ذكر صاحب المادة، إلى أن الذى له الانتفاع مقابل النفقة هو المرتهن الدائن، وهذا "بقرينة أن انتفاع الراهن لأجل كونه مالكا. والمراد هنا الانتفاع فى مقابلة النفقة، وذلك يختص بالمرتهن" (¬6) ويؤيد هذا الرأى ما جاء فى الرواية ¬

_ (¬1) راجع مثلا، المغنى لابن قدامة جـ 4، 385 وما بعدها. (¬2) منتقى الأخبار بشرحه نيل الأوطار، جـ 5: 234. وراجعه مع شئ من الاختلاف فى اللفظ أو الترتيب، فى سنن أبى داود جـ 3: 390 - 391 طبعة مصطفى محمد، وسنن البيهقى جـ 6، 38. (¬3) و (¬4) نيل الأوطار، جـ 5: 234 - 235. (¬5) سنن البيهقى، جـ 6: 38 - 39. (¬6) نبيل الأوطار، جـ 5: 234.

الأخرى التى ذكرناها، وفيها أن من ارتهن شاة شرب من لبنها بقدر علفها، وممن ذهب إلى هذا الرأى ابن حنبل والليث بن سعد وإسحاق والحسن (¬1). وهنا يرى ابن مسعود ومن ذهب مذهبه من الأئمة المتأخرين أن هذا الحديث بروايته الأخرى تلك ورد على خلاف القياس، لأن فيه إجازة انتفاع المرتهن بغير إذن الراهن (المالك) ولأن فيه تضمينه ما ينتفع به بالنفقة لا بالقيمة. ويقول ابن عبد البر بأن هذا الحديث عند جمهور الفقهاء ترده أصول مجمع عليها، وآثار لا يختلف فى صحتها (¬2). على أن السنة الصحيحة وهذا الحديث منها، من جملة الأصول فلا ترد إلا بأصل آخر أرجح منها، كما يذكر الشوكانى، بعد أن يتعذر الجمع بينها. (ب) بعد أن وضع المرتهن يده على الرهن ضمانا أو تأمينا لدينه، أصبح الرهن وثيقة بهذا الدين الذى له، ومعنى هذا أن له أن يطالب المدين بدفع ما عليه حين يحل أجل الوفاء المتفق عليه بينهما مع استمراره حابسا للمرهون حتى يستوفى دينه كله، فإن وفى الراهن الدين انتهى عقد الرهن طبعا، وإلا بيع الشئ المرهون وحينئذ يكون "المرتهن أحق بثمنه من بين سائر الغرباء، لأن بعقد الرهن ثبت له الاختصاص بالمرهون، فيثبت له الاختصاص ببدله وهو الثمن (¬3)، ومن البدهى أن للراهن ما بقى من الثمن بعد سداد الدين، وأن المرتهن يعود عليه بما بقى من الدين إن لم يف الثمن به كله. أما إذا هلك الرهن فى يد المرتهن قبل وفاء الدين، فإن الإمام الشافعى يرى أنه هلك أمانة فيبقى له دينه يطالب به، بينما يرى الفقهاء الآخرون أنه يهلك مضمونا، ثم اختلف هؤلاء فى بيان قدر هذا الضمان، فذهب أكثرهم إلى أنه يهلك مضمونا بالأقل من قيمته ومن الدين، وفى هذا بلا ريب مصلحة للمرتهن وهذا هو "قول عامة العلماء وجماعة من الصحابة رضى اللَّه عنهم ¬

_ (¬1) المؤلف نفسه، ص 334 - 335. (¬2) المؤلف نفسه، ص 235، وراجع المسألة بتمامها والخلاف فيها، وترجيح أن من له الانتفاع هو المرتهن، في "الروض النضير" لشرف الدين الحيمى اليمنى الصنعائى، مطبعة السعادة عام 1348 هـ، ص 375 - 376. (¬3) البدائع للكاسانى، جـ 6: 153.

رياح

مثل سيدنا عمر وعبد اللَّه بن مسعود" (¬1) وقد رواه عن سيدنا على. ومنهم من قال إنه مضمون بقيمته بالغة ما بلغت، أى على المرتهن فضل قيمة الرهن إن كانت تزيد عن قدر الدين" ومنهم من ذهب أنه مضمون بالدين بالغا الدين ما بلغ، أى يذهب الدين كله وإن كان يزيد عن قيمة الرهن، وقد جاء فى رواية عن على رضى اللَّه عنه أنه قال يترادّ المرتهن والراهن الفضل؛ أى يرجع المرتهن على الراهن بفضل الدين إن كان أكثر من قيمة الرهن، ويرجع المدين بفضل قيمة الرهن إن كانت تزيد على مبلغ الدين (¬2). الدكتور محمد يوسف موسى رياح قبيلة عربية، وهى أقوى القبائل التى ترفع نسبها إلى بنى هلال. نزحت رباح من مصر العليا، وأغارت على البربر فى منتصف القرن الخامس الهجرى (الحادى عشر الميلادى). وكان شيخ هذه القبيلة فى ذلك الوقت رجلا يدعى مؤنس بن يحيى من بنى مرداس. وقد حاول الأمير الزيرى المعز الذى لم يدرك العواقب الوخيمة التى تنجم عن دخول العرب إلى إفريقية، أن يتفق معه وأن يكسب إلى جانبه قبيلة رياح، وكان العرب أول من خربوا بلاد المعز، غير أن المعز أفلح فى الفرار من القيروان إلى المهدية بفضل حماية زعماء قبيلة رياح الذين تزوجوا من بناته. ومن الطبيعى أن تكون قبيلة رياح أحسن من أفاد من التقسيم الأول لإفريقية الذى أعقب الفتح. فقد حصلوا على القسم الأكبر من السهول التى غادرها البربر للبحث عن ملجأ لهم بين الجبال، ودفعوا أقرباءهم الأثبج ناحية الشرق، واستولوا على باجة التى كان الخليفة بالقاهرة قد أعطاهم إياها سلفا. وأقسم أهل قابس يمين الولاء لمؤنس. وكان ذلك أول غزوة حقيقية للعرب كما يقول ابن خلدون. وجعلت أسرة جامع -وهى أسرة تمت بالقرابة إلى قبيلة رياح- من قابس حاضرة صغيرة منظمة زينوها بعمائرهم. ثم إن محريز ابن زياد أحد شيوخ رياح شيد لنفسه حصنا فى المعلقة (لعلها كانت ملعبا ¬

_ (¬1) و (¬2) بدائع الصنائع للكاسانى، جـ 56: 160.

رومانيا) بين أطلال قرطاجنة. على أن زعماء المعلقة الأقوياء أيدوا سياسة بنى زيرى فى المهدية، وانضموا إليهم فى مناهضتهم للموحدين. ولم تقف هذه المقاومة طويلا فى سبيل الحملات التى أنفدها المغاربة على إفريقية التى كان يسودها الاضطراب والفوضى، وقد حلت الهزيمة بالعرب على يد عبد المؤمن فى الأعوام 546، 555، 583 هـ (1152، 1160، 1187 م) فأمروا بالتوجه إلى الأندلس لمساعدة جيوش المسلمين على مواصلة الجهاد فى تلك البلاد، وقد خلف عبد المؤمن فريقا من رياح فى إفريقية تحت قيادة عساكر بن سلطان، وأخذ الباقى إلى المغرب مع زعيمهم مسعود أخى عساكر المعروف باسم البلط (انظر Supplement: Dozy جـ 1، ص 111). وأنزلهم فى السهول المراكشية إلى الشمال من بورجراج. وكان هذا التحكم فى أمرهم لا يتمشى فى كثير مع تقاليد قبيلة رياح. ففر مسعود إلى إفريقية، وأيد فيها بنى غانية الذين كانوا يسعون إلى إحياء سلطان المرابطين تحقيقا لمصلحتهم الخاصة. ونحن نعلم كيف أن القلاقل التى أثارها بنوغانية قد دفعت الخليفة الموحدى إلى أن يقيم أبا محمد الحفصى واليا على إفريقية وخوله سلطات واسعة. وكان من الطبيعى أن يهاجم هذا الوالى قبيلة رياح، وأراد أن يتخلص منهم فشجع عرب سُليم على الاستيطان فى البلاد، وكانوا إلى ذلك الوقت يقيمون فى طرابلس. واضطرت رياح التى كانت أهم أسرة فيها آنئذ هى الدواويدة، إلى النزوح إلى سهول قسنطينة تحت ضغط سليم، وأقاموا فيها من ذلك الحين. وظل مركز رياح فى موطنهم الجديد على جانب كبير من القوة، إذ كانت لهم الكلمة المسموعة فى وسط إقليم قسنطينة بأسره، أى من ناحية قالمة Guelma إلى ناحية بجاية، وكانوا فى الزاب على صلات ببنى مزنى فى بسكرة الذين كانوا يحكمون هذا الإقليم الحفصى، وكانت هذه الصلات ودية حينا وعدائية أحيانا. وهذا يفسر لنا كيف أن بنى مزنى ألفوا أنفسهم مضطرين إلى مناهضة تلك الحركة العجيبة التى كانت حركة دينية

واجتماعية فى آن، وكان يحرضهم على ذلك المرابط سعدة الرياحى، وكانت الدواويدة، ونخص بالذكر أقوى أسرهم أولاد محمد، يستحوزون على مشاتى ويستمتعون بالأموال التى يدفعها أهل قصور بأقليم الصحراء من وادى ريغ. وفى غضون القرن التاسع عشر بأسره كان البطنان الرئيسيان للقبيلة الأصلية، وهما أولاد محمد وأولاد سباع، منهمكين فى الشئون السياسية لأمراء الحفصية وأمراء عبد الواد أصحاب تلمسان وكذلك فى دسائس الطامعين فى العرش الذين كانوا يرومون الإطاحة بالأسر الحاكمة التى كانت تتولى الأمر فى البلاد. وظل سلطان رياح فى بلاد البربر الوسطى قائما فى القرنين الخامس عشر والسادس عشر. وقد ذكر برناردينو المندوزى Bernardino of Mendoza أنه كان لديهم فى عام 1536 عشرة آلاف فارس وعدد كبير من الرجالة. وكانوا فى القرن الثامن عشر يشدون من أزر بك قسنطينة التركى الذى كانت تربطهم به صلة المصاهرة، كما كانوا سلاطين تيقّورت Tuggurt المستقلين. ولاحظ كاريت Carette ووارنيه Warnier أن الاسم "داويدة" كان فى عام 1844 مرادفا لعبارة "العرب الأشراف". وكان لفرع آخر من قبيلة رياح شأن هام فى تاريخ ولايات زناتة. ففى المغرب الأقصى نقل الموحدون جماعات منهم إلى السهول الساحلية، وأخلصوا فى خدمتهم، ذلك أنهم حاولوا أن يصدوا تقدم المرينيين، غير أنهم هزموا بالقرب من وادى سبو عام 614 هـ (1217 م) وعاقب المرينيون المنتصرون رياح فى غير شفقة أو رحمة. واستكان هؤلاء لمذلة دفع جزية سنوية بعد أن قتل منهم كثيرون، وحل بهم الضعف وأجلوا ناحية الشمال. وعاد اسمهم لا يذكر فى خريطة مراكش الحديثة اللهم إلا فى موضع بالقرب من الطريق من القسار إلى طنجة. وأخيرا بقى اسم رياح فى الطرف الآخر من بلاد البربر، أى فى موطنهم الأول، وذلك فى التسميات التى اتخذتها القبائل. وتقع قائدية رياح بين طبرسق Tebursuk والتلال المحيطة بخليج تونس.

المصادر

المصادر: (1) ابن خلدون: تاريخ البربر، طبعة ده سلان، جـ 1، ص 19؛ الترجمة. جـ 1، ص 34 وما بعدها، وفى مواضع مختلفة. (2) ابن عذارى: البيان المغرب، طبعة دوزى، جـ 1، ص 300 وما بعدها، ترجمة Fagnan, جـ 1، ص 43، وما بعدها. (3) ابن الأثير، طبعة تورنبرغ، جـ 9، ص 387 وما بعدها، ترجمة Fagnan بعنوان Annales du Moghreb et de l'Espagne ص 456 وما بعدها. (4) Documents: Elie de la Primaudaie inedits sur 1'historie espagnole en Afrique فى. R. Afr سنة 1877. (5) Le Sahara de Constantine: Feraud الجزائر سنة 1887. (6) المؤلف نفسه: Historie des villes de la province de Constantine, Bordj bou Arreridj فى Recueil de la Societe Archeologique de Constantine جـ 15. (7) Notice: Carette & Warnier فى Etablisments francais سنة 1844 (8) Le cheikh el-Arab: Bouaziz ben Gana الجزائر سنة 1930. (9) Michaud Bellaire et Salmon: Tri-bus arabes de la vallee de l'Oued Lekkous فى Archives Marocaines جـ 4، ص 58 - 59. (10): G. Marcais Les Arabes en Ber-berie انظر الفهرس ولوحة رقم 2 الخاصة بشجرة النسب. الرياض قصبة مملكة نجد، فى الواحة المعروفة بالاسم نفسه التى تقع على الضفة اليسرى لوادى حنيفة الممتد صوب الشمال، وهو واد ضحل يعد جزءا من حوض الشمسية. وطول هذه الواحة التى على هيئة اللوزة ثلاثة أميال وعرضها ميل فحسب. وتكتنف الرياض من جميع الجهات إلا الجهة الشمالية الشرقية أحراج كثيفة من النخيل. ففى هذه الجهة حرجات قليلة متناثرة تتخلل منظر

هضاب أبى مخروق حيث يخرج المجرى الرئيسى الذى يمد الواحة بالماء. وهو وادى الشمسية الذى يمر بالجانب الشرقى للمدينة فى سيره نحو منفوحة. وقد شيدت الرياض على شرف من الحجر الجيرى تنحدر جميع جوانبه مبتدئة من قمته الوسطى، ويقوم القصر على هذه القمة، وهيئة المدينة التى زودنا فلبى Philby بصورة واضحة عن خطتها، أشبه شئ بشكل رباعى غير متساوى الأضلاع مساحته 100 فدان تقريبا. وكان يحيط بالرياض سور منيع يبلغ ارتفاعه نحو من 25 قدما، شيد بالآجر الغليظ المجفف فى الشمس، ويدعم هذا السور شرفات وأبراج تبرز منه ويتفاوت ارتفاعها ما بين 30 و 40 قدما، وبعضها مدور الشكل، وقد جددت أجزاء كبيرة من السور حديثا، لأن التحصينات القديمة كانت قد خربت أيام ابن رشيد. وبقيت فى الغرب والجنوب أسوار وشرفات من العهد السابق لابن رشيد. والظاهر أن الرياض التى نافستها منفوحة فى يوم من الأيام منافسة قوية، كانت فى الأصل على مسيرة 400 ياردة تقريبا إلى الشمال الشرقى من موقعها الحالى، قبال بساتين الشمسية حيث تقوم الآن طائفة من الأطلال تعرف بحجر اليمامة. وتتخلل حلقة الأسوار تسعة أبواب بطل استعمال بعضها فى الوقت الحاضر. ومن أهم هذه الأبواب الباب الذى على الجانب الشرقى (باب ثمَيرى)، وهو يؤدى إلى الطرق الرئيسية إلى الشمال والشرق كما يؤدى إلى الطريق الذى يسير جنوبا إلى منفوحة، ثم الباب الذى فى الركن الشمالى الغربى، وهو يؤدى إلى وَشم وقسيم، وإلى طريق الحجاج الغربى المؤدى إلى مكة. وفى الجنوب الغربى بابا دَخْمَة ومُرَيقِب، وبينهما باب غير مسمى، وكلها تؤدى إلى الطريق التى إلى الجنوب والجنوب الغربى، ويؤدى باب بديعة إلى بَطن، وباب الشمسية إلى الطريق الشمالَى. وتؤدى طرق المدينة إلى القصر، ويسير الطريق الرئيسى منها فى خط مستقيم إلى القصر. ثم يمر بالسوق إلى باب بديعة ويتفرع منه طريق يخرج من طرف السوق ويؤدى إلى باب ذهيرى.

وتشغل السوق جميع المنطقة التى إلى الشمال من القصر، ويقسمها سور قسمين: الأول خصص للنساء، ويحفل الثانى بحوانيت ساذجة المظهر أقيم بعضها فى الجدار الجنوبى للمسجد الجامع. وهذا المسجد بناء رحيب قائم الزوايا طوله 180 قدما وعرضه 155 قدما، وله بابان، الباب الكبير ويدخله الناس من السوق فى جدار المسجد الجنوبى، وله مداخل جانبية فى الشرق والغرب. وينقسم المسجد من الداخل إلى ثلاثة أقسام، الأوسط وله صحن مكشوف، أما القسمان الآخران فتغطيهما سقوف مستوية تقوم على عدة صفوف من عمد من الحجارة الضخمة تضم بينها أروقة. ويشغل الإيوان الذى فى جانب القبلة نصف البناء كله تقريبا. وللسقوف دورات قليلة الارتفاع وسلم ذو درج فى الجانب الشمالى يحل محل المنارة. وإلى الشمال من الطريق الرئيسى قلعة مربعة ذات أسوار وشرفات هائلة فى أركانها الأربعة، وهى تستعمل الآن دارا للصنعة ومخزنا وسجنا، ويشغل قصر ابن سعود، وهو قصر بسيط متين البناء ذو شرفات يواجه السوق المكشوفة، ربع مساحة المدينة كلها تقريبا. وفى الرياض مساجد كثيرة علاوة على المسجد الجامع، وتقوم مقبرة المدينة فى الرحبة التى فى ظاهرها بين باب الشمسية وأحراج النخيل التى تمتد إلى بساتين الشمسية، وتوجد على مسافة منها نحو الشرق على يسار مهد وداى الشمسية مقبرة صغيرة أخرى خصصت للأسرة الحاكمة. وبين المقبرتين عند الباب الشرقى مصلى فسيح يحيط به سور واطئ من الطوب اللبن، ولا تقام الصلاة فيه إلا فى الأعياد الكبرى، ولهذا المصلى محراب للقبلة فى وسط الجدار الغربى. ويرتبط تاريخ الرياض الحديث بمملكة الوهابيين ارتباطا وثيقا. فقد حدث عقب وفاة محمد بن سعود أن بايع الوهابيون أخاه ثنيان بالزعامة الروحية والدنيوية، وانضم إليه أهل منفوحة التى كانت تنافس الرياض، وغيرهم من أهل البلاد الأخرى، فاشتد

ساعده وغزا الرياض. وكان يلى أمر الواحة فى تلك الأيام دهام من أسرة ابن دَوَّاس، وقد قاوم دهام الوهابيين مقاومة عنيفة، وتحالف سنة 1758 مع دُجَيْن بن عريعر صاحب الأحساء. وحاصر دجين معقل ابن سعود، فباء بالخيبة واضطر إلى الارتداد عنه سنة 1759. وبعد ذلك بثلاث سنوات حملت الرياض على اعتناق مذهب جديد، ولم تجد بدا من أن تدين بالطاعة والولاء لابن سعود. على أن دهاما ظل محتفظا بهذه المدينة حتى عام 1772 م، وفى هذه السنة نجح عبد العزيز بن محمد ابن سعود فى إسقاطه واحتل الواحة. وظلت الدرعية بالرغم من ذلك قصبة البلاد إلى أن احتلها إبراهيم باشا. فلما انسحب منها خالد باشا وغلب عليها الخراب بفعل قنابل الجيش المصرى خمل شأنها وأصبحت الرياض قصبة نجد ومقر حكم تركى بن سعود زعيم الوهابيين، صحيح أن حسين باشا قائد الحملة الجديدة التى أنفذت عليها قد احتلها إلى حين، إلا أن تركى عاد إليها عقب انسحاب حسين باشا. وفى عام 1832 انتقض عليه مشارى بن ثنيان ابن سعود وتولى حكمها وقتل تركى فى المعركة التى نشبت بينهما. وبعد ذلك بأربع سنوات طرد خورشيد باشا الذى كان قد فتح نجدا فيصلا وأقام مقامه خالد بن سعود. على أن فيصلا عاد إلى الرياض عقب تخلى خالد عن الحكم، ثم أجبره خورشيد باشا على التسليم وأسره فى 12 ديسمبر 1838 وبعث به إلى مصر، وولى على نجد عبد اللَّه بن ثنيان ابن عم خالد. واستطاع عبد اللَّه أن يثبت فى ولايته حتى بعد انسحاب الجيوش التركية المصرية من بلاد العرب الوسطى، وظل يحكم نجدا إلى عام 1844, وفى هذه السنة استعاد فيصل حريته وفتح الرياض من جديد، وجعلها قصبته إلى أن أدركته منيته سنة 1865. وتنازع ولداه عبد اللَّه وسعود على الحكم، وتمكن سعود من طرد أخيه من هذه المدينة، ولكنه توفى سنة 1874, وعندئذ عاد عبد اللَّه إليها، وكان هذا النزاع قد حمل محمد بن رشيد الذى كان ينتحل لنفسه السلطان فى نجد على إقامة عبد الرحمن بن فيصل واليا على الرياض.

المصادر

وحاول عبد الرحمن الانتقاض فى سنة 1891 ولكن باء بالخيبة وألقى به فى السجن وتولى محمد بن رشيد حكم الرياض. ولقى محمد المصاعب فى حكم هذه البلاد المتناثرة فحمله ذلك على إعادة عبد الرحمن إلى ولاية هذه المدينة، على أن عبد الرحمن فر إلى الهفوف واحتمى بالترك، فأقام محمد بن رشيد محمد بن فيصل واليا على الرياض سنة 1892. وفى الوقت الذى كان فيه محمد بن عبد العزيز يقاتل الكويت نجح عبد العزيز ابن عبد الرحمن بن فيصل فى استعادة الرياض إلى حوزة أبيه، واعترف به أهلها واليا عليهم سنة 1902، بل استطاع سنة 1909 أن يحمل ابن رشيد على الاعتراف بسلطانه. وأصبحت الرياض من ذلك الوقت قصبة الوهابيين لا ينازعهم فيها منازع (*). وثمة بلد آخر يعرف بالرياض بين مهرة وحضرموت، وقد اشتهر هذا البلد فى التاريخ بالمعركة التى وقعت فيه إبان فتنة كندة فى خلافة أبى بكر، وذكره ياقوت فى معجمه جـ 2، ص 881 وما بعدها). المصادر: (1) Visit to the Wahabee Capital, Central Arabic: Pelly فى مجلة الجمعية الجغرافية الملكية، جـ 35، 1865, ص 176 وما بعدها، 179 - 181، 185. (2) Reise in Arabien: W. Palgrave, جـ 1، ليبسك 1868 م، ص 297 وما بعدها؛ جـ 2، ليبسك 1868، ص 30 - 55. (3) Eben Rasid: A. Musil فى O.M.F.O، جـ 43، 1917 م، ص 14، 45 وما بعدها، 80 وما بعدها، 109. (4) المؤلف نفسه: Eben Saud، نفس المصدر، ص 165 وما بعدها. 207 - 248، 297، 299، (5) THe Heart of Arabia: H. Philby, جـ 1، لندن 1922 م، ص 60 - 107، شكل 170، وفيه صور عن الرياض ص 168 (القصر)، 172 (المسجد الجامع) , 174 (منظر الرياض)، 176 (البساتين). خورشيد [كرومان A. Grohmann] ¬

_ (*) هى عاصمة المملكة العربية السعودية والأكثر تطورًا.

ز

ز

الزار

الزار الزار فى العربية كلمة مستعارة من الأمهرية، ذلك أن المعتقدات الشائعة فى جن الزار قد انتقلت من الحبشة إلى العالم الإسلامي، ومثل هذه الأقوال فى الجن الذين قد يتجسدون إلى حين فى بعض الكائنات البشرية نجدها فى مختلف البلاد الإسلامية بآسية وإفريقية حيث يطلق عليهم أسماء خاصة مثل بورى (فى نيجيريا وطرابلس) وأموك (فى الملايو). ومهما يكن من شئ فإن هذه المادة إنما تتناول فحسب عادات الزار المعروف بذلك الاسم فى كل من مصر والحجاز وعمان علاوة على بلاد الحبشة. والاسم زار فى بلاد الحبشة نفسها لا يرجع إلى أصل سامى. والراجح أن الكلمة مشتقة من اسم الإله الأعظم عند الكوشين الوثنيين. فإله السماء يعرف فى لغة أكو Agau باسم جار، وفى لغات سدمة: يرو، ودرو. ولقد غدا الإله الوثنى القديم فى الحبشة بعد أن دخلت فى النصرانية عفريتا حقودا. وانتقلت على هذا النحو الشعائر الخاصة بالأرواح، والتى كانت فى وثنية الكوشيين موجهة إلى الكائنات العلوية الصغرى فحسب، إلى المسيحية عند الأحباش (ثم إلى الإسلام) مقترنة بالاسم الخاص بإله السماء الذى انحط إلى مرتبة أقل مما كانت له. ويعتقد المسلمون والنصارى فى الحبشة أن الزار (الذى يعيش بصفة خاصة فى الأنهار والجداول وغيرها من المياه الجارية) يمكن طرده من

الممسوس باستخدام التمائم أو الشعائر الشائعة عند أتباع كل من هذين الدينين. ويستحضر الزار إبان إقامة هذه الشعائر للإفصاح عن اسمه، لأن ذلك يفقده قوته. على أن أهالى بلاد الحبشة الجنوبية (مثل الكالة والسدمة) لا يقتصرون على هذه الشعائر الخاصة بطرد الأرواح الشريرة واستحضارها، بل يقيمون طقوسا أخرى لإرغام هذه الأرواح على تقمص أجسام الأتباع الجدد الذين يدخلون فى زمرة المؤمنين بهذه الطقوس، وما إن تتقمص هذه الأرواح الشريرة أبدانهم حتى يتنبؤا بالغيب (*) فإذا بدت منهم كلمة أو إشارة ظن القوم أنها من وحى هذه الأرواح. الراجح أن الطقوس المتصلة بالزار فى مصر قد انتقلت إليها فى القرن التاسع عشر، ذلك أن اسمها الأمهرى "زار" وصفاتها الخاصة بطرد الأرواح واستحضارها دليل واضح على أن أصلها من بلاد الحبشة الشمالية (السامية). وليس للاشتقاق العربى الذى أورده زويمر من أن الزار سمى زارا لأنه زائر [نحس] أى أساس من الصحة. وقد جرت الأحوال بأن يقوم بهذه الطقوس الخاصة بطرد الأرواح واستحضارها امرأة هى الشيخة أو عريفة السكة. وتختلف معالجتهن للروح باختلاف المكان الذى جاءت منه الروح، ذلك أنهن يفرقن بين عفاريت القاهرة وعفاريت مصر العليا والسودان وغير ذلك من البلاد. ومن ثم فلا مناص من التماس "النغمة الصحيحة والأغنية الصحيحة والملابس الصحيحة"، وتختلف هذه الأشياء كلها باختلاف الأرواح قاهرية كانت أو سودانية أو غير ذلك. وتصاحب الأغنيات دقات على دفوف ورقصات. وجرت العادة بأن يتقرب إلى الروح بأضحية من الدجاج، وقد تستمر هذه الطقوس فى حالات خاصة عدة ليال. وقد طبعت فى القاهرة رسائل فى ذم طقوس الزار. ويذكر سنوك هررونيه Snouck Hurgronje أن العبيد الأحباش قد نقلوا إلى الحجاز الاعتقاد فى الزار. وللزار فى الحجاز نفس خصائص الزار فى مصر. وهو منتشر انتشارا واسعا بين نساء مكة. وتجتهد الشيخة التى تباشر طقوس الزار وشعائره أن تتحقق ¬

_ (*) عالم الغيب هو اللَّه وحده جلّ شأنه، وما أكثر الآيات القرآنية الواردة فى هذا الصدد. [خ. م].

المصادر

من جنسية الزار، وذلك بأن تستجوبه إما بالعربية العامية وإما بلغة الزار الخاصة، وهى اللغة التى لا يعرفها إلا أرباب الطريقة. وقد انتقل الزار إلى عمان على هذا النحو أيضا. والظاهر أن الجمع زران (والمفرد زار) فى لهجة عمان لا يعرف فى أية جهة أخرى. ونجد فى الصومال دون غيرها طقوسا أخرى ترمى إلى تجسيد العبقر (ويعرف بالصومالية باسم سار) علاوة على الشعائر الخاصة بطرد الأرواح واستحضارها. المصادر: (1) Note sugli Agau: C.Conti Rossini فى Giornale della Society Asiatica Italiana جـ 18، فلورنسه سنة 1905. (2) Note sul inovimento musulmano in Somalia: E. Cerulli, فى. R.S.O جـ 10. (3) المؤلف نفسه: Etiopia Occidentale جـ 2، رومه سنة 1933. (4) Zar- Beschworungen inEgypten: P.Kahle في Isl جـ 3، سنة 1912، ص 1 - 41. (5) المؤلف نفسه: Zum Zar، المجلة السابقة، ص 189 - 190. (6) The Influence o f Animism in Islam: S. Zwemer لندن 20 نقحه Della Levi Vida فى Bilychnis ج ـ 10، سنة 1921، ص 75 - 79. (7) Mekka: Snouck Hurgronje جـ 2، سنة 18989 ص 124 - 128. (الترجمة الانكليزية بقلم J.H.Monaham ليدن 1931، ص 100 - 103). (8) Les noms magiques dans les apocryphes chretines des Ethiopiens: N.A.Z. Aescoly فى المجلة الآسيوية، جـ 220 سنة 1932. الشنتناوى [إنريكو سروللى Enric Cerulli] الزاوية هى فى الأصل ركن البناء. وكانت تطلق بادئ الأمر على صومعة الراهب المسيحى (قارن الكلمة اليونانية) ثم أطلقت على المسجد الصغير أو على المصلى. ولا يزال للكلمة هذا المعنى عند

المسلمين فى الشرق، ذلك أنهم يفرقون بينها وبين المسجد الذى يفوقها شانًا، وهو يعرف أيضًا بالجامع. على أن المصطلح "زاوية" ظل محتفظًا فى شمال إفريقية بمعنى أكثر شمولا من ذلك، إذ هو يطلق على بناء أو طائفة من الأبنية ذات طابع دينى، وهى تشبه الدير أو المدرسة. وقد ذكر دوماس Daumas عام 1847 (La Kabylie ص 60) تعريفًا جيدًا للزاوية المغربية. والظاهر أن هذا التعريف يتفق فى الجوهر وما عليه الزاوية فى الوقت الحاضر. (انظر العبارة المقتبسة فى Suppl: Dozy تحت مادة زاوية). فنحن نجد فيها جميع الأشياء التالية أو الكثير منها: غرفة للصلاة بها محراب: ضريح لأحد المرابطين أو ولى من الأشراف تعلوه قبة؛ غرفة قصرت على تلاوة القرآن؛ مكتبًا أو مدرسة لتحفيظ القرآن، ثم غرفًا مخصصة لضيوف الزاوية وللحجاج والمسافرين والطلبة. ويلحق بالزاوية عادة قرافة تشمل قبور أولئك الذين أوصوا فى حياتهم بأن يدفنوا فيها. ويقول دوماس Daumas " إن الزاوية هى على الجملة مدرسة دينية ودار مجانية للضيافة، وهى بهذين الوصفين تشبه كثيرًا الدير فى العصور الوسطى". على أنه قد طرأ على فكرة الزاوية فيما يظهر تغير خاص إلى حد ما منذ العصور الوسطى فى العالم الإسلامى الغربى على الأقل. أما فى المشرق فسرعان ما اكتسب هذا المصطح معنى محددًا فقصر استعماله على المساجد الأقل من ذلك شأنًا، ولم يستعمل هناك مرادفا للمصطلحات الأكثر منه تحددًا مثل الدير والخانقاه أو التكة التى كانت تطلق بصفة خاصة على المنشآت الصوفية التى يرد أصلها بصفة عامة إلى التصوف الإسلامى عند الفرس. على أن المصطلح زاوية ظهر فى المغرب حوالى القرن الثالث عشر مرادفًا للرابطة، أى الصومعة التى يعتزل فيها الولى ويعيش وسط تلاميذه ومريديه (انظر ترجمة C. S. Colin لكتاب المقصد للباديسى فى. A. M جـ 26 [1926] ص 240 تحت هذه المادة). ومع ذلك فإن الزاوية أو الرابطة ليست فى جميع الأحوال هى الرباط، وهو منشأة تخدم

غرضا آخر كان له فى بادئ الأمر طابع حربى. وجدير بنا فى هذه المناسبة أن نشير إلى رواية ابن مرزوق التلمسانى المتوفى عام 781 هـ (1379 م) الذى خص الفصل الثانى والأربعين من رسالته عن أبى الحسن على السلطان المرينى المسماة "المسند الصحيح الحسن" بالكلام عن الزوايا التى شيدها هذا السلطان. وقد ذكر أن الزاوية هى ما يعرف فى الشرق باسم الرباط أو الخانقاه، ويمكن أن نضيف إلى ذلك أن كلمة رباط كانت تستعمل أيضا فى مراكش للدلالة على المنشآت التى يوجه فيها النشاط العسكرى بصفة خاصة ضد الأعداء والمارقين. وكان هذا يصدق على رباضى آسفى وسيدى شيكر على وادى تنسيفت. ولا شك فى أن صوامع الزاوية الأولى قد نمت سريعًا ولم تصبح أماكن يفزع إليها الناس هربا من الدنيا فحسب بل أصبحت أيضا مراكز للحياة الدينية والصوفية حيث عمل العلماء من غير رجال الدين الذين كان التصوف شغلهم الشاغل على تقريبه إلى أذهان الجماهير. فأصبحت الزوايا آنئذ مراكز تستهوى قلوب الناس ومدارس دينية، كما أصبحت إلى حد ما دور ضيافة مجانية يقصدها الرحالة الذين يبحثون عن الكمال الروحى. وهذا يفسر لنا قول ابن مرزوق فى كلامه عن الزوايا فى زمنه "من الواضح أن الزوايا عندنا فى المغرب تأوى المتجولين وتطعم المسافرين". ولا نجد فى الأندلس زوايا قبل عهد أسرة بنى نصر بغرناطة، ومن ثم فإنها ترجع إلى العهد ذاته الذى شيدت فيه زوايا أبى الحسن السلطان المرينى، ولابد أنها أقيمت لنفس الأغراض التى أقيمت من أجلها تلك الزوايا. وفى عام 1903 ذهب كل من و. مارسيه وج. مارسيه W. & G. Marcais مذهبا طريفا فى هذا الشأن فقالا إن السلاطين المرينيين وسلاطين بنى عبد الواد الذين حكموا فى القرن الرابع عشر الميلادى إنما قصدوا من إنشاء المدارس المغربية أن تكون اعترافًا رسميا منهم بالمدارس الملحقة بالزوايا. ولعل الأرجح أن هؤلاء السلاطين قد حاولوا بمنشآتهم التى أقاموها بجانب مراكز التعليم الدينى الكبرى، وخاصة جامع القرويين بفاس، أن يخففوا إلى حد ما من حدة المنافسة

المصادر

التى سببتها مدارس الزوايا فى المدن وفى خارجها. وأهم الزوايا فى شمال إفريقية اليوم -سواء أكانت تقوم الآن فى المدن أم فى الريف حيث تنمو حولها فى أغلب الأحيان بعض المدن الصغيرة- هى المقر الرئيسى أو الفروع للمرابطين أو لطوائف الشرفاء الدينية. وقد كان للزوايا مسلمى الغرب علاوة على شأنها الدينى والعقلى أثر سياسى مباشر على أهل البلاد فى المناطق البعيدة عن مقر الحكومة المركزية. وأبرز مثل على ذلك زاوية الدلاء فى ناحية تادلا فى مراكش الوسطى على ضفاف أم ربيع، إذ استغل مشايخها القلاقل التى أعقبت سقوط أسرة السعديين فى النصف الثانى من القرن السابع عشر فعملوا على بسط سلطانهم الدنيوى على الجزء الأكبر من هذه الناحية التى كانت تابعة لفاس. ونذكر من الأمثلة فى الأزمنة الأحدث من ذلك عهدًا زاوية إيلغ البربرية فى تازروالت وزاوية أحنصال فى منطقة الأطلس الوسطى. المصادر: (1) Materiaux pour, un Corpus Inscriptionum Arabicarum: M.van Berchem جـ 1، الخاص بمصر، باريس 1903، ص 174 - 244. (2) Les Monuments arahes de Tlemcen: W. G. Marcais باريس سنة 1903 ص 270 - 272. (3) Notes sur les ribats en Berberie: G. Marcais فى Melanges: Rene Basset باريس سنة 1925 جـ 2، ص 395 وما بعدها. (4) Le Musnad d'Lbn Marzuk: E. Levi-Provencal باريس سنة 1925 ص 70 - 71. (5) Suppl. aux dict. arabes: R. Dozy جـ 1، ص 615 - 616. وثمة عدد من الرسائل عن الزوايا الحديثة فى شمال إفريقية نذكر منها على سبيل المثال: (1) Les Marabouts: E.Doutte باريس سنة 1900. (2) Marabouts et Khouan: L. Rinn الجزائر سنة 1900. (3) Les confreries religieuses Musulmanes: O. Depont and X. Coppolani الجزائر سنة 1897. الشنتناوى [ليفى بروفنسال E.Levi-Provencal]

زبور

زبور كلمة عربية يرجح أنها استعيرت من لغة أهل الجنوب، على أن الشعراء الجاهليين استعملوها فعلا بمعنى "كتاب" واستعملها الفرزدق أيضا بهذا المعنى (النقائض، قصيدة 75، بيت 1)؛ وقد وردت فى القرآن بصيغة الجمع "زُبر" منذ العهد المكىّ الثانى للدلالة على الكتب المنزلة (سورة الشعراء، الآية 196؛ سورة آل عمران، الآية 181 (¬1)؛ سورة النحل، الآية 46 (¬2)؛ سورة الملائكة الآية 23) (¬3)، وعلى كتب الحفظة التى تسجل فيها أفعال العباد، (سورة القمر، الآية 43 و 52) على أن المفرد "زبور" لا يرد فى القرآن إلَّا مقترنا باسم داود. فقد جاء فى الآية 57 (¬4) من سورة بنى إسرائيل، أن اللَّه آتى داود زبورًا. وجاء ذكر هذا الزبور مرة أخرى فى القرآن فى الآية 161 (¬5) من سورة النساء، كما أن الآية 105 من سورة الأنبياء تنقل من هذا الزبور وتكاد تردد عبارة الآية 79 من المزمور 37 بالنص (¬6). ومن الجائز أن يكون الشعراء الجاهليون قد علموا بالفعل بأن داود هو صاحب الزبور، من ذلك أنه لا يستبعد أن يكون هذا المعنى هو الذى قصد إليه امرؤ القيس بقوله "كخط زبور فى مصاحف رهبان" (القصيدة 63، بيت 1). على أن هذا الاستعمال للمصطلح زبور -بصرف النظر عن مسألة كون القرآن هو أول من استعمله- يقوم على قربه فى النطق من الكلمة العبرية مزمور والكلمة السريانية مزمور أو الكلمة الأثيوبية مزمور. والمصطلح مزمور هو الذى قيل إن معناه "كتاب" قياسًا على معنى الكلمة العربية زبور. وفى القرآن علاوة على الآية 105 من سورة الأنبياء آيات ¬

_ (¬1) 184 بترقيم المصحف العثمانى. (¬2) 44 بترقيم المصحف العثمانى. (¬3) رقم الآية 35 واسم السورة "فاطر". (¬4) رقم الآية فى المصحف العثمانى 55 واسم السورة "الإسراء". (¬5) 163 بترقيم المصحف العثمانى. (¬6) لقد ردد المستشرقون هذا القول فى مواضع كثيرة، وقد سبق أن رددنا عليهم فى أكثر من مادة من مواد الدانرة. ونكتفى فى هذا المقام بأن نقرر أن القرآن الكريم لا يؤخذ عليه التشابه مع ما سبقه من الكتب المنزلة فقد جاء مصدقا لما بين يدى اللَّه من التوارة والإنجيل، وكلها كتب سماوية.

أخرى تشبه آيات وردت فى المزامير، وخاصة المزمور 104، زد على ذلك أن معظم آيات القرآن الكريم التى تذكرنا فى معناها أو فى نطقها بالتوراة مأخوذ من المزامير (¬1)؛ وقد أدركت كتب التفاسير أن الزبور الوارد فى الآية 161 (¬2) من سورة النساء هو كتاب داود الذى يحمل هذا الاسم. وإنما ذهب بعض المفسرين الكوفيين إلى القول بقراءة زبور التى وردت فى هذه الآية بضم الزاى على اعتبار أنها جمع بمعنى كتب. ويرفض الطبرى (التفسير، جـ 6، ص 18) الأخذ بهذا الرأى. ويقال إن أحمد بن عبد اللَّه بن سلام مولى الخليفة هارون الرشيد ذكر أن الزبور هو "المزامير التى فى أيدى اليهود والنصارى" وهو مائة وخمسون مزمورا. وقد عثر فيوليه B. Violet فى دمشق على قطعة من ترجمة المزامير ترجع إلى القرن الثانى الهجرى (الثامن الميلادى)، وهى أقدم ما نعلم من شواهد الآثار النصرانية العربية. وهذه القطعة تحتوى على ترجمة الآيات 20 - 31، 51 - 61 من المزمور 58 مكتوبة بحروف يونانية كبيرة. وينقل الكندى فى رسالته التى ألفها حوالى عام 204 هـ (819 م) وابن قتيبة فيما رواه ابن الجوزى عنه فى كتابه "وفاء" آيات من المزامير مترجمة ترجمة حرفية. أما على بن ربّن الطبرى النسطورى المرتد عن اليهودية والذى كان لديه ترجمة سريانية للمزامير فقد خص المزامير بفصل كامل من مؤلفه "كتاب الدين والدولة" الذى كتبه حوالى عام 240 هـ (854 م). وقد ذكر المسعودى (التنبيه والإشراف، ص 112) ترجمات عربية للتوراة تضمنت المزامير أيضًا، وقد بقيت لنا منها ترجمة سعيد الفيومى (الفهرست، ص 23، س 13؛ وانظر أيضا H.Malter: Saadia Gaon ص 318 وما بعدها). ولا تزال بين أيدينا ترجمة بتصرف للمزامير منظومة باللغة العربية مثل أرجوزة حفص بن البِّر القوطى التى ترجع إلى القرن الخامس الهجرى على الأقل (القرن الحادى عشر الميلادى). ¬

_ (¬1) انظر التعقيب في الهامش رقم "6" بالصفحة السابقة. (¬2) 163 برتقيم المصحف العثمانى [م. ع].

المصادر

وقد وجد المتكلمون المسلمون فى الزبور ما يبشر بنبوة محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] كما وجدوا ذلك فى التوراة. من ذلك أن ابن قتيبة رأى أن آيات من المزامير تشير إليه [-صلى اللَّه عليه وسلم-]. وقد جمع على بن ربن فى ذلك الباب من كتابه الخاص برؤى داود عن النبيين شواهد من هذا القبيل بعضها متفق وبعضها مختلف، وأضاف إليها الصنهاجى شواهد قليلة أخرى. على أن ابن حزم يحمل على المزامير وغيرها من إصحاحات أخرى فى التوراة حملة شعواء، ويقول إن بعض الفقرات الواردة فيها محرفة، بل هو يرميها بالكفر اعتمادًا على ترجمة لها مخطئة. والترجمات الواردة فى "كتاب المزامير ترجمة الزبور" على خلاف الترجمات التى جاءت فى "أهل الألسنة المختلفة" يقال إن الذى قام بها هم علماء الإسلام. ولا تزال ترجمات هؤلاء العلماء محفوظة فى عدة مخطوطات نشر مختارات منها كاروب Kanrup وشيخو. ومع ذلك فإن كتاب المزامير المشار إليه آنفًا لا صلة له فى الواقع بالمزامير، وهو لا يشبهها إلا فى القسمين الأولين منه. وقد اهتدى مؤلف هذا الكتاب بالقرآن وسمى أقسامه القائمة بذاتها سورا. وأقدم مخطوط من كتاب المزامير الذى نحن بصدده يحمل التاريخ 666 هـ، وربما كان "كتاب زبور داود" الذى نسب إلى وهب بن منبه فى الفهرست (الكتب العربية الأندلسية، جـ 9، ص 294) لابن حى هو كتاب المزامير نفسه. المصادر: (1) Koranische Unteruchungen: J. Horovitz، برلين 1926 م، ص 69 وما بعدها. (2) Ein Zweisp rachiges Psalmfragment aus Damaskus: B. Violet برلين 1902. (3) C. Brockelmann فى Beitrage Z.Assyriologie جـ 3، ص 46 وما بعدها. (4) المؤلف نفسه فى F.alttestamentliche Wissenschaften، Zeitschrift جـ 15، ص 141 وما بعدها. (5) W. Bacher: المصدر المذكور، ص 310.

زبيد

(6) I. Goldziher فى Zeitschr.Gesells der Deutsch. Morgenl. جـ 32، ص 351 وما بعدها، 371، 377. (7) Die arabische Litteratur der Juden: M. Steinschneider الفصل 66. (8) Auswahl Pseudodavidischer Psalmen: O. Chr. Krarup كوبنهاغن 1909. (9) L. Cheikho فى Melanges de la Faculte Orientale de Beyrouth جـ 4، ص 40 وما بعدها، ص 47 وما بعدها. (10) Die Abhangigkeit des Korans: W. Rudolph ص 7 وما بعدها، شتوتكالات 1922. خورشيد [هوروفتز J.Horovitz] زبيد مدينة فى تهامة اليمن على الطريق الممتد من الشمال إلى الجنوب، من مكة إلى عدن، فى منتصف المسافة بين مرتفعات اليمن والبحر الأحمر، على مسيرة 16 ميلا تقريبا من الشاطئ. والأراضى فى هذا الموضع صالحة للزراعة لوفرة المياه، كما أن المدينة ذاتها يكتنفها واديان وادى رِمَع فى الشمال، ووادى زبيد الدائم الجريان فى الجنوب، وهو الوادى الذى سميت المدينة باسمه بعد أن كانت تعرف فى الأصل باسم الحُسَيب. وزبيد على خلاف سائر أرض تهامة، مشهورة ببساتينها التى يزرع فيها النخيل وبعض الحنطة والنيلج (النيلة) ونباتات طبية شتى. وجلود زبيد أيضًا معروفة ذائعة الصيت، فضلا عن أن المدينة تعد مركزا لحياكة الملابس هى وبيت الفقيه وبعض أماكن صغيرة أخرى. وكانت زبيد فى جميع الأزمان قصبة ناحية (مخلاف). وقد دخل أهلها فى الإسلام عا م 10 هـ (631 م) وكان خالد بن سعيد بن العاص أول ولاتها. ولم تشترك زبيد فى حروب الردة، وعلا شأنها فى عهد الزيادية بصفتها قصبة إقليم مستقل. وقد وهب الخليفة المأمون تهامة لمحمد سليل زياد بن أبى سفيان (ابن أبيه) فغير محمد هذا خطتها فى شعبان عام 204 (بداية عام 820) وجعلها مدورة، وشيد بها أربعة أبراج (ولا تزال المدينة تعرف باسم

المدورة) كما مد القنوات المعلقة من الوديان. وجاء بعد الزيادية، بنو نجاح المماليك الأحباش من عام 412 إلى عام 554 هـ (1021 - 1159 م). وظلت هاتان الأسرتان تحت السيادة العباسية، وكانتا من أهل السنة، أما القصبة ذاتها فكانت فى أيدى الشيعة فترة من الزمن. وفى نهاية القرن الثالث أحرق على بن الفضل القرمطى هذه المدينة، ثم استولى عليها عبد اللَّه بن قحطان من بنى يعفور ردحا من الزمن حوالى عام 379 هـ (989 م) واعترف عبد اللَّه بالخلافة الفاطمية كما فعل السليحى الذى هبط من النجاد، وعارض حكم بنى نجاح فى زبيد خلال الجزء الأكبر من السنوات من 542 إلى 481 هـ (1060 - 1088 م) على أنهما لم يخلفا بنى نجاح فى الحكم. وقد حدث بعد الفترة التى ظهر فيها المهدية الخوارج أن أرسل صلاح الدين الأيوبى الوريث المصرى للفاطميين أخاه تورانشاه إلى هناك فى بداية عام 570 هـ (1170 م) فقتل عبد النبى المهدى. ولما قتل إسماعيل بن طغتكين ثالث ولاة الأيوبيين على اليمن بيد جنوده الأكراد فى زبيد 589 هـ (1201 م) -وكان طغتكين يتوق إلى أن يصبح خليفة مستقلا بأمر نفسه- انتقل الحكم فعلا إلى أيدى الأتابكة، وظل فى حوزتهم إلى أن أسس عمر ولد على بن رسول الوالى الأيوبى على مكة السلطنة الرسولية عام 626 هـ (1229 م). وجاءت عقب هؤلاء الطاهرية عام 858 هـ (1454 م) وكانوا يزعمون أنهم من سلالة الخليفة الأموى عمر بن عبد العزيز. واحتل أبو نُمَى محمد شريف مكة، زبيدًا فترة من الزمن (922 هـ = 1516 م) ثم احتلها من بعده العساكر غير النظامية إبان القتال بين المماليك المصريين والعثمانيين، ثم نصب العثمانيون على زبيد ولاة من قبلهم من عام 943 إلى 1045 هـ (1536 - 1635 م) وقد استطاع الزيدية، وكانوا الأسرة اليمنية الوحيدة التى بقيت بعد زوال الأسر السابقة جميعًا والتى حاولت أن توطد أقدامها من قبل فى تهامة، أن يجلوا الترك عن الشاطئ أيضا. وأصبح الزيدية مرة أخرى بعد الاحتلال العثمانى (1289 - 1338 هـ = 1872

المصادر

- 1918 م) أصحاب السيادة فى تهامة بعد قتالهم أدارسة عسير. وفى زبيد كثير من المنشآت الهامة التى يرجع تاريخها إلى الأيام التى كانت فيها هذه المدينة مقر سلطنة. وقد بقيت هذه المنشآت بحالة جيدة على مر الزمن لأن أغلبها قد شيد بالآجر مما أضفى على المدينة الكآبة. على أن زبيدا كانت حتى فى أيام نيبور Niebuhr قد أصابها الكثير من الدمار والاضمحلال. وقد أشارت الأخبار إلى شدة التخريب الذى أصاب المدينة بفعل النيران والحروب بل بفعل الرماد البركانى الغزير الذى تساقط عليها. وقد اضمحلت تجارة هذه المدينة اضمحلالا كبيرًا عندما نقل الترك القصبة إلى صنعاء ومدوا الطريق إلى الشمال حيث بدأ من حصن الحديدة دون أن يمس زبيد. وليست زبيد فى الدولة الزيدية الحديثة التى أوغلت فى مملكة اليمن إلا مدينة إقليمية. وقد ظل لهذه المدينة بعض الشأن بصفتها موطن الشافعية، وهى التى تعنى بالشئون الروحية لغير الزيدية من أهل البلاد. ولا تزال النسبة الزبيدى شائعة بين العلماء اليمنيين. المصادر: (1) الهمدانى: صفة جزيرة العرب، طبعة D.H.Muller، ليدن سنة 1884، انظر الفهرس. (2) معجم البلدان لياقوت، جـ 2، ص 915 وما بعدها. (3) المكتبة الجغرافية العربية، انظر الفهارس، وخاصة فهارس المجلد الثالث: المقدسى. (4) ابن بطوطة: تحفة النظار، طبعة Defremery and Sanguinetti جـ 2. ص 166 - 171. (5) وجيه الدين الديبع: قرة العيون فى أخبار اليمن الميمون (مخطوط خاص، وانظر عن المخطوطات الأخرى، G.A.L جـ 2، ص 401، فصل 2. (6) ذكر مدينة زبيد وأمرائها وملوكها ووزرائها. (7) عبد الواسع الواسعى: البدر المزيل للحزن فى فضل اليمن، القاهرة سنة 1345. ص 23.

المصادر

(8) الطبرى، طبعة ده غوى، جـ 1، ص 1852 - 1983. (9) الخزرجى: العقود اللؤلؤية (مجموعة كب التذكارية، جـ 3، ليدن سنة 1906 وما بعدها، انظر الفهرس. (10) Yaman, its Early Mediaeval History: H.C.Kay لندن سنة 1892 في مواضع مختلفة. (11) De Opkomst Van het Zaidietische Imamaat in Yemen: C. Van Arendonk ص 220 وما بعدها. (12) Yemen in XI (XVII) Jahrhundert: F. Wustenfeld كوتنكن سنة 1884 فى مواضع مختلفة. (13) Beschreibung Von Arabien: C. Niebuhr كوبنهاغن سنة 1772، ص 225. (14) R.L. Playfair: A. History of Arabia Felix بومباى سنة 1859 ص 25. (15) Manuel de genealogie et de chronologie: E. de Zambaur هانوفر سنة 1927، ص 115 - 124. الشنتناوى [شترتمان R.Strothmann] زبيدة بنت جعفر بن أبى جعفر المنصور، أم جعفر: زوجة الخليفة هارون الرشيد وأم خليفته محمد الأمين. ولدت عام 145 هـ (762 - 763 م) واسمها الحقيقى "أمة العزيز" غير أن جدها الخليفة المنصور لقبها بزبيدة (تصغير زبدة؛ وهو أيضا اسم حشيشة الذهب Calendula Officinalis) لبشرتها النضرة البضة. واحتفل بزواجها من هارون الرشيد, 165 هـ (781 - 782 م) وتوفيت ببغداد فى جمادى الأولى عام 216 (يونية - يولية 831). وهى تدانى زوجها فى الشهرة أو هى دونه بقليل، ذلك أنها عرفت بحبها للبذخ والترف وسخائها مع الشعراء والعلماء كما أنها عرفت مثله بما أقامته من منشئات عامة، من ذلك أنها أقامت قنطرة المياه التى مدتها إلى مكة، ويبلغ طولها عشرة أميال فى الوقت الذى كانت تقاسى فيه المدينة الأمرين من ندرة المياه. المصادر: (1) كتاب الأغانى، طبعة جويدى، Tables alphabetiques

الزبير بن العوام

(2) ابن خلكان وفيات الأعيان، طبعة فستنفلد، رقم 241 (ترجمة ده سلان، جـ 1، ص 532 وما بعدها). (3) الطبرى، طبعة ده غوى، جـ 3، انظر الفهرس. (4) ابن الأثير، طبعة تورنبرغ، جـ 5، ص 437؛ جـ 5، فى مواضع مختلفة. (5) Gesch. der Chalifen: Weil جـ 2، ص 164، 182. الشنتناوى [تسترشتين K.V.Zettersteen] الزبير بن العوام ابن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصى بن كلاب أبو عبد اللَّه الملقب بالحوارى (وهى كلمة إثيوبية استعارها العرب). وأمه صفية بنت عبد المطلب، فهو من ثم ابن عمة النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وابن أخى خديجة بنت خويلد. وكان الزبير من السابقين إلى الإسلام. وتذهب الرواية إلى أنه كان خامس من آمن بمحمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] من الصبيان، وهو أيضًا أحد العشرة الذين وعدهم النبى بالجنة. واشتهرت زوجه أسماء بنت أبى بكر بتشددها فى معاملة ولدها عبد اللَّه وقد أنجبت للزبير ولدًا آخر هو عروة وكان لابنه الثالث مصعب شأن فى تاريخ الإسلام أيضًا؛ وقد ظل الزبير وفيًا للنبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فى الشدائد، واشترك فى هجرتى المسلمين إلى الحبشة، وقد تآخى الزبير بعد هجرة النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] إلى المدينة مع ابن مسعود، أو فى قول روايات أخرى مع طلحة، أو مع كعب ابن مالك، ثم إنه شهد جميع الوقائع والغزوات التى تمت فى عهد النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] واشتهر فيها بشجاعته ونخوته. ولقبه النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] بالحوارى لحسن بلائه، فقد كان عينًا له عند قريظة فى القتال الذى نشب بين النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وبينها، وقال: "إن لكل نبى حواريا وحواريى الزبير". ويرجع إلى مادة طلحة فيما يتصل بوفاته (حدثت فى وقعة الجمل، واختلفت المصادر فى ذكر عمره من 60 إلى 67 عامًا) ووقائعه وحروبه فى عهد خلافة أبى بكر وعمر وعثمان. لأن ما ذكر عن طلحة يصدق أيضًا على الزبير. وتؤكد الروايات المكانة السامية التى كانت للزبير فى

المصادر

نفس النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] بقولها أن النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] قال مرة عند التحدث إليه "فداك أبى وأمى". ويقال إن النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] أذن له بصفة خاصة بلبس الحرير. ويرجع فيما يختص بوصيته إلى ابن سعد، جـ 3 قسم 1، ص 75 وما بعدها؛ البخارى، خمس باب 13. المصادر: (1) ابن إسحاق: السيرة، طبعة فستنفلد، الفهرس. (2) الواقدى، ترجمة فلهوزن، برلين سنة 1882. الفهرس. (3) اليعقوبى، طبعة هوتسما، الفهرس. (4) الطبرى، طبعة ده غوى، الفهرس. (5) ابن سعد، طبعة سخاو، جـ 3/ 1 ص 70 - 80. (6) البلاذرى، طبعة ده غوى، الفهرس. (7) المسعودى: مروج الذهب، طبعة Berbier de Meynard الفهرس العام. (8) ابن حجر العسقلانى: الإصابة، رقم 2774. (9) ابن الأثير: أسد الغابة، القاهرة، 1286، جـ 2، ص 196 وما بعدها. أما الأحاديث النبوية فموجودة فى. (10) فنسنك Handbook of Early Muh. Tradition: A.J. Wensinck تحت هذه المادة. (11) Sprenger: Das Leben and die Lehre des Mohammad جـ 1، برلين 1861، ص 374 وما بعدها، وما بعدها. (12) Das Leben Muhammeds: F. Buhl ليبسك سنة 1930. ص 151، 173. (13) Annali: Caetani الفهارس فى جـ 2/ قسم 2، جـ 6 وكذلك جـ 7، فقرة 7، جـ 8، فقرة 374 وما بعدها، جـ 9، فقرة 30 - 225 فى مواضع مختلفة 616 - 690. (14) Der Islam im Morgen and Abendland: A.Muller برلين سنة 1885. ص 306 وما بعدها.

الزرنوجى

(15) The Caliphate: W.Muir طبعة Weir، الفهرس. (16) G. Levi Della vida فى R.S.O جـ 6، ص 440 وما بعدها، جـ 448 وما بعدها. الشنتناوى [فنسنك A.J.Wensinck] الزرنوجى برهان الدين: فيلسوف عربى مجهول الاسم، لا يمكن أن نحدد الزمن الذى عاش فيه إلا على وجه التقريب، ويذكر الوارت Ahlwardt فى فهرس برلين، رقم 111 أن محمود بن سليمان الكفَّوى المتوفى عام 990 هـ (1562 م) فى كتابه "أعلام الأخيار من فقهاء مذهب النعمان المختار" يجعل الزرنوجى من أهل الطبقة الثانية عشرة من طبقات الحنفية. ويستخلص من ذلك أن الزرنوجى قد نبه ذكره حوالى عام 620 هـ (1223 م). ويتفق مع هذا أن إدوارد فإن ديك Eduard van Dyck فى كتاب "اكتفاء القنوع بما هو مطبوع" (القاهرة 1896، ص 190) يصف هذا الفيلسوف كما وصفه حاجى خليفة (رقم 3134) بأنه تلميذ مؤلف كتاب "الهداية فى فروع الفقه"، أى تلميذ برهان الدين على بن أبى بكر الفرغانى المرغينانى. وقد توفى المرغينانى عام 593 هـ (1197 م). والواقع أن الزرنوجى يستشهد به أكثر من مره فى كتابه "تعليم المتعلم" على أنه أستاذه، وقد رثاه فى هذا الكتاب. ويؤيد رواية آلوارت ما ذكره المؤلفون الآخرون الذين أوردهم كتاب تعليم المتعلم بقدر ما نستطيع أن نتبينه من تواريخ حياتهم. فقد ذكر الزرنوجى على سبيل المثال فخر الإسلام الحسن بن منصور الفرغانى قاضى خان المتوفى عام 592 (1196 م) على أنه شيخه. وذكر فى فقرة أخرى أن الشيخ ظهير الدين الحسن بن على المرغينانى قد تلا أمامه بعض الأشعار G.A.L.: Brockelmann جـ 1، ص 379 مما يجعل تاريخ هذا الفيلسوف متأخرا عن ذلك كثيرًا لأن أباه قد توفى عام 506 هـ (1112 م) وأن قاضى خان الوارد ذكره آنفًا كان تلميذه؛ ويضيف الزرنوجى أنه استمع إلى قصة من الشيخ فخر الدين الكاشانى. ولا شك أنه قصد بذلك أبا بكر مسعود بن أحمد (G.A.L جـ 1،

المصادر

ص 375، وقد توفى عام 587 هـ = 1191 م). ويذكر أخيرًا أن ركن الدين محمد بن أبى بكر إمام خواهر زاده قد تلا عليه شيئًا. ويقول بروكلمان (فى G.A.L، جـ 1، ص 429) إن هذا الشخص كان على قيد الحياة حوالى عام 560 هـ = 1165 م، وإذا وضعنا موضع الاعتبار هذه الأقوال جميعا خرجنا من ذلك بأن المؤلف قد نبه ذكره فى تاريخ سابق على ما ذهب إليه آلوارت بقليل، غير أنه من المحقق أنه صنف كتابه بعد عام 593 هـ. والكتاب الوحيد المعروف الذى بقى من مؤلفات الزرنوجى وهو "تعليم المتعلم طريق التعلم" رسالة صغيرة تبصر الطلاب بالمظهر الخلقى لطالب العلم. والكتاب بأجمعه إنما هو أقوال للكُتَّاب المتقدمين أحسن المؤلف اختيارها وعرضها عرضًا شائقا. وهذه الحقيقة مضافة إلى إيجاز الكتاب هى السر فى ذيوعه ذيوعًا عظيما بين الناس، انظر تفصيل ذلك فى كتاب بروكلمان (G.A.L جـ 1، ص 462) ومما هو جدير بالملاحظة أن الغالبية العظمى من الكتَّاب الذين نقل عنهم المؤلف هم جميعا بدون استثناء من الحنفية فيما عدا رجال القرن الأول منهم، وإن كان موضوع الكتاب لا يمت فى الواقع بصلة لعقائد أى مذهب من المذاهب. وقد طبع شرح ابن إسماعيل على هذا الكتاب بالقاهرة عام 1311. المصادر: ذكرت فى صلب المقال. الشنتناوى [بلنسر M. Plessner] زرياب أبو الحسن على بن نافع: أعظم موسيقيى الأندلس. ويقال إنه لقب بزرياب تشبيها له بالشحرور؛ ونحن لا نعلم تاريخ مولده ولا وفاته. ويذكر كل من دوزى Dozy وكروف Grove أن زرياب من أصل فارسى وإن لم يؤيدا قولهما بالدليل الكافى. ويذكر كروف أيضا أنه ولد فى بغداد حوالى عام 800، ولكننا لا نعلم أن بغداد كانت مسقط رأسه. ومن المحقق أن هذا العام متأخر جدًا عن سنة مولده، ذلك أن المقرى يؤكد نقلا عن ابن حيان أن

زرياب كان مولى للخليفة المهدى المتوفى عام 785 م. وجاء فى العقد الفريد أنه كان تلميذا لإبراهيم الموصلى المتوفى عام 840 ومن ثم فإن إبراهيم لا إسحاق هو الذى ذكر فى قصة هارون التى سوف نذكرها. وذكر ابن حيان أن زرياب درس الموسيقى على إسحاق الموصلى، وكان يحفظ أغانيه خلسة [ولعل هذا يشير إلى أن زرياب كان فى بادئ أمره غلامًا أو خادمًا للمهدى أو لإسحاق]. وقد سمع هارون الرشيد (المتوفى عام 809) بمواهب زرياب فأمر إسحاق بأن يحضر إليه هذا الموسيقى الشاب. وأعجب هارون أشد الإعجاب بإبداع زرياب ليس فى الغناء فحسب بل بأسلوبه الخاص أيضا فى العزف على العود الذى صنعه على طريقته، فأثار ذلك حسد أستاذه إسحاق. وعندئذ اضطر زرياب إلى الخروج من بغداد والرحيل إلى المغرب حيث التحق بخدمة زيادة اللَّه الأول (816 - 837) الوالى الأغلبى على القيروان. وفى عام 821 عرَّض زرياب بالأمير فى إحدى أغانيه فحكم عليه بالجلد ونفاه من البلاد. فعبر البحر المتوسط إلى الجزيرة الخضراء، وعرض خدماته على الحكم الأول (المتوفى 822) الوالى الأموى على قرطبة فاستدعاه إلى الحاضرة، ولكن الحكم توفى قبل قدوم زرياب إليها. وجدد خليفته عبد الرحمن الثانى (توفى عام 852) العرض على زرياب فقبل زرياب أن يخدم عبد الرحمن. واحتضن الوالى هذا الموسيقى عقب وصوله وعامله معاملة تنطوى على تقدير عظيم. وأجرى على زرياب هو وأسرته (وكان له فى ذلك الوقت أربعة أبناء) معاشا سنويا قدره 5640 دينارًا علاوة على ثلثمائة مد من الحبوب وأملاك تقدر قيمتها بأربعين ألف دينار. وأصبحت هبة الأمير هذه حديث الناس فى العالم الإسلامى. وقد شكا موسيقى آخر مشهور يدعى علوية كان فى خدمة المأمون الخليفة العباسى فى بغداد (توفى عام 832) سوء حاله إلى مولاه ذاكرًا أن زرياب ينعم فى ظل الأمويين فى الأندلس فيركب دابته يحف به أكثر من مائة عبد ويملك ما يربى على ثلاثين ألف دينار، فى حين يكاد يموت هو من الجوع، بل إن خازن المال قد احتج على

هذا المبلغ الجسيم الذى منحه زرياب فانتهى الأمر بالوالى إلى دفع هذا المبلغ من جيبه الخاص. وزاد الأمور سوءًا تلك الصلات الوثيقة التى كانت تربط الأمير بمغنيه، مما أدى إلى قيام الشاعر الغزَّال بهجاء زرياب، على أن الأمير بادر بإسكاته. ولم يقف الأمر عند هذا الحد، ذلك أن شاعرا آخر يدعى ابن عبد ربه (المتوفى عام 940) قد باح بمثل هذه الموجدة بعد ذلك بقرن من الزمان. وليس ثمة ما يدعو إلى الشك فى أن زرياب كان اهلا لهذا المديح وتلك الأموال التى اغدقت عليه. ويذكر المقرى أنه لم يوجد احد من أهل صناعته قبله أو بعده كان أكثر منه موضعًا لحب الناس له وإعجابهم به، بل إن الشعراء ظلوا إلى آخر أيام دولة غرناطة التى سقطت عام 1492 يرون فى شهرة زرياب موضوعا محببًا تنجذب قلوبهم إليه. فقد كان زرياب على دراية واسعة بمختلف فروع الفنون الجميلة كما كان عالما بالنجوم والجغرافية. وكانت هذه الفضائل هى التى قربته من مولاه بصرف النظر عن تفوقه الذى لا يبارى فى الموسيقى (¬1). والظاهر أن زرياب كان بو بروميل Beau Brummell (¬2) عصره، كما كان الأصل فى كثير من البدع التى ظهرت فى عادات المسلمين بالأندلس. وقد ذكر المقرى كل ذلك بالتفصيل. غير أن شهرة زرياب فى الموسيقى غطت على كل شئ آخر. فقد كان ضليعا فى كل ناحية من نواحى الموسيقى "مع حفظه لعشرة آلاف مقطوعة من الأغانى بألحانها. وهذا العدد من الألحان غاية ما ذكره بطلميوس" (وقد ذكرت خطأ فى كتابى تاريخ الموسيقى العربية History of Arabian Music ص 130 نقلا عن الترجمة الانكليزية لكيانكوس Gayangos-P. de أن عدد هذه الأغانى بلغ ألف ¬

_ (¬1) نص ما جاء فى المقرى: "وكان زرياب قد جمع إلى خصاله هذه الاشتراك فى كثير من ضروب الظرف وفنون الأدب ولطف المعاشرة وحوى من آداب المجالسة وطيب المحادثة ومهارة الخدمة الملوكية ما لم يجده أحد من أهل صناعته حتى اتخذه ملوك أهل الأندلس وخواصهم قدوة فيما سنّه لهم من آدابه". (¬2) هوجورج بريان برمل George و Brummell من أئمة المجتمع الانجليزى الذين عرفوا بأناقتهم، وكان صديقا لجورج الرابع، ومات فقيرا مدقعا بعد أن اختلط عقله.

أغنية) ولرواية بطلميوس هذه أهمية خاصة، ذلك أنه وإن كان كتابه عن () لم يرد ذكره فى الفهرست، ولا فى ابن القفطى أو ابن أبى أصيبعة فإن ثمة أسبابًا قوية تحملنا على الاعتقاد بأن هذا الكتاب كان معروفا فى العربية (انظر أيضًا ابن عبد ربه، جـ 3، ص 186؛ المسعودى: كتاب التنبيه؛ المكتبة الجغرافية العربية، جـ 7، ص 128؛ إخوان الصفا، طبعة بومباى جـ 1 ص 102). وزرياب هو الذى اخترع مضراب العود من قوادم النسر معتاضا به من مرهف الخشب. وقد أضاف أيضا وترًا خامسًا إلى العود ولو أن ذلك كان موضع أخذ وردَّ فى المشرق فعلا (انظر كتاب الأغانى، طبعة بولاق، جـ 5، ص 53؛ مخطوط المتحف البريطانى رقم 361، ورقة 60) وقد أفاض المقرى فى التحدث عن طريقته فى تعليم الغناء. وفضل زرياب الأكبر على الموسيقى هو أنه مبدع التقاليد الموسيقية الإسلامية فى الأندلس. وتعاليمه قائمة على تعاليم مدرسة إسحاق الموصلى. وقد كان معهده الموسيقى وتلاميذه من مفاخر الأندلس، وظل أثر هؤلاء باقيًا حتى فى أيام ملوك الطوائف كما يقول ابن خلدون. وانتقلت هذه التعاليم إلى إفريقية حيث نجد بعض آثارها ماثلة فى القرن الثامن الهجرى (الرابع عشر الميلادى). وكان لزرياب عشرة أبناء (لا ستة كما ذكرت فى كتابى تاريخ الموسيقى العربية، ص 160) جميعهم من أهل الموسيقى. وكان أعظمهم عبيد اللَّه وكان كان القاسم أحسنهم غناء. وأدار عبد الرحمن معهد الموسيقى، وكان لأحمد شهرة فى الشعر. أما أبناؤه الآخرون فهم: يحيى ومحمد وجعفر والحسن. وكان له ابنتان هما حمدونة وعُلَيَّة: وكانت الأولى تفضل الثانية فى الغناء. وتزوجت حمدونة من الوزير هشام بن عبد العزيز (انظر P. de Gayangos جـ 2، ص 432) وقد جمع أخوه أسلم أغانى زرياب فى مجلد واحد عنوانه "كتاب معروف فى أغانى زرياب" ولعل ذلك تم بمعاونة حمدونة. ونحن لا نعلم تاريخ وفاة زرياب، على أنه من المستبعد أن يكون قد عمَّر بعد وفاة مولاه عبد الرحمن الثانى.

المصادر

المصادر: (1) المقرى، المقتطفات، جـ 1، ص 633؛ جـ 2، ص 83 - 90، 415، 832؛ الترجمة الإنكليزية بقلم P. de Gayangos بعنوان Hist. of the Mohmmedan Dynasties in Spain جـ 1، ص 121، 410 - 411؛ جـ 2، ص 116 - 120، 432. (2) ابن عبد ربه: العقد الفريد، القاهرة 1887 - 1888, جـ 3، ص 189. (3) ابن خلدون المقدمة فى N.E. جـ 17، ص 361. (4) الضبى: بغية الملتمس، مدريد سنة 1885، ص 138، 192، 224. (5) ابن حزم: طوق الحمامة، ليدن سنة 1914 ص 108. (6) ابن الأبار: التكملة، مدريد سنة 1889، ص 399. (7) ابن القوطية: تاريخ فتح الأندلس، مدريد سنة 1818، ص 77. (8) الخشانى: Jueces de Cordoba Historio de los طبعة Ribera مدريد سنة 1914، ص 13. (9) History of Arabian Music: Farmer لندن سنة 1929 انظر الفهرس. (10) المؤلف نفسه: Studies in Oriental Musical Instruments لندن سنة 1931، ص 60، 97. (11) La musica de las cantigas: Ribera مدريد سنة 1922، انظر الفهرس والترجمة الأنكليزية بقلم Hague و Leffingwell وعنوانها Music in Ancient Arabia and Spain لندن سنة 1929، انظر الفهرس. (12) المؤلف نفسه: La ensenanza entre los Musulmanes . سرقسطة 1893. (13) المؤلف نفسه: La musica arabe medieval y su influencia en la Espanola مدريد سنة 1927. (14) Histoire des Musulmans d'Espagne: Dozy . . , ليدن سنة 1861، جـ 2، ص 89، والترجمة الإنكليزية بقلم Stokes بعنوان Spanish: Islam A History the Moslems of in Spain لندن سنة 1913، انظر الفهرس.

زكاة

(15) History of the Moorish Empire in Europe: Scott فيلادلفيا سنة 1904. جـ 1، ص 136. (16) Dictionary of Music and Musicians: Grove الطبعة الثالثة، جـ 5، ص 787. وقد ورد فى هذا المصدر الأخير أن أبا الفرج الأصفهانى هو مؤرخ سيرة زرياب وهذا خطأ لأن زرياب المذكور فى كتاب الأغانى هو اسم مغنية. الشنتناوى [فارمر H.G.Farmor] زكاة (*) ركن من أركان الإسلام، وهى فى الشرع مقدار مفروض يؤديه المسلم عن أنواع معينة من الأموال ويصرف فى ثمانية أصناف من الناس. وعلماء الإسلام يفسرون كلمة "زكاة"، فى العربية بأنها "الطهارة" أو "النماء والزيادة"، والحقيقة أن النبى عليه الصلاة والسلام استعملها بمعنى أوسع من ذلك بكثير، عن استعمالها عند اليهود (فى اليهودية - الآرامية: زاكوت) (1) وكان الجود بخيرات هذه الدنيا يعتبر عند أهل الديانة فى الشرق من أخص الأعمال الصالحة، أما التمسك بها فكان يعتبر بمثابة عقبة دون سعادة الآخرة، ولذلك أمكن أن تستعمل كلمة الزكاة، وهى تدل على الفضل والصلاح بوجه عام، فى الدلالة أيضًا على البر وعلى أنواع الصدقة (2)، ولما كان النبى محمد عليه الصلاة والسلام قد عرف التقوى من هذا الوجه على أنها من مميزات الأديان المنزلة، فإنه من أول الأمر قد اعتبر البر من الفضائل الكبرى التى يتحلى بها المؤمن الحق (انظر سورة الرعد، آية 22؛ سورة فاطر، آية 29 (أ): {وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ} (ومثل هذا كثير فى القرآن)؛ سورة المعارج، آية 24، 25 وما بعدها: ¬

_ (*) تعليقات هذه المادة تليها مباشرة. (أ) الآية التى فى سورة فاطر رقم 29 ونصها: "إن الذين يتلون كتاب اللَّه وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور. [م. ع].

{وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} وانظر أيضا سورة الإنسان، آية 8، 9 وما بعدها: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا} وكان النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، وهو ما يزال فى مكة يستعمل كلمة "زكاة" ومشتقات مختلفة من مادة "زكا" (بمعنى طهر) ترتبط بالزكاة بحسب الإحساس اللغوى عند العرب. وهذه المشتقات نفسها لا يكاد يكون لها فى القرآن الكريم سوى ذلك المعنى الذى ليس عربيا أصيلا بل هو مأخوذ عن اليهودية (ب) (3) وهو "التقوى". وكلمة زكاة، فى الاصطلاح، تدل على الفضل بوجه عام، كما تدل أيضًا، مع تطور فى المعنى لا يكاد يلحظ (انظر سورة الأعلى، آية 14؛ وسورة المؤمنون، آية 4؛ وسورة الليل، آية 18) على الجود والعطاء (انظر مثلا سورة مريم، آية 31، 55) وعلى البر والصدقة (انظر مثلا سورة الأعراف، آية 156؛ سورة الأنبياء، آية 73 وسورة الروم، آية 38 (جـ)؛ سورة لقمان، آية 4؛ سورة فصلت، آية 7) وكان المؤمنون بالنبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فى أثناء الحقبة المكية كلها قليلين، وإن كانوا قد امتلأوا حماسة. ولذلك لم يكن ثمة ما يدعو لوضع قواعد لتنظيم الإحسان الفردى، بل إن ذلك كان مستحيلا. ويرى علماء الإسلام أيضًا أن الزكاة باعتبارها فرضا شرعيًا تفرض إلا فى المدينة، وإن كان العلماء يختلفون فى تحديد وقت فرضها بين السنة الثانية والسنة التاسعة للهجرة؛ أما الأحكام العامة المتقدمة على ذلك فتعتبر عندهم بعد فرض الزكاة منسوخة (4). وإن عدم القطع بتاريخ فرض الزكاة ليضعف مما ساقته هذه الرواية من أقوال مقررة. والفكرة التالية هى التى نخرج بها من ¬

_ (ب) ليس من الدقة أن يقال إن الزكاة بمعنى الطهارة ليست عربية أصيلة وإنما هى منقولة عن اليهودية، فمهما يكن ثمة اشتراك فى معنى الكلمة بين العربية والعبرية فإن ذلك لا يعنى ضرورة نقل إحداهما عن الأخرى. على أن الثابت فى كتب اللغة أن استعمال الزكاة بمعنى الطهارة سابق للإسلام وليس من اقتباس النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] عن اليهودية. فقد جاء فى "لسان العرب جـ 19 ص 87" وأصل الزكاة فى اللغة الطهارة والنماء والبركة والمدح وكله قد استعمل فى القرآن والحديث". (جـ) رقم الآية 39.

القرآن الكريم بصفة خاصة عن تطور الزكاة فيما بعد: يظل البر الذى يعبر عنه بعبارات عامة حينا وبكلمة زكاة حينا آخر (وقد تحل عبارة محل عبارة أخرى، كما فى سورة البقرة، آية 362 - 281) من فضائل المؤمن الكبرى. وعلى المؤمن أن يجعل نية البر أمرًا أساسيًا. وبحسب الاصطلاح الأخير لا يزال المعنى العام يتوارى ومعنى العطاء يبرز إلى الأمام. وترد كلمة صدقة مرادفة لكلمة زكاة تقريبًا، ولا ريب أن النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] قد عرف ذلك، ولم يلبث معنى الزكاة أن تاثر فى المدينة أيضًا بتغيير الأحوال: فكان لابد من القيام بالانفاق على فقراء المسلمين الذين هاجروا من مكة. وزاد البر بعد أن صار بعض الناس لا يدخلون فى الإسلام مدفوعين ببواعث دينية خالصة (5) على أن النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] استطاع عند ذلك أن يضع نظامًا لأخذ الصدقات وصرفها فى وجوهها، وهو النظام الذى قررته الآية 60 من سورة التوبة. بيد أن هذا النظام لم يغير فى أول الأمر شيئًا من طبيعة الزكاة من حيث هى صدقة فردية، على الرغم من وجود بعض الصدقات التى لها صفة الالزام (سورة البقرة، آية 177، حيث يذكر البر إلى جانب إيتاء الزكاة)، وأخيرًا فإن النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] لم يستعمل ما يتحصل من جملة هذه الصدقات لمساعدة المحتاجين فحسب بل استعمله عند الضرورة فى الجهاد، وكان تحصيل هذه المبالغ الكبيرة اللازمة لذلك مصدر صعوبات كبيرة، ومن ثم لا يزال يتردد القرآن الحض الشديد على الإنفاق "فى سبيل اللَّه"، يؤيده الترغيب فيما وعد اللَّه من ثوابه، والترهيب مما أوعد به من عذابه، وقد أثار تصرف النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فى الصدقات نقدًا لما أراد النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] بعد فتح مكة، أن يتألف قلوب بعض سادات قريش، بأن أعطاهم من أموال الزكاة، حتى يرضوا بالنظام الجديد. ونزلت آيات لتهدئة هذا التذمر (سورة التوبة، آية 58 - 60: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ} (6). . . {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي

الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}) وصارت هذه الآية فيما بعد أساس الأحكام الفقهية فى تقسيم الزكاة، وأهل الزكاة المذكورون هنا كان عليهم أن يأخذوها من قبائل الأعراب الذين يدخلون فى الإسلام؛ ولم تكن الزكاة عند هؤلاء من أول الأمر أكثر من صدقة واجبة يُعطونها، وكان مقدارها يحدد فى معاهدتهم مع النبى -صلى اللَّه عليه وسلم- تحديدًا دقيقًا، وقد جاءت بعض الآيات، (سورة التوبة آية 98 وما بعدها) تعيب على بعض الأعراب قلة ميلهم إلى أداء الزكاة. على أن النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] قد قصر ما ابتدأه بذلك من جعل الزكاة فرضا واجب الأداء إلى بيت المال، على الضرورى الذى لابد منه؛ وبعض العناصر الجوهرية فى تنظيم الزكاة بعد ذلك غير موجود، لا فى القرآن الكريم ولا فى الحديث. والقرآن الكريم يجيب عن سؤال المؤمنين: ماذا ينفقون، بقوله "العفو"، دون تقييد (سورة البقرة، آية 219). وهناك آية أخرى نزلت فى السنة الأخيرة من حياة النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وهى تُنذر الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها فى سبيل اللَّه بعذاب أليم في فى نار جهنم (سورة التوبة، آية 34 - 35)، وتروى عن النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] أحاديث لا تتضمن قيدًا ما على فرض الزكاة (7)، وأبو ذرّ هو من دون صحابة النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] الذى قال بأن الإنسان لا يجوز له أن يدخر شيئًا من المال إلا بقدر ما يحتاج إليه. ويروى عن على رضى اللَّه عنه أنه جعل الحد الأقصى لما يجوز أن يملكه الإنسان 4000 درهم، بل إن ثمة رأيا ينسب إلى فقيه متأخر كثيرًا عن هؤلاء هو مالك بن أنس، يقول إن كل ادخار للمال حرام (8). ويذكر القرآن الكريم (انظر مثلا سورة البقرة، آية 215) والحديث فى أكثر من موضع أن ممن تؤدى لهم الزكاة الوالدين والأقربين واليتامى والفقراء وابن السبيل والسائلين والأرقاء، ولكن تحل الزكاة أيضًا لبعض فئات أخرى، المهم هو البر من حيث هو (9). أما أنواع الأشياء التى تجب عليها الزكاة فلم يزد القرآن الكريم فى تحديدها على ما تقدم؛ وفى الحديث أحوال تُؤدى فيها الزكاة لا تتفق مع نظام الزكاة الذى جاء بعد ذلك. ومهما

يكن من شئ فإن طبيعة الزكاة فى أيام النبى -صلى اللَّه عليه وسلم- كانت لا تزال غامضة، ولم تكن ضريبة من الضرائب التى يقتضيها الدين (10)، ولذلك امتنع من أدائها البعض من قبائل الأعراب بعد وفاة النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، لأنهم اعتبروا أن معاهدتهم قد بطلت بوفاة من عاهدوه على أدائها، وبعض المؤمنين، جنحوا إلى التسليم بذلك، وكانت صلابة أبى بكر هى التى جعلت من الزكاة نظامًا دائمًا (11)، وقد ساعد هذا النظام بفضل إنشاء بيت مال للدولة مساعدة كبيرة على بسط سلطان الإسلام، وظل المؤمنون الغيورون على سابق عهدهم يرون أن من حقهم أن ينفقوا الزكاة فى الوجوه التى يختارونها، ولكن نمو الدولة وتركيز سلطانها لم يلبثا أن جعلا هذا الأمر مستحيلا من الناحية العملية، فلما تحددت واجبات المسلم تحديدًا تقررت الزكاة بوصفها ضريبة شرعية وبينت أحكامها بجميع تفاصيلها، وقد تركت الآراء التى قيلت فى هذا الصدد أثرها فى الحديث (12)، ونذكر بهذه المناسبة نظام الزكاة المفصل الذى ينسب فى الغالب إلى أبى بكر وينسب أحيانا إلى النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] أو إلى عمر بن الخطاب، أو إلى على بن أبى طالب (13). أما الأحكام الشرعية المتعلقة بالزكاة فهى الأحكام التالية، بحسب مذهب الشافعى: لا يؤدى الزكاة إلا المسلمون (ولا يؤديها عند الحنفية إلا من كان بالغًا قادرا على الحساب) (14)، وهى تؤدى عن أنواع الأموال الآتية: 1 - ما يخرج من زرع إذا زرع ليكون طعامًا. 2 - الثمار، خصوصًا التى ورد ذكرها صريحًا فى الحديث، وهى العنب والتمر. 3 - النعم، أى الإبل والبقر والغنم (والخيل أيضا عند الحنفية). 4 - الذهب والفضة. 5 - عروض التجارة. ويجب أداء الزكاة عن الصنفين الأولين عند حصادهما على الفور؛ أما الأصناف الثلاثة الأخرى فلا تؤدى زكاتها إلا إذا ظلت فى حوزة صاحبها حولا كاملا من غير أن تنقطع ملكيته لها؛ ويشترط فى

وجوب الزكاة بلوغ "النصاب" والزكاة عن الصنفين الأولين هى العشر إذا كان السقى بماء السماء. فإذا كان الرى صناعيًا كانت الزكاة نصف العشر)، والنصاب خمسة أوسق، والوسق حمل بعير (15). أما أحكام المصنف الثالث فهى معقدة، وهى ترجع خصوصًا إلى نظام الزكاة الذى وضعه أبو بكر رضى اللَّه عنه، وهى تراعى نوع الحيوانات كما تراعى عددها؛ والنصاب هو خمسة من الإبل، وعشرون من البقر، وأربعون من الغنم. ولا تجب الزكاة عن الحيوانات إلا إذا كانت سائمة غير معلوفة، حولا كاملا، ولم تستخدم فى عمل ما. أما زكاة الصنفين الرابع والخامس فهى ربع العشر 2.5 %)؛ ونصاب المعادن النفيسة يقدر بحسب وزنها وهو فى الذهب عشرون مثقالا (أو دينارا = 84 جرامًا على وجه التقريب = 1.320 قمحة)، ونصاب الفضة سبعة أمثال ذلك، وهو 200 درهم (ويقدر النصاب لحلى الذهب والفضة بحسب قيمتها التجارية). أما قيمة عروض التجارة فيجب أن تقدر فى نهاية الحول بالذهب والفضة، وهنا أيضًا لا تجب الزكاة إلا إذا ظلت المعادن النفيسة أو عروض التجارة حولا كاملا من غير أن تستعمل، أى إذا ظلت مكنوزة. وأخيرًا يصح أداء الزكاة أيضا عما يتحصل من المناجم من معادن نفيسة وما يوجد من كنوز ودفائن إلى بيت المال، وذلك فى قول أصدق الثقات (انظر مقال Die occupatio Im Islamischen Rechl: F.F.Schmidt، فى مجلة Islam، مجلد 1، قسم 4، 5) ويجوز أداء الزكاة للأشخاص الذين يستحقونها مباشرة، ولكن الأفضل أداؤها للإمام، لكى يقسمها بحسب الشرع، فإذا طلبت الدولة أداء الزكاة وجب على مؤديها أن يؤديها للعامل، حتى ولو كانت صفة الحكومة لا تحقق ضمان صرفها فى وجوهها (ولكن يرى البعض، خصوصًا علماء الحنفية، أنه يجب على الإنسان فى هذه الحالة، إرضاء لضميره، أن يؤدى الزكاة مرة أخرى ويقسمها على مستحقيها مباشرة) على أن حق الدولة فى أخذ الزكاة يقتصر على ما يسمى الأموال الظاهرة، أى الأشياء الظاهرة من الأصناف الثلاثة الأولى، والعامل هو الذى يعين مقدار زكاة هذه الأشياء

بحسب تقديره الشخصى، أما ما يسمى الأموال الباطنة، أى الأشياء المخفية التى من الصنفين الآخرين، فهى خارجة صراحة عن هذا الإشراف، ويترك أداء الزكاة عنها إلى ضمير الإنسان كلية. ومال الزكاة مرصود للطوائف الثمانية من الناس الذين نصت عليهم الآية 60 من سورة التوبة (مع استثناء آل بيت النبى -صلى اللَّه عليه وسلم- فهم لا يأخذون من الزكاة، وإن كانوا، على الخلاف من ذلك، فيما يتعلق بالغنيمة والفئ). ويستقطع من مال الزكاة عطاء معلوم لعمالها، ثم يقسم الباقى أقساما متساوية على الطوائف السبع الباقية، إذا كانوا فى الناحية التى تؤخذ منها الزكاة، ثم يقسم نصيب كل طائفة على أفرادها المستحقين للزكاة (هذا بحسب رأى الشافعية، على حين أنه عند بقية المذاهب تراعى الحاجات المختلفة (19)). والفرق الذى يذكر بين "الفقراء والمساكين" فرق تعسفى من كل وجه، وعلى كل حال اعتاد علماء الفقه أن يفسروا التعريف بحيث يكونون هم أنفسهم فى معظم الأحيان من إحدى الطائفتين (20). والفقهاء يختلفون فيما إذا كان قد بقى هناك بعد عصر النبى -صلى اللَّه عليه وسلم-، قوم من "المؤلفة قلوبهم (21)، أما الأرقاء الذين يستحقون نصيبًا من مال الزكاة فالفقهاء (عدا المالكية) يرون أنهم هم الذين وقعت "مكاتبة" بينهم وبين من يملكونهم، لفك رقابهم من الرق. أما الغارمون فهم (عند الشافعية) خاصة أولئك الذين احتملوا دينًا فى سبيل اللَّه. وأما النصيب المخصص من مال الزكاة للإنفاق "فى سبيل اللَّه" فهو ينفق على المجاهدين لأهل الكفر ممن يشتركون فى الجهاد طوعًا من غير أن يكونوا من الجند النظامية، وبيان هذه الطوائف يستند إلى تفسير إجمالى لآيات القرآن الكريم. . أما "الحيل" التى كان يلجأ إليها البعض للتهرب من أداء الزكاة فهى عند المالكية والحنابلة باطلة، وهى عند الحنفية والشافعية معصية، لكنها غير باطلة. وقد باينت الزكاة من الناحية النظرية الزكاة من الناحية العملية مباينة كبيرة فى البلاد الإسلامية المختلفة. والمكوس العالية التى لم تتوقعها الشريعة جعلت الزكاة،

خصوصا زكاة الأموال الباطنة، لا تؤدى على الإطلاق، أو هى لم تكن تؤدى بالقدر الذى فرضه الشرع، وكثيرًا ما اقترن جمع الزكاة بالابتزاز وغيره من الآفات، بل إن حصيلة الزكاة لم تكن تنفق فى غالبية الأحوال فى وجوهها الشرعية؛ وكان عمال الزكاة أنفسهم أو القضاة يحتفظون فى العادة بالشطر الأكبر من مال الزكاة. وفى بعض الأحيان آلت زكاة الزروع المعروفة باسم "العشر"، إلى ضريبة مدنية بحتة. ومع ذلك يعرف الناس فى البلاد الإسلامية أحكام الزكاة، فإذا كان صاحب الحقل غير مثقل بمكوس أخرى فإنه يتبع هذه الأحكام بالنسبة للأموال الظاهرة على الأقل، بقدر ما تسمح الأحوال، وإن كان يقع كثير من المخالفات من حيث التفاصيل. أما زكاة الفطر فهى الصدقة الواجبة التى يؤديها المسلم فى آخر شهر رمضان من مواد الطعام، وبحسب الحديث كان النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] هو الذى أمر بها فى السنة الثانية للهجرة وبين مقدارها بيانًا دقيقًا (على أن هذا البيان غير ثابت ثبوتا قطعيا من الناحية التاريخية). ولكن الفقهماء يختلفون فى أمر العلاقة بين زكاة الفطر هذه والزكاة المفروضة الأخرى، كما يختلفون فى وجوب أدائها، وبحسب الرأى الذى ساد أخيرًا تعتبر زكاة الفطر واجبًا (أما عند المالكية فلا تعتبر إلا سُنّة) ويؤديها كل مسلم حر عن نفسه وعن جميع من تلزمه بحسب الشرع نفقته، وآخر موعد لأدائها أول شهر شوال (23)، وهو الذى يعقب شهر رمضان، ولا يعفى من زكاة الفطر إلا من كان لا يملك شيئًا يزيد على ما يحتاج إليه فى قوته هو ومن يعول من أهله. ومقدار هذه الزكاة صاع واحد (= 1/ 60 من الوسق) أو أربعة أمداد مما يطعم أهل البلد فى العادة، وذلك عن كل فرد من الأسرة. وأهل زكاة الفطر عند الشافعية هم أهل الزكاة المفروضة، أما أصحاب المذاهب الأخرى فهم يرون، ورأيهم أكثر تمشيًا مع الصبغة الأصلية لزكاة الفطر، قصر هذه الزكاة على الفقراء والمساكين. وقد

المصادر

اعتاد الناس فى جميع بلاد العالم الإسلامى أن يراعوا أحكام زكاة الفطر مراعاة دقيقة؛ لأن جمهور الناس يشعر أنها من واجبات رمضان، ويعتبرون أنها تصلح ما قد يفوت الصائم من غير عمد من مراعاة آداب الصوم. على أنه لم تزل للصدقات الاختيارية التى لم يوجبها الشرع قيمة الأعمال الصالحة عند المسلمين. المصادر: فيما يتعلق بأصل الكلمات راجع كتاب. (1) Neue Beitrage zur-semitischen Sprachuissenschaft: Noldeke، ص 25. (2) Horovitz فى مجلة Islam جـ 8، ص 137 - وفيما يتعلق بالقرآن راجع. (3) Verspreide Geshriften: Snouck Hurgronje جـ 2، ص 9 وما بعدها؛ جـ 1، ص 346 وما بعدها (راجع مناقشة H. Grimme فى كتابه: Mohammed، الجزء الأول). -وفيما يتعلق بالحديث راجع. (4) Handbook of early Muhammadan Tradition: Wensinck مادة زكاة -وفيما يتعلق بالفقه راجع. (5) Handbuch des islamischen Gesetzes: Juynboll, ص 94 وما بعدها. (6) المؤلف نفسه: Handleiding الطبعة الثالثة، ص 77 وما بعدها. (7) Hughes: Dictionary of Islam، مادة زكاة. وفيما يتعلق بالناحية العملية خصوصا فى جزر الهند الهولندية راجع. (8) Verspr.Geschr: Snouck Hurgronje، جـ 2، ص 380 وما بعدها. (9) Handleiaing: Juynboll، ص 85، 89 وما بعدها وفيما يتعلق بتأويل أحكام الزكاة عند الباطنية، راجع. (10) Streitschrift des Gazali: Goldziher، ص 23، هامش رقم 4. أبو ريدة [شاخت Joseph,J.Schacht] تعليق 1 - كثير من المصطلحات الفقهية كان لها معان لغوية، ثم نقلت عن هذه المعانى إلى معان أخرى شرعية؛ ومن

ذلك اصطلاح: الصلاة، واصطلاح: الزكاة. والفقهاء أنفسهم هم الذين أعطوها هذه المعانى الشرعية، وقد يكون الناقل لها عن المعنى اللغوى إلى المعنى الاصطلاحى الفقهى هو المشرع نفسه. فليس صحيحًا إذًا، ما يقوله الكاتب من أن النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] أخذ معنى الزكاة الشرعى عن اليهود، ولكنه التعصب على الإسلام هو الذى يدفع كثيرا من المستشرقين إلى ادعاء أخذ الإسلام عن اليهودية حينا وعن المسيحية أو غيرها حينا آخر. وفى "الزكاة" خاصة، نجد القرآن أشار إليها أولا بكلمة "صدقة"، ثم صرح بلفظ "زكاة" بعد ذلك فى مواضع كثيرة من القرآن، فلو أن الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] أخذ استعمالها عن اليهود لما كان هنا معنى للإشارة إليها أولا بلفظ: صدقة وصدقات، ثم إن الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] كما هو معروف -لم يكن إلا مبلغا عن اللَّه تعالى، فاللَّه هو الذى استعمل فى كتابه الكريم لفظ "زكاة" فى معناه الشرعى، فهل أخذ اللَّه جل وعلا هذا الاستعمال عن اليهود! 2 - إذا أردنا الدقة فى التعبير، وهذا ما كان يجب أن يلاحظه الكاتب، لا نرى الزكاة تدل أيضا على الإحسان وعلى أنواع الصدقة كما يقول، بل هى شرعا "حق يجب فى المال"، ومنه قول الرسول صلى اللَّه عليه وسلم: "ليس فى المال حق سوى الزكاة" (المعنى لابن قدامة، طبعة المنار سنة 1367 هـ، جـ 2: 572: 573). وهذا الحق مقدار معين من المال، ولهذا يقال عادة: فلان أخرج زكاة ماله؛ أما الإحسان فهو فعل يكون من المحسن، لا نفس الحق الذى يؤديه. 3 - أتى الكاتب هنا ببعض الآيات التى تبين فضل الإنفاق والصدقة، وأشار إلى بعض آخر، ثم ذكر أن كل هذه الآيات مكية وأن النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] كان يستعمل وهو فى مكة كلمة: زكاة بمعناها الشرعى الذى أخذه عن اليهود. وفضلا عن ردنا على زعم الأخذ هذا فى التعليق رقم 1، نلاحظ أنه ليس فى الآيات التى ذكرها أو أشار إليها كلمة: زكاة، كما نلاحظ أن صلة الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] باليهود لم تكن إلا بعد الهجرة إلى "المدينة" التى كانت موطنهم فكيف أخذ عنهم وهو فى مكة! على أن صلته

بهم بعد أن استقر بالمدينة لم تكن إلا صلة عداوة لا تدع مجالا للأخذ عنهم، وهو بعد هذا كله غنى عن الأخذ عنهم بما يوحيه اللَّه إليه تعليما له. 4 - نجد الكاتب هنا يصرح بأن فرض الزكاة لم يقع إلا بالمدينة، وهذا حق، ولكنه ليس صحيحا ما يذكره من نسخ الأحكام التى جاءت بها الآيات الخاصة بالصدقة بالآيات التى فرضت الزكاة. ذلك بأن فرض الزكاة، ليس معناه إلا بيان وتحديد المراد بالصدقة ووجوب أخذها من الأغنياء، فلا حاجة إذًا للقول بالنسخ. (5) يقول الكاتب إنه بعد الهجرة للمدينة "نقص الإحسان بعد أن صار الناس لا يدخلون فى الإسلام ببواعث دينية خالصة في ونقول نحن إن المسلمين كانوا فى هذه الفترة بين مهاجرين وأنصار، والكل صدق بالرسول وبايعه على أن يمنعوه مما يمنعون منه أنفسهم وأبناءهم وعلى التضحية فى سبيل اللَّه بأنفسهم وأموالهم، فكيف يزعم الكاتب أن الناس فى فجر الإسلام صاروا لا يدخلون فى الإسلام ببواعث دينية خالصة! قد يكون فيما بعد، أى بعد عصر الرسول وحين صار للإسلام دولة فتحت بلاد كسرى وفارس ودخل كثير من أهالى هذه البلاد فى الدين الجديد، أن بعض هؤلاء دخلوا فى هذا الدين فرارًا من الجزية والخراج، ولكن هذا لم يكن قط فى عصر الرسول. 6 - نزلت هذه الآية فى بعض المنافقين الذين لم يعطهم الرسول من الصدقات لأنهم ليسوا من أهلها، فطعنوا عليه وقالوا يؤثر بها أقرباءه وأهل مودته (راجع أحكام القرآن للجصاص، جـ 3: 150، طبع المطبعة البهية المصرية 1347 هـ). أما عمل الرسول على تألف قلوب البعض للدخول فى الإسلام أو الثبات عليه، فهو أمر معروف وسياسة حسنة، ولم يكن هذا الصنيع مقصورا على القرشيين وحدهم. 7 - لا ندرى ماذا يريد الكاتب بقوله: "وتروى عن النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] أحاديث لا تفيد فرض الزكاة". إن الثابت لدى العلماء أن للرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] أحاديث كثيرة فى الزكاة؛ منها ما يبين وجوبها، ومنها

ما يبين الأنواع التى تجب فيها من الأموال النقدية وغيرها من الأنعام والزروع وعروض التجارة، ومنها ما يحدد المقادير الواجب إخراجها فى كل نوع منها وفق شروط معينة معروفة (راجع المغنى لابن قدامه، جـ 2: 573 وما بعدها؛ الهداية وشرحها فتح القدير للكمال ابن الهمام، جـ 1: 481 وما بعدها؛ سنن أبى داود، جـ 2: 127 وما بعدها، طبعة المكتبة التجارية بالقاهرة؛ موطأ الإمام مالك، جـ 1: 188 وما بعدها، طبعة الحلبى عام 1951). 8 - يقول الكاتب إنه "ينسب إلى مالك ابن أنس أنه كان يرى أن كل ادخار للمال حرام" ولم يذكر مرجعه فى هذا والمعروف أن الذى ذهب إلى هذا الرأى هو سيدنا أبو ذر الغفارى دون أن يتبعه أحد على رأيه أو يقره عليه، وبين أيدينا كتاب "الموطأ" للإمام مالك ولا نرى فيه شيئا مما زعم الكاتب نسبته إليه، بل نجده يروى عن عبد اللَّه ابن عمر أن الكنز، الذى توعد اللَّه عليه أصحابه بالعذاب الأليم، هو المال الذى لا تؤدى منه الزكاة، ومعنى ذلك أن الإدخار لا حرمة فيه ما دام المدخر يخرج زكاة ما ادخره. 9 - مصارف الزكاة هى الأصناف الثمانية التى جاءت فى آية سورة التوبة، وهى آية معروفة ذكرها الكاتب، وأول هؤلاء الأصناف الفقراء والمساكين، فلا ندرى من أين جاء الكاتب بحديث يرى أنها تحل للأغنياء واللصوص والبغايا لأن المهم هو البر من حيث هو كما يزعم! إن أحدًا من هؤلاء الأصناف الثلاثة لا يحل له شئ من الزكاة إلا إذا كان داخلا فى أحد مصارفها؛ كان يكون لصا وهو فقير، أو بغيا كذلك، أو يكون من العاملين على جمع الزكاة وإن لم يكن مسكينا أو فقيرا فى رأى بعض الفقهاء. 10 - الدين يقتضى الزكاة وكانت أحكامها ثابتة أيام الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] نفسه، وذلك على الضد مما يزعم الكاتب، ففى القرآن كثير من الآيات التى تأمر بذلك، ونكتفى بقوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً}. وقوله: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ}، وقوله: {وَآتُوا الزَّكَاةَ}، وذلك كله غير أحاديث الرسول وأوامره فى هذا السبيل.

11 - يأخذ الكاتب من امتناع بعض المسلمين عن أداء الزكاة بعد وفاة الرسول أن أداءها لم يكن يتطلبه الدين، ويستدل على هذا بأن عمر بن الخطاب نفسه كان ميالا إلى قبول ذلك -أى امتناع من أبى أداءها- ثم يقول: وإنما صلابة أبى بكر هى التى جعلت من الزكاة فى صورتها الضريبية نظاما دائما. هكذا يتصور الكاتب المسألة، ونحن قد بينا أن الزكاة فرضت بالقرآن، ثم بينها الرسول صلى اللَّه عليه وسلم بما نراه بين أيدينا من أحاديث ثابتة. أما مسألة امتناع بعض المسلمين من أدائها لأبى بكر بعد وفاة الرسول، فهى مسألة معروفة تاريخيا؛ وقد اعتبر الخليفة الأول أن هؤلاء صاروا مرتدين عن الإسلام بامتناعهم عن أداء الزكاة وجحد وجوبها فريضة دائمة من اللَّه تعالى، ولهذا قص المؤرخون ما كان من هؤلاء تحت عنوان: حروب الردة. وميل عمر بن الخطاب أول الأمر لعدم حرب هؤلاء لهذا السبب، ليس لأنه كان يرى معهم أن لهم ألا يؤدوا الزكاة، بل أشفق على الإسلام والمسلمين من أن يحاربوا فى جبهات عديدة فى آن واحد بعد أن انتقض كثير من القبائل على الإسلام والمسلمين، ولهذا نجده والمسلمين جميعا قد اتفقوا على وجوب قتال مانعى الزكاة مع الخليفة الأول (راجع المغنى لابن قدامة، جـ 2: 574 - 575). وإذًا، فلم تكن صلابة أبى بكر هى التى جعلت من الزكاة نظاما دائما، فذلك كان مقررا تماما أيام الرسول نفسه، ولكنها ردت هؤلاء المرتدين جميعا على أعقابهم، وثبتت الإسلام ونفوذه وأوامره بصفة عامة. 12 - هنا يذكر الكاتب أن انتشار الفقه الإسلامى جعل الزكاة ضريبة شرعية بصفة نهائية، وأنه دخلت الآراء التى قيلت فى ذلك فى الحديث. ونحن لا نرى أن نعيد ما قلناه سابقا من أن الزكاة تقررت نهائيا بالقرآن والسنة. ولكن نذكر أن آراء الفقهاء فى الزكاة أو غيرها لم تدخل قط فى الحديث، فإن أحاديث الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وسنته نجدها مفردة فى دواوين خاصة لا يشوبها شئ من أقوال غيره، وهذا أمر يعرفه

من له إلمام بهذا الموضوع أو بأصول الدين وفقهه والثقافة الإسلامية بعامة. 13 - من المعروف أنه كان من مهمة الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] تبليغ ما نزل إليه من القرآن وبيانه، وحاشاه أن يكون قد قصر فى شئ من ذلك صلى اللَّه عليه وسلم، وقد كان مما جاء به القرآن فرض الزكاة فلا بد عقلا ومنطقا أن قد يكون بيّن هذه الفريضة. وهذا ما كان منه فعلا. ثم كان من الصحابة والتابعين أن بينوا فى عصورهم ما رأوه فى حاجة إلى بيان من شريعة اللَّه ورسوله، وأن فصلوا منها ما يحتاج إلى تفصيل. ومن مثل هذا، فيما يختص بالزكاة، ما كان من الكتب التى كتبها كل من أبى بكر وعمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز (راجع موطأ مالك، جـ 1: 194 - 196؛ المغنى لابن قدامة، جـ 2: 575 - 576). وهذه الكتب لا تعدو أن تكون بيانا لما فرض اللَّه ورسوله، ولذلك نجد أبا بكر يبدأ كتابه (المغنى جـ 2: 575) إلى "أنس الذى وجهه إلى البحرين بقوله: "بسم اللَّه الرحمن الرحيم، هذه فريضة الصدقة التى فرض اللَّه ورسوله"، إلى آخر ما كتب رضى اللَّه عنه. وهذا غير أحاديث الرسول التى نجد فيها الأسس الأول لما ذكر هؤلاء فى كتبهم التى كانت -كما قلنا- تذكيرا بما كان من الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وإذًا فليس صحيحا ما يزعمه الكاتب من أن هذا النظام ينسب غالبا إلى أبى بكر الخليفة الأول (راجع أيضا فتح القدير شرح الهداية، جـ 1: 496، ففيه أن كتابى أبى بكر وعمر اشتملا على الألفاظ التى ذكرها الرسول فى كتابه الذى كتبه فى الصدقة). 14 - يذكر الكاتب أن الزكاة لا تجب عند الحنفية إلا على "من كان بالغا قادرا على الحساب"، ولا ندرى من أين جاء بشرط "القدرة على الحساب"! والذى نعرفه من كتب فقه الأحناف أنهم يشترطون هنا البلوغ والعقل، فليس على الصبى والمجنون زكاة، على حين لا يشترط الشافعية هذين الشرطين: البلوغ والعقل، أما اشتراط القدرة على

الحساب فهذا شئ آخر وراء ما نعلم ويعلم الفقهاء المسلّمون جميعا! (راجع الهداية وشرحها فتح القدير عند الأحناف، جـ 1: 483 وما بعدها، وراجع نهاية المحتاج عند الشافعية، جـ 2: 290) والحنابلة يوافقون الشافعية فى ذلك، راجع المغنى لابن قدامة جـ 2: 622 - 623. 15 - الوسق ستون صاعا أو حمل بعير، والصاع أربعة أمداد، والمد رطل وثلث بالبغدادى، والرطل البغدادى 4/ 7 128 من الدراهم على أصح التقديرات راجع نهاية المحتاج، جـ 2: 247). 16 - النصاب فى البقر ثلاثون، لا عشرون كما ذكر الكاتب. وفى مذهب الشافعى، وهو الذى التزمه الكاتب فيما كتب، قول بأن فى الماشية العاملة الزكاة أيضا وهو مذهب مالك، وأنها إن علفت دون معظم الحول كان الرأى الأصح وجوب الزكاة فيها، وإذًا فليس الأمر كما ذكر الكاتب تماما (راجع نهاية المحتاج، جـ 2 ك 233 وص 243 - 244 وفتح القدير شرح الهداية جـ 1: 509 حيث أشار إلى مذهب مالك فى وجوب الزكاة فى الماشية التى تعمل لصاحبها). 17 - يذكر الكاتب أن الحلى المصنوع من الذهب والفضة يقدر النصاب فيه بحسب قيمته التجارية، وهذا غير صحيح. ففى نهاية المحتاج (جـ 2 ك 260) ما نصه: "ويزكى المحرم من ذهب وفضة من حلى وواحده حلى، ومن غيره، كالأوانى، إجماعا، ولا أثر لزيادة قيمته بالصنعة فلو كان له إناء وأنه مائتا درهم وقيمته ثلاثمائة، وجبت زكاة مائتين فقط". ثم ذكر بعد هذا مباشرة، أن الحلى المباح لا زكاة فيه على أظهر الأقوال، لأنه معد لاستعمال مباح كعوامل المواشى، وأن من المحرم الإناء من الذهب والفضة والسوار ونحوه للرجل. 18 - أشار الكاتب إلى زكاة المعادن والكنوز، ونحوهما مما يستخرج من الأرض، إشارة لا تغنى شيئا، وقد أطال الفقهاء فى الكلام على هذه المسألة؛ ففرقوا بين كل من المعدن والركاز

والكنز، وبين السائل من المعدن والجامد، وبين ما يقبل الطرق والسحب كالنحاس والحديد وما لا يقبل ذلك كالأحجار الكريمة، وبين الكنز الجاهلى أو الإسلامى. وهذا التعليق لا يحتمل بيان هذا كله، فيحسن الرجوع إلى ما كتب الفقهاء فى ذلك، مثل: كتاب الأموال لأبى عبيد القاسم بن سلام، نشر المكتبة التجارية سنة 1353 هـ، ص 336 وما بعدها؛ البدائع للكاسانى الحنفى، مطبعة الجمالية بمصر سنة 1327 - 1328 هـ، جـ 2: 65 وما بعدها؛ الشرح الصغير للدردير المالكى وحاشية الصاوى عليه، طبع بولاق عام 1289 هـ، جـ 1: 259 وما بعدها؛ نهاية المحتاج لشمس الدين الرملى الشافعى، جـ 2: 226 وما بعدها. 19 - لتلافى ما فات الكاتب من الوضوح والدقة، نذكر أن العامل على جمع الزكاة يعطى عند الأحناف ما يكفيه هو وأعوانه ويعطى الثمن عند الشافعى لأنه أحد الأصناف الثمانية حتى وإن كان غنيا. وبالنسبة للأصناف الأخرى، يرى الأحناف والحنابلة أن للمالك أن يدفع إلى كل واحد منهم، وله أن يقتصر على صنف واحد، على حين يرى الشافعى أنه لا يجوز أن يصرف إلا إلى ثلاثة من كل صنف، بينما يرى الإمام مالك أنه فى الدفع يتحرى موضع الحاجة ويقدم الأولى فالأولى (راجع البداية وشرحها فتح القدير، جـ 2: 16 - 18، المغنى لابن قدامة جـ 2: 668 - 670). 20 - لا ندرى لماذا يعمد الكاتب إلى غمز الفقهاء بلا سبب، وذلك حين يذكر أنهم اعتادوا فى بيان الفقير والمسكين -حين يتكلمون عن مصادر الزكاة- أن يصوغوا التعريف بما يجعلهم فى معظم الأحيان من إحدى الطائفتين! إنهم يختلفون فى أن الفقير هو من له أدنى شئ والمسكين من لا شئ له، أو أن الأمر على العكس، ولكل رأى سنده من اللغة والآثار. وقد كان من الفقهاء الغنى، وكان منهم الفقير، فكيف يبيح الكاتب لنفسه القول بأنهم كانوا يصوغون التعريف للفقير والمسكين بما يجعلهم غالبًا من أحد الصنفين.

زكريا

21 - راجع فى اختلاف الفقهاء، فى المؤلفة قلوبهم، الهداية وشرحها فتح القدير والعناية بالهامش، جـ 2: 14 - 15؛ أحكام القرآن للجصاص، جـ 3، 153، المغنى لابن قدامة، جـ 2: 666؛ بداية المجتهد لابن رشد الحفيد، مطبعة الاستقامة بالقاهرة سنة 1928، جـ 1: 266 - 267. 22 - يذكر الكاتب أن النصيب المخصص للإنفاق "فى سبيل اللَّه" يصرف للمجاهدين طوعا من غير أن يكونوا جنودا نظاميين. وهذا تعبير تعوزه الدقة والإصابة، فإن الذين "فى سبيل اللَّه" هم فقراء الغزاة أو الحجاج، وقد قال بالأول أبو يوسف، وقال بالثانى محمد بن الحسن، وكلاهما من تلاميذ أبى حنيفة وأصحابه (راجع البداية وشرحها: فتح القدير والعناية. جـ 2: 17). 23 - اختلف الفقهاء فى حكم زكاة الفطر؛ فجمهرتهم تراها واجبة، وبعضهم يراها فرضا. وبعض المتأخرين من أصحاب مالك -أو الإمام نفسه كما يذكر الكاتب- يراها سنة مؤكدة وسبب اختلافهم فى ذلك تعارض الآثار من ناحية، واختلافهم فى مدلول "أمر الرسول" من ناحية أخرى. ومن السنة ألا يؤخر إخراجها عن صلاة العيد، ويحرم تأخيرها عن يوم الفطر، وإن أخرها عن هذا اليوم كان آثما وعليه أداؤها أيضًا. (راجع بداية المجتهد، جـ 1: 269 - 270؛ المغنى لابن قدامة، جـ 3: 55 - 56؛ الهداية وشرحها، جـ 2: 29 - 30، ص 43؛ نهاية المحتاج، جـ 2: 277 - 278). الدكتور محمد يوسف موسى زكريا زكريا أبو يحيى المعمدان، وقد جاء فى القرآن {وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ} (سورة الأنعام، الآية 65) (¬1). ¬

_ (¬1) رقم الآية فى المصحف العثمانى 85 (م - ع).

وهو ينقل مضمون ما ورد فى الآيات من 5 - 25 من الإصحاح الأول من إنجيل لوقا (1) فيقول إن زكريا كفل مريم العذراء، وكان كلما دخل عليها المحراب وجد عندها فاكهة فى غير حينها. ثم دعا زكريا ربه فنادته الملائكة مبشرة إياه بولد اسمه يحيى لم يكن له من قبل سميا، نبيا من الصالحين مصدقا بكلمة من اللَّه يرث يعقوب. واستبعد زكريا أن يكون له غلام وقد بلغ من الكبر عتيًا. فجعل اللَّه آيته ألا يكلم الناس ثلاثة أيام (سورة آل عمران الآية 41؛ سورة مريم، الآيات من 1 - 15؛ سورة الأنبياء الآية 89 - 90). وقد توسعت القصص المتأخرة فى رواية الإنجيل وذكرت أن جبريل هو الذى بشر زكريا (إنجيل لوقا، الإصحاح الأول، الآية 19) وأن لسانه عقل عن الكلام عقابا له على شكوكه (إنجيل لوقا، الإصحاح الأول، الآية 20). ثم أسهبت فى التفاصيل فقالت إن تسعة عشر رجلا تنافسوا على كفالة مريم فتقارعوا عليها بالأرقام، وألقوا أقلامهم فى بركة شلوام فارتفع قلم زكريا فوق الماء. وشيخ زكريا واعتزل سدانة بيت المقدس فأقام قلمسلوس عليها يوسف النجار (الثعلبى، ص 226) وكان فى محراب مريم فاكهة الصيف فى الشتاء وفاكهة الشتاء فى الصيف. وعندئذ تشجع زكريا ودعا اللَّه أن يرزقه بالولد على الرغم من شيخوخته (الثعلبى، ص 237). وقد جعلت قصص المسلمين زكريا النبى يموت ميتة الشهداء. فقد انطلق بعد قتل يحيى، ولجأ إلى شجرة فانفتقت له، ولكن هدب ردائه ظل خارج الشجرة. وخدعه إبليس فقطعت الشجرة مع زكريا (الثعلبى ص 240؛ ابن الأثير، ص 120) وقد نسجت هذه القصة على منوال الهجادة واستشهاد أشعيا (Sanhedrin: Pal.، 10، 28، Sanhedrin: Bab، 101، Kautzsch Apokryphen und Pseudepigraphen، جـ 2 ص 123: أشعيا وجمشيد وزكريا). والظاهر أن القصص الإسلامية تقول إن زكريا الوارد فى الإنجيل هو

المصادر

النبى عليه السلام زكريا الذى روت الهجادة أن دمه ظل يغلى إلى أن حضر بنو زرادان قائد بختنصر. وقد حاول هذا القائد أن يسكن من غليانه فرمى عليه بدم القربان ودماء خير بنى إسرائيل ولكنه لم يسكن إلا عندما أهاب به القائد فسكن. وتروى القصص الإسلامية هذه الرواية عن دم يحيى بن زكريا. المصادر (1) الطبرى، طبعة ليدن، جـ 1، ص 2، 213 وما بعدها، 719 وما بعدها. (2) الثعلبى: قصص الأنبياء، القاهرة 1325، ص 234 - 240. (3) ابن الأثير: الكامل، بولاق 1290 هـ، جـ 1، ص 117 - 120. (4) الكساتى: قصص الأنبياء، طبعة أيزنبرغ، ص 297، 302، 303. (5) Secharja ben Rerechja: Leo Baeck فى fd Geschichte in Wis- Monatsschrift serschaft des Judentums، ص 1932، ص 313 - 319. (6) Les Origines des Legendes Musubnanes: D.Sidersky باريس 1933 ص 139 وما بعدها. (7) The Jewish Foundation of Islam: C.C.Torrey , نيويورك 1933، ص 58، 67، 80. خورشيد [برنارد هيلر Berland Heller] زلزل منصور بن جعفر الضارب عواد مشهور ببلاط الخلفاء العباسيين الأولين Tables alphabetiques du Kitub al-Aghani: Guidi يكنيه زلزل بكسر الزائين، بينما يكتب الاسم كل من Caussin de Perceval الموضع المذكور، و Carra de Vaux الموضع المذكور فى De Slnae فى Ibn Khallikan's Biographical Dictionary وفيات الأعيان زلزل بضم الزائين) وهذا اللقب الأخير هو كنية الشاب الخفيف الحركة وخاصة الذى يعزف

المصادر

ولزلزل مكانة فى تاريخ الموسيقى لأنه أصلح السلم الموسيقى إذ أدخل ثلثًا محايدًا (¬1) (22: 27) على دساتين العود. وهذه هى معدل الفاصل الموسيقى لما يعرف باسم وسطى زلزل كما يقول الفارابى (المتوفى عام 950). أما ابن سينا (المتوفى عام 1037) فيقول إن هذا الفاصل (عند 32: 39) قد وضع بالتقريب فى منتصف المسافة بين دساتين السبابة والخنصر (الشفاء، مخطوط بمكتبة وزارة الهند، رقم 1811, ورقة رقم 173). وهذه النغمة أو الأنغام القريبة منها لا تزال موضع استحسان فى الأوساط التى تتحدث بالعربية. وزلزل أيضا مبدع العود المحسّن الذى أطلق عليه اسم عود الشبوط نسبة إلى السمك الذى يعرف بهذا الاسم. والظاهر أن السمة التى كان يتميز بها هذا العود هى استخدام رقبة وقصعة قائمين بذاتهما. وكان هذا العود يعتبر آلة عجيبة تفوق العود الفارسى الذى عده العرب حتى ذلك الوقت أهم آلاتهم الموسيقية. المصادر: (1) كتاب الأغانى 6 بولاق، جـ 5، ص 22، 24، 34 - 75، 40، 54 - 55، 57، 58، جـ 6، ص 72، 47، جـ 10، ص 100؛ جـ 18، ص 126، جـ 21، ص 157، 195. (2) ابن عبد ربه: العقد الفريد، القاهرة سنة 1887 - 1888، جـ 3، ص 190. (3) Baghdad during the Abbasid Caliphate: G.Le Strange أكسفورد سنة 1900, ص 62. (4) History of Arabian music: Fanner لندن 1899، ص 118 - 119، انظر الفهرس. (5) المؤلف نفسه: Studies in oriental musical Instruments لندن سنة 1931، ص 95 - 96. ¬

_ (¬1) يحتمل أن يكون قصد المؤلف بالثلث المحايد أن يكون المقام المذكور متوسطا بين مقامين كبيرين ويساوى ثلت مسافة صوتية كاملة. محمد فتحى

بخفة على إحدى الآلات الموسيقية كما ذكر ذلك الفيروزآبادى. على أننى أجد أن كتاب مفاتيح العلوم (ص 239) بل وجل ما رجعت إليه من المخطوطات العربية فى نظرية الموسيقى تذكر الاسم زَلزَل بفتح الزائين. ونحن لا نعرف تاريخ مولده، إلا أننا نرجح أنه كان يعيش فى بلاط المهدى (775 - 785 م) ولو أننا لا نجد له ذكرا فى كتاب الأغانى إلا فى عهد هارون الرشيد (786 - 809 م). والظاهر أن زلزَل كان من أهل الكوفة، ولكنه أصبح بفضل دراسته على الموسيقار العظيم إبراهيم الموصلى المتوفى فى عام 804 الذى زوجه أخته، ألطف العازفين على الآلات الوترية، فلم يكن له ضريب بين من تقدموه أو جاءوا بعده كما يذكر ابن عبد ربه المتوفى عام 940. وفى يوم من الأيام كان مهرة العازفين على العود يتبارون فى العزف ببلاط الواثق (المتوفى عام 847) وإذا بإسحاق الموصلى المتوفى عام 850؛ يحكم بأن زلزل أمهر فى العزف من ملاحظ عازف البلاط المشهور (كان زلزل فى عداد الأموات عندما حدث ذلك انظر Carra de Vaux الموضع المذكور , Caussin de Parceval الموضع المذكور، La: Ribera musica de las Cantinas الموضع المذكور) ويذكر صاحب كتاب العقد الفريد أن زلزل لم يكن مغنيا، وإنما كانت مهارته فى العزف على العود -ومن ثم لقبه الضارب- هى السبب فى شهرته. وكان يصاحب بصفة خاصة فى العزف على العود كلًا من إبراهيم الموصلى وابن جامع وبرصوما الزامر. وقد أحنق عليه هارون الرشيد فزجه فى السجن، غير أن إبراهيم الموصلى استطاع بلباقته أن يذكر اسمه فى أغنية من أغانيه فعفا عنه الخليفة" وقاسى كثيرًا فى السجن فشيخ قبل الأوان، ولعل ذلك كان من أسباب وفاته المبكرة عام 791. وكان لزلزل إبان حياته بئر احتفرها ببغداد تركها لأهل هذه المدينة بعد وفاته ووقف على صيانتها أموالا كافية؛ وظلت هذه البئر قرونًا تعرف ببركة الزلزل.

(6) المؤلف نفسه Historial Facts for the Arabian Musical Influence لندن سنة 1930، ص 248. (7) Caussin de Perceval في المجلة الأسيوية، نوفمبر - ديسمبر سنة 1873 ص 548 - 550، 587. (8) Le traite des rapports musicaux: Carra de Vaux ص 63. (9) La musica de las cantigas: Ribera مدريد سنة 192، ص 31، 32، 35 وترجم إلى الإنجليزية بعنوان Music in Ancient Arabia and Spain لندن سنة 1929 ص 50، 52، 60. (10) تاريخ ابن خلكان، ترجمة de Slane، باريس - لندن سنة 1843 - 1871، جـ 1، ص 21. (11) ابن خلكان: وفيات الأعيان، بولاق سنة 1882، جـ 1، ص 12. (12) الخوارزمى: مفاتيح العلوم، طبعة Van Vloten ليدن سنة 1895، ص 239. (13) Musik des Orients: Lachmann ص 33. (14) Sensations of Tone: Helmholtz لندن سنة 1895، ص 281، 525. (15) Recherches sur L'histoire de la gamme arabe (actes du 6 eme. Congres Inter. des Orientalises tenu en 1883 a Leide: Land جـ 1، ص 61. (16) المؤلف نفسه: Earliest Development of Arabic Music (Transactors of the 9 th International congress of 1892 orientalists held in London جـ 2، ص 161. (17) Musique Orintale: Porisot باريس سنة 1898، ص 13. (18) Etude sur la musique arabe: Collangettes المجلة الأسيوية نوفمبر - ديسمبر سنة 1904. ص 403 وما بعدها. (19) R.d' Erlanger: الفارابى، ص 74، وما بعدها (La musique arabe باريس سنة 1930). [الشنتناوى فارمر H.G Farmer]

زمان

زمان (ج أزمان وأزمن وأزمنة): لسهولة معرفة الفرق فى استعمال كلمة "زمان" (المشتركة بين اللغات السامية) وكلمة "وقت" (التى لا توجد بمعنى الزمان إلا فى اللغة العربية) يمكن استنباط الأحكام الآتية أخذًا عن الكتب العربية التى تتناول الموضوعات العلمية، فإن كان يظهر أن هذه الأحكام قد خولفت فى أحيان كثيرة، حتى فى الكتب التى ألفها أصحابها بعناية كبيرة. إن كلمة "زمان" تطلق فى الغالب للدلالة على الزمان من حيث هو مفهوم فلسفى أو رياضى، وذلك فى مقابل كلمة "كان" (ويظهر أن التشابه بين الكلمتين فى الجرس والوزن اللغوى لم يخل من أن يكون له من هذا الوجه أثره فى تفضيل كلمة "زمان" على كلمة "وقت")، كما تستعمل بالإجمال للدلالة على الأحقاب الطويلة والقرون ومدة حكم الدول وعلى بداية العصور التاريخية، وتستعمل أيضا فى اصطلاح علم الفلك للدلالة على مقدار طول فترة ما من الزمان، قد تختلف بطبيعتها، مثل طول "الساعات الزمانية" () فى اليونانية و horae temporales seu inaequsles فى اللاتينية) التى يختلف طولها بحسب خط العرض الجغرافى وبحسب فصول السنة، والتى نحصل عليها -خلافًا لساعاتنا المنسوبة إلى معدل النهار والتى لها طول ثابت (وهى "ساعات الاعتدال" () فى اليونانية و horae aequinoctiales فى اللاتينية) - بقسمة مدة النهار أو مدة الليل إلى اثنى عشر قسما. وفى هذه الحالة يقال: "أزمان ساعات النهار والليل الزمانية" (ونادرًا ما يقال: "أوقات ساعات النهار والليل الزمانية"). أما كلمة "وقت" (ج: أوقات) فهى تدل فى علم الفلك على نقط معينة من الزمان وكذلك على أجزاء من الزمان (ثابتة عادة)، فيقال: "وقت انتصاف النهار"، أعنى وقت الزوال الفلكى، و"وقت انتصاف الليل". والمعنيان يوجدان معًا فى كتاب البتانى الذى نشره نللينو بعنوان Opus

Astronicum (¬1) جـ 3، ص 192: الوقت (بمعنى فترة الزمان) الذى تعود فيه الشمس إلى الجزء الذى كانت فيه فى وقت (بمعنى نقطة معينة من الزمان) الابتداء". وتدل كلمة وقت بوجه عام على مدد من الزمان قصيرة الأمد، مثل طول حياة إنسان أو جيل، كما أنها تستعمل فى المعنى الذى تستعمل فيه كلمة () اليونانية، وذلك للدلالة على الزمان الصحيح؛ وفوق هذا قد تدل أيضا على وقت الرصد الفلكى. ولكن الكلمة الاصطلاحية فى هذا المعنى، وهى كلمة "ميقات" (ج مواقيت) المشتقة من نفس الأصل أكثر استعمالا فى العادة. وكلمة "ميقات" هذه قد تدل على فن عمل الأزياج وعلى تحديد مواقيت الصلاة. وكل من كلمة "زمان" وكلمة "وقت" تستعمل أيضا مرادفة لكلمة "فصل" فى الدلالة على فصول السنة. ونجد البيضاوى فى تفسيره للقرآن، وهو التفسير المسمى "أنوار التنزيل وأسرار التأويل" (¬2) عند كلامه عن كلمة "مواقيت" الواردة فى القرآن (سورة البقرة) آية 189 (¬3) يعرف المدة والزمان والوقت تعريفا مجملا على النحو الآتى: "المدة المطلقة امتداد حركة الفلك من مبدئها إلى منتهاها (يعنى أنها تدل على جملة الزمان "من الأزل إلى الأبد") والزمان مدة مقسومة (يعنى جزءًا كبيرًا) (¬4)، والوقت الزمان المفروض لأمر (¬5) (يعنى أن الوقت يؤخذ من الزمان بقسمة الزمان، ويدل على فترات قصيرة من الزمان وعلى نقط منه)، وهذا التعريف يتفق فى جوهره مع التعريف الذى تقدم. حساب الزمان: (أ) حساب الزمان قبل الإسلام: إن معرفتنا بحساب الزمان عند العرب القدماء، وهى المعرفة التى تستند ¬

_ (¬1) هذا هو كتاب الزيج الصابى لأبى عبد اللَّه محمد ابن ستان بن جابر الحراش المعروف بالبتانى طبعة رومة سنة 1889 م [المترجم]. (¬2) يعتمد الكاتب على طبعة Fleischer ليبسك 1846 جـ 1، ص 105. (¬3) يشير كاتب المقال إلى آية: "يسألونك عن الأهلة، قل هى مواقيت للناس والحج" [المترجم]. (¬4) و (¬5) [راجع تعليقنا على هذا المقال كله، فيما يلى -والمقصود على كل حال هو أن الزمان جزء من المدة وأن الوقت نقطة الزمان التى يقع فيها أمر- المترجم].

إلى مادة متفرقة موجودة فيما حفظ لنا من بقايا القصائد القديمة والأشعار الشعبية، لا تزال حتى يومنا بعيدة كل البعد عن الكمال والشمول، ولا يمكن بحال أن تعتبر مرضية جديرة بالثقة من جميع الوجوه. وهناك دلائل كثيرة -وخصوصًا معانى معظم أسماء الشهور العربية القديمة (صفر الأولى والثانى، ربيع الأول والثانى، جمادى الأولى والآخرة، رمضان) - تدل على أن السنة العربية القديمة كانت تشبه السنة العبرية (السنة التشرية) بعض الشبه، غير أنه يجب علينا أن نلتزم القصد إذ ليس من المأمون أن نقول إنه كان يوجد فى جزيرة العرب فى العصر القديم تقسيم زمانى معمول به فى الجزيرة كلها. أما الذى لا شك فيه فهو أن قبائل الأعراب لم تكن تستعمل فى الأصل سوى حساب الزمان المبنى على ملاحظة أوجه القمر، شأنها فى ذلك شأن الأقوام المتبدية الأخرى، أعنى أنه لم يكن عندها سوى ما يسمى السنة القمرية الخالصة. أما التوفيق بينها وبين السنة الشمسية فإنه لم يحدث إلا فى عصر متأخر عن ذلك. ويؤيد هذا الافتراض ما ذكره كثير من العلماء المسلمين (وقد استفاد محمود أفندى من هذه المادة فى بحثه الذى ظهر عام 1858 فى المجلة الآسيوية. J. A السلسلة الخامسة، جـ 11). فالبيرونى فى مؤلفه الآثار الباقية (طبعة سخاو، ليبسك 1878) وقد اتفق فى الرأى مع جعفر بن محمد البلخى (فى كتابه المسمى كتاب الألوف فى بيوت العبادات) -وكان على علم بهذا الكتاب- ذلك أنه قال إن الانتقال من السنة القمرية الخالصة إلى السنة القمرية الشمسية وقع بتأثير السنة اليهودية قبل الهجرة بنحو من قرنين (¬1). أما نظرية محمود أفندى التى ذهب إليها فيما بعد (Mint. des Savants strangers de ¬

_ (¬1) الآثار الباقية للبيرونى ص 62. يقول البيرونى إن العرب، بعد أن كان حجهم يدور فى الأزمنة الأربعة أرادوا أن يحجوا فى وقت إدراك سلعهم من الأدم والجلود والثمار وأن يثبت ذلك على حال واحدة وفى أطيب الأزمنة وأخصبها "فتعلموا الكبس من اليهود المجاورين لهم. وذلك قبل الهجرة بقريب من مائتى سنة" [المترجم]

l'Academie Royale de Belgique جـ 2، 1861 م، والتى تابعه فيها كنز F.K Ginzel فى كتابه Chronologie جـ 1، ص 248). ومؤداها أنه كانت هناك سنة قمرية خالصة فى مكة إلى الفترة السابقة للهجرة مباشرة، فهى نظرية لا يمكن أن تكون حجة ثابتة أمام ما تقدم ذكره، لأنه لم يقم دليل كاف على أن قران المشترى وزحل الذى وقع فى مارس سنة 571 - وهو المسمى "قران الدين"- قد حدث بالفعل قبل مولد النبى عليه الصلاة والسلام مباشرة، وهنا لا يمكن أن يكون الأمر أمر افتراض وتخمين ظهر بعد ذلك. وكانت بداية السنة القمرية العربية -وأيضا بحسب السنة العبرية- فى الخريف. والسنة نفسها كانت تتألف من اثنى عشر شهرًا -وفى سنين الكبس من ثلاثة عشر شهرًا- تحسب من الهلال إلى الهلال. أما زيادة الشهر الثالث عشر، وهى الزيادة التى لم يكن منها بد لتحديد بداية السنة القمرية فى موضع معين من السنة الشمسية، فقد كانت تعمل بحسب التجربة بين آن وآخر، وذلك كل سنتين أو ثلاث فى المتوسط. وكلمة "النسئ" المذكورة فى القرآن (سورة التوبة، آية 37) والتى كثر حولها الجدل إنما تشير إلى زيادة هذا الشهر الثالث عشر (¬1)، كما بين ذلك من جديد الأستاذ موبرج بيانا مقنعا لا جدال فيه (An - Nasi' in: Axel Moberg der islamischen Tradition، لند، 1931) ولم يحرم النسئ تحريما صريحا على يد محمد عليه الصلاة والسلام إلا فى السنة العاشرة للهجرة (الموضع المتقدم ذكره من القرآن) (¬2) وكان وقت الحج، الذى كان يرتبط فى أول الأمر بالخريف، أعنى أنه قد حدد بحسب السنة الشمسية، يعين بحسب نوء (ج، أنواء) أحد المنازل الثمانية والعشرين للقمر. وهذا الضرب من تعيين المواقيت الشمسية مأثور أيضا عن عصر تال لذلك (راجع Calendrier de Cordoue del'annee 961 طبعة Dozy، ليدن 1873) ونجده كذلك فى العصور القديمة عند ¬

_ (¬1) كانت السنة الشمسية أطول من القمرية فقد كان لا بد فى كل سنتين) وثلاث -بحسب الأحوال- من النسئ وهو إضافة شهر وتسميته بالشهر السابق له. [المترجم]. (¬2) راجع ذلك فى كتاب الآثار الباقية ص 62 - 63 [المترجم].

أمم متحضرة (كالصين والهند ومصر) على أن السنة القمرية الشمسية فى عهد النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] كانت قد تقدمت على السنة الشمسية بكثير بسبب عدم كفاية وسائل الملاحظة والكبس فوقعت بداية السنة القمرية كما وقع شهر ذى الحجة السابق لها وكذلك وقت الحج فى فصل الربيع. وفى أواخر أيام الجاهلية كانت أسماء الشهور قد استقرت على النحو الذى نجدها عليه فى العصر الإسلامى، غير أن شهر المحرم قد حل فى الإسلام محل صفر الأول، صفر الثانى، ربيع الأول، ربيع الثانى، جمادى الأولى، جمادى الآخرة، رجب، شعبان، رمضان، شوال، ذو القعدة، ذو الحجة. ولا يفوتنا أن النصف الأول من السنة يتألف فى الحقيقة من ثلاثة شهور مزدوجة، وتختلف عنها أسماء الشهور العربية القديمة التى يذكرها البيرونى (¬1) والتى حلت محلها الشهور التى تقدم ذكرها، وكانت هذه الشهور القديمة هى: المؤتمر (ويطابق صفر) وناجر، وخوان، وبصان، وحنتم (أو حنم (القراءة غير يقينية) وزباء أو زُبى، والأصمّ، وعادل، ونافق، ووغل، وهُواء، وبُرَك. وبعض هذه يظهر فيما بعد، ويكون أحيانا ألقابا لأسماء الشهور الإسلامية المرادفة لها، كإطلاق اسم الأصم على رجب والعادل على شعبان. وإلى جانب هذا يذكر البيرونى والمسعودى كما تذكر النقوش الصابئية أنواعًا أخرى كثيرة لأسماء الشهور، وهى تختلف فيما بينها بحسب القبائل والمصادر اختلافا كبيرًا بحيث لا يكاد يمكن الاهتداء منها إلى معرفة ما كان عليه حساب الزمان عند العرب فى أقدم عصورهم. وكانت السنة بحسب ما يقوله فلهاوزن (Rest arabischen: Wellhausen Heiden turns، برلين 1897، ص 96 وما بعدها) مقسمة فى أول الأمر إلى ثلاثة أزمنة: زمان المطر، وزمان الجفاف وزمان الحر. ونجد فى الشعر العربى القديم ذكر أربعة أقسام: الخريف أو ¬

_ (¬1) ص 60 - 61 من الآثار الباقية وصاحب المقالة لا يتفق فى نقله لأسماء هذه الشهور، ولا فى ترتيبها عند البيرونى. والبيرونى نفسه يقول إن فى أسماء هذه الشهور وترتيبها خلافا [المترجم].

الربيع والشتاء والصيف والقيظ، وهى تطابق على وجه التقريب فصولنا: الخريف والشتاء والربيع والصيف؛ ومن الجائز أنه كان هناك تقسيم السنة إلى ستة أقسام: الربيع (آخر الحصاد) والخريف، والشتاء، والربيع الثانى (أول الحصاد) والصيف (أول فصل الحر) والقيظ (وهو الصيف بمعناه عندنا). أما الجرى على تقسيم الأسبوع إلى سبعة أيام فيمكن إثبات أنه كان موجودًا عند العرب الجاهليين منذ عصرقديم جدًا. والأسماء القديمة للأيام هى بحسب حكاية البيرونى (الآثار الباقية، ص 64): أول (يطابق يوم الأحد) أهوَن، وجُبار، ودُبار ومؤنس، وعَروبة، وشيار. ولكن لا يصح افتراض أن العرَب هم الذين استحدثوا الأسبوع ذا السبعة الأيام، بل هناك دلائل كثيرة تدل على أنهم أخذوا ذلك عن البابليين أو اليهود، وكان قد أصبح مشهورًا عند هؤلاء منذ زمان قديم جدًا. وكانت أيام الشهر مقسمة إلى عشرة أقسام، كل قسم منها ثلاثة أيام، وكانت تحسب اعتبارًا من الهلال، ولكل ثلاثة منها اسم، وأسماؤها هى (¬1): الغررَ، والنُفَل، والتسع، والعشر، والبيض، والدُرَع، والظُلَم، والحنادس أو الدهم، والدآدى. والمحاق (راجع كتاب الآثار للبيرونى ص 63 وما بعدها). أما اليوم ذاته فكان يبتدئ عند العرب القدماء كما كان يبتدئ عند اليهود وفى الإسلام أيضًا، بعد ذلك، بمغيب الشمس، وليس ثمة ما يدل على تقسيم ¬

_ (¬1) قول البيرونى فى الآثار الباقية ص 63 - 64 إن العرب لم تكن تسمى أيام الشهر بأسماء مفردة كما كان يفعل الفرس، غير أنهم "أفردوا لكل ثلاث ليال من كل شهر من شهورهم اسما على حدة مستخرجًا من حال القمر وضوئه فيها، فإذا ابتدءوا من أول الشهر فثلاث غرر -جمع غرة، وغرة كل شئ أوله، وقيل بل ذلك لأن الهلال يرى فيها كالغرة". النُفل من قولهم تنفل إذا ابتدأ بالعطية. . التسع لأن آخر ليلة منها هى التاسعة، والعشر لأن أولها الليلة العاشرة، والبيض لأنها تبيض بطلوع القمر من أولها إلى آخرها، والدرع لاسوداد أوائلها. . والأصل فى ذلك هو التشبيه بالدرع الملبوس، لأن لون رأس لابسه يخالف لون سائر بدنه، والظلم لإظلامها فى أكثر أوقاتها، والحنادس لسوادها، ولذلك تسمى الدهم، والدآدئ لأنها بقايا، والمحاق لانمحاق القمر والشهر. راجع أسماء أخرى لأيام معينة من الشهر مثل ليلة السرار، وهى اللية الأخيرة من الشهر، لاستسرار القمر فيها، وليلة الامتلاء، وهى الليلة الرابعة عشرة [المترجم].

اليوم عند الجاهليين إلى أربع وعشرين ساعة. بداية التآريخ: يظهر أن البدايات أو النقط الزمانية التى كان يبتدئ بها العرب حساب السنين كانت كثيرة جدًا. ويذكر البيرونى فى هذا الصدد أن بعض العرب كانوا يؤرخون بالوقائع المشهورة والأيام المذكورة الكائنة بينهم [كالتى لقريش مثل أيام الفجار وحلف الفضول. . . وبناء الكعبة وغير ذلك] فتصير هذه الحوادث بدايات للتأريخ عند مختلف القبائل (كتاب الآثار، ص 34) ويظهر أن التأريخ بأيام الفجار خاصة (وقعت حروب الفجار بين 585 و 591 بعد الميلاد على الأرجح) وبعام الفيل (حوالى 570 م على الأرجح) كان أكثر انتشارًا عند العرب. وعام الفيل، عند بعض المؤرخين، هو العام الذى ولد فيه محمد عليه الصلاة السلام (571 م). (ب) التأريخ فى الإسلام: أصبح ما يتميز به الإسلام من حساب السنين طبقا للسنين القمرية الخالصة هو المعمول به بعد الذى أشرنا إليه فيما تقدم من تحريم النبى عليه السلام للنسئ (والسنة القمرية الخالصة = 12 شهرًا قمريًا كل منها 29 يومًا و 12 ساعة و 44 دقيقة و 3 ثوان = 354 يوما و 8 ساعات و 48 دقيقة و 36 ثانية، واسم السنة القمرية هو فى الحقيقة لا معنى له! )، فلم يكن من الممكن بعد ذلك وجود توافق بين أول السنة الهجرية وأول السنة الشمسية فيقع أول السنة الهجرية موافقا على وجه التقريب لأول السنة الشمسية، وصار أول السنة الإسلامية يتقدم كل عام أحد عشر يومًا فى السنة الشمسية فيقع أول السنة الهجرية موافقًا على وجه التقريب لأول السنة الشمسية مرة واحدة كل ثلاثة وثلاثين عامًا، وكل ثلاث وثلاثين سنة قمرية تساوى على وجه التقريب اثنتين وثلاثين سنة شمسية. ونستخلص من هذه النسبة القاعدة التالية لتحويل سنى الهجرة (هـ) إلى سنين ميلادية (م)، والعكس. السنة الميلادية = عدد السنين الهجرية × 32/ 33 + 622 السنة الهجرية = عدد السنين الميلادية - 622 × 33/ 32 وفيما يتعلق بالتحويلات الدقيقة لا غنى عن لوحات المقارنة بين السنين

الهجرية والميلادية التى قام بعملها فستنفلد ومالر (راجع المصادر). وكان لا بد، بحسب القرآن، (سورة يونس، آية 5 مثلا) فى الآية التى تقرر بصراحة أن القمر هو مقياس الزمان (¬1)، من أن يتحدد أول الشهر وأول السنة، كما كان الحال فى العصر القديم، بالاستناد إلى رؤية الهلال بالعين، وهذا هو بالفعل ما يجرى عليه عامة الناس فى أيامنا. ولكن نشأ مع هذا، لأسباب يسهل إدراكها ومنذ وقت مبكر حساب دورى يستند إلى أن مدة كل شهرين تساوى على وجه التقريب 59 يوما، ومن شأنه أن يجعل أحد الشهور 30 يومًا والشهر الآخر 29 يومًا، بحيث يكون الشهر الأول من السنة (وهو المحرم) والشهر الثالث والخامس والسابع والتاسع والحادى عشر، كل منها 30 يومًا، ويكون الشهر الثانى (صفر) والرابع والسادس والثامن والعاشر والثانى عشر كل منهما 29 يومًا، وبذلك تكون السنه 354 يومًا فى العادة. أما الفرق الذى يبلغ 8 ساعات و 48 دقيقة و 36 ثانية (وهو يساوى 11/ 30 من اليوم بوجه قريب من الدقة)، وهو الفرق الذى تزيد به السنة القمرية الفلكية عن الأيام التى تشتمل عليها الشهور، فقد روعى من طريق إضافة 11 يوما كل ثلاثين سنة قمرية (وتلك هى أيام الكبس). وأكثر الطرق انتشارًا فى كبس السنين فى البلاد الإسلامية هى الطريقة التى تعتبر السنين الثانية والخامسة والسابعة والعاشرة والثالثة عشرة والسادسة عشرة والثامنة عشرة والواحدة والعشرين والرابعة والعشرين والسادسة والعشرين والتاسعة والعشرين، من كل فترة طولها ثلاثون سنة، سنين كبيسة، أما الكبس نفسه فهو دائمًا فى شهر ذى الحجة بحيث يكون فى السنين العادية ¬

_ (¬1) [يشير المؤلف إلى آية: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}. ومن المفسرين من يعتبر الضمير فى كلمة قدره عائدًا على كل واحد من الكوكبين. على أن القمر نظرا لتغير وجوهه أدل على حساب الزمان -المترجم].

29 يومًا وفى السنين الكبيسة 30 يومًا (وفيما يتعلق بمدد أخرى يكون فيها الكبس، خصوصا الكبس كل ثمانى سنين عند الترك؛ راجع كتاب Ginzel: Chronolgie جـ 1، ص 255). أما اليوم بليلته (وهو المقابل: فى اليونانية) فكان فى أيام الجاهلية يحسب من مغيب الشمس، ويرجع هذا النوع من حساب اليوم، كما يؤكد الفرغانى، إلى أن أول يوم فى الشهر يعرف برؤية الهلال، والهلال يرى دائمًا عند مغيب الشمس. فأما تقسيم اليوم بليلته () إلى أربع وعشرين ساعة فهو يرجع على كل حال إلى التأريخ اليونانى. وفى حساب الزمن عند الناس لا تستعمل إلا "الساعات الزمانية" (انظر ما تقدم)، أما الفلكيون فهم يحسبون الزمان بحسب ساعات الاعتدال، غير أنهم ينصون دائمًا على أنها ساعات الاعتدال. وقد حلت فى الإسلام محل أسماء أيام الأسبوع القديمة أسماء مشتقة من مجرد الترتيب العددى مع تغيير فى صورة التسمية، وذلك فيما يتعلق بالأيام التى بين الأحد والخميس، ويوم الجمعة عندنا صار يوم اجتماع المسلمين وسمى باسم مشتق من ذلك، ويوم السبت عندنا يسمى عند العرب باسم شبيه بالاسم العبرى بحيث تكون الأيام على ترتيبها هى: يوم الأحد (الموافق ليوم الأحد عندنا)، يوم الاثنين، يوم الثلاثاء، يوم الأربعاء، يوم الخميس، يوم الجمعة، يوم السبت. وعند ذكر الأيام، يجب أن يراعى، نظرًا للسبب المتقدم، أن يوم الأحد يبتدئ فى مساء يوم السبت عندنا، وأن يوم الإثنين يبتدئ من مساء يوم الأحد عندنا، وهكذا، بحيث لا تتفق الأيام العربية مع أيامنا اتفاقًا تامًا. وبداية حساب السنين فى التاريخ الإسلامى هى أول المحرم من السنة التى هاجر فيها النبى عليه الصلاة والسلام من مكة إلى يثرب (ولا يتخذ يوم الهجرة نفسه ولا يوم وصول النبى عليه الصلاة والسلام إلى المدينة، وهو على التدقيق يوم الخميس 8 ربيع الأول الموافق 30 سبتمبر سنة 622, عند معظم المؤرخين، مبدأ للتأريخ).

ويوم الهجرة. هو يوم 15 يولية سنة 622 م ويسمى تاريخ الهجرة (وهو طبقا للحساب اليوليانى للأيام اليوم الـ 1948439). أما جعل عام الهجرة مبدأ للتاريخ الإسلامى فلم يحدث إلا فى أيام الخليفة عمر بن الخطاب. وإلى جانب التأريخ بعام الهجرة كانت تستعمل التآريخ الأجنبية على ما بينها من تنوع، وأحقها بالذكر هنا التأريخ الإسكندرى (وهو المسمى تاريخ القبط أو تأريخ الشهداء)، وذلك فى صورة الحساب طبقا لشهور القبط التى استعملت قبل غيرها على كل حال. وهذا الحساب للتاريخ حساب شمسى، خلافًا للحساب الإسلامى، فطول السنة، كما هو الحال فى اليوليانية، يبلغ 365 يوما، وهى اثنا عشر شهرًا لا ترتبط بأحوال القمر، وكل منها ثلاثون يوما، ويزاد فى آخر الشهر الخامس منها خمسة أيام، وفى السنين الكبيسة ستة أيام، وذلك على سبيل الإكمال والكبس. وقد استعملت أسماء الشهور المصرية مع شئ من التحوير فى صورتها، وهى بحسب حكاية البتانى (جـ 3، ص 100 من كتابه): توت (ويسمى (. . .) عند المؤرخين اليونان)، بابه (. . .)، أتور (. . .) كيهك (. . .) طوبة (. . .) أمشير (. . .)، برمهات (. . .) برموده (. . .)، بشنس (. . .) بؤونه (. . .) أبيب (. . .) مسرى (. . .) وكانت الأيام الخمسة أو الستة التى تزاد فى الشهر تسمى كما عند القبط (الشهر الصغير)، وسنو التأريخ القبطى تحسب فى العادة من سنة 284 م، وهى السنة التى اعتلى فيها الإمبراطور دقلديانوس العرش، أما بحسب حكاية البتانى فهى تبدأ من يوم الجمعة 29 أغسطس سنة 25 ق. م (ويذكر نللينو تفسيرا لذلك: جـ 1، ص 244)، وهناك تأريخ آخر كثيرًا ما استعمل وهو التاريخ السلوقى. ويسمى عند العرب تاريخ الروم أو تاريخ الإسكندر أو، وهو الغالب، تاريخ ذى القرنين، وهو يحسب من يوم الإثنين أول أكتوبر (وعند البتانى من يوم السبت أول سبتمبر) سنة 312 ق. م. وهو يستعمل السنة اليوليانية كما يستعمل طريقة الكبس اليوليانية، ويستعمل أسماء الشهور السريانية - العربية؛ وهى المسماة شهور الروم،

وذلك لأن كل شهر من هذه الشهور له نظير فى الشهور الرومية، وشهوره على الترتيب الآتى: تشرين الأول. . . أكتوبر. . . 31 يوما تشرين الثانى. . . نوفمبر. . . 30 يوما كانون الأول. . . ديسمبر. . . 31 يوما كانون الثانى. . .يناير. . . 31 يوما شباط. . . فبراير. . . 28 أو 29 يوما آذار. . . مارس. . . 31 يوما نيسان. . .أبريل. . . 30 يوما أيار. . . مايو. . . 31 يوما حزيران. . . يونية. . . 30 يوما تموز. . .يولية. . . 31 يوما آب. . .أغسطس. . . 31 يوما أيلول. . .سبتمبر. . . 30 يوما وأسماء الشهور هذه تستعمل أيضا فى حساب السنة عند نصارى الشام. وفيما يتعلق بتآريخ أخرى راجع كتاب البتانى، الفصل الثانى والثلاثين، وشروح نللينو على ذلك، جـ 1، ص 242 والصفحات التالية. وكانت السنة الخراجية العربية فى مصر، وهى السنة التى استحدثها العرب بعد فتحهم لمصر وظلت معمولا بها أزمنة طويلة، سنة شمسية، وكانت بدايتها مع بداية السنة الشمسية المصرية، ولكن كانت السنون تحسب من عام الهجرة، فنشأت عن ذلك فروق بين عدد سنى الهجرة وعدد سنى الخراج، وكثيرًا ما لوحظ أن هذه الفروق كانت سببا فى وقوع الاضطراب عند تأريخ الحوادث. وفى مصر نفسها كانت هذه السنة تستعمل أيضا عند عامة الناس (ومن أراد الاستزادة فليرجع إلى كتاب Ginzel جـ 1، ص 264 - 265). أما السنة المالية التركية التى كانت هى السنة الرسمية وكانت تستعمل إلى جانبها السنة الهجرية فى أكثر الأحيان فى الأغراض الدينية، فهى من حيث صورتها -بصرف النظر عن أولها- توافق السنة اليوليانية، وأسماء شهورها هى بعينها أسماء الشهور السريانية - العربية التى تقدم ذكرها، مع فروق طفيفة. وهذه السنة المالية التركية تبدأ فى أول مارس، ويقع الكبس فى التاسع والعشرين فى شهر فبراير، وهو أيضا آخر يوم فى السنة. وعلى ذلك فإن سنى الكبس تكون دائمًا

المصادر

قبل سنى الكبس فى التاريخ الميلادى بسنة، وهذا مما يسهل تبينه. وترد السنة المالية التركية إلى السنة الخراجية العربية التى استحدثت فى القرن الرابع للهجرة (العاشر الميلادى) فى أيام العباسيين، وقد دخلت إلى الترك فى سنة 1087 هـ (1677 م). أما السنون فكانت تحسب طبقًا للتاريخ الهجرى. ولإيجاد التساوى بين حساب السنين على هذه الطريقة وبين السنين القمرية التى هى أقصر من السنة التركية، كانت تسقط سنة قمرية من كل ثلاث وثلاثين سنة، وهذه السنة التى كانت تسقط تسمى سوش (ومعناها بالتركية الإلغاء أو الإسقاط). ولما جاءت سنة 1288 هـ (1871 م) كان الواجب إسقاطها ولكنها حسبت خطأ، مما سبب اضطرابا فى حساب السنين المالية حينًا من الزمان، أما فى العصر الحديث فقد صار التقويم الغريغورى هو التقويم الرسمى فى تركيا. المصادر: (1) كتاب الزيج الصابئ للبتانى (وهو الذى يسمى Opus Astronomicum) نشره نللينو A.Nallino جـ 1 - 3) ميلانو 1899، 1903، 1907) (2) الآثار الباقية للبيرونى (ويسمى Chronologie orientalischer: Volker طبعة سخاو (Sachau) ليبسك 1878) (3) Handbuch der mathe matischen and technischen Chronologie: F.K.Ginzel جـ 1، ليبسك 1906، (4) An - Nasi' in der islamisches Tradition: A.Moberg لند 1931 (5) Le Calendrier de Cordnue de l'annee 961: R.Dozy ليدن 1872 (6) F. Wustenfeld and E.Mahler: Vergleichungstabellen der muhainineda nischan and christlichen Zeitrechnung ليبسك 1854، 1887، الطبعة الثانية 1926. (7) Umrechungstafeln fur Nachrichten CGXLVII Wandeljahre: J.Mayer، 22 كيل 1932). أبو ريدة [هارتنر W.Hartner]

+ زمان: كلمة "زمان " هى الكلمة العربية التى تستعمل عادة فى الاصطلاح الفلسفى للدلالة على فكرة الزمان، ومرادفاتها هى "الدهر" و"الوقت" و"الحين". وللتمييز بين الزمان المدرك بالحواس وبين الزمان المعنوى كثيرًا ما يطلق على الزمان المعنوى كلمة "دهر" (زروان فى الفارسية)، أو يقال: "زمان معنوى" أو "زمان مطلق" أو "زمان علوى". وقد رفض المفكرون المسلمون بطبيعة الحال رفضًا باتًا كل ما كان يقال فى الزمان (أو المكان) من آراء، باعتبار أن الزمان مبدأ أعلى للعالم؛ وهو ما عرفه المسلمون من التراث الفارسى واليونانى المتأخر. وكان المذهب القائل بأن الزمان، شأنه شأن المكان، أحد المبادئ الخمسة للعالم، معروفا عند الكثيرين، لكنه لم يلق قبولا كبيرًا. وتوجد مبادئ خمسة مشابهة لذلك، مع اختلاف فى ذواتها وفى أسمائها، بين أتباع الحكمة الهرمسية وبين صابئة حران وبين الإسماعيلية والدروز وغيرهم (راجع Die Lehren des Hennes Trisinegistos: J.Kroll ضمن مجموعة Beitr. z Gesch. d. Philos . d.MA, قسم 12، 2 - 4، ط. Munster 1914، ص 67 وما بعدها و S.Guyard Fragments relatifs a la doctrine des Isinaelis, ضمن N. E.، 22، باريس 1874 ص 33 وما بعدها، وكتاب النقط والدوائر المعروف عند الدروز، طبعة Chr. Seybold، ليبسك 190، ص 68). والرازى الطبيب (المتوفى عام 923 أو 932 م) يذكر المبادئ الخمسة على هذا الترتيب: (1) البارئ تعالى (2) النفس الكلية (3) الهيولى الأولى (4) المكان المطلق (5) الزمان المطلق (كتاب تحقيق ما للهند من مقولة للبيرونى ط Sachau لندن 1887 ص 163، وكتاب الفصل فى الملل والأهواء والنحل لابن حزم، ط. القاهرة 1317 هـ , جـ 3 ص 24 وما بعدها (وهنا يجب قراءة "ملاء"، بدلا من "مدة"، فيما يتعلق بالزمان المطلق) (¬1) ولما كان اللَّه بحسب ¬

_ (¬1) هذا خطأ تام لأن الزمان المطلق هو المدة التى لا تعد -راجع كتاب تحقيق ما للهند للبيرونى ص 163؛ أما الملاء فهو المكان المملوء اى الذى يشغله جسم، فى مقابل الخلاء -المترجم.

العقيدة الإسلامية هو وحده المطلق القديم الذى لا نهاية له فإن مذهب الرازى اعتبر إلحادًا. والقول بمبادئ خمسة تدخل فى ميدان ما بعد الطبيعة صار له نظير فى علم الطبيعة، فنجد اليعقوبى (¬1) (فى النصف الثانى من القرن الثالث الهجرى = القرن التاسع الميلادى) يقول بمناسبة الكلام عن كتاب "سمع الكيان" أو "الخبر الطبيعي" (¬2) لأرسطو إن أرسطو "بين فيه عن الأشياء الطبيعية، وهى خمسة، المشتملة على الطبائع كلها، التى لا وجود لشئ من الطبائع دونها، وهى العنصر (¬3) والصورة والمكان والحركة والزمان .. وهذه الخمسة منها اثنان جوهران، وهما العنصر والصورة، وثلاثة أعراض جوهرية، (اليعقوبى ط Houtsma جـ 1، ص 184). وقد كتب الكندى (المتوفى بعد سنة 870 = 1466) (¬4) كتابًا صغيرًا لم يصل إلينا إلا فى ترجمته إلى اللاتينية، وهو كتاب De quinque essentiis (وقد نشره ألبينو ناجى Alb Nagy فى ميونخ عام 1867، ضمن مجموعة رسائل للكندى، بعنوان Die Philo sophischen Abhandlungen des Ja'qub ben Ishaq al-Kindi، ص 28 - 40) (¬5). والكندى فى هذا الكتاب يتكلم، بعد مقدمة عامة، عن هذه الأشياء الخمسة نفسها، معتمدا فى الجملة على الكتاب ¬

_ (¬1) اليعقوبى هنا هو أحمد بن أبى يعقوب بن جعفر بن وهب بن واضح الكاتب العباسى، والمقصود كتابه فى التاريخ ط. ليدن 1886 - المترجم. (¬2) المقصود هو كتاب الطبيعة المشهور لأرسطو -المترجم. (¬3) العنصر هنا هو الهيولى أو المادة بحسب الاصطلاح الذى ساد فيما بعد -المترجم. (¬4) لا أعرف المقصود من الرقم الثانى، فى الأصل الفرنسى، إلا أن يكون المترجم إلى الفرنسية حسب أن عام 870 بحسب التاريخ الهجرى فحوله إلى التاريخ الميلادى. أما الذى لا شك فيه فهو أن الكندى توفى بعد عام 870 م أو بعد سنة 252 هـ. راجع مقدمة الجزء الأول من رسائله ط. القاهرة 1950 م -المترجم. (¬5) (هذا الكتاب الصغير قد نقله إلى العربية محمد عبد الهادى لم نجو ريدة، وهو الرسالة الأولى من الجزء الثانى، من رسائل الكندى، القاهرة 1953 - المترجم.

الرابع من كتاب الطبيعة لأرسطو. ويتكلم إخوان الصفاء عنها كلاما أوفى، لكن على الترتيب عينه (راجع الرسائل، طبعة بمباى، جـ 2، الرسالة الخامسة عشرة، وبحسب مختارات ديتريصى لييسك 883، جـ 1 ص 24 وما بعدها الرسالة الرابعة عشرة). ويذكر إخوان الصفاء آراء كثيرة عن هذه الأشياء الخمسة. على أنه من البين أنهم لا يكتفون بتقديم الصورة على الهيولى، بل يجعلون المكان، من حيث هو عرض للجسم، بعد الحركة والزمان، لأنهما فى النفس وناشئان عنها. ويظهر أنه يجب أن نفهم على هذا الاعتبار أيضا المشكلة التى نجدها فى كتاب المقابسات للتوحيدى (طبعة القاهرة 1929، ص 172 وما بعدها): "لم صار الظرف المخصوص بالزمان أكثر من الظرف المخصوص بالمكان؟ ". والجواب هو: "الظرف الزمانى ألطف من ظرف المكان، والمكانى أكثف من ظرف الزمان، وكأن المكان من قبيل الحس والزمان من قبيل النفس. . إلخ". وعلى حين أن المصنفات الأولى تكتفى فى الغالب بذكر مختلف الآراء فى الزمان (¬1). فإنه يظهر أن المعرفة برأى أرسطو قد أوجدت إجماعا بين الفلاسفة، ولكن الأمر لا يزال معقدًا، لأن التمييز المعروف عند أصحاب المذهب الفيثاغورى الجديد والمذهب الأفلاطونى الجديد بين "زمان حسى" و"زمان معنوى" قد بقى قائمًا، وكان البحث الطبيعى فى الزمان، من حيث صلته بالمكان والحركة فى الفراغ، يستند إلى الكتاب الرابع من كتاب الطبيعة لأرسطو، وإن كان لم يخل من صبغة رواقية. أما مباحث ما بعد الطبيعة التى تتناول العلاقة بين الحادث والقديم فقد كانت متأثرة بالمذهب الأفلاطونى الجديد، وخصوصا بحسب نقل هذا المذهب إلى العرب من طريق الكتاب المسمى "كتاب الربوبية" المنحول لأرسطو و"كتاب" Liber de causis (¬2) . وشرح القائلين بالمذهب الأفلاطونى الجديد على كتب أرسطو. ¬

_ (¬1) [لعلهم بقصدون مثلا أن مؤلفا كالأشعرى فى كتابه مقالات الإسلاميين إنما اكتفى فيما يتعلق بالزمان والمكان بذكر مختلف الآراء -المترجم]. (¬2) [هذا الكتاب يسمى كتاب العلل أو الخير المحض، وهو ينسب لأفلاطون، مع أنه فى الحقيقة يرجع إلى كتاب الأسطقات الالهية" لبرقلس -المترجم]

ففيما يتعلق بالزمان الطبيعى قد ميز بين الزمان الماضى وبين الزمان الحاضر أو الـ "آن" وبين الزمان المستقبل أو المستأنف. ولما كان الزمان، شأنه شأن الحركة عند أرسطو، كمًا متصلا فإنه (خلافا لمذهب الجوهر الفرد عند علماء العقائد) (¬1) لا يتألف من لحظات منفصلة، وعلى هذا فإن الـ "آن" ليس زمانا بالمعنى الحقيقى. ومع هذا فإن اللحظة الحاضرة هى الشئ الحقيقى الوحيد فى الزمان، وهذا التناقض فيما يتعلق بالزمان أدى إما إلى الشك فى الزمان وأما إلى آراء فى أن الماضى يبقى حقيقة ويدخل فى الحاضر. وقد عرف الزمان، متابعة لأرسطو، تعريفًا دقيقا بأنه عدد الحركة -أو مقدار، أو كم، أو كمية الحركة- بحسب المتقدم والمتأخر، وكذلك عرفت الحركة على العكس من ذلك، بأنها عدد أو مقدار الزمان. وأرسطو، وهو الذى ينسب إليه أنه قد أبرز العلاقة بين الحركة والزمان، قد ذكر التعريف الأخير مرة (كتاب الطبيعة لأرسطو، الكتاب الرابع، قسم 12، ص 220 جـ، س 14 - 16)، لكن هذا التعريف صار عند أصحاب المذهب الأفلاطونى الجديد تعريفًا ثابتًا. وأخيرا يجب أن نذكر أن الزمان، كما يفهم من تعريف أرسطو له، شأنه شأن الحركة، ليس له بداية ولا نهاية، فمكان العالم متناه، وكل نقطة فى هذا المكان يمكن أن تكون نقطة انتهاء خط، لأن الخط ساكن؛ أما الزمان، من حيث هو مقدار الحركة، فهو يجرى أبدا ولا ينتهى. ويختلف عن هذا التصور الأرسطى للزمان تعريف الزمان بأنه "المدة" أو "الامتداد" أو "المدى (¬2) "، وأغلب الظن ¬

_ (¬1) كان علماء العقائد يقولون بقسمة المكان والزمان والحركة والجسم إلى أجزاء لا تتجزأ -انظر ما يلى- المترجم. (¬2) يكتب صاحب المقال هذه الكلمة كما لو كانت "المضاء" بالعربية، وهذا غير صحيح، وخصوصا أن اقتباسه لرأى أبى الهذيل نقلا عن الأشعرى فى كتابه مقالات الإسلاميين يدل على أنه نقل كلمة "مدى" على أنها "مضاء". وهو فعل ذلك أيضا فى نقله عن كتاب "البدء والتاريخ" بعد قليل -المترجم.

أن لدينا فى هذه الكلمات ترجمات للكلمتين اليونانيتين (. . .)، وهما تدلان عند الرواقيين على المدة، وقد فسرهما أفلوطين تفسيرًا يجعل لهما معنى عاليًا من حيث هما مدة دوام حياة النفوس (راجع كتاب - H.A. Wolfson: Crescas' Critique of Aristotle. Problems of Aristotles, Physics in jewish and Arabic Philosophy, كمبردج وهرفارد، 1929، ص 638 وما بعدها) ونحن إذا وجدنا أبا الهذيل العلاف يعرف الوقت بأنه "الفرق بين الأعمال، وهو مدى ما بين عمل إلى عمل" فإن وراء ذلك معنى الفترة التى تنقضى بين شيئين (راجع: Die dogmatischen Lehren der Anhanger des Islams للأشعرى، ط. ريتز Rtter ((Bibl Is,. Ib استانبول 1930، جـ 3، ص 443). وكذلك يقول المطهر بن المقدسى إن الزمان عند المسلمين "هو حركة الفلك ومدى ما بين الأفعال" (راجع Le livre de la creatian et de L'histoire (¬1) لأبى زيد احمد بن سهل البلخى، ط. إيوار CL. Huart. باريس 1899 جـ 1 ص 41) أما المدة فمعناها الدوام (راجع كتاب مفاتيح العلوم للخوارزمى طبعة ج. فان فلوتن G.Van Vloten ليدن 1895، ص 137 وما بعدها حيث نجد: "أن الزمان مدة تعدها حركة الأفلاك وغيرها من المتحركات. والمدة عند بعضهم الزمان المطلق الذى لا تعده حركة"). فالحقيقة أن الكلام هنا يدور حول التمييز الذى أشرنا إليه آنفا بين الزمان الحسى الذى يقاس بحركة الأجسام المتحركة وبين الزمان المعنوى الذى لا يقاس بل تشاهده النفس وتدركه إدراكا مباشرًا (راجع تمييز هـ. برجسون H.Bergson . وبين الزمان Temps والديمومة duree (¬2)؛ وكلمة المدة من مصطلحات الرازى الطبيب؛ انظر كتاب تحقيق ما للهند من مقولة للبيرونى، الموضع المتقدم الذكر، وأيضا من ¬

_ (¬1) هذا الكتاب هو "كتاب البدء والتاريخ" وهو من أهم مصنفات القرن الرابع الهجرى -المترجم. (¬2) إن التفرقة بين الزمان الحسى أظهر ما تكون عند أبى البركات البغدادى كما سيلى -المترجم.

مصطلحات إخوان الصفاء ففى الرسالة الخامسة عشرة التى أشرنا إليها آنفا يتكلم إخوان الصفاء عن الزمان (الطبيعى) من حيث هو المدة التى تعدها حركة الفلك). فالمدة من حيث هى مجرد دوام حياة النفوس هى فى الحقيقة شئ متوسط بين الزمان (الذى هو عرض فى حركة الأجسام) وبين الدهر (الذى هو مدة بقاء العقل) وهذا يؤدى بنا إلى الأنظار الميتافيزيقية الصوفية فى العلاقة بين الزمان والأزل. والاصطلاح هنا غير ثابت، وذلك لا يرجع فقط إلى أن الفلاسفة يحاولون أن يوفقوا بين أفلاطون وأرسطو، بل يرجع إلى أن كل فريق، وخصوصا الصوفية، يحب مصطلحاته الخاصة. وفى كلمات لأفلاطون فى محاورة طيماوس يتصور أفلاطون، على سبيل التمثيل، أن الزمان صورة حسية للأزل (قارن ما جاء فى الكتاب المسمى بكتاب الربوبية المنسوب لأرسطو طبعة د يتريصى Dieterici ليبسك 1882 ص 107 بما جاء فى محاورة طيماوس ص 37 وما بعدها؛ وراجع كتاب H.Lessgegen Die Begriffe der Zeit und Ewigkeitt im spatern Platonismus, ضمن مجموعة Beitr. Z. Gesch. d. Philos im M.A منستر 1913، ص 1 وما بعدها) فالزمان لم يبدأ إلا بعد خلق النفس الكلية وانتظام مادة الكون بعد اضطرابها، وذلك بفضل حركة السماء المنتظمة. وهذا العالم المنظم تنظيما جميلا ستكون له نهاية، ولكن الزمان لا ينتهى بذلك. وعلى أساس الآراء المأثورة عن أفلاطون، وخصوصا وبتوسط أفلوطرخس بحسب الآراء المنحولة ويتوسط جالينوس، جاءت أيضا الآراء فى الزمان باعتباره عين حركة الفلك، أو باعتبار أنه هو الفلك نفسه أو أنه هو النفس الكلية. ومن قال إن الزمان هو الفلك نفسه أو النفس الكلية نفسها سماه جوهرًا (خلافا لأرسطو القائل إنه عرض). وبعد أن عرف رأى أرسطو صار الفيلسوف المتهم فى نظر الدين يعرف بنظريته فى قدم الزمان، وذلك أن أصحاب هذه النظرية كانوا، متابعة لأصحاب المذهب الأفلاطونى الجديد،

يؤمنون بأن الوجود ذو مراتب وبأنه من البديهى، تبعا لذلك، أن يكون لكل نوع من الموجودات زمانه الخاص أو أزليته؛ ولا أزلى فى الحقيقة إلا اللَّه، إن لم تكن ذاته فوق الأزل، وقد وافق الفلاسفة أرسطو فى القول بأن ماهية العلة الأولى (اللَّه) وفعلها (¬1) شئ واحد؛ فاللَّه أزلى، وهو لذلك يخلق العالم فى الأزل، والمخلوق الأول وهو العقل (يذكر صاحب كتاب Le livre de Ia Creation انظر ما تقدم جـ 1، ص 854 وما بعدها أن بعض أهل الإسلام ذهب "إلى أن أول ما أحدث من الزمن العلوى، وهو وقت يظهر فيه الفعل، ليس السفلى الذى هو من حركات الفلك") أقل أزلية، لكنه فى دهر وسكون، وكذلك النفس الصادرة عن العقل توجد فوق الزمان لأنها علة الزمان. هذا ما يذهب إليه مع أفلوطين كتاب الربوبية المنسوب لأرسطو (طبعة ديتريصى ص 13 وما بعدها) وفى كتاب العدل Liber de causis لبرقلس ما جملته أن اللَّه، من حيث هو العلة الأولى، يوجد فوق الدهر، والعقل مع الدهر والنفس تحت الدهر، لكنها فوق الزمان والطبيعة هى مجال الحوادث (كتاب Liber de Causis طبعة O.Bardenhewer بمدينة فرايبورج بألمانيا , 1882، ص 61 وما بعدها). ومن البين أن فعل الكائنات التى فوق الزمان يتم أيضا على نحو خارج عن الزمان، وقد شبه بفعل التعقل عند الناس وبالارتباط بين الصورة والهيولى وبانتشار الضوء فى العالم، وكلها تتم فى غير زمان (راجع فيما يتعلق بمسألة التغير الذى يقع فجأة ودفعة واحدة، أعنى فى غير زمان، كتاب H.A.Wolfson المتقدم ذكره، ص 498 وما بعدها، ص 542 وما بعدها). وكانت المشكلة فى أول الأمر بسيطة جدًا عند المتكلمين: فهناك إله قديم أزلى وهناك عالم حادث؛ ولا وسط بينهما، وكان كل من أصحاب مذهب الجوهر الفرد بين المسلمين وخصومهم متفقين على ذلك. وكان أهم ما يريده أصحاب مذهب الجوهر الفرد هو أن يؤكدوا أشد التأكيد أن المكان يتألف من أجزاء ¬

_ (¬1) المقصود فاعليتها وتأثيرها -المترجم.

لا تتجزا متناهية معدودة، وأن مدة دوام العالم لا تتجاوز عددًا متناهيًا من أجزاء الزمان (¬1). وقد دافع الغزالى فى كتابه تهافت الفلاسفة عن القول بحدوث العالم وأيضا عن القول بتناهيه فى الزمان وذلك باسم جميع فرق الأمة الإسلامية، ردا على الفارابى وابن سينا. وهو يشتد فى محاربة قول أرسطو بقدم العالم، ولكنه يتساهل مع مذهب أفلاطون. والغزالى لا يوافق أبا الهذيل فى قوله بأنه كما لا يمكن القول بدورات لا نهاية لعددها فى الماضى فكذلك لا يمكن القول بدورات لا نهاية لها فى المستقبل، بل يجوز الغزالى بقاء العالم بقاء لا نهاية له، ولكنه يأخذ بما جاء به الدين من التصريح بنهاية العالم (كتاب تهافت الفلاسفة طبعة بويج Bouyges بيروت 27 ص 80 وما بعدها) (¬2). ويقول ابن رشد بحق، فى كتابه تهافت التهافت (طبعة بويج، بيروت 1930، ص 64 وما بعدها، وراجع كتاب الفلسفة طبعة القاهرة 1313 ص 10 وما بعدها، وراجع كتاب ل. جوتييه La theorie d'Ibn Rochd Sur les rapports de la religion et la philosophie: L.Gauthier باريس 1909 ص 103 وما بعدها) إن كثيرًا من هذا الجدال يدور حول التسميات والنزاع فيها. وكل من المتكلمين والفلاسفة يميزون بين موجود أزلى لا نهاية له (هو اللَّه) وبين ¬

_ (¬1) وكانوا يقصدون من ذلك أن يجدوا أساسا لإمكان إثبات وجود اللَّه الذى يخلق الأشياء فيجمعها ويفرق بينها ويحفظها -راجع مقدمة كتاب مذهب الذرة عند المسلمين لسلمون بينيس، الترجمة العربية - القاهرة 1946 وكتاب تاريخ الفلسفة فى الإسلام لدى بور، الطبعة الثانية القاهرة 1948، ص 83 وما بعدها -المترجم. (¬2) النقل عن الغزالى هنا غير دقيق، فالغزالى يقول بحدوث العالم، وإن من شروط الشئ الحادث، الذى هو فعل لفاعل، أن يكون له أول، ولكن لا يشترط أن يكون له آخر، لأن هذا يتوقف على إرادة موجده ولا يتضمن تناقضا ولما كان العقل يجوز إمكان بقاء العالم بقاء لا نهاية له، إذا شاء موجده ذلك فإن بقاءه إلى الأبد بالفعل أو عدم بقائه بالفعل لا يعرف بالعقل، لأن العقل يقضى بإمكان الاحتمالين، ولذلك يقول الغزالى: "وإذا تبين أننا لا نبعد بقاء العالم أبدا من حيث العقل بل نجوز إبقاءه وإفناءه، فإنما يعرف الواقع من قسمى الممكن بالشرع، فلا يتعلق النظر فيه بالمعقول" تهافت الفلاسفة، ص 81 - المترجم.

المصادر

عالم متغير: وهذا هو الشئ الجوهرى، أما كون العالم فى جملته حادثا أو قديما أو كونه على الدوام حادثا زائلا فهو أمر ثانوى. أما الصوفى الذى يعيش فانيا فى الذات الخالدة فهو وحده الذى لا وجود عنده للزمان بكل صوره، وهو فى "حال" من أحوال يثبت عنده "الوقت" فيصير حياة فى حضرة اللَّه الأزلية (راجع كشف المحجوب، ترجمة نيكلسون، ليدن 1911، ص 367 - 370). المصادر: لا يوجد بحث مخصوص للموضوع، ولنذكر المراجع الآتية بالإضافة إلى ما ذكر أثناء الكلام: (1) Le Systeme du Monde: P.Duhem جـ 1، ص 271 ما بعدها، جـ 2، ص 465 وما بعدها (2) Uber iranische Quellen der hellenistischen Aionvorsell: H. Junker) Vortr d, Bibl, Warhrug جـ 1) هامبورغ (Vortr d, Bibl, Warhrug جـ 1) هامبورغ 1923. أبو ريدة [ت. دي بور Tj. De. Boer] تعليق لابد من إكمال ما قاله كاتب القسم الثانى من هذا المقال، وهو المتعلق بمعنى كلمة "زمان"، من حيث هى اصطلاح فلسفى، ويتعين بطبيعة الحال أيضا أن نشير إلى ما أشار إليه الكاتب من نواح سواء فيما يتعلق بالكلمات التى صار بعضها مصطلحات فلسفية، أو بالمعانى الاصطلاحية التى أصبحت لبعض هذه الكلمات، وخصوصا أن من هذه الكلمات ما لم يوف حقه فى الأصول الأوربية لدائرة المعارف هذه، وأن المراجع التى كانت لدى كاتب المقال لم تكن فى حينها بالكافية. هذا إلى أنها تكاد تكون من نوع واحد يمثل تراثا فلسفيًا واحدًا، هو التراث الأفلاطونى أو التراث الأفلاطونى المحدث. والكلمات العربية التى لها صلة بكلمة زمان، من حيث الدلالة العامة، هى: دهر، أزل، أبد، خلد، سرمد، مدة، حين، وقت، آن. ومما تجب ملاحظته من أول الكلام فى الموضوع أن هذه الكلمات كانت

جارية على ألسنة العرب، مستقرة فى لغتهم، قبل ظهور الإسلام، وقبل بدء التفكير الفلسفى الإسلامى، وكانت لها مدلولاتها التى تحددت فيما بعد على أيدى المفكرين الإسلاميين من متكلمين وفلاسفة. بعد هذا تحسن الإشارة إلى أن معظم هذه الكلمات كانت تستعمل أسماء وأفعالا (أبّد، دهَر، مد، وامتد، حان، وقّت. . . إلخ، )، وأن بعضها له دلالة الفعل الإيجابى المتلف أو المهلك (فيقال مثلا: دهر فلانا أمر، بمعنى أصابه مكروه أو نزلت به نازلة؛ أو يقال: دهره الجزع، بمعنى غلبه أو أتلفه، ويقال: دهور الشئ جمعه وقذفه فى مهواة، ويقال: زَمِن الشخص زمنا، وزُمنة أو أصابته الزمانة (العاهة أو الضعف) فهو زَمِن وزمين؛ ويقال: حان حينه، أى قرب وقت هلاكه، والحين الهلاك والنهاية والموت، والحائنة النازلة. . . إلخ.) وفى كتب اللغة مادة غزيرة تتعلق بهذه الكلمات، وفيها تحديد لمعنى كل كلمة، لا من الناحية الاصطلاحية الفلسفية بطبيعة الحال، بل من ناحية الاستعمال اللغوى الدال على المفهومات التى توصل لها العرب. ولو نظرنا فى هذه المادة فى جملتها لوجدنا، بوجه عام، أن كلمة "الدهر" تطلق على الزمان المتطاول الذى لا تكاد تكون له نهاية: لا من أوله ولا من آخره؛ ومن ذلك عبارة "الدهر الداهر". أما كلمة "الأزل" فهى تطلق على الامتداد الزمانى الذى لا أول له فى الماضى، "والأبد" هو الدهر من حيث الامتداد خصوصًا فى المستقبل، ومن ذلك عبارة "أبد الآبدين" و"الأبد الأبيد"، والسرمد دوام الزمان خصوصًا فى المستقبل، وكل من "الزمان" و"المدة" و"الحين" و"الوقت" يطلق على المقدار المحدود من الدهر، قليلا كان هذا المقدار أو كثيرًا، مع أنواع من التمييز فى الاستعمال الدقيق، وهذه الكلمات الأخيرة كلها تستعمل مع الإشارة إلى شئ واقع معين، وكلمة "الآن" تطلق على الزمان أو الوقت الحاضر. كل هذا يتعلق بالمعنى اللغوى كما يوجد فى كتب اللغة، بحسب المأثور من استعمال الكلمات وبحسب الشواهد اللغوية القديمة التى سجلها علماء اللغة؛

أما ما ورد فى القرآن من هذه الألفاظ، فهى كلمات "دهر" بمعنى الدهر المهلك، وبمعنى الزمان المتطاول الذى ليس له حدود (¬1)، وكلمة "أبد" فى صيغة ظرف الزمان أو الوصف الدال على الامتداد الزمانى فى المستقبل، وكلمة "حين" بمعنى القسم من الدهر، وبمعنى الوقت والوقت المحدد، وفى صيغة ظرف الزمان (¬2)، وكلمة "الآن" لفعل المرتبط بها (¬3)، وكلمة "السرمد" بمعنى الدوام فى المستقبل (¬4)، وكلمة "الخلد" بالمعنى نفسه (¬5)، وكلمة "المدة" و"الأجل" بمعنى المدة المحددة أو نهايتها (¬6)، وكلمة "وقت" فى صيغ كثيرة ومع تمييزات دقيقة فى المعنى. وكلمات أخرى دالة على الزمان مثل اليوم والساعة والأمد، والفعل الدال على المدة أو الامتداد فى الزمان. وهذا كله مما يوجد فى القرآن يحتاج إلى دراسة قائمة بذاتها، وخصوصًا إذا انضم لذلك ما ورد فى الحديث الشريف من هذه الكلمات، فأما الكلمات التى قدر لها أن تغلب فى الاصطلاح الفلسفى من حيث الدلالة على الامتداد الزمانى أو على معنى هذا الامتداد بحسب التصورات المختلفة له، فهى كلمة: الدهر والزمان والمدة (عند البعض)، وهى موجودة في القرآن، عدا كلمة "زمان" فهى لا ترد فيه بأى صيغة من صيغها، أما كلمة الوقت فقد صارت اصطلاحا عند الصوفية. أما فيما يتعلق بكلمة الدهر فيجب الرجوع إلى معناها عند العرب قبل الإسلام. ولو نظرنا فى جملة النصوص المأثورة عن العرب الجاهليين لوجدنا أن فكرة الدهر كانت قديمة عندهم، وهى عند الشعراء مفهوم شعرى يستعينون به فى الدلالة على مجرى الحوادث ¬

_ (¬1) سورة (الجاثية)، آية 24؛ وسورة الانسان آية 1. (¬2) سورة الإنسان، آية 1، سورة (القصص)، آية 15؛ وسورة (البقرة) آية 36 وسورة (إبراهيم)، آية 25، وسورة (المائدة) آية 101؛ وسورة (هود) آية 5، وسورة (الواقعة)، آية 84. (¬3) سورة (البقرة) آية 71 سورة (النساء) آية 18؛ سورة (الحديد) آية 16. (¬4) سورة (القصص) آية 71، 72. (¬5) مثل سورة (يونس) آية 52. (¬6) سورة (التوبة) آية 4، وسورة الأعراف آية 24؛ وسورة (القصص) آية 28، 29.

الكونية وتصرف الأقدار. ولكن الكلمة لم تكن تدل على قوة شخصية، بل على قوة غير شخصية تتصرف فى الأشياء وفى الناس، وهى ليست قوة مقدسة ولا إلهية، بل تتصرف تصرفا غاشمًا من غير مراعاة قاعدة، وليس فى عملها حكمة، وقد استعمل الشعراء ألفاظًا أخرى للدلالة على المعنى نفسه مثل كلمات: الزمان، الليالى، الأيام، المنون، الحدثان، المنايا؛ ومن ذلك قولهم: قوارع الدهر، بنات الدهر، ريب الحوادث، ريب المنون. . . إلخ. ولا يمكن أن تخلو أذهان الشعراء، مهما كان اصطناعهم لهذا المفهوم الشعرى المساعد لهم فى التعبير، من فكرة كانت تلوح أمام أذهانهم، وهى فكرة القوة التى وراء القوانين التى تحكم الأشياء وتحكم حياة الإنسان، والتى لا يزال لها ظل فى الشعر العربى على قديم الأيام وحديثها. فالجاهليون كانوا ينسبون إلى الدهر ما يصيب الإنسان من نازلة أو مكروه، وكانوا أحيانا يمقتون هذا الدهر ويسبونه، ويظهر أن فكرة الدهر كانت، على نحو ما، تحل فى أذهان الجاهليين محل فكرة التدبير الإلهى عند المؤمنين باللَّه. ولذلك أراد النبى عليه السلام، فيما روى عنه من قوله: "لا تسبوا الدهر. فإن اللَّه هو الدهر" تصحيح تفكير العرب بأن بين لهم أن ما ينسب إلى الدهر يجب أن ينسب إلى اللَّه، لأن اللَّه هو فاعله، لا الدهر. ومهما يكن من شئ فإن الجاهليين كانوا يتصورون الدهر قوة مفنية. وعلى هذا المعنى نستطيع أن نفهم معنى كلمة: "دهر" فى سورة (الجاثية) آية 24: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْر}، وإذن فعند منكرى وجود اللَّه والحياة الآخرة (وهذا ما يفهم بالاستنباط من الآية) أن الدهر قوة مهلكة. والواقع أن "القول بالدهر" أصبح مع تطور النظر الفلسفى عند المفكرين الإسلاميين مساويًا للمذهب المادى، مع إنكار الخالق المدبر وإنكار الحياة الآخرة والقول بقِدَم العالم وقِدَم الأنواع الحيوانية على هذه الأرض، ولذلك نجد المتكلمين، من أول

الأمر، يردون على الدهرية، كما نجد أول تحديد لمعنى كلمة "دهرية" عند الجاحظ (¬1)، فهو يصفهم بأنهم هم الذين ينكرون الخالق ولا يؤمنون بالنبوات أو البعث أو الثواب والعقاب، ويردون الأشياء إلى فعل الأفلاك، ولا يعرفون خيرًا ولا شرًا سوى المنفعة واللذة. ومن ذلك الحين صار علماء الإسلام يذكرون الدهرية بين الفرق الضَّالة ويردون عليهم. وإلى جانب فكرة الدهر بمعنى المفهوم الشعرى وبمعنى النظرية الدهرية كان عند العرب مفهوم الدهر، من حيث هو الامتداد الزمانى الذى لا نهاية له، وهو المفهوم الذى ورد فى القرآن فى سورة (سورة الانسان، أو سورة الدهر) آية 1، وهى: {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا}، وإذا كان مفهوم الدهر هنا أنه الامتداد الزمانى غير المحدود، فإن الحين جزء من الدهر، وهذا الاستعمال القرآنى يوافق المعنى الذى كان معروفًا للمتكلمين، وهو فى نفس الوقت يؤيده ويضع الأساس للتطور التالى. وعند الكندى، أول فلاسفة الإسلام المتوفى حوالى سنة 250 هـ = 864 م نجد أول بيان واضح لفكرة الزمان (¬2)، فهو فى رسائله المعروفة لنا حتى الآن يعتبر أن الزمان "مدة تعدها الحركة، غير ثابتة الأجزاء"، وأن الوقت، كما هو عند المتكلمين أيضًا، "نهاية الزمان المفروض للعمل". على أن الكندى يعرف اختلاف الفلاسفة فى معنى الزمان وقول بعضهم إنه هو الحركة، وقول البعض الآخر إنه ليس هو الحركة، ويختار القول بأنه "عدد عاد للحركة" ويرى أن فكرة الزمان هى التى تساعد على إدراك السرعة والبطء فى الحركة، أما "الآن" فهو ما يصل الزمان الماضى بالزمان الآتى، وهو لما كان لا بقاء له فهو ليس زمانًا، ولكن إذا اعتبر الإنسان بعقله الانتقال من آن إلى آن أدرك معنى ¬

_ (¬1) كتاب الحيوان جـ 7، ص 5 - 6، القاهرة، 1324 هـ = 1906 م. (¬2) راجع رسائل الكندى الفلسفية ج 1، ص 113، 117، 119 - 120، 122، 152، 161، 169، 170، 196، 198، 204 - 205؛ طبعة القاهرة 1950 م، جـ 2، ص 32 - 34، طبعة القاهرة.

الزمان، وهو الاتصال والاستمرار فقط، وهو مرتبط بمعنى القَبْل والبَعْد، ويمكن أن يعد، رغم أنه متصل، لأنه كمّ متصل، ولما كان الآن "متوهما" غير قار الذات فإن الزمان لا وجود له فى ذاته. وإذا عرفنا أن الكِنْدى يقول بحدوث العالم عن علته من غير شئ سابق عليه، وذلك من حيث كونه جسما، ويقول بتناهى هذا الجسم فى الامتداد المكانى، بحيث لا يكون خارج العالم شئ حتى ولا الفراغ (الخلاء المطلق)، ويقول بالتالى بحدوث المكان الذى يعتبره متوقفا على المتمكن فيه وبحدوث الحركة والزمان الذى هو عددها، أدركنا، على نحو أوضح، أن الزمان لا يوجد مستقلا عن العالم وحركته وأنه حادث له بداية، ويقيم الكندى الأدلة النظرية المستندة خصوصا إلى التفكير الرياضى، على هذا كله، وأساس رأى الكندى فى تناهى الجسم والحركة والزمان من حيث أول وجودها هو أن الشئ الذى لا نهاية له بالفعل -وهذا ما ينشأ عن القول بعدم التناهى- هو الوجود المتحقق وأن الجسم والحركة والزمان مرتبطة فى الوجود ودوامه، فلا جسم يوجد إلا ووجوده حركة كون، وهو لا يتحرك بعد ذلك إلا فى زمان، ولا يستمر وجوده أيضا إلا فى زمان هو مدة وجوده، أى المدة التى يكون فيها "إنية". فالزمان عند الكندى هو المدة التى يكون الوجود فيها موجودًا، ولكن لما كان من الموجودات، ما هو ساكن، فإن مدة وجوده تقاس إما بحسب حركة من نوع ما -ولو حركة التغير (السيلان) والتبدل الدائم فى كل ما هو محسوس- أو بحسب مقدار حركة متحرك غيره، ولكن لما كان الكندى يصرح بأن المدة المفصولة، يعنى المنقسمة بتبدل من نوع ما، هى الزمان وبأن المدة هى "مدة الوجود"، فإننا نستطيع أن نميز عنده بين زمان هو مدة الوجود وزمان متصل بالحركة والتغير، وهو خاص بالمتغيرات. ولكن هذه المدة على كل حال ليست ذاتا ولا جوهرًا قائمًا بذاته، بل هى اعتبارية ترجع إلى استمرار وجود ما هو موجود. وعند الكندى أن هذا العالم حادث، وأن له "مدة مقسومة" قد يزول بانتهائها، وقد تمتد حسبما تقتضيه إرادة موجد العالم، ولكن مهما امتد

وجود العالم فهو سيكون وجودًا متناهيا، لأن له بداية من جهة، ولأن امتداد مدة وجوده لا يمكن أن يبلغ اللانهاية بالفعل من جهة أخرى وكل ما يمكن أن يقال هو أن وجود العالم وحركته يمكن أن يعتبر لا نهاية له بالقوة لا بالفعل. وإذا كان الزمان حادثًا، وكان هو زمان هذا العالم، فإن الخلق، أعنى وجود العالم، لم يكن فى الزمان. ولما كان اللَّه علة العالم فهو متقدم عليه بالذات لا بالزمان، لأنه لم يكن قبل العالم زمان، لأن الزمان للجرم المتحرك المتبدل. ويصرح الكندى بأن اللَّه ليس فى الزمان، فهل يمكن القول بأن وجود اللَّه له زمان أو مدة تليق بكماله؟ هذا ما لا نجده فى كتب الكندى التى وصلت إلينا. ومن هنا ندرك قوله إنه كانت قبل حدوث العالم ذات أزلية، هى الذات الإلهية طبعًا، كما ندرك تعريفه للأزل بأنه "الذى لم يكن ليس"، والذى لم يسبق وجوده شئ، ولا علة له. وإذن فالأزلية صفة الوجود القديم، ومعناها عدم المسبوقية بشئ أيا كان، ولا يمكن، بحسب هذا، وأن يكون اللَّه فى زمان ولا مدة ولا دهر، وإن كان وجوده دائما أزلًا أبدًا. على أنه يُذكر بين مؤلفات الكندى كتاب له فى "النسب الزمانية" وآخر فى "ماهية الزمان والحين والدهر"، ولكنهما غير معروفين لنا حتى الآن. أما الذى لا شك فيه فهو أن اللَّه عنده ليس فى الزمان، وأن هذا العالم وكل ما يعرض فيه حادث، وأنه لا يوجد مبدأ قديم سوى اللَّه تعالى. وكان المتكلمون فى عصر الكندى، وهم جميعا من المعتزلة، ويقولون بتناهى وحدوث كل شئ سوى اللَّه، وهم بطبيعة الحال، رفضوا قول أرسطو بقدم الزمان وتناولوا فكرة الامتداد الزمانى من ناحية أخرى، فنجد أبا الهذيل العلاف المتوفى سنة 235 هـ = 849 م يعرف "الوقت" بأنه "الفرق بين الأعمال"، ويقول إنه "يحدث مع كل وقت فعل"، ونجد الجبّائى المتوفى سنة 303 هـ = 915 م يقول "إن الوقت هو ما توقته للشئ فإذا قلت: آتيك قدوم زيد، فقد جعلت قدوم زيد وقتا لمجيئك"؛ ويقول الجبائى أيضًا: "إن الأوقات هى

حركات الفلك، لأن اللَّه عز وجل وقتها للأشياء"، هذا ما يحكيه الأشعرى من آراء الإسلاميين، وهو يذكر قول من قال: إن الوقت "عرض" وإنه لا تعرف ماهيته ولا يوقف على حقيقته، كما يذكر الأشعرى اختلاف المفكرين، بين مثبت ومنكر، فى: هل يكون وقت لشيئين أم لا؟ وهل يجوز وجود أشياء لا فى أوقات؟ ولا شك فى أن المقصود من الوقت هو الزمان، ومع أن الأشعرى يعرف آراء القدماء من الفلاسفة فإنه لا يحكيها، ولهذا دلالته (¬1). وبعد الكندى، فى النصف الثانى من القرن الثالث الهجرى = التاسع الميلادى، تجد أبا العباس الإيرانشهرى يقول (¬2) إن "الزمان" و"الدهر" و"المدة" أسماء لجوهر واحد قديم دائم الجريان لا قرار له، ولكن هذا المفكر يذكر للزمان معنى جديدًا محيرًا، وهو يقول إن الزمان "دليل علم اللَّه"، كما أن المكان دليل قدرته، والحركة دليل فعله، والجسم دليل قوته؛ وكل هذه الأشياء جواهر قديمة ولا نهاية لها، ولا تسمح قلة النصوص كما لا يسمح قصرها بتأويل لكلام الإيرانشهرى يمكن الثقة به، وإن كان من البين أن ثمة علاقة بين هذه الجواهر وبين الصفات الإلهية، من حيث إنها أثر لهذه الصفات والدليل الظاهر عليها (¬3). ولو نظرنا فى دليل الإيرانشهرى على أن المكان "مظهر قدرة اللَّه" (قدرت ظاهر خداى إست) وهو بما أن قدرة اللَّه تشمل مقدوراته، وأن هذه المقدورات أجسام مصورة لا يمكن أن توجد إلا فى مكان، فالمكان مظهر قدرة اللَّه، لتبين لنا أن الإيرانشهرى يرى فى المكان رأيا شبيهًا برأى نيوتن، هذا وإن كان هذا الرأى غريبا عن الإسلام، ويذكر ناصر ¬

_ (¬1) راجع آراء المعتزلة فى الوقت في مقالات الإسلاميين للأشعرى، ط إستانبول، ص 443. (¬2) زاد المسافرين لناصر خسرو، ط. برلين، ص 110، 98. (¬3) يذهب الدكتور ينيس فى كتابه "مذهب الذرة عند المسلمين"، القاهرة 1946، ص 57 - 58 إلى أن رأى الايرانشهرى حل لمشكلات الصفات الإلهية، ويربط بين ذلك وبين مذهب الصدور، ولكن هذا غير مؤكد لأن استعمال الايرانشهرى لكلمة "دليل" وكلمة ظاهر (فى قوله مثلا: أن المكان هو قدرة اللَّه الظاهرة) يشعر بأن المقصود هو الدلالة على الصفة لا الصفة نفسها وأن هذا الدليل ظاهر.

خسرو (¬1) المتوفى حوالى سنة 452 هـ = 1060 م رأى الإيرانشهرى مع شئ من التقريظ، ويقول إن محمد بن زكريا الرازى الطبيب المتوفى بين 311، 320 = 923 - 932، أخذ هذا الرأى وعبَّر عنه بعبارات إلحادية موحشة، ومهما يكن من شئ فإن الرازى يعتبر أن الزمان أحد المبادئ الخمسة القديمة، كما ذكر صاحب هذا المقال الذى نعلق عليه، غير أنه يميز بين شيئين: ما يسمى "الزمان المطلق" وما يسمى الزمان المحصور (¬2) والأول لشئ "متحرك غير لابث" وهو قديم ولا نهاية له، ودائم الجريان، ويسميه الرازى المدة، والدهر، والأبد، والسرمد؛ والثانى وهو يسمى أيضا "الزمان المضاف" أي النسبى المحدود وهو يمكن أن يحسب ويعد. وينقسم بحسب حركات الفلك وطلوع الشمس وغروبها وجريان الكواكب ومر الأيام ووقوع الحوادث، وهو يقابل على نحو ما، معنى الزمان عند أرسطو. ولا يريد الرازى أن يعتمد فى إثبات رأيه هذا فى الزمان، وفى المكان أيضا إلا على العقل السليم عند عامة الناس الذين لم يفسد اللجاج والجدل من بديهة نفوسهم، فهم يقولون: تشهد عقولنا بأن ثم فضاء يحيط بالعالم، وبأنه حتى لو لم يكن هناك فلك يدور لأدركنا أن ثم شيئًا لا يزال يجرى علينا وهو الزمان (¬3). وهنا ندرك تمامًا معنى ما يقوله البيرونى (¬4) عن الرازى من أنه "فرق بين الزمان وبين المدة بوقوع العدد على أحدهما دون الآخر، كما جعل الفلاسفة الزمان مدة لما له أول وآخر، والدهر مدة لما لا أول له ولا آخر" وهذا التمييز يرجع، كما أشار ذلك كاتب المقال الذى نعلق عليه، إلى التراث الأفلاطونى. وإذن فالمدة أو الدهر، بمعنى الامتداد الزمانى الذى لا نهاية له، هو عند ¬

_ (¬1) زاد المسافرين ص 98، 110. (¬2) ويقابل هذا التقسيم للزمان عند الرازى تمييزه فى المكان أيضا بين "مكان مطلق" أو "مكان كلى" هو امتداد صرف لا نهاية له ولا علاقة له بالعالم، وقد يكون خاليًا أو مملوءًا، وهو أيضًا أشبه بحقيقة طبيعية. وبين "مكان مضاف" أو "مكان جزئى" هو الذى يتعلق بالجسم المادى الذى يتمكن فيه، وهو أشبه بتعيين المكان المطلق بحسب ما يكون فيه. (¬3) راجع رسائل الرازى الفلسفية جـ 1، القاهرة 939، ص 304 وما بعدها. (¬4) تحقيق ما للهند، ط. لبيسك ص 163.

الرازى موجود حقيقة، وهو أشبه بجوهر. ويميز أبو سليمان السجستانى (نبغ فى النصف الثانى من القرن الرابع الهجرى)، بين الدهر والزمان، فالدهر فوق الزمان، وهو إشارة إلى امتداد وجود ذات من الذوات، ومنه "دهر مطلق"، وهو امتداد وجود الذوات الثابتة الموجودة وجودًا حقيقيًا مطلقًا من غير أن تقترن بمبدأ أو نهاية، و"ودهر بسيط" أو "دهر بالإضافة والشرط" وهو امتداد وجود الذوات الحادثة المتناهية التى لها ابتداء. أما الزمان فهو عند أبى سليمان "عدد الحركة" وفيه القبل والبعد، وهو ليس عنده مدة تعدها الحركة، وإلا أصبحت الحركة أشبه بمكيال للمعنى المفهوم من الدهر، ويرى أبو سليمان أن الزمان ألطف من المكان "كأن المكان من قبيل الحس والزمان من قبيل النفس" وأن الزمان الواحد يشمل أكثر من شئ واحد، بل يشمل أشياء لا نهاية لها، أما المكان الواحد فهو إن شغله شئ لم يتسع لغيره (¬1). ومن المعروف أن افلاطون يميز بين شيئين: الدهر أو السرمد (. . .) وهو شئ أزلى باق ثابت؛ والزمان الذى وجد على مثال السرمد مع وجود السماء. وإذن فله بداية، وهو متحرك، ويمكن أن تكون له نهاية (¬2)؛ كما نعرف أن أرسطو قال إن الزمان هو "مقدار الحركة بحسب المتقدم والمتأخر". ثم جاء أفلوطين (¬3) فبنى مذهبه على مذهب أفلاطين وميز بين زمان هو مدة بقاء العالم المادى المتغير وبين دهر هو مدة بقاء العالم العقلى الأبدى الأزلى الذى لا يعرض له تغير، ومعنى هذا أن الدهر كما عند برقلس مبدأ أعلى، فوق الزمان بل فوق النفس. ومن جهة أخرى يذكر البيرونى (¬4) عن الهنود أنهم يميزون بين "الزمان الكلى" و"الأزمنة الجزئية" والأول هو "المدة" أو "الدهر" وهو الامتداد الزمانى للَّه أو للنفس أو ¬

_ (¬1) راجع كتاب المقابسات للتوحيدى، طبعة القاهرة 1347 هـ = 1929 م، ص 154، 173، 278. (¬2) راجع محاورة طيماوس لأفلاطون، ص 37 و 38. (¬3) راجع كتاب مذهب الذرة عند المسلمين، تأليف الدكتور بينيس، ص 52 - 53. (¬4) تحقيق ما للهند ص 164، 177.

للجواهر البسيطة؛ وهو، خصوصًا بالنسبة للَّه، مقدار لا يقع عليه العد، لأن المعدود متناه، واللَّه فوق التناهى. أما الزمان السنين والأيام فهو الكائنات المحدودة المتناهية، وهو يقدر بالحركة والتغير. ولعل فى هذا ما يشير إلى أصول مذهب الإيرانشهرى والرازى فى الزمان من أحد معانيه، وخصوصا أن البيرونى يحكى لنا أن الإيرانشهرى كتب فى آراء الهنود. أما عند ابن سينا (¬1) فالزمان مدة هى كم متصل، لكنه شئ متجدد متقضّ غير قار، وهو يطابق الحركة، أعنى الحركة المستديرة الدائمة، وهى هيئة فى الجسم لا هى مقدار الجسم نفسه ولا المسافة التى يقطعها، وعليها يتوقف الزمان فى وجوده وفى إحساسنا به وتصورنا له، بحيث يكون عبارة عن مقدارها. والزمان والحركة عند ابن سينا حادثان حدوث إبداع بالذات لا بالزمان، وإلا كان قبل الزمان زمان، وأدى ذلك إلى التناقض. أما الآنات التى هى أطراف أقسام الزمان (الماضى والمستقبل) فهى أجزاء الزمان الوهمية، وأساس هذا كله تمييز ابن سينا بين القدم بالذات، وهو انتفاء البداية للقديم، والقدم بالزمان، وهو انتفاء البداية الزمانية، وبين الحدوث الإبداعى الذى هو عبارة عن حدوث شئ غير مسبوق بزمان، بفعل مبدأ يوجده، والحدوث الزمانى الذى هو عبارة عن حدوث الشئ مسبوقا بزمان لم يكن فيه موجودا. ويتحصل من هذا أن الزمان عند ابن سينا، شأنه شأن الحركة والمتحرك، قديم وإن كان مبدعا. ويميز ابن سينا بين ما يكون فى الزمان مثل أقسام الزمان وأطرافه والحركات والمتحركات الزمانية، وما يكون مع الزمان من غير أن يكون فى الزمان. ويظهر أن ابن سينا يقصد هنا الذات الإلهية وعالم العقول بحسب مذهب الصدور، وهو يقول إن الأشياء التى مع الزمان وخارجة عنه، إذا قوبلت مع الزمان واعتبرت به فكان لها ثبات مطابق لثبات الزمان وما فيه، سميت ¬

_ (¬1) راجع مثلا كتاب النجاة ص 186 - 192، 355 - 356 طبعة القاهرة 1331 هـ وتسع رسائل فى الحكمة والطبيعات طبعة استانبول، 1289 هـ، ص 11 - 12، 63.

هذه الإضافة دهرا، "فيكون الدهر هو المحيط بالزمان". ورأى ابن سينا لا يخرج عن رأى أرسطو مع شئ من التراث الأفلاطونى، وهو على كل حال رأى لا يخلو من تناقض، والمهم أنه يعرف الزمان بالتعريف الأرسططاليسى، وهو أنه "مقدرًا الحركة من جهة المتقدم والمتأخر" ويقول: إن الزمان علته الحركة المستديرة، وهذه حركة نفسانية إرادية، علتها النفس، يعنى النفس المحركة للفلك. أما الدهر فيعرفه بأنه "المعنى المعقول من إضافة الثبات إلى النفس فى الزمان كله"، والآن "طرف موهوم يشترك فيه الماضى والمستقبل من الزمان". وبمناسبة الكلام فى ذوات الأشياء الثابتة وغير الثابتة يقول ابن سينا إن الذوات الثابتة، إذا أخذت من جهة ثباتها، لم تكن فى الزمان بل مع الزمان، ثم يقول إن "نسبة ما مع الزمان وليس فى الزمان إلى الزمان هو الدهر، ونسبة ما ليس فى الزمان من جهة ما ليس فى الزمان، الأولى به أن يسمى السرمد". وينتهى ابن سينا إلى أن "الدهر" فى ذاته، من "السرمد" والدهر دهر بالقياس إلى الزمان. حتى إذا جاء ناصر خسرو الشاعر والعالم الفارسى، وهو الذى روى آراء الإيرانشهرى والرازى ونقض بعض آراء الرازى، وجدناه يذهب إلى أن الزمان ليس سوى "تغير أحوال الجسم"، هذا مع موافقة ناصر لأرسطو فى القول بأن الزمان عدد الحركة وأن علته النفس، ولا شك أن هذا بمعنى يوجد أساسه عند أرسطو فى قوله إن إدراك الزمان يتوقف على إدراك الحركة فى القبل والبعد، وعلى عدد هذه الحركة، ولكن ناصر خسرو يميز بين الزمان بهذا المعنى الأرسطى من أحد الوجوه، وبين "الدهر" الذى هو عنده عبارة عن مدة بقاء المعقولات المجردة التى لا تتغير والذى علّته العقل (¬1). ومن الطريف أن نذكر رأى شاعر حكيم ذى ثقافة فلسفية: هو أبو العلاء المعرى المتوفى سنة 449 هـ = 1057 م (¬2)، والدهر عنده كما عند ¬

_ (¬1) مذهب الذرة ص 54 - 50. (¬2) راجع رسالة الغفران، طبعة القاهرة، 1321 هـ، ص 137 - 138؛ واللزوميات جزء 1، ص 374 و 411 و 422 و 433 وجـ 2، ص 86 و 241 و 262 و 272، 377.

شعراء العرب، مفهوم شعرى بالمعنى الذى تقدم ذكره، وهو يهلك ويغتال ويتصرف من غير حكمة، بل هو لا يعقل ولا يشعر حتى لا يكون هناك معنى لذمه. غير أن أبا العلاء يستعمل الدهر مرادفا للزمان والمدة والوقت، والزمان والمكان عنده طرفان أو وعاءان مجردان لا لون لهما ولا حجم، وهما يشملان كل الأشياء المدركة. والزمان أوقات متتالية أو "أكوان" متشابهة، وهو يمر سريعا كالخيل التى لا تضبطها اللجم. أو كالطير، وهو يفنى، وتفنى بفنائه الأشياء والناس. لكن هذه الأوقات تؤلف الزمان المديد أو الدهر الطويل الذى لو طار جبريل بقية عمره ليخرج منه لما خرج. على أن أبا العلاء يعرف رأى من قال إن الزمان عبارة عن حركة الفلك، ويجد أن ذلك لا معنى له، ثم يذكر رأى سيبويه العالم اللغوى الذى نبغ فى النصف الثانى من القرن الثانى للهجرة، فى أن الزمان عبارة عن "مضى الليل والنهار"، ثم يعرف الزمان تعريفا يعتبره جديرا بأن تكون قد تنبهت إليه العقول، وإن كان يقول إنه لم يسمعه من أحد، وهو أن "الزمان شئ، أقل جزء منه يشتمل على جميع المدركات"، وهو فى ذلك ضد المكان، لأن أقل جزء من المكان لا يمكن أن يشتمل على شئ، والكون والزمان بهذا المعنى واحد، ويدل على ذلك قول أبى العلاء: وأيسر كونٍ تحته كل عالم ... ولا تدرك الأكوان جرد صلادم وإذا كان تعريف أبى العلاء للزمان تعريفا له من حيث الإضافة لغيره فيظهر أنه يعتبر أن حقيقة الزمان -أو المكان- فى ذاته شئ لا يدرك وسر من أسرار اللَّه. وقد يلاحظ الإنسان على كل حال فى رأى أبى العلاء فى الزمان شيئًا من رأى أبى سليمان السجستانى. أما أوفى بحث وأعمقه وأطرفه عن الزمان فهو الذى نجده عند أبى البركات البغدادى الفيلسوف الإسرائيلى الذى تحول إلى الإسلام فى كبره، وتوفى سنة 547 هـ = 1152 م (¬1)، وهذا الرأى نتيجة منطقية لتطور آراء الإسلاميين فى أمر الزمان. يستعرض أبو البركات ¬

_ (¬1) راجع كتابه المعتبر فى الحكمة، جـ 2، ص 69 - 80؛ جـ 3، ص 35 - 41. طبعة حيدر آباد، 1358 هـ.

الآراء فى الزمان، ويرفض منها قول من قال إنه الحركة، لأن كلا من الحركة والسكون يكون فى الزمان، ولأن الفرق بين الشئ ساكنا ومتحركا هو الفرق بين كونه فى مكان واحد زمانا معينا، وعدم كونه فيه، وقول من قال إنه مقدار الحركة بحسب المتقدم والمتأخر، لأن الزمان يتجدد على الساكن كما يتجدد على المتحرك، ولأنه يمكن أن تشترك حركات كثيرة من متحركات كثيرة فى جهات مختلفة مسافات مختلفة مع الاشتراك فى زمان واحد، ولأن معرفته أسبق فى الذهن من معرفة الحركة والسكون ومن الشعور بهما، ولأنه كما يمكن تقدير الحركة بالزمان يمكن تقدير الزمان بالحركة. هذا كله مع اعتراف أبى البركات أن للزمان تعلقا بالحركة فى الذهن والاعتبار. وينكر أبو البركات قول من قال بأن الشعور بالزمان مبنى على الشعور بالحركة، ويرى أن هذا يمكن أن ينعكس، بحيث يقال إن من لم يشعر بزمان لا يشعر بحركة، بل يذهب أبو البركات إلى شئ يشبه ما ذهب إليه برجسون من أن الشعور بالزمان عند الإنسان الواعى ظاهرة نفسية أو حدسية تدركها النفس "بذاتها ومع ذاتها ووجودها قبل كل شئ تشعر به وتلحظه بذهنها"، وهذا الشعور يكون موجودا عند الإنسان، حتى عندما يكون ساكنا وادعا لا يدرك شيئا بالحواس ولا يشعر بحركة متحرك، فهو فى هذه الحالة يشعر بمضى الزمان ويقدر له ما يليق به من الحركات ويحدس الأوقات بتقديره للزمان. ثم يستند أبو البركات إلى شعور النفس الإنسانية بالزمان، وهو الشعور الذى تدركه إدراكا ذهنيا عقليا، كما يستند إلى ارتباط الوجود بمدته بحيث لا يمكن تصور الوجود من غير مدة له، وينتهى إلى أن الزمان يعرف معرفة عقلية وأنه هو "مقدار الوجود". فالوجود هو الذى يقدره وهو الذى يفصله، ولا يرتفع الزمان إلا بارتفاع الوجود، فالزمان بحسب المعرفة البديهية مدة تقارن الوجود وتقابله مقابلة موضوعية -صدقا وكذبا وتساوقه ما دام موجودا- وتتقدر به ساكنا كان أو متحركا، محسوسا كان أو غير محسوس، من غير أن تتوقف على حركة المتحرك أو

سكون الساكن، لأن المعقول من الزمان، ما دام مرتبطا بالوجود فهو أسبق من كل معقول فى الذهن أو فى الواقع سوى معقول الوجود نفسه. ومن هذا الوجه لا يمكن أن يتصور العقل وجودا ليس له مدة ولا زمان، لا وجود خالق ولا وجود مخلوق وعلى هذا يكون الوجود كله فى الزمان. أما الذين قالوا إن وجود الخالق ليس فى الزمان فذلك فى نظر أبى البركات لأنهم اعتبروا أن الزمان مقدار الحركة. ولما كان الخالق لا يتحرك فهو عندهم ليس فى الزمان. على أنهم، قالوا إن وجود الخالق فى الدهر والسرمد، بمعنى البقاء الدائم الذى ليس معه حركة، فهم قد غيروا لفظ الزمان من غير تغيير فى المعنى، ومن البين أن الزمان فى رأى هذا الفيلسوف شئ واحد ثابت هو الدهر أو الدوام أو السرمد وشئ تتبدل فيه وبالنسبة إليه أحوال المتحركات وهو الزمان، لأن الزمان مدة الوجود، وهو مع ذلك ليس له عند أبى البركات "وجود مجرد وهوية قائمة بنفسها"، وهو أيضا ليس عرضا قارا فى الوجود، بل هو اعتبار ذهنى لما هو الأدوم وجودا إلى ما هو أقل دواما فى الوجود، ولما كان الزمان مدة الوجود بالمعنى المطلق فإنه كان موجودا قبل وجود هذا العالم الحادث، والقول بحدوث الزمان معناه فى رأى أبى البركات القول بحدوث الوجود. أما كيف يتصور أبو البركات هذا الزمان فهو عنده ليس جوهرا محسوسا ولا جوهرا قارا فى الوجود بل هو كم، لكنه ليس كما متصلا فى الوجود، لأن ما مضى منه قد انعدم وما سيأتى لم يوجد بعد، وهو وإن لم يكن متصلا فإن الوجود يفصله فصلا بعد فصل إلى ماض ومستقبل، وهو أيضا ليس كما منفصلا بل يعلو بعضه بعضا على الاتصال الذى لا وقفة فيه، فهو متصل فى ماهيته منفصل فى وجوده؛ وهو ليس كالحركة، لأن الحركة تختلف فى السرعة والبطء والمسافات والجهات، على حين أن الزمان ثابت، بل هو واحد لا اختلاف فيه إلا بالنسب والإضافات إلى ما فيه. والزمان يلقى الوجود ويدخل فيه من طريق جزء غير متعين، بل مفروض

اعتبارا، هو الآن السيّال الذى يشبه فى حركته خطا تخطه رأس إبرة دقيقة، فالخط نقطة متحركة، ولكن كل موضع فيه نقطة متوهمة، "واستمرار الزمان على الوجود كاستمرار خيط تجره على حد سيف بالعرض. . فكله يلقى حد السيف لكن لا يلقى منه إلا حدا بعد حد ونقطة بعد نقطة، ولا يقر على نقطة بل يتصل فى اجتيازه" ويمكن القول إن حد السيف لم يلق الخيط فى وقت من أوقات حركته، لأنه لم يلق إلا نقطة لأطول لها وليست خطا، ولكن أجزاء الخيط كله باستمرار سير الخيط تلقى السيف، لا شك فى ذلك؛ والسيف عند ذلك يقسم الخط دائما إلى سابق ولاحق، فالالتقاء بين الزمان والوجود التقاء غير مستقر. وليس الزمان آنات متتالية، بل هو أشبه بآن منجر على الاتصال، نتصور فيه النقط الزمانية افتراضا، ونتصور الزمان المتجدد المنقضى افتراضا أيضا. ولا شك أن بعض هذا تمثيل وخيال؛ أما الصحيح فهو أن الامتداد عبارة عن بقاء الوجود الباقى عند من يتعقل معنى الوجود وبقاءه، والوجود الباقى يدركه العاقل، أزليا كان هذا العاقل أو فانيا، أما افتراض أمر وجودى منفصل عن الوجود يجتاز على الوجود فهو يؤدى إلى افتراض وجود له يجتاز عليه أمر وجودى آخر. وهذا يؤدى إلى تسلسل لا يمكن التخلص منه إلا إذا أدركنا أن البقاء شأن جوهرى للوجود الحق نميزه فى الاعتبار الذهنى، أما فى الحقيقة فإن بقاء الوجود هو عين الوجود. وإذا كان الأمر كذلك لم يكن الوجود الحق فى زمان هو ظرف له، ولم يكن هناك شئ يجتاز عليه، ومن هذا الوجه لا يكون اللَّه فى الزمان، بل هو الموجود الواجب الباقى. ويرى الفخر الرازى المتوفى سنة 606 هـ = 1209 م، أن الزمان على معنيين، أحدهما أمر موجود خارج الذهن يطابق الحركة فى كونها بين مبدأ ونهاية، وثانيهما أمر متوهم لا وجود له فى الخارج، والموجود فى الخارج هو "الآن" الذى يفعل بسيلانه وجريانه أمرا ممتدا وهميا هو مقدار الحركة (¬1). ¬

_ (¬1) راجع كشاف اصطلاحات الفنون، مادة زمان، وشرح المواقف ص 213 وما بعدها.

وبعد هذا التطور تحددت المفهومات على نحو ثابت، ونجد خلاصة آراء المتقدمين وثمرة التطور السابق كله محددة فى كتب التعريفات عند المتأخرين كالجرجانى فى تعريفاته، والتهانوى فى الكشاف: فالدهر هو الآن الدائم الذى هو امتداد الحضرة الإلهية، وهو باطن الزمان وبه يتحدد، الأزل والأبد، والأزل استمرار الوجود فى أزمنة مقدرة غير متناهية فى جانب الماضى، كما أن الأبد استمرار الوجود فى أزمنة مقدرة غير متناهية فى جانب المستقبل؛ والأزلى ما لا يكون مسبوقا بالغير أو بالعدم؛ والسرمد ما لا أول له ولا آخر، ونسبة المتغير إلى المتغير بالمعية أو القبلية أو البعدية تعطينا معنى الزمان وتحتم وجوده من كلا جانبيه؛ ونسبة المتغير إلى الثابت تعطينا معنى الدهر للثابت والزمان للمتغير، وتحتم وجود الزمان من أحد جانبيه، ونسبه الثابت إلى الثابت من حيث وجودهما معا تعطينا معنى السرمد ولا تحتم وجود زمان لهما، وعلى هذا يكون الزمان للمتغير دون الثابت؛ والمتغير الذى يوجد دفعة واحدة إنما يوجد فى آن هو طرف الزمان، فلا يوجد إلا فى زمان؛ أما الأمور الثابتة التى لا تتغير تغيرا تدريجيا ولا دفعيا فهى مع الزمان ولكنها فى حد ذاتها مستغنية عنه. والمتأخرون يرفضون رأى أبى البركات فى الزمان، لا لأنه "مدة الوجود"، بل لأنه رأى أن وجود اللَّه تعالى فى الزمان. ولا خلاف بين الفلاسفة ولا بين المتكلمين فى أن اللَّه لا يجرى عليه زمان وإن كان وجوده قد يكون مع الزمان، لأن الأشياء الموجودة فى الزمان قد تكون موجودة مع وجود اللَّه، ولكن بين وجودها ووجوده تعالى فرق حاسم. أما غير ذلك مما يتعلق بالزمان من نحو رأى أفلاطون أو الآراء التى ترجع إلى مذهبه، كالقول بأن الزمان جوهر مجرد عن المادة، أو أنه الفلك الأعظم، فكل ذلك لا يذكر عند الإسلاميين إلا كما يذكر الشئ التاريخى. أما رأى المتكلمين فى معنى الزمان فقد رأينا شيئا منه عند المعتزلة، ومنه يتبين أنه ليس عندهم ذاتا ولا شيئا حقيقيا، بل هو اعتبارى بالنسبة

للأعمال أو الأشياء. ولما كان المتكلمون جميعا يقولون بحدوث العالم -وهو عندهم كل ما سوى اللَّه- فهم جميعا يقولون بحدوث الزمان وتتاهيه من أوله تبعا لحدوث العالم، وعلى هذا الأساس أقاموا الدليل على وجود الخالق، واختلفوا فى ضرورة تناهى العالم وفنائه، فمنهم، مثل جهم بن صفوان، من قال بوجوب فنائه آخر الأمر ليبقى اللَّه وحده بعد فناء العالم، كما كان وحده قبل خلقه له؛ ومنهم، مثل أبى الهذيل العلاف، من قال بضرورة انتهاء حركة العالم إلى سكون دائم؛ ومنهم، مثل الإسكافى والنظام والكندى الفيلسوف والغزالى من جوز بقاء العالم والحركة والزمان بقاء مستمرا، لكن ما دام ذلك البقاء والاستمرار سيدخل فى دائرة الفعل فهو بالضرورة متناه، وإن كان من حيث القوة والإمكان يمكن أن يعتبر لا نهاية له (¬1). والمتكلمون بالجملة، تمشيا مع تصورهم الذرى للكون، ينكرون الكم المجرد سواء كان عددا (وهو الكم المنفصل) أو مقدرا أعنى امتدادا مكانيا (هو الكم المتصل غير القارّ الذى يعرض فى الجسم أو يكون فيه)، وهم قد انكروا الزمان أيضا (أى الكم المتصل غير القارّ) ولم يعتبروه موجودا حقيقيا بل أمرا عرضيا اعتباريًا موهوما؛ فالماضى قد انقضى ولا وجود له، والمستقبل لم يات بعد، فلا يبقى إلا الحاضر، فلو قيل بوجود زمان حاضر -هو الآن- لكان جزءًا لا يتجزأ مستقلا بذاته، وهذا ما لا يقول به الفلاسفة فضلا عن المتكلمين، ولو كان الزمان شيئا موجودًا -مع القول بأنه كم متصل غير قار- لتقدم بعض أجزائه على بعض، وهذا التقدم لا يكون إلا بالزمان، وهذا يؤدى إلى التسلسل. والأشاعرة يرون أن الزمان "متجدد معلوم يقدر به متجدد مبهم إزالة لإبهامه، وقد يتعاكس التقدير بين المتجددات، فيقدر تارة هذا بذاك وأخرى ذاك بهذا، وإنما يتعاكس بحسب ما هو متصور ومعلوم للمخاطب، فإذا قيل مثلا: متى جاء زيد؟ يقال: عند طلوع الشمس، إن كان المخاطب الذى هو السائل مستحضرا لطلوع الشمس ولم يكن مستحضرا لمجئ زيد كما دل عليه ¬

_ (¬1) راجع كتاب الانتصار للخياط ص 9 - 13، طبعة القاهرة 1344 هـ = 1925 م، وكتاب التهافت للغزالى طبعة بيروت، ص 80.

سؤاله، ثم إذا قال غيره: متى طلع الشمس؟ يقال: حين جاء زيد، لمن كان مستحضرًا لمجئ زيد دون طلوعها الذى سأل عنه، ولذلك. . اختلف الزمان بالنسبة إلى الأقوام، فيقدر كل واحد منهم المبهم بما هو معلوم عنده" (¬1). ومن البين أن الأشاعرة -والمقصود هم الأشاعرة الأولون- لم يخرجوا عن تصور المعتزلة الأولين. ومن هذا القبيل رأى الطبرى محمد بن جرير المؤرخ المفسر المتكلم المتوفى سنة 311 هـ = 922 م، فهو يقدم لكتابه الكبير فى التاريخ بمقدمة عن الزمان فيقول إنه مخلوق، ويتناول بالبحث ماهيته وكميته، ويبحث مشكلة: هل كان قبل خلق اللَّه للزمان شئ؟ وهل الزمان فان؟ وهل بعد فنائه شئ غير اللَّه؟ وكيف كان ابتداء خلق اللَّه للزمان؟ وكيف يكون فناؤه .. إلخ. ولا يتسع المقام لذكر رأى الطبرى فى هذا كله، فلنكتف بذكر تعريفه له بأنه "ساعات الليل والنهار" وأن هذه مقادير من جرى الشمس والقمر فى الفلك، وأنه يطلق على الطويل من المدة والقصير ويستعمل ظرفًا، كما يقال: جئتك زمان الصرام. أو أزمان الحجاج، وأن الزمان حادث تبعًا لحدوث الشمس والقمر وحركتهما وحدوث الليل والنهار عنهما، وله بداية، أما ما جاء فى القرآن أو غيره من الكتب المقدسة من ذكر "أيام" قبل وجود الشمس والقمر فذلك عند الطبرى مجاز. وإذا أردنا مفكرًا إسلاميًا من المغرب الإسلامى وجدنا ابن حزم القرطبى المتوفى 456 هـ = 1062 م يتمسك بمعنى الزمان، كما يتمسك بمعنى المكان، المعهود المعروف عند العقلاء، ويعرفه بأنه "مدة وجود الجرم متحركا أو ساكنًا" أو "مدة وجود العرض فى الجسم"، أو بعبارة أعم "مدة وجود الفلك وما فيه من الحوامل والمحمولات". ويستعمل ابن حزم كلمة زمان مرادفة لكلمة "مدة" و"أمد" و"بقاء". أما ما يسمى "بالزمان المطلق" (الدهر) أو "المكان المطلق" (الخلاء، من حيث إن كلا منهما "معنى ثابت قائم ¬

_ (¬1) شرح المواقف، للجرجانى، طبعة إستانبول، 1286 هـ، ص 219؛ والمحصل للرازى، طبعة القاهرة 1322 هـ، ص 61 - 63.

بنفسه موجود" ومستقل عن مدة وجود الأشياء المادية أو عن مكانها -وهذا عند ابن حزم هو مذهب المجوس ومذهب محمد بن زكريا الرازى الطبيب- فذلك عند ابن حزم شئ ليس عليه دليل ولا شبه دليل، وهو من قبيل الوساوس التى يستطيع أن يدعيها كل من لا يبالى ما يقول. ولا يتسع المقام لذكر أدلة ابن حزم على فسادها، ومهما يكن من شئ فالزمان عند ابن حزم حادث تبعا لحدوث ما هو مدة له (¬1). وفى حدود هذه الفكرة العامة عن الزمان عند المتكلمين، أعنى إنكارهم حقيقة الزمان وجوهريته وقدمه تنوعت آراؤهم وتحددت وازدادت عمقا. وأول فكرة تستحق التسجيل هى فكرة الغزالى. يرى الغزالى (¬2) أن الزمان حادث بحدوث العالم، وأن له، تبعًا لذلك، بداية، وأن تقدم اللَّه على العالم وعلى الزمان معناه أنه كان وحده قبل خلقه إياهما، وكلمة: كان، من قولنا: "كان اللَّه، ولم يكن معه عالم" ومن قولنا: بعد وجود العالم: "كان اللَّه ومعه العالم". وكذلك كلمة يكون من قولنا، بعد زوال العالم: "يكون اللَّه، ولا عالم معه"، كل هذه الكلمات لا تدل على وجود فى الزمان، بل على وجود اللَّه وحده، أو وجوده مع غيره، أما ما نتخيله من وجود معنى ثالث، هو الزمان، فهو فى رأى الغزالى من خطأ الوهم، وهو "نسبة لازمة بالإضافة إلينا"، والوهم لا يستطيع أن يتخيل وجودًا مبتدأ إلا ويتخيل شيئا قبله، هو الزمان، ولا يصح الاحتجاج فى إثباته بالاستناد إلى عجز الوهم. وكما أن العالم محدود متناه فى المكان، بحيث لا يوجد خارج العالم شئ، لا خلاء ولا ملاء، فكذلك لا يوجد قبل العالم ولا بعده زمان، وإذا كان قيام الدليل على تناهى العالم فى الامتداد وفى المكان يمنع من تصور امتداد خارج العالم، فكذلك قيام الدليل على تناهى الحركة من أولها ومن آخرها، وهو ما يثبته الغزالى، يمنع من القول بامتداد زمانى قبل خلق العالم، وان كان الوهم لا ¬

_ (¬1) راجع كتاب الفصل القاهرة 1347 هـ جـ 1، ص 27 فما بعدها. (¬2) المسألة الأولى من كتاب التهافت.

يرجع عن خطئه، ودليل الغزالى فى ذاته شيئا حقيقيًا يقوم على فكرة التوازى والتشابه بين المكان والحركة والزمان. وقد أراد بعض الباحثين أن يتخذ من رأى الغزالى فى الزمان دليلا على أنه يرى أن فكرة الزمان شئ ذهنى وذاتى محض، وأنها "نسبة محضة" ويعارضهم باحثون آخرون، والحقيقة أن فى رأى الغزالى قسطًا من المذهب الذاتى فيما يتعلق بالزمان بحيث لا يصح إنكاره (¬1). وما دام كاتب المقال الذى نعلق عليه قد أشار إلى الوقت عند الصوفية إشارة موجزة لا يكاد القارئ يفهم منها شيئا، فلنضف إلى كلامه أن الصوفية قد يستعملون كلمة الوقت فى معنى الزمان استعمالا لا يخرج عما نعرفه عند المتكلمين، معتزلة وأشاعرة، فيعرفونه بأنه "حادث متوهم علق حصوله على حادث متحقق، فالحادث لتحقق وقت للحادث المتوهم؛ يقول: آتيك رأس الشهر، فالإتيان متوهم، ورأس الشهر حادث متحقق؛ فرأس الشهر وقت الاتيان". ولكن الصوفية يستعملون كلمة الوقت استعمالا اصطلاحيًا، فيعتبرونه الحال التى يكون الإنسان فيها، ويقصدون من ذلك إقامة اللَّه للعبد فى حال من أحواله. ويرتبط هذا المعنى عندهم بآداب السلوك وترك التدبير للَّه، والوقت بهذا المعنى "حال" فردى، فلكل إنسان وقت، وفى هذا الوقت يحدث اللَّه ما يشاء، ويجب على الإنسان أن يراعى الأدب مع اللَّه، فيوفى كل وقت حقه ولا يترقب وقتًا يكون فيه فارغًا من الوقت الذى هو فيه، لأن ترقبه لذلك يمنعه من القيام بحقوق وقته، بل هو إذا ورد عليه خاطر يشغله عن حكم وقته استوحش منه. ومن هنا ندرك معنى قول ابن عطاء اللَّه فى حكمه: "ما ترك من الجهل شيئًا من أراد أن يحدث فى الوقت غير ما أظهره اللَّه فيه وقوله: "ما من نفس تبديه إلا وله (للَّه) قدر فيك يمضيه"، وقول ابن عباد الرندى فى شرحه على هذه العبارة الأخيرة: "الأنفاس أزمنة دقيقة تتعاقب على العبد ما دام حيا، فكل نفس يبدو منه ظرف لقدر من أقدار الحق تعالى ينفذ فيه". ويقسم أبو العباس المرسى أوقات العبد أربعة أقسام: وقت ¬

_ (¬1) راجع كتاب Ridah Al-Ghazali und seine Widerleguug der griechischen Philosiphie: Abou مدريد، 1952، ص 108 وما بعدها.

الزمخشرى

الطاعة، وهو يقتضى من العبد أن يشهد فضل اللَّه عليه فى التوفيق؛ ووقت المعصية وهو يقتضى من العبد الاستغفار والندم؛ ووقت النعمة، وهو يقتضى منه الشكر؛ ووقت البلية، وهو يقتضى الصبر والرضا. وإذا قال الصوفية إن الصوفى ابن وقته أرادوا أنه فى حكم هذا الوقت، مشتغل بما هو أولى به فيه، وإذا قالوا: الصوفى فى حكم وقته، أرادوا أنه تارك نفسه لما يختاره اللَّه له. وأساس ذلك كله فيما يظهر حديث ينسب للنبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-]: "لى مع اللَّه وقت لا يستغنى فيه ملك مقرب ولا نبى مرسل". وإذن فعلى حين كان الفلاسفة والمتكلمون يبحثون فى الزمان، فى كونه جوهرًا أو غير جوهر، أو كونه متناهيًا أو غير متناه، كان الصوفية، فى سلوكهم إلى اللَّه وموقفهم منه، يعنون بما يجب عليهم فى كل لحظة من لحظات تدبير اللَّه لنفوسهم (¬1). محمد عبد الهادى أبو ريدة الزمخشرى أبو القاسم محمود بن عمر: عالم عربى فارسى المولد، ومتكلم وفقيه لغوى، ولد فى خوارزم فى السابع والعشرين من رجب عام 467 (8 مارس 1075) ووفد على مكة فى أسفاره طلبا للعلم، وأقام فيها ردحا من الزمن حيث حضر على ابن وهاس، ومن ثم لقبه جار اللَّه ومع ذلك فلاشك فى أنه اشتهر فى الأدب قبل ذلك. ولما مر ببغداد فى طريقه إلى الحج رحب به الفقيه العلوى هبة اللَّه بن الشجرى. وكان الزمخشرى متكلما يؤمن بتعاليم المعتزلة. وكان أيضا فقيها لغويا يفضل العربية تفضيلا على الرغم من أصله الفارسى، ولا يستخدم لغته الأولى إلا فى تعليم المبتدئين. وتوفى فى خوارزم يوم عرفات سنة 538 (14 يونية 1144) ,, وظل قبره قائما فيها إلى أيام ابن بطوطة، وقد استطاع هذا الرحالة أن يشاهده هناك (الرحلة، طبعة باريس، جـ 3، ص 6). وأعظم مؤلفاته شأنا هو تفسيره للقرآن المعروف بالكشاف عن حقائق ¬

_ (¬1) راجع فى معنى الوقت عند الصوفية الرسالة القشيرية، طبعة القاهرة 1346 هـ، ص 31؛ وشرح ابن عباد الرندى على كتاب الحكم العطائية لابن عطاء اللَّه، طبعة القاهرة 1287 هـ، ص 24، 26، 28، 29.

التنزيل الذى أتمه سنة 528 هـ (1134 م)، وقد أقبل على قراءته أهل السنة على الرغم من تحيزه للمعتزلة، وشاهد ذلك أنه يقول بخلق القرآن فى مطلع هذا التفسير. وهو يهتم اهتماما خاصا بتفسير العقيدة تفسيرا فلسفيًا، ولا يحفل بالتقليد إلا احتفالا ضئيلا، ولا يقتصر على الشرح النحوى فحسب بل يعنى أيضا عناية كبيرة بإبراز مواطن البلاغة، فأثبت بذلك أنه يؤيد القول بإعجاز القرآن. وقد التفت الزمخشرى التفاتا خاصا إلى الناحية اللغوية من تفسيره، وهو يسهب فى الاستشهاد بالقراءات ويعزز شروحه بأبيات كثيرة من شعر القدماء. وظل تفسير الزمخشرى محتفظا بمكانته بين آثار الكتاب حتى جاء البيضاوى فكتب تفسيره ليكون نظيرا لتفسير الزمخشرى عند أهل السنة، وحاول فيه أن يبز الزمخشرى فى دقة عرضه للشروح النحوية وفى استشهاده بالقراءات المختلفة. وكان رأى الزمخشرى فى العقائد يعارض المالكية فى المغرب، بيد أن ابن خلدون يفضله كثيرًا على سائر المفسرين. ومع ذلك فليس بعجيب أن نرى مخطوطات تفسيره أندر فى المغرب منها فى المشرق. وقد أصدر نساو ليس W. Nassau Lees والمولويان خادم حسين وعبد الحى (كلكتة 1856 م فى مجلدين) أول طبعة لتفسير الزمخشرى وتلتها طبعة بولاق 1291 هـ، وطبعات القاهرة 1307، 1308، 1318 هـ. ونضيف إلى الحواشى الخمس عشرة التى ذكرها بروكلمان (Brockelmann: Gesch. d. Arab. Lit جـ 1، ص 209) والتى طبع منها حاشية على الجرجانى المتوفى عام 816 هـ (1413 م) على هامش طبعتى القاهرة سنة 1308 م وسنة 1318 هـ (ونصرف النظر فى هذا المقام عما جاء فى فهارس مكتبة استانبول من أقوال غير محققة) الحواشى التى كتبها محمد الدوّانى المتوفى عام 907 هـ الموافق 1501 م (موجودة فى الإسكوريال انظر Les Mss. ar. L'Escurial: Levi-Provencal، جـ 3، رقم 1383) على مقدمة محمد الفيروز آبادى (المتوفى عام 817 هـ = 1414 م) المعروفة باسم "نغبة الكشاف من خطبة الكشاف" وحواشى

الحواشى التى كتبها الخيالى المتوفى عام 863 هـ (1458 م) على حواشى الجاربردى (مخطوطات الإسكوريال، رقم 4) وهى موجودة فى كمبردج (Suppl. Handlist: Browne رقم 1037). أما بخصوص شواهد الآيات، فلدينا الآن علاوة على محب الدين بن تقى الدين المفتى الحموى المتوفى عام 1016 هـ (1608 م) كتاب الدمشقى "تنزيل الآيات " الذى ألفه عام 1011 هـ (1602 م)، بولاق 1281 هـ، القاهرة 1307، 1308 على هامش الكشاف المطبوع عام 1318، وكتاب آخر يتناول فى الوقت نفسه البيضاوى كتبه خضر ابن عطاء اللَّه بعنوان "الإسعاف فى شرح شواهد القاضى والكشاف" عام 974 هـ (1566 م)، وهو موجود ضمن مخطوطات إدنبره (رقم 2 - 3). ونضيف إلى مختصرات الكشاف التى ذكرها بروكلمان (Brockelmann Gasch.d. Arab. Lit): " تجريد الكشاف مع زيادة نكت لطاف" لجمال الدين على ابن محمد بن أبى القاسم بن الهادى إلى الحق بن رسول اللَّه الزيدى الذى كتبه عام 975 هـ (1393 م) فى صنعاء، وهو موجود فى المتحف البريطانى، فهرس المخطوطات الشرقية رقم 5752 (انظر Descriptive List رقم 4) وفى أمبروزيانا (Criffini) رقم 304، 104 و"الجوهر الشفاف الملتقط من مغاصة الكشاف" لعبد اللَّه بن الهادى بن يحيى بن حمزة بن رسول اللَّه الذى كتبه حوالى عام 810 هـ (1407) وهو موجود فى أمبروزيانا، رقم 47، 48، 99 (Rivista degli Studi Orientall، جـ 4، ص 105) و"خلاصة الكشاف" لأبى الطيب بن صديق القنوجى نائب بهوبال المتوفى عام 1307 هـ (1890 م)، لكنهؤ 1289 هـ. وثمة مختصر آخر يعارض "كتاب الانتصاف من الكشاف" لأحمد ابن محمد المنير المالكى المتوفى عام 683 هـ (1284) , المطبوع فى القاهرة 1307، 1308 هـ، على هامش الكشاف، والذى يحمل فيه أحمد على الكشاف، وهذا المختصر هو "الإنصاف" لعبد الكريم بن على العراقى الأنصارى، وهو موجود فى الإسكوريال (انظر فهرس ليفى يروفنسال) رقم 1278، وفى استانبول، وفى مكتبة سليم أغا، رقم 34.

وللزمخشرى مؤلف آخر هو "كتاب الكشف فى القراءات" لم يذكر فيما أعلم فى غير هذا الموضع، وقد جاء فى مجلة المجتمع العلمى بدمشق (جـ 8، ص 758) أنه موجود فى مكتبة رباط سيدنا عثمان فى المدينة. أما عن كتبه فى النحو، فإن المفصل الذى ألف عام 513 - 515 هـ (1119 - 1121 م) قد اشتهر بأنه على إيجازه مسهب واضح. وقد نشره (بروخ J.B.Broch كرستيانيا 1859، 1879)، ونشره مع حواش وذيول مولوى محمد يعقوب راسبورى، دهلى 1891، وحمزة فتح اللَّه، الإسكندرية 1291، القاهرة 1323، ونشره مع شرح الشواهد محمد بدر الدين أبو فراس النعسانى الحلبى. ونضيف إلى الشروح التى ذكرها بروكلمان فى كتابه المعروف (جـ 1، ص 291) وأشهرها شرح ابن يعيش المتوفى 643 هـ (1245 م) الذى نشره يان (G.Yahn لييسك 1882، فى مجلدين): (1) "المحصل" لأبى البقاء عبد اللَّه ابن أبى عبد اللَّه حسين العكبرى المتوفى عام 616 هـ (1219 م)، الفهرست، الطبعة الثانية، القاهرة، جـ 2، ص 157. (2) "المفضّل" لعبد الواحد بن على الأنصارى، وهو موجود فى الإسكوريال (Derenbrurg، رقم 16). (3) "المحصل" لمحمد بن سعد المرزوى (حاجى خليفة، جـ 6، ص 38، 43) بريل هوتسما، رقم 134. (4) "ذكر معانى أبنية الأسماء الموجودة فى المفصل" لابن مالك المتوفى عام 673 هـ (1273 م) وهو موجود فى دمشق، الزيات: خزائن الكتب، ص 64، 55. (5) شرح الآيات لفخر الدين الخوارزمى (الزيات: خزائن الكتب، ص 86، س 34). (6) شرحا لمحمد بن محمد فخر الفرسخان (المتحف البريطانى، فهرس المخطوطات الشرقية رقم 7472؛ Descriptive List، رقم 50). (7) "المؤول فى شرح المفصل" لمحمد عبد الغنى، كلكتة 1322 هـ (1904 م).

(8) شرحا لعبد اللَّه العمادى، لكنهؤ 1323 هـ. (9) شرحا لأبى القاسم أحمد الأندلسى، استانبول، مكتبة سليم أغا، رقم 1157. وقد كتب أحمد بن بهرام ابن محمود سنة 670 هـ (1271) كتابا قلد فيه المفصل وسماه بالاسم نفسه، وهذا الكتاب مخطوط فى المتحف البريطانى (انظر Oriental Studies prsented to E. G. Browne ص 148، رقم 826). وللزمخشرى رسالة فى النحو اسمها "المفرد والمؤلف فى النحو" لم تنل حظا كبيرا من الرواج والانتشار، ولم نعرف بها إلا من مخطوطى استانبول (كويريللى، 1393) ولا له على (رقم 3740؛ انظر Rescher في Metteilungen des Sem. fur oriental. Sprachen Westasiat Studien، جـ 14، ص 31)، وله علاوة على ذلك كتيب اسمه "الأنموذج" أصاب شهرة عظيمة (انظر grmmatical Anthologie: de Sacy ص 99 ما بعدها؛ A. Fischer فى Centenario d.nasc. di M. Amari، جـ 1، ص 357 - 393؛ وقد نسخه بخطه بروخ Broch، كريستيانيا 1867 وطبع فى طهران (؟ ) 1269 هـ، وتبريز (؟ ) 1275 هـ والقاهرة 1289 هـ، واستانبول 1299 هـ (ملحقا بالميدانى: نزهة الصرف) وفى "جامع المقدمات، طهران 884 م). ومن أشهر شروح هذا الكتيب شروح محمد بن عبد الغني الأردبيلى الذى لا نعرف تاريخ وفاته (ونحن نجزم بأنها لم تحدث سنة 647 كما جاء فى الفهرست، القاهرة، الطبعة الثانية، جـ 2، ص 123، ذلك أنه ليس ثمة مخطوط نعرفه قبل عام 1000 هـ) وقد طبع هذا الشرح فى بولاق سنة 1269 هـ، وفى مجموعة فارسية سنة 1279 هـ، على هامش الكتيب الأصلى، قازان 1901. ويمكننا الآن أن نضيف إلى شرح سعد الدين البردعى (انظر عن مخطوطاته Borockelmann: Gesch. d. Arab. Litt. جـ 1، ص 291) شرح تلميذه ضياء الدين الموسكى (المتحف البريطانى، فهرس المخطوطات الشرقية، رقم 6260) والشرحين الحديثين: الفيروزج فى شرح الأنموذج" لمحمد عيسي عسكر، القاهرة 1289 هـ؛ و"عمدة السارى"

لإبراهيم بن سعد الخصوصى الذى كتب سنة 1298 هـ (1880 م) طبع بولاق سنة 1312 هـ. وللزمخشرى كتاب فى الألغاز النحوية وآخر فى العروض يرجع فى شأنهما إلى مؤلف بروكلمان المعروف. ونزيد فى هذا المقام شرح الزمخشرى على "لامية العرب" للشنفرى، وعنوانه "عجب الأعجاب فى شرح لامية الأعراب، وقد طبع مع شرح المبرد، فى استانبول (مطبعة الجوائب) سنة 1300 هـ، وطبع منفرد، فى القاهرة سنة 1324 هـ، وطبع مع طائفة من شروح أخرى فى القاهرة سنة 1328 هـ. وقد يسّر الزمخشرى مفردات اللغة العربية لأبناء العروبة بمؤلفه "مقدمة الأدب" وزوده بشروح باللغة الفارسية، وقد أهداه إلى سباهسا لار أتسز بن خوارزمشاه Samachscharii Lexicon arabicopersicum، طبعة J.G. Wetztein، فى مجلدين لييسك 1844 م)، وله أيضا معجم للعربية الفصحى اشتهر بترتيبه المنهجى اسمه "أساس البلاغة" وقد طبع هذا المعجم فى مجلدين بالقاهرة 1299 هـ، 1341 هـ (دار الكتب المصرية) ولكنهؤ سنة 1311 هـ. وجمع الزمخشرى غريب الحديث فى كتاب "الفائق" الذى طبع فى حيدر آباد سنة 1324 هـ. أما معجمه الجغرافى "فى كتاب الأمكنة والجبال والمياه" فقد نشره M. Salverda de Grave (تحت رعاية T.G.J. Juynboll، ليدن 1856 م) ولم يبق من مؤلفه "الدر الدائر (؟ ) المنتخب فى كتابات واستعارات وتشبيهات العرب" إلا قطعة موجودة فى ليبسك (Vollers، رقم 873، جـ 1). وقد تجلت معرفته العجيبة باللغة فى مجموعة من الأقوال المشهورة. وله مجموعة من الأمثال القديمة بين دفتى كتاب "المستقصى فى الأمثال" الذى لم يطبع بعد، ومنه مخطوطات كثيرة فى استانبول علاوة على المخطوطات التى ذكرها بروكلمان (Gesch. Arah. Litt, جـ 1، ص 292؛ انظر Rescher في M. S. O. جـ 15، ص 23؛ R.S.O]، جـ 4، ص 708؛ جـ 7، ص 97، 102)، وفى بروسه (انظر. . Zeitschr d.Deutsch. Morgenl Gesells، جـ 68، ص 50) واسكوتارى (المصدر نفسه، ص 58). وثمة مختارات من هذه

المجموعة عنوانها "زبدة الأمثال" وقد جمعها سنة 999 هـ (1591 م) مصطفى إبراهيم الغالييولى المتوفى عام 1024 هـ (1615) مع شرح فارسى وحواش تركية (انظر بروكلمان فى كتابه المذكور، جـ 2، ص 423). وللزمخشرى ثلاث مجاميع من الحكم عنى بتصنيفها عناية كبيرة وجمع فيها كل بدائع صناعة البلاغة: (1) "نوابغ الكلم" Anthologia sententia rum arabicarum cum scholiis Zamachsjarii نشره وحققه وشرحه. H. A. ,Schultens ليدن 1772 م؛ Les Pensees النص العربى نشره C.Barbier de Meynard فى المجلة الأسيوية، السلسلة السابعة، جـ 6، ص 313 وما بعدها؛ وانظر Doeje فى Z.D.L.G جـ 30. ص 569 وما بعدها وطبع على الحجر فى استانبول 1866؛ وطبع فى القاهرة عام 1287 هـ، 1305 هـ، وفى بيروت عام 1306). وأشهر شروح نوابغ الكلم شرح سعد الدين التفتازانى المتوفى سنة 792 هـ (1389 م) وعنوانه "النعم السوابغ" وقد طبع على الحجر فى استانبول سنة 1866، وفى القاهرة سنة 1287 هـ، وطبع فى بيروت سنة 1306 مع حواش لمحمد البيروتى؛ وشرح أبى الحسن بن عبد الوهاب الخيوقى الذى كتبه حوالى عام 770 هـ (1368 م)، وطبع فى كاسان سنة 1314 هـ ولدينا علاوة على الشروح التى ذكرها بروكلمان Brockelmann: Gesch. d. Arab. Litt، جـ 1، ص 292) وهى شرح الكندى (القرن السابع) وشرح أمير اليمن الناصر للحق المبين (كتب عام 782 هـ = 1380 م) وشرح القونوى (كتب حوالي عام 1000 هـ = 1091 م) شروح أخرى هى شرح محمد بن دهقان على النسفى (أفاد من هذا الشرح، Schulthens كتابه المذكور)، وشرح محمد بن إبراهيم الربعى (توفى عام 971 هـ = 1564؛ بروكلمان: كتابه المذكور، جـ 2، ص 368) الذى كتب عام 967 هـ (1560 م؛ انظر LeviProvencal: Les Mss, arabes de Rabat رقم 421؛ والترجمة التركية التى قام بها يوسف صديق افندى، وطبعت فى استانبول سنة 1283 هـ). (2) "ربيع الأبرار فيما يسر الخواطر والأفكار" (انظر - Ham

Wiener Jahrb.: mer جـ 63، Anz . Ribl، ص 231) , وقد طبع فى القاهرة سنة 1292؛ واختصر هذا الكتاب وأضاف إليه زيادات من مصادر أخرى محمد بن الخطيب قاسم المتوفى سنة 940 هـ (1533 م؛ انظر Gesch. d. Litt جـ 2، ص 429) وسماه "روض الأخبار" وقد طبع هذا المختصر فى بولاق سنة 1279 هـ، وفى القاهرة سنة 1292 هـ، 1307 هـ. (3) "أطواق الذهب" Samachscharis Goldene Halsbc nder als Neujahrgeschenk arabisch und deutsch. Von J. v. Hamsner فينا 1835) وقد ترجمة ترجمة جديدة H. L. Fleischer، لييسك 1835؛ وترجمه بعد ذلك G. Weil شتوتجارت 1863 م؛ ونشره وترجمه C. Barbier de Meynard باسم Les Colliers d'or, allocutions morales de Z باريس 1876 بعنوان "النصائح الصغار" وقد ذكر بهذا العنوان أيضا فى الكشاف، وفى مخطوطات ليدن رقم 2153، وفى المتحف البريطانى، الملحق رقم 1003 (انظر De Goeje فى Zeitschr. d. Deutsch Morgenl. Gesells جـ 3، ص 569) وطبع فى بيروت سنة 1314 هـ، كما طبع فى استانبول سنة 1286 هـ مصحوبا بترجمة تركية مع شرح "قلائد الأدب" لميرزا يوسف خان أسير المتوفى سنة 1307 هـ (1889 م؛ انظر الهلال، جـ 3، 869)، وطبع فى بيروت سنة 1293 هـ، 1322 هـ وفى القاهرة سنة 1321 هـ. وقد قلد الزمخشرى كتاب كثيرون، فصنف أحمد بن محمد بن محمود النحوى، كتاب "أطباق الذهب" (انظر فهرس Brill-Houtnna رقم 496، س 13) وصنف الشاعر الفارسى عبد المؤمن بن هبة اللَّه الإصفهانى الذى عاش حوالى سنة 600 هـ (1203 م) كتابا من هذا القبيل طبع هو والأطواق فى استانبول سنة 1289 هـ, وطبع وحده فى القاهرة سنة 1329 هـ، وطبع على هامش "تحفة أهل الفكاهة فى المنادمة والمزاحة" لمحمد أفندى سعيد فى القاهرة سنة 1307، 1326 هـ وطبع مع شرح محمد سعيد الرافعى فى القاهرة سنة 1328 هـ، وطبع مع حواشى ليوسف بن إسماعيل النبهانى

المصادر

رئيس المحكمة العليا ببيروت، فى بولاق 1280 هـ، وفى القاهرة 1880 م، وفى بيروت سنة 1309 هـ. وقد ألف الزمخشرى مجموعة من الرسائل الخلقية استهلها مخاطبًا نفسه بقوله "يا أبا القاسم" وسميت بالمقامات أسوة بمعنى هذا المصطلح القديم وتعرف هذه المجموعة أيضا باسم "النصائح الكبار" وزاد عليها ست رسائل فى موضوعات مختلفة كالنحو والعروض وأيام العرب بعد إبلاله من مرض شديد أصابه سنة 512 هـ (1118 م). وقد طبعت "النصائح الكبار" مع شرح المؤلف فى القاهرة سنة 1313 هـ، 1325 هـ, وترجمها رشر (Reitrage zur Magfinenliteratur: O. Rescher , فى ستة كتيبات، جريسفالد سنة 1913). وللزمخشرى "كتاب نزهة المؤتنس ونهزة المقتبس" وهو يدخل أيضًا فى باب الأدب، ويمكن أن نعده ضربًا من أدب فقهاء اللغة، وهو محفوظ فى آيا صوفيا رقم 4331 (Rescher فى Zeitschr. der. Deutsch.Morgenl. Gesells، جـ 64، ص 508) ومن قصائده التى جمعت فى ديوان (الفهرست، الطبعة الثانية، القاهرة، جـ 3، ص 131) قصيدة رثى بها أستاذه أبا مضر، وقد نشرت فى العزِّى "مضنون" طبعة يهودا ص 16 وما بعدها. وألف فى الحديث كتابين اثنين فقط هما: (1) "مختصر الموافقة بين آل البيت والصحابة" وهو موجود فى مكتبة أحمد تيمور (مجلة المجمع العلمى العربى بدمشق، جـ 1، ص 313). (2) "خصائص العشرة الكرام البررة" (انظر Ahlwardt. مخطوط برلين، رقم 9656 Hespiris، جـ 12، ص 117، 991). المصادر: (1) الأنبارى: نزهة الألباء، ص 469 - 473. (2) ابن خلكان: الوفيات، بولاق 1299 هـ جـ 2، ص 107. (3) ياقوت: إرشاد الأريب، طبعة ماركوليوث، جـ 7، ص 147 - 151. (4) السيوطى: بغية الوعاة، ص 388.

زمزم

(5) Liber de Interpretibus Korani، طبعة فلوجل رقم 217. (7) محمد عبد الحى اللكنوى الفوائد البهية، ص 87. (8) جميل بك: عقود الجواهر، جـ 1، ص 294 وما بعدها. (9) ابن تغرى بردى، طبعة Popper، جـ 3، ص 34، 7 - 17. (10) Barbier de Meynard فى المجلة الأسيوية 1875 م، جـ 2، ص 314 وما بعدها. (11) Gesch. DArab.Litt: Brockelmann، جـ 1، ص 289 وما بعدها. (12) سركيس: معجم المطبوعات، عمود 973 وما بعده. (13) Geschdes Qorans: Noldeke-Schwally، جـ 2، ص 174. (14) Die Richtungen der Islamischen Koranauslegung: Goldziher، ص 117 - 177. خورشيد [بروكلمان C.Brockemann] زمزم بئر مكة المقدسة، وتعرف أيضا ببئر إسماعيل. وهى بالحرم الشريف الى الجنوب الشرقى من الكعبة قبال الركن الذى به الحجر الأسود. وعمقها مائة وأربعون قدما وتعلوها قبة أنيقة. ويشرب الحجاج من مائها للاستشفاء، ويحملونه معهم إلى أوطانهم لتقديمه إلى المرضى. وزمزم فى العربية معناها "الماء الغزير" والفعل زمزم معناه شرب الماء على جرعات صغيرة والهمهمة من خلال الأسنان. وتربط الروايات الإسلامية أصل هذه البئر بقصة إبراهيم عليه السلام. فقد احتفرها جبريل عليه السلام لينقذ هاجر وولدها إسماعيل عليه السلام وكانا على وشك الهلاك عطشا فى الصحراء. وكانت هاجر أول من احتجزت مياهها بأن أقامت سورا من الحجر حولها. والمحقق أن زمزم كانت على الأقل موضع التعظيم والتبجيل منذ عهد قديم جدا. واعتاد الفرس فى الجاهلية أن يفدوا إليها كما نستدل على ذلك من بيت لشاعر قديم مؤداه أن الفرس يتمتمون بصلواتهم حول بئر

المصادر

زمزم منذ أقدم الأزمنة. وذكر شاعر آخر أن ساسان بن بابك جد الساسانيين قد زار هذه البئر. وقد طمّ بنو جرهم فى الجاهلية بئر زمزم وألقوا فيها بجميع أموالهم، ولاحظ المسعودى أن جرهم كانوا فقراء، ومن ثم لا شك فى أن الأموال التى ألقيت فيها قد جاء بها الفرس وليس بنو جرهم. وقد كشف عبد المطلب جد النبى البئر من جديد واحتفرها وأقام عليها سورًا من الحجر. واستخرج منها غزالين من الذهب وبعض السيوف القلعية وبعض الدروع. وصنع من السيوف بابا للكعبة غطاه بصفائح ذهب قدت من أحد الغزالين، فى حين وضع الغزال الآخر داخل الكعبة. وقد وزعت مياه البئر بين أهل مكة. ويقال إن مياه زمزم فاضت عام 297 هـ (909 م) الأمر الذى لم يعرف من قبل فغرق كثير من الحجاج. المصادر: (1) المسعودى، طبعة وترجمة Barbier de Meynard، الفهرس. (2) Relation d'un Pelerinage a La Mecque en 1910 - 1911: H. Kazem Zadeh باريس سنة 1912؛ أوصاف كثير من الرحالة. (3) Verspr.Geschr., Naam-en Zaakregister: Snouck Hurgronje , تحت مادة زمزم. (4) والصورة فى كتاب Snouck HurBildcr aus Mekka: groje ليدن سنة 1889، جـ 1، 3. (5) The Travels of Ali Bey جـ 2، لوحة رقم 57. الشنتناوى [كاراده فو B.Carra de Vaux] . زناتة يطلق مؤرخو العرب فى العصور الوسطى هذا الاسم على إحدى المجموعتين الكبيرتين اللتين ينقسم إليهما البربر. وتذهب الرواية الخاصة بسلسلة نسبهم، وهى الرواية التى كانت العماد فى تصنيفهم أجناسا إلى أن زنانة التى انحدرت من مدغيس الأبتر تختلف عن صنهاجة التى انحدرت من برنس. وبرنس ومدغيس هم أبناء أب واحد هو بِرّ. وثمة آراء

أخرى تربط زناتة بشخص يدعى شنَه أو جَنَه. ويقال إنه إما أن يكون قد انحدر من صلب كنعان ولد سام أو من صلب جالوت. ويكفى فى تعليل هذا الزعم من جانب زناتة القول بأنهم أرادوا به أن يصلوا حبلهم بشخصيات جليلة. والظاهر أن هذا القول يؤيده إلى حد ما أسلوب المعيشة التى كان يحياها معظم أهل زناتة. فقبائل زناتة رحل فى جملتهم على طريقة الأعراب يرعون الإبل ويعيشون فى الخيام، فى حين أن غالبية صنهاجة تعيش عيشة مستقرة. وتتفرق زناتة فى كل بلاد البربر، على أن أغلبها فى الفيافى والصحارى الممتدة من غدامس إلى المغرب الأقصى. والظاهر أن عرب المغرب الأوسط والأقاليم الصحراوية الحافة به كانت ومازالت موطنهم الخاص، وهم يتميزون عن الجماعات الأخرى بلغتهم. فاللهجات البربرية التى يتحدثون بها فى واحات مزاب وورجلة وواد ريغ وفى غرب الجزائر بما فى ذلك جبل ورسنس الضخم، وفى شرق مراكش حيث لا يزال يطلق عليها اسم الزناتية. ويفرق الإخباريون، كما هى الحال بالنسبة لصنهاجة، بين عدة أجناس من زناتة أو على الأصح بين جملة أفواج من السكان ظهرت على مسرح التاريخ فوجا بعد فوج بعد أن عاشت مغمورة فى حالة البداوة. وقد مكنتهم الظروف المواتية من أن يؤسسوا الإمبراطوريات الكبيرة التى كانت قائمة إما بالتحالف معها أو بمناصبتها العداء. وينتسب إلى الجنس الأول من زناتة: جَراوَة، وبنو إِفْرِن، ومَغْراوة، وومانو وإيلومى. ويقال إن جراوة كان مركزهم الرئيسى فى جبال أوراس حيث كان لملكتهم المشهورة الكاهنة فى القرن الثانى الهجرى (الثامن الميلادى) شأن كبير فى مقاومة الفتح العربى. [فى بادئ الأمر]. فلما اتخذت هذه المقاومة -التى كانت أوراس إحدى معاقلها- البدعة الدينية التى عرف بها الخوارج كان زناتة بن إفرن ألب أبطالها عودًا وأشدهم مراسًا. وقد أسس أبو قرّه الإفرنى فى القرن الثانى الهجرى (الثامن الميلادى) مملكة خارجية فى تلمسان. وفى القرن الرابع

(العاشر الميلادى) أثار أبو يزيد الإفرنى "صاحب الحمار" أهل البربر الشرقية بما فيهم أوراس على الخلفاء الفاطميين باسم المذهب الخارجى القديم. وفى الوقت ذاته كانت إفكان (على مسيرة اثنى عشر ميلا إلى الجنوب الغربى من معسكر) وشالة القريبة من الموقع الذى أقيمت عليه مدينة رباط فيما بعد قصبتى إمارتين. وكان أقوى الزناتية من الفوج الأول هم الذين كانوا ينسبون إلى قبيلة مغراوة العظيمة. ونذكر بصفة خاصة من بين هؤلاء: بنى خزر التى كانت منازلهم فى سهول أورانية ومراكش الشرقية. وقد استطاعوا بوصفهم من أقيال الأمويين فى قرطبة أن يصدوا فى شئ من الجهد خلال القرن العاشر وجزء من القرن الحادى عشر (الرابع - الخامس الهجرى) الهجمات المتكررة التى شنتها صنهاجة المشايعة للفاطميين فى إفريقية. وقد استقر زيرى بن عطية أحد زعماء بنى خزر فى فاس بعد سقوط الأدارسة ومكَّن لنفسه فيها إلى أن جاء المرابطون عام 455 هـ الموافق 1063 ميلادية. وشهد القرن الحادى عشر أيضا ازدهار دويلتى مغراوة الأخريين، وهما دولة بنى يعلى فى تلمسان، ودولة بنى خزرون فى سجلماسة، وقد قضى عليهما غزوة المرابطين لهذه البلاد. ويجتاز تاريخ زناتة فى المغرب الأوسط بعد دلك فترة غموض. فقد كان هناك نضال بين عشيرتين من عشائر هذه الأرومة هما الإيلومى والومانو. وكان الومانو هم الذين أتوا بالموحدين إلى بلاد تلمسان. وإنما استعادت زناتة أهميتها بعد سقوط خلفاء عبد المؤمن، وذلك عندما علا شأن الفوج الثانى منهم. وكان هؤلاء يعتبرون جزءا من بنى واسين الذين دفعوا صوب الغرب إلى الجنوب من أورانية ومراكش أمام ضغط عرب بنى هاول الرحل الذين كانوا بادئ الأمر أصحاب الكلمة العليا فى إفريقية. وفى غضون النصف الأول من القرن السابع الهجرى (الثالث عشر الميلادى) انتزع زناتة بنى واسين -وكانوا قد تخلوا لوقتهم عن حياة البداوة- المغرب

المصادر

الأوسط والمغرب الأقصى من الموحدين. وأسس المرينيون مملكة فاس كما أسس بنو عبد الواد مملكة تلمسان. وقد لاقى بنو عبد الواد الذين كانوا ينزلون منازل زناتة المأثورة مشقة كبيرة فى إخضاع إخوانهم وخاصة بنى توجين. وكان هؤلاء قد أصابهم الوهن فى السهول حيث غدوا عبيدًا للعرب الرحل، ولكنهم كانوا لا يزالون على جانب من القوة فى ورسنيس حيث كانت الحياة قد استقرت بهم، ولا يزال أحفادهم يعيشون فى هذه الجبال وقد بقى الاسم الذى أطلق على اللهجة البربرية التى كانوا يتحدثون بها أثرًا من الآثار القليلة التى احتفظت بها زناتة من عهدها المجيد. المصادر: (1) ابن خلدون تاريخ البربر، النص، جـ 1، ص 525 وما بعدها؛ جـ 3، ص 1 وما بعدها، الترجمة، ده سلان، جـ 3، 4. (2) مفاخر البربر، طبعة ليفى بروفنسال سنة 1933. (3) البكرى، طبعة وترجمة ده سلان، فى مواضع مختلفة. (4) الإدريسى: وصف إفريقية والأندلس طبعة دوزى وده غوى، ص 57 - 58؛ الترجمة، ص 65 - 66. (5) Les Berbers: Fournel، باريس سنة 1875. (6) Les arabes en Bererie du XI eme au XIV eme siecle 1913: G. Marcais . (7) Etude sur l Zenatia du Mzab, de Ouargla, de L'Oued Righ: R. Basset . (8) المؤلف نفسه Etude sur la ze natia de l'Ouarsenis et du Mghreb central Publications de l' Ecole des Lettres d'Alger) جـ 12، سنة 1892، جـ 15، سنة 1895. الشنتناوى [مارسيه G.Marcais] الزنج اسم القبائل الزنجية التى تقطن ساحل إفريقية الشرقى. وقد أطلق المؤرخون العرب هذا الاسم على العبيد المنتقضين الذين أثاروا الفزع والرعب فى القسم الأدنى من أرض العراق خمسة عشر عاما (255 - 280 هـ =

868 - 883 م) وكانوا قد شقوا عصا الطاعة من قبل عام 75 هـ (694 م). وهذه الفتنة على جانب كبير من الأهمية لأنها حرب من الحروب القديمة، أو قل إنها كانت حربًا منظمة شنت على بغداد على مثال حربى أونوس Eunus (140 ق. م) وإسبرطاكوس Spartacus (73 - 71 ق. م) اللتين شناهما على رومة، وحروب توسانت لوفرتير Tonssaint Louverture فى هايتى (1794 - 1801 م) وعصيان حمالى ناتال بقيادة غاندى (1906 - 1913) فى وجه الاستعمار الأوربى. ويذكر الطبرى أن هؤلاء الثائرين هم مصدرنا الأساسى. وكانوا يشتغلون فى أعمال الحفر (كسّاحين) ومهمتهم جعل أرض العراق السفلى صالحة للزراعة وإزاحة السباخ وتكديسه أكوامًا لجعل أرض شط العرب المشبعة بالأملاح صالحة للزراعة (شورجية من شوره (¬1) أى النترات، وهى اصطلاح فارسى مستعمل أيضا فى عمان؛ انظر Glossaire de Tabari: de Goeje مادة كسح وهو ينقل فى هذا عن كتاب العيون). وكان هؤلاء العمال يجمعون على الأغلب من بين العبيد الزنوج المجلوبين من الخارج ومن بين زراع البلاد، ثم يرتبون مجموعات كل مجموعة تتألف من عدد بين خمسمائة وخمسة آلاف فاعل ويحشرون حشرًا بلا أمل ولا مأوى. وكان طعامهم حفنا قليلة من الدقيق والجريش والتمر. وقد أدرك هؤلاء التعساء بوحى من احتكاكهم بالمسلمين أن لهم حقًا فى أن يعيشوا وأن ينالوا ولو قسطًا ضئيلا من العدل والإنصاف. وليس من شك فى أنهم قد تأثروا أيضا بالمتعبدين من المسلمين الذين كانوا يعيشون فى صوامع عبادان المجاورة. وقد وجد هؤلاء العبيد زعيما صمم على أن يضع حدا لتعاستهم، وكان هذا الزعيم رجلا علويا من مدّعى الخلافة نسبته إلى على موضع جدل وإن كانت فيما يبدو صحيحة. ذلك أن البيرونى يقول إن الشيعة لا يزالون يحتفلون بعيده فى السادس والعشرين من رمضان. واتخذ هذا العلوى لنفسه اسم على بن محمد بن عيسى بن زيد بن عباس بن على بن حسين بن على، وكان يكنى بالبرقعى "أى المحجب"، ¬

_ (¬1) "شورة" كلمة فارسية معناها أرض ذات نز وملح. عبد المنعم حسين

وكان يعاونه فى ذلك شخص يدعى رشيدًا القرماطى (ولعله يتصل بدعوة القرامطة التى كانت فى ذلك الوقت قد ظهرت وشيكا) وطحان وبائع شراب. وكان عبيده الأبّاق يؤدون له يمين الطاعة بالحلف بالطلاق على الطريقة القرمطية ورفع على بن محمد راية العصيان فى السابع من رمضان عام 225 هـ (868 م) وتلا الآية القرآنية المعروفة باسم الشراة (سورة التوبة، الآية 112) (¬1) ونذر نفسه للجهاد بحد السيف (خروجا غضبا باللَّه). ومن المؤسف أن المصادر التى بين أيدينا لا تذكر إلا تفاصيل قليلة عن نظام حكومته التى كانت على النمط الشيعى. وتكاد هذه المصادر تقتصر على ذكر مجريات الحرب التى شنها الأمير العباسى الموفق على الزنج دون رحمة. وقد خرج الزنج من جُبّاء وقسم زعيمهم جيشه المسلح بالمقاليع قسمين: 1 - الزنج بالمعنى الأخص لهذا اللفظ. 2 - الفراتية والقرماطية والنوبة. وكان يشد من أزره قبيلة بنو تميم العربية وأسطول استولى على الأبّلة ثم على عبادان ثم على الأهواز الجنوبية ثم على مدينة البصرة العظيمة وتقدم فى سيره حتى بلغ واسط (264 هـ = 877 م) وجبل والنعمانية وجرجرائية ورامهرمز. ولما شعر الوالى بالخطر الجسيم الذى يتهدده حشد قواه جميعا وتأهب للكرّ ثانية. ولم يخلص من هذا القتال إلا بعد ثلاث سنوات. فقد اخترق أولا الأسيجة الخمسة لمعسكر منيعة ثم حاصر مراكز قيادة الزنج فى مختاره (268 هـ = 881 م) على قناة أبى الخصيب جنوبى البصرة، ولكنها لم تستسلم إلا عام 269 هـ (882 م) وقتل البرقعى فى الثانى من شهر صفر عام 270 (883 م). وهكذا أخمدت هذه الفتنة بقسوة بالغة، وعاد الذين كانوا قد ركنوا إلى الفرار منهم وأعيد النظام القديم إلى ما كان عليه. ¬

_ (¬1) رقم الآية فى المصحف العثمانى وهى قوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}. (د. مهدى علام)

المصادر

المصادر: (1) الطبرى، طبعة غوى، جـ 3، ص 1742 - 1787، 1835 - 2103. (2) Sketches from Eastern History: Th. Noldeke ص 146 - 175. (3) G.Casanova فى Revue Numismatique سنة 1934، ص 510 - 516. (4) J. Walker فى مجلة الجمعية الأسيوية الملكية، سنة 1933، ص 651 - 656. الشنتناوى [ماسينيون L.Massignon] الزنجانى عز الدين عبد الوهاب بن إبراهيم بن عبد الوهاب بن أبى المعالى الخزرجى، ويدعى أيضا العِزَّى: نحوى عربى عاش فى النصف الأول من القرن السابع الهجرى (الثالث عشر الميلادى)، ولا نعرف تاريخ مولده ومكانه، وتاريخ وفاته أيضا غير محقق. والحقائق القليلة التى نعرفها عن حياته قد أمدنا بها حاجى خليفة الذى ذكر تواليف الزنجانى وأضاف ما قاله الزنجانى نفسه عن تاريخ تأليفها ومكانه؛ ومن ثم عرفنا أنه أقام فى الموصل عام 637 هـ (1239 م)، حيث أتم كتابه "المعرب عما فى الصحاح والمغرب" وهو تعليق على ما فى الصحاح والمغرب. وأخيرًا كان فى بغداد حيث فرغ عام 654 (1256 م) -كما يخبرنا فى نهاية تواليفه- من الشرح المسمى "الهادى" على مؤلفه النحوى "مبادئ فى التصريف" وحاشيته "الكافى" (التى تقع فى مجلدين) على مؤلفه النحوى "الهادى فى النحو"، كما أتم أيضا مؤلفه "منن الهادى فى النحو والتصريف" فى نفس الوقت. وفى السنة التالية أكمل حاشية على كتاب "القسطاس فى العروض" للزمخشرى سماها "تصحيح المقياس فى تفسير القسطاس". ويقول حاجى خليفة إنه توفى بعد عام 655 هـ (1257 م) بقليل، ولكننا لا نعرف تاريخ وفاته على التحقيق؛ وقد كتب الزنجانى علاوة على هذه الحواشى وغيرها من الكتب فى النحو كتابا فى استعمال الاسطرلاب، وجمع

المصادر

ديوانًا من الشعر العربى سماه "المضنون به على غير أهله" وهو ديوان على غرار الحماسة لأبى تمام أو البحترى، ويشتمل على أبيات لشعراء من العرب الجاهليين والمخضرمين وشعراء العهد الذى تلا ذلك أخذها من دواوينهم وكتب الشعر القديمة؛ وكتب عبيد اللَّه بن عبد الكافى بن عبد المجيد العبيدى حاشية عليه. ولم يذكر هذا الديوان لا حاجى خليفة ولا السيوطى الذى تكلم عن الزنجانى فى بغية الوعاة فى طبقات اللغويين والنحاة (القاهرة، 1326 ص 318). المصادر (1) G.A.L: Brokelmann جـ 1، ص 283، 474. (2) حاجى خليفة، طبعة فلوجل Fliigel، انظر الفهرس، جـ 7، ص 944. (3) سركيس: فهرست المطبوعات العربية، القاهرة 1928 - 1930. (4) السيوطى: بغية الوعاة فى طبقات اللغويين والنحاة، القاهرة 1326، ص 318. (5) الزنجاتى: المضنون به على غير أهله؛ طبعة L. R. Yahuda، القاهرة 1913 - 1915. عبد النعيم حسنين [إلزه ليختنشتاتر - IIse Lichtenstadter] الزنجبار قصبة جزيرة تحمل الاسم نفسه قبالة ساحل إفريقية على خط عرض 6 ْ جنوبًا. والمدينة فى الجانب الغربى من الجزيرة على مسيرة 26 ميلا إلى الشمال الشرقى من ثغر بكامويو على خط عرض 6 ْ 9 َ جنوبا وخط طول 39 ْ 15 َ شرقا؛ والزنجبار شبه جزيرة على هيئة المثلث طولها ميل ونصف ميل؛ وهى تمتد من الشرق إلى الغرب، وتهيئ مرفأ فسيحًا يعد من أحسن المرافئ فى إفريقية؛ ويصل شبه الجزيرة بأرض الجزيرة نفسها برزخ ضيق عليه جبانة؛ وعلى الخليج الحى الوطنى نكامبو، وفى هذا المكان أيضًا حى هندى وحى أوربى. وظلت المدينة منذ الاتفاق الإنجليزى الألمانى الذى عقد فى أول يوليه عام 1980, مركز السلطات

القضائية والعسكرية والادارية التابعة للمحمية الإنجليزية؛ وكان عدد سكان الزنجبار 45.267 نسمة فى تعداد سنة 1931. ويعزى الفضل فى نهوض المدينة إلى السلطان سيد سعيد صاحب مسقط والزنجبار، وقد جعلها قصبة بلاده عام 1832، وأضحت، بفضل سياسته الرشيدة، المركز التجارى الرئيسى فى شرقى إفريقية، من رأس غردفوى إلى الخليج دلاكوا؛ وكذلك قام السلطان هو وخلفاؤه بجهد مشكور فى سبيل تقدم العمارة فى المدينة. وقد بنى سعيد نفسه قصرًا فى الزنجبار، كما بنى السلطان برغش فى جهة متونى الواقعة على مسيرة ثلاثة أميال من الزنجبار، قصرًا جديدًا فى تشكوانى، وكان يربطها بالزنجبار خط حديدى، وكذلك أقام عمائر أخرى فى المدينة وجلب الماء من متونى إلى الزنجبار؛ والمدينة مشهورة بفاكهتها، كالموز والليمون والمانجو والبرتقال، وجوز الهند؛ وتصلها بمدن مكوكوتونى وتشوكه وفمبه طرق جيدة للسيارات، كما تصلها بمدينة بوبوبو سكة حديدية طولها سبعة أميال؛ وتحتفظ شركة البرق الشرقية بخط تلغرافى بين ممباسا (منباسا) والزنجبار يكفل الاتصال بثغور شرقى إفريقية وجنوبها وبعدن ومصر والهند والصين وأوربا. وثمة تلغراف لاسلكى بين يمبة والزنجبار، وهما متصلتان أيضا بالتليفون، وتكفل شركات الملاحة الاتصالات البحرية كشركات كلان (Clan) وإلرمان (Ellerman) وهاريسون (Herrison and Ellerman) وبكنول (Bucknall) وخط شرقى إفريقية الألمانى من همبورج عن طريق رأس الرجاء الصالح والسويس؛ ثم الشركة الإيطالية عبر المحيط (Campagnia Italiana Tsansatlantica) التى تربط سفنها الزنجبار بجنوة ومصوع وعدن وبنادر الإيطالية وكينيا؛ وكذلك الشركة الحرة بتريستا (Navigazione Libera Triestina) التى تقلع بواخرها من البندقية عن طريق رأس الرجاء الصالح والسويس؛ وشركة الملاحة الهولاندية المتحدة (United Netherlands Navigation Co) التى تجرى سفنها بين جزر الهند الشرقية الهولاندية وهولاندا؛ وشركة Kohiukljke Paketvoartmaatschappi التى

تربطها بجاوة؛ وشركة Osaka Shoche Kaisha التى تربطها باليابان وجنوب أمريكا، وشركة & Cwasjee Dinshaw Brothers التى تربطها بكسمايو؛ وشركة البواخر البريطانية (British India Steam Navigation Co) التى تربطها ببومباى ودربان؛ وقد عرج على الزنجبار عام 1931: 246 باخرة من بواخر المحيط، بلغ مجموع حمولتها 1.467.000 طنا، كما عرج عليها 316 باخرة ساحلية حمولتها 125.000 طنا إنجليزيا، و 3562 سفينة شراعية، ومجموع حمولتها 69.000 طنا إنجليزيا؛ وأهم ما تتجر به الزنجبار البرسيم، الذى أدخل العرب زراعته عام. 1820 ثم لباب جوز الهند المجفف. ويرجع الفضل فى ثروة المدينة إلى هذين المحصولين؛ أما المحصولات المحلية الأخرى فنصيبها من التجارة الخارجية أقل، وتلك المحاصيل هى: الجلود الخام، والجلد المدبوغ، والفلفل، والصابون والسندروس البلورى؛ وثمة سلع تستورد إلى الزنجبار لتصدر إلى داخل الجزيرة، وهى البضائع القطنية والأرز ومنتجات المستعمرات والبترول والصابون والمأكولات، وتشمل الواردات من إفريقية بوجه خاص لباب جوز الهند والعاج والجلود الخام والجلد المدبوغ وراتينج السندروس البلورى التى ترسل إلى إنجلترا والهند وأمريكا وأوربا؛ وقد اتخذ صيادو الحيتان من منطقة القطب الجنوبى ثغر الزنجبار قاعدة لهم، ومن ثم عظمت أهميته؛ والزنجبار كانت أيضا مقر كافة الشركات التى تتجر مع داخل الجزيرة سواء إنجليزية أو ألمانية أو برتغالية أو هندية؛ ويأتى سكانها الهنود المثابرون، وعد 10.926 فى المرتبة بعد الإفريقيين الذين يبلغ عددهم 24.641؛ أما الهنود من عبدة النار، وجلهم من بومباى، فهم أكبر الجاليات المختارة، وبعضهم يشتغل بالمهن الأدبية، ولكن أغلبهم تجار وموظفون فى خدمة الانجليز. أما السكان المسلمون فمن أهل السنة الشافعية، ولا يعتنق المذهب الإباضى إلا أفراد الأسرة الحاكمة وأقاربهم، وفى الزنجبار ثلاث بعثات مسيحية؛ وقد شيدت بعثة الجامعات التابعة لكنيسة إنجلترا، التى أوفدت إلى وسط إفريقية (والتى أنشئت عام 1864)، مستشفى ومدرسة للمعلمين

المصادر

ومدرسة عليا؛ وفى الزنجبار أيضا كاتدرائية. ثم إن لآباء الروح القدس الأروام الكاثوليك بعثة فى الزنجبار منذ سنة 1856. المصادر: (1) Zanzibar and: F.B. Pearce: Past fresent. Kenya, Uganda and Zanzibar 1920، وهى كتب اشرف القسم التاريخى بوزارة الخارجية على إعدادها، رقم 96، لندن 1920، ص 52 و 57 وما بعدها وص 72 و 79 وما بعدها. (2) Colonial Reports Annual، رقم 1587 و Annual Report on the social and economic progress of Zanzibar Pro rectorate, 1931 لندن 1932. (3) Ethel Younghusband Glimpses of East Africa and Zanzibar لندن 1910. ص 212, وما بعدها (بالصور). (4) Chronology and genealogies of Zanzibar: W.H.Ingrams . الزنجبار 1926. صبحى [كرومان A. Grohmann] 2 - السكان السواحليون السواحلى اسم تواترت الأقوال الآن على أنه يدل على الجنس الخليط (ونعنى به المولد من أهل الساحل الأصليين، وهم العبيد المجلوبون من منطقة البلاد العليا، ومن العرب) الذى يعيش فى جل البلاد الواقعة على الساحل وفى الزنجبار (انظر Ingrams, ص 30، ونجد جدولا بالقبائل الرئيسية التى أشير إليها فى ص 320)؛ ومن الواضح أن الكلمة "سواحلى" اشتقت من سواحل (ومفردها ساحل)، وهو اسم استعمله كتَّاب العرب من أقدم الأزمان للدلالة على ساحل إفريقية الشرقى. على أننا لا نعلم على وجه اليقين متى أطلق أول ما أطلق على القوم الذين جرى القول على تسميتهم بالزنج. ويقول ستراندس Strandes أن الاسم "سواحلى" لم يرد قط فى السجلات البرتغالية؛ وقد نشأ الجنس الخليط فى وقت مبكر يرجع إلى مستهل العصر المسيحى، وربما قبل ذلك، ويتبين لنا هذا من أن صاحب كتاب "الرحلة" Periplus (¬1) يقول بلهجة التوكيد إن التجار العرب استقروا على الساحل وتزوجوا نساء من أهل البلاد ¬

_ (¬1) انظر المصدر (4) من مصادر هذه المادة.

(Schoff، ص 28)؛ والظاهر أن أبعد المستعمرات السابقة على الإسلام صوب الشمال هى أقدمها؛ وقد أنشئت بيت، إذا صدقت الرواية، عام 69 هـ (689 م)؛ ويبدو أن السواحليين على وجه عام يعدون هذه المنطقة الشمالية بمثابة موطنهم الأصلى (نتشى يا أسلى)، ويعدون لهجتى لامو وممباسا لهجتين فصيحتين إلى حد ما، ويطلق اسم كنكوزى على لغة الشعر القديم، التى زودت الشعر الحديث بتقاليده؛ ويقال إنها هى اللغة التى كان يتكلم بها أهل الناحية التى حول مالندى ومايزالون (انظر Steere)؛ ويقول دوارت باربوسا (Duarte Barbosa) إن "مغاربة" كلوه كانوا يتكلمون بالعربية، وظلت هذه حال المهاجرين المحدثين والأسر العربية التى احتفظت بنقاوة دمائها، بيد أنه مع تفشى الرق وتكاثر المولدين -وقد بلغ كثير منهم إن لم يكن جلهم مرتبة الأحرار- نشأت لغة جديدة شيئًا فشيئًا، إفريقية فى بنائها، ولكنها متأثرة تاثرًا كبيرًا بالعربية فى مفرداتها. وتختلف اللغة بطبيعة الحال باختلاف الجهة وباختلاف القبائل التى كان يحتك بها المستعمرون العرب أكبر احتكاك. أو باختلاف الجهات التى كانوا يجلبون منها عبيدهم. ولكن من الواضح أن جل هؤلاء، أو قل كلهم، كانوا ممن يتكلمون بلغة البانتو؛ وقد جاء، فى رواية لامو، أن الأهالى الذين وجدهم المستعمرون الأولون فى جزيرة ييت كانوا من الوبونى، وهى قبيلة تعيش على الصيد ما زالت تنزل غابات وادى تانا وتتكلم بلغة غير لغة البانتو لم يسجل منها إلى الآن إلا النزر اليسير؛ وسواء أكان هذا صحيحا أم غير صحيح فإننا لا نستطيع فيما يبدو أن نتبين أى أثر فى اللغة السواحلية للكلام الوبونى. ومن البين أنه لم يكن ثمة وجود لقبيلة "سواحلية" متميزة قبل تسلل الشعوب الدخيلة السابق الإشارة إليها أو مستقلا عنها وهذه الشعوب هى العرب والفرس (ربما قبل الإسلام، ولكن تاريخ هذا التسلل يرجع على وجه التحقيق إلى إنشاء مستعمرة كلوه عام 975 م على الأقل؛ انظر Ingrams، ص 76، 126؛ و Hollis. ص 257 و 182)

ولعل الهنود والأندونيسيين كانوا من بين هذه الشعوب؛ وقد يكون السواحلى اليوم إفريقيا خالصًا لا تشوب دماءه شائبة من دم عربى أو دم آخر نقيل وليس السواحليون، بحسب ما نتوقع من الظروف التى تقدم بنا وصفها، جنسا صفاته الجسمانية واحدة، وإنما هم يشتركون كلهم تقريبًا، فى سمات إفريقية واضحة، اللهم إلا فئة من العرب الخُلصْ. وقد تجد فى الأسرة الواحدة تتمثل فيهم درجات اللون المختلفة، على حين نجد بعضهم مفلفل الشعر وبعضهم مموجه وبعضهم مستقيمه. والظاهر أن وصف برتون (Burton، ص 414 وما بعدها) فيه شئ من التصوير الفكاهى، ويصدق هذا أكثر وأكثر على وصفه خلقهم، وإنما كان برتون ينحو فى نظرته إلى كل ما هو إفريقى منحى المغرض المتحيز (انظر Ingrains، الفصل 47)؛ وكل السواحليين، فيما خلا فئة قليلة لا يعتد بها (إذ المرتدون منهم إلى الدين المسيحى قليلون جدًا)، مسلمون صادقو الإسلام من أهل السنة على مذهب الشافعية. أما العرب فكلهم أو جلهم من الإباضية (Ingrams، ص 188 - 193 و 434)، بيد أن مذهب حيوية المادة ينتشر انتشارًا كبيرًا بين أولئك الذين أصابوا حظًا قليلا من الثقافة، وهذا هو شأنه فى غير ذلك من البلاد. ففى ممباسا تنذر النذور وتقدم القرابين إلى قبر ولى يعرف باسم "شهه جندنى". والغالب أنهم يفعلون ذلك استجلابًا للأذى على عدوهم، ويعدّد Ingrams (ص 435 وما بعدها) خرافات شتى وأعمال سحر متباينة مع إشارات (ص 501 و 505) إلى خوارق (ويبدو أنه استقى روايته من مصدر موثوق به)، لم تعلل قط تعليلا مقبولا. واللغة السواحلية، كما تقدم بنا القول، إفريقية التركيب فى جوهرها، أو قل هى بانتوية بصفة خاصة، على أنه لا يمكن الزعم بأنها تقوم فى أساسها على أية لغة بذاتها من لغات البانتو، ولعل بوكومو وادى تانا هى القبيلة التى اتصل بها مستعمرو بيت ولامو الأولون أكبر اتصال، ومن المحقق أن أثر لغتهم فى اللهجة اللاموية من اللغة السواحلية لا يخطئه أحد. ونحن لو

أخذنا الأمور بالظاهر لبدا لنا أنها كانت دون القبائل البانتوية اللغة، القبيلة الوحيدة التى كانت فى متناول مستعمرات العرب الشمالية حتى القرن السادس عشر، وعندئذ انتقلت قبائل "النيكا" فى روايتهم ميممة شطر الجنوب الغربى قادمة من "شنكوايا"، ولكن ليس ثمة دليل على أن هذا الموضع (وهو الآن داخل فى الصومال الإيطالى) كان موطنهم الأصلى. وليس من سبب يدعونا إلى الشك فى أنه سبقت هذه الهجرة هجرات من الجنوب أو الغرب لم يدون خبرها. ويزعم إنكرامز Ingrams (ص 64) أن الأهالى الذين ورد ذكرهم فى كتاب "الرحلة" Periplus لا يمكن أن يكونوا من البانتو، بيد أن قوله هذا يصعب أن يكون هو القول الفصل. ويجب الا يغرب عن بالنا ضمنًا أن "البانتو" ليس اسمًا لشعب كما أن "الأمم التى تتكلم بالانكليزية" ليست شعبًا بذاته. ويمكن أن نجمل السمات العامة للغات البانتو فيما يلى: قيامها فى بنائها على التراكيب المندمجة، والقاعدة المتبعة فى أنواع الاسم فيها، وانعدام الجنس فى نحوها. وقد لحق أنواع الاسم فى لغة السواحلى تهذيب كبير يدل على أنها مرت بمرحلة طويلة من التطور، كما يدل على أنها تأثرت تأثرًا عظيمًا باتصالها بغيرها من اللغات الأجنبية. ومما يثير الدهشة أن الصور الصوتية نادرة فيها إلى حد ما (Lautbilder)، وهى خاصية ملحوظة جدًا فى لغات الزولو والنيانجا واليآو مثلا، وكذلك فإن نشوء الجملة الاسمية مما يثير الدهشة أيضًا. وتلك حجر عثرة فى سبيل الطلبة الأوربيين ولا وجود لها فى صور الحديث الأكثر بدائية فى لغة البانتو. ومن الواضح أن الكلمات العربية هى أكثر الكلمات الدخيلة فى مفردات اللغة السواحلية، وكان شأنها فى هذه اللغة شأن اللاتينية فى اللغات التيوتونية وخاصة الإنجليزية. وكثير من هذه المفردات، كما هو منتظر، مصطلحات فى الدين وشعائره مثل: دوا وكوسالى ("كو" هى البادئة التى تدخل على المصدر) وكوسوجودو، وإمامو، وكتبا إلى آخره؛ أما استعمال كلمات من أمثال سلطانى وأميرى ودله فمن الواضح أنه قد ألجات إليها

الضرورة، وكذلك أسماء الأشياء التى أدخلها العرب مثل صهنى = صحن، وسفريه = القدر من المعدن، وأوفه = الطابق الأعلى من منزل، وجهزى = السفينة الشراعية، وغيرها كثير؛ ويبدو فى بعض الحالات أن ادخال الكلمة العربية لم تكن تدعو إليه الضرورة إطلاقًا مثل سمكى للكلمة السواحلية القديمة سوى = سمك (وهى فى لغة بوكومو نسوى، ووسيلى لكلمة فكه بمعنى يصل، ورودى لكلمة أويا بمعنى يعود (قارنها بكلمة بويا فى لغة الزولو)، وزمانى لكلمة كاله بمعنى منذ زمن طويل، ومحلى لكلمة بانتو بمعنى محل، ثم إن أثر العربية فى النحو السواحلى مقصور على إدخال حروف الجر وحروف العطف (لغة البانتو يعوزها أجزاء الكلام بشكل واضح) مثل "حتى" و"لكنى" و"ولا" و" (كوا) سببو" و"بله" إلى آخره، مما نستطيع معه القول بأنها سدت حاجة كانت اللغة تفتقر إليها، وهى على وجه التحقيق تيسر الإنشاء الأدبى. وقد تغير النطق بالكلمات العربية بطبيعة الحال تغيرًا كبيرًا، وذلك يرجع إلى حد كبير إلى إدخال الحروف المتحركة بين ساكنين مثل "رزيكى" من رزق، ما دامت أن كافة المقاطع السواحلية مجهورة؛ ويواجهنا موضوع طريف فيما يتصل بالكلمتين "هروفو" (عرف) و"هروسى" (عرس) حيث حل الحرف الحلقى فى النطق الشائع محل العين (ويحذفه بعض المتحدثين، وهذا يعتبر أصح فى الواقع)، وتختزل العين فى جهات أخرى إلى وقفة حلقية، أو تهمل إهمالا. وتنطق الغين أحيانا كما تنطق الجيم المصرية، وأحيانا كما تنطق الهاء اللهم إلا من متحذلقة المستعربين. وقد أدى النطق بالأفعال العربية إلى بعض الحيرة مثل: "رزوكو" من رزق، و"سفرى" من سفر. ولكن الأفعال العربية فى اللغة السواحلية، قد أخذت، فى رواية سيدل (Seidel ص 101)، من الفعل الماضى الناقص لا من أصل الكلمة؛ وثمة كلمات فارسية مستعارة ترد فى هذه اللغة متفرقة، ولعل بعضها قد نقل فى تاريخ مبكر مثل "بومه" بمعنى السياج الحصين، وبمبه بمعنى القطن، وكيبوكو بمعنى فرس النهر (وكان معناها أولا السوط المصنوع من

جلد هذا الحيوان) من جابك. ولعل أصل بعض هذه الكلمات عربى مثل سروالى بمعنى سراويل، ومريجانى بمعنى مرجان، وبستانى بمعنى بستان. أما الكلمات البرتغالية المستعارة فليست كثيرة، مثل مزه بمعنى مائدة وجرزة وهى مشتقة من أجريحة، ولكنها تستعمل الآن بمعنى "قلعة" أو "سجن"، ومفنيو من فنهو، وعدة كلمات تتصل بألعاب الورق، وقد نقلت عن الانجليزية فى العصر الحديث كلمات كثيرة جدًا. أما تاريخ استعمال الخط العربى فى كتابة اللغة السواحلية فغير محقق، ويبدو أن كافة ما كشف من المخطوطات حتى الآن لا يرجع تاريخه إلى أكثر من مائتى سنة. بيد أن قصيدة كقصيدة انكشافى التى يتكهن تايلور Taylor (انظر Sigand، ص 73) أنها نظمت فى تاريخ سابق على سنة 1498، فمن العسير أن تكون قد تنوقلت بالرواية، بل إنها لتوحى بأن اللغة السواحلية مرت بأطوار طويلة من الثقافة. وما زال الخط العربى مستعملا استعمالا واسع النطاق فى الرسائل وخاصة فى الزنجبار والمدن التى تقع شمالى ممباسا، بالرغم من أن العلم بالحروف الرومانية يزداد فى مدارس البعثات ومدارس الحكومة. وقد أخذت هذه الحروف تحل محل الخط العربى، وهى فى الواقع أنسب فى التعبير عن أصوات اللغة السواحلية؛ ويستعمل الحرفان الفارسيان "ب" و"ف" استعمالا شائعًا للتعبير عن الحرفين " P " و" f "، ولو أن بعض الكتاب ممن هم أقل تعليما يستعملون أحيانًا " ب" و"ف" للتعبير عن هذين الحرفين، فمثلا يعبرون عن pepo و Vetu بـ "بب" و"فت"؛ أما (ch (ts فيعبر عنها أحيانًا بـ "ش"، وأحيانًا -وخاصة عند الكتاب الشماليين - بـ "كـ" و g بـ "غ" وأحيانًا بـ "ج"، ويحذف عادة الحرف الأنفى الساكن الذى يسبق حرفًا ساكنًا آخر (كما فى التركيبات الشائعة mb و nez, ny وفتكتب nyumba مثلا "يب") ولكن كثيرًا ما يعبر عن nd بالعلامة ر (فيقال كر للتعبير عن الكلمة كونده Kwenda) ونخرج من هذا بأنه لا يمكن قراءة اللغة السواحلية بالخط العربى دون العلامات الدالة على الحركة، بل لا

المصادر

يمكن قراءتها مع وجود هذه العلامات إذا أهمل فى وضعها؛ وقد أورد ستير Steere. ص 6 مثلا على الخلط الذى يحدث نتيجة لهذا. ويقتصر الأدب السواحلى على الشعر (اللهم إلا ما شجع الأوربيون على كتابته فى العقود القليلة الأخيرة من القرن الماضى) فالأناشيد التى نسبت الى ليونكو فومو، إن صحت، ربما كانت ترجع إلى القرن الثالث عشر على الأكثر، وقد نشر المرحوم C. G. Butner من القصائد الكثيرة التى جمعها ثلاث قصائد فى Anthologie . ونشر مينهوف Meinhof واحدة بعد وفاته فى Z.K. (جـ 2، 1911 - 1912) ولا تزال مجموعات المرحوم تايلور W.E. Taylor مخطوطة، وما زال فن الشعر يلقن فى لامو وفى بوانه سلمو فى ممباسا على ما نتبين من الديوان الحديث الذى نظمه محمد ابن أبى بكر بن عمر (كيجومه). أما العروض، وقد استعير أصلا من العربية، فقد عدّل بما يتفق وإبداع هذه اللغة وما فيها من نبرات متسقة تقع على المقطع قبل الأخير من الكلمة، وبما يتفق وفخامة نطقها. ويجب ألا ننسى أننا نجد -إلى جانب هذا الإنتاج الذى يدل على الوعى الأدبى- فيضا من الشعر الشعبى الحى يمكن مقارنته بمثيله من شعر جنوبى أوربا. وقد جمع كل من زاخه Zache وفلتن Velten وغيرهما شواهد من هذه الأغانى الشعبية. المصادر: (1) its History: Ingrams Zanzibar and its People، لندن 1931. (2) Die Portugiesen-zeit, von Deutsch-und English-Ostafrika: Strandes برلين 1899. (3) Periplus of the Erythraean Sea: Schoff لندن الفصل 1912، الفصل 16، ص 28 والتعليقات، ص 96 و 99. (4) Handbook of Swahili: Steere, لندن 1884. (5) المؤلف نفسه: East African Tribes and Languages journal Anthrop Inst، جـ 1، ص 143 - 154، 1871. (6) Notes on the History of Vumba, East Africa J.R.A.T: Hollis؛ 1900 (مخطوط، جـ 3).

زنكى

(7) Zanzibar: Burton، لندن 1872. (8) Das Arabische Element in Suaheli: Seidel؛ فى z.afr.u.oz. Spr. ص 97. (9) W. E. Taylor فى Dialect in Swahili: Stigand كمبردج 1915. (المقدمة، ص 80 وما بعدها). (10) المؤلف نفسه African Aphorisms , لندن 1891. (11) Anthologie der Suaheli-Litteratur: Buttner . برلين 1894. (12) Prosa and Poesie der Suaheli: Velten برلين 1907. (13) Zache فى Z. a. o. S.، 1897، ص 131 و 250. (14) Meinhof فى، Z. K. 1911 - 1912 . (15) The Swahali Saga of Liongo Fuma: Werner فى Bull, School of Or Studies جـ 4، ص 247. (16) المؤلف نفسه A traditional poem attributed to Liongo Fumo فى Meinhof- Festschrift، 1927. (17) المؤلف نفسه: Native Poetry in East Africa فى Africa جـ 2، 1928. صبحى [أليس فرنر Alice Werner] زنكى عماد الدين بن قاسم الدولة آق سنقر بن عبد اللَّه أتابك الموصل ومن أبرز الأمراء فى العهد السلجوقى. كان أبوه آق سنقر الحاجب مملوكا تركيًا فى خدمة السلطان ملكشاه فأقطعه هذا السلطان مدينة حلب. فلما توفى السلطان ملكشاه انتقض آق سنقر على أخيه السلطان تتش فأسر وقتل عام 487 هـ (1094 م) ومن ثم فقد زنكى، وكان فى ذلك الوقت حدثًا لا يزيد عمره على عشر سنوات، أملاك أبيه التى انتقلت إلى تتش والأمراء الذين انحازوا إلى جانبه. وقد برز زنكى عدة مرات فى عهد ولاة الموصل الذين جاءوا بعد تتش، فكان أن أقامه والى بغداد آق سنقر البرسقى على واسط عام 516 هـ (1122 - 1123 م) وكان البرسقى آنئذ يشرف على العراق بأسره، ثم ولى

زنكى على البصرة بالإضافة إلى واسط. وفى عام 518 هـ (1124 - 1125 م) نقل آق سنقر من بغداد إلى الموصل، ولكنه خر صريعًا فى ذى القعدة عام 520 (نوفمبر 1126) إذ طعنه الحشاشون بخناجرهم لأنهم كانوا يمقتونه لحماسته فى مشايعة الخليفة والسلاجقة، وقتل ولده مسعود فى السنة التالية. ولعل أمراء الشام قد دسوا له السم لما كان بينه وبينهم من عداوة. وجاء بعد ذلك دور الأخ الأصغر لمسعود بوصفه وارثًا لولاية الموصل، وكان يؤيده فى دعواه الجاولى قائد الموصل الذى كان من مماليك آق سنقر. وأرسل الجاولى قاضى الموصل ورئيس حجاب آق سنقر إلى بغداد ليزكيّا الأخ الأصغر لمسعود لدى السلطان محمود، غير أن هذين الرسولين أدركا أن تنفيذ خطط الجاولى كانت فيما يبدو لا تخلو من مصاعب، ولذلك استمالهما الى جانبه أحد أقارب زنكى فأقيم واليًا على الموصل وكان دخوله الرسمى إليها فى شهر رمضان عام 521 (سبتمبر - أكتوبر 1127). وقد عهد السلطان إليه بتأديب ولديه ألب أرسلان وفرخ شاه، ومن ثم خلع على زنكى لقب الأتابك واستولى زنكى فى السنة ذاتها على جزيرة ابن عمر ونصيبين وسنجار وحران. وفى المحرم من عام 572 (يناير سنة 1128) استولى على مدينة حلب وكانت تعمها الفوضى، ثم جاء زنكى فأعاد النظام إليها. واستولى فى العام التالى على حماة غدرا، ولكنه أخفق فى الاستيلاء على حمص ودمشق. ويجدر بنا أن نذكر من أعماله الأخرى فى هذا العهد استيلاءه على حصن الأثارب بين حلب وأنطاكية وتخريبه، وكان يحتله الصليبيون. وقد انحاز زنكى إبان القتال من أجل السلطنة بين الأمير السلجوقى مسعود ابن محمد وبين أخيه سلجوق، إلى مسعود (526 هـ = 1131 - 1132 م). ولما أراد سنجر عم هذين الأخوين فرض سلطانه انحاز إليه كل من زنكى ودبيس بن صدقة، غير أن هجمات هذين الأميرين على بغداد لم يحالفها التوفيق، كما أن الخليفة المسترشد أخفق هو أيضًا فى محاولته الاستيلاء على الموصل، وكان قد حاصرها ثلاثة أشهر (527 هـ = 1132

- 1133 م). وعندما اشتبك خليفته الراشد فى نزاع مع السلطان مسعود انحاز زنكى بادئ الأمر إلى الراشد، غير أنه استميل للموافقة على عزل الراشد وبايع الخليفة المكتفى. وفى عام 531 هـ (1137 م) هاجم زنكى حصن بعرين (Moesferrandus) بعد أن حاصر حمص عدة أشهر دون جدوى. وقد استنجد قائد الحصن المسيحى بالملك فولك Fulk صاحب بيت المقدس، غير أن هذا الملك نزلت به هزيمة منكرة، فلم يجد الحصن بدًا من الاستسلام. وقد ظهر فى الميدان فى ذلك الوقت عدو جديد هو الإمبراطور يوحنا الثانى إمبراطور القسطنطينية الذى كان يرمى أول الأمر إلى إخضاع الأمير الثائر ليو صاحب أرمينية الصغرى وحليفه رايموند صاحب أنطاكية، لكنه بعد أن وطد الأمن والسلام تحالف مع قواد الصليبيين، واستولى على حصن بزاعة ثم تقدم نحو حلب، ولكنه سرعان ما تخلى عن رغبته فى إخضاعها بمحاصرتها حصارًا طويل الأمد، وهاجم شيزر. وقد دافع أهل المدينة عن أنفسهم دفاعا مجيدا، ولذلك قبل الإمبراطور شروط واليها وعاد إلى أنطاكية (رمضان عام 532 هـ = مايو - يونية سنة 1138 م) وفى أعقابه زنكى الذى استولى على كثير من الأسوى والغنائم. وفى العام ذاته سلم شهاب الدين محمود والى دمشق إلى زنكى مدينة حمص بعد مفاوضات طويلة دارت بينهما. وفى شهر ذى القعدة من عام 533 هـ (يولية 1139 م) خرج زنكى فى حملة على بعلبك، واضطرت حاميتها إلى الاستسلام بعد مقاومة عنيفة. وقد ذبح العدد الأكبر من رجالها مع أن زنكى كان قد وعدهم بالخروج منها آمنين. على أن الغرض الأكبر الذى كان يستهدفه هو الاستيلاء على مدينة دمشق الزاهرة، فحاصرها فى شهر ربيع الأول عام 534 (أكتوبر - نوفمبر سنة 1139). ولم يكن أمير دمشق جمال الدين محمد ليرضى بأن يستبدل دمشق بحمص وبعلبك، ثم إنه لم يكن يثق تمامًا فى زنكى بعد ما حدث فى بعلبك. وقد توفى جمال الدين بعد ذلك بأشهر قليلة فلجأ الأمير الجديد معين الدين وكان يحكم المدينة باسم القاصر مجير الدين بن جمال الدين-

المصادر

إلى الصليبيين وعرض عليهم مدينة بانياس إذا هم عاونوه. ومن أجل ذلك رفع زنكى الحصار وعاد إلى الموصل. وبعد أن استولى زنكى على عدة معاقل فى شمالى الجزيرة دب النزاع بينه وبين السلطان مسعود الذى أعلن عليه الحرب آخر الأمر. غير أن زنكى استسلم واشترى الصلح (538 هـ = 1143 - 1144 م). وفى جمادى الآخرة عام 539 (ديسمبر عام 1144) انتزع من أيدى الصليبيين مدينة الرهاء الهامة، ثم هاجم بعد ذلك بعامين قلعة جعبر فى الجزيرة حيث اغتاله بعض المماليك فى ليلة الخامس من ربيع الثانى (سبتمبر 13 - 14) أو فى الخامس عشر من ربيع الثانى عام 541 (24 سبتمبر عام 1146) في قول رواية أخرى. وخلفه على الموصل ولده صفى الدين غازى الأول، وعلى حلب ولد آخر اسمه نور الدين محمود. ويثنى المؤرخون المشارقة أعظم الثناء على ما تحلى به الأتابك زنكى من مواهب سياسية، على أنهم فطنوا إلى أنه كان رجلا لا وازع له من ضمير. ويعطينا ابن الأثير صورة واضحة حية (جـ 11، ص 72) عن الرخاء وكيف عاد بفضل عنايته إلى البلاد التى هددها الفرنجة والتى أجدبت بسبب أعمال السلب والاغتصاب وكثرة تعاقب الولاة عليها. المصادر: (1) ابن خلكان: وفيات الأعيان، طبعة فستنفلد، رقم 244 (ترجمة ده سلان، جـ 1، ص 539 وما بعدها). (2) ابن الأثير: الكامل، طبعة تورنبرغ، جـ 10، 11 فى مواضع مختلفة. (3) Recueil des Historiens des Croisades, Historiens orientanx جـ 1 - 3، الفهرس. (4) Recueil de textes relatifs a l'histoire des Seldioucides: Houtsma، جـ 2، ص 179 - 181، 195، 204 - 212. (5) Gesch. d, Chalifen: Weil جـ 3، ص 193، 199، 215، 221، 226 - 228، 244 - 253، 257 - 260، 280 - 290.

الزهاوى

(6) The Damascus Chronicle of the: H. A. R. Gibb لندن سنة 1932. (7) Crusades Geschichte des Konnigreichs Jerusalem: Rohricht انظر الفهرس. (8) The Mohommadan Dynasties: Lane-Poole ص 162 وما بعدها. (9) خليل أدهم: دول إسلامية، ص 232 وما بعدها. (10) Manuel de Genealogie et de chronologie: de Zambaur الشنتناوى [تسترشتين K.V. Zettersteen] الزهاوى جميل صدقى: أعظم شاعر عربى أنجبه العراق الحديث. ولد فى بغداد فى التاسع والعشرين من ذى الحجة عام 1279 (18 يونية سنة 1863) وتوفى فى الثالث والعشرين من فبراير سنة 1936. وأبوه محمد فيضى الزهاوى، مفتى بغداد، من أصل كردى من بيت البابان الذى كان أفراده فى وقت من الأوقات أمراء السليمانية. وتذهب رواية من الروايات إلى أن هذه الأسرة ترد نسبها إلى خالد بن الوليد القائد العربى المشهور. وقد عاش جد جميل ردحا من الزمن فى زهاو من أعمال فارس، ومن ثم نسب إليها، وكانت أمه أيضًا من أصل كردى. وتلقى الزهاوى على أبيه العلوم الإسلامية المأثورة، كما أكب على دراسة المعارف الأوربية بحماسة لا تقل عن حماسته فى دراسة هذه العلوم، مستقيا إياها من الكتب التى كانت فى متناول يده باللغات الشرقية الأربع: العربية والفارسية والتركية والكردية. ولكنه لم يكن يعرف اللغات الأوربية. على أن درايته الواسعة ومواهبه الطبيعية العظيمة مهدت له فى صدر حياته تولى مناصب مختلفة، وإن كانت آراؤه الحرة واشتهاره بالزندقة قد حالت بينه وبين الاستقرار فى منصب من المناصب. وكان الزهاوى أيضا معتل الصحة، ففى الخامسة والعشرين من عمرة انتابه مرض مزمن فى العمود الفقرى؛ وفى الخامسة والخمسين أصاب العرج ساقه اليسرى.

وقد اختير الزهاوي وهو فى شبابه عضوًا فى مجلس التعليم ببغداد، ثم رأس بعد ذلك دار الطباعة الحكومية بصفته محرر الصحيفة الرسمية "الزوراء" وبصفته عضوًا فى محكمة الاستئناف. واستدعى الزهاوى إلى إستانبول عام 1896، وانتهز فرصة هذه الرحلة فزار مصر وتعرف فيها بالدوائر العربية الأدبية والعلمية. وفى إستانبول انضم إلى جماعة تركيا الفتاة، على أن انضمامه إلى هذه الجماعة لم يؤد إلى نفيه من تركيا، بل أرسل فى بعثة تركية إلى اليمن. واستطاع بعد جهد جهيد أن يحصل وهو فى إستانبول على إذن بالعودة إلى بلده، ولم يجب إلى هذا الطلب إلا بعد أن اشترط عليه الإقامة فى بغداد لا يغادرها. وحوالى ذلك الوقت ظهرت رسالته التى هاجم فيها الوهابيين (الفجر الصادق، القاهرة 1223 هـ؛ 1905 م انظر. R. M. M. جـ 12، سنة 1910، ص 466) ومجموعة أشعاره الأولى (الكلم المنظوم، بيروت عام 1327 هـ = 1909). وبعد انتهاء ثورة تركيا الفتاة دعى الزهاوى مرة أخرى إلى إستانبول ليدرّس الفلسفة الإسلامية والأدب العربى فى جامعتها. ونشرت محاضراته فى الفلسفة باللغة التركية بعنوان "حكمت إسلاميه درسلرى". واضطر الزهاوى إلى العودة إلى موطنه لمرض شديد أصابه. وأخذ يدرس القانون فى بغداد بمدرسة الحقوق. وقد هاجت الخواطرُ فى ذلك الوقت مقالاتهُ التى نشرها عن تحرير المرأة فى المؤيد (انظر ملخصها فى. R M. M. جـ 12، سنة 1910، ص 467 - 470) وهى الدعوة التى كان على الدوام من أنصارها المتحمسين فأدى ذلك إلى اضطهاده. وأمضى الزهاوى قبل الحرب العالمية الأولى ردحا من الزمن فى إستانبول بوصفه نائبًا عن بغداد. وعاش إبان الحرب وفيما بعدها ببغداد، وتقلب فى مناصب مختلفة وخاصة ما يتصل منها بالترجمة والتحرير. وقد نزل بالزهاوى كثير من الشدائد فى تلك السنين، واعتذر عن عدم قبول منصب شاعر البلاط ومؤرخ العراق الذى عرضه عليه الملك فيصل. وفى عام 1924 قام برحلة أخرى إلى الشام ومصر. فلما عاد اختير عضوًا

فى مجلس الشيوخ، وظل يشغل هذا المنصب أربعة أعوام. وأراد الزهاوى أن يدافع عن آرائه الاجتماعية وغيرها فأصدر سنة 1926 مجلة صغيرة بعنوان "الإصابة" لم يصدر منها سوى ستة أعداد (انظر عبد الرزاق الحسنى: تأريخ الصحافة العراقية، النجف سنة 1935، ص 36 رقم 39) واعتكف الزهاوى عن الناس آنئذ، وعاش فى عزلة تامة تقريبًا يعانى الفقر الشديد (انظر مجلة الرابطة الشرقية، القاهرة، جـ 2، رقم 2، ديسمبر سنة 1926، ص 7). وأشعار الزهاوى التى يخطئها الحصر قد تفرقت فى الصحف والمجلات العربية فى أمهات البلاد العربية، ولم يجمع منها إلا القليل، ذلك أن المجموعة الثانية من أشعاره لم تصدر إلا بعد مضى خمسة عشر عامًا على صدور المجموعة الأولى. وهذه المجموعة الثانية هى رباعيات الزهاوى (بيروت عام 1924) وديوان الزهاوى (القاهرة سنة 1924؛ R. M. M. جـ 62، سنة 1925، ص 209)، وتوجد مختارات من أشعاره فى جميع العهود فى مجموعة اللباب؛ (بغداد سنة 1928، انظر M.S.O.S. جـ 31، القسم 2، سنة 1928، ص 207 - 210؛ وهناك مختارات مترجمة إلى الألمانية فى Widmer الكتاب المذكور ص 20 - 49). وتعرف آخر هذه المختارات باسم الأوشال (بغداد سنة 1934، مجلة الجمعية الآسيوية الملكية، سنة 1936، ص 160 - 161). ويمكن الاطلاع على كثير من قصائده الطويلة فى المجلات بصفة خاصة. مثال ذلك المحاولة التى بذلها فى الشعر المرسل بعنوان "بعد ألف عام" فى مجلة الهلال، جـ 25، رقم 8، يونيه سنة 1928، ص 913 - 917، ومسرحية "رواية ليلى وسمير" فى لغة العرب، جـ 5، سنة 1928، رقم 10، ص 577 - 608. وتوجد القصيدة التى يصف فيها الفيضان الكبير بالعراق بعنوان "نكبة الفلاح" فى مجلة الرابطة الشرقية، سنة 1929، رقم 7، ص 23 - 26 (انظر الربيع والخريف، فى المجلة المذكورة، رقم 8، ص 18 - 22). أما القصيدة الطويلة المعنونة "الثورة فى الجحيم، فقد نشرت فى مجلة الدهور

(جـ 1، سنة 1931، رقم 6، ص 641 - 669، وقد ترجمها Widmer، كتابه المذكور، ص 50 - 79) وهى القصيدة التى اتهم من أجلها مرة أخرى بالإلحاد، وتعتبر هذه المجموعات كلها وكذلك القصائد المفردة خير الشواهد على تطبيقه لنظرياته من الناحية العملية، وهى النظريات التى أفرد لبسطها وشرحها عددًا من المقالات والمحاضرات والمقدمات التى وضعها لدواوينه الشعرية. وهو يرى أن الشعر بجميع أغراضه يجب أن يتحرر من أسر التقاليد الجامدة بحيث لا يراعى فيه إلا القواعد اللغوية (والزهاوى فى هذه الناحية من أنصار اللغة الشعبية الحية، ومن رأيه أن تحل هذه اللغة محل لغة الكتابة الحالية. R.M.M جـ 12، سنة 1910، ص 670، 681 - 682). ويصح أن تتنوع القافية، بل هو قد جوّز اصطناع الشعر المرسل، وقال بعدم وجوب تقييد الأوزان بالنظريات التى وضعها الخليل؛ وبأن نهضة الشعر لا تكون بتقليد فحول الشعراء الأوربيين تقليدًا أعمى. ويجب على كل شاعر أن يظل أمينًا على لغته بل مخلصًا لشعبه أيضا. ونظرة إلى بعض أقسام ديوان الزهاوى كافية للدلالة على أنه قد خرج خروجًا تامًا على أغراض الشعر القديمة كالمديح والهجاء وغيرهما. وهذه الأقسام هى الشهقات (الموضوعات الفلسفية) والحديث شجون (الشعر القصصى) وأنين المجروح (النواح) ووحى الضمير (الوطنيات) والمرأة (الحركة النسوية) وغير ذلك. ولا يستطيع أحد أن ينكر أن الزهاوى مجدد بمعنى الكلمة فى الشعر العربى سواء فى مادته أو فى قوالبه. وكان الزهاوى من أصحاب المواهب الأصيلة، ولكنه كان متشائمًا إلى أبعد الحدود. وليس ذلك غريبًا منه بالنسبة لظروف حياته (بل إنا لنجد عنده أفكارًا عن الانتحار، وهذا عجيب فى الشعر العربى: الديوان، ص 404). وأكثر أشعار الزهاوى جياش بالقوة والحياة نظم بلغة سهلة مشرقة. على أن هذه القوة والحياة لم تحرم هذه الأشعار من أن تكون فى كثير من الأحيان حافلة بالمشاعر العميقة، مثال ذلك قصيدة "الغريب المحتضر" (الديوان، ص 103 - 105، وقد ترجم نخلة R. Nakhla شطرًا منها.

انظر. M.S.O.S جـ 31، قسم 2، سنة 1928، ص 169، وترجمها إلى الألمانية Widmer الكتاب المذكور، ص 10: 12) والقصيدة الفريدة فى بابها التى نظمها بعنوان "تنويما لطفلتها" (الديوان، ص 14) وقصيدة "على قبر ابنتها" (الديوان، ص 77 - 79). على أن الزهاوى لم يصب مثل هذا النجاح فى المحاولات التى بذلها لتبسيط نظرياته العلمية الأصيلة بعرضها فى قالب شعرى (مثال ذلك أشعاره عن قوى الجاذبية والتنافر: الديوان، ص 142 - 143، أو عن شأن الأثير فى خلق العالم: الرباعيات، ص 190، رقم 251 إلى غير ذلك). ولم يكن الزهاوى شاعرًا فحسب بل كان أيضًا عالمًا وفيلسوفًا، فهو أستاذ فى العلوم الإسلامية المأثورة. وشاهد ذلك مساجلاته والموضوعات المختلفة التى كان يعلّمها. وقد تعمق أيضا فى دراسة العلوم الطبيعية، وبسط كثيرًا من النظريات المشهورة، مثل نظرية الكهرباء وقوة التنافر (وهى النظرية العامة المقابلة لنظرية الجاذبية). وغير ذلك. وقد أيد هذه النظريات بقوة فى كثير من المقالات المتفرقة وفى ثلاث مجموعات: كتاب الكائنات (القاهرة سنة 1896) الجاذبية وتعليلها (بغداد سنة 1326 هـ = سنة 1910؛ انظر L. Massignon في R.M.M جـ 12، سنة 1910، ص 567 - 570) المجمل مما أرى (القاهرة سنة 1924، انظر RM .M، جـ 62، سنة 1925، ص 209 - 210، وكان المؤلف فخورًا بالكتاب الأخير خاصة، انظر Widmer: كتابه المذكور ص 7، 18) وتقوم نظرياته على التأمل وليس على التجربة. وقد قوبلت هذه النظريات بفتور، بل إن البيئات العلمية العربية قد رمتها بالخطأ (مثال ذلك مجلة المقتطف). وكتب الزهاوى علاوة على ما ذكرنا فى موضوعات أخرى مثال ذلك الخيل وسباقها (1896) والشطرنج (مجموعة كبيرة لم تنشر بعد: أشراك الداما، انظر بطى: سحر الشعر، ص 13، الأدب العصرى، ص 16) إلخ. ويجب أن ننوه فى هذا المقام بأن شهرة الزهاوى لا تعتمد على كتابته فى هذه الموضوعات، وإنما هى تعتمد على تبريزه فى الشعر. ولا شك فى أنه يعد كاتبًا من الطبقة الأولى فى الأدب العربى الحديث. والزهاوى مشهور أيضًا بشعره الفارسى، ذلك أن تضلعه

المصادر

فى هذه اللغة أتاح له أن يترجم مختارات من رباعيات عمر الخيام (رباعيات الخيام، بغداد سنة 1928، ولقد تم إعداد النص الفارسى لمائة وثلاثين رباعية مع ترجمتها النثرية والشعرية فى عام 1925، انظر G.Kampffmeyer فى M. S. O. S جـ 31، قسم 2، سنة 1928، ص 210 - 211، و F. Krenkow في مجلة الجمعية الأسيوية الملكية، سنة 1929، ص 173 - 174). ولسوف يذكر بعض العلماء الأوربيين كيف تجلى الزهاوى فى أعياد ذكرى الفردوسى التى أقيمت فى طهران عام 1934، فقد قوبلت قصائده التى نظمها بالعربية والفارسية، وأهداها لذكرى هذا الشاعر، باستحسان كبير من أولئك الذين استمعوا إليه من الفرس. المصادر: تجد فى أقوال الزهاوى مادة على جانب كبير من الدقة تصلح فى الترجمة له. (1) انظر ترجمته لحياته فى رباعيات الزهاوى، بيروت سنة 1928، صفحة ميم - خاء فى R.A.A.D. جـ 8، سنة 1928، ص 292 - 298 (وسيرته حتى عام 1932 فى ترجمات ألمانية لمقتطفات من خطابات الزهاوى) فى G. Widmer: كتابه المذكور، ص 2 - 13. وقد قام الزهاوى أكثر من مرة بشرح آرائه عن أصول الشعر. (2) محاضرة فى الشعر، فى بطى: سحر الشعر، القاهرة سنة 1922, ص 17 - 83. (3) نزعتى فى الشعر، فى ديوان الزهاوى، القاهرة 24 صفحة ألف - زاى. (4) كلمة فى الشعر، فى اللباب، بغداد سنة 1928 صفحة ألف - دال (والترجمة الألمانية بقلم G. Kampffmeyer فى M.S.O.S جـ 31، قسم 2، ص 207 - 210 = G.Widmer كتابه المذكور، ص 14 - 17) ونذكر بصفة خاصة من بين المصادر العربية عنه والتى تحوى كثيرا من المقالات المتفرقة التى لا يسهل الحصول عليها مقالين لبطى هما: سحر الشعر، القاهرة سنة 1923، ص 4 - 83، الأدب العصرى

زهد

فى العراق العربى، جـ 1، القاهرة سنة 1923، ص 5 - 66 (وانظر عنهما. A Schaade فيما يلى). (5) الريحانى: ملوك العرب، جـ 2، بيروت سنة 1925، ص 381 - 377 [L,Cheikho: تاريخ الآداب العربية فى الربع الأول من القرن العشرين، بيروت سنة 1926, ص 184 لا يذكر إلا كتابه: الكلم المنظوم مع تعليق يفند فيه ما اتهم به من زندقة]. (6) Dictionnaire encyclopedique de bibliographie arabe: J.E.Sarkis. القاهرة سنة 1929، ص 978 - 979 لا يذكر إلا كتبه المطبوعة حتى عام 1919. وانظر المصادر الأوربية القليلة الواردة فى G,Kampffineyer, الفهرس في M.S.O.S, جـ 31، قسم 2 (1928) ص 205. (7) A. Moderne Regungen in der inakischen kunstdichtung der Gegenwart: Schaade فى O.L.Z. جـ 24، سنة 1926، عمود 865 - 872 وخاصة كتاب Ubertragungen aus der neu-arabischen Literatur II. Der iraquische Dichter Gamil Sidqui az-Zahawi aus Baghdad. Antorisierte Ubersetzung mit eimer Einteilung uber den Schriftstellerand zmei Bildnissen von ihm: Widmer برلين سنة 1935 (= و W.I جـ 17، قسم 1 - 2، سنة 1935) وكثيرا ما استشهد به فيما سبق. (8) المؤلف نفسه: Djamil Sidqui azZahowi Ein islamischer Modernist, in Ziitschrift fur Missionskunde und Religionswissen- schaft جـ 69 سنة 1934، ص 353 - 361 (وانظر عن ذلك W.I جـ 17، سنة 1935 ص 130 وما بعدها). الشنتناوى [كراتشكوفسكي Ign, Kratschkowsky] زهد مصطلح فى التصوف الإسلامى، وهو صفة الزاهد (الجمع زاهدون وزهاد، والزهد الكف: أولا عن المعصية وعما زاد عن الحاجة، وترك ما يشغل عن اللَّه (وهذا أقصى ما يقرّ به الحنابلة) ثم الكف عن أمور الدنيا جميعًا بتخلية القلب (وهنا ندخل فى الصوفية) والتقشف التام وترك كل ما هو مخلوق، ومن ثم فإن المصطلح زهد،

المصادر

إذ يحل محل "نسك" المرادف له فى النصوص القديمة، يدل بوضوح على معنى أوسع من القناعة (والقناعة هى الاعتدال وقمع شهوات النفس)، بل أوسع من الورع أيضًا، وهو الكف عن المحارم والتحرج منها (والورع من صفات الحنابلة). ويقول المصرى فى ترتيبه للأحوال إن الورع يؤدى إلى الزهد، وقد وضع الغزالى الزهد بعد الفقر وقبل التوكل. واتسعت فكرة الزهد من عهد الحسن البصرى إلى عهد الدارانى، ثم استقرت فيما بين القرنين الثانى والثالث: فأضحى الترك غير مقتصر على اللباس والمسكن والطعام الشهى بل شمل أيضًا النكاح (الدارانى)، ثم نشأت فكرة محاسبة النفس التى توسع فيها المحاسبى (والملامتية) فأصبح التعويل على زهد النفس بترك الأغراض والشهوات مما يؤدى إلى فكرة التوكل. وقد ساق ابن الجوزى أمثلة على الزهد استمدها من سير أشهر الصوفية فى لغة ساخرة مرة. وذكر ابن عباد الرندى الشاذلى طائفة من الحالات على نية المتقشف اختارها بعناية. أما فيما يختص بالعلاقة بين شعائر التقشف فى مختلف الديانات والعقائد فانظر L.Essai sur les origines du lexique technique: Massignon , باريس 1922، ص 45 - 80. المصادر: (1) المكى: قوت القلوب، جـ 1، ص 242 - 271. (2) الخرجوشى: تهذيب، مخطوط، برلين، رقم 2819، الورقة 53 (ب). (3) القشيرى: الرسالة، ص 67 (Darstellung: Hartmann, تحت هذه الكلمة). (4) الهجويرى: كشف المحجوب، ترجمة Nicholson الفهرست تحت هذه الكلمة. (5) الغزالى: إحياء علوم الدين، طبعة 1322، جـ 4، ص 154 - 171 (تلخيص Asin Palacios فى M F.O جـ 7 [1914]، ص 82 - 84 و Tscheuscjner: Gazat Ees Lehre von der Askese, 1933).

الزهرى

(6) ابن الجوزى: تلبيس إبليس، طبعة 1340، ص 312 - 315 (الدارانى)، وص 374 - 388. (7) ابن عربى: الفتوحات المكية، جـ 3، ص 197. (8) ابن عباد الرندى: رسائل، مطبوعة على الحجر بفاس (حللها Asin Palacios فى Etudes Carmelitaioines، أبريل 1932 - ص 113 - 167 وفى "الأندلس"، مدريد، جـ 1، 1933، ص 7 - 79)؛ وانظر خاصة ص 122. (9) Recueil de textes inedits: L.Massignon، ص 146 - 148 وص 17 (عن المصرى). صبحى [ماسينيون Loui Massignon] الزهرى محمد بن مسلم بن عبد اللَّه بن شهاب، ويكنى يأبى شهاب: محدث مشهور ولد فيما يرجح سنة 50 هـ (670 م) أو 51 هـ (وفى روايات أخرى سنة 56 و 57 و 58 هـ)، وترجع نسبته إلى كونه من عشيرة زهرة المكية. وقد شهد جده بدرًا وقاتل النبى -صلى اللَّه عليه وسلم- فى صفوف قريش، وأصابه بجرح فى وقعة أحد. وكان أبوه مع عبد اللَّه بن الزبير، ولكن ابنه تصالح مع بنى أمية. وأدى الزهرى فروض الولاء لمروان المتوفى عام 65 هـ الموافق 684 م (ابن حجر: التهذيب، جـ 9، ص 445) وهو بعد فى ريّق الشباب، ثم شخص إلى بلاط عبد الملك؛ وربما كان ذلك قبل سنة 73 هـ (692 م)، لأن اليعقوبى (جـ 2، ص 313) يقول إن عبد الملك أجاب أهل الورع الذين احتجوا على منعه الحج إلى مكة: "هذا ابن شهاب الزهرى يحدثكم عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاث مساجد". والحق أن هذا الحديث المنسوب إلى النبى -صلى اللَّه عليه وسلم- والذى جاء فيه أن الحج يكون إلى المسجد الحرام ومسجد النبى فى المدينة ومسجد بيت المقدس، (وقد جمع بين هذه المساجد الثلاثة) قد ورد فى كتب الحديث الصحاح بإسناد الزهرى عن سعيد بن المسيب عن أبى هريرة (انظر البخارى: فضل الصلاة فى مسجد مكة، باب 1؛ أبى داود: المناسك باب 94؛ النسائى: المساجد، باب 10؛ أحمد بن

حنبل جـ 3، ص 324 وفى مواضع أخرى) ولكنه ورد في أحاديث أخرى بإسناد آخر لم يذكر فيه اسم الزهرى (مثل الترمذى: مواقيت باب 126؛ ابن ماجة: الإقامة، باب 196 أحمد بن حنبل، جـ 3، ص 7، 34، 45، 51، 64، وفى مواضع أخرى) وقد فسر شيخ الزهرى سعيد بن المسيب، وهو الذى روى عنه الزهرى هذا الحديث، حلما رآه عبد اللَّه بن الزبير فقال إنه ينبئ بفوز عبد اللَّه المبين. ويذكر ناقل الخبر فى ابن سعد (جـ 5، ص 91 س 10 وما بعدها) كيف خف إلى دمشق ليحوز رضاء عبد الملك بإبلاغه نبأ هذا الحلم، ويصح لنا أن نفترض أن الزهرى شخص إلى دمشق تحدوه آمال من هذا القبيل ليروى لعبد الملك ذلك الحديث المؤيد لدعوته باسم شيخه. وإذا كانت رواية اليعقوبى جديرة بالتصديق حقًا فإن الزهرى يكون قد حمل الحديث إلى دمشق فى سنة 73 هـ (692 م) على أكثر تقدير، وهى السنة التى سقط فيها الخليفة الذى كان يناهض عبد الملك، وتكون سنه آنئذ لا تتجاوز الثالثة والعشرين. وإقامة الزهرى هذه فى دمشق، إذا صح أن لها سندا من التأريخ على الإطلاق، لابد أنها كانت إقامة موقوتة. ذلك أن استقراره فى دمشق إنما حدث فى سنة متأخرة عن ذلك كثيرًا. فقد بلغها فى وقت كان ابن الأشعث قد شق فيه عصا الطاعة (البخارى: تاريخ، ص 93) أى فى سنة 81 هـ الموافقة 700 م) Wellhausen: Das Arab. Reich، ص 145، وما بعدها) وكان قد ترك المدينة فى أشد حالات الفقر -وقدمه إلى الخليفة قبيصة بن ذؤيب حامل خاتم عبد الملك. ويقال إن عبد الملك سأل ابن المسيب عن الزهرى- ويلاحظ هنا أن رواية اليعقوبى لو كانت صحيحة لكان عبد الملك يعرف الزهرى منذ وقت طويل -ثم سدد ديونه وأجرى عليه معاشًا دائمًا. وكان الزهرى يدين بالفضل خاصة لحفيد من أحفاد على يدعى على ابن الحسين، ذلك أن عليا هذا قد أراح ضميره من وزر تسببه فى قتل شخص بإهماله (ابن سعد، جـ 5، ص 158، الطبرى، جـ 3، ص 2478). ولعل إحساسه بالدين الذى فى عنقه لهذا العلوى هو الذى شد من أزره عندما

أراد الخليفة (الذى يقول بعضهم إنه الوليد الأول، ويقول آخرون إنه هشام) أن ينتزع منه القول بأن صاحب حديث الإفك المجهول فى قصة عائشة التى أشارت لها الآية 11 من سورة النور هو على. وأصر الزهرى على أن الرجل الذى تشير إليه هذه الآية هو عبد اللَّه بن أبى. والظاهر أن زيارة الزهرى للخليفة الوليد الأول فى شأن ابن عمه (البخارى تاريخ، ص 104) قد أثارت قصة غرامية نسبت هذا الحادث إلى أيام الخليفة هشام (الفهرست، ص 307، س 21). وولاه الخليفة يزيد الثانى (101 - 105 م) القضاء. وقد أثبت له الزهرى أيضا أنه ذو بصر بالشعر (كتاب الأغانى، جـ 4 ص 48). ووكل إليه خليفته هشام (105 - 125 م) تأديب أولاده. واتفق فى حديث له معه أن بدر منه كلام فى حق الأمير الوليد بن يزيد الذى ولى الخلافة من بعد، فلما بويع الوليد استقر رأى الزهرى على مغادرة البلاد، فقد اتصل بعلمه أن بعض الناس كان قد نقل كلامه إلى الأمير. على أن الزهرى أدركته المنية قبل هذا سنة 124 هـ فى ضيعته أدامى بالقرب من سَغْب، وكانت هذه الضيعة بعض ما أنعم به عليه الخلفاء الذين أظلوه برعايتهم. وقد جرى الزهرى، حتى بعد أن انتقل إلى دمشق، على أن يزور مسقط رأسه زيارات طويلة. فقد كان فى الحجاز فى تاريخ متأخر يرجع إلى سنة 119 هـ الموافقة 737 م (الطبرى، جـ 2، ص 1635). وقد جمع الزهرى حشدًا عظيمًا من الأحاديث بفضل ما أبداه من همة لا تكل فى تقصيها لدى الشبان والشيب، والرجال والنساء، شريفهم وحقيرهم. ولم يكتف الزهرى ببذل الجهد فى توطيد دعائم السنة النبوية فحسب، بل وطد أيضًا سنة صحابة النبى -صلى اللَّه عليه وسلم-. وقد وصف بعضهم الزهرى فقال إنه أول من دون الحديث ولكنه إنما فعل ذلك نزولا على إرادة الأمراء الذين كانوا يشملونه برعايتهم، وشاهد ذلك أنه قال فيما رواه تلميذه معمر عنه "كنا نكره كتابَ (*) العلم، حتى أكرهنا عليه هؤلاء الأمراء". وكان شيوخ الزهرى يلوذون ¬

_ (*) أي كتابة.

المصادر

بالصمت لا يستطيع أحد أن يحملهم على الكلام إلا بمشقة، أما الزهرى فكان يخالفهم فى ذلك لا يضن بعلمه أبدًا على الناس. ولم يقف الزهرى عند هذا الحد، بل كان يسمح لمستمعيه الذين يدونون عنه الحديث أن يذيعوه دون أن يراجع ما دونوه. ونخص بالذكر من شيوخه عروة بن الزبير، وسعيد بن المسيب. وقد لزم الزهرى ابن المسيب عشر سنين لا يفارقه قط (ابن سعد جـ 2، قسم 2، ص 135). وأضاف الزهرى علمه إلى علم شيوخه، ومن ثم عدته الأجيال المتأخرة أعلم أهل الحديث. ومن ذلك قول مكحول "أى رجل هو لولا أنه أفسد ففسه بصحبة الملوك". ولم تقتصر مواهب الزهرى على رواية الحديث، فقد كان إلى ذلك عارفا بالتاريخ وبصيرًا بالشعر (انظر ما أسلفنا بيانه، وانظر أيضًا Bio-graphieen: Fischer ص 71). والزهرى أيضًا من أئمة رواة السيرة، وكان شيخ شيوخ ابن إسحق. ويدين له ابن إسحق والواقدى وابن سعد والطبرى بكثير من علمهم ويروى عنه الطبرى كثيرًا فى كلامه عن حوادث العقدين الأولين من السنوات التى تلت عصر النبوة. وتذكر بعض المصادر القديمة أنه ألف كتابًا واحدًا هو "كتاب نسب قومه". وحاجى خليفط هو أول من نسب له "كتاب المغازى". على أنه من الواضح أن الزهرى انصرف إلى جمع الحديث، ولم يكتب كتابًا منتظمًا كما فعل تلميذه ابن إسحق. والزهرى فى كثير من الأحيان يذكر إسناده فى الآثار التى تردُّ إليه، ولكنه كان فى أحيان كثيرة يغفل سنده. على أنه كان إذا استقى من عدة رواة حديثًا ورأى أن كل هؤلاء الرواة يتفقون فى جوهر الحديث، لم يفصَّل كل رواية على حدة بل يدمجها جميعًا ويذكر أسانيده كلها. وتعد هذه الطريقة أول محاولة متواضعة بذلت فى رواية الحديث بأسلوب مبتكر. المصادر: (1) ابن هشام، فى مواضع مختلفة. (2) ابن قتيبة: كتاب المعارف، ص 239. (3) الواقدى، ترجمة Welhausen الفهرست، تحت هذه الكلمة.

تعليق على مادة الزهرى

(4) ابن سعد، جـ 2، قسم 2، ص 135 وما بعدها؛ جـ 7، قسم 2، ص 157. (5) الطبرى الفهرست، تحت هذه الكلمة. (6) البخارى: تأريخ، ص 93، ص 104، ص 144. (7) Biographieen von Oewdhrs, mannern des Ibn Ishak: Fischer، ص 64 وما بعدها. (8) المؤلف نفسه: فى Z.D.M.G. جـ 44، ص 428 وما بعدها. (9) ابن خلكان (بولاق) جـ 1، ص 571 وما بعدها. (10) كتاب الأغانى، جـ 4، ص 48 وما بعدها؛ جـ 6، ص 103؛ جـ 8، ص 89 وما بعدها. (11) النووى: تهذيب؛ طبعة Wustenfeld ص 117. (12) ابن حجر العسقلانى: تهذيب التهذيب، جـ 9، ص 445 وما بعدها. (13) Muh. Studien: Goldziher، جـ 2، ص 35 وما بعدها و 196 و 210. (14) المؤلف نفسه فى Z.D.M.G جـ 50، ص 474. (15) Sachau فى مقدمته لابن سعد، جـ 3، قسم 1 و 3 و 19. (16) المؤلف نفسه فى M.S.O.S. As جـ 7، ص 11 وما بعدها. (17) Fuck: محمد بن إسحق، ص 9 وما بعدها و 28. خورشيد [هوروفتز J.Horovitz] تعليق على مادة الزهرى نلاحظ على ما جاء بهذه المادة ما يأتى: إن صحة كنية الزهرى هى "أبو بكر"، وقد عرف باسم "ابن شهاب" نسبه إلى جده الأعلى. ويقول الكاتب إن الزهرى أدى فروض الولاء لمروان، وهذا تخريج من عندياته. فإن العبارة فى التهذيب لابن حجر (ص 451، س 6 - 7 فى آخر الترجمة) "عن ابن شهاب، قال: وفدت إلى مروان وأنا محتلم". وليس فى هذا

معنى فروض الولاء، وإنما يريد الزهرى بذلك بيان عمره: أنه كان إذ ذاك فى نحو الخامسة عشرة أو أقل. أما الادعاء بأن عبد الملك منع الحج فهو أكذوبة على عبد الملك بن مروان، اخترعها أعداء بنى أمية. وكان عبد الملك أعلم بالدين، وأتقى للَّه من أن يفكر فى مثل هذا العمل الذى هو خروج عن الإسلام صراحة. ويقول الكاتب فيما يختص بالحديث "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، المسجد الحرام، ومسجدى هذا، والمسجد الأقصى" أن الحج يكون إلى هذه المساجد الثلاثة. وهذا تحريف لمعانى الكلام. فليس فى الإسلام شئ يسمى حجا إلا الحج إلى البيت الحرام، وأما المسجدان الآخران: الحرم النبوى، ثم مسجد بيت المقدس، فإنما يقصدان للصلاة فيهما فقط، لورود الحديث فى مضاعفة الأجر فيهما بأقل مما يضاعف فى المسجد الحرام بمكة. ويقول الكاتب "ويصح لنا أن نفترض أن الزهرى شخص إلى دمشق تحدوه آمال من هذا القبيل ليروى لعبد الملك ذلك الحديث المؤيد لدعوته باسم شيخه سعيد بن المسيب" على أن هذا الفرض ساقه الكاتب من غير أى دليل، وهو مناف تماما لخلق الزهرى العالم العظيم القوى فى الحق. ولا أدل على ذلك مما رواه الذهبى (تاريخ الإسلام، جـ 5، ص 149): "قال يعقوب بن شيبة، حدثنى الحسن الحلوانى، حدثنا الشافعى، حدثنا عمى قال: دخل سليمان بن يسار على هشام، فقال له يا سليمان: من الذى تولى كبره منهم؟ فقال: ابن سلول. قال كذبت، بل هو على، فدخل ابن شهاب، فقال يا ابن شهاب من الذى تولى كبره؟ قال ابن أبىّ [أى ابن سلول]، فقال له كذبت بل هو على. قال أنا أكذب لا أبا لك، فواللَّه لو نادى مناد من السماء أن اللَّه قد أحل الكذب ما كذبت. أما ما رواه كاتب المادة عن اليعقوبى فقد تشكك هو نفسه فيه بدليل قوله: وإذا كانت رواية اليعقوبى صحيحة. وأما صاحب حديث الإفك والذى تولى كبره، فهو عبد اللَّه بن أبى بإجماع أهل العلم. وإصرار الزهرى على ذلك

زهير بن أبى سلمى

هو إصرار الرجل الثابت الدين الواسع العلم- على الحق، لا إرضاء لفلان، أو خوفا من فلان. وأما القصة الغرامية التى نقلها الكاتب عن فهرست ابن النديم فحسبنا أن نقول إن ابن النديم لا يعتدّ بقوله فى مثل هذه الأمور. ويريد الزهرى بالعبارة التى نقلها عنه تلميذه معمر: أنهم كانوا يتحرجون من تأليف الكتب، ثم رأوا طاعة أمرائهم، ثم اقتنعوا بفائدة ذلك، نشرا للعلم بين المسلمين. أما الكتابة نفسها، فقد كانت شائعة عند أهل العلم -مع اعتمادهم على الحفظ- وفى نفس الصفحة من ابن سعد، قبل هذا الخبر (جـ 2، ق 2، ص 135) خبر عن صالح بن كيسان، زميل الزهرى فى الطلب، يتضمن أنهما اشتركا فى كتابة ما جاء عن النبى (-صلى اللَّه عليه وسلم-)، ثم أراد الزهرى أن يكتب ما جاء عن الصحابة "فإنه سنّة" فخالفه صالح ابن كيسان، ولم يرض أن يكتب ذلك. قال صالح: "فكتب ولم أكتب، فأنجح وضيَّعتُ". ونزيد على المصادر التى فيها أخبار الزهرى، مصدرين عظيمين، هما "تذكرة الحفاظ للذهبى، جـ 1، ص 102 - 106"، وتاريخ الإسلام للذهبى، جـ 5، ص 136 - 152. أحمد محمد شاكر زهير بن أبى سلمى واسم أبى سلمى ربيعة بن نباح بن قرة المزنى (والنسب فى ابن قتيبة خطأ شأنه فى أكثر الأحيان)، وكان زهير من شعراء الجاهلية، وقد عده نقاد زمنه أحد الثلاثة المقدمين على سائر الشعراء الجاهليين، والاثنان الآخران هما امرؤ القيس والنابغة؛ وكان زهير من مزينة، بيد أنه ولد فى بنى عبد اللَّه بن غطفان، وقضى معهم طيلة حياته، وكان أبوه ربيعة قد تزوج من أخت رجل يسمى كعب بن سعد من عشيرة مرة بن عوف ابن سعد بن ذبيان، واستقر بينهم. على أنه نشب خلاف على ما أصابوه من نعم وأموال فى غارة على طيئ، فهجرهم ربيعة واتخذ مقامه بين قبيلة بنى عبد اللَّه بن غطفان التى تربطها

بقبيلته صلة نسب، وهنا ولد زهير وتزوج زوجته الأولى، وهى أخت الشاعر بشامة بن الغدير، ولعلها أم عوف (أوفى) التى ذكرها فى كثير من قصائده. وقد نظم فى طلاقها قصيدة أبدى فيها ندمه، ولدت له امرأته هذه أولادًا ماتوا جميعًا فى طفولتهم؛ أما زوجته الثانية كبشة بنت عفار من بنى عبد اللَّه بن غطفان فقد كانت أم أولاده كعب وبجير وسالم، وكان ابناه كعب وبجير شاعرين كأبيهما، وقد شهدا الإسلام؛ وكان بجير من أوائل من دخلوا فى دين اللَّه. فى حين اضطر كعب إلى التكفير عن معاداته رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بنظم قصيدته المشهورة التى كثيرًا ما يطلق عليها "البردة" (¬1)؛ أما ابنه الثالث سالم فقد مات شابًا، إذ سقط عن جواد أهداه رجل إلى ابيه؛ وعاش زهير خلال الحرب الضروس التى نشبت بين عبس وذبيان، وهما عشيرتان من بنى غطفان، وتسمى هذه الحرب حرب داحس؛ وأشهر قصائد زهير هى القصيدة التى دخلت فى عداد المعلقات، ومدح بها سيدين من سادة بنى مرة بن غطفان هما الحارث بن عوف وهرم بن سنان لأنهما احتملا ديات الأسر فى العشيرتين عمن قتلوا فى الحرب التى قامت بين الإخوة، بل إنهما تعهدا بتحمل دية أخرى عندما كادت فعلة الحسين بن دمدم تهدد بنقض معاهدة الصلح. وقد أشاد زهير فى قصائده الأولى بسنان بن ابى حارثة، والد أحد هذين السيدين، وتضمن ديوانه أيضًا مرثية فى وفاته؛ ولم يرد فى قصائده المذكورة فى الدواوين المحفوظة قصيدة واحدة يشير فيها إلى قومه بنى مزينة بالرغم من أن قصائده ربما كانت قد حفظت فى حال أحسن من قصائد سائر شعراء العرب الأقدمين؛ ويروى فى كل قصائده تقريبًا أخبار بنى غطفان أو ما وقع له من حوادث. وثمة قصائد ثلاث روى فيها خبر عبد له وماشية سرقها منه الحارث بن ورقاء الصيدوى من بنى أسد، وقصائد غير هذه ناشد فيها القبائل على اختلافها الكف عن الإغارة على بنى ¬

_ (¬1) (وهي المشهورة باسم "بانت سعاد" (م. ع).

غطفان، ومنها قصيدة ناشد فيها بنى تميم (Ahlwardt, رقم 6) وأخرى ناشد فيها بنى شيبان؛ وثالثة ناشد فيها بنى سليم، ونظم قصيدة أخرى للنعمان بن المنذر والى الحيرة (Ahlwardt، رقم 17)، ولكن هذه القصيدة، فى رواية الأصمعى، ليست من شعر زهير، وإنما هى لصرمة بن الأنصارى، وصرمة شاعر لولا هذه القصيدة ما كنا لنعرف عنه شيئًا. وقد نسبت قصيدتان فى دواوين شعر زهير إلى ولده كعب (ثعلب، رقم 17، 41)، وورد فى لسان العرب بعض الأبيات من القصيدة الأولى، وتنسب هذه الأبيات فى غير لسان العرب إلى زهير حينًا، وحينًا إلى ابنه كعب، وقد قيل إن زهيرًا كان كثير المال، ونحن لذلك لا نجد فى ديوانه قصائد يمتدح فيها الأغنياء طلبًا للعطاء. ويثنى عليه النقاد من أهل زمانه، إذ إنه لم يكن يمدح أحدًا إلا بما فيه، وكان يتجنب وحشى الشعر. ونحن نجد أيضا فى قصائده مسحة من تدين اتخذها بعض النقاد المحدثين دليلا على أنه كان مسيحيا، بيد أن كل ما نستطيع أن نؤكده هو أن الأفكار المسيحية كانت فيما يرجح قد أثرت فيه، وهى أفكار لاشك فى أن عرب النجاد كانوا لا يجهلونها؛ وفى زهير وأهل بيته مثل على الشعر تتوارثه عدة أجيال جيلا بعد جيل، وليس هو فى ذلك نسيج وحده بين شعراء العرب الأقدمين. وقد اشتهر زهير بأنه راوية أوس ابن حجر. كما كان أوس راوية طفيل الغنوى، ولكننا نعلم من عدة مصادر أنه أخذ الشعر عن أخى زوجته بشامة بن الغدير. وقد تقدم بنا القول بأن ابنيه كعبًا وبجيرا كانا شاعرين، وكذلك كان أبوه قبله كما كانت أخته سلمى أيضا (كتاب الأغانى، جـ 9، ص 148) وكان حفيداه سعيد وعقبة من الشعراء؛ وعقبة هذا هو الملقب بالمضرب وكذلك كان أيضا أولاد أحفاده عمرو بن سعيد والسوار والعوام ولدى عقبة؛ وكان هؤلاء الثلاثة قد هجروا البادية وأقاموا فى البصرة. ويبدو أن موهبة الشعر قد خبت فى الأسرة بهم، وقد انتقلت إلينا قصائد زهير، عدا المعلقة، فى ثلاثة دواوين، أقدمها جمعه السكرى (المتوفى عام 275 هـ = 888 م) وهو المحفوظ

المصادر

فى مخطوط سوسان Socin الفريد الذى تملكه الجمعية الألمانية الشرقية والنسخة المهذبة للنحوى الكوفى ثعلب (المتوفى عام 291 هـ = 904 م) والمحفوظة فى مخطوطين فى الاسكوريال بمدريد، ونسختين أو ثلاث نسخ فى إستانبول، وديوان ثالث مختصر مع شرح للفقيه الأندلسى الأعلم (المتوفى عام 476 هـ = 1083 م)؛ وجميع نسخ هذا الديوان المطبوعة تعتمد على نسخة الأعلم التى يظن أنها تشمل النص كما حرره النحوى البصرى. وقد نهج الأصمعى مناهج أغمض فيها التقليد القديم أكثر من تيسيره له، فقد عمد إلى الاختيار، ومن ثم فإنه يحسن جدًا أن تتهيأ لنا طبعة جديدة من قصائد زهير تعتمد على النسختين المهذبتين القديمتين اللتين روعى فيهما سنة فقهاء العرب الأقدمين، على أن دايروف (K. Dyroff) لم يحل هذه المشكلة إلا من بعض وجوهها، وخاصة أنه لم يدرك أن لدينا نسختين مهذبتين مختلفتين تمام الاختلاف عن النصوص التى استخدمها هو. المصادر: (1) الطبعات المختلفة للمعلقات. (2) poets Diwans of the six ancient Arabic، طبعة Ahlwardt، لندن 1870. (3) Primeurs: Landberg , جـ 2 (يحتوى على الديوان بحسب تهذيب الأعلم)، ليدن 1889. (4) Zur Geschichte der Uberlieferung des Zuhairdiwans: R. Dyroff . ميونخ 1892. (5) Bemerkungen uber die Echtheit der alten arabischen Gedichte: Ahlwardt؛ جربسفالد، 1872. (6) ابن قتيبة: كتاب الشعر والشعراء، طبعة ده غوى، de Goeje, ليدن 1902. (7) أبو الفرج الأصبهانى: كتاب الأغانى، بولاق، جـ 9، ص 146 - 158 وفى مواضع متفرقة. (8) المرزبانى: الموشح، القاهرة 1343. (9) الجمحى: طبقات الشعراء، طبعة Hell، ليدن 1916.

(10) شيخو: شعراء النصرانية، بيروت 1890، ص 510 - 595 (وهو يشتمل على موجز نصوص الأغانى والديوان بحسب تهذيب الأعلم). وليس اسم زهير بالاسم النادر بين شعراء العرب، وتدمج أشعار هؤلاء أحيانا فى القطع التى أضيفت إلى الديوان، كما فعل Ahlwardt مثلا، ومن ثم يحسن بنا أن نذكر كلمة عن أهم هؤلاء الشعراء: زهير بن جناب بن هُبل الكلبى: وهو أيضا من شعراء الجاهلية، وينتمى إلى جيل يسبق جيل زهير بن أبى سلمى، ويعد من المعمرين. وقد اتصل هذا الشاعر بكليب وائل والمهلهل، ومن ثم فلاشك فى أنه عاش فى صدر القرن السادس الميلادى. على أن الروايات الخاصة بحياته قد غلب عليها طابع الأساطير فلا يمكن أن نعول عليها. وقد توارث أهل بيته هو أيضًا حرفة الشعر عدة أجيال جيلا بعد جيل. ويذكر أبو الفرج الاصبهانى نفرًا منهم، ولعل آخرهم هو المسيب بن نوفل بن حارثة ابن جناب بن امرئ القيس بن أبى جابر بن زهير بن جناب، وقد فاخر المسيب فى بعض أشعاره، كما فى رواية كتاب الأغانى، بأن واحدًا من أهل بيته قتل يزيد بن الملهب عام 112 بعد الهجرة (كتاب الأغانى جـ 21، ص 93 - 104؛ المفضليات، طبعة Lyall، رقم 117 زهير بن جذيمة بن رواحة العبسى: سيد من سادة بنى عبس، قتله خالد بن كلاب (النقائض ص 384, المفضليات، طبعة Lyall ص 778؛ كتاب الأغانى، جـ 10، ص 12 - 17. زهير بن حرام الهذلى الملقب بالداخل Carmina Hudsailitarum طبعة Kosegarten ص 263). زهير بن علس الضبعى المشهور بكنيته المسيب (المفضليات، طبعة Lyall، رقم 91). زهير بن مسعود الضبى (كتاب التنبيه لأبى عبيد البكرى، طبعة صالحانى، رقم 22). واستشهدت المعاجم العربية بهؤلاء الشعراء جميعًا. صبحى [كرنكوف F. Krenkow]

زياد بن أبيه

زياد بن أبيه وإلى العراق، وتكنيه المصادر ابن سميّة حينًا، وابن عبيد حينًا، وابن أبى سفيان حينًا، وابن أبيه أحيانًا. وكنيته بابن أبيه حل لهذا اللغز، ولكن هذا الحل إنما ينطوى على شئ من اليأس والقنوط، ومع ذلك فهو أسلم الحلول من حيث الحقيقة التاريخية. وقد خلط مشايعو بنى أمية ومناهضوهم نسب هذا الشخص ما شاء لهم الخلط، مدفوعين إلى ذلك ببواعث مختلفة، فقال المشايعون إن أم زياد هى سمية وكانت أمه من الطائف. أما المناهضون فيزيدون على ذلك أنها كانت امرأة فاجرة ويروى أن أبا سفيان عرفها، ومن ثم نستطيع تعليل نسبة زياد إلى بنى أمية. ومهما كان رأينا فى ذلك فإن زيادًا الصغير قد اجتمع له ما عرف عن بنى قومه الثقفيين من ذكاء ويقظة ورجاحة عقل، واستقر الأمر بزياد فى البصرة مع أقرب أقربائه بنى بكرة، فأصبح فى سن مبكرة كاتبًا فى خدمة ولاة العراق الأولين، وتولى علىّ الخلافة فقرر الانتفاع بمواهبه، وكان يوفده فى عظائم الأمور، وتوفى على فاسترعى زياد نظر معاوية، وكان هذا السيد الخطير حريصًا على أن يستميل إليه عضدًا فى مقدرة زياد، بيد أن مساعيه الأولى قوبلت من زياد بالصد، فعمد معاوية إلى حيلة تدلك على مبلغ ما كان يستطيعه هذا الخليفة عندما تتعرض مصالح بيته للخطر، ونعنى بهذه الحيلة الاستلحاق، أى الاعتراف رسميا ببنوة زياد لأبى سفيان. ونصب الخليفة بعد قليل أخاه من أبيه واليًا على البصرة، وكانت معسكر، رئيسيًا ينتظم الجنود المجهزين لإتمام الفتوح فى المشرق، وقوامهم جماعات من أشد قبائل البدو جنوحا إلى الفتنة والشغب، وأكثرهم تهديدًا لأمن الدولة وسلامتها، ومن ثم كان منصب البصرة يتطلب رجلا من الطراز الأول. وكانت نية معاوية قد صحت على توجيه اهتمامه إلى الأقاليم الغربية للخلافة. وظلت خطبة زياد التى ألقاها فى مسجد البصرة عند وصوله من آيات الأدب

العربى، وتسمى الخطبة البتراء (¬1). ذلك أن الخطيب، فيما يقال، قد بدأها مبتورة. وكشف فيها عن برنامجه وأعلن عن الإجراءات الصارمة التى قد يلجأ إليها إذا دعته الحال، وقد ثبت من الحوادث التى تلت ذلك أن تهديداته لم تكن مجرد أقوال؛ وهكذا استطاع زياد أن ينشر النظام فى إقليم البصرة المترامى الأطراف بأسره، مما عجز عنه كل من تقدموه. وبادر الخليفة فكافأه على ذلك بتوليته الكوفة أيضًا؛ وكانت الكوفة مع العلويين قلبًا وقالبًا، وما كان لها بعد فقد على أن تتعزى عن ضياع لقب الخلافة من يدها أو ترضى بانتقال قصبة الخلافة إلى غيرها من المدائن. على أن زيادًا نجح فى الكوفة نجاحه فى البصرة، وأعاد هيبة الأمويين إلى هذه المدينة المتمردة فى أمد وجيز. وقد استطاع زياد، بوصفه واليًا على العراق بأسره وعلى الولايات التى كانت تعتمد على العراق فى بلاد العرب وشرقى آسية، أن يبرر، حتى نهاية عمره، تلك الثقة التى لاحد لها والتى أولاه إياها معاوية؛ وهو فى رأى المؤرخين العرب صنو معاوية فى الجدارة بلقب السياسى الأمثل، ذلك أنه تولى زمام الحكم بيد الخبير المحنك لا يبدو فى تصرفاته أثر الجهد والنصب، فكانت أذنه صاحية واعية لا تغفل عن الحوادث التى تقع فى ولايته المترامية الأطراف. وكثيرًا ما يتردد المؤرخون وأصحاب الحكم فى الاختيار بين معاوية وزياد وهم يضربون المثل على السياسة العليا، وقد يؤثرون أن يضربوا بهما المثل جميعًا؛ وكان زياد يعد من الدهاة الأربع الذين عاشوا فى هذا القرن؛ أما الثلاثة الآخرون فهم معاوية والمغيرة بن شعبة، وعمرو بن العاص. وقد اضطر زياد فى الكوفة إلى أن يرقب بعين ساهرة اجتماعات العلويين، واختلف فى هذه المدينة مع مشعل الفتن حجر بن عدى، وهو أمر مألوف يقع كل يوم، إلا أن الرواية ¬

_ (¬1) سميت مبتورة لأن زيادا لم يبدأها باسم اللَّه الرحمن الرحيم، على عادة الخطباء منذ بدء الإسلام فانطبق عليها الحديث الشريف الذى يقول: كل أمر ذى بال لا يبدأ فيه باسم اللَّه الرحمن الرحيم فهو أجزم أو أقطع أو أبتر" أى ناقص. [د. مهدى علام]

المصادر

المناهضة للأمويين بالغت فيه مبالغة تفوق كل وصف، وخاصة الشيعة؛ وعمد زياد إلى نقل السكان من مكان إلى مكان لفل مقاومة العلويين وقبائل العرب المستقرة فى العراق، فنقل 50.000 بدوى إلى خراسان. وتوفى زياد بالطاعون فى الكوفة عام 56 - 57 هـ. ولا مناص من أن نعتمد فى معلوماتنا عن زياد على مدرسة العراق التاريخية، على أن تحزب مؤرخى العراق الذين كانوا يضمرون أشد العداوة لزياد، قد مال بهم إلى تعيين تأريخ مولده بعد الهجرة ببضع سنوات لينكروا عليه دعواه فى أنه صحابى، بيد أننا إنصافًا له نقول إنه لا يمكن أن يكون قد ولد قبل الهجرة بوقت طويل، ذلك أنه توفى فى الستين أو نحوها؛ وأحسن شهادة على مقدرة زياد هى ما قرره معاوية من أن يعهد إليه بالنصف الشرقى من الدولة العربية الذى كان أصعب حكما وأشد تمردًا على آراء الأمويين، وقد استدعى معاوية، وهو ذلك الرجل العظيم القادر على سياسة الناس والخليفة العالى الهمة الذى كان حازمًا مع أقربائه، زيادًا لمعاونته فى مباشرة سلطانه، وفرض على نفسه ألا يتدخل فى شئون العراق طيلة حياة وإليه وسنده. والحق أن موالاة الخليفة له بالعطف، وإخلاص زياد لبنى أمية، لكافيان لتعليل تلك المرارة التى روى بها الكتاب العلويون أخبار ذلكم الرجل الثقفى من رجال الحكم. المصادر: (1) الأغانى، جـ 12، ص 73 - 75؛ جـ 16، ص 3 - 9، جـ 21، ص 21 - 40. (2) المسعودى: مروج الذهب (باريس)، جـ 5، ص 14 - 72. (3) الطبرى، طبعة ده غوى de Goeje جـ 1، ص 2465 - 2466، جـ 2، ص 66 - 87، ص 111 - 158، ص 162. (4) البلاذرى، طبعة ده غوى De Goeje، ص 276 - 280، ص 344 - 370، ص 377، ص 397، ص 403، ص 409، ص 410، ص 433، ص 443، ص 462.

زيادى

(5) ابن عساكر: تاريخ دمشق، طبعة بدران جـ 5، ص 406 - 422. (6) Die religios politisch Oppositions-parteien im alten Islam: Wellhausen ص 20 - 25. (7) Etudes sur le regne du Mo'awia ler: H.Lammens ص 37 - 38 و 91 و 100 و 216 و 217 و 239 و 225 و 377 و 437. (8) Das arabische Reich and sein Sturz: Wellhausen ص 75 - 81. (9) وارجع فى شأن المصادر الأخرى إلى مقال Zidd ibn Abihi vice-roi de l'Iraq, lieutenant de Mo'awia ler: H. Lammens (مستخرجة من R.S.O. جـ 4، 1912). صبحى [لامنس H.Lammens] زيادى أسرة يمنية حكمت من عام 204 إلى عام 371 هـ (819 - 981 م) أو 409 هـ (1018 م)، وكانت قصبتها زبيد، وكان أفرادها يعتبرون من سلالة زياد بن أبيه، على أن نسب زياد نفسه كان غير ثابت، ومن ثم لم ينقل إلينا على وجه التحقيق اسم محمد أبى رأس هذه الأسرة. وكان يناوئ الخليفة المأمون عمه إبراهيم بن المهدى، كما أن قبائل اليمن شقت عصا الطاعة فى الوقت نفسه، ولعل قيام نوايا سياسية للعلويين فى اليمن قبيل إعمال إبراهيم الجزار أخى على الرضا يد السلب والنهب فى صنعاء، قد حمل الخليفة على أن يقلع تمامًا عن سياسته السابقة المناصرة للعلويين، وأن يعهد بأمر اليمن إلى رجل من أسرة بنى زياد التى اشتهرت بعداوتها للعلويين، ولو أن هذا الرجل نفسه كان فى خدمة بنى أمية. وقد ارتبط ذكر سليل من سلالة بنى أمية بمحمد كما ارتبط به أيضًا محمد بن هارون من بنى تغلب، وهو الذى ولى أحفاده، بنو عقامة، القضاء فى زبيد طوال عهد الزيادية وبنى نجاح الذين جاءوا بعدهم. وربما كان قد تقرر قتل هؤلاء الرجال الثلاثة جميعًا تمشيًا مع سياسة العباسيين، إلا أنهم أصبحوا

آنئذ من أنصار هذه السياسة، وكان بنو زياد يدينون بالولاء دائمًا للعباسيين. وقد استطاع محمد بن. . . زياد أن يمكن لنفسه فى الساحل، وأن يتوغل حتى بلغ، فيما يقال، الشحر من أعمال حضرموت، بفضل تعضيد مشاة خراسان وفرسانها المؤتمنين له، وبفضل المؤازرة التى لقيها من معتوق عالى الهمة يدعى جعفرًا. وقد بايع محمدًا سادة حصون الهضاب، فى جَنَد والمذيخرة، أما فى قلب الهضاب فقد استمرت حكومة بغداد على بعث ولاة يلون أمر صنعاء دون غيرها، حتى استقل بنو يعفر بأمرهم هناك من عام 247 إلى عام 289 هـ (859 - 901 م)؛ أما الزيادى الثانى إبراهيم بن محمد (245 - 289 هـ = 859 - 902 م) فقد اضطر إلى تسليم حضرموت وجند إلى محمد بن يعفر، ولو أن هذا التسليم كان فى نظير جزية؛ وقد أعقبت وفاة إبراهيم الفترة الأولى من الفترات التى خلت فيها البلاد من الحكام. وتداول حكلى صنعاء الزيدية والقرامطة الشيعة، فى حين استولى القرامطة الشيعة فى عهد على بن الفضل على جند والمذيخرة، بل استولوا أيضا على زبيد نفسها ردحا من الزمن. ولا نعرف على وجه التحقيق اسم الزيادى الثالث ولا طول عهده، بل لا نعرف ما انتهى إليه من مصير، وانتعشت الأسرة فى عهد إبراهيم الابن الثانى لأبى الجيش إسحق ابن إبراهيم الذى دام عهده 80 عامًا (حوالي 291 - 371 هـ = 904 - 981 م) بل إن الضحاك الأمير الحمدانى قد بايعه حوالى عام 350 هـ (961 م)، بيد أن عبد اللَّه بن قحطان قضى على الزيادية عام 379 هـ (989 م) وكان عبد اللَّه قد استعاد سلطان بنى يعفر ردحا من الزمن باستيلائه على زبيد وحرقها. وما وافى هذا التاريخ حتى كان الزيادى الخامس الصغير، واسمه غير محقق أيضًا، يحكم بالاسم، وكان الحاكم الفعلى المملوك الحبشى الوزير الحسين بن سلامة الذى تمكن مرة أخرى من أن ينقذ البلاد من نكبة تحل

المصادر

بها، وكسب شهرة بقيت له حتى اليوم، ذلك أنه شق الطرق للحجاج فى الجبال وفى السهل وأقام فيها المساجد واحتفر الآبار؛ ولم يكن ثمة شأن لنقل اللقب إلى الزيادى السادس القاصر، ولعله إبراهيم الثانى، فقد خلف ابن سلامة مملوكه مرجان بوصفه وزيرًا مستقلا، وعمد مرجان إلى تقسيم الحكم بين عبديه: نجاح فى الأقاليم الشمالية، ونفيس (أو أنيس) فى الأقاليم الجنوبية بما فيها قصبة الباود، واستولى نفيس نفسه على الملك، وعمد إلى دفن الملك الصغير وعمته هند حيّين فى مكان مسور (409 هـ = 1018 م)، بيد أنه لم يكن هو الذى أسس هذا البيت، إنما أسسه نجاح. المصادر: (1) انظر مصنف Kay. (2) Manuel de genealogie et de chronologie: E.V. Zambaur، هانوفر 1927، ص 115. صبحى [شتروتمان R.Strothmann] زيار، بنو أسرة من أفيال السامانيين حكمت العراق العجمى وطبرستان، ثم جرجان من 316 - 470 هـ (928 - 1077 م) ونسبت إلى مؤسسها زيار أبى وردان شاه حاكم كيلان (جيلان) الذى كان والد مرداويج. وفيما يلى سلسلة نسبها:

1 - مرداويج. 2 - وشمكير. 3 - ولده ظهير الدولة أبو منصور بهستون، وقد تصالح مع ركن الدولة، وتوفى سنة 366 هـ (976 م) فى مدينة جرجان. 4 - قابوس الأول. 5 - منوجهر: عاد إلى الرى بتدبير علاء الدولة؛ وهاجمه فيها السلطان محمود وطارده إلى الجبال، ولكنه تصالح معه على أن يؤدى له 500.000 دينار ويدين له بالطاعة (420 هـ = 1029 م). وهذا الأمير هو الذى أهدى إليه الشاعر منوجهرى قصائده الأولى، وإليه نسب. 6 - أنو شروان، اعترف بسيادة مسعود بن محمود وخليفته، ولكن طغرل بك السلجوقى هاجمه سنة 433 هـ (1041 - 1042 م) وانتزع جرجان منه. واعتكف أنوشروان فى "قلعة" حيث توفى سنة 441 هـ (1049 م) وفى خلال حكمه كان عمه دارا الذى كان يسمى الاسكندر أيضًا حاكما على جرجان وطبرستان من قبل السلطان مسعود (حوالى 446 هـ = 1035 م). 7 - قابوس الثانى ابن دارا (عنصر المعالى): كان صهرًا للسلطان محمود، وقد صحبه فى حملاته على الهند، وتوفى فى الغزوة التى شنها الأمير فضلون أبو السُوار من أسرة بنى شدّاد على بلاط الأبخاز والتى انتهت بهزيمته عام 462 هـ (1069 م). وقابوس هو مؤلف قابوسنامه، وهو كتاب فى النصح الجميل موجه إلى ابنه كيلان شاه. وقد ترجمه إلى الألمانية. Fr.v. Diez (برلين 1811) كما ترجمه إلى الفرنسية A. Querry (باريس 1886). 8 - ابنه كيلان شاه: حكم المنطقة الجبلية فقط، لأن طغرل بك احتل طبرستان قبل مسيره إلى بغداد. وقد خلفه ملكشاه، وتوفى سنة 470 هـ (1077 م).

المصادر

ويذكر فرهاد على أنه ابن مرداويج، ولكن أبوته له ليست محققة، كما أنه لم يدع ليخلف أباه أو أحد أبناء أعمامه، ونجده عام 414 هـ (1023 م). حاكما على بروجرد، ولابد أن سنه كانت آنئذ تربى على الثانية والثمانين. وفى عام 417 هـ (1026 م) صحب علاء الدولة كاكويه فى حملته على الأكراد، وبقى حليفه المخلص، وسقط فى معركة مع جيش السلطان مسعود (425 هـ = 1034 م). المصادر: (1) ابن الأثير: الكامل، طبعة تورنبرغ جـ 8، ص 8، 59، 139، 172، 195، 201، 207، 226، 262، 276، 291، 333، 353، 378، 402، 411، 436، وما بعدها، 506، 519، جـ 9، ص 8، 97، 111، 251، 262، 284، 340. (2) ابن مسكويه مجموعة كب التذكارية، جـ 5، ص 271، 345، 376، 435 وما بعدها، 479، وما بعدها، 572، جـ 6، ص 9، 33، 55، 204، 270، 296، وما بعدها. (3) ابن خلدون: التاريخ، بولاق، جـ 4، ص 423، 444، 497. (4) Samanides: Defremery ص 130، 137، 247، 289. (5) ابن إسفنديار: تاريخ طبرستان، ترجمة Browne ص 202، 205، 217، 220، 238. (6) ظهير الدين: Geschichte von Taharistan، طبعة Dorn، ص 174، 196، 216، 311. (7) Iranisches Namenbuch: F. Justi . ص 441. (8) Les Ziyarides Mem.de l'Acad. des Inscr. et Belles Letters: Ch. Huart جـ 42، باريس 1922. عبد النعيم محمد حسنين [إيوار Ch. Huart]. زيان، بنو أو بنو زَيان (وكلا النطقين قديم وكذلك ينطق بها زيَان)، أسرة بربرية من ملوك تلمسان، حكمت المغرب الأوسط من القرن الثالث عشر إلى

القرن السادس عشر الميلادى؛ ويزعم بنو زيان أنهم ينتسبون إلى الشريف إدريس، ولكن هذه النسبة موضع جدال (انظر Hist des Berh ترجمة ده سلان de Slane . جـ 3، ص 328، وانظر فى المصدر نفسه الكلمات المنسوبة إلى يغمراسن)، ويسميهم الإخباريون أيضا بنى عبد الواد ذلك أن عبد الواد وزيان كانا من أسلاف ملوك تلمسان، ولو أن قرونا فصلت بين عهديهما، فقد عاش عبد الواد فى الجاهلية، أما زيان فكان أبا يغمراسن (آخر القرن السابع الهجرى = القرن الثالث عشر الميلادى) وقد حكم يغمراسن أول ملك مستقل الأسرة من عام 633 هـ (1236 م)، ثم خلفه على العرش أربعة ملوك متعاقبين كلهم ينحدرون من صلب يغمرا سن مباشرة ابتداء من ابنه أبى سعيد عثمان الأول، واستمر حكمهم حتى عام 737 هـ (1337 م)؛ وعندئذ غزا بنو مرين مملكة تلمسان، واحتلوا البلاد مرتين، المرة الأولى من 737 إلى 749 هـ (1337 - 1348 م) والثانية من 753 إلى 760 هـ (1362 - 1359 م). وقد استرد بنو زيان العرش أول مرة عام 749 هـ (1348 م) فاعتلاه الأخوان أبو سعيد عثمان الثانى وأبو ثابت، وأعاد أبو حمّو الأول ابن أخيهما (ابن أبى يعقوب يوسف) للأسرة منزلتها القديمة عام 760 هـ (1359 م)؛ وظل خلفاؤه يحكمون البلاد حتى الغزو التركى عام 962 هـ (1554 م). أما الخلاف الوحيد بين نسب هذين الفرعين الحاكمين من هذه الأسرة، فهو أن الفرع الأول كان يتألف من أولئك الذين انحدروا من صلب يغمرا سن مباشرة عن ابنه الأكبر عثمان الأول، فى حين كان الفرع الثانى يتألف من أولئك الذين انحدروا من صلب ابنه الأصغر عبد الرحمن مباشرة. وليس ثمة أسباب ولا وثائق تبرر القول بما ذهب إليه بارجس Barges (انظر. Tlemcen anc. cap الخ.، ص 194، و Hist. des B. Zeiyan ترجمة المقدمة، ص 41) من أن ملوك الفرع الأصغر هم

المصادر

وحدهم الذين اتخذوا اسم بنى زيان (من عام 794 هـ = 1348 م) فقد كانوا جميعًا من بنى زيان كما كانوا من بنى عبد الواد، ذلك أنهم كلهم ينحدرون مباشرة من صلب يغمراسن، وكان عبد الواد وزيان من أسلاف الفرعين. أما عن قرابة هؤلاء الملوك ببنى مرين أصحاب فاس فقد أثبتها النسابة المسلمون بجعلهم "وَسَان" جد عبد الواد بين أسلاف مرين بن ورتاجن جد المرينية (انظر بصفة خاصة ابن خلدون: Hist. des Berbers. جـ 2، ص 240؛ الترجمة جـ 4، ص 25؛ الذخيرة السنية، ص 10). المصادر: يضاف إلى المصادر المذكورة فى مادتى عبد الواد ما يأتى: (1) ابن الأحمر: روضة النسرين فى دولة بنى مرين، طبعة وترجمة. Gh Bouali و G. Marcais باريس 1917, مع Histoire des Banu Zayan de Tlemcen (منقولة عن ترجمة بقلم Dozy في J.A، السلسلة الرابعة، جـ 3، ص 382 - 416). (2) الذخيرة السنية، Chronique anonyine des Meri nides وطبعة محمد بن شنب، الجزائر 1921. (3) Themcen et ses enviorns: Alfred Bel , تولوز من غير تاريخ. صبحى [الفريد بل Alfred Bel] الزيانى أبو القاسم بن أحمد بن على بن إبراهيم: رجل من رجال الحكم المراكشيين ومؤرخ من أهل القرن الثامن عشر، وهو من قبيلة زيان البربرية الكبرى فى مراكش الوسطى. ولد فى فارس 1147 هـ (1734 - 1735 م) وتلقى العلم فيها، ولما بلغ الثالثة والعشرين من عمره صحب والديه فى حجهما إلى مكة، وعاد إلى فاس بعد رحلة مثيرة فى الذهاب وفى الإياب، وتولى فى فاس منصب كاتب سر مخزن السلطان محمد بن عبد اللَّه.

وسرعان ما تقدم الصفوف بفضل كفايته وعلمه باللهجات البربرية ومجريات الحوادث. وكان له شأن هام فى إخضاع الفتنة التى ثارت فى وجه قبيلة أيت أما لو. فنال بذلك ثقة السلطان، فعهد إليه بالمفاوضة مع أقوام البربر المختلفة فى الدولة الذين لم يكن قد تم إخضاعهم بعد، ومن ثم أخذ يجوب مراكش من أقصاها إلى أقصاها بلا انقطاع، وقام بعدة أسفار إلى تافيلالت البعيدة. وفى عام 1200 هـ (1786 م) أوفده السلطان محمد بن عبد اللَّه فى مهمة بالأستانة للسلطان عبد الحميد. وبلغ الزيانى القصبة العثمانية بعد أحداث كثيرة، ومكث فيها أكثر من ثلاثة أشهر. فتمكن بذلك من أن يكتب بعد عودته وصفا مفصلا لهذه المدينة. وعند عودته عين واليا على سجلماسة بعد أن قام بعدة مهام سرية. وظل فى هذا المنصب إلى أن توفى السلطان محمد بن عبد اللَّه عام 1204 هـ (1790 م). وخلف السلطان محمد ابنه اليزيد فوضع حدا لأعمال الزيانى السياسية، ذلك أنه كان يمقته. وقد نجا الزيانى بأعجوبة من الموت عندما أصيب اليزيد نفسه في عام 1206 هـ (1792 م) بجرح فى قتاله هشاما أحد المطالبين بالعرش. وما إن أطلق سراح الزيانى، وكان أسيرا فى مدينة رباط، حتى اشترك اشتراكا فعالا بمدينة مكناسة فى المناداة بمولاى سليمان وهو ابن آخر لمحمد بن عبد اللَّه، سلطانا على البلاد، فعينه هذا السلطان عاملا على منطقة مدينة وجدة، ولكن ما إن تقلد الزيانى زمان هذا المنصب حتى هاجمه الأهالى الذين ولى عليهم وهزموه، وكانت هذه البلية سببا فى مقته الحياة العامة، ولذلك عاد إلى تلمسان وعاش فى عزلة يدرس ويتأمل ثمانية عشر شهرا بطولها. ولم يخرج من عزلته هذه إلا اعتزم الرحلة إلى الآستانة فى شأن خاص به، ولتأدية فريضة الحج مرة أخرى. وعند عودته عام 1210 هـ

(1795 - 1796 م) استدعاه السلطان مولاى سليمان فشخص إلى فاس. وقام الزيانى بعدة مهام خطيرة على الرغم من تقدمه فى السن، ولقب بلقب "ذى الوزارتين" بوصفه رئيس مخزن السلطان. وظل فى منصبه عدة سنوات، ثم صرف عنه، وتوفى فى فاس عام 1249 هـ (1833 م) بالغا من العمر تسعة وتسعين عاما، ودفن فى زاوية إخوان الناصرية فى حى السياج. وشهرة الزيانى بالكتابة فى مراكش لا تقل على شهرته فى الحكم. فقد استطاع خلال حياته المضطربة أن يجد فسحة من الوقت يكتب فيها نحو خمسة عشر كتابا جلها فى التاريخ والجغرافية. وأول كتاب ظهر من هذه الكتب هو تاريخ عام للإسلام عنوانه "الترجمان المعرب عن دول المشرق والمغرب" وقد وجه فيه معظم عنايته إلى الأسرة الشريفية بمراكش، ثم أكمله فيما بعد فبلغ بحوادثه عام 1228 هـ (1813 م). ولم ينشر بعد الجزء الخاص بأسرة السعديين من هذا الكتاب. على أن القسم الخاص بالعلويين فى مراكش قد نشره وترجمه إلى الفرنسية هوداس O.Houdas عام 1886 بعنوان Le Maroc de 1631 a 1812 P.E. L.O.V. المجموعة الثانية، جـ 18). وهو يروى الحوادث التى وقعت فى مراكش مع شئ من الإيجاز فى بعض أجزائه، من تأسيس أسرة العلويين إلى السنوات الأولى من القرن التاسع عشر. وقد أعد الزيانى فيما بعد نسخة أكثر تفصيلا من هذا القسم من كتاب الترجمان، وهو القسم الذى يتصل بصفة خاصة بالأحداث التى اشترك فيها الزيانى أو التى كان من شهودها، وأطلق عليها اسمين مختلفين هما: البستان الظريف فى دولة أولاد مولاى على الشريف" و"الروضة السليمانية فى ذكرى ملوك الدولة الإسماعيلية ومن تقدمها من الدول الإسلامية" وهناك مصنف آخر هام للزيانى يصف فيه رحلاته المختلفة وصفا مستفيضا أضاف إليه كل ما هو غريب فى الأدب والتاريخ والسير، وأطلق عليه اسم

المصادر

"الترجمانة الكبرى التى جمعت اخبار مدن العالم برًا وبحرًا". وهذا الكتاب الذى يحمل طابع الرحلة والفهرست على السواء، هو أيضا رسالة عجيبة فى الجغرافية تضم مصورات جغرافية (مثال ذلك خريطة البحار، وهى التى أوردتها فى كتابى Historiens des Chorfa ما بين صفحة 188، 189). وتوجد مصنفات الزيانى كلها مخطوطة فى المكتبات الخاصة بمراكش على اختلافها. وهناك ثبت كامل بمصنفاته فى المصدر السابق، ص 167 - 168. وكتاب الزيانى، و"كتاب الاستقصاء" الحديث للناصرى السلاوى هما العمدة فى تاريخ أسرة العلويين بمراكش. ذلك أن كتاب الزيانى حافل بالتفاصيل القيمة، ومن ثم فهو أهل للدراسة الجدية يوحى لقارئه بأنه كتاب دقيق محكم سواء فى المعلومات التاريخية أو خطط البلدان. وفيه إلى ذلك معلومات عن البدع والإصلاحات الاجتماعية وعن تاريخ مدن مراكش. ويتجلى فى كتابة الزيانى أيضا درايته الواسعة بالحوادث الأوربية. وأخيرا نذكر أن كل ما رواه عن مشاهداته فى رحلاته إلى الآستانة يستأهل النشر بأكمله. المصادر: (1) الناصرى السلاوى: كتاب الاستقصاء القاهرة، جـ 4، ص 3، 108 - 109، 116 - 118، 132. (2) الكتانى: سلوة الأنفاس، فاس، جـ 1، ص 263. (3) Introduction au Maroc de 1631 a 1812: O. Houdas (4) The Moorish Empire: Budgett Meakin لندن سنة 1899 - ص 518. (5) Un voyageur marocain d la fin du XVIII eme siecle, la Rihla d'az-Zyany: G. Salmon فى A.M جـ 2، سنة 1905، ص 330 - 340. (6) La Boustan adh-dharif d-az: A. Graulle Ziyani فى R.M.M. جـ 24، ص 311 - 317 ص 311 - 317.

الزيانية

(7) Une description geographique du Maroc d-az-zyany: Coufourier في A.M, جـ 6، سنة 190، ص 436 - 456 (وانظر أيضا نفس المصدر ص 457 - 460). (8) G.A.L.: Brockelmann جـ 2، ص 507. (9) Litterature arabe: Huart ص 423. (10) Les Histori-ens des Chorfa Essai sur la litterature historique et biographique au Maroc du XVI eme au eme Siecle: E.L. evi Provencal باريس سنة 1922، ص 142 - 199. الشنتناوى [ليفى بروفنسال E.Levi-Provencal] الزيانية فرع من الطريقة الشاذلية مركزه فى قناذى، وقد أورد (Rinn: كتابه المذكور بعد) وديبور وكوبلانى (Dupont& CopConrfreries: polani ص 498 وكور (Cour: كتابه المذكور بعد) أثباتا بأسماء مشايخ هذا الفرع. وفى الكتاب الثانى من هذه الكتب نموذج لاجازة "مقدّم" خلعها عليه شيخ الطريقة وعليها خاتم. ويقال إن ذكر الزيانية يختلف عن ذكر الطرق الشاذلية الأخرى فى التفاصيل فحسب. وقد أورد رن صورة لذكر الزيانية المألوف فى كتابه المذكور ص 411، وهم يرددون أدعية غيرها ألف مرة. ويختص الزيانية بإرشاد القوافل والمسافرين وحراستهم من اللصوص وقطاع الطرق. وفى أيام رن (1884): "لم يكن يجسر أى تاجر على أن يبعث ببضاعة صوب الجنوب" إلا إذا ضمن لها الحراسة يتولاها رجل من ركبان الزيانية يحمل رسالة مختومة بخاتم مقدّم فيهاب اللصوص أمره. ومن هنا أطلق عليهم رن ربابنة الصحراء. ويتفق ذلك إلى حد كبير وما ذكره أ. برنار A. Bernard الذى كتب سنة 1931 Le Maroc، ص 205) وجماعة الزيانية لا يعرف عنها فيما يظهر إلا القليل خارج شمال إفريقية

المصادر

وقد أورد ديبو وكوبولانى أثباتا بزواياهم فى بلاد الجزائر ووصفا انتشارهم فى مراكش (Confreries). وقد أسس الطريقة الزيانية محمد ابن عبد الرحمن بن أبى زيان المتوفى سنة 1145 هـ (1733 م)، ونشركور JA. Cour فى R.M.M (جـ 12، ص 360 - 379، 571 - 590) بالفرنسية مقتطفات من مخطوط الترجمة لهذه الطريقة عنوانه "طهارة الأنفس والأرواح الجسمانية فى الطريقة الزيانية الشاذلية"، وهذا المخطوط نفسه موجز لكتاب أقدم منه، وهو جوهرة يسجل كرامات مشايخ الطريقة، على أنه يزودنا بتفصيلات خاصة تكمل ما جمعه رن (Marabouts et Khouan: A- Rinn، 1884 م، ص 408 - 415) وقد ولد محمد رأس هذه الطريقة فى ثاثا بالقرب من قناذى (جنوب شرقى فجوج من أعمال مراكش) ودرس هو وسيدى مبارك بن عزَّة فى سجلماسة، فلما توفى مبارك شخص محمد إلى فاس حيث درس ثمانى سنوات على محمد بن عبد القادر الفاسى المتوفى سنة 1106 هـ (1704 م)، وأحمد بن الحاج المتوفى عام 1109 هـ (1697 م) وغيرهما. ويقول رن إن الأمبراطور طرده من فاس بتهمة السحر، ففر إلى تافيلالت حيث أدخله مقدم الناصرية الشاذلية فى الطريقة، ثم حج إلى مكة، وأقام بعد عودته فى قناذى وأنشأ فيها زاوية. وادخل محمد بعض التعديلات على شعائر الشاذلية وذاع أمر ولايته، زد على ذلك أنه ينسب إليه حفر بعض الآبار، كما نظم شئون الرى. وأشهر كراماته التى قررت مصير جماعته هى قضاؤه على اللصوص. وقد اجتذبت شهرته ومواهبه كثيرًا من الزوار، وهؤلاء أنشاوا موقعا زاهرا. وكان شأن غيره من أصحاب الطرق المسلمين رب أسرة، وقد خلف مشيخة الطريقة لابنه. المصادر: ذكرت فى صلب المادة خورشيد [ماركوليوث D.S Margolio]

زيدان

زيدان " زَيْدان" (والنطق الحديث زِيدان): جرجى زيدان، عالم وصحفى وأديب عربى، ولد ببيروت فى 14 ديسمبر سنة 1861, وتوفى بالقاهرة فى 21 أغسطس سنة 1914؛ وقد ولد زيدان فى أسرة مسيحية فقيرة، ولم يتلق تعليما منتظما، وإنما علم نفسه بنفسه فى جميع فروع المعرفة تقريبًا" وقضى زمنا فى كلية البروتستانت حيث نال إجازة الصيدلة، ثم رحل بعد ذلك إلى مصر حيث بقى سنة أو نحوها محررًا فى صحيفة الزمان، وفى عام 1884 التحق بالخدمة بوصفه ترجمانًا فى الحملة على السودان التى أنفذت لإنقاذ غوردن، ثم عاد إلى بيروت، وأقام فى لندن إقامة قصيرة (عام 1886) استقر بعدها نهائيا فى القاهرة حيث قضى بضع سنوات فى التدريس والاشتراك فى تحرير صحيفة المقتطف، واقتصر نشاطه الأدبى على مصر فيما عدا رحلتيه إلى أوربا (1886 و 1912 م)، ولم تتسن له زيارة تركية إلا بعد الثورة وذلك لبعض الأسباب السياسية (وزار إستانبول عام 1908، وفلسطين عام 1913). وكان مصنفه الأول لغوى الصبغة، وهو "فلسفة اللغة العربية" (1886؛ الطبعة الثانية 1904)، ومع أن هذا المصنف عالج بعض المسائل فى سذاجة فإنه يعد أول جهد طيب بذل فى تطبيق مبادئ فقه اللغة المقارن على اللغة العربية، وعاد زيدان إلى الموضوع نفسه فى كتاب "تاريخ اللغة العربية" (1904)، ثم اتجه إلى الكتب التاريخية وكتب المتون: "تاريخ مصر الحديث، (جزءان، 1889) و"تاريخ الماسونية العام" (1889) و"التاريخ العام" (الجزء الأول) و"تاريخ اليونان والرومان" و"تاريخ إنكلترة" و"جغرافية مصر" و"الأنساب بين العرب القدماء"؛ بيد أن هذه المصنفات لم تلق نجاحًا كبيرًا؛ وفى عام 1891 ظهرت روايته التاريخية الأولى "المملوك الشارد" (ترجمها إلى الألمانية مارتن تيلو Martin Thilo، بارمن 1917) ثم شرع عام 1892 فى نشر مجلته الأدبية "الهلال"، وقد ارتبطت حياته ارتباطا وثيقًا بهذه المجلة منذ ذاك إلى

حين وفاته المبكرة؛ وكان زيدان جم النشاط عارمه، ولم يقتصر ذلك على كتابة جل مقالات هذه المجلة (وأعاد ولداه نشر أهمها فى ثلاثة أجزاء باسم "المختارات" 1919 - 1921، وجمع هو نفسه مقالات تتعلق بالسير ونشرها فى جزءين 1902 - 1923، الطبعة الثانية 1910 الطبعة الثالثة 1922) بل كان زيدان يكتب فى كل عام رواية جديدة، ويصدر مجلدًا ذا صبغة تعليمية شعبية؛ وأضحى "الهلال" أوسع المجلات العربية انتشارًا، واشتهر اسم زيدان بوصفه روائيًا ومؤرخًا لا فى الأمم التى تتكلم العربية فحسب بل فى الشرق الإسلامى بأسره. وتعالج جل رواياته (17 من 22) صدر التاريخ الإسلامى من الفتح العربى إلى دولة المماليك (القرن الثالث عشر)؛ وكان مسرح ثلاث روايات أخرى القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، ومشهد رواية رابعة فى مصر فى العقد الأخير من القرن التاسع عشر وفى أيام الثورة التركية؛ وقد طبع بعض هذه الروايات عدة طبعات (بلغت أربعًا)؛ وترجمت كل هذه الروايات تقريبًا إلى الفارسية والتركية والهندستانية والأذربيجانية، وترجم بعضها إلى اللغات الشرقية الأخرى وإلى اللغات الأوربية (عدا ترجمة تيلو Thiln، انظر مثلا ترجمة رواية "العباسة أخت الرشيد" مع مقدمة لكلود فارير، Claude Farrere، باريس 1912 و"اللَّه ساهر"، باريس 1924)؛ وتنحصر الأهمية الكبرى لهذه المصنفات فى أنها بسّطت التاريخ، وقد كتبت بأسلوب سهل سلس طبعها بطابع شائق طلى، بيد أن هذه الروايات لا تروق كثيرًا فى نظر الذوق الأدبى الأوربى، ذلك أن أسلوب إنشائها عتيق وعاطفى بعض الشئ. وكتابه "تاريخ التمدن الإسلامى" (5 أجزاء 1902 - 1906) هو أهم مصنفاته التاريخية جميعا وقد بناه على المصنفات الأوربية المشهورة التى وضعها سديو Sedillot وكريمر Kremer وجولدسيهر Goldzihei وغيرهم، وقد أضاف إليه كثيرًا من المعلومات استقاها من المصادر العربية، وأكمله بما يعرفه عن الحياة الحديثة فى الشرق؛ وكان كتابه هذا عملا جليلا من الطراز الأول فى نظر البلاد الإسلامية، ولذلك كان

من الطبيعى أن يترجم إلى لغات أخرى (الفارسية والتركية والهندستانية) (انظر Bouvat فى J.A. المجموعة 10، جـ 19، 1912، ص 401 - 402)، بل إن الدارس الأوربى كثيرًا ما يجد فيه تفصيلات لا يجدها فى مكان آخر (انظر ده غوى de Goeje فى J.A، المجموعة 10؛ جـ 3، 1904، ص 356 - 359)، وقد ترجم مركوليوث D. S. Margoliouth المجلد الرابع إلى الإنجليزية (G.M.S. جـ 4، ليدن 1907). وثمة تتمة لكتابه "تاريخ التمدن الإسلامى" هى "تاريخ العرب قبل الإسلام" (1908)، بيد أنه لم يتمه، وفيه كل مزايا مصنفه الأكبر وعيوبه. ولا يقل عن هذا شأنا فى نظر الشرق مصنفه العظيم الأخير "تاريخ آداب اللغة العربية" (4 أجزاء، 1911 - 1914، وله فهرس وضع 1922؛ طبع طبعة مختصرة فى مجلد واحد 1924)؛ وكان هذا المصنف أول كتاب بالعربية ترسم المبادئ الأوربية؛ وقد بني زيدان مصنفه على أساس كتب بروكلمان Brockelmann وإيوار Huart وغيرهما، وكذلك استخدم المجموعات المصرية من المخطوطات، وأخرج من هنا وهناك مواد جديدة للعلماء الأوربيين. على أن استخدامه للمصادر الأوربية لم يخل دائمًا من النقد، كما تدل على ذلك انتقادات شيخو (المشرق جـ 14، 1911, ص 582 - 595؛ جـ 15، 1912، ص 597 - 610؛ جـ 16، 1913، ص 792 - 794) وانتقادات الأب أنسطاس (لغة العرب، جـ 1، 1912، ص 392 - 397؛ جـ 2، 1912، ص 52 - 62 و 139 - 146 و 205 - 209؛ جـ 4، 1914، ص 82 - 90، انظر أيضًا "فى أوقات الفراغ" لمحمد حسين هيكل، القاهرة 1925، ص 221 - 247)؛ والمجلد الرابع من هذا الكتاب هو أهم المجلدات فى نظر العلماء الأوربيين، فهو يعرض الأدب العربى فى القرن التاسع عشر عرضًا جميلا، ثم إنه هو ونظائره من مصنفات شيخو وطرازى تعد مصادرنا الوحيدة لدراسة هذه الحقبة من الزمن (¬1). ¬

_ (¬1) كان ذلك وقت كتابة المقال، أما الآن فالمكتبة العربية تزخر بعدد من المراجع العربية التى أخرجتها البحوث الجامعية الحديثة. [م. ع]

المصادر

ونذكر من مصنفاته الأخرى ما يلى: "علم الفراسة" و"طبقات الأمم" و"عجائب المخلوقات"، ووصف رحلته إلى أوربا (فى الهلال وقد أعيد طبعها مستقلة عام 1923)، وقد ترك "مذكرات" نستطيع الحكم على عظم طرافتها مما نشر من مقتطفاتها. ولم يكن زيدان بالباحث المبتكر، بيد أنه كان رائدًا بالنسبة للبلاد التى تتكلم العربية والعارفة بطرائق الأوربيين. فقد يسرَّ لنا الرجوع إلى مواضيع كثيرة مختلفة، وبين أن كل عربى يجب عليه الاهتمام بتقدم أساليب الأوربيين الفنية وعلومهم الرياضية فضلا عن اهتمامه بتاريخه وأدبه؛ ولم يكن زيدان من أصحاب الأفكار الثورية فى الميدان العقلى، وإنما كان ذا خلق رفيع نبيل؛ وكثيرًا ما كان يوجه النقد المر إلى مصنفاته، بيد أن هذا النقد كان تافهًا فى معظمه (انظر مثلا "نبش الهذيان من تأريخ جرجى زيدان" لأمين المدنى، بمباى 1307؛ أو "البرهان فى انتقاد رواية عذراء قريش" ليوسف طبشى: القاهرة 1900 وخاصة "انتقاد كتاب تأريخ التمدن الإسلامى" لشبلى النعمانى، القاهرة 1330)؛ ولم يكن المسلمون المحافظون ليرضوا بأن يعمد زيدان وهو الكاتب المسيحى إلى الخوض فى موضوعات إسلامية بحتة، ويتجلى ذلك بأجلى بيان فى الهجمات التى تعرض لها عندما عرض عليه منصب الأستاذية فى الجامعة المصرية أما المتعصبون للغة العربية وسلامتها (من أمثال إبراهيم اليازجى) فقد انتقدوا لغته وأسلوبه انتقاد من يتصيد الأخطاء؛ وقد أبرز الربع الأول من القرن العشرين ما كان لزيدان من شأن كبير فى تاريخ الأدب العربى الحديث وفى المجتمع العربى الحديث. المصادر: الأقوال الأوربية فى زيدان ليست كاملة (انظر مثلا G.A.L.: Brockelmann، جـ 2 ص 483. (1) على أن أهمها هى كتابات: (1) The Arabic Press of Egypt: Hartmann، لندن 1899، ص 35 - 36، 72. (2) المؤلف نفسه: Die Arabisahe Frage، ليبسك 1909، ص 586 - 588.

زيد بن ثابت

(3) Margoliouth فى J.R.A.S، 36. (1904)، ص 582 - 586. (4) Desormeaux فى R.M.M، جـ 4 (1908)، ص 838 - 845. (5) Studies in Contemporary Arabic Literature: H.A.R. Gibb فى B.S.O.S، جـ 4، ص 759 - 760. (6) Index zur neueren arabischen Literatur: G. Kampffimeyer فى M.S.O.S، جـ 31 الفصل الثانى، 1928 ص 205؛ وانظر أيضًا: (7) ل. شيخو: تاريخ الآداب العربية فى الربع الأول من القرن العشرين، بيروت 1926، ص 71. (8) Dictionnaire encyclopedique de bibliographie arabe: J. Sarkis القاهرة 1929، ص 985 - 987. (9) وقد كتب Ign. Krackowsky مقالا: Der historische Roman in der neueren arabischen Litteratur، ليبسك 1930 (= W.I، جـ 12، ص 69 - 79) عن صفاته العامة وسيرته، أساسه العلاقات الشخصية مع الإشارة بوجه خاص إلى رواياته. (10) السيرة العربية مع صورة فى "مرآة العصر فى تاريخ ورسوم أكابر الرجال بمصر" لإلياس زخوره، القاهرة 1897، ص 457 - 464، وفي ملحق المجلد الرابع من كتاب زيدان "تاريخ الأدب العربى" الذى ظهر بعد وفاته (القاهرة 1914، ص 323 - 326؛ وكذلك تضمن الملحق بيانًا بمصنفاته)؛ وقد أعيد طبع السيرة مطولة (مع خمس صور) على هيئة مقدمة للمجلد الأول من مختاراته (القاهرة 1919، ص 7 - 16). (11) وانظر أيضًا "الهلال فى أربعين سنة" (القاهرة 1932، ص 9 - 40)، ولا جدال فى أن شخصيته جديرة بمقال محكم. صبحى [كراتشكوفسكى Ign. Kratschkowsky] زيد بن ثابت ابن الضحاك بن زيد بن لوذان بن عمر بن عبد مناف (أو عوف) بن غنم ابن مالك بن النجار الأنصارى الخزرجى: صحابى يرجع معظم الفضل فى شهرته إلى اشتراكه فى كتابة

المصادر

الوحى. وقد قتل أبوه يوم بعاث -قبل الهجرة بخمس سنين، وكان زيد فى السادسة من عمره، وأمه النوار بنت مالك بن معاوية بن عدى، وكانت هى أيضًا من بنى النجّار. ويقال إن الغلام كان يحفظ بعض السور عندما استقر النبى -صلى اللَّه عليه وسلم- فى المدينة. ومهما يكن من شئ فإن زيدًا غدا كاتبه، وقد دوّن بعض ما نزل على النبى -صلى اللَّه عليه وسلم- من الوحى، وتولى كتابة رسائله إلى اليهود. ويقال إنه تعلم لغتهم فى 17 يومًا أو أقل؛ وقد أطرى معاصروه سرعة إدراكه وحكمته وعلمه؛ وكان يلقّب بـ "حبر هذه الأمة". وتولى زيد بعد وفاة النبى -صلى اللَّه عليه وسلم- مناصب تتفاوت فى الشأن، فقد عهد إليه عمر ثم عثمان بولاية المدينة عندما خرجا للحج، وصحب عمر إلى الشام، وتولى قسم الغنائم بعد وقعة اليرموك وكتب أثباتًا بأسماء من سجلوا فى الديوان عندما أنشأه عمر، وكان قاضيًا فى المدينة ومتوليًا شئون المال فى عهد عثمان: فلما مات عثمان ظل زيد بمعزل عن على، ولو أنه كان يظهر له ما هو أهل له من توقير، على أنه يقال (الطبرى، جـ 1، ص 3070 و 3072) إنه رفض أن يبايعه. وأشهر ما عرف به اشتراكه فى كتابة القرآن وكان خبيرًا فى شئون التوريث. ومات زيد عام 45 هـ (665 - 666 م) وجاء فى روايات أخرى أن وفاته كانت سنة 42 أو 43 أو 51 أو 55 أو 56، وقد صلى عليه مروان بن الحكم. المصادر: (1) ابن هشام: السيرة، طبعة Wustenfeld، ص 560. (2) اليعقوبى: طبعة Houtsma، الفهرست. (3) الطبرى: طبعة ده غوى De Goeje جـ 1، ص 2937 و 3058 و 3070 و 3072؛ جـ 2، ص 836؛ انظر أيضًا الفهارس. (4) ابن سعد: طبعة Sachau, جـ 2/ 2، ص 115 - 117. (5) النووى: تهذيب الأسماع، طبعة Wustenfeld, ص 259 وما بعدها. (6) ابن الأثير: أسد الغابة، جـ 2، ص 221 - 223.

زيد بن حارثة

(7) ابن حجر العسقلانى الإصابة، رقم 2865؛ المؤلف نفسه: تهذيب التهذيب، حيدر آباد 1325 هـ، جـ 3، ص 399 وما بعدها. (8) Geschichte des Qorans: Noldeke-Schwally جـ 2، ص 54. (9) Das Leben und die Lehre des Mohammad: Sprenger جـ 3 ص 39 وما بعدها. (10) Annali dell' Islam: L-Caetani, فهرست المجلدين 1 - 2 و 3 - 5. (11) المؤلف نفسه Chron Islamica, ص 505. (12) Handbook of Early Mu h Wensinck Tradition, مادة زيد بن ثابت. صبحى [فنسنك A.J. Wensinck] زيد بن حارثة ابن شراحيل الكلبى أبو أسامة، رقيق جاء به إلى مكة حكيم بن حزام بن خويلد ابن أخي خديجة وكان قد اشتراه من الشام وأهداه إليها، ثم أهدته خديجة إلى محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- قبل أن يبعثه اللَّه رسولا. وسعى أبوه إلى مكة ليعتق ابنه، ولكن زيدًا رفض أن يترك محمدًا -صلى اللَّه عليه وسلم- ومن ثم أعتقه محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- وتبناه، وعرف منذ ذلك الوقت بزيد بن محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-، وكثيرًا ما كان يشترك فى تجارة أبيه بالتبنى. وكان زيد يصغر محمدًا -صلى اللَّه عليه وسلم- بنحو عشر سنوات، وهو من السابقين إلى الإسلام، إن لم يكن أولهم جميعًا؛ وزيد ينحدر من قبيلة كانت تضرب قرب دومة الجندل. وقد آخى زيد فى المدينة حمزة بن عبد المطلب، وفي العام الأول للهجرة شخص إلى مكة ليصحب سودة بنت زمعة وبنات الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى المدينة؛ وكان زيد مقاتلا باسلا، شهد بدرًا وأحد والخندق، كما شهد الحديبية، وكان على رأس عدة سرايا (القَرَدة فى العام الثانى للهجرة، والجَمون والعيس فى العام السادس وغيرها)، وكثيرًا ما كان يترك على رأس حامية المدينة عندما كان محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- يخرج فى بعض غزواته (انظر فيما يتصل بزواجه من زينب بنت جحش وطلاقه منها؛ وقد نزلت عقب هذا الطلاق الآية الكريمة التى ألغت التبنى "سورة الأحزاب، الآية

المصادر

40")؛ وتزوج زيد، بعد طلاقه من زينب، بأم كلثوم بنت عقبة فولدت له زيدًا ورقية، ثم تزوج من درة بنت أبي لهب، وقد طلق الاثنتين؛ على أنه عاد فتزوج هندًا بنت العوام وعتيقة الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- الجارية أم أيمن فولدت له أسامة. وتوفى زيد فى العام الثامن للهجرة فى الخامسة والخمسين من عمره تقريبًا وهو على رأس غزوة مؤتة وكان حامل لوائها؛ وقد حزن عليه محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- ودبر أمر الانتقام له؛ ولزيد مكانة فى الحديث، ويرجع ذلك إلى سببين، أولهما محبة النبى -صلى اللَّه عليه وسلم- له مما دعا الأحاديث الصحاح إلى القول بأنه حبيب رسول اللَّه وأنه آثره على على بن أبى طالب (¬1)، والثانى أنه قد ذكر فى القرآن. المصادر: (1) ابن سعد، طبعة Sachau، جـ 3/ 1، ص 26 - 31. (2) ابن إسحاق: طبعة Wustenfeld ص 160 - 161 و 801 - 802. (3) ابن الأثير: أسد الغابة، جـ 2، ص 224 - 227. (4) Annali dell' Islam: Caetani، المقدمة الفصول 175 و 223 و 226 و 227؛ العام الأول للهجرة - الفصل 15 رقم 50، والفصلان 50 و 53؛ العام الخامس للهجرة، الفصل 201، العام الثامن للهجرة، الفصول 7 - 15. (5) Fatima et les 3 fllles de Mahomet: Lammens فى مواضع متفرقة. صبحى [فكا V. Vacca] زيد بن على زين العابدين وإليه ينسب الزيدية وهم الذين يقدسونه شهيدًا سياسيًا ودينيًا؛ وحلت النكبة بجده الحسين بن على فى كربلاء، فكان زيد بن على أول علوى سعى إلى حرمان بنى أمية من الخلافة بالفتنة المسلحة، فوضع نفسه تحت إمرة الكوفيين متخذًا صفة الإمام؛ وقد قضى سنة يتجهز فى الكوفة، فيما عدا فترة لا تتجاوز الشهرين كان يبحث فيها عن أتباع فى البصرة؛ وكان ¬

_ (¬1) يفهم من هذه العبارة العجيبة أن الأحاديث قد وضعت وضعا متأثرة بحب النبى لزيد، وهذه الدعوى سبق أن فندت فى التعليق على مادة حديث فى الدائرة، فليرجع إليها من شاء.

يختفى خلال إقامته فى الكوفة فى مخابئ دأب على تغييرها، ولكنه ما إن أصبح مستعدًا لبدء القتال حتى كان الوالى يوسف بن عمر الثقفى، وكان وقتئذ غائبًا بالحيرة، قد أثبت أنه اتخذ للأمر أهبته فلم ينضم إلى زيد إلا بضع مئات من الرجال بالرغم من أن آلافًا منهم كانوا قد بايعوه بالإمامة؛ واستمر القتال فى الطرقات بضعة أيام أصيب بعدها زيد فى مقتل، وأخفيت جثته فى مخبأ تحت الماء إلا أن بعضهم أفشى سر هذا المخبأ، فعرض جثمان زيد فى الكوفة ورأسه فى دمشق ومكة والمدينة؛ وقد نقل الطبرى عن أبى مخنف وصفا حيا مسهبا لتفصيلات القتال رواية عن بعض من عمروا بعده، بيد أن تاريخ القتال نفسه الذى وقع فى مستهل عام 122 هـ (740 م) ليس محققًا تمامًا، ذلك أن زيدًا فيما يظهر قد اضطر أن يسارع بفتنته قبل أجلها الذى جعله بينه وبين أهل الكوفة ببضعة أيام نظرًا لبراعة رجال الشرطة السرية؛ والقول بأن تاريخ هذه الفتنة كان سنة 121 أو حتى سنة 120 فيه على ما نظن إغفال للمدة الطويلة التى كان يقتضيها التجهيز لهذه الفتنة. ويرجع الفضل فى نجاح شرطة الأمويين، ولم يكن عددهم كبيرًا بأى حال، إلى ما عرف عن متآمرى أهل الكوفة من تردد. فقد التأم شملهم فى المسجد الجامع وتركوا الباب يغلق دونهم، ولم يؤازروا زيدًا فى جهوده لإطلاق سراحهم، مع أن هذه الجهود كادت تكلل بالنجاح عدة مرات؛ ولم يكن بين هؤلاء المتآمرين شئ من التجانس، وإنما كانوا نفرًا من الساخطين على الحكومة، بل كان بينهم بعض الخوارج، ثم إنه لم ينصر زيدًا أحد ممن أجمعوا على أن يلى الخلافة رجل من العلويين. أما الرواية التى تقول إن كثيرًا من الذين تخلوا عنه لجأوا إلى أخيه محمد الباقر بوصفه الإمام الحق فلعلها تأثرت بالاضطراب الذى ساد صفوف الشيعة بعدئذ قبل أوانه، زد على ذلك أن زيدًا نفسه لم يكن زعيم الحركة الحقيقى، ذلك أنه لم يأت الكوفة بمحض رغبته، بل كان فى الرصافة مع الخليفة هشام بن عبد الملك وكان قد لجأ إليه فى إبان حاجته وعوزه، وإذا بالوالى يستدعيه إلى الكوفة ليسأله فى قضية تتصل بَديْن

عليه، وكان زيد نفسه يخامره الشك فى نجاح ما دبر، وما إن انقضت أربعة أشهر حتى أراد أن ينسحب تمامًا من تنفيذ خطته، وبلغ القادسية فى طريقه إلى المدينة مسقط رأسه عندما استماله إلى العودة بعض الشيعة وكانوا قد هرعوا وراءه. وقد بقيت بعض الكتابات والمقتطفات التى نسبت إلى زيد، وهى تتضمن تفاسير لبعض آيات القرآن ومسألتى الإمامة والحج. وتشمل بصفة خاصة مجملا كاملا للفقه؛ ولكنها فى صورتها الحالية تعرض لمسائل فى الدين والشعائر والشريعة والسياسة تناقض بعضها بعضا فى كثير من الأحيان، كما تناقض المبادئ التى قالت بها كتب الزيدية المتأخرة والتى صدق عليها زيد. على أنها تعد شواهد على أنه كان على حظ من العلم. ولا ينبغى لنا أن نحفل كثيرًا بلقب التشريف الذى لقب به زيد، وهو "حليف القرآن" ولا بالرواية الزيدية التى تقول إن أبا حنيفة درس عليه وأيد فتنته بالفتوى والمال، ومع ذلك فإننا نستدل من هذين الشاهدين على الخبرة الفقهية التى دافع بها أبرع دفاع عن قضايا آل الحسين فى مطالبتهم آل الحسن بميراث بيت على. وذاع صيت زيد فى أغانى المغنين، بل إن هذا الصيت يرد إلى تاريخ مبكر يرجع إلى السيد الحميرى الذى ذكر زيدًا كما ذكرته كتب "المقاتل" القديمة وقد حاولت القصص أن تكفّر عن المعاملة المشينة التى عومل بها جثمانه، فساقت حكايات عن كراماته، على أننا نستطيع أن نقول بصفة عامة إن الأوصاف التى ذكرتها هذه الحكايات كانت معتدلة بعض الشئ تمشيا مع مذهب الزيدية. وكان زيد ما زال فى الحلقة الخامسة من عمره عند وفاته، وكان أميل إلى البدانة شأنه فى ذلك شأن العلويين جميعًا؛ وكانت أمه أمة، وقد تزوج هو نفسه ريطة حفيدة محمد ابن الحنفية فولدت له يحيى الذى اشترك فى الفتنة، واستطاع أن يهرب إلى خراسان حيث كان أنصار زيد يعملون. ولكنه لقى نفس المصير الذى لقيه أبوه عام 125 أو 126 هـ (743 أو 744 م)؛ وقد ادّعى رأس الزنج أنه حفيد يحيى هذا. والحق أن سلالة زيد كانت قد انقرضت قبيل ذلك، ولم يكن

المصادر

أحفاد زيد فى ذلك الوقت إلا نسل أخوات يحيى غير الأشقاء، وكانت أمهم أمة؛ وتزوج زيد فى الكوفة بامرأة من بنى فرقد وأخرى من أزد رغبة منه فى اكتساب أنصار له، وقد ولدت له الثانية بنتًا، إلا أنها ماتت قبله. المصادر: (1) ابن سعد، طبعة Sachau، ص 239 وما بعدها. (2) اليعقوبى: التاريخ، طبعة Houtsma، جـ 2، ص 390 وما بعدها. (3) الطبرى: التاريخ، جـ 2، ص 1667 - 1688 و 1698 - 1716. (4) الناطق أبو طالب يحيى بن حسين بن هارون البطحانى: الإفادة فى تاريخ الأئمة السادة، مخطوط ببرلين رقم 9666, الورقة 13. (1) وما بعدها، برلين رقم 9666، ص 39 وما بعدها، ليدن رقم 1974، الورقة 10. (1) وما بعدها. (5) حامد بن أحمد المحلى: الحدائق الوردية فى مناقب أئمة الزيدية، مخطوط بميونخ، رقم 86، الورقة 75. (ب) وما بعدها. (6) أحمد بن على بن الحسين بن المهنا: عمدة الطالب فى أنساب على بن أبى طالب، بمباى، 1318، وخاصة ص 230 عن تاريخ وفاته. (7) أبو الفرج الإصبهانى: مقاتل الطالبيين، طهران 1307 هـ، ص 50 - 61. (8) المسعودى: مروج الذهب، طبعة B. de Meynard، ص 467 - 473. (9) ابن الأثير: الكامل، طبعة تورنبرغ، ص 171 - 177 و 181 - 186. (10) Die religios-politischen Oppositions parteien im alten Islam: J. Wellhausen فى Abh. G. W. N.S. Gott Gott جـ 5، رقم 2، 1901، ص 95. ما بعدها. (11) De opkomst van het Laidietische Imamaat in Yemen: C. van Arendonk ليدن 1919، ص 25 وما بعدها و 281 وما بعدها. (12) Corpus Juris di Zaid ibn Ali: E. Griffini، ميلان 1919.

المصادر

(13) Das Problem R. Strothmann der literarischen Personlichkeit Zaid b. Ali جـ 13 (1923)، ص 1 - 52. صبحى [شتروتمان R. Strothmann] زيد بن عمرو " زيد بن عمرو": بن نفيل؛ مكى من الحنفاء توفى قبل بعثة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- عندما كان الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- فى نحو الخامسة والثلاثين من عمره. وقد نبذ زيد الوثنية وأمسك عن الدخول فى المسيحية أو اليهودية، وعارض وأد البنات، وأبى أن يأكل لحم الحيوانات التى تضحى قربانًا للأصنام، أو التى تذبح من غير دكر اسم اللَّه. وكان يرى أنه المؤمن الحق الوحيد فى مكة، وأنه على دين إبراهيم. وهو ابن عم عمر بن الخطاب، وقد تزوج من صفية بنت الحضرمي ومن فاطمة بنت بعجة، وكان له ولد يدعى سعيد بن زيد أخذ يروى للناس أخباره. وقد اضطهده أهله بسبب نزعته الدينية، فسافر بحثًا وراء الدين الحق، وأوغل فى أسفاره حتى بلغ الموصل وزار الشام. وفى ميفعة من أعمال البلقاء تنبأ له كاهن من أهل العلم (بحيرا آخر؟ ) بقيام نبى حق فى مكة، فأسرع زيد بالعودة، ولكنه هوجم وقتل وهو يخترق البلاد التى كانت تنزلها قبيلة لخم. وتذكر رواية أخرى أن زيدًا نفسه قد تنبأ برسالة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- ومستقبله. ويذكر ابن إسحاق شعرا منسوبًا لزيد، ولكن هذا الشعر مشكوك فى صحته. ويعد زيد فى الحديث مؤمنا صادقًا وإن كان قد توفى قبل الإسلام. وأجاز النبى -صلى اللَّه عليه وسلم-، الصلاة عليه وقال إنه من أهل الجنة. المصادر: (1) Annali dell' Islam: Caetani المقدمة، فقرة 164، 180، 182, رقم 2، 186، 187. (2) ابن سعد طبعة سخاو، جـ 1 قسم 1، ص 105. (3) ابن إسحق، طبعة فستنفلد، ص 143 - 146، 149. الشنتناوى [فكا V. Vacca]

الزيدية

الزيدية هم طائفة تحققت لها الأطماع السياسية بين طوائف الشيعة وهم يفترقون عن الشيعة الإثنى عشرية وعن الشيعة السبعية فى قولهم بإمامة زيد بن علىّ [بن الحسين بن على بن أبى طالب] وبعد أن مات زيد اشترك الزيدية فى فتن كثيرة قام بها العلويون، ولكنهم لم يؤلفوا قط فرقة واحدة. ومؤرخو المقالات يحصون من الزيدية ما يبلغ ثمانى فرق: من فرقة أبى الجارود الذى جمع بين الأعمال الحربية وبين القول بتأليه الأئمة، إلى فرقة مسلمة بن كُهيل الذى اقتصر فى تمسكه بمذهب الزيدية على مجرد الميل إلى الشيعة. وكانت الحال شبيهة بذلك فى المذهب الاعتقادى للزيدية. وهم لم يصبحوا جماعة متحدة إلا بعد أن تولى قيادتهم الروحية رجال من العلويين الذين كانوا يدعون الإمامة. وإذا نحن اعتمدنا على ما لدينا حتى الآن من معلومات وثيقة وجدنا أنه لا يستحق هذا الوصف من العلويين إلا رجلان: أولهما الحسن بن زيد الذى أسس منذ حوالى سنة 250 هـ (864 م) دولة زيدية جنوب بحر الخزر، وثانيهما القاسم الرَّسى، وهو ابن إبراهيم طباطبا بن إسماعيل الديباج بن إبراهيم ابن الحسن بن الحسن بن على بن أبى طالب (المتوفى سنة 246 هـ = 860 م) وعلى حين أنه لا توجد من مؤلفات الحسن بن زيد إلا شواهد غير مباشرة فإن مؤلفات القاسم الذى لم يوفق على أية حال فى ميدان السياسة قد بقيت، وإن كنا لم نزد معرفة به إلا فى العصر الحديث بحكم صلته بالرد على النصارى (راجع ما كتبه Di Matteo فى مجلة RSO، المجلد 9، 1921 - 1923؛ ص 301 - 364) وبالرد على ابن المقفع La lotta tra l islam e il manicheismo: M. Guidi) رومة، 1927)، ومذهب الزيدية الذى وضعه القاسم ووسعه وفصله من جاءوا بعده، وهو المذهب الزيدى الوحيد الذى بقى مذهب ينحو فيما يتعلق بالقول فى ذات اللَّه منحى الاعتزال (¬1)، وهو فيما يتعلق بالمسائل ¬

_ (¬1) السبب فى ذلك هو أن زيد بن على تتلمذ على واصل بن عطاء مؤسس فرقة المعتزلة، على أن الفرقة التى رأت فى الأصول رأى المعتزلة حذو القوة بالقوة هى فرقة الصالحية. وما دام الكلام عن مذهب الزيدية فإنه تحسن الإشارة إلى أنهم، شأنهم شأن الشيعة بالاجمال، كانوا يعتقدون بانفراد أبناء على رضى اللَّه عنه بعلم فطرى ضرورى من غير تعلم، وهو شبيه =

الأخلاقية مخالف للمرجئة، ويحمل إلى ذلك طابعًا من التشدد فى الدين يرفض التصوف، ولذلك فالطرق الصوفية ممنوعة فى الدولة الزيدية. أما فيما يتعلق بمسائل العبادات فإن مذهب الزيدية هذا يشترك مع بقية الشيعة فى مميزات معينة انفردوا بها بوصفهم فرقة من الفرق: من ذلك قولهم فى الأذان: "حىّ على خير العمل"؛ والتكبير خمس مرات فى صلاة الجنازة؛ ورفض المسح على الخفين؛ ورفض الصلاة خلف الفاجر؛ وعدم أكل ذبائح غير المسلمين. وهم فيما يتعلق بأحكام الزواج يحرمون الزواج من غيرهم، ولا يجيزون على كل حال زواج المتعة. ولما كان خصوم الزيدية يكادون جميعًا يكونون من المسلمين، فإن الزيدية يقولون من الناحية النظرية بطبيعة الحال، بوجوب محاربة البغاة الذين يخرجون على الإمام؛ على أنه كان هناك فوق ذلك خلاف فى العقيدة بين المعتزلة وأهل السنة، ومن ثم فإن الزيدية كثيرًا ما سموا أنفسهم "المؤمنين" بإطلاق المعنى، فى مقابل مخالفيهم، كما أنهم لم يترددوا فى تسمية حروبهم جهادًا هى وما يترتب عليها من نتائج تتعلق بقوانين الحرب. ونظرًا لتفرقهم من أول الأمر فإنهم اختلفوا أشد الخلاف فى المسائل الشرعية، وهذا الخلاف على كل حال لا يميز الفرقة من حيث هى. وقد دون المتأخرون هذه الآراء المتباينة من غير اتهام لأصحابها وفرحوا باعتبارها من جملة اختلاف الفقهاء. وهنا نجد أفرادًا من الزيدية يوافقون أفرادًا من أهل السنة فى مخالفة أفراد آخرين من الزيدية ومن أهل السنة، بحيث أصبح مذهب الزيدية فى الفقه بمثابة مذهب خامس إلى جانب المذاهب الأربعة. وقد صور لنا أبو الحسن عبد اللَّه بن مفتاح الزيدى ذلك تصويرا واضحًا ملموسا ¬

_ = بالعلم النبوى، كما كانوا يعولون على علم مكتوم يأخذه بعضهم عن بعض، ومنه ما هو تنبؤ بمصيرهم. وأخص ما ينسب دلك إلى جعفر الصادق رضى اللَّه عنه. وأئمة الرافضة، وهى إحدى فرق الزيدية، قالوا بالبداء، يعنى أن اللَّه قد يبدو له فيغفر ما يريد -وهذه نظرية باطلة- كما أنهم كانوا فيما يقولون ويفعلون يتعللون بالتقية، أى بضرورة المداراة -راجع مثلا كتاب الملل للشهرستانى، طبعة القاهرة 1347 هـ، جـ 1، ص 120، 152، 124، 166؛ جـ 2، ص 2. [المترجم].

بأن جعل اسم كتابه "المنتزع المختار من الغيث المدرار" (الجزء الأول، طبعة القاهرة 1328 هـ). ولابد بطبيعة الحال أن تكون الآراء قد اتحدت فى الدولة الزيدية الحالية اتحادًا كبيرًا؛ وقد جاء هذا الاتحاد من أن كتابين أصبحا فيها أساسًا للتعليم الرسمى، وهما: كتاب "الأزهار فى فقه الأئمة الأطهار" (راجع كتاب تاريخ المؤلفات العربية لبروكلمان جـ 2، ص 178، ص 129) تأليف أحمد ابن يحيى المرتضى وكتاب "الروض النضير". وأهم الشروط التى يجب أن تتحقق فى الإمام هى: (أ) أن يكون من أهل البيت، دون تمييز بين أبناء الحسن وأبناء الحسين، ومعنى هذا أنه لا يخلف إمامًا بالوراثة، (ب) وأن يكون قادرًا على الخروج بنفسه للقتال بسيفه وقادرا على الدفاع، بحيث لا يلى الإمامة صبى ولا مهدى غائب، وأن يكون على ما يقتضيه منصب الإمامة من العلم: وقد أخذ الزيدية ذلك مأخذ الجد بدليل تلك الكثرة الهائلة من الكتب التى ألفها أئمة الزيدية فى جميع القرون. ولم يكن من الميسور والحالة هذه أن تنشأ تقاليد مما تتميز به الأسر المالكة. وكان النجاح الشخصى هو العامل الحاسم فى الوصول إلى الإمامة، ولذلك لم تقم سلسلة متصلة من الأئمة، بل يسلم الزيدية على نحو يتفق ومنطق الواقع بأنه يمكن أن يكون "زمان بلا إمام"، وأكثر من هذا أيضًا أنهم يسلمون بإمكان وجود "أئمة كثيرين فى زمان واحد" (¬1)، ومعنى هذا، من الناحية العلمية، أنه كثيرًا ما يظهر ¬

_ (¬1) كان الزيدية يجوزون أن يكون كل فاطمى عالم زاهد شجاع سخى خرج بالامامة (أى خرج شاهرًا سيفه)، إماما واجب الطاعة، سواء كان من أولاد الحسن أو من أولاد الحسين. . وجوزوا خروج إمامين من قطرين يستجمعان هذه الخصال ويكون كل واحد منهما واجب الطاعة؛ وهذا هو مذهب زيد بن على الذى تنسب إليه فرقة الزيدية. كان زيد يرى أيضًا جواز إمامة المفضول مع قيام من هو أفضل منه، إذا اقتضت ذلك مصلحة دينية، كتسكين ثائرة الفتنة، مثل تفويض الإمامة لأبي بكر بسبب لينه وسبقه فى الإسلام وتقدمه بالسن، وذلك دون على رضى اللَّه عنه لما كان فى القلوب منه بسبب شدة بلائه فى الإسلام، ودون عمر رضى اللَّه عنه، لأنه كان فظا شديدًا. وكان زيد يرى أنه يجوز أن يكون المفضول إماما ومن هو أفضل منه قائما، فيرجع إليه فى الأحكام =

إمام معارض لآخر. فإذا استطاع هذا الإمام الجديد أن يقصى سلفه عن الإمامة فإن خلع الإمام المغلوب أو نزوله عن الإمامة يعتبر عند ذلك أمرًا مشروعًا تمامًا وهذا من علامات الاعتراف بالواقع من غير تعنت. ولكن إذا انقلب الوضع استطاع الإمام المغلوب أن يعود إلى الإمامة. وعدم تحقق كل شروط الإمامة يمنع من الاعتراف للإمام بالإمامة الكاملة؛ وعند ذلك لا يكون هناك سوى أئمة فى الحرب أو فى العلم. أما الرؤساء الذين لا تتعدى مقدرتهم المحافظة على حياة الدعوة الزيدية فإن الواحد منهم يسمى "داعيًا" أو "محتسبًا" أو "مقتصدًا" أو نحو ذلك. ثم إن الشك فى: من هو الذى يستحق أن يكون إمامًا حقيقة يتجلى عند الزيدية بالنسبة لمن ادعى الإمامة من العلويين فاختارهم الزيدية بعد أن صار لهم دولة فيما بعد، وذلك بغية المحافظة على الصلة بالشيعة الأولين. ونجد فى أول قائمة وصلت إلينا مشتملة على بيان الأئمة، وهى لمؤسس الدولة الزيدية فى اليمن، أن هؤلاء الأئمة على هذا الترتيب: (1) على، (2) الحسن، (3) الحسين، وبعد ذلك، (4) زيد بن ¬

_ = والقضايا. وهذا هو السبب فى رفض شيعة الكوفة لزيد بن على لما خرج بالامامة، ولذلك سموا "الرافضة"؛ ولكن أكثر الزيدية رفضوا فيما بعد رأى زيد بن على فى جواز إمامة المفضول، كما أن بعض الزيدية (وهم السليمانية) كانوا يرون أن الإمامة شورى بين المسلمين. ويظهر أن الصالحية من فرق الزيدية قد بالغوا فى فهم رأى زيد بن على، فرأوا جواز إمامة المفضول ما دام من هو أفضل منه راضيا بذلك، ومنهم من غلا حتى جوز أن يوجد إمامان فى قطرين ويكون كل منهما مصيبا فى حكمه واجب الطاعة فى قومه حتى لو أفتى بخلاف ما يفتى به الآخر إلى حد استحلال دم الآخر، كما جوزوا أن يقتتل الإمامان المتساويان فى الفضل والزهد والحزم ومتانة الرأى فتكون الإمامة للمتغلب منهما. على أن بعض المعتزلة (مثل جعفر بن حرب وجعفر بن مبشر) كان يرى أن الإمامة مسألة مصلحية من مصالح الدين، فهى لا تحتاج إلى العلم النظرى بقدر ما تحتاج إلى توفر الحزم والرأى المتين والبصر بالحوادث، وهذا هو الذى يكفل تنفيذ القانون الشرعى وإلزام الجماعة حدود النظام وحماية الدين من أعدائه، ولذلك يجوز أن تكون للمفضول من ناحية العلم، ولكن يجب على هذا المفضول أن يستعين بأهل العلم والاجتهاد والرأى -راجع الشهرستانى، جـ 1، ص 159 - 161؛ جـ 2، ص 2. [المترجم].

على وابنه، (5) يحى، ثم يلى ذلك الإخوة الثلاثة، (6) محمد بن عبد اللَّه (7) إبراهيم ثم (9) يحيى الذى ظهر فى بلاد الديلم، وذلك بعد أن كان قد اشترك فى الحرب عند الفخّ من أجل الحسين بن على بن الحسن، وأخيرًا (10) محمد بن إبراهيم طباطبا الذى خرج مع أبى السرايا (11) أخوه المسمى القاسم الرّسى. أما القوائم الأحدث من ذلك عهدًا فهى تشمل عشرة أئمة آخرين، وأهمهم بالنسبة لنظرية الإمامية إدريس وهو أخ رابع للأئمة السادس والسابع والتاسع، وإدريس قد استوفى شروط الإمامة، لكنه أسس دولة بقيت فى المغرب على مذهب أهل السنة. وتحققت مطامع الزيدية فى مناسبتين، فقد ظهر عند بحر الخزر بعد أيام الحسن بن زيد، إلى حوالى سنة 520 هـ (1126 م)، ما يقرب من عشرين إمامًا وداعيا، بينهم فترات متفاوتة فى طولها، ولكنهم كانوا متنازعين. ومنذ ذلك الزمان اندمج الزيدية هناك فى فرقة النكتوية. أما مؤسس الدولة الزيدية فى اليمن فهو الهادى إلى الحق يحيى بن الحسين من ولد ولد القاسم الرَّسى. وقد عاشت هذه الدولة إلى ما بعد سائر دول اليمن، وإن كانت، فى كثير من الأحيان "قد اضطرت إلى الارتداد إلى المدينة التى بدأت منها دعوتها وهى صعدة. وذلك منذ أوائل القرن الرابع للهجرة (العاشر الميلادى)، عند موت الناصر أحمد بن الإمام الهادى الذى كان ثانى إمام بعد أبيه الهادى. وفى خلال ذلك القرن لم يتيسر القيام إلا بمحاولات قليلة للتوسع على يد أبناء أحمد هذا وأحفاده، وعلى يد أئمة من بيوت فرعية من أبناء القاسم أيضًا، ولكنهم لم يكونوا من أبناء الهادى، ومنهم العيانى، ومنهم أيضا الإمام المؤلف المكثر المهدى الحسين بن المنصور القاسم الذى أدى موته سنة 404 هـ (1013 م) إلى تفرق أتباعه، وفقدت فرقة منهم الأمل فى ظهور المهدى فى نهاية ألف السنة فانحلت. وفى سنة 447 هـ (1055 م) قتل الناصر أبو الفتح بن الحسين المسمى الديلمى فى الحرب بينه وبين الصليحيين، وذلك أنه كان فى أول الأمر قد ظهر بالإمامة بين زيدية أرض

الخزر، وكان من أبناء زيد بن على. وإذن فليس بصحيح أن يعتبر أئمة اليمن من أبناء الرسّى. ولم يخلفه المتوكل أحمد بن سليمان من أبناء الهادى إلا فى سنة 533 هـ (1138 م) فظل إمامًا إلى سنة 566 (1170 م)، وهو علاوة على حروبه التى بلغ فيها نجران قد كتب فى الطعن على زندقة المطرّفيّة. واضطراب القرن السابع الهجرى (الثالث عشر الميلادى) يفسر لنا ما وقع من أن المهدى أحمد بن الحسين، من أبناء أبى البركات بن محمد بن القاسم الرسى، قد قتله قومه سنة 656 هـ (1258 م) بعد أن دامت إمامته عشر سنين. وكان للمهدى إبراهيم بن تاج الدين أحمد منافس فى شخص يحيى بن محمد، من بيت من الحسنيين لا نعرف عنه شيئًا قط هو بيت السراجى، ومات هو نفسه سنة 674 هـ (1275 م) فى الحبس عند المظفر يوسف الرسولى فى تعز، على حين أن المتوكل المطهر بن يحيى، وهو قد ظهر من بيت الهادى وتوفى سنة 699 (1299 م)، سمى المظلل بالغمامة، لأنه وهو مرتد من غزوة محفوفة بالخطر فى خولان أظلته غمامة فأخفته من المؤيد داود الرسولى الذى كان يطلبه. وقد اعترض انتقال الإمامة إلى ابنه المهدى محمد وإلى حفيده المطهر دخول غرباء كثيرين، مثل المؤيد يحيى ابن حمزة، أحد أبناء الإمام الثانى عشر على الرضى، وقد ملأت كتبه "من طباق الورق عدد ما كان فى حياته من أيام". وكان نظيره فى التأليف المهدى أحمد ابن يحيى المرتضى المتوفى سنة 836 هـ (1432 م) والذى لم يمكث فى الإمامة إلا عدة أيام. وبعد فترة تحارب فيها أئمة كثيرون فيما بينهم، وتحاربوا مع الطاهريين للاستيلاء على ذمار وصنعاء، اضطر حفيده المتوكل يحيى شرف الدين أن يعتكف ردحا من الزمن فى ثلا تحت ضغط قواد مماليك مصر (933 هـ - 1517 م). صحيح أن ابنه المطهر استطاع أن يسترد إلى حين كل ما كان قد ضاع من البلاد حتى تهامة، ولكن الدولة العثمانية كانت قد قامت فيما بين ذلك. وتوفى حفيده وهو سجين فى إستانبول، كما توفى فى سنة 1004 هـ (1595 م) الناصر الحسن بن على، من فرع آخر من فروع

بيت الهادى، بعد أن استطاع أن يحتفظ بالإمامة سبع سنين فى الأهنوم. وفى آخر تلك السنة بدأ المنصور القاسم بن محمد، وكان من بيت الهادى أيضًا، عهدًا جديدًا فى تاريخ الزيدية، وذلك أنه نادى بالحرب وأفلح فى قتاله إلى أن توفى (1029 هـ = 1620 م). وفى عهد ابنه المؤيد محمد المتوفى سنة 1054 هـ (1644 م) انسحب العثمانيون من اليمن سنة 1045 هـ (1635 م) ومنذ ذلك الزمان كان الأئمة فى الجملة من بيت القاسم هذا، برغم أنه كان لا يزال بعد قرون أئمة ينتمون إلى بيوت زيدية قديمة أصيلة، وكان ذلك لا يتم بطبيعة الحال إلا بفتن كثيرة كانت تضرب القبائل العربية فى أثنائها بعضها ببعض. فمثلا ينسب موت المؤيد محمد بن إسماعيل بن القاسم (1097 هـ = 1606 م) إلى عشيرته الأقربين، ذلك أنهم دسوا له السم، ثم استتب النظام إلى حد كبير فى عهد المهدى عباس بن المنصور الحسين المتوفى سنة 1189 هـ (1775 م)، ولا تزال مدينة صنعاء تشهد إلى اليوم بما أقامه فيها من أبنية. وبرغم أن ابنه المنصور على المتوفى سنة 1224 هـ (1809 م) لم يكن كفؤًا، وفى عهده توغل الوهابيون حتى بلغوا تهامة، فإن حفيده المتوكل أحمد استطاع أن يعيد النظام إلى نصابه فى مدينة صنعاء، وأن ينشئ خزانة للمال ودارًا للكتب. وفى خلال ذلك وقعت تهامة فى أيدى أشراف مكة. أما حفيده المنصور على بن المهدى عبد اللَّه الذى تولى الإمامة منذ سنة 1251 هـ (1835 م) فهو يوصف، حتى عند الزيدية أنفسهم، وصفًا قبيحًا شبيهًا بما رآه كروتيندون (C.J. Cruttendon) من أحوال هذا السكير (راجع J.R.G.S. المجلد 8، جـ 8، 1838 م، ص 284) ثم جاء حفيده محمد بن يحيى، ومع أنه لم يكن مجردًا من الكفاية بأية حال، فإنه اضطر بسبب منازعة إمام منافس له أن يرتكب وزرا خطيرا، ذلك أنه استنجد بالترك من تهامة، فجاءوا ودخلوا صنعاء سنة 1264 هـ (1847 م)، ولكن الشعب ثار وطردهم منها. ثم جاءت فتن القبائل وغزوات القرامطة فزادت الانحلال العام فى الدولة، وعند ذلك اتحد ثلاثة أئمة معزولين، وكانوا فى الأصل متعادين،

وتضافروا على الإمام المتوكل محسن ابن أحمد وأسلموا صنعاء للترك مرة أخرى فى 16 صفر 1289 هـ (25 أبريل سنة 1872 م) ولكن بينما كان محمد بن الإمام محسن يسعى إلى تولى الإمامة بموافقة الترك وبمال من أيديهم، كان فى الأهنوم وصعدة الهادى شرف الدين محمد الحسينى، من أبناء يحيى بن حمزة الآنف الذكر ومن رجال القرن الثامن الهجرى (الرابع عشر الميلادى) إمامًا مستقلا من سنة 1296 هـ إلى 1307 هـ (1879 - 1890 م)، ثم كافح المنصور محمد بن يحيى حميد الدين بأن شن حروبًا كثيرة بدأها من صعدة والأهنوم، كما قام أيضا بمفاوضات دبلوماسية مع الترك لكى يحصل على سائر بلاد اليمن ويحافظ على مبادئ الزيدية وينظم الحياة طبقًا لرأيهم فى الشريعة، ثم ظهر ابنه المتوكل يحيى بهمة أقوى فى 20 ربيع الأول سنة 1322 هـ (4 يونية 1904)، وعند ذلك زحفت القبائل التى أهاب بها إلى الحرب على حصون الترك، فسلمت إليه صنعاء سنة 1904 م، ولم ينتهز يحيى فرصة المتاعب التى وقعت فيها تركية بعد حرب طرابلس، ولكنه استطاع أن يدخل صنعاء فى صفر سنة 1337 هـ (نوفمبر 1918 م). وفى سنة 1341 هـ (1923 م) استأنف الحرب مع الأدارسة، أمراء العسير، لكى يسترد تهامة، وقد أفلح فى ذلك، وكانت محمية عدن مجاورة لبلاده، ومن ثم دخل هذا الملك الجديد على اليمن، وهو الإمام الزيدى وأمير المؤمنين، فى ميدان السياسة العالمية الواسع. كانت آخر محاولاته للتوسع موجهة إلى قرامطة نجران، كما كان أول ضحاياه داعى القرامطة أثناء النزاع بينهما على المناخة. وإمامة الإمام الحالى يحيى تذكرنا بهذه الحروب وبأشياء كثيرة، منها أن النغمة الزيدية الصحيحة التى اتسم بها ما أصدره من بلاغات تذكرنا بإمامة الإمام الأول يحيى الهادى، وهو يعد من ذريته فى الجيل السادس والعشرين -وهذا ربما يفيد أيضًا فى تفسير نظرية الإمامة- ولكن لو أحصى الأئمة الذين خرجوا على الإمام، أو الأئمة الذين لم تعترف الجماعة كلها بإمامتهم، لكان هو الإمام المائة فى

المصادر

الترتيب بعد يحيى الهادى، وكان ممن تولى الإمامة من أسلاف والده المنصور محمد، وجده يحيى حميد الدين الذى كان وزيرًا، وقد سجنه الترك فى صنعاء سنة 1293 هـ (1876 م) هو وكثيرون غيره من العلماء والأعيان، وبعد هذا نجد أن أشهر من يعرف من أجداده هو جده السابع محمد، وجده الثامن الحسين، وكلاهما كان معروفا بشروحه للكتب الفقهية، وكان من الأئمة أيضًا جده التاسع، وهو المنصور القاسم الذى تقدم ذكره والذى حارب الترك، وتوفى سنة 1029 هـ (1620 م). وكان من أجداده الأقدمين فى القرن السابع الهجرى (الثالث عشر الميلادى) جده السادس عشر الحسين الأصغر، ولكنه كان مجرد أمير، ثم صار إمامًا، على أنه كان فى إمارته منازعًا. وفى القرن الرابع الهجرى (العاشر الميلادى) كان جده الثانى والعشرون القاسم، وجده الثالث والعشرون الداعى يوسف، وجده الرابع والعشرون يحيى. أما جده الخامس والعشرون، وهو الناصر أحمد، فكان إمامًا غير مدافع، وكان جده السادس والعشرون هو الهادى يحيى نفسه (¬1). المصادر: فيما يتعلق بالمصادر الأصلية. راجع (1) مجلة LsI المجلد 1 (1910) ص 354 - 368؛ والمجلد 2 (1911) ص 49 - 78. ¬

_ (¬1) وفى ربيع الثانى سنة 1367 هـ = فبراير سنة 1948 اغتيل الإمام يحيى وهو فى الثمانين من العمر، فى مؤامرة دبرها عبد اللَّه بن أحمد الوزير، ولم يصل مدبر المؤامرة إلى ما كان يريد، ذلك أن أبناء الإمام الشهيد زحفوا على صنعاء ومعهم القبائل وحاصروا المدينة وقبضوا على ابن الوزير، ولم يلبث أن بويع ولى العهد الأمير أحمد ولقب بالإمام الناصر لدين اللَّه. وقد ولد عام 1313 هـ وله ما لأئمة الزيدية من فضل الاشتغال بالعلم. وفى مارس وإبريل سنة 1374 هـ = 1954 م دبرت مؤامرة بزعامة الأمير سيف الإسلام عبد اللَّه وأحد قواد الجيش لإرغام الإمام أحمد على التنازل عن العرش، لكن المؤامرة فشلت بفضل همة الأمير البدر نجل الإمام أحمد وولى عهده، وقضى على المتآمرين، وبدأ عصر إصلاح فى حياة اليمن. وقد تجلى تضامن العرب وسخطهم على الفتنة، وذهبت الوفود خصوصا من مصر والحجاز لتعمل على إنقاذ اليمن من استمرار الفتنة [المترجم]

(2) ومنذ ذلك الحين طبع كتاب الروض النضير للحسين بن أحمد الحيمى الصنعانى، وهو شرح بحواش على مجموع الفقه الكبير (أربعة أجزاء، القاهرة 1347 - 1349 هـ). (3) أما عن كنوز مخطوطات الزيدية التى تبلغ مئات كثيرة فى دور الكتب الأوربية، فانظر فهرس المخطوطات الزيدية الموجودة فى فينا وفهرس مكتبة ميلانو الذى قام بوضعه أ. كريفينى (فى مجلة R.S.O، منذ المجلد 2، 1908). (4) راجع ما جاء فى مادة زيد بن على وغيرها من مراجع، وخصوصًا فان أرندونك C. van Arendonk وكرايفينى E. Griffni. (5) مقالات الإسلاميين للأشعرى، طبعة ريتر، الفهرس. (6) الملل والنحل للشهرستانى، طبعة كيورتون ص 115 - 121. (7) كتاب الفصل فى الملل لابن حزم، القاهرة 1325 هـ، جـ 4 ص 179 - 188, وما كتبه فى ذلك أ. فريدلندر I. Friedlander فى مجلة J.A.O.S. مجلد 28 (1907) ص 1 - 80، ومجلد 29 (1909) ص 1 - 183. (8) Das Staatsrecht der Zai dite: R. Strothmann، ستراسبورغ 1912. (9) وللمؤلف نفسه أيضًا Kultur der Zaiditen، ستراسبورغ 1912. (10) كتاب ملوك العرب لأمين الريحانى، بيوت 1924، ص 69 - 196. (11) li scrittori Zayditi eI`esegesi coranica Mu'tazila: M. Guidi رومة. (12) The Rise the Imams of Sanaa: A.S. Tritton أكسفورد 1925. (13) تاريخ اليمن لعبد الواسع يحيى الواسعى اليمانى (كذا)، القاهرة 1346 هـ. (14) نيل الوطر من تراجم رجال اليمن فى القرن الثالث عشر، القاهرة 1348 هـ. أبو ريدة [شتروتمان R. Strothmann]

زيرى، بنو

زيرى، بنو اسم أسرتين حاكمتين حكمتا المغرب الإسلامى فى القرون الوسطى 1 - الزيرية أو بنو زيرى: أسرة بربرية تولت أمر جزء من بلاد البربر الشرقية من نهاية القرن الرابع (العاشر) إلى أواسط القرن السادس (الثانى عشر). وكان لبنى زيرى صلة بحلف صنهاجة العظيم، وقد استقرت لهم الحياة فى المغرب الأوسط؛ وأنشأ زيرى بن مناد مدينة أشير فى جبال تترى حوالى عام 940 م وجعلها قصبة ملكه وحصنًا يدفع غزوات مغراوة الزناتية الذين كانوا أحلاف الأمويين فى قرطبة. وقاوم بنو زيرى زناتة، فعاونوا بذلك الفاطميين على تنفيذ خططهم فى إفريقية أصدق معاونة؛ أما أعظم خدماتهم شأنًا فمبادرتهم إلى نجدة المهدية عندما حاصرها أبو اليزيد الخارجى المثير للفتن؛ وقد كوفئ بنو زيرى على معاونتهم التى جاءت فى حينها، والتى أدوها للفاطميين فى هذه المناسبة وفى بضع مناسبات أخرى، فأقام الخليفة الأموى المعز، عندما غادر إفريقية إلى مصر عام 363 هـ (973 م)، بلقّين بن زيرى أميرا على إفريقية وجعل له الولاية على كل ما قد يغزوه من أراضى زناتة. واستمر هذا النضال مع هؤلاء الأعداء الوراثيين تحت إمرة بلقّين وقد كتب له النصر فى المغرب بأسره، فاستولى على جميع المدن الهامة فيما خلا سبتة؛ ثم تحت إمرة المنصور بن بلقين (373 - 385 هـ = 984 - 995 م) وباديس بن المنصور (385 - 406 هـ = 995 - 1016 م). وانقسم بنو زيرى مملكتين فى عهد باديس بن المنصور: مملكة فى الغرب كانت من نصيب بنى حماد الذين كانوا يقيمون فى القلعة، ومملكة فى الشرق كانت من نصيب بنى زيرى، وقد اتخذوا القيروان قصبة لهم، وعقد بين الطرفين اتفاق ودى ينظم هذه القسمة عام 408 هـ (1017 م) فى عهد المعز بن باديس؛ وكانت بلاد البربر الشرقية، رغم ما لحق بها من خسارة فى أراضيها، تنعم بازدهار اقتصادى غير منكور فى عهد المعز (406 - 454 هـ = 1016 - 1062 م) فاستطاع

هذا الأمير أن يجمّل القيروان وصبرة التى كانت مقر الحكم بعمائر غاية فى الإبداع (سقوف ومقصورة مسجد القيروان الجامع)؛ وقد شجعت. هذه الثروة المعز على أن ينفض عنه سلطان الفاطميين، وأن يطلّق مذهبهم الذى لم يقبله أهل إفريقية إلا كارهين؛ على أن الخليفة فى القاهرة أراد أن يؤدب المعز على هذا الانتقاض فسيِّر على أصحاب الفتنة عام 444 هـ (1052 م) القبيلتين الأعرابيتين بنى هلال وبنى سليم وكان فى فعلته هذه الطامة الكبرى، ذلك أن هاتين القبيلتين خربتا الأراضى المكشوفة تخريبا، واضطر المعز إلى الرحيل عن القيروان والاحتماء بالمهدية، واستولى الأعراب على السهول، فى حين قامت فى المدن جمهوريات وإمارات صغيرة مستقلة؛ وحاول تميم ابن المعز (454 - 501 هـ = 1062 - 1108 م) أن يسترجع مملكته ويقضى على أطماع بنى حماد إلا أنه لم يوفق فى ذلك توفيقا كبيرًا، وكان على خلفائه أن يستأنفوا هذه المهمة الشاقة؛ أما الشئ الذى تميز به حقًا الأمراء المتأخرون من بنى زيرى، وهم تميم بن المعز، ويحيى بن تميم (501 - 509 هـ = 1108 - 1116 م) وعلى بن يحيى (509 - 515 هـ = 1116 - 1121 م)، والحسن بن على (515 - 563 هـ = 1121 - 1167 م) فهو ذلك النشاط البحرى الذى نمَّاه هؤلاء الرجال، وكانوا من أهل البر، فى حين شلت حركتهم فى بلادهم الأصلية، كما تميزوا بسعيهم المتواصل لاسترداد سيطرتهم على البحر من النورمنديين أهل صقلية، على أن هذا النضال، الذى كان يتخذ صورة الغارات يشنها القراصنة، لم يكتب النصر فيه آخر الأمر لبنى زيرى، وحاول أمراؤهم عقد اتفاق مع النورمنديين، بيد أنهم لم يستطيعوا منع العدو من غزو ساحل إفريقية ونهب مدن الساحل. وقد استولى جورج صاحب أنطاكية على المهدية عام 543 هـ (1148 م)، وطرد الحسن من قصبة بلاده، فاحتمى ببونة ثم بالجزائر. وقد أعاد عبد المؤمن الخليفة الموحدى تنصيب الحسن على المهدية، وقضى فيها ثمانى سنوات قبل أن يطرد من البلاد ثانية، حيث مات مغمورًا فى المغرب الأقصى عام 563 هـ (1167 م).

المصادر

المصادر: (1) ابن خلدون: Histoire des Berberes، طبعة ده سلان de Slane، جـ 1، ص 199 - 210؛ الترجمة، جـ 2، ص 9 - 29. (2) ابن عذارى: البيان المغرب، طبعة Dozy، جـ 1، ص 237 وما بعدها؛ ترجمة Fagnan، جـ 1، ص 332 وما بعدها. (3) ابن الأثير: الكامل، طبعة Tonrberg، جـ 8 ص 456 وما بعدها؛ ترجمة Fagnan: Annales du Maghreb et de I 'EsPagne، ص 370 وما بعدها. (4) البكرى: Description de l'Afrique septentrionale، طبعة وترجمة ده سلان de Slane. (5) Traites de Paix et de commerce concernant les relations des chretiens avec les Arabes de l'Afrique septentrionale: de Mas-Latrie باريس 1866, جـ 1. (6) Les Arabes en Berberie: G. Marcais، المقدمة، الفصلان الأول والثانى. (7) المؤلف نفسه: Coupoles et Plafonds de la Grands Mosquee de Kairouan تونس 1925 (8) Islamische Schriftbander-Anhang: S. Flury، بال 1920. صبحى [مارسيه G. Marcais] 2 - الزيرية فى الأندلس: وهم فرع ثانوى من الأسرة البربرية بنى زيرى من أهل إفريقية، وقد أقاموا إمارة مستقلة قصبتها غرناطة عندما تفككت أوصال الخلافة الأموية فى قرطبة. ولم تمكّن صنهاجة لنفسها فى الأندلس إلا قبل ذلك ببضع سنوات؛ وإنما يرجع ذلك إلى الفتنة التى قام بها فى إفريقية أعضاء أسرة الأميرين الزيريين بلقين والمنصور، فقد التف هؤلاء المتذمرون حول زاوى أحد أبناء زيرى، فحثهم على الرحيل عن إفريقية. وقد عرضوا خدماتهم على حاجب قرطبة العامرى عبد الملك المظفر فرحب بها أول الأمر، ورحلوا إلى الأندلس ومعهم أتباع كثيرون، وسرعان ما أصبح لهم شأن فى جيش البربر الذى جمعه بنو عامر، وكانوا من أركان هذا الجيش؛ وقام الخليفة سليمان المستعين فى مستهل القرن الخامس (الحادى

عشر الميلادى) بتوزيع الأراضى على خاصة أمرائه، فوهب لبنى زيرى ناحية ألبيرة، وقد حلت غرناطة شيئًا فشيئًا محل قصبة هذه الناحية القديمة، وكانت غرناطة آنئذ مدينة حديثة النشأة جل سكانها من اليهود؛ وشرع زاوى بن زيرى فى تصريف الأمور بوصفه واليًا مستقلا على غرناطة، ولم يعمد من فوره إلى اتخاذ لقب السلطان. وقد آزر زاوى المطالب بالخلافة على بن حمود وأوقع بأعوان مطالب آخر بالخلافة. هو عبد الرحمن المرتضى، هزيمة منكرة فى منطقة غرناطة عام 407 هـ (1016 - 1017 م)، وقد قوى سلطان زاوى بطبيعة الحال على إثر ما كتب له من نصر، ومن هنا يصعب علينا أن نفسر القرار الذى بادر باتخاذه ألا وهو انعقاد عزمه على هجر إمارته والعودة إلى إفريقية مسقط رأسه؛ ولا شك فى أنه كان مدفوعًا فى هذا بالحقد الدفين الذى كان لا يزال مستعرًا فى أسبانيا والذى أدى إلى تقسيم أفريقية إلى زناتة مناهضين للفاطميين، وصنهاجة يؤازرونهم؛ وكان الزناتية يستولون يومًا بعد يوم على أرض جديدة فى الأندلس حيث احتلوا المنطقة الجبلية فى وسط الأندلس وفى غربها، بيد أن زاوى استعاد القيروان عام 416 هـ (1025 م) بشرذمة من أتباعه. ورحل زاوى بن زيرى عن الأندلس، فتزعم حبوس بن ماكسن ابن أخيه بنى زيرى فى غرناطة، وقد اتخذ حبوس اللقب الملكى "الحاجب" ولقب التشريف "سيف الدولة" وتولى الحكم عشر سنوات أو تزيد حتى عام 429 هـ (1038 م)؛ وعقد أحلافا مع الدويلات الصغيرة المجاورة، وعند موته كانت مملكته قد اتسعت رقعتها بضم ناحيتى جيان وقبرة؛ وقد عهد حبوس بتسيير دفة مملكته إلى وزير يهودى يدعى صمويل بن نغزالة، وهو أمر لم يسبقه إليه أحد فى أسبانيا على عهدها الإسلامى. ومات حبوس بن ماكسن فانتقل السلطان إلى ابنه باديس بن حبوس، ويعد حكمه الطويل غاية ما بلغه سلطان بنى زيرى فى الأندلس من عز وسؤدد. وقد استهل حبوس عهده بوقعة دموية

هزم فيها أمير المرية وحليفه القديم زهير ولقى زهير حتفه فى المعركة التى جرت فى ممر ألفنت (429 هـ) وقد شجع هذا النصر باديس بن حبوس، كما شجعته انتصاراته الأخرى التى فاز فيها دون مشقة على جنود أميرى بلنسية وإشبيلية على أن ينفض عن كاهله سلطان الخليفة الحمودى القليل الشأن فى مالقة (وكان هذا السطان فى أحسن حالاته لا يتعدى الاسم دون الفعل) وضم أراضيه إلى ملكه (عام 450 هـ = 1059 م) وقد تميزت السنوات التالية بالسياسة المناهضة للبربر التى انتهجها ملك إشبيلية العربى المعتضد ابن عباد الذى أفلح فى ضم الدويلات البربرية رندة وشريش وأركش. وقد ترتب على ذلك أن قوى سلطان العرب فى الأندلس كثيرًا؛ ولم يبق للبربر كتلة قوية تناهض هؤلاء إلا بنو زيرى من قبيلة صنهاجة أصحاب غرناطة، ومن ثم لم يكن بد من أن ينزعج باديس لهذا المتقدم الذى أصابته مملكة عبّاد فى شرق الأندلس، ولما بدا فى نفس الوقت من علامات السخط التى أخذت تستبين شيئًا فشيئًا بين رعاياه هو من العرب، فشهر الحرب على أشبيلية فى هذه الظروف المشئومة ضاربًا عرض الحائط بنصح الوزير صمويل. وكان قد استبقاه عند اعتلائه العرش، ودارت الدائرة عليه فى هذه الحرب، على أنه استطاع لحسن حظه أن يوقف تقدم الجيش الذى كان يتقدم صوب مالقة بقيادة الأمير المعتمد. وتوفى الوزير صمويل فخلفه ابنه يوسف، وغدا وزير باديس الأول، ولم يكن الوزير الجديد على شاكلة أبيه، فجلب على نفسه سخط العرب فى مملكة بنى زيرى، ونقمة البربر أنفسهم بسبب إسرافه ومظاهر الترف التى كانت يحيط بها نفسه والنعم التى كان يغدقها على إخوانه فى الدين. وفى بعض الروايات فإن أطماعه قد ازدادت حتى عمد إلى دس السم لبلقين بن باديس ووارثه الشرعى، ثم برأ نفسه أمام سيده، وفكر فى وقت من الأوقات فى إقامة دولة يهودية فى الأندلس مستهدفًا تحقيق أطماعه الخاصة. وكان يوسف متصلا فى السر بابن صمادح أمير المرية، وقد عرض عليه أن يسلمه غرناطة على شرط أن تصبح المريَّة

قصبة إمارة يهودية يكون هو حاكمها، وكان رد الفعل سريعًا لا دافع له، فقد استجاب الناس لنداء الشاعر العربى أبى اسحق الألبيرى فى قصيدة له ذاع صيتها، ودبرت مؤامرة على يهود غرناطة، وفى 9 صفر عام 459 هـ (30 ديسمبر عام 1066) ذبح يوسف بن نغزالة هو و 3000 من يهود غرناطة وسلبت منازلهم. واستمر حكم باديس بن حبوس إلى عام 466 هـ (1073 م)، وأضحت غرناطه آنئذ مدينة ذات شأن وخطر تتجمع حول القلعة التى كانت على الشاطئ الغربى لنهر دويره. وكان حبوس بن ماكسن قد بناها ووسع باديس رقعتها. وكان يطلق على دار باديس، وفقًا لرواية أهل البلاد، اسم "دارديك الريح" وقد بقى هذا الاسم ماثلا فى العبارة الأسبانية (Casa del Callo) وشيد على بن محمد بن توبة قاضى غرناطة قنطرة على نهر دويره عام 447 هـ (1055 م)، ما زالت تعرف "بقنطرة القاضى، (Puente del Cadi) وقد خلد المؤمل، من موالى باديس بن حبوس، ذكراه فى غرناطة بإقامة بضع عمائر عامة شيدت أيضًا فى العهد الزيرى. وتوفى باديس بن حبوس وخلّف حفيدين هما تميم، وكان آنئذ واليًا على مالقة، وعبد اللَّه، وقد تولى عبد اللَّه حكم غرناطة، فى حين نصب أخوه نفسه واليًا مستقلا على مالقة. وظل هذا التقسيم قائمًا حتى نهاية أسرة بنى زيرى، على أن تقدم الجيوش المسيحية سرعان ما عجل بالحوادث، ذلك أن استيلاء ألفونسو السادس عام 1085 م على طليطلة أعقبه فى العام التالى النصر المشهور الذى أحرزه يوسف بن تاشقين فى الزلاقة واشترك معه فى القتال تميم وعبد اللَّه بكتائبهما؛ وعاد يوسف إلى الأندلس عام 1090 م، وكان من أول ما وجه إليه عنايته بعد أن خاب حصار أليدو، الاستيلاء على غرناطة وخلع عبد اللَّه عن العرش، عملا بنصيحة أبى جعفر القليعى قاضى غرناطة. واضطر عبد اللَّه بعد أن تخلى عنه الناس جميعًا إلى الالتجاء إلى السلطان المرابطى، بيد أن السلطان أخذه أسيرًا، وبادر إلى خلع أخيه تميم عن عرشه فى مالقة. ونفى عبد اللَّه إلى

المصادر

أغمات وهى على التخوم الشمالية لجبال الأطلس الكبرى؛ وأكره تميم على أن يقيم فى مراكش حيث توفى عام 477 هـ (1095 م) وقد نصب على غرناطة ومالقة واليان مرابطيان، فكان ذلك شاهدا على سقوط أسرة بنى زيرى فى الأندلس. المصادر: (1) المصدر العمدة هو ابن عذارى: البيان المغرب، جـ 3، طبعة E-Levi Provencal باريس 1930، الفهرست. (2) قارن أيضًا ابن الخطيب: الإحاطة، القاهرة؛ ومخطوط فى الإسكوريال. (3) ابن بسام: الذخيرة فى محاسن أهل الجزيرة، جـ 1. (4) النصوص التى جمعها Dozy: Arabum loci de Abbadidis Script. ليدن 1881، جـ 1، ص 282 وما بعدها. (5) المقرى: نفح الطيب (Analectes)، الفهرس. (6) Munck فى J.A.، المجموعة الرابعة، جـ 6، ص 210 وما بعدها. (7) Les juifs d'Espagne: Graetz ترجمة Stenne، باريس 1872. (8) Hist. Mus. Esp.: Dozy، الطبعة الجديدة، ليدن 1932، جـ 3، الفهرست. (9) Recherches sur l'histoire et la litteratur de l'Espagne au Moyen Age: Dozy، ليدن 1881، جـ 1، ص 282 وما بعدها. (10) Les Reyes de taifas: A. Prieto y.vives، مدريد 1926، ص 28 وما بعدها. (11) Historia de la Espana Musulmana: A. Gonzales Palencia، برشلونة 1925، ص 60 - 64 و 72 - 73. صبحى [ليفى بروفنسال E Levi-Provencal] زينب بنت جحش بنت رئاب الأسدية: إحدى زوجات النبى -صلى اللَّه عليه وسلم-، وهى ابنة أميمة بنت عبد المطلب، وكنيتها أم الحكم، واسمها برّة. وكانت زينب من أوائل المهاجرين إلى المدينة، وكانت بكرا (وفى قول روايات أخرى أرملة) عندما زوجها النبى -صلى اللَّه عليه وسلم- من مولاه الذى كان متبناه زيد بن حارثة.

المصادر

وفى العام الرابع من الهجرة طلقها زيد وتزوج منها النبى. وقد نزل الوحى بما بدد شكوك النبى -صلى اللَّه عليه وسلم- فى زواجه هذا. (سورة الأحزاب، الآية 36 - 39). وكان مهر زينب أربعمائة درهم. وكانت فخورة بالظروف التى أحاطت بزواجها، كما أنها كانت تردد القول بأن محمدا -صلى اللَّه عليه وسلم- تزوج أزواجه من آبائهم وإخوتهم، أما زواجها به فكان بوحى من اللَّه، ويقال إن آيات الحجاب (سورة الأحزاب، الآية 53) نزلت فى مناسبة عرس زينب، كما يقال إن سورة التحريم نزلت فى زينب وغيرة زوجات النبى الأخريات منها. وكانت زينب صديقة لعائشة، وأحب أزواج النبى -صلى اللَّه عليه وسلم- إليه بعد عائشة وقد صحبته فى غزوة خيبر، واشتهرت بجودها، وثمة حديث بأن أكرم زوجات النبى -صلى اللَّه عليه وسلم- هى وأسبقهن فى اللحاق به فى الجنة، والحديث يشير إلى ذلك، وقد أخذت زينب 12 ألف درهم من عمر عام 20 للهجرة، ولكنها لم تترك شيئًا، ذلك أنها تصدقت بكل ما فى يدها على الفقراء. وكانت زينب فى نحو الخامسة والثلاثين عندما تزوجت محمدًا -صلى اللَّه عليه وسلم-، وتوفيت وهى فى حدود الخمسين من عمرها سنة 20 أو 21 للهجرة. وقد هولت الدعاية المسيحية فى حادث شغف الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- بزوجة متبناه (انظر Refutation Alcoroni: Marracci ص 562). وقد تناول المحدثون من كتاب السير المسلمين والمفسرون إظهار هذا الحادث فى شرح لائق، مثال ذلك محمد عبده فى "تفسير الفاتحة ومشكلة القرآن" القاهرة سنة 1330 هـ، فى الفصل المعنون "توضيح مسألة زيد وزينب"؛ ومولانا محمد على فى كتابه "محمد الرسول" لاهور سنة 1924، ص 249 - 250. المصادر: (1) ابن سعد، طبعة Sachau جـ 8، ص 71 - 82. (2) Annali dell' Islam: Caetani حوادث السنة الأولى للهجرة، فقرة 15، رقم 25؛ حوادث سنة 5 هـ، فقرة 20 - 27؛ حوادث سنة 8، فقرة 15، رقم 2؛ حوادث سنة 20، فقرة 139، رقم 8؛ حوادث سنة 20، فقرة 267، 298, 400 - 406.

تعليق على مادة زينب بنت جحش

(3) ابن إسحاق، طبعة فستنفلد، ص 1004. (4) صورة أدبية Vid'Oriente e d'Occidente sioni: Furico Ruta ميلان سنة 1924، ص 35 - 45. الشنتناوى [فكا V. Vacca] تعليق على مادة زينب بنت جحش رد الأستاذ الدكتور محمد حسين هيكل على تقولات المستشرقين فى قصة زواج النبى -صلى اللَّه عليه وسلم- بزينب بنت جحش. وقد آثرنا أن ننقل هذا الرد البليغ هنا. "أما قصة زينب بنت جحش، وما أضفى المستشرقون والمبشرون عليها من أستار الخيال حتى جعلوها قصة غرام ووله، فالتاريخ الصحيح يحكم بأنها من مفاخر محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- وأنه، وهو المثل الكامل للإيمان، قد طبق فيها حديثه الذى معناه: لا يكمل إيمان المرء حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه. وقد جعل نفسه أول من يضرب المثل لما يضع من تشريع يمحو به تقاليد الجاهلية وعاداتها، ويقر به النظام الجديد الذى أنزله اللَّه هدى ورحمة للعالمين. ويكفى لهدم كل القصة التى قرأت عنها من أساسها أن تعلم أن زينب بنت جحش هذه هى ابنة أميمة بنت عبد المطلب عمة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وأنها ربيت بعينه وعنايته، وأنها كانت لذلك منه بمقام البنت أو الأخت الصغرى وأنه كان يعرفها ويعرف أهى ذات مفاتن أم لا قبل أن تتزوج زيدا، وأنه شهدها فى نموها تحبو من الطفولة إلى الصبا إلى الشباب. وأنه هو الذى خطبها على زيد مولاه، إذا عرفت دلك تداعت أمام نظرك كل تلك الخيالات والأقاصيص من أنه مر ببيت زيد ولم يكن فيه، فرأى زينب فبهره حسنها وقال: سبحان مقلب القلوب، أو أنه لما فتح باب زيد عبث الهواء بالستار الذى على غرفة زينب فألفاها فى قميصها ممددة فانقلب قلبه فجأة ونسى سودة وعائشة وحفصة وزينب بنت مخزوم وأم سلمة، ونسى كذلك دكر خديجة التى كانت عائشة تقول: إنها لم تجد فى نفسها غيرة من أحد من نساء النبى -صلى اللَّه عليه وسلم- ما وجدت من ذكر خديجة، ولو أن شيئا

من حبها علق بقلبه لخطبها إلى أهلها على نفسه بدل أن يخطبها على زيد. وهذه الصلة بين زينب ومحمد -صلى اللَّه عليه وسلم- وهذا التصوير الذى صورناه به لا يدعان بعدهما لتلك القصة الخيالية التى يروون أى أساس أو أى حق فى البقاء. وماذا يثبت التاريخ أيضًا؟ يثبت أن محمدا -صلى اللَّه عليه وسلم- خطب ابنة عمته زينب على مولاه زيد، فأبى أخوها عبد اللَّه بن جحش أن تكون قرشية هاشمية وهى فوق ذلك ابنة عمة الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- وأن تكون تحت عبد رق اشترته خديجه ثم أعتقه محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- ورأى فى ذلك على زينب عارا كبيرا. وكان ذلك عارا حقا عند العرب كبيرا. فلم تكن بنات الأشراف الشريفات ليتزوجن من موال وإن أعتقوا. لكن محمدا -صلى اللَّه عليه وسلم- يريد أن تزول مثل هذه الاعتبارات القائمة فى النفوس على العصبية وحدها، وأن يدرك الناس جميعا أن لا فضل لعربى على أعجمى إلا بالتقوى، {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}. وهو لا يرى أن يستكره لذلك امرأة من غير أهله، فلتكن زينب بنت جحش بنت عمته هى التى تحتمل هذا الخروج على تقاليد العرب، وهذا الهدم لعاداتها، مضحية فى ذلك بما يقول الناس عنها مما تخشى سماعه. وليكن زيد مولاه الذى تبنى والذى أصبح بحكم عادات العرب وتقاليدها صاحب حق فى أن يرثه كسائر أبنائه سواء، هو الذى يتزوجها، فيكون مستعدا للتضحية التى أعد الشارع الحكيم للأدعياء الذين اتخذوا أبناء. وليبد محمد إصراره على أن تقبل زينب وأن يقبل أخوها عبد اللَّه بن جحش زيدا زرجا لها، ولينزل فى ذلك قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا}. لم يبق أمام عبد اللَّه وأخته زينب بعد نزول هذه الآية إلا الإذعان. فقالا: رضينا يا رسول اللَّه. وزوجت زينب من زيد، وساق النبى -صلى اللَّه عليه وسلم- إليها عنه مهرها. فلما سارت زينب إلى زوجها لم يسلس له قيادها ولا لان إباؤها، بل جعلت تؤذى زيدا وتفخر عليه بنسبها وبأنها لم يجر عليها رق. واشتكى زيد إلى

النبى -صلى اللَّه عليه وسلم- غير مرة من سوء معاملتها إياه، واستأذنه غير مرة فى تطليقها، فكان النبى -صلى اللَّه عليه وسلم- يجيبه: "أمسك عليك زوجك واتق اللَّه". ولكن زيدا لم يطق معاشرة زينب وإباءها عليه طويلا فطلقها. وكان الشارع الحكيم قد أراد أن يبطل ما كانت تدين به العرب من التصاق الأدعياء بالبيوت، واتصالهم بأنسابها، ومن إعطاء الدعى جميع حقوق الابن، ومن إجرائهم عليه أحكامه حتى فى الميراث وحرمة النسب، وألا تجعل للتبنى واللصيق إلا حق المولى والأخ فى الدين. فنزل قوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ}. ومعنى هذا أنه يجوز للمدعى أن يتزوج ممن كانت زوجا لمن ادعاه. ويجوز للمتبنى أن يتزوج ممن كانت زوجا لمتبناه. ولكن كيف السبيل إلى تنفيذ هذا؟ -ومَن- مِن العرب يستطيعه وينقض به تقاليد الأجيال السالفة جميعا؟ إن محمدا -صلى اللَّه عليه وسلم- نفسه على قوة عزيمته وعميق إدراكه لحكمة اللَّه فى أمره قد وجد على نفسه الغضاضة فى تنفيذ هذا الحكم بأن يتزوج زينب بعد تطليق زيد إياها. ودار بخاطره ما يمكن أن يقول الناس فى خرقه هذه العادة القديمة المتأصلة فى نفوس العرب؛ وذلك ما يريده تعالى فى قوله {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ}، لكن محمدا -صلى اللَّه عليه وسلم- كان القدوة فى كل ما أمر اللَّه، وما ألقى عليه أن يبلغ رسالته، فليخش ما يقول الناس فى تزوجه من زوج زيد مولاه، فذلك لا شئ إلى جانب خشية اللَّه بتنفيذ أمره. وليتزوج من زينب ليكون قدوة فيما أبطل الشارع الحكيم من الحقوق المقررة للتبنى والادعاء. وفى ذلك نزل قوله تعالى: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا}. هذه رواية التاريخ الصحيح فى أمر زينب بنت جحش وزواج محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- منها فهى ابنة عمته. وكان يراها ويعرف مبلغ جمالها قبل أن تتزوج زيدا، وهو الذى خطبها لزيد. وكان

زينب بنت خزيمة

يراها بعد أن تزوجت زيدا إذ لم يكن الحجاب معروفا يومئذ. على أنه كان من شأنها بحكم صلة القرابة من ناحية وأنها زوج دعيه زيد من ناحية أخرى، أن تتصل به لصالحها ولتكرار شكوى زيد منها. وقد نزلت هذه الأحكام جميعا فأيدها ما حصل من زواج زيد لزينب وتطليقه إياها وزواج محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- منها بعد ذلك. هذه الأحكام التى ترفع المعتق إلى مكانة الحر الشريفة والتى تبطل حقوق الأدعياء وتقضى عليها بصورة عملية لا محل للبس ولا لتأويل بعدها. أفيبقى بعد ذلك أثر لهذه الأقاصيص التى يكررها المستشرقون والمبشرون ويرددها موير وإرفنج وشبرنجر وفيل ودرمنجم ولامنس وغيرهم ممن تناولوا كتابة حياة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-! لكنها شهوة التبشير المكشوف تارة، والتبشير باسم العلم أخرى، والخصومة القديمة للإسلام، خصومة تأصلت فى النفوس منذ الحروب الصليبية هى التى تملى على هؤلاء جميعا ما يكتبون، وتجعلهم فى أمر أزواج النبى -صلى اللَّه عليه وسلم- وفى أمر زواجه من زينب بنت جحش يتجنون على التاريخ. زينب بنت خزيمة بنت الحارث الهلالية: إحدى زوجات النبى -صلى اللَّه عليه وسلم- وقد كنيت بأم المساكين منذ الجاهلية؛ طلقها زوجها الأول الطفيل بن الحارث، وقتل زوجها الثانى عبيدة بن الحارث فى غزوة بدر. وتزوجها الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- فى الرابع من رمضان وأمهرها أربعمائة درهم، وتوفيت بعد ذلك بشهرين أو ثمانية أشهر، وهى أولى زوجاته المدنيات اللواتى توفين قبله، ودفنت بقرافة البقيع. المصادر: (1) ابن سعد طبعة سخاو، جـ 8، ص 82. (2) Annali dell' Islam: Caetani حوادث عام 4 للهجرة، فقرة 16، 22. (3) الطبرى، ده غوى، جـ 1، ص 1775 - 1776. (4) ابن الأثير: أسد الغابة، جـ 5 ص 466 - 476. الشنتناوى [فكا V. Vacca]

زينب بنت محمد -صلى الله عليه وسلم-

زينب بنت محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- إحدى بنات النبى -صلى اللَّه عليه وسلم-، ويقال إنها أكبرهن. تزوجت من ابن خالها أبى العاصى بن الربيع قبل بعثة أبيها. وكانت زينب فى الطائف عندما هاجر النبى -صلى اللَّه عليه وسلم-، فلم تتبعه إلى المدينة. وأسر زوجها فى غزوة بدر، وكان لا يزال على الوثنية. وأرسلت زينب عقدا كان لخديجة تفتدى به زوجها، فأطلق النبى محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- سراحه على شريطة أن تشخص زينب إلى المدينة، وقد أساء الجبار بن الأسود معاملتها وهى فى طريقها إلى المدينة، وسقطت سقطة كانت السبب فى إجهاضها (ويذكر بعض المؤلفين أن هذا الحادث وقع عام 8 للهجرة، ويقولون إنه كان السبب فى وفاتها). وأسر زوجها مرة أخرى فى العام السادس للهجرة فى سرية العيس، وأطلق سراحه بفضل وساطة زوجته، ودخل فى الإسلام فى العام السابع للهجرة، وعقد له على زوجته بعقد جديد. وتوفيت زينب بالمدينة عام 8 هـ. وقد أعقبت طفلين: على وقد توفى وهو طفل، وأمامة. وتزوجت من على بن أبى طالب بعد وفاة فاطمة. المصادر: (1) ابن سعد، طبعة سخاو، جـ 8، ص 20 - 24. (2) Annali dell' Islam: Caetani، المقدمة فقرة 160، رقم 1، فقرة 349، رقم 1؛ عام 2 للهجرة، فقرة 82؛ عام 6 للهجرة، فقرة 9، عام 7، فقرة 3، عام 8 فقرة 80، 81، 201. (3) الطبرى، طبعة ده غوى، جـ 3، ص 2303 - 2307 (3 Fatima et les Filles de Mahomet: H.Lammens فى مواضع مختلفة. الشنتناوى [فكا V. Vacca] الزينبى أبو القاسم على بن طراد ابن محمد: وزير العباسيين، ويعرف هو وآل بيته باسم الزينبى لأنهم انحدروا من زينب بنت سليمان بن على بن عبد اللَّه بن

المصادر

العباس ابن عم الخليفتين العباسيين الأولين. وكانت له مكانة كبيرة عند العباسيين. وقد اختير أبوه طراد فى رجب عام 453 (يوليه - أغسطس سنة 1061) نقيب نقباء الأشراف العباسيين، وبعد وفاته فى شوال عام 491 (سبتمبر سنة 1098) ورث على الزينبى هذا المنصب، ثم ضم إليه فى عام 517 هـ (1123 - 1124 م) منصب نقابة العلويين. وفى شهر جمادى الأولى عام 516 (يولية - أغسطس سنة 1122) صرف الوزير جلال الدين بن صدقة عن منصبه، فقام الزينبى بتصريف أمور الوزارة بضعة أشهر دون أن يتقلدها رسميا. ولم يعينه الخليفة المسترشد فى هذا المنصب إلا فى شهر ربيع الثانى من عام 523 (أبريل 1129). ومع ذلك فقد صرف الزينبى، وحل مكانه فى الوزارة أبو شروان بن خالد. وقد قتل الخليفة المسترشد فى هذا الوقت، وخلفه ولده الراشد (529 هـ = 1135 م). غير أنه حدث فى العام التالى أن أفتى جماعة من الفقهاء والمشرعين بتحريض من الزينبى بعدم صلاحية الراشد للخلافة. وسأل السلطان السلجوقى مسعود بن محد الزينبى عمن يصلح للخلافة فاقترح عليه محمد بن المستظهر عم الراشد، فنودى به أميرا للمؤمنين باسم المكتفى، وعين الزينبى وزيرًا له. غير أن النزاع دب بين هذا الخليفة الجديد ووزيره بعد فترة من الزمن. فذهب الزينبى إلى بلاط السلطان مسعود وكان على صلات طيبة به؛ وقد استدعاه الخليفة لمباشرة مهام منصبه، ولكنه رفض، فصرفه عن منصبه عام 534 هـ (1139 - 1140 م). وعاد الوفاق دين الخليفة ووزيره بتوسط السلطان مسعود عام 536 هـ (1141 - 1142 م) وسمح للزينبى بالعودة إلى بغداد. غير أن الخليفة أصبح فى غير حاجة إليه. وتوفى الزينبى فى رمضان عام 538 هـ (مارس - أبريل سنة 1144) وهو فى فقر مدقع. المصادر: (1) ابن الأثير: الكامل، طبعة تورنبرغ، جـ 5, ص 431؛ جـ 6، ص 310؛ جـ 10، ص 12، 157، 191، 307، 309، 377، 425، 435، 460، 480؛ جـ 11، ص 27 وما بعدها، 50، 59، 63.

المصادر

(2) ابن الطقطقى الفخرى، طبعة درنبورغ، ص 406، 411 وما بعدها، 414 - 418. (3) ده سلان فى ترجمته لابن خلكان، جـ 3، ص 153 وما بعدها. الشنتناوى [تسترشتين K.V. Zettersteen] زين الدين أبو بكر محمد بن محمد الخوافى: صاحب الطريقة المعروفة بالزينية نسبة إليه، وهى ترجع إلى الجنيد. ولد زين الدين عام 757 هـ (1356 م) فى خواف (بين بوشَنْج وزَوْزَن) من أعمال خراسان، ودفن عام 838 هـ (1435 م) فى قرية مالين (على مسيرة فرسخين من هراة) ثم نقلت رفاته إلى درويش آباد، ومنها إلى عيد كاهراة حيث شيد عليها مسجد. ونال زين الدين إجازته فى مصر على يد نور الدين عبد الرحمن المصرى (نفحات الإنس رقم 505) وعاد إلى آسية الوسطى، ولكنه زار مصر مرة أخرى، وبعث منها سنة 822 هـ (1419 م) بشاهد قبر إلى خواجه محمد بارسا الذى توفى فى المدينة. وقد استمد أصحاب المصادر من إحدى رسائله بعض معلوماتهم عنه. وتتلمذ زين الدين فى مصر على عبد الرحيم بن الأمير المرزفونى، فلزمه فى بيته، كما درس فى بيت المقدس على عبد اللطيف بن عبد الرحمن المقدسى وعلى عبد المعطى المغربى، ثم تلقى العلم على أستاذ رابع هو خواجه سعد الدين من أهل كاشغر، وكان أشهر أهل تلك المدينة (توفى عام 860 هـ = 1456 م؛ Relation de l'Ambassade au Kharezm ترجمة C. Schefer سنة 1879، ص 164) , ولزين الدين عدة مؤلفات: "رسالة الوصايا القدسية" وقد ألفها فى بيت المقدس و"الأوراد الزينية"؛ وله أيضا رسالة فى الزهد. وكان حفيده، ويعرف أيضا باسم زين الدين، من رجال بلاط بابر، وقد ترجم مذكرات بابر إلى اللغة الفارسية. المصادر: (1) نفحات الأنس، رقم 506. (2) الشقائق النعمانية، ترجمة O. Rescher الآستانة سنة 1927، ص 38 - 41. (3) Brockelmann G.A.L. جـ 2، ص 206. الشنتناوى [مركوليوث D.S. Margoliouth]

س

س

ساج، بنو

ساج، بنو أسرة نسبت إلى مؤسسها أبى الساج. وقد حكمت هذه الأسرة فى أذربيجان تحت السيادة الاسمية للخلفاء العباسيين فى نهاية القرن الثالث الهجرى (التاسع الميلادى) وبداية القرن الرابع الهجرى (العاشر الميلادى). وشملت هذ الأسرة خمسة حكام: 1 - أبو الساج ديوداد بن يوسف ديودست من أهل أشروسَنَة، وهو قائد تركى خدم الخليفه المتوكل واختير للإشراف على الطريق إلى مكة عام 242 هـ (856 م). وعاد أبو الساج إلى بغداد عام 252 هـ (868 م) ثم بعث لجبى ما تأخر من الضرائب بالسواد من قبل محمد بن عبد اللَّه بن طاهر. وعين بعد ذلك واليا على حلب وقنسرين فى عهد المعتز عام 254 هـ (868 م) وعلى الأهواز عام 261 هـ (874 - 875 م). وأراد فى أثناء ولايته على الأهواز أن يحارب الذين كانوا قد استولوا عليها بعد أن هزموا زوج ابنته عبد الرحمن. وفقد أبو الساج أملاكه بسبب انضمامه إلى يعقوب بن الليث الصفّارى الذى حلت به الهزيمة على يد الوزير الموفّق عام 262 هـ (875 - 876 م)؛ ثم استدعى بعد ذلك إلى بغداد، ولكنه توفى وهو فى الطريق عند جُنْد يسابور عام 266 هـ (879 - 880 م). وكلمة ديوداد (¬1) معناها "عطية الشيطان" وكلمة ديودست (¬2) ¬

_ (¬1) "ديو" كلمة فارسية معناها "الشيطان" و"داد" كلمة فارسية معناها "هبة" أو "عطية". (عبد النعيم حسنين) (¬2) "دست" كلمة فارسية معناها "يد".

معناها "من له أيدي الشيطان". وقد يحدث فى المخطوطات أن تبدل الألف ياء، أو تبدل الياء ألفا، ويدل هذا على نطق قديم لهاتين الكلمتين. 2 - ولده محمد بن الأفشين أبو عبيد وقد انتزع مكة من نائب زعيم الزنج، أبى المغيرة عيسى بن محمد المخزومى عام 269 هـ (880 م). وهاجم جدَّة بعد ذلك بعامين، واستولى على سفينتين مملوءتين بالمال والذخيرة من المخزومى. وقد ولَّى على الانبار وطريق الفرات والرَحَبة. وحاول عند وفاة أحمد بن طولون عام 270 هـ (883 - 884 م) أن يفتح الشام بالاتفاق مع إسحاق بن كنداجق. وشد من أزرهما فى ذلك العمل جيش الخليفة، وأوقع الهزيمة بالجيوش المصرية عند شيزر، ولكن الدائرة دارت عليه، فقد وقع فى كمين فى وقعة الطواحين. وتنازع محمد مع إسحاق بن كنداجق، فولى وجهه شطر خمارويه، وهزم حليفه السابق عند الفرات وفتح الموصل. وفى عام 274 هـ (888 م) دب النزاع بينه وبين المصريين، وهزم فى وقعة بالقرب من دمشق فى المحرم من عام 275 (مايو - يونية سنة 888) وفقد حمص وحلب والرّقَة وانسحب إلى تكريت. وخرج للقتال مرة ثانية، وهزم أمام الموصل إسحاق بن كنداجق الذى كان يتعقبه. وفى عام 276 هـ (889 - 890 م) عينه الموفّق واليًا على أذربيجان، وعندئذ انتزع مراغة من عبد اللَّه بن حسن الهمدانى (280 هـ = 893 م). وقد بعثه الخليفة محملا بالهدايا (تاج ملكى وغير ذلك) إلى سمباد البكراطى ملك أرمينية. وانتهى انتقاضه القصير الأمد على المعتضد عام 284 هـ (897 م) بخضوعه دون أن يكلفه شيئا. واستولى على قارص التى كانت فى يد سمباد، كما استولى على قصبته توين، ثم تم الصلح بينهما. وتوفى محمد بالطاعون فى برذعة فى ربيع الأول عام 288 (مارس سنة 901). 3 - يوسف، وهو أخو محمد الأفشين، وقد أجبر ابن أخيه ديوداد، ولد الأمير الذى تحدثنا عنه تحت رقم (2) على الانضمام إلى بلاط الخليفة،

المصادر

ثم بدأ علاقاته مع سمباد وتحالف وإياه. وانحاز بعد ذلك إلى جانب كاكيك أردزرونى، واستولى على عدة حصون، وقتل سمباد بعد أن استسلم له، وانتزع الرى، وقزوين، وزَنَجان وأبْهَر من محمد بن على سلوق واليها من قبل نصر بن أحمد السامانى. وهزم جنود الخليفة التى أنفذت لقتاله عام 305 هـ (917 - 918 م) ولكنه اضطر إلى التخلى عن الرى. وأوقع الهزيمة بمؤنس عام 307 هـ (919 م) وكان قد التجأ إلى زنجان، غير أن مؤنسا هزمه عند أردبيل، وأخذه أسيرًا، وعامله باحترام، وحمله إلى بغداد. وأطلق سراحه عام 310 هـ (922 م) وولى على الرى وأذربيجان، واختاره الخليفة لقتال القرامطة، على أنه هزم وأسر فى أول وقعة على الرغم من شجاعته، وقتل هو وجميع الأسرى. 4 - فى ذى الحجة عام 315 (فبراير 928) ولى أبو المسافر فتح ولد محمد الأفشين مكان عمه، وظل واليًا حتى وفاته. وقد دس له السم فى أردبيل عبد من عبيده فى شهر شعبان عام 317 (سبتمبر سنة 929). 5 - ولده أبو الفرج، وكان قائدًا للخلفاء وصديقا لابن رائق أول أمير للأمراء. المصادر: (1) جمال الدين أبو الحسن على بن الغازى: أخبار الدول المنقطعة، وقد قام Freytag بنشر النص العربى Locmani Fabulae, بنون سنة 1823، ص 34 وما بعدها. (3) الطبرى، طبعة ده غوى، جـ 3، ص 1222، 1594 وما بعدها 1619 وما بعدها 1888 وما بعدها، 2025 وما بعدها، 2186، 2195، 2203. (4) عريب، طبعة ده غوى، ص 70 وما بعدها، 130 وما بعدها، 145. (5) ابن الأثير: الكامل طبعة تورنبرغ، جـ 7، ص 55, 100، 190، 200، 279، 295، 328، 351؛ جـ 8، ص 73 - 76، 105 وما بعدها 124 - 128، 1888 وما بعدها، 2025 وما بعدها، 2186، 2195. (6) Namenbuch Iranisches: F. Justi ماربورغ سنة 1895، ص 85، 353.

الساسانية

(7) Geschichte der Chalifen: Weil جـ 2، ص 491. (8) Memoire sur la famille des Sadjides: Defremery المجلة الأسيوية، المجموعة الرابعة، جـ 9، ص 409 وما بعدها؛ جـ 10، ص 396 وما بعدها، سنة 1847. الشنتناوى [إيوار Cl. Huart] الساسانية أسرة حكمت بلاد فارس، وفيما يلى أسماء ملوكها باللغة الفارسية الحديثة: أردشير الأول: 226 - 241 م. شابور الأول: 241 - 272 م. هرمزد الأول: 272 - 273 م. بهرام الأول: 273 - 276 م. بهرام الثانى: 276 - 293 م. بهرام الثالث: 293 م. نرساى: 293 - 303 م. هرمزد الثانى: 303 - 310 م. آذر نرساى: 310 م. صابور (شابور) الثانى: 310 - 379 م. أردشير الثانى 379 - 383 م. صابور (شابور) الثالث 383 - 388 م. (أو 287؟ Re-: Pauly. Wissowa alenz المجموعة الثانية، جـ 1، عمود 2355). بهرام الرابع: 388 - 399 م. يزدجرد الأول: 399 - 420 م. بهرام الخامس: 420 - 438 م. يزدجرد الثانى: 438 - 457 م. هرمزد الثالث: 457 - 459 م. فيروز: 459 - 484 م. بلاش: 484 - 488 م. قباذ الأول: 488 - 531 م. خسرو الأول: 531 - 590 م. هرمزد الرابع: 590 - 597 م. قباذ الثانى: 628 م. أردشير الثالث: 626 - 630 م. بعض ملوك زال عهدهم سريعًا، (انظر Justi فى Gr. d. iran، جـ 2، ص 545).

يزدجرد الثالث: 362 - 651 م وليست هذه التواريخ محققة تمامًا، ويصدق هذا بصفة خاصة على العهود التى بين هرمزد الأول وشابور الثانى (انظر Gesch d. Perser und Araber: Noldeke ص 400 وما بعدها) ويقال إن هذه الأسرة الحاكمة تنحدر من صلب رجل يدعى ساسان لا يعرف عنه من المعلومات التاريخية حقًا إلا القليل، ومن ثم فإن نسب هذه الأسرة يرد إلى تاريخ أقدم من ذلك عن طريق دارا حتى أسرة إيران الملكية التى روت خبرها الأساطير. وفى مستهل القرن الثالث الميلادى كان يحكم فى فارس ملوك دويلات فى ظل الأشكانيين، ويسمى مؤرخو العرب والفرس الحقبة التى حكمت هذه الأسر خلالها عهد ملوك الطوائف، وتشمل هذه العبارة الأشكانيين (والسلوقيين) كما تشمل ملوك تلك الدويلات. مثال ذلك أن ابن قتيبة (كتاب المعارف، ص 321) يدخل أردشير الأول نفسه فى زمرة ملوك الطوائف بوصفه أمير إصطخر. ويروى الطبرى أن بابك أبا أردشير الذى كان أول الأمر ملك خير (شرقى شيراز) والذى قيل إن أباه ساسان كان يتولى منصبًا كهنوتيا فى إصطخر، شرع فى مد رقعة مملكته على حساب غيره من ملوك الطوائف. وحكم ابنه شابور (سابور) أمدًا وجيزًا، ثم جاء أردشير فاستأنف ما كان أبوه قد بدأه حتى هزم أرتبانوس الخامس (أردوان) الأشكانى فى قتال نشب بينهما، وقتله (224). ولعل الملك الساسانى غزا القصبة طيسفون عام 226. ويتردد ذكر عام 226 على أنه العام الذى بدأ فيه حكم هذه الأسرة، على أن أصطخر ظلت المدينة المكرمة طوال عهد هذه الأسرة بوصفها موطن أجدادهم. وورث الساسانيون تركة الملوك البارثيين، وكانت هذه التركة تشمل النضال مع رومة ثم مع البوزنطيين. ومصادرنا التى نعتمد عليها كل الاعتماد فى معرفة تاريخ هؤلاء القوم مستمدة من المؤرخين اليونان والرومان، ومن ثم كانت معرفتنا بعلاقات الساسانيين بإمبراطوريات الغرب معرفة أتم وأوفى. وقد قام أردشير الأول بهجوم على ملك رومة، واستمرت هذه الحرب، فيما خلا بعض

فترات ساد فيها السلام، حتى انتهى حكم هذه الأسرة أو كاد. وحاول الساسانيون الأولون مد رقعة دولتهم، ولم تجد رومة فى هذا العهد المبكر بدا من الدفاع عن ممتلكاتها الشرقية. وكانت أرمينية موضع نزاع له شأنه بين الطرفين، ذلك أنه كان يحكمها فرع من الأشكانية اتخذوا المسيحية دينًا لهم منذ عهد مبكر جدًا، ونهجوا فى سياستهم منهج الرومان، وعقدت معاهدة لتقسيم أرمينية حوالى عام 387، ثم أصبحت المسيحية الدين الرسمى فى الدولة الرومانية الشرقية، فدخل بذلك عامل جديد فى العلاقات السياسية بينها وبين الفرس، إذ ساعدت اضطهادات بعض الملوك (مثل شابور الثانى وبهرام الخامس ويزدجرد الثانى) للكنيسة على توسيع شقة الخلاف بين الدولتين. وتناولت الكتب الحديثة فى تاريخ الرومان والبوزنطيين من كيبون Gibbon حتى سيك Seeck وبورى Bury أخبار هذه الحروب كثيرًا، ولا يتسع المقام هنا لذكر تفصيلاتها (انظر أيضا التراجم التى ظهرت حتى الآن فى Pauly Wis Realenzyklopadie der Klass. Al-tertwnswissenschaft: sowa عن الملوك من أردشير الأول إلى أردشير الثالث ومن شابور الأول إلى شابور الثالث، ويزدجرد الأول ويزدجرد الثانى)؛ وأشهر هذه الحروب هى التى كانت بين أردشير الأول ويفيروس إسكندر، وبين شابور الثانى وجوليان، وقد كلل فيها هجوم الرومان أول الأمر بالنجاح؛ ثم الحرب التى شنها قباذ الأول على أناستاسياس الأول، والحرب التى شنها خسرو الأول على يوستنيانوس، وقد انتهت هذه الحرب الأخيرة عام 562 بمعاهدة أقامت دعائم الصلح خمسين عامًا. ونال المسيحيون فى دولة الفرس الحرية الدينية آنئذ، ولكن سرعان ما استأنفت حكومة فارس اضطهادها للأرمن المسيحيين، وأخذ الإمبراطور يوستن الثانى بعد ذلك يضيق ذرعًا بالحدود المضروبة بين الدولتين، وطلب بعض المطالب من خسرو فنشبت بينهما الحرب مرة أخرى، وكانت هذه الحرب بداية آخر مرحلة من مراحل هذه الحروب؛ ولم يكتب الفوز لخسرو الأول

فى القتال الذى نشب، كما أن النصر حالف الجيوش الرومانية أيضًا فى عهد هرمزد الرابع، وانتهز القائد الفارسى بهرام جويين الفرصة، فانتقض على هرمزد، وكان الملك قد أهانه، ذلك أن بهرام كان يطمع هو نفسه فى العرش وقتل هرمزد اثنان من أقاربه خاول هذه الفتن، على أن ابنه خسرو (¬1) أفلح فى الهرب إلى الأراضى البوزنطية حيث استنجد بالإمبراطور موريس، وتخلص خسرو من المغتصب بمعاونة البوزنطيين، إلا أنه لم يكن ثمة أمل فى أن يقوم صلح دائم مع بوزنطة فى عهد خسرو الثانى، ذلك أن هذا الملك أخذ على عاتقه الانتقام لمصرع الإمبراطور موريس، وكان فوكاس قد أنزله عن العرش وقتله عام 602. وفى هذه الحرب التى كانت آخر حرب كبرى نشبت بين الفرس والبوزنطيين، فاز الفرس أول الأمر فوزًا عظيما، وغزت جيوش خسرو أورشليم بل فتحت مصر؛ وظهر رد الفعل فى عهد هرقل، ذلك أن قباذ الثانى، وكان قد قتل أباه خسرو وجرده من عرشه، اضطر إلى أن يلتمس الصلح من الإمبراطور، ومات بموت خسرو الثانى آخر ملك له شأن فى بيت الساسانيين؛ وبدأ قباذ الثانى سلسلة من الملوك لم يحكموا إلا قليلًا (ومنهم مغتصب للعرش هو شهروراز وملكتان هما بوران وأزرميدُخْت) وقد رفعهم النبلاء إلى العرش واحدًا بعد واحد، على أنهم كانوا يتوارون سريعًا، حتى اعتلى العرش عام 632 حفيد من أحفاد خسرو الثانى هو يزدجرد الثالث، وبدا أول الأمر أن البلاد سوف يعود إليها ما فقدته من أسباب الاستقرار، بيد أن يزدجرد الثالث كان آخر الملوك الساسانيين الذين حكموا فارس. ولم تكن الحروب مع رومة وبوزنطة هى وحدها التى هددت الدولة الفارسية، بل إن الشعوب الأقل منهما تمدينًا كالخيونيين والكيلانيين (ولم يجد شابور الثانى بدا من قتالهم) والهياطلة (وقد هزمهم بهرام الخامس) كانوا يهددون باستمرار كيان هذه ¬

_ (¬1) هو الذى يعرف فى التاريخ باسم خسرو برويز وهو الملك الذى أرسل إليه الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- خطابا فمزقه فدعا عليه أن يمزق اللَّه ملكه، وقد استجيبت الدعوة. (عبد النعيم حسنين)

الدولة. وقد لقى الملك فيروز حتفه فى قتاله غير الموفق مع الهياطلة. ولم يقف الأمر عند هذا الحد، ذلك أن فارس بعد هذه الموقعة ظلت تدفع الجزية زمنًا للهياطلة؛ وحوالى منتصف القرن السادس الميلادى زال خطر الهياطلة وحل محلهم الترك. على أن هؤلاء القوم الرحل من أهل الشمال لم يكونوا هم الذين قضوا على الدولة الساسانية بل العرب، فقد استقر العرب، حتى قبل قيام البيت الساسانى، على ضفاف دجلة والفرات، وكانت كل من بوزنطة وفارس تستعين بالعرب فى الحروب التى نشبت بينهما؛ والظاهر أن شابور الأول كان أول ملك تقاتل مع العرب، وقد سجلت الأخبار أنه شن حربًا على الحضْر؛ ولا شك فى أنه كان يحكم هذه المنطقة ملك آرامى. على أن هذه الرواية امتزجت برواية أخرى تقول إن شابور الأول أنفذ حملة على قضاعة، وكانت الرواية الأولى قد هولت فيها الأساطير بالفعل. ولا أدل على اضطراب هذه الأقوال من أن ابن قتيبة (كتاب المعارف، ص 322؛ انظر Eutychius طبعة Cheikho، جـ 1، ص 106) يقول إن الحرب مع الحضر كانت فى عهد أردشير مناقضًا بذلك الرواية الفارسية العربية المتواترة، ومع ذلك فإن من الحقائق التاريخية أن أردشير حاصر الحضر (دون جدوى؛ انظر Dio Cassius ص 80، س 3)؛ ثم يأتى الفردوسى آخر الأمر فيروى رواية مختلفة عن الحادث كله فيجعله أيام شابور الثانى (Macan, ص 1432 إلخ)، أما أن هرمزد الثانى قد أوقع الهزيمة بالعرب فأمر مشكوك فيه كل الشك (Noldeke، المصدر نفسه، ص 51، التعليق 2) وتروى المصادر الشرقية أن شابور الثانى كان عدو العرب اللدود، على أن قصة توغله حتى بلغ اليمامة وظاهر المدينة وتلقيبه بذى الأكتاف لسوء معاملته لأسراه تعد بدعة من بدع الأساطير؛ وكان ملوك الحيرة العرب، ونعنى بهم اللخميين، من أقيال الساسانيين، وكانت عداوتهم للغساسنة الذين كانوا فى خدمة الرومان عاملا له شأنه كما حدث فى حروب خسرو الأول مع بوزنطة؛ وكان لهؤلاء اللخميين أيضًا شأن فى أمور البيت الساسانى المالك قبل ذلك التاريخ. والراجح أن بهرام الخامس الذى أمسك

عن مبايعته بعض النبلاء فى أول الأمر، قد تغلب على منافس له مستعينًا فى ذلك بالنعمان ملك الحيرة وغيره، بل إن خسرو الأول تدخل فى المنازعات التى نشبت فى داخل جزيرة العرب، ذلك أنه آزر حوالى عام 570 سيف بن ذى يزن المطالب بعرش اليمن فأمده بجيش فارسى لقتال الأحباش؛ وفى رواية عربية أن ملك الحيرة هذا شد من أزر خسرو الثانى وهو يولى الأدبار أمام بهرام جوبين. على أن خسرو ما إن ثبت على عرشه حتى أمر بالقبض على الملك اللخمى وقتله؛ ولا تذكر هذه الرواية سببًا صحيحًا لهذه الفعلة الجافية ويقال إن النعمان صاحب الحيرة رفض أن ينزل لخسرو عن جواده ساعة هربه، وفى رواية أخرى أن السبب فى سقوطه يرجع إلى دسائس حاكها عدو له؛ وأخذ ملك فارس ينصّب الولاة على الحيرة، وسرعان ما تبين من الهزيمة الهينة التى أوقعها بنو بكر يوم ذى قار بجيش من جيوش خسرو كان قوامه الفرس والعرب، ما انطوى عليه القضاء على البيت الحاكم فى الحيرة من قلة التبصر والفطنة. ذلك أن هذا البيت كان يقف سدًا منيعًا فى وجه عرب الصحراء؛ ويصح لنا فى هذا المقام أن نتساءل: ألم يكن اللخميون، لو أبقى عليهم الساسانيون، أهلا لصد تيار الفتح العربى الجائح الذى أطاح بعد ذلك بدولة بنى ساسان؟ وقد شرع الخليفة أبو بكر ينفذ الجيوش إلى العراق منذ تاريخ مبكر يرجع إلى سنة 633 م، وبدأت سلسلة من الهجمات على مملكة الفرس (وقعة السلاسل ووقعتا وَلَجة وأُلَيْس وإخضاع الحيرة إلخ) وانتهت بوقعة القادسية (لعلها استمرت حتى سنة 636) وقضت قضاء مبرمًا على الجيوش الفارسية الشاهانية القضاء المبرم. على أن إخضاع فارس إخضاعًا تامًا إنما يرجع إلى هزيمة الفرس فى نهاوند (642 م)؛ فقد هرب يزدجرد الثالث، ولكنه لم يستطع أن يحصل على معونة جيرانه على الرغم من كل الجهود التى بذلها؛ وقد عمل أحد النبلاء على اغتياله بالقرب من مرو عام 651 م. وكانت دولة الساسانيين دولة إقطاعية؛ ذلك أن الأسر القوية التى كان

لها نفوذ عظيم أيام الأشكانيين كأسرة سُرين وكَرين إلخ، كونت طائفة من النبلاء واسعة السلطان؛ وكان سلطان كبار الكهنة عظيما أيضًا، فقد انتعشت المزدكية بقيام البيت الساسانى، وأصبحت دين الدولة الرسمى بمعنى الكلمة على الرغم من أن اليهود والنساطرة مثلا كانوا يتركون عادة وشأنهم فى بلاد فارس، وكان الارتداد عن المزدكية يعاقب بالموت؛ وقد تجلى السلطان السياسى لكبار الكهنة عندما اعتلى بهرام الخامس العرش. . ذلك أنهم أيدوه فى مطالبته بالعرش إلى حد بعيد؛ ونحن نجد عرضًا للقانون المدنى أيام الساسانيين فى مؤلفات بارثلوماى (Uber ein Sasanidisches Rechtsbuch: Chr. Bartholomae فى S.B.A. Hei- dekberg Phil. Hist. Klasse sasanidischen Recht، 1910؛ zwn جـ 1 - 4، فى نفس الموضع, 1918 - 1922). وترد الرواية الفارسية العربية عن تاريخ الساسانيين إلى مصادر فهلوية ليس لها وجود الآن، ولا شك فى أن أهمها كان مؤلفًا بعنوان إكزاتاينامك (وفى الفارسية الحديثة خداينامه). وقد التزم هذا المؤلف المذهب الشرعى فى ولاية العرش، فاشتمل على عهد الملوك الأسطوريين كما تناول تاريخ البيت الحاكم؛ وقد حفظ لنا مادة تاريخية كأفعال أردشير الأولى مثلا. على أن الجانب القصصى كان له شأن كبير فيه. وكثيرًا ما امتزجت الأخبار المدونة عن الملوك بالقصص الخيالية القائمة على البواعث العائلية. ولم يقتصر الأمر على الاكزاتاينامك، بل كان ثمة مصنفات تاريخية أصغر منه نذكر منها الـ "كارى أرتخشتر بابا كان" ولا يزال هذا المصنف موجودًا (ترجمة Noldeke كوتنكن 1878؛ وقد نشر النص بضع مرات، مثال ذلك أنه نشر فى بمباى 1896 و 1899 و 1900)؛ ونحن نستطيع أن ننشئ قصة تاريخية متوسطة الطول عن بهرام جويين بالاعتماد على ما جاء عنها من إشارات فى الأدب الفارسى والعربى الحديث (Noldeke المصدر نفسه، ص 474 إلخ؛ 1 Romanen om Bahram Tschopin 1907: A. Christensen) وقد ترجمت هذه المصنفات الفهلوية إلى العربية فى عهد متقدم، مثال ذلك أن ابن المقفع ترجم

الإكزاتاببامك. وقد كان ثمة ترجمات فارسية حديثة هى الأصل فى الروايات التى وردت فى الفردوسى والثعالبى ولو أن هذه الروايات لا تطابقها مطابقة تامة. (Noldeke: المصدر نفسه، ص 14 وما بعدها؛ المؤلف نفسه: Das Iranische Nationalepos ص 5 وما بعدها؛ الثعالبى؛ طبعة زوتنبرغ، ص 23، وما بعدها، وص 42؛ ولم أستطيع الرجوع إلى K woprosu ob arabskich perewodach zur Frage betreffs der arabischen: V.Rosen = Chudainame Ubersetzungen .des Ch [المذكور فى زوتنبرغ، المصدر نفسه، ص 43، التعليق 3]؛ أما عن علاقة الروايات التى وردت فى الثعالبى بالروايات التى ذكرها الفردوسى فانظر الثعالبى، طبعة زوتنبرغ، ص 25 وما بعدها). وقد فقدت أيضًا الترجمة العربية القديمة لابن المقفع، ولكننا نجد لها صدى فى الفصول التى كتبها المؤرخون العرب من أمثال الطبرى والمسعودى والدينورى عن العهد الساسانى. ولا نعلم على وجه التحقيق إلى أى مدى استعان هؤلاء المؤرخون بمصنف ابن المقفع الحقيقى؛ ورواية تاريخ هذه الأسرة فى ابن قتيبة (كتاب المعارف) وفى يوتوخيوس Eutychius أوثق ارتباطًا من رواية المؤلفين الآخرين، وتتسم بسمة خاصة. والحق أن رواية هذين المؤرخين تتفق فى كثير من الأحيان كلمة بكلمة؛ ويرى نولدكه Noldeke أن الراجح أنهما استعانا بترجمة ابن المقفع الأصلية (Gesch. d Perser ص 12)؛ أما المؤرخون الآخرون فلا شك فى أنهم استعانوا بترجمات متأخرة للمصنف الأصلى (انظر الثعالبى، طبعة زوتنبرغ، ص 43؛ وقد أفرد بعض مؤرخى الفرس المتأخرين فصلا عن الساسانيين مثل رشيد الدين (جامع التواريخ) وناسخه القزوينى (تاريخ كزيده)؛ وليست لهذه المصنفات على العموم قيمة مستقلة بذاتها. على أنه لا يستبعد فيما يظهر أن نجد فيها من التفاصيل ما لا نجده فى غيرها كما هى الحال فى فارس نامه لابن بلخى (Gibb Memorial Series المجموعة الجديدة، جـ 1، انظر ص 23 وما بعدها). ومعظم ما نجده فى الأدب من الحكايات والنوادر عن هؤلاء الملوك وبلاطهم مستمد من هذه الرواية شبه

التاريخية؛ وهى متواترة، نراها مثلا فى الفصل الذى ضمنه المسعودى كتابة المروج. وتشمل "المرزبان نامه" وهى من الأدب القصصى الخالص، بضع حكايات عن خسرو (كسرى) الأول أنوشروان وعن وزيره بزرجمهر؛ ونذكر أيضًا من الشعراء نظامى، وقد استمد مادة شعره الروائى فى عدة مناسبات من العهد الساسانى، ولو أنه ينأى أحيانًا عن الرواية المأثورة كما فعل عندما روى فى "هفت بيكر" قصة بهرام كور (بهرام الخامس) ورميته البارعة رواية تختلف فى جوهرها عما ذكره الفردوسى والثعالبى اللذان تحدثا عنها حديثا أقل تهذيبا، ومن ثمّ نرجح أنهما نقلا حديثهما هذا عن ترجمة أقدم؛ ولا شك فى أن هذه الرواية قد تغيرت كثيرًا على مر الأيام، ولابد أيضًا أنه قد شابتها شيات عربية غريبة على كتاب الملوك القديم، علاوة على مادتها الإيرانية الأصلية. وليس فى مقدورنا الآن أن نفرق بين هذه المواد المختلطة تفريقًا يدنينا من الحق والواقع. أما أن الفردوسى أو الثعالبى قد أغفل حكاية أو أخرى فلا يمكن أن نعد ذلك قياسا يعول عليه. أضف إلى ذلك أن هذين المؤرخين أصبحا لا يستعينان بالأصول الفهلوية بل بالترجمات المتأخرة؛ ومن الحكايات التى لاشك فى قدمها وأصالتها حكاية رأس الأسرة وحكاية مقتل يزدجرد الأول على يد جواد به مس؛ ومعظم حكايات بهرام كور عن الصيد أو النساء، وحكاية مصرع فيروز فى حرب الهياطلة، ومعظم حكايات أنوشروان، وسلسلة الحكايات التى تتضمن سقوط هرمزد الرابع وتمرد بهرام جوبين وسقوطه، ثم تاريخ خسرو (كسرى) الثانى برويز حتى مقتله بتحريض من ابنه قباذ (شيرويه)؛ ثم إن الحوادث التاريخية الأصل التى وقعت فى العهد الساسانى قد تكون هى أيضا منشأ روايات مشابهة ترد إلى العهد الأسطورى كما يرى نولدكه مثلا فى شأن الأخبار المدونة عن الحوادث التى أعقبت موت فيروز (انظر lran Nationalwpos، الفصل 9)؛ ونجد أيضًا أن بعض المؤرخين نسبوا حوادث هامة إلى الملوك

الساسانيين، فى حين أن غيرهم أسندها إلى ملوك الأساطير، مثال ذلك أن قصة تحريم بهرام كور الخمر التى وردت فى الفردوسى (Macan، ص 1497 وما بعدها) قد ذكرها الثعالبى (ص 149؛ وانظر ص 29) على أنها حدثت فى عهد كيقباذ؛ أما القصص التى تعتمد على الموضوع الشائع المتواتر ألا وهو خروج الملك متخقيًا إلى بلاد العدو (شابور الثانى وبهرام كور) فترجع إلى الرواية القديمة، ولعل بعض الموضوعات الأخرى كانت أقرب عهدًا من الأولى، وقد نشأ هذا أحيانًا من تدخل العرب، مثل قصة حصار الحضر والقصة التى تربط بين سيف بن ذى يزن وخسرو (كسرى) الأول. ومن الجائز أيضًا أن ذلك الجزء من القصص المتعلق ببهرام كور وخسرو الثانى والذى كان لملوك الحيرة فيه شأن (اعتلاء بهرام كور العرش وهرب خسرو الثانى من وجه بهرام جوبين) لم يخلُ تمامًا من الشيات العربية التى نجدها أيضا فى أقوال الملوك المأثورة. ولا شك فى أن هذا يصدق على ما نقله الثعالبى من قول الملك نَرْسَىْ (ص 510: "وكان لا يرقب إلى بيوت النيران فإذا قيل له فى ذلك، قال: قد شغلنى خدمة اللَّه عن خدمة النار"). والملوك الذين أسهبت الأخبار فى الحديث عنهم هم على الجملة، أعظم الملوك شأنًا من الوجهة التاريخية: أردشير الأول وشابور الأول وشابور الثانى. على أن بهرام الخامس ليس فى الواقع من الملوك العظام. وكان كتاب الملوك القديم إذا لم يجد شيئًا يسجله عن ملك من الملوك اقتصر على ذكر الخطب التى يروى أن هذا الملك ألقاها عند اعتلائه العرش إلخ. .؛ وكانت خطب الملوك وأقوالهم المأثورة تعد نماذج للأسلوب الرفيع (Gesch d.Perser: Noldeke، ص 18؛ الثعالبى، طبعة زوتنبرغ، ص 15) ونحن نجد فى الثعالبى أن أردشير الأول نفسه كانت عنده موهبة الخطابة؛ ويبدو أن البلاغة العربية قد فعلت فعلها هنا؛ فإن خطبة العرش التى خطبها هرمزد الرابع والتى ذكرها الدينورى (كتاب الأخبار الطوال، ص 77 وما بعدها) توحى بأنها استمدت من أصل عربى لا فارسى (انظر أيضا Gesch d. Perser: Noldeke، 326 وما بعدها).

المصادر

المصادر: (1) الطبرى، طبعة دى غوى de Goeje، جـ 2 ص 813 وما بعدها. (2) الدينورى: كتاب الأخبار الطوال، طبعة Guirgass-Kratsch kowsky، ص 44 وما بعدها. (3) الثعالبى: Histoire des rois des Perses، طبعة وترجمة زوتنبرغ Zo- tenberg، باريس 1900، ص 473 وما بعدها. (4) المسعودى: مروج الذهب، طبعة باريس، جـ 2، ص 151 وما بعدها. (5) حمزة الإصفهانى: تاريخ، طبعة Gottwaldt، ص 14 وما بعدها، و 27 وما بعدها و 44 وما بعدها. (6) ابن قتيبة: كتاب المعارف، طبعة Wustenfeld، ص 321 وما بعدها. (7) Annales: Eutychius، طبعة شيخو Cheikho، جـ 1، ص 10 وما بعدها (مع تاريخ الدولة الرومانية والبوزنطية). (8) اليعقوبى: تاريخ طبعة Houtsma؛ الفهرست. المصنفات الحديثة (فيما خلا المصنفات التى كتبت عن تاريخ الدولة الرومانية والبوزنطية): (9) History of Persia: J. Malcolm، (1829)، جـ 1 ص 69 وما بعدها. (10) Opyt istorii dinastii Sasanidow po Swedenijam soob armjanskimi pisateljami scaeenym: K.Patkanean 1863، (مقدمة لتاريخ الأسرة الساسانية من مدونات نقلها المؤرخون الأرمن). (11) The Seventh Great Oriental Monarchy 1876: G. Rawlinson. (12) Eranische Altertumskunde 1878: F.Spiegel, جـ 3، ص 231 وما بعدها. (13) Geschichte der Perser und Araber zur Zeit der Sasaniden: Th. Nolseke، ليدن 1879. (14) Geschichte des alten Persiens: F.Justi، برلين 1879، ص 177 وما بعدها.

(15) المؤلف نفسه: فى Grundriss der iran Philologie (1896 - 1904)، جـ 2، ص 512 وما بعدها. (16) Aufsdtze zur per-si schen Geschichte: Th. Noldeke، ليبسك 1887، ص 86 وما بعدها. (17) Coup d'oeil sur `histoire de la Perse: J. Darmesteter، باريس 1885, ص 27 وما بعدها. (18) A History of Persia: P. M. Sykes، ليدن 1915، جـ 1، ص 422 وما بعدها. (19) Geschichte Irans: A.V. Gutschmidt، توينكن 1888. ص 156 وما بعدها. (20) Die Dynastie der Lahmiden in al-Hira: G. Rothstein، برلين 1899، فى مواضع مختلفة. (21) Armjanskie Arsakidy w. "Istori Armeni" Moiseja: G.Chorenskago Chalateanc - موسكو 1903 (الأشكانيون الأرمن فى " Armenian History" لمؤلفه Moses Chorene)، وخاصة ص 366 وما بعدها. (22) Sasanudskiye et'udi: K. nistrancev سانت بطرسبرغ 1909. (23) Erklarung der Munzen mit Pehlevi-Legenden: A.D. Mordtmann فى Z.D.M.G.، 1854 جـ 8، ص 1 وما بعدها (أعيد طبعها فى 1918). (24) Early Sassanian Inscriptions, Seals and Coins: E. Thomos لندن 1868. (25) المؤلف نفسه: Numismatic and other Antiquarian Illustrations of the Sa sanuans in persia، لندن 1873. (26) Sasanian Coins: F.D. Paruck، بمباى 1925. (27) Sasanian Inscriptions explained by the Pahlavi of the Parsis: E.W. West فى J.R.A.S، المجموعة الجديدة، جـ 4، ص 357 - 407. (28) Le Christianisme dans I'Empire Perse sous la dynastie Sassanide: J. Labourt باريس 1904. (29) L'Empire des Sassanides L'etat, la cour (1907, Det Kgl: A. Christensen .

المصادر

Danske Vidensk Selskabs Skrifter, 7 R, Hist og Filos. Afd i). (30) Paikuli Monument and Inscription of the Early History of the Sasanian Empire: E. Herzfeld برلين 1924. صبحى [بوخنر V. F. Buchner] سالم بن محمد ابن محمد بن عز الدين أبو النجا السنهورى المصرى: فقيه مالكى ومحدث ولد فى سنهور، ووفد إلى القاهرة وهو فى الحادية والعشرين من عمره، ووصل إلى منصب مفتى المالكية، وتوفى فى الثالث من جمادى الآخرة عام 1015 (7 أكتوبر سنة 1606). ولم يبق من مؤلفاته الكثيرة سوى حاشية على مختصر الخليل (انظر E. Catalogue general des Mss. des: Fagnan bibl. pub. de France قسم 8، الجزائر، رقم 1162 - 4) وقد قل استعمال هذه الحاشية حتى فى عهد المحبى. المصادر: (1) المحبى خلاصة الأثر، جـ 2، ص 204. (2) حاجى خليفة: كشف الظنون، طبعة فلوكل جـ 7، ص 876. (3) أحمد بابا: نيل الابتهاج. فاس عام 1317، ص 157، على هامش ابن فرهون: الديباج المذهب، القاهرة 1329, ص 126. (4) ابن شنب: Etude sur les per sonnages mentionnes dans l'Idjza du Cheikh Abd al-Qadir Al-Fasy Actes du IV Congr. intern des Or. Alger,) سنة 1905، باريس سنة 1908، القسم الثالث وما بعده) ص 487, فقرة 304. الشنتناوى [بروكلمان Brockelmann] السالمية فرقة من المتكلمين السنيين ذوى النزعات الصوفية، وقد تكونت فى البصرة فى القرنين الثالث والرابع للهجرة بين المالكية من أهل السنة. وقد أسسها سهل التسترى المتوفى سنة 283 هـ (896 م)، وهى تسمى باسم أكبر تلاميذه، وهو أبو عبد اللَّه محمد بن سالم (المتوفى سنة 297 هـ =

909 م)، وباسم ابنه أبى الحسن أحمد ابن سالم (المتوفى سنة 350 هـ = 960 م)، وهما اللذان خلفا مؤسس الفرقة فى رياستها. وأبو الحسن أحمد ابن سالم الذى كان صديقًا لابن مجاهد المفسر، معروفٌ لنا جيدًا مما قاله فى بيان فضله وشأنه تلميذُه وخليفته أبو طالب المكى (المتوفى سنة 380 هـ = 990 م) فى كتابه "قوت القلوب" ومن نقد خصمه أبى نصر السراج (¬1) المتوفى سنة 377 هـ (987 م) له فى كتابه "اللُّمع" (نشره نيكلسون). أما الأصول الكبرى للسالمية فقد وصلت إلينا على يد خصومهم من الحنابلة، وخصوصًا أبا يعلى بن الفراء (المتوفى سنة 458 هـ = 1066 م) وهو يذكر من هذه الأصول ستة عشر أصلًا ذُكر منها عشرة أصول فى كتاب الغنية المنسوب إلى الجيلانى (¬2). (أ) اللَّه لم يزل خالقًا، وفعله القديم (تفعيله) يجعله موجودًا فى كل مكان، وخصوصًا على لسان كل قارئ للقرآن (¬3). (ب) للَّه مشيئة غير حادثة وإراداتٌ حادثة بها تقع معاصى المخلوقات من غير أن يريد منهم المعصية (¬4)؛ ومن قولهم إن إبليس أطاع اللَّه آخر الأمر (¬5)؛ ¬

_ (¬1) [يروى الطوسى فى اللمع كثيرا من كلام أحمد بن محمد بن سالم أو من كلام أبيه وكلام سهل التسترى نقلا عنه. والطوسى لا ينقد ابن سالم إلا فى أنه، أعنى ابن سالم كان شديد الاعتراض على أبى يزيد البسطامى لقوله فى حال الشطح أو الفناء عبارات مثل سبحانى! سبحانى! فالطوسى ميال إلى تأويل كلام أبى يزيد وإلى حسن الظن فى عقيدته؛ أما ابن سالم فهو يعتبر مثل هذه العبارات كفرًا -راجع كتاب اللمع. ص 390 وما بعدها- المترجم]. (¬2) [فى كتاب الغنية أحد عشر رأيا للسالمية -المترجم]. (¬3) [حكى صاحب الغنية أن السالمية يقولون إن اللَّه فى كل مكان ولا فرق بين العرش وغيره، وإن اللَّه يقرأ على لسان كل قارئ، وأنهم إذا سمعوا القرآن الكريم من قارئ فإنما يسمعون من اللَّه. ومع أن هذا الكلام يمكن أن يؤول على وجه من وجوه التأويل فإن صاحب الغنية يرى أن رأى السالمية فى قراءة القرآن الكريم يفضى إلى الحلول -المترجم]. (¬4) [يحكى صاحب الغنية عن السالمية أنهم كانوا يقولون "إن اللَّه يريد من العباد الطاعة، ولا يريد منهم المعاصى، واللَّه أرادها بهم لا منهم" -وهذا بالإجمال هو رأى أهل السنة فى القدر- المترجم]. (¬5) [يزعم السالمية أن إبليس سجد لآدم فى الثانية، أى من الوقت التالى لامتناعه من السجود، وأن إبليس لم يدخل الجنة -وهذا مخالف لنص القرآن الصريح، كما لاحظ أيضا صاحب الفنية- المترجم].

واللَّه يُرى فى يوم القيامة. . .، وهو يتجلى يوم القيامة لسائر الخلق (¬1). (جـ) العمل بالشرع يتم بمجهود إرادى (وهذا هو الاكتساب فى مقابل الروح السلبية عند الكرّامية) (¬2)؛ والصبر عن اللذات أفضل من التمتع بها، والأنبياء أفضل من الأولياء، والحكمة هى الإيمان (¬3). (د) الاتحاد، كما يقول به الصوفية، هو شعور المؤمن بذاته، "بالأناء" الإلهى، بقدر ما فاض عليه من ذلك فى الأزل (سر الربوبية) (¬4). وقد قام نقاد الحنابلة، من عهد ابن الفراء إلى عهد ابن الجوزى وابن تيمية بتفنيد ما فى هذه الآراء من سمات الاعتزال ومن نزعات إلى القول بالوحدة تفنيد عن بصيرة، وهذا ما نقده من أول الأمر كل من الحلاج والأشعرى وابن خفيف، على تفاوت فيما بينهم. ولكن لما كان السالمية، ومعهم الكرامية هم وحدهم من علماء أهل ¬

_ (¬1) [من قول السالمية إن اللَّه يرى يوم القيامة فى صورة آدمى محمدى وأنه يتجلى لسائر الخلق من الإنس والجن والملائكة والحيوان أجمع، لكل واحد فى معناه، وأن الكفار يرون اللَّه ويحاسبهم -وهذا، كما لاحظ صاحب الغنية يتنافى مع التنزيه للَّه بحسب صريح القرآن- المترجم]. (¬2) [إن كتاب أبى يعلى بن الفراء، وهو المخطوط الذى رجع إليه الأستاذ كاتب المقال، ليس فى متناول اليد، ويذكر صاحب كتاب اللمع أنه سمع أحمد بن سالم، وقد سُئل عن معنى قول النبى -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أطيب ما أكل الرجل من كَسب يده"، قال الكسب سنة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، والتوكل حال الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-، وإنما استن لهم الكسب لعلمه بضعفهم، حتى إذا عجزوا عن التوكل الذى هو حاله وسقطوا عن مرتبته ودرجته فى التوكل وقعوا فى الاكتساب الذى هو سنته. ولولا ذلك لهلكوا -كتاب اللمع ص 116 و 195 - 196 - المترجم]. (¬3) يجوز أن يكون هذا الكلام مأخوذ عن مصدر ليس فى متناول يدنا. على أن صاحب اللمع (ص 50) يذكر رأى ابن سالم فى درجات الصابرين. فهو يميز بين المتصبر الذى يصبر فى اللَّه، فمرة يصبر على المكاره ومرة يعجز، ويدخل فى ذلك من يصبر على ملازمة الواجب والإعراض عما نهى عنه؛ وبين الصابر، وهو يصبر فى اللَّه وللَّه ولا يتمكن منه الجزع وإن كان ربما شكى؛ وبين الصبار الذى يصبر فى اللَّه وللَّه وباللَّه لا يعجز ولا يتغير ولو وقعت عليه البلايا جميعا -المترجم]. (¬4) [جاء فى الغنية أن السالمية كانوا يقولون إن للَّه سرا لو أظهره لبطل التدبير، وللأنبياء سرا لو أظهره اللَّه لبطلت النبوة، وللعلماء سرا لو أظهره لبطل العلم. ويلاحظ صاحب الغنية أن هذا يتنافى مع الحكمة الإلهية ومع التدبير الالهى -المترجم].

المصادر

السنة الذين يقولون ببقاء الروح بشخصها (فيما بين الموت والبعث) (¬1) فإن غالبية الصوفية السنيين آثرت الانضمام لهم منذ أيام أبى بكر الواسطى. والغزالى، فى الشطر الثانى من حياته، كتب كتابه "الإحياء" على نمط كتاب لأحد السالمية، هو كتاب "قوت القلوب" لأبى طالب المكى. ثم إن طائفة من صوفية الأندلس الذين ظهروا فى القرن السادس الهجرى، وكان على مذهبهم مسحة من مذهب الإسماعيلية، من ابن برجان (المتوفى سنة 536 هـ = 1141 م) وابن قسى إلى ابن عربى قد أخذوا كثيرًا من عباراتهم فى الاتحاد من السالمية، كما يقول ابن تيمية. وقد بقيت آراء أخرى من آراء السالمية ضمن تراث الطريقة الشاذلية. المصادر: (1) قوت القلوب لأبى طالب محمد المكى. القاهرة 1310 هـ، جزءان؛ ويظهر أن هذا الكتاب قد طهر من الشوائب قديما. (2) المعتمد فى أصول الدين لابن الفراء، مخطوط دمشق، المكتبة الظاهرية، توحيد، رقم 45. (3) الغنية لطالبى طريق الحق لعبد القادر الجيلانى، القاهرة 1288 هـ، جـ 1، ص 83 - 84. (4) أحسن التقاسيم للمقدسى، المكتبة الجغرافية العربية، مجلد 3، ص 126. (5) تبصرة العوام لابن الداعى، طبع على الحجر طهران، 1313 هـ، ص 391. (6) Goldziher فى مجلة ZDMG، مجلد 61 (1907)، ص 73 - 80. (7) Amedroz فى مجلة J.R.A.S. (1912) ص 572 - 575. (8) Essai sur les origines - de la mystique musulmane: Massignon (1922) ص 264 - 270. (9) المؤلف نفسه: Passion d' al Halladj الفهرس، تحت هذه المادة. أبو ريدة [ماسينيون L. Massignon] ¬

_ (¬1) [أغلب الظن أن الأستاذ كاتب المقال يقصد ما يسمى "حياة البرزخ" أعنى ما بين الموت والبعث. ومن المعلوم أن الروح لا تفنى بعد الموت المعروف. بل هى تبقى ويكون لها نوع من التعلق ببدنها وإن لم يكن تعلق تدبير له. لأنها خلعته واتشحت بغيره، وللروح فى كل عالم رداء يناسبه، ويؤيد بقاء الروح بعد الموت أحاديث كثيرة، وهذا ما عليه جمهور العلماء العارفين -المترجم].

سام

سام " سام" Sham: وقد جرى القول أولا بأنه أكبر أولاد نوح. وذكر الثعلبى صراحة فى كتابه "قصص الأنبياء" أن سام ابن نوح البكر؛ وثمة رواية مفردة أوردها الطبرى (طبعة ده غوى de Coeje، جـ 1 ص 196) رتب فيها أولاد نوح على الوجه الآتى: يافث وحام وسام، ويتفق ذلك ورواية عبرية فى التلمود البابلى، (سنهدرين، الورقة 69 ب، ومع ذلك انظر رواية الطبرى فى أهل التوراة، المصدر المذكور، ص 223) وكان سام ابن نوح لحبيب، ذلك أنه لم يشارك يافث بركة أبيه فحسب (سفر التكوين، الإصحاح التاسع، الآية 27) بل إن نوحا لما حضرته الوفاة نصب ساما خليفة له وعهد إليه بمهام خاصة. وهذا الإيثار الذى خص به ساما انتقل إلى سلالته، فكانوا على حظ من الجمال كما أن النبوة كانت طبيعة فيهم. وقد انحدرت زوج سام، صَليب (أو صُليب)، شأنها فى ذلك شأن أزواج أبناء نوح الأخريات، من صلب قابيل بن آدم، وولدت له أربعة أبناء، أسماؤهم هى الأسماء التى وردت فى سفر التكوين، الاصحاح العاشر، الآية 22؛ أما آرام الابن الخامس لسام فليس من المحقق أن أمه هى أم إخوته الأربعة الأولين؛ وقد جرى القول بأن العرب من نسل سام، وكثيرًا ما يضاف إليهم الفرس والرومان، بل واليهود أحيانًا. وقسم نوح الأرض بين أبنائه فاختص سام بالوسط، أى المنطقة التى بين أنهر النيل والفرات ودجلة وجيحون؛ وعاش سام نفسه فى مكة. المصادر: (1) الطبرى: طبعة ده غوى، الفهرست. (2) الدمشقى: Cosmographie، طبعة Mehren الفهرست. (3) الثعلبى: قصص الأنبياء، القاهرة 1324، ص 38. (4) الكسائى: قصص الأنبياء، طبعة Eisenberg، جـ 1، ص 8 - 102. صبحى [جويل B. Joel]

السامانية

السامانية أسرة فارسية انحدرت من صلب رجل يدعى سامانخُداه (¬1). وسلسلة نسب هذه الأسرة حتى إسماعيل أول أمرائها المستقلين، هى كما يلى: سامانخدات أسد نوح. . . أحمد. . . يحيى. . . إلياس نصر. . . يعقوب. . . يحيى. . . أسد. . . إسحق. . . حُمَيد. . . محمد وكان سامانخداه الذى وصل نسبه ببهرام جوبين المشهور، أى بأسرة نبيلة فى الرى (ابن الأثير، طبعة تورنبرغ، جـ 7، ص 102) أمير قرية سامان من أعمال بلخ كما يدل على ذلك اسمه (انظر حمزة الإصفهانى، طبعة GottWaldt، ص 237؛ Barbier de Meynard Dict. geogr. de la perse ص 297) واضطر سامانخداه إلى الفرار من بلخ، والتجأ إلى أسد بن عبد اللَّه القسرى والى خراسان وأعانه أسد على أعدائه، فدخل سامانخداه فى الدين الإسلامى، وسمى ابنه باسم مجيره أسد (النرشخى فى Descr. de Boukhara: Schefer، ص 57 وما بعدها). ومن الواضح أن الروايات الأخرى التى ¬

_ (¬1) "خدا" كلمة فارسية معناها "اللَّه" أو "رئيس" كرئيس الدولة والأسرة والقرية. . الخ. عبد النعيم حسنين

رواها تاريخ كزيده (Schefer: كتابه المذكور، ص 99 وما بعدها) فى سامانخداه هى روايات أسطورية. أما القصة التى تقول إن أطماعه استثيرت عقب إنشاد بيت من الشعر، فإنما هى قد نسبت إليه من بعد فى مناسبة أخرى (سلسلة كب التذكارية، جـ 11، ص 26، 123 وما بعدها) ويروى كتاب تاريخ كزيده أيضا أن سامانخداه استولى على أشذاس. وقد أعقب سامانخداه أربعة أبناء، كان لهم فيما يظهر شأن فى تاريخ الخلافة الشرقية، ولا نستثنى من ذلك خلافة الرشيد نفسه. ويقال إن المأمون، قبل أن يلى الخلافة، أمر أبناء أسد أن يشدوا من أزر القائد هرثمة فى قتال الثائر رافع ابن الليث. واستطاع السامانيون أن يوفقوا بين هرثمة ورافع (النرشخى، ص 74) ومهما يكن من شئ فإن المأمون عندما خلف أباه على كرسى الخلافة أمر غسان بن عباد الذى ولاه على خراسان أن يستخدم أبناء أسد فى مناصب الدولة (النرشخى، ص 75؛ انظر ابن الأثير، جـ 27، ص 192؛ حمزة، الأصفهانى، ص 237). ففى عام 204 هـ (819 م) ولى غسان نوح بن أسد على سمرقند، وأحمد على فرغانة، ويحيى على الشاش وأشر وسَنَة، وإلياس على هراة. وعندما ولى طاهر ابن الحسين على خرسان بعد ذلك، أقر هذا التعيين، وهكذا كان السامانيون بمثابة ولاة مساعدين للطاهرية. وثمة مصدر أقدم من ذلك هو حمزة الأصفهانى؛ وإنما يذكر حمزة فى إيجاز أن نوحا لبث عدة سنوات فى بلاط المأمون، ثم أقامه المأمون واليا على ما وراء النهر من قبل الطاهرية (237 هـ). وكان إلياس أول من توفى من هؤلاء الإخوة، فقد جاءته المنية فى عهد عبد اللَّه ابن طاهر وسمح عبد اللَّه لمحمد بن إلياس بأن يخلف أباه على هراة (انظر ابن الأثير، جـ 7 ص 193). على أن هذا الفرع من الاسرة أقل شأنا من فرع أحمد الذى انحدرت منه

الأسرة السامانية. ذلك أن نوحا توفى من غير أن يعقب ولدا يخلفه على العرش، وكان فيما يظهر خادما أمينا للطاهرية، فأقام طاهر بن عبد اللَّه مكانه على ولاية ما وراء النهر الأخوين يحيى وأحمد. وكان نوح هذا قد استجاب لتحريض الخليفة المعتصم فعاون عبد اللَّه ابن طاهر على أن يكيد كيدا مشينا للحسن بن الأفشين ولد قائد الترك المشهور الذى كان قد فقد حظوته عند الخليفة (الطبرى، جـ 3، ص 1307 وما بعدها). وكان أحمد موضع المدح والثناء فى المصادر المتأخرة لإنكاره لذاته وما اتصف به من خلال أخرى حميدة (ابن الأثير، جـ 7 ص 192) وقد نحت هذه المصادر فى ذلك منحى المؤرخين من أهل المشرق عندما يتحدثون عن مؤسس بيت من البيوت الحاكمة. وخلف أحمد على ولاية ما وراء النهر نصر أكبر أولاده السبعة؛ وعدنا لا نسمع شيئا عن يحيى، ولعله توفى قبل أحمد. ولم يذكر حمزة الأصفهانى شيئا عن أحمد سوى أنه خلف نوحا. ويمكن أن نقول إن نصرا أصبح أميرا مستقلا بأمر بنفسه منذ عام 261 هـ (874 - 875 م)؛ فقد أقطعه الخليفة نفسه ما وراء النهر فى هذا العام (الطبرى، جـ 3، ص 1889, وانظر ابن الأثير، جـ 7) على أن نجم الطاهرية كان آخذا فى الأفول، وأخذ الخطر يتهددهم من جانب الصفّارية. وكما أننا نتبين من رواية ابن الأثير أنه أصبح فى الواقع بعد تلك المنحة التى تلقاها من الخليفة عام 261 هـ حاكما مستقلا استقلالا ذاتيًا ولا يتبع إلا الحكومة العباسية، فكذلك نجد حمزة فيما يظهر (ص 237) يعد إسماعيل أول أمير بمعنى الكلمة (فكانت ولاية من تقدم إسماعيل. . . من قبل الطاهرية). وفى سنة 261 هـ نفسها أقام نصر أخاه إسماعيل واليًا على بخارى، وكانت الفوضى متفشية فى هذا الإقليم. وقد أنفذ نصر جيشًا لقتال يعقوب بن الليث الصفارى، فقتل الجيش قائده واتجه

إلى بخارى حيث أخذ الجند بعد أن انسحب من وجههم أحمد بن عمر نائب نصر - يقيمون الولاة ويعزلونهم كما يشاؤون (انظر ابن الأثير). ويتحدث النرشخى (ص 76) عن غزوة للخوارزمية (ربيع الثانى عام 260 = 874 م) أنزلوا بها الدمار والخراب ببخارى. على أن حسين بن طاهر الطائى قائد الخوارزمية سرعان ما اضطر إلى الفرار، ومع ذلك ظل الاضطراب والفتن على ما كانت عليه من قبل. وعند ذلك التمس الفقيه أبو عبد اللَّه بن أبى حفص من نصر أن يرسل واليًا يعيد النظام إلى نصابه. فما وافى يوم الجمعة الموافق غرة رمضان عام 260 (26 يونية 874) حتى كان الخليفة قد بعث بإسماعيل كما يقول نرشخى، وذكر نصر فى الخطبة بدل يعقوب بن الليث. وسرعان ما خضد السامانية شوكة حسين بن محمد الخارجى متوسلين بالغدر والخيانة، وكان إسماعيل قد التقى بحسين فى بخارى. وطهر إسماعيل بخارى من اللصوص، وهزم حسين بن طاهر الخوارزمى وأجبر أشراف بخارى المشاغبين على الطاعة. ولم يكتف إسماعيل بذلك بل أخذ يوطد مركزه بالتحالف مع رافع بن هرثمة صاحب خراسان، ونزل له رافع عن حكم خراسان (ابن الأثير جـ 7، ص 193) ولابد أن ذلك حدث قبيل نشوب الحرب بين إسماعيل ونصر (272 هـ = 885 - 886 م) لأن الخليفة المعتمد لم يعين محمد بن طاهر واليا على خراسان مكان عمر وابن الليث إلا عام 271 هـ، وعند ذاك أناب محمد عنه رافع بن هرثمة فى حكم هذه البلاد (ابن الأثير، جـ 7، ص 290) وكان سلطان السامانية قد توطد آنئذ، فلم تؤثر أحداث خراسان فى سلطانهم على الإطلاق. وكانت معاهدة إسماعيل مع رافع بن هرثمة تحالفا على نصر. ولم يثبت رافع فى

الحرب الأولى التى نشبت عام 272 هـ أنه حليف يعتد به وروى نرشخى أن السبب فى هذه الحرب أن إسماعيل تباطأ فى أداء الجزية. أما ابن الأثير فيعزوها إلى الدسائس والمؤامرات بوجه عام. والظاهر أن حمويه بن على أحد قواد إسماعيل قد حثه على التقريب بين نصر وإسماعيل بدلا من أن يشنها حربا شعواء (ابن الأثير، جـ 7، ص 194) وسرعان ما عقد الصلح بين الأخوين. وتجددت الحرب عام 275 هـ (788 م) وانتهت فى صالح إسماعيل، إذ قبض على نصر، ولكنه اصطنع اللين والحكمة فأرجعه إلى سمرقند معززا مكرما. وظل نصر يحكم سمرقند إلى أن وافته المنية عام 279 هـ = 892 م (الطبرى جـ 3، ص 2133) فى حين ظل إسماعيل نائبا عن أخيه فى بخارى إلى أن خلفه على العرش. ويعتبر إسماعيل أول أمير بمعنى الكلمة من هذا البيت. وفيما يلى ثبت بأمراء هذه الأسرة: إسماعيل بن أحمد 279 - 295 هـ = 892 - 907 م أحمد بن إسماعيل 295 - 301 هـ = 907 - 913 م نصر بن أحمد 301 - 331 هـ = 913 - 943 م نوح الأول بن نصر 331 - 343 هـ = 943 - 954 م عبد الملك الأول بن نوح 343 - 350 هـ = 954 - 961 م منصور الأول بن نوح 350 - 365 هـ = 961 - 976 م نوح الثانى بن منصور 365 - 387 هـ = 976 - 997 م منصور الثانى بن نوح 387 - 389 هـ = 997 - 999 م عبد الملك الثانى بن نوح 389 هـ = 999 م وعندما توفى إسماعيل كان قد زاد كثيرا من رقعة دولته علاوة على ما وراء النهر وخراسان اللتين آلتا إليه بعد القضاء على عمر الصفارى. وكان إسماعيل على ما نعلم من أقدر حكام أسرته، جم النشاط يمضى إلى غايته بلا وازع من خلق أو ضمير. على أن ولاءه للعباسيين كان أمرا مذكورا (النرشخى، ص 90) والحق أن السامانيين كانوا دائما يجاهرون، ولو فى الظاهر، بهذا الولاء إذا كان ما ذكره العتبى، من أن أمراء هذه الأسرة هم دون سواهم الذين لقبوا بلقب "ولى أمير المؤمنين" (Description: Schefer ص 160). وذكر ابن الأثير روايات عن

إسماعيل تدل على ورعه وحبه للخير (ابن الأثير، جـ 7، ص 194 وما بعدها؛ جـ 8، ص 4 وما بعدها) وقد بدأ فى عهد أحمد ثانى أمراء هذه الأسرة، أمر كان له أثر كبير فى سقوط هذه الأسرة، ألا وهو حب أشرافها للشغب وانطواء نفوسهم على الطموح. ولا أدل على ذلك من أن أحمد نفسه قد اضطر عند اعتلائه العرش إلى أن يسجن عمه إسحاق؛ وكذلك فر شريف آخر يدعى بارس الكبير إلى بغداد وكان يكنز أموالا وافرة. ويظهر أن الأمير الجديد كان من ناحية أخرى ماضى العزم قوى الشكيمة. ويذكر ابن الأثير أنه كان سليم الحكم بصيرا بالرجال وهى صفات لا غنى عنها لملك من الملوك. ويؤكد النرشخى عدالته، ولا نجد نقدا له إلا فى مصنف من المصنفات المتأخرة (Description: Schefer ص 98). وفى عام 298 هـ (910 - 911 م) فتح الحسين بن على قائد أحمد؛ بلاد سيستان (سجستان)، وكان من بين قواد هذه الحملة سيمجور الدواتى جد الأسرة القوية التى حكمت خراسان فى ظل السامانيين. وكانت سيستان فى ذلك الوقت فى يد المعدل بن على بن الليث الصفارى؛ وقد حلت الهزيمة بعلى وحمل هو وغلام سابق لعمرو بن الليث الذى أسر فى فارس. غير أن فتح هذه البلاد لم يدم، إذ شبت فيها فتنة عام 300 هـ (912 - 913 م) بتحريض محمد بن هرمز الخارجى الذى كان يعمل لصالح عمرو بن يعقوب بن محمود عمر بن الليث الصفارى الذى كان يطالب بالعرش. وأعاد الحسين بن على فتح سيستان للسامانيين، على أن اضطرابات أخرى شبت فيها بعد وفاة أحمد. وفى عام 301 هـ (912 - 914 م) طرد علوى من العلويين والى طبرستان. وبعد وصول هذه الأخبار بفترة قصيرة قتل أحمد بيد واحد من غلمانه (ابن الأثير، جـ 8، ص 46، 52، 58). ويمكن أن نرى فى هذا كله أصابع هؤلاء الأشراف الذين كانوا قد برموا بقوة شكيمة الأمير لسبب من الأسباب. ومما لا يخلو من مغزى أيضا الكلمات التى نسبت إلى نصر ولد أحمد (ابن الأثير، جـ، ص 58)، وقد ذكرت بعض

المصنفات المتأخرة أن أحمد قد أظهر عطفا كبيرا على أهل العلم مما سبب غيرة الغلمان، على أن الراجح أن هذا القول ليس له نصيب من الحقيقة (Description: Schefer ص 92، 101). ويجد القارئ تواريخ الحكام الذين جاءوا بعد ذلك مفصلة فى المواد الخاصة بهم فى هذه الدائرة (عبد الملك، منصور، نصر، نوح) وإليك كلمة عامة عن هذه الأسرة التى اتخذت بخارى قصبة لها منذ عهد إسماعيل، وقد شملت دولة السامانيين فى أوج عزها، وكانت نواتها ولاية وراء النهر غير المستقلة: سيستان وكرمان وجرجان، والرى وطبرستان علاوة على ما وراء النهر وخراسان. وعهد نصر بن أحمد الذى كان يرعى الرودكى هو العهد الذى بلغت فيه هذه الأسرة غاية مجدها (304 - 331 هـ) ولا يرجع هذا إلى شخصية نصر المهيبة (وكان من هذه الناحية دون إسماعيل بكثير) بقدر ما يرجع إلى أن الاضمحلال كان قد أخذ يدب فى أوصال هذه الدولة بعد مماته. واستفحلت الأسباب نفسها التى قوضت دعائم الأسرة الايرانية القديمة ونعنى بها إخلاد الأعيان إلى الشغب (ونقصد بهم الأرستقراطية العسكرية) وظهور خطر القبائل التركية، فى حين خلا العرش من الرجال الأقوياء أمثال إسماعيل وأحمد. وأدت هذه الأسباب آخر الأمر إلى وقوع الواقعة. ذلك أنه ما إن توفى أحمد حتى تنازع العرش عمه إسحاق وابنه نصر. وكان على نوح الأول أن يحافظ على عرشه من قريبه إبراهيم بن أحمد. ويرجع ظهور ألب تكين إلى عهد آخر من ذكرنا من أمراء السامانيين، وقد استولى ألب تكين هذا على غزنة عندما صرفه منصور الأول عن ولاية خراسان، وأقام مكانه أبا الحسين سيمجور، فأصبح ألب تكين رأس الأسرة الغزنوية. وقد شن السامانيون الحرب على البويهيين، ولكنهم لم يصيبوا فيها نجاحا يذكر، وانتهت فى عهد منصور الأول. على أنه لم يكن لها أثر كبير فى ازدياد نفوذ هذه الأسرة فى داخل البلاد أو فى خارجها. ولم تتحسن الأمور فى عهد نوح الثانى، فقد حاول عبثا أن يخضع خلف بن أحمد والى سيستان (سجستان) الثائر. وكان من

أمر أبى الحسين سيمجور الذى أعفى من ولاية خراسان وأنفذ لقتال خلف أن انضم إلى هذا الأمير، وكان ذلك بداية سلسلة من الاضطرابات لم ينته أجلها بوفاة أبى الحسين، فقد كان والده أبو على سيمجور من الخونة، ذلك أنه حرض آخر الأمر بغراخان الأمير التركى، على الدولة السامانية. وتقدم الترك مرة أخرى، وكان إسماعيل قد هزمهم بل نقل الحرب إلى أرضهم (الطبرى، جـ 3، ص 1238، 2249). وحلت الهزيمة بجيوش نوح، إذ خانها أحد قواده، واضطر نوح إلى الفرار. ولم يتمكن الأمير السامانى من العودة مرة أخرى إلى قصبته إلا بعد مدة قصيرة، وإنما تيسر له ذلك بعد وفاة القائد التركى المبكرة. وتحالف القائد فائق مع أبى على سيمجور بقصد إقصاء نوح عن العرش. ويقال إن هذا القائد تعمد أن يهزمه الترك. ولجأ الأمير الذى كان لا يثق بالأشراف إلى الغزنويين يطلب عونهم فوافقوا على مد يد العون إليه. واضطر خصما نوح إلى الاحتماء بفخر الدولة البويهى. وولى نوح على خراسان سبكتكين الغزنوى. وحصل سبكتكين هو وابنه محمود بالإضافة إلى ذلك على لقبى ناصر الدين وسيف الدولة (348 هـ = 997 م). وظلت الحرب مشتعلة مع الثوار إلى أن توفى أبو على، وفر فائق إلى نصر ابن على إلك خان الوالى التركى. على أن الحرب مع الترك لم تقم بهذه المناسبة، فقد اتفق على أن يتولى فائق حكم سمرقند. وكان عهد منصور الثانى القصير الأمد كعهد سلفه. ذلك أن إلك خان قام بالاتفاق مع نفر من أهل الطبقة الأرستقراطية العسكرية بفتح بخارى، وطرد منصورا، غير أن منصورا تمكن بفضل مساعدة فائق من العودة سريعا. وشب نزاع بين أبى القاسم سيمجور وبكتوزون حول ولاية خراسان. وتدخل محمود الغزنوى أيضا فى هذا النزاع، بيد أن فتح خراسان النهائى على يد الغزنويين لم يكن قد بدأ، وعزل فائق وبكتوزون منصورا وسملا عينيه، ونصبا أخاه عبد الملك على العرش. وعند ذلك تدخل محمود، وطرد عبد الملك من خراسان

المصادر

وفتحها. ويمكن الرجوع فيما يختص بهذه الأحداث واحتلال ما وراء النهر فى السنة نفسها، أى 389 هـ (999 م) على يد إلك خان عندما أخذ عبد الملك أسيرا، إلى مادة عبد الملك بن صالح. وإلى هنا انتهى أجل هذه الأسرة. أما عن مصير أحد أفرادها وهو إسماعيل بن نوح المنتصر فقد قتله الترك. وهناك مظهر آخر من مظاهر حكم السامانيين أهم من تاريخهم السياسى الذى يشبه كل الشبه تاريخ الأسر الشرقية الأخرى، ولا يمكن فى هذا المقام إلا أن نشير بإيجاز إلى هذا المظهر. فالعلم لم يزدهر فى ظل هذه الأسرة فحسب (وينصرف الذهن، فى هذا المقام إلى البلعمى مثلا الذى ترجم تاريخ الطبرى) بل إن الأدب الفارسى الحديث قد أخذ فى النهوض منذ ذلك العهد. وحسبنا أن نذكر اسما مثل رودكى، وبدأ الفردوسى أيضًا يكتب آثاره فى العهد السامانى. ومن الطريف أن نذكر أن منصورا الثانى أحد أمراء هذه الأسرة قد خلف بعض الأشعار (انظر عونى: اللباب، طبعة براون، جـ 1، ص 27). المصادر: (1) حمزة الإصفهانى، طبعه Gottwaldt ص 236 وما بعدها (إلى عهد عبد الملك الأول). (2) الطبرى، انظر الفهرس، أسماء الأعلام حتى عام 301 هـ. (3) ابن الأثير، طبعة تورنبرغ، فهرس الأعلام. (4) الكرديزى: زين الأخبار، مقتطفات فى Turkestan: Barthold ولم أتمكن من الاطلاع عليه. (5) Descroption topogrphique et his torique de Boukhara par Moh. Nerchakhy طبعة C. Schefer باريس 1892 (ويحوى تاريخ بخارى لنرشخى فى ترجمة فارسية موجزة مع تكملة، وتاريخ السامانيين نقلا عن القزوين تاريخ كزيده، وترجمة فارسية للفصول الخاصة بالسامانيين نقلا عن العتبى: تاريخ يمينى الذى ظهر فى مجموعة متأخرة) Histoire des Samanides par Mirkhond: Defrermery باريس سنة 1845. الشنتناوى [بوخنر V.F. Buchner]

سامراء

سامراء خطتها وتطورها التاريخى: تقع سامراء، وهى الآن قرية فحسب، على الضفة الشرقية لدجلة فى منتصف الطريق بين تكريت وبغداد. ولعل أصل هذا الاسم فارسى؛ وإلى القارئ ما قيل فى اشتقاقه: سام- راه، ساعى- أمُرّا وسا- مُرا؛ ومعنى الكلمتين الأخيرتين موضع عليه الخراج، وقد كتبت سامراء "سر من رأى" على السكة التى كان يضربها الخلفاء. وقد أنشئت سامراء عام 221 هـ (836 م) فى عهد المعتصم، شيدها أشناس، أحد قواد الترك، على مسيرة فرسخين جنوبى قرية كرخ فيروز؛ وكان الخليفة يعيش على الدوام مهددًا فى بغداد بتمرد جنوده المرتزقة من الترك والبربر فسعى إلى الإقامة فى قصبة أكثر أمنًا وسلامًا. وأقام سبعة من الخلفاء العباسيين فى سامراء فيما بين عامى 221 هـ (836 م) و 276 هـ (889 م)؛ ونستطيع بفضل الشواهد التى ذكرها مؤرخو الخلافة والجغرافيان العربيان اليعقوبى وياقوت أن نستعيد فى شئ كثير من الدقة تطور هذه القصبة القصيرة العمر خلال السنوات الخمسين التى عاشتها. وقد شيدت سامراء على الضفة الشرقية لدجلة فى ركن ينثنى فيه النهر إلى الجنوب الشرقى، ومن ثم فإنها تقع بين قريتى كرخ فيروز (أو كرخ باجدا) فى شمالها ومطيرة فى جنوبها الشرقى؛ وكان ثمة قناتان تعزلان سامراء وضاحيتها الشرقية فيما يشبه الجزيرة، ذلك أن إحدى هاتين القناتين، وهى قاطول كسروى، كانت تأخذ من دجلة فوق كرخ فيروز قرب دُور، وتجرى إلى الجنوب الشرقى حيث تمتزج بقناة أخرى تأخذ من دجلة أسفل مطيرة وتجرى إلى شرق الشمال الشرقى؛ وكان على الضفة الغربية لدجلة مقابل سامراء بضع قلاع عزلتها قناة تجرى موازية لدجلة هى قناة الإسحاقى التى تصب فى دجلة تحت مطيرة وفوق بلكوارى بقليل.

أما مدينة سامراء نفسها فكانت على الضفة الشرقية، وكان أهم شوارعها شارع السريجة الذى كان يمر بدار الشرطة وبالسجن، ويؤدى إلى الحى الذى سمى باسم الوزير الحسن بن سهل، ثم شارع أبى أحمد بن رشيد الذى يؤدى إلى قرية الإيتاخية القائمة على قناة كسروى، وقد سميت الإيتاخية أول الأمر نسبة إلى زعيم تركى، ثم أطلق عليها فيما بعد اسم المحمدية؛ وثمة خمسة شوارع أخرى سجل ذكرها التاريخ هى: الهير، وبرغمش تركى (وهو حى تركى) وصالح (وهو يؤدى إلى الثكنات الحربية أو العسكر) والهير الجديد، والخليج؛ ويذكر المؤرخون عدة تفصيلات عن العمائر ذات الشأن التى كانت فى جوار سامراء، وبدأوا ببعض العمائر التى كانت قائمة قبل أن تنقل قصبة الخلفاء إلى سامراء: الأديار المسيحية الثمانية التى كان أهمها دير الطواويس ودير مار مارى، ودير أبى السفرة. على أن القصور كانت أهم العمائر. فقد بنى المعتصم، وكان قد أقام أول الأمر فى سامراء نفسها، القصر المسمى بالجوسق. وشيد الخليفة الواثق القصر الذى سمى بالهارونى نسبة إليه. أما الخليفة المتوكل، وكان قد أقام أول الأمر فى الهارونى، فقد شَيّد أو وَسّع أربعة وعشرين قصرًا أخرى أشهرها بلكوارى، والعروس، والمختار، والوحيد؛ وكان يخطط قبل موته بتسعة أشهر مدينة جديدة إلى الشمال فيما بين كرخ فيروز ودور وكانت هذه المدينة تسمى الجعفرية نسبة إلى اسمه؛ ويقول المؤرخون الذين ذكروا الكثير من التفصيلات عن الترف فى قصور المتوكل إنه جاء من فارس بشجرة السرو التى كان يوقرها المزدكية فى كشمر ليصنع منها أخشاب قصوره؛ ويقول غير هؤلاء من المؤرخين الذين لاحظوا أنه لم يبق شئ من عمائر المتوكل الفخمة إن هذا الخراب العاجل إنما هو عقاب من اللَّه سبحانه وتعالى على ما أمر به المتوكل من تدمير قبر الحسين فى كربلاء عام 236 هـ؛ ومات المتوكل، فنقل المنتصر بلاطه إلى سامرّاء نفسها مرة أخرى، ونزل فى قصر الجوسق؛ وكان المعتمد آخر خليفة

المصادر

أقام فى سامراء، وقد شيد قصر المعشوق على الضفة الشرقية للنهر (255 هـ). وتهدم معظم هذه العمائر منذ القرن العاشر الميلادى، ولم يبق منها إلا مسجد سامراء الجامع الذى كان قريبًا من الثكنات العسكرية حيث جرى القول بإطلاق الاسم عسكر سامرا على هذا الجزء من المدينة وقد جعل أهل الورع من الشيعة منذ عهد مبكر جدا قبرى إمامين من أئمتهما بجوار المسجد الجامع، وهما قبر إمامهم الحادى عشر أبى محمد حسن المعروف بالعسكرى لأنه توفى بسامراء عام 260 هـ، والسرداب الذى غاب فيه خليفته الشاب أبو القاسم محمد المهدى عام 264 هـ (878 م)؛ ونحن نعلم أن الشيعة ما زالوا منذ ألف سنة خلت يزورون سرداب سامراء، مؤمنين بأن المهدى لا يلبث أن يظهر فى آخر الوقت؛ وقد أورد السمعانى ثبتًا بأسماء الأشخاص الذين يحملون النسبة سامرى أو سرمرى. وثمة نسبة أخرى تشير إلى سامرّاء هى كرخى، وقد أطلقت على أولئك الذين ولدوا فى كرخ فيروز. المصادر: (1) Die alte Landschaft Babylonien: M. Streck، ليدن 1901، جـ 3، ص 182 - 219. (2) The Lands of the Eastern Caliphate: G. le Strange، كمبردج 1905، ص 53 - 56. (3) السمعانى: أنساب، طبعة Gibb Mem Margoliouth Series، الورقة 286 (ب). عمارتها: وسامرّاء اليوم منطقة من الأطلال مترامية الأطراف تقع على الضفة اليسرى لدجلة على مسيرة نحو ستين ميلا شمالى بغداد؛ وتقوم هذه الأطلال على أنقاض كانت من أغنى وأزهر مدائن العصر العباسى، أنفق فى تشييدها أموال طائلة. وقد بدئ بتشييدها عام 838 م فى عهد الخليفة المعتصم بن هارون الرشيد، وبلغت أوج عزها فى عهد جعفر المتوكل (847 - 861 م) وقضت بموته.

وأهم الآثار التى لا تزال باقية

وهذه الحياة الزاهرة التى عاشتها سامراء لها شأن خاص بالنسبة لمن يريد أن يدرس أصول الفن الإسلامى. على أن الناس لسوء الحظ أخذوا منذ بضعة قرون يستخدمون أطلالها محجرًا يستمدون منه مواد البناء فعجلوا بفعل الزمن فيها، ولم يبق آخر الأمر حجر على حجر. بيد أن الحفائر الحديثة كشفت من المعلومات عن معالم البناء والزخرفة ما يكفى لإعطاء فكرة واضحة كل الوضوح عن جمال الحضارة الإِسلامية التى كانت تفئ على العالم من بهائها آنئذ، والتى تمثلت فى تلك المدينة العباسية التى ترجع إلى القرن التاسع الميلادى. وأهم الآثار التى لا تزال باقية: فى جنوب المدينة القديمة على ضفاف دجلة يقوم المسجد الجامع الذى شيده المتوكل هو وقصر الخليفة البديع (بلكوارى) القريب منه فى الشمال، ويقابله على الضفة اليمنى لدجلة قلعة منيعة (قصر العاشق) ما زالت أطلالها الرائعة تشاهد إلى اليوم، وقد شيدت بعد بلكوارى بقليل. وثمة أثر باق من ضريح (قبة السُكبكِية) يقع على مسيرة نصف ميل تقريبًا جنوبى هذه القلعة. وما زالت تقوم بقرب أطلال مدينة الخلفاء مدينة سامرّاء ذات القبة الذهبية التى تشرف على الصحراء، وفيها بعض مشاهد الشيعة المقدسة. وقد شيد مسجد المتوكل الجامع بين عامى 846 و 852 م، وهو بناء مربع عظيم له جدران عالية من الآجرّ تحميها أبراج مستديرة، وفى داخله إلى الجنوب الحرم، وفيه خمسة وعشرون صحنا تتجه إلى القبلة، ثم ثلاث غرف صغيرة فى الجوانب الأخرى. وكانت العمد الرخامية تحمل كل هذه الصحون التى يزيد ارتفاعها على ثلاثين قدمًا؛ وكذلك كان المحراب يقوم على جوانبه زوجان من العمد الرخامية، ولعل قبلة الصلاة كانت مغطاة بالخشب المنقوش الثمين؛ وكانت الأحرام الأربعة تفتح على باحة كبيرة فى وسطها نافورة جميلة؛ وكانت المنارة (ملوية) تقوم فى الخارج لصق الجدار الشمالى للمسجد،

وهى أشبه ببرج بابلى ضخم على قاعدة مساحتها 100 قدم مربعة وقد التف حولها من الخارج درج حلزونى؛ وكان هذا البرج يشاهد على مسيرة يوم أو أكثر. وتقوم خرائب بلكوارى، وهو قصر الخليفة، على مربع من الأرض مترامى الأطراف طول كل من أضلاعه أكثر من ألف يردة؛ وما زالت تقوم فى الواجهة الغربية ثلاثة أقواس بنيت من الآجر (الجَمَل) وهى الآثار الوحيدة التى بقيت إلى اليوم، وكان المتوكل قد بنى هذا القصر للأمير المهتدى باللَّه. وهذه الأقواس الثلاثة التى تواجه النهر هى والمجلس والإيوان تنفتح على الوادى فى رحابة وسعة، وتهبط الشرفات والنافورات منها على درجات كأنها الشلالات؛ وتقع خلفها ثلاثة صحون داخلية تتلوها غرف على هيئة الصليب: غرف العرش، وغرف صغيرة كثيرة، ومخادع خاصة ذات حمامات توافرت لها أسباب الترّف. وكان فى الشرق حديقة مربعة كبيرة فيها مساقط للمياه تكتنفها جدران ذات عمد مربعة تفتح عليها جواسق صغيرة زينت أبدع زينة. وكان فى الشمال جدول يصلون إليه بدرج، وفيه كهوف وأرصفة نحتت فيه؛ ثم كان خلف هذا كله مجموعة بيوت تضم "الحريم"، وبيوت لرجال البلاط، ومسجد صغير، وثكنات كبيرة إلخ لحرس الخليفة وفرسانه. وقد رتبت شتى العناصر المتباينة التى كان يتألف منها هذا القصر العظيم ترتيبًا متناسقًا فبدت جميلة التركيب روعى فى تخطيطها أن تكون واسعة النطاق على هيئة " L" بحيث ينتهى محورها الطويل العمودى على النهر بالغرف الثلاث المعقودة التى فى الواجهة، وقد زينت زينة بديعة بآيات النحت والفسيفساء. على أن الخطة العامة لهذا القصر كانت من طراز مشهور مأثور فى العمارة الإيرانية. وكان حول قصر الخليفة بيوت فخمة بديعة الزينة، ذلك أن جميع منازل المدينة تقريبًا بنيت على هذا النمط، يستوى فى ذلك منازل أغنى أغنيائها وأفقر فقرائها وكانت المنازل يقتصر

فيها على دور أرضى يتألف من مجموعة من باحات داخلية ذات نافورات يفتح عليها الإيوان والغرف التى يقضى فيها المرء نهاره؛ وظل هذا الطراز منتشرا فى بعض بلاد الشرق إلى يومنا هذا؛ وتزيين البيت من الداخل سمة لها شأنها، فقد كانت الأفاريز العالية المنقوشة والإفريز المزخرف، وهو موجود فى معظم البيوت، تزين على الدوام الغرف العامة وأحيانًا غرف المنزل كله؛ وكانت الباحات تزخرف أيضًا فى بعض الأحيان، بيد أن الجدران الخارجية لم تكن تزين أبدًا. وكانت النقوش الزخرفية فى قصر سامراء ومنازلها تستوى فى براعة الصنع، وهى تدلنا على عظم تقدم الفن فى هذا العهد، وتمتد الأفاريز المحكمة بحيث تدور بالغرف من جميع جهاتها على ارتفاع ثلاث أقدام، وتعلوها المضاجع المزخرفة (وتسمى بالفارسية "تكجه")؛ أما إطارات الأبواب والنوافذ فمزخرفة أيضا، وقد زينت السقوف بالطنف والأفاريز؛ وجل هذه الزخارف بالجص، وقد تفنن صانعوها فى رسمها وصنعها وزينوها أحيانًا بالصور. وتتفاوت الرسوم تفاوتًا كبيرًا، فبعضها بسيط له عروق كبيرة وصناعته خشنة إلى حد ما، والبعض أدق صقلا حفر فى السطح من غير بروز، والبعض يظهر النقش البارز فيجعل موضوع الرسم الرئيسى عقدًا مستديرة. وقد نقش بعض هذه الزخارف فى الكتلة نفسها وهى فى موضعها، وصب غيرها فى قالب على فرش من الحصير (وخاصة إذا تكررت موضوعات النقش باستمرار) ثم ثبتت فى الجدار؛ وتتفاوت أشكال الرسوم تفاوتًا كبيرًا، فبعضها غاية فى البساطة والغلظة مستقيم الخطوط ليس فيه زخارف عربية. وهذا هو الغالب فى سامراء، وهو الطراز الأولى بمعنى الكلمة؛ وبعضها على النقيض من ذلك استوحى فيه الصانع فى كثير من الأحيان حيوان البلاد ونباتها، فخرج من يده أحكم زخرفا وأبرع زينة. وتتوسط الزهور التى سايرت التقاليد الأشكال الهندسية، وتتكرر هذه الأشكال وتتكرر، وتربط

المصادر

بينها الأشرطة متخذة هيئة حبات السبح ينفرط عقدها أو تتشابك فتتخذ شكل الزهريات أو القيثارة أو قرن الخصب، وبعضها أكثر جيشانا بالحركة يتكشف عن زخارف عربية حول عناقيد العنب وفروع الكروم. وقد ذهب ناس إلى تقسيم الرسوم الزخرفية فى سامراء، تقسيما دقيقًا إلى ثلاث فئات: الطراز الأول: وهو الذى تغلب فيه السمات القبطية. والطراز الثانى: وهو الذى تغلب فيه السمات الإيرانية. والطراز الثالث: وهو الذى تغلب فيه سمات بلاد الجزيرة. ويبدو لنا أن تقسيما منهجيا كهذا التقسيم الذى يعتمد على النماذج الأصلية التى نقلت عنها الرسوم قد يؤدى بالمرء إلى الخطأ؛ وثمة فكرة يخرج بها من يدرس أطلال سامراء التى يعد كشفها أمرًا له قيمته فى تاريخ الفنون الشرقية، وهذه الفكرة هى أن عوامل فنية عدة قد التقت فى هذه البقعة من آسية من غير أن تتصادم أو تحاول إحداها أن تطغى على الأخرى، ذلك أن سامراء كانت مركزًا جذب إليه فنانين كثيرين من جميع أنحاء المعمورة، استهوتهم ثروة بلاط الخلفاء العباسيين والرعاية التى كانوا ينعمون بها فى ظلهم. وقد قدر لسامراء، أن تكون البوتقة التى انصهر فيها الفن اليونانى، والفن السريانى القبطى، والفن الهندى الفارسى جميعا، وبزغ من هذا كله فن جديد متميز هو الفن الإسلامى. المصادر: (1) Die Ausgrabungen von Samarra: E. Herzfeld، جـ 1 برلين. (2) المؤلف نفسه: Der Wandschmuck der Bauten von Samarra und seine Ornamentik برلين (1923)، (3) المؤلف نفسه: Mshatta, Hira und Badiya فى Jahrbuch der perwsischen Kunstsammlungen (1921). (4) المؤلف نفسه: Die kleinfunde von Samarra und ihre Ergebnisse fur das is lamische kunstgewerbe des 9. Jah rhunderts (1914)؛

السامرى

(5) المؤلف نفسه: Die Ergebniss der Ausgrabungen von Samarra im Kaiser Frierdich-Museum برلين 1922. (6) Un palais musulman du IXe siecle (Mem. pres. par div. sav. al'Ac. des Inscr. el Belles Lettrres Paris 1911): H. Viollet (7) L'architecture des Abbassides au IXe siecle: de Beylie فى Revue ar cheologique، 1907. (8) Die AbbasidenResidenz Samarra: P. Schwarz فى Neue geogr. Unt ersuchungen 1909. صبحى [فيوليه H. Viollet] السامرى هو اسم الرجل الذى جاء ذكره فى القرآن الكريم (سورة طه، الآيات 87 و 95 و 96) أنه أضل بنى إسرائيل فأخرجوا عجلا ذهبيًا. وقد ورد ذكر هذه المعصية فى القرآن الكريم مرتين، فالرواية الأولى (سورة الأعراف الآيات 148 - 155) تروى معصية بنى إسرائيل وهارون كما وردت فى سفر الخروج (¬1) الإصحاح 32، ولكن مع هذا التفصيل وهو أن العجل الذى صنع من المعدن كان له خوار؛ أما الرواية الثانية (سورة طه، الآيات 87 - 99)، التى نزلت بعد سورة الأعراف والتى تعتبرها الروايات الإسلامية مدنية أيضًا (Geschichte des Qorans: Noldeke Schwally ص 124 و 125)، فإنها تجعل السامرى هو الرجل الذى أضل بنى إسرائيل، فقد أمرهم أن يقذفوا بحليهم فى النار، فانصاعوا لأمره، فأخرج لهم عجلا له خوار، عبده الناس بالرغم من أن هارون نهاهم عن عبادته. وسأل موسى السامرى ما خطبه فبرر فعلته بقوله: ". . . بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا به فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أثَرِ الرَّسُولِ. . ." (وهى فى الرواية الإسلامية: أثر حافر فرس جبريل عليه السلام)؛ ومن ثم أعلنه ¬

_ (¬1) سبق أن رددنا على مثل هذه الأقوال فى أكثر من موضع من الدائرة. وحسبنا أن نقول إنه ليس من بأس أن يرد فى القرآن قصص تماثل ما ورد فى التوراة لأنها جميعا كتب منزلة من عند اللَّه، وقد جاء القرآن مصدقا لما بين يدى اللَّه من التوراة والإنجيل.

موسى بعقابه قال: ". . . فإنّ لَكَ فى الحَياة أنْ تَقُولَ لا مسَاسَ. . .". ويعتقد أبراهام كيكر Abraham Geiger أنه ربما قد حدث خلط (¬1) بين السامرى وصمائيل (Sammael)، أمير الجن، وقد استشهد كيكر بـ "يرقى ربى إلعازار"، جـ 45، وفيه رواية أن صمائيل كان يخور مستخفيًا فى صورة عجل ليضل بنى إسرائيل، والواقع أن هذه الرواية التى رويت عن صمائيل قد نقلت عن الرواية الإسلامية، وأن اسم العلم السامرى المجهول فيما خلا وروده فى القرآن الكريم، قد استبدل بالاسم صمائيل الذى يشابه النطق بلفظ السامرى؛ وينسب فراينكل (S. Z.D.M.G.: Fraenkel جـ 46، ص 72) قصة السامرى التى وردت فى القرآن الكريم إلى مدْرَش يهودى ضائع كان يستهدف تبرئةَ هارون من المعصية الكبرى وهى صنع العجل الذهبى، وإلقائها على عاتق السامرى. وكان كولدسيهر أول من كشف عن حقيقة شخصية السامرى، فقال إنه يمثل المذهب السامرى، وذلك بالرجوع إلى قصة انشقاق السامرة؛ ولدينا بالفعل شواهد على هذا الانشقاق فى سيراخ، جـ 5، ص 25، وفى إنجيل لوقا، الإصحاح التاسع، الآية 52، وفى إنجيل يوحنا، الإصحاح الرابع الآية 9؛ ويجمع كولدسيهر الإشارات اليهودية والمسيحية والإسلامية التى تبيّن أن السامرة كانوا يعدون الاتصال بمن ليس منهم دنسًا؛ وكان مصدره اليهودى المزعوم (¬2)، يعرف أن هذا من أصول الطقوس السامرية فردّه إلى الأزمنة المتقدمة ووصفه بأنه عقاب للسامرى على حضه بنى إسرئيل على صنع العجل وعبادته. ويمكن دعم حجج كولدسيهر المقنعة بما ذكره مفسرو القرآن الأولون، فإن الطبرى نفسه أخذ برواية متقدمة ووصف السامرى بأنه إسرائيلى عظيم من قبيلة السامرة؛ وقد نهى موسى ¬

_ (¬1) هذا من قبيل إلقاء القول على عواهنه، ولم يأت عليه الكاتب بأى دليل نستطيع أن نناقشه هنا. ومهما يكن ما يقول فإن محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يأت بالقرآن من عنده وإنما هو وحى ربه {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [م. ع] (¬2) كفانا الكاتب مؤونة الرد على ذلك بوصفه هذا المصدر بالمزعوم.

المصادر

عليه السلام بنى إسرائيل عن أن يكون لهم به علاقة اجتماعية أو تجارية جزاء معصيته، وظلت الحال على هذا المنوال؛ وكذلك يقول الزمخشرى إن السامرى كان من قبيلة يهودية تسمى السامرة يختلف دينها بعض الخلاف عن الدين اليهودى، وقد حرّم على السامرى أن تكون له صلة اجتماعية أو تجارية بالناس، ويقال إن قومه ما زالوا يراعون هذا التحريم، ويختم الثعلبى قصته المستفيضة عن العجل الذهبى ختامًا مشابهًا لذلك. ومن ثم فإن السامرى يمثل المذهب السامرى الذى يجعل السامرة يعتزلون غيرهم. ويرى محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- فى الاعتزال الذى من هذا القبيل (كما يرى فى السنن اليهودية الخاصة بالأكل "سورة النساء، الآية 160") عقابًا إلهيًا. المصادر: (1) الطبرى: التفسير. (2) الزمخشرى: الكشاف، جـ 20، ص 77 - 97. (3) الثعلبى: قصص الأنبياء، القاهرة 1282 هـ، ص 82. (4) Was hat Mohammed aus demJudenthume aufgenommen? : Geiger فرانكفورت 1902، ص 162 - 165. (5) S. Fraenkel: فى Der Z.D.M.G. Samir، 1902، جـ 56، ص 73. (6) La misasa Revue Africaine: l.Goldziher. فى، رقم 268، الجزائر 1908، ص 23 و 28. [هلر Heller Bernhard] سبأ اسم القوم الذين كانوا ينزلون جنوب غربى بلاد العرب فى الألف الخمسة الأولى قبل الميلاد واسم مملكتهم، وقد ورد ذكرهم كثيرًا فى العهد القديم، وفى المؤلفات اليونانية، والرومانية، والعربية، وخاصة فى نقوش جنوب بلاد العرب. ونستمد معلومات أخرى عن تاريخ سبأ فى القرون الأولى للميلاد حتى عهد الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- من المصادر العربية القديمة، ومعظمها نقوش، ومن إشارات قائمة بذاتها وردت فى المصادر

اليونانية، ونستدل من النقوش المسمارية حتى القرن الثامن الميلادى على أن "سبأو" كانت فى اللغة الأشورية اسم قطر، مثلها مثل "شبـ (أ) ت" (وكذلك شبت (ى) وشبا) فى النصوص الهيروغلوفية ولو أن تاريخها متأخر بعض الشيء. وكانت "شبا" فى التوراة علمًا على قوم وقطر، كما كانت "سبأ" تدل فى نقوش جنوب بلاد العرب أيضًا على الأرض أو المملكة والقوم (وهذا يتفق وتكوين سبأ). وأقدم ما نعرف من إشارات مكتوبة عن سبأ هى الإشارات السامية بطبيعة الحال، وخاصة تلك التى وردت فى النقوش المسمارية. ويرجع تاريخ أقدم الإشارات الوثيقة إلى القرن الثامن فحسب، فى حين أن الوثائق التاريخية المستمدة من بلاد الجزيرة والتى يرجع تاريخها إلى عهد أقدم من ذلك بكثير تشير فيما يظهر إلى سبأ، فمثلا سَبو التى وردت فى نقش سومرى لـ"أردنانّر" ملك لكش، الذى عاصر آخر ملوك أور، وقد عاش فى النصف الثانى من الألف سنة الثالثة قبل الميلاد، هى فيما يظن علم على "أرض السبأيين" ويتكلم هومل Hommel (فى مصنف هلبرخت Explorations in Bible Lands: Hilprecht، فيلادلفيا 1903، ص 739) عن سابُم التى ترجع إلى أيام ملوك أور (بعد سنة 2500 قبل الميلاد) بوصفها "سبأ" التى ورد ذكرها فى العهد القديم ("فى بلاد العرب الوسطى"، وانظر فى هذا أيضًا Die altisraelitische Uberlieferung ميونخ 1897، ص 37)، وفى الأخبار المنقوشة عن حملة تكلات بلصّر الثالث (745 - 727) على شمال بلاد العرب نجد ذكر السبأيين بين القبائل التى قدمت ولاءها لهذا الملك، وهذه هى أقدم إشارة وثيقة إلى هؤلاء القوم؛ ويذكر سرغون الثانى (722 - 705) فى حولياته (عن عام 715) عرب الصحراء المقيمين فى بلاد قاصية، والملكة سمسى صاحبة إريبى التى سبق ذكرها فى قصة تكلات بلصّر، (وقد أشرنا إليها لتونا)، وإتئيامر من بنى سبأ، وهم الذين أقبلوا مع غيرهم حاملين هدايا نفيسة جزية لذلك الملك (الذهب واللبان والأحجار

الكريمة وغيرها)؛ ويقارن لينورمانت Lenormant الاسم إتئيامر بالاسم إثعيامر، وهذا الاسم هو الذى ذكرت النقوش أنه أطلق على عدة ملوك عاشوا فى أقدم عصور بنى سبأ؛ أما القول الذى ذهب إليه شرادر keilin schriften und das Alte Testament: Sschrader؛ وقد اختصر فيما يلى إلى K.A.T، ص 55) وكيبرت (Lehrb. d. alten Geogr: Kiepert، ص 187) من أن الإشارة فى هذا المقام لا تنصب على بنى سبأ الذين كانوا ينزلون جنوب بلاد العرب، فقد فنده مولر D. H. Muller Burgen und Schlosser Sudarabiens، جـ 2، 1881 م، ص 989؛ المؤلف نفسه فى Sabaische Denkmaler، 1883، ص 108 معارضًا رأى دلتش Wo Lag das Paradies: Delitzsch ليبسك 1881، ص 303، وقد حاول أن يعين موضع بنى سبئو الذين ورد ذكرهم فى نقوش سرغون فى شمال بلاد العرب؛ وانظر ونكلر Winckler فى M.V.A.G.، 1898، ص 18؛ بل انظر أيضًا. مولر Studien z. Vorerasiatischen Geschichte: W.M. Muller، الموضع نفسه، ص 36)؛ وقد رأى كليزر (Skizze der Geschichte u. Geograpghie Arabiens: Glaser، جـ 2، برلين 1890، ص 263) وجريمه (Mohammed: Grimme، ميونخ 1904، ص 18) أن بنى سبأ كانوا من أهل جنوب بلاد العرب حتى فى عهد تكلات بلصر وسرغون استنادا إلى أن الجزية كان قوامها المحصولات المألوفة لهذه البلاد؛ ورأى غيرهما فى عهد أحدث من ذلك أن يردوا موطن بنى إتئيامر إلى شمال بلاد العرب (انظر هارتمان M. Hartmann: Die Arabische Frage فى Der Islamische Orient، (جـ 2، برلين 1909، ص 131 و 458). وكان من رأى شبرنكر Sprenger أن بلاد العرب كانت على وجه التحقيق الموطن الأصلى للساميين (Leben und Lehre des Mohammad، جـ 1، برلين 1869، ص 241 وما بعدها و Die alte Geographie Arabiens، برن 1875، ص 293 وما بعدها؛ وقد تبعه شرار Z.D.M.G.: Schrader، جـ 27، ص 421 وغيره من الثقاة المشهورين) وهو الرأى

الذى ما زال سائدًا بوجه عام (انظر ماير Gesch. d Altertums: E. Meyer، جـ 1، القسم 2، ص 386 وما بعدها)، ونستطيع أن نخلص من رأيه هذا إلى أن بنى سبأ وبنى معين جاءوا من حضر موت، وأن مملكة سبأ كان منشؤها شبْوّة، على أن هذا الرأى لا يمكن أن نأخذ به (Geogr، ص 162 و 230 و 246 و 248 و 301)؛ وجاء ونكلر Winckler (مثلا فى K.A.T، 1903، ص 7 و 11 و 136 وما بعدها و 156؛ Die Volker Vorderasiens فى Der Alte Orient، جـ 1، ص 1 و 10) وويبر Arabien vor dem Islam) Weber، ص 3 وما بعدها؛ Westasien فى Helmolt: Weltgeschichte, جـ 3 ص 3 و 5 و 220 و 225) فى عهد أحدث من هذا فصرحا تصريحا جازمًا بأن بلاد العرب هى الموطن الأصلى للساميين؛ وكان هومل (Grundr. der Geogr. u Geschichte des Alten Orients: Hommel، جـ 1، ميونخ 1904، ص 10 وما بعدها و 24 و 80 و 132) أكثر منهما حرصًا، إذ رأى أن شرق بلاد العرب (بما فى ذلك بلاد الكلدان) هو على الأقل آخر موضع بدأ جميع الساميين الغربيين منه هجرتهم؛ وقد وقف هارتمان (Hartmann, الموضع نفسه، ص 93 وما بعدها) موقفًا صريحًا عارض به هذه النظرية القائلة بموطنهم الأصلى؛ وثمة آراء تعارض القول بأن بلاد العرب يجب أن تعتبر مهد الشعوب السامية جميعًا؛ ولو أننا سلمنا بهذا الفرض وما انبنى عليه من قول بهجرة العرب لما خرجنا من ذلك بما يجلو العلاقة بين بلاد العرب وبابل جلاء تاما (انظر ما كتب فى هذا الموضوع منذ عهد قريب فى Westasien، ص 226، بل انظر أيضًا ما سلم به هذا الكاتب، ص 242) والحق أننا إذا عكسنا هذه النظرية اقتربنا من الصواب، ومحصل ذلك أن سكان منطقة الفرات الخصيبة الذين كان عددهم أكثر مما تطيق هذه المنطقة اضطروا إلى الاتجاه صوب بلاد العرب مستهدفين أو لا وقبل كل شئ المراعى التى تتاخم تلك البلاد من الغرب، وكان الساميون بطبيعة الحال يتخذون هذه المراعى طريقا لعودتهم إلى بلادهم بين الحين والحين؛ وبالرغم من حجج نولدكه (Noldeke:

Die Semitischen Sprachen, ليبسك 1899، ص 11) فإنه ليس من المحتمل أيضًا أن يكون شمال إفريقية هو موطن الساميين (وقد رأى هذا الرأى أيضا كريمه Grimme، الموضع نفسه، ص 6 وما بعدها و 9؛ وغيره من الكتاب) أو أن بنى سبأ فى هجرتهم صوب إفريقية قد اتجهوا اتجاهًا جنوبيًا شماليًا، بل إنه على النقيض من ذلك توجد دلائل، فى رأى كويدى (Della sede primitiva dei popoli semitici: Guidi فى Atti della R. dei Lincei Acad.، 1879) الذى أيده جاكوب (Altarab. Beduinenleben: Jacob، برلين 1897، ص 28 وما بعدها) على أن إقليم الفرات الجنوبى كان أقدم موطن معروف للساميين، هاجروا منه على مر القرون إلى الغرب وإلى الجنوب؛ ولا نستطيع بطبيعة الحال أن نحقق الوسيلة التى عمَّر بها هذا الإقليم بلاد العرب تحقيقًا أوفى من ذلك وأدق؛ ولعل الساميين لم يتوغلوا فى بلاد العرب سالكين طريقًا واحدًا، بل هم سلكوا فى ذلك طريقين رئيسيين، أحدهما الطريق الذى قد تكون القبائل التى خرج منها بنو سبأ وبنو معين المذكورون فى التاريخ قد سلكته؛ ويبدو أنهم شقوا طريقهم فى الأراضى الزراعية على طول الشاطئ الغربى صوب الجنوب، متبعين إلى حد ما الخط الذى سلكته القوافل فيما بعد أما الطريق الثانى فعلى طول الساحل الغربى للخليج الفارسى حتى عمان وحضر موت، أى فى اتجاه طريق اللبان الشرقى الذى شق فيما بعد تقريبا؛ ومن الطبيعى أن يكون بنو سبأ أو أجدادهم الأصليون قد لزموا المناطق الغربية ومناطق الساحل، ذلك أنها كانت أنسب المناطق للاستقرار بسبب جودة تربتها ووفرة مياهها؛ ويرجح هومل Hommel أن يكون بنو سبأ قد دخلوا جنوب بلاد العرب أول ما دخلوا من الجوف فى شمال بلاد العرب فى القرن الثامن قبل الميلاد (انظر Grundriss، ص 142). ويطلق العهد القديم (سفر التكوين، الإصحاح 10، الآية 7؛ سفر الأخبار الأول، الإصحاح الأول، الآية 9) الاسم شبا على جنوب بلاد العرب وأهلها، ومن ثم يكون الابن الأول

لرعمة كوشيًا؛ بيد أنه جاء فى سفر التكوين، الإصحاح العاشر، الآية 28 (سفر الأخبار الأول، الإصحاح الأول الآية 22) أنه ابن يقطان وفى سفر التكوين الإصحاح 25 الآية 3 (سفر الأخبار الأول، الإصحاح الأول، الآية 32) أنه ابن يُقْشان بن إبراهيم؛ على أن هذه الإشارات لا تنصب على ثلاثة أقوام مختلفين اسم كل منهم شبا، ذلك أن قوما لهم هذه الصلات التجارية الواسعة لا شك قد تزاوجوا كثيرًا هم وجيرانهم الذين ينزلون سواحل البحر أو طرق القوافل أو المحطات، ومن ثم كان من اليسير أن يصنفوا تصنيفا تتجلى فيه أنساب مختلفة (انظر تعليق دلمان Dillmann على سفر التكوين، الإصحاح 10، الآية 7)؛ ويرى البعض أن سبا ترادف فى الأصل شبا، وإنما تغير النطق بالكلمة تبعا للهجات تمييزًا لهؤلاء القوم عن بنى سبأ الإفريقيين (انظر مثلا كريمر Die sudarabische Sage: V. Kremer، ليبسك 1866، ص 110 وما بعدها؛ مولر D.H. Muller فى الطبعة العاشرة من: Hebr. Worterb Gesenius). واشتقاق الاسم سبأ غير محقق (وخير من بذلوا جهدا فى تفسيره هم كريمر Kremer وهومل Hommel ومولر D.H.Muller وكليزر Glaser، وانظر أيضا عن النقاط الأخرى بحثى المسهب لهذا الموضوع فى Pauly-Wissowa-Kroll: Realenzycl. der Klass, Altertumswiss تحت كلمة Saba، المشار إليه فيما يلى بالحرفين R.E، العمود 1499). ويتبين من الكتاب المقدس أن بنى سبأ كانوا يزودون الشام ومصر بالطيب وخاصة اللبان الذكر، كما كانوا يصدرون إليهما الذهب والأحجار الكريمة (انظر المزامير؛ الإصحاح 72، الآية 15؛ سفر حزقيال، الإصحاح 27، الآية 22؛ سفر أشعيا، الإصحاح 60، الآية 6 سفر أرميا، الإصحاح 6، الآية 20)، وتؤيد الروايات اليونانية والرومانية ذلك؛ أما المواضع الأخرى من الكتاب المقدس التى تصف بنى سبأ بأنهم تجار أثرياء، وهى سمتهم البارزة فى وصف الكتاب المقدس، فتجدها فى سفر حزقيال، الإصحاح 38، الآية 13؛ والمزامير، الإصحاح 72، الآية 10؛

وسفر أيوب، الإصحاح 6، الآية 19 (وهى تشير إلى قوافل بنى سبأ)، والإصحاح الأول، الآية 15 [حيث يظهر بنو سبأ وهم ينهبون شمال بلاد العرب، وهم فى رواية مولر D. H. Encyclopaedia Britannica: Muller 1889، مادة Yemen, ص 738، من الغزاة أو القوافل الذين كانوا يجمعون فى بعض الأحيان بين الغزو والتجارة، اعتمادًا على مصدر صحيح على كل حال K.A.T، ص 150، وليست القصة قصة خيالية جريئة كما يوحى بذلك كلام مولر Studien: W. M. Muller، ص 32، التعليق 1)؛ وفى رواية ونكلر Winckler، المصدر المذكور (انظر Explorations: Hommel، ص 748)، أن بنى سبأ قد عدوا فى تلك الآية من سفر أيوب عربا رحلا من أهل الصحراء فى شمال بلاد العرب]؛ وقد ورد فى سفر يوئيل، الإصحاح 3، الآية 8، ذكر بنى سبأ بوصفهم "أمة بعيدة" يبيعهم بنو يهوذا أبناء صور وصيداء وبناتها؛ ولكى نقدر حق التقدير قصة ملكة شبا (الملوك الأول، الإصحاح 10، الآيات 1 و 4 و 10 و 13؛ وانظر الأخبار الثانى، الإصحاح 9، الآيات 1 وما بعدها و 9 و 12)، وهى الملكة التى قيل إنها زارت سليمان والتى كثر الجدل حولها، (انظر K.A.T، ص 237) ومهما يكن من شئ فإن قيام حكم الملكات فى سبأ، هو الحكم الذى ما زال كليزر يرى وجوده (Glaser، المصدر المذكور ص 380 و 382 وما بعدها و 403) كما أن ما ذهب إليه ماير (Gesch. des Altertums: E. Meyer؛ جـ 1، القسم 2، ص 23) لا يدعم فى كثير القول الذى يرى أن أقدم نقوش بنى سبأ ترجع إلى القرن التاسع أو القرن العاشر، أو القول بأنه لم يكن لبنى سبأ فى عهد سليمان إلا رقعة كبيرة من الأرض تمتد كثيرًا إلى الشمال (Glaser، المصدر المذكور، ص 403)، وكذلك لا يحق لنا أن نقول إن أميرة سبأ هى ملكة يعرب موطن بنى سبأ الأصلى حسبما يعتقد البعض (Aufsatze und Abhandlungen: Hommel وسنختصره فيما يلى إلى " A.A"، ص 231، التعليق 1، ص 235، التعليق 1، ص 272 و 312 وما بعدها و Weber: Studien، جـ 1، ص 23)، على أن القول الراجح فى ذلك هو أن ما لدينا لا يعدو

أن يكون صدى لوجود ملكات فى شمال بلاد العرب ألبس ثوب القصة، ومن هذه الملكات مثلا ملكات أريبى اللائى أورد التاريخ ذكرهن؛ وقد وجد هذا الموضوع مكانا عند العرب (سورة النمل، الآية 22 وما بعدها) وتوسع فيه فى قصة بلقيس ملكة سبأ. ويأتى بعد هذا فى الترتيب التأريخى الإشارات إلى سبأ فى المؤلفات اليونانية والرومانية؛ وأقدم من كتب فى ذلك من اليونانيين ثيوفرسطس (Theophrastus: Hist. plant جـ 9 ص 4، سطر 2) وقد كثر الجدل حول الفقرة التى كتبها هذا الكاتب، ولهذه الفقرة شأن عظيم فى تاريخ سبأ وخطتها، ومحصلها أن سبأ وثلاث ممالك أخرى فى جنوب بلاد العرب هى مصدر الطيب. (استنادًا إلى ثقاة قد يكون من بينهم أندروستينيس Androsthenes نفسه)، وفى هذه الفقرة: (. . .) لا تدل كلمة (. . .)، كما يعتقد الكثيرون، على اسم بلدة (هى (. . .) قصبة بنى سبأ) بل هى تدل على أرض سبأ، كما تدل كلمة (. . .) على أرض حضر موت (وقد أخطأ الكتاب المحدثون فى تفسير صيغة هذا الاسم اليونانية ومنهم بنت نفسه؛ Expedition to the Hadramut: Th. Bent فى Proc. R. و Southrn Arabia Geogr. Soc. 1900، ص 71 وما بعدها؛ انظر R.E، العمود 1300) وتدل كلمة (. . .) لى قتبان، ولا يعنى المصطلح (. . .) فى هذه الفقرة "حول سبأ" كما ترجمه مثلا مولر W.H. Muller وهارتمان Hartmann (المصدر المذكور، ص 420) ومن جاء بعدهم من المحدثين بل يعنى "فى سبأ" أى "فى أرض سبأ". ومن الواضح أن ثيوفرسطس يذكر فى هذا المقام أقاليم جنوب بلاد العرب الثلاثة المشهورة وإقليمًا رابعًا لا يدانيها فى الشهرة هو "مملى" بوصفها المناطق التى تنتج اللبان (. . .) هو اسم الشجرة والراتنج، وكذلك (. . .) هو اسم الراتنج؛ وانظر R.E، العمود

1301، عن المرادفات السامية الأخرى) والمرّ (. . .) إلى آخره، ونجده أيضًا فى النقوش) والخيار شنبر والقرفة (زمت ولعل اللفظ ليس ساميًا)؛ وانظر R.E، العمود 1302 وما بعده. فيما يتصل بالتفسيرات الحديثة المخطئة لهذه العبارة المشابهة لها فى المعنى التى وردت فى هيرودوت (Herodotos, جـ 2، ص 107)، وخاصة فيما يتعلق بتفنيد القول الذى لا أساس له من الصحة البتة ومفاده قراءة الكلمة التى وردت فى ثيوفرسطس APA (ويقال إن معناها شحر أو شحرات) بدلا من (. . .)، وكذلك فى بليناس Nat. Hist.: Pliny، جـ 12، ص 52، وسولين Solin، ص 710، تقرأ "سرا" بدلا من "سبأ" وانظر أيضا المصدر المشار إليه فيما يختص بالفكرة العجيبة التى قال بها كليزر (Glaser، المصدر المذكور، ص 41 وما بعدها) من أن روايات ثيوفراسطس عن ممالك جنوب بلاد العرب إنما تنصرف إلى بلاد الصومال برمتها؛ ويجدر بنا أن نذكر التفصيلات التى أوردها ثيوفرسطس (جـ 9، ص 1، السطر 2 - 4 و 7 - 10) عن اللبان والمر (من حيث أن روايته فى تحديد المنطقة التى تنتجهما والقول بأنها حضر موت رواية مخطئة نتيجة لما أسلفنا ذكره من سوء تفسير الفقرة [فى Grundrissd Greographie، ص 137، السابق ذكرها، ثم أيضًا فى رواية له حديثة جدًا]، جـ 9، ص 4 و 5 وما بعدها) وعن بنى سبأ بوصفهم من سكان المنطقة الجبلية التى تنتج المر واللبان وبوصفهم من مصدّرى هذين المحصولين؛ وعن أمانة بنى سبأ فى تعاملهم فيما بينهم حتى أضحى السهو على الأشجار التى تحمل الطيب أمرًا لا تدعو إليه الضرورة (انظر Periplus Maris Erythraei ص 32)، وعن معبد الشمس الذى كان أقدس مكان فى أرض بنى سبأ، وكانوا يستخدمونه مستودعا لحفظ محصول المر واللبان كله، وهذا دليل مفيد نستبين منه أن أهل جنوب بلاد العرب كانوا يعبدون الشمس؛ وإذا شئت الرجوع إلى تفصيلات أخرى أو أردت الوقوف على معلومات عن وجود هذه الأشجار التى كانت تحمل الطيب فى جنوب بلاد العرب فعلا فانظر (R.E العمود 1307

وما بعده، وانظر عن الشواهد المأخوذة من روايات الرحالة وترتيب هذه الروايات كرومان Sudarabien als Wirtschaftsgebiet: A. Grohmann , فينا 1922، ص 128 وما بعدها و 136 وما بعدها؛ ثم انظر عن محاولة ربط سبأ بأرض اللبان بنت R.E. Punt، العمود 1312 وما بعده). وأقدم مصدر يونانى تحدث عن سبأ بعده هو ما نقله استرابون (Starbo المجلد 16، جـ 4، فصل 2) من روايات إراتوستبينيس Eratosthenes المسهبة، وما زال لهذه الروايات شأن عظيم فى الدراسات الخاصة بسبأ من الناحية التاريخية؛ ذلك أنها، هى وفقرة ثيوفرسطس، تمدنا بفكرة واضحة وضوحا لا بأس به عن أقدم الصور التى اتخذتها ممالك جنوب بلاد العرب كما عرفها اليونان والأوربيون بوجه عام فى عهد إراتوستينيس؛ وجاء فى رواية هذا الكاتب الذى استطاع، مثل ثيوفرسطس، الإفادة من نتائج حملات الإسكندر ومن دلائل البحارة والمسافرين فى القوافل أنه كان يقيم فى جنوبى بلاد العرب أربعة شعوب كبرى: (. . .) على البحر الأحمر وقصبتهم (. . .)، ويليهم (. . .) وقصبتهم (. . .) ثم (. . .) الذين امتدت منازلهم حتى المضايق ثم عبروا الخليج العربى، وقصبتهم (. . .)، ثم (. . .) فى أقصى الشرق وقصبتهم (. . .)؛ وكانت كل هذه البلدان مدنا زاهرة تحت إمرة ملوك مستبدين؛ وهذه الفقرة (هى وغيرها من الفقرات التى وردت فى استرابون) تتضمن أقدم الأوصاف المعروفة عن تخطيط كل مملكة من ممالك جنوب بلاد العرب الأربع مع ثبت كامل بالأمم الكبرى الأربع وحواضرها؛ ويقول إراتوستينيس إن بنى سبأ كانوا جيرانًا لبنى معين ولا يؤخذ من روايته أن بنى معين كانوا يقيمون فى الإقليم الواقع على البحر الأحمر، أو أنه كان يعتقد أن بنى سبأ لم يكونوا هم أيضًا يقيمون على البحر الأحمر، وهو القول الذى خلص إليه كليزر (Skizze: Glaser، ص 16) وجنح ويبر إلى الانتهاء إليه

أما التفسير الصحيح فيتفق ورواية المصادر العربية وغيرها من المصنفات اليونانية والرومانية، مثل أغاثرخيدس Agatharchides (ديودورس Diodoros, جـ 3، ص 46) وبليناس (Plink، جـ 6، ص 145) فى ذكرهما لمنازل بنى سبأ على البحر الأحمر والإشارة التى وردت فى إسطفانوس البوزنطى Stephanus Byzantinus (. . .) وهو يحيل صراحة على الفقرة التى ذكرها استرابون، وما زلنا نرى فيها القول الصحيح وهو أن سبأ كانت تمتد جنوبًا إلى البحر؛ ويصف إراتوستينيس مملكة سبأ مبتدئا بطبيعة الحال بالشمال (مما يبدد شكوك مولر W.M. Studien etc.: Muller، ص 36، التعليق 2)، فيقول إن سبأ كانت فى عهده يحدها من الشمال مملكة معين، ومن الجنوب (والجنوب الغربى) قتبان، ومن الشرق حضر موت؛ وكانت أرض بنى سبأ فى تلك الأيام تمتد إلى الساحلين الغربى والجنوبى، كما كان شأنها فى عهد بليناس (Pliny، جـ 6، ص 154؛ ad utraque maria porrectis gentibus)؛ وإنما كانت منازلهم على الساحل الجنوبى أوسع رقعة، وهو ما شك فيه مولر (Burgen: D.H. Muller، جـ 2، ص 987) والظاهر أن هذه المنازل كانت تشمل رَيدان بين عدن وحَوَر (فى رواية كليزر، ص 220). وإنكار كليزر لرواية ثيوفرسطس التى تقول إن بنى سبأ كانوا يملكون أيضًا جزءًا من ساحل اللبان لا يقوم على أساس صحيح، بل هو خطأ محض، وكذلك لا سند للتعديل الذى اقترح إدخاله على فقرتين فى رواية ثيوفرسطس لدعم الرأى الذى ذهب إليه، وهو أن نصحح الكلمة (. . .) إلى (. . .)؛ وكذلك نجد بليناس (Pliny, جـ 12، ص 25)، الذى لم يجد كليزر بدا من إدخال تعديل على روايته متبعا فى ذلك رأى شيرنكر، يردد القول بأن بنى سبأ كانوا يملكون أرضًا فى إقليم اللبان، وهو قول أمر به شبرنكر نفسه (Bemerkungen etc Z.D.M.G، جـ 44، ص 505)؛ واسم قصبة بنى سبأ (. . .) فى رواية إراتوستينيس Er

atosthenes وأرتميدورس Artemidoros هو صورة الاسم العربى (مرْيَب ومارب فى النقوش، ومأرب فى رواية أصحاب التواليف) مقربة بقدر الاستطاعة مع إضافة الفتحة فى آخر الاسم. وكان الـ (. . .) فى عهد إراتوستينيس يقطنون ذلك الجزء من الساحل الغربى الذى يقع جنوب سبأ، وكذلك الجزء الغربى الأقصى من الساحل الجنوبى؛ وكان الجيران الشرقيون لبنى سبأ هم الـ (. . .) وهم آخر الأقوام الذين ذكرهم إراتوستينيس (انظر R.E. العمود 1324 وما بعده ومادة "قتبان"). وإذا قارنا عبارات استرابون بالثبت الخاص بشعوب جنوب بلاد العرب التى ذكرها ثيوفرسطبر تبين لنا أن هذين الكاتبين اتفقا فى ثلاثة شعوب هم سبأ وحضر موت وقتبان، فى حين أنهما اختلفا فى اسم الشعب الرابع الذى سماه ثيوفرسطس الـ (. . .) (أو)، وسماه استرابون الـ (. . .) ونحن إذا افترضنا أنه قد وقع تحريف فى النص فإن ذلك من شأنه أن يجعل الاتفاق التام بين الكاتبين سهلا ميسورًا، مثال ذلك أن مورتمان Mordtmann (Z.D.M.G، جـ 30، ص 323)، قد ذهب إلى أن الاسم (. . .) هو تحريف للاسم (. . .) وكذلك ذهب مولر D.H. Muller (R.E. فى مادتى Arabia، جـ 2، ص 348 و Chatramis - حيث أخطأ وذكرا اسم إراتوستينيس بدلا من بليناس - وفى Anzeiger AK. Wien، 1909 ص 4) إلى أن الاسم MAINAIA يمكن أن يستبدل به على اليقين الاسم MAMAAI الوارد فى ثيوفرسطس، وهذا معناه أن الكاتبين يشيران إلى بنى معين، بيد أنه ليس ثمة ما يدعو إلى اعتبار التغيير المقترح فى النص، والذى يرد أقدم إشارة إلى بنى معين عند اليونان إلى عهد الإسكندر الأكبر، تغييرا لا محيص عنه (وقد عارض هومل أيضا هذا التغيير، Hommel: Grundriss، ص 138) على أن هذين الكاتبين اليونانيين يكتبان من وجهتى نظر مختلفتين: فالنباتى لا يهتم اهتمام

الجغرافى بذكر ثبت كامل بممالك جنوب بلاد العرب وإنما هويتهم بالأقاليم التى تنتج الطيب، ونجد سندًا للاسم "ممَلى" أيضا فيما ذكره بطلميوس (. . .) (جـ 6، ص 7، سطره) ويصر شبرنجر على (المصدر المذكور، ص 92 و 263 و 266) ويقول إنها هى "مَهرة" دون أن يورد شاهدا واحدا على ذلك (كما فعل هومل Hommel، المصدر المذكور، ص 137 بقوله: "ولعلها ساحل مَهْرَة") واكتفى هارتمان Hartman بأن قال إن مملى هى أرض بنى معين دون أن يسوق أقل دليل على هذا. وإذا فرغنا من عبارة إراتوستينيس وجدنا فى استرابون (Strabo، جـ 16، قسم 4، الفصل 5 وما بعده) رواية قصيرة بعض الشئ ذكرها مصدر متأخر هو أرتميدورس عن أرض بنى سبأ. ومن حسن التوفيق أنه قال عن هذا الشعب (انظر أغاثرخيدس Agatharchides فى فوتيوس Photius الفصل 97؛ ومولرَّ Geogr. Graec Minores: K. Muller، جـ 1، ص 186) إنه شعب عظيم البأس يزرع فى أرضه المر واللبان والقرفة، وتنمو على ساحله أيضًا شجرة البلسم -وهى حقيقة أيَّدها الرحالة المحدثون- (انظر ثيوفرسطس، جـ 4، ص 4، سطر 14 (. . .) وغيرها من أشجار الطيب ونباتاته؛ ثم يلى هذا بعض المعلومات عن وفرة الفاكهة فى هذه الأرض وعن القصبة مَرْيَبَة وعن التجارة والثروة التى جناها بنو سبأ من التجارة، كما وصف زراعتهم وذكر غير ذلك من التفصيلات التى رددها ديودورس (Diodoros, جـ 3، ص 47) كلمة كلمة تقريبًا نقلا عن أغاثرخيدس. وكان أغاثرخيدس أيضًا هو المصدر الذى استقى منه أرتميدورس، ويبدو أن هذه الحقيقة لم يقدرها المحدثون الذين يعتبرون أرتميدورس مصدرًا مستقلًا بذاته؛ والظاهر أن الإشارة التى تقدم ذكرها عن وجود اللبان عند بنى سبأ تناقض تعليق استرابون (جـ 16، القسم 4، الفصل 2): (. . .)

الذى اعتمد فيه على إراتوستينيس. وحلا لهذه المشكلة ذهب بعضهم إلى أن إراتوستينيس اختلط عليه الأمر، وذهب البعض الآخر، كما نتبين من أقوال كتاب كتبوا منذ عهد قريب، إلى أنه كانت لبنى قتبان أراض فى بلاد اللبان، ثم عدلت أملاكهم فآل جزء على الأقل من قتبان إلى سبأ؛ وأيًا ما كان نصيب هذه الأقوال من الصحة، ومهما كان الشك الذى يساورنا بشأنها قليلا ضئيلا، فإنه يجب ألا يغرب عن بالنا أن عبارة استرابون لا يمكن أن تنتزع من موضعها وتقحم فى موضع آخر وتتخذ حجة بغير سند أو دليل، ذلك أن القول بأن قتبان كانت تنتج اللبان لا يستتبع أنها كانت دون سواها هى المنتجة له، أو أن اللبان لم يكن له وجود فى غيرها من أنحاء جنوب بلاد العرب، أضف إلى هذا أن جوهر ملاحظة إراتوستينيس إنما يوجد فى رواية استرابون فحسب. ويستطرد استرابون (المجلد 16، جـ 4، الفصل 23) فيروى نبأ حملة قام بها إيليوس غالوس Aelius Gallus عام 24 ق. م. على جنوب بلاد العرب، معتمدًا فى ذلك على معلومات استقاها بنفسه. واسترابون هو أقدم المصادر التى تحدثت عن هذه الحملة (انظر أيضا جـ 2، ص 118، جـ 17، ص 819؛ وبليناس، جـ 6، ص 160؛ وديوكاسيوس Dio Cassius، جـ 53، ص 29 [زوناراس Zonaras، جـ 10، ص 33])؛ وقد كانت هذه الحملة أول وأخطر اتصال مباشر بين رومة وسبأ القاصية؛ ويروى استرابون أن أغسطس Augustus قد شنها طمعًا فى الاستيلاء على ثروة العرب وخاصة ثروة بنى سبأ، بيد أن هذه الحملة خابت خيبة مرة. ويؤكد كليزر (المصدر المذكور، ص 45 وما بعدها) أن السبب فى ذلك كان جهل الرومان بالبلاد وأهلها وعدم تجهزهم للحملة تجهزًا خاصا، معارضا بذلك رواية استرابون (انظر R.E، العمود 1344 وما بعده، والعمود 1380 وما بعده، فيما يتعلق بمصنفات المتخصصين فى الموضوع وأقوال المحدثين عن سياسة أغسطس فى الشرق من أمثال فلوكل Flugel ومومسن Mommsen وونكلر Winckler وكليزر Glaser وويبر weber وهارتمان Hartmann وانظر عن أنباء القتال التى

وردت فى استرابون وبليناس والطريق الذى سلكه غالوس فى سيره -وقد أخطأ شبرنكر مثلا فى ذكره- والانتصارات الحربية القليلة الشأن التى أحرزها الرومان واختلفت فيها الروايات: R.E، عمود 1344 وما بعده؛ وعمود 1380 وما بعده)؛ وأنا أخالف الروايات الشائعة (فى دنفيل D'Anville وكيبون Gibbon وكارل مولر Karl Muller وشبرنكر Sprenger، وهم الذين اتبعهم جميع الكتاب المحدثين تقريبًا: كيبرت Kiepert، ومومسن Mommsen، وزيمه Zehme، ومورتمان Moratmann، وأغسطس مولر، Aug. Muller، ود. هـ مولر D.H. Muller وونكلر Winckler وويبر (Weber وحسبى أن أذكر فى هذا المقام أن أقصى نقطة بلغها الرومان فى حملتهم -وهى التى سماها استرابون (الفصل 24) (. . .) أى مدينة الـ (. . .) الذين كان يحكمهم الاساروس "إلاساوس IIasaros " وسماها Monu mentum Ancyranum، جـ 5 ص 22، وبليناس، جـ 6، ص 160، مَرِبَه -لم تكن هى مأرب قصبة بنى سبأ، وهو ما عاد فأكده كليزر منذ عهد قريب (المصدر المذكور، ص 57 وما بعدها) ناهجًا فى ذلك نهج فنسنت Vincent، وفوربكر Forbiger، وريتر Ritter، وقرره لندبيرك أيضا بحق. وفى رأى لندبيرك (Arabica، جـ 5، ص 82) أن (. . .) التى ذكرها استرابون (وهى التى شاع رسمها منذ زمن كريمر Kremer بدلا من (. . .) بالرغم من أنه ليس ثمة ما يبرر هذا التعديل هى بغير شك "مَرْيمَة" التى تقوم أطلالها فى ناحية بيجان القصاب على وادى بيجان (جنوب شرقى مأرب؛ انظر وصفها فى لندبيرك المصدر المذكور، ص 21 وما بعدها؛ وتجد المعلومات الوافية عن هذه الناحية فى الموضع نفسه، ص 3 - 63؛ أما الرأى المعارض القديم فما زال يتزعمه كريمه Mohammed: Grimme, ص 20)؛ بيد أن كليزر أخطأ عندما حاول تعيين موضع هذه البلدة بالضبط، فقال -وقد انصرف ذهنه إلى Caripeta التى وردت فى بليناس، جـ 6، ص 160 م والتى قال عنها فرسنل Fresnel إنها تذكرنا بخربة العربية -إن

خربة هذه هى صرواح قصبة بنى سبأ (تقع غربى مأرب)، على أن Caripeta لا تردّ إلى "خربة" بل إلى اسم المكان "حريب"؛ وأجدر من ذلك بالذكر أن لندبيرك يربط بين الرامانية - (والحق أنه يقرأ اسمها مرْيبة خطأ، ويجانبه التوفيق إذ يقول أنها هى Mariba Baramalacum التى وردت فى بليناس، جـ 6، ص 157) وبين مَرْيَمَة العربية وبين (. . .) التى وردت فى بطلميوس، جـ 6، ص 7، السطر 37، كما أنه يربط بينها وبين مريمت التى ذكرت فى النقوش والتى ترد إلى (. . .) التى ذكرها بطليموس، جـ 6، ص 7، سطر 38، ولعلها مريمة الحديثة من أعمال حضر موت (لا كما ظن مورتمان ومولر Sabaische: Mordtmann-Muller Denkmaler, ص 104)، بيد أنه يسجلها على أنها مدينة من مدن (. . .)، وهم بنو معين فى العربية (ص 24) وقد أخطأ لندبيرك أيضًا بتعيينه الموضع (فى بيحان الدولة، وهى ناحية جنوبى بيحان القصاب) الذى بلغه الرومان فى حملتهم والذى ذكر ديوكاسيوس Dio Cassius بقوله إنه "أدله" (ناهجًا فى ذلك نهج كليزر)؛ أما الرسم (. . .)، الذى يجب أن يكتب به هذا الاسم، فهو بحسب قول مولر D.H. Muller ى ث ل (وتقرأ يثِل فى العادة) الذى ورد فى نقوش بنى معين؛ وقد أخطأ مومسن إذ قال Monumentum Ancyranum)، جـ 5، ص 22) إنه وجد تناقضًا بين رواية أغسطس عن خاتمة الحملة " (usque in Sabaeorum fines " ورواية استرابون وحاول مولر أن يعلل هذا التناقض بقوله إن أغسطس كان يصف جنوب بلاد العرب بعبارة عامة لم يتحر فيها الدقة، فقال إنها "أرض بنى سبأ"، بيد أن الواقع أن أقصى نقطة بلغتها الحملة -كما قال أغسطس بحق- كانت أرض بنى سبأ، وهى فى رواية استرابون، أرض بنى ردمان (Ramanitai) أو Rhadami التى ذكرها بليناس. وتتفق هذه الرواية وما جاء فى Monumentum؛ أما الـ "إلاساروس Ilasaros" الذى فسر اسمه وشخصه تفسيرًا مخطئًا فهو "الشرح يحضب" الذى نعرفه من النقوش؛ وقد فسر هارتمان Hartmann، ص 153، ما بعدها و 173 إلخ) موقفه

من الحالة السياسية فى سبأ خلال الحملة الرومانية تفسيرات مخطئة (انظر R.E؛ العمود 1371 وما بعده). أما أنباء هذه الحملة التى بالغ شبرنكر Sprenger، ودلمان Dillmann وفابريقيوس Fabricius كل المبالغة فى أهميتها الحربية والسياسية بالنسبة لتاريخ سبأ، فقد زادت فى معرفة العالم الرومانى بأراضى جنوب بلاد العرب وأقوامها، وجاءت هذه الأنباء فيما جاءت به بمعلومات صححت الروايات اليونانية التى كانت بعد شائعة عن أنواع الطيب الذى كانت تصدره بلاد العرب؛ وقد استطاع استرابون (الفصل 24)، إستنادًا إلى المعلومات التى استقاها من غالوس، أن يميز بين أقسام جنوب بلاد العرب تمييزًا يقوم على بيان النشاط الغالب على سكانها، وأهم ما يتميزون به من صفات. وهذا التقسيم يباين التفسير السياسى القديم لجنوب بلاد العرب الذى استقى من إراتوستينيس (إسترابون الفصل 2) وقد اعتمد تقسيم استرابون على الحالتين الاجتماعية والاقتصادية اللتين تضمنتا مثلا نظام الطبقات الذى ما زال سائدًا فى بلاد العرب إلى يومنا هذا، ويطابق ذلك وصف بليناس (جـ 6 ص 161). الذى يعتمد أيضا على غالوس. ويستمر استرابون فى كلامه فيعرض حياة الأسرة فى جنوب بلاد العرب بما فى ذلك مجتمع النساء وهى شهادة قورنت بعبارات وردت فى النقوش، واتخذت دليلا على أن المرأة فى سبأ كانت تتزوج بأكثر من زوج. بيد أن هارتمان (المصدر المذكور، ص 7) ينكر وجود هذا التعدد. وثمة معلومات مستفيضة عن أرض بنى سبأ وقصبتهم وعاداتهم وطريقة معيشتهم وتكوينهم وعن جنوب بلاد العرب بوجه عام، وردت فى شاهدين مأخوذين من أغاثرخيدس (. . .) جـ 5، ولعله ينتهى حوالى عام 132/ 1) وقد نقلا بلفظهما تقريبا فى فوتيوس (Bibliotheca: Photius) وفى ديوروس (جـ 3، ص 38 - 48)؛ وكان أغاثرخيدس هو المصدر الذى أفاد منه أرتميدورس أيضًا؛ أما الروايات عن الطيب الذى كان يملأ البلاد كلها بعبير ذكى فيمكن مقارنتها بما ورد فى

هيرودوتس، (جـ 3، ص 113) , ويليناس (جـ 12، ص 86) ورواية فريده Reisen: Wrede)، ص 80 عن وادى مُنِتش وص 77 عن جبل صداره وص 82 عن وادى خلافة)؛ ويجدر بنا أن نذكر أيضًا المعلومات التى زودنا بها أغاثرخيدس عن مدينة بنى سبأ الملكية (. . .)، وعن الدستور، وسنن الملوك وواجباتهم، وكان حكمهم وراثيًا فى أسرة بذاتها (وقد أيدت ذلك نقوش جنوب بلاد العرب)، وعن عادات القوم ونشاطهم؛ وقد أثنى عليهم فقال إنهم جنود بواسل، وفلاحون مجدّون، وتجار ناشطون، وبحارة مهرة؛ وتكلم عن تجارة بنى سبأ مع مصر والشام وفينيقية فى ترف بزوا به كل من عداهم من العرب أما كلمتا (. . .) و (. . .) واللتان وردتا فى استرابون، المجلد 16، جـ 4، الفصل 2 (نقلا عن أراتوستنيس) والفصل 19 (نقلا عن أرتميدورس) وفى اسطفانوس البوزنطى Stephanus Byzantinus, تحت هذين الكلمتين، وكذلك كلمة مريليباته Marelibata (وهى محرفة عن مريبة Mareiaba فى رأى مورتمان) التى وردت فى بليناس، جـ 6، ص 155 (وهى حقيقة لم يلاحظها كليزر، المصدر المذكور، ص 58 و 62 و 153، 287) فإنما تعد اسمان مختلفان لبلدة مارب نفسها قصبة بنى سبأ؛ وللاسم (. . .) شبيه فيما جرى عليه الكتاب العرب أحيانا من إطلاق اسم سبأ على قصبة بنى سبأ مثل الإدريسى وأبو الفداء وإبن خراداذبة وكذلك الترك (انظر مورتمان: Sabaische Denkm، ص 3، التعليق 1)؛ وقد أخطأ كريمر (المصدر المذكور، ص 9، التعليق 2) فيما ساوره من شك فى رواية فوتيوس القائلة بأن القصبة تقوم على تل غير مرتفع، ذلك أن هذه الرواية أيدها الرحالة المحدثون أمثال أرنو Arnaud وهالفى Halevy وكليزر (ملاحظة استرابون؛ ولعل عبارة "على تل تغطيه الأشجار" يمكن اعتبارها شاهدا على اضمحلال الزروع هنالك)؛ وقد أخطأ ريتر Erdkunde: Ritter)، جـ 12، ص 249) وكريمر (المصدر المذكور، ص 9) وكليزر (المصدر المذكور، ص 10) فيما استخلصوه من رواية فوتيوس (الفصل

101، منتصف الصفحة) بقولهم إن بنى سبأ كانوا يوفدون من بنى جلدتهم من يستعمر أرضا فى البلاد الأجنبية، وخاصة الهند، أو من يقيم فيها محلات تجارية. وأقرب إلى الصواب أن نفهم من العبارة " (. . .) (غير متعدى) " أنهم كانوا يقومون برحلات تجارية فى البحر. وقد أثرت الشواهد المكتوبة عن سبأ خاصة وبلاد العرب عامة وروايات التجار والرحالة، على مؤلفات اليونان المتأخرة، وكذلك على كتب الرومان منذ القرن الأول الميلادى؛ ونحن مدينون لأصحاب هذه المؤلفات وخاصة شعراء العصر السابق لحملة غالوس، بتلك الفكرة المأثورة عن بنى سبأ الأثرياء المجدودين الذين كانوا يعيشون فيما يشبه مروج من الذهب قامت فى الأيام الخالية؛ وسأمر مر الكرام على هذه الإشارات التى وردت فى الشعر، إذ ليس لها من الشأن ما للمصادر القائمة بذاتها، وحسبى أن ألاحظ أنه قد ترتب على هذه الفكرة عن سبأ، أهم إقليم فى بلادِ العرب [آنئذ] كما يفهم من لغة الشعر، أن الصفة سابايوس Sabaeus أصبحت بمرور الزمن لا تستعمل بمعناها المحدود الذى ينصرف إلى سبأ بل بمعناها العام: "عربى"؛ ومن ثم فإن التعابير التى استعملها فرجيل Vergil: Georgica جـ 1، ص 57، molles sua tura Sabaei (mittunt) جـ 2، ص 117 و Solis est tuera virga Sabaeis إلى آخره)، لا يجوز أن نتخذها حججا فى التوفيق بين الخلافات الظاهرة فى تسمية مناطق بلاد العرب الجنوبية التى كانت تنتج اللبان. ولا يمكن أيضا أن نستدل منها على أن فرجيل قد خص بنى سبأ بشجرة اللبان دون سائر أهل بلاد العرب الجنوبية. أما الإسهاب الذى اتسمت به المعلومات السالفة عن هذه البلاد، وهى المعلومات المستقاة من الروايات الأصلية بفضل حملة الرومان، فنجده ماثلا أيضًا فى إشارات بليناس؛ وهذا الإسهاب يضيف تفصيلات كثيرة على الشواهد المنقولة من كتاب اليونان الأقدمين، بالرغم من أن بعض هذه الشواهد مضطرب ومحرف؛ وجلّ

البلدان التى قيل إن غالوس خرّبها، يمكن أن نتثبت من وجودها بالرجوع إلى نقوش جنوب بلاد العرب، أو بالرجوع إلى الهمدانى، وهو أول مؤلف ذكرها بعد بليناس، أو من المصادر الجغرافية الأخرى. أما رواية بليناس القائمة على معلومات جديدة عن بلاد العرب مستقاة من غالوس، أو لعلها كانت تصل إلى رومة بطرق أخرى من حين إلى حين، فلها شأن تاريخى من حيث أنها تذكر قوما لم يتناولهم استرابون أو أغاثرخيدس. وقد غير هؤلاء القوم الأحوال السياسية فى سبأ تغييرا بقى على مر الأيام؛ وذكر بليناس (ولعله نقل ذلك عن جوبا Juba) جـ 6، ص 158، بنى حمير بعد بنى معين وبنى ردمان فى كلامه عن الشعوب العربية، ثم عاد فى ص 161 فاستشهد صراحة باستكشافات غالوس واعترف بأنها المصدر الذى استقى منه فى حديثه عن هذا العهد، واستلفت النظر بكلماته: mimerissimos esse Homeritas إلى حقيقة تعد نقطة التحول فى تاريخ سبأ، ألا وهى قيام بنى حمير (Homeritae و (. . .) عند اليونان)؛ وإشارته هذه تعد أقدم إشارة بقيت لنا عن بنى حمير وسلطانهم. وفى زمن غالوس كانت السيادة السياسية فى جنوب بلاد العرب قد خرجت من يد بنى سبأ الذين كانت تحكمهم أسرة "ملوك سبأ" القديمة، وانتقلت إلى بنى حمير تحت إمرة ملوك لقبوا بلقب "ملوك سبأ وذى ريدان". وقد روى غالوس بلهجة قاطعة أن بنى حمير كانوا شعبًا غالبا على جنوب بلاد العرب. والنتيجة الصحيحة لذلك هى أنهم كانوا فى تلك الأيام أصحاب النفوذ والسلطان. وهذه الرواية تبدو من النظرة الأولى متمشية تمشيا منطقيًا مع النتيجة التى استخلصها كليزر (Die Abessinier، ص 31) من النقوش ومحصلها أن بداية حكم بنى حمير كانت فى القرن الثانى -أو على الأكثر فى القرن الأول- قبل الميلاد، كما أنها تعد شاهدا ينقض المحاولة التى حاولها مورتمان ومومسن وهارتمان وغيرهم Mordtmann, Mommsen, Hatmann لرد هذه البداية إلى ما بعد مستهل العصر المسيحى، أو قل إنها لا تساعد غيرهم مثل كريمر ومولر

(Kremer D. H. Muller) ومن إليهما فى محاولاتهم التى رموا بها إلى جعل هذه البداية حوالى نهاية القرن الأول قبل الميلاد؛ ولم يشأ كليزر (المصدر المذكور، ص 38) أن يقطع بأنها كانت حوالى سنة 70 قبل الميلاد، ذلك أنه يقول إنها حدثت "فى تاريخ تال لسنة 175 قبل الميلاد، بيد أنها لم تحدث على التحقيق بعد مولد المسيح عليه السلام، ثم يزيد بأن ثمة ما يغرينا على اتخاذ سنة 115 قبل الميلاد بداية لحكم بن حمير، على أن من العلماء من يعترض على هذا القول (ص 31 وما بعدها، وكذلك ويبر Arabien vor dem Islam: Weber، ص 33؛ هومل Geschichte des alten Morgenlandes Sammlung Goschen: Hommel، ليبسك 1908، ص 148 ومن ثم تنهار الأقوال التى ذهب إليها كل من شبرنجر (المصدر المذكور ص 76 وما بعدها، 225) ودلمان (المصدر المذكور ص 204) وهارتمان (المصدر المذكور ص 469، التعليق 1) من أن قيام سلطان بنى حمير وحملة الرومان كانا متعاصرين، بل ينهار أيضا ما ذهبوا إليه من أن ثمة علاقة سببية بينهما. ونجد إشارة أخرى إلى مملكة بنى حمير فى بليناس جـ 6، ص 104 intus oppidum regia eius, appellatur Sapphar أى أن Sapphar = ظفار وهى قصبة بنى حمير) على أننا نستبين من روايته أن بنى سبأ كان لهم بعد أيام جوبا شأن ومقام، بالرغم من أنهم كانوا قد فقدوا سيادتهم على جنوب بلاد العرب، ولم تكن رقعة الأرض التى يحكمونها أصغر مساحة من تلك التى كانوا يحكمونها أيام إرانوستينيس؛ أما عن المسائل الأقل من ذلك أهمية فحسبنا فى هذا المقام أن نقول إننا نجد فى إشارات بليناس (جـ 6، ص 161) إلى حياتهم الاقتصادية وثروتهم المصطلح agrorum rigua ويؤيده ما ورد فى النقوش عن نظم الرى القديمة فى جنوب بلاد العرب (الآبار والقنوات والسدود وصهاريج الماء) وما ورد فى روايات الهمدانى عن الرى (انظر ما يلى). أما عبارة mellis ceraeque proventus (انظر استرابون، جـ 16، القسم 4، الفصل 2) التى ذكرها بليناس بعد ذلك مباشرة فتتفق والحقيقة المعروفة، وهى أن جل المناطق الجبلية فى جنوب بلاد العرب

غنية بالشهد (انظر شبرنكر، المصدر المذكور، ص 249 كليزر، المصدر المذكور، ص 29 - عن أدلة وجود الشهد والشمع فى ناحية ريدان: وانظر أيضا Arabica: Landberg، جـ 5، ص 238؛ Expedition: Bent؛ ص 330, Southern Arabia، ص 117؛ A. Journey: Harris ص 22، وغيرها من روايات الرحالة؛ وانظر روايات الهمدانى فى كتابه جزيرة العرب، ص 103 و 105 و 123 و 594)، أما العبارات السابقة لذلك فى بليناس وهى: Silvarum fertilitas odorifera (انظر أغاثرخيدس فى فوتيوس، الفصل 95، وديودورس) فتشير إلى الثروة التى كانت لبنى سبأ فى إقليم اللبان (شبرنكر، المصدر المذكور، ص 250) وتشير العبارة auri matalla إلى وجود الذهب هناك، أى فى المناطق الساحلية (انظر أغاثرخيدس، الفصل 95، عن أرض "الدباى" الغنية بالذهب؛ استرابون، جـ 16، القسم 4، الفصل 18؛ بليناس جـ 6، ص 150 عن auri metalla الخاصة بـ litus Hamaeum وخاصة الهمدانى، ص 153 و 177 وغيرهما عن مناجم الذهب فى جنوب بلاد العرب، ) والرحالة المحدثون مثل هالفى وكليزر (كليزر المصدر المذكور، ص 69، Punt، ص 77) يميلون إلى التماس وجود مناجم الذهب فى عسير وحدها أو فى ساسو (شرقى بلاد الصومال)، ولكن ليس ثمة احتمال بوجود إشارة فى عبارة بليناس تنصرف إلى شرق إفريقية. ويميل شبرنكر، (المصدر المذكور، ص 249) أيضا إلى القول بوجود المناجم فى داخل البلاد ويمكن مقارنة ملاحظة بليناس (جـ 12، ص 58) عن جمع اللبان بأقوال ياقوت (المعجم، جـ 3، ص 577). وثمة حقيقة ذكرها بليناس (جـ 12، ص 54) لها شأنها فى تاريخ الحضارة أيضًا، وهى أن جمع اللبان كان يعد عملا دينيًا، وأن بنى سبأ بوصفهم سادة أرض اللبان هم وبنى معين كان يسمح لهم دون غيرهم بالنظر إلى شجرة اللبان (عندما يتناولونها وفقًا للطقوس ويقال أيضًا انه لم يكن هناك أكثر من 3000 أسرة متميزة ادعت لنفسها الحق الوراثى فى ملكية أشجار اللبان دون

غيرها: Sacros vocari ob id nec ullo congressu feminarum funerumqeue,cum incidant eas arbores aut metant, pollui وقد اقترح شبرنكر (المصدر المذكور، ص 92) وكليزر (المصدر المذكور، ص 3، ص 44) إدخال تعديلات فى هذا النص ليس ثمة ما يبررها على الإطلاق، وما زالت عبارة Congressus feminarum funerumque تمت بصلة ما للجنابة فى الإسلام إلى يومنا هذا، وإن كانت هذه الصلة تتفاوت قوة وضعفا (النجاسة؛ شبرنجر، المصدر المذكور، ص 219)؛ ويقول هارتمان (المصدر المذكور، ص 415)، إن العبارة التى وردت فى بليناس، تلقى فيما يظهر شيئًا من الضوء على كره المسلمين حرق البخور وما إلى ذلك فى الجنازات. وقد ناقش دى غوى de Goeje هذا الرأى (l'encensement des morts chez les anciens Arabes فى Actes du 14 Cogres intern des Orientalistesn، جـ 3/ 1) وانتهى من بحثه إلى أنه كان محظورًا فى جنوب بلاد العرب استعمال اللبان فى الجنازات، فى حين أن شيئًا من ذلك لم يكن معروفا فى شمال بلاد العرب، بيد أن كاتبًا قديمًا مثل بليناس (جـ 12، ص 82) يتكلم عن Nominum etiam in morte فى بلاد العرب السعيدة، ويؤيد الرحالة المحدثون أيضًا استعمال البخور فى الجنازات. ومن المعلومات المفيدة بالنسبة لتاريخ جنوب بلاد العرب القديم ما نجده من أن بليناس ظل يذكر فى عهد جوبا وغالوس الشعوب الأربعة نفسها التى يذكرها إراتوستينيس على أنها الشعوب الكبرى ذات النظام الملكى، وهى سبأ، ومعين، وقتبان، وحضر موت (Chatramotitae؛ أما الكلمات التى فى جـ 6، ص 154، والتى تلت ذكر بنى سبأ وهى: Corum pars Sabaeorum Atramitae quorum) caput Sa bota إلخ؛ جـ 12، ص 52: Atramitae pa gus Sabaeorum in monte excelso, a quo octo mansionibus distat regio eourm tu rifera (وكذلك Solin ص 170: Atramitae pagus Sabaeorum الذى يعتمد على بليناس، وهى حقيقة لم يسلم بها شبرنجر، المصدر المذكور، ص 296 وكليزر: Punt، ص 47)، فتبين أن حضر موت كانت فى زمن جوبا (لا فى

القرن الأول قبل الميلاد فحسب كما ظن كليزر فى Punt، ص 46) قد أضحت جزءًا من سبأ، وأن سبأ كانت تمتد إلى أبعد من ذلك شرقًا، ومن ثم فإن تغييرًا فى توازن القوى فى جنوب بلاد العرب كان قد تم، فى حين كان بنو سبأ مستمرين فى سعيهم إلى التوسع، ويتكلم بنت Southern Arabia: Bent ص 49 و 240 و 265 و 269 عن خرائب آثار بنى سبأ فى المنطقة الساحلية من ظفار قرب مرباط)؛ وتؤكد الكلمات التالية: regia tamen omnium Marelibata (مريبة Mareiaba، انظر ما تقدم)، مرة أخرى سلطان سبأ على حضر موت ومكانة مأرب بوصفها قصبة المملكة بأسرها (انظر ما سبق أن ذكرناه عن التعديلات المخطئة فى النص الذى ورد فى بليناس وسولين؛ أما العبارة الجوهرية عن نقل اللبان فقد وردت فى جـ 12، ص 33 tus Collectum Sabotam . . convehitur . . . ibi decumas deo quem Vo cant Sabin mensuranon pondere sa cerdotes capiunt nec ante mercari licet. ومن ثم فقد كان لابد للبان أن يمر بقصبة حضر موت سبوتة Sabota (شبوة فى النقوش، وقد ذكرها الهمدانى أيضا، وهى الآن موقع خرب بين بيجان وشبام) ويؤدى عنه المال فيها؛ ويقول كليزر (المصدر المذكور، ص 27) إن عادة فرض الضرائب ما زالت باقية عند كثير من القبائل؛ وقد نقل مولر من النقوش D.H. Muller: Burgen، جـ 2، ص 1024 التعليق 3، وارجع فى شأن النقش إلى هالفى Halevy، المصدر المذكور، ص 187) رواية مشابهة لرواية التى تقول إن المعبد كان يفرض الضرائب على أنواع الطيب (انظر أيضا Studien: Rhodokanakis، جـ 1، ص 6، وفى كليزر 480 = Anraud 53، وقارن أيضا رواية ثيوفرسطس، جـ 9، ص 4، عن العشور التى كان يأخذها مشايخ معبد هليوس السئبى من محصول اللبان، وانظر لندبير؛ دثينة ص 457 عن عشور المحصول التى تؤدى للمشايخ)، وقد اعتبر مورتمان (Sabaische . Denkmaler: Mordtmann، ص 57) أن الإله سابس (Sabis) هو إله القمر سين؛ بل هو دأب فيما بعد تفسير الاسم سابس بأنه سين Z.D.M.G)، جـ 44، ص 186)؛ وزعم البعض أيضا

بأن عبارة بليناس تشير إلى إله القمر، وكانوا حينا يصطنعون الحذر الواجب فى هذا الشأن، وحينا ينظرون إلى ذلك نظراتهم إلى حقيقة مقررة. على أن سابس ليست له علاقة بإله القمر، بل إن النص فى بليناس يوحى بأن سابس يشير إلى سبوتة؛ أضف إلى هذا أن ثيوفرسطس يتحدث عن إله الشمس، ولا يستدل من هذا بطبيعة الحال على أن سابس هو إله الشمس كما يقول ريتر وشبرنكر وكليزر وغيرهم. وهكذا يظل الاسم بالرغم من هذه التحقيقات بغير تعليل، وربما كان صيغة اسم لم ينشأ فيما يظهر من سوء فهم النص أو تحريفه، وإنما كان معناه " (سيد أو رب) سبوتة" (شبوة، وهو إما أن يكون ذا شبوة أو شبوى، وهو الأغلب، انظر R.E، تحت كلمة (Sabis. ولا تعد الإشارة السالفة الذكر إلى بنى حمير والتى ذكرها بليناس أقدم الإشارات المعروفة فى التواليف عن هؤلاء القوم، بل إن أقدمها هو كتاب "رحلة بحرية إلى بحرية إريثره" (Periplus Maris، (Erythraei) والظاهر أنه أقدم من مصنف بليناس، وأحدث من المصادر الرئيسية التى استقى منها، وهو فى الحق يختلف تاريخ تأليفه -كما حاولت أن أبين فى R.E، عمود 1462 وما بعدها- عن التواريخ السابقة التى اقترحها دلمان، ومومسن، وهارتمان، وكليزر وغيرهم، ذلك أنه قد ألف فيما يظهر بين سنة 40 وسنة 51 على الأكثر، وربما يكون قد ألف بين عامى 40، 45. وتلقى الرواية التى وردت فى كتاب الرحلة (الفصل 23) شيئًا من الضوء على الحالة السياسية، ومفاد هذه الرواية أن تشريبائيل Charibael الملك الشرعى لبنى حمير وجيرانهم بنى سبأ كان يحكم البلاد من قصبته ذافار Saphar. ومن ثم فإن سبأ كان يحكمها بنو حمير عند كتابة هذا المصنف. وكانت ظفا - (قرب بريم) هى قصبة "ملوك سبأ وذى ريدان"، وهو تحقيق لم يستطع لندبيرك (Arabica جـ 5، ص 50) أن يدحضه. ولم تصبح مأرب قصبة الملك، وكذلك نجد (. . .) الصيغة المصرية للاسم (. . .)، فى نقش بنى يكسوم، وهذا من شأنه أن يؤيد أيضا المخطوط الذى نص فيه على الرسم (. . .) مما يعارض

التصويب الذى اقترحه الناشر (Fabricius، ص 60، نقلا عن Salmasius)، ولعل الملك الحميرى تشريبائيل هو "كربائيل وتريهنعم" ملك سبأ وذى ريدان المعروف من النقوش ومن السكة، وعلى هذا ينهار المذهب الذى ذهب إليه هارتمان فى تحقيق شخصه (المصدر المذكور، ص 154 وما بعدها و 173 وما بعدها) هو والأسس التى بنى عليها. وقد قامت ثورة عاتية فى تاريخ سبأ فى المدة ما بين إقامة نقش أدوليس Aduli Corpus inscr. Graec، جـ 3، ص 5127 ب) حوالى الثلث الأولى من القرن الثانى الميلادى، أى سنة 127 تقريبا، وإقامة نقش بنى بكسوم ذى اللغتين فى منتصف القرن الرابع (قبل عام 356)؛ ويذكر ملك بنى يكسوم فى نقش أدوليس أنه شهر الحرب من (. . .) (الحَوراء) متجها إلى الجنوب حتى بلغ أرض بنى سبأ؛ وبينما نجده قد اضطر إلى التوقف فى حملة عند الحدود الشمالية لسبأ، نجد أن عزانا، الذى أقام النقش ذا اللغتين، كان يلقِّب نفسه "بملك يكسوم وحمير وسبأ" إلخ؛ ومن ثمّ فإن أهم النواحى فى جنوب غربى بلاد العرب كان قد غزاها بنويكسوم فى مستهل القرن الثانى الميلادى. ولا أساس للشكوك التى ساورت دلمان وهارتمان وغيرهما حول صحة هذا الغزو الذى تشهد به النقوش بذكرها السفراء ad gentem Oxumitarum et Homeritarum Cod. Theod) جـ 12، ص 12، سطر 2)؛ وإيراد حمير قبل سبأ فى سلسلة الألقاب يمكن المرء من أن يستنتج أن حمير كانت المملكة الأصلية، وأن سبأ كانت بالنسبة إليها فى المحل الثانى، ذلك أن سبأ لم يكن قد حمل ذكرها بعد؛ ويمكن مقارنة اللقب المزدوج الذى أطلق على ملك حمير فى كتاب الرحلة periplus باللقب الرسمى الذى ورد فى النقوش. وشهادة النقوش الحبشية بأن عزانا كان ملك حمير وسبأ تتفق، كما يؤكد كليزر (Die Abessinier، ص 5 وما بعدها)، وما نلاحظه من أن نقوش جنوب بلاد العرب من نهاية القرن الثالث إلى الربع الأخير من القرن الرابع قد خلت من ذكر ملوك اليمن؛ ثم إننا لا نجد ذكرًا لملوك اليمن إلا فى سنة 378

ميلادية، ثم يتردد ذكرهم بلا انقطاع حتى الربع الأول من القرن السادس حين غزا الأحباش (سنة 525 م) جنوب غربى بلاد العرب مرة أخرى؛ وكان قيام سلطان مملكة بنى يكسوم فترة توقف قطعت العهد الأخير من حكم مملكة جنوب بلاد العرب. وقد اتخذ ملوك بنى يكسوم منذ بداية دولتهم عام 300 م لقبا مطولا هو "ملوك سبأ وذى ريدان وحضر موت ويمنات" بدلا من اللقب القديم "ملوك سبأ وذى ريدان". ونخلص من روايات بطلميوس -وهو إذا استثنينا الإشارات القليلة الشأن التى ذكرها، المصدر اليونانى المكتوب عن سبأ الذى يلى Monumentum adulitanum فى الترتيب الزمنى- إلى أن بنى سبأ (جـ 6، ص 7، سطر 23) عادوا لا يملكون فى خريطته تلك الرقعة الكبيرة من الأرض التى كانت لهم حتى فى الزمن الذى يشير إليه استرابون ويليناس، ذلك أن ملكهم اقتصر فيما يظهر على النصف الشمالى من إقليمهم الأول؛ أما بنو حمير فكانوا يسكنون جزءًا كبيرًا من الساحل الجنوبى، وكذلك ذكر بطلميوس شعوبا أخرى أصغر من بنى حمير كانوا يسكنون إقليم جنوب بلاد العرب، ولاشك فى أن هذا الإقليم كان من أملاك بنى سبأ إلى عهد متقدم يرجع إلى نهاية القرن الثانى الميلادى؛ وقد فسر بعض العلماء منذ عهد قريب كلمات بطلميوس (. . .) تفسيرا مخطئا، فقالوا إنها تدل على أن إقليم اللبان قد آل حكمه بعد بنى سبأ إلى بنى قتبان؛ وقد بنيت افتراضات أخرى على ما قيل من أن القتبانية كانوا بعد مستقرين فى ذلك الإقليم بالرغم من أنه لم يكن ثمة مملكة مستقلة لبنى قتبان هنالك فى ذلك الحين؛ ويستدل من تراكيب بطلميوس اللغوية والواضحة وطريقته فى التعبير أن الأمر على العكس من هذا تمامًا، ذلك أن مع المجرور تعنى "إلى الجنوب من" أو "يقع أسفل"؛ ويفرق بطلميوس جغرافيًا بين إقليم اللبان ومنازل بنى قتبان، بيد أن شبرنجر (ص 264 وما بعدها)، قد اعترضت رأيه المخطئ أيضا الرواية القائلة بأن بنى قتبان "طردوا من هذه الأملاك" فى زمن بطلميوس.

ويتفق بطلميوس والمصادر العربية فيذكر لنا عهدًا أخذت فيه سبأ تضمحل شيئًا فشيئًا؛ أما الإشارات العارضة إلى سبأ التى وردت فيما ألفه أصحاب كتب تقويم البلدان الإغريق فى القرون الأولى للميلاد فليس لها قيمة فى ذاتها. ولا نجد لاسم سبأ ذكرا فى مؤلفات اليونان والرومان منذ نهاية القرن الرابع الميلادى، اللهم إلا إشارة واحدة عارضة قائمة بذاتها إلى بنى حمير الذين أخذ اسمهم يطلق بالتدريج على جنوب بلاد العرب بأسره. وقد استطاع شبرنكر (المصدر المذكور، ص 246) , منذ نصف قرن فحسب، أن يقول إن الإغريق وبليناس هما المصدران الوحيدان اللذان زودانا بمعلومات عن سبأ. والحق أن معلوماتنا عن تاريخ جنوب بلاد العرب القديمة التى كنا إلى عهد قريب إنما نستطيع أن نضيف إليها القليل من الإشارات القائمة بذاتها فى العهد القديم وروايات العرب التى لا تشفى الغليل لافتقارها إلى السند التاريخى، قد ازدادت زيادة عظيمة بفضل ما وجدناه فى النقوش وخاصة فى جنوب بلاد العرب، كما أن التقدم المطرد فى دراسة تاريخ الشرق القديم قد ألقى ضوءًا جديدًا على تأريخ سبأ. ومع ذلك فإن المستكشف كليزر (المصدر المذكور، ص 159)، الذى اشتهر بما كشفه من الكتابات القديمة، لا يتردد فى القول بأن التفسير الصحيح للروايات القليلة التى وردت فى المصنفات القديمة لا تقل حاجتنا إليه عن حاجتنا إلى تفسير نقوش سبأ؛ وهذه النقوش هى والفقرات التى وردت فى المصنفات القديمة يكمل ويفسر بعضها بعضًا. ومهما يكن من شئ فإنه يجب ألا نغض النظر عن مصادرنا الأخرى اعتمادا على ما للنقوش من أهمية حاسمة فى دراسة تاريخ السياسة والثقافة؛ وكونها مصدرنا التاريخى المباشر الوحيد، يجعلها أهم ما بين أيدينا من مادة لبحث ماضى سبأ وجنوب بلاد العرب بصفة عامة. ويقترن تاريخ فتح هذا الكنز العامر من

مواد البحث الذى لم ينفد معينه بعد بأسماء قليلة جدًا، منهم كارستن نيبور (Carsten Niebuhr)، عضو البعثة التى أوفدتها الحكومة الدنمركية إلى هذه البلاد عام 1763. وقد اجتاز نيبور جنوب بلاد العرب، من لحيّة إلى مخا وتعز وصنعاء، وكان معنيًا بصفة أخص بالأبحاث الجغرافية والأبحاث الخاصة بالسلالات وبالتاريخ الطبيعى، وقد أبلغ نيبور أول ما أبلغ، عن وجود نقوش قديمة فى أطلال ظفار (جنوب غربى يريم) قرب صنعاء (Beschreibung von Arabien، كوبنهاغن 1772، ص 94)، بناء على ما قام به من تحريات؛ على أنه لم يكن قد رأى النص نفسه اللهم إلا نسخة من نقش أرسلها إليه رجل هولندى. وكان سيتزن Seetzen أول من حمل إلى أوروبا بعد نيبور المعلومات الأولى عن نقوش جنوب بلاد العرب، وسيتزن هذا رجل من أهل أولدنبورغ (Oldenburg)، أثارته معلومات نيبور فنسخ النقوش التى فى ظفار وما حولها عند عودته من صنعاء إلى عدن (1810)؛ وقد نشرت فى سنة 1811 نسخ الخمسة نصوص السبئية القصيرة القليلة الشأن التى أرسلها إلى أوروبا، وبالرغم من أنها استعصت على الفهم أول الأمر إلا أنها كانت البداية المتواضعة لعلم الدراسات السبئية؛ ولم يكن الناس يدركون إطلاقا فى ذاك الحين ما سيكون لهذه النقوش من شأن فى المستقبل؛ ثم تقدمت الأبحاث تقدمًا آخر على يد ولستد Wellsted (1834/ 5: كشف نقش حصن الغراب على ساحل حضرموت، ونقش نقب الحجر) وكرتندن Cruttenden (1836: خمس قطع سبئية صغيرة فى صنعاء)، وكلا الرجلين إنكليزى، ثم على يد فريده Wrede (1843 ولم ينشر التقرير عن رحلاته فى حضرموت وعن نسخة نقش عُبنَة الحضرمى إلا سنة 1870 ثقلا عن أوراقه التى خلفها بعد وفاته، وكان ناشرها مالتزن Maltzan) وغيرهم، ويجدر بنا أن نخص بالذكر من هؤلاء العلماء أرنو Arnaud، وكان سنة 1843 أول أوربى زار مأرب

ومهد الطريق الذى سلكه فيما بعد مستكشفون كانوا أكثر منه توفيقًا (تجاهلهم كليزر: Petemann's Mitteil 1887، ص 27) وقد أعد أرنو فى مأرب، كما أعد فى صنعاء وصراوح، نسخًا من النقوش بلغ مجموعها 56 نقشا، وجلها قصير. وقد زاد ماكسبناه من المعلومات زيادة عظيمة بما حصلنا عليه من الحجارة المنقوشة وألواح البرونز من عمران بفضل شغلان Choghlan (1860) ثم اشتهر، كسينيوس Gesnius (1841) ورديكر Rodiger (1841 و 1842) وأوسيندر Osiander (1856 و 1763/ 4)، بحلهم رموز هذه النقوش وتفسيرها؛ وتنحصر أهمية "ابن سفير" Eben Safir فى أنه وصف لليمن؛ وهو الوصف العبرى لرحلات يعقوب سفير Jacob Saphir (جـ 1، 1861؛ جـ 2، 1866) وكان قد رحل من الحديدة إلى عمران عن طريق صنعاء ثم عاد إلى عدن. ونحن ندين بالفضل لمولر (Muller .H.D: Burgen، جـ 1، ص 6 وما بعدها) ذلك أنه كان أول من أذاع أمر هذا الكتاب بين الناس، وقد اتخذه هالفى دليلا. وبزغ فجر عصر جديد فى دراسة النقوش بفضل النتائج المثمرة التى أسفرت عنها رحلة جوس Jos المشهودة، ويحق لنا أن نقول إن هالفى Halevy كان أول أوربى بعد أيليوس غالوس أفلح (فى سنة 1869) فى السفر من صنعاء حتى بلغ وادى نجران رأسا، ثم دخل أرض الجوف فى جنوب بلاد العرب، قصبة بلاد معين القديمة، وزار عدة مواقع عربية قديمة جدًا غنية بنقوشها، ولم يكن قد شاهدها حتى ذلك الحين أوربى سواه، وكان الكسب العلمى المحقق من هذه الرحلة الكشفية التى لم يقدرها معاصرة المباشرون حق قدرها، يشمل 686 نسخة من النقوش خمسين منها (حوالى 30 من معين) على شئ من الطول (نشرت فى A. J، 1872), وهى تعد أهم ما أضيف إلى ذخيرتنا من النقوش إلى ذلك الحين، وقد حققت نجاحا عظيما فى الأطوار الأولى، ومن ثم ساعدت على وضع الأساس العلمى الصحيح للأبحاث السبئية، وأتاحت لنا معرفة المصادر

اللازمة لدراسة التاريخ القديم لجنوب بلاد العرب؛ وقد كشف عن بعض النقوش الجديدة بفضل رحلة الكابتن ما يلز Captain Miles (وفرنرمنزكر Werner Munziger) فى وادى ميفعة (1870)؛ أما رحلات هنريخ فون مالتزن Heinrch von Maltzan (1/ 1870 فى مناطق اليمن وحضرموت الساحلية) وميلنكن Milingen (1873 من الجديدة إلى صنعاء) ومنزونى R. Manzoni (1877 - 80 بين عدن وصنعاء والجديدة) وشابيرا SchaPira (1879 من عدن صنعاء وناحيّتها ثم العودة إلى الجديدة) ثم رحلة هاريس Harris الأحداث عهدًا Journey) through the Yemen لندن 1893) فليس لها شأن يذكر من حيث الكتابات القديمة بل يقتصر شأنها على الناحية الجغرافية؛ ثم إن لمصنف منزونى وأبحاث مالتزن فيما بعد قيمة أيضًا فى دراسة اللهجات؛ وقد تمكن النمسوى لنكر S. Langer (1882) الذى ضحى بحياته فى سبيل البحث خلال رحلاته لكشف الكتابات القديمة من الجديدة إلى صنعاء ثم إلى عدن (كما فعل سيتزن قبله وكما فعل هوبر Huber من بعده) من الحصول على نسخ لاثنين وعشرين نقشًا (الأرقام من 19 - 22 إنما هى أرقام فردية)؛ ونجد تفصيلات أخرى عن تاريخ الكشف العلمى فى بلاد العرب فى رسائل Arabien vor dem Islam: Weber , ص 10 وما بعدها (وهى تتضمن أيضًا معلومات عن تاريخ الحضارة وعن محتويات النقوش وأبجدياتها ولغتها)، وعلى الأخص مؤلفه Sudarabien Forschungsreisen in bis zum Auftreten Eduard Glasers) Alte Orient Der جـ 8، ص 4، 1907) وبيان هومل فى هلبرخت Explosations: Hilprecht، ص 693 وما بعدها (انظر أيضًا Chrestomathie، ص 63 وما بعدها مع المصادر)؛ وبدأ كليزر النمسوى عصرًا جديدًا فى هذا الفرع من البحوث بفضل رحلاته فى بلاد العرب، وقد فاق عدد ما كشفه من الكتابات القديمة بكثير (ومجموعها يزيد على ألفى نقش) كل الجهود التى بذلت فى هذا الميدان من قبل؛ وقد تحققت نبوءة مولر (D.H. Burgen: Muller، جـ 1، ص 340) "بأنه

ما زال فى السويداء رجال بواسل سوف يكرسون حياتهم لخدمة العلم ويأخذون على عاتقهم كشف هذه البلاد وجمع النقوش" فى شخص كليزر على نحو لم يكن يحلم به أحد؛ فقد قام وحده أولا بثلاث رحلات من 1882 - 1884 (من الجديدة إلى صنعاء ومنها قام بثلاث جولات استكشافية شمال هذه الجهة وغربها) ومن 1885 - 1886 (من الحديدة إلى صنعاء ومنها إلى الجنوب الشرقى والشرق حتى بلغ عدن، ثم كشف أطلال ظفار) ومن 1887 - 1888 (من عدن إلى صنعاء ومنها إلى مأرب، حيث نسخ وحده ما يقرب من 400 نقش، فى حين أن أرنو وهالفى معا لم يحصلا إلا على 44 نسخة جلها قطع صغيرة) وتمكن بفضل هذه الجولات من أن يزيد على ذخيرتنا 1032 نقشا تقريبا علاوة على خرائط نظرية وملاحظات لغوية ونحو 616 مخطوطًا عربيًا؛ وقد نشرت الأكاديمية الفرنسية (C.I.S المجلد 4، جـ 1 - 3) جزءا من المخطوطات؛ ونجد حجارة منقوشة كثيرة (معظمها من معين) فى لندن وغيرها فى برلين (نشرها مورتمان عام 1893)؛ وكان جلّ المخطوطات من نصيب برلين والمتحف البريطانى (انظر ريو C.Rieu: Suppl to the cat. of Arabic MSS. in the B.M. لندن 1894)؛ ويجدر بنا أن نخص بالذكر من الكتابات القديمة التى كشفها نقش حَدَقان ونقش صرواح العظيم وهو من أعظم المستندات التاريخية شأنا فيما يتصل بجنوب بلاد العرب (وقد عاد من رحلته الرابعة بملخص آخر كامل له)، والنقشين العظيمين من مأرب المتعلقين بانقطاع السد، وكانت رحلته الرابعة أنجح رحلاته جميعًا (1892 - 1894 من عدن إلى صنعاء حيث أنفذ بعض أهل البلاد لإعداد ملخصات للنقوش، وكان من النقوش الجديدة نحو 100 من قتبان علاوة على بحوث لغوية، كما حصل على 251 مخطوطا عربيا، كما حصل لفينا على جزء من هذه الذخيرة وهو مجموعة قيمة من 39 حجرًا

منقوشًا، وسكة، وكثير من المنحوتات وغيرها من الآثار، وقد نشرها مولر D.H. Muller؛ ويسرد لنا ويبر تفصيلات أخرى فى Eduard Glasers Forschungsreisen in sudarabien in Der Alte Orient، جـ 19، ص 2, 1909 (وانظر هومل: Explorations، ص 717 و 1909 وما بعدها)، ولم يستطع كليرز بعد الانتفاع بالفرصة التى كانت ما زالت مهيأة له للقيام برحلات وكشوف أخرى، ذلك أنه أصبح لا يجد من الوزارة المختصة التقدير اللازم لأهمية البحث العلمى، ومن ثم ضاعت على العلم إلى غير رجعة ذخيرة لا حصر لها. وقد اخذ هالفى وبريتوريوس ومورتمان ومولر وكليزر وغيرهم يدرسون مادة الكتابات القديمة التى كانت تتجمع شيئا فشيئا منذ عهد هالفى فاستطاعوا أن يقطعوا شوطا عظيما فى سبيل تيسير لغة النقوش وتفسير محتوياتها، أما فيما يختص برحلات الكشف المتأخرة فى جنوب بلاد العرب فإن رحلة دفلر A. Defier فى اليمن عام 1887 قد اقتصر غرضه منها على دراسة النبات فحسب، وفى سنة 1893 قام هيرش L. Hirsch الذى كان أول أوربى فيما نعلم زار شبام (القصبة الحديثة لحضرموت) وتريم بدراسة توخى بها أولا وقبل كل شئ بحث التأريخ الطبيعى مع تخطيط البلاد ودراسة أجناسها، ثم جاء بعده مباشرة تيودور بنت J.Theodore Bent فطوَّف هو وزوجه سنتى 1893 - 1894 بحضرموت حتى بلغا شبام وجاسا سنة 1895 خلال بلاد اللبان (من ظفار إلى مرباط)، وكان بنت لا يعنى أيضا بالكتابات القديمة عناية خاصة وأخذ كارلو لندبيرك Carlo Landberg ملخصا وصورة شمسية لنقش حصن الغراب الذى كان قد اشتهر أمره بالفعل وقد ضمن مصنفه النفيس Arabica (جـ 4 و 5) نتائج أبحاثه التى قام بها فى عدن فى السنوات من 1895 - 1797 عن الأقاليم التى لم تكن معروفة من قبل إلا قليلا وهى الأقاليم التى تقع بين اليمن نفسها وحضرموت، وخاصة ما يتعلق بدثينة، وعوالق والحاضَنة، وكذلك فيما

يتصل ببيحان، ومَرْيَمِة، وريدان وحريب وتمِنَع، ولم يستثن من ذلك شَبوْةَ نفسهَا. ووأفدت أكاديمية فينا عام 1898 - 1899 بعثة إلى جنوب بلاد العرب كان يؤازرها أيضا ملك السويد، ولم تفلح هذه البعثة إلا فى بلوغ عزّان فى وادى مَيْفَعة ولم تصل إلى شبوة، وكانت نتائج الكشف عن الكتابات القديمة التى توصلت إليه هذه البعثة دون ما كان ينتظر منها، ومع ذلك فإن أعضاءها انتهزوا الفرصة عام 1899، وقاموا ببحوث عن جزيرة سقطرى درسوا فيها لغتها وتاريخها الطبيعى. [وقد عاد بيرى G.W. Bury من كحلان (قتبان) بملخصات وصور شمسية لبعض النقوش، وكان قد ذهب إلى بيجان من قبل البعثة]. وفى سنة 1902 جمع هين W.Hein مادة لغوية من قشن من أعمال حضرموت باسم أكاديمية فينا كما جمع هناك معلومات عن حضرموت -ثم من فينا فيما بعد- من بعض أهل البلاد، ونشرت مذكراته المجموعة عام 1914 بعد وفاته من غير تحقيق، وهى تتضمن كثيرًا من المعلومات الجديرة بالذكر. واستطاع هارتويك درنبورغ Hartwig Derenbourg أن ينشر بعض النصوص الجديدة من الملخصات التى حصلت عليها الأكاديمية الفرنسية بعنوان: Nouveaux textes yemenites inedits Rev.et d Arch or جـ 5، ص 117 وما بعدها. ولم تنشر بعد كشوف كليزر برمتها بالرغم من أنها تعد فاتحة عصر جديد فى بابها (وقد نشر هومل فى Chrestomathie، ص 59 - 62 عرضا للنقوش التى كشفها كليزر بقدر ما كان معروفا عنها وقتئذ؛ انظر أيضا كليزر: Altjemenische Nachrichten, جـ 1, 1908، ص 1 (أ) وما بعدها وكذلك لم ينشر بعد مصنفه العظيم الذى أعده عن سبأ (وقد أعلن عنه مثلا هومل فى Explorations ص 712، وويبر فى Glasers Forschungsreisen ص 15، اعتمادا على قول كليزر)، أما المجموعة الكبيرة من المستندات التى خلفها (وتشتمل على نسخ لحوالى 1000 نقش ومذكرات ويوميات ورسوم وخرائط نظرية جغرافية وأثرية) فقد سلمت إلى مولر D.H. Muller لتحقيقها. ونجمل ما لهذه

المستندات من شأن فنقول إن من أول ما يجب أن تتجه إليه همة الباحثين فى المسائل السبئية هى أن يرتبوها ترتيبًا منهجيًا ويطبعوها طبعة علمية، بيد أن المنية عالجت مولر قبل أن ينشر هذه المستندات فعهد بهذا العمل بعد وفاته عام 1910 إلي رودوكاناكيس Rhodokanakis فى جراتز (ويطلق رودوكاناكيس على رسالته Der GrundSatz offentlichkeit in den sudarabischen Urkuden فى AK. Wien S.B. المجلد 177، جـ 2، 1915، تفسير نقش كليزر رقم 890 = هالفى 49 وكليزر 904 = هالفى 51 وكليزر و 1548/ 9 [السبئى] وكليزر 1606 [القتبانى] وأوسياندر 4؛ وقد تضمنت الرسالة بحثًا منهجيًا لمسائل الدين والضرائب والملكية والتشريع التى أثارتها النقوش، وهى أول جزء من الدراسة التمهيدية المسماة Corpus Glaserianum التى تضطلع أكاديمية فينا بنشرها؛ وهو يقول إن الدراسة التمهيدية الثانية هى الجزء الأول من مصنفه Studien zur Lexikohraphie Und Grammatik des Altsudabischen S.B.Ak. Wien، المجلد 178، جـ 4، 1915؛ تفسير العبارات التى وردت فى نقش حبش وكليزر 1076 وكليزر 480 وخاصة ذلك المقال النحوى فيما يسمى بالهاء المدغمة فى لغة جنوب بلاد العرب. ويفترض رودوكاناكيس فى تفسير النطق بها وجود نبرة مشددة فى اللغة المعينية السبئية، ويشمل الملحق تعليقات على نقوش شتى؛ ثم تأتى بعد ذلك رسالته Die Bodenwirtschaft im alten SUdarabien Anz. Ak. Wien 1916، رقم 26، وهى عرض لنتائج الأبحاث التى تضمنهما الجزء الثانى من مصنفه Studien zur Lexikographie Etc والجزء الثانى نفسه: S.B. Ak. Wien، المجلد 185، جـ 3، 1917؛ وهو بحث فى النقوش المعينية السبئيه الخاصة بالعمائر والتخوم والرى، والنقوش الخاصة بالزراعة مع تعليقات توضيحية عن إهداء المبانى وإقامتها، وعن المسائل القانونية بموارد المياه، وامتلاك الأرض، وفرض الضرائب، والإدارة)؛ وقد اشتملت أبحاث رودوكاناكيس الثلاثة التالية

على نقوش قتبانية لم تكن قد نشرت من قبل: Katabfinische Texte zur Bodenwirtschafi S.B.Ak. Wien), المجلد 214، جـ 2، 1919: خمسة نقوش من كليزر: مراسيم ملوك بنى قتبان فى إدارة أملاك الدولة مع بحث دقيق عن الحالة الاقتصادية فى قتبان وأعمال الإدارة فيها) Katabanische Tevte zur Bodenwirtschaft، السلسلة 2، (S.B.Ak.Wien المجلد 128، جـ 2، 1922 ثلاثة نقوش مع أبحاث بعيدة الأثر وخاصة فيما يتعلق بالنقش الثالث، كليزر 1693 [فيما يتصل بتاريخ النص وموضعه وطبيعة لغته] مع مشاهدات عن بنى همدان وأسر جنوب بلاد العرب بوجه عام)، وأخيرًا Die Inschrift an der Mauer von KohlanTimna S.B. A. Wien (.1924، بحث فى نقش كليزر 1404 [بقايا اتفاق خاص بعمارة من العمائر] و 1397 وما بعده [قانون بفرض العقوبات وبفرض الضرائب] ثم نصوص أخرى تفسر لقب "مكرّب" الذى اتخذه بنى قتبان)؛ انظر فيما يتصل بنقش كليزر 1605 وما بعده W.Z.K.M جـ 31 ص 22 وما بعدها، وقد ذكر فى Katab Texte جـ 1، ص 6، أن ويبر O.Weber يعد طبعة مختصرة عن "الأبحاث والنقوش" التى خلفها كليزر، أما الكتاب الذى يجمع جميع نقوش جنوب بلاد العرب والذى أشير فيه أيضا إلى المصنفات الأقدم عهدًا والأقل شأنا فهو الجزء الرابع من المجموعة التى تصدر فى باريس بعنوان Corpus Inscriptionum Inscriptiones Semi ticarum Himyariticas) et Sabacas continens, المجلد الأول فى أربع كراسات: 1889 و 1892 و 1900 و 1908؛ وقد ظهر من المجلد الثانى الجزءان الأولان فى سنتى 1911 و 1914؛ ومات درنبورغ فاضطلع ماير لمبرت Mayer Lambert بنشر هذه المجموعة، ويشتمل المجلد الثالث منها على النقوش المعينية والقتبانية). وقد بحث هومل (Grundriss، ص 133 وما بعدها) لغة النقوش ويمكن تقسيمها إلى لهجتين رئيسيتين هما لهجة بنى معين ولهجة بنى سبأ، وهو يضمن نقوش بنى معين نقوش قتبان وحضرموت علاوة

على النقوش المعينية الملكية نفسها (وكذلك الحال Explorations، ص 728 وما بعدها) أما فيما يتصل بنحو اللغة المعينية السبئية (وهو يعدها أقدم نموذج للـ "القسم العربى من اللغة السامية الغربية، ولدينا منها نصوص متصلة السياق Grundriss، ص 78 وما بعدها) فارجع إلى بيانه الجوهرى فى مصنفه Chrestomathie، ص 9 وما بعدها (انظر فيما يتصل باللغة أيضا المبحث الأقدم من ذلك الذى كتبه D.H.Muller: Encycl. Brit مادة Yemen، ص 740، وهو موجز؛ Arabien: Weber، ص 15 وما بعدها وهو شائع؛ وانظر فيما يختص بالخط Osiander فى ZDMG جـ 20، ص 205 وما بعدها D.H. Muller: Sab.Denkm، ص 105 وما بعدها Hommel: Chrestom، ص 3 وما بعدها؛ Explorations ص 730؛ Grundriss ص 145 وما بعدها، Westasien، ص 235، وغير ذلك من البحوث؛ وانظر فيما يتصل بالدين Osiander فى ZDMG جـ 7، ص 463 وما بعدها؛ Enc.Brit: D.H.Muller ص 741 Burgen، جـ 2، ص 1032، Hommel: A.A جـ 1، ص 156 وما بعدها، Explor ص 733 وما بعدها؛ Grundriss ص 85 وما بعدها 143. ثم انظر Arabien: Weber ص 18 وما بعدها (دراجة)؛ Grimme: Mohammed ص 29 وما بعدها؛ وانظر فيما يتعلق بشارات الآلهة على الآثار Grohmann فى المصادر). ونجد أيضًا معلومات لها شأنها فى النقوش المعينية واللحيانية، والنبطية والثمودية (وهى نقوش عربية أولية) فى شمال غربى بلاد العرب، وقد كشفها دوتى Dought فى السنوات من 1876 - 1878. وأعد يوتنكك Euting نصوص النسخ (1883/ 84) -وأعدها فى بعض الحالات مرة ثانية نقلا عن دوتى وهوبر- المتعلقة بالنقوش المعينية الخاصة بالعُلى (نشرها D.H.Muller فى Epigraphische Denknaler aus Arabien عام 1889، ثم عاد مورتمان فنشر النقوش المعينية Beitrage: Mordtmann، 1897)

ومن المسائل الهامة التى أثارتها المصادر الخاصة بتاريخ سبأ القديمة مسألة عرفت بالمسألة المعينية، أى العلاقة من حيث الترتيب الزمنى بين نقوش ملوك بنى معين وملوك بنى سبأ، وتقترن بها مسألة علاقة كل من هاتين المملكتين إحداهما بالأخرى وكان مولر Burgen: D.H. Muller, جـ 2 ص 955 وما بعدها و 981 وما بعدها و 985 وما بعدها) أول من حاول إعداد ثبت بملوك بنى سبأ (انظر Hartmann المصدر المذكور، ص 133 وما بعدها و 137 وما بعدها) استنادًا إلى المعلومات التى كانت متوفرة قبيل رحلات كليزر وقسم تاريخ سبأ إلى ثلاثة عصور (تضمنت مادة Yemen فى Encycl. Brit بحثًا عن هذا الموضوع أيضا)؛ وتعرف هذا العصور بالأسماء الآتية: (1) عصر المُكرِّب (أما الرسم مُكرْب الذى اختاره ثم عدل عنه بعدئذ إلى م - ك - ر - جـ والنطق به غير محقق وهو اسم الملوك الكهنة فيجب ألا يستعمل)، ويقرأ سواه الاسم بالقراءات التالية: مُكرَّب ومَكرُب ومَكرِب والجمع، مكارب انظر: Z.D.M.G. Anzeige: Mordtmann، جـ 44، ص 189، Abessinier: Glaser ص 65؛ Hommel: A.A. وص 134؛ Hartmann، المصدر المذكور، ص 132 و 599 إلى آخره). (2) عصر ملوك سبأ. (3) عصر ملوك سبأ وريدان ويقول مولر إن بداية مملكة سبأ يمكن أن نرجعها إلى القرن الثامن قبل الميلاد- ويرد إلى هذا العصر أيضا ذكر إتئيامر السبئى فى نقش سرغون وأن نهاية دولتهم كانت فى القرن الأول الميلادى. ونحن نستطيع أن نضع تاريخا لمملكة سبأ والأسر التى حكمتها فى دقة لا بأس بها، إلا أن البت فى عمر مملكة بنى معين أكثر صعوبة، ذلك أنه ليس ثمة دليل يهدينا إلى تحديد تاريخ نقوش ملوك بنى معين تحديدا دقيقًا. وقد انتهى مورتمان (Mordtmann: Z.D.M.G جـ 47، ص 407 وما بعدها) ووبير (Studien: Weber، ص 44 وما بعدها)، وهارتمان Hartmann (المصدر المذكور، انظر أيضًا A.A.: Hommel ص 26، Chrestomatie ص 90، Grundriss،

ص 136)، فى محاولاتهم ترتيب ملوك بنى معين، إلى نتائج تختلف فى جوهرها عن تلك التى انتهى إليها مولر (Burgen: D.H. Muller، جـ 2، ص 1021 وما بعدها) قبلهم وقد ظن مولر أن مملكتى سبأ ومعين كانتا تقومان جنبًا إلى جنب، وأنهما كانتا متخاصمتين، وقد عارض كليزر (عام 1889) هذا الرأى على طول الخط فى الجزء الأول من مصنفه Skizze فقال إن مملكة معين كانت تسبق مملكة سبأ فى الزمن، وإن بنى سبأ هم الذين دمروا المملكة وتولوا السيادة على جنوب بلاد العرب. . وقد وضع كليزر فى اعتباره عدد أسماء ملوك بنى معين (حوالى 29 ملكًا) الذين عرفوا من الكشوف حتى عهده، وقدر مدة حكمهم بسبعمائة وخمسين عاما، ومن ثم لم يجد بدا من أن يرد بداية حكم بنى معين إلى ما قبل سنة 1500 قبل الميلاد، بل إنه فى الواقع رد بداية حكمهم إلى تاريخ أقدم من ذلك، أى إلى سنة 2000 قبل الميلاد (جـ 1، ص 55) ثم نجده يعود أيضًا إلى نظريته عن بنى معين فى فقرات شتى من المجلد الثانى من مصنفه skizze وفى مصنفاته التالية، وقد زعم أنه أثبت أن نقوش بنى معين قديمة جدًا ترجع إلى الألف سنة الثانية قبل الميلاد، بل لعلها ترجع إلى الألف سنة الثالثة (جـ 2، ص 110، وانظر ص 330)؛ ولم يخالجه الشك فى أنه ليس ثمة مناص من أن نرد تاريخ مملكة بنى معين إلى بداية عصر الرعاة (الهكسوس)، أى إلى القرن الثانى والعشرين قبل الميلاد، وقد نافع عن نظرية كليزر كل من هومل Hommel (أولا فى Beilage zur Gunchener Allgem Zeitung 1899 رقم 291 ثم فى مصنفاته المتأخرة، مثال ذلك ما كتبه فى A.A، ص 2، وما بعدها و 10 و 40 و 235، وفى Altisrael Uberlieferung ص 77 وفى Chrestomathie، ص 12، وفى ص 86 مصادر أخرى. وفى Explorations وفى Grundriss , ص 134 و 150 وفى Gesch des .alien GorgenL، ص 106 و 123 و 148، ونخص من مؤيديه بالذكر ونكلر G.V.A.D.: Winckler، 1898، ص 19، 43 وما بعدها، 1906، ص 89 وما بعدها، وذلك فى مصنفه Geschichte Is-

وفى مصنفه Altorientalische Forschungen وفى K.A.T، ص 140 وما بعدها وص 105 وفى Westasien: Helmot، جـ 3، ص 247 وما بعدها، وويبر Weber فى رسائله، وقد سبق ذكرها، وفى Der Alte Orient وفى طبعته لمصنف ونكلر Westasien, ص 235 وما بعدها؛ وجريمه Grimme المصدر المذكور، ص 16 وما بعدها؛ وبنزنكر Geschichte Israels: Benzinger, ص 16 وكذلك يضع درينورغ Nouveau memoire surL'epitaphe mineenne: H.Derenbour باريس 1895 ص 7، بنى معين قبل بنى سبأ). وقد استعرض ويبر (Studien: Weber، جـ 1)، النقاط الجوهرية فى المناقشة الحامية التى أثارتها آراء كليزر الجريئة، وجمع فى الوقت نفسه كل ما قد يؤيد كليزر، وما إن ظهر الجزء الأول من مصنف كليزر (Skizze: Glaser) حتى اعترض هالفى على هذه النظرية المعينية، ثم كرر مولر عندئذ رأيه (Beliage zur Munch, Allgem, Zeitung 1890: D.HMuller، 24 و 31 نوفمبر، . Z.DM.G، جـ 8، ص 6 و 161) وقد جاهر العلماء الآتى ذكرهم بمعارضة كليزر وهم: مورتمان (Anzeige ص 182 وما بعدها Z.D.M.G، جـ 97، ص 400؛ Beitrage، ص 105 وما بعدها و 115)، وشبرنكر (Sprenger: Bemerkungen؛ ص 502 وما بعدها) وماير (Deschichte d. Altertums: E.Meyer جـ 2، ص 382) ولا كرانج (Lagrange فى Rev. bibl.، 1902، جـ 11، ص 256 وما بعدها) ولدأبارسكى (Ephemeris f. semit Epigraphik: Lidzbarski , جـ 2، ص 101 وما بعدها) وهارتمان (Hartmann: Z.A، جـ 10، ص 25 وما بعدها، وفى مصنفه الرئيسى، ص 4، 131 وما بعدها) وإيوار (Huart: Geschichte der Araber، جـ 1، ص 46 وما بعدها إلى آخره)، ثم أشار ماير إلى أن كل ما سبق من الفروض عن تاريخ الأبجدية السامية ينهار إذا أخذنا برأى كليزر الذى يرد النقوش المعينية إلى الألف سنة الثانية قبل الميلاد، ويصعب علينا أن نرجع أصل الأبجدية الفينيقية إلى ما قبل سنة 1000 ق. م. على أنه من المؤكد أن نشأة الخط المعينى الذى

يتميز بأشكاله المنتظمة التى تكاد تبلغ مبلغ الرسوم الهندسية الفنية، لم تكن أقدم من ذلك، وهذا يؤدى فيما يظهر إلى زعزعة نظرية كليزر على الفور. ولا محيص لنا من القول بأن رد تاريخ هذه الأبجدية إلى 2000 قبل الميلاد (Grundriss: Hommel ص 109 و 146, Westasien: Weber، ص 163 Hommel: Explorations, ص 730)، أو حتى "ردها على أكثر تقدير إلى عهد أقدم من ذلك بمراحل، أى إلى الألف سنة الثالثة" قبل الميلاد (Arabien: Weber " ص 15 فرض بعيد الاحتمال جدًا، بالرغم من كل ما ثبت فى العهد الحديث عن أقدم صور الأبجدية العبرية، كما أن التكهنات الخاصة بالكتابة القديمة فى جنوب بلاد العرب، وهى التكهنات التى عززتها النقوش التى تعرف باسم نقوش سيناء الكينية Kenite Sinai، لم تسفر عن شئ. ويعارض إيوار Huart أيضًا آراء هومل وويبر وونكلر وغيرهم، فيقول عن التأريخ الذى فرض لهذه الأبجدية إن سنة 1500 هى على وجه التحقيق سنة أعلى من أن تصلح تاريخا لعهد الحكم المعينى. وتزودنا الرواية اليونانية الرومانية أيضًا بحجج فى المسألة المعينية وخاصة شهادة إراتوستينيس فى استرابون (جـ 16، ص 768) التى أسلفنا ذكرها والتى استشهد بها هالفى Halevy ومولر D.H.Muller وغيرهما فى معارضة كليزر، وقال مورتمان Mordtmann فى شأنها أنه لا يعرف السبب الذى حدا بمفسرى هذه الفقرة إلى الخروج بها عن مدلولها وقد أفصح ويبر (المصدر المذكور، ص 9) عن تزعزع أركان قضيته بقوله إنه لا يجد بدا من أن يفترض أن إراتوستينيس قد "أخطأ" (ولم يعلل ويبرر هذا الفرض)، بمعنى أنه فى روايته قد اختلطت عليه الأمور، صحيحهما وكاذبها وماضيها وحاضرها، وقد سبق لكليزر (المصدر المذكور ص 15) أن حاول أن يزيل التناقض الحادث بين آرائه وأدلة إراتوستينيس الواضحة، فأكد إن إراتوستينيس قد استقى معلومات مخطئة، على أنه لم يسق أى دليل على ما يقول. والحق أن كليزر وويير لم

يأتيا بأى دليل أو سند أو احتمال يؤيد ما ساورهما من شك فى تفسير هذه الفقرة، بل هما لا يستطيعان أن يأتيا بشبه دليل، ومن ثم فنحن نجزم استنادًا إلى هذه الرواية بأن الشعوب الأربعة الكبرى التى كانت تنزل جنوب بلاد العرب، ويدخل فيهم بطبيعة الحال بنو معين الذين يذكرهم مصدرنا أول ما يذكر، ثم سبأ والقومان الآخران، كان يحكمهم ملوك مطلقو السلطان (. . .)، ولا يمكن التخلص بأية حيلة مما قرره إراتوستينيس من قول لا يمكن تفنيده، وهو أن النظام السياسى لمعين وسبأ كان فى الوقت الذى كتب فيه المصدر الذى استقى منه هو النظام الملكى، ويكشف هذا القول أيضًا عما ينطوى عليه توكيد كليزر من قيمة (ويبر، المصدر المذكور، ص 7 وما بعده) "إن الكتاب القدماء لا يذكرون أية مملكة فى أى موضع من مؤلفاتهم وإنما هم يذكرون دائما أرض بنى معين"؛ أو ما تنطوى عليه رواية ونكلر (المصدر المذكور، ص 45) من حقيقة. ومفاد هذه الرواية أنه لم يكن ثمة معينيون فى شمال بلاد العرب فيما بين سنتى 500 و 300 ق. م ذلك أنه لم يقم أحد منهم هناك فى أى وقت من الأوقات، وكذلك لا أساس من الصحة لشكوك جريمه (المصدر المذكور ص 17) حول بنى معين الذين ذكرهم اليونان وهل كانوا هم القوم الذين نحن بصددهم والذين ورد ذكرهم فى النقوش. وثمة أمر قاطع الدلالة فى نقض رأى كليزر (انظر هارتمان المصدر المذكور ص 131 وما بعدها 136)، ذلك أننا نستطيع أن نستخلص على وجه اليقين من ذكر النقوش لملوك وممالك أنه كان ثمه ملوك لسبأ وملوك لمعين يحكمون جنبًا إلى جنب، (المصدر المذكور، ص 18) ثم إن الحجة التى ساقها كليزر وهى أن النقوش السبئية لم تذكر قط مملكة معين كما أن النقوش المعينية لم تذكر أبدا مملكة سبأ، قد حمل ويبر (كتابه المذكور ص 18) على الاعتراف بأن "بنى معين قد خرجوا بالفعل عن هذا الصمت العجيب فى مناسبتين أو ثلاث مناسبات" وأن بنى سبأ نحوا هذا النحو سواء بسواء. ولكن ذلك معناه استحالة قيام هذه النظرية بأى شكل من أشكالها. رقم الإيداع بدار الكتب 9529/ 1996 ISBN 977 - 01 - 4952 - 7

أما رأى كليزر القائل بأن بنى معين كانوا قد بدأوا فعلا فى الاضمحلال بعيد الحكم الهكسوسى (المصدر المذكور ص 451) حوالى نهاية القرن الأول قبل الميلاد (ص 22 و 69 و 93 و 95 و 232) أو أنهم غدوا فى الواقع قوما ذهبت ريحهم (Arabien: Weber ص 31) فرأى مردود بفضل رواية أرتميدورس (استرابون، جـ 16، ص 776) والشواهد التى اقتطفها كتاب آخرون من أغاثرخيدس (الفصل 87 و 97 فى الوسط) عن نشاط بنى معين التجارى وثروتهم, ورواية بليناس عن استقلالهم بأمر أنفسهم عن سبأ ومنافستهم لها فى تجارة اللبان، بل بفضل تلك الحقيقة التى لها دلالتها والتى تعارض قول كليزر معارضة أقوى وأشد، وهى أن بطلميوس يقول عن بنى معين دون سائر شعوب جنوب بلاد العرب إنهم "شعب عظيم جدًا"، وكذلك فإن تابوت الجيزة المعينى الذى يدل على أن بنى معين كانوا ما يزالون يزودون بالطيب المعابد المصرية أيام بطلميوس، والنقش المعينى واليونانى على دلوس Delos الذى يرجع إلى القرن الثانى قبل الميلاد والذى يسجل إقامة مذبح لآلهة بنى معين، يناهضان مذهب كليزر كما يقول بريتوريوس بحق (W.Z.D.M جـ 63، ص 220)، كما أنهما باتفاقهما والأسانيد اليونانية والرومانية يدلان على أن بنى معين بلغتهم وثقافتهم قد ظلوا على قيد الحياة حتى القرن الثانى قبل الميلاد، وربما كان العمر قد تأخر بهم إلى ما بعد ذلك. ثم إن خط النقوش القديمة ونحو لغته لا يؤيدان النظرية المعينية. وكان مولر D.H. Muller أول من أشار إلى أن ما كتب من نقوش بنى سبأ فى سطور متتابعة يبدأ الواحد منها من اليمين إلى اليسار والآخر من اليسار إلى اليمين وهكذا دواليك هو أقدمها من حيث تأريخ بنى سبأ، وهو يدل فى الوقت نفسه على أقدم أشكال الحروف. وقد عارض مورتمان (Beitrage: Mordtmann, ص 107)، رأى هومل (A.A: Hommel ص 22 وما بعدها؛ Chrestomathie ص 2، 6) القائل بأن نقوش بنى معين أقدم من حيث النحو والكتابة القديمة من نقوش بنى سبأ، وذهب إلى أن نقوش

بنى معين الباقية أحدث زمنا من أقدم النصوص السبئية، وهى أيضًا متقدمة فى الزمن على نصوص بنى سبأ التى يرد تأريخها إلى العصر المتأخر (الموضع نفسه، ص 11، التعليق 2) كما ذهب إلى أن النتائج التى خلص إليها هومل من الخط القديم للنقوش المعينية مجافية للحقيقة إلى حد بعيد. وقد أصر مورتمان أيضا (المصدر المذكور، ص 106, Z.D.M.G جـ 47، ص 400) على أن القول القائل بأن نقشًا واحدًا من نقوش بنى معين الباقية (أو التى كانت معروفة حتى ذلك الحين) هو الذى كتبت سطوره من اليمين إلى اليسار ثم من اليسار إلى اليمين، لا تؤيد الزعم بأن هذه النقوش قديمة جدًا إذا هى قيست بنقوش بنى سبأ. على أنه يجب ألا يغرب عن بالنا بطبيعة الحال أن ثمة نصوصا كتبت سطورها من اليمين إلى اليسار ثم من اليسار إلى اليمين، وهذه النصوص أقدم من النصوص العادية التى كتبت من اليمين إلى اليسار، وقد تظهر فى أبجدية بنى معين احيانا أشكال أقل من غيرها تهذيبًا إلا أنه من المسلم به (مثال ذلك ويبر فى مصنفه، ص 11) أن أشكال الحروف المعينية تتفق على الأجمال تمامًا والحروف السبئية التى ترجع إلى أقدم العصور. وثمة سمات مهجورة تتسم بها اللغة المعينية إذا هى قورنت بلغة بنى سبأ (انظر موضوع الاختلافات فى اللغة بين الشعبين مولر Burgen: D.H.Muller، ص 1009، وكان مورتمان Mordtmann دقيقا بصفة خاصة فى ملاحظته اللغوية، المصدر المذكور، ص 107 وما بعدها، Z.D.M. G. جـ 52، ص 400؛ هومل Hommel: Grundriss، ص 123، التعليق 3). ومع ذلك فقد أكد هومل (فى A.A. ص 23) أن نقوش بنى معين قد تكون متأخرة عن نقوش بنى سبأ أو معاصرة لها، إذ أن الأشكال القديمة عندهم شأنهم فى ذلك شأن غيرهم يجوز أن تكون قد بقيت حتى أكثر العصور تأخرا (انظر أيضا مورتمان Mordtmann ص 115، عن القول الأكثر من هذا تحفظا، وهو يذهب إلى أن اللغة المعينية احتفظت بمفردات أقدم من ذلك؛ وانظر ص 11 عن الأشكال

المهجورة فى خط هذه اللغة)، ولا تدعونا الحال إلى الاهتمام بالأشكال المختلطة التى ترد إلى أصل متقدم على هذا أو متأخر عنه، وهى الأشكال التى ترد فى النص الواحد. وليس ثمة سند وجيه واحد من الأسانيد التى دعم بها كليزر نظريته (وقد فصلت هذه الأسانيد فى ويبر، المصدر المذكور، ص 17) ويعول كليزر ومؤيدوه تعويلا كبيرا على ما لوحظ من أن النصوص المعينية قلما تذكر بنى سبأ كما أن النصوص السبئية يندر أن تذكر بنى معين. على أننا نجد ما يفسر ذلك من ناحيتين: الناحية الأولى وهى العلاقات التى كانت قائمة بين هذين الشعبين المتنافسين (Burgen: D.H.Muller، ص 1031؛ Hartmann، المصدر المذكور، ص 135)، والناحية الثانية وهى أن "مادة هذه النقوش التى لا تعد من الحوليات بأى حال من الأحوال، لا تترك إلا مجالا قليلا لذكر هذه الأمور، (مورتمان Mordtmann، المصدر المذكور، ص 115، التعليق 1) إذ أن النصوص التى بقيت لنا من هذا العصر تتحدث بوجه خاص عن العمائر وعن الشئون الدينية، ذلك أنها كانت نقوشًا عارضة أو نقوشًا خاصة بموضوعها فحسب، ولم تتعرض للشئون الخارجية إلا فيما ندر (ليدزبارسكى Lidzbarski، المصدر المذكور، ص 102)، بيد أن هذه الإشارات القليلة كافية جدًا لحسم المسألة الجوهرية التى نحن بصددها. ومما يستحق الذكر أن كريمه (Grimme، المصدر المذكور، ص 17) ما زال يرى رد تاريخ أقدم ملوك بنى معين إلى ما قبل سنة 1500 قبل الميلاد بكثير، إلا أن غيره من مؤيدى هذا المذهب فى حسابهم لأقدم تاريخ قامت فيه مملكة بنى معين، قد اتجهوا الاتجاه الآخر، وعينوا هذا التاريخ بسنة تقل بكثير عن السنة التى عينها كليزر؛ وقد استمسك ونكلر فى الطبعة الأولى من كتاب هلمولت (Westasien: Helmolt ص 224) بقوله أنه من المستبعد أن يكون عهد بنى معين قد بدأ بعد سنة 1500 قبل الميلاد (انظر ص 245)، إلا أن ويبر كتب فى الطبعة الثانية من هذا الكتاب وفى الفقرة نفسها عبارة ذات مغزى (ص 235) وهى "من العسير أن نجعل التاريخ بعد سنة 1200 قبل الميلاد"

(انظر ص 237) وظل هومل يعين تأريخ انهيار مملكة بنى معين حوالى سنة 650 قبل الميلاد (الموضع نفسه، ص 396) ويقول إن نقوش جنوب بلاد العرب (ص 294) "تبدأ من سنة 800 ق. م على الأقل، على أنه من الأرجح أنها تبدأ قبل ذلك بقرون عدة، بيد أنه عاد فيما بعد فقال إن فرض كليزر من شأنه أن يرد تاريخ مملكة بنى معين إلى ما بين سنتى 1200 و 700 قبل الميلاد على الأقل (وفى Explorations، ص 729، يعين هذه الفترة أيضًا بقوله إنها ما بين سنتى 400 و 700 ق. م) كما أنه يجعلنا على أكثر تقدير نسلم بأن "أقدم نقوش سبأ كانت معاصرة لأحدث نقوش معين، ويقول لدزبارسكى Lidzbarski عن دفاع ويبر البارع إنه من غير المحتمل أن يكسب هذا الدفاع أنصارا آخرين للنظرية المعينية، بل إن ويبر نفسه لم يجد بدا من الاعتراف Glasers Forschungsreisen ص 30 بأنه "لم يظهر بعد دليل واضح يؤيد رأى كليزر" ونحن نعارض هذه النظرية ونتفق تمامًا مع المصادر اليونانية والرومانية ومصادر جنوب بلاد العرب القديمة. نعم نحن نؤيد كل هذه المصادر كل التأييد ولا نجد بدا من انتهاج نهج مولر D.H.Muller , فنقرر أن مملكة بنى معين كانت قائمة فى عصر واحد مع مملكة بنى سبأ، وأن بدايتها لا ترجع فى القدم إلا إلى القرن الثامن قبل الميلاد على أكثر تقدير (انظر مثلا مورتمان Mordtmann فى W.Z.K.M، جـ 8، ص 371، هارتمان Hartmann المصدر المذكور، ص 132 إلى إلخ) ولم ينته أجلها حوالى عام 230 قبل الميلاد (كما يقول هارتمان، المصدر المذكور، وكذلك هورتمان فى Z.D.M.G.، Anzeige جـ 44، ص 184، Beitrage ص 106. "بعد إراتوستينيس مباشرة). بل ظلت قائمة إلى القرن الثانى قبل الميلاد على الأقل، وكانت منافسة سبأ لمعين (وقتبان)، ثم لبنى حمير بعيدة الأثر فى تاريخها؛ يصور لنا نقش صرواح العظيم (كليزر رقم 1000) عهد الانتقال من أقدم عصور سبأ، وهو ما يسمى بعصر المكرّب وعصر الملوك الكهنة، والعصر التالى له الذى كان الملوك فيه يقيمون فى مأرب، معاصرين لملوك قتبان وحضرموت، ويطلق عليهم اسم

"ملوك سبأ" (للتعبير عن تحرر الملكية من الكهنوت) والذى يمكن تعيين بدايته بحوالى عام 500 قبل الميلاد. وقد سبق أن ألمعنا إلى العصر التالى (الحميرى)، وهو عصر ملوك سبأ وذى ريدان (نسبة إلى تل ريدان أو حصنه الوراثى، ونجد الاسم فى السنسكريتية أيضا دريو دهنه [فى الكتاب الثانى من المهابهارتا] والعصر الأخير (من عام 300 الميلادى إلى نهاية استقلال حضرموت وهو عصر "ملوك سبأ وذى ريدان وحضرموت ويمنات") وكانت سبأ قد أخذت تغيب عن ذاكرة العالم العربى فى العهد الذى ظهر فيه الإسلام. وسرعان ما أضحت فى نظر الإسلام صدى من أصداء الماضى، بل جوهر العصر الجاهلى نفسه الذى أصبح موضع عناية العلماء وغيرهم، وكان السبب فى انهيار المملكة القديمة إلى غير رجعة، تلك المملكة التى كان الفرس والأحباش قد بدأوا فى تقويض دعائمها؛ وقد وجه الدين الإسلامى الجديد جلّ عنايته إلى محو كل ذكرى للعصر الوثنى، سواء النُصب الحجرية أو الآثار الأدبية ثم إن المحو لم يخل كذلك من الرغبة فى جر ذيول النسيان على اللغة القديمة؛ وهذا كله هو السبب، كما يقول شبرنكر بحق، (المصدر المذكور، ص 244) فى أن البحث فى المصادر العربية عن أية معلومات وثيقة عن سبأ من قبيل الجهد الضائع؛ وقد قدر كليزر (Skizze: Glaser، جـ 2، ص 159)، وهو أعظم من وفق إلى كشف النقوش، القيمة النسبية لشتى مصادرنا عن سبأ تقديرا دقيقًا لا تفاوت فيه إذ قال إنه لا يتاح لنا رسم صورة صحيحة للماضى بالرجوع إلى روايات العرب التى لا نجد فيها من المعلومات ذات القيمة إلا القليل، فضلا عن أنها مضللة فى أغلب الأحيان، أو بالرجوع إلى القصائد التى نظمت قبيل الإسلام وبعده مباشرة، وإنما يتاح لنا ذلك بالرجوع إلى "النقوش القديمة والروايات القليلة التى خلفها لنا الكُتاب اليونان والرومان فحسب؛ ويمكننا أن نقسم الإشارات القليلة التى وردت فى كتب المؤلفين العرب إلى قسمين كبيرين، يتألف أحدهما من بيانات جغرافية وتاريخية قيمة عن بقايا العمائر السبئية وتفصيلات عن تاريخ

سبأ القديم تتضمن معلومات عن الآثار القديمة، ويتألف الثانى من أساطير أخرى أقل شأنا من هذه بكثير، وهى التى بقيت ماثلة فى الروايات بعد زوال الثقافة السبئية وتسربت إلى الإشارات شبه التاريخية الخاصة بشئون دولة حمير، وهى الدولة التى كانت أقرب إلى سبأ فى الزمن؛ والهمدانى هو مصدرنا العمدة فى مادة القسم الأول، ذلك أنه من دون المؤلفين العرب جميعًا، يسوق لنا أكثر البيانات تنوعا عن سبأ وأعظمها قيمة فى كتابه "صفة جزيرة العرب" الذى يعد أهم مصادرنا المكتوبة عن جغرافية بلاد العرب بوجه عام؛ وقد أملى عليه وفاؤه لوطنه (وهو اليمنى من أهل صنعاء) الاهتمام بالعمائر القديمة وغيرها من آثار جنوب بلاد العرب التى كانت لا تزال موجودة فى زمنه، فجمع كل ما كان له علاقة بها فى مصنفه "الإكليل" ولو أن معلوماته فى ذلك قد شابتها الأساطير؛ والإكليل تاريخ لليمن ووصف لآثاره؛ وكان مولر D.H.Muller أول من نشر ذلك الجزء من الكتاب الثامن من الإكليل الذى ما زال باقيا والذى يصف فيه الهمدانى الحصون (النص العربى وترجمته الألمانية مع مذكرات تفسيرية Die Burgen and Schlosser Sudarabiens nach dem Iklil des Hamdani S.B.AK Wien, 1879 وجـ 94، ص 335 ما بعدها وجـ 97، 1881 م، ص 995 وما بعدها)؛ وزاد مولر عليه تعليقات إضافية استقاها من الكتاب العاشر الخاص بأنساب همدان، كما زاد عليه فقرات تفسيرية من "صفة جزيرة العرب". ويروى الجزء الأول أول ما يروى وصف الهمدانى لغُمْدان وصنعاء؛ ويستشهد الهمدانى بأشعار قيلت فى غمدان، ثم يروى قصة بناء سام لهذه القلعة، ويقص روايات جنوب بلاد العرب عن صنعاء، ثم يتابع كلامه فيذكر معلومات أخرى عن جو البلاد وحفظ الطعام فيها، وتفصيلات عن خطة صنعاء وآثار قلعة غمدان ويستشهد بأشعار قيلت فيها؛ ويتجلى فى هذه الأشعار أثر الأساطير التى ظلت عالقة بالقلعة بوصفها من عجائب العمارة، ثم يتحدث الهمدانى عن "شبام يَسخُم، والآثار القديمة، والقصور المنيفة فى شبام، ثم يتحدث عن شبام بيت أقْيان (انظر الوصف فى صفة

جزيرة العرب وفى ياقوت، المعجم، جـ 4، ص 437، وجـ 3، ص 248 وما بعدها)، ويأتى بعد هذا وصف ناحية ضَهْر، وبيت حَنْبَس انظر البكرى، طبعة فستنفلد Wustenfeld ص 198، وانظر الجزيرة) وحَدَقان، ورِضاع، وصرواح، وهى قلعة من أشهرَ قلاع اليمن (وقد استشهد ببعض الأشعار التى قيلت فيها) وغَيمَان (وقد ذكر رواية بنى حمير عن أسعدتبع التى رواها كريمر Kremer كاملة المصدر المذكور ص 86 وما بعدها) ودامغ، وظفار وغيرها من الحصون؛ وأتبعها بثبت قصير عن حصون سرو (نجاد بنى حمير) وحضرموت؛ ولوصف الهمدانى مأرب وسبأ شأنه لما اشتمل عليه من معلومات، وقد استند إليه مولر (جـ 2) فحاول أن يلقى ضوءًا أكثر على عدة أمور تتصل بسبأ القديمة، وسعى بوجه خاص إلى أن يبين أن النقوش هى التى يجب أن نعول عليها فى تحديد أثبات ملوك سبأ أكثر مما نعول على البيانات التى جاءت فى روايات العرب. ويتحدث الهمدانى فى وصفه عن حالة آثار السد والفيضان الذى أتلفه، وحصون مأرب (مع الاستشهاد بأشعار قالها الشعراء)، أما بيانات الهمدانى عن منشئ هذا السد، وهى بيانات لا سند لها من التاريخ (زعم أنه لقمان ابن عاد، وهو شخص أسطورى) فقد صححتها شهادة النقوش التى ذكرت أن منشئها هو ايثعمر بيّن؛ ومما هو جدير بالذكر أن وصف أرنو Arnaud لآثار السد ورواية هالفى Halevy تتفقان مع رواية الهمدانى فى التفصيلات الجوهرية، ويقول الهمدانى عن حصن رَوْثان اليمنى (بين الجوف ومأرب) أنه كان فى وقت الأوقات لأسرة نَشق (وقد ذكر عنها بعض المعلومات أيضا فى الكتاب العاشر؛ وقد اعتمد عليه فى ذلك أيضا نشوان فى كتابه "شمس العلوم" Muller. المصدر المذكور، جـ 2، ص 1001، التعليق 3) وذكر فى منطقة بنى معين حصى بَراقش ومعين (مع شواهد من الشعراء). ويشتمل كتاب صفة جزيرة العرب أيضا على تفصيلات جغرافية عن إقليم سبأ، بيد أنها لا تمكننا من تكوين فكرة شاملة مقنعة، شأنها فى ذلك شأن

الملاحظات المبعثرة فى مصنفات الجغرافيين العرب المتأخرين، ذلك أنها كلها أو جلّها تشتمل على أسماء قائمة بذاتها، ومن ثم فإنه يصعب علينا أن نخرج منها بفكرة عامة؛ وقد لاقى مولر D. H. Muller عند نشره للنص (جزءان، ليدن، 1889 - 1991) صعابًا جمَّة من جراء ذلك؛ واستطاع كليزر الذى نهج نهج سلفه شيرنكر من حيث تعويله على الهمدانى تعويلا كبيرا، أن يتحقق بعد من قراءات هذه النسخة، على الطبيعة فى المناطق التى طوف فيها معتمدا على مشاهداته هو وشهادة أهل البلاد. أما الأصداء القليلة من تاريخ العصر السبئى التى بقيت فى روايات العرب منثورة كانت أو منظومة فتخرج عن نطاق بحثنا، ذلك أنها بدت فى صورة الأساطير وإن تفاوتت فى ذلك؛ وقد جمع كريمر (A.v.Kremer، المصدر المذكور، وانظر مصنفه Altarabische Gedichte uber die Volkssage von yemen ليبسك 1867) المعلومات الجوهرية عن الموضوع؛ ونجد فى الروايات أيضا ما يماثل القصص اليونانية (انظر مثلا كريمر. ص 150، عن "ذى فائش") وقد نسب إلى الملكة بلقيس بناء السد فى مأرب أو على الأقل تحسينه؛ وسرت الأساطير إلى الفيضان أيضا. وتقسيم المؤرخين العرب تاريخ اليمن قبل الإسلام إلى ثلاثة عصور (يمتد الأول إلى تبع أبى كرب، والثانى إلى ذى نواس، والثالث إلى ظهور الإسلام) يمثل بعدُ التقسيم الواقعى إلى العصر السبئى، والعصر الحميرى، والعصر الحبشى الفارسى (Burgen: Muller, جـ 1، ص 338) بل إن الأثبات الخاصة بملوك بنى حمير التى نقلها هؤلاء المؤرخون ليس لها شأن علمى، وهى على أحسن الفروض تنقل بعض الأسماء القديمة التى اصطنعها النسابة، ولكن لا يمكننا أن نصفها بالدقة من الوجهة التأريخية؛ زد على ذلك أن الأثبات الخاصة بهؤلاء الملوك إنما تشير إلى العصر المتأخر من تاريخ بنى حمير (الموضع نفسه، جـ 2، ص 981 و 997). ويهمنا أكثر وأكثر ما ورد فى مصنفات المسلمين من معلومات عامة

عن الحياة الاجتماعية والاقتصادية فى سبأ القديمة وفى سبأ الأحدث عهدا من دلك، فهى تتمشى مع النقوش والمصادر اليونانية والرومانية. وتتفق نتائج الاستكشافات التى تمت فى البلاد نفسها والمصادر المختلفة القديمة المكتوبة فى الدلالة على أن بنى سبأ بزوا شعوب العرب جميعًا فى علو الشأن قبل الإسلام، وخاصة الشعوب الأربعة فى جنوب بلاد العرب التى عرفها اليونان أنفسهم. وتتالف الآثار التى بقيت من تلك الحضارة التى كانت فى يوم من الأيام من أرقى الحضارات، والتى يرجع إليها معظم الفضل فى ما كان لسبأ من شأن فى التاريخ. من النقوش التى وجدت منذ قام أرنو Arnaud برحلته الاستكشافية، ومن التماثيل وآثار الأروقة ذات العمد، والقصور، والمعابد، وأسوار المدينة، والأبراج، والمرافق العامة وخاصة منشآت المياه ونحو ذلك، وهى تؤيد الصورة الرائعة التى رسمها أغاثر خيدس ومن جاءوا بعده من الكُتَّاب عن ثقافة بنى سبأ، بل إنها تدلنا فى الوقت نفسه على أن أساطير الروايات الإسلامية نفسها عما كان لمملكة بنى حمير من مجد لها سند من التاريخ. ومن الأدلة البارزة على ذلك فى كتب العرب وصف غمدَان فى الهمدانى، وقد سبق لنا ذكره، والإشارات الواردة فى الشعر إلى هذا الحصن الذى بلغ الإعجاب به حدًا عظيما (انظر Burgen: Muller, جـ 1، ص 345 وما بعدها) وكذلك الإشارات إلى الحصون الأخرى فى سبأ مثل سَلْحين وبَيْنون، وقد أيدت شهادة النقوش وأوصاف العرب لحصون سبأ ملاحظات أغاثرخيدس عن العمائر الرائعة التى كانت للملوك والأشخاص فى سبأ. وتخلد هذه النقوش إلى حد كبير ذكرى بناء البيوت (والقصور) والحصون؛ وكان سد مأرب الأشهر من المرافق العامة التى أقيمت للنهوض بالزراعة مثل الحواجز والسدود؛ وقد قام أهل جنوب بلاد العرب القدماء بأعمال جليلة فيما يتصل بالرى إذ كانت زراعتهم تتوقف على الرى الصناعى، وكثيرا ما ورد ذكر هذه الأعمال فى نقوش جنوب بلاد العرب (انظر الإشارات التى جمعها هارتمان،

المصدر المذكور، ص 398 وما بعدها والمناقشات والبحوث التى أوردها رودوكاناكيس Studien: Rhodhokanokis، جـ 2، ص 78 وما بعدها مثلا الخ)، وما زالت الصهاريج التى بقيت من العصر الحميرى قائمة فى جنوب بلاد العرب إلى يومنا هذا. وقد ألقت استكشافات هالفى ومشاهداته، وخاصة استكشافات كليزر ومشاهداته، ضوءًا جديدًا على هذه الحضارة منذ أن قام أرنو برحلته. والفضل فى بزوغ شمس هذه الحضارة راجع إلى صناعة بنى سبأ وتجارتهم وخاصة زراعة اللبان؛ وكانت الأرض تهيئ كل الأسباب التى تكفل زراعتها. وفى رواية الهمدانى (الجزيرة، ص 51، سطر 8) أن اليمن كانت تسمى الخضراء نظرًا لوفرة أشجارها وفاكهتها ومحاصيلها (انظر ابن الفقيه: كتاب البلدان؛ المكتبة الجغرافية العربية، جـ 5، ص 24)، بل إننا نجد فى التكوين الطبيعى للبلاد تعليلا مقنعا كل الإقناع لما وصف به أغاثرخيدس سبأ من وفرة نباتها. واعتدال الطقس وطيب المناخ داخل اليمن وحضرموت ينبت خضرة يانعة على منحدرات التلال وفى الوديان، وتشهد روايات الرحالة المحدثين أيضا بخصب تربة اليمن وكذلك بالنقص الذى طرأ على غاباتها، ويستند المسعودى على المصادر الأقدم منه فيصف سبأ بأنها أكثر بقاع اليمن رخاء وخصبًا وهى غنية بحدائقها ومزارعها ومروجها ومناخها بديع (انظر كريمر المصدر المذكور ص 10 التعليق 1) ويتفق هذا الوصف تمام الاتفاق وما قاله أغاثرخيدس فى الإشادة بثروة سبأ. وقد نوه الهمدانى بذلك الطقس الواحد الذى يسود إقليم صنعاء (Burgen: Muller، جـ 1، ص 343) وقال كليزر وغيره من الرحالة إن جو النواحى الكثيرة الارتفاع فى اليمن معتدل يناسب الزرع. ونجد فى نصوص التوراة التى مر بنا ذكرها والتى تقول إن بنى سبأ كانوا يصدرون اللبان والذهب والأحجار الكريمة إلى مصر وسورية مصداقًا لقول أغاثرخيدس إن بنى سبأ كانوا يزودون البطالمة والسوريين بالذهب، ويزودون الفينيقيين بالسلع

بشتى أنواعها، وكان جنوب بلاد العرب منذ أقدم العصور مصدر اللبان. وقد قدر لبنى سبأ خاصة، بوصفهم سكان أخصب بقاع الجزء الجنوبى من اليمن واصحاب أرض اللبان، أن يتاجروا فى الطيب بوجه خاص؛ ونجد فى سفر الملوك الأول (الإصحاح 10، الآية وما بعدها) الفكرة التى قال بها إسترابون (جـ 16، القسم 4، الفصل 19 و 22) من أن تجارة الطيب كانت مصدر ثروة بنى سبأ، وكانت أدنة مركز التجارة العظيم بين الهند ومصر (. . .)، ص 26 Ptolmy، جـ 6، ص 7، سطر 9، Mela، جـ 3، ص 8 سطر 6؛ Pliny، جـ 6، ص 159، Philostorgius، Hist.eccl جـ 3، ص 5) وما زالت عدن المركز الطبيعى للدائرة التى تتكون من إفريقية وبلاد العرب وأرض الجزيرة والهند، (ويتحدث شميدت خطأ عن تدمير الرومان لأدنة فى القرن الأول الميلادى، انظر Was sudwestl Arabian: W.Schmidt، فرانكفورت. a,M ,1913، ص 101، وقد نهج فى ذلك نهج مومسن Mommsen: Romische Geschichte, جـ 5 ص 611)؛ وتؤيد الإشارات الواردة فى النقوش عن الأوانى المقدسة المصنوعة من الذهب والفضة والكشف عن الذهب فى القرون الوسطى (الهمدانى، الجزيرة، ص 79، وانظر Burgen: Muller جـ 2، ص 1008 , Sudarabische Studien ص 135 وما بعدها، Sprenger، المصدر المذكور ص 56 وما بعدها) واستخراج التبر بغسل الرمال وهو ما ذكره هالفى وكليزر، ثم الكشوف الأثرية لسكة بنى سبأ المصنوعة من الذهب والفضة ولحجارتهم الكريمة (انظر فيما يتعلق بالحجارة الكريمة: الهمدانى، المصدر المذكور، Burgen: Muller جـ 1، ص 366 و 374، Sudarabische Alter tumer، فينا 18999، كليزر Glaser المصدر المذكور، ص 367، لندبرك Arabica: Landberg جـ 5، ص 128؛ وانظر فيما يختص بالسكة La tresor de sana: Schlumberger، باريس 1880؛ Sudarabisch Altertuner: DH.Mullet فينا 1899، ص 65 - 78 اللوحة 14؛ E.S.G,Robinson فى Numismatic chro. nicle , 1923، ص 365 - 386،

368؛ Brit. Mus. Cat COins Of Arabia 1922: G.F. Hill، فى مواضع متفرقة؛ المؤلف نفسه: Ancient Coins Of South Arabia فى Proceed of Brit Acad، لندن 1915) كل ذلك يؤيد الروايات التى نقلها ديودورس عن استرابون (ناهجًا نهج اغاثر خيدس) بخصوص الأبواب، والأسوار، والسقوف، والجدران ذات العمد التى كانت فى منازل بنى سبأ وكانت مرصعة بالذهب والفضة والأحجار الكريمة، وبخصوص أوانى الشرب وغيرها من أوانى البيت الأخرى الغالية المصنوعة من الذهب والفضة، كما تؤيد الإشارات التى وردت فى المصنفات اليونانية والرومانية والعربية (وقد تقدم بنا ذكرها) عن وجود الذهب فى حالته الطبيعية (والفضة فى رواية الهمذانى) [انظر شبرنكر، المصدر المذكور، ص 58 و 283 وما بعدها] وغيره من المصادر، وفى رواية المصادر الحديثة أيضًا [الموضع نفسه ص 158]. وكذلك انصرفت البحوث إلى الحياة الاقتصادية فى جنوب بلاد العرب القديمة أيضًا وكان رودوكاناكيس أول من تناول بالدراسة المنتظمة الشئون الاقتصادية وما يتصل بها من المسائل الشرعية مستمدًا معلوماته من النقوش Die Bodenwirtschaft فى Studien جـ 2، وفى مقالاته المتأخرة [وقد سلف ذكرها] ونتبين من هذه البحوث أنه كان فى جنوب بلاد العرب القديمة نظام محكم لتدبير أمور الزراعة وإدارتها أملته المصالح القومية، ونخص بالذكر ذلك الأسلوب الدقيق فى توزيع المياه وفى فلاحة الأرض ونستطيع من هذا أن ندرك ما كان يقوم عليه العمل أيضا من نظام بالغ الإحكام، وأن نستبين أحوال الملكية والآراء الشرعية، والنظام الاقتصادى فى الدولة وفى المعابد؛ ومن الأمور ذات الشأن من الناحية التاريخية أن نظام إدارة الأرض ودستور البلاد (فى جوهرهما على الأقل) كانا على نسق واحد فى جميع دول جنوب بلاد العرب القديمة. وقد أوحت بحوث رودوكاناكيس فى الأحوال الإقتصادية إلى كرومان A.Grohmann القيام بدراساته التى نشر نتائجها فى مصنفه الذى أسلفنا ذكره (وقد نشر نموذجًا منها فى كتابه Die

المصادر

altorientalische Agrawirtschaft فى Berichte des Forschung sinstitutes fur Osten und Orient، جـ 2، فينا, 1918، ص 34 وما بعدها) وهو يتحدث فيه عن الأرض (تكوينها الجيولوجى ومناخها وموارد المياه فيها) وعن السكان وحاصلات البلاد (وخاصة النباتات العطرية) وعن الثروة المعدنية والصيد وتربية الماشية والزراعة، ومما له قيمة بصفة خاصة الإشارات الكثيرة المنقولة من النقوش ومن المصادر المكتوبة ومن كتب الرحالة (ويدخل فى ذلك مصنفات بقلم كليزر ما زالت مخطوطة) وقد اتخذ كرومان Grohmann مجالا للبحث أوسع بكثير مما اتخذه شميدت Schmidt الذى عنى أشد العناية فى كتابه (وقد مر بنا ذكره) بالجغرافية الاقتصادية؛ وهو يتناول التجارة والصناعة الحديثتين عن دراية خاصة. المصادر: (1) انظر فيما يتصل بالمؤلفات إلى المصادر التى أسلفنا ذكرها فى صلب المادة وخاصة النقوش (والمجموعة الرئيسية منها هى Corpus. Inscript. Semit، جـ 4، المطبوعة فى باريس)، وفيما يتصل بالمصنفات التاريخية والجغرافية واللغوية الهامة انظر شبرنكر Geographie: Sprenger. (2) Burgen und schlosser: D.H.Muller (3) Aufaatze und Abhandlungen (1: Hommel (ثلاثة أجزاء 1892 - 1901) Chres tomathie(2؛ 3)-Explorations in Arabia' 4) Grundeiss (4) Skizze: Glaser, جـ 1، وقد نشر الجزء الأول منفردا عام 1889). (5) SahaIsdze Denkmaler: J.H. Mordtmann D.H.Muller، فينا 1883. (6) Beitrage zur minaischen Epigraphik Semitisx Studien: J.H. Mordtmann طبعة بزولد C.Bezold جـ 12، فيمار Weimear 1897). (7) Die arabische Frage: M. Hartmann (8) Otto Weber: رسائل (عن بلاد العرب والرحلات الاستكشافية فى Der Sudarabischen (Alte Orient Studien zur Mitt. V.AG,3 - 1 Altertums kunde

(9) Abhandlungen: Rhodokankis، وكذلك مصنفا Kremer ومصنف Landberg: Arabica ليدن 1897 و 1898. (10) ومن المصنفات العربية الهمذانى: الإكليل وصفة جزيرة العرب (طبعة D.H.Muller). (11) وقد أورد هومل Hommel فى مصنفه Chrestomathie (ص 63 - 88) مصادر كاملة أو تكاد لآثار جنوب بلاد العرب (بما فى ذلك سقطرى) من سنة 1892، وأتم ويبر weber هذه المصادر (حتى سنة 1907) (Studien, جـ 3، 1908، حيث وعد فى ص 70 أن يكمل عمل هومل؛ وقد أوردنا ذكر بعضها فيما يلى) ويجب أن نقتصر هنا على الاستشهاد بالكتب والمقالات التى تعد من حيث تتابعها معالم فى طريق تقدم البحوث التى تتصل بأرض سبأ وبنى سبأ، وبالمصنفات الأحدث عهدًا (منذ سنة 1908)؛ ويجمل بنا أن نحيل القارئ إلى هاتين المجموعتين وإلى الأبحاث التى نشرت فى ZDMG (من سنة 1908 وما بعدها) إذا شاء الرجوع إلى المئات من المقالات الخاصة وجلها لغوى الصبغة، أو إذا شاء الرجوع إلى ما طبع من النقوش. ونذكر فى هذا المقام من روايات الرحالة: (12) Auszug aus einem Briefe. . . Seetzen's an Herrn v.Hammer مع لوحة واحدة فى Fundgruben des Orients جـ 2، فينا 1811، ص 275 وما بعدها. (13) J. R. Wellsted 1) . Occount (لوحة واحدة)، J.A.S.B جـ 3، 1834، ص 554 وما بعدها، 2) Narrative of a -journey . . . to the ruins of Nakab al Hajar(لوحة واحدة) فى J.R. Geogr soc.، 1837، جـ 7، ص 20 وما بعدها. (14) المؤلف نفسه: Travels in Ara bia لندن 1838. (15) Reisen in Arabien: Wellsted، الطبعة الألمانية، الخ، بقلم E.Rodiger هال 1842. (16) Transactions of the A.S.B. 1834: Carter (17) C.J.Cruttenden: 1) Narrative of a journey from Mokha to san'a (لوحة واحدة)، J.R. Geogr. Soc 1838، جـ 8، ص 267 وما بعدها 2) Journal of an

Excursion to san'a فى Proceed. of Bomb Geogr.Soc. 1838 (18) Relation d'un voyage danst l'Yemen: P.Botta، باريس 1841. (19) Relation d'un voyage a Mareb: Th. S. Arnaud فى J.A، 1845، المجموعة 4، جـ 5، ص 211 وما بعدها (نشرها مول Mohl؛ انظر فيما يلى تحت Fresnel. (20) Mission dons L'Yemen: Riv.d'Egypte، جـ 1, 1894؛ جـ 2، 1895. (21) Notice sur le voyage de M. de Wrede dans la vallee de Dodn: F. Fresnel فى J.A.1845 المجموعة 4، جـ 6، ص 386 وما بعدها. (22) Lettre de M . . . de Wrede . . . sur son voyage en Arabie فى Bull de la Soc . de Geogr, 1845، المجموعة 3، ص 41 وما بعدها (من رسائله: A.V.Wrede's Reise in Hadramaut بقلم H. V.Maltzam برونشثيك 1870، وفيه لوحة). (23) Erdkunde: K. Ritter , جـ 8، برلين 1847 (بحث شامل أساسه كل ما كان معروفًا وقتئذ من الروايات عن بلاد العرب). (24) Eben Safir (انظر ما تقدم). (25) Rapport sur une mission archeologique dons le Yemen (1: J.Halevy فى J.A, 1872 المجموعة 6، جـ 19, (Itineraire ص 8 وما بعدها، Classement des Inscriptions، ص 60 وما بعدها؛ Inscriptions Sabeennes، ص 129 وما بعدها، Traduction ص 489 وما بعدها 2) Nedjran Voyage du فى Bull. de la Soc. de Geogr، 1873 المجموعة 6، جـ 6، 1877؛ جـ 13. (26) W.Munzinger و S. B. Miles: Accounto of an Excursion into the Interior of Southern Arabia فى J.R.Geogr. جـ 41. (27) Reise nach Sudarabien: H. V. Maltzan برونشفيك 1873. (28) Notes of a Journery in Yemen: Ch. Millingen, فى J. R. Geogr. Soc 1874، جـ 44.

(29) El Yemen, Tre anni nell' Arabia Felice: R. Manzoni رومة 1884. (30) Schapiras Reise in Yemen: H. Kieperi فى Globus، 1880، جـ 38، ص 183 وما بعدها. (31) Reieberichte aus Syrien und Arabien: S.langer فينا 1883. (32) E.Glaser: Meine Reise durch Arhab und Haschid (1 فى petermanns Geogr. Mitt 1884، جـ 3، ص 170 وما بعدها و 204 وما بعدها، 2) Von a'Hodeida nach San الموضع نفسه، 1886، جـ 32، ص 1 وما بعدها و 32 وما بعدها، 3) Uber meine Reisen in Arabien فى M.G.G.W 1887، ص 18 وما بعدها و 77 وما بعدها، 4) E GlasersReise nach Marib بقلم F.Hommel , z Munch Allg. Ztg. Beil 1888، رقم 293 و 294، 5) uber die vierte Bericht Ges. z Forderung Reise Mitteil. der. wissensch . . . in Bohmen deutscher أول نوفمبر عام 1894، 6) Bericht uber einen Vortag Glasers uber seine vierte .z Munch Allg. Ztg Reise, Beil، 1894، رقم 97؛ 7) E. Glasers Reise nach Marib طبعة D. H. Muller و N. Rhodokanakis، فينا 1913 (Sammlung E. Glaser). (33) Voyage au Yemen: A. Deflers، باريس 1887. (34) Ajourney through Yemen: F. T. Haig فى Proc R Geogr. Soc، 1887، جـ 9. (35) Harris انظر ما تقدم. (36) L.Hirsch: 1)Reisen in Sud Arabien, Mahra-Land and Hadramut ليدن 1896 (انظر تعليق كليزر Glaser عليه فى PeternL Mitt، جـ 93, 1897؛ Litteraturber ص 37 وما بعدها)؛ 2) Glo- Neue Wanderungen in Yemen bus، 124(1898) جـ 2، ص 204 وما بعدها و 221 وما بعدها. (37) Die sudarab. Ex-Pedition der Akad., der Wiessench. in Wien: C.Landberg، ميونخ 1899. (38) Die Sudarab. .Expedittion der Akad in Wien(1: D. H. Muller فينا 1899) Zur Geschichte der sudarab Expedition فينا 1907.

(39) Une excursion au Yemen: p. Charnay فى Bull. Soc. Geogr. Anvers 1899، جـ 23، ص 79 وما بعدها. (40) Ropport sur El-Yemen: A.Bardey، فى Bull. de Geogr. hist، 1899 (41) Southern Arabia: Th. Bent, لندن 1900. (42) Reiseskizzen aus dem yemen: H. Burchardt فى Z.G.E.B.، 1902، ص 593 ما بعدها. (43) Vorlaufiger uber Bericht die Reise nach Aden und Gischin Anz. Akad. Wien (1: W.Hein، 1902 جـ 3، ص 107 وما بعدها؛ 2) M.G.G.Sudarabische ltinerarien wien, جـ 4، 1914، ص 32 وما بعدها. (44) Mission d'etudes au Yemen: A. Beneyton فى La Geographie، جـ 27، 1913 - وكثيرًا ما يستشهد كرومان Grohmann فى وسائل كليزر التى لم تنشر بعد بمفكراته "ثم بوصف بيرى G.W. Bury أيضا لرحلته إلى بيجان عام 1899, (المصدر المذكور، ص 9؛ ص 56، التعليق 1: Expedition to Behan, فى مخطوط؛ وكذلك ص 4، التعليق إلى آخره , Arabia Infelix: Bury، لندن 1915؛ وكذلك فى مواضع متفرقة: The Land of Uz لندن 1911 و Notes)، وكذلك يبحث كليزر الذى لم ينشر: Ostjemen und Nordadramut ص 139 إلى إلخ - وتتعلق المصادر التالية على سبيل التحديد بالحالة الراهنة فى المنطقة التى كانت تشمل فى وقت من الأوقات المملكة السبئية الحميرية القديمة، وهى اليمن الحديثة على وجه التقريب (من حوال خط العرض الشمالى 19 عند جبل التثليث إلى الساحل الجنوبى، وفى الشرق حتى حوراء: (45) Arabia: Zwemer, شيكاغو 1901. (46) Land und Leute. im Leutigen Jemen Peterm. Mitt: Raif Fuad bey، 1512، جـ 108، القسم 2 (47) Jemen. Grundkzuge der Bodenplastik und ihr Einfluss auf Klima und Lebewelt: E. Behn، رسالة علمية قدمت لجامعة مربورغ، . 1910، وذلك عدا أبحاث الأرصاد الجوية والفلكية، وأبحاث التاريخ الطبيعى وبعض الرسائل التى كتبها كليزر وبنت

وغيرهما وقد سبق ذكر كتب شميث A.Schmidt وكرومان A.Grohmann، ونجد المعلومات عن النشاط التجارى فى الساحل الجنوبى فى يومنا هذا فى تقرير الغرفة التجارية بعدن Report of the Aden Chamber of Commerce (عدن من عام 1898 فما بعده) ونضيف إلى المصنفات التى ذكرناها فى مستهل المصادر ما يلى: (48) Etudes Sabeennesj.A.: J.Halevy، 1873. والمجموعة 7، جـ 1 و 2. (49) Arabien und die Araber seit 100 Jahren: A. Zehme، هال 1875. (50) S.B.Akad Wien' Sudarabische Studien 1877 (1: D.H. Muller، جـ 136، ص 103 وما بعدها؛ 2) Epigraphisch Denkmaler aus Abessinien فى Denkschr. Ak. Wien، جـ 93 (1894). (51) Zwei Inschriften uber den Dammbruch von Marib M.V.A.G 18971: E. Glaser؛ 2) Altjemenische Altjemenische Nachrichten, ميونخ 1906، 3) Die Abessinier im Arabien ميونخ، 1895، 4) Punt und die 1899، M.V.A.G، sudarabischen Reich. ص 51 وما بعدها. (52) Mohammed: H.Grimme, ميونخ، 1904. (53) The Penetration ofArabia: Hogarth، لندن 1905. (54) Saba: J.Tkac، (R.E، تحت هذه الكلمة، الأعمدة 1298 - 1511، حيث عولج هذا الموضوع مع الإشارة بصفة خاصة إلى المصنفات اليونانية والرومانية). أما الطبعات الأحدث من النقوش (بيرد Brid Fresnel [التكملة الرواية التى وردت فى R.E العمود 1400، يجب الرجوع إلى العمود 1402؛ أما صور النقوش ونسخها مع الملاحظات اللغوية التى نقلت على هيئة خطابات إلى مول Mohl فهى مأخوذة من فرسل] وبريدو Prideaux وريهاتسك Rehatsck ولنكر Langer [نشرها مولر D.H.Muller، Z.D.M.G, 1883 جـ 37، ص 319 وما بعدها] ومورتمان Mordtmann ودرنبورغ Derenbourp إلى آخره فقد وردت بتفصيل أكبر فى Corpus، طبعة باريس وفى المصنفات الأحدث عهدًا؛ ومن هذه المصنفات نذكر الأعم الأوفى: (55) Him-(1: J.H Mordtmann

jarische inschriften und Altertumer in den Konige. Museen zu Berlin، برلين 1893؛ 2) Musee imperial Ottoman, Antiqutes Himyarites، الآستانة 1898. (56) Sudarabische Altertumer im Kunsthistorischen Hofmuseum: D.H.Muller، فينا 1899؛ (57) Les monuments sabeens et himyarites du usee . . de Marseille (1: H. Derenbourg فى Rev.Archeol، 1899، المجموعة 3، جـ 35؛ 2) Repert.d'Epigraphie sem، جـ 1 (1901 وما بعدها)، جـ 2 (1907)، ولم ينشر من Inssudarabischen Expedition der chriften der Akademie in Wien المجموعة فى سنة 1899) إلا القليل حتى الآن (فى طبعات رودو كاناكيس). وللأبحاث التى أجريت عن اللهجات الحديثة فى جنوب بلاد العرب شأن أيضا فيما يتصل بالدراسات السبئية، وقد بدئت هذه الأبحاث منذ وقت مبكر جدًا يرجع إلى مولتزن H.V. Maltzan فى G .Z.D.M, 1873، جـ 27، وقد تبعه غيره، وكذلك فإن دراسات الكونت لندبير ذات قيمة Etudes sur les dialectes de L'Arabie meridionale: Count C. Landberg, جـ 1، Hadramout جـ 2 Dathina (ليدن 1901 - 1913)، وثمة مادة غزيرة يتضمنها Schriften der Sudarabischen Expedition" ثم الصادر عن أكاديمية فينا، جـ 1 - 10 (1900 - 1910, Hadrami, Mehri. somali, Zfar. sokotri طبعة I.Reinisch، N.Rhodokanakis, A. jahn, D.H. Muller ثم مصنف Studien: M.Bittner عن Mehri، Sokotri و Shhawri فى S.B.AK.Wien، جـ 162 ص 1909 وما بعدها. صبحى [تكتش J. Tkatsch] [لقد حل مصنف هل G.F.Hill محل جميع المصنفات السابقة الشاملة عن سكة جنوبى بلاد العرب القديمة: انظر Catalogue of Greek Coins of Arabia, Mesopotamia and Persia in the British Museum: G.F.Hill، لندن 1923، ص 44 - 84 من التصدير، ص 45 - 80 واللوحات 7 - 11 و 50، 55 وتجد المصادر كاملة فى ص 45؛ وقد أصبح من المحقق أن معظم السكة التى وصفت وصفا مبهمًا بأنها "حميرية" هى فى الواقع سبئية وأن مجموعات صغيرة من السكة يمكن أيضا نسبتها إلى بنى معين وإلى القتبانية. [رئيس التحرير].

السبتى

السبتى أحمد بن جعفر الخزرجى أبو العباس السبتى: ولى من أولياء اللَّه اشتهر بفضائله وكراماته، ولد فى سبتة سنة 540 هـ (24 يونية 1145 - 12 يونية سنة 1146) وتوفى فى يوم الاثنين 6 من جمادى الآخرة 601 هـ (31 يناير سنة 1205) بمراكش حيث دفن بالقرب من باب تازروت. وتلقى السبتى العلم بصفة خاصة على أبى عبد اللَّه بن الفخار تلميذ القاضى عياض المشهور فى سبتة. وكان السبتى فصيحا لا يجد صعوبة فى إقناع سائليه؛ وكان أيضا شديد الورع جرى على تلاوة القرآن الكريم بالليل والنهار. وقد امتدح الإحسان، وهو نفسه لم يحتفظ بشئ من العطايا الكثيرة التى تلقاها سوى ما يكفيه ويكفى أسرته يوما واحدًا فحسب. وكان يقابل الإساءة بالمعروف، كما كان رحيما بالأرامل واليتامى. وكان السبتى فى بداية أمره يعيش فى فندق حيث كان يقوم بالتدريس، وينفق ما يحصله من أجور التعليم فى سد حاجات الطلاب الأغراب. وقد درج على أن يطوف بشوارع المدينة يؤنب بل يضرب أولئك الذين لا يؤدون الصلاة. وقد ظلت ذكرى هذا الولى حية ماثلة فى أذهان الناس، ولكنها أحيطت بالكثير من الأساطير. مثال ذلك ما يقال من أنه تنبأ باستيلاء النصارى على سبتة لتأديب مواطنيه على سوء معاملتهم له. وتذهب القصص إلى أنه بعد رحيله من بلده أساء أولياء مراكش لقاءه أشنع إساءة لأنهم خشوا أن تطغى طريقته الدينية يوما على طرقهم. وأصبح السبتى بالفعل أكبر أولياء هذه المدينة. على أن نفوذه امتد إلى أبعد من ذلك بكثير، إذ كان اعتقاد جمهرة الناس فى مراكش أن هذا الولى هو سيد الرياح يبتهل إليه الملاحون لتهدئة العاصفة، ولإثارة الريح إذا ركدت. ويقدم الناس فى كثير من جهات الجزائر ومراكش أول مكيال من الحنطة الجديدة للفقراء تمجيدًا له. المصادر: (1) أحمد بابا: نيل الابتهاج، فاس، سنة 1317، ص 31. (2) المقرى: نفح الطيب، ليدن سنة 1858 - 1861؛ جـ 2، ص 68؛ القاهرة سنة 1302، جـ 4، ص 355 - 361.

سبحان الله

(3) الذخيرة السنية، الجزائر سنة 1921، ص 42 لكاتب مجهول. (4) أحمد بن خالد الناصرى السلاوى: الاستقصاء، القاهرة سنة 1312 جـ 1، ص 209. (5) ابن الموقت المسفوى: تعطير الأنفاس فى التعريف بالشيخ أبى العباس، فاس سنة 1336. (6) المؤلف نفسه: السعادة الأبدية فى التعريف بمشاهير الحضرة المراكشية 1341، 115. الشنتناوى [محمد بن شنب] سبحان اللَّه صيغة دينية يتردد ذكرها فى القرآن الكريم، وهى منادى يقصد به التعجب مأخوذ من أصل ليس له وجود فى اللغة العربية (¬1) (والفعل سبّح قد فسره النحاة بحق فقالوا أنه مشتق من الاسم)، ولكنه يردّ بوصفه كلمة مستعارة إلى اللغة الآرامية. وقد استحدث أيضًا فى اللغتين العبرية والحبشية، فيقال شبّح" بمعنى حمد أو أثنى. ولعل محمدًا [-صلى اللَّه عليه وسلم-] قد وجد هذا التعبير عند بعض "أهل الكتاب"، ذلك أنه من المستبعد أن يكون قد استحدث هذه الصيغة من فعل غير عربى ومن الشواهد على كثرة استعمال هذه الكلمة أننا نجد اللفظ "سبحان" فى بيت للأعشى من غير مضاف إليه. وقد أردفه بـ "من" للدلالة على التعجب (ابن يعيش، طبعة يان Jahn، ص 43، س 5، ص 148, س 1 وما بعده). وهذه الصيغة المقررة وردت فى القرآن الكريم على لسان موسى [عليه السلام] (سورة الأعراف، الآية 143، وعيسى [عليه السلام] (سورة المائدة، الآية 116)، (سورة يونس، الآية 10)، (سورة البقرة، الآية 32؛ وانظر أيضًا سورة النحل الآية 1، 57). وقد استعملت فى مناسبات أخرى للتعبير عن الأثر الذى تتركه فى النفس عظمة اللَّه وآياته، ومن ثم: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا. . .} سورة الإسراء، الآية 1)، و {. . . سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا. . .} (سورة ¬

_ (¬1) انظر التعليق تفنيدا لما أورده هذا المستشرق فى نهاية المقال.

الزخرف، الآية 13) و {سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ. . .} (سورة يس، الآية 36) و {فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ. . .} (سورة يس، الآية 83) {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} (سورة الروم، الآية 17). وإذا سمع المؤمنون القرآن يتلى خروا سجدا وقالوا "سبحان ربنا" (سورة الإسراء، الآية 107). وقد وردت هذه الصيغة أيضًا فى شهادة الضالين: {قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ} (سورة القلم، الآية 29، وما بعدها). وهى تستعمل بصفة خاصة لبيان علو اللَّه وكماله المطلق عندما ينزه عن إتيان فعل يمس ذاته (انظر سورة الإسراء، آية 43 حيث يلحق لفظ "سبحانه" بلفظ "تعالى"). ويستعمل مع هذا الفعل الذى يتعالى عنه اللَّه حرف الجر "عن" (سورة الأنبياء الآية 22، سورة الزمر، الآية 67، سورة الطور، الآية 43، سورة الحشر، الآية 23) وهكذا نرى أن القرآن الكريم قد جاءت به هذه الصيغة عندما كان يرمى الذين يعبدون غير اللَّه بالشرك (سورة التوبة، الآية 31؛ سورة النساء، الآية 170؛ سورة النحل، الآية 1؛ سورة الإسراء، الآية 42 وما بعدها)، وعندما تنزه اللَّه بأن يكون له ولد (سورة البقرة، الآية 116؛ سورة النساء، الآية 171؛ سورة المائدة، الآية 116؛ سورة الزمر، الآية 4؛ سورة الزخرف، الآية 81) وبنون وبنات (سورة الأنعام، الآية 100؛ سورة النحل، الآية 57؛ سورة الصافات، الآية 153، 180). وقال الأتقياء فى مناسبة من هذا القبيل {. . . رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ. . .}، (سورة آل عمران الآية 191) وكذلك موسى عندما أدرك أن اللَّه لا يرى (سورة الأعراف، الآية (143 ومحمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] عندما أشاح عن قومه إذا طلبوا منه أن يأتى لهم بآيات بينات فقال لهم {هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا} (سورة الإسراء الآية 93). وعلى هذا النحو يمكن أن يخفف هذا التعبير فلا يتعدى مدلوله {مَعَاذَ اللَّهِ} (سورة النور، الآية 16). وأصبح الفعل "سبَّح" المشتق من ذلك الأصل يستعمل فى عهد متقدم

تعليق

بمعنى "صلى" وخاصة فى الصلوات غير المفروضة "سُبْحَة" (انظر حسان ابن ثابت فى Delectus، جـ 77، ص 14 (لم ترد Hirschfeld)؛ وانظر Lane: Lexicon. خورشيد [بول Fr. Buhl] تعليق هذا مقال عجيب قد لا نجد له مقصدًا إلا شيئًا واحدًا يدندن حوله بعض المستشرقين، يريدون بتكراره إثباته فى النفوس، بنحو من الإيحاء. ذلك قوله: "ولعل محمدًا قد وجد هذا التعبير عند بعض أهل الكتاب، ذلك أنه من المستبعد أن يكون قد استحدث هذه الصيغة من فعل غير عربى"! ! هذا هو المقصد الأول من المقال: أن يوهم الناس بأن (القرآن الكريم) من كلا (رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لماذا؟ وعن أى دليل يقيمه؟ لا شئ. ثم مقصد آخر تبعى: أنه صلى اللَّه عليه وسلم يأخذ عن أهل الكتاب! ويكفى عنده إثبات ذلك قوله "لعله"؟ ! وأعجب من ذلك استدلال الكاتب على أن كلمة "سبحان اللَّه" ليس لها أصل فى العربية بأن النحاة قد فسروا الفعل "سبح" "بحق فقالوا إنه مشتق من الاسم"! والذين يعرفون العربية أقل من معرفة كاتب المقال بها، يدركون أن النحاة يفسرون كل فعل فى العربية بأنه مشتق من "المصدر" أى "من الاسم"، لأن كل مصدر هو اسم لا فعل. ثم يريد أن يوهم بالاحتمالات الطريفة أن هذه المادة مأخوذة من الآرامية! لماذا؟ لأن العبرية والحبشية فيهما هذا المعنى: حمد أو أثنى"؟ وستجد فى آخر مقال الكاتب أنه يستدل على أن كلمة "سبحة" تستعمل فى معنى الصلاة غير المفروضة ببيت من الشعر لحسان بن ثابت. ولو قرأ الكاتب مادة (سبح) فى أى معجم من المعاجم، وخاصة النهاية ولسان العرب -لوجدها مستعملة بهذا المعنى فى كثير من الأحاديث، فلا يحتاج إلى إبعاد النجعة إلى شعر حسان. والكلمة عربية أصيلة. فسرها علماء اللغة العارفون بها، وأئمتها المقتدى بهم

سبحة

فيها. فانظر -مثلا- قول ابن فارس المتوفى سنة 395 هـ فى مقاييس اللغة 3: 125 "سبح: السين والباء والحاء أصلاون: أحدهما جنس من العبادة، والآخر جنس من السعى. فالأول: السبحة، وهى الصلاة، ويختص بذلك ما كان نفلا غير فرض. ومن الباب: التسبيح، وهو تنزيه اللَّه جل ثناؤه من كل سوء. والتنزيه: التبعيد والعرب تقول: سبحان من كذا، أى ما أبعده. قال الأعشى: أقول لما جاءنى فخره ... سبحان من علقمة الفاخر وقال قوم: تأويله عجبًا إذا يفخر. وهذا قريب من ذاك لأنه تبعيد له من الفخر". المترجم سبحة (سُبْحَة): ويقال أيضًا سبْحة: هى المسبحة المعروفة ولكن الوهابية ينكرونها ويعدونها بدعة. وثمة شواهد على أنها استعملت أول ما استعملت فى أوساط الصوفية وبين طبقات أخرى فى المجتمع (Rosaire: Goldziher, ص 296). وقد ارتفعت أصوات باستنكارها فى تاريخ متأخر يرجع إلى القرن الخامس عشر الميلادى، ومن ثم كتب السيوطى رسالة فى بيان فضائلها (Vorlesungen uber den Uslam: Goldziher الطبعة الأولى، ص 165). وقد جرى الحجاج (انظر Die Renaissance des Islams: Mez ص 441) والدراويش وغيرهم على حمل السبحة فى أيامنا هذه. وتتألف السبحة من مجموعات من الحبات مصنوعة من الخشب، أو العظم، أو الصدف أو غير ذلك. ويفصل هذه المجموعات حبتان مستعرضتان أكبر حجما من الحبات الأخرى (إمام) علاوة على حبة أكبر من الجميع تتخذ يدا (Snouch Hurgronje فى Int. Arch f.Ethnographie، جـ 1، ص 154، لوحة 14، رقم 12). ويتفاوت عدد الحبات فى كل مجموعة (مثلا: 33 + 33 + 34 أو 33 + 33 + 31؛ ويحسب الإمام واليد ضمن الحبات فى الحالة الثانية. ويبلغ عدد حباتها جميعا مائة حبة تمشيا مع عدد أسماء اللَّه الحسنى البالغة 19 اسما. وتستخدم السبحة فى عدّ هذه

الأسماء، ولكنها تستخدم أيضا فى عد الدعوات، أى فى الذكر وفى الصيغة التى تختم بها الصلاة وقد ذكر لين (Manners and Customs, Register: Lane) سبحة من ألف حبة تستعمل فى الجنائز لتكرار صيغة لا إله إلا اللَّه ثلاثا، وكل مرة بألف. وقد ذكرت المسابح (جمع مسبحة) فى عهد متقدم يرجع إلى سنة 800 م (Die Rensaissance des Islams: Mez, ص 318) ويذهب كولدسيهر (Vorlesungen ص 165) إلى أن السبحة انتقلت من الهند إلى غرب آسية. ثم إن كولدسيهر نفسه أشار إلى أحاديث ذكرت استعمال الحجارة الصغيرة ونوى البلح وغيرها لعد الأذكار، مثل التكبير والتهليل، والتسبيح. ونذكر من هذه الأحاديث: "عن سعد ابن أبى وقاص أنه دخل مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على امرأة وبين يديها نوى، أو حصى، تسبح به، فقال "أخبرُك بما هو أيسر عليك من هذا، أو أفضل" فقال "سبحان اللَّه عدد ما خلق فى السماء، وسبحان اللَّه عدد ما خلق فى الأرض، وسبحان اللَّه عدد ما خلق بين ذلك، وسبحان اللَّه عدد ما هو خالق واللَّه أكبر مثل ذلك، والحمد للَّه مثل ذلك، ولا إله إلا اللَّه مثل ذلك، ولا حول ولا قوة إلا باللَّه مثل ذلك" (أبو داود، الوتر، باب 24؛ الترمذى، الدعوات، باب 113). وثمة حديث آخر تبسط فى بيان مرمى هذا الحديث: "حدثنى كنانة مولى صفية، قال سمعت صفية تقول: دخل علىّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وبين يدى أربعة آلاف نواة أسبح بها، فقلت لقد سبحت بهذه. فقال ألا أعلمك بأكثر مما سبحت، فقلت علمنى فقال قولى سبحان اللَّه عدد خلقه" (الترمذى: الدعوات، باب 103). ويشير الحديث الذى جاء فيه أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- "يعْقد التسبيح" (النسائى، السهو، باب 97) إلى شعيرة مختلفة عن ذلك وقد ترجم الفعل عقد هنا بما يفيد معنى "عدّ أو أحصى" اعتمادا على أن المعاجم تذكر هذا المعنى ضمن معان أخرى. ولعلهم استندوا فى ذلك إلى الحديث الذى ذكرناه لتونا، وإلى الحديث الآتى: "حدثنا مسدد، حدثنا عبد اللَّه بن داود، عن هانئ بن عثمان، عن حُمَيْضة بنت ياسر، عن يسيرة، أخبرتها أن النبى -صلى اللَّه عليه وسلم- أمرهن أن

المصادر

يراعين بالتكبير والتقديس والتهليل، وأن يعقدن بالأنامل فإنهن مسؤولات مستنطقات" أبو داود: الوتر، باب 24؛ الترمذى: الدعوات، باب 120). ويرى كولدسيهر أن عد الدعوات على الأصابع قد ذكر فى هذه الأحاديث للمقابلة بينه وبين عد التسبيح بالحجارة وغيرها. على أن ثمة حديثا يشكك فى أن يكون العقد فى مثل المناسبات التى ذكرناها يدل فى جميع الأحوال على العد ولا يدل على المعنى الأصلى وهو الربط. وإنى ليحضرنى فى ذلك حديث رواه ابن سعد (جـ 8، ص 348) ومفاده أن فاطمة بنت الحسين جرت على التسبيح مستعينة "بخيوط معقود فيها". ولم ترد كلمة سبحة فى الأحاديث الصحاح بمعنى مسبحة، بل هى استعملت فى كثير من الأحوال بمعنى صلاة التطوع مثال ذلك: سبحة الضحى (مسلم: المسافرون، حديث 81) ويفسر النووى هذه الكلمة بأنها النافلة (شرح صحيح مسلم، القاهرة 1283 هـ، جـ 2، ص 204). ويتساءل ابن الأثير فى النهاية، تحت مادة سبح، كيف تتفق فكرة النافلة وفكرة السبحة. ويجيب على ذلك بأن السبحة صلاة تطوع زائدة على الفريضة. وإذا كان رأى ابن الأثير صحيحا فإن تطور كلمة السبحة من حيث المعنى يكون قد سار فى اتجاهين: الدعوات | الدعوات غير المفروضة فى الصلاة ... الدعوات التى تعد | صلاة التطوع ... الأداة التى تستعمل فى عد الدعوات المصادر: Le dans I'Islam: Goldziher فى Reuue de L'histoire des Religions، جـ 21 ص 295 وما بعدها. خورشيد [فنسنك A. J. Wensinck] تعليق هذه الأداة المستحدثة التى يعد عليها عند الذكر والدعاء -مثلا- لا أصل لها فى الإسلام، بل دخلت على المسلمين،

كما قال كاتب المقال من الصوفية وطبقات أخرى. وأما عد الدعوات أو الأذكار على الأصابع أو نحوها، فهو عمل طبيعى، إذ يريد الداعى أو الذاكر أن يقرأ عددًا معينًا مما هو بصدده وإلا فماذا يفعل؟ فلقد أطال كاتب المقال فى ذلك أكثر مما ينبغى. ومما يجدر التعقيب عليه من كلام كاتب المقال، محاولته التشكيك فى معنى (العقد)، وأنه يدل على العد فذكر أثرا (سماه حديثا) عن فاطمة بنت حسين بن على بن أبى طالب، رواه ابن سعد 8: 348. وهو فى ابن سعد بإسناد ضعيف جدًا! "عن فاطمة بنت حسين: أنها كانت تسبح بخيوط معقود فيها". وفى إسناد هذا الأثر: جابر الجعفى، وهو ضعيف بمرة "عن امرأة حدثته عن فاطمة" وهى امرأة مجهولة، لا يكون معها الإسناد صحيحًا. فهذا أولا أثر فقط، ليس حديثا. وعمل فاطمة بنت حسين -حتى لو كان ذلك عنها بإسناد صحيح- لا حجة فيه على أحد. ثم هو يريد التشكيك فى معنى حديث صحيح يعرفه حق المعرفة، لأن "فنسنك" كاتب المقال مطلع على كتب السنة اطلاعًا واسعا. والحديث الصحيح- فى صحيح مسلم 1: 162 (من طبعة بولاق): "عن ابن عمر: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان إذا قعد فى التشهد، وضع يده اليسرى على ركبته اليسرى، ووضع اليمنى على ركبته اليمنى، وعقد ثلاثا وخمسين، وأشار بالسبابة". فمعنى العقد واضح. وهو ما يفعله المصلون فى جلوسهم للتشهد فى الصلاة: يضم أصابعه الثلاثة إلى كفه ويضع طرف الإبهام على طرف الإصبع الوسطى ويشير بالسبابة. فتكون الدائرة الناتجة من طرف الإبهام مع طرف الوسطى كمثل دائرة الخمسة، وتكون الأصابع الثلاثة المضمومة إلى الكف إشارة إلى الثلاثة، فيكون ذلك رسم 53. ومن ثم لا يجوز أن يؤول هذا المعنى، ويحرف الحديث عن وجهه -إلى معنى ربط عقد على خيط أو نحوه؟ وكيف يفعل هذا فى الصلاة. وأما الشجرة التى ختم بها مقاله لتطور "معنى السبحة" -فهو شئ لا أستطيع أن أجد له مسوغا من التحقيق العلمى. المترجم

السبعية

السبعية (*) اسم يطلق على طوائف متنوعة من الشيعة، يقصرون عدد الأئمة الظاهرين على سبعة. ولما كان الشيعة المدافعون عن حقوق أصحاب الحق الشرعى فى الإمامة يعتقدون أن الإمامة بحسب التدبير الإلهى تنتقل من الإمام إلى ابنه، فإنهم اضطربوا لما حدث حوالى سنة 145 هـ (762 م) من موت إسماعيل، الذى لعله الابن الأكبر للإمام السادس جعفر الصادق، قبل أن يموت الإمام جعفر نفسه. وعلى حين أن غالبية الشيعة استعاضوا عن إسماعيل بابن آخر من أبناء جعفر الصادق، هو موسى الكاظم الذى هو الإمام السابع بين أئمة الشيعة الإثنى عشرية. وأن آخرين تمسكوا بابنين من أبناء جعفر كانا أقل شأنا من موسى هما عبد اللَّه وعلىّ، فإن الشيعة المتطرفين فى التمسك بصاحب الحق الشرعى، ظلوا على موالاتهم لإسماعيل؛ وهم ينكرون أنه مات قبل أبيه. ويظهر أن الأدلة التى جاءوا بها لإثبات ذلك قد انطلت حتى على خصومهم، إلى درجة أن هؤلاء وجدوا أنفسهم مضطرين فى رفضهم لإمامة إسماعيل إلى الطعن فى شخصه؛ فزعموا أن أباه جعفرا بعد أن عهد له بخلافته خلعه منها لسوء سيرته. ولكن هذا الطعن على إسماعيل، وخصوصا التشنيع عليه بشرب الخمر، يمكن تعليله بأنه فى الحقيقة طعن على الشيعة السبعية الذين كانوا مقصرين فى متابعة أوامر الشرع، وذلك من طريق الطعن على الإمام الذى سموا باسمه. ولم يكن الشيعة السبعية فى أول أمرهم فرقة واحدة. فكانت هناك فرقة تسمى المُبارَكَّية، وقفت هى أيضا عند إمامة إسماعيل بحيث كان يعتبر عندهم أنه آخر الأئمة وأنه المهدى. ولكن معظم الشيعة السبعية يسوقون الإمامة إلى ابنه محمد، وهو الذى عُرف بالإمام التام ولقب بـ "قائم الزمان" وهو لقب يقلل من قيمته فى مذاهب بعض الفرق الصغرى أنهم يرون أنه قد جاء بعده أئمة مستورون لا يعرفهم إلا الخاصة. وبرغم ما لمحمد التام من مكانة، فإن اسم إسماعيل بقى لاصقا بالطوائف الكبرى للشيعة السبعية. وإذن فالشيعة ¬

_ (*) توجد تعليقات على هذه المادة تليها مباشرة تعقيبا على ما بها من آراء.

السبعية من حيث رأيهم فى الدرجات المتفاوتة لرجالهم ينتمون إلى "الواقفية" الكثيرين. وهذا يمكن تعليله بالظروف السياسية بعض التعليل؛ ففى سنة 145 هـ (762 - 763 م) كان المنصور الخليفة العباسى قد قضى على فتنة محمد بن عبد اللَّه بن الحسن بن علىّ المسمى "النفس الزكية"، وكانت فتنته فى المدينة؛ وفى السنة التالية لذلك؛ قتل أيضا أخوه إبراهيم أمام أبواب البصرة، وبذلك وضع حد للمشكلة العلوية مؤقتا، وكان ذلك بنجاح بلغ إلى حد أنه حتى عند هذه الجماعات الذين كانوا يعمدون إلى العمل الإيجابى؛ ويختارون أئمتهم من بين العلويين أهل الكفاية والمقدرة الفعلية على الخروج بالسيف، نجد أن طائفة من الجارودية وقفوا عند إمامة النفس الزكية واعتبروه مهديهم المستتر. وقد ازداد ميل الشيعة من المتمسكين بصاحب الحق الشرعى إلى التعلق بالأمل فى "الرجعة"، لأنهم كانوا بحكم عقيدتهم، مقيدين بأشخاص بعينهم؛ ولابد أنهم كانوا قد ملوا التشبث بإمامة قد صارت فى الحقيقة لا رجاء فيها، وأنهم سئموا حمل فكرتها مع تطور التاريخ الحقيقى على خلافها. وقد وقفت عند كل أخ من إخوة إسماعيل فرقة من مثل هذه الفرق الواقفية، وصار للموسوية بعض الشأن، وهم يسمون "الممطورة" وكثيرا ما يسمون الواقفية بإطلاق. وإذا أردنا التدقيق قلنا إن مثل هذه الطوائف تدخل تحت اسم الشيعة، ولكن كلمة السبعية تطلق فى العادة على نفس ما تطلق عليه كلمة الإسماعيلية. ولم يكن "الوقوف" عندهم -وإن كان هذا لم يتبين إلا بعد أكثر من قرن- معناه التنازل عن الأغراض السياسية، بل هو قد صار وسيلة ملائمة كل الملاءمة للمحافظة على تلك الفكرة الفعالة، أعنى فكرة إمام يأتى من سلالة مقدسة، وللتخلص إلى جانب ذلك أيضا من الأشخاص العارضين الذين قد يكونون أكبر الأبناء من سلالة علىّ والحسين، ولكنهم يكونون بعيدين عن الكفاءة والمقدرة. وهكذا صار لحركة الشيعة السبعية شأن كبير فى التاريخ الظاهر، وكان يمثله رجال أمثال حمدان قرمط، كانوا يظهرون دعاة للإمام السابع المستتر محمد بن إسماعيل، أو يظهرون

بعد اختفائهم خلفاء لهذا الإمام، كما هى الحال بالنسبة لسعيد بن عبد اللَّه بن ميمون الفاطمى، أو يظهر أحدهم مدعيًا أنه الإمام السابع نفسه قد رجع (انظر أيضًا عند الطبرى جـ 3، ص 2217 - 2220 الأسرار الكثيرة التى تحيط بيحيى بن زكرويه). والقرامطة والفاطميون والحشاشون والإسماعيلية فى الهند وفارس وآسية الوسطى هم الطوائف التى تصورت بها حركة الشيعة السبعية وخرجت إلى التاريخ الظاهر، ولكن الدروز أيضا، وكذلك المتاولة والنصيرية من وجه ما، يرجعون من حيث عروقهم إلى الشيعة السبعية القدماء. على أن مذهب الشيعة السبعية ظاهرة دينية قائمة بذاتها أيضا، بمقدار ما هى ظاهرة سياسية. وإن الأمر الذى يستلفت النظر، وهو أن تحديد عدد الأئمة بسبعة يأتى فى الوقت نفسه عند أبناء جعفر على اختلافهم، يمكن أن نفسره على نحو أسهل، إذا فرضنا أن الظروف السياسية التى ذكرناها قد أيدتها وجهة نظر فى الكون تقوم على تقسيم كل الحوادث الكونية والتاريخية بحسب العدد المقدس سبعة. وإن ما حدث من الخطابية الذين ألَّهوا جعفرا الصادق والد إسماعيل مثال يدل على أن تأليه الأئمة لم يكن فى الأيام الأولى لنشأة الشيعة السبعية بالشئ العجيب. ولا نستطيع، بطبيعة الحال، أن نتكلم عن الآراء الدينية للشيعة السبعية، ونحن لا نعرف إلا أطرافا من مذاهب متفرقة لهم، وحتى هذه الأطراف قد شوّهها، فى كثير من الأحيان، خصومهم فى كلامهم عنها. ويمكن أن نعتبر أن من تراث الشيعة السبعية الذين اختصوا به فى الدين مذهبا غنوصيا لهم فى بيان نشأة الكون، وهو مذهب لا يخلو من اضطراب فى إطلاق الأسماء وفى الكلام عن الأشياء؛ ومراتب الصدور عندهم هى: 1 - اللَّه، 2 - العقل الكلى، 3 - النفس الكلية، 4 - الهيولى الأولى، 5 - المكان أو الملاء (Pleroma)، 6 - الزمان أو الخلاء (Kenoma) 7 - العالم الأرضى والإنسان. وهذه النظرة القائمة على العدد سبعة ترجع من جديد عند الكلام على العالم السفلى، وذلك فى القول بالأنبياء أو الناطقين السبعة الذين أرسلوا لهداية

البشر: وآدم هو الناطق الأول ويأتى بعد ذلك: نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد [عليهم السلام أجمعين] (*)، وبين كل ناطقين يوجد سبعة صامتون، والأولون من هؤلاء يعتبرون مساعدين للناطق؛ ويلقب الواحد منهم بألقاب: مثل الفاتق أو الأساس؛ ولهم شأن خصوصا لأن تعاليم الناطق وشرائعه لا يصبح لها معناها الصحيح، أو هى لا يمكن أن تفسر تفسيرًا تاما، إلا من طريق تأويلهم لها تأويلا باطنيا. والفاتقون هم: شيث -وليتذكر القارئ هنا الغنوصية الشيثية- وسام وإسماعيل (ابن هاجر) وهارون وبطرس وعلىّ، والسابع هو منشئ فرق الشيعة السبعية المختلفة فى كل دور، مثل عبد اللَّه بن ميمون. وإلى جانب الصامت توجد سبعة مراتب، أو اثنتا عشرة مرتبة لرجال يكونون دونه، وأهمهم الحجة والداعى. ولكن المذهب تتغير صورته بسبب نظرية فى التجسد، حتى نجد ابن طاهر البغدادى (ص 228)، يحكى عن رجل كان قد دخل فى دعوة الباطنية ثم تاب عنها، أن أحد دعاة الباطنية، لما اطمأن إليه، صرح له بالطعن فى صدق الأنبياء المعروفين [والعياذ باللَّه]، ثم قال له (حسبما يزعم): "ينبغى أن تعلم أن محمد بن إسماعيل بن جعفر هو الذى نادى موسى بن عمران من الشجرة: . . . " (¬1). ونجد عند كثير من طوائف الشيعة السبعية، كما عند إسماعيلية الهند مثلا، تفسير نشأة العالم والتفسير القائم على تقديس العدد سبعة يتراجع إلى الوراء، وهنا نجد أن عليًا، هو الإمام الأول. وهنا نجد الطريق المؤدى من الشيعة السبعية إلى جماعة "على إلهى". وهم يحصون الأئمة مبتدئين بعلى إلى أن يصلوا إلى الإمام السابع والأربعين، وهو أغاخان محمد شاه. وإلى جانب الإمام مباشرة يظهر هنا الحجة، وهو فى كثير من الأحيان، يفوق الإمام فى الشأن التاريخى. فحجة علىّ هو، فى زعمهم، النبى محمد عليه الصلاة والسلام. ¬

_ (*) ورد فى الأصل "ثم محمد التام". (¬1) راعينا فى الترجمة الأصل العربى الذى يشير إليه كاتب المقال، توخيا للدقة. المترجم

ولما كانت معرفة الإمام المختفى، وهو لا يعرفه إلا الخاصة، لابد منها فى نجاة الروح، فإن بث آراء الشيعة السبعية تصبح له أهمية كبرى، ولذلك يسمون "التعليمية". وإدخالهم للناس فى نحلتهم الباطنية يتم على سبع مراحل. ويذكر عبد القاهر بن طاهر منها: 1 - "التفرّس"، وهو أسلوب فى الدعوة أو هو يكاد يكون فنًا، يقوم على حذق منقطع النظير فى معرفة نفسية من يدعونه إلى مذهبهم لمعرفة حقيقة ما فى نفسه ومسايرته فى أسلوب حياته وطريقة تفكيره، 2 - وبعد ذلك "تأنيس" المدعو، وذلك بتزيين مذهبه فى عينه واظهار أنه أعظم مما كان يظن حتى الآن 3 - ويأتى بعد ذلك "التشكيك"، وذلك بسؤال المدعو عن معنى مذهبه وتشكيكه فى أصول دينه، وبعد مثل هذا الإرشاد الروحى القائم على الحكمة الإنسانية يكون الأوان قد آن لمرحلة جديدة؛ فإذا سأل المدعو عن الحقيقة قيل له: إن العلم الحق لا يوجد إلا عند الإمام وأصحابه، 4 - وهذا هو "الربط"، 5 - "والتعليق" لنفس المدعو حتى يطلب تأويل ذلك عند الإمام وذويه، 6 - وفى مرحلة "التدليس" يبدأون بتأويل القرآن تأويلا يخرجه عن ظاهره ويفسد معالم كل ما جاء من النبوات والشرائع، 7 - وعند ذلك يمكن أن يبدأ "التأسيس"، وهو مرحلة طويلة قائمة بذاتها فى نهايتها تكون، 8 - "المواثيق بالإيمان والعهود" وفيها يقسم المدعو بالولاء التام للجماعة، وتنتهى الدعوة، 9 - "بالخلع والسلخ"، أى الخروج التام عن كل دين وشريعة كانت له من قبل. وقد عمد الشيعة السبعية إلى تأييد مذهبهم كله؛ من حيث صورته الخارجية، بآيات من القرآن. وقد سهل عليهم ذلك بسبب ما فى القرآن من كثرة الإرشارات الغامضة (¬1)، فمثلا يشنف المدعو أذنه إذا أوّل له الدعاة الآية القرآنية: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} (سورة الحجر، آية 99) قائلين إن من عرف معنى العبادة سقط عنه فرضها، وإن اليقين فى الآية معناه معرفة التأويل. واستند الشيعة إلى الآيات التى ¬

_ (¬1) لحقيقة أن كل الآيات التى يؤولها غلاة الشيعة واضحة وضوح الشمس، ولكنهم يصرفونها عن معناها الواضح إلى معان أخرى لا تمت إلى المعنى الأصلى بصلة. والأمثلة على تأويلهم موجود عند مؤرخى الفرق. . المترجم

فيها كلمة "باطن" لكى يلتمسوا أقوالا تؤيدهم (dicta Probantia) فى سلوك مذهب فى التأويل فيه تكلَف فأسد وليس أصيلا فى نوعه، وقد دخل فيه تأويل واسع للحروف، وهو لم يقتصر على تأويل الحروف التى جاءت فى أول السور ولا على أسماء الأئمة أو الأصول الاعتقادية، ومما أدى إلى تشويش المعرفة بالعلاقة بين الفرق الإسلامية أن الفرقة الواحدة كانت تسمى بحسب مميزات كثيرة لها، وأن الشيعة السبعية سموا باسم الباطنية إلى جانب فرق أخرى مختلفة عنهم كالخرَّمية والمزدكية والباطنية بل وهم سموا فى كثير من الأحيان الباطنية فحسب؛ ولذلك وسمهم خصومهم بأنهم معطلة للشريعة. ولا تكاد معرفتنا اليوم بالمنشأ الحقيقى للآراء النظرية عند الشيعة السبعية تزيد عما كان يعرفه المؤلفون الإسلاميون الذين يجب على كل حال أن نتلقى حكمهم على الشيعة السبعية بحيطة خاصة، لأنهم فى نظرتهم إليهم كانوا متأثرين بكراهيتهم للزنادقة. وقد اعتاد مؤلفو أهل السنة الذين يقارنون بين المذاهب أن يؤكدوا أن لآراء الشيعة السبعية أصلا يهوديًا ونصرانيًا، وأكثر من ذلك أصلا صابئيًا، بل أصلا مجوسيا. ولكنهم يحسون أيضا بأن لمذاهب الشيعة السبعية صلة بالفلسفة اليونانية المتأخرة وبمؤلفات هرمس. أما من حيث التفاصيل فلازالت الحاجة قائمة إلى مزيد من البحث لمعرفة الطريق والكيفية التى اصطبغت بها الآراء الأفلاطونية المحدثة والأسرار المجوسية وأمثال تلك الأساطير الموجودة فى كتاب "كهف الكنوز" النصرانى وصارت غنوصية إسلامية. وكذلك لابد من مزيد من البحث فيما كان لإخوان الصفا من دور الوساطة فى ذلك. وحكم سائر المسلمين، وحكم الشيعة أيضا، على جميع فرق الشيعة السبعية حكم فيه أكبر التشنيع عليهم. فهم يعتبرونهم غلاة ويعتبرونهم فى معظم الأحيان منسلخين عن الإسلام، حتى أن بعض المؤلفين لا يذكرونهم على الإطلاق. والسبب الأكبر فى ذلك أنهم كانوا لا يحفلون كثيرًا بأن اللَّه هو الإله الحق، ولا بأن محمدًا عليه الصلاة والسلام خاتم الأنبياء. على أنه إذا كان

الشيعة السبعية قد وصفوا بأنهم دهرية أو كانوا قد قد ألحقوا بالماديين الذين يخالفونهم مخالفة جوهرية، فإن ذلك يرجع إلى المرونة الكبيرة فى إطلاق أسماء الفرق عند المسلمين، ومن الأسباب التى ساعدت، بطبيعة الحال، على سوء الاعتقاد فيهم ذلك السخط المرير الذى أحس به المؤرخون من جراء الأفكار الثورية عند الشيعة السبعية، ومن جراء دعايتهم السياسية الخفية للإمام السابع، وخصوصًا من جراء إطراحهم لقوانين الشريعة، وهذا يعتبر فى العادة مذهبًا إباحيًا مطلقا. وكذلك كان لتشنيع الذى يحدث عادة على الجماعات السرية وهذه التهم التى رمتهم بأنهم أهل تعطيل وفساد دينى وخلقى وسياسى قد دخلت فى المراجع الأوربية المتعلقة بالموضوع. وإن المزيد من البحث الذى لا يرفض من أول الأمر إمكان ظهور مذاهب توفق بين مختلف النحل ويسلم بأن كل مذهب دينى قام إنما كان مذهبًا يتألف من شتى المذاهب وله فروع كثيرة، هذا البحث هو وحده الذى يمكننا من أن نستبين إلى أى حد كان المذهب الدينى، أو المذهب التيوسوفى إذا آثر الإنسان أن يقول، الموجود عند الشيعة السبعية يعد رد فعل طبيعى لا ندرك كنهه إزاء المذهب الدينى وأن نكشف إلى أى حد الإباحية كالذى قال به ناصر خسرو مثلا فى الأبيات 373 وما بعدها من منظومته "روشنائى نامه" فيما يتعلق بالرذائل السبعة وبالفضائل السبعة الكبرى. وفى هذا البحث لن يكون هناك كبير شأن لمسألة ما إذا كان هذا الشاعر قد ألف "كتاب النور" بعد بلوغه مرتبة كبيرة جدًا بين الشيعة السبعية من حيث إنه حجة عند الإسماعيلية، أو إذا كان قد كتب كتابه قبل أن ينضم إلى هذه الفرقة، وهو يدل على نزعة عقلية هى التى دعته أخيرًا إلى الانضمام إليهم. ولا شك فى أن بعض فرق الشيعة السبعية كالحشاشين والقرامطة كانوا شديدى التعصب على غيرهم من المسلمين، ولكن عندنا فى مقابل هذا تلك السياسة الحكيمة القائمة على التسامح التى نجدها عند كثير من الفاطميين فى مصر. ويحكى أحيانا أن بعض الفرق كانت شيعية المبادئ، ولكن لا شك أن ذلك لم يكن أمرًا يشملهم جميعا. وعلى

المصادر

حين أن ذلك لم يكن أمرًا يشملهم جميعا. وعلى حين أن الكتاب المسلمين فى القرنين الرابع والخامس للهجرة يتحدثون عن انتشار الشيعة السبعية وعن نشاطهم فى الدعاية فى جميع بلاد العالم الإسلامى، كانت الفرق القديمة قد جمدت على ما هى عليه منذ زمان طويل. ولكن أفكارهم لا يزال لها تأثيرها إلى اليوم، وهى تنتقل من فارس بعيدًا نحو الشمال، ومن الهند إلى شرق إفريقية بنوع خاص. على أنه بالرغم من شعور السبعية المحدثين بالعلاقة التى تربطهم بالسبعية القدماء فإن الصبغة قد تغيرت تغييرًا جوهريًا؛ فالعنصر السياسى قد اختفى والعنصر الدينى قد اصبح أكثر لينًا. المصادر: (1) الفرق بين الفرق لعبد القاهر بن طاهر البغدادى، طبعة القاهرة 1328 هـ، ص 265 وما بعدها. (2) الفصل فى الملل والأهواء والنحل لابن حزم، طبعة القاهرة 1321 هـ، جـ 2، ص 116. (3) الملل والنحل للشهرستانى، طبعة كيورتن، ص 16، ص 126 وما بعدها، وراجع أيضًا ترجمة هاربروكر Haarbiticker جـ 2، ص 415. (4) شوفر بن طاهر الإسفراينى (مخطوط برلين رقم 2801) فى الكلام عن الإمامية فى الفصل الثامن، والإسماعيلية والمباركية، والكلام عن الباطنية فى الفصل الثالث عشر. (5) المواقف للإيجى، طبعة سورنسن Soerensen ص 348 ما بعدها. (6) Fragments relatifs a' la doctrine des Ismaelis: Guyard فى N.E، مجلد 22 (1874) ص 177 وما بعدها. (7) Ismaeliticc Memoirs of the Asiatic Society of Bengal: Ivanow ضمن مجلد 8 (1922) ص 1 - 76. (8) فضائح الباطنية للغزالى، نشره أكولدسيهر ضمن كتابه Streitschrift Gazali gegen die Batinijja Sekte des ليدن 1916. (9) Vorlesungen uber den Islam: Goldziher, ص 247 وما بعدها. (10) Geschichte der Philosophie im Islam: De Boer، ص 76 وما بعدها (11) Expose de la religion des Druses: De Sacy، جـ 1، ص 63 وما بعدها. أبو ريده [شتروتمان R.Strthmann]

تعليق على مادة السبعية

تعليق على مادة السبعية أن تاريخ الشيعة السبعية، شأنه شأن تاريخ الشيعة فى الجملة، غامض حقيقة، كما يقول كاتب المقال. ولكن هذا الغموض لم يأت من جهل المؤرخين من الشيعة أو من غيرهم بمنشأ الشيعة وبفرقهم وآرائهم، بل هو قد جاء من أن الشيعة فى الغالب كانوا يسعون للحصول على حق سياسى اعتبروه حقا شرعيا إزاء دولة قائمة بالفعل، فكان لابد أن يتسم سعيهم ودعوتهم وكل نشاطهم إما بالفتنة بعد إعدادها سرا، كالذى حدث من الذين خرجوا من آل البيت على الدولة الأموية وعلى الدولة العباسية إلى حوالى القرن الثالث الهجرى، فحاربوا واستشهدوا فى بطولة نادرة (¬1)، وإما بالدعوة السرية التى تنحرف عن المبادئ الشيعية من الناحيتين النظرية والعملية، وإن كانت قد تنتهى بالفتنة السياسية كما حدث من الباطنية وأمثالهم. والمعروف الذى لا شك فيه أن الشيعة كانوا يريدون من أول الأمر، بعد وفاة النبى عليه الصلاة والسلام مباشرة، أن تكون الخلافة فى أهل بيت النبى عليه الصلاة والسلام. ولهم فى ذلك أسانيد من النصوص يخالفهم خصومهم فى صحتها أو فى فهمها، ومن اعتبارات أخرى لا يعدها خصومهم اعتبارات جوهرية ولا حاسمة. ومن الطبيعى أنه إزاء الفكرة النظرية والأصول العملية التى تحققت بالفعل فى الجماعة الإسلامية كان لابد أن تبدو آراء الشيعة وأساليبهم أشياء شاذة. وليست محبة آل البيت ولا تأكيد حقهم فى الخلافة من جانب من يسلم لهم بهذا الحق بالأمر المستنكر لا عقلا ولا شرعا، خصوصًا بعد مقتل على رضى اللَّه عنه. ولكن كان يمكن الإعراب عن ذلك والعمل من أجله بالوسائل الملائمة والمتفقة مع المعقول. غير أن آل البيت تعرضوا للمحنة من أول الأمر. ولا شك أنه من أول الأمر، أى منذ أيام على ¬

_ (¬1) ذكر المؤرخون كل ثوراتهم وظروفها ونهايتها، وأحصى الأشعرى فى "مقالات الإسلاميين" طبعة استانبول 1929، ص 75 - 85، من خرج منهم حتى أيامه.

رضى اللَّه عنه، قد اندس بين الشيعة قوم هم المسمون غلاة الشيعة"، تدل أفكارهم وأفعالهم على أنهم بعيدون عن الإسلام من حيث هو عقيدة وشريعة، وعلى أن منهم من أراد الكيد للإسلام ودولته، لأسباب يسهل فهمها، وهى ترجع إما إلى أنهم لم يؤمنوا بالإسلام إيمانا حقيقيا فأرادوا إفساده، أو إلى أنهم كانوا يريدون إسقاط الدولة العربية من طريق هدم أساسها وهو الإسلام، أو أن يكونوا مسلمين لجأوا إلى هذه الآراء العجيبة لكى يلتف حولهم أنصار يتخذونهم وسيلة لمآربهم المتنوعة. ولا يستطيع المؤرخ المحايد أن يعتمد كل الاعتماد على ما يقوله علماء الشيعة عن الشيعة، كما لايستطيع من جهة أخرى أن يثق ثقة عمياء بما يقوله عنهم خصومهم من علماء أهل السنة، لأنهم خصوم. ولكن الأمر واضح إلى حد كاف أمام المؤرخ الناقد. ولا يمكن أن يكون كل ما يحكيه مؤرخو أهل السنة من مذاهب فرق الشيعة افتراء، لأنه لا يوجد ما يدعوهم إلى ذلك؛ وهؤلاء المؤرخون فى العادة أمناء فى حكايتهم لآراء مخالفيهم من الإسلاميين وغير الإسلاميين وإن كانوا قساة فى النقد لما يخالف مذهبهم. والثابت مما كتبه مؤرخو الفرق أن منشأ غلو الشيعة ليس إسلاميا؛ فهو يرجع إلى عبد اللَّه بن سبأ، الذى كان يهوديا فأسلم، وأحدث فى الإسلام أيام الفتنة التى أحاطت بمقتل عثمان رضى اللَّه عنه فكرة الوصاية" للنبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، وأن الوصى هو على رضى اللَّه عنه، ثم غلا فى علىّ حتى ألهه، فكان نصيبه أن عليا أمر بإحراقه. ثم استقرت بين غلاة الشيعة فكرة "الوصاية" وعدم موت الأئمة، حتى لو قتلوا، وحلول روح اللَّه فيهم بل وتأليههم. ومن زعماء فرق الشيعة من ادعى النبوة، بل منهم من ألّه نفسه. هذا إذا صرفنا النظر عن فكرة الرجعة، رجعة الأئمة أو غيرهم، وفكرة التناسخ والتجسيد إلى غير ذلك وكل هذا اقترن من أول الأمر عند زعماء من أهل الفساد، بطرح أحكام الشريعة والميل إلى الإباحة. وأول ما يستحق أن يلاحظ المؤرخ المنصف أن الذين خرجوا من آل البيت فى ثورة على الدولة طوال القرون

الثلاثة الأولى إنما كانوا ثوارًا سياسيين مقتنعين بحقهم فى الخلافة، ولم تعرف عنهم آراء ولا نظريات ولا أعمال كالمعروف عند غلاة الشيعة، وإلا لوصلت إلينا، أو لنسبها غلاة الشيعة إليهم. ومما يدل على مقدار حرصهم على احترام الصحابة ما يحكى من أن زيد بن علىّ بن الحسين، مع اقتناعه بأفضلية علىّ رضى اللَّه عنه وبحقه فى الخلافة من أول الأمر، أنكر على بعض أنصاره طعنهم فى أبى بكر وعمر رضى اللَّه عنهما فتفرقوا عنه (مقالات الإسلاميين ص 65) وأن جعفرًا الصادق تبرأ ممن غلا فيه من أتباعه (¬1) أما الآراء المخالفة للإسلام فلم تظهر إلا على يد زعماء من زعماء فرق الشيعة، وهم ليسوا من أهل البيت. وربما كان الزيدية الأولون -والزيدية بوجه عام، وهم أتباع زيد بن على بن الحسين- أقل فرق الشيعة الكبرى (الزيدية والرافضة والغلاة) خروجًا على مبادئ الإسلام. وكل خلاف الزيدية، يدور حول أشخاص الأئمة، ومنهم من دخل فى مسائل علم الكلام، فلم تخرج خلافاتهم عن خلافات الفرق خصوصًا المعتزلة. أما الرافضة القائلون بأن النبى عليه الصلاة والسلام نص على خلافة على رضى اللَّه عنه، وأن الخلافة لا تكون إلا نصا على الأفضل، فكل خلافاتهم فيما بينهم تدور حول أشخاص الأئمة، ومنهم من أنكر موت الأئمة أو قال بالرجعة، أو بحلول روح الأئمة فى بعض زعمائهم، أو تأثر فى مسألة الإمامة بفكرة يهودية (المقالات ص 24 - 25)، وهم أيضًا دخلوا فى مسائل الكلام، ومنهم مشبهة مجسمة (مثل هشام بن الحكم) فى أول الأمر، ثم تأثروا بالمعتزلة، وقليل منهم من اعتبر الأئمة أفضل من الأنبياء، أو أن المعجزات تظهر على أيديهم. وأما غلاة الشيعة فعندهم أغرب الآراء وأبعدها عن الإسلام، وكل آراء الأولين منهم عظائم، ولو جمعناها للاحظنا ما يأتى (¬2): القول بالرجعة ¬

_ (¬1) الشهرستانى، طبعة كورتن، ص 136 - 137 (فرقة الخطابية). (¬2) راجع مثلا مقالات الإسلاميين، ص 5 والصفحات التالية.

والتناسخ - استحلال المحرمات والميل إلى اطّراح أحكام الشريعة وإلى الإباحة - القول بنبوة الأئمة وألوهيتهم، وبنبوة رؤسائهم وألوهيتهم - التشبيه (تشبيه اللَّه بالإنسان) ودعوى حلول روح اللَّه فى آدم وتناسخها إلى أن دخلت فى الأئمة واحدا بعد واحد، ثم حلت فى بعض رؤسائهم - تأويل القرآن على غير وجهه - التأثر بأفكار نصرانية (عند أصحاب أبى منصور العجلى) - مبادئ تفسير أسطورى لنشأة العالم (عند المغيرة بن سعيد) - كل رؤسائهم ليسوا من أهل البيت، وبعضهم موالٍ (المغيرة بن سعيد، وأبو الخطاب). ومن الواضح أن كل هذا لا يمت إلى الإسلام بصلة، ومؤرخو أهل السنة على حق إذ رأوا أن مثل هذه الآراء يكن يقصد منها فى الحقيقة من أول الأمر سوى محاربة الإسلام والدولة الإسلامية. ولاشك أنها على كل حال لا تؤدى إلى نصرة آل البيت، بل هى موضع استنكارهم. وفى أثناء المراحل الأخيرة للدعوة العباسية ظهرت الإباحة على يد أحد دعاة العباسيين وسيلة لكسب الأنصار، وربما كانت تحركا للإباحية القديمة المعروفة منذ أيام مزدك والتى قضى عليها ملوك الفرس. وهذا الداعية العباسى هو عمار بن يزيد المسمى خداشًا. وهو قد انحرف عن الدعوة العباسية بإظهار الإباحة، فأنكر محمد ابن على بن عبد اللَّه بن عباس هذا الانحراف، ثم جاءت ثورة الراوندية أيام أبى جعفر المنصور وكانوا من أتباع أبى مسلم. ويحكى عنهم القول بالحلول والتناسخ والإباحة، وقد ألهوا أبا جعفر المنصور وأحدثوا فتنة كادت تفسد الجند، لولا أنه قضى عليها بشدة؛ ثم ظهرت حركة الخرمية فى أذربيجان أيام الرشيد مصطبغة بصبغة حربية؛ وأخيرًا ظهر بابك الخرمى فى أذربيجان منذ سنة 201، وشملت حركته بلادًا كثيرة فى فارس، واعتدت بجيوش جرارة منظمة كان لابد فى هزيمتها من حشد جيوش كبرى من جيوش الدولة ومن حروب استمرت عشرين عامًا. ولما كانت هذه الحركات ذات الطابع الحربى السياسى قد انتهت

بالفشل، فإننا نستطيع أن نفهم بسهولة ما ذهب اليه مؤرخو أهل السنة من أن أمثال هذه المذاهب والحركات المتصلة بها كان يقصد بها محاربة الإسلام ودولته ومؤرخو أهل السنة يردون ذلك إلى المجوس، ويرون أن الدعوة الباطنية هى التى كانت الوسيلة إلى ذلك. فيحكى البغدادى المتوفى سنة 429 (¬1) أن المجوس فى أيام المأمون تشاوروا فى الكيفية التى يستطيعون بها استرجاع ملكهم، فلما وجدوا أنهم عاجزون عن قهر المسلمين دبروا حيلة هى تأويل أركان الشريعة على وجوه تؤدى إلى إبطالها، وانتدبوا لذلك حمدان قرمط وعبد اللَّه بن ميمون القداح. ويذكر البغدادى مذهبهم فى التوحيد، وهو مذهب ثنوى فى صورة إسلامية، ومذهبهم فى النبوات وبعض آرائهم فى تأويل أركان الشريعة وكثيرا من آرائهم الفلسفية (¬2) وابن حزم يذكر آراء الغلاة من مختلفى الفرق بمن فيهم غلاة الشيعة، ويذكر آراءهم المخالفة للإسلام، ثم يقول (¬3): أن أكثر ذلك يرجع إلى أن الفرس كانوا من سعة الملك وعلو اليد على جميع الأمم ومن إعتزازهم بأنفسهم حتى كانوا يسمون أنفسهم حرار، ويعتبرون سائر الناس عبيدًا لهم، وكانوا يعتبرون العرب أقل الأمم شأنا، فلما أزال العرب دولة الفرس رام هؤلاء الكيد للإسلام بالمحاربة فى أوقات شتى. ويذكر ابن حزم بعض زعماء هذه النزعة ومنهم خداش الذى تقدم ذكره، ويقول إن قومًا من الفرس أظهروا الإسلام واستمالوا الشيعة بإظهار محبة أهل البيت واستشناع ظلم علىّ رضى اللَّه عنه ثم سلكوا بهم مسالك شتى حتى أخرجوهم عن الإسلام من طريق القول بالمهدى المستأثر بمعرفة حقيقة الدين، ومن طريق القول بالحلول وتأويل أركان الشريعة، ومن هذا له ظهر الإسماعلية والقرامطة. ¬

_ (¬1) راجع كتابه "أصول الدين" طبعة استانبول 1928، ص 329 - 330، وكتاب "الفرق بين الفرق"، طبعة القاهرة , 1328 هـ، ص 269 وما بعدها و 277. (¬2) الفرق بين الفرق ص 269 - 270، 277 - 279، 294 وما بعدها. (¬3) الفصل، طبعة القاهرة، 1320 هـ، جـ 2، ص 115.

وعلى هذا يجب أن ننظر إلى زعماء غلاة الشيعة نظرة لا تقوم على أنهم مجرد رؤساء فرق إسلامية، لأن الإسلام لا يوجد عندهم لا من حيث هو عقيدة ولا من حيث هو شريعة. وإذا كان مؤرخو أهل السنة قد أطلقوا عليهم جميعا اسم "الغلاة" فلا شك أن فى ذلك كثيرًا من التسامح. وقد سلك الباطنية فى دعوتهم تلك الطريقة التى ذكرها المؤلف وألم بجوهرها، وهى توجد أكثر تفصيلا عند البغدادى فى الفرق بين الفرق، وعند الغزالى فى الرد على الباطنية (ص 5 - 7 من طبعة ليدن سنة 1916) وعند الإيجى فى المواقف (ص 627 - 628 من طبعة استانبول 1286 هـ) وعند صاحب كشاف اصطلاحات الفنون (تحت مادة سبعية) وعند الديلمى فى "قواعد عقائد آل محمد" (الباطنية)، طبعة القاهرة، 1950، ص 23 - 33، 38 - 43، وعند كثيرين غيرهم. ولكن مجرد الحيلة فى كسب الأنصار على هذا النحو لا تكفى، ومجرد تاكيد حق آل البيت فى الإمامة، بل دعوى ألوهيتهم، لا يكفى أيضًا، بل لابد فى محاولة كسب الأنصار على نطاق واسع من وضع فكرة عن الكون والخلق تستهوى الناس من أهل الغفلة ومن قليلى الحظ من المعرفة. لذلك نجد رئيسا ممخرقا من رؤساء فرق الشيعة الغلاة هو المغيرة بن سعيد الذى قتل سنة 119 هـ يقدم لأتباعه صورة أسطورية عن اللَّه وعن خلق العالم فيقول: إن اللَّه على صورة إنسان على رأسه تاج، وهو لما أراد أن يخلق الخلق تكلم باسمه الأعظم فوقع الاسم على تاجه، ثم كتب بأصبعه على كفه أعمال العباد من المعاصى والطاعات، فلما رأى المعاصى أرفض جبينه عرقًا، فاجتمع من عرقه بحران أحدهما ملح مظلم والثانى نير عذب. ثم نظر فى البحر فرأى ظله، فأراد أن يأخذه فطار، فأخذه وقلع عينه وخلق منها الشمس، وخلق الكفار من البحر المالح المظلم، والمؤمنين من البحر العذب النير، وخلق ظلال الناس، فكان أولها محمدًا عليه الصلاة والسلام. وهذا عند المغيرة هو معنى آية: (*) {قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ}. ¬

_ (*) الآية 81 سورة الأحزاب. المحرر

ثم أرسل اللَّه محمدًا عليه الصلاة والسلام إلى الناس كافة، وعرض على السموات والأرض والجبال أن يمنعن على بن أبى طالب، فأبين، ثم على الناس كلهم، فقام عمر بن الخطاب إلى أبى بكر فأمره أن يتحمل ذلك وأن يغدر بعلىّ، ففعل، وهذا هو عند المغيرة معنى آية (*): {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا}. وزعم المغيرة أن عمر قال لأبى بكر أنا أعينك على علىّ لتجعل لى الخلافة بعدك. وهذا عند المغيرة هو معنى آية (* *): {كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ. . .}. بعد ذلك نجد صورة ثانية عند زعيم شيعى مثل أحمد الكيالى الذى كان يدعو لواحد من أهل البيت بعد جعفر الصادق. وكان هذا الزعيم قد قبس شيئا من المعرفة خلطه بنزعته الشيعية، وادعى أن كل من قدر الآفاق على الأنفس وأمكنه أن يبين مناهج العالمين: أعنى عالم الآفاق، وهو العالم العلوى، وعالم الأنفس، وهو العالم السفلى، كان هو الإمام؛ وأن من قرر الكل فى ذاته وأمكنه أن يبين كلّ كلّى فى شخصه المعين الجزئى كان هو القائم. وقد ألف كتبًا بالعربية والفارسية، والعوالم عنده ثلاثة: العالم الأعلى، وفيه خمسة أماكن؟ أولها خال لا يسكنه موجود ولا يدبره روحانى، وهو مكان الأماكن المحيط بالعالم، وهو فى رأيه العرش الوارد فى الشرع. ودون ذلك مكان النفس العليا، ثم مكان النفس الناطقة، ثم مكان النفس الحيوانية، ثم مكان النفس الإنسانية. أما كيف حدث هذا العالم فإن الكيالى يزعم أن النفس الإنسانية أرادت الصعود إلى عالم النفس العليا؛ فبعد أن اخترقت مكان النفس الحيوانية والناطقة كلّت وانحسرت وتحيرت وتعفنت واستحالت أجزاؤها، فهبطت إلى العالم السفلى، ومضت عليها أكوار وأدوار، إلى أن ساحت عليها النفس العليا وأفاضت عليها من أنوارها جزءًا، فحدثت التراكيب فى هذا العالم، وحدثت السموات والأرض والمركبات من المعادن ¬

_ (*) الآية 72 سورة الأحزاب. (* *) من الآية 16 سورة الحشر. المحرر

والنبات والحيوان والإنسان، ووقعت فى بلايا هذا التركيب تارة سرورًا وسلامة وعافية؛ وتارة غمًا وبلية ومحنة، إلى أن يظهر "القائم" ويردها إلى حال الكمال. وعند ذلك تنحل التراكيب وتبطل المتضادات، ويظهر الروحانى على الجسمانى، وذلك هو القائم الذى هو أحمد الكيالى نفسه بحسب ما يزعم. وزعم الكيالى فى تأييد حقه أن اسمه أحمد، وأن الألف من اسمه تقابل النفس العليا، والحاء تقابل النفس الناطقة، والميم تقابل النفس الحيوانية، والدال تقابل النفس الإنسانية. وهو يبين التقابل بين العوامل العلوية والعالم السفلى: فالسماء تقابل مكان الأماكن، ودونها النار، ثم الهواء، ثم الأرض، ثم الماء، وهى أربعة تقابل العوالم الأربعة. والإنسان عنده فى مقابلة النار، والطائر فى مقابلة الهواء والحيوان فى مقابلة الأرض والحوت فى مقابلة الماء. ثم يبين التقابل بين عالم الإنسان وبين آفاق العالمين الأولين: الروحانى والجسمانى، ويمضى فى هذا الخلط، وينتهى بأن يزعم أن الأنبياء هم قادة أهل التقليد، وهم عميان؛ أما "القائم" فهو قائد أهل البصيرة أولى الألباب، وهؤلاء يحصلون على البصيرة بمعرفة التقابل بين العوالم. ثم يؤوّل الشريعة فيعتبر أن الميزان يدل على العالمين، وأن الصراط يدل عليه هو نفسه، والجنة على الوصول إلى علمه والنار على الوصول إلى ما يضادّ ذلك (¬1). بعد هذا نجد الصورة الثانية للكون عند الباطنية؛ وهؤلاء، منذ وقت مبكر، قد خلطوا كلامهم ببعض كلام الفلاسفة وألفوا فى ذلك كتبًا. ولنصرف النظر عن أنهم، كما يحكى الشهرستانى، يمتنعون عن إطلاق الصفات على اللَّه نفيًا وإثباتا، زعمًا منهم أن ذلك يقتضى التشبيه والمشاركة بين اللَّه وبين سائر الموجودات -وهم ينسبون إلى محمد ابن على الباقر أنه كان يقول: إن اللَّه إنما سمى عالمًا وقادرًا بعد أن وهب العلم والقدرة، وبمعنى أنه فعل ذلك لا بمعنى ¬

_ (¬1) راجع مثلا الملل والنحل للشهرستانى، طبعة كيورتن، ص 138 والصفحات التالية.

أن له العلم والقدرة صفتين قائمتين به -وهم يزعمون أن اللَّه بأمره القديم أبدع العقل الأول التام وبتوسطه أبدع النفس، وهى غير تامة، فاشتاقت النفس إلى كمال العقل، وكان لابد أن تتحرك، وكان لابد فى الحركة من آلة. ولذلك حدثت الأفلاك السماوية وتحركت حركة دورية بتدبير النفس، فحدثت الطبائع البسيطة، ثم تحركت حركة استقامة بتدبير النفس أيضا، فظهرت المركبات من المعادن والنبات والحيوان والإنسان واتصلت النفوس الجزئية بالأبدان. ونوع الإنسان يمتاز باستعداد خاص لفيض الأنوار العلوية. وكما أن فى العالم العلوى عقلا ونفسا كلية فلابد أن يكون فى العالم السفلى عقل مشخص هو كلى، وحكمه هو حكم الشخص الكامل، وهذا هو "الناطق" أو النبى فى زعمهم، كما لابد أن يكون فى العالم السفلى أيضًا نفس مشخصة كلية؛ وهذا هو "الأساس" أو "الوصى". وكما أن الأفلاك تتحرك بتحريك النفس والعقل، فكذلك تتحرك النفوس والأشخاص بالشرائع، بتحريك النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] والوصى فى كل زمان، دائرًا على سبعة سبعة، حتى يأتى الدور الأخير، ويدخل زمان القيامة، وترتفع التكاليف وتضمحل السنن والشرائع: والغرض من الحركات الفلكية والسنن الشرعية هو بلوغ النفس إلى حال كمالها، وهو بلوغها درجة العقل واتحادها به، وهذه هى القيامة الكبرى؛ وعندها، تنحلّ تراكيب الأفلاك والعناصر والمركبات وتنشق السماء، وتتناثر الكواكب، ويحاسب الخلق، ويتميز الخير عن الشر، والمطيع عن العاصى، وتتصل جزئيات الحق بالنفس الكلية وجزئيات الباطل بالشيطان. والباطنية يرون أن الشرائع عوالم روحانية وأن العوالم شرائع جسمانية، ويزعمون أن العلوم المستفادة من الكلمات التعليمية غذاء للنفوس، كما الأغذية المستفادة من الطبائع المادية غذاء للأبدان. . . وهكذا من الآراء التى أرادوا بها أن يكوّنوا وجهة نظر يلتف حولها الأنصار، ويظهر أن ذلك لم ينل ما كان ينتظر من ورائه من

اجتذاب الناس، ولذلك نجد أن أصحاب الدعوة الباطنية الجديدة، منذ ظهور الحسن الصباح فى النصف الثانى من القرن الخامس الهجرى. يمنعون الناس من الخوض فى العلوم ومن قراءة الكتب القديمة. وأراد الحسن الصباح أن يقيم دعوته على أساس نكت كلها اعتراضات على المخالفين؛ وكل همه إثبات أن النظر العقلى لا يؤدى إلى العلم اليقين بدليل الخلاف الموجود بين أهل الرأى والنظر، وأنه لابد من معلم معصوم، نظرا لكثرة المعلمين واختلافهم (¬1). ولو نظرنا فى هذه الآراء التى تقدم ذكرها، وكان المقصود منها أن تكون وجهة نظر فى الكون، للاحظنا تطورًا من التطور الأسطورى إلى تصور مختلط بالمعرفة الفلسفية، وكلها تنتهى بالغرض الحقيقى المقصود منها، وهو تأكيد حق علىّ رضى اللَّه عنه فى الخلافة (وهذا عند المغيرة بن سعيد) أو تأكيد إمامة رئيس الفرقة (وهذا عند أحمد الكيالى) أو بيان شأن النبى [صلى اللَّه عليه وسلم] ووصية فى هذا العالم (وهذا هو مذهب الباطنية). فليس هناك غموض فى أمر الشيعة فى الحقيقة، وإنما جاء الغموض من أن الدعوة كانت فى الغالب سرية. ولما كان اجتذاب الأنصار والأتباع المثقفين غير متيسر بوجهة نظر كالتى تقدم ذكرها -لأنها أولا ليست أصيلة وإنما هى خلط زائف من آراء لقوم سابقين، ولأنها ثانيًا لا تكفى لمقاومة الفكرة الإسلامية عن الكون والحياة- فقد كان لابد للدعاة الفاسدين من أن يعمدوا إلى أساليب تناسب الطبائع المنحطة، ومن هنا دخلت الآراء والأساليب الإباحية فى دعوة الشيعة، فوصمتها وصمة شائنة استمرت مع التاريخ، ولاشك فى أن الإباحة ليست عربية، ولا هى شيعية إذا فهمنا من كلمة "الشيعة" مجرد مشايعة آل البيت، بل هى ترجع إلى مذاهب قديمة فارسية قضى عليها ملوك الفرس قبل الإسلام ثم ظهرت بعده لأغراض سياسية تؤيدها القوة الحربية. فلما فشلت الحركات السياسية اندس الإباحية بين ¬

_ (¬1) راجع فى مذهب الباطنية الملل والنحل مثلا، ص 145 - 152.

الشيعة تارة وبين الصوفية تارة أخرى. والمذاهب تأبى أن تموت، فتتشكل مع الزمان وتغير الظروف بأشكال جديدة. وكما حدث أن أصحاب المذاهب الدينية القديمة دخلوا فى النصرانية وأرادوا إفسادها من الداخل، فإنهم أيضًا دخلوا فى الإسلام للغاية نفسها، وإلا فما شأن آل البيت بتأليه الأئمة وبالقول بالحلول ونحو ذلك؛ وما شأن الصوفية، وهم أهل زهد وعلم، بتلك الإباحة التى توجد عند الأدعياء الذين اندسوا بينهم! وإذا كان الأستاذ كاتب المقال يبدى شيئا من العطف على الشيعة السبعية ويحاول أن يفهم وجهة نظرهم، ويشير إلى أن المزيد من البحث النزيه كفيل بأن يؤدى إلى إدراك حقيقة أمرهم، فإن حقيقة أمرهم لا يمكن أن تنجلى عن أكثر مما تقدم. أما ما يقوله من أن الإباحية ربما كانت محاولة لمواجهة جملة أحكام الشريعة بمذهب فى الأخلاق كالذى يوجد فى أبيات من ديوان ناصر خسرو الشاعر، فكيف يمكن أن يعقل إنسان أن تكون الإباحية مذهبًا خلقيًا، وهى مضادّة للطبيعة البشرية ولكل شئ كريم ونبيل فى الروح الإنسانية؟ وإذا كان كاتب المقال يعتبر أن ذكر ناصر خسرو لسبعة فضائل -منها التواضع والكرم والحلم والقناعة والحكمة؛ وسبع رذائل- منها البخل والغضب والشهوة والكبر والحسد- فأين هذه الفضائل التى لا تحصى والتى نجدها فى القرآن والحديث، ونجد تفصيلها وتحليلها عند كبار علماء الإسلام من الصوفية وغيرهم من الأخلاقيين؟ وأين هذه الرذائل من تحليل علماء الإسلام للأخلاق الذميمة وبيانهم لعلاجها على أساس علمى نفسى منقطع النظير؟ . الحق أن آراء غلاة الشيعة ومذاهبهم من أول الأمر إلى آخره لها روح وغاية واحدة، وهى غير إسلامية، ولا يقصد منها نصرة آل البيت بل خدمة أغراض خاصة من طريقها، ولذلك اندثرت هذه الآراء مع الزمان، كما اندثرت فرق الغلاة أيضًا، ولم يبق منها إلا وصمة

تاريخية. وبعد زوال الفرق الأولى، ظهر اشتغال علماء الشيعة الحقيقيين بالعلم والفلسفة كالذى نجده عند علماء الإسماعيلية وعلماء الزيدية، وإن لم يكن عندهم من العبقرية أكثر مما عند غيرهم. ومن أسف أن علماء أهل السنة، حتى المتأخرين منهم، كأنما تجاهلوا هذه الجهود؛ ويجوز أنهم لم يتعرضوا لها، لأنهم لم يجدوا فيها شيئا تتميز به. وهم على كل حال قد حشروا كل غلاة الشيعة ومفسديهم تحت اسم واحد هو اسم السبعية (¬1)، واعتبروا هذا الاسم شاملا لكل أهل الفساد من الباطنية والقرامطة والإسماعيلية والإباحية والمزدكية والخرَّمية أو الخرمدينية (¬2) والملاحدة أو الزنادقة وغيرهم. وأهل البيت الحقيقيون هم ومن يميل إليهم برآء من آراء غالية الشيعة وقد كانت هذه الآراء فى الحقيقة محنة تعرض لها أهل البيت، كما رأى ذلك علماء أهل السنة ونحن نعتقد أنا قد وقفنا موقف الأنصاف بين الشيعة الحقيقيين وبين خصومهم والدخلاء عليهم. والإسلام واضح فى عقيدته وشريعته، ولذلك فإن من يخرج على أصوله فهو كمن يضع نفسه فى ضوء باهر ينكشف فيه أمره تمام الانكشاف. وكل محاولة لتقرير مذهب أو لوضع وجهة نظر لا تتفق مع العقل أو مع الشعور الخلقى الكامل فهى محاولة فاشلة لأن الإسلام دين عقلى وخلق معا. وأشير على القارئ بأن يرجع إلى آراء مختلف فرق الشيعة عند الأشعرى فى كتاب "مقالات الإسلاميين"، طبعة استانبول، جـ 1 ص 5 - 85؛ وفى كتاب الملل والنحل للشهرستانى، طبعة كيورتن، ص 108 - 152؛ وفى "الفصل" لابن حزم، طبعة القاهرة، 1320 - 1320 هـ، جـ 3، ص 114 - 116؛ جـ 4، ص 179 - 188، 227؛ وفى كتاب "الفرق بين الفرق" ص 214 - 217، 223 - 226، 229 - 229. [محمد عبد الهادى أبو ريدة] ¬

_ (¬1) هذا ما فعله كشاف اصطلاحات الفنون. (¬2) كلمة خرمى بالفارسية معناها الفرح والسرور، ومظهره الإباحة وعدم التقيد بأحكام الأخلاق ولا بأحكام الشريعة فيما نهت عنه.

السبكى

السبكى نسبة إلى سُبْك من أعمال المنوفية مركز منوف ممفيس (على باشا مبارك الخطط الجديدة بولاق سنة 1305، جـ 12، ص 7) أ- أسرة السبكى من علماء الشافعية (تشير الأرقام الموضوعة أمام بعض الأفراد فى شجرة نسب الأسرة إلى الأوصاف التالية؛ وانظر عن الجميع كتاب Die academien de raraber und ihre Lehrer: F.Wustenfeld ص 119). (1) صدر الدين أبو زكريا يحيى، قاضى المحلة، ثم اشتغل بالتدريس فى القاهرة، وتوفى عام 725 هـ (Academien رقم 183). (2) تقى الدين أبو الفتح محمد، ولد عام 704، واشتغل بالتدريس فى القاهرة ودمشق، وتوفى عام 744. وقد ألف كتابا فى التاريخ. وذكر آلوارت (Ahlwardt رقم 8471، 24) مكاتباته (Academien رقم 97؛ الخطط الجديدة، جـ 12، ص 8). (3) بهاء الدين أبو البقاء محمد، ولد عام 708، واشتغل بالتدريس. وكان قاضيًا وحاكما بدمشق والقاهرة، ووكيلا للسلطان وخطيب المسجد الأموى بدمشق. وتوفى عام 777. وله ثلاثة مصنفات لم يتمها (Academien رقم 52؛ الخطط الجديدة، جـ 12، ص 8). (4) ولى الدين أبو ضَر عبد اللَّه. ولد عام 735، واشتغل بالتدريس، وكان قاضيا وخطيبا، وقيما على الشئون المالية بدمشق، وتوفى عام 785 (Academien رقم 98). (5) بدر الدين أبو عبد اللَّه محمد. ولد عام 741 واشتغل بالتدريس. وولى الإفتاء والقضاء بالقاهرة ودمشق. . . الخ. وكان خطيبا بالمسجد الأموى. ولم يكن ولى الدين محبوبا عند الجمهور بسبب سيطرة ولده جلال الدين على شئونه. وتوفى عام 802 أو 803 (Academien رقم 53؛ الخطط الجديدة، جـ 12، ص 8). (6) شيخ الإسلام تقى الدين أبو الحسن على، ولد عام 683، وتلقى

العلم فى القاهرة خاصة، واشتغل بالتدريس، وولى الإفتاء والقضاء بالقاهرة ودمشق. وكان حاكما بدمشق وخطيبا بالمسجد الأموى، وتوفى عام 756. وله اكثر من 150 مصنفا نذكر من بينها ما يأتى بقصد تصويب ثبت مصنفاته الذى أورده بروكلمان فى كتابه Gesh. d Arab. Litt، جـ 2، ص 87 وما بعدها. 5) طبع فى حيدر آباد 1315 هـ، بولاق 1318 وطبع فى القاهرة من غير تاريخ مع مقدمة للشيخ محمد بخيت؛ 12) انظر أيضا Ahlwardt، رقم 9399؛ 16) قصيدة وردت أيضًا فى Ahlwardt، رقم 8482، ورقم 41؛ 18) إجابات على بعض الفتاوى، Ahlwardt، رقم 5026, 1؛ 19) الدر النظيم فى تفسير القرآن العظيم، وهو غير كامل؛ 20) تفسير آية {يَاأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ. . .} (سورة المؤمنون الآية 51) الابتهاج فى شرح المنهاج (بروكلمان، جـ 1، ص 295، فصل 12 [ليس صحيحا كل الصحة] وهو غير كامل، انظر ما يلى رقم 7، 2)، وقد طبع فى القاهرة 1927 م؛ 22) شرح على المهذّب للشيرازى، وهو غير كامل، انظر بروكلمان، جـ 1، ص 387، 9، 1؛ 23) الرقم الإبريزى فى شرح مختصر التبريزى، انظر بروكلمان جـ 1، ص 393، 24؛ 24) رفع الشقاق فى مسألة الطلاق؛ 25) التحقيق فى مسألة التعليق؛ 26) بيان حكم الربط فى اعتراض الشرط على شرط؛ 27) منية الباحث عن حكم دين الوارث؛ 28) الرياض الأنيقه فى قسمة الحريقة؛ 29) السهم الصائب فى قضاء دين الغائب؛ 30) الغيث المغرق فى ميراث ابن المعتق؛ 31) فصل المقال فى هدايا العمال؛ 32) القول الصحيح فى تعيين الذبيح؛ 33) كشف الدسائس فى هدم الكنائس؛ 34) الطريقة النافعة فى المساقاة والمخابرة والمزارعة؛ 35) نور الربيع فى الكلام على ما رواه الربيع؛ 36) الاعتبار ببقاء الجنة والنار؛ 37) القول المحمود فى تبرئة داود، وقد طبع فى ملتان 1340 هـ مع مسند عمر بن عبد العزيز؛ 38) غيرة الإمام الحلبى فى أبى بكر وعمر وعثمان وعلى؛ 39) الاتساق فى بقاء وجه الاشتقاق؛ 40) أحكام "كل" وعليه

ما يدل؛ 41) الإقناع فى إفادة لو للامتناع؛ 42) الأسئلة فى العربية؛ 43) الجد الإغريض فى الفرق بين الكناية والتعريض؛ 44) الاقتناص فى الفرق بين الحصر والاختصاص؛ 45) إحياء النفوس فى صنعة إلقاء الدروس؛ وتوجد فى مجموعة فتاواه كثير هن كتيباته (Academien رقم 49، الخطط الجديدة، جـ 12، ص 7؛ حاجى خليفة طبعة فلوجل، الفهرس رقم 8765؛ Brockelmann، جـ 2، ص 86، س 9، وفيه بيان أطول من ذلك عن مؤلفاته. وتوجد سيرة كاملة له فى كتاب الطبقات لولده [رقم 9 فى هذه المادة] 46) الدرة المضيئة فى الرد على ابن تيمية، طبع فى دمشق 1347 (على هامش مؤلفه رقم 36 مع رسالتين صغيرتين)؛ 47) العلم المنشور فى إثبات المشهور، طبع مع إرشاد أهل الملة للشيخ محمد بخيت، القاهرة 1329؛ 48) تكملة المجموع على المجموع، شرح المهذب للنووى (المتوفى سنة 677 هـ) القاهرة 1349 هـ وما بعدها. ونشر له ا. س عطية فى Kahle Festschift، ليدن 1935 م، ص 55 وما بعدها فتوى من فتاواه وترجمها، أما فتاواه فقد طبعت فى القاهرة سنة 1356 هـ. (7) بهاء الدين أبو حامد أحمد، ولد سنة 719، واشتغل بالتدريس، وولى الإفتاء والقضاء فى القاهرة ودمشق، وتوفى بمكة عام 733. وقد ألف بهاء الدين الكتب الآتية. 1) شرح غير كامل على الحاوى للقزوينى (انظر Brockelmann، جـ 1، ص 394، 29، 1)؛ 2) ذيل لشرح "المنهاج" غير الكامل على الشرح الذى قام به أبوه للمنهاج (انظر رقم 6, 21)؛ 3) جمع التناقض أو المناقضات (حاجى خليفة، طبعة فلوجل، جـ 6، ص 157)؛ 4) عروس الأفراح فى شرح تلخيص المفتاح (انظر Nachtrag: Brockelmann جـ 1، ص 295، فصل 18، وقد طبع فى القاهرة طبعة غير مؤرخه ضمن مجموعة شروح التخليص)؛ 5) شرح غير كامل على مختصر الكافية لابن الحاجب على البيضاوى (انظر brockelmann، جـ 1، ص 305، س 6)؛ 6) قصيدة فى معنى كلمة عين (Ahlwardt, رقم 7065، 1، كما فى 6973، 3 وفى 7334؛

7) أحجية منظومة عن النيل (مع إجابة صلاح الدين الصفدى [Brockelmann، جـ 2، ص 31، س 3] ويرجع فى شأنها. آل السبكى ضياء الدين أبو الحسن على بن تمّام بن يوسف بن موسى ابن تمّام بن حمّاد بن يحيى بن عثمان بن على بن سُوار ابن سليم الأنصارى الخزرجى يحيى (1). . . زين الدين أبو محمد عبد الكافى (توفى 735) عبد اللطيف. . . سديد الدين أبو محمد عبد البرّ على (6) أحمد (7). . . الحسين (8). . .عبد الوهاب (9). . . محمد (10) محمد (2). . . محمد (3) عبد اللَّه (4). . . محمد (5)

إلى Ahlwardt، 8471، 28)؛ 8) قصيدة أخرى له (Ahlwardt، 8471، 37)9) رسائل موجهة إليه (Ahlwardt، 7869، 8471، 24 Academien، رقم 50، الخطط الجديدة، جـ 12، ص 8؛ حاجى خليفة، طبعة فلوكل، الفهرس رقم 1899). (8) جمال الدين أبو الطيب الحسين: ولد عام 722, وقام بالتدريس فى القاهرة ودمشق، واشتغل فى دمشق أيضًا نائبا للقاضى، وتوفى عام 755 قبل وفاة أبيه. وألف جمال الدين كتابا عن الناس باسم الحسين بن على (حاجى خليفة، طبعة فلوجل، جـ 5، ص 159). ورسائله مذكورة فى Ahlwardt رقم 8471، 24 (Academien، رقم 73؛ Ahlwardt. الخطط الجديدة، جـ 12، ص 8). (9) تاج الدين أبو نصر عبد الوهاب: ولد عام 727 (أو 728 أو 729) وقام بالتدريس، واشتغل أستاذا وقاضيا، وحاكما فى دمشق والقاهرة، ثم غدا خطيبا للمسجد الأموى. وقد حبس سنة 771 ثمانين يوما تقريبا، ولكنه تمكّن من أن يرد لنفسه اعتبارها، وتوفى بالطاعون سنة 771. ونضيف إلى الثبت الذى ذكره بروكلمان بكتبه الباقية (جـ 2، ص 89 وما بعدها): 1) Ahlwardt؛ رقم 4401، وهو توقيع بخطة يرجع إلى سنة 762؛ شرح الزركشى، فى Ahlwardt أيضا رقم 4402؛ وقد طبع على شرح المحلى وشرح الشرح للبنّانى فى بولاق أيضًا سنة 1297 هـ، 1891 م، كما طبع مع الشرح نفسه و"تقريرات" عبد الرحمن الشربينى، القاهرة 1309، 1318 هـ. وطبع فى القاهرة أيضًا سنة 1310. ضمن مجلد "مجموع من مهمات الفنون" مع شرح المحلى وتقريرات الشربينى، كما طبع سنة 1304، 1306؛ وطبع أيضًا مع الكتاب رقم 2، 2) طبع فى القاهرة سنة 1322 هـ ضمن مجلد "مجموع شرح جمع الجوامع"، 7) نشر بمعرفة D.W.Myhrman فى Luzac's Semitic Text Series لندن 1908, جـ 18؛ واختصره وترجمه من العربية O. Rischer، الآستانة 1925 م وطبع أيضًا طبعة غير

مؤرخة فى القاهرة على هامش مجموعة فى مجلد تعرف باسم "تفريج المهج"، 18) انظر ليدن، رقم 897, وقد طبع بالقاهرة عام 1324 هـ ومن ذلك أيضا De vita et scriptis Maverdii conunentstin: M, Enger سنة 1581؛ 8 ب؛ انظر أيضا Ahlwardt رقم 10036 (8 ج) انظر كوتا رقم 1762؛ 10؛ وانظر أيضا Ahlwardt رقم 8465، ورقم 108، 16) كتاب الأشباه والنظائر فقرات منه فى Ahlwardt رقم 4611، 17) شرح على المنهاج للبيضاوى (انظر Brockelmann جـ 1، ص 418، جـ 2)؛ 18 جلب حلب، 19) رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب (انظر ما سبق، رقم 7، 5)، 20) منظومة فى الألفاظ الأعجمية فى القرآن، Ahlwardt , رقم 725، انظر 724؛ 21) وتوجد أشعار له فى Ahlwardt رقم 596، 1، 22) الدرر اللوامع، 23) خطابات موجهة له Ahlwardt رقم 7868 (Academien رقم 51، الخطط الجديدة، جـ 12 كذا) ص 8، Wustenfeld: Der Imam el Schafii جـ 1، ص 10 وما بعدها، حاجى خليفة، طبعة فلوجل، الفهرس رقم 8704؛ Brockelmann جـ 2، ص 89 وما بعدها حيث توجد مصادر أخرى). (10) محمد: وقد وجه إليه أبوه قصيدة كلها لوم وتعنيف (انظر ما سبق رقم 6، 4). ب- شهاب الدين (أو شرف الدين) أحمد بن خليل بن إبراهيم المصرى الشافعى؛ وقد توفى عام 1032 بالغا من العمر ثلاثا وتسعين سنة. مؤلفاته: 1) حاشية على كتاب الشفاء للقاضى عياض (Brockelmann جـ 1، ص 369، 5)؛ 2) فتح المُقيت فى شرح التثبيت عند التبييت Brockelmann جـ 2، ص 151، 130؛ 3) فتح الغفور فى منظومة القبور (المصدر السابق)؛ 4) فتح المبين فى شرح منظومة ابن عماد الدين (انظر Brockelmann جـ 2، ص 94، 4، وربما يكون قد نسب إليه خطأ (انظر pertsch رقم 1080)، 5) هداية الإخوان فى مسائل الإسلام والاستئذان؛ 6) مناسك الحج الكبيرة؛ 7) الصغيرة، 8) وقد

جمع علاوة على ذلك فتاوى الرملى (انظر Brockelmann جـ 2، ص 321، 13؛ الخطط الجديدة، جـ 12، ص 8 وما بعدها؛ وتوجد سيرته أيضًا فى Ahlwardt رقم 8471، ص 15). ج- ويرجع فيما يتصل بأحمد بك السبكى بن أحمد سليمان عجيلة، وهو من المصريين المحدثين، إلى كتاب الخطط الجديدة، جـ 12، ص 9. الشنتناوى [شاخت Joseph Schacht] د - الشيخ محمود (بن محمد بن أحمد) خطَّاب السبكى، مصلح دينى وصاحب طريقة السبكية، ولد عام 1274 هـ (1858 م) بسبك العويضات من أعمال مديرية المنوفية، وتوفى عام 1352 هـ (1933) فى القاهرة، وقد تأثر بالصوفية فى باكورة حياته (كان من أتباع الخلوتية وغيرها من الطرق). وإنما التحق بالأزهر فى سن متأخرة بعض الشئ مدفوعا بغيرته الدينية، وإن كان قد أعد إعدادا مدنيا؛ وجادل محمود أساتذته فى تفسير القرآن الكريم والسنَّة وهو بعد فى دور الطلب، وألفّ رسائل فى محاربة البدع، ثم شخص إلى الريف يبشّر بالإصلاح. ونال شهادة العالمية فاستطاع إلى حين وفاته أن يذيع على الناس المحاضرات التى كان قد بدأ فى إلقائها فى الأزهر على طلابه فحسب، وأراد الشيخ محمود أن ينفذ ما دار فى فكره فأنشأ عام 1331 هـ (1913 م) جمعية يقالَ لها "الجمعية الشرعية لتعاون العاملين بالسُّنة المحمدية" (القانون الأساسى: القاهرة 1331. التزامات الوعَّاظ المطلوب تعيينهم: فى سيرة حياته، انظر ما يلى) وقد قطع أعضاؤها على أنفسهم العهد بأن يتجنبوا البدع جميعا، وأن يؤدوا اشتراكا شهريًا معلوما، وألّا يتاجر الواحد منهم إلّا مع أخيه ما وسعه، وأن يتبادلوا النصيحة فى الأمور الشخصية، وتقيم الجمعية المساجد (ويقال إنه كان فى مصر كلها أكثر من مائة مسجد سنة 1935) وتعول الوعاظ وتوزع الصدقات؛ ومصدر دخلها الرئيسى صناعة المنسوجات المصرية علاوة على تبرعات الأعضاء؛ وسكن الشيخ محمود سنة 1344 هـ (1926 م) منزل فى حارة الجوخدار بباب زويلة، وهو وقف (وقد

طبعت هذه الوقفية بالقاهرة عام 1344 هـ) أضحى الآن مركز السبكية؛ وفى المنزل مسجد وغرف لجلوس أقارب الشيخ وأتباعه ثم حانوت لبيع الأقمشة ومكتبة ومكتب، وحانوت حلاق وغير ذلك؛ وتوفى الشيخ فخلفه ابنه أمين فى رئاسة الجمعية وإدارة هذا الوقف. وكان الشيخ محمود مالكى المذهب (ولكنه لم يكن فى الجوهر يؤثر هذا المذهب على غيره، وشاهد ذلك أن ابنه أمين كان شافعيا) تأثر بكتاب المدخل لابن الحاج المتوفى سنة 737 هـ (1336 - 1337 م)؛ وقد حارب الشيخ البدع فى كل ناحية من نواحى الحياة وخاصة فى العبادة؛ ومن ثم دعا الناس إلى التمهل فى الصلاة، ولم يكن له محراب، واكتفى من المنبر بمقعد بسيط له درجتان؛ واعتبر تجويد الأذان وتلاوة سورة الكهف دون غيرها وطائفة كثيرة من شعائر الدراويش مخالفة للسنة وقد حرّم التدخين وحف اللحى وارتداء الطربوش وحده؛ ومن هنا انصاع أتباعه لأوامره فأحبوا ارتداء كل ما هو أبيض، وهم يعتّمون فوق القلنسون البيضاء (أو الطربوش الأحمر) بعمامة منها عذبات ويمدون يدهم عند اللقاء لا عند الافتراق، وقد جرى الشيخ على أن يجلس على أدم بعد صلاة العصر فى بهو من أبهاء المسجد ويجيب على أسئلة أتباعه، ولا يزال خليفته يتبع هذه السنة إلى اليوم. وعقيدته كما وردت فى سيرته تطابق السنة تمام المطابقة، فهو يؤمن فى الفروع بالقرآن الكريم وسنَّة الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وإجماع الأئمة أهل الاجتهاد، وكل ما خالف ذلك لا يلتفت إليه؛ وكثيرًا ما اختلف الشيخ مع جمهرة المتكلمين ومصادرهم المعترف بها. ولم يكن خلافه معهم يدور حول المبدأ بقدر ما كان يدور حول التطبيق الذى يراه هو، وقيل أنه وهّابى، وهاجم بشدة كل من خالفه فى الرأى، وزعم لنفسه حق الاجتهاد؛ ثم غلب آخر الأمر الرأى القائل بأنه مسلم غيور لا يسع المرء إلا أن يتركه يسير على سننه، ولو أنه كان يشتط فى كثير من الأمور. ويقدر عدد أتباعه -وله عليهم سلطان

المصادر

محدود فى روايتهم هم أنفسهم- "بعدة آلاف" فى القاهرة عامة وفى الريف خاصة، وهم يطلقون على أنفسهم لقب "السنيَّة" وحسب، وأهم أهداف حركتهم الجمع بين الإصلاح الدينى وبرنامج اجتماعى واقتصادى. وعمدة مصنفات الشيخ شرح واف لسنن أبى داود عنوانه "المنهل العذب المورود"، وقد بدأ ظهور المصنف قبيل وفاته واستمر ابنه أمين فى إصداره (القاهرة، عام 1351 هـ وما بعدها)؛ وقد وضع أمين فى فاتحة المجلد الأول منه سيرة لأبية أثنى عليه فيها وأورد ثبتا يشتمل على مصنفاته (مجموعها 6) ونذكر من كتبه فى الإصلاح: "إصابة السهام فؤاد من حاد عن سنّة خير الأنام" (القاهرة، 1330 هـ)؛ و"تعجيل القضاء المبرم لمحق من سعى ضد سنّة الرسول الأعظم" (القاهرة 1350 هـ)؛ وقد حمل عليه مصطفى أبو السيف الحمّامى فى كتابه "استكشاف السر المقصود من كتب الشيخ السبكى محمود" (وللجزء الثانى من هذا الكتاب عنوان مستقل بذاته هو: رفع الحجاب عن بلايا ابن خطّاب)؛ (القاهرة، 1336 هـ)، وقد نافح عن الشيخ السبكى كل من أحمد العدوى فى رسالتين هما "طريق الوصول إلى إبطال البدع بعلم الأصول" و"فصل الخطاب بين الشيخ مصطفى الحمّامى والشيخ محمود خطاب" (القاهرة، من غير تاريخ) وعبد اللَّه بن عبد اللَّه بن على العفيفى فى مؤلفه "الحسام السامى لمحق تقّول مصطفى الحمّامى، (القاهرة، 1336 هـ). المصادر: وردت فى صلب المقال: صبحى [شاخت Joseph Schacht] سبيل السبيل الطريق، وقد وردت هذه الكلمة فى القرآن الكريم ومعناها: (1) لغة، مثل: {. . .مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا. . .} (سورة آل عمران، آية 97). (2) مجازا، مثل قولك: "سبيل اللَّه". (3) مجازا، بمعنى الطريق الحق أى

المصادر

سبيل الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-مثل: {. . . يَالَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا} (سورة الفرقان، الآية 27). (4) مجازا: بمعنى الوسيلة تتخذ لبلوغ شئ أو الحصول عليه، أو طريق الخروج من شدة أو ضيق، مثل: {. . . أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا} (سورة النساء، الآية 15). (5) فى عبارة "ابن السبيل" أى المسافر أو عابر الطريق، وقد ذكر لأنه أهل للرحمة والبر. وتستعمل سبيل الآن للدلالة على عين الماء تقام ليشرب منها الناس عامة. ذلك أن أهل البلاد الحارة والأقاليم الممحلة كانوا بطبيعة الحال يعرفون أن الآبار والصهاريج والعيون لها فضل عظيم فى تزويد المسافرين العطشى بالماء. وقد اعترف الإسلام بذلك كما اعترفت به معظم الأديان الأخرى. ومن المحتمل أن يكون استعمال كلمة سبيل بهذا المعنى قد أوحت به عبارة "سبيل اللَّه" التى جرى المسلمون على إطلاقها على أى فعل يقصد به وجه اللَّه. المصادر: انظر المعاجم، تحت هذه الكلمة. خورشيد [هيج T.W.Haig] السترة هى الغطاء أو الدريئة أو الستر، وخاصة فى الصلاة حيث تدل على الشئ يضعه المصلى أمامه، أو يقيمه فى اتجاه القبلة، فيجعله معتكفا فى منطقة متوهمة لا يزعجه فيها أحد من الناس ولا يقلق باله عمل من أعمال الشيطان. وشاهد ذلك قول فلهاوزن: "الظاهر أن استتار المرء استتارا متوهما فى مكان مكشوف يؤدى فيه الصلاة (السترة) كان من بين أغراضه طرد الشياطين" Reste: Wellhausen,158). وقد جاء فى حديث أنه اذا أراد أحد أن يجتاز هذه المنطقة المتوهمة فهو شيطان (البخارى، كتاب الصلاة، جـ 4، 2؛ أحمد بن حنبل، المسند، باب 100؛ أحمد ابن حنبل، المسند جـ 4، 2؛ الطيالسى، المسند، حيدر آباد 1231 هـ، رقم 1342).

ولم ترد كلمة سترة فى القرآن الكريم، وهى ترد كثيرًا بعبارة ستر (تستر أو استتر) بثوب فى الأحاديث الخاصة بالغسل الذى يعمد المرء فيه إلى إخفاء عورته بعباة أو ستر أو يتدارى بهما (انظر مثلا البخارى: كتاب الصيد: باب 14، كتاب الغسل، باب 21؛ مسلم: كتاب الحيض، حديث 70؛ 79، أبو داود: كتاب الطهارة باب 123؛ كتاب المناسك باب 37) والسترة أيضا هو الستار الذى كان النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] يحجب به نساءه عن أنظار الناس (البخارى: كتاب المغازى، باب 56، كتاب النكاح! باب 67). وكذلك أخبرنا بان المرء يُصلى إلى شئ يستره من الناس حتى لا يقلقوه (انظر مثلا البخارى: كتاب الحج، باب 53؛ مسلم، كتاب الصلاة حديث 259؛ أبو داود، كتاب المناسك، باب 52). ويقال إن النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] كان لا يتقيد بشئ فى اختيار السترة. فكان يصلى إلى الراحلة والبعير والشجر والرحل (البخارى، كتاب الصلاة، باب 98) والسرير (البخارى: كتاب الصلاة، باب 19) والحربة (باب 92) والعنزة (باب 93) والأصطوانة (1) (باب 95) وبين السوارى فى المسجد. وقد حفظت لنا الأحاديث أثرا لرأيين فى السترة، الأول يفصل أحكامها تفصيلا والآخر يعارض ذلك. وقد حاول الرأى الأول أن يقرر على وجه الدقة المسافة التى يجب أن تكون بين السترة والمصلى (ممر الشاة، انظر البخارى: كتاب الصلاة، باب 91؛ مسلم: كتاب الصلاة، حديث 263، 264 وما بعده) وجاء فيه أن النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] يقول إنه لا يباح لأحد أن يمر بين المصلى وسترته (البخارى: كتاب الصلاة، باب 100، 101؛ مسلم: كتاب الصلاة، حديث 258، 262 وما بعده) وأن المارّة، وخاصة الكلاب والحمر والنساء، تقطع الصلاة. قال رسول اللَّه [-صلى اللَّه عليه وسلم-] "إذا صلى الرجل وليس بين يديه كآخرة الرحل أو كواسطة الرحل قطع صلاته الكلب الأسود والمرأة والحمار" (الترمذى: كتاب المواقيت، الباب 136؛ احمد بن حنبل، جـ 2، ص 196).

المصادر

ويقول الرأى الآخر إن الصلاة لا يقطعها قط المارة (وهذا هو أيضًا رأى الشافعى بحسب ما جاء فى تعليق الترمذى فى كتاب المواقيت، باب 135) (البخارى: كتاب الصلاة، باب 105). ونحن نلمس هذا المذهب أيضًا فى رواية لابن عباس، قال: كنت رديف الفضل على أتان، فجئنا والنبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] يصلى بأصحابه بمنى، قال فنزلنا منها فوصلنا الصف، فمرت بين أيديهم فلم تقطع صلاتهم" (الترمذى: كتاب المواقيت، الباب 135؛ انظر أحمد بن حنبل جـ 2، ص 196). ويقول الشافعى إن السترة سنة. وقد ذكر النووى آراء الفقهاء المختلفة فيها، وذلك فى شرحه لصحيح مسلم؛ القاهرة، 1282 هـ، ج 2، ص 76 وما بعدها، انظر أيضًا ملاحظات الترمذى على باب 133 - 136 من كتاب مواقيت الصلاة. أما أبو إسحق الشيرازى فيقول: (طبعة جوينبل، ص 29): "وإن مرّ بين يديه مارّ وبينهما سترة بقدر عَظْم الذراع لم يكرَه وكذلك إن لم يكن عصَا وخطَّ بين يديه على ثلاثة أذرع خطّا لم يكره، وإن لم يكن شئ من ذلك كُرِه وأجزأته صلاته". ونقول فى ختام هذه المادة أن سترة الإمام فى الصلاة تعد سترة للمؤتمين به (البخارى: كتاب الصلاة، الباب 90). المصادر: (1) وردت مادة الأحاديث الصحاح فى Handbook of the Early Muh. Tradition: A. J. Wensinck, ليدن 1927، مادة سترة. (2) ابن حجر الهيتمى: التحفة، القاهرة 1282 هـ، جـ 1، ص 180 وما بعدها. خورشيد [فنسنك A. J. Wensinck] ست الملك أو سيدة الملك: أخت الحاكم بأمر اللَّه سادس الخلفاء الفاطميين، ويذكرها المؤرخون أيضًا باسم ست الملوك وست النصر. وكانت ست الملك سيدة عظيمة البراعة وحاكمة على جانب كبير من

الاقتدار كما يستدل من المدة القصيرة التى قضتها فى الحكم نائبة عن الخليفة. ولقد افترت عليها ألسنة السوء ورمتها فى شرفها بل اتهمتها بقتل أخيها الخليفة. وتذكر الرواية الشائعة أن الحاكم كان من عادته أثناء جولاته فى إرجاء الدولة أن يتلقى من رعاياه التماسات مكتوبة ينظر فيها فى أوقات فراغه. وقد بادر المصريون إلى انتهاز هذه الفرصة وأرسلوا إليه فى الخفاء أشعارا بذيئة ووشايات مشينة. وفى مرّة من هذه المرات تلقى وهو فى مصر ورقة تضمنت تهما مخزية فى حق أخته ست الملك غير المتزوجة وتقولات عن عبثها ومجونها. وما إن قرأ الخليفة ذلك حتى استشاط غضبا وحاصر المدينة، بل ذهب به الأمر إلى حد تهديد أخته بالقتل إذا لم يثبت طهارتها virgo intacta بالبرهان القاطع. ويقال إن ست الملك، وقد رأت هذا الشطط من أخيها، تآمرت مع يوسف سيف الدولة بن دَوّاس من زعماء بربر كتامة، وزارته فى ليلة من الليالى بمفردها مستخفية، وبينت له الخطر الذى يتهددهما، وسلوك أخيها المنطوى على الحمق، وخروجه عن جادة الدين وطغيانه، وأن لا أمل لهما فى النجاة إلا إذا تخلصا منه وأجلسا ولده على العرش. ويقال إنها بذلت له الوعد بإقامته قائدا للجيش مع الإشراف التام على الخليفة الحدث إذا نجحت خطتهما، ووافق يوسف على ذلك. واستؤجر رجلان للقيام بهذا العمل. وفى ليلة 27 من شوال عام 411 (13 فبراير سنة 1021) انقض هذان الرجلان على الحاكم عندما كان منطلقا على حماره الأشهب. . . قاصدا العزلة فى جبل المقطم. . . ثم قتلاه ونقلت جثته المشوهة بعد ذلك سرا إلى ست الملك حيث دفنت فى رحاب قصرها. وما إن ذاع النبأ حتى تنكرت لابن دوّاس وللرجلين ورمتهما بقتل الحاكم فقتلوا لتوهم (de Expose de la Religion des Druzes: Sacy جـ 1، ص 413، التعليق). ومهما يكن من شئ فإن هذه هى الرواية الشائعة عن الجريمة، غير أن القصة الحقيقية هى فيما يظهر ما رواه المقريزى (الخطط، جـ 1 ص 354)،

المصادر

ومحصلها أنه حدث فى شهر المحرم عام 415 أن قبض على شخص أقرّ بأنه وحده هو الجانى، وقدم برهانا على قوله قطعة من جلد رأس الحاكم وقطعة من "الفوطة" التى كانت عليه، وأعلن أنه قتله "غيرة للَّه وللإسلام". وعندما سُئل كيف قتله أخرج سكينا ضرب بها فؤاده فقتل نفسه وقال: "هكذا قتلته". وخلف الحاكم ولده الظاهر، وكان فتى فى السادسة عشرة من عمره، ومن ثم أصبحت عمته ست الملك وصية على العرش. وأعادت ست الملك خلال السنوات الأربع التى قضتها وصية الاستقرار والنظام إلى الدولة، وملأت بيت المال، ونظمت الجيش، وكان حكمها قاسيا ولكنها كانت تراعى المصلحة العامة فاكتسبت احترام رعاياها. وقد عاقبت عمال الدولة المستهترين من غير محاباة أو تحيز، كما كانت سريعة فى إخماد أى فتنة تنشب فى مصر أو فى الأقاليم، واستطاعت بالخدعة القبض على عبد الرحمن والى دمشق المنتقض عليها، وكان الحاكم قد اختاره ليكون وليا للعهد، وسجنته فى القاهرة. وعندما مرضت وأدركت أن لا أمل لها فى الشفاء أمرت بقته. وتوفيت هى بعد ذلك بثلاثة أيام عام 415 للهجرة. المصادر: (1) أبو المحاسن بن تغرى بردى: النجوم الزاهرة (مطبوعات جامعة كاليفورنيا) جـ 2، ص 70 - 81، 129 وما بعدها. (2) أبو الفرج Chronicum Syriacum طبعة Brunsand Risch ص 223 وما بعدها. (3) ابن خلدون: التاريخ، جـ 4، ص 61. (4) تاريخ ابن الأثير، جـ 9، ص 108 وما بعدها. (5) ابن خلكان، وفيات الأعيان، ترجمة دى سلان، جـ 3، ص 452. (6) الكندى: كتاب الولاة والقضاة، طبعه Guest ص 806.

سجاح

(7) Wustenfeld: Geschichte der Fatimiden Chalifen ص 214 وما بعدها. (8) Religiondes Druzes: de Sacy، جـ 1، ص 406 وما بعدها. (9) المؤلف ذاته Chrestomathie arabe جـ 1، ص 111، 196 ص 204. (10) Histoire des arabes: Huart، جـ 1، ص 347. (11) A. History of Egypt: S. Lane-Poole ص 120، 134. وما بعدها. (12) Memoires Geogr: Quatremere, ص 324 وما بعدها. الشنتناوى [ووكر J.Walker] سجاح أم صادر بنت أوس بن حِقّ بن أسامة، أو بنت الحارث بن سويد عُقْفان: متنبئة وعرّافة، وهى واحدة من طائفة من المتنبئين وشيوخ القبائل الذين ظهروا فى بلاد العرب قبيل الردّة، أو إبانها؛ ونستدل من نسبها، الذى اتضح من تاريخها أنه صحيح أن سجاح كانت من بنى تميم، وكانت أمها من بنى تغلب، وهى قبيلة كان فيها كثير من النصارى، وكانت هى نفسها نصرانية، أو قل إنها تعلمت على الأقل الكثير عن النصرانية من أقاربها. ونحن لا نكاد نعرف شيئا عن وحيها ومبادئها، وكانت تلقى رسائلها من منبر بالشعر المنثور، وكان يسير فى ركابها مؤذن وحاجب، وقد أطلقت على اللَّه سبحانه وتعالى اسم "رب السحاب"، أو ربما كان هذا الاسم من ضمن الأسماء التى أطلقتها على اللَّه سبحانه وتعالى. وتقدمت سجاح الصفوف فى العام الحادى عشر للهجرة بعد أن توفى النبى صلى اللَّه عليه وسلم وتقول رواية من الروايات التى تتحدث عن فعالها إنها برزت فى بنى تغلب، وأنها وفدت من بلاد الجزيرة على رأس شرذمة من أتباعها من ربيعة وتغلب وبنى النمر وبنى شيبان. ووجدت سجاح أن بنى تميم قد انقسموا على أنفسهم بالنظر إلى وفاة الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، وما رأوه من احتدام الفتنة بين المرتدين والمسلمين وأولئك الذين كانوا مترددين

بين الإنتقاض على المدينة والولاء لها. وأفلحت بفضل ما بشرت به من وحيها فى اجتذاب عشيرتى حنظلة (بنى مالك وبنى اليربوع) إلى صفها وجمعتهما تحت رايتها، وصحت نيتها على السير بهما لغزو المدينة، على أن سلطانها على بنى تميم كان فيما يظهر أكبر بكثير مما تلقيه فى روعنا هذه الرواية التى كانت تستهدف إلى الإقلال من نصيب عشيرتى بنى تميم فى الردَّة، ذلك أن سجاح لم تكن بالغريبة على بنى تميم، لأنها كانت فى الواقع من تلك القبيلة كما يستدل على ذلك من خاتمة حياتها، فقد كانت قد كسبت قبل موت الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] بزمن وجيز على ما يرجح تأييد قبيلتها جميعا، تلك القبيلة التى كان دخولها فى الإسلام فى الغالب أمرا أملته عليها الضرورة، ومن ثم كان من السهل أن يتزعزع إيمانها. وبدأت جيوش سجاح بالهجوم على بنى رباب استجابة لرؤيا رأتها، بيد أنها منيت بهزيمة منكرة، فلجأت إلى النباح (فى اليمامة) حيث منيت بهزيمة أخرى على يد بنى عمرو، فلم تجد بدًا من أن تعد بالرحيل عن بلاد تميم، وتبعها بنو اليربوع، فقررت أن تنضم إلى المتنبئ مسيلمة، وكان لا يزال مسيطرًا على معظم قبيلة يمامة، حتى تشاركه مصيره أو يبتسم لها الحظ من جديد وقد تلاقيا فى الأمواه، أو فى هجّر، وكان جيش المسلمين يهدد مسيلمة كما كانت القبائل المجاورة تهدد بتقويض سلطانه، ومن ثمّ كان وصول زميلة طامحة يائسة مغلوبة على أمرها على رأس أتباع مسلمين كثيرين بمثابة زيارة محفوفة بالمصاعب، بل خطرة فى الواقع. وليس لدينا وصف موثوق به عن هذا الاجتماع: ففى رواية أن هذين الشخصين العجيبين تفاهما، واعترف كل منهما برسالة الآخر، واتفقا على أن يوحدّا دينيهما ومصالحهما الدنيوية، وتزوجا فعلا، بل أن المتنبئة بقيت مع مسيلمة حتى ساعة وفاته المفجعة. ويحفظ لنا الطبرى تفصيلات عن هذا الزواج تتسم بالفحش، بل هى على الأرجح من نسج الخيال. ولا شك فى أن هذا القران كان أقرب إلى الحلف السياسى منه إلى الشهوانية. وقد

المصادر

احتفل بالزواج بحسب قول هذه القصص فى الحديقة المسوّرة نفسها التى لقى فيها مسيلمة حتفه. وتقول رواية أخرى إن مسيلمة هجر سجاح بعد أن تزوجها فعادت إلى قومها. وثمة رواية ثالثة لا تذكر شيئًا من أمر هذا الزواج، وتقول إن مسيلمة حاول إقناع منافسته وخليفته المنتظرة بمهاجمة المسلمين مؤملًا بذلك أن يتخلص منها، بيد أنها رفضت. فعرض عليها نصف محاصيل اليمامة فى تلك السنة إذا ارتضت الرحيل عن منازله، ولكنها أبت إلّا إذا وعدها بنصف محصول السنة التالية أيضًا فوعدها، فرحلت تحمل الجزء الأول من الغنيمة تاركة ممثليها مع مسيلمة لإنتظار البقية، وعادت إلى قومها، على أنها لم تحصل قط على الجزء الثانى من الثمن، ذلك أن خالدًا كان قد غلب مسيلمة على أمره وذبحه قبل حلول موعد المحصول التالى. ومهما يكن من أمر النتيجة التى انتهت إليها علاقة سجاح بمسيلمة فإن مستقبلها إما أن يكون قد اندمج فى مستقبله أو انقطع بعد حين قصير بسبب صدّه لها، ولم نسمع شيئا أكثر من ذلك عن رسالتها. وقد أجمعت الروايات كلها على أنها عادت إلى قبيلتها التى ولدت بينها وعاشت مغمورة بين أهلها. وفى رواية لابن الكلبى أنها دخلت فى الإسلام عندما انتهى رأى أسرتها إلى الاستقرار فى البصرة التى كانت قد غدت المركز الأكبر لبنى تميم فى عهد بنى أمية، وعاشت مسلمة وماتت مسلمة، ودفنت بعد الصلاة عليها وإقامة ما يقام فى مثل هذه الأحوال من شعائر. المصادر: (1) الطبرى (طبعة ده غوى de Goeje)، جـ 1 , 1911 - 1920. (2) البلاذرى، (طبعة ده غوى de Goeje)، ص 99 - 100. (3) كتاب الأغانى، جـ 18، ص 165. (4) ابن خلدون: العبر، بولاق 1284 هـ، جـ 2، الملحق، ص 73. (5) Skizzen und Vorarb: Wellhausen جـ 6، ص 13 - 15.

المصادر

(6) Annali dell'Islam: Gaetani العام الحادى عشر للهجرة الفصل 160 - 164 و 170 - 173 والعام الثانى عشر للهجرة. الفصل 92 - 93. (7) فانى: دابستان، ترجمة shea and Troyer (لندن)، جـ 3. صبحى فكَّا [V.Vacca] السجاوندى أبو الفضل (وفى روايات أخرى أبو عبد اللَّه أو أبو جعفر) محمد بن طيفور الغزنوى: من القراء، توفى حوالى عام 560 هـ (1164/ 1165 م)؛ واشتهر بصفة خاصة بمصنفاته التى وضعها فى تجويد القرآن الكريم، ولو أنه عنى أيضًا بتفسير القرآن الكريم والنحو؛ وقد شرع فى وقت مبكر جدًا فى وضع قاعدة للابتداء مصحوبة بعلامات مميزة شتى للوقف فى تلاوة القرآن الكريم ثم استرسل فى بيان هذه القاعدة فى مصنفه الذى كتبه عن هذا الموضوع وعنوانه "كتاب الوقف والابتداء" وقسم أوجه الوقف المحتملة إلى خمسة أنواع، واستحدث علاوة على هذا حرفًا من حروف الهجاء رمزا لكل نوع: 1) وقف لازم (م)؛ 2) وقف مطلق (ط)؛ 3) وقف جائز ج)؛ 4) وقف مجوّز لوجهٍ (ز)؛ 5) وقف مرخصٌ ضرورة (ص أو ض)؛ وسرعان ما شاعت طريقته موسعة بعض التوسع، ومن ثمَّ نجد فى النسخ الشرقية المتأخرة من القرآن (ما عدا النسخ المغربية) علامات الوقف وقد وضعت إما وفقًا لطريقته أو بطريقة تستند إليها. المصادر: (1) حاجى خليفة: كشف الظنون، طبعة Flugel، جـ 3، ص 326؛ جـ 4، ص 284، جـ 5، ص 170؛ جـ 7، ص 858. (2) السيوطى: طبقات المفسرين، طبعة A.Meursinge (ليدن)، رقم 98. (3) السيوطى: الإتقان فى علوم القرآن (القاهرة 1287)، جـ 1، ص 105 وما بعدها.

المصادر

(4) traite des pauses dans la lecture de l'Alcoran: S. de Sacy Noticed,un (N.E، ج 9، ص 111 - 116). (5) Geschichte des Qorans: Th.Noldeke-Schwally. (6) G. A. L.: Brockelmann، جـ 1، ص 387 وما بعدها. صبحى [باريه R. Paret] السجاوندى سراج الدين أبو طاهر محمد بن محمد بن عبد الرشيد، فقيه من الحنفية، لمع نجمه حوالى عام 1200 م؛ ومصنفه "كتاب الفرائض" المعروف باسم "الفرائض السراجية" أو "السراجية" فحسب، وهو يبحث فى قانون المواريث، كتاب مشهور كثير الاستعمال، ويعد العمدة فى هذا الموضوع؛ وكان صاحب الترجمة نفسه أول من علق عليه، ثم كثرت منذ ذلك الحين طبعاته وشروحه على يد علماء آخرين حتى يومنا هذا، وكانت بعض هذه الطبعات أيضا باللغتين التركية والفارسية. المصادر: (1) حاجى خليفة. كشف الظنون، طبعة Flugel، جـ 1 ص 248؛ جـ 2 ص 207 وما بعدها و 562؛ جـ 3، ص 325 و 376 و 384 و 482؛ جـ 4, ص 399 - 406. (2) Ibn Kutlubuga's Tabakat der Hanefitten: G. Flugel Abhandlungen der)، D.M.G جـ 2، رقم 3) رقم 166. (3) Les manuscrits arabes de la Zoouyah d'El Hamel: R. Basset، رقم 31 (Giornale della Societd Asiatica Halina جـ 10، ص 58 - 64). (4) Die Classen der hanefitischen sechts. gelehrten: G. Flugel Abhandlungen der phil-hist Classe der Kgl. Sachs Gesellschaft der Wissenschafren)، جـ 3، 1881). ص 318 (5) G.A.L.: Brockelmann، جـ 1، ص 378. صبحى [باريه R. Paret]

السجع

السجع اسم يطلق على طراز بلاغى خاص تستخدم فيه فقرات قصيرة ذات كلمات مقفاة، إلا أنه مع هذا متميز عن الشعر بأنه غير خاضع لقافية واحدة ولا لوزن عام. ولعل السجع أول أسلوب مختار ارتضاه العرب قبل أن يصطنعوا البحور المقيسة. والأمر بيّن فى أن هذا الأسلوب من التعبير استعمله الكهنة فى نبوءاتهم أيام الوثنية، على أن الشواهد التى جاءت فى السيرة لابن هشام لا يمكن أن تكون قد انتهت إلينا سليمة. ويمكننا أن نسلم دون أن نخشى الزلل بما قاله ابن الكلبى من أن العرب لم يحتفظوا من أشعارهم القديمة إلا بما صنعوه قبيل الإسلام بوقت قصير (كتاب الأصنام، طبعة القاهرة 1332 هـ، ص 12 - 50) وهذا يؤكد لنا أنهم لم يحتفظوا بشئ من سجعهم القديم، وعلى أية حال، فإنى أعتقد أننا فى حل من التسليم بأن التلبيات المختلفة، والصيحات التى كان يهل بها المشركون فى مزاراتهم الكثيرة، كما سجلها ابن الكلبى (كتاب الأصنام، ص 8) وغيره، قد وصلت إلينا سليمة، إذ كانت الذاكرة لا تزال واعية والإسلام فى أيامه الأولى. وقد كانت تلك التلبيات ولا ريب من الطقوس الدينية القديمة الخاصة بالقبائل، وهى أبعد فى القدم من الكلام المسجوع لقس بن ساعدة وغيره من البلغاء الذين عاشوا قبل الإسلام. وقد قيل إن ضمر بن ضمرة والأقرع بن حابس وغيرهما درجوا على أن يصدروا أحكامهم فى عبارات مسجوعة عندما كانوا يجلسون مجلس القضاء. (الجاحظ فى البيان والتبيين، جـ 1، ص 113، س 9). ويروى أن محمدًا، [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، لام رجلا كان يصطنع السجع فقال له: "أسجعًا كسجع الكهان؟ " (الجاحظ: البيان. جـ 1، ص 112، س 20) كما نهى النبى صلى اللَّه عليه وسلم عنه فى الصلاة (البخارى، طبعة جوينبل، جـ 4، ص 194، س 2). ولقد أولع الكتاب من بعد كالجاحظ والقالى وغيرهما فى وصف الجو

المصادر

ونعت الأفراد وغير ذلك فى عبارات مسجوعة جروا على أن يعزوها إلى أعراب مجهولين، ولعل هذه المقطوعات كانت فى الغالب من ابتداع اللغويين يستعينون بها على شرح الكثير من الكلمات الغامضة التى لم يكن من اليسير أن ينتظمها شعر موضوع يخضع لوزن. وعلى اية حال فقد جنح إلى هذا الأسلوب الشعرى فى أزمنة مبكرة، وبلغ مبلغه من الذيوع فى أدب المقامات لبديع الزمان والحريرى وأضرابهما. ولسوء الحظ فإن هذا الأسلوب وجد سبيله إلى الرسائل. فعلى حين كانت الرسائل الأولى خاصها وعامها خالية من السجع خلوًا غريبا، إذا هى مع تقدم الزمن تتسع للسجع اتساعًا أصبح معه خاصها وعامها مميزًا بمقدار ما يحوى من عبارات مسجوعة لا تحمل غير معان قليلة. وقد اصبح السجع أعلى مراتب الكتابة للوزير الكاتب، وكان هذا النوع من الأسلوب يسمى "الممزوج" وإن كان الأمر فيه لم يختلف عما كان عليه. وغلب السجع على كثير من فروع الأدب، ولم يسلم منه حتى التواريخ الإخبارية، فقد تميز منها تواريخ باللغة العربية مثل تاريخ اليمينى وكتابات عماد الدين، وأخرى بالفارسية مثل تاريخ وصاف. وقد ضحى الكُتاب فى الحالين بكل شئ فى سبيل تلك السجعات الرنانة. وهذا الإفراط فى السجع قد يرجع إلى فساد ذوق الفرس الذين كانت لهم الكثرة من الرسائل العربية منذ العهد العباسى. ويبدو أن هذا الداء أخذ ينتشر رويدًا رويدًا نحو الغرب، وكان من الأسباب الكبرى التى حالت بين الذوق الأوروبى واستساغة كثير من الآثار الإسلامية سواء العربية منها أو الفارسية أو التركية أو أى آثار أخرى كتبت بغير ذلك من اللغات التى خضعت لسلطان المسلمين. المصادر: (1) الجاحظ: البيان والتبيين، طبعة القاهرة 1310 هـ، جـ 1، ص 111 - 118.

المصادر

(2) أبو هلال العسكرى: كتاب الصناعتين، طبعة الآستانة. 1320 هـ، ص 199 - 203. (3) المرزوقى: الأزمنة، طبعة حيدر آباد 1332 هـ، ص 179 وما بعدها. (4) المعاجم العربية تحت كلمة سجع. الإبيارى [كرنكوف F.Krenkow] سجيل كلمة من الكلمات القرآنية (سورة هود الآية 83 (¬1)؛ سورة الحجر، الآية 74؛ سورة الفيل، الآية 4) اشتقت من الكلمتين الفارسيتين سنك وكل أى الحجر والطين، ومعناهما حجارة كأنها طين متحجر أو محروق. وهذا المعنى يؤيده ما ورد فى القرآن (سورة الذاريات، الآيتان 33، 34: {لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ (33) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ}). ويزيد المفسرون أن هذه الحجارة قد حرقت فى نار جهنم، ويقولون فى تفسير الآية {مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ} (سورة هود الآية 83 (¬2)؛ سورة الذاريات، الآية 34) إن معناها أنه قد نقش على الحجارة أسماء اولئك الذين كتب عليهم أن يعذبوا بها. وثمة تفسيرات أخرى لكلمة سجيل لا يأخذ بها الجميع، كالقول بأن معناها ما دون أو كتب على العباد (ومن البين أن هذا المعنى مأخوذ من أن السجيل هو كالسجل)، والقول بأنها جهنم أو السماء الدنيا (وتعتبر الكلمة فى هذه الحالة صفة من سجين). وكذلك جعل لهذه الكلمة ارتباط بالصفات المشتقة من الأصل س ج ل. المصادر: (1) lexicon: Lane. (2) الطبرى: التفسير، القاهرة 1328 هـ، جـ 12، ص 57. (3) السيوطى: كتاب الإتقان، القاهرة 1318، جـ 1، ص 139. ¬

_ (¬1) رقم الآية فى المصحف العثمانى 82. (¬2) هذا الرقم صواب، ولكنه لا يشير إلى الآية التى سبق الكاتب أن اشار إليها (راجع الحاشية السابقة) بل يشير إلى الآية التى تليها والتى كان ينبغى، بناء على ترتيبه أن يكون رقمها 84 وهى قوله تعالى {مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ} وهى الآية 83 من سورة هود. [م. ع]

السحر

(4) Studien uber die Persischen in Klass Arabicch: A. Siddiqi جوتنجن 1919, ص 73. (5) Koranische Untersuchungen: J. Horovitz، برلين ولييسك 1926 م، ص 11. أما عن القول بأن هذه الحجارة التى أشير إليها فى سورة الفيل، الآية 4، يقصد بها وباء الجدرى فانظر: (6) Annali dell Islam: Caetani جـ 1 المقدمة، 147. (7) La aparicion de la viruela en Arabia: Fernandez y Gonsalez فى Revista de ciencias historicas، جـ 5، 1887 م، ص 201 - 216. خورشيد [فكا V.Vacca] السحر إذا عرضنا لتلك المسألة المختلف عليها من مسائل الأدب الشعبى، ألا وهى العلاقة بين السحر والدين، نجد قول ماريت R.R. Marett: " . . . كان عند الإنسان البدائى نظام يتناول خوارق الطبيعة، تستكن فيه نواة كل من السحر والدين اللذين أخذ الناس يفرقون بينهما شيئًا فشيئًا. ويختلف الدين والسحر من حيث مكانتهما فالدين دائما هو الأسمى، وهو العقيدة المسلم بها. على أنه يقوم بين ما هو دينى قطعا وما هو سحرى قطعًا حشد من أصول صفتها غير محددة. مثل "السحر الأبيض"، لا تبلغ مبلغ الدين من حيث اعتراف الناس بها، ولا للقى من الذم ما تلاقية الأشياء التى لا جدال فى أنها من السحر". (Britannica الطبعة الحادية عشرة، جـ 12، ص 305، عمود ب) وهذا يصدق تماما على جماهير المسلمين، وعلى من نستطيع أن نسميهم المسلمين السنيين بصفة عامة. ذلك أن الإسلام يقول صراحة بالخوارق. وهو يرى أن ثمة عالمنا المادى، عالم الحواس. وعالما آخر وراءه هو عالم الأرواح. ويمكننا أن نتصل بالعالم الأخير عن طريق السحر أو الدين وما إن نحاول أن نحدد طبيعة عالم الأرواح تحديدًا دقيقا حتى تقوم

النظريات ويظهر الخلاف بين السحر والدين: فما أصل هذه الأرواح وطبيعتها؟ وكيف تختلف فيما بينها؟ وما المقصود باستقلالها فى العمل؟ وكيف نستطيع الوصول إليها والهيمنة عليها؟ وهل يؤثر اتصالنا بها على هذا النحو فى علاقتنا باللَّه سبحان وتعالى ويعرض للخطر خلاصنا الأبدى؟ ذلك أن كل شئ فى الإسلام، يدور حول اللَّه سبحانه وتعالى وعلاقتنا به. وهكذا نجد أن عالم الأرواح فى جزيرة العرب [قديمًا] كان يتألف بصرف النظر عن الآثار المسيحية واليهودية التى فى هذا الدين، من اللَّه ومن الآلهة القبلية والجن وكان الكهان والسحرة والعرافون والشعراء والمجذوبون صلة الوصل بين الناس وبين هذا العالم. والنظرية بالنسبة لهؤلاء الناس هى أن أرواحا من أجناس شتى "تلابسهم" ملابسة تامة بالمعنى الذى يدل عليه مصطلح "الملابسة" فى مذهب الأرواح Spiritism عند المحدثين. ومن ثم فإن كلمة Magic فى اللغة الإنكليزية من حيث هى مصطلح فى الأدب الشعبى أوسع مدلولا بشكل ظاهر من الكلمة العربية "سحر" إذا استعملت هذه الكلمة بمعناها الأخص. على أن مقتضيات الوضوح بالنسبة لوقائع هذه الحالة تتطلب منا أن نأخذ كلمة سحر بمعناها الأعم، وكثيرًا ما نحا الإسلام هذا النحو بوجه عام. وقد نقل مرتضى الزبيدى فى شرحه للإحياء (جـ 1 ص 217 فى أسفلها) عن تاج الدين السبكى أنه قال "السحر والكهانة والتنجيم والسيمياء كلها من نفس الوادى" ثم أن الإسلام فى انتشاره خارج جزيرة العرب قد اتصل بشتى الشعوب والبلاد التى فتحها وعرف معتقدات هذه الشعوب والبلاد فيما يتصل بخوارق الطبيعة وفنون السحر والطقوس الدينية. وامتزج كل هذا بالتصورات والمصطلحات القرآنية والعربية، ونشأ من ذلك خليط متنافر أشد التنافر من حيث مفردات اللغة والطقوس الدينية ونظرات المسلمين بل تفكيرهم فى أصول الأشياء. وقد اعترف المسلمون أنفسهم بهذه الحقيقة، وردوا كما سنبين بعد، أنواع السحر

المختلفة إلى شعوب شتى وقد سار هذا الاختلاط فى اتجاهين: الأول، أن العرب نقلوا معتقدات أهل الجزيرة العربية ومسمياتهم على غير العرب؛ بل على شعوب غير سامية؛ والثانى، هو التأثر تاثرًا عميقًا بمعتقدات أناس غرباء عن الإسلام كلية. على أن كلمة "سحر" من حيث اشتقاقها الدقيق توحى بالمعنى الضيق للسحر وهو "الفتنة" وتقرر المعاجم أن السحر معناه صرف الشئ عن حقيقته أو صورته إلى شئ آخر مخالف للحقيقة أو هو الخيال المحض. ويطلق على ذلك فى كثير من الأحيان "التخييل" اعتمادًا على الآية 68 (¬1) من سورة طه، وربما كان هو ما نسميه الآن التنويم المغنطيسى. بيد أن الآخذين بالمذهب العقلى قد حاولوا أن يردوا ذلك إلى مجرد "الخداع" أو "الشعوذة" أو "التخيلات والأخذ بالعيون" بالاستعانة بخفة اليد والقول المنمق. ومن ثم جاء المعنى الذى يوحى ببديع ما نشاهده فى الطبيعة من صنع، مثال ذلك الغذاء فى الجسم (وقد ورد هذا المعنى إلى امرئ القيس نفسه كما ورد فى لسان العرب جـ 6، ص 3) (¬2) فى أسفلها، على أن المعنى فى هذا الموضع أقرب فى جوهره إلى "الصرف") وجمال البيان كقولك سحر الكلام (الصحاح، مادة سحر؛ مفردات الراغب الإصفهانى، ص 224 وما بعدها؛ لسان العرب، جـ 6، ص 11 - 13؛ Lane ص 1316 وما بعدها) على أن الإشارات الواردة فى القرآن الكريم أدق تحديدًا من أن تسمح بمثل هذا البحث. وأما من الناحية الدينية فإن الإسلام قد وقف منه موقفًا يطابق موقف الكنيسة الرومانية الحديثة من مذهب الأرواح. ونظرة القرآن الكريم إلى السحر تقوم على عالم الأرواح الخاص بالجن والشياطين، ومن الواضح أن المقصود بذلك الجن الكفار الأشرار. وأهم آية قرآنية بالنسبة لهذا الموضوع كله هى الآية 101 (¬3) من سورة البقرة: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو ¬

_ (¬1) رقم الآية فى المصحف العثمانى هو 66 [م. ع]. (¬2) صواب رقم الصفحة هو 12 [م. ع]. (¬3) رقم الآية فى المصحف العثمانى هو 102.

الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}. وتركيب هذه الآية جد فضفاض، وثمة عدة مواضع فى ترجمتها غير محققة (¬1). ونحن نجد أن البيضاوى بالرغم من أسلوبه المحكم قد فسرها فى أكثر من صفحة (البيضاوى، طبعة فليشر Fleischer جـ 1، ص 76، س 2 - ص 77، س 7) كما خصها الكشاف للزمخشرى بصفحة ونصف صفحة (طبعة ليز Lees، جـ 1، ص 93 - 95). أما التفاسير الكبرى فقد تناولت هذه الآية بالتفصيل بوصفها القول العمدة فى هذا الموضوع. مثال ذلك الطبرى (التفسير، جـ 1، ص 334 - 353) وفخر الدين الرازى (مفاتيح، جـ 1، ص 427 - 440 من طبعة القاهرة سنة 1307 هـ). على أن الاتجاه العام لهذه التفاسير بين لا يخطئه أحد، فالشياطين فى قول أصحاب هذه التفاسير، هى الأصل فى السحر. ذلك أنهم كانوا يتسمعون عند أبواب السماء (انظر ما يلى)، ويزيدون على ما يسمعون أكاذيب من عندهم، ويبلغون ذلك إلى الكهان فيصنعون منه كتبًا، يعلمونها للناس ويتلونها. وكان هذا العمل منتشرًا فى زمن سليمان عليه السلام انتشارًا عظيما حتى قيل إنه كان أساس علمه وتحكمه فى الطبيعة وفى الجن، بل أن اليهود قالوا إن سليمان لم يكن نبيًا وإنما كان ساحرًا (الرازى ص 428)؛ وهذه الآية التى ذكرناها رد عليهم. وقد خبرنا فى غير ذلك من أيات القرآن الكريم (سورة الصافات الآية 7 (¬2)، سورة فصلت، الآية 11 (¬3) سورة الملك، الآية 4 (¬4)؛ سورة الجن، ¬

_ (¬1) الظاهر أن كاتب المقال قد قرأ هذه الآية مترجمة ولم يقرأها فى الأصل مما حمله على الإرجاف بهذا القول. [م. ع]. (¬2) رقم الآية فى المصحف العثمانى 8. (¬3) رقم الآية فى المصحف العثمانى 12. (¬4) رقم الآية فى المصحف العثمانى 5.

الآيتان 8، 9) أن الجن كانوا يقعدون (كنا نقعد) بجوار السماء الدنيا ويستمعون (استمع، استرق السمع) هناك إلى الملأ الأعلى، وأنهم كانوا يطردون من مقعدهم بأن تتعقبهم مصابيح (مصابيح، شهاب) زينت بها السماء الدنيا، ولكنها كانت تطلق عليهم رجومًا بمعرفة الملائكة الحفظة (حرص، رصد، حفظ). وكان الشياطين قد جروا على الاستماع على هذا النحو بانتظام، ولكنهم الآن (سورة الجن الآية 8، 9) -ومن البين أن المقصود بالآن: منذ أن بُعث محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] رسولا- قد وجدوا الملائكة خاصة واقفين لهم بالمرصاد. (انظر مناقشة ذلك بالتفصيل فى الكشاف ص 1535 فى تفسير الآية 9 من سورة الجن حيث استشهد الزمخشرى بأبيات من شعر القدماء عن أراء العرب فى هذا الشأن أيام الجاهلية). وكان هؤلاء العرب يعرفون مثل هذه الشهب كما كان لهم آراء فيها. على أنه لما ولد محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] كان شأن الملائكة قد ازداد زيادة عظيمة إلا أن ذلك لا يمكن أن يكون قد استمر إلا مدة قليلة، لأن تاريخ السحر كله من بعد يمثل الجن دائبين على التسمع وعلى إبلاغ ما يسمعون إلى الكهان والسحرة. ثم إن الجن، (سورة سبأ، الآية 13) (¬1) لا يعلمون الغيب، أو قل أنهم على الأقل لا يعلمونه علم اليقين، وإن كان الجن الأشرار يوحون إلى أعداء النبيين ويضلونهم (سورة الأنعام الآية 111) (¬2) وقد ورد فى القرآن الكريم (سورة الشعراء الآيات من 223 - 225) (¬3) فقرة لها دلالتها تنبئنا كيف تنزل الشياطين على كل أفاك أثيم يلقون السمع وأكثرهم كاذبون، وأن الشعراء يتبعهم الغاوون، فهم فى كل واد يهيمون، ويقولون ما لا يفعلون. والمفسرون (البيضاوى، جـ 2، ص 61، س 15 - ص 62 س 7، وقد عرض لذلك الكشاف عرضا أحسن من البيضاوى وأكثر تفصيلا، جـ 2 ص 1012 - 1014)، يربطون ذلك -وقولهم فى هذا بيّن الصواب- بالجن يستمعون إلى حديث الملائكة، ويحرفونه ويخلطونه بالأكاذيب ¬

_ (¬1) رقم الآية فى المصحف العثمانى 14. (¬2) رقم الآية فى المصحف العثمانى 112. (¬3) رقم الآيات فى المصحف العثمانى هى 221 - 226 [م. ع]

ويبلغونه إلى الكهان والمتنبئين والشعراء، وانظر جولدتسيهر عن الشعر يوحى به الجن على هذا النحو (Goldziher: Abhandlungen zur arab. Philologie, جـ 1، ص 1 - 121، وانظر عن هذه الفقرة خاصة، ص 27، تعليق 2). ولم ترد كلمة سحر فى القرآن الكريم مرتبطة بسليمان عليه السلام إلا فى سورة البقرة (الآية 101)، (¬1) ولكن ثمة عدة آيات (سورة الأنبياء، الآيتان 78، 79؛ سورة النمل، الآيات من 14 - 43 (¬2)؛ سورة سبأ، الآيات من 11 - 13 (¬3)؛ سورة ص، الآيات من 29 - 39) (¬4) تتناول حكمته وعلمه وتحكمه فى العالم؛ ثم أخذ الإسلام فيما بعد يرد السحر المشروع جميعًا، أو قل السحر الأبيض، إلى سليمان. أما الإشارات الأخرى فى القرآن الكريم إلى السحر وما فى معناه فهى متصلة بقصص موسى وعيسى ومحمد عليهم الصلاة والسلام أجمعين (¬5). ونحن نجد فى السيرة (ابن هشام، طبعة فستنفلد، ص 171 وما بعدها؛ البيضاوى، طبعة فليشر، جـ 2، ص 368، س 15 وما بعدها؛ الكشاف، طبعة ليز، جـ 2، ص 1548) أن المفسرين السلفيين اجتهدوا فى التفريق بين الكاهن والمجنون والشاعر والساحر، وأنهم بلا ريب قد استندوا فى تعريف السحر إلى الآية 101 من سورة البقرة (¬6)؛ على أننا نتبين من الاستعمالات القرآنية أن مثل هذا التفريق محال، وأن الكاهن والمجنون والشاعر والساحر كانوا وثيقى الصلة بعضهم ببعض، بحكم كونهم همزة الوصل بين عالم الروح وعالمنا هذا. ونحن نجد أن المفسرين أمثال الزمخشرى والبيضاوى عندما عرضوا لتفسير آيتين ورد فيهما هذا النص الخاص بالسحر (سورة يونس، الآية 2 سورة الصافات، الآية 15) قد قالوا عن ¬

_ (¬1) رقم الآية فى المصحف العثمانى هو 102. (¬2) أرقام الآيات فى المصحف العثمانى هى 15 - 44. (¬3) أرقام الآيات فى المصحف العثمانى هى 12 - 14. (¬4) أرقام الآيات فى المصحف العثمانى هى 30 - 40. (¬5) انظر، المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم "مادة سحر"؛ للوقوف على بيان ومواضع هذه الآيات. (¬6) المقصود طبعًا هو الآية 102.

يقين وإيمان إن الإشارة فيهما إلى أن الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] أتى أمورًا خارقة للعادة؛ على أن اتجاه القرآن جميعًا، بل اتجاه الآيتين يدلنا على أن الإشارة إلى الوحى الذى ظن المكيون أنه حاصل من السحر. ويزعم المكيون بحسب الآية الخامسة من سورة الأنبياء أن الوحى هو أضغاث أحلام، زد على ذلك أن ثمة آية فى القرآن تدل على أن الوحى كان فى بعض الأحيان يأتى فيما نسميه نحن الآن "الكلام التلقائى". وقد نُهِىَ النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فى الآية 114 من سورة طه، والآية 16 من سورة القيامة عن تحريك لسانه بالوحى ليعجل به. أى أنه أُمر بأن يستمع له وينصت فإذا انطلق قرأه النبى عليه الصلاة والسلام (انظر صحيح البخارى، جـ 9، ص 152 وما بعدها، طبعة بولاق 1315 هـ: كتاب التوحيد) وفى الآية 101 من سورة المائدة حذر الحاضرون والمستمعون للنبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] حين ينزل عليه الوحى أن يسألوه فجأة عن أشياء، ويمكن القارئ أن يرجع إلى جملة أحاديث بهذا المعنى فى تفسير الطبرى (جـ 7، ص 48 - 52) البيضاوى (جـ 1، ص 275 فى اعلاها إلى ص 276، س 11) ومن الواضح أن المفسرين من أهل الكلام كالزمخشرى والرازى يكرهون التعرض لهذا الموضوع أما عن الكلام التلقائى فى الإسلام على عهده المتأخر فقد سلم الإسلام تسليما كاملا بهذه الظاهرة ووصفها. ويتضح لنا من ذلك أن فهم هذه الآيات القرآنية يقتضينا أن نجمع بين المعنى الظاهر لنص القرآن الكريم وما نعرفه عن علم النفس الذى يبحث فى الخوارق. وهذه الظاهرة التى أسلفنا بيانها يمكن أن يتحقق منها فى كثير من الأحيان أى فرد له صلة بحالة من تلك الحالات الكثيرة الشيوع، ونعنى بها حالة "التلقائية" و"الكتابة التلقائية"، ويصدق ذلك تماما على "الكلام التلقائى" وهو أندر هذه الحالات وقوعًا. على أن المفسرين القدماء ميزوا بوضوح بقدر الإمكان بين هذه الظاهرة فيما يتعلق بالنبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] والظواهر

الخاصة بالصلات الأخرى بعالم الروح. وقد فعل هؤلاء المفسرون ذلك بتأكيد نزول الوحى عن طريق جبريل تمييزًا له عن الكلام التلقائى عن طريق روح تلابس المتكلم. والراجح أن كثيرًا من الإشارات الواردة فى القرآن الكريم، إلى ظاهرة السحر، قد صبغت بذلك الطابع الخفى. ومن ثم فإن السحر هو الفتنة، وهو غير حق، ويُفهم من السنة النبوية أن السحر كان وحيا وثنيًا يأتى من عالم الأرواح، والوسطاء فيه سواء كانوا أرواحًا أو بشرًا قد حرفوه وزادوا عليه وهو بهذه الصورة باطل وقد وردت فى صحيح مسلم (جـ 8، ص 229 - 231 من طبعة الآستانة 1333 هـ، كتاب الزهد، حديث 73) قصة طويلة عن ملك وثنى وساحره، وراهب متقشف وغلام. والمسألة هى أن الوثنية سحر وكفر على نحو ما قال البيضاوى فى تفسير سورة البقرة، الآية 102 (جـ 1، ص 76، س 7) من أن السحر معادل للكفر، وهو يدخلهما فى الكهانة. أما الأحاديث التى تناولت السحر فإن من المستحيل أن نميز منها ما قاله النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] حقًا وما وضع فى المناظرات التى وقعت بين الفرق بعد ذلك. لأن كثيرًا من هذه الأحاديث يتنافى فيما يظهر وما عُرف عن النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] من عظيم الإدراك. ويمكننا أن نحيل القارئ إلى صحيح مسلم (كتاب السلام، جـ 7، ص 13 - 41) عن الطب، والرقية المشروعة وغير المشروعة، والسحر، والسم، والشياطين، و"الغيلان، والكهانة أو الطيرة، والفأل، وكلها مجموعة فى صعيد واحد. وقد جاء فى صفحة 59 من الجزء الأول، أنه إذا قال أحد "مطرنا بنوء كذا" فهو بلا شك كافر، وجاء فى الصفحات من 136 - 138 أن سبعة الآلاف مسلم الذين سيدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب هم الذين لا يَرقْون ولا يستَرْقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون. أما الطب وغيره فقد تناوله صحيح البخارى فى كتاب الطب (جـ 3، ص 122 - 140) كما

تناول تعبير الرؤيا وغير ذلك فى الجزء التاسع، ص 29 وما بعدها. أما عن رؤيا النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] والرؤيا بصفة عامة فانظر صحيح مسلم، جـ 7، ص 50 وما بعدها. وهذه الموضوعات جميعًا كانت ولا تزال مرتبطة بالعقلية الإسلامية أوثق ارتباط. وقد حمل المعتزلة على أساس من العقل والنظر على الأحاديث التى تقول إن محمدًا [-صلى اللَّه عليه وسلم-] كان مسحورًا. ذلك أنهم كانوا يرون أن هذا مستحيل فى حق نبى عصمه اللَّه، كما قالوا أيضًا بأن السحر الذى تحدث عنه القرآن فى قصة موسى مثلا ليس إلا "تخيلا"، وأن الملكين اللذين ورد ذكرهما فى الآية 102 من سورة البقرة، كانا رجلين اسمهما "ملك" وإن هذه الآية يجب أن نفهمها فهما آخر. وقد ذكر ابن قتيبة الرأى المناهض لذلك فساق الأدلة العامة التى جاءت بها كل الكتب المنزلة والأنبياء، وذكر الاعتقاد المجمع عليه فى السحر من شعوب متباينة فيما بينها أشد التباين، وكذلك الشهادة الصريحة الواردة فى القرآن فى سورتى "المعوذتين"، وغير ذلك من أخبار بعينها، وخاصة تلك القصة عن امرأة شخصت إلى بابل لتتعلم السحر من هاروت وماروت، ثم طلبت النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فى المدينة تائبة فوجدته قد لقى ربه فاعترفت لعائشة وأنبأتها بقصتها كلها. وهذه القصة تبدو فيها عناصر من الأدب الشعبى تتعلق بتحضير السويق بالسحر، وهى تذكرنا بحكاية بدر باسم من حكايات ألف ليلة وليلة وخرافات محمد بن سلمة (The Earlier History the Arabian Nighits فى J.R.A.S يوليه 1924 - ص 374 - 379) وثمة رواية لهذه القصة أكثر تفصيلا وردت فى الطبرى المتوفى سنة 310 هـ الموافقة 923 م (التفسير، جـ 1، 347، س 23 إلى ص 348، س 10) وكذلك فى الثعلبى المتوفى سنة 427 هـ الموافقة 1036 م (قصص الأنبياء، ص 30، س 16 وما بعدها من طبعة القاهرة

1314 هـ) وأورد الرازى المتوفى سنة 606 هـ الموافقة 1209 فى كتابه مفاتيح الغيب (جـ 1، ص 434، س 19 - 28) رواية لهذه القصة ثم إن جميع روايات القصة تختلف فيما بينها اختلافا شديدًا من نواح أخرى. ومن الواضح أن هذه الروايات كانت تتكيف بحسب ما يعرفه كل كاتب عن السحر وبحسب المفهوم الشائع للسحر فى عصره. على أن القصة التى نحن بصددها لم يقبل المحدثون فيما يظهر إدخالها فى الحديث. ذلك أن مسند ابن حنبل المتوفى سنة 241 هـ (جـ 2، ص 134) هو من دون أصحاب مجموعات الحديث الكبرى القديمة الذى ذكر شيئا عن هاروت وماروت، ولم يشر إلى هذه القصة (رسالة بعث بها إلى الأستاذ فلنسنك). ونجد فى كتاب الفهرست (كتب بين عامي 377 و 400 هـ - 987 - 1010 م) طريقة السحر مبسوطة بسطًا مسهبا مؤيدة بتواليف كثيرة فى الموضوع. وأهم فقرة فى هذا الشأن هى التى وردت فى الفن الثانى من المقالة الثامنة (الفهرست، طبعة فلوكل، ص 308 وما بعدها). ويتجلى موقف المؤلف محمد بن إسحق من أقواله، ومن البين أنه كان من الشيعة، ومن ثم نلمح فيه على الأقل طابع المعتزلة يقول ابن إسحق: "زعم المعزمون والسحرة جميعا أن الشياطين والجن والأرواح تطيعهم". فأما المعزمون (ونعنى بهم أصحاب الطريقة المحمودة فى السحر، من كلمة عزيمة أى الرقية؛ وهذه الكلمة لم ترد فى القرآن الكريم ولا الأصل الذى اشتقت منه) ممن ينتحل الشرائع يرون أن ذلك يكون بطاعة اللَّه جل اسمه، والابتهال إليه، والأقسام على الأرواح والشياطين به وترك الشهوات ولزوم العبادات، وأن الجن والشياطين يطيعون إما طاعة للَّه جل اسمه لأجل الأقسام به، وإما مخافة منه تبارك وتعالى، ولأن فى خاصية أسمائه، تقدست وذكره علا وجل، قمعهم وإذلالهم. فأما السحرة (ويعنى بهم

أصحاب الطريقة المذمومة فى السحر) فزعمت أنها تستعبد الشياطين بالقرابين والمعاصى وارتكاب المحظورات. . . وللشياطين فى استعمالها رضا، مثل ترك الصلاة والصوم وإباحة الدماء ونكاح المحارم وغير ذلك من الأفعال الشريِّة، والكتب فيه مؤلفة كثيرة موجودة، وزعم الجميع من المعزمين والسحرة أن لهم خواتيم وعزائم ورقى ومنَادل وحِزاب ودَخَن وغير ذلك مما يستعملونه فى علومهم وزعم طائفة من الفلاسفة وعبدة النجوم أنهم يعملون الطلسمات على أرصاد الكواكب لجميع ما يريدونه من الأفعال البديعة، والتهيجات، والعطوف والتسليطات، ولهم نقوش على الحجارة والخرز والفصوص. وهذا. علم فاش ظاهر فى الفلاسفة، وللهند اعتقاد فى ذلك، وأفعال عجيبة، وللصين حيل وسحر من طريقة أخرى، وللهند خاصة علم التوهم (أى التنويم المغناطيسى، انظر J.R.A.S عدد أكتوبر 1922 Wahm in Arabic and its Cognates ص 516) ولها فى ذلك كتب، قد نقل بعضها إلى العربية، وللترك علم من السحر. قال لى من أثق بفضله أنهم يعملون عجائب من هزائم الجيوش، وقتل الأعداء، وعبور المياه، وقطع المسافات البعيدة فى المدة القريبة والطلسمات بأرض مصر والشام كثيرة ظاهرة الأشخاص، غير أن أفعالها قد بطلت لتقادم العهد. ويرد السحر المشروع، ويطلق عليه الفهرست "الطريقة المحمودة"، إلى سليمان بن داود عليهما السلام الذى كان أول من استعبد الجن والشياطين واستخدمها. وقيل إن أول من استعبدها على مذاهب الفرس جمشيد (انظر عن جمشيد بوصفه صاحب العلم بالجن ومسخرها؛ الفهرست، ص 12، س 21 وما بعدها، ص 238، س 20 وانظر المزيد من المعلومات عن مكانه فى الأسطورة الفارسية والخلط بينه وبين سليمان عليه السلام E.G. Browne بصفة خاصة كتابه Literary History of Persia، جـ 1 ص 114). ومن

الواضح أنه كان ثمة كتب كثيرة جدًا فى السحر تنسب إلى سليمان بالعبرية ثم بالفارسية نتيجة لهذا الخلط. وقد ذكرت أسماء هذه الكتب فى الفقرة الطويلة المنقولة عن الجَوْبَرى: "كتاب فى كشف الأسرار" الذى ألف فى منتصف القرن السابع الهجرى (Z.D.M.G جـ 20، ص 486 وما بعدها فى مقال دى غوى عن الموضوع نفسه " Gaubari's "entdeckte Gehimnise؛ وكذلك Fleischer فى Z.D.M.G جـ 21، ص 274). وقد طبع جزء صغير من هذا النص فى القاهرة (32 صفحة، من غير تاريخ، مطبعة النجاح) مع حذف المقدمة والتوسع فى الباب الرابع من الفصل الرابع؛ ومن الواضح أن هذا الجزء قد حذف منه أيضًا أشياء أخرى [وثمة أيضًا طبعة كاملة لم يذكر طابعها ولا مكان طبعها، ولكنها مؤرخة فى جمادى الأخرة 1302 هـ وانظر أيضًا دراسة هذا الكتاب من الناحية الفنية لا اللغوية، وهى دراسة تعتمد على النص المطبوع وعلى عدة مخطوطات، قام بها Beitr.z. w Gesch. der Naturwissenschaften: E. Wiedmann، جـ 25 ص 206 - 232] ثم يذكر الفهرست أسماء سبعين عفريتا دخلوا على سليمان عليه السلام وأخذ عليهم العهد والميثاق؛ والعهود أسماء اللَّه تعالى عز وجل وظلت هذه العهود تفعل فعلها العظيم. وثمة كتاب قاهرى صغير لم يؤرخ من ست عشرة صفحة اتخذت فيه هذه العهود حجابًا: "حجاب سبعة العهود السليمانية لسيدنا سليمان بن داود عليهما السلام، وثمة بيان آخر بسبعة ذكر أيضًا، وهو يتصل بأيام الأسبوع السبعة. ويمكن أن نتوسع فى ذلك بالاعتماد على ما ذكره القزوينى (عجائب المخلوقات، طبعة فستنفلد، ص 371 وما بعدها) وهو أيضًا يجعل الجن مسخرين لسليمان عليه السلام، وهناك أثبات أخرى وأوصاف أوردها الدميرى (حياة الحيوان، طبعة القاهرة 1313 جـ 1، ص 177 - 178؛ ترجمة Jakyar جـ 1، ص 448 - 480). ثم يذكر الفهرست أسماء بعض السحرة

وعناوين كتبهم مبتدئًا بالروم حتى عهده. ويمكن ضبط ذلك والتوسع فى بعض نواحيه بالرجوع إلى ثبت الجوبرى وكل هؤلاء المعزمين بما فيهم أريوس الرومى بن اصطفانوس نفسه قد أكدوا صلتهم بطريقة سليمان عليه السلام، وكانوا يسيطرون على العفاريت بأخذ المواثيق عليهم. وآخرهم أبو عمر عثمان بن أبى رصاصة كان مقدما فى صناعته، له كتب كثيرة وأعمال حسنة. وقد رآه صاحب الفهرست وشاهده، وقال له يوما: "أنا أنزهك عن التعرض لهذا الشأن فقال: يا سبحان اللَّه نيف وثمانون سنة، لو لم أعلم أن هذا أمر حق لتركته ولكنى لا أشك فى صحته" فقال له ابن اسحق "واللَّه لا أفلحت! " وبيّن أن المقصود بذلك أنه تمنى له ألا يفلح فى سحره. والسحر غير المشروع (ويسميه الفهرست الطريقة المذمومة) أو طريقة السحرة، ترّد كذلك إلى إبليس عن طريق ابنته بَيْذَخ "وإن لها عرشا على الماء (انظر عرش إبليس على البحر فى صحيح مسلم، طبعة الأستانة، جـ 8، ص 190 وعرش اللَّه على الماء فى الآية 7 من سورة هود، والحديث الوارد فى صحيح البخارى، طبعة بولاق 1315 هـ جـ 9، ص 124) وإن المريد (كأنه المريد فى الصوفية) لهذا الأمر متى فعل لها ما تريد وصل إليها، وأخدمته من يريد، وقضت حوائجه، ولم يحتجب عنها، والذى يفعل لها القرابين من حيوان ناطق وغير ناطق، وأن يدع المفترضات ويستعمل كل ما يقبح فى العقل استعماله" [والراجح أن تفكك هذه العبارة يرجع إلى أن ابن إسحق قد أدمج عدة حقائق ذكرت له]. "وقد قيل أيضا أن بيذخ هو إبليس نفسه، وقال آخر أن بيذخ تجلس على عرشها فيحمل إليها المريد لطاعتها فيسجد لها. . وقال لى إنسان منهم: إنه رآها فى النوم جالسة على هيئتها فى اليقظة، وأنه رأى حولها قوما يشبهون النبط سوادية حفاة مشققى الأعقاب. . وقال (ومن الواضح أنه الشخص الذى أخبر ابن إسحق بذلك) لى رأيت فى جملتهم ابن منذر بنى (؟ ) وهذا رجل من أكابر السحرة قريب العهد. . .، وكان

يناطق من تحت الطست" (الفهرست، ص 310، س 18). وأخذ ابن اسحق يذكر بعد ذلك اسم كل ساحر متبوعا ببعض كتبه، ومنهم رجل يمنى روى عن الزرقاء الساحرة (الأميرة اليمنية طريفة؟ . .) وآخر هو ابن وحشية وهو يقرر أنه متصل بالسحر الكلدانى القديم، ولا شك أنه كان فى سحره متصلا أيضًا بالنبط. ويقول الفهرست إنه صوفى، كان يدعى أنه ساحر يعمل أعمال الطلسمات. ويلى ذلك فى الفهرست قسم (ص 312, س 11 - 16) عن الشعبذة. ثم يعود إلى السحر، ويذكر فالشتانس Callicthenes. وبليناس من أهل الطوانة Apollonius of Tyana وأروس, Horus هرمس Hermes, وأرباب السحر فى الهند. أما عن الحيل المذكورة آنفا فيرجع إلى الفن الذى أفرده ابن إسحق للحساب والمهندسين (ص 265، س 16؛ ص 271 س 8). وثمة كتب أخرى فى السحر معظمها لكتاب مجهولين ذكرها الفهرست فى الفن الذى أفرده للكتب المصنفة فى معان شتى (ص 314 س 7 - 18، ص 317, س 8؛ ص 418، س 4). وقد جرى الإسلام على نسبة جزء كبير من السحر غير المشروع والتنجيم إلى مذاهب الكلدانيين، ومن ثم فإن الفن الأول من المقالة التاسعة من الفهرست (ص 318 وما بعدها) الذى يتحدث عن الحرانيّة الكلدانيين الذين عرفوا بالصابئة له أهمية فيما يتعلق بتاريخ السحر، وخاصة الرأس الذى يخبر بما يحدث فى المستقبل (ص 321، س 12 وما بعدها). ويصدق هذا أيضا على المقالة العاشرة فى الكيمياء حيث نجد مرة أخرى كلمة مطولة عن ابن وحشية (ص 358) وأصحابه. وقد بين ابن خلدون بحق فى عهد متأخر عن ذلك كثيرًا، أن الشيعية، والصوفية والفلسفة. والتنجيم، والكيمياء، والسحر، كلها تتصل بعضها ببعض (انظر ما جاء فى الفهرست ص 354 وما بعدها، عن الأقوال المخللفة فى جابر بن حيان، والأسماء التى أطلقت عليه). وإذا كان صاحب الفهرست قد شك شكا واضحًا فى إمكان وجود أى ضرب حقيقى من السحر واكتفى بذكر

شئ عن سير السحرة وكتبهم كما وجدها، فإن الغزالى المتوفى سنة 505 هـ (1111 م) لم يخامره مثل هذا الشك، ذلك أن عالم الأرواح كان فى نظره حقيقة لا ريب فيها. وهو قد دخل فى كتابه الإحياء فى تفصيلات مسهبة عن الجن والشياطين وأفعالها (Religious Attitude in Islam: Macdonald ص 274 وما بعدها) والغزالى فى كتابه المنقذ من الضلال (طبعة القاهرة 1303 هـ، ص 46) يذكر المربع السحرى "بدوح" قائلا أن له خواص مجربة، ومن ثم عرف هذا المربع باسمه، وكتب أيضًا فى تفسير الرؤيا (التحبير فى علم التعبير، حلب، مطبعة البهاء، 1328 هـ، فى 30 صفحة) وقرر القزوينى فى كتابه "آثار البلاد" (طبعة فستنفلد، ص 272) أنه -أى الغزالى- أفاد من كحال مشهور هو الطبسى المتوفى سنة 842 هـ (1089 م؛ Geschichte der arab Litt, جـ 1، ص 496) وذلك فى استحضار الجن، وأنه رآها كالأشباح على الحائط، فلما أراد أن يتحدث معها أجابه الطبسى أن قدرته تقف عند هذا الحد (انظر أيضًا عن هذه الناحية فى الغزالى وتطورها فى الأساطير مقدمة كولدسيهر لكتابة عن ابن تومرت Livre d'lbn touert: الجزائر 1903 م، ص 15 وما بعدها). وهذا معناه أن فلسفة الغزالى القائمة على المذهب العملى Pragmatism قد أدت به إلى تصديق كل للك الأعمال المؤثرة فى الطبيعة وفى الإنسان لأنه وجد شواهد صحيحة عليها. وقد كان للمربع المعروف باسم "بدوح" أثره، ومن ثم سلم به وبجميع ما يتضمنه. ذلك أن العالم ملئ بالخفايا، وهذا المربع كان جزءًا منها على أنه بوصف كونه فيلسوفًا اخلاقيا لم يجد بدأ من النظر فيمن يزاولون السحر وفى تصنيفهم أنواعا، وقد فعل ذلك مبكرًا فى كتابه الإحياء (طبعة القاهرة 1334 هـ، جـ 1، ص 15) 26؛ والطبعة التى عليها شرح مرتضى الزبيدى المتوفى سنة 1205 الموافقة 1791 م، جـ 1، ص 146، 216 وما بعدها) ففى صفحة 15 من هذا الكتاب يتناول الغزالى

تصنيف العلوم من الناحية الشرعية، فيقول إنها إما ترجع إلى الأنبياء إما لا ترجع إليهم والعلوم التى لا ترجع إليهم يرشد إليها العقل، أو التجربة أو السماع كاللغة، وهى تنقسم إلى ما هو "محمود"، وإلى ما هو "مذموم"، وإلى ما هو "مباح". أما المذموم فكمثل العلمين التوأمين علم السحر والطلسمات، وعلم الشعبذة والتلبيسات. ثم يدخل الغزالى فى تفصيلات أو فى من ذلك فى صفحة 26 ليفسر كيف يكون العلم مذموما، مع أن العلم هو معرفة الشئ على ما هو به وهو من صفات اللَّه تعالى ويجيب عن ذلك بأن العلم لا يذم لعينه وإنما يذم فى حق العباد لأحد أسباب ثلاثة: الأول، أن يكون مؤديًا إلى ضرر ما لصاحبه أو لغيره كعلم السحر. الثانى، أن يكون مضرًا بصاحبه فى غالب الأمر كعلم النجوم، الثالث الخوض فى علم لا يستفيد الخائض فيه فائدة علم مثال ذلك علم الكلام أو الطب لغير المتخصص فيهما. ومن الواضح أن هذا هو أساس مذهب المنفعة عند المسلمين، وهو المذهب الذى أثار اهتمامًا كبيرًا لدى باحث كابن خلدون، فوقع فريسة له , (Religious Attitude، ص 119 وما بعدها) ويعتمد هذا المذهب على الحديث: "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه" (جـ 2، ص 157). ومن ثم فإن السحر، مع أنه حق كما نتبين من القرآن والحديث، فإنه يجب تركه. ثم إن الغزالى يصف السحر أيضا بأنه "يستفاد من العلم بخواص الجواهر وبأمور حسابية فى مطالع النجوم فيُتخذ من للك الجواهر هيكل (انظر Supplement: Dozy، جـ 2، ص 775 ب؛ والظاهر أن كلمة هيكل تدل على أن الأصل فى هذا النوع من السحر يهودى) على صورة الشخص المسحور ويرصد به وقت مخصوص من المطالع وتقرن به كلمات يتلفظ بها من الكفر والفحش المخالف للشرع ويتوصل بسببها إلى الاستعانة بالشياطين ويحصل من ذلك بحكم إجراء اللَّه تعالى العادة أحوال غريبة فى الشخص المسحور". وشرح مرتضى الزبيدى

على هذه المسألة جدير بالنظر، ومن الواضح أن مرجعه الأكبر فى ذلك هو فخر الدين الرازى الذى زاد الزبيدى من طابعه الكلامى، إذ نقل شواهد من مؤلفه "الملخص" ومن كتابه "السر المكتوم" وهذان الكتابان ما زالا مخطوطين (Gesch. d, Arab. Litt جـ 1، ص 507) كما نقل أيضا من كتاب مسلمة المجريطى (توفى سنة 38 = 1007 م؛ Gesch d, Arab Litt جـ 1، ص 343) المعروف باسم "غاية (أو نهاية) الحكيم"، وما زال هذا الكتاب أيضا مخطوطا. على أنه مهما يكن من أمر الخطة الصارمة التى استنها الغزالى نفسه بكل ما له من تأثير عظيم، الخطة التى رأى أن يسير عليها الناس فى الحياة لتطهير نفوسهم وصونها واعتمد عليها كل الاعتماد فى تأليف كتابه الإحياء، فإن جماهير المسلمين ربما لم يلتزموا هذه النظرة إلى الحياة. وقد ظل الموقف الذى يتجلى فى الفهرست بأجلى بيان بالنسبة للسحر المشروع والسحر غير المشروع باقيًا على حاله، ومن ثم أمكن السحرة الذين يلتزمون الشرع أن يحتجوا بأن فنهم الذى أخذوه عن سليمان نبى اللَّه عليه السلام لا يخالف السنة بل لا يخرج عن حدود التقى. وقد كانت الحدود بين السحر المشروع والسحر غير المشروع وما تزال غامضة أشد الغموض، وهى فى ذلك تماثل الغموض الذى يكتنف موقف الأرواح فى الإسلام الذى يقول إن طائفة منها مؤمنة، كما أن العلاقة بين الشياطين والجن غير محددة، بل نحن نجد كتبا تقول إن حفيدًا لإبليس كان مؤمنًا. زد على ذلك أن المتكلمين قد ألفوا أن موقف الغزالى تكتنفه الصعوبات. فقد بينوا أن ممارسة السحر الذى يقصد به إلى الأغراض الضارة هى وحدها التى يمكن أن نسميها أمرًا مذموما؛ هذا من جهة. وأما من الجهة الأخرى فإن معرفة السحر أمر جوهرى لكل من يريد أن يميز بين أثر السحر وأثر معجزات الأنبياء بل أثر كرامات (. . .) الأولياء (البيضاوى، طبعة فليشر، جـ 1، ص 76؛ الرازى: مفاتيح الغيب، القاهرة 1307 هـ، جـ 1، ص 434، س 7 من أسفل الصفحة وما بعدها) والمادة الوحيدة المطبوعة التى لدينا عن موقف

فخر الدين الرازى (توفى 606 هـ = 1209) بصرف النظر عن تلك الإشارات المتفرقة التى من قبيل ما ذكرناه لمرتضى الزبيدى آنفا، هى تفسيره للقرآن المعروف بمفاتيح الغيب، وهو يتناول السحر فى هذا التفسير تفصيلا عند كلامه عن الآية 101 من سورة البقرة (¬1)، وهى الآية العمدة فى موضوع السحر. وكان الرازى متاثرًا بآراء المعتزلة إلى حد بعيد أدى به إلى قبول بعضها، وإن كان قد احتفظ فى النهاية بمذهب أهل السنة مشوبًا بتفلسف المتكلمين، ومطبوعًا بحبه الشديد للأقوال القائمة على التحليل المستندة إلى منهج (Goldziher) فى Der Islam جـ 3، ص 238 وما بعدها، Koranauslegung ص 123، 203 والفهرس تحت كلمة مفاتيح). ويتجلى موقفه الجوهرى من السحر من كلامه عن المرأة التى ذهبت إلى هاروت وماروت فى بابل لتتعلم منهما السحر. فلما خرج منها إيمانها وصعد إلى السماء قالا لها: "ما تريدين شيئا يتصور فى وهمك إلّا كان، (مفاتيح الغيب، جـ 1، ص 434 س 26) ونخرج من ذلك بأن السحر فى جوهره عمل نفسى له آثار مادية. فما يتصوره الساحر فى وهمه يحدث. وقد ذكر الرازى فى الصفحات من 129 إلى 434 أن السحر على أنواع: الأول سحر الكلدانيين، وكان يقوم على عبادة الكواكب وما للكواكب من تأثيرات. وزاد على ذلك كلمة فى رأى المعتزلة وردًا على رأيهم فى السحر؛ والثانى سحر أصحاب الأوهام والنفوس القوية أو أصحاب الرقى، ويؤيد هذا النوع ما لنفس الإنسان من أثر على جسمه وعلى أجسام غيره، وضرب الرازى لذلك سبعة أمثلة، كما ناقش إمكان الاتصال بالأرواح السماوية والنفوس الفلكية واستخدام هذه الأرواح فى السحر؛ والثالث هو الاستعانة فى السحر بالأرواح الأرضية أى بالجن. وهذا النوع (انظر ما ذكرناه عن السحر المحمود نقلا عن الفهرست) يعرف بالعزائم وعمل تسخير الجن؛ والرابع، هو التخييل والأخذ بالعيون؛ والخامس، هو الأعمال العجيبة التى تظهر من الآلات، ومن الأفعال التى تتم ¬

_ (¬1) هى بترقيم المصحف العثمانى رقم 102.

من تلقاء نفسها، ومن مختلف التركيبات العلمية؛ والسادس هو الاستعانة بخواص الأدوية والعطور المزيلة للعقل أو المسكرة، والسابع هو تعليق قلوب ضعفاء العقول بادعاء الساحر أنه قد عرف الاسم الأعظم وأن الجن يطيعونه؛ والثامن، هو السعى بالنميمة والتضريب. أما كلام كشاف اصطلاحات الفنون فى ذلك، وهو مؤلف حديث (ص 648 - 653) يعتمد على الرازى اعتمادًا كليا أو يكاد، فلم يذكر إلا أربعة الأنواع الأولى من السحر، ويقال أن المعتزلة أنكروها جميعا إلا النوع الرابع. وأما فى طبعة القاهرة لكتاب الرازى (ص 434، س 4 وما بعدها) فيقال أن المعتزلة أنكروا الكل إلا النوع الرابع والخامس والثامن. ونحن نتساءل ترى هل أنكروا النوعين الخامس والسابع؟ ونحن نجد أن ابن خلدون المتوفى فى سنة 808 هـ (1406 م) قد توسع أكثر وأكثر فى نظرة الرازى النفسية إلى السحر وزادها تبيانا حتى أصبحت تتفق أو تكاد والمذهب النفسى الحديث فى الأفعال التلقائية. ومن ثم فهو أول من تناول بالتفصيل الأساس العقلى للتطلع البلورى " Crystal Gazing" بلغة هى فى جوهرها لغة المحدثين (المقدمة، طبعة كاترمير, Quatremere جـ 1، ص 191 - 195) ويجب أن نقرن أوصاف ابن خلدون وإيضاحاته فى ذلك ببحث Besterman: a study in the history, distribution, theory and Practice of scrying (لندن، 1924 وبحث W.H.Worrel Ink Oil and Mirror Gazing Ceremonies in Modern Egypt (فى J.R.A.S جـ 36، ص 37 - 53). وهكذا نجد أن ابن خلدون قد ذهب إلى أبعد مما ذهب اليه الرازى من حيث النوعين الثانى والثالث من السحر فى تقسيم الرازى. وكان ابن خلدون مسلمًا غيورًا متمسكًا بالقرآن والسنة، ومع ذلك فقد التزم التزامًا تاما ما خبره بنفسه، وعرف صنوفًا شتى من العرافين والسحرة وجربهم وسلم بعملهم، وشاهد فى منامه رؤى تبين له أنها صحيحة، كما كان مؤمنًا بكرامات الأولياء. على أنه لم يعرف قط جنًا أو ملائكةً بأشخاصهم، ولو أنه مضطرًا إلى التسليم بوجود

الملأ الأعلى وأن لهم تأثيرات روحانية وشيطانية على نفوس البشر. ومن ثم نجده قد أدخل جميع الإشارات القرآنية التى حار عقله فيها أو التى لم يخبر ما تشير إليه من وقائع فى الآيات المتشابهات، وهى ضد الآيات المحكمات، متبعًا فى ذلك تفسيرًا من تفاسير الآية 7 من سورة آل عمران التى جاء فيها {. . . وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ. . .} (ابن خلدون، المقدمة، طبعة Quatremere، جـ 13 ص 47)، ونخرج من هذا بأن القوة الجوهرية للسحر تكمن فى نفس الساحر، ذلك أن الساحر غير مكتسب لسحره بل هو مفطور عليه. وقد يدعم الساحر قوته النفسية بأمداد من القوى الغامضة فى الخارج، سواء كانت من خواص الموجودات أو الأعداد؛ وبغير ذلك من الكائنات الروحانية المتجردة من المادة. ويقول ابن خلدون إن التفرقة عند الفلاسفة بين السحر والطلسمات هو أن السحر لا يحتاج الساحر فيه إلى معين، وصاحب الطلسمات يستعين بروحانيات الكواكب وأسرار الأعداد وخواص الموجودات وأوضاع الفلك المؤثرة فى عالم العناصر -أى فى عالمنا (المقدمة طبعة كاترمير، جـ 3، ص 132). والظاهر أن ابن خلدون كان بصفة عامة موافقًا على هذه التفرقة بقدر ما كان يستطيع أن يحيط بالوقائع التى عرفها بنفسه (المقدمة طبعة كاترمير، جـ 3، ص 129 وما بعدها) على أن ابن خلدون قد رأى أيضا أن أدوات السحر كما هى فى صناعة خط الرمل الذى يعمد صاحبها إلى وضع نقط وخطوط فى الرمل ويكون منها أشكالا يستخرج بها الغيب، ما هى إلا وسيلة لخروج الساحر من حالته الطبيعية وغيبته عن الحس لترجع نفسه إلى عالم الروحانيات. فمن لم توجد له هذه العلامة فليس من إدراك الغيب فى شئ وإنما هو ساع فى تنميق كذبه (المقدمة، طبعة كاترمير، جـ 1، ص 209). ثم إنه بذلت بعد ذلك محاولة من قبل البونى المتوفى سنة 622 هـ (1225 م) متبعًا طرائق الغلاة من المتصوفة وأهل التصرف، فقد سعى إلى وضع طريقة للسحر المشروع تقوم على تصرف النفوس الربانية فى عالم الطبيعة بالأسماء الحسنى والكلمات الإلهية الناشئة عن الحروف المحيطة

بالأسرار السارية فى الأكوان، وصنع من هذه الحروف جداول سحرية وطلسمات. وقد عرف هذا العلم بالسيمياء (Suppl. Dozy جـ 1، ص 708 ب) شأنه شأن الكبَّالة (1) الخاصة بأسرار الحروف عند اليهود وبذلك النوع من العلم الذى يصنع العجائب مستعينًا بالأسماء الإلهية (انظر The Kabbalah: C.D. Ginsburg, جـ 2، طبعة لندن 1920، ص 127 وما بعدها)، على أن ابن خلدون كان يرى أن هذا العلم ما هو إلا سحر، لأنه يقرر أنه يستمد تأثيراته من قوى الطبيعة لا من اللَّه، وإن كان يستخدم أسماءه تعالى، ومن ثم يدخل فى باب السحر وهو مذموم، (المقدمة طبعة كاترمير، جـ 3، ص 137 وها بعدها، وخاصة ص 113 وما بعدها). وكتاب البونى الكبير "شمس المعارف" (Gesch. der Arab. Litt، جـ 1، ص 497 هو العمدة بين جميع الكتب الإسلامية التى لا تحصى والتى درست السحر حتى يومنا هذا. اما المصدران الآخران فى السحر اللذان أشار إليهما ابن خلدون فهما جابر بن حيان ومسلمة المجريطى. ونستبين من نظرية ابن خلدون أنه لم يجد بدًا من التمييز من الناحيتين الشرعية والنفسية بين عمل السحر وعمل تلك القوى التى فطر عليها الأولياء والأنبياء. ولكن ما الفرق بين نفوس الأنبياء ونفوس الأولياء ونفوس السحرة؟ لقد كان ذلك من الأمور التى يسهل الحكم عليها كما فعل ابن خلدون (المقدمة، طبعة كاترمير، جـ 3، 341، 140) , فإن نفس النبى والولى يسيرها رجل صالح متوخيا أغراضا طيبة، أما نفس الساحر فيسيرها رجل طالح متوخيا أغراضا خبيثة، مع وجود صلة نسب جوهرية بين النفس وبين القوة التى تعينها من الخارج، وكانت هذه هى التفرقة الشرعية القديمة (انظر تفسير البيضاوى للآية 102، سورة البقرة، جـ 1، ص 76، س 9). زد على ذلك أن الولى بكراماته والنبى بمعجزاته البينة إنما يأتيان بذلك كله ابتغاء مرضاة اللَّه

وبعونه تعالى دون أن يلتجئا إلى أى مدد آخر سواء كان روحًا أو قوة من قوى الطبيعة. على أنه كان ثمة طائفة من غلاة المتصوفة يزعمون السيطرة على عالم الطبيعة، وكان هؤلاء على ما يظهر سلالة ذلك الفرع من الأفلاطونيين المحدثين الذين يصنعون العجائب. ثم إنه كان ثمة أيضًا تلك الجمهرة العظيمة من الأولياء الشعبيين، وهم حقا من القائلين بمذهب أن لكل شئ روحًا تحل فيه، وقد دأب هؤلاء تحت ستار الإسلام على التكهن بالمستقبل وصنع العجائب المأثورة عن المعتقدات والطقوس القديمة. وقد أدت نظرية ابن خلدون أيضًا عن النفوس الساحرة إلى عودة الخلط الذى عرف عن جزيرة العرب فى الجاهلية بين الكاهن والنبى، وهكذا ظلت الطريق مفتوحة أمام المسلمين السنيين لدراسة السحر بل ممارسته، وأمام ذلك الخلط الشامل الكامل الذى يوجد اليوم بين السحر المشروع والسحر غير المشروع. وإذا شاء القارئ مزيدًا من التفصيل عن نظرة ابن خلدون إلى الدين والسحر فيمكنه الرجوع إلى مؤلف كاتب هذه المادة Life in Islam & Attitude Religious (المحاضرات من 2 - 6). أما عن الأولياء والسحر فى الإسلام فيرجع إلى Les Marabouts: E.Doutte. باريس 1900 و Les Aissaoua، شالون 1900 أو Magie et Religion dans ,I'Afrique du Nord الجزائر 1909 (وهى عمدة الرسائل فى السحر فى الإسلام الحديث)؛ وإلى E. Westermarck: The Moorish conception of holiness, هلسنكفورث 1904؛ وإلى T.W.Weir: The Shaikhs of Morcco، إدنبره 1904؛ وإلى Emily, Shareefa of Wazan: My life story، لندن 1911. وثمة سبب آخر من الأسباب التى أدت إلى بقاء السحر بين جماهير المسلمين وهو وجود عدة حكايات شعبية تروى كيفًا بطلت طلسمات عظيمة المفعول توارثها الناس، عمل جن من الكفار وتغلبت على سحر سحرة كفار وطلسماتهم. وثمة مثلان جيدان على هذه الحكايات ترجمهما فايل عن مخطوط فى مكتبة كوتا فى طبعته المتأخرة لمؤلفه Tausend and Eine Adventures of Ali and zaher of) Nacht

Damascus و Adventures of the Fisherman Djauder جـ 4 من طبعة بون 1897، ص 194 - 312). ونجد فى القرآن والسنة، وفى فقه أهل السنة، وفى عقائد المتصوفة بجميع أطوارها التى تمتد إلى النظر الدينى القائم على مذهب وحدة الوجود، وفى الفلسفة والعلم الطبيعى بجميع أنواعه من علم النفس التجريبى تقريبًا إلى نظرات ابن سينا، وفى تعبد البدائيين المستند إلى الاعتقاد بوجود روح تحل فى كل شئ: فى كل هذا نجد ترديدًا للقول بالسحر، وإن كان محفوفًا بالمكاره. ويمكن أن نستدل على مكانة السحر فى العالم الإسلامى اليوم من دلك المكتبة الصغيرة فى السحر التى جمعها كاتب هذه المادة فى مصر سنة 1908 وأخذ ينميها منذ ذاك: (1) كتاب "شمس المعارف" للبونى (طبع طبعة حجرية من القطع الكبير فى أربعة أجزاء من 442 صفحة، كتبها ميرزا حسين الشيرازى، وقد طبعت طبعات أخرى ما بين 1322 هـ إلى 1324)، وما يزال هذا الكتاب هو العمدة على حد ما قاله لى عالم مصرى أستاذ فى إحدى مدارس المعلمين الحكومية ومن تلاميذ جمال الدين الأفغانى. (2) وثمة بحث آخر عظيم الشيوع هو "مفاتيح الغيب" وهو فى سبع رسائل (القاهرة 1337 هـ = 1909، وعدد صفحاته 232) كتبه أحمد موسى الزرقاوى. وقد طبع هذا البحث الذى ألفه ساحر معاصر بفضل عدد عظيم من المساهمين. وهو يتناول موضوع السحر جميعا من فلك وتنجيم إلى خط الرمل والمربعات السحرية، والنظر فى المرايا الشفافة. وقد أخذ المؤلف بالرأى القائل بأن الأرض تدور، وقال إنه هو الرأى الفيثاغورى، وإنه أثبته بادلة من القرآن. والزرقاوى فى هذا وفى غيره يفوق بكثير سيمياء البونى التى تتسم بالطفولة. وعندى أيضا نتيجة للزرقاوى فى سنتها العاشرة (1326 هـ = 1906 م) وبها ملاحق سحرية وتنجيمية.

(3) رسالتان فى السيمياء من المجربات طبعتا معا فى القاهرة سنة 1324 هـ الموافقة 1906، وهما "فتح الملك المجيد" لأحمد الديربى المتوفى سنة 1151 هـ (1738، Gesch der Arab Litt, جـ 2، ص 323) و"المجربات" لأحمد بن يوسف السنوسى المتوفى سنة 892 هـ (1486 م، Gesch. d. Litt، جـ 2، ص 252) ولا ريب فى أن الرسالة الأولى كانت عظيمة الرواج لأننى أقتنى منها طبعتين مستقلتين، القاهرة 1323، 1325 هـ. (4) ومن المؤلفات فى السيمياء أيضا: "كتاب العوائد"، القاهرة 1321 هـ, من تأليف أحمد بن عبد اللطيف الشرجى اليمنى المتوفى سنة 812 هـ (1410 م، Gesch. der Arab Litt، جـ 2، ص 190) وهو كتاب راج أعظم الرواج فى طبعته الثالثة. (5) وثمة كتاب أكثر منفعة وطرافة وأقل حظًا من نغمة التقى المصطنعة هو "شموس الأنوار وكنوز الأسرار" (ومنه طبعتان على الأقل، القاهرة 1322، 1325 هـ) لمؤلفه ابن الحاج التلمسانى المتوفى سنة 737 هـ (1336 م، Gesch. der Arab. Litt، جـ 2، ص 83، وانظر Goldziher فى Z.D.P.V جـ 17، ص 115 - 122). (6) كتابان لكاتب يدعى محمدا الرهوى (؟ )، وهما "اللؤلؤ المنظوم فى الطلاسم والنجوم" و"غاية الأمانى فى علوم الروحانى"، القاهرة من غير تاريخ، وكلا الكتابين من نفس الطراز فهما يتناولان فنون السحر. ويذكر الكاتب أسماء أسلافه: الغزالى والبونى ومحيى الدين بن العربى المتوفى سنة 638 هـ (1240 م، انظر Gesch. der Arab. Litt، جـ 1، ص 441 وما بعدها، وانظر عن هذه الناحية فى ابن العربى دراسة Kleinere Schrikften بقلم H.S.Nyberg ليدن 1919) وشهاب الدين القليوبى (Gesch. derArab. Litt، جـ 1، ص 103؟ ) والشعرانى. (7) وثمة ساحر مصرى معاصر له ثلاث رسائل صغيرة وهو يوسف محمد الأوغانستانى؟ (الأفغانى؟ ) الملقب بالهندى من جزيرة شندويل بالصعيد،

ولكنه يذكر عنوانه بالقاهرة منزل على افندى النقلى رقم 8 درب الدحديرة، عطفة الشيخ مرشدى تجاه جامع الشعرانى. وهناك يقيم، أو كان يقيم، مستعدا لتعليم فنه وإجازة من يريدون ممارسته بعد اختبارهم والتحقق من كفايتهم. ومؤلفاته هى: "الجوهر الغالى فى خواص المثلث للغزالى" و"الأسرار الربانية فى تسخير الأرواح الروحانية"؛ و"العناية الربانية فى مشاهدة الأرواح الروحانية". والكتاب الأخير هو من دون كتبه الذى ذكرت سنة طبعه وهى سنة 1325 هـ الموافقة 1907 م. (8) "كتاب الفيض المتوالى" القاهرة من غير تاريخ، وهو رسالة أخرى فى مربع الغزالى ألفها أحمد الدمنهورى المتوفى سنة 1192 (1778 م، Gesch. der Arab. Lit جـ 2، ص 371 تحت عنوان عقد الفرائد). (9) محمد إبراهيم القبانى الزقازيقى: "الأسرار الإلهية فى الفرائد والأبواب الروحانية" منوف 1323 هـ. (10) الحاج سعدان الرنجى: السر "لربانى فى علوم الروحانى"، منوف من غير تاريخ. (11) الحاج سعدون بن الحاج عبد القادر الحناوى: "الفتح الرحمانى فى علوم الروحانى" القاهرة من غير تاريخ. (12) الساحر الشهير بالهدهاد: "بهجة السامعين فى تسخير ملوك الجن أجمعين"، القاهرة من تاريخ، ويزعم هذا الساحر أن كتابه قديم جدًا ألفه ساحر عظيم الشهرة لا يعلم عنه شيئا. (13) الفيلسوف اليونانى الحكيم هرمس: كتاب السبع كواكب السيارة، القاهرة من غير تاريخ، وهو فى التنجيم انظر الفهرست، ص 139، س 3 وما بعده ص 267 س 12 وما بعده ص 253 س 9 وما بعده والتعليقات. (14) أبو معشر [جعفر بن محمد] البلخى: كتاب طالع المولود للرجال والنساء على البروج وطوالعها على ثلاثة وجوه، القاهرة من غير تاريخ

(انظر كتاب الفهرست، ص 277 وفهرسته وتعليقاته، ولم يذكر هذا العنوان فى الفهرست) وفى هذا الكتاب صور عجيبة مأثورة عن كواكب ذلك البروج. وثمة كتاب أخر من هذا القبيل عن أثر طوالع المواليد على البروج فى طبيعة الرجال والنساء وأمزجتهم وحظوظهم، وبه حسبانات رياضية مناسبة للحال، ولا شك أن هذا الكتاب لأبى معشر: "هذا كتاب. . . اليونانى الفيلسوف الشهير بأبى معشر الفلكى الكبير، (القاهرة، مطبعة الحسينية، من غير تاريخ، وفى فهرس بريل Brill، رقم 8 نسخة من هذا الكتاب [رقم 33] تاريخها، القاهرة 1288 هـ)؛ وثمة طبعة أخرى للكتاب تولاها طابع وناشر آخر وفيها الصور نفسها للبروج، والمؤلف يزعم فى صفحة 2 أنه أورد أشكالا رملية، وإذا صدق فى هذا فإن هذه الأشكال تكون مختلفة تمام الاختلاف عن الأشكال الرملية المألوفة كما يتبين من الكتاب التالى. (15) محمد الزناتى: كتاب الفصل فى أصول علم الرمل، القاهرة من غير تاريخ (انظر عن هذا الكاتب وفنه ابن خلدون: المقدمة، طبعة كاترمير، جـ 1، ص 204 - 209, ترجمة دى سلان، جـ 1، ص 233 - 241. والتعليق، وانظر أيضًا Alaeddin and the enchanted lamp: J.Payne، ص 199 - 201، مجلة. J.R.A.S عدد يناير 1906 ص 121. وما بعدها؛ Z.D.M.G جـ 18، ص 177، جـ 25، ص 140؛ جـ 31، ص 762) وعلم خط الرمل فى هذا الكتاب على غرار ما نجده عند علماء الغرب المحدثين فى هذا الباب (انظر Principles of Atrologicail geomancy: Franz Hartmann، لندن 1889 م). (16) كتاب فى الفأل من غير تاريخ ولا يعلم مؤلفه، وثمة كتيب بسيط جدا فى البخت عنوانه "بختك يا بو بخيت" لمرقس جرجس، ونتيجة لسنة 1326 هـ عنوانها "تقويم الأسرار الخفية" وفيها زيادات أكثر تفصيلا عن البخت من وجهة نظر سياسية. (17) جلال الدين السيوطى المتوفى سنة 911 هـ (1505 م): "كتاب الرحمة

المصادر

فى الطب والحكمة" القاهرة 1234 هـ (. Gesch der Arab. Litt جـ 2، ص 155، رقم 238). وهو كتاب جامع فى السيمياء وطب العوام فى 195 قسمًا. (18) عبد الرحمن إسماعيل: طب الركة (فى جزءين القاهرة 1310، 1312 هـ) وهو معارض لكل ما ذكر من كتب، وبه معلومات أعجب عن خرافات العامة وخاصة فى الطب. والمؤلف خريج مدرسة طب القصر العينى، ويتناول هذه المعلومات باشمئزاز الطبيب المؤهل المزاول للمهنة. المصادر: أن مادة كمادة سحر لابد أن تكون مصادرها كثيرة حاشدة، وحسبنا أن نختار منها ما هو جدير بالنظر: (1) ست مقالات فى السحر وما فى معناه فى Hasting: Dictionary Carra de Vaux: of Religion and Ehtics Alchemy (Muhammedan)، فى جـ 1، ص 289 - 292 Arabs (Ancient): Nbldeke , جـ 1، ص 659 - 673؛ Carra de Vaux: (Muhammedan) Charms and Amulets، جـ 3، ص 475 - 461؛ Gaudefroy - Demombynes and spirits (Muslim) جـ 4، ص 615 - 619؛ D.S. Margoliouth (Muslim)، جـ 4، ص 816 - 618 D.S. Mahic (Arabian and Muslim: Margoliouth، جـ 8، ص 252 - 253. (2) Gesch der Arab.Litt.: Brockelmann، الأقسام الخاصة Natur-und Ge heimwissenchaften. (3) Encylopaedia Bri Magic,tannica: A.H. Frost فى Cquares Lrs الطبعتين الحادية عشرة والسابعة عشرة، ص 310، 131. (4) History ofmagic and Experimental Sciene duringthe first thirteen Centuries of our Era: Lynn Thorndike فى مجلدين، نيويورك 1927. (5) Arabische Alchemisten: Ruska (6) Ufer Geister und: G. v. Vloten فى W.Z.K.M.Damonen، ج 7، ص 169 وما بعدها. (7) Description des monuments musulmans du cabinet de M. duc de: Reinaud

Blaces، فى مجلدين، وبه لوحات كثيرة بالتمائم وغيرها، باريس 1828؛ وانظر عن التمائم أيضًا: (8) Beitrage zur Arabischen Litteratur: C.G. von Murr، إرلانكن 1803، ص 32 - 37. (9) Hammer-Purgstall: Die Geisterlehre der Moslimen، فينا 1852. (10) Der Talisman James Richardson's erklart: Rudolf Krehl، ليبسك 1865. (11) Description of a silver Amulet: D. B. Macdonald , فى ZA، جـ 26، ص 167 - 269. (12) Some Specimens of Moslem charms: W. A. Stevenson, الجمعية الشرقية لجامعة جلاسجو Studia Semitica et Orientalia، جلاسجو 1920، ص 84 - 114. (13) Isl، جـ 13، ص 260 وما بعدها. (14) ومقالة بقلم Bergstrasser، ص 227 وما بعدها. (15) La Sorcellerie au Maroc: Emile Mauchamp، باريس ودوربان إينيه، من غير تاريخ. وانظر عن الأرواح التى تلابس الأجسام فى الإسلام فى الأزمنة الحديثة وكيف تطرد. (16) English woman in Egypt: Sophia poole، لندن 1842، الرسائل الرابعة والرابعة عشرة والسابعة عشرة. (17) Two Years'Residence in a Levantine Family: Bayle St. John, لندن 1856 الفصل العشرون. (18) Spoken Arabic of Egypt: J.S.Willmore الطبعة الثانية. لندن 1905 م، ص 39 - 374، مع الاستعمال الخبط فى هذا المقام فيما يتعلق بالجن، انظر سورة البقرة، الآية 725 وتفاسير المفسرين لها؛ وانظر أيضا ابن خلدون، المقدمة، طبعة كاترمير، جـ 1، ص 195؛ والخبط من ثم هو المرادف لكلمة raps فى الأرواح عند الغربيين. (19) ولم اجد بعد ذكرا لصندوق العالم الروحانى يستخدمه فى إظهار الأرواح إلا فى كتاب Magie et: Doutte

Religion، ص 384 وما بعدها. وقد أبلغت فى القاهرة سنة 1908 عن واقعة من وقائع الكتابة التلقائية حدثت فى الصعيد. ولم يتفق أن حدث غير ذلك فيما يظهر. (20) Studien fiber den Inhalt von 1001 nacht: Rescher فى Islam، جـ 9، ص 1 - 24. (21) Eine Islamische Apokalypse: Richard Hartmann فى Schriften der Konigsberger gelehrten Gesellachaft، جـ 1، ص 3. (22) A. Goodrich - Freer(Mrs Hans The Occult in the nearer East: Spoer وهى سلسلة من المقالات بقلم كاتبة خبيرة بالأدب الشعبى فى مجلة Occult ReView، 1905 - 1906؛ وكذلك فى FolkLore المجلدات 15، 17، 22. والمرجع المأثور فى العربية عن الجن هو: (23) محمد بن عبد اللَّه الشبلى المتوفى سنة 769 هـ - (1367 م؛ انظر Gesch. der Arab. Lit، جـ 2، ص 75): آكام المرجان فى أحكام الجان، القاهرة 1326. (24) نظرات فى الموضوع بقلم Noldeke فى Z.D.M.G، جـ 64، ص 439 وما بعدها. (25) O. Rescher فى W.Z.K.M، جـ 28، ص 241 - 252. (26) وانظر عن تعبير الرؤيا: محمد ابن سيرين المتوفى سنة 110 هـ (728 م، انظر Gesch. der Arab. Litt جـ 1، ص 66؛ ابن خلكان، ترجمة دى سلان، جـ 2، ص 586؛ طبعة القاهرة 1310 هـ، جـ 1، ص 453) وهو أقدم حجة ذكر فى هذا الموضوع. (27) ومن الكتب التى تنسب إليه كتاب تعبير الرؤيا، 1320 هـ، فى 56 صفحة، وكتاب منتخب الكلام فى تفسير الأحلام، وهو رسالة أطول من الأولى بكثير -لم تذكر هاتان الرسالتان فى بروكلمان- على هامش المجلد الأول من الكتاب التالى. (28) عبد الغنى النابلسى المتوفى سنة 1143 هـ (731؛ Gesh der Arab.

سحنون

Litt، جـ 2، ص 345، رقم 28: تعطير الأنام فى تعبير المنام، القاهرة 1320 هـ، فى مجلدين، ولكن تولى نشره ناشر آخر. (29) وعلى هامش المجلد الثانى منه الإشارات فى علم العبارات لخليل شاهين الظاهرى المتوفى سنة 872 هـ (1468 م؛ انظر Gesch. der Arab. Litt, جـ 2، ص 135). وانظر عن موضوع تعبير الرؤيا عامة. (30) On the Moslem Interpretation of Dreams: N. Bland فى J.R.A.S جـ 6، ص 153 وما بعدها. خورشيد [ماكدونالد D.B. Macdonald] سحنون " سحنون" عبد السلام بن سعيد بن حبيب التنوخى، وقد سمى بسحنون باسم طائر حديد الذهن، ذلك أنه كان سريع النكتة؛ وكان أبوه سعيد جنديًا قدم من القيروان إلى حمص حيث ولد سحنون عام 160 هـ (776/ 777 م). والظاهر أن أباه لم يكن ثريًا، على أن سحنون قد نعم بالتتلمذ على خير علماء القيروان وخاصة البهلول بن راشد المتوفى عام 183 هـ (ابن فرحون ص 104)؛ وشخص سحنون إلى تونس لاستكمال دراسته فيها فكتب معلمه خطابا إلى على بن زياد المتوفى عام 183 هـ يوصى به خيرًا، فدأب علىّ، احترامًا منه للبهلول، على أن يذهب إلى بيت سحنون ليلقنه ما تعلمه على مالك، وقد جاء فى رواية لمحمد بن سحنون أن أباه ذهب إلى مصر عام 178 هـ. ليتلقى العلم على تلاميذ مالك بن أنس، ولقى فى مصر عبد الرحمن بن القاسم وابن وهب وأشهب وكانوا من أبرز أتباع مالك؛ وكان قدومه إلى مصر فى السنة السابقة على موت مالك، وكان سحنون قد حمل معه من القيروان تلك الأجزاء من موطأ مالك التى كان أنس ابن الفرات قد درسها على الإمام مالك وكانت تطرح على بساط البحث بعض المسائل التى تثيرها دراسة الموطأ فى حضرة عبد الرحمن بن القاسم، فكان سحنون يستزيد من المعلومات فيسأل لم لا يرتحل ليسمع مالكًا نفسه، فيجيب بأنه إنما يحول بينه وبين ذلك فقره وعوزه، وكانت صلته بعبد الرحمن ذات

أثر بعيد فى نشر المذهب المالكى فى الشريعة فى المغرب، وترد معظم المصادر تاريخ رحلة سحنون إلى الشرق حتى عام 188 هـ، بيد أن هذا خطأ واضح، وكذلك أخطأت الرواية التى تقول إن ذهابه إلى الشرق كان إبان حياة مالك، مع أن مالكا توفى عام 179 هـ؛ على أن سحنونا نال فيما بعد بغيته فأبعد الرحلة فى الشرق، وأدى فريضة الحج صحبة عبد الرحمن وأشهب وابن وهب، وركب الجمل خلف ابن وهب، ثم زار أيضًا المدينة والشام يأخذ العلم عن أبرز اتباع مالك، وعاد إلى القيروان عام 191 هـ وجعل همه نشر آراء مالك؛ وقال بعض من كتبوا سيرته إنه كان أول من أدخل هذه الأراء فى الغرب، بيد أن عليا بن زياد والبهلول وأسد بن الفرات سبقوه إلى للقين الموطأ أو أجزاء منه على الأقل؛ وشرح سحنون هذه الآراء فى مصنف كبير هو "المدونة" معتمدًا على نص أسد ابن الفرات؛ شارحا إياه بسؤال عبد الرحمن بن القاسم فى كل شاردة وواردة، وهنا تجلت براعة ابن القاسم وسحنون؛ ويسأل سحنون: أهذه النقطة يؤيدها الحديث أو قول مالك؟ فيجيب ابن القاسم: هذا هو ما قاله مالك أو هذا أيى؛ وإنا لنرى أن المدونة قد أفسحت مجالا كبيرًا للأحكام المعتمدة على العقل ولم تبذل فيها محاولة ما لإيراد الأحاديث الصحيحة أو الموضوعة تدعيما لرأى من الأراء الشرعية، ومن ثم فإن المدونة كتاب سهل التناول واضح اللغة، وهو شاهد أمين على لوذعية جامعة وشيخ جامعة؛ وتوفى وهب، وهو أخ غير شقيق لسحنون، فكان ابن أبى جواد الذى سبق سحنونا فى ولاية القضاء، يؤذن للصلاة، فأبى سحنون أن يرددها بعده، لأن ابن ابى جواد كان من المعتزلة؛ وبلغ هذا مسامع الأمير زيادة اللَّه (حكم من سنة 201 إلى 223 هـ) فأمر والى قيروان بأن يجلده 500 جلدة؛ وعلم وزيره على بن حميد بما كان من الأمير فأوقف الرسول الذى كان يحمل الأمر وذهب إلى الأمير يسعى لإلغاء العقوبة، وقال للأمير أن البهلول كان قد أوقع عليه عقاب من هذا القبيل (عام 183 هـ) بأمر من الأمير محمد بن مقاتل، فما كان من زيادة اللَّه إلا أن عفا عن سحنون، وقد حدث فى

اثناء المدة القصيرة (231 - 223 هـ) التى اغتصب فيها السلطان أحمد بن الأغلب أن استحدث أحمد نظام التحقيق فى بدعة القول بخلق القرآن، فولى سحنون الأدبار من القيروان، ولجأ إلى صومعة صوفى يسمى عبد الرحمن فى قصر زياد؛ وأنفذ أحمد رجلا من رجال البلاط يدعى ابن سلطان للقبض على سحنون لأنه كان يعلم أن ابن سلطان هذا يكره سحنونا، شأنه فى ذلك شأن معظم رجال البلاط، وذلك نظرًا لانتقاده المر لحياة الفسق والفجور التى كانت تسود البلاط، على أن الضغينة التى كان يكنها أحمد لسحنون رققت من قلب ابن سلطان عليه؛ ولكن ابن سلطان خاف على نفسه فحمل سحنونا أسيرًا إلى القيروان، بيد أنهما ما إن أصبحا على مسيرة ميل من المدينة حتى بلغتهما أنباء استعادة محمد بن الأغلب لسلطانه ومقتل أحمد، وكان من نتيجة ذلك أن اطلق سراح سحنون، وكان أول أعمال محمد بن الأغلب عزل القاضى عبد اللَّه بن أبى الجواد، وقد وقع هذا العمل من نفس سحنون موقع الرضا، فهتف قائلا فى حضرة الأمير والقاضى: جزى اللَّه الأمير على تحريره الناس من ظالمهم؛ وعندئذ عرض محمد سنة 233 هـ ولاية القضاء على سحنون، إلا أنه ظل عامًا بطوله يرفض قبول المنصب، ثم قبل أخر الأمر فى رمضان عام 234 هـ وقال لابنته خديجة بهذه المناسبة: "اليوم ذبح أبوك بغير سكين"، وكان بعض الناس قد اقترح أن يلى القضاء سليمان بن عمران، ولكن الأمير رفض الأخذ بهذا الاقتراح قائلا إنه ما دام سحنون على قيد الحياة فليس أصلح منه للقضاء بين الناس؛ ولم يقبل سحنون عطاء أو مرتبا من الأمير، وإنما كان يوفى نفقاته ونفقات موظفيه من جزية الرءوس التى كانت مفروضة على الكفار، ولكى يتسنى له أن يقضى بين الناس فى هدوء لا يزعجه شئ أمر فشيدت له غرفة تجاور المسجد، ولم يكن يسمح بدخولها إلا للمتقاضين وشهودهم. كان من أول أعماله أيضًا أن حرّم دخول المسجد على الفرق الضالة جميعًا، وكان سحنون أيضًا أول من نصب إمامًا ثابتًا للمسجد، وأول من عهد بالأموال المرهونة إلى من يوثق بهم من أهل المدينة، فى حين أن هذه

الأموال كانت تحفظ فى بيت القاضى حتى ولى سحنون القضاء؛ وكان سحنون فى قضائه يعامل الخصوم جميعا أطيب معاملة، وكان يبذل قصارى جهده للتهدئة من روع المتقاضين والشهود بأن يقول لهم أن يصارحوه بما يعلمون، وكان يصطنع غاية الحذر وهو يجيب عن المسائل الشرعية، ذلك أنه كان يعتقد أن الإجابات الصادرة عن تعجل تزيد الأمور اضطرابا أكثر من أى شئ أخر، قد أورد كتاب سيرته المتأخرون كثيرًا من كراماته، مما يدل على الاحترام الذى كان يكنه الناس له فى قلوبهم؛ وقد توفى فى يوم الأحد السادس أو السابع من رجب عام 240 هـ؛ وحزن الناس لموته حزنا عظيما بالرغم من أنه كان قد بلغ من العمر عتيا؛ يقول بروكلمان (History of Arabic Literature: Brockelmann) إن الفضل فى نشر مذهب مالك فى الغرب يرجع إلى أسد بن الفرات وابن القاسم، إلا أن جل الفضل فى ذلك يرد كما سبق لنا القول، إلى ما بذله سحنون من جهد فى ترتيب المدونة ونشرها، وهى مصنف جامع شامل يزيد كثيرا عن موطأ مالك ولو أنه يعتمد عليه ومخطوطات المدونة نادرة بعض الشئ، بيد أنها طبعت طبعتين فى القاهرة، وإحدى الطبعتين فى أربعة مجلدات من قطع الربع، طبعت عام 1224/ 1225 هـ, والثانية فى 16 جزءًا طبعت عام 1905/ 1906 م من قطع الثمن؛ وثمة سبعة أجزاء منها عند بعضى الناس كتبت على الرق فى القيروان حوالى عام 400 هـ وقد استطعت الرجوع إليها. واختصر أبو محمد عبد اللَّه بن أبى زيد (المتوفى عام 386 هـ) مصنف سحنون ذلك أنه كان أكبر من أن يتيح للمطلعين الرجوع السريع إليه؛ وطبع مصنف أبى محمد عدة طبعات، وقد شاهدت أيضًا فى حوزة بعض الناس مخطوطًا قديمًا كتب قبل عام 400 هـ وعنوان هذا المصنف "مختصر المدونة" ويشتمل على بعض زيادات أدخلها ابن أبى زيد، وثمة مختصر للمدونة من صنع أبى سعيد خلف بن القاسم الأزدى البراذعى، وكان من أكبر تلاميذ ابن أبى زيد، وقد أعاد ترتيب المختصر

المصادر

على نسق المدونة وحذف زيادات بن أبى زيد، وقد أتيح لهذا المصنف شراح كثيرون (ابن فرحون، طبعة فاس، ص 115)؛ ومن الشروح الكثيرة التى كتبت فى تفسير المدونة شرح وضعه محمد ابن سحنون؛ وآخر وضعه أبو القاسم عبد الخالق السيورى المتوفى فى القيروان عام 460 هـ؛ وثالث كتبه أبو إسحق عبد الرحمن بن أبى عمران الفاسى المتوفى عام 443 هـ. ورابع كتبه أبو الحسن على بن محمد الربعى المتوفى بسفاقس عام 478 هـ وخامس كتبه أبو محمد عبد الحميد بن الصائغ؛ وسادس كتبه أبو الحسن على بن محمد الزرويلى الصغير المتوفى عام 719 هـ ويتألف شرح ابن الصغير من 12 مجلدًا. وكتب أبو الوليد محمد بن رشد عرضا للفقرات الصعبة التى وردت فى المدونة عنوانه "المقدمات الممهدات"، طبع بالقاهرة (عام 1325 هـ) فى مجلدين من قطع الربع. المصادر: (1) عبد الرحمن بن محمد الدباغ: معالم الإيمان (تونس، 1320 - 1325 هـ)، جـ 2، ص 49 - 68. (2) ابن فرحون: الديباج (فاس)، ص 171. (3) ابن خلكان (طبعة فستنفلد Wustenfeld)، رقم 355 = القاهرة 1310 هـ، جـ 1، ص 291. (4) عبد الواحد المراكشى (طبعة دوزى Dozy، ليدن 1847)، ص 201. (5) البيان المغرب، طبعة دوزى، فى مواضع شتى. (6) الخشانى (طبعة مدريد، 1914)، ص 101، و 107، 108 و 156 من النص العربى. (7) Centenaire de, L'Ecole des Langues Orient Vivants: Houdas وقد نهج فى معظمه نهج الدباغ). (8) G.A.L ,Brockelmann، جـ 1، ص 177. (9) Etudes sur la loi musulmane: Vincent. (10) مقدمة طبعة القاهرة 1324/ 25 هـ، جـ 1، ص 63 - 65. [كرنكوف F. Krenkow]

سراج، بنو

سراج، بنو Abencerrages وكذلك Abencerages)، أسرة عربية من الأشراف لا يظهر اسمها إلّا فى التاريخ الأسطورى لأواخر أيام غرناطة، ويقال إن أبا عبد اللَّه قتلهم غيلة فى الحمراء؛ وما من شك فى أن الأسطورة تشير إلى مقتلهم فى عهد أبى الحسن على (1461 - 1482 م؛ انظر موللر Der Islam im Morgen Und Abendland: Muller, جـ 2، ص 672 و 676) على أن موللر يحاول أيضا (كما يحاول شاك poesie Und Kunst der Araber in Spanien und Sicilien: Schack، الطبعة الثانية، جـ 2، ص 135: ابن السّراج) أن يشتق الاسم من ابن سراج (بوصفه اسم وزير سابق)، فى حين أنه يجدر بنا فى رأيى أن نضع اسم أسرة بنى سراج وحدها موضع الاعتبار، وكان مسقط رأس هذه الأسرة قرطبة، ولعلهم نزحوا منها إلى غرناطة؛ ويؤيد ما ذهبنا إليه نطق اللفظ بالأسبانية: Abencer (r) aje (وهو فى الفرنسية Abencerage)؛ وقد ورد فى المقرى وفى المكتبة العربية الأندلسية Hispano-Arabica) Bibliotheca) أسماء أخرى من قبيل سراج بن سراج (History: Gayangos جـ 21، ص 315، جـ 2 ص 26 و 370 و 403، 514) صبحى [سيبولد C. E. Seybold] السراة هى الجبال التى تقوم على طول الجانب الغربى من هضبة جزيرة العرب؛ ويقول الهمدانى وهو عمدة الجغرافيين العرب عن شبه الجزيرة العربية، إن أطراف هذه الجبال التى تقوم حاجزا بين نجد والغور (تهامة)، ومن ثم سماها العرب حجازًا، تقبل من أقصى اليمن إلى الشام؛ وقال الأصمعى إنها تمتد حتى جبال أرمينية؛ وهذه السلسلة التى عرف الهمدانى بالفعل أنها ليست جبلا واحدا وإنما هى جبال متصلة على شق واحد، هى حسبما ورد فى المصادر المدونة القديمة: "فى أرض أربعة أيام فى جميع طول السراة يزيد كسر يوم فى بعض المواضع وقد ينقص مثله فى بعضها"؛ وقد فرّق الهمدانى فى وصفه بين ظاهر السراة،

ومن ثم فهو أكثرها ارتفاعا ولا يتصل بأعلى السراة نفسها، وبين الأكناف الغربية (الأوسط؛ الغور؛ أسفل السراة)؛ وفى رواية لسعيد بن المسيب: "أن اللَّه تعالى لما خلق الأرض مادت فضربها بهذا الجبل السراة"؛ ومتوسط ارتفاع السراة 8500 قدم؛ وأعلى جبالها فى الشمال الغربى جبل ديباغ (7200 قدم)، وفى الجنوب الغربى سلسلة من قمم الجبال يصل ارتفاعها إلى 10000 قدم. وثمة جبال من السراة يزيد ارتفاعها عن هذه السلسلة مثال ذلك جبل النبى شعيب عبد السلام الذى يغطيه الجليد شتاء فى كثير من الأحيان (10800 قدم)، وهو أعلى قمم السراة، ويكون جزءا من صخرة المصانعة الضخمة وتتألف سلسلة الجبال كلها من صخور رسوبية ومن طبقة سفلية من الصوان والصخر البللورى ومخروطات بركانية عدة كثيرًا ما تتخللها سهول واسعة تتناثر فيها الحمم السوداء التى تعرف بالحرة فى شمالى شبه الجزيرة، وبال "فَيْش" فى جنوبها؛ وفى الغرب تنحدر سلسلة الجبال انحدارا وعرا حتى تبلغ تهامة، وهى سهل ينحدر من ارتفاع 2300 قدم حتى يوازى سطح البحر، وترتفع منها تضاريس بركانية حديثة اتخذت شكل القمم؛ أما فى الشرق فتنحدر انحدارا رفيعا حتى تبلغ الخليج الفارسى ولا نتبين من السراة بوجه عام أى تناسق ملحوظ فى الاتجاه، بل هى سلاسل من الجبال كبيرة وصغيرة تتقاطع فى جميع الاتجاهات. والسراة خالية من الأشجار عامة، لا يسر مرآها الناظرين، وفيها خوانق وأخاديد وقمم وقق من الصخر الأسود، وكلها مستديرة حادة أو مسننة تتخذ جميع الصور الممكنة، إلا أنها جرداء فى جميع الأحوال؛ وثمة قرى جبلية عالية على مرتفعات يكاد يتعذر على المرء بلوغها تتألف من بيوت من الحجارة من دورين إلى خمسة أدوار، مربعة حينًا ومستديرة حينا آخر، وتتكون منها حصون مستقلة بذاتها تبدو غريبة أحيانا، وتحيط بها وهاد مخيفة من جميع النواحى؛ وتؤدى إلى الأبواب الضيقة التى توصل إلى القرى طرق خطرة ومسالك للرجالة والدواب فحسب تكاد لا تظهر على الصخر.

وثمة حقول جيدة الزرع على المنحدرات وفى الوديان، وشرفات بذل الجهد فى إنشائها على سفح المنحدر كأنها الدرجات تهبط إلى الوادى. أما التربة المباركة فقد تحفظوا عليها بإقامة سور من حجارة كبيرة لا يمسكها الطين إلا نادرا إذ لم يكن للجير وجود عند القوم، وقد أحكمت إحكاما حتى لا تكتسحها الريح؛ وينتفع بمياه الأمطار انتفاعًا تامًا لرى هذه البقاع، وهى تجرى من الشرفات العليا إلى الشرفات السفلى؛ وتحمى الأشجار الوارفة الظل هذه الحقول من قيظ الشمس، ويزرع فيها أحسن بن فى العالم، وكذلك ينبت فيها العنب وقصب السكر؛ وكثيرًا ما تقطع السهول العريضة سلسلة جبال السراة الممتدة، مثال ذلك سهل صنعاء الذى يسير 15 ميلا إلى الجنوب و 7 أميال إلى الشمال، ويمتد اللسان الجنوبى لهذا السهل بعد انقطاع وجيز فى "نقيل الَيْسلَح" حتى يدخل سهل ذمار الواسع، وهو أخصب بقاع اليمن وأوفرها ماء. والأصل فى السراة هى الانفجارات البركانية العظيمة التى أحدثت الأغوار الأريثرية فى الحقبة الثلاثية الأولى (Tertiary)، ونشأ منها الصدع العظيم الذى مادت فيه صحراء بلاد العرب برواسبها الأفقية التى لم تكن قد مست بعد، ثم أخذت عوامل الجور وعوامل التعرية بفعل الرياح وبفعل المياه الجارية فى إظهار أثرها على المنحدر الغربى الشديد الوعورة للسهل المرتفع فأحالته إلى سلسلة من جبال التعرية أو النجاد يمكن تقسيمها إلى مجموعة من وديان داخلية وأخرى خارجية، وقد شقتها أودية عدة تجرى فى المنحدرات الغربية من الشرق والشمال الشرقى إلى الغرب، وتجرى فى الناحية الجنوبية مستقيمة من الشمال إلى الجنوب والجنوب الشرقى. وتقطع النجاد إلى أشباه جزائر تشبه اللسان تعود فتقطعها الأودية الصغرى، ولعل أصلها يبلغ فى قدمه قدم العصر النهرى؛ وقد حولت هذه الوديان الجانبية أشباه جزائر السراة إلى جبال تعرية أو سلاسل جبال كان لها نصيب فى تشكيل الجبال بأشكال غاية فى التفاوت، وهى الجبال التى تدين بوجودها بعض الشئ إلى القوى

البركانية أيضا مللها فى ذلك مثل ألسنة الأرض التى كثيرًا ما تحدث. ولا تتفاوت درجة الحرارة فى الصيف فى المنحدر الغربى من السراة إلا تفاوتًا ضئيلًا جدًا؛ والحرارة استوائية، ترتفع من 88 فهرنهيت فى شهر يونية إلى 99 فهرنهيت فى أغسطس؛ وتبلغ فى الشتاء درجة قصوى هى أكثر احتمالا من ذلك وهى 77 فهرنهيت. على أن درجة الحرارة تهبط فى الليل إلى 36 - 27 فهرنهيت، وتهبط فى الجبال العالية إبان الشتاء إلى 23 فهرنهيت حتى أن الجليد كثيرًا ما يغطى قق الجبال؛ والفترة المطيرة هى من منتصف يونية إلى نهاية سبتمبر، وتسقط أمطار الربيع فى أبريل، وليست الصواعق نادرة فى فصل الأمطار الأكبر، وتتجمد المياه فى شهور الشتاء على المنحدرات العليا. ويصحب ذلك على الأخص ريح شرقية قوية حتى عندما تزيد درجة الحرارة عن درجة التجمد بعدة درجات؛ وثمة صفة أخرى خاصة بمناخ السراة هى ضباب تهامة الذى يهبط فى الصيف إلى أسفل الأودية، ويسميه العرب "أمة" أو "سُخَيْمانى"، ولا ينقشع إلا بعد أن تبلغ درجة الحرارة أقصاها، فهو يأتى معه بما يلطف من حدته، وهذا من شأنه أن يفيد الزراعة كل الفائدة؛ أما المناخ فى المنحدرات الشرقية من السراة فجاف جدًا، على العكس من المناخ فى السراة الغربية فهو عظيم الرطوبة. وتهبط الرطوبة النسبية فى صنعاء إلى 20 % وفيها ينقسم الموسم المطير أيضًا قسمين (مارس ويولية - سبتمبر)، والزرع والحصاد ممكنان طول السنة، ولا يصدق هذا على الحبوب وحدها، بل يصدق أيضًا على الخضر والفاكهة التى تتوفر فى كل موسم من مواسم السنة بنوع من أنواعها الكثيرة، مثال ذلك الكروم، فهى تنمو فى جبال بلاد العرب كلها ولو أن نموها مقصور على وديان الأنهار. وتتخذ الزراعة فى المنحدر الشرقى من السراة الصفة الأوروبية أو تكاد، بالرغم من أن التربة الجيدة لا تجدها إلا على الشرفات التى أقامتها يد الإنسان والتى تروى أيضًا بالوسائل الصناعية. وللأودية مورد مياه دائم، وهى غنية بالفاكهة والحبوب

المصادر

غنى لا يصدقه العقل مما دعا الهمدانى إلى وصفها وصفا يفيض بالحماسة أما وجود أشجار الطرفاء والطلح والسنط فسمة تتميز بها المنحدرات الشرقية للسراة التى تحاكى الصحراء بيد أننا نجد علاوة على شجرة العيلب أشجار النخيل وأنواعًا عدة من أشجار الفاكهة ونبات القطن، كما نجد أنواعًا كثيرة من النباتات الطبيعية وغرس الحدائق، أهمها على وجه خاص النباتات العطرية التى تزرع فى الأرض القديمة (بلاد العرب السعيدة) من بلاد اليمن؛ أما شجرة اللبان الذائعة الصيت فلا تنتج الآن إلا الراتنج فى بعض نواحى اليمن؛ أما أشجار اللُّبَيْن (آكل نفسه) الشبيهة بالصبير، وأشجار البلسم وشجرة عدن ونخيل الدوم وشجرة التمر الهندى والراك وأنواع مخللفة من أشجار الراتنج والصمغ وأشجار الشوك والنباتات الزكية الرائحة، فمنتشرة انتشارًا واسعًا. ويزرع أيضًا فى منطقة السراة علاوة على أثمن شجرة تنبت فى بلاد العرب، وهى شجرة البن كما تقدم بنا القول، الكروم والنخيل وأنواع لا حصر لها من الفاكهة، والجويدار والقمح والشوفان والشعير والذرة وقصب السكر والتبغ والقات والبطاطس والكرنب والفول والتين. بيد أن ثمار الأرض هذه لا تسقط من السماء فى حجر أهل البلاد، بل هى على النقيض من ذلك لا تنتزع من الأرض فى غالب الأحيان إلا بعد كفاح، وإنما جهد آلاف السنين هو الذى جعل لهذه البقعة البديعة التى تنافس جبال الألب فى روعة مناظرها الطبيعية، تلك القيمة الاقتصادية التى تنعم بها الآن. المصادر: (1) الهمدانى: صفة جزيرة العرب، طبعة D.H. Muller، ليدن 1884 - 1891, ص 48 و 193. (2) البكرى: المعجم، طبعة فستنفلد Wustenfeld , جـ 1، ص 8، 10، 85؛ جـ 2، ص 772. (3) ياقوت: المعجم، طبعة فستنفلد، جـ 2، ص 77 و 151 و 206؛ جـ 3، ص 65 و 66 و 556؛ جـ 4، ص 1020.

سرايفو

(4) مراصد الاطلاوع، طبعة جوينبل T.G.J. Juynboll، جـ 2، ليدن 1853، ص 20 - 22. (5) Ostjenien und Nordhadrainaut: E. Glaser (مخطوط). (6) Von Hodeida nach San's von 24 April bis I.Mai 1885, Petermanns Mitteilungen 1886, جـ 32، ص 43. (7) المؤلف نفسه uber Meine Reiesen in Arabien فى Mittelungen d.k.k. geograph. Ges. in Wien 1887، جـ 30، ص 24 و 25 و 83 و 84. (8) المؤلف نفسه Meine Reis durch Arhab and Haschid Petermanns Mitteilugen، 1884، جـ 30، ص 174. (9) Voyage au Yemen: A. Deflers باريس 1889 ص 53 و 57. (10) Land and Leute im leutigen Jemen, Retermanns Mitteilungen: Mehmed Rail Fu'ad-Bei, 1912، جـ 58 , ص 116 و 117. (11) Das Sud-westliche, Angewandte Geogruphie) Arabien: W. Schmidt السلسلة 4، جـ 8، فرانكفورت 1913)، ص 8 - 16 و 25 - 28 و 31 و 40 و 44 - 48. (12) Sudarabien als Wirtschaftsgebeit: A. Grohmann، فينا 1922، جـ 1، ص 8 - 17 و 24 - 40 و 41 و 43. (13) Arabien, Studien zur physikalischen and historischen Geographie des Landes: B. Moritz, هانوفر 1923، ص 5 و 6. صبحى [كرومان Adolf Grohmann] سرايفو وفى التركية، "بوسنه سراى" أو "سراى" فحسب: قصبة البوسنة فى الولايات الصقلية الجنوبية، وهى مدينة جميلة الموقع على جبل مليجكه فى واد ينفتح صوب الغرب تحف به من جوانبه الأخرى تلال صخرية عالية يتفاوت ارتفاعها عن سطح البحر بين 1730 و 2273 قدمًا. ويبلغ سكانها 60.087 نسمة (1921)، ثلثهم من المسلمين، وجل معاشهم من الصناعات

المحلية (الأوانى النحاسية والمصوغات الفضية المخرمة والسجاجيد والتبغ)، وكانت قلعة فرهبوسنه الحصينة تقوم فى القرن الخامس عشر فى موضع سرايفو الآن، وما زال بعضها ماثلا فى قلعة سرايفو الحديثة، بل إن سرايفو كانت ما تزال تعرف باسم فرهبوسنه بصفة عامة فى القرن السادس عشر. وقد ذكر هذا الموضع أول ما ذكر فى العهد النصرانى سنة 1379 م، فقيل إنه مقام تجار رغوسة، ثم جاء ذكره أيضا عام 1415 فقيل إنه مدفن الأمير بول رادينوفج (Voivod Paul Radenovich)؛ وقد أدرك الترك روعة هذا الموضع فاختاروه مركزًا عسكريًا للمنطقة التى غزوها عندما استولوا على البوسنة فى عهد محمد الثانى فى ربيع (1463 م)؛ وتسجل الروايات اسم القائد المزعوم كراى خان (= حاجى كراى خان، المتوفى عام 871 هـ = 1466 م) الذى كان مدفونًا أيضًا قرب سرايفو (انظر DieFruhosmanischen Jahrbucher des Urudsch طبعة F. Babinger هانوفر 1925، ص 126، سطر 4 - 5؛ وانظر Die altosm. anonymen Chroniken: F.Giese , جـ 1، برسلاو 1922، ص 122، سطر 23 ما بعده؛ جـ 2 [الترجمة الألمانية] ليبسك 1925، ص 150 [Abh. F. d. k. d. Morgenl جـ 17/ 1])؛ وإنا لنجد فى تاريخ مبكر يرجع إلى سنتى 1437 و 1439 أن واليًا تركيا قد نصب فى هذا الموضع للإشراف على الولاة من أهل البلاد الذين كانوا تابعين لتركية؛ وغزا العثمانيون البوسنة غزوا نهائيًا، فأصبح واليها التركى يحكم فرهبوسنه، وظل هذا الاسم علما عليها، كما تدل على ذلك مذكرات بتانتيوس Petantius والراهب البندكتى كوربشيج Kuripeschich (1530، انظر B. Curipeschitz: Itinerarium der Bots chaftsreis, طبعة El lamberg Schwarzenberg إنسبروك، ص 33 وما بعدها: Verch bossen) والرسائل الرغوسية (انظر J. Gelcich و Raguza es: L. v. Thalloczy Magyarorszbg بودابست 1887، ص 674 [1513]: Verbosavia)؛ وكذلك نجد صيغًا من قبيل: Werchbossen و Varbosania و Verchbossania ونحوها، بيد أنه حدث حوالى منتصف القرن

السادس عشر أن ظهر الاسم بوسنه سراى (ومعناها "قصر على البوسنه")، وهو فى لغة الصقالبة Serayevo, وفى الإيطالية Seraglic أو Seraio (انظر Giac Copioso Rittrato degli: di Pietro Luccari Annali di Rausa البندقية 1605، ص 17 il castello di Varch-Bosna, da cui: crebbe la cittd di Saraia)، وحل محل الاسم الأقدم منه شيئا فشيئًا؛ ونجد الاسم سرايفو عام 869 هـ (1464 م) فى وقف نامه بصيغة "مدينة سراى"، وقد أخذ الاسم بوسنه سراى، أو سراى فقط، من القصر الذى شيده محمد الثانى بعد الاستيلاء على المدينة على موقع خنكار جامعى (الجامع السلطانى، Careva Jamiya؛ انظر أوليا Ewliya: جـ 5، ص 248؛ J.v.Hamm: Und Bosna, Rumeli فينا 1812 ص 160)؛ وارتفع شأن سرايفو فى العهد العثمانى، وخاصة لأنها كانت مقر ولاة البوسنة (انظر Die ottoman. C. v. Peel Stathalter in Bosnien فى Wissenschaftl Mitieilungen aus Bosnien إلى آخره، جـ 2، ص 344 وما بعدها فينا 1894)، وقد بذل هؤلاء الولاة الجهد لتجميل البلدة وجعلوها مدينة إسلامية بين سنتى 900 و 1000 هجرية، فأنشأوا فيها الكثير من المساجد والمدارس والحمامات، وقد جهز بعضها تجهيزًا بديعًا فخمًا، مثال ذلك منشآت غازى خسرو باشا (1506/ 1512 و 1520/ 1542) التى ما زالت باقية إلى يومنا هذا؛ ودفن غازى خسرو انظر الوثيقة الواردة فى 328 Cod. Suce. بالمكتبة الأهلية السكسونية بدرسدن) بسرايفو (انظر أوليا: سياحت نامه، جـ 5، ص 411 و Wissenschaftl. Mitteilungen aus Bosnien جـ 1، ص 503 وما بعدها) وقد انتقل مقر الوالى التركى من سرايفو إلى بنالوقة بعد أن تم غزو البوسنة، على أن سرايفو احتفظت بما كان لها من شأن؛ وقد لبث الحكم التركى فيها 415 عاما فيما عدا فترة وجيزة احتل فيها الأمير أوجين Eugene المدينة فى أكتوبر سنة 1697 احتلالا لم يدم إلا ساعات فحسب؛ وفى 18 أغسطس سنة 1878 استولى عليها قائد المدفعية النمساوى جوزيف فهرير فون فليبوفتش Josef Freiherr von Philippovitch (1818 - 1889) بعد قتال

حامى الوطيس، وضمها إلى مملكة الدانوب، وأعلن هذا الضم بموافقة الدول العظمى فى 6 أكتوبر سنة 1908؛ واغتيل فيها الأرشيدوق فرانز فرديناند Archduke Franz Ferddinand) ولى عهد العرش النمساوى فى 28 يونية سنة 1914. وقد انتقلت سرايفو هى والبوسنة والهرسك إلى ملك دولة الصقالبة الجنوبية التى أنشئت حديثًا بعد سقوط مملكة الدانوب سنة 1918. وسرايفو مقر رئيس العلماء المسلمين، وفيها مدرسة للشريعة وعدد من العمائر باقية من العصر الإسلامى، ويذكر أوليا جلبى (القرن السابع عشر) من المساجد الثمانية التى شيدت جميعا فى القرن العاشر مسجد فرهاد باشا (شيد عام 969 هـ = 1561 م) ومسجد خسرو باشا (شيد عام 937 هـ = 1530 م)، ومسجد غازى على باشا (شيد عام 960 هـ = 1553 م) ومسجد عيسى باشا عام 936 هـ = 1520 م)، وأجملها مسجد غازى خسرو (Begove Jamiya)، ومن تكاياها (انظر أوليا، جـ 5، ص 431 وما بعدها) ما زالت تكية الدراويش المولوية باقية، وهى التكية المعروفة باسم سنان تكَّه سى (سنان تكيه) وقد أنشاها حاجى سنان أغا (المتوفى فى سنة 1049 [وقد بدأ رمضان فى 26 ديسمبر سنة 1639]) فى سنة 1638 (انظر Wyssensch.Mitteil. aus Bosnien، جـ 1، ص 506 وما بعدها، ومعها صورة)، ولا شك فى أن أوليا قد بالغ كثيرًا فى وصف سرايفو فى القرن السابع عشر (انظر أوليا، جـ 5، ص 428 - 441)، أو على الأقل لم يبق إلى وقتنا هذا شئ كثير من كل ضروب الروائع التى وصفها فيها. والواقع أن الحرائق المخربة الجمة قد دمرت كثيرًا من عمائر المدينة أعوام 1480 و 1644 و 1656 و 1678 و 1879) وكانت سرايفو دارًا لضرب السكة العثمانية: فقد ضربت السكة النحاسية (منقر) فيها أيام السلطان محمد الرابع وأيام سليمان الثانى فى السنوات 1085 و 1099 (بوسنه) وسنة 1100 ("سراى"؛ انظر الصورة فى brit. Mus. Or Coins: St. Lane-Poole, جـ 8، The Coins of the Turks, لندن 1883. اللوحة 6، رقم 401،

المصادر

وانظر غالب أدهم: تقويم مسكوكات عثمانية، إستانبول 1307 هـ، ص 228 وما بعدها، Ch. Truhelka، فى Wessensch. Mitteil. aus Bosnien، جـ 2، ص 350 وما بعدها؛ جـ 4، ص 369 وما بعدها؛ وقد ضربت السكة النحاسية سنة 1085 هـ = 1674/ 75 م فى عهد محمد الرابع؛ وانظر المعلومات العامة فى Pragungen der Osmanen in Rn.cnien: E.V.Zambaur فى Numism. Zs, السلسلة الجديدة، جـ 1، فينا 1908)، وسرايفو مسقط رأس الشاعر العثمانى محمد نركسى الذائع الصيت (انظر Mitteil. zur osm. Geschichte، جـ 1، فينا 1922، ص 152 وما بعدها و"يكى مجموعة"، جـ 1، إستانبول 1917، جـ 15 - 18). وكانت الحياة العقلية زاهرة على الدوام فى سرايفو وما جاورها فى العهد التركى (انظر Safvet Beg Basagie: Bosnjaci i Herce govini u islamiskoj knjizronosti، سرايفو 1912 وتاريخ الأدب فى البوسنة والهرسك الإسلامية). المصادر: (1) أوليا: سياحت نامه، جـ 5، ص 248 وما بعدها. (2) Rumeli und Bosna beschrieben von Hadschi Chalfa: J. v Hammer, فينا 1812 وص 159 وما بعدها. (3) عمر أفندى: أحوال غزوات دور ديار بوسنه، أستانبول 1154 هـ = 1741 م، ترجمه إلى الألمانية. J.N.V.Dubsky فينا وإلى الإنجليزية Ch. Fraser، لندن 1830. (4) صالح صدقى بن حسين ابن فيض اللَّه السرايى (المتوفى عام 1889 م فى سرايفو) تاريخ ديار بوسنه وهرسك (مخطوط فى متحف سرايفو، ويتناول تاريخها حتى سنة 1878). (5) Sarajevo 1878: Carl Braum, ليبسك 1907. (6) Sarajevoer Wegweiser: Ad Walny، سرايفو 1908، وبه خطة المدينة. (7) Entwicklung der Landeshauptstadt S. Unter Franz Josef I: Hugo Piffl وبه خريطة سرايفو 1907، وكذلك مقالات عدة فى Wissenschaftliche Mitteilungen aus Bosnien und der Herzegovina، فينا منذ سنة 1893، وفى Glasnik zemaliskog Muzeja U Bosni i

السرخسى

Hercejovini، سرايفو منذ سنة 1888؛ وتجد معلومات لها شأن عن سرايفو الإسلامية من روايات موثوق بها فى Wissencch. Mitteil. aus Bosnien إلى آخره، جـ 1، فينا 1893 وما بعدها، ص 503 وما بعدها؛ Zivoti oblicaji Muslimana u Bosni i Hercegovini: A. Hangi سرايفو 1906، ترجمه إلى الألمانية Die Moslims in Bosnien - Herzegowina: H. Tansk , 1907 Reisen in: O Blau Bosnien، برلين 1877، M. Hoernes Dinarische Wanderungen فينا 1888، ص 78 - 106، وانظر فيما يتصل بالصحافة اليومية فى سرايفو H. Renner: Durch Bosnien and die Hercegovina kreuz and quer، برلين ص 54 وما بعدها. صبحى [بابنكر Franz Babinger] السرخسى شمس الأئمة أبو بكر محمد بن أحمد بن أبى سهل، أشهر فقهاء الحنفية فيما وراء النهر فى القرن الخامس، ولا نعرف إلا القليل عن حياته، والمرجح أنه ولد فى سرخس، ثم للقى العلم على عبد العزيز الحلوانى المتوفى سنة 448 هـ (1056 م) فى بخارى، وشخص بعدئذ إلى بلاط القره خانية فى أوزجند حيث زج به الخاقان حسن فى السجن، ولعل السبب فى ذلك أن السرخسى كان الفقيه الوحيد الذى أفتى بأن زواج الخاقان بعتيقته (أم الولد) دون أن تنقضى عدتها حرام، وقضى فى السجن أكثر من عشر سنوات كان يملى فيها على مريديه وهم جلوس أمام سجنه، وأهم مصنفاته: "المبسوط" (فى 14 مجلدًا) وأصول الفقه (مجلدين) و"شرح السير الكبير" (فى أربعة مجلدات، طبعة حيدرآباد عام 1335 - 1336) وقد أملى هذه المصنفات من الذاكرة دون أن يرجع إلى أى كتاب، وقد ألفت أجزاء من المبسوط فى مدة سجنه، سنة 466 هـ (1073 م) 477 هـ (1084 م)، وأطلق سراحه عندما بلغ الجزء الرابع من السير. وأتم هذا المصنف فى بلاط الأمير حسن فى مرغينان فى جمادى الأولى عام 480 هـ (أغسطس سنة 1087 م)

المصادر

وتوفى عام 483 هـ (1090 م)، كان تلاميذه هم: برهان الأئمة عبد العزيز بن عمر بن مازه أبو الصدر الشهيد المولود سنة 536 هـ (1141 م) ومحمود عبد العزيز الأوزجندى، جد قاضى خان، المولود سنة 592 هـ (1196 م) وعثمان بن على البيكندى المولود سنة 552 هـ (1157 م) وغيرهم؛ ومصنفه "كتاب المبسوط"، (المجلدات 1 - 30، القاهرة 1324 - 1331 هـ) من أوسع كتب الفقه القديمة، وهو يمتاز بالطريقة التى يعالج بها المؤلف أصول الفقه العامة. وقد كتب السرخسى علاوة على المصنفات التى أشرنا إليها فيما سلف شروحا على المختصر للطحاوى المولود 321 هـ (933 م) "وكتاب الحيل" للخصَّاف المولود 261 هـ (875 م) (طبع مع المبسوط، جـ 30) و"كتاب الكسب" للشيبانى (طبع مع المبسوط، جـ 30) وشروحًا على مصنفات أخرى كثيرة للشيبانى، ولا تزال كتبه شائعة جدًا فى الشرق، مثال ذلك كتابه "السير" الذى تكاد لا تخلو منه مكتبة من المكتبات. المصادر: (1) القرشى، مخطوط برلين pet، جـ 1 ص 619, الورقة 190 (I) (2) ابن قتلبغا، طبعة فلوكل Flugel, رقم 257. (3) الكفوى، مخطوط برلين، شبرنكر 301، الورقة 165 (7) - 165 (7) تجد مختصرا له فى الفوائد البهية لجد عبد الحى اللكنوى، قازان 1903، رقم 326) (4) Des islam Fremdenrecht: Heffening، هانوفر 1925، الملحق 1، رقم 20/ 21. (5) G.A.L: Brockelemann جـ 1، ص 172 و 373 صبحى [هفننكك Heffening] سروال كلمة عربية (¬1) وليس السروال فى الأصل لباسا عربيًا، وإنما هو لباس دخيل لعله انتقل إلى العرب من فارس. ¬

_ (¬1) هذه الكلمة من الكلمات المعربة وأصلها الفارسى "شلوار". عبد النعيم حسنين

ذلك أن أقواما آخرين قد نقلوه منذ عهد متقدم جدا عن الفرس حتى أنه يكاد يبدو أن فارس وحدها كانت الوطن الأول (انظر Geschichte der perser und Araber zur zeit der sasaniden: Noldeke، ص 131). والكلمة اليونانية (. . .) أو (. . .) والكلمة اللاتينية سربالا Sarabala (وربما الكلمة الآرامية سربالين أيضا؛ Daniel جـ 3، ص 21، والكلمة السريانية شربالين)، والكلمة العربية سروال، كلها مشتقة من الفارسية القديمة زروارو، وهى فى الفارسية الحديثة شلوار (ويمكن تفسير هذه الكلمة بأنها مركبة من شل = ساق، واللاحقة وار). وهكذا يمكن أن نتتبع الكلمات المرادفة للسروال عند الهنغاريين والبولنديين والروس والتتر وأهل سيبيريا والقلموق فى الشرق، وعند الأسبان والبرتغاليين فى الغرب. والراجح أن كلمة سروال قد تأثرت بكلمة سربال ومعناها اللباس بصفة عامة (وقد فسرت بأنها تطور للأصل س - ب - ل)، وأنها كانت فى أول أمرها كلمة سامية). وترد كلمة سربال فى الشعر العربى القديم وفى القرآن ولكن لم يرد فيهما كلمة سروال. وقد بقى فى ذاكرة نحويى العرب أثر للأصل الفارسى للكلمة. ولكلمة سروال فى العربية صيغ شتى كما هى الحال بالنسبة للكلمات المستعارة، فيقال سروال وسروالة، وسروال سرولة، وسرويل، وفى لهجة شروال، والصيغة الحديثة أيضا هى شروال ولا يزال ثمة خلاف دائب حول هذه الكلمة وهل هى ثلاثية أم ثنائية. وجمع سروال سراويل وجمع الجمع سراويلات وكلا الجمعين تستبدل فيهما الشين بالسين، وفى لهجة سراوين، وهى ثنائية فحسب ولكنها تستعمل غالبا (شأنها شأن الكلمة المأخوذة من سروال فى كثير من اللغات الأخرى) بمعنى المفرد، وتختلف باختلاف التذكير والتأنيث؛ والتصغير سريويل وجمعها سريويلات. وقد اشتق من الكلمة الفعل تَسَرْول (¬1). ¬

_ (¬1) اختار كاتب المقال روايات ضعيفة فى اللغة العربية تعتبر كلمة "سراويل" جمع "سروال" أو "سروالة". ولكن الراجح عند أئمة اللغة الموثوق بهم أن كلمة "سراويل مفردة، وإن كانت صيغتها على وزن الجمع، وأن جمعها، سراويلات، انظر لسان العرب وغيره من المعاجم. وليس فى هذا غرابة، فإن أصل الكلمة أعجمى، وعربها العرب على هذه الصيغة التى تشبه وزن الجموع وليس لنا أن نتحكم فى نقلهم إذ نقلوها هكذا.

ونحن لا نعرف على التحقيق متى دخلت هذه الكلمة فى العربية، وفى أى وقت اتخذ المسلمون السروال لباسا. على أنه لا شك فى أن المسلمين قد عرفوا السروال فى أيام الإسلام الأولى، أى إبان فتح فارس على أكثر تقدير. والغالب على الحديث أنه يرجع السروال إلى النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، بل يذهب إلى أن الأنبياء الذين جاءوا قبل محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] كانوا يلبسونه. فقد ورد فى حديث أن أول من لبس السروال النبى إبراهيم، عليه السلام وهو لذلك أول من يلبس لباسًا يوم القيامة (¬1). وفى حديث آخر أن موسى عليه السلام كان يلبس سراويل من الصوف يوم كلمة اللَّه سبحانه تعالى (¬2). وروى فى حديث عن النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] أنه اشترى سراويل من بائعى الأصواف ولكن ليس من الثابت أنه ارتداه فعلا (¬3) وقد أجاب مرة على سؤال سائل سأله "وإنك لتلبس السراويل؟ قال: أجل، فى السفر والحضر، وفى الليل والنهار فإنى أمرت بالستر، فلم أر شيئا أستر منه" (¬4). وفى حديث آخر امتدح لبس السروال قائلا: "تسرولوا وائتزروا وخالفوا أهل الكتاب (¬5). على أن ثمة ¬

_ (¬1) الخبر أن أول من لبس السراويل إبراهيم -لا أعرفه. ولم أجده فيما بين يدى من المراجع. أحمد محمد شاكر (¬2) حديث أن موسى كان يلبس "سروايل صوف يوم كلمة ربه" الترمذى (جـ 3، ص 48 من شرحه تحفة الأحوذى طبعة الهند). وجزم الترمذى بأنه حديث ضعيف، لأن أحد رجال إسناده، وهو "حميد بن على الأعرج" -منكر الحديث. فهو حديث ضعيف جدًا. أحمد محمد شاكر (¬3) حديث أن رسول اللَّه [-صلى اللَّه عليه وسلم-] "اشترى سراويل": ورد من رواية "سويد بن قيس". أخرجه أحمد وأبو داود والترمذى وابن ماجة وابن حبان فى صحيحه. وكذلك روى الإمام أحمد من حديث "مالك بن عميرة الأسدى" أن رسول اللَّه [-صلى اللَّه عليه وسلم-] اشترى منه "سراويل". وقد استنبط بعض العلماء من ذلك أنه [-صلى اللَّه عليه وسلم-] لبسها، لأنه لم يكن ليشتريها عبثا دون استعمالها، وإن كان غالب لبسه الأزار. وقال ابن القيم: "وقد روى فى غير حديث: أنه لبس السراويل وكانوا يلبسون السراويلات بإذنه". انظر فتح البارى (جـ 10 س 231). وزاد المعاد (جـ 1، س 72). أحمد محمد شاكر (¬4) هذا حديث ضعيف جدًا، بل هون أحد رواته، وهو يوسف بن زياد البصرى -منكر الحديث، مشهور بالأباطيل. انظر فتح البارى (جـ 10 س 231) ومجمع الزوائد (جـ 5، ص 121، 122) ولسان الميزان (جـ 6، ص 321). أحمد محمد شاكر (¬5) هذا الكلام لا أدرى ما أصله، ولا أعرف من أين جاء به كاتب المقال. ولم أجده فى شئ من المراجع. أحمد محمد شاكر

روايات أخرى تنكر صراحة أنه كان يلبس السروال وكذلك تختلف الأقوال فى أن الخليفة عثمان قد لبسه، والرأى الوسط أن لبس السروال أبيح، ولا بأس به. وكل ما ذكرناه فيما سبق ينطبق على الرجال، أما النساء فعلى خلاف ذلك، لأن الأحاديث تمتدح أن تلبس النساء السراويل، مثال ذلك ما ورد فى حديث فحواه: عليكم بالسراويل: فهى اللباس الذى يستركم على خير وجه، واستروا نساءكم بها إذا ما خرجن، أو "يرحم اللَّه المتسرولات من النساء (¬1) " أو "مرت امرأة على حمار. . . فسقطت، فأعرض عنها بوجهه، فقالوا: يا رسول اللَّه، إنها مسترولة. فقال اللهم اغفر للمسترولات من أمتى (¬2). وتحدد أحاديث أخرى طول السراويل: -بحيث تبلغ العقبين ولا تجاوزهما، وقد تطول عن ذلك قليلا من باب التجاوز أو لاتقاء الحشرات ولكنها يجب ألا تتجرجر على الأرض. ولا يباح للمحرم أن يرتدى السراويل (هى وبعض الثياب الأخرى) بل إن الصلاة بالسروال كانت مكروهة فى رأى المتشددين، ولا مناص من إعادتها. وهى تعد أيضا غير مناسبة للمؤذن (¬3). أما من حيث العمل فإن المسلمين لم يكونوا يراعون كل هذه المحظورات إلا قليلًا، وكثيرا ما ورد فى كتب التاريخ ووصف البلدان والأدب ما يدل على أن السراويل كانت فيما يرجح تلبس فى معظم البلاد الإسلامية منذ القرون ¬

_ (¬1) وهذا والذى قبله كذلك، لا ندرى من أين نقله كاتب المقال. (¬2) هذا حديث ضعيف جدًا، لأن أحد رواته، وهو "إبراهيم بن زكريا المعلم" وقد كان يحدث بالأباطيل وهذا الحديث "من بلاياه"، كما قال الحافظ الذهبى انظر لسان الميزان (جـ 1، ص 58 - 59). وفتح البارى (جـ 10 ص 231) ومعجم الزوائد (جـ 5، ص 122) أحمد محمد شاكر (¬3) أما حرمة لبس السراويل فى الإحرام، فإن سببه هو الإحرام، لا خصوص السراويل. وأما كراهية الصلاة بالسراويل فإنما يراد بها السراويل الضيقة التى شاعت بين المسلمين الآن تقليدا للإفرنج، فأن أقبح ما فيها أنها تحدد العورة تحديدا مستنكرا حين الركوع والسجود وليس من شك فى أن هذا عمل لا يجوز فى الصلاة ولا خارج الصلاة. أحمد محمد شاكر

الأولى للهجرة، وقد كان من أندر الأشياء أن نجد ذكرا فى بلد من البلاد لما يسمى "الفوطة" للبس بدلا من السروال كما فى الهند مثلا. وكلمة فوطة هندية الأصل، وهى قطعة من النسيج البسيط غير مخيطة يمسكها الحزام من الأمام ومن الخلف. وكانت الفوطة التى من هذا القبيل، ونخص بالذكر الفوط التى كانت تأتى من اليمن، للبس أيضا فى الأقاليم التى درج النساء فيها على اتخاذ الفوط لباسا عاديا فى بيوتهن بدلا من السراويل (انظر ابن الحاج: كتاب المدخل، القاهرة 1320 هـ، جـ 1، ص 118). وتختلف السراويل المشرقية فيما بينها اختلافا كبيرا باختلاف البلاد. ويوجد منها أنواع على كل سعة ممكنة، فمن سراويل فضفاضة إنما تلم فى نهاية الساق فوق القدمين، إلى سراويل محبوكة هى أقرب شئ إلى التبان. ولا جرم أن سماها الأوربيون بهذا الاسم. وتخللف السراويل فى الطول أيضا اختلافا كبيرا، فمن سراويل تبلغ إلى الركبة، وخاصة سراويل الجنود، إلى سراويل طويلة تصل إلى ما تحت القدمين، ولا يتوقف لونها على الزى الشائع (وكان هذا الزى أحيانا يقتصر على الألوان الطبيعية، ويندر أن يعتد فيه بالألوان الصناعية) فحسب، بل يتوقف أيضا على الاعتبارات السياسية، فقد كان اللون المفضل عند العباسيين مثلا هو اللون الأسود أما الفاطميون فكانوا يؤثرون اللون الأبيض أما من حيث المادة التى كانت تصنع منها السراويل، فقد كانت السراويل الحريرية من الخصائص التى اشتهر بها أهل فارس، وشاع فى مصر وما جاورها من البلاد صنع السراويل من الكتان المصرى الأبيض، وذكرت السراويل المصنوعة من الجلد الأحمر بوصفها لباسا للنساء فى سوق الأنوار بمصر الخ. . كانت السراويل فى الشرق تلبس على خلاف مشارب الأوربيين ملاصقة للجسم تحت الملابس الأخرى (انظر

الجاحظ، كتاب التاج طبعة زكى باشا، ص 154 فى أسفلها: فالقميص والسروال شعار، والملابس الأخرى دثار تلبس فوق الشعار)، ولا تمسكها الحمالة بل يمسكها حزام خاص يربط حول الجسم يعرف بالتكة (والكلمة الحديثة دكة)، وكانت التكك تغطيها الملابس الأخرى فلا تراها الأعين، ومع ذلك كان القوم يسرفون كثيرا فى الإنفاق عليها، فيزينونها بالكتابات المنقوشة. وكانت أثمن التكك وأشهرها تصنع فى أرمينية من الحرير الفارسى. وقد حظر الفقهاء لبسها، على أن كلامهم لم يجد صدى فى نفوس الناس إلا فيما ندر. وفى رواية المقريزى (جـ 2، ص 4) أن "ألف سراويل ديبقية بألف تكة حرير أرمنى" كانت جزءا من أملاك شريف من أشراف مصر (ابن خلكان، طبعة بولاق 1299، جـ 1، ص 110). وقد جهزت ابنة خمارويه بن أحمد بن طولون بتكة محلاة بألف جوهرة عند زواجها. وكانت التكة تتخذ أيضا رمزًا للحب تبعث به السيدة إلى حبيبها. كانت السراويل جزءا من لباس الجندى لأسباب عملية. فقد روى الطبرى أن الجنود الأمويين أنفسهم كانوا فعلا يلبسون سراويل مصنوعة من نسيج خشن يسمى "مسح" وتحتها تبان، أى سروال قصير جدا من الشعر. ولما سار المسلمون على سنة المشارقة الأقدمين من خلع ثياب التشرف على من ينعم عليهم كانت السراويل تدخل ضمن هذه الثياب. ولا جرم أن كانت هذه السراويل تعد أحيانا أثمن ما فى العطى. وكانت ثياب التشريف فى الأصل ليست ثيابا جديدة وإنما هى ثياب قديمة سبق أن ارتداها الواهب، ويجب أن يكون قد ارتداها مرة واحدة على الأقل. أما من حيث اتخاذ السراويل لباسا رسميا أو كسوة من كسى التشريف، فقد كان للسراويل شأن بالغ الأهمية فى نقابات الفتوة عند المسلمين. ففى الحفل الذى كان يعقد بمناسبة قبول

عضو جديد فى النقابة، كانت شعيرة إدخال المريد فى الطريقة تقوم على ارتدائه "سراويل الفتوة" ويغلب أن تسمى "الفتوة" فحسب. وهنا أيضا يعنى القوم بأن يكون "الكبير" قد لبس السراويل من قبل، أو أن يكون قد بلغ فى لبسها ما يكفى لأن تمس ركبتيه على الأقل. كان للسراويل فى بعض الأحيان مقام عند الفتيان يماثل مقام الخرقة عند الصوفية. وكان يقسم عليها باليمين (وهذا اليمين باطل فى راْى ابن تيمية)، وكان من الجائز أيضا أن توضع على الرنوك ومعها كأس. وقد اكتسب لبس سراويل الفتوة معنى سياسيا خاصا فى ظل "مصلح الفتوة" الخليفة العباسى الناصر الذى حكيت عن خلعه السروال على من كان يخلعه عليهم بعض قصص حفظهالنا المؤرخون. فقد أوفد الناصر بعوثا إلى الدويلات التى كانت قائمة فى الشام وفارس والهند منبها أمراءها وأشرافهم إلى أنه يجب عليهم أن يلبسوا سروال الفتوة من أجل الخليفة. وقد فعل هؤلاء ذلك وسط شعائر مهيبة، وبذلك وضعوا أنفسهم تحت حماية الخليفة بوصفه أمير أمراء الفتيان. والظاهر أن الخليفة الناصر هذا قد وقف الحق فى منهج هذا التشريف على قليل جدا من الناس، وقد ادعى خلفاؤه أيضا هذا لأنفسهم، ولكن غير هؤلاء مارسوه، مثال ذلك السلطان الأشرف الذى حكم مصر بعد الناصر بقرنين من الزمان. واضمحلت نقابات الفتوة، فانتحل غيرها من الجماعات ذات الأغراض السياسية أو غير السياسية شعائرها الظاهرة، واهتمت هذه الجماعات اهتماما خاصا بلبس السراويل. فقد ذكر ابن جبير منها نقابات اللصوص فى بغداد فى عهد المكتفى، وجماعة سنية سرية فى دمشق عرفت بالنبوية وكانت ميولها مناهضة للشيعة. على أنه لما اختفت "الفتوة" عاد الناس لا يفهمون المدلول الأصلى للسراويل وكونها شعارا يدل على الفروسية، وامتزجت خرقة الصوفية بخرقة الفتوة.

المصادر

ونحن نجد أيضا علاوة على المصطلح "سراويل الفتوة" مصطلح "لباس الفتوة" بمعنى السراويل. وقد اكتسبت كلمة "لباس" فى اللغة العربية المصرية معنى "التبان" (أى التبان للرجال والشنتيان للنساء، وهى كلمة محدثة من الدخيل) وهذه الحقيقة هى المقياس فى تحقيق النصوص المصرية من ألف ليلة وليلة. ذلك أن النصوص المشار إليها تستبدل بلا استثناء كلمة اللباس بكلمة سراويل غير المصرية. وتستعمل كلمة سروال فى كثير من التعابير على سبيل المجاز، ونخلص من هذا إلى أن المسرول هو الحمام المريش الأرجل، والجواد الأبيض الساقين، أو الشجرة تتهدل أغصانها على جذعها. وشروال العائق، وسراويل الطكوك اسمان لنباتين (على أن تسمية شجر السرو بسرول أو سرويل فهو اسم ركب من الكلمة المشهورة سرو واللاحقة التى ألحقت بآخرها، وليس لهذا الاسم صلة ما بكلمة سروال). المصادر: علاوة على المعاجم العامة للغة: (1) Suppl.: Dozy، مادة سروال وفتوة (2) المؤلف نفسه Dictionnaire de taillee des noms des vetements, مواد: سروال، ولباس. وتكة، وفوطة وانظر: مئزر، وتبان، وجقشير، وحزّة، وحقو، وسيقان، وشنتيان (3) Thesaurus: Gesenius, مادة سربل. (4) ابن سيدة: المخصص، جـ 4، ص 83. فى فقه اللغة والحديث انظر: (5) منتخب الأقاويل فيمن يتعلق بالسراويل لأبى جعفر بن إدريس الكتانى، فى عشر صفحات، طبع طبعة حجرية فى فاس من غير تاريخ (6) البخارى: باب السراويل، طبعة Krehl جـ 4، ص 77.

(7) السيوطى: فى السراويل، انظر فهرس مخطوطات برلين لآلورات Ahlwardt، رقم 5455. (8) وقد جمع شواهد من المؤرخين والجغرافين Vet: Dozy . (9) Renaissance: Mez، ص 96، 314، 368. (10) وانظر عن الكتابات المنقوشة على التكك الوشاء: كتاب الظرف والظرفاء. القاهرة 1324 هـ، ص 102، 141. (11) (وانظر عن ألوان السراويل: الطبرسى: مكارم الأخلاق، القاهرة 1311 هـ، ص 35. (12) وانظر عن السراويل من الناحية العسكرية: Das Heereswesen der Aarber zur Zeit der omajaden: F.Fries، رسالة قدمت لجامعة كيلر 1921 م، ص 30. (13) وعن سراويل الفتوة: Beitrage zur Kenntnis des is Lamischen Vereinswesens: Thorning ص 49 وما بعدها, 162، 178، 198، وما بعدها، 204 وما بعدها (14) Histoire d'Egypte de Makrizi: Blochet, ص 297. (15) عن مصر الحديثة: Manners and customs of the Modern Egyptians: Lane، الطبعة الخامسة، 1860 م، ص 28 - 29. (16) وعن السراويل فى مكة Mekkanische sprichwort: Hurgronje snouck رقم 57 و er Verspr. Geschriften جـ 5، ص 84، وما بعدها. (17) وعن السراويل فى مراكش: Nams des Vetements masculins a Rabat فى Rene Basset melanges, باريس 1923، جـ 1، ص 78 وما بعدها؛ وخاصة ص 95، 107. (18) وعن صور السراويل: Geschichte de Kostums: A. Rosenberg اللوحات 296، 274 وما بعدها.

السريع

(19) Orientalische Kostume in Schnitt and Farbe: Tilke, برلين 1923. (20) وانظر أيضًا: Studien zur Enlwichlungsge schichte des Orientalischen Kostums: Tilk، برلين 1923، ص 25، 32. خورشيد [بيوركمان Walther Bjorkman] السريع سمى بالبحر السريع لخفة تفعيلاته وسرعة انحدارها إلى النفس (Freytag: Darstellung der arabischen Verskunst، ص 137) , وهو البحر التاسع من بحور الشعر العربى، والأول من البحور الستة للدائرة الرابعة التى تسمى دائرة المشتبه لما بين أعاريضها من تداخل (Arabic Grammar: Palmer لندن 1874، ص 364 وما بعدها). ووزنه مستفعلن -مستفعلن- مستفعلات (كذا) (¬1)، وقلما تكون إذا جاءت. والسريع كما هو معروف له أربع أعاريض وسبعة أضرب (¬2) (Traite de la prosodie des Arabes: De sacy باريس 1831 ص 25). ولكن الوزن المألوف للسريع هو: مستفعلن - مستفعلن - فاعلن وكثيرًا ما تجئ مفعو أو مفعولن فى الضرب. ومن الندرة بمكان أن تجئ فعولا أو فاعلن فى العروض أو الضرب، ويكاد يكون هذا غير معهود فى هذا الأخير -أى الضرب. وقد أحدث الشعراء المتأخرون جديدًا، فزادوا فى الضرب مقطعا فأصبح فاعلاتن. ¬

_ (¬1) أجزاء هذا البحر هى مستفعلن مستفعلن مفعولات مرتين. [م. ع] (¬2) ويقال ستة، فمن جعل الأضرب سبعة جعل للعروض الثانية، وهى المخبولة المكسوفة؛ ضربين الأول مثلها، والثانى مخبول مكسوف أصلم. المترجم

سعد، بنو

سعد، بنو أو السعديون، اسم أسرة حاكمة من الشرفاء فى مراكش، خلفت سنة 951 هـ (1544 م) أسرة بنى وطاس على عرش فاس. وكانت حملات البرتغاليين والأسبان على أراضى المسلمين فى الأندلس أو فى شمالى إفريقية منذ بداية القرن الخامس عشر قد أثارت غيرة البربر والعرب إثارة عظيمة، فقاموا يدفعونها دفعا شديدًا تحت إمرة الأولياء والشرفاء والمرابطين. ولم يكن لسلاطين تلك البلاد حول ولا قوة، ولذلك لم يجدوا بدا من الخضوع للغزاة النصارى، ذلك أن هؤلاء السلاطين كانوا يحكمون بلادًا نظمت تنظيما قبليًا، أو قسمت إلى دويلات عدة ذات طابع إقطاعى، ويعيشون بين أقوام لا تربط بينهم إلا رابطة الدين، وكثيرًا ما كانت تنشب بينهم الحروب، ومن ثم فقد أقيمت مراكز المقاومة على طول ساحل إفريقية الشمالية الغربية كله تقريبًا، وذلك بنفوذ المرابطين وإرشادهم، وكان هؤلاء لا يعرفون إلا الإسلام، ويعملون باسمه لا باسم الدولة التى كانوا يتجاهلونها، وقد اكتسحت فى هذه الثورة تلك الأسر الحاكمة التى لم تحاول أو قل لم تستطع توجيه الحركة فى مجراها الصحيح، وحلت محلها دول أخرى بتأييد الحزب الدينى ومكنت لنفسها، وخاصة الترك فى الجزائر والأشراف السعديون فى السوس (وهى ناحية من أعمال مراكش الجنوبية) وتتفق الأخبار والروايات اتفاقا تاما فى ذكر ما كان من أمر هؤلاء الأشراف السعديين. وكان أول من تولى السلطان من بنى سعد رجلا يسمى محمدًا، ولقب بالمهدى والقائم بأمر اللَّه، ويبدو أنه كان يمارس السحر، وقد أقامه سيدى عبد اللَّه مبارك أكبر أولياء السوس شأنًا، على رأس القبائل التى كانت تقاتل البرتغاليين فى تلك المنطقة،

فأحرز شيئًا من النصر على النصارى، وكان هذا النصر بالإضافة إلى المعونة المالية الخرقاء التى أمد بها سلطان فاس الوطاسى ولدى الشريف سببا فى توطيد مركز الشريف، فانتهز هذه الفرصة لبسط سلطانه حتى بلغ شمالى السوس، ونادى بنفسه سلطانا سنة 915 هـ (1509 م)، وتوفى فى أفُغال من أعمال الحاحة حولى سنة 924 هـ (1517/ 18 م). وخلفه على عرش السلطنة أحمد الأعرج ومحمد (ويلقب بالمهدى أيضًا)، وقد تحصنا أولا فى تارودانت قصبة السوس، بالنظر إلى غارات النصارى الذين كانوا سادة الساحل حتى جنوبى أنفا (المدينة البيضاء)، ثم تحالفا مع سلطان مراكش على النصارى، وقد مكنهما مصرع هذا السلطان من أن يستوليا على المدينة حيث أقيم أحمد الأعرج حاكما عليها، وقد يسر للشريفين الأمر أكثر وأكثر ذلك التنازع على مهام السلطة والتنافس الذى دب بين عميلى البرتغال نونهو ماسكارنهاس (Nunho Mascarenhas) ويحيى بن تهفوفه، بل زاد عليهما الأمر يسرا عندما بوغت يحيى وقتل فتخلصا منه، وأصبحا منذ ذلك الحين سيدى قصبة مراكش الجنوبية يؤيدهما معظم المرابطين أعظم تأييد، فأساءا إلى محمد البرتغالى سلطان فاس الوطاسى، فحاصرهما عدة مرات فى مراكش من غير أن يصيب منهما مغنما حتى مات عام 971 هـ (1525 م). وقامت المنافسة على إثر وفاة هذا السلطان، بين ثلاثة من المطالبين بالعرش من أسرته، وكانت النتيجة أن استشرت الفوضى وثارت الفتن وتقدم النصارى، وفاوض أحمد، السلطان الوطاسى الجديد، الشريفين، حتى ينصرف إلى قتال النصارى، وتنازل لهما عن حكم مراكش وناحيتها، بيد أنهما شعرا بقوتهما فنقضا الاتفاق، وترتب على هذا أن شن السلطان الحرب عليهما، إلا أنه هزم فى وقعة بوعقبة؟ (942 هـ = يوليه سنة 1536 م)، وازدادت

الحروب بين مخعلف القبائل، وهددت الفوضى البلاد، فى حين ظل خطر غزو النصارى مسلطًا عليها. ثم تدخل المرابطون لإشاعة السلام بتقسيم الدولة بين الحزبين المتنافسين، وتم لهم ذلك. وقامت المنافسة بين الشريفين الأخويين، فاستولى محمد المهدى على ملك لم أحمد الأعرج ونفاه من البلاد، ثم استمر فى قتاله مع سلطان فاس، فاستولى الأول مرة على قصبته (917 هـ = 1550 م) وكان بنو وطاس معتقلين فى تارودانت، بيد أن أحدهم، وهو بوحسون الذى كان يطالب بالعرش فيما سبق، والذى كان قد لجأ إلى أسبانيا ثم إلى الجزائر، أفلح فى حمل الترك على التدخل، واستولى بتعضيدهم على فاس ونودى به سلطانًا، بيد أن ذبح بنى وطاس فى تارودانت واغتيال بوحسون، جعلا من الشريف محمد سيدا على بلاد مراكش لا ينازعه فيها أحد، ودخل محمد فاس مرة أخرى حيث نودى به سلطانًا بلا نزاع ولا خلاف فى سنة 951 هـ (1554 م) وكان هذا الأمير جم النشاط، ماهرًا أريبًا، أوتى القدرة على التنظيم مما يجعلنا نعده المنشئ الحقيقى لدولة بنى سعد، وقد تزود من التجارة ومن الاحتكارات الصناعية بموارد قصرت الحرب عن أن تمده بما يكفيه منها، وأمدته إنجلترة بالسلاح فى نظير تزويدها بمحصولات بلاده وسار خلفاؤه على سنته فى هذا الشأن. وقد أيد محمد أيضا سياسة أسبانيا المناهضة للترك فكلفه هذا حياته، ذلك أن الترك اغتالوه فى سنة 965 هـ) (1557 م)، وخلفه ابنه عبد اللَّه الملقب بالغالب، فنهج نهج أبيه، حاول أن يمد من نفوذ الحرب الدينى المتغلغل فى البلاد، وتوفى سنة 981 هـ (1574 م) واضطر ابنه محمد المتوكل ذودا عن عرشه إلى قتال عميه عبد الملك المعروف بمولاى ملوك، وأحمد. وكان من النادر عند وفاة سلطان من سلاطين مراكش أن يتفق علماء فاس وعلماء مراكش على المناداة بشخص

واحد خليفة له. وكان الترك إذا أيدوا مطالبا بالعرش، أهرع الآخر إلى الاستنجاد بالنصارى، وكانت هذه ضرورة أمنتها صعوبة الحصول على الإمدادات العسكرية. وكان ثمة سبب هام آخر يدعو الترك إلى التدخل فى شئون مراكش وهو ادعاء أشراف هذه البلاد بأنهم دون سواهم أصحاب الحق الشرعى فى الولاية على المسلمين بوصفهم أشرافًا انحدروا من نسل النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وكان لهذا الادعاء أهمية كبرى فى نظر سلاطين الترك فى استانبول. وتابع النصارى سياستهم الرامية إلى احتلال الساحل، فانتهزوا فرصة الاضطراب الفاشى فى البلاد ليحملوا القوم على التنازل لهم عن الثغور. ولم يكن للسلاطين سياسة دينية مرسومة، ولذلك تمكن الحزب الدينى من أن يزيد فى سخط أهل النواحى المختلفة فى بلاد المغرب على سلاطين هذه البلاد وإيقاع الفرقة بينهم وبين هؤلاء السلاطين. وكانت القبائل العربية والقبائل البربرية التى لم يستتب الوئام بينها قط، تعضد هذا المطالب بالعرش حينا وذاك حينا آخر. وكان الترك، شأنهم فى ذلك النصارى، يتقاضون أجرًا باهظا عن خدماتهم فيمدون أحيانا عدة أمراء متنافسين فى وقت واحد ليزيدوا جيرانهم ضعفًا على ضعف. وقد نودى بمولاى ملوك سلطانًا على مراكش بتاييد أتراك الجزائر، إلا أن محمدًا المتوكل هاجمه بمعاونة البرتغاليين، فنشبت وقعة مشهورة فى واد مخازن (واقعة الملوك الثلاثة) قتل فيها دون سبستيان ملك البرتغال وحليفة محمد المتوكل ومولاى ملوك جميعا، ومن ثم نودى بأحمد الذى كان يطالب بالعرش فيما سبق سلطانا على مراكش بتاييد الترك (986 هـ = 1578 م). وأحمد هذا معروف باسم أحمد المنصور أو أحمد الذهبى. وقد ظل على علاقة طيبة بالأتراك. وانتهز فرصة الهدنة التى عرضها عليه البرتغاليون

شجرة نسب سلاطين بنى سعد محمد القائم بأمر اللَّه (1509) أحمد الأعرج (1524). . . محمد المهدى (1524) زيدان 1 - الحران. . . 2 - عبد القادر. . . 3 - عبد اللَّه (1557). . . 4 - عبد الملك (1576). . . 5 - أحمد المنصور (1578). . . 6 - عثمان. . . 7 - عبد المؤمن. . . 8 - عمر محمد المتوكل (1574). . . الناصر محمد داود. . . 1 - محمد. . . 2 - داود 1 - محمد شيخ المأمون (1605). . . 2 - زيدان (1605). . . 3 - أبو فارس عبد اللَّه (1605). . . 4 - عبد اللَّه الزبدة 1 - عبد الملك. . . 2 - عبد اللَّه. . . 3 - محمد الزغد عبد الملك. . . عبد الملك 1 - عبد الملك (1630). . . 2 - الوليد (1635). . . 3 - محمد شيخ الأصغر (1636). . . 4 - أحمد (1645) أحمد العباس (*) ملحوظة: الأرقام التى بين الأقواس هى تاريخ المناداة بالسلطان لأول مرة.

والأسبان، وكانوا منهوكين أو مشغولين بشئونهم فى أوربا، ففتح السودان، وكان هذا الفتح أهم حدث فى تاريخ الأسرة. وتوفى أحمد بالطاعون سنة 1012 هـ (1603 م) وما إن مات حتى تنازع أولاده الثلاثة العرش. وكان ابنه محمد شيخ الملقب بالمأمون مرشح فيليب الثالث، ونودى بابنه الثانى زيدان سلطانا فى فاس يؤيده الترك، فى حين نودى بابنه الثالث أبى فارس سلطانا فى مراكش. وقد نجح أبو فارس فى الحاق الهزيمة بمنافسة سلطان فاس فلجأ هذا إلى الترك، ثم حاول إعادة فتح مراكش من الجنوب، بيد أن أهل فاس فضلوا الخضوع للمأمون فنودى به سلطانًا سنة 1013 هـ (1604 م)، وكان اغتيال أبى فارس بيد عبد اللَّه بن المأمون سبيلا للتخلص من أحد المتنافسين، على أن النضال استمر بين الأخوين اللذين بقيا على قيد الحياة، وقد نودى بزيدان سلطانًا ثم خلع عن العرش ثلاث مرات. وقد انتهز المرابطون، الذين يرجع إليهم الفضل فى اعتلاء بنى سعد العرش أول الأمر، هذه الظروف لتقوية سلطانهم الشخصى فى دائرة نفوذهم، وقد أكره موقفهم السلاطين على أن يقفوا منهم موقف العداء وكان تنازل المأمون عن العرش للأسبان سنة 1018 هـ (1610 م) بمثابة إشارة لقيام فتن عامة وزادت القرصنة ضد النصارى فى تطوان وسلا، واستولى رجل مغامر يدعى أبا محلى على تافيلالت ودرعة ومدينة مراكش، وكان يهدد باحتلال مراكش كلها إلا أنه قتل عام 1021 هـ (1613 م)، وقد دانت مدينة سلا والنواحى المجاورة لها فى الجزء الشمالى الغربى من البلاد بالطاعة لمرابط يسمى الأياشى. وظل السلطان زيدان على العرش، تفت فى عضده كل تلك الاضطرابات، وتوفى سنة 1038 هـ (1627 م)، وأعقب ثلاثة أولاد، هم عبد الملك والوليد ومحمد شيخ الأصغر، وقد ظلوا هم أيضًا من تسع سنوات ألعوبة فى أيدى النصارى والترك والمرابطين، وفرض

المرابطون سلطانهم على البلاد فى ذلك الوقت دون أن ينازعهم منازع. وكان من يدعى عليًا بى دمية سيد السوس، وكان يحكم تافيلالت صنيعة للترك يدعى محمد بن إسماعيل، وكان مرابطو زاوية دله يحكمون تادلة واقليم فاس، وكان الإياشى، بطل الحرب الدينية على النصارى، قد أضاف الغرب والحبط إلى أملاكه، وأفلح محمد شيخ الأصغر فى المناداة بنفسه سلطانًا فى مدينة مراكش سنة 1045 هـ (1636 م)، بيد أنه اعتكف فى هذه المدينة الوحيدة التى دانت له، بل إن كروم الحاج، الذى كان بمثابة حاجب للقصر، استولى على العرش عندما توفى السلطان، وقد سجن كروم أحمد العباس، ابن السلطان محمد شيخ وخليفته، ثم قتله (1064 هـ = 1654 م)، وبموت أحمد العباس زالت دولة بنى سعد من الوجود بعد أن حكمت نحو قرن من الزمان وكان زوالها فى الوقت الذى أخذت فيه أسرة الأشراف العلويين، وهم أصلا من تافيلالت، فى توطيد أقدامها فى شمالى مراكش. ترتيب اعتلاء العرش: 1 - القائم، نودى به سلطانًا سنة 1509 م فى السوس محمد المهدى، نودى به سلطانًا مع أخيه سنة 1524 م 2 - أحمد الأعرج، نودى به سلطانًا مع أخيه سنة 1524. 3 - محمد المهدى وحده، نودى به سلطانًا فى فاس سنة 1554 م. 4 - عبد اللَّه الغالب، نودى به سلطانًا سنة 1554 م. 5 - المتوكل، نودى به سلطانًا سنة 1574 م. 6 - عبد الملك، ويقال له أيضًا مولاى ملوك، نودى به سلطانًا سنة 1576 م 7 - أحمد المنصور، نودى به سلطانًا سنة 1578 م. أبو فارس عبد اللَّه، نودى به سلطانًا 1605 م. محمد شيخ المأمون، نودى به سلطانًا سنة 1605 م

المصادر

9 - عبد الملك بن زيدان، نودى به سلطانًا سنة 1630 م. 10 - الوليد، نودى به سلطانًا سنة 1635 م. 11 - محمد شيخ الأصغر، نودى به سلطانًا سنة 1603 م، وتوفى سنة 1654، ولم يحكم ابنه أحمد العباس أبدًا، ذلك أنه قتل فى السنة نفسها، وانقرضت الأسرة بموته. المصادر: (1) L'etabissement des dynasties des Cherifs au Maroco: A Cour، باريس 1904, والمصادر التى ورد ذكرها فى الصفحة 41 وما بعدها. (2) المؤلف نفسه: La Dynasitie Marocaine des Beni Wattas قسنطينة 1920، ص 113 - 234 (3) Les historiens des Chorfa: E.Levi Provencal، باريس 1922، وخاصة ص 87 - 140 عن مؤرخى دولة بنى سعد (4) Extraits inedits relaifs au Maghreb: E.Fafnan الجزائر 1924، وخاصة الشواهد المأخوذة من تاريخ الجنابى، ص 285 - 354 وتاريخ دولة بنى سعد الذى لا يعرف مؤلفه، ص 360 - 457. (5) The Mohammadan Dynasties: S.Lane-poole, لندن 1894، ص 60 - 62. صبحى [كور A. Cour] سعد بن أبى وقاص قائد عربى، اسم أبيه بالكامل: مالك ابن وهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة. وسعد الذى دخل فى الإسلام فى السابعة عشرة من عمره (انظر البخارى: مناقب الأنصار، باب 31؛ ابن ماجه: السنن، الفصل التمهيدى، باب 11) من أقدم صحابة النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، وكان من المقربين إليه بصفة خاصة، كما كان أيضًا من الذين وعدوا بالجنة (أحمد بن جنبل، جـ 1، ص 193، جـ 2، ص 222). ولم يشهد

سعد وقعتى بدر وأحد فحسب بل شهد أيضًا الوقائع التى تلتهما. وقد حدث أن أحس المثنى بن حارثة الذى كان يتولى إمارة جيش المسلمين فى الحيرة بعد رحيل خالد بن الوليد، بالخطر على الجيش من قيام معركته بينه وبين الفرس، فلما طلب المدد من الخليفة عمر اتجه رأى الخليفة أول الأمر أن يتولى قيادة الجيش بنفسه، ولعله كان يرمى من وراء ذلك إلى إثارة حماسة المسلمين. على أنه رجع عن ذلك فى النهاية وولى عليه سعدا. وقد جاء فى رواية أن الذى حمله على ذلك هو أن جريرا بن عبد اللَّه البجلى الذى كان قد أنفذ بالفعل إلى العراق ليشد أزر المسلمين المرهقين، لم يكن ليرضى أن يكون تابعا للمثنى البكرى. صحيح أن المثنى البدوى الذى لم يدخل فى الإسلام إلا بعد وفاة النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] كان مشهودًا له بالشجاعة والمقدرة إلا أننا إذا نظرنا إلى ما عرف عن القبائل العربية من تنافس فيما بينها فإننا نرى أنه كان فيما يرجح أقل جدارة من سعد بإمارة الجيش، ذلك أن سعدًا كان ينتمى إلى أسرة مكية قديمة، كما اشتهر بأنه كان من أخلص أتباع النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-]. وتقدم سعد صوب الفرس فى جيش كثيف وعسكر فى القادسية على التخوم بين بلاد فارس وجزيرة العرب. وقد نشبت فى هذا الموضع (ولعل ذلك كان فى النصف الأول من سنة 16 هـ أى فى صيف عام 637 م) معركة كبرى يقال إنها دامت عدة أيام. وقد أسهب مؤرخو العرب كثيرا فى ذكر تفاصيل هذه المعركة. وحال المرض بين سعد وبين الاشتراك فيها بشخصه. ولم يجد بدًا من أن يوجه القتال كله على نحو يخالف بعض المخالفة السنة التى درج عليها العرب. وما إن خر رستم قائد الساسانيين صريعًا حتى انتهت المجزرة بانهزام الفرس هزيمة منكرة، وأصبح سعد عندئذ سيد العراق العربى بأسره. ثم إن الفرس لم يستطيعوا

أيضًا أن يثبتوا فى المدائن قصبة الولايات الشرقية لدجلة طويلا. فقد اضطر الملك الساسانى الشاب يزدجرد إلى الفرار وتخلى عن قصبته لسعد. ولما دخل سعد المدينة غنم غنائم لا حصر لها، واتخذ منها مقرًا لقيادة جيشه إلى حين. وفى نهاية هذه السنة نفسها أنزل ابن أخيه هاشم بن عتبة بن أبى وقاص هزيمة أخرى نكراء بالفرس عند جالولاء. وإلى هذا العهد أيضًا يرجع تشييد مدينة الكوفة. وكذلك يرجع الفضل إلى سعد فى إقامة معسكر حربى قوى هناك أصبح بمرور الزمن مدينة ذات شأن. وأقيم سعد واليا على هذه المستعمرة التى كانت تزدهر بسرعة. والظاهر أنه لم يحفل كثيرا بإصرار الخليفة عمر على الأخذ بالبساطة التى كانت سنة العرب من قديم. ومهما يكن من شئ فقد ورد فى الأخبار أن سعدًا شيد قصرا فخما فى الكوفة على غرار طاق خسرو فى المدائن. فلما سمع عمر بذلك، وكان يخشى ما يحدثه الترف المعروف عن الفرس من أثر سئ فى عادات العرب البسيطة، بعث فيما يقال إلى سعد لومًا شديدًا، بل عمل على أن يحرق القصر بيد محمد بن سلمة. وأقيل سعد من منصبه فى تاريخ مبكر يرجع إلى سنة 20 هـ (640 - 641 م) لأن أهل الكوفة المشاغبين المتقلبى الأهواء الذين كانوا خليطا من جميع العناصر عربا وفرسا ويهودا ونصارى اتهموه بالجور والطغيان. على أنه لما ظهر محمد بن مسلمة فى الكوفة موفدا من قبل الخليفة للتحرى عن سلوك سعد فى ولايته، لم يجسر إلا رجل أو رجلان على المجاهرة بعداوته. ومع ذلك أقيل سعد، وأقيم مكانه عمار بن ياسر، ولم يبق عمار فى منصبه إلا وقتا قصيرا ثم خلفه المغيرة بن شعبة. على أن خدمات سعد العسكرية والإدارية الكبرى قدرها عمر حق قدرها. ذلك أنه عندما عهد وهو على فراش الموت إلى ستة من أخلص صحابة النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] باختيار خليفة للمسلمين فى خلال ثلاثة أيام، اختار عمر سعدا وجعله أحد مشيريه، بل يقال إنه أبدى أيضًا أنه إذا لم يبايع سعد بالخلافة فإنه يوصى

المصادر

الخليفة القادم بأن يعوضه عن ذلك بولاية إقليم من الأقاليم، لأنه سبق أن أقيل من منصبه لا لعجز فيه ولا لوصمة شانت سلوكه. وقد عمل عثمان بهذه الوصية فأعاده أميرًا على الكوفة سنة 25 هـ (546/ 6 م). على أنه أقيل من منصبه مرة أخرى بعد أن ظل يشغله مدة قصيرة، وولى مكانه الوليد بن عقبة بن أبى مُعيط وبعد مقتل عثمان التمس ناس من سعد أن يرشح نفسه للخلافة فأبى لأنه كان يريد أن يعيش فى سلام. وكذلك لم يبد منه ميل إلى الاشتراك فى الانتقام من قتلته. ولما ولى على الخلافة، أمسك سعد عن مبايعته، واعتكف فى ضيعته العقيق، وعاش فيها إلى أن أدركته منيته بعيدا عن السياسة، مما حمل أحد بنيه على لومه على ذلك (مسلم: الزهد، حديث 11، أحمد بن حنبل: المسند، جـ 1، ص 168). وتقول الرواية المتواترة إنه توفى سنة 50 هـ (670/ 671 م) أو سنة 55 هـ (674/ 675 م) وقد بلغ السبعين أو نحوها ويقال إنه خلف ثروة طائلة، ودفن فى المدينة. المصادر: (1) ابن سعد: الطبقات، طبعة سخاو جـ 3/ 1، ص 97 وما بعدها (2) ابن هشام، طبعة فستنفلد، انظر الفهرس. (3) البلاذرى، طبعة دى غوى، انظر الفهرس. (4) الطبرى، طبعة دى غوى، فى مواضع مختلفة (5) ابن الأثير: الكامل، طبعة تورنبرغ (6) المؤلف نفسه: أسد الغابة، جـ 2، ص 290 وما بعدها (7) ابن حجر: الإصابة، جـ 2، رقم 4086 (8) النووى، طبعة فستنفلد، ص 275 وما بعدها (9) اليعقوبى، طبعة هوتسما، انظر الفهرس. (10) الوافدى، ترجمة فلهوزن، انظر الفهرس.

سعد الدين الحموى

(11) محب الدين الطبرى: الرياض الناضرة، القاهرة 1327 هـ، جـ 1، ص 17 وما بعدها؛ جـ 2، ص 92 وما بعدها (12) Skizzen Und Vorabeiten: wellhauseh، جـ 6، ص 70 وما بعدها، 95 وما بعدها (13) Annali dell' Islam: Caetani، انظر الفهرس خورشيد [تسترشتين K.V.Zetterstee] سعد الدين الحموى محمد بن المؤيد بن أبى الحسن بن محمد بن حمويه، ولد سنة 587 هـ (1191 م) أو 595 هـ (1198/ 1199 م)، ولا صلة للقبه "الحموى" بمدينة حماة، بل إن هذا اللقب نسبة إلى جده الأكبر حَمَويْه أو حَمُويَه، ونجد فى بعض النصوص القديمة الصيغة الأقرب إلى الصواب وهى "حَمْويى" وقد كتبت (حموى)؛ وفى رواية اليافعى أن سعد الدين الحموى كان من أهل جوين وقد انضم فى شبابه الذى قضاه فى خوارزم إلى طريقة الدراويش التى تعرف باسم "ذهبية كبراوية"، وهى الطائفة التى كانت التفت حول الصوفى العظيم نجم الدين كبرى، وقد أصبح أحد الخلفاء الاثنى عشر العظام للشيخ؛ وهاجر سعد فى عهد سيادة المغول، شأنه فى ذلك شأن كثير من مريدى الشيخ، وعاش عيشة عزلة وورع فى الشام بجبل قاسيون، ثم عاد إلى خراسان واستقر فى بحر آباد؛ وتوفى فى اليوم العاشر من ذى الحجة (فى يوم عيد القربان) سنة 658 هـ (10 نوفمبر سنة - 1260 م) وذلك فى رواية مؤلف "تأريخ كزيده" أو فى سنة 650 هـ (11 فبراير سنة 1253 م)، فى رواية كتاب نفحات الأنس (ورواياته مستمدة من اليافعى)؛ وقبره فى بحر آباد أيضًا. وكان سعد الدين من أشهر متصوفة عصره وقد حضر صدر الدين القونيوى وهو بعد شاب مجالسه الصوفية؛ ويتحدث اليافعى أيضًا عن مريديه وعن كراماته وعن الأقوال المنسوبة اليه؛ ونقرأ فى السير

المصادر

الأسطورية أن روحه فارقت جسمه ثلاثة عشر يوما. وقد نظم سعد الدين قصائد فى التصوف بالعربية والفارسية، وخاصة الرباعيات، وألف أيضًا عدة رسائل فى التصوف، مثل "محبوب الأولياء" و"سجنجل الأرواح ونقوش الألواح"، وفى رواية حاجى خليفة أنه وضع هذه الرسالة فى حمص، على أن بعض كتاب المسلمين الذين يبحثون فى الصوفية يرون أن هذه الرسائل غاية فى الغموض نظرا لكثرة ما حوته من تلويحات مستورة. وقد استدعى الأمير نوروز بن سعد الدين الحموى سلطان المحدثين صدر الدين إبراهيم من بحر آباد وقت أن دخل غازان خان فى الإسلام (دو لتشاه، طبعة Browne، ص 213, نقلا عن البنا كتى)؛ ونجد دراويش فى بحر آباد حتى القرن الحادى عشر الهجرى (الثامن عشر الميلادى): وترد سلسلة هؤلاء الدراويش إلى سعد الدين، وكان منهم معينى جوينى صاحب منظومة قلد بها "كلستان" (دو لتشاه، ص 241) وكان الصوفى مولانا سعد الدين البحر آبادى الذى ذكره النوائى يردد دائما أقوال الشيخ؛ وتخطئ روايات اليسوية فى اعتباره خليفة من خلفاء أحمد اليسوى. المصادر: (1) اليافعى: ومرآة الجنان، مخطوط بمكتبة نور عثمانى، رقم 3416 (2) جامى: نفحات الأنس، طبعة كلكتة 1858، ص 492 وما بعدها (ص 485 من الترجمة التركية المطبوعة). (3) هدايت: رياض العارفين، ص 83 (4) مولانا غلام سرور اللاهورى: خزينة الأصفيا، كاونبور 1902، جـ 2، ص 270 (5) تأريخ كزيده، سلسلة كب التذكارية، جـ 14، ص 790 (6) حمد اللَّه المستوفى: نزهة القلوب، سلسلة كب التذكارية، جـ 23، ص 150 و 174 (7) حاجى ميرزا معصوم: تأريخ الحقائق، طهران 1316، جـ 2، ص 152

سعد بن عبادة

(8) حاجى خليفة: كشف الظنون، طبعة Flugel، جـ 3، ص 77 و 582؛ طبعة بولاق، جـ 1، ص 427 (9) Die Arab, Pers der K,K. Hofbibliothek zu Wien: Flugel, جـ 1، ص 611. (10) النوائى: نسائم المحبة (ترجمة وذيل لنفحات الأنس، مخطوط فى BibLiotheque Nationale, رقم 316 (11) كوبريللى زاده فؤاد: إلك متصوفلر، الآستانة 1918، ص 42. صبحى [كوبريللى زاده فؤاد] سعد بن عبادة أبن دليم بن حارثة بن أبى حزيمة بن ثعلبة بن طريف الخزرجى من صحابة النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-]. وكان سعد، ذلك الرجل البارز الموفق، من العرب القلائل الذين يعرفون الكتابة فى جزيرة العرب على أيامه، وقد اشتهر علاوة على ذلك بالبراعة فى السباحة ورمى السهام. ونحن نلتقى به أول ما نلتقى فى تاريخ الإسلام فى أخبار بيعة العقبة الثانية. فقد ذكر ضمن الرجال التسعة من الخزرج الذين اختيروا "نقباء" للمؤمنين الجدد بالإسلام. ثم وقع سعد بعد ذلك فى يد أهل مكة فعذبوه عذابا شديدا، وإنما فر من أيديهم بفضل صديقين مكيين له كان قد أسدى لهما معروفا. وتخلف سعد فى غزوة النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] للأبواء، إذ أنابه عنه فى تولى المدينة. ولم يشهد سعد بدرا فى قول أوثق الروايات، على أنه شهد غزوة أحد حيث عنى هو وسعد بن معاذ بالنبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] الذى كان قد أصابه جرح. وقد أثبت سعد فى سائر غزوات النبى أنه نصير للإسلام لا تفتر له عزيمة ولا يمل له ساعد، وكثيرا ما حمل لواء المسلمين فى هذه الغزوات، وعرف خاصة بشدة الجود، فقد فرق على المسلمين التمر من جيبه الخاص فى حصار بنى النضير، كما زود الجند الذين حاصروا بنى قريظة بالمؤن، وكذلك أعان الحملة على تبوك بإعانة سخية. وفى غزوة الخندق بدأ النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] يدخل فى مفاوضات سرية مع أميرى غطفان، عيينة بن الحصن والحارث بن عوف، ووعدهم بنصف المحصول التالى من

المصادر

تمر المدينة إذا هما كفا عن القتال، وأبدت غطفان استعدادها لتنفيذ ما أشار به النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، إلا أن خطته لقيت معارضة من أولئك المسلمين الذين كانوا ميالين إلى مواصلة القتال. ويقال إن سعد بن عبادة، وسعد بن معاذ وأسيد بن حضير كانوا من أشد المعارضين لمحاولة النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] هذه. ولما صح عزم النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] على شن للك الحملة على مكة التى انتهت بصلح الحديبية تجلى عزم سعد على القتال وتعطشه اليه. وقد أشار سعد على النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] بوجوب اتخاذ الحيطة الواجبة وتزويد المسلمين بالسلاح الذى لا غنى لهم عنه، إلا أن النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] أبى أن يستمع لنصحه. ولما توفى عبد اللَّه بن أبىّ أصبح سعد سيد بنى الخزرج بلا منازع، ومن ثم لا عجب اذا رأينا أنه كان من المرشحين لخلافة النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-]. وما إن تواترت الأنباء فى المدينة بوفاة محمد عليه الصلاة السلام حتى اجتمعت الأوس والخزرج وخطب سعد فى جموعهم ورشح للخلافة رجلا من الأنصار. ومالت غالبية الحاضرين إلى مبايعته على الفور، على أن بعض المسلمين الآخرين ظهروا فى الميدان، وخاصة أبو بكر وعمر، وتداول المجتمعون فى الأمر وحمى وطيس مناقشاتهم مما هدد باندلاع لهيب الفتنة، غير أن أبا بكر بويع بالخلافة. وعندئذ اعتزل سعد الحياة العامة ثم شخص إلى حوران حيث توفى بعد مبايعة عمر بسنتين ونصف سنة، أى حوالى سنة 15 للهجرة (636/ 637 م). المصادر: (1) ابن سعد: الطبقات، طبعة سخاو، جـ 3، قسم 2، ص 115 - 145؛ جـ 7، قسم 2، ص 115 وما بعدها (2) ابن هشام: السيرة، طبعة فستنفلد. (3) الطبرى، طبعة دى غوى، فى مواضع مختلفة (4) ابن الأثير: الكامل، طبعة تورنبرغ، انظر الفهرس (5) المؤلف نفسه: أسد الغابة، جـ 2، ص 283 - 285

سعد الفزر

(6) ابن حجر: الإصابة، جـ 2، رقم 4066 (7) النووى، طبعة فستنفلد ص 274 وما بعدها (8) الواقدى، ترجمة فلهوزن، الفهرس (9) اليعقوبى، طبعة هوتسما، جـ 1، ص 267؛ جـ 2، ص 136، 137 (10) Annali dell' Islam: Caetani الفهرس خورشيد [تسترشتين k.V.Zettersteen] سعد الفِزْر اسم يطلق على فرع كبير من قبيلة تميم وهذا الاسم العجيب "فزر" لم يصادف من يفسره تفسيرًا يطمأن إليه، ويؤكد الفقيه اللغوى أبو منصور الأزهرى أنه لم ير أحد يعرفه. وبعض اللغويين يقولون إنه "الاثنان فأكثر". ويقول آخرون إنه "المعزى". على أننا نستطيع أن نذهب إلى أن ابن دريد قد أصاب فى قوله إن اشتقاق الفزر من قولهم فزرت الشئ إذا صدعته والفزرة: القطعة. ويقول نسابة العرب إن جد سعد الفزر المشترك هو سعد بن زيد مناة بن تميم، ويسوقون حكايات لتفسير هذا الاسم العجيب مؤداها أن سعدا كانت له ماشية كثيرة فأمر أبناءه من أمهات مختلفات برعاية إبله فأبوا، فبعث ببنى مالك بن زيد مناة فسرقوها. فلما لم يبق له إلا المعزى أمر أبناءه واحدا بعد واحد برعايتها فأبوا عليه وغضب سعد فنادى فى الناس أن اجتمعوا (وفى رواية أخرى أنه انطلق بشاته إلى عكاظ) فاجتمعوا فقال انتهبوها ولا أحل لأحد أكثر من واحدة، فتقطعوها وتفرقت فى البلاد. وهذا أصل المثل "لا أفعل ذلك معزى الفزر" (أى حتى تجتمع تلك). ومن الراجح أن هذه المعزى كان عليها فيما يظن وسم عشيرة سعد. ويظهر أن الفكرة التى تنطوى عليها الحكايات المشار إليها تدل على أن عشائر هذه القبيلة كانت متفرقة فى شرقى جزيرة العرب بأسره. وقد ذكرت قبيلة تميم فى عهد سحيق جدا،

عهد أقدم قرونا مما يستطيع نسابة العرب أن يتصورا، كما أن كتب الأنساب أمعنت فى الأساطير عند تناولها هذه القبيلة إمعانًا فاق ما عهدناه فى كلامها عن غيرها من القبائل؛ وكل ما نستطيع أن نفيده منها هو معرفة أى من العشائر أحست بوجود نسب يربطها بتميم قبيل ظهور الإسلام أو بعيده. وقد قال الشاعر الأخطل "فى كل واد سعد" وهو يشير بذلك إلى تفرقهم فى واسع الأرض. وليس من العشائر الكثيرة التى ذكرها النسابة من يستطيع أن يدعى خلوص نسبته إلى تميم إلا بنو كعب وبنو الحارث، أما سلالة الأبناء الآخرين وهم عبد شمس وعوف وعوافة ومالك فكانوا يعرفون باسم "الأبناء". وثمة شكوك حول خلوص نسبهم، ذلك أنهم كانوا قد استقروا فى البحرين واختلطوا اختلاطا شديدا بالسكان الفرس عندما كانت هذه الولاية تحت الحكم الفارسى؛ ولعلهم كانوا من حيث العدد أكبر القبائل العربية، ومن ثم كان لهم شأن عظيم فى الحروب التى دارت قبيل ظهور الإسلام وفى فتوح الإسلام، كما أن كثيرا من الأشخاص الذين ورد ذكرهم فى عهود الإسلام الأولى كانوا ينتمون إلى عشائر سعد الفزر المختلفة. وقد ظاهروا عليا فى الصراع الذى دار حول الخلافة، وعلا شأنهم علوًا عظيمًا إبان الفتن والاضطرابات التى سادت خراسان فى عهد خلفاء بنى أمية المتأخرين، ويظهر أنهم كانوا قد استقروا بفارس فى جموع غفيرة، وهاجر فريق آخر منهم إلى شمالى إفريقية وقد زعم أمراء إفريقية من بنى الأغلب أنهم ينتسبون إليهم. ولا يمكننا أن نحصى فى هذا المقام بطون سعد الفزر وفروعهم الكثيرة، ولكن يجب ألا يفوتنا أن نذكر أن النسابة اختلفوا فى بيان أنساب هذه الفروع التعددة، كما أن أسماءها قد اختفت مبكرًا من صفحات التاريخ وانطوت تحت الاسم العام وهو تميم. ويجدر بنا أيضًا أن ننوه بشأن قبيلة سعد الفزر والعشائر الوثيقة النسب بها من حيث أنهم كانوا يتحدثون بلهجة هى عماد العربية الفصحى، وشاهد ذلك أن فقهاء اللغة الأولين صاغوا قواعد

المصادر

النحو العربى على أساس لغة تميم. ولا شك فى أن هذا يرجع إلى انتشار أبناء هذه القبيلة انتشارا واسعا أتاح للغتهم أن تفهم فى أنحاء الجزيرة العربية. المصادر: (1) المعاجم العربية، مادة فزر (2) ابن دريد: كتاب الاشتقاق، طبعة فستنفلد، ص 150 وما بعدها (3) النقائض بين جرير والفرزدق، طبعة بيفان Bevan، ليدن 1905 - 1912، فى مواضع متفرقة منه (4) القلقشندى: نهاية الأرب، بغداد، ص 236 (5) النويرى: نهاية الأرب، القاهرة 1243 هـ، جـ 2، ص 344 - 345 (6) ابن عبد ربه: العقد الفريد، القاهرة 1316 هـ، جـ 2، ص 42 (7) الأغانى فى مواضع متفرقة منه (8) Genealogische Tabeller, L: Wiistenfeld , و Register ص 396 (9) جل الكتب التى تتناول تاريخ جزيرة العرب والإسلام فى عهدهما الأول خورشيد [كرنكوف F.Krenkow] سعد بن معاذ ابن النعمان بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل الأنصارى الأوسى من معاصرى النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، وكان رأس عشيرة بنى عبد الأشهل الكبرى فى المدينة. وقد دخل سعد فى الدين الجديد بفضل مصعب بن عمير الذى صحب الاثنى عشر رجلا من المدنيين الذين اشتركوا فى بيعة العقبة الأولى عند عودتهم إلى بلدهم، وقام بدعوة ناجحة للإسلام فيها. وقد أظهر سعد من أول الأمر غيرة شديدة على الدين، وأنابه النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فى حكم المدينة (وفى رواية أخرى أنه أناب السائب بن عثمان بن مظعون) حين خرج فى سرية إلى بُواط. وحمل سعد اللواء فى وقعة بدر، وهرع هو وسعد بن عبادة إلى نجدة النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] عندما جرح فى وقعة أحد. ونهج سعد نهج سعد بن عبادة وأسيد ابن حضير فاعترض على المفاوضات التى جرت مع غطفان فى وقعة الخندق، ولكنه سرعان ما أصيب فى يده بجرح شديد من سهم رماه به أحد القرشيين. فلما تراجع أولئك الذين سبق أن عاهدوا

المصادر

المسلمين قرر النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] أن يتخلص من بنى قريظة المشاغبين وبدأ يحاصرهم فى المدينة وإن كان المأخذ الوحيد الذى حاسبهم عليه هو أنهم وقفوا على الحياد فى وقعة الخندق. وانتهت المفاضاوت التى أجبروا على الدخول فيها سريعا مع النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] بتسليمهم من غير قيد ولا شرط، ولعلهم كانوا يأملون من وراء ذلك إلى الإبقاء على حياتهم بفضل وساطة الأوس حلفائهم السابقين. ولما سألهم النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] عما إذا كانوا يقبلون أن يتركوا الحكم فى أمرهم لرجل من قبيلة الأوس أعلنوا استعدادهم لذلك. وطلب من سعد الذى كان طريحًا فى المسجد تعنى به امرأة من جراء ما أصابه من جرح مميت، أن يدلى برأيه، فأخذ من النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] ومن جميع الحاضرين العهد بأن يطيعوا حكمه بلا تردد، ثم حكم بأن يقتل رجال بنى قريظة وتباع نساؤهم وأطفالهم فى سوق العبيد وتقسم أملاكهم. ونفذ الحكم فى اليوم التالى. ويقال إن نيفا وستمائة يهودى ضحوا بحياتهم فى سبيل عقيدتهم، ولم يلبث سعد أن توفى متأثرًا بجرحه. ويصوره الحديث بطلًا مجيدًا من أبطال الدين. المصادر: (1) ابن سعد، طبعة سخاو، جـ 2، قسم 2، ص 2 - 13. (2) ابن هشام، طبعة فستنفلد، ص 290، 322، 344، 439، 445، 674, 697. (3) الطبرى، طبعة دى غوى، فى مواضع متفرقة. (4) ابن الأثير: الكامل، طبعة تونبرغ، انظر الفهرس. (5) المؤلف نفسه: أسد الغابة، جـ 2، ص 296 وما بعدها. (6) ابن حجر: الإصابة، جـ 2، رقم 4096. (7) النووى، طبعة فستنفلد، مادة سعد بن معاذ. (8) اليعقوبى، طبعة هوتسما، جـ 2، ص 52، 53. (9) الواقدى، ترجمة فلهوزن، انظر الفهرس.

السعدى

(10) Annali dell' Islam: Caetani انظر الفهرس. (11) Mohammed en de Joden to Medina: A.J.Wensinck، ليدن 1908 م، ص 171 - 173. خورشيد [تسترشتين K.V.Zettersteen] السعدى عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن عمران بن عامر، مؤرخ مملكة سنغاى من أعمال السودان؛ وكان ينتمى إلى أسرة عريقة من الفقهاء فى تمبكتو حيث ولد فى غرة جمادى الآخرة سنة 1004 هـ (1596 م)، وقد تلقى العلم فيها على أحمد بابا؛ وأتم علومه فسعى هو وأخوته إلى العمل فى جِنَّة، وهى البلدة التجارية القديمة التى كانت فى ذلك الوقت تنافس تمبكتو فى الحياة التجارية والعقلية؛ وقد أفلح سنة 1036 هـ (1626) فى الحصول فى جنة على منصب إمام مسجد سنكوره، أى المسجد الذى كان قائما فى الحى الأجنبى، ذلك أنه سبق أن كان نائبا لسلفه فى هذا المنصب؛ وقد وسع معارفه عن العالم فى أواخر سنة 1039 هـ (يوليه سنة 1630 م) برحلة قام بها إلى مملكة ماسنة الفلبية شمالى جنة على الضفة اليسرى من نهر النيجر وكانت تلك المملكة فى ذلك الوقت تشتمل على جزيرة جمْبَلَة فى نهر النيجر، وكان قد دعاه إلى زيارة المملكة قاضيها، بيد أنه استقبل استقبالا حافلا من السلطان نفسه ومن أعيان المملكة حتى إنه عاد فزار المملكة بعد ذلك بثلاث سنوات، وأدى فى هذه المناسبة خدمة سياسية للسلطان بعقد الصلح بينه وبين تابع من أتباعه كان بينهما ثأر قديم. على أنه قاسى هو وأسرته الأمرين من طغيان الولاة المراكشيين فى جنة، وقد نفى أحد أخوته سنة 1044 هـ (1634 م) من موطنه الجديد إلى تمبكتو، فاضطر السعدى إلى العودة إليه ليتدخل فى الأمر باسم أخيه، بل إن السعدى نفسه عزل من منصبه بعد ذلك بسنتين، فشكا أمره إلى باشا تمبكتو، فبلغ من حرص هذا الباشا على مرضاته أن طرد القائد الذى كان عدوه؛ بيد أنه كف عن

المطالبة بالمنصب وفضل أن يعيش عيشة سواد الناس، وكان بين الحين والحين يضع معارفه تحت تصرف الأقيال الصغار الشأن فى مملكة سنغاى الجنوبية كاتبا ومؤدبا. على أنه حدث فى سنة 1056 هـ (1646 م) أن استدعاه محمد بن محمد بن عثمان باشا تمبكتو ليكون وزير خارجيته، ويبدو أنه شغل هذا المنصب فى عهد خلفائه أيضًا حتى أدركته المنية. وقد أكره على مرافقة الباشا فى عدة رحلات فوسع مداركه عن شمالى مملكة سنغاى وجنوبيها، ولم يكن يعرف عنهما شيئا من قبل، ثم استقر رأيه على أن يكتب تاريخا لوطنه سماه "تاريخ السودان" واستهله ببيان التاريخ القديم لقبائل السنغاى ومالى والطوارق ولبلدتى جنة وتمبكتو. وقد استطاع بارث Barth سنة 1853/ 54 أن ينقل بعض الشواهد من النصف الأصغر من هذا التاريخ فى تمبكتو، ونشر رالفس G. Ralfs هذه الشواهد فى ترجمة وردت فى مجلة ZDMG (جـ 9، ص 518 وما بعدها). وقد ضمن هذه الشواهد الكثير من الانحرافات السلالية، بوصفها من العادات، وكان بارث قد حذف هذه الانحرافات. وتناول فى الفصل العاشر علماء تمبكتو تناولا سريعا، وجعله أشبه بذيل لكتاب أحمد بابا "ذيل الديباج"، أما التاريخ نفسه فيبدأ بإقامة على السنى الخارجى الحكم الإسلامى فى القرن التاسع الهجرى (الخامس عشر الميلادى)، ثم يصف حكم أسرة أسكيا السنية وغزو أهل مراكش للبلاد، وسلطانهم عليها حتى وافت المنية مؤلف الكتاب، ويتخلل أسلوبه الكثير من الألفاظ العامية، وهو معيب أيضًا فى بعض النواحى الأخرى. وقد ذكر المؤلف نفسه أنه فرغ من تأليف مصنفه يوم الاثنين 5 ذى الحجة سنة 1063 هـ (28 أكتوبر سنة 1653)، وأضاف فى اليوم التالى إلى مصنفه ثبتا بأسماء عمال الدولة جعله ذيلا له، وفصل الحوادث فى ذيل آخر حتى 16 جمادى الأولى سنة 1066 هـ (14 مارس سنة 1656)، ويبدو أنه توفى بعد ذلك بقليل. وجاء كاتب مجهول ولد فى تمبكتو سنة 1164 هـ

المصادر

(1751 م) وكان حفيدا من أحفاد الأمير محمد بن سووو فأتم مصنف السعدى بكتابة تاريخ عن الولاة المراكشيين فى مملكة سنغاى عنوانه "تذكرة النسيان". المصادر: (1) عبد الرحمن بن عمران بن عامر السعدى: تأريخ السودان، طبعة PELOV.and Edm. Benoist: O.Houdas، السلسلة الرابعة، جـ 12، (باريس 1899). (2) Documents Arabes relatif a L' Nistoire du Soudan. Tedzkiret en Nisyan Fir Akhbar molduk es sudan, فى طبعة O.P.Ec Houdas and Edin. Benoist Lang. Orbiv, السلسة الرابعة، جـ 19، (باريس 1899). صبحى [بروكلمان C. Brockelmann] سعدى شيخ مصلح الدين، أشهر مشاهير شعراء الفرس، ولد فى شيراز سنة 580 هـ (1184 م)، وكان أبوه فى خدمة سعد بن زنكى الأتابك السلغرى الذى أخذ عنه الشاعر الاسم الذى كان يوقع به شعره (تخلص) وهو سعدى؛ وقيل إنه أخذ هذا الاسم عن سعد الثانى بن أبى بكر وحفيد سعد الأول، بيد أننا نستبعد هذا، إذ أن سعدا الثانى لم يبدأ حكمه إلا بعد سعدى بقليل، وكان سعدى فى ذلك الوقت فى السابعة والستين من عمره، وقد كتب كثيرا، وعاد إلى شيراز بعد أن طوف فى البلاد. وحكم سعد اثنى عشر يوما فحسب لم تواته الفرصة فيها إلى عمل شئ يكتسب به امتنان سعدى، على حين كان سعد الأول نصير أبى هذا الشاعر. وقد بدأ سعدى يتلقى علومه فى المدرسة النظامية المشهورة ببغداد، واستمر فى طلب العلم، فدرس صوفية أهل التصوف على يد الشيخ عبد القادر الجيلى "الجيلانى"، وصحبه فى حجة إلى مكة، ويقال إنه أدى هذه الفريضة أربع عشرة مرة على الأقل، وقد عمّر حتى بلغ 102 سنة قمرية، قضى الثلاثين سنة الأولى منها فى طلب العلم، والثلاثين الثانية فى الارتحال ونظم الشعر، والثلاثين الثالثة فى خلوة

دينية وفى إتمام قصائده وترتيبها، والاثنتى عشرة سنة الأخيرة فى تزويد عابرى السبيل بالطعام والشراب وفى الحديث عن الصوفية. وقد زار فى خلال رحلاته آسية الصغرى والهند، وامتشق الحسام فى كلا البلدين عندما نادى المنادى بالجهاد فى سبيل اللَّه. وهو يقول عن نفسه: لقد أبعدت الرحلة فجبت أطراف الأرض، وخالطت الرجال على تباين طبقاتهم ومشاربهم، ووجدت فى كل ركن من أركان الأرض متعة ومنفعة، وأصبت من كل حصاد حزمة. ودعا الأمير الشهيد محمد خان، والى ملتان من قبل أبيه غياث الدين بلبن، الشاعر سعدى لزيارة الهند مرة أخرى، وكان ذلك حوالى أواخر القرن الثالث عشر، ولم يحل بين الشاعر وبين استئنافه رحلاته إلا فى تقدمه السن. وقد رويت الروايات الكثيرة عن ملاحة نكتته، فقد صادفه ذات يوم فى أحد الحمامات العامة خواجه همام الدين، وهو ثرى من أهل تبريز كان هو نفسه شاعرا، فسأله من أين هو قادم، فأجاب سعدى بقوله: من "شيراز"، فقال خواجه "من العجيب أن يكون عدد الشيرازيين أكثر من الكلاب فى تبريز" فرد سعدى قائلا "ليست الحال كذلك فى شيراز فإن التبريزيين فيها أقل من الكلاب"، وغادر خواجه الحمام ولكنه عاد فقابل سعدى فى الطريق فسأله: "هل يتلون أشعار همام فى شيراز؟ "، فأجابه سعدى، وهو ينظر إلى الشاب الوسيم الذى كان يروح على خواجه، قائلا: "أجل، وبخاصة هذا البيت: "يقف همام بينى وبين حبيبتى كأنه الحجاب وقد آن لى أن أزيح هذا الحجاب" وقد فضحته ملاحة نكتته، فهتف خواجه قائلًا: "أنت سعدى" فأجاب سعدى قائلا "نعم، فاغتبط خواجه وطلب منه الصفح، ثم أخذه إلى داره وأولم له وليمة فاخرة. وتوفى سعدى بشيراز سنة 1292 بعد أن بلغ من العمر عتيًا، فقد عاش 102 سنة قمرية أو ما يقرب من 99 سنة شمسية، ودفن فى أرباض هذه المدينة.

المصادر

وأشهر ما نصرف من آثاره: "بوستان" نظمه فى سنة 1257، ثم "كلستان"، وقد كتبه فى العام التالى، ويقرأ هذان الأثران حيثما كان الأدب الفارسى موضع دراسة. وبوستان ديوان من القصائد فى مواضيع أخلاقية، أما كلستان فمجموعة من القصص ذات المغزى الأخلاقى كتبت بالنثر وكثيرا ما تتخللها أبيات من الشعر. ولسعدى أيضًا ديوان فى الغزل وعدد من القصائد ومجموعة من المقطوعات عرفت باسم الطيبات والهزليات والخبيثات، وحسبما قيل يعد سعدى إمام شعر الغزل. المصادر: (1) دولت شاه: تذكرة الشعراء، طبعة E.G.Browne (1901) (2) لطف على بن اقاخان آذر: آتشكده، وهو مخطوط (3) حمد اللَّه مستوفى القزوينى: تأريخ كزيده (سلسلة كب التذكارية)؛ وإذا شئت الرجوع إلى تفصيلات أخرى فانظر ما يلى [هيك T.W.Haig] التاريخ الأدبى: كل مخطوطات آثار سعدى تقوم على النسخ التى أعدها على بن أحمد أبى بكر البيستونى، الذى نبه ذكره بعد وفاة سعدى بخمسين عاما، وتنقسم هذه المخطوطات قسمين: القسم الفارسى الهندى؛ والقسم الفارسى التركى، وقد اعتمدت طبعة كلكتة للكليات على القسم الفارسى الهندى. والكليات تقع فى مجلدين (1791 و 1795) وتشتمل على مقدمه بقلم هذا الكاتب، ويبدأ المجلد الأول من هذه الطبعة بالرسائل التى يقال لها الرسائل السبع، وهى رسائل بالنثر فى التصوف والموضوعات الأخلاقية. ويلى الرسائل فى المجلد نفسه كلستان وبوستان وبندنامة (والقول الشائع أن البندنامه ليست من آثار سعدى، انظر Grundriss der iranischen Philologie: Eth, جـ 3، ص 295، وهى مثنوى على غرار بندنامه "العطار")، ويشتمل المجلد الثانى على الديوان، وهو يتضمن القصائد العربية والفارسية (الغنائية والتهذيبية والمديحية) والمراثى، والملمعات والترجيعات والمجموعات الأربع فى القصائد، وأخيرًا الصاحبيّة،

أو صاحبنامه، والمقطعات، والخبيثات، والمضحكات، والرباعيات، والمفردات. أما الكليات جميعا -وقد نشرت منذ ذلك الحين فى إيران والهند- فمقسمة هذا التقسيم نفسه تقريبًا. وإلى جانب ما اشتملت عليه آثار سعدى من تراجم لكثير من شعراء الفرس، فإنها فى حد ذاتها مرجع نفيس تكمل به معلوماتنا عن حياته وعن نمو إنتاجه الأدبى. ونخلص من هذا إلى أنه نظم بلا شك الكثير من القصائد فى سن متأخرة، ذلك أنه قالها فى بعض أكابر القوم الذين لم يعرفهم إلا بعد عودته من شيراز. وإذا كانت مجموعات الغزل الأربع قد رتبت ترتيبا يتمشى مع المراحل المختلفة التى مرت بها حياة سعدى، وهى المراحل التى نظمت فيها هذه المجموعات، فإن "الطيبات" و"البدائع" و"الخواتم" يجب أن يراعى فى ترتيبها الزمنى أن توضع بعد أوبة الشاعر إلى مسقط رأسه، وتشتمل هذه المجموعات الثلاث على إشارات قليلة إلى حوادث وأشخاص نفت بصلة إلى حياته المتأخرة، ويبدو من جهة أخرى أن "غزليات قديم" أثر من آثار شبابه، على أن كل هذا يغلب عليه الشك، ذلك أن الترتيب الأبجدى الذى يتبع قافية كل قصيدة يجعل من المستحيل علينا أن نقومها تقويما زمنيا، إلا أن بعض المخطوطات تستثنى من هذه القاعدة، مثال ذلك أقدم مخطوط نعرفه من آثار سعدى، وقد وصفه إتيه Ethe تحت رقم 1117 فى الصفحات 655 - 659 من الفهرس الذى صنعه للمخطوطات الفارسية الموجودة فى مكتبة وزارة الهند (رقم 876 انظر أيضا ص 2 من مقدمة White King لطبعته للطيبات، كلكته 1919)، ومن ثم فقد نصل إلى بعض النتائج إذا درسنا بدقة الترتيب الأقدم من ذلك، فصاحبنامه (طبعة وترجمة، Sa'di's Apkorisrnen und Sindgedichte: W.Bacher ستراسبورغ 1879)، ويشتمل على قصائد تهذيبية، أهدى إلى صاحب ديوان شمس الدين جوينى، وهو أيضًا من آثار الشاعر فى أواخر أيام حياته. وقد زخرت أقاصيص كلستان وبوستان (ويسمى أيضًا سعدى نامه)

بالكثير من ذكريات المؤلف الشخصية. وقد حاول ماسيه Masse فى رسالته عن سعدى أن يبنى سيرة الشاعر على أساس هذه المعلومات، ولكنه بالغ على ما يظهر فى الوثوق بصدق سعدى، وكان الشك قد تسرب من قبل إلى صحة الكثير من هذه القصص (Barbier Ruckert;de Meynard)، بل إن سعدى نفسه يسلم بأن من طوف فى العالم كثيرا، قد يكذب كثيرًا ونحن إذا لم نكذب المؤلف على طول الخط جاز لنا أن نخرج من قصصه بأنه فقد أباه فى سن مبكرة. على أنه كان قد بلغ سنا تمكنه من أن يذكر بعض دروس أبيه الحكيمة. وتبدو الحكاية التى فى كلستان عن زيارة الشاعر لكاشغر، وكان لا يزال حدثا طرى العود، مستبعدة، ومن ثم حيرت الكثيرين من المستشرقين، ولا شك أن أيسر السبل هو أن نعتبر الحكاية كلها من نسج الخيال (انظر Schaeder فى Der Islam، جـ 14، ص 187). وما من ريب فى أن إقامة سعدى فى بلاد الشام أسيرا فى يد الفرنجة بطرابلس كانت أيضًا فى صدر حياته (ويقول ماسيه Masse إن حصار تلك المدينة كان سنة 1221) وقد تزوج سعدى خلال إقامته هذه بابنة صديق كان له بمثابة الأب فخلصه من رقة، إلا أن زواجه لم يدم، ويتعذر علينا أن نقتفى أثره فى تلك المرحلة من حياته التى قام فيها برحلاته الطويلة (1226 - 1255)، ولعل من الراجح أنه زار آسية الوسطى والهند والشام ومصر وبلاد العرب (وتروى كثير من القصص مغامراته فى الصحراء فى ذهابه إلى مكة وفى عودته منها) والحبشة ومراكش. ويزعم سعدى أنه فى رحلته إلى الهند غامر المغامرة المشهورة فى ذلك المعبد الذى فى سُمَنات، حيث كشف حيلة الكاهن فى خداع الناس، ثم قتله حتى يتجنب انتقامه، وفى هذه القصة أيضًا أشياء تعد فى ذاتها من المستحيلات (بوستان طبعة Graf، ص 388 وما بعدها)، وكذلك يرد الزواج الثانى لسعدى الذى وقع فى اليمن إلى هذه المرحلة الثانية. وكان فى المرحلة الأخيرة من حياته على ما يستدل من "القصائد" على علاقة بالأتابك أبى بكر بن سعد بن زنكى، وقد نظم مرثية فى وفاته

(1260) وأشاد بذكره فى الصحف الأولى من بوستان، ونظم فى هذه المرحلة مرثيته العربية عن سقوط بغداد ومدائحه فى الغزاة المغول وأتباعهم، وقد أهدى "الطيبات" إلى سلجوقشاه آخر أتابكة فارس، وثمة قصائد مهداة إلى أنقيانو الوالى المغولى الذى خلف هذا الأمير، وإلى نصيرى سعدى الرفيعى الشأن وهما عطا ملك وشمس الدين جوينى (وتجد نخبة من هذه المدائح فى ص 67 - 70 من المقدمة الفارسية لكتاب جهان كشا الذى طبع على نفقة هبة كب) وليس فى مصنفات سعدى أية إشارة إلى المصرع المفجع للأخوين الجوينى (1282 و 1283) ومن ثم يقول ماسيه Massee إن الشاعر قد مات بلا شك قبل هذه الحوادث أو بعدها بزمن وجيز جدا، وفى هذه الحالة تكون العلومات التى ذكرها كتاب السير، والتى تترواح بين سنتى 1291 و 1292 متأخرة جدا فى الزمن، فإذا اتخذنا سنة 580 هـ (1184 م) مولدا لسعدى، كما يفعل جل الكتاب) Lit. Hist. of Persia: Browne جـ 2، ص 526)، فإنه قد لا يكون عمر مائة سنة شمسية. وقبر سعدى خارج شيراز، بعد قبر حافظ بقليل، وشاهد قبره ليس قديما، ذلك أن الشاهد الأصلى كان قد دمره "مجتهد" متعصب، فقد شاع الاعتقاد بأنه كان من أهل السنة، ولعل هذا السبب نفسه هو السر فى أننا نجد قبر سعدى مهجورا، على حين اختار كثير من أهل شيراز مواقع قبورهم فى جوار قبر حافظ (Ayear ronongst the persians: Browne , لندن 1893، ص 281) ويتبين لنا من الطغراوات الواردة فى أقدم المخطوطات أن اسم هذا الشاعر هو بلا شك مشرف الدين بن مصلح الدين عبد اللَّه (Catatogue of the Prsian Mss. in the Btitish Museum: Rieu، جـ 2، ص 595). ويعد إتيه Grundriss der Ir.Phil) Ethe, جـ 2، ص 292) سعدى من الشعراء الذين كانوا أول من جمع بين الناحيتين الصوفية والتهذيبية فى الشعر الفارسى، وكانت كل من هاتين الناحيتين فى الأصل مستقلة عن الأخرى. والمنحى "التهذيبى الأخلاقى

يغلب فى شعر سعدى على المناحى الأخرى، وإلى ذلك ترجع شهرته العظيمة. ولاشك فى أن سعدى كان متبحرا فى "علوم" الصوفية، فقد أخذ عن شهاب الدين سهروردى ببغداد فضلا عن أنه حضر على عبد القادر الجيلانى (بوستان، طبعة Gurf، ص 150)، بل لعله لقى جلال الدين الرومى ص 165 وما بعدها)، إذا أخذنا بحكاية رواها أفلاكى (ترجمة Huart، جـ 1 ص 238 وما بعدها)، ولا شك فى أن الآراء الصوفية التى جرى سواد الناس على اعتبارها من البدع كانت بالنسبة إليه وإلى غيره مادة أدبية قيمة. أما مسألة هل تأثر سعدى بالأحاسيس الصوفية أم لم يتأثر فإنا نرجح أن الإجابة عنها بالنفى. ذلك أن طبيعته العملية قد مالت به إلى الأخذ بالنهج الأخلاقى، وهو إنما اصطنع الصوفية للسمو بنظرة الناس الأخلاقية إلى الحياة الدنيا. ولذلك نراه فى كثير من الأحوال يلجأ إلى الفطرة السليمة فى الحد من شدة إقبال الناس على الحياة الآخرة. ويجب ألا ننشد فى بوستان تلك المشاعر الصوفية العلوية التى نجدها فى "مثنوى" أو "منطق الطير"، وكثيرا ما يتحدث سعدى عن المتصوفة، إلا أن موقفه منهم كان على الدوام أقرب إلى رجل الأخلاق منه إلى شيخ من السالكين. وقد تحقق مثله الصوفى العملى فى "صاحبدلان (¬1) "، وهم جماعة الحكماء بحق، الذين لا يحفلون بمظاهر الحياة وإن كانوا لا يحتقرونها كل الاحتقار، ذلك أن تعرض هذا العالم للفناء هو بالذات علة ماله من قيمة نفيسة تجعله كالياقوتة النادرة. وقد أثبت سعدى فى مواضع كثيرة أنه مسلم صادق الإيمان، إذ يجد فى تنوع العالم الدنيوى وجماله باعثا يدعو المرء إلى التسبيح بحمد اللَّه وشكره على نعمائه، وهو يقول بالقضاء والقدر فى اعتدال، وينكر الإسراف فى الورع والتقوى قائلا: "لا تكونوا أكثر ورعا من محمد". وقد جنى سعدى بوصفه رجلا من رجال الأخلاق فائدة عظيمة من صروف الدهر التى مرت به، وقد صبغت معرفته بالدنيا أفكاره وآراءه بالنزعة العالمية التى لم يدركها شاعر ¬

_ (¬1) كلمة فارسية مركبة معناها "أصحاب القلوب".

فارسى آخر غيره، ولعل سعدى استطاع بفضل ذلك وبفضل ما عرف عنه من رشاقة الأسلوب أن يكتسب تلك الشهرة العظيمة فى داخل وطنه وخارجه مما جعل الكتاب يقارنونه بهوراس Horace ورابليه Rabelais ولافونتين Lafontaine وهو ينظر إلى العالم نظرة فكهة فيها رحمة، وكان لا يلجأ إلى الهجاء والسخرية إلا فى النادر، ولا يمل قط من حث قرائه على اتباع نصائحه الخلقية، وهذه التعاليم الأخلاقية التى نجدها خاصة فى كلستان وبوستان ويندنامه، أبعد ما تكون عن الوحدة والتناسق. وقد ساق سعدى فى بندنامه شواهد من الفضائل والرذائل وجهها لأهل هذه الدنيا الفانية، والظاهر أنه كان يرى أن الطيبة هى الفضيلة الكبرى، ونعنى بها أنه يجب على المرء أن يحب إخوانه البشر حبا بريئا من الإثرة والأنانية، ومن يؤت هذه الفضيلة خلد ذكره بين الناس بحق. على أن مثل سعدى الأخلاقية الخاصة بالمجتمع تختلف فى بعض الأحيان عن ذلك اختلافا شديدا. فهو فى هذا المقام يؤثر أحيانا الانتقام على الرحمة والكذب على الصدق، ويحض المرء على المحافظة على استقلاله عن غيره من الناس بجميع الوسائل. وساق للأمراء خاصة بعض الوصايا التى تتسم بالطابع المكيافيلى (الجزء الثانى من "الرسالة" السادسة بحث وجيز فى السياسة أهداه إلى أنقيانو)، وثمة مثل أخلاقية أخرى ضربها للدراويش. ويتعذر علينا أن نؤمن بإخلاص سعدى وصدقة مع اختلاف نظرته الأخلاقية هذا الاختلاف، وخاصة أن ميزان استقامته وصلاحه قد تعدل بتلك البذاءات التى ذكرها فى بعض فصول كلستان وفى الخبيثات، ولو أنه حاول فى مقدمة هذا الديوان أن يعتذر عن ذلك بقوله إنه لم يستطيع التنصل من أمر صدر إليه بنظم هذه القصائد، على حين أننا إذا عرضنا لشاعر مثل الفردوسى فإنه يصعب علينا فى كثير من الأحوال أن نفرق بين شعره الذى يعبر عن ذات نفسه وبين شعره الذى يجب أن نعده استجابة منه إلى ذوق أرباب نعمته وذوق الجمهور. ويجدر بنا دائما أن نضع موضع الاعتبار

الجدى مالقيه سعدى من حظوة فى طول العالم الشرقى وعرضه قبل أن نقسو كثيرا فى الحكم على خلقه. ومهما يكن من شئ فإن سعدى قد كشف عن نفسه بكل ما فيها من إنسانية، وأرضى تماما ذوق الفرس فى سوق الحكم الأخلاقية فى صيغة أدبية، وهو ما عرف عنهم منذ أيام الجاهلية، أضف إلى هذا أن أسلوبه الرشيق وسهولة تعبيره ومعرفته كيف يبرز أشد الحكم الأخلاقية إملالا للنفس فى صورة طلية جذابة. وصفوة القول أن فنه كان وحده كفيلا بأن يكسبه إعجاب مواطنيه. وتعد "الخواتم" أقرب مصنفاته إلى الكمال، ولا يقدر المستشرقون "قصائده" العربية تقديرهم "للخواتم". وتتعاقب الأبيات العربية والفارسية فى ديوانه المسمى "الملمعات"، وقد كتب إحدى قصائده بست عشرة لغة ولهجة مختلفة (Bacher: فى Z.D.M.G، جـ 30، ص 89). ويقرأ الناس فى إيران "ديوان" سعدى ويقدرونه أكثر من قراءتهم وتقديرهم لبوستان وكلستان (Browne: AYear amongst the Persians ص 281)، ولا يزال الكثيرون من الفرس إلى اليوم يحفظون عن ظهر قلب هذا الديوان أو ذاك. وقد نهج بعض شعراء الفرس نهج سعدى فى كتابة دواوين على غرار دواوينه. وذكر إتيه Ethe هذه الدواوين فى Grundriss der Iranischen Philogie, جـ 3، ص 297 وأشهر الدواوين التى حاكت "كلستان" هو ديوان "بهارستان" لمؤلفه جامى على أنه لم يبلغ ديوان منها ما بلغته دواوين سعدى. وكان أثر سعدى خارج بلاد الفرس عظيما فى الأدبين الهندى والتركى، وقد طبعت آثاره كثيرا فى الهند بعد أن صدرت طبعة كلكته منها، واقترنت بعض هذد الطبعات بشروح لبعض أدباء الهند. وقد ترجم "كلستان" عدة مرات إلى الهندستانية، وأشهر هذه الترجمات ترجمة أفسوس (1802). أما قول كارسان دى تاسى Garci de Tassy بأن سعدى كان بلا شك أول شاعر هندستانى فقول قد فند الآن تفنيدا تاما

(انظر Literary History: Browne, جـ 2، ص 533)، على أن ثمة صلة بين طريقة سعدى فى الإنشاء وخاصة فى كلستان، حيث جرى على أن يذيّل كل قصة نثرية بقصيدة، وبين الطريقة الأدبية القديمة المشهورة التى التزمتها القصص الهندية، وهذه الصلة تعلل من جهة صحة ما قيل من تأثر سعدى نفسه بالأدب الهندى كما تعلل من جهة أخرى شهرته فى الهند. وقد ترجمت آثار سعدى إلى اللغة التركية فى تاريخ مبكر، ترجم العلامة التفتازانى "بوستان" سنة 1354 (History of Ott. Poetry: Gibb جـ 1، ص 202)، وثمة ترجمة لكلستان باللهجة التركية المصرية قام بها سيف السرايى سنة 1391 (مخطوط ليدن، رقم 476 فى فهرست دوزى Catalogue: Dozy جـ 1، ص 355، ص 533؛ انظر أيضًا تتبعلر مجموعة سى، سبتمبر سنة 1331، ص 133)، وقد قلد الشاعر التركى كمال باشا زاده (توفى 1534) كلستان فى مصنفه الفارسى "نكارستان"، وكان سعدى من الشعراء الذين درست آثارهم كثيرا فى العهد الأول من عهود الأدب العثمانى، بل كان له إلى حد ما بعض الأثر فى تطور الأدب الحديث فى تركية، وآية ذلك أن ضيا باشا يقول فى سيرته التى كتبها بقلمه إنه لم يعرف كنه اللغة إلا عندما قرأ كلستان (Hist. of Ott. Poetry: Gibb, جـ 5، ص 53)، ويقدم ضيا باشا سعدى على سائر شعراء الفرس فى كتابه "خرابات" (طبعة الآستانة سنة 1291 هـ، جـ 1، ص 22 من المقدمة) إذ يقول: "إنما يدرك المرء ماهية العالم عندما يقرأ "بوستان" ولا يساور ضيا شك فى إخلاص سعدى، ويعجبه فيه أن شجاعته لم تخنه حتى فى مدائحه، ذلك أنه يذكر سادة هذه الدنيا بالمثل الأخلاقية. وقد ظهر فى القرن التاسع عشر بعض الترجمات التركية الأخرى وتولى أدباء الترك أيضًا. كتابة شروح على "بوستان" و"كلستان"، مثال ذلك: سرورى (توفى 1561) وشمعى وسودى (وكلاهما من أعيان أواخر القرن السادس عشر) وهوائى والبرسوى وغيرهم، وقد طبعت بعض هذه الشروح فى القرن التاسع عشر.

وتدل الترجمات الحالية لكلستان وبوستان وبعض الترجمات التى تمت لغيرهما من آثار سعدى الأخرى إلى جميع اللغات الحديثة، دلالة كافية على ما اكتسبه الشاعر من شهرة عظيمة خارج حدود الإسلام. وقد ذاع صيت كلستان أول ما داع بفضل الترجمة الفرنسية التى قام بها أندريه دو رييه Anndre du Ryer (باريس 1634 م)، وقد أعقبت هذه الطبعة عدة طبعات باللاتينية (بقلم Gentiuss، أمستردام 1651) وبالألمانية (بقلم Olearius، هامبورغ 1654) وبالهولندية (نقلا عن ترجمة Olearius) وبالإنجليزية (بقلم Sullivan، سنة 1774) , ثم ظهر "بوستان" فيما بعد، وقيل إن توماس هايد Thomas Hyde ترجم بوستان فى القرن السابع عشر. وأقدم ترجمة مطبوعة له هى الترجمة الهولندية (أمستردام 1688) التى قام بها هافرت (D.H.Avart) ومن ثم فقد أصبح سعدى مشهورا فى الأدب الأوربى الغربى منذ مستهل القرن السابع عشر، ولا يقتضينا المقام أن نشير هنا إلا إلى مصنفات لافونتين Lafontaine وفولتير Voltaire وكوته Goethe . أما أحدث رسالة عن سعدى فرسالة هنرى ماسيه (¬1) (Essai sur le poete Saad: Henri Messe, باريس 1918)، وهى رسالة قدمت لنيل درجة الدكتوراة من جامعة الجزائر، وقد ضمن ماسيه رسالته التكميلية These Complementaire التى سماها Biogra-Phie de Sadi (باريس 1919) بحثا فى المصادر عظيم القيمة يجمل بنا أن نشير إليه هنا؛ وقد أخذت تظهر منذ ذلك التاريخ طبعة جديدة من غزليات سعدى The odes of Sheikh Muslihud-Di Sa'di Shirazi: Sir Lucas White King, جـ 1، الطيبات الملزمة 1 (1919) الملزمة 2 (1920) الملزمة 3، وقد نشرت فى كلكته فى Bibliotheca Indica السلسلة الجديدة. رقم 1424). صبحى [كرامرز J.H.Kramers] ¬

_ (¬1) أحدث رسالة عن سعدى هى رسالة الدكتور محمد موسى هنداوى التى نشرت سنة 1951. عبد النعيم حسنين

السعدية

السعدية أو الجباوية: طريقة نسبت إلى صاحبها سعد الدين الجباوى؛ والجباوى نسبة إلى جبا "بين حوران ودمشق". وتختلف الروايات فى ذكر وفاة سعد الدين، فبعضها يقول إنه توفى سنة 700 هـ وبعضها سنة 736 هـ ومن الواضح أن الأخبار التى لدينا عنه تشوبها الأساطير وقد ذكر كتاب خلاصة الأثر (جـ 1، ص 23) أن أباه هو الشيخ يونس الشيبانى، وكان رجلا صالحا ند سعد الدين فى شبابه عن طاعته، وتزعم طائفة من قطاع الطرق فى حوران. على أن اللَّه من عليه بفضل دعاء والده برؤيا كانتا السبب فى إصلاح حاله. يقول المصدر الذى نقل عنه ديبون وكوبولانى Depont and Coppolani إنه تقشف وأمعن فى الزهد وحج إلى مختلف المزارات بما فيها مكة، ثم رجع إلى الشام وأنشأ فى دمشق الطريقة المعروفة باسمه. وسلسلة هذه الطريقة: عن جنيد عن السرى السقطى عن معروف الكرخى حتى تصل إلى الأئمة من آل البيت. وجاء فى كتاب "خلاصة الأثر" الذى ألفه المحبى المتوفى سنة 1092 هـ أن بنى سعد الدين طائفة بالشام معروفون بالصلاح، وكانوا يذكرون فى حلقتهم بالجامع الأموى يوم الجمعة، وكانت لهم أيضًا زاوية بمحلة قبيبات ومن ثم عرف حفدة صاحب الطريقة باسم قبيباتى (جـ 1، ص 33؛ جـ 2، ص 208). والظاهر أنه يستفاد من سيرة محمد المعروف بابن سعد الدين والذى أصبح شيخ الطائفة سنة 986 هـ (المصدر نفسه، جـ 4، ص 160) أن الطريقة بدأت بظهوره. ذلك أن هذه السيرة تروى كيف بدأ حياته تاجرا ثم اهتدى إلى الطريق بفضل كرامة من الكرامات. وهى تقرنه بأخ من إخوته، وتذكر أنهما اقتسما واجبات المشيخة فيما بينهما، ثم دب بينهما نزاع عائلى أدى إلى انفراد محمد بمشيخة الطائفة، فجمع بذلك ثروة طائلة وأصبح أوسع أهل دمشق نفوذا وسلطانا. وتوفى محمد سنة 1012 هـ وخلفه ابنه سعد الدين، توفى سعد الدين فى طريقه إلى الحج سنة 1036.

ويذكر المحبى فى كلامه عن بنى سعد الدين أنهم تخصصوا فى إبراء الجنون: "بنشر يخطون فيه خطوطا كيفما اتفق فيشفى بها العليل، ويحتمى لشربها عن كل ما فيه من روح. ثم يكتبون للمبتلى عند فراغه من النشر حجابا، وفى الغالب يحصل الشفاء على أيديهم. وحكى أنهم يقصدون بتلك الخطوط التى يكتبوها فى نشرهم وحجبهم بسم اللَّه الرحمن الرحيم". وانتشرت الطريقة فى وقت ما، لعله يلى هذه الحقبة، فى مصر وتركية. ويذكر ديبون وكوبولانى ثبتا طويلا بالأماكن التى كان يجتمع فيها أرباب الطائفة فى الآستانة وما جاورها. ويعد القوم السعدية فرعا من الرفاعية. ولكن المصادر التى رجع إليها براون J.P Browe تجعلها طريقة أصيلة قائمة بذاتها تأتى بلا شك فى المقام الثانى من هذا الثبت. وهو يذكر (ص 56) أن للسعدية اثنى عشر "ترك" فى قلنسوتهم، وهم يضعون على رءوسهم عمائم ضاربة إلى الصفرة، ويذكرون وقوفا. ونسيج القلنسوة التى تغطى رءوسهم من ست لفات (ص 214). وهم أيضًا يرسلون شعورهم. ومن المظنون أن لهم سلطانًا خاصا على الحيات. وكان لهذه الطريقة أتباع كثيرون فى مصر على أيام لين Lane، كانوا يمارسون فى اليوم السابق لليلة المولد شعيرة تعرف بالدوسة، ذلك أن شيخ الطريقة يعتلى صهوة جواده على ظهور أربابها اللذين كانوا يرقدون لهذا الغرض منبطحين ووجوههم إلى الأرض. والمقول أنه لم يكن يصيب أحدا منهم ضرر من جراء ذلك. وقد أبطل الخديو توفيق هذه الشعيرة. وقد جرى القوم على أن يعقدوا بعد أداء الدوسة حضرة يأكل بعضهم فيها الأفاعى حية. ويقول لين إنهم كانوا يخلعون قبل ذلك أسنانها السامة أو يجعلونها عاجزة عن العض. وكانوا يكتفون من الأفعى بأكل رأسها كله بما يليه من لحم يتجاوز الرأس ببوصتين أو نحوهما حيث يضغط رب الطريقة بإبهامه

المصادر

جسمها. وقد أبطل شيخ الطريقة هذه السنة قبيل زيارة لين لمصر للمرة الثانية على أساس أن أكل الأفاعى أمر يحرمه الشرع. وكان السعدية إذا فرغوا من الدوسة أتبعوها بذكر من عباراته "اللَّه حى" و"يادائم". وشعيرة الدوسة تشبه أذكار الصوفية المتقدمين الذين كانوا فيما يعتقد يسخرون قوى الطبيعة بطرق شتى. والظاهر أن المؤرخين المصريين لم يشيروا إلى الدوسة، اللهم إلا إذا كان الجبرتى قد عناها عندما امتدح طريقة الخلوتية التى لم تكن تفرض على أتباعها ما لا يطيقون (جـ 1، أعلى ص 294). ومن ثم لا نستطيع فى الوقت الحاضر أن نحدد الوقت أو المكان الذى دخلت فيه هذه الشعيرة مصر. أما سنة ترويض الحيات التى يقال إن أرباب الطريقة كانوا لا يزالون يتعيشون منها فى مصر، فتنسب إلى صاحب الطريقة، وتفسر بأساطير تتعلق بدخوله فى طريق الصوفية. ولا يعنى الكتّاب فى الصوفية بهذه الطريقة إلا عناية قليلة، ولو أن كتاب جامع الأصول قد اكتفى بذكرها دون أن يبين تعاليمها أو شعائرها. وغفل عن ذكرها كتاب الطبقات للشعرانى وكتاب نفحات الأنس لجامى الذى أشار بأن رجلا يدعى سعد الدين الحموى توفى سنة 650 هـ كان صاحب طائفة. ومن ذلك يلوح لنا أن هذه الطائفة كانت تتوخى فى الأصل غرضا يختلط فيه الطب بالسحر، ثم نمت حتى أصبحت طريقه من طرق الصوفية. المصادر: (1) المحبى: خلاصة الأثر، القاهرة 1284 هـ. (2) Confreries religieuses mwulinaes: Depont & Coppolani, مدينة الجزائر 1897. (3) Manners and CusToms of Modern Egyptians: E.W.Lane , لندن 1871 م. (4) The Derviches: J.P. Brown، لندن 1886. خورشيد [مركوليوث D.S. Margoliouth]

السعودى

السعودى أبو الفضل المالكى، متكلم من أعيان القرن العاشر الهجرى (السادس عشر الميلادى)، أتم فى شوال سنة 942 هـ (إبريل سنة 1536) كتابا ناظر فيه النصارى (واليهود) وقد طبعه بالاعتماد على مخطوطى ليدن وأكسفورد فان دن هام (Disputatis pro religione Mohammedanorum adversus Christianos: F.J. van den Ham), ليدن 1877 - 1890)، والكتاب فى جوهره مستخرج من كتاب ألفه أبو البقاء صالح بن حسين الجعفرى (ألفه سنة 618 هـ = 1221 م) عنوانه "تخجيل من حرف الإنجيل"، ولعل "السعودى" هو أبو الفضل المالكى خادم الصوفى الشيخ أبى السعود الجارحى (توفى بعد سنة 930 هـ = 1523/ 24 بعدة سنوات انظر الشعرانى لواقح الأنوار فى طبقات الأخيار القاهرة 317 هـ ص 113 وما بعدها، وهو الذى كتب، فى قول حاجى خليفة (جـ 4، ص 557، رقم 9521) شرحا على همزية البوصيرى ذلك أن السعودى يشير فى مناظرته (ص 146، سطر 14؛ ص 147، سطر 4)، إلى أبى السعود بوصفه أستاذه؛ ويقول الشعرانى (المصدر المذكور، جـ 2، ص 113، سطر 5 أ. ف) إن أبا الفضل المالكى كان مريدا لأبى السعود، ولعله قد أخذ منه نسبته السعودى؛ ويقول فان دن هام (مقدمة طبعته لـ " Praefatio" ص 6) إن كتابه يشتمل على الكثير من الفقرات الواردة حرفا بحرف فى شرح مخطوط على الهمزية محفوظ فى كوتا (Pertsch: Die Arab Handschriften . . . zu Gotha، جـ 4، ص 294، رقم 2295) ورد فيه أن اسم مؤلفه هو فضل اللَّه المالكى. المصادر: علاوة على المصنفات الواردة فى صلب المقال: (1) حاجى خليفة: كشف الظنون، طبعة Flugel، جـ 2، ص، رقم 2736.

المصادر

(2) Polemische u.apologetische Literatur i arabiscger Sprache (Abh. f.d.k.m, VI, 3: Steinschneider ليبسك 1877, ص 36 (رقم 17)، ص 141 (رقم 121) ص 409. (3) LiLiber decem quaestionum contra Christians auctore Salihoibn al-Husain: F.Triebs، رسالة قدمت لجامعة بون 1897، ص 5 - 7. (4) G.A.L: C. Brockelmann, جـ 1، 430، جـ 2، ص 329. صبحى [أرندنك C.Van Arendonk] السعودى سيف الدين عبد اللطيف بن عبد اللَّه، متكلم من المتكلمين، توفى سنة 736 هـ (1335/ 1336 م)، والظاهر أننا لا نعرف شيئا بعد عن سيرته؛ وقد عارض السعودى أقوالا لابن عربى فى بعض القصائد التى وردت فى مصنف السخوى "القول المنبى عن ترجمة ابن عربى" (مخطوط فى برلين، Ahlwardi. Verzeichnis، وقيل (المصدر المذكور، رقم 8379) إنه كتب دعاء. المصادر: G.A.L: G. Brockelmann صبحى [أرندنك C.Van Arendonk] سعودى (أو أبو السعود)، بن يحيى بن محيى الدين المتنبى العباسى الشافعى الدمشقى، رجل من رجال الأدب، توفى بدمشق فى صفر سنة 1127 هـ (فبراير سنة 1715 م)، وقد درس سعودى بعض فروع العلوم الإسلامية. وكان عبد الغنى النابلسى أحد مؤدّبيه، ويذكر المرادى ديوانه المعروف باسم "مدائح الحضرات بلسان الإشارات" ويورد شواهد من شعره؛ ويقول المرادى أيضًا إن المحبى كتب عنه مقالا فى مصنفه "نفحات الريحانة ورشحة طلاء الحانة" (انظر Brockelmann: G.A.L جـ 2، ص 294) ونجد موشحا له فى مدح دمشق وهو مخطوط (فى

المصادر

Ahlwaradt preussisch staatbibliothek Verzeichnis رقم 6090، We 1220، الورقة 77 (أ)، انظر رقم 8174، 2). المصادر (1) المرادى: سلك الدرر فى أعيان القرن الثانى عشر، بولاق 1301، جـ 1 ص 58 - 62. (2) Das arabische Strophenegedicht. I Das Muwassih: M. Rertmann(Semitist Studien، طبعة C. Bezold، جـ 13/ 14) فيمار 1897, ص 83. (3) A. L: C. Brockelmann جـ 2 ص 279 صبحى [أرندنك C.Van Arendonk] السعى متى انتهى الحاج الذى يؤدى العمرة أو الحج من الطواف بالكعبة، وتقبيل الحجر الأسود للمرة الأخيرة، والشرب من ماء زمزم، يخرج من الحرم من باب الصفا مراعيا أن يتقدم برجله اليسرى، ويتلو دعاء فى تحية الحرم، ثم دعاء ثانيا ينبئ بأنه نوى السعى، ثم يصعد درجات الصفا على مسيرة 50 ياردة من الباب، ثم يقف هناك ويتلو دعاء، ويستقبل القبلة، ويرفع يديه إلى مستوى كتفيه، ويجعل راحتيه متجهتين إلى السماء. وبين الصفا وجبل آخر صغير يعرف بالمروة شارع عريض على جانبيه حوانيت (¬1)، وهذا هو المسعى حيث يؤدى الساعون منسك السعى. ويسعى الحاج فى هذا الشارع، ثم يهبط إلى بطن وادى المروة (المسيل) الذى يميزه أربعة أعمدة، اثنان بطول الحرم من اليسار، واثنان فى مقابله. ويهرول الحاج لاجتياز هذا المسيل (والهرولة أشبه برمل الطواف)، ثم يعود إلى الدعاء. وبذلك يتم الحاج شوطا من أشواط السعى السبعة؛ وتجمع الآراء على أن السعى سبعة أشواط بسيطة، اللهم إلا رأيا واحدا يقول بغير ذلك (¬2). ثم جرت الحال بأن ¬

_ (¬1) قد انضم عام (1956) المسعى إلى الحرم الشريف، فأصبح لا تفصله عنه شوارع أو دكاكين، وهذا من إصلاحات الملك سعود للحرم. [مهدى علام] (¬2) ثم تطورت الاصلاحات كثيرًا فى العهود التالية والحاضرة. اللجنة

المصادر

يحلق الحاج أو يقصر، ومن ثم كثرت حوانيت الحلاقين فى المسعى. ولا يبلغ السعى مرتبة المنسك القائم بذاته كالطواف حول الكعبة، وهى شعيرة يعد أداؤها ثوابا يجزى عليه المرء حتى إذا لم يعتمر أو يحج. والسعى مكمل لطواف العمرة أو القدوم أو الإفاضة"؛ ولم تتفق آراء الفقهاء فى تقدير شأنه، وهل هو واجب أم فريضة، أم سنة. ولا يفرض الشرع على الساعى وجوب التطهر الدقيق الذى يوجبه فى حالة الطواف. والسعى شعيرة تجول تقتضى أن ينفق الساعى مدة فى الهرولة، وهى تشبه فى ذلك الطواف والإفاضة لعرفة المزدلفة إلخ. . وما من شك فى أنها كانت شعيرة قديمة قائمة بذاتها أصبحت مقترنة بشعائر الكعبة، مثلها مثل الإفاضة بالنسبة لشعائر عرفة والمزدلفة على أن الروايات الإسلامية جاهدت جهادا كبيرا ومن غير تردد فى وصل هذه الشعيرة بقصة إبراهيم عليه السلام ترك هاجر، ورأت هاجر أن إسماعيل قد أوشك على الهلاك من العطش، فهرولت من اليأس سبعة أشواط من جبل إلى جبل (¬1)، ويقال أيضًا إن إبراهيم قد شرع السعى لعبادة اللَّه، وهرول فرارا من الشيطان الذى كان قابعا ينتظره فى بطن الوادى. المصادر: (1) Pelerinage de la Mekka: Goudefroy-Demombynes، ص 225 - 234، وهو يشير بصفة خاصة إلى الأرزقى، وقطب الدين، وابن جبير، وناصر خسرو، ومحمد الصادق، والبتنونى، وبورخارت Burkhadt وغيرهم. خورشيد [جودفروى ديمومبين Gaudefoy-Demombynes] سعيد باشا خديو مصر من عام 1854 إلى عام 1863, ولد محمد سعيد أصغر أبناء محمد على باشا عام 1822. وكان أبوه يعتد بابنه الرابع هذا اعتدادا كبيرا، فأرسله وهو فى التاسعة عشرة من ¬

_ (¬1) لا يوجد قول آخر، فإن السعى سبعة أشواط بإجماع المسلمين. أحمد محمد شاكر

عمره إلى الآستانة لمباشرة االمفاوضات الخاصة بالجزية التى كانت تؤديها مصر. ولم يكن سعيد الذى كان ميالا إلى الفرنسيين، على صلات طيبة بابن أخيه وسلفه عباس الأول. وكان عباس هذا قد بذل كل ما فى وسعه لإقناع الباب العالى بتغيير قانون الوراثة الذى صدر بفرمان سلطانى لصالح محمد على، وحصر ولاية العرش فى ذريته مباشرة، وذلك بإلغاء القانون الذى كان يقضى بأن يعتلى العرش دائما أكبر الأحياء من ذرية مؤسس هذه الأسرة. وكان سعيد لو ألغى هذا القانون حقيقا بأن يحرم من ولاية العرش، ولكن عباسا توفى قبل أن يحقق مسعاه. على أن الدسائس فعلت فعلها وأخفى خبر وفاة عباس أسبوعا، ولم يستطع سعيد أن يشق طريقه إلى العرش إلا بعد انقضاء هذا الأسبوع. كان سعيد أميرا خالص النية محبوبا، وإن لم يكن فى نشاط أبيه، وربما كان ذلك راجعا إلى اعتلال صحته. وفى نوفمبر 1856 أنشأ مجلس الشورى من بعض أمراء البيت المالك وأربعة من قواد الجيش وأربعة من كبار رجال الدولة. وقد خفف من حدة النظام الإدارى المركزى الذى أقامه محمد على، كما أسهم بقسط كبير فى تحسين الأحوال الاقتصادية للشعب بأن سن قانونا زراعيا منح بمقتضاه جميع الرعايا حق امتلاك أراضيهم والتصرف فيها بمحض إرادتهم (1858 م) وكان سعيد أول من حاول إلغاء تجارة العبيد (زيارته للخرطوم عام 1758). ولم تستمر سياسة التوسع ناحية الجنوب لا فى عهده ولا فى عهد سلفه، فقد حصل السودان على بعض الامتيازات وعين الأمير حليم حاكما عليه، واستبقى سعيد الفرقة المصرية الموفدة من 18 ألف رجل التى أنفذها عباس لشد أزر الجيش التركى فى حرب القريم، كما سمح أيضًا لفرقة من الجيش بالاشتراك فى الحملة التى أنفذها نابليون الثالث على المكسيك. وقد مكن الفلاحين من بلوغ مرتبة الضباط وبذلك شرع فى الحد تدريجا من قدرة الجيش المصرى على المقاومة.

المصادر

وقد تم فى عهد سعيد إنشاء سكة حديدية بين القاهرة والسويس، كما منح امتياز المراسلات البرقية إلى شركة التلغراف الشرقية. وأنشئ بنك مصر فى عام 1854 (¬1). وليس من شك فى أن أهم حادث فى عهده هو إعطاء امتياز حفر قناة السويس لفرديناند دليسبس عام 1856. وقد استطاعت الديبلوماسية الإنجليزية أن تحول دون تصديق الباب العالى على هذا الامتياز مدة سنتين، ولكن العمل فى هذا المشروع بدأ سنة 1859 بفضل مثابرة الخديو سعيد. وقد سخر الفلاحون للعمل فى هذا المشروع. وسميت مدينة بورسعيد الواقعة عند الطرف الشمالى للقناة باسم سعيد باشا. ونذكر أخيرا أن الدَّين المصرى بدأ فى عهد سعيد، فقد أدى الضيق المالى الذى نجم عن المساعدة الحربية التى قدمتها مصر لتركية وعن الأعمال الإنشائية العامة إلى أن تستدين مصر أكثر من ثلاثة ملايين من الجنيهات من أحد المصارف الإنجليزية. وكان هذا الفعل أول خطوة فى ذلك الطريق المشئوم الذى سار فيه إسماعيل باشا من بعده. وفى عام 1860 قام سعيد باشا برحلة إلى أوربا وحل محله فى غيابه ابن أخيه إسماعيل باشا ولى العهد المنتظر. وتوفى سعيد بالإسكندرية فى 17 يناير سنة ودفن فيها. المصادر: (1) جرجى زيدان: مشاهير الشرق، القاهرة سنة 1910، جـ 1 ص 33 - 35. (2) على رشاد: أوربه إيله مناسبات خارجية من نفقته نظر ندن تاريخ عثمانى، الأستانة، سنة 1329، ص 713 - 715 (3) The Story of the Khedivale in 19 . Jahrhundert: E. Dicey، هالة سنة 1917، ص 149 - 153. ¬

_ (¬1) هذا المصرف ليس "بنك مصر" القائم الآن والذى أنشئ سنة 1920، وليس "البنك الأهلى المصرى" الذى أنشئ سنة 1898 - والبنك المشار إليه فى المقال أغلق بعد إنشائه، ثم أعيد تأسيسه سنة واستمر حتى أغلق سنة 1911 [مهدى علام]

سعيد بن أوس

(4) L' Egypte sous le Gouvernement de Mohammed Said Pacha: Paul Merruan، فى Revue des deux mondes، جـ 27، جـ 11، ص 323 - 366 (5) Handbook to Egypt: Murray ص 291 - 293 الشنتناوى [كرامرز J. H. Kramers] سعيد بن أوس الأنصارى المعروف بأبى زيد: نحوى عربى من قبيلة الخزرج المدينة، درس على أبى عمرو بن العلاء البصرى، وإن كان قد حضر أيضًا دروس المفضل الضبى الكوفى. ووفد أبو زيد إلى مكة عندما استقدم المهدى إلى بغداد إثر ولايته الخلافة سنة 158 هـ (774 م) أبرز العلماء. وتوفى أبو زيد سنة 214 هـ أو 215 هـ (830 م). ولم يبق من مؤلفاته فى اللغة والنحو إلا عمدة كتبه: "كتاب النوادر فى اللغة" و"كتاب المطر" ويشتمل الأول على مجموعة من نوادر الشعر درسها على المفضل الضبى، ومجموعة من الرجز باللغة الفصحى استقاها من البدو مباشرة. . وهذا الكتاب فى صورته الحالية وصل إلينا عن طريق أبى حاتم وأبى الحسن الأخفش، وعلق عليه كلاهما بهوامش لغوية وشروح، وكتب على بن حمزة البصرى نقدا له سماه "كتاب التنبيه على أغلاط أبى زيد الكيلابى فى نوادره" (خزانة الأدب، جـ 4، ص 39)، وقد نشره سعيد الخورى الشرطونى (بيروت 1894؛ انظر Noldeke فى Zetschr d. Deutsch Morgenl. Gesellsch، جـ 49، ص 318 وما بعدها؛ Kleinere Schriften: Fleischer جـ 3، ص 471 وما بعدها). وكتاب المطر مجموعة من الأقوال العربية فى المطر، وقد نشره كوتهيل (R.Gotthil: Joural of the American Orient. Soc جـ 6 - ، ص 282 - 213) والأب لويس شيخو (Traite Philologique Kitab al-mater: L.Cheikho وهو بحث مقتطف من مجلة المشرق، بيروت 1905).

المصادر

المصادر: (1) ابن قتيبة، طبعة فستنفلد، ص 270. (2) ابن الأنبارى، ص 173 وما بعدها. (3) ابن خلكان، طبعة فستنفلد، رقم 262. (4) Die grammatischen Schulen der Araber: Fugel ص 70 وما بعدها. (5) Gesch. d. arab.Litter: Brockelmann, جـ 1، ص 104. خورشيد [بروكلمان Brockelmann] سعيد بن البطريق هو الاسم العربى ليوتخيوس Eutychius بطريق الإسكندرية من سنة 321 هـ إلى 328 هـ (939 - 933 م)، ولد فى الفسطاط سنة 263 هـ (876 م) وألف عدة تصانيف فى الطب والتاريخ، أشهرها التاريخ الإخبارى العربى المسمى "نظم الجوهر" الذى نشره بوكوك Pococke فى أكسفورد سنة 1658 - 1659، وقد أتم هذا التاريخ يحيى بن سعيد الأنطاكى. وثمة قطعة من تاريخ لصقلية وردت فى مخطوط مشهور بكمبردج (Handlist of Moham MSS: Browne، ص 127, رقم 170)، جرى الناس على نسبتها خطأ ليوتخيوس (Vizantia i Arabi: Vasiliew جـ 1، ص 79 وما بعدها والمصادر التى ذكرها مؤلف الكتاب). وفى هذه المكتبة أيضًا (Browne, الفهرس المذكور آنفا، ص 281, رقم 1317) رسالة فى الكلام كتبها سفروس ابن المقفع ردا على يوتخيوس. المصادر: (1) ابن أبى أصيبعة، طبعة مولر Muller جـ 2، ص 86 (2) Hist. de. La Medicine Arabe: Leclerc, جـ 1، ص 405 (3) Gesch . d. arab.Litteratur: Brockelmann، جـ 1، ص 148 خورشيد

سعيد بن زيد

سعيد بن زيد ابن عمرو بن نفيل. . . ابن كعب بن لؤى: من أقدم صحابة النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-]. وأمه فاطمة بنت بعجة بنت أمية من بنى خزاعة، ويكنى بأبى الأعور أو أبى ثور. وكان سعيد من أبناء عمومة عمر ابن الخطاب، وكان فى الوقت نفسه صهره، إذ كان متزوجا من أخت عمر كما أن عمر كان متزوجا من أخت سعيد. وقد أسلم قبل أن يدخل النبى محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] بيت زيد بن الأرقم، ويقال إن عمر اعتنق الإسلام بتأثير سعيد وأهل بيته. وكان أبوه زيد بن عمرو من الحنفية ومن المتعلقين بالتوحيد، طرح عبادة الأوثان وحذر معاصريه من الوثنية واعتقد فى ملة إبراهيم عليه السلام. ويقال إنه توفى فى العام الذى بنيت فيه الكعبة، ويقال أيضًا إن محمدا [-صلى اللَّه عليه وسلم-] شارك فى إقامتها. وهاجر سعيد إلى المدينة مع المسلمين حيث آخى النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] بينه وبين رافع بن مالك الزرقى أو أبى بن كعب كما فى رواية أخرى. وعندما بلغ المدينة عودة قافلة قريش من الشام أنفذ سعيد هو وطلحة بن عبيد اللَّه ليتنسما الأخبار، فقابلا القافلة عند الحوراء وأسرعا بالعودة إلى المدينة ليقصا الخبر غير أن النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] كان فى ذلك الوقت فى طريقه إلى بدر، وحدثت وقعة بدر دون أن يشهداها غير أنهما حصلا مع ذلك على نصيبهما من الغنائم. وشهد سعيد جميع الوقائع الأخرى وبرز فى وقعة أجنادين (عام 13 هـ) حيث كان على رأس الخيالة، وفى وقعة فحل (عام 13 هـ) حيث كان يقود الرجّالة، وفى وقعة اليرموك (عام 15 هـ). وكان سعيد عند وفاة عمر أحد الذين اختاروا عثمان للخلافة ومع ذلك لم يكن راضيا عن حكومته وإن لم ينحاز إلى جانب العلويين. وتوفى سعيد عام 50 هـ أو عام 51 فى العقيق بالقرب من المدينة حيث دفن، ويقال أنه نيف على السبعين. وجاء فى

المصادر

رواية أخرى أنه توفى وهو على ولاية الكوفة فى عهد معاوية. ولم يكن لسعيد قط المكانة الأولى فى شئون الجماعة الإسلامية، وكان موضع التبجيل بسبب سبقه إلى الإسلام، فهو أحد العشرة الذين بشرهم النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] بالجنة (عشرة مبشرة). ويمثل النبى فى بعض الأحيان (مسند أحمد بن حنبل، جـ 1، ص 187) صاعدا جبل حراء أو أحد مع بعض صحابته. وعندما أخذ الجبل يرتجف قال النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] "اسكن حراء فليس عليك إلا نبى أو صديق أو شهيد" ثم يأخذ النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فى تبشير صحابته بالجنة ومن بينهم سعيد الذى يومئ إليه من غير تصريح فى بعض الأحاديث وتذكرنا بعض صيغ هذه الرواية بتجلى عيسى فوق الجبل (إنجيل متى، الأصحاح 17). وسعيد واحد ممن يستجاب دعاؤهم، وشاهد ذلك القصة التى تذهب إلى أن سعيدا دعا على امرأة فعميت وغرقت فى بئر بسبب عماها. ونجد مسند سعيد -أى الأحاديث التى تروى عنه- فى مسند أحمد بن حنبل (جـ 1، ص 178 - 190). المصادر: (1) طبقات ابن سعد، طبعة سخاو، القسم الثالث من الجزء الأول، ص 275 - 581. (2) ابن حجر: الإصابة، تحت هذه المادة. (3) ابن الأثير: أسد الغابة، تحت هذه المادة. (4) ابن هشام، طبعة فستنفلد، الفهرس. (5) الطبرى، طبعة دى غوى، الفهرس تحت هذه المادة. (6) Annali dell' Islam: Caetani الفهرس تحت هذه المادة. الشنتناوى [فنسنك A.J.Wensinck]

سعيد بن العاص

سعيد بن العاص ابن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس بن مناف بن قصى، والى الكوفة والمدينة. وقد توفى النبى عليه الصلاة والسلام وهو فى التاسعة من عمره تقريبا، وقتل أبوه فى وقعة بدر، وكان من المشركين. وكان سعيد أحد أفراد أسرة من أشهر أسر قريش، وقد اشتهر خاصة بجوده وفصاحته. وكان عثمان يبجله ويحترمه ولذلك اختاره من بين الذين عهد إليهم بجمع القرآن الكريم. وفى سنة 29 هـ (649 - 650 م) أو 30 هـ (650 - 651 م) أقام عثمان سعيدا الشاب الحدث القليل التجربة واليا على الكوفة مكان الوليد ابن عقبة الذى كان قد أثبت أنه رجل صعب المراس يتعذر التفاهم معه. وقام سعيد إبان ولايته بحملات على طبرستان وجرجان، وقضى على الفتنة فيهما، ولكنه أثار عليه أهل الكوفة لنزوعه إلى العدوان، فشكوه للخليفة دون طائل. ودأب سعيد على مسلكه هذا فأسخط الكوفيين مما حمل عشرة من رجالهم ومن بينهم مالك الأشتر صاحب النفوذ والجاه إلى لقاء الخليفة عثمان وسألوه عزل سعيد الذى كان عند ذاك فى حضرة عثمان. على أن عثمان أعرض عن شكواهم، وأمر سعيدا بأن يعود إلى ولايته من فوره، ولم يرض الأشتر عن ذلك، فأسرع بالعودة إلى الكوفة فلقيه رسل الأشتر بعصبة كبيرة وأرغموه على العودة إلى المدينة من فوره. ثم ذهب الأشتر إلى مسجد الكوفة ونادى من للقاء نفسه بأبى موسى الأشعرى واليًا على الكوفة. وأقسم الحاضرون يمين الولاء للخليفة، ثم اتفق على تولية الأشعرى وأيد عثمان ولايته. وظل سعيد بالمدينة، ولما هاجم الثوار الخليفة فى بيته دافع عنه سعيد حتى أثخنته الجراح. وغادر طلحة والزبير وعائشة مكة بعد مقتل عثمان وتوجهوا إلى البصرة لاجتذاب الجند فيها إلى جانبهم، وذهب معهم سعيد بادئ الأمر، ولكنه ما إن بلغ مَرّ

المصادر

الظهران، أو ذات عرق فى رواية أخرى، حتى عدل عن صحبتهم إلى أبعد من ذلك لأنه لم يكن يعتقد فى حسن نوايا زعيمى هذه العصبة، طلحة والزبير، وحاول أن يقنع الآخرين بعدم المضى فيما كانو بسبيله. وعارض مروان بن الحكم ادعاءات سعيد، على حين انضم إليه المغيرة بن شعبة وترك هذان الرجلان ومعهم نفر قليل باقى أفراد الجماعة. واستقر سعيد فى مكة، ولم يشترك فى وقعة الجمل ولا فى وقعة صفين. وتناوب سعيد هو ومروان بن الحكم الولاية على المدينة إبان حكم معاوية. وقد ولى مروان هذا المنصب أولا، ثم جاء دور سعيد، فلما صرف عن منصبه تولى مروان الولاية ثانية. وظل مروان فى الولاية بعض الوقت ثم صرف عن منصبه مرة أخرى وعين مكانه سعيد. وتوفى سعيد فى ضيعته بالعقيق سنة 59 هـ (678 - 679 هـ) وفى قول أكثر الروايات شيوعا، أو سنة 53 هـ (672 - 673 م) فى قول روايات أخرى، أو سنة 57 هـ (676 - 677 م) سنة 58 هـ (677 - 678 م). المصادر: (1) ابن سعد: الطبقات، طبعة سخاو، جـ 5، ص 10 وما بعدها. (2) النووى، طبعة فستنفلد، ص 281 وما بعدها. (3) ابن الأثير: أسد الغابة، جـ 2، ص 309 وما بعدها. (4) ابن حجر: جـ 2، رقم 5058. (5) الطبرى، طبعة ده غوى، انظر الفهرس. (6) ابن الأثير: الكامل، طبعة تورنبرغ، ص 119، 198، 280، 322، 328 وما بعدها، 334، 336. (7) اليعقوبى، طبعة هوتسما، جـ 2، ص 152, 190, 192، 207، 268، 283. (8) Shizzen und Vorabeitn: Wellhausen، جـ 6، ص 118 وما بعدها. (9) Caetani Annali dell' Islam انظر الفهرس. الشنتناوى [تسترشتين K.V.Zettersten]

سفيان الثورى

سفيان الثورى أبو عبد اللَّه سفيان بن سعيد (وفى رواية سعد) بن مسروق الثورى الكوفى: فقيه ومحدث وزاهد مشهور من أهل القرن الثانى للهجرة. ويقول كتاب السير بوجه عام أن نسبته الثورى ترد إلى سلف من أسلافه هو ثور بن عبد منات. . ابن إلياس بن مضر (انظر Register zu den genealog. Tabellen d. arab. Stamme u Familien: Wustenfeld، سنة 1853، ص 452؛ ابن دريد الاشتقاق، طبعة فستنفلد سنة 1854، ص 113؛ السمعانى: الأنساب، مجموعة كب التذكارية، جـ 2، ورقة رقم 217). ويذكر ابن خلكان (الوفيات، طبعة فستنفلد، رقم 265، ترجمة ده سلان، سنة 1842 جـ 1، ص 576 وما بعدها) أنه ولد 95 أو 96 أو 97 هـ على حين تتفق المصادر الأخرى جميعا على أنه ولد عام 97 هـ (715 أو 716) ويجعل كيتانى (Chonographia Islamica: Caetani جـ 1، ص 5؛ 1180، رقم 26) مولده سنة 96 مستندا فى ذلك إلى مخطوط وحيد، وتلقى سفيان دروسه الأولى فى الحديث على والده. وكان عالمًا كوفيا توفى عام 126 (وفى رواية آخرين عام 128، انظر Cotoni المصدر السابق 1067 رقم 73) وذكرته كتب الطبقات التى سنوردها بعد بأسماء مختلفة سالكة إياه فى عداد شيوخ سفيان. كان سفيان من أهل الورع القدماء الذين أفصحوا عن مقتهم للحكم الجديد بعزوفهم عن المناصب الحكومية فجزوا على أنفسهم سخط رجال البلاط. ويقول ابن سعد فى الطبقات (طبعة zettersepeen، سنة 1909، جـ 6، ص 258) إن سفيان قبل فى مناسبة بعض المال والهدايا من أحد الولاة ولكنه أمسك عن ذلك كل الإمساك فيما بعد. وغادر سفيان الكوفة عام 150 وجاوز هو وكثير غيره حدود العراق ليتحاشى ولاية القضاء (انظر Die Renaissane des Islam: Mez، سنة 1922 ص 209). وذهب إلى اليمن، وتكسب بالتجارة إذ كان يقدم السلع للتجار لبيعها نظير جعل له، ثم يسوى الحساب معهم

سنويا، وبذلك بلغت ثروته آخر الأمر حوالى مائتى دينار. ويذكر ابن قتيبة (كتاب المعارف، طبعة فستنفلد سنة 1850، ص 250) أن أمواله عند وفاته بلغت ما يقدر بمائة وخمسين دينارًا من السلع. غير أن سفيان لم يكن آمنا على نفسه من اضطهاد رجال البلاط فى بغداد حتى وهو يقيم فى اليمن؛ فقد كانوا يتحرون عنه، فغادرها إلى مكة. وأمر الخليفة أمير مكة محمد بن إبراهيم عام 158 (وهو العام الذى خلف فيه المهدى المنصور، ومن ثم تختلف المصادر أيهما أصدر هذا الأمر) أن يطلبه "يطلبه" وهذه العبارة هى التى وردت فى معظم المصادر، وفى النووى، تهذيب الأسماء، طبعة فستنفلد 1842 - 1847, ص 287, وابن حجر: تهذيب التهذيب؛ 1325 هـ، جـ 4، ص 114 أن الخليفة المنصور أمر بعض تجار الخشب وكانوا ذاهبين إلى مكة أن يصلبوه (فاصلبوه)؛ ومن المؤكد أن هذا القول من الخليفة ليس مجرد خطأ وقع فيه الناسخ ولكنه يدل على قصة أخرى). على أن الأمير لم ينفذ أمر الخليفة بل حذر سفيان كما يقول ابن سعد (الموضع المذكور) فبادر إلى الاختفاء، فى حين يذكر الطبرى (جـ 3، ص 385 وما بعدها) أن الأمير كان قد سجن سفيان ولكنه عاد فأطلق سراحه. والقصة كلها قد أدخلت عليها فى الروايات المختلفة تفصيلات تهم من يدرس الحياة فى ذلك العهد. ومهما يكن من شئ فإنه يكاد يكون من المؤكد أن سفيان اضطر إلى الاحتماء بالكعبة هربا من مطارديه (ابن سعد، ص 259). مع ذلك فإن سفيان قد وجد آخر الأمر أن الظروف فى مكة أصبحت أصعب من أن يطيقها، فرحل عنها إلى البصرة عند يحيى بن سعيد، وهناك أقبل عليه كثير من الفقهاء ليأخذوا عنه الحديث. واضطر أيضًا وهو فى البصرة أن يغير مكان إقامته طلبا للسلامة. وقد أشار عليه حماد بن زيد أن يسالم رجال الحاشية فى بغداد، فبدأ يتفاوض معهم بالمراسلة وكانت النتيجة طيبة، ولكنه مرض وتوفى، قبل أن يرحل إلى بغداد، بالغًا من العمر 64 عاما. وكانت

وفاته فى شهر شعبان عام 161 الموافق شهر مايو عام 778 (عام 169 فى كتاب الذهبى السيوطى: طبقات الحفاظ طبعة فستنفلد سنة 1833، جـ 1، ص 45، رقم 40، ولعل ذلك خطأ وقع فيه من تولى نشر هذا الكتاب على الحجر) ونخرج من ذلك بأن المصادر كافة تجمع على أن سفيان ظل مختفيا عن أصحاب السلطان حتى أدركته المنية. وقد توفى ولده الذى كان يؤثره على كل شئ قبل موته، وبذلك ترك ثروته كلها لأخته وولدها عمار بن محمد ولم يترك شيئًا لأخيه المبارك الذى توفى عام 180 هـ. ودفن سفيان ليلا كما جاء فى عدة مصادر. وذكر كثير من الجغرافيين قبره بالبصرة، ولم ير سفيان الكوفة مسقط رأسه منذ عام 150 هـ (انظر ابن حجر، الكتاب المذكور). وهذا المجمل الذى ذكرناه عن سفيان هو كل ما نستطيع أن نقطع به فى سيرته. غير أن كثيرا من السمات الأسطورية وجدت طريقها إلى قصة حياته بالنظر إلى ما كان له من سلطان عجيب على النفوس، ويجب أن ننظر إلى هذه السمات بعين الشك حتى ولو لم تظهر عليها مسحة الاختراع أو بدت محتملة الوقوع من الناحية التاريخية. وأبين هذه السمات حديثه مع الخليفة المهدى الذى أورده ابن خلكان فى السيرة التى خص بها سفيان نقلا عن كتاب مروج الذهب للمسعودى (جـ 6 باريس سنة 1871، ص 257). ذلك أن هذا الحديث لا يستند إلى التاريخ، إذ من المحقق أن هذين الرجلين لم يلتقيا قط فى حياتهما، فضلا عن أن ثمة أسبابًا أخرى تدعو إلى عدم الثقة فى هذه الرواية. وسنناقش بعد ما روى عن سيرة سفيان بالنسبة للحركات العقلية المخللفة فى الإسلام، وهى الحركات التى زعمت أن سفيان كان يؤيد ما نادت به، والتى كان لها من ثم مصلحة كل التماس الصفات التى تتطلبها فى حياته. أما فى ميدان الحديث فقد أثنى عليه الناس فى كل مكان الثناء المستطاب لما

عرف به من اطلاع واسع عجيب وعلم غزير يرتفع به إلى مقام الثقات الأثبات. وأفضل نقد له ما ذكره الذهبى (ميزان الاعتدال، سنة 1325، رقم 3266) فقد قال فيه إنه حجة ثبت. ويتصف سفيان فى الوقت نفسه بصفات أخرى من الطراز الأول جمعها كولدسيهر Goldziher فى كتابه (Muhamm. Stud، جـ 2، ص 142). وهو يوضع فى مرتبة سامية وأن كان قد جرى سفيان على أن يذكر أحاديثه منسوبة إلى رواتها الأثبات مباشرة مع أنه كان إنما يأخذها بطريق غير مباشر من محدثين أقل من هؤلاء حجية (انظر القاموس، تحت هذه المادة (¬1)، Goldziher: كتابه المذكور، ص 48، والفقرات الواردة فيه نقلًا عن ابن خلدون). ويضعه ابن حجر فى كتابه طبقات المدلسين (القاهرة سنة 1322، ص 9) فى الطبقة الثانية من طبقات المدلسين، أى من أولئك الذين صفح الأئمة عن تدليسهم لكونهم من الشخصيات البارزة وبسبب قلة هذا التدليس، وهو يقول إن سنده فى الحديث النسائى (Geschichte der arabi schen Litteratur: Brockelmann، جـ 2، ص 199) والبخارى. غير أن تدليس سفيان لم يمنع كتاب السير من ذكر قصص فيها مفخرة له. ولقد كان سفيان من أوائل الذين دونوا ذخيرة الأحاديث التى وعتها ذاكرته (انظر تاريخ أبى المحاسن، طبعة Juynboll جـ 1، سنة 1855، ص 387 وما بعدها؛ حاجى خليفة، طبعة Flugel جـ 1، ص 80 وما بعدها) وقد أورد ابن النديم صاحب الفهرست (طبعة Flugel جـ 1، ص 225) على سبيل المثال عددًا من مؤلفاته وهى: (1) الجامع الكبير (2) الجامع الصغير (3) كتاب الفرائض (4 و 5) رسالتان لم يذكر موضوعهما. ولسفيان أيضًا تفسيره للقرآن وهو التفسير الذى استشهد به الثعلبى كما ¬

_ (¬1) ليس واضحا ما يريد أن يشير اليه الكاتب هنا: فالذى فى القاموس (المحيط) تحت مادة "سفن" هو "لقب إبراهيم بن الحسين بن ديزيل الهمذانى، لقب به لأنه إذا أتى محدثا كتب جميع حديثه". وتحت مادة "سفى": "وسافاه": سافهه وداواه، والمسفى: النمام" [مهدى علام]

يقول حاجى خليفة (رقم 3248). على أن هذه المؤلفات لم تصل إلينا إذ يذكر كثير من كتاب السير أن سفيان عهد وهو على فراش الموت إلى صديق لم يذكر اسمه (انظر الفهرست، جـ 2، ص 98، تعليق رقم 3 فى صفحة 225) بأن يحرق كتبه، وقد فعل الصديق ما أمره به، والسبب فى ذلك كما يقول حاجى خليفة (جـ 1 ص 126) هو أن سفيان أحس بتبكيت الضمير على ما أورده فى مصنفاته من أحاديث ضعيفة السند، ونخرج من ذلك بأن ما أخذ عليه من تدليس أشرنا إليه آنفا لم يؤخذ عليه بغير حق فيما يظهر. وأوفى ثبت بشيوخه وتلاميذه هو الذى ذكره ابن حجر (كتابه المذكور، ص 111 وما بعدها). وقد أوردت مؤلفات أخرى من كتب الطبقات الأسماء التى لم ترد فى هذا الثبت. ويذكر النووى وابن حجر أن خير سند كوفى هو: سفيان عن منصور [ابن المعتمر، انظر النووى ص 578] عن إبراهيم [النخعى، انظر النووى، ص 135] عن علقمة [الراوى، انظر النووى، ص 433] عن ابن مسعود. أما من حيث الفقه فقد كان سفيان صاحب مذهب اختفى فيما بعد (انظر Mez: كتابه المذكور، ص 202 وما بعدها) وقد كان من الأتباع المتزمتين لمذهب أهل الحديث. أما فى ميدان علم الكلام فكان من الصفاتية أى من أولئك الذين يرون أن صفات اللَّه الواردة فى القرآن الكريم متحققة بالمعنى الظاهر للفظ، وأنها من خصائص ذاته (انظر الشهرستانى: الملل والنحل، طبعة Cureton جـ 1، ص 65، 160؛ ترجمة Haabrucher جـ 1، ص 97، 242). وسفيان من أهل السنة، يثبت ذلك -إذا كان الأمر محتاجا إلى إثبات- رأيه فى العقيدة، وهو الرأى الذى أملاه فيما يقال على شعيب بن جرير (انظر الذهبى: تذكرة الحفاظ، جـ 1، حيدر آباد سنة 1333 هـ، ص 193). ويقول فيه بعد كلام عن عدم خلق القرآن، وإن القول والعمل والنية (انظر سهل

التسترى) هى الصفات التى يتصف بها الإمام وهى قابلة للزيادة والنقصان (انظر Vorlesungen: Goldziher، الطبعة الثانية، سنة 1925، ص 81) وأن تفضيل علىّ (انظر Arendonk: Van de opkonut uan het Zaidie tische imamaat in Yemen سنة 1919 الفهرس، تحت مادة saihks) يرجع إلى الشيخين أبى بكر وعمر، وأنه فى الوضوء الأصغر يجوز المسح على الخفين بدلا من القدمين (Goldziher: كتابه المذكور، ص 369) وأن تلاوة البسملة بصوت خفيض خير من تلاوتها بصوت جهير (انظر Gold Beitrdge zur Litteratur geschichte der S. i a. S. B. W. A: ziher جـ 78، سنة 1874 ص 451 وما بعدها، 457) وأن على المرء أن يعتقد فى القدر، ويصح له أن يصلى الجمعة والعيدين خلف أى إمام، أما فى الأوقات الأخرى فيتعين عليه أن يختار الإمام الذى يثق فى ورعه ويعلم أنه من أهل السنة. وهو يقول أخيرا إن الجهاد باق إلى يوم القيامة (انظر Dict. of Islam: Hughes سنة 1885، ص 244) وأن على المرء طاعة أولى الأمر سواء اتصفوا بالعدل أو بالجور. ومن اليسير أن نتبين أن أكثر هذه المبادئ تمثل نقاط الخلاف المعروفة بين أهل السنة والشيعة، وقد أخذ فيها كلها بمذهب أهل السنة، ومع ذلك فإن سفيان يوصف بميله إلى الشيعة، فصاحب كتاب طبقات الحفاظ (الموضع المذكور) يذكر من شيوخه الإمام جعفرا الصادق ويذكر ابن قتيبة سفيان فى كتاب المعارف (ص 301) بين طائفة من الشيعة، ويورد الطبرى (جـ 3، ص 2516) قصة مؤداها أن سفيان كان شيعيًا ولكنه لقى فقيهين فى البصرة فأغرياه بالتحول إلى مذهب أهل السنة. ومهما يكن من شئ فإنه يوصف أيضًا بأنه من الزيدية (انظر الفهرست، ص 178 Van Arendonk: كتابه المذكور، ص 284. والفهرس تحت هذه المادة؛ Corpus Juris di Zaid ibn Ali طبعة Grifini سنة 1919، ص 175 تعليق رقم 3 والفهرس تحت هذه المادة). وهذه الأقوال بلا شك مختلفة من أساسها. ويرى ماسينيون Massignon La Passion d Al-Hallaj) سنة

1922، ص 72) أن أصلها راجع إلى أن تبجيل أناس من أمثال سفيان والشافعى للنبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] ينطوى أيضًا على احترامهم لأهل البيت ومن بينهم العلويين بطبيعة الحال، ويبدو لى أن التعليل الذى ذكره (بركستراسر Bergstrasser فى عرضه لفقه زيد بن على Orientalische Literaturzeitung Corpus Juis سنة 1922، عمود رقم 122 وما بعده) أكثر إيضاحا، أعنى أن فقه زيد كان فى حالات كثيرة مطابقا لآراء فقهاء العراق، وقد كان سفيان واحدًا منهم، ولما كان سفيان قد نادى فى كثير من الأحوال بأقوال مماثلة لما جاء فى هذا الفقه (باستثناء أن صاحب الفقه هو الذى أخذ عنه فى واقع الأمر) فإنه يجوز أن ننسبه إلى الزيدية. ولا جدال فى أن هذا يصدق على القول بأنه كان من الشيعة. أما قوله الذى نوهنا به من قبل من أن العمل من الصفات التى يجب أن تتوفر فى الإمام فموجه إلى المرجئة (انظر فى ذلك Vorlesungen: Goldziher ص 351) حيث جاء فيه نقلا عن ابن سعد كيف أن سفيان قد أبى أن يشترك فى جنازة أحد المرجئة. وليس من شك فى أن سفيان كان من الزهاد ولا يستطيع كتاب السير فى هذا المقام أيضًا ذكر كثير من القصص التى تدور حوله وخير شاهد على زهده هو أن الصوفية قالوا إنه من أئمتهم الأوائل. وقد خصه فريد الدين العطار فى كتاب "تذكرة الأولياء" (طبعة Nicholson جـ 1 سنة 1905 ص 188 وما بعدها) بمقال يقع فى تسع صفحات تقريبا، ولكنه لا يحوى مع ذلك شيئا خاصا به يميزه عن غيره. وقد لاحظ شيدر Islam) H. H. Schaeder جـ 14، ص 1) أن تراجم أهل الورع القدامى الواردة فى كتاب العطار تتصف عامة بأنها صيغت على نمط واحد تقريبا يتجلى فيه الورع المأثور عن المتصوفة. على أن سفيان قد ذكر فى كتاب الفهرست (جـ 1، ص 183) بين الزهاد لابسى الصوف. واتخذه أبو نصر السراج فى كتاب اللمع (طبعة Nicholson, مجموعة كب التذكارية جـ 22، سنة 1914، ص 22) شاهدًا على قدم الصوفية. وقد نوقشت أكثر

المصادر

من مرة صلة سفيان بالجنيد وإن كان كل منهما لا يعرف الآخر (انظر على سبيل المثال: الهجويرى: كشف المحجوب، ترجمة Nicholson مجموعة كب التذكارية، جـ 17، سنة 1911 ص 128). ومن الواضح أن هذه الصلة هى صلة عقلية فحسب، وإنه من الصعب أن نفهم منها غير دلك عندما يقول أبو المحاسن (كتابه المذكور، جـ 2، ص 213) إن الحلاج قد عرف سفيان (لَقِىَ). ومع ذلك فلا سبيل إلى الشك فى القصة التى أوردها هذا المؤلف نفسه (جـ 1، ص 242) من أن سفيان كان على صلات ودية بالزاهد شيبان الراعى (المتوفى عام 158) الذى عاش عيشة تعبد ونسك فى لبنان. وهذه الملاحظات التى تنظر إلى سفيان من زوايا متباينة وتتفق مع التيارات العقلية المختلفة فى التاريخ الإسلامى ليست بطبيعة الحال إلا مقدمة لا تغنى عن رسالة تكتب فيه، وإن الحاجة إلى هذه الرسالة قد تجلت من الأقوال المختلفة المتعددة التى ذكرناها عنه آنفا. المصادر: (1) يجب أن نلاحظ قبل كل شئ فيما يختص بالمصادر أن الذهبى فى كتابه تذكرة الحفاظ جـ 1، ص 92 يعتمد على مصنفه التاريخى الكبير الذى درس فيه بالتطويل سفيان. ولم يذكر مع ذلك المجلد الذى ورد فيه هذا البحث بين مخطوطات المجلدات المفردة الواردة فى كتاب Ceschichte der arabischen Litteratur: Brockmann جـ 2، ص 47, ويشير الذهبى أيضًا إلى كتاب فى مناقب سفيان كتبه ابن الجوزى ولكن هذا الكتاب لم يصل إلينا. وتحوى كتب السير والتاريخ وأسماء الكتب الواردة فى صلب المقال بحوثا خاصة بسفيان قد أفدنا منها فى كتابة هذا المقال. ففيما يختص بما ظهر منها فى طبعات أوربية يمكن أن يرجع إلى فهارسها تحت مادة سفيان عن الإشارات المتفرقة

السفينة

عن حياته وتعاليمه. ويمكن للقارئ أيضًا أن يرجع لقصة اجتماعه بما شاء الله فى تاريخ القفطى، طبعة Lippert, ص 327 وما كان من رفضه لمنصب القضاء كما ذكرت فى كتاب الهجويرى المذكور، ص 93، وإلى اجتماعه بالمنصور (ابن عبد ربه: العقد الفريد، القاهرة سنة 1336، جـ 2، ص 108). ويمكن الرجوع أيضًا إلى فهارس المصنفات الأوربية فيما يختص بفقرات لم ترد فى هذا المقال. وهناك معلومات أكثر من ذلك فى Die RichLeguug tungen der islamischen Koanaus: Goldziher سنة 1920 فى Muh. Stud، جـ 2، إذ أن العبارة الواردة فى صفحة 58 ليست واردة فى الفهرس: وانظر عنها Development of muslim Theology: D. BMacdonald سنة 1903 ص 97 وما بعدها Lit Hist Persia: Browne سنة 1909 جـ 1، ص 242 - 426 (ففى صفحة 434 نقل قصة اجتماع سفيان بالحلاج) الشنتناوى [بلسنر M.Plessner] السفينة هى الكلمة العربية المرادفة بوجه عام للكلمة الانجليزية Ship. ومعناها أخص من كلمة مركب التى تدل على أداة النقل بأوسع معانيه. وفى العربية عدد كبير جدًا من الألفاظ الدالة على أنواع السفن المختلفة، على أن معظم هذه الألفاظ مستعار من لغات أخرى. ونلاحظ فى هذا المقام أن اللفظ المستعار يعبر عادة عن الفكرة المميزة لأى نوع معلوم من السفن (انظر Kindermann. كتابه المذكور فى المصادر، ص 112 وما بعدها)؛ بل إن الكلمة الشائعة "سفينة" ليست من أصل عربى (انظر المصدر السابق، ص 108) على خلاف كلمة "مركب". على أن استعمال هذه الكلمة بمعنى السفينة يدل كما بين فرانكل (Die aram Fremdw: Fraenkel ص 215) على أن السفر برًا كان هو المفضل. واستعمال كلمة سفينة وإن كان يبرر القول بأن الملاحة كانت فى الأصل غريبة على العرب فإن هذا القول، كما هو الشأن فى جميع الأحوال المماثلة لا

يصدق إلا على العهد الأول الذى استعيرت فيه كلمة من قبيل السفينة. وسرعان ما أحس القوم بالفهم لها، ومن ثم لم تصبح فكرة السفينة شيئا غريبا على العرب. والأمر على خلاف ذلك بالنسبة للمسألة التى كثر حولها الجدل وهى: هل كان العرب حقًا فى صدر الإسلام على دراية بالبحر وبالملاحة؟ ولم نصل بعد إلى جواب شاف لهذه المسألة، وقد اكتفى الكتاب بذكر الأسباب المؤيدة لهذا القول والأسباب المعارضة له. والشئ الذى أثار هذه المسألة فى بادئ الأمر هى الأوصاف التى ذكرها القرآن الكريم عن البحر، فقد تساءل بارتولد [بمنظور المستشرق] بحق (Zeitschrift der Deutschen Morgenandi-chen Gesellschaft: W.Barthold جـ 8 سنة 1929، ص 37 - 43) كيف تأتت للنبى محمد صلى اللَّه عليه وسلم هذه الصور الواضحة عن البحر وعواصفه ومن أين استقاها؟ ذلك أنها من أزهى الصور الواردة فى القرآن الكريم (¬1). ويقول بارتولد: "أن هذه المسألة لها أهمية خاصة، ذلك أن أوصاف البحر كانت من الأمور الغريبة بوجه عام على الشعر العربى، وخاصة الشعر الجاهلى، وإن سيرة النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] لا تدل على أنه قام بأية رحلة بحرية حتى وإن كانت بالقرب من الشاطئ". كما أنها لا تدلنا على أنه زار أى ثغر من الثغور المعروفة فى ذلك الوقت مثل جدة أو شُعَيْبَة أو غزة. وذهب نولدكه فى افتراضه (Isl جـ 5 سنة 1914، ص 163، تعليق رقم 3) إلى أن محمدًا [-صلى اللَّه عليه وسلم-] يجوز أنه زار بشخصه هذه البلاد فى مناسبة من المناسبات عندما كان يتعامل فى تجارة قريش مع الحبشة، إذ إن سورة يونس الآية رقم 23 (¬2) وسورة العنكبوت، ¬

_ (¬1) هذا القول يشعر بأن القرآن من كلام محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-، وقد سبق أن رددنا على هذه الدعوى التى يقول بها كثير من المستشرقين فى مواضع مختلفة من هذه الدائرة، بل أن هذه الصور الرانعة لركوب البحر هى من أقوى الدلائل على أن القرآن ليس من تأليف النبى، وهو لم يركب البحر فى حياته، بل جاءه بها الوحى من عند اللَّه تعالى. انظر العمود الثانى من الصفحة التالية. [م. ع] (¬2) رقم الآية فى المصحف العثمانى هو 22. [م. ع]

الآية 65، وسورة النور، الآية 40، تبدو لنا وكان النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] قد كابد بشخصه أهوال السفر فى البحر. واستخلص فرانكل (كتابه المذكور ص 211) من القرآن: "أن العرب الأولين كانوا يدركون حق الإدراك أن بلادهم يحف بها البحر من ثلاثة جوانب، وأن ركوب البحر كان عظيم الأهمية على الأقل بالنسبة للبيئات التجارية التى كان ينتسب إليها محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، وإلا فما كان يتحدث النبى -كما يرى فرانكل- فيما لا يقل عن أربعين آية عن فضل اللَّه فى تسخير البحر للناس. ولم يقف فرانكل عند هذا الحد بل تحدث عن حركة "التجارة المنتظمة" مع الحبشة التى أشارت إليها الروايات فيما أشارت، فقد ورد ذلك فى روايتين تذهب إحداهما إلى أنه قد استخدمت أخشاب سفينة جنحت عند شعيبة فى بناء الكعبة (الطبرى، جـ 1، ص 1135) وتذهب الأخرى إلى أن "المهاجرين" الأولين أبحروا على سفينتين تجاريتين كانتا ذاهبتين إلى الحبشة (الطبرى، جـ 1، ص 1182). أما عن السفينة التى جنحت فقد قيل على وجه اليقين إنها كانت سفينة رومية، وليس فى الرواية الأخرى ما يدل على أن هاتين السفينتين كانتا عربيتين (ويرى لامنس Lammens: La Mecque ص 248 = 380 أن هاتين السفينتين غير عرببيتين). وتدل جميع الدلائل على أن القول الراجح هو أن هذا الاتصال بين بلاد العرب والشاطئ المقابل لهم كان يقوم به الأحباش، وهو قول قال به أيضا بارتولد (W. Barthold: كتابه المذكور ص 43) لأسباب مختلفة عن ذلك كل الاختلاف. بل إن لامنس (La Mecque: Lammens ص 289 = 385) يتحدث عما كان للأحباش من سيادة على البحار ولا يجد فى الأخبار المكية أى ذكر لسفينة عربية تاجرت مع مملكة أكسوم، ولو أن حديثه لا يخلو من اعتراضات توجه إليه (المؤلف نفسه: L, Arabie Occidentals ص 15). على أن لامنس يعترف بأن الإشارات الكثيرة فى القرآن الكريم والسيرة إلى الملاحة تنم بأن العرب كانوا على دراية وثيقة بالبحر،

إلا أنه لم يرد قط أن أحدًا من عشيرة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- أو بدويًا من تهامة كان بحارًا، فقد تركت هذه المهنة لغيرهم على شاطئ البحر الأحمر (المؤلف نفسه: La Mecque ص 283 - 379). ومن الإشارات إلى الملاحة فى الشعر العربى القديم البيت رقم 102 من معلقة عمرو ابن كلثوم وهى إشارة هامة بصفة خاصة. فهو يفخر بقومه بنى تغلب قائلا إن سفنهم تغطى وجه البحر، فى حين يسلم كولدسيهر (Z.D.M.G جـ 44، سنة 1890، ص 165 وما بعدها) الذى يأخذ برأى فرانكل بأن هذا البيت عظيم الأهمية بلا شك. ويميل نولدكه (Nnldeke: Funf Moallaqat، جـ 1، ص 49) إلى الرأى القائل "إن بنى تغلب جروا فى بعض الأحيان على السير فى نهر الفرات بالقوارب" وأن ذلك "لا يمكن أن يكون له شأن بركوب البحر بمعناه الصحيح". وهو يرى أن كلمة "بحر" فى هذا المقام معناها مياه الفرات الفسيح الجنبات. وإنما يدل نص البيت على أننا بصدد شاعر يفخر (انظر أيضًا Jacob: Beduinenleben ص 149) ويزداد تفاخره أثرًا فى النفوس لأن هذا النوع من النشاط على متن الماء لم يكن معروفا للقبائل الأخرى؛ بل إن من المؤكد أنهم كانوا يخشون الماء. ونحن إذا تغاضينا عن هذا البيت الفريد وجدنا أن كولدسيهر (كتابه المذكور) يبين أن البحر وغيره من أسباب الملاحة كانت تستخدم فى الشعر القديم على سبيل المجاز. فالقافلة فى سيرها مثلا تشبه فى كثير من الأحيان بالسفن تسير فى البحر. وهذه الصور التى هى فى الغالب لا لون لها ربما تكون قد نشأت على الساحل، ثم تنقلت فى داخل البلاد صيغا محفوظة، وليس من الضرورى أن يكون الشاعر الذى استخدمها على دراية شخصية بالبحر. ويجدر بنا أن نذكر القارئ فى هذا المقام بطبيعة النسيب الذى جمد على أساليب وصور محفوظة.

أما والإشارات العارضة إلى الملاحة لابد أنها تستند فى الواقع إلى أساس من الأسس -زد على ذلك أننا لا نعلم شيئا عن قيام العرب [قبل الإسلام] بأى مشروع فى البحر على نطاق ما- فإن من الطبيعى أن نقول: "إن العرب قبل الإسلام لم يتوغلوا فى تجارتهم إلى أبعد من سواحل البحر الأحمر والخليج الفارسى" كما ذهب إلى ذلك فستنفلد (Nachrichten d. Gesellschaft Wiss Gottingen: Wustenfeld، سنة 1880، ص 134) ويرى لامنس (La Mecque: Lammens ص 185 = 381) أنهم إنما كانوا يصيدون الأسماك على نطاق ضيق جدًا غير بعيد من الشاطئ، ويسلبون فى بعض الأحيان السفن الجانحة (انظر ما تقدم). أما من حيث "الواردات من الخارج" التى كانت تشاهد فى بلاد العرب فى ذلك الوقت فيرى يعقوب (Jacob كتابه المذكور، ص 149). "أن السفن الأجنبية (وخاصة الحبشية والهندية) كانت على أية حال هى التى تفد على الثغور العربية أكثر من وفود السفن العربية إلى ثغور البلاد الأجنبية، وكانت الواردات تشمل سلعا أجنبية متعددة، فى حين لم يكن لدى بلاد العرب كما يؤكد فريتاغ Freytag (Einleitung ص 276 وما بعدها) من المحصولات التى يمكن تصديرها بحرًا إلى البلاد الأجنبية إلا القليل. على أن هذه الملاحظات تصدق قبل كل شئ على الحجاز وما جاوره من أراض، ولا يمكن أن تنطبق على جميع بلاد العرب بلا جدال، ففى هذا الإقليم بالذات بعض العوامل غير الملائمة للملاحة. وقصة السفينة الجانحة (انظر ما سبق) تبين بوضوح افتقار الجهات المجاورة لمكة إلى الأخشاب، كما أنه ليس على الساحل مرافئ جيدة أو كبيرة، ثم إن بعض المرافئ القديمة مثل Leukekome والجار وشعيبة قد هجرت تماما فيما بعد. وكان البحر الأحمر مرهوب الجانب لعواصفه وشعابه وخاصة فى الشمال

(انظر مادة بحر القلزم"؛ Renaissanca: Mez ص 476). زد على ذلك أنه ليس ببلاد العرب أنهار صالحة للملاحة تتخذ مجالا للتدرب على الضرب فى البحر. وليس بعجيب إذن أن حياة البدوى البعيدة عن البحر حالت طويلا بينه وبين الركون إلى اتخاذ الماء أداة للانتقال. ولابد أن يكون هذا الاتجاه قد عاق الرحلات البحرية الإسلامية فى بدايتها، وهو ما اختلف فى الوقت الحاضر. (انظر La mer donsles Traditioas. . .a Rabat et Sale: L, Brunot، باريس سنة 1920، ص 1، 3؛ Narratine of a Year,s Journey: W. G. Palgrave . . . لندن سنة 1865، جـ 1، ص 430 وقد ورد فى آيات القرآن الكريم جانب عن رهبة البحر كقوله "موج كالجبال" أو "كظلمات فى بحر لجى يغشاه موج، من فوقه موج من فوقه سحاب، ظلمات بعضها فوق بعض. ." (سورة هود، الآية 44 (¬1)؛ سورة النور، الآية 40، وكذلك سورة يونس، الآية (23) (¬2)؛ وسورة هود الآية 45 (¬3)؛ سورة لقمان، الآية 31 (¬4)؛ وانظر أيضا القصيدة الفكاهية التى أوردها Noldeke فى Delectus ص 62). ولعل هذا السبب هو الذى حمل المكيين على ترك الملاحة للأجانب (انظر ما سبق). ويضاف إلى ذلك ما كان لدى القوم من شعور بالازدراء لبعض الحرف (انظر Goldziher فى Globus جـ 66 سنة 1894، ص 203 - 205). ومع ذلك فقد كان أزد عمان ملاحين وصيادين، ولكن كان التميميون يعيرونهم بأنهم ملاحون (انظر Skizzen: Wellhausen جـ 6، ص 25). ولدينا أيضا إشارات إلى النبطيين وإشارات أخرى عابرة إلى الملاحين اليهود (انظر The Diwans of Abid etc: Lyall فى مجموعة كب التذكارية جـ 13، سنة 1913، ص 8 من المقدمة، ص 5، 6). ¬

_ (¬1) رقم الآية فى المصحف العثمانى هو 42. (¬2) رقم الآية فى المصحف العثمانى هو 22. (¬3) رقم الآية فى المصحف العثمانى هو 43. (¬4) رقم الاية فى المصحف العثمانى هو 32.

وليس بغريب اذن أن تُذكر الأحاديث فيما بعد، بعد أن تبينت فى النهاية قيمة الملاحة فى السلم والحرب، وكلها تبيح بشكل قاطع التجارة بحرًا وتشيد بفضل الاستشهاد فى البحر (انظر Handbook: Wensinck مادتى Barter, Martyr؛ وانظر أيضًا L, Arabie Occ.: Lammens, ص 15 وما بعدها). على أن هذا الرأى لم ينتشر إلا بعد زمن طويل، بل إنه فى الوقت الذى كان فيه النبى -صلى اللَّه عليه وسلم- يقطع على قريش سبيل التجارة مع أسواقها فى الشمال، آثر القرشيون القيام بدورة كبيرة عبر الصحراء على المغامرة باتخاذ أى طريق بحرى (LaMecque: Lammens ص 285 = 381) وظل الخلفاء الأولون ممتنعين عن القيام بأى مغامرة فى البحر، فقد تأثر الخليفة عمر أبلغ التأثر من جراء النكبات التى ألمت بالمسلمين فى البحر المتوسط والبحر الأحمر (الطبرى، جـ 1، ص 2595، 2820؛ ويقال إنه منع الملاحة [أو على الأقل منع الملاحة للأغراض الدنيوية] انظر Goldziher فى Z.D.M.G, جـ 44، ص 165 وما بعدها)، بل ذهب إلى أبعد من ذلك فعاتب شيخ قبيلة بجيلة عرفجة بن هرثمة الأزدى البارقى الذى كان قد أمره بالإغارة على عمان لأنه نفذ ما أمره به بحرًا على الرغم من أنه نجح فى أداء مهمته (ابن خلدون: العبر، جـ 1، ص 211) على أنه ما انقضت خمس سنوات على وفاة النبى صلى اللَّه عليه وسلم (15 هـ = 637 م) حتى وصل أسطول عربى من عمان إلى تانة بالقرب من بومباى، كما شخصت حملة أخرى إلى خليج ديبل (البلاذرى: فتوح البلدان. ص 431 وما بعدها). وقد كان معاوية هو منشئ البحرية العربية. فقد أحس بحاجته إلى إنشاء عمارة بحرية تزداد شيئًا فشيئًا إبان حروبه مع الروم، وهى الحروب التى هددت فيها الثغور الفينيقية كثيرا. وكان يلقى فى هذا السبيل مقاومة من الخلفاء فى أثناء ولايته على الشام، ولكن عثمان وافقه على رأيه آخر الأمر.

وكانت الإسكندرية بصفة خاصة تقدم السفن والملاحين. ويقال إن معاوية قام بإنشاء القواعد البحرية على الشاطئ الفلسطينى أيضا (البلاذرى، ص 117؛ غير أن بعض الكتاب يخالفون هذا القول) وعلى الرغم من خوف العرب من البحر فإنهم تحولوا من الصحراء والجمل إلى البحر والسفينة بسرعة تبعث على الدهشة (انظر Wellhausen فى N. G. W. Gott سنة 1901، ص 418). وسرعان ما ظهر من بينهم أمراء بحر شجعان وخاصة بُسر وأبو الأعور. أما الإلمام بتطور الملاحة العربية بعد ذلك فإنه يبعدنا عن الغاية من هذا المقال، وإن اقتصرنا على الخطوط العريضة لهذا التطور. وأما مسألة: هل كان العرب على دراية بالملاحة فى بداية الإسلام، فإنا نلاحظ فى هذا الشأن ما يلى: من العسير أن نأخذ برأى كولدسيهر (Z.D.M.G جـ 44، ص 165 وما بعدها) القائل "بأن العرب الأولين كانوا ملمين بالملاحة إلماما تاما" حتى "تملك قلوبهم رعب من البحر بعد ذلك" (من البديهى أن يكون العكس هو القول الذى يؤخذ به). ولعل الحقيقة أن كلا الرأيين كان قائما أحدهما إلى جانب الآخر. والظاهر أن الرهبة من البحر كانت من خصائص عرب الحجاز، وبمجئ الإسلام أصبحت أحوال هذا الإقليم وآراء أهله هى الأمر المأثور إن صح هذا التعبير، من ثم غدت رهبة البدوى من البحر فى نظر الناس هو الصفة المميزة لغالبية السكان فى شبه الجزيرة العربية قديما. على أن الموقع الجغرافى لبلاد العرب يدعو إلى افتراض قيام حركة تجارية ساحلية قلت أو كثرت منذ أقدم الأزمنة. بل إنا لنجد فى المشرق أن الرواية القائلة بوقوع نشاط كبير فى البحر قد بقيت حتى ظهور الإسلام، ذلك أن المسعودى قد احتفظ فى كتابه مروج الذهب (جـ 1، ص 308)، بقصة قديمة تذهب

إلى أن السفن الصينية كانت فى الأزمنة القديمة تتردد على عمان والبحرين والأبلّة والبصرة، كما أن سفنا من هذه الأقاليم كانت تتاجر مع الصين. ولدينا أيضا أخبار عن أسفار الأزد البحرية (انظر ما تقدم) ثم روايات متأخرة كثيرة عن رحلات جريئة قام بها تجار عمان ومن ثم لا عجب أن تكون الرحلات المتقدمة للمسلمين إلى الهند قد خرجت من هذا الإقليم فى وقت كان يقوم على ولاية الشام فيه والتقدمى لم يجد بدًا من مناهضة رأى الخلفاء الذين عارضوا بعد إنشاء عمارة بحرية إسلامية. ولم يكتب العرب فيما نعلم تاريخا لرحلاتهم البحرية؛ ولكن الإشارات إلى تلك الملاحة كثيرة بطبيعة الحال فى المصنفات التاريخية الكبرى وفى غيرها من الكتب. وحسبنا أن نتخذ مثالا أو اثنين مهمين من الأوائل: يرى فقهاء اللغة أن بكرة أم الصحابى يزيد بن الحكم كانت أول امرأة عربية تركب البحر (كتاب الأغانى، جـ 11، ص 100). وأول مسلم قاد حملة بحرية هو كما جاء فى كتاب الخطط للمقريزى (جـ 2، ص 189) العلاء بن الحضرمى الذى حاول غزو اصطخر من البحرين ولم يكتب لهذه المحاولة التوفيق (ويقال إنها كانت فى عام 19 هـ = 640 م أعنى بعد نزول العرب بومباى، انظر ما سبق). ويقال إن الحجاج الوالى الأموى كان أول من أنزل إلى الماء سفنا من الخشب المسمر المقير، فى حين كان الخشب قبل ذلك يشد بعضه إلى بعض بالحبال (الجاحظ: الحيوان، ص 41، ص 50 وما بعده) وتعرف هذه السفن باسم السفن المخيطة وقد ذكرت فى عهود متأخرة حتى القرن السابع الهجرى (الثالث عشر الميلادى) على أنها سمة من سمات البحر الأحمر والمحيط الهندى. وتختلف الأسباب التى تذكر فى تعليل هذا الطراز من بناء السفن، ولا بد أن تكون خرافة جبل المغنطيس لها صلة بهذا الطراز (انظر Mez كتابه المذكور، ص 472 وما بعدها؛ Relation: Reinaud

المصادر

des voyages، باريس 1845 جـ 1، ص 91، 136). ولا تزال تستخدم فى بعض الأماكن إلى اليوم مراكب بدائية ظلت على حالها الأول لا تتغير آلافا من السنين. المصادر: يمكن الرجوع فيما يتصل بورود الألفاظ المختلفة للسفينة ومعانيها إلى كتاب Hans Schiff in Arabischen: Kindermann بون (رسالة جامعية) سنة 1934 - وليس ثمة تاريخ للسفن والملاحة العربية، أما فيما يختص بالمصادر المتنوعة الشاملة التى يمكن الرجوع إليها فانظر أولا المصادر الملحقة بهذه المادة والمصادر المذكورة فيها. وقد درس هذا الموضوع كثيرا فى مواد دائرة المعارف الإسلامية هذه ومنها مادة شهاب الدين أحمد بن ماجد. وهناك عرض مختصر لتطور الملاحة العربية (دون ذكر المصادر) فى Seehandel und Seemacht eine hand elsgeschtliche Skizz: E.Speck لبيسك سنة 1900، ص 32 وما بعدها؛ Die sance des Islam: A. Mez هيدلبرغ سنة 1922، ويبحث فى الملاحة العربية فى الأنهار والبحر فى القرن الرابع الهجرى (العاشر الميلادى). وقد كتب حديثا سيد سليمان ندوى كتابا بالأردية عنوانه "أرابون كى جهار رانى" أى الملاحة عند العرب فى Islamic Research Association رقم 5، بومباى سنة 1935. ولدينا عن الملاحة فى البلاد الإسلامية الأخرى: عن الملاحة الفارسية: هادى حسن: A History of Persin Nauigation لندن سنة 1928 (وقد قرظ هذا الكتاب فى المجلة الأسيوية، سنة 1929. ص 407 - 410). وانظر أيضًا Radhakumud Mookerji: Indion Shipping لندن نيويورك سنة 1912. وليس هناك كتاب بأكمله عن الملاحة التركية وإن كانت هناك دراسات أولية جيدة. الشنتناوى [كندرمان H.Kindermann]

السكاكى

السكاكى أبو بكر يوسف بن أبى بكر بن محمد سراج الدين الخورازمى: ولد السكاكى فيما وراء النهر فى الثانى من جمادى الآخرة سنة 555. وكان فى أول أمره صانع معادن، وقد مهر فى حفر السكة ومن ثم لقب بالسكاكى، وكان يصنع أيضا الأقفال الدقيقة. وقد صنع يوما محبرة لها قفل ولم يزد وزن الاثنين على قيراط واحد. وأهدى المحبرة إلى والى الإقليم الذى كان يعيش فيه، ولم يذكر كاتب سيرته اسم هذا الوالى. وقد كوفئ السكاكى على ذلك المكافاة المناسبة، ولكن سرعان ما أقبل رجل على مجلس الوالى فقوبل بمظاهر الإجلال والتعظيم فعجب السكاكى لذلك، فلما سأل عن الرجل قيل له إنه من أهل العلم. ورأى السكاكى أن العلم موضع الإجلال والتعظيم أكثر من الحرفة اليدوية فعزم على أن يصبح هو نفسه فقيها. وكانت دراساته الأولى بعيدة كل البعد عن التوفيق والنجاح، فكان إخفاقه سببا فى فتور همته، ولكنه لما رأى أن الماء إذ يسقط نقطة نقطة سقوطا متداركا ينقب الصخر عاد مرة أخرى إلى دراسته. ولا يعرف عن حياته إلا النزر اليسير، ذلك أننا نجهل أسماء شيوخه وأسماء تلاميذه، وليس من شك فى أن ذلك يعود إلى غزوة المغول لبلاده فى أخريات أيامه. ويعد السكاكى من فقهاء الحنفية. ويذكر من شيوخه فى فقه الحنفية سديد الخياتى ومحمود بن سعيد بن محمود الحارثى، كما يذكر واحد من تلاميذه وهو مختار بن محمود الزاهدى صاحب كتاب الفقه الحنفى المسمى "الكنية". وتوفى السكاكى فى قرية الكندى بالقرب من مدينة ألمالغ (ويذكرها الجغرافيون باسم ألمالق) من أعمال فرغانة سنة 626 هـ. وينسب إليه بصفته من الترك بعض الأشعار التركية، ولكن شهرته تقوم على كتابه العربى "مفتاح العلوم" وهو أشمل كتاب فى البلاغة إلى عهده. وعلى الرغم من شهرة هذا الكتاب الفائقة فإن مخطوطاته نادرة، ذلك أن المختصر والشرح الذى وضعه

القزوينى للقسم الثالث من هذا الكتاب بعنوان "تلخيص المفتاح" قد غلب على الأصل منذ عهد متقدم، وأصبح هو العمدة فى هذا الموضوع، وقد شرحه كثير من الشراح. وهناك سبب آخر حجب كتاب مفتاح العلوم وهو لغته البالغة الصعوبة التى كانت تستغلق أحيانا على الفهم لطول جمله طولا لم تألفه اللغة العربية، ولعل ذلك يرجع إلى تأثير اليونان؛ وقد يكون مرجعه إلى أن السكاكى درس أيضا ترجمات الكتب الفلسفية اليونانية، فقد كان معاصرا لنصير الدين الطوسى الذائع الصيت. ومما له دلالة أيضا أنه كان على قلة ذكره للمراجع يشير فى كثير من الأحيان إلى أقوال الرمانى الذى كان فيما يقال متبحرًا فى نظريات النحو الفلسفية. ومن حسن التوفيق أنه يمكن الحصول على هذا الكتاب فى طبعتين (القاهرة عام 1317 فى حجم صغير، والقاهرة عام 1318 فى حجم كبير) وهما وإن كانا قد طبعا من غير تشكيل -والتشكيل لا غنى عنه بالنسبة لهذا الكتاب- فإنهما يتيحان لنا أن ندرس هذا الكتاب. وخطة المؤلف الأصلية تقوم على تقسيم الكتاب إلى ثلاثة أقسام كبرى: علم تكوين الكلمات وتركيبها، وعلم النحو، وعلم البلاغة. وقد أضاف إليه فروعا أخرى تمت بالصلة لهذا العلم. ويسبق الجزء الخاص بعلم تكوين الكلمات وتركيبها فصل فى علم الأصوات يبين من الناحية النظرية النطق الصحيح للأصوات العربية، على حين يضمن الجزء الخاص بالبلاغة فصولا فى علم البديع. وقد حاول السكاكى تصنيف الموضوعات تصنيفا علميا، إلا أن أقسامه تختلف فى عناوينها كما تختلف فى ترتيبها، فالكتاب الأول مقسم إلى ثلاثة فصول، على حين ينقسم الكتاب الثانى إلى فصول وأبواب عدة لم يرقم ما جاء منها فى نهاية الكتاب. وينقسم الجزء الأكبر من القسم الخاص بالبلاغة إلى قوانين، ثم تنقسم هذه القوانين إلى فنون. ويشتمل الجزء الخاص بالبيان على أصلين وخمسة فصول، كما

المصادر

يشتمل فى النهاية على بعض فصول غير مرقمة. وهنا يذكر المؤلف أنه لما وجد أنه يتعين عليه أن يتم الكتاب، وكان القسم الذى يلى ذلك يدخل حقا فى باب البلاغة، فقد أضاف تفصيلات كثيرة فى "الاستدلال" وعرضا مطولا لفن الشعر ضمنه التفصيلات المألوفة فى علم العروض وغير ذلك. وقد بلغ من طول هذا الكتاب وسوء ترتيبه أن أصبح مرجعا مدرسيا لا يسهل تناوله، ومن ثم لم يلبث أن غلب عليه مختصر وشرح القزوينى بعنوان "تلخيص المفتاح"، وغدا هذا التلخيص بشروحه الكثيرة وخاصة شروح التفتازانى بعنوان المطول والمختصر هو الكتاب السائد فى عالم المؤلفات العربية حتى الوقت الحاضر. وكان كتاب "مفتاح العلوم" موضوع شروح كثيرة. ونذكر علاوة على الشروح التى ذكرناها آنفا، شرحا قام به محمود بن مسعود الشيرازى المتوفى عام 726 هـ ويتناول القسم الثالث وحده. وثمة شرح آخر لهذا القسم الثالث قام به الجرجانى وأتمه سنة 803 هـ. المصادر: (1) القرشى: الجواهر المضيئة، حيدرآباد، جـ 2، ص 225. (2) ابن قتلبغا، ص 250. (3) السيوطى: بغية الوعاة، القاهرة 1326، ص 425. (4) محمد باقر: روضة الجنان، طهران سنة 1340 وصفحاته غير مرقمة. (5) Gesch der arab Lit: Brockelmann, جـ 1، ص 294. (6) Rhetorik der Araber: Mehren فينا سنة 1853. الشنتناوى [كرنكوف F.Krenkow] السكرى الحسن بن الحسين بن عبيد اللَّه أبو سعيد: فقيه لغوى، أخذ العلم على أبى الفضل الرياشى تلميذ الأصمعى، وقد أخطأ بعض الكتاب فقالوا إنه تلقى العلم أيضًا على الأصمعى، إلا أن هذا القول مستحيل لأسباب يكفى منها التسلسل التاريخى فحسب؛ كما أخذ العلم على

المصادر

محمد بن حبيب وأبى حاتم السجستانى. ولد السكرى سنة 212 هـ (827 م) وتوفى سنة 275 هـ (888 م)؛ وقد صرف كل همه تقريبا إلى جمع الأشعار العربية القديمة وشرحها؛ ولم يبق من دواوين شتى القبائل التى تولى جمعها إلا ديوان الهذليين وهو غير كامل؛ وأغلب الظن أنه استعان بدواوين أخرى فى جمع ديوان الهذليين (انظر D.L.Z: Goldzihet 1895 م، ص 1451)؛ ويتحدث عبد القادر البغدادى فى كتابه "خزانة الأدب" (جـ 2، ص 317، ص 25)؛ عن نسخة ظهرت من هذا الديوان سنة 200 هجرية، ولا يمكن أن يكون الاستشهاد من شرح السكرى، إذ أن تلك النسخة كانت تحمل شهادة من ابن فارس (المتوفى 395 هـ = 1005 م)، ولكن لا شك فى أنه كان يشير إلى نسخته هو من الديوان؛ ولدينا إلى جانب طبعات كوسكارتن (Kogegarten) وفلهوزن (Wellhausen) وهل (Hell) لشرح السكرى طبعة أخرى من وضع بيرا كترافج (F.Bayraktarevie: Abu Kebir al-Hudhali la lamiyya publiee auec le commentaire d'al Sukkari, Anecdota Oxoniensia, 1923) ولم يبق من مصنفه "أخبار اللصوص" الذى يكثر الناس من الاستشهاد به، إلا ديوان طهمان، وهو من طبع رايت (W.Wright فى Opuscula arabica، ليدن 1859، ص 76 - 95)؛ ولم يصل إلينا من دواوين الشعراء المختلفين إلا ديوان امرئ القيس فى مخطوط بليدن: (i 347,N;clxiv Leyden Ms Warn 901 L,S. Catalogus codd. ar. bibl, ac. Lugd (Bat,ed وربما وصل إلينا أيضا شرحه لديوان قيس بن الحطيم (انظر طبعة كوفالسكى، جـ 33)؛ أما نصيبه فى التهذيب الذى وصل إلينا من نقائض أبى عبيدة؛ فلم يجاوز نصيب الناقل عن مؤدبه محمد بن حبيب؛ وقد ورد كتاب بروكلمان (G.A.L، جـ 1، ص 208)، استشهادات منقولة من المصنفات الأخرى. المصادر: (1) ابن النديم: الفهرست، ص 78، ص 20 - 27.

سكينة

(2) ابن الأنبارى: نزهة الألباء، ص 274 - 275. (3) ياقوت: إرشاد الأريب، طبعة Die grammatischen Schulen der Araber: Margoliouth, ص 89. صبحى [بروكلمان C.Brockelmann] سكينة بنت الحسين بن على بن أبى طالب، وأمها الشاعرة رباب بنت امرئ القيس بن عدى بن أوس، وهى التى سمت ابنتها سُكينة بضم السين (وتعرف أحيانا اسم سكينة بفتح السين ولكن ورد اسمها فى القاموس بضم السين)؛ واسمها الحقيقى هو أميمة (فى قول ابن الكلبى، وقد نقل عنه ابن سعد وصاحب كتاب الأغانى) أو أمينة بضم الألف، والأرجح آمنة أو أمينة بفتح الألف (كما جاء فى الأغانى). ولا نعرف تاريخ مولدها، ولكنها كانت فتاة صغيرة عندما مات أبوها (ذكر ذلك بصيغة التأكيد كل من الطبرى، جـ 2، ص 232، ص 10، وابن الأثير فى حديثه عن مقتل الحسين؛ الكامل جـ 4، ص 73؛ وقد ذكر هذا المؤلف أن يزيد أمر بأن يساق إلى المدينة تحت حراسة شديدة جميع من بقى على قيد الحياة بعد يوم كربلاء، وكانت سكينة من هؤلاء، وقد ماتت أمها حزنا بعد ذلك بعام، المصدر السابق، جـ 4، ص 76). واشتهرت سكينة بصفة خاصة بزيجاتها المتعاقبات، وقد اختلفت الروايات فى عددها وترتيبها. وجاء فى كتاب الأغانى أن اقتراح زواجها من ابن عمها حسن ابن الحسن بن على لم يسفر عن شئ، وتزوج حسن هذا بفاطمة أخت سكينة. وأورد ابن قتيبة وابن سعد قوائم بزيجات سكينة، ويختلف ترتيب هذه الزيجات فى القوائم الثلاث الأولى عن القائمتين الأخريين، ويورد صاحب الأغانى ست قوائم متناقضة. ومن الخير فى هذه الظروف أن نقبل الترتيب الأقدم الذى يكاد يتفق عليه ابن قتيبة وابن سعد، وهو الترتيب الذى أخذ به ابن خلكان. ووفقا لهذا الترتيب كان أول أزواجها هو مصعب بن الزبير بن العوام (توفى عام 70 أو 71 فى قتال مع عبد الملك بن مروان، انظر ابن

الأثير، جـ 4، ص 263 وما بعدها). وقد أمهر مصعب سكينة مهرًا كبيرًا عندما زوجها له أخوها على (انظر أبيات الهجاء فى الثعالبى: اللطائف، ص 53)، وأنجبا من هذا الزواج ابنة سمتها سكينة باسم أمها، وتزوجت هذه الفتاة من أخى مصعب وتوفيت فى سن مبكرة. والظاهر أن زوج سكينة الثانى كان عبد اللَّه بن عثمان ابن أخى مصعب ابن الزبير، وقد ولدت له عثمان ويعرف بقرين (وذكر ابن سعد أنها أنجبت منه ولدين آخرين هما حاكم وربيحة) ولم يكن هذا الزواج موفقا فى جميع أيامه كما يقول صاحب كتاب الأغانى. وكان زوجها الثالث فى رواية ابن سعد هو الزبير بن عمرو بن عثمان بن عفان. ويصفه صاحب كتاب الأغانى بأنه كان بخيلًا لا يعتمد عليه، وكان دائم المشاحنة مع سكينة وقد عاشت بعده. وتزوج الأصبغ بن عبد العزيز بن مروان (توفى عام 86) أخو عمر بن عبد العزيز والى مصر من عام 75 هـ من سكينة المطلقة، ولكنه لم يدخل بها (وليس ثمة ما يدعونا إلى أن نعلق أهمية كبيرة على اختلاف كتاب السير فى هذا الموضوع، فبينما يذكر ابن قتيبة ويتبعه فى ذلك ابن خلكان والصفدى أن الأصبغ هو زوج سكينة الثالث، نجد أن ابن سعد، وكذلك بيت من الشعر ورد فى كتاب الأغانى يجعل من الأصبغ الزوج الرابع لها). ثم إن ابن سعد يذكر أن سكينة تزوجت، بعد زيد ابن عمرو مباشرة، إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهرى، وأنها عاشت معه ثلاثة أشهر. ويقال إنها طلقت منه بأمر هشام بن عبد الملك، وهذا شئ بعيد الاحتمال. ويذكر كل من ابن حجر وابن قتيبة (المعارف) أن إبراهيم توفى عام 76 بالغًا من العمر 75 عامًا، ومن ثم فإن هذا الزواج لا بد أن يكون قد حدث قبل ذلك. ويزيد ابن قتيبة دون أن يذكر المصدر الذى استقى منه، أن سكينة تزوجت من عمرو بن الحاكم ابن حزام. أما ما ذكره صاحب الأغانى من زواج سكينة بابن عمها عبد اللَّه بن الحسن بن على فقول يصح لنا إنكاره. والمتفق عليه بصفة عامة أن سكينة كانت إحدى سيدات عصرها المشهورات. ويصفها كاتب من الكتاب الذين نقل عنهم صاحب الأغانى

المصادر

(جـ 14) بأنها كانت عفيفة شديدة التأنق ذات هيبة ووقار لم يكن يحول بينها وبين المزاح والتبسط فى الحديث (النكات والقفشات المذكورة فى جـ 14، جـ 17، ص 94، 97، 101). أما جمال شعرها فكان أمرًا معروفًا وكانت لها طريقة خاصة فى تصفيفه. وقد حرم عمر بن عبد العزيز فيما بعد الأخذ بهذه الطريقة. وكانت سكينة جد فخور لا بجمالها فحسب، بل بنسبها أيضًا (الأغانى، جـ 14، ص 164) وبابنتها التى كانت تحب أن تغمرها بالحلى والجواهر. وقد بدا منها أيضًا ما يدل على شجاعتها إذا أخذنا بما ذكره صاحب الأغانى (جـ 14) عن جلدها الذى اظهرته عند استسلامها لجراحة أجريت لها فى عينها. وكانت سكينة أيضا امرأة فطنة حصيفة تهوى الشعر والغناء أورد صاحب الأغانى الكثير من القصص والنوادر عن ذلك). وأمضت سكينة عمرها فى رحاب المدن المقدسة وتوفيت بالمدينة فى يوم الثلاثاء الخامس من شهر ربيع الأول عام 117 هـ (7 أبريل عام 735 م). وأجل دفنها بضع ساعات لأن الوالى أمر بتأخيره حتى يحضر جنازتها. المصادر: (1) الطبرى وابن الأثير والأغانى الفهرس. (2) ياقوت، الفهرس، والشام، سنة 1921، ص 221 وما بعدها. (3) ابن قتيبة: المعارف، الفهرس. (4) ابن سعد، جـ 8، ص 348. (5) المسعودى: مروج الذهب، جـ 5، ص 252. (6) أبو المحاسن، طبعة Juynboll الفهرس. (7) الذهبى، طبعة De Jong تحت مادة سكينة. (8) ابن خلكان، ترجمة de Slane جـ 1، ص 581. (9) ابن الفقيه: المكتبة الجغرافية العربية، ص 186. (10) ابن الطقطقى: الفخرى، ترجمة Amar، ص 197. (11) المستطرف، ترجمة Rat جـ 1، ص 201.

السلاجقة

(12) الثعالبى: ملوك فارس. ص 727. (13) الثعالبى لطائف المعارف، طبعة De Jong الفهرس. (14) زينب فواز: الدر المنثور، ص 244. (15) الشبلنجى: نور الأبصار فى مناقب آل بيت النبى المختار، القاهرة سنة 1298 ص 259 - 263. (16) الصفدى، المكتبة الأهلية بباريس، مخطوط رقم 2064، ورقة رقم 151. (17) Femmes Arabes: Perron. (18) Kulturgesch: Kremer جـ 2، ص 100. (19) المجلة الأسيوية، سنة 1832، ص 47، 50 سنة 1884، ص 173، رقم 1. الشنتناوى [ماسيه H.Masse] السلاجقة أسرة من الأمراء الترك حكمت أقاليم مترامية الأطراف فى آسية الوسطى والدنيا من القرن الحادى عشر إلى القرن الثالث عشر ومن أهم هذه الأسر: (1) السلاجقة العظام، (2) سلاجقة العراق (3) سلاجقة كرمان (4) سلاجقة الشام (5) سلاجقة آسية الصغرى (الروم). التاريخ القديم للأسرة: كان جد هؤلاء الأمراء سلجوق بن دقاق (تقاق)، وقد عرف بـ "تيموريلغ" أى "ذى القوس الحديده"، وكان دقاق هذا من قبيلة غز قنق التى ذكرت أولا فى ثبت هذه القبائل فى ديوان لغات الترك (جـ 1، ص 56) للكاشغرى، وقال عنه ابن الأثير فى كتابه الكامل، طبعة تورنبرغ، (جـ 9، ص 322) ما يأتى: "وكان مقدم الأتراك الغز ومرجعهم إليه لا يخالفون له قولا ولا يتعدون أمرا، فاتفق يوما من الأيام أن ملك الترك الذى يقال له بيغو جمع عساكره وأراد المسير إلى بلاد الإسلام فنهاه تقاق عن ذلك، وطال الخطاب بينهما فيه، فأغلظ له ملك الترك الكلام فلطمه تقاق فشج رأسه، فأحاط به خدم ملك الترك وأرادوا أخذه فمانعهم وقاتلهم واجتمع معه من أصحابه من منعه فتفرقوا عنه ثم صلح الأمر بينهما وأقام عنده". ثم

ذكرت رواية مشابهة لهذه عن ابنه سلجوق، ولكن خاتمتها تختلف، ذلك أن سلجوق ترك الملك وقومه ودخل بلاد الإسلام ونزل فى جوار "جند" عند مصب نهر سيحون؛ ويقول ماركار (Ostturkische Dialektstudien: Marquar, ص 46) إن اللقب التركى "يبغو" متضمن فى "بيغو"، وتنصرف الإشارة هنا إلى الشيخ الأكبر للغز الكفرة، وهو الذى اعترف أيضا بسيادة خاقان الأويغور، على أنه يبدو لى أن القصة كلها مختلقة بقصد تعليل نزول القنق قرب جند، وسواء كانت هذه القبيلة أو على الأقل شيخها سلجوق، قد دخل فى الإسلام فى هذا الوقت أم لم يدخل فأمر ليس محققا أيضا، فإن كانت الرواية تفترض هذا افتراضا، ولعل دخول هذه القبيلة أو شيخها فى الإسلام لم يحدث إلا بعد أن نشأت الصلات مع أهل جند المسلمين، ويذهب بعض علماء الروس إلى أن السلاجقة دخلوا فى الإسلام بعد أن اعتنقوا المسيحية، وهم يستشهدون فى تأييد ذلك بالأسماء ميكائيل وموسى وإسرائيل التى سمى بها أولادهم، وهى من الأسماء التى وردت فى الكتاب المقدس، كما يستشهدون بملحوظة عابرة وردت فى القزوينى (طبعة فستنفلد، جـ 2، ص 394) وبانتشار المسيحية بين الأتراك فى سمريجية، على أن الروايات لا تذكر شيئا مما ذهب إليه هؤلاء العلماء. وكانت الأحوال السياسية فيما وراء النهر، حيث كان السامانيون والقره خانية الأتراك يتقاتلون فى سبيل السيادة عليها، ملائمة لنمو سلطان سلجوق وقبيلته الغز، وقد اشتركا فى هذا القتال الذى كان دائرا بين الطرفين، وكانا ينضمان عادة إلى صفوف السامانية، إلا أنهما كانا فى الوقت نفسه ينتهزان الفرصة لتحسين أحوالهما ورعاية مصالحهما. ومات سلجوق أثناء ذلك فى جند، وقد بلغ فيما يقال السنة السابعة بعد المائة؛ ونحن نجد أولاده الذين تقدم ذكرهم (وتضيف إليهم بعض الروايات ابنا رابعا هو يونس) لا فى جند بل قرب بخارى، أى فى نور بخارى (ويقال لها الآن نوراتا، وهى شمالى بخارى

بشرق؛ انظر Turkestan, etc: Barthold، ص 122 حوالى سنة 755 هـ (985 م)، على حد قول حمد اللَّه القزوينى فى تاريخ كزيده، (طبعة براون، ص 1434) ويبدو أن إسرائيل، وكان اسمه الأصلى أرسلان، قد تبوأ مركز الزعامة بين هؤلاء الأبناء، ونجد اسمه أحيانا متبوعا بلقب بيغو، والأرجح أنه يدل فى هذا المقام أيضا على اللقب يبغو؛ وقد ورد ذكره بهذا الاسم فحسب فى الكرديزى (طبعة بارتولد ص 13)، بوصفه أمير الغز الذين عاونوا سنة 1003 القائد السامانى المنتصر على قهر القره خانية (انظر Turkeston etc: Barthold، ص 283) ونجد له بعد ذلك ذكرا بوصفه حليف على تكين الذى كان قد استولى على مدينة بخارى؛ وقام محمود الغزنوى سنة 416 هـ (1025 م) بحملة إلى ما وراء النهر لخلع تكين عن عرشه ولقى قادرخان القره خانى، وعقد معه اتفاقا فيما يختص بموقفهما المشترك حيال شئون الناحية؛ وأخذ يجمع المعلومات فى هذه الرحلة عن قوة السلاجقة؛ وثمة حكاية مشهورة تقول إن أرسلان عندما سأله الغزنوى عن هذا الأمر أبرز له سهمين وقال له: لو أن هذين السهمين أرسلا إلى قومه لاجتمع منهم مائة ألف رجل، ولو أن القوس أضيف إليهما لاجتمع من الرجال قدر ما يشتهى المرء، فتملك محمودا شئ من القلق، واستشار حاجبه أرسلان جاذب فيما يجب اتخاذه حيال هؤلاء الناس، فنصحه جاذب بأن يقطع إبهام الرجال جميعا حتى لا يستطيعوا من بعد شد القوس أو أن يفرقهم جميعا فى جيحون، بحسب ما يزيده ابن الأثير على هذه الحكاية؛ ورأى محمود أن هذا الفعل بالغ القسوة، بل قد يكون عسير التنفيذ؛ وفضل أن يدعهم يجتازون جيحون ويتفرقون فى البقاع المترامية من خراسان حتى يسهل كبح جماحهم، وأخذ معه أرسلان عند عودته إلى غزنة، وأبقاه أسيرا فى قلعة كالنجار من أعمال ملتان رهينة تكفل له إخلاد السلاجقة إلى الهدوء والسكينة. على أن هذا الفعل لم يحقق الأغراض التى استهدفوها، وظل الغز على شغبهم وفتنتهم بالرغم مما أنزله بهم تاش فراش من عقاب صارم (انظر البيهقى:

تاريخ طبعة Morley, ص 544)، وخرج الغز عن ولاية حكامهم الغزنويين، وشرعوا فى غزو بلاد الإسلام تحت إمرة قوادهم يغمر وقزل وبقا وككتاش وغيرهم، وأنزلت غاراتهم الكثير من التلف بمدن دامغان وسمنان والرى وإصفهان ومراغة وهمذان وغيرها من مدن العراق وأذربيجان. ويطلق البيهقى على هؤلاء الغز اسم الغز العراقيين، ولا يذكر شيئا عن أرسلان فى ذلك الجزء الذى بقى لنا من تاريخه، وهو يفرق أيضا بينهم وبين الغز الذين بقوا فيما وراء النهر، ويصفهم بقوله أنهم قوم طغرل بك (وهذه هى الصيغة الصحيحة حسبما ورد فى الكاشغرى Diwan etc ص 400) وداود، وهم أيضا النياليون؛ وطغرل بك ومحمد وجغرى بك داود هم أبناء ميكائيل بن سلجوق، وتقول بعض الوثائق إن ميكائيل هذا قتل فى وقت مبكر فى حرب نشبت بينه وبين الأتراك الكفار؛ أما النياليون فهم قوم إنيال أو ينال وهو خال طغرل بك، ومن ثم فربما كانت القراءة الصائبة "يناليون" صحيح أن إينال لم يرد ذكره إلا فى هذا الموضع، غير أن ابنه إبراهيم ابن اينال معروف جيدا، وقد عاون ولدى أخته فى بادئ الأمر معاونة صادقة، ولم نعلم إلا القليل عن موسى الابن الثالث لسلجوق، ولكن أولاده ناصروا أيضا طغرل بك. وكان هؤلاء السلجوقيون يقيمون آمنين فى نور بخارى طوال حياة على تكين، على أن المراعى فى تلك الناحية لم تكفهم فأذن لهم هارون بن ألتونتاش أمير خوارزم بشفاعة الوزير أحمد بن محمد بن عبد الصمد أبى نصر، وهو الذى أضحى فيما بعد وزير مسعود الغزنوى، بالإقامة فى إقليم خوارزم فى الشتاء. على أنه لما مات على تكين سنة 435 هـ (1034 م) اختلفوا مع أبنائه وخلفائه، لكن هارون بن ألتونتاش سرعان ما قتل بعدئذ، فهاجم شاه ملك، وكان فى ذلك الحين حاكم جند، خوارزم بأمر من مسعود، وأكره أبناء ألتونتاش على الفرار، وكانوا قد جاهروا بالعصيان، وعضدهم فى ذلك السلاجقة، وما عتم السلاجقة وجدوا أنفسهم مكرهين على السعى إلى بلاد

أخرى يقيمون فيها، ومن ثم أرسلوا التماسا مكتوبا (انظر البيهقى، المصدر المذكور، ص 583) إلى أبى الفضل السورى (السوارى) أمير خراسان الذى كانت سمعته قد ساءت لما عمد إليه من ابتزاز الأموال طالبين منه أن يسأل مسعودا أن يقطعهم نسا وفراوة، وكان طغرل وداود وأخ ثالث لهما يدعى يبغو يطلقون على أنفسهم فى تلك الوثيقة المشهورة اسم المحتمين بأمير المؤمنين، ويستطيع القارئ الرجوع إلى رواية البيهقى للوقوف على ما كان من أمر تلك المفاوضات التى لم تنته إلى النتيجة المرجوة وما جرى بعدها من الأحداث، وقد سرد البيهقى أخبارها يوما بعد يوم تقريبا، على أنه لا مناص من أن نلتزم الإيجاز فى هذا المقام وأن نحيل القارئ على الرواية الكاملة التى ذكرها كزيمرسكى (Kazimirski) فى مقدمة طبعته لديوان منوجرى. وصفوة القول أن النتيجة كانت حربا سافرة بين السلاجقة والغزنويين، وقد منى قواد مسعود بالهزيمة تلو الهزيمة، ثم منى مسعود نفسه بهزيمة نكراء فى وقعة دندانقان (رمضان سنة 431 هـ - مايو سنة 1040 م)، وما إن حلت نهاية عام 429 هـ (أغسطس 1038 م) حتى كان السلاجقة قد استولوا على نيسابور، وذكر اسم طغرل بك فى الخطبة فيها، وجاء رسول من الخليطة يشكو أعمال التخريب التى كان يقوم بها الغز العراقيون وهكذا ثبت حكم السلاجقة العظام وتوطد. 1 - السلاجقة العظام: 1038 - 1157. طغرل بك 1063؛ ألب أرسلان 1072؛ ملك شاه 1092، محمود وبركيارق 1104؛ ملك شاه الثانى ومحمد 1117؛ سنجر 1157. وقد عالجنا فى مواد مستقلة تاريخ هؤلاء الحكام كل على انفراد، فيما عدا محمودا وملك شاه الثانى، فإن اسميهما لم يردا فى الخطبة إلا فترة وجيزة، ونكتفى فى هذا المقام ببعض الملحوظات العامة: ففيما يتصل باتساع رقعة دولة سلجوق، خضع جل الحكام المسلمين من أمراء الولايات الشرقية والوسطى فى الأراضى التى كان يحكمها الخلفاء

قديما لطغرل بك، إما طواعية أو كرها. وما إن حلت سنة 433 هـ (1041/ 42 م) حتى كان أمير جرجان وطبرستان قد خضعا له، وفتحت خوارزم سنة 434 هـ (1042/ 43 م)، وتلتها أراض أخرى من بلاد فارس الحديثة، وفى سنة 440 هـ (1048 م) أخذ لبيارتيس Liparites، زعيم الأبخاز، أسيرا، وشنت غارات على آسية الصغرى، وورد اسم طغرل فى الخطبة فى بغداد فى رمضان سنة 447 هـ (ديسمبر 1055 م)، وقد خاطبه الخليفة "بملك الشرق والغرب" فى محفل عام سنة 449 هـ، وكان الخليفة قد تزوج فى ذلك الوقت ابنة جغرى بك أخى طغرل، وقد اعترفت العراق بأسرها، وكذلك الموصل ودياربكر، بسيادة سلطان السلاجقة، وبلغت فتوحات السلاجقة فى عهد ألب أرسلان إلى نهر سيحون، ثم انتقلت آسية الصغرى كلها تقريبا إلى حكم الترك بعد هزيمة الأرمن والبوزنطيين، وأضيفت إليها الشام آخر الأمر، بل إن عدن واليمن فتحتا عام 485 هـ (1092 م)، وإن كنا لا نستطيع القول بأن السلاجقة قد حكموا بلاد العرب حكما فعليا؛ وقد كانت وفاة ملك شاه فى ذلك السنة نفسها وما نشب من خلاف بين أبنائه على اعتلاء العرش بعد وفاته، وقيام الحروب الصليبية السبب فى وقف فتوحات السلاجقة. أما فيما يتعلق بالبلاد المفتوحة فإن الولاة الذين خضعوا للغز كانوا فى معظم الحالات يستمرون فى الحكم ويؤدون الجزية، على أنه حدث فى كرمان، ثم فى الشام وآسية الصغرى من بعد، أن قام الأمراء الذين فتحوا تلك البلاد من أنفسهم حكاما استقلوا بأمر أقاليمهم ولم يحفلوا بالسلاجقة العظام، بل إنهم شهروا عليهم الحرب (انظر فيما يلى)، وقد حدث ذلك أيضا فى النواحى النائية الأخرى من الدولة التى أقطعها السلاطين -كما فعل ألب أرسلان سنة 458 هـ (1066 م) - إخوانهم وأقاربهم الآخرين، مع فارق واحد وهو أن هؤلاء لم يفلحوا فى إقامة أسر حاكمة؛ وكان حق الحكم، من وجهة النظر التركية، من نصيب الأسرة

كلها، وكان لأكبر أفراد الأسرة سنا حق معين بوصفه كبير قومه فى أن يقتضى أقاربه الذكور الطاعة له، على أنه لم يكن من الميسور فى أسرة كاسرة السلاجقة لها فروع عدة أن يسود الانسجام بين أعضائها مدة طويلة، بل لقد حدث فى عهد طغرل بك نفسه أن انتقض عليه ابن أخيه إبراهيم بن إينال، فإن كان جغرى بك وببغو، أخوا طغرل بك ظلا على إخلاصهما له، ولعل السبب فى ذلك أن طغرل لم يعقب ولدا ذكرا، وكان خليفته مكرها على قتال قتلمش ابن أرسلان جد سلاجقة الروم. وقد حدث هذا أيضا فى عهد ملك شاه، فبعد وفاته تميز عهد بركيارق، الذى لم يطل كثيرا، بالقتال المتصل بينه وبين عمه تنش وأخيه محمد، ومن ثم فإن دولة السلاجقة العظام كانت تشتمل فحسب على الولايات الشرقية التى كانت تدخل ضمن بلاد الخلفاء القديمة، فيما عدا كرمان؛ وكان مقر حكمهم فى إصفهان وبغداد، ثم مرو فى عهد سنجر. وكان سنجر قد تنازل لأولاد أخيه محمد عن حكم العراق وفارس وخوزستان والولايات الغربية فى مرو؛ وكان سنجر أيضا آخر السلاجقة العظام، وقد أكره أكثر من مرة بوصفه رأس الأسرة على امتشاق الحسام ليفرض سلطانه فى فض الخلافات التى كانت تنشب بين أولاد أخيه؛ أما فيما عدا هذا فقد كان قانعا بسيادته على خراسان والولايات الشرقية التى على الحدود؛ وإذا شاء القارئ الوقوف على أنباء قتاله مع الغزنويين وأمراء ما وراء النهر والغوريين والغز فليرجع إلى مادة "سنجر"؛ وقد توفى سنجر دون أن يعقب سنة 552 هـ (1158 م) فانتهى بموته فرع السلاجقة العظام. وكان قيام السلاجقة فى نظر المسلمين، معناه غلبة المذهب السنى فى جميع الأراضى التى امتد إليها سلطانهم، على المذاهب الشيعية كانت تمكن لنفسها شيئا فشيئا فى عهد البويهيين والفاطميين؛ صحيح أن البويهيين كانوا قد سمحوا للخلافة العباسية أن تستمر فى البقاء بالاسم فى بغداد، على أنه حدث فى سنة 450 هـ (1058 م) أن عمل البساسيرى على ذكر اسم الخليفة الفاطمى فى

الخطبة فى العراق أيضًا، وقد أكره القائم بأمر اللَّه العباسى على مغادرة بغداد، وأخذت يد السلب والنهب تعمل بقصره فيها بضعة أيام؛ وكان طغرل بك فى أثناء ذلك على صلات وثيقة بالخليفة، وكان مشغولا فى الوقت نفسه بقتاله مع إبراهيم بن إينال، وما إن أخذ إبراهيم أسيرا ثم قتل حتى أعاد طغرل الخليفة إلى بغداد؛ أما فى الفترة التالية، وعلى الأخص فى السنوات الأخيرة من حكم ملك شاه، فقد كان ثمة خلاف مستحكم بين الخليفة والسلطان؛ على أن هذا الخلاف لم يكن يرجع إلى أسباب دينية بل كان يرجع إلى أسباب شخصية (انظر Houstma فى Journal of indian History جـ 3، ص 147، 106) وكان السلاجقة يعتبرون الخليفة بصفته هذه إمام أهل السنة الذين كان من الواجب على السلاجقة أن يدافعوا عنهم بحد السيف، وقد تذرعوا بالشدة فى القضاة على النشاط الخطير الذى كان يقوم به الإسماعيلية، وأيدوا مصالح فقهاء السنية، ولم يكن الفضل فى ذلك لهم بل لوزرائهم، وعلى الأخص نظام الملك ذلك الرجل العظيم، أما هم أنفسهم فكانوا أبعد الناس عن التعصب للإسلام، كما يتضح من إطلاقهم سراح ليبارتيس الذى تقدم بنا ذكره، ثم إطلاق سراح الإمبراطور البوزنطى رومانوس ديوجينس (Romanus Diogenes)، وكما يتبين أيضًا من معاملتهم لرعاياهم من النصارى؛ ويصدق هذا أيضًا على الثناء الذى وجه إلى بعض السلاطين، مثل ملك شاه لرعايتهم للعلم، ومع أن هؤلاء السلاطين لم يصيبوا شيئا من العلم فقد أوتوا القدرة على تقدير قيمة ما حرموا منه، ومن ثم عهدوا بتسيير دفة الأمور فى دولتهم إلى وزرائهم، وكان وزراؤهم كنظام الملك مثلا يحكمون أحيانا حكما لا يحده قيد؛ أما الطريقة التى كان هؤلاء الوزراء يحكمون بها فقد حدثنا عن ذلك نظام الملك نفسه فى مصنفه "سياست نامه"؛ وأما عن الفنون فإنه لم يبق من عمارة السلاجقة شئ يشهده الخلف إلا القليل جدا، ويستثنى من ذلك مرو وحدها، فقد بقى فيها آثار عظيمة من عهد

سنجر، وإذا شئنا أن نعمم القول وجب علينا أن نعترف بأن سلاطين السلاجقة قد تمكنوا من هداية الغز الغلاظ القلوب الذين كانوا هم أنفسهم شيوخا لهم، فقد استطاعوا فى شئ كثير من البراعة وبعد النظر أن يستغلوا مزايا الحضارة العربية الفارسية ويصطنعونها لمنفعتهم. 2 - سلاجقة العراق 1148 - 1194؛ توفى محمد سنة 511 هـ (1118 م)، فخلفه ابنه الأكبر محمود، وكان غلاما فى الثالثة عشرة من عمره، وغدا سلطانًا على الدولة بأسرها فيما عدا خراسان والولايات الشمالية الشرقية التى على الحدود، فقد كان يحكمها سنجر أخو محمد كما تقدم بنا القول؛ وحمل لقب السلطان بعده ابنه داود 1131 - 1132، ثم طغرل الأول سنة 1134 (وقد أخطأ البندارى فقال إنه اعتلى العرش فى مستهل عام 528 = 1133 م، انظر Recueil de textes etc جـ 2 ص 172)، ثم مسعود 1152، ثم ملك شاه الثانى 1153، فمحمد الثانى 1159، فسليمان شاه 1161، ثم أرسلان شاه 1175. فطغرل الثانى 1194، وكل هؤلاء السلاطين تقريبا قد اعتلوا العرش وهم بعد أحداث، وقد لقوا حتفهم فى سن مبكرة، وكثيرا ما انتهت حياتهم بالقتل، ومن ثم فمن المتعذر علينا أن نقول عن معظمهم إنهم حكموا فعلا، بل إنهم كانوا مجرد أداة فى يد الأتابكة والأمراء التابعين لهم، وقد نشّئ أولاد محمد الأربعة، وهم محمود وطغرل ومسعود وسليمان، على السنّة التركية القديمة، فقد عهد بكل منهم إلى أمير تركى من الأمراء البارزين كان له بمثابة الأب، ومن ثم عرف بـ "الأتابك"، وكانت النتيجة الطبيعية أن كلا من هؤلاء الأتابكة كان يسعى إلى الفوز للأمير الذى كان فى رعايته بلقب السلطان حتى تزيد بذلك هيبته هو، وانتهى الأمر بأن اتصلت الحروب بين الأخوة وكان يحسمها سنجر إلى حين بتدخله لمصلحة واحد من هؤلاء المطالبين بالعرش وإذا أراد القارئ الوقوف على تفاصيل الحروب فليرجع إلى المواد المختلفة على انفرادها فى دائرة المعارف الإسلامية، ويكفينا فى هذا المقام أن نشير إلى أن الخلفاء

العباسيين اشتركوا أيضا فى هذه الحروب، وأن اثنين من هؤلاء الخلفاء وهما المسترشد والراشد لقيا حتفهما فيها، وقد حدث هذا فى عهد السلطان الباسل مسعود، إلا أن خلفيته محمد الثانى (لم يحمل ملك شاه الثانى لقب سلطان إلا ثلاثة أشهر فقط)، أكره على فك الحصار عن بغداد سنة 551 هـ (1157 م)، وأخذ سلطان الخلفاء يقوى بعد هذا مرة أخرى ولم يصبح السلطان السلجوقى يقيم فى بغداد، بل أصبح يقيم فى همذان، وكان هؤلاء السلاطين بوجه عام إنما يحكمون بالاسم فقط منذ زمن بعيد يرجع إلى عهد محمود، وكان الأمراء الترك العظام يملكون معظم الولايات بوصفها إقطاعيات عسكرية؛ وكان السلاطين يعوزهم المال، كما كانوا يفتقرون إلى العدد اللازم من الجنود ليفرضوا سلطانهم إذا أبى الأتابكة الذين كانوا يتبعونهم فى ذلك الوقت تقديم العون لهم؛ وقد عهد السلاطين أيضا إلى الأتابكة بمحاربة أعدائهم الأجانب، مثل الصليبيين فى الشام، على أن الأتابكة كانوا هم أنفسهم مضطرين دائما إلى النضال مع أعدائهم فى الداخل، وقد أفلح هؤلاء الأمراء فى إقامة أسر وراثية، واستقلوا بأمر أنفسهم واتخذوا لقب أتابك مضافا إليه لقب شاه أو ملك، ونذكر من هؤلاء بنى أرتق فى ماردين وحصن كيفا، والأرمنشاهية فى خلاط، وكانوا قد أفلحوا فعلا فى إقامة الأسر الوراثية فى العهد السابق، أما الأتابكة الأسبقون فنذكر منهم بنى زنكى فى الموصل وغيرها من النواحى، والسلغرية فى فارس وأتابكة أذربيجان، وكان أول هؤلاء الأتابكة، واسمه شمس الدين إلدكز، قد تزوج بأرملة طغرل الأول، فلما مات سليمان شاه سنة 1162 نادى بابن زوجته أرسلان بن طغرل سلطانًا على أنه لم يخوّله شيئا من النفوذ، ثم اتضح فيما بعد أنه سيصبح مصدر خطر فعمد بهلوان بن إلدكز إلى التخلص منه بأن دس له السم وأسند العرش إلى ابنه القاصر طغرل الثانى (571 هـ = 1175 م)، فلما شب عن الطوق ومات بهلوان، سعى إلى فرض

سلطانه، ولكنه لم يكن كفؤا لقزل أرسلان خليفة بهلوان بالرغم من أنه أوقع الهزيمة بجند الخليفة حليف قزل فى دايمرك 584 هـ (1188 م) وأسره قزل أرسلان ولكن حريته ردت إليه بعد موت قزل، إلا أنه ما لبث أن قتل فى حرب قامت بينه وبين تكش شاه خورزام (590 = 1194 م) بعد ذلك بوقت قصير. 3 - سلاجقة كرمان: 1041 - 1186، كان جد هذا الفرع من السلاجقة ومنشئ دولتهم قاورد قرده أرسلان بك، أحد أبناء جغرى بك، وكان قاورد قد ذهب إلى كرمان مع قومه الغز حوالى سنة 433 هـ (1041 م)، واحتل بعد بضع سنوات (440 = 1048/ 49 م) القصبة بردسير، ثم أشهر حروبا أخرى بدافع من نفسه هو على الشبانكارية وعلى "القف" فى كرمسير (منطقة الساحل الحارة)، بل أصبح اميرا لعمان دون أن يحفل كثيرا بطغرل بك، ولما اعتلى ألب أرسلان أخو طغرل بك عرش السلاجقة، حاول قاورد (459 = 1067 م) الظهور بمظهر الأمير المستقل برأسه، إلا أنه أذعن لألب أرسلان عندما هرع ألب بشخصه إلى كرمان لإكراهه على الطاعة، وقد ظن عند وفاة ألب أرسلان، أنه هو صاحب الحق فى عرش السلاجقة، ولعل الذى دفعه إلى ذلك أنه كان أكبر أعضاء الأسرة سنا، فقاد جيشه لقتال ملك شاه ولكنه منى بهزيمة نكراء فى جوار همذان، وأخذ أسيرا ثم قتل بعد ذلك خنقا (1074 = 1074 م)، وسار الفائز فى الحرب أيضا إلى بردسير حيث كان كرمان شاه ومن بعده سلطان شاه، ولدا قاورد، قد توليا الحكم نيابة عن أبيهما، ولكن ملك شاه رجع عن بردسير عندما أظهر سلطان شاه خضوعه له وترك أملاك أبيه فى حوزته، وقد ظل سلطان شاه فى الحكم حتى سنة 477 هـ (1084 م) وأعقبه توران شاه سنة 1097، فإيران شاه سنة 1100 (1101)، فأرسلان شاه سنة 1142، فمحمد سنة 1186؛ وكانت نهاية الأسرة على يد جيش من

الغز هبطوا البلاد، ذلك أن الغز بعد هزيمة سنجر نزلوا كالطوفان المدمر على ولايات فارس، وكانوا يذهبون إلى حيث كان ضعف السلطان يزين لهم الحصول على غنائم عظيمة، وكانت مهمتهم سهلة فى كرمان، فقد كانت الفوضى قد أتت عليها أو كادت فى عهد آخر السلاجقة، فهزموا توران شاه الذى سار لملاقاتهم، وشرعوا ينهبون فى طول البلاد وعرضها وقتل توران شاه وخلفه محمد شاه، وسرعان ما وجد محمد نفسه مكرها على مغادرة البلاد للاستنجاد بالأمراء المجاورين، إلا أنهم لم ينجدوه؛ ثم أصبح أمير من الغز، يدعى ملك دينار، سيدا على كرمان. 4 - سلاجقة الشام, 1078 - 1117: خضع نصر الحلبى المروانى لألب أرسلان سنة 463 هـ (1070/ 71 م)، ثم غزا جيش من التركمان تحت إمرة أتسز بن أبق (أو أوق) فلسطين، واستولوا على الرملة وبيت المقدس وعلى سائر نواحى فلسطين فيما عدا عسقلان، حيث صمد لهم الفاطميون؛ ثم ولى أتسز وجهه شطر دمشق، بيد أنه لم يستطع الاستيلاء عليها إلا فى سنة 468 هـ (1076 م) وقد باء بالفشل أيضا فى محاولته غزو مصر فى السنة التالية، ذلك أن القائد الفاطمى بدر الجمالى هزمه شر هزيمة ثم ضيق عليه الخناق فى الشام تضييقا شديدا حتى استنجد أتسز بتتش بن ألب أرسلان، فجاء إلى الشام عام 470 هـ وسلمه مدينة دمشق (471 = 1078 م)، وقتل تتش أتسز بعدئذ، وأصبح هو نفسه أمير المدينة، وكذلك باءت بالفشل محاولة بذلت للاستيلاء على حلب، بل أن أمير هذه المدينة مسلم بن قربش العقيلى هاجم تتش فى دمشق (485 هـ = 1082 م)، وعندما اشتبك مسلم فى القتال مع سليمان سلجوق آسية الصغرى، هرع ملك شاه بنفسه إلى حلب وأقام أقسنقر جد بنى زنكى فيها، أميرا عليها، مما أثار حقد تتش إثارة عظيمة، وكان فى الوقت نفسه قد تخلص من منافسه على تلك

المدينة فى وقعة جرت فى عين سلم (سَيْلَم) وهى لا تبعد كثيرا عن حلب (479 هـ = 1086 م)، حيث لقى سليمان حتفه، وإنما استطاع تتش بعد موت ملك شاه (485 هـ = 1092 م)، أن يشبع طموحه وأن يشرع فى فتوحاته العظيمة، بل أن يدعى بالحق فى عرش السلطنة مناضلا بذلك ابن أخيه بركيارق، حتى منى آخر الأمر بالهزيمة عام 488 هـ (1095 م)، وسقط فى ميدان المعركة، ثم أصبح ابنه رضوان أمير حلب، وأصبح ابن آخر من أبنائه يقال له دقاق أمير على دمشق (أما الإشارة التى وردت فى أبى المحاسن، طبعة بوبر Popper, جـ 2، ص 344، من أن دقاق هذا هو دقماق فمخطئة)، إلا أن المنية عاجلت دقاق فتوفى سنة 497 هـ (1104 م)، بيد أن السلطان الفعلى كان فى يد وزيره الأتابك طغتكين، الذى أمر بعدئذ بأن تكون الخطبة إلى حين باسم طفل رضيع، ثم باسم أخ لدقاق يسمى أرتاش (وقد ورد فى ابن الأثير باسم بكتاش)، واستقل آخر الأمر بنفسه، وأنشأ دولة بنى بورى. ومات رضوان أمير حلب سنة 507 هـ (1114 م) وتبعه ابنه ألب أرسلان، الذى قتله خادمه لؤلؤ بعد وفاة أبيه بمدة وجيزة، وعمل لؤلؤ على أن ينادى بأخيه سلطان شاه سلطانًا على المدينة، ولكنه قتل هو نفسه سنة 511 هـ (1117 م) ثم سلم المدينة إلى إيلغازى أهلها، وهكذا انتهى حكم السلاجقة. 5 - سلاجقة آسية الصغرى (الروم) 1078 - 1302: إن جد هذه الدولة ومنشئها هو سليمان بن قتلمش بن أرسلان (إسرائيل) بن سلجوق وكان أبوه قتلمش من أبطال السلاجقة الذين عملوا تحت إمرة طغرك بك، ولكنه انتقض من بعد على ألب أرسلان، وانتهى به الأمر إلى أن سقط فى ميدان المعركة قرب الرى (456 هـ = 1064 م)؛ وجاء سليمان نفسه إلى آسية الصغرى بعد وقعة ملازكرد الكبرى سنة 1071 م (منى فيها البوزنطيون "الروم" بهزيمة منكرة ووقع إمبراطورهم فى الأسر

إبانها) وكان شأنه فى هذا شأن كثير من أمراء الترك الذين كانوا يذهبون إلى آسية الصغرى للقيام بفتوحات جديدة وإقامة مملكة وقد أفلح فى غرضه لأنه كان أميرا من أمراء البيت المالك، ومن ثم نجده أميرا على نيقية حوالى سنة 1077 م حين بدا أن الصراع حول العرش البوزنطى قد هيأ له فرصة عظيمة ليلعب دورا بارزا فى الحوادث، ولكن هذا الأمل خاب باعتلاء ألكسيوس كومنينوس (Alexius Comnemus) العرش، فاتجه صوب الشرق وانتزع مدينة أنطاكية من فيلا ريتوس (Philaretus) الأرمنى سنة 477 هـ (1085 م) ومن ثم وقع القتال بينه وبين مسلم بن قريش، فقهره وانتهى الأمر بوفاة مسلم، ثم وقع القتال بينه وبين تتش مما أدى إلى موته فى السنة التالية (1086)، وكان من شأن هذه الأحداث أن أكره ملك شاه على تجشم مشاق السفر إلى حلب ليعمل على استتاب الأمر فيها وفى غيرها من المدن، كأنطاكية والرهاء، وقد أخذ معه فى عودته قلج أرسلان بن سليمان، ولم يعد قلج إلى آسية الصغرى إلا فى عهد بركيارق بعد موت ملك شاه. ونحن لا نجد من المعلومات فى المصادر العربية إلا النزر اليسير عن الأحداث التى وقعت فى تلك الفترة فى آسية الصغرى، ومن هنا يجب علينا أن نعتمد على الأصول البوزنطية والشامية والأرمنية، ولا نستطيع أن نتناولها بالبحث فى هذا المقام؛ وليس هذا موضع الكلام عن تاريخ قلج أرسلان وخلفائه، ومن ثم نحيل القارئ إلى المواد الخاصة بكل منهم، ونكتفى هنا بذكر أسمائهم ومدد حكمهم: قلج أرسلان الأول سنة 1107 - ملك شاه ومسعود سنة 1155 - قلج أرسلان الثانى سنة 1192 (فترة خلو العرش من السلطان، انظر ما يلى) - ركن الدين سليمان الثانى سنة 1204 - قلج أرسلان الثالث وغياث الدين كيخسرو الأول 1210 - عز الدين كيكاوس الأول سنة 1219 - علاء الدين كيقباد 1237 - عز الدين كيخسرو الثانى 1245 -

عز الدين كيكاوس الثانى (ودام حكمه بضع سنوات مع أخويه) سنة 1256 - ركن الدين قلج أرسلان الرابع 1266 - غياث الدين كيخسرو الثالث سنة 1284 - غياث الدين مسعود الثانى وعلاء الدين كيقباد الثالث حتى سنة 702 (1302 م). وقد عانت دولة هؤلاء السلاجقة كثيرا من تصاريف الدهر، فقد بدأ للأعين أكثر من مرة أن سقوطها وشيك، ولكنها كانت لا تلبث أن تحيا مرة أخرى حتى ذهبت ريحها آخر الأمر بعد أن غزاها المغول، فانهارت انهيارا تاما، وخسر السلاجقة نيقية قصبة سليمان فى الحرب الصليبية الأولى سنة 1097، ولم تعد إلى حظيرة السلاجقة قط، وهكذا انتهى حكم الترك فى غرب آسية الصغرى بأسره، ذلك أن البوزنطيين استطاعوا فى عهد أسرة كومنينوس أن يخضعوا هذه المنطقة لسلطانهم، وتمكنوا من أن يحتفظوا بها طوال حكم السلاجقة، وقد عزلت إمارتا أنطاكية والرهاء النصرانيتان السلاجقة الذين كانوا يقيمون فى الجنوب الشرقى عن بقية العالم الإسلامى، وكانت هاتان الإمارتان قد أنشئتا منذ عهد قريب، وكذلك عزلهم قيام مملكة أرمينية الصغرى، وإنما بقى قلب آسية الصغرى وحده تقريبا فى أيدى السلاجقة، على أنهم فى هذا المكان نفسه لم يستأثروا بالحكم فقد كان لهم منافسون خطرون فى شخص الدانشمندية، وقد انتهت هجمة قلج أرسلان صوب الموصل نهاية غير حميدة، ذلك أنه لقى حتفه قبل الأوان، وكان ابنه مسعود هو أول من أفلح فى إقامة دولة فى قونية ثابتة الأركان، وذلك بعد أن قهر أخوته وبسط سلطانه شيئا فشيئا، وواصل خليفته قلج أرسلان الثانى عمله وأكره الدانشمندية على الخضوع لحكمه بالرغم من أن نور الدين القوى الشكيمة كان يظاهرهم، وكذلك لم يفشل فى حروبه مع البوزنطيين، بل أفلح فى أن ينزل بالأمبراطور مانويل (Manuel) ضربة شديدة فى جوار موريو كيفالون Muriokephalon (ممر جردك) سنة 752 (1176 م)، بيد أن السن تقدمت به

فأصبح ألعوبة فى أيدى أبنائه الكثيرين، فتولى كل منهم حكم ناحية من النواحى، أضف إلى هذا أن الصليبيين غزوا أراضيه، بل استولوا على قونية قصبة بلاده (1190 م) ثم وافته المنية بعد ذلك بقليل (1192 م)، وهو فى صحبة ابنه الأصغر غياث الدين كيخسرو وترك مملكته نهبا للفوضى، ذلك أن أبناءه كانوا يتقاتلون فيما بينهم، وانتهى الأمر بأن أفلح أحدهم، وهو ركن الدين سليمان، فى التغلب على أخوته وانتزع أرضروم من السلتقية، ثم وهب هذه المدينة لأخيه طغرل شاه الذى حكمها حتى توفى سنة 1125 بوصفه أميرا مستقلا برأسه، وجعل السكة تضرب باسمه هو، إلا أن كيقباد الأول خلع جهان شاه بن طغرل شاه عن العرش إبان الحرب التى اشتعلت بين كيقباد وجلال الدين شاه خوارزم، وضمت مملكته إلى أملاك الفائز، وأشهر ركن الدين حربا فاشلة على سكان بلاد الكرج مات بعدها، فخلفه على العرش أخوه غياث الدين، وكان قد ساح كثيرا فى البلاد، واستقر به المقام آخر الأمر بين الروم، وقد حدث هذا قرابة الوقت الذى كانت دولة اللاتين فى سبيلها إلى الظهور ببوزنطة. وقد هيأ له هذا الظرف الفرصة لبسط سلطان السلاجقة، واستولى سنة 1207 على ثغر أنطالية الكبير الشأن، واستولى خليفته عز الدين كيقاوس على سينوب أيضا، وهكذا فتحت الدولة التركية أبوابها للتجارة العالمية، فأنشئت العلاقات بينها وبين الجمهوريات التجارية الإيطالية، وعظمت حركة تصدير منتجات الإقليم ذات القيمة، وازدادت التجارة العابرة مع أرمينية الصغرى زيادة عظيمة، وأصبحت "تركية" فى ذلك العهد تعد أغنى بقاع الأرض طرًا، وتعهد أمير نيقية وأطرا بزندة وملوك أرمينية الصغرى فى صقلية بأن يؤدوا الجزية طوعا أو كرها، وسلم بنو أرتق والأيوبيون الذين كانوا يقيمون فى مدن التخوم على الحد الجنوبى الشرقى بسلطان السلاجقة فى سكتهم وفى الخطبة، وتنافس السلاطين وأمراؤهم

العظام فى إقامة العمائر والمساجد والمدارس والجسور ومحطات القوافل البديعة. وصفوة القول أن دولة السلاجقة مرت بعصر مجيد لم يكن لآسية الصغرى به عهد منذ قرون طويلة. على أن هذا العصر لم يخل من المساوئ، فقد عاش الحكام عيشة بذخ وترف انتهت بضعفهم وتخنثهم حتى أثاروا عليهم سخط الطبقات الدنيا وحنق أهل الورع والتقوى، بل إن كيقاوس الأول وكيقباد الأول، على قدرتهما وعلو همتهما، لم يجدا بدا فى سبيل تحقيق مشروعاتهما العسكرية من الاستعانة بالمرتزقة من الأجانب واليونان والأرمن والعرب، وازداد الاعتماد على هؤلاء المرتزقة عندما اعتلى كيخسرو الثانى التافه الشأن عرش البلاد سنة 1237، وكان الطوفان المغولى قد بلغ فى الوقت نفسه حدود آسية الصغرى؛ وسقطت أرزن الروم (أرضروم) ذلك الحصن الواقع على الحدود قبل أن يشرع المغول فى غزوتهم، ومنى الجيش التركى بعد ذلك بهزيمة ساحقة فى كوزاداغ (1243)، ومن ثم بت فى مصير الدولة صحيح أن الصلح قد عقد ومنح السلطان مظهرا من مظاهر الاستقلال على أن يؤدى جزية كبيرة، إلا أن ثروة البلاد كانت تثير دائما جشع المغول فتدفعهم إلى غزوات جديدة كانوا يتذرعون فى سبيل القيام بها بوجود صراع بين أولاد كيخسرو على اعتلاء العرش، وانتهى الأمر بأن قسمت الدولة قسمين فى عهد هولاكو، فأصبح عز الدين يحكم الأراضى التى على جانب من نهر قزل إيرمق، فى حين أخذ ركن الدين يحكم الأراضى التى على الجانب الآخر للنهر. فلما عمد عز الدين إلى مفاوضة المماليك المصريين فى السر، وكانوا أعداء المغول الألداء، وضع المغول فى الحال حدا لحكمه وأكره على الالتجاء إلى بوزنطة، وانفرد ركن الدين بالحكم بعد ذلك، ولكن السلطان الفعلى كان فى يد معين الدين سليمان الذى تلقب بلقب يروانه بوصفه عاملا من عمال المغول؛ عندما أضحى ركن الدين مصدر تعب

له عمل على إقصائه من طريقه سنة 1266 حتى يستطع أن يحكم مطلق اليد أكثر من ذى قبل باسم غياث الدين، ابن ركن الدين الرضيع، وأخذ الترك فى الوقت نفسه فى الانتقاض على المغول فى لرندة وفى غيرها من النواحى، ومن ثم استنجد بعض بكوات الترك بيبرس سلطان المماليك، وأشاروا عليه بأن ينفذ حملة إلى آسية الصغرى فيجد أهل البلاد جميعا فى صفه، وذلك إذا قدر له أن يوقع الهزيمة بالجيش المغولى المرابط فى البلاد، ووافق بيبرس على ذلك، وهزم المغول فى وقعة ألبستان الدامية، وتقدم حتى بلغ قيصرية (1277) ولكن بروانه هو والسلطان ظلا بعيدين أحدهما عن الآخر ولم يحرك الناس ساكنا، فاضطر بيبرس إلى الرجوع من حيث أتى بسبب افتقاره إلى الزاد، وترك الأمور على حالتها التى كانت عليها من قبل. وقد حدث بعد هذا بقليل أن ظهر أباقا فى آسية الصغرى وانتقم شر انتقام من الترك الذين كانوا فى ظنه قد تآمروا مع المصريين، وكذلك دفع بروانه حياته ثمنا لتوانيه وكسله وأضحى الحكم المغولى بعد ذلك أشد صرامة، وأقر عمال الأموال من قبل المغول الضرائب التى كان يستخدم جلها فى الإنفاق على الجيش المرابط فى البلاد، ولم يبق لسلاطين السلاجقة الذين ضربت أسماؤهم على السكة حتى سنة 702 هـ (1302 م) نفوذ يذكر، وكان أمراء الترك يثيرون الشغب، وشرهم فى ذلك بنوقره مان وبنو أشراف، إلا أن الأميرين المغوليين كنكقرطاى وكيخاتو سارا إليهم على رأس حملات تأديبية صارمة وأخضعوهم أكثر من مرة، بيد أنهم كانوا يعودون ثانية إلى مكانهم ويقيمون إمارات مستقلة، وانتهى الأمر بأن تقلص سلطان المغول. وهكذا قام على أنقاض دولة السلاجقة اثنتا عشرة أسرة تركمانية (انظر فيما يتصل بها المواد المستقلة من هذه الدائرة)، أما آخر أحفاد أسرة السلاجقة الذين ورد ذكرهم فى التاريخ فنجدهم فى سينوب وربما فى علاية، وقد نفى قلج أرسلان

المصادر

ابن لطفى بك، الذى استسلم سنة 876 هـ (1471 - 1472 م) للقائد العثمانى كدك أحمد باشا والى استانبول هو وأفراد أسرته جميعا، وأقطعة السلطان "كومولجنة" تيمارا له، ولكنه هرب بعدئذ إلى مصر، ولعله كان يمت بصلة إلى أسرة الحكام الأقدمين. المصادر: انظر عن مصادر تاريخ السلاجق: Prolegomena zu einer Ausgabe der im B.M. zu London uerwahrten Chronik des seldschukischen Reiches: K. Sussheim, ليبسك 1911، ويجدر بنا أن نذكر أول ما نذكر ملخصات التواريخ العامة لابن الأثير؛ سبط بن الجوزى: مرآة الزمان نسخة طبق الأصل طبعة J.R.Jeweth، شيكاغو 1907، السنوات 495 - 654؛ ابن العبرى (أخبار السريان والعرب)؛ أو الفداء؛ ابن خلدون؛ حمد اللَّه المستوفى؛ تأريخ كزيده للقزوينى (نسخة طبق الأصل طبعة E.G Browne، ليدن ولندن 1910)، وقد أخذ منه Histoire des Seldioukides et des lsmaeliens etc بقلم Defremery فى J. A؛ روضة الصفاء: لميرخواند، وقد أخذ عنها Mirchond's Gesdhichte der Seldschuken طبعة Vulleers كييسن Giesson 1838؛ حبيب السير لخواندمير، وهو مطبوع على الحجر، طهران 1271، وبومباى 1273؛ صحائف الأخبار لمنجمم باشى، إستانبول 1285؛ وللمؤلف نفسه مصنف بالعربية أوفى وأعم ولكنه مخطوط. تواريخ خاصة: Recueil de textes relatifs a L'histoire des Seldioucides Houtsma، طبعة، ليدن 1886 - 1902، ويحتوى المجلد الأول منه على تاريخ سلاجقة كرمان لمحمد بن إبراهيم، ويشتمل المجلد الثانى على ملخصات البندارى لمصنف عماد الدين المسمى "نصرة الفترة وعصرة الفطرة"، واشتمل المجلدان الثالث والرابع على الترجمة التركية والنص الفارسى لموجز ابن بيبى فى تاريخ سلاجقة آسية الصغرى؛ راحة الصدور وآيات السرور للراوندى، طبعة محمد إقبال، ليدن

1921؛ الغراضة فى الحكايات السلجوقية للحسبنى طبعة K.Sussheim، القاهرة 1326 = 1908 م ونذكر من التواريخ الإخبارية للأسر المعاصرة المهم منها وهو تاريخ البيهقى إلى آخره، طبعة W.H.Morley، كلكته 1862؛ تاريخ يمينى للعتبى، طبعة مولوى مملوك العلى وشبرنكر Sprenger, دلهى 1747، ومع شروح من وضع المنبنى، القاهرة 1286؛ تاريخ دمشق لابن القلانسى طبعة 1908؛ li.F.Amedeoz ليدن زبدة الحلب من تاريخ حلب لكمال الدين، ترجمة فرنسية لجزء منه بقلم. E. Blochet، باريس 1909، وأجزاء أخرى فى المجلد الثالث من Histoire orientaux des Croisades؛ كتاب الروضتين فى أخبار الدولتين لأبى شامة، القاهرة 1287 و 1292؛ Histoire des Mongols لرشيد الدين، جـ 2، طبعة E.Bilnchet، ليدن ولندن 1911؛ تاريخ جهانكشا للجوينى، طبعة ميرزا محمد القزوينى، ليدن ولندن 1912 - 1916؛ السلوك لمعرفة دول الملوك للمقريزى، ترجمة فرنسية بقلم Quatremere، باريس 1837 - 44، وبقلم E.Blochet، باريس 1908؛ النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة لأبى المحاسن، طبعة W.Popper (مطبوعات جامعة كاليفورنيا فى فقه اللغات السامية: Universify of Califor nia Publications in Semitic philology، جـ 2، 1909 و 1910)؛ سير بعض السلاطين والوزراء فى الوفيات لابن خلكان؛ وانظر أيضا سياست نامه لنظام الملك، طبعة Schefer، باريس 1891، وذيلها، باريس 1897. ومن المصنفات ذات الأهمية الخاصة فى تاريخ سلاجقة آسية الصغرى والشام: Chronique de Michel le Syrien، طبعة وترجمة J. B. Chabot، باريس 1899 - 1910؛ Chronique de Matthieu d'Edesse: E. Dulaurier, باريس 1858؛ Histoire de la Georgie: M. Brosset؛ وكذلك مؤرخو الصليبيين والدولة البوزنطية: Vincentius Bellovocensis: Speculum Historiale، الكتابان 30 و 31.

السكة والنقوش والفنون: انظر عن سكة السلاجقة الجداول المشهورة التى وضعها Lane-Poole و Dorn وغالب بك وأحمد توحيد وغيرهم؛ وتجد النقوش فى Reise in Kleinasien: M. Sarre، برلين 1896؛ Epigraphi arabe de L'Asie Mineure: CL. Huart فى Revue Semit، جـ 2 و 3: J. H Loytued: Kania infschriften der seldsch. Bauten, برلين 1907، Materiaux pour un corpus inscr. arab: V. Berchem, جـ 3، القاهرة 1910 وكثير من المواد المبعثرة بقلم المؤلف نفسه، قيصرية شهرى مبانى إسلامية وكتابلرى لخليل أدهم، استانبول 1334. ومواد أخرى بقلمه وقلم أحمد توحيد وغيرهما فى historique Merwa؛ Revue Razva lini starago: Zukovski، سانت بطرسبرغ 1894، Denkmaler der persischen BauKunst: Sarre، برلين 1910. وانظر أيضًا مصنفات H. Saladin و G. Migeon Strzygowski,E.Diezs Woerman, وغيرهم، ومنذ أن أصدر Degnignes مصنفه Histoire genfrale des Huns, des Turcs, des Mogols et des autres Tartares occidentauxetc 1756 - 1758, (الكتابان 10 و 11)، لم يبحث عالم أوربى بحثًا خاصًا فى تاريخ السلاجقة وإن كانت كتب التاريخ التى ألفها Muir و Weil و A.Muller و d'Ohsson و Howorth و Barthold وغيرهم تشتمل على معلومات كثيرة فى هذا الموضوع. ومما له شأن خاص فى التواريخ المبكرة لهذه الأسرة مقدمة كزمرسكى Kazimirski السابق الإشارة إليها لطبعته لديوان منوجهرى. وانظر فيما يتعلق بسلاجقة كرمان موجز Houtsma (نقلا عن Recueil، جـ 1) فى Z.D.M.G، جـ 39، ص 362 - 402؛ وانظر فيما يتصل بتاريخ سلاجقة الروم، إلى جانب مصنفات Huart و van Berchem وخليل أدهم وغيرهم: ترك تاريخى لنجيب عاصم، ص 405 - 445؛ Konia, la ville des derviches tourneurs: Huart، باريس 1897؛ المؤلف نفسه: Ies Saints des derviches tourneurs، باريس 1917 - 1922.

السلام

السلام مصدر الفعل سلم، ويستعمل اسما بمعنى "الأمان والعافية والتسليم والتحية" (وانظر فى شأن أقوال فقهاء اللغة العرب الأقدمين: لسان العرب جـ 15، ص 181 - 183، وفى مواضع مختلفة منه). ويرد هذا اللفظ كثيرا فى القرآن الكريم وخاصة فى السور التى تنسب إلى العهدين المكيين الأول والثانى. وأقدم آية ورد فيها لفظ السلام هى الآية الخامسة من سورة القدر حيث قيل فى ليلة القدر {سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ}. . وقد ورد أيضا بهذا المعنى فى الآية 33 من سورة ق (¬1)، والآية 36 من سورة الحجر (¬2)، والآية 69 من سورة الأنبياء، والآية 50 من سورة هود (¬3). والسلام معناه السلامة فى الدارين. وهو يستعمل بهذا المعنى فى عبارة "دار السلام" أى الجنة (الآية 26 من سورة يونس (¬4)؛ والآية 127 من سورة الأنعام)، ويرد فى الآية 18 من سورة المائدة (¬5) المدنية التى تخاطب أهل الكتاب العبارة "سبل السلام" أى طرق السلامة من العذاب (انظر سفر أشعيا الإصحاح 54، الآية 8: دارك شالوم). على أن لفظ "السلام" يغلب استعماله فى القرآن صيغة من صيغ التحية. ومن ثم نجد فى الآية 90 من سورة الواقعة (¬6)، وهى من سور العهد المكى الأول، أن من كان من أصحاب اليمين يحييه إخوانه من أصحاب اليمين قائلين "سلام اللَّه" (فى قول البيضاوى؛ وانظر عن التفاسير الأخرى لسان العرب، جـ 15، ص 184، ص 8 وما بعده؛ ) و"سلام" (سورة يس، الآية، الآية 58؛ سورة إبراهيم، الآية 28 (¬7)، سورة يونس، الآية 10، سورة الأحزاب، الآية 43) (¬8) أو "سلام عليكم" (سورة ¬

_ (¬1) رقم الآية فى المصحف العثمانى 34. (¬2) رقم الآية فى المصحف العثمانى 46. (¬3) رقم الآية فى المصحف العثمانى 48. (¬4) رقم الآية فى المصحف العثمانى 35. (¬5) رقم الآية فى المصحف العثمانى 16. (¬6) رقم الآية فى المصحف العثمانى 91. (¬7) رقم الآية فى المصحف العثمانى 23. (¬8) رقم الآية فى المصحف العثمانى 44.

النحل، الآية 34؛ (¬1) سورة الزمر، الآية 73؛ سورة الرعد، الآية 24) هى التحية التى توجه إلى أصحاب النعيم فى الجنة أو عند دخولهم (انظر أيضًا سورة الحجر، الآية 75) (¬2). أما "سلاما سلاما" الذى ورد فى الآية 25) (¬3) من سورة الواقعة (وقرئ سلامٌ سلامٌ، انظر سورة مريم الآية 63) (¬4) فالمفروض أن المقصود به أيضًا النداء باليمن والبركة (انظر التفاسير الأخرى فى البيضاوى). وأولئك الذين على الأعراف ينادون أصحاب الجنة أن سلام عليكم (سورة الأعراف، الآية 44) (¬5). و"سلام" هو أيضًا تحية ضيف إبراهيم ورده عليهم (سورة الذاريات، الآية 25، سورة هود، الآية 72 (¬6)، وانظر سورة الحجر، الآية 52). وقد ودع إبراهيم أباه الذى هدده بقوله "سلام عليك" (سورة مريم، الآية 48) (¬7) وقد أجرى على لسان موسى (سورة طه، الآية 49) (¬8) فى خطابه لفرعون عبارة "السلام على من اتبع الهدى" والتفسير الأول الذى أتى به البيضاوى أن السلام هنا معناه سلام الملائكة وخزنة الجنة على المهتدين. على أنه لما كانت هذه العبارة ليست ابتداء لقاء أو خطاب فإن تفسيرا آخر يؤثر أن يجعلها جملة تأكيدية، وإن المراد بالسلام فى الآية السلامة من سخط اللَّه وعذابه (انظر البيضاوى فى تفسير هذه الآية، وكذلك لسان العرب، جـ 15، ص 183، ص 7 وما بعدها) وعبارة "سلام عليكم" وردت فى الآية 54 من سورة الأنعام فى مطلع الرسالة التى أمر اللَّه تعالى النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] بأن يبلغها إلى المؤمنين [وهى أن يبلغ سلام اللَّه تعالى إليهم]؛ وفى الآية 32 من سورة النحل "سلام" يتلى على عباد اللَّه المصطفين. ويتردد استعمال كلمة "سلام" بمعنى التبريك فى سورة الصافات حيث يرد فى نهاية كل ذكر لنبى من الأنبياء ¬

_ (¬1) رقم الآية فى المصحف العثمانى 32. (¬2) يبدو أن الإشارة هنا إلى الآيتين 45، 46: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (45) ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ}. (¬3) رقم الآية فى المصحف العثمانى 26. (¬4) رقم الآية فى المصحف العثمانى 62. (¬5) رقم الآية فى المصحف العثمانى 46 (¬6) رقم الآية فى المصحف العثمانى 69. (¬7) رقم الآية فى المصحف العثمانى 47. (¬8) رقم الآية فى المصحف العثمانى 47.

سلام عليه (الآيات 77 (¬1)، 109، 120، 130، 181 من هذه السورة؛ انظر أيضا سورة مريم، الآيتين 15، 34) (¬2). وقد تأتى كلمة "سلام" بمعنى التهكم فى الآية 89 من سورة الزخرف عندما يعرض النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] عن الكافرين، و"سلام عليكم" فى الآية 55 من سورة القصص (وقد أورد البيضاوى تفسيرات أخرى لذلك). وربما صدق ذلك أيضا على صيغة "سلاما" (سورة الفرقان، الآية 64) (¬3) التى يجيب بها عباد الرحمن إذا خاطبهم الجاهلون، ولكن المفسرين يجعلونها بمعنى "تسلما أو براءة". وفى الآية 23 من سورة الحشر (وهى سورة مدنية) يرد "السلام" اسما من أسماء اللَّه، ويفسره البيضاوى بقوله إنه "ذو السلامة من كل نقص وآفة، مصدر وصف به للمبالغة". (انظر عن التفسيرات الأخرى لهذه الآية، لسان العرب، جـ 15، ص 182، س 7 وما بعده، س 20 ما بعده)؛ ومن ثم فإن السلام فى عبارتى "دار السلام" و"سبل السلام" يفسر بأنه اسم من اسماء اللَّه (البيضاوى فى تفسير الآية 18 (¬4) من سورة المائدة؛ لسان العرب، جـ 15، ص 182، س 2 وما بعده)، بل إن ثمة من يقول بأن معناه فى عبارة "السلام عليكم" اللَّه (فخر الدين الرازى: مفاتيح الغيب فى تفسير الآية 54 من سورة الأنعام، طبعة القاهرة 1278 هـ، جـ 3، ص 54، ص 21 وما بعده؛ لسان العرب، جـ 15، ص 182، س 8 وما بعده)، ومن المستبعد أن يكون المقصود بعبارة "ألقى السلام" التى جاءت فى الآية 96 (¬5) من سورة النساء هو التحية؛ وثمة قراءة أخرى (¬6) هى "السَلمَ" كما فى العبارة المماثلة التى جاءت فى الآيتين 92، 93 (¬7) من سورة النساء، والآيتين 30، 89 (¬8) من سورة النحل. ¬

_ (¬1) رقم الآية فى المصحف العثمانى 79. (¬2) رقم الآية فى المصحف العثمانى 33. (¬3) رقم الآية فى المصحف العثمانى 36. (¬4) رقم الآية فى المصحف العثمانى 16. (¬5) رقم الآية فى المصحف العثمانى 94. (¬6) هذه هى القراءة الأولى المعتمدة فى المصحف العثمانى أى قراءة حفص. (¬7) رقم الآيتين فى المصحف العثمانى 90، 91. (¬8) رقم الآيتين 28، 87 [مهدى علام].

وقد ورد الفعل "سَلَم" أول ما ورد فى السور المدنية وبخاصة الآية 56 من سورة الأحزاب حيث أوصى بالصلاة والسلام على النبى، وكذلك الآيتين 27، 61 من سورة النور. وقد استقر الرأى بين المسلمين فى تاريخ متقدم جدا على أن تحية "السلام" كانت من شرائع الإسلام. على أن ذلك إنما يصدق فى حدود ما أوصى به القرآن الكريم فى سورة من السور المكية المتأخرة وسورتين من السور المدنية من اتباع هذه التحية: فقد أمر النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فى الآية 54 من سورة الأنعام: {وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ. .}؛ وجاء فى الآية 27 من سورة النور: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا. . .}، وجاء مثل ذلك فى الآية 61 من السورة نفسها {. . . فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ. . .} (وثمة وصية من قبيل ذلك جاءت فى الآية 12 من الإصحاح العاشر من سفر متى، وفى الآية 5 من الإصحاح العاشر من سفر لوقا)؛ وكذلك فى الآية 88 (¬1) من سورة النساء حيث استعملت عبارة "حيًا" بصورة أعم، والرأى هنا أيضا أنها فى السلام. على أن كولدسيهر قد بيّن (Z.D.M.G، جـ 46، ص 22 وما بعدها) أن صيغة "سلام" كانت مستعملة بمعنى التحية قبل الإسلام واستشهد فى ذلك بأبيات من الشعر. أما العبارات العبرية والآرامية المرادفة لذلك وهى: "شالوم لكا" و"شلا لاك (لكون) " و"شلاما علاك" والتى ترجع إلى ما جرى به الاستعمال فى التوراة (سفر القضاة، الإصحاح 19، الآية 20؛ سفر صموئيل الثانى، الإصحاح 18، الآية 28؛ سفر دانيال، الإصحاح 10، الآية 19، سفر الأيام الأول، الإصحاح 12، الآية 19) فقد كانت أيضا مستعملة للتحية بين اليهود والنصارى (Gramm d.Jud-Palastin. Aramasch: Dalman, الطبعة الثانية، ليبسك، 1905 م، ص 244). ¬

_ (¬1) رقم الآية فى المصحف العثمانى 86. [مهدى علام]

وجاء فى "تلمود برشلمى" أى تلمود أورشليم (شعبيط، جـ 4، ص 35 ب) أن "شالوم عليكم" كانت هى تحية إسرائيل (انظر أيضًا بشتيًا (¬1)، سفر متى، الإصحاح 10، الآية 12، الإصحاح 10، الآية 5؛ الإصحاح 24، الآية 26؛ سفر يوحنا، الإصحاح 20، الآيات 19، 21، 26؛ Payne Smith: Thes. Syriacus، العمود 1489 وما بعده). وثمة عدد كبير جدا من النقوش النبطية تبين إلى ذلك أن لفظ "شَلمْ" يدل على التمنيات الطيبة فى الشمال الغربى لبلاد العرب وفى شبه جزيرة سيناء (G.l.S، جـ 2، Inscriptions Aramaeae, جـ 1، رقم 288 وما بعدها، وقد تكرر هذا اللفظ مرتين فى رقم 244، 339 وثلاث مرات فى رقم 302). ويتردد ذكر اللفظ العربى "سلم" فى نقوش الصفا للدلالة على البركة (انظر Zur Entzifferung der Safa Inschriften: E.Littmann ليبسك 1901، ص 47، 52 وما بعدها، 55، 56، 57، 59، 61، 64، 66، 70؛ المؤلف نفسه Sremitic Inscriptions , نيويورك - لندن 1905، Safaitic Lnscr رقم 5، 8، 12، 15، 69، 128، 134). وإذا كان ذلك الشطر من بيت الشعر: "سَلامك ربنا فى كل فجر" الذى استشهد به لسان العرب (جـ 15، ص 183، س 5 من أسفل) صحيحا، وكانت نسبته إلى أمية بن أبى الصلت صحيحة أيضا، جاز لنا أن نستنتج من ذلك أن صيغة "سلام" كانت تستعمل فى بعض أوساط القائلين بالتوحيد فى شمالى بلاد العرب [قديما]. والمظنون أن هذا الاستعمال الذى تأثرث بالأقوال المسيحية واليهودية، قد جعل للفظ مدلولا خاصا فى منطقة الثقافة الآرامية. أما ما ذهب إليه لدزبارسكى (Ztschr.fur Semitik: Lidzbarski جـ 2، ص 85 وما بعدها) من أن "سلام" يستعيد الفكرة التى يعبر عنها اللفظ اليونانى (. . .) فأمر لا حاجة بنا إلى مناقشته فى هذا المقام. على أن ¬

_ (¬1) هى الترجمة السريانية للعهدين القديم والجديد فيما عدا أسفار قليلة منها. وهذه الترجمة هى العمدة فى جميع الكنائس السريانية والنسطورية وكذلك عند القائلين بالطبيعة الواحدة.

قوله بأن "إسلام" هو مصدر الفعل أسلم وأنه مصوغ من سلام (. . .) (أى يدخل فى حالة سلام) فلا يمكن التوفيق بينه وبين تلك العبارات التى تتردد فى القرآن الكريم مثل "أسلم وجهه للَّه" و"أسلم لرب العالمين" وغيرها من العبارات. وقد كان محمد عليه الصلاة والسلام يعلق أهمية دينية كبيرة على صيغة السلام، ذلك أنه كان يعدها تحية يوجهها الملائكة لأصحاب النعيم، ويستخدمها فى موضع التحية المباركة يزجيها إلى الأنبياء الذين جاءوا قبله. وثمة سلام من قبيل ذلك الذى يقال فى التشهد (انظر ما يلى) أو من قبيل السلام الذى تنهى به الصلاة وله نظير فى اليهودية وهو "تِفِلًا" (انظر Zur Entstehunagsgeschichte des islam Gebets u Kultus: E.Mittwoch فى Abh. Pr.AK- W. C.Ph -h-Kl، 1913 م رقم 2، ص 81)، ولعل هذا السلام كان من أول الأمر سمة جوهرية من سمات الصلاة. (البخارى: كتاب الاستئذان باب 3؛ كتاب الآذان، باب 148، 150) ومع ملاحظة أن اللَّه تعالى نفسه هو السلام (القرآن الكريم سورة الحشر، الآية 23) وقد قرر النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فى التشهد ما ينبغى أن يقال فيه. وتلاوة السلام تتبع ذلك فى الصيغة التى نذكرها بعد (انظر عن الأحاديث المختلفة فى التشهد: الشافعى: كتاب الأم، القاهرة 1321 هـ، جـ 3، ص 103 وما بعدها، وانظر Goldziher Uber die Eulogien, وغير ذلك فى: Z.D.M.G، جـ 50، ص 102). وفى شعيرة الصلاة كما قررها الشرع تأتى البركة على اللَّه والسلام على النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وعلى العبد وعلى الحاضرين وعلى عباد اللَّه الصالحين قبل النطق بالشهادة فى التشهد (السلام عليك أيها النبى ورحمة اللَّه وبركاته، السلام علينا وعلى عباد اللَّه الصالحين) ومن الشعائر المتبعة فى الصلاة ما يقال أيضا فى نهاية التسليمة الأولى التى تتضمن فى صورتها الكاملة أن يلتفت المصلى وهو جالس ناحية اليمين وناحية الشمال

ويقول فى الحالين "السلام عليكم ورحمة اللَّه" (انظر الباجورى؛ حاشية على شرح ابن القاسم الغزّى على متن أبى شجاع، القاهرة 1321 هـ، جـ 1، ص 168، 170). ولعل تفضيل القرآن الكريم لصيغة السلام واستعمالها فى الصلاة هو الذى كان السبب الأكبر فى أنها سرعان ما أصبحت دون سواها هى "تحية الإسلام" وقد نص القرآن الكريم كما أسلفنا البيان بأن يعقب التصلية السلام على النبى [أى عليه الصلاة والسلام]. وجاء فى الحديث أن النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] سعى إلى الأخذ بالسلام، ذلك أنه عندما أدخل عمير بن وهب على النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] حياه عمير بتحية الجاهلية "أنعموا صباحا" فقال النبى "قد أكرمنا اللَّه بتحية خير من تحيتك يا عمير، بالسلام: تحية أهل الجنة" (ابن هشام، طبعة فستنفلد، ص 472 فى أسفلها، وما بعدها؛ الطبرى؛ طبعة دى غوى، جـ 1، ص 1353، ص 10، وما بعدها) ويقال أيضا إن أولئك الذين كانوا حول النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] كانوا تواقين إلى الأخذ بهذه التحية. ويروى الواقدى أن عروة بن مسعود الذى رغب بعد إسلامه مباشرة فى أن يهدى أبناء عشيرته فى الطائف إلى الإسلام قد استرعى نظر ثقيف، الذين كانوا يحيون بتحية الجاهلية، إلى تحية أهل الجنة وهى "السلام" (ابن سعد: الطبقات، جـ 5، ص 369: Das Leben. des Mohammed: Sprenger, جـ 3، ص 482؛ Muh.studien: Goldziher، جـ 1، ص 264) ويقول ابن إسحق إن المغيرة ابن شعبة قد علّم وفد ثقيف الذى قدم على النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] كيف يحيونه، (ابن هشام، ص 916، س 5 وما بعده؛ الطبرى جـ 1، ص 1290، س 9 وما بعده Sprenger؛ كتابه المذكور، جـ 3، ص 485؛ Goldziher: كتابه المذكور). ويقال إن اليهود قد حرّفوا هذه التحية بالنسبة لمحمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فقالوا "السام عليك" فرد عليهم النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] "وعليكم" (البخارى: كتاب الاستئذان، باب 22؛ كتاب الأدب، باب 38؛ لسان العرب، جـ 15، ص 206). ويروى ابن سعد (الطبقات، جـ 4، قسم 1، ص 163، س 15) أن أبا ذر كان أول من حيا

النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] بتحية الإسلام، ونجد فى ابن سعد أيضا (الطبقات، جـ 4، قسم 1، ص 82، س 2) "السلام عليكم" فى بداية كتاب وجهه معاوية إلى أبى موسى الأشعرى. وكانت العبارات التى يمكن استعمالها هى "سلام" أو "سلام عليكم (عليك) " أو "السلام عليكم". ويقال إن أم أيمن كانت تحيى النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] بقولها "السلام" فحسب (ابن سعد: الطبقات، جـ 8، ص 163، س 7 وما بعده، س 9 وما بعده). والصيغة الغالبة فى القرآن هى "سلام عليكم". قد حاول فخر الدين الرازى أن يبين أن "سلام" منكرة هى الصيغة المفضلة، وهى تعبر عن التحية المثلى (كتابه المذكور، جـ 2، ص 500، س 35 وما بعده؛ جـ 3، ص 512، س 11 وما بعده). وقد تبعه فى ذلك الشافعى، إذ يقال إنه كان يفضل صيغة "سلام عليك" فى التشهد (كتابه المذكور، جـ 3، ص 512، س 35)، ولكن الشافعية يجيزون فى التشهد أيضا استعمال صيغة السلام معرفة (الباجورى، كتابه المذكور، جـ 1، ص 168؛ لسان العرب، جـ 15، ص 182، س 12 وما بعدها) على أن صيغة "السلام عليكم" كانت تستعمل كثيرا فى التحية. وهذه الصيغة غير المحددة قد نص عليها صراحة فى التسليمة (فخر الدين الرازى، كتابه المذكور جـ 2، ص 501، س 5؛ الباجورى: كتابه المذكور، جـ 1، ص 170؛ لسان العرب، جـ 15، ص 182، س 13 وما بعده) وقد جروا فى رد هذه التحية على القول "وعليكم السلام" (ومن شاء مزيدا من التفصيل فى ذلك فليرجع إلى فخر الدين الرازى: كتابه المذكور، جـ 2، ص 500، س 29 وما بعده). جـ 3، ص 512، س 21 وما بعده). ويقول ابن سعد (كتابه المذكور، جـ 4، قسم 1، ص 115، س 19 وما بعده) إن عبد اللَّه بن عمر كان يرد التحية بقوله "سلام عليكم". وجاء فى بعض الأحاديث أن النبى عليه الصلاة والسلام قال إن عبارة "عليك السلام" هى تحية الموتى، وأصر على أن التسليم عليه يكون بعبارة "السلام عليكم" (الطبرى، جـ 3،

ص 2395؛ ابن الأثير: النهاية فى غريب الحديث والأثر، القاهرة 1311 هـ، جـ 2، ص 176 من أسفلها). أما عبارة "عليك السلام" أى إشارة إلى ما جرت به عادة العرب فى المراثى (المصدر المذكور، جـ 2، ص 177؛ لسان العرب، جـ 15، ص 182). على أن ثمة أحاديث يسلم فيها النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] على الموتى فى المقابر بعبارة تبدأ بالـ "سلام" (الطبرى، جـ 3، ص 2402، س 10 وما بعدها؛ ابن الأثير ولسان العرب فى الموضعين المذكورين آنفا). ويقال أيضا أن عبد اللَّه بن عمر فى عودته من سفر قد سلم على قبرى النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وأبى بكر وعلى قبر أبيه بقوله "السلام عليك" (ابن سعد الكتاب المذكور، جـ 4، قسم 1، ص 115، س 5 وما بعده). وقد زادت صيغة السلام منذ عهد جد مقدم بإضافة عبارة "ورحمة اللَّه" أو "ورحمة اللَّه وبركاته". وقد استعملت الزيادة الأولى فى "التسليمة" والزيادة الثانية فى "التشهد" (انظر فيما أسلفنا بيانه). وبتطبيق ما أمر به القرآن (سورة النساء، آية 88 (¬1) {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا. . .}) فإن من السنة عند رد التحية أن تزيد عليها ورحمة اللَّه وبركاته، وإذا حدث ورددت تحية السلام فحسب فاكتف بزيادة ورحمة اللَّه (البخارى: كتاب الاستئذان، الأبواب 16، 18، 19). وإذا حيى أحد بالتحية المثلثة فيجب عليه أن يرد بمثلها (فخر الدين الرازى، تفسير الآية 88 (¬2) من سوة النساء الموضع المذكور جـ 2، ص 502، س 14 وما بعده). ويروى لين (Manners and Gustoms: Lane، الطبعة الثالثة، جـ 1، ص 229، التعليق) أن التحية المثلثة كانت شائعة جدا فى رد السلام فى مصر (انظر أيضا: L'Arabo parlato in Egitto: Nallino الطبعة الثانية، ميلان، طبعة 121). أما فى مكة فإن هذه التحية نادرة بالمقارنة بمصر، ذلك أن القوم هناك درجوا على رد التحية بقولهم "وعليكم السلام والرحمة أو ورحمة اللَّه أو والإكرام (انظر Mekkanische Sprichworter u. Redensarten: Snouck Hurgronje, لاهاى ¬

_ (¬1) رقم الآية 86. (¬2) رقم الآية 86. [مهدى علام]

1886 م، ص 118). ويظن لندبرك (Etudes sur les dialectes de l'Arabie Meridionale: Landberg، جـ 2، ص 788، التعليق) أن صيغة التحية الطويلة تذكرنا بالرحمة التى يطلبها الراهب (سفر العدد، الإصحاح السادس، الآيات 24 - 26) , واستعمال "عليكم" فى تحية الشخص المفرد تفسر بأن ضمير الجمع الذى يلحق بآخر هذه الكلمة يشمل الملكين أو الروحين الموكلين بهذا الشخص (فخر الدين الرازى، كتابه المذكور، جـ 2، ص 501، س 19 وما بعده؛ جـ 3، ص 513، س 17 وما بعده). ويكثر استعمال صيغة "السلام (عليك، عليكم) " فى ختام الرسائل (مثال ذلك: ابن سعد، الكتاب المذكور، جـ 1، قسم 2، ص 72، س 17، 27، ص 28، س 2، 5، 29، ص 29، س 13، 21) ويستنكر الحريرى (درة الغواص، طبعة ثوربك، ص 208، س 9 وما بعده) استعمال صيغة "سلامٌ" منكّرة فى هذا المقام، وهى الصيغة التى يجب ألا تستعمل إلا فى بداية الرسائل طبقا للاستعمال الأصح، وعبارة "والسلام" ترد أحيانا بمعنى "وهذا هو الختام" (انظر snouck Hurgroje، كتابه المذكور، ص 192). وقد جرى الأمر عملا بما جاء فى القرآن الكريم (سورة طه، الآية 48) (¬1) باستعمال صيغة السلام "على من اتبع الهدى" فى تحية غير المسلمين (فخر الدين الرازى: كتابه المذكور، جـ 2، ص 501، س 26 وما بعده؛ جـ 4، ص 706، س 19 وما بعده). ونحن نجد هذه الصيغة مثلا فى الكتب التى كان يكتبها النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] (البخارى: كتاب الاستئذان، باب 24؛ ابن سعد، كتابه المذكور، جـ 1، قسم 2، ص 28، س 10 وما بعده، انظر السطر السادس فى هذا الموضع فى أول الكتاب حيث ورد "سلام على من آمن"). وقد جاء فى أوراق البردى التى ترجع إلى سنة 91 هـ (710 م) شاهد قديم على هذا الاستعمال (Papyri Schott-Reinhardt، جـ 1، الذى نشره بيكر C.H.Becker، هيدلبرغ 1906، ¬

_ (¬1) رقم الآية 47 (وقد سبق أن سماها الكاتب 84، س 41). [مهدى علام]

جـ 1، رقم 29، جـ 2، ص 40 وما بعدها؛ جـ 3، ص 87 وما بعدها؛ جـ 10، ص 11؛ جـ 11، ص 17؛ جـ 18، ص 9) على أن ثمة كتابا كتبه النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] إلى يهود (مَقْنى) ختمه بصيغة "والسلام" (ابن سعد: كتابه المذكور، جـ 1، قسم 2، ص 28، س 23) وكذلك كتاب أرسله إلى أنصار أيلة (الكتاب المذكور، ص 29، س 12 وما بعده). ونلمس فى الحديث أيضا اتجاها إلى عدم إنكار السلام على الكفار وأهل الكتاب على الأقل عند رد التحية (الطبرى: التفسير، جـ 5، ص 111 وما بعدها، فخر الدين الرازى، الموضع نفسه). والسلام يدل أيضا على ابتهالات للصلوات تتلى من بعض المآذن كل يوم جمعة قبل بدء صلاة الجمعة بنصف ساعة تقريبا وقبل الآذان. وهذا الجزء من الشعيرة يعيد تلاوته داخل المسجد قبل البدء فى أداء الفرائض نفر من الناس ذوى الأصوات الرخيمة وهم وقوف على دكة (Uber die Eulogen etc: Goldziher، فى Z.D.M.G، جـ 50 ص 103 وما بعدها؛ Lane، كتابه المذكور، جـ 1، ص 117). ويتردد أيضا على الدعوات للنبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] التى تنشد أثناء شهر رمضان من المآذن بعد منتصف الليل بنصف ساعة تقريبا (Lane كتابه المذكور، جـ 2، ص 264). أما صيغة التبريك "عليه السلام" التى هى فى رأى مذهب أهل السنة القويم مثل التصلية يجب ألا تقترن إلا بأسماء الأنبياء ولو أنها استعملت استعمالا أوسع من ذلك فى المؤلفات المتقدمة (انظر أيضا البخارى: كتاب الاستئذان، باب 43: "فاطمة عليك السلام") فقد استعملها الشيعة أيضا من غير قيد فى ذكر علىّ وآله (Goldziher: بحثه المذكور آنفا فى Z,D,M,G، جـ 50، ص 11 وما بعدها؛ فخر الدين الرازى: كتابه المذكور، جـ 3، ص 115 وما بعدها) ويستخدم أهل السنة فى الهند البريطانية السلامات السبعة التى تستند إلى الآية 58 من سورة يس، والآيات 77 (¬1) 109، 120، 130 من ¬

_ (¬1) رقم الآية 79. [مهدى علام]

المصادر

سورة الصافات، والآية 73 من سورة الزمر، والآية 5 من سورة القدر، استخداما سحريا. ذلك أنهم فى صبيحة عيد "آخر جهار شمبه" يكتبون السلامات السبعة أو يستكتبونها بماء الزعفران أو بالمداد أو بماء الورد على ورقة من أوراق شجرة المانجو أو شجرة التين المقدسة أو الموز. ثم يزيلون الكتابة بالماء ويشربونه آملين أن ينعموا بالسلام والسعادة (Dja'far Sharif islam in India or the Qanun-I: Islam Herklots, الطبعة الجديدة التى قام بها W.Crooke, لندن 1921، ص 186 وما بعدها). ومعنى السلام الذى يضرب على السكة (ويختصر أحيانا إلى حرف "س"): "الكامل الوزن أو الكامل" (انظر Das grossherz,Orient. Munzcabinet zu Jena Handb. d. MorgenlMunzkunde: J.G.Stckel)، ليبسك 1845 م، جـ 1؛ ص 43 وما بعدها؛ A Manual of Musulman Numismatics: O.Cordington, لندن 1904، ص 10). المصادر: علاوة على المصادر المذكورة فى صلب المادة: (1) ابن عبد ربه: العقد الفريد، بولاق 1293، جـ 1، ص 276 وما بعدها. (2) Lane: كتابه المذكور، جـ 1، ص 298 وما بعدها. (3) les dialectes de L'Arabie Meridionale: Landberg، ليدن 1905 - 1913، جـ 2، ص 776 - 781، 786، 789. خورشيد [أرندنك C.Van Arendonk] تعليق قدم الكاتب معنى المادة قاصرا، لم يف فيه بحق المنهج اللغوى القديم، ولا بحق المنهج اللغوى الحديث. فأما عدم وفائه بحق المنهج اللغوى القديم فيتبين فى اقتصاره من معنى المادة على: الأمان، والعافية، والتحية، وما يشبه هذا من اليمن، والبركة. . كما يذكر "السلام" اسما للَّه فيقف فيه عند أنه: السلامة من منقص وآفة. وفى حدود هذا المعنى القريب يفسر "دار السلام" و"سبل السلام".

وهذا الاقتصار على ما أُورد من معان، مع ورود غيرها فى المادة ليس إنصافا للتفكير الإسلامى، ولا وفاء بالمنهج اللغوى عند أهله، فإنهم لا يسوون بين معانى الصيغ المختلفة من المادة الواحدة، بل يخصون كل صيغة بمعنى، فى تفريق دقيق، فلا يستوى عندهم معنى السلامة، والسلم، والسلام. . إلخ، بل يقدرون مالاختلاف المبانى من أثر فى اختلاف المعانى -كما يقولون. وهكذا ترى أن الهزال الذى أخرج به كاتب الدائرة معنى مادة "السلام" قد حرمها من الخصوبة المعنوية، التى عرفتها لها المعاجم اللغوية، والمعاجم القرآنية القديمة نفسها. . من مثل أن السلام ضد الحرب. . وأنه الصلح. . . والبراءة. . . وإن السلام "اسم اللَّه" هو: السلام المطلق، الحق، الذى لا مثنوية فى صفته. وأن اسم السلام للَّه يتحقق فى العبد نفسه، إذ يسلم قلبه من الغش، والحقد، والحسد، وإرادة الشر -الغزالى: المقصد الأسنى فى شرح أسماء اللَّه الحسنى من شرح اسم السلام- ومثل أن السلامة الحقيقية ليست إلا فى الجنة -دار السلام- إذ فيها بقاء بلا فناء؛ وغنى بلا فقر؛ وعز بلا ذل، وصحة بلا سقم -الراغب الأصفهانى: المفردات فى غريب القرآن "مادة سلم"- ومن كل هذا وما إليه ندرك أن المادة فى قول الأقدمين أنفسهم توحى بالكثير من آمال البشرية، التى تهفو إليها حينما تذكر كلمة السلام اليوم. . وأنها لا تحد بتلك المعانى القريبة التى ذكرت هنا من العافية، والبركة، والتحية. . بل إن التفكير الإسلامى يستشعر من كون السلام اسما للَّه، ومن تسمية الجنة دار السلام، ومن هداية القرآن سبل السلام وما إلى ذلك، يستشعر آفاقا فسيحة ومشاعر سامية، ومرامى بعيدة، قد حرمت منها المادة فى عرض الدائرة لمعناها. وأما عدم وفاء الكاتب بالمنهج اللغوى الحديث فلأنه يبحث عن المعنى المادى الأول، والمدلول الحسى الأسبق للمادة، لينتقل منه إلى تدرج معانيها، وتطور مدلولاتها، مستصحبا ما أحسته

اللغة لمادة "السلام" منذ بدأت فى القديم استعمالها إياها فى الماديات، فيدرك بذلك ما تثيره اللفظة من أحاسيس ومشاعر، فى وجدان أصحاب تلك اللغة، يجدونها قوية نافذة حين ينتقلون من المعنى الحسى إلى الاستعمالات المعنوية ثم التجريدات الذهنية. والنظرة الباحثة عن المعنى الحسى الأول لمادة "السلام" تهدى إلى أن: السلام اسم شجر، ليس بذى شوك، يكون أبدا أخضر، تستظل به الظباء، ولها فى ظله جمال يحدث عنه الشعراء -لسان العرب مادة س ل م-. وإذا ما كان هذا الشجر كما ترى دائم الخضرة ظليلا فهو أصلح للدلالة على الرمز للسلام الحديث من غصن الزيتون، الذى يرمزون به الآن للسلام. وفى هذا المعنى المادى الأول للسلام من الإيحاء الفنى، والإثارة النفسية الطيبة ما حرمت منه المادة، بصورتها التى قدمها بها الكاتب. وبهذا الهزال المعنوى يسلب الكاتب -بقصد أو بغير قصد- ما لمادة السلام من دلالة قوية بعيدة على نظرة الإسلام إلى السلام الإنسانى، ودعوته إليه -مما لا يتسع المقام هنا لبيان شئ منه- وهو ما توليت بيانه فى أحاديث عن القرآن أذيعت منذ تسعة عشر عاما. يحكم الكاتب بأن لفظ السلام يغلب استعماله فى القرآن صيغة تحية، أى أن كل مدلولها هو التحية القولية، وهو حكم لا يصدق إلا على أساس من المعنى الأجرد الذى قصر عليه الكاتب كلمة "السلام". . أما الذين تمثلوا معنى المادة تمثيلا صحيحا فيدركون من معناها ما هو أكثر من مجرد التحية، وهذا الراغب الأصفهانى فى مادة "س ل م" من مفرداته تنظر فى مثل. . "قيلا سلاما سلاما" و"سلام لك" و"قل سلام" و"سلام على نوح". . . و"سلام على موسى وهرون" و"سلام على إبراهيم". . . إلخ فلا يرى فى مثل هذا أنه سلام بالقول والفعل جميعا. وفيه تنبيه من اللَّه تعالى أنه جعلهم بحيث يثنى عليهم ويدعى لهم. . .فهو بهذا المعنى أكثر من صيغة تحية كما يفهم الكاتب، لأنه سلام بالقول والفعل جميعا، وتقدير لدرجتهم، وثناء عليهم، ودعاء لهم. . . إلخ.

وسترى أثر هذا الفهم القريب لمعنى السلام يظهر فيما يلى حين يشير إلى وروده فيما ليس ابتداء لقاء أو خطاب، والتماسه تفسيرا آخر للسلام. ثم يقرر الكاتب استقرار الرأى بين المسلمين فى تاريخ متقدم جدا عن أن تحية السلام كانت من شرائع الإسلام. ثم يتعب بما يطيل به من أن هذه التحية فى اليهودية، وأن جولدسيهر قد بين أن صيغة سلام كانت مستعملة بمعنى التحية قبل الإسلام، وأن النقوش تدل على هذا. . . إلخ. وقبل التعقيب على هذا كله نضع بين يدى الكاتب عبارة خاصة بهذه الشئون كلها، ولابد أنه قد قرأها حين رجع إلى "لسان العرب" الذى تكررت إشارته إليه، وتلك العبارة هى بنصها: ". . . وكانت العرب فى الجاهلية يحيون بأن يقول أحدهم لصاحبه: "أنعم صباحا، وأبيت اللعن؛ ويقولون سلام عليكم فكأنه علامة "المسالمة، وأنه لا حرب هناك، ثم جاء اللَّه بالإسلام فُقصروا على السلام وأمروا بإفشائه". فالنص -كما نرى- صريح فى أن العرب قبل الإسلام كانوا يحيون بالسلام ويحيون بغيره، ولما جاء الإسلام قصرهم على السلام. . وإذن فالتحية بالسلام لم تكن من عمل الإسلام إلا بقدر القصر عليها والاكتفاء بها. . بل أكثر من ذلك ما نجده فى مراجع رجع الكاتب فى هذه المادة إليها ونص عليها، وهى ترفع التحية بالسلام إلى ما قبل الجاهلية العربية وأقدم منها، فتجعلها تحية البشرية منذ خلق آدم، وذلك ما فى صحيح البخارى أول كتاب الاستئذان -وقد رجع الكاتب إلى هذا الكتاب نفسه- أن السلام تحية آدم وتحية ذريته. وحسبنا من هذا نص اللسان على ما كان من تحية العرب، فما من حاجة مع هذا النص إلى أن يبحث "جولدسيهر" عن شواهد من الشعر أو النثر تثبت أن العرب كانت تحيى فى الجاهلية بالسلام. ولا مجال لما قال الكاتب من استقرار الرأى بين المسلمين فى تاريخ متقدم جدا على أن تحية السلام كانت من شرائع الإسلام. . .! ! فلا استقر رأى. . ولا كان ذلك فى تاريخ متقدم جدا، ولا متأخر.! !

وكان الكاتب فى غنى عما جهد به من بحث عن وجود التحية بالسلام فى اليهودية أو غيرها وشهادة النقوش. . . إلخ. لأن السلام فى قول المصادر الإسلامية تحية البشرية منذ آدم، وتحية فعلية للعرب فى الجاهلية. . وأنه لواجب علينا أن نشير إلى ما فى منهج الكاتب مما لا نتورع عن أن نسميه خطأ، إذ يذكر ما يدعيه من استقرار الرأى بين المسلمين فى تاريخ متقدم جدا من أن تحية السلام كانت من شرائع الإسلام دون أن يذكر مرجعا واحدا لذلك أو يستدل بدليل ما، مع أنه يكثر من الشواهد والأدلة لنقد هذا ورده! ! والمنهج الصحيح يقضى عليه ألا يدعى بلا دليل، ولا شاهد، مثل هذه الدعوى العريضة. . . وهؤلاء القوم فى تقدمهم وتجددهم أحق الناس برعاية الأصول المنهجية فى التفكير حين يبحثون عن الحقيقة، ويصححون التاريخ. . ولكن. . ولا نزيد عن لكن. . تورعا وترفعا، لنكون أعف لسانا، وأصدق نية، فى طلب الحق والدفاع عنه، فلا نشير إلى ما فى إهمال مثل نص اللسان، والبخارى من دلالة نفسية وعقلية! ! وينكر الكاتب أن يكون الإسلام مصدر أسلم، ويقرر عدم إمكان التوفيق بين هذا وبين ما تردد فى القرآن من مثل أسلم وجهه للَّه، وأسلم لرب العالمين، وغيرها من العبارات. ونلحظ أن القول بأن الإسلام مصدر أسلم، أى دخل فى السلم، هو أحد الأوجه فى رد معنى الإسلام الدينى إلى أصله اللغوى قديما، بل إن هذا الدين قد يسمى السلم والسَلْم -بكسر السين وفتحها- كما ورد فى لسان العرب- ولو ذكرت ما أشرت إليه قبل إجمالا من نظرة الإسلام إلى السلام، واعتباره إياه نعيم الآخرة، وسعادة الدنيا، وتدبره للسلام العالمى لقدرت قرب أخذ معنى الإسلام من السلام، ولما وجدت وجها قويا لإنكار كاتب هذه المادة أن يكون الإسلام مصدر "أسلم" أى دخل فى حالة سلام. . ثم لم تسلم معه بعدم إمكان التوفيق بين الإسلام من السلام، وإسلام الوجه للَّه، والإسلام لرب العالمين؛ لأن السلم والإسلام والسلامة من معنى واحد. وقد قيل إن السلام جمع سلامة -لسان العرب- فإذا ما رددنا المادة إلى

سلامة بن جندل

الخلوص والصفاء والنقاء -وكلها متقاربة- لكان الإسلام عند الإطلاق راجعا إلى أصل المعنى عند التقييد، بإسلام الوجه للَّه، والإسلام لرب العالمين، دون بعد ولا صعوبة. . والمتمرس ببيان تدرج المعانى اللغوية لا يجد صعوبة فى معر هذا الرد للمعانى، بل هو -كما نعرف- يبدؤها من المعنى الحسى المادى الأول متنقلا منه إلى سائر معانيها، حتى يصل إلى المعنى التجريدى الذهنى الصرف، وقد أشرنا إلى ذلك فى التعليق الأول، وأن الكاتب لم يف فى بيان معنى المادة بحق المنهج اللغوى قديما ولا حديثا. وإذا كان الأقدمون عندنا يردون ما اشترك فى أكثر حروفه، بل ما تقاربت مخارج حروفه إلى معان متقاربة، بعدما ردوا ما اتحدت حروفه واختلف ترتيبها إلى معنى واحد، فهل يقال بعد ذلك بعدم إمكان التوفيق بين معانى الصيغ المختلفة أو الاستعمالات المختلفة، من مادة واحدة الحروف واحدة الترتيب! ! أما أنه لو انتبه الكاتب إلى بعض هذه الاعتبارات اللغوية لما أطلق القول هكذا بعدم إمكان التوفيق بين عبارات واستعمالات لمادة واحدة. . . ولعل هذا مما يؤيد ما أسلفنا من أن بيانه لمعنى المادة قد حرمها الخصوبة المعنوية وردها عجفاء هزيلة؛ وأبعد الاستعمال القرآنى لها عن كريم أهدافه، ورقيق مشاعره نحو السلام الإنسانى. أمين الخولى سلامة بن جندل شاعر جاهلى من عشيرة الحارث من بطن سعد الفزر من بنى تميم، وهو معدود من شعراء الجاهلية المجيدين، ولم يبق لنا من شعره إلا قصائد قليلة، ولا شك أن صيته ذاع فى النصف الثانى من القرن السادس الميلادى؛ ذلك أن أبرز ما دُوِّن من سيرته يتناول أخاه أحمر (ويخطئون فى رسم هذا الاسم أحيانا فيكتبونه أحمد)، فقد أسر عمرو ابن كلثوم، شيخ بنى تغلب، أحمر فى الغارة التى شنها فى الجنوب، ولكن أخاه سلامة تشفع له فأطلق عمرو سراحه من غير أن يتقاضى لقاء ذلك فدية (ديوان عمرو، مقدمة القصيدة رقم 2؛ الأغانى، جـ 9، ص 183؛ س 18)؛ ولا نستطيع أن نجزم أن هذا خطأ وقعت فيه الرواية العربية؛ على أنه ورد

فى ديوان سلامة فى التعليقات على القصيدة رقم 8 (طبعة شيخو) أن هذا الحادث وقع لأحمر مع رجل يقال له صعصعة بن محمود بن عمرو بن مرثد؛ ولعل صعصعة هذا كان من عشيرة عمرو القيسية، وكانوا ينزلون حلفاء على بنى شيبان، أو لعله كان من أسرة مرثد اليمنية المشهورة؛ ويشير سلامة فى أطول قصائده إلى موت النعمان ملك الحيرة الذى وطئته الفيلة بإشارة من برويز ملك الفرس (الديوان، رقم 3، جـ 5، ص 39)، ثم إنه ورد فى نقائض جرير والفرزدق قصيدتان لسلامة لم يذكرا فى الديوان، وقد أشاد فيهما بنصر أحرزته منقر فى الجدود، إذ أنزلت الهزيمة ببكر بن وائل، وكانت منقر عشيرة من بطن سعد الفزر أيضا. وهاتان الحادثتان تدلان على أن سلامة كان يعيش فى أواخر القرن السادس تقريبا، ولا يمكننا تعيين تاريخ وفاته، على أنه لم يدرك الإسلام، ولم يذكر أحد من أحفاده فى سير المسلمين الأولين. وقد أخطأ شيخو إذ قال إن سلامة هو الزعيم المشهور سلمى بن جندل بن نهشل، ذلك أن سلمى كان من عشيرة نهشل بن دارم ويمت بصلة القربى لمجاشع جد الفرزدق الشاعر. واشتهر سلامة ببراعته فى وصف الجياد، وقد وصلت إلينا قصائده المجموعة فى مخطوطين قديمين، طبعهما شيخو سنة 1920، ولا يحتوى الديوان إلا على تسع قصائد أو قطع منها، ومجموعها 135 بيتًا من الشعر، أضاف إليها شيخو 36 بيتًا جمعها من مصادر شتى، وأستطيع أنا أن أضيف إليها بيتا واحدًا ورد فى كتاب العين (طبعة بغداد، ص 108)؛ وليس ثمة سبب يدعونا إلى الشك فى صحة معظم هذه الأشعار، ويتحدث الشاعر فيها عن شبابه الذى ولى ويأسف على أنه لم يكن هاديا له فى كبره، ومثل هذه الأقوال تشيع عادة فى لغة القصائد التى من هذا القبيل، وأنا لا أفسر ذكره اللَّه (رقم 1، جـ 5، ص 12) على أنه حشو أقحم على قصائده بعد مماته، ذلك أننى أعتقد أن ثمة ضربا من التوحيد كان شائعا فى بلاد العرب قبل مجئ النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، ولو أن الصيغة "الإله" قد تكون هى الصيغة الصحيحة فى الأيام الأولى؛ ويتحدث

المصادر

سلامة عن سيوف بصرى والمدائن، ولم يرد ذكر هذه السيوف فى القصائد التى نظمت فى عهود متأخرة على عهده إلا فيما ندر، أو إنها لم تذكر قط، ذلك أنه أصبح من المتعذر الحصول على السيوف من هذين البلدين، أما ذكره الكتابة أو حتى المحابر والرق (رقم 3، جـ 5، ص 2) فليس بالأمر الغريب قط، لأن هذه الأشياء كانت أشيع مما يظن الناس بصفة عامة. وأما فيما عدا هذا فقد انطبع شعره بالطابع المعروف باسم الشعر البدوى؛ وهى تسمية يؤسف لها، إذ أنها توحى بفكرة مخطئة "شاعر"، وذلك أن نص الديوان مزيج من المذهب البصرى (الأصمعى) والكوفى (مذهب أبى عمرو الشيبانى)، ونستطيع التعويل على الشعر الكوفى بوجه عام أكثر مما نستطيع التعويل على الشعر البصرى، على أنه لم يفصل مع الأسف فى هذه الحالة بين ما هو بصرى وما هو كوفى فى النسخ المنقحة فصلا يمكننا من تمييز أى فرق بين المذهبين. ومن الخطأ أن نفترض أنهم جمعوا هذه القصائد، ذلك أن عملهم كان شرح النص الذى انتقل إليهم من الأدباء الأقدمين، وقد خلفت طبعة شيخو (بيروت 1920) طبعة إيوار CI.Hurt 1910)، وقد ضمت طبعة شيخو بين دفتيها كل ما هو معروف عن سلامة. المصادر: (1) المفضليات: طبعة Lyall، رقم 22، النص والترجمة، طبعة القاهرة، جـ 1، ص 54، طبعة ثوربيك Thorbecke، رقم 20. (2) الأصمعيات، طبعة Ahllwardt، رقم 53 (3) محمد بن سلام، طبعة هل Hel (ليدن 1916)، ص 36 (4) النقائض، طبعة بيفان Bevan، ص 147 - 148. (5) ابن قتيبة. كتاب الشعر، طبعة ده غوى de Goeje، 147 (6) شعراء النصرانية Poetes Chretiens طبعة شيخو، ص 486 - 491؛ وقد وردت أشعار سلامة فى معظم الكتب التى تبحث فى الشعر العربى القديم، مثال ذلك لسان العرب فى 40 موضعا

السلاوى

السلاوى (السلاوى): شهاب الدين أبو العباس أحمد بن خالد بن حمَّاد الناصرى، مؤرخ مراكشى ولد فى الثانى والعشرين من ذى الحجة سنة 1250 هـ (20 أبريل سنة 1835 م)، ومات بالمدينة نفسها فى السادس عشر من جمادى الأول سنة 1315 هـ (13 أكتوبر سنة 1897 م)، ويرد نسب هذا الكاتب بصفة مباشرة إلى دوحة أحمد ابن ناصر صاحب الطريقة الناصرية المراكشية، الذى دفن فى زاويته فى تامكروت فى بوادى درعة (درا)؛ وقد تلقى السلاوى العلم فى مسقط رأسه، وكان لبلدته فى تلك الأيام بعض الشهرة، فقد كانت مركزا للعلم، وكانت تنافس على نطاق ضيق مدينة فاس قصبة البلاد فى العلم والأدب، وكان أكبر شيخين من شيوخ السلاوى هما محمد بن عبد العزيز محبوبة والقاضى أبا بكر بن محمد عوَّاد. وقد تعمق فى دراسة أدب الدنيا عند العرب دون أن يهمل دراساته الشرعية والكلامية، والتحق أحمد الناصرى السلاوى، وهو فى نحو الأربعين من عمره، بالقسم الشرعى من حكومة الشريفى بوصفه كاتبًا شرعيًا أو ناظرًا على أملاك الدولة، وقد ولىّ فى تلك الحكومة من حين إلى حين مناصب يتفاوت شأنها؛ وجعل مقامه أول الأمر فى الدار البيضاء من سنة 1292 إلى سنة 1293 هـ (1875 - 1876)، ثم أقام مرتين فى مراكش، حيث عمل فى الإدارة المالية لبيت السلطان، وأقام بعدئذ فترة ما فى المدينة الجديدة (مازكان) حيث ألحق بخدمة دار المكوس، ثم قضى بعض الوقت فى طنجه وفاس، وعاد إلى مسقط رأسه فى أواخر أيامه حيث كرس نفسه للتعليم، فلما مات دفن فى مقبرة سلا خارج باب المعلقة. وكان الناصرى السلاوى موظفًا من صغار موظفى الحكومة، وكان أيضًا أديبًا ومؤرخا؛ وقد خلف، علاوة على مصنفه فى التاريخ الذى أكسبه بعض الشهرة حتى فى خارج مراكش، مصنفات أخرى كانت تكفى وحدها لجذب الأنظار إليه وتكسبه منزلة محترمة بين أدباء المغرب المحدثين؛ وهذه المصنفات،

بالإضافة إلى الكتيبات الستة المفصلة فى كتابى: Historiens des Chorfa (ص 353، تعليق 1) هى: (1) شرح على الشمقمقية، وهى قصيدة لابن الونّان، وقد أطلق السلاوى على هذا الشرح اسم "زهر الأفنان من حديقة ابن الونّان" (طبع على الحجر فى فاس سنة 1314 هـ، فى مجلدين). (2) بحث فى الملل والنحل فى الإسلام، عنوانه تعظيم المنَّة بنصرة السنَّة (مخطوط برباط رقم 66، انظر الفهرس الذى نشرته جـ 1، ص 23). (3) رسالة فى الأسرة الناصرية التى كان السلاوى من أعضائها اسمها: طلعة المشترى فى النسب الجعفرى (مطبوعة على الحجر فى فاس فى مجلدين) وقد وضع بودان M. Bodin موجزًا فرنسيًا هذه الرسالة (انظر La Zaouia de Tamegrout: M.Bodin , فى Archives Berbees، 1918) ويعدّ هذا المصنف، الذى أتمه مؤلفه سنة 1309 هـ (1881 م)، تاريخًا صحيحًا لزاوية تامكروت، وفيه معلومات على جانب كبير من الطرافة، عوضت كل ما ورد فى الكتاب من استطرادات حاول بها المؤرخ أن يدلل على صحة نسب أسرته مستعينًا بحجج يرقى إليها بعض الشك. وأعظم مؤلفات أحمد الناصرى السلاوى هو كتاب الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى، وكان نشره حدثًا لا نظير له فى تدوين التاريخ المغربى؛ ولم يكتب المؤلف أخبارًا محدّدة بل وضع تاريخًا عامًا لبلاده، ورحب المستشرقون الأوربيون به عند نشره، بل لم يطل به الزمن حتى جذب إليه أنظار مؤرخى إفريقية الشمالية، وأصبح من الوثائق التى يرجع إليها كثيرًا، وخاصة أن الترجمة الفرنسية لهذا المؤلف التى نشرت فى Archives Morocaines سرعان ما جعلت الربع الأخير منه، وهو تاريخ الأسرة العلوية، فى متناول غير العرب وسرعان ما سلم الناس بأن هذا السجل التاريخى يشبه جميع آثار عرب المغرب فى كتابة التاريخ. وكتاب السلاوى هذا إنما هو مصنف يقوم على الجمع، وأعظم فضائله أنه يجمع فى رواية

متصلة أشتاتا من مفيدة التاريخ السياسى مبعثرة فى كتب التاريخ الإخبارى أو كتب الطبقات التى صنفت فى المغرب، على أنه لا مناص لنا من التسليم بأن السلاوى كان أول من حاول من مواطنيه أن يوفى ويستقصى موضوعا لم يتناول أسلافه إلا بعض أجزائه، على أن هذا لم يكن هدفه الأول: فقد بينت فى موضع آخر (المصدر المذكور، ص 357 - 360) أن نقطة البدء فى جمع كتاب الاستقصا كانت مصنفًا مطولا بعض الشئ عن الأسرة المرينية المراكشية اعتمد بوجه خاص على المؤلفات التاريخية لابن أبى زرع وابن خلدون، وأطلق عليه اسم كشف العرين فى ليوث بنى مرين، وقد مكنته إقامته فى شتى عواصم مراكش من الوصول إلى المصادر التى استقى منها أخبار الأسر الأخرى، ومن ثم فكر فى تصنيف تاريخ كامل لمراكش. وقد فرغ من وضع مصنفه فى الخامس عشر من جمادى الآخرة عام 1298 هـ (15 مايو عام 1881 م) قبل أن ينتهى عهد مولاى الحسن السلطان العلوى، وقد أهدى إليه مصنفه هذا، ولكن السلطان كان شحيحًا فى عطائه ومات السلطان، فقرر المؤلف طبع سجله التاريخى فى القاهرة بعد أن بلغ به السنة التى اعتلى فيها العرش السلطان مولاى عبد العزيز، وهكذا ظهر "الاستقصا" فى القاهرة فى أربعة مجلدات عام 1312 هـ (1894 م). ونحيل القارئ على المصنف الذى تقدم بنا ذكره إذا شاء الرجوع إلى المصادر العربية لتاريخ الناصرى السلاوى، وإلى ثبت بالمصنفات التى اقتبس منها بعض العبارات أو نقلها بنصها، وحسبنا فى هذا المقام أن نشير إلى أن هذا الأخبارى كان أول كاتب مراكشى استخدم المصادر الأوربية كما استخدم المصادر العربية، وإنما عرف بأمر تلك المصادر الأوربية مصادفة، وهذه هى: تاريخ الجديدة فى عهد الحكم البرتغالى وعنوانه Memorias para historia da praca de Mazagan بقلم لويس ماريا دوكوتودا ألبوكرك داكونها Luis Maria da Conto de Albuquerque da Cunha، لشبونة 1864. و Descripci historica de Marruecos y breve resena de sus dinastias بقلم مانويل كاستلانوس

المصادر

Manuel P.Castellanos، سانتياغو 1878، أدريهو ليله 1884؛ طنجة 1898. ولا يختلف السلاوى فى ترتيب تاريخه عن المؤرخين الآخرين من مواطنيه، ولكننا نستبين أحيانا أن حاسة النقد كانت ملكة فيه، ويتملكنا الشعور بأنه مؤرخ بالمصادفة والاتفاق وأن الأدب كانت صناعته، كما أنه يفصح لنا أحيانا أنه كان مستقل الرأى استقلالا عظيما وأنه كان يتميز بشئ من سعة الأفق، وأما أسلوبه فأسلوب واضح مهذب لا يعمد إلى المجاز والسجع إلا فى النادر. والظاهر أن السلاوى كان مثال المؤرخ المراكشى الحديث الذى يكتب فى سهولة ورشاقة عظيمتين. وقد ترجم فومى E.Fumey المجلد الرابع من الطبعة العربية من الاستقصا بعنوان Chronique de la dynastie Alaouie au Maroc, فى Archives Marocaines، باريس 1906 - 1907، جـ 9 و 10؛ وقد ترجم المجلد الأول فى المجلة نفسها منذ عهد قريب، جـ 30, 31، باريس 1293 و 1925 بقلم جرول وكولان A.Graulle and G.S.Colin المصادر: وضع بروفنسال دراسة وافية فى حياة الناصرى السلاوى وفى مصنفاته. انظر Les Historiens des Chirfa: essai sur la litterature historique et biographique au Maroc du XVIeme au XXeme siecle: E.Levi-Provencal, باريس 1932، ص 350 - 368؛ وقد فصل الكلام عن سيرة هذا المؤلف فى التعليقات. صبحى [ليفى بروفنسال E.Levi-Provencal] سلسبيل " سلسبيل": اسم عين فى الجنة ورد ذكرها فى القرآن مرة واحدة فقط فى الآيتان 17، 18 من سورة الإنسان: {وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلًا (17) عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا}. ويختلف النحاة فى اشتقاق كلمة سلسبيل، فبعضهم يقول إنها من الثلاثى س - ب - ل، على حين يذهب آخرون إلى أنها من الرباعى، وهى

المصادر

الاشتقاق الوحيد لهذا الرباعى فيما عدا صيغة التأنيث من الكلمة، وبعض النحاة يفسرونها بأنها هى "ما ينسل فى الحلق" كأن الحروف الأصلية التى فيها هى السين واللام فحسب. أما الاشتقاق "سلسبيلا" كما جاء فى تفسير "سل ربك سبيلا إلى هذه العين (¬1) " فاشتقاق يستنكرونه قائلين إنه خطأ. وتفسر الكلمة بأنها تدل على الشئ "السهل" أو "اللين" (يقال فى الشراب) الذى "لا خشونة فيه"، وهو "السهل الدخول فى الحلق"، ويوصف به اللبن والماء. وبعض النحويين يقولون إنها اسم علم على العين، ومن ثم فهى غير مصروفة لا تنون، وإن كانت قد نونت فى الآية التى استشهدنا بها لتتفق فى الوزن مع "زنجبيلا". ولكن ثمة نحويين آخرين يجعلونها صفة، ومن ثم فهى مصروفة وتنون. وقد شاع بين الجماعة الإسلامية أنها اسم علم، نستدل على ذلك من الحديث الذى أورده مسلم (كتاب الحيض، رقم 37) حيث جاء فيه إن ثمة عينا فى الجنة يشرب منها المؤمنون اسمها سلسبيل. المصادر: معاجم اللغة هى وتفاسير القرآن صبحى [هيك T.W.Haig] سلطان " سلطان": لقب ظهر أول ما ظهر فى القرن الرابع الهجرى (الحادى عشر الميلادى) بمعنى حاكم قوى أو عاهل مستقل على إقليم من الأقاليم. وقد وردت هذه الكلمة كثيرا فى القرآن الكريم، وقد تلقى الرسل هذا السلطان من اللَّه (انظر مثلا سورة إبراهيم، الآيتين 12، 13) (¬2) والمعاجم (مثل تاج العروس، جـ 5، ص 159) تفسر هذه الكلمة بأنها مرادفة لكلمتى حجة وبرهان. وهناك أيضا ست آيات ¬

_ (¬1) لم تأت كلمة "سلسبيل" لتفسر العبارة: "سل ربك سبيلا إلى هذه العين"، بل الأمر على العكس من ذلك كما جاء فى لسان العرب (جـ 13 ص 336): "وأما من فسر [لفظ سلسبيل] سل ربك سبيلا إلى هذه العين فهو خطأ غير جائز". [مهدى علام] (¬2) رقم الآيتين فى المصحف العثمانى 10، 11.

قرآنية تدل فيها كلمة سلطان على معنى "القوة" ولكنها دائما هى القوة الروحية (سورة إبراهيم، الآية 26 (¬1)؛ سورة الحجر، الآية 42؛ سورة النحل، الآيتان 101، 102 (¬2)؛ سورة الإسراء الآية 67 (¬3)؛ سورة سبأ الآية 20) (¬4). على أن القوة، أو قوة الحكومة، هو المعنى الذى كان يفهم من كلمة سلطان إبان القرون الأولى للإسلام. وليس من شك أن هذه الكلمة ومعناها قد أخذ من الكلمة السريانية "سلطانًا" ومعناها القوة أو من يحسن استعمال القوة، والمعنى الثانى نادر (Thesaurus Syriacus: Payne-Smith عمود 4179؛ Beitrage zur semitischen Sprachwissenschaft: Noldeke استراسبورغ سنة 1910، ص 39) ولعل المعنى القرآنى لهذه الكلمة قد اشتق أيضا من معنى القوة (وقد حاول بعض أصحاب المعاجم تفسيرها بأنها جمع سليط أى زيت الزيتون) وحاول بعضهم من بعد أن يربط بين لقب سلطان ومعنى الجدل، ومن ثم فسر على أنه ذو الحجة (تاج العروس، الموضع المذكور). وتدل كلمة سلطان فى كتب الحديث على معنى القوة فحسب، وهى قوة الحكومة فى الغالب (السلطان هو الوالى الذى ليس عليه وال آخر، الترمذى، جـ 1، ص 294) , على أن هذه الكلمة تدل أيضا فى بعض الأحيان على قوة اللَّه سبحانه وتعالى المطلقة؛ وفيما يتصل بالبشر فإن أشهر حديث هو "السلطان ظل اللَّه فى الأرض". (انظر Muhammedanische Studien: Goldziher، جـ 2، ص 61، Le sens des expressions ombre de Dieu, Khalife de Dieu فى R. H. R، جـ 30، ص 30، ص 331 وما بعدها). ويذكر العتبى هذا الحديث فى بداية كتاب "اليمينى" ويقول شارحه المنينى إن الترمذى وغيره قد رجعوا بسند الحديث إلى ابن عمر (شرح اليمينى، القاهرة سنة 1286 هـ، ص 21). وكان لهذا الحديث فيما بعد شأن فى ¬

_ (¬1) رقم الآية فى المصحف العثمانى 22. (¬2) رقم الآية فى المصحف العثمانى 99، 100. (¬3) رقم الآية فى المصحف العثمانى 65. (¬4) رقم الآية فى المصحف العثمانى 21. [مهدى علام]

النظريات الخاصة بالسلطنة وإذا تركنا كتب الحديث جانبا فإن المؤلفات العربية حتى نهاية القرن الرابع لا تعرف كلمة سلطان إلا بمعنى قوة الحكومة (نذكر من الأمثلة الكثيرة على ذلك: كتاب البلدان لليعقوبى، وكتاب فتوح مصر لابن عبد الحكم طبعة Torrey ص 183، وقد جاء فيه أن مقر سلطان إفريقية فى الأزمنة القديمة كان فى قرطاجنة؛ وكتاب ابن حوقل، ص 143 حيث قيل إن الموصل مقر السلطان وديوان الجزيرة) أو الشخص الذى تمثَّلت فيه فى وقت ما قوة الحكومة تمييزا له من الأمير الذى هو أقرب فى طبيعته إلى هذا اللقب. ونجد هذا المعنى الأخير الذى يعبر عنه فى بعض الأحيان تعبيرا أكمل من ذلك بقولهم "ذو السلطان" فى أوراق البردى المصرية المتقدمة التى ترجع إلى القرن الأول (انظر عن حاكم مصر كتاب Beitrage zur Geschichte Aegyptens: Becker ص 90، تعليق رقم 6). وكان فى القرون التالية يطلق أحيانا على الخلفاء (أطلق على الخليفة المنصور فى خطبة من الخطب لقب سلطان اللَّه، الطبرى، جـ 3، ص 426). ويطلق على الخليفة الموفق لقب السلطان (الطبرى، جـ 3، ص 1894، وكذلك يطلق هذا اللقب على الخليفة القادر، الطبرى ص 997؛ العتبى: كتابه المذكور، ص 265). والحق إن هذا العرف الذى جرى بتسمية شخص بالكلمة التى تدل على مقامه لها ما يماثلها فى جميع اللغات (انظر مثلا عن اللغة التركية الرسمية H.Ritter فى Islamica جـ 2، ص 475). بل يلوح لنا أن الصيغة الأشورية "سلتان" كانت تطلق على الحكام الأجانب (وفقا لما ذكره Ravaisse فى Z.D.M.G جـ 63، ص 330). وقد ظل معنى القوة وقوة الحكومة باقيا فى المؤلفات العربية إلى وقتنا هذا. وانتقال المعنى من تمثيل للسلطة السياسية غير المشخصة إلى لقب شخص تطور تطورا من العسير أن نتتبع مراحله. وقد ذكر الثقات الذين كتبوا بعد وقوع هذا التطور أقوالا لا يمكن أن نسلم بها على علاتها، مثال ذلك أن ابن خلدون (Prolegomena,

جـ 2، ص 8 فى N.E جـ 18) يذكر أن جعفر البرمكى كان يطلق عليه لقب السلطان لأنه كان يشغل أقوى منصب فى الدولة، ثم حصل كبار المغتصبين لسلطة الخليفة من بعد على ألقاب مثل أمير الأمراء والسلطان. وقد سجل هذا الأمر أيضا عن البويهيين (Der Islam Morgen-und Abendland: A.Muller جـ 1، ص 168) والغزنويين، فقد ذكر ابن الأثير (جـ 9، ص 92) أن محمودا الغزنوى حصل على لقب سلطان من الخليفة القادر. ولم يؤيد العتبى هذه الرواية، ذلك أنه لم يذكر هذا اللقب عندما عدد الألقاب المختلفة التى خلعها الخليفة على محمود (المصدر المذكور، ص 317) على أننا فى الحق نلاحظ أن العتبى نفسه يطلق دائما على محمود لقب "السلطان" ويقول فى تفسير ذلك أن محمودا قد أصبح حاكما مستقلا (المصدر المذكور، ص 311). مع ذلك فإن كلمة سلطان لم تكن فى نظر العتبى قد غدت بعد لقبا رسميا، لأنه كان يطلق هذا اللقب نفسه على الخليفة (انظر ما سبق). وأول حاكم غزنوى ظهر هذا اللقب على سكته هو إبراهيم (1053 - 1099) ويستعمل الفاطميون اللقب سلطان الإسلام (ابن يونس، ليدن، مخطوط) ونجد فى هذا الوقت نفسه أن لقب سلطان الدولة كان مستعملا عند البويهيين فى فارس (سلطان الدولة أبو شجاع 1012 - 1024). وكان يحمل هذا اللقب بعينه الملك الرحيم آخر بنى بويه فى بغداد، وذلك فى الوقت نفسه الذى نلقى فيه المغتصب طغرل بك السلجوقى من الخليفة فى عام 1051 لقب السلطان ركن الدولة (الراوندى: راحة الصدور، مجموعة كب التذكارية، ص 105، وانظر أيضا ابن تغرى بردى، طبعة Popper، ص 233). وقد كان طغرل بك أيضا أول حاكم مسلم تحمل سكته الكنية، أو قُل اللقب "سلطان" مقرونا بكلمة معظم أى السلطان المعظم (انظر Cat. of Oriental Coins in the Brit. Mus: S.Lane-Poole, جـ 3، ص 28 وما بعدها). وهذه الحقيقة ترجح لدينا أن يكون السلاجقة هم أول من أصبحت كلمة سلطان تستعمل

عندهم لقبا يطلق على الحاكم. وكانت مناقب المعظم أمرا اقتضى الارتفاع بهذه الكلمة نهائيا من التنكير الذى يتفاوت مقداره إلى التعريف. ويفسر لنا هذا التطور فى الوقت نفسه لِمَ أصبحت كلمة سلطان بعد ذلك مباشرة أسمى لقب يمكن أن يتحلى به أمير مسلم، فى حين كان يمكن لأى ممثل للسلطة فى القرون السابقة أن يشار إليه بهذا اللقب. وسرعان ما حذفت الصفة "المعظم" التى كانت تلازم هذا اللقب فى اللغة غير الرسمية. ومن هنا أصبحت كلمة سلطان عند السلاجقة لقبا ثابتا للحاكم. ولم تكن تحمل هذا اللقب الأسر الإقليمية السلجوقية، (وقد ظهر بينها مع ذلك الاسم العلم سلطان شاه) ولا الأتابكة من بعدهم، على أنهم كانوا قانعين بالقاب مثل ملك وشاه. ولم يتخذ الخوارزمشاهية هذا اللقب إلا بعد زوال مُلك السلاجقة العظام فى منتصف القرن الثانى عشر. واستطاع الخليفة الناصر أن يستغل ضعف جلال الدين خوارزمشاه، فأبى أن يعترف له بأحقيته فى هذا اللقب (النسوى: سيرة جلال الدين منكبرتى Vie de Djelaleddin Manknbirti طبعة Houdas ص 247). وسرعان ما أطلق سلاجقة الروم على أنفسهم أيضا لقب سلطان (على السكة منذ عهد قلج أرسلان الثانى). وأطلق هذا اللقب فى الكتب على صلاح الدين الأيوبى أول الأيوبيين حوالى ذلك الوقت (ابن جبير: الرحلة، طبعة Wright and de Goeje، ص 40) وإن كانت كلمة سلطان لم تظهر قط على سكة الأيوبيين الذين كانت ألقابهم الرسمية تقترن كلها بكلمة الملك. وأصبحت كلمة سلطان فى مؤلفات القرن الثالث لقبا يدل على الاستقلال السياسى المطلق. فابن الأثير (جـ 11، ص 169) يتحدث عن بغداد وأرباضها فيقول إنها الأرض التى يحكمها الخليفة دون أن يكون له سلطان عليها. ولسنا نعرف على التحقيق هل كان الخليفة فى آخر عهد العباسيين فى بغداد يعد السلطة الوحيدة التى تستطيع منح لقب سلطان. على أننا نجد أنه ما إن سقطت الخلافة حتى أخذ عدد متزايد من الأمراء المسلمين ينتحلون لأنفسهم هذا اللقب. وكان هذا اللقب فى الاستعمال

الرسمى يتبعه غالبا صفة مثل الأعظم والعادل. . . إلخ. (أورد كدرنكتون O.Codrington ثبتا كاملا فى A Manual of Musalman Numismatics بهذه الصفات، لندن سنة 1904 - س 81 - 82) وأسبغ سلاطين مصر خلال القرنين الثالث عشر والرابع عشر أعظم ما يمكن من البهاء والسناء على لقب سلطان، وتبعهم فى ذلك سلاطين آل عثمان. وهكذا أصبح السلاطين حكاما يعترف الناس جميعا بسلطانهم المطلق مما جعل بعض المؤرخين ينصبون أنفسهم لوضع نظريات يبررون بها وجود مثل هؤلاء الحكام الذين لم يكن لهم وجود فى نظرة القدماء للخلافة الإسلامية وهذه النظريات قديمة قدم الماوردى (الذى كتب مؤلفاته فى عهد البويهيين) والذى لم يكن يفهم بعد من السلطان شيئا آخر سوى السلطة الحكومية كما يستدل من عنوان كتابه "الأحكام السلطانية". ويقول الماوردى (طبعة Enger، بون سنة 1853، ص 30 - 31) إن الخليفة قد يظل فى منصبه وإن سيطر عليه أحد أتباعه بشرط أن تكون أفعال هذا التابع متفقة وأحكام الدين. وقد فعل ذلك العتبى الذى استشهد بالحديث الذى يقول إن السلطان هو ظل اللَّه فى الأرض (انظر ما سبق) والأرجح أنه فعله ليبرر مركز محمود الغزنوى المستقل الذى كان يلقبه على الدوام بلقب السلطان. على أن هذه الإشارة ربما كانت أقرب إلى اللعب بالألفاظ منها إلى النظرية الفقهية. وهناك ثمة آراء للغزالى يُنزل فيها مرتبة "سلاطين زمانه" (Stritschrift des Gazali gegen die Batininjja-Sekte: Goldziher ليدن سنة 1916، ص 93). ولم توضع نظرية محددة فى هذا الشأن إلا فى عهد سلاطين المماليك بمصر، وقد وصفها خليل الظاهرى (زبدة كشف الممالك، طبعة Ravaisse, ص 89 - 90). وكان المماليك يطلقون على أنفسهم فى نقوشهم لقب "سلطان الإسلام والمسلمين" (انظر Inschrifen our Syrien, Meso. Potamien und Kleinasien: van Rerchem) ثم إننا نجد فى هذا العهد نفسه تقريبا أن ابن عربشاه يقول فى كلامه عن سيرة السلطان جقمق (مجلة الجمعية الآسيوية الملكية سنة

1907، ص 295 وما بعدها) أن السلطان خليفة اللَّه على الأرض فى شئون الحكم، فى حين أن العلماء هم ورثة النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فى أمور الدين. وهذه الرواية مثلها مثل رواية العتبى فيها إشارة تنحو منحى الحديث (فى صيغة أخرى) ثم إننا نجد أخيرا أن السيوطى (حسن المحاضرة، جـ 2، ص 91 وما بعدها) يذكر تعريفا لألقاب السلطان (ذلك الذى فى كنفه ملوك): هو السلطان الأعظم وسلطان السلاطين، وهو أرفع الألقاب. وقد كان فى عهد المماليك فعلا عدد من الحكام المسلمين يطلقون على أنفسهم لقب سلطان. وقد طلب بعضهم الأذن من الخليفة فى القاهرة بحمل هذا اللقب، مما يتمشى ونظرية الظاهرى. ويمكن أن نقول إنه منذ أن بدئ فى استعمال هذا اللقب كان جميع الحكام العظام الذين حملوه من أهل السنة مع استثناء الخوارزمشاهية. [حكام خوارزم] ونخلص من هذا إلى أنه لم يكن من قبيل التوافق المحض أن هذا التطور قد سار جنبا إلى جنب مع النهضة الدينية الإسلامية إبان الحروب الصليبية، فقد أصبح السلاطين العظام فى الوقت نفسه هم حماة الإسلام الذين على مذهب أهل السنة. وقد اتخذ الحكام المغول بعد أن اعتنقوا المذهب السنى هذا اللقب نفسه. وهذا المعنى السنى للقب ملحوظ بصفة خاصة فى السلطنة العثمانية. والظاهر أن بعض السكة التى ضربها أورخان كانت تحمل لقب سلطان (Cat, Or,Coins: S.Lane.Poole جـ 8، ص 41) وإن كان الأمراء العثمانيون الأولون كانوا يعدون بصفة عامة أمراء فحسب (ابن بطوطة جـ 2، ص 321). ويقال إن بايزيد الأول كان أول من حصل من الخليفة بالقاهرة على حق تلقيب نفسه بلقب سلطان (G. O. R.: von Hammer جـ 1، ص 235). وقد اتخذ محمود الثانى لنفسه بعد الاستيلاء على القسطنطينية لقب "سلطان البرين والبحرين" (G. O. R جـ 1، ص 88) على أن كلمة سلطان لم تكن شائعة فى الامبراطورية العثمانية لقبا على الحاكم شيوع لقب خنكار ولقب بادشاه. ثم أن هذا اللقب كان

يحتل فى المراسم الرسمية مكانة هامة مثال ذلك صيغة السلطان ابن السلطان. . الخ التى تذكر قبل الحكام. وبعد انتهاء سلطنة المماليك على يد الفاتح سليم الأول أصبح الحكام العثمانيون دون منازع أعظم السلاطين فى الإسلام. وكان يطلق على الصفويين فى فارس لقب شاه، وكان اللقب المناظر له، وهو سلطان شاه، يفصح من ثم عن الخلاف بين أهل السنة والشيعة. صحيح أن الصفويين كانوا من الناحية الرسمية يطلقون على أنفسهم لقب سلطان مثال ذلك ما نجده على سكتهم (Catalogue of the Coins of the Shahs of Persia in the British Museum: R.S.Poole لندن سنة 1887، الفهرس، ص 313، مادة سلطان) إلا أنهم كانوا لا يعرفون إلا بلقب شاه. كانت كلمة سلطان فى تركية لقبا رفيعا على الدوام. وكان يحمل هذا اللقب الأمراء علاوة على الحكام، ويقال إن من الأسباب التى أفقدت إبراهيم باشا الصدر الأعظم، المقرب من سليمان الأول، ما كان له من حظوة أنه اتخذ لنفسه لقب سر عسكر سلطان (G. O. R جـ 3، ص 160). وفى عهد عبد الحميد الثانى لم يكن يسمح للزعماء القليلى الشأن الذين عينوا سلاطين فى بلادهم (مثل حضر موت) استخدام هذا اللقب عندما يزورون الآستانة (وهى معلومات أمدنى بها الأستاذ Snouck Hurgronje) وكان لقب سلطان فى تركية يوضع دائما أمام اسم الحاكم أو الأمير مما يدل على الأصل الأجنبى لهذا اللقب. والاستعمال الحقيقى الشائع لهذه الكلمة فى التركية هو استعمالها بمعنى أميرة (انظر مثلا قصة سليمة سلطان فى Hilfrbuch: Jacob جـ 2، ص 59 واستعمال هذه الكلمة فى الشعر الغزلى؛ ولا مناص لنا من أن نرجع فى هذا إلى ما جرى عليه الترك من وضع كلمة سلطان بعد الاسم عندما يريدون الإشارة إلى أن صاحبته أميرة؛ انظر عالى؛ كنه الأخبار، جـ 5، ص 16). ولهذا السبب نفسه تضاف كلمة سلطان بعد الاسم عندما تطلق على متصوف (انظر ما يلى).

على أن كلمة سلطان تستعمل فى فارس لقبا للموظفين والولاة (عالى، الكتاب المذكور، Z. D. M. G، جـ 80، ص 30). ويتحدث أوليا جلبى عن سلاطين فارس على اعتبار أنهم من أصاغر الولاة (سياحتنامه، جـ 2، ص 299 - 305). والحالة الوحيدة التى للقب فيها الحاكم بلقب سلطان هى حالة قاجار أحمد الأول آخر البيت القاجارى الذى تلقب هذا اللقب عند اعتلائه العرش بعد ثورة سنة 1908. واختفى هذا اللقب فى مصر بزوال ملك آخر سلاطين المماليك، ولكنه بعث مرة أخرى مدة قصيرة (1914 - 1922) من عهد السلطان حسين وبداية حكم فؤاد. وعدد الأسر التى كان يحمل حكامها لقب سلطان أو هم يحملونه الآن كبير جدا. ولم يظهر هذا اللقب فى شمالى إفريقية إلا فى عهد متأخر بعض الشئ. وكانت أسرة الشرفاء فى مراكش (منذ النصف الثانى من القرن الثامن عشر) هى أول أسرة اتخذت لقب سلطان. وسلطان لقب يطلق أيضا على شيوخ المتصوفة. ولم تستعمل هذه الكلمة هذا الاستعمال قبل القرن الثالث عشر، وقد انتشرت بصفة خاصة فى آسية الصغرى والدول التى تأثرت بالحضارة العثمانية. ولعل أول تطور طرأ على استعمال الكلمة هو اتخاذها ألقابا مثل سلطان العاشقين الذى خلع على الشاعر المتصوف ابن الفارض، وسلطان العلماء الذى كان يحمله بهاء الدين ولد أبو جلال الدين الرومى. على أن هذه الكنية كانت متأثرة من غير شك فى تطورها بالرأى الذى كثيرا ما عبر عنه فى شعر التصوف، وهو أن المتصوف يبلغ مرتبة الحاكم وقوته فى العالم الروحى. ويمكن تفسير لقب خنكار عن طريق هذا التسلسل نفسه فى الآراء. ويقول أولياجلبى (سياحتنامه جـ 3، ص 367 - 468) عند حصر أسماء السلطان محمد الثانى وبايزيد الثالث هى وأسماء اثنين من المتصوفة إنهم كانوا جميعا سلاطين عظاما. وكان هذا هو الأصل فى أسماء مثل دده سلطان وبابا سلطان. وكان الشيخ بدر الدين زعيم الحركة

المصادر

الانقلابية الدينية فى آسية الصغرى فى القرن الخامس عشر يطلق عليه مريدوه اسم سلطان. ويرى بابنكر Babinger (Isl، جـ 11، ص 74) فى هذا إشارة إلى أنه كان يعد حاكما حقيقيا. ويظهر أن لقب سلطان كان يحمله البكتاشية بصفة خاصة، ولم يكن يدل مع ذلك على مرتبة سامية بعينها فى هذه الطائفة، ومن ثم فإن من المحتمل أن بابنكر (المصدر المذكور) قد أصاب كبد الصواب عندما اعتبر هذا اللقب مجرد لفظ يدل على التودد والمحبة " Kosename". المصادر: (1) Geschichte der Chalifen: Weil مانهايم سنة 1848، جـ 2، ص 345. (2) Geschichte der herrschenden Ideen des Islams: A.von Kremer ليبسك سنة 1868, ص 421 وما بعدها. (3) Turkestan v epokhu mongolskago nashestviya: Barthold سانت بطرسبرغ سنة 1900، جـ 2، ص 285. (4) Miszellen: C.F.Seybold فى Z. M. G، سنة 1908، جـ 62، ص 563 وما بعدها، وما بعدها. (5) المؤلف نفسه Nochmals Sultan فى Z.D.M.G، سنة 1909، ص 329 وما بعدها. (6) Barthold's Studien uber Kalif and Sultan: C. H. Beckor فى Islam، جـ 6، وخاصة ص 356 وما بعدها. (7) Die Renaissance des Islams: A.Mez هيدلبرغ سنة 1922، ص 133. (8) The Caliphate: T.W.Aronld لندن سنة 24 وخاصة ص 202 وما بعدها. (9) Islam und Kalifate: Paul Wittek فى Archiv fur Sozialwissen schaft and Sozialpolitik سنة 1925، جـ 53. وخاصة ص 414 وما بعدها. وليس من المستطاع أن ندرس تاريخ لقب سلطان دراسة كاملة بدون الإفادة من المادة الوافرة فى الكتابات والنقوش، ونحن نأمل أن لا يتأخر طويلا نشر هذه المادة. الشنتناوى [كرامرز J.H.Kramers]

سلطان الدولة

سلطان الدولة أبو شجاع بن بهاء الدولة البويهى: توفى بهاء الدولة فى الخامس من جمادى الآخرة عام 403 (22 ديسمبر عام 1012) بأرَّجان فخلفه ولده سلطان الدولة أميرا على فارس والعراق. وقد نزح لتوه من أرجان إلى شيراز، وأقام أخاه جلال الدولة واليا على البصرة، كما أقام أخاه الآخر أبا الفوارس على كرمان، وقد حرض الجنود الديلم أبا الفوارس على الانتقاض على سلطان الدولة فشخص إلى فارس ودخل شيراز، ولكنه سرعان ما طرد من هذه المدينة واضطر إلى الارتداد إلى كرمان. ثم ذهب إلى خراسان وطلب العون من السلطان محمود بن سبكتكين، وكان وقتذاك فى بست، فوضع محمود تحت تصرفه جيشا ولى عليه الأمير أبا سعيد الطائى. واحتل أبو الفوارس كرمان، ثم وجه اهتمامه إلى فارس، ودخل شيراز، على حين كان سلطان الدولة فى بغداد، ولما عاد سلطان الدولة حدثت وقعة هزم فيها أبو الفوارس، ففر إلى كرمان (408 = 1017/ 1018 م) أعقابه جنود سلطان الدولة الذين سرعان ما فتحوا هذا الإقليم، على حين التجا أبو الفوارس بادئ الأمر إلى شمس الدولة ابن فخر الدولة ثم إلى مهذب الدولة صاحب البطيحة. وتم الاتفاق بين الطرفين بعد مفاوضات طويلة عام 409 هـ (1018/ 1019 م)، وبمقتضاه احتفظ أبو الفوارس بولاية كرمان على أن يدين بالطاعة لأخيه. واختير ابن سهلان فى هذا العام نفسه واليا على العراق. وقد جر ابن سهلان على نفسه مقت الترك الذين اشتكوه إلى سلطان الدولة، فحاول استرضاءهم، واستدعى إليه ابن سهلان، ولكن ابن سهلان لم يذهب إلى مولاه بل فر إلى البطيحة، ولما طلب سلطان الدولة تسليمه أبى عليه ذلك الحسين بن بكر الشرابى صاحب البطيحة. وعند ذلك أنفذ سلطان الدولة جيشا لقتاله. وحلت الهزيمة بالشرابى، وفر ابن سهلان إلى البصرة واحتمى بجلال الدولة. وكان الجنود غير راضين عن سلطان الدولة وأظهروا ميلهم إلى الاعتراف بأخيه مشرف الدولة سلطانًا عليهم، ولذلك اتفق

المصادر

الأخوان على أن يتولى مشرف الدولة أمر العراق، على أن لا يلحق أى منهما بخدمته ابن سهلان. بيد أن سلطان الدولة اتخذ ابن سهلان وزيرا له بعد أن ذهب إلى تستر على الرغم من هذا الاتفاق مما أسخط مشرف الدولة، ثم جهز سلطان الدولة جيشا وأمر ابن سهلان بأن يجلى مشرف الدولة عن العراق. وخرج مشرف الدولة لملاقاته، وحلت الهزيمة بابن سهلان، وفر إلى واسط حيث استسلم بعد حصار طويل فى ذى الحجة 411 (أبريل 1021). ولقب مشرف الدولة بعد هذا الانتصار بلقب التشريف "شاهانشاه" أى ملك الملوك، ثم أسقط فى المحرم من سنة 412 (مايو عام 1021) اسم أخيه من الخطبة ووضع اسمه مكانه. وقبض على ابن سهلان فى هذا العام نفسه وسملت عيناه بأمر كل من جلال الدولة ومشرف الدولة. على أنه بالرغم من هزيمة سلطان الدولة فإن فريقا من ديلم الأهواز انحازوا إليه ولذلك أرسل ولده أبا كاليجار إلى هناك للاستيلاء على هذا الإقليم. وعقد الصلح فى عام 413 هـ (1023/ 1203 م) وقد نص على أن يتولى سلطان الدولة أمر فارس وكرمان، على حين يحكم مشرف الدولة العراق بأسره. وتوفى سلطان الدولة وفقا للرواية الشائعة فى شيراز فى شوال سنة (ديسمبر 1024/ يناير عام 1025) وجاء فى رواية أخرى أنه لم يتوف إلا فى شعبان عام 146 (سبتمبر/ أكتوبر عام 1025). المصادر: (1) ابن الأثير: الكامل، طبعة تورنبرغ جـ 9، فى مواضع مختلفة. (2) تاريخ أبى الفداء طبعة جـ 3، ص 25، 447، 51، 63، 65. (3) ابن خلدون: العبر، جـ 4، ص 470 - 474. (4) حمد اللَّه المستوفى القزوينى: تاريخ كزيده، طبعة Browne جـ 1، ص 430 وما بعدها. (5) Gesch. d. Sultane aus d.Geschl Bukeh nach Mirchond: Wilken فصل 13 - 14. (6) Gesh d,Chalifen: Weil جـ 3، ص 52 - 54.

سلمان الفارسى

(7) Manuel de Geneologie et de Chronologie: de Zambaur ص 212 وما بعدها. الشنتناوى [تسترشتين K.V.Zettersteen] سلمان الفارسى من صحابة النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] ومن أشهر الشخصيات التى تحدثت عنها الروايات الإسلامية. وتقول إحدى الروايات التى ترجع أكمل صورة من الصور الكثيرة الباقية منها إلى محمد بن إسحاق إنه كان ابن دهقان قرية جى (أوجيان، انظر ياقوت، جـ 2، ص 170) الفارسية بالقرب من إصفهان. وتذهب روايات أخرى إلى أنه نشأ فى أرباض رامهرمز وأنه كان يسمى فى الإيرانية ماهبيه (مابيه) أو روزبيه (انظر Iran.Namenbuch: Justi ص 217، 277). وقد استهوته النصرانية وهو بعد صبى فترك بيت أبيه وتبع راهبا نصرانيا، ثم بلغ الشام بعد أن تتلمذ على شيوخ كثيرين. وهبط من الشام، ويمم لا يلوى على شئ إلى وادى القرى فى أواسط الجزيرة العربية طلجا للرسول الذى شاء اللَّه أن يُحيى دين إبراهيم، وكان آخر شيوخه قد أنبأه وهو على فراش الموت بقرب ظهوره. وقد غدر بدو بنى كلب بسلمان، وهم الذين كانوا أدلائه فى اجتيازه الصحراء، فباعوه بيع الرقيق إلى رجل يهودى، على أنه أتيحت له الفرصة للشخوص إلى يثرب، وما إن بلغها حتى تمت هجرة الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وقد شاهد سلمان علامات النبوة التى كان قد أنبأه بها الراهب على محمد فأسلم واشترى حريته من سيده اليهودى، وقد أعانه النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] بكرامة من كراماته على جمع المال اللازم لإعتاقه. ويقترن اسم سلمان بحصار أهل مكة للمدينة، ذلك أنه هو الذى أشار بحفر الخندق الذى استطاع به المسلمون أن يحموا أنفسهم من عدوهم، غير أننا نلاحظ كما بين هوروفنز أن هناك روايات تحدثت عن يوم الخندق لم تذكر شيئا عن تدخل سلمان فى الأمر. ويظن البعض أن تكون تلك القصة قد اخترعت لكى تنسب إلى أحد الفرس هذه الوسيلة من وسائل الدفاع التى تسمى باسم من أصل فارسى. ونفس الخلاف بالنسبة للروايات

الأخرى الخاصة بأعمال سلمان (نصيبه فى فتح العراق وفارس، وولايته للمدائن وغيرها) لأن جلها أو كلها يرجع إلى عهد المؤرخ سيف بن عمر وهو مؤرخ عرف كتابه بالتحيز والهوى [فى رأى البعض]. وليس من شك فى أن شهرة سلمان تكاد ترجع جميعها إلى أصله الفارسى، فهو المثال الأول للفرس الذين دخلوا فى الإسلام (شأنه فى ذلك شأن بلال الذى يمثل الأحباش وصهيب الذى يمثل الروم) وكان لهم شأن فى تطوره. وقد أصبح سلمان بهذه الصفة البطل القومى لفارس الإسلامية وشخصية من الشخصيات المحبوبة لدى الشعوبية (انظر Muh. Studien: Glodziher، جـ 1، ص 117، 136، 153، 212)، ومما يفسر لنا أكثر الأحاديث التى تتعلق بسلمان ما روى من أن النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] أنبأه بأن الفرس سيصبحون من خيرة الجماعة الإسلامية، وإنه صرح بأن سلمان من أهل البيت [كنوع من التكريم] وأن نصيبه السنوى من بيت المال كان مساو لنصيب الحسن والحسين حفيدى الرسول الخ. والحق أن شخصية سلمان التاريخية من أغمض الشخصيات، ومن العسير أن نسلم بأن أمره يقوم على أنه عبد فارسى من أهل المدينة دخل فى الإسلام. وقد تطورت شخصية سلمان تطورًا عجيبًا لا يقتصر على القول بأنه من مؤسسى مذهب التصوف هو وأهل الصفة (كتاب اللمع، طبعة Nicholson ص 134 - 135) بل إن الموضع الذى يقال إن به قبره قد أصبح منذ عهد متقدم جدا مزارًا دينيًا (على أكثر تقدير فى القرن الرابع الهجرى، انظر اليعقوبى: كتاب البلدان، المكتبة الجغرافية العربية جـ 7، ص 321) ولا يزال الناس يشيرون إليه فى جوار المدائن القديمة فى المكان الذى عرف بسلمان باك (أى سلمان الطاهر) نسبة إليه بالقرب من ضاحية إسباندر القديمة. وقد جدد السلطان مراد الرابع (1623 - 1640 م) المسجد الذى به ضريح سلمان، وهو المسجد الذى شاهده بيترو دلافاله Pietro della Valle عام 1617 وهو فى أقدم صورة

(Viaggi طبعة Gancia Brighton سنة 1843 - جـ 1 ص 394) وقد تم تجديد هذا المسجد حديثا (فى عام 1322 هـ = 1904 - 1905) (Herzfeld Sarre Archaol. Reise im Euphrates und Tigrisgebiet جـ 2، ص 262، تعليق رقم 1 على أساس المعلومات التى ذكرها الصحفى العراقى المثقف كاظم الدجيلى؛ وانظر المصدر السابق، ص 51 [وهى لمحة طبوغرافية]، ص 58). ويزور قبره كثير من الناس وخاصة الشيعة الذين لا يفوتهم زيارته عند عودتهم من كربلاء (انظر La Perse d' au-Aubin jourd'hui باريس سنة 1908 ص 426 - 428). وتذكر روايات أخرى أن قبر سلمان يوجد بالقرب من إصفهان، حيث قام الدليل على وجود شعائر أتباعه فى القرن السادس، (ياقوت، جـ 2، ص 170) وفى جهات أخرى (انظر عن اللد فى فلسطين Etudes d' archeologie orientale: Clermont-Ganneau جـ 2، ص 108). وكان لسلمان شأن هام فى تطور "الفتوة" وفى نقابات أهل الحرف، وهو يُبجْل بصفته راعى الحلاقين، ومن هنا جاء الحديث الذى لم يكن معروفا فى الكتب الصحاح القديمة، وهو الحديث الذى يجعل سلمان حلاق النبى (انظر Studien Zu Bast madad at Taufiqu: H. morning، رسالة جامعية، كييل سنة 1913، ص 33 - 37، 85 - 90 Beitrage zur Kenninis des islamischen Vereinswesens. Turkische Bibliothek جـ 16؛ Abhandl. z arab Philol.: Goldziher جـ 2، ص 66، 83). وهو أيضا أحد الحلقات الأساسية فى سلسلة التصوف عند أهل الطرق المختلفة (Coppoloni De Les ConfreriesMusulmanes: pont et ص 91). ومن الطبيعى أن يكون تبجيل الشيعة لسلمان يزيد على تبجيل أهل السنة له. فالشيعة لا تنسب له فحسب جملة أحاديث تمجد عليا وأهل بيته، بل إن الغلاة منهم يجعلون مقامه بعد علىّ مباشرة فى سلسلة الفيوضات الإلهية. وتجعله النصيرية الأقنوم الثالث فى الثالوث الذى يتكون من الأحرف الثلاثة فى الصوفية وهى ع (على) وم (محمد) وس (سلمان) (انظر La Religion des NosoIris: Dussaud ص 62؛ Archiv. fur Religionswissenschaft Goldziher،

المصادر

جـ 12، ص 88) وقد روى أن وفاة سلمان كانت سنة 35 أو 36 للهجرة، وهى رواية ليس لها آية قيمة -اللهم إلا أن المؤرخ الذى رواها لم يلق بالا إلى نشاطه بعد أن ولى علىّ الخلافة (نهاية عام 25 هـ). [وفى رأى البعض] يقال عنه إنه عمر طويلا. (Abhandl: Goldziher جـ 2، ص 66) المصادر: نذكر إلى جانب المصادر الواردة فى صلب المقال: (1) ابن هشام، ص 136 - 142 = ابن سعد، جـ 4، قسم 4، ص 53 - 37 (2) ابن حنبل: المسند جـ 5، ص 441 - 444 (3) الكتاب المنحول للبلخى: كتاب البدء والتاريخ، طبعة Cl. Huart، ص 110 - 113، 345، 673، 677. (4) ابن سعد، جـ 4، قسم 1، ص 53 - 67. (5) الطبرى، طبعة ده غوى، الفهرس تحت هذا الاسم. (6) ابن الأثير: أسد الغابة، جـ 2، ص 328 - 332 وغيره من كتب سير الصحابة. (7) Annali dell' Islam: L. Caetani جـ 5، ص 399 - 419 (35 هـ فقرة 541 - 598) وفهرس جـ 1 - 2، 3، 5. (8) المؤلف نفسه Chronographia Islomica: جـ 1؛ ص 383 (35 هـ فقرة 73). (9) Selman du Fars Melanges H. Derenbourg: C. Huart فى باريس 1909، ص 297 - 310. (10) المؤلف نفسه: Nouvelles recherches sur la legende de Selman Selmaan du Fars de l'Ecole Pratique des Hautes Etudes قسم العلوم الدينية سنة 1913. (11) J.Horovitz فى Der Islam سنة 1922 جـ 12، ص 178 - 183. [الشنتناوى ليفى دلافيدا G.Levi Della Vida]

السلمانية

السلمانية نجد هذا الاسم فى أبى حاتم الرازى المتوفى سنة 322 هـ (934 م) علما على سلسلة من فرق الشيعة الغلاة الذين بجلوا تبجيلا خاصا الصحابى سلمان الفارسى سواء ترك من بعده خلفاء يحملون رسالته أم لم يترك، وإما بوصفه فيضا من الفيوضات الإلهية يعده بعضهم أرفع مكانة من على (أبو حاتم الرازى: كتاب الزينة، ورقة رقم 907). وقد كتب الجراذينى حوالى سنة 220 هـ (855 م) رسالة خاصة فى الرد عليهم. والسلمانية هو الاسم الظاهرى لطائفة يعرفهم الشيعة الأدرية باسمهم الصحيح وهو السينية أو السلسلية تمييزا لهم من الميمية أو العينية (وحرف السين هنا يرمز إلى سلمان، كما يرمز حرف الميم إلى محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- والعين إلى علىّ)، وهذا التمييز لا ينصرف إلى شأنهم التاريخى بقدر ما ينصرف إلى شأنهم الروحى الثابت. والسينية يفضلون الباب المبدع رسول الروح القدس، على خلاف الميمية الذين يفضلون النبى -صلى اللَّه عليه وسلم- صاحب الاسم الظاهر، وعلى خلاف العينية الذين يفضلون الإمام المستتر. وهذه الأنظار الأدرية تجدها مبسوطة بشئ من التفصيل فى بحثى الذى كتبته عن سليمان باك (رقم 7 Etudes Publ. Soc lraniennes، باريس 1934 م، ص 35 - 39). وقد بينت فى هذا البحث كيف ارتبط الخطابية فى الماضى من ناحية عبادتهم لسلمان بالسينية (lvanov، ترجمته لأم الكتاب فى I. R.E 1932 م، ص 419 - 482) وكيف يرتبط بالسينية فى الحاضر النصيرية والعلى إلهية على أن ارتباط هذه الفرق بالسينية فى هذا الشأن يتفاوت مقداره. المصادر: البحث المشار إليه آنفا عن سليمان باك، ص 47 - 52. خورشيد [مانسينون Louis Massignon] سلوك مصطلح عند الصوفية يدل على سير الصوفى فى الطريق إلى اللَّه، ويبدأ بدخوله فى الطريق بإرشاد شيخ من

المصادر

شيوخ الصوفية وينتهى ببلوغه أسمى المراتب الروحية فى حدود قدرته. ويتضمن السلوك مطلبا يتخذ عن قصد ويسعى إليه السالك سعيا منتظما. ويجب على السالك أن يمضى فى هذا الطريق وأن يتحقق بكل مقام من مقاماته كالذكر، والتوكل، والفقر، والحب، والمعرفة وغير ذلك، قبل أن يتصل باللَّه (أى يصبح "واصلا"). ومن ثم كان السلوك يباين الجذبة. المصادر: (1) نفحات الأنس، كلكته سنة 1819 ص 7 وما بعدها. (2) R.A Nicholson: The Mystics of Islam ص 28 وما بعدها. (3) E.H.Palmer: Oriental Mysticism ص 56 وما بعدها. الشنتناوى [نيكلسون R.A.Nicholson] سلول إن ثمة قبيلتين عرفتا بهذا الاسم، إحداهما من عرب الجنوب من فرع خزاعة، والأخرى من عرب الشمال، وهى تعد من حلف القبائل الذى عرف باسم الجمع هوازن. وكلتا القبيلتين لم يكن لهما شأن يذكر وإنى لفى شك من أمرهما، وأتساءل أليست هاتان القبيلتان حقا قبيلة واحدة، بدليل أن بعض الأفراد ينسبون حينا إلى هذه القبيلة وحينا إلى تلك. 1 - وقد هاجر فرع خزاعة إلى الحجاز فى تاريخ متقدم حدده نسابة العرب بعد تصدع سد مأرب، ثم تولوا سدانة الكعبة. وقد باع أحد أبناء هذا الفرع، وهو أبو غبشان المحترش بن هليل بن سلول، مفتاح الكعبة إلى قصى بن كنانة، وانتقلت سدانتها إلى قبيلة قريش. وانقسمت قبيلة قريش إلى ثلاث عشائر كبرى: حبشية، وعدى، وهرمز، والراجح أن العشيرة الأخيرة كانت صغيرة جدا بدليل أنه لم يرد ذكر علم واحد من أعلام الرجال ينتمى إليها. وقد انقسمت حبشية إلى عدة أسر هى: هليل، وقميص، وضاطر، وكليب، وغاضرة. وكان المحترش الذى ذكرناه آنفا ينتمى إلى هليل، وكذلك كرز بن علقمة الذى صحب النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] حتى الغار فى هجرته من مكة إلى المدينة، ثم فقد أثره عندما وجد العنكبوت قد عشش على باب الغار. وقد امتد أجل كرز حتى أدرك عهد معاوية، وقد

المصادر

استعين بخبرته بخطة هذا الإقليم فى تحديد رقعة الأراضى المقدسة، ولا يزال هذا التحديد قائما إلى اليوم. وكان قبيسة بن ذؤيب من أسرة قمير، وقد ولد قبيسة فى حياة النبى -صلى اللَّه عليه وسلم- وتوفى فى الشام سنة 86 هـ، وكذلك كان مالك بن الهيثم بن عوف، وهو من أكبر دعاة العباسيين ومن أصدقاء أبى مسلم، وقد ترك له أبو مسلم ولاية الجيش عندما شخص إلى الخليفة المنصور ثم قتل. 2 - أما القبيلة التى انحدرت من هوازن فقد نسبت إلى سلول جدتهم لأمهم ابنة ذهل بن شيبان؛ وكان جدهم لأبيهم مرة بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن. وقد نزلوا إلى الشرق من مكة، وانقسموا إلى عشر عشائر هى: عمرو، وضبيعة، ونهار، وسهيم، وغاضرة، وأدية، وجابر، ومعاوية، وجنى، ودهى. وكان من عشيرة غاضرة عمران بن حسين صاحب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- الذى ولاه عمر بن الخطاب القضاء فى البصرة، والشاعر كثير عزة. وكان من عشيرة عمرو الشاعران عبد اللَّه بن همام والعجير. ونحن إذا وازنا بين أنساب أفراد قبيلة سلول على اختلافهم وجدنا خلافات ليست بالهينة، مثال ذلك أن غاضرة ترد فى سلسلة النسبين، ومن ثم يبدو أن من الحيطة أن نذهب إلى أنه وإن كان النسب العام معروفا فإن التبنى كان أمرًا غير مقطوع بصحته فى معظم الأحوال، مما أعجز قريحة علماء الأنساب الوقادة عن أن ترد هؤلاء الأفراد إلى نسب واحد مشترك. وكانت أكبر الصعوبات فى سبيل ذلك هى بلا شك أن سلول كان اسم امرأة ولم يكن اسم رجل، على الرغم من قول علماء الأنساب "ابن سلول" ونحن نصادف فى هذا المقام حالة مجتمع يقوم على سيادة الأم، وهو أمر غير مألوف فى أنساب القبائل العربية. المصادر: (1) ابن دريد: كتاب الاشتقاق، طبعة فستنفلد، ص 276 وما بعدها. (2) النويرى: نهاية الأرب، طبعة القاهرة، جـ 2، ص 318 وما بعدها و 336. (3) القلقشندى: نهاية الأرب، طبعة بغداد، ص 199، 2424، 312، 326.

سليح

(4) العقد الفريد، طبعة القاهرة، 1316 هـ، جـ 2، ص 53. (5) السمعانى: الأنساب، طبعة ماركوليوث، سلسلة كب التذكارية، جـ 20 ورقة رقم 1304. (6) الأغانى جـ 9، ص 93، جـ 15، ص 53. (7) أسد الغابة، طبعة القاهرة 1186 هـ فى مواضع مختلفة. (8) ابن حجر: التهذيب، طبعة حيدر آباد، فى مواضع مختلفة. (9) Gen ealogische Tabellen und RRegister: Wustenfeld خورشيد [كرنكوف F.Krenkow] سليح يجمع المؤرخون والنسابة العرب على القول بأن قبيلة أو عشيرة سليح كانت أول من أنشأ من العرب مملكة الشام، وإن كان الأمراء الثلاثة الذين ذكروهم لم ترد أسماؤهم على ما يظهر فى النقوش ولم يذكرها كتاب السريان. والشك يحيط أيضا بصلة هذه القبيلة بالقبائل الأخرى، فبعض الروايات تجعلهم من غسان وبعضها يقول إنهم فرع من قضاعة. ويطلق على أول ملوك سليح اسم النعمان بن عمر بن مالك، ثم جاء من بعده ولده عمر وهو آخر هذا الفرع. ومما يدل على مقدار ما فى هذا القول من حق أن قبيلة سليح يعدون من سلالة عرب الجنوب، وأنهم كانوا نصارى لأنهم كانوا يتلقون الأمر بتوليتهم من أباطرة الروم. ويذكر مؤرخو العرب أنهم جروا على فرض جزية على الرؤوس قدرها ديناران يؤديها جميع رعاياهم. وقد حدث أن جاء أحد عمالهم، ويدعى سبطة ليجبى هذه الجزية من رجل من قبيلة غسان يدعى جزع فكان أن قتله بدل أن يؤدى له الجزية. فأدى ذلك إلى حروب طويلة بين سليح وغسان انتهت بأن مكنت غسان لنفسها فى حكم عرب الشام، وكان الحارث ابن عمرو الملقب بالمحرق، أول حكامها، وقد حرمت سليح بذلك أن تمارس الحكم، إلا أنها ظلت فى الشام على ما يظهر مدة طويلة، ذلك أننا نجد لها ذكرا فى تاريخ متقدم يرجع إلى عام 13 هـ بين القبائل العربية التى حاربت فى صفوف الروم جيوش المسلمين الفاتحة. وقد ذكر أيضا أن سليح كانت جزءا من جيش

المصادر

الملكة الأسطورية الزباء، ومن المرجح أن آخر ملوك الهترة (الحضر) المسمى ضيزن أو سطرون من هذه القبيلة نفسها، وهو الذى قتله سابور بعد أن دافع طويلا عن عاصمته التى لم يتم الاستيلاء عليها إلا بخيانة ابنته. وذكر الإصفهانى ملكا آخر من ملوك الجزيرة يدعى زياد ابن الهيولة (أو الهبوله) وكان معاصرا للملك الكندى حُجْر بن آكل المرار. وذكر ملوك الجزيرة من هذه القبيلة باسم الجمع الضجاعم، ويذهب نولدكه إلى أنهم ربما كانوا هم سلالة قوم Toxon الذين ذكرهم الروم. ولعلنا نستطيع اعتمادا على ذلك كله أن نجعل عهد ملوكهم حوالى عام 400 للميلاد على وجه التقريب. وليس من المتوقع أن نحصل على معلومات دقيقة موثوق بها من المصادر العربية. وما من شك فى أن ما ورد بهذه المصادر له أساس تاريخى، غير أن الأساطير قد طمست إلى حد كبير جميع الحقائق. المصادر: (1) كتاب الأغانى، جـ 11، ص 161. (2) ابن قتيبة: كتاب المعارف، طبعة فستنفلد، ص 51، طبعة القاهرة، ص 35، 215. (3) ابن رشيق: العمدة، جـ 2، ص 177. (4) ابن خلدون: العبر، طبعة القاهرة، جـ 2، ص 278. (5) ابن دريد: كتاب الاشتقاق، ص 314. (6) الميدانى: الأمثال، طيعة القاهرة سنة 1310، جـ 1، ص 156. (7) القلقشندى: نهاية الأرب، طبعة بغداد، ص 247. (8) حمزة الإصفهانى: تاريخ طبعة Gottwaldt ص 115. (9) أبو الفداء: تاريخ، طبعة الآستانة، جـ 1، ص 76. (10) Genealogische Tabellen, Register: Wustenfeld ص 405. (11) Geschichte der Perser undd Araber: Noldeke ليدن سنة 1879، ص 35. (12) Die Ghassanidischen Fursten aus dem Hanse Gaffn's(Abh. Pr. Ak. Wiss.1887): Noldeke فى مواضع مختلفة.

سليم الأول

سليم الأول تاسع سلاطين آل عثمان، ويعرف فى التاريخ باسم ياوز سلطان سليم؛ وقد حكم من 918 هـ إلى 926 هـ (= 1512 - 1520 م)، وهو من أبناء بايزيد الثانى، ولد عام 872 هـ (= 1467/ 68 م) أو عام 875 هـ (= 1480/ 81 م) (سجل عثمانى، جـ 6، ص 38)، وكان فى أواخر عهد أبيه واليا على سنجق طرابزون (أطر ابزندة)؛ وكان بايزيد قد أوصى بالعرش لأحمد أخى سليم، وكان يكبره سنا وإن كان يصغر الأمير قور قود، إلا أن سليما كان يطمع فى العرش لأن الجزء الأكبر من الجيش كان يؤازره. واشتعلت الحرب الأهلية آخر الأمر بين الأخوين على إثر تنصيب سليمان بن سليم واليا على بولى، واحتج أحمد فولى سليمان على سنجق كفه من أعمال القريم، ولحق سليم بعد ذلك بقليل (1510 م) بابنه فى كفه ورفض أن يطيع بايزيد، وكان قد أمره بالعودة إلى طرابزون، وذهب إلى أدرنة فى مارس سنة 1511 فى جمع من التتر، وطلب أن يلى أمر سنجق الرومللى، ولم يقبل سليم أن يتراجع إلا بعد أن حزم السلطان أمره على تسيير جيش لمقاتلة ابنه، وكان ذلك بعد أن نصب سليم على سنجق سمندره على إثر مفاوضات جرت بتوسط مولانا نور الدين سركورز، على أنه سرعان ما عاد إلى القتال متذرعا بفتنة شاه قلى أو شيطان قلى فى آسية الصغرى، وقد لقى الهزيمة هذه المرة على يد جيش أبيه فى 3 أغسطس قرب جرلو، فعاد يلود بالقريم ملتجئا إلى حميه خان منكلى كراى، بيد أن الإنكشارية النازلين فى قصبة البلاد كانوا فى صف سليم، فأكرهوا أحمد، وكان قد تقدم صوب الآستانة، على الارتداد (21 أغسطس)، وسعى أحمد وقورقود إلى استغلال غياب أخيهما عن البلاد فزاد ذلك من حب الناس له، ومن ثم غادر سليم القريم فى يناير سنة 1512 وبلغ الآستانة فى أبريل حيث كان الإنكشارية قد جاهروا بمبايعته، وحاول بايزيد أن يدخل معه فى مفاوضات إلا أن مسعاه خاب، وخلع عن العرش فى 8 صفر سنة 918 هـ

(25 أبريل سنة 1512 م) على يد جمهور كبير من أشياع سليم، ومات بعد شهر من هذا التاريخ فى طريقه إلى ديموتوتقه. واستنفد سليم السنة الأولى من حكمه فى استئصال شأفة أخويه وأولادهما؛ وما إن حل شهر يولية سنة 1512 م حتى كان قد سار لقتال أحمد وابنه علاء الدين الذى كان قد استولى على بروسة، فأكرههماعلى الفرار ولكنه لم يقبض عليهما. وتحصن أحمد فى أماسية، وفشل سليم فى محاولة بذلها لأخذه على غرة فيها، ولعل هذا الفشل يرجع إلى خيانة الصدر الأعظم مصطفى باشا، ومهما يكن من شئ فقد أعدم مصطفى باشا وحل محله هرسك أحمد باشا، وفى 27 نوفمبر أعدم خمسة من أولاد إخوة السلطان فى بروسه، ونعنى بهم أولاد إخوته المتوفين محمود وعالم شاه وشاهين شاه، ثم قبض آخر الأمر على قورقود، وكان قد فر إلى سنجق تكة، وقتله؛ وكان هذا هو المصير نفسه الذى لقيه أحمد، فإنه بعد أن أحرز عدة انتصارات منى بالهزيمة آخر الأمر، وقبض عليه فى سهل يكى شهر (24 ابريل سنة 1513). وقد احتفظت الدولة العثمانية بعلاقاتها الودية مع البندقية والمجر وروسيا نتيجة للمفاوضات التى قام بها المبعوثون الذين أنفذتهم هذه الدول إلى الآستانة وأدرنة، ووجدت نزعة سليم الحربية متنفسا لها فى الشرق، حيث كان الشاه إسماعيل قد أسس دولة الصفويين الشيعيين القوية، وكان إسماعيل هذا قد آزر الأمير أحمد وحمى ابنه مراد، وكان له إلى ذلك أشياع كثيرون بين الصوفية فى آسية الصغرى، كما كانت أسرته مدينة بنجاحها إلى قزل باش الأناضول الذين كانوا قد انتقضوا وشيكا على السلطان بايزيد تحت إمرة شاه قلى؛ وأخذ سليم، مدفوعا بكراهيته لإسماعيل أو بغيرته على المذهب السنى، فى اضطهاد الشيعة فى دولته اضطهادًا، وكان مجموع من قتلهم أو ألقى بهم فى غيابة السجون أربعين ألفا، حسبما أجمعت عليه المصادر التركية، ولم يكن بد من

وقوع الحرب بين الطرفين بعد هذا. وفى 20 مارس سنة 1514 غادر السلطان أدرنة، وبعد شهر من هذا التاريخ اجتمع الجيش بأسره فى سهل يكى شهر، وكان سليم فى خلال ذلك قد بدأ إعلان الحرب بالرسائل المشهورة التى تبادلها مع الشاه إسماعيل، وهى مجموعة من الرسائل كتبها بأسلوب رفيع وبلهجة مهينة مثيرة (انظر منشآت فريدون بك، جـ 1، ص 374 وما بعدها)، وكثيرا ما كانت هذه الرسائل تنتهى بقتل حامليها لتوهم، واتجه سليم فى الوقت نفسه إلى عبيد خان أمير الأزبكيين يحرضه على شن الحرب على الشاه، واجتاز الجيش التركى قونية وقيصرية (حيث لم يبد علاء الدولة من بيت ذى القدر غيرة كبيرة على معاونة الحملة) وسيواس، على حين شخص الأسطول إلى طرابزون مع إدارة المهمات الحربية وبدأ الإنكشارية يتذمرون من طول الحملة بعد أن جاوزوا أرزنجان، إلا أن سليما استرد هيبته بعد أن قتل عددا قليلا منهم، ولم يلتق سليم بجيش الشاه إلا فى سهل جالديران بين بحيرة أرمية وتبريز، وقد قضى الجيش العثمانى على الجيش الفارسى فى هذا الموضع قضاء مبرما فى 2 رجب سنة 920 هـ (23 أغسطس سنة 1514) وتعلق إسماعيل بأذيال الفرار تاركا حريمه كله فى يد السلطان الظافر، ودخل سليم تبريز فى 5 سبتمبر، وغادرها فى الثالث عشر منه حاملا معه كنوزا لا حصر لها وبضع مئات من الصناع، ليقضى الشتاء فى قره باغ، إلا أن معارضة الإنكشارية أكرهته على استئناف المسير إلى الأناضول؛ فسلك إليها طريق قارص وبيبرت حيث كان قد ترك فيها بيكلى محمد بك ومعه جيش، وذهب سليم بشخصه إلى مشتاه فى أماسية، أما الإنكشارية الذين كانوا قد أخذوا فى التمرد مرة أخرى لقلة الطعام، فقد أرسلوا إلى الآستانة؛ وكان من نتيجة هذه الاضطرابات أن عزل بيكلى من منصبه وولى مكانه خادم سنان باشا بكلر بك (أكتوبر سنة 1514 م)، وكان سنجق بك سمندره قد رد المجر على أعقابهم فى هجمة قاموا بها بالقرب من بلغراد.

وامتازت سنة 1515 بغزو الأناضول الشرقية وكردستان، ذلك أن سليما الذى كان قد اتخذ لقب الشاه بعد أن عقد له لواء النصر (حسبما يظهر على السكة)، شخص إلى كمخ أو كماخ، فاستولى عليها فى مايو، ثم عاد إلى سيواس، وأنفذ منها الصدر الأعظم الجديد فى حملة على علاء الدولة المسن أمير ذى القدر؛ وكان سليم قبل ذلك، قد ولى على بك، ابن أخى علاء الدولة، على سنجق قيصرية فى خريف سنة 1514، وقد أوقع على الهزيمة بسليمان ابن علاء الدولة وقتله، وفى 12 يونية سنة 1515 هزم سنان باشا جيش ذى القدر فى سهل كوكسن، وقتل علاء الدولة وقبض على أولاده الأربعة وقتلوا؛ وكان فتح بلاد ذى القدر، بما فيها من حصنى ألبستان ومرعش، من الأسباب التى أدت إلى نشوب الحرب بين سليم وسلطان مصر، وكان قد اعترف به سلطانًا على هذه الأسرة، ثم عاد سليم إلى الآستانة فبلغها فى 17 يولية، وكان قد قتل فيها نفرا من كبار عمال الدولة اتهمهم بأنهم أثاروا فتنة الإنكشارية، ومنهم القاضى عسكر والشاعر جعفر جلبى، وفى أغسطس شب حريق هائل دمر جزءا من قصبة البلاد وتبعه قتل أناس آخرين. وبايع بكوات كردستان سليما بعد وقعة جالديران، وكان جل أهل كردستان من السنية؛ وكان أهل ديار بكر وغيرها من المدن قد فتحوا أبواب مدنهم للترك، إلا أن حصون بعض البلاد (مثل ماردين) كانت لا تزال تحتلها الحاميات الفارسية؛ وكان بيكلى محمد، الذى كان قد نصب بكلر بك على ديار بكر، قد عهد إليه الإشراف العسكرى على البلاد، وعين المؤرخ إدريس البدليسى، وكان هو نفسه كرديا، لمعاونته بوصفه مندوبا ساميا للإدارة المدنية؛ على أنه حدث فى مستهل سنة 1515 أن أنفد القائد الفارسى قره خان لفتح البلاد مرة أخرى، وكان قرة خان أخا استاجلى أوغلى دهالى ديار بكر ولكن بيكلى محمد أكرهه على رفع الحصار عنها فى أكتوبر سنة 1515؛ وفى مستهل سنة

1516 منى قره خان بهزيمة أخرى قرب قوج حصار بين عرفة ونصيبين على يد محمد والبكوات الأكراد، وهى وقعة قتل فيها قره خان نفسه؛ وهكذا وقعت فى يد آل عثمان بلاد خربوت وميافارقين وبدليس وحصن كيفا وديار بكر وعرفة وماردين والجزيرة والأراضى التى تلى ذلك جنوبا حتى الرقة والموصل؛ وقد تم فتح هذه البلاد فى عهد سليمان القانونى. وكان سليم مشغولا فى قصبة ملكة ببناء أسطول جديد ودار جديدة للصناعة تحت إشراف بيرى باشا، فى حين أعاد تنظيم جيش الإنكشارية ليزيد من رقابته على أصحاب الرتب العالية فى هذا الجيش المثير للفتن، وكان ذلك كله إعدادا لحملة جديدة يشنها على فارس؛ وغادر السلطان الآستانة فى 5 يونية سنة 1516 م وذهب أولا إلى قونية، وكان سنان باشا الذى عين قائدا عاما، ينتظره فى ألبستان، وكان السلطان قانصوه الغورى، قد أزعجه حينئذ ضم سليم أراضى ذى القمر إلى أملاكه، فغادر قصبة بلاده يوم 18 مايو فى جيش كبير مستهدفا مؤازرة الشاه إسماعيل واسترداد مرعش، وعلم سليم بوصول قانصوه إلى حلب (فى أغسطس سنة 1516) فكان البادئ بإرسال سفراء من قبله، ولم يحسن قانصوه استقبالهم أول الأمر، بيد أنهم عادوا يحملون عرضا بالتوسط فى الحرب التى كانت ناشبة بين السلطان وإسماعيل، ولم يقبل سليم هذا العرض، بل فعل ما يناقض ذلك، إذ أعاد رسولا كان قد أوفده إليه سلطان مصر بعد أن قدر رفاقه، وسار سليم فى نهاية الأمر متخذا طريق عينتاب، واستولى على المدن التى كانت فى طريقة مثل ملطية، ولقى الجيش المصرى فى وقعة دابق شمالى حلب، فقضى على المصريين قضاء مبرما بعد معركة قصيرة الأمد فى 24 أغسطس (انظر فى تاريخ ذلك "الإسلام"، جـ 16، ص 389، التعليق 4)؛ وكان السبب فى هزيمة المصريين ما دب بين صفوف جيشهم من شقاق وتفوق الجيش العثمانى عليهم فى المدفعية، وخرّ قانصوه نفسه صريعا بعد المعركة أو فى إبانها؛ وكان سليم قد

أنفذ يونس باشا فى حملة على خائر بك والى حلب (وكان يلقب بملك الأمراء)؛ فسلم خائر بك المدينة إلى العثمانيين دون أن يضرب ضربة واحدة، وعسكر سليم ثمانية عشر يوما على كوك ميدان قرب حلب، ثم استأنف سيره إلى دمشق متخذا طريق حماة وحمص، وكان البكوات المماليك قد هجروها فى 22 سبتمبر؛ وسلمت مدينة دمشق بالتفاوض الذى تم مع الخائن خائر بك، واحتل هو المدينة فى 26 سبتمبر، وأقام سليم فيها قرابة الشهرين، وأصدر أمره بإقامة عمائر منها مسجد على ضريح محيى الدين بن عربى، وكان المماليك قد بايعوا فى القاهرة فى 22 أكتوبر سلطانهم الجديد طومان باى، فأنفذ إليه سليم رسولين يعرضان عليه الصلح على أن يعترف سلطان مصر بسيادة آل عثمان، وقتل السفيران على كره شديد من طومان باى، مما جعل الاستمرار فى القتال أمرا لا محيص عنه، وغادر الجيش المصرى القاهرة حوالى أواخر أكتوبر تحت إمرة جانبردى الغزالى، ولقى طلائع الجيش العثمانى تحت إمرة سنان باشا قرب غزة ومنى المصريون بالهزيمة، وكان سليم قد رحل عن دمشق فى ديسمبر، وزار بيت المقدس قبل أن يلحق بجيشه فى غزة، واشتبك الجيشان فى وقعة فاصلة فى 22 يناير سنة 1517 فى الريدانية قرب القاهرة بعد أن اجتاز الجيش العثمانى الصحراء فى ثلاثة عشر يوما، وتعزى الهزيمة التى منى بها المصريون فى هذه الوقعة إلى خيانة جانبردى الغزالى الذى كان يعمل بالاتفاق مع خائر بك الذى كان فى الجيش سليم، ويقال إنهما توسلا بالخديعة إلى شل حركة المدفعية المصرية، وقد اشترك السلطانان فى الموقعة بنفسيهما، وذبح طومان باى الصدر الأعظم سنان معتقدا أنه سليم؛ ونصب يونس باشا مكان سنان؛ وقد تقرر مصير القاهرة بوقعة الريدانية، فإنه بالرغم من أن طومان باى قد أفلح فى الاحتفاظ بالمدينة خمسة أيام بعد ذلك، فقد طرد منها بعد قتال مرير سالت فيه الدماء فى شوارعها؛ وقد تلا ذلك قتل ثمانمائة من بكوات المماليك

وقيام مذبحة عامة؛ وتم احتلال القاهرة، فأستانف سليم -وكان قد ضرب خيمته فى جزيرة بولاق- قتاله مع طومان باى؛ وكان طومان باى قد ارتد إلى الدلتا وحاول المقاومة مستعينا بالبدو، إلا أنه هزم هزيمة أخرى فى الجيزة فخانه حلفاؤه وسلموه إلى الترك؛ وعامله سليم أول الأمر معاملة كريمة، ولكنه أذعن فى النهاية لإلحاح خائر بك والغزالى فأمر بقتله فى 12 أو 13 أبريل. واعترف لسليم بأنه سيد مصر بلا منازع وبقى فى القاهرة شهرا، ومن أهم الوفود الكثيرة التى جاءت تعرب له عن ولائها وفد بعث به بركات شريف مكة، ذلك أنه أرسل وفدا على رأسه ابنه نمى محمد، وكان وقتذاك فى الثانية عشرة من عمره، واستقبله السلطان حوالى أواخر مايو، ولم يكن لدى الشريف من الأسباب ما يدعوه إلى موالاة السلاطين المماليك فخضع عن طيب خاطر للسطان العثمانى، وكان السلطان أثناء إقامته فى دمشق قد أعرب عن جزعه على الأماكن المقدسة وأبدى بركات استعداده لذكر اسم السلطان سليم فى الخطبة، وعاد أبو نمى محملا بالهدايا الثمينة، وفى شهر ديسمبر (ذى الحجة سنة 923) حملت قافلة الحجيج (صره همايون)، وكان سليم قد بعث بها من دمشق، كسوة للكعبة للمرة الأولى، هدية من السلطان العثمانى؛ وقد حمل سلاطين آل عثمان منذ ذلك الوقت لقب خادم الحرمين الشريفين، وهو لقب (¬1) أضفى عليهم احتراما كبيرا فى العالمين الإسلامى والمسيحى، إلا أن سليما بالرغم من جزعه على الأماكن المقدسة، قد عنى بأن يحمل معه إلى الآستانة عددا من أعيان الحجاز المقيمين فى القاهرة رهائن. وكان ثمة وفد آخر له شأن يتألف من سفيرين من البندقية جاءا يفاوضانه فى أمر أداء الجزية عن جزيرة قبرص، وهى الجزية التى كانت تؤدى حتى ذلك الحين لسلطان مصر؛ وكان لزاما عليهما إلى جانب هذا أن ¬

_ (¬1) حتى سقوط الخلافة بعد الحرب العالمية الأولى [م. ع]

يدفعا عن مدينتهما تهمة معاونة المصريين على العثمانيين، وقد أيد الامتيازات القديمة التى حصلت عليها البندقية فرمان مؤرخ فى 8 سبتمبر 1517، على أن ثمة فرمانا مكتوبا بالعربية تعهد به سليم لقنصل البندقية فى الإسكندرية فى تاريخ مبكر يرجع إلى 16 فبراير سنة 1517 بتأييد الامتيازات التى كان ينعم بها أهل البندقية (انظر Ein Firman des Sultans Selim Ifur die V enetianer: B.Mnritz فى Festschrift Sachau، ص 422 وما بعدها). ومن آثار القاهرة التى وجه سليم معظم عنايته إليها مقياس النيل المقام فى جزيرة الروضة وكان قد أمر ببناء جوسق فيها كان مقامه المفضل عندما يكون فى القاهرة؛ وحوالى أواخر مايو قام سليم برحلة إلى الإسكندرية لزيارة أسطوله الذى كان قد وصل إليها حينئذ تحت إمرة بيرى باشا، وعاد إلى القاهرة فى 12 يونية، وظل فيها ثلاثة أشهر أخرى؛ وغادر المدينة فى 10 سبتمبر تاركا خائر بك واليا على مصر (ولكنه كان قد أرسل نساءه وأطفاله رهائن إلى فلبه) وبلغ دمشق فى 8 أكتوبر؛ وكان السبب الأكبر فى عودته انتشار روح التمرد فى صفوف الجيش. ورحل سليم عن مصر دون أن يتمكن خلال إقامته فيها من إعادة تنظيم الكثير من أمورها. وقد ذكر المؤرخون العثمانيون (رستم باشا) أن "العدالة الحق" قد وجدت سبيلها إليها، إلا أن المساوئ الكثيرة لم تكن قد خفت وطأتها؛ وقد وجد إدريس البدليسى من نفسه الجرأة على أن يوجه نظر السلطان إلى هذه المساوئ فأعاده إلى تركية مع الأسطول، ولم يكن يونس باشا، الصدر الأعظم الجديد، أكثر رضا عن الحملة، وكان السلطان قد عزله عن ولاية مصر، ثم أثار خائر بك شكوك السلطان مما أدى إلى قتله فجأة فى 19 سبتمبر فى الصحراء القريبة من غزة، وخلفه بيرى باشا. وقضى سليم الشتاء فى دمشق، واستأنف رحلته فى فبراير سنة 1518 بعد أن نصب جانبردى الغزالى واليا على الشام، ثم قضى

شهرين آخرين فى حلب حيث قام منها بيرى باشا بحملة على القزلباش، وعاد سليم إلى الآستانة فى 25 يولية ثم إلى أدرنة فى 4 أغسطس، وقد عين ابنه سليمان واليا على صاروخان وكان قد حل محله أثناء غيابه. ومن الأعيان الذين أرسلهم سليم من مصر إلى قصبة البلاد رهائن، المتوكل، آخر الخلفاء العباسيين فى بلاط المماليك بالقاهرة وكان قد رافق قانصوه إلى حلب هو وثلاثة من كبار قضاة مصر وألقى فى غيابة السجن بعد واقعة دابق، وعاملهم سليم معاملة كريمة جدا، ثم صحب المتوكل السلطان إلى مصر، حيث كان أبوه وسلفه قد حل محله أثناء غيابه بتقليد من طومان باى، وكان سليم قد سعى فى عدة مناسبات إلى الانتفاع بنفوذ الخليفة فى مفاوضاته مع طومان باى، ولكنه لم يفلح، واضطر المتوكل فى يونية سنة 1517 إلى مغادرة مصر، ويبدو أنه قد أرسل إلى الآستانة عن طريق البحر، وقيل أن سلوكه فيها حمل السلطان على أن يسجنه فى قلعة "يدى قله" حيث بقى فيها إلى أن توفى سليم، ثم عاد بعد ذلك إلى القاهرة فى تاريخ لا نعرفه الآن على وجه التحقيق، ولم يذكر هذه التفاصيل عن الخليفة المتوكل إلا المؤرخ ابن إياس، ولعله بالغ كثيرا فيما كان له من شأن فى الحملة المصرية، على حين لا يذكر الأخباريون العثمانيون كلمة واحدة عنه، ويجوز لنا أن نخرج من هذا بأن شأن الخلافة العباسية والخليفة العباسى كان قد أصبح هينا جدا فى عهد سليم الأول، وإنما بقى ذلك الشأن لرجال الدين دون سواهم تقريبا، وهذه المصادر المبكرة التى تكاد تتعاصر لا تكفل بأى حال من الأحوال صحة الرواية التى ظهرت بعد ذلك بقرنين ونصف قرن من الزمان، ومؤادها أن المتوكل تنازل رسميا عن الخلافة إلى سليم، ويبدو أن هذه الرواية قد وردت أول ما وردت فى مصنف دوسون (Tableau general de Emrire Othoman: D'Ohsson, باريس 1788, جـ 1، ص 232 و 270) ثم ذكرها من بعد عدد من المؤرخين العثمانيين، ومن ثم صدقها الناس

جميعا فى تركية. ومن الواضح أن هذه الرواية قصد بها تبرير ادعاء سلاطين آل عثمان الحق فى الخلافة، على أنه ليس ثمة ما يحملنا على أن نعترض بأن دوسون اخترعها كما يقول بارتولد، ذلك أن الرواية تبدو من ككل وجه جديرة بذلك الفاتح العظيم، ولعل الأتراك أنفسهم هم الذين اخترعوها، ومهما يكن من شئ فإن سليما قد لقب بالخليفة حتى قبل غزوه مصر، وقد قال المؤرخون فى عدة مناسبات إن خطبة الخلافة ألقيت باسمه فى أماكن شتى. وقد أثر نجاح سليم تأثيرا بليغا فى العالم المسيحى، وسعى البابا ليو إلى تأليب الامبراطور وملكى فرنسا وإنكلترة للقيام بعمل مشترك ضد الترك، إلا أن علاقات سليم بأوربا ظلت سلمية فى السنوات القليلة التالية، فاستمرت الهدنة مع المجر، وحصل سفير إسبانى على تأييد امتيازات الكنيسة فى قبر المسيح ببيت المقدس، واعترف السلطان أيضا بالخان الجديد على بلاد القريم، وهو أخو زوجته محمد كراى بن منكلى كراى، وأنفذ الصدر الأعظم إلى الحدود الشرقية ليدفع عن الدولة غزوات الفرس، واضطرته الحال خلال هذه المدة إلى إخماد محاولتين جديدتين قام بهما الشيعة ضده، وهما محاولة ابن هنش فى الشام سنة 1517، وقد أخمدها الوالى الغزالى وبكوات طرابلس، وحماة، ثم محاولة قام بها رجل يسمى شاه ولى (بحسب رواية لطفى باشا) فى ترخل بالقرب من توقاد، ويطلق عليه وعلى أتباعه لقب جلالى وهو اسم نجده فى كثيرًا لدى الشيعة آنئذ، مثال ذلك فتنة قره يزجى وقد أنفذ فرهاد باشا لقتال جلالى هذا، ولكن على شهوار أوغلى، وكان قد عين واليا على بلاد ذى القدر فى سنة 1516، كان هو الذى هزم جلالى آخر الأمر وقتله سنة 1518. وغادر سليم أدرنة فى سنة 1519 ميمما شطر الآستانة حيث كان قد بدئ بتجهيز أسطول عظيم أعد لغزو جزيرة رودس، على أنه توفى فجأة فى اليوم السابع من شوال سنة 926 هـ (20

سبتمبر سنة 1520 م) قبل أن يتم هذا التجهيز؛ وكان فى طريقه من قصبة البلاد إلى أدرنة عندما أقعده مرض ظهرت بوادره عليه قبل ذلك ببضعة أيام (وهو قرحة يقال لها "شيربنجه"، وتقول رواية أخرى إن المرض كان هو السرطان)، إلى التوقف قرب جرلو؛ وكان حسن جان أبو المؤرخ سعد الدين موجودا عندما حضرته الوفاة، وقد أخفى الوزراء نبأ موته حتى بلغ السلطان الجديد سليمان الآستانة، ثم ووريت جثته التراب فى التل الذى يقوم فى الناحية الشمالية الغربية من إستانبول، وقد عمل سليمان على تشييد مسجد سليم الأول فى ذلك الموضع وألحق به قبره، وتم تشييد المسجد فى المحرم سنة 929 هـ؛ ويشمل المدفن أيضا مقابر أم سليم وبعض بناته وعددا من الأمراء (حافظ حسين الإيوانسرايى: حديقة الجوامع، جـ 1، ص 14 وما بعدها). وتسيطر شخصية سليم الأول على كل الأحداث الكبرى التى وقعت فى عهده، وقد لقب بـ "ياوز" بسبب قسوته التى لا ترحم وكثرة من أمر بقتلهم، وهذا اللقب ينم عن الفزع والإعجاب جميعا، على أن الشعور بالإعجاب هو الذى غلب على الناس من ناحيته. وقد خص سليم بسلسلة كاملة من التواريخ عنوانها سليم نامه (انظر Gesch. d. Osm. Reiches, جـ 2، ص 7)؛ واتخذه الناس بطلا قوميا (أطلق على إحدى البارجتين الألمانيتين اللتين حصل عليهما الترك سنة 1914 اسم "ياوز سلطان سليم") وكما أن فتوحاته الواسعة للأراضى الإسلامية قد تمخضت عن الرواية القائلة بانتقال الخليفة كذلك نسبت إليه تلك الفكرة الناضجة، فكرة الجامعة الإسلامية التى تدعو إلى توحيد جميع الأقطار الإسلامية تحت سلطانه، وهكذا بذلت محاولة لتبرير قسوته الظاهرة (انظر على سبيل المثال الرسالة المعروفة باسم "ياوز سلطان سليم واتحاد إسلام سياستى" بقلم يوسف كنعان، وقد طبعت فى الآستانة فى تاريخ مجهول، وإن كان يرجع إلى قيام الثورة)؛ والحق أن الأراضى المفتوحة كانت فى مستهل القرن السادس عشر، قد دخلت

وشيكا فى طور الاضمحلال وأقفرت البلاد من أهلها، ويرجع ذلك إلى تغيير البرتغاليين طريق التجارة مع جزائر الهند، على أن الفتوحات كان لها مع ذلك شأن عظيم جدا فى توجيه الدولة التركية من الناحيتين الدينية والسياسية، فقد أصبحت تركية منذ ذلك الحين الدولة السنية التى تقابل دولة فارس الشيعية (انظر مثلا القصيدة التى نظمها فى مديحه الشاعر خواجه الإصفهانى فى ALiterary History of Persia in Modern Times: Browne، كمبردجـ 1924، ص 78)؛ وقد أخذ نفوذ الشيعة الفرس أيضا ينقاد بلا مراء لنفوذ أهل السنة من العرب (Babinger: Z.D.M.G جـ 76، ص 143)؛ ثم إن العثمانيين فرضوا بعض شمائلهم وعاداتهم على أهل البلاد التى فتحوها مثال ذلك عادة حلق اللحية (ويصور سليم دائما بغير لحية) والزى وطريقة قص الشعر، على أنهم لم يؤثروا آنئذ تأثيرا كبيرا فى حضارة الشام أو حضارة مصر. وذاع صيت سليم أيضًا فى قرض الشعر، و"ديوانه" كله منظوم بالفارسية، وقد طبع فى الآستانة سنة 1306 هـ؛ ثم نشر مرة أخري فى برلين سنة 1904 على يد هورن Paul Horn بأمر من الأمبراطور ولهلم الثانى؛ وليس بين الأشعار التركية التى نسبت إليه (تذكره لطيفى، الآستانة 1314 هـ، ص 75 وما بعدها) وكان سليم مشغوفا منذ أيامه الأولى فى طرابزون بصحبة الشعراء، ومن أشهرهم جعفر جلبى، وقد حمله سليم على الاقتران بزوجة الشاه إسماعيل الذى أسره فى وقعة جالديران وقتله سنة 1515 (انظر ما تقدم)، ومنهم أيضا آهى وروانى، وقد أهديا ديوانهما "مثنوى وسائل" إلى سليم. ونذكر من أصحاب النفوذ الآخرين فى عهده كمال باشا زاده والمفتى على جمالى أفندى وقد أفتى بشرعية الحرب التى شنت على سلطان مصر السنى، وكان من الرجال القليلين ذوى النفوذ الذين عارضوا فى عدة مناسبات تنفيذ أوامر السلطان القاضية بسفك الدماء.

المصادر

المصادر: (1) ealtosmanischen anonymen Chroniken، طبعة iese، برسلاو 1922, ص 130 - 138. (2) Die osmanische Chronik des Rustem Pascha: L.Forrer ليبسك 1923، ص 28 - 57. (3) سعد الدين: تاج التواريخ، الآستانة 1285 هـ، جـ 2، ص 221 - 402. (4) منجم باشى: صحائف الأخبار، الآستانة 1285 هـ، جـ 3، ص 447 - 475. (5) حاجى خليفة: جهاننما، الآستانة 1045 هـ، ص 686 وما بعدها؛ وكتاب التاريخ العثمانيون الآخرون، ولم تطبع بعد التواريخ ذات الشأن التى وضعها إدريس البدليسى ولطفى باشا. (6) فريدون بك: منشآت سلاطين، الآستانة 1274/ 1275، جـ 1 (وفى الصفحات من 396 - 407 تاريخ مفصل للحملة الفارسية). (7) شرف نامه أو histoire Des Kourdes، طبعة Veliaminof-Zernof، سانت بطرسبرغ، 1860 - 1862، جـ 2، ص 157 وما بعدها. (8) ابن إياس: بدائع الزهور فى وقائع الدهور، بولاق 1312 هـ، جـ 3، ص 40 - 236. (9) Die Chroniken der Stadt Mekka: Wustenfeld، ليبسك 186، جـ 4، ص 300 وما بعدها (10) Hist de l'empire ottoman: von Hammer، باريس 1836، جـ 4، ص 105 - 366. (11) Geschichte des Osmanische Reiches: Jorge , جـ 2، كوتا 1909، ص 322 - 341. (12) Geschichte des Abbasidenchalifats in Egypten: Weil مانهايم 1862، جـ 2، ص 410 - 436 (13) Mekka: C. Snouck Hurgronje، لاهاى 1888 م، جـ 1، 102 - 103.

سليم الثانى

(14) Barthold's Studien uber Kalif und Sultan: C. H. Becker فى Islam جـ 6، ص 386 - 412. (15) Commentarii delle cose de Turchi: Paulo Giovio، البندقية 1541، ص 18 - 26. (16) A History of Ottoman Poetry: Gibb، لندن 1902. (17) اسماعيل غالب: تقويم مسكوكات عثمانية، الآستانة 1307 هـ ص 71 - 82. (18) Histoire du Commerce du Levant au Moyen-age: Heyd، ليبسك 1886. (19) عارف: إدرنه شهرنه دائر سلطان سليم خان أول إلى ابن كمال بر مصاحبه سى، وخاقان مشار إليه حقندكى مرثيه مشهورنن تمامى، فى تاريخ عثمانى (ترك أنجمنى مجموعه سى، رقم 22 سليم الثانى السلطان الحادى عشر من سلاطين تركية، وقد حكم من 974 - 982 هـ (1566 - 1574 م)، والراجح أنه ولد سنة 930 هـ (1524 م)، وهو ابن سليمان القانونى من خرّم سلطان (روكسلانه) الذائعة الصيت (ويذكر سجل عثمانى، جـ 1، ص 39 ثلاثة تواريخ مختلفة لمولده)؛ وهو أكبر أولادها الأربعة وهم: سليم وبايزيد وجهانكير (المتوفى سنة 1533) ومهرماه (التى تزوجت الصدر الأعظم رستم باشا)؛ وكانت حرم سلطان تؤثر بحبها بايزيد، وأرادت أن يستتب العرش له، فتوسلت بدسائسها ونفوذها على سليمان من قتل ولى العهد مصطفى (6 أكتوبر سنة 1533 فى إركلى)، ثم توفيت السلطانة سنة 965 هـ (1557/ 58 م) فقامت منافسة بين سليم وبايزيد بلغت أوجها سنة 1559 بمناسبة ما أدخل من تغيير على ولاية السنجقين اللذين كانا يليان أمرهما، ذلك أن بايزيد نقل من ولاية قونية إلى أماسية كما نقل سليم من مغنيسا

(وكان قد وليها سنة 1545 م) إلى كوتاهية، ورفض بايزيد أن ينتقل من ولايته وحشد جنوده ويروى المؤرخ عالى أن هذه المشاحنة ترجع إلى دسائس لالا مصطفى باشا، وكان رستم باشا الصدر الأعظم قد عينه فى وظيفة "لالا" هو وسليم سنة 1556 بقصد العمل على إسقاط مصطفى لأنه كان من ألد أعدائه؛ وقيل إن مصطفى حمل بايزيد على كتابة بعض الرسائل المهينة إلى سليم مما أدى إلى صدور الأوامر بتغيير ولاية السنجق، وكان عالى نفسه كاتب سر مصطفى باشا، ولذلك يمكن أن نعد أقواله صحيحة. على أن المؤرخ المحدث أحمد رفيق يعتقد أن السلطان نفسه هو الذى أراد التخلص من بايزيد، بمعاونة رستم، إكراما لسليم؛ وقد هزم بايزيد فى 30 مايو سنة 1559 فى ساحة قونية، فهرب إلى أماسية ومنها إلى بلاد فارس ملتجئا إلى بلاط الشاه طهماسب. وقبل الشاه، بعد تبادل كثير من الرسائل مع سليمان وسليم، أن يسلم الأمير بايزيد وأولاده الأربعة إلى سليم (حتى لا يحنث بيميته التى أقسمها لبايزيد بأنه لن يسلمه إلى أبيه)، وقد انتهى ذلك بقتل بايزيد فى 25 سبتمبر سنة 1561، وظل سليم فى سنجقه حتى جاءه يومًا رسول من الصدر الأعظم محمد صوقوللى باشا يحمل إليه نبأ وفاة سليمان (6 سبتمبر سنة 1566) والاستيلاء على زيكت (8 سبتمبر)، وبلغ سليم قصبة البلاد فى 24 سبمتبر، ولم يكن أحد ينتظر قدومه، ذلك أن موت السلطان كان لا يزال محجوبا عن الناس؛ ثم غادرها بعد يومين إلى بلغراد، وانتظر فيها عودة صوقوللى بصحبة الجيش ومعه جثمان أبيه, وأعلنت وفاة سليمان آخر الأمر فى 24 أكتوبر، ورفض سليم أن يتلقى بيعة الجند، ذلك أنه كان قد وزع عليهم العطايا بمناسبة اعتلائه العرش فرأوا أنها اقل من أن تكفيهم. وعاد سليم وصحبه إلى قصبه البلاد، وكان جثمان سليمان قد حملته من قبلهم فرقة من الحرس ودفن فى الآستانة من غير أى احتفال. وما إن وصل سليم إلى القصبة فى أوائل ديسمبر حتى كان الإنكشارية

قد شرعوا فى التمرد قرب باب أدرنة، ورفضوا أن يسمحوا للسلطان الجديد بدخول قصره حتى يعدهم بإجابة ما طلبوه من زيادة العطايا التى منحت لهم بمناسبة اعتلائه العرش. ووزعت هذه الزيادة عليهم فى 10 ديسمبر، وقد منح العلماء، وخاصة المفتى أبو السعود، عطايا جزيلة عدا ما نال الإنكشارية منها، فلم يبق فى الخزانة ما يكفى لدفع أعطيات الجند الآخرين. وعاد سليم فدخل قصره، وانغمس فيما كانت تصبو إليه نفسه من معاقرة بنت الحان والإفراط فى الملذات، تاركا الحكم فى يد محمد صوقوللى، وكان صوقوللى هو الذى جرى طوال عهد سليم على سنن عصر سليمان الزاهر، وحسبنا أن نذكر فى هذا المقام ملخصا وجيزا للأحداث السياسية والعسكرية التى وقعت فى عهد سليم الثانى: عاد القبودان باشا بياله بالأسطول فى أبريل بعد أن تم له الاستيلاء على ساقز (خيوس) ونهب أبوليا فانعم عليه بلقب وزير، وبدأت فى الوقت نفسه المفاوضات مع النمسا وكان من نتيجتها أن جاء السفراء المفوضون للبحث فى الصلح الذى كان قد تم فى أدرنه فى 17 فبراير سنة 1568 بين مكسيميليان والسلطان. وقد وعد الإمبراطور، علاوة على موافقته على تعديل الحدود، بأداء هدية سنوية قدرها 30.005 دوكات، وفى الشهر نفسه جاء وفد فارسى فى موكب حافل إلى أدرنة ليجدد الهدنة، وكذلك تأيدت العلاقات السلمية التى كانت قائمة بين تركية وبولندة ثم بينها وبين فرنسا والبندقية وجددت الامتيازات التى منحتها فرنسا والبندقية، وشنت تركية فى سنة 1569 الحملة على أستراخان وهى الحملة التى باءت بالخيبة والتى كان غرض الترك منها أن يحققوا مشروع شق قناة تصل نهر الطونة بنهر الفولجا وكان جركس كاظم والى كفه، هو الذى وضع هذا المشروع، ولكنه لم يكتب له النجاح، ومعظم السبب فى ذلك راجع إلى معارضة خان التتر له فى السر. وعقد الصلح فى السنة التالية مع الروس؛ وانشغل جيش تركى من سنة 1568 إلى سنة 1570

فى إعادة فتح اليمن وانتزاعها من الزيدية، وكان هؤلاء قد طردوا جميع الحاميات التركية فى سنة 1567 فيما خلا حامية زبيد؛ وعين لالا مصطفى باشا أول الأمر قائدًا لحملة اليمن، وكان السلطان قد قربه إليه مرة أخرى بعد أن ظل ردحًا من الزمن مغضوبًا عليه، إلا أنه لم ينل الحظوة التى كانت لصوقوللى قط؛ على أنه ما لبث أن استدعى بسبب دسائس قوجه سنان باشا والى مصر الذى حل محله فى منصب سر عسكر؛ وبدا أزدمر أوغلى عثمان باشا الحملة بداية موفقة فى سنة 1568، ووصل سنان إلى اليمن سنة 1569 فرأى فتوحاته تتوج بالاستيلاء على صنعاء (26 يولية سنة 1569) وكوكبان (18 مايو سنة 1570)؛ وقد أشاد بعض شعراء الترك بهذه الحملة المظفرة، مثال ذلك نهالى فى "فتوحات اليمن" وكان الاستيلاء على جزيرة قبرس فى سنة 1570 - 71 راجعًا فى معظمه إلى الخطة التى جادت بها قريحة سليم نفسه، وقد قيل إن صفيه اليهودى جوزيف نساى الذى عينه دوقًا على ناكسوس، هو الذى اقترح عليه تلك الخطة. وقد برر نقض الهدنة التى كانت قائمة مع البندقية بفتوى مشهورة أصدرها المفتى أبو السعود، وقاد لالا مصطفى الحملة، فاستولى على نيقوسيا فى 9 سبتمبر سنة 1570 وأكره فاماغوستا على التسليم فى أول أغسطس سنة 1571، وقد حدث قتل القائد براجادينو، الذى اتسم بالبشاعة والفظاعة فى أعقاب الاستيلاء على فاماغوستا (ورد وصف فتح قبرس فى كتاب عنوانه "تاريخ قبرس"؛ انظر فهرس Flugel جـ 1، ص 226, رقم 1015) وعقد حلف فى السنة نفسها بين البندقية وأسبانيا والبابا ضد تركية، ودمرت الأساطيل المتحدة الأسطول التركى فى خليج لبيانتو (7 أكتوبر سنة 1571) تدميرًا تامًا أو يكاد؛ على أن هذه الهزيمة لم تكن كافية لإضعاف شوكة تركية، ذلك أنها بنت أسطولا جديدًا فى الشتاء وأكرهت البندقية، بمقتضى الصلح الذى

تم فى 7 مارس سنة 1572، على أن تسلم قبرس وأن تعد بدفع تعويض حربى لتركية. واستمر القتال مع أسبانيا، واحتل الأسبان تونس فى سنة 1572، ولكنهم طردوا منها مرة أخرى فى سبتمبر سنة 1574 على يد قوجه سنان باشا؛ وفى أثناء هذه الفترة نفسها (1572 - 1574) قامت بعض الاضطرابات مع يولنده بسبب مدعى العرش إيفونيا، فقد ظاهر الترك أول الأمر إيفونيا هذا، ولكنه منى بالهزيمة آخر الأمر فقتلوه هم أنفسهم فى يونية سنة 1574، وتجدد الصلح مع النمسا فى نوفمبر سنة 1574 بالرغم من الاضطرابات التى ثارت على الحدود ودسائس المدعين لعرش ترانسفاليا. وتوفى سليم فى ليلة 12/ 13 ديسمبر سنة 1574 (27/ 28 شعبان سنة 982) على إثر حادث وقع فى القصر، وكان أول سلطان من بنى عثمان يقضى حياته فى السراى حيث كانت السلطانة نور بانو صاحبة الكلمة العليا فيه. وقد أطلق على سليم لشغفه بالخمر اسم "مست [أى الثمل] سلطان سليم"، وانتشر فى عهده الانغماس فى الشهوات، واستشرت الرشوة والفساد اللذان بدءا فى عهد رستم باشا فى جميع طبقات المجتمع، إلا أن التقاليد التى سادت عهد سليمان استطاعت أن تحفظ الدولة فى أوج مجدها بفضل توجيه بعض الرجال القادرين مثل صوقوللى وأبو السعود؛ قد نفذ "قانوننامه" الذى صدر فى عهد سليمان القانونى، وثبتت شرعيته بفتوى من المفتى، وخاصة فى كل ما يتصل بالتصرف فى ملكية الأرض والإقطاعات (انظر ملىّ تتبعلر مجموعه سى 1331 هـ, جـ 1 رقمى 1، 2). وأشهر عمائر سليم الثانى مسجد السليمية فى أدرنة الذى شيده المهندس المعمارى سنان ما بين سنة 1567 وسنة 1574 (تجد وصفًا مفصّلا له فى جـ 3 من سياحتنامه لأوليا جلبى)، وقد شيد هذا المهندس بعض العمائر وأجرى بعض الإصلاحات المختلفة الأخرى فى أدرنه ونفارينو ومكة (انظر

المصادر

Mekka: C. Snouck Hurgronje, جـ 1، ص 16) والآستانة (آياصوفا)، ويقول كب Gibb إن سليمان الثانى هو أحسن شاعر بين سلاطين آل عثمان، وكان يكتب قصائده ويمهرها بالمخلص "سلمى" ويحيط نفسه بالشعراء من أمثال فضلى؛ وكان باقى أيضًا من أصحاب الحظوة عنده. المصادر: (1) سلانيكى مصطفى أفندى: تاريخ، الآستانة 1281، ص 52 - 125. (2) بجوى: تاريخ، الآستانة 1283، جـ 1، ص 438 وما بعدها، ص 385 وما بعدها. (3) ذلك الجزء من مصنف عالى: كنه الأخبار، الذى يتحدث عن سليم الثانى، ولم يطبع هذا الجزء بعد. (4) أصولى: سليم نامه، وقد أفاد منه Von Hammer وتجده فى مكتبة البلاط بفينا (Flugel، جـ 2، ص 234، رقم 1013)؛ (5) حاجى خليفة: تحفة الكبار، الآستانة 1141 هـ، الورقة 40 وما بعدها. (6) عثمان زاده: حديقة الوزراء، الآستانة 1271، ص 32 وما بعدها. (7) راشد: تاريخ يمن وصنعاء، الآستانة 1291، جـ 1، ص 113 وما بعدها. (8) Hist. de L'emp.Ott: Von Hammer، باريس 1836, جـ 1 و 6. (9) أحمد رفيق: كدنلر سلطتى، جـ 1، الآستانة 1332, ص 64 وما بعدها. (10) غالب أدهم: تقويم مسكوكات عثمانية، الآستانة 1307 هـ، ص 117 - 132. (11) History of Ottoman Poetry: Gibb، لندن 1907، جـ 1 و 3. (12) Busbequii omnia quae exstant، أمستلودامى 1660، ص 126 وما بعدها (عن الحرب التى شنت على بايزيد). صبحى [كرامرز J.H. Kramers]

سليم الثالث

سليم الثالث السلطان الثامن والعشرون من سلاطين آل عثمان، وقد حكم من سنة 1203 هـ (1789 م) إلى سنة 1222 هـ (1807 م)؛ ولد فى السادس والعشرين من جمادى الأولى سنة 1175 هـ (24 ديسمبر سنة (1761 م)، وهو من أولاد السلطان مصطفى الثالث من "والده سلطان مهر شاه" (المتوفاة سنة 1805؛ انظر سجل عثمانى جـ 1 ص 38)، وارتقى سليم الثالث العرش فى الحادى عشر من رجب سنة 1203 هـ (7 أبريل سنة 1789 م)، خلفًا لعمه عبد الحميد الأول الذى توفى فى ذلك اليوم؛ وقد امتاز عهد سليم بالحروب التى شنت على الدول الأوربية ولكن من جانب آخر بالفتن التى قامت فى داخل البلاد مما دل على ضعف الدولة العثمانية، وعرف أيضًا بالجهود المتصلة التى بذلها السلطان هو وعصبة من المستنيرين فى إعادة تنظيم السنن القديمة التى تأخذ بها الدولة مما أدى آخر الأمر إلى خلعه. وما إن اعتلى سليم الثالث العرش حتى واصل بهمة الحرب التى كانت ناشبة بين الترك وبين الروسيا والنمسا، إلا أن الترك منوا بالهزيمة فى البغدان (مولدافيا) عند فوكسانى على يد النمساويين أول أغسطس سنة 1789) وخاصة عند مارتنسكى على نهر بوزه من أعمال "الأفلاق" على يد النمساويين والروس (22 سبتمبر)، وهنا مات الصدر الأعظم جنازه حسن باشا (وكان قد حل محل قوجه يوسف باشا) وخلفه القبودان باشا جزائرلى حسن المشهور، واحتل النمساويون بوخارست فى 10 نوفمبر، على حين كانت بلغراد قد سقطت فى يدهم فى 7 أكتوبر، وواصل الروس فى الوقت نفسه تحت إمرة بوتمكين فتوحاتهم فى بسّارابيا (وكانت مدينتا ختن وإكزاكوف قد سقطتا فعلًا)، واستولوا على "بندر" (15 نوفمبر)؛ وكانت المعاهدة التى عقدت مع السويد (11 يولية) لمعاونة تركية ماديًا فى حربها مع روسيا قليلة الجدوى، ثم إن التقاليد كانت تحول بين سليم وبين الانضمام إلى صفوف الجيش، ومن ثم أصدر "خط شريف" دعا فيه المسلمين قاطبة إلى الجهاد،

وفى السنة التالية خف الخطر النمساوى وخاصة بعد عقد معاهدة التحالف مع بروسيا (31 يناير سنة 1790) وبعد وفاة جوزيف الثانى، بل إن الترك أصابوا بعض النجاح عليهم فى يونية؛ ثم عقدت بروسيا معاهدة ريشتنباخ مع النمسا فى 27 يولية وقد وعدت النمسا بمقتضاها أن تبرم الصلح مع تركية وتعهدت الدولتان بأن تكفلا استقلال تلك الدولة، ومن ثم عقدت الهدنة فى جورجفو (17 سبتمبر)، وتلاها بعد مفاوضات طويلة جدًا صلح زستوفا (إلى الغرب من روسجق على نهر الدانوب) فى 4 أغسطس سنة 1791؛ وقد استرد الباب العالى إمارة الدانوب بفضل هذه المعاهدة التى عقدت بوساطة بروسيا وإنجلترا وهولندة، فيما عدا أرسوفا القديمة التى أكره الباب العالى على التنازل عنها للنمسا. وكانت الحرب مع الروسيا التى وقعت سنة 1790 حربًا مشئومة، فقد توفى الصدر الأعظم الجديد فى مارس، وخلفه حسن باشا شريف فلم يستطع وقف تقدم الروس فى بسّارابيا، واستولى الروس على كيليا فى أكتوبر، ثم استولوا على إسماعيل بعد قتال مرير فى 22 ديسمبر، وكتب لهم النصر أيضًا فى البحر الأسود وفيما وراء نهر كوبان، وإن كانوا لم يفلحوا فى الاستيلاء على أنابا. أضف إلى هذا أن السويد كانت قد عقدت الصلح مع روسيا فى 14 أغسطس، على أن الترك دمروا فى بحر إيجة الأسطول اليونانى الذى كان قد عقد لواؤه للامبرو سكانزبانى وجهِّز فى تريستا بمعاونة الروس، ثم قتل الصدر الأعظم بأمر من السلطان فى فبراير سنة 1791 فى معسكره بشمله، وحل محله يوسف باشا، فنشط إلى الاستعداد لمواصلة القتال، إلَّا أن الروس تحت إمرة ربنين عبروا نهر الدانوب عند جالاتز وهزموا الترك هزيمة ساحقة فى ماتجين (9 أبريل)، وضعفت الروح المعنوية فى الآستانة ضعفًا شديدًا، وشب حريق مروع فأمر الباب العالى الصدر الأعظم بأن يقترح عقد هدنة، وعقدت الهدنة فى جالاتز فى 11 أغسطس، وتبعتها معاهدة الصلح التى أبرمت فى ياسى فى 9 يناير سنة 1792، وكانت بنود هذه المعاهدة الثلاثة عشر تجديدًا

لمعاهدة كوجك قينارجه. أما فى الغرب فقد أصبح نهر الدنيستر الحد بين الدولتين، على حين تعهد الباب العالى فى الشرق بأن يكبح جماح قبائل التتر التى كانت تنزل الضفة الشمالية لنهر كوبان، وفقدت الدولة التركية القريم إلى غير رجعة. وما إن انتهت الحرب حتى اهتم السلطان بالإصلاحات الضرورية التى رأى أن لابد منها كى تسترد الدولة قوتها، وكان قد بذل فى مستهل حكمه محاولة فى هذا السبيل بالإصرار على تطبيق القوانين الخاصة بالنفقات (انظر فيما يتصل بهذه القوانين مثلًا محمد غالب: سليم ثالثن بعض أوامر مهمه سى، فى تاريخ عثمانى أنجمنى مجموعة سى = T.O.E.M رقم 8، ص 500 - 504)، وقد دعا بعد ذلك بقليل عددًا من ذوى المكانة والمثقفين من صفوف الجيش ومن رجال الإدارة والعلماء إلى تقديم بعض مشروعات الإصلاح، وحملت المشروعات كلها إلى القصر، والظاهر أن هذه المشروعات قد عولجت على نحو هيأ الفرصة للحزب المناهض للإصلاح بأن يجعل منها مادة للسخرية وأن يبدأ دعوته فى مناهضتها، تلك الدعوة التى لم يكف عنها أبدًا (جودت: تاريخ، جـ 6، ص 7؛ وقد ذكر فى هذا المصدر كل من قدم لوائح فى هذا الصدد) على أن السلطان بدأ عمله بنشاط، فوسّع الديوان بأن جعله هيئة تضم أربعين عضوًا يرأسهم الصدر الأعظم أو المفتى بحسب الموضوعات التى تطرح على بساط البحث، أما اللوائح الجديدة التى بسطت تباعًا فقد أطلق عليها اسم "قانون نامه" أو "نظامات" وعرفت إصلاحات السلطان سليم كلها باسم "نظام جديد". على أن هذه العبارة تطلق بوجه خاص أيضًا على الجنود النظاميين الجدد. وكان من أول الإجراءات التى اتخذها سليم إنشاء خزانة جديدة (إيراد جديد) لسد نفقات النظم الجديدة، وكان عماد تلك الخزينة كل ما يتوفر من الدخل وخاصة ما يتجمع من مصادرة عدد كبير من الإقطاعات التى لم يقم أصحاب الحق فيها بالوفاء بالتزاماتهم العسكرية (محلول أولن زعامت وتيمار)، وقد سنت لائحة خاصة لبحث أمر هذه الإقطاعات، وازدادت

الاعتمادات المالية المعدة لهذه التجديدات ازديادًا مطردًا بفضل هذه الدخول وغيرها، وألفت الكتيبة الأولى من الجيش النظامى الجديد من البستانجية سنة 1792، وكان الغرض من إنشائها حماية منشآت المياه الكبرى الخاصة بقصبة البلاد قرب البحر الأسود فى قرية بلغراد كوى، حيث كان القوم يخشون من وقوع غزو روسى فى ذلك الوقت، وشيدت الثكنات الكبيرة لهذه الكتيبة فى لوند جفتلك، وكان جنودها يتدربون فيها، ولو أنه قد ثبت أن الحصول على متطوعين أمر شاق عسير. وتلا تشييد هذه الثكنات التى كانت تعد المحاولة الأولى فى هذا الشأن بناء عمارة أكبر فى إسكودارة حيث قام حول ثكنات سليمية العظيمة ما يشبه أن يكون مدينة جديدة اشتملت على المساجد والحمامات لأجل الجيش الجديد؛ وكانت اللوائح الأخرى تتضمن تموين الجيش، وإلزام الإنكشارية بالطاعة والنظام، وإعادة تنظيم كتيبة الجبجى والمدفعية. وقد ساهم الفرنسيون مساهمة كبيرة فى إعادة تنظيم هذا الجيش، وقيل إن بونابرت كان قد فكر سنة 1794 فى وضع نفسه على رأس المدفعية التركية، بل إن السفير الفرنسى دوباييه Dubayet جاء إلى الآستانة سنة 1796 على رأس فرقة فرسان من رجال المدفعية. وامتد الإصلاح أيضًا فشمل تحسين حصون البوسفور وبناء سفن حربية جديدة بفضل إرشاد القبودان باشا كوجك حسين أخى سليم غير الشقيق وما أبداه من همة، كما شمل صنع البارود وتدريب الضباط؛ وكذلك أعيد تنظيم مدرسة الهندسة فى سودلجه بميناء الآستانة التى أنشئت فى عهد عبد الحميد الأول، بالاستعانة بالفرنسيين والإنجليز وافتتحت مدرسة جديدة للملاحة؛ وقد حملت التجارب المريرة، التى تمخضت عنها الحروب الأخيرة، الناس على أن يستجيبوا لكل تلك الإصلاحات، إلا أن حزبًا قويًا من الترك يتألف من الإنكشارية والعلماء كان يعارضها بطبيعة الحال، ومع ذلك فقد كان يؤيدها من العلماء من أوتوا حظا كبيرًا من الثقافة. وقد لزم أولو الأمر جانب الحيطة فلم يحشدوا عددا عظيمًا من الجنود الجدد على الضفة الأوربية

للبوسفور؛ ومما يلفت النظر أن مقاومة الإصلاحات كانت تقل فى آسية عنها فى أوربا كلما درجت هذه الإصلاحات فى سبيل التقدم، ذلك أن زعماء المتمردين فى أوربا كانوا يتخذونها ذريعة لامتشاق الحسام فى وجه الحكومة. وقد يسرت فترة السلام التى شملت البلاد من سنة 1792 إلى سنة 1798 السبيل للقيام بهذه التدابير حتى أن زعيمى التمرد الكبيرين فى أوربا قد لزما الهدوء إلى حد ما وهما: بزاوان أوغلى، الذى كان قد تحصّن فى ودّين سنة 1792، وعلى باشا تبدلنلى، الذى كان قد أصبح وإلى يانينا سنة 1788 وجاء بالخذلان سنة 1792 فى حملته الأولى على أهل جبال سولى. ونعمت الصرب بالإدارة السمحة فى عهد أبى بكر وحاجى مصطفى اللذين ولاهما الباشا عليها؛ وكان الباب العالى يعنى عناية كبيرة بعلاقاته بالدول الأجنبية فى هذه الفترة، ذلك أنه أرسل السفراء الجدد إلى بلاط الدول الأوربية، وأظهر الرئيس أفندى راشد المتوفى سنة 1798 نشاطًا دبلوماسيًا عظيمًا فى الآستانة؛ وأثرت الثورة الفرنسية فى الموقف الدولى تأثيرًا متزايدًا، وكان لإعدام لويس السادس عشر وقع سئ وخاصة على سليم، فقد كان سليم يراسله حتى قبل ارتقائه العرش، ومع ذلك فإن رسل حكومة الثورة (Descorches) قد أفلحوا فى إثارة العطف عليهم حتى فى الديوان، مثال ذلك أنهم قالوا إنهم عادوا لا يعارضون المسلمين فى أمور الدين بعد أن أخذت فرنسا بمذهب العقل وكان لهم معاونون من ذوى النفوذ فى الآستانة، مثل دوسون المشهور Mouradgea d'Ohsson وكان وقتئذ مترجمًا سويديًا ثم سفيرًا للسويد من سنة 1796 إلى سنة 1799، وكاد هذا الرجل يفلح فى حمل تركية على إعلان الحرب على روسيا. وتغير الموقف تغيرًا تامًا نتيجة الحملة الفرنسية على مصر، وحاول روفن Roffin ممثل فرنسا فى الآستانة عبثًا أن يطمئن الباب العالى من ناحية نيات حكومته السلمية، ولكن تركية أعلنت الحرب على فرنسا فى 4 سبتمبر

سنة 1798، وألقى روفن فى السجن، كما سجن القناصل والتجار الفرنسيون وكانت التدابير التى اتخذتها تركية فى هذا الشأن أقل شأنًا وأبطأ سرعة من التدابير التى اتخذتها إنجلترا بكثير، وعقد الباب العالى فى 5 يناير سنة 1799 تحالفًا مع انجلترا، ونزلت الجنود التركية الأولى فى أبى قير فى 25 يولية، إلا أن بونابرت أكرههم على إلارتداد إلى أسطولهم بعد عودة الجيش الفرنسى مباشرة من حصار عكا، حيث أظهر الجزار باشا فى ذلك الوقت بدفاعه عن المدينة أنه تابع مخلص من أتباع السلطان. وبلغ الشام فى النصف الأخير من ذلك العام جيش تركى قوامه 80000 رجل تحت إمرة ضيا يوسف باشا، الصدر الأعظم منذ سنة 1798 (وكان ملك محمد باشا قد حل محل قوجه يوسف باشا فى يونيه سنة 1792، وخلف عزت محمد باشا ملك باشا محمد بعد سنتين ونصف سنة من توليه الصدارة العظمى)، وقد اشتمل هذا الجيش على 4000 رجل تقريبًا من الجنود النظاميين الجدد، ولحق به جيش الجزار؛ واستولى الترك على حصن العريش الصغير، وعقد الصدر الأعظم فى هذا الموضع نفسه هدنة مع الجنرال كليبر فى 28 يناير سنة 1800 وعد فيها الفرنسيون بالجلاء عن مصر، إلَّا أن الإنجليز نقضوا المعاهدة فهاجم كليبر الصدر الأعظم وكان يتقدم صوب القاهرة، وهزم الجيش التركى قرب أطلال عين شمس (20 مارس)، وتراجع الترك بعد هذا إلى الصحراء، وفى مارس سنة 1801 , أى بعد عام واحد، اشترك الترك مرة أخرى فى الحملة المصرية تحت إمرة القبودان باشا كوجك حسين؛ وقد أسفرت هذه الحملة عن إخلاء الفرنسيين للبلاد إخلاء تامًا واحتلال الجيش البريطانى مصر، وكان الحليف الآخر لتركية فى هذه الحرب هو روسيا، وكان أسطول روسى قد ظهر بالفعل فى البوسفور فى سبتمبر سنة 1798 فعقدت معاهدة تحالف بين الطرفين فى 23 ديسمبر، ثم يمم الأسطولان التركى والروسى المتحالفان شطر الساحل الغربى لبلاد اليونان

وطردا الفرنسيين من الجزائر الأيونية فى مارس سنة 1799، وكانت هذه الجزائر من قبل فى حوزة البندقية ثم تركتها النمسا لفرنسا بمقتضى معاهدة الصلح التى عقدت فى كاميو فورميو (17 أكتوبر سنة 1797)، وقد جعلت تركية هذه الجزائر جمهورية تحت حمايتها هى وروسيا، وأفلح على باشا وإلى يانينا فى الوقت نفسه فى احتلال بعض موانى ألبانيا إلى حين، وظلت العلاقات مع روسيا متوترة بالرغم من التحالف الروسى، وقد عقد، بوساطة بروسيا، صلح ابتدائى مع فرنسا فى 9 أكتوبر سنة 1801 اعترفت فيه فرنسا بسيادة الباب العالى على جمهورية الجزائر الأيونية السبع الجديدة، وأنفذ سبستيانى المشهور للمرة الأولى إلى الآستانة فى مهمة فوق العادة للتصديق على هذا الصلح الابتدائى. ولم يكن الباب العالى طرفًا فى معاهدة الصلح التى تمت فى أميانز وتأيدت بها النصوص نفسها (27 مارس سنة 1802)، ذلك أنه عقد فى يونيه صلحًا منفردًا مع فرنسا، وحاول الصدر الأعظم والقبودان باشا أن يعيدا النظام إلى نصابه فى مصر باستئصال شأفة زعماء البكوات المماليك، على أنهما لم يفلحا فى ذلك، فقد كان المماليك ينعمون بحماية البريطانيين، وعادا فى ديسمبر إلى الآستانة تاركين خسرو باشا واليًا على مصر متخذًا مقره القاهرة. وإنما جلا الجيش الإنجليزى عن مصر فى سنة 1803 بعد أن عقد اتفاق فى التاسع من يناير من ذلك العام فى الآستانة بين السفير اللورد إلجين Elgin والرئيس أفندى تعهد فيه الباب العالى بالعفو عن المماليك. وكذلك كان الموقف مضطربًا فى الداخل فى هذه السنوات التى زخرت بالأحداث، فمنذ صلح باسى أخذ زعماء قطاع الطرق (عثمان باشا) يلقون الرعب فى الرومللى، وكان يناصرهم بعض ذوى النفوذ فى الآستانة من مناهضى الإصلاحات وخاصة يوسف أغا رئيس ركائب "والده السلطان"؛ وكان بزوان أوغلى قد استولى فى سنة 1797 على قسم كبير من بلاد البلغار، وباءت الحملة التى أنفذت لقتاله تحت إمرة القبودان باشا حسين بالخيبة، فلم

يجد الباب العالى بدا من الإذعان لمطالبه، واعترف به باشا من حملة الـ "توغات" الثلاثة، ولكن حدث بعد ذلك بقليل أن غزوا بزوان أوغلى الأفلاق (1801)، وكانت تحميه النمسا، ثم حاول الباب العالى أن يعيد النظام إلى نصابه بتولية على باشا وإلى يانينا بكلر بك على الرومللى (1803) ولكن جهوده ذهبت بددا، واتهم على باشا بأنه على اتفاق مع بزوان أوغلى فعزل من منصبه، ثم عمد فى ديسمبر سنة 1803 إلى استئصال شأفة أهل جبل سولى القليلى العدد، وانتفع الباب العالى انتفاعًا كبيرًا فى محاربته المتمردين الرومليين فى ذلك العام بالجنود النظاميين الجدد؛ وأتاح غزو بزوان أوغلى الأفلاق الفرصة لروسيا فتدخلت فى إمارات الدانوب؛ وقبل الباب العالى تحت الضغط الروسى أن يعيد النظر فى المستعمرات السابقة مما كان من شأنه زيادة الحكم الذاتى الذى تنعم به تلك الإمارات؛ ونصّب ابسسيلانتى Ypsilanti هسبودرا على الأفلاق كما عين موروزى Muruzi هسبودارا على البغدان، على أن يبقيا فى ولايتهما سبع سنوات (1803). وثارت المتاعب فى سنة 1830 فى الصرب، وكان السبب فيها غزوات بزوان أوغلى وعودة زعماء الإنكشارية أو الدايات إلى مناصبهم، وكانوا قد طردوا من البلاد بعد الحرب التى نشبت مع النمسا. وقد تمخضت هذه الاضطرابات عن فتنة قام بها أمراء الصرب بقيادة قره جورج المشهور سنة 1804، ولم يفلح الجيش التركى ولا سياسة الباب العالى فى إخضاع أهل الصرب فى السنوات التالية، فقد كان لهم منذ سنة 1805 دستورهم الخاص بهم وأصبحوا سادة حصن بلغراد منذ 12 ديسمبر سنة 1806؛ وفى عام 1803 سقطت مكة فى يد الوهابيين (30 أبريل)، بعد أن اعترفت شبه جزيرة العرب كلها تقريبًا بسلطان زعيمها عبد العزيز (انظر R. Hartmann فى Z.D.M 1924 ص 195)؛ وحدث فى العام نفسه أيضًا أن تقدم محمد على الصفوف للمرة الأولى، ذلك أنه نصب واليًا على مصر سنة 1804 بعد

أن تغلب على مقاومة البرديسى من بكوات المماليك. وكان الباب العالى، بعد أن نشبت الحرب مرة أخرى بين فرنسا وإنجلترا فى مايو سنة 1803، قد قرر أن يلتزم سياسة الحياد الدقيق، ولكن فرنسا أوقفته موقفًا عسيرًا بأن طلبت منه الاعتراف بنابليون إمبراطورًا، على أن تهديدات روسيا حالت بينه وبين هذا الاعتراف، ولم يفلح الخطاب الخاص الذى أرسله نابليون إلى سليم فى تحويله عن ذلك، ولم يتم الاعتراف إلا فى سنة 1806 بعد أن جدد التحالف مع روسيا سنة 1805؛ وكان الجنرال سبستيانى قد قدم إلى الآستانة سنة 1805 سفيرًا لنابليون فساد النفوذ الفرنسى تركية آخر الأمر، وبالغ الباب العالى فى ذلك حتى لقد عزل هسبودارى (أميرى) الأفلاق والبغدان الموالين للروس مما جعل القيصر يأمر القائد ميشيلسون Michelson باحتلال الإمارتين؛ وتم تنفيذ هذا الأمر تنفيذًا تامًا فى ديسمبر سنة 1806 بالرغم من مقاومة بزوان أوغلى ومصطفى بيرقدار باشا روسجق، وأعلنت الحرب على الروسيا (27 ديسمبر) بتأثير المظاهرات المناهضة للروس التى قامت فى الآستانة بضغط سبستيانى؛ وجاءت إنجلترا فى الشهر التالى بمطالب بالغت فيها، مثال ذلك مطالبتها برحيل سبستيانى، ورسا الأسطول البريطانى فى تينيدوس لأرغام تركية على تنفيذ هذه المطالب؛ ورفض الباب العالى الأذعان فدخل أمير البحر دكورث Duckworth الدردنيل فلم يكد يلقى مقاومة، وظهر فى 10 فبرابر 1807 أمام قصبة البلاد، وساد الهلع لحظة، قتل خلالها القبودان باشا، ثم نظم الدفاع عن الآستانة بإرشاد سبستيانى وبعض الضباط الفرنسيين (Juchereau de St. Denis) وأبى الإنجليز تحمل مسئولية قذف المدينة بالقنابل فانسحبوا مرة أخرى بعد إجراء مفاوضات فى أول مارس لم تسفر عن نتيجة، وبلغوا تينيدوس بعد أن حلت بهم خسائر فادحة، وأعلنت تركية الحرب على إنجلترا بعد ذلك مباشرة؛ ولم يكن الإنجليز أكثر نجاحًا فى مصر، فبالرغم من أن أسطولًا إنجليزيًا احتل

الإسكندرية فى 17 مارس فقد هزم الإنجليز فى كل مكان على يد محمد على وأكرهوا على الجلاء عن البلاد فى سبتمبر. وكان الموقف السياسى فى الداخل قد مر بأزمة خطيرة، ذلك أن الإصلاحات قد استؤنفت مرة أخرى بعد سنة 1802، وصدر فى مارس سنة 1805 "خط شريف" يقضى بفرض ضريبة عامة على أهل البلاد من أجل الجنود النظاميين، وانتهى ذلك بتمرد الإنكشارية جهرة واعتصموا فى أدرنة وقيرق كليسه؛ وأنفذت الحكومة لقتالهم الجيش النظامى فهزمهم هزيمة ساحقة فى أغسطس سنة 1806، وكان من نتيجة ذلك أن أجلت الإصلاحات إلى حين؛ ولم يستفحل الأمر بفضل نفوذ المفتى صالح زاده أسعد أفندى، وقد حل إبراهيم حلمى باشا أغا الإنكشارية محل الصدر الأعظم حافظ إسماعيل باشا (وكان حافظ باشا قد خلف ضيا يوسف باشا سنة 1805)، ولم يجرؤ الباب العالى حتى على إرسال الجيش النظامى لقتال الروس فى رومانيا. ولم تؤد الوقائع التى فازت فيها تركية على إنجلترا إلى عودة نفوذ السلطان، بل كان الأمر على الضد من ذلك، إذ ازداد جزع المعارضة زيادة مطردة لما لمسته من نفوذ الفرنسيين خلال تحصين الآستانة، وواصل حزب الإصلاح عمله فى غير ما تظاهر أو تفاخر، إلا أنه دبرت مكيدة القصد منها خلع سليم عن العرش، وكان زعيماها موسى باشا (وهذا هو الاسم الذى ذكره جودت؛ أما Zinkeisen وغيره من الكتاب فيذكرون الاسم مسته باشا) قائم مقام الصدر الأعظم (وكان الصدر الأعظم نفسه قد خرج لقتال الروس)، والمفتى عطا اللَّه أفندى، فقد أثار الفتنة بين جنود الاحتياط الجفاة الغلاظ (ويقال لهم اليماق) الذين كانوا يعسكرون على البوسفور، ونشبت الفتنة فى 15 مايو سنة 1807، ذلك أن هؤلاء الجنود رفضوا ارتداء الزى النظامى، وأقام قبقجى أوغلى قائد الثوار معسكره فى بويوك دره، وحدث فى الأيام التالية -وبينما كان موسى باشا والمفتى يهدئان من روع السلطان- أن أخذت الدعوة المناهضة له تنتشر

بسرعة، وذهب قبقجى بعد ذلك بأسبوعين إلى الآستانة ومعه أتباعه وقد حمل قائمة حوت أسماء كل أنصار الإصلاح المشهورين، وسيق جل هؤلاء إلى "آت ميدان" وقتلوا، وكان السلطان يرجو فى هذه اللحظة الأخيرة أن ينقذ عرشه بخطِّ شريف يلغى به النظام الجديد، ولكن عزله عن العرش كان قد تقرر فعلًا، ففى اليوم التالى، أى اليوم الثانى والعشرين من ربيع الأول سنة 1223 هـ (29 مايو سنة 1808 م)، أعلن المفتى لوفد من اليماق فى تهيب مصطنع أن خلع سليم عن عرشه أمر يتفق مع الشرع، ثم ذهب بعد هذه المهزلة إلى سليم ليبلغه قرار الشعب، وأذعن سليم فى الحال واعتزل الحكم، ولم يكن له ولد، فوضع على العرش مصطفى أكبر ولدى السلطان عبد الحميد، ولقّب بمصطفى الرابع. ولقى سليم بعد ذلك بعام مصرعه عندما سار مصطفى بيرقدار إلى الآستانة بجنوده وجنود الصدر الأعظم جلبى مصطفى باشا ليمكن للإصطلاحات ويعيد سليمًا إلى عرشه، ودخل بيرقدار فى الرابع من جمادى الآخرة سنة 1223 هـ (28 يولية سنة 1808 م) بجنوده الفناء الأول من أفنية السراى مطالبًا بالسلطان سليم، فأحل مصطفى عندئذ قتل سليم، الذى كان قد أرجئ إلى هذا العين، وأحل أيضًا قتل محمود أخيه هو الأصغر، ووصل بيرقدار متأخرًا لحظة فلم يستطع إنقاذ حياة السلطان السيئ الطالع، ذلك أنه كان قد قتل فعلًا عندما اقتحمت أبواب السراى، ثم جئ بمحمود أخى مصطفى من مخبئه ووضع على العرش. وقد وصف سليم الثالث بأنه سلطان عظيم المواهب (انظر بوجه خاص ما رثاه به جودت، جـ 8، ص 262 وما بعدها)؛ ونظم قصائد وقعها باسم إلهامى (تخلص) ويقال إنه كان من أصحاب البراعة فى الموسيقى، وتثبت غيرته على الإصلاح أنه كان لمّاح الذكاء، إلا أن هذه الغيرة كان يحد منها ميله إلى الاهتمام بأدق التفصيلات، والظاهر أيضًا أنه لم يكن يطيق وجود أشخاص أقوياء بين خاصة بطانته، فقد

المصادر

تعاقب على منصب الصدارة العظمى فى عهده الذى دام 18 عامًا ما لا يقل عن عشرة أشخاص. ونذكر بصفة خاصة من أعماله التى تدل على الورع والتقوى إقامته بابًا فضيًا لقبر أبى أيوب الأنصاري وتجديد جامع الفاتح تجديدًا تامًا، على أن أعظم منشآته هى الثكنات والمدارس التى أقامها تنفيذًا لمشروعات الإصلاحات. المصادر: (1) جودت باشا: تاريخ الآستانة 1303 هـ، جـ 5 - 8. (2) عاصم: تاريخ، الآستانة، طبعة غير مؤرخة. (3) سلطان سليم ثالثن عصر وقائعى، الآستانة 1280. (4) إسماعيل غالب: تقويم مسكوكات عثمانيه، الآستانة 1307 هـ، ص 349 - 361. (5) أفضل الدين: علمدار مصطفى باشا فى تاريخ عثمان أنجمنى مجموعة سى، رقم 9 - 21، وخاصة رقمى 16 و 17. (6) الجبرتي: عجائب الآثار، القاهرة 1226 هـ، جـ 3 و 4. (7) Geschichte des Osmanischen Reiches in Europa: Zinkeisen؛ كوتا 1863، جـ 6 و 7. (8) Geschichte des Osmanischen Reiches: Jorga كوتا 1913، جـ 5، ص 77 - 181. (9) Mekka: C.Snouck Hurgronje، لاهاى 1888، جـ 1، ص 146 و 152؛ وقد أورد Zinkeisen بيان المصادر عن الإصلاحات فى تعليقه على ص 324، جـ 7؛ وانظر كذلك: (10) تترجق عبد اللَّه: سليم ثالث دورنده نظام دولت حقنده مطالعات فى تاريخ عثمانى أنجمنى مجموعه سى، رقم 41 - 43؛ وانظر عن تاريخ سليم بوصفه شاعرًا. (11) History: Gibb of Ottoman Poetry، لندن 1907، جـ 1 و 4 (انظر الفهرس). (12) نجيب عاصم: سلطان سليم ثالثن وطن برورلى تماثيل شاهانه سى

سليم بن منصور

فى تاريخ عثمانى أنجمنى مجموعة سى، رقم 41 - 43؛ وتجد وصف حالة تركية العامة فى عهد سليم الثالث فى: (13) Tableau de L'Empire Othoman: Mouradgea d'Ohsson، باريس 1788 و 1820. (14) Etat actuel de la Turquie: Thornton، باريس 1812. صبحى [كرامرز J.H.Kramers] سليم بن منصور تنتمى هذه القبيلة القوية النشيطة إلى القيسية أو إلى قيس عيلان ولم تظهر على صفحات التاريخ إلا فى منتصف القرن السادس الميلادى. وتقوم منازل هذه القبيلة على طول حدود نجد والحجاز، ويتاخمها من الشمال أرض المدينة ومن الجنوب أرض مكة. وكان جيرانها من الشرق قبائل غطفان وهوازن وهلال وهى من بنى عمومتها؛ والظاهر أن ناحية السليمية كانت تنعم برخاء وافر حتى نهاية العهد الأموى. فقد كانت موطن حرات بركانية متعاقبة ومراكز تعدين وتلال حافلة بالغابات، وواحات استغلت استغلالًا حكيمًا رشيدًا. ومن هذه الواحات الرَبذَة التى اشتهرت بإقامة أبى ذر فيها، وفَرَان ومعْدن البُرم، وصُفَيْنة، وسوارقية وغيرها. ولا تزال الواحتان الأخيرتان باقيتين. وتمتد واحة سوارقية مرحلة عدة أيام، وهى عامرة بأشجار الموز والرمان والأعناب ناهيك بأحراج النخيل، وكانت قبيلة سليم تملك جيادًا كثيرة، ويعد ذلك آية من آيات النعيم الأخرى فى الصحراء. وكانت قبيلة سليم على صلات طيبة بيهود المدينة، وقد أدرك رجال المال والأعمال القرشيين منذ عهد متقدم ألا مناص لهم من عقد أواصر الصداقة مع قبيلة سليم التى كانت تملك المصادر المعدنية وتشرف على الطريق الموصل إلى المدينة وينفذ منها من يريد بلوغ نجد والخليج الفارسى. وقد تحالف كثير من الأسر المكيّة مع سليم واشترك معها فى استغلال ثروات البلاد

الزراعية والمعدنية، ونستدل على ثروتها المعدنية من كثرة ورود الاسم "معدن" فى أسماء المواضع السليمية. وأهم ثرواتها المعدنية هى الذهب والفضة. وتقرر الأحاديث النبوية أن صحابيًا من سليم جرى على أن يرسل إلى النبى محمد صلى اللَّه عليه وسلم عُشر المعادن النفيسة التى كان يستخرجها من منجمه. وقد استؤنف النشاط فى ناحية التعدين بسليم فى عهد خلافة أبى بكر، واستمر استغلال مناجمها فى عهد الأمويين، وكانت موردًا له قيمته من موارد الدولة. وكان السليمية يبجلون حجرًا أو نصبًا يسمى ضمار. وكان يجمع السليمية وأهل مكة مصالح مشتركة، ولذلك عادوا -صلى اللَّه عليه وسلم- أول الأمر، ثم دخلوا فى الإسلام وأخذ هؤلاء البدو الذين يقيمون الأمور بميزان الواقع يفاخرون بإسلامهم. وفى 8 هـ (629 - 630 م) اشتركت كتيبة سليمية قوية فى غزوة حدثت بعد وقعة حنين. وقد طالب زعماؤهم بإلحاح أن يتقاضوا نصيبهم من الغنائم نظير ما بذلوه من معونة فى هذا النصر، وكان منهم العباس بن مرداس ابن الشاعرة الخنساء (¬1) وانحاز بنو سليم إلى جانب عثمان إبان القلاقل التى اتسم بها عهد الخليفة الثالث من الخلفاء الراشدين، وقد أكسبهم ذلك رضا الخليفة معاوية الذى كان يعد أبا الأعور السليمى من أحسن قواده. وكان من سياسة الأمويين أن يسترضوا هذه القبيلة الفخورة بنفسها التى كانت تنزل على طول طريق الحجاج وفى جوار البلاد المقدسة وتستطيع مراقبة السكان المتمردين فى هذه البلاد. وظل هذا التفاهم الودى قائمًا بين الطرفين حتى وفاة معاوية الثانى (¬2). ثم أبى بنو سليم هم والقبائل القيسية الأخرى الاعتراف بمروان الأول (¬3) خليفة له وبايعوا عبد اللَّه بن الزبير المناهض له. وأدت ¬

_ (¬1) لم يكن العباس بن مرداس ابن الخنساء، ولكنه كان ابن مرداس من زوجة أخرى تزوجها قبلها. (¬2) يقصد: معاوية بن يزيد. ولم يكن العرب يسمون خلفاءهم، إذا اتحدت أسماؤهم، بالأول والثانى. (¬3) يقصد: مروان بن الحكم. [مهدى علام]

المصادر

هزيمة القيسية فى مرج راهط إلى قيام قطيعة تامة بين اليمنية والقيسية، وأشعلت نيران حرب مريرة بين هذين الفريقين من العرب. وفى هذه الحرب اشتهر رجلان من سليم -هما عُمَير بن الحُباب وجَحّاف بن حكيم- بالقسوة والبطش أكثر من شهرتهما بالشجاعة. وقد سجلت أشعار الأخطل ذكرى هذه الأحقاد المميتة. واستقر قسم من هذه القبيلة بعد الهجرة فى الجزء الغربيّ من أرض الجزيرة. وسمح لمائة أسرة من بنى سليم بالرحيل إلى مصر سنة 109 هـ (727 م) وسرعان ما تكاثروا هناك. وفى عام 230 هـ (844/ 445 م) نهبت قبيلة سليم التى كانت تقطن جزيرة العرب هى وبنو هلال أبناء عمومتهم المدينة فاستحقوا ما نزل بهم من قصاص. وفى عهد الخلفاء الفاطميين بمصر انحازوا إلى القرامطة ونهبوا قوافل الحجيج، وكان ذلك بداية عهد من الفوضى شقى به بنو سليم من سكان جزيرة العرب. وقد جر عليهم ميلهم نحو القرامطة بمصر غضب خلفاء القاهرة. وفى عام 444 هـ (1052 م) أراد الخليفة الفاطمى المستنصر أن يتخلص من هؤلاء البدو المشاغبين هم وبنى هلال فدفع بهم إلى غزو شمالى إفريقية حيث كان كثير من القبائل يرتبط بصلة النسب مع بنى سليم. المصادر: (1) ابن دريد: كتاب الاشتقاق، ص 187 - 189. (2) الكندى: الولاة والقضاة، طبعة Rhuv.Guest ص 77، 297. (3) ابن عبد ربه: العقد الفريد، جـ 2، ص 63. (4) الهمذانى: صفة جزيرة العرب، ص 132، 154، 170، 171، 183، 185، 205، 220. (5) ياقوت: المعجم، طبعة فستنفلد، جـ 3، ص 403؛ جـ 4، ص 572؛ جـ 5 ص 865. (6) اليعقوبى: كتاب البلدان، طبعة ده غوى، ص 335. (7) Registergenealogisch Tabellen: Wustenfeld ص 426 - 430.

سليمان الأول

(8) Reste arab Heidentums: Wellhausen ص 68. (9) Blau فى Zeitschrift der Deutschen Morgenlandischen Gesellschaft، جـ 23، ص 586 (10) Le Berceau de L'Islam: Lammens ص 99 - 100، 136. (11) المؤلف نفسه: La Mecque a la veille de l'he gire ص 196، 197، 198 (ملخص من M.F.O.B جـ 9، قسم 3). (12) المؤلف نفسه: Etudes sur le regne du calife Mawi a 1 er ص 43، 337، 423. (13) المؤلف ذاته: Le Chantre des Omaiyades, notes sur Le poete arabe Akhtal ص 133. . . إلخ (ملخص من المجلة الأسيوية، 1894). (14) I tempi La vita ed it canzoniere della Poetessa araba Al Hansa: G.Gabrieli فلورنسة، سنة 1899، ص 11 وما بعدها، 67 وما بعدها. الشنتناوى [لامنس H. Lammens] سليمان الأول عاشر سلاطين آل عثمان وأعظمهم، وقد حكم من عام 1520 إلى عام 1566، ويطلق عليه الترك اسم "قانونى سلطان سليمان"، كما يعرفه الكتاب الغربيون باسم سليمان العظيم. ويطلق عليه بعض المؤرخين الغربيين مثل ليونكلافيوس Leunclavius ثم جوركا Jorge من بعده اسم سليمان الثانى، أما سليمان الأول فهو فى نظرهم ابن بايزيد الأول الذى عاش فى أدرنة، غير أن الرأى الغالب فى تركية هو أن سليمان القانونى هو أول سلطان من آل عثمان سمى بهذا، وهو يعرف دائمًا باسم "سليمان خان أول". وتشير "الشرفات" العشر لمآذن جامع السليمانية إلى أن سليمان هو السلطان العاشر كما جاء فى حديقة الجوامع (ص 16) بل إن الرقم عشرة قد جعل له دلالة رمزية خاصة فى حياة السلطان (Geschichte des Osmanische Reiches جـ 3، ص 4)، وكذلك يعد الاسم سليمان رمزًا قوميًا ودينيًا. وكثيرًا ما نجد فى الوثائق التى أصدرها سليمان إشارات إلى آيات قرآنية ذكرت النبى سليمان عليه السلام.

ولد سليمان 900 هـ (1494/ 1495 م) وهو ابن السلطان سليم، وأمه عائشة سلطان (توفيت عام 940 هـ = 1533؛ انظر سجل عثمانى، جـ 1، ص 49) ابنة منكلى كراى خان القريم وقد اشتهرت بجمالها. وولى سليمان فى عهد جده بايزيد سنجق كفّه، كما كان يعيش فى عهد سليم الأول فى مغنيسا واليًا عليها، بيد أنه لم يكن له أى شأن هام فى حكمها. ولذلك لم يكن لدى أحد آية فكرة عما ستكون عليه حال هذا السلطان الجديد عندما بلغ قصبة البلاد فى 30 سبتمبر عام 1520 بعد وفاة أبيه بثمانية أيام. وأبرز سمة فى سيرة هذا السلطان، الذى كان بطبعه محبًا للسلام كما جاء فى التقارير البندقية، هى أنه اشترك شخصيًا فى ثلاث عشرة حربًا عظيمة، عشر منها فى أوروبا وثلاث فى آسية. وكانت هذه الحروب مراحل عدة من مراحل توسع الامبراطورية العثمانية فى رقعتها وسلطانها، ومن ثم فإن إحصاءها يتفق فى أكثره مع التاريخ الحربى الهام للإمبراطورية فى عهده. وكان أولها حرب بلغراد، وهى الحرب التى أشعلها سوء معاملة ملك المجر لرسل الترك الذين جاءوا يسألونه أداء الجزية. فقد استولى الصدر الأعظم بيرى باشا على بلغراد فى 29 أغسطس عام 1521 وسبق ذلك استيلاء الترك على سبز Sabacz (بالتركية بوكوردلن BogUrdelen) على نهر الدانوب وصاحبه قيام الجنود الترك بتدمير سرميه Syrmia. ودخل السلطان هذه المدينة المفتوحة، أى بلغراد، فى 30 أغسطس، ووضع بها حامية تحت إمرة سنجق بك. وتم فى العام التالى فتح جزيرة رودس وانتزاعها من يد فرسان القديس يوحنا الذين ظلوا مدة طويلة خطرًا يهدد السيادة العثمانية لأنهم كانوا يساعدون القراصنة المسيحيين، وغادر سليمان الآستانة فى الخامس عشر من يونية عام 1572، وعبر آسية الصغرى متجهًا إلى ميناء مرمريس Marmaris وأبحر الأسطول بقيادة الوزير مصطفى باشا تعززه فرقة من الجنود المصرية أنفذها خير بك وإلى مصر. وقد لاقت الجيوش التركية

مصاعب جمة فى حصار الجزيرة، واضطر الأسطول التركى إلى الهروب إلى مرمريس فى نهاية شهر أكتوبر، ولكن حدث فى شهر ديسمبر أن اتفق كبير الفرسان ويدعى Villiers de I,Isle Adam (ويعرفه الترك باسم ميكال مستورى نسبة للكلمة اليونانية Megalomastra) على شروط التسليم، ثم غادر الجزيرة من فوره وقتل فى هذه الحرب أحد أبناء أخى جم بايزيد الثانى، أثناء وجوده بين صفوف الجيش المسيحى. وبعد عودة السلطان إلى الآستانة بقليل عزل الصدر الأعظم بيرى باشا ونصب مكانه فى 27 يونية 1524 صفيه إبراهيم باشا الذى ظل صاحب سليمان الأمين فى جميع حروبه حتى مقتله المفاجئ عام 1536. وتوطدت أواصر الصداقة بين الاثنين سنة أواصر بزواج إبراهيم من أخت السلطان وفى عام 1525 اتخذت تدابير عسكرية جديدة لم يكشف عن الغرض منها، وحدثت مفاوضات مع بولندة وفرنسا وقامت حرب عصابات فى الكروات وسلافونيا ودلماشيا (ونخص بالذكر منها تلك الفعال الباهرة التى قام بها باشا البوسنة الذى حاول عبثًا الاستيلاء على مدينة جايس Jaice) وكان تمرد الإنكشارية فى قصبة البلاد من الدلائل الأخرى على شروع أولى الأمر فى اتخاذ تدابير عسكرية عظيمة. وخرج سليمان سنة 1516 مصطحبًا إبراهيم فبلغا بلغراد فى 15 يولية، وكان قد شخص إليها أسطول حربى عن طريق نهر الدانوب. واستولى إبراهيم فى 30 يولية على بيترفاردين Peterwardein (تعرف بالتركية باسم ورادين)، ثم عبر الجيش التركى نهر دراوه Drave، عند مدينة إسزك Eszek ولقى عند موهاكس Mohacs (مهاج) الجيش المجرى الذى كانت منازعات قواده قد أضعفته، وقامت هناك موقعة حربية فى 28 أغسطس قتل فيها لويس ملك المجر وتحطمت مقاومة المجر، فغدت البلاد مفتوحة أمام الغزو التركى. وبادر السلطان هو وإبراهيم فواصلا سيرهما دون توقف فاحتلا فى 11 سبتمبر القصبة بودا (بالتركية بودن Budin أو بودون Budun) التى أصبحت طعامًا للنيران على الرغم من

صدور الأوامر بتحاشى ذلك. على أن هذا الاحتلال إنما كان احتلالًا موقوتًا. وعبر الجيش التركى نهر الدانوب، وعاد عن طريق زكدين Szegedin مخربًا البلاد التى مر بها وقاضيًا على مقاومة القوات المتعددة التى صادفته. وعاد سليمان إلى الآستانة فى شهر نوفمبر، فوجد ألا مناص له من معالجة المتاعب التى قامت فى آسية الصغرى. واستمرت الحرب فى البوسنة ودلماشيا وسلافونيا طوال السنتين ونصف السنة التى سبقت الحرب المجرية الثانية. وقام التنافس فى هذا الوقت نفسه بين فرديناند "الملك الرومانى" وجون زابوليا John Zapolya أمير ترانسلفانيا (إردل بأن) حول التاج المجرى. وأرسل كلاهما رسولًا إلى الآستانة، واستطاع رسول زابوليا أن يكسب عطف السلطان، وخرج السلطان فى مايو من عام 1529 فى حملته الثانية، وهى حملة فينا، يصحبه الرسول، وبلغا موهاكس فى 10 أغسطس حيث اعترف سليمان بزابوليا ملكًا على المجر (قرال يانوش) وأقبل زابوليا لتقديم فروض الولاء لمولاه. وعين إبراهيم باشا فى ذلك الوقت سر عسكر، وخرج السلطان لتنصيب تابعه الجديد فى عاصمته التى كانت تحتلها جنود فرديناند. وفى 8 سبتمبر سلمت بودا، ونصب سليمان زابوليا ملكًا على المجر دون أن يحضر بشخصه الاحتفال الذى أقيم لذلك. وبدأ الجيش التركى فى 27 سبتمبر حصاره المشهور لمدينة فينا، ولكنه اضطر لرفع الحصار فى 15 أكتوبر والارتداد عنها مخربًا فى عودته أرباض المدينة. وظل القتال دائرًا فى السنتين التاليتين مع النمسا ولم تفلح البعوث المختلفة التى أرسلها فرديناند فى عمل أى شئ. وفى عام 1532 قام سليمان بما يعرف فى المصادر التركية باسم "الحملة الألمانية ضد ملك أسبانيا" أى شارل الخامس الذى طالب بأن يكون "صاحب قرانلق" (حوليات رستم باشا). وأهم أحداث هذه الحملة الاستيلاء على كنز Guns (بالتركية كوسك Kosek) بعد حصار طويل (21

أغسطس). وكان سليمان أثناء الأشهر القليلة التالية فى أستيريا Styria حيث نهبت جيوشه الإقليم دون أن تلقى أى جيش من جيوش الإمبراطور. وعاد السلطان إلى الآستانة فى نوفمبر، وقد تلت عودته الهدنة مع النمسا، ثم إبرام الصلح فى 14 يناير عام 1533. وكانت الحملة السادسة من حملات سليمان موجهة ضد فارس. وكان السبب فيها مطالبة الترك ببدليس Bitlis (وكان واليها قد تخلى عن الترك) وبغداد. واحتل الصدر الأعظم إبراهيم مدينة تبريز فى شهر يولية عام 1534، ودخلها السلطان بشخصه فى شهر سبتمبر، وسار الجيش التركى من تبريز إلى بغداد مارًا بهمدان دون أن يبدى الشاه طهماسب أية مقاومة، وكانت قد تركت بدون دفاع فاحتل إبراهيم المدينة ودخلها سليمان دخول الظافر المنتصر بعد ذلك بأيام قلائل فى 30 نوفمبر سنة 1534. وشيد سليمان خلال أربعة الأشهر التى أقامها فى هذه المدينة ضريح أبى حنيفة، وذكرت المصادر عددًا كبيرًا من الأماكن المقدسة التى زارها السلطان فى بغداد والنجف والكوفة وكربلاء. ووجد السلطان أن الفرس قد استعادوا الجزء الأكبر من الفتوحات التركية فخرج مرة أخرى إلى فارس مارًا بإربل ومراغة حتى بلغ تبريز. وظل الشاه متجنبًا خوض غمار الحرب فاستطاع الترك الاستيلاء على معاقل اذربيجان والعراق العجمى. ولم يحدث قتال إلا فى عودة الجيش التركى، إذ اشتركت مؤخرته من حين إلى آخر فى مناوشات مع الفرس، مثال ذلك ما حدث عند وان. وعاد السلطان إلى الآستانة فى 17 يناير عام 1536. وبعد ذلك بشهرين (15 مارس) حدثت فضيحة إبراهيم الصدر الأعظم ومقتله، وهو الذى كان صفى السلطان ورفيقه فى جميع الغزوات التى قام بها حتى ذلك العين، وحل مكانه آياس باشا. وفى عام 1537 صحب البادشاه الحملة الموجهة على كورفو ولكنه توقف شخصيًا عند والونه Walona واضطر الترك إلى فك الحصار عن حصن الجزيرة فى 7 سبتمبر وكان يدافع عنه البنادقة.

ولهذه الحملة ذكر خاص لما صحبها من غارات قام بها لطفى باشا على شاطئ أبوليا Apulia . وفى العام التالى لم يجد السلطان بدًا من التدخل بشخصه أيضًا للقضاء على الفتنة التى أشعلها أمير البغدان، وأن يشترك هو فى هذا التدخل. وانتهت هذه الفتنة باستيلاء الترك على العاصمة سجاوه Sucawa . وعاد السلطان سليمان إلى أدرنة بعد أن نصب أميرًا جديدًا على هذه الإمارة وأعاد تخطيط حدودها. وقادته الحملتان التاليتان، أى حملة عام 1541 وعام 1543 إلى المجر مرة أخرى حيث استؤنفت الحرب عقب وفاة زابوليا عام 1540. ولم تستطع أرملة زابوليا أن تدافع عن حقوق ولدها الصغير إزاء دعاوى فرديناند ملك النمسا. وبلغ سليمان أبواب بودا، التى كان يحاصرها يبتر ييرنيى المجرى Peter Perenyi ولم يفز منها بطائل، فى شهر أغسطس عام 1541 فضمها إلى أملاكه هى ومملكة زابوليا مع استثناء ترانسلفانيا التى تركها للمملكة الأرملة إيزابيلا Isabella، ومن ذلك الوقت أصبحت بواد مقر بكلربك، وأدخلت الإدارة التركية فى بلاد المجر، وذهبت دعاوى فرديناند بددا كما خابت محاولته الاستيلاء على بست Pest سنة 1542. وأدت حملة سليمان سنة 1543 إلى عدة فتوحات هى: فالبو Valpo، وسيكلوس Siklos وفونفكيرشن Funfkirchen (بج Pec) وغيرها من المدن وذهب البادشاه من بعد إلى بودا ثم استولى على كران Gran (استركوم Esztergom، وبالتركية أسترغان وستولفايسنبرغ Stuhlweissenberg (أستون - بلغراد - UstunBelgrade) فى شهر سبتمبر. وعاد السلطان إلى بودا حيث عبر الدانوب وقفل راجعًا إلى الآستانة فى الحادى عشر من شهر نوفمبر. وأعقب هذه الحملة الأخيرة فترة دامت خمس سنوات لم يمارس فيها سليمان أى نشاط حربى، وقد صرف الصدر الأعظم سليمان باشا عن منصبه وكان قد حل محل لطفى باشا عام 1541، الذى أعقب آياس باشا المتوفى عام 1539 وتولى الصدارة العظمى رستم

باشا الذى تزوج من مهرماه ابنة سليمان من حرم سلطان وبدأ نفوذ الحريم منذ ذلك الوقت يؤثر تاثيرًا فعالًا فى مجرى السياسة. وكان من نتيجة ذلك أن ازدادت العلاقات سوءًا مع فارس، فى حين انتهت الحرب مع المجر بعقد هدنة مع فرديناند ملك النمسا مدتها سبع سنوات تعهد فيها فرديناند بأداء جزية سنوية قدرها ثلاثون ألف دوكات. وكان السبب فى إنفاذ حملة سليمان على فارس سنة 1548/ 1549 القاص ميرزا أخا الشاه طهماسب الذى كان قد التجأ إلى البلاط العثمانى. وذهب السلطان إلى أرضروم ثم إلى تبريز دون أن يبدى الشاه أية مقاومة، غير أن الظروف اضطرت الجيش التركى إلى الارتداد إلى ديار بكر فى حين قام الجيش الفارسى بنهب المدن الواقعة على الحدود. وأمضى سليمان الشتاء فى حلب، ثم قضى العام التالى دون أن يبذل نشاطًا ما. وقام الوزير أحمد ببعض الفتوحات فى بلاد الكرج Georgia، وشهدت السنوات التالية قيام أعمال عسكرية أثارها تدخل النمسا فى ترانسلفانيا، وهى الجزء الوحيد من بلاد المجر الذى لم يطأه قط أى جيش تركى. ولم يشترك السطان فى هذه الأعمال ذلك إنها كانت تحت إشراف صوقللى باشا بكلربك الروم الذى ولى الصدارة العظمى فيما بعد (الاستيلاء على تمسفار (طمشوار) Temesvar عام (1551). ولم يكن فى نية سليمان أيضًا أن يشترك فى الحملة الجديدة على فارس سنة 1553، فقد اختير رستم باشا سر عسكرًا لهذه الحملة، غير أن الشائعات ترامت إليه على طريق رستم بأن الأمير مصطفى والى أماسية قد دبر فتنة، فقرر السلطان أن يشترك بشخصه فى هذه الحملة. وخرج فى 18 أغسطس سنة 1553 وفى صحبته الأمير سليم. وحدث فى إركلى Eregli من أعمال قره مان Karamania ذلك الحدث المفجع المفاجئ، وهو مقتل الأمير مصطفى، وكان قد وفد لتحية أبيه (16 أكتوبر). وكان من نتيجة هذا العمل من أعمال العنف الذى أوحت به دسائس الحريم أن حل أحمد باشا مؤقتًا محل رستم باشا (إلى حين مقتله فى 28

سبتمبر عام 1555). ولم تبدأ الأعمال الحربية على نطاق واسع إلا سنة 1554، وقد انتهت بتدمير نخشوان وإريوان وقره باغ (فى يولية). وبدأت فى سبتمبر مفاوضات الصلح بأرضروم، ولكن لم يتم عقد معاهدة الصلح -الصلح الفارسى الأول- إلا فى مايو سنة 1555 وكان ذلك فى أماسية، واستقبل السلطان فى أماسية البعثة النمسوية المشهورة التى رأسها بوسبك Busbecq وهى البعثة التى لم تفلح إلا فى الحصول على هدنة حربية، وعاد السلطان إلى الآستانة فى شهر أغسطس، ومرت عشر سنوات قبل أن يقوم سليمان بحملته الثالثة عشرة والأخيرة وهى حملة زيكت Szigeth . على أن الحرب فى النمسا ظلت مستعمرة على الرغم من مفاوضات بوسبك المستمرة، ذلك أن الترك أصروا على مطالبهم وخاصة فى زيكت التى حوصرت حصارًا لم ينته إلى شئ سنة 1556. وقد دلل الصدر الأعظم رستم على أنه رجل يصعب التفاوض معه. ولم يتم عقد الصلح إلا بعد وفاته سنة 1561، فقد أبرم سنة 1562 على يد على باشا، وكان أكثر منه لينًا. وقد أصرت النمسا بمقتضاه على الجلاء عن ترانسلفانيا وجدد هذا الصلح بعد وفاة فرديناند, عام 1562 على يد الملك مكسيمليان. وخيم الحزن على حياة سليمان فى سنيه الأخيرة بسبب وفاة خرم سلطان (أبريل عام 1558) وبسبب الحرب التى كانت بين الأمير سليم وبايزيد وانتهت بمقتل بايزيد. واستؤنف القتال مع النمسا سنة 1565، وأحرز المسيحيون فيها بعض الانتصارات، وكان ذلك سببًا فى خروج السلطان المسن مرة أخرى على رأس جيوشه المحاربة. وغادر السلطان الآستانة فى أول مايو عام 1566 وفى صحبته الصدر الأعظم الجديد محمد صوقوللى (عين فى يونيه سنة 1565 بعد وفاة على). وقوبل جون سكسموند John Sigismund ابن زابوليا فى زملن Zemlin مقابلة تنطوى على التكريم البالغ وكانت الخطة الأصلية تقضى بمهاجمة إرلو Erlau (إكرل Egril) إلا أن

الأخبار التى بلغت سليمان جعلته يقرر محاصرة زيكت Szigeth (سكتوار Sigetwar) وكان يدافع عنها نيقولا زرينى Nicolas Zriny . وبدأ الحصار فى الثانى من أغسطس، وسقطت المدينة أمام هجمات الترك فى 8 سبتمبر، غير أن السلطان العظيم أدركته المنية فى مساء يوم 5/ 6 سبتمبر. ولم يعش ليشهد الاستيلاء على هذه المدينة. وأخفى صوقللى خبر وفاة سليمان ثلاثة أسابيع سويًا ليتحاشى قيام المتاعب فى صفوف الجيش وليتيح لسليم الثانى فرصة اعتلاء العرش. ولقى سليم الجيش التركى بالقرب من بلغراد، وحمل جثمان سليمان قبل مسير الجيش إلى الآستانة حيث دفن فى مقبرته بمسجد السليمانية، أما قلبه فقد دفن فى ضريح بالقرب من زيكت (انظر Jacob: Aus Ungarns Turkenzeit ص 24). وهذه الخلاصة التى أوجزنا بها الكلام عن حروب سليمان تكشف عن الهمة العجيبة التى امتاز بها هذا السلطان الذى يعد أعظم سلاطين الامبراطورية العثمانية، ولكنها لا تزودنا بصورة كاملة لشخصيته. ومن سوء الحظ أن المصادر لا تمدنا بمادة كافية نستطيع أن نعتمد عليها فى إعادة بناء هذه الشخصية. فالمصادر التركية قلما نصادف فيها شيئًا إلا الإغراق فى مدحه والثناء عليه، أما المصادر الأوربية فهى، وإن كانت أكثر نقدًا أقل معلومات، كما أنها تتسم فى الغالب بالغرض. على أن المصادر التركية لا تخلو من بعض لمحات شخصية مقتضبة مثل الدعاء الحار القصير الذى فاه به سليمان قبل وقعة موهاكس (G.O.R جـ 23 ص 25) وما أظهره من خشوع عندما عاون حملة نعش "كل بابا" عقب احتلال بودا 1525 (أوليا، جـ 6، ص 248) ونستدل على ورعه من نسخ القرآن الكريم الثمانية التى نسخها سليمان بنفسه، وهى محفوظة بمسجد السليمانية. أما تمسكه بأهداب السنة فواضح من القصائد الكثيرة التى نظمها فى الغزل ووردت فى ديوانه، ويضيف أصحاب الحوليات أنه كان محبًا للصيد متحمسًا له ومهما يكن من شئ فإن سليمان كان حاكمًا بطبعه،

وقد تجلت عظمة مهابته وتفرد شخصيته وسط بلاطه الزاهر فى مناسبات من قبيل الاحتفالات بختان أولاده كما حدث فى عام 1530 أو بزواج الأميرات أخواته. وكانت عواطفه وهو بعد شاب منصرفة إلى إبراهيم باشا ومحبوبته خرّم سلطان التى ظهر نفوذها فى السياسة. على أنه لم يكن يؤثر أبناءها بخالص حبه (الأميرين سليم وبايزيد والأميرة مهرماه). وإنما كان ولده الأثير عنده هو الأمير محمد الذى صحبه فى كثير من غزواته، وقد علم بوفاته (6 نوفمبر سنة 1543) فى طريق عودته من الحرب. وقد شيد سليمان إحياء لذكرى هذا الأمير مسجد شاه زاده فى إستانبول الذى تم بناؤه فى عام 1553، وشيد أحياء لذكرى الأمير جهانكير (توفى عام 1553 بعد مقتل أخيه مصطفى ودفن أيضًا فى مسجد شاه زاده) مسجد، آخر فوق مرتفعات طوب - خانه. واسم سليمان فى تاريخ الإمبراطورية قد طغى على اسم أى سلطان آخر وهو بداية عهد أصبحت الإمبراطورية فيه قوة لا تنازع سواء فى العالم المسيحى أو فى العالم الإسلامى عهد ترك طابعه على مظاهر التقدم السياسى والثقافى ومن العسير أن نحدد ما كان لسليمان من شأن فى هذا التقدم، على أننا نلاحظ أن تركية فى عهده كانت حافلة بعدد كبير من الرجال الكفاة النابهين أمثال قبودان باشا خير الدين بربروسه، والمفتى كمال باشا زاده ومهندس العمارة سنان وكثيرين غيرهم. بيد أن كل واحد من هؤلاء كان له فيما يظهر شأن فى محيطه الخاص. ويبدو أنه كان ثمة نقص فى الشخصيات العظيمة المتصلة بالسلطان مباشرة باستثناء الصدر الأعظم إبراهيم باشا. على إننا نستطيع أن نقول إن معظم السبب فى تقدم الإمبراطورية العثمانية فى عهد سليمان كان راجعًا إلى النظام السياسى الداخلى للدولة. وقد وضع أساس هذا التقدم السلاطين السابقون، إلا أن منشآت الدولة فى عهد سليمان قد بلغت حدًا من الكمال نستطيع أن

نقول معه بحق أنها أصبحت تقوم على نظام مرسوم للحكم. وسار سليمان على مبدأ سلفه، فتوج هذا النظام بسن القانون الذى جمع فيما بعد فى مختلف كتب القانون "قانوننامه". (انظر المصادر). وهذا العمل التشريعى هو الذى أكسب سليمان لقب القانونى، ويتناول هذا القانون بصفة خاصة تنظيم الجيش والإقطاع الحربى، وقوانين ملكية الأرض والشرطة والقانون الإقطاعى. وكان من مبادئ هذا النظام الإفادة من العنصر المسيحى فى الإمبراطورية عن طريق الدوشرمه، وإسناد مناصب الدولة العليا إلى الأجانب الداخلين فى الإسلام. ولم يخل من ذلك من تأثير فى التقدم الثقافى الذى نتج عن ذلك. على أن تحقيق هذا المثل الجديد للحكومة العثمانية لم يدرك دون معارضة من قبل ممثلى القديم سواء فى الولايات المفتوحة حديثًا أو فى آسية الصغرى. ونذكر من بين مظاهر هذه المعارضة التى بدت بصفة خاصة فى مستهل عهد سليمان آخر بقايا حركة الاستقلال التى قام بها ذو القدر أوغلى، وقضى عليها فرهاد باشا سنة 1522؛ والفتنة التى نشبت عام 1527 فى إيج إيل؛ وثورة القلندر أوغلى فى العام نفسه التى أخمدها إبراهيم باشا. ويمكن أن ندخل فى ذلك أيضًا تمرد الإنكشارية عام 1525 بالآستانة. وقد تعكر صفو السلام فى الولايات سنة 1521 بفعل غزالى وإلى الشام، ثم بفعل المحاولة التى قام بها قانصوه فى مصر لاستعادة استقلاله ثم الوالى أحمد باشا من بعده سنة 1524. وكان على الحكومة أن تتدخل فى مناسبات عدة فى المنازعات التى قامت بين الأسر الحاكمة فى القريم وفى إمارات الدانوب. ويرجع السبب فى الاتساع الهائل لرقعة الإمبراطورية فى عهد سليمان إلى هذا النظام، وخاصة إلى الناحية الحربية، فيه ذلك؛ أن السلام الدائم لا يمكن تحقيقه على حد القول الذى أسنده لسليمان الكتّاب المعاصرون (مثل درنشوام Dernschwam) فقد كانت الدولة خليقة بأن تفتقر إلى ما يقوم

بأودها أو سد نفقات أعطيات الإنكشارية وغيرهم من الجند المشاغبين، ثم إن الانتصارات الكبرى التى أحرزتها أدت إلى تغير جوهرى فى مركز الإمبراطورية فى الشئون الدولية، إذ فقدت الدول الأوربية كل أمل فى إخراج الترك من القارة الأوربية. ففى عهد سليمان تم عقد التحالف المشهور مع فرانسيس الأول ملك فرنسا، وهو التحالف الذى أدى إلى المفاوضات عندما كان فرانسيس يعيش فى إيطاليا أسيرًا فى يد شارل الخامس. وكان من نتائج هذا التحالف إمتيازات عام 1535 المشهورة التى وطدت امتيازات الفرنسيين فى الامبراطورية العثمانية وخاصة فى القضاء القنصلى. وكان هذا الامتياز نقطة البداية للامتيازات التى عقدت بين الدول المسيحية وتركية فى القرون التالية، وإن كان السلاطين العثمانيون كانوا قد منحوا من قبل هذه الامتيازات وخاصة البندقية. ومن النتائج الأخرى لهذا التحالف الفرنسى النشاط البحرى العظيم الذى قام به الأسطول التركى فى البحر المتوسط ضد الأسطول الأسبانى بقيادة أندريا دوريا Andreas Doria وضد الشواطئ الإفريقية والايطالية وشاطئ دلماشيا، وخاصة بعد أن ولى خير الدين بربروسه منصب قبودان باشا (1536 - 1546) فقد خرجت تحت إمرته سنة 1543 الحملة الفرنسية التركية على نيس. وخاض الأسطول التركى فى البحر الأحمر والمحيط الهندى عمار الحرب ضد البرتغال تحت قيادة سليمان باشا (حصار ديو Dui عام 1538) وهى الحملة التى استولى الترك بفضلها على عدن واليمن، وأخذ القبودان بياله باشا وطرغود رئيس وصالح رئيس منذ عام 1550 فى بسط سيادة العثمانيين على البحر المتوسط وخاصة على موانئ المغرب. وفى عام 1565 خرجت الحملة المشهورة على مالطة، وهى الحملة التى قتل فيها طرغود رئيس، ولم يفلح الأسطول التركى فى الاستيلاء على

الجزيرة. وفى ذلك العهد أيضًا حدثت حملة بيرى رئيس وسيدى رئيس ومغامراتهما فى المحيط الهادى. وقد اقترن هذا التقدم السياسى فى الداخل وفى الخارج بتقدم الدولة فى الميدان الثقافى، وهو تقدم يمكن أن نقول إنه كان أكثر استقلالًا عما كان عليه فى القرون السابقة إذ اكتسبت الحضارة العثمانية سماتها الخاصة فى ميدان الأدب وميدان الفن. وكان لسليمان شأن فى الحياة الأدبية فى عهده، بوصفه شاعرًا اتخذ لنفسه التخلص (أى الاسم الذى كان يوقع به أشعاره) محبى وراعيًا لفحول الشعراء فى عهده. ثم إن سليمان وعصره الذهبى قد أسهما فى نهضة الأدب، فقد ألهما شعراء من أمثال باقى نظم قصائد المديح والشاهنامات المختلفة، كما أنهم كتاب النثر بتأليف التواريخ. (انظر المصادر). أما فى ميدان العمارة فإن الثقافة التركية مدينة بصفة خاصة بالشئ الكثير لمواهب سليمان الأصيلة. ونذكر فى المحل الأول من المساجد التى شيدها فى العاصمة مسجد السليمانية الذى شيد فيما بين عامى 1550، 1556، وهو يضم قبر سليمان (وقد دفن به أيضًا سليمان الثانى وأحمد الثانى) ثم يأتى من بعده مسجد -سليمية الذى بنى تخليدًا لذكر سليم الأول، وقد تم بناؤه فى سنة 1522، ومسجد شاه زاده الذى أقيم بين عامى 1547 و 1548 تخليدًا لذكر الأمير محمد، وهو يضم أيضًا قبر الأمير جهانكير. أما المسجد الذى بنى تخليدًا لذكر جهانكير فى طوب خانه فقد تهدم بعدئذ. وأما مسجد خاصكى فقد شيد سنة 1534 تخليدًا لذكر خرّم سلطان، ونذكر أخيرًا مسجدين شيد سليمان أحدهما فى إستانبول والآخر فى إسكو دارة تخليدًا لذكر الأميرة مهرماه زوجة رستم باشا. وجميع هذه المساجد باستثناء مسجد سليمية من صنع المهندس المعمارى سنان الذى بنى أيضًا عددًا كبيرًا من المساجد فى قصبة البلاد وفى جهات أخرى لعظماء الإمبراطورية الذين اقتفوا أثر سليمان ونذكر من العمائر الأخرى التى شيدها سنان

المصادر

لسليمان، القناطر المعلقة فى العاصمة، والقصر الذى أقامه فى إسكودارة. ومن أشهر العمائر التى شيدت بكثرة فى مختلف الأقاليم بأمر سليمان قبر أبى حنيفة فى بغداد والمسجد الذى يضم قبر جلال الدين الرومى فى قونية، وتجديد أسوار بيت المقدس وتجديد الكعبة بعد فتوى أبى السعود المؤيدة لذلك؛ وقناطر مكة المعلقة. المصادر: إن المصادر التركية المعاصرة التى طبعت أو ترجمت هى: (1) حوليات محيى الدين، وهى تؤلف القسم الأخير من تواريخ آل عثمان، نشرها Giese فى برسلاو عام 1922 ص 138 - 153 (إلى عام 960 هـ = 1553 م). (2) كمال باشا زاده: غزوات مهاج أو مهاجنامه، نشرها وترجمها Pavet de Courteilles باريس 1895. (3) رستم باشا: تاريخ آل عثمان، ترجمة L. Farrer بعنوان Die Osmanische Chronik des Rustem Pasha فى Turkische Bibliothek ليبسك 1923، جـ 21. وجاء وصف السنوات الأخيرة من حكم سليمان فى كتاب سلانكى: تأريخ الآستانة 1281 (من سبتمبر عام 1563) وورد فى " Journal Of Sulaiman " الذى يصف يومًا بيوم الحملات الثمانية الأخيرة فى كتاب فريدون: منشآت سلاطين، الآستانة 1275، جـ 1، ص 507 (حملة بلغراد) ص 529، (رودس) ص 554 (موهاكس) ص 567 (فينا) ص 577 (كنز) ص 584 (تبريز وبغداد) ص 598 (ولونه) ص 602 (البغدان). وقد نشر وترجم F. A. Behrhauer حملة فينا بعنوان Suleiman des Gesetzgbers Tagebuch auf seinem feldzuge nach Wien فينا 1858، ويحوى كتاب منشآت سلاطين لفريدون أيضًا كثيرًا من الوثائق المتصلة بحكم سليمان (جـ 1، ص 500، جـ 2، ص 86). ويظهر أن هناك مجموعة أكمل من ذلك فى مخطوط رقم 327 بالمكتبة الأهلية بفينا

(Flugel ص 293) بعنوان "منشآت وبعض وقائع سلطان سليمان خان" ويعتبرها Von Hammer المجلد الحادى عشر من المجموعة الأصلية التى أعدها فريدون (انظر سلانكى، ص 137). ومن المصادر المعاصرة التى لم تنشر بعد: تاريخ لطفى باشا (مخطوط فى أوروبا بمدينة فينا، Flugel رقم 1010)؛ القسم الأخير من كتاب عالى: كنه الأخبار؛ جلال زاده مصطفى جلبى: طبقات الممالك ودرجات المسالك (إلى عام 962 هـ = 1554 م، رقم 1010)؛ فردى: تاريخ سلطان سليمان (إلى عام 949 هـ = 1552؛ فلوجل رقم 998) كتب كثيرة فى تأريخ فتح رودس، يعرف منها Von Hammer كتب رمضان وويسى، انظر أيضًا Flugel , رقم 1067 سنان جاوش: غزوات استرغان وإستون بلغراد (انظر أيضًا Von Hammer, وانظر Flugel رقم 1003). وهناك أخيرًا عدة كتب باسم شاهنامه، وقد ذكر منها Von Hammer كتب شمسى وأحمد بربره زاده ومحرمى. وهناك شاهنامه أخرى كتبها أفلاطون (ذكرها أحمد رفيق فى صوقللى) وقصيدة جامع المكنونات فى مكتبة ليدن (Cat, جـ 3، ص 26)؛ تاريخ سلطان سليمان فى فينا (Flugel رقم 1006) ومادته أقرب إلى الأساطير، ويرجع إلى القرن السابع عشر. وأهم الكتاب منذ وفاة سليمان هم: بجوى: تأريخ، الآستانة عام 1284؛ قره جلبى زاده: سليمان نامه (وهو تتمة لكتاب تاج التواريخ لسعد الدين) بولاق عام 1248. ولهذا المؤلف نفسه كتاب روضة الأبرار، بولاق عام 1248 م؛ مراحى: فتح نامه سكتوار , G.O.R جـ 3، ص 6، Flugel رقم 1002. ونذكر أخيرًا المؤلفات التارخية لصولاق زاده، وحاجى خليفة، ومنجم باشى وغيرهم. ويعد أوليا -جلبى أيضًا فى بعض الأحيان مصدرًا من المصادر الخاصة بحياة سليمان. أما فيما يتصل بأنظمة الدولة فى عهد سليمان فهناك مصدر هام هو كتاب آصف نامه للطفى باشا، نشره وترجمه R. Tschudi فى Turkische Bibliothek رقم 12، برلين 1910، وقانوننامه لسليمان. وهذه القانوننامه

بكثرة فى مكتبات الآستانة، وطبعاتها هى: عارف بك: قانوننامه آل عثمان (إيكنجى) نشرها نشانجى سيدى بك فى T.O.E.M. رقم 15 - 19 (أغسطس سنة 1912 أبريل سنة 1913) وعثمانلى قانون - ناملرى (طبعة أبى السعود ونشانجى رمضان زاده محمد) فى مللى تتبعلر مجموعه سى، الآستانة 1331، والترجمات التى فى Canon du du Sultan Soleiman II, represents a Sultan: A. L. M. Petis de la Crois Murad IV pour son instruction ou etat politique et militaire tire des archives les plus secrettes des princes ottomans et qui servent pour bien gouverner leur empier باريس 1735، Canoun-name ou editc de Sultan Soliman concernant la police de l'Egypte Nouvaux contes turcs et arabes فى ديجون باريس؛ arabes باريس 1871. ومنها جزء فقط فى Des Osmanischen Reiches Staatswerfaesung: von Hammer فينا 1815، جـ 1، ص 384 - 427. وهناك وثائق أخرى فى أحمد رفيق: أو ننجى عصر هجريده استانببل حيات، الآستانة 1333. أما قصائد سليمان التركية (محبى) فقد طبعت فى الآستانة عام 1308 بعنوان ديوان محبى. وهناك شرح يشمل تقديرًا لشمائل سليمان العظيمة كتبه أحمد بن عبد اللَّه فورى بعنوان "أخلاق سليمانى" (Flugel رقم 665)؛ Sultan Soliman des Grossen Divan in enier Auswahl . . . herausgegeben: G.Jacob برلين سنة 1903. ونذكر فى طليعة المصادر الغربية المعاصرة Relazioni للسفراء البنادقة وقد نشرها Alberi روايات المبعوثين الآخرين مثل Busbecq ويمكن الحصول عليها فى The Life and Lettres of Ogier Ghiselin de Busbecq: Forster and Daniell لندن سنة 1881. وكتاب زميله Hans Derns Chwam المسمى Tagebuch (ميونخ وليبسك سنة 1923) مفيد جدًا لأنه يصف تركية فى زمن سليمان ويزودنا Lewenklaw فى ملحق Neume Chronica Turckischer Nation فرانكفورت سنة 1590 بوثيقة هامة. ففى صفحة 488 مثلًا يذكر مراحل الحملة الثانية ضد

سليمان الثانى

فارس Vitae et Icones Sultanorum Turcicorum: Boissard فرانكفورت 1596. وقد استغل المؤرخون المحدثون فى بعض الأحيان ابتداء من هامر von Hammer المصادر الغربية استغلالًا كبيرًا (المجرية والنمسوية والرومانية وغيرها)، Geschichte des osmanischen Reiches: Von Hammer جـ 3، ص 1 - 495، Geschichte: Zinkeisen des Osmanischen Reiches in Europa كوتا سنة 1854 جـ 2، ص 611 - 936، جـ 3، ص 1 - 380؛ Die kampfe Osterreiches vom Jahre 1525 Geschichte: Kupelwieser: فينا 1899 des Osmanchen Reiches: Jorga كوتا سنة 1909 جـ 2، 3. أما المؤلفات التركية الحديثة فهى (1) ثريا أفندى سجل عثمانى، جـ 1، ص 143. (2) نامق كمال: عثمانلى تأريخ الآستانة 1326 - 1328. (3) خير اللَّه: دولت عثمانية تأريخ الآستانة عام 1292, جـ 11. (4) وهناك رسائل للمؤرخ أحمد رفيق وهى: صوقوللى كدنلر سلطنت، عالمر وصنعت كارلر. (5) محمد زكى: مقتول شاه زادلر، الاستانة سنة 1336. The Government of the Ottman Empire in the time of Suleiman the Magnificent: A.H.Lybyer، كامبردج سنة 1913، History of Ottoman Poetry: E.J.W.Gibb لندن سنة 1904، جـ 3، ص 1 - 9؛ حافظ حسين الأيوانسرايى: حديقة الجوامع، الآستانة، سنة 1821، جـ 1، ص 14، 15، 16، 101، جـ 2، ص 72، 100، 186 الشنتناوى [كرامرز J.H.Kramers] سليمان الثانى السلطان العشرون من سلاطين آل عثمان، وقد حكم من عام 1687 إلى 1691، ولد سنة 1052 الموافقة لسنة 1642 م (فى 15 محرم = 15 أبريل كما ذكر von Hammer فى Geschichte des osmanischen Reiches على حين ورد فى سجل عثمانى أن ميلاده كان فى

25 صفر = 25 مايو) وهو ابن السلطان إبراهيم، وقد عاش سليمان من اعتلاء أخيه محمد الرابع العرش عيشة الأسير فى القصر مع أخيه أحمد. ولما خلع محمد الرابع بسبب هزيمة الجيش التركى فى وقعة موهاكس، نصب سليمان على العرش فى الثامن من نوفمبر عام 1687 بفضل جهود القائمقام كوبريللى مصطفى باشا خاصة. وكان الأمل معقودًا على سليمان آخر بسبب مركز الإمبراطورية الحرج، إلا أن سليمان هذا لم تكن تتوافر فيه الصفات التى تؤهله للحكم. فقد وصف بأنه ثابت العزم باسل فى القتال وقد خرج بالفعل على رأس الجيش فى حربين، ولكن بنيته الضعيفة عاقته عن تنفيذ نياته الطيبة. وما إن ولى سليمان العرش حتى عاد الجيش المتمرد من المجر، وأغار على قصبة البلاد، وأمعن فى القسوة والعنف إمعانًا لم يسبق له مثيل فراح ضحيته سياوش باشا (24 نوفمبر سنة 1688). وهبَّ أهل القصبة هبة من فيض شعورهم انتهت بإخماد الفتنة، وأصبح نشانجى إسماعيل باشا المسن صدرًا أعظم (يتحدث jorga جـ 24، ص 227 عن صدر أعظم آخر هو سباهى على أغا، وقال إنه ولى منصب الصدارة فى الفترة بين هذين الرجلين، على أن سباهى لم يرد له ذكر فى كتاب حديقة الوزراء). ثم عاد الجنود إلى التمرد وانتهى ذلك أيضًا بقتل إسماعيل باشا. وخلفه فى هذا المنصب تكفر دغلى مصطفى باشا من رجال الإنكشارية السابقين (مايو سنة 1688) وكانت الجيوش التركية فى هذا الوقت نفسه تحيق بها الهزيمة تلو الهزيمة فى المجر (ضياع إرلو فى ديسمبر عام 1687) وفى دلماشيا، على حين قام يكن عثمان باشا بكر بك الرومللى بثورة فى وجه الحكومة وكان يعاونه فى الأناضول كديك أحمد باشا. وقد غادر العاصمة فى سنة 1668 جيش، بذلت جهود عظيمة فى سبيل تدبير المال اللازم لتجهيزه. وخرج السلطان على رأس هذا الجيش، ولكنه لم يذهب إلى أبعد من أدرنة لأنَّ النمسويين وحلفاءهم كانوا

قد استولوا فى ذلك الوقت نفسه على بلغراد (6 سبتمبر) وسمندريا Semendria. وفى شهر سبتمبر أرسل الباب العالى مفركورداتو Mavrocordato وذا الفقار أفندى إلى فينا للمفاوضة فى أمر الصلح، ولكن رحى القتال ظلت دائرة بسبب طول المدة التى استغرقتها المفاوضات. وحلت الهزيمة آخر الأمر بالثائرين كديك أحمد ويكن عثمان وقتلا. وفى شهر ديسمبر من عام 1688 عقد مجلس كبير للحرب وقرر فيما قرر أن يجند فى صفوف الجيش عدد من أهالى الآستانة. على أن المساعدة التى بذلتها فرنسا بمهاجمة الإمبراطور فى ألمانيا قد أعطت الترك الفرصة لتنظيم قواتهم. وفى يونية عام 1689 خرج سليمان مرة أخرى على رأس جيش. ولكنه لم يسر معه إلى صوفيا، فقد سمع أن زيكت Szigeth خرجت من يد الترك، ثم أصبح رجب باشا سر عسكر. وأصابت هذه الحملة انتصارات أولية؛ ثم حلت بها هزيمة منكرة بالقرب من نيش فى الرابع عشر من سبتمبر، وكان من نتيجتها قتل رجب باشا وطرد الصدر الأعظم وتنصيب كوبريللى مصطفى باشا مكانه (7 نوفمبر) واتخذ كوبريللى بعض التدابير الحازمة لإعادة النظام إلى الجيش والمالية، مثال ذلك أنه فرض سلسلة من الضرائب جديدة. وفى عام 1690 وأتى الحظ الترك يعاونهم جيش من الجيوش التترية فاستولوا على نيش وسمندريا وبلغراد (8 أكتوبر) كما استولوا على عدة مدن فى ترانسلفانيا. وتخلى البنادقة عن فتوحاتهم فى ألبانيا، وهكذا بدأت حملة عام 1691 بنجاح عظيم، ولكنها انتهت بهزيمة الترك عند زلانكمن Szalankemen وقتل مصطفى كوبريللى فى هذه الوقعة، وكان السلطان أيضًا قد أدركته المنية (23 يونية 1691، وجاء فى سجل عثمانى أنه توفى فى 15 شوال الموافق 12 يولية). وخلفه على العرش أخوه أحمد الثانى. ودفن سليمان الثانى فى مقبرة سليمان القانونى فى السليمانية بالآستانة. وقد اعتلى العرش ابنان من أبنائه هما: مصطفى الثانى وأحمد الثالث.

المصادر

المصادر: إن أهم مصدر تركى هو راشد: تأريخ، الآستانة سنة 1282 , جـ 2، ص 15 - 159 وهناك أيضًا عدة مصنفات لم تطبع بعد: (1) دفتردار محمد باشا: زبدة الواقعات (Flugel: فهرس فينا رقم 1079). (2) صلحنامه لذى الفقار أفندى (Flugel رقم 1078). (3) عبد الغفار قريمى: عمدة التواريخ والأخبار (مكتبة أسعد أفندى بالآستانة، رقم 2331). (4) ثريا أفندى: سجل عثمانى، جـ 1، ص 44. (5) Geschichte des Osmanischen Reiches: von Hammer جـ 6، ص 449 - 560. (6) Geschichte des Osmanischen Reiches in Europa: Zinkeisen جـ 5، ص 145 - 150، 243. (7) Geschichte des Osmani schen Reiches: Jorga، جـ 4، ص 225 - 254 - 254. الشنتناوى [كرامرز J.H.Kramers] سليمان باشا ويعرف بالخادم: قائد تركى ورجل من رجال الدولة فى عهد سليمان القانونى. وقد بدأ سليمان حياته العملية فى الحريم السلطانى، وغادره وهو حامل رتبة الوزير ليشغل منصب والى الشام. ولما بلغ منصب الميرميران استدعى لنيل منصب والى مصر الهام، وقد شغله عشر سنوات (931 - 941 هـ = 1524 - 1534 م) بهمة وحذر. وكان أول من أرسل للباب العالى الدخل السنوى لمصر، ومن ثم عرف باسم الكنز المصرى الذى ارتفع شأنه كثيرًا بالنسبة لتركية فيما بعد. وقد فزع سلطان كجرات إلى السلطان فأمر سليمان باشا بتجهيز أسطول كبير فى السويس وأن يدعم سلطان الترك فى البحر الأحمر ويجلى البرتغاليين عن الهند. وكان ذلك هو الوقت الذى أخذ فيه خير الدين بربروسه يبسط سلطان الترك فى البحر المتوسط. وقد أفلح سليمان باشا فى ضم عدن واليمن بأسرها إلى

المصادر

الإمبراطورية العثمانية، وعين مصطفى بك ابن بيقلى محمد باشا أول وال من قبل العثمانين على اليمن. غير أن محاولاته فى الهند كانت عقيمة لأنه لم يلق المعونة اللازمة من حكام الهند. ولما عاد سليمان إلى الآستانة أصبح عضوًا فى مجلس الوزراء، وهو المجلس الذى كان يحكم البلاد ويتألف من أربعة وزراء، هم لطفى باشا وسليمان باشا، ومحمد، ورستم باشا، ثم غدا صدرًا أعظم بعد سقوط لطفى باشا، وشغل هذا المنصب فى فترة هامة (الحرب المجرية) طوال أربع سنوات (948 - 951 هـ = 1541 - 1544 م) حتى اختلف مع الوزير خسرو باشا بشأن وصيف خائن، وتبادل الرجلان اللوم لتقصيرات شتى فى أداء الواجب، وانتهى الأمر بعزلهما والتحقيق معهما. ونفى سليمان باشا إلى ملغرة وبها توفى سنة 955 هـ (1548 م). وكان سليمان رجلًا مقتدرًا قوى العزم مقسطًا. المصادر: (1) حاجى خليفة (كاتب جلبى) تحفة الكبار، الآستانة 1241، صفحة رقم 26، وقد ترجمه J. Mitchell بعنوان Maritime Wars of the Turks لندن سنة 1831. (2) عثمان زاده تائب أحمد: حديقة الوزراء، الآستانة سنة 1271، ص 28. (3) أحمد رفعت: روضة العزيزية، الآستانة سنة 1282 هـ، ص 111. (4) عبد اللَّه خلوصى: دوحة الملوك الآستانة سنة 1267، ص 20. (5) سامى: قاموس الأعلام، جـ 4، ص 2618. (6) G.O.R: Hammer Purgstall (7) Geschichte: Zinkeisen (8) Rise of Portuguese Power in India: R.S.Whiteway لندن سنة 1899، ص 256 - 365. والتواريخ الواردة فى كتاب Manuel de Genealogie: Zamhaur هانوفر سنة 1927 ص 162 غير صحيحة. الشنتناوى [منزل Th. Menzel] رقم الإيداع بدار الكتب 9530/ 1996 ISBN 977 - 01 - 4953 - 5

سليمان باشا

سليمان باشا (1316 - 1359 م): أكبر أبناء أورخان (1326 - 1359 م) ثانى سلاطين آل عثمان من زوجته نيلوفر (Nulufer) ابنة صاحب ير حصار اليونانى، وكان مراد خان هو أصغر أبنائه وقد أصبح سلطانًا فيما بعد؛ وتذكر المصادر اليونانية وحدها أخًا ثالثًا له هو خليل وقصة اختطافه على يد قرصان يونانى (انظر هوجى أفندى: شاهزاده خليلك سر كودشتى فى Revue Historique جـ 1، رقم 4، ص 239؛ رقم 7، ص 436، الآستانة، 1328). أما حمله لقب باشا فإنه يدل فى مفهوم السنة القديمة على أنه كان الأخ الأكبر، مثله فى ذلك كمثل علاء الدين باشا أيضًا (ويذكر كثيرًا فى الحوليات القديمة باسم على باشا فحسب) الذى يحمل لقب باشا عباس خلاف أخيه الأصغر أورخان "نامق كمال: عثمانلى تاريخ، الآستانة، سنة 1299، ص 5). وتذكر الرواية الشائعة أن سليمان باشا كان ثانى الصدور الأعظمين فى الدولة العثمانية الناشئة، وقد اعتلى هذا المنصب بعد وفاة عمه الصدر الأعظم علاء الدين باشا السالف الذكر والذى تنازل عن المطالبة بلقب سلطان بل بلقب بك الذى كان يستحقه بعد وفاة عثمان الأول. على أن من المستبعد أن يكون ذلك صحيحًا، لأن أقدم المصادر (نشرى، وعاشق باشا زاده، والمؤرخ الإخبارى غير المعروف، طبعة Giese) لا تتحدث إلا عن تنازل الأخ الأكبر عن العرش بأمر عن أبيه بسبب مزاجه العزوف عن الحرب وميله إلى حياة التأمل التى يحياها الدراويش، ثم رفضه منصب الوزارة الذى عرض عليه حينذاك. أما الإصلاحات التى سجلها الإخباريون زاعمين أنه اقترحها لإصلاح الجيش والملبس والسكة فقد يصح أن نسندها إلى الأخ الأكبر. ومهما يكن من شئ فإن ما قيل من إسناد منصب الصدارة العظمى لسليمان باشا لا يتمشى بحال مع مفهوم الناس لهذا المنصب فيما بعد. وقد جعل له أبوه من أول الأمر نصيبًا فى العمل على النهوض بالإمبراطورية وتوسيع رقعتها يتفق وميوله العسكرية

وكفاياته بصفته قائدًا فى ميدان الحرب خاصة، وهى الشئون التى أصبحت من الضرورة بمكان (ولم يكن قد ظهر بعد الإعتراض التقليدى على شغل أبناء السلطان للمناصب الهامة) منذ الاستيلاء على إزنيقميد وإزنيق (نيقية Nicaea) عام 1331 حتى دخل الشاطئ الأوربى، من الدردنيل فى دائرة النفوذ العثمانى. ويقال إن سليمان كان أول من تلقب بلقب عسكر. وقد قال الجيوش التركية مستقلًا برأيه، وخاصة أن أورخان لم يخض من بعد غمار القتال قط. ويستخلص من عدم ورود آية إشارة إلى قيام أعمال حربية، بعد تحالف أورخان بمحض رغبته مع البيت الحاكم فى اليونان عن طريق المعاهدات والمصاهرة على أنه كان ثمة فيما يظهر فترة توقفت فيها سياسة الفتح دامت عشرين عامًا تقريبًا، وقد استغلت هذه الفترة فى دعم الشئون الداخلية إلى أن وضع سليمان حدًا لهذا الركود، واستعاد بشجاعة سياسة بسط النفوذ العثمانى، فاستغل بمهارة الخلافات التى كانت قائمة فى الدولة اليونانية بسبب اقتتال ثلاثة من الأمراء فى سبيل العرش، فتدخل فى الأمر بحجة توحيد كلمة البوزنطيين والجنوبيين والبنادقة. ففى عام 758 هـ (1356 م) أخذ سليمان برأى أبيه فعبر البحر من شبه جزيرة سيزكوس Cyzicus (قبوداغ) إلى الشاطئ الأوروبى للدردنيل على عائمات لعدم وجود قوارب ومعه ثمانون من أتباعه فحسب (منهم أورنوس بك وحاجى إلبكى وأجه بك، وغازى فاضل بك) واستولى بغتة على قلعة جمنى (تسمبه Tsympe) التى تعرف حديثًا باسم ورنجه حصار. وكان هذا أول عبور للبحر أدى إلى نتائج ثابتة بعد الغارات الثمانى عشرة التى أغارها القرصان الترك على أوربا. وأرسل سليمان على الفور جنودًا ومستوطنين مسلمين من آسية الصغرى، ثم عمل على توسيع هذا الكسب الذى ناله بالاستيلاء على بعض المعاقل الأخرى، وخاصة غالبيولى GaIlipoli مفتاح الدردنيل وجميع الرومللى الذى استسلم له بعد وقعة

المصادر

مع الروم وبلغره وإبسالا (Kypsele) وبلير (Bulair) وتكفو رداغ (Rodosto) وغيرها. وواضح أن القصة البوزنطية التى تذهب إلى أن زلزالًا دمر الأسوار وترك القلعة محشوفة هى محاولة لإخفاء نتائج السياسة اليونانية الوبيلة. واتخذ سليمان بلير مقرًا له، وشيد فيها مسجدًا وقصرًا، وأقام أيضًا مساجد فى بروسه وإزنيق. غير أن الموت فاجأ سليمان سنة 760 هـ (1359 م) قبل أن يقوم بتنفيذ مشروعاته الأخرى الشاملة لفتح الرومللى، إذ بينما هو يصطاد بالباز قرب بلير كبا جواده وجرح سليمان جرحًا مميتًا (نشرى: جهاتما؛ كاتب جلبى: تقويم التواريخ، الآستانة 1146 هـ، ص 94، وقد جاء فيه أن ذلك كان عام 760، على حين ذكر الإخبارى المجهول الاسم، طبعة Giese and Leunclavius أنه كان عام 759. وقد ذكر عثمان زاده تائب أحمد: حديقة الوزراء، الآستانة سنة 1271، ص 5، أن هذه الواقعة حدثت سنة 761). ودفن سليمان فى بلير تحقيقًا لرغبة أبداها فى حياته، وهو بذلك أول أمير عثمانى دفن فى أرض أوربية، وفى ذلك دليل على العزم الأكيد على عدم التخلى مرة أخرى عن الأرض الجديدة المكتسبة. ووجود قبره هناك جعل فكرة الرجوع إلى آسية الصغرى، وهى الفكرة التى نبتت فى أذهان كثير من زملائه فى الجهاد عقب وفاته مباشرة، أمرًا مستحيلًا. وقد أفلح الترك فى صلاة هجمات الجيوش المسيحية المتحدة. وأصبح قبر سليمان مزارًا يحل فى شغاف قلب الشعب التركى، فقد كان، ولا يزال، من الأماكن المقدسة التى يحجون إليها، وهى حقيقة وجدت لها صدى خاصًا عندما دفن فى بلير الزعيم الوطنى لحركة التحرير التركية نامق كمال. ويوجد قبر ابنة سليمان فى آق شهر (أحمد توحيد فى Revue Historique الآستانة سنة 1907، رقم 44، ص 106). المصادر: علاوة على المصادر الواردة فى من المقال: (1) نشرى: جهاتما، مخطوطات منه فى فينا والآستانة: جامع بايزيد، مكتبة

سليمان جلبى

على أميرى، متحف العاديات Musee des Antiquites. (2) Annales Sultanorum Othmanidarum: J.Leunclavius فرانكفورت سنة 1596 ص 10، 122. (3) Die alt Osmanischen Anonymen Chroniken: F. Giese برسلاو سنة 1922 (الترجمة Abh. z K. d. M., XVII.Ii ليبسك سنة 1925) ص 14 وما بعدها. (4) عاشق باشا زاده: تأريخ، الآستانة سنة 1332، ص 37. (5) عثمان زاده نائب أحمد: حديقة الوزراء، الآستانة سنة 1271، ص 5. (6) خير اللَّه افندى: تأريخ، سنة 1273 , ص 83. (7) عالى: كنه الأخبار، الآستانة، سنة 1277، جـ 44. (8) صولاق زاده: تاريخ، الآستانة سنة 1279، جـ 1، ص 58. (9) حامد وهبى: مشاهير الإسلام، الآستانة سنة 1301، جـ 3، رقم 34، ص 1073. (10) أحمد رفيق: مشاور عثمانلى قومندرلرى (كتبخانة حلمى، رقم 14/ 15) الآستانة سنة 1318 ص 19. (11) نامق كمال: عثمانلى تأريخ، الآستانة، سنة 1226، جـ 1، ص 28. (12) أحمد رفعت: لغات تأريخية وجغرافية، الآستانة سنة 1300، جـ 4، ص 58. (13) سامى: قاموس الأعلام، الآستانة سنة 1311, جـ 4، قسم 1، ص 2618. (14) Hammer-Purgstall: G.O.R. (15) Zinkeisen: Geschichte des Osmanischen Reiches in Europa. الشنتناوى [منزل The Menzel] سليمان جلبى ويعرف أيضًا باسم سليمان دده: أقدم شاعر عثمانى وصلت إلينا إحدى قصائده الأصلية مكتوبة باللغة التركية، ولا يزال هذا الشاعر معروفًا مشهورًا فى وقتنا هذا.

والأشعار التركية القديمة إما ترجمات مثل "سهيل نوبهار" لمسعود ابن أحمد (القرن الثامن الهجري) وقد نشرها مورتمان Mordtmann عام 1925, وإما قصائد فقدت تمامًا مثل قصائد مولانا نيازى وقصائد جد شاعرنا الشيخ محمود أفندى الذى نظم قصيدة فى تهنئة شاهزاده سليمان باشا ابن أورخان بمناسبة فتح الرومللى. ولا نعرف إلا القليل عن حياة سليمان جلبى؛ فقد ذاع صيته فى عهد السلطان بايزيد يلدرم (توفى عام 805 هـ - 1403 م)؛ وولد فى بروسه، وأبوه هو أحمد باشا وزير مراد الأول، وكان خليفة للشيخ أمير سلطان الخلوتى المشهور (توفى عام 833 هـ = 1429 م). وأصبح من بعد إمامًا للديوان السلطانى فى عهد بايزيد، ثم أصبح بعد وفاة بايزيد إمامًا لمسجد بايزيد الكبير فى بروسه. وتوفى سليمان جلبى هناك سنة 825 (والعبارة الدالة على تاريخه هى راحت أرواح) ودفن فى ظاهر المدينة على الطريق الموصل إلى جكرجه. وقصيدته الوحيدة المشهورة هى "مولد بيغمبرى (¬1) " وتعرف بوسيلة النجاح، وهى أقدم الأمثلة العثمانية على هذا النوع من المدائح النبوية، ثم ظهر فى خمسة القرون التالية عدد لا يحصى من المدائح التى نسجت على غرارها (ذكر منها مائة) ويتفق الرأى التركى بالإجماع على أن هذه المدائح أقل جودة بكثير من ذلك المولد الذى هو أقدمها، ومن ثم يكاد يكون هذا المولد هو الوحيد الذى يتلى فى الاحتفالات بالمولد النبوى فى الثانى عشر من ربيع الأول. وتروى المصادر قصة تتناول أصل هذه القصيدة، وهذه القصة لا تخلو من الطابع الأسطورى إلا أن لها شأنًا فى الخلاف الذى دار بين العرب والترك فى تلك الأيام. فقد فسر خطيب فى بروسه الآية 285 من سورة البقرة {. . لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ. .} على أن اللَّه لا يفضل نبيًا على آخر، ولكن هذا التفسير قوبل بالتفنيد الشديد وخاصة من ¬

_ (¬1) أى "المولد النبوى". د. عبد النعيم حسنين

المصادر

جانب عربى من أهل الشام لم يهدأ له بال حتى حصل على فتوى من الشام تبطل هذا التفسير، ثم انتهى به الأمر إلى قتل خطيب بروسه. ويقال إن هذا النزاع كان السبب فى نظم أول بيت من القصيدة كلها، التى كانت تدور الفكرة الرئيسية فيها على أن محمدًا [-صلى اللَّه عليه وسلم-] له مركز فريد بين الرسل [عليهم السلام]. وقد نظمت هذه القصيدة على طريقة المثنوى من ستمائة بيت من الشعر قسمت إلى ثمانية عشر قسمًا. وهى لا تتناول مولد النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فحسب، ولكنها بعد المقدمة المعتادة تستهل بنظرية النور الإلهى وفيض هذا النور على الأنبياء من آدم حتى محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-]. أما القسم الرئيسى من هذه القصيدة فيتناول الآيات التى بشرت بولادة محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، وفرح الملائكة، وأن الورود تزدهر حيث تهبط أنفاسه. ويفصل الكلام بعد ذلك عن المعراج، ثم يتحدث عن مرضه الأخير، ثم وفاته. وأسلوب هذه القصيدة غاية فى البساطة، ولذلك كانت تجتذب القلوب وتؤثر فى النفوس ولغتهما عثمانية صرف بلهجة بروسة. ويوجد من هذه القصيدة عدة مخطوطات، منها عدد فى المكتبات الأوربية أيضًا؛ على أنه مما يستوجب الأسف أنه ليس لدينا منها فيما يظهر مخطوط من المقدم بحيث يمكن أن يُتخذ أساسًا سليمًا للدراسة اللغوية. وهناك أيضا ترجمات لهذه القصيدة أثبتها طاهر (انظر فيما يلى): واحدة بوسنوية وواحدة يونانية وترجمتان ألبانيتان مختلفتان، وواحدة جركسية. المصادر: (1) لطفى: تذكرة، ص 55 - 57. (2) عالى: كنه الأخبار، جـ 5، ص 115. (3) عاشق جلبى: تذكرة. (4) حاجى خليفة، طبعة فلوجل، جـ 6، ص 270، رقم 13448. (5) ضيا باشا: خرابات، المقدمة، ص 17، جـ 3، ص 29 - 33. (6) سامى: قاموس الأعلام، ص 2620. (7) ناجى: أسامى، ص 173. (8) م. ثريا: سجل عثمانى، جـ 3، ص 76.

المصادر

(8) بليك شهاب الدين سليمان: تأريخ أدبيات عثمانية، إستانبول سنة 1328، ص 22 وما بعدها. (9) فائق رشاد: تأريخ أدبيات عثمانية، إستانبول، ص 65 وما بعدها. (10) كوبريللى زاده محمد فؤاد وشهاب الدين سليمان: يكى عثمانلى تأريخ أدبيات، إستانبول سنة 1332، ص 142 وما بعدها. (11) على أميرى فى عثمانلى تأريخ وأدبيات مجموعة سى القسم الثانى. (12) بروسلى محمد طاهر: عثمانلى مؤلفلرى، جـ 2، ص 221 - 223. (13) Geschichte des Osmanischen Dichtkunst: Hammer، جـ 1، ص 67 - 70. (14) A History of Ottoman Poetry: Gibb جـ 1، ص 232 وما بعدها؛ وانظر أيضًا فهرس المخطوطات فى برلين وفينا وميونخ ولندن وغيرها. (15) Suleyman Tachelebi's Irmgard: Logedicht auf die Geburt Engelke des Profeten هال سنة 1926، جـ 1، ص 42. الشنتناوى [بيوركمان Walther Bjorkman] سليمان جلبى (أمير): ابن يلدرم بايزيد الأول وكان واليًا على صاروخان وقره سى، ثم قدم إلى أدرنه بعد الهزيمة التى حلت به عند أنقرة. وكان سليمان أيضًا واليًا على تركية أوربا، وقد أبرم سنة 1403 معاهدات مع إمبراطور بوزنطة ومع البندقية. وقد انشغل منذ سنة 1406 بقتال أخيه محمد جلبى فى الأناضول وقتال أخيه موسى جلبى فى تركية أوربا. وتخلى عنه أتباعه وقتل فى 17 فبراير عام فى قرية دكنجلر. وأحضر أخوه موسى جثمانه إلى بروسه حيث دفن باحتفال مهيب إلى جوار أبيه. وقد حكم سليمان أكثر من سبع سنوات فى الجزء الأوربى من الإمبراطورية إلا أنه لا يعد من سلاطين آل عثمان. المصادر: (1) خواجه سعد الدين: تاج التواريخ، جـ 1، ص 218 - 220.

سليمان بن داود [عليه السلام]

(2) سجل عثمانى، جـ 1، ص 42. (3) Geschichte des osmanischen Reiches: Hammer ص 217 - 300. (4) jorga جـ 1، ص 325 وما بعدها. (5) Storia del Contvnercio del Levante nel Medio Evo ذوين سنة 1913، ص 835 - 836. الشنتناوى [إيتورى روسى Ettore Rossi] سليمان بن داود [عليه السلام] ويعرف فى التوراة باسم الملك سلومون Solmon: شخصية فذة فى القصص الإسلامية، فقد كان ثمة أربعة من حكام العالم العظام كما تقول كتب التاريخ العربية، اثنان منهم كافران هما النمروذ وبختنصر، واثنان مؤمنان هما ذو القرنين وسليمان عليه السلام. وكان سليمان أكثر هؤلاء تألقًا، وقد نوهت هذه التواريخ تنويهًا خاصًا بقدرته العجيبة فى تسخير الرِّيح والجن والطير وإن أشد الأحاجى إلغازًا وأكثر المسائل تعقيدًا كانت فى متناول بصيرته. وكانت الفطانة والحصافة تشعان من عينيه والحكمة والعدالة منقوشتين على جبينه. وكان علمه أعمق من وادى الأردن. وقد تردد ذكره فى القرآن الكريم نفسه وتميز فيه بأنه نبى للَّه الحق ورسوله المنزل وبشير بقدوم محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-. وتذكر الآيات القرآنية كيف بذَّ أباه فى الحكم، وهو بعد فى مقتبل العمر (سورة الأنبياء، الآيتان 78، 79). ولما توفى داود ورثه سليمان من دون أولاده الآخرين (سورة النمل الآية 16). وقد أوتى سليمان [عليه السلام] معرفة لغة الطير والحيوان (سورة النمل الآيات 16، 19) وتلك رواية تعتمد على سفر الملوك الأول (¬1) (الإصحاح الرابع، الآية 33). وقد سخر اللَّه لسليمان الريح عاصفة (سورة الأنبياء الآية 81؛ سورة ص، الآية 36). غدوها شهر ورواحها شهر، وأسال له عين القِطْر (سورة سبأ، الآية 12). وكان تحت إمرته جموع من الشياطين يفعلون كل ما يريد، فقد كانوا مثلًا يغوصون فى البحر فيخرجون له منه اللآلئ (سورة ¬

_ (¬1) سبق أن رددنا على هذه الدعوى التى يقول بها كثير من المستشرقين فى أكثر من موضع من الدائرة، وحسبنا القول بأن القرآن الكريم جاء مصدقًا لما بين يديه من التوراة والإنجيل.

الأنبياء، الآية 82؛ سورة ص، الآية 37) وسخر اللَّه له الجن، ومن يعدل منهم عن طاعته يعذب فى السعير (سورة سبأ، الآية 12) يصنعون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان (سورة سبأ، الآية 13) وجنوده من الإنس والجن والطير. وكان الهدهد أول من جاءه بأخبار مملكة سبأ وملكتها المشهورة ببلقيس، وراسل سليمان النبى عليه السلام بلقيس ودعاها إلى الإسلام. ودانت له بعد ما رأت من بأسه وحكمته (سورة النمل، الآيات، 20 - 44) وكثيرًا ما حاول الشياطين أن يميلوا به إلى الكفر فارتدوا عاجزين (سورة البقرة، الآية 101) (¬1). وقد غفل سليمان يومًا عن ذكر ربه إذ أنساه إعجابه بجياده الصافنات أداء الصلاة، وكفّر سليمان عن ذنبه (سورة ص، الآيات 31 - 33). وقد فُتن سليمان ففقد ملكه وجلس على عرشه من هو على صورته. فلما سأل ربه العفو والمغفرة ردّ إلى عرشه ووعد بالجنة (سورة ص، الآيات 34، 35، 40). ولما قضى عليه اللَّه الموت ظل قائمًا على منسأته، ولم يعلم أحد بموته إلا بعد أن أكلت دابة الأرض منسأته فخَرَّ جسده وسرحت الجن من عملها الشاق (سورة سبأ، الآية 14). وقد مجدت الروايات والقصص المتأخرة كل هذه المسائل التى هى فى جوهرها مذكورة كذلك فى التوراة. فسيطرة سليمان على الجن وتسخيرهم فى إقامة منشآته مذكور فى المدرَشْ فى تفسير سفر الجامعة (الإصحاح الثانى، الآية 8). وقد جعلت مملكته شاملة جامعة، ولعل ذلك كان شبيهًا بمملكة الملوك الأربعين (أو الاثنين والسبعين) لجن ما قبل عهد آدم، وكان كل منهم يدعى سليمان (Arabian Nights: Lane، المقدمة، تعليق 21؛ d' Herbelot: Bibliotheque orientale جـ 5، ص 372). وتشمل حكمته المشهورة الحكمة التى أثرت عن مصر، أى العلم الخفى. ويقال إن فيثاغورس قد تلقى علمه على سليمان فى مصر (السيوطى: حسن المحاضرة فى أخبار مصر جـ 1، ص 27). ويقال أيضًا إن سليمان كان تلميذ ¬

_ (¬1) رقم الآية فى المصحف العثمانى هو 102 [م. ع]

مامبريس Mambres الساحر المصرى (Thrice Greatest Hermes: G.R.S. Mead جـ 3، ص 283، التعليق) ومن هنا جاءت شهرته فى القصص والروايات بأنه ساحر. وكانت قدرته على السحر متأثرة بطلسم هو خاتم نقش عليه الاسم الأعظم أى اللَّه. وقد رخِّص لوزيره آصف بن برخيا باستخدام هذا الخاتم، وهو الذى تقل عرش بلقيس من سبأ إلى بيت المقدس فى لمح البصر. وكان سليمان قد جرى على أن يخلع هذا الخاتم، عندما يتوضأ ويعهد به إلى "أمينة" إحدى زوجاته، ويقال أن شيطان هو صخر إتخذ صورة مَلَك، وسلب هذا الخاتم السحرى وحكم أربعين يومًا مما اضطر سليمان إلى أن يهيم على وجهه شريدًا. غير أن هذا الشيطان فقد الخاتم فى البحر فعثر عليه سليمان إذ شق جوف حوت كان قد ابتلع الخاتم، وهكذا استعاد سليمان عرشه. ويقال إن ذلك كان عقابًا له على وثنية محظيته جرادة ابنة ملك صيداء. ويذهب بعض إلى أن الشخص الذى بدا فى صورته واحتل عرشه كان هو ابنه الذى أدركته المنية. ويعد اليوم الثالث عشر من الشهر يوم نحس لأن اللَّه نفى سليمان فيه. ويقال إن عيد النيروز الفارسى والشعائر التى تقام فيه ترجع إلى اليوم الذى استعاد فيه سليمان ملكه (البيرونى: الآثار الباقية، طبعة سخاو، ص 199). وتفاخر سليمان بأن سيكون له ألف زوجة يلدن له ألف ولد محارب، ولذلك لم يرزق إلا بولد واحد مشوه له يد واحدة وعين واحدة وأذن واحدة وقدم واحدة. وابتهل إلى اللَّه فى خضوع وتذلل فجعل اللَّه ابنه ولدًا سويًا. وفتح سليمان الغزاء كثيرًا من الممالك (البيضاوى، تفسير سورة المائدة، الآية 19) (¬1). ولنوجز فيما يلى بعض الأفعال العجيبة التى أتاها سليمان كما وردت فى الأساطير والحكايات كان سليمان بعد أن اعتلى العرش بقليل فى واد بين حبرون وبيت المقدس، وهناك تلقى سلطانه على الريح والماء والجن والحيوان من الملائكة الأربعة الموكلين بها. فقد أعطاه كل واحد منهم جوهرة ¬

_ (¬1) لم أجد فى تفسير البيضاوى آية إشارة إلى ذلك عند هذه الآية ولا قبلها ولا بعدها بعشرات الآيات. [د. مهدى علام]

وضعها فى خاتم مرق نحاس وحديد. وكان يختم بالنحاس أوامره إلى الجن الأشرار. ويقال إن الخاتم كان له خاصية اللفاح (Folk-Lore in the Old Testament: Frazer جـ 2، ص 39). وخاتم سليمان تعويذة عامة على هيئة نجمة مسدسة الأركان كثيرًا ما تنقش على كؤوس الشراب. وتذهب الرواية إلى أن مائدة سليمان وغيرها من الآثار العجيبة وجدت طريقها إلى أسبانيا حيث عثر عليها طارق عند استيلائه على طليطلة Toledo, وكانت هذه الآثار قد أخذت غنيمة من بيت المقدس (ابن الأثير، تاريخ المغرب، طبعة Fagnan ص 37، وما بعدها؛ الطبرى، التاريخ، طبعة Zotenberg جـ 4، ص 183؛ Reserches: Dozy جـ 1، ص 52). وكانت المائدة مصنوعة من الزمرد الأخضر ولها 360 رجلًا، كما كانت مرصعة باللآلئ واليواقيت. وكان ثمة أيضًا مرآة سحرية تكشف جميع البقاع فى العالم (Abrege des Merveilles: Carra de Vaux ص 122). وقد نحتت كتل الحجر المعدة لبناء الهيكل بالحصباء "شمر" العجيبة التى استخلصها الشيطان صخر من عقاب البحر. وكان سليمان يستظل من حرارة الشمس بمظلة من طيور الجو جميعًا. وقد نسجت له سجادة سحرية من الحرير الأخضر يطوى بها الآفاق طائرًا فى الهواء، فإذا ركبها استطاع أن يغادر الشام هو وجميع ما يحمل من متاع فى الصباح فيبلغ أفغانستان قبل حلول المساء. وقد اجتمعت له ثروة لا مثيل لها من الأحجار الكريمة والذهب والفضة جلبها الجن الذين سخروا لخدمته؛ وكانوا يعاونونه أيضًا فى إقامة القصور والقلاع والحمامات وخزانات المياه. وتشاهد آثار ذلك فى فلسطين وبلاد العرب وغيرها (انظر Revue des traditions populaires جـ 9 ص 90؛ ناصرى خسرو: سفرنامه، ص 56: 76، 84، 85). وكان لسليمان ألف بيت سقوفها من قوارير، وتشمل ثلاثمائة متكأ وسبعمائة زوجة (الثعلبى، قصص الأنبياء، ص 204). وينسب إليه أيضًا بناء المسجد الأموى علاوة على إقامته الهيكل الذى بذَّ سليمان فى

تشييده الجن فى الدهاء (ميرخواند: روضة الصفا، جـ 2، القسم الأول، ص 76). بل ينسب له كذلك أنه أقام مسجد، بالإسكندرية (السيوطى، كتابه المذكور، جـ 1، ص 37). وكان ينفق جزءًا من أوقات فراغه فى تعلم غزل السلال حتى تكون لديه وسيلة لكسب معاشه إذا أعوزته الحاجة (ميرخواند: كتابه المذكور، ص 79). وهذه الرِّواية تتسم فيما يظهر بطابع تلمودى. وكان عرش سليمان من الذهب الخالص. وكان العالم الطبيعى بأسره خاضعًا كل الخضوع لسلطانه حتى أن الشمس توقفت مرة عن الدوران لتمكينه من أداء صلاة المساء، وحبس الجن الشرار فى قماقم من رصاص (سفر زكريا، الإصحاح الخامس الآية 8). وقد جعل سليمان عيذاب على البحر الأحمر سجنًا تحبس فيه الجن (ناصرى خسرو: كتابه المذكور، ص 297). وقد أتاحت له معرفته بلغة عالم الحيوان إظهار رحمته فى مناسبات كثيرة، فقد مال مرة بحشود من جنده ليتحاشى تحطيم بيض طائر، وأخذته الرحمة فى مناسبة أخرى ببيت من بيوت النمل (البيرونى: كتابه المذكور. ص 199؛ سورة النمل. الآيتان 17، 18) (¬1). وقيل إن سليمان اخترع الحروف العربية والسريانية، ولاشك أن ثمة سمات إيرانية فى القصص العجيبة التى تدور حول سليمان. وتختلف الروايات فى وصف خلقته، فيقال مثلًا بأنه كان "رجلًا كبير الرأس يمتطى جوادًا" (ميرخواند: كتابه المذكور، جـ 3، القسم الأول، ص 83) وأنه كان "أبيض جسيمًا وضيئًا جميلًا كثير الشعر، يلبس من الثياب البياض" (الثعلبى: كتابه المذكور، ص 254) وكانت سنه عند وفاته ثلاثة وخمسين عامًا، وقد حكم أربعين عامًا. ولا يعرف على وجه التحقيق موضع قبره، فبعضهم يقول إنه فى بيت المقدس فى قبة الصخرة، ويقول آخرون إنه قريب من بحر طبرية Tiberia . وقيل (كما جاء فى الطبرى: التاريخ جـ 1، ص 60) ¬

_ (¬1) وآية 19 [م. ع]

المصادر

"إنه فى وسط البحر. . . فى قصر نحت فى الصخر، ويضم هذا القصر عرشًا يجلس عليه سليمان، وفى إصبعه خاتم الملك ويظهر للرائى كأنه حى ويحرسه ليلًا ونهار، اثنا عشر حارسًا. ولم يصل أحد إلى قبره إلا شخصان هما أفّان وبلقيا (¬1) (Lane، كتاب المذكور، جـ 20، ص 96؛ انظر ميرخواند، كتابه المذكور، ص 102 - 103). ويذكر أيضًا أن قبره فى جزر أندمان (انظر Les Merveilles de l'inde ص 134). وقد وجد سليمان طريقه إلى الأدب الشعبى الملاوى. فصائدو الطير يذكرون اسمه لإيقاع الحمام فى الشرك (Frazer: Gold جـ 2، ص 418، en Bough Folklore in the O.T, جـ 2، ص 476 وما بعدها). وانظر فيما يتصل بسليمان وعين الحسود: W.R. Stenenson فى Studia sernitica et Oritentalia كلاسكو سنة 1920 ص 104 وما بعدها والمصادر المذكورة هناك. والقصص الإثيوبية عن سليمان وماكدا ملكة غريب فى Bezold: Kebra Negast وفى The Queen of sheba and her only son menyelik: Wallis Bude، ونجد فى كتاب الثعلبى (الكتاب المذكور، ص 202) وفى كتاب Jacques de Vitry P.P.T.S) ص 17) أمثلة من أعاجيب سليمان. المصادر: علاوة على المصادر المذكورة فى صلب المقال. (1) تفاسير القرآن الكريم، ويوجد كثير من القصص المتعلقة بسليمان فى كتاب: (2) الثعلبى: قصص الأنبياء، ص 200 وما بعدها، وانظر أيضًا: (3) الطبرى: طبعة ده غوى، الفهرس. (4) Chronique طبعة Zotenberg، الفهرس. (5) الإدريسى: وصف إفريقية، ص 140، 173، 188. ¬

_ (¬1) هذا الكلام الذى ذكره كاتب المادة لا ندرى من أين جاء به. وقد رجعت إلى سيرة سليمان [عليه السلام] فى تاريخ الطبرى فلم أجد حرفا مما نقله الكاتب، وكذلك رجعت إلى تفسير الطبرى، واستقريت بالتتبع التام جميع الآيات التى فيها ذكر لسليمان النبى [عليه السلام] وقرأت تفسيرها كلها فلم أجد شيئا من ذلك. أحمد محمد شاكر

سليمان بن صرد الخزاعى

(6) مروج الذهب، جـ 1، ص 110 وما بعدها. (7) الهمداني: صفة جزيرة العرب، طبعة موللر، ص 141. (8) تاريخ أبى الفداء، ص 25، 67. (9) Biblische Legenden der Musulmanner: Weil وما بعدها. (10) Neue Beitrage zur semitischen sagenkunde: Grunbaum ص 189 وما بعدها. (11) Die salomo-sage in der semit.lit: Salzberger. (12) Tempelbau and Thron in der semit. sagenliteratur. (13) Konig solomon in der Tradition: R.Farber. (14) Flowers from a Persian Garden: W.A.Clouston ص 215 وما بعدها. (15) Myths of the Middle Ages: Baring Gonld. (16) Folklore of the Holy land: Hanaur. (17) Alexander the Great: Wallis Budge الفهرس. (18) Tales of solomon: Seymour (19) The Queen of She ba: J.C. Madrus. (20) Solomon and Balkis: John Freeman. (21) Fonti semitiche d'una leggenda Solomonica: Gabrielli المجلة الآسيوية، سنة 1868 ص 485، سنة 1881، ص 59. (22) Mille et Ub Contes,Recits et Legendes Arabes: De Vogue، جـ 1، ص 536. (23) المؤلف نفسه: Contes Populaires berbres ص 27. الشنتناوى [ووكر J.Walker] سليمان بن صرد الخزاعى هو من الشيعة، وكان يعرف فى الأصل باسم يسار، ولكن النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] أطلق عليه اسم سليمان عندما أسلم. وكان لسليمان شأن عظيم فى قبيلته،

فلما أخذ المسلمون يستقرون فى الكوفة، هاجر إليها هو أيضًا. وحارب سليمان فى وقعة الجمل وصفين فى صف علىّ. وبعد وفاة معاوية فى رجب عام 60 (أبريل عام 680) أظهر سليمان أنه من أشد المتحمسين للحسين ولكنه لم يبق على حماسه الأول. فقد كان واحدًا من أولئك الذين دعوا الحسين إلى الكوفة ليتزعمهم فى قتال الأمويين، فلما اقترب الحسين من المدينة تلبية لهذه الدعوة لم يصنع سليمان شيئًا لمساعدته وقتل الحسين فى كربلاء فى العاشر من المحرم عام 61 (10 أكتوبر عام 680) فندم أهل الكوفة الذين أغروه بالقدوم إليهم من مكة على تقاعدهم عن نصرته، وعدوا أنفسهم مذنبين لا يمحو ذنبهم إلا الثأر لمقتله ومن ثم عرفوا باسم "التوابين" وقد نظموا أنفسهم بعد حين واختاروا سليمان زعيمًا لهم. ولم تكن من أحدهم تقل عن الستين، ولم يتفقوا على اتخاذ إجراء معين، بل كان الثأر للحسين ليس إلا هدفًا غامضًا لم يتضح فى أذهانهم قط. وكتب سليمان إلى سعد بن حذيفة بن اليمان بالمدائن، والمثنى بن مخرّبة بن العبدى بالبصرة وكسب تأييدهما. على أن التوابين كانوا يعملون فى السر طيلة حياة يزيد، ولم يسعوا إلى توسيع نطاق حركتهم إلا بعد وفاة يزيد فى ربيع الأول عام 64 (نوفمبر عام 683). وأراد أتباع سليمان أن يخرجوا من الكوفة عمرو ابن حريث المخزومى نائب الوالى عبد اللَّه بن يزيد الذى كان يعيش فى البصرة فأبى عليهم سليمان ذلك ونصحهم بالتزام جانب الحذر، ومع ذلك طرد أهل الكوفة عمرا بن حريث ثم بايعوا عبد اللَّه بن الزبير بالخلافة، معين ابن الزبير عبد اللَّه بن يزيد الأنصارى واليًا على الكوفة. وبلغ عبد اللَّه بن يزيد الكوفة فى رمضان سنة 64 (مايو 684) وكان المختار بن أبى عبيد قد دخلها قبل ذلك بأيام قلائل. وأراد المختار أن يطرد سليمان الذى كان الشيعة قد شكوا فى أمره لتقاعسه، وتخلى عن سليمان كثيرون وانضموا

المصادر

إلى المختار. وأسفر سليمان آخر الأمر وجاهر الأمويين بالعداء، وطلب من أتباعه الخروج لقتال عبيد اللَّه بن يزيد الذى كان فى الشام على رأس جيش كبير؛ ولم يضع الوالى عبد اللَّه بن يزيد أية عراقيل فى طريقه بل وعد بمعاونة الشيعة، ولكن لم يقم أى تعاون عملى بين سليمان والوالى. وكانت حماسة الشيعة أقل مما يأمل سليمان. ذلك أنه عندما ما ظهر بالنُخَيْلَة بالقرب من الكوفة فى أول ربيع الثانى عام 65 (15 نوفمبر عام 684) لم يتبعه من الستة عشر ألف شيعى الذين وعدوه بالخروج معه سوى أربعة آلاف رجل فأرسل الرسل على الفور إلى جميع الشيعة الذين وعدوه المساعدة فأقبلت عليه النجدات شيئًا فشيئًا. وخرج الجميع فى الخامس من ربيع الثانى (19 نوفمبر) وأمضوا أربعًا وعشرين ساعة فى كربلاء عند قبر الحسين مقرين بذنبهم مبدين الندم والتوبة، ثم تابعوا المسير. وما إن بلغوا قرقيسياء حتى أمدهم ظُفَر بن الحارث الكلابى بالمؤن وكان يقود الشيعة هناك، وقد حصل على أنباء خاصة بتحركات عبيد اللَّه الذى كان فى الرقة. وتابع سليمان سيره حتى لقى العدو عند عين الوردة يقوده حسين بن نمير. وبدأ القتال فى الثانى والعشرين من جمادى الأولى عام 65 (4 يناير عام 685) واستمر ثلاثة أيام. وخر سليمان صريعًا فى اليوم الثالث بالغًا من العمر ثلاثة وتسعين عامًا، وانتهى هذا القتال المرير بهزيمة الشيعة. ولم يجد أنصار الشيعة من أهل المدائن والبصرة الذين لم يصلوا إلى ساحة المعركة فى الوقت المناسب سوى العودة دون أن يطلقوا سهمًا واحدًا فى سبيل الدعوة التى كانوا ينادون بها. المصادر: (1) طبقات ابن سعد: طبعة سخاو، جـ 4، ص 2، 30؛ جـ 6، ص 15 وما بعدها. (2) النووى، طبعة فستنفلد، ص 302. (3) ابن الأثير: أسد الغابة، جـ 2، رقم 351. (4) ابن حجر: الإصابة جـ 2، رقم 7046.

سليمان بن عبد الملك

(5) تاريخ الطبرى، طبعة ده غوى، جـ 2 فى مواضع مختلفة (6) ابن الأثير: الكامل، طبعة تورنبرغ، جـ 4، الفهرس (7) اليعقوبى، طبعة هوتسما، جـ 2، ص 270، 306، 308، 321 (8) Gesch d.chalifen: Weil جـ 1، ص 352 وما بعدها (9) Die Religios politischen opposition sparteien im Altenislam: Welthausen، ص 61 - 73. الشنتناوى [تسترشتين K.V.Zettersteen] سليمان بن عبد الملك الخليفة الأموى: ولد سليمان عام 60 هـ (679 - 680 م) وأمه ولّادة بنت العباس بن جَزع. ولما توفى عبد العزيز بن مروان طلب أخوه الخليفة عبد الملك البيعة لولديه: الوليد وسليمان. وفى أواخر عهد عبد الملك، أراد الوليد أن يدبر مع الحجاج بن يوسف وقتيبة بن يوسف والى خراسان أمر إقصاء سليمان عن ولاية العرش وحصرها فى ولده عبد العزيز، ولكنه توفى قبل أن يتخذ الخطوات اللازمة لتحقيق ذلك، فخلف سليمان عبد العزيز فى جمادى الآخرة عام 96 (آخر فبراير عام 715) وأصبح أميرًا للمؤمنين. وقد سمع سليمان بوفاة أخيه عندما كان فى الرملة، وهى المدينة التى شيدها عندما كان على رأس الجيوش الإسلامية فى فلسطين وظلت مركز، لقيادته. وما إن تقلد سليمان زمام الحكم حتى حان الوقت الذى يكفر فيه مؤيدو الحجاج، الذى كان قد توفى، عن العداوة التى نشبت بين الحجاج والخليفة الجديد. ففى هذا العام نفسه صُرف عثمان بن حيان المرى والى المدينة عن منصبه، وأصبح الرجل الشجاع قتيبة بن مسلم مهدد، بهذا المصير أيضًا، لذلك حاول مسلم أن يحرض جنوده على القيام فى وجه سليمان معتمدًا فى ذلك على إخلاصهم له. ولكن هذه الخطبة الجريئة لم تسفر عن شئ وبوغت قتيبة وقتل. وعين يزيد ابن المهلب واليًا على العراق مكان يزيد ابن أبى مسلم سنة 96 هـ (715 م). وكان يزيد هذا من ألد خصوم الحجاج

فنشط إلى تعذيب مؤيديه، ولكنه خشى أن تؤدى المبادئ الصارمة التى استنها فى جباية الضرائب، وهى المبادئ التى كان لا يمكن تغييرها دون أن تتأثر إيرادات الدولة، إلى كره الناس له كما كان الحجاج مكروهًا فى أيامه، لذلك سأل الخليفة أن يعفيه من القيام على الشئون المالية، معين سليمان مكانه على بيت المال أحد عمال الحجاج من ذوى الخبرة فى الشئون المالية، ويدعى صالح بن عبد الرحمن. غير أن تدبير صالح للأمور المالية لم يرق فى أعين يزيد المبذر، فسعى سنة 97 هـ (715 - 716 م) لدى الخليفة ليوليه خراسان إلى جانب ولايته العراق. وخرج يزيد من خراسان فى العام التالى يقود حملة على جرجان وطبرستان ولكنه لم يصب نجاحًا يذكر. وقد عامل سليمان، موسى بن نصير فاتح الأندلس معاملة تنطوى على شئ كثير من القسوة، بل إن بعض المصادر تذهب إلى أنه كان مسئولًا عن مقتل ولده عبد العزيز. واستمر سليمان يقاتل الروم بهمة عظيمة وإن كان الحظ لم يوات الجيوش الإسلامية بصفة خاصة. وفى خريف عام 97 هـ (715 م) نزل كل من مسلمة بن عبد الملك وعمر بن هبيرة إلى ساحة المعركة لقتال الروم. وحاصر العرب عمّورية Amorium ولكنهم لم يفوزوا بطائل واستؤنف القتال فى الصيف التالى بعد أن أمضى عمر، وكذلك مسلمة فى قول رواية عن الروايات، الشتاء فى آسية الصغرى. واستولى مسلمة على برجاموس Pergamoes وسرديس Sardes . وبدأ العرب أيضًا حصار القسطنطينية، وظهر مسلمة فى أغسطس أمام المدينة ووصل أسطول المسلمين بعد ذلك بأسبوعين، واستمر الحصار سنة تقريبًا. وقاسى المسلمون الشئ الكثير من البرد وقلة الإمدادات ولم يصيبوا نجاحًا ما. وارتد على أعقابه أيضًا أحد الجيوش التى أغارت على بلاد البلغار بعد أن تكبد خسائر فادحة. وفى شهر صفر عام 99 (سبتمبر - أكتوبر عام 717) توفى سليمان فى دابق ورفع الحصار عن القسطنطينية فى هذا الوقت نفسه تقريبًا. وحمل

المصادر

سليمان الناس على البيعة لولده أيوب بالرغم من أن عبد الملك كان قد حصل على البيعة ليزيد أخى سليمان وعندما كان أيوب على فراش الموت عمل سليمان بالاشتراك مع الفقيه الواسع النفوذ رجاء بن حيوه على أن يخلفه ابن عمه عمر بن عبد العزيز المشهور بالورع والتقوى ومن ثم لقب بمفتاح الخير. ونستبين من روايات المؤرخين العرب أن سليمان [حسبما قيل] كان على الرغم من ورعه قاسيًا منغمسًا فى الشهوات. المصادر: (1) ابن خلكان طبعة فستنفلد، رقم 278. (2) الكتبى: فوات، الوفيات، جـ 2، ص 177. (3) الطبرى، طبعة ده غوى، الفهرس. (4) ابن الأثير: الكامل، فى مواضع مختلفة، وخاصة جـ 5، ص 5 - 9، 12، 14 - 20، 25 - 30. (5) البلاذرى، طبعة ده غوى، الفهرس. (6) اليعقوبى، طبعة هوتسما، جـ 2، ص 335 وما بعدها، 345، 351 - 362، 366، 369، 371. (7) المسعودي: مروج الذهب، طبعة باريس، الفهرس. (8) كتاب الأغانى، انظر كويدى Guidi: alphabetiques Tables . (9) Gesch. d. Chalifen: Weil جـ 1، ص 493، 508، 540 وما بعدها، 554، 578. (10) Der islam in Morgen und Abendland: Muler جـ 1، ص 417، 436 وما بعدها. (11) The caliphate, its rise, decline and fall: Muir، الطبعة الثالثة، ص 323، 361، 372 - 380. (12) Die kampfe der Araber mit den Romaern: Welihausen ص 439 - 442 (= Nachr. von d. Kgl. Gesellsch. dwiss. su Gottingen, Phil-hist. Kl, 1901). (13) المؤلف نفسه: Das arabische Reich ص 160 - 165. الشنتناوى [تسترشتين K.V.zettersteen]

سليمان بن قتلمش

سليمان بن قتلمش جد سلاجقة آسية الصغرى: أصبح سليمان بعد مقتل أبيه قتلمش سنة 456 هـ (1036 - 1064 م) فى وقعة نشبت بينه وبين ألب أرسلان أحد أقربائه زعيم سلاجقة آسية الصغرى، وأفلح بعد سنوات قلائل فى إقامة مملكة مستقلة. وقد عهد إليه ملكشاه الذى كان قد خلف أباه ألب أرسلان سنة 465 هـ (1072 م) بقيادة الحرب ضد الروم (البوزنطيين) وولى القيادة العليا على جميع الجيوش السلجوقية بآسية الصغرى. وكان فريق كبير من فلاحى آسية الصغرى الفقراء قد غدوا تحت السيطرة التامة لأصحاب الأراضى الأغنياء، وكان العبيد يشتغلون فى كثير من المزارع. وقد أعتق سليمان هؤلاء نظير أداء ضريبة معلومة فاكتسب مودتهم، على حين كانت النكبات تنتظر الروم وتتعقبهم. وضعف مركز قائدهم إسحاق كومنينوس Isaac Comnenos بسب تمرد جنوده المرتزقة من النورمنديين فحلت به الهزيمة وأسره السلاجقة بالقرب من قيصريه Caesarea . وعندما حاول خليفته قيصر دوكاس Caesar Ducas تأديب المتمردين من النورمنديين أخذوه أسيرًا، ثم استمالوه إلى جانبهم وأغروه بأن يتولى أمرهم فى انتقاضهم على ابن أخيه الإمبراطور ميخائيل السابع Michael VII ولم يجد ميخائيل بدًا من أن يطلب عون السلاجقة، وأبرم معاهدة سنة 1074 م (466 - 467 هـ) مع سليمان وأقرها ملكشاه، وقد تعهد فيها سليمان بإرسال جيش لمساعدة الإمبراطور، ومنح نظير ذلك الأقاليم البوزنطية التى كانت فى حوزة السلاجقة فى ذلك الوقت، وأسر الجنود البوزنطيون الاحتياطيون دوكاس، غير أن ميخائيل تخلى عن العرش بعد ذلك بسنوات قلائل واعتزل فى دير من الأديرة، وفى عام 1079 م (471 - 472 هـ) ثار نقفور مليسينوس Nicephoros Melissenos وأراد أن يدعم مركزه فتحالف مع سليمان وأبرم معه معاهدة قال بها سليمان نظير ما يقدمه من الجند، نصف كل مدينة وإقليم ينتزع من الإمبراطور نقفور الثالث أثناء الحرب. وسقطت سيزيكوس Cyzicus

المصادر

ونيقية Nicaea فى أيدى السلاجقة فى بداية عام 1081 م (472 هـ). واختار سليمان مدينة نيقية مقرًا له. واستولى أيضًا سنة 447 هـ (1084 - 1085 م) على مدينة أنطاكية. وكان واليها الرومى فيلاريتوس Philaretos الذى أدى الجزية لمسلم بن قريش العقيلى -قد خرج فى رحلة له، وفى أثناء غيابه اتفق ولده الذى كان قد ألقى فى السجن مع نائبه على فتح أبواب المدينة للسلاجقة وعند ذلك اختلف سليمان مع مسلم على أداء الجزية وقام كل منهما بغارات على الآخر. وانتهى الأمر بنشوب معركة بالقرب من أنطاكية فى شهر صفر عام 478 (يونيه عام 1085) وقتل فيها مسلم، ومن ثم تقدم سليمان نحو حلب وحاضرها، ولكنه عاد بعد بضعة أسابيع دون أن يحرز نجاحًا ما. وبعد حين من الزمن طلب مرة أخرى من واليها ابن الحُتَيتى العباسى أن يسلم له المدينة، غير أن ابن الحتيتى تباطأ فى الرد عليه بحجة أنه يريد الحصول على موافقة ملكشاه حتى تمكن من نجدته ألب أرسلان صاحب دمشق والأمير أرتق بن تتش بن أكسب. ولما التقى سليمان بجيوشهما فرت جنوده وهلك هو فى القتال (479 هـ = 1086 م). ولسنا نعرف على وجه التحقق أقتل بيد الأعداء أم قتل نفسه بخنجره كما تقول بعض المصادر. المصادر: (1) ابن الأثير: الكامل، طبعة تورنبرغ، جـ 10، ص 89 - 91، 96 وما بعدها. (2) تاريخ أبى الفداء، طبعة Reiske جـ 3، ص 255، 261. (3) حمد اللَّه مستوفى القزويني: تأريخ كزيده، طبعة Browne، جـ 1، ص 129 وما بعدها، 137. (4) Muller: Der Islam im Morgen und Abendland، جـ 2، ص 89 وما بعدها. (5) Gesch. d. Byzantiner: Hertzberg ص 254 - 256، 258 - 260، 274 ما بعدها. الشنتناوى [تسترشتين K.V.Zettersteen]

سليمان مولاى أبو الربيع

سليمان مولاى أبو الربيع ابن محمد: سلطان من سلاطين مراكش العلويين، حكم من رجب عام 1206 (مارس سنة 1792) إلى 13 ربيع الأول عام 1238 (28 نوفمبر سنة 1822)، وهو ابن السلطان محمد بن عبد اللَّه بن إسماعيل، وأمه سيده حرة من قبيلة أحلاف العربية. وقد قضى سليمان شبابه فى سجلماسة حيث توفر على الدرس ولم يشترك بنصيب فى السياسة. وعندما انتقلت السلطنة إلى أخيه يزيد بعد وفاة أبيه فى رجب عام 1204 (مارس - إبريل سنة 1790) أقبل سليمان من تافيلالت فى حماية قبائل الصحراء العربية والبربرية ليأخذ له أفرادها البيعة من أهل سجلماسة. وقد عمت الفوضى مراكش (فى نهاية جمادى الآخرة عام 1206 = فبراير عام 1792) وهو يقاتل أخًا من إخوته كان قد انتقض عليه، ويدعى مولاى هشاما. وظل أهل الحوز بمراكش على ولائهم لمولاى هشام، أما أهل الهبط والجبل فقد نادوا بمولاى مسلمة أخى مولاى يزيد من أمه. ونادى أهل فاس والقبائل الضاربة حول قصبة البلاد، والعبيد، والودايا، والبربر، بمولاى سليمان الذى امتاز بعلمه وورعه. وسرعان ما انضم إليهم من بعد عبيد مكناس وبربر الإقليم وتلقى السلطان الجديد يمين الولاء فى ضريح مولاى إدريس فى السابع عشر من رجب عام 1206 (12 مارس عام 1792)، ثم بايعه بنو حسن وقبائل الغرب الأخرى وكذلك أهل سلا ورباط الفتح. وما إن نودى بمولاى سليمان حتى خرج لقتال أخيه ومنافسه مولاى مسلمة وسرعان ما حلت الهزيمة بمسلمة، فرحل إلى المشرق وعاش فيه. وفى نهاية عام 1206 هـ (1792 م) قام سليمان بحملة خائبة أراد بها تأديب عرب آنفاد وهى قبيلة عربية تعيش حول وجدة كانت تنهب القوافل ووفود الحجيج. على أن مولاى هشاما كان لا يزال صاحب الغلبة فى الحوز بمراكش، وفى نهاية عام 1207 هـ (1793 م) أنفذ مولاى سليمان أخاه مولاى الطيب لقتال الشاوية ولكنه

هزم. وفى عام 1208 هـ (1793 - 1794) ثارت الجبالة، وهى القبائل التى كانت تقطن الكتلة الجبلية التى إلى الشمال الغربى (الأخماس، وبنو يدير، وبنو جرفط، وغزاوة. . إلخ) بتحريض "طالب" يدعى محمد بن عبد السلام زيطان الخمس. وحلت الهزيمة بالخمسى فى الالتقاء الأول بين الفريقين، وقضت جنود مولاى سليمان قضاء تامًا على الثوار، وأسرت زيطان، ثم أطلقت سراحه وعين شيخًا للقبيلة، وأصبح من أقوى المؤيدين للحكومة. وكان مولاى هشام صاحب الغلبة دائمًا فى حوز مراكش حيث تبعته قبائل دكّالة، وعَبْدة، وأحمر، والشياظمة، وحاحة، والرحامنة. غير أن الخلاف سرعان ما دب بين هذه القبائل، فاستغل مولاى سليمان هذه الفرصة، وبدأ بالهجوم على فريق من الشاوية وهزمه. وأرسل إليه الرحامنة فى عام 1210 هـ (1795/ 1796). وفدًا دعاه إلى المسير إلى مراكش فشن الغارة وعلى الشاوية وقطع دابرهم، ثم أغار على بلاد دكّالة واستولى على أزّمور سنة 1211 هـ (1796/ 1797 م) ثم وجه همه إلى مراكش وما إن اقترب منها حتى ذر مولاى هشام إلى جبال أطلس. واحتل مولاى سليمان قصبة الجنوب، وبسط سلطانه على قبائل الحوز، والدير والسوس وحاحة وعلى مدينة مغادر. وبعد ذلك بقليل خضع عبد الرحمن بن ناصر "قائد" عبدة للسلطان، وكان من أخلص أتباع مولاى هشام، وسرعان ما حذا حذوه مولاى هشام بعد أن أصبح وحيد، بلا نصير. وغدا مولاى سليمان من ثم صاحب السلطان المطلق على مراكش جميعًا لا ينازعه فيها أحد. وما إن توطد سلطان مولاى سليمان حتى قام بعدة حملات ثانوية لتأمين حدود دولته؛ وكان الترك فى بلاد الجزائر قد استولوا على وجدة، وبسطوا سلطانهم على القبائل المجاورة لهذه المدينة. فأرسل مولاى سليمان فى عام 1211 هـ (1796/ 1797) جنوده فأعادوا فتح هذه البلاد دون أن يلقوا فى ذلك صعوبة. وكانت ثمة حملة على السوس فى عام 1213 هـ (1798 - 1799 م)

وحدثت الحملة غير الموفقة على قبائل البربر فى آيت ومالوا عام 1215 هـ (1800 - 1801 م)، وحملته على بلاد درعة فى عام 1216 هـ (1801 - 1802 م) وحملة على الريف فى عام 1217 هـ (1802 - 1803 م) لجمع الضرائب وحدثت فهى عام 1218 هـ (1803 - 1804) الحملة على إيت إدراسن فى جبال أطلس الوسطى وعلى قبائل الصحراء (تُدْغة، وفركلة، وغرَيس، تافيلالت). وبلغت قوة مولاى سليمان أوجها آنئذ، ونعمت مراكش بالسلام والرخاء عدة سنوات. على أن هذه الفترة لم قدم للأسف طويلًا، إذ اضطر السلطان إلى قضاء السنوات الأخيرة من حكمه يشن الحملات كل سنة تقريبًا. ففى عام 1222 هـ (1807 - 1808 م) كانت هناك حملة على تادلا وكراره. وقامت سنة 1223 هـ (1808 - 1809) حملة جديدة على آيت ومالوا أجبرتها على أداء الجزية. وقامت سنة 1224 هـ (1809 - 1810 م) حملة على تادلا وآيت يسرى وحملة أخرى سنة 1225 هـ (1810 - 1811 م) على الريف. وسرعان ما تغيرت الحال بعد ذلك، فإن ثورة البربر القومية فى أطلس الوسطى، تلك الثورة التى أثارها عسف السلطة المركزية المستعربة، قد عرضت الإمبراطورية للخطر، وجرت مراكش إلى حافة الفوضى. ففى عام 1226 هـ (1811 - 1821) ثارت كروان وآيت ومالوا بزعامة مهاوش وحلت الهزيمة بالحملة الأولى التى أنفذت لإخضاعها عند آصروا وأنفذ السلطان سنة 1227 هـ (1812 - 1813) حملة إلى الريف لتأديب عدة قبائل شرقية، وخاصة القلعية الذين كانوا يبيعون القمح للنصارى رغم تحريم السلطان ذلك. وقد كللت هذه الحملة بالنجاح وإن لم تأت بنتائج دائمة ومن ثم خرج السلطان فى العام التالى 1228 هـ (1813 - 1814 م) إلى الريف وفى صحبته جند من العرب ومن بنى مالك ومن سفيان وأعمل السيف والنار فى الريف. وخرجت فى عام 1230 هـ (1814 - 1815 م) حملته إلى إقليم مراكش لتأديب قبائل دكّالة وعبدة والشياظمة المشاغبة. وأرسل السلطان فى عام 1231 هـ (1815 - 1816 م)

ولده مولاى إبراهيم لتأديب القبائل العربية والبربرية على اختلافها فى الصحراء، وهى قبائل صباح وآيت عطه التى كانت قد استولت على الحصون (القصور) التى شيدها فى هذه الجهات مولاى إسماعيل. وقد باءت هذه الحملة بالخيبة مما جعل السلطان يخرج بنفسه على رأس حملة ثانية، وكان مصيرها النجاح التام. على أن العدو الذى سبب للسلطان أعظم المصاعب كان هو الكتلة البربرية فى أطلس الوسطى التى ثارت فى مناسبات كثيرة على حكم العرب، وكثيرًا ما هددت مدينة مكناس. ولم يفلح السلطان قط فى كبح جماحهم، وكانت مقاومتهم العنيدة سبب الخلافات الداخلية التى أصابت خاتمة عهده بالاضطرابات. فقد رفضت صنهاجة أطلس الوسطى، وخاصة حلف آيت ومالوا من أهل جبل فازاز الخضوع للسلطة المركزية، وعزم السلطان فى عام 1234 هـ (1818 - 1819 م) على إخضاعهم بجنود من العرب والبربر (زمور، وكروان وآيت إدراسن) ولكن مولاى إبراهيم ابن السلطان جرح جرحًا مميتًا بسبب تقاعس زمور، وأسر رجل من البربر السلطان نفسه، ولكنه أطلق سراحه آخر الأمر. وألهب هذا النجاح حماسة البربر الوطنية فهبوا بزعامة أحد المرابطين المحليين ويدعى محمدًا أورناصر مهاوش لقتال جميع العناصر التى تتكلم العربية فى مراكش. وقد قضت هذه الصدمات التى تلقاها سليمان على مكانته، فكانت نهاية عهده سلسلة من الفتن لقى صعوبة كبيرة فى القضاء عليها. ففى الوقت الذى كان فيه السلطان بمكناس يدفع عنها البربر، خرج أهل فاس على الصّفار واليه عليها فعاد السلطان إلى فاس وهاجم البربر جيشه وهو فى الطريق إليها، وخرج سنة 1235 هـ (1819 - 1820) لتهدئة الهبط ثم شخص إلى مراكش. ونهبت الودايا فى غيبته مدينة فاس ونشب الخلاف بين أهل المدينة وانتهى بهم الأمر إلى طلب معونة البربر على الودايا، وسرعان ما تخلى أهل فاس بالاتفاق مع البربر عن مولاى سليمان

المصادر

وولوا عليهم مولاي، إبراهيم بن يزيد الذى بايعه أيضًا فريق من أهل الشمال الغربى من مراكش وخاصة أهل تطوان. وتوفى مولاى إبراهيم بعد عودته إلى المدينة ونودى بأخيه مولاى سعيد سلطانًا. وعند ذلك غادر السلطان مولاى سليمان مراكش وحاصر فاس. واستمر الحصار حتى رجب عام 1237 (مارس - إبريل عام 1822). وأرسل السلطان أثناء هذه الفترة حملة لمباغته تطوان وأقرت الأمور فى أقليم تازا. واستعاد السلطان فاس ووطد الأمر فى الشمال، ثم خرج إلى الجنوب حيث اضطر إلى قتال قبيلة الشراردة العربية التى كانت تعيش بالقرب من مراكش. وفكر مولاى سليمان، وقد أنهكه الحكم، فى التنازل عنه لابن أخيه مولاى عبد الرحمن بن هشام، وإذا بالمنية تدركه فى الثالث عشر من ربيع الأول عام 1328 (28 نوفمبر عام 1822) بمراكش، وبها دفن. وقد حفل عهد سليمان بالأحداث والفتن، إلا أنه أشتهر بالورع والعدل والإحسان. مثال ذلك أنه ألغى المكوس كما بنى كثيرًا من العمائر. المصادر: (1) أبو القاسم الزيانى: الترجمان المعرب، طبعة Houdas, النص، ص 92، الترجمة، ص 169 (2) محمد أكنسوس: الجيش العرمرم، طبعة حجرية، فاس سنة 1336, جـ 1، ص 181 (3) أحمد الناصرى: الاستقصاء، جـ 4، ص 129 - 172، الترجمة فى Arch,marocaines جـ 9، ص 384 - 339؛ جـ 10، ص 1 - 105. ونظم سليمان الحوت قصائد فى مدح مولاى سليمان، غير أن هذه المجموعة، وليست لها قيمة تاريخية، لا تزال مخطوطة. الشنتناوى [كولن Georges s. Colin] سليمان بن وهب ابن سعيد أبو أيوب: وزير من وزراء العباسيين، ينتمى إلى أسرة كانت فى الأصل على المسيحية ثم اعتنقت الإسلام فيما بعد. وكان أبوه فى خدمة جعفر بن يحيى البرمكى. ثم خدم

المصادر

الفضل بن سهل ولما توفى الفضل ولى على فارس وكرمان. وقد أصبح سليمان وهو فى الرابعة عشرة من عمره كاتبًا للخليفة المأمون، ثم إلتحق بعد ذلك بخدمة القائدين إيتاخ وأشناس. وقد شغل إيتاخ عدة مناصب هامة فى عهد الخليفة المتوكل، ولكنه ذهب آخر الأمر ضحية قسوة الخليفة. وقد ورد ذكر سليمان بصفته من الوزراء منذ عهدى المهتدى (255 - 256 = 869 - 870 م) واستوزره المعتمد فى ذى الحجة عام 263 أغسطس عام 877). ولكنه لم يظل طويلًا فى هذا المنصب، إذ صرف عنه فى ذى القعدة عام 269 (بداية أغسطس عام 878). وتوفى سليمان فى السجن فى شهر صفر عام 272 أغسطس عام 885) أو فى العام السابق له كما جاء فى رواية أخرى. المصادر: (1) ابن خلكان: وفيات الأعيان، طبعة فستنفلد، رقم 276, ترجمة ده سلان، جـ 1، ص 596. (2) تاريخ الطبرى، طبعة ده غوى، جـ 7، الفهرس. (3) ابن الأثير: الكامل طبعة تورنبرغ، جـ 8. فى مواضع مختلفة. (4) ابن الطقطقى: الفخرى، طبعة درنبورغ ص 337 - 341، 344، 347، 350، 373، 375. 2 - ابن صاحب الترجمة السابقة، إسمه عبد اللَّه بن سليمان: وقد بدأ عبيد اللَّه حياته العامية كاتبًا، ثم ترقى إلى منصب الوزارة فى عهد الخليفة المعتمد فى شهر صفر عام 278 (يونية عام 891) كما شغل هذا المنصب أيضًا فى عهد المعتضد؛ وتوفى 288 هـ (900 - 901). المصادر: (1) تاريخ الطبرى، طبعة ده غوى، جـ 3، انظر الفهرس. (2) ابن الأثير: الكامل، طبعة تورنبرغ، جـ 7، ص 96، 219، 227، 309، 317، 328، 323، 366. (3) ابن الطقطقى: الفخرى، طبعة دورنبورغ، ص 337، 347، 349، 373، 375.

المصادر

3 - أبو الحسين القاسم، حفيد سليمان، وقد خلف أباه عبيد اللَّه على دست الوزارة وتلقب بوالى الدولة، وكان أبو الحسين يتآمر على المكتفى ابن الخليفة المعتضد وولى عهده حتى قبل موت المعتضد عام 289 هـ (9002 م) ولما ولى العرش أمر أبو الحسين بقتل والى فارس وهو رجل حر يدعى بدرًا لأنه كان موضع ثقته فخشى أن يشى به. وتوفى القاسم عام 291 هـ (903 - 904 م). المصادر: (1) تاريخ الطبرى، طبعة ده غوى، جـ 3، انظر الفهرس. (2) ابن الأثير: الكامل، طبعة تورنبرغ، جـ 7، ص 335، 352 وما بعدها 369. (3) ابن الطقطقى: الفخرى، طبعة درنبورغ، ص 349 - 353، 372 ما بعدها. (4) Gesch. der Chalifen: Weill جـ 2، ص 516 وما بعدها، 539. الشنتناوى [تسترشتين K.V.Zeltersteen] سماع (أما الصيغة التى ذكرها ده ساسى Grammaire Arabe: De sacy, جـ 1، ص 347 , هى سماع بكسر السِّين فلا أساس لها من الصحة قط؛ انظر Fleischer: Klein schr جـ 1، ص 260) مصدر سمع، مثله مثل سَمْع وسمع، ومعناه حس الأذن، ويرد كثيرًا بمَعنى ما يصل إلى السمع كالموسيقى والإنصات إليها، ومثل الاستماع (Lane: Lexicon، ص 1247 ب , 1429 ب؛ لسان العرب، ص 26 وما بعدها). ولم يرد هذا اللفظ فى القرآن الكريم وإن كان من الألفاظ العربية القديمة حتى إذا ورد بمعنى "الغناء أو الأداء الموسيقى"، (Lane, ص 1617 ب، تحت كلمة "مشار" والمصادر التى ذكرها فى هذا الموضع). ويقال فى أصول اللغة والنحو "السَّماعى" وهو ضد القياسى (ده ساسى: المصدر المذكور؛ Lane، ص 1429 ب). ويرد فى علم الكلام هو و"سمع" بالمعنى نفسه، ويكون بذلك ضد العقل (Die Richtungen der isl. Korannauslegung: Goldziher, ص 136

المصادر

وما بعدها ص 166). ولكن أهم استعمال للسماع بالمعنى الاصطلاحى هو بلا شك استعمال الصوفية له، وهو يدل عندهم على الاستماع إلى الموسيقى أو الغناء أو الإنشاد لبلوغ حالة "الوجد"، وكذلك على مثل ذلك مما يؤدى بالصوت أو بالآلات الموسيقية. وقد أفرد الغزالى لهذا الموضوع كله من جميع نواحيه كتابًا من مؤلفه الإحياء، وهو الكتاب الثامن فى الأبواب الخاصة بالعادات، جـ 6، ص 554 إلى آخر هذا الجزء. وذلك فى النسخة التى عليها شرح إتحاف السعادة وقد ترجم د. ب ماكدونالد (Journal of the Royal Asiatic socity: Macdonald D.B، 1901 م، عدد 2) هذا الكتاب وعلق عليه وحلله وهو العمدة فى الإسلام عن موضوع بلوغ حالة الوجد بهذه الوسائل ونواحيه الفقهية والنفسية والدينية والجمالية. وينظر الغزالى إلى هذا الموضوع نظرة الصوفى العريق الخبير بالوجد، والسنى الأشعرى الشافعى. والكتاب من حيث موضوعه هو لب مؤلفه الإحياء. أما الهجويرى، وهو كاتب فارسي أقدم من الغزالى، وصوفى أعرق منه فى علم الكلام وإن ظل مستمسكًا بسنيته الواضحة البينة، فقد خص هذا الموضوع بفصل من كتابة "كشف المحجوب" (انظر ترجمة هذا الكتاب فى سلسلة كب التذكارية، جـ 17، بقلم نيكلسون R.A.Nicholson، ص 393 - 420؛ وانظر أيضًا Mystics of islam, studies in islamic Mysticism للكاتب نفسه الفهرس؛ Masignon: La passion d'Al-Hallag الفهرس، وخاصة ص 780، 795 وما بعدها). وقد أفرد القشيرى أيضًا فصلا من رسالته لهذا الموضوع (انظر القشيرى: الرسالة، مع شرح العروسى وزكريا، بولاق 1920 م، جـ 4، ص 122 - 146؛ وانظر فى ذلك Allkushairs Darstellung des sufitins: R.Hartmann، ص 134 - 148). وثمة وصفان ينبضان بالحياة لمجالس السماع عند الدراويش الرفاعية فى رحلة ابن بطوطة (طبعة باريس، جـ 2، ص 5 - 7). المصادر: ذكرت فى صلب المقال خورشيد [ماكدونالد D.B.macdonald]

سمرقند

سمرقند أن سمرقند هى وبخارى أهم حاضرتين فيما وراء النهر (السغد وما وراء النهر) وسمرقند فى العصر الحديث قصبة ولاية سمرقند فى التركستان الروسية، وهى تقوم على الضفة الجنوبية لنهر السغد (وادى السغد، زرفشان) فى موقع وصفه الرحالة المشارقة وكذلك الرحالة الروس والأوربيون بأنه جنة بحق. وكثيرًا ما يرد الجزء الثانى من هذا الإسم الذى بشتمل على الكلمة الإيرانية الشرقية "قند"، ومعناها مدينة فى أسماء الأماكن الإيرانية الشرقية انظر الكلمة البوذية السغدية "كند"، والكلمة المسيحية السغدية، كث أو كنث) فى حين أن الجزء الأول من الاسم لم يفسر بعد تفسيرًا مقنعًا (انظر محاولات توماشك Centralasiatische studien: Tomoschek جـ 1، ص 133 وما بعدها). وقد ذكرت مدينة سمرقند أول ما ذكرت فى أخبار حروب الإسكندر بالمشرق بصيغة مركنده Maracanda ويسميها آريان Arrian (جـ 3، ص 133 وما بعدها) وقد احتلها الإسكندر عدة مرات إبان قتاله مع السبتاميين spitamenes وسواها بالأرض كما جاء فى رواية إسترابون (جـ 11 , ص 11، س 4)، على أن الرواية العربية تذكر أن الإسكندر هو منشئ هذه المدينة. وكانت سمرقند فى عهد القواد الذين تنازعوا ملك الإسكندر Diadochi - بعد تقسيم عام 323 - تابعة لولاية بلخ Bactria بصفتها قصبة السغد، وقد وقعت فى أيدى السلوقيين هى وبلخ عندما أعلن ديودوتس Diodotos استقلاله، وتأسست المملكة الاغريقية البلخية Graeco-Bactrion فى عهد أنطيوخس الثانى ثيوس Antiochus ii Theos, ومن ثم أصبحت معرضة لهجمات برابرة الشمال. وغدت سمرقند من ذلك الوقت حتى الفتح العربى منفصلة عن إيران من الناحيتين التاريخية والاقتصادية وإن ظل التبادل الثقافى بينها وبين البلاد الغربية متصلًا (انظر عن استيطان المانوية Manichaens سمرقند

Wiener zeitschrift fur die kunde des Mor genlandes: J. Marquart جـ 22، ص 163 وما بعدها، والمحاولات التى قام بها وست E.west للربط بين حين [الصينيون] وجينستان [الصين] فى بندهشن وبهمن يشت وبين سمرقند بعيدة جدًا من أن تقنع أحدًا)، والمعلومات اليقينية الوحيدة هى التى زودنا بها المؤرخون والرحالة الصينيون للقصر الإمبراطورى. ومن سوء الحظ أن الجزء الأكبر من المعلومات التى أوردها هؤلاء المؤرخون لا يمكن الحصول عليها إلا عن طريق الترجمات التى عفّى عليها الزمن. وقد ذكرت مملكة كأنغ كو منذ عهد هان Han وجعلت كأنغ، أهم بقاعها فى حوليات كأنغ، هى عين سا - مو - كيان = سمرقند (انظر الفقرات الواردة rdkunde: C.Ritter، جـ 7، ص 657 وما بعدها). وجاء فى حوليات وى Wie التى جمعت سنة 427 م (انظر F. Hirth: Die chronologie der alt-: J.Marquart turkischen Inschriften، ص 65 وما بعدها) أن أسرة جاو - وو Cau-au التى تنتسب ليو - جى yue-ci (كوشان) كانت هناك منذ العهد السابق على المسيحية. وقد زار هوان - جوانغ Huan-Cuang سا - مو - كيان سنة 620 م ووصفها وصفًا مختصرًا (Memoires sur les contrees occidentales: St.Julien، جـ 2، سنة 1857، ص 18 وما بعدها؛ si.yu-ki, Buddhist Records: S Beal جـ 1، سنة 1884، ص 32 وما بعدها مع تعليق قيم خاص بالمراجع فى صفحة 101). وقد ألفى العرب، الذين لم يبدأوا توغلهم فيما وراء النهر توغلًا منتظمًا إلا بعد أن عين قتيبة بن مسلم واليًا على خراسان، مدينة سمرقند يتولى أمرها طرخون (بالصينية تو - هوين To-hoen) ويدعونا ما جاء فى كتاب الآثار الباقية للبيرونى (طبعة سخاو Sachau، ص 101، س 20؛ وانظر ابن خرداذبة فى المكتبة الجغرافية العربية جـ 6، ص 40، س 5) من أن الحكام الوطنيين لسمرقند يحملون اللقب التركى المعروف طرخان (تركن tarquon فى الكتابات الأورخونية) إلى القول بأن

هذه التّسمية لقب وليست اسمًا كما قد يستدل من المصادر العربية؛ وتنصرف إشارة البيرونى إلى أسرة من الأسر التركية المحلية كانت قد تخلصت من حكم الهياطلة Ephthalit فيما وراء النهر. وفى عام 91 هـ (709 م) تصالح طرخون مع قتيبة على أن يؤدى الجزية للعرب ويقدم لهم الرهائن (الطبرى، جـ 2، ص 1204) غير أن ذلك أغضب رعاياه فخلعوه، وحل محله إخشيذ غورك، واسمه بالصينية أو - لى - كيا U-le-Kia (الطبرى، جـ 2، ص 1229)، ولكن قتيبة أجبر إخشيذ على التسليم فى عام 93 هـ (712 م) بعد أن حاصر المدينة وقتًا طويلًا (المصدر السابق، ص 1247). وقد سمح له بالبقاء على العرش، ولكن أقيم فى المدينة وال عربى ومعه حامية قوية، وغدت سمرقند هى وبخارى قاعدة للفتوح الإسلامية الأخرى ونشر الإسلام فى البلاد؛ وهو أمر كانت تزعزعه فى كثير من الأحيان الفتن التى تثيرها مماحكات الولاة التى أشاعت القلاقل فيما وراء النهر فى العقود الأخيرة من عهد الأمويين (ويمكن الرجوع فى شأن الرواية العربية التى تربط سمرقند بملوك حمير الأسطوريين وتجعل دمارها على يد شمر إبان حملته على الصين، ثم إعادة بنائها على يد الإسكندر -وشمركند معناها شمر الذى دمرها- إلى Eransahr: J. Marquart سنة 1901، ص 26 حيث يجب أن نضيف إلى الإشارات الواردة فى ياقوت ما ورد فى الطبرى جـ 1، ص 890؛ القزوينى: طبعة فستنفلد، ص 360. . إلخ وهذه الرواية فى حاجة إلى بحث يقوم على أساس علمى منهجى). وأعطى الخليفة المأمون العباسى فى عام 204 هـ (819 م) ولاية ما وراء النهر وخاصة سمرقند لأبناء أسد بن سامان، وظلت منذ ذلك العين -دون أن تتأثر بفتن الطاهرية والصفّارية- فى أيدى بيت سامان إلى أن قضى إسماعيل بن أحمد على سلطان الصفارية عام 287 هـ وأسس الدولة السامانية فأتاح بذلك لما وراء النهر قرنا

من الرخاء والازدهار لم تر له مثيلًا إلا بعد ذلك بخمسمائة سنة أيام تيمور وخلفائه المباشرين. صحيح أن القصبة انتقلت إلى بخارى، غير أن سمرقند احتفظت لنفسها بالمكانة الأولى بصفتها مركز التجارة والثقافة وخاصة فى أنظار العالم الإسلامى. والأوصاف التى وردت فى البكرى وابن حوقل والمقدسى إنما تشير إلى هذا العهد. ومنها يتضح أن سمرقند كانت مكونة من الأقسام الثلاثة المأثورة التى تنقسم إليها المدن الإيرانية (انظر barthold جـ 1، ص 180) وهى: القلعة (كهندز ثمَ عرّبت إلى قهندز أو ترجمت إلى قلعة) والمدينة عينها (شهر ستان، شارستان مدينة) ثم الربض والأقسام الثلاثة هنا واردة بترتيبها من الجنوب إلى الشمال. فالقلعة تقع إلى الجنوب من المدينة على مرتفع من الأرض وهى تشمل ديوان الإدارة (دار الإمارة) والسجن (الحبس). وتقع المدينة ذاتها المشيدة بيوتها من الآجر والخشب على تل أيضًا (انظر Islam: E.Herzfeld جـ 11، ص 162 و persien: E. Diez جـ 1، culturen der Erd، جـ 20، Hagen-Dannstat سنة 1932، ص 20)، وقد حفر حول المدينة خندق عميق لأخذ المادة اللازمة لبناء سور اللبن المحيط بها وزودت المدينة كلها بمياه جارية جلبت من الجنوب إلى الميدان المركزى للمدينة المعروف باسم رأس الطاق بوساطة قناة صناعة مغطاة بالرصاص (ولعلها شبكة من الأنابيب الرصاصية؟ ) تجرى فى باطن الأرض. ويظهر أن تاريخها يعود إلى ما قبل العهد الإسلامى، لأن الإشراف عليها كان موكولًا كما هو مذكور صراحة للزرادشت، الذين كانوا معفين من جزية الرءوس لقيامهم بهذه الخدمة. وقد زودت هذه القناة حدائق المدينة الواسعة الأرجاء البديعة بالماء. وللمدينة أربعة أبواب رئيسية: فإلى الشرق باب الصين، وقد أقيم تخليدًا لذكر الصلات القديمة مع الصين الناجمة من تجارة الحرير؛ وإلى الشمال باب بخارى؛ وإلى الغرب باب النوبهار ويشير هذا الأسم إلى معبد قد يكون بوذيًا، وهو أمر مألوف فى بخارى وبلخ. ويوجد إلى الجنوب الباب الكبير أو باب كش (وكلمة باب ترادف

الكلمة الفارسية دروازة). وتتاخم الأرباض السفلى المدينة، وهى تمتد فى اتجاه نهر السغد ويحيط بها سور به ثمانية أبواب. وتقوم فى هذه الأرباض معظم الأسواق والخانات ومخازن السلع التى يندر وجودها فى المدينة ذاتها. وكانت تقوم فى المدينة نفسها دواوين الحكومة السامانية والمسجد الجامع. وإنما يبدأ عهد العمارة الأكبر فى سمرقند بقيام تيمور. ومن المنتجات الوطنية ورق سمرقند، كما يذكر بابر، وقد نقلت صناعته عن الصين، ولهذا الورق شهرة خاصة. ومن أشهر أضرحة هذه المدينة التى ذكرها بابر بصفة خاصة ولا يزال الناس يضعونها موضع التبجيل والاحترام، ضريح قاسم بن عباس الذى يقال إنه أدخل هذه المدينة فى الدين الإسلامى فى عهد عثمان (انظر I.Coldziher: orlesungen uber de islam). ونذكر من أعيان سمرقند فى ذلك العهد الفقيه أبا منصور المانريدى (توفى فى سمرقند عام 333 هـ = 944 م وما تريد أو ما تريب حى من إحياء سمرقند (انظر السمعانى: الأنساب ورقة 498) وكان له أثر حاسم فى تطور الفقه السنى بالمشرق. وقد حكم القراخانية سمرقند بعد سقوط الدولة السامانية) (الإلكخانية، ففى عام 495 هـ (1102 م) كان أرسلان خان محمد القراخانى صاحب السلطة على سجلوق سنجر وظلت سلالته قابضة على السلطة إلى أن أصبح القره خطاى أصحاب الكلمة فيما وراء النهر بعد أربعين سنة، عندما انتصر القره خطاى انتصارًا كبيرًا على سنجر فى قطوان عام 536 هـ (1141 م). وقد زار بنيامين التطيلى مدينة سمرقند حوالى عام 1170 م ووجد بها خمسين ألف يهودى (M.N.Adler: The Itinerary of Benjamin of Tudela لندن سنة 1907، ص 59). وهزم خوارزمشاه محمد بن تكش الكورخانية عام 606 هـ - (1209 م) وحاصر جنكيزخان خصم خوارزمشاة المخيف، سمرقند بضعة أشهر بعد أن عبر نهر سيحون Jaxartes فى طريقة

من بخارى التى دمرها تدميرًا تامًا. ومن حسن حظ هذه المدينة أنها سلمت فى ربيع الأول عام 617 هـ (مايو 1220). وسمح لعدد من أهلها بالبقاء فيها تحت حكم وال مغولى وإن كانت قد نهبت وطرد الكثير من سكانها. وكانت سمرقند فى المائة والخمسين سنة التالية صورة باهتة لما كانت عليه من عز ومكانة. وقد وجد بها ابن بطوطة (جـ 3، ص 52 وما بعدها) حوالى عام 1350 م قليلًا من البيوت المسكونة بين الأطلال. وبدأت المدينة تنتعش عندما أصبح تيمور حوالى عام 771 هـ (1369 م) صاحب الكلمة العليا فيما وراء النهر. واختار سمرقند قصبة لدولته الآخذة فى النمو باستمرار، وراح يزينها بكل آيات الروعة والفخامة. وفى سنة 808 هـ (1405 م) زار المبعوث الأسبانى روى جنز الزده كلافيجو Ruy Gonzzalez de Clavijo هذه المدينة وهى ترفل فى ثوبها المجيد الجديد (انظر الطبعة الأسبانية - الروسية من الرحلة التى أخرجها Sreznevskiy فى shornik. otd. Russk. Jaz سنة 1881، جـ 28، ص 325 وما بعدها، مع فهرس فرنسى قيم)، وذكر أن اسمها المحلى هو Gimerquiente, وهو يقول إن معناه Aldea gruesa أى القرية الكبيرة (الكثيفة). وهذه التّسمية صدى للتحريف التركى للاسم، أساسه اشتقاق شائع يربط بين هذه الكلمة وكلمة سامز Samiz أى كثيف. وقد جمل ألغ بك حفيد تيمور (توفى عام 853 هـ = 1449 م) هذه المدينة بقصره المسمى "جهل ستون" كما شيد بها مرصده المشهور (انظر عنه W.Barthold: Ulugbek i ego vremya, Ross.Akad Nauk, 1918) ونجد وصفًا مستفيضًا لهذه المدينة أيام تيمور فى مذكرات بابر (بابر نامه، طبعة Ilminski، ص 55 وما بعدها؛ طبعة Beveridge؛ ص 54 وما بعدها؛ ترجمة Pavet de Courteills جـ 1، ص 96 وما بعدها ترجمة Baveridge ص 74 - 86) الذى استولى على سمرقند لأول مرة عام 906 هـ (1497 م) واحتفظ بها بضعة أشهر، ويمكن أن نعد هذا الوصف آية من الآيات. وفى عام 906 هـ (1500 م) استولى عليها منافسه تيمور أوزبك

المصادر

خان شيبانى، وبعد وفاة أوزبك تحالف بابر مع إسماعيل شاه الصفوى أفلح فى الظفر مرة أخرى بفتح ما وراء النهر واحتلال سمرقند، ولكنه اضطر فى العام التالى إلى الانسحاب انسحابًا تامًا إلى مملكته الهندية تاركًا الميدان للأوزبكيين ولم تكن سمرقند فى عهد الأوزبكيين إلا قصبة بالاسم دون الفعل، ذلك أنها قد تخلفت كثيرًا عن بخارى. ودخلت سمرقند فى مرحلة جديدة بتقدم الروس مجتازين نهر سيحون. ففى الرابع عشر من شهر نوفمبر عام 1868 دخل القائد كاوفمان Kauffmann العاصمة التيمورية القديمة، وكانت فى ذلك الوقت فى أيدى مظفر الدين (1860 - 1885 م) أمير بخارى. وقد قامت منذ عام 1871 مدينة روسية جديدة إلى الغرب من مدينة سمرقند ربطت بالسكة الحديدية مع الخط الحديدى الخاص ببلاد ما وراء بحر قزوين Transcapian railway. وجددت القلعة عام 1882, وبلغ عدد سكان المدينة سنة, 1890، حوالى 85 ألف نسمة. وليس لدينا معلومات موثوق بها عما حدث من تغيرات منذ عام 1917. ومن المؤسف أنه تنقصنا أيضًا الأوصاف التاريخية الدقيقة الكاملة لآثار العمارة هناك، ومن ثم لا نستطيع أن نذكر أى ثبت بها فى هذه المادة (انظر W.Barthold: Die geogr. u hist Erforschung d. Orients ص 173، 179). المصادر: (1) Centralasiatische studien: Tomaschek جـ 1؛ Sagdiana فى S.B. Ak Wien سنة 1887، جـ 87، ص 79 وما بعدها، 130 وما بعدها، 125 - 143 (2) Die chronologie der altturkischen inschriften: J. marquart، سنة 1898. ص 7 وما بعدها، 33 وما بعدها، 56 وما بعدها (3) Das arabische Reich and sein sturz: J. Welthausen، سنة 1902، ص 268 وما بعدها؛ 284 وما بعدها (4) Recherches sur la domination arabe Verh. Ak. Amst: G.Van Vloten , سنة 1894 , جـ 1، رقم 3)

(5) المكتبة الجغرافية العربية، جـ 1، الإصطخرى، ص 316 وما بعدها؛ جـ 2، ابن حوقل، ص 365 وما بعدها؛ جـ 3، المقدسى، ص 278 وما بعدها. (6) ياقوت: المعجم، طبعة فستنفلد جـ 3، ص 133 ما بعدها (7) القزوينى: آثار البلاد، طبعة فستنفلد، ص 391 وما بعدها (8) ابن بطوطة، طبعة Defremery sanhuinetti جـ 3، ص 52 وما بعدها (9) The Lands of the Eastern coliphate: Guy Le strange، سنة 1905، ص 460، 463 وما بعدها. وانظر أيضًا المؤلفات التاريخية. أما عن العهد المتأخر فلن نذكر بالإضافة إلى ما ورد فى مادة بخارى الهامة سوى: (1) The Book of ser Marco pol: Sir Henry Yule، جـ 1، ص 191 وما بعدها (2) Hans schildbergers Reisebuch: Val.Langmantel Bible. des Literar.Vereins in stuttgart) سنة 1885 جـ 172، ص 61) (3) Geschichte Bocharas oder Transoxaniens: H.Vambery، جـ 1، قسم 2، سنة 1872. (4) النقد الذى كتبه A van Gutschmid فى Kleine Schriten جـ 3 (5) DasMittleres serafschantal, Z, G. Erdk. Berl: W. Redloff, سنة 1871، جـ 6، ص 401 وما بعدها، 497 وما بعدها (6) sisch-CentralAsien: Henry Lansdell نقله إلى الألمانية v.Wobeser سنة 1885، ص 455 وما بعدها (7) مادة سمرقند فى Russian Enciklopediceskij slovar: Brochhaus جـ 28، ص 181 وما بعدها بقلم W. Masalskij (8) Die baudenkmaler von samarkand: von schubert soldern فينا 1898/ 1899. (9) Les Mosquees de samarcande سانت بطرسبرغ سنة 1905 وما بعدها. ونجد مصادر أخرى وخاصة فى المؤلفات الروسية الحديثة، فى W. Barthold: Die geogr. u, histor Erfoschung des Orients سنة 1913، ص 217، 220 وما بعدها. الشنتناوى [شيدر H.H. Schaeder]

السمهودى

السمهودى نور الدين أبو الحسن على بن عبد اللَّه بن أحمد، سليل الحسن بن على، كما يستدل من شجرة النسب التى تتبعها ابن فهد. ولد السمهودى فى سمهود من أعمال سعيد مصر فى شهر صفر سنة 844 هـ حيث كان أبوه من فقهائها المعروفين، وأخذه أبوه إلى القاهرة لأول مرة سنة 853 هـ، إلا أنه زارها من بعد فى عدة مناسبات، إما وحده وإما صحبة أبيه الذى أراد أن ييسر له أن يواصل دروسه على أشهر رجال عصره، وقد خلع عليه الولى الصوفى العراقى جبة الصوفية؛ وخرج للحج أول مرة سنة 860 واستقر فى المدينة. وكانت له أول الأمر صومعة قرب مسجد الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، ولكنه اضطر بسبب الدسائس إلى الرحيل عنها. ثم أستأجر بيتًا قرب باب الرحمة يعرف ببيت تميم الدارى. وكان قد لاحظ عند وصوله أن مسجد الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] لم بصلح الإصلاح الواجب منذ احترق سنة 654، وأنه طوال هذا الوقت الطويل الذى يربو على مائتى سنة لم يرمم إلا ترميمًا جزئيًا؛ وقد كتب رسالة حث فيها على تجديده التجديد اللائق معتمدًا فى ذلك على أبحاث كان قد قام بها فيما يختص بحالة البناء الأصلية؛ وخرج السمهودى إلى مكة سنة 886 ليؤدى فريضة الحج مرة أخرى، وفى غيبته امتدت الحريق التى دمرت المسجد إلى مكتبته العامرة؛ ويبدو أنها كانت محفوظة فى الصومعة التى بقرب المسجد. وغلبه اليأس على أمره فعاد إلى مصر. وزار أمه العجوز التى توفيت فى سمهود بعد وصوله بعشرة أيام. وشيع السمهودى جنازتها، ثم عاد إلى القاهرة حيث دخل فى حاشية السلطان قايتباى وحصل منه على راتب ونواة من الكتب الثمينة يجدد بها مكتبات المدينة، ووكل أمرها إليه. وزار السمهودى بيت المقدس، ثم عاد إلى المدينة فى أخريات عام 890، ووجد أن بيت تميم كان معروضًا للبيع فاشتراه وأصلحه الإصلاح المناسب. وتزوج بأكثر من واحدة ولكنه طلقهن فيما بعد، واكتفى بالإماء حتى ينفسح له الوقت

المصادر

للانقطاع إلى ما فيه خير الناس وتعليمهم. وتوفى السمهودى فى يوم الخميس الثامن عشر من ذى القعدة سنة 911 هـ ودفن فى مقبرة البقيع بين قبرى سيدنا إبراهيم والإمام مالك. وأهم كتبه الكثيرة؛ التى ألفها أثناء إقامته فى المدينة كتابه فى "تاريخ المدينة"، وكان قد وضع له خطبة واسعة وسماه "الوفا بأخبار دار المصطفى"، ونزل على رغبة أحد الأولياء فوضع لهذا المصنف مخصرًا سماه "وفاء الوفا" أتمه فى الرابع والعشرين من جمادى الآخرة سنة 886, وكان يحمله معه عندما أتت الحريق على مكتبته فى المدينة، وكان هذا التوفيق السبب فى انقاذ أهم محتوياته؛ ووضع فيما بعد ملخصًا لهذا المختصر، أتمه حسبما جاء فى بعض المخطوطات والنسختين المطبوعتين (بولاق 1285 هـ ومكة 1316 هـ)، سنة 893 هـ، وأطلق عليه اسم خلاصة الوفاء، وقد غدا هذا المصنف عمدتنا فى استقاء المعلومات عن تاريخ المدينة وخطتها وعما يتصل بزيارة قبر الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وقد ألف السمهودى علاوة على ذلك عددًا من المصنفات الأخرى ذكر منها بروكلمان تسعة فى GA.L، وأضاف إليها من ترجموا له من المصنفين المسلمين عددًا آخر لعله فقد؛ ويشمل هذا العدد كتبًا فى النحو والحديث وعلم الكلام والفقه ومناسك الحج، ويجدر بنا أن نوجه النظر بصفة خاصة إلى مجموعة فتاويه وقد جمعها فى مجلد واحد حوى جميع فروع الفقه، ويبدو أنها تتضمن تلك المناقشات العقيمة التى كانت هى الموضوع المفضل عند المؤلفين العرب فى تلك الأيام. المصادر: (1) السنا الباهر، ملحق المتحف البريطاني 684، 166، الورقة 193. (2) "خلاصة الوفاء"، بولاق 1285 ومكة 1316 هـ. (3) Geschichte der stadt Medina nanch samhudi: Wustenfeld، كوتنكن 1880. (ترجمة موجزة "للخلاصة") (4) DieGeschichtsschreiber der Araber und ithre werke: Wustenfeld، ص 507

السموأل

(5) Gescgichte der Arabischen Litteratur: Brockelmann جـ 2، ص 173 صبحى [كرنكوف F Krenkow] السموأل ابن عاديا، أو السموأل بن غريض ابن عاديا وهو الأصح: شاعر عربى قال البعض أنه من أصل يهودى كان مقامه فى حصن الأبلق المنيع قرب تيماء. وكان السموأل معاصر لامرئ القيس، ونخلص من هذا إلى أن ذكره قد نبه بلا شك فى منتصف القرن السادس الميلادى. ويقال أن حفيدًا من أحفاده قد أسلم وامتد به العمر حتى طعن فى السنن وأدرك معاويه، وقلما نجد فى الروايات أثرًا يدل على أنه يهودى اللهم إلا اسمه، بل إنه ليعوزنا الدليل على أنه من أصل يهودى. وقد جمع شيخو فى طبعته للديوان كل القصائد التى نسبت للسموأل. ولا نستطيع أن نقول بصحة الجزء الأكبر من القصائد القليلة التى نسبت إليه، ومن ذلك القصائد التى توحى إلى الذهن للوهلة الأولى أنها من نظم يهودى. أما بقية القصائد التى لا موجب للشك فى صحتهما، فقد خلت من آية إشارة إلى القول الذى لا يشك فيه، وهو أن السموأل كان يدين باليهودية. ذلك أنها أقرب ما تكون إلى روح الشعر العربي القديم وهى تدل فى قالبها ومادتها دلالة واضحة على أن السموأل كان قد أضحى كإخوانه فى الدين متشبعًا فى الظاهر بالمحيط العربي الذى يعيش فيه واحتذى فى الشعر القوالب العربية. وقد وصلت إلينا أيضًا قصائد نسبت إلى ابن السموأل وإلى حفيد من أحفاده. ولا ترجع شهرة السموأل إلى شعره بقدر ما ترجع إلى صدقه فى الوفاء بالعهد الذى عاهد عليه خيفة امرئ القيس؛ حتى لقد ضرب بوفائه المثل فقيل "أوفى من السموأل" وتروى فى ذلك قصة يظهر أنها صحيحة فى أهم تفصيلاتها، وهى أن أمرئ القيس كان يعيش عيشة قلقه مليئة بالمغامرات فى سبيل أن يثأر لأبيه، وأنه فقد معظم أتباعه وهو يفر أمام المنذر ملك الحيرة، ولم يكن منه إلا أن فزع آخر الأمر إلى

المصادر

حصن السموأل فأكرم السموأل وفادته هو وأتباعه القليلين. وحدث من بعد أن شخص امرؤ القيس إلى بلاط الروم فى بوزنطة، وترك ابنته وابن عمه فى رعاية السموأل، كما ترك له سلاحه الثمين وما بقى له من ميراث أبيه أمانة فى عنقه. وفى غيبة امرئ القيس حاصر أحد الجيوش السموأل فى حصنه؛ ويظن أن هذا الجيش أنفذه المنذر، فقد أبى السموأل أن يسلم ما إئتمنه عليه ضيفه، واتفق أن وقع ابن من أبناء السموأل أسيرًا فى يد قائد جيش العدو، وهدد القائد بقتله إن لم يسلم السموأل وديعة امرئ القيس وأبى السموأل فى غير تردد أن يخون الأمانة، وآثر أن يرى ابنه يقتل أمام عينيه. وعندئذ انسحب المحاصرون دون أن ينالوا مأربهم. المصادر: (1) Diwan d'as-Samaou'l d'apres la recension de Niftawaihi: L.Cheikho بيروت 1909. (2) كتاب الأغانى، بولاق 1285 هـ، جـ 6، ص 87 - 89؛ جـ 8، ص 82 وما بعدها؛ جـ 14، ص 98 - 101 (3) Arabum Proverbia: G.W.Freytag، جـ 2، ص 828 - 830 (4) ياقوت: معجم البلدان، طبعة فستنفلد، جـ 1، ص 94 - 96 (مادة الأبلق) (5) الحماسة، طبعة فريتاغ، جـ 1، ص 49 - 54؛ جـ 2 ص 94 - 104 (6) Judisch-Poesien aus vormuhammedanischer Zeit: Fr. Delizsch، ليبسك 1874 م (7) J.Q.R.: H.Hirschfeld أبريل 1905، J.R.A.S، ص 363 وما بعدها، 1001 وما بعدها (8) Th.Noldeke: Beitrage zur Kennt nis der poesie der Alten Araber، هانوفر 1864، ص 52 - 86. (9) Die Arabische Literatur der Juden: M. Steinschneider، فرانكفورت على الماين، 1902، ص 4 وما بعدها (10) R.Geyer: السمؤال ابن عاديا فى Zeitschrift fur Assyrologie، 1912 م، جـ 27، ص 173 - 183 (11) The relations between Arabs and israelites prior to the rise of islam: D. S. Margoliouth، لندن 1924 خورشيد [باريه R.Parlet]

سنان

سنان يعرف عادة باسم قوجه معمار سنان أعظم مهندسى العمارة العثمانيين، خرج من قيصرية من أعمال الأناضول، حيث ولد فى التاسع من رجب سنة 895 هـ (15 أبريل سنة 1589 م) من أبوين مسيحيين، وقد لقب أبوه من بعد بعبد المنّان، على أن اسمه الحقيقي غير معروف، وأصله غير التركى (مهتدى) لا شك فيه، ولم يكن قط موضع خلاف بين معاصريه أو بين علماء الترك الأثبات كافة. وقدم سنان وهو بعد حدث إلى السراى فى إستانبول مع زمرة من الشباب المجندين (دو شرمه)، ثم أصبح إنكشاريًا، وأبدى شجاعة فى الحملات التى شنت على بلغراد (1521) ورودس (1522) فرقى إلى رتبة زنبركجى باشى، أى كبير العمال الذين يطلقون الألعاب النارية، وأظهر براعة خاصة فى الحرب الفارسية (1534) عندما ابتكر زوارق لعبور بحيرة "وإن" ثبتت صلاحيتها ثباتًا ملحوظًا. وظل سنان يرقى سلم الوظائف حتى عين صوباشى (مأمور قضائى)؛ وكان فى حاشية السلطان سليم الأول عندما تقدم السلطان صوب إقليم الأفلاق، وأقام جسرًا على الدانوب زاد من الإعجاب به، وكان هو الدعامة التى قامت عليها شهرته، ومن يومها اشتغل فى بناء المساجد والقصور فحسب بتكليف من السلطان وأعيان الدولة؛ وقد أكثر القول بأنه بدأ فى بناء مسجد سليميه عقب وفاة سليم الأول مباشرة (يقوم مسجد سليمية على قمة التل الخامس فى إستانبول وتم بناؤه سنة 1522) وهذا القول مستحيل وإن بنى على أساس من تسلسل التواريخ. وتوالت منشآت هذا المهندس العظيم فى جميع أرجاء الدولة العثمانية متعاقبة تعاقبًا سريعًا يحير الألباب منذ أواخر العقد الرابع للقرن السادس عشر، وكان تشييد معظمها بتكليف من سليمان القانونى. ولا يتسع المقام إلا لذكر مساجده الكبرى: ففى سنة 1539 شيَّد مسجد روكسلانه (خاصكى خرَّم)، وفى سنة 1548 شيد مسجد الأمراء، وفيما بين عامى 1550/ 1556 مسجد

سليمانيه، وفيما بين عامى 1551/ 1574 مسجد سليميه فى أدرنه بتكليف من سليم الثانى، وهو أبدع ما شيد من مساجد، أضف إلى هذا أنه بنى عددًا لا يحصى من المساجد الصغيرة والقصور والمدارس والجسور والحمامات وما إلى ذلك، وقد أحصى الشاعر مصطفى ساعى كاتب سيرته: 81 مسجدًا جامعًا و 50 مسجدًا و 55 مدرسة و 7 مدارس لتحفيظ القرآن الكريم و 16 مطعمًا للفقراء (عمارت) و 3 ملاجئ للعجزة و 7 قناطر معلقة و 8 جسور و 34 قصرًا و 13 إستراحة و 3 مخازن و 33 حمامًا و 19 ضريحًا ذات قباب (تربه) ومجموع هذه المنشآت 343 عمارة. وظل سنان يشيد العمائر فى كل مكان من البوسنه إلى مكة مدة قدرها ثلاثة أرباع القرن. ويقول كيرلت Corn Gurlitt إن سنان قد أظهر براعة لا نظير لها فى استخدام القبة، فقد كان يشيد قاعدة مربعة أو مسدسة أو مثمنة يقيم عليها مبانيه الداخلية، محاولًا دائمًا أن يكون هدفه رواقًا رسميًا عظيمًا، أو قل بناء متناسقًا يضم المتعبدين من أولى الأمر وأتباعهم. وكان يهتم قبل كل شئ بداخل البناء ويضحى فى سبيله بالمظهر الخارجى عن طيب خاطر. على أن خصائص الشخصية التركية كانت كما يقول كيرلت تتجلى فى كل عمائره، ذلك أنه كان يستحدث فى كل منها نماذج فيها من الطراز البوزنطى وفيها من الطراز الفارسى، وفيها من الطراز الشآمى وفيها من الطراز السلجوقى ولكن يغلب عليها الطابع التركى (انظر Konstantinopil: C.Gurlitt، برلين 1909، ص 93)، وكان لسنان تلاميذ كثيرون يعاونونه، نذكر منهم أحمد أغا، وكمال الدين، وداود أغا -وقد قتل لأنه كان من أحرار الفكر (انظر حديقة الجوامع، جـ 1، ص 198)، ويتيم بابا على، ويوسف، وسنان الأصغر، وكثيرًا ما خلط الناس بينهما، ودفعًا لذلك سمى سنان الأكبر بسنان "المُسِنَ"؛ ويقال إن يوسف، تلميذه المحبوب، هو المهندس الذى شيد قصور لاهور ودلهى وآكره للإمبراطور أكبر، وتوفى هذا المهندس التركى العظيم الذى كان بمثابة ميخائيل أنجلو عند الترك وقد أشرف على التسعين (وهو يشبه فى ذلك ميخائيل

1 - المساجد الجامعة

أنجلو أيضًا) فى الثانى عشر من جمادى الأولى سنة 986 هـ (17 يولية سنة 1578 م)، ودفن خلف مسجد سليمان، أروع عمائره، قرب ديوان شيخ الإسلام وبجوار زاوية ومدرسة وسبيل كان قد شيدها وأوقفها على الخيرات. ويتبين من تاريخه المنقوش بحساب الجمل أن سنة وفاته كانت بلا شك هى سنة 986 هـ (انظر Islam، جـ 9، ص 347 وما بعدها حيث جمعت المصادر الخاصة به)، على أن أحمد رفيق بك يقول فى كتابه عالملر (¬1) وصنعتكارلر (إستانبول 1924، ص 33، التعليق) إن حرف العلة "ى" الذى ورد فى هذا التاريخ يرمز إلى العدد 10 وبذلك تكون سنة وفاته هى 996 هـ (1588 م)، ويبدو أيضًا أن هذه السنة قد أضيفت بالأرقام. ولما كان التاريخ الذى نحن بصدده قد كتبه مصطفى ساعى (المتوفى سنة 1004 هـ = 1595 م، انظر رضا: تذكره، 15)، وهو نقاش مشهور من معاصريه، فإن هذا الخطأ فى أهم السطور جميعًا يبدو على الأقل غريبًا. 1 - المساجد الجامعة (1) جامع سليمانيه بإستانبول (2) جامع شاهزاده بإستانبول (3) جامع خاصكى خرَّم بإستانبول (4) جامع الأميرة مهرماه عند باب أدرنه (5) جامع أم عثمان شاه بآق سراى فى إستانبول (6) جامع ابنه بايزيد الثانى فى يكى باغجه بإستانبول (7) جامع أحمد باشا بطوب قبو فى إستانبول (8) جامع رستم باشا أسفل القلعة بإستانبول (9) جامع محمد باشا بقدرغه ليمانى بإستانبول (10) جامع إبراهيم باشا عند باب سلورى بإستانبول (11) جامع بياله باشا بإستانبول (12) جامع عبد الرحمن جلبى عند ملأ قرانى بإستانبول (13) جامع محمود أغا بإستانبول (14) جامع أوده باشى فى يكى قبو بإستانبول (15) جامع خوجه خسرو فى قوجه مصطفى باشا بإستانبول (16) جامع حمّامى خاتون فى صولومناستر بإستانبول (17) جامع دفتر دار سليمان جلبى فى أوسكو بلو جشمه سى بإستانبول (18) جامع ¬

_ (¬1) "عالملر وصنعتكارلر" معناها (العلماء والفنانون). د. عبد النعيم حسنين

فرّخ كخيا فى بلاط بإستانبول (19) جامع الترجمان يونس بك فى بلاط (20) جامع خرّم جاوش فى يكى باغجه بإستانبول (21) جامع سنان أغا فى قاضى جشمه سى بإستانبول (22) جامع آخى جلبى بأزمير إسكله سى بإستانبول (23) جامع سليمان صو باشى فى اون قبو بإستانبول (24) جامع زال باشا فى أيوب (25) جامع شاه سلطان فى أيوب (26) جامع نشانجى باشى فى أيوب (27) جامع أمير بخارى عند باب أدرنه بإستانبول (28) جامع مركز أفندى فى يكى قبو بإستانبول (29) جامع جاوش باشى بسودلوجه بإستانبول (30) جامع نور شيخ زادة حسين جلبى فى كرمدلك (31) جامع قاسم باشا عند دار الصناعة بإستانبول (32) جامع محمد باشا فى عزبلر قبوصو بإستانبول (33) جامع قلج على باشا فى طوب خانه بإستانبول (34) جامع محيى الدين جلبى فى طوب خانه (35) جامع ملا جلبى بين طوب خانه وبشكطاش (36) جامع أبو الفضل فى طوب خانه (37) جامع الأمير جهانكير فى طوب خانه (38) جامع سنان باشا ببشكطاش (39) جامع السلطانة فى إسكودار (40) جامع شمسى أحمد باشا بإسكودار (41) جامع إسكندر باشا (42) جامع مصطفى باشا فى كبزه (43) جامع يرتو باشا فى إزميد (44) جامع رستم باشا فى صبنجه (45) جامع رستم باشا فى صمنلو (47) جامع مصطفى باشا فى بولى (47) جامع فرهاد باشا فى بولى (48) جامع محمد بك فى إزميد (49) جامع عثمان باشا فى قيصريه (50) جامع حاجى باشا فى قيصريه (51) جامع جنابى أحمد باشا فى أنقره (52) جامع مصطفى باشا فى أرضروم (53) جامع السلطان علاء الدين فى جورم (54) جامع عبد السلام فى إزميد (55) جامع السلطان سليمان فى إزنيق (بنى على انقاض كنيسة بوزنطية كانت النيران قد دمرتها)، (56) جامع خسرو باشا فى حلب (57) قباب المحراب فى مكة (58) جامع السلطان مراد خان (الثالث) فى مغنيسا (59) تجديد جامع أورخان غازى بكوتاهيه (60) جامع رستم

2 - (المساجد الصغيرة أو الزوايا)

باشا ببلودين (61) جامع حسين باشا فى كوتاهية (62) جامع السلطان سليم (الثانى) بقره بيكار (63) جامع السلطان سليمان المطل على ميدان كوك فى دمشق (64) جامع السلطان سليم (الثانى) فى أدرنه (65) جامع طاشليق الذى بنى لمحمود باشا لا فى أدرنه (66) جامع الدفتر دار مصطفى باشا فى أدرنة (67) جامع عباس باشا فى بابا إسكيسى (86) جامع محمد باشا فى حفصة (69) جامع محمد باشا فى لوله برغاس (70) جامع على باشا فى إركلى (71) جامع محمد باشا البوسنوى فى صوفيا (72) جامع صوفى محمد باشا فى الهرسك (73) جامع فرهاد باشا فى جتالجة (74) جامع مصطفى باشا الذى أعلم، وهو يقوم فى أوفن (بودابست) (75) جامع فردوس بك فى إسبرطه بآسية الصغرى (76) جامع ممى كخيا فى ألشلو (77) جامع تترخان فى كوزلوه (78) جامع رستم باشا فى روسجق (79) جامع الوزير عثمان باشا فى تركاله بتساليا (80) جامع خاصكى خرّم فى أدرنه (81) جامع السلطانه الوالده فى إسكودار. 2 - (المساجد الصغيرة أو الزوايا) (1) مسجد رستم باشا فى يكى باغجه بإستانبول (2) مسجد إبراهيم باشا فوق عيسى قبر بإستانبول (3) مسجد المفتى جويزاده فى طوب قبو بإستانبول (4) مسجد أمير على بجوار الجمرك (كمرك خانه) بإستانبول (5) مسجد المهندس سنان بجوار ديوان شيخ الإسلام (6) مسجد كبير الصيادين (آوجى باشى) بجوار الكمرك بإستانبول (7) مسجد الدفتر دار شريف زاده أفندى فى إستانبول (8) مسجد الدفتر دار محمد جلبى فى إستانبول (9) مسجد حافظ مصطفى أفندى فى يكى باغجه بإستانبول (10) مسجد سيمكش باشى بسوق لطفى باشا فى إستانبول (11) مسجد خوجكى زاده عند "تتمة" جامع محمد الثانى بإستانبول (12) مسجد الجاوش عند باب سلورى بإستانبول (13) مسجد ابنة جويزاده بداود باشا بإستانبول (14) مسجد تقيه جى أحمد، بالحى نفسه (15) مسجد صرى حاجى نصوح بإستانبول (16) مسجد

القصّاب حاجى عوض (والأصح عوض) فى إستانبول (17) مسجد الطباخ حمزه فى أغاجيرى بإستانبول (18) مسجد حاجى حسن (19) مسجد إبراهيم باشا عند قم قبر بإستانبول (20) مسجد جلبى بولنكه فى إستانبول (21) مسجد الشيخ فرهاد، فى الحى نفسه (22) مسجد كوركجى باشى (قائد المجذفين)، أمام قم قبو بإستانبول (23) مسجد المصنع (كارخانه) الخاص بعمال نسيج الدمقس (كمخاجيلر) بإستانبول (24) مسجد المصنع الخاص بالصياغ (قيوامجيلر) بإستانبول (25) مسجد على مضمار الحرسك (حرسك بدرومو) قرب آياصوفيا بإستانبول (26) مسجد عبدى صوباشى فى حى السلطان سليم بإستانبول (28) مسجد حاجى إلياس فى حمام على باشا (29) مسجد حسين جلبى فى السليمية بإستانبول (30) مسجد دخانى زاده فى قوجه مصطفى باشا بإستانبول (31) مسجد قاضى زاده فى جكور حمامى بإستانبول (32) مسجد المفتى حامد أفندى فى عز بلر حمامى بإستانبول (33) مسجد فى كوفنك خانه خارج الأسوار (حصار) (34) مسجد سراى أغاسى عند باب أدرنه فى إستانبول (35) مسجد ملاحظ سباكى المعادن (دوكمجيلر باشى) بحى أيوب فى إستانبول (36) مسجد إربه جى باشى بأيوب (37) مسجد الطبيب قيسونى زاده فى سودلوجه بإستانبول (38) مسجد سليمان بائع الثلج (قارجى) فى أيوب (39) مسجد سليمان بائع الثلج (قارجى) فى إستانبول (40) مسجد أحمد جلبى فى يرمدلك (41) مسجد يحيا الكخيا فى حى قاسم باشا بإستانبول (42) مسجد شهر أمينى (ملاحظ المدينة) حسن جلبى، فى الحى نفسه (43) مسجد سهيل بك، فى طوب خانه بإستانبول (44) مسجد إلياس زاده، فى الحى نفسه (45) مسجد بازار باشى ممى الكخيافى اسكودار (46) مسجد محمد باشا، فى الحى نفسه (47) مسجد حاجى باشا فى اسكودار (48) مسجد سراج خانه فى خاصكوى بإستانبول (49) مسجد الصراف خارج طوب خانه بإستانبول (50)

3 - المدارس

مسجد الروزنامجى عبدى جلبى فى صولومناستر. 3 - المدارس (1) مدرسة السلطان سليمان فى مكة (2) ست مدارس بناها بأمر من السلطان سليمان فى إستانبول (3) مدرسة السلطان سليم الأول (أ) بجانب كوشك الخاليجيلر (صناع الطنافس)، (4) مدرسة السلطان سليم الثانى بأدرنه (5) مدرسة السلطان سليم الثانى فى جرلو (6) مدرسة الأمير محمد بإستانبول (7) مدرسة خاصكى خرم فى سوق النساء (عورت بازارى) بإستانبول (8) مدروسة خاصكى خرم المسماة بالقاهرية فى حى السلطان سليم فى استانبول (9) مدرسة أم السلطان فى إسكودار (10) مدرسة الأميرة مهرماه فى إسكودار (11) مدرسة الأميرة مهرماه عند باب أدرنه بإستانبول (12) مدرسة محمد باشا بقديرغه ليمانى (13) مدرسة محمد باشا فى أيوب (14) مدرسة أم عثمان شاه بآق سراى بإستانبول (15) مدرسة رستم باشا بإستانبول (16) مدرسة على باشا بإستانبول (17) مدرسة محمد باشا الذى أعدم بحى طوب قبو، فى إستانبول (18) مدرسة صوفى محمد باشا بإستانبول (19) مدرسة إبراهيم باشا بإستانبول (20) مدرسة سنان بإستانبول (21) مدرسة إسكندر باشا بإستانبول (؟ )، (22) مدرسة على باشا فى بابا إسكيسى (23) مدرسة مصطفى باشا المعرى فى غيره (24) مدرسة أحمد باشا فى إزميد (25) مدرسة قاسم باشا فى إستانبول (؟ ) (26) مدرسة إبراهيم باشا عند باب عيسى بإستانبول (27) مدرسة شمسى أحمد باشا بإسكودار (28) مدرسة قبر أغاسى (؟ )، (29) مدرسة أغاباب محمود أغا بإستانبول (؟ ) (30) مدرسة معولزاده أمير أفندى بإستانبول (؟ )، (31) المدرسة المسماة بمدرسة أم ولد بإستانبول (؟ )، (32) مدرسة كبير الصيادين (آوجى باشى) بإستانبول (33) مدرسة المفتى حامد أفندى بإستانبول (؟ )، (34) مدرسة قاضى العسكر فيروز أغا! بإستانبول (35) مدرسة خوجكى زاده بحى السلطان محمد بإستانبول (36) مدرسة أغازاده بإستانبول (؟ )، (37)

4 - مدارس تحفيظ القرآن الكريم (دار القراء)

مدرسة يحيا أفندى بإستانبول (38) مدرسة الدفتر دار عبد السلام بك برستانبول (39) مدرسة طوطى قاضى بإستانبول (40) مدرسة الطبيب محمد جلبى بإستانبول (41) مدرسة حسين جلبى بإستانبول (42) مدرسة أمين سنان أفندى باستانبول (43) مدرسة شاه قلى بإستانبول (44) مدرسة الترجمان يونس بك بإستانبول (45) مدرسة بائع الثلج (قارجى) سليمان بك بإستانبول (46) مدرسة حاجى خاتون بإستانبول (47) مدرسة الدفتردار شريف زاده بإستانبول (48) مدرسة القاضى حكيم جلبى (49) مدرسة بابا جلبى بإستانبول (50) مدرسة كرماسى (! ) جلبى وقد جددت (51) مدرسك سكبان على بك عند الكمرك بإستانبول (52) مدرسة النشانجى محمد بك فى آلتى مرمر (53) مدرسة بزستان كتخداسى حسين جلبى بإستانبول (54) مدرسة كلفام خاتون باسكودار (55) مدرسة خسرو كخيا فى أنقره. 4 - مدارس تحفيظ القرآن الكريم (دار القرّاء) (1) مدرسة السلطان سليمان بإستانبول (2) مدرسة والده سلطان بإسكودار (3) مدرسة خسرو كخيا بإستانبول (4) مدرسة محمد باشا بأيوب فى إستانبول (5) مدرسة المفتى سعيد جلبى بكوجوك قره مان بإستانبول (6) مدرسة محمد باشا البوسنوى بإستانبول (7) مدرسة المفتى قاضى زاده أفندى بإستانبول. 5 - الأضرحة (1) ضريح السلطان سليمان خان بإستانبول (2) ضريح السلطان سليم (الثانى) خان بإستانبول (4) ضريح الأمراء بإستانبول (5) ضريح رستم باشا فى شاهزاده باشى بإستانبول (6) ضريح خسرو باشا بإستانبول (7) ضريح أحمد باشا فى طوب قبو باستانبول (8) ضريح محمد باشا بأيوب فى إستانبول (9) ضريح أبناء سياوش باشا بأيوب فى استانبول (10) ضريح زال محمد باشا بأيوب فى إستانبول (11) ضريح خير الدين بربروسه، فى بشكطاش بإستانبول (12) ضريح يحيى أفندى فى بشكطاش، بإستانبول (13) ضريح

6 - المستشفيات

شمسى أحمد باشا فى إسكودار (14) ضريح بكلر بك قبرس عرب أحمد بك باستانبول (15) ضريح قلج على باشا، بأيوب، فى إستانبول (16) ضريح برتو باشا بأيوب فى إستانبول (17) ضريح الأميرة شاه خوبان زوجة لطفى باشا فى يكى باغجه، بإستانبول (18) ضريح حاجى باشا بإسكودار (19) ضريح أحمد باشا عند باب أدرنه بإستانبول. 6 - المستشفيات (تيمارخانه- طب خانه) (1) مستشفى السلطان سليمان بإستانبول (2) مستشفى خاصكى خرَم بإستانبول (3) مستشفى السلطانة الوالدة بإسكودار. 7 - القناطر المعلقة (كمر) (1) دربند كمر (2) أوزون كمر (3) كورونجه كمر (4) القناطر المعلقة القائمة فى مدرس كوبى (5) صهاريج (حوض)، (6) إعادة بناء أوزون كمر. 8 - الجسور (1) جسر فى بويوك جكمه جه (2) جسر فى سلورى (3) جسر فى مصطفى باشا على نهر مارتزه (4) جسر محمد باشا فى مرمر (5) جسر آوده باشى فى حلقلى (6) جسر أغا الباب (قبو أغاسى) فى حرامى دره سى (7) جسر محمد باشا فى سنانلى (8) جسر الصدر الأعظم محمد فى فيشكراد بالبوسنة انظر Diranische Wanderungen: M.Hoernes، فينا 1888، ص 425). 9 - مطاعم الفقراء (عمارت) (1) مطعم السلطان سليمان بإستانبول، شيد سنة 962 هـ (وتبدأ هذه السنة باليوم السادس والعشرين من نوفمبر سنة 1554)، (2) مطعم خرّم فى مكة بالقرب من الكعبة (3) مطعم السلطان سليم بقره بيكار (4) مطعم الأمير سليمان بإستانبول (5) مطعم السلطان سليم بجرلو (6) مطعم الأميرة مهرماه فى إسكودار (7) مطعم السلطانة الوالدة فى إسكودار (8)

10 - المخازن

مطعم السلطان مراد الثالث بمغنيسا (9) مطعم رستم باشا فى روسجق (10) مطعم رستم باشا فى صبنجه (11) مطعم محمد باشا فى برغاس (12) مطعم محمد باشا فى حفصه (13) مطعم مصطفى باشا فى كيره (14) مطعم محمد باشا فى سراييفو (بوسنة سراى) (15) مطعم مصطفى باشا فى كوتن (؟ )، (16) مطعم السلطان سليمان فى دمشق (17) مطعم رأس جسر مصطفى باشا على نهر كوبروصو. 10 - المخازن (1) مخزن فى غلطه (2) مخزن فى دار ناعة السلطانية بإستانبول (3) مخزن فى السراى بإستانبول. 11 - الاستراحات (كاروان سراى) (1) استراحة السلطان سليمان بإستانبول (2) استراحة السلطان سليمان فى بويوك جكمه جى (3) استراحة رستم باشا فى تكفور داغى (رودستو Rodosro)، (4) استراحة رستم باشا فى سوق (بت بازارى) فى اسكودار (5) استراحة رستم باشا فى غلطة (6) استراحة على باشا فى سوق إسكودار (7) استراحة برتو باشا فى ميدان أبى الوفا باستانبول (8) إستراحة مصطفى باشا فى إلكون بالأناضول (9) استراحة رستم باشا فى آق بيبق بالأناضول (10) استراحة رستم باشا فى صمنلى (11) استراحة رستم باشا فى صبنجه (12) استراحة رستم باشا فى إركلى (قره مان)، (13) استراحة رستم باشا فى قرشدرن ببلغاريا (14) استراحة خسرو الكخيا بإبصله (15) استراحة محمد باشا فى برغاس (16) استراحة رستم باشا فى أدرنه (17) استراحة على باشا فى أدرنه (18) استراحة محمد باشا فى حفصة. 12 - القصور (السرايات) (1) إعادة بناء السراى القديمة بإستانبول (2) السراى الجديدة بإستانبول (3) قصر فى إسكوادر (4) قصر فى غلطه (5) إعادة بناء القصر المطل على آت ميدانى بإستانبول (6) قصر على يكى قبو بإستانبول (7)

13 - الحمامات

قصر فى قنديلى (8) قصر فى فنار باغجه باستانبول (9) قصر فى حديقة إسكندر جلبى فى اسكودار (10) قصر فى حلقلى بإستانبول (11) قصر رستم باشا بقدريغة ليمانى بإستانبول (12) قصر محمد باشا بآيا صوفيا فى إستانبول (13) قصر محمد باشا بإسكودار (14) قصر رستم باشا بإسكودار (15) القصر الأول لسياوش باشا فى إسكودار (16) القصر الثانى لسياوش باشا فى إسكوادر (17) قصر سياوش باشا فى إستانبول (18) قصر على باشا بإستانبول (19) قصر أحمد باشا المطل على آت ميدانى بإستانبول (20) قصر فرهاد باشا بحى السلطان بايزيد فى إستانبول (21) قصر برتو باشا بميدان أبى الوفاء بإستانبول (22) قصر سنان باشا المطل على آت ميدانى بإستانبول (23) قصر صوفى محمد باشا بحى قوجه [مصطفى] باشا بإستانبول (24) قصر محمود أغا فى حى يكى باغجه برستانبول (25) قصر محمد باشا بحلقلى فى إستانبول (26) قصر الأميرة شاه خوبان زوجة لطفى باشا فى حىّ قاسم باشا قرب قاسم جشمة سى بإستانبول (27) قصر برتو باشا أمام شاهزاده بإستانبول (28) قصر أحمد باشا فى الجفتلك (29) القصر الأول لعلى باشا بأيوب (30) القصر الثانى لعلى باشا بأيوب (31) قصر محمد باشا فى جفتلك رستم باشا (32) قصر محمد باشا فى سراييفو (بوسنة سراى)، (33) قصر رستم باشا فى جفتلك إسكندر جلبى. 13 - الحمامات (1) حمام السلطان سليمان بإستانبول (2) ثلاثة حمامات فى القصر السلطانى (3) حمام السلطان سليمان بكفَّه فى القريم (4) ثلاثة حمامات فى القصر القائم فى إسكودار (5) حمام خاصكى بآيا صوفيا فى إستانبول (6) حمام خاصكى خرَّم بحى اليهود (يهوديلر) فى إستانبول (7) حمام والده سلطان بإسكودار (8) حمام السلطان (سلطان حمامى) بقره بيكار (9) حمام والده سلطان فى جبّه

المصادر

على (ويغلب تسميته: جبّلى) بإستانبول (10) حمام الأميرة مهرماه عند باب أدرنة بإستانبول (11) حمام لطفى باشا، فى المكان نفسه (12) حمام محمد باشا بغلطه فى إستانبول (13) حمام محمد باشا بأدرنه (14) حمام إبراهيم باشا عند باب سلورى بإستانبول (15) حمام أغا الباب (قبو أغاسى) بصولو مناستر (16) حمام قوجه مصطفى باشا يكى باغجه فى إستانبول (17) حمام سنان باشا ببشكطاش فى إستانبول (18) حمام ملا جلبى فى فندقلو (19) حمام أمير البحر على باشا بطوب خانه فى إستانبول (20) حمام باسم هذا الأمير نفسه فى فنار قبو بإستانبول (21) حمام المفتى بسوق العطارين (معجونجى جارشوسو) بإستانبول (22) حمام محمد باشا بحفصه (23) حمام مركز أفندى بيكى قبو فى إستانبول (24) حمام نشانجى باشى بأيوب فى إستانبول (25) حمام خسرو باشا فى أورطه كوج (26) حمام فى إزميد (27) حمام فى جتالجه (28) حمام رستم باشا بصنجيه (29) حمام حسين بك بقيصرية (30) حمام صرى كورز (صرى كوزل) بإستانبول (31) حمام خير الدين فى زيرك (32) حمام يعقوب أغا فى طوب خانه بإستانبول. المصادر: لم تظهر بعد أية رسالة تتناول بتفصيل وإسهاب سيرة سنان وأعماله الفنية ولم يكتب أحد أيضًا بحثًا يتناول عمائره من الناحية الفنية، وأهم مصادرنا حتى الآن هو: (1) مصنف مصطفى ساعى: تذكرة البنيان قوجه معمارسنان، ومنه طبعتان؛ الأولى بدون تاريخ (نشرت فى إستانبول فى منتصف القرن التاسع عشر)، 16 صفحة فى ملازم من 8 صفحات من القطع الصغير، عنوانها تذكرد الأبنية، والثانية طبعة إستانبول 1315 هـ، مطبعة إقدام، 72 صفحة، من ملازم فى 8 صفحات، وتتضمن الطبعتان إثباتًا بعمائر سنان وتختلف كل منهما عن الأخرى فى كثير من المواضع، ويبدو أن أولياء جلبى: سياختنامه، كان يعرف بأمر مصنف ساعى، وفيما يلى ما ورد من إشارات إلى سنان فى مصنف أوليا جلبى: جـ

1، ص 140 (الرحلة، جـ 1/ 1، ص 69)؛ جـ 1، ص 147، 148 (الرحلة، جـ 1/ 1، ص 73)؛ جـ 1، ص 150 (الرحلة، جـ 1/ 1، ص 75)؛ جـ 1، ص 155 (الرحلة، جـ 1/ 1، ص 79 و 80)؛ جـ 1، ص 159 (الرحلة، جـ 1/ 1، ص 81)؛ جـ 1، ص 163 (الرحلة، جـ 1/ 1، ص 82 وما بعدها)؛ جـ 1، ص 307 (ناقصة فى الرحلة)؛ جـ 1، ص 308 (الرحلة، جـ 1/ 1، ص 167)؛ جـ 1، ص 309 (الرحلة، جـ 1/ 1، ص 168)؛ جـ 1، ص 310 (الرحلة، جـ 1/ 1، ص 169)؛ جـ 1، ص 311 (الرحلة، جـ 1/ 1، ص 169) , جـ 1، ص 312) (الرحلة، جـ 1/ 1، ص 169)؛ وقد وردت قائمة بجميع مساجده فى الآستانة فى جـ 1، ص 313 وما بعدها (الرحلة، جـ 1/ 1، ص 170 وما بعدها)؛ عمارة فى بروسه (استراحة على باشا؛ لم ترد فى مصنف مصطفى ساعى): جـ 2، ص 19؛ وعمائر فى إزميد، جـ 2، ص 64 = الرحلة، جـ 2/ 1، ص 31 - وجل جوامع الآستانة التى بناها سنان قد وصفها بالتفصيل حافظ حسين أفندى الأيوانسرايى (نبه صيته فى النصف الثانى من القرن الثامن عشر) فى مصنفه حديقة الجوامع، وزاد عليه على ساطع بعض الزيادات. وطبع بإستانبول سنة 1281, وقد وردت مقتطفات منه فى G.O.R.: J.V.Hammer وبست 1833, جـ 9، ص 47 - 144 (الجوامع)، ص 148 وما بعدها (المدارس)، (2) Beitrage Zur Kenntis des Orients, طبعة H.Grothe، هال 1914، جـ 11، ص 67 وما بعدها (F.Babinger)؛ (3) Isl، ستراسبورغ 1919، جـ 9، ص 247 وما بعدها (F.Babinger)؛ (4) يكى مجموعه، إستانبول 1917، جـ 13، ص 249 - 252، وجـ 14، ص 249 - 279 (أحمد رفيق بك؛ وفيه صور)؛ وانظر فيما يتصل بتلاميذ سنان Quellen Zur Osmanischen Kunstlergeschichte فى Jahrbuch der asiatischen Kunsi، ليبسك 1924، جـ 1، ص 53 وما بعدها -والتذكرتان المتقدم ذكرهما مخطوطان فى القاهرة، دار الكتب المصرية (انظر على أفندى حلمى الداغستانى، فهرست [القاهرة 1306] 231 [ضمن مجموعة قديمة]). صبحى [فرانز بابنكر Franz Babinger]

سنائى

سنائى أبو المجد مجدود بن آدم الغزنوى، من أشهر الشعراء الذين عاشوا فى بلاط الملوك الغزنويين المتأخرين، وكان معاصروه هم سيد حسن، وعثمان مختارى، وعلى فتحى، ومحمود وراق؛ وكان سنائى يتكسب من الشعر ينظمه فى مدح الملك وأعيان الدولة، واتفق فى يوم من الأيام أن سمع رجلًا معروفًا غريب الأطوار من أهل غزنة يندد به وقد استخفه الشراب قائلًا: "سنائى الشقى الذى ينفق وقته فى نظم قصائد المديح يستجدى بها العظماء، ولسوف يلجم لسانه يوم الحشر حين يسأل عما قدمت يداه" فغلبه الندم على أمره، وترك غزنة إلى مرو حيث عاش عيشة الزهد مريدًا للشيخ أبى يعقوب يوسف، وقد حدث ذلك فى عهد إبراهيم (1059 - 1099)، الملك الحادى عشر من الملوك الغزنويين. ونظم سنائى، علاوة على ديوانه الذى يشتمل على 30.000 بيت من الشعر، "حديقة الحقيقة"، وهى منظومة فى الأخلاق والدين، استنكرها فقهاء غزنة استنكارًا شديدًا حتى بعثوا بها إلى بغداد ليحكم فى أمرها أئمة الفقهاء وأهل الشريعة، ولكن خاب فألهم عندما قال هؤلاء العلماء بأن المنظومة ليس فيها خروج على السنة، وقفل سنائى بعد ذلك راجعًا إلى غزنة ولكنه ظل متمسكًا بحياة الزهد [وقد خلف سنائى عدا حديقة الحقيقة ستة مثنويات أخرى هى: طريق التحقيق، وغريبنامه، وسير العباد إلى المعاد، وكارنامه، وعشقنامه، وعقلنامه، وقد شرح عبد اللطيف بن عبد اللَّه العباسى "حديقة الحقيقة" وهو الذى كان يكتب ويؤلف أيام شاه جهان إمبراطور [المغول]. ويقال إن بهرام (1118 - 1152 م)، الملك الخامس عشر من الملوك الغزنويين أراد أن يزوج سنائى أخته فرجاه سنائى أن يعفيه لأنه لا يسعى إلى ثروة أو جاه دنيوى، وروى أن سنائى توفى سنة 526 هـ (1131 م)، كما يروى أنه توفى سنة 576 هـ (1181 م)، على أن من المستبعد كثيرًا أن تكون وفاته فى سنة 576 هـ؟

المصادر

المصادر: (1) Ethe فى Grudr, der Iran. Phil، جـ 2، ص 282 - 284 (2) ALiterary History of Persia from Firdawsi to Sa'di: Browne، ص 317 وما بعدها (3) Stephenson فى مقدمة طبعته للكتاب الأول من "الحديقة"، ص 6 - 33 (4) Supplement, Catalogue: Rieu، الفهرس تحت كلمة سنائى. (5) Cat.of Persian Manuscripts in the Library of the India Office: Ethe، جـ 1، العمود 570 وما بعده (6) Catalogue of the in the Bodleian Li- Persian. . .Manuscripts brary: Sachau. Ethe، جـ 1، العمود وما بعده (7) A Catalogue of the . . .manuscripts of the Libraries of the King V of Oudh: Sprenger، ص 557 وما بعدها (8) Catalogue of the Arabic and Persian Manuscripts in the Oriental Public Libraray (Persicnt: Firdausi to Hafiz) Poets at Bankipore، ص 69 وما بعدها (9) عوفى: لباب الألباب، طبعة Browne، ص 252 وما بعدها (10) دولتشاه: تذكرة الشعراء، طبعة Browne، ص 95 وما بعدها (11) لطفى على بك: آتشكده؛ بمباى 1299، ص 108 وما بعدها. الطبعات: (1) " ديوان"، طهران 1274 (2) "حديقة"، بمباى 1275, لكهنو 1304 (3) L-Haq'iqat ... of the Hakim abu'L'MajdThe First Book of the Hadigatu Majdud Sana'i of Ghazna, طبعة وترجمة. (J.Stephenson Bibl. Indica، السلسلة الجديدة، رقم 1272)، كلكتة 1911. صبحى [هيج T.W.Haig] سنبلية شعبة من الطريقة الخلوتية نسبت إلى سُنْبل سنان الدين يوسف، وقد اختلفت المصادر فى ذكر المكان الذى ولد فيه سنبل، فقيل إنه ولد فى بولو Bolu وقيل فى مرسوان Marsuan. وذكر

صاحب قاموس الأعلام أنه توفى سنة 936 هـ (1529/ 1530 م). وجاء فى الشقائق النعمانية) ترجمة Rescher سنة 1927، ص 224، 225) أنه توفى قبل عام 929 هـ (1522/ 1523 م) ويسلكه صاحب هذا الكتاب الذى كان معاصرًا له فى زمرة شيوخ عهد بايزيد الثانى (توفى عام 918 هـ - 1512 م) ويليه صاحب كتاب تاج التواريخ (الآستانة سنة 1279 هـ، جـ 2، ص 595) الذى جاء بعده بنصف قرن من الزمان. على أن حاجى خليفة ينسب إلى شخص يدعى "سنبل سنان بن يعقوب، المتوفى عام 989 هـ (1581 م) رسالة فى الدفاع عن ذكر الصوفية وأخرى تتضمن سلسلة مشايخ الطريقة الخلوتية، وقد أهديت الرسالة الأولى لسليمان الأول (الذى بدأ حكمه عام 926 هـ = 1520 م) وذكر فيها أن سليمان الأول طلب الفتوى فى هذا الموضوع لتأييد رأيه المناهض لهذه الشعيرة والراجح أن حاجى خليفة أخطأ فى ذكر التاريخ. ويتبين من سيرة سنبل المختصرة التى تكاد تتفق مع ما جاء فى الشقائق النعمانية وفى تاج التواريخ أن سنبل لزم ملا أفضل زاده (توفى عام 908 هـ - 1502/ 1503 م) ثم تبع جلبى خليفة (يقول Rescher، ص 175: ذكر خطأ أنه خليفة سنبل فى "مرآة المقاصد" ونقل ذلك J.Rose فى كتاب Derviches: Brown سنة 1927، ص 455) الذى كانت طريقته تشتمل على رياضات شاقة، ومارس سنبل هذده الرياضات ثم أجيز وأصبح شيخًا يحق له أن يتبعه مريدون. وقضى سنبل ردحًا من الزمن فى مصر حيث أخذ يعلم بعض الطلاب ثم ذهب إلى الآستانة حيث سكن زاوية مصطفى باشا واشتغل بإرشاد المريدين. ويضيف صاحب كتاب تاج التواريخ أن قبره يقوم فى تلك الزاوية. وكان خليفته هناك هو مصلح الدين مركز اللاذقى (Reseher، ص 223) الذى توفى عام 959 هـ (1552 م). وكان لسنبل مريد آخر يدعى يعقوب الكرميانى ساورته بعض الشكوك فى كفاية هذا الخليفة، وتأيدت فى نفسه هذه الشكوك عندما رأى فى منامه النبى، [-صلى اللَّه عليه وسلم-] والصحابة وغيرهم يحضرون عظة من عظات مركز، وكانت

سنجر

عمامة النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] من اللونين الأخضر والأسود. ويشير اللون الأول إلى إتمام الشريعة والثانى إلى إتمام الطريق (تاريخ بشوى، الآستانة سنة 1283 هـ، جـ 1، ص 465). وقد سبق أن أشرنا إلى مشقة الرياضات التى مارسها سنبل سنان. وشاهد ذلك أن بشوى (الكتاب المذكور) ذكر أن يعقوب الكرميانى كان يقطع صيامه مرة واحدة كل ثلاثة أيام. والظاهر أنه كان يحبذ الذكر أو الدوران بوصفهما رياضة دينية. ويذكر ديبون Depont وكوبولانى (Coppolani Confereries ص 375) أن السنبلية، وإن احتفظوا بالقواعد الخلوتية، قد مارسوا رياضات تتصل بالرفاعية والسعدية؛ ويتضمن كتابهما ثبتا بتكايا السنبلية فى الآستانة أو فيما حولها، وعددها خمس عشرة تكية. وذكر براون J.P.Brown فى كتابه The Der vishes (سنة 1868، ص 316) ثبتا مماثلًا مع ذكر أيام إقامة الشعائر فى كل منها. وقد أعيد ترتيب هذه التكايا وإقامة الشعائر فى طبعة روز Rose لهذا الكتاب (سنة 1927، ص 480). ويظهر أن هذه الطريقة كانت مقصورة على مدينة الآستانة فحسب. الشنتناوى [مركوليوث D.C.Margoliouth] سنجر ابن ملكشاه ناصر الدين (ولقب من بعد بمعز الدين) أبو الحارث، سلطان من السلاجقة تقول الرواية الشائعة إنه ولد فى 25 رجب سنة 479 هـ (5 نوفمبر سنة 1086) , إلا أن بعض الروايات تقول إنه ولد قبل ذلك بسنتين، أى فى 25 رجب سنة 477 هـ (27 نوفمبر سنة 1084 م)، واسمه الإسلامى أحمد، وقد قتل عمه أرسلان أرغون سنة 490 هـ (ديسمبر سنة 1096 م) فنصب سنجر الحدث واليًا على خراسان بمعرفة أخيه بركيارُق، وقد حدث بعد ذلك بقليل أن انتقض محمد الأخ الثالث على أخيه بركيارق، ومنى بركيارق بالهزيمة فى رجب سنة 493 هـ (مايو - يونية سنة 1100 م) وأكره على الالتجاء إلى خراسان، وكان سنجر فى الوقت نفسه قد انحاز إلى جانب محمد، أخيه الشقيق؛ وتحالف

بركيارق مع الأمير داذ الذى كان يحكم طبرستان وجرجان وجزءًا من خراسان، فامتشق سنجر الحسام وجرده على الحليفين وأنزل بهما هزيمة نكراء، وثبت سنجر على وفائه لأخيه محمد فى الأحداث التى أعقبت ذلك؛ وقد حاول بدرخان أمير سمرقند، إبان الحرب التى نشبت بين بركيارق ومحمد، أن ينتهز فرصة غياب سنجر ليمد رقعة سلطانه سمى خراسان، بعد أن تفاهم على ذلك مع كندغدى أحد أمراء سنجر، إلا أنه قبض عليه وقتل سنة 495 هـ (1101/ 1102 م)، ومن ثم نصب سنجر ابن اخته محمدًا أرسلان خان بن سليمان بن بغرا خان أميرًا على سمرقند والولايات التى على نهر جيحون، وكذلك نشب الخلاف بين سنجر وأرسلان شاه بن مسعود الغزنوى وكان أرسلان هذا قد استولى على غزنة (510 هـ = 1117 م) ونصب بهرام شاه سلطانًا عليها تحت حكم السلاجقة، ثم توفى السلطان محمد فى 24 من ذى الحجة سنة 511 هـ (18 أبريل سنة 1118 م) وكان المفروض أن تؤول السلطنة إلى ابنه محمود عملًا بوصيته، إلا أن ذلك التدبير لم يرض مسعودا أمير الموصل وأذربيجان وأخا محمود ولم يرض سنجر، واستطاع محمود الوصول إلى اتفاق مع مسعود من غير أن يلقى فى ذلك مشقة كبيرة. على أن إرضاء سنجر كان أكثر عناء؛ فقد خرج سنجر من خراسان فى جيش جرار ونشبت معركة قرب ساوه فى 2 من جمادى الأولى سنة 513 هـ (11 أغسطس سنة 1119 م) وبدا فى أول الأمر أن النصر سيكون من نصيب محمود، إلا أن فيلة سنجر أوقعت الاضطراب فى صفوف جيش محمود مما أدى إلى هزيمته هزيمة ساحقة، ثم جرت مفاوضات طويلة انتهت إلى اتفاق اعترف فيه بمحمود واليًا على العراق فيما عدا الرى على أن يتقدم اسم سنجر على اسمه فى الخطبة؛ وحدث أن أصبح محمد أرسلان خان أمير سمرقند مقعدًا عاجزًا فسلم مقاليد الحكم لابنه نصر خان، وما لبث نصر خان أن قتل بعد ذلك بقليل. فاستنجد أبوه بسنجر، وأفلح أخ لنصر خان فى إخماد الفتنة قبل وصول السلطان سنجر إلى سمرقند، ومن ثم بعث

أرسلان خان إلى سنجر وحاول أن يقنعه بالعودة، فأثار ذلك ثائرة سنجر، وكان يتوهم فى الوقت نفسه أن أرسلان خان يضمر اغتياله، فحاصر أرسلان خان فى الحصن الذى كان قد التجأ إليه، وأكره أرسلان خان على التسليم فى ربيع الأول سنة 524 هـ (فبراير - مارس سنة 1130 م) وحقن سنجر دمه، إلا أنه نصب الأمير حسينا (أو حسن) تكين، وسرعان ما لقى حسين هذا ربه فنصب محمود بن محمد خان بن سليمان أميرا على سمرقند؛ وتوفى السلطان محمود فى شوال سنة 525 هـ (سبتمبر سنة 1131 م) وكان قد أوصى فى وصيته الأخيرة أن يخلفه ابنه داود، بيد أن عميه سلجوق ومسعودا طالبا بالعرش أيضًا. واتفق الطرفان المتنازعان فى جمادى الأولى سنة 536 هـ (مارس - إبريل سنة 1132 م) على الاعتراف بمسعود سلطانًا وبسلجوق وليا للعهد، وتركا حكم العراق للخليفة المسترشد، إلا أن سنجر لم يكن راضيا قط عن هذا التدبير، بل عمد إلى ما يخالف ذلك بإعلانه أن طغرل بن محمد الذى كان معه فى خراسان هو خليفة محمود، وتحالف مع عماد الدين زنكى، وكان قد أقامه واليا على بغداد، ودببس بن صدقة وكان قد تولى إمارة الحلة، وأضحت الحرب بذلك أمرًا لا مفر منه، وهزم سنجر مسعودًا فى دينور فى 8 من رجب سنة 526 هـ (25 مايو سنة 1132 م)، فتراجع مسعود إلى خراسان؛ وفى ذى القعدة سنة 529 هـ (أغسطس - سبتمبر سنة 1135 م) خرج فى حملة على غزنة، ذلك أن بهرام شاه كان يحاول الاستقلال بالحكم، إلا أنه أمكن تسوية الأمر دون إراقة الدماء، فقد أذعن بهرام شاه فعفا عنه السلطان، وكذلك اشتبك سنجر فى حرب طويلة مع أتسز بن محمد أمير خوارزم، ثم حاول القره خطاى أيضا الاستيلاء على مدينة سمرقند، فاجتاز سنجر نهر جيحون على رأس جيش عرمرم، إلا أنه منى بالهزيمة فى 5 صفر سنة 536 هـ (9 سبتمبر سنة 1141 م) وأكره على الفرار، ومن ثم خسر بلاد ما وراء النهر كلها، وقام

المصادر

الغز بفتنة أيضًا سنة 548 هـ (1153 م)، وحمل سنجر عليهم، إلا أنه منى بالهزيمة وأسر ولم يطلق سراحه إلا فى رمضان سنة 551 هـ (أكتوبر - نوفمبر 1156 م)، وتوفى سنجر فى 26 ربيع الأول سنة 552 هـ (8 مايو سنة 1157 م)، وأخذت شمس الدولة السلجوقية فى الزوال سريعا بعد وفاة هذا السلطان المقتدر النافذ البصيرة. المصادر: (1) ابن خلكان: وفيات الأعيان، طبعة Wustenfeld، رقم 279؛ وترجمة de Slane، جـ 1، ص 600. (2) ابن الأثير: الكامل، طبعة Tornberg، جـ 10 و 11 فى مواضع مختلفة. (3) أبو الفداء، التاريخ، Annales طبعة Reiske، جـ 3، ص 312 وما بعدها. (4) حمد اللَّه مستوفى القزوينى: تاريخ كزيده، طبعة Browne، الفهرست. (5) Mir Chondi Historia Seldsclwkidarum: Vullers، الفصول 18 - 20. (6) Recueil de textes relatifs a L'histoire des Seldjoucides: Houtsma، جـ 2، الفهرست. (7) Gesch. der Chalifen: Weil ص 142 و 145 - 147 و 216 و 224 وما بعدها و 263 و 270 وما بعدها و 272 - 279. (8) Muller: Der Islam inMorgen und Abendland جـ 2، ص 107 و 119 و 169 وما بعدها. صبحى [تسترشتين K.V.Zettersteen] سنجق شريف " علم النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] " وهو محفوظ بالآستانة وطوله اثنتا عشرة قدمًا، ويعلوه مكعب من الفضة يشتمل على نسخة من القرآن الكريم قيل إنها بخط الخليفة عثمان، والعلم ملفوف فى علم آخر منسوب إلى الخليفة عمر ويغطيه أربعون غطاء آخر، من الحرير الثمين (التافتاه) وقد وضع ذلك كله فى غلاف من النسيج الأخضر، وفى وسط كل هذه الأغطية نسخة صغيرة من القرآن الكريم منسوبة إلى عمر، ومفتاح للكعبة

من الفضة أهداه شريف مكة إلى سليم الأول. وقد جاء السلطان سليم الأول بهذا العلم من مصر سنة 923 هـ (1517 م)، وأودع أول الأمر فى دمشق ليصحب قافلة الحجيج إلى مكة، ثم أمر الصدر الأعظم قوجه سنان باشا سنة 1003 هـ (1594 م) أيام مراد الثالث فجئ بالعلم عن طريق غاليبولى يحرسه ألف أنكشارى من الحاميات الشامية إلى معسكر الجيش فى المجر، وذلك رغبة منه فى القضاء على الفتن المتصلة التى كانت تنشب بين الجنود، فأثر فيهم ذلك تأثيرًا عظيمًا، ثم حمل إلى قصبة البلاد حيث تركها مرة أخرى فى السنة التالية. وأخيرًا خرج السلطان محمد الثالث إلى الحرب سنة 1005 هـ (1597 م) فأمر بحمل هذا العلم أمامه يحوطه 300 أمير على رأسهم نقيب الأشراف وملا غلطه. ومنذ ذلك الحين لم يخرج العلم من السراى قط إلا عندما كان السلطان أو الصدر الأعظم يقود الجيش بنفسه؛ وكانت تفرد له خيمة ويرفع على سارية من خشب الأبنوس تزينها الأطواق والحلقات الفضية التى كان يثبت فيها العلم، وكان يخلع عنه كل ذلك فى نهاية الحملة، ويودع صندوقا مزخرفا زخرفة ثمينة، وتقام لذلك كثير من أعواد النّد والعنبر؛ وكان يحفظ فى القصر فيما يشبه المصلّى التى تضم آثارًا أخرى للنبى، [-صلى اللَّه عليه وسلم-] مثل خرقه شريف ويقوم على حراسة العلم منذ القرن السابع عشر أربعون ضابطا من سلاح "حرم قبوجى" يحملون لقب السنجقدار. وبعث السلطان مصطفى الثالث بالعلم إلى الصدر الأعظم محمد باشا فى 18 ذى القعدة سنة 1182 هـ (29 مارس سنة 1769 م) فى موكب جليل على إثر مذابح راح ضحيتها بعض النصارى بل بعض الأوربيين من أصحاب الرتب العالية، ولم يفلت الوسيط النمساوى المسيو ده بروجنارد M.de Brognard من هياج المتعصبين من الجمهور إلا بشق الأنفس؛ وتمرد الانكشارية فى 9 ذى القعدة سنة 1241 هـ (15 يونية سنة 1826 م) فأخذ السلطان محمود الثانى السنجق

المصادر

الشريف بنفسه وسلمه إلى المدافعين عنه فنصبوه على منبر جامع السلطان أحمد الثالث، وكان لهذا الفعل أثر كبير فى نجاح مشروع هذا السلطان المصلح. المصادر: (1) أسعد أفندى: أس ظفر، ترجمة Caussin de Perceval، باريس 1833 ص 125 وما بعدها و 135. (2) L'emp. Tableau de Othoman: d'Ohsson باريس 1788 جـ 3، ص 379 وما بعدها. (3) Hist. de L'emp.Ottoman: Von Hammer , جـ 7، ص 277 و 303، جـ 16، ص 203 وما بعدها. صبحى [إيوا Cl. Huart] السند ويشمل الوادى الأدنى لنهر السند (سندهو) ودلتاه، وهو النهر الذى نسبت إليه هذه الولاية الواقعة بين خطى عرض 20 ْ 35 َ و 28 ْ 39 َ شمالا، وخطى طول 66 ْ 40 َ و 71 ْ 10 َ شرقا. وقد استقر الآريون على نهر السند قبل عام 1000 ق. م؛ وحدث حوالى سنة 500 ق. م. أن فتح داريوس هستاسبس Darius Hystaspes هذا الوادى، غير أن الحكم الفارسى فى السند دالت دولته عندما اجتاز الإسكندر هذه البلاد عام 325 ق. م وضمت هذه الولاية بعد رحيل الإسكندر إلى الامبراطورية المورية Mauryan ثم إلى أمبراطورية إغريق بَلْخ وقد أغارت على الهند من القرن الأول قبل الميلاد إلى القرن السابع الميلادى حشود مختلفة من آسية الوسطى، واستقر منهم الهون البيض EphthaIites فى السند وأسسوا أسرة راى التى انتهت أيامها باغتصاب الوزير البرهمى جاج العرش، وهو الذى كان ولده داهر متوليا أمرها عندما أغار العرب عليها. ففى عام 711 م أغار محمد بن القاسم الثقفى على هذه البلاد بأمر من الخليفة الوليد ردًا على المعاملة السيئة التى لقيها بعض التجار المسلمين وإخفاقهم فى الحصول على ترضية تحفظ كرامتهم، واستولى محمد بن القاسم على ثغر دَيْبل، ومدينة

نيرانكوت Nerankot (حيدر آباد الحديثة) (¬1) ورآوَر، وفيها هزم داهر وقتله، واستولى آخر الأمر على العاصمة أرور أو ألور كما استولى على مُلتان عام 713 حيث سقطت فى يديه كنوز كثيرة، ولم يتح له الوقت الكافى لتنظيم فتوحاته، إذ أقاله سليمان خليفة الوليد عام 715 ثم قتل بعد أن عذب فى واسط على نهر دجلة لأنه كان من محاسيب الحجاج ذلك الوالى الذى أثارت قسوته عداوة كثير من الناس. وتعاقب على حكم السند كثير من الولاة المسلمين تاركين الإدارة فى أيدى أهل البلاد الذين كانوا يمارسون شعائرهم الدينية فى حرية لا يحدها شئ. وضعف نفوذ الخلفاء على هذه الولاية شيئًا فشيئًا حتى تراخى تراخيا تاما سنة 871 وأقام زعيمان عربيان ولايتين مستقلتين فى ملتان ومنصورة؛ ومع ذلك فإنه عندما قام محمود الغزنوى بغزواته على الهند كان أبو الفتح داود والى ملتان والسند لا يزال على ولائه للخليفة. وكان تمسكه ببدع القرامطة سببا فى فقدانه العرش، وأقام محمود واليا من قبله على ملتان. وفى سنة 1053 رفعت السمرا , Sumras وهى قبيلة من القبائل الراجبوتية، عن كاهلها نيرفرّخ زاده ووطدت سلطانها فى السند الأدنى، أما الإقليم الأعلى فقد ظل خاضعا للغزنويين. وقام معز الدين محمد بن سام بفتح هذا الإقليم هو وبقية أملاك الغزنويين. وقد خضع نائبه ناصر الدين قباجه لقطب الدين أيبك الدهلوى ولكنه هُزم على يد شمس الدين إيلتتمس , وأبى الخضوع لسلطانه. وفى بداية القرن الرابع عشر أطاحت جيوش علاء الدين خلجى بالسمرا وهدمت قصبتهم، غير أن السّما إحدى قبائل الراجبوت، دخلت فى الدين الإسلامى سنة 1333 وقبضت على زمام الحكم, وأقامت واليا من قبلها تلقب بلقب جام. وتوفى محمد بن تغلق الدهلوى فى مارس سنة 1351 على ضفاف السند أثناء تعقبه لأحد المتمردين، وكانت قد آوته السما. وقاتلت السند بنجاح الجيوش الإمبراطورية إلى أن أخضع فيروز خليفة محمد قبيلة السما وحملها على ¬

_ (¬1) أى حيدر آباد، سند؛ وهى غير حيدرآباد، دكن. (م. ع)

الولاء له. وانتعشت دولة السما باضمحلال سلطان دهلى، وكان جام نندا أو نظام الدين أعظم حكامها، وقد حكم ستة وأربعين عاما وتوفى عام 1509 وفى عام 1520 أغار شاه بك أرغون على السند، وكان قد طرده بابر من قندهار، وأفلح شاه بك فى التمكين لنفسه فى السند وطرد جام فيروز آخر حكام السما إلى كجرات حيث توفى بها. وقام همايون بعد أن طرده شير شاه من هندستان (الهند) بمحاولتين لفتح السند وئدتا فى المهد، ورزق بولده أكبر إبان المحاولة الثانية عند أمركوت Umarkot سنة 1542، ولكنه اضطر إلى الفرار إلى فارس. ولما توفى شاه حسن آخر حكام الدولة الأرغونية عام 1554 أصبح الترخانية، وهم أسرة أخرى دامت زمنا قصيرا، حكاما على السند، وقد شهدوا سلب تهاتها Thatha على يد البرتغال سنة 1555 على أن أكبر هزم ميرزا جانى بك ترخان عام 1592 وضم السند التى كانت ألحقت بـ "سوبه" ملتان وكان هذا الإقليم جزءا من الإمبراطورية، إلا أن شئونه المحلية ظلت فى أيدى أهله لبعده. وكان الداود بترا أصحاب الكلمة النافذة فى وادى السند الأسفل فى القرن السابع عشر، وقد خلفهم الكلهرا Kalhoras الذين أخرجوهم من شكاربور عام 1701 وحصلوا من أورنكزيب على هبة كبيرة من الأرض. وعمد الكلهرا خلال الأربعين سنة التالية إلى زيادة سلطانهم غير أن نور محمد كلهرا أغضب نادر شاه سنة 1740 مما اضطره إلى التنازل له عن ذلك الجزء من إقليم السند الواقع إلى الغرب من نهر السند، كما اضطر إلى تسليم شكابور وسيبى وأن يؤدى لنادر شاه جزية باهظة. وفى عام 1754 انتقلت السند إلى يد أحمد شاه دراني (أبدالي) فأقصي نور محمد إلى جيسلمر Djaisalmar حيث توفى بها، غير أن ولده محمد مراديار خان استرضى الأفغان واحتفظ بالمملكة. وأسس أخوه وخليفته غلام شاه سنة 1768 مدينة حيدرآباد فى موقع نيرانكوت. وكانت علاقات الكلهرا بشركة الهند الشرقية الإنكليزية التى أنشأت فى عام 1772 مصنعا فى تهاتها Thatha علاقات غير ودية، فأقفل هذا المصنع عام 1775 وبعد ذلك بعدة

المصادر

سنوات قام ميربجر زعيم قبيلة تالبور إحدى قبائل البلوج بثورة فتراضت معه الكلهرا وعينته وزيرا، ولكنه قتل سنة 1871 بعد أن هزم جيشا أفغانيا بالقرب من شكاربور. وطرد ابنه عبد اللَّه خان تالبور، عبد النبى آخر حكام الكلهرا إلى كلات. واسترد عبد النبى عرشه وقتل عبد اللَّه، غير أن مير فتح على أحد أقرباء عبد اللَّه هزمه وأجبره آخر الأمر الأمراء على الالتجاء إلى جذبور حيث لا يزال لأحفاده فيها مكانة ممتازة. وفى عام 1783 وطد فتح على أول أمراء التالبور، مركزه بوصفه "رئيس السند". وتاريخ هذه البلاد فى عهد هؤلاء الحكام الجدد يبعث على الحيرة بسبب تقسيم البلاد بين أفراد مختلفين من أفراد هذه الأسرة: (1) كان فرع حيدرآباد أو شاهدا دبور يحكم فى السند الوسطى (2) وكان فرع ميربور أو منكانى يحكم فى ميربور (3) وكان فرع سهرابانى يحكم فى خيربور وكانت الصلات الأولى بين شركة الهند الشرقية الإنجليزية وأمراء السند على غير ما يرام وأدت الصعاب التى قامت بسبب مرور الجيوش الإنكليزية فى هذا الإقليم عند نشوب حرب الأفغان الأولى سنة 1837 إلى إدخال نوع من الإشراف البريطانى على هذا الإقليم. وأظهر الأمراء فى ذلك الوقت إذعانهم، ولكن جيشهم هب فى وجه البريطانيين فهزمه السير شارلن نابير Charles Napier عند ميانى سنة 1843 وظل مير على مراد من فرع سهرابانى مواليا للبريطانيين، فسمح له بالاحتفاظ بإمارته خيربور، أما بقية السند فألحقت بالأملاك البريطانية وأصبحت الوقت إقليما بريطانيا (¬1). وظلت السند فى عهد إدارد السير بارتل فرير Sir Bartle Frere يسودها الهدوء إبان فتنة عام 1875. وأطلقت يد الكتيبة الإنكليزية الوحيدة فى هذا الإقليم فى إخضاع هذه الفتنة فى جهات أخرى. المصادر: (1) ججنامه، مخطوط. (2) محمد معصوم شاه: تأريخ سند، مخطوط. ¬

_ (¬1) كان ذلك وقت كتابة المقال.

سندباد نامه

(3) خواجه نظام الدين أحمد: طبقات أكبرى. (4) الشيخ أبو الفضل: آثين أكبرى ترجمة Blochmann Jarrett وكلا المصدرين موجودان فى المكتبة القديمة، سلسلة الجمعية الآسيوية للبنغال. (5) محمد قاسم فرشته: كلشن إبراهيمى، طبعة حجرية ببمباى عام 1832. (6) Scinde, or the Unhappy Valley: A. F. Burton لندن سنة 1851. (7) المؤلف نفسه Scinde Revisited لندن سنة 1877. (8) The Indus Valley Delta Country: M.R.Haig لندن سنة 1894. (9) The Mihran of Sind and its Tributaries, Journal of the Asiatic Socienty of Bengal: H.G.Raverty، جـ 61، سنة 1893. (10) The Imperial Gazelteer of India، جـ 22، ص 389, أكسفورد سنة 1908. الشنتناوى [هيكك T.W.Haig] سندباد نامه مجموعة من القصص الواسعة الانتشار عكف على دراستها منذ عهد بتى ده لاكروا Petis de la Croix علماء الآداب الشعبية. ويتلخص موضوعها فيما يلى: عهد ملك من الملوك بأمر تأديب ابنه إلى الحكيم سندباد. فأمر المؤدب الأمير أن يكف عن الكلام سبعة أيام، وتشى به الملكة المحبوبة أثناءها، فيهّم الملك بقتله، فينبرى له سبعة وزراء راح كل منهم يروى له قصة أو قصتين حتى أفلحوا فى إرجاء تنفيذ حكم القتل فى الأمير، وفى اليوم الثامن خرج الأمير عن صمته وبرهن على براءته. وتعرف هذه القصة أيضا بتاريخ الوزراء السبعة. وفى قصة أخرى (تاريخ الوزراء العشرة، بختيار نامه) يفترى عشرة وزراء على أمير للنيل منه لدى الملك فيدافع الأمير عن نفسه برواية هذه القصص وثمة مجموعة أخرى على غرار ذلك تسمى طوطى نامه، وقد درسها بيرتش Pertsch .

المصادر

وذكر المسعودى (القرن العاشر) كتاب السندباد مقرونا بكتاب ألف ليلة وليلة وقد ضُم كتاب السندباد فيما بعد إلى كتاب ألف ليلة وليلة، وإن احتفظ بكيانه المستقل. ويوجد هذا الكتاب فى المؤلفات الشرقية والسريانية، والعبرية، واليونانية، والبهلوية والفارسية، والعربية، والتركية، كما دخل فى المؤلفات الغربية فى العصور الوسطى، فنجد منه نسخا بالفرنسية واللاتينية والإيطالية والقطالونية Catalan والصقلبية، والأرمنية الألمانية. وللهند قصص من هذا النوع حاول بنفاى Benfey أن يربط بينها وبين القصة الهندية الأصلية سدهاباتى Siddhpati التى لم تصل إلينا. على أن الأصل الهندى لهذه القصص لا يمكن الجزم به. ونحن نلاحظ من جهة أخرى أن مغزى هذه القصص والسمة المميزة لها، وهى امتحان المرء بالصمت، لما يذكرنا بالسنن الفيثاغورية. المصادر: (1) طبعات ألف ليلة وليلة التى ترجمها Gaudefroy-Deinombynes، باريس سنة 1911 وهى مجموعة تشتمل على نسخة عربية لقصة الوزراء السبعة أقدم عهدًا من النسخ الفارسية التى فى متناول يدنا (2) Bibligraphie des Ouvrages Arabes: de Chauvin، جـ 8، لييج 1904 (3) The Book of Sindibad: Clouston كلاسكو سنة 1884. (4) Deux manuscrits d'une Version arabe inédite du recueil des Sept Visirs: Rene Basset، المجلة الأسيوية، المجموعة العاشرة، جـ 2، سنة 1903 (5) المؤلف نفسه: Contes arabes histoire des dix Vizirs, الترجمة، باريس سنة 1883 (6) Researches respecting the Book of Sindibad: Comparetti، لندن سنة 1882 (7) Le Roman des Sept Sages: H. A. Keller، توبنكن سنة 1936 م. الشنتاوى [كارا دى فو B.Carra de Vaux]

سنغافورة

سنغافورة * (من السنسكريتية سمها بوره Simhapura أى مدينة الأسد): اسم جزيرة ومدينة تقوم فيها. وتقع سنغافورة على خط عرض 1 ْ 17 َ شمالا، وخط طول 103 ْ 5 َ شرقى جرينتش عند الطرف الجنوبى لشبه جزيرة الملايو التى يفصلها عنها مضيق ضيق أقيم عليه حديثا جسر يمر عليه الخط الحديدى الموصل إلى بانكوك. وكانت سنغافورة فى العصور الوسطى ثغرا تتوقف عنده السفن الناقلة للتجارة بين الهند والصين، وقد ورد اسمها تيماسك Temasek المعروف بين الأهالى فى المصادر الصينية والجاوية والملاوية. وكانت سنغافورة فى الأصل جزءا من إمبراطورية سرى فجايا Sri Vidjaya السومطرية (بلمبانغ)، ومن ثم نعمت بالاستقلال ردحا من الزمن (من عام 1250 تقريبا؟ ) وقد حاصرها السياميون فى مستهل القرن الرابع عشر فلم يفوزوا منها بطائل. وورد ذكرها فى القصيدة الجاوية المعروفة نجرا كريتا جما" Nagarakretagama (عام 1365) باسم توماسك Tumasik باعتبار أنها تابعة لإمبراطورية مجابهيت Madjapahit، وقد دمرها الجاويون عام 1377 فحلت ملقا محلها، وقل شأن سنغافورة فأصبحت موضعا ضئيل الشأن وإن ظلت السفن العابرة تمر بها طلبا للأخشاب والماء وغير ذلك من المؤن، وكان لها شاهبندر (موظف يشرف على الثغر) فى ظل سلاطين ملقا من المسلمين (حتى عام 1511) ثم فى ظل خلفائهم سلاطين جوهور Johore وفى السادس من فبراير عام 1819 أقام السير توماس ستانفورد رافلز Sir Thomas Stamford Raflles محلة بريطانية فى سنغافورة لصالح شركة الهند الشرقية. وكانت هذه المحلة فى موضع الثغر القديم الذى يرجع إلى العصور الوسطى، ولم تكن تشغل سوى جزء صغير من الجزيرة. وألحقت الجزيرة كلها والجزائر الصغيرة ¬

_ (*) عدد السكان: 3.396.824 نفس الكثافة السكانية: 14 فى الميل المربع تقريبا, المناطق الحضرية: 100 % الأعراق: صينيون 76 % مالايون 15 % هنود 6 % واللغات: الصينية والمالاوية والتاميلية والانجليزية (كلها رسمية) الأديان: الإسلام والمسيحية والهندوسية والبوذية والطاوية المساحة: 247 ميل مربع الحكم جمهورى الرئيس أونج تنج شيونج Cheong المولود فى 22 يناير 1936 وتولى منصبه فى 2 سبتمبر 1993 العاصمة: سنجابور Sengapore

المصادر

المجاورة لها ببريطانيا بمقتضى معاهدة عام 1824، وخضعت كل الخضوع لسيادتها. وكان عدد الأهالى وقت الاحتلال البريطانى لا يزيد على بضع مئات من الأنفس، بعضهم مسلمون (ملايو) وبعضهم نَور من جوابى البحار (أورانج لوت) يقضون جل حياتهم فى قواربهم. وأخذت مدينة سنغافورة فى النمو السريع. ومعظم التجارة فى أيدى التجار الأوربيين والصينيين وإن كان يشاركهم فيها بعض الأجناس الأخرى كالهنود والعرب. وثلاثة أرباع السكان من الصينيين وفى عام 1921 بلغ عدد سكان المدينة 350355 نسمة فى حين بلغ عدد سكان الجزيرة 418358 نسمة. ومن هذا العدد ما بين 64000 و 65000 من المسلمين، وجلهم، أى 53595 نسمة، من الملايو وإن كان هذا الرقم لا يشتمل إلا على 33184 من الملايو الأصليين و 13328 من اليابانيين و 6582 من البويان و 2142 من البوجى و 349 من البنجار وعدد قليل من الأجناس الأخرى. وتشتمل البقية الباقية من المسلمين على 9 آلاف من الهنود ونحو 1200 من العرب. والغالبية العظمى من أهل السنة على المذهب الشافعى. ولما كانت سنغافورة على اتصال بمسلمى العرب والهند من ناحية وبالمسلمين فى شبه جزيرة الملايو وجزائر الهند الشرقية من ناحية أخرى، فإنها تعتبر حلقة هامة فى سلسلة الدعوة الإسلامية وفى حركة الحجاج إلى مكة وإن كان معظم سكانها من غير المسلمين. المصادر: (1) W. Makepeace, G. E. Bvoolile One Hun-: Brooke and R. St. J.Braddell dred Years of Singapore، لندن سنة 1921 (2) An Anecdotal History of old Times in Singapore: C. B. Buckley، سنغافورة سنة 1902 (3) Malaya 1824 British the Malayan Branch. R. A. S: L. Mills 1867 - 1925 جـ 3, قسم 2, ص 49 وما بعدها؛ سنغافورة 1925) (4) Malaya: R.O.Winstedt ص 143 وما بعدها، لندن سنة 1923

سنغال

(5) A History of the Peninsular Malays: R.J.Wilkinson، ص 78 وما بعدها، سنغافورة سنة 1923 (6) British Malaya: F.A.Swettenham، ص 62 وما بعدها، لندن سنة 1907 (7) Political and Statistical Account of the British Settlements in the Stratis of Malacca: T.J.Newbold لندن سنة 1839, جـ 1, ص 266 - 398 الشنتناوى [بلاجدن C.O.Blagden] سنغال * لم يثبت أصل كلمة سنغال ثبوتًا قاطعًا، وينسبها معظم الكتاب المحدثين إلى القبيلة البربرية صنهاجة أورناجه التى احتل بعض أفرادها منذ زمن بعيد ناحية تقع شمالى المجرى الأسفل لنهر السنغال، وفسروا الاسم "نهر السنغال" بأنه هو "نهر صنهاجة" والظاهر أن هذا التفسير إنما يعتمد على قيام تشابه عارض بين اسمين يدل كل منهما على شئ مستقل عن الآخر، وقد نستبين من المعلومات التى زودنا بها الجغرافيون والرحالة المتقدمون، من مسلمين ونصارى؛ أنه كانت تقوم فى وقت من الأوقات فى الوادى الأسفل للنهر مملكة للسود تسمى سَنَغانة أو سَنْغانة (البكرى، القرن الحادى عشر) أوسِنِجانى Sengany (كتاب الملاحة الخاص بآل مديتشى الذين كانوا يحكمون سنة 1351) أو سَنكة Sanaga Denz Fernadez)، 144) أو سِنكة The anet Ca de Mosto) و Senega ومارمول Marmol) أوس - ن - ج - ل و (لا نعرف نطقها على التحقيق؛ محمود كولى صاحب الفتّاش، القرن السادس عشر)، ويذكر هولاء الكتاب أنفسهم كما تذكر الوثائق أسماء لصنهاجة تختلف فيما بينها اختلافا واضحا ¬

_ (*) عدد السكان 9.092.749 نسمة الكثافة السكانية: 120 فى الميل المربع المناطق الحضرية 43 % الأعراف: وولوف Wolof 36 % , الفولانى Fulani 17 %، السيرير Serer 17 % , الديولا Diola 9 %، التوكولور Toucouleur 9 %، الماندنجو Mandingo 9 %، اللغات: الفرنسية (رسمية) والولوف والبولار والديولا والماندجو وغيرها. الأديان: مسلمون 92 %، مسيحيون 2 %، أديان محلية 6 %، المساحة: 75.951 ميل مربع, الحكومة: جمهورية: الرئيس عبده ضيوف المولود فى 7 سبتمبر 1935 وشغل منصبه فى أول يناير 1981 العاصمة: داكار [د. عبد الرحمن الشيخ]

(صنهاجة, zanhagu,Azanghes,Assenages,Sehegues, وغير ذلك) ويجعلون منازلها أبعد من ذلك شمالا، ولا يزال المغاربة المنحدرون من صنهاجة يطلقون الاسم أسُنْكان على الوادى الأسفل للنهر؛ ولعل الإسم "سنغال" مشتق من اسم الولاية؛ ثم إن مارمول Marmol يقول إن لانسيلو دولاك Lancelot du Lac الذى زار هذه المنطقة سنة 1447 أطلق على النهر اسم مملكة كان مصبه يقع فيها. ومهما يكن من أمر فإن الإسم بصيغته "سنغال" قد أطلق منذ القرن السابع عشر على النهر الذى يصب فى المحيط الأطلسى على مسيرة نحو 120 ميلا شمالى الرأس الأخضر، كما أطلق على المستعمرة التى أسسها الفرنسيون فى هذا الجزء من إفريقية، وقصبة هذه المستعمرة سانت لويس، وتقع على نهر السنغال قرب مصبه , وتشمل مدينة دكّار, قصبة إفريقية الفرنسية؛ وتبلغ مساحة المستعمرة نحو 75000 ميل مربع, وكان عدد سكانها (سنة 1921) 1225533 نسمة منهم 5.287 أوربيا و 1.220.236 من أهل البلاد، ومن هؤلاء 1.021.791 من الزنوج و 191.351 من موّلدى الفلبة أو البول و 7904 من البيض (المغاربة)؛ ويحد السنغال من منطقة سانت لويس مصعدًا حتى ملتقاه بنهر فاليمه، ويحده شرقا نهر فاليمه من مصبه مصعدا حتى خط عرض 12 ْ 40 َ شمالا تقريبًا؛ ويحده جنوبًا خط يمتد من مجرى فاليمه الأعلى حتى المحيط عند روكسو، إلى الجنوب قليلًا من مصب نهر كازامنس؛ أما فى داخل البلاد فثمة مملكة دخيلة محصورة تتألف من مستعمرة غامبيا البريطانية التى تشتمل على ضفتى غامبيا من ياربوتندا إلى البحر، وتضم المستعمرتان جغرافيا فى بعض الأحيان ويطلق عليهما جميعا الاسم المركب "سنغامبيا". ولعل سنغال كانت أول دولة من دول الزنوج جميعا فى إفريقية تستسلم لجيش المسلمين، وقد بدأت الحركة الدينية التى قام بها المرابطون حولى سنة 1040 م فى صومعة أقيمت فى جزيرة فى السنغال الأسفل, وأدخل المرابطون فى دين اللَّه حوالى سنة

1050 م ملك مملكة تكرور الزنجية وخاصة أعيانها، وموضع هذه المملكة اليوم فى إقليم فوتا السنغالى، وقد تغيّر اسمها قليلا فاتخذ صيغة تكلور ولا يزال الفرنسيون يطلقون هذا الإسم على أهل هذا الإقليم الزنوج، وربما يكون قد حدث بعد هذا مباشرة، أى حوالى أواخر القرن الحادى عشر، أن اعتنق الإسلام بنو سَركُله أو سننكه الذين ينزلون إقليم كلام أعلى فوتا؛ وحدث بعد هذا بكثير، حوالى سنة 1770، أن أعلنت عشيرة تورضبه التكلورية الجهاد على الفلبة الوثنيين، وكانوا يسيطرون وقتئذ على فوتا من الناحية السياسية، وانتهت الحرب سنة 1776 وهزم الفلبة وأكره عدد كبير منهم على الدخول فى الإسلام، واستولى التكارنة على فوتا وأقاموا فيها حكما دينيًا إسلاميًا تتولاه حكومة منتخبة ظلت فى الحكم حتى سنة 1809، عندما ضم الفرنسيون فوتا نهائيًا إلى مستعمرة السنغال الفرنسية؛ وقد خرج من هذا المركز الدينى الذى أنشأه التورضبة من أهل فوتا السنغالية بضع حملات كبيرة للفتح ونشر الإسلام شملت رقعة عظيمة من الأرض، وكان أهم هذه الحملات حملة قادها عثمان فوديه حوالى سنة 1800 وانتهت بفتحه بلاد الهوسا (الحوصة) وتأسيسه دولة سكوتو الإسلامية، وحملة قام بها حوالى سنة 1845 عمر تل، الذى اشتهر بالحجاج عمر، وقد انتهت هذد الحملة سنة 1854 - 1862 بغزو التكلور مملكتى كآرته وسيكو الجديدتين ومملكة ماسينا الفلبية، وكان الإسلام قد انتشر فى هذه الأثناء فدخل فيه خلق كثير من شعوب الماندينكو الذين ينزلون الجزء الأعلى من نهر غامبيا والجزء الأعلى من نهر كازامنس، واعتنق هذا الدين فى عهد أحدث من ذلك كل أو جل الولف الذين ينزلون الجزء الأسفل من نهر السنغال والأراضى التى إلى الجنوب حتى الرأس الأخضر. أما الشعوب الوطنية الأخرى التى تقطن المستعمرة (سرر، ونون، وبنيون، وبلنت، وديولا، وبسارى وغيرها) فقد ظلت متمسكة بمذهب أجدادها القائل بحيوية المادة، وتقسم الإحصاءات أهل السنغال الوطنيين إلى 19.000 مسلم

السنة

و 469.500 يدينون بمذهب حيوية المادة 4.700 نصرانى *. صبحى [دلافوس M.Delafosse] السنة العرف، والاستعمال والعادة، والشريعة، وتستعمل هذه الكلمة فى مناسبات كثيرة نكتفى منها بما يلى: ترد السنة فى القرآن الكريم عادة فى مناسبتين: "سنة الأولين" (سورة الأنفال، الآية 39 (¬1)؛ سورة الحجر، الآية 13؛ سورة الكهف، الآية 55؛ سورة فاطر، الآية 43) و"سنة اللَّه " (سورة الإسراء، الآية 77 (¬2)، سورة الأحزاب الآية 62؛ سورة فاطر، الآية 43؛ سورة الفتح، الآية 23). والاستعمالان مترادفان من حيث إنهما يشيران إلى ما أنزله اللَّه من عقاب بالأولين الذين تلقوا دعوة الرسل الذين بعثوا إليهم بالنكر والازدراء، ومن ثم ورد هذان التعبيران على الأخص فى السور المكية (¬3) ومحور الحديث فيها هو قصص الأنبياء، وترد كلمة سنن بصيغة الجمع فى سورة آل عمران الآية 137 بمعنى قضاء اللَّه. وترد سنة اللَّه فى الآية 38 من سورة الأحزاب بمعنى المزايا التى حبا اللَّه بها الأنبياء الأولين. والسنة فى الحديث هى سنة محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، فاللَّه يخاطب الناس عن طريق كتابه ويتصل بهم محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] عن طريق سنته (انظر مسلم، كتاب الإيمان، الحديث رقم 246: "فأَمَّكم بكتاب ربكم تبارك وتعالى وسنة نبيكم"). وتشمل سنة النبى محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وفقا للتفسير الشائع فعله وقوله وتقريره؛ ¬

_ (*) كان ذلك فى الفترة التاريخية المشار إليها. (¬1) رقم الآية فى المصحف العثمانى 38. (¬2) نصِ العبارة "ولن تجد لسنتنا تحويلا" [م. ع] (¬3) يقول الكاتب ". . . ومن ثم ورد هذان التعبيران على الأخص فى السور المكية". ولا نحسب أن ملحظه فى هذا التخصيص بالسور المكية يسلم له، ففى السور التى عدها هو نفسه سورة الأنفال وهى مدنية، إلا الآيات من 30 إلى غاية 36 فإنها مكية. وآية الشاهد التى ساقها هو رقمها بعد ذلك فهو 38 كما فى المصحف المصرى، وإن عدها هو 39. . أى أنها على كل حال ليست من الآيات المكية المستثناة من الأنفال المدنية. ثم ذكر هو كذلك سورة الأحزاب وهى مدنية كلها؛ كما ذكر سورد الفتح، وهى مدنية أيضا. . بل إن أسماء هذه السور نفسها تلفت إلى مدنيتها لفتا واضحا، إذ الأنفال، وفتح مكة، والأحزاب لم يكن شئ منها إلا بعد الغزوات التى لم يكن منها شئ فى مكة. . . أمين الخولى

والأخذ بالسنة يمكن أن يقال له بوجه من الوجوه: التقليد المحمدى Imitatio Muhammadis . والتباين بين السنة الحميدة والسنة السيئة يفصح عنه الحديث التالى: "من سَنَّ فى الإسلام سنة حسنة فعُمل بها بعده كتب له مثل أجر من عمل بها، ولاينقص من أجورهم شئ، ومن سن فى الإسلام سنة سيئة فعُمل بها بعده كتب عليه مثل وزر من عمل بها ولا ينقص من أوزارهم شئ" (مسلم، كتاب العلم، حديث 15). على أن السنة أصبحت هى المصطلح المأثور الذى يطلق على آراء أهل السنة والجماعة وأفعالهم. مقابلا لمصطلح الشيعة. وانقسام المسلمين إلى سنة وشيعة أمر معروف بوجه عام، ومن ثم نوه تنويها خاصا باتباع سنة النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] (فمن رغب عن سنتى فليس منى" (البخارى، كتاب النكاح، الباب الأول). "الصلاة المكتوبة إلى الصلاة التى بعدها كفارة لما بينهما؛ والجمعة إلى الجمعة والشهر إلى الشهر (يعنى رمضان إلى رمضان) كفارة لما بينهما. . إلا من الإشراك باللَّه ونكث الصفقة وترك السنة. . . وأما ترك السنة فالخروج على الجماعة" (الجماعة، أحمد بن حنبل، جـ 2، ص 229). ونذكر من الستة الذين لعنهم اللَّه والرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وكل نبى كان: ". . . والتارك لسنتى" أى لسنة محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] (الترمذى، كتاب القدر، الباب 17). والعلم بالسنة من المقاييس التى تقرر من هو أحق بالإمامة فى الصلاة (الترمذى، كتاب الصلاة، الباب 60؛ النسائى، كتاب الإمامة، الباب 3). والصحابة هم الذين يأخذون بسنة النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] ويقتدون بأمره (مسلم، كتاب الإيمان، حديث رقم 80). وتشير الكلمة فى بعض المناسبات إلى المثل الذى يضربه الصحابة والمسلمون الأولون. وقد ذكر فى البخارى (كتاب الأحكام، الباب 43) سنة اللَّه ورسوله والخليفتين من بعده. وفى الترمذى (كتاب العلم، الباب 16) إشارة إلى سنة محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] والخلفاء الراشدين المهديين.

وعلى هذا النحو اكتسبت هذه الكلمة معنى المقياس والقدوة. ويؤثر عن النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] أنه قال عندما كان يضع هذه الأسس والقواعد: "صلوا قبل صلاة المغرب، قال فى الثالثة "لمن شاء" كراهية أن يتخذها الناس سنة" (البخارى، كتاب التهجد، الباب 35). ويقابل السنة من حيث إنها تدل على ما أثر عن النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] من قول أو فعل، البدعة (الترمذى، كتاب العلم, الباب 16). وسنة النبى بمعنى أنها قوله أو فعله أو تقريره قد تحددت شفويا وكتابة فى الحديث. والسنة من حيث النظر منفصلة عن الحديث، أما من حيث العمل فكثيرا ما يتفقان، ولعل السبب فى ذلك أن مجاميع الحديث تعنون باسم "سنن" (مثال ذلك مجاميع أبى داود وابن ماجة والنسائى). وإذا أردنا أن نفهم المعنى النظرى والعملى للسنة فى الإسلام وجب أن نذكر أن القرآن الكريم وإن كان مصدرا استقى منه كثير من السنن فإن محمدا [-صلى اللَّه عليه وسلم-] قد قضى فى كثير من المسائل لا عن طريق الوحى وإنما بحسب الحالة التى تعرض له؛ وكانت أقوال النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وأفعاله تعتبر "سنة حسنة" ومن ثم رتبت وتحددت كتابة وإن لم تعادل فى صيغتها القرآن الكريم فى حجيته وشرعيته. والحديث نفسه يفسر هذا الجانب من سنة النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فى الأحاديث التالية. "جاء ناس إلى النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فقالوا: أن ابعث معنا رجالا يعلمونا القرآن والسنة" (مسلم، كتاب الإمارة، الحديث 147). "إن الأمانة نزلت فى جذر قلوب الرجال، ثم علموا من القرآن وعلموا من السنة" (البخارى، كتاب الرقاق، الباب 35). وقال عمر بن الخطاب: "إنه سيأتى ناس يجادلونكم شبهات القرآن، فخذوهم بالسنن، فإن أصحاب السنن أعلم بكتاب اللَّه" (الدارمى، المقدمة الباب 16). ونجد فى القرآن الكريم نفسه إشارات إلى أهمية سنة محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] مثل الأمر بالإيمان باللَّه ورسوله (سورة الأعراف، الآية 158؛ سورة التغابن، الآية 8) ودعوة إبراهيم عليه السلام عندما أقام البيت فى مكة: {رَبَّنَا

وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (سورة البقرة، الآية 129، والآيات المماثلة). ويتضح من ذلك أن السنة فى الإسلام قد أصبحت نبراسا للسلوك إلى جانب القرآن الكريم، وأن فقهاء الإسلام قد سعوا إلى إلتماس الجواب عن مسألة الصلة المتبادلة بين القرآن والسنة، ونوقشت هذه المسألة أيضا فى الأحاديث، فبدا القرآن والسنة فى أول الأمر متساويين فى الحجية. فقد قال خالد بن أسيد لعبد اللَّه بن عمر: "إنا نجد صلاة الحضر وصلاة الخوف فى القرآن، ولا نجد صلاة السفر فى القرآن، فقال له ابن عمر: ابن أخى! إن اللَّه عز وجل بعث إلينا محمدا: صلى اللَّه عليه وسلم ولا نعلم شيئا، فإنما نفعل كما رأينا محمدا صلى اللَّه عليه وسلم يفعل" (أحمد بن حنبل جـ 2، ص 94). وهناك حديث آخر أكثر من هذا تحديدا: "ألا وإن ما حرم رسول اللَّه فهو مثل ما حرم اللَّه" (الدارمى، المقدمة، باب 48). وذهب البعض إلى القول بأن السنة أيضا موحى بها: "كان جبريل ينزل على النبى -صلى اللَّه عليه وسلم- بالسنة كما ينزل عليه بالقرآن (الدارمى. المقدمة، باب 48). بل ذهب المسلمون إلى أبعد من ذلك فقالوا: "السنة قاضية على القرآن وليس القرآن بقاض على السنة" (¬1). وقد نوقشت مسألة الصلة بين القرآن والسنة بإفاضة فى كتب الأصول. فالشافعى فى كتابه الرسالة يقول إن فى القرآن أوامر لم تحدد صيغتها العامة إلا فى السنة، مثال ذلك عقاب السارق كما عوقب فى القرآن (سورة المائدة، الآية 42) (¬2) ففى الحديث أن الحد لا يقام إذا كانت السرقة ¬

_ (¬1) ليس من الصواب إطلاق الكاتب القول هكذا بقوله ". . . بل ذهب المسلمون إلى أبعد من ذلك، فقالوا: السنة قاضية على القرآن. . إلخ" دون أن يعزو هذا إلى قوم بأعيانهم. . . ثم يترك هذا الكلام دون نسبته إلى مصدر نقل عنه هذا النقل. . فالمنهج -كما يبدو- غير سليم فى الناحيتين. . وسيعرض الكاتب قريبا -فى هذا المقال نفسه- لنسخ السنة للقرآن -بما يتبين منه وضوح: أن ليس من السهل إطلاق القول بقضاء السنة على القرآن وأن القرآن ليس بقاض على السنة. (¬2) رقم الآية فى المصحف العثمانى 38. [م. ع]

فى شئ ذى مبلغ زهيد (انظر البخارى، كتاب الحدود. الباب 13). ومن المعروف أن محمدا -صلى اللَّه عليه وسلم- جعل الرجم عقاب الثيب إذا زنت (¬1) (انظر البخارى، كتاب الجنائز الباب 61). على حين جعل القرآن (سورة النور، الآية 2) عقاب الزانى والزانية مائة جلدة. وصلة السنة بالقرآن قد تكون على ثلاثة أنواع: 1 - أن تتفق اتفاقا تاما مع القرآن 2 - أن تكون تفسيرا لنص القرآن 3 - أن تكون صلتها بالقرآن صلة غير مباشرة (الرسالة، ص 16). ولا يقر هذا النوع الثالث أولئك الذين يجعلون السنة دائما مرتبطة بنص القرآن ارتباطا مباشرا. والصلة بين القرآن والسنة تتمثل فى القول بالناسخ والمنسوخ كما تتمثل فى شواهد أخرى تتصل بأوامر القرآن ونواهيه. وسنكتفى فى هذا المقام ببيان أن الشافعى على خلاف غيره من الفقهاء (¬2)، لا يرى أن السنة يمكن أن تنسخ القرآن، فهو يقول إن القرآن لا ينسخه إلا القرآن، والسنة لا تنسخها إلا السنة (ص 16 وما بعدها). على أن ثمة آيات فى القرآن لا تتضح صفتها المنسوخة إلا بالسنة (ص 18 - 21) أو بالسنة والإجماع. ¬

_ (¬1) يقول الكاتب ". . ومن المعروف أن محمدا -صلى اللَّه عليه وسلم- جعل الرجم عقاب الثيب إذا زنت. . " يريد بذلك أن الرجم ثبت بالسنة. . وفى تعبيره هذا -أن محمدا جعل. . . إلخ نبوة. . ونجاوزها، فنرى أنه مع إفهام بعض الروايات: أن الرجم بالسنة فإنه لا يمكن إهمال ما يجرى فى هذا الموضع من الكلام عن ثبوت الرجم بالكتاب، بآية كانت فيما أنزل وهى "الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من اللَّه ورسوله" وأن هذه الآية قد نسخت تلاوتها وبقى حكمها؛ وهو قسم من أقسام النسخ يقول عنه الآمدى: اتفق العلماء على جواز نسخ التلاوة دون الحكم، وبالعكس -الإحكام جـ 3، ص 201 - وعلى كل حال، مهما يكن الرأى فى النسخ بعامة، أو فى هذا القسم منه بخاصة، فلا يستطيع الكاتب أن يطلق القول هكذا -كما هنا- بأن الرجم ثبت بالسنة، على حين جعل القرآن عقاب الزانى والزانية الجلد. . مع كثرة ما قيل فى هذا الموضع عن ثبوت الرجم بالكتاب. . (¬2) دعوى الكاتب انفراد الشافعى بامتناع نسخ الكتاب بالسنة ليست سليمة، فالآمدى، وقد كان فى النهاية شافعى المذهب، يحكى المسألة على غير مايقول الكاتب هنا، وعبارته: قطع الشافعى وأكثر أصحابه، وأكثر أهل الظاهر، بامتناع نسخ الكتاب بالسنة المتواترة، وإليه ذهب أحمد بن حنبل فى إحدى الروايتين عنه" -الإحكام، جـ 3، ص 217 - فالظاهرية، وابن حنبل فى رواية -مع الشافعى، وليس الشافعى على خلاف غيره من الفقهاء- بل إنك تسمع المجيزين نسخ الكتاب بالسنة يختلفون فى وقوعه فعلا؛ والمختار جوازه عقلا. . ومن هنا نرى أن القول بانفراد الشافعى بامتناع نسخ السنة للقرآن ليس سليما. . وأن غير قليل من الفقهاء يمنع وقوع هذا النسخ فعلا. .! أمين الخولى

المصادر

وكتب أصول الفقه ليست مقصورة بطبيعة الحال على القرآن والسنة، ومع ذلك فقد سيقت الاعتراضات بين الجماعة على كل محاولة ترمى إلى أن تضيف إلى هذين المعيارين الموضوعيين التاريخيين بعض العناصر الذاتية مثل الإجماع أو القياس. ونجد فى الروايات آثارًا لهذه المعارضة: "عن ابن مسعود وحذيفة أنهما كانا جالسين فجاء رجل فسألهما عن شئ، فقال ابن مسعود لحذيفة: لأى شئ ترى يسألونى عن هذا؟ قال: يعلمونه ثم يتركونه. فأقبل إليه ابن مسعود فقال: ما سألتمونا عن شئ من كتاب اللَّه تعالى نعلمه أخبرناكم به أو سنة من نبى اللَّه [-صلى اللَّه عليه وسلم-] أخبرناكم به، ولا طاقة لنا بما أحدثتم" (الدارمى المقدمة، باب 16). ومما لا يخلو من مغزى أن البخارى قد عنون كتابا من صحيحه بعنوان "الاعتصام بالقرآن والسنة". ومهما يكن من شئ فإن المذاهب الأربعة قد تخلت عن هذا الاتجاه، وأخذ الإجماع والقياس مكانهما بين أصول الفقه. وهذه الأصول الأربعة لم يعترف بها قط الخوارج والوهابية فضلا عن الشيعة (¬1). ويجب ألا نخلط بين الاصطلاح "السنة" فى نظرية الأصول وبين النوع الثانى من الأحكام الخمسة التى يتناولها الشرع، وهو النوع الذى يعرف أيضا باسم السنة. انظر فى هذا الشأن مادة شريعة. المصادر: (1) Handleiding tot de Kennis van de Mohammed aansche wet: Th.W.Juynboll ليدن سنة 1925 ص 34 وما بعدها. ¬

_ (¬1) عبارة الكاتب فى هذه الفقرة مخلة الإيجاز، وأحسبه يريد أن يقول: إن المذاهب الأربعة قد تخلت عن الاتجاه إلى أن لا طاقة لها بما أحدث الناس، فكان القياس والإجماع أصلين مع الكتاب والسنة. . وغير الأربعة من الفقهاء لا يوافق على بعض هذه الأصول، لوجه من أوجه الخلاف. . وفى عبارة الكاتب هنا ما يوهم، كقوله: وهذه الأصول الأربعة لم يعترف بها قط الخوارج. . . إلخ فليس بين المسلمين أحد لم يعترف قط بهذه الأصول الأربعة والقرآن مثلا أصل الأصول. . . لا يخالف فى ذلك مسلم. ولا حاجة بالقارئ إلى تتبع مختلف المذاهب فى بعض هذه الأصول فلهذا مكانه فى المواد الخاصة بها. . .أمين الخولى

السنوسى

(2) Hadith und Sunna: I.Goldziher فى Mult.Studien جـ 2، ص 1 - 27. (3) Verspreide Geschriften: C.Snouck Hurgronje جـ 1, ص 249؛ جـ 2, ص 36 وما بعدها، 72 وما بعدها. (4) مولوى محمد أعلا بن على: كشاف اصطلاحات الفنون Dictionary of Techn. Terms، ص 703 وما بعدها. (5) (Handbook of Early Muhanunaduin Traditiou: A. J. Wensinck)، ليدن سنة 1927. (6) ابن السبكى: جمع الجوامع مع شرح البنانى القاهرة سنة 1318 هـ. جـ 2, ص 58 - 109. (7) ملا خسرو: مرآة الأصول، ص 182 - 226. (8) ابن أمير الحج: التقرير والتكبير فى شرح كتاب تقرير ابن همام، بولاق سنة 1316, جـ 2، ص 223 وما بعدها، وعلى هامشه كتاب منهاج الأصول للبيضاوى جـ 2، ص 23 وما بعدها الشنتناوى [فنسنك A.J.Wensinck] السنوسى أبو عبد اللَّه محمد بن يوسف بن عمر بن شعيب: فقيه أشعرى من متكلمى تلمسان، ولد فيها، وبها توفى وقد أشرف على الثالثة والستين فى يوم الأحد 18 جمادى الآخرة سنة 895 هـ (= 9 مايو سنة 1490 م)؛ على أن شاهد ضريحه لم يذكر ذلك اليوم من الاسبوع أو الشهر الذى توفى فيه. وقد درس السنوسى العلوم الإسلامية والحساب وعلم الهيئة فى مسقط رأسه على شيوخ مثل أبيه أبى يعقوب يوسف، وشقيقه التلّوتى، وأبى عبد اللَّه الحَباك، وأبى الحسن القلصادى، وابن مرزوق المشهور، وقاسم العقبانى وغيرهم؛ وقيل أنه ارتحل إلى الجزائر حيث تلقى العلم على عبد الرحمن الثعالبى؛ ويجمع علماء المغرب على الثناء على السنوسى، فقد كان فى نظرهم محيى الإسلام فى مستهل القرن التاسع الهجرى، ويشيدون بعلمه وخاصة تفقهه فى علم الكلام، كما ينوهون بخشيته اللَّه وغيرته.

ونذكر من تلاميذه ابن الحجاج اليبدرى وابن العباس الصغير وابن صعد وأبا القاسم الزواوى؛ أما مصنفاته، التى أصبح بعضها من الكتب العمدة فى شمال إفريقية، فهى: (1) عقيدة أهل التوحيد المخرجة من ظلمة الجهل وربقة التقليد (أو) العقيدة الكبرى؛ (2) عمدة أهل التوفيق والتسديد، وهو شرح على كتابه العقيدة الكبرى، وقد طبع معه فى القاهرة سنة 1317 هـ (3) عقيدة أهل التوحيد الصغرى (أو) أم البراهين، ويعرف باسم السنوسية، وقد طبع عدة مرات بالقاهرة وفاس وترجمه إلى الألمانية وولف (El .Senusis B-greffsentwicklung d. Mohammeda - nischen Glaubekenntnisses, ar. u.deutsch mit Anm: Ph. Wolff، ليبسك 1848)، وترجمه إلى الفرنسية لوسياتى (Petit Traite de theologie Musulmane: Luciani, الجزائر 1896) دلفن (La philosophie de Cheikh Senousi d'apres Son aqida es sor'ra: Delphin, فى J.A السلسلة 9، جـ 10, ص 366) ولو سياتى (Apropos de la trad, de la Senoussia: Luciani, فى Reune Afr 1998، جـ 42، رقم 231)؛ (4) شرح على أم البراهين، الجزائر، المكتبة الأهلية، رقم 653 - 662 إلخ؛ (5) العقيدة الوسطى (أو) السنوسية الوسطى (6) شرح عليها الجزائر، المكتبة الأهلية، رقم 632 (7) تونس 1387 - 1393؛ (8) المنهج السديد فى شرح كفاية المريد، وهو شرح على القصيدة التعليمية المعروفة باسم القاصد فى علم التوحيد (وقد طبع نصها فى تونس عام 1311) لأبى العباس أحمد بن عبد اللَّه الجزائرى، المتحف البريطانى الأرقام 628, 901, 1617 (3) باريس رقم 1268, دار الكتب المصرية، جـ 2، ص 35؛ مكتبة بودليان Bodl، جـ 1، ص 66 و 67؛ فاس رقم 1571، 1575, 1579, والمخطوط الذى فى حوزتى؛ (9) صغرى الصغرى و (10) شرح عليها مطبوع بالقاهرة عام 1304, 1322, (11) المقدمات، المطبوع على الهامش صغرى الصغرى مع شرح البنانى، Lu Les Prolegomenes theologiques de: ciani Senoussi، الجزائر، 1908 (12) شرح المقدمات، الجزائر، رقم 632 (8)، 628

المصادر

إلخ؛ (13) المقّرب المستوفى فى شرح فرائض الحوفى، الجزائر، رقم 1540 (2) J.A. 1854, جـ 1, ص 175، (14) مختصر فى علم المنطق و (15) شرحه، وقد طبع مع شروح لإبراهيم الباجورى، القاهرة، 1321؛ (16) شرح مكمل كمال الإكمال، وهو شرح على صحيح مسلم، القاهرة، على هامش شرح الأبى؛ (17) نصرة الفقير، دار الكتب المصرية، جـ 2، ص 172، تلمسان (المدرسة)، رقم 81، الجزائر (المسجد الجامع)، رقم 88؛ (18) شرح أسماء اللَّه الحسنى، تونس، رقم 1434 (5)؛ (19) كتاب الحقائق، دار الكتب المصرية، جـ 7، ص 620؛ (20) المجربات، طبع على هامش مجربات الدربى، بولاق 1279 هـ القاهرة 1316؛ (21) الطب النبوى، المتحف البريطانى 460, 461, ليدن 1375, دار الكتب المصرية، جـ 7، ص 145؛ (22) حافظة، المتحف البريطانى، 119 (2)؛ (23) عمدة ذوى الألباب، (شرح بغية الطلاب فى علم الأسطرلاب للحباك، الجزائر)، 1458 (2)؛ (24) شرح واسطات السلوك للحوضى، فاس، رقم 1573, 1585؛ (25) صلوات، دار الكتب المصرية، جـ 7، ص 168؛ 260) شرح إيساغوجى (تهذيب البقاعى)، الجزائر، 1307 (3) , 1382 (1) , (27) شرح صحيح البخارى، ولم يتمه (مخطوط فى حوزتى). المصادر: (1) الملالى محمد بن عمر التلمسانى: المواكب القدوسية فى المناقب السنوسية: الجزائر رقم 1706 (2) ابن عسكر: دوحة الناشر، فاس 1309, ص 89 (3) أحمد بابا: نيل الابتهاج فاس 1309, ص 346 وقد أعاد الحفناوى طبع المقال فى تعريف الخلف برجال السلف، الجزائر 1907، جـ 1، ص 176 (4) المؤلف نفسه: (مخطوط فى مدرسة الجزائر)؛ الورقة 181 (5). (5) ابن مريم: البستان، الجزائر 1910, ص 270 (6) Tombeau de Cid Mohammed es - Senouci et de son Frere le: Brosselard

السنوسى

Cid et-Tallouti Rev Afr 1858، جـ 3، ص 245 (7) المؤلف نفسه Retour a فى Sidi Senaici Rev. Afr, 1861, جـ 5، ص 241 (8) Campl. de L'Histoire des Beni-Zeiyan: Abbe Barges, باريس 1887, ص 366 (9) Documents inedits Sur, El - Senouci. Son Caract'ere et ses J.A. ecrits: Cherbonneau، 1853, ص 175 و 442 و 443. (10) G.A.L.: Brockelmann, جـ 2، ص 250 (11) Etude sur les pers. mentionnees dans L'ldjaza du Cheikh abde el Fasy: Moh. ben Cheneb، باريس 1907, رقم 55 صبحى [محمد بن شنب Moh.Ben Cheneb] السنوسى سيدى محمد بن على السنوسى المجاهرى الحسنى الإدريسى، ولد عام 1206 هـ (1791 م) فى تُرش قرب مستغانم (من أعمال الجزائر) فى دوار للخطاطبة (أولاد سيدى يوسف) الذين ينتسبون إلى الزيانية من البربر، وتوفى عام 1276 هـ (1859 م) فى جغبوب (من أعمال برقة)، وهو منشئ رباط السنوسية العسكرى الحديث الذائع الصيت. وقد تلقى العلم أول الأمر على أبى راس (المتوفى عام 1823) وبلكندز (المتوفى عام 1829) فى مسقط رأسه ثم شخص إلى فاس وأقام بها فيما بين سنتى 1821 و 1829 ودرس تفسير القرآن الكريم، والحديث وأصول الفقه، وأدى بعد هذا فريضة الحجة سالكا طريق جنوبى تونس إلى القاهرة ثم إلى مكة حيث أقام فيها من سنة 1830 إلى سنة 1843 (فيما عدا مدة قصيرة قضاها فى صبياء)؛ وأقام فى مكة عام 1837 أول زاوية من زوايا طريقته على جبل أبى قبيس. وعاد السنوسى إلى الغرب، فاستقر فى المغرب حيث أنشأ أولا زاوية رفاعة ثم زاوية البيضا قرب درنة (الجبل الأخضر) ثم زاوية تمّسه، ثم زاوية جغبوب (1855) التى عمرها بالعبيد المعتقين، وتوفى السنوسى فى جغبوب ودفن بها.

وكان للسنوسى ولدان: سيدى محمد المهدى (المولود عام 1744 والمتوفى 1901 بكورو)، وهو خليفته، وسيدى محمد الشريف (المولود عام 1846 والمتوفى عام 1896)؛ وخلف الولد الأكبر ابنين هما: سيدى إدريس (ولد عام 1883 ومنح أرضًا فى الغرب عام 1909. ونصب أميرًا تحت الحماية الإيطالية من سنة 1916 إلى سنة 1923)، وسيدى الرضا؛ وأعقب الولد الأصغر ستة أبناء هم: سيدى أحمد شريف (ولد 1880؛ وهو شيخ الطريقة السنوسية من سنة 1901 إلى سنة 1925, وقد انضم إلى ألمانيا وشخص إلى تركية، وأخذ منذ سنة 1921 يوجه حملة إسلامية جامعة من أنقرة)، وسيدى محمد العابد (وقد منح أرضًا فى الجنوب، فى فزان منذ سنة 1909، ومن ثمّ دبر فتنة الصحراء فى وجه فرنسا فى السنوات من 1916 - 1918 م)، وسيدى على الخطابى، وسيدى صفى الدين (رئيس البرلمان الإيطالى فى برقة عام 1921) وسيدى الحلّال، وسيدى الرضا. وكان مقر الطريقة فى جغبوب (1855 - 1895) ثم نقل إلى الكفرة (1895) ثم إلى كورو (1899) ثم عاد إلى الكفرة (1902)، فى حين ارتفع عدد الزوايا من 22 زاوية سنة 1859 إلى 100 زاوية سنة 1884. وقد ترك سيدى محمد بن على السنوسى أربعة مصنفات علاوة على وصاياه الخاصة بالدخول فى طريقته (أنواع الورد؛ والسّر "يالطيف" مرددة ألف مرةَ)؛ وهذه المصنفات الأربعة هى: مصنف فى الأصول، وآخر فى التوافق بين القرآن الكريم والحديث (المقرر دون اعتبار لتقليد أى مذهب من المذاهب الأربعة؛ وينادى المؤلف بالاجتهاد بالرغم من أنه قيل أنه مالكى) ومصنفان فى التصوف: "الفهرسة"، ويعدد فيه أسناده (الشرعيين وعددهم 150 منهم 64 من المتصوفة) الذين يثبتون صحة طريقته، و"سلسبيل معين فى الطرائق الأربعين"، ويشتمل على صيغ الذكر فى الأربعين طريقة السابقة التى جاءت طريقته خلاصة لها جميعا، وهذا المصنف هو أغرب مصنفاته كلها، فبينما هو يسوق الروايات التى اشتمل عليها مصنفه بما يفهم منه أنه تلقاها شفاها، إذا به يعترف بأنه نقلها عن الرسالة لحسنُ عجيمى (1113 هـ = 1702 م)،

المصادر

التى حاكاها سيدى مرتضى الزبيدى فى رسالته عقد الجمان، ونجد الفصل المكتوب عن ذكر الحلاجيّة منقولا حرفا بحرف فى آداب الذكر لأبى سعيد القادرى الذى كتب فى الهند عام 1097 هـ (1686 م) مخطوط بكلكتة 1280 هـ انظر الفهرس الذى وضعه إيفانوف Ivanov) مما يوحى بوجود مصدر مشترك أخذ عنه الكاتبين، ولعل هذا المصدر هو الإدراكات للأحمدى الشناوى (المتوفى عام 1028 هـ = 1619 م) أما ما يراه عن الاجتهاد فى الشرع فقد فنده فى القاهرة عام 1843 الفقيه المالكى محمد علائش، ولا يأخذ أتباع السنوسى بالإسبال عند المالكية. وقد دخل السنوسى فى سلك الصوفية فى مستغانم (القادرية) وفى فاس (التجانية. والطيبية)، بيد أن أفكاره لم تنضج إلا فى مكة بفضل شيخه أحمد بن إدريس الفاسى (المتوفى عام 1737 فى صبياء)، وهو منشئ الطريقة الخضرية الإدريسية، وجد الأسرة الحالية التى تحكم عسير, وشيخ صاحبين آخرين لطريقتين حديثتين هما الرشيدية والأمير غنية. المصادر: (أ) انظر فيما يتصل بالمذهب الكتب العمدة لكل من دوفيرييه H.Duveyrier (1884) ورن Marabouts et Khouans: Rinn، 1884, ص 481 - 516. (ب) وانظر فيما يختص بمنشئ الطريقة وأسرته: (1) Muhammad ben Otsmane et Hachaichi Voyages au pays des Senoussia, باريس 1912. (2) Les Confreries musulmanes du Hedjaz: A. Le Chatelier باريس 1887, ص 257 - 258. (3) E.Insabato Rassegna Contemporanea، جـ 6, قسم 2, رومة 1913. (4) E. Graefe فى Der IsL، جـ 3, ص 141 - 150 و 312 - 313. (5) D. B. Macdonald فى Encyclopaedia of Religion and Ethics, تحت كلمة , Sanusi ص 194 - 196. (صبحى)

السهروردى

السهروردى شهاب الدين أبو حفص عمر بن عبد اللَّه: صوفى وفقيه من الشافعية، ولد عام 539 هـ (1145 م) فى سهرورد من إقليم الجبال بفارس، وتلقى دروسه الأولى فى التصوف على عمه أبى النجيب الذى يستشهد به كثيرًا فى كتابه عوارف المعارف، وعلى الشيخ المشهور عبد القادر الجيلى. واستقر السهروردى فى بغداد حيث استقبل فى بلاط الخليفة الناصر. وأصبح فى هذه المدينة شيخ الصوفية، وتوفى بعد أن عمر طويلا سنة 632 هـ (1234 م) وقد درس سعدى أثناء إقامته فى بغداد على السهروردى وحكى عنه نادره فى كتابه بستان (طبعة Graf ص 150). ولقى السهروردى، الذى حج أكثر من مرة، الشاعر ابن الفارض إبان رحيله إلى مكة للحج عام 1231؛ وقد ألبس هذا الصوفى المشهور ولدى الشاعر الخرقة فى هذه المناسبة. ويمثل عمر السهروردى التصوف الحق الذى يعترف به أهل السنة. وأشهر كتبه "عوارف المعارف" و"كشف النصائح الإمامية وكشف الفضائح اليونانية" وقد أهداهما للخليفة الناصر؛ والكتاب الأول من أشهر الرسائل فى التصوف، وقد نشر بالقاهرة على هامش الإحياء للغزالى، وترجمه إلى الإنجليزية كلارك H. Wilberforce Clarke (عن نسخة فارسية) وجعله ذيلا لترجمته لكتاب حافظ (لندن سنة 1891). وعوارف المعارف هو بصفة خاصة رسالة فى الأخلاق والتصوف العملى، ولكنه فى الوقت نفسه يشتمل على إشارات تاريخية هامة فضلا عن أنه مؤلف قيم يزودنا بالمعلومات عن المصطلحات الصوفية. أما كشف النصائح فكتاب يقوم على المناظرة حمل فيه على دراسة الفلسفة اليونانية وانتقد الفلاسفة النازعين منزع اليونان، متبعا طريقة المتكلمين وطريقة الغزالى، على أنه ينم فى هذا الكتاب عن إدراك للفلسفة أقل بكثير من إدراك صاحب كتاب التهافت. ومن الظواهر العجيبة فى هذا الكتاب أنه كثيرا ما يستشهد بالخليفة الناصر بوصفه حجة فى الحديث، وكان هذا الخليفة نفسه مدرسا.

المصادر

المصادر: (1) Geschichte der Arabischen Litteratur: Brockelmann جـ 1، ص 440 - 441 (2) Gazali: Carra de Vaux باريس سنة 1902، ص 235 - 241 (3) المؤلف نفسه Les Penseurs de L'Islam نفسه جـ 4، باريس 1923، ص 199 - 207 الشنتناوى [فان دن برغ S.Van Den Bergh] السهروردى شهاب الدين يحيى بن حبش بن أميرك المعروف بالمقتول: ولد فى منتصف القرن الثانى عشر، ودرس الفقه فى مراغة، وأصبح فيلسوفا وصوفيا عاش فى أصفهان ثم فى بغداد وحلب. ويظهر أن نائب الخليفة، الملك الظاهر بن صلاح الدين، حباه برعايته أول الأمر، فلما جلب عليه تصوفه تشكك معاصريه وطالب أهل السنّة برأسه، لم يسع الملك الظاهر إلا أن يأمر بقتله سنة 578 هـ (1191 م)، وكان قد بلغ آنئذ السادسة والثلاثين أو الثامنة والثلاثين من عمره، ولقب بالمقتول خشية الظن بأنه مات شهيدًا (*). ويصرح السهروردى بأنه من المشائين والمتصوفة؛ وهو متأثر فى شرحه لأرسطو بابن سينا. وبينما نجد أن ابن سينا ينهج نهج شراح أرسطو من الإغريق الذين تأثر بهم، فلا يستغل التصوف بصفة عامة إلا إذا أراد أن يُكمل رأيا لأرسطو ويتوسع فيه مستعينا ببعض نظريات الأفلاطونية الحديثة لسد ما يرى من نقص فى هذا الرأى أو توضيح مناحى التوحيد التى يظن أنها مضمرة فى كتب هذا المعلم العظيم، إذا بنا نجد فى كتب السهروردى آراء المشائين تسير جنبا إلى جنب مع فلسفة التصوف بحذافيرها التى أخذها الإسلام عن مذاهب العصر اليونانى المتأخر التى توفق بين الفلسفة والدين، وعن ذلك المزاج كله الذى يجمع بين عقائد الأفلاطونية الحديثة والنظريات الهرمسية والعلوم الخفية وسنن الأدرية (الغنوصية) Gnostic وعناصر ¬

_ (*) يوجد تعليق مستفيض يلى هذه المادة.

الفيثاغورية الجديدة. وينزع السهروردى وغيره من الصوفية المسلمين منزع فلاسفة العصر اليونانى المتأخر الذين يوفقون بين الفلسفة والدين (مثل أسقلبيادس من فلاسفة الأفلاطونية الحديثة الذى ألف رسالة فى "اتفاق جميع الأديان") فيقول إن جميع المذاهب الفلسفية وجميع الأديان إنما تعبر عن حقيقة واحدة، ويزعم أن أساتذته هم أغاثوديمون Agathodaemon وهرمس Hermes وفلاسفة اليونان الخمسة الكبار: أنباذوقليس وفيثاغورس وسقراط وأفلاطون وأرسطو ثم جماسب وبزركمهر. وكذلك يزعم السهروردى مفاخرا وقد أخذته العزة الوطنية بأن بزرجمهر هو الرائد الحق للمفكرين اليونان (وقد سبق أن قال المؤرخ اليهودى أرطبانوس Artapanus من أهل القرن الأول الميلاد، إن موسى هو معلم أورفيوس Orpheus, وكان يعرفه اليونانيون باسم موسايوس Musaeus) ويقول إن اليونانيين كانوا أبعد ما يكونون عن الثنائية، ومع ذلك فإنهم أول من عبر عن حقيقة الوجود المطلق والوجود الحادث رامزين إليهما بالنور والظلمة. ويصرح السهروردى باتفاقه مع أرسطو وأفلاطون، إلا أنه يخصص فى أهم مؤلفاته "كتاب حكمة الاشراق" (طبعة حجرية بطهران سنة 1316 هـ = 1898 م) مكانا هاما لنقد أرسطو. ثم إن السهروردى لفرط تحرره فى أفكاره يبيح لنفسه -وهو يعرض فى فقرات أخرى من كتابه للنظريات المنتقدة- أن يستعيد الانتقادات التى يوجهها علم الكلام إلى بعض نظريات أرسطو الأساسية فى المنطق وما وراء الطبيعة، مثل نقد نظرية تعريف الماهية (وإنما نستطيع بالحجة المستمدة من أصل فى مذهب الشك أن نصل إلى الكلى باستقراء الحالات الجزئية التى لا تتناهى) ونظرية المادة (نستطيع بالحجة المستمدة من أصل فى الفلسفة الرواقية أن نصل إلى أن الممكن ليس له وجود عينى وإلا فهو موجود بالقوة والفعل). ونحن نجد فى السهروردى بصفة عامة النظريات والحجج التى قال بها الشكاك والرواقيون وأخذها عنهم المتكلمون، فهو يقول مثلا بنظرية الرواقيين (التى أحياها ليبنتز فيما بعد) فى وحدة اللامتمايزات، ونظرية الرواقيين أو الشكاك عن ذاتية الصلات

المصادر

أو استحالتها، ويشارك علماء الكلام فى نظرتهم الرواقية المتفائلة (أو فلسفة الأفلاطونية الحديثة عن النور، وهو نور روحانى يتخذ رمزًا للفيض، ولكنه يعد فى الوقت نفسه الحقيقة الأولى للأشياء. ونجد هذه النظرية التى كان لها شأن كبير فى كل من الفلسفة والتصوف المسيحيين والإسلاميين ماثلة عند معظم فلاسفة العرب، وخاصة الفارابى وابن سينا والغزالى. ولكننى فيما أعتقد لم أجد أحدا اصطنع هذا الرمز كما اصطنعه السهروردى. فالضرورة والحدوث، والوجود والعدم، والجوهر والعرض، والعلة والمعلول، والفكر والإحساس، والجسم والنفس، يفسرها جميعا مذهبه فى الإشراق. وينظر السهروردى إلى كل شئ يحيا أو يتحرك أو له وجود، على أن مثله كمثل النور، بل إن برهانه على وجود اللَّه يقوم على هذا الرمز. وقد اشتهر السهروردى لدى الأجيال اللاحقة بحكمته فى النور بصفة خاصة. وقد كان السهروردى مؤسس فرقة تعرف بالإشراقية نسبة إلى الإشراق. وكذلك عرفت طريقة الدراويش الذين يرّدون نسبهم إليه باسم نور بخشية. المصادر: (1) Geschichte der Arabischen Litteratur: Brockelmann، جـ 1، ص 427 (2) Le Philosophie illuminative d'apres Suhrawerdi Meqtoul: Carra de Vaux، المجلة الأسيوية، جـ 19، سنة 1902، ص 63 - 64 (3) محمد إقبال: The Development of Metaphysics in Persia لندن سنة 1908, ص 121 - 150 (4) De Tempels Van het Licht door Sochrawedi Tijdshrift v. Wijhsegeerte: S.Van den Bergh، هارلم سنة 1916, جـ 10، ص 30 - 59 (5) Filosofio "Oriend'Avicenna. R. tale" od "illuminattiva" S.O: C. A. Nallino، جـ 10، قسم 4، رومة سنة 1925, ص 433 - 467. ويثبت المؤلف أن ابن سينا كتب مصنفا عن الحكمة المشرقية وليس عن الحكمة الإشراقية. ويمكن الرجوع فيما يختص بالفلسفة الأولى الخاصة بالنور بوجه عام إلى كتاب Witelo,Beitr. z. Gesch. d. Mittelalters: C. Baeumker مونستر سنة 1908؛ جـ 3، ص 357 وما بعدها الشنتناوى [فان دن برغ S.Van Den Bergh]

تعليق السهروردى وحكمة الأشراق

تعليق السهروردى وحكمة الأشراق بقلم الدكتور محمد مصطفى حلمى 1 - حياة السهروردى كتب ابن شداد وابن خلكان وياقوت وابن تغرى بَرْدى وغيرهم من المؤرخين وكتاب التراجم عن حياة السهروردى الخاصة والعامة، وأشار كل منهم إلى طائفة من مصنفاته، وإلى بعض المنازع التى نزع إليها فى مذهبه، وما لقيه من محنة انتهت بها حياته فى سبيل هذا المذهب؛ ولكن أحدا من الذين كتبوا عن السهروردى لم يفصل القول فى حياة ذلك الحكيم، ولا فى إحصاء مصنفاته واستقصاء آثاره ووصف أحواله، على الوجه الذى فعله تلميذ مخلص له مدافع عنه هو شمس الدين محمد بن محمود الشهرزورى الإشراقى المتوفى سنة 648 هـ = سنة 1250 م، وذلك فى كتابه "نزهة الأرواح وروضة الأفراح". فليس من شك فى أن ترجمة الشهرزورى لحياة أستاذه السهروردى هى أتم وأوفى ما وصلت إليه أيدينا من مصادر عن حياة حكيم الأشراق ومذهبه، وما يتصل بحياته من أخبار مولده ونشأته، وإقامته ورحلته، ودراسته وثقافته، وسلوكه وتجرده ومفارقته، وما يتصل بمذهبه وعقيدته من آراء الفقهاء والفلاسفة: فقد وقف أولئك من هذه العقيدة موقف المشككين فيها، الطاعنين عليها وعلى صاحبها، ووقف هؤلاء من ذلك المذهب موقف الناقدين المجرحين محاولين الإبانة عما فيه من نقص وفساد وتناقض، ووقف الشهرزورى بين أولئك وهؤلاء موقف المدافع عن أستاذه، المهاجم لخصومه، المبين لما وقعوا فيه من فساد الرأى فى عقيدة الرجل، وسوء الفهم لمذهبه، وسوء النية فى الحكم عليه بالزيغ والضلال. ولقد كان الشهرزورى من سعة الأفق، ووفرة الثقافات الدينية والعقلية والتصوفية، ومن دقة النظر، وحب الإحصاء والاستقصاء، بحيث كان أعرف من غيره بمذهب أستاذه، وأقدر على فهمه، وأدنى إلى روح صاحبه؛ وكل أولئك من شأنه أن يجعل

للمعلومات التى يقدمها عن السهروردى وحياته الروحية ومصنفاته الفلسفية والإشراقية، قيمة خاصة بين المعلومات التى يقدمها غيره من المؤرخين وكتاب التراجم على أوجه مقتضبة هى أدنى إلى الإشارات المجملة منها إلى البيانات المفصلة. وأكثر الذين ترجموا لشيخ الإشراق يتفقون على أن اسمه هو أبو الفتوح يحيى بن حبش بن أميرك، وعلى أن لقبه هو شهاب الدين السهروردى الحكيم المقتول بحلب، وقيل إن اسمه أحمد، وإن كنيته هى اسمه وهو أبو الفتوح (ياقوت: معجم الأدباء، جـ 19، ص 314؛ ابن خلكان: وفيات الأعيان، جـ 2، ص 261؛ الشهرزورى: نزهة الأرواح، نسخة فوتوغرافية بمكتبة جامعة القاهرة رقم 24037 تاريخ وفلسفة، ص 230). ويزيد ابن خلكان هنا ما نقله عن ابن أبى أصيبعة وهو أن اسم السهروردى هو عمر دون أن يذكر اسم أبيه؛ وقد عقّب عليه ابن خلكان بقوله إن الصحيح هو الذى ذكره أولا (ابن خلكان: وفيات الأعيان، جـ 1، ص 261). ولعل ابن أبى أصيبعة فى ذكره لاسم شيخ الإشراق بأنه عمر، قد خلط بينه وبين شهاب الدين أبى حفص عمر السهروردى البغدادى المتوفى سنة 632 هـ، ومؤلف كتاب "عوارف المعارف" فى التصوف، وصاحب الطريقة الصوفية المنسوبة إليه وهى الطريقة السهروردية. "وأميرك" اسم أعجمى معناه أمير، وهو تصغير "أمير"، لأن الكاف التى تلحق بآخر الاسم هى للتصغير. والسهروردى نسبة إلى سهرورد، وهى بليدة عند زنجان من عراق العجم (ابن خلكان: وفيات الأعيان، جـ 2، ص 299). وفوق هذا كله فإن السهروردى يلقب بالمؤيد بالملكوت، وذلك لما عرفه من العلوم الإلهية والأسرار الربانية التى رمز الحكماء عليها، وأشار الأنبياء إليها، ولما أيد به من قوة التعبير عن هذه الأسرار وتلك العلوم فى كتابه العظيم "حكمة الإشراق" (ابن خلكان: وفيات الأعيان، جـ 2، ص 263؛ الشهرزورى: نزهة الأرواح، ص 232). ولما كان شيخ الإشراق قد مات مقتولا، فقد اشتهر بلقب "الشيخ المقتول" وذلك تمييزا له

عن غيره ممن يشتركون معه فى النسبة إلى سهرورد، ومنهم أبو حفص عمر السهروردى البغدادى المذكور آنفا، وعمه أبو النجيب عبد القاهر بن عبد اللَّه الملقب بضياء الدين السهروردى والمولود سنة 490 هـ والمتوفى سنة 563 هـ. وحياة السهروردى الإشراقى على قصرها يمكن أن يميز فيها بين أطوار ثلاثة: طور النشأة الأولى والإقامة فى سهرورد، وطور الأسفار والتحصيل، وطور الاستقرار والنهاية. ولعل كل ما يعرف عن حياة السهروردى فى طورها الأول هو أنه ولد بسهرورد، وأن تاريخ مولده بين سنتى 544 هـ - 1150 م و 550 هـ = 1155 م، وأنه قضى حياته الأولى بتلك البلدة القريبة من زنجان من أعمال أذربيجان بالعراق العجمى، وهنالك تلقى أول ما تلقى من ثقافات دينية إسلامية وغير إسلامية، عقلية بحثية، وتصوفية ذوقية. وفى الطور الثانى نرى السهروردى لا يستقر به مقام، فهو محب للأسفار، متنقل من بلد إلى بلد، يلقى أجناسا شتى من العلماء والحكماء، يأخذ عن أولئك علمهم وعن هؤلاء حكمتهم، ويصحب الصوفية ويجالسهم، ويأخذ نفسه بالتجريد وسلوك طريقهم فى الرياضة والمجاهدة، وفيما يوصل إلى الكشف والمشاهدة. وقد تحدث الشهرزورى عن السهروردى من ناحية. وعلى لسانه من ناحية أخرى، حديثا نتبين منه على أى وجه قضى شيخ الإشراق الطور الثانى من أطوار حياته. قال الشهرزورى: "كان قدس اللَّه روحه كثير الجولان والطوفان فى البلدان، شديد الشوق إلى تحصيل مشارك له فى علومه، ولم يحصل له. قال فى آخر "المطارحات": وهو ذا قد بلغ سنى إلى قريب من ثلاثين سنة، وأكثر عمرى فى الأسفار والاستخبار، والتفحص عن مشارك مطلع على العلوم، ولم أجد من عنده خبر عن العلوم الشريفة، ولا من يؤمن بها. . . . وكان رحمه اللَّه غاية فى التجريد، ونهاية فى رفض الدنيا، يحب المقام بديار بكر، وفى بعض الأوقات يقيم بالشام, وفى بعضها بالروم، (الشهرزورى نزهة الأرواح، ص 234).

وقد أظهرنا الشهرزورى على بعض العناصر التى تتألف منها ثقافة السهروردى الفلسفية والتصوفية فذكر أنه سافر فى صغره فى طلب العلم والحكمة إلى مراغة، وأنه اشتغل بالحكمة على مجد الدين الجيلى، وأنه سافر إلى أصفهان وفيها قرأ كتاب "البصائر النصيرية" لابن سهلان الساوى، وأنه سافر إلى غير ذلك من النواحى المتعددة، وصحب الصوفية، واستفاد منهم، وحصل لنفسه ملكة الاستقلال بالفكر والانفراد، ثم اشتغل بنفسه حتى وصل إلى غايات مقامات الحكماء، ونهايات مكاشفات الأولياء (الشهرزورى: نزهة الأرواح، ص 233). ومن هنا يتبين أن الثقافة التى تهيأت للسهروردى كانت ثقافة لها طابعان: أحدهما طابع علمى قوامه الفقه والأصول والكلام والحكمة النظرية، والآخر طابع عملى قوامه التصوف وما فيه من أعمال الرياضة وأحوال الإرادة، وهى عند الصوفية الخلص سبيل السالك إلى تصفية نفسه، وتنقية قلبه، وجلاء بصيرته، بحيث يصبح أهلا لتلقى الأنوار، وتجلى الحقائق والأسرار. على أن حياة التجوال التى كان يحياها السهروردى قد انتهت بقدومه إلى الشام حيث أقام بمدينة حلب سنة 579 هـ. وكانت إقامته بها نهاية الطور الثانى وبداية الطور الثالث من أطوار حياته كلها. وهنالك فى حلب نزل فى المدرسة الحلاوية، وحضر درس شيخها الشريف افتخار الدين، وباحث الفقهاء من تلاميذ هذا الشيخ وغيرهم، وناظر أولئك وهؤلاء فأفحمهم جميعا ببراعته وحجته. وكان من ذلك ما كان من ضيق الفقهاء به وحنقهم عليه، واتهامهم له: ومن هنا أيضا استحضره الملك الظاهر بن صلاح الدين وصاحب حلب فى ذلك الحين وعقد له مجلسا من الفقهاء والمتكلمين، يباحثونه ويناظرونه، فإذا هو يظهر عليهم، ويظهر فضله وعلمه وقوة حججه للملك الظاهر. فلم يكن من الملك إلا أن زاد إقباله عليه، وإكباره له، وإعجابه به، فاشتد ضيق الضيقين، وامتد حنق الحانقين، وإرجاف المرجفين حتى بلغ صلاح الدين الذى صور الفقهاء له السهروردى فى صورة المفسد لعقيدة ابنه الملك الظاهر، ولعقائد الناس. وما فتئ الفقهاء يلحون على صلاح الدين

بتشنيعهم على السهروردى، وبأنه إذا أبقى عليه أفسد اعتقاد الملك، وإذا أطلق أفسد أية ناحية سلك، فلم يجد صلاح الدين بدا من الكتابة إلى ابنه يأمره بقتل السهروردى، ويشدد عليه فى ذلك ويؤكده، فاستفتى فقهاء حلب فى أمر السهروردى فأفتوا بقتله. وأكبر الظن أن يكون السهروردى قد أثار ثائرة الفقهاء لما كان يصطنعه ويمتاز به عليهم من استقلال فى الرأى وحرية فى الفكر وعدم التحفظ فيما كان يصدر عنه من قول أو فعل فكان هذا كله سببا فى وقوع ما وقع بينه وبين الفقهاء من شنآن وتباغض. ويدل على ذلك قول فخر الدين الماردينى الذى صحبه السهروردى زمانا، وكان فى صحبته له موضع إعجابه بذكائه وعلمه، فقد قال الماردينى فى السهروردى: "ما أذكى هذا الشاب وأفصحه، ولم أجد أحدا مثله فى زمانى. إلا أنى أخشى عليه لكثرة تهوره واستهتاره وقلة تحفظه أن يكون ذلك سببا لتلفه (الشهرزورى: نزهة الأرواح، ص 235). وقد روى ابن رقيقة قول الماردينى هذا، وزاد عليه قوله هو: "لما بلغ شيخنا فخر الدين الماردينى قتله قال لنا: أليس كنت قلت لكم عنه هذا من قبل، وكنت أخشى عليه منه؟ " (ابن أبى أصيبعة: عيون الأنباء فى طبقات الأطباء، جـ 3، ص 186). ومهما يكن من إعجاب الماردينى بالسهروردى وإكبار غيره له، فإن هذا الإكبار وذلك الإعجاب لم يعف أحدهما أو كلاهما السهروردى من حكم القتل. أما كيف نفذ فيه الحكم، وعلى أى وجه قتل، فذلك ما تضاربت فيه الأقوال، واختلفت حوله الروايات: فقد قيل إن السهروردى لما بلغه نبا الإفتاء بقتله وتحقق منه اختارأن يحبس فى مكان ويمنع من الأكل والشرب إلى أن يموت، ففعل به ذلك؛ وقيل إنه قتل بسيف، أو إنه حط من القلعة وأحرق؛ وقيل إنه قتل وصلب أياما (الشهرزورى نزهة الأرواح، ص 234؛ ياقوت: معجم الأدباء جـ 19، ص 316؛ ابن خلكان: وفيات الأعيان، جـ 2، ص 263). ومهما يكن من اختلاف هذه الأقوال فقد روى أحد المؤرخين المعاصرين للسهروردى، وهو ابن شداد، أنه لما كان يوم الجمعة بعد

2 - مصنفات السهروردى

الصلاة سلخ ذى الحجة سنة 587 هـ أخرج الشهاب السهروردى ميتا من الحبس بحلب، فتفرق عنه أصحابه. (ابن خلكان: وفيات الأعيان جـ 2، ص 263). على أن غير ابن شداد من المؤرخين قد اختلفوا مع ذلك المؤرخ على التاريخ الذى كان فيه مقتل السهروردى: فابن أبى أصيبعة يذكر أن السهروردى قد قتل فى أواخر سنة 586 هـ؛ ويتفق الشهرزورى مع ابن أبى أصيبعة على هذه السنة؛ ويذكر ياقوت سنة 587 هـ على أنها تاريخ لمقتل السهروردى؛ ويتفق ابن شداد وابن خلكان مع ياقوت على هذه السنة الأخيرة، ولكن ابن خلكان قد زاد على ياقوت ذكر الشهر، واختلف مع ابن شداد فى اسم هذا الشهر: فعلى حين يذكر ابن شداد أن وفاة السهروردى كانت فى يوم الجمعة سلخ ذى الحجة سنة 587 هـ، يذكر ابن خلكان أن قتل السهروردى كان فى الخامس من رجب سنة 587 هـ. ولعل أرجح هذه التواريخ هو هذا الذى يذكره ابن خلكان؛ وذلك لما كان يمتاز به ابن خلكان من أمانة وتحقيق وتحر للدقة فيما كان يروى أو ينقل، لاسيما فيما يتعلق بضبط الأعلام وتحديد الأيام والأشهر والسنين التى يقع فيها المولد أو الوفاة. وإذا كان ذلك كذلك فقد ترتب عليه أن يكون السهروردى قد لقى مصرعه فى الخامس من شهر رجب سنة 587 هـ الموافق للتاسع والعشرين من يوليو سنة 1191 م وأن عمره وقتئذ كان ثمان وثلاثين سنة. 2 - مصنفات السهروردى للسهروردى كثير من المصنفات فى كثير من الموضوعات الفلسفية والتصوفية والإشراقية. وقد كتب شيخ الإشراق بعض هذه المصنفات بالعربية، وبعضها الآخر بالفارسية، وطائفة ثالثة منها بالعربية ثم ترجمها إلى الفارسية؛ وكلها يؤلف تراثا عقليا وذوقيا له قيمته الكبرى فى تاريخ الحياة الروحية الإسلامية. وقد أشار أكثر الذين ترجموا للسهروردى إلى بعض هذه المصنفات، فذكر بعضهم أسماء بعضها، واختار بعضهم الآخر بعض مقتطفات

منها، وأثبت فريق ثالث شيئا من محتويات العلوم التى عرضت لها. على أن الشهرزورى يمتاز من بين المؤرخين والمترجمين المتقدمين بأنه هو الذى انفرد بذكر ثبت لعله أن يكون أعم وأشمل لآثار السهروردى المنثورة والمنظومة، إذا قيس إلى ما أورده غيره فى هذا الصدد. وليس أدل على ذلك من أن عده المصنفات التى أثبتها الشهرزورى للسهروردى قد بلغت ثلاثة وأربعين كتابا ورسالة، فضلا عما أثبته من مختارات منثورة ومنظومة تصور أسلوب شيخ الإشراق فى النثر والنظم من ناحية وتبحر عن بعض مذاهبه فى حكمه الإشراق من ناحية أخرى، وتظهرنا على ما اصطنعه فى هذه المذاهب وفى تلك الآثار والمصنفات من رموز وإشارات صوفية، ومصطلحات وعبارات فلسفية، مما يعد بحق قواما لحكمته الإشراقية التى تقوم على أساس من الحكمتين البحثية والذوقية. على أن ثبت الشهرزورى لآثار السهروردى، وإن كان يعد أكمل وأشمل بالقياس إلى ما أورده غيره من المترجمين إيرادا جزئيا، إلا أنه لم يستوعب آثار شيخ الإشراق كلها، وإنما هو قد فاته أن يذكر عن قصد أو عن غير قصد بعض ما خلفه السهروردى من آثار ليست أقل خطرا مما ذكره. ومهما يكن من شئ فقد أتيح لإحصاء آثار السهروردى واستقصائها بعض الباحثين من المستشرقين الذين حاول كل منهم على طريقته وفى حدود ما تيسر له أن يلم بآثار شيخ الإشراق وأن يصنفها ويبين فى بعض الأحيان ما اشتملت عليه من علوم، وما عرض له كل علم من مسائل: فبروكلمان فى كتابه (Geschichteder arabischen Litteratur، وريتر فى مقاله المنشور فى مجلة (1937 Der Islam XXIV) تحت عنوان (Die vier Suhrawrdi)، وهنرى كوربان فى مقدمة طبعته التى نشر فيها آثار السهروردى تحت عنوان (Opera-Metaphysica et pystica)؛ وفى بحثه عن العناصر الزرادشتية فى حكمة السهروردى، وهو البحث الذى نشره بالفرنسية سنة 1949 تحت

عنوان (Les motifs Zoroastriens dans La philosophie de Suhrawardi Teheran 1949) قد بذل كل منهم فى هذه السبيل جهدا مشكورا، وانتهى من بحثه وتنقيبه عن الأسفار إلى خير النتائج وأطيب الثمرات. على أننى قد حاولت فى بحث لى نشر بمجلة كلية الآداب بجامعة القاهرة أن ألم بآثار السهروردى إلماما كليا شاملا، وذلك فى ضوء ما ذكره كل من ترجم للسهروردى بصفة عامة، وما أورده كل من الشهرزورى وريتر فى ثبته بصفة خاصة، فرأيت أن أهدى سبيل إلى هذا الإلمام هو الجمع بين تصنيفى الشهرزورى وريتر فى إطار واحد، بحيث يخرج لنا من هذا الجمع تصنيف كلى تبين من خلاله كل ما عسى أن يكون قد خلفه السهروردى من آثار منثورة ومنظومة، وقد آثرت فى هذا التصنيف الكلى أن ألتزم فى ذكر أسماء المصنفات الترتيب الذى أوردها عليه الشهرزورى وأن أضيف إلى اسم كل مصنف ما يكفى للإبانة عن موضوعه من بين البيانات العدة التى وفق إليها ريتر فى بحثه (الدكتور محمد مصطفى حلمى: آثار السهروردى المقتول، تصنيفاتها وخصائصها التصوفية والفلسفية، مجلة كلية الآداب جامعة القاهرة، المجلد الثالث عشر، الجزء الأول، مايو 1951، ص 145 - 178). وحسبنا أن نقف من هذا التصنيف هنا عند القدر الذى يظهرنا على مبلغ ما خلف شيخ الإشراق من آثار باقية وصفحات مشرقة كان ولا يزال لها أثرها الخصب المنتج فى تاريخ الفكر والروح الإسلاميين: 1 - المشارع والمطارحات: وهو يشتمل على العلوم الفلسفية الثلاثة من منطق وطبيعيات والإلاهيات. 2 - التلويحات: وهو كتاب فى المنطق والطبيعيات والإلاهيات. 3 - حكمة الإشراق: وهو قسمان: قسم فى المنطق، ويشتمل على مقالات ثلاث، وقسم فى الإلاهيات ويشتمل على مقالات خمس ويعد هذا الكتاب أهم مصنفات السهروردى، وأجمعها لشتات مذهبه، وأدلها على منزعه الإشراقى.

4 - اللمحات: وهو مختصر صغير فى العلوم الحكمية الثلاثة من منطق وطبيعيات وإلاهيات. 5 - الألواح العمادية: وهو كتاب فى العلوم الحكمية ومصطلحاتها. 6 - الهياكل النورية أو هياكل النور: وهو كتاب يشتمل على أنظار فلسفية وأذواق إشراقية، كتبه السهروردى بالعربية، وترجمه هو نفسه إلى الفارسية. 7 - المقاومات: وهو مختصر جعله السهروردى من التلويحات بمثابة الذيل أو اللواحق على حد تعبير السهروردى نفسه. 8 - الرمز المومى: وهو كتاب لم يذكره أحد ممن عرض لآثار السهروردى غير الشهرزورى. 9 - المبدأ والمعاد: وهو بالفارسية ولم يذكره أحد غير الشهرزورى. 10 - بستان القلوب: وهو مختصر فى الحكمة، كتبه السهروردى بالفارسية لجماعة من أصحابه فى إصفهان. 11 - طوارق الأنوار: ذكره الشهرزورى ولم يذكره ريتر. 12 - التنقيحات فى الأصول: ذكره الشهرزورى ولم يذكره ريتر. 13 - كلمة التصوف: ذكره الشهرزورى بهذا العنوان، وذكره ريتر باسم (مقامات الصوفية). 14 - البارقات الإلاهية: ذكره الشهرزورى ولم يذكره ريتر. 15 - النفحات السماوية: ذكره الشهرزورى ولم يذكره ريتر. 16 - لوامع الأنوار: ذكره الشهرزورى ولم يذكره ريتر. 17 - الرقم القدسى: ذكره الشهرزورى ولم يذكره ريتر. 18 - اعتقاد الحكماء: ذكره الشهرزورى ولم يذكره ريتر. 19 - كتاب الصبر: ذكره الشهرزورى ولم يذكره ريتر. 20 - رسالة العشق: ذكرها الشهرزورى بهذا العنوان وذكرها ريتر باسم (مؤنس العشاق)، وهى بالفارسية.

21 - رسالة در حالة طفولية: ذكرها الشهرزورى ولم يذكرها ريتر، وهى بالفارسية. 22 - رسالة المعراج: ذكرها الشهرزورى ولم يذكرها ريتر، وهى بالفارسية. 23 - رسالة روزى باجماعت صوفيان: ذكرها الشهرزورى ولم يذكرها ريتر، وهى بالفارسية. 24 - رسالة عقل: ذكرها الشهرزورى ولم يذكرها ريتر، وهى بالفارسية. 25 - "شرح" رسالة أوازبر جبرئيل: وهو بالفارسية. 26 - رسالة برتونامه: وهى مختصر بالفارسية فى الحكمة، تناول فيها السهروردى شرح بعض الاصطلاحات. 27 - رسالة لغة موران: وهى حكايات رمزية، كتبت بالفارسية. 28 - رسالة غربة الغرببة: ذكرها الشهرزورى هكذا، وذكرها ريتر باسم (الغربة الغريبة)، وهى بقصة رمزية تأثر فيها السهروردى قصة "حى بن يقظان" لابن سينا. 29 - رسالة صفير سيمرغ: وهى بالفارسية. 30 - رسالة الطير: ذكرها الشهرزورى هكذا، وذكرها ريتر باسم "ترجمة رسالة طير"، وهى ترجمة فارسية لرسالة الطير لابن سينا. 31 - رسالة تفسير آيات من كتاب اللَّه وخبر عن رسول اللَّه: ذكرها الشهرزورى ولم يذكرها ريتر. 32 - رسالة غاية المبتدى: ذكرها الشهرزورى ولم يذكرها ريتر. 33 - التسبيحات ودعوات الكواكب: ذكرها الشهرزورى ولم يذكرها ريتر بالاسم، وأكبر الظن أنه عدها ضمن نصوص متفرقة للسهروردى يجمعها اسم واحد هو (الواردات والتقديسات). 34 - أدعية متفرقة: ذكره الشهرزورى. 35 - السراج الوهاج: ذكره الشهرزورى, وشكك فى صحة نسبته إلى السهروردى، وذلك إذ يقول: "والأظهر أنه ليس له".

36 - الدعوة الشمسية: ذكره إلى الشهرزورى. 37 - الواردات الإلاهية بتحيرات الكواكب وتسبيحاتها: ذكرها الشهرزورى. 38 - مكاتبات إلى الملوك والمشايخ: ذكرها الشهرزورى. 39 - كتب فى السيميا: ذكرها الشهرزورى دون أن يعين أسماءها، ولم يزد غير قوله إنها "تنسب إليه". 40 - الألواح: ذكرها الشهرزورى مرة أخرى على أنها بالفارسية، وكان قد ذكرها قبل ذلك على أنها بالعربية. (انظر رقم 5). 41 - تسبيحات العقول والنفوس والعناصر: ذكرها الشهرزورى. 42 - الهياكل: ذكرها الشهرزورى مرة أخرى على أنها بالفارسية، وكان قد ذكرها قبل ذلك باسم "الهياكل النورية" على أنها بالعربية (انظر رقم 6). 43 - شرح الإشارات: ذكره الشهرزورى, وهو بالفارسية. 44 - كشف الغطاء لإخوان الصفاء: لم يذكره الشهرزورى وذكره ريتر. 45 - الكلمات الذوقية والنكات الشوقية = رسالة الأبراج: لم يذكرها الشهرزورى, وذكرها ريتر. 46 - رسالة لا عنوان لها: لم يذكرها الشهرزورى وذكرها ريتر، وأشار إلى أن موضوعاتها هى: الجسم والحركات والربوبية والمعاد والوحى والإلهام. 47 - مختصر صغير فى الحكمة: لم يذكره الشهرزورى وذكره ريتر، وأشار إلى أنه يتناول العلوم الحكمية الثلاثة من منطق وطبيعيات وإلاهيات. 48 - طائفة من المنظومات: ذكرها الشهرزورى تفصيلا، وأشار إليها ريتر إجمالا، وذكر أنها وردت فى "معجم الأدباء" لياقوت وفى "نزهة الأرواح" للشهرزورى, وفى (ثلاث رسائل، ص 103 - 112) لأشبيس وختك (Spies-Khattok Three Treatises, 103,112)، وذكر ريتر من هذه المنظومات قصيدة السهروردى التى مطلعها:

مذهب السهروردى فى حكمة الإشراق

ابدا تحن إليكم الأرواح ... ووصالكم ريحانها والراح ولكن الشهرزورى قد أثبت فى هذا الباب منظومات أخرى تتفاوت طولا وقصرا. مذهب السهروردى فى حكمة الإشراق ليس من شك فى أن آثار السهروردى الكثيرة التى أثبتناها آنفا إن دلت على شئ فهى إنما تدل على ما كان عليه ذلك الحكيم الإشراقى من ثقافة فلسفية واسعة، وحكمة إشراقية رائعة، وعلى ما كان يمتاز به من نظر عقلى دقيق، وذوق صوفى رقيق. وليس من شك أيضا فى أن كتابه الموسوم "حكمة الإشراق" هو المرآة الصادقة التى تتجلى على صفحاتها عناصر مذهبه وخصائص عقله وذوقه: ذلك بأن هذا الكتاب هو أجمع مصنفات السهروردى لمذهبه، وأشملها للعناصر الإشراقية التى يتألف منها هذا المذهب, وأدلها على المعانى الحقيقية التى ينطوى عليها، والمنازع التصوفية والفلسفية التى ينزع إليها. ويتبين هذا كله إذا عرفنا أن كتاب "حكمة الإشراق" ينقسم إلى قسمين: قسم تناول فيه السهروردى المنطق، وجعله من القسم الثانى بمثابة التمهيد، إذ عرض فيه لأمور هى عنده مقدمات لمطالب فى القسم الثانى؛ وقسم خصصه للأنوار الإلاهية. وقد جعل السهروردى عنوان القسم الأول "ضوابط الفكر"، وجعله فى مقالات ثلاث: المقالة الأولى فى المعارف والتعريف، المقالة الثانية فى الحجج ومبادئها، والمقالة الثالثة فى المغالطات وبعض الحكومات بين أحرف إشراقية وبين بعض أحرف مشائية. وجعل السهروردى عنوان القسم الثانى "الأنوار الإلاهية، ونور الأنوار، ومبادئ الوجود وترتيبها"، وجعله فى مقالات خمس: المقالة الأولى فى النور وحقيقته، ونور الأنوار وما يصدر عنه أولا، والمقالة الثانية فى ترتيب الوجود، والمقالة الثالثة فى كيفية فعل نور الأنوار؛ والأنوار القاهرة، وتتميم القول فى الحركات العلوية؛ والمقالة الرابعة فى تقسيم البرازخ وهيئاتها وتركيباتها وبعض قواها، والمقالة الخامسة فى المعاد والنبوات والمنامات.

على أن شيخ الإشراق، وإن كان مقبلا على الفلسفة وأنظارها، ومعنيا بالمنطق هذه العناية الفائقة التى يظهرنا عليها القسم الأول من كتابه "حكمة الإشراق" وغير هذا الكتاب من كتبه الأخرى التى أحصيناها فيما سبق، فهو قد وقف من أفلاطون موقف المخالف فى بعض المسائل، ووقف من أرسطو وأتباعه من المشائين موقف الناقد المجرح لآرائهم فى بعض المسائل الأخرى: فالمنطق الأرسططاليسى الذى يفرد له السهروردى أقساما خاصة من مصنفاته العدة، لم يسلم من نعيه عليه، ونقده له، بما يبين نقصه وعمقه وعجزه عن أن يضيف إلى معارفنا معرفة جديدة: فالتعريف مثلا، وهو كما وضع قواعده المعلم الأول بالجنس والفصل، ليس أداة منتجة فى طريق المعرفة، ذلك بأن شيخ الإشراق يرى أن الخاصة المميزة للشئ المعرف لا تظهرنا على حقيقة هذا الشئ المعرف فنحن حين نعرف الحصان مثلا نعرفه بأنه حيوان صاهل. فأما الحيوانية فمفهومة لدينا لأننا نعرف حيوانات كثيرة توجد فيها هذه الخاصة؛ وأما الصاهل فأمر ليس مفهوما بعد، لأنه لا يوجد إلا فى الشئ المعرف به وهو الحصان؛ ومن هنا كان تعريف الحصان بأنه حيوان صاهل خلوا من المعنى لدى الشخص الذى لم يكن قد رأى حصانا قط؛ ومن هنا أيضا كان التعريف الأرسططاليسى مبدأ عقيما قليل الجدوى فيما يتعلق بالمعرفة. ولقد لاحظ الدكتور محمد إقبال أن السهروردى فى نظره إلى تعريف أرسطو على هذا الوجه، كان أسبق من أحد المناطقة المعاصرين وهو بوزانكيه Develipment of Metaphysics in Persia: M.Iqbal) Bosanquet ص 125) وينتهى السهروردى إلى أن التعريف الصحيح هو الذى يحصى فيه كل الخصائص الذاتية التى إذا أخذت جملة لم توجد إلا فى الشئ المعرف، ولو أنها قد توجد فرادى فى أشياء أخرى. على أن نقد السهروردى لمنطق المعلم الأول، ولغير المنطق من العلوم والآراء الفلسفية عند هذا المعلم الأول وعند غيره من الفلاسفة السابقين عليه أو اللاحقين به، لا يعنى أن حكيم الإشراق كان ينكر على المنطق والفلسفة مالهما

من آثار بعيدة فى تكوين طلاب الحكمة وتثقيفهم: فطالب الحكمة عنده لابد من أن يكون على علم تام بالمنطق والفلسفة والتصوف، ولابد من أن يتعاون فيه العقل والذوق، إذ العقل الذى يروى ويفكر وحده دون أن يكون له مؤيد من الذوق، ليس من الثقة فيه والاطمئنان إليه بحيث ينتفى فيه كل شك وتزول عنه كل شبهة وآية هذا كله فى مذهب السهروردى فى حكمة الإشراق هى أن هذا المذهب إنما هو فى جملته وتفاصيله جمع أو ازدواج وتزاوج بين الفلسفة والتصوف، أو بين الحكمة البحثية والحكمة الذوقية. وقد عبر الشهرزورى عن ذلك الجمع بين هاتين الحكمتين، وعن منزلة السهروردى فيهما؛ وذلك إذ يقول عنه "جمع بين الحكمتين، أعنى الذوقية والبحثية. أما الذوقية فشهد له بالتبريز فيها كل من سلك سبيل اللَّه عز وجل، وراض نفسه بالأذكار المتوالية، والمجاهدات المتتالية، رافضًا عن نفسه التشاغل بالعالم الظلمانى، طالبا بهمته العالية مشاهدة العالم الروحانى، فإذا استقر قراره وتهتك بالسير الحثيث إلى معاينة المجردات أستاره، حتى ظفر بمعرفة نفسه، ونظر بعقله إلى ربه، ثم وقف بعد هذا على كلامه، فيعلم حينئذ أنه فى المكاشفات الربانية آية، والمشاهدات الروحانية نهاية. . . وأما الحكمة البحثية فإنه أحكم شأنها، وشيد أركانها وعبر عن المعانى الصحيحة اللطيفة بالعبارات الرشيقة الوجيزة. وأتقنها إتقانا لا غاية وراءه. . . " (الشهرزورى: نزهة الأرواح، ص 230 - 231). ولعل أدل ما يدل على أن مذهب السهروردى فى حكمة الإشراق قد أقيم على دعائم من العقل والذوق معا، هو ما يحدثنا به السهروردى نفسه فى مقدمة كتابه "حكمة الإشراق" من أن ما حصل له لم يحصل بالفكر. بل كان حصوله بأمر آخر، ثم طلب الحجة عليه، حتى لو قطع النظر عن الحجة مثلا، ما كان يشككه فيه مشكك، لأن ما يذكر من علم الأنوار وجميع ما يبتنى عليه، يساعده عليه كل من سلك سبيل اللَّه عز وجل؛ وما يحدثنا به أيضا من أن منهجه فى "حكمة الإشراق" هو ذوق إمام الحكمة "أفلاطون" الذى يلقبه

بصاحب الأيد والنور، وما يعدده بعد هذا من المصادر التى استقى منها حكمته، وأنها كانت هرمس وأنبا ذوقليس وفيثاغورث, وأن هذا هو الأساس الذى تقام عليه قاعدة الإشراق فى النور والظلمة التى كانت طريقة حكماء الفرس مثل جاما سف وفرشا وشتر وبزرجمهر ومن قبلهم، وأن هذه القاعدة ليست قاعدة كفرة المجوس وإلحاد مانى وما يفضى إلى الشرك باللَّه تعالى وتنزه (حكمة الإشراق: طبعة هنرى كوربان، 1952، ص 10 - 11). وهاهنا يصطنع السهروردى فى التعبير عن مذهبه فى حكمة الإشراق رموزا خاصة يدل بها على المعانى التى يعنيها مما يسميه علم الأنوار: فهو يأخذ بالتقابل بين النور والظلمة، ويرمز إلى الروحانى بالنورانى، وإلى المادى بالظلمانى، وإلى العقول بالأنوار، وإلى عقول الأفلاك بالأنوار القاهرة، وإلى النفوس بالأنوار المدبرة، وإلى الأجسام بالبرازخ، وإلى اللَّه بنور الأنوار، إلى غير ذلك من الرموز الكثيرة التى حفل بها كثير من مصنفاته ومنظوماته، وكلها يظهرنا فى وضوح وجلاء على أن تسميته لحكمة الإشراق بهذا الاسم أو باسم علم الأنوار، إنما ترجع إلى ذلك التقابل بين النور والظلمة على الوجه الذى لا يخفى وراءه تأليه النور والظلمة على مذهب زرادشت أو مذهب مانى. وإنما كل أولئك عنده رموز يعبر بها عن حقائق وجودية، وعن صلة هذه الحقائق بعضها ببعض، وتأثير بعضها فى بعض، وترتيب بعضها درجات فوق بعض أو دون بعض. ولكى نعرف منزلة حكمة الإشراق السهروردية بين الحكمتين البحثية والذوقية، يحسن أن نقف مع شيخها عند تصنيفه لمراتب الحكماء من ناحية، ومراتب طلاب الحكمة من ناحية أخرى: فالحكماء عند السهروردى مراتب: حكيم إلاهى متوغل فى التأليه عديم البحث. وهو كأكثر الأنبياء والأولياء من الصوفية (¬1) أمثال أبى يزيد البسطامى، وسهل بن عبد اللَّه التسترى، والحسين ابن منصور الحلاج؛ وحكيم بحاث عديم التأله. وهو كالمشائين من أتباع ¬

_ (¬1) انظر التعليق على الصفحة التالية [م. ع]

أرسطو فى المتقدمين، وكالفارابى وابن سينا فى المتأخرين؛ وحكيم إلاهى متوغل فى التأله والبحث، وهذا هو الحكيم الإشراقى الذى يجمع بين الحكمتين الذوقية والبحثية على نحو السهروردى نفسه؛ وحكيم إلاهى متوغل فى التأله متوسط فى البحث؛ وحكيم إلاهى متوغل فى التأله ضعيف فى البحث؛ وحكيم متوغل فى البحث متوسط فى التأله؛ وحكيم متوغل فى البحث ضعيف فى التأله، وليس من شك فى أن أرقى هذه المراتب وأسماها هى مرتبة الحكيم الإلاهى المتوغل فى التأله والبحث جميعا (¬1) (حكمة الإشراق: ص 11 - 12). وكذلك طلاب الحكمة فهم مراتب أيضا: طالب للتأله والبحث؛ وطالب للتأله فحسب، وطالب للبحث فحسب. وأجود الطلاب هو من غير شك طالب التأله والبحث ومن هنا قال السهروردى إنه كتب كتابه "حكمة الإشراق" لطالبى التأله والبحث؛ أما الباحث الذى لم يتأله، أو الطالب الذى لم يطلب التأله والبحث جميعا، فليس له فى هذا الكتاب نصيب (حكمة الإشراق: ص 12). ولقد كانت حياة السهروردى الروحية طالبا للعلم أو حكيما للإشراق، صورة صادقة لطالب التأله والبحث من ناحية، وللحكيم الإلاهى المتوغل فى التأله والبحث معا من ناحية أخرى، وذلك على الوجه الذى بيناه مفصلا فى بحثنا عن حكيم الإشراق وحياته الروحية (الدكتور محمد مصطفى حلمى: حكيم الإشراق وحياته الروحية، مجلة كلية الآداب جامعة القاهرة، المجلد الثانى، ديسمبر سنة 1950, ص 59 - 91). فإذا أوغلنا مع السهروردى فى أعماق مذهبه الإشراقى، ألفينا هذا المذهب يدور عنده على محور واحد هو النور، وألفينا لهذا النور مراتب هى فى حقيقتها مراتب الوجود من أعلاها إلى أدناها: فالمبدأ الأول لكل وجود هو النور القاهر أو النور الأول لكل المطلق؛ ¬

_ (¬1) يبدو من هذا أنه يضع الحكيم الإشراقى فوق مرتبة الأنبياء (راجع آخر الصفحة السابقة)، ولعل هذا مما أثار على السهروردى ثائرة أهل عصره. [د. مهدى علام]

وحقيقة النور أو ماهيته إنما هى فى ظهوره، وهذا يعنى أن الظهور ليس صفة من الصفات التى تحمل على النور، إذ لو كان ذلك كذلك لترتب عليه ألا يكون للنور فى ذاته ظهور ما، وأن يكون ظاهرا بشئ آخر ظاهر فى ذاته، وهذا محال؛ ومن هنا لم يكن للنور الأول المطلق علة أخرى غير ذاته، وكان كل ما سوى هذا النور الأول المطلق حادثا وممكنا ومفتقرا إليه، بقدر ما هو قديم وواجب وغنى. وقد عبر السهروردى عن حقيقة النور، وذلك إذ يقول: "إن كان فى الوجود ما لا يحتاج إلى تعريفه وشرحه فهو الظاهر، ولا شئ أظهر من النور، فلا شئ أغنى منه عن التعريف" (حكمة الإشراق، ص 106). وإذا كان ذلك هو النور، فإن الظلمة عند حكيمنا ليست إلا عبارة عن عدم النور فحسب، ومن هنا رأى السهروردى أن الشئ ينقسم إلى نور وضوء فى حقيقة نفسه، وإلى ما ليس بنور وضوء فى حقيقة نفسه (حكمة الإشراق, 107 - 108) ولقد أظهرنا السهروردى على حقيقة نور الأنوار من خلال الصفات التى وصفه بها: فنور الأنوار نور محيط، لأنه يحيط بجميع الأنوار لشدة ظهوره وكمال إشراقه ونفوذه فيها للطفه؛ وهو قيوم لقيام الجميع به؛ وهو مقدس لأنه منزه عن جميع صفات النقص؛ وهو الأعظم الأعلى إذ لا أعظم ولا أعلى منة بين الأنوار جميعا؛ وهو قاهر لأنه يقهر ما دونه من الأنوار، وذلك لشدة إشراقه وقوة لمعانه؛ وهو غنى مطلق إذ ليس وراءه شئ يفتقر إليه، ولا دونه شئ يستغنى عنه؛ وهو قبل هذا كله وبعد هذا كله واحد؛ ومن هنا ينتهى السهروردى إلى نور الأنوار بحكم طبيعته وحقيقته وأحديته، إنما هو واجب الوجود بذاته، وما عداه واجب به ومفتقر إليه، ومستمد وجوده منه. وهكذا نتبين أن مذهب السهروردى فى حكمة الإشراق كان بدعا بين الأذواق الصوفية والأنظار الفلسفية كما كان مزاجا من هذه الأنظار وتلك الأذواق خرج منه نسق واحد جديد، أخص خصائصه بين العلوم والفلسفات الإسلامية العمق والطرافة والتجديد. الدكتور محمد مصطفى حلمى.

السهروردى

السهروردى " السهروردى" عبد القاهر بن عبد اللَّه: ولد سنة 490 هـ (1097 م)، وتوفى سنة 562 هـ (1168 م)، وهو صوفى وفقيه حنفى المذهب (انظر der Arab.Litteratur: Brockelmann. جـ 1، ص 436) سهل بن هارون " سهل بن هارون"، مؤلف وشاعر عربى لمع نجمه فى آخر القرن الثانى ومستهل القرن الثالث للهجرة (= مستهل القرن التاسع للميلاد)، ويقول صاحب الفهرست إنه من أصل فارسى، ولد فى دَستمَيْسان بين البصرة وواسط؛ ويقول الحصرى إنه جاء من ميسان، وهى قريبة جدًا من دستميسان، ويقول أيضا إنه كان يكنى أبا عمر (هامش العقد، جـ 2، ص 190). وقد اختلف الرواة فى ذكر اسم جده، فبعضهم يقول إنه رامنوى أو راهيون (وكلاهما فى الفهرست) وبعضهم يقول راهيونى (الجاحظ، كتاب البيان، جـ 1، ص 24؛ انظر أيضا حاشية فان فلوتن Van Vloten على الصفحة 10 من طبعته لمصنف الجاحظ: كتاب البخلاء)؛ ثم استقر سهل فى البصرة ويقال إنه نسب إليها (الحصرى)، على أن الفهرست يدعوه الدستميسانى؛ وتنقصنا التفصيلات الدقيقة عن حياته، ولا مناص لنا من أن نعتمد فى ذلك جل الاعتماد على الإشارات التى وردت عنه فى الحكايات وقد ولى سهل بعض المناصب الرفيعة فى ديوان الخليفة، فتجده فى عهد هارون الرشيد كاتب يحيى ابن خالد البرمكى، الذى يقال إنه خلفه فى منصب صاحب الدواوين (ابن بدرون)، ولا نعرف هل احتفظ بهذا النصب الرفيع فى عهد الأمين أم لم يحتفظ، إلا أنه عاد فأصبح موضع التقدير العظيم فى عهد المأمون، وإن كان المأمون لم يوله أول الأمر من التقدير إلا القليل، فما إن كشف عن نزعاته الشعوبية حتى نال الحظوة عند الخليفة، فاستخدمه المأمون هو وبعض رجال الأدب مثل سعيد بن هارون وسَلْم (أو سلمى، انظر الفهرست) فى خزانة الحكمة أو دار الحكمة التى أقامها.

وكان سهل بن هارون من أنصار الشعوبية المتعصّبين ولا شك أنه نال بفضل ميوله هذه الحظوة لدى يحيى البرمكى الذى يمتدح زهده وعفته فى بعض أبيات من الشعر استشهد بها الناس كثيرًا، وقد أكسبته هذه الميول نفسها الحظوة لدى الخليفة المأمون فيما بعد (انظر القصة التى رواها الحصرى، المصدر المذكور)؛ ويعد سهل، هو وابن المقفع وغيرهما من الكتاب، من أصحاب التواليف الذين واصلوا الرواية الفارسية فى التصانيف العربية؛ وقد ذاع صيت سهل فى عالم التأليف على عهده بفضل نوعين من الإنتاج الأدبى: فقد كتب كتاب ثعلة وعفرى (كذلك ورد اسمه فى الفهرست؛ وتختلف المصادر الأخرى اختلافا كبيرا فى رسم هذين الاسمين)، وهو يقلد فى مؤلفه هذا كتاب الخرافات المشهور كليلة ودمنة ذلك أنه ينطق الحيوان كما أنه يقسمه إلى أبواب على غرار كليلة ودمنة وينقل الحصرى (المصدر المذكور) شواهد قليلة من هذا الكتاب؛ وكان سهل إلى ذلك مشهورا بمدحه البخل والبخلاء، ولم يصل إلينا من مصنفاته إلا "رسالة البخلاء"، وقد وردت فى صلب كتاب العقد الفريد (جـ 3، ص 335 وما بعدها) كما وردت فى صدر كتاب البخلاء للجاحظ؛ ويدافع سهل فى رسالته هذه عن البخل، أو على الأصح يدافع عن الاعتدال الحكيم والاقتصاد، وهو الصورة المعقولة من صور البخل كما يقول الجاحظ؛ والرسالة مهداة إلى أولاد أخى سهل الذين لاموه على بعض ما قال فى مدح البخل؛ والأرجح أن هذه الأقوال وردت فى كتاب ثعلة وعفرى كما توحى بذلك الفقرة التى تقدم بنا ذكرها من كتاب الحصرى؛ وكان سهل (على ما يقول الجاحظ فى كتابه "البخلاء" ص 114) هو وأبو رحمان الثورى أول من خصوا البخل بكتاب، وقد نحا بعض الكتّاب من بعد هذا المنحى, مثل الجاحظ نفسه. ويرى كولدسهير Goldziher فى مدح سهل للبخل حملة شعوبية على تلك الفضيلة القومية التى اشتهر بها العرب وهى الكرم؛ ويقال إنه أراد بذلك أن يظهر مقدرته الأدبية؛ وثمة قصة تقول إن الوزير الحسن بن سهل كان قد تلقى من سهل رسالة فى البخل أهداها إليه،

المصادر

فأرسل إليه الحسن يقول إنه وعى هذا الدرس الذى لقنه له، ولذلك لم يرسل إليه ما كان ينتظره من عطاء. وأورد الفهرست ثبتا بمصنفات سهل الأخرى؛ ويذكر الجاحظ (فى كتابه البيان والتبيين، جـ 1، ص 24) ثلاثة من هذه المصنفات وهى كتاب الإخوان (وهو فى الفهرست كتاب أسباسيوس فى اتحاد الإخوان) وكتاب المسائل (ولعله هو نفسه كتاب ديوان الرسائل الذى ورد فى الفهرست) وكتاب المخزومى والهذلية (وقد ورد بالاسم نفسه فى الفهرست)، والظاهر أن الجزء الأكبر من مصنفات سهل كان فى ميدان الأدب. على أن كتاب تدبير الملك والسياسة الذى ورد ذكره فى الفهرست فى آخر القائمة يدل على أن سهلا قد عالج العلوم السياسية أيضا. وكان سهل علاوة على هذا صاحب مكانة فى الشعر كما يدل على ذلك استشهاد المؤلفين المختلفين ببعض قصائده. على أن سهلا، فى رواية الفهرست، لم يخلف أكثر من خمسين صفحة من الشعر، وقد اشتهر سهل بأنه ذكى أريب، والظاهر أنه كانت له شهرة أيضا بأنه ذوّاقة أطعمه (راجع القصة التى ذكرها ابن خلكان). والحق أن ثمة صلة فى الأدب العربى بين البخلاء والأكلة. وكان أعظم معجب بسهل بن هارون وأكبر خلفائه هو معاصره الحدث الجاحظ، ولم يقتصر الجاحظ على إعجابه بسهل بل هو قد نشر بعض الكتب باسمه، ونهج فى مؤلفه "كتاب البخلاء" بأن جعل البخل موضوع هذا الكتاب، وهو يمتدح سهلا باعتباره ممثلا بارعا لفنون الأدب جميعا (كتاب البيان، المصدر المذكور)، ومن المشكوك فيه أنه كان يعرفه شخصيا. وقد ذاع اسم سهل فيما بعد بفضل كتاب ألف ليلة وليلة. المصادر: (1) الفهرست: طبعة، Flugel، ص 120 إلى آخرها. (2) حاجى خليفة: كشف الظنون، طبعة Flugel, جـ 5، ص 238 وما بعدها.

سهل التسترى

(3) الجاحظ: البيان والتبيين، بولاق 1313, جـ 1، ص 30؛ جـ 2، ص 150. (4) المؤلف نفسه: كتاب البخلاء، طبعة van Vloten, ليدن 1900. (5) ابن عبد ربه: العقد الفريد، بولاق 1293, جـ 3، ص 335 وما بعدها. (6) الحصرى: زهر الآداب وثمر الألباب (على هامش العقد)، جـ 2، ص 190 وما بعدها؛ جـ 3، ص 142. (7) ابن بدرون: شرح قصيدة ابن عبدون، طبعة Dozy، ليدن 1846 ص 243 وما بعدها. (8) ابن خلكان: وفيات الأعيان، طبعة Wustenfeld, رقم 226، الكراسة 3 ص 29 وما بعدها. (9) المسعودى: مروج الذهب، باريس 1861 - 1877, جـ 1، ص 159. (10) المبرد: الكامل، طبعة Wright، ليبسك 1864, ص 523. (11) Mohammedanische Studien: Goldziher، جـ 1، ص 14 و 161. (12) Silvestre de Sacy فى N.E, جـ 10، ص 139 و 160 و 173 وما بعدها و 267. (13) G.A.L.: Brockelmann، جـ 1، ص 516. (14) Iranian Influevmce on Moslem Literaure, ترجمة للأصل الروسى الذى وضعه M. Inostranzew قام بها G.K Nairman بومباى 1918, ص 32 و 169 وما بعدها. صبحى [كرامرز J.H.Kramers] سهل التسترى أبو محمد سهل بن عبد اللَّه بن يونس: متكلم وصوفى من أهل السنة، كتب بالعربية، وولد فى تستر من أعمال الأهواز سنة 203 هـ (818 م) وتوفى فى منفاه بالبصرة سنة 283 هـ (896 م).

وقد أخذ سهل عن شيخه ابن سوار أقوال علماء أهل السنة المتشددين أمثال الثورى وأبى عمرو بن العلاء، وكان فوق ذلك زاهدا لا يحيد قيد أنملة عن قواعد الخلق، كما كان متكلما تزود من العلوم العقلية بزاد وافر. ولا نعرف من حياة سهل التى كانت تتسم فيما يظهر بالهدوء واعتزال الناس إلا حادثة واحدة هى نفيه إلى البصرة إبان فتنة الزبج (حوالى سنة 261 هـ = 874 م) حين أنكر علماء الأهواز قوله بإن التوبة فرض. ولم يكتب سهل شيئا، على أن أقواله الألف التى جمعها ونشرها تلميذه ابن سالم المتوفى سنة 297 هـ (909 م) تمثل من حيث العقائد وحدة متسقة صلحت لإقامة مذهب من المذهب هو السالمية ومن مذهب سهل استقت السالمية خصائصها وهى: مراقبة الباطن من خلال أعمال العبادة، واصطناع ألفاظ أشبه بالفاظ أرباب العرفان تسلم إلى التوحيد. وأدلة سهل جدلية خالصة (استدلال، أصل، فرع) مثله فى ذلك المتكلمين، على أنه لم يكن بعد قد استعان فى محاجته بالقياس على طريقة الإغريق كما فعل تلميذه القديم الحلاج بعد أن ترك صحبته أما فيما يتعلق بالنفس والبدن فهو يقول إن الإنسان مركب من عناصر أربعة هى الحياة والروح والنور والطين، وأن الروح أعلا من النفس (على خلاف ما يقول فلاسفة اليونان المتأخرون) وأنها تبقى بعد الموت (على خلاف ما يقول المبرد). ويرى سهل أنه ما من آية فى القرآن الكريم إلا ولها أربعة معانى: ظاهر، وباطن، وحدّ، ومُطَّلَع؛ وهو يأخذ بنظرية الإمامية فى الجفر، ويقول إن الأمثال التى يضربها الأنبياء للناس يجب أن تتدبر حتى نتدرج فى سبيل التحقق بحال نفوسهم. وينهج سهل منهج ابن كّرام والأشعرى، فيقول إن جماعة المسلمين تشمل المؤمنين كافة ما داموا يولون

وجوهم شطر القبلة (وهو مذهب أهل السنة الذى يخالف مذهب المعتزلة والإمامية). وأول ما يعنيه لفظ "الإيمان" هو الإقرار باللسان (القول) والعمل، والنية، واليقين. والذى يعبد اللَّه حق عبادته عليه أولا أن يخضع للحال، وأن يستمسك بأعمال العبادة، ذلك أن: "الحب ليس أن تعمل بطاعة اللَّه، وإنما هو أن تتجنب ما نهى عنه اللَّه" (وقال التسترى أيضا "كما لو كنت ميتا" perinde ac cadaver). وهو مقيد بأن تكون أفعاله اقتداء بالنبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] (وهى فكرة أشبه بقول المعتزلة فى "الاكتساب" الذى يخالف القول بالتوكل عند شقيق وابن كرام)، وأن يجعل اللَّه دائما قبلة نيته مع تسليمه بأن التوبة فرض فى كل وقت. وتحليل سهل لمراتب أفعال الإرادة، وهو ذلك التحليل الذى أخذه عن المحاسبى وأخذ به الغزالى، لا يزال هو العمدة فى هذا الشأن. والزاهد، وقد وصل إلى أسمى مراتب الزهد بقطع علائق الدنيا، لابد له من أن يتحقق بعد أعمال العبادة باليقين الذى هو "غيبة بالمذكور عن الذكر"، وفى هذا إشارة إلى مذهب الحلاج فى الاتحاد الصوفى. وفى علوم الآخرة يصطنع سهل فى حكمة أقوالا شبيهة بأقوال أرباب المعرفة ترجع أصولها إلى مذهب الإمامية؛ ومن هذا القبيل عمود النور (عدل مخلوق به)، وهو ضرب من طائفة مجتمعة من العبادات العليا قوامه نفوس جميع الأولياء الذين يختلفون عن غيرهم من عامة الآدميين؛ وفى هذا إشارة إلى النور المحمدى الذى قال به الصوفية المتأخرون. والأولياء وحدهم الذين قدر لهم أن يعرفوا "سر الربوبية "سر الأنا"؛ وفى هذا إشارة إلى فكرة "الهو هو" ومن هذه الفكرة استنبط سهل إمكان عودة الشيطان فى النهاية إلى رحمة اللَّه، وهى فكرة توسع فيها من بعد ابن عربى وعبد الكريم الجيلى. وصيغة الذكر التى نسبها الشيخ السنوسى لسهل (سلسبيل: انظر السهولية) صيغة محدثة.

المصادر

المصادر: (1) سهل التسترى: التفسير، طبعة النسائى، القاهرة 1326 هـ, وهو تفسير مفتعل. (2) أبو القاسم الصقلى (الذى كتب فى القيروان سنة 390 هـ[999 م] , وترك أيضا كتابا عنوانه "صفة الأولياء"): "شرح وبيان لما أشكل من كلام سهل"؛ و"كتاب المعارضة والرد على أهل الفرق من كلام سهل"، مخطوط بمكتبة كوبريللى رقم 727. إستانبول. (3) الهجويرى: كشف المحجوب, ترجمة نيكلسون، لندن 1911, الفهرس تحت مادة سهل. (4) Al Kushairis Darstellung des Sufitums: R. Hartmann، برلين 1914 م، الفهرس، تحت مادة سهل. (5) Essai sur les Origines . . de la mystique musulmane: L. Massignon, باريس 1922 م, ص 264 - 270. (6) المؤلف نفسه: La passion d'alHallaj، باريس 1922, الفهرس، تحت هذه المادة. خورشيد [ماسينيون L. Massignon] السواد هو اسم العراق، وقد ثبت أن الاسم عراق هو كلمة مستعارة من اللغة البهلوية (من اللفظ أيركك بمعنى "الأرض المنخفضة" أو الأرض الجنوبية، الذى ورد فى القطع التورفانية، مع تشبيهه بالأصل عرق الذى يمت لمعناه بصلة؛ انظر: A.Siddiqi: Studien uber die persischen Fremdworter in Klass. Arab، ص 69؛ Isl,: H.H.Schaeder, جـ 14، ص 8 - 9؛ Zeitschr. f.: J.J.Hess Semitistik, جـ 2)، إلا أن "السواد" (الأرض السوداء) هو أقدم الأسماء العربية التى تطلق على الأرض الرسوبية على ضفاف دجلة والفرات، وقد أطلق عليها هذا الاسم لما يبدو للعين من تفاوت بينها وبين صحراء العرب (ياقوت. المعجم, جـ 3, ص 174, س 14 وما بعدها)؛ وقد مر هذا الاسم فى استعماله بتطور ثلاثى: (1) فهو يطابق فى التقسيم السياسى العراق، ومن ثم فهو ولاية سورستان الساسانية (دل إيران شهر) نفسها، وبهذا المعنى يطلقه مؤرخو فتوحات

المصادر

العرب على العراق (انظر مثلا البلاذرى: فتوح البلدان؛ ص 241, س 1)؛ وخاصة مصنفو الرسائل فى الخراج وفى السياسة (انظر أبا يوسف ويحيى بن آدم وقدامه والماوردى، وكذلك ابن خلدون)؛ ويرجع ذلك إلى أن الاسم كان يستعمل رسميا فى النظم الخاصة بمساحة الأراضى والخراج فى عهد عمر ابن الخطاب؛ (2) وهو يطلق على المنطقة المزروعة فى إقليم من الأقاليم، مثال ذلك سواد العراق وسواد خورستان وسواد الأردن؛ (3) إذا سبق اسم مدينة كان معناه الحقول المزروعة على نطاق واسع فى أرباضها والتى تروى ريًا منتظما، مثال ذلك سواد البصرة والكوفة وواسط وبغداد وتستر وبخارى ونحوها. المصادر: المصدر الرئيسى فى هذا الموضوع هو Die uberschatzung der Anbuflache Bobyloniens und ihr Ursprung: H. Wagner، فى Nachrichten d. Kgl. G. W. Gott. Phil Hist. Kl، جـ 70, 1902؛ ص 224 - 298)؛ وانظر عن الكلمة من حيث فقه اللغة Ar. Engl. Lexicon: Lane جـ 1، ص 4، 1462 ب؛ وانظر فيما يتعلق بموضوع الخراج الفنى: uber das Budget der Einnahmen unter des Harun el-ras Sid: A. von Kremer فى Verh. d. VII Internat. Orient. Kong. جـ 2, 1888؛ وانظر كذلك La propriete et l'impot foncier Berchem Sous Les premiers Califes: M.Van (1886). صبحى [شيدر H. H. Schaeder] سواكن أو سُواكم أو سُواكن: ثغر على الساحل الغربى للبحر الأحمر وعلى خط عرض 19 ْ 5 َ شمالًا، والمدينة مشيدة على جزيرة بيضية صغيرة رائعة المنظر، محيطها نحو ميل وطولها نحو 300 ياردة، قبالة البر فى وسط خليج عميق؛ ويمكن الوصول إلى الميناء عن طريق مجاز ضيق طوله أربعة أميال أو خمسة تكتنفه الشعب المرجانية، ويصل سواكن بالقارة الإفريقية ممر طوله نحو 60 ياردة يشرف عليه حصن؛ وفى أول هذا الممر

مدخل جميل يمكن إغلاقه بباب يبلغ المرء منه ضاحية السكيف التى تقع على البر؛ وأهم العمائر فى هذه المدينة الجزرية عمارتا الكمرك ودواوين الحكومة، وأحسن البيوت مبان بيضاء جميلة من ثلاثة طوابق تذكر المرء بطراز البيوت فى جدّة، ويجدر بنا أن نذكر من المبانى الحديثة بوابة كتشنر، وهى عمارة جميلة شبه مراكشية، وتبدو أكواخ الأهالى البدائية التى لا شكل لها يعرف ضئيلة كئيبة إذا قورنت بهذه العمائر (¬1)، ويشتمل السوق على حانات أصحابها من اليونانيين، وعلى شارع صغير فيه مقاه ومظلات. أما الأوربيون الذين كانوا ينزلون سواكن فيقيمون بين أكواخ الأهالى البدائية المصنوعة من الغاب فى منازل لا تصلح للسكن بصفة خاصة فى جميع الأحوال؛ وفى المدينة مدرسة واحدة، على أنها من أحسن مدارس السودان جميعا، ويحيط بضاحية الكيف القائمة على البر سور كانت تكتنفه فى وقت من الأوقات ستة حصون، ويحميه من الخارج خط من الخنادق. وسكان الكيف أكثر كثيرًا من أهل سواكن، وفيها سوق تجرى فيها الأعمال التجارية الخاصة بالمدينة وشوارع غير منتظمة يقيم فيها الحدادون وصانعو الجلود؛ ويصنع الحدادون رؤوس الرماح والسكاكين، أما صانعوا الجلود فلهم تجارة نافقة فى التعاويذ، كما يقيم الحلاقون فى تلك الشوارع، ويكثر من التردد عليهم الرجال من الأهالى، وفيها عدد قليل من صيّاغ الفضة يعدّون الحلى التى تحتاج إليها النساء ويصنعون الأساور والخلاخيل والأقراط وحلقات الأنوف؛ وفى خارج الضاحية التى هى أشبه بالواحة الطويلة الضيقة تحيط بها البحيرات الملحة وصحراء شبيهة بالمروج، عيون تكتنفها الحدائق وأشجار النخيل، وهى تزود المدينة بما تحتاج إليه من ماء الشرب؛ ومناخ سواكن ليس صحيًا بالنسبة للأوربيين خاصة، ودرجة الحرارة فيها لا تهبط أبدًا إلى أقل من 86 فهرنهيت حتى فى الشتاء، وتسود الرياح المتقلبة شهرى يونيه وأغسطس، وكثيرًا ما تستحيل عواصف رملية خطرة. ¬

_ (¬1) كان ذلك فيما مضى وهو ما تغير كثيرا فيما بعد وخاصة فى التاريخ المعاصر بعد استقلال السودان.

وسواكن مستعمرة قديمة وإن كان الميناء غير ذى شأن، ولا يمكن دخوله إلا نهارًا بسبب ضيق المجاز والشواطئ المرجانية؛ ويقال، وربما كان هذا الذى يقال هو الحق، إن مدينة Oppidum Succhae التى ذكرها بليناس كانت تقوم فى هذا الموضع؛ وكانت الناحية فى القرون الوسطى من أملاك البجة الذين تنتمى إليهم قبائل الهدندوة والعبابدة والبشارية الحديثة؛ وكان من أثر الصلات القديمة التى قامت بين أهل مكة وسكان ساحل البحر الأحمر فى إفريقية الغربية أن استقر التجار العرب فى سواكن وتصاهروا مع البجة. وقد مكنت سنن البجة التى تقوم على سيادة الأم المولدّين من بلوغ مناصب لها شأنها، ووجد ابن بطوطة فى سواكن سنة 1330 م ابن أمير مكة على رأس البجة، وكانت الطبقات العليا من السكان تدين بالإسلام، ويسميهم المقريزى "الحدارب"، وكان ميناء عيذاب، التى تقع على مبعدة من سواكن صوب الشمال، منافسًا خطيرًا لها فى تلك الأيام، ويقول بنت Th.Bent إن عيذاب هى "سواكن القديمة" المعروفة اليوم, وهى على مسيرة 12 ميلا شمالى حلايب، وكان للميناء، وهو الآن خرائب وأطلال، شأن عظيم بين سنتى 450 و 760 هـ، فقد كان مرسى السلع الواردة من الهند وبلاد العرب ومكانًا يلتقى فيه تجار اليمن، كما كان يلتقى فيه الحجاج المصريون والإفريقيون الذين كانوا يقلعون منه إلى جدة؛ وقد كانت سواكن أيضا، وهى على مسيرة سبعة أيام جنوبًا، مرسى للسفن القادمة من جدّة، ومن ثم فلاشك أنه قد قام بين المدينتين تنافس شديد كتب فيه النصر لسواكن آخر الأمر. وقد ظل الهمدانى (المتوفى سنة 945 هـ) يعتبرها فى الحبش الوسطى؛ واحتل الأتراك الميناء فى عهد سليم الأول، وكانت تابعة لباشا جدة الذى حكمها عن طريق أحد الأغوات حتى سنة 1865 حين أخذتها مصر من تركية بالتنازل أو بالشراء. وأصاب العهد المهدوى (1883 - 1898 م) سواكن بضربة قاسية، ذلك أن التجارة انقطعت فيها تماما بسبب إغلاق طريق القوافل الهام من سواكن إلى بربر؛ ووضعت سواكن بمقتضى معاهدة 16 يوليو سنة 1899, التى عقدت بين إنجلترا ومصر

فى ولاية الحكم الثنائى الإنجليزى المصرى (¬1) هى والسودان، وتتبع سواكن الآن مديرية البحر الأحمر أكبر المناطق التى تزرع القطن فى السودان. وكان يبلغ أهل سواكن فى ذلك الوقت نحو 10.000 نسمة، وكانت المدينة فى مظهر ينم عن الإهمال، ويكاد يكون نصف عمائرها أطلالا (¬2)، ذلك أن السكان فى كثير من الأحوال لم يعودوا قادرين على الإنفاق على صيانتها، وكذلك كان ميناء بورسودان، الذى أنشئ حديثًا، منافسًا خطيرًا لسواكن، فقد اجتذب قدرًا كبيرًا من التجارة والحركة التى كانت تزخر بها سواكن فى يوم من الأيام؛ وقد استطاعت سواكن، على الرغم من هذه المنافسة، أن تحتفظ بمكانة مرموقة فى عالم التجارة، ولم يتحقق ما توقعه الكثيرون من انتقال التجارة جملة إلى بورسودان. ومع أن سوق الكثير من شركات الجملة والقطاعى أصبحت أقل رواجا مما كانت قبل إنشاء بور سودان، إلا أن أعمالها تسير بنجاح ملحوظ، ولم يتأثر من الكساد التجارى إلا عدد قليل جدًا من الشركات الوطنية، وسوف تحتفظ سواكن بمركزها ولعل السبب الوحيد فى ذلك يرجع إلى تشبث الأهلين بها فى عناد واعتبارهم لها المركز الرئيسى لتجارة مديرية البحر الأحمر، ولا تزال سواكن بما كانت من قبل، النقطة التى يبدأ منها الحجاج رحلتهم إلى جدة، وكانت تجارة الرقيق فى القرن الماضى لا تزال مزدهرة على هذا الطريق نفسه، وكان يحمل نحو 3000 من الرقيق سنويا من سواكن إلى سوق جدة، وهى تجارة لم تستطع الحكومة الإنجليزية القضاء عليها إلا بمشقة عظيمة. وكانت تتصل سواكن ببور سودان بخط فرعى من ملتقى الخطوط الحديدية فى عطبرة، وقد أنشئ خط السكة الحديدية سنة 1905، ومشروع الخط الحديدى من سواكن إلى طوكر (56 ميلا)، (والمدينتان تتصلان بطريق للقوافل) وإن ميناء سواكن سيجد حافزًا جديدا يدفعه وكان يُحمل. ويحمل اليوم الصوف الجيد الذى اختصت به طوكر، على مسيرة 56 ميلا جنوب شرقى ¬

_ (¬1) و (¬2) كان هذا وقت كتابه المقال، قبل استقلال السودان. [م. ع].

المصادر

سواكن، على ظهور الجمال إلى ميناء ترنكتات ثم يشحن إلى سواكن فى رحلة تستغرق يومًا ونصف يوم أو يومين. وبمدّ الخطوط الحديدية يفقد طريقا القوافل الكبيران أهميتهما، وهما طريقا كسلا - سواكن (عن طريق طوكر 297 ميلا)، وبربر - سواكن (241 ميلا)، وهما الطريقان اللذان تجتازهما معظم التجارة إلى داخل البلاد فى الوقت الحاضر؛ إلا أن مقدار التجارة سيزداد زيادة عظيمة؛ ويصل سواكن ببور سودان أيضا خط ملاحى غير منتظم علاوة على الخط الحديدى الذى يربطهما، وثمة خط للملاحة أيضا يسير بين سواكن وجدة، وكانت تقطع باخرة الرحلة بينهما كل أسبوعين، أما قوام التجارة والتصدير فهو القطن وزيت السمسم والزبد وجلود الحيوان والشمع والراتينج والسنا المكى والعاج. المصادر: (1) الهمدانى: صفة جزيرة العرب، طبعة D. H. Muller، ليدن 1884 - 1891, ص 41. (2) Edrisii Africa: J. M. Hartmann كوتنكن 1796, ص 81. (3) Bibliotheca Orientalis: D, Herbelot, جـ 4، هال 1790، ص 306. (4) ياقوت: المعجم، طبعة Wustcnfeld، جـ 3، ص 182. (5) مراصد الاطلاع، طبعة T.G.J Juynboll, جـ 2، ليدن 1853، ص 64. (6) Reise von Chartum uber Berber nach Suakin. Z. G. Erd. Berl: G. Sechwein furth, 1867, جـ 2, ص 33 - 36. (7) Reise nach Sudarabien: H. V. Maltzan، برانسويك 1873، ص 83 و 89 و 91 و 114. (8) Voyage au Yemen: A. Deflers باريس 1889, ص 21 وما بعدها. (10) Handbooks prepared under the Direction of the Historical Section of the Foreign Office, No 98, Anglo-Egyptian Sudan، لندن 1920 ص 12 و 20 و 67 و 81 و 84 و 87 و 100 وما بعدها. (11) The Sudan in Evolution: Percy F. Martin, لندن 1921, ص 498 - 505. صبحى [كرومان Adolf Grohmann]

السودان

السودان (*) وقولنا "بلاد السودان" معناه الصحيح بلاد السود، ومن ثم فإن كلمة السودان المأخوذة من هذا اللفظ تدل على جميع البقاع التى يقطنها السود من قارة إفريقية. وقد جرى العرب وكذلك الأوربيون على قصر هذه التسمية على الجزء الشمالى من تلك الأقطار، أو إطلاقها بصفة أعم على تلك المنطقة شبه الصحراوية من إفريقية التى تغلغل فيها الإسلام. وتقسم هذه المنطقة من الناحية العملية إلى ثلاثة أقسام: (1) السودان الغربى ويشمل حوض نهر السنغال ونهر غمبيا والمجرى الأعلى لنهر فولتا والحوض الأوسط لنهر النيجر. (2) السودان الأوسط، ويشمل حوض بحيرة تشاد. (3) السودان الشرقى أو السودان المصرى، ويشمل الحوض الأعلى لنهر النيل فقط. وما يجدر ذكره أن الإنجليز يستعملون كلمة السودان فحسب للدلالة على السودان المصرى، أما الفرنسيون فيطلقون اسم السودان الفرنسى رسميا على مستعمرة من مستعمراتهم كانت لا تنطبق فى الواقع إلا على قسم صغير من المنطقة السودانية الكبيرة التى يحتلونها. وسنتناول السودان فى هذه المادة على اعتبار أنه يشمل جميع الأراضى التى إلى الجنوب من الصحراء الكبرى وصحراء ليبيا، أى من المحيط الأطلسى غربا إلى الحدود الغربية لأثيوبيا شرقا، وتساير حدوده الجنوبية بصفة عامة خط عرض 10 شمالا. ومن المرجح أنه كانت تقوم بين السودان وشمالى إفريقية صلات منذ أقدم الأزمان، فقد كان المصريون القدماء يحصلون على العبيد بإنفاذ الحملات على بلاد السودان، وكانت لهم أيضًا صلات تجارية بهذه البلاد. وقد جرت القوافل الخارجة من المستعمرات الفينيقية، وبخاصة من قرطاجنة، على ¬

_ (*) يبلغ عدد السكان: 31.065.229، الكثافة السكانية: 32 فى الميل المربع، المناطق الحضرية: 27 %، المساحة: 966.757 ميل مربع، الحكومة: الرئيس عمر حسن البشير المولود فى أول يناير سنة 1944 وشغل منصبه فى 30 يونيو 1989. د. عبد الرحمن الشيخ

أن تشترى من السودان الذهب والعاج والعبيد وتعطيهم نظير ذلك المنسوجات والنحاس والأدوات. وظل هذا الاتصال الذى كان يتم عن طريق النيل أو عبر الصحراء قائمًا فى العهدين اليونانى والرومانى، ثم تولاه العرب بعد أن فتح المسلمون شمالى إفريقية ودخل أهلها فى الإسلام. وما إن انتهى القرن السابع الميلادى حتى كان المسلمون فى مصر وإفريقية والمغرب يؤمون أسواق السودان الكبرى. بل إن بعضهم استقروا فيها وعملوا مراسلين أو وكلاء لمواطنيهم من سكان سواحل البحر المتوسط. على أنه يتضح لنا من أقوال كتاب العرب الذين زودونا بأقدم الإشارات عن بلاد السودان أن هؤلاء المسلمين كانوا يهتمون بالتجارة وأن الإسلام لم يبدأ فى الانتشار بين السودانيين إلا فى القرن الحادى عشر الميلادى. صحيح أن بعض الروايات تذهب إلى أن الفاتح عقبة بن نافع قد بلغ بلاد السودان، إلا أن هذه الروايات موضع شك. ومهما يكن من شئ فإنه لا ينبغى لنا أن نستخلص من ذلك أن هذه الأقطار كانت خالية من الحضارة أو أنه لم يكن بها نظام سياسى بالمعنى المفهوم فى القرن الحادى عشر الميلادى. ذلك أننا نجد إلى جانب الأمراء الذين حكموا أجزاء مختلفة من الأراضى السودانية ودخلوا فى الإسلام منذ القرن الحادى عشر الميلادى، أمراء آخرين لم يدخلوا فى هذا الدين، كما أننا لا نستطيع أن نقول إن الإسلام قد دخل فى جميع البلاد السودانية. والحق أن عددًا من الدول الإسلامية يشمل أهمها وأعظمها شأنًا، قد حكمت حكما حسنا قبل أن يبدأ أهلها فى اعتناق الإسلام، كما أن هذه الدول كانت قد بلغت من قبل سلطانًا ومجدا، وكان هذا السلطان والمجد كبيرين فى بعض الأحيان، ووجدت فيها نظم أقبل عليها حكام المسلمين فيما بعد واصطنعوها راضين، حتى فى تلك الممالك التى كانت على وثنيتها، وهى من قبيل ما تحدث عنه البكرى منذ عدة قرون عند كلامه على مملكة غانة الوثنية. وكان الاعتقاد الذى اعتنقه السودانيون جميعا من قبل ولا زال

لدى البعض ضربا من القول بحيوية المادة يقوم على عبادة الأجداد وأرواح الطبيعة. وقد تغلغلت المسيحية فى عدة أجزاء أخرى من السودان، ذلك أنها كانت سائدة فى بلاد النوبة منذ القرن الرابع حتى القرن السابع الميلادى، ويقال إن الأمراء الذين اشتهروا بأصولهم البربرية والذين أسسوا مملكة سنغاى كانوا مسيحيين. ولا جدال فى أن الإسلام انتشر فى وقت مبكر جدا فى بلاد النوبة أو بين نوبى حوض النيل. على أنه قد استغرق فيما يظهر وقتا طويلا حتى وصل إلى أقاليم السودان الشرقى التى تبعد بعض البعد عن المجرى الأصلى للنيل، وعندئذ دخل هذا الدين فى هذه الأقاليم حوالى القرن السادس عشر الميلادى فحسب على يد قبائل من أصل عربى شقت طريقها وقتئذ جنوبا بشرق واحتكت بسودانيى هذه المنطقة. وكان الجزء الغربى من السودان هو الذى تأثر أول ما تأثر بتعاليم الإسلام تاثرا عميقا باقيا على الأيام. ولم يبلغ الإسلام هذا الجزء عن طريق العرب بل عن طريق بربر الصحراء الكبرى الذين نهضوا فى ذلك الوقت بحركة المرابطين. وكانت إمبراطورية غانة حينئذ تنمو وتزدهر فى السودان الغربى. وقد تأسست هذه الإمبراطورية فى وقت غير معلوم على يد أمراء يقال إنهم كانوا من الجنس الأبيض، ولو أن أمراءها كانوا وقتذاك من السودانيين من قبيلة سركلّه (إلياس سوننكه، أو واكورة أو ماركا) يعيشون فى كومبى جنوب الجنوب الغربى من والته فى إقليم يعرف باسم وَغَدو أو بغانة، وكانوا يتخذون الألقاب: لونكا، وكيمغا، وغانة. وهذا اللقب الأخير الذى توسع فيه فأصبح يطلق على المدينة أيضًا، هو الذى أطلقه كتاب العرب على مدينة كومبى. وقد مد غانة سلطانه إلى ما وراء حدود مملكته الأصلية فشمل الجزء الأكبر من السودان الغربى، وخاصة مناجم الذهب القائمة على الضفة اليسرى لنهر السنغال الأعلى،

ومعظم قبائل الصحراء البربرية وخاصة لمتونة وقصبتهم أو دغست التى كانت تقوم فيما يرجح على مسافة ما من الجنوب الغربى لتيشيت. وفى سنة 1042 م ترك المصلح البربرى عبد اللَّه بن ياسين الرباط الذى كان يتولى أمره بجزيرة فى مجرى نهر السنغال الأدنى وبدأ يدعو للإسلام بين بربر أدرار وتاكنت وبين سودانيى تكرور (فوتا تورو) أجداد التكارنة الحاليين، وبين عدد غيرهم من الشعوب السودانية تتفاوت تبعيتهم لغانة قوة وضعفا. وكانت دعوته ظافرة بصفة خاصة لأنه توجه بها إلى الجماهير من السود والبيض الذين كانوا يتطلعون إلى الخلاص من نير سركلّه كومبى، وكان هؤلاء حصن الوثنية الحصين. وكان ملك تكرور هو وآل بيته بلاشك أول من دخلوا فى الإسلام من السودانيين، بل هم قد ذهبوا إلى أبعد من ذلك فزودا الجيش المرابطى بالمحاربين. وسرعان ما أسلم ملك ماندنك أو مالى الذى كان يقيم فى أعالى نهر النيجر، وأسلم أيضًا ملك سنغاى فى إقليم كآو بمجرى النيجر الأوسط فى هذا الوقت، أما أودغست التى ظلت على ولائها لغانة فقد هاجمها عبد اللَّه بن ياسين وفتحها سنة 1054 م. وبينما كان يوسف بن تاشفين يغزو مراكش حوالى سنة 1076 م على رأس الجيش المرابطى الأكبر ويتهيأ لفتح الأندلس، كان ابن عمه أبو بكر بن عمر اللمتونى على رأس جيش المرابطين الذى وقف على عتبة بلاد السودان، يستولى على كومبى ويضع حدًا لسلطان غانة الذى عمَّر زمنا طويلا. ودخلت غانة فى الإسلام عنوة، واضطر السر كلَّه إلى الإسلام زرافات زرافات، وبدءوا ينشرونه فى الممالك المختلفة التى لا يزالون يحكمونها والتى اغتنمت فرصة سقوط سلطان غانة لإعلان استقلالها بأمر نفسها، مثل ممالك أو أقاليم جاره أو كنيكا، (قرب نيورو الحديثة)، وكومبو (جنوبى كومبى) وسوسو (بين كومبو وبامكو) وجخا، أو جا (غربى ماسينا) وغيرها. وتوفى أبو بكر بن عمر سنة 1087 م، غادر بلاد السودان آخر جيوش المرابطين الذى شد أزره، إلا أن

ذلك لم يحل دون انتشار الإسلام. وقد حدث فى نهاية القرن الحادى عشر الميلادى أن مسلمًا يدعى جُلا كان قد اهتدى إلى الإسلام على يد سركلَّه جخا، حمل هذا الدين الجديد إلى غابات ساحل الذهب الكثيفة حيث كان هو وقومه قد جروا على الشخوص إليها لشراء جوز الكولا. ثم وقف تقدم الإسلام إلى حين؛ وفى سنة 1224 م أقيم مركز دينى وتجارى فى والته، وسرعان ما بلغ الإسلام تمبكتو وبخاصة جنَّة. وأصبحت تمبكتو فى القرن التالى قاعدة الإسلام فى السودان الغربى، وكانت إمبراطورية الماندنكو التى ورثت سلطان غانة، فى أوج عزها آنئذ. وفى سنة 1325 شيد عاهلها، الذى كان فى ذلك الوقت هو كونكون موسى (واسمه الشائع كانكن موسى) مساجد فى كآو وتمبكتو، بناها له عربى من أسرة غرناطية كان قد استقدمه من مكة. وكانت سقوف هذه المساجد مستوية ومآذنها هرمية، وقد استحدث ذلك فى السودان طرازا معماريا سرعان ما انتشر فى أرجائه. وكان للمجد الذى أضفاه هذا العاهل على الإسلام نصيب فى دعم سلطان كونكون موسى على أقاليم النيجر. وفى عهد خلفه قامت الصلات الدبلوماسية المنتظمة بين السودان ومراكش. واستمر تقدم الإسلام فى الزيادة فى نهاية القرن الخامس عشر وأوائل القرن السادس عشر الميلادى نتيجة للسياسة التى انتهجها أعظم أمراء سنغاى أسكيا محمدو توره. على أنه أصيب بنكسة كبيرة فى السنغال فى منتصف القرن السادس عشر نتيجة لفتح تكرور أو فوتا تورو على يد حشود الفلبة والماندنك القادمة من كولى تنكلَّه، وإقامة مملكة فلبية وثنية فى هذه البلاد دام حكمها من سنة 1559 إلى سنة 1776 م. وقد أدى فتح سنغاى وتمبكتو على يد حملة مراكشية سنة 1591، إلى نتيجة لم يتوقعها أحد، ذلك أن هذا الفتح كان نذيرا آخر باضمحلال الدين الإسلامى فى مجرى النيجر الأوسط، وبداية لتدهور تمبكتو التى كانت مركزا دينيا.

على أننا يجب ألا نذهب فى الظن إلى أن الإسلام قد غلب على جميع السودانيين، ذلك أن جغرافى العرب ومؤرخيهم، والإخباريين من أهل البلاد السودانية، يقولون إن معظم من دخلوا فى الإسلام كانوا من الملوك ووجوه الأعيان. ونحن إذا استثنينا عددا قليلا من القبائل مثل التكارنة، وجدنا أن جماهير العامة ظلوا على وثنيتهم فيما عدا أهل المدن الكبيرة. وكان القرنان الثامن عشر والتاسع عشر الميلاديين هما القرنين اللذين شهدا أعظم ما أصاب الإسلام من تقدم فى السودان الغربى، وهو تقدم لا يقاس به أى تقدم آخر منذ عهد المرابطين. وكانت النزعة الصوفية التى عرفت بها طائفة تكارنة تورد به (المفرد توردو) فى تكرور العامل الأكبر فى هذه الحركة التى بدأت حوالى 1720 م بإقامة نوع من الملكية الدينية فى فوتاجالون، وقويت شوكتها سنة 1776 بإنشاء حكومة من هذا القبيل فى فوتاتورو نتيجة للانتصار الذى أحرزه التكارنة المسلمون على الفلبة الذين كانوا لا يزالون على وثنيتهم، مما حمل معظمهم على الدخول فى الإسلام. وقد أسلم وُلُف السنغال الأدنى شيئًا فشيئًا. وسرعان ما قام هداة بين تورد به فوتاتورو وفلبه ماسينا، أولهم عثمانو فوجو التكرورى الذى أعلن الجهاد بين النيجر وبحيرة تشاد، وأدخل فى الإسلام فريقا من الحوصة، وأنشأ إمبراطورية سوتوكو (1802 م) وجاء بعده سيكو حمدو بَرى الفلبى الذى مكن الإسلام فى ماسينا وشيد فى هذه البلاد حاضرة سماها حمد الله (1810 م)؛ ثم ظهر الحاج عمر التكرورى. وقد حج هذا الزعيم الدينى إلى مكة (1820) وخلع عليه فى أثناء حجه لقب خليفة التيجانية فى السودان، وبدأ سنة 1838 يشن سلسلة من الحملات الدينية والحربية حققت له السيادة على ماندنكك (1848)، وكآرته (1854 م)، وسيكو (1861)، ثم ماسينا (1862 م). وقد ترك الحاج عمر بعد وفاته سنة 1764 إمبراطورية واسعة الأرجاء كان الإسلام فيها أشبه بالدين الرسمى، ولكن هذه الإمبراطورية انهارت أمام الغزو

الفرنسى (1890 - 1893 م). وبعد ذلك بقليل، أى فى سنة 1898 بذلت محاولة لإقامة إمبراطورية إسلامية أخرى بين نهر السنغال وحوض نهر فولتا الأعلى بدأها الغازى ماندكو سمورى توره، إلا أن هذه المحاولة قضى عليها قضاء مبرما بهزيمة ماندنكو الذى أسرته الجنود الفرنسية. أما فى السودان الأوسط فقد ظهر الإسلام أول ما ظهر فى القرن الحادى عشر الميلادى، فقد أدخل فى كانم فى عهد أومه الذى أطيح بدولته التى ظلت متمسكة بوثنيتها على يد أسرة إسلامية من أهل البلاد سنة 1194 م، وهى أسرة ماى التى نقلت قصتها إلى برنو فى نهاية القرن الحادى عشر الميلادى. على أن أقدام الإسلام لم تتوطد فى هذه الأصقاع على ضفتى بحيرة تشاد إلا فى هذا القرن، كما أنه لم يبلغ بغرمى إلا فى نهاية القرن التالى على أيام مبنك عبد اللَّه (1561 - 1602 م)، وإنما حدث فى بداية القرن السابع عشر الميلادى أن استطاع الإمام الدينى صالح، ويقال إنه من أصل عربى، أن ينقل الإسلام إلى وادى، ولم تتوطد أقدامه فيها إلا سنة 1635 م وما بعدها. وانتشر الإسلام بعد ذلك بمدة طويلة صوب الجنوب بدافع من غيرة المقامر رباح (1878 - 1900 م). وأما فى السودان الشرقى، فقد ظل أهل النوبة دون سواهم هم السكان المسلمين حتى القرن السادس عشر الميلادى. وفى هذه الأيام أدخل رأس أسرة حاكمة جديدة يدعى سولن سليمان جزءا من دارفور فى الإسلام، وكانت دارفور قد ظلت مثل وادى وكردفان زمنا طويلا خاضعة لحكم أمراء تنجور الكفار الذى يقال بأنهم من أصل آسيوى. وقد غزا خليفة من خلفاء سولن، هو تهراب، كردفان وأدخل كرداجى هذه البلاد فى الإسلام فى القرن الثامن عشر الميلادى. وازداد انتشار الإسلام سرعة فى السودان الشرقى. حوالى نهاية القرن التاسع عشر الميلادى بفضل نفوذ المهدى محمد أحمد الذى ينتسب إلى أسرة نوبية من دنقلة، والذى غزا كردفان، ودارفور، وبحر الغزال وسنار، ثم فتح الخرطوم

(1881 - 1885 م) وبفضل خليفته عبد اللَّه الذى ينتسب إلى قبيلة من قبائل البقَّارة فى دارفور، وقد مد عبد اللَّه فتوجه إلى مديرية خط الاستواء (1892 م) ; ثم أجلاه كتشنر آخر الأمر عن الخرطوم سنة 1898 م، ثم لقى مصرعه فى كردفان سنة 1899 على يد جيش كان يقوده الكولونيل وينكيت. ويعيش فى السودان عامة فى الوقت الحاضر (1925) عدد من السكان يبلغون على وجه التقريب ما بين 25 و 30 مليونا من الأنفس، نصفهم تقريبا من المسلمين والنصف الآخر من القائلين بحيوية المادة. ويسود المسلمون فى المراكز الكبرى، ولكن عددهم يقل نسبيا فى خارج المدن. على أن ثمة قبائل كل أفرادها أو جلهم من المسلمين، وهم من الغرب إلى الشرق: الولف. والتكارنة، والسركله، والجولا، والسنغاى، والكنورى والكانمبو، والتيده أو التوبو، والمابه، والكنجاره، والكلداجى، والنوبة وقليل من قبائل أخرى صغيرة الشأن. وبعض القبائل فيها فريق من الوثنيين مثل الفلبة، والماندنكو أو المالنكه، والسركو أو البوسو، والحوصه، والبغرمى وغيرهم. ونذكر أخيرًا كثيرًا من هذه القبائل التى يدين كل أفرادها أو جلهم بمذهب حيوية المادة مثل: البرير، والجلاء أو الفلوب، والبسارى والكونيكى، والبمبارة، والبوبو، والدوكون أو التومبو، والسامو، والموسى، والكروسنى، واللوبى والدكارى، والسنونو، والبوسة، والكورمانتشه، والبربه، والكمبرى؛ والباوتشى، والمندره. والموسكو، والموندانك، والأقوام الكثيرة الأخرى فى السودان الأوسط والسودان الشرقى التى يدخلها المسلمون فى زمرة الكافرى والكردى، والفرتيت، والجنخيرة إلخ. ولم تحرز اللغة العربية من حيث هى لغة الكلام إلا تقدما قليلا فى السودان. وكل مالها من أثر هى أنها أغنت لهجات مسلمى السودان بالكلمات التى تمت للدين بسبب. وهذه اللهجات شأنها شأن لهجات السودانيين القائلين بحيوية المادة تنتمى جميعا إلى أرومة اللغات الافريقية

المصادر

الزنجية على أن اللغة العربية هى لغة الكتابة بالنسبة لمسلمى السودان الذين أصابوا قسطا من التعليم، وقد بقى منذ القرن الخامس عشر أدب سودانى له مقوماته، وكتب هذا الأدب باللغة العربية، وتستخدم بعض قبائل السودان، مثل الفلبة والحوصة على الأقل، حروف الأبجدية العربية فى كتابة لغاتها الوطنية. المصادر: (1) عبد الرحمن السعدى: تاريخ السودان، ترجمة هوداس Houdas، باريس 1900 م. (2) محمود كالى: تاريخ الفنّاح، ترجمة Houdas et Delafosse، باريس 1913. (3) تذكرة النسيان، ترجمة هوداس، باريس 1901 م. (4) Travels in the Interior of Africa: Mungo Park، لندن 1799 م. (5) Journal d'un voyage a Tomboctono et a Senne dans l'Afrque Centrale: R. Caille, باريس 1830، فى ثلاثة مجلدات. (6) Travels and Discoveries in Northern and Central Africa: H. Barth، (1849 - 1855) لندن 1858 م، فى خمسة مجلدات. (7) Voyage dans le Soudan occidental: E. Mage (1866 - 1863), باريس 1868. (8) Du Niger au Golfe de Guinee par le pays de Kong et le Tassi: Binger، باريس 1892 فى مجلدين. (9) Monographie de Toumbouctou: A. Hacquard، باريس 1900. (10) Monographie de Dienne: Ch. Monteil، توله 1903 م. (11) المؤلف نفسه: Les Khassouke، باريس 1925. (12) المؤلف نفسه: Les Bambara de Segou et du Kaarta، باريس 1924. (13) Haut-Senegal Niger: M. Delafoss، باريس 1913, فى ثلاثة مجلدات.

(14) Chroniques du Fouta Senegalais: M. Delafosse et. H. Gader، باريس 1913 م. (15) Voyage aux sources de Nile, en Nubie et en Abbyssinie pendant les annees 1768 a 1772: Bruce، ترجمة , Castera، باريس 1790 - 1792 م. (16) Voyages et decouvertes dans le Nord: ney et dans les parties centrales de l'Africque: Denham, Calpperton et Oud ترجمة Eyries et de Larmandiere, باريس 1826 م، فى ثلاث مجلدات. (17) ابن عمر التونسى: Voyage au Darfour، ترجمة , Perron باريس 1845. (18) المؤلف نفسه: Voyage au Oua day، ترجمة Perron، باريس 1845 م. (19) Memorie sur le Soudan: d'Escayrac de Lauture، باريس 1855 - 1856 م. (20) Sahara und Sudan: G. Nachtigal برلين 1879 - 1882 م، فى ثلاثة مجلدات. (21) Ethiopie Meridionale: J.Barelli، باريس 1890 م. (22) Tradizioni storiche raccolte in Abbia: Bricchetti. Robeche، روما 1891 م. (23) Hausaland: C.H.Robinson، لندن 1896 م. (24) Fire and Sword in the Sudan: R.C.Slatin Pacha، ترجمة F.R. Wingate، لندن 1897. (25) La chute de l'empire de Rabah: E.Gentil، باريس 1902 م. (26) La region du Tchad et du Ouadai: H.Carbou، باريس، فى 1912, فى مجلدين. (27) The sultanate of Rornu: A. Schultze, ترجمة Benton، لندن 1913. (28) L'Afrique Equatorial Etancaise: G. Bruel، باريس 1928. خورشيد [موريس دلافوس Maurice Delafosse]

السودان الشرقى: السودان فى قول كتاب العرب فى العصور الوسطى هو الصقع الذى يشمل غربى إفريقية ووسطها إلى الجنوب من الصحراء الكبرى، ولم يطلق هذا الاسم أيضا على البلاد التى فى حوض النيل إلا فى القرن التاسع عشر، وهى البلاد التى فتحتها جنود محمد على ما بين عامى 1820 - 1822 وعرفت فيما بعد باسم السودان المصرى (وهو السودان المصرى الإنجليزى) (¬1) وقد حدد الصقع الذى عهد بحكمه إلى محمد على بمقتضى الفرمان الذى منحه له الباب العالى سنة 1841 بأنه يشمل النوبة، ودارفور وكردفان، وسنار وتوابعها. وقد امتد الحكم المصرى بعد ذلك فشمل بلاد النيل الأعلى وبحر الغزال. والسودان المصرى الإنجليزى يضم أرضًا تبلغ مساحتها حوالى مليون ميل مربع بين خطى عرض 2 ْ 3 ْ شمالا. وتختلف الأحوال الطبيعية فيها ما بين صحراء رملية وغابات شبه استوائية كما تتنوع فيها الأجناس البشرية. والنيل هو العامل الذى يوحد هذه البلاد، وهو يجرى فيها مسافة تزيد على ألفى ميل. ويحدد سقوط الأمطار المناطق المناخية المختلفة، ذلك أنه يقسم البلاد إلى عدد من النطاقات الزراعية تمتد من غرب الجنوب الغربى إلى شرق الشمال الشرقى. والمنطقة التى فى أقصى الشمال صحراء بلقع لا تقوم بأود السكان اللهم إلا شريطا ضيقا على ضفاف النيل. وإلى الجنوب من هذه الصحراء سهوب تنمو فيها الشجيرات ويجودها قليل من المطر فى الصيف فتغدو مراعى للجمال والأغنام والماعز وتتيح العيش لسكان ستبدين متبدين تقوم حياتهم على رعى الماشية. ويتزايد سقوط الأمطار الموسمية إلى الجنوب من خط عرض 15 ْ، وتتخذ البلاد صفة مناطق السفانا فيجود فيها الرعى وتدر محصولات من الدخن والأذرة. وتنتج الغابات المترامية الأطراف الحافلة بالأشجار الشوكية ¬

_ (¬1) لقد قضى على هذا الاسم كما قضى على هذا العهد، فالسودان الآن دولة مستقلة [م. ع].

المحزوزة كميات كبيرة من الصمغ العربى. ويكثر سقوط الأمطار فى الأراضى التى إلى الجنوب من خط عرض 12 فيصبح بعضها سهولا فسيحة الأرجاء خالية من الشجر يغطيها العشب النامى، وبعضها غابات من قبيل غابات السفانا. وتقوم الغابات الاستوائية على طول ضفاف المجارى المائية فى أقصى الجنوب. وخط عرض 12 هو بصفة عامة الحد الفاصل بين السودان الإسلامى والجنوب الوثنى. وثمة فروق لغوية وثقافية بين قبائل الزنوج فى الجنوب تبعث على الدهشة وتقف عقبة كؤودًا فى سبيل تصنيف هذه القبائل تصنيفًا ترتاح له النفس، ذلك أننا نجد فى بعض الأحوال مجموعات لغوية واضحة المعالم، وفى أحوال أخرى يكون انتساب قوم إلى جماعة واحدة قائمًا على الإشتراك فى سمات طبيعية أو ثقافية أو على أساس المنطقة الجغرافية التى يسكنها هؤلاء القوم. وإذا أخذنا برأى إيفانز بريتشارد Evans-Pritchard أمكننا أن نقسم هذه الجماعات إلى الأقسام الآتية: (1) النيليون Nilotes وهم جماعة محددة تمام التحديد، تشمل الدنكة والشلوك والنوير الذين يتحدثون بلغات متصلة بعضها ببعض اتصالا وثيقا ويشتركون فى عناصر ثقافية واحدة. (2) النيليون الحاميون Nilo-Hamites ويشملون البارى Bari وغيرهم من القبائل الأخرى التى تتحدث بلغة البارى كما يشملون عددا من القبائل تتميز عن البارى لغويا كما تتميز بعضها عن بعض، وهم يقيمون إلى الشرق من النيل. (3) قبائل هضبة الحجر الحديدى Ironstone Plateau وهى جماعة غير متجانسة من القبائل الصغيرة فى منطقة بحر الغزال. (4) الأزندى The Azande (5) قبائل الجبال The Hill tribes جنوبى كردفان ويشار إليها فى كثير من الأحيان باسم قبائل النوبة وهى تنقسم إلى عدد كبير من الجماعات

الصغيرة تتحدث بلغات مختلفة تنتسب إلى عشر مجموعات لغوية متميزة. (6) قبائل دار فنج بين المجارى العليا للنيل الأزرق والنيل الأبيض، وتنقسم إلى خمس مجموعات لغوية أو ست. ويتصل الشمال بالجنوب اتصالا وثيقا بفعل الإدارة المشتركة والتجارة، ومع ذلك فإن الإسلام لم يتسم بأية سمة تجنح إلى الانتشار فى المناطق الوثنية. صحيح أن كثيرًا من أفراد القبائل المتفككة الذين من أصل زنجى قد أسلموا، إلا أن الوثنية لم تهاجم هجومًا خطيرًا فى عقر دارها حتى ولا على أطراف المنطقة حيث يقوم الإسلام والوثنية جنبًا إلى جنب، ولم يحدث أن أوغل أحدهما فى الآخر إلا قليلا. وتتألف الجماعات الإسلامية من موظفى الحكومة والتجار وقدامى المحاربين وغيرهم، وهم يقيمون فى المراكز الإدارية والتجارية بالجنوب، ولكنهم لم يقوموا فيما يظهر بأية دعوة قوية للتأثير فى هذه القبائل الوثنية. وفى الشمال قدر كبير من التجانس على خلاف ما نجده من اضطراب سلالى وثقافى فى الجنوب، والفضل فى هذا التجانس راجع إلى الإسلام وغلبة اللغة والثقافة العربية. ويتحدث جميع مسلمى السودان مع استثناء عدد قليل من الأقوام (النوبيون والبجة وبعض القبائل التى من أصل زنجى فى دارفور) اللغة العربية، كما يعتقدون أنهم من أصل عربى على تفاوت حجة كل منهم فى ذلك. وأدت هجرة العرب إلى السودان الشرقى إلى امتزاج المهاجرين بالسكان الأصليين امتزاجا نشأت منه القبائل السودانية الموجودة فى الوقت الحاضر. ويتفاوت نقاء الدم العربى الذى يجرى فى عروقها باختلاف الجماعات، ولا يمكن تقديره بمقياس اللغة وحدها، ومن ثم فإن المصطلح "عرب السودان" ليس له مدلول سلالى واضح، ولكنه يستخدم للدلالة على القبائل التى تتحدث باللغة العربية تمييزًا لها من النوبيين والبجة، ومع ذلك فلا ينبغى أن يغيب عن أذهاننا فى هذا الصدد أن

النوبيين والبجة لم يندمجوا فى القبائل العربية فحسب بل لقد حدث عكس ذلك أيضًا فى بعض الحالات. وقد قسم ماك مايكل Mac Micheal عرب السودان إلى قسمين رئيسيين هما: جماعة الجَعْلييين الدناقلة التى تضم معظم القبائل النهرية كما تضم كثيرًا من أهل كردفان المقيمين. وجماعة الجهنييين الذين يرجعون نسبهم إلى شخص يدعى عبد اللَّه الجهنى، وهم يضمون البقارة وكثيرًا من رعاة الجمال الرحل. وكما أنه يصعب علينا أن نفرق بين العناصر العربية والعناصر الوطنية الإفريقية الأصل من حيث السلالة والنسب كذلك يصعب علينا هذا التفريق من حيث الثقافة والعادات، ذلك أن بعض العادات الواسعة الانتشار الخاصة بالمرأة، وتجنب الاتصال على أية صورة بقريبات الزوجة، واستخدام المقطع (الحامى؟ ) (¬1) الأخير "أب" لتكوين اسم للأسر والقبائل ينسب إلى الجد الأعلى (رباطاب، علياب. . إلخ) يمكن أن يقال فيها إنها ليست من أصل عربى. على أن البقارة الذين لا يستخدمون المقطع الأخير "أب" قد اكتسبوا بعض السمات الزنجية سواء فى المظهر أو فى المزاج بالنظر إلى صلتهم الوثيقة بقبائل الجنوب السوداء البشرة. ونحن إذا تسامحنا وأدخلنا فى اعتبارنا كل عامل من هذه العوامل فإننا لا نزال نجد ما يبرر القول بأن أهل هذه القبائل عرب لا من الناحية اللغوية فحسب بل لأن المظاهر البارزة لثقافتهم ووعيهم السلالى وتقاليدهم التاريخية، ترجع كلها إلى أصل عربى. وفى نطاق هذه الوحدة اللغوية والدينية تفاوت واسع فى البيئة وأسلوب الحياة. وقد أمكننا أن نميز بينهم الأقسام التالية: (أ) رعاة الإبل الرحل (الأبَّالة) وهم يقطنون السهوب الجافة بين خطى عرض 13 ْ 18 ْ وتشبه ظروف الحياة فيها الظروف السائدة فى شمالى بلاد العرب تمام الشبه، ومن ثم فإن أسلوب ¬

_ (¬1) استعمال لفظ "الأب" بمعنى الحامى أو الراعى استعمال عربى مفهوم [م. ع]

حياة هؤلاء الناس وعاداتهم تنبئ عن صلة وثيقة بما جاء وصفه فى الشعر العربى القديم وفى كتب الرحلات الخاصة ببلاد العرب. أما أوجه الخلاف التى لا يمكن مع ذلك إغفالها فيرجع بعضها إلى اختلاط هؤلاء العناصر النوبية والبجَويّة بهؤلاء الأقوام، كما يرجع بعضها الآخر إلى تكيفهم بالبيئة الجديدة. وأبرز هذه القبائل هى قبائل شمالى كردفان (الكبابيش، ودار حامد، وحَمَر)، وقبائل اللحويين وهى ممثلة فى كردفان وكسلا، وقبائل بُطانَة (شُكْريَّة، وبَطاحين) وقبائل مديرية كسلا التى تتحدث بلغة السبجَة، وقبائل بنى عامر على حدود إريترَية، وتتحدث بالتكرى. (ب) رعاة الماشية الرحل (البقّارة). وهم وإن كانوا يردون نسبهم إلى الأصول نفسها التى انحدر منها رعاة الإبل، فإنهم يختلفون عنهم لا فى طريقة الحياة فحسب بل فى مظهرهم الطبيعى ولهجتهم. وهم موزعون فى منطقة واسعة إلى الجنوب من خط عرض 13، إذ ينتشرون من النيل الأبيض عبر جنوبى كردفان ودارفور ويتجاوزون حدود السودان المصرى الإنجليزى (¬1) حتى واداى وبُرنو. وهم يتصلون اتصالا وثيقًا فى مناطق رعيهم الجنوبية بالقبائل الزنجية فى النيل الأعلى وبحر الغزال ويظهر أن دماءهم قد اختلطت بدماء السود اختلاطًا أكثر من غيرهم من عرب السودان. "ورجالهم فى العادة غلاظ الشفاه، فطس الأنوف. . . أما لون البشرة السائد فى كل مكان فهو إلى الدكنة أكثر منه إلى الخفة" (G.D.Lampen) على أنهم قد أفلحوا، على ما يذكر هذا الكاتب نفسه، فى الاحتفاظ باعتزازهم بنسبهم، "والفرد منهم على الرغم من وجود بعض السمات والخصائص الملحوظة يدرك دائمًا ذلك الشبه القوى بين فروع الجنس العربى الكبير إدراكًا يصح معه أن نعد كتاب دوتى (Arabia Deserta: Dought) بمثابة مقدمة عظيمة القيمة تصلح لتناول حالة البقارة". واهتمامهم الرئيسى موجه إلى ¬

_ (¬1) هذه التسمية أصبحت الآن مجرد تعبير تاريخى بعد استقلال السودان. [م. ع]

تربية الماشية، وهى تحتل بينهم المكانة البارزة التى للجمل فى حياة عرب الشمال. وهم يربون أيضًا الخيول, كما اشتهروا بأنهم صيادو زراف وفيلة لا يهابون، وقد وجدت نزعتهم الحربية فى الأيام الغابرة متنفسًا لها فى الحملات التى كانوا يشنونها لاقتناص العبيد كما أنهم زودوا الحركة المهدية بكثير من أمراء الجيوش الدراويش. وأهم قبائل البقارة فى السودان المصرى الإنجليزى (من الغرب إلى الشرق) هى أولاد حُمَيْد، والحوازمة، والمسيرية، والحَمَر، والرِزَيْقات والتعايشة. (جـ) سكان القرى المقيمون: لا يمكن التفرقة فى حالات كثيرة بين الرحل وسكان القرى إلا من أسلوبهما فى الحياة، ذلك أن الأصول السلالية والقبلية متماثلة فى كلتا الحالتين، والقبائل التى تعيش بالقرب من النهر شمالى الخرطوم هى الدناقلة الذين يتحدثون بالنوبية، ثم تليها الشائقية والرباطاب والجعليين الذين يتفرع منهم عدد من العشائر. وتقتصر الزراعة على ضفاف النهر، وتتم بوساطة الساقية والشادوف، أو على الشاطئ الأوسط بعد أن ينحسر فيضان النيل، وتزرع المحصولات أيضًا فى السهوب البعيدة عن النهر فى السنوات التى يكثر فيها سقوط المطر، وهو يزود سكان القرى بمناطق رعى موسمية. وتتألف القرى من مساكن قائمة الزوايا مشيدة بالطوب اللبن وليس فيها أية حلية. وقد بعث الدناقلة والجعليين بمستوطنين من الزراع إلى كردفان والنيل الأبيض، وهم بوصفهم من التجار يوجدون فى كل مكان بالسودان. والشائقية لهم ميل للخدمة العسكرية، ومنهم أفراد كثيرون فى فرقة الدفاع السودانية وفى الشرطة. وأهل وسط السودان المقيمون أقل من أهل الشمال تجانسًا. ولا يختلف سكان قرى الجزيرة من الناحية المادية عن أبناء جنسهم الذين يعيشون على ضفاف النهر. ولعل أهل كردفان قد نشأوا من اختلاط مهاجرى الدناقلة بالسكان الوطنيين. والأرومة العربية أقوى فى الشمال، ثم تضعف بالتدريج

فى الجنوب. على أن سكان هذه القرى وإن كانوا قد تأثروا من حيث نقاء سلالتهم بالعناصر غير العربية أكثر من تأثر السكان الرحل فإن التقاليد العربية والإسلامية قد فرضت نفسها عليهم فرضًا قويًا لا سبيل إلى إنكاره. وتعتمد الزراعة فى هذه المناطق على الأمطار الصيفية، وأهم المحصولات هى الدخن والأذرة. أما المحصولات الثانوية فهى السمسم والفول السودانى، كما أن جمع الصمغ العربى يزود الأهالى بمصدر من مصادر الدخل الإضافية. وزراعة القطن القائمة على نطاق ضيق منذ الأزمنة الغابرة قد تقدمت فى السنوات الأخيرة وخاصة فى المنطقة التى تروى عن طريق خزان سنار، وهى من أهم الموارد الإقتصادية للبلاد. والصورة المأثورة للبناء فى القرى هى الكوخ المستدير المشيد بالطمى يعلوه سقف مخروطى من الغاب وأعواد نبات الدخن، وكثيرًا ما يشيد الكوخ كله بالغاب أو الأعشاب. (د) سكان المدن: فقدت المدن القديمة -دنقلة وبربر وسنار- كثيرًا من أهميتها السابقة. وقد أنشئت الخرطوم وهى المركز الإدارى، بعد الفتح التركى المصرى، ولم يبرز شأن أم درمان القصبة الوطنية إلا إبان الحركة المهدية. وأصبحت الأبَيّض بكردفان, وواد مدنى بالجزيرة فى السنوات الأخيرة، مركزين تجاريين هامين. ويتكون السكان المختلطو الدماء فى المدن من جميع القبائل المقيمة، كما أن الجعليين والدناقلة ممثلون تمثيلا قويًا فى كل مكان. وهناك أيضًا عنصر مصرى وشرقى هام يشتغل بصفة خاصة فى الصناعات اليدوية والتجارة. اللغة: تسود اللغة العربية بين أهل الشمال المسلمين بل فى الجهات التى بقيت فيها اللغات الوطنية الأخرى، وهى دون سواها لغة الأدب والإدارة. واللغات الوطنية غير العربية هى: النوبية ويتحدثون بها على طول نهر النيل من أسوان حتى دنقلة؛ والتوربدوى، وهى اللغة الحامية القديمة التى تتحدث بها قبائل البجة؛ والتكرى ويتحدث بها بنو عامر بالقرب من الحدود الإريترية. ويتكلم كثير من أفراد

هذه الجماعات بلغتين. وتتحدث القبائل المسلمة فى دارفور بكثير من اللغات الوطنية مثل الفور، والواجو، والمساليت (مابه) والمدوب (وهى لهجة نوبية). ولغة الكلام العربية فى السودان لها مكانة خاصة بها بين اللغات الوطنية الحديثة. وتكثر الخلافات بين اللهجات باختلاف المكان والقبيلة والظروف الاجتماعية. وتتميز اللهجات البدوية تميزًا واضحًا عن لغة أهل القرى، كما أن للهجة البقارة مكانة خاصة بها. على أنه من الممكن تكوين لهجة جماعية متميزة بالرغم من هذه الخلافات، لأن هناك وجوهًا للشبه بين هذه اللهجات. وقد احتفظت اللغة فى السودان بكثير من سماتها القديمة بالنظر إلى عزلة البلاد عن غيرها، ولم يكن لقواعد اللهجات الإفريقية المجاورة إلا أثر قليل فيها إذا استثنينا أثرها فى مفردات بعض الجماعات. والسمات الصوتية التى تستأهل الذكر هى: النطق بالجيم كما ينطق بالصوت الانفجارى "دى" من مقدم الحلق، وإبدال الذال الأصلية ضادًا (كضب بدلا من كذب، وضُبَّان بدلا من دبان) والنطق بالجيم كالدال بتأثير حرف من حروف الصفير (ديش، شَدَر، دحش بدلا من جيش، وشجر، وجحش) والنطق بالقاف الأصلية جيمًا غير معطشة وكثيرًا تحل محلها الغين. وفقدت القبائل المقيمة فى كردفان الصوتين حا وعين وحل محلهما ها وهمزة، ويحتمل أن يكون الصوتان نى وج (= تى، ولم يشتق من الكاف الأصلية) اللذان يردان فى عدد من الكلمات (ربما كانت من الكلمات المستعارة) وخاصة فى لهجة البقارة قد ظهرا بتأثير مؤثر إفريقى. واللغة العربية فى السودان غنية بحروف الحركة إذا قورنت بغيرها من اللغات. فالأسماء التى على صيغ فَعْل وفِعْل وفُعْل تتخذ صيغ كَلِب وكِضِب، وضُهُر. وهناك ميل إلى فك الحروف الساكنة بإضافة الحروف المتحركة كما هى الحال فى صيغ مثل ركِبْتَ، ومَرَقْت. ومن الشائع أيضًا إضَمار الحرف الساكن الأخير (نِدِم أى نَدِمْت؛

وقَسَم بربى أى قسمًا بربى). وقد نشأ عن هذا الميل نفسه فى الغرب صيغ مثل تَركِتْ وشُفِتْ بدلا من تَرَكت وشُفْت. وثمة تطور هام فى النحو وهو تكوين صيغة الأمر بضمائر تلحق بآخر الكلمات للدلالة على الأمر أو الدعوة بحيث تشمل المتكلم، مثال ذلك أقْعُداك أى إجلس معى، وقوماك أى لنقم نحن الإثنين، وألعباكن أى فلنلعب معًا. وفى السودان الشمالى والأوسط تتخذ الضمائر التى تلحق بآخر الكلمات فى حالة الجمع صيغ هُن وكُن للمذكر وهِن وكَن للمؤنث. والاسم الموصول هو أَل (إل). وهذه اللهجة وإن كانت بصفة عامة ظاهرة الأرومة الشرقية (يلاحظ أنها تنطبق بعض الانطباق على النحو اليمنى) فإن الخاصية المغربية -المفرد نفعلُ والجمع نفعلو- موجودة فى النيل الأبيض وفى كردفان. ومن الملاحظ أيضًا. كثرة تنوين الاسم ("أن" دون تمييز بين الحالات): جنايًا شكرى أى ولد من الشكرية، بعيرًا حورى أى جمل أصغر، أب راسًا قوى أى رجل صلب الرأى. وقد دخل فى مفردات الجماعات النهرية عدد من الكلمات النوبية، وهى بخاصة طائفة من المصطلحات المتصلة بالساقية وزراعة الأرض، كما كان للبجة فى الشرق بعض التأثير. وتفصح مفردات البقّارة عن خلاف شديد بينها وبين اللهجة الشائعة، كما تحوى عددًا كبيرًا من الكلمات المأخوذة من اللغات الزنجية، غير أن دراسة هذا الموضوع دراسة مستفيضة لم تتم بعد. وتستخدم فى السودان الجنوبى رطانة عربية أدخلها النخاسون وتعرف فى أوغنده باسم "النوبى"، وتصطنع هذه الرطانة كثيرًا بوصفها لغة مشتركة يتفاهم بها أهل هذه النواحى. وقد فقدت هذه اللغة جميع الخصائص الصوتية والنحوية التى عرفت بها اللغة العربية وطرأ عليها تطور شبيه بالتطور الذى طرأ على اللهجة الإنجليزية المعروفة باسم بدجن Pidgin (¬1) . الدين: كانت النوبة فى العصور الوسطى بلادًا مسيحية، ولو أن ¬

_ (¬1) هى رطانة إنجليزية مستعملة فى التجارة بالموانى الصينية - المترجم

الإسلام كان قد أحرز منذ القرن الرابع الهجرى (العاشر الميلادى) بعض التقدم بين النوبيين فيما بين الشلال الأول والثانى وفى بلاد البجة، على أن معظم البجة كانوا على الوثنية. وكان فى سوبة من أعمال جنوبى بلاد النوبة سكان مسلمون احتلوا حيًا خاصًا بهم. وقد عثر على شواهد من قبور إسلامية ترجع إلى القرنين العاشر والحادى عشر الميلاديين عند العقيق على شاطئ البحر الأحمر. ومع ذلك فإن الدين الإسلامى لم يسد فى الشمال إلا فى القرن الثامن الهجرى (الرابع عشر الميلادى) نتيجة للهجرات العربية وقيام الحماية المصرية أما فى الجنوب فقد لبثت المسيحية قرنًا ونصف قرن. وقد سمعنا أول ما سمعنا عن وجود ملك مسلم فى دنقلة سنة 716 هـ (1316 م) ولكن ابن بطوطة كان لا يزال فى عام 756 هـ (1355 م) يتحدث عن النوبيين بوصفهم من المسيحيين وإن كان قد ذكر ملكا يحمل اسمًا إسلاميًا (ابن كنز الدين). وقد أسس الفنج أول أسرة حاكمة مسلمة فى النوبة الجنوبية حوالى عام 905 هـ (1500 م). وتربط الرواية المحلية ظهور الأنظمة الإسلامية وانتشار المعارف الإسلامية بوفود فقهاء ومشايخ دين فى القرن العاشر الهجرى (السادس عشر الميلادى) أظلهم ملوك الفنج وأقيالهم العرب بحمايتهم. ولدينا عن الحياة الدينية فى عهد الفنج أخبار قيمة وردت فى كتاب الطبقات لمؤلفه محمد ود (ولد) ضيف اللَّه (المتوفى عام 1224 هـ = 1809 م) وهو معجم بتراجم الفقهاء والأولياء السودانيين. . وقد كان الإسلام فى السودان مفتقرًا كل الافتقار إلى تلك الأصول الثقافية التى نجدها فى البلاد الأخرى ممثلة فى سنن الحضارات الأقدم عهدًا، ذلك أن السمات التى غلبت عليه هى تبجيل الأولياء والنفوذ العظيم الذى للفقهاء (والمفرد المستعمل هو فقى وهو مصطلح يدل على دارسى العلوم الدينية ومدعى الولاية والمعرفة الصوفية. وكان التعليم، وخاصة الفقه المالكى، يتم فى مدارس كثيرة (خلوه) كما كان هناك بعض الاتصال بمدارس

مكة (نتيجة للحج) وبالأزهر بالقاهرة، غير أن نطاق هذه الدراسات كان محدودًا. وفتح الغزو المصرى الطريق أمام بعض المؤثرات التى لم يكن لها مع ذلك إلا أثر قليل فى عامة الشعب. وكان أبرز نتائج هذا الأمر انتشار بعض الطرق، وخاصة الميرغنية أو الختمية التى أدخلها فى البلاد فى مستهل القرن التاسع عشر محمد عثمان الميرغنى من أهل الطائف. ومن الطرق الأخرى التى لا تزال تحتفظ بأهميتها الطريقة السمَّانية والطريقة الأحمدية الإدريسية. وللطريقة التيجانية عدد من المريدين فى الغرب. وترجع أصول الحركة المهدية التى قام بها محمد أحمد سنة 1881 إلى تلك البيئة المؤمنة بالأساطير التى أحاطت بالإسلام فى السودان، فقد كان صاحب هذه الحركة مثالا لطائفة الفقهاء (المفردفقى) من جميع النواحى. وقد انتشرت المهدية انتشارًا خطيرًا بسبب السخط الذى تولد عن سوء الحكم بصفة خاصة، ونالت انتصارات موقوتة نتيجة للتدابير الضعيفة التى اتخذتها السلطات لمواجهة هذه الحركة. وقد مزج المهدى فى تعاليمه بين معتقدات مستقاة من الوهابية والسنوسية (العودة إلى الإسلام فى فطرته الأولى، ومحاربة البدع والمؤثرات الأجنبية، وتحريم الحج إلى القبور، وتحريم الموسيقى والتبغ) والأقوال المهدية المأثورة عن أمور الآخرة والسمات الخرافية المحيطة بالإسلام فى السودان، وكان القوم يجلُّون الفتاوى المهدية وأن دراسة الكتب الدينية غير المهدية كانت من الأمور المحرمة. وتحولت هذه الحكومة الدينية فى عهد الخليفة عبد اللَّه خليفة المهدى إلى حكومة عسكرية مستبدة. ومنذ أن توطدت أقدام الحكم المصرى الإنجليزى أخذت العناصر المتعلمة بين مسلمى السودان تضطلع بنصيب متزايد فى الحياة العقلية للبلاد الإسلامية الأخرى. وفقدت الخلوات القديمة كثيرًا من أهميتها، وقامت الدراسات الإسلامية فى المعهد العلمى

بأم درمان، وهو معهد تشرف عليه هيئة رسمية من العلماء، أما دراسة القضاء لتخريج قضاة للمحاكم الشرعية فتتم فى كلية حكومية. ولا تزال الخرافات عظيمة الشيوع بين سواد الشعب، كما أن تمسك الناس بالطرائق الدينية له شأن هام فى الحياة الدينية. ونظم أتباع المهدى أنفسهم فى جماعة واحدة تشبه الطريقة على رأسها الابن الباقى على قيد الحياة من أبناء المهدى. التاريخ: كوَّن السودان الشرقى وحدة سياسية منذ الاحتلال المصرى. ونحيل القارئ الذى يريد أن يدرس التاريخ المتقدم للأقاليم القائمة يرأسها إلى المواد: بجة، ودارفور، وفنج، وكسلا، وكردفان، والنوبة، وسنار. وقد أدت سياسة التوسع التى انتهجها محمد على وأمله فى الوصول إلى مصادر الثروة، إلى ضم هذه الأقاليم التى كانت من قبل تحت سيادة سنَّار. ولم تستطع مملكة الفنج المفككة التى مزقتها الفتن ان تقاوم مقاومة منظمة، فتم احتلالها من غير مشقة كبيرة (1820 - 1822) بعد الانتصار على عرب الشائقية فى دنقلة وجنود دارفور فى كردفان. وقضى القضاء المبرم على مقاومة قبائل البجة فى كسلا عام 1840. واحتفظت دارفور والمناطق الجنوبية فى ذلك الحين باستقلالها. وأقيم نظام إدارى قوامه الترك والألبان تدعمه جنود من كلا الجنسين. وقد جندت الفصائل غير النظامية (الباش بوزوق أو الدلتية) من الشائقية. وكان معظم الجيش النظامى فيما بعد مكونًا من الجنود السود المسترقين. وقد ضمت فى عهود خلفاء محمد على مناطق جديدة مترامية الأطراف إلى منطقة الفتح الأصلية، وتمكن العرب بفضل تفوقهم الناجم من تزودهم بالأسلحة النارية من التوغل فى بلاد السود على النيل الأعلى وبحر الغزال، وكان غرضهم الظاهر من ذلك هو الاتجار فى العبيد والعاج، أما غرضهم الحقيقى فكان هو بسط نفوذهم؛ وقام بهذه الحملات فى بادئ الأمر تجار مغامرون، ولم تشترك فيها الجهات الرسمية.

وقد جهز التجار، الجعليون والدناقلة والترك بل الأوربيون، سفنا يسيرها جنود مرتزقة وتحصنوا فى مراكز تجارية (دِيم أو زَريبَة) ومنها أخذوا يحكمون بالفعل البلاد المجاورة. وكان من أعلام هؤلاء المغامرين زبير رحمه، وهو جَعْلى فرض سيادته على منطقة بحر الغزال وانتهى به الأمر إلى غزو مملكة دارفور القديمة سنة 1874. وما إن حل هذا الوقت حتى وجدت الحكومة ألا مناص لها من فرض سلطانها على تلك الأصقاع التى تركت إلى ذلك الحين مرتعًا لنشاط هؤلاء التجار المتمردين. وأصبح الخراب الذى حل بالبلاد والعسف الذى نزل بالأهالى فى غير ما شفقة أو رحمة واسترقاق العدد الكبير منهم، فضيحة عامة لم تستطع السلطات المصرية حيالها أن تظل مكتوفة الأيدى. لذلك عهد الخديو إسماعيل باشا سنة 1869 إلى السير صمويل بيكر Samuel Baker بإنشاء مراكز إدارية فى إقليم خط الاستواء وقمع نشاط تجار الرقيق. وامتد سلطان المصريين فى مدة خدمته إلى أونيورو Unyoro وأوغندة؛ على أنه لم يفعل إلا القليل لمواجهة تجارة الرقيق بسبب العراقيل التى كانت تضعها السلطات فى الخرطوم. وقد خلفه سنة 1870 الكولونيل (الجنرال فيما بعد) غوردون G.G.Gordon الذى عين حاكما عامًا على إقليم خط الاستواء مع تخويله السلطة العليا من فاشودة إلى البحيرات الكبرى. وقد أعلن فى ذلك الوقت أن الاحتفاظ بالقوات العسكرية الخاصة أمر مخالف للقانون، وأغلقت مراكز تجارة الرقيق. ووضع غوردون بمعاونة مساعدين أوربيين وأمريكيين أسس الإدارة المنظمة، ثم عُين سنة 1877 حاكمًا عامًا على السودان كله، وظل فى هذا المنصب حتى عام 1879 على أن جهوده التى لم تعرف الكلل فى سبيل إصلاح الإدارة قد عرقلها ما قام من فتن فى دارفور وما وقع من اشتباكات حربية مع الحبشة. ونشأ عن إدارة شمالى السودان على يد حكامه من الترك والمصريين

عدة مساوئ، فقد كان النظام المالى فاسدًا جائرًا. وأشرف السكان على الخراب. وكان الإشراف على الإدارة من القاهرة غير فعال، وظل مشروع الإصلاح الإدارى والمالى الذى وضعه الخديو سعيد باشا سنة 1857 مهملا لا يرجى له تنفيذ. وقد أوقفت أشد هذه المساوئ وبالا فى عهد ولاية غوردون، غير أن مسلكه الصلب فى موضوع الرق أثار العداوة. فلما استقال غوردون من منصبه عام 1880 كان السودان قد نضج كل النضوج للثورة، واشتعل السخط العام عندما ظهر زعيم جمع طوائف الساخطين على اختلافهم تحت راية الدين، وقد برهن هذا الزعيم على قداسة رسالته بتلك الانتصارات التى أحرزها أتباعه القليلو العدة على قوات الحكومة. وبدأت قوات بريطانيا العظمى ومصر تعيد سنة 1896 فتح الأقاليم التى فقدتها. وقد تحقق هذا الهدف العسكرى بهزيمة جيش الدراويش عند أم درمان (وقعة كررى kerreri فى 2 سبتمبر عام 1898). وأصبح السودان المصرى الإنجليزى بمقتضى الاتفاق المؤرخ فى 19 يناير سنة 1899 يحكم حكما ثنائيا تشترك فيه بريطانيا العظمى ومصر، وتأكد هذا الوضع بمقتضى المعاهدة المصرية الإنجليزية التى أبرمت سنة 1936. وقد اضطلعت الإدارة الجديدة بالإشراف على بلاد أصابها الدمار والخراب فقد كان عدد السكان قبل الثورة المهدية حوالى 8.500.000 نسمة، ويقدر عدد من هلك منهم بفعل الجوع والمرض بحوالى 3.500.000، ومن قتل فى معارك هذه الحرب الضروس بقرابة 3.250.000 نفس، وأعقب ذلك عهد انقضى فى التعمير والإنشاء البطئ المتمهل بتوجيه السير ريجنالد وينجيت Reginald Wingate الذى خلف اللورد كتشنر Lord Kitchener فاصبح قائدًا عامًا سنة 1899. وقد أثار الأمن الداخلى كثيرًا من المشاكل بفعل القبائل الثائرة التى لم يكن لها من قبل قط عهد بالإدارة المتحضرة وبفعل ما اكتنف الأحوال من خطر قيام الفتن يشعلها المتعصبون بوحى من السنن المهدية. على أن البلاد سارت فى طريق

المصادر: العامة

التقدم السلمى بخطى وئيدة بفضل انتعاش الحياة الاقتصادية وحلول الرخاء بوجه عام. وانصاعت سلطنة دارفور التابعة التى كانت تحكم منذ سقوط الخليفة حكما استبداديًا على يد واحد من سلالة بيتها المالك القديم، للإدارة السودانية سنة 1916 نتيجة لمسلك العداء الذى اتخذه السلطان إبان الحرب الأوربية. وأهم أحداث فترة ما بعد الحرب تدخل فى نطاق التقدم الإدارى والاقتصادى، إذ نمت ثروة البلاد نتيجة للرى (تم إنشاء خزان سنار عام 1926) وتيسير سبل التجارة بفضل وسائل المواصلات الحديثة. وقد كان لسياسة "الإدارة الوطنية" التى بدئ فيها سنة 1927 نصيب كبير فى إعادة بناء الكيان الاجتماعى للشعب والاحتفاظ به وتسديد خطواته فى نهوضه على أسس تقدمية تتفق مع تقاليده وثقافته. كما حدث أيضا تقدم مطرد فى التربية والتعليم أدى إلى قيام حركة ثقافية ناشطة كان من نتيجتها أن بدأ أهل السودان الشمالى يتبوأون مكانهم الحق بين الدول العربية. المصادر: العامة: (1) الأمير إبراهيم حلمى: The Literature of Egypt and the Sudan لندن سنة 1886. (2) نعوم شقير: تأريخ السودان، القاهرة سنة 1903 (وهو مجموعة قيمة من الموضوعات). (3) The AngloEgyptian Sudan: H.A.MacMichael لندن سنة 1934. (4) The Anglo-Egyptian Sudan from within: J.A.de G.Hamilton لندن سنة 1936 (ويحوى بحوثًا لمؤلفين مختلفين). (5) Sudan Notes and Records, الخرطوم - لندن سنة 1918 وما بعدها ويحوى كثيرًا من البحوث فى التاريخ والآثار وعلم الأجناس وعلم اللغات وغير ذلك. وانظر عن الشئون الإدارية والبيانات الإحصائية المنشورات

كتب الرحلات والاستكشاف

الرسمية التالية: a Sudan Almanac و Report on the Finance Administration and Condition of the Sudan (وكلاهما يصدره سنويا H. M. Stationery Office) . كتب الرحلات والاستكشاف: (1) Vayage a Meroe etc: F.Cailliaud، باريس 1826 - 1827. (2) Reisen in Europa, Asien und Afrika: Russagger سنة 1838 وهناك مؤلفات أخرى هامة تبحث فى العهد المصرى فى السودان وهى مؤلفات M. th. v. Heuglin;G.Schweinfurth; W. Junkerp;E. Marno. السلالات البشرية: (1) Ragan Tribes of the Nilotic Sudan: C.G. and B. Seligman لندن سنة 1932. (2) المؤلف نفسه: The Kabaish, a Sudan-Arab tribe Harvard African Studties)) جـ 2، كمبردج سنة 1918. (3) The Tribes of Northern and Central Kordofan: H. A. Mac Michael كمبردج سنة 1912. (4) المؤلف نفسه: History of the Arabs in the Sudan كمبردج سنة 1922. وهناك عدة بحوث فى Sudan Notes and Records نذكر منها ما ياتى لأهميته الخاصة. (5) Customs of the Rubatab: J.W.Crowfoot، جـ 1، سنة 1918. (6) المؤلف نفسه: Wedding Customs in the Northern Sudan، جـ 5، سنة 1922. (7) Note on the history and present condition of the Beni Amer: C.G.and Z.Saligman، جـ 13، سنة 1930. (8) Some notes on the tribes of the White Nile Province: J.A.Reid، جـ 13، سنة 1930. (9) The Baggara tribes of Darfur: G. D. Lsmpen، جـ 16، سنة 1933. (10) The Bish arin: G.E.R. Sanders، جـ 16, سنة 1933. (11) المؤلف نفسه: The Amarar جـ 18 سنة 1935.

اللغة

اللغة: (1) English Arabic vocabulary etc: H.F.S.Amery سنة 1905. (2) Sudan Arabic, English Arabic vocabulary Suddan-Arabic: S. Hillelson لندن سنة 1930. (3) المؤلف نفسه: Sudan-Arabic texts with translation and glossary كمبردج سنة 1935. (4) Sudanese grammar: A. Worsely لندن 1925. الدين: (1) هناك طبعتان من كتاب الطبقات لمؤلفه ضيف اللَّه وكلتاهما طبعت بالقاهرة سنة 1930. وقد حللت محتوياته فى المجلد الثانى من كتاب H.History: A. M. MacMichael وفى S. Hillelson فى Sudan Notes and Records جـ 6, سنة 1923. وتوجد مقتطفات منه فى كتاب Sudan-Arabictexts للمؤلف نفسه. (2) Some Aspects of Muhammadanism in the Sudan: S. Hillelson (نشر بالمجلة الأسيوية الملكية سنة 1937). التاريخ: العهد المصرى والعهد الحديث. (1) Le Soudan Egyptien sous Mehemet Ali: H. Deherain، باريس سنة 1898. (2) L'empire egypien Mohamed Ali: M. Sabry، باريس سنة 1930. (3) المؤلف نفسه: L'emppire Egyptien sous Ismail، باريس سنة 1933. (4) Modern Egypt: Earl of Cromer لندن سنة 1908. (5) Since Cormer: Lord Lloyd الشنتناوى [هللسن S. Hillelson] تعليق السودان المعاصر السودان فى مطلق مدلوله يشمل رقعة مترامية الأطراف من قلب القارة الإفريقية، يخترقها من الشرق (البحر الأحمر) إلى الغرب (المحيط الأطلسى) وتحتضن جزءًا من مشارف الصحراء الكبرى الجنوبية ومنطقة من أرض

السفانا، مما جعلها رقعة ميسرة لهجرات القبائل والمجموعات البشرية، وقد أطلق هذا التعريف جغرافيو العرب، وبقى سائدًا حتى أوائل القرن الماضى على وجه التقريب، أما السودان فى مدلوله السياسى فهو يشمل شطرى وادى النيل -الأوسط والأعلى- وهو الإقليم المعروف اليوم بجمهورية السودان وقد قامت فيما وراء حدود جمهورية السودان الغربية مجموعة من الوحدات السياسية تقاسمت السيطرة عليها دول أوربية، وكان النصيب الأكبر لإنجلترا وفرنسا. وقد بدأ السودان يسير فى طريقه الذى انتهى إلى وضعه السياسى الحالى على عدة مراحل بدأت بامتداد الإدارة المصرية فى عام 1820 م حيث كانت تعرف البلاد باسم النوبة ودارفور وكردفان وسنار وتوابعها وملحقاتها، واستطاعت الإدارة الجديدة التى جاءت استجابة لرغبات الزعماء المحليين لإنهاء حالة القلق بسبب الحروب القبلية ولوضع الأمن والاستقرار فى نصابه -استطاعت أن تجمع بين الأشتات القبلية المتنافرة وأن توحد بين أقاليمه وسكانه فى ظل إدارة منظمة أخذت فى السير قدمًا لبناء مجتمع أكثر تقاربًا، وذلك بإدخال الإصلاحات التى شملت مختلف مرافق الحياة اليومية، وما كان لتلك الإدارة أن تتنزه عن الأخطاء فى أول تجربة لها فى ذلك الحين، فالتنظيمات التى أوجدتها قد جمعت بين التنظيم القبلى الموروث وبين أجهزة الإدارة الحديثة، وهذا الازدواج فى جهاز الحكم ومحاولة حل مشكلة اليد العاملة التى كان قوامها الرقيق، دون إعطاء الفرص للتدرج الطبيعى، قد أثار الحفائظ. وجاء التغلغل الأوربى بصفة عامة والنفوذ القنصلى ودخول الأوربيين فى خدمة الإدارة مما مهد الطريق لقيام الحركة المهدية وتطورها. وقد استغل الأوربى هذه الفرصة وسلطانه جاثم على الشطر الأدنى لوادى النيل، لتصريف الأمور لمصلحته، فالمهدية قد فرضت نظامًا خاصًا قضى على سلطات الزعماء القبليين والدينيين، فاختلط الأمر واختل الاقتصاد وخرج البلد فى

نهاية عهده وقد تفكك المجتمع وتدهورت أحواله، وهذا التفكك فى المجتمع نقطة هامة جديرة بالاعتبار أفاد منها البريطانى وهو صاحب الكلمة العليا فى الحكم الثنائى، الذى قام فى نهاية القرن الماضى (وكانت مصر طرفًا ثانيًا مع بريطانيا) بوصفه إجراء إداريًا لتنظيم داخلى، اعتقد البريطانى، بعد أن أبعد فرنسا وقطع الطريق على الباب العالى أنه يستطيع أن يقيم نظامًا اجتماعيًا جديدًا يتجاوب مع سياسته. وأخذ السودان فى السير وئيدًا وفق السياسة المعينة التى رسمتها اتفاقية الحكم الثنائى، وذلك حتى الحرب العالمية الأولى التى بدأت السودان فيها الاتصال بالأسواق التجارية الخارجية، وجاءت فى نهايتها ثورة مصر التى كان لها أصداؤها فى السودان. فقد استيقظ الوعى القومى للمطالبة بحقوقه، وزاد من حدة تلك اليقظة الرخاء الذى حل فى سنة 1920 م. وكانت مفاوضات زغلول مكدونالد فى عام 1924, ومقتل السير لى ستاك (باشا) حاكم السودان وسردار الجيش المصرى، فخرج الجيش المصرى من السودان تحت ضغط الإنجليز -وافتتح مشروع الجزيرة لزراعة القطن، غير أن المحصول الذى بدأ جيدًا فى سنواته الأولى أخذ فى التدهور عامًا بعد عام بسبب أخطاء فنية لم يكن من السهل تجنبها إلا بمضى عدة سنوات- وحاولت إدارة السودان علاج الموقف بإدخال إصلاحات إدارية (اللامركزية) وصدر قانون المشايخ وسلطات المجالس الأهلية وتقوية الزعامات، وكانت هنالك مشروعات أبعد مدى لخفض الجهاز الإدارى إلى أدنى حدوده. وتغيير الوضع السياسى للبلاد، غير أن مطامع إيطاليا الفاشية وتطلعها إلى التوسع فى شرقى إفريقية قد جعل الإنجليز يتراجعون خطوتين بعد أن تحدد اليوم المعين لذلك الإجراء وأخذ موقف الإنجليز ينقلب رأسًا على عقب باتخاذ الإيطاليين الوسائل لتنفيذ خططهم فى إفريقية، وبدأت تتجمع سحب الخطر التى هددت السودان بطريق غير مباشر فيما لو انفرد به الإنجليز فى الموعد الذى حددوه،

وتفاوضوا مع مصر وعقدت اتفاقية سنة 1936 وأعيدت إلى السودان قوات مصرية محددة وتوالت الأحداث: إيطاليا تحتل إثيوبيا وتنشئ إمبراطورية شرقى إفريقية، وتعكر الجو السياسى بتوسع ألمانيا النازية فى أوربا، وقامت الحرب العالمية الثانية وكان أحد ميادينها شرقى إفريقية وشماليها وانتهت الحرب بهزيمة ساحقة لإيطاليا فى إفريقية والفاشية والنازية فى أوربا، وأسرعت خطى إدارة السودان فى تنظيماتها المحلية بقيام أجهزة الحكم المحلية، وإنشاء المجلس التشريعى لشمالى السودان، وتطور الموقف بالنسبة لجنوبى السودان الذى كان يعيش فى شبه عزلة تامة عن الشمال، واشتد الوعى القومى وقامت الأحزاب السياسية وانتشرت الصحف المحلية واستنار الرأى العام فى السودان وأخذ فى تقوية جبهته للحصول على حقوقه، وانتقلت مسألة السودان من محيطها المحلى إلى المجال الدولى. وبعد صراع مرير تم اتفاق فبراير سنة 1953 لتحقيق مطالب السودانيين فى إدارة بلدهم (¬1). وتم جلاء القوات العسكرية المصرية والبريطانية استجابة لموافقة البرلمان السودانى ففى 16 أغسطس سنة 1955 واجتمع ممثلو الأحزاب السودانية فى 17 ديسمبر سنة 1955 واتخذوا قرارات بإعلان استقلال السودان وتأليف جمعية تأسيسية لوضع الدستور وقيام لجنة سودانية بتسليم مهام الحاكم العام. وقد وافق البرلمان على هذه القرارات بالإجماع، وأبلغ القرار الذى وصل إلى البرلمان إلى دولتى الحكم الثنائى -مصر وبريطانيا- وطلب منهما الاعتراف بهذا الإعلان، وتمت الموافقة، وأعلن السودان دولة مستقلة ذات سيادة اعتبارًا من اليوم الأول من يناير سنة 1956؛ وبادرت الدول بالاعتراف بالدولة الجديدة وتبادلت معها التمثيل الدبلوماسى وانضم السودان الجديد إلى جامعة الدول العربية كما أصبح عضوًا فى الأمم المتحدة، واختارت ¬

_ (¬1) قامت حكومة الثورة بمصر بمجهود معروف فى حمل بريطانيا على الاعتراف بحق السودان فى تقرير مصيره [د. مهدى علام]

1 - الوضع السياسى للسودان

حكومة السودان النظام الجمهورى، وأقيم مجلس للسيادة لممارسة سلطات رئيس الدولة إلى أن يتم انتخاب رئيس للجمهورية السودانية. ويجمل بنا بعد أن أوضحنا المعالم العامة للتطورات فى خطوطها الرئيسية أن نعرض فى شئ من التفصيل لبعض النقاط ذات الأهمية العامة والتى كان من شأنها توجيه مركز السودان العام فى السنوات التى تلت 1920 م بصفة خاصة ذلك أن هذه الحقبة من الزمن كانت مرحلة الانتقال الفعلية. 1 - الوضع السياسى للسودان: يرجع اهتمام إنجلترا بمسألة السودان بصفة رسمية إلى الأشهر الأخيرة من عام 1882 م، أى بعد نزول الجنود البريطانية إلى مصر واحتلالها، فقد أرسلت فور دخولها القاهرة الكولونيل استيورت Stewart أحد ضباطها لزيارة السودان وكتابة تقرير عن حالته والإشارة بتوصياته؛ وفى عام 1882 أرسل الجنرال هكس ومعه ضباط بريطانيون لقيادة جيش مصرى يدخل كردفان حيث كان الإمام المهدى فى الأبيض بعد سقوطها، وألغيت وزارة عبد القادر باشا حلمى الذى كان فى السودان يمارس أعمال الحكمدار (الحاكم العام وقائد القوات المصرية)، ودخلت حملة هكس إلى فيافى كردفان، الأمر الذى لم يرض عنه القادة المصريون من رجال الجيش، وكان أن هُزمت هذه القوة، وسقطت دارفور وبحر الغزال -وأرسل غوردون فى سنة 1884 ولقى حتفه فى يناير سنة 1885، وعادت الحملة البريطانية التى أرسلت لإنقاذه بعد فشلها؛ وحاولت بريطانيا هى ومندوبها السير درموند وولف Drummond Wolff الحصول على موافقة ضمنية بإخلاء السودان فى مفاوضاتها مع الباب العالى، وقد أخفق هذا الاتفاق تحت ضغط روسيا وفرنسا على الباب العالى وتهديدها باحتلال الشام وأرمينية إذا تمت الموافقة على هذا الاتفاق، وتركت مسألة السودان لظروفها -وتطور الصراع بين فرنسا وإنجلترا بإرسال حملة مصرية بقيادة إنجليزية إلى السودان ولحقت بها قوة بريطانية رمزية- وتم انسحاب فرنسا

باعتبار السودان أرضًا مصرية، ووقع وفاق سنة 1899 الذى وضعت فيه الأسس الخاصة بإدارة السودان. وهذا الوفاق موضع جدل كبير بين رجال القانون وغيرهم؛ فمنهم من يقول بصحته ومنهم من يعارض فيه وينادى ببطلانه، ولكل فريق منهما حججه. وكل هذا لا يهمنا فى هذا الموقف فهو لا يغير الحقيقة القائمة باعتبار وفاق سنة 1899 أساسًا قامت عليه الإدارة الجديدة فى السودان وخرج منه الإنجليز بنصيب الأسد، ودفعت مصر التكاليف لإعادة بناء السودان ومرافقه العامة كالسكك الحديدية والتعمير والزراعة وغير ذلك، وكانت إدارة السودان ترجع فى أمورها إلى مصر حتى عام 1910 م، ثم أنشئ مجلس الحاكم العام الذى صارت فى يده السلطات العليا. وكانت هذه أولى المراحل فى تطور مركز السودان السياسى بالنسبة لمصر. وجاءت الحرب العالمية الأولى فتعطل تنفيذ السياسة الموضوعة التى كانت تهدف إلى إقامة إدارات محلية فى يد الزعامات والرئاسات القبلية؛ وتحدد الموقف بعض الشئ فيما يختص بالعملة المصرية المتداولة فى السودان. وحدثت ثورة مصر سنة 1919 م وامتدت انعكاساتها إلى السودان الذى طالب أهله بحقوقهم. وجاءت لجنة ملنر فوضعت الخطوط العريضة لشئون البلاد وتعريفها فى إطار السياسة العامة الموضوعة. وحدثت أزمة الدستور المصرى الذى ورد فيه "السودان" ودخلت مصر وإنجلترا فى حلقة المفاوضات المفرغة؛ وحدث مقتل السردار ستاك باشا فى القاهرة سنة 1924 م وترتب عليه الإنذار البريطانى الذى شمل طلب خروج الجيش المصرى من السودان، والتعويض عن مقتل السردار، وإطلاق يد السودان فى التوسع الزراعى فى الجزيرة؛ وأنشئت قوة دفاع السودان وأسهمت مصر فى تكاليفها بمبلغ 750.000 ج سنويًا، وعقدت اتفاقية مياه النيل سنة 1929 م وسارت إدارة السودان قدمًا فى سبيل إقامة الحكم المحلى؛ وحاولت الإدارة البريطانية أن تتخذ خطوات إيجابية

نحو فصل السودان كلية عن مصر، غير أن هذه المحاولات تعطلت لسببين أولهما العجز الذى أصاب محصول القطن بسبب الآفات الزراعية، والثانى نتج عن نشاط إيطاليا الفاشية ومطامعها فى شرقى إفريقية. وقد عجل هذا السبب الأخير بصفة خاصة بالدخول فى المفاوضات التى انتهت باتفاقية 1936 وكان ما جاء فيها عن السودان توثيقًا لوفاق سنة 1899 م وترك أمر حل مشكلته إلى فرصة قادمة لم يحن وقتها إلا فى 20 ديسمبر سنة 1945 بسبب الحرب العالمية الثانية -عندما طلبت مصر من بريطانيا فتح باب المفاوضات لإعادة النظر فى معاهدة سنة 1936 وعقدت أولى الجلسات فى 9 مايو سنة 1946 وانتهت فى 25 أكتوبر من العام نفسه وكان سبب الفشل مسألة السودان، وأخذت الأمور فى التطور الخطير وحاولت الوزارة المصرية التى تلت الوزارة التى أجرت المفاوضات عام 1946, إنقاذ الموقف ولكنها لم تصل أيضًا إلى اتفاق تقبله مصر أو بعبارة أصح لم تصل إلى ما يحقق آمال السودان الحقة. ورفعت القضية إلى مجلس الأمن وحدثت تطورات دستورية هامة منها قيام المجلس الاستشارى لشمالى السودان، والبدء فى سودنة الوظائف؛ ولم يصدر مجلس الأمن أى قرار عن النزاع المصرى البريطانى وتركت المسألة لتسويتها بالاتفاق المباشر بين الدولتين وأرسلت حكومة السودان إلى مصر بتقرير المؤتمر السودانى الذى عقد لدراسة الإجراءات لسودنة الوظائف التى وافق عليها المجلس الاستشارى لشمالى السودان، وحدثت اتصالات بين الحكومتين المصرية والبريطانية فى عام 1948 لدراسة الموقف وانتهت المحادثات فى 28 مايو سنة 1948 دون الوصول إلى اتفاق بسبب إصرار مصر على أن يشترك السودانيون فى تولى أمورهم على قدم المساواة مع الإنجليز وأن يكون المصريون فى المجلس التنفيذى يعادلون الإنجليز من حيث العدد والوظائف، وتلت ذلك محادثات عام 1950 - 1951 - ولم

2 - الاقتصاديات

تنته كسابقاتها إلى حل؛ وأعلنت مصر فى 16 أكتوبر سنة 1951 إنهاء العمل بمعاهدة 26 أغسطس سنة 1936 وملحقاتها وباتفاقيتى 19 يناير و 10 يوليه سنة 1899 واشتد النزاع إلى أن تولت حكومة الثورة مقاليد الحكم فى مصر، وبعد مفاوضات توصل الطرفان إلى اتفاق 12 فبراير سنة 1953 الذى تقرر فيه حق السودان فى تقرير المصير وفى الحكم الذاتى، وظهر فيها السودان شماله وجنوبه وحدة واحدة. وأشرفت لجنة دولية على الانتخاب فى السودان وتم تنفيذ هذه الاتفاقية وطلب السودان الاستقلال فتم له ما طلبته هيئته الدستورية، واعترفت حكومتا مصر وبريطانيا بوصفهما دولتى الحكم الثنائى بذلك وأعلن الاستقلال كما أشرنا آنفًا. 2 - الاقتصاديات السودان بلد للرعى والزراعة وهنالك صناعات بسيطة. قليلة الأهمية بالنسبة للدخل القومى العام. وقد تطور النشاط الزراعى فى السنوات الماضية فأدخلت الإصلاحات الزراعية بإقامة المشروعات وخصوصًا فى أرض الجزيرة لإنتاج القطن الذى تحتاج إليه المصانع البريطانية، وظهرت بعد الحرب العالمية الثانية صناعات محلية منها منشأة للأسمنت جنوبى العطبرة، ومنشأة للحوم المحفوظة فى كوستى، ومصانع لعصير الفواكه والبيرة، وتأسست شركة للملح، وفى مقدمة هذه المنشآت محالج القطن. والإنتاج الزراعى يقوم على رى الأحواض والرى الموسمى فى حوضى التاش وبركة فى شرقى السودان، والرى بالأمطار، ورى الطلمبات، وتنقسم الأراضى إلى أراض حكومية وخاصة. وقد استولت الحكومة بطريق الشراء على مساحات كبيرة من أرض مشروعات الجزيرة. أما من ناحية المعادن فيوجد الذهب والحديد والنحاس والرصاص، وهنالك أبحاث جيولوجية تقوم بها الحكومة السودانية للكشف عن معادن أخرى. والمواصلات فى السودان محدودة بالنسبة للمساحات الواسعة التى ينتظر استغلالها. فالخطوط الحديدية التى أنشئت فى السنوات الأولى من هذا القرن لم يزد عليها إلا امتداد الخط من

المصادر

سنار عبر البطانة إلى أن يلتقى بخط عطبرة - بورسودان، وامتد أخيرًا خط حديدى من سنار إلى الرصيرص، وهنالك خط آخر فى طريق البناء إلى دارفور. وثمة مواصلات نيلية بين الشلال وحلفا وفى مديرية النيل فى دنقلة. وفى أعالى النيل تربط هذه المواصلات بين السودان وأوغنده حيث تصل البواخر إلى جوبا ومنها بالسيارات إلى الحدود السودانية الجنوبية. المصادر: (1) الشاطر بصيلى عبد الجليل: معالم تاريخ وادى النيل، سنة 1955. (2) الدكتور محمد محمود الصياد: اقتصاديات السودان 1957. (3) Annual Reports on the Sudan Administration. (4) Modern Egypt: Cromer, فى مجلدين، 1908. (5) The Laws of the Sudan: Gorman J. P، 1941 م. (6) Bibliography of the Anglo-Egyptian Sudan up to 1939: R. H. Hill، 1939. (7) Egypt since Cromer: Lord Gloyd، 1934 م. (8) Anglo-Egyptian Sudan: MacMichael، 1934 م. (9) The British Policy in the Sudan: M.Shebeika [الشاطر بصيلى عبد الجليل] سودة بنت زمعة ابن قيس: الزوجة الثانية للنبى صلى اللَّه عليه وسلم، وهى من السابقات إلى الإسلام. وقد صحبت سودة زوجها الأول السكران بن عمرو، وأخاها مالكًا فى الهجرة الثانية إلى الحبشة. وعاد الزوجان إلى مكة قبل الهجرة، وتوفى السكران بها، وأعقبت سودة من السكران ولدًا هو عبد الرحمن الذى قتل فى وقعة جلولاء. وقد تم زواج النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] بسودة خولة بنت حكيم، بعد وفاة السيدة خديجة؛ وتم هذا الزواج بعد الوفاة بشهر أو نحوه، فى رمضان من السنة العاشرة لرسالته، أى قبل رحلته إلى الطائف.

المصادر

ولحقت سودة بالنبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فى المدينة هى وبناته، فى السنة الأولى للهجرة. وكان بيتها هى وبيت عائشة أول ما بنى فى مسجد المدينة. وكانت سودة عندما تزوجت النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] قد ودعت الشباب، وأخذت تثقل وتثبط كلما تقدمت فى السن حتى أن النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] سمح لها فى حجة من حجاته أن تدرك صلاة الصبح فى منى قبل الزحمة خشية دفع الناس لها. ثم طُلقت فى السنة الثامنة للهجرة، ولكنها قعدت له على طريقه وناشدته أن يردها وقالت "أمسكنى، وواللَّه ما بى على الأزواج من حرص، ولكنى أحب أن يبعثنى اللَّه يوم القيامة زوجا لك"، ورضى النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، ونزلت فى ذلك الآية 127 من سورة النساء. وكانت سودة امرأة محسنة دمثة الخلق. والظاهر أن النبى -صلى اللَّه عليه وسلم- عناها بقوله وهو يخاطب أزواجه "أطولكن يدًا" أى أعظمهن برًا وصدقة، وأنها أسرعهن لحاقًا به إلى الجنة. وقد كانت عائشة تقول: "ما من الناس امرأة أحب إلى أن أكون فى مسلاخها من سودة بنت زمعة. . . ". ولم تشترك سودة ولا زينب بنت جحش فى حجة الوداع، ولم يصل إلينا خبر عن حياتها بعد وفاة النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] سوى أنها أصابت شيئًا من المال على يد عمر. وقد نستدل من ذلك ومن عدم ذكر شئ عن مهرها على أنها كانت معسرة، ولو أنها أخذت نصيبها فى غنائم خيبر. وتوفيت سودة بالمدينة فى شوال سنة 54 هـ فى خلافة معاوية الذى ابتاع بيتها فى المسجد هو وبيت صفية بمائة وثمانين وألف درهم. المصادر: (1) ابن هشام، طبعة فستنفلد، ص 214, 242, 459, 787, 1001. (2) ابن سعد، جـ 8، ص 35 - 39. (3) الطبرى طبعة دى غوى، جـ 1، ص 1767, 1769؛ جـ 3, ص 2437 - 2440. (4) الأغانى، جـ 4، ص 32. (5) Annali dell' Islam: Caetani، جـ 1، ص 387 - 379. خورشيد [فكا V.Vacca]

سورة

سورة (*) هو الاسم الذى سميت به فصول القرآن. وفى القرآن الكريم نفسه، تدل الكلمة فى الأجزاء المكية والمدنية على السواء، على ما نزل على النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] من الوحى متفرقًا من حين إلى حين، ومن ثم تحدى خصومه أن يأتوا بسورة من مثله (سورة البقرة، الآية 23 سورة يونس، الآية 38، أو يأتوا بعشر سور مثله مفتريات (سورة هود، الآية 13). ونجد الآية التالية عنوانا (¬1) لسورة: {سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} (سورة النور الآية 1). وقد جاء أن المنافقين (سورة التوبة، الآية 64 يحذرون أن تنزل عليهم سورة تنبئهم بما فى قلوبهم. وجاء فى الآية 86 من سورة التوبة: {وَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ} وورد فى الآيتين 124, 127 من سورة التوبة، مثلما ورد فى سور أخرى ذكر للآثار المختلفة التى تحدثها السورة فى نفوس المؤمنين والكافرين (¬2). والكلمة من حيث المضمون تقترن بكلمة "قرآن" بمعناها الأصلى، ولكنهما أصبحتا منفصلتين فى الاستعمال من بعد (¬3). فقد غدا القرآن الكريم اسمًا على الوحى ¬

_ (*) يبدو أن ما كتبه الكاتب فى مادة "سورة" هزيل. . ونظرة إلى المصادر ترينا أن هذا المستشرق لم يرجع إلى شئ من المصادر العربية، مع أن الموضوع مطروق فى المعاجم اللغوية لا سيما الكبرى منها؛ وفى كتب علوم القرآن؛ وفى التفاسير الكبيرة، ذوات المقدمات المفردة، فى علوم القرآن كالطبرى، وغيره. إلا أن "بول" لم يرجع إلا إلى ما كتبه قومه من نولدكه، وهيرشفيلد، وليس فى ذلك وفاء بحق البحث. (¬1) كلمة عنوان قلقة فى هذا المكان، ولا يتبين المراد منها, فهل هى أول الكلام وفاتحته. (¬2) فى الأصل الأجنبى يختلف عند بعض هذه الآيات عن المصحف العثمانى؛ وليس لهذا أهمية هنا، وقد تم ضبطه وفقا للمصحف الشريف طبعة الأزهر. (¬3) هذه العبارة عن "اقتران كلمة سورة من حيث المضمون بكلمة قرآن بمعناها الأصلى، ثم انفصالهما فى الاستعمال من بعد، عبارة غير واضحة" والكاتب لم يعرف هنا بالضبط أصل كلمة سورة، ولم يعرض كما قلنا لأقوال العرب فيها فماذا يريد باقترانها من حيث المضمون وماذا يريد بالمعنى الأصلى لكلمة قرآن! ! وهم كذلك يطيلون القول فى البحث عن أصلها ومعناها! ؟ والمسألة فى اقتران الكلمتين سورة وقرآن، ثم انفصالهما فى الاستعمال أغمض من القول فى معنى الكلمتين! ! فمتى اقترنتا؟ ! ومتى انفصلتا؟ ! وليس لدى الباحثين شواهد ولا آثار كافية عن استعمال الكلمتين فى العربية، قبل العهد الإسلامى، أو فى أول هذا العهد؟ ! يظهر أن الكاتب لم يبين غرضه إبانة تمكن من الفهم أو التعليق. أمين الخولى

المصادر

المجموع فى كتاب، على حين استعملت السورة للدلالة على فصول الكتاب الكريم الذى كان يضم فى الأصل كل وحى على حدة، ثم جمع فيه كل ما نزل من الوحى. ويذهب نولدكه إلى أن "سورة" فى العبرية الحديثة شورا ومعناها الترتيب أو السلسلة، ولو قد أمكن تفسيرها بأنها "السطر" لما قادنا ذلك إلى المعنى الأصلى للكلمة؛ ويعترض هذا الرأى أن السورة الواحدة، كما جاء فى الآية الأولى من سورة النور، تحتوى على عدة آيات. ويجوز أن تدل على "القطعة أو الجزء. أو شئ من هذا القبيل على أننا لا نستطيع أن نثبت هذا الرأى من الناحية اللغوية، ذلك أن ما ذهب إليه هيرشفيلد H.Hirschfeld من أنها تحريف للكلمة العبرية "سدر" بعيد كل البعد عن الاحتمال. وإذا أخذنا الفعل سار بمعنى ركب أو علا الشئ أو غلب عليه فقد نخرج منه بمعنى من قبيل الدافع أو الحافز أى الإلهام المفاجئ الغامر، ولكننا نجد أن الذى يشتق من سار هو سوَرْه لا سورة. والقرآن المعتمد يحتوى على 114 سورة؛ والسورة الأولى (الفاتحة) والسورتان الأخيرتان، المعوذتان، وقيل أنهما لم تردا فى النسخة التى جمعها ابن مسعود. وقد كان ثمة شئ من التسهل فى جمعه أول الأمر، مثال ذلك أن ابيّا قد زاد سورتين على السور المجمع عليها. وكذلك لم يحدد ترتيب السور تحديدًا دقيقا، ولو أننا نلاحظ أن النسخ المختلفة قد أخذت بقاعدة واحدة فى الترتيب. وإنا لنحيل القارئ فى هذا الشأن إلى مادة القرآن (¬1). المصادر: (1) Noldeke: Geschichte des Qorans ص 42 وما بعدها, 227 وما بعدها, 22 وما بعدها. (2) الطبعة الثانية من هذا المؤلف التى قام بها Schwally، جـ 1، ص 3. ¬

_ (¬1) إذا كنا قد شكونا من قبل هزال المكتوب فى مادة "سورة" فإنا لنشكو هنا مرتين أخريين: أولهما- عدم إلمام الكاتب بما تقرر واضحا فى بعض ما عرض له من المسائل الخاصة بسور القرآن. وثانيهما- وهو المنهع العلمى للكاتب فيما يقرره فى هذه الفقرة الأخيرة من المادة، عن جمع القرآن وما كان فيه أول الأمر من تساهل على ما يقول. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = وأما مثال ما نشكوه من عدم إلمام الكاتب بما تقرر واضحا فى بعض ما يخص سور القرآن فهو قوله "وكذلك لم يحدد ترتيب السور تحديدًا دقيقًا. فإن المقرر بوضوح فى شأن ترتيب السور فى المصحف هو أن جمهور العلماء على أن ترتيب السور اجتهاد من الصحابة؛ وأن ذلك الترتيب قد وكل إلى الأمة بعد الرسول عليه السلام، ولم يتول ذلك بنفسه -راجع صفحات 72، 77, 87 من الجزء الأول من الاتقان فى علوم القرآن للسيوطى - طبعة سنة 1278 هـ - كما يتردد هذا المعنى فى غير هذه المواضع من الحديث عن جمع القرآن وترتيبه. وإذا كان المقرر فى ترتيب السور هو ماسمعناه من تركه للاجتهاد، وتفويض أمره للأمة، فهل يوقف بعد هذا عند تحديد الترتيب تحديدًا دقيقا! ! على أن الكاتب لا يلبث أن يتبع هذا بقوله: "ولو أننا نلاحظ أن النسخ المختلفة قد أخذت بقاعدة واحدة فى الترتيب"، وهو كلام يتبين من المراجعة القريبة لترتيب مصاحف بعض الصحابة الذى نقل إلينا أنه ليس أخذا بقاعدة، بل إن القول بالقاعدة فى هذا الترتيب قول غير دقيق، وإنما الذى قالوه: إن كثيرا من السور كان قد علم ترتيبها فى حياة الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، كالسبع الطوال، والحواميم؛ والمفصل، وأن ما سوى ذلك يمكن أن يكون قد فوض الأمر فيه إلى الأمة بعده. هذا أول ما نشكو من عدم إلمام الكاتب بالمقررات الواضحة، فيما عرض له، وأما ما نشكوه من وهن المنهج العلمى للكاتب فمثل قوله: والقرآن المعتمد يحتوى 114 سورة، ثم قوله بعد ذلك: إن السورتين الأخيرتين لم يردا فى مصحف ابن مسعود، وأن أبيا قد زاد سورتين على السور، فإنه متى كان هناك ما يعتد به وما هو إجماع. وقد اتخذ مصحف إمام فى هذا الشأن فلا معنى للتحكك فى مثل هذه الأشياء التى كتبها أفراد من الصحابة لأنفسهم. وهنا نلفت إلى أن أبيا وابن مسعود لم يجمعا القرآن بل كتبا لأنفسهما مصحفا. وعملية جمع القرآن إنما تمت بلجنة مؤلفة من اثنى عشر صحابيا على عهد عثمان، وبنظام له دقته، فليس عمل أبى، ولا عمل ابن مسعود ولا عملى مثلا يسمى جمعا للقرآن. وليس عجبا أن يفوت واحدًا من الصحابة شئ من أمر القرآن أو القراءة، أو الترتيب أو ما إلى ذلك، وقد نقل مثل هذا فى غير مناسبة، ومثله لا يكون سببا لشئ من الحكم على دقة جمع القرآن أو التساهل فيه مطلقا، لأن هناك إجماعا، ونقلا متواترا. ومن وهن المنهج الواضح أن يتقدم رجل غريب من لغة غرابة نائية ليحكم على نص منها حكما أدبيا نقديا تذوقيا كالذى فعل كاتب المادة. وأوضح الوهن فى المنهج قوله: وقد كان ثمة شئ من التسهل فى جمعه، أى القرآن، أول الأمر مع أن عمل ابن مسعود فى عدم كتابة المعوذتين فى مصحفه الخاص به وكتابة أبى القنوت فى آخر مصحفه الخاص به لا صلة لهما بجمع القرآن فى شئ، ومع أن أخبار الدقة فى الجمع والتحرى فيه والاحتياط له، والخوف من يذهب شئ من القرآن إلخ قد سارت بها الروايات، وهى الأمور التى لا يمكن الحكم على الجمع إلا بها؟ ! وما فى الأمر إلا الوهن المنهجى الأكبر، وهو دخول ميدان البحث بعقيدة معينة، وعصبية متغلبة، وتطويع نتائج البحث الدراسى لتلك الأحوال النفسية، بل تسخير الدرس كله فى أساسه وهدفه لخدمة هذه الأهواء المسيطرة، ونقول كما أدبنا القرآن. . سلاما. أمين الخولى.

المصادر

وما بعدها، مجلد 2، جـ 1، ص 3. وما بعدها، مجلد 2، جـ 1، ص 3. وما بعدها. (3) New Researches into the Composition and Exegesis of the Qoran: H.Hirschfeld، 1902, ص 2. خورشيد [بول F.Buhi] السوسن الاسم الشائع للزنبق الأبيض والأحمر الضارب إلى الصفرة، وهو يطلق أيضًا على زهرة الزنبق الزرقاء، ولكن هذه الزهرة توصف وصفًا أدق فيقال السوسن الاسمانجونى، ويسميها الأطباء أيضًا إيرسا؛ والسوسن من الأسماء السامية بوجه عام، ويبدو لى أن ما ذهب إليه لوف Low من أنه مأخوذ من شش (بمعنى ستة) مشكوك فيه، ذلك أننا نجد حرف الواو يدخل دائما فى تركيب الاسم، ولا يزال جذر للزنبق Iris florentina L مستعملا فى الطب. المصادر: (1) ابن البيطار، ترجمة Leclerc، جـ 2، ص 603 (2) القزوينى: عجائب المخلوقات طبعة Wustenfeld، جـ 1، ص 276 (3) Die Flora der Juden: I. Low، وص 160 - 184. صبحى [رسكا J.Ruska] السوق كثيرًا ما ترد هذه الكلمة فى أسماء الشوارع والأماكن. وهى بهذا المعنى مشتقة من الآرامية كما يقول فرانكل (Fraenkel فى كتابه Die aram Fremdworter im Arab ليبسك 1886, ص 187). وقد انساق فرانكل إلى هذا الرأى بصفة خاصة على اعتبار أن "الأسواق بهذا المعنى لابد أنها كانت غير معروفة عند العرب الأقدمين". وقد يكون هذا صحيحا بالنسبة للعهد المتقدم الذى يمكن أن نذهب إلى أن الكلمة قد اشتقت إبانه من الآرامية، على أنه من الثابت أن الأسواق المألوفة كانت معروفة بالفعل عند العرب قبل الإسلام. وأحدث مصدر فى هذا الموضوع هو كتاب لامانس (La Mecque veille de l'Hegire: H.Lammens a la M. I. F. A. O . . .

جـ 9، ص 3، سنة 1924, ص 57 - 58, 153 - 154)، ويتضح من الشواهد التى ذكرها أن كلمة سوق لم تكن مستعملة بمعنى المكان الذى يعقد فيه السوق فحسب بل كانت مستعملة أيضًا بمعنى السوق نفسه. ولا نستطيع فى هذا المقام إلا أن نكتفى بالإشارة الموجزة إلى ذلك المزيج المتداخل من المسائل الاجتماعية والاقتصادية والفقهية للعالم الإسلامى التى تقترن بفكرة السوق. وليس بين أيدينا شئ من الدراسات التمهيدية المتصلة ببعض المظاهر الخاصة لهذه المسائل. على أننا نجد فى كثير من المصنفات التى تتناول موضوعات متباينة أشد التباين إشارات عابرة تحتاج إلى بحث منهجى. وأهم ما يجب أن نذكره فى مثل هذا البحث أن الإسلام قد فتح فى فترة قصيرة جدًا أقطارًا مترامية الأطراف كانت نواحيها القائمة بذاتها من قبل ممالك مستقلة، كل مملكة منها لها تاريخ اقتصادى وفقهى يختلف كل الاختلاف عن الأخرى. وقد تكون من هذه الأقطار على الفور دولة واحدة لها حكومة موحدة ومجموعة من القوانين قائمة على شريعة واحدة، ويدير أمورها عمال السلطة المركزية وليس عمال سلطة محلية مستقلة. وأهمية ذلك تتمثل فى أن الإسلام بحكم قيامه على أساس من الوحدة الكاملة قد حال دون نمو مجتمعات مدنية لها حق سن قوانينها وتطبيقها فى سوقها المحلية كما كانت الحال فى الغرب إبان العصور الوسطى. ومن المعروف فى الوقت نفسه أن وجود السوق فى الإسلام كان من الناحية القانونية على الأقل مستقلا عن حماية المدينة التى يقع فيها استقلالا أكبر مما كانت الحال عليه فى الغرب، ولعل ذلك يصدق أيضًا من الناحية العملية. ومن ثم وجب على مؤرخ السوق فى دار الإسلام أن يتتبع التاريخ المحلى للأسواق فى مختلف الأقاليم قبل الإسلام ويعرف إلى أى مدى تدخل الفتح الإسلامى فى تطور هذه الأسواق، وعليه آخر الأمر أن يتساءل: هل تمخضت دراسة كثير من الحالات المختلفة دراسة شملت المناطق

الجغرافية المتباعدة الرقعة أقصى تباعد، عن وجود تطورات نموذجية اختصت بها نواح متعددة من الإمبراطورية الإسلامية، وهل تختلف هذه النماذج عن أسواق المدن التى لم تنشأ إلا على يد الفاتحين المسلمين أو بعد الفتح على آية حال، وكيف تختلف؟ ومثل هذا البحث خليق بأن تكون له أهمية عظيمة من وجهة النظر الاجتماعية والاقتصادية والتاريخ الفقهى، ثم إنه سوف يلقى إلى حد كبير ضوءًا على الصلة بين الشريعة من حيث النظر ومن حيث العمل، وعلى مسألة: هل شجّع الخلاف بين الفرق والمذاهب فى أقاليم العالم الإسلامى المتفرقة على قيام تطور فى هذه الصلة مخالف لذلك فى بعض الميادين: مثل تاريخ السوق الذى لا يمكن أن نعول فى تتبعه على أن هذه الأقاليم موضوع البحث كانت تنتمى قبيل الإسلام إلى عدة ممالك مختلفة. والمصادر التى تتطلبها دراسة هذه المسألة يكاد يخطئها الحصر. وذكر المؤلفات الإسلامية التى لا غناء فيها بالنسبة لموضوعنا أيسر من ذكر المصادر ذات القيمه فى هذا الشأن، فهناك كتب الفقه والتاريخ والجغرافيا والأدب وهناك أيضًا كتب الفلسفة العملية وطائفة من دواوين الشعر، ويمكن أن نسقط من حسابنا كتب فقه اللغة وما وراء الطبيعة والرياضيات وبعض كتب العلوم الطبيعية من حيث إنها لا تبحث فى السلع التى يتاجر بها فى الأسواق. وثمة مواد اقتصادية كثيرة فى كتب الرحلات الحديثة وما إليها, ولكن هذه الكتب لا تبحث فى مسائل لها شأن فى التطور التاريخى. ونجد قليلا من الملاحظات التى يصح اتخاذها نقطا للبداية فى كتاب ماكس فيبر Max Weher: Wirtschaftund Gesellschaft Grundriss der Sozialokonomik جـ 3، سنة 1992) ص 522 وما بعدها؛ انظر H.H.Schaeder فى IsL، جـ 14، سنة 1925, ص 5 وما بعدها) وفى كتاب ماكس فيبر المطبوع بعد وفاته والمعروف باسم Wirtschaftsgeschichte (سنة 1923) الفهرس، تحت هذه المادة (Vorderer Orient (Jungere Perioden.

"السوق" (الجمع أسواق): لقد ناقشنا كل الآراء المتصلة بمعنى السوق فى المادة السابقة. وما من حاجة تدعونا إلى أن نعيد فيها النظر فى هذا المقام. على أن ثمة ملحوظات قليلة خاصة بأهمية السوق فى تاريخ الإسلام المبكر يقتضى الأمر فيما يظهر أن نوردها هنا، وسنقصر هذه الملحوظات على أماكن الأسواق القديمة وقيام أسواق المدن.

ونذكر بصفة خاصة "كتاب الإشارة إلى محاسن التجارة" للدمشقى، انظر Ein arabisches Handbuch der Handelswissenschaft: H. Ritter (Isl جـ 7، ص 1 - 19). أما عن وظيفة المشرف على السوق وبعض الأحاديث المتصلة بالسوق انظر كتاب فنسنك J.Wensinck: Aspects of Gender in the Semitic Some Languages مادة سوق. الشنتناوى [بلسنر M.Plessner] " السوق" (الجمع أسواق): لقد ناقشنا كل الآراء المتصلة بمعنى السوق فى المادة السابقة. وما من حاجة تدعونا إلى أن نعيد فيها النظر فى هذا المقام. على أن ثمة ملحوظات قليلة خاصة بأهمية السوق فى تاريخ الإسلام المبكر يقتضى الأمر فيما يظهر أن نوردها هنا، وسنقصر هذه الملحوظات على أماكن الأسواق القديمة وقيام أسواق المدن. وسوق عكاظ هو أشهر الأسواق العربية القديمة لما كان له من شأن فى الشعر. أما الأسواق الأخرى المرتبطة به وهى ذو المجاز، ومجَنّة، وحُبَاشة إلى حد ما، فإن من العسير تقدير مكانتها على وجه الدقة. ولدينا عن سوق عكاظ صورة أكثر من ذلك وضوحًا، ويمكن أن نتخذها من عدة وجوه مثالا للأسواق القديمة. لقد جرت العادة بأن يختار للسوق المشتركة بين القبائل مكان يمكن رؤيته من مسافة بعيدة، عند ملتقى الطرق، وفى أرض محايدة إن أمكن. وقد تحققت جميع هذه الشروط فى سوق عكاظ، فقد كانت تقوم فى سهل كبير عرضه عشرة أميال إلى الجنوب الشرقى من مكة وعلى مسيرة ثلاثة أيام منها ويوم واحد من الطائف، وكانت تابعة لها. وكانت تجتمع فى سوق عكاظ قبائل الشمال والجنوب العربية للاتجار مع قبائل نجد. وتخرج منها الطرق الذاهبة إلى اليمن والشام والخليج الفارسى وبابل. وكانت عكاظة نفسها قرية لا تكاد تستأهل الذكر تخلو من السكان إلا فى وقت انعقاد السوق، كما كانت أكثر صلاحية للتجارة الدولية من مكة مثلا. وكان يرتبط بهذه السوق فى كثير من الأحيان اجتماعات أخرى

تعقد لأغراض غير هذه، نذكر منها بصفة خاصة الاحتفالات الدينية الموسمية التى كانت الأسواق تنظم من أجلها (انظر الكلمة الألمانية " Messe" بمعنى السوق أو المعرض). وكانت تعقد بين القبائل فى هذه المواسم هدنة (هدنة السوق). وقد كانت الأسواق العربية فى الأصل أماكن للعبادة ثم عفى عليها النسيان بازدياد شأن الحرم المكى. وكان بعكاظ أنصاب وحرم, ويجرى الطواف حول الحجارة بالقرب منها فى أثيداء. وزال كل أثر لهذه العبادة فى عهد النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وتضاءل شأن الأسواق شيئًا فشيئًا من الناحية الدينية بسبب الحج إلى مكة إلا انها استفادت من نواح أخرى لقربها من مكة. وكانت الأسواق فى نظر معظم الحجاج هى الغرض الأكبر: ذلك أن كلمة مواسم كانت عندهم تكاد ترادف كلمة مناسك، وقد شرعت الأشهر الحرم الأربعة للحث على غشيان الأسواق، وهى الأشهر التى لا يستحل فيها القتال. ولو لم يشرع ذلك لعرقلت شرعة الأخذ بالثأر تجارة بلاد العرب، وكان للأسواق علاوة على شأنها التجارى والدينى جانبها الاجتماعى والسياسى، فقد كانت تنظم فيها العلاقات بين القبائل على أساس من الحيدة ويجد فيها الشاعر أيضًا جمهورًا يستمع إلى مدائحه وأهاجيه (وهناك وصف بارع لمشاهد عكاظ فى كتاب Messe: Wellhausen ص 88). ومن المعلوم أنه كان يقام فى الشهرين الأخيرين من العام بعد انعقاد سوق عكاظ، أسواق أخرى فى المواسم معينة بأرباض عكاظ، ولكنا لا نعلم إلا النزر اليسير عن هذه المواسم الأخرى من مواسم الحج. والظاهر أنها كانت أسواقا من الدرجة الثانية، ذلك أن عكاظ كانت تسمى بالسوق الكبرى وإليها تفد القبائل من جميع بلاد العرب. وكان يوجد بهذه السوق سلع آتية من جهات بعيدة ولا يسهل الحصول عليها من جهات أخرى. وقد جرت عادة الحكام الأجانب على إرسال البضائع إلى هذه السوق، وكان يلتقى فيها أمراء التجار لتبادل التجارة. وعكاظ من حيث التجارة هى التى يطلق عليها بحق اسم "السوق".

وكان ما تتيحه الأسواق لمركز تجارى كمكة من تيسير منتظم لأسباب المواصلات شأنا عظيمًا بالنسبة لها. وقد كانت هذه الأسواق خارج منازل قريش إلا أنها استطاعت أن تفيد من هذه الأسواق المجاورة لها أكبر الفائدة، وانتهى بها الأمر إلى إدخالها فى نطاق التجارة بمدينتها الخاصة. ومن هنا قل شأن هذه الأسواق شيئًا فشيئا. وقد ذكرت الروايات أن أول مرة لم يقيض لسوق عكاظ الانعقاد فيها كانت سنة 129 هـ (746 - 747 م) عندما احتل الخوارج بزعامة أبى حمزة المختار بن عوف الأزدى مدينة مكة (الأزرقى، طبعة فستنفلد، ص 131). على أن الثابت أنه حدث قبل ذلك بوقت طويل، بعد أن أبطل الإسلام الأشهر الحرم، أن ازدادت مخاطر الطرق زيادة جعلت زوار السوق يخشون على حياتهم وأموالهم. وقد دفعت فتوح المسلمين بصفة خاصة العرب إلى بلاد قاصية فيما وراء حدود شبه الجزيرة العربية فوجدوا فى هذه البلاد مراكز تجارية أكثر ملاءمة لهم من سوق عكاظ التى أصبحت وقتئذ بعيدة عليهم فضلا عن أنه لم يكن من الميسور لهم الوصول إليها إلا بطريق البر. وأدى غزو العراق إلى فتح طريق مباشر إلى الهند، ومن ثم تجنبت التجارة الطريق الدائرى الذى يجتاز صحراء العرب. ولم تكن مواسم الحج هى الأسواق الوحيدة فى ذلك العهد المتقدم. ذلك أننا نجد فى الأثبات الخاصة بأسواق العرب ذكرًا لأربع عشرة سوقًا أخرى تدخل فيها دائمًا سوق عكاظ، على أن هذه الأسواق تختلف عنها كل الاختلاف. ويقال إن نظامها كان فى بعض الأحيان يجرى على أن تتلو السوق منها الأخرى وأنه كان من الميسور زيارة سوق أو سوقين فى كل شهر (انظر على سبيل المثال شيخو: المشرق، جـ 19، سنة 1921, ص 446). ومهما يكن من شئ فإنه كانت تقوم علاوة على أسواق الحجاز أنواع أخرى من الأسواق المحلية كان لها شأنها المحلى. وكلمة سوق ترادف فى مدلوها كلمة Market الإنجليزية. ولذلك يصعب علينا فى الحالات الخاصة أن نحدد على وجه الدقة أى نوع من الأنواع يجب أن

نتحدث عنه. فسوق بنى قينقاع وسوق النبيط (انظر La Mecque: Lammens ص 302، تعليق رقم 3) كانتا بلا شك من الأسواق المحلية فى المدينة. وكان يعقد فى الحيرة على سبيل المثال سوق سنوى (انظر كتاب الأغانى، جـ 16 ص 99، س 8). وكان ثمة أماكن صغيرة لم تكن تعرف إلا بأسواقها، وأصبحت كلمة سوق (أو تصغيرها سويقة) جزءًا من اسم هذه الأماكن. ومن المعروف أن المدن الأولى التى خطها العرب مثل البصرة والكوفة والفسطاط كانت مجرد معسكرات حربية كبرى على حافة الصحراء. ولم يعمل حساب للأسواق فى خطة هذه المدن الأصلية. وجاء فى الأخبار أن الشعراء كانوا يعقدون فى مربد (وهى محطة للقوافل على بعد ثلاثة أميال تقريبًا إلى الغرب من البصرة) إبان إنعقاد أسواقها الكبيرة مفاخرات بالشعر كما كانت الحال فى عكاظ. ويمكن أيضًا أن نقارن بوجه من الوجوه سوق بغداد بسوق عكاظ، وهى سوق كانت تعقد كل سنة فى موقع مدينة بغداد، (انظر الطبرى، جـ 1، ص 223 وما بعدها). وقد قامت مدن كثيرة فى الساحات التى كانت تعقد فيها الأسواق مثل مدينة الأهواز. وتاريخ بغداد مثل طيب للسوق التى نمت حتى أصبحت مدينة. وكانت أسواق بغداد تقوم فى الأصل فى مدينة المنصور المدورة ولكنه أقام لها ضاحية الكرج الجنوبية. وقد سنت فى عهد اليعقوبى بالفعل (278 هـ = 891 م) سنة تقسيم التجارات أقسامًا محددة مستقلة برأسها كما هى الحال فى المشرق حتى الآن. وكان لكل تجارة سوقها الخاصة التى تحمل اسمها (أو اسم منشئ السوق مثل سوق عبد الواحد). وكان فى سوق الوارقين نيف ومائة دكان لبيع الكتب. فلما ازدهرت المدينة الشرقية أصبح سوق الثلاثاء، على نهر المصلى، مركزا للتجارة. ويقول أبو الفداء: (Geographie باريس 1840 م ص 592) إن هذه السوق يرجع تاريخها إلى ما قبل تشييد مدينة بغداد، وكانت تعقد فى أول الأمر مرة فى الشهر يوم الثلاثاء. وقد امتدت سوق الثلاثاء فى زمن ابن بطوطة (727 هـ = 1327 م)

المصادر

امتدادًا كبيرًا إلى ما وراء حدودها الأصلية، ونشأ منها شارع طويل يعج بالتجارة يخترق المدينة بأسرها محاذيًا نهر دجلة، وتكون كلمة سوق بذلك قد مرت بكل أطوار معانيها تقريبًا مبتدئة بمعنى "السوق السنوى". وقد وصف المقريزى بعد ذلك بمائة سنة أو نحوها أسواق القاهرة وسويقاتها وصفا مستفيضًا فى كتابه الخطط (بولاق، سنة 1270 هـ، جـ 2، ص 94 - 107) كما تحدث أيضًا عن تاريخ هذه الأسواق. وروايات الرحالة المتقدمين والمحدثين عن الأسواق فى المشرق كثيرة جدًا. وكلمة سوق تستعمل للدلالة على جميع أنواع الأسواق، ولذلك فإننا لا نزال نجد فى الوقت الحاضر جميع هذه الأنواع من السقائف الخشبية البدائية إلى الأسواق الفاخرة التى تملأ نفس المشاهد بالإعجاب (مثال ذلك وصف ابن جبير فى كتاب الرحلات Travels، ص 252 لحلب) ولا يزال فى مقدورنا أن نكوّن فكرة عما كانت عليه أسواق بلاد العرب السنوية عندما نشاهد ألوان الحياة فى سهل عرفة وقت الحج. غير أن سوق عكاظ كان فريدًا فى أهميته العامة باعتباره مركز الحياة الاقتصادية والعقلية فى العالم العربى. المصادر: لا يسعنا فى هذا المقام إلا الاقتصار على المصادر التى تتصل عن كثب بالإشارات المنوه عنها فى هذه المادة لكثرة المصادر العامة: (1) شروح الآية 198 من سورة البقرة. (2) Handbook of Early Mohammadan Tradition: Wensinck مادة سوق, وخاصة شروح البخارى، كتاب الحج، باب 150. (3) المعاجم، مادة سوق عكاظ. (4) معجم البكري، ص 660 وما بعدها. (5) معجم البلدان لياقوت، مادتى عكاظ ومربد. (6) Die Poat-und Reiserouten des Orients: A. Sprenger، ليبسك سنة 1864, ص 127 وما بعدها. (7) المؤلف نفسه: Die alte Geographic Arabiens برن سنة 1875 ص 233 وما بعدها.

(8) المؤلف نفسه: Das Leben und die Lehre des Mohammad برلين سنة 1865, جـ 1، ص 54، 102 - 107، 164 وما بعدها، 178, 401 وما بعدها. (9) Das Leben Muhammeds: Fr.Buhl الترجمة الألمانية بقلم H.HSchaeder ليبسك سنة 1930, ص 49 وما بعدها، 100. (10) Reste arabischen Heidentums: J.Wellhausen برلين سنة 1987, ص 88, 92 وما بعدها، 216, 246. (11) La cite arabe de Taif a'la veille de l'Hegire: H.Lammens فى M.F.O.B, جـ 8 سنة 1922 , ص 198, 206 وما بعدها, 228. (12) المؤلف نفسه La mecque a la veille de l'Hegire، جـ 9، سنة 1924، ص 153 وما بعدها. (13) المؤلف نفسه: Les Sanctuaires Preislamites dans l'Arabie Occidentale,، جـ 11، سنة 1926, ص 128؛ 148, 150. (14) المؤلف نفسه: L'Arabie Occidentale avant l'Hegire بيروت سنة 1928، ص 17, 200 وما بعدها، 40 وما بعدها. (15) المرزوقى: الأزمنة والأمكنة؛ حيدرآباد، سنة 1332, جـ 2، ص 161 وما بعدها. (16) الألوسى فى مجلة المشرق، جـ 1، سنة 1898، ص 865 وما بعدها. (17) أحمد أمين: مجلة كلية الآداب بالجامعة المصرية، جـ 1، سنة 1933, ص 46 - 67. (18) A.V.Kremer: Culturgeschichte des Orients، فينا 1875 - 1877، جـ 2، ص 50 وما بعدها. (19) Baghdad during the Abbasid Caliphate: G.Le Strange أكسفورد، الفهرس مادة سوق. (20) Die Stadtegrundungen der Araber im Islam: E.Reitemeyer، هيدلبرغ سنة 1912, ص 7، 25، 35، 53، 59، 65. (21) Mez A.: Renaissance des Islams هيدلبرغ سنة 1922، ص 12، 131, 156, 390, 451 وما بعدها. الشنتناوى [كندرمان H.Kindermann]

سوكوتو

سوكوتو أو ساكاتو، اسم بلدة فى الجزء الغربى من بلاد الحوصة على رافد من روافد نهر النيجر يصب فى ضفته اليسرى ويسمى كولبى - ن - سوكوتو، ومعنى هذا الاسم فى لغة الحوصة "نهر سوكوتو"؛ والظاهر أن البلدة لم يكن لها شأن يذكر قبل القرن التاسع عشر. ومهما يكن من شئ فقد كانت أقل شهرة بكثير من مدن الحوصة الأخرى مثل زَنْفَرَة وكوبَر أو تسّاوة، وكاتسينا وزندر وكانو وزكزكَ أوزاريا. وكانت سوكوتو جزءًا من مملكة كوبر التى كانت فى تلك الأيام مثل دول الحوصة الأخرى لا تضم من المسلمين إلا عددًا قليلا جدًا، وجل سكانها من الغرباء. وكان يعيش بين أهل البلاد الوطنيين عدد قليل من جاليات الفلبة يعتمدون فى معاشهم على الزراعة والتجارة كما هو شأنهم اليوم. وأصبحت سوكوتو سنة 1801 أو سنة 1802 قصبة دولة أسسها شيخ تكرورى من فوتاتورو (فى السنغال) ينتمى إلى طائفة التوردبه (ومفرد توردبه توردو)، ويدعى هذا الفاتح عسمانو (عثمان) وكان ابن رجل يقال له محمد فوجو، أى الحكيم أو الفقيه. وكان الشيخ عسمانو قد غادر مسقط رأسه فى طريقه إلى حجِ بيت اللَّه فبلغ كوبر حيث أخذ يبشر بالإسلام سنة 1801، واستقبل آنئذ وفدًا من الفلبة جاءوا يحتمون به من ملك تساوة الذى كان لبعض الرعاة شكاة منه وكان عسمانو يتلمس ذريعة لإعلان الجهاد، فتولى قضية هؤلاء الناس لأنه كان يعدهم من مواطنيه ذلك أن الفلبة والتكارنة كانوا يتكلمون لغة واحدة وإن كانوا من سلالتين تختلف كل منهما عن الأخرى تمام الاختلاف. وجمع عثمان جيشًا من الأتباع وأشهر الحرب على يونفا ملك تساوة وأوقع به الهزيمة، وواصل عسمانو فتوحاته، ولم يلبث أن أصبح صاحب السلطان على بعض ولايات الحوصة الأخرى (لبتاكو، وكبّى، وياورى, ونوبة، وكورورفْه، وباوتشى، وأدماوة) مكرهًا أهل البلاد على الدخول فى الإسلام، ووضع على رأس كل مملكة أو ولاية حاكما يلقب بلقب "أميرو" وينتخب من بين أفراد

أسرته أو أبناء طائفته، ومن ثمّ أقيمت لصالح فئة قليلة من أشراف التكارنة من طائفة التوردو، دولة عسكرية الصبغة تكاد تضم جميع الأراضى التى إلى جنوب الصحراء بين مجرى نهر النيجر الشرقى (وقد بلغت فى الغرب أيضًا ليبتاكو) وبينو ولوكونه وتشاد، فيما عدا برنو، ذلك أن عصابات عسمانو كانت قد غزتها هى الأخرى، إلا انها أفلحت فى استرداد استقلالها سنة 1810. وقد أطلق الاسم العام لدولة سوكوتو على هذه الفتوحات، ذلك أن الشيخ عسمانو كان قد مكّن لنفسه تمكينا فى ورنو، أى فى الجزء الشرقى من سوكوتو، حيث كان يقيم خلفاؤه أيضًا. وتوفى عسمانو (1816 أو 1818) فانقسمت الدولة إلى ثلاث دول متحالفة، دولة كاندو فى الغرب، وتشمل كبّى وياورى ونوبه ولبتاكو؛ ودولة يولا فى الشرق، وتشمل كرورفه وأدماوة؛ ودولة سوكوتو فى الوسط، وتشمل بلاد الحوصة كلها هى وباوتشى، وأصبح عبد اللَّه أخو عسمانو، ملك كاندو، ومودبَّه أداما ملك يولا، وقد نسبت إليه فقَيل أدماوة. وخلف محمد بلّو بن عسمانو أباه على عرش سوكوتو وحكمها من سنة 1816 أو 1818 حتى سنة 1837. وشق على محمد بلّو الاحتفاظ بسلطانه، فقد كان أهل البلاد يرتدون عن الإسلام فى كل مكان ويتمردون عليه يؤازرهم الطوارق وسلطان برنو، ومنيت جيوش محمد بلّو بالهزيمة فى عدة مواقع، ثم أفلحت أخيرًا فى تثبيت سلطانه. وكان هذا الأمير جنديًا ضعيفًا، عزوفًا عن الاشتراك بنفسه فى المعارك، على أنه كان كاتبا ممتازا، فقد ألفّ عددًا كبير، من المصنفات بالعربية، شعر، ونثرًا, أحدها مصنف فى تاريخ السودان لا يخلو من قيمة. وكان نصيرًا لرجال الأدب، وقد استقبل المستكشف كلابرتون Clapperton (سنة 1828) استقبالا حسنًا، وكان يرقب أعمال قضاته مراقبة دقيقة، حتى أنهم كانوا يخشون تحريه لأموالهم ويخافون لومه وتعنيفه. وزعم أخو محمد وخليفته أتيكو (1837 - 1847) أنه مصلح ينادى باتباع الخلق القويم والسنن الحميدة،

سومطرة

وجلب على نفسه سخط الناس بتحريمه الموسيقى والرقص، على أن تشدده هذا لم يمنع ولاته من ركوب مركب الشطط فى كل شئ والإقدام على السلب والنهب فانتهى ذلك بانتقاض ولايتى كوبر وكاتسينا. أما فى عهد عليو بن محمد بلوّ (1843 - 1860) الذى استقبل المستكشفين أوفروك Overweg (1851) وبارت Barth (1852 و 1854) فى سوكوتو، فقد اتسع نطاق الاضطرابات والفق، وفقد الملك سلطانه شيئًا فشيئا واغتصبه نفر من أمراء الولايات؛ أما خمسة الملوك الأخيرون من أسرة توردو، وهم أحمدو بن أتيكو (1860 - 1866)، وعليون -كرامى بن بلوّ (1866 - 18867)، وأحمدو رفايه (1867 - 1872)، وأبو بكرى (1872 - 1877)، وموياسو (1877 - 1904) فقد أثبتوا أنهم أعجز من أن يديروا إدارة حازمة دفة دولة مترامية الأطراف دب فيها سوس الفساد، فلم تلبث أن انهارت سنة 1904 بمجرد دخول جيش السير فريدريك لوكار Sir frederick Lugard فى سوكوتو. ومدينة سوكوتو اليوم جزء من مستعمرة نيجريا البريطانية، على حين أن بقية كوبر وقصبتها تساوة تدخلان فى مستعمرة النيجر الفرنسية. [ديلافوس Maurice Delafosse] سومطرة مساحة سومطرة 440 ألف كيلو متر مربع وهى خامس الجزائر الكبرى فى العالم. وتبلغ المسافة بين حديها الشمالى والجنوبى نحو 1750 كيلو مترا، وأكبر اتساع لها 400 كيلو متر تقريبًا. ويمر خط الاستواء بمنتصف هذه الجزيرة التى تقع بين خطى عرض 5 ْ 39 َ شمالا و 5 ْ 57 َ جنوبا. ويمكن الرجوع فيما يختص بتكوين أرضها وتوزيع مياهها وتكوين جبالها وتوزيعها وجغرافيتها وأجناسها البشرية وأحوالها السياسية وإحصائياتها ونظامها الإدارى. . إلخ إلى دوائر المعارف الكبرى وإلى المؤلفات الخاصة، وقد أوردت دائرة المعارف الهولندية ملخصا لها (Dutch Encyclopaedia van Nederlandsch Indie)

ولذلك فإننا سنقصر هذه المادة على الكلام عن الإسلام فى سومطرة وعن تاريخ دخوله فى هذه الجزيرة واعتناق أهلها الوثنيين له ومميزاتهم الدينية الخاصة. . إلخ. ويظهر أن الاسم سومطرة كان فى الأصل علمًا على موضع صغير، ثم أصبح يدل فيما بعد على الجزيرة كلها. وسنذكر فى اللمحة التاريخية القصيرة التالية الأسماء المتأخرة. وقد ذكر الإسلام لأول مرة فى سومطرة عام 1292 على لسان الرحالة البندقى ماركو بولو Marco Polo الذى يتحدث عن انتشاره فى فرلاق Ferlac (أى برلاق، وفى الآجية بوريولا) وهو اسم معروف حق المعرفة من الحوليات الملاوية. وقد تحقق لنا منذ أن حلت رموز الكتابات التى على شواهد القبور الإسلامية القديمة فى آجية (آجى) Acheh أن مؤسس المملكة الإسلامية. فى سمودره باساى Samudra-Pasai على الشاطئ الشمالى الغربى لآجية قد توفى عام 1297. ومن ثم يستبعد أن يكون دخول هذه البلاد فى الإسلام قد حدث فيما بين عامى 1270 و 1275 م كما نظن. وقد أطلق كتاب العرب فى القرنين التاسع والعاشر الميلاديين على شمال سومطرة اسم: رمى، والرمنى والرمى، ولمرى؛ ويسميه الإدريسى الرمى (القرن الثانى عشر) والقزوينى: رمنى (القرن الثالث عشر). ويذكر علاوة على ماركوبولو فرلاق Ferlac بلاد بوسمه Bosma وسومره Somara ولمبرى Lambri وفنسور Fansur . . إلخ وذكرت بلاد "سوملتره" Sumoltra فى القرن الرابع عشر فقيل إنها دولة تشتبك فى حرب مع لَمُرى Lamori. وكان ابن سلطان محمد صاحب سمودره (توفى عام 1326) هو سلطان أحمد، ولعله كان لا يزال متربعا على العرش عندما وصل ابن بطوطة عام 1345 م إلى تلك البلاد. وفى سنة 1365 ذكر التاريخ الإخبارى الجاوى المنظوم نكاركرتا كما Nagarakertgama بلاد إرو Aru وتميانغ Tamiang وبرلاق Perlak، وسمودره Samudra, ولمبرى Lambri، وبارات Barat, وباروس, Barus باعتبارها جميعًا دولا خاضعة

لإمبراطورية مجابهيت. وفى سنتى 1416 و 1436 وصف كتّاب سر السفير الصينى شنغ هو Cheng Ho بلاد أرو وسمودره ولمبولى. . إلخ. على أنها دول اسلامية. ولا شك أنه كان فى بلاد أرو بحسب سجلات هؤلاء الكتاب حاكم يدعى "سلطان حسين" ولعلنا نستطيع أن نذهب إلى أن الاسم سمودره قد استعمل على وجه التعميم فأصبح يطلق على الجزيرة كلها. وقد سماها نيقولوده كونتى Nicolo de Taprobane Conti أو "جاموتره Sjamutera فى لغة أهل البلاد". وكانت التسمية العربية لكل من جاوة وسومطرة فى العهود المتأخرة هى ياوه، ومن ثم جاء اللفظ جاوة الكبرى وجاوة الصغرى فى المصادر الأوروبية. والأسماء الوطنية الأحدث عهدًا من ذلك هى بولو برشا pulo percha (= مركا Merca من السنسكريتية مارتيا Martya، أى أهل الفناء أو البشر) أو بولو أندلَس Pulo andalas (وهى شجرة معروفة جيدًا). وكان هذا الاسم هو الاسم العربى أندلس ويستعمل كل منهما بدلا من الآخر فى بعض الأحيان. وفقدت سمودرة أهميتها التجارية بعد استيلاء البرتغال على ملقا سنة 1511 وحلت محلها آجيه، وسرعان ما غزت هذه الدولة أهم البلاد فى شمالى سومطرة. وحسبنا أن نسوق الإشارات القصيرة التالية عن دخول آجيه فى الدين الإسلامى ويمكن أن نعد الأخبار الملاوية بوجه عام حجة من الناحية التاريخية. وتذكر أكثر هذه الأخبار جدارة بالتصديق أن أول ملك أسلم هو على مغايت شاه (913 - 928 هـ) فاتح بدر Pedir، وسمودره وغيرهما من البلاد. وفى عهد سلطان على رعايت شاه وفد على آجيه من مكة فقيه أخذ يلقن الناس علم الإلهيات. ومن الثابت أن دخول الإسلام فى آجيه لم يتم على يد مبشرين من العرب. والأرجح أن تجار العرب قد حملوا معهم الإسلام إلى سومطرة فى القرون الأولى للهجرة. والظاهر أن التجارة مع سيلان فى القرن الثانى كانت كلها فى أيديهم، وكان منهم عدد كبير فى بلاد الصين فى القرن الثامن، ومن ثم لا يستبعد أن يكونوا قد أسسوا محلات تجارية فى بعض الجزائر على الشاطئ الغربى

لسومطرة. على أنه لا يساورنا شك فى أن بعض الفقهاء قد وفدوا على الأرخبيل من جنوبى الهند كما يستدل من بعض خصائص العقيدة والتصوف السائدين الآن فى النواحى الإسلامية لسومطرة. ويكشف الأصل الهندى الجنوبى للصورة التى اتخذها الإسلام فى أندونيسيا عن نفسه بطرق شتى، والشواهد الدينية والأدبية واللغوية على ذلك كثيرة وافرة. ونذكر من الشواهد اللغوية الاسم لباى Labai أى الفقيه وهو اللفظ الهندى الجنوبى لبايكم Labaigem بمعنى التاجر؛ والاسم بيوبارى Biyopari ويرادفه بالسنسكريتيه فيابارى Vyapari ومعناه التاجر. وليس من المحتمل أن يكون الإسلام قد دخل فى أى وقت هذه البلاد عنوة، وما من شك فى أن انتشاره التدريجى فى الجزائر الشرقية كان نتيجة استيطان التجار المسلمين وخاصة الكجراتيين وتزوجهم من نساء الملايو وتحسن حال الوطنيين باعتناقهم دين ذوى النفوذ أو قل إن هذا كله كان على الجملة تغلغلا سلميا. إن الكلمات الدالة على الدين (أكاما Agama) والصوم عند المسلمين (بواسا = أو بافاسا puwasa = upavasa) والمعلم (كورو Quru) والطالب (ساسيان = سسيا sasiyan = cisya) لا تزال مستعملة حتى اليوم. وكانت آجيه فى أوج ازدهارها (القرنين السادس عشر والسابع عشر) أهم دولة إسلامية فى سومطرة، وقد شعر بنفوذها الوثنيون من أهل الجنوب، ولذلك فإن من الراجح أن تكون هداية الوثنيين إلى الإسلام عن طريق الحرب كانت تحدث أحيانًا بين الباتق وغيرهم من الشعوب الوثنية. ومن الحقائق العجيبة أن الباتق Batak الذين ظلوا قرونا يقاومون بعناد دخول الإسلام بين ظهرانيهم قد استجابوا بحماسة فى القرنين التاسع عشر والعشرين للجهود التى بذلت لإدخالهم فى الإسلام، ولذلك نجد الكارو Karo خاصة بل الماندلنغ الباتق Mandeling-Bataks من المسلمين الغيورين. وقد مهد السبيل للإسلام الموظفون الملاويون الصغار فى الحكومة الهولندية ورغبتهم فى بلوغ المستوى

الاجتماعى الذى بلغه الكتبة المتعلمون وجامعو الضرائب ثم الحافز الذى أتاحه للدعوة الإسلامية قيام بعثات التبشير المسيحية بين الباتق. ونلاحظ هذا التدرج نفسه على انتشار الإسلام فى جزيرة نياس Nias فنجد أن الوثنية فيها تتهاوى أمام الدينين الساميين الإسلام والمسيحية كما هى الحال بين الباتق. وليس لدينا آية وثائق تاريخية عن دخول الإسلام إلى بلاد مننغكاباو Minangkabau (غربى سومطرة) التى كانت فى الأزمنة المتقدمة مملكة هندوسية. ويمكن أن نفترض أن الدين الجديد قد شق سبيله على طول الطرق التجارية من بدر Padir (بيدى Pidie) إلى بريامن Periaman وغيره من الثغور، ثم صعد من الشاطئ إلى المرتفعات التى فى داخل البلاد. وثمة معلومات قليلة تجعلنا نرجح أن الإسلام لم يدخل بلاد مننغكاباو قبل منتصف القرن السادس عشر. ولا يمكن الاعتماد على الرواية المتواترة التى تقول إن الشيخ إبراهيم، وهو رجل من أهل مننغكاباو درس العقائد الإسلامية فى جاوة قد أدخل فى بلاده عند عودته عن طريق بريامن وتكو Tiku . ومع ذلك فإن فى مقدورنا أن نعد ذلك دليلا على الطريق الذى اتخذه الإسلام فى دخوله إلى هذا القسم من الجزيرة. وظل نجاح الإسلام معلقًا فى الميزان مدة طويلة فى بلاد مننغكاباو التى كانت تستمسك بالنظام الاجتماعى القائم على سلطان الأم وتأخذ بالقوانين الملاوية البدائية فى الوراثة، ولم يكن مفر من قيام منازعات سافرة فى سبيل مقاومة هذه المأثورات المعوجة، وكان أخطر هذه المنازعات حرب بادرى Padri الطويلة الدامية، وقد سميت باسم بادرى Padari أو بدرى Pidari , نسبة إلى رجال من بدر Pedir فى آجيه وليس نسبة إلى ثغر بدره Pedre كما كان يظن من قبل) حاولوا فى منتصف القرن العشرين أن يدخلوا بالقوة الإسلام القويم فى بلادهم وصادفوا مقاومة من غالبية أهل البلاد، زد على ذلك أن فرقة البدرى Padri قد ورطوا الحكومة الهولندية فى حرب دموية طويلة انتهت بهزيمتهم بعد سقوط بنجل Bondjol آخر معاقلهم فى عام 1839. وفر عدد كبير من رجال

المصادر

مننغكا باو إلى المستعمرات فى المضايق وهى الأماكن القديمة التى كانوا يحتمون بها. ويعد أهل آجيه وأهل مننغكا باو اليوم هم أشد أتباع النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] غيرة وحماسة. والأولون من غلاة أهل السنة، أما الآخرون فيستمسكون بقوانينهم الاجتماعية الوطنية القديمة ويتقبلون شيئًا فشيئا العقائد السنية. وقد انتشر الإسلام فى عهد متأخر بعض التأخر فى بلمبانغ Palembang التى كانت فى وقت من الأوقات البلاد الملاوية المثلى فى ظل الحكم الهندوسى، ولكن أهلها أسلموا جميعًا اليوم شأن غيرهم من سكان البلاد المجاورة وسكان سلطنة سياك Siak على الشاطئ الشرقى. والظاهر أن القسم الجنوبى من سومطرة. ونعنى به نواحى لامبونغ Lampong, قد دخل فى الإسلام على أيدى وعاظ وبعض ذوى النفوذ من أهل بانتن Banten (غربى جاوة) التى تعد الآن من أشد الأقاليم غيرة على هذا الدين فى جزيرة جاوة، وقد دانت هذه الجزيرة كلها تقريبًا للإسلام. ودخول القبائل التى يقل حظها من التمدن عن ذلك فى الدين الإسلامى مثل لوبو Lubu وكوبو Kubu ليس إلا مسألة زمن وحسب فقد بدأ التوغل السلمي لهذا توغطلا بطيئا ولكنه يسير قدمًا سيرًا محتومًا لا مفر منه. المصادر: (1) The Achehnese: Suouck Hurgronje (ترجمة كتاب De Atjehers). (2) المؤلف نفسه: Mekka . (3) The Preaching of Islam: T.W.Arnold (4) مادة سومطرة فى Encyclopaedia van Ned. Indie الطبعة الثانية. (5) Lan-den yolk van Sumatra: C.Lekkerker Ker، نشرات فى الدوريات الشرقية مثل De Indische Gids,Bijdragen tot de Taal., Land-en Volkenkunde van Ned. Indie, Tijdschrift voor de Taal., Land-en Volkenkude van Ned. lndie, بأقلام Ch.S. van. Ronkel J.P Juynball, Snouck Moquette, Th W.Hurgronje وغيرهم. [رونكل Ph.S van Ronkel]

السويس

السويس ميناء فى أطراف مصر على رأس خليج السويس، ويقوم فى سهل رملى مجدب تنهض إلى الغرب منه جبال عتاقة الدكناء. وقد اشتهرت هذه المدينة بحكم ما يكتنفها من ظروف طبيعية باسم "الحجر" والسويس على مسافة ثمانين ميلا إلى الجنوب الشرقى من القاهرة وعلى بعد ميلين إلى الشمال من ميناء إبراهيم، وهو ميناء فى المدخل الجنوبى لقناة السويس على خط عرض 29 ْ 58 َ 59 َ شمالًا، وخط طول 32 َ 35 َ شرقًا، وقد أفادت السويس من وقوعها على القناة (افتتحت القناة سنة 1869) فتحولت من قرية إلى مدينة كبيرة، وهى اليوم محافظة من محافظات مصر. وقد شيد القسم الأكبر من المدينة بالطوب اللبن المجفف فى الشمس، وفيها عدد كبير من المساجد. وشيد فى الحى الأوربى مكاتب ومستودعات للبضائع كبيرة. ومدينة السويس محجر صحى للحجاج فى طريقهم إلى مكة. وتقوم مدينة السويس الحديثة فى موقع عدة مدن قديمة، فقد عثر فيها على آثار مصرية قديمة. وتقوم على ربوة (كوم القلزم) بالقرب من السويس خرائب قلعة Kyvaua التى ترجع إلى عهد البطالمة (Clysma ppraesidium: ويعرفها الجغرافيون العرب باسم القلزم. وقد شيد بطلميوس فيلادلفوس Ptolemy Philadelphus (المتوفى سنة 230 قبل الميلاد) قبل ذلك العهد بالقرب من مدينة أرسنوى (Apolvon) Arsinoe التى عرفت فيما بعد باسم كليوباتريس Cleopatris وكانت تقوم هناك فى العهد المسيحى المتقدم محلة يشتغل أهلها من المواطنين بصيد الأسماك وتهريب البضائع خاصة. وازدهرت السويس فى ظل الحكم الإسلامى باستثناء عهد السلاطين المماليك الذى توقفت فيه عن النمو، ثم ازدادت اضمحلالا على أثر كشف طريق رأس الرجاء الصالح. وانتعشت مرة أخرى فى عهد السلطان سليم الأول (1517 م) بوصفها محطة بحرية، وكانت المياه تجلب إليها فى ذلك العهد من بئر سويس على مسيرة فرسخ وربع على الطريق إلى القاهرة بوساطة قناطر معلقة لا تزال آثارها باقية حتى الآن، على أن المياه كانت كما

يقول على بك (Travels جـ 2، ص 30) ضاربة إلى الملوحة، وكانت المياه تحمل إليها أيضًا (حوالى ثمانية أميال) من عيون موسى التى اشتهر أمرها فى القصص (ابن الوردى: Perles des Merveilles فى Notices et Extraits des manuscrits de la Bibliothe que du Roi، جـ 2، ص 31). ويذكر على بك أن ماء هذه العيون يخرج منها كريه الرائحة لا يستساغ مذاقه، على أنه قد حفرت بعد ذلك قناة من المياه العذبة سنة 1863 ما بين القاهرة والسويس. واضمحلت السويس مرة أخرى فى مستهل القرن التاسع عشر (على بك، المصدر السابق، جـ 2، ص 29). ثم عادت إلى الازدهار عندما اففتح طريق البريد ما بين إنجلترا والهند سنة 1827 وازدادت ازدهارًا بعد حفر قناة السويس. ونجد فى كتاب وصف مصر (Desc de,L'gypte, جـ 1، ص 87) اشتقاقا للاسم سويس. ويذكر ياقوت نقلا عن المهلبى أن حجر المغناطيس يوجد بالقرب من السويس، "وهو حجر يجذب الحديد، وإذا دلك ذلك الحجر بالثوم بطل عمله، فإذا غسل بالخلّ عاد إلى حاله". وكانت توجد فى وقت من الأوقات قناة قديمة تسمى أمنيس ترايانى Amnis Trajani تربط بين النيل والبحر الأحمر، وهذه القناة أقدم بكثير من العهد الرومانى. وكان طرف من أطرافها ينتهى عند بحر القلزم. وقد أعاد عمرو بن العاص شق هذا الطريق المائى القديم لييسر شحن الحبوب إلى الحرمين مباشرة (The Arab Conquest of Egypt: Butler ص 345 وما بعدها). وسرعان ما انسدت هذه القناة مرة أخرى ثم ردت إلى حالها فى عهد المهدى (المتوفى عام 780 م). واستولى حسن القرمطى على السويس سنة 971 هـ. وكانت تجارة جزائر الهند الشرقية تمر بهذه المدينة إبان العصور الوسطى. وتقطع القوافل المسافة بين الفرما (Pelusium) والسويس فى أربعة أيام وبين السويس والقاهرة فى ثلاثة أيام (انظر Edrisii Africa: J. M. Har ص 449، ياقوت: المعجم، مادة السويس).

المصادر

المصادر: علاوة على المصادر الواردة فى صلب المادة: (1) تاريخ الطبرى، طبعة ده غوى، الفهرس. (2) المسعودى: مروج الذهب، جـ 1، ص 237, 241؛ جـ 3، ص 55 وما بعدها؛ جـ 4 ص 97 وما بعدها. (3) عبد اللطيف: Relation de l'Egypt، ص 142, 179. (4) الهمداني: صفة جزيرة العرب، طبعة موللر Muller, الفهرس. (5) ابن إياس: تأريخ مصر، جـ 1، ص 154, 287. (6) السيوطى: حسن المحاضرة فى أخبار مصر والقاهرة، جـ 1، ص 68 وما بعدها. (7) محمد أمين الخاجى: منجم العمران فى المستدرك على معجم البلدان، القاهرة سنة 1325, جـ 2، ص 255 وما بعدها. (8) Histoire de l'Egypte de Makrizi: E. Blochet ص 153 وما بعدها. (9) ناصر خسرو: سفرنامه، طبعة Schefer , ص 122, 123, 285. (10) Memoires Geographiques: Quatremere، ص 151 وما بعدها. (11) Geogr. de l'Egypte a l'epoque copte: Amelineau ص 227 وما بعدها. (12) Hist. of Egypt: S. Lane-Poole ص 20, 41 - 42, 106, 304. (13) Babylon of Egypt: Butler ص 12, 24. (14) Description de l'Afrique par Edrisi: Dozy & de Goeje ص 25, 164. (15) Dict Geogr: Boinet Bey تحت هذه المادة. (16) Itinerarium: Ch.Furer سنة 1621, ص 34, 41. (17) Le port de Suez: G.Joudet سنة 1919. (18) Egypt: Baedeker. (19) Anciens Canaux . . . de Suez: C.Bourdon سنة 1925.

سيبويه

(20) By Nile and Tigris: Wallis Budge، جـ 1، ص 152. (21) ابن عبد الحكم: فتوح مصر، طبعة Torrey ص 164. (22) المكتبة الجغرافية العربية ص 196. الشنتناوى [ووكر J. Walker] سيبويه لقب شيخ من أئمة فقهاء النحو على مذهب البصريين، اسمه أبو بشر عمرو ابن عثمان بن قنبر، من موالى قبيلة الحارث بن كعب العربية، ويقول فقهاء اللغة إن سيبويه معناها "رائحة التفاح"، ولكننا لا نستطيع أن نأخذ بهذا التفسير، ذلك أن اللقب سيبويه لم يرد قط أنه ينطق بالباء المضعفة فضلا عن أننا نستطيع بالقياس على كثير من الأسماء الفارسية الأقدم منه عهدًا والتى تتضمن الكاسعة "وى" أن نقرر مع الترجيح الكبير أن هذه الكلمة كانت تنطق "سيبوى" وأنها كانت عبارة تحمل معنى التدليل والإعزاز وتدل على: "التفاحة الصغيرة: Apfelchen" ويحيط بتاريخ مولد سيبويه وتاريخ وفاته ومكانهما كثير من البلبلة والاضطراب. والظاهر من أوثق الروايات أنه ولد فى البيضاء بناحية شيراز من أعمال فارس، وقدم البصرة فى حداثته، ودرس على شيوخ فقهائها ومن أشهرهم الخليل بن أحمد، وهو رجل لم يقدر الناس أثره فى العلوم العربية حق التقدير إلى اليوم. وتوفى الخليل سنة 175 هـ (791 م)، على حين أننا نجد أن أقدم تاريخ ذكر لوفاة سيبويه هو سنة 177 هـ. ونخلص من هذا إلى القول بجواز أن يكون سيبويه قد حضر على الخليل فى السنوات العشر الأخيرة من حياة الخليل. على أن ابن خلكان وغيره يذكرون جملة تواريخ لوفاة سيبويه. ويجعل ابن قانع وفاته فى تاريخ مبكر يرجع إلى سنة 166 هـ وهذا مستحيل، ويقول آخرون إنها كانت سنة 188 أو 180 هـ، ويزعم ابن الجوزى أنها كانت سنة 194, ويحدد عمره وقت وفاته بأنه كان 32 عامًا، وهذا التاريخ أيضًا مستحيل إذا قسناه بالتاريخ المعلوم لوفاة الخليل.

ويحيط بمكان وفاته أيضًا بلبلة واضطراب، على أن خير المصادر تقول إنه توفى بساوة. وذكر الخطيب صاحب تاريخ بغداد عن ابن دريد أن سيبويه مات بشيراز وقبره يقوم فيها. ونحن إذ نعلم أن ابن دريد عاش عدة سنوات فى فارس فضلا عن أنه يعد خير راوية لعلوم البصريين، فإنه يصح لنا أن نذهب دون أن نخشى الزلل إلى أن روايته هى الرواية الصحيحة. وسيبويه من شيوخ الأئمة فى العلوم العربية، وحسبنا أن كتابه الذى كان ثمرة لقريحة رجل لم يطل به العمر قد لقى مثل هذا الإقبال من الناس عامة، ذلك أن فقهاء العرب قد درجوا دائمًا على التعظيم من شأن الكتب التى ألفها أناس من ذوى السن العالية. وما من ريب فى أن المناظرة التى عقدت بين سيبويه والكسائى فى حضرة الوزير يحيى بن خالد البرمكى المتوفى سنة 182 هـ عن المسألة الزنبورية قد وقعت بعد وفاة الخليل، وانتصر الكسائى على سيبويه بمراجعة عربى، ولعل الكسائى، عدو سيبويه الذى لا يعرف وازعًا من ضمير، واشترى العربى بالمال، وتلقى سيبويه جائزة سنية من يحيى، ولكنه وجد موجدة عظيمة لما لحقه من هزيمة، وقصد بلده ولم يعد إلى العراق قط، ويقال إنه توفى بها من الغم والكمد. وقد أودع سيبويه ثمرة دراساته كتابًا كبيرًا فى النحو العربى (قدره أصحاب كتب الطبقات بألف ورقة). ولا يعد هذا الكتاب أكبر مؤلف فى بابه وصل إلينا عن علم البصريين فحسب، بل هو قدأصبح أيضًا، منذ تأليفه، عمدة جميع الدراسات العربية فى النحو، وكان يعرف تشريفًا له بالكتاب وحسب. وقد درس سيبويه كما ذكرنا على الخليل، ولكنه أفاد من دروس يونس بن حبيب، وعيسى بن عمر، وأبى الخطاب الأخفش. ويقال أيضًا إن الفقيه النحوى أبا زيد الأنصارى قد زعم أنه هو الذى يعنيه سيبويه إذ يقول فى كتابه "حدثنى من نثق به" على أن الرواية المتواترة تقول إن المقصود هو الخليل. ونحن لا يسعنا إلا أن نغلب هذه الرواية على الروايات المفردة التى ساقها كتاب السير بما يخالف ذلك. ومهما يكن من شئ فإن هذه الروايات

تثبت أن أئمة الفقهاء إنما كانوا حريصين على أن يقترن اسمهم بسيبويه. ثم إنه من الراجح أن سيبويه لم تتح له فرصة تدريس كتابه أو قراءته على تلاميذه، وقد وقعت هذه المهمة على عاتق شيخه الأخفش الذى اضطلع بعد وفاة سيبويه بمراجعة كتابه مراجعة دقيقة. ولم يقتصر الاهتمام بدراسة كتاب سيبويه على البصريين فحسب، بل إننا نعلم أن غير البصريين كانوا يهتمون به كذلك كما تدل حكايته عجيبة رواها الجاحظ: "أهدى الوزير ابن الخياط (¬1) نسخة من كتاب سيبويه بخط الفرَّاء ومقابلة الكسائى وتهذيب عمرو بن بحر الجاحظ -يعنى نفسه، فقال الوزير هذه أَجل نسخة توجد وأعزها". وإذا كان سيبويه ينطق العربية بلسان تشوبه عجمة واضحة فإن كتابه كان يعد دائمًا من الكتب العمدة فى العربية الفصيحة. ويتسم أسلوبه شأن المؤلفات العربية الأولى بالإطناب الكثير والحجج المملة المجهدة، على أنه حافل بعدد لا يحصى من الشواهد المستقاة من القرآن، ويشمل نيفا وألف بيت من الشعر القديم، خمسون منها لشعراء مجهولين. وعلى ذلك فإن هذه الأبيات الخمسين يستشهد بها فى كتب النحو التى جاءت بعده اعتمادًا على ما ناله كتاب سيبويه من ثقة عظيمة. وقد وجدت هذه الأبيات شارحا مقتدرًا فى شخص أبى سعيد الحسن السيرافى المتوفى سنة 368 هـ وهو الذى تولى على هذا النحو شرح عدد من أشهر آثار مدرسة البصرة. وكثر بعد ذلك عدد الشراح كثرة عظيمة حتى أصبحنا لا نكاد نجد فقيها من الفقهاء من أتباع هذه المدرسة إلا وشرح كتاب سيبويه أو زاد عليه، وحسبنا أن نذكر فى هذا المقام طائفة من أشهر الذين وقفوا جهودهم على شرح هذا الكتاب وتيسيره؛ المبرّد (توفى سنة 384 هـ)؛ وعلى بن سليمان الأخفش (توفى سنة 315 هـ)؛ والرمّانى (توفى سنة 384 هـ)؛ وابن السرّاج (توفى سنة 316 هـ)؛ والزمخشرى (توفى سنة 538 م) وابن الحاجب (توفى سنة ¬

_ (¬1) الأمير الذى ذكره ابن خلكان فى روايته لحكاية الجاحظ هو محمد بن عبد الملك الزيات وزير المعتصم

المصادر

646 هـ)، وأبى العلاء المعرى (توفى سنة 449) وكثيرين غير هؤلاء؛ وقد بقى أيضًا شرح الأعلم. وخلف كتاب سيبويه فى المشرق كتب كثيرة فى النحو أوجز منه وأقصر، على حين ظل الكتاب يدرس فى المغرب. ويزعم بعض أصحاب كتب الطبقات أن المكّودى المتوفى سنة 801 هـ كان آخر من درّسه فى فاس، على أن لدينا من الشواهد المستقاة من النسخ المطبوعة على الحجر ككتب النحو التى ألفها كتاب متأخرون فى فاس، ما يدل على أن كتاب سيبويه كان لا يزال يدرس بشغف فى تاريخ متأخر عن ذلك كثيرًا، وأن نسخًا منه كانت محفوظة فى مكتبات هذه الحاضرة الثقافية للمغرب. ولدينا من كتاب سيبويه ثلاث نسخ مطبوعة علاوة على قطع منه شرحها علماء أوربيون وترجمة ألمانية. ولعل طبعة القاهرة وعليها شرح السيرافى وشرح الأعلم هى خير هذه الطبعات، ذلك أن طبعة درنبورغ (Le livre de Sibawaihi، باريس 1883 وما بعدها)، وطبعة كلكتة سنة 1887, والترجمة الألمانية التى قام بها يان (Jahn، برلين 1894 م وما بعدها) ليست بريئة من الأخطاء بحال. المصادر: (1) الفهرست، ص 51. (2) ابن خلكان، القاهرة 1310 هـ جـ 1، ص 385. (3) الزبيدى: الطبقات. (4) الأنبارى: النزهة، ص 71 - 81. (5) السيوطى: بغية الوعاة، القاهرة 326 هـ, ص 366, وغير ذلك من كتب الطبقات. (6) حاجى خليفة: كشف الظنون، الآستانة جـ 2، ص 281 - 283. وقد أحصى حاجى خليفة كثيرًا من الشروح. (7) وكذلك فعل Brockelmann: Gesch. der arab Lit، جـ 1، ص 100 - 102. (8) Gramm. Schulen: Flugel ص 42 - 45. خورشيد [كرنكوف F. Krenkov]

السيد الحميرى

السيد الحميرى أبو هشام إسماعيل بن محمد بن ربيعة بن مفرِّغ (وفى روايات أخرى ربيعة مفرّغ): شاعر عربى ولد بالبصرة سنة 105 هـ (723 م) من أسرة أباضية ولكنه انضم فى مطلع حياته إلى الشيعة "بفضل اللَّه" على حد قوله مفاخرًا, وأصبح من أتباع الفرقة الكيسانية ولم يكتف كغيره من الكيسانية بقوله بعودة إمامهم محمد بن الحنفية فحسب بل قال أيضًا بالحلول بصورتيه: الاعتقاد فى الرجعة، والتناسخ؛ وادعى أن النبى يونان حل فيه. وقد أدى به موقفه من المسائل الدينية والسياسية إلى الانتقال من البصرة إلى الكوفة، ولكن ذلك لم يمنعه من التقريب بشعره إلى العباسيين بعد أن علا شأنهم، وكانت له حظوة عند المنصور بصفة خاصة، ونظم أيضًا قصائد فى مدح ولاة الأقاليم مثل أبى بجير وإلى الأهواز وكانت الموهبة الشعرية وراثية فى أسرته، وشاهد ذلك أن جده يزيد كان هجّاءً مرهوب الجانب نظم قصائد فى ذم الوالى زياد. وكان السيد الحميرى نفسه شاعرًا مكثرًا حتى قيل إن له نيفًا وألف قصيدة ذاعت بين بنى هاشم، فضلا عن شهرته برشاقة الأسلوب. وقد نهج نهج أبى العتاهية فتحاشى ترصيع أشعاره بالألفاظ الغريبة وصرف همه إلى النظم بأسلوب واضح يفهمه عامة الناس. ويعد هو وأبو العتاهية وبشار أشهر الشعراء المتأخرين، على أن آراءه الخاصة فى السياسة والدين قد حالت دون ذيوع أشعاره، ولا أدل على ذلك من أن ديوانه لم يصل إلينا. وتوفى السيد الحميرى فى واسط سنة 173 هـ (789 م). المصادر: (1) أبو الفرج الأصفهانى: كتاب الأغانى، جـ 8، ص 1 - 31 (الطبعة الأولى)، ص 2 - 29 (الطبعة الثانية). (2) ابن شاكر: فوات الوفيات، القاهرة سنة 1299 هـ، ص 119. (3) الشهرستانى: الملل والنحل، طبعة cureton, ص 111. (4) عبد القاهر البغدادى الفرق بين الفرق، القاهرة سنة 1328 هـ, ص 30.

السيرافى

(5) Barbier de Meynard, المجلة الأسيوية، المجموعة السابعة، جـ 4، ص 159 - 258. (6) Muhammed Ibn al Hanafiya: H. Banning إرلانكن سنة 1909، ص 50. (7) The Heterodoxies of the Shiites: I. Friedlander سنة 1909, ص 179. الشنتناوى [بروكلمان Brockelmann] السيرافى أبو سعيد الحسن بن عبد اللَّه بن المرْزُبان: ولد قبل سنة 290 هـ (903 م) فى بلدة سيراف الصغيرة على الخليج الفارسى، وقد ذكر الوزير على بن عيسى أن مولد السيرافى كان سنة 280 هـ على وجه التحقيق (ياقوت: إرشاد الأريب، جـ 3، ص 123)، وتلقى السيرافى دروسه الأولى فى النحو والفقه فى مسقط رأسه، ولم يكن قد جاوز العشرين من عمره حين عبر البحر إلى عمان حيث صرف همه إلى دراسة المذهب الحنفى, ثم عاد إلى سيراف وقصد منها المعسكر ودرس فيها النحو العربى على المَبْرمان (انظر الزبيدى: الطبقات, رقم 44؛ السيوطى: البغية، ص 74)، ثم شخص إلى بغداد حيث درس بخاصة على أبى بكر بن دريد وأصبح من أخص تلاميذ هذا الفقيه البارز وناشرًا لمصنفاته، على أنه لم يقتصر على الدراسة اللغوية بل أصبح حجة فى جميع فروع العلوم التى كانت تمارس وقتئذ؛ ودرس السيرافى علوم القرآن على أبى بكر بن مجاهد والنحو على أبى بكر بن السرّاج، والحساب على المبرمان، الذى تقدم بنا ذكره، والحديث على أبى بكر بن زياد النيسابورى ومحمد بن أبى الأزهر؛ واشتهر السيرافى بأنه كان من المعتزلة، على أن من العسير أن نتبين ذلك فى كتاباته؛ وقد ظل أكثر من أربعين عامًا يصدر الفتاوى من مسجد الرصافة ببغداد؛ وأقامه قاضى القضاة أبو محمد بن معروف أكثر من مرة نائبا عنه على الجانب الشرقى من مدينة بغداد؛ ودُعِى أيضًا ليتولى منصبا فى ديوان الوزارة, ولكنه رفض هذه الدعوة، ويصفه جل كتاب السير بأنه رجل شديد التقوى يكرس وقته للصلاة والصوم ويرفض

العطايا من العظماء، ويقال إنه ألف أن ينسخ كل يوم عشرة أوراق من مخطوط ثم يبيعها بعشرة دراهم تكفى لمؤونته، وقد ذكر ياقوت رواية مخالفة لهذه تقول إنه أخذ عليه أنه استعار مخطوطين من اثنين من الوراقين وحمل تلاميذه على استنساخها لشدة خسته أو لفقره المدقع، وقد كتب فى خاتمة المخطوطين المنسوخين أنهما تليا عليه، وبيعت النسختان من بعد بثمن أعلى من ثمن المخطوطين الأصليين بفضل شهرة السيرافى. وكان السيرافى فقيهًا من فقهاء المذهب الحنفى، ومع ذلك فإن رأيه الشخصى كان موضع التقدير العظيم، وقد روى لنا ياقوت خبر الرأى الذى أبداه فى الشراب المسكر؛ ويستفاد من العبارة التى نسبت إليه فى ذلك أن هذا الرأى كان سديدًا فى عرف أى مذهب بالرغم من مخالفته لبعض مبادئ المذهب الحنفى المقررة. واستفاضت شهرة السيرافى فى العلم حتى أصبح يتلقى فى كثير من الأحيان رسائل من الملوك والوزراء من شتى أرجاء العالم الإسلامى؛ وقد بعث إليه الأمير السامانى نوح بن نصر كتابًا يتضمن أكثر من 400 سؤال خاطبه فيه بلقب الإمام. ولقد سماه أمير الديلم فى خطاب من هذا القبيل بشيخ الإسلام وتلقى خطابات أخرى من الوزير المصرى ابن خنزابة ومن سواه؛ والمصنف الوحيد الميسور من بين المصنفات العشرة التى نسبها إليه كتاب سيرته وذكروا عناوينها هو شرحه "الكتاب" لسيبويه، على أن هذا الشرح كان ذائعا حتى فى أيام حياته، وقد حسده عليه معاصره أبو على الفارسى الذى كان أيضًا من أئمة الفقهاء البصريين، ولم يكتم هذا الحسد، وقد ظل أبو على هو وأتباعه يحاولون الحصول على نسخة منه ليتسقطوا ما قد يكون فيها من أخطاء ويعلنوها على الناس. واستطاع أبو على سنة 368 شراء نسخة بألفى درهم، ولكنه لم يجد فيها ما كان يرجو من أخطاء، وتأخر به الزمن عن لقاء السيرافى، إذ أدركته منيته فى السنة نفسها ببغداد فى اليوم الثانى من رجب ودفن بمقبرة الخيزران؛ ويسند إليه كتاب سيرته، كما تقدم بنا القول، عشرة مصنفات كل منها قائم

بذاته: (1) شرح على "الكتاب" لسيبويه، طبع فى القاهرة سنة 1317 واستخدمه يان Jahn فى ترجمة هذا "الكتاب" (برلين 1894) (2) شرح على قصيدة ابن دريد المسماة "المقصورة"؛ (3) "ألفات القطع والوصل"؛ (4) "الإقناع فى النحو"، وهو كتاب فى النحو لم يتمه وأتمه ابنه يوسف، وقد جهر يوسف بأن أباه قد يسر علم النحو تيسيرًا كبيرًا بمصنفه هذا؛ (5) "شواهد سيبويه"، وهى شروح للأبيات التى وردت فى "الكتاب" لسيبويه؛ (6) "المَدْخَل (المدْخِل؟ ) إلى كتاب سيبويه"؛ (7) "للوقف والابتداء"، ولعله مصنف فى قراءة القرآن قراءة صحيحة؛ (8) "صنعة الشعر والبلاغة"، وهو بحث يتناول الطريقة الصحيحة فى كتابة الشعر والنثر؛ (9) "أخبار النحاة البصريين"، وهو يتضمن سير نحاة مدرسة البصرة أو على الأصح قصصا عنهم مع أخبار عن خلافاتهم الأدبية كما نتبين من الشواهد التى ذكرها ياقوت وغيره من المؤلفين، وقد حفظ هذا الكتاب من الضياع، وفى الآستانة مخطوط جيد منه، ويقول السيوطى إنه استخدم نسخة منه كتبت فى كراسة كبيرة، (10) "كتاب جزيرة العرب"، وهو كتاب جغرافى استشهد به ياقوت فى معجمه الخاص بتقويم البلدان؛ ولم يذكر كتاب سيرة السيرافى شرحه على تلك الأبيات من الشعر التى أوردها ابن دريد فى معجمه الكبير "الجمهرة"، أما وقد راجعت مخطوط ليدن كله من هذا المصنف فإن من رأيى أن نحو ثلث المجلدين الثانى والثالث من "الجمهرة" قد استنفده هذا الشرح على أبيات الشعر الكثيرة التى ورد ذكرها فيه (ولا يشتمل المجلد الأول من هذا المخطوط نفسه على هذا الشرح)؛ وقد تحذلق فيه السيرافى فتناول الكلمات كلمة كلمة ولم يشر إلى أصلها التاريخى إلا نادرًا. ومن الواضح أن السيرافى كان فى كثير جدًا من الحالات لا ينى عن سؤال ابن دريد تفسير ما غمض، ويحملك الشرح كله على الاعتقاد بأن نصيب السيرافى فى هذا المصنف لم يزد على هذه التفسيرات الإضافية التى لا تجدها فى المخطوطات الأخرى من الجمهرة، ثم إن بعض الأبيات العادية الواردة فيه قد

السيرة

نسبت إلى السيرافى، كما أنه كان موضع سخرية معاصره الكبير أبى الفرج الإصبهانى الذى كان السيرافى قد تشاجر معه. وتجد تراجم السيرافى فى جميع المصنفات التى كتبت عن حياة النحاة وعلماء الحديث وفقهاء الحنفية؛ وأهم تلك المصنفات: الفهرست، ص 62؛ الأنبارى: نزهة الألبّاء، ص 379؛ السيوطى: بغية الوعاة. ص 221, ياقوت: إرشاد الأريب، جـ 3، ص 84 - 125؛ الجواهر المضيعة، طبعة حيدرآباد، جـ 1، ص 196؛ ابن حجر: لسان الميزان, جـ 2، ص 218؛ ابن خلكان، القاهرة 1310, جـ 1، ص 130؛ Flugel hanafitischen Klassen der Rechtsgelehreten ص 107؛ G.A.R.: Brockelmann, جـ 1، ص 113، وغير ذلك من المراجع. (2) يوسف بن الحسن السيرافى، ابن السعيد أبو الحسن السيرافى، وقد خلف أباه فى التدريس بعد وفاته وأنجز مصنفه فى النحو المسمى "الإقناع"، ولم تكن له شهرة أبيه، ولكن ذكرت له ثلاثة مصنفات تماثل فى نوعها مصنفات أبيه، وهى: (1) شرح على الأبيات التى ورد ذكرها فى "الكتاب" لسيبويه؛ (2) شرح على الأبيات التى ورد ذكرها فى "إصلاح المنطق" لابن السكيت؛ (3) شرح على الأبيات التى وردت فى "غريب المصنف" لأبى عبيد القاسم بن سلام، وكان يقيم ببغداد وتوفى بها فى ربيع الأول سنة 385 هـ بالغًا من العمر 55 عامًا (انظر "بغية الوعاة", ص 241). صبحى [كرينكوف krenkow] السيرة " السيرة" هى الترجمة المأثورة لحياة النبى محمد عليه الصلاة والسلام؛ ويظهر أن هذه الكلمة قد استعملت أول ما استعملت للدلالة على باب قائم بذاته فى عنوان مؤلف ابن هشام (طبعة فستنفلد ص 3، س 4 هذا كتاب سيرة رسول اللَّه). على أن ثمة شاهدًا آخر على استعمالها بمعنى الترجمة لحياة النبى عليه الصلاة والسلام، فقد وردت بهذا المعنى فى الواقدى (ابن سعد، الطبقات، جـ 2، قسم 1، ص 18: من روى السيرة)، وفى تلميذه ابن سعد (المصدر المذكور، جـ 3، قسم 2،

(1) أصل السيرة وطبيعتها

ص 152: هؤلاء أعلام بالسيرة والمغازى من غيرهم)، ثم إن كلمة سيرة كانت تستعمل فى تلك الأيام حقًا للدلالة على ترجمة الحياة بصفة عامة، ذلك أننا نعلم بوجود سيرة هى "سيرة معاوية وبنى أمية" لعوانة الكلبى المتوفى سنة 147 هـ أو 158 هـ، أو لمنجاب بن الحارث (التميمى المتوفى سنة 321 هـ؛ الفهرست، ص 91، س 18). ومعنى "السيرة" متسلسل من "المسلك" أو "طريقة الحياة" اللذين تدل عليهما هذه الكلمة واللذين يعدان تطورا طبيعيا للأصل س ى ر، أى "سلك" أو "ذهب فى الأرض" (وقد وردت كلمة سيرة فى القرآن، سورة طه، الآية 20) * بمعنى "السنة" أو"الهيئة" ويبدو أن صيغة الجمع "سيَر" هى التى كانت مفضلة فى أول الأمر عند الكلام على ترجمة حياة النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] والراجح أنها أطلقت على الروايات الخاصة بحياته أسوة بـ "سير الملوك" البهلوية (¬1) الأصل التى كان العرب يعرفونها فى مطلع الإسلام (انظر Geseh. der Perser u, Araber: Noldeke, ص 14 - 18). والمصطلح "سير" يجئ فى جل الإشارات التى لدينا عن المؤلفات العربية الأولى الخاصة بترجمة حياة النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] مقترنا دائمًا بكلمة المغازى (A. Fischer فى Cesch, Schwally d.Qorans: Noldeke جـ 2، ص 122) واقتران هاتين الكلمتين يضئ لنا السبيل فى التعرف على أصل السيرة المركب. (1) أصل السيرة وطبيعتها إن فكرة جمع قصة حياة النبى -صلى اللَّه عليه وسلم- من مولده إلى وفاته فى رواية متتابعة محكمة ليست فكرة قديمة فى الجماعة

_ (*) رقم الآية فى المصحف العثمانى هو 21 [م. ع] (1) و (2) أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون. أعوذ بمعاذ بين يدى ما أعلق على مادة "سيرة" رجاء أن يرزقنى اللَّه الوقاية من همز فيها تحضرنى فيه الشياطين فيكون تعليقى على غير ما أحب له من براءة وترفع واحترام للمنهج العلمى أتمنى دائمًا أن يتسم بها معاشنا مع هؤلاء السادة. وأجمع فى هذا التعليق رقمى 1، 2 لأنهما مع عدم تقاربهما يؤلفان -كما يتضح جليا- فكرة متكاملة وصورة متماسكة لشخصية الرسول عليه الصلاة والسلام؛ وفهم هذه الصورة المتصلة قبل التعليق عليها ضرورى, والحديث عن بعض أجزائها يتصل أقوى الاتصال بالحديث عن سائرها، فلهذا جمعت التعليقين. ففى رقم =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = (1) من المادة يقول الكاتب "الراجح أنها أطلقت على الروايات الخاصة بحياته -الرسول- أسوة يسير الملوك البهلوية الأصل التى كان العرب يعرفونها فى مطلع الإسلام". ومعنى هذا فى جلاء أن صورة الرسول فى نظر أتباعه كانت صورة الملوك البهلوية، وهو الذى طبع فى نفوسهم تلك الصورة طبعا -ويتكامل هذا المعنى بما جاء فى رقم 2 من المادة ونصه: "كما انصرف -أى الاهتمام- إلى تخليد ذكر المغازى على غرار ما كان يفعل العرب فى الجاهلية، تلك المغازى التى اشترك فيها المسلمون تحت راية قائدهم الذى كان جل اتباعه ينظرون إليه نظرتهم إلى أمير استطاع بفضل حكمته وشجاعته، المؤيدتين بروح من اللَّه، أن يحرز من آيات النصر أروعها وأعظمها أثرا فى النفوس وإن كان لا يختلف فى خلقه اختلافا مشهودا عن أمراء الجاهلية". فالرسول عليه الصلاة والسلام فى نظر جل أتباعه أمير لا يختلف عن أمراء الجاهلية، وما أقرب الإمارة من الملك. . ونسأل الأستاذ كاتب المادة عن أشياء فى منهج تفكيره مثل: - (أ) صدرت الكلام باستعمال كلمة "سيرة" لحياة النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] عند أكثر من مؤلف؛ واستعمالها فى تلك الأيام فعلا لترجمة حياة معاوية، مثلا لاستعمالها فى تلك الأيام فعلا للدلالة على ترجمة الحياة. وبعد شرح معنى "سيرة" المفردة وبيان استعمال القرآن لها. . الخ. إذا بك تعقب بقولك: ويبدو أن صيغة الجمع "سيَر" هى التى كانت مفضلة فى أول الأمر عند الكلام على ترجمة حياة النبى. . وقد بدا لك هذا دون مثل له ولا شاهد عليه، وبعد الذى قدمته من استعمال اللفظ المفرد "سيرة" ومقاله وشاهده. . فهل لى أن أقول إن المنهج غير دقيق فى هذا الموقف. .! (ب) بعد الذى فات عن استعمال المفرد، عقبت بقولك "والراجح أنها أطلقت على الروايات الخاصة بحياته أسوة يسير الملوك البهلوية كالأصل التى كان العرب يعرفونها فى مطلع الإسلام. . فبم رجح عندك هذا التأسى فى إطلاق لفظ الجمع "سير" كسير الملوك البهلوية؟ . . الجمع قد بدا لك بدوًا فقط، بعد ما واجهتك شواهد استعمال المفرد، فبأى شئ رجح عندك هذا التأسى؟ وكيف صار ما بدا -بلا شاهد- هو الواقع، وهو صادر عن حال نفسية لمستعمليه، وهى التأسى باستعمال الفرس للجمع فى سير ملوكهم البهلوية؟ . . وهل المنهج فى هذه الانتقالات دقيق! (جـ) تذكر -فى رقم 2 - أن جل أتباع الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- كانوا ينظرون إليه نظرتهم إلى أمير لا يختلف فى خلقه اختلافًا مشهودا عن أمراء الجاهلية. . فما دليلك على هذه النظرة من جل أتباعه إليه، أو -على الأقل- ما الشاهد عليها من خبرهم؟ ! ثم ما شاهدك على أن جل أتباعه كانوا ينظرون إليه هذه النظرة، وعن أى إحصاء صدرت فى هذه؟ ! وهل المنهج فى هذه الأقوال دقيق! (د) ذكرت الأمراء فى الجاهلية، وجعلت محمدًا -صلى اللَّه عليه وسلم- كأحدهم، لا يختلف اختلافًا مشهودا، فماذا كان الأمراء فى تلك الحياة القبلية الأبوية الطابع؟ ومن هم أمراء الجاهلية الذين كانوا قوادا ذوى ألوية انتصر أتباعهم تحت قيادتهم! وهل المنهج فى هذه الدعاوى دقيق! وإذا جاوزنا ما فى البيان والتعبير إلى ما فى الحكم والتفكير فإنا نسأل الأستاذ كاتب المادة أسئلة أخرى عن تقديره الحقائق التاريخية حين قرر ما قرر، وتلك الأسئلة مثل: (أ) هل الاتجاه إلى ظواهر الملكية والإمارة فى اعتبار أتباع الرسول له، أو فى تصويره هو نفسه لهم، هل هذا الاتجاه يتفق فى شئ مع إصرار الرسول فى مقام الرسالة، وهو أسمى من مقام الملوك، على تقرير بشريته، ومماثلته للنَّاس، وأنه ليس إلا بشرا رسولا. . والكاتب نفسه يعرف هذا جيدا. وسيذكره فيما يلى من هذه المادة. (ب) هل الاتجاه إلى الملكية والإمارة يتفق مع تصرفات الرسول كنهيه أصحابه عما تفعله الأعاجم لملوكها، ودفع خوف من خاف منه بقوله: إنما أنا ابن امرأة من قريش تأكل القديد! (جـ) وقبل هذا كله، هل كانت طبيعة الحياة العربية حول الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] تهيئ له مثل هذا الاتجاه إلى الملكية والإمارة، أو تساعد على تصور أصحابه له فى هذه الصورة، حتى يتأسوا فى سيرته يسير الملوك وينظروا =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = إليه نظرهم إلى أمير قائد محارب انتصروا تحت لوائه الخ. (د) متى قاتل محمد، -صلى اللَّه عليه وسلم- ومتى صار قائدا, حتى تكون صورته عند جل أتباعه هى صورة قائد انتصروا تحت رايته؟ ! إن محمدا عاش داعيا بضعا وعشرين سنة لم يجرد سيفا فى أكثر هذه المدة وأغلبها، أى خلال خمس عشرة سنة من هذه المدة، حش نجحت دعوته وتكون المجتمع الإسلامى وتميز فى المدينة، وأذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا. . فهل بضع السنوات التى دفعت محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] أو مجتمعه الجديد إلى دفع الظلم عن مجتمعهم هى التى رسمت وحدها صورة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- فى نفوس جل أتباعه. (هـ) هل كان محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- يأخذ بين أتباعه صورة القائد المتفرد، أو أنه كان ينزل على مشورة خبرائهم ويغير موقفه الحربى الذى اتخذه لأن الخبراء يرون ذلك، ويسلمون له بصحة ما يوحى به إليه لا بصحة ما يرتئيه هو فى الميدان؛ ولما سألوه هل منزلك هذا فى بدر أنزلكه اللَّه أو هى الحرب، وقال لهم: هى الحرب، بينوا له الوضع الحربى السليم، فغير منزله! وإذا كانت سنوات الحرب هى أواخر حياة محمد، وهى نحو ثلث حياته فى الدعوة والرسالة. فهل تكون هى التى ترسم صورته عند جل أتباعه أميرا قائدا انتصروا تحت لوائه أروع نصر وأعظمه! (و) وهل حقا كانت فترة الحرب فى حياة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- فترة انتصارات رائعة وعظيمة! أو تخللتها الهزائم فى أحد. . وحنين, لأن غزواته عليه السلام إنما كانت فى حقيقتها حرب دفاع ومقاومة للظلم، كما تصرح الآية القرآنية {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} نعم كانت حرب مقاومة للغالبية التى تتكتل لسحق الجماعة الناشئة فى المدينة، قبل أن يصلب عودها، فكانت -كما هو الواقع الملموس- صراعا بين قلة إسلامية تناضل عن كيانها أمام كثرة تتحزب ضدها، ويتعاون فيها مشركو العرب بمكة، مع اليهود المحيطين بمسلمى المدينة الذين عانوا فى هذه المقاومة الحيوية شدائد كثيرة. لم يتهيأ لهم فيها دائما أروع آيات النصر وأعظمها بل زلزلوا فيها زلزالا شديدًا فى غزوة الأحزاب مثلًا. . وأنجدتهم دائما قوة الإيمان, وصلابة اليقين؛ فليس من صحة التقدير فى شئ ما يقوله كاتب المادة عن الأمير المحارب الشبيه بأمراء الجاهلية! وهذا الذى ألمس من دخل التفكير، واهتزاز التقدير، هو الذى يجعلنى دائما أكرر فى هذا التعليق التعوذ من همزات الشياطين، حتى لا تزل قدم ولا يجمح قلم. * * * وفى الصورة التى حاول الكاتب رسمها لمحمد -صلى اللَّه عليه وسلم- الأمير المحارب خطر قوى الإيحاء، حاول أن يتم به تلك الصورة الشوهاء؛ وذلك الخطر هو ما يرسمه بقوله: "والمصطلح "سير" يجئ فى جل الإشارات التى لدينا عن المؤلفات العربية الأولى الخاصة بترجمة حياة النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] مقترنا دائما بكمة المغازى؛ واقتران هاتين الكلمتين يضئ لنا السبيل فى التعرف على أصل السيرة". أنه كما ترى يقرر اقتران السير بالمغازى ويرى ذلك الاقتران هو المصباح الذى يفهم على ضوئه تلك السيرة، ويتعرف على أصلها. وفى تسامح نقول له: إنه كدأبه يقرر من أمر المؤلفات العربية الخاصة بالسيرة ما يقرره من هذا الاقتران بين السير والمغازى، دون أن يذكر دليلا أو شاهدا على هذه الدعوى إلا ذكره مرجعا هو نولدكه فى تاريخ القرآن. والمنصف يتردد كثيرًا فى التسليم له بهذا الاقتران الذى يريد جعله مفتاح سيرة الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- لأننا نجد فى مجموعات حديثية قديمة، وهامة، عدم اقتران السير بالمغازى، فمالك فى الموطأ مثلا، وهو من أقدم المجموعات الحديثية التى وصلتنا يعنون بغير هذا كله حين يذكر كتاب الجهاد -جـ 2، ص 2، ط صبيح- والبخارى فى صحيحه حين يجمع أخبار غزوات الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- يجعل العنوان هو "كتاب المغازى" فقط دون لفظ السير -جـ 3، ص 2، ط الحسينية- ويضع كلمة السير مع الجهاد فى تحديثه عن فضل الجهاد فيكون العنوان هو كتاب الجهاد والسير -جـ 2 ص 90. ثم نسمع كلام الفقهاء حين يدرسون أحكام الجهاد فيعنونون لذلك "بكتاب السير" ويبينون السير بمثل قولهم: إن أصل السيرة حالة السير، إلا أنها غلبت فى =

الإسلامية ولا هى بالفكرة التى جاءت عفو الخاطر. وإذا كان من الطبيعى أن تجتذب فعال منشئ الدين الجديد وأقواله على الفور اهتمام معاصريه وتلصق بذاكرتهم ويزداد هذا الأثر فى نفوس المؤمنين به من أهل الجيل الثانى، وقد انصرف هذا الاهتمام إلى تثبيت سنن العبادة والشريعة المقررة جريًا على تقاليد النبى -صلى اللَّه عليه وسلم- واقتداء به، كما انصرف إلى تخليد ذكر المغازى على غرار ما كان يفعل العرب فى الجاهلية، تلك المغازى التى اشترك فيها المسلمون تحت راية قائدهم الذى كان جل أتباعه ينظرون إليه نظرتهم إلى أمير (2) * استطاع بفضل حكمته وشجاعته المؤيدين بروح من اللَّه، أن يحرز من آيات النصر أروعها وأعظمها أثرًا فى النفوس، وقد كان الحافز الأول إلى هذا الاهتمام هو الذى دفع القوم، كما نعلم، إلى إقامة السنة فى تلك الصورة المأثورة من الحديث المروى، وهذه الصورة وإن بدت على هيئة مجموعة من المعلومات تتعلق بحياته -صلى اللَّه عليه وسلم-، فإنها فى الحق تختلف عن ذلك اختلافًا كبيرًا من حيث غرضها وطبيعتها. وكان الحافز الثانى بدوره هو السبب فى اهتمامهم بالقصص التى تتصل بحياة النبى -صلى اللَّه عليه وسلم- فى المدينة وتحفل إلى حد كبير بالمغازى. فليست هذه المغازى إلا استمرارًا أو تطورا لأيام ¬

_ = الشرع على أمور المغازى. كالمناسك على أمور الحج -الزيلعى: شرح الكنز جـ 3: 24, ط بولاق- تسمع هذا فتقدر معنى السير حين تتصل بالمغازى أو تكون معنى غالبا فيها، وإن أصل ذلك ما فيها من معنى السير- وأن مثل هذه الصلة بين السير والمغازى ليست مما يسهل فيه القول بتقرير هذا الاقتران، والتوصل منه إلى معنى خاص فى صورة الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] عند جل أتباعه، لو صحت له دعوى هذا الاقتران. وهو ما لا يسهل التسليم له به، بعد ما رأينا من افتراقهما فى مجموعات السنة القديمة والهامة، وبعد ما قرأنا من عدم اقترانهما أيضًا فى اصطلاح الفقهاء؛ وإن غلبة كلمة السير فى الشرع على أمور المغازى ليست لشئ فى معنى السيرة التى هى ترجمة الحياة. . وأن التعلق. يمثل هذا الاتصال حين يكون بين السير والمغازى لا يضئ من السبيل فى التعرف على أصل السيرة المركب. . وبالتالى لا يحقق شيئًا من الصورة التى يحاول الكاتب رسمها لمحمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] ومغازيه التى يريد أن يجعلها استمرارا وتطورا لأيام العرب فى الجاهلية. . وأعوذ باللَّه دائما مما عذت به أولا من الهمزات. (*) تعليق هذا الهامش 2 ضمن التعليق السابق (1).

العرب (¬1) وهما يشتركان فى ذلك الأسلوب العذب المرسل على السجية، وفى الجنوح إلى قطع حبل الرواية وتقسيمها إلى عدد من الحوادث مع وفرة الشواهد الشعرية (انظر Islamica, جـ 2, 1926 م ص 308 - 312) ولا يستطيع المرء أن ينكر على مثل هذا النوع من الكتابة الصفة التاريخية، ولكنه يجب أن يُذكر فى هذا الصدد أننا لا نتناول التاريخ موضوعًا فى إطار من التسلسل التأريخى أو مرتبًا وفقا لخطة موضوعة، وإنما نتناول سلسلة من "المذكرات الحربية" نجد فيها التصوير الصادق (وإن غلبت عليه الذاتية فى كثير من الأحوال) والوصف الواقعى لحادثة مقترنا بوصف لحادثة أخرى، ¬

_ (¬1) يقول الكاتب "ليست هذه المغازى إلا استمرارًا وتطورًا لأيام العرب" ويمضى فيصف التشابه بين السيرة وأيام العرب فى الأسلوب والتنسيق. . . والشواهد الشعرية. . الخ. . وهذا القول منه إنما هو تتمة للصورة التى حاول رسمها سابقا. فانصراف الاهتمام إلى تخليد ذكر المغازى - مغازى القائد الأمير المحارب. . الخ على غرار ما كان يفعل العرب فى الجاهلية. . انصراف الاهتمام إلى هذا التخليد هو السبب عنده فى نشأة محصول وافر من قصص تحفل إلى حد كبير بالمغازى. . وليست هذه المغازى إلا استمرارًا وتطورا لأيام العرب. . الخ. وفى هذا التفكير والأداء أشياء كثيرة تستوقف الناظر فيه: فنشأة المحصول الوافر من القصص المتصلة بحياة النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-]. . الخ. شئ يستوقف القارئ، ولكنا ندع الكلام عن هذه القصص واتهامها إلى أشباه لها سترد فيما يلى. . ونقف هنا عند جعله هذه المغازى استمرارًا وتطورًا لأيام العرب. . فالكاتب بعد ما صور محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- بأنه فى نظر جل أتباعه أمير محارب لا يختلف عن أمراء الجاهلية -على ما ناقشناه فيه قريبًا- يضيف إلى هذه الصورة أن مغازيه -أو قصص مغازيه- ليست إلا استمرارًا وتطورًا لأيام العرب. . يعنى فى الجاهلية. والحق أننا لا نعرف كيف يجد الكاتب الشجاعة على إلقاء مثل هذا القول. . فهل كانت الحركة الإسلامية فى حياة العرب استمرارًا متصلا لحياتهم فى الجاهلية؟ وهل كانت حركاتهم الحربية فى الإسلام -مهما يكن الرأى فيها- استمرارًا لحروبهم الجاهلية التى كانت لهم فيها تلك الأيام؟ وهل لا يدخل فى حساب الكاتب بشئ ما هذا الضجيج الهائل الذى ادعته الحركة الإسلامية لنفسها من تأليف قلوب العرب بعدما كانوا أعداء، على شفا حفرة من النار، ثم ما نادت به الحركة الإسلامية من عموم دعوتها وتوجيهها إلى من حولها من الأمم والحكام؟ لو لم يكن فى الأمر إلا هذه المزاعم والادعاءات -ونسميها كذلك مسايرة لكل منكر- لكان هذا كافيا لأن يدل على شئ ما أصاب هؤلاء الجاهليين فغير من أمرهم حتى لا يعود من اليسير على حامل قلم أن يعتبر مغازيهم تحت ظل هذه الدعاوى كحرب البسوس بينهم، أو حرب داحس والغبراء فى الجاهلية! إن مثل هذا القول مما يشعر أشد الناس تحاملا على هؤلاء العرب ودعوتهم، وداعيها، بأن =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = الكرامة العقلية تحول بينه وبين مثل هذا التصوير للحياة والتاريخ وسنن الاجتماع بإنكار أن شيئًا ما، بل شيئًا كبيرًا، قد طرأ على الحياة فى الجزيرة العربية مطلع القرن السابع الميلادى، وكان خليقا بأن يغير من أمرها وأمر أهلها تغييرا لا يجعل حياتهم بعد هذا التاريخ استمرارًا لحياتهم قبله. . على أنا نسرف فى حسن النية، ونقف عند كلمة معطوفة على هذا الاستمرار، فإن الكاتب يقول -استمرارا أو تطورا- فنقول: إنك بكلمة "التطور" تعترف بالتغير. فهل كان التطور المغير لحياة العرب بظهور الإسلام تغيرا هينا يسيرا يجعل حياتهم بعده استمرارا لحياتهم قبله؟ وتكون مغازيهم فى سبيل الدعوة الجديدة استمرارًا وتطورا لتطاحنهم العصبى القبلى، الذى كان بجهالته وحمقه عاملا منفرا للواعين فيهم من هذه الحال البشعة، التى جعلت الدعوة الإسلامية تحولا جوهريا فعالا فى حياتهم. . . ولم يكن من الطبيعى أن يكون ما بعدها استمرارا لما قبلها! والغريب أن الكاتب قد قال قبل ذلك: إن فكرة جمع قصة حياة النبى -صلى اللَّه عليه وسلم- فى رواية متتابعة ليست فكرة قديمة فى الجماعة الإسلامية. ومعنى هذا أنه قد مضى وقت بعد الدعوة الإسلامية أيضًا قبل أن توصف تلك المغازى فى السيرة. فكان الدعوة الإسلامية نفسها لم تغير من اتجاهات العرب، ولا الزمن نفسه -وقد مضى منه ما مضى قبل العناية بوضع السيرة- قد غير من اتجاهات أولئك العرب الجاهلية. وإنه لكثير أن يستعصى حال هؤلاء العرب على الزمن، بعد ما استعصى على المحاولة الإصلاحية الإسلامية نفسها، سواء كانت دعوة سماوية -كما يؤمن أصحابها- أو حتى محاولة بشرية كما يدين هذا الكاتب! على أنا لا نمتنع عن الإمعان فى التغابى ونسميه حسن رأى فنقول لأنفسنا لعل الكاتب يريد أن يقول: إن وصف المغازى هو الذى كان استمرارا وتطورا لوصف أيام العرب. لا نفس المغازى وأحداثها وأهدافها. ولكنا لا نجد الطريق النافذ إلى هذا الفرض المصطنع, لأننا لم نتلق من العصر الجاهلى وصفا نثريا لأيام العرب حتى يجد الكاتب المشابهة بينه وبين وصف المغازى، بنحو ما قاله من اشتراكهما فى الأسلوب العذب المرسل، وفى الجنوح إلى قطع حبل الرواية, وغير ذلك مما يقول فى شرح هذه المشابهة، ويكون مراده أن القول فى المغازى كان استمرارا وتطورا للقول فى أيام العرب. .! وحتى هذا الربط بين المغازى وأيام العرب فى أسلوب السرد أو القص أو الوضع لا نجده إلا دعوى متكلفة لأن الحافز على العناية بأيام العرب غير الحافز على العناية بالسيرة، وما فيها من المغازى؛ ولأن من الطبيعى أن تكون الدعوة الإسلامية قد قدمت صورة للبطولة، والتمست هدفا من الحرب. مغيرة لصورة البطولة فى الجاهلية وهدف الحرب فى الجاهلية، بحكم ما لا يمكن إنكاره أبدًا من فعل الزمن الذى يقرره الكاتب بقوله إن فكرة وضع السيرة ليست قديمة فى الجماعة الإسلامية، أى أنها وجدت بعد مضى زمن على ظهور الإسلام، وهو ما لا بد أن يغير من نظرة المسلمين للمغازى عن نظرتهم لأيام العرب. وفى النهاية لا يسهل القول بأن المغازى والسير ليست إلا استمرارًا وتطورا لأيام العرب فى طبيعتها وغايتها؛ ولا حتى يسهل القول بأن المغازى والسير ليست إلا استمرارًا وتطورا لأيام العرب فى أسلوبها وسردها -ونقرأ فى التعليق التالى ما ينقض به الكاتب نفسه كلامه. أمين الخولى

(2) تصنيف السيرة فى صورتها الأدبية

كما قد ينقصه أحيانًا ربط الأحداث بعضها ببعض والنظر إلى مجرى الحوادث نظرة كلية شاملة. (2) تصنيف السيرة فى صورتها الأدبية وأقدم من ألف كتابًا فى سيرة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-، هو عروة بن الزبير (23 - 94 هـ) الذى استفاضت شهرته فقيهًا ومؤرخا. وقد اشترك هذا الابن من أبناء ذلك الصحابى المشهور اشتراكا ضئيلا فى النشاط الذى أبداه أخواه عبد اللَّه ومصعب، فقد تصافى فى وقت مبكر مع الأمويين المظفرين، واستجاب لرغبة الخليفة عبد الملك، فبعث إليه بعدة تعليقات فسر بها مسائل تتصل بمبدأ الإسلام (الشواهد مذكورة فى الطبرى؛ انظر Annali,Caetani، جـ 1، فهرس المجلدين الأول والثانى، ص 8، تعليق 22). على أن نشاط عروة فى التراجم لم يقتصر على هذه الرسائل، ذلك أنه ألقى على تلاميذه معلومات جمعها بنفسه جريًا على سنة النقل الشفوى الذى يدعمه الإسناد، تلك السنة التى أصبحت من ثم قوام الطريقة المتبعة فى السيرة وفى الحديث. وقد اصطنع هذه الطريقة نفسها معاصر لعروة وابن خليفة من الخلفاء، ونعنى به أبان بن عثمان الذى استقر هو أيضًا فى مكة. وقد جمع دروسه عن حياة النبى -صلى اللَّه عليه وسلم- فى كتاب، تلميذه عبد الرحمن بن المغيرة المتوفى قبل سنة 125 هـ. وأطلق على هذه الآثار الأدبية الأولى (ويمكن أن نضيف إلى هذين الاسمين اللذين ذكرناهما وشيكا: شرحبيل بن سعد المتوفى سنة 122 الذى كان أثره فيما يظهر ضئيلا) اسم المغازى، وهى التى ظلت، كما رأينا، من التواليف المأثورة إلى عهد متأخر، فضلا عن أنها تنم (كما يستفاد أيضًا من القطع التى بقيت منها) على أن محتوياتها تتعلق فى جوهرها بحياة النبى -صلى اللَّه عليه وسلم- العامة. وقد اطرد إطلاق هذا الاسم أيضًا على مؤلفات الجيل الثانى والثالث من المؤرخين، نذكر منهم علاوة على عاصم بن عمر بن قتادة المتوفى

بين سنتى 119 و 129 هـ اسمى كاتبين يفوقانه ذكرًا، وهما ابن شهاب الزهرى (51 - 124 هـ) وموسى بن عقبة المتوفى سنة 141 هـ اللذان كان لهما أثر مشهود على جميع الروايات المتأخرة. وقد وصلت إلينا قطعة من مغازى موسى طبعت فى كتاب مستقل نشره سخاو (Sachau فى Sitzungsberichte der preuss Ak. der wiss. zuberlin، 1904), ولكن هذه القطعة ليست من الشمول بحيث تمكننا من الحكم على طبيعة هذا المؤلف وترتيبه أو فى ما تتيحه لنا الفقرات الباقية منه فى مؤلفات الكتاب المتأخرين. وقد ازدهر علم المغازى أيضًا فى ذلك العهد نفسه خارج المدينة (سليمان بن طرخان [44 - 143 هـ] فى بصرى؛ ومعمر بن راشد [المتوفى سنة 152] فى صنعاء) ولكن النجاح الذى أحرزته هذه المؤلفات قد أخمله كتاب محمد بن إسحاق (المتوفى سنة 150 هـ أو 151 هـ) الذى يعد أيضًا ختام تطور الرواية المدنية وفاتحة تصور جديد للسيرة، ذلك أن أسلافه قد نظروا فيما يظهر إلى تاريخ النبى -صلى اللَّه عليه وسلم- نظرتهم إلى ظاهرة قائمة بذاتها وإن كانت عظيمة جليلة؛ أما ابن إسحق فقد كان أول من وضع الإسلام ومنشئه فى نسق التاريخ العام، فهو يرى أن ظهور الإسلام استمرار وتتمة للتاريخ المقدس اليهودى والنصرانى من حيث كونه ينبعث من الخلق الإلهى ومن دعوة الأنبياء السابقين لمحمد -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولكن محمدًا -صلى اللَّه عليه وسلم- يظهر فى الوقت نفسه أمجد ممثل للروح العربية وهو الذى يفتتح. على يديه عهد السيطرة العربية على العالم. وهذا التمييز لكتاب ابن إسحق لا يستمد بطبيعة الحال من وجود أى مذهب واضح ينتهجه، دلك أن كتابه محدود، شأن كتب أسلافه، بما التزمه من جمع مادة أخرى مسندة، ولكن العناوين الشديدة التباين التى تدل على كتابه (مبتدأ الخلق؛ المبدأ وقصص الأنبياء؛ المغازى والمبعث ومبدأ الخلق؛ المغازى والسير؛ السيرة والمبتدأ والمغازى؛ كتاب الخلفاء) تفصح بجلاء عن خطته؛ وسواء كانت هذه العناوين تشير إلى أجزاء مختلفة من مؤلف

واحد قوامه عرض منتظم النسق للتاريخ العام، أو كانت لا تشير، وهذا أرجح، إلى أسماء كتاب أو عدة كتب نشرها المؤلف نفسه برمتها وإنما هى فى جوهرها تتفق مع طبيعة التأليف العربى فى زمن ابن إسحاق فتدون ما تتلقاه بالرواية الشفهية، فإنها تدل فى صورة موجزة على كل ما بذله ابن إسحاق من جهد فى كتابة التاريخ الذى نشر تلاميذه المختلفون وأذاعوا متفرقين جزءًا أو آخر منه. وهذا يفسر ما نراه فى الوقت الحالى من وجود سيرة لابن إسحاق مستقلة عن سائر كتابه تتمثل فى رواية ابن هشام المشهورة التى يسلم الناس عامة الآن بأنها قد حفظت لنا النص الأولى لابن إسحق كما كان تقريبًا. ولم يحظ بهذا التوفيق الجزءان الآخران من آثاره، وهما "كتاب المبتدأ" و"كتاب الخلفاء" اللذان لم يبق منهما إلا متفرقات اوردها الكتاب المتأخرون وبخاصة الطبرى. ونخلص من ذلك إلى أن ابن إسحق أراد أن يصنف كتابًا أوسع مدى من المغازى التى صنفها أسلافه. وهذا يبين لنا السبب فى أن استخدام الإسناد فى كتابه قد اضطرب اضطرابًا جعل علماء الحديث ينكرون عليه صفة المحدث الثبت (انظر النصوص التى جمعها فستنفلد، ابن هشام، جـ 2، المقدمة) وهذا الحكم (وقد أعلن فى حياة ابن إسحاق نفسه، ولم يكن معلنه إلا الفقيه الكبير مالك بن أنس) عظيم الأهمية، فهو يفرق تفرقة واضحة بين الحديث التاريخى والحديث العقيدى الخالص. وغنى عن البيان أننا نجد فى مجاميع الحديث بمعناه الدقيق بحر صحيح البخارى ومسلم وغيرهما، معلومات من الطراز الأول تتعلق بالتراجم (وبخاصة الكتب المقصورة على المغازى والمناقب) ولكن احتواءها على مادة مشتركة بينها وبين التراجم إنما يزيد الفرق بين هذين النوعين من التأليف تأكيدًا على تأكيد. وقد جمع ابن إسحق مادة وافرة متنوعة فاضطره ذلك إلى التوسع فى مراجعة وقبول عدد من الروايات لا تدعمها الأسانيد دعما كافيًا، بل هو قد عنى بذكر مصدر بعض أخباره ذكرًا لا يتسم دائمًا بالوضوح الكبير. وخالف

أسلافه فيما يظهر فلم يهمل استخدام الشعر فى تكملة مصادره حتى أخذ عليه أنه جمع عددًا من الأبيات المنحولة، ويمهد لرواية حياة النبى -صلى اللَّه عليه وسلم- بتعليقات وافرة فى الأنساب والشواهد القديمة. وصفوة القول إننا إذا قارنا ابن اسحاق بمن سبقه من الكتاب وجدنا أنه يتصف بصفة المؤرخ الحق وتتمثل فيه الصورة الأخيرة للمزج بين كتابة التراجم على النحو الدينى المأثور عن المحدثين وكتابتها على النحو التاريخى المأثور. وهذا الطابع الأصيل الذاتى الذى يتميز به مؤلف ابن إسحاق هو الذى يفسر العداوة بين مذاهب الرواة ويبرر فى الوقت نفسه النجاح العظيم الذى لقيه على مدى الأجيال، وهو نجاح لم يحمل فحسب ما سبقه من الكتب التى من نوعه وبعض الكتب التى التزمت ما جاء به التزامًا كبيرًا (مثل مغازى أبى يحيى ابن سعيد بن إبان والمتوفى سنة 194 هـ) بل جعل له أيضا الأثر الحاسم فى تطور السيرة فى المستقبل. وبقيت لنا من سيرة ابن إسحاق، علاوة على رواية ابن هشام لها، نقول لأغلب أجزائها وردت فى كتابى الطبرى الكبيرين التاريخ والتفسير؛ وقد أصبحت سيرة ابن اسحاق بفضل رواية هذين الكاتبين المصدر الأساسى لكتاب التاريخ المتأخرين. وثمة كاتب آخر واحد يقف إلى جانب ابن إسحق على قدم المساواة أو يكاد، نعنى به محمد بن عمر الواقدى (130 - 207 هـ) الذى وصلت إلينا السيرة التى كتبها عن النبى -صلى اللَّه عليه وسلم- بوسائل ثلاث مختلفة وهى: كتاب المغازى (انظر الترجمة المختصرة التى قام بها فلهوزن، ذلك أننا لا نملك بعد للأسف نسخة كاملة من نص هذا الكتاب) الذى رواه عنه محمد بن شجاع الثلجى (181 - 261 هـ)؛ ثم السيرة التى قدم بها تلميذه وكاتبه محمد بن سعد المتوفى سنة 230 هـ كتابه هو "الطبقات" (ابن سعد، طبعة سخاو، المجلدان الأول والثانى) الذى جاء فيه علاوة على الروايات التى ترد إلى الواقدى روايات أخرى من أصل مختلف؛ ثم كتاب الطبقات نفسه. وخاصة المجلدين الثالث والرابع، فى كل ما يتصل بالصلات بين محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-

وصحابته وما يتصل بالشأن الذى كان لهؤلاء الصحابة فى تاريخ الإسلام قبل وفاة النبى -صلى اللَّه عليه وسلم- وقد فقدت السيرة بالواقدى هذه الوحدة التى سلكتها فى إطار التاريخ العام وربطتها به وأسبغها عليها ابن إسحق، وإن كان من المقطوع به أن الواقدى قد احتذى أيضًا حذو ابن اسحق فصنف "كتاب التاريخ والمبدأ والمغازى" (الفهرست ص 98 فى آخرها) وهو قريب الشبه فى تأليفه بمجموعة من الرسائل المتفرقة أوسعها تلك الرسائل التى خصصها لحياة النبى -صلى اللَّه عليه وسلم- العامة، وغزواته، ورسالته، والبعوث التى أوفدها أو أوفدت إليه. وإذا وازنا بين ابن اسحق والواقدى وجدنا أنه لا يميل إلى الشعر إلا قليلا، على أنه رزق موهبة عظيمة فى التاريخ, وإليه يرجع، كما نعلم، الفضل فى تناوله تناولا منهجيا، ثم إن الواقدى فى جمعه البيانات الخاصة بالصحابة فى الحديث قد أنشا بفضل ابن سعد الذى رتب المادة التى جمعها أستاذه وزاد عليها، فرعا من فروع البحث مكملا لعلم الحديث نما نموًا عجيبًا، ونعنى به علم الرجال، أى دراسة سيرة المحدثين ونقدهم. وقد ظلت السيرة بعد الواقدى (ويعد هو وابن إسحق المصدر المنتظم لسلسلة من المؤرخين المتعاقبين تبدأ بالبلاذرى الذى نقل السيرة التى صنفها ابن إسحق برمتها تقريبًا فى كتابه أنساب الأشراف انظر (de Goeje فى Zeitschr der Deutsch Morgenl Ges, جـ 38، 1884 م، ص 387 - 390. بضع قرون لا يتناولها مؤلف من المؤلفات الجليلة الشأن (ونحن لا نعلم نسبيًا إلا القليل عن تلك المؤلفات التى خصصها المدائنى المؤرخ المشهور المتوفى سنة 255 هـ للسيرة؛ انظر الفهرس ص 101). فقد اجتذبت "دلائل النبوة" و"الشمائل" التفات المؤرخين (انظر Die person Muhammads: Andrae ص 57 وما بعدها) وهى فرع انبثق من السيرة لينمو ويزدهر مستقلا بنفسه، على حين ارتدت السيرة التاريخية إلى الكتب الكبيرة فى التاريخ العام، متمثلة بالطبرى ومتأثرة لخطاه بصفة عامة.

ويشتمل ذلك الفيض الذى يخطئه الحصر من مجموعات تراجم الصحابة فى بعض الأحيان على إشارات تاريخية للسيرة تختلف عن تلك الإشارات المأخوذة من آثار ابن إسحاق والواقدى المشهورة، وبعض هذه الإشارات يرجع إلى أصول أقدم من هذين الكاتبين. وإنا لانزال نفتقر إلى دراسة لكتب من قبيل الاستيعاب لابن عبد البر، وأسد الغابة لابن الأثير والإصابة لابن حجر وغير ذلك من الكتب، تستهدف جمع تلك البيانات وتحقيقها، ذلك أن هذه الدراسة قد تأتى بنتائج ذات قيمة. ومهما يكن من شئ فإن المادة التى بين أيدينا ليست إلا شذرات مبعثرة متفرقة. وأضأل منها تلك البقايا التى يمكن أن نلتمسها فى شروح سيرة ابن هشام، وأشهرها الروض الأنف للسهيلى (508 - 581 هـ؛ انظر Brocelmann: Geach. d. Arab. Lit، جـ 1، ص 115، 413). أما المصنفات الضخمة التى ترجع إلى تاريخ أحدث من هذا فهى تزودنا بفيض لا يتصوره العقل من التعليقات دأب أصحابها، مدفوعين بغيرتهم العلمية فى استقصاء كل ما ورد فى المصادر التى توصلت إليها أيديهم على حشدها حشدًا. أما من حيث مادتها فإنها لم تأت بجديد على ما ورد فى ابن إسحق والواقدى؛ الأصيلة، أو قل إنها لا تعدو أن تكون رواية من الروايات للقصص المعروفة من قبل. وحسبنا أن نذكر من تلك التصانيف التى قد يقتضينا إيراد ثبت بها إلى إطالة هذا المقال إلى حد غير معقول: عيون الآثار لابن سيد الناس (661 أو 671 - 734 هـ انظر Brockelmann: Gesch. d. Arab Lit جـ 2؛ ص 71)؛ والمناقب اللدنية للقسطلانى (851 - 923 هـ؛ انظر بروكلمان، جـ 2، ص 73)؛ والسيرة الشامية لشمس الدين الشامى المتوفى سنة 942 هـ أو 974 (بروكلمان، جـ 2، ص 304)؛ والسيرة الحلبية لنور الدين الحلبى (975 - 1044؛ بروكلمان، جـ 2، ص 307)؛ والشرح الذى كتبه على المصنفين الأولين بعنوان "نور النبراس" سبط ابن العجمى المتوفى سنة 841 هـ (بروكلمان، جـ 2 ص 67)، وشرح المواهب للزرقانى المتوفى سنة 1122 هـ (بروكلمان، جـ 2، ص 319). أما

المصادر

ملخصات السيرة ومنظوماتها التى يفيض بها الأدب العربى، فليس لها بطبيعة الحال قيمة تاريخية. المصادر: علاوة على المصادر المذكورة فى صلب المادة: (1) حاجى خليفة، طبعة فلوكل، جـ 3، ص 634 - 636. (2) Die arab. Geschichtschreiber: Wustenfeld (Abh. G.W.Gott, 1882 م) فى مواضع متفرقة. (3) Des Leben u die Lehre des Mohammad: Sprenger برلين 1869, جـ 3، 54 - 77. (4) Annali dell' islam: caetani ميلان 1905 م، جـ 1. (5) Gesch. d.Qoaran: Noldeke-schwally، ليبسك 1919, جـ 2، ص 129 - 144. (6) ابن سعد، طبعة سخاو، جـ 2، قسم 1، ليدن 1909، المقدمة (Hoyovitz) جـ 3 قسم 1، ليدن 1904، المقدمة (سخاو). (7) It prof Gebrieli e una inedita dissertazioni di laurea intorno ad una fonte araba della biografia di Maometto: Nallino، رومة 1918. (8) Ancora interno alla primitiva biografia di Maomette: Gabrieli, رومة 1919 (وهما رسالتان جدليتان تشتملان مع ذلك على مراجع وافية جدًا وبعض الملاحظ المفيدة). (9) Mohammad ibn ishaq,Literarhistorische Untersuchungen: J.Fuck, فرانكفورت على الماين، 1925 (وهو يشتمل أيضًا على عرض نقدى رائع للتأريخ الأدبى قبل ابن إسحاق). (10) Verzeichniss. d.Arab. Handschriften: Ahlwardt, برلين 1897 م، جـ 9، ص 110 - 178. خورشيد [ليفى دلافيدا G.Levi Della Vida] تعليق مضى كاتب المادة يكرر ما يقول، ويجلب بخيله مستعديا كبارهم نولدكه وأمثاله، ومستعينا بأوساطهم أمثال "لامنس" الذى يطيب له أن ينعته

بصفته اللاهوتية فيقول عنه "العالم الجزويتى"، وأن تحليله لأطوار السيرة قد بلغ به المدى". هذه الاستعانة بالحشد الكبير. . وهذا التكرار الذى جعل الكاتب يعود إلى أيام العرب واحتذاء السيرة لأسلوبها. . واتسام تصويرها بطابع سير القديسين,, وأساطير القصص الدينى فى التوراة والإنجيل والقصص. . . ثم هذا الاستطراد البعيد الآفاق من التعرض لطبيعة رواية الحديث، ومقال كولدسهير الرائع عنها. وهجوم كيتانى المعروف فى هذا الميدان، وإن الإسناد الإسلامى لا يحمل ما يثبت حجيته فى مراحل سنده الأولى. . وأن البناء الكامل للرواية الإسلامية عن حياة النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فى مرحلتها السابقة على الهجرة -على الأقل- لا سند له بحال، وأن كل حادث، وكل تفصيل تاريخى، ليس إلا نتيجة لتفسير ذاتى لآية من القرآن كل هذا وما إليه من توسيع الميادين. . . وجرأة الدعاوى العامة، نلقاه من الكاتب فى صبر وأناة، مركزين الحديث فى أصول منهجية عليا، تكشف عن مواضع النقد فى منهجه وتناوله جملة، مع الاكتفاء بأمهات الملاحظات عليه. فمنها: 1 - ربط رواية السنة بعامة، وقواعدها فى ذلك ومناهجها برواية السيرة بخاصة، وما فيها من مواضع ضعف الرواية ليثب من ذلك إلى مهاجمة طبيعة رواية الحديث، وسوق ما لدى المستشرق الايطالى كيتانى من قوى الهجوم على الرواية الإسلامية. والكاتب يقول عن ذلك ما جاء فى ص 448, ويذكر أيضًا أن الأسطورة حول شخصية النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وما اجتمع حولها من قصص نسجت على منوال القصص اليهودية، أو المسيحية، وربما الإيرانية أيضًا قد "اتخذت لها القواعد والمناهج على يد مدارس المحدثين فى المدينة. الخ. . كما يقول أن عروة بن الزبير ألقى أيضًا على تلاميذه معلومات. . "جريًا على سنة النقل الشفوى الذى يدعمه الإسناد، تلك السنة التى أصبحت من ثم قوام الطريقة المتبعة فى السيرة وفى الحديث" كما يقول قبل ذلك ما هو تمهيد لهذه التسوية الجريئة بين رواية السيرة للمغازى ورواية السنة العامة

(ص 448) "إن السيرة. . إنما هى مجموعة من الأحاديث" "المروية إلا تختلف فى طريقة تكوينها إختلافا جوهريا عن الأحاديث المسلم بصحتها" وقد قال قبل ذلك (ص 448) إن السيرة تنأى نايا بعيدًا عن تمثيل الرواية الصحيحة". وفى هذه الخطة الواضحة من الكاتب إخلال كبير بالمنهج السليم للبحث يتجلى فى غير جانب من جوانب المنهج: (أ) إخفاء الحقيقة عن عمد؛ أو على أقل تقدير، الإخلال بواجب الاطلاع على أمور مشهورة سائرة فى هذا المقام، وهو الرجل الذى اطلع على ذلك الحشد الكبير من كتابات قومه قديمًا وحديثًا. . ونستطيع -فى غير تهيب- أن نرجح الأمر الأول وهو إخفاء الحقيقة عن عمد. . ذلك أن هذه التى آثر أن يسميها المغازى، ويقيم على تسميتها تلك ما أقامه أول المادة من جعل الرسول من الأكاسرة، البهلوية، وأمراء العرب فى الجاهلية. . وهذه المغازى التى يحدث عن ازدهارها. . هذه المغازى يقول نقاد الحديث، على لسان الإمام أحمد: "ثلاث كتب ليس لها أصول: المغازى والملاحم والتفسير" ويقول المحققون من أصحابه: "مراده أن الغالب أنها ليس لها أسانيد صحاح متصلة" (الزركشى: البرهان فى علوم القرآن جـ 2: ص 156، ط سنة 1957 - ونقله السيوطى فى الإتقان فى علوم القرآن جـ 2 ص 210, 211, ط سنة 1278 هـ) وإذا كان الأمر كذلك. وكانت هذه القولة مما لا يخفى مثله الكاتب المطلع. . فلم تركها؟ ! وبنى كل هذا الصرح أو بث كل هذا اللغم ليسوى بين رواية السنة ورواية السيرة، ويهاجم الروايتين، على السواء، فى طبيعتهما، وبنائهما. . إلى آخر ما قال مما لفت إلى أطراف منه. . وسائره مبثوث فى المادة! وينبغى أن نقدر هنا ما يربط به الكاتب بين السيرة والتفسير أيضًا فى مثل قوله إن كل حادث ترويه السيرة، وكل تفصيل تاريخى مزعوم، ليس إلا نتيجة لتفسير ذاتى لآية من القرآن. الخ. فإذا ما سمعنا القولة السائرة فى عدم أصالة المغازى والتفسير فقد عمد

الكاتب إلى دعم منهار بمنهار، وأخفى -فيما نرجح- على القارئ انهيار الأصلين عند أصحاب المنهج النقلى فى الإسلام! (ب) ويتمم هذا الإخفاء للحقيقة عدم رواية الاتهام الإسلامى القديم للسيرة بقوته ووضوحه، فهو مثلا يقول: إن ابن إسحاق أخذ عليه أنه جمع عددًا من الأبيات المنحولة؛ وهى عبارة قصيرة حفيفة لا تمثل فى شئ ما يقوله الأقدمون فى عمل ابن اسحق هذا إذ تسمع فيه عبارة ابن سلام يقول: وكان ممن أفسد الشعر وهجنه، وحمل كل غثاء منه محمد بن إسحق بن يسار، مولى آل مخرمة بن عبد المطلب بن عبد مناف، وكان من علماء الناس بالسير (طبقات الشعراء، ص 9 ط المعارف) وشتان بين العبارتين، عبارة القدامى وعبارة كاتب مادة سيرة -وما أضيع دلالة هذه العبارة الأخيرة عند كاتبنا- فإن أصحاب الأدب والشعر، الذين تظل رواياتهم -مهما يكن التحرى- أقل حرمة من رواية الحديث. . أصحاب هذا الأدب إذا ما قالوا فى قوة إن ابن اسحق أفسد الشعر، وهجنه، وحمل كل غثاء منه، يهزون بهذا القول كل قوة لروايته التى يزعم لها الكاتب أنها جرت على قواعد مدارس المحدثين ومناهجها. . الخ. ما سمعناه من قوله فى الفقرة رقم 1 من هذا. وإخفاء المشهور، وتوهين المنقول، يهدم أساس كل منهج للبحث، ويذكر بواجب الأمانة العلمية. . وتنظر فى أخرى من الملاحظات المنهجية فى عمل كاتب مادة "سيرة" بعد ربطه المفتعل بين السيرة والسنة، وإضاعته بذلك للحقيقة، ننظر فنرى: 2 - تناقض الكاتب فى المادة التى قدمها هو، فبينما تراه يربط هذا الربط الوثيق بين المغازى والسنة ليهاجم ضعف رواية السيرة أصلا، فيهاجم رواية السنة كلها تبعًا. . بينما ينجم ذلك من عمله إذا بك تراه يحدث هو نفسه عن النقد الحديثى وقوته وضجره الشديد برواية السيرة، فتقرأ مثل قوله إن استخدام الإسناد فى كتابه -يعنى ابن إسحاق- قد اضطرب اضطرابًا صدم فقهاء علم الحديث المستمسكين

بأصول السنة صدمة عنيفة، فأنكروا عليه بالإجماع صفة المحدث المثبت. . فلم يجد ابن إسحق بدًا من هجر التدريس فى المدينة. . ويذكر الكاتب خبر الإمام مالك مع ابن إسحق، ومهاجمته له، ويقول فى هذا الموضع: وهذا الحكم عظيم الأهمية فهو يفرق تفرقة واضحة بين الحديث التاريخى والحديث العقيدى الخالص- وهكذا جرى الحق على لسانه نفسه .. ولم تعد مع قوله هذا حاجة إلى أن نسأله: ففيم إذن هذا العناء فى ربط السيرة، أو المغازى بالسنة، وتعزيز وحدة قواعدهما ومناهجهما، وبناء السيرة على الإسناد الذى هو قوام الطريقة المتبعة فى الحديث، ما دام فقهاء علم الحديث المستمسكون بأصول السنة يحكمون هذا الحكم العظيم الأهمية المفرق بين الحديث التاريخى والحديث العقيدى الخالص تفرقة واضحة. .! ؟ من فمك أدينك. . فى هدوء وهوادة. ومما هو من المنهج بسبيل: 3 - أن كاتب المادة يقول عن أصحاب مدرسة المدينة حيث كانت الغيرة الدينية فى المحافظة على ذكر النبى -صلى اللَّه عليه وسلم- تضطرم فى نفوس أهل المدينة -الذين ما بهم التقى عن السبيل الذى كان ينبغى أن تسير فيه حياة النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] مستعينين فى ذلك بشتى التوفيقات الفقهية وبالأصول الدخيلة فلا نجد للحوادث التى رووها سندًا من الرواية التاريخية: يقول الكاتب هذا؛ مقدرًا العوامل الاعتقادية النفسية وأثرها، فنسمع له ونصغى، لكنا لا نملك إلا أن نذكر حديثه عن العالم الجزويتى "لامنس" فنخشى عليه مثل الذى خشيه هو على علماء المدينة من التقى الذى يميل عن السبيل، والغيرة الدينية المضطرمة فيهم وأثرها فى الاستعانة بالتوفيقات والأصول الدخيلة. . نخشى على "لامنس" ومن "لامنس" مثل هذا الاعتبار النفسى المنهجى، الذى رآه الكاتب قشة فى عين أهل المدينة ولن يراه خشبة فى عين صاحبه الذى لم يغفل هو نفسه عن وصفه بالجزويتى. . إن بصرنا لا يزيغ -فيما أعتقد- لو رأينا هذه الخشبة فى عين الكاتب نفسه، بالمنظار الذى كشف لنا به عن القشة فى عين أهل المدينة. .

سيرة عنتر

وإن كانت هذه القسة لن تخفى على أعين نقاد الحديث حين عرضوا هذه السيرة للنقد المنهجى. . بل لم تخف على آهل الأدب والشعر المرحين المتبسطين، حين عرضوا نقد عمل صاحب السيرة عند استشهاده به فيها. . إننا نصغى! ! لهذه التوجيهات النفسية فى الفهم والتقدير، ونقدر سلامة هذه التوجيهات وأهميتها ونحاول أن نأخذ أنفسنا بها. . ثم نأخذ بها أصحابها. . فى مثل هذه التعليقات التى نرجو فيها الصبر والأناة. أمين الخولى سيرة عنتر تعد قصة عنتر بحق مثالا لقصص الفروسية العربية، وتلم هذه السيرة بخمسمائة سنة من تاريخ العرب، وتشمل ذخيرة من الروايات القديمة. وهذه القصة التى ذكرها كتاب الأغانى عن خبر عنتر، وكيف أُلحق، وهو ابن أمَة، ببنى عبس جزاء له على إنقاذه لهم من محنة عظيمة ألمت بهم، تحمل طابع الرواية النامية وإن كانت قد اتسمت بالفعل بسمة الأساطير. على أن سيرة عنتر تسمو كثيرًا على الأسطورة تنمو فى عقل الناس الباطن، فقد رُفع هذا البطل الفرد، بقفزة جامعة من قفزات الخيال، إلى مقام جعله يمثل كل ما هو ئكربى، وأصبح عنتر الجاهلى بطلا من أبطال الإسلام وهكذا غدت القصة مرآة للتقلبات التى مر بها العرب والإسلام فى خمسمائة سنة فهى تصور ثارات القبائل العربية القديمة؛ وإخضاع الجزيرة العربية، وخاصة العراق، للسيطرة الفارسية؛ والانتصارات التى أحرزها الإسلام فى إبان ازدهاره على بلاد فارس؛ ومركز اليهود التاريخى المشهود حتى القرن السابع الميلادى؛ والبلاد التى اقتطعها الإسلام بالفتح من المسيحية، وخاصة فى الشام؛ والحروب المتصلة التى شنها الفرس ثم الشرق الإسلامى على الروم؛ وتقدم الإسلام الظافر فى شمالى إفريقية وفى أوربا. ولا ينكر منكر أيضًا أثر الحروب الصليبية فى هذه السيرة، التى تكثر فيها الشواهد على الصلات بين الشرق والغرب. وقد كتبت القصة بالشعر المنثور السهل ورصعت بعشرة آلاف

مضمون السيرة

بيت من الشعر أو نحوها. وتقسم الطبعات التى طبعت من السيرة فى الشرق منذ سنة 1268 هـ القصة إلى 32 مجلدًا صغيرًا، وهى تختلف عن كتاب ألف ليلة وليلة الذى تستقل فيه كل ليلة عن الأخرى، ذلك أن كل مجلد لا ينتهى أبدًا بنهاية قصة من القصص. مضمون السيرة: وتسير بنا السيرة من قصة أسطورية إلى قصة أسطورية أخرى مبتدئة من العصور القديمة حتى تصل إلى العهد الذى كان يحكم فيه الملك؛ زهير بنى عبس. فقد سبى البطل العبسي شداد فى غارة فتاة سوداء تدعى زبيبة (ولم نصل إلى حل لعقدة القصة التى تجعل من الفتاة ابنة ملك حُملت من السودان إلا فى المجلد الثامن عشر) أعقب منها ابنه عنترة. وكان عنترة، وهو رضيع، يمزق أمتن الأقمطة، ويسقط الخيمة وهو فى الثانية من عمره، ويقتل الكلب وهو ابن أربع، والذئب وهو ابن تسع، والأسد وهو فتى راع. ولم يلبث أن هب لنجدة قبيلته المهيضة الجناح فاعترف أبوه ببنوته وأُلحق بالقبيلة. وسعى إلى الزواج بابنة عمه عبلة، فوعده عمه بها فى ساعة شدة، فلما فرَّج عنتر كربته، فرض عليه عمه أن يأتى أعمالا بالغة الخطر قبل أن ينال يدها، وأدى عنتر كل ما فرض عليه، ولم يسمح له بزواجها إلا بعد عشرة مجلدات استفاضت بأعاجيب الفعال؛ وأخذ ميدان مغامراته يتسع اتساعًا مطردًا، فقد اقتضاه الأمر فى قبيلته أن يتغلب على معارضة أبيه، ثم على عداوة أقارب عبلة، وأن يستميل غرماءه بما فيهم الشاعر عروة بن الورد، وأن يضع حدًا لثارات بنى زياد، وربيعة، وعمارة. وقد أثبت عنترة، فى المشاحنات المستعرة آنئد بين قبيلتى عبس وفزارة اللتين تربطهما صلة الرحم، أنه حامى حمى بنى عبس. أما فى خارج نطاق قبيلته فقد قاتل وانتصر على أقوى الأبطال بأسًا وجعل منهم أصدقاء له مثل دريد بن الصمة، ومغمر، وهانئ بن مسعود الذى انتصر على الفرس فى ذى قار، وعمرو بن معد يكرب، وعامر ابن الطفيل، وعمرو بن ودّ فارس حرام، وربيعة بن مقدّم الذى تمثلت فيه الفروسية العربية، وكثير غير هؤلاء.

وعلق "معلقته" فى حرم مكة بعد أن بز أصحاب المعلقات الأخرى، وتغلب على جميع منافسيه فيما وقع بينه وبينهم من مبارزات، وأجازه امرؤ القيس فى الامتحان الذى عقد فى المترادفات العربية: وشخص من مكة إلى خيبر ودمر بلد اليهود. على أن السيرة قد جاوزت به حدود بلاد العرب، ولم تعدم الأسباب لتعليل ذلك. فقد طلب أبو عبلة مهرًا لابنته الإبل العصافير التى لم يكن يربيها إلا المنذر ملك الحيرة، وقاده ذلك إلى العراق، ثم استدعى من العراق إلى فارس لقتال البطل الإغريقى الَبَضرموت. ثم نجده من بعد ملازمًا لملوك العراق: المنذر، والنعمان، والأسود، وعمرو بن هند، وأياس بن قبيصة، ووزرائهم ونخص بالذكر منهم عمرو بنُ بقيلة. وكانت له أيضًا علاقات دائمة بالشاهانية، وبكسرى أنو شروان، وخداوند (ليس فى تاريخ الساسانيين شاه يحمل هذا الاسم) وكواذ (والأرجح كواذ بن شيرويه) فتارة يكون بمثابة العدو المرهوب الجانب، وتارة بمثابة الحليف الذى يُحرص عليه أشد الحرص. وعشق ابن ملك الشام خطيبة صديق لعنتر، فشخص عنتر إلى الشام وقتل غريم صديقه، وهزم الملك الحارث الوهاب، (أريتاس)، ولكنه غدا له صديقا، فلما توفى أريتاس استجاب لرجاء الأميرة حليمة وقبل الوصاية على الملك الجديد القاصر عمرو بن الحارث، وبذلك أصبح الحاكم على الشام. واتصل عنتر هناك بالفرنجة يعاديهم حينًا ويحالفهم على الفرس حينًا، وكانت الشام خاضعة للروم. وقد جوزى عنتر على الخدمات التى أداها للمسيحيين فى الشام فدعى إلى القسطنطينية وأكرمت وفادته وأحيط بمظاهر التشريف. وقد اعترض الليلمان ملك الفرنجة على ذلك، وطلب أن يسلم الأمبراطور عنترة إليه. ولم يكن من عنتر إلا أن قاد هو وهرقل بن الإمبراطور، جيش الروم إلى بلاد الفرنجة، وأخضعهم للإمبراطور، وبلغ أسبانيا، ودحر الملك شنتياجو، وواصل سيره المظفر مخترقًا ولاياته فى شمالى إفريقية، من مراكش إلى مصر. ولما عاد عنتر إلى القسطنطينية من هذه الغزوات التى قام بها لحساب الروم أقيم له تمثال على هيئة فارس اعترافًا بفضله،

تحليل السيرة

ووضع على جانبيه تمثالا أخويه اللذين صحباه إلى بوزنطة. ووفد عنتر على رومة قبيل وفاته، ذلك أن ملك رومة بلقام بن مرقش كان ينوء بالهجوم الذى سننه عليه بهمند، وقتل عنتر بهمند وحرر رومة، وشن عنتر حملة للثأر من السودانيين وأخذ ينتقل من مملكة إلى أخرى موغلا فى إفريقية حتى بلغ بلاد النجاشى، وتبين له فيها أن النجاشى هو جد أمه زبيبة. وأشد من هذا إغراقًا فى تهاويل الخيال الغزوات التى شنها على هند سند، وعلى الملك النصرانى الليلمان فى أرض بيضا، وأرض العفاريت. وكان مصرع عنتر على يد وزر بن جابر الملقب بالأسد الرهيص، وقد هزمه عنتر وأسره مرارًا، وكان فى كل مرة يطلق سراحه، وأحس وزر بالهوان لما أظهره نحوه من نبل، ولم يكف عن معاودة الهجوم عليه؛ وأفقده عنتر بصره آخر الأمر، ولكن وزرا تعلم، بالرغم من عماه، أن يرمى الطيور والغزلان بقوسه وسهمه متتبعًا صوتها بأذنه. وأصاب عنتر سهم من سهامه المسمومة، ولكن وزرا مات قبل عنتر متوهما أنه أخطأ فى إصابته. وظل عنتر وهو يحتضر، بل وهو ميت حقًا، ممتطيا ظهر جواده الفحل الأبجر يدفع عن قومه غارة العدو. ولم يعقب عنتر ولدًا من عبلة، ولكنه أعقب من زوجاته اللائى تزوجهن سرًا ومن عشيقاته عدة أولاد، منهم ولدان نصرانيان، بل صليبيان حقًا، هما الغضنفر قلب الأسد، ابنه من أخت ملك رومة التى تزوجها عنتر وهو فى رومة وتركها فى القسطنطينية؛ والجوفران (أى Geoffroi, Godfrey) ابنه من أميرة فرنجية. وقد انتقم أولاد عنتر لمقتل أبيهم المنطوى على البطولة وتحسروا عليه، ثم عاد الغضنفر والجوفران إلى أوربة، ودخلت عبس فى الإسلام. تحليل السيرة: وفيما يلى العناصر الرئيسية التى شاركت فى نمو السيرة: (1) الجاهلية (2) الإسلام (3) التاريخ الفارسى والملحمة الفارسية (4) الحروب الصليبية. (1) وتدين السيرة للجاهلية بروح الفروسية البدوية التى تتسم بها؛ ومعظم الشخصيات الواردة فيها التى لها فى كثير من الأحوال سمات

تاريخية؛ والثارات بين القبيلتين العربيتين الشقيقتين عبس وفزارة؛ وكذلك ما يتصل بالتسابق بين داحس والغبراء، وبأعظم ما جاء فى أخبار العرب، مثل زواج الملك زهير بتماضر؛ وموته؛ وموت مالك بن زهير؛ وخبر الحارث ولبنى؛ وخبر جيدا وخالد؛ ونوادر حاتم الطائى؛ وشخصية ربيعة ابن مقدم الرائعة وما إلى ذلك. (2) - وتدين السيرة للإسلام بالمقدمة التى تضمنت تفسيرًا مستفيضًا لقصة إبراهيم؛ والروايات المتواترة فى مطلع الإسلام وعلى، والخاتمة التى تعد فترة انتقال بين الجاهلية والإسلام؛ ونزعة الكتاب التى تجعل عنتر يمهد حقًا للإسلام؛ وقد صيغت حملات عنتر المظفرة فى أرجاء جزيرة العرب، وفارس، والشام، وشمالى إفريقية، وأسبانيا على غرار فتوح الإسلام؛ وفى السيرة بعض تفصيلات تصبغها بصبغة شيعية خفيفة. (3) ونجد الأثر الفارسى فى السيرة ماثلا فى معرفة التاريخ الفارسى والملحمة الفارسية، وفى مواطن اللغة الفارسية، وفى فكرة الملكية بالحق الإلهى، وفى العلم بالحياة فى البلاط الفارسى ومراسمه (العرش، والتيجان، والآداب الشاهانية) والصيد الشاهانى (البزاة والفهود) وبريد حمام الزاجل؛ وعمال الدولة والرتب عند الفرس (وزير، وموبذان، وموبذ، ومرزبان، وبهلوان، وعيون الشاه وآذانه؛ بل السهارجة "السقاة") (4) من أثر النصرانية والحروب الصليبية؛ تعلم السيرة بأمر النصارى فى الشآم التابع للساسانيين وفى بوزنطة وبين الفرنجة. ويظهر الفرنجة على اعتبار أنهم صليبيون (بل إن السيرة لتذكر الصليب بوصفه قلادة تلبس على الصدر)؛ وتذكر السيرة القتال فى سبيل شيلوه وبيت المقدس ويحاصر الجوفران (Godfrey) دمشق ويسّير الجنود على أنطاكية. وتذكر السيرة أيضًا الصليب، ومسوح الكهان والرهبان، وزنار (¬1) الطريقة (وهو فيها أهم شعار للنصرانية بعد الصليب)، ¬

_ (¬1) نطاق أو حزام كانت تلبسه النصارى والمجوس. [القاموس. م. ع]

والصولجان، والناقوس، والبخور، والماء المقدس، والصلاة على الميت، والمسح، والقربان المقدس، والأيام المقدسة، وعيد ميلاد المسيح، وعيد العنصرة؛ وتعلم أن رجال الدين عند الفرنجة هم أصحاب المكان الأرفع فى نظر الكنيسة والدولة، وأن زواج أبناء العمومة لا يقره الشرع، والظاهر أنها تعلم أيضًا عن عقوبة الحرمان من الكنيسة، وتصف مزارا أسبانيا ويوما يحج فيه، وأن النصارى يقسمون بعيسى، ومريم، والأناجيل، ويوحنا المعمدان (مارحنا المعمدان، ويخنا) ولوقا، وتوما (مارتوما) وسيمون، وأن الإمبراطور رجوم يحكم فى بوزنطة، ويدعى ابنه هرقل، وأن بلقام بن مرقش هو ملك رومة؛ وأن حكام شمالى إفريقية النصارى يتسمون بأسماء تنتهى بالحرف س الشائع فى اللغتين اليونانية واللاتينية مثل مرتوس، وكردوس، وهرمس، وابن العُرنوس، وكندرياس بن كرماس، وسندريس، وتيودورس؛ وأن ملك أسبانيا يدعى شنتياجو Santiago. أما أسماء ملوك الفرنجة وأمرائهم فالثابت منها هو بهمند فحسب. وأسماء إخوته هى: موبرت، وسوبرت، وكوبرت، وأن اسم الأمير "شوبرت البحر" يدل على المقطع الأخير الذى ربما كان أشيع ما تنتهى به أسماء الأشخاص فى الفرنسية القديمة. ويسمى ابن عنتر من الأميرة الفرنجية الجوفران، وتتمثل فيه الصيغ الفرنسية القديمة (Geffroi Jofroi, Jefroi) لاسم جودفرى صاحب بويون، ولا تعرف قصة عتتر شيئًا عن أوربا، ولكنها تعرف الكثير عن الأوربيين، ومن ثم فلاشك فى أن كاتبها قد تعرف عليهم خارج أوربا. فى أيام الحروب الصليبية بطبيعة الحال. وقد ذبح عنتر بهمند. والجوفران هو ابن عنتر الذى قدم آسية صليبيًا من الصليبيين، وعلم هناك بحقيقة بنوته، فانتقم لأبيه ثم عاد إلى أوربا. والظاهر أن اسم تفور Tafur نفسه، ملك الشحاذين فى جيش بطرس صاحب أرمينية، قد أبقت عليه السيرة، ذلك أن "ضافور" هو الذى استولى على عرش الشام من الأمير الصبى عمرو من الأمير الصبى عمرو عرش الشام، ثم أطاح عنتر بضافور. أما العطف الواعى على المسيحية والنظرة السمحة إليها، فإن الصورة التى نستشفها من

سيرة عنتر فى ذلك تسمو كثيرًا على الصورة التى تتكشف لنا عن النظرة التى تنظر بها الملحمة المأثورة عن مسيحية القرون الوسطى إلى الإسلام. الأدب الشعبى ونظائر القصة من الآثار الأدبية: يقل الأدب الشعبي فى سيرة عنتر إلى حد عجيب، ولكنها تشمل سمات عدة مشهودة، ففيها كهف للساحرات يأتين فيه بالأعاجيب، وشواهد من لطائف الكنايات، وفيها فأل وطيرة، ومعجزات الحياة. ويمكن أن نعد ما تتفق فيه مع الشعر القصصى الآخر من المسائل العادية التى لاكتها الملاحم كثيرًا؛ ومن ذلك قوة البطل وترعرعه، ومغامراته، وقتل سبع، والمعمرين (وطول العيش شائع فى سيرة عنتر شيوعه فى الشاهنامه) والأحلام، والرؤى، والنساء المسترجلات، والقتال بين الأب وابنه، وموضوع إخلاص العروس المأثور عن ملحمة كودرون Gudrun (¬1)، وموضوع الرجل الأبله. وفى السيرة أفكار منقولة قليلة مثل يوم سعد النعمان ويوم نحسه، وناقوس العدالة الخاص بكسرى (وهو موضوع مأخوذ من أسطورة الإمبراطور شارل والحية)؛ والطيران إلى السماء فى صندوق تحمله النسور, وروايات إفريقية عدة (وربما كانت مأخوذة من كتب جغرافية عن إفريقية). وثمة أيضًا صلات تربط السيرة بالأساطير الأوربية، فى العلامات العجيبة التى ظهرت عند مولد شارلمان (الواردة فى قصص ترين Turpin المزيف)، على أن ما ذكره تربن المزيف مأخوذ بلا شك من مصدر أقدم من ذلك؛ وكذلك الطيور الصناعية المتخذة من المعدن تغنى بالألحان المختلفة بفضل الأجراس وأنابيب النفخ قد وصفت فى الملاحم الفرنسية والألمانية كما وصفت فى سيرة عنتر. ولكننا نصادف فى هذا المقام عجيبة تاريخية هى المائدة المثلثة المذهبة فى القسطنطينية، وشيئًا على غرار ذلك فى طيسفون أيام الساسانيين، وكذلك فى قصبة التترخانية. وثمة وجوه من الاتفاق تستلفت النظر إلى حد عجيب؛ فالحارث الظالم يضرب صخرة بسيفه ¬

_ (¬1) أغنية ملحمية حافلة بالمغامرات يدور الجزء المهم منها حول البطلة كودرون واختطافها ثم تخليصها.

ذى الحيات حتى لا يقع فى يد أعدائه، فتتحطم الصخرة ويخرج السيف سليمًا كما هى الحال بالنسبة لسيف رولاند "درْندَل". ويبصَّر عنتر ابنه الغضبان بأمر الملكية المستندة إلى الحق الإلهى، حين أراد الغضبان أن يقتل كسرى ويخص نفسه بملكه، وذلك هو ما فعله جيرارد ده فيان مع ابن أخيه أيمرى عندما أراد أن يقتل شارلمان. وينطلق جواد عنتر الأبجر فى الصحراء بعد موت عنترة خشية أن يكون مطية لسيد آخر، كما فعل بايار جوادرينودى مونتابان إذ لاذ بغابات الأردّن. ومن المواقف المشهودة التشابه العجيب بين مبارزة رولاند لأوليفر وبين مبارزة عنتر لربيعة بن مقدم. فقد انشطر السيف فى الحالين شطرين فما كان من الخصم النبيل إلا أن ناول غريمه سيفا آخر. ويتصالح الغريمان ويتآخيان. ولكن مثل هذا التوسع فى الصورة الشعرية له أصول فى نظرات الفروسية التى من هذا القبيل، ومن ذلك صلة الفارس بسيفه، وصلته بجواده، وصلته بسيده الأكبر، وصلته بغريمه. الفروسية فى سيرة عنتر: تعد السيرة بحق قصة من قصص الفروسية. وقد كانت الفضيلة المثلى التى يتحلى بها الرجل فى الجاهلية هى المروءة والفتوة. ونحن نجد فى سيرة عنتر، علاوة على ذلك، الفروسية مقترنة بالفراسة والتفرس، ويقال للرجل الفارس ويعرف عنتر بأبى الفوارس، ويقال له أحيانًا أبو الفرسان، وأعلى الفرسان، وفارس الفرسان، وأفرس الفرسان. وليس كل من يركب الجواد بفارس. ويتميز الفارس بالشجاعة، والإخلاص، وحب الصدق، وحماية الأرامل، واليتامى والمساكين (وكان عنتر يولم لهم ولائم يخصهم بها)، والشهامة، واحترام النساء (وقد بدأ عنتر حياته الحافلة بالبطولة وختمها بحماية النساء؛ فكان يقسم بعبلة، وبعينها، ويغزو باسمها)، والكرم وخاصة مع الشعراء. والفرسان هم أيضًا شعراء، وخاصة شعراء الحجاز، الذين ورد ذكرهم بالمئات فى سيرة عنتر. وتعرف السيرة أيضًا نظم الفروسية. ونحن نصادف فيها الغلمان وأتباع الفرسان، ولا يقتصر ذلك على

سهارجة طيسفون. وقد درب عنتر نفسه عدة آلاف من الأتباع. بل إن السيرة لتصف مباريات الفرسان فى الفروسية على نطاق واسع، فى الحجاز، وفى الحيرة، وفى طيسفون، وأروعها جميعًا فى بوزنطة حيث أصاب رمح عنتر الحلقة 476 مرة. وهذه المباريات تشبه من عدة وجوه المباريات التى كانت تعقد من هذا القبيل فى أوربا، كالقتال بالأسلحة المعلومة، والتسديد على الحلقة، وتزيين الحلبات ووضع راية على الحلقة التى يسدد إليها الرمح، وحضور السيدات والفتيات. وقد بينت أوجه الشبه هذه بطرق مختلفة أشد الاختلاف. فمن قائل، مثل دليكلوز Delechuce، إن عنتر هو المثال الذى نسج على منواله الفارس الأوربى، وإن سيرة عنتر هى الأصل الذى أخذت عنه أوربا كل أفكارها عن الفروسية؛ ومن قائل، مثل رينو Reinaud, إنه لا يرى فى السيرة إلا أفكارا وعادات ونظما تحاكى ما عند الأوربيين (Jour. AS, جـ 1، ص 102 - 105). ويذهب بعض الباحثين إلى أن هذه المسألة هى نقطة الابتداء فى دراسة أصل سيرة عنتر. أصل السيرة: تبادر سيرة عنتر نفسها بالحديث عن نفسها وعن أصلها، وتقرر أن مصنفها هو الأصمعى، وأن ذلك كان على أيام الخليفة هارون الرشيد وفى بلاطه ببغداد، وأن الأصمعى عاش 670 سنة، قضى منها أربعمائة سنة فى الجاهلية، وكانت له معرفة شخصية بعنتر ومعاصريه؛ وأنه أتم السيرة سنة 473 هـ (1080 م)، وسجل روايات من أفواه عنتر، وحمزة، وأبى طالب، وحاتم الطائى، وامرئ القيس، وهانئ بن مسعود، وحازم المكى، وعبيدة، وعمرو بن وّد، ودريد بن الصّمة، وعامر بن الطفيل؛ والحق أن لدينا قصة منتظمة عن أصل القصة. وما تردده القصة من أسماء مثل: الراوى، والناقل، والمصنف، وصاحب العبارات، والأصمعى وغيره من الأسانيد، له بالنسبة لسيرة عنتر نفس المدلول الذى للدهقانه والكتب البهلوية والأسانيد العريقة فى القدم بالنسبة للفردوسى، والمدلول الذى لأخبار القديس دنيس بالنسبة للملحمة الفرنسية. ويدخل فى باب الخيال ما ترويه سيرة عنتر من أن ثمة روايتين

للقصة، إحداهما خاصة بالحجاز، والأخرى خاصة بالعراق، وقد قصد بابتداع رواية للقصة خاصة بالحجاز أن يلقى فى قلوب الناس أن الأصمعى قد جمع المعلومات التى اعتمد عليها فى كتابة القصة فى الحجاز من أفواه عنتر وأصحابه. وجعل الحجاز موطن القصة اختلاق محض. على أن العراق ربما يكون قد ساهم فى بناء القصة بنصيب كبير. ونذكر فيما يلى دلائل يستهدى بها فى معرفة التاريخ الذى نشأت فيه سيرة عنتر: (1) محاورة دارت بين واهب ومسلم ذكر فيها الراهب مغامرات عنتر (Das Religionsgesprach von Jerusalem um 800 A. D. aus dem Arabischen ubersetst. Zeitschr. F.Kirchenges Chichte: von K, Vollers، جـ 29، ص 49). (2) حوالى منتصف القرن الثانى عشر وصف اليهودى الذى أسلم السموأل بن يحيى المغربى حياته فقال إنه كان مشغوفًا فى شبابه بالقصص الطويلة مثل قصة عنتر (M.G.W.J، 1898 م, جـ 42, ص 127, 418). (3) الشواهد الواردة فى السيرة نفسها، فإن ظهور بهمند، والجوفران (جودفرى صاحب بويون) -وربما يكون كذلك ظهور ملك الشحاذين تفور- ينقلنا إلى الفترة التالية للحروب الصليبية الأولى، أى فى السنين الأولى من منتصف القرن الثانى عشر الميلادى. ولا جدال إذن فى أن تواريخ عنتر قد بدئ فى تصنيفها فى القرن الثامن استنادًا إلى الشاهد الذى ذكرناه آنفًا عن المحاورة الدينية التى وقعت بين الراهب والمسلم. ويتبين من أقوال السموأل بن يحيى أن كتابًا كبيرًا عن عنتر كان موجودًا بالفعل فى منتصف القرن الثانى عشر؛ وإذا كان هذا الكتاب قد ذكر بهمند والجوفران فإنه يكون قد تم بلا شك فى أوائل هذا القرن. ولعل المداحين كانوا فى هذه الأثناء دائبين على الإضافة إليه وصبغه بصفة خاصة بالصبغة الإسلامية. أما تفسير قصة إبراهيم التى تعد زيادة لا تدخل فى صميم الموضوع، والروايات الخاصة بمحمد عليه الصلاة والسلام وعلّى، فإنها يمكن أن تنسب لأى عصر. ويمكن أن يعاد بناء قصة عنتر الأصلى على أساس لغوى راجح. وفى المجلد

الحادى والثلاثين من القصة يستعرض عنتر المحتضر سيرة حياته الحافلة بالبطولة فى قصيدته الأخيرة، ويسترجع مفاخرًا انتصاراته فى جزيرة العرب، وفى العراق، وفارس، والشام، ولكنه لا يذكر بوزنطة، ولا أسبانيا, ولا فاس، ولا تونس، ولا برقة، ولا مصر، ولا هند سند، ولا السودان، ولا الحبشة. ولم تتعرض قصيدته الأخيرة لأبنائه، ولا تذكر إلا حبًا واحدًا خفق به قلب عنتر. ومن ثم فإن قصة عنتر الأولى هذا يجب أن تسمى "عنتر وعبلة". وقد تأثرت الملحمة المتأخرة باعتبارات تتعلق بالأنساب، فجعلت لعنتر جدودًا من الملوك فى السودان وأحفادًا من الملوك فى جزيرة العرب، وبوزنطة، ورومة وبلاد الفرنجة. ثم وجدت الحروب الصليبية صدى وأثرًا لها فى عنتر. فقد وفد الصليبيون من بلاد الفرنجة. على الشام عن طريق بوزنطة؛ وخرج عنتر فى رحلة أشبه برحلات الصليبيين، ولكن بطريق معكوس، فشخص من الشام إلى بلاد الفرنجة مارًا ببوزنطة، وحقق النصر على المسيحية الأوربية، للمثل والثقافة العربية على الأقل, لأن الإسلام لم يكن قد ظهر بعد. وقد حفلت المنطقة الجغرافية بأسرها للقصة ونطاقها التاريخى بمغامرات عنتر. والظاهر أن قصة عنتر قد ذكرت أول ما ذكرت فى أوربا سنة 1777 فى Bibliotheque Universelle des Romans (.J .A 1834 م، جـ 13، ص 256)، ودخلت لأول مرة فى نطاق بحوث العلماء الأوربيين سنة 1819 على يد هامروبور كستال Hammer Purgstall , كما أدخلها دنلوب وليبرخت سنة 1851 فى نطاق الأدب المقارن (Dunlop Geschicte der Prosadichtungen: Liebrecht، جـ 13 - جـ 16). وقد بدأ كولدسيهر دراسة هذه المسألة العلمية التى أثارتها سيرة عنتر، وخاصة فى مؤلفاته الهنغارية. وظلت هذه السيرة أمدًا طويلا موضوعا من موضوعات البحث المحببة فى فرنسا. وعرضت لها المجلة الأسيوية فى كثير من الأحوال بالمناقشة وترجمت بعضها. وكان لامارتين تأخذه نشوة من الإعجاب والحماسة لعنتر (Vie des Grands Voyages en Orient, Premieres Hommes I Meditations Poetiques, Premiere Preface)

المصادر

ويضع تين Taine عنتر فى صف أبطال الملاحم الكبرى مثل سيكفريد، ورولاند، والسيد، ورستم، وأوديسيوس، وأخيل (Philosophie de L'Art جـ 2، ص 297) وليس كل هذا التقدير بخال من الأساس، فإن سيرة عنتر تضع أمام أعيننا صورة نابضة بالحياة مشرقة لفترة شائقة جدًا، تتناولها بخيال عارم فى قوته، وبراعة فى السرد لا تفتر أبدًا فى أى موضع من مجلدات السيرة الاثنين والثلاثين، وأسلوب شعرى لا ينضب له معين. المصادر: زودنا شوفان بمجموعة مستفيضة من الإشارات إلى مخطوطات سيرة عنتر وطبعاتها وترجماتها والرسائل التى وضعت عنها (1) Bibliographie des Ouvrages arabes ou relatifs aux Arabes, etc: V- Chauvin، جـ 3؛ Barlaam Louqmane et les fabulistes Antar et les Romans de Chevalerie، لوتيخ - ليبسك 1898, ص 113 - 126. (2) Der arabische Held Antar in der Geographischen Globus)Nomen Clatur, 1892: I.Goldziher, جـ 64، رقم 4، ص 65 - 67). (3) المؤلف نفسه: Ein Orientalischer Rittrerroman, Peter Lloyd 18 مايو سنة 1918. (4) Der arabische Antarroman, Ungarische Rundschau: B.Heller، جـ 83 - 107. (5) المؤلف نفسه: Az arab Antarregeny، بودابست 1918. (6) المؤلف نفسه: Der arabische Antarroman, ein Beitrag Zur Verglichen den Litteraturgeschichte، هانوفر 1925. خورشيد [هلر Bernhard Heller] سيف الدولة أبو الحسن على بن حمدان، صاحب حلب وأنبه الأمراء الحمدانيين شأنا، وقد اشتهر بنشاطه العسكرى ونضاله مع الروم ورعايته للعلماء. ولد سيف الدولة سنة 303 هـ (915/ 916 م). أو قد تكون سنة 301 وهو حفيد ابن حمدان صاحب حصن ماردين الذى انتقض على الخليفة المعتضد سنة 281 هـ وقد ولى الخليفة المقتدر أباه أبا الهيجاء على الموصل

والجزيرة سنة 302؛ وقاتل أبو الهيجاء القرامطة سنة 315 وأنقذ بغداد بتدمير جسر الأنبار، وازداد سلطانه فى عهد القاهر، ولكنه هلك إبان الاضطرابات التى قامت فى بغداد والتى عزل فى أثنائها الخليفة. وكان أبو الحسن على يملك أول الأمر واسط والبلاد المحيطة بها، كما كان أخوه الأكبر يملك الموصل. وفى سنة 330 اشترك هذان الأميران، أيام المتقى، فى قتل ابن رائق الذى كان يلقب بأمير الأمراء؛ فمنح الخليفة أمير الموصل هذا اللقب، كما لقبه بناصر الدولة ولقب أخاه بسيف الدولة، ولم يحتفظ ناصر الدولة بلقب أمير الأمراء إلا ثلاثة عشر شهرًا فى بغداد، فقد جرده توزون التركى من لقبه هذا، وكان مركز الخلافة فى ذلك الوقت حرجًا أشد الحرج، وقد انقسمت الدولة شيعا كثيرة. وأراد الخليفة أن يهرب من وصاية توزون فطلب نجدة الأميرين الحمدانيين، ولجأ هو وحريمه وحاشيته كلها إلى الموصل، وشخص منها إلى الرقة سنة 333 هـ، ورجاه توزون أن يعود إلى قصبة ملكه وقطع على نفسه عهودا كثيرة بالولاء له، ورضى الخليفة بالعودة ضاربا بنصح سيف الدولة عرض الحائط، وما إن بلغ مشارف بغداد حتى قبض عليه توزون وخلعه عن عرشه وسمل عينيه سنة 333 هـ وقد كلفت إقامة الخليفة الأميرين الحمدانيين مبالغ طائلة. وفى هذه السنة انتزع سيف الدولة حلب من عامل الإخشيد الذى كان يلى آنئذ أمر مصر، وقد أنفذ إليه الإخشيد جيشا تحت إمرة كافور، ولقى سيف الدولة هذا الجيش قرب حمص ثم حاصر دمشق ولكنه لم يستول عليها، وتوفى الإخشيد فى السنة التالية (334 هـ) بدمشق، فعاد كافور، ذلك الخصى الأسود، إلى مصر، وانتهز سيف الدولة هذه الفرصة فعاود الهجوم على دمشق، واستولى عليها، ثم سار إلى مصر واستولى على الرملة ولكنه لقى الجيش المصرى الذى هزمه فى الأردن، وعقد صلح بينه وبين الإخشيديين، واحتفظ الأمير الحمدانى بحلب كما احتفظ المصريون بدمشق. وفى سنة 337 هـ دفع سيف الدولة الحرب إلى أرض الروم واستمر منذ ذلك التاريخ إلى أن وافاه أجله، أى قرابة عشرين عامًا، يقاتلهم فلا تنقضى

سنة دون أن يغزو أرضًا للروم أو يخوض معركة معهم؛ وقد مُنى بالهزيمة فى تلك السنة، واستولى الروم على مرعش وذبحوا أهل طرسوس؛ وفى سنة 339 توغل كثيرًا فى أرض الروم واستولى على عدة حصون كما غنم غنائم كثيرة، ولكن الروم سدوا الطرق فى وجهه فى أثناء عودته واستردوا ما غنمه منهم من غنائم وأسرى، على أن سيف الدولة أفلح هو وبعض صحبه فى الهرب (حملة المَصِّيصة) وفى سنة 342 برز لقتال بارزوس فوكاس Barzos Focas عامل الإمبراطور -وكان هذا الوالى قد جمع جيشًا كبيرًا من بينه روس وبلغار وخزر- وهزمه خارج مرعش، وأسر قسطنطين بن فوكاس وحمله إلى حلب ومات قسطنطين فى الأسر، وأقام له النصارى بأمر من سيف الدولة، جنازة رائعة. وهزم سيف الدولة فوكاس مرة أخرى سنة 343 قرب حصن الحدث الذى أعاد بناءه، ودمر الحصن مرة أخرى بعد ذلك بثلاث سنوات واستولى الروميان باسيل Basil ويانيس Yanis ابنا تسيميتسيس Tsimitses على سميساط سنة 347 وهزما سيف الدولة هزيمة منكرة قرب حلب، ووقع فى الأسر سبعمائة وألف فارس مسلم وحملوا إلى القسطنطينية. ودبّر سيف الدولة فى السنة نفسها صلحا بين أخيه ناصر الدولة وبنى بويه الذين كانوا قد استولوا على الموصل؛ وكفل لهم سيف الدولة أداء جزية سنوية، واحتفظ لأسرته بالموصل كما احتفظ لها بالرحبة وديار ربيعة. وفى سنة 351 قدم نقفور Nicephoros عامل الإمبراطور وقتئذ، صوب حلب فى جيش عدته 200.000 مقاتل؛ وجرت بينه وبين سيف الدولة موقعة قرب هذه المدينة أمام باب اليهود، مُنى فيها سيف الدولة بالهزيمة، واستولى نقفور على حلب فيما عدا الحصين الذى ثبت للغزاة، وكاان الديلم هم الذين يدافعون عنه، ووقع فى يد الروم 1200 أسير قتلوهم فى الحال ثم خربوا البلاد ونهبوا قصر سيف الدولة الذى كان يقوم خارج حلب ودمروه, وانسحبوا بعد ذلك بأسبوع.

المصادر

وأصيب سيف الدولة فى السنة التالية بشلل فى يده وقدمه، إلا أنه واصل القتال بالرغم من ذلك وألحق الهزيمة بالروم وخاصة بجوار حلب، وكانوا قد عادوا إليها سنة 353؛ ورأس فى سنة 355 اجتماعا هاما عقد لتبادل الأسرى على ضفاف الفرات، وتوفى فى حلب سنة 356 من عسر البول، وجئ بجثمانه إلى مَيَّافارقين ودفن فى مقبرة أمه خارج المدينة، وكان قد جمع من نفض الغبار الذى يجتمع عليه فى غزواته شيئًا وعمله لبنة وأوصى أن يوضع خده عليها فى لحده فنفذت وصيته. وكان سيف الدولة رجلًا صلب الرأى لا يقبل النصح إلا قليلا، على أنه كان شجاعًا كريمًا فصيحا، كما كان شاعرا مثل بقية أفراد أسرته؛ وقد روى أبو المحاسن وابن خلكان قصيدة صغيرة رقيقة قالها فى قوس قزح، تفصح بجلاء عن موهبته؛ وكان يحيط نفسه بالشعراء والعلماء، وأشهرهم الشاعر المتشكك المتنبى، مداحه، ثم مداح كافور من بعده. وكان من جلسائه أيضًا الفارابى ذلك الفيلسوف والموسيقى العظيم الذى توفى وهو يصحبه فى رحلة إلى دمشق؛ وقد أهدى إليه صاحب الأغانى نسخة هذا الكتاب الجليل التى كتبها بخطه. المصادر: المؤرخون وبخاصة: (1) أبو الفداء، طبعة Reiske-Adler, جـ 2، ص 492 وما بعدها. (2) ابن خلكان، طبعة de Slane, ص 507 وما بعدها. (3) أبو المحاسن، طبعة Juynboll, جـ 2. (4) يوحنا الإنطاكى، الذى أكمل كتاب يوتيخيوس Eutychius، طبعة L. Cheikho, B. Carra de Vaux & H. Zayyat فى Scriptorum Christianorum Corpus Orientalium، باريس 1909. (5) Hist, d'Alep. de Kamlal Din: E. Blochet ترجمة باريس 1909. (6) Gesch. der Hamdaniden,: Freytag فى Z.D.M.G جـ 10 و 11. (7) Mutenebbi und Seifuddaula: Dieterici, ليبسك 1847. صبحى [كارا ده فو Carra de V aux]

سيف بن ذى يزن

سيف بن ذى يزن سليل بيت من ملوك حمير، وكان لسيف شأن فى تاريخ العرب بمشاركته فى طرد الأحباش من جنوبى بلاد العرب بعد أن ظلوا غالبين عليه منذ عهد أبى نواس، وتقول رواية الأهلين هناك إنه استعان على رفع نير الأحباش الأجانب ببلاط الروم ثم ببلاط كسرى ملك فارس. على أن كسرى لم يشأ أن يغامر فى هذا المشروع البعيد التحقيق فاكتفى بتزويد سيف بطائفة من المجرمين الخارجين من السجون تحت إمرة قائد يدعى وهرز؛ وهزم سيف بمعاونتهم ومعاونة بنى وطنه الذين هبوا للخلاص من نير الأجنبى، القائد الحبشى مسروقًا، فأقامه كسرى أميرًا على قومه. ونخرج من هذه الرواية ومن طائفة من القصائد العربية، بحقيقة تاريخية هى أن سيف ابن ذى يزن غلب على الأحباش بمساعدة الملك الفارسى كسرى أنوشروان، وأطاح بحكمهم على اليمن وبسط سلطانه على أرض أجداده، ويمكن أن نرجع انتصاره هذا على الأحباش إلى سنة 570 م أو نحوها، وينسب هذا الانتصار خطأ إلى ابن سيف: "معد يكرب". ونحن نعلم من عدة مصادر أن التاريخ العربى لليمن قد درسه المسلمون هو وقصة سيف منذ مطلع الإسلام وما بعده، ومن ثم فليس بعجيب أن يحتل سيف مكانا فى المؤلفات العربية بفضل نضاله الموفق مع الأحباش الذين استفحل خطرهم. وقد شغلت الحرب بين العرب المسلمين والزنوج الأحباش الكفار فراغا كبيرًا فى قصة سيف بن ذى يزن. ويمدنا ملك الأحباش الذى كاد يجرى كفاحه مع سيف فى جميع صفحات هذه القصة، بمفتاح نستهدى به فى تبين تاريخ نشأة السيرة التى نحن بصددها، فهو يسمى سيف أرعد ويطابق بذلك اسم الملك الحبشى "سيف أرعد"، الذى نعرفه من التاريخ والذى حكم الحبشة من 1344 - 1372، ومن هذه الإشارة نخرج بواقعة على جانب كبير من الحقيقة، وهى أن نسخ السيرة الموجودة بين أيدينا ترجع إلى القرن

الخامس عشر الميلادى تقريبًا، ومهما يكن من أمرها فإنها لا ترجع إلى ما قبل نهاية القرن الرابع عشر. وتتفق المعلومات التى لدينا، سواء كانت إيجابية أو سلبية، مع هذا من حيث إنها لا تكاد تذكر شيئًا مستقلا بذاته وإنما تكون لها قيمة وهى مجتمعة. ومن بين هذه المعلومات عدد يتضح بجلاء أنه منقول من ألف ليلة وليلة. ولا يستتبع هذا بطبيعة الحال أن نقول إن القصة برمتها نشأت فى ذلك العهد، ذلك أن منشأ السيرة هو مصر، بل القاهرة إن شئت الدقة. وهذا واضح من أسماء الأشخاص والأماكن الكثيرة التى تشير جميعًا إلى مواضع معظمها فى مصر، بل إن بعضها يدل على معرفة سابقة دقيقة بخطط مصر، ولا ينقض هذه الحقيقة ورود قليل من الأسماء المأخوذة من دمشق وأرباضها فى السيرة. أما من حيث مادة السيرة فإن مصر هى أيضًا المكان الأمثل لنشأتها, ولعل ما نستشفه بين سطورها من اعتقاد فى الخرافات وإيمان بالعجائب يدل كذلك على أن القصة إفريقية النشأة. وتتمشى مادة السيرة مع الحقيقة التى تقول إن القصة قد ألفها ورواها الشعب أو إنها على الأقل قد رويت له. . ومن هنا نستطيع أن نتبين فى يسر السر فى أن النزعة الإسلامية العامة السليمة تسير جنبًا إلى جنب مع عدد من موروث المعتقدات غير الدينية لدى البعض ولا يمكن أن نجعلها تساير الأصول الإسلامية إلا بصعوبة وفى الظاهر فحسب. ذلك أن الدين الإسلامى الناشئ [آنئذ] لم يتغلغل بسرعة ورسوخ فى نفوس الجماهير بقدر ما تغلغل فى نفوس الطبقات المتعلمة التى كان زادها العقلى يعتمد فى جوهره على العلم والأدب اللذين أذاعهما الإسلام على نطاق واسع. أما العامة فلم يكن لديهم من معتقداتهم وعاداتهم بديل قوى يدفع عنهم تلك الأفكار. وقد استغرقت الحرب بين العرب المسلمين وبين الأحباش والزنوج الوثنيين جزءًا كبيرًا من السيرة كما سبق أن ذكرنا. ومن المفروض أن الناس جميعًا يعرفون أن بطل هذه الحرب سيف بن ذى يزن، قد عاش فى زمن الجاهلية، وأحالته السيرة نزّاعا للقتال، يدين بالإسلام.

والذى يخلصنا من هذا التناقض هو القول الذى يسلم به الناس بعامة من إمكان التزود بلمحة عن المستقبل بفضل الكرامات والسحر وما إلى ذلك وبفضل الشيوخ من أهل التقى والورع. وهكذا يصبح سيف، كأبيه ذى يزن من قبله، مؤمنًا بحقيقة الإسلام قبل مجئ محمد عليه الصلاة والسلام، ويجذبه الدين الجديد إليه. ثم يحل الإسلام محل العداوة القائمة على الاختلاف فى الجنس، وذلك فى نضال سيف الذى انصب فى جوهره على الأحباش والكفار، وراح سيف ينشر هذا الدين بعد السيف فى تجوله الكثير وغاراته العديدة فى بلاد الإنس والجن مستعينًا فى كثير من الأحيان بعضد من الأرواح. ولما كان محمد عليه الصلاة والسلام لم يظهر بعد، فقد حل محله فى الدعوة إبراهيم خليل اللَّه. ومن ثم لم تعد الغارات تشن تحقيقا لأطماع سيف والعرب، وإنما كانت تشن للدعوة إلى وحدانية اللَّه واتخاذه إبراهيم خليلا. وما إن يستجيب هؤلاء الأعداء إلى هذا المطلب بترديد الشهادة حتى يقبلوا فى الجماعة الإسلامية. وكذلك نجد أثر القول بتفوق الجنس السامى على الجنس الحامى، باقيًا بطبيعة الحال لم تذهب ربحه. لقد كان عرب الجنوب بخاصة، ويتمثل فيهم الأجداد المزعومون للمسلمين المتأخرين فى مصر، هم الذين اضطلعوا بذلك العمل الشريف وهو تمهيد الطريق لخاتم الأنبياء وخيرهم، أما الأحباش والزنوج فقد ظلوا على وثنيتهم فكانوا بذلك غير أهل للإسلام، أو اعتنقوا الإسلام فكان لهم فى هذه الحركة الدينية شأن سلبى أكثر منه إيجابى. ومما هو جدير بالتنويه أيضًا أنه لم يرد فى السيرة كلها أقل إشارة إلى أخذ الأحباش بالنصرانية، فقد نسب إليهم عبادة زحل، على حين ردّت سائر الديانات غير الإسلامية إلى عبادة النار والأصنام والحكام المتألهين، والحيوانات المختلفة (الكبش، والنعامة، والأبقار، والحشرات، والدجاجة). ولعل كثيرًا من هذه الأفكار قد نشأت فى خيال القصّاص الجامح الذى لا يعرف حدا. ولم يستغرق انتشار الإسلام مادة السيرة كلها، ذلك أن التاريخ الدنيوى قد استهوى العامة

أيضًا كما استهوتها القصص التى حفلت بالحوادث إلى أقصى حد ممكن، ولذلك نجد فى السيرة قصصا عن نشأة المدن المشهورة، والأماكن والعمائر، ومجئ نهر النيل إلى مصر وغير ذلك. ونجد فيها أيضًا وصفا للرحلات والمغامرات الكثيرة التى قام بها سيف بن ذى يزن وأولاده وفرسانه والأرواح المسخرة له، وقصص حبه وحب غيره التى تتبدى دائمًا فى صورة جديدة، ووصفا للعمائر الرائعة، والأقاليم، والأشخاص الذين تروى أنباؤهم للسامعين وما إلى ذلك من أمور كثيرة. ويجمح الخيال الذى يستعان به فى إثارة عجيب الجمهور فى نهاية السيرة ويصبح مغرقا لا حد له، ذلك أن القُصاص يحسون فى آخر الأمر أن العجائب التى رووها لم تعد تؤثر فى نفوس السامعين وأن الواجب يقتضيهم أن يزيدوها عجبا على عجيب. ومن الأشياء التى تدخل فى باب السحر الخالص الفكرة التى تردد من أن زواج سيف من زوجته الأولى شامة سوف يؤدى إلى هلاك الأحباش والزنوج، والمحاولة التى بذلت من ثم لمنع هذا الزواج من أن يتم بأية وسيلة. ولا سبيل إلى حصر الكنوز السحرية المذكورة فى سياق القصة، وهى كنوز تتيح لمن يصل إليها سلطانًا عجيبا على الأرواح ذات الصول والحول. وثمة سحرة من ذوى الخطر هم العقبة الكبرى فى سبيل انتشار الإسلام. [حسبما تزعم القصة] صحيح أن سلطانهم مسلم به، إلا أنهم أضعف من نظرائهم فى الجانب الإسلامى، فإذا عجزوا تدخل الخضر معين المسلمين وقت الشدة، وتبنى قضية أولئك الذين يلوذون به وغلب على أولئك السحرة المقتدرين؛ وهنالك يسلمون ولكنهم لا يكفون عن نشاطهم، بل يضعون مهارتهم وعلمهم جميعًا فى خدمة الدين الجديد. والاعتقاد فى الأرواح له شأن متزايد الخطر فى السيرة، فنحن نجد فيها حشودًا لا تنتهى من الجن على اختلاف طبقاتهم يحاربون الإسلام يقاتلون فى سبيله، وهم أوثق صلة بالناس من أضرابهم الذين ذكروا بعد رسالة النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] كما أنهم يؤلفون فريقًا كبيرًا من أتباع سيف إن لم

المصادر

يكونوا هم الفريق الأعظم من هؤلاء الأتباع، فإذا جاز لنا أن نسقط من السيرة الفقرات التى تتناول الأرواح والسحر أو تتصل بهما لما بقى منها إلا النصف. وتزودنا سيرة سيف بن ذى يزن فى جملتها بصورة صادقة لتفكير العامة فى مصر الإسلامية فى نهاية القرون الوسطى، ومن ثم فهى مصدر من مصادر التاريخ الإسلامى آنئذ بأوسع معانيه. المصادر: (1) Bibliographie des ouvrages arabes: V.Chauvin، جـ 3، ص 138، وما بعدها. (2) Essai sur l'histoire des Arabes: Caussin de Perceval، جـ 1، ص 146 - 156. (3) Uber die sudarabische sage: A.V.Kremer, ليبسك 1866، ص 220 - 234, 249 ما بعدها. (4) سيرة سيف بن ذى يزن، سبعة عشر جزءًا فى أربعة مجلدات، القاهرة 1322 هـ. (5) Die Handschrif teneverzeichnisse der KgI. Bibliothek zu Berlin: W.Ahlwardt فى عشرين مجلدا (Verzeichnis der Arabischen Hand schriften فى ثمانية مجلدات) ص 73 وما بعدها. (6) Sirat Saif ibn Dhi Yazan,ein arabischer Volkroman 1924: R.Paret م. خورشيد [باريه R.paret] سيف بن عمر الأسدى التميمى، مؤرخ عربى، ذكر صاحب الفهرست (طبعة Fhugel, جـ 1، ص 94) أنه ألف كتابين، "كتاب الفتوح الكبير والردَّة" و"كتاب الجمل ومسير عائشة وعلى"، ولم يصل إلينا هذان الكتابان، على أنه قد أتيح للطبرى أن يفيد من سيف ويتخذه عمدة له فى تناوله عهد الردَّة والغزوات الأولى (طبعة de Goeje, جـ 1، ص 1594 - 3255) أى من سنة 11 هـ إلى سنة 36 هـ, وقد تحدث فلهوزن حديثًا مسهبا بعض الشئ عن قيمة سيف المؤرخ (Vorarbiten: Wellhausen und Skizzen جـ 6، ص 3 - 7)، ولم يكن رأيه فيه حسنًا، فهو يقول إنه وإن

المصادر

كان يروعنا بكثرة التفاصيل التى يذكرها إلا أنه يتبين لنا من مقارنة معلوماته بالمعلومات الخاصة بالمؤرخين العرب الآخرين وبالإخباريين النصارى أن روايته عن العراق أضعف من روايته عن الحجاز، وقد أفاد كايتانى Caetani من مقتطفات مستقاة من سيف فى سياق حولياته بعد أن وضعها على محك النقد (Annali، فهارس المجلدات 3 و 4 و 5، مادة سيف بن عمر). المصادر: انظر المصادر المذكورة فى صلب المقال، وانظر أيضًا Geschder. arab Litt.: Brockelmann جـ 1، ص 516. السيوطى أبو الفضل عبد الرحمن بن أبى بكر بن محمد جلال الدين الخضيرى الشافعى: أغزر الكتاب المصريين إنتاجًا فى العصر المملوكى، بل لعله أغزر كتاب العربية قاطبة، انحدر من أسرة فارسية كانت تعيش أول الأمر فى بغداد، ثم استقرت فى سيوط [أسيوط بصعيد مصر] قبل مولده بعشرة أجيال على الأقل، وشغل أفرادها مراكز جليلة فى الحياة العامة لهذا البلد وفى خدمة الحكومة. ولد السيوطى فى غرة رجب سنة 849 هـ (3 أكتوبر سنة 1445 م) بالقاهرة، حيث كان أبوه يدرس الفقه فى المدرسة الشيخونية، وتوفى أبوه مبكرًا فى صفر سنة 855 هـ (مارس 1451 م) فتبنى الغلام صديق لأبيه من الصوفية. وبدأ السيوطى دراسته سنة 864 هـ (1406 م) وأتمها متنقلا بين بلدان مصر وحاجا إلى مكة سنة 869 هـ (1463 م). ثم عاد إلى القاهرة، واشتغل أول الأمر ببذل المشورة فى المسائل الفقهية، وتولى سنة 872 هـ (1467 م) منصب الأستاذية الذى كان يتولاه أبوه من قبله فى المدرسة الشيخونية بتوصية من شيخه البلقينى، ثم انتقل سنة 891 هـ (1486 م) إلى المدرسة البيبرسية وهى أهم من المدرسة الشيخونية، ولكنه صُرف عن هذا المنصب فى رجب سنة 906 هـ (فبراير 1501 م). وهنالك اعتكف فى جزيرة الروضة بالمنيل، فلما توفى خلفه فى المدرسة لم

يجد فى نفسه ميلا إلى شغل هذا المنصب مرة أخرى. وتوفى السيوطى فى 18 جمادى الأولى سنة 911 هـ (17 أكتوبر سنة 1505 م). ويتميز نشاطه فى التأليف الذى بدأه فى سن السابعة عشرة، بالتنوع العجيب. وينسب له فلوكل (Flugel: Wienr. Jahrb المجلدات 98 - 60) فى الثبت البالغ الطول الذى جمع فيه مؤلفاته 561 كتابًا، على أن هذا الثبت يضم علاوة على كتبه الكبرى كثيرًا من الرسائل القصيرة. وكان السيوطى يطمح إلى استخدام مهارته فى تناول فروع المعرفة الإسلامية جميعًا، وألف من ثم عددًا من التصانيف لا غنى لنا عنها الآن، فهى تعوضنا عما فقد من الكتب القديمة كما تزودنا بمجموعات من المواد. ونجتزئ من بيان كتبه الموجودة التى ذكرت فى تاريخ الأدب العربى لبروكلمان (Gesch.Arab. l-it جـ 2 ص 145) بذكر أهمها مقتصرين على ما طبع منها: جمع السيوطى جميع الأحاديث التى تتناول تفسير القرآن فى كتابه "ترجمان القرآن فى تفسير المسند" (وهو مفقود فيما يظهر)، وقد اختصره بإيراد المصادر الأدبية بدلا من الإسناد وذلك فى مصنفه "كتاب الدّر المنثور فى التفسير المأثور" القاهرة 1314 هـ فى ستة مجلدات. وناقش السيوطى عددًا من الشواهد الغامضة فى "مفحمات الأقران فى مبهمات القرآن" بولاق 1384 هـ, القاهرة 1309، 1310 هـ وتناول أسباب نزول السور المفردة فى "لباب النقول فى أسباب النزول" الذى اعتمد فيه على كتاب الواحدى وإن كان قد زاد عليه مادة استقاها من الحديث والتفسير وعنى عناية خاصة بإيضاح مصادره (طبع بإستانبول 1290 هـ، كما طبع مرارًا على هامش أشهر شروحه). وقد بدأ هذا الكتاب شيخه المحلى جلال الدين (المتوفى سنة 864 هـ = 1459 م) وأتمه السيوطى فى أربعين يومًا سنة 870 هـ (1465 م) ومن ثم عرف بتفسير الجلالين (طبع فى بومباى 1869 م ولكهنؤ 1869 م. وكلكته 1257 هـ, ودلهى 1884 م والقاهرة 1300, 1301, 1305، 1308, 1313, 1328 هـ) وأشهر

شروحه شرح سليمان الجمل المولود سنة 1204 هـ الموافق 1790 م (طبع فى بولاق 1282 هـ، والقاهرة 1302 هـ, 1308 هـ). ووضع السيوطى من بعد خطة تفسير عنوانه "مجمع البحرين ومطلع البدرين" ولكننا لا نعلم أفُقد هذا الكتاب أم أنه لم يتمه قط؟ ، ذلك أنه لم يبق منه إلا المقدمة، وهو يلم فيها بجميع فروع البحث المتصل بالقرآن، وقد نشرها مستقلة سنة 872 هـ (1367 م) بعنوان "التخبير فى علوم التفسير"، ثم توسع فيها بالاستعانة بكتاب البرهان فى علوم القرآن للزركشى (المتوفى سنة 794 هـ = 1392 م)، وضمن ذلك كتابه "الإتقان" وهو أوسع ما كتب فى عرض هذا الموضوع بأسره على الإطلاق (طبعة المولويين بشير الدين ونور الحق مع تحليل بقلم شبرجر A.Sprenger كلكته 1852/ 1854 م، وطبع فى القاهرة 1287 هـ, 1307, 1317 هـ). وقد هدف السيوطى إلى أن يجمع من الحديث كل ما قاله النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وذلك فى كتابه "جامع المسانيد" وهو يسمى أيضًا "جامع الجوامع" و"الجامع الكبير". وأعد هو نفسه مختصرًا لهذا الكتاب سماه "الجامع الصغير فى حديث البشير النذير" وأضاف إليه ذيلا هو "الزيادة". وله شرح كتبه عبد الرحمن المناوى (المتوفى سنة 1032 هـ = 1623 م) مطبوع فى بولاق سنة 1286 هـ. وهذا الكتاب الذى رتب على حروف الهجاء أعاد ترتيبه المتقى الهندى (المتوفى سنة 975 هـ = 1567 أو 977 هـ = 1569 م)، مستعينًا بقواعد الفقه وأسماه "منهج العمال فى سنن الأقوال والأفعال" وأضاف إليه ذيلا هو "الإكمال"؛ ثم ضم الكتابين فى مصنفه "كتاب غاية العمال فى سنن الأقوال". . وجمع أخيرًا الأحاديث التى تتناول أقوال النبى عليه الصلاة والسلام وأفعاله فخرج منها كتاب "كنز العمال فى ثبوت سنن الأقوال والأفعال" (طبع فى حيدرآباد 1312/ 1313 هـ, فى ثمانية مجلدات). ونذكر من كتب السيوطى العديدة التى تتناول مسائل خاصة فى الحديث كتابه فى صفات النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-]: "الخصائص النبوية"

المعروفة بالخصائص الكبرى, (حيدرآباد 1319/ 1320 هـ, فى مجلدين)؛ وتناول مسائل نقد الحديث على طريقة ابن الجوزى، من ذلك أنه كتب أولًا تعليقات على "كتاب الموجودات" بعنوان "النكت البديعات" (انظر فهرست دار الكتب المصرية جـ 1، ص 455)، ولعله يطابق "التعقيبات على الموجودات" الذى طبع فى مجموعة بلكهنؤ 1303 هـ. ثم أعاد هو نفسه نشر هذا الكتاب فى "اللآلئ المصنوعة فى الأحاديث الموضوعة" (القاهرة 1317 هـ). ومن كتب السيوطى الصغرى طائفة كبيرة جدًا تتناول مسائل العالم الآخر. وقد نشر السيوطى كتاب القرطبى (المتوفى سنة 672 هـ = 1273 م) "التذكرة بأحوال الموتى وأحوال الآخرة" بعنوان "شرح الصدور بشرح حال الموتى والقبور" وكثيرًا ما يختصر هذا العنوان فيقال "كتاب البرزخ" (طبع فى القاهرة 1309 هـ، 1329, وفى ترجمة فارسية، لاهور 1871 م) وثمة مختصر له هو "بشرى الكئيب بلقاء الحبيب" وقد طبع على هامش طبعة القاهرة؛ وكتب ذيلا له سنة 884 هـ (1479 م) هو "البدور السافرة فى أمور الآخرة" وقد طبع على الحجر فى الهند سنة 1311 هـ. ونظم السيوطى فى حساب الميت فى القبر 176 بيتًا من الرجز بعنوان "التثبيت عند التنبيت" وقد طبعت هذه الأبيات، ومعها شرح فى المطبعة العصرية بفاس 1314 م بمعرفة م. التهامى جنون 1321 هـ. أما مصنف السيوطى "كتاب الدرر الحسان فى البعث ونعيم الجنان" فقد طبع أيضًا عدة مرات؛ كما طبعت عدة مؤلفات من مؤلفاته الصغرى مثل رسائله الست فى مسألة أبوى النبى عليه الصلاة والسلام وهل هما فى الجنة، ضمن "مجموعة المسائل التسع" حيدرآباد 1316/ 1317 هـ, 1334 هـ. ويتناول السيوطى ميدان فقه اللغة بأسره فى موسوعة جليلة القدر وافية كل الوفاء عنوانها "المزهر فى علوم اللغة" (بولاق 1281 هـ، القاهرة 1323 هـ). وقد لخصها ماء العينين بعنوان "ثمار المزهر" (فاس 1324 هـ). ونحا السيوطى منحى ابن الأنبارى

فحاول أن يطبق أصول الفقه على النحو فى كتابه "الاقتراح فى علم أصول النحو وجدله" (حيدرآباد, 1310 هـ؛ انظر Sprenger فى Zeischr. der Deutsch Morgenl, Gesslls، جـ 32، ص 7؛ بحث A. Schmidt فى المظفرية: Sbornik Statei سانت بطرسبرغ 1897 , ص 309 وما بعدها). وتناول السيوطى أيضًا بعض مسائل متفرقة فى النحو مناقشا إياها على طريقة المسائل الفقهية فى كتاب أسماه "الأشباه والنظائر"، وهو عنوان سبق أن استعمله لمختصر فى الفقه مع التكملة المعروفة بالنحوية (حيدرآباد 1317 هـ فى أربعة مجلدات) وكان فى الأصل قد صرف همه منذ سنة 868 هـ (1463 م) إلى جمع مادة هذا الكتاب وجمع خصائص عن حياة فقهاء اللغة وآثارهم، ولكنه فصل بعد عام 899 هـ (1493 م) "النكت" عن هذه المادة التى جمعها، وانتصح برأى مجد الدين بن فهد فجمع المادة التاريخية فى كتاب عنوانه "بغية الوعاة" (طبع القاهرة 1326 م) وجمع السيوطى أيضًا الأحاديث الخاصة ببداية علم النحو فى كتابه "الأخبار المروية فى سبب وضع العربية" وقد طبع هذا الكتاب ضمن "التحفة البهية" (إستانبول 1320/ 1322 هـ, ص 49 - 53) وكتب شرحا على "ألفية ابن مالك" أسماه "البهجة المرضية" (القاهرة 1310 هـ)، وشرحا على "المغنى" لابن هشام بعنوان "شرح شواهد المغنى" (القاهرة 1324 هـ) وللسيوطى بحث مبتكر فى النحو عنوانه "الفريدة فى النحو والتصريف والخط" كتب عليه شرحًا محمد بن عبد الرحمن بن زكرى الفاسى (طبع فى فاس 1319 هـ)؛ وثمة شرح آخر له ضمن "جامع الجوامع"، وقد طبع مع تعليقات بقلم الشنقيطى فى القاهرة 1318 هـ، و 1327/ 1328 هـ فى مجلدين؛ وشرح على الأبيات التى استشهد بها الشنقيطى أيضًا وعنوانه "الدرر الجوامع" (القاهرة 1327 هـ). وللسيوطى فى ميدان التاريخ ثلاثة مؤلفات. الأول فى التاريخ العام أى تاريخ العالم وعنوانه "بدائع الزهور فى وقائع الدهور" (القاهرة 1282 هـ وما بعدها؛ ) والثانى "تاريخ الخلفاء" (طبعة لى S.Lee ومولوى عبد الحق, كلكته

1857 م، القاهرة 1305 هـ؛ 1913 م، لاهور 1870 م, 1887 م، دهلى 1306 هـ ترجمة كاريت H.S.Jarrett فى Bibl, Ind كلكتة 1881 م)؛ والثالث فى تاريخ مصر وعنوانه "حسن المحاضرة فى أخبار مصر والقاهرة") طبع على الحجر فى القاهرة 1860 م (؟ ) ثم طبع فيها سنة 1299 هـ 1321 هـ). وللسيوطى فى التراجم علاوة على تاريخ النحاة الذى ذكرناه آنفًا "طبقات المفسرين" (طبعة A.Meursinge ليدن 1839) ومختصر لكتاب الذهبى المتوفى عام 748 هـ الموافق 1348 م: "طبقات الحفاظ" (طبعة فستنفلد كوتنكن 1833/ 1835 م). ولم يرزق السيوطى موهبة الشعر؛ ولكنه أدلى بدلوه فى ميدان الأدب بكتابة "مقامات" لا تشترك فى روائع هذا النوع من التأليف إلا فى عنوانها وقالبها (من الشعر المنثور) وقد جمع فيها تعليقات شتى عن النباتات وغيرها استقاها من الحديث والأدب، وقد طبعت على الحجر فى القاهرة سنة 1275 هـ اثنتا عشرة مقامة منها، ثم طبعت فى المجموعة التى نشرف فى بهوبال سنة 1297 هـ، وطبعت أيضًا فى إستانبول سنة 1928 م. وقد ترجم ستًا منها رشر (Beitrage zur Maqamen Literatur: O.Rescher جزء 8، كيرتشاين 1918 م). وبعض هذه المقامات تتميز أيضًا بتفردها فى الأصالة مثل مقامته: "رشف الزلال من السحر الحلال" وقد جعل فيها عشرين إماما من أئمة المعرفة على اختلاف أنواعها يتحدثون عن ليلة زفافهم بالمصطلحات المستعملة فى الموضوع الذى يتناولونه (طبعت هذه المقامة على الحجر فى تاريخ غير معلوم بالقاهرة، كما طبعت فى فاس سنة 1319 هـ). وللسيوطى أيضًا مؤلفات أخرى تدل على أنه لم يتردد فى تناول موضوعات الأدب المكشوف (فصل بروكلمان الحديث عنها فى كتابه Gesch. Arab Lit جـ 1، ص 153، رقم 207 - 213) وقد كتب عبد القيم بن ملا عبد الناصر الشروانى بالتترية ملخصًا لكتاب السيوطى فى الأدب "أنيس الجليس" بعنوان "جواهر الحكايات

المصادر

والأسئلة واللطائف والروايات والأمثلة" (الطبعة السابعة، قاشان 1905 م). ولم يأنف السيوطى من جمع نوادر جحا بعنوان "كتاب من نهى إلى نوادر جحا" (انظر Adescriptive list of the Arabic Ms.s, acquired by the Trustees of the British Museum since 1894، ص 62، فهرس الكتب الشرقية 6646, 2) وورد فى هذا المخطوط نفسه هجاء لقراقوش لابن مماتى (المتوفى سنة 606 هجرية = 1209 م) وقد نسب خطأ للسيوطى. أما ديوان "المرج النضر والأرج العطر" (انظر Kosegarten: Chrest. ar رقم 11 وما بعده) فليس من نظمه وإنما هو من نظم سيوطى آخر أقدم منه وهو محمد بن ناصر صدر الدين أبو بكر يحيى من أعيان النصف الأول من القرن التاسع الهجرى، ولعله جده (انظر شيخو، مجلة المشرق 1906، ص 581 - 598). وقد تبين بجلاء من الكتب المفردة التى ذكرناها آنفًا مبلغ تفق السيوطى فى مختلف العلوم، ويشهد بذلك أيضًا الموسوعة التى كتبها وتناول فيها أربعة عشر نوعا من فروع المعرفة وعنوانها "الأصول المهمة لعلوم جمة" ويختصر هذا العنوان فيقال "النقاية" فحسب وقد طبعت مع الشرح الموسوم باسم "إتمام الدراية" (بومباى 1309 هـ, فاس 1317 هـ) كما طبعت على هامش السكاكى "مفاتيح العلوم" (القاهرة 1800 م) المصادر (1) ترجمة حياة السيوطى التى كتبها بقلمه فى مؤلفه "حسن المحاضرة" جـ 1، ص 453, 303؛ جـ 2، ص 65. وقد طبعت فى كتاب Meursinge المشار إليه آنفًا، ص 4 - 12. (2) Geschishtshreiber: Wustenfeld ص 506. (3) Goldziher فى S.B.AK. Wien 1871 م, جـ 69، ص 28 وما بعدها. (4) Das. Muwassah: Hartmann ص 82. (5) Gesh. der Arab.Lit: Brockelmann، جـ 2 ص 143 - 158. خورشيد [بروكلمان Brockelmann]

ش

ش

الشاذلى

الشاذلى أبو الحسن على بن عبد اللَّه بن عبد الجبار الشريف الزرويلى: صوفى مشهور ومؤسس طريقة صوفية إسلامية تعرف بالشاذلية نسبة إليه، وقد تفرع منها نحو من خمس عشرة طريقة أخرى مثل الوفائية والعروسية والجزولية والهفونية وغيرها. ويذكر البعض أن الشاذلى ولد فى غمارة على مقربه من سبتة حوالى سنة 593 هـ (1196 - 1197 م)، ويحكى آخرون أنه ولد فى شاذلة، وهى موضع بجبل زعفران فى بلاد تونس، ولهذا يسمى الشاذلى، ومهما كان الأمر فإن تسميته بالزرويلى على سبيل النسبة تشير إلى أصل مراكشى، ومريدوه يجعلون له نسبًا شريفًا، فهم يردون نسبه من طريق الحسن إلى النبى عليه الصلاة والسلام. وقد أقبل الشاذلى منذ صباه على العلم بجد وشغف بالغ حتى كان ذلك سببًا فى مرض شديد أصاب عينيه، ويجوز أنه قد كُفَّ بصره، ومنذ ذلك الحين انقطع لطريق الصوفية انقطاعًا تامًا، وفى مدينة فاس تتلمذ على أصحاب الجنيد أحد أكابر صوفية المشرق، وخاصة على محمد بن على بن حرازم تلميذ أبى مدين شعيب التلمسانى. لكن الشاذلى بتأثير من الصوفى المراكشى عبد السلام بن مشيش ذهب إلى الناحية المحيطة بتونس فى إفريقية لكى ينشر آراءه، واضطهد الشاذلى لقيامه بالدعوة إلى طريقته بعامة، وما أحدثه فى نفوس الناس من أثر بخاصة، فهرب إلى الإسكندرية من أعمال مصر حيث لم تزد محبة الناس له إلا قوة. ويحكى بعض المترجمين له أنه كان لا يترك

المصادر

بيته حتى يحيط به الناس، وقد حج مرات كثيرة ومات فى الحجة الأخيرة سنة 656 هـ (1258 م) فى حميئرة وهو يجتاز صحراء مصر، وعلى قبره الذى يعظمه الناس تعظيمًا كبيرًا ويزورونه، أقيمت قبة عالية بفضل جود أحد سلاطين المماليك فى القاهرة (البتنونى: الرحلة، ص 29) ويذكر سلفستر دى ساسى (Silvestre de Sacy: Chrestom جـ 2، ص 233) رواية أخرى تقول إنه دفن فى ناحية مُخا. وكانت حياة الشاذلى حياة شيخ سائح فى الأرض يجتهد بالذكر والفكر فى الوصول إلى الفناء فى اللَّه. وكان يعلم مريديه الزهد فى الدنيا والإقبال على اللَّه، ويحثهم على الذكر فى كل وقت وفى كل مكان وفى كل حال، وسلوك سبيل التصوف. وكانت عقيدته التوحيد. ومريدوه الأولون لا يعرفون الخلوة ولا الخانقاه ولا الذكر الصاخب وكان أشهر تلاميذه الكثيرين بمصر تاج الدين بن عطاء اللَّه الإسكندرى وأبا العباس المرسى. ومعظم شيوخ الطرق فى شمال غربى إفريقية يرجعون إلى طريقته. وقد خلف الشاذلى عددًا من الأحزاب التى تقرأ بانتظام أو فى أحوال خاصة، وهى: 1 - المقدمة الغزيِّة للجماعة الأزهرية. 2 - كتاب الإخوة. 3 - حزب البر. 4 - حزب البحر. 5 - الحزب الكبير. 6 - حزب الطمس على عيون الأعداء. 7 - حزب النصر. 8 - حزب اللطف. 9 - حزب الفتح وهو يعرف بحزب الأنوار. 10 - صلاة الفتح والمغرب. 11 - أوراد شتى وأذكار. 12 - وصية كتبها إلى تلاميذه. المصادر: (1) Etude sur les du personnages mentionnes dans l'Idjaza cheikh Abd al-Qadir al-Fasy: M.Ben Cheneb رقم 339 باريس 1907. (2) بروكلمان، جـ 1، ص 449. (3) Les confrer ries religieuses musulmanes: Depont et copolani, الجزائر 1897 ص 444. (4) L'Islam Algerien: Doutte الجزائر 1900، ص 78.

الشاذلية

(5) al-Hallaj: Massignon باريس 1922؛ جـ 1، ص 424, وفى مواضع مختلفة. (6) Marabouts et Khouans: Rinn الجزائر، 1884 ص 220. أبو ريدة [كور A.Cour] الشاذلية (بكسر الذال أو بفتحها، وتضم فى إفريقية)، فرقة صوفية سميت بهذا الاسم نسبة لأبى الحسن على بن عبد اللَّه الشاذلى، ويختلف فى ذكر لقبه فيقال تاج الدين أو تقى الدين (عاش بين 593 - 656 هـ). مذهبه: يظهر أن الشاذلى لم يصنف رسائل كبيرة، لكن ينسب له كثير من الأقوال والأحزاب كما تنسب له قصيدة، ولما كان بعض هذه الأقوال مذكورًا فى كتاب تلميذه تاج الدين بن عطاء اللَّه الإسكندرى الذى ألفه سنة 694 هـ فإنه يمكن أن تنسب له حقًا. وأشهر أقواله حرب البحر الذى نقله عن الشاذلية ابن بطوطة (جـ 1، ص 41) وقد ترجمه ل. رن. L. Rinn اعتمادًا على رواية ابن بطوطة (Marabouts et Khouan، ص 229)، ويقول حاجى خليفة (جـ 3 ص 58) إن لهذا الحزب تأثيرا خارقا للعادة؛ ويحكى عن أبى الحسن الشاذلى أنه قال فيه: لو ذكر حزبى فى بغداد لما أخذت. وتذكر له عدة شروح (جـ 3، ص 343, عمود أ). وتذكر أحزاب أخرى وأدعية للشاذلى فى كتاب اللطائف (جـ 2، ص 47 - 66) وكتاب المفاخر (ص 135 وما بعدها). والكتاب الثانى يشتمل على بيان مفصل يتضمن فيما يتضمن تفصيل المقامات التى لا بد أن يجتازها المريد، لكن العبارات هنا لا يفهمها القارئ العادى، كما هى العادة فى مثل هذه الأحوال. ويؤخذ منها أن الشاذلى كان يرمى من وراء ذلك إلى البلوغ بالمريد درجة عالية من الكمال الخلقى الموصوف فى الكتب التى يوصى بها مثل كتاب "إحياء علوم الدين" وكتاب "قوت القلوب". والواقع أنه تذكر هنا الأصول الخمسة التى تقوم عليها طريقته وهى: 1 - تقوى اللَّه تعالى فى السر والعلانية. 2 - اتباع السنة فى الأقوال والأفعال.

3 - الإعراض عن الخلق فى الإقبال والإدبار. 4 - الرضا عن اللَّه تعالى فى القليل والكثير. 5 - الرجوع إلى اللَّه تعالى فى السراء والضراء. ويظهر أن الشاذلى لم يكن يرمى إلى تأسيس طريقة بالمعنى الذى اقترن بهذه الكلمة فيما بعد، فقد كان يريد من تلاميذه أن يمضوا فيما كانوا عليه من حرف ومهن قبل التتلمذ عليه، وذلك بأن يقرنوا ما يكونون فيه من أعمال بالذكر ما أمكنهم، وتحكى حكايات عن قوم عرضوا عليه أن يتركوا أعمالهم ويصحبوه لكنه أمرهم أن يستمروا فيما هم فيه. وكان التسول مذموما عند الشاذلية، بل هم كانوا، فيما يروى، لا يقبلون عون الحكومة لأماكن اجتماعهم. والواقع أن إقامة زوايا أو ما يشبهها لم يكن فى ذهن الشاذلى ولا خليفته أبى العباس. وقد مدح أبا العباس أحدُ مترجميه بأنه لم يضع حجر، على حجر قط. ولم يكن الشاذلية يرفضون تولى المناصب الكبيرة ذات الرزق الوفير ولا حياة الترف، وهذا المبدأ، كما سيتبين فيما يلى، ظل حيا بين أتباع هذه الطريقة إلى يومنا هذا. ولا شك أن الفناء فى اللَّه كان هو الهدف الأسمى الذى يرمى إليه الشاذلى كغيره من الصوفية، وكان الطريق الذى اتبعه فى الوصول إليه هو الطريق المألوف: الأوراد والأذكار، وكانت تختار لذلك، كما هى العادة، صيغ معينة لا بد أن تردد مرات محددة. وفى كتاب المفاخر (ص 125 وما بعدها) ثبت بهذه الأدعية وما يحيط بها من تعبدات. ويحكى أن الشيخ كان يراعى فى إرشاده حاجات كل مريد من مريديه ويسمح له بأن يتبع شيخًا آخر إذا كان يرى أن طريقته أقوى تأثيرًا فى تربيته. على أن أداء هذه الأوراد والأذكار لا يمكن أن يفترق بسهولة عما يرتقب من وقوع الكرامات التى بينت فى كتاب المفاخر (الموضع المذكور): "إن أدنى رسل الشاذلية لمن عاداهم العمى والكساح وخراب الديار" ولكن كان ثمة شك فى جواز إرسالهم هذه البلايا على أعدائهم. وإذا نحن صرفنا النظر عن هذا العلم الخفى فإن شيوخ الطريقة الشاذلية

كانوا سنيين متشددين، والحقيقة أن أصحاب هذه الطريقة كانوا إذا انكشف لهم شئ يخالف السنة أنكروه مراعاة لها. ومع ذلك فإن بعض ما قاله الشاذلية كان سببًا فى نقد ابن تيمية لهم، لكن اليافعى المؤرخ (جـ 4، ص 142) نقد أصحاب ابن تيمية. وكانت الأمور الثلاثة التى يعتقد الشاذلية أنهم اختصوا بها هى: (1) أنهم جميعًا مثبتون فى اللوح المحفوظ، أى أنهم منذ الأزل قد قدر لهم سلوك هذه الطريقة. (2) أن سكر الفناء عندهم يعقبه الصحو، أى أن السكر لا يستمر معهم فيمنعهم من مزاولة أعمالهم فى الحياة. (3) أن القطب فى كل العصور واحد منهم. انتشار الطريقة: نظرًا لأنه لم تكن للطريقة زوايا فإن من العسير تتبع انتشار الطريقة. غير أنه يبدو مما لا شك فيه أن الجماعة الأولى من أتباع الطريقة تألفت فى تونس؛ لكن أبا العباس المرسى (المتوفى سنة 686 هـ) خليفة الشاذلى مكث بالإسكندرية ستًا وثلاثين سنة: "ما رأى وجه متوليها ولا أرسل إليه" (اللطائف جـ 1، ص 128)، لم يضع حجرًا على حجر. على أن على باشا مبارك (الخطط الجديدة جـ 7، ص 69) يذكر أن هناك مسجدًا باسمه (وقد أعيد بناؤه فى سنة 1189 هـ = 1775 - 1776 م)، ولا شك أن تلاميذه هم الذين شيدوه، كما يذكر مسجدًا آخر باسم تلميذه ياقوت العرشى (المتوفى سنة 707 هـ) ومسجدا ثالثًا باسم تلميذيهما معا وهو تاج الدين بن عطاء اللَّه الإسكندرى (المتوفى سنة 709 هـ ومؤلف اللطائف). والمسجد الأول يسمى باسم "الجامع" وكان مؤثثًا تأثيثا فخما، ويقام مولد لكل من الشيخين المذكورين أولًا. ويلاحظ على باشا أن المغاربة هم أكثر من يرتاد هذه المساجد كما يذكر أن للطريقة الشاذلية مسجد فى القاهرة، والأغلب أن أتباع الشاذلى كانوا دائمًا يوجدون فى غرب بلاد مصر. لكن هـ جيسب (Fifty-three Years in Syria: H. H. Jessup، لندن 1910 جـ 2، ص 537) يذكر أنهم كانوا فى أيامه كثيرين يعيشون فى سورية ويزعم أنهم كانوا يدعون إلى قراءة العهدين القديم

والجديد وإلى التعاون الأخوى مع المسيحيين. وفى سنة 1892 قامت إحدى الشاذليات من كوران فى أرض البقاع شمال جبل حرمون برحلة فى سورية لوعظ الناس، فدعت إلى الاصلاح وحياة الاستقامة، وكانت تقول إن الجميع من مسلمين ونصارى ويهود إخوان، وقد خطبت فى مساجد دمشق وحاصبيا وصيداء وصور ومدن أخرى فحضت الناس على ترك الآثام. وقد بدا من الواضح أن التسامح الدينى الذى من هذا النوع لم يكن ليتفق أبدًا مع آراء مؤسس الطريقة. ويحكى ك. نيبور (Reisebeschreibung nach Arabien: C. Niebuhr جـ 1 ص 439؛ الترجمة الفرنسية جـ 1، ص 350) أنه كان يوجد فى مخا فى جنوبى جزيرة العرب شيخ شاذلى يعده الناس وليا تحفظ بركته ذلك المكان وأنه هو الذى استحدث شرب القهوة. وقد كشف س. دى ساسى (Chrest Arabe, جـ 2 ص 374) فى كتاب "جهاننما" نصا يخبرنا عن وصول الشاذلى إلى جزيرة العرب فى سنة 656 هـ وعن عدة كرامات أن إلى أن صارت زراعة البن أهم فروع الكسب فى مخا، لكن الأرجح أن الولى الذى يعده الناس بركة مخا هو من أتباع الطريقة الشاذلية الذين جاءوا بعد ذلك، وهو على بن عمر القرشى (الذى تروى له أبيات من الشعر فى كتاب المفاخر، ص 7) أحد تلاميذ ناصر الدين (لعله كان ابنه) محمد بن عبد الدائم بن الميلق (المتوفى سنة 797 هـ) الذى كان فى ذلك الوقت شيخ الطريقة (Erdkunde.Arabien: Ritter جـ 2، ص 572) وليس واضحًا فيما يحكيه نيبور إلى أى حد كان أهل مخا فى أيامه عاملين بشروط الطريقة الشاذلية أو منخرطين فى سلكها. ومنذ أيام نيبور تدهورت أحوال مخا تدهورًا كبيرًا، وهى لا تعدو أن تكون الآن سوى بلدة متواضعة ماتت فيها تجارة البن والجلود (Arabia lnfelix: G.WymanBury، 1915 م ص 24). ويتبين من هذا أن المقر الأكبر للشاذلية كان فيما يظهر هو الجزء من إفريقية الواقع إلى الغرب من بلاد مصر وخاصة الجزائر وتونس. ويذكر

ماك مايكل Mac Michael النص التالى نقلا عن مخطوط (¬1) كتب فى سنة 1805 م وهو "طبقات ود ضيف اللَّه"، والنص يتحدث عن شيخ (هو خوجلى ابن عبد الرحمن بن إبراهيم) توفى سنة 1155 هـ A hisotry of the Arabs of the) Sudan, جـ 2، ص 250): "ومن أخلاقه (أى خوجلى) تمسكه بالكتاب والسنة ومتابعة السادة الشاذلية فى أقوالهم وأفعالهم، يتعمم بالشيشان الفاخرة، وينتعل بالصرموجة، ويتبخر بالعود الهندى، ويتعطر، ويجعل الزباد الحبشى فى لحيته وثيابه يفعل ذلك اقتداء بالشيخ أبى الحسن الشاذلى رضى اللَّه عنه وإظهارا لنعمة اللَّه تعالى ويحمد اللَّه على ذلك. . . وقيل له إن القادرية إنما يلبسون الجبب والمرقعات فقال: "ثيابى تقول للخلق أنا غنية عنكم، وثيابهم تقول: أنا فقيرة إليكم". والنص نفسه يشتمل على أسماء بعض كبار الطريقة الشاذلية، وطريقة هؤلاء الشيوخ فى حياتهم تتفق، كما سيتبين، مع الحكايات الواردة فى كتاب اللطائف. وهذا يتفق مع ما يحكى فى الفقرة التالية من النص: "ومن أخلاقه أنه لا يقوم للسلام على أحد من الجبابرة، لا أولاد عجيب سلاطين بلده ولا لملوك بعل ولا لأحد من أهل المراتب إلا لاثنين: خليفة الشيخ إدريس وخليفة الشيخ صغيرون". وفى القرن التاسع عشر انتشرت الطريقة الشاذلية انتشارا كبيرًا بفضل جهود شخص يسمى "سى ميسوم"، وهو محمد بن محمد بن أحمد الذى ولد فى قبيلة غريب التى كانت تنزل فى منتصف الطريق بين بوغار ومليانة، وقد فصل ترجمة حياته أجولى, A.Joly (Revue Afr، عام 1906 و 1907) فهو بعد أن تعلم على بعض المعلمين فى تلك الناحية قصد مرونة مركز الدراسات الإسلامية فى الجزائر، وبعد أن حصل ما يمكن تحصيله هناك من معارف عاد إلى قبيلة غريب وأسس مسجدين كان يعلم فى أحدهما القرآن والفقه وفى ¬

_ (¬1) طبع هذا المخطوط بمطبعة محمود على صبيح سنة 1349 هـ.

الثانى النحو والمنطق. ولما كان يخالط أصحاب طرق مختلفة فإنه كان مترددا بين الطريقتين المدنية والشاذلية. وفى سنة 1860 م زار قبر عبد الرحمن الثعالبى قرب مدينة الجزائر وكان هذا الولى شاذليا ولذلك دخل سى ميسوم فى الطريقة الشاذلية، فقد نصحه أحد أتباع هذه الطريقة أن يدخلها وأن يزور شيخها "عدة" فى جبل اللوح بناحية أولاد لكرود، وقد أقام هناك حينا ثم رجع إلى قبيلة غريب. وقد روعى تقصير مراحل الاختبار التى لا بد لسالك الطريق من اجتيازها. وبدلا من أن يبدأ حياته فى الطريق "مُقَدَّما" رفع بعد دخول الطريق بزمان قصير إلى مرتبة شيخ فيها. وحوالى سنة 1865 بنى زاوية فى قبيلة بوغارى، وكان يوزع وقته بين قبيلتى غريب وبوغارى، لكنه عاد فاستقر فى بوغازى وفى سنة 1866 م أصبح بعد وفاة الشيخ عدة، شيخًا للشاذلية فى المنطقة الوسطى من بلاد الجزائر ونازعه ابن الشيخ عدة المشيخة أول الأمر. وقد عرض عليه أن يرأس مدرسة من مدارس الحكومة فى الجزائر لكنه رفض، غير أن هذا العرض هيأ له معرفة الموظفين الأوربيين، وقد نال احترامهم إلى أن توفى عام 1883 م. وحوالى هذا الوقت كان سلطانه قد امتد حتى شمل القسم الأكبر من تل وهران والقسم الغربى من بلاد الجزائر بأسره. أما الأماكن التى كان له فيها خلفاء فهى مستغانم ومسكرة ورليزان وندرومة ووهران وتلمسان، وبعد موته استقل بعض هؤلاء الخلفاء بأمر أنفسهم، وانفصمت عرى الإشراف الموحد على هذه الطريقة الذى كان هو صاحب الفضل فيه. وتوجد المادة الاحصائية الخاصة بأواخر القرن الماضى فى كتاب ديبون وكوبولانى (ص 454). ويتبين من هذا الإحصاء أن عدد أتباع الطريقة الشاذلية فى مدينتى الجزائر وقسنطينة لم يبلغ خمسة عشر ألفًا. وكان لهم إحدى عشرة زاوية. أما الطرق التى تشعبت من الطريقة الشاذلية فيذكر هذا الكتاب أن عددها ثلاث عشرة طريقة أكثرها عددًا الشاذلية والطيبية والدرقاوية.

على أنه إذا كانت هذه الطريقة فى أول حياتها لم يكن يقصد منها فيما يبدو شئ من التنظيم وكانت الصلة بين أتباعها مفككة جدًا فإن من البين أنه مع مرور الزمان دخل عليها التنظيم المألوف فى الطريقة. تواليف أصحاب الطريقة: ذكرنا فيما تقدم أنه لا الشاذلى نفسه، ولا خليفته أبو العباس المرسى كتب شيئًا، لكن يظهر أن تلميذه ياقوتا العرشى ألف كتابًا فى المناقب، أما تلميذهما معا وهو تاج الدين بن عطاء اللَّه الإسكندرى فقد ألف كتبًا كثيرة طبع منها كتابان هما كتاب "لطائف المتن" الذى تكلم فيه عن الشيخين الأولين للطريقة؛ وكتاب "مفتاح الفلاح ومصباح الأرواح" (على هامش لطائف المتن للشعرانى، القاهرة 1321 هـ) والكتاب الأول من الكتابين هو المصدر الأكبر لما نعرفه عن حياة الشاذلى. وهناك ترجمة للشاذلى ألفت بعد ذلك بمدة غير طويلة وهى "درة الأسرار" لمحمد بن قاسم الحميرى بن الصباغ وهى مقتبسة فى كتاب المفاخر، وثمة ترجمة أخرى عنوانها "الكواكب الزهراء" لأبى الفضل عبد القادر بن معيزل (المتوفى سنة 894 هـ) ذكر منها بعض الأجزاء هانيبرج Haneberg (فى Z.D.M.G مجلد 7، ص 14 وما بعدها). أما الكلام الوافى عن الطريقة الشاذلية فى كتاب "المفاخر العلية فى المآثر الشاذلية" لابن عياد فهو متأخر عن السيوطى (وقد طبع فى القاهرة 1314 هـ) والمؤلف يرجع إلى رسالتين تذكران لسيدى زرّوق (شهاب الدين أحمد الفاسى المتوفى سنة 896 هـ) وهما "الأصول"، و"العمدة" ويذكر هانيبرج (المصدر نفسه) الشاعر الشاذلى على بن وفاء (المتوفى سنة 807 هـ) وابن عمه محمد وفا مؤلف بعض الكتب فى التصوف وصاحب ديوان يشيع فى معظم قصائده روح الإنابة الخالصة للَّه. ويروى حاجى خليفة قصيدة عنوانها "جمال السلوك" لناصر الدين الذى تقدم ذكره. ويذكر السيوطى فى كتابه "بغية الوعاة" ص 246, مؤلفًا شاذليًا هو

الشاطبى

داود بن عمر بن إبراهيم الإسكندرى المتوفى سنة 733 هـ أما أهم المصادر الأوروبية فقد ذكرت فيما تقدم. أبو ريدة [مركوليوث D.S Margoliouth] الشاطبى أبو محمد القاسم بن فرح (¬1) بن خلف بن أحمد الرُعَيْنى، ويعرف عامة باسم أبو القاسم الشاطبى: ولد حوالى نهاية سنة 358 هـ (1144 م) فى شاطبة ودرس فيها على أبى عبد اللَّه محمد بن محمد النفزى الملقب بابن لايُه (ليو Leo). ويقول ابن خلكان إنه خطب بالفعل فى مسجد بلده بالرغم من أنه كان يعد شابا، ثم انتقل إلى بلنسية حيث درس على أبى الحسن على بن محمد هذيل وغيره ممن ذكرهم كتاب سيرته قراءة القرآن الكريم والحديث. وانتهز فرصة مروره بالإسكندرية فى طريقه إلى الحج فحضر فيها دروس أبى طاهر أحمد بن محمد السلفى، ووجد فى عودته من الحج سنة 572 هـ (1175 م) نصيرًا فى شخص القاضى الفاضل فأقامه شيخًا للمدرسين فى المدرسة الفاضلية التى أنشأها. وفى سنة 589 هـ (1193 م) زار السلطان صلاح الدين فى بيت المقدس بعد أن استردها من النصارى. وعاد الشاطبى إلى منصبه فى المدرسة الفاضلية، ومضى يقوم بالتدريس فيها حتى أدركته منيته فى يوم الأحد الثامن والعشرين من جمادى الآخرة سنة 590 هـ (19 يونية سنة 1194 م) بالغًا من العمر الثانية والخمسين، ودفن فى اليوم التالى فى تربة القاضى الفاضل بالقرافة الصغرى؛ ويقول ابن خلكان إنه زار قبره مرارًا. وكان الشاطبى رجلا جم التواضع عظيم الإخلاص، وكان فى مرضه الأخير تشتد به العلة اشتدادًا كبيرًا فإذا سئل عن حالة قال: بعافية. وقد اشتهر بعلمه الواسع بالقراءات والتفسير وترجع ¬

_ (¬1) فى ابن خلكان: الوفيات: فيره، وكذلك فى معجم الأدباء لياقوت.

شهرته بين أصحاب التواليف إلى قصيدتين تعليميتين، أو قل رسالتين من الشعر المنثور, تتناولا المسائل الآتية: (1) قصيدة لامية عدتها ألف ومائة وثلاثة وسبعون بيتًا سماها "حرز الأمانى ووجه التهانى"، على أنها اشتهرت بالشاطبية نسبة إلى كاتبها. وقد نظم فى هذه القصيدة كتابًا فى الموضوع نفسه لعثمان بن سعيد أبى عمرو الدانى (المولود سنة 371 هـ المتوفى سنة 441 هـ) عنوانه "التيسير". ويقول ياقوت فى كتابه إرشاد الأريب إن شعر الشاطبى كان "عقدًا صعبًا لا يكاد يفهم"؛ ومن ثم فلا عجب أن كانت هذه القصيدة موضع شروح كثيرة. ويبدؤها الشاطبى بعد المقدمة بشرح الطريقة الصحيحة لقراءة الحروف متى تسكن، ومتى يجوز القصر أو المد، وكيف ينطق بالهمزة وخصوصًا إذا وردت فى الكلمة مرتين، ثم يلى ذلك أبواب فى التنوين والإمالة وغير ذلك حتى ينتهى إلى الأبواب التى تتناول القرآن الكريم مبينة القراءات المختلفة للقراء السبعة. وإنما يستطاع فهم تلك القوافى التى لا يكاد يستبين لها نهاية بالاستعانة بشرح من الشروح، أو بمقارنتها بكتب منثورة تعالج الموضوع نفسه. وترجع الشهرة العظيمة التى أحرزتها هذه القصيدة إلى سببين: الأول أن الطالب أيسر عليه بحسب طريقة القدماء أن يحفظ الموضوع برمته عن ظهر قلب سواء فهمه أو لم يفهمه؛ والثانى، وهو يتفرع من الأول، أن هذه الطريقة تفسح المجال للمدرس لإظهار علمه بشرح الأبيات الغامضة. وتوجد القصيدة مخطوطة فى معظم دور الكتب العربية، ومنها نسخة مطبوعة (القاهرة 1328 هـ) تشتمل أيضًا على قصيدة الشاطبى الأخرى. أما شروح القصيدة التى نحن بصددها فكثيرة جدًا؛ وأفضلها فيما يقال هو شرح برهان الدين إبراهيم بن عمر الجعبرى المتوفى

سنة 722 هـ (1332 م) والذى أتمه سنة 691 هـ وقد زاد فى هذا الشرح شمس الدين أحمد بن إسماعيل الكورانى المتوفى سنة 893 هـ. وثمة شرح آخر كتبه تلميذ للشاطبى يدعى أبا الحسن على بن محمد السخاوى المتوفى سنة 643 هـ. وهذا هو أول شرح للقصيدة بعنوان "الفتح الوصيد فى شرح القصيد". وهناك شرح ثالث كتبه أبو شامة عبد الرحمن بن إسماعيل المتوفى سنة 665 هـ, وقد أسمى شرحه "إبراز المعانى من حرز الأمانى، ومنه مخطوطات فى عدة مكتبات. وإيراد الشروح الأخرى يقتضينا صفحة بتمامها، على أن وجود هذه الرسائل الكثيرة التى تتناول قصيدة حرز الأمانى يدل على أنها صادفت هوى فى نفوس الأجيال التى أعقبت الشاطبى. (2) قصيدة رائية فى حوالى ثلثمائة بيت عنوانها "عقيلة أتراب القصائد فى أسنى المقاصد" وهى أيضًا فى قراءة القرآن، ولكنها تعنى بقراءة هذا الخط الكريم قراءة جيدة أكثر من عنايتها بالقراءات المختلفة، كما هى الحال فى سابقتها، وهى تتفق معها فى أنها ليست أصيلة، وإنما هى نظم لكتاب فى الموضوع نفسه يعرف باسم "المقنع" للدانى (انظر ما أسلفنا بيانه). وقد نظمت هذه القصيدة باللغة الغامضة ذاتها التى نظمت بها قصيدة حرز الأمانى، وشرحها شراح كثيرون للسببين اللذين بسطناهما، وأقدم شراحها هم عين شراح القصيدة الأخرى، أى الجعبرى والسخاوى. وقد سمى الأول شرحه باسم "جميلة أرباب المراصد"، أما الثانى فقد سمى شرحه "الوسيلة إلى كشف العقيلة" وكلتا هاتين القصيدتين لهما فى نظر أهل التقى مزية أخرى، هى أنهما تعويذتان تقيان المرء كل أنواع الشرور.

المصادر

(3) قصيدة ميمية فى حوالى 500 بيت نظم فيها كتاب "التمهيد" لابن عبد البر أبى عمر يوسف بن عبد اللَّه القرطبى فى فقه الحديث، وهذه القصيدة لم تقع عليها عينى، ولكنها أيضًا غامضة جدًا كما يقول ياقوت. وترد من حين إلى حين شواهد من قصائد الشاطبى الدينية الأخرى فى دواوين الشعر ولكنها جميعًا قليلة القيمة من الناحية الأدبية. ويفسر اسم أبى الشاطبى بأن معناه فى الإسبانية "الحديد" ويجب أن نقرأ هذه الكلمة فرو Ferro، ذلك أن الكلمة كانت تقرأ فى تلك الأيام بهذا النطق ولا تقرأ فيرو Fierro كما هو شأنها فى الإسبانية الحديثة. على أن ثمة أخطاء كثيرة وقعت فى جميع الكتب التى يرجع إليها فى ترجمة حياة الشاطبى وهى أخطاء تتعلق بأسماء الأعلام، وإنى لأرجو أن أكون وفقت فى تصويبها. المصادر (1) ياقوت: إرشاد الأريب، طبعة Margoliuth, جـ 6، ص 184. (2) ابن عبد البر: التكملة، رقم 1973 (3) الصفدى: نكت الهميان، القاهرة 1329 هـ، ص 228 (4) السبكى: الطبقات, جـ 4، ص 297 (5) ابن خلكان، القاهرة 1310 هـ، جـ 1، ص 402 (6) طاشكبرى زاده: مفتاح السعادة، حيدرآباد 1329 هـ، جـ 1، ص 387 (7) السيوطى: حسن المحاضرة، جـ 1 ص 284 (8) ابن فرحون: الديباج، طبعة فاس، ص 215 (9) Gesch. d. Arab.lit: Brockelmann جـ 1، ص 407 و 409. خورشيد [كرنكو F.Krenkow]

شاعر

شاعر الراجح أن هذه الكلمة مشتقة من كلمة "شعر" التى قد تكون من أصل سامى قديم، ذلك أننا نجد فى العبرية كلمة "شير" بمعنى الترتيلة الدينية، وما أبعد أن تكون مشتقة من الفعل العربى "شعر" كما يقول فقهاء اللغة العرب. ولعل كون هذا الفعل لا يستعمل بمعنى نظم القوافى لينطق فى ذاته بما يخالف مثل هذا الاشتقاق. (قال كولدتسيهر فى مؤلفه Abhandl. z Arab. Phil، أن الشاعر هو "من أوتى المعرفة الملهمة" وقد ضاع أصل الكلمة فى طوايا الماضى السحيق؛ ومع أنه لا يوجد فيما بلغ إليه على أى نقش عربى قديم يشتمل على أبيات ما من الشعر فإننا لا نستطيع أن نتخذ ذلك حجة على أن الشعر لم يوجد فى هاتيك الأيام، ذلك أننا نجد تلك الحقيقة المشهورة قائمة وهى أن أقدم شواهد الشعر العربى التى نستطيع أن نحكم بأنها صحيحة أصيلة، كانت تسير بالفعل على قواعد من البحور والقافية. ولا مناص من أن تلتزم القصيدة القافية، ولكن الشاعر فى أقدم ما بقى لنا من شواهد فنه يستخدم بحورا لا يقرها نقاد القرن الثانى للهجرة ولا يعرفونها (ومن قبيل ذلك قصائد عبيد وامرئ القيس، وعمرو بن قميئة). وكذلك نجد فى الأزمنة القديمة بأن البحر لم يكن صحيحًا فى جميع الأحوال وهذا الأمر كان فيما يرجح أكثر تواترًا مما نستطيع أن نجزم به الآن، حتى وإن كان البحر الذى يستخدمه الشاعر يتفق مع بحر من البحور الستة عشر التى وضعها الخليل ابن أحمد، وشاهد ذلك أن بيتًا من أبيات زهير قد حوى من المقاطع أكثر مما استطاع النحويون تقويمه. ومما له شأن أيضًا أن أقدم شواهد الشعر العربى نظمها شعراء كان لهم جاء فى قبائلهم. ويميل بعض الكتاب إلى إعتبار أن الشاعر والكاهن كانا فيما يرجح شيئًا واحدا، وهو رأى لا نستطيع أن نسلم به، ذلك أن الشعر العربى فى العهود القديمة كان بعامة ينأى عن الأمور الدينية. ومن الحجج الوجيهة التى تؤيد رأيى أنه بوجه عام قد التزم أشد الالتزام الأمور الدنيوية.

ولعل بحر الرجز القصير كان أو بحر استخدم فى الحداء؛ ولكن ليس بين أيدينا شواهد من الحداء القديم، وأقدم ما لدينا منه ورد فى ديوان الشماخ الذى عاش وقت ظهور الإسلام. وكان أقدم شعراء اتصل بنا شئ من أخبارهم يعيشون فى شرقى الجزيرة العربية؛ وكانوا لا يستخدمون فى شعرهم إلا عددًا قليلًا جدًا من البحور الستة عشر؛ ومما له مغزى أن الشعراء المتأخرين أنفسهم مثل جرير والفرزدق لا يستخدمون أبدًا البحور القصيرة، لأن هذه البحور قد نشأت فيما يبدو بعد ذلك فى الحجاز. وإنما يستخدم جرير بحور الرجز؛ الطويل؛ والوافر؛ والبسيط، والكامل والمتقارب. ويزيد الأعشى على ذلك بحر الخفيف فحسب. ولما كان الشعراء المتأخرون عن ذلك فى جميع أنحاء الجزيرة العربية يستخدمون سائر البحور جميعًا، فإن الحقيقة التى ذكرناها قد تشير إلى وجود سبب خفى تُرد إليه هذه الظاهرة وكان القوم يرون أن الشاعر قد أوتى علمًا خاصًا يُلهم إليه به ضرب من شيطان يألفه ويصحبه شخص أو شخصان من الأناسى يحفظان عنه أشعاره ويرويانها فى أحياء أخرى غير حيه. وقد لا يكون هذا الشيطان الذى يألفه إلا روحا موهومة. أما راوية الشاعر فكان شخصًا حقيقيًا. وبين أيدينا عدد عديد من الرواة ذكرهم كتاب الأغانى كما ذكرهم الشعراء أنفسهم فى قصائدهم. على أن ثمة ما هو أهم من ذلك؛ وهو أن الراوى نفسه يصبح فى كثير من الأحوال شاعرًا نابها فى الجيل التالى. ونذكر من الرواة المشاهير: كان أوس بن حجر راوية طفيل الغنوى؛ والشاعر زهير راوية أوس؛ كما كان زهير راوية عمه بشامة وكان رواة زهير ابنه كعبا والحطيئة والشماخ ويمكن أن نورد من مثل هذه السلاسل من الشعراء الذين يروى كل منهم أشعار الآخر عددًا أعظم مما يتصور الناس. وهذا يشير إلى وجود ما يشبه أن يكون مدرسة من الشعراء يحاول الراوى فيها أيضًا أن ينشئ أشعارا

خاصة به يعرضها على أستاذه، كما يعلل أيضًا غلبة بحور خاصة، بل موضوعات خاصة فى أنحاء بعينها من جزيرة العرب. ذلك أنه لم يكن من قبيل الصدفة أن أبا ذؤيب، وساعدة بن جؤية والمتنخل، والشعراء الهذليين قد تخصصوا فى وصف النحل؛ وكانوا يروون بعضهم عن بعض؛ ولم يستعملوا بحورا واحدة فحسب بل تناولوا أيضًا موضوعات واحدة أخذوها عن أساتذتهم فى الشعر. وهذا يفسر أيضا السبب فى أننا نجد بيتًا واحدًا يتكرر كلمة كلمة فى أشعار طفيل وأوس بن حجر وزهير. وقد كانت "جياد الهوى المطلقة العنان" فكرة لم يستطع رواة طفيل أن يسقطوها من أشعارهم (¬1). وكان الشاعر فى العهود القديمة يحب أن يملأ قصائده بغرر الكلمات؛ وكانت هذه العهود بخاصة هى التى شهدت استعمال عدد كبير من الكلمات الدخيلة تُرصع بها القصائد، وهى سنة بطلت بعد القرن الأول للهجرة؛ ذلك أن وظيفة الشاعر كانت قد تغيرت فى ذلك العهد تغيرا تامًا فقد كان الشاعر فى العهود القديمة ينافح عن شرف قبيلته؛ ويقتضيه الواجب أن يرثى من قضى من أهله أو شجعان عشيرته أو يشدو بالهجاء يناجز به أعداء قبيلته، ثم تنزل فأصبح يستجدى عطاء ذوى الجاه والثراء، وزاد على ذلك قصائد يهجو بها منافسيه مما جعل مهمته فى إبتزاز العطايا أشق وأعسر، وموضوعات جديدة يصور فيها مجالس الشراب وقصائد فى الغلمان وأناشيد مفحشة وليس بين أيدينا شعر فارسى يرجع إلى هذه العصور القديمة، ولكن ابن جنى يخبرنا (الخصائص جـ 1، ص 252) أن الشعر فى فارس كان مزدهرا أيضًا، وأن الشعراء كانوا يجتهدون كل الاجتهاد فى أن يتحاشوا استعمال آية كلمة عربية فى قصائدهم، ذلك إن هذا كان خطأ جسيما فى نظر النقاد. ونحن لا نعلم موضوعات هذا الطراز من الشعر، على أننا نستطيع أن نذهب إلى أن الجانب الذى يتسم بالخفة من الشعر العربى والذى تمثله أشعار ¬

_ (¬1) يقصد قول طفيل وزهير "وعرى أفراس الصبا ورواحله".

بشار وأبى نواس كان مرآة للموضوعات التى تناولها الشعر الفارسى الموثوق به إلى القرن الرابع للهجرة والشواهد الباقية لنا منه تتفق اتفاقا مشهودا مع ذلك الضرب من الشعر الذى نظمه بالعربية معاصروهم مثل أبى الفتح البستى الذى كان ينظم باللغتين العربية والفارسية. جميعًا. ومنذ ذلك الوقت لم تذهب ريح الشاعر قط. ولكن فن الشعر الذى يبدو جديدًا فى بابه كل الجدة قلما استطاع أن يخلص من نهجه القديم، وأصبح الشعراء سواء كانوا من العرب أو الفرس أو من الترك أو من الأورو يجترون زادهم حتى يومنا هذا. وقد ورد فى القرآن الكريم فى نهاية السورة السادسة والعشرين [سورة الشعراء] {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ} على أن الشعراء كان لهم مقام فى الحضارة العربية، وتشهد الروايات بأن الخلفاء الراشدين كانوا راسخى القدم فى الشعر القديم خاصة عليًا فإنه قد نسبت له أبيات كثيرة الراجح أنها جميعًا موضوعة؛ ومع أنه لم يكن من الجائز أن يقال إن النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] شاعر، فإنه قد استعان كل الاستعانة بعدد من الشعراء. وخاصة حسان بن ثابت الذى نظم أبياتا لاذعة فى هجاء خصوم النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] المكيين. والطريقة التى كان يتوسل بها الشاعر فى إيصال شعره إلى معسكر أعدائه هى أن يلقنه راوية يلقيه فى حى آخر أمام مستمعين محايدين يكون لهم من المصلحة ما يدفعهم إلى ترديده على أسماع الحرب الذى قيل فيه الهجاء. أما فيما يخص فن الشاعر فإنى أميل إلى الشك فى أن القصائد القديمة كلها كانت فى الأصل قصائد كاملة. ذلك إن الشاعر فى كثير من الأحيان لا يستطيع أن يستوحى الشيطان الذى ألفه إلا جزءًا منها؛ ويقتضيه الأمر مثل زهير. أن يقضى سنة بطولها فى إكمال قصيدة واحدة أو يلجأ إلى إلقائها قبل أن تكتمل كما جاء فى القواعد التى وضعها آلوارت Ahlwardt مثلًا عن كل قصيدة. وبين أيدينا شاهد كاف على أن كثيرا من القصائد لم تكن فى جميع العصور

الشافعى

إلا قطعا فحسب، ذلك أن من المستبعد كثيرا أن تطول القصيدة العربية (أو الفارسية) حتى تبلغ عددًا عظيمًا من الأبيات مع التزام قافية واحدة. خورشيد [كرنكو F.Krenkow] الشافعى الإمام أبو عبد اللَّه محمد بن إدريس صاحب المذهب الشافعى فى الفقه. وقد نسجت كثير من القصص حول حياته حتى ليتعذر علينا أن نخلص منها بالمادة التاريخية حقًا. ثم إننا نلقى مشقة عظيمة فى تحديد السنين المتعلقة بوقائع حياته. والمصادر القديمة التى يستقى منها ذلك نادرة جدًا. فالمسعودى المتوفى سنة 345 هـ هو أول مؤرخ ذكر الشافعى. والوثائق الوحيدة التى يعول عليها فى هذا المقام هى حجة وقف بيتيه فى مكة المؤرخة فى صفر سنة 203 هـ (أغسطس سنة 818 م؛ كتاب الأم، جـ 6، ص 179 = kern فى Mittellungen des semfur oriental. Sprachen, Westasiat. studien، 1904 م، ص 55)، ووصيته المؤرخة فى شعبان سنة 203. فبراير 819؛ كتاب الأم، جـ 4 ص 48 = Kern فى المصدر المذكور، 1908 م، ص 59) وحجة وقف بيته فى الفسطاط (كتاب الأم جـ 3، ص 281) التى لا شك فى نسبتها إلى الشافعى وإن كانت الأسماء والتواريخ قد حذفت منها. والحق إن التراجم المتأخرة للشافعى قد اعتمدت على "المناقب" القديمة التى كتبها أمثال داود الظاهرى المتوفى سنة 207 هـ؛ والساجى المتوفى سنة 307، وابن أبى حاتم المتوفى سنة 327 وغيرهم. ولكن هذه المناقب كان قد شابها كثير من القصص. مثال ذلك أن الخطيب البغدادى المتوفى سنة 403 هـ ذكر بالفعل نقلا عن ابن عبد الحكم المتوفى سنة 357 هـ قصة مولد الشافعى التى تقرن هذا المولد بظهور كوكب المشترى فوق مصر. وينتسب الشافعى إلى قبيلة قريش "فقد كان هاشميا، ومن ثم اجتمع نسبه بنسب النبى عليه الصلاة والسلام فى أجداده الأولين. وكانت أمه من قبيلة أزد، وتقول بعض المصادر إنها كانت علوية. وقد ولد الشافعى فى سنة 150 هـ (717 م) فى غزة (الإسطخرى، ص 58) وفقد أباه فى سن باكرة

فنشأته أمه بمكة نشأة تتسم برقة الحال، وقضى وقتا طويلا بين البدو، ودرس شعراء العرب القدامى دراسة جيدة (مثل زهير وامرئ القيس، وجرير وغيرهم؛ انظر كتاب الأم؛ جـ 1؛ ص 174؛ جـ 5، ص 118، 142 الخ) وقد تعلم الفقيه اللغوى الأصمعى من الشافعى الشاب أشعار بنى هذيل (انظر أيضًا كتاب الأم، جـ 2، ص 167؛ جـ 5، ص 133) وديوان الشنفرى؛ ودرس فى مكة الحديث والفقه على مسلم الزنجى المتوفى سنة 198 هـ, وحفظ موطأ مالك عن ظهر قلب؛ فلما أشرف على العشرين شخص إلى المدينة ليلقى مالكا ابن أنس ومكث فيها حتى توفى مالك سنة 179 هـ (796 م)؛ ثم خدم فى اليمن؛ وهناك تورط فى دسائس العلويين فقد انحاز سرًا إلى الإمام يحيى بن عبد اللَّه الزيدى (Opkomst van het Zaiditiersche Imamaat: V.Arendonck، ص 60، 290) - وحمل أسيرًا هو وغيره من العلويين إلى الخليفة هارون الرشيد فى الرقة سنة 187 هـ (803 م) وعفا عنه هارون، ثم توثقت صلته بالفقيه الحنفى المشهور محمد بن الحسن الشيبانى المتوفى سنة 189 هـ (805 م) الذى كان الشافعى قد نسخ كتبه بنفسه. ولما وجد أنه لا يجسر على تحدى الشيبانى لما كان له من نفوذ فى بلاط الخليفة، رحل إلى مصر مارًا بحرّان والشام؛ واستقبل فى مصر أول الأمر استقبالا حسن أبو صفة تلميذًا لمالك. ولم يذهب إلى بغداد إلا سنة 195 هـ (810/ 819 م) وأقام فيها يتولى التدريس موفقا. ووصل نفسه هناك بعبد اللَّه ابن والى مصر الجديد عباس بن موسى؛ وعاد إلى مصر فى 28 شوال سنة 198 (21 يونيه 814؛ الكندى؛ طبعة Guest؛ ص 154 م) ووقعت فى مصر اضطرابات حملته على المبادرة إلى الرحيل إلى مكة؛ ثم عاد منها سنة 200 هـ (815/ 816 م) ليستقر فى مصر نهائيًا وتوفى بالفسطاط فى آخر يوم من رجب سنة 204 هـ (20 يناير سنة 820 م) ودفن بسفح المقطم فى تربة بنى عبد الحكم؛ وكان لصلاح الدين مدرسة عظيمة فسيحة مقامة هناك (ابن جبير: الرحلة؛ ص 48). وقد بنى القبة التى فوق الضريح الملك الكامل الأيوبى سنة 608 هـ (1211/ 1212 م) وكان هذا الضريح دائمًا مزارًا محببا إلى القلوب يختلف إليه الناس.

ويمكن أن نقول إن الشافعى كان ينهج منهج التوفيق فيقف موقفا وسطا بين البحث الحر فى الفقه والتقليد الذى أخذ به أهل عصره. ولم يقنع الشافعى بالعمل بالمادة الفقهية الميسورة بل أخذ فى كتابه الرسالة يستقصى أصول الفقه وطرائقه وهو يعد واضع علم أصول الفقه. ويختلف الشافعى عن الحنفية فى أنه سعى إلى وضع قواعد مقررة للقياس (كتاب الرسالة؛ القاهرة (1321 هـ, ص 66, 70)؛ على حين لم يكن ثمة ما يجعله يعنى بالاستحسان، ذلك أن الشافعية المتأخرين كانوا هم أول من استحدث هذا المبدأ (Goldziher: Zahiritern، ص 20 وما بعدها، المؤلف نفسه فى EI جـ 2، ص 109؛ Anfange und charakter des juristischen Denkens im Islam: Bergstrasser فى Isl 1924 م، جـ 14، ص 76, 80 وما بعدها) ويمكن أن نميز فى حياة الشافعى فترتين منتجتين: فترة متقدمة (العراقية) وفترة متأخرة (المصرية)، ويقول الحاكم المتوفى سنة 405 هـ ذلك، عن كتاب الرسالة (العسقلانى ص 77) وهو الكتاب الذى لم يصل الينا إلا فى نسخته المتأخرة (طبعت فى القاهرة سنة 1321 هـ وغير ذلك من السنين) ونحن نلحظ أيضًا هاتين الفترتين واضحتين فى كثير من الأحوال فى كتاب الأم وفى الأقوال المختلفة للشافعية المتأخرين. وقد نقل لنا تلميذه الربيع بن سليمان المتوفى سنة 270 هـ (884 م) كتابات الشافعى التى يستخدم فيها الحوار ببراعة المتمكن ولا يذكر عادة أسماء مناظريه ونجد ثبتًا بها فى الفهرست (ص 210) وآخر ذكره البيهقى المتوفى سنة 458 هـ فيما نقله عنه العسقلانى (ص 78) وثالثا فى ياقوت (إرشاد الأريب، ص 396 - 398)؛ ومعظم العناوين المذكورة فى هذه المصادر هى أجزاء من كتاب الأم الذى هو مجموعة من كتابات الشافعى (طبع فى القاهرة فى 7 مجلدات، 1321 - 1325. وقد نقل جزء من هذه الطبعة من مخطوط الفقيه الشافعى المشهور سراج الدين البلقينى) ومن المستبعد أن يكون عنوان هذه المجموعة قديمًا. فقد كان أول من ذكر فيما أعلم هو البيهقى (العسقلانى، ص 78) والغزالى (الإحياء القاهرة 1327 هـ؛ جـ 2، ص 131). ولم يذكر الكتاب

نفسه إلا فى تلك الفقرات التى تبدو كأنها حواشى، ولا شك أن نسخا كثيرة من كتاب الأم كانت موجودة، فقد كان البيهقى فى عهد متأخر يرجع إلى القرن الخامس الهجرى يعرف نسخة أخرى منه مختلفة عن نسخة الربيع؛ ذلك أنه يذكر بعض الأبواب المستقلة من كتاب الأم بترتيب آخر، ولعل هذه النسخة كانت هى نسخة البويطى التى استخدمها فيما يبدو هى ونسخة ابن أبى الجارود (كتاب الأم، جـ 1 ص 96، 157؛ جـ 2، ص 52؛ جـ 7، ص 389 الخ) وقد تضمن النص الحالى المطبوع من كتاب الأم عددًا من الحواشى الكبرى والصغرى. وشاهد ذلك أنه قد نقلت فيها شواهد من الغزالى وابن الصباغ المتوفى سنة 477 هـ والماوردى وغيرهم (انظر كتاب الأم جـ 1، ص 114 وما بعدها، 158). ويقول الغزالى (كتابه المذكور) إن هذه المجموعة رتبها البويطى ونشرها الربيع متضمنة الزيادات التى أدخلها عليها هو. والقول الفصل فى أصل كتاب الأم لا يمكن أن يعتمد على النسخة المطبوعة، ذلك أن ناشرها قد اتبع مخطوط البلقينى دون أن يثبت الخلافات الموجودة فى المخطوطات الأخرى. والمحتويات الحالية لكتاب الأم رسائل ذكرها البيهقى على اعتبار أنها مؤلفات مستقلة: "جماع العلم" (كتاب الأم، جـ 7، ص 250 وما بعدها)؛ و"كتاب إبطال الاستحسان" (جـ 7، ص 267 وما بعدها)؛ "كتاب بيان الفرض" (جـ 7، ص 262 وما بعدها)، "كتاب اختلاف مالك والشافعى"؛ (جـ 7، ص 177 وما بعدها)؛ و"كتاب اختلاف العراقيين" (جـ 7، ص 87 وما بعدها) أى أبى حنيفة وابن ليلى (عاش سنة 148 هـ)؛ و"كتاب الاختلاف مع محمد ابن الحسن" جـ 7، ص 277, وما بعدها = "كتاب الرد على محمد بن الحسن"؛ و"كتاب اختلاف على وعبد اللَّه بن مسعود" (توفى سنة 32 هـ؛ جـ 7، ص 151 وما بعدها)، و"كتاب اختلاف الحديث" وقد طبع على هامش كتاب الأم (جـ 7)؛ و"المسند" وقد طبع على هامش جـ 6. ويشتمل هذا الكتاب على أحاديث جمعت من الرسائل المختلفة بما فى ذلك الرسائل التى لم تصل إلينا وإن كانت قد ذكرت فى الفهرست وفى ياقوت مثل: "كتاب أحكام القرآن": و"كتاب فضائل قريش" إلخ. أما "كتاب المبسوط فى الفقه" (الفهرست، ص 210) فلا شك أنه كتاب كبير فى الفقه كان لا يزال فى

متناول البيهقى، وقد عرف أيضًا باسم "المختصر الكبير والمنثورات". وقد بقى أيضًا كتاب يقرر فيه الشافعى عقيدته وعنوانه "كتاب وصية الشافعى" (ذكره ياقوت ونشره Kern فى Mitteilungen des Sem. fur oriental, Sprachen Westasiat. Studien، سنة 1910 م) أما "كتاب الفقه الأكبر" (القاهرة 1324 هـ الخ) فرسالة صغيرة فى عقائد عهد الأشعرى. وللشافعى قصائد قليلة تشهد بتمكنه من اللغة (المسعودى: المروج، جـ 8، ص 66؛ ابن خلكان جـ 1، ص 448؛ العسقلانى ص 73 وما بعدها). وكانت الحاضرتان الكبيرتان اللتان شهدتا نشاطه فى التدريس هما بغداد والقاهرة. وكان أهم تلاميذه: المزنى (توفى سنة 264 هـ) والبويطى (توفى 231 هـ) والربيع بن سليمان المرادى (توفى سنة 270 هـ)؛ والزعفرانى (توفى سنة 2600 هـ)؛ وأبا ثور (توفى سنة 240 هـ)، والحميدى (توفى سنة 219) وأحمد بن حنبل (توفى سنة 241 هـ)؛ والكرابيسى (توفى سنة 248 هـ) وغيرهم وقد اجتذب الشافعية من هاتين الحاضرتين أثناء القرنين الثالث والرابع الهجريين (التاسع والعاشر الميلاديين) أنصارًا تزايد عددهم شيئًا فشيئا, ولو أن مركزهم تحرج أول الأمر فى بغداد لأنها كانت معقل أهل الرأى فأصبحت مكة والمدينة فى القرن الرابع الهجرى (العاشر الميلادى) معقلى الشافعية الأكبرين بعد مصر. وما إن حلت خاتمة القرن الثالث الهجرى (بداية القرن العاشر الميلادى). حتى أخذوا ينازعون مكانة الأوزاعية فى الشام بنجاح. وغدا منصب قاضى دمشق وقفًا عليهم منذ أيام أبى زرعة فصاعدًا (302 هـ = 915 م) واستأثروا فى عهد المقدسى بالقضاء فى الشام وكرمان وبخارى والجزء الأكبر من خراسان لا يشاركهم فيه مشارك. وكان لهم أيضًا سلطان كبير فى شمالى الجزيرة (آقور) وفى بلاد الديلم (كانت مصر قبيل ذلك قد اعتنقت مذهب الشيعة) وفى القرنين الخامس والسادس الهجريين (الحادى عشر والثانى عشر الميلاديين) كانوا يقتتلون فى الشوارع هم والحنابلة فى بغداد، وهم والحنفية فى إصفهان. على أنهم اجتذبوا أمراء الأسرة الغورية إلى صفوفهم Versp: Snouck. Hurgronje Geschr, جـ 2، ص 306). ثم عادوا

فغلبوا على سائر المذاهب فى مصر على عهد صلاح الدين (564 هـ = 1169 م). فلما حلت سنة 664 هـ (1266 م) أقام الملك الظاهر بيبرس قاضيا حنفيا وقاضيا مالكيا إلى جانب القاضى الشافعى (انظر السبكى، جـ 5 ص 134). وفى القرون الأخيرة التى سبقت ظهور العثمانيين أصبح للشافعية السلطان المطلق فى بلاد الإسلام الوسطى بل إن الإمام الشافعى المذهب كان فى عهد ابن جبير نفسه (الرحلة ص 102) يؤم المصلين فى مكة، ولم يستبدل الحنفية بالشافعية إلا أيام سلاطين آل عثمان فى مستهل القرن العاشر الهجرى (السادس عشر الميلادى)، وكان هؤلاء الأحناف يرسلون من الآستانة ليتولوا مناصب القضاء على حين أنهم فقدوا مناصبهم فى آسية الوسطى بظهور الدولة الصفوية (1501 م) وحل محلهم الشيعة. ومهما يكن من شئ فإن الناس فى مصر والشام والحجاز كانوا يتبعون المذهب الشافعى (Versr. Geschr.: Snouk Hurgronje, جـ 2 ص 378/ 379) ولا تزال تعاليم الشافعى تدرس اليوم بحماسة فى الجامع الأزهر، ولا يزال لها الغلبة أيضًا فى جنوبى بلاد العرب والبحرين وشبه جزيرة الملايو وإفريقية الشرقية الألمانية سابقًا، وداغستان وبعض أنحاء آسية الوسطى. من أئمة الشافعية المشهورين: المحدث النسائى (توفى سنة 303 هـ = 915 م) والأشعرى (توفى سنة 324 هـ = 935 م)؛ والماوردى (توفى سنة 450 هـ = 1058 م) والشيرازى (توفى سنة 476 هـ = 1083 م)؛ وإمام الحرمين (توفى سنة 478 هـ = 1085 م)؛ والغزالى (توفى سنة 505 هـ = 1111 م)؛ والرافعى (توفى سنة 623 هـ = 1226 م)؛ والنووى (توفى سنة 676 هـ = 1277 م) وغيرهم. (انظر فى شأنهم المواد التى أفردت لكل منهم فى هذه الدائرة، Geschr.Verspr: Snouck Hurgronje جـ 4، ص 105) وقد تناول الفقه الإسلامى على مذهب الشافعى: L.W.C. van den Berg: De beginselen van het Mohammed recht (الطبعة الثالثة، باتافيا 1883 م: وانظر فيما يتعلق بذلك Snouck Hurgronje: Verspsr. Geschr, جـ 2، ص 59 - 221)؛ والترجمة الفرنسية بقلم R, de

المصادر

France de Tersant: بعنوان فى Principes du droit musulman الجزائر 1886 م: Ed.Muham: Sachau Recht (شتوتكارت وبرلين 1897, وانظر فيما يتعلق بذلك Verspr. Geschr: Snouck Hurgronje جـ 2، ص 367 - 414)، Th. W. Juynboll: Handbuch des islamischen Gesetzes ليدن 1910, 1925, والترجمة الإيطالية التى قام بها G.Baviera وأضاف عليها زيادات وتعليقات بعنوان Manuale di diritto musulmann ميلان 1916. المصادر: (1) السمعانى: كتاب الأنساب = سلسلة كب التذكارية, المجلد 20، جـ 325. (2) ياقوت: إرشاد الأريب = سلسلة كب التذكارية. جـ 6/ 6, ص 317 - 398 (وانظر فيما يتعلق بذلك Bergstraser فى Zeitschrift fur semitistik 1924, جـ 2 ص 201). (3) النووى: الطبقات، طبعة فنستفلد. ص 56 - 76. (4) ابن خلكان الوفيات، القاهرة 1310 هـ, جـ 1، ص 447. (5) Fragmenta hist. Arab, جـ 59، ص 3 وما بعدها. (6) العسقلانى: توالى التأسيس بمعالى ابن إدريس فى مناقب. . الشافعى، بولاق 1301 هـ. (7) Der Imam Al-shafi'i: Wustenfeld فى Abh. Gott Ak. W 1980، جـ 36. (8) Einiges fiber den Imam as Safi'i: de Geoje فى Z.D.M.G، 1893 م؛ جـ 47. ص 106 - 117. (9) Zahiriten: Goldziher، ص 20 - 26. (10) Gesch. de Arab.Lit: Brockelmann جـ 1، ص 188 وما بعدها. (11) Islam. Fremdenrecht: Heffening هانوفر 1925 م، ص 145 وما بعدها, 149. انتشار المذهب الشافعى: (12) السبكي: طبقات الشافعية الكبرى، القاهرة 1324 هـ, جـ 1، ص 171 - 175. (13) Renaissance des Islam: A.Mez هيدلبرغ 1922 م، ص 202 - 206. خورشيد [هفننك Heffening]

الشام

الشام الشام أو سورية: منذ عهد سحيق اجتذبت هذه البلاد الخصبة "أرض الحنطة، أرض الكروم والخبز" البدو، جيران سورية وفلسطين، وقد نجح هؤلاء فى التسلل إلى النواحى التى تحف بالصحراء مجتمعين قبائل بأسرها حينًا، ومتفرقين شراذم حينا آخر، وأقاموا هناك منذ بداية القرن الثانى الميلادى إمارات فى حمص، وتدمر، وبطرة، وسرعان ما اصطنعوا لغة سورية وحضارتها. وفى القرن الخامس الميلادى وُكِّل إلى أمراء غسان الدفاع عن الحدود السورية، ولم يلبثوا أن اعتنقوا المسيحية، وكذلك فعلت القبائل التى راحت تتجول فى القرن السادس الميلادى صاعدة هابطة بن الفيافى التى تفصل سورية عن بلاد العرب، وهم بنو كلب، وبنو لخم، وبنو جذام وكان هؤلاء العرب السوريون يتحدثون كما تبين من حالة بنى كلب، بلسان مشترك هو مزيج من العربية والأرامية ينتسب بلا شك إلى اللهجة الصفوية، ومن ثم كانت أية جماعة من هذه الجماعات خليقة قبل الهجرة بأن تضيف اسمًا لديوان العرب؛ وكانوا جميعًا يعتقدون أنهم سوريون، لا تربطهم بعرب نجد والحجاز إلا صلات تجارية. وقد حاربوا فى غزوة مؤتة مع الروم فى قتالهم الغزاة القادمين من المدينة. الفتح العربى: إثر وفاة محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] (8 يونية سنة 632) وفى مستهل بيعة أبى بكر بالخلافة حدثت الردة فى بلاد العرب، وبعد عام من هذا التاريخ تكونت من بين البدو النازلين حول المدينة الذين اشتركوا فى اخماد هذه الفتنة. . جماعات قدموا إلى الشام نزولا على أمر كان أصدره النبى -صلى اللَّه عليه وسلم-، ثم تولوا حكم هذا الإقليم الذى خلا حينذاك ممن يدافعون عنه. وظن سرجيوس أمير قيسارية أنه لن يلقى إلا غارة من الغارات المألوفة يقوم بها بدو من أهل السلب والنهب فأسرع لملاقاتهم فى جيش من بضعة مئات من الرجال جندوا على عجل؛ وداهم العرب المجتمعين فى وادى العربة إلى الغرب من البحر الميت. ولكن تفوق العرب على

الروم بفضل كثرة عددهم فارتد هؤلاء يسودهم الاضطراب والفوضى، ونزلت بهم هزيمة أخرى عند دثينة، فتصدعت صفوف سرجيوس (فبراير 634)، وراح جنود الامبراطورية يجمعون الإمدادات، وتلقى المسلمون أيضًا مددًا من المدينة يقوده خالد بن الوليد الذى قدم مسرعا من العراق وألحق بالعدو هزيمة منكرة فى أجنادين (30 يولية 634) بين بيت المقدس وبيت جبرين. وحاول جنود سرجيوس أن يلموا شتاتهم وراء بطائح بيسان ولكنهم عزلوا فعبروا نهر الأردن ليمنوا بالهزيمة مرة أخرى فى فحل، وفقدت الإمبراطورية بذلك فلسطين إلى غير رجعة. وفى مارس سنة 635 عسكر المسلمون تحت أسوار دمشق، وتخلت حامية الروم فى هذه المدينة عن أهلها فسلموا فى شهر فبراير من هذه السنة، ووصل الجيش الذى جمعه هرقل لفك الحصار عن دمشق بعد فوات الأوان، ومكن العرب لأنفسهم فى الجابية، ثم ارتدوا للتحصن وراء اليرموك الفرع الشرقى لنهر الأردن وقامت فى معسكر الروم فتنة بين الجنود الأرمن، وتخلى العرب الشآميون عن جنود الإمبراطورية إبان المعركة فحلت بهؤلاء هزيمة ماحقة، وقررت هذه المعركة (20 أغسطس سنة 636) مصير الشام. وغدا فتح شمال الشام والساحل الفينيقى سيرًا هينًا فحسب، وبادرت البلدان فى مناحية إلى أداة الجزية بعد أن تخلت عنها حامياتها, ولم يصادف العرب فى أى مكان مقاومة تذكر وهذا هو "الفتح اليسير" بحسب تعبير البلاذرى الذى يدل على الفطنة ولم تستسلم بيت المقدس إلا سنة 645 م بعد حصار يتفاوت اتصالا وانقطاعا دام سبع سنين بفعل خيانة رجل من اليهود. ويمكن القول إن الفتح العربى قد تم بعد تسليم آخر بلدان الساحل فى فلسطين. وجاء الخليفة عمر بن الخطاب إلى الشام قبيل تسليم بيت المقدس ليرأس مؤتمر الجابية (يوم الجابية، ) ونوقشت فى هذا المؤتمر مسألة تنظيم الشام. وعرفت سنة 18 بطاعون عمواس الذى

هلك فيه يزيد بن أبى سفيان وإلى دمشق فخلفه أخوه معاوية. وقد أقر عمر بلا تهاون التفرقة من الناحية السياسية بين الفاتحين والمغلوبين، فأصبح المغلوبين هم الذميين، وغدا جنس العرب المميز عماد أرستقراطية عسكرية تمنح الأعطيات، وقسم الشام أجنادا هى: دمشق، وحمص، وفلسطين، والأردن أو ولاية الأردن. ثم أضاف يزيد بن معاوية إلى هذه الأجناد جند قنسرين وجعله خاصا بشمالى الشام وأخذ الفاتحون يسيطرون من هذه الأجناد، وقصبتها الجابية، على البلاد ويجمعون الضرائب. وفرضوا على الذميين جزية الرؤوس علاوة على الخراج وفى الشام كما فى غيرها من البلاد المفتوحة انحصر التنظيم فى احتلال عسكرى يستهدف استغلال الأهليين، واقتصرت حكومة العرب على إدارة الشئون المالية، وكان ديوانهم ديوانا يراجع حساب الأموال (Das Arabische Reich and Sein Sturz: Wellhausen ص 20). وقد أدرك، معاوية فى مستهل ولايته التى امتدت فى عهد عثمان حتى شملت الشام بأسره أن الأمر يقتضيه الاستعانة بالقبائل البدوية فى هذا الإقليم لأنها كانت من الناحية السياسية أنضج من بدو شبه الجزيرة العربية وأراد على، خليفة عثمان، أن يعزله عن ولاية الشام، ولكن الشآميين انحازوا إلى واليهم. ولم يسفر الاشتباك بين الشآميين والعراقيين فى ساحة معركة صفين عن نتيجة حاسمة وأقيم الحكمان للفصل بين الطرفين، وأعلن المؤتمر الذى عقد فى أذرح خلع على يناير 658 واستغل معاوية هذا النصر الدبلوماسى، فأنفذ عامله عمرو بن العاص لفتح مصر. وفى 24 يناير سنة 661 سقط علىّ صريع خنجر طعنه به رجل من الخوارج، فخلا الميدان لغريمه معاوية. الشام فى عهد الأمويين: وإنما كان معاوية ينتظر هذا اليوم ليؤسس دولة هى دولة الأمويين، ويعرف فرعهم الأكبر بالسفيانى نسبة إلى أبى سفيان. ويبدأ الفرع الأصغر بمروان بن الحكم وقد نسب إليه فقيل الفرع المروانى.

وبايع جنود الشام وأمراؤه معاوية بالخلافة فى بيت المقدس، واتخذ معاوية مقره فى دمشق، وجعلها بذلك قصبة الدولة بدلا من المدينة والكوفة، وسواء كانت هذه الخطوة منه مقصودة أو غير مقصودة، فإنها مالت بميزان الخلافة لمصلحة الشام، وأصابت سيادة البدو التى لا مبرر لها بضربة حاطمة لم يفيقوا منها قط وسوّد معاوية عرب الشام، وشغل هؤلاء فى عهد الأمويين جميع المناصب الهامة. وحاول معاوية مرتين حصار القسطنطينية، وتوفى فى أبريل سنة 680 م بالغا من العمر خمسة وسبعين عاما. ولم يكن بد من أن يواجه ابنه وخليفته يزيد فتنة كان أبوه بقدرته خليقا بأن يمنع نشوبها. فقد أبى الحسين بن على وعبد اللَّه بن الزبير ابن أخت عائشة زوج النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] أن يبايعا يزيد، ولاذا بأرض مكة المحرمة. وترك الحسين هذه الأرض الحرام ليقع صريعا فى مقتلة كربلاء. وفى 10 أكتوبر سنة 680 اشتبكت المدينة مع الشام وأعلن أهلها خلع يزيد. وتفاوض الفريقان مفاوضة لم تأت بنتيجة فلم يكن بد من أن يحتكما إلى السيف؛ وانتصر الشآميون فى يوم الحرّة، فساروا إلى مكة حيث كان ابن الزبير قد أعلن استقلاله بالأمر فيها، وعسكر فى المسجد الحرام، وكانت تحمى الكعبة من منجنيق الشاميين منصة من الخشب مغطاة بحشيات. وتسبب إهمال رجل من أهل مكة فى اشتعال النار فيها (نوفمبر 863). ولما بلغت الجيش الشآمى الأخبار بوفاة يزيد (11 نوفمبر سنة 863) اضطر الجيش إلى الارتداد. ولم يكن يزيد بالملك التافه الشأن، ثم إنه لم يبلغ من الطغيان بقدر ما صوره أصحاب الحوليات من خصوم الأمويين. وقد واصل يزيد سياسة أبيه، وكان يرعى أرباب الفن والشعراء، كما كان هو نفسه شاعرا، وأتم التنظيم الإدارى للشام باستحداث جند قنسرين (انظر ما أسلفنا بيانه)، وأكمل رى الغوطة بحفر قناة نسبت إليه، ووصف يزيد فى Continuato Byzantina-Arabica ju cundissimus et cunctis nationibus regni

ejus gratissime habitus. cumomnibus civiliter vixit (¬1)؛ وقد أحبه رعاياه فعاش عيشة المواطن العادى. وقال فيه فلهاوزن "ما من خليفة قط نال هذا الثناء الصادر من القلب". ولم يكن حكم ابنه الأصغر معاوية الواهن السقيم إلا عهد انتقال عابر، والظاهر إنه هلك فى الطاعون الذى كان متفشيا سنة 684 م وكان أخوته جميعا أطفالا، ووجد أكابر الشآميين أن أخوته لا يزالون قصرًا فأيدوا مروان ابن الحكم أول خليفة من الفرع المروانى (22 يناير سنة 684) وأبى القيسية الشآميون أن يبايعوه، وحلت بهم الهزيمة فى مرج راهط وكان عهده سلسلة من المعارك متصلة الحلقات. وأنفذ مروان حملة سريعة كفلت له طاعة مصر. وأنهكت الجهود المضنية التى بذلها هذا الخليفة الذى بلغ السبعين صحته، فعاد إلى دمشق ليلقى منيته فى 7 مايو سنة 685، وخلفه ابنه الأكبر عبد الملك ولم يجد عبد الملك بدا من أن ينتزع الولايات الشرقية وبلاد العرب من غريمة الخليفة ابن الزبير، وأن يرد فى الوقت نفسه غزوة المرداسية أو الجراجمة وإنا لندين له ببناء المسجد الأقصى فى بيت المقدس. ويتميز عهده بالبدء فى تعريب إدارة الدولة التى ظلت حتى أيامه فى أيدى أشخاص من الشعوب المفتوحة. وقد حاول أن يستبدل اللغة العربية باللغة اليونانية فى إمساك حسابات الدولة وسجلاتها، وإذا كان لم ينجح فى ذلك كل النجاح فقد استطاع أن يجعل اللغة العربية تستخدم فى هذا الغرض إلى جانب اللغة اليونانية؛ وكان عبد الملك هو الذى استحدث السكة العربية وأدركته المنية فى أكتوبر سنة 705 بعد أن حكم عشرين عاما. وقد صبغ خليفته الوليد بن عبد الملك العرش بنزعة استبدادية ووسمه بنعرة لم يكن لهما وجود عند أسلافه؛ ويعد الوليد المؤسس الأكبر للدولة الأموية. وإن كانت قد بلغت الإمبراطورية العربية فى عهده أوج اتساعها، ونجح ¬

_ (¬1) معنى هذه العبارة: "كان يعد من أحب الناس إلى قلوب رعيته. . . وكان يسلك مع الجميع سلوك المتحضر".

الوليد فى مشروعاته نجاحا فريدا، وتكشفت نزعته الاستبدادية فى الحد من السماحة التى كانت تعامل بها الشعوب المفتوحة، فقد استخلص المناصب الإدرية الكبرى من أيدى المسيحيين تماما، واستطاع بفضل جنوحه إلى العظمة والفخامة أن يملك قلوب أهل الشام بلا منازع. وتوفى الوليد فى 23 فبراير سنة 715 م. وخلفه أخوه سليمان بن عبد الملك مشيد الرملة فى فلسطين، توفى سليمان فى حصار القسطنطينية المشؤم، وخلفه ابن عمه عمر بن عبد العزيز (أغسطس 717)، وتوفى عمر فى فبراير سنة 730، وخلفه يزيد ابن عبد الملك. وكان الخلفاء الأمويين قد بدأوا يتخلون عن دمشق منذ أيام الوليد بن عبد الملك، وتركوا الإقامة فيها وإن ظلت قصبة الدولة الرسمية وأخذت الدولة الأموية فى الاضمحلال بعد وفاة عمر بن عبد العزيز. وقد حاول هشام الذى خلف يزيد بن عبد الملك أن يعيد إلى الخلافة الشآمية هيبتها فباءت جهوده بالخيبة، فقد توقفت الفتوح، ومنى العرب بهزيمة بواتييه المنكرة فى فرنسا فى أكتوبر سنة 722. وسمح هشام لبطارقة انطاكية الملكانيين بالإقامة فى الشام. وفقد هذا الخليفة حب الشعب له لطمعه وإخفاق خططه العسكرية وما جرى عليه من اعتزال الناس والإخلاد إلى قصره الصحراوى الرصافة. على الرغم من أنه كان أشد الخلفاء الأمويين انكبابا على العمل. وخلفه فى فبراير سنة 743 ابن أخيه الوليد بن يزيد بن عبد الملك، وكان هذا الأمير من أرباب الفن والشعر وقد عاش قانعا فى الصحراء حيث شرع يبنى قصره المشتى الفخم ولقى مصرعه قبل أن يتمه على يد قاتل اغتاله فى أبريل سنة 744. وكان خليفته يزيد بن الوليد أول وخلفه يزيد بن عبد الملك. وكان الخلفاء الأمويون قد بدأوا يتخلون عن دمشق أخاه قليل الشأن إبراهيم، وعجز إبراهيم عن حمل الناس على الاعتراف به. وظهر على مسرح الحوادث إبان هذه الفوضى العامة والى الجزيرة العالى الهمة مروان بن محمد حفيد الخليفة مروان بن الحكم. وقد فل

انتصار عين الجرّ فى البقاع مقاومة أعدائه اليمانية الشآميين. ولما ولى مروان الخلافة فى ديسمبر سنة 744 أخطأ بنقل قصبة الخلافة إلى حرّان (الجزيرة) فاستوحشت منه قلوب الشآميين، وأنهك قواه فى إخماد الفتن التى أثاروها أو الفتن التى أضرم نارها الخوارج، وكان العباسيون يأتمرون آنئذ بالدولة الأموية فى الخفاء واستغل أبو العباس والسفاح السخط البادى فى الشام فأعلن ولايته الخلافة فى الكوفة (نوفمبر 749). واضطر مروان بعد هزيمته عند الزاب الأكبر (يناير 750) إلى إخلاء الجزيرة ثم الشام من بعدها، وتخلى عنه الشآميون فالتجأ إلى مصر حيث لقى مصرعه فى بوصير فى أغسطس سنة 750 وطورد الأمويون فى كل مكان واستؤصلت شأفتهم. ونبشت قبورهم وأذريت رفاتهم فى الرياح. وحاول الشآميون عبثا أن يستردوا ما فقدوه ورفعوا علم الأمويين الأبيض ليجهلوا به علم العباسيين الأسود، ولم يدركوا إلا بعدفوات الأوان أنهم بنظرتهم المستخفة إلى سقوط الأمويين قد أضاعوا مستقبل الشام وسيادته، ومن ثم راحوا يأملون فى ظهور السفيانى سريعا، وهو بطل وطنى ونصير الحرية الشآمية. والسفيانى، كما يدل عليه اسمه، كان فى نظرهم رجلا يخرج من أعقاب أبى سفيان، ويعيد إلى البيت الأموى عهده المجيد وأيامه السعيدة ذلك البيت الذى يخلد ذكراه اسم هذا البطل. ولم تجد قبائل الشام بعد الفتح العربى بدا من تعلم لهجة قريش التى ارتفع حينذاك شأنها فأصبحت هى اللغة الفصحى. وقد شغلت الفتوح وإخماد الفتن التى شبت فى الولايات عرب الشام فاقتصر نشاطهم العقلى فى ظل الأمويين على الشعر وكان أهم أقطاب هذه النهضة الأدبية بعد الأخطل النصرانى يزيد بن معاوية والوليد بن يزيد. وظلت الحرف والمهن الحرة كالصيرفة والتجارة وقفا على الأجناس المحكومة وتدل حركة القدريه التى بدأت فى الشام فيما يظهر، على أن عرب هذا الإقليم كانوا قد أخذوا يعنون بالمسائل الفلسفية التى جاءتهم عن طريق مواطنيهم النصارى.

وظلت الزراعة مزدهرة. ولكن تضاءلت التجارة البحرية تضاؤلا كبيرا نتيجة لحرب العرب مع الروم. على أن سقوط إمبراطورية فارس قد فتح أبواب آسية الوسطى للشآميين ولكنهم سرعان ما جابهوا منافسة المدن التجارية فى العراق وخاصة البصرة. وفى عهد العرب خمل شأن التجارة الشآمية التى كانت نشطة غاية النشاط فى عهد يوستنيانوس. فلما استؤنفت العلاقات البحرية كانت الشعوب الغربية هى التى حققت لنفسها الفائدة منها فى أيام الحروب الصليبية. وبدأت البلدان الكبرى فى شرقى الشآم مثل: دمشق وحمص وغيرهما، تصطبغ بالصبغة الإسلامية منذ عهد المروانيين نتيجة لإلغاء الأجناد، وتعلمت الشعوب المفتوحة اللغة العربية ومع ذلك لم تتخل عن اللغة الآرمنية أو اللغة اليونانية آنئذ. وكان سكان الشام من العرب ينمون نموًا بطيئًا. ذلك أن الأوبئة، والمجاعات، والفتن، وحروبهم الخارجية كانت تحصدهم. وإذا صرفنا النظر عن فورات التعصب المحلية، لم نجد شواهد على قيام اضطهاد أو بث الدعوة الإسلامية تشجع عليهما السلطات المسئولة. فقد كانت هذه السلطات تضغط على نصارى العرب فحسب ونعنى بهم قبيلتى تنوخ وتغلب. أما بنو كلب وغيرهم من القبائل الشآمية فكانوا قد أسلموا بعد الفتح الإسلامى. وقد تميز هذا العهد بالهدوء والتسامح مع غير المسلمين إذا قارناه بالمتاعب التى قدر لهم أن يعانوها فى ظل العباسيين وذلك على الرغم من حرمانهم فى أيام الأمويين من حقوقهم السياسية. وكانت هذه الأيام بالنسبة للعرب عهدًا ذهبيًا، أو قل إنهم كانوا فى مأدبة متصلة تعطيهم الدولة وتطعمهم. وقد أثرى زعماؤهم من استغلال الولايات وجمعوا ثروات طائلة. وشجع على نجاح مؤامرة العباسيين عجز الخلفاء المروانيين المتأخرين باستثناء هشام ومروان بن محمد بطبيعة الحال. ثم دبت الفتن الخطيرة المتصلة بين القيسية واليمنية بعد مرج راهط، وانتهت برفض الفاتحين أن يمنحوا غير العرب حقوقهم السياسية.

الشام فى عهد العباسيين والفاطميين

الشام فى عهد العباسيين والفاطميين: وبسقوط الدولة الأموية فقدت الشام مقامها الممتاز، ولم تعد مركز إمبراطورية متراهية الأطراف، وألفت نفسها قد نزلت إلى مرتبة الولاية فحسب، وأصبح ينظر اليها بعين الحسد لصلتها بنظام الحكم القديم، ونقلت قصبة الخلافة عبر الفرات ووجد الشآميون أنفسهم، وهم يناضلون فى ظل سلطان لم تخمد عداوته فى قلوبهم قط، قد جردوا باطراد من كل ما كان لهم من نصيب فى شئون الحكم، ذلك أنهم من ثم قد رزحوا تحت سلطان الفاطميين ومن تلاهم من الحكام؛ وإنما كان الخلفاء العباسيون يتدخلون فى أمور الشام لإشعارها بضآلة مركزها متوسلين إلى ذلك بفرض الضرائب الفادحة عليها. وضاق نصارى لبنان بمغالاة عمال الخلافة فى اغتصاب أموالهم فحاولوا ما بين سنتى 759 - 7690 م أن يستردوا حريتهم فخاب مسعاهم. وقد اجتاز الخلفاء المنصور والمهدى وهارون والمأمون الشام فى حجهم أو حربهم مع الروم. وأصبح الموقف أشد من أن يحتمل إبان الفتن التى سبقت اعتلاء المأمون عرش الخلافة (813 - 833 م) فهاجر كثير منهم إلى قبرص. ولم يتعظ القيسية واليمينية بالازراء التى نزلت بموطنهم الشام وما حل بهم من فقدان استقلالهم الذاتى، فلم ينسوا خلافاتهم المؤسفة التى انتهت بإضعاف الشآميين وأدت إلى خيبة مساعيهم فى رفع نير العباسيين عن كاهلهم. وقد رفع على بن عبد اللَّه السفيانى سليل معاوية العلم الأبيض الذى كان قد أصبح رمزا لحرية الشام، على أنه اضطر إلى ضم القيسية إلى صفوفه (809 - 813 م) اكتسابا لعون بنى كلب. ونشبت فتنة أخرى باءت كسابقتها بالخيبة ذلك أن عربيا يدعى أبا حرب اليمنى النسب قام وادعى أنه السفيانى على أن استخفاف القيسية بالأمر للمرة الثانية أدى إلى هزيمة فى عهد الخليفة المعتصم (838 - 847). واستسلم الخليفة المتوكل (847 - 866 م) المتقلب لهواه ففكر فى نقل قصبة الخلافة والعيش فى دمشق.

ووقع تمرد بين حرسه فاضطر إلى العودة إلى الجزيرة، وكان عهده أيام محنة ابتلى بها الشآميون. ومنذ عهده بدأت معظم التشريعات المتشددة التى زعموا أنها تنسب إلى عمر بن الخطاب: كلبس غير المسلمين لباسا خاصًا وحرمانهم من اعطاء صهوة الجياد وغير ذلك. وفى هذا العهد لم يبق فى الشام أى مسيحى من أصل عربى وكان بنو تنوخ قد قاوموا أيام الأمويين كل مساعى الحكومة للتقرب منهم على أن الخليفة المهدى (775 - 785 م) حملهم على الخروج من دينهم. ويرجع إلى الخلفاء العباسيين الأوليين الفضل فى إقامة المحطات العسكرية الشآمية المعروفة بالعواصم والثغور وهى سلسلة من الحصون شيدت لوقف تقدم الغزاة الروم. وفى سنة 906 م اعتقل رجل مثير للخواطر ادعى أنه السفيانى. وكانت محاولته آخر محاولة بذلت لإعادة الأمويين إلى الحكم. وقد خابت هذه الحركة نتيجة لجمود الشآميين المنحلين. وغزا الشام مملوك تركى هو أحمد بن طولون وكان قد آل إليه حكم مصر، متذرعا بحجة حمايتها من الروم، ثم أعلن استقلاله بالأمر فيها ولم تعمر الدولة التى أقامها إلا سنين معدودة (875 - 905 م) شأنها شان الدولة الإخشيدية التى كررت التجربة التى قام بها الطولونيون واجتاح القرامطة الشام فيما بين هذين العهدين وتركوا وراءهم التعاليم الإسماعيلية. ويمكن أن نقول ان الشام ضاعت سياسيا من يد العباسيين منذ العهد الطولونى، ولم يحس أحد بسلطانهم هناك إلا فترات قليلة قصيرة استردوا فيها مقاليد الحكم. وأرادت القبائل البدوية بدورها أن تنال نصيبها من أسلاب إمبراطورية منحلة، فألفى بنو حمدان، وهم عشيرة من عشائر تغلب، أنفسهم موكلين بغزو الشام من جديد باسم الإخشْيديين وردّ تقدم الروم وأقاموا أنفسهم سادة على جنوبى الشام دون أن يخرجوا على الخلافة العباسية. وكان أشهر هؤلاء الأمراء الحمدانيين سيف الدولة الذى ظهر فى بلاطه بحلب بمظهر الراعى المتنور بلفنون والآداب (949 - 967

م) وسقطت دولة الحمدانيين (1003/ 1004 م) بعد أن تخلل عهدهم فترة قصيرة انتفض فيها العباسيون فى دمشق (975 - 977 م) ثم وقعت الشام فى يد أسرة علوية ظلت تحكمها أكثر من قرن (977 - 1098 م) وكانت هذه الأسرة إن شئت الدقة إسماعيلية هى دولة الفاطميين. ودخل الفاطميون مصر، ثم فتحت جيوشهم الشام (969 م) وغزوا فلسطين ودمشق دون أن يلقوا مقاومة تذكر. أما فى الوسط والشمال فيصعب علينا أن نحدد الصورة التى اتخذها الفتح المصرى فقد كان سلطان الفاطميين المباشر يفرض ما دامت جيوشهم تحتل الإقليم، فلما تركوه راح الأمراء المحليون يفعلون ما يحلو لهم دون أن يجاهروا بالخروج على نائب الخليفة فى القاهرة؛ ولم يستطع الحكم الفاطمى الاحتفاظ بكيانه فى الشام إلا بالدأب على صرف وكلائه الذين لم يجد بدًا من توليتهم مقاليد الأمر فيه، عن مناصبهم فأشاع بذلك الاضطراب وعدم الاستقرار فى تصريف الأمور فى هذا الإقليم. واضطر الفاطميون فى فلسطين إلى الارتكان على بنى الجرّاح. وقد انتحل هؤلاء الأمراء الطيئيون لأنفسهم السيادة المطردة على بدو الشام قرنا من الزمان وفى عهد الحاكم (996 - 1020 م) راح بنو الجراح يقيمون خليفة يناظر الخليفة الشرعى ثم يردونه إلى مكة من حيث أتوا به. وفى صور نجح ملآح فى أن ينادى بنفسه أميرًا مستقلا عليها ردحا من الزمن (997 م). واستغل الإمبراطور نقفور فوكاس (963 - 969 م) هذه الفوضى فغزا شمالى الشام. واستطاع خليفتاه زيمسكيس Tzimisces (969 - 976 م) وبازيل الثانى (976 - 1025 م) أن يفتحا فى يسر وادى نهر العاصى والساحل الفينيقى. ومن كل هذه الفتوح لم يستطع الروم أن يحتفظوا إلا بحكم دوقية أنطاكية نيفا وقرنا من الزمان. وقد ذكرنا آنفا الخليفة الحاكم الذى يربطه بنشأة الدروز علاقة وصلة، وتشاحن هذا الأمير مع المسيحيين فأمر بتدمير كنيسة القيامة بيت المقدس.

وقطعت الشام صلتها بمصر شيئًا فشيئًا، وزاد سلطان البدو الوبيل فى غمرة هذه الاضطرابات السياسية؛ وحوالى عام 1.23 م مكّن بنو مرداس من قيسية بنى كلاب لأنفسهم فى حلب، واحتفظوا بها فيما خلا فترات من الزمن حتى سنة 1079 م. وما إن حل هذا الوقت حتى كان السلاجقة قد أفسحوا لأنفسهم مكانا فى الشام، وسقطت ولاياته فى قبضتهم واستولوا على دمشق سنة 1075 م، وأقام لأمير سلجوقى يدعى أرتق دولة محلية فى بيت المقدس (1086 - 1087 م) وفى سنة 1084 م فقد الروم أنطاكية آخر ممتلكاتهم فى الشام. وأصبحت الشام آنئذ مقسمة إلى سلطنتين سلجوقيتين، سلطنة حلب وسلطنة دمشق؛ وحكم فى حلب وحمص أمراء سلاجقة يتفاوت حظهم من الاستقلال، واتصلت الحروب بينهم جميعا. وأقام قاض رقيق الحال دولة بنى عمّار فى طرابلس. وظلت المدن الساحلية الواقعة جنوبى هذه المدينة فى يد المصريين. وفى غمرة هذا الاضطراب وذلك الاقتسام الذى حل بأرض هذه البلاد أقبلت جيوش الصليبين. ولقد كانت العداوة الملحة التى أظهرها العباسيون لأهل الحجا من الشآميين [حسبما قيل]، والفوضى السياسية وحكم المغامرين من الترك والبربر، وكذلك الولاة الجشعون غير المثقفين كل أولئك لم يكن من الظروف المواتية لنمو الأفكار والآراء. واجتمع عدد قليل من الشعراء فى بلاط الحمدانيين والمرداسيين فى حلب. وقد شجعت رعاية سيف الدولة على إعداد "كتاب الأغانى" المعروف. ويستطيع القارئ أن يرجع إلى مواد أبى تمام، وأبى العلاء المعرى، والمتنبى الذى خرج من الكوفة ولو أنه كان شآمى التعليم والنشأة والمقدسى، وهو من أكثر الجغرافيين العرب علو قدر فى نظر الناس بحق. وبدأ أولو الأمر الذين كانوا أقل تسامحا من الأمويين وأشد منهم استفزازا للمشاعر فى تشجيع الناس على الدخول فى الإسلام. وأخذت اللغة العربية تحل فى بطء محل السريانية على لسان الشعوب المحكومة الذين بدأوا يكتبون بها. وأخذت العلوم

الشام تحت حكم الفرنجة

الدنيوية أيضًا وخاصة الطب تنمو. وتقترن نهاية هذا العهد بإنشاء المدارس التى ازدهرت بفضل السلاجقة وخاصة فى حلب ودمشق. وأثر سقوط هيبة الخلفاء العباسيين فى مذهب أهل السنة، وساعد على النمو السريع للفرق التى كانت تمارس شعائر خاصة للداخلين فيها وتتبع الشيعة مثل: الدروز والإسماعيلية النصيرية والمتولية. وخف جور وكلاء العباسيين والفاطميين دون أن يكون له أثر فى شل حيوية البلاد العظيمة. وفى سنة 311 هـ حكم على وال من ولاة دمشق بأن يدفع لبيت المال 30.000 دينار. وبدأ عمران البلاد فى النقصان واضمحلت الزراعة ولم يقف فى سبيل انهيارها التام إلا إدخال محصولين جديدين هما قصب السكر والبرتقال، وتمت زراعة القطن واستخدم القطن فى صنع الورق. وكان بدمشق فى القرن العاشر الميلادى مصنع للورق. وينبغى للمرء أن يقرأ الإلمامة التى ذكرها المقدسى عن تجارة الشام فى كتابه فى الجغرافيا المسمى "أحسن التقاسيم" (ص 80 - 184) ليخرج بفكرة عن الموارد المختلفة لبلاد لم تفلح قرون من الاضطهاد والحكم المزرى أبلغ الزراية فى إفقارها. الشام تحت حكم الفرنجة: فى 21 أكتوبر سنة 1097 ظهر جيش الصليبيين أمام أسوار أنطاكية واستطاع بعد حصار شاق جدًا أن يدخلها فى 3 يونية سنة 1098، ثم ساير الفرنجة وادى العاصى مجتازين جبال النصيرية محاذين الساحل، هنالك نقص عددهم فأصبح 40.000 مقاتل، وأفلتوا من محنة أمام بيت المقدس، واستولوا على هذه المدينة التى كان الفاطميون قد استردوها وشيكا من الأرتقية، فقد أخذوها عنوة فى 15 يولية سنة 1019، وانتخب جودفرى صاحب بويون رئيسا لهذه الدولة اللاتينية الجديدة (1100 - 1105 م) ولكن أخاه وخليفته بولدوين الأول كان فى الحق أول ملك تمزجى تولى حكم بيت المقدس. وقد غزا بولدوين الأول مدن الساحل: أرسوف، وقيساريه

وعكا وصيداء وبيروت وطرابلس (1109 - 1110 م). ولقى أشهر ملوك الصليبيين مصرعه إبان حملة شنت على مصر. واستولى بولدوين صاحب بورج على صور سنة 1124 م، ومنى بالخيبة أمام دمشق، ولكن هذه المدينة اضطرت إلى أن تعده بأداء الجزية. وإنما كانت سنة 1130 م أو ما حولها هى التى شهدت أكبر ما بلغته هذه المملكة اللاتينية من اتساع الرقعة، فقد امتدت من ديار بكر إلى مشارف مصر، ولم يتجاوز حدها فى الشام قط وادى العاصى الأعلى أو قمة جبال لبنان الشرقية. أما المدن الكبرى التى فى داخل البلاد وهى حلب، وحماه، وحمص، وبعلبك، ودمشق، فقد وافقت على أداء الجزية وإن احتفظت باستقلالها. وتألفت المملكة من حلف يجمع أربع دول إقطاعية: 1 - فى الشرق كونتية الرها على طول ضفتى الفرات. 2 - فى الشمال إمارة أنطاكية، وقد شملت بحمايتها قيليقية (قاليقلا) الأرمنية 3 - فى الوسط كونتية طرابلس، وكانت تمتد من حصن مرقب إلى نهر الكلب 4 - وأخيرًا ممتلكات التاج، أى ممتلكات مملكة بيت المقدس إن شئت الدقة. وكانت تشمل جميع بلاد فلسطين الواقعة على الأردن وفى شرق الأردن وهى الإقليمان القديمان مؤاب وأدوم اللذان أصبحا إمارتى الكرك ومونتريال فى أرض الأردن الأقصى وكانت لها حينا من الزمن محمية هى ثغر أيلة العقبة. وقد شيد الصليبيون معاقل منيعة لحماية هذه الممتلكات: حصن الأكراد، وصافيتا، ومرقية، ومرقب، وفى جنوبى لبنان: شقيف أرنون، ثم فى شرق الأردن المعقلين الهائلين حصن الكرك وحصن مونتريال. فلما توفى بولدوين الثانى بدأت الدولة اللاتينية فى الاضمحلال، وقد عجل بهذا الاضمحلال انعزال الصليبيين وتفرق كلمتهم وادعى الروم حق الولاية على شمالى المملكة. وسعى الأرمن إلى أن يقيموا لأنفسهم دولة وطنية فى إقليم طوروس ولم يتفق الفرنجة والروم والأرمن فيما بينهم،

وإنما نجحوا بذلك فى إضعاف بعضهم بعضا، فاستفاد المسلمون من تفرق كلمتهم واجتمع شملهم حول زعماء مبرزين مثل زنكى، ونور الدين، وصلاح الدين واستأنف بولدوين الثالث (1144 - 1162 م) حصار دمشق (23 - 28 يولية سنة 1148) دون أن يحرز أى نجاح يفوق ما بلغه أسلافه وكان نور الدين قد غدا بالفعل صاحب الكلمة فى حلب، فثبت أقدامه فى دمشق. ورسم آمورى ملك بيت لمقدس منذ سنة 1162 م، خطة جريئة ترمى إلى حصار ملك الدولة الفاطمية المنهارة، فسبقه نور الدين، إذ أنفذ نائبه صلاح الدين الكردى إلى مصر؛ فلما توفى آخر خلفاء الفاطميين، أعلن صلاح الدين استقلاله بأمر مصر، وأقام فيها الدولة الأيوبية، ثم انتزع دمشق من أبناء نور الدين. وفى 4 يولية سنة 1187 وقع جيش النصارى بأسره يقوده كى ده لوزينيان فى قبضة صلاح الدين عند حطين بين طبرية والناصرة. وفى الثانى من شهر أكتوبر التالى سلمت بيت المقدس. ولم تجد المدن الأخرى، وقد خلت من المدافعين عنها، بدًا من التسليم فيما عدا أنطاكية وطرابلس وصور. وجاءت دعوة الحرب الصليبية الثالثة إلى المعسكر القائم أمام عكا التى كان الفرنجة يحاصرونها منذ سنتين، بفيليب أغسطس ملك فرنسا وريتشارد قلب الأسد ملك إنجلترا. وقد سلمت هذه المدينة فى 19 يولية سنة 1191. وعقدت بين المتحاربين هدنة قضت بالتنازل عن الساحل من يافا إلى صور للصليبين ولم يستطع الصليبيون أن يستردوا بيت المقدس فجعلوا عكا قصبة مملكتهم. وقد أحدثت وفاة صلاح الدين فرقة بين ورثته الكثيرين. واستغل الإمبراطور فردريك الثانى هذا الشقاق فتفاوض مع الملك الكامل سلطان مصر الأيوبى للتنازل للصليبين عن بيت المقدس وغيرها من الأماكن التى ليست لها أهمية حربية وأحس الملك الكامل بالخطر يتهدده من ناحية أبناء أخيه صلاح الدين الذين كانوا قد عقدوا حلفا مع الفرنجة فاستنجد بالخوارزمية فسحقوا جيش الشآميين والفرنجة المجتمعين بالقرب من غزة (1224 م)

وتمكن المصريون من احتلال بيت المقدس ودمشق وحمص. وجاءت الحرب الصليبية السابعة بسانت لويس إلى الشام بعد أن ردت الحملة التى شنها على مصر على أعقابها. وانهمك أربع سنوات (1250 - 1254 م) فى تحصين مدن الساحل. وقد كان سلاطين المماليك بيبرس، وقلاون، والملك الأشرف ابن قلاون هم الذين أنزلوا الضربة القاضية بالمملكة اللاتينية، فسقطت عكا (31 مايو سنة 1261) فى أيديهم بعد دفاع مجيد. وفى خلال الأشهر الستة التالية سقطت صور، وحيفا، وصيداء، وبيروت وطرطوس، أو أخيلت. وكانت آخر المدن التى سلمت هى عثليث الحصن الرائع بين حيفا وقيسارية (14 أغسطس سنة 1291)؛ واستصغيت بذلك مستعمرات الفرنجة فى الشام. وقد أدخلت الحروب الصليبية إلى الشام النظام الاقطاعى الذى كان سائدًا فى أوربا فى تلك الأيام، ولم تلبث الملكية الانتخابية أن ولت وحلت محلها الملكية المتوارثة. وإنما كان الملك يحكم مملكة بيت المقدس الفلسطينية حكما مباشرا وكانت سلطة الملك محدودة بامتيازات الطبقات الثلاث: طبقة الكهنة، وطبقة الأشراف، والطبقة الوسطى، وقد لاحظ أسامة بن منقذ أنه لا يستطيع أن يبطل قرارات مجلس الأمراء، وكذلك كانت سلطة زعماء الاقطاعيين فى اماراتهم مقيدة على هذا النحو. واحتفظ بنظام رقيق الأرض كما كان شأنه من قبل فى الشام. وأطلق اسم "البولان" (Poulains) أو "البولانى" (Pullani) على المولدين من الفرنجة وأهل البلاد، ولا يزال اشتقاق هذا الاسم غامضا. وكان التجنيد للجيش لا يقتصر على الفرنجة بل يتجاوزهم إلى الأرمن والموارنة أيضا. أما الجنود الخفاف السلاح فكانوا يجندون من بين المسلمين، وأما موقف المسلمين واليهود فى هذا الجيش فيذكرنا بموقف الذميين فى البلاد الإسلامية مع فارق هو أنهم لم تكن تفرض عليهم ضرائب ثقيلة كتلك التى كانت تفرض على الذميين.

ويقول ابن جبير إن إخوانه فى الدين لم يخفوا رضاءهم عن حكم الفرنجة. وكان لكل إمارة سكة خاصة بها من العملة الفضية وكان يوجد إيضا البندقى الذهب (besants sarracena أو Semasins) وعليه نقوش عربية. وعادت التجارة، التى كانت خامدة على تفاوت منذ الفتح العربى، إلى النشاط نتيجة لقيام العلاقات البحرية مع الغرب التى اتسعت اتساعا لم يبلغ هذا المدى قط. وكان أهم الموانى هى عكا وصور وطرابلس. وكان آخر مطاف التجارة بين القارات فى إمارات الشمال: اللاذقية أو السويدية التى تعرف الآن بثغر سان سيمون. ولا مناص من أن نرجع إلى أيام الفينيقيين لنجد مثل هذا العهد الذى بلغ فيه النشاط الإقتصادى هذا الشأو العظيم. وقد عرقلت حالة الحرب النشاط العقلى بين مسلمى الشام ولكنها لم توقفه، ففى دمشق كان القلانسى مشغولا بتاريخه، وكان ابن عساكر قد أتم موسوعته الخالدة الأثر "تاريخ دمشق" التى خصصها للأعيان الذين لهم صلة بالشام من قريب أو من بعيد. وقد أخرج الأمير أسامة بن منقذ فى أواخر حياته المضطربة ترجمة ذاتية لا غنى عنها فى دراسة العلاقات التى كانت قائمة بين الفرنجة والمسلمين. وكان ابن العبرى الشآمى العراقى يكتب بالعربية والسريانية ويجيدهما على السواء. وقد كتب هذا البطريق اليعقوبى باللغة السريانية تاريخا ضخما. ودرس المسلمون والنصارى واليهود ووفقوا فى دراستهم. ولم يشهد الشام من قبل قط عمائر تقام بمثل هذه الكثرة إلا فى العهد الرومانى. وكانت الحصون التى بناها الصليبيون مُثلا رائعة للعمائر الحربية المأثورة عن القرون الوسطى. ونذكر من الكنائس التى شيدوها البازيليكا الرائعة فى طرطوس، وكاتدرائية يوحنا المعمدان الرشيقة -وهى الآن المسجد الجامع فى بيروت- التى كانت حوائطها مغطاة فى يوم من الأيام بالصور. وتطبع كثير من أمراء الصليبيين بالعادات الشآمية. ويمكنا أن نحيى فى التعاون بين الفرنجة وأهل البلاد مولد حضارة فرنجية جديدة.

الشام فى عهد المماليك

على أن القضاء على المملكة اللاتينية وأد كل أمل بنى على هذا الأساس. وقد استهل مجئ دولة المماليك عهدا من الفوضى لم تر له الشام مثيلا من قبل. الشام فى عهد المماليك لخصنا آنفا مغامرات سلاطين المماليك الأولين ضد إمارات الفرنجة. فقد خشى المماليك عودة الفرنجة والعمارات البحرية للدول الأوربية التى كانت تسيطر على البحر المتوسط، فبدءوا يخربون مدن الساحل غير متجاوزين حتى عن أكثر هذه المدن ازدهارا وهى عكا وصيداء وطرابلس ودمروا حصنى صيداء وبيروت وأعيد بناء طرابلس على مسيرة ميلين من الساحل وقد احتفظوا من الناحية الإدارية بالإقطاعات الأيوبية القديمة وقسموا الشام إلى ستة أقاليم كبرى سمى كل منها مملكة أو نيابة وهى: دمشق، وحلب، وحماه وطرابلس، وصفد والكرك (شرق الأردن). ولم يحقق تاريخ الشام السابق للنائب (نائب الملك) السلطان على زملائه الشآميين فحسب، بل جعل له أيضا مكانة خاصة. ثم إن هذا العامل الرفيع القدر لم يجد إلا مشقة يسيرة فى إقناع نفسه بأن له من الحقوق فى العرش مثل ما أولاه فى مصر. أرادت القاهرة أن تأمن شر أطماع النواب الشآميين فحرصت على تغييرهم باستمرار (صالح بن يحيى) ولم يبلغ عدم استقرار الحكم وطمع الحكام الذين كانوا لا يأمنون ما يأتى به الغد، ما بلغه فى هذا العهد قط. واستمرت لبنان تنعم بضرب من الحكم الذاتى، واستغل مسلمو النجاد الساخطون (الدروز والمتولية) ما وقع فيه المماليك من متاعب بسبب انشغالهم بأمر الفرنجة والمغول، فأعلنوا استقلالهم. ولم يجد المماليك بدًا من حشد جميع قوات الشام، ونشبت من ثم حرب طويلة مريرة (1293 - 1305 م) انتهت بالقضاء على الثوار قضاء مبرما وتخريب لبنان الأوسط. وكان خانات فارس المغول يتحرقون إلى الانتقام من الهزائم التى أنزلها بهم المماليك، وكان أعلى هؤلاء السلاطين همة هو غازان (1296 - 1304 م) وقد استوثق هذا السلطان سنة 1299 م

من معونة الأرمن والكرج وفرنجة قبرس وهزم المماليك بالقرب من حمص. على أن المصريين عادوا فغزوا الشام، وعبر غازان الفرات مرة أخرى لملاقاتهم فدارت الدائرة عليه سنة 1303 م فى مرج الصفار قرب دمشق. ولم تغنم شيئًا من مجئ البرجية الذين حلوا محل دولة المماليك البحرية 1382 م. ذلك أن المماليك البرجية كما يقول ابن إياس، احتفظوا بالسنن القديمة، أو بحكم أسلافهم الذى اتسم بالفوضى. ولم يجد السلطان فرج (1392 - 1405 م) بدًا من أن يشرع فى فتح الشام من جديد ما لا يقل عن سبع مرات. وقد اقترنت سنة 1404 م بغزوة تيمور، فقد غزت حشوده حلب ونهبتها، ثم ظهرت أمام دمشق ورضيت هذه المدينة بالتسليم فنهبها التتار نهبا منتظما، فقد حملوا معظم سكانها القادرين أسرى، وخاصة أرباب الفن والمهندسين المعماريين وصناع الصلب والزجاج، ومضوا بهم جميعا أو يكادون إلى سمرقند، ثم أشعلوا النار فى المدينة وفى مسجد الأمويين وغير ذلك من الأثار، ورجع تيمور بجيوشه وترك الشام فريسة للأوبئة والعصابات من قطاع الطرق. وكان سلطان العثمانيين فى الوقت نفسه آخذا فى التجمع بهضاب الأناضول، وزاد استيلاؤهم على القسطينية (1453 م) فى أطماعهم، وإنما حال الموت بين محمد الثانى وبين فتح الشام، ولم يكف خلفاؤه عن التأهب لذلك، ووقع قاتيباى (1468 - 1496 م) وبايزيد معاهدة سلام، تبين من بعد أنها لم لن إلا هدنة. وقد أدى تخريب هولاكو لبغداد وسقوط الخلافة العباسية إلى نقل قاعدة العالم الإسلامى إلى غربى الفرات، ووجد أصحاب التصانيف العربية فى أرض المماليك ملجأ محفوفا بالمكاره فى خير حالاته. ولم يكن من المنتظر أن يلقوا أى تشجيع من سلاطين جهلة اتسموا بالوحشية لا يعرف الكثير منهم حتى أن يوقعوا بأسمائهم. وعاش المثقفون فى الماضى، وأصبح نشاطهم يفتقر إلى الأصالة والابتكار، وكانت هذه الأيام العصر الذهبى للملخصين المصنفين وكتاب الرسائل المدرسية

وأصحاب الموسوعات. وقد عنى هؤلاء بجمع المعلومات وحفظها عن ظهر قلب. ويجب أن ننوه من بين أصحاب الموسوعات بالكاتب النابه شهاب الدين بن فضل اللَّه العمرى صاحب "مسالك الأبصار" وهو مصنف ضخم تاريخى جغرافى أدبى جعل لعمال ديوان المماليك. ونذكر من بعد أبا الفداء المؤرخ الجغرافى والجغرافى شمس الدين الدمشقى المتوفى سنة 1327 م، وهو أقل مكانة بشكل ملحوظ من سلفه المقدسى. وقد ولد الذهبى المتفنن فى علوم جمة بالعراق ولكنه عاش ومات فى دمشق (1353 م) وكان ابن عربشاه المتوفى سنة 1450 م وهو صاحب تاريخ تيمور وصنف الصفدى معجما كبيرا فى السير (1296 - 1383 م) وخلف لنا صالح بن يحيى (توفى سنة 1436 م) صاحب "تاريخ بيروت" بكتابه هذا خير تاريخ للبنان وذيلا قيما لحوليات الدول الفرنجية. وكان ابن تيمية وتلميذه ابن قيم الجوزية من أعظم الكتاب أصالة فى هذا العهد. . وقد شمل نشاطهم العقلى ميدان الدراسات الإسلامية جميعا. وكان من التوفيق العجيب الذى أصابه هذان المناظران اللذان لا تفتر لهما همة واللذان رزقا حسا مرهفا فى تبين البدع أن مجّدهما الوهابيون وأصحاب التجديد المسلمون فى يومنا هذا. وكان رحيل الصليبيين نهاية عهد من الازدهار الاقتصادى العجيب؛ فقد عادت التجارة الشآمية إلى ما كانت عليه من ركود. على أن الحاجة قضت باستئناف العلاقات مع أوروبة شيئًا فشيئًا. وكان اضمحلال عكا وصور وطرابلس التى خربها المماليك، وسقوط مملكة قيليقية (قاليقلا) الأرمنية (1347 م) التى شخص إليها التجار الغربيون أول الأمر، فى مصلحة بيروت، ذلك أن هذه المدينة غدت أكثر من قرن أهم ميناء فى الشام، فقد كان يزور بيروت كل عام بحكم قربها من دمشق ووقوعها قبالة قبرس -مملكة اللوزينيان وملتقى السوق الأوربية- سفن البنادقة والجنوبيين والقطلونيين والبروفنساليين والرودسيين، وكان لهذه الجاليات المختلفة من ثم قناصل يمثلونها ويعترف بهم المماليك رسميا

سورية فى عهد العثمانيين

ويتقاضون منحا أو (جامكية)، على أن حكومة القاهرة كانت تعدهم "رهائن" (خليل الظاهرى)، ويجعلونهم مسئولين عمن يدخلون فى ولايتهم وعما يرتكبه القراصنة من عدوان. وكان القناصل يحمون الحجاج ويتدخلون إذا لزم الأمر لصالح النصارى من الأهلين ومن ثم قام نظام الامتيازات الذى تطور فى القرون التالية. سورية فى عهد العثمانيين: بدأ حكم المماليك فى الانحلال بحلول القرن السادس عشر الميلادى؛ فقد ضاق أهل البلاد بجورهم وعسفهم، وصحت نية السلطان العثمانى سليم الأول على انتهاز هذه الفرصة لفتح سورية وسبق السلطان المملوكى قانصوه الغورى إلى العمل، فحشد جنوده وسار إلى الأناضول مارا بدمشق وحلب. والتقى الجيشان فى دابق على مسيرة يوم شمالى حلب، وفرقت مدفعية الترك ومشاة الإنكشارية صفوف المصريين وأشاعت فيها الفوضى والاضطراب. واختفى الغورى بعد النكبة التى منى بها فى دابق (24 أغسطس 1516 م) وفتحت حلب ودمشق وبلدان سورية أبوابها للغازى والذى مضى إلى مصر وقضى على حكم المماليك. واحتفظ الترك أول الأمر بالتقسيم الإدارى أى النيابات. وكان المملوك الغزالى نائب دمشق قد شخص إلى معسكر العثمانيين بعد موقعة دابق، وكوفئ هذا المرتد بحكم سورية فيما عدا نيابة حلب التى ادخرت لأحد الباشوات الترك. فلما توفى سليم الأول (1520 م) نادى الغزالى بنفسه سلطانًا وتلقب بالملك الأشرف ثم هزم الغزالى وقتل فى القابون عند أبواب دمشق (يناير 1521 م) وأصبحت سورية قبل نهاية القرن السادس عشر الميلادى مقسمة إلى ثلاث باشويات كبرى: 1 - دمشق، وتشمل عشرة سناجق أهمها بيت المقدس وغزة، ونابلس، وصيداء وبيروت. 2 - طرابلس، وتشمل سناجق حمص، وحماه، وسلمية، وجبلة. 3 - حلب وتشمل شمالى سورية بأسره فيما عدا عينتاب التى أدخلت فى باشوية مرعش؛ وأنشئت فى القرن

التالى باشوية صيداء لتشمل لبنان، وقد بقى هذا التقسيم الإدارى بمعالمه البارزة حتى منتصف القرن الثامن عشر حين نقلت قاعدة الحكم من صيداء إلى عكا. ولم يكن ديوان إستانبول يعنى بالشام إلا بمقدار ما تتيح له أن يحرس مصر والشام ويجبى من خراجها ما يسد نفقات القصر السلطانى والحروب الخارجية وكانت الضرائب التى تطلق فى المزاد يوكل أمرها إلى من يرتبط بجباية أكبر قدر منها. وقد جاء فى تقرير أحد قناصل البندقية أن الباشوية كانت تدر ما بين 80.000 و 100.000 بندقى (والراجح أنه كان بندقيا فضيا، وهو الكروسو عند البنادقة، ومن ثم القرش وجمعها قروش، ويساوى القرش خمسة فرنكات). وكان الباشوات يحكمون المدن الهامة وأرباضها حكما مباشرًا. أما داخل البلاد فقد ترك للإقطاعيين القدماء الذين ازداد عددهم وسلطانهم منذ عهد المماليك وهم أمراء البدو والتركمان والمتولية، والدروز والنصيرية ولم يكن الباب العالى يقتضيهم إلا الجزية أو الميرى غير حافل إذا رآهم يناضلون ممثليه. وكان الباشا التركى يخرج كل عام على رأس مدفعيته وإنكشارييه ليجبى الضرائب. وكانت هذه القوة تعيش على حساب البلاد وتخربها إذا هى قاومت فهل لنا أن نعجب بعد إذا وجدنا الزراعة وهى أهم موارد سورية تضمحل، والسكان يتناقصون. والنواحى الريفية تستصفى من أجل لبنان والأقاليم الجبلية التى كان يفزع إليها السكان المراهقون؟ وكان حرج موقف العمال الترك وعدم استقرارهم يزيدهم جشعا على جشع. وقد توالى على دمشق 133 باشا فى 180 عاما. وشهد هذا العهد قومة فخر الدين بطل الاستقلال السورى (1583 - 1635 م). الأمراء المتولية، وبنى حرفوش أصحاب بعلبك والبقاع وبنى منصور ابن فريح شيوخ البدو الذين شقوا لأنفسهم إقطاعا فى فلسطين وفى إقليم نابلس. وكان هؤلاء الأمراء الاقطاعيون منظمين تنظيما لا بأس به على الرغم من جشعهم، وكانوا قادرين على الدفاع عن مغانمهم ضد الترك الغاشمين. وقد تبين أن استعمار

البرتغاليين للهند وجعلهم طريق التجارة مع الشرق الأوسط يلتف حول رأس الرجاء الصالح كان خطرًا داهما أصاب سورية. واجتذبت طرابلس ثم صيداء -بفضل سبق فخر الدين إلى العمل- السفن الأوربية فكانت تشخص إليهما للتزود بالحرير والقطن. أما حلب المستودع الأكبر على الطريق المباشر المؤدى إلى الخليج الفارسى فقد ظلت ثلاثة قرون أهم مركز تجارى فى شمالى سورية بفضل موقعها بين أرض الجزيرة والبحر وولايات الأناضول التى كانت حلب سوقها. وفى النصف الثانى من القرن الثامن عشر حدث أن لفتت فعال ثلاثة رجال الأنظار إلى مدينة عكا وإقليمها فجأة. وكان هؤلاء هم ضاهر (وفى النطق السورى ظاهر) العمر، والجزار، وبونابرت. فقد بسط ضاهر، وكان شيخا من شيوخ البدو وصاحب صفد، سلطانه على الجليل واستقر فى عكا وحصنها وأقامها من بين أنقاضها. وقاوم ضاهر الباب العالى (1750 - 1775 م) بفضل معونة المملوكين المصريين على بك وأبى الذهب وأسطول صغير من السفن الروسية كان يجوب المياه السورية. وحاصره الترك فى عكا وأدركته منيته فيها سنة 1775 م. وصمد خليفته الجزار لعبقرية بونابارت الشاب الحربية ثلاثة أشهر (مارس - مايو 1799) وظل الجزار، باشا دمشق وعكا، متحكما فى مصير سورية قرابة أربعين عاما (1775 - 1804) بالرغم من مظالمه وقسوته. وقد نقص لعمكان الشام وفلسطين الذين كان عددهم أيام الفتح العربى أربعة ملايين نسمة فبلغ عددهم مليونا ونصف مليون بعد ثلاثة قرون من الحكم التركى. واضمحلت زراعة القطن الذى كان هو والحرير أهم موردين من موارد الثروة فى سورية اضمحلالا تاما، حين قرر محمد على والى مصر إن يجتذب اليها الزراع السوريين الذين كانت قد وهنت عزيمتهم. وكانت هذه الحالة من الفوضى هى التى مكنت الأمير بشير اللبنانى من التدخل فى شئون سورية السياسية بل إن أكابر

العمال الترك كانوا يسعون إلى تدخله فى أمورها، فقد توسل إليه يوسف، باشا دمشق (1807 - 1810) أن يمده بالعون ليدفع الوهابيين الذين كانوا يهددونه بالغزو. وقد ترأس بشير فى دمشق حفل تنصيب سليمان باشا عكا وخليفة يوسف باشا المعين من قبل الباب العالى، على أن محمدا عليا والى مصر كان فى غمرة هذه الفوضى العامة يتحين الفرص لضم سورية إلى ولاية مصر. وتولى عبد اللَّه باشا الذى خلف سليمان على عكا (1818 م) تسليمها إليه ورفض عبد اللَّه باشا أن يسمح بترحيل الفلاحين المصريين إلى سورية ورد مبلغ مليون قرش. وأبى نصارى لبنان الدفع حين دعاهم باشا عكا الذى كانت لبنان تقع فى ولايته، إلى المساهمة فى أداء هذا المبلغ. وكانت هبَّة النصارى سمة جديدة فى شؤون سورية السياسية، على أنها لم تكن بعد هى السمة الوحيدة. فقد كان النصارى بسبيلهم إلى التنور بفضل اتصالهم بالأوربيين وبدأوا يحسون بقوتهم. وتذرع محمد على بما كان من رفض عبد اللَّه باشا، فأنفذ ابنه إبراهيم باشا إلى سورية على رأس جيش مدرب على الأساليب الأوربية. وسلمت عكا فى 27 مايو سنة 1832 بعد حصار دام سبعة أشهر. وفى 8 يولية هزم إبراهيم الترك هزيمة منكرة فى حمص. وبعد ذلك بقليل اقتحم ممر بيلان ودخل الأناضول. وعقدت معاهدة (مايو 1833) ضمنت لمصر ملك سورية إلى حين. وتبين أن الحكم الجديد كان يتسم بالسماحة، فقد سمح للنصارى بدخول المجالس البلدية، وجنح إلى إلغاء الإجراءات التى كان فيها إذلال لغير المسلمين وحاول إصلاح الشرطة والمحاكم. على أنه أثار سخط الأهلين باستحداث السخرة والتجنيد الإجبارى حتى فى أقاليم لبنان شبه المستقلة فنشبت الفتن بين دروز لبنان وحوران وكذلك بين النصيرية، وفى ولاية نابلس التى لم تخضع من قبل قط إخضاعا تاما. وأنهك إبراهيم قواه فى

إخماد هذه الفتن. ورأى الترك أن الوقت قد حان لإعادة فتح سورية. ونزلت بهم هزيمة ساحقة عند نصيبين (27 يونية 1839) شمالى حلب. وهنالك تدخلت الدبلوماسية الأوربية بتحريض انجلترا التى كانت قد أزعجتها أطماع محمد على. ولم تكن انجلترا تهتم بمصر أى اهتمام حتى حملة بونابرت ثم انشغلت بعدها انشغالا لا يفتر بمصر والبحر الأحمر وأثار وكلاؤها الخواطر فى لبنان بأسره. وقذف أسطول من الحلفاء بيروت بالقنابل (سبتمبر 1840) وفى 2 نوفمبر سلمت عكا، واضطر إبراهيم إلى الاتفاق على الجلاء عن سورية. وكان الأمير بشير قد مضى إلى منفاه قبيل ذلك. واستن الباب العالى منذ عهد محمود الثانى سياسة تقوم على المركزية فى الإدارة وأصدر مرسوما بإلغاء الإمارات المحلية المستقلة استقلالا ذاتيا وإبطال الإقطاعيات ولما رحل المصريون عن سورية نقل الباب العالى إلى بيروت التى كانت أهميتها فى ازدياد مطرد، المراكز الإدارية لباشويتى عكا وصيداء القديمتين، تمهيدا لضم لبنان. وتحقيقا لهذا الغرض نفسه أعلنت إقالة دولة أمراء لبنان القديمة ونعنى بهم الأمراء الشهابية. وإنما نتج عن هذا إشاعة الفوضى الناشبة هناك، فقد كان النصارى الذين ناضلوا المصريين يطالبون بأن يعاملوا على قدم المساواة مع الدروز، وكان عدد منهم قد استحوذوا فى جنوبى لبنان على الأراضى المصادرة لمشايخ الدروز الذين كان إبراهيم باشا قد نفاهم، ثم عاد هؤلاء من منفاهم فطالبوا بأن يعودوا إلى ما كانوا عليه وأن ترد إليهم امتيازاتهم القديمة، وانحازت تركية إليهم، فمهدت بذلك السبيل إلى نشوب المعارك الجديدة والقتال الدموى، وأظهر مسلمو سورية عداوة لا تقل عن ذلك عنفا حيال النصارى الذين كان الحكم المصرى قد أطلق لهم بعض حرياتهم، ولم يحفلوا بالتقدم العقلى والمادى الذى أصابه النصارى، ولا بالمساواة فى الحقوق السياسية التى وعد بها "الخط السلطانى". وكان الخط الهمايونى الذى أصدره السلطان

عبد المجيد والذى بعث به إلى مؤتمر باريس (1856) ووضع ضمنا هذه الحقوق فى كفالة الحلفاء قد أخزى الرأى العام الإسلامى، ولكنه أوحى بالثقة إلى صفوف النصارى، فاغتنموا الفرصة فى دمشق وغيرها من المدن الكبرى للثراء. وبدأت الثورة تضطرم فى قلوب الدروز والمسلمين وتنتظر حوادث سنة 1860 حتى تنفجر. وضم دروز لبنان صفوفهم إلى صفوف أهل ملتهم فى وادى التيم وحوران فأعملوا النار والدمار فى قرى الموارنة الذين كانوا فى هرج ومرج إثر نزاع نشب حول زراعة الأرض، وبلغت هذه الحركة المناهضة للمسيحيين دمشق التى كان المسلمون قد نهبوها ثم أشعلوا النار فى حى النصارى الزاهر بعد تذبيح سكانه، وتدخلت السلطات التركية فى دمشق، وفى لبنان، وفى بيروت لنزع السلاح من المسيحيين فحسب، وراحت ترقب المذبحة دون أن تحرك ساكنا، إما لعجزها وإما لتأجيج نارها. وعملت فرنسا بحق الانتداب التى خولته لها أوروبا، فأنزلت فى بيروت (سبتمبر سنة 1860) جيشا "لمساعدة السلطان على إعادة الأمن إلى نصابه" وسبق الباب العالى إلى العمل فأنفذ فؤاد باشا إلى سورية وجعل له حرية التصرف بما يراه؛ وبدأ باتخاذ إجراءات سريعة وأصدر أحكاما بالنفى على أشد الزعماء الترك والدروز إيغالا فى الفتنة، فوضع أوروبا أمام الأمر الواقع، وشل دهاء الترك وتوجس الانجليز تدخل الفرنسيين، ومع ذلك فقد أعاد هذا التدخل الثقة إلى قلوب المسيحيين وحفظ وطنهم لأصحابه أهل لبنان، ومنح لبنان نظاما من الحكم الذاتى فى رعاية أوروبا المباشرة فغنم بذلك قرنا من الزمان نعم فيه بالأمن والرخاء. وكانت سورية بعد سنة 1864 مقسمة إلى ولايتين: ولاية حلب، وولاية دمشق، وفى سنة 1888 جعلت بيروت أهم ثغور سورية ومركز الحياة التجارية ولاية قائمة بذاتها. وركدت الحال فى سورية بعد الهزات التى

انتابتها سنة 1860 فوقفت موقف المتفرج الذى لا يبالى بسقوط السلطانين عبد العزيز ومراد ومجئ السلطان عبد الحميد ومنح الدستور سنة 1876 (وسرعان ما سحب)، ورأينا اليهود بين سنتى 1881 و 1883 يقيمون أول مستعمرات زراعية لهم فى فلسطين، فمهد ذلك الطريق إلى الصهيونية. ونالت الصهيونية الاعتراف الرسمى بفضل وعد بلفور (نوفمبر 1917 م) ودخل ذلك فى نص الانتداب البريطانى على فلسطين 1922). وفى عهد عبد الحميد بدأت الهجرة تتسع اتساعا يقلق الخواطر. ورأى السوريون أن فسحة العيش قد ضاقت بهم فى وطنهم وباتوا تستغلهم سلطة جشعة لا عهد لها ولا ذمة، فأخذوا ينزحون عن بلادهم. وكان من الأمور التى شكا منها السوريون بحق إهمال الحكومة التركية للمرافق العامة. وأقبلت فرنسا برأس مالها لتفريج كربة سورية، وكانت آنئذ قد تركت لشأنها بعد أن أصيبت بضربة اقتصادية أخرى من جراء شق قناة السويس، ذلك أننا باستثناء الجزء السورى من سكة حديد بغداد وسكة حديد دمشق المدينة اللتين هما من صنع عبد الحميد، نجد أن خطوط السكك الحديد السورية قد أقام معظمها فرنسا. وزادت هذه المشروعات فى ثروة سورية وإنتاجها، فقد ربطتها بسلسلة واسعة من أسباب الاتصال، أجل ربطتها بطوروس والأناضول، والآستانة فى الشمال، وبلاد الغرب ومصر فى الجنوب. وعنى الترك بتشجيع التقدم العقلى فى سورية عناية أقل من عناية المماليك أنفسهم؛ فقد أبدى عبد الحميد صراحة عداوته للأدب العربى وأنشأ نظاما صبغ سورية بالصبغة التركية، وعلى الرغم من جميع هذه العقبات، نجح نصارى حلب خلال القرن السابع عشر فى معاودة الاتصال بالدراسات العربية التى ظلت قرونا مغلقة فى وجوههم أو تكاد. ونحن ندين لهم بفضل إنشاء أول مطبعة فى لبنان (1610) وفى حلب.

سورية اليوم

وإليهم أيضا يعود الفضل فى بدء النهضة الأدبية فى القرن التاسع عشر حين أصبحت سورية قصبة الدراسات العربية. وأمدتها البعثات الدينية الأجنبية، فرنسية وأمريكية وما إليها، بحافز فانتشرت فى جميع أنحاء سورية المدارس والمطابع التى أخذت تطبع الصحف والمجلات والكتب العمدة، وتزعمت بيروت الحياة العقلية فى سورية، ولم يكن الفضل فى ذلك راجعا إلى نشاطها هى الخاص بقدر ما كان راجعا إلى تأثرها بالحافز الأوروبى. وكانت جمعية اليسوعيين بعد أفعل أثرا من البعثة الدينية الأمريكية، فقد كانت لها مطبعة فائقة فى تنظيمها، شاركت فى إحياء الأدب العربى مشاركة لا تقل عن نشر الثقافة الأوروبية. وهكذا أنجبت بيروت وسورية عددا كبيرا من شباب الأدباء. وسرعان ما أصبح وطنهم أضيق من أن يسعهم (Gesch d. Arab. Lit.: Brockelmann جـ 2، ص 492) فهاجر بعضهم إلى مصر، ونذكر منهم اليازجيين نصيف وابنه إبراهيم المتوفى سنة 1906، وبطرس البستانى المتوفى سنة 1883. لم تسهم تركية بأى نصيب فى حركة نشر التعليم بسورية. ففى هذا الميدان أيضا، كان الأجانب، وخاصة الفرنسيين والأمريكيين، هم السبب فى إهمال الحكومة التركية لهذا الأمر. فقد نهض هؤلاء الأجانب بالتعليم فى مراحله الثلاث. وفى سنة 1878 أسس اليسوعيون جامعة القديس يوسف فى بيروت. وحولت أخيرا (1923 م) الكلية السورية البروتستانتية الأمريكية، وهى أقدم من هذه، إلى جامعة. سورية اليوم: قامت ثورة دبرها فى الخفاء حزب تركية الفتاة فأطاحت بعبد الحميد وأقامت على العرش أخاه رشاد (أبريل 1907). وأعيد دستور سنة 1876. وافتتح من جديد البرلمان الذى كان قد أغلقه السلطان عبد الحميد. وحيَّت سورية الثورة بحماسة على اعتبار أنها فجر عهد جديد، ولم يدم هذا الوهم طويلا. ذلك أن رجال تركية الفتاة الذين وثق السوريون فيهم لم

يلبثوا ان أستانفوا مرة أخرى المشروع الذى بدأه عبد الحميد، ألا وهو صبغ سورية بالصبغة التركية، وشنوا حربا أكثر تنظيما وأشد دأبا على كل عربى جنسا أو لغة، وأصروا فى كل مكان، فى البرلمان وفى دواوين الحكومة، على استخدام الترك فحسب، وأقصوا السوريين عن المناصب الكبرى والقيادات العسكرية الهامة. وأدت هذه السياسة المثيرة للخواطر إلى توحيد المسلمين والنصارى فى سورية للمرة الأولى، وأيقظت بين الأهلين جميعا الرغبة فى التفاهم على سياسة عامة والقيام بعمل مشترك، وانحصرت مطالبهم فى المناداة بإصلاحات تتسم باللامركزية، فقد طالبوا بأن يؤخذ بعين الاعتبار فى توزيع المناصب العامة التقدم الذى بلغته سورية أكثر ولايات الإمبراطورية التركية تحضرا، وأن يراعى فى فرض الضرائب وإنفاقها حاجات أهلها، ورأوا أن الوقت قد حان لمنح سورية ضربا من الاستقلال الذاتى فى إدارة شئونها. وكان إصرار رجال حزب مصر الفتاة على رفض هذه المطالب المعتدلة هو الذى مهد السبيل إلى الآراء الانفصالية، وأقنع الوطنيين السوريين فى النهاية بألا مخرج لهم إلا بالاعتماد على جهودهم هم أنفسهم وعلى عطف أوربا. وفى 29 أكتوبر سنة 1914 دخلت تركية الحرب العظمى الأولى، وبدأت بوأد الاستقلال الذاتى الذى كانت تنعم به لبنان فى إدارة شؤونها، وفرض وال تركى عليها. وقبض جمال باشا بيده على زمام الحكم فى سورية جميعا وخول حق التصرف بما يراه. وبادر من فوره بشنق زعماء الوطنيين السوريين سواء كانوا مسلمين أو نصارى وبعث مئات آخرين إلى المنفى. ولم يلبث القحط والمرض أن حصدا الأهلين، وخاصة سكان لبنان. وشرع جمال باشا، ذلك الوالى العالى الهمة المدعى الذى راح يحلم بفتح مصر بالهجوم على قناة السويس (فبراير 1915) هجوما منى بخيبة مرة. وبعد أن رد الانجليز هجومه الثانى (أغسطس

1916) تقدموا بقيادة اللنبى حتى بلغوا غزة وما إن حل شهر نوفمبر 1917 حتى تحكموا فى الجزء الجنوبى من فلسطين، وفى 11 ديسمبر دخلوا بيت المقدس التى كان الترك قد جلوا عنها. وتحصن الترك تسعة أشهر أخرى فى خط يمتد من شمالى يافا حتى الأردن. ووقعت المعركة الفاصلة فى 9 سبتمبر 1918 فى سهل صارونه بالقرب من طولكرم. واخترقت قوات اللنبى الجبهة التركية، وأنزلوا بذلك هزيمة منكرة بالترك. وبلغ الأنجليز فى نهاية هذا الشهر أرباض دمشق دون أن يلقوا أية مقاومة. وتأخر تقدمهم أياما ليفسحوا للأمير فيصل بن شريف مكة الأعظم الوقت للمبادرة بالقدوم من أقصى طرف شرقى الأردن ودخول دمشق فى أول أكتوبر على رأس فصيلة من البدو. وفى 31 أكتوبر وقع الترك هدنة، وبعد ذلك بأسبوع كان آخر جنودهم قد جاوز جبال طوروس. واحتل الانجليز البلاد بقوة عسكرية، أما الجنود الفرنسيون الذين أبلوا أحسن البلاء فى الانتصارات التى أحرزت فى فلسطين فقد استقروا فى الجانب السورى من البلاد. وكان الحلفاء، أثناء الحرب، قد أرادوا أن يضمنوا عون الحسين بن على، شريف مكة الأعظم، فوعدوا بتأييد إقامة حلف من الولايات العربية "مع الاحتفاظ بالحقوق التى اكتسبتها فرنسا" واستغل الأمير فيصل هذه العبارات الغامضة وطالب بحكم سورية جميعًا. وأقام صورة من صور الحكم فى دمشق، وأصبحت هذه المذينة مباءة للدسائس تخرج منها حشود من قطاع الطرق والسفاكين يعيثون فسادًا فى سورية. وفى 7 مارس سنة 1920 نادى "مؤتمر سورى" مزعوم فى دمشق بـ "فيصل الأول ملكا على سورية". وطلب الجنرال غورو، الذى كان قد عين مندوبًا ساميًا للجمهورية السورية من فيصل أن يبرز ما يثبت حقه فى الملك. ولم يتلق الفرنسيون جوابا على هذا الإنذار النهائى فشتتوا

بعد ساعات قليلة من القتال فى خان ميسلون بجبال لبنان الشرقية شمل العصابات التى اعترضت تقدمهم (24 يولية سنة 1920) وفى 10 أغسطس من السنة نفسها فصلت معاهدة سيفر سورية عن تركية لتكون "بصفة مؤقتة دولة مستقلة بشرط أن تهيمن على إدارة شؤونها مجالس انتداب حتى يحين الوقت الذى تصبح فيه قادرة على حكم نفسها بنفسها". وقبل ذلك قرر مؤتمر سان ريمو أن يوكل الانتداب إلى الحكومة الفرنسية. وفى أول سبتمبر سنة 1920 أعلن غورو فى بيروت رسميا دستور "لبنان الكبير". وبعد ذلك تألف "اتحاد الدول السورية" من الدول الثلاث المستقلة استقلالا ذاتيًا، وهى دمشق، وحلب، وأرض العلويين، وهو الاسم الذى اتخذ رسميا للدلالة على النصيرية. وكان المركز الإدارى لهذه الدولة الأخيرة هو اللاذقية. وأقيمت دولة رابعة لدروز حوران. وسمح لهم، كما سمح لأهل لبنان، بأن يظلوا خارج الاتحاد السورى، وكان على رأس هذا الاتحاد رئيس سورى. وتولى حكم هذه الدول حكام وطنيون يعاونهم مستشارون فرنسيون، ووكل إلى مجالس نيابية مناقشة الشؤون ذات الصبغة العامة وإقرار الميزانية. وتتاخم سورية فى ظل الانتداب الفرنسى الأناضول التركية، وعين حدها الشمالى بخط يمتد من الإسكندرونة ويعبر الفرات حتى جنوبى جرابلس وينتهى عند جزيرة ابن عمر على نهر دجلة. ويحد سورية من الغرب العراق، ومن الجنوب شرقى الأردن وفلسطين. ويسير هذا الجزء من الحدود سيرًا متعرجًا من رأس الناقورة بين صور وعكا، ويلتف من الشرق ببحيرة طبرية، ويجتاز وادى اليرموك، ويغادر بلدة درعا (حوران) فى الشمال ثم يعبر الصحراء حتى يبلغ ناحية جزيرة ابن عمر مارًا بـ "أبو كمال" على نهر الفرات. ونذكر فيما يلى بيانًا بالنتائج الإجمالية التى أسفر عنها تعداد 1921

المصادر

- 1922 مقربًا بالأعداد الصحيحة، ولم يدخل فيه بدو ناحية حلب ودمشق. وكان عدد سكان ولاية حلب التى تشمل سنجق الإسكندرونة المستقل: 600.00 نسمة مقسمين كما يأتى: 502.000 من أهل السنة و 30.000 من العلويين و 52.000 من النصارى وذوى المذاهب المختلفة. و 7.000 من اليهود و 3000 من الأجانب. أما ولاية دمشق فعدد سكانها وقتئذ 595.000 نسمة منهم 447.000 من أهل السنة و 8000 من الإسماعيلية و 5000 من العلويين و 4000 من الدروز 9000 من المتولية و 67000 من النصارى ذوى المذاهب المختلفة و 6000 من اليهود و 49000 من الأجانب. وكان فى ولاية العلويين 60.000 من أهل السنة و 153.000 من العلويين و 3000 من الإسماعيلية و 42000 من النصارى ذوى المذاهب المختلفة، ويبلغ مجموعهم 261000 نسمة. أما ولاية حوران فاشتهرت بتجانس سكانها، فقد كان فيها 43000 من الدروز فى مقابل 700 من أهل السنة، وحوالى 7000 من النصارى الروم الكاثوليك أو الأرثوذكس. المصادر: وقد ذكرت بالتفصيل فى La syrie, precis historique: Lammens, فى مجلدين، بيروت 1921. عهد الفتوح والأمويين: (1) الطبرى، طبعة ده دغوى. (2) البلاذرى: فتوح البلدان، طبعة ده غوى. (3) Memoire sur La Conquete de la Syrie: de Goeje، ليدن 1900. (4) Das arabische Reich and sein Sturz: Wellhausen، برلين 1902. (5) Annali Dell'Islam: L.Caetani جـ 3 - 8. (6) Culturgeschichte des Orients: von Kremer، فى مجلدين، فينا 1875. (7) كتاب الأغانى بولاق.

العهد العباسى والفاطمى

(8) Etudes sur le regene du calife omaiyade Mo'twia ler M.F.O.B 1907: H. Lammens . (9) المؤلف نفسه Le Caliat de Yazid ler فى M.F.O.B 1921. (10) المؤلف نفسه: Mo'awia ll ou le dernier des Sofianides (فى R.S.O، جـ 2). (11) المؤلف نفسه Le chantre des Omiades; notes biographiques et litteraires sur le pone arabe Chretien Akhtal (فى J.A. 1895). (12) سفروس بن المقفع: Chronique des patriarches d'Alexandrie، طبعة تسيبولد. العهد العباسى والفاطمى: (1) Culturgeschichte: von Kremer والكتاب العرب المذكورون آنفا. (2) اليعقوبى: التاريخ طبعة هوتسما، جـ 2. (3) القلانسى: تاريخ دمشق، طبعة أمدروز 1908. (4) ابن عساكر: تاريخ دمشق (فى خمسة مجلدات طبعة عبد القادر بدران، دمشق 1329 - 1332 هـ وهى طبعة عادية مختصرة). (5) ابن البطريق: التاريخ، طبعة لويس شيخو، جـ 2، بيروت 1906. (6) المقدسى: أحسن التقاسيم، المكتبة الجغرافية العربية، جـ 3. (7) Palestine under the Moslems: G.Le Strange، كمبردج 1890. (8) Geschichte der Chalifen: Weil. (9) L'Eglise et l'Orient au Moyen-age 1907: L.Brbhier (10) المؤلف نفسه: Le schicme oriental du XIe siecle 1899. الحروب الصليبية: (1) Gesta Dei per Francos: Bongars فى مجلدين، هناو 1611.

(2) Historiens des Croisades . (3) Geschichte der Kreuzzuge: Roehricht إنزبروك 1898. (4) The Cambridge Medieval History، كمبردج، جـ 4، 1923، جـ 5، 1926. (5) القلانسى: كتابه المذكور. (6) أسامة بن منقذ: كتاب الاعتبار، طبعة درنبورغ، باريس 1884. (7) Ousama ibn Monqidh un emir syrien au ler siecle des Croisades: Derenbourg، باريس 1889. (8) ابن جبير: الرحلة، طبعة ده غوى. (9) صالح بن يحيى: تاريخ بيروت، طبعة شيخو، بيروت 1902. (10) ابن العبرى: تاريخ مختصر الدول طبعة صالحانى، بيروت 1890. (11) Chronique: Michel le Syrien فى ثلاثة مجلدات، طبعة وترجمة شابو، باريس 1900. (12) Les eglises de,Terre Sainte: de Vogute، باريس 1860. (13) Etude sur les monuments de L'architecture militaire des Croises en Syrie et en Chypre: Rey، باريس 1871. (14) المؤلف نفسه Les colonies franques des Syrie aux XIIe et XIIIe siecles، باريس 1883. (15) Campagnes duroi Amaury ler en Egypte: Schlumberger، باريس 1906. (16) المؤلف نفسه Renaud de Chatillon, prince d'Antioche, Seignenr de la Terre d'Outre-Jourdain، باريس 1898. (17) Handelsgeschicte der romanischen Volker des Mit: Schaube

عهد المماليك

telmeergebietes bis zum Ende der Kreuzzzuge، ميونخ برلين 1606. (18) L'Eglise et l'Orient au Moyen-age: L. Brehier (19) Jean II Comnene et Manuel Gomnene: Chalandon، باريس 1912. (20) ابن الشحنة: وقد ذكر فيما بعد. عهد المماليك: (1) انظر المؤلفات المذكورة آنفا لصالح بن يحيى، و Brehier و Schaube. (2) Geschichte des Abbasidenchalifats in Egypten: Weil، فى مجلدين، مانهايم 1862. (3) Le Syrie al'epoque des Mamlouks: Gaudefroy Demombyens، باريس 1923. (4) ابن الشحنة: الدر المنتخب فى تاريخ مملكة حلب، طبعة سركيس، بيروت 1909. (5) ابن بطوطة، طبعة Defremery et Sanguinetti, جـ 1. (6) ابن إياس: تاريخ مصر، القاهرة 1893. (7) المقريزى: السلوك فى دول الملوك Histoire des Sultans mamlouks d'Egypte (ترجمة كاترمير). (8) المؤلف نفسه: تاريخ مصر Histoire d'Egypte (ترجمة بلوشيه فى R.O.L جـ 6). (9) Descriptiones Terrae exsaeculis Vlll-XV: Tobler، ليبسك 1874. (10) Deutsche Pilgerreisen nach dem Lande: Roehricht، برلين 1880. (11) Relations officielles entre la Cour romaine et les sultans mamlouks d'Egypte: H Lammens فى Rev.de l'Or ient chretien 1903. (12) المؤلف نفسه: Correspondances diplomatiques entre les sultans mamlouks d'Egypte et les Puissances Chretiennes، فى المجلة نفسها 1904. (13) Introduction a l'histoire de l'Asie, Turcs et Mongols: L.Cahun، باريس 1816.

العهد العثمانى والحديث

العهد العثمانى والحديث: (1) ابن إياس، المصدر المذكور. (2) المحبى: خلاصة الأثر فى أعيان القرن الحادى عشر، بولاق 1284 هـ (3) حيدر شهاب: التاريخ، القاهرة 1900 م. (4) Geschite des Osmanischen Reiches: Joega، كوتا 1908 - 1913. (5) Memoires: d'Arvieux، فى ستة مجلدات، باريس 1735. (6) Fachr ed-din,der Druzenfurst: Wustenfeld، كوتنكن 1886. (7) L'Odyssee d'un ambassadeur: Vandal. (8) Voyages du marquis de Nointel، باريس 1901. (9) ديبلوماسى قديم: Le regime descapitulations، باريس 1898. (10) Histoire du Commerce: Masson frncais dans le Levant باريس 1896. (11) Relazioni dei consoli Berchet طبعة veneti nella Siria البندقية 1866. (12) Recueil des traites de la Porte ottomane avec les Puissances etrangeres: Testa فى ستة مجلدات، باريس 1864. (13) Documents inedits pour servir a l'histoire du christianisme en Orient: Rabbath-Toumebize، فى مجلدين، باريس ليبسك - لندن 1905. (14) La question d'Orient: Driault، باريس 1921. (15) الجبرتى: التاريخ، القاهرة 1880. (16) Vom. Mittelmeer zum Persischen Golf: Von Oppenheim، برلين 1869. (17) Les Puissances etrangeres dans le Levant,en Syrie, et en Palestine: Verney et Dambmann، باريس 1900. أما عن المصادر من القرن السابع عشر خاصة فانظر: (18) Elements d'une bibliographie francaise de la Syrie: P. Masson فى Congres francais de La Syrie باريس 1919. خورشيد [لامنس H.Lammens].

تعليق

تعليق مما يلفت النظر حقا فى كتابات العلماء الفرنسيين والمتفرنسين ومن فى حكمهم عن الشام أنهم جميعا ينزعون إلى اعتبارها امتدادا طبيعيا لانتشار الشعوب والدول الأوروبية، وبالجملة لكل ما يدخل الشام عن طريق البحر، فمن الطبيعى أن تكون جزءًا من دولة الإسكندر، ومن الطبيعى أن يقوم فيها ملك السلوقيين، ومن الطبيعى أن تتصل أقطار منها بمصر فى أيام البطالمة، ولكن ليس من الطبيعى أن يكون ذلك أيام الطولونيين أو الإخشيديين، ومن الطبيعى جدًا أن تكون الشام ولاية أو ولايات رومانية تتبع رومة أو تتبع القسطنطينية، ومن الطبيعى أن يكون أصل الشام وثنيين أو نصارى. ولكن ليس من الطبيعى أن يكونوا شعبا من شعوب الأمة العربية أو أن يكون منهم مسلمون -ترى هذه النزعة فى عالم من خيار علمائهم- سوفاجية، تقرأ كتابه الممتع عن حلب فى أطوار تاريخها -فهى فى العصر الهلينستى على أتم ما ينبغى لها من التوازن بينها وبين بيئتها- بينما لا يتحقق لها ذلك فى أطوار تاريخها العربى -وألفت النظر لقولى "ما ينبغى لها" فهو يرجع إلى تصور سوفاجية لحالة طبيعية لمدينة حلب- تتحقق فى الاتصال باليونان ولا تتحقق بالاتصال بالعرب. وترى هذه النزعة على أسوأ ما تكون فى كتابات الأب لامنس -ويعجب بعض قرائه باختصاصه بنى أمية بالتقدير دون الدول العربية والإسلامية الأخرى، ومنهم من ينخدع بذلك فيتوهم الأب لامنس رجلا يتحرى الإنصاف والنزاهة، ويقول إن الرجل قادر على أن يرى حسنات الحاكم العربى وأن يعترف بأن الشام فى طور من أطوار تاريخها العربى نال أهلها من حسن الحال قدرًا يستحق التسجيل. والواقع أن إنصاف بنى أمية حق -ولكنه حق يرجع إلى باطل ويهدف إلى باطل- يرجع إلى مجرد الرغبة فى معارضة جمهرة المؤرخين الإسلاميين فى تنديدهم ببنى أمية، ويرجع إلى محاولة إثبات أن افضل الأمويين على الشام سببه ما زعمه من أن سياستهم قليلة التأثر بالاعتبارات الدينية، وأنها ما هى إلا امتداد لسياسة تجار قريش

قبل الإسلام، ويهدف إلى باطل هو إفساد هذا التاريخ العربى. ولا نحاول فى هذا التعليق الرد على ما ورد عن الشام فى العددين الثانى والثالث من المجلد الثالث عشر فقرة فقرة -فلا يتسع المجال لهذا، ولكنى أطلب إلى القارئ أن يتنبه إلى ما يأتى: أولا- أطلب إليه أن يتنبه للموقف العام من جانب الفرنسيين والمتفرنسين ومن فى حكمهم بالنسبة للشام. ثانيا- أطلب إليه أن يلحظ أن مناقشة الأب لامنس فى أقواله تفصيلا يتعذر -فهو لا يرجع فيها لمرجع يستند إليه- ولكنه يكتفى بجمع مراجعه فى آخر المقال. ثالثا- سلم فى أول مقاله (فى العدد الثانى) بما كان من استيطان العرب فى الشام وما كانت لهم فيه من دول وإمارات -وإن وصف هذا "بتسلل البدو"- يجب أن نتأكد من تسليمه هذا لأنه فى تتمة مقاله فى العدد الثالث سيذهب إلى أن ليس فى الشام نصرانى من أصل عربى- (وسأعرض لهذا فيما بعد) رابعا- وأما ما ذكره عن الفتح الإسلامى فهو هراء -ولا أحيل فى إظهار فساد عرضه لمؤلفين من العرب وإنما أحيل على ما كتبه الأستاذ Gibb فى كتابه Mohammedanism فى بيان أن الفتوح تمت على يد جيوش نظامية يقودها رجال محنكون فى الحرب والإدارة والسياسة- رجال متحضرون، وأن ما صحب العمليات الحربية من التخريب قليل غير مقصود بل هو مما لايمكن تجنبه فى أى قتال -وأخيرا ترك الأرض فى يد أصحابها الأصليين حفظًا للبلاد المفتوحة لمستوى إنتاجها- فيسقط بهذا ما ذهب إليه فى من أن اتخاذ دمشق قصبة الدولة أصاب سيادة البدو التى لا مبرر لها بضربة حاطمة لم يفيقوا منها قط. فمتى كان البدو سادة الدول العربية؟ خامسا- وكل ما ذكره الأب عن عمارة قبة الصخرة والمسجد الأقصى والجامع الأموى بدمشق مضطرب ويحسن بالقاريء أن يرجع (وهنا أيضا لا أحيل على مؤلفين من العرب أو من المسلمين) إلى كتاب الأستاذ Creswell وهو الحجة فى تاريخ العمارة، الذى

نشر أخيرا فى طبعة شعبية وهو Early Architecture Islamic طبعة Penguin. سادسا- ولم يهلك سليمان بن عبد الملك فى حصار القسطنطينية المشئوم. سابعا- والزعم بأن أهل الشام تطلعوا إلى ظهور "السفيانى" نصير الحرية الشآمية كلام لا يستند إلى شئ -وليت الأب ذكر مرجعا واحدا تحدث فيه عن "الحرية الشآمية". ثامنا- ونسأل وما هى "الحقوق السياسية" التى رفض أعطاؤها لغير العرب. نفهم أن يتحدث عن "تفاوت اجتماعى" -الذى نجده فى كل مكان بسبب الثروة أو الجاه أو ما إليهما- ولكن ما هى "الحقوق السياسية" التى حرم منها غير العربى. تاسعا- تعمد العباسيين الإساءة إلى الشام لإشعارها بضآلة مركزها تعبير غريب والأصدق أن نقول إن الشام جرى عليها ما جرى على غيرها فى أقاليم الدولة من حكم صالح وحكم فاسد. عاشرا- وقد أشرنا من قبل لقوله "وفى عهد المتوكل لم يبق بالشام مسيحى من أصل عربى -فماذا جرى لأهل الشام من العرب الذين تنصروا قبل الإسلام وبقوا نصارى بعد الفتح العربى؟ - وقد اعترف أن العرب كانوا "يتسللون" على حد تعبيره إلى الشام. أحد عشر- وإذا ما اضطر الأب لامنس أن يقبل شهادة من معاصر بيسر أحوال الشآميين فإنه يثبت الشهادة بطريقته الخاصة: فتقرأ "وينبغى للمرء أن يقرأ الإلمامة التى ذكرها المقدسى عن تجارة الشام فى كتابه المسمى أحسن التقاسيم ليخرج بفكرة عن الموارد المختلفة لبلاد لم تفلح قرون الاضطهاد والحكم المزرى أبلغ الزراية فى افقارها"، أى أنه يعجب من أن قرونا من الاضطهاد والحكم المزرى لم تفلح فى إفقار سورية -أى بدلا من أن تقنعه شهادة المقدسى بأن الحكم لم يكن سيئا للدرجة التى تصور فإنه يتخذ منها سيئا للتعجب من أن الحكم السيئ لم يكف لإفقار البلاد. ثانى عشر- ولما انتقل الأب لامنس للحروب الصليبية زعم أن فتوح

الصليبيين الأوائل أدت إلى قيام مملكة لاتينية من حلف يجمع أربع دول إقطاعية؛ وأن سنة 1130 أو حولها. شهدت أكبر ما بلغته هذه المملكة اللاتينية من اتساع الرقعة فامتدت من ديار بكر إلى مشارف مصر، وأن حلب وحماه وحمص وبعلبك ودمشق وافقت على أداء الجزية، وإن احتفظت باستقلالها وهذا كله وهم. فلا نعرف مملكة لاتينية بهذا التماسك وبهذه الوحدة بل نعرف فى تاريخ الصليبين الداخلى شدا وجذبا بين الأمراء الإقطاعيين على مختلف مراتبهم، وبينهم وبين الكنيسة، وبين الفريقين وبين الجاليات التجارية الإيطالية -كما نعرف شدا وجذبا بين الصليبيين الذى ولدوا فى الأرض الشآمية والصليبيين الوافدين حديثا من الغرب- أما ما ذكر عن المدن الإسلامية وموافقتها على دفع الجزية فتعبير لا يطابق الحقيقة- لأن تعبيره يوهم بأنها جميعا فى وقت واحد أدت الجزية، وهذا غير صحيح. فالذى كان يحدث هو أن الحروب بين المسلمين والصليبيين (فيما عدا حروب الحملات الصليبية العامة الأولى والثانية إلخ) كانت حروبا متقطعة ومحلية وأنها قد تنجلى عن اتفاقات محلية خاصة بين صليبى وأمير مسلم، وقد يدفع الجزية المسلم وقد يدفع الجزية الصليبى. وأخيرا فات الأب لامنس أن يذكر أن قيصر الروم لم يعترف للصليبيين بوحدة أو بسيادة. وفاته أن يشرح موقف اليهود وموقف المشآميين المسيحيين الذين كانوا يتبعون الكنائس الشرقية من الصليبيين ومن الكنيسة الرومانية، كما فاته أن يشرح سياسة الصليبيين من أولئك ومن هؤلاء ولذلك كله فإننا لم نفهم معنى قول الأب ويمكننا أن نحيى فى التعاون بين الفرنجة وأهل البلاد مولد حضارة فرنجية جديدة مؤتسين بقول البابا أو نوريوس الثالث: ونعنى بذلك بزوغ فجر حضارة أصيلة، على أن القضاء على المملكة اللاتينية وأد كل أمل بُنى على هذا الأساس. ثالث عشر- وعندما سقطت الخلافة العباسية انتقلت قاعدة العالم الإسلامى إلى غربى الفرات ووجد أصحاب

التصانيف العربية فى أرض المماليك ملجأ محفوفا بالمكارة فى خير حالاته، ولم يكن من المنتظر أن يلقوا أى تشجيع من سلاطين جهلة "اتسموا بالوحشية لا يعرف الكثير منهم أن يوقعوا بأسمائهم. . . إلخ" وأعتقد أن ما هو قائم بدمشق والقاهرة وغيرهما من أمصار البلاد المصرية الشآمية لكاف لدحض ما ذهب إليه الأب. رابع عشر- فيما يتصل بنهاية الحرب العالمية الأولى وباستقرار فرنسا فى الشام -ويستوقفنا من وصفه لدخول الأمير فيصل دمشق وإقامته دولة عربية ما قال: "واستغل الأمير فيصل هذه العبارات الغامضة وطالب بحكم سورية جميعا، وأقام صورة من صور الحكم فى دمشق، وأصبحت هذه المدينة مباءة للدسائس تخرج منها حشود من قطاع الطرق والسفاكين يعيثون فسادًا فى سورية"- وكان الهجوم الذى شنه غورو. ويكفى فى ختام هذه الملاحظات أن نذكر أن العهد الذى ابتدأ بعد الحرب العالمية الأولى وانتهى بانهيار فرنسا فى الحرب العالمية الثانية، وهو عهد الانتدابات، أحدث بالشام والعروبة جراحا دامية وأورث قضايا ومشكلات هى ما يكافح العرب الآن للتغلب عليه. ولنلخص أثار عهد الانتداب: أولا: التجزئة والتفتيت إلى وحدات منفصلة: فلسطين، لبنان، شرق الأردن؛ سورية، جبل الدروز؛ بلاد العلويين إلخ. ثانيا: الوعد بإنشاء وطن قومى لليهود فى فلسطين والإذن لهم بإنشاء أجهزة وهى أجهزة يمكن أن تتحول فى لحظة إلى أجهزة الدولة المستقلة [وهو ما حدث]. ثالثا: إقامة الفرنسيين سياسة الحكم على التفرقة وعلى أساس من المذاهب والطوائف لا تساير ما بلغه الشآميون من وعى قومى. رابعا: ما نصت عليه صكوك الانتداب من المحافظة على حقوق الأهلين- فمكنت فرنسا الجمهورية التركية من سلب الإسكندرونة بوسائل مزيفة. خامسا: اشتراك دول الانتداب والولايات المتحدة الأمريكية وروسيا،

سوريه (1920 - 1960)

وبالجملة كل دولة أرادت أن تتخلص من يهودها، فى المسئولية عن ضياع فلسطين ومن تشريد أكثر من مليون عربى. وهذه صحائف حالكة السواد لا تتسع ملاحظات لتتبع تفصيلها، وإنما أحيل القارئ على ما نشره معهد الدراسات العربية فى هذا الموضوع وأهمها: أولا: دراسات الأمير مصطفى الشهابى فى القومية العربية وفى الاستعمار. ثانيا: دراسات الأرمنازى لتاريخ سورية فى عهد الانتداب. ثالثا: دراسات أحمد طربين فى الوحدة العربية وقضية فلسطين محمد شفيق غربال سوريه (1920 - 1960) قضى مؤتمر سان ريمو (19 - 26 ابريل 1920) بوضع المستطيل العربى كله الممتد من البحر الأبيض المتوسط حتى حدود فارس تحت الانتداب، وتقسيم بلاد الشام (سورية الطبيعية) إلى ثلائة أقسام هى: فلسطين ولبنان وما تبقى من سورية الطبيعية؛ وعهد إلى فرنسا بالانتداب على سورية ولبنان، كما عهد إلى انجلترا بالانتداب على فلسطين والعراق بما فيه ولاية الموصل بشرط أن يكون لفرنسا حصة من نفطها. ومنذ أن أعلنت قرارات مؤتمر سان ريمو سارعت السلطات الفرنسية التى كانت تحتل الساحل السورى إلى العمل على احتلال سورية الداخلية، دون أن تكترث بقرارات المؤتمر السورى فى دمشق الذى كان أعلن استقلال سورية وسيادتها (8 مارس 1920). وقد وجه الجنرال غورو فى 14 يولية إنذارًا إلى الملك فيصل يطلب فيه قبول الانتداب الفرنسى فورًا وإلغاء التجنيد الإجبارى وتسريح الجيشى العربى. وعلى الرغم من رد فيصل بالقبول، فإن غورو احتج بتأخر وصول الرد إليه فى الوقت المحدد -وقد ثبت بطلان هذا الزعم فيما بعد- وأمر قواته بالتقدم نحو دمشق، وفرع السوريون للدفاع عن استقلالهم ضد الغدر بعد تسريح الجيش، فوقعت معركة غير متكافئة القوى قرب خان

ميسلون (24 يولية 1920). وفى اليوم التالى دخل الفرنسيون دمشق بينما كان الملك فيصل يغادرها، وبذلك بدأ عهد الاحتلال والانتداب. أما القسم الجنوبى من سورية الممتد من جنوبى درعا حتى خليج العقبة إلى الشرق من نهر الأردن، فقد أدخله مؤتمر سان ريمو فى منطقة إنتداب بريطانيا كجزء من انتدابها على فلسطين. ولم يلبث أن جاءه الأمير عبد اللَّه بن الحسين (نوفمبر 1920) على رأس قوة من الأتباع والبدو، وأعلن أنه قادم ليأخذ بثار أخيه فيصل، وأنه يعبئ قواه لتحرير سورية. ولكن سرعان ما تدخل الأنجليز حرصا على عدم إغضاب حلفائهم الفرنسيين وأوجدوا للأمير الطموح بعد مؤتمر القاهرة (مارس 1921) إمارة مستقلة عن فلسطين وعن سورية، أصبحت تعرف باسم إمارة شرقى الأردن. ولم تنتظر فرنسا -التى برهن تقرير لجنة كنغ كراين أن أهالى سورية لا يرغبون فى انتدابها- مصادقة عصبة الأمم على صك انتدابها -وإنما عمدت إلى الجزء الذى وكل اليها أمر "إرشاده وتوجيهه" فقسمته على قاعدة "فرق تسد" واستطاعت أن تخادع الدول فى موضوع انتدابها حتى ظفرت بموافقة عصبة الأمم عليه فى 24 يولية 1922، ولكنها لم تستطع أن تخفى تناقض هذا الصك مع نص الانتداب من حرف (أ) كما تضمنتهما المادة 22 من ميثاق العصبة. فهذا الصك لم يؤخذ فيه رأى سورية من جهة، ومن جهة أخرى لم يمنع فرنسا من اصطناع مختلف أساليب التسلط والقهر لتحقق فى سورية أغراضها وأطماعها. ومنذ أول سبتمبر 1920 بدأ الاحتلال الفرنسى سياسة التجزئة بإضعاف ما اعتبره حصن المقاومة العربية المسلم "سورية" وتقوية ما حسبه معقل التعاون المسيحى "لبنان"، فأقام ما سماه "لبنان الكبير" من متصرفية جبل لبنان القديمة، مضافًا إليها أقضية أربعة كانت تابعة لسورية فسلخت عنها وهى بعلبك والبقاع وحاصبيا وراشيا فضلا عن متصرفيات طرابلس وبيروت وصيدا

وقسم من قضاء عكار وقضاء حصن الأكراد. تم ذلك على كره من أهالى هذه المناطق التى كانت تسكنها غالبية مسلمة لا ترغب فى الانفصال عن سورية. واستدار الاحتلال إلى تقطيع أوصال سورية الداخلية نفسها فقسمها إلى أربع دول، منفصل بعضها عن بعض تماما وهى: دولة دمشق ودولة العلويين (اللاذقية) ودولة جبل الدروز (السويداء)، ودولة حلب وقد ربط بها سنجق الاسكندرونة بحيث أصبح يتمتع بإدارة خاصة، وغرض الاحتلال من كل ذلك تشجيع النزعات الانفصالية الإقليمية، وتغذية التحاسد وتنمية الأحقاد بين صفوف الشعب الواحد، وعزل سورية عن سواحلها بسور قوامه دولة لبنان الكبير، ودولة العلويين، وسنجق الإسكندرونة، يحكم كلا منها موظف فرنسى يتمتع بسلطات مطلقة. وبرزت شرور الإدارة الفرنسية فى البلاد، فعاين السوريون كيف أن الفرنسيين تذرعوا بشتى الوسائل لتوطيد نفوذهم وتخليد احتلالهم؛ ففى ميدان التعليم فرضت اللغة الفرنسية فى المدارس وفى ميدان الاقتصاد. أفقرت البلاد فمنيت بركود لم تعرف له ضريبا: مثل نصب الحواجز بين أجزاء سورية، وتدهور الفرنك الفرنسى الذى كان يؤدى إلى تدهور النقد السورى المرتبط به فيسبب خسائر باهظة للخزانة السورية. هذا إلى امتصاص الرصيد الذهبى وجشع المستخدمين الفرنسيين المتزايد للمال، وروايتهم الضخمة وعددهم الوفير. وفى ميدان الإدارة يسجل المنصف تعسفهم وقلة خبرتهم، وإثارتهم للحزازات وتغذيتهم للنزعات الانفصالية والنعرات الطائفية والعنصرية. وبديهى أن يُعبر السوريون عن استيائهم ونقمتهم على هذه الأوضاع الظالمة بثورات واضطرابات مستمرة نذكر منها ما كان من مقتل وزيرين سوريين قبلا تنفيذ بعض مآرب الاحتلال (أغسطس 1920)، وما كان من إطلاق النار على الجنرال غورو نفسه، وتفاقم الثورة فى الشمال، وقيام المظاهرات الضخمة والهتاف بسقوط الانتداب والخونة أثناء زيارة كراين (1922) عضو لجنة الاستفتاء الأمريكية لدمشق،

وما تبع ذلك من انفعال النفى والعدوان والإرهاق. ورغب غورو فى تخفيف حدة الاستياء من إدارته فى الداخل وفى الخارج فأقام الاتحاد السورى بين دول دمشق وحلب والعلويين (يونية 1922). ولكن خلفه الجنرال ويغان Weygand عاد فألغى الاتحاد، وقصره على دولتى دمشق وحلب باسم دولة سورية. وحل ارتباط لواء الاسكندرونة بدولة حلب السابقة فخرج عن النطاق السورى منذ يونية 1924. وحل الجنرال سراى Sarrail محل ويغان، وحمل نفسه بادئ الأمر على اتباع سياسة التفاهم، فتقدمت البلاد بمطالب على رأسها الوحدة السورية والاستقلال. غير أن الرجل سرعان ما تنكب جادة الاعتدال، فما إن هرع اليه وفد من الدروز لينصفهم من حاكمهم الفرنسى العاتى حتى رفض مقابلتهم ونفى بعض زعمائهم، فاندلعت نار الثورة (يولية 1925) فى الجبل ومنه انتشرت إلى غوطة دمشق وجبل الشيخ وجبل القلمون، وإلى حماه وأطراف حمص وبعلبك وعكار. ودخل النضال من أجل الوحدة والاستقلال مرحلة جديدة مع نجاح الثورة السورية واتساعها. وقد شكل الوطنيون حكومة ثورية فى جبل الدروز لتنظيم الثورة وتوجيهها. وفى أكتوبر هاجم الثوار مدينة دمشق ودخلوها من عدة منافذ وحاصروا قصر العظم وقصدوا اعتقال الجنرال سراى. وضاع صواب الرجل وأمر بصب نيران المدافع على دمشق ثلاثة أيام بلياليها لإقصاء الثوار عن المدينة، فلم يجد هؤلاء بدا من الانسحاب صونا للمدينة المجاهدة من التدمير. وبإزاء موجة الاستنكار الدولى العنيف التى نجمت عن هذا العمل الوحشى استدعت فرنسا مفوضها السامى وأذاعت أنها تنوى تعديل سياستها. وأرسلت دجوفنيل Dejouvenel أول مفوض سامى مدنى (نوفمبر 1925) فدعا الثوار إلى الهدوء، ودعاه الثوار إلى تحقيق الوحدة السورية وإقامة حكم وطنى وإجراء انتخابات لوضع الدستور وإعلان العفو العام وتعويض المنكوبين. وأجرى دجوفتيل اتصالاته مع زعماء الثورة فى ساحات القتال حينا، ومع الزعماء القائمين فى دمشق حينا آخر إلى أن تم الاتفاق مبدئيا على أسس معاهدة عرفت باسمه، ولكن الحكومة الفرنسية رفضتها. وقبل أن يترك دوجوفنيل منصبه، أصدر دستور لبنان

الجديد (مايو 1926) الذى أوجد الجمهورية اللبنانية حتى يقطع أمل الثوار فى المطالبة بالأقضية الأربعة المسلوخة عن سورية. وجاء المفوض الجديد بونسو Ponsot فاختلف مع الوطنيين فى موضوعى الوحدة السورية وحدود لبنان الكبير، ورأى الحكمة فى التسويف والمماطلة، لا سيما وأن القوات الفرنسية كانت تتوارد على البلاد فى حين كانت أعداد الثوار تتناقص وذخيرتهم تنفذ حتى إذا خفت نار الثورة فى أوائل أبريل 1927 وانسحب بعض زعمائها إلى البلاد العربية المجاورة دعى الشعب السورى لانتخاب جمعية تأسيسية تسن له دستورا نيابيا جمهوريا. وفاز الوطنيون فى الانتخابات (أبريل 1928)، وتشكلت جمعية تأسيسية سنت دستورا لم يرض عنه بونسو إلا عندما أضاف إلى مواده مادة تجعل الأمر كله بيده. وتأزمت العلاقات بين الجمعية التأسيسية والمفوض السامى بسبب هذه المادة (116) وانتهى الأمر بحل الجمعية وعودة البلاد إلى السياسة السلبية والنضال الذى استمر حينا حتى تم الاتفاق على إجراء انتخابات لمجلس نيابى تنبثق عنه حكومة تتولى المفاوضة لعقد معاهدة تحل محل صك الانتداب وتعلن سيادة سورية وتدخلها عصبة الأمم. وفى نوفمبر 1931 تألفت حكومة انتقالية للإشراف على الانتخابات برئاسة مندوب المفوض السامى سولومياك، وحاولت السلطة التدخل فيها لمصلحة صنائعها، فقاطع الوطنيون الاقتراع وحدثت اضطرابات دامية فى البلاد؛ وأعيدت الانتخابات فى أبريل 1932 وأسفرت عن نجاح الكتلة الوطنية نجاحا جزئيا. وانتخب محمد على العابد أول رئيس للجمهورية السورية، وعهد إلى رئيس الوزراء حقى العظم بمباشرة المفاوضة مع المفوض السامى لعقد المعاهدة. واجتمع المجلس النيابى الجديد فى يونيه، ولكن الأزمة برزت من جديد عندما تقدم يونسو بمشروع معاهدة صداقة وتحالف، فردها المجلس لأنها تحكم القيد وتضيق على وجه يخالف ما يحق للحليف أن يجده لدى حليفه. وفى أكتوبر 1932 حل الكونت دومارتل De Martel محل بونسو، فوضع مشروع معاهدة جديدة، ولكن المجلس رفضها أيضا (نوفمبر 1933) لأنها لا تحقق الأمانى الوطنية، وحينئذ حل دومارتل المجلس، وراح يصرف

شؤون البلاد بمراسيم اشتراكية على كره وعداء من الناس. ثم تظاهر بإصلاح الأحوال الاقتصادية، ولم يكترث بعواقب سياسة البطش والتنكيل التى سار عليها، وأفاق بعد سنين ليجد أن إدارته ترتطم بمصاعب جديدة تهددها بالسقوط؛ فالكتلة الوطنية نشطت للعمل، وأصدرت ميثاقا قوميا فى غمرة الألم على وفاة الزعيم إبراهيم هنانو (يناير 1936) يتضمن المطلب التقليدى: الوحدة السورية والاستقلال ومقاومة فكرة الوطن القومى اليهودى، والعمل على اتحاد الأقطار العربية. وقامت فى كل مكان مظاهرات السخط العنيف ضد الفرنسيين، فقابلها هؤلاء بالاعتقال والتشريد والإرهاب. وعبرت دمشق عن ألمها بإعلان إضراب عام دام ستين يوما، خيم على البلاد أثناءه الحزن والاضطراب وأوشكت نار الثورة أن تندلع عقب صدامات دامية بين الشعب وزبانية الاحتلال، ولم يجد دومارتل بدا، بعد أن لمعت بروق التوتر الدولى فى شرقى البحر المتوسط، من الانحناء أمام هذا الإجماع الشعبى المشرف، فأذاع بيانا فتح فيه باب المفاوضة لعقد المعاهدة العتيدة. وفى 9 سبتمبر وقعت معاهدة صداقة بين سوريا وفرنسا لمدة خمسة وعشرين عاما نصت على أن يسود السلم والصداقة والتحالف بين البلدين، وإن يتشاورا فى الشئون الخارجية، وأن ينتدب كل منهما من يمثله لدى البلد الآخر وأن تزيد فرنسا قبول سورية عضوا فى عصبة الأمم، وأن تلحق دولتا جبل الدروز والعلويين بسورية مع احتفاظ كل منهما بإدارة داخلية خاصة. وأجازت المعاهدة لفرنسا أن تحتفظ بقاعدتين جويتين؛ وأن تبقى جيوشها فى منطقتى اللاذقية وجبل الدروز لمدة خمس سنوات، على أن تقدم لها سورية جميع التسهيلات اللازمة. وفازت الكتلة الوطنية فى الانتخابات التالية وصادق المجلس النيابى السورى على المعاهدة (26 ديسمبر 1936) وبوشر تطبيق بنودها من الجانب السورى. ولكن الاحتلال لم يطق أن تتمتع سورية حتى ببعض المزايا المحدودة التى نصت عليها المعاهدة؛ فراح ينفث سمومه، ويغذى الحركات الانفصالية فى مناطق اللاذقية وجبل الدروز والجزيرة. وبينما كانت موجة التفاؤل بقرب التصديق على المعاهدة من البرلمان الفرنسى تتقدم تارة وتتراجع أخرى، وبرزت مشكلة لواء الإسكندرونة بشكل خطير.

فقد استفادت تركيا من اضطراب الجو الدولى فطلبت من فرنسا اقتطاع لواء الإسكندرونة من أمة سورية والعمل على ضمه إلى تركيا. ورضخت فرنسا ووافقت حليفتها بريطانيا، وأسهمت السلطات الفرنسية فى تزييف الاستفتاء الذى جرى فى اللواء. ولكن انسحاب لجنة المراقبين الدوليين الذين وكلت إليهم عصبة الأمم الإشراف على عملية تسجيل الأهلين (29 يونية 1938) كشف عن فساد الاقتراع الذى هيأه الترك والفرنسيون، على أثر توقيع اتفاق الصداقة الفرنسى التركى فى 4 يولية 1938. ولكن لم يسفر احتجاج ممثلى العصبة عن شئ، ولم يلتفت إلى اعتراض الأكثرية العربية، واجتمع المجلس "التمثيلى" بعد ذلك وقرر الالتحاق بتركيا (يونية 1939). وبلغت ثورة النفوس فى البلاد الذروة، وندد الرأى العام السورى الذى كان يغلى كالمرجل بانتهاك فرنسا صك الانتداب القائل بوجوب محافظة دولة الانتداب على أراضى الوديعة المقدسة التى وكلت إليها. وكان المفوض السامى قد أعلن نكول حكومته نهائيا عن إبرام معاهدة 1936، وإعادة نظام الانتداب إلى سورية، فاستقالت الحكومة السورية، ولجأ بيو Puaux خليفة دومارتل فى يولية 1939 إلى حل المجلس النيابى وفصل جبل الدروز والعلويين عن الإدارة المركزية فى دمشق. واستقال رئيس الجمهورية هاشم الأتاسى، وآل الآمر إلى "مجلس مديرين" وعادت البلاد إلى نضالها المعتاد كرة أخرى، واستمرت الحال على هذا إلى أن أعلنت الحرب العالمية الثانية فهدأت حدة النشاط السياسى، وانتظر الوطنيون على أمل نتيجة الصراع الجبار الدائر بين قوى الحلفاء والمحور. ولما جثت فرنسا على ركبتيها أمام ألمانيا (يونية 1940) وأرسلت حكومة فيشى الجنرال دانتز Dentz ليحل محل بيو (ديسمبر 1940) طالب السوريون بإلغاء الانتداب وإعلان الاستقلال واحتجوا على ندرة المواد الغذائية وفرض الضرائب المرهقة. وحدثت فى سورية أوائل مارس 1941 اضطرابات دموية اضطرت الجنرال دانتز إلى إنهاء حكم المديرين، وعهد إلى خالد العظم تأليف الوزارة فى 3 أبريل 1941. وغداة هجوم القوات المتحالفة على سورية (8 يونية) أذاع الجنرال كاترو Catroux باسم "فرنسا الحرة" بيانا ألقته الطائرات على الشعب فى سورية ولبنان، ذكر فيه أنه قادم لإنهاء نظام

الانتداب وإعلان حرية البلدين واستقلالهما. كما نشر السفير البريطانى فى القاهرة باسم حكومته تأكيدا لبيان كاترو الذى أصدره نيابة عن الجنرال ديجلو De Gaulle. بيد أن كاترو مندوب فرنسا تباطأ فى تحقيق الوعود وعين الشيخ تاج الدين الحسنى رئيسا للجمهورية دون استشارة ولا انتخاب (12 سبتمبر)، ولما طالبه المواطنون بتنفيذ الوعود أذاع بيانا أعلن فيه إلغاء الانتداب واستقلال سورية وسيادتها ووحدتها (21 سبتمبر)، ثم ضم منطقتى اللاذقية وجبل الدروز إلى سورية (يناير 1942). ولكن استقلال سورية فى الحقيقة وبرغم اعتراف الحلفاء به لم يتعد الخطب والبيانات المتنوعة، أما الصلاحيات والمصالح التى كانت بيد سلطة الانتداب فلم ينتقل منها شئ إلى الحكومة المحلية. ولذا كان لابد من قيام حكم شرعى فى البلاد يتولى هذه المصالح، ويتسلم تلك الصلاحيات ويمارس الاستقلال عمليًا. ولم يلبث الحسنى أن توفى وأجريت الانتخابات فى ربيع 1943 ففاز الوطنيورن فوزًا ساحقًا، وانتخب شكرى القوتلى رئيسًا للجمهورية فى 17 أغسطس، وتألفت الوزارة الأولى برئاسة سعد اللَّه الجابرى. وسارت المفاوضات لاستلام صلاحيات دولة الانتداب سيرا طبيعيًا فى بادئ الأمر، ثم استلام أكثرها بالفعل (1944) وهى الصلاحيات التى لا يتأثر بها النفوذ الفرنسى كثيرًا، حتى إذا جاء دور تسليم المصالح المشتركة "كالجمارك والجيش والأمن العام والشئون السياسية الخارجية. . . " تغير موقف الفرنسيين وراحوا يساومون مشترطين لتسليمها إبرام معاهدة تضمن لهم ميزات سياسية واقتصادية فى البلاد التى لم تعترف يومًا بصك الانتداب. وفى 18 مايو سنة 1945 قدم الجنرال بينيه Beynet مندوب فرنسا مذكرة إلى الحكومتين السورية واللبنانية جاء فيها أن حكومته مستعدة لتسليم "القطعات الخاصة" -الجيش- إلى سورية ولبنان، مع بقائها تحت القيادة العليا الفرنسية على شرط أن

تؤمن صيانة مصالح فرنسا الثقافية والاقتصادية والاستراتيجية فى البلدين. وفى اليوم التالى تداولت الحكومتان السورية واللبنانية فى الموقف الناشئ عن إنزال فرنسا جنودًا فرنسيين جددًا فى البلاد دون الحصول على موافقة الحكومتين من قبل. واتفق الجانبان السورى واللبنانى على عدم الدخول فى مفاوضة لعقد أية معاهدة مع الجانب الفرنسى قبل أن تسلم جميع الصلاحيات بما فيها الجيش، وجلاء آخر جندى فرنسى عن أراضى البلدين. خشيت فرنسا أن يفلت منها زمام الأمر فى سورية ولبنان فلجأت إلى تدابيرها الحمقاء لإرهاب الشعب. وفى أمسية يوم 29 مايو 1945 ضرب الفرنسيون بطائراتهم ومدافعهم مدينة دمشق بالقنابل كما فعلوا قبل عشرين عامًا سواء بسواء، وسلطوا نيرانهم على السكان الآمنين، فسالت الدماء وسقط مئات الضحايا، وأطلقت مدافع الهاون وقذائف المدرعات على دار المجلس النيابى، ومثل بحاميته أبشع تمثيل. ولما كانت الحرب مع اليابان ما تزال قائمة فقد تدخلت السلطات البريطانية وطلبت وقف اطلاق النار وإعادة الجنود المسعورين إلى معسكراتهم، فاستجاب القائد الفرنسى مكرها لأمر بريطانيا. ومع ذلك فلم تيأس فرنسا من الاحتفاظ ببعض مصالحها فى سورية ولبنان؛ ففى 13 ديسمبر 1945 اتفقت مع بريطانيا على تبادل الرأى بشأن تجميع قواتهما وإجلائها "تدريجا" عن سورية ولبنان. واعترفت بريطانيا بما للفرنسيين من "مصالح ومسؤوليات" فى بلاد شرقى البحر المتوسط. وقوبلت المؤامرة الجديدة لاقتسام النفوذ بين بريطانيا وفرنسا بالاحتجاج الشديد والاستنكار. والتجأت الحكومتان السورية واللبنانية فى فبراير 1946 إلى مجلس الأمن مطالبتين بسحب القوات الأجنبية من بلادهما فورًا. وتم الجلاء بالفعل عن سورية فى 17 أبريل 1946 وعن لبنان فى نهاية هذا العام نفسه، وجعلت سورية يوم الجلاء عيدا قوميًا كان خاتمة فصل النضال المرير الذى باشرته ضد الغاصبين الفرنسيين. وعادت سورية، وقد اكتملت سيادتها واستعادت حريتها نتيجة جهادها الرائع، تدعو لنصرة القومية العربية والعمل من أجل الوحدة العربية، وكانت قد اشتركت فى مباحثاتها التى جرت فى مصر (بين أكتوبر 1943 - مارس 1945). وعبرت تعبيرًا صادقا عن

مشاعرها حين صرح رئيس وفدها أن الشعب العربى فى سورية يرى فى تحقيق الوحدة العربية بأقوى وسائلها أغلى وأسمى أمانيه، وأن سورية لا تقصر ولو فى بذل جزء من سيادتها القومية فى سبيل حلف اتحادى عربى متين العرى. وفى 22 مارس عام 1945 وقعت سورية ميثاق جامعة الدول العربية. وأصبحت عضوًا فى مجلس الأمن التابع لهيئة الأمم المتحدة من عام 1947 حتى نهاية عام 1948. ولم تلبث سورية أن واجهت أزمات عصيبة؛ واجهت الحرب الفلسطينية ولما يكتمل تسليح جيشها، فهزت وجدانها العربى بعنف وواجهت ضغط الدول الكبرى عليها لأسباب متعددة منها قضية النقد وارتباطه بالفرنك الفرنسى، وقضية إمرار أنابيب بترول شركة أرامكو واتفاقيات الطيران. . . وتملل الشعب وجأر بالشكوى ودعت الأحزاب إلى تعديل السياسة العامة وإصلاح فساد الإدارة الأمر الذى كشف عنه بوضوح مأساة حرب فلسطين وفى ليلة 30 مارس 1949 حدث انقلاب على يد قائد الجيش حسنى الزعيم ورضى الشعب عنه بادئ الأمر، ولكنه بعد ذلك أخذ يرصد أخطاءه الكثيرة، واستنكر سياسته القائمة على كم الأفواه وخنق الحريات، وحل البرلمان وتعليق الدستور. وكانت التجربة الاستبدادية القصيرة لحكم الزعيم كافية لتغذية السخط والتبرم بين صفوف الضباط والمثقفين، فلم يلبث أن حدث الانقلاب الثانى ليلة 14 أغسطس 1949 وذهب ضحيته الزعيم ورئيس وزرائه. وانسحب قائد الانقلاب سامى الحناوى من المسرح السياسى تاركا لوزارة هاشم الأتاسى أن تجرى انتخابات جديدة تنبثق منها جمعية تأسيسية تضع دستورا للبلاد. وفى 12 ديسمبر اجتمعت الجمعية التأسيسية وكانت غالبيتها مؤلفة من حزب الشعب لأن بعض الأحزاب الوطنية لم تشترك فى الانتخابات. وقبل أن تنتهى الجمعية من مناقشة مواد الدستور حدثت "انتفاضة عسكرية" فى 19 من ديسمبر قام بها العقيد أديب الشيشكلى، نحى على أثرها رئيس الأركان وأعوانه. وجاء فى بلاغ الجيش أن رجال الانقلاب الثانى لم يحافظوا على استقلال البلاد، وإنما عملوا من أجل الاتحاد السورى العراقى

الذى يؤدى حتما إلى ضياع استقلال سورية وخضوعها لنيران الاستعمار البريطانى. وتابعت الحمعية التأسيسية مع ذلك عملها حتى انتهت من وضع الدستور، ثم انقلبت إلى مجلس نيابى، وانتخب الأتاسى رئيسا للجمهورية. ولم يكد الشيشكلى يطمئن إلى ولاء الجيش حتى أخذ يطغى ويستبد، ورغب عبثا فى أن يأتى بمجلس نيابى ينفذ مآربه، حتى اذا كانت ليلة 31 نوفمبر 1951 اعتقل رئيس المجلس النيابى ورئيس الوزراء وبعض الوزراء والنواب، واستقال الرئيس الأتاسى وتشكلت حكومة برئاسة الزعيم فوزى سلو استلم فيها الشيشكلى وزارة الدفاع وكان الحاكم الحقيقى للبلاد. ثم فرض الشيشكلى نفسه رئيسا للجمهورية بنظام رئاسى (يوليه 1953) واعتقل عددًا من زعماء البلاد وضباط الجيش المعارضين، فتحرك. الجيش، واستجاب لموجة الاستياء الشعبى العام، وقلب عهد الشيشكلى الذى فرَّ من سورية فى 26 فبراير 1953، وبسقوطه عاد إلى سورية الحكم الجمهورى البرلمانى مع دستور عام 1950. وبدا أن البلاد مقبلة على عهد جديد من الاستقرار والطمأنينة، ولكن الفترة التالية كانت حافلة بالأحداث الجسام، نذكر منها صمود الحكومة والشعب فى وجه المؤامرات الاستعمارية المختلفة على سورية، واجتماع القوتلى بعد فوزه برئاسة الجمهورية (18 أغسطس 1955) بزعيم مصر جمال عبد الناصر والملك سعود فى أسوان، حيث وضعوا أسس السياسة العربية المتحررة، وأصدروا بيانا برفض الأحلاف العسكرية جميعا. ونسجل أخيرًا ما كان من وقوف سورية إلى جانب شقيقتها الكبرى مصر خلال محنة العدوان الثلاثى عليها (أكتوبر - نوفمبر 1956)، وتقارب الدولتين وتجاوب أصداء المبادئ القومية المتحررة فيهما، واتفاقهما أخيرا فى مطلع فبراير 1958 على إعلان وحدة مصر وسورية فى دولة موحدة، باسم الجمهورية العربية المتحدة. وفى 8 مارس 1958 ارتبطت الجمهورية العربية المتحدة مع اليمن باتحاد الدول العربية. أحمد طربين رقم الإيداع بدار الكتب 9528/ 1996 ISBN 977 - 01 - 4951 - 9

شاه جهان

شاه جهان هو اللقب الذى أنعم به الإمبراطور المغلى جهانكير على ابنه الثالث "خرَّم" مكافأة له على ما أحرزه من انتصارات فى الدكن سنة 1616. وقد ولد خرم سنة 1592؛ وفى سنة 1622 عمل على قتل أخيه الأكبر خسرو، وكان أبوه قد عهد إليه العناية به، ثم انتقض على أبيه من بعد ولحقت به الهزيمة سنة 1623 وغدا طريدا، على أنه احتل البنغال وبهار، وعقد صلح بينه وبين أبيه سنة 1625. ومات جهانكير فى شهر أكتوبر سنة 1627 كان خرم فى جنار من أعمال الدكن، ولكن حماه آصف خان تسبب فى سمل عينى أخيه الأصغر فى لاهور، ونصب بدله داور بخش (بلاقى) ابن خسرو، وقد سمح له من بعد بالهروب إلى بلاد فارس حينما قتل الذكور الآخرون من الأسرة الإمبراطورية بأمر من شاه جهان. واعتلى شاه جهان العرش فى آكره سنة 1628، وسرعان ما وجد نفسه مكرها على مواجهة الفتن التى أثارها البندلا وخان جهان لودى وسحقها سحقًا. وفى سنة 1631 توفيت زوجته ممتاز محل التى كان يحبها حبًا جما وهى تضع مولودها فى برهانبور، فأقام على رفاتها من بعد فى آكره تلك العمارة الجميلة المعروفة باسم "تاج محل" وفى سنة استولى على دولت آباد وأطاح بآخر آثار دولة أحمد نكر، وأكره بعد ذلك بقليل المملكتين الدكنيتين الباقيتين كلكنده وبيجابور على الاعتراف بسلطانه، وحاصر فى سنة 1632 أيضا هوكلى وانتزعها من البرتغاليين، وفى سنة 1636 عين أورنكزيب الابن الثالث للإمبراطور نائبًا للملك فى الدكن، وفى سنة 1638 سلم على مردان خان قندهار الذى كان يتولى شؤونها باسم ملك الفرس غدرا إلى عمال شاه جهان، على أن الفرس استردوا هذه المدينة عام 1649، وفى سنة 1638 احتلت بذخشان وبلخ، فاستدعى أورنكزيب من الدكن وأنفذ للاحتفاظ بالمدينتين، على أنه خاب فى مسعاه وأكره على الارتداد. وفى سنة 1652 فشل هذا الأمير نفسه، كما فشل داراشكوه أخوه الأكبر فى السنة التالية، فى استرداد قندهار من الفرس، وأنفذ أورنكزيب مرة أخرى إلى الدكن، سنة 1653 حيث حد أبوه من سياسته

المصادر

العدوانية، إذ أمره بعقد الصلح مع عبد اللَّه قطب شاه أمير كلكنده الذى كان قد حمل عليه، ومع ذلك فقد استولى على بيدر وكليانى فى حملة له على علىّ عادل شاه الثانى أمير بيجابور الذى كان قد خلف محمدا عادل شاه، وفى سنة 1657 تواترت الأنباء بسوء صحة شاه جهان مما دعا أورنكزيب إلى شق عصا الطاعة، ثم بدأت المنافسة على العرش بينه وبين إخوته الثلاثة، وقد هزم أورنكزيب داراشكوه فى سموكره، وسلطان شجاع فى خجوة، وغدر بمراد بخش وألقاه فى السجن ثم قتله، واعتلى العرش فى آكره فى 21 يولية سنة 1658 بعد أن سجن أيضا شاه جهان. ولم يسترد شاه جهان حريته قط، وتوفى فى حصن آكره فى 2 يناير سنة 1666 فى الرابعة والسبعين من عمره. وكان شاه جهان أوفر المغول العظام ثروة، وقد تجلى ذوقه وعظمته فى تجديد وزخرفة آكره وفى تشييد مدينة دهلى الجديدة أو شاه جهان آباد حيث قضى الجانب الأكبر من شيخوخته التى اتسمت بالبذخ والترف، معتليًا عرش الطاوس المشهور الذى استغرق صنعه سبع سنوات؛ وكان شاه جهان على حظ قليل من المقدرة العسكرية، قاسيا غدارا ليس له وازع من ضمير، وقد اتصف بخلة تعوض هذه السيئات هى حبه الجم لزوجته ممتاز محل، الذى يعد قبرها البديع تذكارًا باقيا على الزمان، إلا أنها توفيت فى أوائل عهده، وكان فى حكمه مستبدا وإن كان قد أثنى عليه بعض المؤرخين المحدثين. المصادر: (1) عبد الحميد اللاهورى: بادشاه نامه. (2) خوافى خان: منتخب اللباب (وكلاهما من سلسلة المكتبة الهندية لجمعية البنغال الآسيوية). (3) Storia do Mogor: Nicolas Manueci ترجمة W.Irvine، سلسلة النصوص الهندية، 1907. (4) Oxford History of India 1919: Vinconit A.Snvth صبحى [هيك T.W. Haig]

شاهد

شاهد والجمع شهود، وانظر فيما يتعلق بتطور معنى هذه الكلمة أول مادة "شهيد". وما يقوله الشاهد، ويسمى الشهادة، هو قول فى دعوى بحق لمصلحة آخر ضد شخص ثالث، ويستند هذا القول إلى معرفة دقيقة بالموضوع ويكون أداؤه أمام القاضى طبقا لصيغة مقررة هى: أشهد بكذا وكذا. وقد تطورت الأركان التالية التى قامت على أساس من القرآن الكريم والحديث، وأخذت بها جميع المذاهب فى الجوهر. وثمة بطبيعة الحال اختلافات كثيرة فى التفصيلات لا يتسع المقام للنظر فيها. واحتمال الشهادة وأداؤها فرض على الكفاية، لكن إذا لم يكن حاضرًا فى مكان الحادثة إلا شخص واحد صارت الشهادة فرض عين، على أنه فيما يتعلق بحق اللَّه يكون الشاهد مخيرًا بين أن يدفع بالمذنب إلى القاضى وبين أن يعفى أخاه فى الإسلام ويُسر أو يستر. والفعل الأخير هو المستحب فى الغالب. ويشترط فى الشاهد أن يكون: 1 - على علم تام بما يشهد به، وأن يكون قد رآه بعينيه وسمعه بأذنيه (انظر سورة المائدة، والآية 8). 2 - وأن يكون مكلفًا. 3 - حرًا. 4 - مسلما (إذا كان يؤدى شهادة على مسلم فى قضية). 5 - مالكا تماما لقواه العقلية. 6 - عدلا (وانظر سورة المائدة، الآية 106؛ سورة الطلاق الآية 2: أشهدوا ذوى عدل). ولا يجوز أن يكون الشاهد قد أقيم عليه حد بسبب القذف (انظر سورة النور، الآية 4). 7 - أن يكون من ذوى المروءة، فمثلا لا تقبل شهادة من يدخل الحمام بدون إزار، أو يلعب النرد أو يأكل على قارعة الطريق. 8 - أن يكون خاليا من الاعتراض، فمثلا لا يصح أن يجلب لنفسه من شهادته مغنما أو أن يدفع عنها ضررًا، ولا يصح ان يكون عدوًا للمدعى عليه إن كان سيشهد عليه. وكذلك لا يجوز أن يشهد المطالبون بالنفقة بعضهم على

بعض مثل الآباء والأبناء زواج والمالك والمملوك. أما فيما يتعلق بعدد الشهود وجنسهم فهناك الأحكام التالية: 1 - لابد فى إثبات الزنا من أربعة شهداء ذكور (انظر سورة النور، الآية 2 وما بعدها؛ سورة النساء، الآية 15). 2 - فى كل ما عدا ذلك من الأمور التى لا تتعلق بالمال مثل السرقة، والزواج، والطلاق، والعتق ونحوها، لابد من شاهدين ذكرين (انظر سورة البقرة الآية 282 وبعدها؛ سورة المائدة، الآية 106 وما بعدها). وفى الأمور التى لا يعرفها فى العادة إلا النساء (مثل الولادة والعيوب الباطنية فى النساء الخ) فإنه يكفى عند الشافعية أربع نساء (وعند المالكية امرأتان وعند الحنفية والزيدية امرأة واحدة). 3 - فى الأمور التى تتعلق بالمال مثل الدعاوى المتعلقة بعقود الالتزام أو المترتبة على القتل عرضا ونحوها، لابد من توفر شهادة رجلين أو رجل وامرأتين (انظر سورة البقرة، الآية 282 وما بعدها) ويكفى فى هذه الأحوال فى الغالب أيضا شاهد واحد ذكر علاوة على اليمين يؤديها المدعى. ويجوز فيما عدا قضايا الحدود أن يحل محل شاهد الأصل اثنان من شهود الفرع، وهذا ما يسمى الشهادة على الشهادة، لكن هذا لا يكون إلا إذا كان شاهد الأصل قد مات، أو أصبح بسبب المرض الشديد غير قادر على الحضور أمام القاضى؛ أو إذا كان يبعد عن مكان التقاضى مسيرة ثلاثة أيام. ويستطيع الشهود أن يرجعوا عن شهادتهم أمام القاضى، لكنهم يكونون ملزمين باحتمال الضرر الذى نجم عن الحكم بناء على شهاداتهم، بل إنه عند الرجوع فى الشهادة على الزنا يعاقب الشهود بإقامة الحد عليهم بسبب القذف. وكل من القرآن الكريم (سورة الفرقان 72؛ سورة البقرة الآية 283) والحديث يشدد النكير على شهادة الزور. (انظر Manners and Customs of Modern Egyptians 1860: E.Lano، ص 100، 114؛ three years in Constantinople 1845: Ch. White, جـ 1، ص 103)

المصادر

وأصعب نقطة فى الأحكام التى تقدم ذكرها هى بلا شك مسألة العدالة، ذلك أنه لابد أن يكون الشهود معروفين للقاضى شخصيا بأنهم عدول، أو أن تثبت عدالتهم قبل أداء الشهادة. ومنذ أواخر القرن الثانى للهجرة (الثامن الميلادى) عين مساعد القاضى لاستقصاء أحوال الشهود، وهو استقصاء يكون شاقًا فى كثير من الأحيان، وهذا المساعد يسمى "صاحب المسائل" أو "المزكى" ثم إنه بالنظر إلى أن قانون التقاضى فى الإسلام لا يعترف بالوثائق المكتوبة على أنها أدلة ولا يقبل سوى شهادة الشهود بألسنتهم فإنه كان يفضل فى إثبات المسائل القانونية القوم الذين ثبتت عدالتهم من قبل. وهكذا ظهر الشهود الدائمون، وقد بلغ عددهم الألوف فى بعض الأحيان، لكنهم لم يكونوا فى الغالب إلا قليلين. وكانوا موظفين لدى القاضى، هو الذى يعينهم وهو الذى يعزلهم، وهكذا أيضًا ظهرت طائفة شهود العدالة الذين كانوا فى القاهرة وبغداد يسمون "الشهود" وكانوا فى المشرق وبلاد المغرب يسمون "العدول". وهم إلى جانب إثبات الدعاوى القانونية كانوا بأنفسهم يفصلون أيضا فى المنازعات الصغيرة. وكانوا فى الغالب محامين ناشئين يسند إليهم القضاء من بعد. وكان كثيرا ما يشكو الكتاب المسلمون من هؤلاء القوم. وكان بدء تطورهم فى القرن الثانى للهجرة، الموافق القرن الثامن الميلادى، (وأول شاهد على ذلك ظهر فى القاهرة عام 174 هـ: انظر كتاب الولاة والقضاة للكندى طبعة Guest ص 386) وانتهى أمرهم فى القرن الرابع للهجرة الموافق القرن العاشر الميلادى. ويجوز للمرء أن يرى فى هؤلاء الشهود بحق عودة إلى شهود العدالة عند الرومان البوزنطيين. وفيما يتعلق بالأحوال الحاضرة انظر Lane: كتابه المذكور جـ 1، ص 117، uber Marokanische processpraxis: Vassei فى مجلة M.S.O.S. As، مجلد 5 (1902) ص 175. المصادر: (1) الفصول المتعلقة بهذه المادة فى كتب الحديث والفقه، خصوصًا: كتاب بدائع الصنائع للكاسانى، القاهرة 1910، وجـ 4 ص 226 - 190. (2) Sommario del diritto malechito: Khalil، ترجمة D. Santillana، ميلانو 1919، جـ 2، ص 616 وما بعدها.

شاور

(3) Droit musulman: Querry، باريس 1872, جـ 2، ص 451 وما بعدها. (4) Moslem Recht: Nic. v Tornauw ليبسك 1855، ص 214 وما بعدها. (5) Muh. Recht: Ed Sachau شتوتكارت 1897، ص 690 وما بعدها، 737 وما بعدها. (6) Principes du droit musulman: Van don Borg، الجزائر 1896، ص 216 وما بعدها. (7) Haindbuch des islamischen Gesetzes: Th. W. Juynboll, ليدن 1910، ص 315 وما بعدها. (8) Islam fremdenrecht: Heffening هانوفر، 1925، فصل 26. (9) وفيما يتعلق بتطور الشهود حتى أصبحوا شهود عدالة انظر فيما عدا المراجع المذكورة عند Juynboll: الكتاب المذكور ص 317 The office of kadi: Amodroz فى مجلة. J,R.A .S، 1910، ص 779 وما بعدها. (10) Bargstr asser فى مجلة Z.D.M.G مجلد 68 (1914) ص 409 وما بعدها (1) Die Renaissance des Islam: Mez، هيدلبرغ 1922، ص 218 - 220 أبو ريدة هفننج [W. Heffening] شاور أبو شجاع مجير الدين بن مجير السعدى، رجل من رجال الدولة الفاطميين؛ وزر للعاضد آخر الخلفاء الفاطميين ولقب بصفته هذه بلقب التشريف الملك المنصور. وكان شاور فى أول أمره فى الخدمة الخاصة للوزير الملك الصالح طلائع، وتلقى من مولاه ولاية مصر العليا متخذًا قوص مقرًا له. وكان هذا المنصب حينذاك أعلى المناصب الإدارية. وإن ما يقال من أن شاور طالب بهذا المنصب لدليل على طموحه. ويقال أيضًا إن طلائع قد جاهر وهو على فراش الموت بذمه، على أنه أسهم بصنيعه هذا فى رفعة شاور، ذلك أنه كان يخشى أن يصبح شاور مصدر تعب لابنه رزيك الذى كان على وشك أن يخلفه فى الحكم. بيد أنه، بحكم معرفته بشاور، قد نصح ولده أن يحذره وأن يحتاط كل الحيطة فى معاملة هذا الرجل الذى قد ينقلب منافسًا له. وأخذ الغريمان يكيد كل منهما للآخر ويحرص غاية الحرص على ألا يقع منه خطأ. وكانت الزلة الأولى من جانب الوزير، إذ استدعى

شاور من ولايته قبيل حلول شهر شوال سنة 557 هـ (أكتوبر سنة 1162). وكان شاور يتوقع ذلك، ولذلك نجده قد أعد للأمر عدته من قبل وحشد جنودًا غفيرة ووقف موقف الدفاع فى أرض قد ملكها أو كاد كأنما هى إقطاع له. ولم ينتظر شاور قدوم خلفه على الولاية بل صمم على أن يبدأ الهجوم، ولكنه هزم عند دلجة فى مصر الوسطى فاتخذ سبيله إلى الواحات مفكرًا فى أن يترك العدو وراءه. وأفلح شاور فى أن يجعل الناس ينسون أمره حتى ظهر فجأة فى الدلتا فى المحرم عام 558 (ديسمبر 1162) وسرعان ما جمع جيشًا عدته عشرة آلاف مقاتل بعد أن وعد الجند بالغنائم. ولم يستطع رزيك مقاومته ففر من عاصمته واعتلى شاور الوزارة فى صفر (يناير 1163) تاركًا منافسه يلقى حتفه، أو قل إنه أمر بقتله. وكانت الفترة الأولى من وزارة شاور قصيرة الأمد بسبب عدم رضا الناس عن أبنائه الثلاث: طى وشجاع وسليمان، بل لقد أدى شحهم وشططهم إلى حمل الضباط المحيطين بأبيهم مباشرة على الانفضاض عنه. وأقام ضرغام، الذى رفعه شاور إلى منصب كبير الحجاب، نفسه على رأس المتذمرين الذين كان الخليفة يشد من أزرهم سرًا. ولم يحاول شاور المقاومة بل فر إلى الشام فى غضون شهر رمضان (أغسطس). ومضى شاور إلى دمشق لائذًا ببلاط نور الدين، فزوده نور الدين بجيش يسترد به سلطانه. ووعده شاور أن يعطيه لقاء ذلك ثلث دخل مصر للإنفاق منه على الجيش. وجعل نور الدين على رأس هذا الجيش أسد الدين شيركوه، وسار شيركوه إلى القاهرة وأوقع هزيمة منكرة عند تل بسطا بما استطاع ضرغام أن يجمعه من الجند الذين كانوا غير أهل للاعتماد عليهم. وما إن دخل العاصمة فى جمادى الآخرة سنة 559 هـ (مايو 1164) حتى استعاد شاور منصب الوزارة. وسرعان ما ثارت المتاعب بين شيركوه وشاور. ويتهم البعض شيركوه بالخيانة، فى حين يتهمه آخرون بأنه لم يف بالتزاماته قبل نور الدين. ومهما يكن من شئ فقد وقعت بعض مناوشات عرّضت سلطان شاور

للبوار، فاستنجد بآمورى Amaury مبينا للفرنجة خطر التمكين لعدوهم نور الدين من الاستقرار فى مصر، وقبل الفرنجة عن طيب خاطر -بعد أن وعدهم شاور بتعويضهم عما قد يلحق بهم من ضرر- ما تقدم به من عروض مؤملين أن يتمكنوا من فتح مصر لحسابهم. وحوصر شيركوه فى بلبيس وكادت مؤونته أن تنفد فقبل الشروط التى قدمت إليه للعودة إلى الشام. على أن الفرنجة تأثروا من ناحيتهم باستيلاء نور الدين على حارم فلم يلبثوا أن غادروا البلاد. وفى عام 562 هـ (1167 م) أغار شيركوه مرة أخرى على مصر وهزم شاور وتحالف من جديد مع الفرنجة عند بابين فى مصر الوسطى بالقرب من الأشمونين (25 من جمادى الآخرة عام 562 الموافق 18 أبريل عام 1167). غير أن هذه الهزيمة لم تؤد إلى نتيجة حاسمة، واستطاع شاور أن يجمع شمل جنوده وأن يحاصر شيركوه فى الإسكندرية، وباستيلائه على هذه المدينة أفلح فى حمل شيركوه على مغادرة البلاد مرة أخرى. على أن المعاهدة التى عقدت مع الفرنجة كانت عبئا ثقيلا على الفاطميين. ذلك أنهم لم يكتفوا بأداء جزية سنوية للفرنجة، بل اضطروا إلى أن يسمحوا بأن تحتل جنودهم مراكز القاهرة، وأن يكون لهم فيها ما يشبه المندوب السامى (شحنة). وفى عام 564 هـ (1168 م) أرسل نور الدين شيركوه إلى مصر للمرة الثالثة بغرض إجلاء الفرنجة عن البلاد، وكانت مطالب الفرنجة قد أدت إلى قيام وحشة بينهم وبين شاور. وحاصر الفرنجة شيركوه فى مدينتى القاهرة والفسطاط؛ وأشعل شاور النيران فى هذه البقعة التى لم يستطع الدفاع عنها. وتخلص شاور مرة أخرى من متاعبه بالتفاوض مع الفرنجة ودفع ثمن رحيلهم عن البلاد. غير أن مركزه الخاص كان قد تحرج لأن سياسة التوازن بين الفرنجة والشآميين لم تعد بعد ممكنة. ثم إن الخليفة العاضد كان فى الوقت نفسه قد تقرب شخصيا من نور الدين، وبدأ شيركوه العمل بأن طلب من شاور أن ينفذ شروط المعاهدة المعقودة بينهما، ثم إن مراوغة شاور جعلت حاشية شيركوه وخاصة ابن أخيه صلاح الدين تقرر موته، ومن ثم استدرج شاور إلى كمين بالقرب من

المصادر

قبر الإمام الشافعى وقتل بيد صلاح الدين والضباط من بطانته، وكان ذلك فى السابع عشر من ربيع الثانى عام 564 هـ الموافق 18 يناير عام 1169. وكان شاور على وجه التحقيق آخر رجل من رجال الدولة الفاطمية التى كان ظهور شيركوه مؤذنا باضمحلالها. وقد امتدحه الشاعر عمارة اليمنى، إلا أنه بالرغم من ذلك قد اشتهر بالخداع والقسوة. ووصفه أحد الكتاب المسيحيين بأنه رجل قدير متمرس على الحروب والخدع والمؤامرات والمناورات. المصادر: (1) Historiens or, des Croisades, الفهرس، جـ 1، ص 815. (2) Oumara: Derenbourg جـ 2، القسم الفرنسى، الفهرس، ص 396. (3) ابن خلكان، طبعة بولاق، جـ 1، ص 167 - 278. (4) ياقوت: إرشاد الأريب، جـ 1، ص 420. (5) أبو شامة، جـ 1، ص 130 - 132، 143 - 145، 147، 154 - 159، 164 - 172، 180، 199، 225 - 227. (6) Michael the Syrian جـ 3، ص 752، 328، 333. (7) الإدفوى: الطالع السعيد، ص 49. (8) القلقشندى: صبح الأعشى جـ 10، ص 310 - 325. (9) كمال الدين: تاريخ حلب، ترجمة Blochet، ص 36 - 38. (10) المقريزى: السلوك، ترجمة Blochet، ص 100 - 101. (11) المقريزى: الخطط: و M.I.F.A.O؛ جـ 2، ص 5؛ جـ 3، ص 189 - 190؛ جـ 4، ص 32 - 33، جـ 5؛ ص 2 وفصل 16 تعليق 13؛ بولاق، جـ 2؛ ص 12 - 13؛ 194؛ 233؛ 251، 369، 415، 496. (12) أبو المحاسن: النجوم الزاهرة، طبعة Popper؛ جـ 3، ص 76 - 69. (13) ورد اللطافة؛ ص 22 - 24. (14) ابن إياس، جـ 1، ص 67 - 68. (15) على باشا مبارك: الخطط الجديدة جـ 1، ص 13، 18؛ جـ 2، ص 83؛ جـ 3 ص 106. جـ 4، ص 5. (16) Hist des Croisades: Michaud جـ 2، ص 266 - 283. الشنتناوى [فيت G. Weit]

الشاوى

الشاوى (نسبة إلى شاوية أبو العباس أحمد محمد: من أشهر أولياء (سادة) فاس، توفى بها فى يوم الاثنين السادس والعشرين من المحرم عام 1014 (الموافق 23 يونية عام 1605) ودفن بالزاوية التى لا تزال تحمل اسمه فى حى السياج. وقد ذكر كتّاب سير الأولياء المراكشيين كثيرا من أخباره. وجمع أبو محمد عبد السلام القادرى المشهور (1058 - 1110 هـ = 1648 - 1698 م) مجموعة من مناقبه بعنوان "معتمد الراوى فى مناقب ولى اللَّه سيدى أحمد الشاوى". المصادر: (1) الإفرانى: صفوة من انتشر، طبعة حجرية بفاس ص 36. (2) القادرى: نشر المثانى، طبعة حجرية بفاس عام 1310 هـ، جـ 1، ص 96. (3) الكتانى: سلوة الأنفاس، طبعة حجرية بفاس عام 1316 هـ، جـ 1، ص 274 (4) Une ville de L'islam: Fes Gaillard باريس 1905، ص 128 (5) Recherches. bibliographiques: Rene Basset ص 27، رقم 71. (6) Les Historiens des Chorfa: E.Uvi Provencal باريس 1902, ص 278. الشنتناوى [ليفى بروفنسال E. Levi-provencal] الشبلى أبو بكر دُلف بن جَحْدَر: صوفى سنى، ولد عام 247 هـ (861 م) ببغداد من أسرة أصلها من بلاد ما وراء النهر، توفى ببغداد أيضا عام 334 هـ (945 م) وكان فى أول أمره عاملا (وواليا على دوماند) فلما بلغ الأربعين انصرف إلى الزهد متأثرا بخير النساج صاحب الجنيد. وقد جاء الشبلى جماعة الصوفية فى بغداد بحماسة يشوبها فى بعض الأحيان استخفاف بما يجرى عليه الناس. أجل حماسة الرجل الهاوى لا الرجل المتمرس، الجرئ فى الأقوال أكثر من

جرءته فى الأفعال (¬1). وقد روعته النهاية المحزنة التى انتهت إليها محاكمة صديقه الحلاج فأنكر أمره أمام الوزير، ويقال إنه عابه من تحت الخشبة التى صلب عليها. ثم سار الشبلى فى ظاهر حياته سيرة غريبة الأطوار من حيث الأقوال والأفعال، ويجوز أن يكون ذلك عن قصد وحيلة (بسبب وخز الضمير أو رغبة فى تفادى اضطهاد متوقع) ويجوز أن يكون عن غير وعى (بسبب زهد جاوز الحد) مما أدى إلى اعتقاله حينا فى مستشفى المجانين ببغداد. وكان هناك يحب الكلام فى التصوف أمام زوار من كبار الناس. ولم يخلف الشبلى مؤلفات، لكن أقواله أو "إشاراته" موجودة بين المجموعات المأثورة الحاوية للشطحات كما توجد أيضا حكاية أطواره الغريبة وضروب أفعاله المضحكة أو المضرة بالصحة التى كان يريد بها قدع النفس وتحطيم كبريائها مكل الاكتحال بالملح لكى يعتاد السهر ولا يأخذه النوم. والشأن الذى ينسب للشبلى فى الحكايات التى نسجت حول الحلاج مهم جدا، فالظاهر أنه كان يعظم الحلاج فى السر بعد أن أنكر عليه ذلك فى العلن. أما آراؤه فهى من حيث العقيدة آراء الجنيد، وكان فى الفقه على مذهب مالك، ولذلك لم يتعرض لأذى أثناء حياته، وهو بعد مماته قد عد من أهل السنة، والجماعة عند الفقهاء الذين كانوا فى العادة شديدى العداوة للتصوف. والشبلى من حيث مكانه فى السلسلة القديمة لسالكى الطريق هو حلقة الوصل بين الجنيد والنصر آباذى (¬2) وقد كان النصر آباذى فى الحقيقة تلميذا له. ¬

_ (¬1) هذا ما يقوله كاتب وهو غير كاف حتى فى لغته الأصلية لبيان ما اختص به الشبلى. فنحن لو نظرنا مثلا فيما ذكر. السراج فى كتاب اللمع بن أحوال الشبلى لرأينا فى الكلمات التى صدرت عنه تدل على أنه أحيانا يعبر عما يغلب على قلبه من "تجريد التوحيد وحقيقة التفريد" (اللمع ص 396، 397، 398) ولوجدنا أن من الأطوار الغريبة التى يشير إليها كاتب المقال ما يدل على احتقار للأشياء التى تشغل الناس وتستولى على اهتمامهم أو على احتقار المال وانفاقه ثقة بما عند اللَّه؛ فمن ذلك أنه أخذ قطعة عنبر ووضعها على النار وصار يبخر بها تحت ذنب حمار، وأنه باع عقارًا له بمال كثير فلم يقم من موضعه حتى كان قد نثره وفرقه على الناس مع أنه كان له عيال ولم يعطهم من ذلك شيئا. وللشبلى إشارات لطيفة (اللمع ص 404 - 405) -إن هذا كله يعطى فكرة أوضح مما فى عبارة كاتب المقال. المترجم (¬2) أبو القاسم إبراهيم بن محمد النصر آباذى المتوفى سنة 396 هـ. المترجم

المصادر

وقبر الشبلى يزار إلى اليوم فى الأعظمية ببغداد. وهو على مقربة من قبر أبى حنيفة. المصادر: (1) السراج: اللمع، طبعة نيكلسون، ص 395 - 406، والفهرس (انظر القبلى: الشطحيات) (2) القشيرى: الرسالة، القاهرة 1218 هـ ص 30؛ ترجمة هارتمان R.Hartmann الفهرس. (3) المرى: رسالة الغفران، القاهرة، ص 206 (4) الهجويرى، كشف الحجوب، ترجمة نيكلسون، ص 155 - 156 الفهرس. (5) ابن الجوزى، تلبيس إبليس، القاهرة 1340 هـ، ص 216، 268، 361 - 362، 383 - 386. (6) العطار، التذكرة طبعة نيكلسون، جـ 1 ص 102 - 182. (7) L. Massignon: bassion d' ALHallaj، ص 41 - 43، 306 - 310، والفهرس. (8) المؤلف نفسه: Mission au Mesopotamie، القاهرة 1912 م، جـ 2، ص 80 - 81 (لمعرفة حالة قبر الشلبى فى الوقت الحاضر). أبو ريدة [ماسينيون L. Massignon] الشبلى (نسبة إلى الشبلية وهى قرية فى أشروسنة من المدائن له وراء النهر Frausoxanis): سراج الدين أبو حفص عمر ابن إسحاق بن أحمد الغزنوى الدولتا آبادى الهندى الحنفى: فقيه مشهور ولد حوالى عام 714 (ولا شك أن له ذكر من أنه ولد سنة 704)، درس الشبلى الفقه على وجيه الدين الدهلوى الرازى، وشمس الدين الدولى الخطيب، وسراج الدين الثقفى الدهلوى، وركن الدين البداؤونى تلاميذ أبى القاسم التنوخى المتوفى سنة 670 هـ، ودرس الحديث على أحمد بن منصور الجوهرى وغيره. وجاء مصر ولد 740 هـ وأصبح نائبا لجمال الدين التركمانى إذ جعله حاكما. ثم أقيم بفضل نفوذ يلبغا قاضيا للعسكر. ولما توفى

التركمانى فى شعبان سنة 769 ولى الشبلى منصب قاضى قضاة مصر وظل شاغلا هذا المنصب حتى أدركته منيته فى السابع من رجب عام 773. وكانت للشبلى ميول صوفية، فقد اتصل وهو بمكة بالخضر وكان يعد من مريدى ابن الفارض (انظر ما يلى) وأشهر آثاره هى: (1) "التوشيح"، وهو شرح على الهداية للمرغينانى (انظر بروكلمان، جـ 1، ص 376, رقم 24) (2) شرح آخر على "الهداية" كتبه متبعا طريقة القياس المنطقى (3) "الشامل فى الفقه" ويبحث فى الفروع (4) "زبدة الأحكام فى اختلاف الأئمة الأعلام" (5) شرح على "بديع النظام فى أصول الفقه" للساعاتى (انظر بروكلمان، جـ 1 ص 383؛ رقم 49) (2). (6) شرح على "المغنى فى الأصول للخبازى (انظر بروكلمان، جـ 1 ص 382، رقم 48) (7) "الغرَّة (والظاهر أن هذا هو الصواب) المنيفة فى ترجيح مذهب أبى حنيفة". (8) كتاب فى فقه الخلاف. (4) شرح على "الزيادات" للشيبانى (انظر بروكلمان جـ 1، ص 382، رقم 48) (2). (10) شرح غير كامل على كتابه "الجامع الكبير"، وهو نفسه كتاب "مختصر التلخيص"، المصدر السابق رقم 3، وهو محفوظ بخطه: ويقال إن هذا المصنف كان يشمل فى الأصل أيضا كتاب "الجامع الصغير". (11) شرح على "التائية" لابن الفارض (انظر بروكلمان، جـ 1، ص 262 رقم 8). (12) كتاب فى "التصوف". (13) شرح على "المنار فى الأصول" للنسفى (انظر بروكلمان، جـ 2، ص 196, رقم 1، جـ 1). (14) شرح على "المختار فى الفتاوى" للبلدجى (انظر بروكلمان، جـ 1، ص 382، رقم 147).

المصادر

(15) "لوائح الأنوار فى الرد على من أنكر على العارفين لطائف الأسرار" (16) "عدة الناسك فى المناسك" (17) شرح على "العقيدة" للطحاوى (انظر بروكلمان، جـ 1، ص 174, رقم 174 حيث ذكر المخطوط) (18) اللوامع فى شرح جامع الجوامع" للسبكى (انظر بروكلمان جـ 2، ص 89 تعليق رقم 1) (19) ونذكر أخيرا مجموعة من فتاواه. ويمكن الرجوع إلى بروكلمان (جـ 2، ص 80، رقم 9) فيما يتصل بمخطوطات الكتب التى بقيت من مصنفات الشبلى. المصادر: (1) Geschichte der arahischen litteratur: Brockelmann المواضع المذكورة حيث توجد مصادر أخرى (2) اللكنوى: الفوائد البهية فى تراجم الحنفية، سنة 1324 هـ، ص 148 وما بعدها. وانظر فيما يختص بالأعيان الآخرين الذين يعرفون باسم الشبلى ومن بينهم المتصوف المشهور كتاب الأنساب للسمعانى، ص 329، س 9 وما بعده. (3) معجم ياقوت، طبعة فستنفلد، جـ 23، ص 256 (4) Brockelmann، جـ 1، ص 199، رقم 6 (5) al-Hallaj: Mossignon فى مواضع مختلفة (انظر الفهرس) (6) Isi، جـ 15، ص 121 الشنتناوى [يوسف شاخت Joseph Schacht] شبلى النعمانى كاتب أوردى ومؤرخ ولد إبان ثورة الهند عام 1857 فى قرية على مسيرة ثمانية أميال من أعظم كره من أعمال البنغال المتحدة، وهى التى عاش فيها أسلافه قرابة ثلثمائة عام يتولون منصب "زميندار". وكان أبوه شيخ حبيب اللَّه وكيلا فى أعظم كره ذا خبرة فقهية طيبة. وقد درس شبلى العلوم الإسلامية فى بيته على العالم المشهور محمد فاروق من أهل جيرا ياكوت، ثم درس الفقه على المولوى إرشاد حسين

فى رامبور. وشخص شبلى 1289 هـ (1872 م) إلى لاهور حيث تخصص فى الأدب العربى على يد العالم المستعرب النابه الأستاذ فيض الحسن. ولما عاد من لاهور تخصص فى الحديث على المولوى أحمد على من أهل سهارنيور ثم مضى إلى ديو بند حيث درس الفرائض فى ستة أسابيع أو نحوها. وفى عام 1880 جاز امتحان الوكيل؛ واشتغل بالقانون فى أعظم كره وبستى أشهرًا قليلة؛ ثم عمل ناسخا وأمينًا فى إقليم أعظم كره مدة قصيرة؛ ومارس من بعد تجارة النيلة؛ على أنه لم يرض عن شئ من ذلك كله؛ وأثناء إقامته مع أخيه الأصغر الذى درس فى عليكره؛ قدم إلى السير سيد أحمد فأقامه مدرسًا فى المدرسة الكلية ثم عينه بعد ذلك بقليل أستاذًا للعربية والفارسية (أول فبراير عام 1882). وكان اتصاله بالسير سيد ذا أثر بالغ فى النشاط الأدبى لهذا الشاب، إذ سرعان ما عرف كيف يستعمل معلوماته التى جمعها خلال السنوات الماضية من حياته. وفى عام 1892 خرج فى رحلة إلى الشرق الأدنى للتعرف على أحوال الأدب والتعليم فى هذه المنطقة، فزار الآستانة، وبيروت، وبيت المقدس والقاهرة، وغيرها من البلاد؛ وأجرى عليه نظام حيدرآباد فى عام 1314 هـ (1896 م) معاشًا ليتفرغ للأدب فاعتزل الأستاذية عام 1898. وكان شبلى مديرًا لدائرة العلوم والفنون بحيدرآباد من إبريل عام 1901 حتى يناير عام 1905 وسكرتيرًا شرفيا لندوة العلماء بدار العلوم فى لكهنؤ (1905 - 1913) وكان أيضا سكرتيرًا شرفيًا لجمعية "انجمن ترقى أوردو" ردحا من الزمن وتوفى شبلى عام 1914 ولم يلبث تلاميذه أن أنشئوا إحياءً لذكراه دار المصنفين فى أعظم كره وبها مكتبة ودار نشر وجريدة شهرية تنطق بلسانها. وآثار شبلى هى: بالأوردية: (1) مسلمانون كى كذشته تعليم؛ آكره؛ 1887 (2) المأمون؛ وهى سيرة الخليفة المأمون،

المصادر

آكره 1887 (3) سيرة النعمان، وهى سيرة أبى حنيفة، آكره 1891 (4) الجزية: بحث فى أصل هذه الكلمة؛ أكره 1891 (الترجمة الانجليزية؛ عليكره) (5) كتابخانة إسكندرية، آكره 1891 (الترجمة الإنجليزية؛ حيدرآباد) (6) سفرنامه؛ آكره 1893 (الفاروق، وهى سيرة الخليفة عمر، كانبور 1899 (8) الغزالى، وهى سيرة الإمام الغزالى؛ كانبور 1903 (9) علم الكلام؛ عليكرة 1903 (10) الكلام؛ كانبور 1903 (11) سوانح مولانا الرومى، لكهنؤ 1902 (12) موازنة أنيس ودبير، وهو نقد لشاعرين أورديين آكره 1906 (13) شعر العجم جـ 1 - 4؛ عليكرة 1909 - 1912؛ جـ 5 غير تام؛ أعظم كره عام 1919 (14) سيرة النبى، جـ 1، 2 كانيور عام 1919 - 1920؛ جـ 3 غير تام أعظم كره (15) كليات أوردو أشعار (16) رسائل شبلى (17) مقالات شبلى (18) مكاتيب شبلى فى مجلدين (وجميعها نشرت حديثًا فى أعظم كره). بالفارسية: (1) كليات (أشعار) أعظم كره. بالعربية: (1) الجزية؛ عليكرة (2) الانتقاد على التمدن الإسلامى لجورجى زيدان؛ لكهنؤ. المصادر: (1) AHistory of PerSian Literature under Tartar Dominion: E.G. Browen كمبردج سنة 1902، ص 108، 109، 261، 265، 266، 267، 269، 271، 273، 274، 280، 289، 291 - 293، 296، 298 (2) The preaching of Islam: T.W. Arnold، الطبعة الثانية، لندن سنة 1913 ص 9 (3) رحمان على: تذكرة علما هند، الطبعة الثانية، لكهنؤ سنة 1914، ص 192 وما بعدها. (4) محمود خان شيرانى فى أوردو، أورنكآ باد سنة 1921 وما بعدها؛ جـ 2، ص 483 وما بعدها؛ جـ 3، ص 1 وما بعدها، ص 463 وما

شبيب

بعدها، جـ 4، ص 171 وما بعدها، جـ 6، ص 1 وما بعدها (5) سيد عبد اللطيف: The Influence of English Literature on Urdu Literature لندن سنة 1924 (ليست أقواله دقيقة دائمًا) ص 47، 73، 81، 91 - 93، 94، 102، 115، 120، وما بعدها، 124. الشنتناوى [أ. صديقى A.Siddiqui] شبيب ابن يزيد بن نعيم الشيبانى، زعيم من زعماء الخوارج، أصله من إقليم الموصل الذى نزحت إليه أسرته من واحة اللصف فى صحراء الكوفة. وقد ولد شبيب فى شهر ذى الحجة سنة 25 (سبتمبر/ أكتوبر سنة 646 م) أو سنة 26 (سبتمبر/ أكتوبر سنة 647 م)، وانضم فى أوائل سنة 76 هـ (695 م) إلى صالح بن مسرج زعيم الخوارج فى دارا بين نصيبين وماردين، فلما قتل صالح عند قرية المدبج بين الموصل والعراق فى السابع عشر من جمادى الأولى (2 سبتمبر سنة 695 م) إبان وقعة خاضها مع جيش الحجاج الذى كان يقوده الحارث بن عميرة الهمدانى تولى شبيب القيادة وشق طريقه بالجيش القليل العدد الذى بقى له إلى الأرض التى على مشارف الموصل، وأثبت شبيب شدة مراسه فى حرب العصابات طوال المدة التى ظل القتال فيها ناشبا بينه وبين جيش الدولة، فقد كان لا يلبث بحال فى مكان بعينه بل يغير باستمرار مكان إقامته، وكان على صلة طيبة بالنصارى من أهل هذا الإقليم، فسهل عليه أن يجد مأوى لجيشه الذى حرص دائمًا على أن يكون قليل العدد جدا. وإن كانت روايات المؤرخين العرب عن قلة أتباعه إذا قورنوا بجيش الدولة الجرار يشوبها فيما يظهر شئ من المبالغة. وكان شبيب دائما على علم تام بحركات عدوه، وقد أوقع الهزيمة بعنزة وبنى شيبان ثم حمل أمه التى كانت تقيم على سفح جبل ساتيدما قرب الموصل وأوغل جنوبًا، وهزم سفيان بن أبى العالية الخثعمى فى خانقين كما هزم سورة بن أبجر (الحر) التميمى فى النهروان، فحشد الحجاج من فوره

جيشًا جديدًا أمر عليه الجزل بن سعيد الكندى؛ واصطنع الجزل أشد الحذر فى تتبع عدوه الخطر، فكان دائمًا أبدًا متأهبًا لا تغمض له عين يقضى الليل متحصنًا؛ وشن شبيب هجومًا باء بالخيبة، على أن الحجاج كان يريد نهاية سريعة لهذا القتال الطويل فولى سعيد بن المجالد الهمدانى وأمره بأن يحمل على شبيب لتوه، إلا أنه لقى حتفه، ولم يستطع خلفه سويد بن عبد الرحمن السعدى شيئًا، وظهر شبيب فجأة أمام الكوفة فى اليوم نفسه. الذى عاد فيه الحجاج من رحلة إلى البصرة، ولم يكتف بذلك بل دخل الكوفة ليلا وقرع باب الحصن قرعًا عنيفًا، ولكنه عاد فاختفى فى صبيحة اليوم التالى، فأنفذ الحجاج كتيبة من الفرسان تحت إمرة زحر بن قيس الجعفى لقتاله، إلا أن زحر منى بالهزيمة فى السيلحون، وخلفه زائدة بن قدامة إلا أنه سقط صريعًا فى روذبار ومن ثم هدد شبيب المدائن؛ وجهز فى الحال جيشا جديدًا أمّر عليه عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث الكندى الذى نهج نهج الجزل فى الحذر، ولم يفلح عبد الرحمن فى الوصول إلى نتيجة حاسمة فقد صبر الحجاج واستبدل به عثمان بن قطن الحارث فهزم عثمان وقتل فى شهر ذى الحجة سنة 76 هـ (مارس سنة 666 م) على نهر حولايا. وبينما كان شبيب يقضى الأشهر الثلاثة التالية فى الجبال، عاد الحجاج فجمع جيشًا قويًا ولى عليه عتاب بن ورقاء الرياحى، وفى هذه الأثناء سقطت المدائن فى يد شبيب دون أن يضرب فى سبيلها ضربة واحدة، ولم يلبث أن حمل على الجيش الذى أنفذ لقتاله فى سوق حكمة قرب الكوفة، ولقى عتاب مصرعه وكتب الفوز لشبيب مرة خرى، وعاد يهدد الكوفة من جديد، على أن الحجاج كان قد استنجد بالخليفة وسرعان ما خف إليه أربعة آلاف رجل تحت إمرة سفيان ابن الأبرد الكلبى، ونشبت مرة أخرى معركة عند الكوفة دارت فيها الدوائر على شبيب فاضطر إلى الفرار ملتمسًا النجاة بنفسه، ثم نشبت معركة فى الأنبار كان فيها القتال سجالا شخص بعدها شبيب إلى جوخا أى إلى منطقة النهروان، على أنه لم يبق فيها طويلا بل قصد كرمان، ولما اقترب الشآميون

المصادر

الذين كانوا يطاردونه مضى للقائهم وعبر نهر دجيل إلى الأهواز ليحمل على سفيان، بيد أنه أكره على الارتداد بعد أن قالو قتال المستميت وغرق وهو يعبر النهر (ولعل غرقه كان فى أواخر سنة 77 هـ = ربيع سنة 697 م)؛ وكانت هيئة شبيب تتفق مع مغامراته التى تبلغ مبلغ الأساطير، فقد كان فارع الطول، وقيل إنه كان ينعم بقوة بدنية خارقة. المصادر: (1) ابن خلكان، طبعة فستنفلد Wustenfeld، رقم 287؛ ترجمة ده سلان de Slane، جـ 1، ص 616 وما بعدها. (2) الطبرى، طبعة دى غوى de Goje، جـ 2، انظر الفهرس. (3) ابن الأثير: الكامل طبعة Tornberg، جـ 4، ص 317 - 336 و 338 - 352. (4) اليعقوبى: التأريخ، طبعة هوتسما Houtsma، جـ 2، ص 328. (5) المبرد: الكامل، طبعة رايت Wright، ص 671 وما بعدها (6) Weil: Gesch. der Chalifen جـ 1، ص 434 وما بعدها و 438 - 442. (7) Wellhausen: Die relogio-politis chen Oppositionsparteien im alten Islam, ص 42 - 48. (8) المؤلف نفسه: Das arabische Reich and sein sturz ص 143 وما بعدها. صبحى [تسترشتين K.V.Zettercteen] شجرة الدر شجرة الدر: وقد اشتهرت بأنها المرأة الوحيدة التى جلست على عرش مصر فى العهد الإسلامى، وكانت أحب أمة إلى قلب الملك الصالح أيوب بعث بها إلى ابن عمه الملك الناصر داود سنة 620 هـ (1223 م) أثناء سجنه وغدت سلطانة بعد أن ولدت ولدًا سمته خليلًا فلقبت بأم خليل، وتوفى خليل وهو فى السادسة من عمره أو نحوها. ولما توفى أيوب فى المنصورة سنة 647 هـ (1249 م) أثناء الحرب مع لويس التاسع ملك فرنسا أخفت نبأ وفاته وأرسلت فى طلب ابنه الملك العظيم

طوران شاه من الجزيرة، ولم تعلن وفاة السلطان أيوب إلا بعد وصول ابنه. وقد عاملها طوران شاه معاملة شائنة بدلا من أن يعترف لها بالجميل ومنذ أن بلغ طوران الرشد لم يقم فى مصر مدة طويلة فى أى وقت من الأوقات ولم يستطع الاتفاق مع المماليك، فقد كان غير قادر على الاضطلاع بأى عمل جدى فى تلك الأيام العصيبة، وعاش عيشة ترف وبذخ مع مماليكه الذين جاء بهم من بلاد ما بين النهرين؛ وقد أوغر طوران شاه صدر شجرة الدر وخاصة أنه طالبها ببيان عن ثروة أيوب التى زعمت أنها أنفقتها فى الحرب مع الفرنجة. وأدى سخط الناس إلى مؤامرة دبرت لطوران شاه انتهت بقتله فى أوائل سنة 648 هـ (1250 م). وكان أتباع شجرة الدر قد وثقوا فى حكمتها وقدرتها فولوها مقاليد الحكم. وقبلت اختيارهم واتخذت لنفسها على السكة وفى المراسيم الألقاب: المعتصمية (مولاة الخليفة المعتصم فى بغداد) والصالحية (أمة الصالح أيوب) أم خليل (نسبة إلى ابنها المتوفى) عصمة الدنيا والدين وملكة المسلمين. وقد نصب الأمير أيبك الذى كانت وثيقة الصلة به الأتابك الخاص بها (أى القائد العام لجيشها) وقد اعترف القوم فى مصر بها إلا أن الأمراء الشآميين رفضوا ذلك وسلموا دمشق إلى الملك الناصر يوسف الثانى، وانحاز الخليفة إلى الشآميين وأمر الأمراء المصريين بأن يختاروا لهم سلطانًا ولم يستطع المصريون أن يتجاهلوا هذا الأمر فاختاروا فى السنة نفسها الأتابك عز الدين أيبك وولوه أمرهم. ومن ثم تزوج شجرة الدر. وقد بقيت منفردة بالحكم 80 يومًا: على أن أمراء الشام الأيوبيين لم تهدأ ثائرتهم فاختير سليل من أسرتهم هو موسى ابن حفيد الكامل سلطانًا يشاركه عز الدين الحكم، وكان موسى صبيًا فى السادسة ولذلك لم يكن له بطبيعة الحال أى نفوذ. على أن اسمه ظهر على السكة وفى المراسيم، ونفى بعد ذلك بأربع سنوات فقصد الآستانة حيث رحب به السلطان. وبينما كان أيبك منصرفا كل الانصراف أو يكاد إلى حملاته على سلطان حلب أو المماليك المتمردين مقيما فى الصالحية قرب الحدود السورية، كانت الملكة تحكم فى القاهرة لا يحد من

المصادر

سلطانها أحد؛ لم يكن إلا مواجهة مماليك زوجها الأول المستهترين الجشعين، ولو كان فى ذلك تعارض مع مصلحة أيبك. وقد دفعها تعطشها إلى الجاه والسلطان إلى منعه من زيارة زوجته الأولى وابنه، ولما علمت بعد أنه يفكر فى الخلاص منها ويسعى إلى الزواج بأميرة من بلاد ما بين النهرين من بيت زنكى عرضت على أمير حلب أن يتزوجها وكان هذا بمثابة سباق بين الاثنين يسعى فيه كل منهما إلى الخلاص من الآخر أولا. واستطاعت بما أظهرته لأيبك من ود عظيم أن تقضى على الشكوك التى تعتلج فى نفسه وأن تستدرجه إلى مقرها فى قلعة القاهرة، وهناك قتله مملوكان مخلصان فى حمامه بذلك القصر (655 = 1257 م) وقبل إنها ضربته بقبقاب عندما هاجمه المملوكان واستنجد بها، وقيل أيضا إنها ندمت وحاولت عبثا أن تحول دون قتله، ولكنها لم تفلح فى أن تجد ضابطا من المماليك يشاركها المسئولية، فقد تحول عنها الجميع مشمئزين من القاتلة، وقبض عليها الفريق الآخر وضربتها إماء زوجة أيبك الأولى بالقباقيب حتى ماتت، وقد ألقى جثمانها فى خندق القلعة وظل أياما لا يدارى سوءته حد، ثم دفن من بعد فى الضريح الصغير الذى لا يزال قائما فى القاهرة. لقد كانت شجرة الدر أقوى امرأة شهدها العصر الإسلامى، على أنها لم تفعل شيئا من الخير خلال حكمها. المصادر: (1) أبو الفداء فى Recuiel des historiens des croisades. Hist. Orientaux، جـ 1، فى مواضع متفرقة. (2) المقريزى: الخطط، جـ 2، ص 237 - 248. (3) السلوك. ترجمة Quatremere، جـ 1، ص 72 وما بعدها. (4) Geschichte der Chalifen: Weil، جـ 3، ص 483 - 487؛ جـ 4، ص 4 - 8؛ وانظر فيما يتصل بقبرها M.I.F.A.O جـ 19، ص 111 وما بعدها و 728 (مع بعض التعليقات الهامة عن السلطانة بقلم بعض الكتاب الأوربيين فى Anm جـ 3) و 730 صبحى [سوبرنهايم Sobernheim]

شداد، بنو

شداد، بنو كان بنو شداد الذين لم يسجل لنا التاريخ عنهم إلا القليل، يحكمون أرّان من سنة 340 هـ إلى سنة 468 هـ (951/ 952 = 1075/ 1076 م) حين كان معظم البلاد قد فتحها ملكشاه وضمها إلى أملاكه، على أن أفرادا من هذه الأسرة ظلوا يتولون أمر نواح مختلفة مثل كنجه وآنى اللتين اشتروهما من السلاجقة، وظلت الحال على ذلك حتى أواخر القرن السادس الهجرى (الثانى عشر الميلادى) على الأقل. والراجح أن بنى شداد كانوا من الكرد؛ وكانت أهم المدن التى تشتمل عليها أرّان هى: كنجه، وتفليس ودمرقيو، وقره باغ، وكان يطلق على أهل البلاد اسم اللكز أو اللسغيون. وقد حدث فى سنة 337 هـ (948 م) أن وقع السلّار مرزبان محمد حاكم آذربيجان المسافرى فى الأسر أمام أسوار الرى فشاع الاضطراب فى تلك البلاد. وكان كل زعيم له أتباع يقيم نفسه واليًا مستقلا على مدينة أو ناحية ما، وكان من بين هؤلاء رجل يدعى محمد بن شداد بن قرطو، وما إن حلت سنة 340 هـ (951 م) حتى استطاع هذا الرجل أن يقيم نفسه حاكمًا على دبيل أول الأمر، ثم غدا حاكمًا على آذربيجان بالفعل دون الاسم، وظل يحتفظ بها فيما يظهر مصونة حتى سنة 344 هـ (955 م) وهنالك أخذ سلطانه فى الاضمحلال؛ وفى سنة 360 هـ (970 م) خلفه ابنه فى ولاية أرّان فحسب، وكان يلى أمر كنجه حوالى هذا الوقت والٍ يسمى فضلون لعله كان أخا محمد بن شداد. وكان ابن محمد بن شداد بن قرطو هو أبا الحسن على بن جعفر لشكرى الذى حكم ثمانى سنوات وخلفه أخوه مرزبان الذى تولى الحكم سبع سنوات ثم قتله أخ ثالث لهما اسمه فضل بن محمد حسين وهو فى رحلة للصيد، وقد حمل فضلون الناس على محبته بحكمه الصالح، ومن أعماله المشهودة بناء جسر عظيم على نهر الرس؛ وتوفى فضلون سنة 422 هـ (1031 م) بعد أن حكم 47 سنة، وخلفه ابنه أبو الفتح موسى الذى دام حكمه ثلاث سنوات، خلفه بعدها على عرش البلاد

سلاطين دولة بنى شداد

ابنه أبو الحسن على بن موسى لشكرى الذى ظل فى الحكم حتى أدركته المنية سنة 440 هـ (1048 م)؛ وكان أبو الحسن هذا من أنصار الشاعر قطران فى كنجه. وقد خلفه ابنه نوشروان الذى توفى بعد ذلك بثلاثة أشهر فخلفه أبو الأسوار شاور بن الفضل الذى نعرف عنه أكثر مما نعرف عن غيره من أفراد هذه الأسرة، ذلك أن قابوسًا ذكره أكثر من مرة فى كتابه قابوس نامه. ويقول ابن الأثير إنه أقسم على التحالف مع طغرل عندما زار طغرل كنجه سنة 446 هـ (1054 م) بعد غزوه لتبريز، وتوفى أبو الأسوار سنة 459 هـ (1067 م). فخلفه ابنه الفضل الثانى منوجهر. ويتحدث قابوس (المصدر المذكور) فى تناوله حوادث 468 هـ (1075 م) عن فضلون بن أبى الأسوار حديث الشئ الماضى، ومن ثمّ يبدو لنا أنه بموت فضلون هذا وضم ملكشاه أرّان إلى أملاكه انتهى استقلال بنى شداد؛ ويشق علينا كثيرًا أن نتتبع بعد تاريخ هذه الأسرة. والمظنون أن فضلون الذى نحن بصدده هو المولى صاحب هذا الاسم الذى وجه إليه قطران الحديث مرارًا، وهو أيضًا موضع حكايات كثيرة وردت فى قابوس نامه، والظاهر أنه كان يحكم كنجه وآنى وتوفن. ويقول خانيكوف (Bull Acad. petr: Khanikof سنة 1849، جـ 1، ص 195) إنه كان للفضل الثانى منوجهر ولدان هما فضلون الذى كان أميرًا على كنجه عندما استولى عليها ملكشاه سنة 481 هـ (1088 م) وأبو الأسوار الثانى شاور الذى كان أميرًا على آنى عندما استولى عليها داود المجدّد سنة 518 هـ (1124 م)؛ وكان لأبى أسوار الثانى شاور ابن اسمه محمود أعقب ابنا يدعى كاى سلطان نعرفه من نقش عثر عليه فى آنى وتاريخه 595 هـ (1198 م) حيث سمى نفسه كاى سلطان بن محمود بن شاور منوجهر الشدادى. سلاطين دولة بنى شداد 1 - محمد بن شداد، سنة 340 هـ. وفى كنجه فضلون الأول. 2 - أبو الحسن على بن جعفر لشكرى، سنة 360 - 368 هـ.

المصادر

3 - مرزبان، سنة 368 - 375 هـ. 4 - الفضل بن محمد، سنة 375 - 422 هـ. 5 - أبو الفتح موسى، سنة 422 - 425 هـ. 6 - أبو الحسن على بن موسى لشكرى، سنة 245 - 440 هـ 7 - نوشروان بن على بن موسى، سنة 440 هـ. 8 - أبو الأسوار شاور بن فضل بن محمد سنة 440 - 459 هـ. 9 - الفضل منوجهر بن شاور، فضلون الثانى أمير كنجه. 10 - المظفر، فضلون الثالث أمير كنجه. 11 - أبو الأسوار شاور بن منوجهر أمير آنى، المتوفى سنة 468 هـ. 12 - أبو الفتح جعفر بن على بن موسى أمير اللان، المتوفى سنة 470 هـ. 13 - محمود بن شاور بن منوجهر ابن الفضل أمير آنى 14 - كاى سلطان بن محمود بن شاور أمير آنى، وكان لا يزال على قيد الحياة سنة 595 هـ. المصادر: (1) منجم باشى، الأستانة 1285، جـ 2 ص 506 - 508 (2) Mohammadan Dynasties: S.Lane-pool، ترجمة W. Barthold، 1899، ص 295 (3) Ein Verzeichnis muhammedanischer Dynastien: E. Sachau (Abh. pr. Ak.W., phil.Hist., Kl, 1, Berlin 1932) ص 14. (4) On Three Mohammadan Dynastien in Northern persia in the 10 th and 11 th centuries: E. Denison Ross، فى F.W.K. Muller Festschrift. Asia Major 1926 (5) C.M.Frahn Erklarung der arabischen Inschrift des eisernen Torflugels zu balathi in imerethi (Mem. Acad. petr (III, 1853 (6) Georgie: M.T.Brosset, جـ 1، ص 328 وما بعدها.

الشربينى

(7) inventarnii Katalog musulmankikh monet. imp. Groitaza: Markoff، سانت بطرسبرغ، 1896. وتشتمل هذه المجموعة على سكة تحمل أسماء ستة أمراء من بيت بنى شداد. (8) Iranisches Namenbuch: F.justi صبحى [روس E. Denison Ross] الشربينى يوسف بن محمد بن عبد الجواد بن خضر: كاتب مصرى عاش فى القرن الحادى عشر الهجرى (السابع عشر الميلادى) هو صاحب كتاب عنوانه "هز القحوف بشرح قصيد أبى شادوف" ولم يخصه كاتب من كتاب السير بإشارة. ويقول الشربينى عرضًا إنه كان سنة 1075 هـ (1664/ 1665 م) يسير فى الطريق المؤدى من الصعيد إلى القصير على البحر الأحمر (انظر شرح البيت 13، يادنديف، بولاق 1308، ص 152). ويذكر الشربينى من شيوخه شهاب الدين أحمد بن سلامة القليوبى (المتوفى فى أواخر شوال سنة 1069 هـ = 1659 م) وأحمد بن على السندوبى الذى قيل بأنه استخدمه من بعد فى نظم القصيدة وكتابة شرح لها، انظر ص 215). والمؤلف فى الجزء الأول من مصنفه الذى يعد بمثابة المدخل، يصف فلاحى وادى النيل ويروى النوادر عن عاداتهم الخشنة، ويصف حفلات الزواج عندهم الخ. . .، وينتهى الجزء الأول بأرجوزة باللغة الفصحى يوجز فيها شتى عادات الفلاحين التى وصفها لتوه. أما الجزء الثانى فقصيدة من 47 بيتًا (لا 42 ولا 52) نظمها باللغة المصرية الدارجة ونسبها إلى شخص مزعوم هو أبو شادوف والحق كل بيت بشرح مستفيض باللغة الفصحى حلاه بملح خرج بها عن الموضوع وأفاض فيها بعض الإفاضة أحيانا، وحكايات معظمها ساخر متهكم. وشواهد منظومة ومنثورة غلب فيها ما رواه باللغة الدارجة على ما روى باللغة الفصحى. والشربينى من رجال الأخلاق الذين ينهجون نهجا خاصا بهم، واسع

المصادر

الثقافة، شاعر (انظر موشحته، ص 193)؛ ويصف بملاحظاته الدقيقة العادات، وبخاصة القبيح منها، بل يجاوز ذلك إلى رذائل معاصريه. وملحه توحى للمرء بأن يقارنه ببرانتوم BRANTOME؛ وقد طبع كتابه على الحجر فى القاهرة دون بيان للدار التى طبعته أو تاريخ هذا الطبع، ثم فى الإسكندرية سنة 1289 هـ وطبع فى بولاق سنة 1304 و 1308، وفى القاهرة سنة 1322. المصادر: (1) Van Dyck: اكتفاء القنوع، القاهرة 1313 هـ، ص 294. (2) Vollers فى Z.D.M.G، 1887، جـ 41، ص 370 وما بعدها. (3) G.A.L.,Brockelmann، جـ 2، ص 278. (4) L'Arabo parlato in Egitto: C.Nallino ميلان 1913، ص 482. صبحى [م. بن شنب M. Ben Chaneb] شرفا وهى صيغة الجمع الدارجة المستعملة فى طول المغرب وعرضه بدلا من اللفظ الفصيح الشرفاء (بضم الشين وفتح الراء)، ومفرده شريف (بسكون الشين) بدلا من اللفظ الفصيح شريف بفتح الشين. ومراكش هى الدولة الوحيدة فى العالم الإسلامى التى تجد فيها، بالنسبة لعدد سكانها، أكبر عدد من الشرفاء الحقيقيين أو الذين يزعمون لأنفسهم هذه الصفة؛ وقد أسهمت جماعاتهم بنصيب سياسى واجتماعى كبير فى البلاد منذ أواخر القرون الوسطى؛ وخلف اثنان منهم على التعاقب الدول البربرية القديمة، وهى المرابطون والموحدون والمرينيون؛ وقد جمعت أسرة من الشرفاء، هى أسرة الأدارسة، شمل الأمبراطورية المغربية ووحدتها حتى قبل ظهور هذه الدول التى تنتسب إلى القرون الوسطى. ويبدو أن حركة الشرفاء فى مراكش قد ارتبطت فى أواخر القرون الوسطى أوثق الارتباط بالاعتقاد فى الأولياء وانتشار رباطات الإخوان الدينية.

وازدهر الإسلام فى البلاد خلال هذه الفترة، وتولى وجهاء القوم من أهل الدين مقام الصدارة؛ وقد اتخذ الإسلام فى المغرب فى القرن السادس عشر صورته الأصلية المعهودة على مذهب أهل السنة بالاسم دون الفعل، وظل محتفظا بهذه الصورة إلى يومنا هذا. وأراد المسلمون أن يدرءوا الخطر المسيحى ويحبطوا أطماع أسبانيا والبرتغال فى مراكش، فأهابوا بالقادة أن ينهضوا للجهاد. وشرع الشرفاء، الذين كان يحجبهم حتى ذلك الحين أمراء القرون الوسطى، يقومون بالنصيب الأوفر فى هذا الميدان؛ وكان من نتيجة ذلك أن سقطت دولة المرينيين وخلفائهم بنى وطاس وتولى الأمراء السعديون مقاليد الحكم فى البلاد. ومن ثم أصبحت مراكش أرض الشرفاء المختارة، وما لبثت الدولة أن عرفت باسم "الإيالة الشريفة" وخلع على جماعتهم، التى تألفت فى الأصل من غير أن تعترف السلطة المركزية بها أى اعتراف، بلقب النبالة من لدن السلطان؛ وجرى كل سلطان عند اعتلائه عرش البلاد على أن يجدد المنح والامتيازات والإعفاءات المالية المقررة لهم ويصدر من أجلهم الأوامر السلطانية (الظواهر) التى أصبحت فى كل أسرة ضربًا من ضروب "منحة الشرف" (grant of arms) فمثلا كان نقيب كل جماعة يعين بمقتضى أمر شريف؛ وكان لهؤلاء النقباء الصدارة فى طبقات نظام المخزن؛ ويوجد شرفاء مراكش فى المدن خاصة، ولكنهم حتى فى الريف كثيرون جدًا. وليس من اليسير فى جميع الأحوال التمييز بين الشرفاء المنحدرين من أصل نبيل خالص وبين أولئك الذين لا يستطيعون إثبات أن نسبهم يرتفع إلى النبى -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ وقد نشأت شيئًا فشيئًا صعوبة اعترضت التمييز بين الشريف الذى يرجع نسبه إلى النبى -صلى اللَّه عليه وسلم- وبين الرجل المنحدر من صلب مرابط مشهور لا يكون بالضرورة من الشرفاء. والشرفاء بالرغم من كثرة عددهم ينعمون جميعًا باحترام مواطنيهم وتقديرهم، ولا تتوفر لهم جميعًا سبل العيش؛ فمعظمهم يشتغلون ببعض الأعمال اليدوية فى المدن ويزرعون الأرض فى الريف، وليس فى ملابسهم ما يميزهم عن غيرهم من أهل البلاد.

شجرة نسب الشرفاء الأدارسة الحسن الحسن عبد اللَّه الكامل إدريس الأول إدريس الثانى داود. . . عمر الشرفاء الحموديون. . . القاسم. . . عيسى الشرفاء الدباغيون. . . عبد اللَّه الشرفاء الآمغاريون. . . يحيى. . . محمد يحيى محمد. . . يحيى الشرفاء الكتافيون. . . على يحيى. . . مشيش. . . يونس إبراهيم يحيى. . . عبد اللَّه الشرفاء الريسونيون. . . عبد الرحمن الشرفاء الرحمانيون يحيى حمود على. . . موسى (الشرفاء الشفشاونيون). . . يملح (الشرفاء اللحيانيون الشرفاء الوازانيون). . . عبد السلام محمد عبد الواحد. . . عبد اللَّه الشرفاء العمرانيون. . . محمد الشرفاء الطالبيون الغالبيون عبد الرحمن الشرفاء الطاهريون. . . على (الشرفاء الشابهيون) الشرفاء الجوطيون

وجميع شرفاء مراكش، فيما عدا فرعين، من الأشراف الحسنيين، فهم يزعمون بأنهم من سلالة الحسن بن على، إذ يقولون إنهم ينحدرون من صلب عبد اللَّه الكامل حفيد على؛ وهذه الجماعة من فروع الحسن تشمل ثلاث جماعات رئيسية؛ هى: الأدارسة، والقادرية ثم المنحدرون من صلب محمد النفس الزكية (الشرفاء الفلاليون والسعديون). 1 - الفرع الإدريسى: بينت الشعب الرئيسية فى جدول الأنساب المدرج فى صلب هذه المادة، وهذا الفرع هو أهم فرع فى جماعة الحسنيين، ومن ثم فى جميع شرفاء مراكش، وفيما يلى أهم أقسامهم: (أ) الشرفاء الجوطيون: يندرج تحت هذا الاسم جميع المنحدرين من صلب القاسم بن إدريس الثانى؛ وقد عزل القاسم هذا أخوه عمر، فأنشأ رباطًا على شواطئ المحيط الأطلسى قرب آزيلا وخلف بعد موته ابنًا هو يحيى، وقد استقر يحيى فى مدينة جوطة فى الغرب على وادى سبو، واتخذ أحفاده اسمه السلالى ولا يزالون يستخدمونه لقبًا لهم؛ ويبرز منهم الشرفاء العمرانيون والشرفاء الطالبيون والغالبيون والشرفاء الشابهيون. ولما اضمحلت مدينة جوطة الصغيرة استقر أحفاد القاسم فى أنحاء شتى من مراكش وبخاصة فى فاس ومكناس وجبل العلم؛ وأهم أقسام الشرفاء الجوطيين هم الشرفاء العمرانيون الذين كان لهم شأن كبير فى السياسة فى النصف الثانى من القرن التاسع الهجرى (الخامس عشر الميلادى) إذ حاولوا إقصاء الأسرة المرينية فى فاس عن العرش؛ وقد طردهم السلاطين من مراكش فلجأوا إلى تونس، وعادوا منها إلى مراكش بعد بضع سنوات. (ب) الشرفاء الحمويون: هؤلاء هم سلالة إدريس من فرع عمر، وقد أقاموا أول ما أقاموا فى جبل العلم ثم استقروا فى إقليم تلمسان. (جـ) الشرفاء الدباغيون: وهؤلاء ينحدرون من صلب عيسى بن إدريس، وقد نزحت هذه الجماعة فى القرن الرابع الهجرى إلى الأندلس مع الحسن

ابن جنون واستقرت فى إقليم قرطبة، وعادت إلى مراكش أثناء استرداد المسيحيين للأندلس واستقروا فى سلا ثم فى فاس. (د) الشرفاء الآمغاريون: وهم سلالة عبد اللَّه بن إدريس، استقروا أولا فى شمالى مراكش ثم شخصوا إلى ساحل المحيط الأطلسى جنوبى أزمور حيث استقروا. (هـ) الشرفاء الكتانيون: وهم سلالة إدريس الثانى من صلب حفيده يحيى بن محمد، وقد أقاموا فى مكناس حتى منتصف القرن العاشر الهجرى (السادس عشر الميلادى)، ثم استقروا فى فاس حيث كانوا يلقبون أحيانًا بشرفاء عقبة بن سوال نسبة إلى الشارع الذى أقاموا فيه عند نزولهم المدينة (و) سلالة على بن محمد بن إدريس: وهم ينقسمون فروعًا، ويوجدون فى جميع أنحاء الجزء الشمالى من مراكش، نذكر منهم الشرفاء الشفشاونيين الذين أنشأ جدهم مدينة شفشاون والشرفاء اللحيانيين، والشرفاء الوازانيين والشرفاء الإيسونيين والشرفاء الرحمانيين. 2 - الفرع القادرى: يدعى القادريون فى مراكش أنهم ينحدرون من صلب موسى الجون بن عبد اللَّه الكامل عن طريق عبد القادر الجيلانى المشهور؛ وإنما يعود استقرارهم فى مراكش إلى أواخر القرون الوسطى حين أكرهوا على هجر الأندلس حيث كانوا يقيمون؛ وقد استقروا آخر الأمر فى فاس فى أواخر القرن التاسع الهجرى (الخامس عشر الميلادى)؛ وأصبحوا منذ ذلك الحين من أهم جماعات الشرفاء فى القصبة المراكشية. 3 - الفرعان السعدى والفلالى: تولى كل من هذين الفرعين مقاليد الحكم فى مراكش بعد سقوط الدول البربرية القديمة؛ وكلاهما يزعم أنه ينحدر من صلب محمد النفس الزكية ابن عبد اللَّه الكامل مباشرة، وهما يشتركان فى جد واحد حتى الحفيد الثالث عشر لمحمد النفس الزكية كما يتبين من الجدول التالى:

عبد اللَّه الكامل محمد النفس الزكية القاسم إسماعيل محمد قاسم. . . أحمد الحسن الداخل. . . زيدان محمد. . . مخلوف الحسن. . . على على الشريف الشرفاء الفلاليون العلويون. . . عبد الرحمن . . . محمد القائم بأمر اللَّه الشرفاء السعديون الجماعات الحسينية: تزعم جماعتان من جماعات الشرفاء فى مراكش، وهما أقل شانا بكثير من الجماعات التى سبق بيانها، أنهما قد انحدرتا من صلب الحسين بن على عن طريق موسى بن على بن زين العابدين بن الحسين، وهاتان الجماعتان هما الشرفاء الصقليون، وهم ينحدرون من صلب على الرضى بن موسى الكاظم؛ والشرفاء العراقيون الذين ينحدرون من صلب أخيه إبراهيم المرتضى، وهم ينزلون فاس خاصة، وقد نزح بعضهم فى القرن الماضى إلى القاهرة واستقروا فيها. وإذا أدرك المرء ما لجماعات الشرفاء فى المغرب من شأن خاص لما انتابته الدهشة حين يجد أن هذا الشأن أثمر تواليف من نوع خاص تبحث فى الأنساب والسير؛ وأول المصنفات المشهورة فى هذه المسائل كتبها شريف قادرى من فاس اسمه أبو محمد عبد السلام بن الطيب القادرى المولود سنة 1058 هـ (1648 م) والمتوفى سنة 1110 هـ (1698 م؛ انظر مؤلف كاتب هذه المادة: Histoire des chorfa ص 276 - 399) وقد كتب أبو محمد، علاوة على ثلاث رسائل فى سير الأولياء، بعض المصنفات التى تتحدث

عن جماعات الشرفاء فى مراكش، أولها بحث عام فى الشريفية بقصبة مراكش عنوانه "الدر السنى فى بعض من بفاس من أهل النسب الحسنى"، وهو يتضمن أيضا، بالرغم من عنوانه الفروع الحسينية؛ وقد تعمد إغفال السعديين، حمله على ذلك الفترة التى كان يعيش فيها، على أن السعديين اختفوا بسرعة كبيرة نظرًا لانقطاع خلفهم. وقد طبع هذا المصنف على الحجر فى فاس سنة 1303 هـ وسنة 1308؛ أما بحثا القادرى الآخران فيعالجان: (1) الشرفاء القادريين: "العرف العاطر فيمن بفاس من أبناء الشيخ عبد القادر"؛ و (ب) الشرفاء العراقيين "مطلع الإشراق فى الأشراف الواردين من العراق". وقد صنّفت فى مراكش فى أواخر القرن الحادى عشر وأوائل القرن الثانى عشر الهجريين رسالتان أخريان عن نسب الشرفاء؛ أفردت إحداهما لشرفاء سجلماسة العلويين. وقد كتبها أبو العباس أحمد بن عبد الملك الشريف السجلماسى وعنوانها "الأنوار السنية فى نسبة من بسجلماسة من الأشراف المحمدية"؛ أما الأخرى فعنوانها "شذور الذهب فى خير نسب"؛ وهى من تأليف شريف من شرفاء جبل العلم، هو التهامى بن محمد بن أحمد بن رحمون وضعها سنة 1105 هـ، (1603 - 1694). وفى سنة 1127 هـ (1715 م) وضع سليل من سلالة أسرة المرابطين فى زاوية دلاء، هو أبو عبد اللَّه محمد المسناوى بن أحمد الدلائى (المتوفى سنة 1139 هـ = 1721 م)، رسالة جديدة فى شريفية القادريين عنوانها "نتيجة التحقيق فى بعض أهل الشرف الوثيق" (وقد نشرت فى تونس سنة 1296 هـ، وفى فاس سنة 1309 هـ، وترجم بعضها وير The First part of the Natijatu L-Tahqiq: Weir، أدنبرة، 1903). وقد أفردت رسالة، بعد ذلك بقليل، للشرفاء الصقليين فى فاس، وضعها قادرى هو حفيد مؤلف "الدر السنى"

واسمه محمد بن الطيب القادرى المتوفى سنة 1187 هـ (1173 م)؛ وعنوان هذه الرسالة "لمحة البهجة العلية فى بعض فروع الشعبة الحسينية الصقلية"؛ وقد قيض لشرفاء وازّان أيضا بعض المؤرخين فى القرن الثامن عشر، نذكر منهم حمدون الطاهرى الجوطى (المتوفى 1191 هـ = 1777 م) مصنف "تحفة الإخوان ببعض مناقب شرفاء وازان" المطبوعة على الحجر فى فاس سنة 1324 هـ. وكذلك يرجع تاريخ تأليف "كتاب التحقيق فى النسب الوثيق" الذى يعده نسّابة فاس منحولا ويعزونه إلى أحمد بن محمد عشماوى المكى، إلى أواخر القرن الثامن عشر، ولا يعالج هذا المصنف إلا فروع الشرفاء التى استقرت فى الجزائر، وقد ترجمه الأب كيا كوبتى Pere Giacobetti سنة 1906. وكان أبو الربيع سليمان بن محمد الشفشاونى الحوات، المولود حوالى سنة 1160 هـ (1747 م) والمتوفى بفاس سنة 1231 هـ (1816 م) إختصاصيًا فى نسب الشرفاء؛ وقد خلف فيما خلف رسالة فى الشرفاء الدباغيين ويسمون أيضا شرفاء العيون نسبة إلى الحى الذى يقيمون به فى فاس، وعنوان الرسالة "قرة العيون فى الشرفاء القاطنين بالعيون". كما خلف رسالة فى الشرفاء القادريين عنوانها "السر الظاهر". وكان عبد اللَّه الوليد بن العربى العراقى المتوفى سنة 1263 هـ (1849 م) هو كاتب تاريخ الشرفاء العراقيين؛ وقد نشر مصنفه فى فاس وعنوانه "الدر النفيس فيمن بفاس من بنى محمد بن نفيس". ونذكر آخر الأمر من التواليف الحديثة، علاوة على المعلومات المجموعة فى الكتاب النفيس "سلوة الأنفاس" لمحمد بن جعفر الكتانى كتابين يتحدثان عن فروع الشرفاء فى مراكش، أولهما مصنف محمد بن الحاج المدنى جنون المتوفى سنة 1302 هـ (1885 م)، وعنوانه "الدرر المكنونة فى النسبة الشريفة المصونة"، والكتاب الآخر وهو

المصادر

أكثر أهمية من الأول، وعنوانه "الدرر البهية والجواهر النبوية فى الفروع الحسنية والحسينية"، وقد طبع على الحجر بفاس سنة 1314 هـ؛ وهذا المصنف من وضع أبى العلاء إدريس ابن أحمد الفضيلى المتوفى سنة 1316 هـ (1898 - 1899 م) وهو مجموعة قيمة تحوى كثيرًا من المعلومات التى لم تنشر، وقد عرضت عرضًا واضحًا بينا. المصادر: انظر علاوة على الكتب العربية التى ورد ذكرها فى صلب المقال: (1) Les charfa Idrisites de Fes: G.Salmon فى Archives marocaines جـ 1، 1904، ص 424 - 459. (2) المؤلف نفسه: Les Chorfa Filala et Djilala de Fes، المصدر المذكور، جـ 3، 1905، ص 97 - 118. (3) المؤلف نفسه: Ibn Rahmoun، المصدر المذكور، ص 159 و 265. (4) Le Maroc d'aujourd'hui: E.Aubin، باريس 1907، فى مواضع متفرقة. (5) L' Etabissement des dynas.ties des cherifs au Maroc: A. cour، باريس 1904، ص 17 وما بعدها. (6) Kitab en-Nasab, Generalogie des chorfa R.A: R.P. Giacobetti، الجزائر 1906. (7) R.M.M.La maison d'ouezzan: E.Michaux Bellaire، جـ 5, 1908، ص 23 - 89. (8) Les historiens des chorfa: E.Lkviprovencal، باريس 1923. (9) المؤلف نفسه: Le Maroc en face de L'etranger a L'epoque moderne باريس 1925. صبحى [ليفى بروفنسال E.Levi-provencal] شرف الدين على اليزدى: شاعر فارسى ومؤرخ ولد فى يزد، وكان صاحبًا لشاهرخ وخاصة لولده ميرزا إبراهيم سلطان المتوفى عام 838 هـ (1434 - 1435 م). وقد أقيم ميرزا سلطان محمد واليا على العراق العجمى عام 846 هـ (1442 م)

المصادر

فاستدعى شرف الدين إلى قم وجعله من مستشاريه وانتقض هذا الأمير عام 850 هـ (1446 - 1447 م) فاتهم شرف الدين بأن له يدا فى هذه المؤامرة، ولكنه نجا من الموت الذى حكم به عليه شاهرخ بفضل شفاعة ميرزا عبد اللطيف بن ألغ بك الذى استقدمه إلى سمرقند. وسمح له سلطان محمد الذى أصبح صاحب أمير خراسان بعد وفاة شاهرخ بالعودة إلى يزد (853 هـ = 1449 - 1450 م) حيث توفى بها 858 هـ (1454 م). ودفن فى المدرسة الشرقية التى بناها فى قرية تفت. وقد كتب شرف الدين سنة 828 هـ (1424 - 1425 م) تاريخ تيمور "ظفر نامه" بأسلوب قوى مستمدًا معلوماته فيما يظهر من كتاب لم ينشر يحمل العنوان نفسه كتبه نظام الدين الشامى بأمر من تيمور 804 - 806 هـ. (1401 - 1403 م) ومن هذا الكتاب مخطوط وحيد محفوظ بالمتحف البريطانى. وقد ترجم هذا التاريخ إلى اللغة الفرنسية بتى ده لاكروا Petis de la Croix (1772) ثم ترجمة داربى J.Darby إلى الإنكليزية نقلا عن الفرنسية، ونشر نص هذا الكتاب دون المقدمة فى المكتبة الهندية Bibliotheca Indica (كلكته عام 1887 - 1888). وكتب شرف الدين أيضًا باسمه المستعار (تخلص) "شرب" رسالة فى الأحاجى وأخرى فى المربعات السحرية، وشرحا لبردة البوصيرى، وله أيضًا أشعار مختلفة. المصادر: (1) خواندمير: حبيب السير، مجلد 3، جـ 3، ص 148. (2) دولت شاه تذكرة، طبعة Browne ص 378 - 381. (3) Geschichte d,schdn. Redek Pers: J. von Hammer, ص 284. (4) Pers. Catal Brit Mus.: Rieu ص 173 - 175. (5) Hist. of Pers. Liter.under Tartar dominion: E.G. Browne ص 183، 362 - 365. الشنتناوى [إيوار Cl. Huart]

شركة إسلام

شركة إسلام (والنطق الجارى "سركت"، ومعناها الرباط أو النقابة)؛ وهى اتحاد سياسى من الأندونيسيين المسلمين تألف فى سراكرتا من أعمال جاوة، وكان له شأن كبير فى تاريخ تقدم أهل البلاد الوطنيين فى جزائر الهند الشرقية الهولندية وفى السياسة الاستعمارية الهولندية فى الخمس عشرة السنة الأخيرة، وكان هدف هذه الشركة أن تحقق للوطنيين مركزًا أكثر بروزًا مما كان لهم فى المجالات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، مع احتفاظهم فى الوقت نفسه بالإسلام، وهو الرابطة الطبيعية التى تربط بين العناصر المختلفة أشد الاختلاف التى هى عماد الوطنيين فى جزائر الهند الشرقية الهولندية؛ على أن زعماء شركة إسلام أنفسهم لم يكونوا يرضون بهذا الوصف، بل يجنحون إلى تحديد أهداف الشركة وتقديرها تقديرًا آخر مطابقا للظروف المحلية، إذا هم أقدموا حقا على الإجابة بأى جواب حين يسئلون عن أهداف منظمتهم. تاريخ الشركة المبكر: كان موقف جماهير الجاويين إزاء حكامهم يتميز مند أقدم العصور بالخضوع التام، إلّا أن استقلال أهل البلاد وحكامهم أخذ خلال القرن التاسع عشر يضيق شيئا فشيئا بسبب نفوذ الهولنديين الذى كان ينمو باطراد، وأخذ شعورهم بالعزة القومية إذ يرتدون بأنظارهم إلى الماضى حين كان الأرخبيل الهندى كله تحت زعامة الجاويين، يتضاءل ويحل محله شيئًا فشيئًا شعور بتبعيتهم وانحطاط مستواهم عن الأجانب (سواء منهم الهولنديين أو العرب أو الصينيين) الذين كان الهولنديون منهم بوجه خاص ومن بعدهم الصينيون لا يخفون استخفافهم بأهل البلاد إلا نادرا؛ فلما أراد نفر من التقدميين من أشراف جاوة (البرييايى) فى أواخر القرن الماضى أو نحو ذلك أن يعلموا للمرة الأولى أولادهم تعليما أوربيًا عاونهم فى ذلك والحق يقال قلة من الهولنديين، ولكن أغلبية عظيمة من الموظفين عارضت هذه البدعة معارضة ملحوظة، بل لقد كان من أعسر الأمور على ذلك النفر الذين قاموا بهذه التجربة أن يجدو

لهم مكانا فى المجتمع يتفق والمؤهلات التى حصلوا عليها حديثًا؛ على أنه تألفت شيئًا فشيئًا جماعة صغيرة من الجاويين المتعلمين كانوا هم بطبيعة الحال أقل الجاويين تقديرا للوصاية الأجنبية ثم وقعت حوادث الشرق الأقصى وأثرت فى الموقف فى جزائر الهند الهولندية؛ وكان اليابانيون حتى قبل الحرب الروسية اليابانية (1904 - 1905) قد منحوا حق المساواة بالأوربيين فى جزائر الهند الشرقية الهولندية؛ وحدث بعد قيام الجمهورية الصينية سنة 1911 أن زارت البوارج الصينية جاوة وجاء الموظفون الصينيون يتحرون عن مركز مواطنيهم؛ وكان الصينيون فى جزائر الهند الهولندية قد تركت لهم (منذ سنة 1908) المدارس الهولندية الصينية التى كانوا يطالبون بها منذ بضع سنوات، وألغيت القيود التى كانت مفروضة على حريتهم فى الحركة (1910) ووضعت إجراءات للتقاضى أكثر إرضاء للنفس (1912) عما كانت عليه الحال من قبل؛ وكذلك أصبح للعرب نصيب من مزايا المركز القانونى الجديد الذى أتيح للأجانب الشرقيين، ولكن مركز الجاويين بقى على حاله. وفى سنة 1908 أسس طلبة مدرسة "دكتر جاوه" (الطبية الوطنية) فى باتافيا رابطة الشباب الجاوى "بودى أوتاما" ("السعى النبيل")، وكانت هذه أول محاولة متواضعة بذلت فى سبيل الحصول من السلطات على ما يحقق بعض رغباتهم بسن النظم الكفيلة بذلك وخاصة زيادة التعليم والنهوض بمستواه. وكان "دكتر جاوه" وحيد الدين (سوديرا أوسادا) هو أبو هذه الحركة التى لم يكن ينظر إليها بعين الريبة والشك الهولنديون فحسب بل كثير من الجاويين المحافظين أيضا؛ وكان الأنصار الذين وجدتهم هذه المنظمة الجاوية الأولى ينتمون إلى الطبقات العليا من المجتمع الجاوى، ولم يلتحق بها العامة، ولكنهم أخذوا هم أيضًا يبدون رغبتهم فى إعادة تنظيم الأحوال الاجتماعية لعدة أسباب: (أ) كان مركزهم الاجتماعى غير مرض بالمرة، فقد كان على الأندونيسيين، على خلاف الأجانب

الشرقيين، أن يقدموا آيات الاحترام (حرمات لأسيادهم الأوروبيين أو الوطنيين؛ صحيح أن الحكومة المركزية قد عملت مرارا على تخفيف هذه "الحرمات" ولكن معظمها ظل فى الواقع على حاله، وكان تطبيق القانون يحابى الأوروبيين كثيرًا؛ فقد كان الحجز للتحقيق، لا يطبق على المتهمين وحدهم بل كثيرًا ما كان يطبق على الشهود أيضًا من قبيل تيسير الإجراءات، فظل بذلك شرًا لم يقض عليه القضاء المبرم بعد؛ ولم تكن المحاكمة والعقاب اللذان يتولاهما الشرطة عادلين فى جميع الأحوال، ولم يكونا يفرضان إلا على الوطنيين وحدهم؛ وكثيرًا ما كان تأمين الناس على ملكهم الخاص تافها؛ وقد حدثت حوادث كان الرجل فيها يفضل ألا يقول شيئًا إذا سرق شئ من ممتلكاته على أن يعانى ما تبذله السلطات فى هذه الأحوال من جهود ممقوتة. ولم تكن الحقوق القليلة لتجزى عن مشاق السخرة وسوء المعاملة التى كان العمال الوطنيون يكابدونها فى دوائر الأعمال التجارية الأوربية. وكان التعليم قاصرًا قصورًا شديدًا؛ ثم إن موقف كثير من الصينيين، وخاصة الوافدين حديثًا، من الجاويين أصبح غاية فى الصلف، نتيجة لما أصاب الصين من تقدم، حتى لقد شعر الجاويون بأنهم أوذوا فى شعورهم إيذاء شديدًا؛ ويشهد بعمق هذا الشعور بالإيذاء اشتطاط الجاويين فى مناوئة الصينيين. (ب) كانت حالتهم الاقتصادية قد سارت من سئ إلى أسوأ، إذ زادت القيود المفروضة على التقدم الحر للصناعات الوطنية زيادة كبيرة حين استحدث حوالى سنة 1830 نظام المزارع (المعروف فى الهولندية باسم Cultuursystem) وبخاصة مزارع البن، فكان نكبة على السكان الوطنيين؛ ولما ألغى هذا النظام سنة 1877 كان قد غلّ على الحكومة الهولندية: 832 مليون كولدن، أى 21 % من مصروفات الدولة (الفائض الهندى المزعوم)؛ وفى الفترة التى أعقبت ذلك كانت الطبقات الوسطى وطبقات الفلاحين يزداد حرمانها من استقلالها الاقتصادى بسبب المنافسة الشديدة التى كانت تجدها من

الصناعات والمزارع الأوربية، فى حين أن معظم تجارة التجزئة كانت فى يد الصينيين والعرب منذ زمن طويل، على أنهم استطاعوا بشئ كثير من الإصرار والعزم أن يقاوموا المنافسة الأجنبية، وكان هبوط المنافسة شديدًا وخاصة بعد أن أكرهت صناعة الباتق التى كان معظمها يتسم بالصبغة الوطنية (والدخل السنوى الذى تدره عشرة ملايين كولدن أو نحوها، ويجد القارئ بيانًا موجزًا عن الصناعة الوطنية فى Koloniaal Verslag Van 1920، العمود 7) على استخدام المنسوجات وصباغ النيلة المستوردة بدلا من المواد الوطنية الخام (وتجد تفصيلات مستفيضة عن هذا التدهور الاقتصادى فى Onderzoek, naar de mindere welvaart der inlandsc h bevolking op Java en Madoera تقرير اللجنة، باتافيا 1905 - 1914، فى 32 مجلدا من القطع الكبير). (جـ) ونذكر فى المحل الثالث الخوف من اعتناق المسيحية، ولو أن هذا العامل لم يكن قد بدأ يفعل فعله إلا منذ وقت قريب جدًا، وكانت الحركة التى قام بها أهل البلاد المسلمون والتى أثارها نشاط المبشرين المسيحيين تختلف جد الاختلاف عن هذا العامل فى الزمان والمكان، على أن زعماء شركة إسلام استغلوا زيادة الدعاية المسيحية، وانتصار بعض أعضاء البرلمان الهولندى لها انتصارا سافرا، وصدور تحذير من مكة بشأنها، فراحوا يثيرون الجماهير على نحو يؤدى إلى إلتحاقهم بشركة إسلام. ويقال بأن حادثًا قليل الشأن نوعا ما هو الذى أدى إلى إنشاء شركة إسلام سنة 1910 (وليس ثمة بيانات تعتد بها عن السنوات الأولى)؛ ويقال أيضا إن شركة صينية (كونكسى) فى لاويان (نكلاويان)، وهى قرية قرب سراكرتا كان يقيم فيها التجار الجاويون الواسعو الثراء وتشتد المنافسة بينهم وبين الصينين عادة- قد ارتكبت فعلا من أفعال الغش أثارت به حفيظة الجاويين الذين أصابهم هذا الفعل فاتحدت كلمتهم على أن يقاطعوا السلع الصينية؛ وقد تولدت من هذا الشعور شركة إسلام، وهى منظمة ربما

قامت على غرار شركة دا كنك إسلام فى بويتنزورغ التى أسسها جاوى وبعض التجار العرب قبل ذلك ببضعة سنوات؛ ومهما يكن من شئ فإن الاسم "شركة دا كنك إسلام" قد استخدموا أيضا فى سراكرتا. على أن شركة إسلام التى نشأت فى سراكرتا قد نشأت مستقلة برأسها. ولم تمض شركة إسلام طويلا فى التزام أهدافها الأصلية التزاما تماما، وقد انتشرت الحركة بسرعة تثير الدهشة بعد أن نجحت مقاطعة السلع الصينية، ولا يمكن أن نرد الزيادة الهائلة فى عدد عضاء الداخلين فيها إلى كراهية الصينيين فحسب، وهو أمر طبيعى فى ذلك الوقت، ولكننا نرده فى جوهره إلى أن الجاويين الذى كانوا يتوقون إلى مزيد من الحرية وإلى الإقلال من الوصايا المفروضة عليهم بعد النجاح الذى أحرزوه على الصينيين، ظنوا أن الإتحاد الجديد قد يعينهم على تبوء مركز أعلى بالنسبة للأجانب الآخرين أيضًا، أى أن هذا الاتحاد تحت راية إسلامية (وكان إتحاد المسلمين بهذه الصفة فى لاويان السنية أمرًا طبيعيًا) بعد أن برهن مرة على أنه ليس من المستحيل تمامًا على الجاويين أن يحرزوا نصرًا من هذا القبيل، قد ملأ فراغًا أحس به الجميع حيال الظروف التى وصفناها من قبل فى البنود (أ) و (ب) و (جـ)، وأصبح فى استطاعته أيضًا أن يضم تحت لوائه كثيرًا من الناس الذين لم يكن لهم شأن بمقاطعة الصينيين. وكان قيام هذا الاتحاد وانتشاره بهذه السرعة أهم بكثير من تفصيلات تاريخه المبكر، كما أن تطور أهدافه فى السنوات التالية هى التى لفتت الأنظار إليه، وليست الحوادث الفردية أو ما أبداه من نشاط. وثمة فارق عظيم الآن بين أصل شركة إسلام وتطورها الذى نشأ من حاجات الجاويين العليا، ونما بتأثير الظروف الخارجية الحاسمة، ونعنى بها نشوب الحرب العظمى سنة 1914، والثورة الروسية التى اندلع لهيبها سنة 1917، والأزمة الاقتصادية التى عمت العالم بعد الحرب، والانهيار الذى أعقب ذلك بطبيعة الحال فى أوروبا؛ وقد تلقت شركة إسلام الأفكار من الخارج،

وكانت هذه الأفكار غريبة على الجاويين الذين كانوا يطالبون بالوفاء ببعض المطالب المتواضعة وتحقيق بعض الضرورات المحلية فحسب. واستتبع ذلك أن أصيبت شركة إسلام بضعف داخلى شديد انتهى بها إلى أن فقدت التأثير العظيم الذى كان لها بالسرعة التى كسبته بها. ويمكن تقسيم تاريخ شركة إسلام إلى فترات ثلاث: (أ) وتمتد حتى المؤتمر الوطنى الأول. (ب) ذروة المؤتمرات الوطنية. (جـ) انهيار شركة إسلام قبل قيام شركة رعية المتطرفة. (أ) ففى الفترة الأولى يتعذر على المرء أن يتحدث عن وجود شركة إسلام متجانسة، فقد انتشرت الحركة وجاوزت موطنها وبخاصة فى جاوه الشرقية، تحت إمرة رادن عثمان سيد تجاكرا أميناتا القوى القادر والخطيب المؤثر، ولكن سرعان ما بهرت الرجل أطماعه التى لا تحد. وقد أسست صحيفة شركة إسلام. "أوتوسان هنديا" (الرسول الهندى) فى مدينة سرابايا فى ديسمبر سنة 1912 وكان يحررها تجاكرا، وظلت فترة طويلة من أهم الألسنة التى تعبر عن حال الشركة؛ وقد أنشئت للشركة فروع من بعد فى سمارانغ وتجيريبون وباندونغ وباتافيا؛ ويسر أمر الانضمام إليها كل التيسير وأخذ الأعضاء الجدد يزدادون ويزدادون بدافع الفضول الذى استولى على الجماهير وما كانت توحى به شعيرة القسم السرى، وما لقيته شركة إسلام من شهرة راحت تتسع وتتسع؛ وكانت السنن التى اتخذت فى يوم التأسيس الرسمى للشركة، وهو اليوم التاسع من شهر نوفمبر سنة 1911، تراعى، فى فترة الحماسة الأولى، مراعاة لا بأس بها بوجه عام (وتتضمن هذه السنن أن يعمل الأعضاء على تقوية روابط الأخوة فيما بينهم، وأن يعاونوا المسلمين، ويعملوا على رفع المستوى الاجتماعى والمستوى الاقتصادى لأهل البلاد بجميع الوسائل المشروعة)؛ على أنه سرعان ما أخذ كل فرع محلى من فروع شركة إسلام يعمل على تحقيق أهدافه المحلية دون سواها مسترشدا

بآراء الزعماء المحليين؛ وكان بعضها يخدبم المصالح المحلية لأهل البلاد كإنشاء الجمعيات التعاونية لتقوية روح المنافسة الجاوية؛ وسعى بعض هذه الفروع بتدخله إلى القضاء على المساوئ التى كان يتعرض لها الجاويون من الموظفين وأصحاب الأعمال الأوروبيين؛ وراح بعضها (مثل شركة إسلام باتافيا التى سرعان ما انضم إليها 12.000 عضو) ينادى بوجوب تنفيذ ما يقضى به الإسلام من واجبات تنفيذًا أدق؛ وأعرب عن رغبته فى تحسين حال النساء من أهل البلاد، بل أنشأ فرعا من شركة إسلام للأطفال (سوتارسا موليا). على أن نجاح شركة إسلام فى الميدان الاقتصادى لم يدم إلا فترة قصيرة، فقد زالت الجمعيات التعاونية من الوجود بمجرد أن خمدت حماسة الأعضاء التى اشتعلت أول الأمر، وتأثرت جميع أوجه النشاط الاقتصادى بسبب ما كان يفتقر إليه الجاويون من دربة على الشئون المالية. وكثيرًا ما كان زعماء الحركة يستأثرون بأموال شركة إسلام؛ أما فى ميدان التقدم الاجتماعى فلاشك أن الفضل يرجع إلى شركة إسلام فى تحسن العلاقات بصفة عامة بين الأجانب والجاويين بما يحقق مصلحة الجاويين وإن كانوا قد خسروا بعدئذ كثيرًا مما جنوه حين أخذت الحركة تضمحل اضمحلالا عامًا. على أن زعماء الحركة استمروا يعنون بأمر دينهم، والراجح أنهم فعلوا ذلك خشية أن يكرههم الناس. وكان الهدف من الرابطة الدينية دفع هذا الشر؛ ولم تسهم شركة إسلام فى السياسة قبل المؤتمرات الوطنية إلّا بنصيب ضئيل. ويبدو أن أول اتصال وقع بين شركة إسلام والحكومة الهولندية حدث حين عطلت شركة إسلام سراكرتا إلى حين على أثر الشطط فى معاداة الصينيين (أغسطس 1912). وقد قدم تجاكرا فى 14 من سبتمبر سنة 1912 التماسا طلب فيه من الحكومة المركزية الاعتراف بشركة إسلام، وتلقى قرارها فى 30 من يونية سنة 1913 بعد أن ترددت طويلا فى الرد. وكان اعتراف الحكومة بقوانين الشركة التى كانت فى

ذاتها بريئة من العدوان، يحمل فى طياته إلى حد ما احتمال حدوث تغيير فى الإدارة فى السياسة الاستعمارية التى كانت متبعة حتى ذلك الحين، والتى كانت تقوم على مبدأ تبعية الرعايا الوطنيين؛ وقد أثبت زعماء شركة إسلام أنهم أضعف من أن يحولوا دون وقوع العدوان على الصينيين، وقد كان الفرق العظيم بين الوعود المعسولة والأمر الواقع خليقا بأن يظهر سريعًا؛ ذلك أن اعترافا رسميًا بتلك القوانين كان خليقًا بأن يجعل لشركة إسلام مركزًا قانونيًا وأن يعده الجمهور الساذج تسليما كاملا بكل ما تقوم به شركة إسلام من نشاط، أو يؤوله هذا التأويل زعماؤها أنفسهم على الأقل؛ وفى مناقشة جرت بين الحاكم العام وبين وفد من شركة إسلام فى 29 من مارس سنة 1912 أكد الحاكم العام عطفه الشخصى على شركة إسلام، لكنه أشار إلى نواحى الضعف الخطيرة التى تحول دون إجابة الشركة إلى الملتمس الذى تقدمت به، مثال ذلك إدارة الأعمال المالية إدارة سيئة (وكانت هذه دائمًا من نواحى الضعف). وقد صدر آخر الأمر فى 3 يونية مرسوم رفض الاعتراف الذى سعت إليه شركة إسلام متذرعا بأسباب عملية، على أنه وجَّه نظر الشركة إلى أن الطلبات التى تقدمت بها فروع شركة إسلام للاعتراف بها وإكسابها المركز القانونى قد لا تمنى بالرفض، وتستطيع هذه الجمعيات المحلية أيضًا أن تتحد لتؤلف لجنة مركزية شرعية من ممثلى الأقسام المحلية، على أن تكون فروع شركة إسلام المحلية مسئولة، وعليها أن توحد صيغ يمينها وأن تجعل اليمين بحيث تعده الحكومة خاليًا من الضرر، ومن ثم فقد نظمت شركة إسلام وفقا لهذه التعليمات. على أن مسلك الموظفين فى الأقاليم كان بوجه عام أشد عداء لشركة إسلام من مسلك الحكومة فى بويتنزورغ حيالها، ولعل هذا الفارق بين موقف الحكومة وموقف بعض موظفيها هو الذى بذر بذور الشك فى قلوب أهل البلاد الوطنيين إزاء الحكومة أو كان من أهم الأسباب المؤدية إلى هذا الشك

الذى ما لبث أن بدا للعيان. وقد لقيت الشكاوى المتكررة من الإجراءات المضادة التى يتخذها الموظفون المحليون الذين اشتط بعضهم أول الأمر بالرغم من الاعتراف الرسمى، فعطل فروع شركة إسلام المحلية، صدى راح يشتد ويشتد فى المؤتمرات التالية. وكان السكان الأوروبيون فى هذا الوقت يعادون شركة إسلام عداوة تامة تقريبًا، وكانت أعصابهم تخونهم أحيانا وبخاصة عندما وقع العداء بين الجاويين والصينيين؛ وكانت لهجة الصحف الأوربية أول الأمر لهجة تنطوى بعامة على الاحتقار ثم أصبحت من بعد لهجة عدائية؛ وقد ظهر لهذه اللهجة رد فعل قوى فى الصحف أخذ يشتد ويشتد، ثم راح يستفحل بسرعة كبيرة. وكان الصينيون بطبيعة الحال يعادون شركة أسلام؛ وكان العرب أول الأمر على علاقة طيبة بها بل لقد كان لهم نصيب موفور فى نهضتها الأولى؛ على أن العرب ما لبثوا أن انسحبوا بعد أن تقرر فى أوائل سنة 1913 ألا يسمح لغير الأندونيسيين بالانخراط فى سلك شركة إسلام إلا بطريق الاستثناء، وخاصة بعد أن نهضت شركة إسلام على أسس تقدمية فأخذت تمس ما عرف به العرب من محافظة؛ وكانت العلاقات بين شركة إسلام و"بودى أوتاما" طيبة بالرغم من أنها كانت قليلة؛ وكانت كل هيئة من الهيئتين ترسل ممثليها إلى مؤتمرات الهيئة الأخرى إلخ. . (ب) وفى الفترة التالية أصبح العنصر السياسى فى شركة إسلام بارزًا جدًا، وازدادت العلاقات وثوقا بين الشركة وبين الأحزاب والحركات السياسية الأخرى، وأخذ سلطان الاتجاهات الأوروبية المتطرفة المتزايد يظهر أكثر وأكثر وسعت الأحزاب الأوربية مثل حزب جزائر الهند الهولندية الديمقراطى الاشتراكى إلى ضم شركة إسلام إلى جانبها، وراحت الميول الرسمية لشركة إسلام تزداد تطرفًا عامًا بعد عام، ومع ذلك فقد قامت داخل الحركة تيارات مناهضة قوية. وكان تجاكرا يملو الحركة الشرعية الديمقراطية الوطنية، وأصبح سمعون زعيم الأقلية اليسارية

الناهضة، وقد ظهر هذا الشاب، وكان من المشايعين المتحمسين لحزب جزائر الهند الهولندية الديمقراطى الاشتراكى، أول ما ظهر علنا فى المؤتمر الوطنى الأول حيث نصح بمقاومة الحكومة، ولكنه لم يستطع أن يلفت إليه أنظار الحاضرين أو يكاد؛ على أن حديثه كان بارعا جديرا بأن يلفت إليه الأنظار، ذلك أنه كان الوحيد الذى أوتى الشجاعة على أن يشير إلى وجوه الضعف فى الحكومة الوطنية، مثال ذلك افتقارها إلى النشاط. وكان سمعون، على النقيض من تجاركا الأرستقراطى، رجلا من عامة الشعب امتاز عمله بالإيثار والأمانة، وما إن حل المؤتمر الثانى حتى وجدناه قائمًا بأعمال رئيس شركة إسلام فى سمارانغ حيث كان التطرف الأوروبى قد اجتذب اليه أكثر عدد من الأنصار، ثم عضوًا بشركة إسلام المركزية فى المؤتمر الثالث؛ ولم يقبله تجاكرا فى الفرع المركزى إلا بعد تردد شديد، فقد كان يخشى أن يسعى هذا الرجل، الذى كان يعد الناس بأكثر مما يعد هو ويتفهم حاجياتهم أكثر مما يتفهمها، إلى فرض سلطانه على الشركة، وظن أن من الأيسر عليه أن يحد من نشاطه بقبوله عضوا فى شركة إسلام المركزية، على أنه راح ينحرف شيئًا فشيئًا عن موقفه الأصلى حتى لا يفقد شهرته، وكان من نتيجة ذلك أن ازدادت معارضة جناح المحافظين، وكان النضال بين تجاكرا وسمعون هو الذى حد من تقدم شركة إسلام فى السنوات القليلة التالية، وقد استطاع تجاكرا بمهارة فائقة أن يتفادى مرارًا الانشقاق داخل صفوف شركة إسلام، ولكن لظروف كانت آخر الأمر أقوى منه بكثير، وعندما أكرهت شركة إسلام فى المؤتمر السادس على أن تختار واحدا من الاثنين ثم انتهت إلى طرد سمعون من الحزب فى غيبة تجاكرا، وجاء ذلك القرار متأخرًا جدًا للشركة. ويجمل بنا الآن أن نذكر بعض التفصيلات عن المؤتمرات الوطنية التى كان التعبير فيها عن الآراء والميول المختلفة واضحًا جليًا وقد عقد المؤتمر الوطنى الأول فى باندونغ فى الفترة من 17 إلى 24 يونية سنة 1916؛

وكانت شركة إسلام المركزية قد تلقت قبيل ذلك (فى 18 مارس) الاعتراف الرسمى بها، وقد فشلت محاولة بذلت لجعل فرعى الشركة بجاوة الغربية وسومطرة مستقلين عن شركة إسلام المركزية؛ ويمكن معرفة مدى انتشار مبادئ شركة إسلام من الأرقام التالية: حضر المؤتمر مندبون يمللون 52 فرعا جاويا (تضم 273.277 عضوا)، و 15 فرعا فى سومطرة (تضم 76.000 عضو) و 7 فروع فى بورنيو (تضم 5.574 عضوًا) وفرعًا فى كل من سلبيس وبالى، وأكد تجاكرا قيمة الاسم "المؤتمر الوطنى" فى خطاب مثير عالج فيه أهم الموضوعات المعروضة على بساط البحث؛ كان على شركة إسلام أن تضع لنفسها هدفًا جديدا يتلخص فى أن تعمل هذه البلاد على أن ترتفع بنفسها فتصبح أمة، وأن تتعاون شركة إسلام للحصول على الحكم الذاتى للجزائر الهندية الهولندية أو تمنح العناصر الوطنية نفوذًا أكبر فى الشئون الإدارية، على أن تجاكرا أطرى الحكومة المركزية التى كانت قد نبذت بالفعل الخطة القديمة وشرعت تتخذ الخطوة الأولى فى سبيل انتهاج نهج "السياسة وضم الصفوف" (انظر Verspr. Geschr. Snouch-Hurgronie، 4/ 2، ص 291 و 306)، ووعدت بأن تؤلف مجلسًا من أعضاء أوروبيين ووطنيين وشرقيين أجانب يعاون الحاكم العام؛ وقد دار حديث طويل فى هذا المؤتمر وفى المؤتمرات التالية لم تفهمه الغالبية الغالبة من المندوبين؛ وتدلنا بعض التصريحات التى قيلت فيها مثل "القرآن أثر من أعظم الآثار شأنا بالنسبة للاشتراكية، وأن النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] (فى رأى كاتب بعث برأيه إلى المجلة الهندستانية Hindustan Review) هو "أبو الاشتراكية" و"رائد الديمقراطية، على أساس كان ناشرو الدعوة للأحزاب الأوربية يسعون للحصول على أنصار لدعوتهم، ولعل أهم عمل من أعمال المؤتمر كان يحث الثمانية والستين اقتراحًا التى قدمتها فروع شركة إسلام المحلية والتى تضمنت فى معظم الأحوال شكاوى محلية ونشرت مقرونة برأى تجاكرا فى مجلة "أوتوسان هنديا" بعدديها الصادرين فى 15 و 16 يونية سنة

1916؛ ونتبين من هذه الاقتراحات مدى الآمال التى يعقدها أهل الريف السذج على شركة إسلام لتحقيق مطالبهم، وقد ظلت الرغبة فى الحصول للافراد على قسط أكبر من الحرية والاستقلال مدار الحديث فى هذا المؤتمر والمؤتمرات التالية، ولم تكن الأفكار السياسية المضطربة التى قال بها نفر قليل من السياسيين هى التى جذبت الجماهير إلى شركة إسلام، بل كان الذى جذبهم إليها الأمل فى تحقيق رغباتهم عن طريق هذه المنظمة القوية، وهذا يعلل لنا سبب تركهم لشركة إسلام بغاية اليسر من بعد، حين وعددهم حزب سمعون بأن يرعى المصالح الوطنية أكثر مما رعتها شركة إسلام. المؤتمر الوطنى الثانى: (باناوثيا، 20 - 27 أكتوبر سنة 1917 - 281 اقتراحًا من الفروع المحلية) وقد عالج موضوع الموقف الذى يجب على شركة إسلام أن تقفه من المجلس التشريعى (Volksraad) القادم (انظر فيما يتصل بنظام هذا المجلس التشريعى: Koloniale Studien، جـ 1، أكتوبر؛ Extra Politiek Nummer، ص 169 وما بعدها)؛ ولم يكن النصيب الذى خصص للأندونيسيين فيه ليرضيهم، ناهيك بتأجيل افتتاحه المتواصل؛ وقد أصدر المؤتمر تصريحًا بالمبادئ التى تفسر الهدف السياسى الذى تسعى إليه شركة إسلام المركزية، ودللت فيه على سمو الإسلام، ولكن المؤتمر طالب السلطات بالحياد التام؛ ولما كانت غالبية السكان الوطنيين تعيش فى حالة من البؤس والشقاء فإن شركة إسلام المركزية ستظل تحارب سيادة رأس المال الآثم (انظر Kol. Studien، المصدر المذكور، ص 35 وما بعدها؛ وقد تضمن هذا المجلد أيضا برنامج العمل الذى تقوم به شركة إسلام مع تعليقات وإيضاح للموقف السياسى فى ذلك العهد، وتفصيلات عن برامج الأحزاب السياسية فى تلك الأيام بقلم زعمائها) وقد وضحت فى المؤتمر الوطنى الثالث (سرابايا، 20 سبتمبر - 6 أكتوبر سنة 1918) نتائج هياج الخواطر الذى ساد أوروبا؛ ودارت فيه مناقشات عنيفة حول الموقف الجديد

الذى نشأ عن افتتاح المجلس التشريعى فى 18 مايو سنة (وكان يمثل شركة إسلام فيه تجاكرا وزعيم واحد آخر)، وحول التحسينات التى كانت لا تزال مرغوبة، ولكن الاضطراب الذى تملك المجتمع الوطنى قد نوقش بوجه خاص، وكان من أثر الصعوبات الاقتصادية ونتائج الدعوة، التى نجحت نجاحا بينا، إلى الحرب القادمة على "رأس المال الآثم" قد زاد فى مرارة النفوس، وسرعان ما بدت النتائج الوخيمة لذلك" وكان الإضراب العظيم الذى حدث فى نهاية سنة 1917 وفتنة الرعاع التى نشبت فى كودوس وديماك فى نهاية سنة 1918 بداية الصراع الاجتماعى الذى ظل ناشبا تتخلله فترات من الانقطاع حتى نهاية سنة 1924, والذى لا يكاد المرء يشك فيما سيسفر عنه من عواقب فى الوقت الحاضر بالنسبة إلى المركز الاقتصادى الضعيف لأهل البلاد الوطنيين، والافتقار إلى تلك الهمة التى هى السبيل الوحيد إلى الخلاص من هذا الشر الجوهرى. وكان انتظام الجاويين فى اتحادات زراعية (بيرسريكاتان كاؤم تانى) وفى اتحادات صناعية (بيرسريكاتان كاؤم بوروه) قد حدث منذ بضع سنوات ثم اتسع اتساعا كبيرا فى السنوات القليلة التالية. ونحن لا نستطيع فى هذا المقام أن نناقش بعد نشاط هذه الاتحادات التى يبدو أنها كانت تتلقى العون من البولشفيك فى السنوات الأخيرة، ولا علاقاتها من جميع الوجوه بشركة إسلام ثم بشركة رعية من بعدها (انظر ما يلى): وفى عيد ميلاد المسيح [عليه السلام] سنة 1919 م تركز هذا النشاط فى المجلس الثورى الاشتراكى لاتحادات أرباب الحرف على يد سسراكادانا، وقد انقسم هذا المجلس فى نهاية سنة 1920 إلى مجلس معتدل فى جكياكرتا، ومجلس شيوعى برئاسة سمعون فى سمارانغ، وقد التأم هذان المجلسان مرة أخرى بعد رحلة سمعون الجريئة إلى روسيا فى مؤتمر اتحادات أرباب الحرف الذى انعقد فى مديون فى سبتمبر سنة 1922. ولم يقتصر نشاطهما بحال على المسائل الخاصة بالطبقات العاملة، بل تجاوز ذلك إلى ميدان السياسة بأسره.

وقد تميزت الفترة ما بين المؤتمر الثالث والرابع باضطراب فى الخواطر كبير. إذ ما إن انتهى المؤتمر الثالث حتى تسببت الثورة فى أوروبا إلى قيام ما يسمى بـ "تجمعات المتطرفين" (16 نوفمبر 1918) من الأحزاب على اختلافها فى المجلس التشريعى بما فى ذلك شركة إسلام. وفى هذا المجلس شرح زعماؤها التطور الجديد لشركة إسلام، ودافعوا عن القول بأن الحاجة تدعو إلى إتخاذ خطوات أبعد مدى مما نصت عليه قوانين الشركة الأساسية (14 نوفمبر، 5 ديسمبر، Handelingen Van den Volksraad، 1919 - 1918، ص 175 - 185, 518 - 525)؛ على أن الحكومة التى ظلت تنظر إلى مجرى الحوادث نظرتها إلى تطور سليم للمجتمع الوطنى (Koloniaal Verslag Von 1919, ص 4 - 13) قد انتقدت بشدة موقف شركة إسلام المركزية من الحركات المتطرفة (2 ديسمبر؛ انظر Handelingen, ص 432 - 434) وخاصة قول شركة إسلام المركزية بأنها لا يمكن أن تكون مسؤولة عن الاضطرابات التى تقوم بها فروع الشركة المحلية ما لم تجب إلى الرغبات التى أعربت عنها مرارًا وتكرارًا فى وقت أقرب مما بدا للأذهان، وأن الشركة المركزية مسئولة عن الهيمنة على اتجاه الحركة فى عمومها وليست مسئولة عن فروع الشركة. على أن الحكومة عادت فأعلنت استعدادها للتعاون مع الشركة المركزية بمقتضى قوانين الشركة الأساسية. وقد وقعت حادثة ثبتت خطورتها على شركة إسلام، وهى اكتشاف منظمة ثورية سرية (وهى المعروفة بالقسم ب من شركة إسلام) فى برابنكر من أعمال جنوبى شرق جاوة، على أثر التحريات التى أجريت فى قضية مقاومة مسلحة للسلطات فى ديسا تجماريمى بالقرب من كاروت (7 - 4 يولية 1919, انظر ملخص تقرير مندوب الحكومة هازيو، G. A. j. Hazeu فى Handelingen Tweede Gewone Zitting, Van Volksraad 1919, Rijlagen, Onderwerp، جـ 10، ص 2 - 21). على أن العلاقة بين القسم ب وبين شركة إسلام المركزية وبينه وبين شركة إسلام ليست بحال واضحة

(Handelingen der Staten. Tweede Kamer Generael 1920 - 1919، 2 ديسمبر، ص 1158 ب؛ Blumberger فى Encyclopaedie van Ned - lndie Kolon. Verslag Van 1921 ص 15 ب، ص 6) وقد أنكر تجاكرا وجود أية علاقة بين القسم ب وشركة إسلام المركزية أو فرع شركة إسلام المحلية (أنظر أيضا Handelingen der St. G etc, ص 1153 ب؛ Hand.v.d Volksraad. 1919 - 1921، ص 91 - 92, 94, 96, 106, 110, 114, 211). ومهما يكن من شئ فإن الحكومة قررت أن لا تمنح أى اعتراف شرعى لشركة إسلام ما لم تستبعد الأيمان التى يقسم بها الأعضاء من القوانين الأساسية للشركة إلخ، وقد اعتقدت الحكومة (والراجح أنها كانت محقة فى ذلك) إن بين ظهرانى شركة إسلام حركة مناهضة للهولنديين أصبحت مشهورة (1920 Kol. Verl. Van, الفصل ب ص 5). فسحبت العون الأدبى التى بذلته لشركة إسلام فى السنوات الأخيرة على السلطات المحلية. وسرعان ما واجهت شركة إسلام فى أمور أخرى كثيرا من الصعاب الكبيرة أثرت فى نشاطها الظاهر وأجبرتها على العمل على تقوية نفسها من الداخل. أما المؤتمر الوطنى الرابع - سرابايا، 26 أكتوبر - 2 نوفمبر 1919) فقد انصرف فى جوهره إلى مناقشة المجلس التشريعى الثورى القادم (انظر ما سبق) وصلة شركة إسلام بهذا المجلس، ويمكن أن نمر بذلك هنا مر الكرام. وازدادت المصاعب، وتأجل المؤتمر الوطنى الخامس نتيجة للنقد العنيف الذى وجه إلى الإدارة المالية والسياسية لشركة إسلام المركزية (وجهه الشيوعى دَرْسنا فى سنار هنديا، 6 - 9 أكتوبر 1921 وانظر kol.verslag 1921 Van عمود 6؛ kol.verslag van 1922 عمود 9). وطالبت فروع الشركة ببيان عن الأموال التى أودعتها لدى الشركة المركزية؛ وقبض على سكرتير الشركة المركزية فى نوفمبر سنة 1920، وصدر ضده حكم فيما يتعلق بحادثة القسم ب. وزاد الموقف اضطرابا على اضطراب نتيجة للنشاط المتزايد الذى كانت تبذله الاتحادات الأخرى.

وقد كان المؤتمر الخامس الذى عقد فيما بين 2 - 6 مارس سنة 1921 بمثابة المحاولة الأخيرة لتجاكرا فى سبيل أن يبقى السيطرة على الحركة الشعبية الجاوية جميعا فى يد شركة إسلام المركزية باتخاذ موقف وسط بين الحركات المختلفة أشد الاختلاف وبين تأجيل النظر فى المشاكل المعقدة أشد التعقيد والتى لم يستطع الاهتداء إلى حل لها بعد. وكان قوام هذا الوقف برنامج من المبادئ جديد يتضمن: (أ) الكشف عن النفوذ الخطير للرأس مال الأوربى الذى استعبد فيما يقال أهل البلاد الوطنيين، (ب) تتخذ الشركة الإسلام أساسا لأعمالها بحكم أنه يتطلب حكومة شعبية، ومجالس للعمال، وتوزيع الأرض ووسائل الانتاج، ويحتم العمل ويمنع أى فرد من الأثراء على حساب عمل الآخر، (جـ) استعداد شركة إسلام للتعاون الدولى فى الحدود التى وضعها الإسلام مع تأكيد استقلال الشركة. أما المسائل الشائكة الخاصة بتنظيم الحزب (أيجوز للعضو فى شركة إسلام أن يصبح أيضا عضوا فى حزب سياسى آخر؟ ) فقد أرادت شركة إسلام المركزية أن تجيب عن هذا السوْال بالنفى، وأراد الجناح الأيسر المتحالف تحالفا وثيقا مع الحزب الشيوعى أن يجيب عنه بالإيجاب ولما كان الشيوعيون حريصين على إقرار البندين (أ، جـ)، وكانوا بلا شك مستعدين أن يرضوا بالبند (ب) من أجل هذين البندين فإنا نخرج من هذا بأن دعواهم بأن الشيوعية قد تحقق لها النصر الآن فى شركة إسلام أصبح مفهوما. ومن اليسير أيضا أن ندرك أن النضال بين صفوف شركة إسلام سرعان ما تجدد، ذلك أن الشركة المركزية لم تكن لتسمح بهذا التفسير للموقف الوسط الذى اتخذته (انظر أوتوسان هنديا، عدد 26 مارس سنة 1921) وأعقب ذلك حدوث الإنشقاق فى المؤتمر الوطنى السادس (سرابايا، 6 - 10 أكتوبر 1921)؛ ولم يشهد تجاركا هذا المؤتمر، فقد كان قبض عليه فى أغسطس سنة 1921 (ذلك أنه ظن أنه حنث بيمينه فى حادثة القسم (ب)، ولكنه أطلق سراحه فى

أبريل سنة 1922, وحكم ببراءته فى أغسطس سنة 1922)، ولم يستطع نائب الرئيس أن يتحاشى القرار، ووافقت أغلبية المؤتمرين على مبدأ تنظيم الحزب؛ وترك سمعون وأتباعه شركة إسلام (8 أكتوبر سنة 1921). وسرعان ما انتظموا فى سلك شركة اسلام بيراستوان، أو شركة إسلام ميراه (أى شركة إسلام الحمراء) متخذين مقر الشركة فى سمارانغ. (جـ) وبعد هذا القرار أخذت شركة إسلام تفقد مكانتها سريعًا. وتلاشى إخلاص أعضائها أمام مغريات الحزب المتطرف. واستأنف تجاركا بعد إطلاق سرابحه دعوته لشركة إسلام ولكنه لم يلق نجاحا يذكر، وفقد كثيرا من نفوذه السابق، ولم يعد يمثل شركة إسلام فى المجلس التشريعى الجديد، وأصبح الآن يسير على سياسة تقدمية معتدلة. وعقد المؤتمر الوطنى السابع فى مركز مديون المحافظ (17 - 20 فبراير سنة 1923). وعاد تجاركا فاضطلع بالمسائل الثقافية والدينية. وكانت الشئون الإسلامية قد تركت فى السنين القريبة إلى اتحادات خاصة أى إلى المحمدية. وأصبح تجاركا رئيسا لمؤتمر الجامعة الإسلامية الأول (تجربون، 1 نوفمبر 1922) الذى كان قد نظم على نهج "رابطة مسلمى الهند جميعًا". وقد تجلت فى المؤتمر العناية الكبيرة بالإسلام فى نطاقه الدولى. وأرسلت برقية تعبر عن الاحترام والتبجيل لمصطفى كمال باشا. ونوقش موقف الجاويين من مشكلة الخلافة. وربطت شركة إسلام نفسها فى المجلس التشريعى بالكتلة الثانية المتطرفة التى تألفت نتيجة للمقترحات التشريعية التى قدمت لمراجعة دستور جزائر الهند الشرقية الهولندية. ولكن نشاط هذه الكتلة ظل محصورا فى أضيق الحدود. وبينما كانت شركة إسلام تضمحل كانت شركة إسلام المتطرفة تنهض وتزدهر؛ وقد دخل زعيمها سمعون فى علاقات مع الحكومة الروسية السوفيتية فى موسكو، وقد أشرنا من قبل إلى نشاطه فى اتحاد أرباب الحرف. وكان اعتقاله هو السبب فى

الإضراب الكبير بين عمال السكة الحديد الذى وقع فى مارس سنة 1923. وقد نفى من جزائر الهند الهولندية فشخص إلى هولندة حيث أدخل عضوًا فى لجنة الجزب الشيوعى "ممثلا للحركة الأندونسية الشعبية". وكان فى نهاية سنة 1924 فى الصين التى كان حزبه على اتصال دائب بها، وخاصة بعد اعتناق صن يات سن لمذهب البلشفية. وفى 4 مايو سنة 1923 عقدت شركة إسلام المتطرفة مؤتمرًا بالاشتراك مع الحزب الهندى الشيوعى فى باندونغ. وأطلق على شركة إسلام الحمراء بهذه المناسبة اسم شركة رعية (نادى اتحاد الشعب)، وأصبحت الدعوة إليها توجه بالاشتراك الوثيق مع الحزب الشيوعى. وهكذا قدر أن تكون شركة رعية مدرسة إعدادية للحزب الهندى الشيوعى، ولم يكن يسمح بتلقى الدروس التى يعقدها هذا الحزب لإعداد القادة لشركة رعية إلا للطلبة المدربين فحسب، والظاهر أن هذه الخطة قد خلقت دعاة بارعين بالرغم من حديث الجرائد عن ذلك حديثًا يدل على الجهل الفاضح (ولعلها محقة فى ذلك). ولا تحفل شركة رعية بالدين فهى تقف من اللَّه [سبحانه] موقف الحياد (Neutraol hepada Allah). على أن الزعماء فى المدن يقفون من الدين موقفًا معاديًا فى كثير من الأحيان، أما فى الريف فهم مسلمون، ويبدو أنه توجد طائفة من الشيوعيين الذين يؤمنون بالدين. وقد دأبت السلطات على مناهضة شركة رعية، فمنعت اجتماعاتها، وعاقبت كل مخالفة للقانون فيما يختص بحرية الحديث والخطابة، وصادرت الكتب الشيوعية وما إليها، وكفت أذى الأعضاء المشاغبين باعتقالهم للتحرى عنهم. وقد زادت الحملة الموجهة إليهم شدة منذ 31 أغسطس سنة 1924 ومن نتائج هذه الحملة اتخاذ موقف أكثر سماحة حيال الاتحادات المعتدلة (شركة إسلام وما إليها). على إننا لا نستطيع أن نذكر شيئا محددًا بعد عن نتائج هذه الحملة.

وفروع شركة إسلام خارج جاوة أقل أهمية بكثير من الفروع التى فى جاوة، ذلك أن ظروف تلك الفروع مختلفة، كما أن الأرض التى بذرت فيها شركة إسلام مبادئها هنالك أقل صلاحية بكثير منها فى جاوة. وقد تألفت منذ سنة 1914 فروع للشركة فى أهم المراكز، وأثارت هذه المراكز اهتماما بالحياة الدينية أكثر نشاطا مما كان؛ واتسم ذلك أحيانا بالشطط فى بعض الأماكن المحلية، على أن هذه الحماسة سرعان ما فترت. وكانت هذه الفروع ترسل ممثلين لها إلى المؤتمرات الوطنية فى جاوة، فيبينون للمؤتمر شكاوى الناحية التى يمثلونها. وقد حدث من بعد فى بعض الأحيان الصراع المعهود بين شركة إسلام وشركة رعية، إلا أنه كان أقل حدة بكثير منه فى جاوة. وكان أول فرع لشركة إسلام فى خارج جاوة هو فيما يظهر الفروع الذى تالف فى بالمبانع فى 14 نوفمبر سنة 1913 على يد الجاويين وكان نفوذ شركة إسلام يختلف كثيرا باختلاف الظروف المحلية. وقد كان الموقف عصيبا فى آشى حوالى سنة 1921 ذلك أن شركة إسلام (وكان تنظيمها سريا فى كثير من الأحوال) انتهجت فيما يظهر دعاية مناهضة للهولنديين، وقد كان لشركة إسلام فى جمبى شأن فى الاضطرابات التى وقعت فى سنة 1916 وما بعدها من سنوات. وكان الميل إلى الجامعة السومطرية فى مننككا بآو أقوى من النفوذ الجارى لشركة إسلام وكان عمل هذه الشركة فى جزائر ترنات وأمبون هاما، وقد ظهرت فى أمبون نزعات متطرفة قوية. ويجب فى آخر الأمر ألا نغفل أن نمو شركة إسلام الفتية كان ينظر إليه فى مكة بأعظم الاهتمام. فقد قلقت الخواطر فيها بعض القلق لما نسب إلى الحكومة الهولندية من أنها انتوت أن تجعل الحج إلى مكة مستحيلا بالنسبة إلى رعاياها الأندونيسيين. ولا يخفى بطبيعة الحال أن المكيين كانوا يعتمدون فى كثير من معاشهم على الحجاج الجاويين (Mekka: Snouck Hurgronje, جـ 2، الفصل 4). والظاهر أنه قد تبودلت

رسائل بين علماء مكة والسلطات الإسلامية فى أندونيسيا عن نشاط بعثات التبشير المسيحية. ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل يقال إنه قد أقيمت صلوات خاصة فى المسجد العتيق من أجل مسلمى أندونيسيا. ونخرج من هذا بأن الاهتمام كان كبيرًا بشركة إسلام. وفى أواخر سنة 1913 ظهر كتيب عن شركة إسلام باللغة العربية فى مكة، ثم ترجم من بعد إلى اللغة الملاوية. وأنشئ فرع لشركة إسلام فى مكة (والراجح أنه أنشئ من أجل الأندونيسيين الذين يقيمون فيها) ولا يعرف كاتب هذه المادة شيئًا آخر عن نشاطه. ولعل هذا الفرع هو الفرع الوحيد لشركة إسلام الذى قام خارج جزائر الهند الشرقية الهولندية. ويحق لنا أن نقول تلخيصا لما ذكرنا أن شركة إسلام كان لها شأن هام فى نمو العلاقات بين هولندة وجزائر الهند الشرقية البولندية، وإن تاريخها له أيضا شأن فى تاريخ نهضة الإسلام ويقظة شرقى آسية. وهذه الشركة أول صيحة عظيمة مستقلة تعبر عن الحاجة التى أحس بها الأندونيسيون عشرات من السنين، وعن رغبتهم فى مزيد من الحرية ومزيد من الاستقلال. وقد وجه زعماؤهم هذه الرغبة وجهة متطرفة، بل ربما كانت وطنية أيضا، ولكن العامة لم يفهموا نظريات هؤلاء الزعماء، وكانوا يؤيدون أعظم تأييد الحركة التى تستجيب لمطالبهم خير استجابة. وفى السنوات الخمس عشرة التى انقضت على حياة شركة إسلام طرأ على المجتمع الجاوى فى مظهره تغيرات هائلة، يمكن أن نلتمس أسبابها أيضا فى الحوادث التى وقعت أثناء الحرب العالمية الأولى وما بعدها. أما التطور الداخلى فقد بدأ خاصة بتأثير شركة إسلام، ولكن هذا التطور خليق بطبيعة الحال أن يسير سيرًا أبطأ من ذلك بكثير. وأما تطور الحركة الشعبية من بعد بين الجاويين الذى يعد فى ذاته مهمًا بوصفه آية من آيات العصر فإنه سوف يعتمد على كثير من العوامل الخارجية. ولعل مدى ما تستطيعه السلطات الأوروبية من قدرة على تكييف سياستها بالموقف الذى يتغير تغيرا بطيئًا هو بخاصة العامل الحاسم فى تحديد طبيعة الحركة الشعبية.

المصادر

المصادر: (1) 1923 - 1913, Kolonial Verslag, الفصل جـ (التقارير السنوية عن الأحوال فى مقيميات جزائر الهند الشرقية الهولندية) فى Bijlagen van het Verslag der Handelingen van de Quveede; kamer der Staten. General Bilaje C (2) المصدر نفسه، 1919 وما بعدها، الفصل ب (Stroomingen onder de inlandische Bevolking بعد عام 1923 Verslag Van Bestuur en Staat: Van Nederlandsch-lndie van 1922 (بسبب أن مركز جزائر الهند الهولندية قد تعدل بتغيير أدخل على الدستور الهولندى اقتضى أيضا تغيير الاسم Koloniaal" Verslag"), الفصل جـ فى مواضع مختلفة Bilaje A (مصادر رسمية). وهناك مقالات قصيرة عن شركة إسلام وغيرها فى: (3) Repertorium op de Literatuur betrefende de Nederlandsche Kolonien etc. . Vierde Ve: Schalker-Muller roolg (1911 - 1915), لاهاى 1917, ص 89, 133 - 142, 146, 299, 302, 309؛ vijfde vervolg 1916 - 1920) لاهاى 1923 م, ص 128, 164 - 172, 183, 193, 202, 222 - 223, 257. ونذكر فى هذا المقام أيضا. (4) " A. Cabaton la "Sarekat Islam فى R.M.M 1912، جـ 21, ص 348 - 365 (ويسبقها [ص 330 - 348] مقال بقلم الكاتب نفسه عن المطابع الوطنية اليوم فى جزائر الهند الشرقية الهولندية) (5) Der "sarekat Dagang lslam" und der Aufruhr auf Dambi Deutsche Woch-enzeitung fir die Niederlande, 17 سبتمبر 1916. (6) Bemerkenswerte Stromungen in den Bataklanden. Der S.I فى Rhein Miss Ber، 1917 م، ص 25. (7) Der "Sartkat Islam" auf Sumatra, Allg. Missionszeitschrift: G.Simon 1917 م، جـ 54، ص 123 - 125.

(8) Der Mohammedaner Bund "Sarkat Islam": Fr. Von Mackay فى Die Islamische Weli, فبراير سنة 1918. (9) Der S.l فى " Kriegsbelenchtung" بقلم j.p. Blum berger فى Koloniaal Weekblad 2، 2 يونية سنة 1918. (10) L'evolution de L'esprit indigene aux Indes Orientales Bull. Soc. Beige d'Etat: O.J.A.Collet, فى colNeerlandaises 1920, جـ 27, 461 - 524؛ 1921، جـ 28, ص 1 - 75 (طبعة منفصلة، بروكسل 1921). (11) ومن ثم انظر Kolon. Weekblad، 12 مايو سنة 1921 و Kolon Tijd schrift , 1921 م، ص 538. (12) De inlandsche Beweging op, Java: P.H.Fromberg فى de Gids 1914 م، رقم 10، 11. (13) De Sarikat Islam: B. Alkema، أوترخت، ولم يذكر تاريخ هذه الطبعة. (14) De Sarekat Islam, en hare beteekenis voor den Be sturrsambtenaar Tijdschr: J.Th.P.Blumberger، 1919 م, جـ 8، رقم 2, 3, 4. (15) المؤلف نفسه: Stemmingen en Stroomingen in de SareKat Islam, لاهاى 1920. (16) المؤلف نفسه، مقال عن شركة إسلام فى Encyklopaedie van Nederlandsch-Indie، جـ 3، لاهاى - ليدن، 1919 م، ص 694 أ - 70 أو AanwlLing، ص 15 أ - 21 ب (1922) ص 196: 203 ب (1924). (17) Verspreide Geschrifter: C.Snouck Hurgronje، بول ليبسك 1924, مجلد 4، جـ 2، ص 395 - 402، 405 - 406, 409 - 410. (18) والكتاب التالى بقلم الكاتب نفسه عظيم القيمة فى الحكم على الموقف وعلى ظهور شركة إسلام، وإن كان قد كتب فى تاريخ مبكر: Politique MusuImane de la Hollande, باريس 1911 , و Verspr .Geschr, المجلد 4، جـ 2، ص 227 - 316. صبحى [برغ C.C.Berg]

شريعة

شريعة (¬1) ويقال أيضًا "شرع" (مصدر فى الأصل): هى لغة الطريق إلى مورد الماء؛ والطريق الواضح الذى يجب سلوكه، والطريق الذى يجب على المؤمنين أن يتبعوه؛ والديانة الإسلامية؛ واصطلاحًا: القانون المعترف به فى الإسلام، وهو جملة أحكام اللَّه (وتستعمل كلمة "شريعة" أيضًا فى الدلالة على الحكم الواحد، والجمع شرائع = أحكام. وهو يستعمل فى معنى الشريعة) وترادف كلمة "شريعة" كلمة "شرْعة" التى كانت تستعمل أيضًا بمعنى العادة وأصبحت من بعد كلمة مهجورة. أما كلمة "شارع" فتستعمل أيضًا اصطلاحا للدلالة على النبى عليه الصلاة والسلام بوصف أنه مبلغ الشريعة، لكنها تطلق فى الغالب على اللَّه بوصف أنه المشرِّع. "والمشروع" هو ما نصت عليه الشريعة؛ والشئ الذى يدخل فى الشريعة أو يتفق معها وينطبق عليها يسمى "شرعيا". ويستعمل لفظ "شرعى" أيضًا مقابلا للفظ "حسى": فيطلق الأول على الأفعال الظاهرة المدركة بالحواس التى هى أيضًا صور للأحكام الشرعية؛ ويطلق الثانى على كل الأفعال التى لا يكون حالها هذا الحال أى التى ليس لها مدلول فى الشريعة (فمثلا الإيجاب والقبول فى التعاقد أشياء شرعية، وهى فى أحوال أخرى أشياء حسية). وعلى هذا النحو يكون الشرع والحكم مقابلين للحقيقة أى للعلاقات الواقعة فعلا والتى قد تكون مخالفة لما أوجده الشرع. ويردّ الاستعمال الاصطلاحى للكلمة إلى بعض آيات من القرآن الكريم: (سورة الجاثية، الآية 18؛ وهى ترجع إلى أواخر الفترة المكية -وفيما يتعلق بالتواريخ انظر Ces Chichte des Koran: Noldeke-Schwully، جـ 1، ص 58 وما بعدها؛ Mohammed: Grimme, جـ 2، ص 24 وما بعدها): "ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون" وسورة الشورى الآية 3 (الفترة نفسها، وربما بعد ذلك بقليل): {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا}. . . والسورة نفسها، الآية 21: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ ¬

_ (¬1) فى هذه المادة حافظنا على الأصل، وأضفنا إليه بعض ما أضافه الكاتب أخيرا فى مختصر دائرة المعارف الإسلامية. . المترجم.

يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ}؛ وسورة المائدة، الآية 48 (مدنية، وربما كانت من أول الفترة المدنية): {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا}. وكلمتا "شريعة" و"شرعة" فى هذا المقام لم تكونا قد أصبحتا بعد من المصطلحات. ومن التعريفات القديمة للفظ "شريعة" ما يذكره الطبرى فى تفسير سورة الجاثية الآية 18 من أن الشريعة هى "الفرائض والحدود والأمر والنهى". أما فى المذاهب التى جاءت بعد ذلك فيفهم من "الشريعة" و"الشرع" جملة أحكام اللَّه المتعلقة بأفعال الإنسان، ومن هذه الأحكام يستبعد ما يتناول الأخلاق ويسمى "الآداب"، وعلم الفقه (هو وعلم التفسير وعلم الحديث، والعلوم المساعدة له) هو علم الشريعة أو علم الشرائع. ويمكن فى بعض الأحيان أن يستعمل مرادفا لعلم الشريعة كما أن "علم أصول الفقه" يسمى أيضًا "علم أصول الشرع". ويرى أهل السنة أن الشريعة هى منشأ الحكم على الأفعال بأنها حسنة أو قبيحة، ومردّ هذا الحكم عندهم إلى اللَّه وحده، على حين أن الحكم على الأفعال بأنها حسنة أو قبيحة فى نظر المعتزلة إنما يأتى مؤيدا الحاكم العقل السابق على الشرع. والشريعة من حيث هى المحكمة الظاهرة Forum externum لا تضع القواعد إلا للعلاقات الظاهرة التى تربط المكلَّف باللَّه وتربطه بابناء جنسه، وهى لا تتناول باطنه، أى موقفه أمام المحكمة الباطنة (¬1) Forum internum، فالنية نفسها مثلا، مع أنها أمر مطلوب فى كثير من العبادات، لا تتضمن الباعث الباطنى من القلب. والشريعة إنما تطالب بأداء الواجبات الظاهرة المفروضة، وهى لا تنظر إلا إلى أدائها، وعلى هذا فإن الشريعة، والحكم على الأفعال بالاستناد إليها، وكذلك القضاء الذى لا يجاوز الواقع الظاهر، كل ذلك يجئ فى مقابل ما يكون فى قلب الإنسان وما يحس بأنه مسئول عنه شرعًا (وهذا ما يسمى الديانة والتنزه) وما يكون بينه وبين اللَّه، ولذلك فإن أهل الأرواح المتدينة، كالغزالى، عارضوا المبالغة فيما هو فقهى، والفقهاء أنفسهم ¬

_ (¬1) المقصود محكمة الضمير.

يقولون إن مجرد القيام الشكلى بأحكام الشريعة جميعًا غير كاف. ويتصل بهذا مكان الشريعة عند الصوفية (انظر فيما يتعلق بالصوفية Vorlesungen uber den Islam: I.Goldziher, الطبعة الثانية ص 165 وما بعدها؛ Al- Hartmann Kuschairis Darstellung des Sufitums ص 72, 102 وما بعدها) والشريعة مرحلة بداية فى طريق الصوفى، ويمكن أن تكون من جهة أساسا لا بد منه للحياة الدينية التى تأتى بعد ذلك والتى يجب أن يكون فيها القيام بأحكام الشرع شيئًا باطنا، وعلى هذا فإن الشريعة التى هى أمر بالتزام العبودية والحقيقة التى هى مشاهد الربوبية تكوّنان مفهومين متضايفين. ويمكن أن تعد الشريعة من جهة أخرى مجرد رمز تصطنع فيه صور التعبير الحسية وإشارة لشئ آخر، أو أن تعد أخيرًا نافلة. وبالجملة فإن الشريعة هى العنصر المميز للتفكير الإسلامى، وهى لب الإسلام نفسه، وهى إلى جانب ذلك نوع خاص من "القانون المقدس". وكانت المعرفة بالشريعة فى أول الأمر تُستمد من القرآن والحديث مباشرة (ولذلك كان علم التفسير وعلم الحديث من جملة الفقه)، وعند المتأخرين صارت المعرفة بالشريعة تستمد على نحو قاطع من المذاهب الفقهية التى اشتملت على أدق وأصغر المسائل التفصيلية والتى كان مرجعها الأخير إلى الإجماع وهو الحجة الكبرى التى لا يعرض فيها الخطأ. وكان لا يجوز لمسلم من أهل السنة أن يتنصل من حكم الإجماع، لكن المهدى محمد بن أحمد فعل ذلك ويفعله أصحاب التجديد (انظر مثلا فيما يتعلق بتركية A. Fischer: Ubersetzung and Texte; aus der neu osmanischen Literatur المؤلف نفسه Aus A. Muhiddin,: der religiosen Reformbe Die Kul-: wegung in der Turkei turbewegung in modernen Turkentum؛ وفيما يتعلق بمصر انظر كتاب الإسلام وأصول الحكم لعلى عبد الرازق، القاهرة 1344 هـ، وفيما يتعلق بالهند انظر كتاب سيد أمير على: Life and The Teachings of Mohammed وله أيضًا: The: M. Barakatullah;The Spirit of Islam Khilafet) . لكن التجديد قد أخذ ينال

مكانا فى العصر الحديث، وهو ينازع فى سلطة الصورة التقليدية التى للشريعة، ويدعى لنفسه الحق فى أن يصلحها بحسب الآراء والحاجات الحديثة، وهذا لا يحدث بدون تعسف فى اختيار الأقوال التى يجب الأخذ بها ولا بدون تأويل للنصوص الأساسية لا يخلو من تكلف. وكان من نتائج تطور الفقه أن الشرع لم يُرتب على هيئة "مجموعة قوانين" بالمعنى الحديث (انظر خاصة Verspreide Ge schriften: Snouck Hurgronje، مجلد 4، جـ 2، ص 260 وما بعدها) ثم إن كتب الفقه، وخاصة التى ترجع إلى عصر متأخر والتى تعد المقياس المقبول عند الكافة (بسبب الإجماع عليها)، هى فى الواقع "كتب الشريعة" عند المسلم السنى: فهو يجد فيها شريعة اللَّه مبينة على الوجه الذى يجب أن يتبعه وبحسب المذهب الذى ينتمى إليه، على حين أن القرآن الكريم والحديث بالإضافة إلى ما سبق فإنهما يثبتان الإيمان ويقويان اليقين. ولكن ليس كل إنسان قادرًا على أن يستخلص بنفسه من كتب الفقه وعن خبرة كافية رأى الشرع فى بعض الحالات، بل يحتاج غير المتخصصين فى الشريعة إلى سؤال المتخصصين فيها. ورأى هؤلاء يجئ فى صورة فتوى، والعالم الذى يعطى هذه الفتوى يسمى تبعًا لذلك بالمفتى. وشرع اللَّه لا يمكن إدراك كل أسراره بالعقل، فهو تَعَبُّدى، أى أن الإنسان يجب عليه أن يقبله، وأحكامه حتى التى لا يدركها العقل، من غير نقد وأن يعد ذلك حكمة لا يمكن إدراك كنهها. ولا يجوز للإنسان أن يبحث فى الشرع عن علل بحسب مفهوماتنا, ولا عن مبادئ، ذلك أن منشأ الشريعة هو إرادة اللَّه التى لا تقيدها مبادئ. ولذلك فإن أنواع الرخص لا تعتبر أكثر من اصطناع وسائل وضعها اللَّه فى متناول الإنسان. والشريعة الإسلامية التى تكونت من الوجهة التاريخية بتضافر عوامل كثيرة لا يكاد يمكن تقديرها التقدير الدقيق (انظر Islam: Bergatrasser مجلد 14، ص 76 وما بعدها) بدت فى

نظر أتباعها دائما شيئًا يعلو على الحكمة الإنسانية. ولذلك أيضًا لم يحرم البحث فى معنى القوانين الإلهية بقدر ما هدانا اللَّه نفسه إلى طريقة هذا البحث، وعلى هذا فإنه يشار فى كثير من الأحيان إلى الحكمة من شرع شرعه اللَّه. لكن المرء يجب عليه دائما أن يحرّز من المغالاة فى قيمة هذه الاعتبارات النظرية. ولهذا السبب نفسه لا تعد الشريعة "قانونا" بالمعنى الحديث لهذه الكلمة ولا هى كذلك من حيث مادتها، ذلك أنها، وهى القانون الخلقى الذى لا يتطرق إليه الباطل، تشمل جملة الحياة الدينية والسياسية والاجتماعية والعائلية والفردية لمعتنقى الإسلام على أوسع نطاق وبدون تقييد، كما تشمل حياة أهل الأديان الأخرى الذين يسمح لهم بالحياة بين المسلمين ما دام نشاطهم بريئًا من العداوة للإسلام. والمكلف بالعمل بأحكام الإسلام هو الشخص البالغ العاقل، وعلى هذا فإن الشريعة لا تقيد غير المسلم شيئًا من التقييد إلا فى بلاد الإسلام، فهى تقصر انطباقها طبقا للمبدأ الذى يراعى الشخص ويراعى البلاد معًا (¬1). وهذه النظرة التى تميز الشريعة تمييزًا تاما تبدو بارزة منذ مرحلتها الأولى، أى المرحلة القرآنية، وإن الأحكام الواردة فى القرآن كانت بعيدة عن أن تكون شاملة لكل تفاصيل الميادين التى تقدم ذكرها. وقد وضح القرآن أولًا وقبل كل شئ ما يجب على الإنسان أن يفعله بالنسبة لأنواع معينة من التعاقد، وبالنسبة لأحوال معينة، وأن يبين ما لا يجوز للإنسان أن يفعله؛ أما فيما يتعلق بالمصادر المادية التى استوعبتها الشريعة الإسلامية فإن عناصر كثيرة مختلفة جدًا فى أصلها (من آراء عربية قديمة وبدوية: قانون التعامل بمدينة مكة التى كانت مدينة تجارية؛ وقانون الملكية فى واحة المدينة؛ والقانون العرفى الذى كان فى البلاد المفتوحة، وهو قانون رومانى إقليمى إلى حدّ ما؛ وقانون هندى) قد احتفظ بها الإسلام وأخذ بها من غير تحرج ¬

_ (¬1) زاد الكاتب الفقرة التالية على المادة الأصلية وأثبتها فى مختصر دائرة المعارف الإسلامية.

بعد أن أخضعت لذلك التقييم الدينى الذى شمل كل شئ وأنتج من جانبه أيضًا عددا كبيرا من المبتكرات الفقهية البالغة أعلى درجة فى الأصالة. ومن طريق هذه النزعة الشاملة فى بيان الأوامر والنواهى صار مضمون الشريعة على تنوعه وحدة متماسكة غير قابلة للانحلال. وأحكام الشريعة يمكن أن تنقسم من حيث مادتها إلى طائفتين كبيرتين: 1 - أحكام تتعلق بالعبادات والشعائر. 2 - أحكام ذات صبغة قضائية وسياسية. وكل هذه الميادين هى بحسب طريقة التفكير الإسلامية من نوع واحد تماما (وإن كان المسلم يحس بطبيعة الحال بأن الأحكام الأولى المسماة العبادات أوثق صلة باللَّه). وهذا يصدق أيضًا على الأحكام الكثيرة المتفرقة فى جميع أنحاء كتب الفقه والتى تتعلق بأمور مختلفة أشد الاختلاف لا يكاد يمكن إدخالها فى إحدى الطائفتين الكبيرتين اللتين تقدم ذكرهما، وذلك مثل الأحكام المتعلقة بالآلات الموسيقية المباحة والمحرمة، وباستعمال آنية الذهب والفضة، والعلاقات بين الرجال والنساء، والمباراة فى الرماية والسباق، وتصوير الكائنات الحية، واتخاذ الملابس والزينة بالنسبة للرجال والنساء ونحو ذلك. وكانت النزعة الكبرى عند نشأة الشريعة هى نزعة الحكم على كل أحوال الحياة على أساس النظرة الدينية، ولم تكن وجهات النظر القانونية إلا شيئًا ثانويا فحسب (انظر Bergstrasser، المصدر المتقدم) وأهل السنة يقسمون الشريعة أحيانا تقسيما شكليا إلى عبادات ومعاملات وعقوبات. أما الشيعة الاثنا عشرية، فقد قسموا الشريعة على نحو أكثر منهجية تقسيما شكليا أيضًا لم يمضوا فيه من حيث المنطق إلى نهايته، ذلك أنهم قسموها إلى عبادات وعقود وإيقاعات وأحكام. وكان هناك إجماع بين الأجيال الأولى من المسلمين حول الواجبات الكبرى المفروضة على المسلم. فالقرآن كان قد جعل للصلاة والزكاة والصوم شأنا خاصا. ورأى الكثيرون إلى ذلك أن الاشتراك فى الجهاد فرض أساسى

يجب على المسلم أن يقوم به، ثم إن المهدى محمد بن أحمد أيضًا قد جعل الجهاد من الواجبات الكبرى التى بينها هو من جديد (انظر Islam مجلد 14 ص 285). وعند الشيعة أن القول بإمامة أئمتهم والولاية لهم من الفروض الكبرى؛ ويضيف الإسماعيلية إلى ذلك الجهاد. ولكن بحسب الرأى الذى أصبح هو السائد عند أهل السنة يقوم الإسلام على خمسة أركان (جمع ركن): الشهادة والصلاة، والزكاة والحج، والصوم. وكتب الفقه فى العادة لا تتناول الشهادة: وذلك أن المسائل المتعلقة بالعقيدة كانت من الكثرة بحيث لم يلبث موضوع هذا الركن الأول من أركان الإسلام أن صار فرع دراسة قائما بذاته. وهو علم الكلام. أما الأركان الأربعة الباقية فتدرج هى والطهارة (وتعد عند الإسماعيلية ركنا جديدًا) سويا أحيانا بوصفها "العبادات الخمس". وبحسب الترتيب المأثور فى كتب الفقه والحديث -وهو الترتيب الذى قامت عليه بالفعل أقدم الكتب التى وصلت إلينا والذى لا نعرف الكثير عن نشأته التى لا بد أن تكون أقدم من المذاهب ويرجح أنها ترجع إلى القرن الثانى- تخصص الأبواب الخمسة الأولى دائما للعبادات الخمس، وبعدها تُعالج على الولاء فى الغالب مسائل: العقود، والميراث، والزواج وقانون الأسرة، والحدود، والجهاد، وموقف المسلمين إزاء الكافرين بوجه عام، وأحكام الأطعمة المحلفة والمحرمة، وأحكام الذبائح والأضاحى، والأيمان والنذور، والتقاضى وإثبات الدعوى، وعتق الرقيق. وهذا هو التبويب الجارى عند الشافعية؛ أما ما يوجد عند الحنفية من تبويب فهو يختلف عن ذلك. لكن كل أنواع التبويب على اختلافها تشترك فى بعض الوجوه، ولابد أن هذا يرجع إلى القرن الثانى للهجرة (¬1). وليست كل أحكام الشريعة أوامر ونواهى، ففى كثير من الأحيان يعتبر فعل الشئ أو تركه فى نظر الشرع مجرد أمر مرغوب فيه أو مكروه. ثم إن الشرع أخيرًا يرتب أعمالا لا يأمر بها ¬

_ (¬1) من عند قوله: وهذا هو التبويب الجارى عند الشافعية إلى هذا الموضع موجود فى المختصر.

ولا ينهى عنها بل يعتبرها مباحة. وعلى هذا فإن علماء الشريعة يميزون بين الأحكام الخمسة الآتية: 1 - الفرض (أو الواجب، انظر ما يلى)، وهو الأعمال التى يثاب على فعلها ويعاقب على تركها. وأهم التقسيمات الأخرى للفرض (الواجب) التقسيم إلى "فرض عين" و"فرض كفاية"، وهذا التقسيم يصطنع أيضًا فى الطائفة التالية من الأعمال. 2 - مندوب، أو سنّة، أو مستحب، أو نفل أو نافلة، وهو العمل المحمود الاختيارى، والقيام بهذا العمل يسمى "التطوع". ولا يصح الخلط بين السنة بهذا المعنى وبين سنة النبى عليه الصلاة والسلام التى هى أصل من أصول الفقه -هذا رغم أن المفهومين مرتبطان. على أن معنى السنة من حيث هى صفة للفعل لم يخل أحيانا من التأثر بالمعنى الآخر. وكل ذلك أعمال لا يعاقب على تركها لكن يثاب على فعلها. 3 - مباح، (ويندر أن يسمى: "جائزًا" -انظر ما يلى)، وهو يشمل الأعمال التى لا يتعرض الشرع للأمر بها أو النهى عنها والتى لا يرجى من ورائها ثواب ولا يخشى عقاب. 4 - مكروه، وهو الأفعال التى لا يعاقب على فعلها ولكن يجب استنكارها من وجهة نظر الشرع. وعند متأخرى الشافعية صنف من المكروه بعض الكراهة، وهو المسمى "خلاف الأولى"، وتبعا لهذا يوجد أيضًا ما يسمى "الأولى"، وهو وسط بين السنة والمباح. 5 - حرام (ويسمى المحظور أيضًا)، وهو الأعمال التى جعلها اللَّه موضوع عقاب، أما الشئ الذى يرضى عنه الشرع فهو يسمى "مطلوبا"، وهو قد يكون "فرضا" أو"سنّة" أو"أولى". وفى بعض الأحيان تستعمل الألفاظ الدالة على المباح بحيث تشمل المكروه، أى ما ليس حراما بالمعنى الحقيقى. ولهذه الأقسام التى تقدم ذكرها أقسام أخرى صغيرة كثيرة ولها درجات متوسطة (انظر Snouck Hurgronje: Verspr.Geschr، الفهرس تحت مادة Kategorieen؛ De Wijsbegeerte in den Islam: Tj. de Boer هارلم, 1921, ص 33 وما بعدها؛ وانظر كتب الأصول).

والأسباب التى ينبنى عليها وضع الأفعال فى أحد هذه الأقسام قد تكون غاية فى الاختلاف, وهنا مجال واسع للاختلاف بين علماء الشريعة؛ وكثيرًا ما اعتبر الشئ حراما مطلقا أو واجبا مطلقا فى نظر فريق، على حين اعتبر مكروها أو سنة بل مباحا فى نظر فريق آخر. على أنه تظهر فى ذلك "نزعة الإسلام" السمحة، فقد يحدث مثلا أن يُعتبر الشئ سنة فى أحد المذاهب لا لشئ إلا أن هذا المذهب لا يريد أن يبعد كثيرًا عن رأى مذهب آخر يعتبر الشئ نفسه واجبا. وإذا كان قد يحدث أن يكون الفعل بحسب الظروف حراما تارة، مكروها تارة، مباحا تارة، وسنة تارة، وواجبا تارة، فإن هذا شئ مسلَّمٌ به عند الجميع. وإلى جانب التقسيم المتقدم (¬1) يوجد تقسيم للأعمال التى لها صلة بالشرع من حيث قيمتها القانونية إلى: صحيح، وضده باطل أو فاسد؛ وجائز (ولابد من التفرقة بين معنى هذا الجائز والمعنى الذى تقدم ذكره للجائز) على أن الاثنين يرجعان إلى أصل لغوى واحد، والسابق هو الأصلى (انظر Bergstrasser: المصدر نفسه)؛ وضد الجائز غير الجائز؛ ونافذ وضده غير نافذ؛ ولازم أو واجب (ولابد أيضًا فى الواجب من التفرقة بين معنيى الواجب؛ ومن البديهى أن الأول هو الأسبق، أما إنه أقدم من حيث المعنى الاصطلاحى للكلمة فهذا فيه نظر)؛ وضده "غير لازم" و"غير واجب"، وهذه تقسيمات متطابقة بعض التطابق، وعلاقتها من حيث التاريخ والمفهوم بعضها بالنسبة للبعض وكذلك علاقتها بالأقسام الخمسة السابق ذكرها لا تزال بحاجة إلى توضيح. ¬

_ (¬1) من هنا نجد فى المختصر تفصيلا، ونحن نأتى به ترجمة عن هذا المختصر: "وإلى جانب هذا التقسيم يوجد تقسيم للأعمال التى لها صلة بالشرع من حيث قيمتها القانونية. وهذا التقسيم قد فصله) وفى تفصيل فقهاء الحنفية على الوجه الآتى: 1 - صحيح، وذلك إذا كان أصل الفعل ووصفه مطابقين لما يأمر به الشرع. 2 - مكروه، وذلك عندما يكون حال الفعل كما تقدم، لكن يخالطه شئ محظور 3 - فاسد، وهو إذا كان أصل الفعل مطابقا للشرع دون وصفه. 4 - باطل، وهو إذا كان أصل الفعل ووصفه مخالفين للشرع. وفى الحالة الأولى والثانية يكون الفعل نافذا نفاذا تاما، وفى الحالة الثالثة بشروط معينة أو بقيود معينة. وفى الحالة الثانية تدخل فى بعض الأحوال مسئولية جديدة. وفى الحالة الرابعة لا تترتب نتائج قانونية أصلا. =

وبعد وفاة النبى عليه الصلاة والسلام تولى خلفاؤه (الخلفاء الأولون) وظيفته من حيث كان القاضى الأعلى للجماعة الإسلامية، على أنهم لم يكن لهم ما كان له من تبليغ الوحى الإلهى. صحيح أن الشيعة يعتقدون أن لأئمتهم هذا الشأن، لكن هذه العقيدة بقيت فى هذا الباب مجرد نظرية اعتقادية لا أكثر، وهى لم تؤثر فى تطور الشريعة تأثيرا فعليا. أما بالنسبة لأهل السنة (¬1) فإنه فى أثناء الثلاثين السنة الأولى من حياة الإسلام كان هؤلاء الأشخاص بأعيانهم فى الجملة هم الذين يصح أن يقال إنهم كانوا على علم بالأحكام الصحيحة فى الشريعة، وكان لهم أيضًا الشأن الحاسم فى قيادة الجماعة الإسلامية، وأولئك هم صحابة النبى عليه الصلاة والسلام وفى وسطهم الخليفة. وعلى هذا لم يكن هناك خطر كبير من سيطرة آراء بعيدة كل البعد من أن تكون عملية. وفى طول هذه الفترة كلها روعيت بطبيعة الحال أوامر القرآن والقواعد الأخرى التى وضعها النبى عليه الصلاة والسلام، لكن المسلمين أخذوا فى الوقت نفسه دون تحرج بالقوانين التى وجدوها أمامهم فى البلاد الجديدة التى فتحوها ما دام لم يكن عليها اعتراض دينى (¬2) لكن منذ قيام دولة بنى أمية فقد ممثلو ¬

_ = والمذاهب الأخرى لا تفرق بين الفاسد والباطل، وكثيرا ما يستعمل الوصف بـ "صحيح" فى معنى الصحيح قانونًا، بحيث يشمل المكروه. والاصطلاحات الخاصة بهذا المفهوم الجديد هى "نافذ" أى من الناحية الموضوعية) و"لازم" (أى ملزم من الناحية الذاتية) و"واجب" (أى لا يمكن الرجوع فيه، ولا يصح الخلط بين معنى هذا الواجب ومعناه الذى ذكر آنفا)؛ فبهذا المعنى الجديد يكون الصحيح مرادفا للجائز (انظر ما تقدم) فكل من اللفظين يدل على كل ما هو جائز من وجهة نظر الدين وبالتالى صحيح شرعًا, وبحسب هذا المعنى تماما تستعمل كلمة إجازة فى داخل الميدان الفقهى الخالص: فإذا أقر الإنسان امرا صار صحيحا بذلك. ويدل على أن التقسيمين للأعمال بحسب قيمتها غير منفصلين فى الميدان اشتراكهما فى مفهوم المكروه، لكن لا يمكن جعل احدهما ينطبق على الآخر تماما، فالأفعال المحظورة ليست وإنما باطلة من حيث نتائجها القانونية، بل هى فى بعض الأحيان فاسدة فقط أو حتى صحيحة تماما. وعلى هذا فان التطبيق السليم للتقسيم الثانى يعطى مقياسا موضوعيا لمعرفة المادة الفقهية الحقيقية التى احتفظت فى داخل الشريعة بقسط من صبغتها الخاصة". (¬1) من أول الفقرة إلى هنا منقول من المختصر. (¬2) من قوله: وفى طول هذه الفترة إلى هذا الموضع منقول من المختصر.

المثل العليا الدينية والشرعية مركز الرياسة، وبقى الحال كذلك من بعد، ويستثنى من ذلك، بعض الاستثناء، العباسيون الأولون، وعند ذلك طاب لهم -وقد أصبحوا غير مقيدين بالواقع كما كان الحال من قبل- أن يمضوا فى التوسع فى نظرتهم عن الواجبات على نحو مثالى أصبح يوما بعد يوم يزداد مخالفة للحياة العملية. وهم كانوا ينظرون إلى الحياة كلها بمنظار الدين، فنظروا إلى القانون أيضًا بهذا المنظار وصاروا يستخلصون الأحكام الفقهية لا من القواعد الموجودة فى القرآن وحسب بل يستخلصونها أيضًا من الروايات الصحيحة لأقوال النبى عليه الصلاة والسلام وأفعاله (¬1): وهم فيما يتعلق بالقانون العام اشتدوا بصفة خاصة فى محاربة أى فساد بصرف النظر عن الأشخاص، لكنهم أظهروا أيضًا فى عرض المسائل ما هو معروف عند "الربانيين" من روح الجدل فى استنباطات وتفريعات افتراضية متجددة الصورة دائمًا، وهكذا نشأت مدرسة، أو قل هيئة فقهاء، من المجلس الذى كان يحيط بالخلفاء الأولين. ولم يستسلم أهل التقى إلا بعد محاولات كثيرة غير مثمرة أرادوا من ورائها أن يعودوا إلى السلطة وعقدوا نوعا من الهدنة مع الدولة، هدنة لم تُكتب فى أية وثيقة ولم توضع شروطها وضعا صريحا فى أى مستند، لكن الطرفين احترموها تحت وطأة الظروف. وعبثا حاول الخلفاء الأولون من بنى العباس أن يملئوا الفجوة التى وجدت بين الشريعة وبين واقع حياة الدولة (¬2) وكان أهل التقى يطيعون الحكومة عمليا (وكان فى الشريعة من الفهم لأمور الدنيا ما يكفى لأيجاب طاعة كل سلطة إسلامية موجودة بالفعل) (¬3)، لكنهم احتفظوا لأنفسهم بكامل الحرية فى أن ينقدوا الحكومة نظريا, ولذلك يجد المرء دائما الشكوى من "هذا الزمان" والتحذير من "أمراء الدنيا". وكان هؤلاء الأمراء من جانبهم يعترفون بقانون الشريعة وهم أيضًا لم يدعوا ¬

_ (¬1) من قوله: وهم كانوا ينظرون إلى الحياة كلها حتى هذا الموضع منقول من المختصر. (¬2) من قوله: وعبثًا حاول الخلفاء إلى هذا الموضع منقول من المختصر. (¬3) ما بين القوسين منقول من المختصر.

لأنفسهم أبدا حق إصدار قوانين فى ميدان الشريعة، لكنهم كانوا يصرفون الأمور بحسب ما يبدو ملائما عمليا وذلك بواسطة أوامر يصدرونها أحيانا (وتسمى سياسة وقانونا -انظر ما يلى)، كما أنهم أنشأوا محاكم إدارية (¬1). على أن هذا لم يمنعهم، إذا أرادوا الظهور بمظهر التقوى، على حساب الغير أحيانًا (¬2)، من أن ينفذوا هذا الحكم أو ذاك من أحكام الشريعة، خصوصا الأحكام المتعلقة بالحدود، لكنهم أحيانا لم يكونوا يفون بمجمل شروط الشريعة. على أنه لا يصح أن يسرف الإنسان فيتصور أنه كان ثمة فاصل دقيق بين علماء الشريعة وسلطة الدولة. وهذا يتجلى بخاصة فى منصب القاضى، أعنى القاضى الشرعى الذى هو فى الوقت نفسه موظف فى الدولة (انظر Amsdroz فى JRAS، عام 1909، ص 1138 وعام 1910, ص 761؛ وعام 1911, ص 635, وعام 1913, ص 823؛ Bergstrasser فى ZDMG 1914, ص 395؛ Margoliouth فى JRAS, 1909 ص 307). فأمراء (¬3) الإسلام كانوا دائما هم الذين يولون القضاة ويؤيدونهم من حيث المبدأ بالوسائل اللازمة لتنفيذ الأحكام. وكان القضاة يحكمون بحسب ما تمليه ضمائرهم مستندين فيما عدا اعتمادهم على أحكام القرآن وسنة الخلفاء إلى مراعاة الحق والعدل ومراعاة قانون العرف مع تفاوت فى إبراز المقاييس الدينية. وفى أثناء العصر الأول كله جاء القضاء بإضافات كبيرة نفت الشريعة، ولكن لم تكد الشريعة تبلغ مرحلة تكوينها النهائى حوالى الوقت الذى ظهر فيه العباسيون حتى أصبح القضاة مقيدين بهذا القانون الذى صار يعتبر أساسا ومقياسا، وصاروا مستقلين عن الحكومة استقلالا تاما. هذا هو الوضع من الناحية النظرية، أما من الناحية العملية فإن القضاة لم يكونوا يستطيعون التخلص من تأثير ¬

_ (¬1) هذه الجملة الأخيرة منقولة من المختصر. (¬2) هذه العبارة الأخيرة منقولة من المختصر. (¬3) من هنا إلى قوله فيما يلى: على حين أن المحتسب كانت اختصاصاته كاختصاصات الشرطة، منقول من المختصر.

الحكومة التى كانت توليهم وتعزلهم والتى كانوا يعتمدون عليها فى تنفيذ أحكامهم. وكانت هناك أيضًا أنواع من القضايا تؤخذ من اختصاص القاضى، وبذلك أصبح لا يمكن تطبيق بعض أحكام الشريعة. وفى عصر بنى أمية كانت المحاولات التى تأتى بين حين وآخر من جانب السلطات السياسية للتدخل المباشر فى القضاء تقابل بالرفض. لكن هذا الحال لم يلبث أن تبدل فى أيام العباسيين رغم التمسك بخلاف ذلك من الناحية النظرية. والشريعة تعترف إلى حد ما بمحاكم ناظر المظالم والمحتسب، وهى لم للبث أن أصبحت فى طول مدة مديدة من الزمان نظما مستقرة إلى جانب محكمة القاضى. وكان ناظر المظالم مختصا بأحوال تعدى قانون الشريعة مما لم يكن القاضى يستطيع أن يوقفه عند حد، هذا على حين أن اختصاصات المحتسب كانت كاختصاصات الشرطة (¬1) ثم لم يبق للقاضى أخيرا إلا مسائل العبادات والشعائر ومسائل الزواج والأسرة والميراث والنذور، ثم مسائل الأوقاف إلى حد ما. وكل هذه بحسب شعور جمهور الناس ميادين وثيقة الصلة بالدين قليلًا أو كثيرًا، وفيها كان حكم الشرع دائما هو السائد بمقدار ما تسمح الظروف. وكان الناس يتحرزون من المعاصى بمعناها الحقيقى أكثر من تحرزهم من صحة العقود، ذلك أن الصبغة الدينية لأقسام الشريعة المختلفة كانت من أول الأمر متفاوتة فى القوة (Islam: Bergstrasser الموضع نفسه) ففى ميدان القانون التجارى الشريعة لم تطبق تطبيقا كليا، وهذا (¬2) القانون العرفى وما يدخل فيه من "حيل" لا يناقض الشريعة مناقضة صريحة بل يتمسك بقواعدها الأساسية، لكنه يصطبغ بصبغة المرونة، وهو أيضًا قد واصل بناء بعض أنظمته مكملا إياها إكمالا كبيرًا خصوصا فيما يتعلق بقانون الممتلكات وأخرج فى ذلك كثيرًا من المصنفات بما يتصل بالموضوع من أمر الوثائق (الشروط). وأخذت السلطة الدنيوية تستولى شيئًا فشيئا على المسائل المتعلقة بالقانون ¬

_ (¬1) إلى هنا ينتهى ما نقل من المختصر. (¬2) من هنا إلى قوله: "بما يتصل بالموضوع من أمر الوثائق (الشروط) " مأخوذ من المختصر.

العام، وبالعقوبات والضرائب، وكل ما يمس الممتلكات من أمور هامة، وصارت تقرر الأمور هنا طبقا لمزيج من التحكم ومراعاة العادة (انظر ما يلى) والشعور بالصواب وأخيرا طبقا لقوانين من الطراز الأوروبى، وهكذا نشأ فى جميع بلاد الإسلام وعلى نحو مستقل تمام الاستقلال عن تأثير الغرب صنفان من القضاء يمكن تسميتهما القضاء الدينى والقضاء الدنيوى. والحق أنه (¬1) بقيام دولة آل عثمان بدأت حركة جديدة لاحترام الشريعة فى الناحية العملية أيضًا، وهذا الاحترام يتجلى مثلا فى منصب شيخ الإسلام وهو قد أدى أخيرًا إلى وضع القانون الشرعى موحدًا فى "المجلة" لكننا لا نجد هنا أيضًا تطبيقا فعليا للشريعة، وقد بقى القضاء الدنيوى قائما فى هذه الحالة أيضًا. وبعد، فإن هذه الفترة لم يمض عليها زمان طويل فحسب (انظر الكتب المذكورة فيما تقدم حول حركة التجديد التركية) بل إن الترك يحاولون أن يبعدوا الشريعة عن الحياة العامة إبعادا تاما وإخراجها أيضًا من الميادين التى بقيت حتى الآن. وأخذوا بكتب تشريع أوروبية بأكملها (انظر أخبار ذلك فى مجلتى Oriente Moderno و Revue du Monde Musulman). أما فى مصر فلم يبدأ إدخال القوانين على النمط الأوروبى فى الميادين التى أخلتها الشريعة عمليا إلا فى سنة 1833. وفى سنة أدخلت لأول مرة بعض التعديلات على قوانين الإثبات الشرعية، وهى تشبه ما جاء فى "المجلة" لكنها ملزمة للمحاكم الشرعية. وأخيرًا عُدّلت بعض الأحكام المادية للقانون الخاص بالأسرة وذلك فى شئ من الحذر أول الأمر فى سنة ¬

_ (¬1) من هنا إلى نهاية الفقرة نجد فى المختصر: "فى أثناء عصر الازدهار فى الدولة العثمانية فى القرنين السادس عشر والسابع عشر بلغت الشريعة أخيرًا تحت رعاية حكام أتقياه أكبر تطبيق فعلى وصلت إليه حتى فى ميدان القانون المدنى والتجارى. ونظمت أمور القضاء فى الدولة كلها تنظيما واحدًا, وأنشئت درجات متفاوتة للقضاة، وكان على المفتى الأكبر، وهو شيخ الإسلام أن يسهر على الشريعة. ولكن حتى هنا بقى قانون العقوبات والضرائب والممتلكات من اختصاص التشريع الدنيوى المسمى "قانون نامه" الذى زعم أنه لا يريد سوى إكمال الشريعة لكنه جاء فى الواقع معارضا لها. وجاءت حركة الإصلاح التى بدأت فى القرن التاسع عشر بوضع مجموعات قوانين على النمط =

1920. ثم فى شئ من الجرأة فى سنة 1929 و 1931 (وهنا أيضًا كانت تركية قد سبقت إلى ذلك فى سنة 1917). على أن الفقهاء أنفسهم كانوا دائما بحكم الواقع شاعرين باستحالة تطبيق أحكام الشريعة فى الأحوال السائدة؛ ومهادنتهم للسلطة الدنيوية تستند إلى هذا الادراك. وهم لم يستطيعوا أن يدمغوا جميع المسلمين تقريبا بأنهم عصاة أو مارقون؛ لأن الأحوال كانت دائما تضطرهم إلى تعدى حدود الشريعة إذا كانوا لا يريدون أن ينفضوا يدهم من الدنيا نفضا تاما. وكان لا بد من اعتبار أن هذه الأحوال شئ قد وقع بل شئ أراده اللَّه، وهكذا (¬1) بقى للشريعة ما كان لها فيما سلف من الاعتراف بها نظريا دون قيد أو شرط، ومن قصَّر فى هذا الاعتراف فإنه يعتبر كافرًا. لكن الشريعة جردت بالفعل من سلطانها من حيث إن أحكامها لم تكن تنفذ عمليا، وهذا (¬2) يتجلى فى أن بعض الأعمال اعتبرت سُنّةً فحسب أو مكروها، كما يتجلى فى عدم تطبيق العقوبات الشرعية على تاركى معظم فروض الدين، بل لقد بين الطريق للتملص من أحكام الشريعة، واستندوا إلى أن الضرورات تبيح المحظورات، وزعموا إن الإنسان لا يكفر بتعدى حدود الشريعة بل بالشك فى صحتها من الأزل إلى الأبد. واقتنع البعض بأن الانحلال سيظل فى الجماعة الإسلامية بعد عصرها الذهبى إلى أن يظهر المهدى، وهم استخلصوا هذا الاقتناع من مجرى تطور الأحوال وعبروا عنه فى أحاديث موضوعة نسبت إلى النبى ¬

_ = الأوروبى، وكان ذلك للقانون التجارى ثم لقانون العقوبات. أما القانون المدنى الشرعى فقد وضع مجموعا فى "المجلة" لكن هذه المجلة لا تتفق فى صورة موادها مع ما تقضى به الاعتبارات النظرية بصرف النظر عما تضمنته من انحرافات واقعية. ثم إنه كان لا بد أن تطبقها المحاكم الدنيوية لا المحاكم الشرعية. وجاءت آخر خطوة فى عام 1926 بإدخال القانون المدنى السويسرى (وقانون العقوبات الايطالى أيضا)؛ وبذلك جردت الشريعة من سلطانها حتى فى مسائل قانون الزواج والأسرة والميراث. وأخيرًا فى سنة 1928 ألغى آخر ذكر للشريعة من الدستور وعمل بمبدأ أن الدولة ليست لها الصيغة الدينية فى صورته المتطرفة. وألبانيا حتى اليوم هى الإسلامية التى اقتفت أثر تركيا فى الغاء الشريعة إلغاءً تامًا. (¬1) من هنا إلى قوله: "فإنه يعتبر كافرا". منقول من المختصر. (¬2) من هنا إلى قوله فروض الدين منقول من المختصر.

عليه الصلاة والسلام، وبذلك اعتبرت هذه الأحوال تصديقا لما أخبر به عليه الصلاة والسلام؛ وصفوة القول أن الشريعة، بحسب اقتناع الفقهاء أنفسهم، إنما يقصد بها الجماعة المثالية الكاملة فى العقود الأولى من حياة الإسلام وفى عصر المهدى المنتظر. وكان هذا اعترافا من جانب أهل التقى بعجزهم أمام أحوال العصر. لكن الشريعة، التى تتسم بطابع أكاديمى فى جوهرها، كان لها دائما سلطان تهذيبى كبير على العقول، وهى لا تزال تدرس بشغف، وتعتبر عند دوائر كبرى من المسلمين الموضوع الوحيد للعلم الحقيقى، بالرغم من أن الغزالى قد ذهب إلى خلاف ذلك، ولكن اعتبار الشريعة مثلا أعلى لا يمكن تحقيقة، والقول بتنزه الإجماع عن الخطأ وأنه علاوة على الاقتناع بأن عصر الاجتهاد انتهى، كل أولئك قد منع كل انحراف عن السنة السابقة فجمدت الشريعة من ثم جمود، تاما. على أنه توجد بعد أحكام كثيرة لا يزال القوم يعنون بها، وهى لا تتعلق إلا بأحوال العرب القدماء وليست لها أهمية عملية اليوم حتى فى نظر المسلم السنى المتشدد. وقد تقدم ذكر أبواب الشريعة التى لها شأن عملى بالنسبة للمسلم (بصرف النظر عن أحدث تطور فى تركية). على أنه لا بد لنا أن نزيد الملاحظات الآتية، ولكن لا يصح بحال أن يغيب عن بال المرء فى هذا المقام أنه يمكن أن توجد من حيث التفاصيل فوارق كبيرة بين مختلف العصور ومختلف البلاد، وأن شدة التمسك باتباع أحكام الشريعة أو التراخى فى ذلك لا شأن له بدرجة التعصب، فالجهل والتراخى الظاهر منتشران جدًا حتى فيما يتعلق بالعبادات وبفروض الدين بمعناها الضيق التى هى أهم شئ بالنسبة للمسلم. لكننا نلاحظ فى العالم الإسلامى كله اجتهادا للقيام بفروض الدين الجوهرية على الأقل والاستمساك بها ما أمكن وخصوصا العادات التى يتميز بها المسلمون فى ظاهر حياتهم من معتنقى الديانات

الأخرى، فهم يراعونها فى الغالب تمام المراعاة، ويعدونها مهمة جدًا، وإن كانت لا تتفق كل الاتفاق مع نص الشريعة، هذا على حين أن كثيرا من الواجبات الدينية التى لا مفر منها من الناحية النظرية لا تراعى فى الجملة، ففيما يتعلق بقوانين الزواج والأسرة والميراث، وهى القوانين التى يمكن أن تتبع فى الغالب على أدق وجه ممكن، نجد قيود العادة أو العرف ماثلة، وهما القانون العرفى القائم منذ عهد سحيق فى مختلف البلاد الإسلامية. وأما سائر أبواب الشريعة فلم تعد لها قيمة عملية، وإن كان يوجد فى كل مكان وفى كل زمان أتقياء متحرزون يجتهدون حتى فى المسائل التجارية أن يراعوا أحكام الشريعة إلى حد ما (وحتى فى أيامنا هذه يرفض البعض فوائد البنوك) (¬1). وهنا ترجح العادة على الشريعة فى كل مكان، وإن كانت العادة بحسب كتب الفقه لا يكون لها التطبيق الملزم إلا فى الحالات التى يشير فيها القانون إلى العادة إشارة صريحة. على أن هذا التقليل من شأن العادة لا يتفق مع ما كان للعادة من مكانة فى تاريخ الشريعة: فالنبى نفسه عليه الصلاة والسلام أبقى العادات العربية على ما هى عليه ما دامت العادة لا تتعارض مع مبادئه. وقد وضع النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] قواعد قليلة فحسب، ولم يكن يراد بحال إزالة العادة عن عرشها، وإن كان النبى عليه الصلاة والسلام لم يقرر هذا بحيث يجعله مبدأ. وقد نقل الإسلام العادات العربية إلى البلاد الأجنبية كما أنه أقر أيضًا فى أول الأمر بعض العادات الأجنبية إقرارا واسع المدى، لكن هذه النزعة تركت بعد ذلك من الناحية النظرية، وإن كانت العادة قد احتفظت دائما بسلطانها الكبير. وقد اشتكى الفقهاء دائما من ذلك أيضًا، ولم يرضوا بأن يعتبروا العادة أصلًا خامسا من أصول الفقه. لكن شعور جمهور الناس لا يعرف إلا العادة، بل إن الواجبات الشرعية التى يؤديها الناس بالفعل إنما تؤدى لأنها من جملة العادة. وفى جزائر الهند الشرقية الهولندية مثلا يعترف للعادة حتى من الناحية النظرية بمكانها إلى جانب ¬

_ (¬1) ما بين القوسين منقول من المختصر.

المصادر

الشريعة فى دوائر المسلمين ذات النفوذ (بصرف النظر عن علماء الدين بالمعنى الخاص). وموقف القانون من الشريعة كموقفه من العادة، وتستعمل كلمة قانون أحيانا فى معنى العادة، لكنها فى معظم الأحوال تدل على الأوامر التى يصدرها أمراء الإسلام الدنيويون (وهى على كل حال تستند إلى العادة بعض الاستناد). وعلى هذا فإن ما هو قانونى يكون ضدًا لما هو شرعى. وخير الأمثلة المعروفة على ذلك قانون نامه سلاطين آل عثمان (ولنضف إلى المراجع المذكوره هنا: جريدة عدليه Dieride-i adliye، عدد 156، ص 463 وما بعدها؛ عدد 158، ص 669 وما بعدها؛ عدد 163 - 167, ص 1196 وما بعدها) ولمجموعة الفتاوى المستمدة من كتب الفقه، هى ومراجع "العادة" و"القانون" شأن فى تبين ما هو معمول به فعلا. ويستطيع المرء أن يرى من أسئلة طالبى الفتوى أى أجزاء القانون الشرعى يهتم بها أهل البلاد أكبر اهتمام، وأى أنواع الزندقة والفساد تظهر أكثر من غيرها، أو أى الأحوال تثير الشك من وجهة نظر القانون الشرعى عند الأتقياء الذين لا يعرفون هذا القانون. وإلى جانب هذا تأتى كتب "الحيل" التى تبين كيفية التملص من أحكام الشريعة (انظر ما تقدم) التى تراعى ما هو معمول به فعلا مراعاة كبيرة. وأخيرًا تأتى كتب الوثائق والشروط ففيها يراعى ما هو معمول به أكثر مما يراعى فى غيرها. المصادر: (1) Lane: قاموسه، بحث مادة شريعة. (2) كشاف اصطلاحات الفنون، طبع بإشراف A.Sprenger (المكتبة الهندية، السلسلة القديمة) جـ 1، ص 759 وما بعدها. (3) تفسير الطبرى لسورة المائدة، الآية 52. (4) Handbuch des islamischen Gestzes: Th. W. Juynboll فصل 15 - 17. (5) المؤلف نفسه: Handleiding tot de kennis van de mohammedaansche Wet ط 3، فصل 16.

تعليق على مادة "شريعة"

(6) Verspreide Geschriften: C Snouck Hurgronje, خصوصا مجلد 2 و 4 - 1, 2. (7) المؤلف نفسه: Der Islam فى كتاب Lehrbuch der Religionsgeschichte: A Bertholet-E Lehmann ط 4، ص 648 وما بعدها (من ص 695 وما بعدها الكلام عن الشريعة das Gesetz) . (8) Vorlesungen uber den Islam: I. Goldziher، ط 2 , ص 30 وما بعدها. (9) مادة Law فى قاموس A Dictionary of Islam: T.P.Hughes . (10) يوجد المزيد فى كتب علم الأصول. (11) ويضاف إلى المراجع الخاصة بـ "عادة" كتاب E. Rackow, E. Ubach: Sitte Quellen zur ethnologischen Rechts Sitte and Recht in Nordafrika forschung I, Erganzungsband zur Zeitschrift f.vergl Rechtswiss., XL) والمراجع المتصلة بالموضوع فى المراجع المذكورة فى مجلة Islam مجلد 13، ص 349 وما بعدها. أبو ريدة [شاخت J. Schaht] تعليق على مادة "شريعة" 1 - نظرة عامة عرضت المادة فى أضيق الحدود، فعنى فيها بأشياء يسيرة الأهمية، كترتيب أبواب الفقه، والاختلاف فيها، والأحكام الخمسة وأقسامها الجزئية، وشئون القاضى فى عصور مختلفة، وأشباه لذلك هيئة الشأن. وما عرض له الكاتب من الشئون الكبرى كالعلاقة بين الشريعة والحقيقة، لم يأخذ ما هو جدير به من البيان، بل جاءت عباراته القليلة قاصرة موهمة، مثيرة للاشتباه. ثم جاء هذا التناول القريب غير متسق، ولا مرتب، فتراه آخر المادة لمناسبة واهية، يعرض لعمل الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فى العادة، بعد الكلام عن الشريعة فى مختلف العصور. وفى هذا العرض القريب، غير المنسق، مساسٌ بالحقائق، سنعرض للهام منه تفصيلا. * * * ولقد كان المرجو أن تكتب مادة "شريعة" فى هذا العصر، وعلى يد

2 - بين الحقيقة والشريعة

اولئك المحدثين، فى بيئتهم العلمية المتقدمة، فتتناول من أفق أوسع من ذلك كثيرا، وعلى أساس أعمق مما فى الدائرة وأقوم. . والدراسات القانونية العصرية تعنى بجانبين من البحث العلمى هما: الدراسة التاريخية؛ والدراسة المقارنة؛ فكان الأمل أن تتجه العناية فى كتابة مادة "شريعة" إلى هذين الجانبين، فيكشف فيها عن مكان الشريعة الإسلامية، بين شرائع العالم، من وضعية ودينية، كشريعة المصريين، وشريعة البابليين، وشريعة اليونان، وشريعة الرومان، وشريعة الهنود وغيرها من القديم والحديث، كما يصف تطور هذه الشريعة، التى نشأت فى الجزيرة العربية، ثم عاشت واستقرت فى مواطن الحضارة المختلفة من مصرية، وفارسية، وإغريقية، ورومانية، وغيرها. . وأن يكشف البحث المقارن بين الشريعة الإسلامية وأخواتها عن المبادئ القانونية فيها، ومقاطع الحقوق، ومناشئ الواجبات، وصورة العدالة وأمثال لهذه الجوانب، تعرض هذه الحقائق فى حال تليق بالعصر، وبمستوى مَن تصدر عنهم هذه الموسوعة، وتلفتنا نحن إلى جوانب ينبغى أن نوجه إليها عنايتنا. . . وهى الصورة التى لا تزال تحتاج إلى جهد يتعاون عليه ضليع فى تاريخ القانون مع قدير فى الفقه وتاريخه، فتكتب مادة "شريعة"، الكتابة اللائقة بها الآن، من جديد. ذلك هو الشعور العام الذى يتملك قارئ المادة. .، وأمّا ما يقف عنده من مواضع للتعقب فغير قليل من المسائل، نسوق أهمها: 2 - بين الحقيقة والشريعة أو بين الفقهاء والصوفية: فقد دكرت المادة أن الشريعة هى المحكمة الظاهرة، وأنها لا تتناول موقف الإنسان أمام المحكمة الباطنة. . وكان عرض هذه المسألة الكبرى موجزا جدا ومُوهِما، حتى ليظن الظان أنه إنكار للعمل القلبى فى الشريعة، مع أن النية التى بها قوام العمل فى الشريعة إنما هى عمل قلبى! ! . . ولو قد أسعف البيان فى المادة لاتضح أن النية عند الصوفية هى: ما يصحب الفعل من باعث نفسى، ومقصد خلقى. . وأما النية عند الفقهاء فهى ما

يسبق الفعل من عقد العزم على أدائه. . وبهذا يتضح أن الشريعة محكمة ظاهرة، وأن المحكمة الباطنة هى محكمة الصوفية. وكان الخير أن يكمل البيان فى المادة، بما يناسب أهمية هذا النزاع بين الصوفية والفقهاء وأن أثره قد امتد إلى الحياة الإسلامية السياسية والاجتماعية، والعملية، ومسّ العقائد، فى شهادة الوحدانية نفسها، وفى الرسول، والأنبياء، عليهم السلام، وفى الملائكة؛ وتناول الثواب والعقاب والجنة والنار، كما مس التشريع من حيث طريقة الفهم لمصادره العليا، من قرآن وحديث؛ وقياس، وإجماع، وعبادات، وأحكام؛ كما عرض للسلوك الخلقى والحكم عليه. . وامتد إلى مسألة المعرفة العامة نفسها، فكان من بعض مظاهر ذلك النزاع الكبير بين الفقهاء والصوفية، تلك القضية التى وردت مجملة قاصرة فى المادة، وهى: كفاية الفقه لنجاة المسلم، وعدم كفايته. . وقد كان هذا النزاع الكبير بين الفقهاء والصوفية، وأخذ الأولين بالشريعة، وأخذ الآخرين بالحقيقة، موضعا لقول أوفى من ذلك وأكمل. ولا نجد الفرصة هنا لتفصيل شئ من ذلك. . ولعل من خير المراجع العربية فى هذا الموضوع رسالة عن هذا النزاع لولدنا الفاضل الدكتور عبد المحسن الحسينى، كتبها لنيل درجه الماجستير من كلية الآداب بجامعة القاهرة سنة 1941؛ وفى الرجوع إليها غناء وكفاية، لتصوير سعة هذا النزاع وعمقه. * * * ولا نترك القول عن الشريعة والحقيقة قبل الإشارة إلى المفارقة المباغتة، فى انتقال المادة إلى إجمال هذه عبارته: . . و"بالجملة فإن الشريعة هى العنصر المميز للتفكير الإسلامى، وهى لب الإسلام نفسه، وهى إلى جانب ذلك نوع خاص من القانون المقدس"! ! فإن هذا القول عن الشريعة ليس جملة ما يقال عن الاختلاف بينها وبين الحقيقة، ذلك الاختلاف العميق المدى، على نحو ما بيناه، وأشارت المادة نفسها إلى طرف منه.

3 - الإجماع قديما. . وحديثا

هذا وليست الشريعة الفقهية العملية هى العنصر المميز للتفكير الإسلامى فحسب، ذلك التفكير الذى كانت له جولاته الفلسفية العامة؛ وله ميدانه الخلقى النظرى والسلوكى، وله. . وله. . من الميادين ما لا يفهم معه هذا القول بأن الشريعة هى العنصر المميز لهذا التفكير! ! وكيف والصوفية، وهم من هم فى الحياة الإسلامية، يحملون على التفكير الفقهى هذه الحملة القاسية، ولا يرونه كافيا لنجاة المسلم، ثم كيف يقال هنا، بعد الذى سمعنا من قول الصوفية، مهما يكن شأنهم: إن الشريعة، هى لب الإسلام نفسه! ! ثم أضف إلى هذه العبارات الملقاة على عواهنها دون بيان، ومع المخالفة لما قبلها، قول المادة: وهى -الشريعة- إلى جانب ذلك نوع خاص من "القانون المقدس"! ! فهذا التقديس اللاهوتى للشريعة ليس مما عرفته البيئة الإسلامية كثيرًا، ولا ادعاء الفقهاء أنفسهم؛ لأنهم حدثوا عن الخطأ فى الاجتهاد؛ وعرفوا الاختلاف الشديد بين رجالهم؛ وهو ما لا يفهم معه شئ من هذه القدسية للشريعة التى هى أحكام عملية! ! وكيف توصف بشئ من القدسية بعد الذى قيل من حديث الصوفية عنها! ! لا وجه لهذا يبدو للعقل إلا أن تكون هذه العبارات تمهيدًا لما أسرفت فيه المادة بعد ذلك من تقرير أن الشريعة الإسلامية تَعبدية تَعْلو على المدارك البشرية! ! ولا تعلل! ! الخ ما سنقف عنده قريبًا. 3 - الإجماع قديما. . وحديثا ورد فى المادة ما عبارته: ". . وعند المتأخرين صارت المعرفة بالشريعة، تعتمد على نحو قاطع من المذاهب الفقهية، التى اشتملت على أدق وأصغر المسائل التفصيليه، والتى كان مرجعها الأخير إلى الإجماع، وهو الحجة التى لا يعرض فيها الخطأ؛ وكان لا يجوز لمسلم من أهل السنة أن يتنصل من حكم الإجماع، ولكن المهدى محمد بن أحمد فعل ذلك. . . ويفعله أصحاب التجديد". وهى عبارة تجعل للإجماع الأهمية الفريدة والكبرى قديما، وتشعر أن عمل مهدى السودان والمجددين المتأخرين هو وحده الذى لم يجعل للإجماع هذه الأهمية! ! ولكن الحقيقة غير ذلك؛ لأن

الإجماع منذ القدم تثار حوله أبحاث مختلفة، لا تجعل له هذه الأهمية المبالغة المسرفة فى عبارة المادة؛ ونجد هذه الأبحاث فى كتب الأصوليين جميعًا؛ فمن القوم من يتحدث عن نفى تصور وقوع الإجماع! ! كما أن المتّفقين على تصور انعقاد الإجماع، قد اختلفوا فى إمكان معرفته والاطلاع عليه! ومنهم من نفى إمكان هذه المعرفة، وذلك الاطلاع على الإجماع؛ ومن النافين لهذا الإمام أحمد بن حنبل فى إحدى الروايتين عنه، ولهذا نقل عنه أنه قال: "من ادعى وجود الإجماع فهو كاذب" -الآمدى- الأحكام 1: 284. ط المعارف سنة 1914 - ويقول فى تتمة عبارته هذه: "لعل الناس قد اختلفوا. . . ما يدريه، ولم ينتبه إليه، فليقل لا نعلم الناس اختلفوا- ابن حزم فى كتابه الإحكام -أيضًا- جـ 4: 188 ط الخانجى-، وفوق ذلك أن من المسلمين من نفى أن الإجماع حجة شرعية، يجب العمل بها على كل مسلم، كالشيعة والخوارج والنظام؛ ولئن نص كاتب المادة على أن ذلك لا يجوز لمسلم من أهل السنة، فإن وجود هذا القول فى الميدان الإسلامى بين كثرة كالشيعة لا يجعل من السهل نفى جواز أن يتنصل السنى من حكم الإجماع، ولا سيما أهل العصر الحديث، وفيهم الداعون إلى التقريب بين المذاهب، المؤثرون للوحدة. . على أن القائلين بحجية الإجماع أنفسهم يعودون فيختلفون فى أنه إجماع من؟ فيجعل تارة إجماع أهل المدينة، وتارة إجماع أهل البيت، بل يصل الأمر إلى القول بإجماع أهل الكوفة -إحكام ابن حزم 4: 218 - ويتساءلون عن المجمعين من هم؟ فقيل هم الصحابة لا غير. . . ومتى يكون الإجماع؟ . . وكيف؟ فقيل. . وقيل. . مما لا نستقصى منه شيئًا هنا, ولا نرجع قولًا، ولكنا نعرض هذا كله فى إشارات فقط، ليتبين أنه ليس من السهل أبدًا، مع كل هذا الذى قيل عن الإجماع: أنه هو المرجع الأخير للمذاهب الفقهية، وهو الحجة الكبرى, التى لا يعرض فيها الخطأ؛ وأنه كان لا يجوز لمسلم من أهل السنة أن يتنصل من حكم الإجماع؛ وأن هذا النظر فى الإجماع وقوته عمل حديث، ينسب إلى مهدى السودان،

4 - الشريعة والتعليل والمنطق

وإلى المجددين المحدثين! ! فهو ما لا يقال بعد ما أشرنا إليه من قديم القول فى الإجماع وقوته! ! ومما يتصل بعدم تحرير العبارة بدقة فى المادة، ما ورد فيها من "أن كتب الفقه، وخاصة التى ترجع إلى عصر متأخر، والتى تعد المقياس المقبول عند الكافة (بسبب الإجماع عليها) هى فى الواقع كتب الشريعة عند المسلم السنى"! ! فإن القول بالإجماع على كتب فقهية، غريب من الوجهتين النظرية والعملية، فأما من الوجهة النظرية فإن الإجماع، هو: اتفاق المجتهدين من هذه الأمة، فى عصر من العصور على حكم شرعى. . فلا يفهم كيف يكون على الكتب! ! وعلى الكتب المتأخرة، حيث لا اجتهاد ولا مجتهدين! ! ومن الوجهة العملية كيف وقع الإجماع من أهل السنة على كتب الفقه، وخاصة التى ترجع إلى عصر متأخر! ! فإن هؤلاء السنيين، وخاصة فى العصر المتأخر، كانوا مختلفى المذاهب، طبعا، وكان الخلاف يشتد بينهم إلى حد القتال، والتأثير على السياسة، ومع هذا ما لا بد أن يكون معه، من المساس بدين المخالف وعبادته، فكيف أمكن أن كتب الفقه هى التى تعد المقياس المقبول عند الكافة (بسبب الإجماع عليها)! ! وهل: إذا كانت لكل من المذاهب كتب لها هذه القيمة فى العصر المتأخر، يقال: إن الإجماع الاصطلاحى الذى لا يتبادر سواه، عند الكلام على الشريعة، قد تم على كتب! ! ؛ أو أن إجماع أهل كل مذهب -إن صح الإجماع على الكتب- يكون هو الإجماع الاصطلاحى الفقهى! ! هذا كلام كذلك قد ألقى على عواهنه؛ ولم يظفر بتحرير ولا دقة. .! ! 4 - الشريعة والتعليل والمنطق جاء فى المادة ما عبارته: "وشرع اللَّه لا يمكن إدراك أسراره بالعقل، فهو تعبدى، أى أن الإنسان يجب عليه أن يقبله، وأحكامه التى لا يدركها العقل، من غير نقد، وأن يعد ذلك حكمة لا يمكن إدراك كنهها, ولا يجوز للإنسان أن يبحث فى الشرع عن علل، بحسب مفهومنا, ولا عن مبادئ: ذلك أن منشأ

الشريعة هو إرادة اللَّه التى لا تقيدها مبادئ. . . والشريعة الإسلامية. . . بدت فى نظر أتباعها دائما شيئًا يعلو على الحكمة الإنسانية؛ . . . ولهذا السبب نفسه لا تعد الشريعة قانونا بالمعنى الحديث لهذه الكلمة، ولا هى كذلك من حيث مادتها". ويوشك من له صلة ما بالميدان الفقهى أن يضرب بمثل هذا الكلام عرض الحائط، ولا يقف لمناقشته، بل يعد الوقت الذى يصرفه فى مناقشته مثل تلك الأقوال ضائعا هدرا، مع الدهشة من أن يجرى بهذا قلم يتعاطى دراسة الفقه الإسلامى، ويحاضر فى ذلك، ويكتب، بل إن كتبه فى هذا الفقه تدرس فى بعض البلاد الإسلامية كالهند مثلا. . . لكنا مع هذه الدهشة نقدر وقوع الفتنة بمثل هذه الأقوال ونقف فى هدوء وتسامح واسع، لننظر ما فى هذه الأحكام على الشريعة من دخل، واضطراب، وبعد عن الواقع، فنرى فيها أول ما نرى: التناقض: فإن الذى يقول ما سمعنا هو الذى يقول بعد ذلك فى المادة ما نصه: "لكنها بعد ذلك أخضعت -أى العناصر الكثيرة المختلفة من المصادر المادية التى استوعبتها الشريعة- لذلك التقييم الدينى، الذى شمل كل شئ، وأنتج من جانبه أيضًا عددًا كبيرًا، من المبتكرات الفقهية البالغة أعلى درجة فى الأصالة: ومن طريق هذه النزعة الشاملة فى بيان الأوامر والنواهى صار مضمون الشريعة، على تنوعه، وحدة متماسكة غير قابلة للانحلال" أهـ. . فإذا كان شرع اللَّه لا يمكن إدراكه، ويجب على الإنسان أن يقبله وأحكامه التى لا يدركها العقل من غير نقد، وإذا كان لا يجوز للإنسان البحث فى الشرع عن علل فكيف، مع ذلك كله، أخضعت العناصر الكثيرة، المختلفة جدًا فى أصلها, للتقييم الدينى، وشمل ذلك التقييم الدينى كل شئ! وكيف انتج هذا عددا كبيرا من المبتكرات الفقهية، وكيف يكون هذا الابتكار فيما لا يمكن إدراكه! ! بل كيف كانت هذه المبتكرات بالغة أعلى درجة فى الأصالة! ! وكيف صار مضمون هذه الشريعة القليلة الحظ من المنطق -كما يُفهم من قول

الكاتب-، وحدة متماسكة غير قابلة للانحلال! ! إنه لشئ من التناقض لا ننعته بشئ! ! وأكثر من هذا أنك لا تحتاج إلى استنتاج هذا التناقض استنتاجا، بل وستجد التناقض فى السياق الواحد فنرى مع الأسطر العنيفة العبارة فى إنكار حق الإنسان فى البحث لإدراك الأسرار، التى لا يمكن إدراك كنهها. . مع هذه الأسطر توَّا ما عبارته: "فإنه يشار فى كثير من الأحيان إلى الحكمة من شرع اللَّه" فكيف يشار إلى الحكمة من الشرع فى كثير من الأحيان، مع كون هذه الحكمة على ما وصفها به، من عدم إمكان إدراك الأسرار، وعدم إمكان إدراك الكنه، وكونها تعبدا يجب أن يقبل وأحكامه التى لا يدركها العقل من غير نقد! ! نعم إن الكاتب يقول عقب هذا: "لكن المرء يجب عليه دائما أن يحترز من المغالاة فى قيمة هذه الاعتبارات النظرية" فلا يدفع هذا الاستدراك تناقضا، لأن المسألة: أن البحث عن هذه الاعتبارات النظرية قد كان، وكان كثيرا، فكيف كان ذلك، والشريعة أو أحكامها تعبدية لا يجوز للإنسان أن يبحث فيها! ! أخالف أصحاب الشريعة فبحثوا، وعصوا كثيرًا؟ ! أم أن أمر الشريعة على غير ما وصف الكاتب، ولذلك اشتغل أصحابها كثيرا بالبحث عن الحكمة من الشرع! ! وكانت حكمة التشريع أخيرا مادة مستقلة تدرس فى البيئة الدينية، وتؤلف فيها الكتب المفردة؛ وتتناثر فى كتب الفقه تلك الحكم، فى كل مناسبة؟ وعند كل باب من الأبواب! ! وإلى هذا التناقض المضطرب نجد أيضًا: التهافت: الذى يكشف فى سهولة فساد العبارات، واختلال المعانى، ونقضها بأيسر المشهورات المقررة من أمر الشريعة؛ وذلك أنه حين تقول المادة: "لا يجوز للإنسان أن يبحث فى الشرع عن علل" يقرأ المسلمون فى كتابهم قوله "فاعتبروا يا أولى الأبصار" فيفهمون أن هذا الأمر بالاعتبار أمر بالبحث فى الشريعة عن

علل؛ ويثبتون به القياس، الذى هو حمل فرع على أصل لعلة مشتركة بينهما. . . بل إنهم يقررون أن هذا البحث عن العلل، والوصول إلى شئ من أحكام الشريعة، فرض كفاية على المجتمع الإسلامى، فيجب أن يقوم فى أفراده من يمارس هذا البحث، إذ إن الاجتهاد، وهو بذل الجهد واستنفاد الطاقة فى طلب الظن بشئ من أحكام الشريعة إلى أن يحسوا من أنفسهم بالعجز عن المزيد من هذا الجهد. . هذا الاجتهاد فرض على الكفاية بحيث إذا اتفق الكل على تركه لحقهم الإثم -الآمدى- الأحكام فى أصول الأحكام - جـ 4: 218, 314. وهم يمضون فى تأصيل هذا الوجوب الكفائى، فيبحثون فى عدم جواز خلو أى عصر من عصور حياتهم عن مجتهد، يبذل هذا الجهد فى الظن بشئ من أحكام الشريعة، يدرك به علة أصل فيثبت حكم الفرع، وينتهى إلى حكم فى حادثة. . . ويقول الجمع منهم بعدم جواز خلو الزمان عن مجتهد، ويشددون النكير على من يقول بجواز ذلك الخلو حتى يقول قائلهم: إنه قول يقضى الإنسان منه عجبًا -صديق حسن: حصول المأمول من علم الأصول -تلخيص إرشاد الفحول للشوكانى- ص 156, ط التقدم. فإذا كان أصحاب الشريعة يقضون عجبًا من القول بخلو الزمن عن مجتهد يؤدى الفرض الكفائى عن المجتمع الإسلامى، فأى تهافت هذا الذى نجده فى قول قائل عن تلك الشريعة: إنه لا يجوز للإنسان البحث عن عللها. . بل أى تهافت فى هذا الكلام يتجسم إذا ما ذكرنا قول الظاهرية بحرمة التقليد، ووجوب الاجتهاد على كل أحد، فى أى مستوى من المعرفة، فالعامى والعالم يحرم التقليد عليهم سواه، وعلى كل أحد حظه الذى يقدر عليه من الاجتهاد، ومن قلد فى جميع قول أبى حنيفة، أو جميع قول مالك، أو جميع قول الشافعى، أو جميع قول أحمد، فقد خالف إجماع الأمة كلها عن آخرها، واتبع غير سبيل المؤمنين -ابن حزم،

النبذ ص 54، 55، ط الأنوار- فكيف يكون فى رجال هذه الشريعة من فكر مثل هذا التفكير واشتد مثل هذه الشدة فى وجوب البحث فى الشريعة على كل أحد، ثم يقول الكاتب: إنه لا يجوز للإنسان البحث عن عللها. . . إلخ ما فى مادة شريعة! ! ولو تركنا هذا التعميم المتشدد فى وجوب الاجتهاد فقد بقى رأى الجمع المعتدل، فى أن الاجتهاد فرض كفاية، وأن الاعتبار مأمورٌ به، وهو بشهرته وشيوعه قول يكشف تهافت ما فى المادة. . . ولا يقف أمر الكاتب عند هذا التناقض وذلك التهافت، بل يبدو معهما أيضًا: التجاهل: أو هو شئ آخر من مادة ج هـ ل -كرهت أن أقوله جهرة، عملا بأدب القرآن: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ}. . على أن فى التعبير بالتجاهل نظرا إلى الاعتبار النفسى الذى يسوق الكاتب إلى أن يفعل بالحقائق المقررة هذه الأفاعيل المشوّهة للشائع المشتهر، المخفية للحقائق. . ويبدو ذلك الصنيع فى أشياء: إذ يقول: "لا يجوز للإنسان أن يبحث فى الشرع عن علل ومبادئ" -أى أن المنطق الإنسانى. والتقعيد قليل الحظ فى الشريعة الإسلامية- ويتجاهل أن القياس أصل من أصول هذه الشريعة كالقرآن والسنة، وأن جمهرة المسلمين قد مارسوا هذا القياس ممارسة مسرفة؛ وحتى نفاة القياس، وهم الظاهرية، لم يلبثوا أن اعترفوا بصور من القياس، عدوها من دلالة النص على ما هو معروف. وقد سمعت قريبًا قول هؤلاء الظاهرية بوجوب الاجتهاد وجوبًا عامًا على كل أحد، ولا معدى يجتهد عن البحث فى علل الأحكام بأى طريق، من قياس أو غيره. وما هذا القياس الذى هو أحد أصول الشريعة، ومصدر من مصادر أحكامها؟ إنه ليس إلا عملا كبيرا فى تعليل الأحكام! ! وإنه ليس إلا عملا منطقيا أصيلا. . وكل أولئك ليس إلا سبيلا إلى التقعيد، وتقرير المبادئ فى الشريعة المقيسة المعللة، المبحوث فيها عن أغراض الشارع ومراميه، حتى تلتزم المحافظة عليها! ! فالقياس هو حمل مجهول على معلوم لعلة مشتركة بينهما, وليس هو

إلا عملا منطقيا أصيلا، صرفا؛ وأبحاث الأصوليين الواسعة، بل الفضفاضة فى "مسالك العلة"، من صميم المنطق، بل هم قد حلقوا فيها إلى آفاق من المنطق الحديث، منطق المادة، لا المنطق القديم منطق الصورة فقط، فإنهم بعد ما زاولوا منطق الصورة مزاولة متوسعة، وجرت كتب الفقه عندهم فى تناولها على نظام هذا المنطق فى أشكال القياس، حتى ما يستطيع الاستفادة منها إلا من يعرف هذا المنطق معرفة تؤهله لفهم أسلوبهم فى التأليف، وما يشيرون إليه من قضايا القياس، فى أضربه وأشكاله. . إلخ. . وما يثبتون وما يحذفون. . بعد ما شبعوا من ذلك وارتووا، قد شارفوا فى البحث عن العلل، صورا من الفرض العلمى، كيف يكون؟ وكيف تفحص الفروض المختلفة؟ حتى يبقى منها الأصح؛ وهو ما يعرفه كل ذى صلة بأصول الفقه، ولا نملك الفرصة لإشارة هنا إلى شئ منه إلا أن يكون ذكرًا لبعض اصطلاحهم فى ذلك الذى يسمونه "السير والتقسيم"، ويقدمون منه -كما قلت- مثلا من المنطق الحديث، منطق المادة والموضوع. والذى يعرف هذا الصنيع فى التعليل والمنطقية فى الشريعة، يعرف كذلك أنهم قد وصلوا من ذلك كله إلى مبادئ وأصول كبرى استطاعوا بها أن يصفوا وصفا منضبطا مقاصد هذه الشريعة، فى مثل المشهور الشائع من قولهم: إن الشارع راعى فى أحكامه الضروريات الخمسة، وهى: حفظ الدين، والنفس، والنسل، والمال، والعقل، وأضاف إلى ذلك ما يصلحها، ثم ما يكملها، وراعى الشارع الحاجيات، والكماليات، حين لا تعود على أصل الضروريات بالإبطال. . . إلخ، -الخضرى. . أصول الفقه، ص 365، ط الخانجى- وهم يبينون ذلك بيانا مفصلا شافيا. والذين لا يستطيعون القياس إلا بعلة فى الأصل توجد فى الفرع المحمول عليه، لا يمكنهم أن يقوموا بشئ من هذا إلا بتعليل كامل أصيل، يعرف الأوصاف المناسبة التى اعتبرها الشارع، والأوصاف التى لم يعتبرها،

5 - المصادر المادية للشريعة

ويحدث مع القياس عن الاستحسان، والمصالح المرسلة، مما لا يمكن القول فيه إلا على أساس من التتبع المعلل، المبين لما اعتبره الشارع ليكون علة تمكن من القياس، وإثبات الحكم المنصوص لما توافرت فيه هذه العلة؛ ولم يرد حكم فيه. . هذا القياس أحد أصول الشريعة -واعتماده كل الاعتماد على التعليل؛ وأبحاثهم المتوسعة فى مسالك العلة. . . ومنطقية ذلك الأعمال كلها، ومشارفة تلك المنطقية لآفاق المنطق الحديث. . كل هذا مما لا أفرض معه فى سهولة أن الفقيه الأوربى، كاتب مادة شريعة يجهله، وليس أمامنا إلا فرض تجاهله له. . لحاجة فى النفس. .! ! وليس مع مثل هذا سلامة بحث، ولا صحة نتائج! ! ومن هذا التجنى المتجاهل للحقيقة قول المادة: "لا تعد الشريعة قانونا بالمعنى الحديث لهذه الكلمة ولا هى كذلك من حيث مادتها" مرتبا لهذا القول على ما تهافت من حكم بعدم جواز البحث عن العلل، وقول بأن الشريعة أمر تعبدى. . . وإذ انهار هذا كله بما رأينا فلم يبق سند لعدم عد الشريعة قانونا بالمعنى الحديث، وهو نفسه سيحدث عن "المجلة العدلية" كيف كانت صياغة شكلية، وموضوعية للشريعة الإسلامية فى وضع قانونى، وصورة قانونية؛ وما كان فى مصر من مثل هذا العمل، فى صنيع قدرى باشا المعروف، مما بدت به الشريعة قانونا موضوعيا فى مادته، وله صورة القانون فى مواده. . إنها لجرأة يمهد لها هذا التناقض والتهافت، والتجاهل. . . 5 - المصادر المادية للشريعة ورد فى المادة قوله: أما فيما يتعلق بالمصادر المادية للشريعة الإسلامية فإن عناصر كثيرة مختلفة جدًا، فى أصلها (من آراء عربية قديمة وبدوية؛ قانون التعامل بمدينة مكة التى كانت مدينة تجارية؛ وقانون الملكية فى واحة المدينة، والقانون العرفى الذى كان سائدا فى البلاد المفتوحة، وهو قانون رومانى إقليمى إلى حد ما؛ وقانون هندى) قد احتفظ بها الإسلام وأخذ بها من غير تحرج. .

وقد وددت فى مطلع هذا التعليق أن تكون مادة "شريعة" قد كتبت من أفق واسع، وعلى أساس عميق، فاهتمت بالاتجاهات الحديثة، فى الدراسات القانونية، من التاريخ, والمقارنة، فكانت بذلك تبين لنا مكان الشريعة الإسلامية بين شرائع العالم الأخرى، كشريعة سولون، وشريعة حمورابى، وشريعة جوستنيان، وشريعة مانو، وما قبلها وما بعدها من الشرائع. . وتبين لنا المبادئ القانونية، والأصول التشريعية فى هذه الشرائع بالمقارنة المقابلة ولكن كاتب المادة لم يتجه هذا الاتجاه القيم ولا جاء بما يرجى أن يساير ثقافة العصر. . . وفى غير اتساق ألم بما سماه المصادر المادية للشريعة الإسلامية، وهو تعبير جرئ، وغير دقيق معا، فإن الأشياء التى ذكرها، فى أغلب الأمر، ضروب من العرف العملى، ومنها ما عرفه المسلمون بعد ما تلقوا المصادر الموحاة للشريعة الإسلامية، من القرآن والسنة، وإجماع الصحابة، والاجتهاد بالرأى، فى صور تدرجت حتى صارت قياسا ناضجا، وما ذلك الذى عرفوه بعد إلا ما يسميه هو نفسه "القانون العرفى الذى كان فى البلاد المفتوحة، وهو قانون رومانى إقليمي إلى حد ما، وقانون هندى". فمن البين أن المسلمين منذ ظهرت دعوة الإسلام، طوال عهد الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وقبل أن تعبدًا حركة الفتح، كانوا يحتكمون إلى شرعة إسلامية، جعل القرآن يعطى الأصول العامة فيها، وبعض التفصيل، وأخذ قول الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وفعله وتقريره يبين ما فى القرآن من ذلك؛ ومضى المسلمون بعد ذلك يلتمسون حلول مشكلاتهم القانونية، أول ما يلتمسونها فى هذه الأصول وعلى أساس من توجيهها، يجتهدون أو ينتهون إلى اتفاق إجماعى، وتلك هى التى تسمى بدقة مصادر مادية للشريعة الإسلامية. . أما الأمور العملية التى كانت فى بيئتهم الأولى بالجزيرة، أو فى بيئاتهم الجديدة بعد الفتح، فمبلغ الأمر فيها أنها كما تقول المادة نفسها: عرف عملى أو قانون عرفى -وكل ما لهذا العرف من أثر أن يعتبر ويقدر وجوده، عند تطبيق الأحكام، وبذلك لا يكون العرف العملى أو القانون العرفى مصدرًا للشريعة التى عرفت مصادرها من صاحب الرسالة الدينية؛ واجتهدت فى اتباعه، وأخذ ما آتاها، والانتهاء عما

نهاها عنه. . ومن أجل ذلك قلت إن تسمية هذه مصادر مادية للشريعة تعبير جرئ وغير دقيق معا. . وقد جاء مبتسرا لم تمهد له دراسة تاريخية، ولم تثبته دراسة مقارنة. . ونحن على كل حال لا نجزع من أن يكون العرف العملى فى البلاد المفتوحة -رومانيا كان أو هنديا أو ما يكون- قد روعى فى التشريع؛ لأننا نقبل أكثر من هذا حين نعد شرع من قبلنا شرعًا لنا. . إلخ. وحين نقرر أن الإسلام قد أبقى فعلا بعض أعمال العرب وعاداتهم فى الحج مثلا؛ لأن ذلك كان يتلاءم مع الوضع العملى والنظرى للإسلام. . وهو تقريره الوحدة الدينية الإنسانية، وتصديقه لما بين يديه من الكتاب. . . فليفرخ روع القوم فإنا نقبل من ذلك ما تقره نواميس الاجتماع، وسنن الحياة الحتمية، وأما ما زاد عن ذلك فلا وجه له ولا أصل. ولعل فى المادة نفسها ما يقرر هذا المعنى العام إذ تقول ما عبارته. .: "نعم روعيت بطبيعة الحال أوامر القرآن، والقواعد الأخرى التى وضعها النبى عليه السلام، لكن المسلمين أخذوا فى الوقت نفسه دون تحرج بالقوانين التى وجدوها أمامهم فى البلاد الجديدة التى فتحوها، ما دام لم يكن عليها اعتراض دينى". فإنه ما دامت تراعى بطبيعة الحال أوامر القرآن التى هى مصدر الشريعة الأول، وما دامت تراعى القواعد التى وضعها الرسول عليه الصلاة والسلام، وهى السنة، أى المصدر الثانى من مصادر الشريعة، وما دام العرف القانونى الموجود فى البلاد المفتوحة ليس عليه اعتراض دينى، فذلك هو التفاعل الطبيعى بين الطارئين وبين سكان البلاد، وبين الشريعة التى حملوها والعرف القانونى الذى وجدوه، وهو ما تقتضيه المرونة الحيوية والتأثر الاجتماعى؛ ولا بأس به، ولا عدوان على حقيقة، وعلى هذا التفسير الذى تقرره المادة نفسها لا تكون تلك الأشياء التى تؤخذ فى ظل التوجيه التشريعى الدينى هى التى تسمى مصادر الشريعة. وبقيت فى المادة مواضع للملاحظة يستطيع القارى إدراك ما فيها؛ ولا ضرورة للوقوف المطول عندها. أمين الخولى

شريف

شريف * (والجمع أشراف وشرفاء): يدل أصل هذه الكلمة على الارتفاع والعلو، وتطلق أولا على الشخص الحر الذى له آباء متقدمون فى الشرف (لسان العرب، جـ 11، ص 70 وما بعدها). والمفروض هنا بطبيعة الحال أن الصفات المحمودة فى الآباء تنتقل بالوراثة إلى الأبناء. وكثرة الآباء الأمجاد شرط ضرورى "للشرف الضخم" أو "الحسب الضخم" أيضًا (انظر Muh. Stud: Goldziher 1889 - 1890، جـ 1، ص 41 وما بعدها؛ Le Berceau de L'islam: Lammens، رومة 1914, ص 289 وما بعدها). ومع أنه قد ظهر فى الإسلام استنادا إلى ما جاء فى القرآن الكريم: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} (سورة الحجرات الآية 13) مبدأ المساواة بين جميع العرب ثم بين جميع المسلمين (انظر Goldziher. المصدر نفسه، جـ 1، ص 50 وما بعدها، ص 69 وما بعدها) فإن هذا المبدأ لم يتغلب أبدًا على الاعتزاز القديم بالنسب. وكان الأشراف هم رؤساء القبائل ذات الشأن والجاه وكان بيدهم تدبير شؤون القبيلة أو شؤون أهل المدينة (انظر السيرة لابن هشام طبعة فستنفلد ص 237, السطر الأخير؛ تاريخ الرسل والملوك للطبرى، ليدن، جـ 1، ص 1911. ونجد عبارة "أشراف الحيرة" فى المرجع نفسه جـ 1، ص 2017؛ عبارة "أشراف القبائل" فى جـ 2، ص 541، س 17؛ وعبارة "أشراف الكوفة" فى جـ 2، ص 631 وما بعدها وفى مواضع كثيرة! وعبارة "أشراف خراسان" فى جـ 3، ص 714، س 1؛ وتجد فى تاريخ اليعقوبى، طبعة هوتسما، جـ 2، ص 176، س 8 عبارة "أشراف الأعاجم"). والأشراف يرون فى أنفسهم أنهم "أهل الفضل" وتطلق كلمة الشريف أيضا على الشخص ذى المكانة والجاه فى مقابل الضعيف والوضيع من الناحية الاجتماعية (البخارى، كتاب بدء الوحى، باب 6؛ كتاب الحدود باب 11، ¬

_ (*) توجد تعليقات تلى هذه المادة مباشرة.

12) (1). وكثيرا ما ترد كلمة "الشريف" بهذه المعانى المذكورة آنفا فى تواليف صدر الإسلام، مثال ذلك ورودها فى عنوان كتاب البلاذرى فى التاريخ وهو "أنساب الأشراف" وفى عناوين أبواب الكتب كما عند ابن قتيبة (عيون الأخبار، القاهرة؛ 1343 هـ، جـ 1، ص 332): أفعال من أفعال السادة والأشراف، وعند ابن عبد ربه (العقد الفريد، بولاق 1293 هـ، ص 29 "مراثى الأشراف"، ص 207: "أشراف كتاب النبى"، جـ 3، ص 31: "من حُدّ من الأشراف"؛ وعند الثعالبى (لطائف المعارف، طبعة يونك، ليدن 1867, ص 77): "صناعات الأشراف"؛ (انظر أيضًا La Passion d'al-Hallaj: L. Massignon, باريس 1922 جـ 1، ص 230، هامش رقم 6). وفى الإسلام صار الانتساب إلى بيت النبى عليه الصلاة والسلام علامة شرف خاص، بسبب تأثير آراء الشيعة والتعظيم للنبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-]. وترجع عبارة "أهل البيت" إلى الآية القرآنية: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} (سورة الأحزاب، الآية 33). والشيعة يصرفون معنى هذه الآية إلى على وفاطمة وأبنائهما (2) (انظر هاشميات الكميت، طبعة هورفيتز، ليدن، 1904, ص 38، بيت رقم 30 من المتن؛ وانظر ص 92، بيت 67) وذلك بأن فسروا هذه الآية بالحديث المشهور الوارد فى مسانيد أهل السنة أيضًا وهو "حديث الكساء" أو "حديث العباء". وتفسير عبارة أهل البيت تفسيرًا يلائم السياق والمقام ويجعلها شاملة "النساء"، وهو التفسير الذى يروى أن ابن عباس وعكرمة كانا يقولان به، وقد ورد فى بعض روايات لهذا الحديث تعد فيها أم سلمة فى نظر النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] من أهل البيت. والرأى الجارى بين أهل السنة يمثل نزعة التوفيق التى تجعل عبارة "أهل البيت" شاملة، "أهل العباء" أى النبى عليه الصلاة والسلام وعليا وفاطمة والحسن والحسين، وشاملة نساء النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] أيضًا (2). على أن بنى العباس أنفسهم قد استندوا إلى آية التطهير، وبذلك وجد أيضًا ما يقابل "حديث الكساء" ويجعل العباس وبنيه من أهل البيت.

وقد جعل البعض لعبارة "أهل البيت" معنى أوسع، وذلك فى رواية للحديث المسمى "حديث الثقلين"، حيث تطلق العبارة على من لا يجوز لهم أخذ الصدقة. وهنا يذكر منهم على وجه التعيين آل علىّ، وآل عقيل، وآل جعفر، وآل العباس. وعلى هذا فإن عبارة "أهل البيت" تشمل الطالبيين والعباسيين الذين هم أهم فروع بنى هاشم فيما يتعلق بالأحاديث المذكورة آنفا انظر: المقريزى: المعرفة، ورقة 103 ظ وما بعدها؛ الصبّان، ص 96 وما بعدها؛ النبهانى ص 6، وما بعدها؛ وانظر Fatima: Lammess, رومة 1912, ص 95 وما بعدها؛ و Das Staatssrecht der Zaiditen: Strothmann، ستراسبورغ 1912, ص 19 وما بعدها؛ De Opkomst vanhet Zaidietische Imamaat in Yemen: Van Arendonk، ليدن 1919, ص 65 وما بعدها). وقد جعل لبيت بنى هاشم على يد كتّاب السيرة النبوية مكان الصدارة. فلم يزل الاختيار الإلهى يقع على دوائر تصغر شيئًا فشيئا إلى أن اصطفى النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] من بنى هاشم. وهناك حديث يروى روايات كثيرة ونصه: قال رسول اللَّه [-صلى اللَّه عليه وسلم-]: "إن اللَّه اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل، واصطفى من ولد إسماعيل بنى كنانة، واصطفى من بنى كنانة قريشا، واصطفى من قريش بنى هاشم واصطفانى من بنى هاشم" (طبقات ابن سعد، طبعة سخاو، جـ 1، ص 1 و 2)، وإحدى هذه الروايات تنتهى بهذه الكلمات: "فأنا (أى محمد عليه الصلاة والسلام) خيركم بيتا وخيركم نسبا" (ابن عبد ربه، جـ 2، ص 6 وانظر علاوة على ما تقدم كتاب نسيم الرياض فى شرح شفاء القاضى عياض للخفاجى، القاهرة 1325 - 1327 هـ, جـ 1 ص 429 وما بعدها، الفصل الخاص بشرف النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-]؛ وكتاب النبهانى ص 37 - 39). أما عند الكميت الذى رفع صوته عاليا متغنيا بشرف النبى عليه الصلاة والسلام (المصدر نفسه، ص 54، بيت 45 وما بعده) فإن بنى هاشم ذُرَى الشرف الرفيع (المصدر نفسه، ص 5، بيت 14) الذين لهم رتب الفضل على الناس كلهم (ص 58، بيت 87). وإذن فالانتماء إلى بيت

النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] يجعل لصاحبه حقًا بيّنًا فى الشرف (انظر أيضًا كتاب المحاسن والمساوئ للبيهقى، طبعة شفالى، كيسين 1902، ص 95 وما بعدها). وكان الحسن والحسين يعتبران أشرف الناس نسبا (الثعالبى، المصدر نفسه، ص 51 وما بعدها). وهذا المكان البارز خص به بنو هاشم الذين يمدح الكميت منهم الطالبيين ويصفهم بأنهم "أشراف وسادة" (المصدر نفسه، ص 10، بيت 29، ص 56، بيت 80) أدى فى العصر العباسى المتأخر، حوالى القرن الرابع الهجرى (العاشر الميلادى)، إلى قصر لقب التكريم وهو كلمة "الشريف"، الذى يقال إنه كان أيضًا لقب على (انظر الرياض النضرة لمحب الدين الطبرى، القاهرة 1327 هـ، جـ 2، ص 155، س 18) على أبناء العباس وأبناء أبى طالب. ويذكر الطبرى (جـ 3، ص 635، س 6) الأشراف باعتبار أنهم طائفة خاصة إلى جانب بنى هاشم. وعند الماوردى (الأحكام السلطانية، ط إنكر، بنون 1853، ص 165، س 7) ينقسم الأشراف إلى طالبيين وعباسيين. وكل من الأخوين الشريف الرضى والشريف المرتضى مشهور فى تاريخ الأدب فى النصف الثانى من القرن الرابع الهجرى (العاشر الميلادى؛ انظر بروكلمان، تاريخ الأدب العربى، جـ 1، ص 82). وعند السيوطى فى كتابه "رسالة السلالة الزينبية"، (ورقة 4 وما بعدها = الصبّان، ص 113 وما بعدها) أن لقب "الشريف" كان يطلق فى الصدر الأول على كل من ينتسب لأهل البيت، سواء كان من أبناء الحسن أو الحسين أو أبناء علىّ، أى أنه كان يطلق على أبناء محمد بن الحنفية أو أبناء أى ابن آخر من أبناء على سواء كان من أبناء جعفر أو أبناء عقيل أو أبناء العباس. ويشير السيوطى إلى أنه فى تاريخ الذهبى كثيرًا ما يجد المرء تسمية "الشريف العباسى" أو "الشريف العقيلى" أو "الشريف الجعفرى" أو "الشريف الزينبى". غير أن هذا ليس له كبير دلالة بالنسبة للمصدر الأول. أما الفاطميون فإنهم كما يلاحظ السيوطى، كانوا يقصرون لقب "الشريف" على أبناء الحسن

والحسين، وبقى هذا هو المتبع فى مصر؛ حسبما أورده السيوطى، على إنّه إذا كان هذا لم يعد من بعد يتفق تمام الاتفاق مع النص المقتضب غاية الاقتضاب الذى ينقله السيوطى عن كتاب "الألقاب" لابن حجر العسقلانى والذى يقول إن لفظ "الشريف" كان فى بغداد لقبا لكل عباسى وفى مصر لقبا لكل علوى، فإن المرء يستطيع أن يفترض أن كلمة "الشريف" بمعناها الحق كانت تطلق فى ذلك الوقت على أبناء الحسن أو أبناء الحسين وحدهم، لأنه، كما يلاحظ السيوطى فى مقام آخر (ورقة 6 و - ظ = الصبّان ص 190 وما بعدها، وكذلك ابن حجر الهيثمى فى كتاب الفتاوى الحديثية ص 124 وما بعدها) لا يكون الوقف أو ما يرد فى الوصية على أنه للأشراف إلا من نصيب أبناء الحسن والحسين؛ لأن العمل فيما يتعلق بهذه الأحكام يكون بحسب العرف المحلى وبحسب العرف الذى يرجع إلى العصر الفاطمى, وتبعا لذلك كانت تلك التسمية تطلق على أبناء الحسن والحسين. وإذا أخذنا بما يحكيه السيوطى فإنه كان هناك أيضًا الرأى القائل بأن الشرف بحسب عادة أهل مصر فى إطلاق الألقاب كان ينقسم إلى أقسام مختلفة هى: الشرف الذى يشمل جميع أهل البيت، والشرف الذى اختص به أبناء على ويشاركهم فيه الزينبيون، أى ذرية زينب بنت علىّ وكل ذرية بنات علىّ، وأخيرا الشرف الأخص وهو "شرف النسبة" الذى لأبناء الحسن والحسين وحدهم. وعند المؤرخين أن لقب الشريف أطلق أول ما أطلق على العلويين فى عصر انحلال دولة بنى العباس. وفى هذا العصر ثار العلويون فى مناحية وانتزعوا السلطة من يد العباسيين فى طبرستان وفى جزيرة العرب (انظر Mekka: Snouck Hurgronje؛ جـ 1، ص 56 ما بعدها). وما يقال فى لقب "الشريف" يقال أيضًا فى لقب "السيد". فكلمة "السيد" تطلق على الإنسان الحر فى مقابل العبد (انظر مثلا البخارى, كتاب الأحكام، باب 1 وما بعده؛ الترمذى كتاب البر، باب 53)، وكذلك تطلق على الرجل بالنسبة لزوجته (مثلا سورة يوسف،

الآية 25). وكان لفظ "السيد" أيضًا هو التسمية لرئيس القبيلة أو العشيرة (سورة الأحزاب، الآية 67؛ سيرة ابن هشام ص 295، س 17) الذى تستند سلطته بخاصة إلى الصفات الشخصية كالحلم والكرم والكلمة المسموعة (انظر عيون الأخبار لابن قتيبة جـ 1، ص 223 وما بعدها؛ Altarab Beduinenleben: G.Jocob, الطبعة الثانية، برلين 1897, ص 223 وما بعدها؛ Le Berceau de L'Islam: Lammens، ص 206، وما بعدها)، ولابد للسيد كذلك من صفات بدنية يتميز بها (ابن قتيبة، المصدر نفسه, Die Renaissance des Islam: Mez ص 144) والقرآن يمدح يحيى النبى [عليه السلام] بأنه سيد (سورة آل عمران، الآية 39). ويجوز أنه فى نفس الوقت تقريبا الذى صارت فيه كلمة "شريف" لقبا للعلويين والطالبيين صارت كلمة "سيد" لقبا لهم بصفة خاصة. وهذا لم يحدث فى الحقيقة دون استناد إلى أحاديث تصف الحسن والحسين وأبويهما بأنهم "سادة"، فيروى عن النبى عليه الصلاة والسلام أنه قال عن الحسن: "ابنى هذا السيد، ولعل اللَّه أن يصلح به بين فئتين من المسلمين" (3) (البخارى، كتاب الفتن، باب 20، حديث رقم 2؛ كتاب "فضائل الصحابة" باب 22؛ الترمذى، مناقب الحسن والحسين، باب 30) ويوصف الحسين فى حديث بأنه "سيد شباب أهل الجنة" (النبهانى ص 64، س 17 وما بعده)، كما يوصف هو وأخوه بأنهما "سيدا شباب أهل الجنة" (الترمذى: المصدر نفسه؛ النسائى: خصائص أمير المؤمنين علىّ ابن أبى طالب، القاهرة 1308 هـ , ص 24 و 26)، هذا على حين أن أمهما فاطمة توصف فى الحديث يقول النبى عليه الصلاة والسلام بأنها "سيدة نساء أمتى" أو "سيدة نساء هذه الأمة" أو "سيدة نساء العالمين" أو "سيدة نساء أهل الجنة" (انظر طبقات ابن سعد، جـ 8، ص 17 س 7 وما بعده؛ البخارى "فضائل الصحابة"، باب 29، النسائى، المصدر نفسه، ص 23 وما بعدها؛ النبهانى ص 54، س 3 وما بعده). ويروى أن النبى عليه الصلاة والسلام سمى عليا بأنه "سيد

العرب" و"سيد المسلمين" وأنه قال له مرة: أنت سيد فى الدنيا وسيد فى الآخرة (محب الدين الطبرى، المصدر نفسه، جـ 2، ص 177). وفى بيت أورده البيهقي (المصدر نفسه، ص 96، س 10) يسمى علىّ "سيد الناس"، على أن ألقابا مثل هذا اللقب الأخير لا تطلق فى الغالب إلا على النبى عليه الصلاة والسلام (من ذلك تسميته: "سيد ولد آدم"، ابن سعد، المصدر نفسه، جـ 1، ص 1، س 1؛ ص 3، س 15؛ و"سيد البشر" ابن عبد ربه، المصدر نفسه، جـ 2، ص 246, س 17). ويجوز أن التسمية باسم "السيد" كانت تطلق فى أول الأمر على من كان لهم بعض السلطان بين قومهم. وفى "كتاب عمدة الطالب فى أنساب آل أبى طالب" كثيرا ما يسمى أشخاص من العلويين باسم "السيد" (طبعة بمباى 1318 هـ، مثلا ص 51، س 16؛ ص 52، س 2 و 4؛ ص 54، س 10؛ ص 59، س 2 و 6 و 9؛ ص 65, س 15 و 17؛ ص 117 السطر الأخير؛ ص 142، س 7؛ ص 149، س 9). والذهبى فى كتابه "تاريخ الإسلام" (مخطوط ليدن رقم 1721 ورقة 65) يطلق هذا اللقب على علىّ بن محمد إمام الشيعة الإثنى عشرية. ويوجد أيضًا اللقب المركب: "السيد الشريف" و"الشريف السيد" (نهاية الأرب للنويرى، القاهرة 1324 هـ جـ 2، ص 277, س 12؛ العقود اللؤلؤية للخزرجى، جـ 1، سلسلة كب التذكارية الأولى جـ 3، ص 4، ليدن - لندن ص 314, س 11). على أن كلمة "سيد" قد أطلقت أيضًا على مشايخ الصوفية وعلى الأولياء وعلى الأعلام من علماء الدين، فقيل مثلا "السادة" (الصوفية) و"السادة الأولياء" (طبقات الخواص للشرجى، القاهرة 1321 هـ, ص 2، س 9؛ ص 3، س 1؛ ص 195، س 3) و"السادة الأعلام" (الفتاوى الحديثية لابن حجر الهيثمى، ص 124، س 4 من أسفل). وكانت التسمية بسيدى أو سيدى مفضلة خصوصا فى الكلام عمن يعتبرون أولياء (وهذا كثيرا ما يرد عند الشعرانى فى كتابه لواقح الأنوار فى طبقات الأخيار، القاهرة 1315 هـ)، وعبارة سيدى هى العبارة التى يخاطب بها العبد سيده.

وقد أطلقت التسمية "بالسيد" كما أطلقت التسمية "بالشريف" فى كثير من البلاد الإسلامية على أبناء الحسن والحسين وحدهم. ففى حضرموت لقبهم البخارى و"السيد" (Versp. Geschr.: Snouck Hurgronje، جـ 3, 163). وإذا أخذنا بما يقوله الخزرجى (المصدر نفسه، جـ 1، ص 315 وما بعدها فى مواضع كثيرة) فإن التسمية "الشريف" كانت فى زمانه ببلاد اليمن هى التسمية المستعملة بالنسبة لهم، أما الآن بحسب ما يقوله أمين الريحانى (ملوك العرب، بيروت 1924، جـ 1 هامش رقم 1) فإن لقبهم هو "السيد". وفى الحجاز كانت العادة هى أن يسمى باسم "الشريف" أبناء الحسن وحدهم الذين كان أجدادهم حكام مكة، وكان اسم "السيد"، يطلق على أبناء الحسين فقط. ومع ذلك فإن أهل مكة يتكلمون عن الشريف الأكبر بقولهم "سيدنا". وكان الشريف الأكبر يمنح أعضاء عشيرته لقب "السيد" (Mekka: Snouck Hurgronje، جـ 1، ص 57، المؤلف نفسه: Verspr. Geschr، جـ 3، ص 163؛ جـ 5، ص 31 و 40، النبهانى، ص 41). ولقب "السيد" و"المير" (الأمير) الذى كان مستعملا فى فارس صار أيضًا جاريا فى تركية والهند. (Chardin: Voyages, ط. لانكليس، باريس 1811, جـ 5 ص 290؛ Tableau de empire othoman: d, Ohsson، باريس 1786 - 1820, جـ 1, ص 70؛ Des osmanischen Reichs Staatsverfassung und Staatsverwaltung: J. von Hammer، فينا 1812, جـ 2 ص 398؛ Islam in Indiaor the Qanun-i-Islam: Sharif Herklots، الطبعة الجديدة لـ W. Crooke، لندن ص 26 - 28). وإلى جانب لقب السيد الذى كان مستعملا فى جزائر الملايو ظهر فى آشى لقب تشريف و"الحبيب" الذى كان مستعملا فى جزيرة العرب أيضًا (The Achehnese: Snouck Hurgronje جـ 1، ص 155). وفى العصر العباسى كان الأشراف من عباسيين وطالبيين يتبعون نقيبا يختار فى الغالب من بينهم. وتاريخ هذا المنصب لا يزال غير واضح تماما. ومن المشكوك فيه جدًا أنه كان موجودا فى عصر الأمويين كما يفترض فون كريمر

(Culturgesch des Orients unter den Chalifen: von Kremer فينا 1875 جـ 1، ص 449, هامش رقم 1) مستندًا إلى ما يذكره ابن خلدون فى كتاب العبر (بولاق 1284 هـ، ص 134, س 5 من أسفل) وذلك أنه يوجد على الأرجح تحريف فى هذا النص (انظر الطبرى جـ 2، ص 16، السطر الأخير؛ ص 17، س 1). والراجح أن فرعى بنى هاشم كانا فى أول الأمر تحت رياسة نقيب واحد كما كانت الحال حوالى سنة 301 هـ (913 - 914 م؛ انظر كتاب عريب، طبعة دى غوى, ص 47، س 10). على أن الطبرى (جـ 3، ص 1516، س 5). يذكر فى أخبار سنة 250 هـ (864 م) أن عمر بن فرج (الزخجى) كان "يتولى أمر آل طالب" ويظهر أنه لم يكن هاشميا. وكان علىّ بن محمد ابن جعفر الحمانى العلوى المتوفى سنة 260 هـ (873 - 874 م) نقيبًا فى الكوفة (مروج الذهب للمسعودى، باريس 1861 - 1877, جـ 7، ص 338) ويجوز أنه كان هناك فى ذلك الوقت، كما كانت الحال بعد ذلك فى معظم المدن الكبيرة، نقباء يرأسهم نقيب أكبر وهو "نقيب النقباء". وكان لا بد للنقيب أن يكون على علم جيد بالأنساب، وكانت مهمته فى الجملة هى أن يمسك سجلا للأشراف يدون فيه من يولد ومن يموت منهم وأن يبحث دعاوى الانتساب إلى علىّ (انظر من ثم كتاب عريب ص 49 وما بعدها، ص 167) وكان عليه أن يراقب سلوك الأشراف وبأخذهم من الآداب بما يضاهى شرف أنسابهم، ويحثهم على واجباتهم، ويحول دون كل ما ينقص من حشمتهم. وكان عليه إلى جانب ذلك أن يدافع عن حقوقهم وخاصة قِبل بيت المال، وأن يحفظ النساء منهم من الزواج بغير الأكفاء، وأن يسهر على حسن إدارة أوقاف الأشراف. وكان لنقيب النقباء مهام أخرى خاصة منها اختصاصات قاضى الصلح (*) (انظر الماوردى، المصدر نفسه ص 194 وما بعدها! فون كريمر، المصدر نفسه؛ جـ 1، ص 448 وما بعدها؛ ميتز Mez ص 145). أما العمامة الخضراء التى أصبحت، خصوصًا فى مصر، شعارًا يتميز به ¬

_ (*) كان له التأديب فيما عدا الحدود. المترجم

الأشراف فإن أصلها يرجع إلى ما أمر به السلطان الأشرف شعبان (764 - 778 هـ = 1363 - 1376 م) من أن يجعل السادة الأشراف فى عمائمهم شطفات خضرًا حتى يمتازوا عن غيرهم وتعظيما لقدرهم (بدائع الزهور لابن إياس، القاهرة 1311 هـ, جـ 1, ص 277؛ محاضرات الأوائل ومسامرات الأواخر لعلىِّ دده، بولاق 1300 هـ، ص 85, Diction desnoms des vetements chez les Arabes: Dozy, أمستردام 1845, ص 308؛ Mez: المصدر نفسه ص 59). وهذا الأمر الذى أصدره السلطان شعبان عام 773 هـ (1371 - 1372 م) والذى خلّده شعراء ذلك العصر فى أبيات لهم يعيد إلى الذكرى ما أمر به المأمون فى رمضان (سنة 201 هـ = 817 م)، من إحلال اللون الأخضر شعارًا لبيته محل الأسود، وذلك عندما عين علىّ بن موسى الرضا من أبناء الحسن وليا للعهد (الطبرى جـ 2، ص 1012 وما بعدها). ويقول محمد بن جعفر الكتانى الحسنى الذى كان يقطن دمشق فى رسالته المسماة "الدعامة من لمعرفة أحكام سنة العمامة" (دمشق 1342 هـ، ص 97 وما بعدها) إن أبناء علىّ وفاطمة احتفظوا منذ ذلك الحين باللون الأخضر، لكنهم اقتصروا على قطعة من القماش الأخضر توضع على العمامة. ثم إن هذا بطل بعد ذلك إلى أن أمر به السلطان شعبان من جديد. وقد جاء فى كتاب درر الأصداف الذى استشهد به الكتانى أن لبس عمامة خضراء كلها يرجع إلى ما أمر به باشا مصر السيد محمد الشريف فى سنة 1004 هـ (1596 م؛ انظر الاسحاقى: أخبار الأول فيمن تصرف فى مصر من أرباب الدول، القاهرة 1311, ص 164 من أسفل): فقد أمر الباشا فى أثناء طواف الكسوة بأن يسير الأشراف أمامه وعلى رأس كل منهم عمامة خضراء. ويلاحظ السيوطى أن لبس هذا الشعار بدعة مباحة لا يجوز منع أحد من اتباعها شريفا كان أو غير شريف، ولا يجوز إلزام أحد بها إذا كان لا يريد أن يتبعها، لأنها ليست مأخوذة من الشرع. وأقصى ما يمكن أن يقال هو أن هذا الشعار قد استحدث لتمييز الأشراف عن غيرهم، وعلى هذا يجوز قصره على

أبناء الحسن والحسين أو جعله شاملا للزينبيين أيضًا وتوسيع دائرته بحيث يشمل سائر العلويين والطالبيين. ويحاول البعض أن يجد لاستعمال هذا الشعار سندًا فى القرآن الكريم (سورة الأحزاب الآية 59) وبعض العلماء يجدون فى هذه الآية إشارة إلى أنه يحسن بالعلماء أن يتميزوا فى اللباس بالكم الطويل مثلا أو بالطيلسان لكى يُعرفوا ويعظمهم الناس من أجل العلم (4) (السيوطى ورقة 5 و - 6 و؛ وقد أورد الصبان النص كاملا ص 189 وما بعدها، وأورده مختصرا ابن حجر الهيثمى فى الفتاوى الحديثية ص 140 فى أعلى الصفحة، والنبهانى ص 41 وما بعدها) لكن الصبان يرى (ص 191) فيما يتعلق بهذه الآية القرآنية أنه يجب القول بأن الشعار الأخضر أو العمامة الخضراء شئ مستحب للأشراف مكروه لغيرهم؛ لأن من يلبس هذا الشعار من غيرهم يضع نفسه بذلك فى غير نسبه الحقيقى، وهذا شئ غير جائز. ويقول الكتانى إن علماء المالكية أيضًا يرون لهذا السبب أن لبس العمامة الخضراء غير جائز لمن لم يكن شريفًا. ويقال إنه، بالاستناد إلى حديث رواه ابن حنبل أن النبى عليه الصلاة والسلام سيمثل أمام ربه يوم القيامة لابسًا عمامة خضراء، مال علماء الشافعية إلى القول بأن هذا اللباس المميز مستحب للأشراف (الكتانى، ص 98 أسفل الصفحة، وانظر أيضًا ص 95). على أنه فيما عدا هذا نذكر دائمًا أن اللون الأخضر هو لون ثياب أهل الجنة (انظر سورة الكهف، الآية 31، سورة الإنسان، الآية 21) وأن اللون الأخضر كان هو اللون المفضل عند النبى عليه الصلاة والسلام (الكتانى ص 95 وما بعدها، مع شواهد من الحديث). على أن العمامة الخضراء لم تصبح اللباس العام الذى يلبسه جميع الأشراف، فهم فى جزيرة العرب يندر أن يلبسوا شيئًا سوى العمامات البيضاء (Verspr.Gesch.: Snouck Hurgronje , جـ 4/ 1، ص 63). وكان اللون الأخضر مفضلًا فى فارس أيضًا (Voyages: Chardin، الموضع نفسه) ويقول سايكس (Thousand Miles in Persia: P.M. Sykes لندن 1902، ص 24,

هامش 18) إن السيد هناك يتميز بعمامة زرقاء وحزام من القماش الأخضر. وفى الهند يلبس "السادة" اللون الأخضر، ولذلك يسمون أحيانا سبزبوش أى لابسى الثياب الخضر (انظر Djafar Sharif-Herklots, المصدر نفسه، ص 303). ويقول النبهانى (ص 42، وما بعدها) إن العمامة الخضراء ليست علامة للأشراف فى إستانبول، فهناك يلبسها إلى جانب العلماء والطلبة الصناع وباعة الطرقات خصوصا فى الشتاء لأنها لا تتسخ بسرعة. ومن أجل هذا فإن بعض الأشراف يتجنبون لبس اللون الأخضر. ويرى أهل السنة أن يتميز أهل بيت النبى عليه الصلاة والسلام يتجلى فى أشياء أخرى كثيرة، فهم لا يجوز أن يأخذوا الصدقة (الزكاة، انظر هذه المادة) ويروى أن النبى عليه الصلاة والسلام كثيرًا ما قال عن الصدقة إنها لا تنبغى لمحمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] ولا لآل محمد (5). ويختلف علماء الشريعة فى هذا الحكم: هل هو ينطبق إلى جانب بنى هاشم على بنى المطلب ومواليهم أيضًا، وهل هو يشمل "صدقة النفل" أو "صدقة التطوع" أيضا (النبهانى، ص 33 وما بعدها). ولأبناء فاطمة الحق الأول فى أن يسموا "أبناء رسول اللَّه" فينتسبوا بذلك إلى النبى عليه الصلاة والسلام؛ ولذلك فإن عبارة "ابن رسول اللَّه" هى العبارة المفضلة فى مخاطبتهم. ويذكر لدعم هذا الخطاب من كتاب الطبرانى فى الحديث أقوال للنبى عليه الصلاة والسلام مثل: "كل أبناء آدم ينتسبون إلى عصبة أبيهم إلا ولد فاطمة فإنى أنا أبوهم وأنا عصبتهم" (انظر الفتاوى الحديثية لابن حجر الهيثمى, ص 123، س 24 وما بعده؛ النبهانى، ص 48 وما بعدها). ويترتب على كون أهل البيت أشرف الناس نسبا أن أحدا من سائر الناس ليس كفؤا لنسائهم. ويذكر السيوطى (ورقة 3 وما بعدها؛ الصبان ص 188؛ ابن حجر الهيثمى: المصدر نفسه، ص 123 س 31) أن من الآراء المأثورة أن الابن الذى ترزق به شريفة من زوج غير شريف ليس شريفا. ومع هذا فإن من العلماء، كما يذكر الصبان (ص 192). من يعتبرونه شريفًا. على

أن الزواج بين بنات الأشراف وبين رجال ليسوا أكفاء لهن شئ نادر جدًا فى جميع البلاد (Snouck Hurgronje: The Achehnese، ليدن 1906، جـ 1، 158؛ المؤلف نفسه: Verspr. Geschr, 4/ 1 ص 297 ما بعدها: Observation on the Mussulmanns of India: Mrs. Meer Hasan Ali, الطبعة الثانية مع تعليق , W. Crooke لندن 1917, ص 4 وما بعدها). ويرى الشعرانى (فى النبهانى ص 89 وما بعدها) أنه ليس من الأدب التزوج من مطلقة الشريف أو أرملته، ولا يصح للمرء أن يتزوج من شريفة إلا إذا كان يعرف أنه قادر على أن يقوم بحقوقها ويعمل على رضاها ويكون خادمًا لها. وينطبق على أهل البيت بخاصة قول النبى عليه الصلاة والسلام: "كل نسب وصهر ينقطع يوم القيامة إلا نسبى وصهرى". فأهل البيت هم وحدهم الذين سينفعهم نسبهم" (النبهانى، ص 22, 30 , 39 وما بعدها، ص 47). وفى حديث ضعيف أن النبى عليه الصلاة والسلام قال: "النجوم أمان لأهل السماء وأهل بيتى أمان لأمتى". ويرى الشراح أن المقصود بأهل البيت هم أبناء فاطمة، فوجودهم على الأرض أمان لأهلها عامة ولأمة النبى عليه الصلاة والسلام خاصة من العذاب أو من أن تأخذهم الفتن. ولا يقصد هنا الصالحون منهم خاصة، بل إن هذه الميزة لأهل البيت ترجع إلى العنصر النبوى، ويحاول البعض أن يجد لذلك إشارة فى القرآن الكريم أيضا (سورة الأنفال الآية 33؛ النبهانى، ص 28 وما بعدها، ص 30، 47؛ وانظر الصبان ص 119 وما بعدها؛ وكتاب الصواعق لابن حجر الهيثمى ص 144, وأيضًا كتاب الفتاوى الحديثية ص 122, س 11 وما بعده). ولن يعذب أحد من أهل البيت بنار جهنم (المقريزى ورقة 109 ظ، النبهانى ص 21، س 17 وما بعده؛ ص 23، س 5 وما بعده، ص 45) وسيكون النبى عليه الصلاة والسلام ومعه علىٌّ والحسن والحسين وأبناؤهم جميعًا أول من يدخلون الجنة (النبهانى، ص 48، س 11 ما بعده).

ولأبناء رسول اللَّه عليه الصلاة والسلام أن يكونوا واثقين من مغفرة اللَّه ويجب أن يُقبل أى ذنب يقترفونه بالرضا والتسليم لأنه من إرادة اللَّه. وابن عربى إذ ينظر فى آية التطهير (سورة الأحزاب، الآية 33) يقرنها بما فى سورة الفتح، الآية 2، التى جاء فيها أن اللَّه قد غفر للنبى عليه الصلاة والسلام ما تقدم من ذنبه وما تأخر. ومما يقوله ابن عربى: "ينبغى لكل مسلم يؤمن باللَّه وبما أنزله أن يصدق اللَّه تعالى فى قوله: "ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا"، فيعتقد فى جميع ما يصدر من أهل البيت أن اللَّه قد عفا عنهم فيه فلا ينبغى لمسلم أن يلحق المذمة بهم ولا ما يشنأ أعراض من شهد اللَّه بتطهيره وذهاب الرجس عنه لا بعمل عملوه ولا بخير قدموه بل سابق عناية اللَّه بهم، ذلك فضل اللَّه يؤتيه من يشاء واللَّه ذو الفضل العظيم" (الفتوحات المكية، القاهرة 1329 هـ , فصل 29، جـ 1، ص 196, س 17؛ ص 198، س 25 وخصوصا ص 196، س 31 وما بعده. انظر ص 197, س 14 وما بعده؛ المقريزى ورقة 108 ظ، س 13 وما بعده؛ والنبهانى، ص 11 - 13, 76 - 79). والشريف الذى يقام عليه الحد يمكن أن يعتبر مثل أمير أو سلطان تغطت قدماه بالوسخ ثم غسله خادم له، وهو يشبه أيضًا بالابن العاق الذى لا يحرم من الميراث رغم عقوقه (ابن حجر الهيثمى: المصدر نفسه، ص 122, س 20 وما بعده؛ النبهانى؛ ص 46). وعند البعض أن محبة أهل البيت واجبة بمقتضى القرآن الكريم (سورة الشورى الآية 23) حيث يصرفون معنى كلمة قربى إلى القرابة للنبى عليه الصلاة والسلام (كتاب خصائص وحى المبين لابن بطريق الحلى، ص 51 وما بعدها، المؤلف نفسه: كتاب العمدة، ص 23 وما بعدها؛ المقريزى، ورقة 112، س 16 وما بعده، وكتاب الصواعق لابن حجر الهيثمى ص 104 وما بعدها؛ الشبراوى، ص 4 وما بعدها؛ الصبان ص 96 وما بعدها؛ النبهانى ص 72

وما بعدها) وكذلك يستند البعض إلى أن نهاية التشهد تحتوى على الدعاء لآل محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] (كتاب الصواعق لابن حجر الهيثمى ص 143؛ والنبهانى ص 75) وينسب للشافعى أنه قال: يا آل بيت رسول اللَّه حبكم ... فرض علىَّ وفى القرآن مكتوب وإلى جانب ما تقدم يوجد عدد كبير من الأحاديث التى تحض على محبة آل البيت وتعتبرها دليلًا على الإيمان وسببا فى شفاعة النبى عليه الصلاة والسلام يوم القيامة وفى نوال الأجر الأخروى؛ وتوجد أحاديث أخرى فى ذم بغض أهل البيت بل اعتباره كفرًا (كتاب الصواعق لابن حجر الهيثمى، ص 141 وبعدها؛ الشبراوى ص 3 وما بعدها؛ النبهانى، ص 81 وما بعدها). وعلى هذا فالواجب احترام الأشراف دائما وإظهار التعظيم لهم وخصوصا الصالحين والعلماء منهم. وتعظيم النبى عليه الصلاة والسلام يستوجب ذلك. ويجب على المرء أن يتواضع فى حضرة الأشراف؛ ومن آذاهم وجب بغضه. ويجب احتمال أذاهم مع الصبر ومقابلة إساءتهم بالإحسان. وتجب معاونتهم إذا لزم الأمر وتجنب ذكر عيوبهم. أما محاسنهم فيجب إذاعتها، كما يجب التقرب إلى اللَّه سبحانه وتعالى ورسوله [-صلى اللَّه عليه وسلم-] بدعاء الصالحين منهم (الشبراوى، ص 7، س 7 وما بعده) ويرى الشعرانى أنه يجدر بالمرء أن يعامل الشريف بما يعامل به الوالى أو قاضى العسكر. ولا يصح أن يجلس المرء إن لم يكن للشريف مجلس يليق به. ويجب تعظيم الشريفة خاصة حتى أنه يكاد لا يجوز للمرء أن يرفع طرفه إليها، ومن كان يحب أبناء رسول اللَّه عليه الصلاة والسلام فإنه يهدى إليهم ما يريدون أن يبتاعوا. ومن كانت له بنت أو أخت ويريد أن يزوجها بجهاز كبير فلا يصح أن يرد شريفا يطلبها زوجة له ولو كان لا يملك سوى المهر أو كان يعيش عيشة الكفاف. وإذا لقى المرء فى الطريق شريفا أو شريفة يسأل عطاء فإنه يجب عليه أن يهدى لهما ما يستطيع (النبهانى، ص 89 وما بعدها).

ولا يصح الامتناع من احترام الشريف الفاسق ذلك أن فى الإمكان القول بأن ذنبه سيغفر له وبأن عنصره الطاهر هو الذى يستوجب احترامه وأن الفسق لا يصيب نسبه (النبهانى، ص 45). وإذا شك أحد فى نسب شخص هل هو شريف أم لا, ولم يكن على نسبه اعتراض من الناحية الشرعية فإنه يجب أن يظهر له الاحترام اللائق به. وحتى إذا لم يكن نسبه ثابتًا شرعًا فإنه لا يصح اتهامه بالكذب من غير القطع بالأمر (الفتاوى الحديثية لابن حجر الهيثمى، ص 122 س 27 وما بعده؛ النبهانى، ص 46). وهناك عدد كبير من الحكايات يذكر فيها أن النبى عليه الصلاة والسلام أو فاطمة أنّب فى المنام شخصًا لم يراع حق شريف أساء إليه (المقريزى، ورقة 144, سطر 11 وما بعده؛ ابن حجر الهيثمى: الصواعق، ص 148 النبهانى ص 45، 95 وما بعدها) (6). والأشراف والسادة الكثيرون موجودون فى جميع بلاد العالم الإسلامى، وكثير من أسر الأشراف وصلت إلى الحكم زمانا قصيرًا أو طويلًا كما حدث فى طبرستان وبلاد الديلم، وغربى جزيرة العرب، واليمن ومراكش. وكان لأسر أخرى شأن محلى. ومنذ زمان طويل لم تعد صحة النسبة العلوية فوق الطعن أحيانا. وقد حفظ النسب على أنقى صورة فى غربى جزيرة العرب وفى حضرموت؛ وبيت العلويين فى حضرموت يشتمل على كثير من علماء الشريعة والعقائد والصوفية المشهورين، وهو يحترم من الأشراف بما يليق بهم؛ أشراف غربى جزيرة العرب. ومن السهل أن يعظم السيد الذى يتميز بالحياة الصالحة كما يعظم الأولياء، وأن يرجى الخير من دعائه؛ على حين أن غضبه يجلب البلاء؛ والناس يحاولون أن ينالوا بركته بالنذور والهدايا، ويزورون قبره. وفيما يتعلق بأضرحة الأشراف رجالا ونساء التى تزار كثيرًا فى القاهرة؛ انظر كتاب الشبلنجى المذكور فيما يلى. وفى حضرموت وفى اليمن أيضًا يتميز السيد بعكاز ومسبحة عن

المصادر

الشريف الذى يتميز بحمل السلاح. والسيد يظهر وسيطا بين الأطراف المتخاصمة، وهو فوق ذلك يطرد الجراد ودعاؤه يمنع القحط، على حين أن سخطه يجعله مستمرًا. وبعض السادة يُقصَدون للبرء من الأسقام، وكثيرًا ما يعبر الناس عن تعظيمهم للسيد بإهدائه قطعًا من الأرض (Perfumes of Araby: H. Jacob، لندن 1915, ص 45, 173 وما بعدها). وفيما يتعلق بمميزات الأشراف والسادة وتعظيمهم انظر التفصيل فى كتاب سنوك هرجرونى (Mekka: Snouck Hurgronje، جـ 1، ص 32 وما بعدها 70 وما بعدها) وفيما يتعلق بالسادة فى حضرموت، وهم يوجدون بكثرة فى جزر الملايو ومنهم مؤسسو سلطنات "سياك" و"بونتياناك" (انظر للمؤلف نفسه كتابيه: Geschr Verspr, جـ 3، ص 162 مابعدها و The Achehnese، جـ 1، ص 153 وما بعدها). أما فيما يتعلق بتاريخ الأشراف الذين حكموا فى مكة وفى الحجاز منذ القرن الرابع الهجرى (العاشر الميلادى؛ انظر كتاب سنوك هرجرونى Mekka: Snouck Hurgronje, جـ 1؛ ومادة مكة "تأريخها" انظر أيضًا الموجز الذى ذكره البتنونى فى كتابه الرحلة الحجازية، الطبعة الرابعة، القاهرة 329 هـ, ص 73 وما بعدها) وتوجد معلومات عن عشائر الأشراف فى جزيرة العرب فى الكتاب المسمى A Handbook of Arabia (جـ 1) الذى ألفه القسم الجغرافى لفرقة الاستعلامات البحرية، لندن، بدون تاريخ السنة، الفهرس تحت مادة أشراف. أما نسب الطالبيين فقد تناوله أحمد ابن على. . . بن مهنا الداوودى الحسنى فى كتابه "عمدة الطالب فى أنساب آل أبى طالب، بمباى 1318 هـ. المصادر: (1) النسائى: كتاب خصائص أمير المؤمنين على بن أبى طالب، القاهرة 1308 هـ. (2) يحيى بن الحسن. . . بن البطريق الحلىّ: كتاب خصائص وحى المبين فى

تعليق على مادة "شريف"

مناقب أمير المؤمنين، طبع على الحجر سنة 1311 هـ. (3) المؤلف نفسه: كتاب العمدة، طبع على الحجر بمباى 1309 هـ. (4) المقريزى: كتاب فيه معرفة ما يجب لآل البيت من الحق على من عداهم، مخطوط ليدن 560 - 13 (فهرس المخطوطات العربية جـ 2، ص 50 Cat. cod. Arab, II, 50). (5) السيوطى: رسالة السلالة الزينبية، مخطوط ليدن رقم 2326 (فهرس المخطوطات العربية جـ 2، ص 65). (6) المؤلف نفسه: إحياء الميت فى الأحاديث الواردة فى آل البيت، مطبوع على هامش كتاب الإتحاف للشبراوى (7) ابن حجر الهيثمى: الصواعق المحرقة فى الرد على أهل البدع والزندقة، القاهرة؛ 1308 هـ. (8) المؤلف نفسه: كتاب الفتاوى الحديثية، القاهرة 1329 هـ. (9) الشبراوى: كتاب الإتحاف بحب الأشراف، القاهرة 1318. (10) محمد الصبان: كتاب إسعاف الراغبين فى سيرة المصطفى وفضائل أهل بيته الطاهرين، مطبوع على هامش كتاب الشبلنجى. (11) نور الأبصار فى مناقب آل بيت النبى المختار، القاهرة 1322 هـ. (12) يوسف بن إسماعيل النبهانى: كتاب الشرف المؤبد لآل محمد، القاهرة 1318 هـ. (13) Beschreibung von Arabien: Niebuhr، كوبنهاغن، 1722 م، ص 11 وما بعدها. (14) An Account o f the Manners and Customs of the Modern Egyptians: E.W. Lane، الطبعة الثالثة، لندن 1842, جـ 1, ص 42, 46, 197, 210, 366. (15) Ritual and Belief in Morokko: E. Westermarch، لندن 1926, الفهرس تحت مواد، شريف، وسيدى، وسيد. أبو ريدة [أرندنك C. Van Arendonk] تعليق على مادة "شريف" أطال الكاتب فى هذه المادة، ورجع إلى مراجع كثيرة، فجاء ما كتبه مستوعبا لكل نواحيها؛ إلا أن بعض ما

كتبه فيه ما يلاحظ، ولذلك نجمل هذه الملاحظات فى هذه الكلمات: (1) ذكر الكاتب أن كلمة "الشريف" تطلق أيضًا على الشخص ذى المكانة والجاه فى مقابل الضعيف والوضيع من الناحية الاجتماعية ونقل هذا عن صحيح البخارى. والذى جاء فى البخارى (جـ 1: 4 من الطبعة الأميرية سنة 1314 هـ)، فى حديث أبى سفيان عن لقائه هرقل ملك الروم بالشام، هو أن هرقل سأله: فأشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم؟ فقال أبو سفيان: بل ضعفاؤهم. . (2) ذكر الكاتب أن قوله تعالى فى سورة الأحزاب: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}، يصرفه الشيعة إلى على وفاطمة وأبنائهما، وأن تفسير {أَهْلَ الْبَيْتِ} تفسيرًا يلائم السياق والمقام يجعل الآية شاملة لنساء النبى، وأن هذا هو التفسير المروى عن عكرمة وابن عباس، وأن حديث الكساء يؤيد رأى الشيعة؛ وهذا كله فى حاجة إلى تحرير ومزيد من الدقة، كما يحتاج إلى بيان. إن الذى فى كتب التفسير المعتبرة، مثل تفسير القرطبى وتفسير ابن كثير، أن هذه الآية نزلت فى نساء النبى أمرًا خاصة، ففى تفسير ابن كثير أنها "نزلت فى نساء النبى صلى اللَّه عليه وسلم خاصة". وهو ما رواه عكرمة عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما. ثم يقول ابن كثير بعد هذا وذاك: إن كان المراد أنهن كن سبب النزول دون غيرهن فصحيح، وإن أريد أنهن المراد فقط دون غيرهن ففيه نظر؛ فإنه قد وردت أحاديث تدل على أن المراد أعم من ذلك. ومع هذا، فإن السياق يدل على أن المراد بعبارة {أَهْلَ الْبَيْتِ} فى هذه الآية، من نساء النبى صلى اللَّه عليه وسلم خاصة، ولا مانع أن تشمل سائر آل بيت النبوة بدلالة أحاديث وردت عن الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-]. وحديث "الكساء" هو، كما جاء فى تفسير ابن كثير عن مسند الإمام أحمد ابن حنبل، بهذا النص عن واثلة بن الأسقع إذ يقول: أتيت فاطمة رضى اللَّه عنها أسألها عن علىِّ رضى اللَّه عنه فقالت: توجه إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فجلست أنتظره حتى جاء

رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ومعه على وحسن وحسين، آخذا كل واحد منهما بيده، حتى دخل؛ فأدنى عليّا وفاطمة رضى اللَّه عنهما وأجلسهما بين يديه، وأجلس حسنا وحسينا رضى اللَّه عنهما كل واحد منهما على فخذه، ثم لف عليهم ثوبه، أو قل كساءه، ثم تلا صلى اللَّه عليه وسلم هذه الآية: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}، وقال: "اللهم هؤلاء أهل بيتى، وأهل بيتى أحق". (3) ذكر الكاتب نقلا عن البخارى: أن الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] قال عن الحسن بن على رضى اللَّه عنهما: "ابنى هذا السيد، ولعل اللَّه يصلح به بين فئتين من المسلمين"، والذى فى صحيح البخارى (جـ 9: 56 من طبعة بولاق الأميرية) هو أنه بينما كان النبى صلى اللَّه عليه وسلم يخطب جاء الحسن، فقال النبى صلى اللَّه عليه وسلم: "ابنى هذا سيدٌ (أو السيد)، ولعل اللَّه أن يصلح به بين فئتين من المسلمين". والمراد هنا فئتا على ومعاوية فى الحرب التى وقعت بينهما، هذه الحرب التى كانت فتنة عظيمة للمسلمين وانتهت بتنازل الحسن عن الخلافة لمعاوية رضى اللَّه عن الجميع. (4) ذكر الكاتب أن البعض يحاول أن يجد للبس العمامة الخضراء سندا من القرآن، أى من الآية رقم 59 من سورة الأحزاب التى أمر اللَّه تعالى رسوله [-صلى اللَّه عليه وسلم-] أن يقول لأزواجه وبناته ونساء المؤمنين بأن "يدنين عليهن من جلابيبهن" فإن ذلك "أدنى أن يعرفن فلا يؤذين". وبالرجوع إلى كتب التفسير لا يجد الباحث فى هذه الآية سندا للبس هذا الشعار، بل ولا أى إشارة إلى ذلك. بل إن هذا الأمر كان ليتميز به الحرائر من الإماء، فلا يكن عرضة للأذى من الفساق الذين كانوا يبتغون السوء من غير الحرائر، فإذا غطت الواحدة وجهها من فوق رأسها بالجلباب عرفت بأنها حرة شريفة فلا ينالها أى أذى (راجع تفسير ابن كثير جـ 3: 518 - 519). (5) تكلم الكاتب بعد ذلك عن ما يراه المسلمون من تميز آل بيت النبى عليه الصلاة والسلام بأشياء فيها عدم

حل الصدقة لهم، وعن هذا الحكم: هل يشمل آل المطلب ومواليهم أيضًا كما يشمل بلا ريب آل بنى هاشم، وهل يشمل صدقة النفل أيضًا بجانب الصدقة المفروضة؟ وهنا نذكر إنه لا خلاف فى أن بنى هاشم تحرم عليهم الصدقة، وفى هذا يقول الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] على ما جاء فى صحيح مسلم: "إن الصدقة لا تنبغى لآل محمد؛ إنما هى أوساخ الناس". ويرى الشافعى أن بنى المطلب ليس لهم الأخذ من الصدقة كبنى هاشم تماما، وذلك لما جاء فى حديث رواه البخارى وابن حنبل من أن الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] قال: "إنا وبنى المطلب لا نفترق فى جاهلية ولا إسلام، إنما نحن وهم شئ واحد"، وشبك بين أصابعه. وهنا يقول ابن حزم بأنه صح أنه لا يجوز أن يفرّق فى حكمهم فى شئ أصلًا لأنهم شئ واحد بنص كلامه عليه الصلاة والسلام؛ فصح أنهم آل محمد، وإذ هم آل محمد فالصدقة عليهم حرام. وعن الإمام أبى حنيفة أن لبنى المطلب أخذ الزكاة، وبهذا الرأى يكون هناك فرق فى رأيه بينهم وبين بنى هاشم فى هذه المسألة. والموالى تبع للسادة، أى لمن كانوا سادتهم فى هذا؛ فمثلا نرى الرسول صلى اللَّه عليه وسلم يحرم الصدقة على موالى بنى هاشم كما حرمها على بنى هاشم أنفسهم. وذلك لأن أبا رافع مولى الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] سأله فى هذا، فقال: "إن الصدقة لا تحل لنا، وإن موالى القوم من أنفسهم"، وهذا حديث حسن صحيح كما قال ابن حنبل وأبو داود والترمذى. هذا، وفى صدقة التطوع هل تحرم على من تحرم عليهم صدقة الفرض، أو تحل لهم دون الصدقة المفروضة قياسا على الهبة والهدية والوقف، ففيها خلاف بين الفقهاء، ويحسن الرجوع فى هذه المسألة إلى كتب الفقه والحديث، وبخاصة كتاب "المغنى" لابن قدامة، و"نيل الأوطار" للشوكانى. والقول الراجح فى رأينا أن النوعين حرام على آل النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] لأن كلا منهما

صدقة على كل حال، ولأن الرسول صلى اللَّه عليه وسلم لم يخصص فى تحريمه الصدقة بما كان مفروضًا منها دون صدقة التطوع أو النافلة. (6) أطال الكاتب فيما لأهل البيت من المزية والفضل بسبب نسبهم الشريف، وأن أحدًا منهم لن يعذب لأنه سيغفر لهم كل ما قد يقترفونه من الذنوب، وأن نسبهم ينفعهم يوم القيامة؛ وأنه لذلك يجب علينا حبهم واحترامهم وكذلك سائر الأشراف، إلى آخر ما قال فى هذه الناحية، وهو فى كل ما ذكره يرجع إلى كتب إسلامية ليس من السهل استقصاء ما جاء فيها مما اعتمد عليه. ونحن نؤمن تماما أن لآل البيت النبوى من المكانة والفضل عند اللَّه ما لا يعلمه إلا هو وحده، ونؤمن أيضًا مع هذا بقوله صلى اللَّه عليه وسلم: "كل نسب وصهر ينقطع يوم القيامة إلا نسبى وصهرى"، كما رواه الحافظ ابن عساكر عن ابن عمر رضى اللَّه عنهما؛ وبقوله أيضًا: "إن الأنساب تنقطع يوم القيامة إلا نسبى وسببى وصهرى" على ما رواه الإمام أحمد عن المسور بن مخرمة. ولكننا مع هذا وذاك نؤمن كذلك بقوله صلى اللَّه عليه وسلم: "من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه"، وبقوله لابنته رضى اللَّه عنها: "يا فاطمة بنت محمد، اعملى فإنى لن أغنى عنك من اللَّه شيئًا"، وكذلك قال لبنى هاشم ومن إليهم من ذوى القربى ثم قال للجميع: "لا يأتينى الناس بأعمالهم وتأتونى بأنسابكم"؛ وهذا ما يتفق مع ما جاء فى القرآن الكريم فى كثير من الآيات من أن كل إنسان سيسأل عما عمل ولا يغنى عنه غيره شيئًا. ومع ذلك فإن فرضًا على كل مسلم أن يعرف لآل البيت النبوى ما لهم من منزلة توجب علينا احترامهم وإجلالهم، وتجعلنا نؤمن بأنهم أولى بالقبول والغفران من اللَّه من غيرهم، واللَّه -كما جاء فى القرآن نفسه- يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء، وهذا كله فضلًا عن أنهم أبعد الناس عن الذنوب والآثام. هذا، وقد أشار الكاتب فى تضاعيف كلامه الذى استوجب هذا التعليق إلى

شريف باشا

أن البعض يرى أن أهل البيت هم أمان أهل الأرض من الفتن بسبب ما فيهم من العنصر النبوى، وأن هذا البعض حاول أن يجد إشارة لرأيه فى آية من سورة الأنفال، وهى الآية رقم 33. وهذه الآية التى أشار إليها الكاتب هى قوله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}. وبمراجعة كتب التفسير للقرطبى وابن كثير وأبى السعود وغيرهم، لا يجد الباحث أى إشارة للرأى الذى يذهب إليه ذلك البعض. فإن الآية تشير إلى ما كان من إيذاء المشركين للرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وهو بينهم، وأن اللَّه آمنهم من العذاب حينا لوجود الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فيهم. على أن الآية التى تليها قد نسخت حكمها، وهى قوله جل ذكره: {وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ}. على أننا لا نستبعد مطلقًا أن فى وجود الصالحين المتقين من آل البيت أمانًا من الفتن والبلاء لمن يقيمون بينهم وكذلك الأمر بالنسبة للصالحين المتقين من غير آل البيت؛ وذلك أن الرسول صلى اللَّه عليه وسلم يقول فى بعض ما روى عنه: "لولا عباد للَّه ركع، وصبية رضع، وبهائم رتع، لصب عليكم البلاء (وفى رواية: العذاب) صبا"، رواه الطيالسى والطبرانى وابن منده، وغيرهم، عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه. [الدكتور محمد يوسف موسى] شريف باشا رجل من رجال الدولة المصريين فى عهد الخديو إسماعيل والخديو توفيق؛ وهو من أصل تركى، ولد عام 1823 بالقاهرة، وكان أبوه حينذاك يشغل منصب قاضى القضاة الموفد من قبل السلطان، وبعد ذلك بعشر سنوات أو نحوها كانت أسرته تقيم مرة أخرى بالقاهرة ردحا من الزمن، فأرسل محمد على الغلام "شريف" إلى المدرسة الحربية التى كان قد أنشأها حديثا. ومن ثم قدر له أن يقضى حياته العملية كلها فى الخدمة المصرية. وكان شريف

عضوا فى البعثة المصرية التى أوفدت إلى باريس للدراسة العليا وكانت تضم سعيد باشا وإسماعيل باشا اللذين اعتليا الأريكة الخديوية من بعد، كما كانت تضم على مبارك باشا. والتحق شريف باشا بالمدرسة العسكرية سان سير St. Cyr (1843 - 1845) وخدم فترة من الزمن فى الجيش الفرنسى حتى استدعى عباس الأول هذه البعثة عام 1849. وعمل خلال السنوات الأربع التالية سكرتيرا للأمير حليم، ثم التحق مرة أخرى بالخدمة العسكرية عام 1853 ووصل إلى رتبة اللواء فى عهد سعيد باشا. وكان خلال هذه الفترة على اتصال وثيق بسليمان باشا (de Sevves) القائد العام للجيش المصرى وتزوج ابنته. وبدأ شريف باشا سنة 1857 حياته السياسية وزيرا للخارجية، وناب عن الخديو إسماعيل عندما سافر إلى الآستانة عام 1865, وتقلب بعد ذلك فى جميع المناصب العليا فى الدولة. وكان شريف باشا هو الذى وضع فى عام 1866 المشروعات الخاصة بالمجلس النيابى الجديد. ولما قامت الحكومة الدستورية فى مصر عام 1878 ألف شريف باشا الوزارة ثلاث مرات. ولما سقطت وزارة نوبار باشا فى فبراير عام 1897 (وكانت تضم اثنين من الأوربيين) على يد المجلس النيابى الوطنى بدأت حركة دستورية بقيادة شريف باشا وتزعم هذه الحركة فى البرلمان عبد السلام المويلحى. وقام هذا الحزب بوضع خطبة للإصلاحات المالية قدمت للخديو فعهد إلى شريف باشا فى أبريل عام 1879 بتأليف وزارة من العناصر المصرية الصميمة، وقد أنشأت هذه الوزارة الجديدة (انظر أسماء أعضائها فى كتاب صبرى، ص 153، التعليق) مجلسًا للدولة كما جعلت المجلس النيابى يسن ويصدق على قانون أساسى جديد صدر فى الرابع عشر يونية, عام 1879). وبعد أن اعتلى الخديو توفيق باشا العرش، عدلت وزارة شريف باشا،

ولكن الحكومة الجديدة لم تكن وطنية كسابقتيها. وقد رفض الخديو الجديد فى شهر أغسطس من السنة نفسها الموافقة على الدستور الذى أعده رئيس الوزراء ولذلك استقال شريف باشا فى الثامن عشر من الشهر ذاته وخلفه رياض باشا. واشترك شريف باشا عند ذاك فى تأليف الحزب الوطنى بحلوان، فأصدر بيانا ضد رياض باشا فى الرابع من شهر نوفمبر. ولما قامت بعد ذلك بسنتين الثورة العسكرية الوطنية فى التاسع من سبتمبر عام 1881 كان شريف باشا رجل الدولة الوحيد الذى وثق فيه الحزب العسكرى ثقة جعلته يعهد إليه تأليف وزارة جديدة (15 سبتمبر). وقد جمع شريف من ثم جمعية من أعيان البلاد لموازنة النفوذ العسكرى. واجتمعت هذه الجمعية فى السادس والعشرين من شهر ديسمبر، ولكن سرعان ما انضم الوطنيون بهذه الجمعية إلى العسكريين فى مناهضة الخديو ووزارته التى كان الرأى أنها واقعة تحت النفوذ السياسى والإشراف المالى للدول العظمى. وكان شريف باشا غير راغب فى التعاون مع المجلس عند التصويت على تعديل القوانين الخاصة بالميزانية ولذلك استقال فى يناير عام 1882, وخلفه محمود باشا سامى. وفى العاشر من أغسطس من العام نفسه وعلى أثر وقوف الخديو موقفا معاديا من الحركة العرابية أصبح شريف باشا مرة أخرى رئيسا للوزراء (18 أغسطس سنة 1882). وظل فى هذا المنصب بعد هزيمة عرابى والاحتلال الإنجليزى، ولكنه اصطدم أخيرًا بالوزارة الإنجليزية وممثلها عندما طلبت الجلاء عن السودان. وقد رأى شريف باشا أن الجلاء عن السودان فيه خطر سياسى واقتصادى على مصر، ولكنه اضطر إلى التسليم تحت الضغط الإنجليزى (يناير 1884). وهنالك اعتزل السياسة ومات بعد ذلك بثلاث سنوات فى جراتز Grez. وكان قد سافر إليها للاستشفاء من مرض الكبد، ودفن بالقاهرة فى أبريل عام 1887. وينتسب شريف باشا فى الأصل إلى طبقة المصريين الأتراك فكان لذلك

المصادر

مرتبطا بالخديو بدرجة أكثر، ولكن الوطنيين مع ذلك لم يشكوا قط فى إخلاصه. فقد حاول بإخلاص أن يجعل مصر دولة دستورية تحت حكم الأسرة الخديوية. وهو فى السياسة يحتل مركزًا وسطا بين الميول التى كان يمثلها عرابى ونوبار ورياض. المصادر: (1) جورجى زيدان: مشاهير الشرق، القاهرة 1910، ص 240 وما بعدها. (2) Geschichte Aegyptens im 19 jahrhundert: A. Hasenclever، هال 1917. (3) La Genese de l'Esprit national Egyptien: M.Sabry, باريس 1913، ص 64, 143, 146, 152, 168, 184, 195, 205. (4) Modern Egypt: Lord Cromer لندن 1908، جـ 1 وانظر أيضًا المصادر الواردة فى هذه الكتب. الشنتناوى [كرامرز J.H. Kramers] الشريف الرضى أبو الحسن محمد بن أبى طاهر الحسين بن موسى: سليل الحسين بن علىّ عن طريق موسى الكاظم، ومن ثمّ لقب هو وأخوه علىّ المرتضى بلقب الموسوى؛ وقد ولد أبو الشريف الرضى سنة 307 هـ (919 - 920 م)، وكان فى عهد بنى بويه فى بغداد نقيب الطالبيين، أى رئيس جماعة الأشراف من آل البيت أحفاد على من زوجه فاطمة. وقد ولد الشريف الرضى فى بغداد سنة 359 هـ (970 م) والظاهر أنه كان قد نضج فى سن مبكرة جدًا؛ ويقول معاصره الثعالبى إنه نظم أشعاره الأولى ولما يتجاوز العاشرة، وقد قال أقدم ما أرخ من قصائد فى ديوانه سنة 374 هـ حين كان فى الخامسة عشرة من عمره؛ ويؤكد الثعالبى والكُتّاب الذين نقلوا عنه أن الشريف الرضى كان بلا نزاع أعظم شعراء الطالبيين، بل أعظم شاعر أنجبته قريش. وإذا عرفنا أن القصائد التى نظمت فى ذلك العهد الحافل بالشعراء كانت دون أشعاره

بكثير حكمنا بأن الثعالبى كان على حق فى قوله. ولا يسعنا إلا أن نسلم بأن بعض المراثى التى قالها الشريف الرضى فى أصدقائه تتسم بالشعور الصادق؛ ثم إن مقدار ما قال من الشعر فى حياته القصيرة الأجل عجيب، ذلك أن ديوانه كان يشغل فى الأصل أربعة مجلدات. ولا شك أن الشريف الرضى كان ضعيف البنية، وهو نفسه يروى فى إحدى قصائده أن الشيب بدأ يخط رأسه حين بلغ الحادية والعشرين، وهى من باكرة؛ ولعل من أسباب اعتلال صحته انشغاله على أبيه الذى ظل سجينا فى شيراز زمنًا طويلًا بسبب ذنب اقترفه ولم أتوصل للكشف عنه، وبسبب الاضطراب الذى قام فى بغداد، نتيجة محاباة أمراء البويهيين للشيعة محاباة ظاهرة وما نجم عن ذلك من موجدة أهل السنة. وكان أبوه قد اعتزل منصب النقيب، وكرّم الشريف الرضى بتوليته هذا المنصب الجليل. ويقول الثعالبى وغيره من كتاب السير الذين ينقلون عنه إنه تولى المنصب سنة 388 هـ ولكن المقدمة التى صدر بها القصيدة التى بعث بها إلى بهاء الدولة يشكره على ما أسداه إليه من فضل تذكر أن البراءة أرسلت إليه من البصرة مصحوبة بأمر تقليده قيادة قافلة الحجيج، وبلغت بغداد فى غرة جمادى الأولى سنة 397 وفى السنة التالية زاد بهاء الدولة فى تشريفه فأنعم عليه بلقب الرضى، وهو اللقب الذى غلب عليه. وبعد ذلك بثلاث سنوات، أى فى شهر ذى القعدة سنة 401 هـ، تلقى من الأمير نفسه لقبًا ثالثًا هو لقب الشريف، وظل بهاء الدولة ينعم عليه بآيات التشريف الأخرى. وفى يوم الجمعة السادس عشر من المحرم سنة 403 هـ عين نقيبا لآل البيت فى جميع أملاك الأمير، على أن المرض اشتد عليه اشتداد، خطيرًا فى جمادى الأولى من السنة نفسها حتى يئس الناس من حياته، بيد أنه ما إن انقضى شهران حتى أبل من مرضه إلى حد أنه استطاع أن يرسل فى شهر رجب قصيدة أخرى إلى سلطان الدولة فى أرجان، حيث كان بهاء الدولة قد أدركته منيته فى جمادى الآخرة؛ وكانت قصيدته الأخيرة التى نظمها بحيث تصلح لمدح أى أمير هى التى

وجهها إلى سلطان الدولة فى شهر صفر سنة 404 هـ، وكانت آخر قصيدة مؤرخة فى ديوانه مرثية قالها فى الشاعر أحمد بن على البتّى الذى توفى فى شهر شعبان سنة 405 هـ؛ وتوفى الشريف الرضى فى صباح الأحد السادس من المحرم سنة 406 هـ (26 من يونية سنة 1016 م)؛ وقد غلب الحزن أخاه على المرتضى حتى لم يستطع البقاء فى بغداد ليشيّع جنازته، وصلى الوزير فخر الملك صلاة الجنازة على قبره، ودفن بمنزله فى حى الأنبارية فى ضاحية الكرخ من ضواحى بغداد. وكان المنزل والقبر قد تهدما فى عهد ابن خلكان، وإنا لندرك من الإشارات القليلة المبعثرة عن الرضى أنه كان ودودًا واسع العقل كما تدل على ذلك صداقته للصابئ الذى كرَمه بمرثيتين بالرغم من أنه لم يكن مسلمًا، بل إن لوم أخيه بسبب مرثيته الأولى لم تحل بينه وبين نظم قصيدته الثانية التى أبرز فيها حزنه أكثر وأكثر. وقصائده كما مر بنا كثيرة جدًا، وقد جمعها بعض أصدقائه؛ ومخطوطاتها ليست نادرة، بل إن لدينا بالفعل نسختين مطبوعتين (بومباى 1879 فى مجلد واحد؛ بيروت فى 1890 - 1892 فى مجلدين) وكلا الطبعتين مرتبتان على حروف الهجاء؛ وكذلك الحال فى المخطوطين اللذين فى المتحف البريطانى (Add، رقم 19410؛ Add 25750) وذلك إذا استثنينا أن المراثى فى أحد المخطوطين قد فصلت عن القصائد الأخرى. ومما هو جدير بالذكر أن كثيرًا من القصائد، سواء فى المخطوطات أو فى النسختين المطبوعتين، قد أرّخت تأريخًا دقيقًا وأمدتنا ببعض التفصيلات عن سيرته؛ وقد كان عدد كبير من هذه القصائد مراثى قيلت فى أشخاص بارزين توفوا فى بغداد، ومن ثم أصبح لهذه التواريخ قيمة تاريخية أيضًا. وثمة قصائد للشريف عن كل سنة من سنة 374 إلى سنة 405 هـ، ولو أننا شرعنا فى تحليلها تحليلًا كاملًا لاستغرق ذلك منا حيزًا كبيرًا. والرضى، علاوة على قصائده، صاحب الفضل فى مصنفين فى شرح القرآن أحدهما عنوانه "معانى القرآن" والثانى عنوانه "مجازات القرآن"، على أن هذين المصنفين لم يصلا إلينا. ويصف

المصادر

درينبورغ فى الفهرس الذى أصدره بالمخطوطات الموجودة فى مكتبة الإسكوريال مخطوطا تحت رقم 348 عنوانه "طيف الخيال" نسبه إلى الرضى؛ ولاشك أن هذا خطأ سواء كان مرجعه إلى درينبورغ أو الكاتب الذى كتب المثبت. وما من شك فى أن على المرتضى أخا الرضى قد كتب كتابًا بهذا العنوان نفسه، زد على ذلك أن كاتبا علويا آخر اسمه هبة اللَّه بن الشجرى ينقل فى مصنفه "الحماسة" (باريس، مخطوط عربى رقم 9257، الورقة 96 الصفحة اليمنى) شواهد من طيف الخيال للمرتضى؛ ثم إن صاحب المخطوط المحفوظ بمكتبة الإسكوريال يذكر فى مقدمته أنه سبق أن كتب كتابًا فى الشيب؛ وبين أيدينا هذا الكتاب فى نسخة مطبوعة (الآستانة 1302) ولا جدال فى أنه بقلم المرتضى الذى يقول لنا فى ختامه إنه أتمه سنة 421 هـ أو بعد خمس عشرة سنة من وفاة أخيه الرضى. ولا نستطيع القول بأن الأخوين قد كتبا كتابين بالعنوان نفسه والمحتويات نفسها أو ما يشبهها, ولا حيلة لنا بعد إلا أن ننسب الكتاب الذى جاء فى المخطوط المحفوظ بمكتبة الإسكوريال إلى المرتضى. المصادر: (1) الثعالبى: اليتيمة، دمشق، جـ 2، ص 297 - 315، مع مقتطفات كثيرة من قصائده. (2) ابن خلكان، طبعة فستنفلد، ص 639, طبعة القاهرة، جـ 2، ص 2. (3) اليافعى: مرآة الجنان، جـ 3، 18 - 20. (4) بروكلمان G.A.L، جـ 1، ص 82 - وتجد قصائد الرضى فى جميع دواوين الشعر تقريبا. صبحى [كرنكو F. Krenkow] الششترى أبو الحسن على بن عبد اللَّه، شاعر صوفى أندلسى وتلميذ ابن سبعين، وناظم بعض الموشحات باللغة العربية الدارجة.

ولد الششترى فى شوذر قرب وادى آش حوالى سنة 600 هـ (1203 م) وتوفى بالطينة قرب دمياط فى 17 صفر سنة 668 هـ (16 من أكتوبر سنة 1269 م). وقد درس الششترى أول ما درس على ابن سراقة الشاطبى الذى شرح له عوارف المعارف للسهروردى البغدادى. والظاهر أنه كان فى هذه الفترة قد انضم إلى الطريقة المدينية. ثم أقام فى الرباط وفى مكناسة (ويقول عنها فى زجله: شويخ من أرض مكناس ... وسط الأسواق يغنى أش عليّا من الناس ... وأش على الناس منى) ثم فى فارس. ورحل من بعد إلى الشرق. وفى سنة 650 هـ (1252 م) كان فى دمشق مع شاعر مشهور هو نجم بن إسرائيل المتوفى سنة 676 هـ (1277 م)، وكان من أتباع مذهب الرفاعية الحريرية "الديوان"، وهو مخطوط محفوظ فى آيا صوفيا بالآستانة تحت رقم 1644). واستقر آخر الأمر فى مكة سنة 651 هـ (1253 م)؛ ولقى فيها ابن سبعين الذى كان ذائع الصيت ولما يجاوز الثامنة والثلاثين، ومع أن الششترى كان يكبره سنا فقد أصبح تلميذه وتلقى منه الخرقة السبعينية (ونعلم عنها نقلا عن ابن تيمية أن الذكر فيها كان "ليس إلا اللَّه" وإن كان من بين أسانيدها الحلاج). واضطهد ابن سبعين ووضع تحت رقابة الشرطة فتولى الششترى مكانه على رأس "المتجردين" وجاء معه إلى مصر، قبل أن يموت، بنحو أربعمائة من الأتباع منهم أبو يعقوب ابن مبشر، ناسك باب زويلة (بالقاهرة) وقد ذكر المقرى خمسة كتب بالنثر كتبها الششترى، على أنه لم تبق لنا منها إلا الرسالة البغدادية عن الفقر (الإسكوريال، مخطوط، رقم 168, الورقة 75 (أ) - 78 (ب)) وإذا كان اسمه لا يزال مذكورًا فإنما الفضل فى ذلك إلى الديوان أو مجموعة الموشحات التى نظمها باللغة العربية الدارجة. وهى قصائد قصيرة فيها لذع وجدة كل الجدة، وسرعان ما صنعت لها الألحان كما يقول ابن عباد الرندى. ولا تزال

المصادر

الشاذلية فى سورية حتى يومنا هذا يختمون "حالة الانجذاب"، التى تتملكهم فى أذكارهم بإنشاد: "ألف قبل لامين، وهاء قرة العين" (وقد شرحها ابن عجيبة). وقد نظم الششترى أيضًا بعض القصائد على نهج الشعراء القدماء، وأشهر هذه القصائد العيسوية التى شرحها النابلسى. المصادر: (1) الغبرينى: عنوان الدراية، مخطوط، باريس 2155، الورقة 72 (ب) - 74 (أ). (2) ابن الخطيب: الإحاطة، مخطوط، باريس 3347, الورقة 208 (أ) - 312 (أ) (3) ابن عباد الرندى: الرسائل الكبرى, مطبوعة على الحجر، فاس 1320, ص 198 (4) المقرى: Analecta طبعة دوزى، 1855 - 1860, جـ 1، ص 583 - 584 (5) G.A.L: Broekelmann, جـ 1، ص 274. صبحى [ماسينيون L. Massignon] شطرنج كان الشطرنج معروفا عند قدماء اليونان، وهم ينسبون اختراعه إلى يالاميدس، ومن هناك جاء إلى أمم مختلفة. ويقال إن المسلمين أخذوه عن الهنود، لكن الأخبار المتعلقة بذلك أسطورية. والأغلب أنه جاء إليهم من بلاد فارس القديمة. وفى العصور الوسطى فى الشرق كان هناك كثير من ألعاب الرقعة خصوصا النرد والشطرنج وقد تغيرت أحجار اللعب وقواعده. ويبدو أن كلمتى شطرنج ونرد من أصل هندى (من السنسكريتية). وقد أراد البعض أن يشتق أصل كلمة شطرنج من اللغة الفارسية: ياشاه، وهو النداء الذى يهدد به الملك، لكن هذا الاشتقاق لا يلقى كثيرًا من الاستحسان. وللأساطير المتعلقة بأصل الشطرنج مسحة فيثاغورية، ويحكى المسعودى أن ملوكا حكماء من ملوك الهند اخترعوا الصناعات ووضعوا أصول العلوم، وكان أولهم البرهَمَن؛ وثانيهم

الباهبود، وفى أيامه اخترع النرد، وثالثهم دبشليم الذى يقترن شخصه بكتاب كليلة ودمنة (¬1)، ورابعهم بلهيت الذى يحكى أن الشطرنج اخترع فى أيامه وأنه رتب للعبه كتابا لأهل الهند يسمى "طرق جنكا" يتداولونه فيما بينهم، وجعل أحجار الشطرنج على صورة الآدميين وغيرهم من الحيوان وجعلهم درجات ومراتب يظن أنها تمثل صور البروج. وفى أيام المسعود (القرن الرابع الهجرى = العاشر الميلادى) لم يكن للعب الشطرنج صورة ثابتة، فهو يعرف للعب الشطرنج لست صور رئيسية: فهناك الآلتان المربعتان، إحداهما ثمانية أبيات فى مثلها، والثانية عشرة أبيات فى مثلها. وهناك الآلة المستطيلة وأبياتها أربعة فى ستة عشر؛ وهناك آلتان مدورتان: إحداهما تنسب إلى الروم، والثانية هى الآلة النجومية التى تسمى الفلكية. والآلة السادسة، وقد استحدثت فى زمان هذا المؤلف، تسمى الجوارحية، وهى سبعة أبيات فى ثمانية، وأمثلتها اثنا عشر فى كل جهة منها ستة، وكل واحد من الستة يسمى باسم جارحة من جوارح الإنسان. وفى ذلك العصر كان هناك كتب مؤلفة فى الشطرنج وكان هناك لاعبون مشهورون بلعبه. وقد عرف البيرونى أيضا صورًا شتى لهذه اللعبة، والصورة التى يصفها باعتبارها الأكثر تداولا هى لعبة حظ بالمعنى الحقيقى، وهى تلعب بفصين، والفصان هما اللذان يحكمان حركات الأحجار لا مهارة اللاعب، فكل من الواحد والخمسة يحرك الشاه أو البيدق، والاثنان تحرك الرخ، والثلاثة تحرك الفرس الذى حركته هى حركته فى أيامنا؛ وكل من الستة والأربعة يحرك الفيل وحركته مستقيمة، وقد أحل العرب محله الطابية. وللقطع قيم تؤخذ الحصص بحسبها، وجملة القيم تقرر اللعبة. وقد كتب الفردوسى صحائف طريفة عن الشطرنج وقص أخبار لعبه شعرًا. وهو يضع الملك فى الوسط ومعه وزيره الذى يقوم مقام الـ Dame عندنا، ¬

_ (¬1) يقول المسعودى إنه هو الواضع لكتاب كليلة ودمنة.

المصادر

وإلى جانبهما فيلان وبعدهما جملان ثم فرسان، وأخيرا رخّان. وهذا الرخ حيوان، وهو عين الحيوان الأسطورى المذكور فى كتاب ألف ليلة وليلة، ومن اسمه اشتقت كلمة Rook فى الانجليزية مثلا. وثم صورة أخرى للعب الشطرنج يتكلم عنها الشاعر نفسه، وهى أقرب إلى لعبة عندنا: فالرقعة لها ثمانية بيوت، وفى الوسط يقف الشاه مع وزيره، وعلى كل من الجانبين فيلان وفرسان ورخان، وإلى الإمام البيادق المرادفة للـ Pawns عندنا. وللعبة الشطرنج أهمية فى علم الحساب حيث أدت إلى إثارة مسألة مهمة بعض الشئ، وهى جمع المضاعفات المتتالية للعدد 2. وقد ذاع أمر تلك الأسطورة التى يحكى فيها أن مخترع لعبة الشطرنج طلب من الملك مكافأة له عليها عددا من حب القمح هو الذى يمكن الحصول عليه من وضع حبة فى البيت الأول وحبتين فى البيت الثانى وأربع حبات فى البيت الثالث وهكذا مع مضاعفة العدد باستمرار، فالحاصل يكون عددًا من عشرين رقما وهو يتجاوز كل إمكان. والصفدى يذكر هذه الأسطورة. والبيرونى إذ حاول اختصار الحساب وصل إلى ملاحظات طريفة (¬1). وكانت لعبة الشطرنج لعبة الأشراف فى العصور الوسطى فى الشرق والغرب. وفى أيام الحروب الصليبية كان الشطرنج يلعب فى المعسكرين. وقد أهدى هارون الرشيد لشرلمان رقعة شطرنج, وأهدى شيخ الجبل إلى القديس لويس رقعة محلاة تحلية فاخرة. وقد اتخذ عمر الخيام من هذه اللعبة تشبيها جميلا للقدر، فهو يقول: إنما نحن رخاخ القضاء ... ينقلنا فى اللوح أنى يشاء وكل من يفرغ من دوره ... يلقى به فى مستقر الفناء. المصادر: (1) Lexicon persica-Latinum: Vullers, بون 1864. ¬

_ (¬1) كتاب تحقيق ما للهند من منزلة - ص 135 - 139 (المترجم)

شط العرب

(2) المسعودى: مروج الذهب، باريس 1861، جـ 1، ص 157 - 161؛ جـ 8، ص 312. (3) البيرونى تحقيق ما للهند من مقولة، ترجمة سخاو, لندن 1910، جـ 1 ص 183 - 185. (4) المؤلف نفسه، الآثار الباقية، ترجمة سخاو, لندن 1789، ص 134 - 135. (5) الشاهنامه، ترجمة ج. وول، باريس 1876 - 1878, جـ 4، ص 354 - 356, 311. (6) Historia Shahiludii: Th.Hyde, أكسفورد 1694. (7) Algebraisches uber das schach bei Biruni: E. Sachau فى ZDMG مجلد 29, 1876, ص 148 - 156. (8) Die Wage im Altertum und Mittelalter: Th. Ibels، إيرلانكن 1908, ص 74. (9) Le Magasin pittoresque، جـ 2 (1834)، ص 15. (10) Les Penseurs de L'Islam: Carra de vaux، باريس جـ 2، ص 114, 134 - 136 (11) Geischichte und Litteratur des Schachspiels: A. van der Liude. أبو ريدة [كاراده فو B. Carre de Vaox] شط العرب تستخدم كلمة شط، ومعناها الأصلى ضفة مجرى من الماء، فى العراق للدلالة على النهر الكبير كما تستخدم بهذا المعنى كلمة بحر فى مصر، وواد فى مراكش. وشط العرب هو الاسم الذى يطلق على المخرج الذى تكون بفعل المد والجزر من اجتماع مجريى الفرات، ودجلة وكان يعرف فى العصور الوسطى باسم دجلة العوراء وفيض البصرة، ويعرف فى الفارسية باسم بهمنشهير، ومن أسمائه الحديثة نهر البصرة؛ وقد جرى القول بأنه يمتد من قُرنة إلى عبادان (¬1) أو فاو. وظل هذان المجريان يلتقيان بعضهما ببعض عند قرنة خمسة قرون أو ستة، واستمر هذا حالهما حتى عهد قريب. ولكن هذا الالتقاء يحدث الآن على بعد ¬

_ (¬1) "آادان" كلمة فارسية معناها "العامرة" وهى معروفة فى العربية باسم "عبادان". عبد النعيم حسنين

المصادر

ثلاثين ميلا أسفل المجرى عند "كرمة على" فوق البصرة بمسافة ليست كبيرة (انظر W. Willcocks فى Journal of the Royal Geographical Society سنة 1910, ص 11) ويتلقى شط العرب بالإضافة إلى مياه هذين النهرين الكبيرين مياه نهر كارون وفروعه. ويبلغ طول شط العرب نحو مائة ميل وعرضه نحو 1200 ياردة. وهو صالح لملاحة السفن التى يبلغ غاطسها خمسه عشر قدما. ويعوق الملاحة فيه الحاجز الذى عند المصب ومن ثم لقب بالعوراء والسفن التى غاطسها من 17 إلى 20 قدما يمكنها السير فيه حتى البصرة، أى مسافة طولها سبعون ميلا مصعدة فيه. وتوجد الفنارات والعائمات على الشاطئ لإرشاد السفن. والبلاد التى على ضفتى هذا المخرج المائى تكاد تكون مستوية، فالبصرة التى يرتفع عندها المسند ويهبط تسع أقدام لا تعلو عن سطح البحر إلا بمقدار خمسة أقدام. والأراضى التى على طول الضفتين أعلى من التى على مسافة منهما، وذلك بسبب الطمى الذى يحمله التيار. وكان هذا المجرى المائى يلتقى بالبحر عند آبادان فى القرون الوسطى، ولكن الالتقاء يتم الآن على بعد عشرين ميلا إلى الجنوب عند فاو Fao حيث يوجد فنار ثابت. ونخرج من ذلك بأن الأرض تطغى على البحر بمعدل عشرين ميلا كل ألف سنة. وتمتد أحراج النخيل على طول ضفتى النهر. المصادر: (1) Lands of the Eastern Caliphate: Le Strange كمبردج سنة 1905، الفهرس (2) Foreign office Handbooks رقم 63, Mesopotoinia سنة 1920 (3) Expedition to the Euphrates and Tigris: F.R. Chesney سنة 1850. الشنتناوى [فير T. H. Weir] شعبان شعبان الملك الأشرف سلطان من المماليك، نصب سلطانًا فى الخامس عشر من شعبان عام 764 هـ (30

مايو عام 1363 م) ولما يجاوز العاشرة من عمره بفضل النفوذ المطلق للأتابك يلبغا العُمَرى، وصرف النظر عن أبيه، ذلك أن الأتابك يلبغا الطموح كان يريد الحكم لنفسه ففضل الغلام البالغ العاشرة من عمره وحفيد محمد الناصر؛ وقد يتميز عصر الأشرف بهجوم أساطيل الفرنجة المرة بعد المرة على موانى المماليك كالإسكندرية بمصر وطرابلس السورية، مثال ذلك أنه حدث فى مستهل سنة 767 هـ (1366 م) أن ظهرت سفن بيير له لوزينيان ملك قبرس مع سفن من البندقية وجنوة ورودس أمام الإسكندرية التى نهبوها، ولكنها انسحبت عندما أقبل الجيش المصرى الذى تمكن فى رواية المصادر، من أن يحمل معه 5000 أسير، وأكره النصارى فى مصر وسورية على دفع الفدية للمسلمين، كما دفعوا أيضًا نفقات بناء الأسطول الذى كان قد قصد به غزو قبرس. ولم تنجح المفاوضات مع مصر، ذلك أن يلبغا لم يكن تواقا فى واقع الأمر إلى الصلح بل كان يدبر النزول فى قبرس بمعاونة أسطوله، إلا أن الاضطرابات التى وقعت على مصر حالت بينه وبين تنفيذ خطته، على أن ملك قبرس بدأ بالهجوم وأرسل أسطولا إلى سورية للاستيلاء على ميناء طرابلس ومدينة أياس فى جنوبى آسية الصغرى. واستطاع أسطوله أن ينزل إلى البر فرقا للغزو، بيد أنها أكرهت على الانسحاب لتفوق المسلمين، وكذلك كانت حال أسطول للفرنجة ظهر أمام الإسكندرية؛ وإنما انعقد الصلح فى مستهل سنة 772 هـ (أغسطس سنة 1370 م) وانتقم المصريون بعد ذلك من هذه الغارات الفرنجية بالانقضاض على مملكة إرمينية الصغيرة التى كانت حليفة لملك قبرس (776 هـ = مستهل 1374 م) وفتحوا مدينتى أياس وسيس وبقية المملكة وحمل ملك إرمينية أسيرًا إلى القاهرة، وضمت المملكة إلى ذلك المسلمين بصفة دائمة. وثارت فتنة على يلبغا سنة 768 هـ (1367 م)، وذلك أن مماليكه لم يعودوا يحتملون خشونته وقسوته، وأراد المماليك أن يأسروه، إلا أنه تلقى

تحذيرًا فى الوقت المناسب فاستطاع الهرب إلى جزيرة فى النيل اعتصم بها، إلا أنه سرعان ما عاد إلى القاهرة ونصب أنوك شقيق شعبان سلطانًا، على أن المماليك أكرهوا شعبان، وكان قد بلغ حينئذ السادسة عشرة من عمره، على أن يكون على رأسهم، واضطر يلبغا مرة أخرى إلى الارتداد إلى جزيرته القائمة فى النيل، وأفلح شعبان فى الاستيلاء على الأسطول الذى كان يلبغا قد بناه حديثا, ولم يبق ليلبغا من سبيل إلا أن يترك ملجأه ويهرع إلى القاهرة، وهناك أسره المماليك الذين كانوا قد عادوا فى الوقت نفسه إلى القلعة، ولم يلبث أن قتل بعد ذلك على يد مملوك وهو يحاول الهرب. وراح مماليك يلبغا عندئذ يوقعون الرعب فى قلوب الناس ويعصون زعيمهم الجديد الأمير أسندمير, وقد نشأ عن ذلك قتال متصل انتهى بنفى عدد كبير من مماليك يلبغا إلى سورية واعتقالهم فى الكرك، وكان لهم من بعد نصيب ذو شأن فى دولة المماليك. ثم حدثت تغييرات عدة فى شخص الوصى انتهت بتولى زمام الحكم الأمير أقتمير الصحابي وظل فى منصبه حتى توفى السلطان؛ وقد أحرز السلطان نجاحا مؤقتا فى الجنوب أى فى النوبة، واعترف ملك النوبة بسيادة مصر، إلا أن النوبيين ثاروا على أقتمير لقسوته فى معاملة الأسرى ودمروا مدينة أسوان القائمة على الحدود. ولا شك أن فكرة السلطان فى الحج إلى مكة قد راودته فى هذه الأوقات العصيبة، وقد أراد أن يحمى نفسه من مؤامرات أقاربه فجاء بأخوته وأولاد عمومته إلى الكرك، وأنفذ نائبه إلى مصر العليا لحماية الحدود من البدو، إلا أن سلطانه على مماليكه كان ضئيلا مما جعل المجازفة بمثل هذه الرحلة أمرًا عسيرًا. وتمرد المماليك الطامحون فى العقبة، وأبى السلطان أن يجيبهم إلى مطالبهم فهددوه بالقتل مما اضطره إلى الهرب سرًا إلى القاهرة. على أنه كان للماليك شركاء فى القاهرة يعادون السلطان، ومع ذلك فقد استطاع أن يظل مختفيا فى القاهرة إلى حين فى منزل

المصادر

إحدى المغنيات، ولم يلبث أمره أن انكشف وقتل خنقا. وقد حزن عليه الناس، ذلك أنه كان قد ألغى الضرائب الفادحة، وكان يعامل رعاياه بالاعتدال بصفة عامة؛ أما السبب الجوهرى فى تلك الحالة البشعة التى سادت البلاد فكان تمرد المماليك وقسوتهم، إذ أنهم راحوا يسيئون معاملة الناس ويضطهدونهم. المصادر: (1) ابن إياس، طبعة بولاق، ص 213 - 338. (2) Gesch der Chalifen: Weil, جـ 4، ص 510 - 530، وقد أشير إلى الطبعات الأوربية والمخطوطات الشرقية المتعلقة بهذه الحوادث (3) The Mameluke Dynasty of Egypt: Muir, ص 97 - 101؛ وانظر فيما يختص بيلبغا: المنهل الصافى، طبعة القاهرة، جـ 162, الورقة 432 (ب) - 434 (أ). صبحى [سوبرنهايم M. Sobernheim] شعبان " الملك الكامل": سلطان من سلاطين المماليك، وابن الملك الناصر محمد وأخو الملك الصالح إسماعيل، اعتلى العرش فى الرابع من شهر ربيع الثانى سنة 746 هـ (4 من أغسطس سنة 1345 م) بعد أن ضم إليه خلال مرض أخيه الأمراء ذوى النفوذ وبخاصة زوج أمه الأمير أرغون العلائى؛ وقد قيل إنه لجأ إلى تهديدهم بما سوف يأخذهم به من ضروب القسوة إذا لم ينتخبوه، مثلما قيل إنه أكره أرملة أخيه على أن تتزوجه، وما لبث أيضًا أن تزوج ابنة أمير آخر؛ والحق أن النساء كان لهن دائما فى حياته نصيب كبير. وكان أكثر ما يشغل نفسه به ضروب المصارعة جميعًا والسباق وقتال الديكة. وقد عرف بلاطه بالبذخ الشديد حتى إن الإماء كن يرصعن ثيابهن بالجواهر فى عهده وعهد أخيه، وكانت المناصب تباع علنًا فى غير حياء أو خجل، وقد ابتدع السلطان ضريبة خاصة تفرض على من يتولى الإقطاعيات والمناصب على حد قول الصفدى كاتب سيرته. وقد صدر

المصادر

فى عهده مرسوم احتفظ به فى قلعة طرابلس (من أعمال الشام) كما نجد جزءا منه فى قلعة الحصن؛ ويقضى هذا المرسوم بأن الزيادة فى المرتبات المستحقة للمماليك عن الفرق بين السنتين الشمسية والقمرية التى يجوز لورثتهم المطالبة بها إذا قضى هؤلاء المماليك نحبهم قبل انتهاء مدة خدمتهم تترك لأولئك الورثة (انظر المصادر). وقد عمل على قتل أخوين من اخوته وأميرين من أعظم أمرائه شأنا. وتعرض يلبغا اليحيوى وإلى دمشق إلى مثل هذا المصير، فدبر الأمر مع غيره من ولاة الشام وأرسلوا خطابا إلى السلطان هددوه فيه بالعزل ولاموه لومًا شديدًا على ما ارتكب من شر، وردّ السلطان شعبان بخطاب يعتذر فيه عما بدر منه ويعد بإصلاح شأنه، إلا أنه كان يعد العدة فى الوقت نفسه للنيل من المتمردين؛ ولما أراد أن يقتل اثنين آخرين من إخوته حالت أمه وزوج أمه دونه ودون ما يريد؛ ورأى بعض الأمراء الآخرين الذين كانوا من أصدقائه أنهم مهددون بالقبض عليهم فجمعوا أتباعهم وغيرهم من الساخطين فى جوار القاهرة حتى لم يبق للسلطان من الفرسان إلا 400 فارس، فلجأ هو وأمه إلى القلعة حيث اكتشف أمره وأخذ أسيرًا. ثم قتل بعد ذلك بيومين، فى الثالث من جمادى الآخرة سنة 747 هـ (20 من نوفمبر سنة 1346 م). وقد برهن فى عهده القصير على أنه كان من أتفه الولاة الذين جلسوا على عرش مصر. المصادر: (1) Geschichte der Chalifen: Weil, جـ 4، ص 462 - 469 وسيرته فى الصفدى، مخطوط عربى ببرلين، رقم 9864, الورقة 51 (أ) والمنهل الصافى، مخطوط بباريس، القسم العربى، رقم 2080، الورقة 152 (أ) وانظر فيما يتصل بالمرسوم (2) M.Sobernheim فى Materiaux pour un corpus inscriptionum Arabiarum سورية الشمالية ص 94 - 103، وانظر فى ذلك أيضا؛ (3) Jst: Beckcr، جـ 1، ص 97 - 99، الذى يفسر النقش تفسيرا مختلفا بعض الشئ؛ وكذلك؛

الشعبى

(4) المقريزى: الخطط، جـ 2، ص 217, س 10 من أسفل؛ وانظر فيما يتصل بالضرائب التى فرضها على الإقطاعيات (5) ابن إياس، جـ 1 ص 184، والمنهل، الموضع المذكور. صبحى [سوبرنهايم M. Sobernheim] الشعبى أبو عمرو عامر بن شراحيل بن عمرو الشعبى المحدّث: كان من عرب الجنوب الكثيرين الذين برزوا فى أيام الإسلام الأولى، وقد انحدر من عشيرة شعب، وهى بطن من قبيلة همدان الكبيرة. ولد فى الكوفة حيث كان أبوه شراحيل من أعظم القراء. وثمة خلاف كبير فى التواريخ التى رويت عن سنة مولده، على أنه يحق لنا أن نذهب إلى أن التاريخ الذى ذكره الشعبى هو القريب من الصحة، فقد روى أنه ولد فى السنة التى جرت فيها وقعة جلولاء، وقد حدثت هذه الوقعة سنة 19 هـ (640 م)، ولكن رواية أخرى تقول إن أمه كانت من أسرى جلولاء، ومن ثم قد تكون سنة 20 التى قالت بها مصادر غير هذه أصح من ذلك. ويذكر لنا الشعبى نفسه أن الحجاج عند ما قدم الكوفة واليا لها سنة 75 هـ استقدمه ليسأله عن أحوال هذه المدينة فسرّه حسن اطلاعه على سير الأمور وجعله عريفا لأبناء قبيلة همدان وأجرى عليه رزقا. وظل الشعبى حائزا لرضا الحجاج حتى قامت فتنة ابن الأشعث سنة 81 هـ (700 م)، وهنالك جاءه لفيف من أكبر قراء الكوفة وقالوا له إن زعامته للقراء فيها تقتضيه أن يشارك فى الفتنة واستطاعوا آخر الأمر أن يجتذبوه إلى صفهم. وقد بلغ به الأمر حقا أن وجه خطابا إلى الجيشين المتقابلين ركب فيه الحجاج بالملام، فلما بلغ ذلك الحجاج قال "ألا تعجبون من هذا الشعبى الخبيث، لئن أمكننى اللَّه منه لأجعلن الدنيا عليه أضيق من مسك جمل". ولم يلبث جيش ابن الأشعث أن حلت به الهزيمة سنة 83 هـ فى دير الجماجم، ومحمد الشعبى إلى

الاختفاء إبقاء على حياته فلما علم أن الحجاج قد أمن كل من اشترك فى جيش قتيبة بن مسلم الذى كان يجند فى ذلك الوقت لإنفاذه إلى خراسان، حصل بمعونة صديق له على حمار وزاد ثم شخص إلى فرغانة وأقام فيها لا يعرفه أحد، ولكنه استطاع أن ينال رضا قتيبة فاستخدمه كاتبا له، ودار فى خلد الحجاج من رسالة لقتيبة أن الشعبى هو كاتبها، وأمر قتيبة أن يبعث به إليه دون إبطاء. وقد كان الشعبى منذ وقت طويل وثيق الصلة بابن أبى مسلم، حاجب الحجاج، والراجح أن ابن أبى مسلم كان قد أحسن الشهادة فيه أمام الحجاج، قبل أن يمثل الشعبى بين يديه. وأشار ابن أبى مسلم وغيره من الأصدقاء على الشعبى بما يمكن أن يقدمه للحجاج من معاذير، فلما مثل بين يديه تحمل صامتا ما كاله له الحجاج من ملام على تنكره للمنن التى أفاءها عليه، ثم اعترف بجريرته وحمقه، ولا شك أن الحجاج قد قدر علم الشعبى، وربما كان تقديره لهذا العلم قد فاق تقديره لمكانته بين أبناء عشيرته، فعفا عنه عن طيب خاطر. وما من ريب فى أن شهرة الشعبى قد بلغت الخليفة عبد الملك، ذلك أنه أرسل للحجاج يستقدم الشعبى. وأقام الشعبى السنوات القليلة التالية فى بلاط عبد الملك بدمشق. ومن العسير أن نصدق الرواية التى تقول إن إقامته هذه كانت مدتها ثلاث سنوات انتهت بوفاة عبد الملك، ذلك أننا نعلم نقلا عن الشعبى نفسه أنه استخدم فى سفارتين هامتين جدًا، إحداهما إلى إمبراطور الروم فى القسطنطينية، والأخرى إلى أخى الخليفة عبد العزيز الذى كان واليا على مصر. وكانت السفارة الأولى التى روى خبرها الشعبى نفسه سفارة مشهودة، إذ حاول الإمبراطور أن يثير شكوك الخليفة فى سفيره ولكنه لم ينجح فى ذلك لاستقامة الشعبى. أما السفارة الأخرى فكانت من أشرف السفارات صفة، ذلك أن الخليفة أثنى لأخيه على سفيره بعبارات أغدق عليه فيها المديح. ولم يخص الخليفة الشعبى بفضله، فقد روى أن الشعبى صحب معه فى سفارته ثلاثين رجلًا آخرين من أسرته أجرى عليهم الخليفة جميعًا الرواتب. والظاهر أن الشعبى بعد أن

شهد الخليفة وهو على فراش الموت، قد رجع عقب وفاة عبد الملك إلى الكوفة وفيها أدركته المنية قبيل وفاة الحسن البصرى الذى توفى سنة 110 هـ (728 م). وهنا أيضًا تختلف روايات المصادر اختلافا كبيرًا, فقد ذكرت كل سنة ما بين سنتى 103 و 110 هجرية تاريخًا لوفاته، والراجح أن سنة 110 هى السنة الصحيحة. أما من حيث مظهره الشخصى، فقد كان الشعبى رجلًا ضئيلا نحيفا، وقد قال هو نفسه أن السبب فى ذلك يرجع إلى أنه ولد توأما. ولا شك أن كفاياته العقلية كانت عظيمة، كما أنه كان يتميز بروح الفكاهة. وسئل الأعمش لم لا يقضى إلى الشعبى ليسمع منه الأحاديث فأجاب: "ويحك! كيف آتيه وهو إذا رآنى سخر بى ويقول: هذه هيئة عالم! ما هيئنك إلا هيئة حائك! " ولكن إبراهيم النخعى كان يستقبله بالإكرام والتجلة. ويقال إن الشعبى ذكر أنه سمع الأحاديث من نيف وخمسمائة صحابى، ويتفق نقاد الحديث بصفة عامة على أن روايته للحديث أهل للثقة الكبيرة. ومن تلاميذه الكثيرين الفقيه العظيم أبو حنيفة، وكان الشعبى أقدم رجال سنده، وما من عجيب أن أبا يوسف أنبه تلاميذ أبى حنيفة فقد استشهد به ما لا يقل عن سبع وثلاثين مرة. والشواهد التى رويت عنه فى كتب الأحاديث الصحاح أكثر من أن تحصى. ولم يكن الشعبى نفسه يزعم أنه فقيه، ومع ذلك فقد جرى فقهاء الكوفه على الشخوص إليه التماسًا لرأيه. وقد قال هو نفسه: "إنا لسنا فقهاء، ولكنا سمعنا الحديث، فرويناه الفقهاء، من إذا علم عمل". وكان الشعبى من أشد المعارضين للأخذ بالرأى. وقد ذكر كثيرون ممن ترجموا له إنكاره لقواعد الرأى. على أن الشعبى لم يزودنا بالمعلومات فى الأحاديث فحسب، ذلك أننا ندين له أيضًا بقدر كبير من المعارف التاريخية عن أيام الأمويين. ونظرة واحدة إلى فهرس تاريخ الطبرى كافية لأثبات ذلك. وقد قال الشعبى نفسه إنه يستطيع أن يمضى فى رواية الشعر شهر، دون أن يستنفد ما عنده من ذخيرة فى هذا الباب. ولم يؤلف الشعبى أى كتاب،

المصادر

فقد كان يرى أن الوقت لم يحن له بعد للتأليف، ويروى أنه ذكر أنه لم يخط سطرا واحدا وإنما روى كل ما روى من حافظته. ولا يمكن أن يصدق ذلك إلا على نشر العلم، ذلك إنه قد نقل عنه شخصيًا أنه عمل كاتبًا لقتيبة. المصادر: لقد ذكر اسم الشعبى فى جل الكتب التى عرضت لأيام الإسلام الأولى. واهم المصادر إلى ذكرت سيرته هى: (1) كتاب الأغانى، الفهرست (2) الطبرى، طبعة له غوى، الفهرس (3) ابن القيسرانى: الجامع بين الرجال، حيدرآباد، هـ، ص 377 (4) السمعانى: الأنساب، طبعة مركوليوث، فى سلسلة كب التذكارية، 1912, وورقة 334, اليمنى (5) ابن القيسرانى: المترادفات اللفظية Homonyma, طبعة ليدن 1865 م، ص 201 (6) ابن خلكان، القاهرة 1310 هـ، جـ 1، ص 244 (7) ابن حجر: التهذيب حيدرآباد 1328 هـ؛ جـ 5، ص 65 - 69 (8) الذهبى: تذكرة الحفاظ، حيدرآباد، جـ 1، ص 69 - 77. خورشيد [كرنكو F. Krenkow] الشعر أقدم أدب للعرب الشعر، ولكن أبعد الأشعار قدما لا يجاوز وجوده سنة 500 م. ولسنا نعلم شيئًا عن نشأتها. وقد انتهى إلينا اسم الرجل الذى نظم القصيدة الأولى. ولعل السبب فى ذلك أن العرب كانوا ينفرون من أن تكون هناك فجوات بين كل ما يتصل بالتاريخ. ولقد خضع الشعر طيلة الفترة التى سبقت الإسلام لجملة من التقاليد، كتلك المطالع التى كانت ذات طابع واحد، وهذه الأوصاف التى تواضعوا عليها, وتلك الذخيرة من التشبيهات، وهذه النخبة المحدودة الملتزمة من الموضوعات.

ويدل هذا على أن الشعر كان له تاريخ سابق طويل. وحق لأحد الشعراء أن يشكو أن من تقدموه لم يتركوا له شيئًا يقوله (¬1). وبالإضافة إلى هذا توحى عبارة الشاعر "دعنا نبك كما بكى ابن خذام (¬2)، بأنه كان بنحو نحوا جديدا فى فنه. وواضح أن الشعر كان وثيق الصلة بالسجع فى الكلام العاطفى، والراجح أن بعض أوزانه نشأ من أغانى حداة الإبل أو الفرسان. وكان هناك، فيما يتعلق بالشعر، شئ غريب كما تدل التسمية. فالشاعر هو الإنسان ذو المعرفة، الذى يعلم الأشياء الخافية عن عامة الناس، وكان قديما يستلهم القوى الخفية، وله شيطان يأنس به، ويظهر ذلك أجلى ما يكون فى فن الهجاء. وكان هذا الفن فى نشأته هجوما روحيا على الأعداء، يؤازر الهجوم المادى بالسيوف والحراب، ومحاولة لإهلاكهم بقوى خارقة. وكان إلقاء مثل هذا الشعر مصحوبا بحركات رمزية. وهذه علاقة أخرى بين الشعر والسجع، لغة الكهان والسحرة. ومع أن الاعتقاد فى القوة السحرية للشعر ضاع إلى حد بعيد فى الأزمنة القديمة إلا أن الأشعار التى تبدو لنا غير ذات دلالة على هذه القوة كان لها أثر على أولئك الذين وجهت إليهم. أما عن الشكل فالشعر العربى يتألف من الوزن والقافية. وباستثناء الرجز، تتكون جميع أوزان الشعر العربى من شطرين مع قافية فى نهاية الشطر الثانى. والوزن كمى والحرية واسعة فى إحلال مقاطع طويلة محل مقاطع قصيرة وكذلك العكس. ومن الأفضل حقا أن نقول إن بعض المقاطع ثابت سواء كانت طويلة أو قصيرة، أما بعضها الآخر فتغييره مباح. وكانت القاعدة التقليدية وهى أن المقطعين القصيرين يساويان مقطعا طويلًا متبعة فى بحرين. واستعمل شعراء ما قبل الإسلام خمسة عشر بحرًا، وأضيف إليها بحر فيما يعد. ولم يستعملوا ¬

_ (¬1) يشير إلى قول عنترة: "هل غادر الشعراء من متردم" أى لم يدعوا مقالا لقائل. (¬2) يشير إلى قول امرئ القيس: عوجا على الطلل المحيل لعلنا ... نبكى الديار كما بكى ابن خذام

الرجز فى القصائد الطويلة، فقد كانوا يرونه لا يرقى إلى جلال الشعر، فاستخدموه أكثر ما استخدموه فى الأشعار المرتجلة. وفضلًا عن هذه البحور، عالج الشعراء، أحيانا، بحورا أخرى، ولكنها لم تصادف حظوة واعتبرت شذوذا. وقد تتضمن القافية عددا من المقاطع يبلغ الثلاثة، ولكل بيت فى القصيدة كلها نفس القافية، أما البيت الأول فينتهى كل شطر فيه بنفس القافية. ولم يكن معروفا إلا شكلا واحدا للشعر، هو القصيدة بقافيتها الواحدة ووزنها الواحد، ويتراوح طولها بين ثلاثين وبين مائة وعشرين بيتا، ولا يعرف تفسير مقنع لهذا الاسم "القصيدة". وتوجد أجزاء كثيرة من قصائد والراجح أنها لم تكن فى يوم ما أكثر من أجزاء. ولم يكن للقصيدة فى أول الأمر خطبة ثابتة سوى أنها كانت دائما، على وجه التقريب، تعبدًا بالوقوف على الأطلال التى كان الشاعر يتعرف عليها باعتبارها مشهدا للنسيب. وقد يتلو هذا وصف لناقته فى رحلة فى جوف الصحراء -الليل هو المفضل لمثل هذه الرحلة- أو وصف لصيد بقرة وحشية، أو، فى الواقع، أى شئ يختاره الشاعر. وكان ذكر بسالته الحربية أو بسالة قبيلته موضوعا شائعا مألوفا. ومن العسير فى كثير من الأحيان أن نقول إن القصيدة كان لها غرض ما، فالشاعر يتكلم لأنه يجب أن يتكلم. وبعد فترة من الزمن كانت القصيدة مقيدة بقواعد ثابتة. وكان التتابع المنتظم للموضوعات هو: المطلع الغزلى ووصف الناقة، والرحلة، وأخيرًا الموضوع الأساسى؛ كان فى الغالب مدحا فى أحد العظماء، وأملا فى نيل عطائه، وهنا يظهر وجهان للحياة: وجه غير جاد حيث يشرب الرجال ويقامرون بمالهم ويقدمون الهبات للفتاة التى تملأ أقداحهم وتغنى، ووجه جاد حيث ينفق شيخ القبيلة ماله فى إطعام المحتاجين، وبذلك يرفعون من سمعة قبائلهم فى الكرم, والجميع على أهبة لامتشاق الحسام دفاعا عن شرفهم، ولو أن العربى كان دائما مستعدا للقتال إلا أنه لم يكن من الضرورى أن يبادر فيلقى بيديه إلى التهلكة، وقد قال هذا دون استحياء. وكان الشعراء مولعين بالمواعظ الشائعة

على بطلان الحياة وإن الموت حق. والرأى العربى يعترف بأن الرثاء ضرب خاص من الفن ولكن دون تبرير كاف. فالشكل كان هو نفسه ولكنهم بسبب حذف المطلع الغزلى الذى كان يعد غير لائق بالرثاء اعتبروه ضربا خاصا من الفن، بينما موضوع القصيدة فى الرثاء باستثناء بكاء الميت والدعوة إلى الثأر (إذا كانت الميتة قتلا) يشبه إلى حد بعيد الموضوع فى أضرب الشعر الأخرى. وها أكثر ما نظمت النساء مرثيات؛ وكان بعض الشاعرات شهيرات. وكل بيت من الشعر وحدة كاملة بذاتها, ولهذا كان سلسلة من تعبيرات منعزلة عن بعضها، تراكمت ولكنها لا يمكن أن تكون مترابطة. والقصص المتصل والتأمل كلاهما بعيدان عنه. وهو شعر وصفى وفيه أفكار ولكن حاصلها حكم. والشاعر ينظر إلى الدنيا من خلال مجهر، فتسترعى انتباهه الخصائص الدقيقة للأماكن والحيوان، وتجعل شعره وصفا لطبقات الأرض وتشريحا منظوما مغلقًا يستعصى على الترجمة. وكان الكلام القوى هدفا للشاعر، وحاصله فى نظرنا نحن الغربيين غريب بل ممجوج. ومثال ذلك تشبيهه كان المرأة بالعنم وبالأسروع. وثمة صلة ضعيفة بين أبيات القصيدة أو أجزائها. والرابطة الوحيدة لوحدتها هى شخصية الشاعر. والحق إن الشاعر هو الأجدر من الشعر بالإعجاب فهو رجل طليق يستمتع بالحياة تمام الاستمتاع، ينظر إلى الأمور فى كثير من الأحيان نظرة خالية من الانفعال، ومع ذلك فهو حين تناديه شريعة شرفه مستعد لأن يخاطر بكل شئ من أجل صديق أو غريب طلب حمايته. ومن وراء كل هذا شبح دائم للجوع والموت؛ ولكن ذلك لا يعكر دائما صفو الحياة. ومعظم الشعراء الذين يوصفون بهذا الوصف كانوا بدوا، ولكن هناك غيرهم معروفين بأنهم كانوا من سكان المدن. وهؤلاء كطبقة يختلفون عن طراز الشعراء البدويين، ويظهرون أمارات على معرفة بالكتب، ويفضلون أوزانا غير تلك المحببة للبدويين، وتتضمن

موضوعات قصائدهم أساطير ومأثورات تاريخية. ولغتهم كذلك أكثر ميلا إلى النثر، والعبارة قد تستغرق بيتين أو ثلاثة. ويعتبر رجال "المدينة" أحسن هؤلاء. وكان اليهود والمسيحيون كلاهما شعراء ولكن لا يمكن فى كثير من الأحيان تمييز أشعارهم من أشعار الجاهليين، وكانت قصور شتى الأمراء العرب -والحيرة بخاصة- مراكز نشاط شعرى. فهناك كان يأتى البدويون وكذلك كانوا يلتقون فى مختلف الأسواق حيث كانوا يتبارون فى الشعر. وقد حُفظ الشعر البدوى بالرواية الشفوية. كان الشاعر يلقى أشعاره، وكان يتبعه راو محترف يحفظها ويرويها. وكثير من الشعراء بدأ راوية لشاعر آخر. وهذا يثير مسألة الأصالة فى الشعر العربى، والمفروض على وجه العموم أنه لم يدون حتى سنة مائة من الهجرة. وإن الضعف الطبيعى للذاكرة الإنسانية، والكتابة العربية بما لها من خصائص ليجعلان حدوث تغييرات كبيرة أمرًا راجح الحدوث فى ذلك الوقت. وساعد على ذلك نقص الترابط فى داخل القصيدة. وكثيرا ما توجد عدة روايات لبيت من قصيدة. ويستحيل علينا أن نذكر أيها هو الأصل. ولا يمكننا أن نتأكد من أن لفظا من ألفاظ القصيدة هو الأصل، وكل ما نستطيع أن نقوله إن اللغويين الذين جمعوا بقايا أدب ما قبل الإسلام خلال القرن الثانى قرأوا النص على هذا الوجه أو ذاك. ونحن نعرف أيضًا أنه هناك على الأقل شئ من التزييف. والخلاصة أن أغلب القصائد غير مزيف أو على الأقل قديم، وإن كان لا يمكن أن نبرهن على ذلك برهنة قاطعة بالنسبة لأى قصيدة (وقد تناقش العلماء حديثا فى أن الكتابة كانت أكثر انتشارا عما كان معتقدا. وأن الشعراء كانوا على دراية بفن الكتابة. وأن بعض الروايات المتغايرة لا يمكن تفسير وجودها إلا بافتراض وجود نسخ مكتوبة) وقليل من الصيغ اللهجية ظل باقيا ولكن معظم الشعراء استعملوا لغة واحدة فى

شتى أرجاء شبه الجزيرة. ويمكن أن تعزى الثروة اللفظية فى لغة الشعر إلى دخول كلمات إليها من اللهجات الكثيرة، وإن كان قد نسى الآن مصدرها، وهناك بعض الدلائل على أن لغة الحياة اليومية كانت تسقط الإعراب المستعمل فى الشعر؛ وكانت قد بدأت سلسلة التغيرات التى أنتجت العاميات التى نجدها اليوم. وحين بدأ العلماء يهتمون بالشعر لذاته جمعوا بقاياه فى دواوين للأفراد أو للقبائل أو فى مختارات حوى بعضها قصائد كاملة، وحوى بعضها الآخر أجزاء من قصائد. وقد أحدث الإسلام تغييرا كبيرا، يعزى نوعا ما إلى الدين، ولكنه يعزى أساسا إلى تغير الظروف وانتقال مركز الأهمية، وحياة الصحراء لم تعد لها نفس الجاذبية. ويكاد يكون مستحيلا على إنسان لم يعش حياة الصحراء أن يقدر شعرها. واحتفظ بعض الشعراء بالتقليد القديم، فيختم القصيدة بمدح الخليفة أو أحد العظماء الذين ترجى رعايتهم؛ وبعضهم أبقى على المطلع الغزلى ومضى منه مباشرة إلى الغرض المطلوب. وآخرون خالفوا التقليد ونظموا قطعة تعالج موضوعا واحدًا، قد يكون غزلا، أو دينا، أو فلسفة. ولنا أن نعجب بما عند بعض الشعراء المتأخرين من مهارة لفظية تملأ مجلدا بمديح مبالغ فيه، يصل أحيانا إلى حد تأليه الممدوح، قلما يكون فيه تكرار، ولكن الخواء المطلق والفقر فى الأفكار كان صارخا. وقاعدة أن القصيدة الواحدة تنظم على وزن واحد لا زالت مرعية، ولم يستحدث نمط جديد. وتوجد قصيدة صوفية تتضمن ما يربو على سبعمائة بيت على وزن واحد. وتطلب حدوث هذه التغيرات بضع قرون. وكان تجديد آخر أن بحر الرجز الذى كان مستخفا به، استعمل فى القصائد الطويلة؛ فاستغل الشعراء كل براعتهم فى تناول الألفاظ ليحققوا البساطة التى لهذا البحر، والنتيجة أنهم كانوا فى كثير من الأحيان غير واضحين ويروى أن جارية فى عصر

هارون الرشيد بدأت نظم الشعر بلغة العامة (ولم يعتبره المتحذلقون شعرا) وسموا هذا الأسلوب لحنا. أما فى الأندلس فقد ارتفع النظم بالعامية فى الزجل، إلى المرتبة الأدبية. وكان الموشح ضربا من ذلك إلا أنه بلغة كلها معربة. وفى البدء كان الموشح قصيدة تتألف من مقطوعات رباعية الشطرات أو خماسيتها، والشطرة الأخيرة من كل مقطوعة تربط برويها المشترك بين سائر الشطرات الأخيرة كل المقطوعات. وكان لكل مقطوعة رويها الخاص، ولكن البحر كان واحدا فى جميع المقطوعات. أما الخطوة الثانية فهى استعمال أكثر من قافية وأكثر من بحر فى كل مقطوعة. وأحيانا كانت الشطرة الأخيرة من المقطوعة بلغة عامية. وفى الغالب، على أى حال، اتبع الشعراء الأندلسيون الطريقة الأولى وإن كانوا قد حاولوا تجارب عديدة فى القافية؛ وخرجوا على التقاليد القديمة فى الموضوع. وشعرهم يلائم الأوربيين أكثر من شعر شعراء بلاد العرب. ولعل أهم سمات شعرهم هو تصورهم للحب تصورا يوحى بقصص الفروسية وإحساسهم إحساسا جديدا بالجمال الطبيعى. ولم يعرف الشعراء القدماء شيئًا عن نظرية الأوزان الشعرية، وإنما اكتشف هذا الخليل بن أحمد. ويقال إن الفكرة جاءته عندما سمع حدادا يطرق بمطرقته. ونادرا ما نظر النقاد إلى القصيدة باعتبارها وحدة؛ بل كانت عندهم سلسلة من المحاسن غير متماسكة. وحق أن الشعراء قرظوا لحذقهم فى بعض أضرب فنهم، كوصف النعامة مثلا؛ ولكن كقاعدة كان النقد قديما يعالج الجزئيات والألفاظ فحسب، وآل إلى أن يكون مماحكات فأحد الشعراء يحمد على فنيته فى الانتقال من النسيب إلى وصف الناقة، وآخر يؤاخذ على إتيانه بألفاظ تشاؤم فى البيت الأول من القصيدة؛ وفى حالات أخرى غير تلك كان النقد طائشا أيضًا. واعتقد البعض أن شعراء ما قبل الإسلام -بحقيقة

القدم وحدها- يعلون على جميع الآخرين. ونقاد من هذا الطراز هم الذين أنكروا على المتنبى وغيره لقب شاعر لأنهم لم يراعوا التقاليد فى شعرهم. ومن العبث أن نحاول كتابة مجرد تاريخ مجمل للشعر الفارسى فى الحيز المخصص لنا هنا، وقصارى ما يمكننا وصف لشكل الشعر. ولقد استعار الفرس أوزانهم من العرب، مع أنهم كان عندهم أوزان أخرى مفضلة. واستعاروا كذلك القصيدة والقطعة، وليس من الضرورة أن نقول فيهما زيادة على ما قلناه. والغزل فى الواقع قطعة من اثنى عشر بيتا أو نحو ذلك، وتختار موضوعاته وتعالج بحرية تامة. والفكر فيه أقل تماسكا وأضعف ترابطا عن الفكر فى القطعة، مع أنه عادة شعر فى الغزل. أما الأشكال الفارسية الأصل فالرئيسى فيها هو المثنوى والرباعى، أو الدوبيت, ويتشكل الأول من بيتين من البحر المسمى بالرمل، وهو لون من المزدوج الحماسى. وهو الشكل المستعمل فى القصائد الطويلة أيا كان موضوعها. ويتكون الدوبيت من بيتين، الشطر الثانى فى أولهما والشطر الرابع فيهما مقفيان، وأحيانا يقفى كذلك الشطر الثالث. والبحر المستعمل فى هذا الضرب هو شكل من أشكال الهزج الكثيرة. والدوبيت دائمًا وحدة مستقلة، لا تنتظم منه قصائد طويلة. وتمخضت نفس الرغبة التى أحسها من قبل قراء الغرب أنماطا متباينة من القصيدة الأحادية الروى. وينتظم هذه الأنماط جميعًا المسمط. وتتألف هذه من مقطوعات فى أى موضوع، ويبلغ طولها من أربع إلى عشر شطرات من بحر واحد، وكل مقطوعة لها رويها الخاص. وبعض الأشكال تكون مصرعة ذات روى مستقل. وأقدم شعر فارسى يرجع تاريخه إلى ما بعيد سنة 900 م. ومنذ ذلك الوقت لم تتغير لغته وأشكاله إلا تغيرا طفيفا. وتتغير الأساليب، فتروج البساطة أحيانا، وإغراق فى الخيال أحيانا أخرى، ولكن الشكل الخارجى يبقى كما هو. أما الشعر التركى والأردى فهما يرتفعان قليلًا عن أن يكونا مجرد تقليد للفارسى.

المصادر

ويحمل الأردى بعض سمات التأثير الهندى فى الشكل ومادة الموضوع كليهما؛ ودرجة هذا التأثير بسيطة فى الأزمنة القديمة ولكنها كبيرة فى الأعوام القليلة الماضية. المصادر: (1) History of Ottoman poetry: E.J.W. Gibb (2) uber poesie und poetik der Araber: Ahlwardt كوتا 1856 (3) Beitroge zur Kenntniss der Poesie der alten Araber: Noldeke، هانوفر 1864؛ (4) Das Muwashshah: Hartmann 1896 (5) Literary History of the Arabs: R.A. Nicholson (6) Literary History of Persia: E.G. Browne، لندن 1906 (7) Darstellung der Arabischen Verskunst: Freytag، بنون 1830 (8) Ancient Arabic poetry: Lyall 1885 (9) The use of Writing for the Preservation of Ancient Arabic poetry: Krenkow فى Brownie Oriental Studies presented to E.G (10) Grammatik Poetik und Rhptnrik der Perser: Ruckert، طبعة pertsch، كوتا 1874؛ (11) The Prosody of the Persians: Brocklmann، كلكته 1872 (12) Rudagi, der Samanidenichter: Ethe فى G.G.A 1873 (13) المؤلف نفسه Vorlaufer und Z Zeitgenossen فى Morgenl. Forsch ليبسك 1875, 33 - 68؛ (14) المؤلف نفسه: Firdusi als Lyriker فى S.B.Ak Wien 1872, ص 273 - 304؛ 1873 م, ص 623 - 659 (15) Die Lieder der Kisa'i فى S.B.Ak. Wien , 1874, ص 133 - 153. الأبيارى [ترتون A.S.Tritton]

الشعرانى

الشعرانى نسبة عرف بها كثير من الأشخاص والغالب أنها مأخوذة من "الشَعر" وتطلق على امرئ نما شعره بغزارة أو طال (السمعانى: كتاب الأنساب، سلسلة كب التذكارية، ورقة 334 ب، 2؛ Arabic Grammar: Wrighl, الطبعة الثالثة، جـ 1، ص 164 ج) أما فى حالة أشهر من عرف بهذا الاسم، فإنها نسبة إلى مكان مثل الصيغة التى ترد أيضًا فى شواهد أكثر من ذلك حقا، وهى الشعراوى (على أن لهذه الصيغة أصل مختلف عن ذلك: Vollers فى Zeitschr der Deutsch Morgenl Gesells 1890 م، ص 390 وما بعدها وإن كانت قد فسرت بعد ذلك بالتفسير الأول). (1) أبو المواهب (وهى كنية مثالية، ويقال له أيضًا أبو عبد الرحمن، نسبة إلى ولده) عبد الوهاب بن أحمد (المتوفى سنة 907 هـ) بن على بن أحمد بن محمد بن موسى بن مولاى بن عبد اللَّه الزغلى (سلطان تلمسان) بن على الأنصارى الشافعى المصرى: صوفى مشهور ولد سنة 897 هـ، وعاش فى القاهرة منذ شبابه الباكر، وتوفى بها سنة 973 هـ (والتواريخ الأخرى التى ذكرت لوفاته غير صحيحة). وقد نسب إليه منذ سنة 1188 هـ المسجد الذى كان يؤثره والذى دفن بجواره. وكان أبو المواهب نساجا يكسب معاشه من هذه الصنعة. وكان ينتمى إلى الطريقة الصوفية التى أسسها على الشاذلى المتوفى سنة 101 هـ (Brockelmann: Gesch der Arab Lit جـ 1، ص 449، رقم 29؛ وقد أسس هو نفسه الطريقة الشعراوية (Manners and Customsof Modern Egypitans 1899: Lane ص 252؛ ولكن هذه الطريقة لم تذكر فى Kagle: Islam, جـ 6، ص 154). وأكبر شيوخه الصوفية هو على الخواص المتوفى بعد عام 941 هـ وظل الشعرانى يحضر مجالسه عشر سنين. وللشعرانى جملة من الشيوخ الآخرين ذكرهم فى كتب متعددة مثل "البحر المورود"؛ و"الجوهر المصون والسر المرقوم"، و"لطائف المنن". وقد ذكر الشعرانى فى آخر كتابه "الطبقات" بيانا بالشيوخ الذين عرفهم وحضر عليهم. وابتلى الشعرانى، شأن كثير من الصوفية، بالاضطهاد، ولكنه أفلح فى التغلب على جميع العداوات التى وقفت فى سبيله.

ومعظم نشاط الشعرانى فى التأليف قد انصرف إلى التصوف؛ على أنه تناول فروعا أخرى من المعرفة وهى بعامة: علوم القرآن، والعقائد، والفقه والنحو، والطب. ويحق لنا أن نذكر بعد كتابه "طبقات الصوفية" وسيرة لحياته كتبها هو نفسه بعنوان "لطائف المنن". وقد أورد بروكلمان (تاريخ الأدب العربى، جـ 2، ص 336 وما بعدها، وملحق هذا الكتاب، ص 711) ثبتا بمؤلفات الشعرانى. ونسوق هذه التصويبات والإضافات التى عملت الآن عن هذا المثبت: (7 أوب) "الميزان الشعرانية" و"الميزان الكبرى" وكلاهما علم على كتاب واحد طبع أيضًا فى القاهرة سنة 1276 هـ، على حين أن كتاب "الميزان الخضرية" هو مختصر للكتاب الآخر: (8) فيما يتعلق أيضا بالعنوان "فى مختصر الفتوحات المكية" نجد له مختصرا هو: "مختصر لواقح الأنوار" وقد أعده حسن بن صالح بن محمد البودغوريجوى (برلين رقم 3046)؛ (11) طبع فى القاهرة على هامش الكتاب رقم 2؛ (12) وعنوانه الكامل "تنبيه المغرين فى القرن العاشر على ما خالفوا فيه سلفهم الطاهر" (13) فى العنوان أيضًا توضع كلمة "معرفة" فى مكان كلمة "بيان" (ملحق برلين، رقم 3101)؛ (14) القراءة الصحيحة هى "الأنوار القدسية" بدلا من "لواقح الأنوار القدسية فى [بيان] العهود المحمدية" طبع فى القاهرة سنة 1311 م على هامش رقم 44؛ (18) ويعرف أيضًا باسم "ورد الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، برلين رقم 3780؛ (21) طبع أيضا بالقاهرة سنة 1332 هـ؛ (22) وثمة أيضًا العنوان "فى مناقب"، ويوضع فى مكان على فتاوى, وهو الهامش المطبوع فى القاهرة سنة 1304 هو يشمل تقريبا الكتاب رقم 23 (35) يقرأ "فى علم كلام اللَّه" (37) يقرأ "التلبس" طبع فى القاهرة سنة 1279 هـ (40) طبع فى القاهرة على الحجر سنة 1276 هـ (43) العنوان "السادات الأخيار"، ويعرف أيضا باسم "الطبقات الكبرى" وقد طبع كذلك فى القاهرة سنة 1299 هـ، على حين أن طبعته التى على الهامش، القاهرة 1311, تشمل تقريبا الكتاب رقم 14 (44) وقد طبع أيضًا فى القاهرة سنة (47) "وصايا العارفين" (انظر برلين رقم 3183) (48) "مفخم الأكباد فى بيان مواد الاجتهاد" (49) "لوائح

الخذلان على كل من لم يعلم بالقرآن" (50) "حد الحسام على من أوجب العمل بالإلهام" (51) التتبع والفحص على حكم الإلهام إذا خالف النص" (52) "البروق الخواطف للبصر فى عمل الهواتف" (53) "تنبيه الأغبياء على قطرة من بحر علوم الأولياء" (54) "الدر النظيم فى علوم القرآن العظيم" (55) "المنهج المعين فى بيان أدلة المجتهدين"، وهو ذيل للكتاب رقم 21 (56) كتاب الاقتباس فى علم القياس" (57) مختصر قواعد الزركشى" وهو مقتطف من كتاب الزركشى المتوفى سنة 794 هـ، وقد ذكره بروكلمان فى كتابه تاريخ الأدب العربى، جـ 2، ص 91، رقم 218, (58) "منهاج الوصول على علم الأصول"، وهو مصنف مأخوذ من شرح المحلى المتوفى سنة 791 (بروكلمان، جـ 2، ص 114, رقم 23) على "جامع الجوامع فى الأصول" للسبكى المتوفى سنة 771 هـ (بروكلمان، جـ 2، ص 89، رقم 14، أ، وج) وشروح كمال الدين بن على شريف المتوفى سنة 906 هـ انظر (أ) على هذا الشرح. وكان الشعرانى عالمًا كثير الإحاطة أمينا واسع المعرفة، لكنه خلا من روح النقد وقد جرى على المفاخرة بتواليفه والقول بأنها كانت فتحا جديدا لم يسبق لغيره أن ألف فى موضوعها، وهو يروى لنا فى سيرته التى ترجم بها لنفسه (الكتاب رقم 44) والتى سماها ذلك الاسم الحافل بالمغزى "مناقب نفسه" متذرعا بأنه يشكر اللَّه شكر المتواضع على ما حباه من مواهب العقل والتقوى، أجل يروى لنا أعجب الأمور عن صفاته المشهودة والتعرف على أسرار العالم وما إلى ذلك. على أن ما جبل عليه من أمانة واستقامة وغيرة وانتصار للعدل, وإنسانيته وتسامحه، وما يتميز به من صدقا وصراحة فى نظرته لتواضع النصارى واليهود تواضعا جعلهم مثالا للعلماء، ثم احترامه الكبير لكرامة المرأة، كل أولئك يكبره فى نفوس الناس إكبارا عظيما. وكانت للشعرانى مكانة عقلية مرموقة، ولكن ينبغى ألا نسرف فى تقديرها, وله إلى جانب ذلك أثر بالغ فى العالم الإسلامى بفضل ما أوتى من غزارة عجيبة فى مادته، فقد كان قلمه يسيل بأسلوب سهل المأخذ قريب

للإفهام مما أدى إلى اقبال الناس على تواليفه، وقد راجت كتبه بالفعل فى حياته ولا تزال موضع التقدير العظيم كما يتبين من تعدد طبعاتها. ولا تتسم هذه الكتب بالأصالة على الرغم من إصراره على نعتها بهذا الوصف؛ وهو فى التصوف خاصة إنما يردد آراء ابن عربى، وشاهد ذلك أن كتابه رقم 8 ليس إلا تلخيصا للفتوحات المكية، كما أن كتابه رقم 11 يعد تلخيصا لكتابه رقم 8، مع الإشارة إلى فقرات من الفتوحات نفسها. أما كتابه رقم 9 فشرح للأشعار الواردة فى الفتوحات. وأما كتابه رقم 10 فدفاع عن ابن عربى. وآية ذلك أنه يروى لنا فى كتابه رقم 2 أنه استخدم المصطلحات التى استخدمها ابن عربى لا المصطلحات التى استخدمها غيره من الصوفية. وقد حاول الشعرانى أن يجمع فى شخصه مزاجا من الصوفية والفقه، ومن ثم لم يتنكر للشريعة فى شئ. ويبين عدد من كتبه هذا المذهب وخاصة الكتب رقم 7، 21, 28, 48 - 51, 55 - 58. وانظر بروكلمان (جـ 3، ص 335 وما بعدها) حيث ذكرت مصادر أخرى؛ وحاجى خليفة، طبعة فلوكل، الفهرس (جـ 7) ص 1145، رقم 5446 وقد نشر فلوكل الكتاب رقم 2 فى مجلة Zeitcher der Deutsch Morgenl Ges, 1866 م، ص 1 وما بعدها، كما نشر كريمر الكتاب رقم 6 فى journ.As عدد 6، جـ 11, 1868, ص 253 وما بعدها؛ ونشر هورتن الكتاب رقم 43 فى Beitrage zur Kenntnis des Orients, 1915 م, ص 64 ما بعدها (Al.Hallaj: Massignon ص 393، رقم 19)؛ ونشر فلوكل مختصرا موجزا للكتاب رقم 44 فى مجلة Z.D.M.G, 1867 م ص 271 وما بعدها؛ وانظر سيرة الشعرانى فى "تراجم" تلميذه عبد الرؤوف بن تاج العارفين المناوى المتوفى 1031 هـ (بروكلمان جـ 2، ص 306، رقم 13). (2) أبو محمد بن الفضل بن محمد ابن المسيب بن زهير بن يزيد بن كيسان بن باذان (الوالى الفارسى على اليمن أيام محمد عليه الصلاة والسلام): محدث رحل إلى بلاد كثيرة لجمع الحديث، وقد درس أيضًا على النحوى الكوفى ابن الأعرابى المتوفى

سنة 231 هـ (بروكلمان، جـ 1، ص 116، رقم 6)، كما درس القراءات على خلف المتوفى سنة 229 هـ (Geschichte des Qorans: Noldeke الطبعة الأولى، ص 291 رقم 9؛ ابن سعد: الطبقات جـ 7/ 2، ص 87؛ السمعانى ورقة رقم 77 ب، س 30) وحضر دروس أحمد بن حنبل المتوفى سنة 241 هـ على أن الناس لم يجمعوا على فضله، وتوفى سنة 282 هـ وقد انتقلت نسبته التى عرف بها لإرساله شعره، إلى ابنه أبى بكر محمد البيهقى، ثم إلى ولدى ابنه وهما أبو الحسن إسماعيل المتوفى سنة 347 هـ, وأبو الحسن محمد الطوسى السمعانى، ورقة رقم 334 ب، س 2 - 12 ورقة 101 ب، س 12). (3) أبو العباس أحمد بن جعفر بن محمد بن مرزوق بن بستان (ولعل هذه هى القراءة الصحيحة لكلمة لا معنى لها وردت فى السمعانى؛ Iranisches Namenbuch: Justi، ص 76) ابن فروخ الأزدى الجرجانى: محدث درس على شعيب بن الحبحاب المتوفى قبل منتصف القرن الثانى الهجرى (الثامن الميلادى: ابن سعد، جـ 7/ 2، س 18) وغيره (السمعانى ورقة 334 ب، س 14 - 16). (4) ثلاثة عشر شخصا آخرين عرفوا بهذه النسبة ذكرتهم الكتب الآتية: "كتاب الفهرست، طبعة فلوكل، ص 7، س 19؛ السمعانى، ورقة 334 ب، س 12 وما بعده؛ الفهرست، ص 314, س 13 السمعانى، ورقة 334 ب، س 23 وما بعده (ابن سعد، جـ 7/ 2، ص 51، 78)؛ المصدر نفسه، ص 28 وما بعدها AI-Hallaj: Massignon، ص 80، 735؛ المصدر نفسه ص 333؛ السمعانى، ورقة 334 ب، س 17 - 23: المصدر نفسه، س 33 - 28 (أقرأ 371 بدلا من 372)؛ المصدر نفسه س 16 وما بعدها (بروكلمان جـ 1, ص 34)؛ الجامى، (انظر جـ 1، ص 1055): نفحات الأنس، رقم 298 (كلكتة 1859 م، ص 265؛ الآستانة 1270 هـ, ص 18)؛ Verzeichnis der arabischen Handschriften Berlin: Ahlwardt, جـ 10 مادة الشعرانى. خورشيد [شاخت J.Schacht]

"شعيب" عليه السلام

" شعيب" عليه السلام " شعيب" عليه السلام نبى ورد ذكره فى القرآن، وقد جاء فى الآية 91 من سورة هود أنه أرسل بعد هود وصالح ولوط عليهم السلام وجاء فى سورة الشعراء (الآيات من 176 - 189) وهى من السور التى نزلت فى الفترة المكية الوسطى، أنه أرسل إلى أصحاب الأيكة الذين ورد ذكرهم أيضًا فى سورة ق (الآية 14) وفى سورة الحجر (الآية 78) وفى سورة ص (الآية 13). ويظهر شعيب فى سور من الفترة المكية المتأخرة (سورة هود، الآيات 84 - 95؛ سورة العنكبوت، الآية 36 وما بعدها؛ سورة الأعراف، الآيات 85 - 93) بين أهل مدين أخا لهم. والمفسرون المتأخرون هم وحدهم الذين قالوا إن شعيبا هو حمو موسى غير المسمى تيرون العهد القديم الذى عاش فى مدين وأشارت إليه سورة القصص، الآية 20 وما بعدها. ولكن ليس لهذا سند فى القرآن. ولم يكتف شعيب عليه السلام بأن دعا إلى التوحيد بل حث قومه بصفة خاصة على القسط فى الميزان والكيل؛ وحذرهم من العبث بالنظام الذى عاد إلى نصابه فى البلاد، ومن صرف المؤمنين الذين يتبعونه عن سبيل اللَّه، ولكن وجوه القوم أنكروا مقالته وهددوه بالطرد هو وأتباعه، وقد كان شعيب عليه السلام ضعيفًا فى قومه ولولا رهطه لرجموه (سورة هود الآية 91). وأدركتهم زلزال عقابا لهم فقضت عليهم فى بيوتهم. وربما كانت الرواية المتأخرة جدًا التى نقلت قبر شعيب عليه السلام إلى قرن حطين قد فعلت هذا لأنها خلطت بين البلدة المجاورة خربت مدين. وهى ما دون القديمة، وبين مدين. المصادر: (1) الثعلبى: قصص الأنبياء. (2) Palastina Jahrbuch: Dalman، جـ 1، ص 41 وما بعدها. (3) Koranische Untersuchungen: J. Horovitz، برلين وليبسك 1926 م، ص 119 وما بعدها. خورشيد [بول Fr.Buhl]

شفاعة

شفاعة " شفاعة": الشفاعة هى السؤال فى التجاوز عن الذنوب، والذى يقوم بها يسمى "شافعا" و"شفيعًا". وتستعمل كلمة "شفاعة" أيضًا فى غير المعنى الدينى، فالشفاعة مثلا كلام الشفيع للملك فى حاجة يسألها لغيره (لسان العرب، مادة شفع)، وقد تكون الشفاعة لمدين عند صاحب الدين (البخارى: كتاب الاستقراض، باب 18). أما الشفاعة فى مسائل القضاء وتطبيق القانون فلا يعرف عنها إلا قليل، وفى الحديث: "من حالت شفاعته دون حد من حدود اللَّه عزّ وجلّ فقد ضادَّ اللَّه فى أمره" (ابن حنبل: المسند، جـ 2، ص 70 و 83؛ البخارى، كتاب الأنبياء، باب 54، وكتاب الحدود، باب 12). وتستعمل كلمة "شفاعة" عادة بالمعنى الدينى وخصوصًا فى الكلام عن اليوم الآخر، وهذا يوجد فى القرآن الكريم، فمحمد (عليه الصلاة والسلام) تمنح له فى اليوم الآخر، وقد وردت نصوص فى هذا المعنى فى الديانات الأخرى. ففى سفر أيوب (الإصحاح 33، فقرة 23 وما بعدها، والنص فيه فساد) يذكر ملائكة يتوسطون للإنسان لتخليصه من الموت. وفى سفر أيوب (الإصحاح الخامس، فقرة 91) يذكر قديسون (ويجب أن نفهم من كلمة "قديسين" هنا أنها تدل على الملائكة) يلجأ الإنسان إليهم عند الشدّة. وهناك بشر قديس تذكر شفاعته فى العهد القديم وهو إبراهيم (فى حكاية أخبار سدوم وعمورية) (¬1). ¬

_ (¬1) الشفاعة بحسب مفهومها فى الإسلام هى سؤال العفو واسقاط العذاب عن العاصى، وهى تكون عند اللَّه، واللَّه يقبل الشفاعة إكراما للشافع, فالشفاعة تقتضى شافعا ومشفوعا له فى موضوع معين. أما النصوص التى يذكرها كاتب من التوراة فهى لا تتضمن فكرة الشفاعة بمعناها الدقيق. ففى سفر أيوب (الإصحاح 33، فقرة 22 وما بعدها) يذكر أن اللَّه يؤدب الإنسان بالوجع حتى يوشك على الموت! فإن وجد عنده "مرسل وسيط واحد من ألف ليعلن للإنسان استقامته يتراءف عليه ويقول أطلقه عن الهبوط إلى الحفرة قد وجدت فدية. يصير لحمه أغض من لحم الصبى ويعود إلى أيام شبابه". يقول كاتب المادة إن النص فيه فساد، لكنه لم يبين وجه هذا الفساد، لكن من المعروف على كل أن هناك خلافًا فى النص وفهمه وهو يحتمل وجوها شتى. وإذا كان الكاتب يرى أن فى النص فسادًا فكيف يمكن من وجهة نظر العلم أن يبنى عليه دليل! . ومهما يكن من شئ فإن فكرة الشفاعة بمعناها الإسلامى غير واضحة فيه.

وفى الكتب النصرانية التى لا يُعترف بأنها موحى بها، وكذلك فى الكتب المنحولة كثيرًا ما نجد أن لتلك الطوائف بعينها الوظيفة نفسها: الملائكة Test. Adam، الإصحاح 9 فقرة 3) والقديسين (Makk 2، الإصحاح 15، فقرة 14 Assumptio Mosis الإصحاح 12 فقرة 6). وفى كتب النصرانية الأولى تتكرر الفكرة نفسها، لكن تزيد هنا طائفتان جديدتان: الرسل والشهداء. (انظر Cyrill of Jerusalem، فى Patrologia graeca: Migne مجلد 33، ص 1115: البطارقة، الأنبياء، الرسل، الشهداء مجلد 46، ص 850، مجلد 61، ص 581). وفى القرآن الكريم يرد ذكر الشفاعة خصوصًا فى مقام نفيها. فيوصف اليوم الآخر بأنه يوم لا تقبل فيه شفاعة (سورة البقرة الآية 48 و 255). وعدم قبول الشفاعة موجه خاصة إلى خصوم محمد عليه الصلاة والسلام، كما يؤخذ ذلك من سورة يونس، الآية ¬

_ = أما فى سفر أيوب (الإصحاح 5، فقرة 1) فنجد: "ادع الآن فهل لك من مجيب وإلى القديسين تلتفت". ومن الواضح أنه لا توجد شفاعة هنا ولا تدخل مقصود لتشفع وليس مجرد الالتجاء إلى قديس شفاعة. أما ما يحكى من أمر سيدنا إبراهيم عليه السلام وهلاك قريتى سدوم. وعمورة فنحن نجد فى التوراة أنه بعد أن عرف إبراهيم من الملائكة الذين مروا به ان إرادة اللَّه قد اقتضت إهلاك أهل القريتين وأن الملائكة كانوا فى طريقهم إلى إهلاك أولئك القوم -نجد إبراهيم يسأل الرب كيف يهلك البار مع الأثيم، فعسى أن يكون بين أهل ذلك المكان خمسون بارًا فيعد الرب أن يصفح عن المدينة من أجل خمسين بارًا إن كانوا فيها، ثم لا يزال إبراهيم يكلم الرب حتى يعده بأن يعفو عن المدينة حتى لو نقص عدد من فيها من الأبرار إلى عشرة. ويلى ذلك حكاية ذهاب الملائكة إلى مدينة لوط وإخراجه منها هو وامراته وابنتيه ثم قلبهم المدينة وتدميرها. فأين الشفاعة؟ نحن لا نجدها لا باللفظ ولا بالمعنى، اللهم إلا فكرة عدم إهلاك أهل المدينة من أجل أفراد أبرار فيها، فالمقصود هو عدم إهلاك الأبرار لا الإبقاء على المفسدين الأشرار، والدليل على هذا أن اللَّه دمر المدينة على أهلها بعد خروج لوط. فإبراهيم لم يطلب من اللَّه مجرد العفو عن مستحقى العقاب وإنما كان يستفسر عن هذا الإهلاك الشامل وهو لم يكن يعلم أن المدينة كانت قد خلت من الأبرار. وفى هذا الباب ليس أصدق من وصف القرآن الكريم للموقف، فهو يصف كلام إبراهيم بأنه "جدال" دعاه إليه ما كان عنده من حلم ورقة قلب (سورة هود الآيتان 74 و 75). إن فكرة الشفاعة فى النصوص التى يشير إليها كاتب المقال غير واضحة وضوح فكرة الشفاعة الإسلامية التى قدمنا بيانها والتى تقترن خصوصا بالموقف فى اليوم الآخر، وهذا موقف خاص لم يذكر كاتب المادة مثيلا له. (المترجم)

18: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ}، وانظر أيضا سورة المدثر الآية 48: {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ}. على أن إمكان الشفاعة لا يُستبعد استبعادًا تاما، ففى سورة الزمر، الآية 44: {قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا}. وفى القرآن مواضع كثيرة يحدد فيها هذا القول، بحيث لا تكون الشفاعة إلا بإذن اللَّه: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} سورة البقرة، الآية 255 انظر سورة يونس، الآية 3). ويذكر أيضا من يأذن اللَّه لهم بالشفاعة: {لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا} (سورة مريم، الآية 87). وفى سورة الزخرف، الآية 86: {وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}. ومما يستلفت النظر ما فى سورة الأنبياء الآيات 26، 28، حيث تجوز شفاعة الملائكة: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ (26) لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (27) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ} ويظهر أن المقصود بالعباد المكرمين هم الملائكة. وأوضح من ذلك ما فى سورة غافر، الآية 7 {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ} (انظر سورة الشورى، الآية 5). ومن طريق هذه الأقوال كان السبيل ممهدًا أمام الإسلام لتقبل فكرة الشفاعة تقبلا غير مقيّد ولإدخالها فى مذهبه (¬1)، وتوجد مادة غزيرة فى الحديث الصحيح، وهو يمثل مجرى تطور الأفكار حتى سنة 150 هـ تقريبا. وهنا أيضا توجد الشفاعة فى العادة فى وصف أحوال يوم الحساب. على أنه لابد من ملاحظة أنه يروى أن النبى عليه الصلاة والسلام قد تشفع فى ¬

_ (¬1) إن هذه الآيات التى ذكرها كاتب المادة تحتوى على فكرة الشفاعة ولا يمكن ان تكون ممهدة لها، وخصوصا أن فكرة الشفاعة ليست محددة تماما لا فى العهد القديم ولا فى العهد الجديد.

أثناء حياته. روت عائشة رضى اللَّه عنها أنه كلما كانت ليلتها كان عليه الصلاة والسلام يخرج من آخر الليل رويدًا ويذهب إلى بقيع الفرقد ويستغفر لأهله (مسلم، كتاب الجنائز، حديث رقم 102؛ انظر الترمذى، كتاب الجنائز، باب 59) (¬1). ويذكر أيضا استغفاره فى صلاة الجنائز (انظر مثلا مسند ابن حنبل جـ 4، ص 170) كما يُؤَكَّد أثر هذا الاستغفار (المصدر نفسه، ص 388). ثم صار الاستغفار أو هو بقى ركنا من هذه الصلاة (انظر مثلا كتاب التنبيه لأبى إسحاق الشيرازى طبعة T.W.A Juynboll ص 48) ويُجَعل له شأن كبير. فقد جاء فى مسلم (كتاب الجنائز، حديث رقم 58): "ما من ميت يصلى عليه أمةٌ من المسلمين يبلغون مائة كلهم يشفعون له إلا شفعوا فيه" وعند ابن حنبل (جـ 4، ص 79 و 100): "ما من مؤمن يموت فيصلى عليه أمة من المسلمين بلغوا أن يكونوا ثلاثة صفوف إلا غفر له" (¬2). وتوصف شفاعة محمد عليه الصلاة والسلام يوم الحساب فى حديث يروى كثيرًا (مثلا: البخارى، كتاب التوحيد، باب 19؛ مسلم: كتاب الإيمان، حديث 322، 326 - 329 الترمذى، كتاب التفسير س 17، حديث 19؛ ابن حنبل، جـ 1، ص 4). وهذه خلاصته: فى اليوم الآخر يحشر اللَّه الخلق، ومن هول الموقف وطول الوقوف يستشفعون إلى اللَّه ليريحهم، فيأتون آدم ويطلبون منه أن يشفع لهم، فيذكر لهم خطيئته فى الأكل من الشجرة وقد نُهى عنه، ويقول لهم: اذهبوا إلى نوح، فيذهبون إليه فيذكر لهم خطيئته فى سؤال ربه بغير علم ويقول لهم: اذهبوا إلى إبراهيم، فيذهبون إليه فيذكر لهم أنه كذب ثلاث كذبات ويقول لهم ائتوا موسى، فيذهبون إليه فيذكر لهم خطيئته بقتل النفس ويقول لهم اذهبوا إلى عيسى، ¬

_ (¬1) إنه وإن كان استغفار النبى عليه الصلاة والسلام لأهل بقيع الفرقد مما يدخل فى باب العفو عن الذنب وإسقاط العذاب فإنه ليس شفاعة بالمعنى الأخروى. (¬2) يقول كاتب المقال: عند ابن حنبل ينخفض العدد إلى ثلاثة صفوف، فكيف عرف أن ما فى ثلاثة صفوف أقل من مائة.

فيأتون عيسى فيقول لهم: اذهبوا إلى محمد (عليه الصلاة والسلام)، فيذهبون إليه فيستأذن على ربه فيؤذن له فإذا رأى ربه خرّ ساجدًا، فيدعه اللَّه ما شاء أن يدعه ثم يقول: ارفع محمدًا وقل تُسمع، واشفع تشفّع، وسل تعط -فيرفع رأسه ويثنى على ربه بثناء وتحميد يعلمه إياه، ثم يشفع، فيحد اللَّه له حدًا فيخرجهم من النار ويدخلهم الجنة، ثم يعود الثانية فيستأذن ويسجد للَّه ويثنى عليه كما فعل من قبل فيحد له حدًا فيخرجهم من النار ويدخلهم الجنة، ثم يعود الثالثة فيفعل كما فعل، ويحد اللَّه حدًا آخر فيخرجهم من النار حتى ما يبقى فى النار إلا من قد وجب عليه الخلود فيها (¬1). هذا الحديث فى رواياته المختلفة هو النص الذى يعتبر الحجة فى قصر الشفاعة على محمد عليه الصلاة والسلام دون سائر الأنبياء. وفى بعض الأحاديث تذكر الشفاعة بين عطايا أعطيت للنبى عليه الصلاة والسلام لم يعطهن أحد من الأنبياء قبله (البخارى: كتاب الصلاة، باب 56). وشفاعة محمد عليه الصلاة والسلام معترف بها بإجماع الأمة، وسند ذلك سورة الإسراء، الآية 79: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا}، وسورة والضحى، الآية 5: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} (تفسير الرازى، جـ 1، ص 351؛ وانظر مسلم: كتاب الإيمان الحديث 320). ويروى أن النبى عليه الصلاة والسلام أتاه آت من ربه فخيّره بين أن يدخل نصف أمته الجنة وبين الشفاعة فاختار الشفاعة؛ ولا شك أنه عليه الصلاة والسلام كان يرجو من ورائها ما هو أكثر (الترمذى، صفة القيامة والرقائق والورع؛ باب 13؛ ابن حنبل، جـ 4، ص 404). وفى الأحاديث وصف حى جدًا لكيفية خروج "الجهنميين" من حالتهم المريعة. فبعضهم تكون النار قد أخذته إلى نصف ساقيه وإلى ركبتيه، وبعضهم يكون فحما، فيلقون فى نهر فى أفواه الجنة يقال له نهر الحياة فينبتون كما ينبت الحب فى حميل السيل ويخرجون أخيرًا كاللؤلؤ فى ¬

_ (¬1) لخصنا الحديث عن أصوله العربية لا عن الترجمة. (المترجم)

رقابهم الخواتم يعرفهم أهل الجنة (انظر مثلا: مسلم، كتاب الإيمان، حديث رقم 320) (¬1). وفى طائفة أخرى من الأحاديث يُذكر أنه لم يكن ثمة نبىٌّ إلا له دعوةٌ قد تنجز فى الدنيا، إلا النبى محمد عليه الصلاة والسلام فإنه اختبأ دعوته شفاعة لأمته (انظر مثلا ابن حنبل، جـ 2، ص 313 مسلم؛ كتاب الإيمان، حديث رقم 334 وما بعده). غير أن الإسلام لم يقتصر على محمد عليه الصلاة والسلام ممثلا للشفاعة -فى هذا يتفق مع التصور النصرانى الذى تقدم ذكره- فإلى جانبه يقوم بالشفاعة الملائكة والرسلُ والأنبياء والشهداء والمؤمنون (البخارى، كتاب التوحيد، باب 24: ابن حنبل جـ 3، ص 94، وما بعدها، ص 325 وما بعدها؛ جـ 5، ص 43؛ أبو داود. كتاب الجهاد، باب 26؛ الطبرى: التفسير جـ 3، ص 6: تفسير سورة البقرة، الآية 255؛ جـ 16، ص 85، تفسير سورة مريم، الآية 87، جـ 19 ص 92، تفسير سورة المدثر، الآية 48؛ أبو طالب المكىّ؛ قوت القلوب، جـ 1، ص 139)، وبعد أن يقول كل هذه الطوائف من الشفعاء كلمتهم تبقى أخيرا شفاعة اللَّه (البخارى: كتاب التوحيد، باب 24 انظر سورة الزمر، الآية 44). ويبقى لمحمد عليه الصلاة والسلام المكان الممتاز، لأنه أول من يشفع لأمته (مسلم: كتاب الإيمان، حديث 330 و 332؛ أبو داود: كتاب السنة، باب 13). وأخيرا تُبحث مسألة من الذين تكون لهم الشفاعة، ويقال بوجه عام إنه يدخل الجنة سبعون ألفا بشفاعة رجل من أمة محمد (انظر مثلا الدارمى: كتاب الرقاق، باب 87؛ وانظر ابن حنبل. جـ 3، ص 63 و 94 وما بعدها) ولكن الجواب عن هذه المسألة موجود ¬

_ (¬1) التزمنا فى الترجمة عبارة الحديث بقدر الإمكان، ويجب أن نزيد هنا أن هؤلاء بحسب حديث مسلم هم "عتقاء اللَّه الذين يخرجهم اللَّه من النار إلى الجنة بغير عمل عملوه. وذلك أنه فى ذلك اليوم بعد أن يشفع النبيون والمؤمنون لا يبقى إلا أرحم الراحمين، فيقول: بقيت شفاعتى فيقبض قبضة من النار فيخرج بها قوما لم يعملوا خيرًا قط قد عادوا حمما ويلقيهم فى نهر الحياة فينبتون كما ينبت الحب فى حميل السيل" (انظر أيضا البخارى، كتاب التوحيد). (المترجم)

المصادر

منذ عهد مبكر يرجع إلى الأحاديث الصحاح وهو أن الشفاعة تكون لمن مات ولم يشرك باللَّه (البخارى: كتاب التوحيد، باب 19، الترمذى؛ صفة القيامة، باب 13)، ومنهم أهل الكبائر. قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- "شفاعتى لأهل الكبائر من أمتى" (أبو داود: كتاب السنة، باب 20؛ الترمذى صفة القيامة، باب 11). لكن المعتزلة لا يرون هذا الرأى (انظر الكشاف للزمخشرى فى تفسير سورة البقرة، الآية 48، لا شفاعة للعصاة) والرازى فى تفسيره للقرآن (جـ 1، ص 350 وما بعدها، جـ 6، ص 404) يرد ردًا مفصلا على رأى المعتزلة فى إنكار الشفاعة مطلقًا لأنه لا يمكن عندهم أن يخرج من النار من دخلها (¬1) ومستند البعض فى إنكار الشفاعة إلى بعض آيات القرآن الكريم التى تقدم ذكرها. المصادر: علاوة على الكتب التى ذكرت فى صلب المادة. (1) الغزالى: الدرة الفاخرة، طبعة وترجمة Gautier، جنيف - بازل - ليون 1878 ص 66 من النص، وص 56 من الترجمة (2) Mohammedanische Eschatologie: M. Wolff، ليبسك 1872، ص 100 وما بعدها. (3) Mohammedanische Traditionnen uber das jungste Gericht: R. Leszynsky (هيدلبرغ رسالة قدمت سنة 1909) ص 50 وما بعدها. (4) Muhammedanische Studien: Goldziher، جـ 2، ص 308 وما بعدها. ¬

_ (¬1) إنكار المعتزلة للشفاعة يتمشى مع أصل العدل كما تصوروه وهو أن يكون الجزاء يحسب العمل ومع أصل الوعد والوعيد عندهم وهو ضرورة وقوع الثواب والعقاب طبقا للخير الإلهى، لكن هذا يحد من فضل اللَّه ورحمته فيما يتعلق بالتجاوز عن الذنوب التى أخبر بإمكان التجاوز عنها وهى ما عدا الشرك. على أن المعتزلة جوزوا الشفاعة للمستحقين للثواب بمعنى أن تحصل لهم زيادة من المنافع على قدر ما استحقوه: أما أهل السنة فإنهم تمشيا مع القول بمبدأ الفضل الإلهى الذى لا تقيده القيود قالوا بالشفاعة التى يكون تأثيرها إسقاط العذاب عن المستحقين له حتى لا يدخلوا النار، فإن كانوا قد دخلوها فإنه يشفع لهم حتى يخرجوا منها. (المترجم)

المصادر

(5) ابن حزم: كتاب الفصل فى الملل والأهواء والنحل، القاهرة 1317 هـ، جـ 4، ص 63 وما بعدها (6) كشاف اصطلاحات الفنون طبعة فاسا وليس وشبرنكر، كلكته 1862، ص 762. أبو ريدة [فنسنك A.J.Wensinck] شقيقة النعمان " شقيقة النعمان" وعند الفرنج Anemone hortensis أو a. coronaria: زهرة حمراء فى لون الدم موطنها بلاد البحر المتوسط وآسية الدنيا. ويقول القزوينى (عجائب المخلوقات، جـ 1، ص 288) أنها تسمى أيضًا "خد العذراء"، وبالفارسية لاله (انظر Vullers: Lex جـ 2، ص 1074: "أية زهرة برية وبخاصة الخزامى والشَّقر)، وهى تنفتح فى النهار وتغمض فى الليل وتستدير نحو الشمس. ويروى أن النعمان بن المنذر (حكم من 482 - 489 م) قال حين مر بحيز تغطيه شقائق النعمان إن كل من يقطف شقيقة ينزع كتفه. على أن الشقيقة هى أيضًا اسم النعمان وقيل إن الاسم منسوب إلى الشقيقة أى برق الصيف، وقيل النعمان اسم الدم، والراجح أن هذا هو الأصح. ويذهب لاجارد Lagarde إلى أن اللفظ هو الرسم اليونانى للنعمان، ويرى دوزى (Clossaire des mots espagnols: Dozy، ص 333) أن الأمر على عكس ذلك وأن النعمان منسوب إلى شقيقة النعمان. ويفصّل ابن البيطار الكلام عن هذا النبات، وفوائده الطبية هو وجذوره جمة. المصادر: (1) أبو منصور موفّق: Codex Vindobonensis، طبعة Seligmann، ص 158 وترجمة Abdul-Chalig Achundow ص 224 (2) ابن البيطار، ترجمة لكليرك جـ 2، ص 337 (3) E. Wiedemann فى Beitrage، جـ 60 S.B.P.M.S., 1916، ص 174 (4) Aram Pflanzennamen: I.Low، ص 151 (5) المؤلف نفسه: Die Flora der Juden، جـ 2، ص 118. خورشيد [رسكا J. Ruska]

الشماخى

الشماخى أبو ساكن عامر بن عامر بن يسيفاو: فقيه أباضى توفى فى سن عالية سنة 792 هـ (20 ديسمبر سنة 1389 - 8 ديسمبر سنة 1390) بإحدى قرى يفرن بجبل نفوسة من أعمال طرابلس الغرب. وقد درس الشماخى على أبى موسى عيس الشماخى، ثم اتصل بأبى عزيز بن إبراهيم بن أبى يحيى. وأقام فى متيون بعد أن أكمل علومه حيث كرس جهوده للتدريس ثلاثة عشر عاما سويا. ثم استقر فى واحة يفرن عام 756 هـ (16 يناير سنة 1355 - 4 يناير سنة 1356). ونذكر من تلاميذه: ابنه أبا عمران موسى، وحفيده سليمان أبا القاسم بن إبراهيم البردى، وأبا يعقوب يوسف بن مصباح وغيرهم. وقد خلف الشماخى الآثار الآتية: (1) الديوان ويسمى الإيضاح، وقد ظل ناقصًا لم يتمه، وهو فى أربعة مجلدات كبار، وقد أصبح هذا الكتاب عمدة الفقه عند أهل جبل نفوسة. (2) العقيدة، وهى رسالة فى الفقه أهداها إلى نوح بن حازم. (3) "قصيدة فى الأزمنة". المصادر: (1) الشماخى: كتاب السير، القاهرة سنة 1301، ص 559. (2) Bibliographie du Mzab: Motylinski فى Bull. de Correspond. afric سنة 1885, جـ 1، 2 ص 442. الشنتناوى [محمد بن شنب] الشماخى أبو العباس أحمد بن أبى عثمان سعيد بن عبد الواحد: فقيه متضلع وكاتب سير أباضى، توفى فى جمادى سنة 928 (29 مارس - 28 أبريل - 26 مايو عام 1522) بإحدى قرى واحة يفرن بجبل نفوسة من أعمال طرابلس الغرب، ونذكر من تلاميذه أبا يحيى زكريا بن إبراهيم الهوارى. والشماخى صاحب المؤلفات التالية:

المصادر

(1) شرح على العقيدة، وهى رسالة فى الفقه لأبى حفص عمر بن جميع النفوسى. (2) شرح على المجمل الذى صنعه هو لكتاب العدل والأنصاف فى أصول الفقه لأبى يعقوب يوسف بن إبراهيم السدراتى. (3) كتاب السير، وهو مجموعة من سير أعلام الإباضية تضمنت بعض القصص وقليلا من الأحداث التاريخية وقد نشر ماسكراى Masqueray بعض مقتطفات مترجمة إلى الفرنسية من هذا الكتاب فى مصنفه Chronique d'Abou Zakaria (الجزائر عام 1879، ص 325 وما بعدها؛ وقد طبع النص العربى طبعة حجرية بالقاهرة عام 1301). المصادر: (1) Bibliographie du Mzab in Bull. de Correspond afric: Motylinski سنة 1885، جـ 1، 22، ص 47 - 70. (2) المؤلف نفسه: Le Djebel Nefousa باريس سنة 1899, ص 90، تعليق 1 (3) الشماخى: كتاب السير ص 562. (4) أبو إسحاق إبراهيم آل يوسف إطفيش الجزائرى: الدعاية إلى سبيل المؤمنين، القاهرة 1342 هـ = 1923 م، ص 28، تعليق رقم 1 الشنتناوى [محمد بن شنب] شمر (أ) هى الهضبة التى تضم سلسلتى جبل أجأ وجبل سلمى المتوازيين "جبل طيئ" وتتسع هذه الهضبة فتمتد ناحية الجنوب من النفود إلى وادى الرمة وتضم عرنان ومسمع، وهُكران، ورمان، وهى تأوى قبائل شمر. وهذا اللفظ بمعناه السياسى متغير غير ثابت، مثال ذلك أنه عندما كان أمير حائل فى أوج سلطانه كان الجوف والرياض تابعين لشمر. ولما كانت القبيلة تخلع اسمها على المكان الضاربة فيه كقبيلة طيئ وأسلافها، فإن من الخير أن نقصر الاسم على الجبل حيث تسود هذه القبيلة. وقصبة هذا الإقليم منقطعة عن العالم الخارجى بفعل حواجزها

الجبلية ولا يمكن بلوغها بسهولة إلا من ناحية تيماء عن طريق ريع السلف الذى يشق الجبل إلى الجنوب الغربى من حائل، وعن طريق ممر يخترق جبل سلمى. والماء وافر بين سلاسل الجبال، أما خارج الحافة الخصبة فالآبار قليلة، والجو منعش صحى، أما الأوبثة التى من قبيل ما ذكر داوتى Doughty (جـ 1، ص 296) فوافدة بلا شك على الإقليم، والماء فى الواحات قريب من سطح الأرض، ومن ثم فالزراعة سهلة ميسورة. (ب) مجموعة القبائل فى هذا الإقليم وفى الجزيرة. تختلف الروايات الوطنية فى أصل هذه القبائل. وتذهب هذه الروايات إلى أن شمر يرجع أصلهم إلى عرب الشمال من فرع ربيعة ومضر. ويذكر والن J.R.AS.) Wallin، جـ 20، ص 231) أنهم يختلفون اختلافا بينا عن عرب الشام فى صفاتهم الجنسية ويشبهون فى سماتهم اليمنيين، وتقول روايتهم إنهم كانوا آخر من هاجر من بلاد العرب الجنوبية. وعشيرة جعفر الحاكمة بطن من عبدة عبيدة من نسل قحطان، ومن ثم فقد تكون يمنية، وهم يدركون على التحقيق أنهم حلوا محل طيئ وأدمجوا فيهم فريقا من طيئ. ويذكر ابن دريد (كتاب الاشتقاق، طبعة فستنفلد، ص 273) أن بنى شمر من طيئ. ويقول دوتى (Doughty جـ 2 ص 41) أن الرأى فى نجد يميل إلى القول بأنهم من أصل مخلط. وليس ثمة دليل قوى عن تاريخ غارة شمر. وقد كانت طيئ فى صدر الإسلام تسكن بلاد شمر، والراجح أن إجلائهم عن منازلهم قد تم تدريجيا. ويذكر القلقشندى أن شمر عرب يقطنون جبال طيئ، ولا يربط نسبهم بأية أرومة معروفة. وأعداؤهم بالوراثة هم بنو عنزة. وقد ظلت الحرب البدوية مشتعلة طوال قرن ونصف من الزمان على الأقل. ونجحت عنزة منذ قرن أو نحوه فى تقسيم شمر، إذ أجبرت فريقا كبيرًا منهم على عبور الفرات واحتلت الدارة التى تقع بين منازلها ومنازلهم. وما إن حل هذا الوقت حتى كان فريقا شمر منفصلين سياسيا، وقد تبع الفريق العراقى ابن جربة. ومع ذلك فإن رابطة الدم لا تزال مرعية بمعنى أن مراعى

الجبل مفتوحة لأى فرد من شمر جربة. وامتدت رقعة دارة شمر حتى النجف تقريبا، وإن كانت غارات عنزة وذفير، ثم غارات أمير الرياض حديثا، خليقة بأن تقصر منازلهم عن النفوذ. وشمر الجزيرة جميعا أو يكادون رحل تمتد منازلهم ما بين دجلة والفرات ويتوغلون جنوبا حتى بغداد وزبار؛ وهم يلتقون فى دير الزور، وينتقلون شمالا على طول الخابور تجاه نصيبين. ويمكن أن نقول إن تعدادهم عشر آلاف نسمة (¬1) لأننا لا نجد بين أيدينا تعداد رسمى لهم. والأمير الذى يحمل اسم أسرته ويعرف باسم ابن رشيد ليس هو شيخ قبائل شمر دون منازع فحسب ولكنه أيضا حاكم السكان المقيمين فى الواحات ما بين سلسلتى جبلى أجأ وسلمى والمحلات البعيدة مثل مستجدة ويجدر بنا أن نذكر من هذه المحلات: حائل وفَسيْد (سكانها حوالى ألف نسمة) وقفار وعقذة وموقق وسميراء. ولا تزال تميم القبيلة المشهورة هى قوام المقيمين، وإن كان هواهم مع ابن سعود صاحب الرياض. ويوضع أهل المدن فى منزلة أسمى من إخوانهم البدو بفضل شجاعتهم ومهارتهم الحربية، وهم عصب الجيش، وعلى كل رجل منهم أن يعد جمله أو قوسه وسلاحه وذخيرته وعدته، ثم يستدعى بعد ذلك الرحل الذين يتجمعون فى أعداد كبيرة وإن كانوا يعدون من الجند الاحتياطيين. وترجع قوة شمر العظيمة فيما سلف من أيام إلى مراعاتهم للنظام، ومن الممكن أن يستعيدوا تلك القوة تحت قيادة أمير كفء. وقد لاحظ والن Wallin أنه من أندر النادر أن تجد بينهم من له أية دراية بالمؤلفات العربية باستثناء الخطيب والقاضى، وهذان الرجلان معلوماتهما قليلة فى هذا الشأن فيما عدا علمهم بالقرآن والفقه الحنبلى والمعتقدات الخاصة بمذهب الوهابيين. وعرب شمر من أكثر المتحمسين للعقائد الوهابية، وقد فعلوا الكثير فى سبيل نشر هذه العقائد فى أرجاء الجزء الغربى من ¬

_ (¬1) كان ذلك وقت كتابة المقال.

المصادر

الجزيرة العربية. وقد خرجوا أخيرا على ما عرفت به هذه القرية من تزمت وأصبح التدخين ولبس الحرير لا يعدان من الأمور المحرمة كما هى الحال فى نجد. وليس من شك أن المعلومات الحديثة عن أثر حكم ابن سعود فى حائل قد تؤدى بنا إلى تعديل بعض ما ذكرناه آنفا (¬1) وقد تعمدت ألا أرجع إلى كتاب William Gifford Palgrave لأن فلبى Philby (جـ 2، ص 117 - 156) قد بين أنه كاذب فى أخباره. المصادر (1) Erdkunde von Asien: K.Ritter برلين 1846 - 1847، جـ 1/ 8 ص 333 وما بعدها، 351 وما بعدها (2) G.A.Wallin فى مجلة الجمعية الجغرافية الملكية سنة 1851 جـ 20، ص 294 - 344؛ سنة 1854، جـ 24، ص 115 - 307. (3) Il: Itinerario de Neged settenriunale Cerusalemme a Aneizeh nel Cassim: C.Guarmani. بيت المقدس سنة 1886. (4) A Pilgrimage to Nejd: Lady Anne Blunt، فى مجلدين، لندن سنة 1881 (5) Travels in Arabia Deseret: C.M.Doughty فى مجلدين كمبردج سنة 1888 (6) Voyage Dans I'Arabie Centrale: C.Huber فى Bulletin de La Societe de Geographie المجموعة السابعة جـ 5 - 6 (7) Journal d'un Voyage en Arabie باريس سنة 1891. (8) Reise nach Innerarabien: E Nolde برنسويك 1895. (9) Tagebuch einer Reise in Inner Arabien: J.Euting جـ 1، ليدن سنة 1896. (10) The Heart of Arabia: H.S.Philby فى مجلدين، لندن سنة 1922 والمصادر الأخرى المذكورة فيه. وانظر عن الجغرافية وأخبار الكشف كتاب The Penetration of Arabia: D.G.Hogarth لندن سنة 1905 الشنتناوى [جويوم A.Guillaume] ¬

_ (¬1) كان ذلك وقت كتابة المادة.

الشمس

الشمس أخذ العرب فكرتهم فى الكون عن علم الفلك عند الإغريق، فجعلوا الشمس تدور حول الأرض من الشرق إلى الغرب فى سنة (مدارية) كاملة، ومن ثم لا ينطبق مركز فلك تدوير الشمس على مركز الأرض، وإنما هو خارج عن هذا المركز مما يعلل اختلاف الفصول الذى قرره هيبارخوس من قبل؛ والشمس نفسها جسم كروى مغمور فيما يسمى بفلك الشمس بحيث لا تخرج كرة الشمس فى أى موضع عن سطح هذا الفلك. (وثمة شاهد مصور على هذه الفكرة أورده Rudolf & Hochheim فى Die Astronomie des Camini، ليبسك 1893، ص 13). وإذ قلنا بأن نصف قطر فلك الشمس يساوى 60 موجها فإن المسافة بين مركز هذا الفلك ومركز الأرض تكون بحساب هيبارخوس 2 موجّه و 30 َ تقريبا، وتساوى 1/ 24 1 من نصف قطر الفلك؛ وبحساب البتانى 2 موجة 3/ 4 من الدقائق، على حين تؤدى حسبانات محمد بن موسى الخوارزى إلى انحراف اختلف فى قياس قدره ما بين 2 موجه 10 و 2 موجه 20 (انظر Die Astrononmische Tafeln des Muh. b. Musa al. Khwarizm: H.Suter كوبنهاغن 1914، ص 45). وعلى هذا الأساس يكون الاتجاهان اللذان يرى فيهما المرء الشمس من المركزين المذكورين زاوية تساوى بحساب هيبارخوس + 2 ْ 13 َ على الأكثر (تساوى بحساب فلكى المأمون 1 ْ 59 َ، وبحساب البتانى 1 ْ 58 َ)؛ ويسمى هذا القدر "تعديل الحاصة والمركز". وتبعا لفلك الشمس الخارج المركز الذى يعرف فى لغتنا الحديثة بمسقط مسار القطع الناقص للأرض حول الشمس على الكرة السماوية، توجد نقطتان ظاهرتان على هذا المسار: الأولى هى تلك النقطة التى تصبح فيها الشمس أقرب ما تكون من الأرض (الحضيض أو البعد الأقرب)، والثانية هى التى تصبح فيها الشمس أبعد ما تكون عن الأرض (الأوج أو البعد الأبعد). ومن أكبر أفضال البتانى على العلم اكتشافه حركة دوران الأوج حول المركز، تلك الحركة التى نستطيع الآن أن نبرهن على أنها نتيجة محتومة لاضطراب مسار الأرض بفعل جذب

القمر لها (مسألة الثلاثة الأجسام): قد وجد البتانى أنها تساوى 31 َ فى العام، وهى تساوى فى حساب الفلك الحديث 50 ْ 11 َ (انظر مثلا Die Elemente der theoretischen Astrnnomie: lsrae I-Hoitzwart فيسبادن 1885، ص 17). وليس لحركة الأوج هذه صلة ما بتلك الحركة التى تحدث نتيجة تقدم الاعتدالين، وهى تضاد فى الاتجاه نفسه. وبينما نجد هيبارخوس وبطلميوس يقدران قيمتها السنوية بـ 36، نجد البتانى أقرب منهما إلى الدقة فيقدرها بين 54 و 55 أما نصير الدين الطوسى فقد حسبها حوالى 1260 م 51، ويكاد يكون هذا هو الحساب الصحيح. ولا يسمح المقام هنا بأن نناقش مسألة: هل إدخال الإرتجاف الذى يلازم تقدم الاعتدالين فى الدائرة المدارية. أو بعبارة أخرى افتراض عدم التساوى فى هذا التقدم الذى تمثله حركات الإقبال والإدبار يرجع إلى اختلاف الحسابات التى عملت، أم يرجع، كما يذهب كونتر S.Gunther، إيل أن العرب قد أخذوا هذه الفكرة من الهندوس؟ Studien zur Geschichte des Mathemat und Physikal Geogrophie: S.Gunther، جـ 2، هال 1877، ص 78)، وحسبنا أن نحيل القارئ إلى كتاب ثابت بن قرة (826 - 901 م) الذى ترجمه إلى اللاتينية كيرارد القرمونى بعنوان Liber Thebit de motu accessiones et recessionis (انظر Die Mathematiker u.Astronomen des Araber und ihre Werke: H.S'er، ليبسك 1900؛ ص 37). وكلا النصين، العربى واللاتينى، مخطوطان محفوظان فى المكتبة الأهلية بباريس. وقد درس دلامبر Delambre المخطوط اللاتينى وسماه فى استشهاداته Thebit ben de motu octavao Ghorath: shperae ووجد أن ثابتا قد استحدث فلك بروج آخر متحركا يرتفع فوق فلك البروج ويهبط تحته، وتتقدم نقطتا الاعتدال فى الوقت نفسه وتتأخران بمقدار 10 ْ 45 َ (Histoire de L'astronomie du Moyen age: T.B.D. Iambre، باريس 1819، ص 74). وينقسم الوقت تبعًا لحركتين مختلفتين من حركات الشمس: أما

الأولى فهى التى تتم فى سنة مدارية كاملة حول فلك الشمس الخارج المركز، وتعبر الشمس فيها البروج الاثنى عشر لفلك البروج لتعود ثانية إلى نقطة الابتداء (أول الربيع = نقطة الاعتدال). وقد حسب البتانى السنة المدارية فوجدها 365 يوما وخمس ساعات و 46 دقيقة و 24 ثانية (وهى فى الحقيقة 365 يوما وخمس ساعات و 48 دقيقة و 47 ثانية) أى أن حسابه أدق من حساب بطلميوس الذى جعلها 365 يوما وخمس ساعات و 55 دقيقة و 12 ثانية. وأما الثانية فهى التى تتم فيها الشمس دورتها اليومية فى السماء من الشرق إلى الغرب نتيجة لدوران كرة السماء حول الأرض. والعرب يقولون إن اليوم هو النهار والليل جميعًا، وترتبط شعائر الدين الإسلامى إرتباطا وثيقا باليوم فى مراحله المختلفة، فالفجر والشفق من أوقات الصلاة ومن ثم تعين تحديدها فلكيًا. وعندما ينتصف النهار تبلغ الشمس غاية الارتفاع ثم تبدأ فى الزوال. والظهر هو وقت الصلاة الذى يحل عقب نصف النهار مباشرة، ويسمى بعد الشمس عن خط منتصف النهار "فضل الدائر". وكان موضع الشمس من السماء يحدد عادة بطول ظل المقياس واتجاهه. وقد نبه الفلكى ابن يونس الحاكمى (1009 م) الأذهان إلى نصف الظل الذى ينجم عن تسطح قرص الشمس. وكانت مزاول العرب التى يقيسون بها الظل مختلفة الأنواع. ويبدأ وقت العصر عندهم حين تحل اللحظة التى يزيد فيها ظل ما بعد الظهيرة على البسيطة (المزاولة الأفنية) عن ظل الظهيرة بمقدار طول المقياس (الشخص). والساعات إما ساعات معتدلة، أى متساوية، أو ساعات زمانية أى غير متساوية. وقد حددت الساعات المعتدلة أيضا على المزولة بعد ذلك. وقد اعتمد العرب على المجسطى لبطلميوس فى معرفة بداية كسوف الشمس وقدره. وكانت طريقتهم فى حساب كسوف الشمس بالدقة ورصده هى طريقتهم فى سحاب خسوف القمر. وقد نهج العرب نهج الأغريق بالضبط فى تلك المسائل التى من قبيل الاختلافات الظاهرية للشمس، وحجمها

المصادر

الظاهرى، وبعدها عن الأرض وما إلى ذلك. وقد لاحظ ابن الهيثم أن ما يشاهد على قرص الشمس وقت الكسوف من اصطباغه بلون أسود ضارب إلى الحمرة يشاهد مثله على قرص القمر فى خسوفه الكلى. وإذ رأى ابن الهيثم أن الضوء يكون فى الكسوف غاية فى الحدة، وخاصة أثناء الكسوف الكلى، فقد أوصى بأن يرصد فى انعكاسه على آنية مملوءة بالماء. المصادر علاوة على المصادر الواردة فى صلب المادة: (1) Al-Battani Sive Al batenii Opus Astronomicum: C.A.Nallino، ميلانو 1819 - 1907، جـ 1، ص 41، 43، 71، 104، 135 والتعليقات عليها؛ جـ 2، وفيه اللوحات الخاصة بالشمس. (2) R.Rud If Geschichte der Astronomie، ميونخ، 1877، ص 47، 160، 173 (3) وانظر عن إثبات ابن يونس بأن ظل المقياس يحدد ارتفاع حافة قرص الشمس العليا لا مركزها: uber eine arabische Methode,die geographishe Breite ans der Hohe der Sonne im ersten Vertikal (Hohe ohne Azimut) zu bestimmen: S.Schoy, فى Annalen d. Hydrographie u. maritimen Meteorologie، 1921، ص 131 (4) وانظر عن المزاول وتقسيم الأيام والساعات: Gnomonik der Spdtarabischen Astro-nomielsis: S.Schoy، فى جـ 6 رقم 18، 1924، ص 333 - 361 (5) وانظر عن غاية الميل الأعظم مادة "السرطان" (6) تعليق ابن الهيثم على رصد كسوف الشمس فى مؤلفه "فى مائية الأثر الذى فى وجه القمر" (مكتبة المجلس البلدى بالإسكندرية). جمال الفندى [شوى C.Schoy] شمس الدولة " شمس الدولة" أبو طاهر بن فخر الدولة البويهى: لما توفى فخر الدولة (نادى الأمراء بابنه مجد الدولة البالغ من العمر أربع سنوات خليفة له

المصادر

تحت وصاية أمه سيدة كما ولوا على همذان وكرما نشاه شمس الدولة، وكان هو الآخر صغير السن. واشتد عود مجد الدولة فرأى أن ينحى أمه عن الوصاية ودبر أمرا مع الوزير: "الخطير أبى على بن على بن القاسم" عام 397 هـ (1006 - 1007 م) وفكر فى الاستعانة بالزعيم الكردى بدر بن حسنوية، ولكن بدرا خرج إلى الرى مع شمس الدولة وزج بمجد الدولة فى السجن، وسلمت مقاليد الحكم لشمس الدولة، على أنه لم يكن كيّسا لين العريكة كمجد الدولة، ولذلك أطلق سراح مجد الدولة ونودى به حاكما مرة أخرى، فى حين عاد شمس الدولة إلى همذان وقتل الجند بدرا عام 405 هـ (1014 - 1015 م) فاستولى شمس الدولة على جزء من أملاكه. ولما حاول حفيد بدر طاهر بن هلال بن بدر منازعته فى ذلك هزم وسجن وكان أبوه هلال بن بدر فى هذه الأثناء مسجونا بأمر من سلطان الدولة، ولم يكن من سلطان الدولة إلا أن أطلق سراحه وأنفذه على رأس جيش لاستعادة الأراضى التى احتلها شمس الدولة. وفى شهر ذى القعدة من عام 405 (أبريل/ مايو سنة 1015) أطبق هلال على العدو ولكن الهزيمة حلت به وقتل فى هذه المعركة. واستولى شمس الدولة بعد هذا الانتصار على مدينة الرى، وفر مجد الدولة هو وأمه؛ ولما أراد شمس الدولة تعقبهما تمردت جنوده وأجبرته على العودة إلى همذان ومن ثم عاد مجد الدولة هو وأمه إلى الرى. وفى عام 411 هـ = 1020 - 1021 م) انتقض الترك فى همذان فاستنجد شمس الدولة بأبى جعفر بن كاكويه والى أصفهان وتمكن بفضله من طرد العناصر المشاغبة من المدينة. وحوالى سنة 412 هـ (1021 - 1022) خلف شمس الدولة على الحكم ابنه سماء الدولة ولكن همذان سقطت فى أيدى الكاكويهيين فى مدى سنتين (414 هـ 1023 - 1024 م) المصادر: (1) ابن الأثير: الكامل، طبعة تورنبرغ جـ 9، ص 93، 144، 173 - 175، 182، 208، 226.

شمس الدين

(2) ابن خلدون: العبر، جـ 4 ص 466، 469 - 473. (3) حمد اللَّه مستوفى القزوينى: تأريخ كزيدة، طبعة Browne, جـ 1، ص 429، 431. (4) Cesch. d. Sultane ans d.Geschl. Bujeh nach Mirchond: Wilken، الفصل الثانى عشر. (5) Gesch. d. chalifen: Weil جـ 3، ص 73, 57 وما بعدها. (6) The Mohammadan Dynasties: Lane-Poole، ص 142 (7) I.G.Governton فى Numismatic Chronicle سنة 1909، ص 220 - 240. الشنتناوى [تسترشتين K.V.Zettersteen] شمس الدين " شمس الدين" بن عبد اللَّه السمطرانى (ويختلف فى رسم هذه النسبة كما يختلف فى رسم البلد الذى ينتمى إليها) نسبة إلى سمطرا أو سمدرا وهى ناحية فى شمالى سومطرة، وكانت فى تلك الأيام جزءا من مملكة باسى، كاتب صوفى من الملايو يرجح أنه ولد قبل سنة 1575 وتوفى سنة 1630 م (12 رجب عام 1039 كما جاء فى كتاب نور الدين الرانيرى المسمى بستان السلاطين. وقد نشر الجزء الذى نحن بصدده من هذا الكتاب نيومان GK. Niemann بعنوان حكايات نجرى آجى فى Bloemlezing uit maleische Geschriften لاهاى عام 1907، جـ 2 ص 127). ويقول الرانيرى فى وصف شخصية هذا الكاتب إنه كان شيخا متبحرا فى جميع فروع المعرفة وخاصة علم التصوف الذى اشتهر به. وقد كتب عدة مصنفات. وكثيرا ما يذكر شمس الدين مقرونا بمعاصره حمزة الفنصورى (وهو من أهل باروس على الشاطئ الغربى لسومطرة، ) وإن كان الفنصورى أعظم شأنا منه. ولسنا نعرف على وجه التحقيق هل كان شمس الدين من تلاميذ حمزة كما يفترض كرايمر Een Javaanchse Primbon uit de Zestiende Eeuw: H,Kraemer رسالة قدمت إلى جامعة ليدن سنة

1931 ص 28) أم لا. وازداد شأن آجى بعد غزو البرتغال لمالقة عام 1511 بوصفها مركزًا للحياة الاقتصادية والدينية للمسلمين؛ وقد كانت الحياة الدينية فى شمالى سومطرة عظيمة النشاط بصفة خاصة إبان حكم إسكندر موده (= مكوته عالم) الذى حكم من 1607 حتى عام 1636 وبسط سلطانه على أجزاء من شبه جزيرة الملايو. وتتحدث المصادر التى بين أيدينا عن نزاع قام بين التصوف الأصيل الذى اعتنقه حمزة وشمس الدين وأتباعهما وبين تصوف نور الدين الأكثر منه اعتدالا؛ وكان شمس الدين مقربا من إسكندر موده، ولذلك غادر الرانيرى آجى ردحا من الزمن، ولكنه أفلح إبان حكم إسكندر الثانى فى كسب تأييد السلطات العامة فأحرقت كتب خصومه علانية نزولا على حكم فتوى قضت بذلك (H.Kraemer: كتابه المذكور، ص 30؛ المؤلف نفسه Noord-Sumatraansche invloeden op de Javaanche mystiek فى Djawa 1924، جـ 4 ص 30؛ وانظر أيضا Kore Verslag der mal Handschr. etc: H.N.v.d. Tuuk فى Bijdragen tot de Taal Land- en Volken kunde van Ned-Indie سنة 1866 المجموعة الثالثة، جـ 1 ص 463 حيث يذكر إسكندر الثانى باسم آخر هو Muqul Ma'djat Sjah) ويذكر كرايمر (كتابه المذكور) من مصنفات شمس الدين ما يلى: - 1 - مرآة المؤمن، وهى رسالة فى العقائد على منهج أهل السنة كتبت عام 1009 هـ (1601 م)، فهرس الكتب الشرقية بليدن رقم 1700 (H.H.Juynboll Cat. Mal. Handschr. Leidsche Univ.Bibl، ليدن 1899، ص 256 - 257). ويشمل المخطوط رقم 1952 (كرايمر ص 30) أجزاء منها، وبالمخطوط الأول ترجمة هولندية مخطوطة قام بها فورم P.v.d. Vorm (المتوفى عام 1731) وهو من ثم المخطوط نفسه الذى وصفه ورندلى G.H. Werndly, وتشمل الرسالة بأكملها 211 مسألة من المسائل الدينية مع الرد عليها (Maleische Boekzaal: G. H. Werndly أمستردام سنة 1736 ص 354 - 355 ويذكر المؤلف أيضا أن هذه الرسالة كانت فى أيامه كثيرة

التداول، وهو يذكر [المقدمة ص 1 - 3] الجمل الاستهلالية التى نفهم منها أن شمس الدين كتب هذه الرسالة للذين يجهلون اللغتين العربية والفارسية). 2 - مرآة المحققين؛ وقد ذكرها الرانيرى ويظهر أن هذه الرسالة فقدت، وقد قال تيوك V.d. Tuuk إن هذه الرسالة هى نفس الرسالة الواردة فى فهرس الكتب الشرقية بليدن رقم 1332، ولكن هذا خطأ كما يقول كرايمر (ص 31). 3 - شرح رباعى حمزة الفنصورى (كتب عام 1611) وهو شرح على رباع المحققين لحمزة (كرايمر، ص 29، تعليق 3) ولم يصل إلينا هذا الشرح. ويظن جوينبل (Juynboll كتابه المذكور، ص 289) أن الرسالة الواردة فى فهرس الكتب الشرقية بليدن تحت رقم 1983 تشتمل على هذا الشرح. وذكر كرايمر (ص 31) المقتطفات التى أخذت من مؤلفات شمس الدين. ونجد فى الصفحة 32 ثبتا بالمصنفات التى لا نعرف إلا أسماءها (انظر أيضا ص 30). ولما كنا لا نستطيع فى جميع الأحوال أن نقول عن يقين إن شمس الدين هو المؤلف الحقيقى لها فضلا عن أن معلوماتنا بمحتوياتها محدودة للغاية، فإننا لا نجد سببا يحملنا على إحصائها جميعا فى هذه المادة. ولا يمكن أن نذكر إلا إشارة مقتضبة عن تعاليم شمس الدين، وذلك مما يتيسر من الفقرات التى بقيت محفوظة حتى الآن؛ بل إن المخطوط رقم 30 (Codex .Leiden, coll. Sr. H) الذى وصفه الأستاذ رونكل suppl. Cat mal . . . Handschr. Leidsche Univ. Bibl: ph. s. van Ronkel, (ليدن سنة 921، ص 145، رقم 341) فقال إنه خلاصة لتعاليم شمس الدين ليس إلا مجموعة من الشروح تتيح للمرء أن يفترض وجود رواية أوفى لها أو تفسيرات شفوية تشرحها. ويذكر الرنيرى شمس الدين (Kraemer ص 28) على أنه ممثل للوجودية ويمكن أن نجمل القول فى تعاليم شمس الدين اعتمادا على المعلومات التى أوردها كرايمر (ص 46 - 48) فنقول إنه لم يحد فى الجوهر عن التصورات الصوفية الإسلامية التى كانت سائدة فى عصره. على أن شمس الدين كان له أثر بالغ فى المصنفات الصوفية الجاوية، وهى المصنفات التى

المصادر

لم تبحث بحثا مستفيضا بعد. وإن البحث المتواصل لكفيل بأن يحل لنا مسألة: هل كانت العناصر الأندونيسية وهى الممثلة تمام التمثيل فى الرسالة الصوفية الجاوية - ظاهرة فى الآثار الأدبية لشمس الدين ومعاصرة أم لا؟ ويقول تيوك v.d. Tuuk (كتابه المذكور ص 463 - 464) إن كتاب الرانيرى المسمى "نبذة فى دعوى الظل، وكتابه "التبيان فى معرفة الأديان" قد قصد بهما مساجلة شمس الدين (انظر أيضا kraemer, ص 32 - 33). المصادر: (1) Kort Verslag etc.: H.N.v.d. Tuuk، فى B.T.L.V المجموعة الثالثة، جـ 1، ص 462 - 466. (2) The Achehnese: C. Snouck Hurgronje ليدن سنة 1906، جـ 2، ص 12 - 13. (3) Critisch ovorzicht van het Soeltanaat van Atjeh: H. Djajadiningrat . . . فى B.T.L.V, سنة 1911، جـ 55، ص 178، 182، 183، 186، 213. (4) Javaansche Primbon uit de Zestiende Eeuw: H. Kraemr ليدن سنة 1921، فصل 1 - 3 فى مواضع مختلفة. (5) المؤلف نفسه: Noord Sumatraansche invloeden op de Javaansche mystiek فى Djawa سنة 1924، جـ 4، ص 29 - 33. وانظر أيضا المصادر الأخرى الواردة فى صلب المادة. الشنتناوى [بيرك C.C. Berg] شهاب الدين " شهاب الدين" أحمد بن ماجد: ملاح عربى من أهل القرن الخامس عشر وصاحب كتاب فى أصول وقواعد الملاحة فى المحيط الهندى، والبحر الأحمر، والخليج الفارسى وبحر الصين الغربى، ومياه أرخبيل الملايو. ولما وصل فاسكو داجاما Vasco da Gama إلى مالندى Malindi على الشاطئ الشرقى لأفريقية عام 1498 استطاع أن يجد هناك ربانا يقوده مباشرة إلى

قاليقوط. وقد قص هذه الحادثة باختصار أحد بحارة حملة دا جاما (Roteiro da viagem de Vasco de Goma em MCCCCXCVII الطبعة الثانية التى حررها A. Herculano and Castello de Paiva لشبونة سنة 1861، ص 49) كما ذكرها بتفصيل أوفى المؤرخون البرتغاليون من أهل القرن السادس عشر وخاصة دامياو ده كويز (Chronica do serenissimo Rei D. Manuel: Damian de Goes، قويمرة سنة 1790، جـ 1، الفصل 38، ص 87) وكاستانهيدا Castanheda Historia do descrobimento e conquista da India pelos Portuguezes)، سنة 1833، الكتاب الأول، نهاية الفصل الثانى عشر وبداية الفصل الثالث عشر، ص 41) وباروس Barros (Da Asia العقد الأول، الكتاب الرابع، الفصل السادس، ص 319 - 320 من الطبعة الصغيرة لعام 1778) فورد اسم هذا الربان ماليمو كانكوا Malemo Canaqua فى كتابى كاستانهيدا وكويز؛ وماليمو كانا Malemo Cana فى بارّوس، أى معلم كنكة أو "أستاذ الملاحة التنجيمية". ويؤيد هذه الرواية نص عربى ورد فى كتاب "البرق اليمانى فى الفتح العثمانى (مخطوطاته مودعة تحت الأرقام 1644 - 1650 و 5927، المجموعة العربية بالمكتبة الأهلية بباريس) لقطب الدين النهروانى (1511 - 1582 انظر ما تقدم)، غير أن اسم الربان الذى ذكر فيه هو أحمد ابن ماجد. ويذكر قطب الدين أنه حدث بعد عدة محاولات لم يكتب لها النجاح أن وصلت سفينة شراعية كبيرة برتغالية إلى المحيط الهندى: " [وقبل وصولهم إلى الشاطئ الغربى للهند، وبينما كانوا أمام الشاطئ الشرقى لإفريقية] " لم يكف البرتغاليون عن السعى إلى الحصول على معلومات عن هذا البحر (بحر الهند الغربية) إلى أن وضع ملاح ماهر يدعى أحمد بن ماجد خبرته تحت تصرف البرتغاليين. وقد عقد زعيم الفرنجة ويدعى الملندى Al-milandi (= كلمة Almirante البرتغالية ومعناها أمير البحر Admiral) أواصر الصداقة بينه وبين هذا الملاح الذى كان مع أمير البحر البرتغالى. فلما لعب الشرب برأس الملاح أرشد أمير البحر إلى الطريق قائلا للبرتغاليين: لا تقربوا الشاطئ عند هذا الجزء (الشاطئ

الشرقى لإفريقية إلى الشمال من مالندى Malindi) بل أديروا الدفة رأسا صوب البحر المفتوح فتبلغوا الشاطئ (شاطئ الهند) وتكونوا فى حمى من الأمواج فلما اتبعوا هذه الإرشادات نجا كثير من السفن البرتغالية من الغرق، كما وصل كثير من السفن إلى بحر الهند الغربية (المخطوط رقم 1644؛ الورقة رقم 5 ب، جـ 1، ص 9 وما بعدها). والظاهر أن قصة السكر هذه مخترعة من أساسها، ويبدو أنها ضرب من الروايات الخيالية على أن الأقرب إلى العقل أن الأمر كان على خلاف ذلك، ومحصله أن المعلم العربى اتفق على أن يقود سفينة أمير البحر فى الأسطول البرتغالى نظير مكافأة حسنة وعد بها لقاء خدماته. وتذكر التقارير البرتغالية التى لم يكن لها مصلحة فى إخفاء الحقيقة، قصة أخرى مختلفة كل الاختلاف عما جاء فى النص العربى. ذلك أن باروس Barros الذى أسهب فى وصف هذه الحادثة إسهابا فاق غيره من الكتاب جميعًا، قال إنه بينما كان فاسكو داجاما فى مالندى جاءه جماعة من التجار الهندوس من مملكة كامباى Cambay فى كجرات لزيارة أمير البحر. وظن فاسكو أن هؤلاء الهندوس الذين خشعوا أمام تمثال العذراء إذ وهموا أنه تمثال لآلهة هندوسية، أعضاء فى إحدى الجماعات المسيحية التى كانت موجودة فى الهند من عهد القديس توما Thomas؛ وقد أقبل معهم مسلم من أهل كجرات (كذا) يسمى ماليمو Malemo (أى المعلم) كانا Cana أى كنكة وانضم هذا المعلم إلى صحبة رجالنا يلتمس المتعة بقدر ما يلتمس إرضاء الملك (ملك مالندى) الذى كان يبحث عن ربان يرشد البرتغاليين؛ واتفق على أن يرحل معهم (ليريهم الطريق إلى الهند). ورضى فاسكو داجاما عنه أعظم الرضا بعد أن تحدث معه، وخاصة بعد أن أطلعه هذا المسلم على خريطة الشاطئ الهندى بأسره مرسومه على غرار خرائط المسلمين المبين بها درجات الطول والعرض مفصلة غاية التفصيل دون تعيين أخنان الريح. ولما كانت المربعات (الحادثة من تقاطع خطوط الطول والعرض) صغيرة جدا فإن (اتجاه) الشاطئ كما يبينه

الخنان الشمالى الجنوبى والشرقى الغربى كان دقيقا أبلغ الدقة ولا يقتضى زحم الخريطة بذلك القدر من العلامات التى تدل على اتجاه الرياح والإبرة كما هو حادث فى خريطتنا البرتغالية التى اتخذت أساسا لغيرها من الخرائط. وأطلع فاسكو داجاما هذا المسلم على الإسطرلاب الخشبى الكبير الذى أحضره معه وغيره من الأسطرلابات المعدنية التى يقاس بها ارتفاع الشمس. ولم يبد المسلم أى عجب لدى رؤية هذه الآلات، وقال إن الربابنة العرب فى البحر الأحمر يستخدمون آلات من النحاس مثلثة الشكل ومزاول لقياس ارتفاع الشمس والنجم القطبى الذى يسترشدون به كثيرا فى الملاحة، ولكنه أضاف قائلا إنه هو وبحارة كمباى Cambay وجميع بحارة الهند يبحرون على هدى بعض النجوم الجنوبية والشمالية على السواء وغيرها من النجوم، المعروفة التى تعبر وسط السماء من الشرق إلى الغرب. وهم لا يقيسون ارتفاع الشمس بآلات مثل هذه (التى أطلعه عليها فاسكو دا جاما) بل يقيسونه بآلة أخرى استخدمها هو نفسه ثم أحضرها من فوره ليريه إياها (انظر عن هذه الآلات: Introduction Generale a la Geographie des Orientaux: Reinaud فى Geogr. d'Aboulfeda جـ 1، ص 142 وما بعدها)، وهى آلة من ثلاثة ألواح. أما ونحن نبحث فى شكل وطريقة استخدام هذه الآلة فى كتابنا فى جغرافية العالم (Geographia univercalis وهو كتاب قد ضاع الآن للأسف) فى الفصل الخاص بآلات الملاحة فحسبنا أن نذكر هنا أن هذه الآلة يستخدمها المسلمون فيما نستخدم نحن فيه بالبرتغال الآلة التى يسميها البحارة أربالستريل Arbalestrille وقد تنوولت هذه الآلة هى ومخترعوها فى الفصل الذى ذكرناه من كتاب جغرافية العالم. وشعر فاسكو دا جاما بعد هذا الحديث وغيره مع الربان العربى أنه وجد فيه كنزا عظيما (Parecialhe ter nelle hum grao thesouro) وأراد فاسكو أن يستبقى هذا الربان فأمر بالإقلاع بأسرع ما يمكن وأبحر إلى الهند فى الرابع والعشرين من أبريل عام 1498 (Da Asia، العقد الأول، الكتاب الرابع، الفصل السادس، ص 318 - 321 من

طبعة عام 1778). ويذهب كل من كويز Goes وكاستنهيدا Castanheda إلى أن الربان الذى نحن بصدده كان من أهل كجرات. أما باروس Barros فيذكر أنه مسلم من أهل كجرات؛ ووصف المؤرخين البرتغاليين لهذا الربان تعبير لغوى مأخوذ من لغتين: فكلمة ماليمو Malemo مرادفة للكلمة العربية معلم فى لغة الملاحة، أى أستاذ الملاحة، أما كلمة كانكوا Canaqua فمرادفة لكلمة كنكة وهى الصيغة التامولية للكلمة السنسكريتية كنكه ganaka أى مجنم "مُنَجم" (انظر The Book of Duarte Barbosa طبعة M.Longworth of Duarte . Hakl.Soc سنة 1921، جـ 2، ص 61/ 62 مع التصحيح الذى استدركه رونكل v.Ronkel فى Museum سنة 1925 رقم 1، ص 18). على أننا لا نشك فى أن ماليمو كانكوا Malemo Canaqua هذا هو أحمد ابن ماجد نفسه الذى ذكره صاحب كتاب البرق اليمانى. ونحن نعلم منه أن المعلم المشهور كان عربيا من سلالة عربية، وقد ولد فى جلفار. وخطأ كل من كويز Goes وكاستنهيدا وباروس، أو بالأحرى المصادر التى أخذوا عنها، واضح لا لبس فيه، ولكنى عاجز عن تفسيره. ونحن نعرف ابن ماجد أيضا من مصادر أخرى إذ يقول سيدى على أمير البحر التركى فى مقدمة مجموعته الخاصة بالإرشادات البحرية المسماه "المحيط": "فى خلال خمسة الأشهر التى مكثت فيها بالبصرة (فى عام 1554) واستمرت حتى بداية الرياح الموسمية، وأثناء رحلتى من البصرة إلى الهند التى استغرقت ثلاثة أشهر من بداية شهر شعبان حتى نهاية شهر شوال (2 يوليو = 27 سبتمبر عام 1554) لم تفتنى طوال هذه الأشهر الثمانية فرصة إلا اغتنمتها للتحدث فيها ليلا ونهارا عن المسائل البحرية مع ربابنة الشاطئ والملاحين (من أهل البلاد) الذين كانوا على ظهر سفينتى، فعرفت بذلك كيف كان ربابنة هرمز وهندستان القدامى: ليث بن كهلان، ومحمد بن شاذان، وسهل بن أبان يبحرون فى المحيط الهندى، وقد جمعت

أيضا الكتب التى كتبها الربابنة المحدثون، مثل أحمد بن ماجد من أهل جلفار باقليم عمان وسليمان بن أحمد وهو من أهل مدينة تسمى شحر من بلاد جرز (فى بلاد العرب الجنوبية) وكذلك الكتب المسماه: "الفوائد"، و"حاوية الاختصار" (لابن ماجد) و ("تحفة الفحول", "المنهاج" و"قلادة الشموس" لسليمان المهرى)، ودرست كل كتاب منها دراسة شاملة. والحق أنه كان من الصعوبة بمكان أن يبحر المرء فى المحيط الهندى دون الاستعانة بهذه الكتب. وقد كان الربابنة (الأجانب) والقواد والملاحون لا يعرفون كيف يبحرون فيه ومن ثم كانوا دائما لا يستغنون عن ربان يرشدهم، إذ لم تكن لديهم المعلومات الضرورية، ولذلك فكرت فى الأمر ووجدت أن الأمر يقتضينى على أقل تقدير أن أدون أهم ما فى هذه الكتب وأترجمه إلى التركية ثم أؤلف من بعد كتابا جيدا يستطيع من يرجع إليه أن يبلغ غايته دون حاجة إلى ربان أو طلب المشورة من ربان. وقد أتممت ترجمة ما ترجمته من هذه الوثائق العربية فى زمن قصير بمعونة الملك القدير (اللَّه). وشملت كتبى جميع عجائب الملاحة، ولذلك سميت "المحيط" أى "ما يحيط بشواطئنا وما يشملها جميعا" (Die topographischen Capitel des Indischen Seespiegels Mohit ترجمة M. Bittner مع مقدمة وثلاثين خريطة بقلم W.Tomaschek فينا سنة 1897 ص 53). ويذكر سيدى على من بعد ابن ماجد (ص 56) ويثنى عليه وينعته بأنه العمدة بين الملاحين، معلم بحر الهند. وأجدر الناس بالثقة بين المحدثين من كتاب الإرشادات البحرية. ونستطيع أن نقول بقدر ما نتبين من المقتطفات المطبوعة من كتاب المحيط لسيدى على أن هذا الكتاب ليس إلا الترجمة التركية -وهى ترجمة متوسطة القيمة فى كثير من مواضعها- لجزء من كتاب الطرق والتعليمات البحرية لابن ماجد وسليمان المهرى. ولم يحاول ماكسميليمان بتنر Maximilian Bittner ولا سلفه فون هامر von Hammer أن يتقصيا النصوص العربية التى ذكر عناوينها باختصار أمير البحر

التركى أو يتتبعا مؤلفيها. ولم يذكر أى تاريخ أدبى هذه الكتب، ولكنها ظهرت فى فهرس المخطوطات العربية بالمكتبة الأهلية تحت رقم 2292 ورقم 2559 (وقد حصلت هذه المكتبة على المخطوط الأول عام 1860، أما الثانى فيستدل من التعليق الذى كتبه القسيس السورى يوسف أسكارى أنه كان بالفعل ضمن المجموعة العربية سنة 1732)، ويضم هذان المخطوطان الثمينان جميع المؤلفات التى استغلها سيدى على كما يضمان نصوصا أخرى لم يكن فيما يظهر على علم بها. والمخطوط رقم 2292، وهو نسخة من الكتاب الأصلى يشتمل على 181 ورقة من مقاس 270 × 180 مليمترًا، وفى كل صفحة 19 سطرا، ويتضمن 19 كتابا فى الطرق والرسائل البحرية لابن ماجد نسخت على النحو التالى بيد ناسخ لم يعن كثيرا بتسلسل التواريخ: 1 - "كتاب الفوائد فى أصول علم البحر والقواعد"، الأوراق 1 - 88 أ (وهو النص الذى أطلق عليه سيدى على اسم فوائد) وهذا الكتاب بالنثر من اثنى عشر فصلا، وتاريخه عام 895 هـ (1489/ 1490 م). وتبحث الصفحات الأولى منه فى الأصول الأسطورية للملاحة والإبرة الممغطسة. ثم يتناول ابن ماجد منازل القمر الثمانية والعشرين، والنجوم التى تطابق أخنان البوصلة الاثنين والثلاثين، والطرق البحرية فى المحيط الهندى، وخطوط عرض عدد من الموانى فى المحيط وبحر الصين الغربى، والعلامات أو الإشارات التى تحدثها الطيور وتخطيط الشاطئ ومشارف الأرض (نتخة، وبالعربية ندخة) على الشاطئ الغربى للهند والجزائر العشر الكبيرة المشهورة (جزيرة العرب، وجزيرة القمر أو مدغشقر، وسومطرة، وجاوة، والغور أو فرموزة، وسيلان، وزنجبار والبحرين، وابن جاوان فى الخليج الفارسى، وسقطرة Soctora)، والرياح الموسمية المواتية للرحلة مع بيان التاريخ بالحساب الفارسى لكل ريح. وتختم هذه الرسالة بوصف للبحر الأحمر يذكر بالتفصيل مراسيه وأوشاله وشطآنه وشعابه. ويقول ده سلان (Catal ص 401) أن "أسلوب

الكتاب مسهب كل الأسهاب حافل بالمصطلحات الفنية التى لا يعرف معانيها إلا أولئك الذين جابوا المحيط الهندى". وهذا القول لا يصدق إلا بعضه فحسب، إذ لا شك أن نصى المخطوطين رقم 2292 ورقم 2559 قد أعدهما ملاحون لفائدة الملاحين. ولسوف تكون المصطلحات الكثيرة الواردة فيهما (وهو أمر كان متوقعا) هى والألفاظ البحرية التى أمدانى بها من الزيادات الهامة التى يمكن إضافتها إلى المعاجم العربية. 2 - "حاوية الاختصار فى أصول علم البحار" (وهو النص الذى ذكره سيدى على بعنوان "حاوية") وهو يتضمن الأوراق من 88 ب إلى 117 أوهذا النص من الرجز وقد قسم إلى أحد عشر فصلا ويبدأ الفصل الأول، بعد مقدمة نثرية مقتضبة من عشرين سطرا، ببحث الإشارات الدالة على قرب ظهور الأرض، وهى التى يجب أن يعرفها الربابنة. ويبحث الفصل الثانى فى منازل القمر والأخنان؛ ويبحث الفصل الثالث فى معرفة السنين العربية والقبطية والرومية والفارسية؛ ويبحث الرابع فى معرفة الباشيات، أى التصحيح الذى يجب إدخاله على مواقع بعض النجوم، والباشيات (كذا) ومواسمها وشهورها وثبات قياسها وزواله، وقد ذكرت تواريخ ذلك بالحساب الفارسى؛ ويبحث الفصل الخامس فى الطرق البحرية عند شواطئ بلاد العرب والحجاز وسيام (وسيام فى لغة ابن ماجد هى الشاطئ الغربى لشبه جزيرة الملايو، وكان فى تلك الأيام تابعا بأكمله لسيام). وآخر بر السودان (أى ساحل السودان)؛ ويبحث الفصل السادس فى الطرق البحرية عند شاطئ الهند الغربية فنازلا حتى البلاد التى تحت الريح (أى شرق رأس كمهر (قمران) Comorin فى قول ابن ماجد) مثل جزيرة بلتن Billiton عند الشاطئ الشرقى لسومطرة [بلاد] المهراجا = سومطرة (انظر الأوراق من 101 حتى 103) والصين وفرموزة ويبحث الفصل السابع فى الطرق البحرية على طول شاطئ الجزائر الشرقية: سومطرة، والفال أى لكاديف، ومدغشقر، واليمن، والحبشة والصومال، والأطواح فى بلاد العرب

الجنوبية، ومكران؛ ويبحث الفصل الثامن فى معرفة الحسابات من بر العرب إلى بر الهند؛ ويبحث الفصل التاسع فى عروض موانى البحر المحيط الواغل للشمال، أى بحر الهند الغربية؛ ويبحث الفصل العاشر فى الملاحة بالمعنى الدقيق لهذا اللفظ، وفى معرفة تيارات البحار العميقة والبحر المحيط الواغل بين بر السودان والهند والصين، أى المحيط الهندى المعروف فى خرائطنا؛ ويبحث الفصل الحادى عشر فى علم الفلك البحرى. والحاوية التى تذكر كثيرا فى الرسالة المتقدمة (رقم 1) مؤرخة فى الورقة رقم 116 على هذا النحو؛ تمت لشهر الحج فى جلفار ... أوطان أسد البحر فى الأقطار يوم الغدير أبرك الأيام ... إذ خصّ بالإحسان والصيام وكان فى الهجرة يا مولايه ... ستة وستين وثمان مايه أى فى الثامن عشر من ذى الحجة سنة 866 الموافق 13 سبتمبر سنة 1462؛ والأوراق من 117 حتى 123 بيضاء. 3 - أرجوزة فى الملاحة فى الخليج البربرى، وهو خليج عدن فى خرائطنا، من الورقة رقم 123 إلى الورقة رقم 127. وتاريخها عام 890 هـ (1485 م). 4 - رسالة منظومة صدرت بمقدمة فى ثلاثة وثلاثين سطرا بالنثر، وعنوانها "قبلة الإسلام فى جميع الدنيا". ويذكر المؤلف أن هذه المنظومة قد أعدت "خصوصا فى المدن اللواتى بقرب البحر وجزره التى يمر بها المسافر" وتاريخها سنة 893 هـ الموافقة 1488 م، وتشغل الأوراق من 128 إلى 137. 5 - أرجوزة "بر العرب فى خليج فارس"، من الورقة 137 حتى الورقة 139، وتاريخها غير معلوم. 6 - أرجوزة فى قسمة الجمة على أنجم بنات نعش من كوكبة الدب الأكبر وكوكبة الدب الأصغر)، الأوراق من 139 إلى 145، وتاريخها عام 900 هـ الموافق 1494 -

1495 م. 7 - أرجوزه عنوانها "كنز المعالمة وذخيرتهم فى علم المجهولات فى البحر والنجوم والبروج وأسمائها وأقطابها Poles"؛ وهى غير مؤوخة، ولكن يستدل من محتوياتها على أنها وضعت قبل عام 1489، وهى من الورقة رقم 145 حتى الورقة 147. 8 - أرجوزه فى النتخات لبر الهند وبر العرب من خط عرض 25 شمالا حتى خط عرض 60 شمالا؛ وتاريخها غير معروف. وهى من الورقة رقم 147 حتى الورقة رقم 154. 9 - الأرجوزة المسماة بميمية الأبدال، وتاريخها غير معلوم وهى تبحث فى بعض النجوم الشمالية، من الورقة رقم 154 حتى الورقة رقم 156. 10 - أرجوزة المخمسة، وتبحث فى بعض النجوم الشمالية؛ وتاريخها غير معلوم، من الورقة رقم 156 حتى الورقة رقم 157. 11 - منظومة فى 13 بيتًا من قافية النون تبحث فى الشهور الرومية، وتاريخها غير معلوم (قبل عام 1489). 12 - أرجوزة عنوانها "ضريبة الضرائب" وتبحث فى استخدام بعض النجوم فى أغراض الملاحة، وتاريخها غير معلوم، وهى من الورقة رقم 158 حتى الورقة رقم 163. 13 - الأرجوزة المنسوبة لأمير المؤمنين على بن أبى طالب فى معرفة المنازل وحقيقتها فى السماء وأشكالها وعددها، على التمام والكمال. وتاريخها قبل عام 1489، وهى من الورقة رقم 163 حتى الورقة رقم 165. 14 - منظومة رائية عنوانها "القصيدة المكية" وتبحث فى الطرق البحرية من جدة إلى رأس فرتك (بلاد العرب الجنوبية)، وكالكوت (قاليقوط) ودابول (الديبل)، وكنكن Konkan وجوزرات (كجرات، الهند الغربية) وإلى الأطواح، وهراميز (هرمز)، وتاريخها غير معلوم، من الورقة رقم 164 حتى الورقة رقم 169. 15 - القصيدة الرائية المسماة "نادرة الأبدال، فى الواقع وذبان "العيوق" من الورقة رقم 169 حتى الورقة رقم

171؛ وتاريخها قبل عام 1489. 16 - القصيدة البائية المسماة "الذهبية"، من الورقة رقم 171 حتى الورقة رقم 176: وتاريخها قبل عام 1489. وتتناول هذه المنظومة بحث الشعاب، والأعماق السحيقة، وما يفعله المرء عندها، والمغارز، والعلامات الدالة على الأرض مثل الطيور والريح؛ وظهور مشارف الأرض عند الرؤوس إبان الرياح الموسمية التى تهب من الجنوب الغربى، وظهور البر والريح تهب من الغرب؛ وهى مذكورة فى ورقة رقم 40، فصل 10، ويرجع تاريخها إلى عهد السلطان المملوكى الأشرف سيف الدين قايتباى (873 - 901 هـ = 1468 - 1495 م). 17 - أرجوزة تبحث فى رصد الضفدع وهو النجم a من برج الحوت الجنوبى إذا كان الضفدع الأول أو النجم B من برج الحوت إذا كان الضفدع الثانى. وهذه المنظومة نونية وتسمى الفائقة، وتشمل الأوراق من 176 حتى 178 وقد كتبت قبل عام 1489. 18 - أرجوزة من قافية العين وتسمى البليغة، وتبحث فى رصد نجمى سهيل والسماك الرامح، وتشمل الأوراق من 178 حتى 179 وتاريخها غير معلوم. 19 - تسعة فصول قصيرة بالنثر غير مؤرخة، وهى تبحث فى مسابر الأغوار فى أجزاء مختلفة من المحيط الهندى، من صفحة 179 حتى صفحة 181 وهى الصفحة الأخيرة. أما المخطوط الثانى من المجموعة العربية المحفوظة بالمكتبة الأهلية بباريس تحت رقم 2559 فهو من الحجم المتوسط، طوله 215 مليمترا وعرضه 150 مليمترا، ويشتمل على 187 ورقة، وكل صفحة من خمسة عشر سطرا ويضم الرسائل التالية لابن ماجد: 20 - الأرجوزة المسماة "السبعية" (مقسمة إلى سبعة فصول) لأن فيها سبعة علوم من علوم البحر، وهى من الورقة رقم 93 حتى الورقة رقم 103، وتاريخها عام 888 هـ (1483 م). ويشار إليها فى النهاية بأنها "الأرجوزة

المعظمة". وقد أعيد إثبات القصيدة الذهبية (انظر رقم 16 فيما سبق) فى الأوراق من 103 حتى 109. 21 - قصيدة قافية تبحث فى الفلك، من الورقة 109 حتى الورقة 111، وتاريخها قبل عام 1489. 22 - قصيدة عنوانها ". . . والقياس عليه (كذا! ) وعلى نجوم تليق للنتخات وصفات المناتخ والبرور من الديو إلى دابول، (الديبل) وهى من الورقة 111 حتى الورقة 116. والعنوان الصحيح لهذه المنظومة البحرية وارد فى الصفحة رقم 116 فى البيت الآتى: "سميتها هادية المعالمه ... لأنها من العيوب سالمة" وهو يقول فى آخر هذه القصيدة "تمت القصيدة المسماة الهادية" وتاريخها قبل عام 1489. وتحوى الرسالة البحرية الأولى (1) أيضا بعض شواهد شعرية مأخوذة من عشر رسائل أخرى لابن ماجد لم تصل إلينا (23 - 32). ويمكن ترتيب هذه الرسائل الاثنتين والثلاثين بحسب تسلسلها الزمنى كما يأتى: - (أ) 1462: الحاوية (2) (ب) 1483: السبعية (20) (ج) 1485: الأرجوزة الخاصة بالملاحة فى خليج عدن (3) (د) 1488: المنظومة الخاصة بقبلة الإسلام (4) (هـ) 1489 - 1490: كتاب الفوائد (1) (و) 1494 - 1595: الأرجوزة (6) وقد ذكرت نصوص 6, 11، 13، 17، 21 - 30 فى بند هـ أ، وهذا يضعها فى الفترة السابقة على عام 1462. والرسالة 15 سابقة على الرسالتين 16 و 14 اللتين تشيران إليها. والرسالة التاسعة سابقة على الرسائل 15، 16، 12 أكثر من الرسالة رقم 14 والرسائل 8، 10، 18، 19 ليس بها أية إشارة تمكننا من تعيين تواريخها ولو على وجه التقريب. وتقع الفترة التى نشر خلالها ابن ماجد رسائله الثلاثين البحرية بين تاريخ غير محقق سابق لعام 1462

وعام 1489/ 1490. وليس من شك فى أن أهم كتاب لهذا المعلم المشهور سواء من حيث حجمه أو من حيث قيمته العملية هو كتاب الفوائد (رقم 1). ويحتوى هذا الكتاب على 178 صفحة (من الورقة 1 حتى الورقة 88 مع 48 صفحة مكررة)، وفى كل صفحة 19 سطرا، أى أنه يشتمل على 3382 سطرًا يضاف إليها تعليقات على الهامش من سطر أو عدة أسطر ترد فى 27 صفحة. وهذا الكتاب الذى تم سنة 1489/ 1490 ملخص فيما يظهر للمعلومات المعروفة عن الملاحة النظرية والعملية، ومن ثم فهو أوفى وأحسن من النتيجة التى تتحصل من التجربة والعمل الفردى؛ ولا مناص من أن نعده مزاجا من العلوم البحرية التى كانت معروفة فى السنوات الأخيرة من العصور الوسطى. وابن ماجد فى الوقت نفسه هو أقدم كتاب الإرشادات البحرية المحدثين. وكتابه جدير بالإعجاب، ذلك أن وصفه لبحر القلزم مثلا لا يفوقه بل لا يدانيه أى وصف آخر لأى كاتب فى الإرشادات البحرية للمراكب الشراعية بصرف النظر عما وقع فيه من أخطاء فى العروض لم يكن ثمة حيلة فى تجنبها. والمعلومات الواردة عن الرياح الموسمية والرياح المحلية والطرق والعروض الخاصة بعبور المحيط الهندى كله دقيقة ومفصلة على خير ما يمكن أن نتوقعه من ملاحى ذلك العهد. وكانت دراية ابن ماجد بأندونيسيا أقل من درايته بالقارة وجزائر المحيط الهندى. فقد وقع فى خطأ لا يمكن لنا تفسيره، إذ جعل موقع جاوة من الشمال إلى الجنوب على عكس اتجاهها الصحيح؛ وهذا الخطأ نفسه تكرر فى رسائل سليمان المهرى (المخطوط رقم 2559) الذى عاش فى النصف الأول من القرن السادس عشر، وانتقل الخطأ منه إلى الترجمة التركية التى قام بها سيدى على. وهذا هو التصحيح الهام الوحيد الذى تقتضيه الحال. وقد جاء فى المخطوط رقم 2292 عرضا لبعض المعلومات عن سيرة ابن ماجد وأسرته، فهو يسمى شهاب الدين أحمد بن ماجد محمد بن عمر بن فضل

ابن دويك بن يوسف بن حسن بن حسين بن أبى معلق السعدى بن أبى الركايب النجدى (ورقة 2، أسفلها). وهو يلقب نفسه بلقب ناظم القبلتين (مكة وبيت المقدس) حاج الحرمين الشريفين، خلف الليوث (الأوراق 137 أ, 65 أ، 145 ب، 147 ب) أسد البحر الزخار" (ورقة 88 وما بعدها)؛ ويقول أيضا فى الورقة رقم 117 أ: "أنا أحمد ابن ماجد المعلم العربى". وجاء فى بعض صفحات المخطوط رقم 2292 أن أبا ابن ماجد وجدّه كانا معلمين وصاحبى رسائل بحرية وأن ابنهما وحفيدهما قد أتم عملهما. وهو يقول فى صفحة 78 أ: "ولم نذكر شيئا من بحر القلزم قلزم العرب، فيجب أن نذكره. إن فيه نوادر وحكم لم يذكرها إلا من جرّبها لأنه على طريق الحجاج. وقد كان جدّى عليه الرحمة محقق فيه ومدقق ولم يقر لأحد فيه، وزاد عليه الوالد رحمة اللَّه عليه بالتجريب والتكرار وفاق علمه علم أبيه، فلما جاء زماننا هذا وكررنا قريبا من أربعين سنة وقد حرّرنا وقررنا علم الرجلين النادرين وورَّخناه وجميع ما جربناه وأرخناه انكشف لنا عن أشياء وحكم لم يجمعها فى زماننا شخصا واحدا إلا أن يكون عدة شخوص متفرقة". وهو يذكر فى ص 78 ب: "وكان الوالد عليه الرحمة يسمونه الربابين: ربان البرين (شاطئ بحر القلزم) ونظم الأرجوزة المشهورة الحجازية فوق ألف بيت. ومع ذلك كله قد أصلحنا له منها ما رأينا فيه الخلل ورتبنا ما لم يكن فيها، وتوجد إشارة أخرى إلى هذه الأرجوزة فى صفحة 81 أ. ويقول ابن ماجد (ص 87) بخصوص الشعب الذى عند الشاطئ الشرقى لبحر القلزم المجاور لجزيرة المرما إلى الجنوب من خط عرض 20 إن أكثر أهل هذا الزمان سموه "ظهرة ماجد لأن أباه كان يربط فيها (أى يرسو) " وهذا دليل على شهرتها بين الملاحين فى أيامه. وقد أظهر ابن ماجد فى مناسبات كثيرة ثقته التامة فى أقوال أبيه التى كانت تختلف عن تجارب ملاحى القرن

الخامس عشر. فقد قال فى صفحة 84 أ: "وكانت سلامتى على أقوال الوالد لا على الربان"، وهو يبين من بعد مستشهدا بحادث وقعت له فعلا أن ثقته هذه بعلم أبيه كان لها ما يبررها فهو يذكر فى صفحة 84 ب: "ولما أرسينا فيها (بين أسما ومسند، وهما جزيرتان عند الشاطئ الغربى لبحر القلزم إلى الجنوب من خط عرض 17) سنة 890 هـ (1485 م) واتفق الناخوذة والربان على الصراية بين أسما وبين مسند فلم أطاوعهم على ذلك لأنى رأيت فى أرجوزة الوالد أنه لم يكن بينهم طريق فى قربهم فإذا تباعد وحَوَتهم الشعبان، ولم يكن طريق إلا على باعين" ويمضى ابن ماجد فى الكلام قائلا: "واستشرنا بعضنا بعضا فقلت لهم الرأى إرسال سنبوق (نوع من الزوارق) قبلنا بيوم واحد، فراح السنبوق وعنده البلد (رصاصة سبر الأغوار) فوجد الماء باعين ولم يتغاير السنبوق فرجع بين مسند وساسوه فوجد الطريق فجاء لنا آخر النهار. وكانت أرجوزة الوالد (الأقوال الواردة فيها) خيرا من جميع ميراثه". أما فيما يختص بالأصول الأسطورية للملاحة، والإبرة والبوصلة، والإسطرلاب، فيقول ابن ماجد: "وأول من صنع السفينة (ص 2، أسفلها من المخطوط رقم 2292) نوح عليه السلام بإشارة جبريل عليه السلام عن البارى عز وجل، وقد رتبت على صفة الخمسة الأنجم (كذا! ) من بنات نعش الكبرى، عجزها ثالث النعش (ورقة 13) وهيرابها الرابع والخامس والسادس وصدرها سابع النعش. وإلى عصرنا هذا (1489 م) أهل الزنج (الساحل الشرقى لإفريقية الاستوائية) والقمر (مدغشقر) والريم (مريمة الساحل الإفريقى قباله زنجبار) وأرض سفالة يسمون الخامس من النعش والسادس الهيراب، وهما نجمى القياس عند استقلال الصّرفة (B من برج الأسد) عند عدم الفراقد (B و Y من كوكبة الدب الأصغر) لأنهم على صفتهم على صفة هيراب سفينة نوح واختلف الرواة فى طولها وعرضها، وقيل إنها كانت أربع ماية ذراعا طول وماية ذراع

عرض، وماية ذراع عمقا، محتومة بغير دقل ولها مقذافين (عند مؤخرتها ليقوما مقام الدفة). فلما صارت السفينة وضرب الطوفان ركبها نوح عليه السلام ومن معه فحملتهم وأنجتهم من الطوفان والغرق؛ وقيل إنها طافت بالبيت سبعة أشواط، وكان البيت يومئذ رمل أحمر لم يبنى عليه ولم يناله الطوفان". "فلما استوت السفينة (ورقة 3 ب) وتعلمت الناس صنعة السفن على جميع سواحل البحر فى جميع الأقاليم التى قسمها (اللَّه) بين أولاده (أى أولاد نوح): يافث وسام وحام، وهو آدم الثانى فصار كلا يعمل السفن فى البحريات والخلجان وأطراف البحر المحيط حتى انتهت الدنيا لعصر بنى العباس (132 هـ = 750 م) فكان استقامة ملكهم ببغداد وهى عراق العرب. وكان خراسان جميعه لهم، والطريق من خراسان لبغداد بعيدة مسيرة ثلاثة أشهر أو أربعة". "وفى ذلك العصر (أى فى عهد العباسيين) الثلاثة الرجال المشهورين محمد بن شاذان، وسهل بن أبان، وليث ابن كهلان ما هو ابن كاملان؛ وقد رأيت ذلك. فى رسالة لإسماعيل بن حسن ابن سهل بن أبان) بخط ولد ولده (أى ولد ولد سهل) فى رهمانى (أورهمانك، وبالبهلوية راهنامك أى "كتاب الطريق") تاريخه خمسماية وثمانين سنة فاغتنوا بتأليف هذا الرهمانى الذى أوله إنا فتحنا لك، ولم يكن فيه أرجوزة ولا قيد إلا فى كتاب ملفق لا له آخر ولا له صحة يزاد فيه وينقص، وهم مؤلفين لا مصنفين ولم يركبون البحر إلا من سيراف إلى بر مكران (ورقة 24) سبعة أيام، ومن مكران إلى خراسان شهرا واحدا فاستقربوا الطريق وهى مسيرة ثلاثة أشهر من بغداد، وصاروا يسألون عن كل بر أهله ويؤرخونه". "وكان فى زمانهم من المعالمة المشهورين عبد العزيز بن أحمد المغربى وموسى القندرانى، وميمون بن خليل وألف قبلهم (كذلك) أحمد بن تبرويه (الذى كان قد كتب رسائل بحرية)، وأخذوا الوصف من المعلم خواشير بن يوسف بن صلاح الأركى (الإفريقى) وكان يسافر فى عام أربعمائة من

الهجرة النبوية وما قارب منها فى مركب (وكان قد كتب قصة رحلته) دبوكره الهندى. وكان فى عصرهم من النواخيذ المشهورة أحمد بن محمد بن عبد الرحمن بن أبو الفضل بن أبو المُغَيْرى (المغيرى)، وكان أكثر علمهم فى صفات البرور ومسايرات البرور أكثرها من تحت الريح (الأراضى التى إلى الشرق من رأس قمران) وبر الصين وقد اندرست تلك البنادر والمدن التى وصفوها) وتنكرت أسمائها. ولم يستفد فى زماننا هذا (القرن الخامس عشر الميلادى) شيئا له صحة كعلومنا وتجاربنا واختراعاتنا التى فى كتابنا هذا، لأنها مصححة مجربة وليس على التجريب شئ منّة ونهاية المتقدم بداية المتأخر. وقد عظمنا علمهم وتأليفهم وجللنا قدورهم رحمة اللَّه عليهم بقولنا: أنا رابع الثلاثة، وربما فى العلم الذى اخترعناه فى البحر ورقة واحدة تقيم فى البلاغة والصحة والفايدة والدلالة بأكثر مما صنفوه ورقة 4 ب). "فيأخذوا هؤلاء الثلاثة الوصف والقوة من هؤلاء المذكورين وغيرهم، فيأخذون من كل أحد معرفة برّه وبحره ويؤرخونه وهم مؤلّفون لا مجربين، ولم أعلم لهم رابع غيرى، وقد وقرتهم بقولى إنى رابعهم لتقدمهم فى الهجرة فقط. وسيأتى بعد موتى زمانا ورجالا يعرفون لكل أحد منا منزلته. ولما أطلعت على تأليفهم ورأيته ضعيف بغير قيد ولا صحة بالكلية ولا تهذيب هذبت ما صح منه وذكرت الاختراعات التى اخترعتها وصححتها وجربتها عام بعد عام فى نظم الأراجيز والقصائد وفى هذا الكتاب عام ثمانين وثمان مايه هـ (1475 - 1476 م) فاستحسنوه الماهرين من أهل هذا الفن وعملوا به واعتمدوا عليه فى شدايدهم مثل رؤيا الجبال ومثل القياسات وأسماء النجوم ومعرفتها والهداية عليها، ولم يعلمون أهل زمانى على ما ألفوه القدماء إلا قليلا مثل الدير الصحيحة والترفات والرحوبات وأما الشقاقات فلا، وقد ذكرناها فى شرح الذهبية، وسنذكرها فى غير هذا المكان". "وفى الحقيقة إن الناس كانوا فى الزمان الأول أكثر حزما ولا يركبون البحر إلا باهلة من شدة الحزم والخوف

والحذر من البحر، ويعدّون للمركب اعتدادا جيدا ولا يؤخرون الموسم ولا يشحنون المركب غير العادة. ونحن أكثر منهم علما وتجربة، وكل فن من فنون البحر له أصل فاصل للسفينة ذكرناها أنه من نوح عليه السلام. وأما المغناطيس الذى عليه المعتمد ولا تتم هذه الصنعة إلا به وهو دليل على القطبين فهو استخراج داوود عليه السلام، وهو الحجر الذى قتل به داوود جالوت. وأما منازل القمر وبروجه تصنيف دانيال عليه السلام وزاد فى ذلك الطوسى رحمه اللَّه تعالى توفى سنة (1261 م). . . . . رجعنا للبحث الأول؛ وأما نجوم أخنان الحقة وأسمائها هو تصنيف قديم قبل الليوث المتقدم ذكرهم رحمة اللَّه عليهم، وهى تقريبية وأزوامها (الزوم مسيرة ثلاثة ساعات بالبحر) تقريبية لا حقيقية، ولذلك صفات البرور التى جربناها وحررناها (رقم 5 ب) ودلنّا على ذلك كثرة التجربة وصفة البرور ومررنا عليها أحسن من تصنيفهم". "وأما ضرب بيت الإبرة بالمغناطيس (أى البوصلة) قيل إنها من داوود عليه السلام لما خرج فى طلب ماء الحياة ودخل الظلمة وبحره ومال لأحد الأقطاب حتى غابت عنه الشمس، قيل اهتدى بالمغناطيس، وقيل اهتدى بالنور؛ والمغناطيس (ورقة 6 أ) حجر يجذب الحديد فقط؛ والمغناطيس كل شئ ما جذبه إليه. وقيل إن السبع السماوات والأرض معلقات بمغناطيس القدرة وقال الناس فى ذلك أقوال كثيرة، وقيل إنها من الخضر". ويمضى ابن ماجد فى قوله (ورقة 14 أ، سطر 3 من أسفل): "وأصل القياس (أى الرصد الفلكى) أسطرلاب إدريس عليه السلام، وهو مصنف الأسطرلاب للدرج، فجعلوا (أى القدماء) الدرج أصابع وقد ذكروه فى قصة مدينة النحاس، وقد رتبوه غير الثلاثة: محمد بن شاذان وأصحابه (أى صاحبيه) لأن المركب يسافر فى البحر الكبير بالقياس من عصر الأنبياء عليهم السلام، وهو لا الثلاثة جاءوا على عصر العباسية، وهذا النقل من تواريخهم بخط أيديهم". وقد شاد ابن ماجد بفضل أسلافه بقوله فى مناسبات مختلفة إنه "رابع الثلاثة" أو "رابع الليوث" على أنه لم

يفته أن يحذر الملاحين من الثغرات والأخطاء الواردة فى تصانيفهم، وهو يقابل بينها وبين المعلومات التى جاء بها فى مجموعة رسائله عن الأرشادات البحرية Nautical Instructions، فيقول (الورقة رقم 31 من المخطوط رقم 3292: "سُهيل، وهو يطلع عن القطب الجنوبى فى مئتين اثنين وعشرين من النيروز بالفجر ويغيب فى أربعين النيروز فإذا سألت أحدا من ركاب البحر لم يعرف هذا أبدا إن لم يطلع هذا الكتاب ما عرف هذه المسألة ولو قرأ فى مصنفات محمد بن شاذان وأصحابه مائة سنة". ويتضح من فقرة وردت فى المخطوط رقم 2559 (ورقة رقم 126 ب، سطر 5 وما بعده) أن تصانيف القدماء، أى الثلاثة المعهودين، كان يرجع إليها بعد فى النصف الأول من القرن السادس عشر. ويستدل من نص رسائل ابن ماجد أن الثلاثة: وهم محمد بن شاذان، وسهل بن أبان وليث بن كهلان، لم يكونوا معلمين ولا رؤساء بحر ولا ملاحين وانما كانوا علماء من أصحاب التواليف فى الطرق البحرية أفادوا فى تصانيفهم من رحلات الربابنة. وتذكر هذه الفقرة التى نحن بصددها من كتاب الفوائد (رقم 1) علاوة على ذلك واقعتين محددتين هما: أن هؤلاء الثلاثة أو على الأقل سهل بن أبان كان يعيش فى النصف الأول من القرن الثانى عشر للميلاد، وأن اخبار الرحلات المذكورة آنفا تشتمل بصفة خاصة على أوصاف البلاد التى تحت الريح (شرق رأس قمران والصين). ونستطيع أن نذهب إلى أن مصنفات هؤلاء الثلاثة كانت تعتمد على أخبار الرحلات فتى الهند، وما وراء الكنج فى الهند، وأندونيسيا والصين، مثل رحلات التاجر سليمان التى نشرت عام 851 ثم نقحها وزاد عليها أبو زيد حسن حوالى عام 916 (10)، وأبو زيد هذا، وهو من هواة العلوم الجغرافية، كان يعيش فى بغداد وفيها جمع كل المعلومات التى أمكنه العثور عليها فى المخطوطات أو استقاها من الملاحين فى عهده. والظاهر أن ذلك هو ما فعله الثلاثة الذين يقول ابن ماجد أنه رابعهم لأنه يشير صراحة إلى أنه يختلف عن الآخرين فى أنه يكتب عن مسائل السفر فى البحر معتمدا على تجاربه الشخصية الطويلة.

ويذكر ابن ماجد أن مصنفات هؤلاء الثلاثة قد ذكرت مدنًا وموانى لم يعد لها وجود فى القرن الخامس عشر. وهذه إشارة إلى أسماء الأماكن القديمة التى كان من الممكن أن تكون ذات فائدة عظمى فى تعيين الأسماء الجغرافية المحفوظة فى النصوص الصينية وفى الأثبات التى ذكرها بطلميوس. غير أننا فقدنا الآن هذا المصدر من المعلومات، على أن من المهم أن نعرف أنه كان موجودا فى وقت من الأوقات. وكل شئ ممكن الحدوث فى المشرق لا نستثنى من ذلك إمكان العثور على مخطوط لواحد من الثلاثة، وليكن أحمد ابن تبرويه أو خواشير بن يوسف بن صالح الإفريقى. وإن حيازة المكتبة الأهلية بباريس للمخطوطين رقم 2292 ورقم 2559 من المصادفات السعيدة التى لا يكف المرء عن الرجاء فى أن تتكرر. والظاهر أن كتاب الفوائد (أ) الذى اتضحت لنا أهميته من الملخصات والمقتطفات التى سقناها آنفا هو ثمرة تجارب ابن ماجد الناضجة؛ ونحن لا نعرف تاريخ مولده؛ وإذا كان قد بلغ الخامسة والعشرين أو الثلاثين فى سنة 1462 عندما كتب الحاوية (2) فإنه يكون قد بلغ الثانية والخمسين أو السابعة والخمسين عندما ظهر كتاب الفوائد (أ) وبلغ الثالثة والخمسين أو الثالثة والستين فى الوقت الذى أتم فيه المنظومة (رقم 6) التى تاريخها 1494 - 1495 م. وقد وصل فاسكوداجاما إلى مالندى فى أبريل من عام 1498 ومنها أبحر معه ابن ماجد ربانا له. ونحن لا نعرف تاريخ وفاة هذا المعلم. ويذكر جيمس برنسب James Prinsep أن ذكرى ابن ماجد كانت لا تزال حية فى الهند وجزر ذيبة المهل فى النصف الأول من القرن التاسع عشر. فقد قال: "لقد سعيت إلى الحصول على بوصلة عربية. ولكنى لم أعثر على واحدة منها فى أية مركب ثم وجد صديقى سيد حسين سيدى أخيرا رسمًا لها فى كتاب من كتب الملاحة البحرية العملية يسمى كتاب ماجد أو كما أسماه صديقى المنتسب إلى هذه الجزائر على سبيل الفكاهة "كتاب جون هاملتون العرب" John Hamilton Kitab of the Arabs جده فى حوزة ناخوذة، فقطع الورقة دون

كلفة ليرينى إياها فقد كان الربان يخشى أن يفارقه الكتاب إذ هو خليق بدونه أن يتعرض لخطر جسيم من غير شك فى عودته من رحلته (Note on the Nautical Instruments of the Arabs فى مجلة الجمعية الأسيوية البنغالية J.A.S.B سنة 1836، جـ 2، ص 788) ومن البين أنه يشير هنا إلى كتاب يشبه المخطوطين رقم 2292 ورقم 2559 مع بعض لوحات إضافية تبين الآلات المستخدمة فى الملاحة وكذلك بعض الخرائط، بل لعله كان نسخة من المخطوط رقم 2292 ومن ثم كان اسمه كتاب ماجد". ويقول برتون R.F.Burton فى كتابه Eirst Footsteps in East Africa or an Exploration of Harar (لندن سنة 1856، ص 3 - 4) "إنه فى يوم الأحد الموافق 29 أكتوبر سنة 1854 أعلن أنه قد تمت جميع الاستعدادات المختلفة وبارك صديقى س رحلتنا. وفى نحو الساعة الرابعة مساء أقلعنا من مالا بندر Maala Bunder) ذلك الجزء من ميناء عدن المخصص لمراكب الوطنيين) وأخرجنا ملابسنا الخفيفة، وأبحرنا هابطين الميناء المتلظى من الحرارة وعندما مررنا بسفينة الحراسة سلمنا جواز المرور. وقبل أن ندخل فى عرض البحر كررنا تلاوة الفاتحة تمجيدا للشيخ ماجد (كذا) مخترع البوصلة البحرية، وكانت السفينة ترقص بنا عند المساء فوق سطح البحر اللامع الصافى، ويضيف برتون فى تعليق له. قائلا: "ولسوف يكون من الأمور العجيبة أن يكف المشارقة عن نسج القصص حول أصل اختراع مثل الدائرة أو البوصلة. ويقال إن الشيخ ماجد كان وليا من أهل الشام رزقه اللَّه القدرة على النظر فى الأرض كأنها كرة فى يده ويتفق معظم المسلمين على نسبة هذا الأصل للدائرة، ولا يزال كل ملاح تقى يقرأ الفاتحة تمجيدا لهذا الرجل الورع، وتدعو جميع الدلائل إلى الاعتقاد بأن الشيخ ماجد كان وليا من أهل الشام، غير أن المعلم ابن ماجد قد وجد له مكانا بين سير الأولياء المسلمين للخدمات الجُلى التى أدتها كتبه للملاحين هنذ القرن الخامس عشر، وهذا الأمر واضح، كما أن هناك حالات كثيرة معروفة من هذا القبيل. وفى عام 1913 قام زميلى

المصادر

وصديقى المرحوم بول أوتافى paul Ottavi الذى عاش نحو خمسة عشر عاما فى زنجبار ومسقط ببحث فى هذه المراكز البحرية عن المؤلفات البحرية لابن ماجد وسليمان المهرى، غير أن اسمى هذين المعلمين كانا غير معروفين عند الملاحين العرب هناك. المصادر: (1) Extracts from the Mohit, that is the Ocean, a Turkish work on Navigation in the Indian Seas: V.Hammer، فى مجلة الجمعية الأسيوية البنغالية سنة 1834، ص 545 - 553 سنة ص 1836، ص 441 - 468؛ سنة 1837، ص 805 - 812؛ سنة 1838، ص 767 - 780؛ سنة 1839، ص 823 - 830. (2) Extractos da historia da historia da conquista do Yaman pelos othmanos: D.Lopes، بحث مقدم من الجمعية الجغرافية إلى المؤتمر الدولى للمستشرقين فى جلسته العاشرة لشبونه عام 1892. (3) Del Muhit o descrizione dei mari delle Indie dell'ammiraglio turco Sidi Ali detto Kiatib-i-Rum, R.R.A.L: L.Boneli، سنة 1894، ص 751 - 777 (4) المؤلف نفسه: Ancora del Muhit o descrizione dei mari delle Indie, ibid، سنة 1895، ص 36 - 51 (5) Zum W.Z.K.M., Indischen ocean des Sidi Ali: M. Bittiner, جـ 10 (6) Les sources arabes du Muhit turc: nes: M. Goudeferoy-Demomby المجلة الأسيوية، المجموعة العاشرة، جـ 20، سنة 1912، ص 547 - 550 (7) Relations de voyages et textes geographiques arabes, persans et turks relatifs a L' Extreme-Orient du VIlle au XVIIIe siecles: G.Ferrand، جـ 2، باريس سنة 1914؛ ص 484 - 541. (8) المؤلف نفسه Le Pilote arabe de Vasco de Gama et les instructions nautiques des Arabes au XVe siecle فى Annales de geographie باريس سنة 1922، ص 290 - 307.

التعليقات

(9) المؤلف نفسه: Instructions nautiques et routiers arabes et portugais des XVe et XVIe siecles, I, Le pilote des mers de L'Inde, de la Chine et de L'Indonesie par Shihab ad-din Ahmad bin Majid، النص العربى، باريس سنة 1923 (عن نص سليمان المهرى ومجلدات الترجمة). (10) المؤلف نفسه: L'element per San dans Les toxtes nautiques arabes des XVe et XVIe siecles, المجلة الأسيوية سنة 1944، ص 193 - 257. التعليقات: 1 - هناك نسخ كثيرة فى أوربا وفى المشرق. 2 - لقد كشف مصادفة فى دمشق عن نسخة أخرى من المخطوط رقم 2292، وهى محفوظة فى المجمع العلمى العربى؛ انظر مجلة المجمع العلمى العربى، فبراير سنة 1921، دمشق، ص 33 - 35. ووجدت نسخة أخرى ناقصة من المخطوط رقم 2559 بجدة حيث تفضل زميلى أحمد زكى باشا بالتحرى عنها نيابة عنى. 3 - إن استخدام هذا التعبير الشيعى المشهور بدلا من الكلمة العربية المألوفة يبين أن المؤلف كان هو نفسه على ما يظهر من الشيعة أو على الأقل كان هواه مع أنصار على. 4 - إن كلمة النتخات الواردة هنا تؤخذ بمعنى اكتشاف رأس أو أرض لتمكين المرء من التحقق من الطريق. 5 - التورية فى اسم سلفه ليث بن كهلان (الليث كلمة مرادفة للأسد فى العربية). 6 - انظر عن هذا اللفظ الهام: المجلة الأسيوية سنة 1924، ص 209 - 215. 7 - إن الكتاب الذى نحن بصدده مؤرخ فى كل الأحوال بعام 895 للهجرة. - لم يصل الينا هذا الشرح. (9) انظر عن مدينة النحاس الأسطورية: M. Gaudefroy-Demombynes: Les cent et une nuits باريس سنة 1911 ص 284 - 348 والكتّاب الواردين به.

شهاب الدين

(10) انظر Relation des voyages faits par les Arabes et les Persans dans l'Inde et a la Chine dans le IXe siecle de l'ere Chretienne النص العربى بقلم Langles والترجمة والتعليقات بقلم Reinand سنة 1845. وقد نشرت ترجمة جديدة بعنوان Voyage du marchand arabe Sulayman en Inde et en Chine redige en 851, Suivi de reniarques par Abu Zayd Hasan (916 vers) باريس سنة 1922. الشنتناوى [جبرائيل فران Gabriel Ferrand] شهاب الدين " شهاب الدين" أبو القاسم عبد الرحمن بن إسماعيل أبو شامة مؤرخ عربى وفقيه لغوى ولد فى دمشق فى الثالث والعشرين من ربيع الثانى سنة 599 (10 يناير سنة 1203)، درس فى مسقط رأسه ثم فى الاسكندرية فقه اللغة والأصول، ولما عاد إلى دمشق عين شيخا فى المدرسة الركنية وأثار حول نفسه الشبهات فى جريمة وقعت فقتله نفر من العامة ثارت ثائرتهم فى التاسع عشر من رمضان سنة 665 (3 يونية 1268) وأهم كتبه هو تاريخ للسلطانين نور الدين وصلاح الدين عنوانه "كتاب الروضتين فى أخبار الدولتين"، وقد نقل فى كتابه هذا أو كاد كل ما ورد فى سيرة صلاح الدين لابن أبى طئ التى فقدت (طبع كتابه فى القاهرة سنة 1287 - 1288 هـ 1292 هـ فى مجلدين). وقد نشر باربييه ده مينار النص العربى لهذا الكتاب وترجمته الفرنسية التى قام بها Abou chamah,le livre des deux jardins, ou Histoire des deux regnes celui de Nour ed-Din et celui de salah ed-Din: Barbier de Meynard فى Re-des cueil historiens des croisades, Hist or، باريس 1898، 1906، قارن Fleischer، فى Sitzungsber. der sachs. Gesellsch Wissensch 1859 م، ص 11 وما بعدها، Arab, Quellen beitrage zur Gesch. der Kreuzuge: E.P.Goergens and R. Rohricht، النص والترجمة جـ 1، Zur Gesch salahaddins, برلين 1879) ويوجد مخطوط من "ذيل الروضتين"

المصادر

يتناول السنوات من 591 - 665 هـ (1195 - 1266 م؛ انظر VERZ D. ARAB. HONDsch rift: Ahlwardt، الرقمين 9813 - 9814؛ فهرس كوبنهاغن رقم 156؛ باريس، شيفر رقم 5852؛ Supplement: C.Rieu، الرقمين 555 - 556؛ قارن Neue arab. Anthologie: Wahl، ص 208؛ مقتطفات وردت فى طبعة باربييه ده مينار، جـ 2). وقد كتب أبو شامه أيضا ملخصا لتاريخ دمشق لابن عساكر (Ahlwardt: المصدر المذكور؛ رقم 9782) وكتب شروحا على سبع قصائد من نظم شيخه علم الدين السخاوى (توفى سنة 643 هـ - 1245) فى مدح الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وعلى البردة وعلى الشاطبية (حرز الأمانى). المصادر: (1) الكتبى: فوات الوفيات، جـ 1، ص 252. (2) السيوطى: طبقات الحفاظ، جـ 19، ص 10. (3) المقريزى: الخطط، جـ 1، ص 46. (4) Orientalia، جـ 2؛ ص 253. (5) Die Geschischtsschreiber der Araber: Wustenfeld، ص 349. (6) Gesch. der. Arab. Litter: Brockelmann، جـ 1، ص 317. خورشيد [بروكلمان Brockelmann] الشهرستانى محمد بن عبد الكريم، عمدة مؤرخى الملل والنحل فى المشرق أيام القرون الوسطى: ولد فى شهرستان من أعمال خراسان سنة 469 هـ (1076 م) وقيل أيضا إنه ولد سنة 467 وسنة 479؛ ودرس الشهرستانى الفقه والكلام فى جرجانية ونيسابور، وكان شيخه فى علم الكلام أبا القاسم الأنصارى. ويقول ابن خلكان إن الشهرستانى من أتباع مذهب الأشعرى، أما السمعانى فيذهب إلى أنه كان يأخذ بأحلام الإسماعيلية وكان فى حديثه ومناقشاته لا يتحدث إلا عن الفلاسفة. على أنه حج إلى بيت اللَّه وآب من الحج بعد أن قضى ثلاث سنوات فى بغداد. واستقر فى مسقط رأسه وتوفى به سنة 548 هـ

(1153 م). وقد ألف الشهرستانى عدة كتب أهمها رسالة فى الملل والنحل: "كتاب الملل والنحل"، ونذكر من تواليفه الأخرى رسالة فى علم الكلام وعنوانها "نهاية الإقدام فى علم الكلام"؛ ورسالة فى ما وراء الطبيعة اسمها "مصانعات الفلاسفة"، وهى تذكرنا بتهافت الفلاسفة للغزالى؛ ورسالة فى تاريخ الحكماء، وعنوانها هو نفس عنوان الكتاب المشهور الذى ألفه ابن القفطى المتوفى 1248 م بعد ذلك بنحو قرن من الزمان. ورسالته فى الملل والنحل من أشهر الوثائق فى التأليف الفلسفى عند العرب، وقد كتبت سنة 521 هـ (1127 م) ويستعرض الشهرستانى فيها جميع المذاهب الفلسفية والدينية التى استطاع دراستها، ويصنفها بحسب مبلغ بعدها عن الإسلام على مذهب أهل السنة، ولذلك يبدأ بالفرق الإسلامية: المعتزلة فالشيعة فالباطنية؛ ثم يتناول أهل الكتاب أى النصارى واليهود. ويتبع ذلك بأصحاب الكتب الأخرى سواء كانت مشكوكا فيها أو باطلة؛ ثم يلى هؤلاء الصابئة عبدة النجوم. ثم يرجع بعد أن يتناول أصحاب الكتب المنزلة إلى أهل الشرك فى الزمن القديم، فيفرد مقالات لأئمة فلاسفة الإغريق وحكمائهم، ثم يستعرض مذهب علم الكلام عند العرب بوصفه منقولا من الفلسفة الإغريقية، وخصص القسم الأخير من الكتاب لأديان الهند. وقد صدر كتاب الشهرستانى هذا بمقدمة ألمَّ فى فصل منها، وهو الفصل الرابع، بجميع الخلافات التى نشبت فى الإسلام فى آخر عهد النبى عليه الصلاة والسلام بالدنيا، تلك الخلافات التى أثرت فى الدين من ناحية وفى السياسة من ناحية أخرى، وكانت هى السبب فى قيام الشيعة ثم المعتزلة. وهذا القسم من الكتاب جيد حقا. ويتناول الشهرستاتى فى فصل آخر من المقدمة علم الحساب، ويزعم بعض الزعم أنه من أهل الرياضيات ولكن هذا الزعم لم

ينته إلى نتيجة تؤيده، ذلك أن عقل الشهرستانى فى جوهره عقل فلسفى لا يكاد يتعدى هذه الصفة، فهو لا يعنى إلا بالأفكار، ولا يسوق من التفاصيل الخاصة بأخبار الأعيان إلا القليل، ولا يذكر شيئا تقريبا عن عناوين الكتب. أما التقويم والتواريخ فقليلة عنده، وهو فى تحليل المذاهب والنحل نافذ البصيرة، وتتسم أحكامه فى جملتها بالنزاهة الشديدة والبعد عن التحيز. وقد برئ من تلك الصفة المشهودة التى تنزع إلى اتخاذ موقف الدفاع، وهى الصفة التى لابد أن كتاب الأشعرى المفقود فى النحل مثلا كان يتسم بها. وأهم أجزاء كتاب الشهرستانى هى التى تتناول المعتزلة، والشيعة، والثانوية والصابئة، والشهرستانى هو والإيجى من أهم المصادر التى نرجع إليها عن المعتزلة، أولئك الفقهاء الذين لا يتركون شاردة ولا واردة من مسائل الفقه إلا تناولوها، والفلاسفة المتوقدى الذهن، أجل أولئك الفقهاء والفلاسفة الذين لم تصل كتبهم إلينا. ولهذا السبب نفسه كانت مقالته عن الأشعرى ومذهبه التى حددت آراء اهل السنّة فى الإسلام ذات شأن؛ وكذلك كانت مقالاته عن الشيعة والخوارج والمرجئة، الذين انشعبوا فرقا متعددة سياسية الطابع اختلفت فى نظرية الإمامة، عظيمة الأهمية. ولكن الشهرستانى جنح إلى الإيجاز فى حديثه عن الإسماعيلية والباطنية، ويصدق هذا أيضا على حديثه عن اليهود، أما النصارى فقد كان يعرف من مذاهبهم فرقا ثلاثا كبرى هى الملكانية والنساطرة واليعاقبة. وهو يقابل بين القديس بولس والقديس بطرس (سمعان الصفا) قائلا إن بولس قد جاء لينقض مادبر بطرس ومزج تعاليم المسيح بالآراء الفلسفية. وكان لا يعلم إلا القليل عن أناجيل النصارى، ولكنه لا يشتد فى نقدها اشتداد ابن حزم. ولا شك أن إشاراته إلى الاثنينية والمانوية وعبادة الأجداد ومزدك وبرديصيان ومرقيون عظيمة القيمة؛ وللتقابل بين النور والظلمة فيها شأن

المصادر

كبير يماثل ما له من شأن فى الفلسفة الإشراقية. ويصدق هذا على القسم الطويل الذى أفرد للكلام عن الصابئة، ويورد فيه الشهرستانى حوارا يحاج فيه مسلم سنى رجلا من الصابئة ويعارض فكرة إسناد النبوءة إلى عقول الأفلاك، وينكر وجود هذه العقول وينتقد هذا التصور. ويبدو الشهرستانى لأبناء عصرنا هذا جاهلا بالفلسفة اليونانية، ولكنه كتب مقالا جيدا كل الجودة عن أفلاطون، وقد فهم نظريته فى المثل كما كتب مقالا آخر هاما عن فيثاغورس عرض فيه لنظريته فى العدد ومعانيه الهندسية مدركة على أنها مبادئ للوجود أما مقالته عن أرسطو فمأخوذة من ابن سينا وشرح تيماسطيوس. وأما مقالته المسهبة غاية الإسهاب عن علم الكلام عند العرب فهى فى جوهرها تلخيص كتاب النجاة لابن سينا. ونذكر أخيرا القسم الذى خص به الهند وهو يشتمل على فقرات عجيبة. ونحن نعلم أن كتاب العرب بعامة لا يعرفون إلا النزر اليسير عن الهند، على أننا نجد فى الشهرستانى بعض التعليقات الدقيقة عن عقائد البوذية وعن أتباع بوذا وسلسة البددة وعن بعض شعائر الهندوكية، وكذلك عن عبادة الآلهة كالى، التى يصف صنمها كاليا، وعن الاغتسال فى الأنهار المقدسة، وشعائر الانتحار الدينية وما إلى ذلك، والظاهر أن الشهرستانى بعد فيثاغورس هو الأصل فى التفكير العقلى فى الهند. المصادر: (1) محمد الشهرستانى: كتاب الملل والنحل، طبعة كيرتن، فى مجلدين، لندن 1846؛ طبعة أخرى، بولاق 1261 هـ؛ ترجمة Religionspartheien und philo Sophenschulen: Th Haarbrucker فى مجلدين، هال 1850/ 1851 م. (2) ابن خلكان، طبعة ده سلان. (3) السمعانى فيما رواه عنه ياقوت: Dictionnaire de la Perse، ترجمة باربييه ده مينار، باريس 1861، ص 359. خورشيد [كارا ده فو Carra De Vaux]

شهيد

شهيد (والجمع شهداء): كثيرًا ما ترد فى القرآن بمعناها الأصلى وهو الشاهد (وهذا هو أيضا شأن كلمة شاهد، وجمعها شهود، ولا يميز بينها وبين كلمة شهيد تمييزًا واضحا) والأمثلة الآتية لها دلالتها على مختلف المناسبات التى ترد فيها كلمة شهيد. سورة البقرة، الآية 133: {أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ. . .}. وسورة النور، الآية 6: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ. . .}. وسورة البقرة، الآية 143: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا. . .}. وسورة ق الآية 21: {وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ}، وكثيرا ما ترد كلمة شهيد فى الكلام عن اللَّه مثل سورة آل عمران، الآية 98: {وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ}؛ وسورة المائدة الآية 117: {وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}، ومن هنا صار اسم الشهيد من أسماء اللَّه الحسنى أيضًا. وليس فى القرآن شواهد على أن كلمة "شهيد" لها معنى من يشهد للَّه بدمه أو يموت شهيدًا، وإنما حاول متأخرو المفسرين أن يستخرجوا هذا المعنى من سورة النساء، الآيات 71 - 74. والقرآن يستعمل دائما فى بيان مفهوم الشهيد عبارات ترسم وتصور مثل سورة آل عمران، الآية 157: {وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} والسورة نفسها، الآية 169: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} وسورة محمد الآيات من 4 - 6: {وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ}. وتطور معنى كلمة شهيد فى دلالتها على من يموت شهيدا (وهو تطور لم تشترك فيه كلمة شاهد، فكلمة شاهد صارت منذ ذلك الحين تدل على

الشهادة خصوصا أمام القضاء) حصل بتأثير جاد من جانب النصرانية (قارن كلمة ساهدا Saheda السريانية التى ترادف الكلمة اليونانية: الواردة فى العهد الجديد) والبحث الذى كتبه فنسنك عن الشهداء فى المشرق يثبت أن التطور الذى وقع فى النصرانية وفى الإسلام قد سار على غرار واحد حتى فى التفاصيل، وأن نظرية الشهداء فى هاتين الديانتين ترجع أخيرًا إلى تراث شرقى قديم يهودى وإلى آراء من العهد اليونانى المتأخر. وقد نسى فيما بعد المعنى القديم لكلمة شهيد، وهو الشاهد فى الإسلام، إلى حد أننا نجد خطأ مطردًا فى تفسير أصل كلمة شهيد (من شهد بمعنى: رأى، عاين، حضر). والقتيل الذى يطبع إيمانه بخاتم الموت فى محاربة الكفر شهيد فى كتب الحديث؛ وثمة أحاديث كثيرة تصور ضروب النعيم التى تنتظره فى الجنة، فهو لموته فى سبيل اللَّه ينجو من سؤال منكر ونكير فى القبر ولا يجوز البرزخ. والشهداء ينالون أعلى الدرجات فى الجنة، وهم يكونون فى أقرب مكان للعرش، وفى الحديث أن النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] قد رأى أجمل دار فى الجنة وهى دار الشهداء. وفى يوم القيامة ستكون الجراح التى أصابت الشهداء فى جهادهم فى سبيل اللَّه مضيئة. حمراء كالدم وستكون رائحتها كالمسك. ولا أحد من أهل الجنة يتمنى أن يعود إلى الدنيا إلا الشهيد، لأنه لما يناله من أنواع النعيم فى الجنة يتمنى لو يقتل فى سبيل اللَّه عشر مرات. والشهداء تغفر لهم كل ذنوبهم فلا يحتاجون لشفاعة النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، بل هم فى الأحاديث يظهرون شفعاء لغيرهم من الناس. ونظرًا لأن الشهادة تطهرهم فإنهم وحدهم هم الذين لا يجوز تغسيلهم قبل دفنهم، وهذا رأى دخل فى الفقه (انظر كتاب Handbook of early Muhammadan Tradition: A.J.Wensinck تحت مادة Martyrs) . وفى كتب الفقه عند الكلام عن الصلاة، نجد الكلام عن الشهيد بعد الكلام عن صلاة الجنازة، ولأصحاب المذاهب الفقهية اختلافات طريفة كل

الطرافة أحيانا من حيث الأساس الذى تقوم عليه وهى تتعلق بـ: هل يجب غسل الشهيد؟ وهل يصلى عليه صلاة الجنازة؟ وهل يدفن فى ثيابه التى فيها دمه؟ ونحو ذلك من المسائل. وقد بحثت مرة مسألة ما إذا كانت الشهادة قد وقعت لهذه الحياة الدنيا أو للحياة الأخرى أو للحياتين معا، وذلك لأن الشهادة عمل خلقى فيكون الحكم عليه بحسب النية. ومن جهة أخرى يذكر أصناف الشهداء بالمعنى الواسع على اختلافهم، وهم مذكورون فيما يلى؛ ولا تعرض حالة الشهيد من الناحية القانونية الشرعية إذا كان بعد الموقعة قد عاش رغم جراحه واستطاع أن يرتب بعض أموره قبل أن يفارق الحياة. وأحيانا يشتمل كتاب الجهاد على فصول "فى فضل الشهداء". وفيها تعظيم للشهادة على نحو ما يوجد فى الحديث تماما. وقد أدى تعظيم فضل الشهادة إلى شوق حقيقى لميتة الشهداء، وبحسب بعض الأحاديث أن كلا من النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وعمر رضى اللَّه عنه تمنى الشهادة، لكن علماء أهل السنة لا يحبذون بوجه من الوجوه هذا الطلب للشهادة، بل هم يحاربونه، وذلك لأنه، فى قول مقبول وذهب إليه فنسنك، يشبه الانتحار، والإسلام ينكر الانتحار دائما (¬1). ولذلك يعد القيام بالواجبات الخلقية السلمية كالشهادة بل خير، منها، مثل الصوم ودوام العبادة وقراءة القرآن وبر الوالدين والأمانة فى أخذ الخراج وطلب العلم، فهذه كلها أعمال "فى سبيل اللَّه" (وهذه العبارة قد تحولت، مع هدوء حروب الفتح والتوسع تدريجا، من الميدان الحربى إلى الميدان السلمى الخلقى كما تحولت كلمة شهيد) وهى يمكن أن تكون سبيلا لأن ينال بها الإنسان ما يناله الشهداء من الثواب [تأمل مثلا التمييز الذى ظهر فيما بعد بين الجهاد الأكبر، وهو جهاد النفس، والجهاد الأصغر الذى هو القتال فى سبيل اللَّه، انظر مجلة W.I مجلد 3 (1916) ص 200، الهامش - هيئة التحرير] على أن مفهوم الشهيد نفسه -وفى الأحاديث إلى حد ما- قد اتسع اتساعًا كبيرًا، حتى أن جمهور الناس ¬

_ (¬1) انظر التعليق فى آخر المقال.

أصبحوا ينظرون إلى كل من يلقى موتا عنيفا يثير مشاعرهم أسفا عليه أنه شهيد بل ولى أيضا، وكان من العوامل الكبيرة التى ساعدت على هذا التطور ما فى جمهور الناس من ميل قديم إلى تعظيم الأولياء بعامة وبهذا المعنى يعد من الشهداء مثلا من يموت فى أمراض مثل الطاعون، أو مرض ذات البطن وذات الجنب، وكذلك من يموت موتا عنيفا إذ يقضى من الجوع أو العطش أو الغرق، والهدم أو الحريق أو السم أو الصاعقة أو يقتله قطاع الطريق، أو تفترسه السباع وكذلك ذات الطلق (¬1)، ومن يموت وهو يؤدى فرضا من فروض الدين كالحج مثلا، ومن يموت غريبا بلا حبيب أو قريب أو فى سفر مما يعتبر سنة، أو فى زيارة قبر ولن أو شهيد أو عالم، أو فى الصلاة، أو بسبب دوام الوضوء، أو فى ليلة جمعة، أو فى طلب علم الدين، أو فى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر أمام الظالمين، ومن عشق وعف وكتم سره مات شهيدًا؛ ومن مات فى مجاهدته لنفسه، أى فى الجهاد الأكبر، مات شهيدًا. وقبر الشهيد يعد مشهدًا، ينال تعظيم الأتقياء ويصبح مزارا يحج إليه، وفيما يتعلق بكثير من هذه المشاهد يمكن إثبات أنها كانت أماكن عبادة قبل الإسلام، ثم بقيت من بعده على حالها، وهذه الناحية من بقاء مظاهر العصر القديم قد ألقى عليها فان بيرشم ضوءًا، بدراسته للنقوش. لكن الحكم الأخير لن يتيسر إلا بعد الكشف عن مادة جديدة. ومن الطريف تلك العبارة التى توجد على القبور منذ القرن الثالث للهجرة وهى: "هذا ما يشهد به وعليه". وربما كانت لهذه العبارة علاقة بالتسمية "مشهد" بوجه ما (هذا هو ما ذهب إليه Martin Hartmann فى مجلة Z.D.P.V مجلد 26، ص 265، راجع ما يقوله Ritter فى مجلة Islam، مجلد 12، ص (148 - 150) وإذا كان السلاطين يسمون فى النقوش باسم الشهداء فإن هذه الكلمة لا يكون لها هنا سوى معنى ليس له من المعنى الصحيح إلا ظله، ¬

_ (¬1) الأم التى تموت من آلام الوضع. [المترجم].

وهى مجرد تسمية دينية "للميت". وفى كثير من الأحيان أطلقت تسمية المشهد على أماكن للعبادة لها علاقة بشهيد. وفى اللغة التركية تطلق كلمة "شهيدلك" وكلمة "مشهد" (التى تنطق مشَط أيضا) على القرافة بوجه عام (انظر Mordtinann فى مجلة Islam، مجلد 12، ص 223). وتدل النقوش أيضا على أن بناة المشاهد من المسلمين كانوا يبنونها فى حياتهم، وكان غرضهم الظاهر من ذلك أن ينالوا بركة أعمالهم الصالحة فى هذه الحياة الدنيا. وكان يقام فى القاهرة فى اليوم الثامن من شهر مايو عيد نصرانى كبير للشهداء، لكن المسلمين كانوا يشتركون فيه حتى القرن الثامن الهجرى (الرابع عشر الميلادى؛ انظر كتاب الخطط للمقريزى، جـ 1، ص 68 وما بعدها؛ Die Renaissance des Islam: Mez, ص 399 وما بعدها). وعلى الخلاف من أهل السنة تمسكت الفرق من وجوه كثيرة بالمعنى الأصلى للشهيد، فمثلا كان الخوارج يغالون فى طلب الموت محاربة للحكومة التى كانت فى رأيهم جائرة، على حين أن علماء أهل السنة كانوا يرون أن هذا الخروج على الحكومة ليس جهادا تنال من ورائه الشهادة فى سبيل اللَّه. والشهادة تلعب عند الشيعة دورًا فريدًا له أهمية مشهودة، فالحسين رضى اللَّه عنه هو سيد الشهداء عندهم، وهو شاه شهدا (وهذا على نحو ما يعد الحلاج عند الصوفية الشهيد الممتاز) وهنا يجعل الشيعة، بحسب طريقتهم الخاصة، للحسن ملامح تذكر بآلام المسيح عليه السلام أو بآلام القديس فرانسيس Francis (التضحية بالنفس عن وعى، وانتقال النور الإلهى إلى بيت النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وتوارثه فيهم وعدم الموت ونحو ذلك) وهناك كتب كثيرة تتكلم عن الشهداء وتبين آلام الحسين وغيره من آل بيت النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] بيانا مفصلا، وهذا شئ اختص به الشيعة. ومن الكتب المشهورة مثلا كتاب روضة الشهداء للحسين بن على الواعظ الكاشفى الذى ترجم إلى التركية (ترجمه فضولى بعنوان حديقة السعداء) كما ترجم إلى اللغة التركية الشرقية واقتبس منه كثيرًا.

المصادر

وتعظيم الشهداء يستلفت النظر فى الهند فى بعض الأحيان حيث يوجد بناء ضخم يسمى "شهيد كنج" وهو فيما يقال قبر ما لا يقل عن مائة وخمسين ألف شهيد. المصادر: (1) The Oriental Doctrine of the Martyrs: A.J.Wensinck، فى Med. Akad Amsterdam، 1921، مجلد 53، السلسلة أ، رقم 6 (2) Muhammed anische Studien: Goldziher، جـ 2، ص 387 - 391 (3) كشاف اصطلاحات الفنون، مادة شهيد (4) Koranische Untersuchungen: Horovits, برلين 1926، ص 50 وفى الفقه الحنفى انظر: (5) ابن الحلبى: ملتقى الأبحر، وعليه شرح: مجمع الأنهر وشرح الدر المنتقى، إستانبول 1328 هـ، جـ 1 ص 188؛ وفى الفقه الشافعى انظر: (6) حاشية الباجورى، القاهرة 1321 هـ، جـ 1 ص 265؛ وفى الفقه المالكى انظر: (7) المختصر للخليل بن إسحاق، ترجمة كويدى وسانتلانا، ميلانو 1919، جـ 1، ص 153؛ وفى فقه الزيدية انظر: (8) مجموع زيد بن على، طبعة كريفينى، ص 70 و 237. (9) الميزان للشعرانى، القاهرة 1317 هـ، جـ 1 ص 197 (10) المدخل لابن الحاج، جـ 2، ص 116 وما بعدها (11) Das Muslimische Kriegsrecht: Haneberg ص 239 وما بعدها. (12) Corpus Inscriptionum Araicarum II. Jerusalem ville: Van Berchem، ص 84 وفى مواضع أخرى. (13) المؤلف نفسه فى Churasanische Baudenkmaler: Diez، جـ 1، ص 89 وما بعدها؛ وفيما يتعلق بالشيعة انظر: (14) Vorlesungen: Goldziher، ص 213.

تعليق على مادة شهيد للأستاذ أمين الخولى

(16) La chaire de la Mosque Festchrifi fair Eduard: Berchem van فى d, Hebron Sachau، برلين 1915، ص 301 وما بعدها. (17) A Histary of Persian Literature in Modern Times: E.G.Browne كمبردج 1924، ص 172 وما بعدها. (18) Iver Lassy: The Muharrammyrteries among the AzerbeijanTurks Of Caucasia رسالة فى هلسينجفورس، 1916، ص 132 وما بعدها. (19) Grundriss der iranischen Philologie: Geiger-kuhn، جـ 2، ص 358. (20) Das Heillgtum des Husain zu Kerbelo: A.Noldeke، برلين 1909، ص 37، 43 أبو ريدة [بيوركمان W. Bjorkman] تعليق على مادة شهيد للأستاذ أمين الخولى 1 - التمييز بين شاهد وشهيد قال كاتب مادة "شاهد": . . . وانظر فيما يتعلق بتطور معنى هذه الكلمة أول مادة "شهيد" وفى مادة "شهيد" هذه يقول كاتبها: ". . . ولا يميز بينها -أى شاهد- وبين كلمة شهيد تمييزًا واضحا". وهكذا نفتقد فى أول مادة شهيد ما أحال عليه كاتب مادة شاهد فلا نجده، بل نجد قوله "ولا يميز بينها وبين كلمة شهيد تمييزًا واضحا". فإن تركنا القول فى عدم الوفاء بما وعد به فى هذه الإحالة، فما أحسبنا نترك القول بعدم التمييز الواضح بين كلمتى شاهد وشهيد، فى اللغة أو فى القرآن، لأن عدم التمييز بين هاتين الكلمتين ليس فى شئ من الدقة، التى يمتاز بها الحس اللغوى للعربية، إذ إن شاهدًا وشهيدًا صيغتان مختلفتان، وإن كانتا من مادة واحدة، ولا يترك التمييز بين الصيغ المختلفة بهذه السهولة! ! ثم إن استعمال كل واحدة من الصيغتين يتدخل فى تمييز معناها، بل إن هذا الاستعمال ليؤثر فى معانى الكلمة الواحدة، حسب إطلاقاتها، ويميز هذه الإطلاقات بالتمييز بين مصادر مختلفة للفعل الواحد، أو جموع مختلفة

للاسم الواحد، كما هو المعروف؛ فلا يترك التمييز بين صيغتين مختلفتين بهذه السهولة! ! وفوق ذلك كله أن الباحثين فى الفروق قد عرضوا فعلا للتمييز بين شاهد وشهيد، وإليك بيان هذه الاعتبارات الثلاثة فى التمييز الواضح بين اللفظتين: 1 - اختلاف الصيغة: تقول فيه اللغة ما ورد فى اللسان - مادة ش هـ د: "الشهيد الحاضر، وفعيل من أبنية المبالغة فى فاعل". وإلى جانب هذا ما تقرره الصناعة الصرفية من: أن هذه الصفات وإن كانت المشبهة باسم الفاعل، فبينهما تباين، وطريقهما مختلف؛ وذلك أن حسنا مأخوذ هن فعل ماض وأمر مستقر، ومع ذلك فإذا أضفته إلى معموله لا يتعرف، وإن كان ما أضيفت إليه معرفة، وتصف به النكرة، . . . وليس كذلك اسم الفاعل. . . الخ" - راجع ابن يعيش على المفصل. جـ 6: 82 وهذا واضح فى التفريق بين صيغتى شاهد وشهيد؛ وننظر إلى الاعتبار الثانى، وهو: 2 - الاستعمال: فنرى أن الاستعمال اللغوى قد جعل "شهيدا" اسما من أسماء اللَّه، ولم يجعل شاهدا من هذه الأسماء؛ والتسمية بهذا دون ذاك تفريق واضح، لا نتوسع بالتعرض له هنا. . . وننظر إلى الاعتبار الثالث، وهو نص فى التفريق: وهو: 3 - القول فى الفرق بين شاهد وشهيد: فنرى أحد رجال القوم المستشرقين أنفسهم يشارك فى ذلك، وهو الأب هنريكوس لامنس اليسوعى فى كتابه "فرائد اللغة فى الفروق"، ينقل عن فروق الجزائرى، فى هذا ما عبارته "الشاهد: هو بمعنى الحدوث، والشهيد بمعنى الثبوت، فإنه إذا تحمل الشهادة فهو شاهد، باعتبار حدوث تحمله، فإذا ثبت تحمله لها زمانين أو أكثر فهو شهيد" جـ 1: 29 أ - من الفرائد المذكورة. . . وكاتب مادة شهيد أولى بعلم صاحبه هذا. . . وإذا تميز الفرق بين الكلمتين فى اللغة لم يبق مجال لشك فى أن هذا

2 - مأخذ معنى الشهيد

التميز واضح فى القرآن لأنه أدق ما يكون الحس اللغوى، فيما عرفت العربية، وهو كتاب إعجازها. ولو اتسع المجال لعرضت استعمالات القرآن للفظتين وبينت فروقها، لكن المجال لا يتسع هنا لذلك. وبتقرر التمييز الواضح بين الكلمتين لا يكون موضع لمعاودة الكاتب تقرير عدم التفريق ثانية بقوله: "قد نسى المعنى القديم لكلمة شهيد وهو الشاهد فى الإسلام". 2 - مأخذ معنى الشهيد قال كاتب المادة: ". . وليس فى القرآن شواهد على أن كلمة شهيد لها معنى: من يشهد بدمه أو يموت شهيدا، وإنما حاول متأخرو المفسرين أن يستخرجوا هذا المعنى. . الخ. . . " كما قال: "وتطور معنى كلمة شهيد فى دلالتها على من يموت شهيدًا. . . تطور حصل بتأثير جاء من جانب النصرانية -فإن كلمة "ساهدا" السريانية. . . والبحث الذى كتبه فنسنك عن الشهداء فى المشرق يثبت أن التطور الذى وقع فى النصرانية وفى الإسلام قد سار على غرار واحد، حتى فى التفاصيل، وأن نظرية الشهداء فى هاتين الديانتين ترجع أخيرا إلى تراث شرقى قديم يهودى، وإلى آراء من العهد اليونانى المتأخر"، "وقد نسى فيما بعد المعنى القديم لكلمة شهيد، وهو الشاهد فى الإسلام، إلى حد أننا نجد خطأ مطردا، فى تفسير أصل كلمة شهيد من شهد بمعنى رأى، عاين، حضر" وفى هذه الفقرة مجال للنظر: فمن حيث سلامة المنهج البحثى يلحظ: أن دعوى حصول تطور معنى كلمة شهيد إلى من يموت فى سبيل اللَّه حصل بتأثير جاء من جانب النصرانية. . هى دعوى لم يستدل لها ما بعدها من كلام الكاتب، إلا أنه أورد شيئين: 1 - الكلمة "ساهدا" السريانية المرادفة للكلمة اليونانية الواردة فى العهد الجديد. . . وعلى فرض أن صلة لغوية على هذا الوجه، بين العربية والسريانية، بل على فرض أن دلالة لفظ شهيد قد تأثرت بالكلمة السريانية، أو حتى كانت تعريبا لها، وذات صلة بالكلمة اليونانية، فإن كبرى الدليل بعد

ذلك لم تورد، لأن هذا كله لا يثبت حصول هذا بتأثير من جانب النصرانية! 2 - وثانى ما أورده الكاتب هو أن البحث الذى كتبه فنسنك يثبت أن التطور الذى وقع فى النصرانية وفى الإسلام قد سار على غرار واحد؛ حتى فى التفاصيل، وأن نظرية الشهداء فى الديانتين ترجع أخيرا إلى تراث شرقى قديم يهودى، وإلى آراء من العهد اليونانى المتأخر. . وهذا كله لا يثبت دعواه أن التطور اللغوى لشهيد حصل بتأثير من جانب النصرانية، بل هو يثبت غير هذا، لأنه يرد التطور فى النصرانية والإسلام جميعا إلى تراث شرقى قديم. . الخ، وقضية التأثير موضع لكلام كثير، وولع القوم برد هذا التأثير إلى اليهودية وغيرها موضع للملاحظة الكثيرة! ! ولم ينصف الكاتب حين اقتصر على هذا من تلخيص بحث فنسنك، كما لم يحسن إلى المنهج بالاعتماد على بحث لغيره دون أن يورد منه موضع الفائدة له، ثم دون أن يعرف تعريفا كافيا بالمرجع الذى يرجع إليه فيه، وقد ضاع منى وقت طويل، وجهد كبير فى البحث عما كتبه فنسنك فى المشرق، وسألت السيد الأستاذ نجيب العقيقى، عما إذا كان فى سجله عن أعمال المستشرقين نبأ هذا البحث لفنسنك، كما سئل الأب قنواتى عما يعرفه عن ذلك البحث الهام، فى شأن مسيحى، ولم يكف هذا للاهتداء إلى بحث فنسنك المحال عليه هنا! ! ونرجع للنظر فى تطور المعنى إلى شهيد أى مقتول فى سبيل اللَّه فلا نجد فى عدم استعمال القرآن له حجة لشئ، لأن من مواد اللغة ما لم يستعمله القرآن -كالأدب- فهل مس ذلك كيان المادة اللغوى أو دلالتها. . ولاعتبار بلاغى أو اجتماعى يصف القرآن الموتى فى سبيل اللَّه بجمل وعبارات دون استعمال لفظة واحدة فى الدلالة عليهم؟ وليس من السهل قبول دعوى الكاتب الجريئة "أننا نجد خطأ مطردا فى تفسير أصل كلمة شهيد من شهد بمعنى رأى، عاين، حضر" ونقول: إنها

3 - قضايا تنقصها الدقة

دعوى جريئة مع شعورنا بعدم كفاية ما يساق من بيان لمعنى الشهيد فى سبيل اللَّه من دلالات المادة الأولى كالرؤية والحضور. ولو نظر إلى استعمال القرآن للفظ شهيد، فى مثل النساء: 79، 166؛ يونس: 29؛ والرعد: 43؛ والإسراء: 96؛ والفتح: 28؛ والعنكبوت: 52؛ والأحقاف: 8 - لوجد أن قوله فى هذه المواطن: {كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ} أو {كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا}، يفهم منه غير ما يفهم من شهيد فى مثل قوله: {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}، وأمثالها مما يعدى بعلى؛ فالشهيد بينى وبينكم فى معنى الحجة الفاصلة القائمة. وأخذه من الشهود بمعنى الحضور قريب واضح؛ وأما الشهيد على كذا فأقرب لمعنى الشهادة المؤداة. . وإذا أدركنا فى قرب أن لفظ "شهيد" دون تعدية على، فيه معنى الحجة والفصل، وما هو من ذلك بسبيل ثم سمعنا إلى ما ينقل من أن الشهيد "يحاج" قاتله، وذلك فيما ينقل أكثر من مرة، من قول زيد بن صوحان لما استشهد يوم الجمل، لا تغسلوا عنى دما ولا تنزعوا عنى ثوبا فإنى رجل محجاج أحاج يوم القيامة من قتلنى، وقول عمار بن ياسر لما استشهد بصفين: لا تغسلوا عنى دما ولا تنزعوا عنى ثوبا فإنى ألتقى ومعاوية بالجادة؛ وهكذا نقل عن غيرهما؛ فالشهيد حجة الحق، وشهادة على القاتل، وإذا انضم إلى هذا ما فى الشهادة من أن بها قوة القضاء، حتى يعز على الشاهد الحكم فى مثل القولة السائرة: شاهداك قاتلاك، يفهم من قرب أخذ معنى الشهيد فى سبيل اللَّه، من الحجية والمعرفة القوية القاضية بالحق. وهذا وجه بدا لصاحب التعليق حين لم ينجل المأخذ مما رآه من بيانهم لمعنى الشهيد؛ ولم يروجها لضرورة رد هذا المعنى إلى عامل أجنبى؛ وإن كان التفاعل اللغوى لا يجحد، والاتصال بين الأديان لا يرفض. . 3 - قضايا تنقصها الدقة عرض صاحب المادة فى بيان معنى الشهادة، وتعديد صنوف الشهداء لقضايا تنقصها الدقة فى التعبير وفى المعنى. . ومن ذلك:

(أ) قوله: "فإنهم -أى الشهداء- وحدهم هم الذين لا يجوز تغسيلهم قبل دفنهم، وهذا رأى دخل، فى الفقه". فما الرأى؟ ! وما الدخول فى الفقه! تعبيران غير دقيقين، فقهيا، وموضع الضعف فيهما تعبيرا ومعنى واضح. . ومن ذلك: (ب) قوله: "ولأصحاب المذاهب الفقهية اختلافات طريفة كل الطرافة أحيانا، من حيث الأساس الذى تقوم عليه، وهى تتعلق بهل يجب غسل الشهيد. . وهل يصلى عليه صلاة الجنازة، وهل يدفن فى ثيابه" الخ ما يورده من هذه المسائل. فما الطرافة كل الطرافة أحيانا، من حيث الأساس الذى تقوم عليه المذاهب الفقهية فى هذه المسائل؟ ! إنها ليست إلا كسائر المسائل الفقهية فى أسسها، والخلاف فيها، والاستدلال لها. . . وعدم مناسبة التعبير، وعدم دقة المعنى واضحة. . ومن ذلك: (جـ) قوله ". . . وقد بحثت مرة مسألة ما إذا كانت الشهادة قد وقعت لهذه الحياة الدنيا أو للحياة الأخرى أو للحياتين معا" وهذه القولة ترد فى ختام ما سبق من طرافة الأساس، وكأنها عنده شاهد على هذه الطرافة، التى توشك أن تدل على أن المراد من الطرافة عنده الغرابة! ! والمتمرس بالتفكير الفقهى لا يجد فى المسألة شيئا من هذا أو ما يشبهه؟ وإنما هو الخلاف بين الفقهاء، فى أحكام الشهيد، يقول فيه الشافعى رضى اللَّه عنه إنه لا يصلى على الشهيد، ومما يحتج به لذلك: أن اللَّه وصف الشهداء بأنهم أحياء، والصلاة على الميت لا على الحى. . ويخالفه الحنفية فيقولون بالصلاة على الشهيد، ويناقشون احتجاج الشافعى هذا، فيقولون: إن الشهيد حى فى أحكام الآخرة. . أما فى أحكام الدنيا فهو ميت، يقسم ميراثه، وتتزوج امرأته بعد انقضاء العدة، وفريضة الصلاة عليه من أحكام الدنيا، فكان فيها ميتا يصلى عليه. . -المبسوط للسرخسى جـ 2: ص 5 - ط الساسى- وهو ما يدور بعد ذلك فى كتب الفقه

4 - ما فى تمنى الشهادة

الأخرى، وليس البحث فى هذا مرة، ولا هو مخالف لمألوف البحث الفقهى، ولا غريب فى مصادر استدلاله، وطرق ذلك الاستدلال. . ولذا لا نفهم وجها لعبارات كاتب المادة، ونشعر بما ينقصها من الدقة التى تكون عن طول الممارسة للفقه وكتبه. . ومن ذلك: (د) قوله: "وبهذا المعنى يعد من الشهداء مثلا من يموت فى أمراض مثل الطاعون. . . وكذلك من يموت موتا عنيفا إذ يقضى من الجوع أو العطش أو الغرق أو الهدم أو الحريق أو السم. إلخ ما يعد من ذلك فى سياق يوهم أن لهؤلاء أحكام الشهداء الفقهية، التى ساقها؛ وهو قول تنقصه دقة الملاحظة لتعريف الفقهاء للشهيد الذى يعطونه ما ذكروا من الأحكام؛ وبهذا التعريف يخرجون هؤلاء الذين عدهم من أحكام الشهيد الفقهية فى عدم التغسيل، وفى الدفن بالثياب الخ. . .، ويقررون أن لهؤلاء من الغرق والحريق، والمبطون ثواب الشهداء، وهم شهداء على لسان الرسول صلى اللَّه عليه وسلم، لكن لا تجرى عليهم تلك الأحكام الخاصة، فهم يغسلون -انظر المبسوط جـ 2: ص 51؛ والزيلعى على الكنز جـ 1: ص 417 وغيرهما من كتب الفقه، بل نجد ذلك فى مجموع الإمام زيد، الذى ذكره الكاتب نفسه فى مصادره- انظر ص 71، جـ 2، فقرة 309 ط ميلانو. 4 - ما فى تمنى الشهادة قال كاتب المادة، وبحسب بعض الأحاديث أن كلا من النبى عليه الصلاة والسلام، وعمر رضى اللَّه عنه تمنى الشهادة؛ لكن علماء أهل السنة لا يحبذون بوجه من الوجوه هذا الطلب للشهادة، بل هم يحاربونه، وذلك لأنه فى قول مقبول ذهب اليه فنسنك يشبه الانتحار، والإسلام ينكر الانتحار". ومسلك الكاتب فى هذا ينقد منهجيا، من حيث اعتماده على غيره، فى قول اطمأن هو إليه فحق عليه أن يعرضه هو عرضه الخاص، ويحتج له بالمصادر الإسلامية الكافية، لا بقول مقبول ذهب إليه فنسنك. . ولأمر ما تكرر هذا الاحتماء من الكاتب بفنسنك، والانتهاء اليه فى الاحتجاج. وقد يبدو شئ من التدافع بين صدر عبارته عن تمنى الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-]

5 - شهيد العشق

وعمر الشهادة "ومحاربة أهل السنة لهذا التمنى" ولاسيما حينما نحس قوة عبارته إلى حد العنف، بقوله "بل هم يحاربونه" ولم يتهيأ لى فيما رأيت من كتب الفقه، غير القليلة، فى أكثر من مذهب، أن أقف على ظواهر هذه المحاربة لتمنى الشهادة، وإن كان لهذا أصل فى شرح الحديث عند باب الدعاء بالجهاد والشهادة للرجال والنساء فى ترجمات البخارى، إذ يقول ابن حجر -فتح البارى جـ 6، ص 7، ط الخشاب- ما نصه: "قال ابن المنير وغيره: وجه دخول هذه الترجمة فى الفقه أن الظاهر من الدعاء بالشهادة يستلزم طلب نصر الكافر على المسلم، وإعانة من يعصى اللَّه على من يطيعه؛ لكن القصد الأصلى إنما هو حصول الدرجة العليا المترتبة على حصول الشهادة، وليس ما ذكره مقصودا لذاته، وإنما يقع من ضرورة الوجود، فاغتفر حصول المصلحة العظمى. . . بحصول ما يقع فى ضمن ذلك من قتل بعض المسلمين؛ وجاز تمنى الشهادة، لما يدل عليه من صدق، من وفقت له، من إعلاء كلمة اللَّه، حتى بذل نفسه فى تحصيل ذلك" أ. هـ. ومنه يتبين أن شيئا قيل فى تمنى الشهادة، كما فى نقل ابن حجر؛ لكن ينتهى المحدثون إلى أن يأخذوا من الحديث، استحباب طلب القتل فى سبيل اللَّه -ابن حجر- جـ 6، ص 12. 5 - شهيد العشق فى سياق ما قدمنا فى الفقرة 3 - من عبارات تنقصها الدقة، ذكر الكاتب فيما بينه من اتساع مفهوم "الشهيد" اتساعا كبيرا" من عشق فعف وكتم سره مات شهيدا". وهو شهيد ينبغى الوقوف عنده، وكان الظن أن يلتفت كاتب المادة إلى ما قيل فيه لطرافة هذه الشهادة كل الطرافة، لا ما عده هو طريفا، من أحكام الفقه المعتاد! ! وفى شأن هذا الشهيد أدع الكاتب وجها لوجه أمام حافظ إسلامى قديم، عرض لهذه الشهادة فى توسع وإسهاب، وذلك الحافظ هو: ابن قيم الجوزية فى كتابه "زاد المعاد من هدى خير العباد" - جـ 3: ص 206 - 208 - ط صبيح. . فقد كتب فأطال عن حديث من

عشق فعف. فنقد متنه وسنده نقدا مشبعا، وانتهى من نقده لمتن هذا الحديث إلى أنه: "لو كان إسناد هذا الحديث كالشمس كان غلطا ووهما". وهذه فيما يرى طلاب النقد الحديثى للمتن تعتبر سابقة حسنة، ومبدأ هاما فى نقد المتن، الذى لا تصده سلامة السند، ولو كان كالشمس. .! ! وندع هذا إلى موضع التعليق من إيراد كاتب مادة شهيد لهذا الحديث عن شهادة العشق دون شعور بشئ مما قيل فيه؛ مع أن من الطريف أن بعض ما ساقه ابن القيم فى نقد متنه مما يشارك فيه المستشرقون أنفسهم؛ وذلك أن ابن القيم يقول فيما قال من نقد المتن: "ولا يحفظ عن رسول اللَّه [-صلى اللَّه عليه وسلم-] لفظ العشق فى حديث صحيح ألبتة". وتلك قضية شارك فى إثباتها المستشرق فنسنك الذى ذكره الكاتب فى مادة شهيد، واعتمد على ما قرره؛ وفنسنك هذا هو صاحب المعجم الحديثى المعروف فى العربية باسم مفتاح كنوز السنة، وقد تتبع فيه مؤلفه إحصاء مفردات أربعة عشر كتابًا من كتب السنة فهرسها. وقد خلا معجمه هذا من مادة -ع ش ق- فشهد ذلك شهادة مستقرئة لقضية ابن القيم أن لفظ العشق لا يحفظ عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فى حديث صحيح ألبتة. . على أن ابن القيم بعد ما قدم من نقد المتن قد نقد السند أيضا نقدا مفصلا، بعد ما أورد طرق الحديث المختلفة؛ وحسبنا هنا إشارة فقط إلى ما أطال به فى ذلك النقد. . فهو يبين أن راويه سويد بن سعيد قد أنكر عليه أئمة الحديث، العالمون بعلله؛ رموه لأجله بالعظائم، فأنكره عليه ابن معين وقال: هو ساقط كذاب ولو كان لى فرس ورمح كنت أغزوه. كما ساق ابن القيم مع ذلك أحكاما أخرى قاسية على سويد بن سعيد هذا، وإن يكن قد ساق معها بعض أحكام، لمن وثقوه، لكن عابوه بأشياء من عدم الدقة، لأسباب مختلفة. ولا نطيل فى هذا بأكثر مما أوردنا؛ وهو كاف فى التعليق على صنيع كاتب مادة شهيد، وحاجته إلى ضرب من الدقة. . أمين الخولى

شوشترى

شوشترى سيد نور اللَّه بن شريف المرعشى: كاتب أصيل من كتاب الشيعة، دافع عن الإمامية مناهضا أصحاب الجدل من أهل السنّة؛ كما دافع عن الصوفية أمام منكريها وهم غالبية فقهاء الإمامية. وكان الشوشترى قاضى لاهور، وقد حكم عليه بالزندقة بأمر من جهانكير وضرب بالسياط حتى مات سنة 1019 هـ (1610 م) وهو الشهيد الثالث من الإمامية. وقد خلف كتابين لهما شأنهما: الأول بالفارسية واسمه "مجالس المؤمنين" (وقد تم فى لاهور سنة 1073 هـ = 1604 م) وهو مجموعة سير مدعمة أو فى تدعيم بالوثائق عن أكابر شهداء الإمامية والصوفية فى الإسلام؛ والثانى بالعربية واسمه "إحقاق الحق" وهو فى ردود الإمامية على مخالفيهم. المصادر: (1) Rieu، فهرس المخطوطات الفارسية بالمتحف البريطانى، لندن 1879، جـ 1، ص 327. (2) Beitrage zur Literaturgeschichte der Shi'a und der sunnitischen Polemik: Goldziher، فيينا 1874. صبحى [ماسينيون L.Massignon] الشيبانى أبو عبد اللَّه محمد بن الحسن بن فرقد، مولى بنى شيبان: فقيه حنفى ولد فى واسط سنة 132 هـ (749/ 750 م)، ونشأ فى الكوفة، ودروسا وهو بعد حدث فى الرابعة عشرة على أبى حنيفة، وتأثر به فقصر همه على "الرأى"، ويقال إنه ألقى دروسا فى مسجد الكوفة وهو فى العشرين، واستزاد من علم الحديث على سفيان الثورى (المتوفى سنة 161 هـ) والأوزاعى (المتوفى سنة 157 هـ) وغيرهما، وخاصة مالك بن أنس (المتوفى سنة 179 هـ)! وحضر الشيبانى دروس مالك فى المدينة ما يربو على ثلاث سنين؛ على أنه كان مدينا فى علمه بالفقه لأبى يوسف خاصة، غير أنه لم يلبث أن أخذ يطغى على مكانة أبى يوسف بالدروس التى

كان يلقيها ومن ثم حاول أبو يوسف أن يسعى إلى توليته القضاء فى الشام أو فى مصر، غير أن الشيبانى رفض المنصب؛ واستشاره الخليفة هارون الرشيد سنة 176 هـ (792/ 793 م) فى مسألة الإمام يحيى بن عبد اللَّه الزيدى، فأخطأ فى ذلك خطأ أفقده الحظوة عند الخليفة وأصبح الخليفة يشك فى أنه من المتشيعين للعلويين (الطبرى، جـ 3، ص 619؛ كردرى جـ 2، ص 163 وما بعدها)؛ والحق أنه كان من المرجئة كبعض شيوخه (ابن قتيبة: المعارف، ص 301؛ الشهرستانى، طبعة Cureton، ص 108)؛ على أنه ابتعد فيما يظهر عن نشاط الشيعة (الفهرست، ص 204)؛ ولم ينصبه هارون قاضيا على الرقة إلا سنة 180 هـ (796 م) وهو أبكر التواريخ التى يمكن القول بها. ذلك أن هارون جعل الرقة قصبة ملكه فى تلك السنة (الطبرى، جـ 4، ص 645)؛ وأقام الشيبانى فى بغداد بعد عزله (187 هـ = 803 م) حتى أمره الخليفة أن يصحبه فى رحلته إلى خراسان (فى رواية أبى حازم المتوفى 292 هـ التى استشهد بها كردرى، جـ 2، ص 147). وتوفى بها فى السنة نفسها فى رنبويه قرب الرى. وكان الشيبانى من أهل الرأى المعتدلين، وقد سعى إلى الاعتماد فى دروسه على الحديث ما استطاع إلى ذلك سبيلا؛ وكان يعد أيضا من علماء النحو المقتدرين؛ ويذكر من تلاميذه الإمام الشافعى، على أن الشافعى كتب ردا يجادله فيه عنوانه "كتاب الرد على محمد بن الحسن" فى كتاب "الأم" (القاهرة 1325, جـ 7، ص 277 وما بعدها)؛ ويرجع الفضل فى انتشار المذهب الحنفى أول ما اشتهر إلى الشيبانى وأبى يوسف. وآثار الشيبانى، التى كتب عليها كثير من الشروح، هى أقدم الآثار التى تيسر لنا الحكم على مذهب أبى حنيفة، وإن كانت تختلف فى كثير من النقاط عن آراء أبى حنيفة؛ ومن أهم آثار الشيبانى "كتاب الأصل فى الفروع" أو المبسوط و"كتاب الجامع الكبير"؛ و"كتاب الجامع الصغير" (طبع بولاق سنة 1302 هـ على هامش كتاب الخراج لأبى يوسف) و"كتاب السير الكبير" (طبع مع تعليق السرخسى فى

المصادر

أربعة مجلدات، حيدرآباد، 1335 - 1336)؛ و"كتاب الآثار" (طبع على الحجر فى الهند). ونحن مدينون له أيضا بنسخة من الموطأ لشيخه مالك بن أنس، أضاف إليها نقدا كثيرا، وتختلف هذه الطبعة اختلافا واسعا عن النسخة المألوفة (انظر Muh Studien: Goldziher، جـ 2، ص 222 وما بعدها، وقد طبع فى قازان سنة 1909). المصادر: (1) ابن سعد: الطبقات، طبعة sachau، جـ 7/ 2، ص 78 (ملخص فى كتاب المعارف لابن قتيبة، طبعة Wustendfeld، ص 251؛ والطبرى، طبعة ده غوى، جـ 3، ص 2521؛ والنووى: Biograph. Dictionary: ص 104). (2) الفهرست، ص 203 وما بعدها أما المصادر المتأخرة فحظها من الأساطير كبير. (3) الخطيب البغدادى، التاريخ، فى السمعانى: كتاب الأنساب، سلسلة كب التذكارية، جـ 20، الورقة 7342. (4) النووى، ص 103 وما بعدها. (5) السرخسى، شرح السير الكبير، المقدمة. (6) ابن خلكان: الوفيات، جـ 1، ص 453 وما بعدها. (7) الكردرى: مناقب الإمام الأعظم، حيدرآباد , 1321 هـ، جـ 2، ص 146 - 167 (وهو يشير إلى مصادر قديمة). (8) ابن قطلبغا، طبعة Flugel، رقم 159. (9) Notice sur Moh. b. Hasan J.A: Barbier de Meynard, فى السلسلة الرابعة، جـ 20، 1852، ص 406 - 419. (10) Classen der Hanafit.Rechtsge lehrten: Flugel، ص 283. (11) Asch Schaibani und sein corpus iuris: Dimitroff فى M.S.O.S. As، جـ 11، 1908، ص 75 - 98. (12) G.A.L.: Brockelmann جـ 1، ص 171 وما بعدها. صبحى [هفننك Heffening]

الشيبانى

الشيبانى أبو عمرو إسحاق بن مرار، ويقول أبو منصور الأزهرى إنه كان يعرف بالأحوص، وقد انحدر الشيبانى من أسرة ريفية من الأعيان فى فارس، إلا أنه كان مولى رجل من قبيلة شيبان، ومن ثم عرف بالشيبانى وكان الشيبانى أعظم علماء النحو الكوفيين، وروي أنه إنما سمى بالشيبانى لأنه كان مؤدب أولاد الخليفة هارون الرشيد الذين كانوا يدرسون على يزيد بن مزيد الشيبانى؛ ولا يمكننا أن نتحقق من تاريخ ميلاده إلا على وجه التقريب، على أنه إذا كانت السن التى قيل إنه توفى فيها صحيحة فلا شك أنه ولد قبل سنة 100 هـ (719 - 720 م). وكذلك لا نعرف تاريخ وفاته على وجه التحقيق، فقد قيل إنه توفى سنة 205 و 206 و 213 هـ، والراجح أن سنة 213 هى السنة التى مات فيها حقا، فقد روى أنه توفى فى اليوم نفسه الذى توفى فيه الشاعر أبو العتاهية والمغنى إبراهيم الموصلى اللذين أدركتهما المنية فى ذلك العام. ولم يشتهر أبو عمرو بالنحو فحسب بل اشتهر أيضا بأنه من رواة الحديث الأثبات، وذكر أنه من الثقات فى "مسند" أحمد بن حنبل؛ وقد تلقى العلم على أشهر شيوخ مدرسة الكوفة وقضى وقتا طويلا بين العرب الرحل يجمع الأشعار والمادة اللغوية، وانتقل إلى بغداد فى أواخر عمره، وقد عمد الشيبانى فى وقت مبكر من حياته إلى جمع طائفة من أشعار القبائل العربية، وكانت هذه المجموعة التى لم تصل إلى أيدينا تشتمل على قصائد ثمانين قبيلة أو نحوها، وقد أفاد منها كثيرا الكتاب المتأخرون الذين جمعوا دواوين الشعر العربى القديم، ونجد اسمه يذكر بانتظام وبخاصة حين يعرض لقصائد لم يكن غيره من النحاة يعرف عنها شيئا. وقد بز أقرانه، باستثناء أبى عبيدة، فى العناية أيضا بالإشارات التاريخية الواردة فى القصائد القديمة التى يبدو أن كثيرين غيره. مثل الأصمعى البصرى، كانوا يجهلونها أو لا يعنون بها خاصة. وكان الشيبانى رجلا تقيا، وليس ثمة ما يدعونا إلى العجب إذ نجده يورد فى بعض الأحيان

بحسن نية قصائد منحولة على اعتبار أنها قصائد صحيحة، مثال ذلك القصيدة السادسة والستين فى ديوان الأعشى (طبعة Geyer) حيث يبين فيها بأجلى بيان النقل من القرآن. ولم يبق لنا من مصنفاته إلا مصنف واحد هو "كتاب الجيم" الذى كان يروم أن يجعله معجما للغة العربية، إلا أنه لم يتم قط. ولا شك أن "كتاب العين" للخليل بن أحمد هو الذى أوحي إليه القيام بتصنيفه. وقد رتب الشيبانى مصنفه على حروف الهجاء العربية المألوفة، ولكنه لم يتمه إذ بلغ به إلى حرف الجيم فحسب، وتوجد من هذا المصنف نسخة وحيدة فى مكتبة الإسكوريال، وهو من أقدم الكتب فى اللغة العربية ويستحق دراسة خاصة (تجد وصفا موجزا له فى فهرس درنبورغ Derenbourg، رقم 572). ويقول كتاب سيرته إنه أبى أن يملى كتاب الجيم على أحد، ولذلك لم تنسخ منه نسخ إلا بعد وفاته. على أن ناسخ مخطوط الإسكوريال الذى لم أتحقق من شخصيته بعد ينتمى إلى عهد أقدم بكثير من العهد الذى ذكره درنبورغ؛ وقد استخدم نسخة عملها الفقيه النحوى السكرى، على أن بعض الأوراق كانت تنقص هذه النسخة، ومن ثم استعان الكاتب بنسخة من عمل أبى موسى الحامد. وكتاب الشيبانى ليس معجما على نحو ما يريد كتاب سيرته أن يلقوا فى روعنا، وإن كانت الكلمات فيه قد رتبت ترتيبا أوليا فى أربعة فصول تشتمل على كلمات تبدأ بالحروف الأربعة الأولى من حروف الهجاء العربية. وثمة أخطاء كثيرة وردت فى الكتاب ومردها المؤلف نفسه. وللكتاب قيمة خاصة، ذلك أنه يجمع بين دفتيه مجموعة كبيرة من العبارات المأثورة عن بعض القبائل. وقد ورد فى السبع والعشرين الصفحة الأولى ذكر ما لا يقل عن ثلاثين قبيلة مختلفة. وما من شك فى ان أبا عمرو قد استخلص الكلمات الغريبة من الدواوين الثمانين القديمة لقبائل العرب التى جمعها. وهذا واضح من استشهاده مثلا بالشاعر كُثَيّر أربع مرات متعاقبات. وإذا بحثنا بحثًا دقيقا فى لسان العرب تبين لنا أن كتاب الشيبانى لم يستعمله أيضا أصحاب المعاجم الذين استند إلى

المصادر

آثارهم لسان العرب. ولم يرد فى كثير من الأحوال ذكر الثقات والشعراء الذين استشهد بهم المصنف فى أى كتاب آخر عدا كتابه. وإنى لأرجو أن أُعد طبعة للمصنف كاملا، وهو أعظم أثر من آثار مذهب الكوفيين فى النحو. ويذكر كتاب سيرة أبى عمرو من كتبه الأخرى ما يلى، والظاهر أنها فقدت جميعا: غريب المصنف؛ وكتاب الخيل؛ وغريب الحديث؛ وكتاب الكتاب؛ وكتاب اللغات، وبخاصة كتاب النوادر، وهى مجموعة كثيرًا ما كان الكتاب المتأخرون ينقلون منها كما يشاءون دون الإشارة إلى صاحبها بصفة عامة. ومن تلاميذه المبرزون النحاة الكوفيون: ثعلب وابن السكيت وأبو عبيد القاسم ابن سلام وابنه هو عمرو. ولا تزودنا فهارس المفضليات والنقائض إلا بأمثلة ضئيلة عن مبلغ ما كان يستشهد به الكتاب على اعتبار أنه ثقة فى آداب القدماء. وقد ذكره القالى عدة مرات، مثال ذلك جـ 1، ص 136 و 211 و 238. المصادر: (1) ابن النديم: الفهرست، ص 68. (2) الزبيدى: طبقات النحاة فى R.S.O، جـ 8، ص 145. (3) الأنبارى: النزهة، ص 120 - 125. (4) ياقوت: إرشاد الأريب طبعة Margolionth فى G.M.S, جـ 2، ص 233. (5) ابن خلكان، رقم 83، القاهرة 1310 هـ، جـ 1، ص 65. (6) ابن حجر: التهذيب، حيدرآباد 1327 هـ، جـ 12، ص 183. (7) السيوطى: بغية الوعاة، ص 192. (8) Die graminatischen Schulen: Flugel، ص 39 - 142. (9) G.A.L.: Brockelmann, جـ 1، ص 116. صبحى [كرنكو F. Krenkow]

شيبة، بنو

شيبة، بنو اسم سدنة الكعبة (حجبة الكعبة) الذين كان سلطانهم لا يمتد بحيث يشمل المسجد الحرام كله، أو يشمل حتى بئر زمزم وملحقاتها: وهؤلاء هم بنو شيبة أو شيبان، وعلى رأسهم زعيم أو شيخ. ولا تورد المصادر الحديثة عنهم إلا إشارات موجزة، ويذكر سنوك هركرونى Snouck Hurgronje الأيام التى يفتحون فيها باب الكعبة، ويلاحظ أنهم لا يسمحون بالدخول إلا للمؤمنين نظير مال يؤدونه، ويستشهد بالملحة المكية التى مؤداها: إن بنى شيبة تشرق وجوههم بالابتسام، فلابد إذن أن يكون يوم فتح الكعبة قد حل. ويجد بنو شيبة مصدرا آخر للرزق من بيع الكسوة العتيقة التى يستبدل بها غيرها كل عام بفضل رعايتهم. والأجزاء المقصبة من الكسوة التى يحتفظ بها نظريا للسلطان تعطى من غير مقابل أو مقابل شئ قليل للكبراء الذين يمثلونه فى مكة أو فى الحج. وقد جرى العرف بأن ما تبقى منها (Chroniken d. Stadt Mekka, جـ 3، ص 72) يعود على الشيبانيين فيبيعونه فى الدكاكين القائمة عند باب السلام (البتنونى، ص 139). وهو باب بنى شيبة القديم أكبر أبواب المسجد الحرام، وهم يبيعون هناك أيضا المكانس الصغيرة المصنوعة من سعف النخل التى كانت جميعها فيما يزعمون تستخدم فى غسل أرض الكعبة، وهو حفل جليل يفخر أكابر الناس. إذ يشاركون فيه (ابن جبير، ص 138؛ البتنونى، ص 109) وكذلك وكل لبنى شيبة الحفاظ على النذور التى يتقرب بها المؤمنون ويزين بها المسجد الحرام من الداخل. وهذا الكنز يشمل أشياء متباينة أشد التباين، من أدوات من الذهب والفضة، إلى أحجار كريمة، ومصابيح كثيرة الزينة، ونذور مقدمة من الذين أسلموا فى بلاد قاصية والحفاظ عليه وكان هذا الكنز يأخذه أمراء مكة وحكامها آنئذ وأيضا بنوشيبة أنفسهم (Le Pelerinage bynes: Gaudefroy-Demom) مع أن الرواية

تقول إن سيد بنى شيبة قد رد محاولات الخليفة عمر عن الاستيلاء عليه (¬1) (أسد الغابة، جـ 3، ص 8). وبنو شيبة كانوا موكلون بالأستار الداخلية للكعبة، وكانوا فى وقت من الأوقات سدنة مقام إبراهيم الذى كان يُعَد من ملحقات المسجد الحرام. ويعترف الناس بعامة للشيبيين بولايتهم لهذه الوظائف المتباينة اعترافا حتى إن هذا الأمر لا يستلفت النظر. على أن ذلك قد أثار شيئا من اهتمام الكُتَّاب المتقدمين عامة والحجاج خاصة. وأهم الروايات فى هذا الشأن هى روايات ابن جبير سنة 1883 م؛ وناصر خسرو سنة 1276. وكانت زيارة الكعبة المقرونة بالصلاة ركعتين، إذا تيسر، فى نفس البقعة التى أداهما فيها النبى عليه الصلاة والسلام يوم الفتح، عمل من أعمال التقوى، وإن لم يدخل فى مناسك الحج، ولكن الحجاج أنفسهم يأملون من أدائه أن ينالوا مزيدا من الثواب. ويبدو أن تواريخ فتح باب الكعبة للحجاج قد تغيرت قليلا (Le Pelerinage, ص 60 وما بعدها)، ولكن الشعيرة ظلت كما هى لم تتغير. والزعيم وحده هو الذى عنده مفتاح الكعبة، وسأتناول تاريخ ذلك بعد: كان يقيم الشيبانيون الدرج المؤدى إلى الباب القائم فوق مستوى الأرض، ثم يتقدم زعيمهم من الباب، ويحجبه أحد أتباعه عن أنظار المؤمنين وهو يولج المفتاح فى القفل؛ وكان فى القرن الثانى عشر الميلادى (ابن جبير، ص 93؛ Pelerinage، ص 59) يمسك سترا أسود (شعار العباسيين) بيديه المبسوطتين. أما فى القرن الثالث عشر (ناصر خسرو، ص 209) فكانت تقام على الباب ستارة يرفعها أحد بنى شيبه ليتيح للزعيم أن يمر ثم يدع الستارة تنزل بعد مروره. ¬

_ (¬1) التعبير بالرد والمحاولات والاستيلاء، تعبير غير أمين وغير صحيح، وكل ما فى الرواية التى يعزو إليها الكاتب أن عمر قال: "لقد هممت ألا أدع بالكعبة صفراء ولا بيضاء إلا قسمتها بين الناس. وأن شيبة قال له: ليس ذلك إليك، قد سبقك صاحباك فلم يفعلا به ذلك؛ فقال عمر: هما المرءان يقتدى بهما، فأين هذا من تلك العبارة الجريئة. أمين الخولى

وقد ستر النبى عليه الصلاة والسلام الباب عندما فتحه (اليعقوبى: التاريخ، طبعة هوتسما، جـ 2، ص 61). ويدخل الزعيم، جريا على سنة النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، وحده أو يصحبه اثنان أو ثلاثة من أتباعه، ويؤدى الركعتين، ثم يفتح الباب للناس وينظم دخولهم، وكان الحجاج الفرس والأندلسيون وغيرهم من مختلف الأقطار يزورون الكعبة، وقد لاحظوا جميعا تلك الكرامة التى تجعل هذا البناء الصغير جدا (*) يأوى هذا العدد الكبير من المؤمنين فى وقت واحد. وقد أحصى ناصر خسرو سبعمائة وعشرين حاجا بين جنباته سواه. واهتم ابن جبير اهتماما خاصا بالكعبة وحجبتها، وكان هناك عندما استقبل سيف الإسلام طغتكين أخو صلاح الدين (ابن جبير، ص 146، 147)، إذ دخل المسجد يحف به الجلال وعلى يساره زعيم الشيبيين، وكان رأس من يطوفون به الزعيم محمد بن إسماعيل بن عبد الرحمن (ص 81)، وهو يروى لنا أنه حدث أثناء إقامته هناك أن قبض مكثر أمير مكة على الزعيم محمد واتهمه بأنه بلغ من الخسة مبلغا لا يليق بسادن البيت الشريف وصادر أمواله وأقام مكانه أحد أبناء عمومته الذى سرى بين الناس أنه متهم بهذه الرذائل نفسها، وقد رأى ابن جبير بعد حين الزعيم محمدا يعود إلى منصبه بعد أن دفع للأمير خمسمائة دينار، ويسير مزهوا امام باب الكعبة (ص 163، 164، 166، 176). ولا يدل هذا على أنه كان ثمة أية قاعدة ثابتة تنظم العلاقات بين الأمير وبنى شيبة وقد بعث بنو شيبة فى عهد المتوكل (847 - 861 م) رسلا من قبلهم إلى الخليفة فى بغداد ليعارضوا المقترحات التى تقدم بها والى مكة مثبتين حقهم فى تقرير الأعمال الواجب النهوض بها فى الكعبة؛ وكان الأمر يقتضى من القائم بهذه الأعمال الموفد من قبل الخليفة ألا يلجأ ¬

_ (*) لقد حدثت توسعات كبيرة للحرم حول الكعبة الذى أصبح مؤخرا يتسع لملايين الحجاج ولا زالت السلطات السعودية تبذل الكثير فى هذا الشأن. المحرر

إلا إليهم. على أن إسحاق بن سلمة الذى وكلت إليه هذه الأعمال أقبل فى صحبة الحجبة الشيبانيين والعامل وناس من أهل مكة من صلحائهم من القرشيين وصاحب البريد عندما جاء ليقوم بتحرياته الأولى فى هذا الأمر، وكان صاحب البريد فى الحق هو عين الخليفة الذى يخشاه، الناس (Chron.d.Stadt Mekka، جـ 1، ص 210/ 211). وقد خص بنو شيبة بهذه الميزة منذ عهد جد قديم. ويثبت ذلك مؤرخو القرن التاسع الميلادى ابن هشام، وابن سعد، واليعقوبى، وجامعو الحديث، ولكنهم يحشدون الأدلة على شرعية ذلك على نحو يحمل المرء على الظن بأن هذه الأدلة حديثة تفتح الباب للجدل. وفى الحديث أن قصى جد قريش قد احتفظ بحجابة الكعبة لعبد الدار وأعقابه، وكانت حجابة الكعبة عندما فتحت مكة فى يد عثمان بن طلحة بن أبى طلحة عبد اللَّه بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار (الطبرى، جـ 3، ص 278، أسد الغابة، جـ 3، ص 7، 372 وما بعدها). على أن ابن سعد (الطبقات، جـ 5، ص 231) يذكر رواية أخرى تلقى شكوكا على القرابة القريبة التى تربط عثمان بشيبة، فى حين أن شجرة النسب التى ذكرها الزعيم لابن جبير (ص 81) تدخل فى هذه الشجرة جدا يدعى شيبة لا علم للمصادر الأخرى به. ومن التوفيقات السعيدة أن عثمان أسلم يوم الحديبية هو وغيره من وجوه مكة، مع أن عدة أفراد من أسرته هلكوا يوم أحد وهم يقاتلون فى صفوف قريش (الطبرى، جـ 1، ص 1604، الأغانى، جـ 15، ص 11؛ ابن سعد، جـ 5، ص 331 وما بعدها). وقد صحب عثمان النبى عليه الصلاة والسلام إلى الكعبة يوم فتح مكة، وطلب النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] منه مفتاحها. وتقول المصادر بصفة عامة أن عثمان سلمه إليه، ولكن ثمة رواية واحدة (العينى: العمدة، جـ 4، ص 609؛ Chroniken, جـ 1، ص 187) تقول إن عثمان، وهو حديث عهد بالإسلام، لم يجد بدا من أن يطلب المفتاح من أمه، وكانت مشركة،

فأبت أن تسلمه إليه. واضطر عثمان إلى تهديدها بأنه سوف يقتل نفسه أمام عينيها. وفى رواية أخرى (Chroniken جـ 1/ 185) أنها سمعت فى فناء البيت صوتى أبى بكر وعمر يتوعدانها قبل أن تحزم رأيها على تسليمه (ابن خلدون: العبر، جـ 2، ص 44). ولكن رواية ثالثة لا تزعم أن عثمان أسلم فى العام الثامن للهجرة، تظهره قائما على شرفة الكعبة ممسكا بالمفتاح يصيح فى النبى عليه الصلاة والسلام: "لو علمت أنه رسول اللَّه لم أمنعه". ولكن عليا تسلق الشرفة ومد يده وأخذ المفتاح وفتح الباب بنفسه. وفى هذه الرواية يبين التشيع للعلويين (الرازى: مفاتيح، جـ 2، ص 460؛ القلقشندى: صبح الأعشى، جـ 4، ص 264). والحديث الشائع أن النبى عليه الصلاة والسلام، وفى حوزته المفتاح، قد فتح باب الكعبة ودخلها هو وعثمان وبلال وأسامة، وصلى ركعتين فى البقعة التى تعد اليوم أرضا حراما، ثم خرج حاملا المفتاح فى يده. وفى هذه النقطة تختلف الأحاديث مرة أخرى فى التفصيلات، ولكنها تنتهى برد المفتاح لعثمان. ففى رواية: أن النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، إما مدفوعا بنفسه أو برجاء العباس أو علىّ، قد مال على قوائم باب الكعبة، وقال قولا ختمه كما يلى: "إن كل مأثرة كانت فى الجاهلية ودم ودعوى. وقال مرة: ودم ومال تحت قدمى هاتين إلا ما كان من سقاية الحاج وسدانة البيت فإنى أمضيهما لأهلهما على ما كانت"، فجعل السقاية للعباس وردّ المفتاح لعثمان. وفى رواية أخرى أن النبى عليه الصلاة والسلام خرج من الكعبة وهو يتلو الآية 61 من سورة النساء التى يذهب رأى، يقول الطبرى: (التفسير: جـ 5، ص 86) إنه لم يقبله إلا على اعتبار أنه جائز، إلى أنها نزلت فى هذه اللحظة بمناسبة السدانة والسقاية (ياقوت: المعجم، جـ 4، ص 625، الرازى، مفاتيح الغيب، جـ 2، ص 460؛ Chroniken، جـ 1، ص 186). ولكن عثمان الذى وكل إليه السدانة والمفتاح لم يمارس حقوقه وتبع

النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] إلى المدينة وتوفى بها سنة 42 هـ (662 - 663 م) أو قتل يوم إجنادين سنة 13 هـ 634 م ولم يذكره أحد بعد، ويحتاط الكتَّاب فيجعلون النبى عليه الصلاة والسلام يقول: إنه ردّ السدانة إلى عثمان وشيبة وبنى طلحة (أبو المحاسن، جـ 1، ص 138، النووى، ص 407؛ أسد الغابة، جـ 3، ص 372؛ Chroniken، جـ 1، ص 184). على أن المحاولة التى بذلت لجعل شيبة بن عثمان بن أبى طلحة ابن عم عثمان الشقيق من شهود فتح مكة ليست محاولة موفقة. ذلك أن شيبة لم يكن قد أسلم وقتذاك، ولو أن بعض الكتاب المتأخرين حاولوا فى تردد أن يقولوا: إنه قد أسلم وقت فتح مكة، ولكنهم لم يستطيعوا أن يتخلصوا من القصة التى نمت حول إسلام شيبة يوم حنين بعد ذلك بشهر. فقد راح شيبة يبحث عن النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] لينتقم لأبيه الذى كان قد قتله حمزة يوم أحد، ولكن نورا انبعث من النبى عليه الصلاة والسلام فخانت شيبة شجاعته، ووضع النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] يده على صدره فأذهب عنه الشيطان. وأسلم شيبة (اليعقوبى، جـ 2، ص 64؛ ابن هشام، ص 845؛ ابن سعد، جـ 5، ص 331؛ الطبرى: التاريخ، جـ 1، ص 1661, 3؛ أسد الغابة، جـ 3، ص 7؛ Chroniken، جـ 2، ص 46 وما بعدها) ثم أصبح شيبة سادن الكعبة من غير أن يعلم الكُتاب السبب فى ذلك، وهبّ، أفراد أسرته جميعا إلى مساعدته: أخوه وهب بن عثمان، وأبناء عثمان بن طلحة، وأبناء مسافع بن طلحة بن أبى طلحة الذى قتل يوم أحد، ويختم الأرزقى روايته Chroniken, جـ 1، ص 67) قائلًا: "فولد أبى طلحة جميعا يحجبون" (Chroniken, جـ 1، ص 67). ولكن المحدثين جميعا يقولون إن شيبة هو زعيمهم، وكان هو صاحب السلطة فى هدم كل البيوت المشرفة على الكعبة (Chroniken, جـ 3، ص 15) وهو الذى اصطدم بمعاوية بخصوص بيع بيت، وهو أيضا الذى أراد فى الحجة الثانية لهذا الخليفة ألا يعكر صفوه أحد، فبعث بحفيده شيبة ابن جابر ليفتح باب الكعبة (Chroniken، جـ 1، ص 89) ثم لقد كان هو الذى

المصادر

حكم بين أميرى الحج اللذين كان أحدهما نصير علىّ والآخر نصير معاوية. (الطبرى: التاريخ، جـ 1، ص 2248؛ جـ 3، ص 2352، مروج الذهب، جـ 9، ص 56/ 57)، وذهب أحد أبنائه: عبد اللَّه أو طلحة ضحية للقسرى الذى كان الناس يمقتونه (Chroniken، جـ 2، ص 37، 38، 175). وكذلك كان شيبة هو الذى ذكر فى إحدى روايات الحديث الذى يروى: أن عائشة أرادت أن تفتح الكعبة (Chroniken، جـ 1، ص 220، 222، 223)، وقد دارت مناقشات مع عائشة، فقررت أن من حق الشيبيين أن يبيعوا فضلات من الكسوة بشرط أن ينفقوا ذلك فى سبيل اللَّه (Chroniken، جـ 1، ص 180، 182؛ جـ 3، ص 70 - 72؛ القلقشندى: جـ 4، ص 283). وقد ناقش الفقهاء هذه المسألة على الرغم من الجهود التى بذلها واضعو الحديث، وفى سنة 627 هـ (1224 م) دفع الملك الكامل ابن أخى صلاح الدين للشيبيين مبلغا معلوما من المال نظير الموارد التى كان يدرها عليهم فتح الكعبة وأجبرهم على فتح بابها للحجيج بلا مقابل (Chroniken، جـ 1، ص 226). وتوفى شيبة سنة 57 هـ (676 - 677 م) أو فى عهد يزيد بن معاوية (الطبرى: التاريخ، جـ 3، ص 2378؛ ابن سعد، جـ 5، ص 331؛ أسد الغابة، جـ 7، ص 8). والرواية التى جعلت للشيبيين حجابة الكعبة رواية قديمة لا تزال تتواتر على الألسنة، ماثلة فى اسم الطريق المعقود الذى يبين، فى جوار زمزم: الحد القديم لسور المسجد الحرام فلما وسع هذا الطريق أصبح الباب الجديد، الذى يعرف فى الوقت الحاضر بـ "باب السلام" والذى يقوم فى صف الكعبة والطريق المعقود القديم، يسمى أيضا بـ"باب بنى شيبة" (Pelerinage, ص 132، 133) ولكن التاريخ الذى تقررت فيه هذه السنة هى وكثير غيرها ودخلت فيما يعده الإسلام من البدع قد ظل غامضًا. المصادر: انظر المراجع المذكورة فى صلب المادة. خورشيد [ديمومبين Goudefroy-Demombynes]

شيث

شيث (وبالعبرية شيث): الابن الثالث لآدم وحواء (سفر التكوين، الإصحاح الرابع، الآيتان 25 و 26؛ الإصحاح الخامس، الآيات 3 - 8)، ورزق به أبوه وعمره 130 سنة، بعد مقتل هابيل بخمس سنوات. فلما حضرت آدم الوفاة جعل شيثًا خليفته وأوصى إليه، وعلمه ساعات النهار والليل، وقال له: إن الطوفان سيكون فى الأرض، وعلمه أن يعبد اللَّه فى خلوة كل ساعة من ساعات اليوم. وإلى شيث أنساب البشر كلهم، ذلك أن هابيل لم يخلف ورثة، وفقد ورثة قابيل فى الطوفان، وقيل إن شيثًا لم يزل مقيما بمكة يحج ويعتمر إلى أن مات، وإنه كان جمع ما أنزل اللَّه من الصحف إلى صحف أبيه آدم، (عددها خمسون صحيفة) وعمل بها، وإنه بنى الكعبة بالحجارة، والطين. ولما حضرته الوفاة أوصى لابنه أنوش، ومات فدفن مع أبويه فى غار جبل أبى قبيس. وقد عمر شيث 912 عامًا وفى رواية ابن إسحاق أنه تزوج أخته حزورة. الروايات المتأخرة: دهم المرض آدم فتاقت نفسه إلى شئ من زيتون الجنة وزيتها، فبعث بشيث إلى جبل سيناء يسأل اللَّه ما طلب أبوه، وأمره اللَّه أن يمد كأسه الخشبية فلم تلبث أن امتلأت بما يريد أبوه، فدلك جسمه بالزيت وأكل بعض الزيتون فبرئ من علته. وكان آدم أمرد، وكان شيث أول من نبتت له لحية ويقال أيضا: إنه أوريا الأول (وأوريا لفظ سريانى معناه "معلم" ["أور" فى العبرية معناها النور أو العرفان"])؛ وكان شيث صورة ناطقة من أبيه فى خلقه وخلقه، وكان أحب الأبناء إلى قلب أبويه. وقد قضى الشطر الأكبر من حياته فى الشام، وتقول رواية من الروايات إنه ولد فيها. ومن عهده انقسم بنو آدم فئتين، فئة أطاعته، وأخرى تبعت أولاد قابيل؛ وانتصح بعض أولاد قابيل بنصحه فسلكوا السبيل القويم، أما الباقون فظلوا فى غيّهم. وذكر ميرخواند بعض السنن التى يقال إن شيثًا استنّها لأعقابه (ميرخواند: روضة الصفا، بمباى، 1271 هـ، جـ 1، ص 12 وما بعدها).

المصادر

ويكتب الطبرى فى تاريخه الاسم شث وشاث (جـ 1، ص 153)، ويقول إن شاث هى الصيغة السريانية. ومعنى الاسم شيث "هبة اللَّه" أى بدل هابيل، لأن اللَّه عوض به آدم عن هابيل (سفر التكوين، الإصحاح الرابع، الآية 26). ويقول المقنّع إن روح اللَّه قد انتقلت من آدم إلى شيث (مطهر بن طاهر المقدسى: كتاب البدء والتكوين جـ 6، ص 96) وهذه الفكرة قالت بها فرقة أدرية، هم الشيثيون الذين كانوا فى مصر منذ القرن الرابع والذين كان فى حوزتهم شرح سنن شيث، وهى إن شئت الدقة سبعة كتب لهذا الأب من آباء البشر وسبعة أخرى لأبنائه سموها "الأغراب" (Haer: Epiphanes، جـ 39، ص 5). وكان الأدريون يملكون كتب يلدبئوس الصانع Jaldaboath, the Demiurge المنسوبة إلى شيث (Epiphanes المصدر المذكور، جـ 26، ص 8) وكان فى حوزة صابئة حران عدة كتب تنسب إلى شيث. وقد عرف المانوية القرابة بين شيث وآدم (Les Ecritures manicheennec: Prosper Alfaric) باريس 1918 ص 6، 9، 10). والدروز أيضًا ينسبون شيث إلى آدم دائمًا (Drusen, Philip Wolff، ليبسك 1845، ص 151، 193، 372 وما بعدها). المصادر: (1) الطبرى: تاريخ، جـ 1، ص 152 - 168 و 1122، 1123 (2) ابن الأثير Chronicen، طبعة Tcmberg، جـ 1، ص 35 و 39 (3) الثعالبى: عرائس المجالس، طبعة على الحجر، 1277 هـ، ص 42. صبحى [إيوار cl.Huart] شيخ الإسلام لقب من ألقاب التشريف التى ظهرت أول ما ظهرت فى النصف الثانى من القرن الرابع الهجرى، وقد كان يحمل الألقاب الأخرى التى يدخل فى تركيبها كلمة إسلام (مثل عز الإسلام، وجلال الإسلام، وسيف الإسلام) أشخاص يتولون السلطة الزمنية (ونخص بالذكر منهم وزراء الفاطميين؛ انظر Van Berchem فى Zeitschr. des Deutsch palastinavereins، جـ 16، ص 101)،

على حين أن لقب شيخ الإسلام كان دائمًا مقصورًا على العلماء والمتصوفة شأنه شأن ألقاب التشريف المركبة الأخرى التى يبدأ جزوها الأول بكلمة شيخ (مثل شيخ الدين؛ وقد لقب ابن خلدون الفقيه أسد بن الفرات بلقب "شيخ الفتيا" انظر المقدمة، ترجمة ده سلان، جـ 1، ص 78). وكان لقب شيخ الإسلام من دون هذه الألقاب جميعا هو أوسعها استعمالا. وهكذا نجد فى القرن الخامس الهجرى أن رأس فقهاء الدين الشافعية فى خراسان إسماعيل بن عبد الرحمن قد لقب بشيخ الإسلام الذى تمثلت فيه خير صفات هذا اللقب (انظر أيضا الجوينى: جهان كشا، جـ 2، ص 23 حيث وردت فى هذا الكتاب إشارة إلى "شيخ الإسلام خراسان")، ونجد فى هذا العهد نفسه أن أنصار الصوفى أبى إسماعيل الأنصارى (1006 - 1088 م) قد لقبوه بهذا اللقب (السبكى: الطبقات، القاهرة 1324 هـ، جـ 3، ص 117؛ جامى: نفحات الأنس، طبعة Lees، كلكته 1859، ص 33، 376). وكذلك لقب بهذا اللقب فى القرن السادس الهجرى فخر الدين الرازى. ونذكر من بين من لقبوا بشيخ الإسلام فى القرون التالية: الشيخ الصوفى صفى الدين الأردبيلى (Persian Literature in Modern Times: Browne، ص 33) والمتكلم التفتازانى. على أن لقب شيخ الإسلام أصبح فى مصر والشام لقب تشريف (ولكنه ليس لقبا رسميا) لا يطلق إلا على الفقهاء وبخاصة أولئك الذين أكسبتهم فتاواهم شهرة أو اعترافا من جمهور الفقهاء بالفضل، وكان ذلك على وجه خاص فى أوائل العهد المملوكى. ومن ثم فإن خصوم ابن تيمية فى المناظرات التى أثارتها أقواله، قد أنكروا عليه لقب شيخ الإسلام الذى خلعه عليه أنصاره. وإن المجددين فى أيامنا هذه المتأثرين بابن تيمية وابن قيم الجوزية يصورون هذين الفقيهين فى صورة إمامين من أئمة الدين جديرين حقا بأن يلقبا بلقب شيخ الإسلام (المنار، جـ 1 ص 24، فى قول Die Richtungen der islamischen Koranaus legung: Goldziher، ص 339) ومن ثم فإن شيخ الإسلام أصبح حوالى سنة 700 هـ (1300 م)

لقبا يستطيع أى مفتٍ له بعض النفوذ أن يتلقب به. ويقول محمود بن سليمان الكفوى المتوفى سنة 1582 م فى تراجمه لفقهاء الحنفية: "الأعلام الأخيار من فقهاء مذهب النعمان المختار" (Gesch. der Arab Litt.: Brockelmann, جـ 2، ص 83) إن من يلقب بشيخ الإسلام من أصحاب الفتيا هم أولئك الذين يفصلون فى المسائل الخلافية ويبتون فى الأمور التى تتعلق بالصالح العام (وفقا لقول على أميرى فى علميه سالنامه سى، ص 306). وهكذا نجد فى مصر وروسيا حتى يومنا هذا (¬1)، وفى تركية حتى القرن الثامن عشر (انظر أوليا جلبى: سياحتنامه فى مواضع مختلفة) أن أصحاب الفتيا، سواء كانوا من أهل السنة أو من الشيعة، إذا بلغوا شيئًا من النفوذ جاز أن يلقبوا بهذا اللقب، على أن تطور اللقب فى فارس كان على خلاف ذلك، فقد أصبح شيخ الإسلام هناك سلطة قضائية يرأس فى كل قرية ذات شأن محكمة دينية مؤلفة من الملا والمجتهدين. وكان شيخ الإسلام فى عهد الصفويين يعينه صدر الصدور (Les six Vayages: Tavernier باريس 1676 م، جـ 1 ص 598؛ Persia: Curzon، لندن 1892، جـ 1، ص 452، 454). بيد أن هذا اللقب بلغ أوج مجده بعد أن أطلق بخاصة على مفتى الآستانة الذى اكتسب منصبه فى دولة سلاطين آل عثمان بمرور الزمن أهمية سياسية ودينية لا نظير لها فى الدول الإسلامية الأخرى. وفى القرون الأولى من حكم الدولة العثمانية كان نفوذ مشايخ الصوفية يفوق كثيرًا نفوذ العلماء، فلما أعاد محمد الأول تنظيم الدولة، قام صراع عنيف بين النفوذ الجديد لأهل السنة وبين نفوذ الشيعة المتصوفة (مثال ذلك حادث بدر الدين محمود) وانتهى هذا الصراع بغلبة أهل السنة فى عهد سليم الأول. والظاهر أن أصحاب الرواية التاريخية العمليون قد تجاهلوا هذا التطور، ولا مناص من قبول روايتهم فى شئ كثير من التحفظ، على حين أن المصادر القديمة ¬

_ (¬1) كان ذلك وقت كتابة هذه المادة.

لا تزودنا فى هذا الشأن إلا بمعلومات قليلة. وهكذا نجد أن مجموعة التراجم المعروفة بالشقائق النعمانية (كتبت فى عهد سليمان الأول) قد صنفت معبرة عن وجهة نظر أهل السنة فحسب، على أنه يتبين لنا منها بأجلى بيان أن معظم الفقهاء القدامى فى البلاد العثمانية قد درسوا فى مصر أو فى فارس وتلقوا العلم على شيوخ من العرب أو الفرس. وكان بعض من تولوا الإفتاء فى الآستانة من الأجانب مثل فخر الدين العجمى (تولى الإفتاء من سنة 1430 - 1460 م) وعلاء الدين العربى. وتجعل الروايات المتأخرة الشيخ إده بالى حما عثمان أول مفت تولى الإفتاء فى البلاد العثمانية (علميه سالنامه سى، ص 315)؛ وهى تزعم أيضا أن مفتى الأنام قد تعين فى عهد مبكر يرجع إلى أيام مراد الثانى وعقدت له الرياسة على جميع المفتين الآخرين (سجل عثمانى، جـ 1، ص 6)، وأن محمدًا الثانى بعد فتح القسطنطينية قد خلع اللقب الرسمى: شيخ الإسلام على مفتى القصبة الجديدة: خضر بك على، وجعل له فى الوقت نفسه الرياسة على قاضيى العسكر (d'Ohssnn von Hammer)، ولكن ليس بين أيدينا أى شئ يدل على أن المفتى كان قد غدا شخصا له شأن كبير فى تلك الأيام. وفى رواية الشقائق النعمانية أن خضر بك هذا، لم يكن إلا قاضى إستانبول فحسب، على حين كان فخر الدين العجمى هو المفتى (الشقائق، ص 111، 81). وإذا كنا نجد من بعد أن المترجم لشيوخ الإسلام فى كتاب "دوحة المشايخ" يبدأ تراجمه بالمفتى محمد شمس الدين الفنارى المتوفى سنة 1430 م فإنما فعل ذلك فيما يظهر جريا على ما قضى به العرف فحسب. ولم يبدأ نفوذ مفتى إستانبول العظيم يظهر إلا على أيام سليم الأول فى الأربع والعشرين السنة التى تولى فيها هذا المنصب المفتى المشهور زمبللى على جمالى أفندى وفى عهد زمبللى (تولى منصب المفتى من سنة 1501 إلى 1525 م) كان قاضيا العسكر لا يزالان لهما السبق عليه لأنهما كانا يجلسان فى الديوان السلطانى، أما المفتى فكان لا يجلس فيه (الشقائق، ص 305)، على أننا نجد خبرا يقول: إن جمالى أفندى هذا

رفض أن يقبل من السلطان سليمان الأول ما عرضه عليه من تولى منصبى قاضيى العسكر مجتمعين (الشقائق، ص 307). والظاهر أن مفتى إستانبول لم يكتسب السلطان على جميع علماء الدولة العثمانية لا ينازعه منازع إلا فى عهد سليمان، ويدخل فى ذلك جميع القضاة على اختلاف درجاتهم. وكان هذا المفتى فى قول دوسون وفون هامر هو جوى زاده محيى الدين أفندى على أنه لا مناص لنا من أن نلاحظ أن جوى كان أيضا أول مفت صرفه السلطان عن منصبه (فى سنة 1541 م). وكان ارتفاع شأن مفتى إستانبول على أية حال أمرًا متعلقًا بشخصه لا تفرضه إرادة السلاطين السامية، ويتجلى ذلك فى اتخاذه من تلقاء نفسه لقب شيخ الإسلام الذى كان يحمله فى هذا العهد كثير من المفتين ونستطيع أن نبحث عن تفسير لهذا التطور فى عدة نواح. فمن ناحية نجد ذلك الفرض الخلاب الذى قال به ديمومبين Gau-defroy-Demombynes, فهو يرى تشابها عجيبا بين منصب مفتى إستانبول وبين الخليفة العباسى فى بلاط سلاطين المماليك قبل أن يفتح الترك مصر (La Syrie، باريس 1923 , ص 22) ومن ناحية أخرى نجد أن تنظيم علماء الدولة العثمانية تحت رياسة شيخ من رجال الدين قد يكون متأثرا من وجه بطبقات رجال الدين النصارى فى الامبراطورية البوزنطية يرأسهم بطرق يشرف على شئون النصارى جميعا، ثم أننا قد نرى فى منصب شيخ الإسلام بقية من السنة الصوفية الدينية القديمة فى الدولة العثمانية، وهى سنة كانت تقتضى أن يقوم إلى جانب السلطة الزمنية، سلطة دينية ليس لها سلطان قضائى، ولكنها تمثل ما نستطيع أن نسميه الضمير الدينى للناس. وهذا الفرض الأخير قد يفسر لنا ثبات منصب شيع الإسلام على مدى القرون التى تلت ذلك على الرغم من أن السلطان كان من سلطته أن يصرف صاحب اللقب عن منصبه، وهى سلطة لجأ إليها السلاطين كثيرًا. وقد بلغ الأمر بالسلطان عثمان الثانى (1618 - 1622 م) أن حرم المفتى جميع امتيازاته

لرفضه إصدار فتوى بتحليل أن يقتل الأخ أخاه، ولكن هذه الامتيازات ردت إلى المفتى فى عهد خلفه. وقد أمر مراد الرابع بقتل المفتى آخى زاده حسين (1632) دون أن يرعى حرمة لجلال المنصب. وكان المفتى عبد الرحيم أفندى هو الذى عمل على خلع إبراهيم الأول وقلله بعد ذلك بستة عشر عاما، ولو أن فعلته هذه قد أفقدته منصبه. وكان آخر مفت استطاع أن يحتفظ بمنصبه سنين طوالًا متعاقبة هو أبو السعود (1545 - 1574 م). وقد تعاقب على المنصب بعد ذلك عدة أشخاص لم تدم ولايتهم له إلا فترات قصيرة قدرها ثلاث سنوات أو أربع فى المتوسط. ومنذ بداية القرن السادس عشر الميلادى، أصبح من الممكن أن يتولى الشخص الواحد منصب المفتى عدة مرات. أما التغيير المطرد الذى ألم بهذا المنصب، فقد أصبح شيئا فشيئا متصلا بالمؤامرات السياسية التى يدبرها الصدور الأعظمون، وحريم السلطان، والانكشارية، وهى مؤامرات كان يتورط فيها المفتون أنفسهم تورطا كبيرًا مثل المفتى المشهور قره جلبى زاده، على أن أغلب هؤلاء كانوا من أهل الاستقامة، ولو أن استقلالهم السياسى أصبح فى معظمه وهما من الأوهام. وغدا المفتون جميعا منذ أوائل القرن السادس عشر من أهل البلاد العثمانية وكانوا ينتمون، شأن العلماء كلهم، إلى أسر من المسلمين، وهم يتميزون فى ذلك عن كبار عمال الدولة وكبار ضباط الجيش الذين كانوا فى كثير من الأحوال من أبناء نصارى جندتهم الدوشرمه. وبعد ذلك كان المفتون ينتمون فى بعض الأحيان إلى أجيال مختلفة من أسرة واحدة. وكانوا فى الغالب يحصلون على المشيخة الإسلامية (مشيخت إسلامية) بعد أن يتقلبوا فى مناصب القضاء العليا ومن ثم فإن معظم المفتين كانوا من قبل قضاة عسكر قبل أن يلوا منصب الإفتاء. وقد خلقت هذه السنة غيرة طائفية بين العلماء وشيخهم، بدت كثيرًا فى صفحات التاريخ. واختلف الأمر فى منصب شيخ الإسلام عن السنة التى

استقرت بمضى الزمن بالنسبة لوظائف القضاء العليا، فلم يعد هذا اللقب يمنح لشخص إلا إذا قبل المنصب فعلا (ولا نعرف استثناء لذلك إلا حالتين اثنتين). وتجلى جلال منصب شيخ الإسلام فى الدولة فى المحافل الرسمية، فقد كان يعد فى نظر قانون المراسم أبا حنيفة زمانه لا يتقدم عليه إلا الصدر الأعظم. وفى القرن الثامن عشر لم يكن يفرض على المفتى أن يؤدى الزيارة إلا للصدر الأعظم فحسب؛ وكانت زيارته للصدر الأعظم وللسلطان تتبع فيها مراسم دقيقة وكذلك حددت حقوق وواجبات المفتى فى المحافل الدينية، مثل دفن السلطان، وبيعة السلطان الجديد وارتقائه أريكة السلطنة. وكان له عدة ألقاب أخرى علاوة على لقب شيخ الإسلام أقدمها استعمالا مفتى الأنام، ثم أعلم العلماء، وبحر علوم شتى، وأساس أو أفضل الفضلاء، وصدر الصدور، ومسند نشين (¬1) فتوى. وكان ملبسه يتميز دائما بالبساطة. وكان المفتى المتقدم فى العهد ملاخسرو (المتوفى سنة 1480 م) يضع عمامته فوق تاج الأمام الأعظم (الشقائق النعمانية، ص 137). وكان المفتى من بعد يرتدى قفطانا أبيض موشى بالفراء وعمامة مزينة بشريط من القصب (وثمة عدة صور لملبسه فى كتب من قبيل voyage pittoresque de la Grece: Choiseul Gouffier، جـ 2، ص 49). وكانت الوظيفة السياسية لشيخ الإسلام مقصورة فيما مضى على سلطانه فى إصدار الفتاوى. ولم يلبث أن حل محله فى إجابة الأفراد ما يسألونه من فتاوى أمين الفتوى (مفتى أمينى انظر ما يلى)، على أن الفتاوى التى يصدرها المفتى فى المسائل السياسية أو الأمور التى تتعلق بالصالح العام كان لها شأن خطير. ونضرب مثلا للنوع الأول: الفتوى التى أصدرها على جمالى فى شأن الحرب التى شنت على مصر (1516 م) والفتوى التى أصدرها أبو السعود بخصوص الحرب على البندقية (1570 م). وفى عهد السلطان عثمان ¬

_ (¬1) عبارة معناها مسند الفتوى الركين. (عبد النعيم حسنين)

الثانى أبى المفتى أسعد أفندى أن يصدر فتوى يحلل فيها أن يقتل الأمير من العثمانيين أخاه. ومن الأمثلة على الفتاوى من النوع الثانى الفتوى التى أصدرها أبو السعود فى إباحة شرب القهوة والفتوى التى أصدرها عبد اللَّه أفندى فى شأن إقامة مطبعة (فى سنة 1727؛ انظر Stambuler Buchwesen: Bahinger، ليبسك 1919، ص 5)، والفتوى التى أصدرها أسعد أفندى بشرعية النظام الجديد الذى سنه سليم الثالث. وكان المفتون يشاركون بفتاواهم أيضا فى التشريع السلطانى بالإفتاء بشرعية القوانين المختلفة (قانوننامه؛ مثل قانون سليمان الأول الذى صدق عليه جميعا أبو السعود؛ انظر: مللى تتبعلر مجموعة سى" 1331 م، جـ 1، العددين 1 و 2). زد على ذلك أن العرف جرى بأن يستشار شيخ الإسلام فى جميع المسائل السياسية ذات الشأن. ومن ثم كان المفتون فى معظم الأحوال محمودى الأثر فى المسائل العامة، ولو أنهم كانوا بتدخلهم الشخصى يقاسون فى كثير من الأحيان من عسف السلطان. ويعزى تدهور الدولة العثمانية فى بعض الأحيان إلى روح الرجعية التى يتسم بها نظام مشيخة الإسلام. ومع ذلك فإن من الأمور الواجب ذكرها، أن المفتين بدوا أقل رجعية من معظم رجال الدين، واستطاعوا بتدخلهم الشخصى أن يمنعوا أحكاما تقوم على التعصب والتعسف (مثال ذلك؛ معارضة أبى السعود فى حمل جميع النصارى على الدخول فى الإسلام قهرًا وغصبًا). صحيح أن شيخ الإسلام فى الدولة العثمانية أيام القرنين التاسع عشر والعشرين لم يعد له الشأن السياسى المعهود، إلا أنه كان يلجأ فى بعض الأحيان إلى السلطة المأثورة لهذا المنصب حين تدعو السياسة إلى ذلك. مثل الذى حدث عند خلع السلطان عبد الحميد سنة 1904. وإعلان الجهاد سنة 1914 والفتوى التى صدرت ضد الوطنيين فى أنقرة سنة 1920. ولم تكن الفتوى التى صدرت سنة 1914 مقصورة على سياسة الدولة العثمانية

فحسب بل كانت موجهة أيضًا إلى العالم الإسلامى بأسره، وتكشف هذه الحقيقة عن تصور جديد أشمل لفكرة الجامعة الإسلامية التى تنطوى عليها مشيخة الإسلام العثمانية وهو تصور نما على ما يظهر فى تركية فى غضون القرن التاسع عشر. والراجح أنه كان متصلا بالنظريات الجديدة فى الخلافة. وكما هى الحال بالنسبة لهذه النظريات فإننا نجد أن أول من عبر عن فكرة ما لشيخ الإسلام من أهمية كبرى فى نظر العالم الإسلامى بأسره هم الكتَّاب الأوربيون النصارى فقد قارنه رحالة القرن السادس عشر (مثل ريكو Ricaut) بالبابا وعده فولنى (Volney: Voyage en syrie، باريس 1789/ 1790 م، جـ 2، ص 371)، الممثل الروحى لسلطة الخليفة فى نظر العالم الإسلامى جميعًا. والحق أن فتوى المفتى هى، من الناحية الشرعية، موجهة إلى كل مسلم يريد أن يتبعها، ولكنه لم يحدث إلا فى سنة 1914 أن بذلت المحاولة التى ترمى إلى الاستفادة من السلطة الروحية العالمية التى نسبها فى ذلك الوقت النصارى والمسلمون على السواء لشيخ الإسلام فى الآستانة (Verspride GesChriften: Snouch Hurgronje، جـ 3، ص 272). وكان للمفتى، بوصفه رأس طبقة العلماء الحق فى أن يرشح لأشخاص السلاطين من يقتضى الأمر تعيينهم فى مراتب القضاء الستة العليا ولم يكن هو نفسه يتولى القضاء إلا فى أندر النادر. فلما شرعت الإدارة فى الدولة العثمانية تأخذ بالأساليب الحديثة أنشئت بالتدريج مصلحة إدارية على رأسها شيخ الإسلام، وما إن وافى هذا الوقت حتى كان ثمة عدة أشخاص يساعدون المفتى فى أداء واجباته الكثيرة، مثل الكتخدا أو الكيايا الذى يستطيع أن يمثل المفتى، والتلخيصجى الذى كان وكيله فى الحكومة، والمكتوبجى أى كاتب السر العام؛ وأمين الفتوى (فتوى أمينى) الذى نيط به إعداد الفتاوى التى يطلبها الجمهور ويتولى إصدارها. وكان لكل هؤلاء العمال مناصبهم؛ وفى عهد "التنظيمات" أحكمت روابط هذا النظام الإدارى، وجعل مقر شيخ الإسلام الرسمى فى المكان الذى كان مخصصًا

من قبل لأغا الإنكشارية. وكانت تقوم فى هذا الديوان الذى سمى من ثم: "شيخ الإسلام قابيسى أو باب فتوى" إدارات مصلحته حتى ألغى هذا المنصب. وكانت هذه المصلحة تتولى إدارة وتصريف أمور جميع الهيئات التى قوامها الدين إلا إدارة الأوقاف. وهكذا أصبح شيخ الإسلام زميل رؤساء سائر المصالح التى أنشئت فى غضون القرن التاسع عشر، وغدا وزيرا فى الوزارة يبقى فى منصبه ما دامت الوزارة التى هو عضو فيها باقية فى الحكم؛ وكذلك احتفظ شيخ الإسلام بالسبق على سائر الوزراء، وقد نص على ذلك فى المادة 27 من دستور مدحت باشا الذى صدر سنة 1876، وورد فى أحكامه أن السلطان هو الذى يختار الصدر الأعظم وشيخ الإسلام بنفسه، أما سائر الوزراء فيعينهم الصدر الأعظم. وكان الصدر الأعظم وشيخ الإسلام، منذ عهد مبكر يرجع إلى القرن الثامن عشر، هما الوحيدان من عمال الدولة اللذين يتقلدان منصبيهما فى حضرة السلطان. وكان نفوذ شيخ الإسلام يضمحل كلما أمعنت الدولة العثمانية فى إسباغ الطابع الدنيوى على نظام الإدارة فيها. فلما أنشئ مجلس الشورى (شوراى دولت) سنة 1839 حرم شيخ الإسلام الشئ الكثير من سلطانه على شئون السياسة الداخلية، وكذلك جوده إنشاء محاكم مدنية وجنائية جديدة يشرف عليها وزير عدل جديد (عدلية نظارتى) قدرًا آخر من هذا السلطان. وقد اتخذت سلسلة من الإجراءات التشريعية حددت اختصاص القضاء بما يتفق مع قيام محاكم الشريعة والمحاكم النظامية. وكان هذا التطور جزءًا بارزًا من الإصلاحات الدينية التى استحدثها رجال تركية الفتاة (انظر مثلا قصيدة "شيخت" لضياكوك ألب، ص 62 من Aus der Religibsen Reformbewegung in der Turkei بقلم Dr. A. Fischer ليبسك 1922) وبلغ غايته المحتومة حين نقلت حكومة حزب تركية الفتاة سنة 1919 تبعية المحاكم الشرعية جميعا إلى وزارة العدل، كما نقلت تبعية المدارس إلى وزارة المعارف؛ وقد كان المبرر لهذه الخطوة هو التمشى مع القانون العام الحديث فقد أعلن أن الغرض من ذلك هو تجنب الأخطاء التى ارتكبت فى عهد

التنظيمات وجعل المشيخة الإسلامية مصلحة تتولى الأمور الدينية الصرفة فحسب (انظر مثلا جريدة طنين، 31 اكتوبر و 2 نوفمبر سنة 1916). وكانت هذه الروح هى التى أملت إنشاء إدارة فى المشيخة سنة 1917 تدعى "دار الحكمة الإسلامية" تتسم وظيفتها بالدعوة إلى الدين. ومع ذلك فإن الإصلاحات التى أحدثها حزب تركية الفتاة ألغيت بعد إبرام هدنة مدروس فى 2 نوفمبر سنة 1918. على أنه ما إن حل هذا الوقت حتى كان عمر المشيخة قد أشرف على النهاية، ذلك ان كل ما تبقى فى الآستانة من الإدارات الحكومية القديمة للدولة العثمانية قد ألغى فى نوفمبر سنة 1922، وجمع عمال الحكومة الجديدة بأنقرة فى أيديهم اختصاصات هذه الإدارات، ولم يعد يدخل فى هذه الحكومة مشيخة للإسلام. صحيح أنه قد أنشئت عند قيام هذه الحكومة "وكالة شرعية" (شرعية وكالتى) إلا أن نزعة المجلس الوطنى الكبير المناهضة لنظام مشايخ الدين لم تكن لتسمح ببقاء صورة من صور المشيخة الإسلامية، فاستبدل بها إدارة متواضعة يقال لها "ديانت إشلرى رئيسلى" بحكم قانون أقره المجلس الوطنى الكبير فى 3 مارس سنة 1924، وهو اليوم الذى ألغيت فيه الخلافة العثمانية. ونجد أوفى وصف لمنصب شيخ الإسلام على أواخر أيامه فى "علمية سالنامه سى" الذى نشرته سنة 1334 هـ (1916 م) مشيخة الإسلام التى كانت حينذاك تحظى برياسة مصطفى خيرى أفندى الحازمة. وكانت أهم) إداراتها: "فتوى خانه" و"مجلس تدقيقات شرعية" وهى نوع من محاكم النقض للمحاكم الشرعية؛ وإدارة للإشراف على شئون المدارس (درس وكالتى ومصالح طلبية)؛ وإدارة تتولى شئون الفرق الصوفية (مجلس مشايخ)؛ وإدارة لبيت المال (أموال أيتام). وكان ثمة أيضا أقسام إدارية للمحفوظات والمكاتبات والحسابات، وكانت الولاية على ذلك لوزير (مستشار) مثل الحكومات الأخرى. وكان ديوان شيخ الإسلام أيضا (شيخ الإسلام قابيسى) يضم المحاكم الشرعية الكبرى التابعة لقاضى

المصادر

العسكر، والـ "قسام" وقاضى إستانبول (إستانبول قاضى سى). ثم يأتى بعد ذلك عدد كبير من اللجان يرجع إلى رأيها فى الأمور المختلفة، ومنها لجنة لتعيين القضاة الذين يتخذون مقامهم هناك. ومن أراد المزيد فليرجع إلى: "علميه سالنامه سى". المصادر: وردت تراجم لمائة شيخ وثمانية من مشايخ الإسلام فى كتاب "دوحة المشايخ" لرفعت أفندى، وقد طبع على الحجر بإستانبول طبعة غير مؤرخة؛ وآخر ترجمة فيه هى ترجمة عمر حسام الدين أفندى المتوفى 1288 هـ (1871 م). وقد كتب ذيلا لهذا الكتاب على أميرى أفندى. ويكمل هذين المرجعين كتاب "علمية سالنامه سى" الذى يترجم فى الصفحات من 322 - 641 لمائة وأربعة وعشرين شيخا من مشايخ الإسلام حتى يصل بهم إلى مصطفى خيرى أفندى (الذى ظل فى هذا المنصب حتى نوفمبر سنة 1916)، وقد نشر هذا الكتاب المؤرخان: أحمد رفيق وعلى أميرى أفندى؛ وكتب على أميرى فى "سالنامه" هذه بحثًا عنوانه "مشيخت إسلامية تاريخجة سى" استغرق الصفحات من 304 - 320؛ وفى فينا مخطوط من كتاب "دوحة المشايخ" لمستقيم زاده (فلوكل، جـ 2، ص 409 وما بعدها)؛ ولكثير من الكتاب الغربيين الذين كتبوا عن تركية إشارات وردت فى كتبهم عن مشيخة الإسلام وهم The History of the present state of the Ottoman Empire: Ricaut، الطبعة السادسة، لندن 1686 م، ص 200 وما بعدها؛ Tobleau General de L'Empire Othoman: D'Ohsson, جـ 2، باريس 1790 م، ص 256 وما بعدها: Des osmanischen Reiches staatsverfassung: J.von Hammer، فينا 1815 م، جـ 2، ص 373 وما بعدها؛ وثمة أوصاف أخرى وردت فى Uber titel Rangstufen und An dreden inder offiziellen osmanischen sprache: Dr. Stephan Kekule، هال 1892، ص 16 وما بعدها؛ Corps de droit Ottoman: G.Young، أوكسفورد 1905 م، جـ 1، ص 285 وما بعدها؛ The Government of the Ottoman Empire in the Time of suleiman the Magnificent: A.H.Lybyer, كمبردج 1913، ص 207 وما بعدها. خورشيد [كرامرز J.H. Kramers]

شيخزاده

شيخزاده كلمة فارسية مركبة معناها "ابن (أو حفيد) الشيخ" وهى مرادفة للمصطلح التركى شيخ أوغلى. واللفظ شيخ يدل فى الاستعمال التركى على "الواعظ فى المسجد الجامع، ورأس فى الرباط أو الطائفة الدينية". ويجب ألا يخلط بين هذا المصطلح والمصطلح شهزاده (وهو صيغة ثانوية دارجة من "شاهزاده") أى "الأمير ولى العهد". وشيخزاده اسم أسرة من قبيل إمام زاده أو إمام أوغلى، ومؤذن زاده أو مؤذن أوغلى ون -باشازاده، ون- بيك زاده، ون - أفندى، زاده. ولا يستعمل فى التركية "ابن الشيخ"؛ أما المصطلحات مثل ابن كمال بدلًا من كمال باشا زاده فشاذة. وقد استخدم لفظ الأسرة شيخزاده أو شيخ أوغلى اسم علم فى أسماء الأعيان الترك الآتى ذكرهم: 1 - مؤلف خورشيد نامه التى تمت حوالى 20 مايو سنة 1387. ونحن نجد فى مقدمة هذا الكتاب وخاتمته معلومات عن الشاعر شيخ أوغلى أو شيخ زاده، كما نجد فى الوقت نفسه معلومات عن مولاه سليمان شاه أمير الكرميان (والشواهد التى نوردها فيما يلى مأخوذة من المخطوط A.F.T.T رقم 314 بالمكتبة الأهلية بباريس). ولد شيخ أوغلى حوالى سنة 1340 والحق أنه كان فى "نحو الخمسين من عمره"عندما أتم مؤلفه (جوشمدى إلى يه يقلشدى يشيم)، (الورقة 304، الصفحة اليسرى، س 9)؛ وكان عريق الأصل، من ناحية أبيه وأمه (إيكى ياندن بنوم أصلم أو لودور؛ الموضع المذكور، س 2). وكان أجداده رجالا مقتدرين (دولت إسى) من أهل العلم (علم إسى فاخر بكلر) وأعيان المسلمين. وكان لسليمان شاه ثقة مطلقة فيه (هم إيج إدرم آكاهم طيش إدرم بن - نه قلسم نيلسم سبش (شاباش) إدرم بن، الموضع المذكور، س 2) وقد خوله حق العمل كاتبا للسر وأمينًا أول لبيت المال (نشان ودفتر ومال وخزينة الورقة 26 س 7) وهذا يؤيد ما ذهب إليه سهى كل

التأييد، إذ قال إن شيخ أوغلى كان "نشانجى" و"دفتر دار" لأمير الكرميان؛ وقد كانت نيته قد صحت على أن يهدى قصيدته إلى هذا الأمير أيضًا، وهو يقول حقًا: "سليمان شاه زمانى إيدى كى إلـ أوزتديم بوكتابى دوزميه الـ كى شاهى دى تمامت كرميانوك هم أولو أوغلى إيدى جخشا يانكك (المخطوط رقم 355: جخشد انوك) "مددت يدى أول ما مددت لكتابة هذا الكتاب فى عهد سليمان شاه لقد كان أمير الكرميان جميعًا وكان ابنه الأكبر الذى قرع السلاح" على أن هذا الأمير مات والمؤلف فى منتصف كتابه (الورقة 16، س 10) ومن ثم التحق شيخ أوغلو بخدمة يلدرم بايزيد زوج ابنة سليمان شاه، وهو بعد ولى عهد السلطان، وكان قد أقطع بالفعل قصبة الكرميان وقد أهدى الشاعر القصيدة إلى بايزيد اعترافًا منه بالنعم التى أغدقها عليه هذا الأمير بدوره (الورقة 18، س 1). واجتماع هذه الظروف يعلل لنا كيف أن الشاعر أمكنه فى الوقت نفسه أن يكتب قصيدة فى رثاء مولاه السابق، ذاك أنه لم يكن يستطيع أن ينسى حقًا أن هذا المولى لابد أن يبزه ويخمله سميه القوى الذى كان هو أيضًا عميدًا لآل عثمان (الأمير سليمان بن بايزيد) ولم يحتفظ باسمه الا على النقوش والسكة (خليل أدهم: آل كرميان كتابه لرى: Revue de L'institut d'Histoire Ottomane [بالتركية]، جـ 1، ص 112 - 128؛ أحمد توحيد. .. كوتاهية ده [كرميان] بكلرى، جـ 2، ص 505 - 513). وفى مديح بايزيد "الصغير السن العريق المعرفة" (يكت دور عمر له، عقل له بير، الورقة 18، الصفحة اليسرى، س 11) وصف هذا الأمير بأوصاف شتى فى المخطوطات المختلفة؛ فقد وصفه مخطوط برلين، وهو أقدم المخطوطات، بقوله: "بايزيد بك ابن (= حفيد) أورخان بكك؛ وفى مخطوط باريس رقم 314 (الورقة 16، الصفحة

اليسرى، س 1 و 2) وصف بأنه ابن سلطان شاه (سلطان أوغليدور شاه)؛ وقد أعقب هذه الكلمات التعريف التالى: "نه (نا) سلطان بن سلطان بن سلطان شاهنشاه بايزيد بن مرادخان" ونجد الصيغة نفسها فى المخطوط رقم 355، (الورقة 4، س 4) ولكن عبارة "شاهنشاه الخ" استبدل بها عبارة "جلبى بايزيد أول شير مردان". ومما يجدر ذكره أن الأمراء أولياء العهد كانوا يحملون لقب جلبى بالفعل حتى عهد محمد الثانى (سجل عثمانى، جـ 1، ص 89). أما اللقب إيلدرم (وهى الصيغة العثمانية القديمة ليلدرم، فقد ورد فى بيت الشعر: صواشده إيلدرم درلرسه حق در، (الورقة 16 الصفحة اليسرى، س 5). وورد فى المقدمة نفسها أن الكتاب قد تم فى عهد بايزيد (دولتنده؛ الورقة 17، س 10). وقد أعرب المؤلف من بعد عن أمله فى أن يمتد به العمر حتى يتم وضع "عشق نامه" باسم الأمير نفسه (شهوم أديله). ويبدو أن الخاتمة كانت مديحًا فى وزير (الصدر الأعظم على باشا، انظر الورقة 19 س 10). وكل هذا الخلاف والتباين يجعلنا نفترض أن المقدمة قد أعيدت كتابتها كلها فى وقت متأخر. ولعل الكاتب نفسه هو الذى أعاد صياغتها. وقد يكون من المستحسن إصدار نسخة محققة، ولكن أيّا ما كانت النسخة التى نتخذها عمدة لنا فإننا نستطيع أن نأخذ مأخذ اليقين أن تاريخ إتمام هذا الكتاب (20 مايو سنة 1387) وهو التاريخ الذى ورد فى الخاتمة. وقد ذكر هذا التاريخ على النحو التالى (الورقة 304، س 13). . . يدى يوز سكسان دوقزده -كى تخت ورمش إيدى خورشيد أوكوزده- "فى سنة 789 عندما ارتفعت الشمس فى برج الثور"؛ ثم تلا ذلك وصف الربيع وقد جاء فى ختامه: "ربيع الآخرون (كذا) آخر زاهر -بوخورشيد نامه أولدو أول آخر (كذا) "- "يبدو أن خورشيد نامه قد تمت فى أواخر ربيع الثانى (الموضع، المذكور، س 2). وقد بدأ الشهر القمرى ربيع الثانى سنة

789 هـ فى 21 أبريل وانتهى فى 20 مايو وهذا يوافق تمامًا دخول الشمس برج الثور. وهذا التوافق الدقيق الذى يناقض ما جرى عليه التأريخ العثمانى من عدم تحرى الدقة يجعلنا نستبعد جواز الخطأ. ومن ثم فالقصيدة أقدم مما ظن أغلب الناس. ونستخلص من هذا الذى قلناه أن سليمان شاه كان قد انقضى على وفاته بعض الوقت سنة 789 هـ ونلاحظ أيضًا مما ورد فى مدح شيخ أوغلى له أنه كان ممعنًا فى التقوى والورع، حتى أن الدراويش نسوا أن يعاملوه بالاحترام الواجب نحو أمير عظيم (أولو شاه) ولم يكونوا يبدأونه بالتحية (سلام أونور تمز إيدى، الورقة 15 الصفحة اليسرى، س 13). أما فيما يتعلق بالكنية "جغشدن" التى وردت فى شاهد أوردناه من قبل، وهى الكنية التى كنى بها أبو سليمان شاه (كرميان أوغلى محمد) وترجمناها بعبارة "الذى قرع السلاح" فمن الواضح أنها اسم الفاعل القياسى المنتهى بـ" (يـ) ان" من فعل من أفعال السببية أصله جغ (ى) - شتمق (جخشتمق) وهو من الأشياء التى تسمى بأسماء أصواتها ويرادف الاسم المحرف من قغ (ى) شمق أو قخشتمق (ومن ثم فلا شك أنه مصدر اسم العلم فاج جاد الذى أورده خطأ V. Hammer: Gesch. dosm. Dichtkunst، جـ 1، ص 1100، التعليق 1 وسنصحح الأخطاء الأخرى التى وردت فى الشاهد الذى أوردناه). وقد ورد الفعل جخشمق فى كتاب محمود كاشغرى "ديوان لغات الترك" (جـ 3، ص 212) بمعنى يخشخش (كالحصى الصغير) أو يرن وذلك عند الكلام على اللُعَب أو ما شابه ذلك (انظر أيضًا Gram turque: J.Deny, الفصل 850، الملاحظة 4 والتعليق؛ وأضف الكلمات جغيشدى المأخوذة من برهان قاطع"بالتركية، ص 626، ص 24، وجغيشمق المأخوذة من قاموس Redhouse، ص 722 ب، وجخشق المأخوذة من كتاب كاشغارى، جـ 1، ص 290، س 12 - 15، وقغثاشمق، ALtosm: Vambery, ص 185).

ويصف كتاب خورشيد نامه غراميات خورشيد وابنة ملك الفرس شياوش وفرح شاد ابن ملك المغرب (انظر تحليل ذلك فى Hammer، المصدر المذكور)؛ وهى قصيدة من 7640 بيتًا (مع مصراعين مقفيين من أحد عشر مقطعًا) أى أنها مثل خسروشيرين بحرها هو البحر نفسه أى الهزج (U/U - U) ـ (¬1) ـ وقد أطلق سهى على هذه القصيدة الاسم خورشيد، وأطلق عليها حاجى خليفة (جـ 4، ص 412) فراح نامه. وينطقها فون هامر V.Hammer وكب Gibb ومن تبعهما من المؤلفين فرخشاد. ويصحح كب Gibb ناشر حاجى خليفة رسمها بقرءاتها فرّخ نامه. وفى مخطوطات باريس التى أوردنا ذكرها يكتب هذا الاسم دائمًا فرحشاد، ويجب الأخذ دائمًا بهذه القراءة الوحيدة التى تتفق مع الوزن (U--) ـ (¬2) ـ؛ والحق أننا نجد هذا اللفظ إما فى بداية المصراع الشعرى أو فى نهايته (الورقة 70 و 72؛ الصفحة اليسرى و 73، 78، 78 ب و 76 ألخ) حيث يكون اللفظ فرّخشاد) (----) (¬3) مخالفًا للوزن، على أننا لا نجد اللفظ فرخّشاد لا فى الشاهنامه ولا فى يوستى (Iranisches Namenbuch: Justi، ما ربورغ 1895) ويبدو أن السبب فى ذلك هو أن اللفظ قد اختلط باللفظين فرّ خزاد وفرّخروز (انظر خلطا مماثلا لذلك فى القصة الشعبية الخاصة بفرخّشاد وفرّخروز وفرّخناز التى ترجمها إلى الفرنسية Jeune de Langues Maltor سنة 1742 (المكتبة الأهلية بباريس، الملحق التركى، رقم 945) ويقول سهى إن شيخ أوغلى هو ابن أخت شيخى وخليفته، ويختلط الأمر أيضًا على المؤرخ عالى فيسميه جمالى شيخزاده (Hammer: جمالى زاده)؛ وتناقض التواريخ هذا التحقيق (ذلك أن شيخى، الذى كان يكتب فى عهد مراد الثانى، كان لا يزال على قيد الحياة سنة 1421). ويتعذر علينا أن نصدق أن خليفته يكون هو ابن أخته الذى ولد ¬

_ (¬1) م فاعى لن/ م فاعى لن/ ف عولن. (¬2) ف عولن. (¬3) مس تف عل.

المصادر

سنة 1340، ومن ثم وجب التفريق فى هذا المقام بين شخصين مختلفين. ويذكر كوبريللى زاده محمد فؤاد فى المصدر رقم 124 من مصادر كتابه ترك أدبياتنده إلك متصوفلر، (إستانبول 1918) نسخة خطية وحيدة فى حوزته من كتاب عنوانه "كنز الكبرا" بقلم شيخ أوغلى "ولها شأن بالغ الأهمية فى تاريخ اللغة والأدب". ويستحيل علينا، مع افتقارنا إلى معلومات أكثر من ذلك تفصيلا، أن نقول هل هذا الكتاب من وضع الكاتب الذى نحن بصدده؟ المصادر انظر بوجه خاص History of Poetry Ottoman: Gibb، لندن 1900، جـ 1، ص 427 وما بعدها؛ ومخطوطات المكتبة الأهلية بباريس هى: A.F.T، رقم 312 (نسخة مشكولة جميلة من مخطوط يحمل التاريخ سنة 882) و 315 و 355 (وكلاهما ناقص)؛ ونسخة برلين (Pertsch رقم 365) تحمل التاريخ ربيع الأول سنة 807 (7 سبتمبر - 6 أكتوبر سنة 1404). 2 - مؤلف أو على الأصح مترجم كتاب "قيرق وزير حكاية سى" حكاية الأربعين وزيرًا. ولا نعرف عن هذا الكاتب إلا القليل الذى ورد عنه فى المقدمة. وكذلك يختلف النص باختلاف المخطوطات، ونحن نجد فى بعضها شيخزاده فحسب، وفى بعضها أحمد مصرى فحسب. ويرى كب Gibb أنهما شخص واحد، وهو مترجم قيرق وزير من العربية إلى التركية نقلا عن كتاب فقد منذ ذلك الحين وعنوانه "أربعين صباح ومساء". وهذه الترجمة، فى أغلب المخطوطات، مهداة إلى السلطان مراد الثانى (1421 - 1541 م)، وهذا يشير بالتقريب إلى الزمن الذى عاش فيه كاتبنا (ويقول Pertsch بأنه كتب قرق وزير سنة 850 هـ = 1446 م). على أنه مما تجدر ملاحظته أن شيخزاده وفقا لنص Belletete (وهو يوافق مخطوطا من مخطوطات فينا)، هو اسم كاتب كتب بالعربية إلى سلطان مصر (مِصْر وَمصْر بدلًا من "عصر" التى

وردت فى المخطوطات الأخرى) وأن الذى صنع الترجمة التركية كاتب مجهول يتحدث عن نفسه بضمير المتكلم، وقد رصعها بثمار مختلفه من أساليب المنشئين والشواهد، ويجوز لنا أن نفترض اعتمادا على ما ورد فى المخطوطات الأخرى أن شيخزاده (أو أحمد مصرى) هو الذى قام بالترجمة الأولى وأن كاتبا مجهولا هو الذى أدخل عليها هذه التحسينات. ويرفض فليشر Fleischer وبهرناور Behrnauer وكب Gibb اعتبار القراءة مِصْر خطأ، ولكن ضمير الشخص (الذى يتغير من الغائب إلى المتكلم) يظل مع ذلك أمرا محيرا. ومن ثمّ فالضرورة تقضى بإصدار نص محقق من شتى مخطوطات قيرق وزير، وحسبنا أن يقرر لنا ذلك اسم الكاتب. و"الأربعون وزيرًا"، شأنها شأن بختيار نامه تفريع من سندباد نامة أو "تاريخ الحكماء السبعة" (الوزراء السبعة فى النسخة العربية). ويمكننا أن نلخص موضوع كتاب "الوزراء الأربعون" فيما يلى: كان فى فارس ملك يسمى شاه الخافقين (أى ملك الشرق والغرب)، أحبت زوجته الشابة ابن زوجها وهو أمير رائع الحسن عظيم الشمائل، وراودته الملكة (الخاتون) عن نفسه، فعمل الأمير بنصح معلمه (خواجه، أستاد)، الذى حسب طالعه ونصحه بأن يلزم الصمت كالأبكم مهما حدث، ويظل على ذلك فتره حرجة عدتها أربعون يومًا، وضاقت الملكة بإغفال الأمير لها فاغتابته عند أبيه. وأمر الشاه بأن يقتل ابنه. وفى هذه اللحظة يتدخل الأربعون وزيرًا؛ ويقص أولهم قصة فى حضور الجلاد (قصة الشيخ شهاب الدين المقتول الذى مات ضحية كيد امرأة)، وفى ختامها يوافق الشاه على تأجيل قتل الأمير حتى يتوفر له المزيد من المعلومات. وتقص الملكة فى المساء قصة قصدت منها إذكاء نار الغضب فى صدر زوجها، فعاد الشاه واستدعى الجلاد فى صباح اليوم التالى؛ ولكن الوزير الثانى يتدخل بدوره وهكذا دواليك حتى تتعاقب قصص الأربعين وزيرا هى وقصص الخاتون. وفى

المصادر

اليوم الحادى والأربعين وبينما الملك يهم بأن يصدق ما زعمته الملكة ويقتل ابنه ويلقى بالوزراء فى السجن، إذا بالخواجه الذى كان قد اختفى خلال هذه الفترة يعود ويحل الأمير من الصمت الذى التزمه نزولا على ما تضمنه الطالع. ومن ثمّ يكشف الأمير عن مؤامرات الملكة. وتذهل الملكة من شهادة خدمها ثم تربط فى ذيل جواد يجرها فوق الحجارة والطرق الوعرة فتتمزق إربا إربا. وقد جرى القول بنسبة قصص الأربعين وزيرًا إلى مصر، وهذا يتفق مع الإشارات التى وردت فى المقدمة عن المكان الذى قيل بأن هذه المجموعة من القصص قد كتبت فيه؛ ولعل "إقشد" سلطان مصر الذى ورد ذكره فى إحدى القصص (انظر Chauvin، ص 123) هو الإخشيد. المصادر تجد مصادر وافية كل الوفاء عن الأربعين وزيرًا Biblioraphie des Ouvrages arabes: V.Chauvin لييج وليبسك، 1904، جـ 8 (Syntipas)، ص 18 - 21 و 112 وما بعدها (وقد نشر بعض المقتطفات Chrestnmathie: Smirnov [العنوان بالروسية]، سانت بطرسبرغ 1903، ص 220 - 223. ويصح أن نذكر أيضا أن عالما فى اللغة التركية من براغ هو M.Duda يعد طبعة للأربعين وزيرًا). ومخطوطات المكتبة الأهلية بباريس هى A.F.T رقم 348 - 388 و 392؛ الملحق التركى 428 - 434 و 1392 - 1294 و 644. وفيما يتعلق بالمخطوطات الأخرى والطبعات المطبوعة فى تركية انظر Pertsch، برلين، الفهرس رقم 454 و 437 و 438؛ كوتا Gotha، الفهرس رقم 230 وبخاصة Rieu، المتحف البريطانى، ص 216 (أ). 3 - محيى الدين محمد بن مصلح الدين مصطفى القوجوى الملقب بشيخزاده، المتوفى سنة 951 هـ (25 مارس 1544 - 14 مارس 1545) وقد كتب تعليقا على تفسير البيضاوى،

المصادر

وتعليقا على "نهج البردة"، وغير ذلك من النصوص. المصادر (1) حاجى خليفه: كشف الظنون، جـ 7، الفهرس، رقم 6432 (2) G. A. L: Brockelmann، جـ 1، ص 265 - 417 (3) Catalogue . . . bib! . Ac Lugduno Bataviae: Dozy، 1851، جـ 2، ص 82. 4 - عبد الرحمن بن الشيخ محمد بن سليمان، الملقب بشيخزاده (وفى حاجى خليفه: شيخى زاده)، المتوفى سنة 1078 هـ (23 يونية 1667 - 11 يونية 1668 م) وقد أتم سنة 1077 هـ "مجمع الأنهر"، وهو تعليق (بالعربية) على "ملتقى الأبحر"، وهى رسالة إبراهيم الحلبى فى فقه الأحناف والترجمة التركية لهذا المصنف بقلم موقوفاتى هى فى جوهرها الأصلى فى كتاب دوسون (Tableau general de l'empire othomon: d'Ohsson، وقد طبع هذا التعليق أول ما طبع فى الاستانة سنة 1240 هـ/ 1824/ 1825 م)، ثم أعيد طبعه سنة 1305 هـ، فى جزأين يضمهما مجلد واحد كبير من قطاع الربع. المصادر: (1) حاجى خليفة، جـ 6، ص 105 (2) Bibliotheca Orientalis: Zenker، رقم 1450 (3) G.A.L: Brockelmann, جـ 3، ص 432 (4) Catalogue des Manuscrits arabes . . . offerts . . par de courdemanche: Blochet، 1909، القسم العربى رقم 16411 (وقد وقعت أخطاء مطبعية فى التواريخ) أما فيما يتصل بالأعيان الآخرين الذين يحملون اللقب شيخزاده فانظر: cat of Turk. Mss: Rieu فى المتحف البريطانى رقم 82 ب، و 120 ب، Das asiatische Museum: Dor, سانت بطرسبرغ 1846، ص 219. صبحى [دنى J.Deny]

شيخ سعيد

شيخ سعيد ميناء فى بلاد العرب الجنوبية على مضيق باب المندب، وعلى مسيرة ميلين من جزيرة بريم ويقوم الميناء على رأس تسيطر صخوره الشاهقة التى يبلغ ارتفاعها 850 قدمًا على هذه الجزيرة؛ وثمة جبلان بركانيان قائمان فى شبه جزيرة يبلغ طولها 6 أميال وعرضها 4.5 ميل يكونان الركن الجنوبى الغربى الأقصى لجزيرة العرب، وبين هذا الركن وبريم ما يعرف بالمضيق الصغير الذى يسميه العرب باب المنهلى أو باب إسكندر، ذلك أن الإسكندر فيما يقال كان قد شيد بلدة فى هذا المكان؛ وهناك أطلال قائمة حقا جنوبى الرأس، ويقول شيرنكر A.Sprenger وكليزر فى Glaser .E ولعلهما محقان فيما يقولان، إن الشيخ سعيد هى أوكيلس Ocelis أو آكيلا Acila القديمة التى ذكرها يليناس، (Nat,Hist: Pliny، جـ 6، ص 15، الفصل 104، ص 28، الفصل 152؛ بطلميوس، جـ 21، ص 7 و Periplus Maris Erythaei, الفصل 25). وكانت الرحلة من هذا المكان إلى برنيس Berenice تستغرق عشرين يوما. ويقول كليزر إن الاسم أوكيلس Ocelis ربما كان يخفى اسما آخر مثل عقيل. وكان الميناء فى الأصل من أملاك مملكة قتبان ثم انتقل إلى الجبانيين ثم انتهى أمره إلى الحميريين؛ وفى القرن الرابع الهجرى (العاشر الميلادى) كان من أملاك بنى مجيد بن حيدان بن عمرو ابن الحاف بن قضاعة. وينسب الاسم الحديث للميناء إلى قبر الشيخ سعيد الذى دفن فى الجانب الشمالى من الرأس، ولكن الميناء لم يعد له الآن شأن ذو بال، ويقال إنه ميناء موسمى، قد يصبح شديد الخطورة على الملاحة عندما تهب الرياح الموسمية. وقد أغرى المركز الحربى الممتاز لهذا المكان أمير البحر الفرنسى ماهيه ده لا بوردونيه Mahe de Labourdonnais إلى انتزاع الرأس من سلطان وطنى فى تاريخ مبكر يرجع إلى سنة 1734, بل قيل إن لويس السادس عشر احتفظ له بوكيل هناك، وظل ميناء شيخ سعيد منطقة نفوذ فرنسية، بل إن نابليون بونابرت نفسه أراد أن يقيم حامية

هناك، وقد اقترحت الحكومة الفرنسية هذا الاقتراح على "محمد على" سنة 1828, على أنه عندما شرع بالفعل فى تحقيق هذه الخطة لقى معارضة حازمة من إنجلترا التى احتلت عدن سنة 1839 وبريم سنة 1857، ولم تنقض فترة طويلة حتى عاد الفرنسيون يهتمون بهذا المكان اهتماما جديا، وبعد مفاوضات طويلة اشترت شركة من مارسيليا من السلطان الوطنى الأرض التى كان يملكها بخمسين ألف فرنك، ولم يثبت هذا الحق لشركة باب المندب التى أسسها رابو بازان Rabaud-Razin إلا سنة 1871. وقد استخدم الفرنسيون هذا الميناء لتزويد سفنهم بالفحم خلال الحرب الفرنسية الألمانية. ولكن اهتمام الفرنسيين به قلّ بعد الحرب؛ وفى سنة 1837 عقد اتفاق بين إنجلترا وتركية اعترفت فيه تركية بسيادة إنجلترا على رأس باب المندب واحتل الترك شيخ سعيد سنة 1884، واضطر الفرنسيون إلى السكوت عن ذلك، وخاصة أن الترك كانوا قد أقاموا التحصينات فى الرأس ولم يشرع مجلس النواب الفرنسى فى الاهتمام بأمر هذا الميناء مرة أخرى إلا فى سنة 1896, بل قيل إن فرنسا أعلنت أن أرض شيخ سعيد مستعمرة فرنسية، ثم بذلت محاولات متكررة بعد ذلك لتثبيت مزاعم فرنسا قوة واقتدارّا بطريقة عملية. على أن هذه المحاولات جميعا كانت تبوء بالخيبة دائما. وظلت تركية تحتل المكان، وجعلت منه بمرور الزمن حصنا حصينا؛ وقد ألقى الإنجليز عليه القنابل سنة 1914، إلا أن جنود الإمام يحيى حميد الدين دافعوا عنه دفاعًا مجيدا فى العام التالى، بل استطاعوا أن يلقوا القنابل على بريم ويغلقوا المضيق فترة من الزمن. وقد أدى الانهيار العسكرى لتركية فى الحرب العالمية الأولى إلى عودة المكان إلى أهل البلاد. وميناء شيخ سعيد، شأنه شأن مخا، بلدة ساحلية لها شأنها فى الإمارة المستقلة التى يتولى أمرها إمام اليمن الزيدى، بل إن شأنها أعظم من مخا لوجود الفحم والحديد فيها.

المصادر

المصادر: (1) الهمدانى: صفة جزيرة العرب، طبعة D.H.Muller, ليدن 1884 - 1891، ص 53. (2) Reich nach sudarabien: H.v. Maltzan براونشفيك ص 1873، ص 384 و 385. (3) Die alte Geographie Arabiens: A.Sprenger، برن 1875، ص 67, 77، 104، 258. (4) Skizze der Geschichte und Geographie Arabiens: E. Glaser، برلين 1890، جـ 2، ص 23 و 139 و 169 و 238. (5) Der Islamische Orient: M.Hartmann، جـ 2، Die arabische Frage، ليبسك 1909، ص 153 و 417 و 418 و 469. (6) Das sudwestliche Arabien (Angewandte Geographie Serie iv Part 8, Frankfurt a/M 1913: W. Schmidt، ص 78, و 79. (7) Der kamph um Arabien zwischen der Turkie und England (Hamburgische Forschungen,Braunschweig 1916,i: F.Stuhlmann, 1916, ص 113 و 120. (8) Arabia Infelix or the Turks in Yaman: G.W.Bury لندن 1915 ص 17 و 27. (9) Sudarabien als Wirtschaftsgebiet: A.Grohmann، فيينا 1922، ص 168 و 185. (10) المؤلف نفسه فى Osterreich Monatsschr f.d Orient، 1917، جـ 43، ص 340. صبحى [كرومان Adolf Grohmann] شيخية اسم فرع من الطريقة الشاذلية هو أقرب إلى الرباط منه إلى الطريقة، وقد أسسه عبد القادر بن محمد (951 - 1023 هـ = 1544 - 1615 م) الملقب بسيدى شيخ، ويرجع نسبه إلى الخليفة أبى بكر، وينحدر من فرع من هذه الدوحة هاجر من جزيرة العرب إلى مصر فى القرن الأول للهجرة، ثم نزح منها إلى بلاد تونس حيث أقام من سنة 699 إلى سنة 802 هـ ووقع هذا الفرع منذ ذاك فى مشاحنات بالمغرب،

المصادر

وهناك عرف أفراده باسم "بو بكرية" أو "أولاد أبى بكر". وكان سيدى شيخ، "مقدّم" الطريقة الشاذلية، وقد أبقى على شعائر هذه الطريقة، وأهّله ورعه وخلقه لزعامة قومه فى أمور الدين والدنيا. وأراد سيدى شيخ أن يهيئ سبل الإقامة لزواره الكثيرين، فبنى قصرًا فى الأبيض، ويعد هذا القصر إلى اليوم من القصور الخمسة التى يأوى إليها الشيخية، وظلت رياسة هذه الطريقة وراثية فى أسرته بضعة أجيال. وفى النصف الثانى من القرن الثامن عشر، دبت الفرقة بين أتباع الطريقة فانشعبوا طائفتين: الشرقة والغربة، وأصبح تاريخ الطريقة من بعد تسيطر عليه هذه الفرقة. وفى القرن العشرين حاول رجل يدعى "بو عممه" (عمامة) أن يوحّد بين هاتين الطائفتين تحت سلطانه. وكانت نزعته الشخصية تشبه ما ألفناه فى الدراويش بعامة، وتوسع فى شعائر طريقته فزاد عليها ذكرًا ودعاءً. ويقوم المقر الرئيسى للشيخية على الحدود الجنوبية بين بلاد الجزائر وبلاد مراكش؛ ومن الواضح أن هذه الطريقة لم تمتد قط إلى خارج هذه البلاد. المصادر: (1) Marabouts et Rhounn: L. Rinn، ص 349 وما بعدها. (2) Les Confredries religieuses musulmanes: Coppolanie O. Depont et X، ص 468 وما بعدها. خورشيد شيراز مدينة فى فارس، وقصبة ولاية فارس، وهى تقوم فى سهل مترامى الأطراف جنوب أصفهان؛ وقد غزاها أبو موسى الأشعرى وعثمان بن أبى العاصى فى أواخر خلافة عمر؛ وأعاد بناءها محمد بن القاسم بن محمد بن الحكم بن أبى عقيل الثقفى، ابن عم الحجّاج ونائبه فى عهد الخليفة الوليد ابن عبد الملك، على أنقاض مدينة قديمة كانت تابعة لولاية أردشير خرّه، وكانت قصبتهما كور (جور)، وهى فيروز أباد

الحديثة؛ وقد شيد أسوارها أبو كاليجار سلطان الدولة البويهى من سنة 436 إلى سنة 440 هـ (1044 - 1048 م). وجعل لها اثنى عشر بابًا (قال المقدسى، ص 430، إنه لم يكن لها إلا ثمانية أبواب أورد أسماءها)؛ ورممت هذه الأسوار فى منتصف القرن الثامن الهجرى (الرابع عشر ميلادى) على يد محمود شاه إنجو منافس المظفرية. ووصل تيمور أمام المدينة سنة 795 هـ (1393 م) فهاجمه شاه منصور المظفرى الذى لقى حتفه فى الموقعة، ثم استولى الأفغانيون على المدينة سنة 1137 هـ (1724 م)؛ وقد جعلها كريم خان زند قصبته وأحاطها بالأسوار والخنادق ورصف شوارعها وأقام العمائر الجميلة فيها، وبخاصة السوق الكبيرة؛ وقد دمرها الزلزالان اللذان وقعا سنتى 1813 و 1824 وكان فيها فى وقت من الأوقات حصن قديم اسمه شاه موبذ (الإصطخرى، ص 116)، وفى القرون الأولى للإسلام كان لا يزال فيها هيكلان من هياكل النار الزرادشتية، كان أحدهما يسمى كارنبان والآخر هرمز؛ وكان ثمة هيكل ثالث خارج أبوابها يسمى مسوبان فى قرية تَرْكان (الإصطخرى، ص 119). وقد اشتهرت هذه القرية أيضًا بالشهد وأحجار الرّحى وغيرها. وتزودها بالماء قناة ركن آباد، وهى التى تغنى بها حافظ وشقها ركن الدولة البويهى أبو عضد الدولة؛ والقناة القادمة من قبر سعدى؛ وللمدينة ثلاثة مساجد جامعة: 1 - جامع عتيق وقد بناه عمرو بن الليث فى القرن الثالث الهجرى (التاسع الميلادى). 2 - المسجد الجديد الذى بناه سعد ابن زنكى الأتابك السلغرى فى النصف الثانى من القرن السادس الهجرى (الثانى عشر الميلادى). 3 - مسجد سنقر، الذى بناه أول أتابك سلغرى؛ وفى المدينة أيضًا كثير من أضرحة الأولياء مما حدا بالناس إلى تسميتها ببرج الأولياء، ونخص بالذكر منها أضرحة أحمد بن محمد بن موسى الكاظم العلوى، والشاعر بن الصوفيين سعدى وحافظ، وهى شمال المدينة. وثمة حديقتان فى المدينة هما حديقتا

المصادر

دلكشا وهفت تن، وتصنع المدينة الفسيفساء المعروفة باسم خاتم كارى، ومنسوجات الملابس، والشاش والديباج (القماش المقصّب) ومشاقة الحرير. وكانت المدينة مسقط رأس الشعراء: أثير المسمى شفعا، وأهلى، وبوسحاق (أبو إسحاق الحلّاج) وحافظ، وسعدى، وعرفى، وبابافغانى، ومانى، ومجد الدين همسكر، كما كانت مسقط رأس المصلح الدينى مجلى محمد الملقب بالباب. وثمة قرية تحمل الاسم نفسه شمال سمرقند، على مسيرة أربعة فراسخ أو نحو 16 ميلًا منها (N.E.: Quatremere، جـ 14، ص 490، J.A يناير 1852، ص 83، Voyage a Boukhara Burres، جـ 3، ص 207). المصادر (1) ياقوت: المعجم، طبعة Wustenfeld، جـ 3، ص 318 = Dict. de la Perse: Barbier deMeynard, ص 261. (2) مراصد الاطلاع، جـ 2، ص 139. (3) المكتبة الجغرافية العربية، (الإصطخرى، ص 124، ابن حوقل، ص 195؛ المقدسى، ص 329). (4) الدمشقى، طبعة Mehren، ص 240. (5) البلاذرى: فتوح ص 388 و 436. (6) حمد اللَّه مستوفى: نزهة القلوب، طبعة Strange Le، ص 114 - 117. الترجمة. ص 112 - 114. (7) ابن البلخى: فارس نامه (طبعة Nicholuos. Le Strange, سلسلة كب التذكارية، 1921)، ص 132 - 134 (8) A Year amongst the Persians: E. G. Browne، ص 263 وما بعدها. (9) The Lands of The Eastern Caliphate: Le Slrange، ص 249 - 251 و 293. (10) سامى بك: قاموس الأعلام, جـ 4، ص 2895. (11) La Perse, Chaldee et la Susiane: J. Dieulafuy، باريس 1887، ص 422 وما بعدها، ص 440 وما بعدها.

الشيرازى

(12) Reize naar Arabie: Niebuhr، أمستردام 1780، جـ 2، ص 107 وما بعدها. صبحى [إيوار Cl. Huart] الشيرازى أبو إسحق إبراهيم بن على بن يوسف الفيروزآبادى، فقيه شافعى، ولد فى فيروز آباد سنة 393 هـ (1003 م)، وشخص إلى شيراز لدراسة الفقه سنة 410 هـ، ومنها إلى البصرة، وبلغ بغداد فى شهر شوال سنة 415 هـ (ديسمبر 1024 م)، حيث أتم دراسة الأصول على أبى حاتم القزوينى (المتوفى سنة 440 هـ)، والفروع على أبى الطيب الطبرى (المتوفى سنة 450): وبدأ يدرس فى بغداد سنة 430 هـ (1038/ 39 م). (السبكى، جـ 3، ص 177)، وسرعان ما اشتهرت دروسه شهرة جعلت الطلاب من جميع أنحاء العالم الإسلامى يجلسون عند موطن قدميه: وقد ولى كثير من تلاميذه مناصب القضاء والوعظ فى شرقى دولة الخلافة؛ وفى سنة 459 هـ (1067 م) ناط به الوزير نظام الملك فتح أول مدرسة عامة أنشاها فى بغداد وهى المدرسة النظامية، ولكن الشيرازى تخلف عن الحضور فافتتحها ابن الصباغ؛ وهدد تلاميذه بالانصراف عنه إلى ابن الصباغ فقبل آخر الأمر. وظل يعلّم فيها حتى حضرته الوفاة (ابن الصابى فى ابن خلكان، جـ 1، ص 34)؛ فلما اشتد النزاع بين أبى نصر بن القشيرى (المتوفى سنة 514 هـ) وحنابلة بغداد حول أقوال الأشعرى وبلغ الخلاف غايته حتى أريقت بسببه الدماء، تحمس الشيرازى فانضم إلى صفوف الأشعرية وأقنع الوزير بأن يسجن شيخ الحنابلة (ابن الأثير، جـ 10، ص 71، السبكى، جـ 3، ص 98 وما بعدها؛ جـ 4، ص 251)، ومن الشواهد على علو مكانته، الرحلة التى قام بها إلى نيسابور فى مهمة عهد بها إليه الخليفة فى شهر ذى الحجة سنة 475 هـ (مايو 1038 م) وكانت هذه الرحلة أشبه بموكب من مواكب النصر، فقد خرج إمام الحرمين فى نيسابور لاستقباله وحمل عباءته، وقد جرت بينه وبين

المصادر

إمام الحرمين مناظرات اعترف فيها إمام الحرمين بتفوقه عليه؛ وتوفى الشيرازى بعد عودته إلى بغداد بقليل فى الواحد والعشرين من جمادى الآخرة سنة 476 هـ (5 نوفمبر 1083 م) ودفن فى جبانة باب أبرز باحتفاء كبير، وصلى عليه الخليفة صلاة الجنازة، وأغلقت المدرسة النظامية سنة كاملة بأمر منشئها حدادًا، عليه؛ وقد أمر الوزير تاج الملك (المتوفى سنة 486 هـ) ببناء قبر ومدرسة قرب هذه المدرسة (ابن الأثير، جـ 1، ص 147). وأهم آثاره هى: (1) "كتاب التنبيه فى الفقه" الذى ألفه سنة 453/ 452 هـ (طبعة Juynboll ليدن 1879)، وهو مختصر فى الفقه كتبت عليه شروح كثيرة؛ (2) "كتاب المذهب فى المذهب"، وهو كتاب شامل وضع فى السنوات 455 - 469 هـ، ولكنه لم يطبع بعد (انظر ياقوت: المعجم، جـ 3، ص 214)؛ (3) كتاب تذكرة المسئولين"، وهو كتاب فى الاختلاف فى عدة مجلدات يتناول أقوال الحنفية والشافعية، والظاهر أنه لم يصل إلى أيدينا (حاجى خليفة، رقم 2848)؛ "طبقات الفقهاء"، ويشمل سيرا مختصرة لفقهاء القرنين الأولين والمذاهب الأربعة حتى أيامه، وهو كتاب استشهد به كثيرا أصحاب الطبقات المتأخرون مثل النووى والسبكى وابن خلكان والقرشى ونقلوا عنه فى كثير من المواضع دون أن يذكروا مرجعهم. المصادر: (1) السمعانى: كتاب الأنساب، سلسلة كب التذكارية، جـ 20، الورقة 435 (5) (2) ياقوت: المعجم، طبعة Wustenfeld، جـ 3، ص 349. (3) ابن الأثير: الكامل، جـ 10، ص 38 و 71 و 81 وما بعدها و 85. (4) النووى: Biograph. dictionary، ص 646 - 649. (5) ابن خلكان: وفيات، جـ 1، ص 5 وما بعدها.

المصادر

(6) السبكى: طبقات الشافعية الكبرى، القاهرة 1324 هـ، جـ 3، ص 88 - 111 و 275 - 280. (7) Schafi'iten: Wustenfeld، رقم 452 (= Abh Gott Ges .Wiss xxxvll [1891]. (8) G.A.L.: Brockelma، جـ 1، ص 387؛ انظر أيضا جـ 1، ص 324، رقم 2. صبحى [هفننك Heffening] الشيرازى أبو الحسين عبد الملك بن محمد: عالم فى الرياضيات نبه صيته حوالى منتصف القرن الثانى عشر وقد درس علمى الرياضيات والفلك اليونانيين. وكان يتوفر فى أيامه ترجمة عربية جيدة لمخروطيات (. . .) أبولونيوس البركاوى صنعها هلال بن أبى هلال الحمصى (المتوفى سنة 883/ 884) وثابت بن قرة الحرَّانى (826 - 901). وقد استعان الشيرازى بهذه الترجمة فأعد ملخصا لمحتويات كتاب المخروطيات، ونجد ترجمته العربية فى أوكسفورد (مكتبة بودليانا، 913 و 987 و 988) وتنسب إليه أيضا ترجمة مختصرة للمجسطى لبطلميوس، الذى أعد منه قطب الدين الشيرازى (1236 - 1311) ترجمة فارسية. والترجمتان العربيتان لمخروطيات أبولونيوس لهما شأن عظيم فى تاريخ الرياضيات، إذ لم يبق فى العربية إلّا الكتب الثلاثة الأخيرة من الكتب السبعة لهذا المؤلف الهام، على أن الكتاب الثامن من المخروطيات كان قد غاب عن علم الناس عندما حل زمن المترجم العربى. المصادر: (1) Die Mathematiker und Astronomen der Araber und ihre Werke: H. Suter، ليبسك 1900، ص 126 و 158. (2) Das funfte Buch der Conica des Appollonius von Perga in der Arabischen Ubersetzung des Thabit ibn Corrah: L.M.Ludwig Nix، ليبسك 1899، ص 3 - 7) ولا يخلو من أخطاء طوبوغرافية). صبحى [شوى C.Schoy]

الشيرازى

الشيرازى صدر الدين المتوفى سنة 1640 م: أحد الكبار المجهولين فى تاريخ العقل الإنسانى. وقد وجد فى غمرة الظروف التى أحاطت بحياته العلمية المتواضعة البائسة، الوقت والقوة لإقامة صرح مذهبه فى العالم، ولتنظيم وبسط جملة العلوم المعروفة فى زمانه وذلك وفقا لوجهات نظر جديدة. واستطاع أن يحل على وجه فيه طرافة وابتكار المشكلات الكبرى التى أسلمتها الفلسفة القديمة لعصره. ومذهبه فى العالم مذهب فى الوجود، فالأشياء التى لها وجود واقعى فى العالم والتى تحيط بنا، هى "أفراد جزئية للوجود". شبيهة بأجزاء لوجود لامتناه، وصادرة عن اللَّه مصدر النور كأنها أشعة منفصلة، وبناء على هذا المبحث يتصور الشيرازى كل مراتب الحقيقة الوجودية على وجه جديد: فما نأخذه من الأشياء على أنه "ماهية"، إنما هو تعين الأشعة المنفصلة "للوجود"، وما ندركه فى الأشياء على أنه "وجود"، إنما هو الوجود الفعلى لهذه الأشعة عينها. وعلى هذا النحو أصبح لدينا حل جديد، لتلك المشكلة الكبرى التى وجدت منذ زمان بعيد، وهى مشكلة "الماهية والوجود"، فقد نظر إلى الماهية والوجود"، على أنهما وجهتان مختلفتان للنظر، أو على أنهما وجهان مختلفان للحقيقة الوجودية الميتافيزيقية الواحدة. ولقد كانت الفكرة القائلة بانتقال النفوس حية فى عصر الشيرازى الذى تحولت على يديه هذه الفكرة على وجه يلائم فلسفته الميتافيزيقية فى الوجود: فالنفس الإنسانية بما لها من روحانية ترقى إلى مرتبة من صور الوجود أعلى وإلى التشبه باللَّه، وإلى الاتصال باللَّه. ومبدأ هذا الترقى إنما يكون إذن فى العرفان الذى هو أرقى صور المعرفة. والذى بفعل ما يشتمل عليه يمحو من الإنسان نقائص الوجود وأخطاءه، ومن ثم يغمره بفيض من الكمال. فمعرفة عقولنا هى فعل من شأنه أن يكسب هذه العقول بتأثير العقل الفعال ماهية تجعلها قريبة من ماهية اللَّه الخلاقة. وليس اللَّه هو الوجود القديم فحسب، وإنما هو مركز القيم أيضا، وانعكاسات هذه القيم القديمة هى الأشياء المخلوقة،

المصادر

ولهذا فإن هذه الانعكاسات التى نجدها فى العالم وفى مظاهره المتكثرة المضطربة، والتى هى انعكاسات لحقيقة الخير والجمال والمحبة، إنما هى انعكاس للَّه تنبعث منه الأشعة إلينا فيظهرنا على اللَّه، وهاهنا يتبين لنا فى عين الوقت طريق الكمال الأخلاقى. إن الاتجاهات الثلاثة الكبرى للحياة العقلية فى الإسلام قد وجدت نقطة التقائها فى الشيرازى الذى، وقد كان متكلما وفيلسوفا وصوفيا معا، قد زاوج ووازن بين الأفكار التى جرت بها هذه التيارات. على أن أخص ميدان له هو ميدان التصوف الفارسى ممثلا فى "الإشراق" كما أنشأه السهروردى، والذى عول فيه الشيرازى على ابن سينا والفارابى، وذلك باصطناعه أدلة أرسطية، وبتوسعه أيضا فى هذا المذهب لاسيما فكرة تطور الماهيات التى ينكر ثباتها. وقد دحض بمذهبه فى صدور الوجود اعتراضات هذا الضرب من التصوف الإسلامى المصطبغ بصبغة واحدية هندية. ويثبت لنا الشيرازى أن الفلسفة لم تمت فى الإسلام منذ سنة 1100، بل هى قد ازدهرت كذلك فى عصور لاحقة، ولقد جمع فى موجز مؤلف تأليفا جيدا الثقافة العليا التى كانت فى العصر الزاهر لحكم الشاه عباس. المصادر: (1) Die Gottesbeweise bei Shirazi: Morten، بون 1912 (2) المؤلف نفسه: Das philosophische System des Shirazi ستراسبورغ 1913. (3) المؤلف نفسه Die philosophie des Islam ميونخ 1924، ص 93، وما بعدها, 124 - 126، فى مواضع مختلفة. م. مصطفى حلمى [هورتن M. Horten] حياة الشيرازى ومصنفاته تعليق للدكتور محمد مصطفى حلمى الشيرازى هو محمد بن إبراهيم القواص الملا صدر الدين، فارسى الأصل إذ كان موطنه شيراز، وعربى

التصانيف إذ كتب كتبه بالعربية، ورحل إلى أصفهان وتلقى علومه بها، ثم إلى البصرة حيث توفى فيها وهو عائد من سفره حاجا إلى مكة، وكانت وفاته فى سنة 1050 هـ. وقد تلقى الشيرازى بعض العلوم الفلسفية على يد أستاذه الأمير داماد، وهو الأمير محمد الباقر ابن محمد الإسترآباذى الذى كان من أكبر وأشهر العلماء والفلاسفة فى العصر الصفوى، والذى كان يقيم فى أصفهان، وكانت له مجالس علم وتدريس يلتف فيها حوله الطلاب المقيمون والوافدون، مما جعل له منزلة علمية كبرى وأثرا بعيدا فى نفوس معاصريه بصفة عامة، وفى قلوب وعقول تلاميذه ومريديه بصفة خاصة، وليس أدل على ما كان له من أثر، من أن بين الذين أخذوا عنه، وتخرجوا عليه، صدر الدين الشيرازى الذى يمكن أن يقال إنه أجل فلاسفة العصر الصفوى شأنا، وأعظمهم خطرا، حتى لقد بلغ من دقة البحث، وعمق التفكير، وطرافة التحقيق، مبلغا جعله فى منزلة تأتى بعد منزلة كل من أرسطو وابن سينا. وإذا كان صدر الدين الشيرازى قد عرف مذهب السهرودى المقتول فى حكمة الإشراق فأساغه وتمثله وتأثر به، فأكبر الظن أن يكون قد تأثر أيضا فى الناحية الإشراقية لمذهبه فى الوجود بما ألقاه أستاذه الأمير داماد من دروس وما خلفه من مصنفات، لاسيما ما كان من هذه المصنفمات وتلك الدروس مطبوعا بالطابع الأشراقى؛ ولعله قد تأثر من بين مصنفات أستاذه المطبوعة بهذا الطابع الاشراقى بكتابه (القبسات). وبما نظمه من شعر يدور على الإشراق، لاسيما ما كان من هذا الشعر فى المثنوى الذى نظمه وجمعه باسم (مشرق الأنوار). ولصدر الدين الشيرازى مصنفات عدة فى موضوعات مختلفة، وكلها يدل على سعة علمه، ودقة بحثه، مما جعله خليقا بأن يعرف باسم "ملا صدرا"، و"مولانا صدرا" و"الأخوند"، وكل أولئك يعنى أنه يلقب ويعرف بالأستاذ: فمن مصنفاته الفلسفية: كتاب (الأسفار الأربعة فى الحكمة" وكتاب (شواهد الربوبية)، وكتاب (المبدأ والمعاد)، وكتاب (مفاتيح الغيب)، وكتاب

شيركوه

(المشاعر)، ورسالة (القضاء والقدر). ورسالة (إنصاف الماهية بالوجود)، ورسالة (أكسير العارفين). ومن مصنفاته الأخرى: كتاب (أسرار الآيات)، و (تفسير سورة الواقعة)، و (جزء فى التعبير)، و (شرح الهداية للآبهرى)، و (شرح أصول السكاكى). شيركوه أبو الحارث أسد الدين بن شاذى، وأخو أيوب بن شاذى أبى صلاح الدين، وكان شيركوه أول الأمر قائدا من قواد نور الدين أمير حلب ودمشق، ثم أصبح وزيرا للعاضد آخر الخلفاء الفاطميين، وكان بصفته هذه يحمل لقب التشريف الملك المنصور. ونحن نلقى أول ما نلتقى بشيركوه فى تكريت حيث كان أخوه أيوب يتولى الحكم باسم الخليفة العباسى، ولكن شيركوه ارتكب جريمة قتل فلم تجد أسرته كلها بدا من مغادرة المدينة وعرض خدماتها على زنكى أمير حلب فقبل ذلك منهم، وظل شيركوه فى بلاط نور الدين محمود بن زنكى، وقد صدع شيركوه بأمر نور الدين فمضى إلى الاستيلاء على دمشق التى كان يدافع عنها أخوه أيوب باسم أمراء بنى بورى: وسوى الأمر بين الطرفين دون أن يضرب أحدهما فى سبيل ذلك ضربة واحدة واحتفظ أيوب بدمشق، ولكن باسم نور الدين الذى أقطع شيركوه ناحية حمص، وهذا منشأ إمارة حمص الأيوبية التى آلت فيما بعد إلى أحفاده. وفى سنة 558 هـ (1163 م) طلب شاور من نور الدين أن يساعده فى تولى منصب الوزارة فولى شيركوه أمر الحملة المشورية، وسار شاور وشيركوه على رأس جيش يقل عدده كثيرا عن عدد الجيش الذى حشده الوزير ضرغام وفاز فوزا مبينا فى وقعة قرب تل بصطة، ومهما يكن من أمر ما كان يدبره شيركوه أول الأمر لشاور فإن هذه الوقعة تعد نقطة هامة فى العلاقات بين الرجلين، ويبدو أن شيركوه كان يخشى نزعة التآمر التى كانت تسيطر على شاور، وكان تأكيد شاور من أن له عيونا فى جيش شاور يستقى منهم الأخبار، وهو أمر تحقق فى النهاية -مزعجا لشيركوه؛ وتولى

شاور منصب الوزارة فانتقل النزاع بينهما من السر إلى العلن، ولم يرض شيركوه أن يرحل عن مصر قبل تنفيذ الإتفاق المعقود مع نور الدين، ونشب القتال بين الرجلين عدة مرات، وكانت الغلبة فى المواقع التى جرت بينهما فى ضواحى القاهرة لشيركوه، فاستنجد شاور بالفرنجة، وحوصر شيركوه فى بلبيس فاضطر إلى الإستسلام، وعاد إلى دمشق قبل أن ينصرم عام 559 هـ (نوفمبر 1164 م). وعاد شيركوه 562 هـ (1167 م) فغزا مصر ليقاتل شاور مرة أخرى، وكان شاور لا يزال حليفا للفرنجة وقد فاز فى معركة بابين التى أجبره خصومه على خوضها، إلا أن هذا النصر الذى سفكت فيه الدماء سفكا لم يؤد إلى أية نتيجة حاسمة، ووجد شيركوه فى الإسكندرية قاعدة احتلها بسهولة ونصب ابن أخيه صلاح الدين واليا عليها؛ بيد أن هذا الجهد كله لم يأت بطائل، ذلك أن شاور أفلح فى الاستيلاء على المدينة مرة أخرى بعد حصار دام طويلا، مما أدى إلى رحيل شيركوه عنها. على أن الخليفة العاضد اضطر إلى استدعائه بعد ذلك بسنتين عندما حاصر الفرنجة القاهرة وكانت نتيجة هذا الغزو الثالث فاصلة، فقد ارتبط مصير شيركوه بمصير مصر بعد رحيل الفرنجة ورفض أن يلبى دعوات نور الدين الملحة للاستنجاد به، وكان نور الدين يأبى أن يحرم الخدمات التى يؤديها له، وبعد مصرع شاور قبل شيركوه منصب وزير الخليفة العاضد، ولكننا لا نعلم: هل كان قد فكر فى قرارة نفسه فى إقامة دولة خاصة به أم لا؟ على أننا نعتقد أن العكس كان صحيحا، ويجوز لنا أن نفترض أن فكرة إقامة هذه الدولة طرأت على نور الدين، الذى صمم على أن يضرب ضربة مزدوجة ليعيد ضباطه إلى الولاء له وليحكم مصر ويضمها إلى مملكته السورية بعد أن يرد هؤلاء الضباط إلى المذهب السنى مرة أخرى؛ وكان من الواجب إثارة هذا الموضوع فى مادة تتحدث عن شيركوه نظرا لقرابته لصلاح الدين، ولكن ليس ثمة ما يدل على أن صلاح الدين قد اتخذ من ذلك موقفا محددا.

المصادر

وقد اتفق استيلاؤه على السلطان مع فتنة قام بها أهل القاهرة وأعملوا يد النهب والسلب حتى فى مكاتب الوزارة، وقد لحق شيركوه بابن أخيه صلاح الدين، وهو الذى وصفه وليم الصورى " William of Tyre" بقوله: " Vieltz, Patie de cors et mout gras وقد امتدح المؤرخون مقدرته، فقد كان على سنيته حكيما إذ سمح للمصريين بأن يظلوا مستمسكين بعقائدهم الدينية، على أن سلطانه لم يدم إلا فترة وجيزة جدا لا تكفى لإقامة نظام سياسى جديد للدولة، وتوفى شيركوه فجاه بعد أن تولى منصب الوزارة أكثر من شهرين بقليل، وكانت وفاته فى الثانى والعشرين من جمادى الآخرة سنة 564 هـ (23 من مارس سنة 1169 م)، فقد وقع فريسة لشراهته الشديدة فى الطعام التى كانت فى كثير من الأحوال تصيبه بعسر الهضم المصحوب بالاختناق. وجرى الحديث بموته مسموما، وقد أوصى شيركوه صراحة بأن تنقل رفاته بعد موته إلى المدينة، ولم يتم ذلك إلا بعد ستة عشر عاما. وكان من خلفائه بعض المماليك الذين عرفوا فى مستهل العهد الأيوبى باسم الأسدية، وقد استخدمت هذه النسبة نفسها فى تسمية المدارس التى بناها فى حلب وفى دمشق. المصادر: (1) انظر مادتى "الأيوبيون" و"شاور". (2) أبو شامة، جـ 1؛ ص 8 و 10، 15 و 46 - 48 و 55 و 58 و 67، 81 و 107 - 109 و 120 و 121 و 122 - 124 و 129 - 132 و 137 و 141 - 147 و 154 - 162 و 166 - 174 و 178 و 180 و 210 - 211؛ جـ 2، ص 67 و 218 (3) ابن شحتة، تاريخ حلب، ص 112 و 119. (4) كمال الدين: تاريخ حلب Hist d, Alep, ترجمة Blochet، ص 230. (5) Oumara: Derenbourg، جـ 1 الجزء الفرنسى، الفهرس، ص 396. (6) ابن خلكان، طبعة بولاق، جـ 1، ص 284، ص 285؛ جـ 2، ص 502.

شيروان

(7) ياقوت: إرشاد الأريب، طبعة Margo liouth، جـ 2، ص 247. (8) القلقشندى: صبح الأعشى، جـ 4، ص 112، جـ 10، ص 80، 6 - 90. (9) La Syrie: Gaudefroy Damombynes, ص 76. (10) المقريزى: خطط، جـ 2، ص 343 (11) أبو المحاسن: النجوم الزاهرة، طبعة Popper جـ 3، ص 56. (12) على باشا مبارك: الخطط الجديدة، جـ 1، ص 19. (13) Von Kremer فى S.B.A.K wien.1850، جـ 4، ص 305 و 308. (14) A: J. Descr. de Damas, Sauvaire، 1894، جـ 1، ص 304 و 387 - 388 و 451 و 474، جـ 2، ص 492. (15) At Qadi Al Fadel: Helbig ص 55 - 56. صبحى [فيت G. Wiet] شيروان وتكتب أيضا شروان بفتح الشين أو كسرها (مثال ذلك: ياقوت، جـ 3، ص 282 س 7؛ ورواية السمعانى، طبعة Margoliouh، الورقة 333 (أ): ناحية على الساحل الغربى لبحر الخزر، شرقى الكر، وكانت فى الأصل جزءا من ألبانيا القديمة أو آران، التى كانت معروفة فى مستهل القرون الوسطى. ويقول الإصطخرى (ص 192 = ياقوت، جـ 3، ص 317، س 19) إن الطريق من برذعه كان يؤدى إلى دربند مارا بشيروان وشماخية (وفى ياقوت شماخى)؛ وفى رواية الإصطخرى أن الرحلة من شماخية إلى "شروان" كانت تستغرق ثلاثة أيام، وقد ذكر فى بعض المخطوطات وفى ياقوت الاسم "شابران" بدلا من "شروان". وفى كتاب حدود العالم الذى لا يعرف كاتبه (الورقة 33 (ب))، ذكر أن شابران (وقد كتبت فيه شاوران)، هى قصبة شيروان، ولم يفقد الطريق ولا المدن القائمة عليه أهميتها إلا بعد إنشاء الخط الحديدى فيما وراء القوقاز. وقد ظلت شابران تذكر كمدينة إلى وقت متأخر يرجع إلى سنة 1578، فى تقرير

الغزوات التركية لتلك السنة (v.Hammer: O.R.G، جـ 2، ص 485)؛ وظهر فى القرن السابع عشر بلدة جديدة اسمها قبا أو قوبا بوصفها قصبة الخان الذى يحكم تلك المنطقة، على مسيرة 15 ميلا شمال غربى شابران، ولم يجد كملن Gmelin إلّا خرائب "حقيرة" فى شابران تخلفت من البلدة القديمة التى كان أهلها قد هجروها تماما وقتئذ (Untersuchung Reise durch Russland zur drr Drey Naturreiche: S.G.Gmelim، جـ 3، ص 36)؛ وكانت أهميتها كمركز للتجارة قد انتقلت إلى قوبا، وقد رحل ورنتسوف Worontsow، حاكم دربند، فى تاريخ متأخر يرجع إلى سنة 1851، إلى تفليس عن طريق قبه وشماخة وكجة (Archiv Knyarya Woronsowa، جـ 40، ص 405). ويقال إن شماخى، وبالروسية شمخه، وهى قصبة شيروان من بعد، أنشئت فى العصر الإسلامى، وقد نسبت (البلاذرى، ص 210) إلى شماخ ابن شجاع ملك شيروان فى عهد ولاية سعيد بن سلم (معاصر الخليفة هارون الرشيد؛ انظر اليعقوبى: تاريخ، جـ 2، ص 517 وما بعدها؛ الطبرى، جـ 3، ص 648)، وكانت شيروان بوصفها ملك الشيروانشاه تشمل الأراضى الممتدة من الكرّ إلى دربند؛ وقد ذكر أن هذه الحدود كانت هى نفسها حدود شيروان فى العصر المغولى (فى حمد اللَّه القزوينى: نزهة القلوب، طبعة Le Strange، ص 92، س 7)؛ وقد أصبحت القصبة شماخة من بعد ذات شأن. وبخاصة كمركز لصناعة الحرير وتجارته، ، فلما ألغى الصفويون اللقب شيروانشاه، أصبحت شيروان ولاية فى فارس. وكان يحكمها فى العادة خان كثيرا ما لقب ببكللربك أو أمير الأمراء. وقد ثار أهل البلاد عدة مرات على الأسرة الشيعية الحاكمة واستنجدوا بسلطان تركية بوصفهم من أهل السنة؛ واستولى الترك سنة 1578 على شيروان كما استولوا على أرض قوقازية أخرى، واحتفظوا بها بعد سلسلة من الوقائع اختلفت نتائجها، ثم نزل عنها للسلطان آخر الأمر بمقتضى معاهدة سنة 1590. وقد قسمت

شيروان فى عهد الترك إلى أربعة عشر سنجقا، وكانت تشمل: شكى فى الشمال الغربى وباكو فى الجنوب الشرقى، أى شيروان بأسرها تقريبا التى عرفت فى القرون الوسطى. وكانت دربند، التى انفصلت عن شيروان منذ زمن طويل، ولاية مستقلة بذاتها، ولم يستتب الأمر للفرس فيها استتبابا إلا سنة 1607، وفى القرن السابع عشر أعطيت قبا وساليان بوصفهما إمارة مستقلة إلى القيتاق الذين كانوا قد هاجروا جنوبا. وفى سنة 1722 خضع حسين على، خان قبا، لبطرس الأكبر وثبت فى منصبه، وبمقتضى المعاهدة التى عقدت بين روسيا وتركية سنة 1724، فصل الإقليم الساحلى هو وباكو سياسيا عن بقية شيروان للمرة الأولى، وكان الروس يحتلون هذا الإقليم فى ذلك الحين، وقد ترك للأتراك هذه البقية من شيروان ومن ضمنها شماخة قصبتها، وظل هذا التقسيم قائما فيما يتعلق بالإدارة حتى بعد أن ألحق القسمان بفارس مرة أخرى. وبمقتضى معاهدات سنة 1732 ظلت الأراضى الساحلية شمالى الكر من أملاك الروس والأجزاء الأخرى من شيروان وداغستان من أماوك الترك؛ ، وإنما نزل الروس عن الأراضى الساحلية طوعا لنادر شاه (معاهدة كنجة، 10/ 21 مارس سنة 735) بعد أن انتزع نادر شاه هذه الأراضى من الترك بقوة السلاح. وكان الاستيلاء على شماخة فى 22 من أكتوبر سنة 1734، ثم مات نادر شاه فلم يعد من الممكن فرض الحكم الفارسى على هذه المناطق، وقامت عدة إمارات مستقلة بذاتها، وأصبح الاسم شيروان مقصورا على إقليم خان شماخة الذى انقسم فى العهد الروسى ثلاث نواح إدارية (شماخة وكوك جاى وجواد) وأفلح فتح على، خان قبا (1758 - 1789) فى إخضاع دربند وشماخة لسلطانه، ومن ثم فقد صدق دورون Dorn إذ قال: "لقد تمثل فيه بحق روح الشيروانشاهيه". وراودت فتح على فى السنوات الأخيرة من عهده فكرة إخضاع بلاد فارس نفسها لحكمه واعتلاء عرش حكام إيران، ولما أفلح القاجارية فى إعادة الوحدة لبلاد

الفرس، لم يعد أولاد الخان بمستطيعين أن يحتفظوا باستقلالهم، وكان شأنهم فى ذلك شأن زعماء القوقاز الآخرين، ولم يجدوا بدا من الاختيار بين روسيا وفارس. وكان الجنرال زوبوف (General Zubow) الذى أوفدته كاترين الثانية قد بلغ الكرّ أسفل جواد (1796) عندما استدعاه القيصر بول هو وجيشه، وخضع مصطفى خان شيروان (شماخة) الذى كان قد دخل فى مفاوضات مع زوبوف للروس سنة 1805، واحتل الروس دربند وباكو فى السنة التالية (1806)، ولكنه سرعان ما بدأ يتقرب إلى الفرس واستنجد بهم، وبمقتضى معاهدة كلستان (أكتوبر 24/ 12 سنة 1813) نزلت فارس عن كل حق لها فى دربند وقبا وشيروان وباكو، على أن مصطفى ظل يتعامل سرا مع فارس، ولم تحتل الجيوش الروسية أرضه إلا سنة 1820. وهرب الخان إلى بلاد فارس وضمت شماخة إلى الأراضى الروسية، وانتهز مصطفى، وحسين من قبله وهو أحد خانات باكو الأولين، نشوب الحرب مرة أخرى سنة 1826 فحاولا إثارة رعاياهما على روسيا، ولكنهما لم يفلحا فى ذلك. ومنذ سنة 1840 ألحقت أراضى خان شيروان السابقة بقبا وباكو وتألفت منها جميعا منطقة إدارية واحدة (سميت أول الأمر "بإقليم الخزر"، ثم سميت منذ سنة 1846 "حكومة شماخة"، وسميت منذ 1859 "حكومة باكو" وذلك بعد أن دمر شماخة زلزال من الزلازل الكثيرة التى تقع فى تلك المنطقة). وتؤلف شيروان القديمة فى الوقت الحاضر جزءا من جمهورية أذربيجان السوفيتية وقصبتها باكو، وقد ألغى الروس التقسيم إلى "حكومات" واحتفظوا بالتقسيم إلى "دووائر"، وكان عدد سكان قصبة شيروان القديمة، فى وقت متأخر يرجع إلى منتصف القرن التاسع عشر، أكبر من عدد سكان باكو، فقد قال ريتر (Geografisch tistishe I.sexicion: Ritter الطبعة الخامسة sta، 1864 - 1865) إن عدد سكان شماخة كان 21.550 نسمة، وباكو 10.600 نسمة، وفى العقد التاسع من القرن الماضى انقلبت الآية (انظر Putevoditel' po Kawkaz: E.Weidenbaum،

المصادر

تفليس 1888، ص 342 و 396: باكو 45.679 نسمة، وشماخة 28.545 نسمة)، وشماخة الآن بلدة صغيرة جدا إذا قورنت بباكو (1917: باكو 231.000 وشماخة 27.800). المصادر: انظر بوجه خاص Gesstatthaltern Shirwans unter dem chichte und Chanen von 1538 - 1820 (Beitrage zur Geschichte der Kaukasischen Lander und Volker, ii = mem.del'Acad,etc,Ser,6,Sciences Politiques, etc.,V 317 - 344): B.Dorn صبحى [بارتولد W. Barthold] الشيعة الاسم الشامل لمجموعة كبيرة من فرق إسلامية مختلفة أشد الخلاف، ترجع نشأتها جميعا إلى القول بأن عليا رضى اللَّه عنه، هو الخليفة الشرعى بعد وفاة النبى عليه الصلاة والسلام. دوافع الشيعة والعصر الأول الإسلام ظاهرة دينية وسياسية وكذلك كان مؤسسه نبيا ورجل دولة معا، وعلى ذلك فإن تطور الأمة الإسلامية إلى طوائف متفرقة كان نتيجة طبيعية للصلات الطبيعية المحتملة التى يمكن أن تكون قد قامت بين الدستور السياسى والعقيدة الدينية. ويمكن أن نتبين فى هذا المقام ثلاثة مذاهب كبرى: المذهب الوسط فيها هو الذى يتمسك به أهل السنة؛ وإنه ليتجلى فى المبدأ الجوهرى الذى جعله أهل السنة أساسا لمذهبهم، وهو "أن تكون الإمامة فى قريش" اعترافا بواقع تاريخى، وهو أن الدولة الإسلامية كانت تحكمها فى القرون الأولى أسر مكية. فأما المطلب الذى يسهل إدراكه، وهو أن الحكام الذين يمثلون الدولة التى قامت على الدين يجب أن يكونوا شخصيات دينية بالمعنى الحقيقى، فإنه أدى عند أهل السنة أيضا منذ وقت مبكر جدا إلى تمييز الخلفاء الأولين ووصفهم بأنهم: "الأربعة الراشدون"، ثم واجههم بمهمة البحث عن مبررات تجعل طاعة الخلفاء القليلى الشأن، بل طاعة السلاطين الغرباء، واجبا يفرضه الدين أيضا ما دام القيام بأحكام

الشريعة وحفظ النظام مكفولين تحت حكمهم. لكن التحذيرات الدائمة من حكام الدنيا، مع أنهم كانوا فى الواقع على مذهب أهل السنة، تلك التحذيرات التى لم تكن تأتى من جانب أهل الورع وحدهم، تدل على مقدار ما كان فى النفوس من قلة الرضا عن مثل هذه المبادئ. وعلى هذا فإنه إذا لم تكن عند أهل السنة نظرية واضحة بمقدار ما كانت عندهم محاولة للتوفيق بين المثل الأعلى الدينى والواقع السياسى، فإنه قد ظهرت على جانبى جمهور الأمة الإسلامية نظريتان الأولى تطالب بالفصل الواضح بين المسألة الدستورية والمسألة الدينية (¬1)؛ والثانية تمزج بين الاثنين. والنظرية الأولى، ولو أنه كان لها وجود من قبل، فهى إنما قد ظهرت على الملأ فى الفتنة الأولى (¬2) التى قامت عند الخوارج الذين لم يجعلوا لمسألة نسب الخليفة شأنا دينيا إلى حد أنهم أجازوا أن يكون "عبدا حبشيا". أما الشيعة فإنهم جعلوا لمسألة الإمامة قيمة دينية، وكتبهم فى العقائد تشتمل على باب خاص يتمشى مع مضمون حديث يرونه هو: من مات جاهلا بالإمام الحق فى عصره مات كافرا. وأقدم وقت قامت فيه الشيعة السياسية، وبعبارة أدق شيعة على هو منذ وفاة النبى عليه الصلاة والسلام، أما إذا أخذنا بروايات الشيعة، فإن الشيعة الأولى كانت تتألف من ثلاثة أشخاص هم: سلمان الفارسى وأبو ذر الغفارى والمقداد بن الأسود الكندى، فهؤلاء، فيما يدون الشيعة، كانوا هم وحدهم (وبعض الروايات تذكر أسماء ¬

_ (¬1) يقصد كاتب المقال أن هذا هو رأى الخوارج، لكن تصوره للوضع هنا غير دقيق، فلا أهل السنة ولا الخوارج ولا الشيعة يفصلون بين المسألة الدينية والسياسية، بل الدين عندهم هو الأساس، وإنما كان الخلاف حول شخص الخليفة: هل يكون من قريش أو من أهل البيت أو من المسلمين بوجه عام. فكون الشيعة قد جعلوا مسألة الإمامة شيئا مهما لا يدل على أن أهل السنة لم يعتبروا الدين أمرا جوهريا. (المترجم) (¬2) يقصد الكاتب الحرب بن على ومعاوية. (المترجم).

أخرى قليلة) الذين دعوا بعد وفاة النبى عليه الصلاة والسلام إلى أن يكون علىّ هو خليفة النبى، أى أنهم فى رأى الشيعة لم يرتدوا عن الدين، وذلك أن مبايعة سائر صحابة النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] لأبى بكر عدت فى نظر غالبية الشيعة "ردة". غير أن الروايات، خصوصا المتعلقة بسلمان الفارسى روايات أسطورية بحتة (Horovitz فى مجلة، Islam جـ 12، ص 178 وما بعدها). وقد ألصقت باسم سلمان طائفة. كبيرة من الروايات الشيعية المتأخرة، ونسبت إليه نبوءات كثيرة حول مصير العلويين فيما يستقبل من الزمان. على أن ما كان يبتغيه الشيعة من أن تبقى الإمامة فى الإسلام للعلويين، باعتبار أنهم "آل بيت" النبى عليه الصلاة والسلام، بقى من غير أن يتحقق. فخلافة علىّ بين عامى 35 و 40 هـ (656 - 661 م) لم تكن سوى خلافة قصيرة؛ على حين أن ابنه الحسن لا يندرج فى عداد الخلفاء. وكانت أول إمارة علوية مستقلة هى التى أسسها إدريس بن عبد اللَّه الحسنى فى مراكش سنة 172 هـ (789 م)؛ لكن بلاده كانت جميعا على مذهب أهل السنة؛ ومعنى هذا أنه لم تكن ثمة دولة شيعية بل مجرد إمارة علوية. مثلما وجدت بعدئذ دول صغيرة يحكمها أمراء علويون. وكان إمام صنعاء فى اليمن هو الشيعى الوحيد بين هؤلاء الأمراء، وقيل هو فى الحقيقة زيدى. ولم كان نشاط الشيعة قد لقى فى الميدان السياسى مقاومة شديدة جدا لم يتمكن معها من تحقيق أغراضه، فقد اقتصر على الميدان الدينى، وهنا ساعدته تجاربه السياسية على نحو فريد فى بابه، ذلك أن استشهاد الواحد من العلويين كان يعقب استشهاد الآخر، وكان مقتل الحسين الذى لقى مصرعه بسيوف جند الدولة، أكثر مما كان دم على الذى اغتاله فرد من الخوارج، هو بذرة مذهب الشيعة، وهكذا عاد إلى الظهور بين الشيعة عنصر الاستناد إلى آلام الشهداء،

وهو العنصر الذى كان الإسلام الرسمى (¬1) قد فقده منذ ذلك التحول الذى وصل بعد الهجرة بمجرى حياة النبى عليه الصلاة والسلام إلى ذروة الحظ فى الدنيا وختم حياته بموت هادئ بعيد عن كل صور المأساة المروعة. فأما الشيعة؛ فإن ميلهم إلى الاستفادة من آلام الشهداء قد تعمق فى نفوسهم إلى حد أنهم فى قصص لهم يصعب التحقق من أمرها، صوروا نهاية بعض العلويين الذين لم يبرزوا قط فى أى شأن، فى صورة الاستشهاد، مسمومين فى الغالب بإيعاز من الخلفاء. مثل الحسن بن على، وجعفر الصادق وعلى الرضا وغيرهم. وهذا الشعور بآلام الشهداء الذى يمكن أن يظل أمرا دنيويا، وقد ظل عند الزيدية الذين هم أقرب المسلمين إلى أهل السنة، أمرًا ممعنا فى الدنيوية، قد تحول عند غالب الشيعة إلى أمر دينى محض، بمعنى أن مقتل الحسين مثلا كان عندهم بمثابة تمهيد الطريق إلى الجنة (¬2)، فإن ذلك يرجع إلى أن تصورا دينيًا ارتبط بعنصر الاستفادة من آلام الشهداء، قد انضاف إلى الأمر. وإذا نحن نظرنا إلى الشيعة من هذا الوجه استطعنا أن نعبر عما يميزهم على النحو الآتى: الركن الأول: أؤمن باللَّه الواحد؛ والركن الثانى: أؤمن بالوحى الذى فى القرآن، وهو قديم غير مخلوق، بعد هذا يأتى الركن الثالث: أومن بأن الإمام الذى اختاره اللَّه حاملا لجزء من الجوهر الإلهى هو السبيل إلى النجاة. على أنه إذا كان مثل هذا الإمام يختص فى نظر من يؤمن به بصفة، أو كما هو الغالب بجوهر من أصل إلهى، فإن هؤلاء الأتباع لا يتعزون عن موته بأنه يكون حيا فى الجنة حياة يشاركه ¬

_ (¬1) هذه تسمية لا يوجد فى الإسلام ما يقابلها، أعنى فكرة إسلام رسمى يقول به العلماء أو تقول به الدولة فى مقابل ما عداه. فلا يوجد فى الحقيقة الإسلام واحد، وهو واضح، وهو ما عليه جمهور المسلمين منذ كانوا، ومخالفه شاذ لا سند لرأيه. وليس فى الإسلام سلطة أو شخص أو مجموعة أشخاص يمثلونه، بل الإسلام فى مصادره الحقيقية، والذى يستخرجه منها هو العقل الذى يسير على المنهج العلمى. (المترجم). (¬2) إن كان المؤلف يقصد أن الشيعة اعتقدوا أن قتل الحسين كان فداء وتكفيرا لذنوبهم على نحو ما يعتقد النصارى فى قولهم بصلب المسيح -فلماذ لم يذكر المرجع المحدد لذلك؟

فيها غيره من المؤمنين، وإن كانت حياته أغلى من حياتهم، بل إنه فى نظرهم يبطل معنى الموت بالنسبة للإمام، وذلك بسبب فكرة الرجعة، أعنى الإيمان بأن الخليفة قد غاب وأنه سيرجع، فالإمام يصبح هو المهدى المنتظر. ولا يتمسك الكثيرون بالناحية الدنيوية للإمام بل يرون أن الجانب الإلهى فيه ينتقل إلى الإمام الذى يأتى بعده، وذلك على سبيل الاعتقاد بالتناسخ. ومما يدل أيضا على التفاعل بين عنصر الاستناد إلى آلام الشهداء وفكرة ظهور الإله فى البشر، أن انتظار رجعة الإمام، وهو ينشأ من التصور الثانى، يزداد قوة بتأثير عنصر الاستشهاد، ولكن انتظار رجعة الإمام يمكن أن يظهر مستقلا عن الاستشهاد كما يدل على ذلك القول بغيبة المهدى محمد بن الحنفية. وحالة المراجع التى بين أيدينا لا تسمح لنا بالنظرة اليقينية فى التطور التاريخى لالتقاء الدوافع المختلفة للشيعة، فلابد إذن أن يظل من بين المسائل المطروحة للبحث هذه المقالة: إلى أى حد كانت آراء الشيعة من ظهور الإله فى البشر ومن شفاعة الإمام استمرارا مباشرا لتلك التصورات المماثلة التى ناطها بحسب ما يرويه ابن إسحاق بعض شعراء الإسلام الأولين بشخص محمد عليه الصلاة والسلام (¬1)؛ أى أننا يمكن أن نتساءل: إلى أى حد كانت هذه الأفكار الدينية عند الشيعة داخلة فى الإسلام قبل سنة 11 هـ (632 م). أما فى عهد على فإن هذه الأفكار تبدو ذات صبغة اعتقادية دينية قوية. وإذا كانت الروايات المتعلقة بعبد اللَّه بن سبأ ما زال يكتنفها الغموض، فإننا نرى الأمور أوضح من ذلك بعض الشئ عند كثير من الشعراء المائلين إلى التشيع. فرجل مثل أبى الأسود الدؤلى، وهو قد حارب إلى جانب علىّ فى وقعة صفين، يمدح عليا مدحا يبلغ حد الافتتان فيقول: ¬

_ (¬1) ليس فى الشعر المتعلق بالنبى عليه السلام شئ مما يمكن أن يدل، ولو من بعيد. على القول بالحلول أو بوجود عنصر إلهى فى النبى عليه السلام [لمترجم]

إذا استقبلت وجه أبى حسين ... رأيت البدر راق الناظرينا فقد علمت قريش حيث كانت ... بأنك خيرهم حسبًا ودينا فقد كان موقف أبى الأسود من علىّ ذا صبغة دينية (¬1)، وهو يسميه بحسب الأحاديث المتعلقة بالموضوع والتى كانت معروفة له، بقوله: "مولانا" و"وصيّنا". وكثيرا ما نصادف عبارات مثل: "إنى أرجو اللَّه والدار الآخرة بحبى لعلىّ، وكان كثّير الشاعر المتوفى سنة 105 هـ (723 م) ينتظر رجعة محمد بن الحنفية. وكان الكميت المتوفى سنة 126 هـ (743 م) يتغنى بالنور الذى انتقل بوساطة محمد من آدم إلى أهل البيت. وفى العصر العباسى جاءت خيبة الآمال السياسية، فزادت فى ذلك الحب الدينى، وأفرد له السيد الحميرى قصائده. وكذلك إذا رأينا دعبلا "شاعر أهل البيت" يهجم هجوما لا تحفظ فيه على بيت الأمراء الذى يرث فيه الخلافة فاسق عن فاسق، فإنه يمكن تعليل هذا الهجوم بإيمان دعبل بحق على الرضا فى الإمامة دون غيره فى ذلك العصر؛ ودعبل فى قصيدة له فى مقتل الحسين الذى كثيرا ما قيلت فيه القصائد قبل ذلك ينتظر "القائم" فيقول: فلولا الذى أرجوه فى اليوم أو غد ... لقطع قلبى إثرهم حسراتى خروج إمام لا محالة خارج ... يقوم على اسم اللَّه والبركات على أنه حتى فى الميدان السياسى لم تكن القيادة فى الغالب للعلويين أنفسهم، فقد كان أتباعهم هم الذين يستحثونهم، كما حدث للحسين ولزيد ابن على، أو هم قد استغلوهم لأغراض سياسية، كما حدث لمحمد بن الحنفية على يد المختار؛ ولمحمد بن طباطبا؛ ومحمد بن محمد بن زيد على يد أبى السرايا. وكذلك كانت الحال فى الميدان الدينى. فقد كان مع كل علوى بارز قومٌ متعصبون. ولنذكر ممن كان حول على ¬

_ (¬1) يقصد كاتب المقال أن أبا الأسود كان يقدس عليا رضى اللَّه عنه، لكن هذا لا يؤخذ من البيتين اللذين يذكرهما. (المترجم)

الحديث

مولاه قنبر الذى يروى أنه كان يرى فى سيده "لسان كلمة اللَّه". ومما يدل على أن مثل هذا الكلام كان لا يزال معتدلا حكاية تصور لنا "قنبر" وهو يحارب أولئك الشيعة الغلاة الذين نسبوا الربوبية لعلى، فأحرقهم هو وقنبر. وكذلك صحب زين العابدين بن الحسين وابنه محمدا الباقر، جابر بن عبد اللَّه الأنصارى الذى كان من أهل المدينة الأولين الذين بايعوا النبى عليه الصلاة والسلام بيعة العقبة الأولى. وهو قد ظهر أمام هذين العلويين الشابين بمظهر المحافظ على استمرار العقيدة الشيعية. وأخذ من محمد الباقر الوعد بالشفاعة له يوم الحساب، وكان حول الباقر نفسه وحول خلفيه: جعفر الصادق وموسى الكاظم علماء مثل: جابر بن يزيد الجعفى، وهشام بن سالم الجواليقى بن الحكم الذى كان أسير حرب، ويونس بن عبد الرحمن مولى على بن يقطين بن موسى، وكان يونس أيضا من شيعة على الرضا الكثيرين. وكانت المبادئ الأساسية لشريعة الشيعة بطبيعة الحال على المنهج الإسلامى. الحديث: والشيعة سنيّون أكثر كثيرا من أهل السنة. ولا يصح أن نرجع بداية أحاديثهم إلى عهد جد متأخر، لأننا نجد أن بعضها يرجع إلى عهد متقدم يرد إلى أبى الأسود الدؤلى، وأشهرها: على هو هارون؛ على هو الوصى الذى أوصى له الرسول، واختاره الرسول واللَّه؛ على هو المولى؛ آل البيت هم سفينة نوح؛ آل البيت هم والقرآن كنزا الأرض؛ محمد وعلى وفاطمة والحسن والحسين هم أصحاب الكساء الخمسة. ومثل هذه الأركان تؤيد تأويلا للقرآن يتخذ الكثير من الآيات (مثل سورة الأحزاب، الآية 33؛ سورة الحديد، الآية 26؛ سورة النور، الآية 35) أدلة على ما يعتقده الشيعة من حقوق. وكان ما اختص به الشيعة من تراث شيئا يلائم البحث النظرى فى مسائل العقائد ويحرك الخيال الدينى إلى حد أن الشيعة لم يستطيعوا قط أن يصلوا فيما بينهم إلى اتفاق واسع المدى، كما توصل أهل السنة. ويمكن أن نتبين عند الشيعة ثلاث فرق كبرى:

فالزيدية، وهم أقرب ما يكون إلى أهل السنة، ينزعون فى مسألة ظهور الإله فى الأئمة نزعة عقلية من كل وجه، ويؤولون ذلك على معنى أنه مجرد الهداية والتوفيق، وهم ينكرون حلول النور الإلهى فى شخص معين من العلويين. أما استشهاد الأئمة فإنه اتخذ عندهم صبغة سياسية من حيث الجوهر، وهى المحاولات المستمرة المتجددة للوصول إلى الهدف، وهو استيلاء العلويين على الخلافة، وذلك فى آخر الأمر من طريق السيف وبعون اللَّه. وهم قد نجحوا فى مقاومة كثير من الآمال التى كانت تعلق على ظهور المهدى والتى ظهرت بينهم أيضا. أما عند أهل الطرف الآخر من الشيعة فإن ظهور الإله قد اتخذ صورة الحلول المطلق. فالعنصر البشرى فى الإمام يتلاشى تماما، وأخيرا لا يبقى إلى جانبه محل للإله. والزيدية والإمامية الذين يمثلون المذهب الوسط يحاربون هؤلاء الشيعة الحلوليين حربا شعواء ويعتبرونهم غلاة (جمع غال) يسيئون إلى الشيعة، بل يعتبرونهم مارقين من الإسلام. أما عند الإمامية فالإمام إنسان، ولكن فيه جوهر نورانى إلهى دخل فيه من طريق حلول جزئى وموت الإمام عند الغلاة كالدروز مثلا، هو مجرد غيبة هذا الشخص المؤلَّه، وعندهم تصير قوة التدين سرورا بالموت. وهم عن قصد اعتقادى يؤولون أن هذا الموت اختيارى: هم يقولون إن اللَّه بعث إلى الحسين فى يوم كربلاء ملك النصر لكنه أحب لقاء اللَّه. وعلى مر التاريخ لم يكن بدٌّ بحكم الضرورة من أن تنقسم كل فرقة من هذه الفرق الثلاث إلى شعب كثيرة، وذلك حول الأفكار الشيعية الخاصة بكل فرقة؛ ونشأت كثمرة لجهود الزيدية إمارات صغيرة فى طبرستان وبلاد الديلم منذ عام 250 هـ (864 م)، وفى بلاد اليمن منذ عام 288 هـ (901 م)، وهذه الإمارات لم تستطع بسبب تباعدها أن تؤلف وحدة أو حتى ما يشبه الوحدة. وزيدية العراق الذين لم يستطيعوا قط أن يصلوا إلى الاستقلال السياسى، ونالوا العوض عن ذلك من طريق ما كان لهم من تأثير كبير فى دولة الخلفاء، كان لابد لهم فى كثير من الأحيان أن يسايروا الأحوال

هناك بالمزيد من الالتجاء إلى التقية أو الكتمان. أما اتجاه الغلاة الذى كان أشد الاتجاهات الشيعية بعدا فى مجاوزة القول بشئ يورث عن النبى محمد عليه الصلاة والسلام وهيأ أكبر مجال للنزعات التى تصدر عن الأفراد فإنه ظهر فى صور مختلفة فيما بينها اختلافا كبيرا، وذلك عند جماعات القرامطة والإسماعيلية والدروز وأخيرا عند جماعة النصيرية وجماعة على إلهى. وهنا ازداد تحرر الشيعة الغلاة من أشخاص آل البيت. وقد تجلى هذا بالفعل عند الكيسانية الذين لم يكن إمامهم، وهو محمد بن الحنفية، من أبناء النبى عليه الصلاة والسلام، وهو يتجلى أيضا فى حديث يروى عن النبى عليه الصلاة والسلام وهو قوله: سلمان الفارسى من أهل البيت؛ وهو فوق ذلك قد أدى مثلا فى القرن التاسع الهجرى (الخامس عشر الميلادى) عند الحروفية إلى تنحية أئمة العلويين من طريق دعوى حلول الإله فى فضل اللَّه الإسترآباذى. لكن الفكرة الأساسية عند الإمامية أيضا كانت تحمل فى ذاتها بذور الانقسام، ذلك أن الاتصال بين الإله والإنسان لا يتم فى نقطة تقاطع بل فى خط متصل، ولا يكون فى شخص منفرد بل فى سلسلة غير منقطعة من الأئمة المؤيدين بالوحى والذين يعين الأب منهم ابنه من بعده فى كل جيل؛ أو أنه فى قول آخرين: ينتقل العنصر الإلهى من الإمام إلى ابنه الأكبر مباشرة، إذا كانت أم هذا الابن أيضا من أهل البيت. لكن الولاء الدينى للإمام والتمسك به كان يبلغ أحيانا من القوة بحيث لا يستطيع الموالى له أن ينصرف عنه بعد أن يموت، أى أنه لم يكن يؤمن بأنه قد مات حقيقة، أو قد كان يحصل أن يكون خلف الإمام شخصا غير أهل للإمامة بالكلية أو أن يكون صبيا قاصرا، أو كان يحدث ألا يكون هناك إمام على الإطلاق، وهكذا نشأت فرق فرعية هى الواقفية والقطيعية أو القطعية. والأولون يترددون فى القول بموت الإمام، ولذلك يقفون عنده، ويرون فيه المهدى، والآخرون يقطعون

بموت الإمام، ولذلك يستمرون فى بيان تتابع الأئمة. وهناك طائفة كبيرة من مثل أولئك الواقفية كالجعفرية الذين وقفوا عند جعفر الصادق، والموسوية والرضاوية وهكذا: أما بالمعنى الخاص فالمقصود بالواقفية هم الجعفرية. غير أن بيان تتابع الأئمة لم يكن، للأسباب المذكورة عينها، يستمر إلى غير نهاية حتى عند القطعية. ومن المشكوك فيه كل الشك أن الحسن الخالص، وهو الإمام الحادى عشر، قد خلَّف ولدا على الإطلاق لما مات عام 26 هـ (873 م). لكن ساد بين الشيعة الإمامية، الاعتقاد بوجود ابن له هو محمد حجة اللَّه الذى قيل إنه اختفى على نحو غير معرف، وإنه سيظهر على صورة المهدى. وهكذا يصير الإمامية اثنى عشرية، وإن كان قد قام خلاف مدة طويلة حول مسألة هى: هل كان ثمة إمام ثالث عشر؟ وعلى هذا؛ فإذا نحن تبينا عند فرق الشيعة من حيث هم مجرد شيعة تباعدا فى أقوالهم يناظر ذلك التباعد الموجود بين الفرق التى اختلفت فى تاريخ الكنيسة النصرانية حول القول فى المسيح، من جماعة السوسينوسيين Socinians إلى جماعة التيوباسكيتيين Theopaschites (¬1) فإننا لا نكون بذلك قد نظرنا إلا إلى عنصر واحد من عناصر نشأة التشيع. ذلك أن الشيعة من أهل الإسلام. فهم لذلك يقفون أمام كل تلك المسائل التى تثير اهتمام الإسلام بوجه عام. لكن الإسلام لا ينظر إلى العالم نظرة دينية فحسب بل إن له مشكلاته الثقافية والاقتصادية والاجتماعية، وله فيما عدا مشكلة الخلافة مشكلاته السياسية. ونحن لا نستطيع هنا أن نفعل أكثر من مجرد الإشارة إلى النتائج التى نتجت من ذلك بالنسبة للشيعة. ففيما يتعلق بالعقائد هناك إلى جانب الشيعة الذين ذهبوا مذهب المعتزلة (¬2) أيضا قوم يقولون بالقدر السابق مثل: ¬

_ (¬1) السوسينوسيون أتباع سوسينوس Socinus الذين ينكرون الوهية المسيح، ويقولون بآراء تشبه أراء المعتزلة، والتيوباسكيتبون يقولون بالطبيعة الواحدة وبأن الإله تألم على الصليب. (المترجم). (¬2) تتلمذ زيد بن على لواصل بن عطاء وأخذ عنه، ومن هنا دخل الاعتزال فى مذهب الشيعة الزيدية. (المترجم).

هشام بن سالم بن جرير الزيدى؛ وقوم مُشَبَّهة مثل: هشام بن سالم الجواليقى الإمامى الذى تقدم ذكره. وإذا أردنا أن نعرف إلى أى حدّ كان اختلاف المسلمين فى أمر القرآن خطرا يهدد الشيعة بالانقسام وجدنا دليلا فى عبارة ينسب إلى جعفر الصادق أنه قالها ليونس بن عبد الرحمن الذى تقدم ذكره، وهى تشعر بأنها قاعدة موقوتة وتلك هى قوله: القرآن ليس خالقا ولا مخلوقا، وإنما هو كلام الخالق. أما فيما يتعلق بالفلسفة فإن الإقبال عليها والنفور منها، كان عند الشيعة أقوى بكثير مما كان عند أهل السنة، فمن جهة كان النظر الدينى عند الشيعة بما فيه من غزارة يحتاج، فى إرساء العقائد، إلى المقولات الفلسفية والجدل الفلسفى أكثر مما كان يحتاج إلى ذلك النظر الدينى عند غيرهم. ومن جهة أخرى كان الشيعة فى هذا المقام حساسين بصفة خاصة، بل هم كانوا معرضين للطعن على نحو شبيه بكل جماعة دينية تبدأ بفروض ميتافيزيقية خالصة كما فعل الشيعة فى عقيدتهم فى الأئمة. وإذا نحن صرفنا النظر عن ضروب التعارض الذى يدخل فى باب نظرية المعرفة والذى جاءت به إلى الشيعة الفلسفة التى استعانوا بها، فإنه لم يكن بد للشيعة من البحث فى المسائل الخلافية المعروفة فى أصول الدين وأصول الفقه، فبحثوا مثلا فى مسألة وجوب العمل باحاديث الآحاد وفى مسألة القياس. وعلى هذا وجدت فى الفقه الشيعى مسائل خلافية تتراوح بين الظاهرية والحنفية. وفيما يتعلق بالعبادات ظهر عند جميع طوائف الشيعة ميل شديد إلى إرضاء الحاجة إلى العبادة بتعظيم الأئمة والتبرك بزيارة قبور الشهداء منهم، مع الحرص على أن يظلوا مسلمين. أما الحد الفاصل بين الشيعة والسياسة الداخلية، أى القومية مثلا، فإنه معقد كثير الفجوات، إذا لا يقتصر الأمر على أن الشعوب. المغلوبة كالفرس قد انضموا إلى الشيعة المعارضين من أول الأمر، ذلك أن أقدم الأئمة الكبار من الشيعة كانوا عربا خلصًا، وإن كانوا من اليمنيين خاصة، فكان ممن التفوا

بالرضا مثلا: يونس وهشام الجواليقى من الموالى، لكن دعبلا كان يمنيا فخورًا بيمنيته وكان عدوا لعرب الشمال. وبعد ذلك بقرنين كان مفيد (انظر ما يلى) يفخر بأصله اليمنى وبأنه من نسل يقطان أول من تكلم بالعربية. أما المشكلات الاجتماعية؛ فقد دخلت بين الشيعة منذ عهد متقدم يرجع إلى المختار، لما جمع حوله الموالى والعبيد. وعند بعض الغلاة كالقرامطة ازدادت المطالب الاجتماعية جنوحا إلى الشيوعية، ولو أنها فى هذا المقام كانت، بفعل الالتزام بسلطة الإمام أو بمن ينوب عنه، مجرد قناع تستتر وراءه حكومة أقلية مستبدة. وقد تكونت أرستقراطية أوضح من ذلك على يد طائفة عمال الدولة الكبار فى البلاط العباسى، وكان هؤلاء فى الغالب من الإيرانيين الذين ربطهم بعضهم ببعض ولاؤهم الشديد للإمامية. وكان من بينهم مثلا آل نوبخت. وقد تناول الشيعة فى مسألة النساء أيضا جميع صور المشكلة، فيرمى بعض القرامطة على الأقل بشيوعية النساء. ويبيح الأمامية زواج المتعة. أما الزيدية فيقتصرون على تعدد الزوجات المعروف عند أهل السنة. وجماعة على إلهى انتهوا إلى القول بزواج الواحدة. ولما كان عدد الأراء الممكنة فى الميدان الاعتقادى وميدان المعرفة والميدان الفقهى وميدان العبادات والميدان السياسى والاجتماعى ليس شيئا يأتى وينضاف إلى الآراء الممكنة فى مسألة الإمامة. بل هو شئ يضاعف من عدد هذه الآراء، فإنه نتج عن ذلك أنه وإن كانت لم تتحقق من حيث العمل كل الاحتمالات الخليقة بأن تزاوج بين هذه الميادين، فإنه قد ظهر عدد من فروع الفرق الشيعية يزيد كثيرًا عن الفرق الاثنتين والسبعين المشهورة. ويفسر لنا امكان هذا التنوع فى الوقت نفسه الثغرات الكثيرة الموجودة فى الكتب الإسلامية الجارية التى تتناول الفرق الدينية، ذلك أن هذه الكتب تذكر الفرقة الواحدة بعينها فى عداد طوائف شتى بحسب الموضوع الخاص الذى تهتم به تلك الكتب، وهذا شئ يسهل فهمه.

وبالنظر إلى القوة الطبيعية التى ظهرت بها عقيدة الشيعة المنطوية على كثير من المسائل، فى دنيا الإسلام التى كانت هى أيضا حافلة بمسائلها الخاصة، فإننا نستطيع أن ندرك أن الشخصيات التى تعتبر رؤساء للفرق فى جماعات الشيعة اليوم هى شخصيات لا تبتكر بقدر ما تحيط وتحدد، لكننا نستطيع أن ندرك أيضا أن الإجماع كان دائمًا يقتصر على دائرة صغيرة. وإذا استعمل الشيعة كلمة إجماع؛ فإن المقصود بذلك عند كل طائفة منهم لا يعدو الدائرة الضيقة لأهل هذه الطائفة، وهى ترى فى نفسها أنها وحدها الفائزة بالنجاة. على أن هذا التحديد لم يصب نجاحا كبيرًا فى ميدان العقائد. ذلك أن الزيدية والإمامية انضموا آخر الأمر إلى المعتزلة ولم يكن ذلك من قبيل المصادفة المحضة، كما يتبين من الآراء التى دارت حول القرآن: فمن بين الاعتقادات التى سبق بيانها كان الاعتقاد الثالث قمينا بأن يتغلب على الثانى. إذ بمرور الأيام لم يكن هناك إلى جانب الإمام باعتباره الضامن للاعتقاد الحق محل للنظرية القائلة بأن القرآن غير مخلوق. وكان من المنطقى أيضًا أن يعمد الإمامية فى سبيل إدخال الكتاب المنزل فى معتقداتهم فى الامامة أن يؤولوه تأويلا رمزيا، وأن يحاربه الغلاة ويدلسوا فيه بل ينكروه وينقلبوا باطنية ولم يكن المعتزلة هم الذين مهدوا لذلك فحسب، بل إنه بسبب الاقتباس من الفلسفة -ولو أن هذا الاقتباس إنما كان يسعى فى المحل الأول إلى الشكل- دخلت الفلسفة فى الفراغ الذى خلا بالإيمان الغيبى بالوحى. وهكذا صار علم العقائد ثيو صوفية وغنوصية. على أننا لا نكون قد كشفنا عن الأصل فى دوافع التشيع، إذا نحن عدنا فأكدنا الأمر الذى أصبح بينا فى ذاته بعد ما تقدم، وهو أن آراء غنوصية وأفلاطونية محدثة ومانوية وإيرانية قديمة، قد اختلط بعضها ببعض فى هذا المقام (¬1) لكنا بقدر ما نعرف اليوم لا ¬

_ (¬1) قد يكون هناك مجال أيضا للبحث عن أصول هندية قديمة للتشييع. (المترجم).

نستطيع أن نتجاوز كثير، هذه الملاحظة لأن السبل المتميزة المؤدية إلى المراجع لم تتبين بعد، ثم إنه مع وجود أصداء للنصرانية أيضًا لابد للإنسان أن يكتفى الآن بالملاحظة العامة، وهى أن الإسلام قد غلب على بلاد كانت من قبل نصرانية، وإن الكثيرين ممن اعتنقوه كان أجدادهم نصارى. وأعم من ذلك، وإن لم يكن أقل أهمية، أن نلاحظ أن دوافع دينية خصيبة جدا مثل آلام الشهداء، والقول بالحلول، لا يمكن أن تزول بظهور دين جديد كالإسلام. وبدأت أقدام الفرق القائمة برأسها تتوطد فى النصف الثانى من القرن الثالث للهجرة (التاسع الميلادى)، وكان أقدم ما تبيناه من شواهد على ذلك عند الزيدية، فقد تخير القاسم بن إبراهيم ابن طباطبا الرّسى المتوفى سنة 246 هـ (890 م)، وضع الأسس الاعتقادية والفقهية لإقامة دولة دينية تكفل بها حفيده يحيى بن الحسين فى اليمن سنة 288 هـ (901 م)، وقد وجدت تعاليمه أيضا قبولا لدى الدولة الزيدية السابقة التى كانت قد ظهرت إلى حيز الوجود على بحر الخزر عام 250 هـ (= 864 م) وفى سنة 297 هـ (909 م) قامت دولة الفاطميين الإسماعيلية فى إفريقية، وفى هذه الأثناء احتلت طوائف من القرامطة مناطق صغيرة فى الشمال الشرقى لجزيرة العرب وفى جنوبها. ونحن نحيل القارئ فى شأن الفرق الفرعية إلى المواد الخاصة بكل منها فى هذه الدئرة، ولكننا لا نجد مناصا من أن نتناول فى شئ من التفصيل الفرع الأكبر، وهم الإمامية أو الإثنا عشرية، الذين يخطرون على البال عادة عند ذكر الشيعة على الإطلاق، وهم من حيث العدد أيضا يؤلفون غالبية الشيعة، ذلك أنهم ما بين أربعة وخمسة ملايين فارسى من الأتباع، (¬1) وينضم إليهم فيما عدا جماعات مشتتة فى أماكن متفرقة جماعات كبيرة فى العراق والهند. ومصنفاتهم التى لا تزال أقرب المصنفات تناولا لدى جميع الشيعة، هى بالنظر إلى الموقف الوسط الذى يقفه الإمامية أقرب السبل إلى معرفة المشكلات الشيعية. ¬

_ (¬1) كان ذلك وقت كتابة المقال.

بل ان العلويين القدماء مثل جعفر الصادق وعلى الرضا لم يكونوا هم أنفسهم الزعماء الحقيقيين، بل كان ينوب عنهم سفراء ووكلاء، أو يزعمون أنهم ينوبون عنهم. وكان منصب الوكيل يصبح أعظم شأنا عند ما يكون الإمام غائبا، فهو عند ذلك يدعى أنه الوحيد الذى يعرف الإمام الغائب. وقد أفلح أربعة أشخاص منذ عام 260 هـ (873 م) فى أن يدّعوا ذلك لأنفسهم. ولما مات رابعهم، وهو على بن محمد السامرائى سنة 334 هـ (939) انتهت الغيبة المسماة الغيبة الصغرى، وأعقبها الغيبة الكبرى التى تمتد إلى أيامنا، والتى فيها تسقط فى زعم الشيعة صلاة الجمعة مثلا، لأن الذى يؤم الناس فيها هو الإمام. وقد تولى الزعامة أرستقراطيون روحيون كان بعضهم يستند فى دعواه وآرائه إلى ما يزعمه من لقاء عجيب مع "سيد الزمان" الغائب. صحيح أن عالم الدين فى فارس الحديثة يمكن أن يكون مجتهدا إلا أنه يظل فى كل الأمور الجوهرية كالعالم السنى مقيدا بما يقَنّنه أولئك الأرستقراطيون. وتدوين هذه القوانين قد أخرج إلى حيز الوجود على طريقة الإسلاميين عددا كبيرا من المصنفات فى نقد الرواة والعلماء الذين كتبوا الكتب. وأولئك الأرستقراطيون الروحيون كانوا أشبه بهيئة رقابة دينية قبل أن يستحدث الصفويون لدولتهم الدينية شيخ إسلام. بزمان طويل. وقد انفتحت أمام الشيعة آفاق الآمال السياسية بفضل ظهور السامانيين الذين كانوا متسامحين وإن لم يكونوا هم أنفسهم شيعيين، وبخاصة منذ فتح خراسان على يد إسماعيل سنة 290 هـ (903 م). وكذلك بفضل سعة صدر الحمدانيين أصحاب الموصل منذ سنة 317 هـ (929 م). فلما دخل معز الدولة: أحمد البويهى الشيعى بغداد سنة 334 هـ (945 م) كان ذلك بداية عهد مجيد للشيعة الذين كانوا منذ عهد طويل يقيمون فى هذه القصبة، ويسكنون حى الكرخ برمته مثلا. وقد اقترن هذا التوطد لمركزهم من الخارج بتوطد آخر فى الداخل. فظهرت مجموعات الحديث الصحيحة المسماة "الكتب الأربعة"، وهى:

(1) كتاب "الكافى" (طبع فى طهران 1312 - 1318 هـ) للكلُينى المتوفى سنة 328 أو 329 هـ (= 929 أو 930 م). وقد عد المتأخرون أن من بين الأحاديث التى تربو على الستة عشر ألف حديث التى احتواها هذا الكتاب فى الأصول والفروع خمسة آلاف واثنين وسبعين حديثا صحيحا، ومائة وأربعين حديثا حسنا؛ وألفا ومائة وثمانية عشر حديثا مسندا؛ وثلاثمائة واثنين "حديث قوى"، وتسعة آلاف وأربعمائة وثمانية وثمانين حديثا ضعيفا. ومن الشروح المشهورة لهذا الكتاب "الشافى" لخليل ابن غازى القزوينى الذى بدأ فى كتابته بمكة سنة 1057 هـ (= 1647 م) وأخرجه هو نفسه باللسان الفارسى بعنوان: "الصافى". (2) وأصغر من ذلك كتاب "من لا يحضره الفقيه" (طبع فى طهران عام 1324 هـ) لابن بابويه الأصغر المتوفى سنة 381 هـ (991 م). ومن الأحاديث التى احتوى عليها، ويقرب عددها من ستة آلاف، أربعة آلاف حديث، لها إسناد متصل؛ وقد شرح هذا الكتاب فى العصر الحديث محمد تقى المجلسى، أبو مؤلف كتاب "بحار الأنوار" وأخرج من هذا الشرح نسختين: نسخة عربية بعنوان: "روضة المتقين"، ونسخة فارسية بعنوان: "لوامع صاحب قران"، على حين أن شرح كتاب ابن بابويه الذى كتبه عبد اللَّه بن صالح السماهجى المتوفى سنة 1135 هـ (1722 م) بعنوان "من لا يحضره النبيه" لم يتم قط. (3) أما كتاب "الاستبصار فيما اختلف من الأخبار" (طبع فى لكهنو من غير تاريخ) والكتاب الأوسع منه وهو: (4) كتاب "تهذيب الأحكام" (طبع فى طهران سنة 1314 هـ) فهما من تصنيف المؤلف الشيعى المشهور أبى جعفر محمد بن الحسن الطوسى صاحب كتاب "الفهرست" الشيعى (انظر المصادر)، وكان يقصد بهما فى الأصل أن يشرح كتاب "المقنع فى الفقه" لصاحبه مفيد المتوفى سنة 413 هـ (1022 م). والمؤلف يحاول فى الكتابين أن يصنف المادة الحاشدة التى تيسرت له، ولكنه لم يصنفها بطبيعة

الحال تصنيفا يقوم على النقد، بل صنفها تصنيفا راعى فيه مقدار مطابقتها للآراء التى أصبحت سائدة. ولا يصح الخلط بين كتاب التهذيب هذا وبين كتاب فى الفقه يسمى كتاب: "تهذيب الشيعة" لمحمد بن أحمد الجنيد الإسكافى المتوفى سنة 381 هـ (990 - 991 م) وهو الكتاب الذى أهمل بسبب مبالغته فى الأخذ بالقياس. ولا يذكر كتاب "مدينة العلم" لابن بابويه، وهو كتاب أوسع، على أنه الكتاب الخامس للشيعة إلا نادرًا. ولنذكر من رؤساء الشيعة الإمامية فى القرنين الرابع والخامس: الكلينى محمد بن يعقوب الرازى، وقد عرف بأنه "المجدّد" فى أول القرن الرابع، كما عد محمد باقر، الإمام الخامس، مجدد المائة السنة الأولى. وعلى الرضا، الإمام الثامن، مجدد المائة الثانية. والشريف المرتضى من بعد مجدد المائة الرابعة، على حين أنه فيما يتعلق بالمائة الخامسة لم يكن ثمة من يمكن أن يبلغ شأو الغزالى الذى يلقى تعظيما عند كثير من الشيعة أيضًا. وكان من رؤساء الشيعة فى الرى وطهران أحد أخوال الكلينى، وهو علان. وكان لعلان هذا شأن فى بغداد حيث كان قبره ينال من التعظيم ما يناله قبر أحد الأئمة. وكان ابن بابويه محمد بن على، وهو الملقب بالشيخ الصدوق، يزعم أنه ولد لوالده بفضل دعاء الإمام الغائب الثانى عشر. وكان والده شيخ الشيعة فى مدينة قُم التى كانت منذ القرن الثانى شديدة الميل إلى على، لكنها ظلت إلى أخريات القرن الرابع من الأماكن الشاذة فى فارس التى غلبت عليها الشيعة. ومن مصنفاته: "رسالة فى الشريعة" كتبها لابنه الذى أفاد منها فى تأليف كتابه: "من لا يحضره الفقيه". وقد تقرب الابن من ركن الدولة بن بويه فى بغداد، وكان ركن الدولة يستطيع أن ينتفع انتفاعا كبيرًا بنظريته فى الإمامة فى أغراض سياسية. وكان من بين تلاميذ ابن بابويه الأصغر الكثيرين والد النجاشى (انظر المصادر) أيضًا. ويذكر أنه مات فى مدينة الرى، لكن قبره الذى يعظم فى طهران لم يكتشف إلا سنة 1228 هـ (1821 م) بكرامة يقال إنها وقعت لحاشية فتح على شاه. وقد أحست

فارس عينها بحاجتها إلى مزيد من قبور الأولياء علاوة على القبور التى كانت فى مدينة مشهد وطوس وقُم، ولا سيما أن النجف وكربلاء والكاظمين التى هى مقابر الشيعة الكبرى فى بغداد كانت تقع فى خارج فارس، أعنى أن قبر الوالد فى مدينة قم وكذلك قبر السيدة فاطمة شقيقة الرضا الإمام الثامن كان يزاران كثيرًا، كما نعلم، حتى فى العصر الأول. وقد طبع عدد كبير من مؤلفات الابن التى يبلغ عددها نحوًا من ثلاثمائة، مثل كتاب "الخصال الحميدة والذميمة" الذى طبع فى طهران سنة 1302 هـ؛ وكتاب "علل الشرائع" والكتاب الخاص بغيبة المهدى: "كمال الدين وتمام النعمة"، وقد طبع فى طهران أيضا سنة 1301 هـ (انظر عن المهدى: E, Moller, Beitrage zur Mahdilegre des Islam، هيدلبرغ 1901). ومن كتبه الشائعة أيضا كتاب: "المجالس" وخصوصا كتاب: "عيون أخبار الرضا" الذى طبع فى طهران سنة 1317 هـ. وبينما تشتمل هذه الكتب إلى جانب المادة الدينية والقصصية والتهذيبية والجدلية على مسائل كثيرة أيضا من مسائل الفقه، فقد وضع مفيد محمد بن محمد النعمان بن عبد السلام العكبرى العربى فقها خاصا واسعا هو كتاب "فقه الرضا" (مجلدان، تبريز 1274 هـ). ولم يمنعه شعوره بالعزة العربية من أن يوثق صلته بعضد الدولة البويهى، وقد صلى عليه صلاة الجنازة الشريف المرتضى علم الهدى: أبو القاسم على بن الحسين، وفى شخص المرتضى بلغ شيعة بغداد ذروة شأنهم، وقد كان المرتضى السليل المباشر لموسى الكاظم الإمام السابع، ومن ثم أصبح بوصفه النقيب الرسمى الممثل المعترف به للعلويين، وكان يتولى أيضا منصب كبير الكتاب وأمير قافلة الحج، وكانت مكانته تجعل لمجالسه الخاصة ومشاركته فى تصريف شئون البلاط أهمية دينية وسياسية كبيرة، وكان يراسل بنشاط أتباعه فى الموصل والديلم وجرجان، بل فيما هو أبعد من ذلك من أمصار فى الشام ونعنى بها حلب وطرابلس. وكانت طرابلس تدين

كلها بمذهب الشيعة بحسب شهادة الكاتب المعاصر لذلك وهو ناصر خسرو (سفر نامه، طبعة شيفر ص 12، السطر الأخير). وقد طبعت المجالس التى عقدها مع تلاميذه فى محاط الرحال أثناء الحج وعنوانها: "غرر الفرائض ودرر القلائد" فى طهران سنة 1312 هـ كما طبع فيها أيضا سنة 1315 هـ كتاب "الانتصار" الذى أهداه إلى الوزير عميد الدين، وطبع كتابه "الأمالى" فى القاهرة سنة 1325 هـ أما فى مسألة المسائل عند الشيعة فقد حمل على الخلفاء الثلاثة الأولين فى كتابه "الشافى" (طهران 1301 هـ)، وقبل أن يدفن فى مقبرة آبائه فى الكاظمين، تولى غسله النجاشى. وفى غضون ثمان وعشرين سنة جاءت بعد ذلك كان فى بغداد إلى جانب المرتضى الذى كان قد جاوز الثمانين تلميذه وتلميذ مفيد: أبو جعفر محمد بن حسن الطوسى الذى كان يسمى: "الشيخ" بإطلاق المعنى أو "شيخ الطائفة". ولما دخل طغرل بك السلجوقى مدينة بغداد سنة 447 هـ (1055 م) ازداد موقف الشيعة عسرا. وقد أغرى هذا الأمر الطوسى بأن يدفن بقبر على المقدس (مشهد على) فنزح إلى النجف حيث توفى بين سنتى 458 و 460 هـ (1065 - 1068 م). وكتب الشيعة الحاشدة التى ظهرت فى القرنين الرابع والخامس، والتى لا يمكن أن نذكر منها ومن مؤلفيها فى هذا المقام إلا القليل جدا، تبدو أمام الناظر فيها لأول وهلة ذات طابع واحد، ذلك أن الموضوعات المأثورة عن الشيعة تعود فتتردد فيها مرارًا، وتكرارًا وهى: الإمامة، الحكم فى أمر الخلفاء الأولين من الناحيتين الدينية والشرعية، وخصومهم يوم الجمل ويوم صفيّن، والغيبة، وكل ما يتعلق بالإمام الغائب؛ وكذلك يتردد فيها إلى جانب المسائل الفقهية العامة: الآراء التى اختص بها الإمامية مثل: زواج المتعة أو زواج المتعتين، أى زواج المتعة وزواج التمتع أثناء الحج، وهناك فيما عدا التفاسير الكاملة للقرآن؛ تأويلات الشيعة للآيات التى توائمهم، مثل الآية 22 من سورة الشورى، والآية 33 من سورة الأحزاب، وخصوصا آية النور، وهى

الآية 35 من سورة النور. وهناك أخيرا رد لا يزال يتكرر على المخالفين فى داخل صفوف الشيعة. ولكن لا يصح إنكار وقوع تطور يمكن أن تدل عليه المسألة الكبرى عندهم؛ فإن بابويه الأصغر كان لا يزال يسلم بجواز السهو على الأنبياء والأئمة فى الأمور الثانوية، بل لقد عد الرأى الذى ينكر السهو أول خطوة فى طريق الغلو. وقد خالفه فى ذلك الشيخ مفيد الذى كان يدافع عن العصمة المطلقة. وكتب فى ذلك رسالة قائمة بذاتها، ولكن هذا الموضوع كثيرا ما تناوله العلماء فيما بعد، على أن الحدود لم تقفل تماما أمام الغلاة، يدل على ذلك التقدير الذى دام طويلا للكتاب الأكبر للإسماعيلية، وهو كتاب "دعائم الإسلام". فمؤلفه وهو القاضى النعمان بن محمد بن منصور ابن حيان المتوفى سنة 363 هـ (974 م) والذى يعد "أبا حنيفة الشيعة"، لا يرجع عند ذكره للأئمة الذين يعتد بقولهم إلى أحد بعد جعفر الصادق الإمام السادس. على أنه إذا كان لا يوجد ذكر للأئمة المتأخرين عن جعفر، فإن هذا يمكن أن يعد تقية من جانب هذا القاضى الفاطمى فى القاهرة. ذلك أن الإمام الخاص بالشيعة السبعية، كان قد انتهى أمره أيضا. غير أن ابن شهراشوب المازندرانى (انظر المصادر) المتوفى سنة 588 هـ (1192 م) يقول باختصار: إنه ليس إماميا وتابعه فى هذا المحدثون أيضا مثل النفريشى (انظر المصادر). وفى القرون التالية ظهرت مثلا: تفاسير القرآن الكبرى التى طبعت فى طهران لأبى على الفضل الطبرسى المتوفى بين عامى 548 و 552 هـ (1153 - 1158 م)، وهى "مجمع البيان" و"جامع الجوامع"، الذى لا يزال بعد يُرجع إليه هو وتفسير على بن إبراهيم بن هاشم القمى (طهران 301 هـ)، وهو تفسير موجز جدا وجامع لجملة ما اختص به الشيعة ويرجع إلى أيام الكلينى وكان الفضل نفسه سليل أسرة ذات تراث غزير فى التأليف، فكان وهو فى طوس مقصدا لعلماء الشيعة يلتفون به، وكان من بينهم ابن شهراشوب وأبو الفضل شاذان بن جبريل مؤلف أحد الكتب الشيعية الكثيرة التى تحمل عنوان

كتاب: "الفضائل والمناقب" (تبريز 1304 هـ). وقد عمل الفضل على نشر مذهب الشيعة وتثبيته فى فارس بسبب هجرته إلى سبزوار، لكنه دُفن عند قبر الإمام الرضا فى طوس. وكان من الرؤساء فى القرن التالى: جعفر بن الحسن بن يعقوب بن سعيد الحلى، الملقب "بالمحقق" والمتوفى عام 676 هـ (1277 م) وقد بلغ من تأثيره فى بغداد أنه وصل إلى الحاشية القريبة من الخليفة المستعصم آخر خلفاء بنى العباس. وكان من أصحابه غير واحد من أسرة بنى طاووس الأشراف الذين كانت لهم أيضا التصانيف الكثيرة. وهذا البيت هو الذى كان ينتمى إليه نقيب ذلك العصر، وهو أبو القاسم على بن موسى الطاووس مصنف الكتب التى لا تزال شائعة جدا إلى اليوم فى الأدعية وحكايات الشهداء والحجاج والتمائم مثل كتاب: "المجتنى من الدعاء" (بومباى 317 هـ) و"الإقبال" (طهران 1317 هـ). والشيعة المحدثون أيضا مدينون لجعفر الحلى بفضل تأليفه مجملا من أكثر الكتب تداولا. وهو كتاب: "شرائع الإسلام، الذى لم يزل يشرح دائما بالعربية والفارسية (كلكته 1839 م؛ طهران 1314 هـ وقد نشر الجزء الأول منه وترجمه قاسم بك، بطرسبرغ 1862 م). وإذا كان ما كتبه جعفر الحلى فى "الفروع" قد ضمن له الشأن الباقى، فإن أحد أبناء بلدته، وهو الحسن بن يوسف بن المطهر الحلى الذى كان يلقب بـ "العلامة" بإطلاق، يعد العالم الكبير فى "الأصول" بخاصة. وكان أبوه من قبل قد قدم باعتباره عالما كبيرا فى الأصول، وذلك بحضور جعفر، لنصير الدين الطوسى الفيلسوف الرياضى الفلكى والشيعى المتحمس المتوفى سنة 672 هـ (1273 م) وصل نصير الدين هذا الذى كان موضع ثقة هولاكو إلى مدينة الحلة التى كانت قرب بابل، وكانت من قديم شديدة التشيع. ونصير الدين نفسه، ويلقب بالخواجه، لم يشتهر بسبب مؤلفاته الدينية التى ليست سهلة الفهم على كل حال، وإن كان الشيعة لا يزالون يدرسونها إلى اليوم، بل هو اشتهر لأنه من ألمع الأشخاص الذين ظهروا فى

تاريخ السياسة الشيعية فقد ساعد على سقوط قلعة ألموت وميمنديز التى كانت معقلا للحشاشين فى أيدى خان المغول وسار مع جيش الخان لفتح بغداد، وأغرى هذا الخان الوثنى بقتل آخر الخلفاء. ولذلك لا يزال له فى نظر الشيعة الفضل فى القضاء على أسوأ عدوين: الغلاة وبنو العباس الأشرار الذين خدعوا آل البيت، فيما يزعم الشيعة. وهو أيضا قد ورث رعايته الإيجابية الفعالة للشيعة ابن المطهر الذى وصله نصير الدين بأسرة الخان ولحق باعتباره رئيسا شيعيا بخان ألجاتيو، وهو كان فى حضرة الخان يحارب باللسان كلا من الأشاعرة "وأهل السفسطة" وكتب رسائل فى الرد عليهم وعلى فقهاء أهل السنة، وقد حول الخان إلى مذهب الإمامية، بعد أن كان قد عمد وهو أمير، ثم اعتنق مذهب ابن حنبل ثم مذهب الشافعى. ولا يزال الشيعة إلى اليوم يتداولون نحوا من عشرين كتابا من مؤلفات ابن المطهر، مثل كتابه: "نجم المسترشدين" فى أصول الدين (بمباى 1303 هـ)، وعليه شرح للعالم المتفلسف المقداد بن عبد اللَّه السيورى، ومثل كتابه: "كشف الفوائد" (طهران 1305 هـ) وهو شرح لكتاب "قواعد العقائد" لنصير الدين الطوسى الذى كان أستاذا له. ومما يزيد كثيرا فى الفهم لبواطن مذهب هؤلاء الشيعة الوسط كتابه "مختلف الشيعة" وهو مجلدان (طهران 1324 هـ). ولم يكن ابن المطهر هو أول، ولا آخر من قدم البحث فى الأصول إلى المحل الأول؛ وموضوع الأصول له عند الشيعة شأن أهم من شأنه عند أهل السنة، لأن باب الاجتهاد لم يُقفل عند الشيعة؛ والفقيه العالم يدعى لنفسه فى فارس لقب المجتهد، وهو يصدر فتاواه ويكون آراءه على أساس القرآن والسنة مستخدما طريقة القياس والاستصحاب والاستحسان ومتبعا ما قدمنا الإشارة إليه من إجماع الأرستقراطيين الروحيين، وهكذا يبقى فى كل العصور نوع من عدم الاستقرار يبعث الحياة فى مادة علم أصول الدين وعلم الفقه عند الإمامية بالرغم مما فى تلك المادة من جمود. وكان ابن المطهر قد توصل إلى صوغ آرائه أثناء المناظرات التى رد بها على خصومه ونخص بالذكر منهم

حفيدا (ابن بنت) للشيخ الطوسى الأكبر، وهو محمد بن أحمد ابن إدريس الحلى العجلى الذى بدا له أن الاجتهاد سينقلب إلى أحكام تستند إلى الهوى. وحتى فى القرن الحادى عشر الهجرى (السابع عشر الميلادى)، جاءت نكسة من الجانب المضاد، وذلك على يد الملا محمد أمين الإسترآباذى المتوفى سنة 1033 هـ (1623 - 1624 م). والذى نشب حوله نزاع كبير لا يزال قائما إلى اليوم. وهو لما كان، فيما عدا القرآن، لا يقول بأصل للشريعة سوى السنة الشيعية، بالرغم من كثرة اشتغاله بشروح "الكتب الأربعة"، فإنه يسمى هو وكل من اتبعه "إخباريين"، وذلك فى مقابل "الأصوليين" الذين يميلون إلى الاجتهاد. وكان فى محاربته للاجتهاد شديدا جدا، وبعض محاربته له صدر عنه وهو فى مكة. وهو لا يعترف بأن للإجماع عند الشيعة من القيمة أكثر من إجماع اليهود أو النصارى أو الفلاسفة. لكن ظهور الإسترآباذى لم يكن أقل بعثا للحياة فى المناقشات حول القياس والاستحسان والاستصحاب، وحول إمكان الحكم الشرعى على أساس أحاديث الآحاد، مما كان هجوم ابن حنبل أو داود الظاهرى عند أهل السنة من قبل. على أن مادة الأصول المتنازع فيها عند الشيعة، قد تقدم عندهم على ما عداها تمشيا مع مذهبهم. وهذا هو شأن ما دعا إليه الإستراباذى من "تقليد الميت"، فهو الخضوع لما قرره الأئمة ودُوّن فى السنة. ولم تزل فكرة آلام الشهداء دائما فكرة حية عند الشيعة. وعلى هذا ينال الشرف الخاص من بين علماء الشيعة الذين لا يحصى عددهم من يجمع إلى الاشتهار بالعلم والتصنيف الاشتهار بالاستشهاد. وقد اشتهر عندهم بخاصة أربعة شهداء؛ الأول هو محمد ابن مكى العاملى الجزينى، مؤلف كتاب "اللمع الدمشقية" فى الفقه. وقد خانه قوم انشقوا عليه فَحُبس فى دمشق وقُتل بالسيف بناء على فتوى من القاضى الشافعى وأجلس على الخازوق وأحرق بناء على فتوى القاضى المالكى خاصة، وذلك سنة 786 هـ (1384 م) فى قول معظم المصادر.

والشهيد الثانى هو زين الدين بن على بن أحمد بن تقى العاملى الشامى، وكان له نشاط كبير فى دمشق وبعلبك وحلب، وأسفار كثيرة، ثم قُتل فى الآستانة أو وهو فى طريقه إليها بسبب إصداره فتوى شيعية. وفيما عدا مؤلفات له فى الفقه وفى أمور الآخرة وفى الموضوعات التى تثبت الإيمان طبع له (فى تبريز 1287 هـ و 1303 - 1310 هـ) شرح كتاب اللُمع، وهو فى مجلدين. أما الشهيد الثالث فهو فيما جرى به القول السيد نور اللَّه (نور الدين أيضا) ابن شريف الدين المرعشى الششترى. وقد كتب كتابا مشهورا فى التراجم بالفارسية، وهو كتاب "مجالس المؤمنين" الذى استفاد منه إتيه Ethe وهورن Horn فى كتاب Crundries der iranischen Philologige وقد جرّ البلاء على المرعشى كتابه المسمى: "إحقاق الحق" (طهران 1273 هـ) بسبب ما فيه من مناظرات أو بعبارة أدق بسبب ردوده على كتب أهل السنة مثل كتاب: "الصواعق المحرقة على أهل الرفض والزندقة" (القاهرة 1307 و 1308 هـ) لابن حجر الهيثمى الشافعى. وقد تغيظ شاه جهانكير من المرعشى فأمر بضربه بالسياط إلى أن مات سنة 1019 هـ. (1610 م) (انظر أيضا ما كتبه Horovitz فى مجلة, Der Islam مجلد 3، ص 63) وكان إخوانه فى المذهب، حتى فى العصر الأخير، يزورون قبره فى أكبر آباد (آكره). أما الرابع الذى حظى بشرف الاستشهاد فهو محمد مهدى بن هدايت اللَّه الإصفهانى على أنه قد فاقه فى الشأن تلميذه السيد دلدار على بن معين الناصر آباذى المتوفى سنة 1235 هـ (1819 م) والذى بسط علمه بالدين فى كتابه "عماد الإسلام" (طبع فى الهند عام 1319 هـ) وفى العصر الحديث نال شرف الاستشهاد الملا محمد تقى القزوينى الذى خاصم الشيخ أحمد الاحسائى كما خاصم البابية الذين خرج من بينهم قاتله الذى أرداه سنة 1263 هـ (1847 م).

وكان الشهيدان الأولان من أهل الشام، وكان الثالث يعيش فى الهند، لكن فارس كانت قد أصبحت مركز الشيعة فى عهد الصفويين منذ عام 907 هـ (1502 م) والاضطهادات القصيرة الأمد التى وقعت فى عهد الملوك الأفغان بين سنتى 1135 و 1142 هـ (1722 - 1729 م) وفى عهد نادر بين سنتى 1148 و 1160 هـ (1736 - 1747 م) لم تغير من ذلك شيئا. وهناك رجل أسرته من الموطن نفسه الذى منه جد البيت الحاكم الجديد، وله النزعة الصوفية نفسها التى كانت لذلك الجد قد بادر باصطناع الثقافة الفارسية، وكتب رسائله وشروحه الفارسية وهو الحسين بن عبد الحق الأردبيلى الإلهى، وفى تلك البلاد التى كانت فى ذلك الوقت لا تزال سنية فى الغالب، كان لابد له فى كثير من الأحيان من أن يحيا حياة مهاجر بين تبريز وشيراز وهراة وغيرها. أما الدم الجديد الذى لم يكن منه بد لحياة الشيعة فى فارس، فقد جاء من الخارج، وهذا شئ مهم أيضا لمسألة: فارس والشيعة! وهؤلاء الشيعة الذين أقبلوا من الخارج قد جاءوا بصفة خاصة من جبل عامل فى جنوبى الشام (انظر المقدسى، ص 161، س 12، ص 162 س 3؛ ص 184 س 8؛ والمقدسى يكتبه دائما عاملة) ويحكى أن آخر سبزوار، وهو على مؤيد صاحب سبزوار، عرض على أحد العامليين، وهو الشهيد الأول، أن يهيئ له ملاذا يلجا إليه. وقد جاء هؤلاء العلماء القرويون فى عهد الصفويين فى أعداد كبيرة. وهم بعد أن استقروا، استطاعوا بفضل تقوية صفوفهم بوافدين جدد أن يحافظوا على تراث موطنهم الأول، وإلى جانبهم نزح شيعة من البحرين، ولذلك فإننا كثيرا ما نجد فى نسبة الشيعة فى فارس كلمة "العاملى" و"البحرانى" أو نجد أسماء تدل على الانتساب إلى وطن بعينه مثل: "الكركى" من جهة "والأحسائى" من جهة أخرى. ولا نستطيع أن نذكر فى هذا المقام سوى قليل من الأسماء التى ترجع إلى ذلك العصر المتأخر:

محمد بن الحسن الحرّ العاملى المشغرى، وقد نبه صيته كثيرا بفضل كتابه الأول: "الجواهر السنية". لأنه كان فيما يقال أول من جمع للشيعة الأحاديث القدسية. لكن كثرة كتبه والسرعة فى كتابتها على نحو يجاوز الحد جلبت عليه نقدا شديدا حتى من جانب المؤلفين من علماء الشيعة الذين اعتادوا كثرة التأليف. على أن كتابه "تفصيل وسائل الشيعة إلى مسائل الشريعة" (طهران 1228 هـ)، وهو فى ستة مجلدات وقد أتمه سنة 1082 (1671 م)، لا يزال جديرا بالتقدير لأنه استفاد فى تأليفه من مادة الأحاديث الغزيرة، وذكر أسماء المؤلفين الذين رجع إليهم ولم يهاجر الحر إلا فى سن الأربعين، وقد أكثر من الرحلة وزار عددا كبيرا من المشاهد، ثم استقر فى طوس وإصفهان. ومن بين أهل البلاد كانت الرياسة فى أيام الحر لأسرة المجلسى، وكان أهم من يمثلها هو محمد تقى المتوفى 1110 أو 1111 هـ (1698 - 1700 م)؛ وقد أقامه شاه سليمان الأول شيخا للإسلام، وكان شديد الاجتهاد فى إرضاء جمهور الناس، فكتب نحو من نصف مصنفاته باللغة الفارسية. وهو أيضا قد نقل من العربية مصنفات أبى القاسم الطاووسى الذى تقدم ذكره، وهى المصنفات التى تتناول ما يثبت الإيمان فى النفوس؛ أما كتابه الأكبر فهو "بحار الأنوار"، وهو موسوعة كبيرة فى العقائد والفقه من خمسة وعشرين مجلدا، وقد طبع فى تبريز وطهران، وكثير منه ترجم إلى الفارسية مثل، المجلد الثالث عشر المتعلق بالمهدى، وذلك بأمر شاه ناصر الدين. وموقف الشيعة بطبيعته موقف عداء إزاء أولئك الصوفية الذين لا حاجة بهم إلى وساطة إمام والذين يختلف ما عندهم من فناء روحى فى اللَّه يمكن أن يصل إليه كل مؤمن يحب اللَّه أشد الاختلاف عما عند الشيعة من قول "بالحلول الجزئى" فى الإمام المختار -وهذا أيضا إلى جانب أن تعظيم الأولياء

عند أحد الفريقين يختلف كل الاختلاف عند الآخر من حيث السبب والغاية. وأهم ما يجدر أن يذكر من اصطدام الشيعة والصوفية هو اشتراك أبى سهل النوبختى الشيعى الإمامى المتوفى سنة 311 هـ (923 م) اشتراكا فعالا فى القضاء على الحلاج. وكان الحلاج قد أغضب الشيعة إغضابا شديدا بطبيعة الحال بسبب دعواه أنه الوكيل لسيد الزمان الغائب؛ Al Hallaj, martyr mystique de l'Islam: L.Massignon, باريس 1922، جـ 1، ص 138 وما بعدها) أما موقف الشيعة من الفلاسفة، فأقل ما يوصف به، أنه موقف ريبة، لأن النظر العقلى فى أصول الدين ربما يقوّض أساس الشيعة، كما تبين ذلك للإمامية من موقف الغلاة، وما أنذر به من خطر، لكن يوجد بالرغم من هذا كثير من نقط الالتقاء والتداخل، فهناك صوفية وفلاسفة ظهروا فى الوقت نفسه شيعة شاعرين بشيعيتهم ولم يكن القضاء عليهم ليتأتى بمجرد الرد المألوف عليهم. ومن ثم توجد فى كل القرون أمثلة تبين التنافر من حيث الأسس والأصول بين الشيعة والفلاسفة إلى جانب أمثلة تبين التجاذب المتبادل بينهم؛ فخواجه نصير الدين مؤلف كتاب: "أوصاف الأشراف" وهو كتاب صوفى لين (طهران 1320 هـ)، قد كان يعظم الحلاج، على الرغم من الحكم المخالف من جانب ابن بابويه ومفيد والشيخ الطوسى وابن المطهَّر. ويوجه النقد لرجب بن محمد الحافظ البرسى بأنه مجدد الصوفية بين الشيعة، لأنه أقام مذهبه على تأويلات خادعة هوائية وعلى مبالغات شيعية متطرفة؛ لكن عالما كالمجلسى، مع أنه عدو للصوفية، قد استفاد فى كتابه: "بحار الأنوار", وإن كان ذلك فى شئ من التحفظ، من كتب البرسى مثل كتاب: "مشارق الأنوار" الذى ألفه سنة 800 هـ (1397 م). وأهل التفكير الهادئ يقرون ما فعله الملا صدرا، أعنى محمد بن إبراهيم الشيرازى المتوفى بين سنتى 1040

و 1050 هـ (1641 - 1660 م) من أنه فى تفسيره لآية الكرسى (سورة البقرة الآية 255) قد تحرر من الأوهام الصوفية. ويرجع إلى شرحه مفاتيح الغيب على "أصول الكافى" للكلينى (طهران، طبعة غير مؤرخة)، بل يقبل بيانه للارتقاء إلى اللَّه على أربع مراحل فى كتابه "الأسفار الأربعة" أو "الحكمة المتعالية" (طهران 1281 هـ) هذا على الرغم من أن المرء يشتم منه دائما أنه قد علق به من شرحه لحكمة الإشراق للسهروردى الصوفى كثير جدا من إحساس الصوفية ومن كلامهم. وتلميذه محمد بن المرتضى الكشى الملقب محسن "فيض" صاحب التفسير الشيعى للقرآن وهو كتاب الصافى (طهران 1276) قد دفع عن نفسه مثل هذه المطاعن بشدة، وذلك فى كتابه "الإنصاف فى بيان طريق العلم لأسرار الدين" (فى مجموع رسائله، طهران 1301 هـ) والواقع أن تلميذه السيد نعمة اللَّه الجزائرى يستشهد بأقوال أستاذه فى الرد على الصوفية. وأكبر من ذلك حظا من التقدير حسن إيمان أستاذين للملا صدرا، وهما الصديقان اللذان كانا فى قصر عباس الأول: محمد بن حسين بهاء الدين أو بهائى العاملى المتوفى سنة 1030 هـ (1621 م) ومحمد باقر الإسترآباذى المتوفى سنة 1041 هـ (1631 م) والذى كان يلقب بميرداماد لأنه كان ابن ختن لعلى بن عبد العلى الكركى، فهو قد كان عامليا، وكان أحد الشراح الكثيرين لكتاب "شرائع الإسلام" ومع تنوع نواحى اهتمام البهائى، فإنه، وقد كان شيخا للإسلام أيضا وشيعيا صادقا، أحيا فيما أحياه، سنة شيعية قديمة، هى تحريم ذبائح أهل الكتاب فأعاد الكتابة فيها فى "رسالة فى تحريم ذبائح أهل الكتاب" ومن الكتب المجملة المحبوبة والمكتوبة بلغة البلاد مشتملة على كل أبواب الفقه كتابه المسمى "جامع عباسى" (تبريز 1309 هـ وبمباى 1319 هـ). أما ميرداماد فإنه، وإن كان من معظمى الحلاج، إلا أنه قد أظهر أنه شيعى صادق، وفى كتابه "الرواشح

السماوية فى شرح الأحاديث الإمامية، (طبع عام 1311 هـ)، كما فى كتابه "القبسات" قد وفق بين فلسفته وبين العقيدة الصحيحة: ذلك أنه يعترف بأن اللَّه تعالى قديم لا أول، وأن العالم حادث، وقد بعث الحياة فى الأبحاث الفلسفية فظلت متشابكة مع الأبحاث الدينية الخاصة. وكان بين المتكلمين، أهل البحث العقلى فى العقائد، أصوليون كما كان من بينهم إخباريون (¬1) وكان الصراع ما يزال فى القرن السابق من الشدة أحيانا إلى حد أن الكتب فى كربلاء كان لا يمسكها الناس إلا وأيديهم ملفوفة فى قماش مخافة أن تكون قد لمستها يد أحد من الفريق الآخر. وكان من الزعماء الكبار فى هذا الصراع الشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائى، أى أنه بحرانى كما يدل على ذلك اسمه، وكان عالما بالعقائد وشاعرا وفلكيا ورياضيا، وقد حارب الصوفية والفلاسفة، وحارب الإخباريين بخاصة من أجل الاجتهاد والإجماع (انظر كتابه جوامع الكلام أو حياة النفس، تبريز 1276 هـ) وقد رأ ى فى مسألة الاعتقاد بالبعث رأيا فلسفيا مسرفا بدا فى نظر المتشددين من المستمسكين بالنصوص رأيا لا أساس له، فجر ذلك عليه وعلى أتباعه الشيخية تهمة الخروج على الجماعة كما جر عليه وعلى رجب من بعد، (انظر ما تقدم) المسئولية فى ظهور زندقة البابية. وقد عمل هؤلاء البابية، ثم البهائية وهم فرع منهم، على أن يستمر الصراع حيا بالأفعال والكتابة حتى فى عصر قريب جدا، ولم يخل الحال أيضا من أنواع أخرى من الرد على المخالفين. فلم يكن المجلسى آخر من رد على اليهود، أما الرد على النصارى، فقد نشأ عن ظهور المبشرين ابتداء من هـ. مارتين H. Martyn سنة 1195 هـ (1781 م) ثم عن كتاب "ميزان الحق" الذى كتبه ك. ج بفاندر C.G.Pfander يدعو به للنصرانية، ¬

_ (¬1) الإخباريون هم أهل النصوص، والأصوليون هم أهل النظر فى المبادئ. "المترجم"

المصادر

ثم حديثا جدا عن كثرة توزيع الكتاب المقدس (¬1). أما التعبير الشعبى عن عقيدة الشيعة، فيتجلى فى "المقاتل" وهى حكايات الاستشهاد وفى "التعزيات"، وهى التمثيل الذى يصور آلام الشهداء (¬2) وهناك أيضا الكثير من الكتب المنحولة وغير الصحيحة، فمن ذلك: أشعار على رضى اللَّه عنه وأقواله التى كثيرا ما طبعت وشرحت (انظر Alis 100 Spruche . . .: Fleishcher)؛ ومجموع خطبه فى نهج البلاغة لمحمد الرضا، وهو أخو الشريف المرتضى؛ ثم كثير من الكتب الصغيرة فى الأدعية مثل: "صحيفة على" و"صحيفة على زين العابدين" الإمام الرابع؛ و"صحيفة على الرضا" الإمام الثامن، وإلى جانب ذلك توجد الأحاديث القدسية لعلى التى جمعها البهائى العاملى؛ وأخيرا هناك تفاسير للقرآن ظهرت باسم الإمام السادس جعفر الصادق أو الإمام الحادى عشر مثل تفسير العسكرى (طهران 1315 هـ) الذى استند إليه ابن بابويه الأصغر من غير تحرج، على حين عبّر كثير من المتأخرين عن شكهم فيه. المصادر: (1) إلى جانب الكتب التى ذكرناها فى صلب المادة وفى المواد التى أشرنا إليها، لابد من الرجوع إلى فهارس المخطوطات العربية والفارسية (وانظر أيضا كتاب بروكلمان فى تاريخ التأليف والمؤلفين عند العرب). (2) A History of Persian Literature in Modern Time 1924: E. G. Browne، ص 352 وما بعدها، حيث يتناول المؤلف تراجم للشيعة، ويذكر المراجع التى أفاد منها. (3) Volrlesungen: Goldziher الطبعة الثانية التى قام بها Bahinger، هيدلبرغ 1925، ص 196 وما بعدها ¬

_ (¬1) رد على كتاب ميزان الحق أحد علماء الهند وهو رحمة اللَّه الهندى فى كتابه: إظهار الحق فى الفرق بين الخالق والمخلوق. (¬2) فى مختصر دانرة المعارف الإسلامية أضيفت الكتب التى ترشد إلى زيارة المشاهد الشيعية إلى جانب "المقاتل" و"التعزيات". (المترجم).

(4) Les religions et les Philosophies dans L'Asie Centrale: Gobineau, الطبعة الثانية، باريس 1866، ص 63 وما بعدها. (5) Die Renaissance des Islam: Mez، هيدلبرغ 1922، ص 55 وما بعدها. (6) مقال Babinger فى مجلة ZDMG، مجلد 76، ص 126 وما بعدها. (7) Noldeke فى مجلة Der Islam مجلد 8، ص 79 وما بعدها. (8) Die Person Muhammedsin Lehre und Glauben seiner Gemeinde: Andrae، 1918، انظر الفهرس. (9) Alidernes Stilling til de Shi'itiske Bevaesleger under Umajjaderne kgl. Danske Vidensk Selhabs Vorhand linger: BubI، 1910 رقم 5. وللدخول فى معرفة الشيعة معرفة منظمة نوصى القارئ بالمصادر الآتية إلى جانب ما ذكر فى صلب المادة (10) محمد بن عمر الكشى: معرفة أخبار الرجال، بمباى 1317 هـ. (11) النجاشى المتوفى سنة 450 هـ (1058 م)، معرفة علم الرجال، بمباى 1317 هـ (12) الطوسى: أسماء الرجال، طهران 1271 هـ (13) فهرست كتب الشيعة (نشره شبرنكر ومولوى عبد الحق، كلكته 1853 - 1855). (14) ابن شهراشوب المتوفى سنة 588 هـ (1192): معالم العلماء، مخطوط فى برلين رقم 10047، وهو غير كامل (15) ابن المطهر الحلى: خلاصة المقال (ويسمى أيضا: كتاب الرجال)، طهران 1310 هـ. (16) محمد بن على الاخبارى الإسترآباذى، المتوفى سنة 1028 هـ (1619 م): منهج المقال، طهران 1307 هـ (17) محمد الحر العاملى: أمل الآمل فى ذكر علماء جبل عامل، طهران 1307 هـ (18) خواندمير: حبيب السير (بالفارسية، كتب سنة 929 هـ - 1523 م، بمباى 1273 هـ إلخ). (19) النغريشى: نقد الرجال (كتب سنة 1015 هـ (1606 م)، طهران 1318 هـ

(20) يوسف ابن أحمد البحرانى المتوفى 1187 هـ (1773 م): لؤلؤ البحرين (طهران 1269 هـ. وبمباى من غير تاريخ) (21) محمد باقر الخوانسارى: روضة الجنات (كتب سنة 1287 هـ - 1870 م) طهران 1305 هـ (22) محمد بن صادق بن مهدى: نجوم السماء (بالفارسية لكهنو 1313 هـ). (23) إعجاز حسين الكنتورى (المتوفى سنة 1286 هـ - 1870 م): كشف الحجب والأستار (نشره هدايت حسين ودينيسون روس فى كلكتة 1912 - 1914). وفيما يتعلق بالأئمة انظر: (24) أبو الفرج الأصفهانى: مقاتل الطالبيين (طهران 1307 هـ، ونشر نصفه الأول أيضا على هامش كتاب فخر الدين أحمد بن على النجفى: المنتخب فى المراثى والخطب، بمباى 1314 هـ) (25) أحمد بن على بن مُهَنا (توفى سنة 818 هـ - 1415 م): عمدة الطالب فى أنساب آل أبى طالب، بمباى 1318 هـ (26) عبد اللَّه بن نور اللَّه (كتب سنة 1240 هـ = 1824 م وما بعدها) مقتل العوالم (1295 هـ) - الحديث. (27) يحيى بن الحسن بن البطريق: توفى سنة 600 هـ = 1224 م خصائص الوحى المبين فى مناقب أمير المؤمنين (1311 هـ). (28) المؤلف نفسه: العمدة فى عيون صحاح الأخبار، بمباى 1309 هـ -مراجع جديدة فى نظرية النور (29) الحسين بن مرتضى اليزدى الطباطبائى: الرق المنشور ولوامع الظهور، بمباى 1303 هـ - ردود أهل السنة مع النظر إلى الصراع الداخلى (30) محمود شكرى الألوسى: (توفى سنة 1270 هـ - 1853 م): مختصر التحفة الاثنى عشرية 1301 هـ (31) Die Zwolfer Schi'a: R.Strothmann، ليبسك 1926. أبو ريدة [شتروتمان R.Strothmann]

تعليق على مادة الشيعة

تعليق على مادة الشيعة (رأينا إيراد هذا البحث للكاتب أحمد أمين على سبيل التعليق من كتابه فجر الإسلام) كانت البذرة الأولى للشيعة الجماعة الذين رأوا بعد وفاة النبى صلى اللَّه عليه وسلم أن أهل بيته أولى الناس أن يخلفوه، وأولى أهل البيت العباس عم النبى وعلىّ ابن عمه، وعلىّ أولى من العباس، والعباس نفسه لم ينازع عليا فى أولويته للخلافة، وإن نازعه فى أولويته فى الميراث فى "فَدَك" (¬1). وظهرت فكرة الدعوة لعلىّ بسيطة كما يدل عليه التاريخ، وتتلخص فى أن لا نص على الخليفة، فتُرك الأمر لإعمال الرأى، فالأنصار أدَّاهم رأيهم إلى أنهم أولى بها، والمهاجرون كذلك، وأصحاب على إلى أن الخلافة ميراث أدبى، ولو كان النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] يورث فى ماله لكان أولى به قرابته، فكذلك الإرث الأدبى، ولم يرد من طريق صحيح أن عليًا ذكر نصّا من آية أو حديث يفيد أن رسول اللَّه [-صلى اللَّه عليه وسلم-] عينه للخلافة، ولو كان لديه نص وذكره لما بقى الأنصار والمهاجرون على رأيهم ولبايعوه؛ بل ما بين أيدينا من تاريخ يدل على أن عليا بايع أبا بكر، وإن كان بعد تلكؤ، كما بايع عمر وعثمان من بعده، كل ما صح عن علىّ أنه كان يرى أنه كان أولى بالأمر منهم، ويحتج بأنه وأهل بيته الثمرة وقريش الشجرة، والثمرة خير ما فى الشجرة. ويروى البخارى عن ابن عباس أن عليًا رضى اللَّه عنه خرج من عند النبى صلى اللَّه عليه وسلم فى وجعه الذى توفى فيه، فقال الناس: يا أبا الحسن! كيف أصبح رسول اللَّه؟ فقال: أصبح بحمد اللَّه بارئًا، فأخذ بيده العباس رضى اللَّه عنه وقال: أنت واللَّه بعد ثلاث عبذ العصا، وإنى واللَّه لأرى رسول اللَّه [-صلى اللَّه عليه وسلم-] سيتُوَفى من وجعه هذا، إنى لأعرف وجوه بنى عبد المطلب عند الموت، فاذهب بنا إليه نسأله فيمن هذا الأمر، فإن كان فينا علمْناه، وإن كان فى غيرنا كلمناه فأوصى بنا. فقال علىٌّ رضى اللَّه عنه: أما واللَّه لئن سألناه ¬

_ (¬1) نعم إن الرواندية نصوا على أن الخلافة من حق العبس وأولاده، ولكن هذا القول لم يظهر فى أيام العباس، وإنما ظهر فى أيام المنصور والمهدى.

فمُنِعْنَاها لا يعطيناها الناس بعده، وإنى واللَّه لا أسألها. وكان جمع من الصحابة يرى أن عليًا أفضل من أبى بكر وعمر وغيرهما، وذكروا أن ممن كان يرى هذا الرأى عَمّارًا، وأبا ذر، وسلمان الفارسى، وجابر بن عبد اللَّه، والعباس وبنيه، وأبى بن كعب، وحُذَيفة، إلى كثير غيرهم. ونرى بعد هذا العصر أن الفكرة تطورت فقال شيعَة على (¬1): "إن الإمامة ليست من المصالح العامة التى تفوّض إلى نظر الأمة، ويتعين القائم بتعيينهم، بل هى ركن الدين، وقاعدة الإسلام، ولا يجوز لنبىّ إغفالها، ولا تفويضها إلى الأمة، بل يجب عليه تعيين الإمام لهم، ويكون معصومًا من الكبائر والصغائر، وإن عليِّا رضى اللَّه عنه هو الذى عينه صلوات اللَّه وسلامه عليه بنصوص ينقلونها ويؤوّلونها على مقتضى مذهبهم، لا يعرفها جهابذة السنة ولا نقلة الشريعة، بل أكثرها موضوع أو مطعون فى طريقه، [حسبما قيل] أو بعيد عن تأويلاتهم. . . " (¬2). ومن هنا نشأت فكرة الوصية، ولُقبَ عَلىٌّ بالوصى، يريدون أن النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] أوصى لعلى بالخلافة من بعده، فكان وصىّ رسول اللَّه؛ فعلىٌّ ليس الإمام بطريق الانتخاب، بل بطريق النص من رسول اللَّه، وعلىّ أوصى لمن بعده، وهكذا كل إمام وصىُّ مَن قبله، وانتشرت كلمة الوصى بين الشيعة واستعملوها؛ يروون أن أبا الهيثم وكان بدريًا يقول: وكنا شِعَار نبينا ودِثَاره ... يَفْديه منا الروح والأبصار إن الوصيَّ إمامُنا ووليُّنَا ... بَرِحَ الْخَفَاءُ وباحتَ الأسرار ويروون أن غلامًا خرج من جيش عائشة فى وقعة الجمل وهو يقول: نحن بنو ضبّةَ أعداء على ... ذلك الذى يُعْرف قِدْمًا بالوصىّ وفارس الخيل عَلَى عهد النبى ... ما أنا عن فضل علىّ بالْعَمِى لكننى أنعى ابن عفّان التّقىّ ... إن الولىَّ طالب ثَأرَ الولى وقد سقناها هنا لبيان أن كلمة الوصى شاعت فى إطلاقها عَلَى علىّ، ¬

_ (¬1) شيعة الرجل: أصحابه وأتباعه. (¬2) مقدمة ابن خلدون.

وإن كنا نشك فى نسبة هذه الأبيات إلى قائليها. وقد أدّاهم هذا النظر إلى أمور: منها القول بعصمة الأئمة علىّ ومن بعده؛ فلا يجوز الخطأ عليهم، ولا يصدر منهم إلا ما كان صوابًا، ومنها رفع مقام على عن غيره من الصحابة حتى أبى بكر وعمر؛ ولأقص عليك مثلًا مما يقوله ابن أبى الحديد فى علىّ مع أنه يُعَدّ من معتدلى الشيعة، قال: "يقول أصحابنا -وقد سلكوا طريقة مقتصدة- إن عليّا أفضل الخلق فى الآخرة، وأعلاهم منزلة فى الجنة، وأفضل الخلق فى الدنيا، وأكثرهم خصائص ومزايا ومناقب، وكل مَن عاداه أو حاربه أو أبغضه فإنه عدو اللَّه سبحانه وتعالى وخالد فى النار مع الكفار والمنافقين، إلا أن يكون ممن ثبتت توبته ومات عَلَى تولِّيه وحبه؛ فأما الأفاضل من المهاجرين والأنصار الذين ولوا الإمامة قبله، فلو أنه أنكر إمامتهم وغضب عليهم، فضلًا عن أن يشهر عليهم السيف أو يدعو إلى نفسه، لقلنا إنهم من الهالكين، كما لو غضب عليهم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وآله، لأنه قد ثبت أن رسول اللَّه قال له (لعلِىّ): حربك حربى وسلمك سلمى؛ وأنه قال: اللهم وال مَن والاه، وعادِ مَن عاداه؛ وقال له: لا يحبك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق؛ ولكنا رأيناه رضى إمامتهم وبايعهم وصلى خلفهم. . . فلم يكن لنا أن نتعدى فعله ولا نتجاوز ما اشتهر عنه. ألا ترى أنه لما برئ من معاوية برئنا منه؟ ولما لعنه لعنّاه؟ ولما حكم بضلال أهل الشام ومن كان فيهم من بقايا الصحابة كعمرو بن العاص وعبد اللَّه ابنه وغيرهما حكمنا أيضا بضلالهم! والحاصل أنَّا لم نجعل بينه وبين النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، إلا رتبة النبوة، وأعطيناه كل ما عدا ذلك من الفضل المشترك بينه وبينه، ولم نطعن فى أكابر الصحابة الذين لم يصح عندنا أنه طعن فيهم، وعاملناهم بما عاملهم هو عليه السلام" (¬1). ودعاهم القول بأفضلية علىّ وعصمته إلى استعراض ما حدث من الصحابة فى بيعة أبى بكر وعمر وعثمان. وكان من هؤلاء الشيعة الغالى ¬

_ (¬1) شرح نهج البلاغة 4: 520.

والمقتصد؛ فمنهم من اقتصر على القول بأن أبا بكر وعمر وعثمان ومن شايعهم أخطأوا إذ رضوا أن يكونوا خلفاء مع علمهم بفضل علىّ وأنه خير منهم، ومنهم من تغالى فكفرهم وكفر من شايعهم لأنهم -وقد أوصى النبى لعلىّ- جحدوا الوصية، ومنعوا الخلافة مستحقها، وانحدروا من ذلك إلى شرح حوادث التاريخ على وفق مذهبهم، وتأويل الوقائع تأويلًا غريبًا، أسوق لك مثلًا منه: "فتزعم الشيعة أن رسول اللَّه [-صلى اللَّه عليه وسلم-] كان يعلم موته، وأنه سيّر أبا بكر وعمر فى بعث أسامة لتخلو دار الهجرة منهماء فيصفو الأمر لعلىّ عليه السلام، ويبايعه من تخلف من المسلمين بالمدينة على سكون وطمأنينة، فإذا جاءهما الخبر بموت رسول اللَّه [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وبيعة الناس لعلىّ بعده كانا عن المنازعة والخلافة أبعد. . . فلم يتم ما قَدَّر، وتثاقل أسامة بالجيش أيامًا مع شدة حث رسول اللَّه [-صلى اللَّه عليه وسلم-] على نفوذه" (¬1). ولم يكتف غلاة الشيعة بهذا القدر فى علىّ، ولم يقنعوا بأنه أفضل الخلق بعد النبى، وأنه معصوم، بل ألَّهُوه، فمنهم من قال: "حلَّ فى علىّ جزء إلهى، واتحد بجسده فيه، وبه كان يعلم الغيب، إذ أخبر عن الملاحم وصح الخبر، وبه كان يحارب الكفار وله النصرة والظفر، وبه قلع باب خيبر، وعن هذا قال: واللَّه ما قلعت باب خيبر بقوة جَسدَانية، ولا بحركة غذائية، ولكن قلعته بقوة ملكوتية. . . قالوا: يظهر علىّ فى بعض الأزمان. . . والرعد صوته والبرق تبسمه. . . إلخ" (¬2)، وهؤلاء الذين أَلَّهُوه ذهبوا فى تأليهه جملة مذاهب، وقالوا فيه أقوالًا غريبة لا داعى للإطالة بذكرها -وقد ذكروا أن أول من دعا إلى تأليه علىّ عبد اللَّه بن سبأ اليهودى (¬3)، وكان ذلك فى حياة علىّ، وقد رأيت قبلُ طرفًا من سيرة ابن سبأ هذا؛ فهو الذى حرك أبا ذر الغفارى للدعوة الاشتراكية، وهو الذى كان من أكبر من ألَّب الأمصار على عثمان، ¬

_ (¬1) شرح نهج البلاغة 1: 54. (¬2) الشهرستانى 1: 204. (¬3) يذهب بعض الباحثين إلى أن عبد اللَّه بن سبأ رجل خرافى ليس له وجود تاريخى محقق، ولكنا لم نر لهم من الأدلة ما يثبت مدعاهم.

والآن ألّه عليّا. والذى يؤخذ من تاريخه أنه وضع تعاليم لهدم الإسلام، وألف جمعية سرية لبث تعاليمه، واتخذ الإسلام ستارًا يستر به نياته؛ نزل البصرة بعد أن أسلم ونشر فيها دعوته فطرده واليها، ثم أتى الكوفة فأخرج منها، ثم جاء مصر فالتفَّ حوله ناس من أهلها. وأشهر تعاليمه الوصاية والرجْعَة؛ فأما الوصاية فقد أبنّاها قبل، وكان قوله فيها أساس تأليب أهل مصر على عثمان، بدعوى أن عثمان أخذ الخلافة من علىّ بغير حق، وأيد رأيه بما نسب إلى عثمان من مثالب. وأما الرجعة فقد بدأ قوله بأن محمدًا يرجع، وكان مما قاله: "العجب ممن يصدِّق أن عيسى يرجع، ويكذب أن محمدًا يرجع! " ثم نراه تحوَّل -ولا ندرى لأى سبب- إلى القول بأن عليّا يرجع. وقال ابن حزم إن ابن سبأ قال -لما قتل علىّ-: "لو أتيتمونا بدماغه ألف مرة ما صدقنا موته، ولا يموت حتى يملأ الأرض عدلًا كما ملئت جورًا". وفكرة الرجعة هذه أخذها ابن سبأ من اليهودية، فعندهم أن النبى "إلياس" صعد إلى السماء، وسيعود فيعيد الدين والقانون، ووجدت الفكرة فى النصرانية أيضًا فى عصورها الأولى، وتطورت هذه الفكرة عند الشيعة إلى العقيدة باختفاء الأئمة، وأن الإمام المختفى سيعود فيملأ الأرض عدلًا، ومنها نبعت فكرة المهدى المنتظر. والناظر إلى هذا يعجب للسبب الذى دعا إلى الاعتقاد بألوهية علىّ، مع أن أحدًا لم يقل بألوهية محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، وعلىّ نفسه يصرح بالإسلام وتبعيته لمحمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-]. والعلة فى نظرنا أن شيعة علىّ رووا له من المعجزات والعلم بالمغيبات الشئ الكثير، وقالوا إنه كان يعلم كل شئ سيكون، ووضعوا على لسانه ما جاء فى نهج البلاغة: "اسألونى قبل أن تفقدونى، فوالذى نفسى بيده لا تسألوننى عن شئ فيما بينكم وبين الساعة، ولا عن فئة تَهْدى مائة وتضل مائة إلا أنبأتكم بناعقها، وقائدها وسائقها ومناخ ركابها ومَحَطّ رحالها، ومن يقتل من أهلها قتلًا، ومن يموت منهم موتًا. . . إلخ" ورووا له أنه أخبر بقتل الحسين، وأخبر بكربلاء، وأخبر بالحجَّاج، وأخبر بالخوارج ومصيرهم،

وبنى أمية وملكهم، وأخبر ببنى بويه وأيام دولتهم، وأخبر عبد اللَّه بن عباس بانتقال الأمر إلى أولاده "فإنه لما ولد لعبد اللَّه بن عباس ابنه علىّ أخرجه أبوه إلى علىّ بن أبى طالب فأخذه وتَفَل فى فيه وحنكه بتمرة قد لاكها، ودفعه إليه وقال: خذ -إليك- أبا الأملاك" (¬1). هذه الأخبار وأمثالها انتشرت بين الشيعة حتى ليكادون يذكرون أنه أخبر بما كان وما سيكون إلى يوم الدين، كل هذا إذا أنت ضممته إلى أن أكثر شيعة علىّ كانوا فى العراق، وكانوا من عناصر متنوعة، والعراق من قديم منبع الديانات المختلفة، والمذاهب الغريبة، وقد سادت فيهم من قبل تعاليم مانى ومزدك وابن ديصان، كما رأيت من قبل، ومنهم نصارى ويهود سمعوا المذاهب المختلفة فى حلول اللَّه فى بعض الناس -كل هذه الأمور جعلت منهم من يؤله عليّا. فأما العرب فكانوا أبعد الناس عن المقالات والمذاهب الدينية، حياتهم البسيطة، وعقليتهم التى على الفطرة تأبى عليهم أن يلصقوا بمحمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] ألوهية، وهو الذى يكرر دائمًا ما جاء فى القرآن: {إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ}. هذه العقيدة فى علىّ تناقض فكرة الإسلام البسيطة الجميلة فى وحدانية اللَّه وتنزُّهه عن المادة. ومن حسن الحظ أن ليست هذه المقالة فى علىّ قول الشيعة جميعهم ولا أكثرهم، بل قول فرقة قليلة منهم هم الغلاة. أساس نظرية الشيعة -كما رأيت- الخليفة أو كما يسمونه هم "الإمام" فعلى هو الإمام بعد محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، ثم يتسلسل الأئمة بترتيب من عند اللَّه، والاعتراف بالإمام والطاعة له جزء من الإيمان. والإمام فى نظرهم ليس كما ينظر إليه أهل السنة، فعند أهل السنة الخليفة أو الإمام نائب عن صاحب الشريعة فى حفظ الدين، فهو يحمل الناس على العمل بما أمر اللَّه، وهو رئيس السلطة القضائية والإدارية والحربية، ولكن ليس لديه سلطة تشريعية، إلا تفسيرًا لأمر أو اجتهادًا فيما ليس فيه نص؛ أما عند الشيعة فللإمام معنى آخر هو أنه أكبر معلِّم؛ ¬

_ (¬1) الكامل للمبرد.

فالإمام الأول قد ورث علوم النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، وهو ليس شخصًا عاديًا بل هو فوق الناس لأنه معصوم من الخطأ. وهناك نوعان من العلم: علم الظاهر وعلم الباطن، وقد علَّم النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] هذين النوعين لعلىّ، فكان يعلم باطن القرآن وظاهره، وأطلعه على أسرار الكون وخفايا المغيبات؛ وكل إمام ورّث هذه الثروة العلمية لمن بعده، وكل إمام يعلم الناس فى وقته ما يستطيعون فهمه من الأسرار، ولذلك كان الإمام أكبر معلِّم. ولا يؤمنون بالعلم ولا بالحديث إلا إذا روى عن هؤلاء الأئمة. وهم مختلفون اختلافًا كبيرًا فى الأئمة وتسلسلها، لا نطيل بذكرها (¬1). وأهم فرق الشيعة الزيدية والإمامية. فالزيدية أتباع زيد بن حسن بن على ابن الحسين بن على بن أبى طالب، ومذهبهم أعدل مذاهب الشيعة وأقربها إلى أهل السنة، ولعل هذا راجع إلى أن زيدًا -إمام الزيدية- تتلمذ لواصل بن عطاء رأس المعتزلة، وأخذ عنه كثيرًا من تعاليمه؛ فزيد يرى جواز إمامة المفضول مع وجود الأفضل، فقال: كان علىّ بن أبى طالب أفضل من أبى بكر وعمر، ولكن -مع هذا- إمامة أبى بكر وعمر صحيحة. ونظرهم إلى الإمام كذلك نظر معتدل، فليست هناك إمامة بالنص، ولم ينزل وحى يعين الأئمة، بل كل فاطمى عالم زاهد شجاع سخى قادر على القتال فى سبيل الحق يخرج للمطالبة يصح أن يكون إمامًا؛ فهو يشترط فى الإمام الخروج على الأمراء والسلاطين يطالب بالخلافة، ولهذا كانت الإمامة فى نظرهم عملية لا سلبية، كما هى عند الإمامية تنتهى بالإمام المختفى، وهم لا يؤمنون بالخرافات التى أُلصقت بالإمام فجعلت له جزءًا إلهيًا. وقد خرج زيد على هشام بن عبد الملك الخليفة الأموى فقتل وصلب سنة 121 هـ، وخرج بعده ابنه يحيى فقتل كذلك سنة 125 هـ، ولا يزال الزيدية فى اليمن إلى الآن. والإمامية سموا كذلك لأن أهم عقائدهم أسست حول الإمام، وقد قالوا بأن محمدًا [-صلى اللَّه عليه وسلم-] نص على خلافة علىّ، وقد اغتصبها أبو بكر وعمر، وتبرأوا ¬

_ (¬1) انظرها فى الملل والنحل للشهرستانى ومقدمة ابن خلدون.

منهما، وقدحوا فى إمامتهما، وجعلوا الاعتراف بالإمام جزءًا من الإيمان. والإمامية فرق متعددة لا تتفق على أشخاص الأئمة. فمن أشهر فرقهم (¬1) الاثنا عشرية، سموا كذلك لأنهم يسلسلون أئمتهم إلى اثنى عشر إمامًا، وعقيدتهم هى العقيدة الرسمية لدولة إيران. و"الإسماعيلية" سميت كذلك لأنهم يقفون بأئمتهم عند إسماعيل بن جعفر الصادق، وهؤلاء لعبوا دورًا طويلًا فى تاريخ الإسلام، وأخذوا مذهب الأفلاطونية الحديثة وطبقوه على مذهبهم الشيعى تطبيقًا غريبا، واستخدموا ما نقله إخوان الصفا فى رسائلهم من هذا المذهب الأفلاطونى. ويقول بعض المؤرخين إنهم وضعوا لهم تعاليم درَّجوها تسع درجات تبتدئ بإثارة الشكوك فى الإسلام، كسؤالهم: ما معنى رمى الجمار؟ وما العَدْو بين الصفا والمروة؟ وتنتهى بهدم الإسلام والتحلل من قيودة؛ وأوّلوا كل ما فيه فقالوا: إن الوحى ليس إلا صفاء النفس، وإن الشعائر الدينية ليست إلا للعامة، أما الخاصة فلا يلزمهم العمل بها، وإن الأنبياء سُوّاس العامة، أما الخاصة فأنبياؤهم الفلاسفة؛ وليس هناك معنى للتمسك بحرفية القرآن، فهو رموز لأشياء يعرفها العارفون، إنما يجب أن يفهم القرآن على طريقة التأويل والمجاز، وللقرآن ظاهر وباطن، ويجب أن نخترق الحجب المادية حتى نصل إلى أطهر ما يمكن من الروحانية؛ ومن ثم أيضًا سموا "الباطنية". ولا يسعنا هنا أن نذكر أهم تعاليمهم وكيف أخذت من الأفلاطونية الحديثة، فإن هذه الفرقة لم تظهر فى عصرنا الذى نؤرخه إنما ظهرت فى الدولة العباسية، وكان من آثار دعايتهم الدولة الفاطمية فى المغرب ومصر، ولا يزال لهم بقايا إلى اليوم فى الشام والعجم والهند، وكان الآن "أغاخان" الزعيم المشهور. والإمامية -على العموم- تقول بعودة إمام منتظر وإن اختلفوا -باختلاف طوائفهم- فيمن هو الإمام المنتظر، ففرقة ينتظرون جعفرًا الصادق، وأخرى تنتظر محمد بن عبد اللَّه بن الحسن بن الحسين بن على ابن أبى طالب، وثالثة تنتظر محمد بن الحنفية وتزعم أنه حى لم يمت، وأنه بجبل رضوى إلى أن يأذن اللَّه له ¬

_ (¬1) ترى هذه التعاليم وتدرجها ونصوصها فى الجزء الأول من خطط المقريزى.

بالخروج، ومنهم كثَيِّر عزَّة وفى ذلك يقول: ألا إن الأئمة من قريش ... ولاةَ الحق أَرْبَعَةٌ سَوَاء عَلىٌّ والثلاثة من بَنيه ... هم الأسباط ليس بهم خفاء فسبْطٌ سبطُ إيمان وبرّ ... وسبطّ غَيتْه كَرْبِلَاء وسبط لا يذوق الموت حتى ... يقودَ الخيلَ يقدمُها اللواء تَغَيَّبَ لا يرى فيهم زمانًا ... بِرَضْوَى عنده عسل وماء وكان السيِّد الحمْيرى الشاعر الأموى المشهور يعتقد كذلك أن محمد ابن الحنفية لم يمت وأنه فى جبل رضوى، بين أسد ونمر يحفظانه، وعنده عينان نَضَّاخَتَان تجريان بماء وعسل، ويعود بعد الغيبة فيملأ العالم عدلًا كما ملئ جورًا؛ ولهم فى ذلك آراء يطول شرحها. وأساس هذه العقيدة ما رأينا قبل من قول ابن سبأ بالرجعة ونقلها عن اليهودية، وأن الشيعيين فشلوا فى أول أمرهم فى تكوين مملكة ظاهرية على وجه الأرض، وعُذبوا وشردوا كل مشرَّد، فخلقوا لهم أملًا من الإمام المنتظر، والمهدى، ونحو ذلك. وقد اتفقت تعاليم الخوارج والشيعة على أن خلفاء بنى أمية مغتصبون ظالمون، فاشتركوا فى مناهضتهم، ولكن الخوارج كانوا ظاهرين فى حروبهم، غلبت عليهم الطبيعة البدوية فى الصراحة، فأكثرهم لا يقول بالتقية؛ أما الشيعة فكانوا يحاربون جهرًا إذا أمكن الجهر، فإذا لم يستطيعوا فسرا، وقال أكثرهم بالتقية (¬1) فكانوا بهذا أشد على بنى أمية، وهم أدعى إلى الحذر منهم، فبثوا العيون والأرصاد على الشيعة. واضطهدوهم اضهادًا شنيعًا، فدسوا للحسن حتى طعن بخنجر فى ¬

_ (¬1) يراد بالتقية المداراة، كأن يحافظ الشخص على نفسه أو عرضه أو ماله بالتظاهر بعقيدة أو عمل لا يعتقد بصحته، فمن كان على دين أو مذهب ثم لم يستطع أن يظهر دينه أو مذهبه فيتظاهر بغيره فذلك تقية؛ وعد قوم منها مداراة الكفار والظلمة والتبسم فى وجوههم ونحو ذلك. وقد اختلف فيها الشيعة والخوارج وأهل السنة، فأكثر الشيعة يقول بها بل منهم من قال: يجب إظهار الكفر لأدنى مخافة أو طمع، وحملوا بيعة على لأبى بكر وعمر وعثمان على التقية، وكان كثير من الشيعة يكتمون تشيعهم تقية ويعملون سرًا؛ وأما أكثر الخوارج فقالوا: إن التقية لا تجوز ولا قيمة للنفس والعرض والمال بجانب الدين، بل منهم من كان يرى أنه لا يصح قطع الصلاة إذا جاء سارق ليسرق متاعه وهو يصلى؛ أما أهل السنة فتوسطوا وقالوا: إن من خاف على نفسه أو ماله لعقيدته وجب أن يهاجر من بلده، فإن لم يستطع أظهر التقية بقدر الضرورة ووجب عليه أن يسعى فى الخروج بدينه. . . الخ.

جنبه ولكن لم يمته، وأوقعوا الفشل فى جيشه حتى وادعهم، ثم قتلوا الحسين فى واقعة كربلاء، ثم تتبعوا أهل البيت يستذلونهم ويمتهنونهم ويقتلونهم، ويقطعون أيديهم وأرجلهم على الظنة، وكل من عرف بالتشيع لهم سجنوه أو نهبوا ماله أو هدموا داره؛ واشتد بهم الأمر فى أيام عبيد اللَّه بن زياد قاتل الحسين، "وأتى بعده الحجاج فقتلهم كل قتلة، وأخذهم بكل ظنة وتهمة، حتى إن الرجل ليقال له زنديق أو كافر أحب إليه من أن يقال له شيعة علىّ" حتى يروى أن رجلًا -يقال إنه جَدُّ الأصمعى- وقف للحجاج فقال له: أيها الأمير، إن أهلى عَقّونى فسمونى عليّا، وإنى فقير بائس، وأنا إلى صلة الأمير محتاج، فتضاحك له الحجاج وولاه عملًا. ويقول المدائنى: "إن زياد بن سمية كان يتتبع الشيعة فى الكوفة وهو بهم عارف، لأنه كان منهم أيام على، فقتلهم تحت كل حَجَر ومدر، وأخافهم وقطع الأيدى والأرجل، وسَمَل العيون، وصلبهم على جذوع النخل، وطردهم وشردهم عن العراق فلم يبق به معروف منهم. وكتب معاوية إلى عماله فى جميع الآفاق ألا يجيزوا لأحد من شيعة على وأهل بيته شهادة، وكتب إليهم أن انظروا مَن قِبَلكم من شيعة عثمان ومحبيه وأهل ولايته، والذين يروون فضائله ومناقبه فأدنوا مجالسهم، وقربوهم وأكرموهم، واكتبوا لى بكل ما يَرْوى كل رجل منهم واسمه واسم أبيه وعشيرته، ففعلوا ذلك حتى أكثروا من فضائل عثمان ومناقبه، لِمَا كان يبعثه إليهم معاوية من الصلات. . . وقال إنه كتب إلى عماله أن "انظروا إلى من قامت عليه البينة أنه يحب عليًا وأهل بيته فامحوه من الديوان، وأسقطوا عطاءه ورزقه". والعباسيون كانوا أبلغ فى التنكيل بهم لأنهم أعرف بخفاياهم، لما كانوا يعملون معهم فى عهد بنى أمية. هذه الاضطهادات كان من نتائجها إحكام الشيعة للسرية ونظامها، فهم أقدر الفرق الإسلامية على العمل فى الخفاء، وكتمان عملهم حتى يتمكنوا من عدوهم. وهذه السرية استلزمت الخداع والالتجاء إلى الرموز والتأويل ونحو ذلك؛ وكان من أثر هذا الاضطهاد أيضًا اصطباغ أدبهم بالحزن العميق، والنوح والبكاء، وذكرى المصائب والآلام. وقد حاربوا الأمويين بمثل ما حوربوا به، فكما وضع الأمويون

الحديث فى فضائل الصحابة -عدا عليًا والهاشميين- وخاصة عثمان، وضع الشيعة أحاديث كثيرة فى فضائل علىّ وفى المهدى المنتظر، وعلى الجملة فيما يؤيد مذهبهم، وربما فاقوا فى ذلك الأمويين؛ فاشتغل بعض علمائهم بعلم الحديث وسمعوا الثقات وحفظوا الأسانيد الصحيحة، ثم وضعوا بهذه الأسانيد أحاديث تتفق ومذهبهم، وأضلوا بهذه الأحاديث كثيرًا من العلماء لانخداعهم بالإسناد، بل كان منهم من سُمِّى بالسُّدى، ومنهم من سمى بابن قتيبة، فكانوا يروون عن السدى وابن قتيبة، فيظن أهل السنة أنهما المحدثان الشهيران، مع أن كلا من السدى وابن قتيبة الذى ينقل عنه الشيعة إنما هو رافضى غال، وقد ميزوا بينهما بالسدى الكبير والسدى الصغير، والأول ثقة والثانى شيعى وضَّاع، وكذلك ابن قتيبة الشيعى غير عبد اللَّه بن مسلم بن قتيبة. بل وضعوا الكتب وحشوها بتعاليمهم ونسبوها لأئمة أهل السنة، ككتاب "سر العارفين" الذى نسبوه للغزالى؛ ومن هذا القبيل ما نراه مبثوثًا فى الكتب من إسناد كل فضل وكل علم إلى علىّ بن أبى طالب إما مباشرة وإما بواسطة ذريته: فعلم المعتزلة جاء من أن واصل ابن عطاء -رأس المعتزلة- تلقى العلم عن أبى هاشم عبد اللَّه بن محمد بن الحنفية، وأبو هاشم تلميذ أبيه، وأبوه تلميذ علىّ، وأبو حنيفة أخذ العلم عن جعفر الصادق، ومالك بن أنس قرأ على ربيعة الرأى، وقرأ ربيعة على عِكْرمة، وعكرمة على عبد اللَّه بن عبَاس، وعبد اللَّه قرأ على علىّ، وبهذه الطريقة ينسب فقه الشافعى إلى الإمام علىّ لأنه تلميذ مالك، بل فقه عمر بن الخطاب يرجع إلى علىّ لأنه كان يرجع إليه فيما أشكل من المسائل وكان يقول: لولا علىّ لهلك عمر! وتفسير القرآن أخذ أكثره عن عبد اللَّه بن عباس وهو أخذه عن على؛ فقد قيل لابن عباس: أين علمك من علم ابن عمك؛ فقال: كنسبة قطرة من المطر إلى البحر المحيط -والتصوف منسوب إليه، وقد نسبه إليه الشبلى والجنيد وسَرىّ وأبو يزيد البسطامى، وينسبون الخرَقة التى هى شعارهم إليه- وأبو الأسود الدؤلى واضع علم النحو أخذه عن علىّ بن أبى طالب، فقد أملى عليه: الكلام كله ثلاثة أشياء: اسم وفعل وحرف، وعلّمه تقسيم الاسم إلى معرفة ونكرة، وتقسيم الإعراب إلى الرفع والنصب والجر والجزم. وعلى الجملة فليس هناك من علم إلا وأصله

علىّ بن أبى طالب، كأن العقول كلها أجدبت وأصيبت بالعقم إلا على بن أبى طالب وذريته، وعلى رضى اللَّه عنه من ذلك براء. . . والذى أرى -كما يدلنا التاريخ- أن التشيع لعلىّ بدأ قبل دخول الفرس فى الإسلام، ولكن بمعنى ساذج، وهو أن عليًا أولى من غيره من وجهتين، كفايته الشخصية، وقرابته للنبى، والعرب من قديم تفخر بالرياسة وبيت الرياسة، وهذا الحزب -كما رأينا- وجد من بعد وفاة النبى صلى اللَّه عليه وسلم ونما بمرور الزمان وبالمطاعن فى عثمان، ولكن هذا التشيع أخذ صبغة جديدة بدخول العناصر الأخرى فى الإسلام من يهودية ونصرانية ومجوسية، وأن كل قوم من هؤلاء كانوا يصبغون التشيع بصبغة دينهم، فاليهود تصبغ الشيعة يهودية، والنصارى نصرانية، وهكذا: وإذ كان أكبر عنصر دخل فى الإسلام هو العنصر الفارسى كان أكبر الأثر فى التشيع إنما هو للفرس. * * * ومن أشهر الأدباء والشعراء المتشيعين فى هذا العصر أبو الأسود الدؤلى، وفى علىّ وبنيه يقول: يقول الأرْذَلون بنو قشير ... طِوَالَ الدَّهر لا تَنْسى عليّا بنو عمَّ النبىِّ واقرَبُوهُ ... أَحَبُّ الناس كُلِّهُمُوا إِلَيَّا أحبهموا كَحُبِّ اللَّه حتّى ... أَجِئَ إذا بُعثْتُ عَلَى هَوَيّا فإنْ يَكُ حُبُّهُمْ رُشْدًا أُصبْهُ ... ولسْتُ بمخِطئ إنْ كان غَيّا وكذلك كان كثَيِّر عزة، وقد قرأت قبل شعره فى الرَّجعة، والكمَيْت وكان شيعيًا غاليًا، ومن شعره فى الخلافة: يقولون لم يُورَثْ، ولولا تُراثُةُ ... لقد شَرَكَتْ فيه بَجِيل وأرْحَبُ (1) ولا نْتَشَلتْ عضوين منها يُجَابِرٌ ... وكان لعبد القيس عضو مُؤَرّبُ فإنْ هى لم تَصْلحْ لحىٍّ سِوَاهُمُو ... إذًا فَذَوُوا القُربى أحقُّ وأَقرَبُ فَيَالَكَ أمْرًا قد أُشِتّتْ جُمُوعُه ... ودارًا ترى أسبابها تَتَقَضّبُ تَبَدَّلَتِ الأشرار بعد خِيَارها ... وجُدَّ بها من أُمَّة وهى تلعب رقم الإيداع بدار الكتب 9532/ 1996 ISBN 977 - 01 - 4955 - 1

ص

ص

صارى عبد الله أفندى

صارى عبد اللَّه أفندى شاعر وأديب عثمانى، وهو ابن سيد محمد أحد أمراء المغرب الذين فروا إلى الآستانة فى عهد السلطان أحمد الأول وتزوج ابنة محمد باشا أخى الصدر الأعظم خليل باشا: وقد كفله محمد باشا، إذ عهد بتربيته إلى الشيخ محمود الإشقودرى واصطحبه بوصفه "تذكره جى" (محرر) عندما رأس الجيش فى الحملة الفارسية إبان وزارته الثانية، وأقامه رئيسا للكتاب عام 1037 هـ (1627/ 1628 م) مكان محمد أفندى الذى كان قد توفى فى ذلك الحين، ثم صرف عن منصبه فى الوقت الذى أعفى فيه مولاه من الوزارة، ولما توفى محمد باشا عين صارى رئيسا للركاب السلطانى عام 1047 هـ (1637/ 1638 م) وصحب مرادا الرابع إلى بغداد ثم أصبح رئيسا للكتاب مرة أخرى. وشغل صارى عبد اللَّه مناصب أخرى حتى عام 1065 هـ (1655 م) وهنالك اعتزل الحياة العامة، وتوفى عام 1071 هـ (1660 - 1661 م). وكتب صارى شرحا تركيا على المجلد الأول من مثنوى جلال الدين الرومى وألف عدة كتب مبتكرة بعضها فى الأخلاق مثل "نصيحة الملوك" و"ثمرات القلوب" وبعضها فى التصوف مثل "الدرة" و"الجوهرة" و"مسالك العشاق"، ومجموعة تشتمل على 141 وثيقة رسمية تسمى دستور الإنشاء، كما نظم بعض الأشعار والأغانى باسمه المستعار "تخلص" عبدى. ويقوم قبره

المصادر

فى قرافة مال تبه خارج طوب قابو (باب القديس رومانوس St. Romanus بالآستانة: Ottoman Poetry: Gibb جـ 4، ص 79). المصادر: (1) سامى بك فراشرى: قاموس الأعلام، جـ 4، ص 2916. (2) Geschichte der osmanischen Dichtkunst: J.Von Hammer، جـ 3، ص 482. الشنتناوى [إيوار Cl. Huart]. الصاع ويقال الصُواع (كلمة عربية، والصاع يذكر ويؤنث): "مكيال لأهل المدينة يأخذ أربعة أمداد" (لسان العرب). وإذا كان عيار الصاع، مثل عيار المد، يختلف من حيث المعاملات التجارية باختلاف البلدان والأقاليم، فإن مقدار الصاع الشرعى قد حدده النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] شرعا فى السنة الثانية للهجرة حين استنَّ تفصيلات الشعائر الصحيحة لعيد الفطر التى اقترنت بفرض زكاة الفطر التى قدرت بصاع على كل فرد من أفراد الأسرة. وكان صاع المدينة بطبيعة الحال هو الذى اختير مكيالا قياسيا، ولذلك سمى مدُّ المدينة مدَّ النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-]. وهذا المدّ الأولى الذى أخذ به الإسلام على مذهب أهل السنة قد جعله زيد بن ثابت المكيال القياسى؛ والظاهر أن المد والصاع اللذين استعملا من ثمَّ فى الأغراض الدينية قد اصطنعا نقلا من هذا العيار القياسى مع شئ من الزيادة أو النقصان، وذلك هو على الأقل ما استطعت إثباته لأهل المغرب مستندا إلى ما بين يدى من وثائق مختلفة. وعلى ذلك يكون العيار الرسمى لمد النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] اعتمادا على هذه الوثائق 75 سنتيلترا على وجه التقريب. والصاع ثلاثة ألتار. ويورد فقهاء المسلمين: التقديرات الآتية لهذا المكيال، فهم يقولون: إن الصاع ستة وعشرون رطلا وثلثان، والرطل 128 درهما مكيّا، والدرهم خمسون حبة من الشعير وخمسان، ونحن نتبين من ذلك كيف تعوز الدقة هذا التحديد. على أنه إذا

المصادر

تعذر وجود مد أو صاع، فإن زكاة الفطر تقاس بمقدار الحبات التى تسعها اليدان مضمومتين، وراحتاهما مبسوطتان نصف بسط إلى أعلى. ونذكر أخيرا علاوة على هذا الاستعمال للصاع ومد النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، أن هذين المكيالين مستعملان أيضًا فى غرضين آخرين يقتضيهما الشرع وهما: (1) حساب الزكاة (2) حساب أقل قدر ممكن يتطلبه الوضوء، ويقدر بمد واحد، والغسل، ويقدر بصاع واحد. المصادر: (1) المعاجم العربية وبخاصة محيط المحيط، طبعة بيروت سنة 1870 م، جـ 2، ص 1231، عمودًا. (2) الرسائل التى تتناول الفقه الإسلامى وكتب الحديث. (3) Note sur trois anciens vases en quivre grave,trouves a Fez et servant a mesurer I'aumone legale du Fitr: Alfred Bell فى Bull. Arckeolog، باريس 1917، ص 359 - 387، وهذا المقال محلى بالصور، وقد ذكرت فيه مصادر أخرى. خورشيد [بل Alferd Bell] صالح عليه السلام نبى أرسل لقوم ثمود العرب، صوِّر كما هو المألوف بأنه بشير ونذير وفقًا للأسلوب الذى انتهجه القرآن الكريم، وقد طلب صالح من قومه أن يستمعوا إليه وأن يعبدوا اللَّه الذى لا إله لهم غيره (سورة الأعراف، الآية 73؛ سورة هود، الآية 61؛ سورة الشعراء، الآية 142)؛ وناشدهم أن يذكروا آلاء اللَّه (سورة الأعراف، الآية 74؛ سورة الذاريات، الآية 43) وقال إنه لا يسألهم على ذلك أجرا (سورة الشعراء، الآية 145)، ولكنهم أعرضوا عنه فى جفاء، ورموه بأنه من المُسَحّرين (سورة الشعراء، الآية 153) وأنه ليس إلا بشرًا مثلهم وأنَّى له أن يُلقى عليه الذكر من بينهم (سورة القمر، الآيتان 24، 25)، ولم يستطيعوا أن يتركوا دين آبائهم (سورة هود، الآية 62)؛ وكذبوا بالقارعة (سورة الحاقة الآية 4)؛ وقد أثار ظهوره الفرقة بينهم (سورة النمل، الآية 45)، فلم يؤمن به إلا المستضعفون، أما المستكبرون فقد كفروا به (سورة الأعراف، الآية 75). وإنما الجديد فى

الأمر هو أنه كان فيهم مرجوًا قبل أن يزعجهم بدعوته (سورة هود، الآية 62)، وإذا كان هذا الجديد يستند إلى حادثة تقابله، فإن ذلك يكون زيادة هامة فى تاريخ محمد [عليه الصلاة والسلام]. ثم تأتى بعد ذلك قصة النبى صالح عليه السلام، فقد جاءت ثمود بينة من ربهم ناقة (سورة الأعراف، الآية 73) ورجاهم صالح أن يذروها تأكل فى أرض اللَّه ولا يمسوها بسوء ولها شِرْب ولهم شِرْب يوم معلوم (سورة الأعراف، الآية 73؛ سورة الشعراء، الآية 155؛ سورة القمر، الآية 28). ولكنهم عقروها (سورة الأعراف، الآية 77؛ سورة هود، الآية 65؛ سورة الشعراء، الآية 157) بيد شقى من أشقيائهم (سورة الشمس، الآية 12؛ سورة القمر، الآية 29)، وسألوا صالحًا ساخرين أن يأتيهم بما توعدهم من عذاب (سورة الأعراف، الآية 77) فقال لهم تمتعوا فى داركم ثلاثة أيام (سورة هود؛ الآية 65) فأخذتهم الرجفة فى قول الآية 78 من سورة الأعراف (انظر أيضا سورة القمر، الآية 31، وسورة الحاقة، الآية 5) وأصبحوا فى ديارهم جاثمين. وقد تناولت القصص الإسلامية عن الأنبياء فى هذه المعالم المختصرة بشئ من التفصيل. والحق أن ثمود خلفاء عاد، فى قول الآية 74 من سورة الأعراف، كانوا قبيلة عربية قديمة عرفناها أيضا من مصادر أخرى. وما من شك فى أن البيوت التى نحتتها ثمود من الصخر (سورة الفجر، الآية 9؛ سورة الأعراف، الآية 74؛ سورة الشعراء، الآية 149) وذكرت كثيرا فى النصوص، والتى لا تزال أطلالها قائمة (سورة العنكبوت، الآية 38) هى قبور تضم بقايا عظام آدمية نحتت من صخور العلا، وقد حمل ذلك فيليب بيركر Philippe Berger على القول بفرض آخر، هو أن كلمة "كفرا، (أى قبر) التى وردت فى النقوش هناك ربما كانت قد فسرت بأنها الكفر بمعنى عدم الإيمان. ولكننا لا نستطيع أن نتحقق اسم صالح وقصة الناقة. ومما يستلفت النظر بالإضافة إلى ذلك أن قصتى صالح وهود تناقضان الدعوة المألوفة التى أتى

المصادر

بها محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فى سور العهد المكى (¬1) من حيث إنه قال إنه لم يرسل من قبله نبى إلى العرب (سورة القصص، الآية؛ 46 سورة السجدة، الآية 3؛ سورة سبأ، الآية 44؛ سورة يس، الآية 6). وقد وردت قصتا هذين النبيين فى أقدم السور المكية، مثل سورة النجم، الآية 50 وما بعدها، وسورة البروج، الآية 17 وما بعدها، وسورة الفجر، الآية 9، وسورة الشمس، الآية 11 وما بعدها؛ كما ترد كثيرًا فى السور التى تليها. المصادر: (1) تفاسير القرآن الكريم لسورة الأعراف. (2) المسعودى: مروج الذهب، طبعة باريس 1861 - 1877 م، جـ 3، ص 85 - 90. (3) الثعلبى: قصص الأنبياء، أو عرائس المجالس، القاهرة 1290 هـ، ص 58 وما بعدها. (4) Muhammed: Grimme, مونستر 1892 - 1895 م، جـ 2، ص 80 (5) L'Arabie avant Mahomet d'apres les inscriptions: Philippe Berger، باريس 1885. (6) ترجمة القرآن الكريم التى قام بها بالمر (The Sacred Books of the East) جـ 1، ص 147 وما بعدها. (7) Annali dell'Islam: Caetani مجلد 2، جـ 1 سنة 9 هـ الفصل 34. خورشيد [بول Fr.Buhl] تعليق على مادة "صالح" للأستاذ أمين الخولى - 1 - فى المادة كثير من الآيات، وبالمراجعة يتبين اختلاف رقمها عن رقم المصحف المصرى، بالرقمين والثلاثة زيادة *؛ وتتبعها يطول، فى غير كبير فائدة، فأكتفى بالإشارة إلى هذا الاختلاف. وبعض الآيات ليس فيها ما استشهد بها عليه كآية 43 من الذاريات، فإن الكاتب يسوقها بعد قوله: وناشدهم أن يذكروا آلاء اللَّه؛ والذى فى الذاريات عن ثمود هو: {وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ (43) فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ ¬

_ (¬1) انظر التعقيب فى نهاية هذا المقال. * تصحيح أرقام الآيات حسب المصحف الشريف طبعة الأزهر. "المحرر"

فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (44) فَمَا اسْتَطَاعُوا مِنْ قِيَامٍ وَمَا كَانُوا مُنْتَصِرِينَ} فلا شئ فيها من المناشدة التى يذكرها، إلا أن يكون ذلك على تكلف واضح فى عبارة {تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ}: وليس الحال على هذا الوجه، فى آية الأعراف -74 - التى ساقها مع الذاريات؛ إذ فى آية الأعراف {فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ}. وليس فى الأمر كبير خطر، ولكن الحقيقة تقدر لذاتها. . ثم فيها دلالة على مدى الدقة عند الكاتب. وقد تكررت عبارات من المستشرق "خرجت عن الحد" لما سبق بيانه غير مرة، من أن منهج البحث الموضوعى، القاصد إلى الدراسة فقط لا يتطلب شيئا ما من هذا التهجم؛ لأنه يحدث عن هذا النص، بما يشاء، ويلتمس فيه التناقض ويبين مخالفته للتاريخ، وأشباه ذلك من الإسراف أو الاعتدال، فلا حاجة به إلى مهاجمة عقيدة أصحابه فيه بأكثر من هذه الموضوعيات التى نعرف مدى حاجتها إلى التحرير والمناقضة. . . وفى الحق: إن هذه التعبيرات، التى لا مبرر لها، ولا مناسبة تتهم منهج الكاتب نفسه بالهوى، وتلفت إلى أنه لا يدرس الموضوع دراسة باحث عن الحقيقة، أو حتى دراسة ناقد متماسك، بل يتناوله تناول مفتون بهواه، مغلوب على أمره. . وتلك شر آفات المنهج. . . - 2 - يقول الكاتب "إنما الجديد فى الأمر هو أنه كان فيهم مرجوا قبل أن يزعجهم بدعوته. . . وإذا كان هذا الجديد يستند إلى حادثة تقابله فإن ذلك يكون زيادة هامة فى تاريخ محمد". . وهى عبارة غير جلية المراد، فى الأصل؛ ولعله يريد أن اعتراف قوم صالح بأنه كان قبل دعوته مرجوا فيهم صنف من قول المعادين لدعوات الأنبياء، لم يسمع كثيرًا من غير قوم صالح. وإذا كان هذا القول من قوم صالح يقابل حادثة فى حياة محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] مع قومه، فإن ذلك يقدم لنا زيادة من الضوء على تاريخ محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-]. . . وأحسب ان مراده هنا هو أن هذا

القصص من القرآن كان يجئ فى حوادث محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] مع قومه مثبتًا لفؤاده، وحاكيًا من حال الأنبياء السابقين ما يهون وقع الأحداث على الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] لأنها وقعت لغيره كذلك، وهو ما تشير اليه الآية 120 من سورة هود {وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ. . .} الآية فعلى هذا الأساس يمكن أن تفهم أن قول قوم صالح {قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا} يستند إلى قول أو حادث من قوم محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] مشابه لذلك، فيلقى ذلك ضوءًا على السيرة المحمدية. . هذا شئ يمكن أن يفهم من نص الكاتب الذى لم يتهيأ له الوضوح الكافى. - 3 - ويؤكد الكاتب بقوة أن البيوت التى نحتتها ثمود من الصخر ليست إلا قبورا، ويروى فرض أن تكون كلمة "كفرا" أى قبر الواردة فى نقوشها قد فسرت بالكفر، ضد الإيمان. ولا تظهر قوة الاتصال بين هذا الفرض، وبين كون بيوت ثمود الصخرية المذكورة فى آيات القرآن هى قصور أو قبور؛ إلا أن يكون ذلك بتكلف كثير. وإذا ما رددنا بعض قول القوم على بعضه وجدنا من كلامهم هم ما عبارته: وقد نحت فيها عدد كبير من الآثار الفنية بما فى ذلك قصر البنت وبيت الشيخ، وبيت الأخريمات [؟ ] ومحل المجلس والديوان كما نجد بعد ذلك أن من زار الحجر من زائريهم المقربين: "وجد أن هذه النحوت كلها، فيما خلا الديوان مقابر" ومع المقابر ديوان بقى حتى اليوم، ويمكن أن يكون ما أشارت اليه كلماتهم هم السابقة من القصر، والبيت، والمجلس، والديوان، قد رآها العرب أيام نزول القرآن، وهى التى حدثهم عنها؛ وهكذا لا يبدو وجه للاهتمام الكبير من الكاتب بتقرير أن هذه النحوت ليست إلا قبورًا؛ لأن بينها بالفعل بيوتا، ولأنه يمكن -فى قرب- أن يكون غير هذا الباقى من البيوت إلى الآن، قد كان موجودًا، وعنه حدث القرآن؛ ولا مفارقة فيما قاله على هذا. . . ولو قدر الدارس أن من معنى البيت فى العربية "القبر" وأن القرآن يذكر

لثمود قصورًا فى السهول، ثم يذكر معها البيوت فى الجبال فيقول: ". . . وبوأكم فى الأرض تتخذون من سهولها قصورًا، وتنحتون من الجبال بيوتا. . . " الأعراف/ 74 - . . لو قدر ذلك بان له أن ذكر القرآن البيوت بعد القصور يؤذن بأن تكون البيوت هنا معنى آخر من معانيها اللغوية، ولا غرابة فى أن تكون منحوتات ثمود فى الجبال، بعد قصور السهول هى المقابر التى يذكرونها. . ولا مفارقة بين ما يقوله القرآن، وبين ما يوجد من مقابر ثمود المنحوتة فى الجبال، لأنها البيوت فى قول القرآن. وليس فى هذه الفقرة، مع ذلك، ما يمهد لهجوم الكاتب بل إن فى صنيع القرآن، بذكر القصور، والبيوت معا، من الدقة ما يلفت إلى الفرق بينهما، ويؤيده أن تكون هذه المنحوتات فى الجبال بيوتا -أى قبورا- مع قصور السهول. - 4 - قال الكاتب: "ومما يلفت النظر علاوة على ذلك أن قصتى صالح وهود تناقضان دعوة محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] المألوفة. . أنه لم يرسل من قبله نبى إلى العرب: سور كذا وآيات كذا؛ فمسألة القبور والبيوت شبهة، ثم يلفت النظر علاوة عليها ما يذكره من التناقض! ! والكاتب هنا أكثر إخلالا بالمنهج، حين يقول "لم يرسل من قبله نبى إلى العرب" ويستشهد لدعوته المزعومة بآيات نضعها هنا ليبدو دخل الاحتجاج بها، فعند ذكر القصص/ 46 - والذى فيها {لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ}. وذكر سورة السجدة، والذى فيها {لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ}. وذكر سورة سبأ والذى فيها: {وَمَا آتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ}؛ والحديث عن قوم محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] حين تتلى عليهم الآيات البينات فيقولون: ما هذا إلا رجل يريد أن يصدكم. . وما هذا إلا إفك مفترى؛ وذكر يس وفيها {لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ}. وواضح من هذه الآيات أن الحديث ليس عن العرب بعموم هذا اللفظ الذى أخذ منه الكاتب ما سماه تناقضا، بل الحديث عن الجيل والقوم الذين جاءهم

محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، فى ثلاث آيات مما ذكره، وعن آباء هذا الجيل فى آية أخرى، وقوم محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وآباؤهم لم يأتهم نذير حقا. . ولا تناقض! ! ولو قدر الكاتب -وكان ينبغى أن يقدر- أن آية يس، لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم، قد فسرت -على وجه- بأن ما فى {مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ} مصدرية، أو موصولة، ومنصوبة على المفعول الثانى: لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم من العذاب "الكشاف 2: 247 ط محمد مصطفى" وعلى هذا التفسير لا تنفى الآية أن آباءهم قد جاءهم نذير، بل هى تفيد إثبات الإنذار بمعناه الذى يستعمله به القرآن! ! ولقد كان ينبغى بلا شك أن ينظر الكاتب فى هذا قبل أن يعقد التناقض الذى استلفت نظره، بل كان ينبغى -أو يتحتم- أن يرجع الكاتب إلى تفسير هذه الآية وغيرها فى أقرب التفاسير، كالكشاف فإنه أشبع القول فى هذا الموضوع، وكان مما قال: ولا مناقضة لأن الآى فى نفى إنذارهم، لا فى نفى إنذار آبائهم. .! ! ثم لم يكتف بهذا بل فرض أن الظاهر من تفسير الآية أن آباءهم لم ينذروا، وقال فى بيان عدم التناقض ما نصه: "أريد آباؤهم الأدنون دون الأباعد" الكشاف فى الموضع السابق. وأكثر من هذا إخلالا بالمنهج من كاتب المادة، أنه وهو الذى يتصدى للكتابة فى القرآن لا يعرف أن فيه غير آية تقرر أن العرب قد جاءهم المنذرون، مثل: {وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ} -فاطر/ 24 - والعرب بخاصة قد ذكروا، بأن هذه ملة إبراهيم أبيهم فى قوله: {مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ} الحج/ 78، فكيف ساغ للكاتب مع هذا كله أن يقول "تناقضان الدعوة المألوفة التى أتى بها محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فى سور العهد المكى من حيث إنه قال إنه لم يرسل نبى قبله إلى العرب. . .! ! وقد تلوت عليكم من الآيات المكية ما يقرر إرسال الأنبياء إلى العرب، وأن أحدهم أبو هذه الدعوة الإسلامية. ويزيد التبعة فى الإخلال بالمنهج، ما يقضى به الحق من التفكير فى التوفيق لو ظهر التخالف، قبل الجهر بتقرير

الملك الصالح

التناقض، فكيف وقد نظر له من قبله فى هذا التوفيق، على فرض التخالف السطحى، وبدا أن الأمر أخيرا لا موضع فيه لشئ من تناقض. ولقد أطلت فى هذا تذكيرًا لنا بالتبعة المنهجية، ووجوب الصبر على مطالب البحث، وعدم المسارعة المستخفة قبل الدرس الواجب. أما صرف الكلم عن مواضعه، وسوء الرأى، فى الموضوع المدروس فذلك ما نعيذ قومنا منه دائما. أمين الخولى الملك الصالح صلاح الدين حاجى ابن الملك الأشرف شعبان من بيت السلطان قلاوون، وقد ارتقى العرش سنة 783 هـ (1381 م)، عقب وفاة أخيه على وهو بعد غلام فى السادسة من عمره، وما انقضى على ارتقائه بضعة أشهر حتى خلعه الأتابك برقوق فى التاسع عشر من رمضان سنة 784 هـ (26 نوفمبر سنة 1382)، ذلك أن السلطنة كانت فى حاجة إلى أن يحكمها رجل لا غلام، ورُدّ حاجى إلى الحريم ونودى ببرقوق سلطانًا تنفيذًا لما اتفق عليه من قبل. وأعيد تنصيب حاجى سلطانًا سنة 791 هـ (1389 م)، وكان قد بلغ الثالثة عشرة وقتئذ، إلا أن الأتابك يلبغا أساء معاملته ولم يسمح له بالتدخل فى شئون الحكم. وقد روى عنه أنه عين خياطه خياطًا للبلاط وخلع عليه كسوة من كساوى التشريف. وقد سرقت هذه الكسوة من الخياط، ثم ضرب وألقى به فى السجن، وإنما أطلق سراحه أحد كبار الأمراء بعد جهد جهيد. وغضب السلطان غضبًا شديدًا من المعاملة الشائنة التى كان يعامله بها يلبغا؛ بل إن يلبغا اشتط فى ذلك فأبعد عنه مماليك أبيه وخصيانه وحجابه، وقرت عينه حين عاد منطاش فتولى الحكم مرة أخرى، وأتاح له من الحرية قدرًا لم يكن ينعم به من قبل. ولما بدأ منطاش من بعد يشن الحملة على برقوق فى الشام صحب معه الخليفة والسلطان ليدلل على شرعية الحرب التى شنها على هذا الثائر، بيد أنه ثبت أن هذه الخطوة لم تكن فى مصلحته. ومنى برقوق بالهزيمة فى الموقعة

المصادر

الفاصلة، إلا أنه استولى على الفسطاط الذى كان يقيم فيه الخليفة والسلطان والقضاة لعدم كفاية الحراسة التى أقيمت عليه، ومن ثم تم له النصر، زد على ذلك أنه انتصر فى الوقعة التى نشبت من بعد. وأسرع بأسراه ذوى الشأن إلى القاهرة، على حين كان أحد أنصاره، وهو الأمير بطا، قد استولى على القلعة ونادى به سلطانًا فى صلاة الجمحه. ثم عزل الخليفة حاجى عن العرش بأمر من برقوق، وأفرد له مكانا يقيم به فى القلعة، ولكن برقوقًا راح يحسن معاملته ويكثر من زيارته؛ وقد كف برقوق عن هذه الزيارات من بعد، ذلك أن حاجى، وكان غليظ القلب، أساء معاملة إمائه وكان يأمر بأن تعزف الموسيقى وتنشد الأناشيد حتى لا تسمع صياحاتهن. وقد ألف أيضًا شرب الخمر واخذ يمطر برقوقا بوابل من الإهانات كلما زاره، وانتهت أسرة قلاوون العظيم بهذا الوريث الإمَّعة. المصادر: (1) Gesehichte de Chalifen: Weil جـ 5، ص 538 - 540 و 556 - 571. (2) المنهل الصافى، باريس، المخطوط العربى رقم 2068 - 2073. صبحى [سوبرنهايم M.Sobernheim] الملك الصالح صلاح الدين صلاح ابن السلطان محمد الناصر من بيت قلاوون، وقد نصب سلطانًا وعمره أربعة عشر عاما بدلًا من أخيه حسن، على إثر خلاف نشب بين المماليك سنة 752 هـ (1357 م)؛ ولم ينته الشقاق بين الأمراء فى عهده. وكان من العوامل ذات الشأن فى ذلك أيضًا الخلاف الدائم بين حكام الولايات الشآمية وأعيان البلاط فى القاهرة، وقد استطاع بفضل هيبته إبان حملته على الشام أن يسحب هؤلاء الحكام من صفوف الثوار وأن يوقع الهزيمة بهم. ومن ثم نشب الخلاف من جديد بين أحزاب القاهرة. وقد حال انغماسه فى اللذات بينه وبين تولى شئون الحكم بنفسه حتى يحول دون سيطرة أى أمير من الأمراء وأتباعه على الحكم، ولذلك وقع فريسة لدسائس الأمراء، وخلع عن العرش سنة 755 هـ

المصادر

(1354 م)، ودعى أخوه حسن لارتقاء العرش مرة أخرى. المصادر: (1) Gesch. der Chalifen: Weil جـ 5، ص 490 - 499. (2) المنهل الصافى باريس، المخطوط العربى 2068 - 2073 تحت مادة "الملك الصالح صالح" صبحى [سوبرنهايم Sobernheim] الملك الصالح عماد الدين إسماعيل ابن السلطان محمد الناصر من بيت قلاوون، نصب سلطانًا وعمره 17 سنة بعد عزل أخيه أحمد (743 هـ = 1342 م)، وكانت قسوته قد أثارت غضب الأمراء عليه، وعد عماد الدين شابًا فاضلا تقيًا، إلا أنه وقع من بعد تحت تأثير حريمه اللائى كنَّ وبالا عليه، ذلك أنه بعد أن أقام العمال الجدد فى المناصب الإدارية الكبرى فى الولايات، شرع فى وضع حد لدسائس أخيه رمضان، وسرعان ما قبض عليه وقتله، ثم راح يقاتل أخاه أحمد فى الكرك، واقتضاه ذلك جهدًا كبيرًا ونفقات طائلة أنفقها على الجيش؛ وحاول أن يكسب البدو الذين يقيمون فى تلك النواحى إلى جانبه حتى يتعذر على أحمد الحصول على المؤن، إلا أن يقظة أحمد أحبطت هذه المحاولة؛ وقد خشى إسماعيل من ناحية أخرى أن يفقد العون الذى كان ينتظره، ذلك أن وزيره نفسه كان يفاوض أحمد سرًا. وفى مستهل سنة 744 هـ (1344 م) نصب أميرًا آخر وزيرًا وأنفذ حملة على الكرك، واستطاع بهذه الحملة أن يستولى على المدينة وعلى القلعة جميعًا عندما بلغته النجدات فى مستهل سنة 745 هـ. ووقع أحمد فى الأسر، ثم خنق فى سجنه بعد ذلك ببضعة أيام. واستنفد إسماعيل فى قتاله مع أحمد كل وقته وموارده حتى أهمل كل شئ عدا القتال؛ وقد صرف كل وقته وقوته فى الحروب التى شنها على إخوته وفى الانغماس فى الملذات. وكان البلاط ينفق نفقات باهظة حتى قلت موارد الدولة، وكثيرًا ما افتقر إلى المال اللازم للحملات العسكرية الضرورية. واستغل أعداء دولة المماليك الألداء

المصادر

ضعف هذا السلطان وهم: أمير مكة واليمن وأمراء آسية الصغرى، وشيوخ البدو فى شمالى الشام، فثاروا على ولاتهم الذين يحكمون أراضيهم تحت سيادة السلطان. على أن سيادة الخليفة والسلطان ظلت على ما هى عليه فى الشرق الأقصى والهند. وقد أرسل محمد بن طغلق صاحب دلهى مبعوثا إلى الخليفة يسأله أن يوليه مقاليد الأمر فى المدينة، وأعلن أنه من أتباع السلطان، كما طلب أن يرسل إليه بعض المتفقهين فى الشريعة ليزيدوا رعاياه معرفة بمبادئ الإسلام، فأجيب إلى طلبه عن طيب خاطر؛ وتأثر السلطان إسماعيل غاية التأثر بقتاله لأحمد وقتله حتى إنه لم يستطع أن يشفى من هذه العلة، وأدركته المنية سنة 746 هـ (1345 م) بعد أن مرض شهرين، ولم يكن إذ ذاك قد جاوز العشرين. المصادر (1) Geschichte d.Khalifen: Weil جـ 4، ص 452 - 461. (2) المنهل الصافى، باريس، المخطوط العربى، رقم 2068 - 2073 تحت مادة "الملك الصالح إسماعيل". صبحى [سوبرنهايم Sobernheim] الملك الصالح عماد الدين إسماعيل ابن السلطان الملك العادل أبو بكر بن أيوب، ولد سنة 598 هـ (1202 م) ولم يذكر اسمه فى تقسيم الأراضى التى وزعها أبوه بين إخوته، وإنما ورد ذكر اسمه للمرة الأولى سنة 623 هـ (1226 م) نصيرًا لأخيه الملك المعظم عيسى، وقيل إنه أمير بصرى. وتوفى المعظم فوصل عماد الدين حبله بالملك الناصر داود، وكثيرًا ما نجده يقاتل إلى جواره. فقد صحبه فى الوقعة التى جرت بدمشق سنة 626 هـ (1229 م)، وأكره داود على التسليم فترك عماد الدين وفى حوزته إقطاعه بصرى. ونجده فى السنة التالية فى خدمة أخيه الملك الأشرف موسى الذى أنفذه لحصار بعلبك ونيط به أن ينتزعها من الملك الأمجد بهرام شاه. وأكره إسماعيل الملك الأمجد على

المصادر

التسليم بعد حصار دام طويلا، وتوفى أخوه موسى سنة 635 هـ (1237 م) فورث دمشق وراح يقوم بدور أعظم شأنا، وإن كان قد اتضح من بعد أن دوره فى ذلك كان بغيضًا. ووجد إسماعيل من الأسباب ما يدعوه إلى الخوف من أخيه الملك الكامل سلطان مصر فعقد حلفًا مع الأمراء الأيوبيين فى الشام (فيما عدا أمير حماة). ثم تأهب للحصار، إذ جاءته الأنباء بتقدم الكامل وابن أخيه داود؛ ولم تجده مقاومته إلا قليلا. وسرعان ما أكره على تسليم دمشق، وعوض عنها ببعلبك والبقاع وبقيت له بصرى أيضًا. وقد ارتبطت بقية حياته ارتباطا وثيقًا بحياة كل من ابنى أخيه الملك الصالح نجم الدين أيوب، والسلطان الملك الناصر يوسف الثانى حتى ليجمل بنا أن نحيل القارئ على سيرتهما. وقتل اسماعيل فى القاهرة سنة 648 هـ (1250 م) وهو يقاتل السلطان يوسف فى وقعة عباسة التى نشبت بينه وبين المصريين، وكثيرًا ما تحالف مع الخوارزمية والفرنجة لا لسبب إلا إرضاء أطماعه وحبه للسلطان هما كان له أسوأ الأثر على رعاياه وإخوانه المسلمين. المصادر: انظر مادة، الملك الصالح نجم الدين أيوب. صبحى [سوبرنهايم Sobernheim] الملك الصالح نجم الدين أيوب: أكبر أبناء الملك الكامل محمد بن الملك العادل أبى بكر ابن أيوب، ولد سنة 603 هـ (1207 م). وقد أوصى له أبوه بالملك سنة 625 هـ (1228 م) وجعله نائبًا له فى مصر وهو غائب فى الحملات التى شنها على الشام. وفى هذه الأثناء (ربيع الأول سنة 626 هـ = فبراير سنة 1229 م) كان الكامل قد تخلى عن بيت المقدس للإمبراطور فريدريك مدة عشر سنوات. واضطربت العلاقات بين أيوب وأبيه سنة 628 هـ (1231 م) بسبب وشايات إحدى زوجات الكامل التى كانت تريد ولاية مصر لابنها العادل أبى بكر، ذلك أنها اتهمت أيوب فى خطاب بأنه سعى

إلى عرش مصر، وأبوه لا يزال على قيد الحياة، إذ جند لذلك أكثر من ألف من مماليكه. واطمأن بال الكامل بالصلح الذى عقده مع الإمبراطور، فعاد إلى القاهرة ليتولى زمام الأمور بنفسه مرة أخرى. وفى سنة 629 هـ (1232 م) حملته الظروف السياسية (تقدّم التتر والخوارزمية إلى حدود الإمبراطورية) على الشخوص إلى الشام وعقد لواء الجيش لأيوب حتى يبعده بهذه الوسيلة عن مصر. وحقق الكامل الهدف من حملته هذه بالاستيلاء على بلاد ما بين النهرين بوصفها حصنا حصينًا يدفع غائلة التتر والخوارزمية، وأقطع ابنه أيوب حصن حيفا، ثم عاد فمنحه سنة 633 هـ (1236 م) مدينة الرها Edessa وحرّان اللتين كان قد فتحهما. ولا شك أن موقف أيوب من التتر والخوارزمية لم يكن بالموقف السهل. وقد حالف أيوب الخوارزمية وألحقهم بخدمته بإذن من الكامل. وتلقى سنة 635 هـ (1238 م) حكم سنجار ونصيبين بالإضافة إلى أملاكه الأخرى. وظل أيوب سيد الشرق قيد الحياة ما بقى الكامل على قيد الحياة، ولم يجرؤ أحد على مهاجمته، على أن هذه الحال تبدلت عندما توفى الكامل فى السنة نفسها (635 هـ) فى دمشق التى كان أخوه الملك الصالح إسماعيل قد تنازل له عنها قبل ذلك بشهرين نظير بعلبك وبصرى. ونودى بالملك العادل الثانى فى القاهرة خليفة للكامل، ونصب الملك الجواد يونس واليًا على دمشق من قبله؛ وقد تلقى أيوب الأنباء بوفاة أبيه وهو يحاصر الرحبة، فرفع من فوره الحصار ولكنه لقى مقاومة من الخوارزمية الذين كانوا فى خدمته، وقد استشاطوا غضبا لخوفهم من أن تفلت منهم الغنيمة، وكانوا على وشك القبض عليه فاضطر إلى الهرب، وكذلك حاول سلطان الروم: غياث الدين أن يأسره فحاصر آمد وقسم المدن التى كان أيوب قد استولى عليها بين أمراء الشام وأمراء بلاد ما بين النهرين حتى قبل أن يستولى عليها. وكان لؤلؤ حاكم الموصل من أعداء أيوب أيضًا، فحاصره فى سنجار حيث

كان أيوب قد لجأ إليها، وأنقذ أيوب من هذا الموقف الخطر تدخل القاضى الجليل المقام الذى كفل له عون الخوارزمية، واستطاع بفضل ذلك أن يرفع الحصار عن سنجار، وأن يوقع هزيمة منكرة ببدر الدين لؤلؤ، ثم رفع الحصار عن آمد، وهزم سلطان الروم هزيمة ماحقة، وبذلك كفل لنفسه بلاد ما بين النهرين وفى السنة التالية (636 هـ) عرض عليه الملك الجواد والى دمشق أن ينزل له عن دمشق فى نظير سنجار أو الرقة وعانة، ذلك أن الملك الجواد لم يكن يحس بالأمن على مركزه حيال العادل سلطان مصر. فسلم أيوب أملاكه الشرقية إلى ابنه المعظم توران شاه فى حين منح الخوارزمية حران والرها وولاية الجزيرة. وهنالك قبل دعوة الجواد وشخص إلى فلسطين على رأس جيشه واحتل دمشق. وقرر السلطان العادل وداود أمير الكرك أن يمتشقا الحسام لقتاله، ولكن نفرًا من الأمراء تخلوا عن السلطان الذى جلب على نفسه سخط الشعب بسبب حبه للملذات، واستقر رأيه على أن يلحق بأيوب. وعرض داود بنفسه أن يعاونه بشرط أن يعطى دمشق، ولكن أيوب رفض عرضه فعاد إلى العادل. وأحس الخليفة أنه مهدد دائما من قبل التتر والخوارزمية، فأخذ يهتم اهتماما كبيرا بالمحافظة على السلام وتقوية سلطان الأيوبيين بوجه عام، وأوفد مبعوثا إلى أيوب يفاوضه فى الصلح، ولكن المبعوث عاد يجر ذيول الخيبة، وغادر أيوب دمشق سنة 637 هـ (1240 م) فى خمسة آلاف رجل، وذهب إلى نابلس ليتأهب هناك للحملة على مصر، وقد حاول أيضا الحصول على مؤازرة عمه إسماعيل الذى تظاهر بالموافقة ثم خدعه برسائل كاذبة (انظر Baalbek zu islam ischer zeit: Sobernheim، ص 9 من الطبعة الثانية؛ والرواية التى وردت فى المقريزى، ترجمة Blochet؛ ص 445 أبو الفداء، حوادث سنة 637 هـ). ولكن إسماعيل عقد اتفاقا سريًا مع أمير حمص، وأغرى جنود أيوب بالوعود حتى يتخلوا عنه ويوافوه إلى دمشق، وترك أيوب آخر الأمر وحيدًا أو

يكاد. وفى هذه الأثناء كان أمير الكرك قد تشاجر مع السلطان العادل مرة أخرى، وبدأ يتفاوض مع أيوب، فلما علم أن أيوب يكاد يكون وحيدا بلا نصير فى نابلس، شخص إليها هو وجيشه وأسره وبعث به إلى الكرك، وأحسن معاملته ورفض أن يسلمه إلى أخيه العادل. وكانت المعاهدة التى عقدت بين العادل وفريدريك الثانى بشأن احتلال بيت المقدس قد انتهى أجلها آنذاك. وآنس داود من نفسه القدرة على انتزاع المدينة من الفرنجة عنوة، وكانوا غير راغبين فى تسليمها طوعا، وأفلح فى الاستيلاء عليها بعد أن حاصرها واحدًا وعشرين يوما، وتم له ذلك فى جمادى الأولى سنة 620 هـ (2 فبراير سنة 1222 م)؛ ودمر داود حصونها التى كان الفرنجة قد أعادوا بناءها إبان الشهور الأخيرة من احتلالهم لها. وبدأ الحظ يحالف أيوب، فقد جرت مفاوضات طويلة بين داود وإسماعيل والعادل على التحالف، إلا أنها لم تسفر عن نتيجة، ومن ثم عقد اتفاق بين أيوب وداود بفضل وساطة أمير حماه، وأفرج عن أيوب فى شهر رمضان من السنة نفسها، وذهب مع داود إلى بيت المقدس حيث عقدا معاهدة صلح، قضت بأن تصبح مصر من نصيبه، والشام والولايات الشرقية من نصيب داود. وكان اتحاد الأميرين بطبيعة الحال مدعاة لأن يستبد القلق الشديد بالعادل، فأقنع إسماعيل أمير دمشق بأن يمتشق الحسام فى وجه هذين الحليفين، على حين شخص هو نفسه إلى بلبيس على رأس جيش. وكان السخط قد دب فى صفوف فريق من المماليك يقال لهم: الأشرفية (نسبة إلى الأشرف موسى عم العادل) فخلعوه عن العرش وأرسلوه أسيرًا إلى قلعة القاهرة، ثم عرضوا عرش البلاد على أيوب بعد شئ من التردد وطلبوا منه أن يأتى فورًا إلى بلبيس؛ فذهب أيوب وداود إلى مصر لتوهما ولقيا خالص الترحيب من الأمراء أينما حلا، وبعد أن احتل أيوب القاهرة نودى به حاكما فى خطبة الجمعة وأيد الخليفة ذلك من بعد بمرسوم. وظل العادل سجينا فى القلعة ولم يقتل إلا سنة 645 هـ (1247 م) عندما رفض أن ينتقل إلى حصن

الشوبك إطاعة لأمر السلطان؛ ومن ثم استتب الأمر لأيوب فى مصر؛ أما فى الشرق (بلاد ما بين النهرين) فإن ابنه توران شاه كان يحمى مصالحه. وأما العضو الثالث أمير دمشق، فقد كان لا يزال عازفا عن أن يسلمه دولة صلاح الدين كلها تقريبا مرة أخرى. ومن ثم لم يسلم إلى داود الذى لا يؤتمن، الأراضى الممتدة بين مصر والشام التى كان قد احتلها، ولم يسلمه أيضا الشوبك وبيت المقدس، بل أعلن أنه قد أكده على توقيع معاهدة بيت المقدس إكراهًا؛ على أنه تفادى قيام خلاف سافر ووعده بدمشق على أن يستقل بملكها بعد أن يفتحاها معًا؛ وفى السنة التالية (638 هـ = 1240 م) انشغل أيوب بتوطيد دعائم حكمه فى مصر، فأخمد فتنة أشعلها البدو فى مصر العليا، وعمل على القبض على الأمراء الذين لم يكن يثق بهم واحدًا بعد واحد، وأعطى إقطاعياتهم إلى مماليكه؛ وهنالك بدأ يقيم العمائر على جزيرة النيل الحالية، جزيرة الروضة، وكانت آنذاك لا تزال شبه جزيرة. وكانت تلك العمائر هى قصره، وثكنات مماليكه الذين يسمون المماليك البحرية والذين أطلق اسمهم على أول أسرة للمماليك. ونشب القتال بين أيوب وأعدائه فى العام نفسه؛ وأدرك داود أنه لن يحصل منه على أى مزيد من الأرض، وشعر إسماعيل بحق أنه مهدد حين سعى أيوب إلى امتلاك دمشق؛ أما فى الشرق، فقد كان لؤلؤ أمير الموصل قد تلقى النجدات وانتزع آمد من توران شاه بن أيوب، فلم يبق لتوران شاه إلا حصن كيفا وقلعة الهيثم، ثم عقد إسماعيل وداود حلفًا مع الفرنجة تنازلا فيه لهم عن طبرية وشقيف أرنون وصفد، وسمحوا لهم بأن يشتروا الأسلحة من دمشق، وتوثقت العلاقات بين زعماء المسلمين والنصارى حتى كان كل فريق منهم يسدى الخدمات الكثيرة للآخر، ومن ثم سلم الفرنجة الأمير الجواد، وكان قد لاذ بهم، إلى إسماعيل نظير مبلغ من المال، ولم يلبث إسماعيل أن قتله. وأنذر داود وإسماعيل بدورهما الفرنجة بتمرد الأسرى المسلمين فى شقيف أرنون،

ولذلك نقل الفرنجة هؤلاء الأسرى إلى عكا وقتلوهم هناك، ومن ثم سارت جيوش الفرنجة وإسماعيل فى حملة على أيوب؛ والتقى الجيشان فى موضع بين غزة وعسقلان، بيد أن جيش المسلمين انضم إلى أيوب فلحقت الهزيمة بجيش الفرنجة، وخسر كثيرا من الأسرى فاستخدموا فى إقامة العمائر بجزيرة الروضة فى القاهرة، على أن هؤلاء الأسرى أطلق سراحهم بمقتضى معاهدة صلح أبرمت فى السنة نفسها، وكانت المعاهدة مرضية للفرنجة إلى حد كبير، فقد سمح لهم بأن يحتفظوا بأملاكهم فى فلسطين والشام. وظل أيوب بضع السنوات التالية بعيدًا عن الشام، على حين نشب قتال ضيق النطاق بين داود والفرنجة، اتسم بالقسوة البالغة؛ وفى سنة 641 هـ (1243 م) كانت المفاوضات تجرى بين أيوب وإسماعيل، وكان من مقتضى هذه المفاوضات أن يفك إسماعيل إسار الملك المغيث بن أيوب، وأن ينادى بأيوب سلطانًا فى خطبة الجمعة، غير أن المفاوضات فشلت عندما علم إسماعيل أن أيوب يحرض الخوارزمية عليه سرًا، وقبل أن ينصرم هذا العام، كان إسماعيل وداود قد عقدا حلفًا وثيقا مع الفرنجة، وتنازلا لهم عن أجزاء كبيرة من فلسطين وبيت المقدس والأراضى الإسلامية المقدسة هناك. وكتب على داود، عدو النصارى اللدود، أن يسمع القداس يتلى فى قبة الصخرة والأجراس تقرع فى الجامع الأقصى. واستنجد أيوب بالخوارزمية ليعينوه على هؤلاء الحلفاء فجاءوا فى العام التالى (642 هـ) واحتلوا بيت المقدس إلى حين وأشاعوا فى ربوعه أبشع الدمار؛ وأنفذ أيوب جيشًا من القاهرة لمعاونة الخوارزمية، وأنفذ اسماعيل بدوره جيشًا إلى الفرنجة انضم إلى صفوفهم، والتقى الجيشان فى غزة فى موقعة رهيبة أحرز فيها الخوارزمية والمصريون نصرًا مبينا. وكانت غنائم الخوارزمية مما لا يحصيه العد، واستطاع الجيش المصرى إثر هذا النصر أن يفتح بيت المقدس وفلسطين مرة أخرى، وبقيتا فى أيدى المسلمين حتى سنة 1918، ولقد استطاع داود أن يحتفظ بالكرك والصلت وعجلون،

وحاصر المصريون دمشق، بيد أنها ثبتت لحصارهم طويلا، ولم يستسلم إسماعيل إلا فى السنة التالية (643 هـ = 1245 م)، وسلم دمشق واقتصر على بعلبك وبصرى والنواحى التابعة لهما، وانتظر الخوارزمية أن يجزل لهم العطاء لقاء هذه الانتصارات، إلا أن ما استولوا عليه لم يرضهم، فدخلوا فى خدمة إسماعيل وداود وحاصروا دمشق باسمهما، وكان يدافع عنها قائد من قواد أيوب ظل صامدًا حتى مستهل سنة 644 هـ (1246 م). وأراد أميرا حلب وحمص أن يضعا حدا لإرهاب الخوارزمية، ولم يكونا يعطفان فى ذلك الحين على أيوب إلا عطفا قليلًا، فأنفذا جيشهما فى حملة على الخوارزمية، ومن ثم أضطروا إلى رفع الحصار والمضى للقاء جيش حلب، وفى وقعة قصب، منى الخوارزمية بهزيمة منكرة، فقد قتل أحد قوادهم، ولاذ آخر بأذيال الفرار. ولجأ إسماعيل إلى حلب ونعم بحماية واليها: يوسف الثانى، إلا أنه خسر بعلبك التى استولى عليها أيوب، واخذ أبناؤه وزوجاته إلى مصر أسرى. وكذلك حرم داود جميع ممتلكاته فيما عدا الكرك، ولجأ هو أيضا إلى حلب، ونصب ابنه نائبا عنه، وكان والى حلب لا يثق أبدا بأيوب، فحاول أن يؤمن نفسه من أية حملة قد يشنها أيوب بحمل الأشراف على أن يسلمه حمص سنة 646 هـ (1248 م) بعد أن حاصر المدينة شهرين. واستبد الغيظ بأيوب فشخص إلى دمشق ليقاتل يوسف الثانى، وأنفذ أحد قواده إلى حمص لينتزع المدينة من الأشرف. وعند بلوغه دمشق علم بوصول الصليبيين الذين كان لويس التاسع قد قادهم فى حملة على دمياط، ودعاه هذا إلى أن يعقد معاهدة صلح فى الحال مع يوسف موسطا فى ذلك الخليفة، وبالرغم من اشتداد وطأة المرض عليه، فقد شرع فى العودة محمولا على محفة، وبلغ الأشمونين بعد ذلك بقليل. ولم يستطع أن يحول بين الصليبيين وبين النزول إلى البر والاستيلاء على دمياط، ذلك أن الفساد كان قد بدأ يتطرق إلى النظام فى جيشه بسبب مرضه، وهربت قبيلة كنانة

المصادر

البدوية، التى نيط بها حراسة المنطقة، هروب الجبناء الرعاديد، إذ دخل فى روعهم أن جيوش السلطان قد تخلت عنهم. وأثلج صدر أيوب، قبل أن توافيه منيته بقليل، ما سمعه من أن أولاد داود الكبار قد انتابهم السخط لانتقال السلطان فى الكرك إلى أخيهم الصغير، فهاجموا أخاهم هذا وأخذوه أسيرًا، وقرروا تسليم مقاليد الأمور إلى أيوب بدلًا منه، فأنفذ أيوب فى الحال أحد أمرائه على رأس جيش ليستولى على الحصن. وتوفى أيوب فى الخامس عشر من شعبان سنة 647 هـ (23 من نوفمبر سنة 1249 م). وكان أيوب سياسيًا ولكنه لم يك قائدًا؛ فقد كان على الأقل لا يقود جيشه بنفسه إلا نادرًا. وكان أكبر ما يطمح إليه إنشاء دولة كدولة صلاح الدين والكامل تتألف من مصر وفلسطين والشام وبلاد ما بين النهرين. وفى أواخر عمره كان قد حقق جزءًا كبيرًا من حلمه، إلا أن إمارة حلب المستقلة وإمارة الموصل لم تكونا خاضعتين لنفوذه. وقد قوى مركزه بإنشاء فرقة من المماليك، وهو إجراء أملته عليه الضرورة فى ذلك الحين، إلا أنه أدى كما حدث فى كثير من الحالات المماثلة لذلك، إلى سقوط دولته آخر الأمر وكان هو نفسه يكبح جماح أمرائه وعماله فلم يكونوا يجرؤون فى حضرته على الكلام دون أن يبدأهم هو بالكلام، وكان يهتم اهتماما عظيما بإقامة العمائر، بل لقد كان ذلك يقع منه وقع المتعة يفرط فيها المرء ويبالغ. وكانت قصوره فى شبه جزيرة الروضة بالنيل وفى الكبش، ومدرسته، ذائعة الصيت فى تلك الأيام. وقد أنشأ مدينة الصالحية ثغرًا للدفاع عن حدود مصر. المصادر: Geschichte der Chalifen: Weil، جـ 3. صبحى [سوبرنهايم M.Sobernheim] الملك الصالح نور الدين إسماعيل من بيت زنكى، وابن أتابك حلب ودمشق؛ وقد خلف نور الدين بن زنكى أباه على العرش سنة 569 هـ (1173 م)، وعمره أحد

عشر عامًا؛ وكان قد احتفل بختانه قبل ذلك ببضعة أسابيع احتفالا عظيما، وزعت فيه الصدقات على الفقراء فى سخاء عظيم؛ وذكر اسمه فى خطبة الجمعة وضربت به السكة بلا معارضة من الأمراء فى دمشق وحلب أو من صلاح الدين. وإنما انتهز ابن عمه سيف الدين الغازى هذه الفرصة فاحتل بجيشه مدن الجزيرة التابعة لنور الدين، وكان سيف الدين على وشك القدوم إلى نور الدين بجيش كان نور الدين ينوى أن يستخدمه فى قتال صلاح الدين، وظن الفرنجة أيضًا أن الفرصة قد سنحت لهم فحملوا على حصن بانياس، ووجد الأمراء أنفسهم فى هذه الظروف العصيبة بين أمرين إما الاستنجاد بصلاح الدين أو الاتفاق مع العدو، فاتفقوا مع العدو وتركوا لسيف الدين الغازى ما غنمه من فتوحات وبينوا للفرنجة بأنهم سوف لا يفلحون إلا فى إيغار صدر صلاح الدين دون مبرر؛ وكان صلاح الدين إذ ذاك قد أخمد فتنة قامت فى مصر ولم يعد لديه من الأسباب ما يحمله على خشية نور الدين، ونال الفرنجة بالإضافة إلى ذلك، تعويضًا منهم ثم انسحبوا. وكان من أثر التحالف مع الغازى أن انتقل مركز الحلف إلى حلب وحمل إليها إسماعيل فى أمان، وتولى بعض الرجال القادرين الولاية والحكومة، وبذلك ضعف نفوذ أمراء دمشق فاستنجدوا بصلاح الدين، وكان صلاح الدين قد استشاط غضبًا لما بدا من ضعف الأمراء أمام الفرنجة والاستسلام للغازى فكتب إلى إسماعيل خطابًا لامه فيه أشد اللوم لأنه لم يستنجد به. وكما حدث من قبل أن اضطر نور الدين إلى بذل الجهد للاستيلاء على دمشق بدلا من أبق البورى الواهن العزم كذلك لم يجد صلاح الدين بدا من أن يقبض بيده على زمام الأمور، واستمر من الناحية الرسمية يعلن أنه التابع المخلص لإسماعيل. وبلغ صلاح الدين دمشق، ولكن القلعة لم تسلم إليه، وإنما سلمها إليه ريحان أحد خصيان اسماعيل بعد مفاوضات دامت بضعة أشهر عندما أعلن صلاح الدين مرة أخرى أنه تابع إسماعيل المخلص؛ ولم يصل صلاح الدين إلى اتفاق تام مع إسماعيل، بل إن

الأمر كان على نقيض ذلك إذ أن حكومة حلب كانت تفاوض الفرنجة سرًا. وصح عزم صلاح الدين على الحرب، فاستولى حماة وحمص، وفى جمادى الآخرة سنة 570 هـ (أواخر سنة 1174 م) شرع يحاصر حلب، ولكن الغازى استنجد بكمشتكين بوصفه حليف إسماعيل فأنفذ كمشتكين جيشًا انضم إلى جيش حلب وتقدم صوب حماة وهدد مؤخرة صلاح الدين؛ ولكن إسماعيل الذى لا تنكر عليه التحلى ببعض المواهب الطبيعية، استحلف أهل البلاد أن يدفعوا عنه، وهو اليتيم، ما وسعهم الدفاع بحق ما كان لأبيه من أفضال عليهم، وتأثر أهل حلب بندائه فدافعوا عن المدينة بشن الهجمات لفك الحصار وثبتوا فى القتال هذه المرة وفى مرات أخرى من بعد. والحق أن أهل حلب تميزوا دون أبناء الشام بأنهم أظهروا فى كثير من الأحيان شعورًا بالاستقلال وشيئا من الاعتزاز بانتسابهم إلى هذه المدينة. وأبدى كمشتكين، قائد حلب، فى قتاله صلاح الدين من البسالة قدر ما أبداه من انعدام الضمير، حتى أنه طلب من سنان، زعيم الحشاشين أن يبعث إليه بسفاحيه المشهورين ليجهزوا على صلاح الدين، إلا أنهم لم يفلحوا فى اغتياله ولقوا حتفهم فى هذه المحاولة. ولم يقف كمشتكين عند هذا الحد بل اشتط فأطلق سراح الكونت رايموند أمير طرابلس، وكان سجينًا فى حلب، وحرضه على مهاجمة حمص؛ وفى هذا الموقف العصيب أعلن صلاح الدين أنه على استعداد لتسليم حمص وحماة بشرط أن يسمح له بالاحتفاظ بدمشق بوصفه واليًا عليه من قبل إسماعيل، وبلغ من حماقة الغازى أنه رفض هذا العرض، إذ كان يعتمد على أخيه عماد الدين زنكى الثانى فى مده بالمعونة، ولكن عماد الدين لم يهبّ إلى نجدته لأنه كان على صلة طيبة بصلاح الدين، والتقى جيش صلاح الدين وخصومه فى حماه، وانتصر انتصارًا مبينًا قرر مصير الشام، وحاصر حلب للمرة الثانية، وشدد عليها النكير هذه المرة وحمل إسماعيل على عقد الصلح فى شهر شوال سنة 570 هـ (1175 م) واحتفظ بحماة وحمص ودمشق وبعض

البلاد الكبيرة الأخرى، ولم يبق لإسماعيل إلّا حلب، وكان لهذا النصر شأنه العظيم، فقد أعلن صلاح الدين استقلاله عن إسماعيل وأسقط اسم إسماعيل من خطبة الجمعة ومن السكة؛ ولم ينقض على ذلك وقت طويل حتى وصل مبعوث من الخليفة العباسى المستضئ إلى حماة وقدم إلى صلاح الدين براءة السلطنة على مصر والشام وكسوة من كسى التشريف المألوفة؛ وفى السنة التالية (571) نشب القتال بين صلاح الدين والأمراء من بنى زنكى، وعلى إثره حاصر صلاح الدين حلب مرة أخرى، وكان ذلك فى ذى الحجة من السنة نفسها، ولكن حامية المدينة وأهلها المدنيين دافعوا عن أنفسهم دفاعا غاية فى إلبسالة حتى أكره على الانسحاب وعقد صلحًا نهائيًا فى مستهل سنة 572 هـ (يوليه 1175 م) أيّد به نصوص المعاهدة التى عقدت من قبل، على أنه حدث بعد ذلك بوقت قليل أن تنازل صلاح الدين لإسماعيل عن قلعة عزاز بناء على طلب أخته الصغيرة. ومن ثم استتب السلام بين صلاح الدين وإسماعيل، بل إن مصدرًا من المصادر يقول إن صلاح الدين كان قد انتوى معاونة إسماعيل على أن يسترد ما كان له من سلطان كبير لولا أن مماليكه أثنوه عن عزمه هذا. ويبدو أن إسماعيل رضى كل الرضا عن تثبيته فى ملك حلب؛ ومن حملاته العسكرية الأخرى التى تستحق الذكر حملة شنها على أرض جبل السُّمَّاق (غربى حلب، انظر ياقوت: المعجم، طبعة فستنفلد، جـ 2، ص 21) سنة 572 هـ (1175 م)، وكان أهلها قد رغبوا فى الانضمام إلى سنان، "شيخ الجبل"؛ وحصار حارم التى لم ير بدًا من انتزاعها من كمشتكين، الذى ظل مدة طويلة لا يثق فيه، وكان كمشتكين قد اتهم بأنه أخرج ثروته من حلب وأنه فاوض الفرنجة فى تسليم حارم، ومن ثمّ أمر إسماعيل بالقبض عليه وقتله بعد ذلك بقليل سنة 573 هـ (1176 م)، ولكن الفرنجة، احترامًا منهم للمعاهدة المعقودة بينهم وبين كمشتكين، تقدموا صوب حارم سنة 574 هـ وضيقوا الخناق على أهلها تضييقًا شديدًا. فاستنجد هؤلاء

المصادر

بإسماعيل، فأرسل لهم النجدات، واستطاع إسماعيل آخر الأمر أن يحمل الفرنجة على الانسحاب بعد أداء التعويض بأن هددهم بتسليم المدينة لصلاح الدين، ثم عمل بعدئذ على أن تدخل المدينة فى حوزته وأن يعيَّن عليها واليًا. واشتدت وطأة المرض على إسماعيل سنة 576 هـ فأقام عز الدين مسعود أمير الموصل خليفة له. ذلك أنه لم يتزوج ولم يقيض له من صلبه وريث يلى الأمر بعده، كما أنه ظن أن عز الدين يستطيع أن يثبت لصلاح الدين: وتوفى إسماعيل فى السنة التالية (577 هـ = 1180 م). وكان عند اعتلائه العرش فى شرخ الشباب لا يمكن أن يلومه أحد إذا هو فقد أملاكه. ونحن لا نستطيع أن نقرر إلى أى مدى كان مسئولا عن سياسته التى اقتضت أن يؤثر الفرنجة بمحالفته دون سائر الناس، وقد ظل مستوليًا على حلب بيد من حديد، ويبدو أنه كان منذ نعومة أظفاره محبوبًا من رعاياه، وقد دافعوا عنه دائمًا دفاعًا باسلا، وحزنوا لموته حزنًا صادقًا. المصادر تجد أوفى المعلومات فى: (1) Recueil des Historiens des Croisades, Historiens Orientaux 1 - أبو الفداء وابن الأثير: كامل التواريخ 2 - ابن الأثير Histoire des Atabecs 3 - كمال الدين: بغية الطلب فى تاريخ حلب. (2) كمال الدين: زبدة الحلب فى تاريخ حلب، ترجمة Blochet, باريس 1900، والمصادر الواردة عو الصليبيين فى مادة "صلاح الدين". صبحى [سوبرنهايم Sobernheim] صالح بن على ابن عبد اللَّه بن عباس العباسى، ولد بالسواد أو فى نجاد البلقاء سنة 92 هـ (710/ 11 م). وكان هو وأبو عون عبد الملك بن يزيد الجرجانى على رأس الحملة التى أنفذت إلى مصر لمطاردة مروان بن الحكم آخر خلفاء بنى أمية، وفى غرة المحرم سنة 133 هـ (9 من

المصادر

أغسطس سنة 750 م) نصب واليًا على هذه الولاية، ثم استدعى من مصر فى غرة شعبان سنة 133 هـ (4 من مارس سنة 751 م) ونصب واليًا على فلسطين بعد أن عين زميله فى السلاح أبو عون خليفة له؛ ولكن ما إن حلت غرة ربيع الأول سنة 136 هـ (سبتمبر 753 م) حتى أعيد تنصيبه واليًا على مصر مع إشرافه على مالية البلاد، ثم أقيم من بعد واليًا على إفريقية حتى اجتمعت فى يده ولاية المغرب جميعا؛ وفى الخامس من ربيع الثانى سنة 136 - (8 من أكتوبر سنة 753 م) دخل مصر، بيد أنه أكره العودة إلى فلسطين بعد سنة ونصف سنة، وكان ذلك فى 4 من رمضان من السنة التالية (21 من فبراير سنة 755 م) على إثر فتنة شبت فى مصر، وعاد فعهد إلى أبى عون الولاية على مصر والإشراف على شؤونها المالية. وكان عليه بعدئذ أن يستبدل الشام بفلسطين (141 هـ = 758/ 9 م)؛ ثم قام بحملتين على الروم، وتوفى فى قنسرين أو فى عين أباغ، بالغًا من العمر الثامنة والخمسين بعد أن ولى ابنه الفضل على حمص. ونجد الاسم صالح على خاتمين من الزجاج فى مجموعة فوكيه (Fouquel فى كازانوفا Catalogue des pieces de verre des epoques byzantine el arabe de la collection Fouquet. M.M.A.F: P.Casanova، 1893، جـ 6، ص 370، 140 و 141) وعلى قطع من السكة النحاسية المضروبة فى حلب سنة 146 هـ (763/ 4 م) و 148 هـ (765/ 6 م؛ فى Katalog, der orientalischen Munzen in den Kgl. Museen zu Berlin: H. Nutzel، جـ 1، ص 328، رقم 2083/ 84؛ وص 329، رقم 2086؛ انظر أيضا إسماعيل غالب: مسكوكات قديمة إسلاميت كتالوغى، ص 284، رقم 769 و 770؛ وانظر Brit. Mus. Cat. Orient coins: S.Lane-poole، جـ 1، 200، جـ 9، ص 94). المصادر: (1) الكندى: كتاب الولاة، طبعة R.Guest، سلسلة كب التذكارية، جـ 19، ص 96 - 102 و 105 و 106 (2) أبو المحاسن: Annales، طبعة T.G.J.Juynboll، جـ 1، ص 359 و 360 و 366 - 372

صالح بن مرداس

(3) المقريزى: الخطط، جـ 1، ص 303 و 306 (4) الطبرى: طبعة ده غوى، جـ 3/ 1، ص 48 - 50 و 73 - 75 و 81 و 84 و 91 و 121 و 122 و 124 و 125 و 138 و 353. (5) ابن الأثير: الكامل، جـ 5، ص 326 - 328 و 344 و 348 و 354 و 370 و 372 و 387. (6) Die Statthalter von Agypten zur Zeit du Chalifen, vol. u: F.Wusetenfeld (= Abh. G.W.Cott، 1875، جـ 20)، ص 2 - 4 (7) Corpus Papyrorum Raineri، جـ 3، السلسلة العربية، طبعة A. Grohmann جـ 1/ 2، ص 108 و 109 صبحى [كرومان Adolf Grhmann] صالح بن مرداس أبو على أسد الدولة (انظر سلسلة نسبه فى سيرته الواردة فى ابن خلكان، ترجمة de Slane، باريس 1842، جـ 1، ص 611)، وكان صالح من أعظم شيوخ البدو شأنًا فى الشرق الأدنى خلال القرن الخامس بعد الهجرة، وهو من قبيلة بنى كلاب التى نزحت تحت إمرته ميممة شطر الشمال من العراق إلى حلب فى مستهل القرن الرابع وأكسبته هذه الهجرة إمارة حلب. ونحن لا نعرف إلا القليل عن خلقه وحياته الخاصة، على أنه كان فيما يظهر شجاعًا حازم الرأى ماضى العزيمة. وقد ورد ذكره أول ما ورد سنة 399 هـ (1008 م) حليفا لابن محكم، الذى لم يعرف إلا بهذه المناسبة، إذ استنجد بابن مرداس ليعاونه فى الدفاع عن الرحبة التى كان قد استولى عليها: ولم يكن الحلف وثيقًا ولا صادقًا، وقد تصالح الزعيمان بعد أن وقع بينهما شئ من الاحتكاك، وكان من نتائج هذا الصلح أن تزوج صالح ابنة المحكم، وظل يقيم فى الحلة، كما نص على ذلك ابن الأثير صراحة ولم تدم صداقة صالح بابن المحكم على الرغم من أواصر المصاهرة التى ربطت بينهما، وعمل صالح فى السنة نفسها على قتل حميه، واستولى على الرحبة وأخذ يدير شؤونها باسم الخليفة الفاطمى فى

القاهرة. وكان قد اعترف بولائه له فى خطبة الجمعة، وفى السنة التالية (400 هـ = 1009 م) تورط فى شؤون حلب للمرة الأولى. وكان منصور مرتضى الدولة بن لؤلؤ المملوك الحمدانى يحكم حلب، ولكن أبا الحجى حفيد سيف الدولة تحداه. وكان أبو الحجى قد أدخل بنى كلاب فى خدمته، إلا أنهم تحولوا عنه إلى منصور الذى وعدهم بقطع كبيرة من الأرض، ومن ثم فقد كان من اليسير على المنصور أن يوقع الهزيمة ببنى حمدان، إلا أن بنى كلاب راحوا يلحون فى مطالبتهم بالجزاء، وغزوا أراضيه وسلبوها، فلجأ المنصور إلى خطة حربية قديمة، إذ دعا شيوخ بنى كلاب إلى مأدبة يبحث فيها الأمر معهم، ثم انقض عليهم وقتل بعضهم وأسر الباقين؛ وقد يكون هناك شئ من المبالغة فى الرواية التى تقول إنه قتل ألف كلابى فى هذه المناسبة غير شيوخهم، وبلغ صالح من إذلاله لنفسه أن أوقع الطلاق على زوجته إرضاء للمنصور، وظل صالح يرسف فى أغلاله ثلاث سنوات، وإنما أفلح سنة 405 هـ (1014 م) فى الهرب وهو مقيد بالأغلال فى قول بعض المصادر، أو بعد أن نشرها بمبرد دس إليه فى سجنه فى رواية بعضها الآخر. وظل مختفيًا زمنًا ثم جمع حوله الكلابيين شيئًا فشيئًا وحمل على المنصور. ومنى المنصور بالهزيمة وقبض عليه وقيد، فى قول الرواية، بالأغلال نفسها التى كان قد قيد بها صالح ثم أطلق سراحه بشروط معلومة وسلم صالحًا أكثر من 5000 دينار و 70 رطلًا من الفضة و 50 ثوبًا، ولكنه لم ينفذ الشرط الذى كان يقضى بأن يدفع للكلابيين نصف دخل حلب عن السنة 405 هـ وأن يزوج صالحا ابنته. ومن ثم فرض الكلابيون الحصار على المنصور، ولم يثق المنصور بالفتح قائد الحصن فهرب إلى الروم سنة 406 هـ (1015 م). واتفق الفتح وصالح وسلم حلب لعلى بن أحمد العجمى والى أفامية الفاطمى. وغضب الخليفة من هرب المنصور فاعترف بعلى واليًا، وأثنى على الفتح وصالح، وأنعم على صالح بلقب التشريف أسد الدولة ومنحه النصف الموعود من دخل حلب

المصادر

عن سنة. وقد أثار حكم الفاطميين وما عمدوا إليه من تغيير ولاتهم باستمرار سخط قبائل البدو فاتحدت لمناهضة الفاطميين سنة 144 هـ (1024 م). وغزا صالح حلب وحمص وبعلبك وصيداء خلال السنتين التاليتين، وامتد سلطانه إلى ما بعد عانة على نهر الفرات. ولما قوى سلطان الفاطميين مرة أخرى أرسل الخليفة الظاهر إليه جيشًا جديدًا سنة 420 هـ (1029) تحت أمرة آنوشتكين الدزبرى، وامتشق صالح الحسام لقتاله، ووقع صريعًا فى وقعة أخوانة على نهر الأردن، وهرب ابنه نصر مع جزء من الجيش واحتفظ بولاية حلب. وتعود أهمية صالح إلى أنه قاد قبيلته من بلاد ما بين النهرين إلى حلب وأسكنهم فيها منازل ثابتة. المصادر: (1) كمال الدين عمر بن العديم: زبدة الحلب فى تأريخ حلب، سانت بطرسبرغ، المخطوط العربى المحفوظ بالمتحف الأسيوى 522، باريس 1666، وقد نشر منه الجزء الخاص بالمرداسية مولر Historia Merdasidarum: J.J Muller بون، 1830 (2) ابن الأثير: الكامل، طبعة Tornberg, جـ 9، ص 148، و 159 وما بعدها. (3) ابن خلكان، ترجمة de Slane باريس 1842، جـ 1، ص 631. صبحى [سوبرنهايم M.Sobernheim] الصبر كلمة عربية؛ ويقول أصحاب المعاجم العرب إن الأصل "ص ب ر"، والمصدر منه صبَر، يدل على الإمساك أو الحبس، ومن ثم قيل القتل صبرًا بمعنى "نَصب الإنسان للقتل"، ويقال للقاتل صابر وللمقتول مصبور، وهذا التعبير ينطبق مثلا على الشهداء وأسرى الحرب الذين يصير قتلهم، كما ينطبق فى الحديث فى كثير من الأحوال على الحيوانات التى تعذب حتى الموت خلافا لما نهى عنه الإسلام (البخارى: الذبائح، باب 25؛ مسلم: الصيد، حديث 58؛ أحمد بن حنبل: المسند، جـ 3 ص 171). وتستعمل الكلمة استعمالا اصطلاحيا خاصا عند القول: "يمين صبر" بمعنى اليمين يكره

السلطان عليها إنسانا (انظر مثلا البخارى: مناقب الأنصار، باب 27؛ الأيمان، باب 17؛ مسلم: الأيمان، حديث 167). وتتردد فى القرآن الكريم كثيرًا مشتقات من الأصل "ص ب ر" تدل أولا على المعنى العام للصبر أى عدم الجزع، فقد أوصى النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] بالصبر كما صبر الرسل من قبله (سورة ص، الآية 17؛ سورة الأحقاف، الآية 35؛ ثم زادت الآية 60 من سورة الروم على ذلك: {إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ}). ووعد الصابرين بأن يؤتوا أجرهم مرتين (سورة المؤمنون، الآية 111؛ سورة القصص، الآية 54؛ انظر أيضًا سورة الفرقان، الآية 75)، بل لقد جاء فى الآية 10 من سورة الزمر أن الصابرين يوفون أجرهم بغير حساب (وفسرت هذه العبارة فى هذا المقام بغير ميزان ولا حد). وهذا المفهوم استعمل استعمالا خاصًا فى الكلام على الجهاد (مثال ذلك: سورة آل عمران، الآية 142، سورة الأنفال، الآية 66)، والصبر فى مثل هذا المقام هو الاحتمال والجلد. وتكاد الصيغة الثانية -اصطبر- تستعمل فى هذا المعنى أيضًا مثل الآية 65 من سورة مريم: {رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا}. وترد فى القرآن أيضًا الصيغة الثالثة -صابر- من صبر (سورة آل عمران، الآية 200؛ وانظر ما يلى). وترد الكلمة بعدٌ بمعنى التسليم، مثال ذلك ما جاء فى قصة يوسف عليه السلام (سورة يوسف، الآية 18) حيث قال يعقوب عندما بلغه نبأ مقتل يوسف: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ}. ويقترن الصبر بالصلاة أحيانًا (سورة البقرة، الآيتان 45، 153). ويقول المفسرون إن الصبر فى هذه المواضع مرادف للصوم ويستشهدون على ذلك بإطلاق اسم شهر الصبر على شهر رمضان. ونجد كلمة صبر فى استعمالها صفة (صبّار) واردة فى القرآن مقرونة

بشكور (سورة إبراهيم، الآية 5 وما بعدها)، ومن ثم يقول الطبرى فى تفسيره: "نعم العبد عبد إذا ابتلى صبر وإذا أعطى شكر". وجاء فى مسلم (كتاب الزهد، حديث 64): "عجبًا لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته ضراء صبَر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبَر فكان خيرًا له". وفكرتا الصبر والشكر مقترنتان أيضًا عند الغزالى (انظر ما يلى). وكذلك انعكس التطور المتأخر لمفهوم الصبر فى تفاسير القرآن بطبيعة الحال. ومن العسير أن نقول إلى أى حد تحتمل لغة القرآن هذه التفاسير. ومهما يكن من شئ فإن مفهوم الصبر بكل ما يتضمنه من معان هو فى جوهره يرجع إلى التفكير اليونانى المتأخر، ويشمل فكرة السكون عند الرواقيين، وهى صبر النصارى، وقمع النفس والعزوف عن الدنيا المأثورين عن الزهاد (انظر ما يلى). وحسبنا أن نذكر من أقوال المفسرين الآخرين الكثيرين قول فخر الدين الرازى (مفاتيح الغيب، القاهرة 1278 هـ. تفسير الآية 200 من سورة آل عمران)؛ فهو يفرق بين ثلاثة أنواع من الصبر: (1) الصبر على مشقة النظر والاستدلال فى معرفة التوحيد والعدل والنبوة والمعاد، وعلى مشقة استنباط الجواب عن شبهات المخالفين. (2) الصبر على مشقة أداء الواجبات والمندوبات. (3) الصبر على مشقة الاحتراز عن المنهيات. (4) الصبر على شدائد الدنيا وآفاتها. . الخ؛ وأما المصابرة فهى عبارة عن تحمل المكاره الواقعة بين المرء وبين الغير (ويدخل فى ذلك الجيران وأهل البيت)، وترك الانتقام، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر. . الخ. ونتبين أيضا مبلغ الفضل الذى ينسب للصبر من إدخال صفة الصبور ضمن أسماء اللَّه الحسنى. ويقول صاحب لسان العرب (مادة صبر): "الصبور تعالى وتقدس هو الذى لا يعاجل العصاة بالانتقام. . . ومعناه قريب من معنى الحليم، والفرق بينهما

أن المذنب لا يأمن العقوبة فى صفة الصبور كما يأمنها فى صفة الحليم". وقد جعل الحديث صبر اللَّه تعالى فوق كل صبر إذ قال النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-]: "ما أحد أصبر على أذى سمعه من اللَّه يدعون له الولد ثم يعافيهم ويرزقهم، (البخارى: كتاب التوحيد، باب 3). ونجد الصبر فى الحديث مذكورًا فى المحل الأول عند الكلام على المسائل العامة مثل: ". . ومن يتصبّر يصبّره اللَّه وما أُعطى أحد عطاء خيرا وأوسع من الصبر" (البخارى: كتاب الزكاة، باب 50: كتاب الرقاق، باب 20؛ أحمد بن حنبل، جـ 3، ص 93)؛ ويطلق الصبر أيضا فى الحديث على الجلد فى الجهاد؛ فقد أتى رجل النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فقال: "أرأيت إن جاهدت بنفسى ومالى فقتلت صابرا محتسبا، مقبلا غير مدبر، أأدخل الجنة؟ قال: نعم، (أحمد بن حنبل، جـ 3، ص 325). ووردت كلمة الصبر فى مواضع أخرى من الحديث بمعنى الجلد، أى الصبر على السلطان أو الأمير: ". . . سترون بعدى أمورا تنكرونها. . . اصبروا حتى تلقونى على الحوض" (البخارى: الرقاق، باب 53؛ كتاب الفتن، باب 2؛ وانظر كتاب الأحكام، باب 4؛ مسلم، كتاب الإمارة، حديث 53، 56 الخ). والغالب أن كلمة صبر فى هذا المقام معناها التسليم كما يتردد فى الحديث المتواتر: "إنما الصبر عند الصدمة الأولى، أو أول صدمة، أو أول الصدمات، (البخارى: الجنائز، باب 32، 43؛ مسلم؛ كتاب الجنائز، باب 15؛ أبو داود: كتاب الجنائز، باب 22 الخ). ومما له دلالة، من نواحى أخرى أيضا، قصة المرأة المصابة بالصرع التى سألت النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] أن يدعو لها بالشفاء فقال: ". . . إن شئت صبرت ولك الجنة" (البخارى: المرضى، باب 6؛ مسلم: البر والصلة، حديث 54). وكثيرًا ما ترد كلمة صبر فى هذا المقام مقترنة بالكلمة الصحيحة الدالة على التسليم وهى الاحتساب (البخارى: الأيمان، باب 9: مسلم: الجنائز، حديث 11)، ويجب أن نقارن ذلك بالحديث القدسى التالى: ". . . إن اللَّه قال إذا ابتليت عبدى بحبيبتيه

فصبر عوضته منهما الجنة، يريد عينيه" (البخارى المرضى، باب 7: أحمد ابن حنبل، جـ 3، ص 283). ونلاحظ أخيرًا أن معنى ترك الدنيا فى كتب الأحاديث الصحاح قلما يرد، وهذا المعنى يكتسب شأنًا عظيمًا فى تصرف الزهاد الخلقى. (انظر ما ذكرناه آنفًا عن الآيتين 45، 153 من سورة البقرة). وقد جاء فى الباب العشرين من كتاب الرقاق للبخارى (وهو ككتاب الزهد فى غير ذلك من مجموعات الحديث، يمثل أقدم مرحلة لهذه النزعة فى الإسلام) أن عمر قال: "وجدنا خير عيشنا بالصبر". وإنا لنستطيع فى هذا المقام أن نتتبع أثر التفكير اليونانى المتأخر الذى كان يرى أن ترك الدنيا هو الحياة التى تناسب الرجل الحق، والرجل الحكيم والشهيد. . وما ذكره القرآن الكريم والحديث عن الصبر يتردد بعضه فى الكتب الأخلاقية الصوفية، ولكن كلمة الصبر قد غدت فى هذا المقام ما نستطيع أن نسميه مصطلحًا بمعنى الكلمة، ذلك أن الصبر هو الفضيلة المثلى فى هذا المذهب من مذاهب الفكر. ونحن نجد تعريفات عديدة للصبر شأنه شأن غيره من المفاهيم الأخرى الجوهرية، وهى تعريفات تدل فى كثير من الأحيان على خصب الخيال أكثر من دلالتها على الشرح المستقصى للفكرة، ولكن هذه التعريفات عظيمة الفائدة لما تلقيه على الموضوع من ضوء أشبه بلمحات البرق. ويسوق القشيرى فى رسالته (طبعة بولاق، ص 99 وما بعدها) هذه المجموعة من التعريفات للصبر: "تجرع المرارة من غير تعبيس" (الجنيد)؛ "التباعد عن المخالفات، والسكون عند تجرع غصص البلية، وإظهار الغنى مع حلول الفقر بساحات المعيشة" (ذو النون)؛ "الصبر الوقوف مع البلاء بحسن الأدب" (ابن عطاء)؛ "الفناء فى البلوى بلا ظهور شكوى"؛ "الصبار الذى عود نفسه الهجوم على المكاره" (أبو عثمان)؛ "الصبر المقام مع البلاء بحسن الصحبة كالمقام مع العافية"؛ "الصبر هو الثبات مع اللَّه تعالى وتلقى

بلائه بالرحب والدعة" (عمرو بن عثمان)، "الصبر الثبات على أحكام الكتاب والسنة" (الخواص)، "صبر المحبين (أى الصوفية) أشد من صبر الزاهدين" (يحيى بن معاذ)؛ "الصبر ترك الشكوى" (رويم)؛ "الصبر هو الاستعانة باللَّه تعالى" (ذو النون)؛ "الصبر كاسمه" (أبو على الدقاق) "الصبر على ثلاثة أقسام: متصبر، وصابر، وصبَّار" (أبو عبد اللَّه بن خفيف)، "الصبر مطية لا تكبو" (على ابن أبى طالب)؛ "الصبر أن لا يفرق بين حال النعمة والمحنة مع سكون الخاطر فيهما، والتصبر هو السكون مع البلاء مع وجدان أثقال المحنة، (أبو محمد الجريرى. وهذه الكتب، علاوة على تلاعبها بالكلمات والتعريفات، قد أغرمت أيضًا بتخريج ألوان من المعنى باستخدام حروف الجر. وشاهد ذلك أن رجلا سأل الشبلى: "أى صبر أشد على الصابرين؟ فقال: الصبر فى اللَّه عز وجل؛ فقال لا، قال الصبر للَّه تعالى، قال لا؛ قال فأى شئ، قال الصبر عن اللَّه عز وجل، قال فصرخ الشبلى صرخة كادت روحه أن تنلف (القشيرى: الرسالة ص 10, س 9). ويتناول الغزالى الصبر فى الجزء الرابع من إحياء علوم الدين الذى يصف الفضائل المحمودة الواردة فى الكتاب الثانى؛ وقد رأينا فيما سبق كيف ارتبط الصبر والشكر فى القرآن. . ويناقش الغزالى مفهومى الكلمتين فى الكتاب الثانى كلا على حدة، ولكنهما فى الحق مرتبطان أوثق ارتباط؛ وهو لا يدعم هذا الارتباط بالاستناد على عبارة القرآن، بل على الحكمة القائلة "الإيمان نصفان، نصف صبر ونصف شكر" وهذا أيضًا يرجع إلى الحديث: "الصبر نصف الإيمان" (انظر أيضًا الأحاديث التى ذكرناها آنفا، وهى أيضًا تربط بين الصبر والشكر). وقد عالج الغزالى الصبر مندرجا تحت العناوين الآتية: (1) فضل الصبر (2) حقيقة الصبر ومعناه (3) الصبر نصف الإيمان (4) الأسامى التى تتجدد

للصبر (5) أقسام الصبر بحسب اختلاف القوة والضعف (6) نطاق الحاجة إلى الصبر وأن العبد لا يستغنى عنه فى حال من الأحوال (7) دواء الصبر وما يستعان به عليه. وهذا التقسيم يكاد يكون هو التقسيم الذى اتبعه ابن العبرى فى: الأخلاق لماسايبرانوطا (Bar Hebraeeus' Book of the Dove: A.J.Wensiuck، ليدن 1919 م، ص 117 - 119). وحسبنا أن نذكر من هذه الأقسام ما يلى: الصبر مقام كسائر مقامات الدين ينتظم من ثلاثة أمور، معارف وأحوال وأعمال؛ فالمعارف كالأشجار، والأحوال كالأغصان، والأعمال كالثمار. والصبر خاصية الإنسان من دون الملائكة والبهائم، وذلك أن البهائم قد سلطت عليها الشهوات وصارت مسخرة لها؛ وأما الملائكة فقد جردوا للشوق إلى حضرة الربوبية، ولم تسلط عليهم شهوة صارفة عنها، ولذلك فهم ليسوا فى حاجة إلى الصبر للتغلب على الشهوة. أما الإنسان فعلى خلاف ذلك، لأنه يتصارع فى قلبه باعثان: باعث الهوى وباعث الدين، ويثير الأول الشيطان، ويثير الثانى الملائكة. ومعنى الصبر الاستمساك بباعث الدين ومقاومة باعث الهوى. والصبر ضربان، أحدهما ضرب بدنى كتحمل المشاق بالبدن والثبات عليها، وهو إما بالفعل كتعاطى الأعمال الشاقة، وإما بالاحتمال كالصبر على الضرب الشديد والمرض العظيم، وذلك محمود؛ والآخر وهو الصبر النفسى عن مشتهيات الطبع ومقتضيات الهوى، ثم هذا الضرب يختلف باختلاف الصبر على الشهوات ومقتضيات الهوى، فيسمى العفة، وضبط النفس، والشجاعة، والحلم وسعة الصدر، وكتمان السر، والزهد، والقناعة. ونستطيع أن نتبين من هذه السلسلة الواسعة من المعانى السبب فى أن النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] عندما سئل فى ذلك قال: "الإيمان صبر". وهذا الضرب الثانى من الصبر محمود تام.

المصادر

أما أقسام الصبر بحسب اختلاف القوة والضعف فالناس فى ذلك على ثلاثة أحوال: (أ) أولئك الذين يقهر داعى الهوى فى نفوسهم فلا تبقى له قوة المنازعة، وهؤلاء هم الصديقون المقربون (ب) أولئك الذين تغلب فى نفوسهم دواعى الهوى وتسترقهم شهواتهم. (ج) أولئك الذين تدور الحرب فى نفوسهم سجالا بين الباعثين، وهؤلاء هم المجاهدون" عسى اللَّه أن يتوب عليهم. ويروى الغزالى أن بعض العارفين قال إن أهل الصبر على الثلاثة المقامات: أولها ترك الشهوة وهذه درجة التائبين؛ وثانيها الرضا بالمقدور، وهذه درجة الزاهدين، وثالثها المحبة لما يصنع به مولاه، وهذه درجة الصديقين. ويبين الغزالى تحت العنوان السادس كيف أن المؤمن يحتاج إلى الصبر فى جميع الأحوال: (أ) فى الصحة والمرض، وتتضح هنا الصلة الوثيقة بين الصبر والشكر (ب) كل ما عدا ذلك كما فى أداء الواجبات الشرعية، والامتناع عن المحرمات، وكل ما يصيب المرء على غير إرادته سواء من غيره من الناس أو بقضاء اللَّه. ولما كان الصبر شاهدًا على الصراع بين الباعثين، فإن أثره المحمود يشمل كل ما يقوى باعث الدين ويضعف باعث الشهوة. وإضعاف باعث الهوى يكون بالزهد، واجتناب كل ما يقوى هذا الباعث كالعزلة، أو ممارسة المباح كالزواج. أما تقوية باعث الدين فيكون أولا بإطماعه فى فوائد المجاهدة وثمراتها مثل قراءة أخبار الصديقين والأنبياء؛ وثانيًا أن يعوِّد هذا الباعث مصارعة باعث الهوى تدريجا قليلا قليلا حتى يدرك لذة الظفر بعزيمة الصبر. المصادر علاوة على المراجع الواردة فى صلب المادة: (1) Dict. of Tecknical terms: Sprenger، جـ 1، ص 823 وما بعدها. (2) La Mystique d'al-Gazzali: Palacios M. Asin، فى Melanges de la Faculte

صحار

Orientale de Beyrouth، جـ 7، ص 75 وما بعدها. (3) Al-Kuschairis Darstellung des Sufitums,Turk Bibl: R.Hartmann، جـ 18، برلين 1914، الفهرس. (4) L.Massignon: Al- Hallaj, martyr mystique de l'Islam، باريس 1922، الفهرس. (5) المؤلف نفسه: Essai sur L'origines. . .de mystiques musulmane، باريس 1922, الفهرس. خورشيد [فنسنك A.T.Wensinck] صحار مرفأ على ساحل عمان على خط عرض 24 ْ 22 َ شمالا وخط طول 56 ْ 45 َ شرقًا، ويسكنها 7500 نسمة. وللمرفأ طريق جيد ومرسى بديع، تحميه حماية كاملة من الشمال والغرب أكمة فرقصة البحرية، ومن الجنوب رأس سوارة؛ وأهم عمائر المدينة قصر أميرها، وقد زين زينة فاخرة، وبه عقود مستدقة وأعمدة مستديرة رفيعة وأقبية متعارضة وأبراج وشرفات بارزة. ويقوم القصر على ربوة صغيرة داخل المدينة ويحيط به سور مثلث وخندق يمكن عبوره على جسر يؤدى إلى الباب الكبير الداخلى؛ وعلى السور بعض مدافع الميدان القديمة وأربعة مدافع ضخمة أمام المدخل، وثمة ميدان مكشوف أمام القصر غرست فيه أشجار تمتد حتى ساحل البحر. والبلدة محصنة بأسوار لا تزال تقوم عليها بعض المدافع القديمة، ويحميها خندق من جهة البر؛ والسوق كبيرة وتجارتها ناشطة، ومبنى السوق ويسمى قيصرية له قباب وأبواب متأرجحة عظيمة، وهو مستطيل الشكل فسيح الأرجاء، ومعظم أصحاب الحرف فيه من النساجين والحدادين وصاغة الذهب والفضة والنحاسين، وكل منهم رب من أرباب صناعته، والبلدة خلابة المنظر؛ وكثيرًا ما تتصل. بيوتها ذات الطبقتين أو الثلاث بأقواس تعلو الطرقات الضيقة. وربما كان محيط المدينة يبلغ نحو الميلين، ويصلها طريق

عريض بالمدن المجاورة مثل مسقط؛ والأرض المناوحة للساحل وافرة الخصب جيدة الرى مكتظة بالسكان. وصيد السمك من الحرف التى يقبل عليها السكان إقبالا شديدًا، وله شأن عظيم فى تزويد السكان بالطعام. ونحن لا نستطيع أن نؤيد قول شبرنكر A.Sprenger بأن صحار هى عمان التى ذكرها بليناس، على أنه لا شك فى أنه كانت تقوم فى هذا المكان مستعمرة قديمة جدًا يمكن أن نرد تاريخها إلى الجاهلية على الأقل. أما مبلغ قدم هذه البلدة فى نظر علماء العرب فيمكننا أن ندركه من تلك القصة التى تقول أن الذى شيدها هو صحار ابن إرم بن سام بن نوح؛ ولعل الفرس الذين كانوا فى وقت من الأوقات يسيطرون كل السيطرة على الخليج الذى نسب إلى اليمن هم أول من حكم هذه البلدة؛ ثم إن اسم المدينة القديم مزون، الذى ذكره كتاب العرب الأقدمون، هو أيضًا اسم فارسى. ولقد ظهر الاسم صحار أول ما ظهر فى التاريخ سنة 8 هـ (629/ 630 م) عندما سلم عمرو بن العاص السهمى وأبو زيد الأنصارى مبعوثا النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] كتابه إلى أميرى البلدة جيفر وعبد (أو عباد)، وقد قبلا ما عرضه محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] عليهما وأسلما، وظل عمرو بن العاص مقيما فى عمان: وقد ورد ذكر البلدة مرة أخرى فى أخبار جهاز النبى فقيل أن جثمان النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] لف فى ثوبين من صنع صحار (وفى بعض النصوص الأخرى من ثياب سحولية). وكانت صناعة النسيج فى البلدة حتى فى ذلك الحين راقية فيما يظهر رقيا عظيما لعله يرجع إلى النفوذ الفارسى؛ وقد تأثرت عمان بذلك القلق العام الذى ساد بلاد العرب جميعًا بعد وفاة النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، وخاصة صحار، وأشهرت الحرب على ذى التاج لقيط بن مالك الأزدى زعيم الحزب الجاهلى فى عمان، وكان زعيما الحزب الإسلامى فيها الأخوين، عبادًا وجيفرا من بيت الجلندى، ولم يجد الأخوان بدا من الرحيل عن صحار إلى حين والالتجاء إلى الجبال، ولكن يبدو

أنهما أفلحا فى العودة إلى صحار وتزعما المناهضين للحزب الجاهلى حتى استولى المسلمون على البلدة سنة 12 هـ (633/ 34 م)، على أن البلدة ظلت كبقية عمان لا تتصل بالدولة الإسلامية إلا اتصالا واهنا؛ ثم تغير الموقف عندما غزا عمان الوالى الأموى الذى اشتهر بقوته، وهو الحجاج بن يوسف، وضمها إلى العراق؛ وفى سنة 751 م عادت عمان فاستقلت بأمر نفسها، واختارت واليًا هو الجلندى بن مسعود الأزدى، أول إمام لعمان، على أن قصبة البلاد لم تكن هى صحار بل نزوة. وما إن حل القرن العاشر الميلادى حتى كانت صحار قد ارتقت رقيًا كبيرًا وعدت أهم بلدة فى عمان وأجمل البلدان على الخليج الفارسى، ذلك أنها كانت مزدهرة، عامرة بأهلها، غنية، ناشطة التجارة، بل لقد غدت أعظم شأنًا من زبيد أو صنعاء، وكانت منتجعًا صحيًا، تضم أسواقًا رائعة، وتقع وسط مناظر تسر الناظرين، وقد بنيت بيوتها الجميلة بالآجر وخشب الساج، وشيد مسجدها الجامع بجوار البحر. وقد قام هذا البناء الرائع بمئذنته الشامخة فى الموضع الذى بركت فيه ناقة رسول اللَّه [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، وكان للمحراب سلم حلزونى تتبدى من جوانبه المختلفة ألوان شتى كالأصفر والأزرق والأحمر، وللمسجد مصلى يقوم وسط حرجة من حراج النخيل، وكانت العيون السائغة والقنوات ذات المياه العذبة تزود المدينة بما يلزمها من ماء. وكان جو البلدة كأطيب ما يكون، كما كانت أسواقها الرحيبة تمتلئ بالسلع من كل صنف ولون؛ وكانت صحار هى مخزن السلع الواردة من الصين ومركز التجارة مع الشرق، وكان لها أيضًا شأن فى تجارة اليمن، ومقام ممتاز فى التجارة مع الشرق. أما الميناء الذى كان دائمًا مزدحمًا بالسفن الغادية والرائحة فقد كان طوله فرسخًا وعرضه فرسخًا، وقد ذكر المقدسى صراحة أن لغة التجارة فيها كانت هى الفارسية، وكان التجار من جميع أنحاء العالم يلتقون فيها، وتتصل اتصالا مستمرًا باليمن والصين، وكانت الرحلات إليهما تتزود

بمؤونتها من صحار، وكانت أرضها الخصبة الغنية تغل البلح والموز والتين والرمان والسفرجل وغيرها من الفواكه؛ وكذلك كانت صحار دائبة الاتصال بالبحرين، متوسلة فى ذلك بطريق يخرج منها ويمتد مسايرًا الشاطئ مجتازًا الجبال إلى جلفار، ولكن سرعان مادب الاضمحلال فى هذا الطريق. والظاهر أن حملة الخليفة هارون الرشيد، ثم حملة المعتضد الذى حاول أن يضم عمان إلى الخلافة وصادف فى هذا نجاحًا أكبر مما صادفه هارون الرشيد، لم يكن لهما أثر بالغ فى صحار. على أن البلدة قد دمرت أثناء فتن القرامطة، ثم أعيد بناؤها؛ وفى سنة 362 هـ (972/ 973 م) حدث اشتباك أمام صحار بين أبى حرب قائد عضد الدولة والزنج الذين كانوا قد احتلوا عمان، وكتب النصر لأبى حرب فاستولى على صحار واضطر أهلها إلى الفرار؛ وفى سنة 433 هـ (1031 - 1042 م) أنفذ أبو كاليجار البويهى جيشًا فارسيًا بالبحر إلى عمان وكانت قد انتقضت عليه، ورسا الأسطول أمام صحار واستولى عليها وأخضع أهلها، ولكن البويهيين وولاة الفرس السلاجقة الذين ورثوا ملك خلفاء بغداد لم يفعلوا شيئًا لرد ما كانت عليه صحار من رفاهية وازدهار؛ وحوالى منتصف القرن الثانى عشر الميلادى توقفت تجارة صحار مع الشرق الأقصى عندما أفلح إمام من أئمة اليمن فى السيطرة على الخليج الفارسى بضربة بارعة وخنق التجارة بالبحر بل أعمل يد السلب والنهب فى الشاطئ حتى تحولت التجارة شيئًا فشيئًا إلى عدن. ويقول ابن المجاور، وهو من الثقاة الذين يعتمد على روايتهم، إن صحار كانت خربة بالفعل فى الربع الأول من القرن السابع للهجرة (حوالى 1225 م)، وقد تحولت تجارتها إلى هرمز مركز التجارة الفارسية وإلى ميناء قلهات العربية. والظاهر أن صحار انتعشت مرة أخرى من بعد وأعيد بناؤها، فقد ذكرها ماركويولو باسم صوير Soer وقال إنها تتاجر فى الخيل مع مليبار؛ وقد ذكر ابن بطوطة صحار أيضًا فى رحلاته.

وفى 16 من سبتمبر سنة 1506 مر أسطول برتغالى، كان يحمل على هرمز من سقطرى، أمام المدينة للمرة الأولى، وكان البرتغاليون يسمونها صوار Soar، وقد احتلوا المدينة والحصن أيضًا. وفى سنة 1588 م بنوا حصنًا جديدًا رمم فى مستهل القرن السابع عشر الميلادى وأحاطوه بمحيط من عشرة أميال من أشجار الطرفاء وحقول القمح والخضروات. ولم تكن الحصيلة من الضرائب وغيرها من الدخول ذات شأن، إذ بلغت 1500 شريفى (¬1) (شرافين Xerafan)؛ وهاجم ناصر بن مرشد بن سلطان اليعربى الذى كان قد استمال أتباعا فى البلدان التى فى داخل عمان، أملاك البرتغاليين فى عمان، فلم يستطع البرتغاليون الاحتفاظ إلا بمدن الساحل المحصنة؛ صحار ومسقط والطرح وقريات، على أن نفوذهم فى البر لم يكن له شأن قط فى أية حال من الأحوال؛ وقد عمد ناصر بن مرشد، فى سبيل الاستيلاء على صحار، إلى بناء حصن على الساحل، ومن ثمّ هدد المدينة؛ وقد بلغ من نجاح هذا الهجوم أن البرتغاليين لم يستطيعوا الاحتفاظ بشئ إلّا بحصن صحار كما ضاعت منهم قريات؛ واستطاعوا أن يحتفظوا بالسوق المحصنة فترة من الزمن فى مقابل جزية كانوا يؤدونها إلى الإمام، وطردوا من البلاد حوالى سنة 1650 م، إلى غير رجعة؛ واستولى خلف بن مبارك منافس محمد بن ناصر على صحار سنة 1724 م، ولكنه سلمها من بعد لسيف بن سلطان اليعربى. وحاصر الفرس صحار سنة 1728 م، ذلك أنهم بعد أن غزوا مسقط منوا بالهزيمة فى صحار على يد واليها أحمد بن سعيد، ولكنهم عادوا يحاولون الاستيلاء على المدينة، بيد أن استماتة المدينة فى الدفاع عن نفسها تحت إمرة أحمد أحبطت جهودهم جميعًا. ولا شك أن صحار قد قاست من ذلك كثيرًا، وكان البرتغاليون قبل ذلك قد قضوا على تجارتها ذات الشأن، وشاهد ¬

_ (¬1) عملة فضية كانت شائعة فى البرتغال والهند.

ذلك أن نيبور C.Niebuhr يقول: إنه لم يكن لها شأن يذكر. وكانت من الضربات القاسية التى وجهت إليها غارات القراصنة الذين استقروا فى حصن شناس فى مستهل القرن التاسع عشر، وتنفست المدينة الصعداء بعض الشئ بفضل تدخل الإنجليز، ذلك التدخل الذى أدى سنة 1819 إلى وقعة بحرية بين القراصنة والأسطول أمام ساحل صحار. وقد زار ولستد J.R.Wellsted صحار سنة 1836 فوصفها بأنها أعمر مدن ساحل عمان بالسكان بين شناس وبريمة وأكبر هذه المدن على الإطلاق، وهى تلى مسقط بوصفها مركزًا تجاريًا؛ وكان فيها 40 بانكالا Bangalas كبيرة، كما كانت تقوم بينها وبين فارس والهند تجارة عظيمة. وقد قدر ولستد عدد سكانها، بما فى ذلك أهل القرى الصغيرة المجاورة، بتسعة آلاف نسمة منهم 20 أسرة من اليهود كان لها كنيس صغير وتعتمد فى معاشها على إقراض النقود. ومما يدل على أهمية تجارة صُحار فى ذلك الوقت أن شيخ المدينة كان يستولى على عشرة آلاف ريال سنويا من رسوم الميناء، وقد بلغت الجزية التى دفعتها صُحار سنة 1825 إلى إمام عمان 24.000 ريال. وقد كفلت المعاهدة التى وقعتها انجلترا فى الثامن من شهر يناير سنة 1820 مع القراصنة السلام والأمان فى مياه الخليج الفارسى إلى حين حتى ازدهرت تجارة الموانى، إلا أن سيد سعيد، إمام عمان وقتئذ كان تواقًا إلى توسيع رقعة أملاكه فى شرقى إفريقية، ثم اضمحل سلطانه فى غيابه، فانتعشت القرصنة مرة أخرى، واستولى حمود بن عزَّان زعيم القراصنة على صُحار ورستاق؛ ولم يستطع الإمام سعيد حيال هذا شيئًا، بل أكره سنة 1834 على الاعتراف بغريمه، ومضى بعد ذلك بسنتين يعاونه الوهابيون لطرد حمود من صحار، وحوصرت المدينة برًا وبحرًا، ولكن الحصار لم يؤد إلى نتيجة حاسمة، ذلك أن سعيدًا كان يخشى إذا تم الاستيلاء على المدينة ألا تكون من نصيبه بل من نصيب فيصل بن تركى

المصادر

الوهابى، وأنقذت سعيدًا من حيرته بارجة انجليزية جاءت بحمود من مسقط حيث أكره على توقيع معاهدة يسلم بمقتضاها ولاية صُحار إلى ابنه سيف. على أن سيفا لم ينفذ ما تعهد به لأبيه، وأنكر عليه نصيبه المشروع فى الخراج، فعمل حمود على قتل ابنه سنة 1849 وتولى مقاليد السلطة بنفسه، ولكن سعيدًا قبض عليه وألقى به فى السجن بموافقة إنجلترا، وخلفه أخوه قيس بن عزان فى صحار، بيد أنه أكره على تسليم المدينة إلى سيد سعيد سنة 1852 تحت ضغط عسكرى كبير قانعًا بولايته على رستاق، وعادت صحار منذ ذلك الحين تؤلف جزءًا من إمامة عمان، التى أصبح معظمها تابعا لمملكة ابن سعود (¬1). المصادر: (1) الإصطخرى: المكتبة الجغرافية العربية، جـ 1، ص 25. (2) ابن حوقل: المكتبة الجغرافية العربية، جـ 2، ص 32. (3) المقدسى: المكتبة الجغرافية العربية، جـ 3، ص 34 و 67 و 70 وما بعدها و 92 و 96. (4) المسعودى: المكتبة الجغرافية العربية، جـ 8، ص 281. (5) الهمدانى: صفة جزيرة العرب، طبعة D.H.Muller ليدن 1884 - 1891، ص 135. (6) أبو الفداء: كتاب تقويم البلدان، طبعة CH Scheir درسدن 1806، ص 75. (7) ياقوت: المعجم، طبعة Wustenfeld، جـ 3، ص 268 و 369. (8) مراصد الإطلاع، طبعة T.G.J Juynboll, ليدن 1853، جـ 2، ص 157. (9) البكرى: المعجم، طبعة Wustenfeld، كوتنكن 1876 جـ 1، ص 207، جـ 2، ص 599. (10) الإدريسى: نزهة المشتاق، ترجمة فرنسية بقلم Jaubert، جـ 3، ص 6. ¬

_ (¬1) كان ذلك وقت كتابة المقال.

(11) عظيم الدين أحمد: Die auf sudarabien ezuglichen Angaben G.M.S aswan's im Sams al-Ulum، جـ 24، ليدن 1916، ص 16 و 59. (12) الدمشقى: كتاب نخبة الدهر فى عجائب البر والبحر، طبعة A.F.Mehren، ليبسك 1923، ص 218. (13) ابن هشام: السيرة، طبعة Wustenfeld، كوتنكن 1858 - 1860، ص 1019. (14) أبو ذر: شرح السيرة النبوية، طبعة P.Bronnle، القاهرة 1911، جـ 2، ص 462. (15) لسان العرب، جـ 6، ص 115. (16) ابن الأثير: الكامل، جـ 2، ص 285؛ جـ 8، ص 475: جـ 9، ص 344. (17) Historia do descobrimento e conquisto de India Pelos Portugueses Par ferneo Lopez de Costanheda, قويمرة 1552، جـ 2، الفصل 58. (18) L'Ambas-Sade de Dom Garcias de Silva Figueroa en Perse, باريس 1667، ص 388. (19) Decada Primeira da Asia de Ioao de Barros، لشبونة 1628، جـ 9، الفصل الأول، الورقة 172. (20) Decada Secunda جـ 2، الفصل 1؛ جـ 10، الفصل 7. (21) Terceira decada da Asia de Ioao de Barros، لشبونة 1563، جـ 7، الفصل 5. (22) Decada decima da Asia de Die zo de Cauto، جـ 1، الفصل 7. (23) Deceda da Historia da India XIII Bocarro: Per Antonio، لشبونة 1876، الفصل 157. (24) Beschreibung von Arabien: C.Niebubr، كوبنهاغن 1772، ص 296. (25) Erdkunde von Asien: C.Ritter جـ 8/ 1، برلين 1846، ص 375 و 378 و 382 و 389 و 476 و 489 وما بعدها و 498 و 508 و 526 وما بعدها.

(26) Travels in Arabia: J.R.Wellstedt، لندن 1838، جـ 1، ص 229 - 233. (27) Narrative of a Year, Journey in Central and Eastern Arabia: W.Gifford Palgrave لندن 1865، جـ 2، ص 329 - 337. (28) Die Fost-und Reiserouten des Orients, Abhandl, f.d.Kunde des Morgenlandes: A.Sprenger، جـ 3/ 3، ليبسك 1854، ص 109 و 141 و 146 وما بعدها. (29) المؤلف نفسه: Die alte Geographie Arabiens، برن 1875 ص 124. (30) المؤلف نفسه: Das Leben und die Lehre des Mohammad، برلين 1869، جـ 3، ص 382 و 442. (31) Skizze der Geschichte and Geographie Ayabiens: E.Glaseer, برلين 1890، جـ 2، ص 76 و 78. (32) Southern Arabia: Th.Bent، لندن 1900، ص 49. (33) Annali dell' Islam: L.Caetani، ميلانو 1907، جـ 2، ص 208 و 560، التعليق 3، وص 777 - 779، التعليق 5. (34) Histoire des Arabes: Cl.Huart, باريس 1913، جـ 2، ص 76 و 262 وما بعدها و 257 وما بعدها و 275 - 280. (35) Der Kampf Arabien Zwischen der Tukei und England Hamburgische, Forschungen: F. Stuhlman, براونشتيك 1916، جـ 1، ص 155 وما بعدها و 160 - 163 و 170 و 189. (36) Handbooks prepared iunder the Direction of the Historical Section of Foreign Office، رقم 76 Persian Gulf, لندن 1920 ص 32. (37) Admiralty Hand books of Arabia، لندن 1916، ص 251. صبحى [كرومان Adolf Grohmann]

صحيح

صحيح تسمية تطلق على: (1) الحديث الذى يكون رواته بريئين من العلل ويكون سنده صحيحًا. (2) مجموع الأحاديث التى لا تشتمل إلا على الأحاديث الصحيحة، أعنى ما جمعه البخارى ومسلم بن الحجاج. (أ) وعند الجرجانى (المتوفى سنة 816 هـ = 1413 م) أن الحديث الصحيح يشتمل على أصناف جد مختلفة من الأحاديث مثل الحديث المسند (الذى اتصل إسناده حتى انتهى إلى النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-]؛ والحديث الفرد (الذى تفردت به ناحية واحدة أو راو واحد) (¬1). (ب) ويشتمل صحيح البخارى على 7397 حديثًا أو على 7295 حديثا فى رواية آخرين. وقد اختار البخارى هذه الأحاديث من بين 600.000 حديث كانت مأثورة فى عصره، وكان يحفظ منها 200.000 حديث. ومن الخصائص المميزة لصحيح البخارى عناوين الأبواب أو ما يسمى ترجماتها التى تتسم فى كثير من الأحيان بالهوى كما تكون فى بعض الأحيان مضللة (¬2)، مثال ذلك عندما يقدم لحديث يتكلم عن المساجد التى تشد إليها الرحال وهى المسجد الحرام ومسجد المدينة والمسجد الأقصى بعنوان: فى فضل الصلاة فى مسجد مكة والمدينة (باب فضل الصلاة، طبعة كريل جـ 1، ص 299). ويكاد ما اشتمل عليه صحيح مسلم أن يكون هو بعينه ما اشتمل عليه صحيح البخارى؛ وكل الفرق هو أن الإسناد يختلف اختلافا كبيرا وبدلا من الترجمات المميزة لصحيح البخارى يسوق لنا مسلم مقدمة قيمة يبين فيها الشروط التى يجب أن تتوافر فى الحديث حتى يكون صحيحا. وكل من الصحيحين قد ألف لكى يعطى بقدر الإمكان لكل ما هو موجود ¬

_ (¬1) وضع الكاتب فى النص لفظ "الفرد" العربى، والحديث الفرد وجمعه الأفراد يذكره أصحاب أصول الحديث عند نظرهم فى حال الحديث: هل تفرد به راويه أولا، وقد يذكرونه تحت عنوان "معرفة الأفراد" فيذكرون ما هو فرد مطلقا، وما هو فرد بالنسبة إلى جهة خاصة كحديث تفرد به أهل مكة، أو أهل الشام، أو أهل الكوفة -راجع مقدمة ابن الصلاح ص 31 وما بعدها. أ. الخولى (¬2) انظر التعليق آخر المقال.

المصادر

من أحكام الإسلام وأوامره، أساسًا من الأحاديث التى تنتهى روايتها إلى رسول اللَّه [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، وهذه الغاية قد توخاها البخارى فى صحيحه على نحو منتظم مطردا أكثر من مسلم. وقد نال صحيح البخارى من عظم الشأن ما جعله يعتبر حافظًا للسفن من الغرق ونحو ذلك من الأخطار، وصار قبر صاحبه ملاذًا للمؤمنين عند الشدة والضيق. المصادر: (1) Contribution from original sourcse to our knowledge of the scienes of Muslim Tradition: Edev'E Salisbury، فى JOAS، مجلد 7 (1862) ص 60 - 142 (2) المصادر التى تقدم ذكرها فى مادة البخارى ومادة حديث (3) لكاتب المادة The Traditions of islam، أكسفورد 1924، ص 26 - 32، 84 - 88 أبو ريدة [الفرد كييوم Alfred Guillaume] تعليق على مادة "صحيح" للأستاذ أمين الخولى - 1 - فى هذه المادة شئ من قصور؛ وشئ من سوء التعبير فأما القصور ففى مواضع: (أ) ذكره الصحيح، وهو عنوان المادة، دون ذكر مصطلح القوم فى تقسيم الصحيح إلى صحيح لذاته، وصحيح لغيره؛ ومثل هذا ينبغى ذكره. (ب) ترك إيضاح مناط الصحة ومدارها؛ وأنه فى السند، دون المتن؛ فقد قالوا: ليس من شرطه -أى الصحيح- أن يكون مقطوعًا به، فى نفس الأمر، إذ منه ما ينفرد بروايته عدد واحد، وليس من الأخبار التى أجمعت الأمة على تلقيها بالقبول؛ وكذلك إذا قالوا فى حديث: إنه غير صحيح، فليس ذلك قطعًا بأنه كذب، فى نفس الأمر، إذ قد يكون صدقًا فى نفس الأمر، وإنما المراد أنه لم يصح إسناده على الشرط المذكور -مقدمة ابن الصلاح، ص 6 - ط الخانجى سنة 1326.

(جـ) عدم إيراد الأقاويل المتعددة فى المسند، مع أن من بينها القول: "بأن المسند قد يكون منقطعًا مثل مالك عن الزهرى، عن ابن عباس، عن رسول اللَّه [-صلى اللَّه عليه وسلم-]؛ فهذا مسند، لأنه قد أسند إلى رسول اللَّه [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وهو منقطع، لأن الزهرى لم يسمع من ابن عباس" المصدر السابق، ص 17. ففى إطلاق الكاتب القول بأن المسند هو: الذى اتصل إسناده، حتى ينتهى إلى النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] إيهام، ينبغى التحرز منه. (د) ذكره أن عدد أحاديث البخارى هو "7295" مع أن الذى فى مقدمة ابن الصلاح السابقة وغيرها من المصادر: أنها سبعة آلاف ومائتان وخمسة وسبعون، "لا تسعون" وهو فرق، ولو أنه يسير، لكنه ليس كل الفرق، إذ ينصون فى هذا الموضوع على: أن هذا عدد أحاديثه، بالأحاديث المكررة، وقد قيل إنها بإسقاط المكرر، أربعة آلاف حديث. ولعل مثل هذا الفرق بثلاثة آلاف ومائتين وخمسة وتسعين، أو سبعين، مما ينبغى الإشارة إليه. (هـ) قوله: وكل الفرق -أى بين صحيح البخارى وصحيح مسلم هو أن الإسناد يختلف اختلافا كبيرا، وبدلا من الترجمات المميزة لصحيح البخارى، يسوق لنا مسلم مقدمة قيمة، يبين فيها الشروط التى يجب أن تتوافر فى الحديث حتى يكون صحيحًا". فلم يبين ما يذكره القوم من فروق غير قليلة، بين الصحيحين، مثل: أن شرط البخارى أن يكون الراوى قد ثبت له لقاء، بمن روى عنه، ولو مرة. ومسلم اكتفى بالمعاصرة، مع إمكان اللقىِّ عادة. وأن الرجال الذين تُكلم فيهم بالضعف من رجال مسلم مائة وستون، والذين تكلم فيهم من رجال البخارى ثمانون. وأن ما انتقد على البخارى نحو ثمانين حديثًا، وما انتقد على مسلم نحو مائة وثلاثين حديثًا (عبد الغنى محمود: مصطلح الحديث: ص 9، 10 - ط الشرف سنة 1319). ومع هذا ومثله، ولا يسوغ القول بأن كل الفرق هو اختلاف الإسناد اختلافا كبيرًا، دون بيان نواحى هذا الاختلاف، وما فيه من دلالة على

نضوج النزعة القديمة عند أهل الحديث. ومع هذا القصور، لا يصح الاهتمام بوهم مثل أن صحيح البخارى يعتبر حافظًا للسفن من الغرق ونحو ذلك من الأخطار، فإن هذا ليس إلا من أوهام العامة! ! - 2 - وأما سوء التعبير، ففى قول الكاتب: أن ترجمات البخارى، "تتسم فى كثير من الأحيان بالهوى، كما تكون فى بعض الأحيان مضللة، مثال ذلك عندما يقدم لحديث يتكلم عن المساجد، التى تشد إليها الرحال، وهى المسجد الحرام، ومسجد المدينة، والمسجد الأقصى، بعنوان هو: فى فضل الصلاة فى مسجد مكة والمدينة". فالتعبير، بالهوى والتضليل، مهما تخفف ترجمته وتلطف عبارتها، وهو على كل حال تعبير سيئ، وغير علمى معا؛ ويدل على أن الكاتب لم يرجع إلى شئ مما قاله القدماء أنفسهم، عن تلاقى ترجمات البخارى للأحاديث مع عبارتها، وهو ما أسوق مثلا منه هنا، ما قاله "السندى" فى حاشيته، ونصه: "اعلم أن تراجم الصحيح على قسمين: قسم يذكره، لأجل الاستدلال بحديث الباب عليه؛ وقسم يذكره ليجعل كالشرح لحديث الباب؛ ويبين به مجمل حديث الباب مثلا؛ لكون حديث الباب مطلقًا، قد علم تقييده بأحاديث آخر، فيأتى بالترجمة مقيدة؛ لا ليستدل عليها بالحديث المطلق، بل ليبين أن مجمل الحديث هو المقيد، فصارت الترجمة كالشرح للحديث؛ والشراح جعلوا الأحاديث كلها دلائل لما فى الترجمة، فأشكل عليهم الأمر فى مواضع ولو جعلوا بعض التراجم كالشرح، خلصوا عن الإشكال فى مواضع" -هامش البخارى جـ 1، ص 1، ط الشرقية سنة 1304 - فهو منهج البخارى قد نبه عليه الأقدمون، كما ترى. وحديث "لا تشد الرحال. . الخ" الذى استشهد به الكاتب -سامحه اللَّه- على الهوى والتضليل، ليس إلا من النوع الثانى من ترجمات البخارى، قد قال فيه الشراح ما يكفى لبيان وجه ترجمة البخارى له بعبارة "فضل الصلاة فى

صدر أعظم

مسجد مكة والمدينة" فكان مما قالوا: "إن النهى مخصوص بمن نذر على نفسه الصلاة، فى مسجد من سائر المساجد، غير الثلاثة، ومنه: أن المراد حكم المساجد فقط، وأنه لا تشد الرحال إلى مسجد من المساجد للصلاة فيه غير هذه الثلاثة؛ ويؤيده حديث آخر "لا ينبغى للمصلى أن يشد رحاله، إلى مسجد يبتغى فيه الصلاة، غير المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، ومسجدى" -ابن حجر: فتح البارى بشرح صحيح البخارى، جـ 3، ص 43، ط الخشاب سنة 1319 - فلا غرابة بعد هذا كله، فى ترجمة البخارى للحديث المذكور، بقوله: "باب فضل الصلاة فى مسجد مكة والمدينة، لأنها من صنف الترجمة التى كالشرح. وما ندرى من الذى يتسم كلام فى كثير من الأحيان بالهوى، كما يكون فى بعض الأحيان مضللا؟ ! أهى تراجم البخارى أم تلك الدراسة القاصرة! ! . أمين الخولى صدر أعظم يدل معنى المصطلح الضيق على "عين الأعيان" وهو لقب حمله منذ عهد سليمان القانونى رئيس الوزراء فى الدولة العثمانية، ويسمى أيضًا صدر عالى، وصاحب دولت، ودستور أكرم وصدارت بناه، وآصف أعظم (نسبة إلى وزير سليمان النبى) ونحو ذلك (انظر ما يلى): وكان يطلق عليه من قبل لفظ وزير ثم وزير أول (أعظم؛ أكبر)؛ وبعد إلغاء لقب وزراء القبة (قبة وزير لرى) فى عهد أحمد الثالث، لم يكن يتبع فى تعيين الصدر الأعظم قاعدة معينة، بل كان يعين وفقا لهوى السلطان؛ وكان الموظف الذى يقع عليه الاختيار يتلقى دائمًا خاتمًا من الذهب يحمل ختم السلطان ويحتفظ به لديه؛ وكان الصدر الأعظم بوصفه "صاحب مُهر" أى صاحب الختم) وكيلا مطلقًا للسلطان فى الشئون المدنية والعسكرية (أهل السيف) والمناصب المدنية (أهل القلم)؛ أما العلماء فكانوا خاضعين لشيخ الإسلام ويعينهم السلطان نفسه، شأنهم فى ذلك شأن الصدر الأعظم.

وكان الصدر الأعظم يرأس الديوان، ويعقد الاجتماعات الشهرية، ويستقبل كبار الموظفين مرتين كل أسبوع، ويقوم بالتفتيش (قول) دوريًا ويمد يد المساعدة فى حالة الحريق، وكان للصدر الأعظم الحق فى أن يكون له ثمانية من حرس الشرف (شاطر) واثنا عشر جوادًا مطهما (يدك)، وسفينة فيها ثلاثة عشر زوجًا من المجذفين، ولها مظلة خضراء. وكان إذا ظهر فى الطرقات حياه الجاوش بالهتافات (آلقيش)، وهى هتافات بوزنطية الأصل، وكان من الحقوق الممنوحة له أن يمضى إلى السلطان شخصيًا فى أية ساعة من ساعات النهار أو الليل. وكان يجوز للصدر الأعظم فى زمن الحرب أن يكون القائد العام -سردار أكرم (أفخم) وأن يحمل علم النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] (سنجق شريف، وكان ثمة نائب (قائم مقام) يتولى عمله فى قصبة الدولة. كان للصدر الأعظم، كما كان لخديوى مصر، الحق فى حمل لقب الشرف دولتلى فخيمتلى، عدا الألقاب الأخرى التى كانت من حقه وهى: سامى وعالى وآصفى. وكان، قبل إصلاحات محمود الثانى، يرتدى قبعة بيضاء (قلوى بدلا من قلاوى)، شأنه فى ذلك شأن القيودان باشا وهى قبعة على هيئة الهرم مقطوع الطرف، لها حفاف مستديرة ومحلاة بعصاة منحرفة من الذهب. وكان منصب الصدارة العظمى منصبًا مزعزعًا سريع الزوال؛ وكان الصدر الأعظم الذى يصدر الأمر بعزله يسلم خاتمه فى حفل عام ويذهب إلى منفاه إذا سمح له بالبقاء على قيد الحياة، ولم يكن المنصب وراثيًا ومن ثم لم يكن يبقى فى الأسرة نفسها إلا بطريق الاستثناء (مثل أسرة كوبريللى). وأصبح الصدر الأعظم مسئولا أمام البرلمان بعد دستور سنة 1908. وقد ظل السلطان يعين شيخ الإسلام، كما ظل يعين الصدر الأعظم؛ وكان الصدر الأعظم هو الذى يختار زملاؤه، على أن هذين الموظفين الكبيرين اختفيا باختفاء السلطان نفسه سنة 1922 (قانون أنقره الصادر فى أول نوفمبر) وكان آخر صدر أعظم هو داماد فريد باشا، وقد توفى فى نيس فى 6 من أكتوبر

المصادر

سنة 1923، وأصبح رئيس المجلس منذ ذلك الحين يلقب بلقب "باش وكيل"، وهو لقب حاول محمد الثانى أن يقرره سنة 1838. المصادر: (1) Des Osm Reichs Stratsverfassung: J.V.Hammer، مجلدان، فينا 1815. (2) المؤلف نفسه: Histoire de L'Empire Ottoman، باريس 1835 - 1843. (3) Mouradgea d'Ohsson Tabl-gen.de d'Emp,Ott، جـ 7 (1824). (4) Droit public . . . de l'Emp.ott: Heidbom، فيينا 1908 وما بعدها. (5) أحمد راسم: عثمانلى تاريخ، الآستانة 1326 وما بعدها (6) عين على رساله سى (7) آصف نامه وزير لطفى باشا (طبعة Tschudi، Turk Bibl) جـ 12 (1910) (8) of the Ottoman (سالنامه) Gazettes Empire, فى مجلد واحد. صبحى [دنى J.Deny] صدر الدين محمد بن إبراهيم، الملقب بملّا صدرًا؛ متكلم وفيلسوف فارسى من العهد الصفوى، وهو ابن وال من ولاة فارس، وقد لقب بهذا اللقب لمواهبه العظيمة، ولا يزال يلقب "بآخوند" (السيد). ولد صدر الدين فى شيزار وقضى وقتا طويلا معتزلا الناس فى جبال قم، وقد تنقل فى فارس ودرس العلم فى أصفهان على الشيخ بهائى وأمير محمد باقر داماد، وفقًا لتعاليم سيد أبى القاسم الفندرسكى. ولما انتهى وردى خان، والى فارس، من بناء المدرسة التى أقامها فى شيزار، طلب من صدرا، وكان يقيم عندئذ فى قم، أن يعود إلى وطنه ونصبه أستاذًا فى مؤسسته الجديدة. واستأنف ملا صدرا تدريس ابن سينا، وأراد أن يتحاشى اضطهاد المجتهدين، فأخفى نظرياته باصطناع الكتمان مستخدمًا عبارات تعمد فيها الغموض. وكان من تلاميذه محسن فائض وعبد الرازق والقاضى سيد القمى؛ وقد حج إلى مكة سبع مرات

المصادر

وتوفى فى البصرة سنة 1050 هـ (1642 م) فى طريق عودته من حجته السابعة. وكان صدر الدين كاتبًا مكثرًا كتب نحوًا من عشرين مجلدًا، بعضها تفسير لسور شتى من القرآن وبحث فى الأحاديث الصحيحة، وخمسون رسالة فى الإلهيات، وأربع وأربعون رسالة فى المسائل الغامضة من العقائد كتبت فى جبال قم، وأربع كتب فى الرحلات ذكرها رضا قلى خان. ويحتفظ المتحف البريطانى بكتاب "طعن بر مجتهدين"، وهو رد على فقهاء الشريعة ودفاع عن الدراويش، كما يحتفظ بكتاب "الواردات القلبية". المصادر: (1) رضا قلى خان: روضة الصفا ناصرى (طهران 1274)، جـ 8 (غير مرقم، الصفحة قبل الأخيرة) حيث ورد ذكر بعض كتبه (2) Catalague Pers. MSS.Brit.Mus.: Ch. Rieu، لندن، جـ 2، ص 829 (أ)، س 9 - 10 (وهو يذكر زينة التواريخ لرضا تبريزى وعبد الكريم الشهاورى، مخطوط، الورقة؛ 554) (3) Religions et philosophie dans L'Asie Centrale: Cte de Gobineau, باريس 1900، ص 80 وما بعدها (4) History of persian Literature in modern times: E.G.Browne، انظر الفهرس، كمبردج 1924 صبحى [إيوار Cl.Huart] صدقة (*) الصدقة ما يعطى فى ذات اللَّه للفقراء، ويرى كتاب العرب أن كلمة صدقة مأخوذة من فعل صدق، بمعنى قال الحق، وهى ترجع إلى أن تصدق المسلم يدل على صدق إيمانه لكن يرجح أن كلمة صدقة هى الكتابة العربية للكلمة العبرية. صداقا التى كانت تدل فى الأصل على "السيرة الصالحة" فيما اعتبروه أكبر واجبات التقى، وهو إعطاء الفقراء وهذا المعنى قد بقى للكلمة حتى عصر ظهور الإسلام وما بعده. وعلى هذا فإن المعنى الحقيقى للكلمة هو إيتاء الفقراء اختيارًا أو بدافع يدفع الإنسان من ذاته، وهو البر والإحسان. ¬

_ (*) توجد تعليقات تفند آراء الكاتب تلى هذه المادة مباشرة.

على أن علماء العرب يستعملون كلمة صدقة فى معنيين: فهى أولا كثيرا ما تستعمل مرادفة لكلمة زكاة التى فرضها الشرع للفقراء، وهذه ليست بالصدقة الاختيارية ومقدارها محدد؛ وقد وردت بهذا المعنى فى القرآن الكريم، (سورة التوبة، الآية 58 وما بعدها؛ آية 103 وما بعدها؛ انظر معجم Lane تحت الكلمة نفسها)، كما وردت أيضًا فى موطأ مالك بن أنس (كتاب الزكاة) حيث تذكر كلمة صدقة فى بعض الأحيان بدلا من كلمة زكاة. ويظهر أن مالكا يفعل هذا إذا كانت الحالة حالة زكاة المواشى، على أنه يفعله أيضًا فى حالات غير ذلك. ومن جهة أخرى يظهر أن كلمة صدقة فى البخارى تقوم مقام كلمة زكاة دون تمييز بين الكلمتين، وتستعمل الكلمتان مترادفتين فيما يظهر. وتوجد أمثلة على ذلك فى هوامش ترجمة هوداس مارسيه، فمثلا تستعمل الكلمتان فى باب 31 من كتاب الزكاة فى معنى واحد. وفوق هذا فإن البخارى يستعمل كلمة زكاة حيث يستعمل مالك كلمة صدقة ومع ذلك فهو يذكر حديث: "ليس فيما دون خمس ذود من الإبل صدقة" كما هو وارد عند مالك تمامًا، لكنه يذكر عبارة "صدقة الفطر" حيث يذكر مالك العبارة المألوفة "زكاة الفطر" ونجد هذا الاستعمال للكلمتين دون تمييز عند المؤلفين المتأخرين سواء من الفقهاء أو المؤرخين (مثال ذلك ابن الأثير فى كتابه الكامل جـ 3 ص 42، نقلا عن الطبرى). وإذا كان هناك أى شك فى كون هذه الصدقة والزكاة شيئا واحدًا، فإنه ينقضى دون أية مشقة بسبب أن الطوائف الست أو السبع من الأشخاص الذين لهم الحق فى الانتفاع بالصدقة أو الزكاة هم هم فى الحالين: الفقراء والمساكين والعاملون عليها والمؤلفة قلوبهم وأسارى المسلمين فى بلاد الأعداء والغارمون والمجاهدون فى سبيل اللَّه وابن السبيل. على أن كلمة صدقة تستعمل، كما تقدم القول، فى معنى التصدق الاختيارى. وللتمييز بين الصدقة المفروضة وبين الصدقة الاختيارية يقال فى هذا المعنى "صدقة التطوع".

وفى المواضع التى ترد فيها كلمة صدقة فى القرآن -عدا الموضعين اللذين تقدمت الإشارة إليهما- فإنها فيما يظهر تستعمل فى هذا المعنى أيضًا: يجوز إعطاء الصدقة علانية (سورة البقرة، الآية 274) بشرط ألا يكون ذلك رياء (سورة البقرة، الآية 264)، لكن إعطاء الصدقة سرًا أفضل، والصدقة تجلب من الفائدة لصاحبها أكثر مما يجلبه الربا (سورة البقرة، الآية 276) (¬1) لكن يجب أن تكون الصدقة ابتغاء مرضاة اللَّه وتثبيتًا من النفس المؤمنة (سورة البقرة، الآية 265)، ولا يجوز السخرية بالذين يتطوعون فى الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم (سورة التوبة، الآية 79)؛ ومن يأمر بصدقة فله من اللَّه أجر عظيم (سورة النساء، الآية 114). وإذا أراد أحد أن يناجى الرسول عليه الصلاة والسلام فليقدم بين يدى نجواه صدقة يترك له تحديد مقدارها لكن ذلك يتسامح فيه إذا كان أصحاب النجوى قد أدوا ما عليهم من زكاة (سورة المجادلة، الآية 12 وما بعدها) ويجوز أيضًا إعطاء الصدقة بدلا من واجبات أخرى مثل حلق الرأس بعد الحج (سورة البقرة، الآية 196). وهذه الآيات من القرآن الكريم هى بطبيعة الحال أساس للكثير مما نجده عند الكتاب المتأخرين. فمالك بن أنس كثيرًا ما يذكر فى كتاب الزكاة من موطئه كتابا لعمر بن الخطاب خاصا بالصدقة، لكن هذا الكتاب لا يتناول للأسف إلا الصدقة، بمعنى الزكاة ومالك نفسه يتكلم عن الصدقة بمعناها اللغوى فى الفقرات الأخيرة من كتابه فى مقام الكلام عن أشياء كثيرة متنوعة. وهو لا يستعمل أية تسمية خاصة مثل عبارة "صدقة التطوع" وهو تحت عنوان "الترغيب فى الصدقة" يذكر حديثا للنبى -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من تصدق بصدقة من كسب طيب، ولا يقبل اللَّه إلا طيبًا، كان إنما يضعها فى كف الرحمن، يربيها كما يربى أحدكم فلوه أو فصيله، حتى تكون مثل الجبل". وعن أنس بن مالك أن أبا طلحة كان ¬

_ (¬1) يشير كاتب المقال إلى آية {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} وهى كما تقرأ- تفيد محق الربا، ولا أنه يجلب فائدة أقل من الصدقة، ويقابل محق الربا إرباء الصدقة، فعبارة الكاتب غير سديدة.

أكثر الأنصار بالمدينة مالا من النخل. وكان أحب أمواله إليه بَيرحاء، وكانت مستقبلة المسجد، وكان الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- يدخلها ويشرب من ماء طيب فيها، فلما نزل قوله تعالى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ. .} (سورة آل عمران الآية 92) قام أبو طلحة إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وقال: يا رسول اللَّه إن أحب أموالى إلىّ بيرحاء وإنها صدقة للَّه، ! أرجو برها وذخرها عند اللَّه، فضعها يا رسول اللَّه حيث شئت، فقال له الرسول: بخ! ذلك مال رابح، ذلك مال رابح؛ ذلك مال رابح وقد سمعت ما قلت فيه؛ وإنى أرى أن تجعلها فى الأقربين. فامتثل أبو طلحة لكلام الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- وقسم بيرحاء فى أقاربه وبنى عمه. وعن زيد بن أسلم أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إعطوا السائل وإن جاء على فرس"، وعنه عليه السلام أنه قال للنساء المؤمنات ألا تحقر إحداهن أن تهدى لجارتها" ولو كراع شاة مخرقًا". ويروى عن عائشة رضى اللَّه عنها أن مسكينًا سألها وهى صائمة، وليس فى بيتها إلا رغيف، فقالت لمولاة لها: أعطيه إياه فقالت المولاة: ليس لك ما تفطرين عليه، فقالت عائشة: أعطيه إياه، ففعلت، قالت المولاة: فلما أمسينا أهدى لنا أهل بيت شاة وكفنها. وعن أبى سعيد الخدرى أن ناسًا من الأنصار سألوا الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- فأعطاهم، ثم سألوه فأعطاهم حتى نفذ ما عنده ثم قال ما يكون عندى من خير فلن أدخره عنكم ومن يستعفف يعفه اللَّه، ومن يستغن يغنه اللَّه، ومن يتصبر يصبره اللَّه، وما أعطى أحد عطاء هو خير وأوسع من الصبر". ويروى أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال، وهو على المنبر، يذكر الصدقة والتعفف عن المسئلة: اليد العليا خير من اليد السفلى واليد العليا هى المنفقة والسفلى هى السائلة". ويروى أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- أرسل إلى عمر ابن الخطاب بعطاء، فرده عمر، فلما سأله النبى -صلى اللَّه عليه وسلم- عن ذلك قال: يا رسول اللَّه أليس أخبرتنا أن خيرًا لأحدنا ألا يأخذ من أحد شيئًا؟ فقال الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- "إنما ذلك عن المسئلة فأما ما كان من

غير مسألة فإنما هو رزق يرزقكه اللَّه" فقال عمر: أما والذى نفسى بيده لا أسأل أحدًا شيئًا ولا يأتينى شئ من غير مسألة إلا أخذتُه". وعن أبى هريرة أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: والذى نفسى بيده، لأن يأخذ أحدكم حبله فيحتطب على ظهره خير له من أن يأتى رجلًا أعطاه اللَّه من فضله، فيسأله، أعطاه أو منعه". وعن رجل من بنى أسد أنه نزل هو وأهله ببقيع الغرقد فقال له أهله: اذهب إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فاسأله لنا شيئًا نأكله، فذهب إلى الرسول فوجد عنده رجلًا يسأله والرسول يقول له: لا أجد ما أعطيك، فتولى الرجل عنه وهو مغضب، فقال الرسول: "إنه ليغضب على أن لا أجد ما أعطيه، من سأل منكم وله أوقية أوعَد لها فقد سأل إلحافًا". فرجع الأسدى من غير أن يسأل الرسول، فقدم على الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- بعد ذلك بشعير وزبيب، فقسم للأسدى منه حتى أغناه اللَّه؛ ويقول مالك أن الأوقية أربعون درهما. ويذكر مالك تحت عنوان "ما يُكره من الصدقة" أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا تحل الصدقة لآل محمد، إنما هى أوساخ الناس". وكذلك لم يكن يجوز للنبى -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يتصدق من أموال الصدقة أى الزكاة) وإنما كان يجوز له أن يتصدق من ماله الخاص. ويروى عن أسلم أن عبد اللَّه ابن الأرقم سأله أن يدله على بعير من المطايا ليطلب من عمر رضى اللَّه عنه أن يحمله عليه، فقال أسلم: نعم، جملا من الصدقة، فقال عبد اللَّه بن الأرقم: أتحب أن رجلا بادنا فى يوم حار غسل لك ما تحت إزاره ورفغيه ثم أعطاكه فشربته؟ فغضب أسلم وقال: يغفر اللَّه لك، أتقول لى مثل هذا؟ فقال عبد اللَّه بن الأرقم: إنما الصدقة أوساخ الناس، يغسلونها عنهم (فى هذا المقام بعض الخلط الهين بين معنيى كلمة صدقة). وفى القرن التالى يتناول البخارى فى الكتاب الرابع عشر من صحيحه، وهو الكتاب الذى موضوعه الزكاة، الصدقة بمعنييها، وربما كان لم يفطن إلى أنه يتكلم عن شيئين مختلفين. وهو فيما يتعلق بالصدقة الاختيارية يقول فى أبواب شتى أن الصدقة واجبة على المسلم، فمن لم يجد فعليه أن يعمل بيده

فينفع نفسه ويتصدق، فإن لم يجد فليعمل بالمعروف وليمسك عن الشر، فإن ذلك له صدقة. ويجب أن تكون الصدقة التى يؤتيها الإنسان متناسبة مع مقدرته، وأن تكون من الزائد مما يملك، ويجب أن يعطى الإنسان الصدقة بيده اليمنى وأن يعطيها لمن يستحقها؛ ويجوز للمرأة أن تتصدق من بيت زوجها من غير إفساد، كما يجوز للخادم أن يتصدق بأمر سيده. وعلى الإنسان أن يتعفف عن المسألة، لكن يجب أن تؤخذ الزكاة من أموال الأغنياء وترد على الفقراء؛ والصدقة تكفر الذنوب. والغزالى يتناول الصدقة فى كتاب "أسرار الزكاة" من إحياء علوم الدين، وخصوصا فى الوظيفة الثامنة، حيث يعين من تزكو به الصدقة، فهو يجب أن يكون تقيا معرضا عن الدنيا؛ من أهل العلم؛ صادق التقوى؛ مستترًا مخفيًا لحاجته معيلا أو محبوسا بمرض أو سبب من الأسباب، من الأقارب وذوى الأرحام. ويتكلم الغزالى فى الفصل الرابع عن صدقة التطوع، وهو بعد أن يذكر أحاديث للنبى -صلى اللَّه عليه وسلم- وأقوالا للصحابة والصالحين يتناول المسألة التى وردت فى القرآن الكريم: وهى مسألة إخفاء الصدقة وإظهارها أيهما أفضل. فالذين مالوا إلى إخفائها قالوا: إن الإخفاء أستر على الأخذ وأحفظ لمروءته، وإنه أسلم لقلوب الناس وألسنتهم، فإنهم ربما يحسدون الآخذ أو ينكرون عليه الأخذ ويظنون أنه أخذ مع الاستغناء. والذين مالوا إلى الإظهار قالوا: إن الإظهار فيه معان من الإخلاص والصدق والسلامة عن تلبيس الحال والمراءاة ومن إسقاط الجاه والتبرى عن الكبرياء وغير ذلك. والغزالى ينتهى، كما ينتهى السير روجر دى كافرلى، إلى أن الاختلاف ليس اختلافًا فى المسألة بل هو اختلاف فى الحال، وأنه لا يقطع بأن الإخفاء أفضل فى كل حال أو الإظهار أفضل، بل يختلف ذلك باختلاف النيات، وتختلف النيات باختلاف الأحوال والأشخاص. بعد هذا ينتقل الغزالى إلى بحث مسألة: هل الأفضل الأخذ من الصدقة أو من الزكاة، فالبعض يفضل الأخذ من

المصادر

الزكاة لأن الزكاة واجب فرضه الشرع ولا تلزم آخذها بشئ، ومن جهة أخرى قد يحدث أن يأخذ الزكاة غير المستحق لها؛ وفى الزكاة أيضًا لا محل للإرادة الشخصية للبر. والغزالى فى هذا المقام كذلك لا يريد وضع قاعدة عامة، ويقول: إن الأمر يختلف باختلاف الأحوال. وابن العربى يتناول هذا الموضوع فى "الفتوحات المكية"، (باب 70) فى أسرار الزكاة، وهو أيضًا يحاول أن يوضح قيمة كل من الصدقة الخفية والظاهرة، وقد تقدم ذكر تعريفه لصدقة التطوع. وآراء الشيعة فى الصدقة والزكاة تتفق فى الجملة مع آراء أهل السنة؛ فالفريقان يستثنون آل بيت النبى -صلى اللَّه عليه وسلم- من أخذ الزكاة إلا أن الشيعة يجوزون لآل البيت أخذ نصيب من الصدقة. إن البر بالفقراء شئ مميز للشعوب السامية. على أن العرب لم يكونوا يأبهون كثيرًا لأحاسيس المشاركة للغير فى آلامهم، وإنه من الجائز أن يكون البر بأهل الحاجة سواء كان بالمعونة الاختيارية أو الإجبارية، ولم تكن الصدقة قبل الإسلام علامة مميزة فى جزيرة العرب؛ ويذكر فريتاك (Freyag: Proverbia Arabum, فصل 24، رقم 5) المثل القائل: "ما صدقة أفضل من صدقة من قول". المصادر: (1) الموطأ لمالك بن أنس (قاس 1318 هـ) جـ 1 ورقة 19، جـ 4، ورقة 23. (2) الصحيح للبخارى (ط. كريل) جـ 1، ص 352 وما بعدها وترجمة Houdas و Mercais بعنوان Les traditions islamiques (1903 - 1908) جـ 1، ص 453 وما بعدها. (3) إحياء علوم الدين للغزالى (القاهرة 1326 هـ)، جـ 1، ص 149 وما بعدها.

تعليق على مادة "صدقة" للأستاذ أمين الخولى

(4) الفتوحات المكية لابن العربى (القاهرة 1329)، جـ 1، ص 562 وما بعدها. (5) الهداية للمرغينانى، وهو شرح على الكفاية للمؤلف نفسه، طبعة عبد المجيد وآخرين (كلكته 1843 م) جـ 1، ص 481 وما بعدها (باب صدقة السوائم) ترجمة تشارلس هاملتون Charles Hamilton (1791 م) جـ 3، ص 310 وما بعدها. (6) منهاج الطالبين للنووى، طبعة فاندنبرغ (Van den Berg) ص 193، ترجمة فاندنبرغ و E.C. Howard (لندن 1914) ص 277 وما بعدها. (7) Hundbuch des islamischen Gesetzes: T.W.Juynboll، ليدن وليبسك 1910) ص 109 وما بعدها. (8) Recueil des lois concernant les musulmans Schyites: A.Querry (باريس 1871 ترجمة عن كتاب شرائع الإسلام لجعفر بن سعيد الحلى). أبو ريدة [فاير T.H.Weir] تعليق على مادة "صدقة" للأستاذ أمين الخولى - 1 - يبدو لى دائما أن نعنى فى التعليق بتصحيح منهج القوم أول كل شئ فإذا بان فساد المنهج فحسبنا ذلك تعليقا، ولا داعى للإطالة بأكثر من ذلك: (أ) قول الكاتب ". . لكن كلمة صدقة ليست شيئًا سوى الكتابة العربية للكلمة العبرية "صداقا" التى كانت تدل فى الأصل على السيرة الصالحة. . الخ. وهى عبارة يشيع فيها الهوى والخفة فى تقرير أخذ العربية لكلمة صدقة عن العبرية والمهم فى ذلك وضوح فساد المنهج لأن الأصل اللغوى الذى عند الكاتب وقومه هو أن العربية أخت العبرية وأمهما واحدة، فاحتمال وجود كلمة "صدقة" فى اللغة الأم، ثم فى بنتها احتمال جد قريب ومع قربه هذا لا يهون هكذا القول بالأخذ الصرف، دون أن يكون للكلمة فى

العبرية معنى لا تعرفه الحياة العربية مثلا. وربما كان الاتجاه النفسى للكاتب هو الذى هيأ للملاحظة المنهجية الثانية وهى: (ب) قول الكاتب: إن البر بالفقراء شئ مميز للشعوب السامية، على أن العرب لم يكونوا يأبهون كثيرًا لأحاسيس المشاركة للغير فى آلامهم. فمنهجه فى هذا التعبير مضطرب، بل شديد الاضطراب؛ لأن سامية العرب لاشك فيها عنده أبدا؛ فهم بذلك يدخلون فى الأصل العام الذى ميز به الشعوب السامية؛ وتعبيره هذا يحرجه حين يريد إخراج العرب مما قرره من المميز العام لأقوامهم؛ فيحتاج فى هذا الإخراج المخالف لأصله هو إلى وجه قوى جدا يمكن به مخالفة الأصل المعترف به عنده؛ وهو ما لم يأت بشئ أى شئ منه. بل ساق دعواه هكذا دون بيان ما. وإذا وضح فساد المنهج على هذه الصورة لا تكون هناك ضرورة لمناقشة الكاتب فى إخراج العرب عن الميزة الخاصة للشعوب السامية فى البر بالفقراء. وبدا ما أشير إليه قريبا من أن خفة عبارة الكاتب فى أخذ كلمة صدقة من العبرية واستهواءه بذلك يتصل عنده نفسيًا بعدم عنايتهم بأحاسيس المشاركة للغير فى آلامهم. . ولكن هذه الرغبة النفسية قد صادمت الأصول العامة لغويًا واجتماعيًا، ولم يستطع الكاتب أن يبررها بشئ فبقيت ظاهرة دالة على حالته هو، غير منتهية إلى شئ مما يهوى -وآفة العلم الهوى. - 2 - ومن فساد منهج الدرس اكتفاء الكاتب بمرجع واحد غير عربى، "هو معجم ليز" ليقرر به أن كلمة صدقة فى آية التوبة {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا}. . الآية، إنما يراد بها الزكاة المفروضة المحددة وهى ليست بالصدقة الاختيارية. والكاتب يصر على هذا الفهم، ويعود

إليه يكرره ويقرره بقوله: وفى المواضع التى ترد فيها كلمة صدقة فى القرآن الكريم، عدا الموضعين اللذين تقدمت الإشارة إليهما، فإنها فيما يظهر تستعمل فى هذا المعنى أيضًا. أى أن كل ما فى القرآن الكريم من استعمال كلمة صدقة يحتمل الزكاة المفروضة وصدقة التطوع، إلا الموضعين اللذين أشار إليهما ومنهما الآية 103 من التوبة: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً. . .}. ولا وجه لتكرار الكلمة هذا الإصرار على قصر معنى الصدقة فى هذه الآية على الزكاة المفروضة، لأنه وجدها هكذا فى المرجع ولا أقل من أن يجد فى هذا المرجع تصريحه بأنها لا تحتمل غير معنى الزكاة المفروضة، فيعذر إذ ذاك فى تقليده لهذا القائل: وإن كان لا يعذر بما هو باحث لا يصح منه التقليد. وفى المقام مرجع يصرح باحتمال أن يكون معنى الصدقة فى هذه الآية غير الزكاة المفروضة، وذلك هو القرطبى فى كتابه الجامع لأحكام القرآن جـ 8، ص 244 ط دار الكتب إذ يقول ما نصه: - "اختلف فى هذه الصدقة المأمور بها، فقيل هى صدقة الفرض. . وقيل هو مخصوص بمن نزلت فيه فإن النبى -صلى اللَّه عليه وسلم- أخذ ثلث أموالهم، وليس هذا من الزكاة المفروضة فى شئ. ولا موضع مع مثل هذا الإصرار، وتكرار أن كل ما فى القرآن الكريم من لفظ صدقة يراد به الزكاة أو صدقة التطوع إلا موضعين منهما هذه الآية. وكان ينبغى على الباحث ذى المنهج الصحيح أن يقدر أن تفسير معناها فى مصدر واحد لا يكفى لهذا كله. . وعند هؤلاء القوم ينبغى أن يلتمس اليوم المنهج الدقيق. أمين الخولى

صدقة بن منصور

صدقة بن منصور ابن دُبيس بن على بن مزيد سيف الدولة أبو الحسن الأسدى أمير الحلة، توفى أبوه سنة 479 هـ (1086 - 1087 م) فأقرّه ملكشاه السلجوقى أميرا على بلاد بنى مزيد على الشاطئ الأيسر لنهر دجلة. وأثناء النزاع بين السلطان بركيارق وأخيه محمد وقف صدقة أول الأمر إلى جانب الأول، فلما طلب منه الأعز أبو المحاسن الدهستانى وزير بركيارق مبلغا كبيرًا من المال سنة 494 هـ (1100 - 1101 م) وهدده بالحرب إن لم يدفعه، خرج صدقة عن طاعة بركيارق وقطع الخطبة له وجعلها لمحمد، ثم حاول السلطان أن يعود إلى استمالته بالوسائل السلمية، لكن صدقة طلب تسليم الوزير إليه، فلما لم يمكنه بركيارق من ذلك لم تسفر المفاوضات عن شئ، وبدلا من أن يستسلم صدقة أخرج والى السلطان من الكوفة واحتلها بنفسه. وفى السنة التالية بنى مدينة الحلَّة، وكان بنو مزيد حتى ذلك الحين يعيشون فى الخيام. ولما ظهر كمشتكين القيصرى فى بغداد بأمر بركيارق فى منتصف ربيع الأول سنة 496 هـ (آخر ديسمبر سنة 1102 م) تحالف نائب (¬1) وهو إيلغازى بن أرتق، مع صدقة. وفى هذه الأثناء كان الخليفة المستظهر قد أعاد بركيارق إلى منصب السلطنة، لكن صدقة ظل ممتنعا عن الاعتراف له بالطاعة، ولم يلبث أن ترك الدعاء لبركيارق من على المنابر وصار الأئمة يكتفون بالدعاء للخليفة فحسب دون ذكر أحد من السلطانين المتنازعين. لكن الصراع استؤنف؛ وما وافى ربيع الثانى (يناير 1103) حتى كان كمشتكين قد اضطر إلى الجلاء عن بغداد، ولم يستطع الثبات فى واسط أيضًا، فنودى بمحمد سلطانًا فى المدينتين معا. وهنالك مد صدقة نفوذه على شطر كبير من أرض العراق، وفى السنة نفسها استولى على مدينة هيت على الفرات، وكان بركيارق قد أقطعها أحد أتباعه، وجعل ابن عمه ثابت ابن كامل واليا عليها. وفى شوال ¬

_ (¬1) يسمى النائب باسم الشحنة. (المترجم)

497 هـ (يونية - يولية 1104) وقع الأمر نفسه فى مدينة واسط فأقيم مهذب الدولة السعيد بن أبى الخير واليا عليها، ثم جاء دور البصرة وكانت أثناء الحرب بين بركيارق وإخوته قد وقعت فى يد إسماعيل بن أرسلانجق السلجوقى، ولم يستطع السلطان محمد أن يفكر فى طرد إسماعيل عنها إلا بعد موت بركيارق. وفى سنة 499 هـ (1105 - 1106 م) طلب من صدقة أن يقاتل إسماعيل فخرج فى جمادى الأولى من السنة نفسها (يناير - فبراير 1106) لقتال إسماعيل، ولم يلبث إسماعيل أن اضطر للتسليم، فعين صدقة مملوكا كان لأبيه اسمه ألتونناش واليا على البصرة، على أن نهابة من العرب لم يلبثوا أن وثبوا به وأسروه فأقام السلطان نفسه واليا آخر مكانه. وفى صفر سنة 500 هـ (أكتوبر 1106 م) اضطر أمير تكريت كيقباذ بن عزارسب الديلمى إلى التسليم أيضًا، وذلك أنه بعد موت بركيارق كان محمد قد أنفذ الأمير آقسنقر البرسقى إلى تكريت لاحتلالها. على أن كيقباذ لم يكن خليقا بأن يستسلم فحاصره آقسنقر ودام الحصار عدة شهور أدرك كيقباذ بعدها أنه يستحيل عليه أن يثبت له فطلب حضور صدقة وسلم له المدينة، وعند ذلك أقيم ورام بن أبى فراس بن ورام واليا على تكريت. غير أن محمدًا لم يطق أن يظل دائمًا يشهد هادئ البال نفوذ صدقة يعلو، وخاصة أن صدقة لم يكن يتحرج أبدًا من أن يأوى كل من كان يغضب عليه السلطان. فلما التجأ إليه أمير ساوة أبودلف سرخاب بن كيخسرو وأجاره وامتنع من تسليمه جاءت القطيعة الصريحة آخر الأمر بين السلطان وتابعه، فخرج السلطان بنفسه من بغداد على رأس جيش كبير؛ وفى المعركة الدامية التى وقعت بحسب الرواية المتواترة فى النصف الثانى من رجب سنة 501 هـ (أول مارس سنة 1108) قتل صدقة فى التاسعة والخمسين من عمره. وكان يلقب كما لقب آباؤه من قبل بلقب "ملك العرب" وقد امتدحه شعراء العرب ومؤرخوهم

المصادر

بأعظم المديح، لحميد خصاله، وخاصة لكرمه ونجدته. ويصفه أ. موللر (Der Islam im Morgen-und in Ibendland: A.Muller، جـ 2، ص 122) بحق أنه كان "بدويًا. . شجاعا مقداما. . ". المصادر: (1) ابن خلكان: طبعة فستنفلد، السيرة رقم 301 (ترجمة ده سلان، جـ 1، ص 634) (2) ابن الأثير: الكامل، طبعة تورنبرغ جـ 10، فى مواضع كثيرة (3) أبو الفداء: التاريخ، طبعة ريكه جـ 3، ص 264، 308، 344، 354، 358، 362 (4) Recueil de texes relat,a l'hist. des Seldjoueides: Houtsma، جـ 2، ص 76، 102، 259 (5) Recueil des historiene des crsitd des Hist.or، جـ 1، ص 9، 247 - 252، جـ 3، ص 487، 517، 531 (6) Cesch. des Chalifen: Weil، جـ 3، ص 156 - 159. أبو ريدة [تسترشتين K.V.Zettersteen] الصديق الصِّدِّيق: (ولعله من الآرامية صَدِّيق) (¬1): لقب أبى بكر أول الخلفاء الراشدين، ومعنى الصديق عظيم الصدق، والدائم الصدق. ويقول ابن إسحق: إن أبا بكر لقب بهذا اللقب حين تزعزع إيمان بعض المسلمين بالنبى عليه الصلاة السلام إثر حديثه عن المعراج، فشهد أبو بكر بأن النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] قد صدق كل الصدق فى وصفه لبيت المقدس، ورد إليهم بذلك ثقتهم فى النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وثمة رواية أخرى تقول: إن النبى شكا لجبريل قلة إيمان قومه، فأجابه جبريل "أبو بكر يصدقك، فهو الصديق". والقول الذى جاء به القرآن الكريم: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ. .} (سورة الزمر، الآية 33) قد فسر فى رواية عن على بن أبى طالب، بأن الذى جاء بالصدق محمد عليه الصلاة والسلام، والذى صدق به أبو بكر. والظاهر أن هذا التفسير له صلة بلقب أبى بكر. ¬

_ (¬1) لم يأت كاتب المادة بأية بينة على هذا الزعم.

المصادر

ولم يلقب بهذا اللقب فى القرآن الكريم إلا يوسف عليه السلام (سورة يوسف، الآية 46) بمعنى الصادق الحكم. ويوصف بالصديق أنبياء مثل إدريس عليه السلام (سورة مريم، الآية 56) وإبراهيم عليه السلام (سورة مريم، الآية 41). ويقال لمريم "صديقة" (سورة المائدة) الآية 75. ويقال للذين يؤمنون باللَّه حق الإيمان الصديقون (سورة الحديد) الآية 19. وقد جرى القول بتلقيب كل من يرد نسبه إلى أبى بكر بلقب البكرى الصديقى؛ فإذا أريد اختصار هذا النسب فُضل الاقتصار على الصديقى وحسب. المصادر: (1) ابن هشام: طبعة فستنفلد، ص 264. (2) الطبرى: طبعة ده غوى، جـ 1، ص 2133. (3) ابن سعد: الطبقات، جـ 3، قسم 1، ص 12. (4) Lexicon: Lane جـ 4، طبعة 1667: أ؛ طبعة 1668 م، ب، ج (5) Surnoms et sobriquets dans la Litterature arabe: Barbier de Meynard، فى J.A، السلسلة العاشرة جـ 10، ص 62. (6) Koranische Untersuchugen: J.Horovitz، برلين وليبسك 1926 م، ص 49. (7) De Vocabulis in ant.corm arab et in Corono Peregrenis: Frankel، ليدن 1880، ص 30 خورشيد [فكا V.Vacca] الصفا أكمة عند مكة لا تكاد الآن تعلو عن سطح الأرض، ومعنى هذا الاسم كمعنى أكمة المروة التى تقوم تجاه الصفا، أى الحجر أو الحجارة (الطبرى: التفسير، سورة البقرة، الآية 158). ويسعى المسلمون، كما هو معروف، بين الصفا والمروة إحياء للقصة (البخارى: الأنبياء، باب 9) التى تروى أن هاجر سعت رائحة غادية بين هذين

المصادر

المرتفعين باحثة عن عين تروى بها ظمأ ولدها. المصادر: (1) ياقوت: المعجم، طبعة فستنفلد، جـ 3، ص 397. (2) Hand buch des islamischen Gesetzes: Juynboll (ليدن ليبسك 1910)، ص 136 - 137. (3) Het Mekkaansche Feest: Snouck Hurgronje (ليدن 1880). ص 114 = Verspr.Geschrift, جـ 1، ص 67 وما بعدها. (4) Restearabischen Heidentues: Wellhausen، الطبعة الثانية، برلين 1897، ص 77. خورشيد [جويل B.Joel]. الصفدى صلاح الدين خليل بن أيبك بن عبد اللَّه أبى الصفاء، ولد سنة 696 أو 697 هـ (1296/ 97 م) وورد بمخطوط الدرر الكامنة بالمتحف البريطانى، القسم الشرقى، رقم 3034، أنه ولد حوالى سنة 694 هـ. وكان الصفدى من أصل تركى ويروى هو نفسه أن أباه لم يتح له القدر الواجب من التعليم، وإنما شرع الصفدى فى التحصيل عندما بلغ العشرين من عمره، وكان خطه بديعا كما نتبين من توقيعاته العديدة التى وصلت إلينا، وكان يؤم دروس خيرة الشيوخ فى زمانه ومنهم أبو حيان النحوى والشعراء شهاب الدين محمود وابن سيد الناس وابن نباتة، ثم غدا صديقا حميما للكاتبين المشهورين شمس الدين الذهبى وتاج الدين السبكى. وقد تولى الصفدى أول ما تولى منصب الكاتب فى مسقط رأسه صفد، ثم فى القاهرة، ثم فى حلب والرحبة، وعهد إليه آخر الأمر القيام على بيت المال فى دمشق، وقد أصيب الصفدى بالصمم فى أخريات أيامه، وتوفى بدمشق فى العاشر من شوال سنة 764 هـ (1362/ 63 م)؛ وكان الصفدى كاتبًا مكثرًا إلى حد عجيب، وقد ذكر فى سيرته التى كتبها بقلمه أن مصنفاته ستملأ خمسمائة مجلد وأن ما دبجه قلمه وهو يتولى منصب الكاتب يملأ ضعف هذا القدر من المجلدات على

الأقل، ويقتصر كتاب سيرته على ذكر أهم مصنفاته، وكثير منها دواوين تكاد تكون من الشعر والنثر لكتاب محدثين؛ وإلى جانب ذلك القدر الضخم من الشعر الذى تضمنته دواوينه ومصنفات الكتاب المعاصرين له والمتأخرين عنه، وصلت إلينا المصنفات التالية كاملة أو غير كاملة، وكلها تقريبًا مجموعات من آثار المؤلفين السابقين عليه، ويعترف الصفدى بذلك فى أمانة وإخلاص فى كثير جدًا من الأحيان: (1) الوافى بالوفيات، وهو معجم ضخم فى السير فى ثلاثين مجلدًا أو نحوها، ونجد بعض هذه المجلدات فى كثير من الكتاب، وإن كنت أشك فى أن المصنف الأصلى قد بقى لنا كاملا غير منقوص، وتحمل بعض المجلدات أرقامًا، ولكن المجلدات التى تشتمل على المواد نفسها تختلف أرقامها أحيانًا، ويبدو من ذلك أن مادة المصنف قد قسمت مجلدات من أحجام مختلفة على يد شتى الكتاب (انظر عن محتويات بعض المجلدات M.S.O.S. As.: Horovitz جـ 10/ 2، ص 45، على حين أن المخطوطات الأحدث عهدًا من ذلك والمحفوظة فى المتحف البريطانى تحتوى على: رقم 6587 من القسم الشرقى ويشمل الأعلام المسماة باسم على رقم 6645 ويشمل الأعلام المسماة باسم محمد؛ 5320 ويشمل أعلامًا أخرى مسماة بمحمد). ونحن نجد فى الوافى كثيرًا من السير التى قد نبحث عنها عبثا فى المصنفات الأخرى التى من حجم مماثل، ثم نجد فهرسًا كاملا لأسماء الأعلام الذين وردت سيرهم فى المجلدات المعروفة، وهو يصلح أن يكون مادة لمجلد كبير الحجم، وقد نشر Amar مقدمة هذا المصنف فى J.A.، 1911 - 12 فى المجلدين 17 - 18 و 19؛ وأوفى بيان عن الوافى، وهو بيان اعتمد على جميع المخطوطات المعروفة من هذا المعجم، نشره جابريلى G.Gabrieli، فى R.R.A.L، السلسة الخامسة، المجلدات 20 إلى 25 وما بعدها؛ ويتبين من هذا أن المعجم وصل إلينا كاملا تقريبا إلا ثغرتين، وتشمل الأجزاء التى وصلت الينا أكثر من 14.000 سيرة. (2) "أعيان العصر وأعوان النصر"،

وهو مقتطف من المعجم السابق فى ستة مجلدات، ويشتمل على سير المعاصرين؛ وقد رجع ابن حجر كثيرًا إلى هذا المقتطف فى كتابه الدرر الكامنة؛ والراجح أن تكون مخطوطات هذا المقتطف موجودة فى الإسكوريال (رقم 1717) وبرلين، على حين أن المجلدات التى فى آياصوفيا (رقم 2962 - 70) هى فيما يظهر أجزاء من الوافى؛ وقد استشهد بها فى النسخة المطبوعة (القاهرة 1305 هـ) من طبقات الخرقة الصوفية لعبد الرحيم الواسطى تحت عنوان تراجم أعيان العصر. (3) "مسالك الأبصار فى ممالك الأمصار"، وهو كتاب فى الجغرافية، ويوجد منه مخطوط فى المكتبة الصادقية بتونس. (4) "تاريخ الأوافى" ولعله مقتطف آخر من الوافى، ويوجد أيضًا مخطوط منه فى المكتبة السالفة الذكر. (5) "خفة ذوى الألباب" وهى أرجوزة فى سلاطين مصر حتى زمنه، لخصت من مصنف لابن عساكر. (6) "نكت الهيمان فى نكت العميان"، وهى سيرة العميان المشهورين؛ وقد ظهر هذا المصنف مطبوعًا فى مصر طبعة عنى بها أشد العناية، وقوامها أربعة مخطوطات، وقد حررها أحمد زكى باشا وتاريخها سنة 1911 م؛ وقد بين أحمد زكى باشا أن الصفدى إنما أغراه بكتابة هذا الكتاب بيان وجيز عن العميان الذائعى الصيت ورد فى كتاب المعارف لابن قتيبة ومصنف للجوزى، ثم أسهب بعد ذلك فى اشتقاق العمى وحدوده. وقد شغل الجزء الأكبر من المصنف عدد كبير من السير رتب ترتيبا هجائيًا، وورد فى هذه السير بعض المعلومات التى لها شأنها عن رجال عاشوا فى جميع عصور الإسلام. (7) "كتاب الشعور بالعور" وهو سير أشخاص عور. (8) "ألحان السواجع بين البادى والمراجع"، وهو يشتمل على رسائل وجهها الكاتب إلى غيره أو تلقاها منهم وهى مؤرخة فى معظم الأحوال؛ والخطاب الأول فى مخطوط (المتحف البريطانى، القسم الشرقى رقم 1203)

تاريخه سنة 745 هـ. (9) "منشآت" وهى مجموعة من رسائله هو. (10) "التذكرة الصلاحية" وهى مجموعة مقتطفات من مصنفات أخرى تخللتها كتاباته هو. ويتعذر علينا أن نقدر على التحقيق عدد مجلدات هذا المصنف فى الأصل؛ والمخطوط القديم الصالح (مكتبة وزارة الهند، القسم العربى رقم 3799) يشتمل على المجلدين 48 و 49، ويتبين من ذلك أن كل مجلد كان يبدأ بشرح لبعض آيات القرآن الكريم ثم يعقب ذلك بعض مقتطفات متفاوتة القدر أشد التفاوت، مثال ذلك أن مخطوط المتحف البريطانى، القسم الشرقى 1353، الذى ذكر محتوياته فلوكل (D.Z.M.G.Flugel: جـ 16 ص 538 - 544) يشتمل على كتاب الإتباع والمزاوجة لابن فارس (ولم يستخدمه برونو Bruonow فى طبعته لذلك المصنف) على الأوراق 53 (5)، - 54 (5) وأمثلة من شعر الباخرزى على الأوراق 77 (5) وما يليها؛ ويشتمل مخطوط المتحف البريطانى، القسم الشرقى 7301 (المسمى فى صفحة العنوان بكتاب المحاسن والأضداد) على مقتطفات من كتاب الطب لجمال الدين إبراهيم بن محمود العطار المعروف بالاقتضاب فى المسألة والجواب (الورقة 55)؛ ويشتمل مخطوط مكتبة وزارة الهند، القسم العربى رقم 3799, فى المجلد 48 على مقتطفات من ديوان أمين الدين جوبان القواص الذى عنوانه "نقع الوقائع ورقع الوسائع" (الورقة 20 (5) - 26 (5))، وعلى مقتطف من كتاب "التجنى على ابن جنى" لأبى على بن فورجة (الورقة 71 (5)) وعلى مقتطف من الروزنامج للصاحب بن عباد (الورقة 90 (5))؛ وثمة مقتطفات من هذا المصنف مطبوعة فى ثمرة الأوراق لابن حجة (القاهرة 1304 هـ, جـ 2، ص 182 و 183 و 184 و 192). (11) "ديوان العظماء وترجمان البلغاء" وهو ديوان من الشعر نظمه للملك الأشرف. (12) "لوعة الشاكى ودمعة الباكى"

وهى قصة حياة صاحب غلمان تشتمل على قصائد قيلت فى الغلام الذى عشقه. وقد طبع هذا الديوان مرارًا، طبع أول مرة سنة 1274 ثم سنة 1280 فى تونس، ثم طبع فى الآستانة فالقاهرة، مما يدل على سعة انتشاره. (13) "الحسن الصريح فى مائة مليح"، وهو ديوان من الشعر يشتمل على مائة شاهد من الشعر نظمها الشعراء المعاصرون هم والصفدى نفسه فى ذوى الحسن من الشباب. (14) "كشف الحال فى وصف الخال"، وهو ديوان صغير آخر من القصائد يشمل كلمات تتفاوت معانيها بتفاوت نطقها. (15) "لذة السمع فى صفة الدمع" وهو ديوان شعرى من هذا القبيل نظمه المؤلف هو وبعض الشعراء المعاصرين فى الدمع، وهو فى 37 فصلا. (16) "الروض الناسم والثغر الباسم"، وهو ديوان من هذا القبيل يضم مقتطفات مثيرة للشهوة. (17) "كشف التنبيه على الوصف والتشبيه"، وهو ديوان من الشعر حافل بالمجاز والكناية. (18) "رشف الزلال فى وصف الهلال" وهو ديوان من الشعر فى وصف الهلال (انظر رقم 33). (19) "رشف الرحيق"، وهو مقامة فى الخمر. (20) "الغيث المسجم فى شرح لامية العجم"، وهو شرح على قصيدة الطغرائى، يبدأ أولا بشرح كل كلمة ثم يبين ما فى القصيدة من علم البيان مستشهدًا بكثير من الأبيات وبخاصة من نظم الشعراء المحدثين، ولهذا المصنف عنوان آخر هو غيث الأدب الذى انسجم فى شرح لامية العجم (طبع بالقاهرة سنة 1305 فى مجلدين من قطع الربع). (21) "كتاب العرب من غيث الأدب" وهو مقتطف من المصنف السابق (طبع بالقاهرة من غير تاريخ). (22) "كتاب تشنيف السمع بانسكاب الدمع"، طبع بالقاهرة من غير

تاريخ، ولعله مشابه للمصنف رقم 15 أو مطابق له. (23) "نصرة الثائر على المثل السائر" وهو رد على كتاب ابن الأثير المعروف المثل السائر انظر Spec. Div. Script: Hoogvleit، ليدن 1839، ص 135). (24) "جنان الجناس فى علم البديع"، وهو كما يدل اسمه يشتمل بوجه خاص على أشعار الصفدى (طبع بالآستانة سنة 1299). (25) "اختراع الخراع"، وهو شرح للأبيات المستغلقة من حيث اللغة والبديع. (26) "فض الختام عن التورية والاستخدام"، فى التورية واستخدام الكلمات التى يمكن تعديلها فيتغير معناها. (27) "شرح مصنف ابن العربى الذى عنوانه "الشجرة النعمانية فى الدولة العثمانية" وهى تنبؤات عن الدولة التركية. (28) "طوق الحمامة"، وهو ملخص لشرح ابن عبدون على قصيدة ابن بدرون. (29) "تمام المتون فى شرح رسالة ابن زيدون" وهو شرح رسالة ابن زيدون الذائعة الصيت، ولاشك أن الذى ألهمه بها هو كتاب شيخه ابن نباتة. (30) "غوامض الصحاح"، وهو مصنف صغير فى غوامض الصحاح للجوهرى (بخط المؤلف فى مكتبة الإسكوريال رقم 192 وتاريخه سنة 757 هـ). (31) "نجد الفلاح فى مختصر الصحاح" وهو مختصر الصحاح، وقد عمد المؤلف فيه إلى حذف الشواهد من أبيات الشعر الواردة وتصحيح الأخطاء، وأتم هذا المصنف فى شهر رمضان سنة 757 هـ. (32) "حلى النواهد على ما فى الصحاح من الشواهد" وهو شرح الشواهد من أبيات الشعر التى وردت فى الصحاح. (33) وقد كتب السيوطى مصنفا يشتمل على أبيات من الشعر للصفدى ومعاصريه فى الهلال استخلصها من

المصادر

التذكرة للصفدى وأطلق عليها العنوان نفسه الذى ورد فى رقم 18، فلما تبين هذا أعاد النظر فى تسمية كتابه وأطلق عليه "رصف اللآل فى وصف الهلال" وقد طبع هذا الكتاب بالآستانة فى التحفة البهية، ص 66 - 78. المصادر: (1) ابن حجر: الدرر الكامنة، المتحف البريطانى، القسم الشرقى، رقم 3043، الورقة 120 (ر). (2) ابن قاضى شهبة: الطبقات، المتحف البريطانى، الإضافات 23362، الورقة 155. (3) السبكى: الطبقات (طبعة القاهرة)، جـ 6، ص 94 - 103. (4) خواندمير: حبيب السير (طبعة بمباى 1857) جـ 3، الجزء 2، ص 9. (5) J.A: Amar السلسلة 10، جـ 17 - 19. (6) Gesch, der. Arab.Lit: Brockle mann، جـ 2، ص 31 - 33. (7) Hartmann: الموشى، ص 81. (8) Die Geschichtsschr der Arabe: Wustenfeld، ص 423. (9) Div. Script,: Hoogvliet (ليدن 1839) ص 152 - 158. (10) J.A.,Notice sur Khalil، السلسلة 9، جـ 5، ص 392؛ وقد وردت أشعار الصفدى فى كل ديوان تقريبًا صدر بعد زمنه، وقد استشهد به كثيرًا فى حلبة الكميت للنواجى وفى معاهد التنصيص لعبد الرحيم العباسى. 2 - الحسن بن أبى محمد عبد اللَّه الهاشمى الصفدى، ويتبين إشارات عابرة وردت فى مصنفه أنه كان نديمًا للسلطان المصرى الناصر بن قلاوون، وقد استحال علينا أن نجد شيئًا من سيرته فى أى مصنف من المصنفات التى بين أيدينا والتى تتناول تاريخ الزمن الذى عاش فيه، ولاشك أنه توفى فى مستهل القرن الثامن للهجرة، إذ إن الحوادث الأخيرة المسجلة فى تاريخه تتعلق بسنة 711 هـ (1311/ 12 م) أو لعلها تتعلق بزمن متأخر عن ذلك يصل إلى سنة 714 هـ؛ ويظهر من خبر ورد

فى الورقة 62 (5) بالمتحف البريطانى أنه كتب التاريخ فى سنة 716 هـ، وربما كان قد ولى قبل ذلك منصبًا فى مكتب الوزير، حسبما ورد فى (مخطوط بالمتحف البريطانى، الورقة 69 (5)) أنه تلقى أمرًا من الوزير ابن الخليلى سنة 694 هـ بتحقيق واقعة خلال القحط الذى تفشى فى مصر أثناء تلك السنة والسنة التالية؛ وقد كتب تاريخًا موجزًا لمصر نجده فى مخطوط باريس رقم 1706 وعنوانه: نزهة المالك والمملوك فى مختصر سيرة من ولى مصر من الملوك، على أن مخطوط باريس الآخر رقم 1931، 22، يحمل عنوانًا مخطئا هو فضائل مصر، بيد أن مخطوط لندن يحمل عنوانا غير ذلك يبدو منه أن العنوان الأول ربما يكون هو العنوان الصحيح، ويشمل الجزء المتقدم الذى يبدأ بفضائل مصر الطبيعية وفضائلها الأخرى بيانا موجزًا عن ولاة مصر الأولين، ويتضمن بوجه خاص النوادر، ولكن أهم ما اشتمل عيله الكتاب ذلك الجزء الذى يتحدث فيه عن السلاطين الأتراك، وهنا يذكر الصفدى التواريخ والوقائع الدقيقة التى تكمل معلوماتنا عن السنوات الأخيرة من القرن السابع الهجرى، وربما كان تاريخ الفيضان العظيم الذى طغى على بعلبك سنة 717 هـ، والذى نجده فى مخطوط لندن، قد كتب بقلمه، على أننا لا نجده فى النسختين الأخريين؛ ويسرد المخطوط الذى فى المتحف البريطانى والذى كتب للخليفة المصرى المتوكل الحوادث حتى سنة 795 هـ، لكن يؤخذ من الورقة 113 (5) أنه لا يشتمل إلا على أمور تتعلق بأسرة صاحب المخطوط، فهو يذكر أولا سلسلة نسب المتوكل (الورقة 113 (5)، ثم قائمة طويلة بأولاده الذكور أولا، ثم الإناث، مبينا فى كل حالة تاريخ ولادتهم وساعتها، ثم تواريخ وفاتهم فى الحالات التى يكونون فيها قد توفوا قبل سنة 794، وكان آخر تسجيل بالخط نفسه، ولكن بحبر يختلف عن الحبر الذى كتب به أولا، ويثبت مولد ابن فى الخامس والعشرين من شهر شعبان سنة 795 هـ؛ والمخطوطات الثلاثة تشتمل على المصنف نفسه بالرغم

المصادر

من اختلاف عناوينها (المتحف البريطانى، الملحق 23326 باريس، 1706 و 1931 و 3). المصادر: وردت فى صلب المادة. صبحى [كرينكو F.Krenkow] الصفر الخلو أو الفراغ، وهو ترجمة لكلمة سونيا Sunya السنسكريتية فى الحساب الهندى - العربى، ويرادف كلمة Zero، وهو أيضًا الأصل فى الكلمات الغربية Cipher, Cifra Ziffer, Chiffre, Zero ومشتقاتها (مثل decipher وغيرها) أما فيما يتصل بإدخال الأعداد التسعة والصفر أو استحداثها فبالرغم من جميع البحوث الخاصة بالخطوط القديمة والدراسات التى دارت حول تاريخ الرياضيات، فإن هذه المسألة لم تتضح بعد الوضوح الكافى. وقد عرف علماء الرياضيات من العرب الأرقام الهندية وطريقة العد فى عهد المأمون على يد محمد بن موسى الخوارزمى الشرقى الفارسى. وأقدم ذكر للصفر العربى كان فى وثيقة بردية تاريخها 260 هـ (873 - 874 م). أما أقدم إشارة موثوق بها كل الثقة عن الحساب الهندى بطريقة الأرقام التسعة العددية فقد عثر عليها ف. ناو F.Nau فى سفروس سابخت السورى Severus Sabokht المتوفى سنة 662. وينبغى ألا نستخلص من ذلك أن الصفر الذى يعد خطوة تقدميه أساسية فى الترقيم العددى لم يكن مستعملا آنئذ، لأنه حتى إلى عصر متأخر، كانت الأرقام التسعة التى نطلق عليها الآن الأرقام الأولى تتميز عن غيرها من العلامات الخاصة الدالة على وجود فراغ متروك. ونحن نعرف فوق هذا أن براهما كوبتا الفلكى الهندى (المولود سنة 598) أعد على التحديد قواعد للعد بواسطة الصفر. أما فيما يتحمل بالعداد الحسابى والخلاف بين أصحاب هذا العداد الحسابى وأصحاب الترقيم بالرموز فيستطيع القارئ الرجوع إلى الكتب المذكورة فيما يلى. ويرسم الصفر على شكل دائرة عند الهنود والعرب المغاربة، أما عند العرب المشارقة فيرسم على شكل نقطة، ويظن

المصادر

أيضًا أنه كان يرسم كذلك فى الفارسية الهندية القديمة. أما الأصفار التى تكتب تحت الحروف كعلامات مميزة كما يشير إلى ذلك صاحب الفهرست (جـ 1، ص 18 وما بعدها) فهى جديرة بالملاحظة. المصادر: (1) Verlesungen uber Gesch. d. Mathematik: M.Cantor، جـ 1، الطبعة الثالثة، ص 511, 603، 609، 711 وما بعدها. (2) Zur altesten arab Algebra and Rechenkuns: J.Ruska (فى S.B.Heid AK.، 1917، جـ 2) ص 36 وما بعدها. (3) Der Einfluss d. Morgenl. auf des Abendland: G.Jacob، هانوفر 1954؛ ص 16 - 24. (4) Indian Mathematics: G.R. Kaye (5) Wieleituer فى Unterrichtsblf Matk. u Natw، 1911 م، ص 56 - 61. (6) Geschichte der Etementar-Mathematik: J.Tropfke، جـ 1، ص 15 وما بعدها والمراجع المذكورة فى هذا المصدر. الأبيارى [رسكا J. Ruska] الصفويون أشهر وأمجد الأسر الوطنية التى حكمت فارس منذ دخول الإسلام فى هذه البلاد، والصفوية نسبة إلى الشيخ صفى الدين إسحق ومؤسسها إسماعيل الصفوى هو سادس من انحدروا من صلبه، وكانت الأسرة قد استقرت منذ عهد طويل فى أردبيل، يتوارث شيوخها إرشاد أهل البلاد فى أمور الدين. وفى أواخر القرن السادس عشر عمد إسماعيل، بعد وفاة أخويه الأكبرين، إلى مد سلطانه شيئًا فشيئًا على شيروان وآذربيجان والعراق وسائر بلاد الفرس "وكان الجهد قد بذل لتمهيد الطريق بنشر الدعوة. . . " وكان مذهب الشيعة هو المذهب الشائع دائما فى بلاد الفرس، إلا أن إسماعيل كان أول, حاكم جعله مذهب الدولة ونشره بين القبائل التركية التى تنزل الشمال والتى ألحقها بخدمته وميزها بإلباسها القلسنوات

الحمر فعرفت باسم قزل باش (أى ذوى الرؤوس الحمر)، وقضى على مذهب أهل السنة فى بلاد فارس أو كاد، وتوفى فى الرابع والعشرين من شهر مايو سنة 1524 وخلفه ابنه طهماسب الأول الذى طرد الأوزبكية مرارًا من خراسان، وأشهر حربًا موفقة بعض التوفيق على الترك العثمانيين الذين كانوا فى عهد سليم الأول قد أوقعوا الهزيمة بأبيه وساعدوا همايون على استرداد عرشه الهندى. وتوفى طهماسب سنة 1571 وآل العرش بعد شئ من النزاع إلى ابنه الرابع إسماعيل الثانى، وأصبحت البلاد خلال حكمه فريسة للنزاع الداخلى والعدوان الأجنبى، فلما توفى خلفه ابنه الأصغر الشاه عباس الأول (1585 - 1628)، وهو حقا جدير بهذا اللقب، وقد أعاد عباس بلاد فارس إلى مركزها الحق فى العالم الإسلامى، وأوقع بالترك هزيمة حالت بينهم وبين تكدير صفو مملكته وطرد الأوزبكية والتركمان من خراسان واسترد قندهار من إمبراطور الهند، وكان عادلا متسامحًا، وقد استقدم جالية نشيطة من الأرمن من جلفا على نهر الرس إلى أصفهان حيث شيدوا ضاحية جلفا الجديدة وأقاموا فيها، وشجع التجارة والتعامل مع الأمم الغربية، وكان نصيرًا كريمًا من أنصار فن المعمار، وخلفه حفيده صفى الأول الذى تولى أمر البلاد أربعة عشر عامًا كان خلالها حاكما مستبدًا تجرد من العدل والإنسانية جميعًا، وقد ردت جيوشه عادية الغارات التى شنها التركمان فى خراسان، إلا أن إمبراطور الهند استرد فى عهده قندهار، وشجعت الاضطرابات التى أثارها طغيانه الترك فاستردوا بغداد بل احتلوا تبريز، بيد أن قر الشتاء وضآلة المؤن أكرهتا الترك على الانسحاب من آذربيجان، واسترد صفى أريوان من الترك وتوفى سنة 1642، فخلفه ابنه عباس الثانى، وكان لا يزال فى العاشرة من عمره، واسترد عباس قندهار من شاه جهان أمير دلهى، وأدت حركة قامت بها جيوشه تجاه شيخ من شيوخ الأوزبكية على حدود خراسان إلى حمل القوات الهندية عل إخلاء بلخ، وتحسنت العلاقات بين فارس وتركية تحسنًا عظيما فى عهده واتسع نطاق التعامل

المصادر

بين فارس والدول الغربية، وتوفى عباس الثانى فى السادس والعشرين من شهر أكتوبر سنة 1666، وخلفه ابنه الأكبر صفى الذى أحبط محاولة قام بها الأمراء لإقصائه عن العرش واتخذ اسم سليمان، وكان عاهلا مستنيرًا متسامحًا رحب بسفراء الدول الأوروبية بل بسفير روسيا الذى كانت عاداته تشمئز منها نفسه. وكان صفى معتل الصحة دائمًا، ولكنه ظل فى الحكم تسعًا وعشرين سنة، وتوفى سنة 1694 فخلفه ابنه السلطان حسين، وهو أمير ضعيف سمح لرجال الدين بأن يديروا جميع شئون الدولة، وكان كل من يخرج على مذهب الدولة الشيعى، يضطهد. وقد أثارت هذه السياسة الخرقاء عداء الأفغان الذين كانوا يحتفظون بقندهار باسم ملك الفرس، ومن ثم فقد أعلن ميرويس والى تلك الولاية استقلاله سنة 1709 م. وفى سنة 1722 غزا محمود بن ميرويس بلاد فارس وحاصر إصفهان وأكره القحط المدينة على الاستسلام، وخلع محمود السلطان حسين عن عرش البلاد ولكنه توفى بعد ذلك بقليل. وفى سنة 1729 طرد الأشرف، وهو أخو محمود وخليفته، من بلاد فارس وأقام نادر قلى طهماسب الثالث من الأسرة الصفوية على عرش البلاد، إلا أنه خلعه عن عرش البلاد بعد ذلك بقليل لأنه كان غير أهل للحكم ونادى بابنه، وكان لا يزال فى الشهر الثامن من عمره، ملكا على البلاد باسم عباس الثانى، إلا أن الطفل سرعان ما توفى بعد ذلك. وفى 26 من فبراير سنة 1737 اعتلى نادر شاه عرش البلاد فقضى بذلك على الأسرة الصفوية. المصادر: (1) محمد محسن مستوفى: زبدة التواريخ، مخطوط. (2) History of Persia: Malcolm (3) E.G.Browne فى J.R.A.S عدد شهر يوليو سنة 1921، ص 365 وما بعدها. (4) Voyages en Perse: Chardin، أمستردام 1735.

صفى الدين

(5) Grundriss der iran. Philol، جـ 2، ص 579 - 85 مع شواهد فى ص 588. (6) A History of Persia: P. Sykes (لندن 1921) , جـ 2، ص 158 - 230. (7) History of Persian Literature in modern: E.G.Browne، الفصول 1 - 4، كمبردج 1924 صبحى [هيك T.W.Haig] صفى الدين الشيخ: جد الصفويين فى بلاد فارس، وقد ولد صفى الدين فى أردبيل سنة 650 هـ (1252/ 3 م)، وهو ابن خواجه كمال الدين عربشاه من زوجته دولتى وقيل إنه السبط الخامس والعشرون لعلى، والسبط العشرون لموسى الكاظم، وقيل إنه الإمام السابع (انظر فى سلسلة نسبه فى E.G,Browne فى J.R.A.S 1921" ص 397, وسلسلة نسب الصفوية، برلين 1924). وكان الخامس من سبعة أولاد، وتوفى أبوه وهو فى السادسة من عمره، وقد وصف صفى الدين بأنه شاب جاد نشأ بلا أصحاب وانقطع منذ عهد مبكر لممارسة الشعائر الدينية، ولم يجد بين علماء أردبيل من ترتاح له نفسه حتى يدرس عليه، فمضى إلى شيراز وفى نيته حضور درس الشيخ نجيب الدين بزغوش (المتوفى سنة 678 هـ = 1279 م) ولكن الشيخ نجيب الدين توفى قبل أن يصل صفى الدين إلى شيراز، وتعرف ببعض أهل الورع من الدراويش وذوى التقى من الناس، ومنهم الشيخ ركن الدين البيضاوى وأمير عبد اللَّه الذى أحاله آخر الأمر إلى الشيخ زاهد، وهو تاج الدين إبراهيم بن رشوان أمير بن بابل بن الشيخ بندار الكردى السنجانى الكيلانى، وقيل إن تاج الدين كان يعيش على ضفاف بحر الخزر، وقيل إن صفى الدين أنفق أربع سنوات كاملة فى البحث عنه واكتشفه آخر الأمر فى حليكران ناحية خانبلى من أعمال كيلان، ورحب به الشيخ زاهد، ترحيبا كريمًا، ولزمه صفى الدين 25 عامًا حتى توفى زاهد بالغا من العمر الخامسة والثمانين، ثم خلفه صفى

الدين على رباطه حتى أدركته هو أيضًا منيته بالغا من العمر الخامسة والثمانين أيضًا، وكانت وفاته فى يوم الاثنين الثانى عشر من شهر المحرم سنة 735 هـ (12 من شهر سبتمبر سنة 1334 م) وحج صفى الدين إلى مكة قبيل وفاته، وكان قد استخلف ابنه صدر الدين، وأصيب بالمرض عند عودته فلزم الفراش اثنى عشر يومًا ثم توفى، وكانت له زوجتان: بيبى فاطمة ابنة الشيخ زاهد، وابنة أخى سليمان الكلخورانى. وكانت بيبى فاطمة أم: (1) محيى الدين، المتوفى سنة 724 هـ (1324 م) (2) صدر الدين (المولود فى 27 من أبريل سنة 1305 م = شوال سنة 704؛ والمتوفى سنة 794 هـ = 1393 م)، وكان خليفة صفى الدين، (3) أبى سعيد. وقد ولدت له زوجته الثانية ولدين هما علاء الدين وشرف الدين كما ولدت له بنتا تزوجت الشيخ شمس الدين، وهو أحد أبناء الشيخ زاهد. وكان صفى الدين مؤسس طريقة الدراويش الصفوية التى سيطرت سياسيًا على بلاد فارس من بعد، ولم نحقق بعد نظام هذه الطريقة وتاريخها تحقيقًا دقيقًا على أنها تتصل اتصالا وثيقًا فى تاريخها السياسى والدينى بطرق الدراويش التى ظهرت بعد فى الأناضول وأصبح لها شأن فيها مثل الآخية والبكتاشية، ولبس أتباعها بعد ذلك قلنسوة من الصوف القرمزى واتخذوها شعارًا لهم (وسميت القلنسوة بعد باسم حيدر؛ انظر Islam، جـ 11، ص 83) واشتق منها الاسم التركى قزل باش (أى الرأس الأحمر). أما فيما يتصل بالمذهب الدينى لهذه الطريقة فمن المحقق أن نظرتها المتأخرة كانت تأخذ بالمذهب الشيعى وإن كان قد قيل بأن صفى الدين نفسه، مؤسس الطريقة، كان سنيًا (انظر Persian Litertaure in Modern Times: E.G.Browne ص 43 وهو مستمد من "أحسن التواريخ")، وكان لصفى الدين مريدون كثيرون من بلاد فارس وبخاصة من الأناضول (انظر J.R.A, S, 1921, ص 403 - 4)، والفضل لصفى الدين فيما بلغته هذه الطريقة من شأو عظيم فى الدوائر الصوفية وفيما بلغته بعد ذلك

المصادر

من اتساع وانتشار عظيمين كانا ضربة قاضية على الدولة العثمانية بعد. المصادر: (1) المصدر الأكبر هو صفوة الصفاء لابن البزاز، طبعة على الحجر، بمباى، 1329 هـ = 1911 م. (2) مخطوط فى المتحف البريطانى، الإضافة 11745، وفى كلية كنجز بجامعة كمبردج (انظر E.G.Rrowne، المصدر المذكور، ص 35)؛ وهذا المصنف، الذى يستعرضه Browne, فى كتابه المذكور، ص 38 وما بعدها، استعراضًا بارعًا، لا يتحدث إلا عن سلطان صفى الدين ويهمل تمامًا أو يكاد المعلومات المجردة المتعلقة بسيرته (3) ولا يقل عن هذا المصنف شأنا "سلسلة النسب الصفوية" التى أورد F.G. Browno بعض المقتطفات منها فى J.R.A.S، 1921، ص 395 - 418 (انظر فيما يتعلق بهذا الموضوع F.Babinger فى Islam، جـ 13، ص 231 وما بعدها) ونشرها بالفارسية فى مطبعة كافيانى Kaviani ببرلين سنة 1924: وانظر فيما يتصل بهذا المقال الذى نشره قبل ذلك Von Khanikoff فى. . Melanges Asiatiques de St. Peters bourg، جـ 1، ص 850 - 853؛ وانظر فيما يتصل بالمصنفات الفارسية الأخرى P.Hom فى Grundriss der iranischen Philologie، جـ 2، ستراسبورغ, 1896/ 1904، ص 586 وما بعدها و v.khanikoff فى Melanges Asiatique، جـ 1، ص 543 وما بعدها؛ وانظر بخاصة فيما يتصل بالشيخ صفى الدين التاريخ الجامع الوافى الذى كتبه E.G.Browne وهو Persian Literature in Modern Times، كمبردج 1934. ص 3 - 44. وانظر فيما يتصل بطريقته، القزل باشيه وصلتها بطرق الدراويش فى الأناضول Schejch Bedr ed-Din: F.Babinger ليبسك وبرلين 1921. ص 78 وما بعدها (Islam جـ 11، ص 78 وما بعدها). والمصادر الواردة فى هذا المصنف. وكذلك انظر للمؤلف نفسه: Marino Sanuto's Tagebu. cher als Quelle Oriental zur Geschichte der Safawija فى A Volume of Oriental Studies Presented to Edward G.Browne كمبردج 1922، ص 28 - 50. صبحى [بابنكر Franz Babinger]

صفى الدين عبد المؤمن

صفى الدين عبد المؤمن ابن يوسف بن فاخر الأرموى البغدادى: من أشهر كتاب العرب فى نظرية الموسيقى (أطلق على صفى الدين فى "نشرة بأسماء كتب الموسيقى"، دار الكتب المصرية، القاهرة 1932: عبد المؤمن بن أبى المفاخر؛ انظر Collangettes فى A.J، نوفمبر - ديسمبر 1904. ص 838، Introduction to the History of Science: Sarton المجلد 2 جـ 2، ص 1034)، وقد وفدت أسرته من أرمية، إلا أنه ولد فيما يظهر ببغداد وتعلم فيها. وفى السنة الأخيرة من حكم المستعصم آخر الخلفاء العباسيين، كان صفى الدين مغنيًا له ونديما، وكان أيضا من أمناء المكتبات والنساخ، فقد عهد إليه بخزانة المكتبة التى أنشأها الخليفة فى قصره. ويقرر ابن تغرى بردى أنه لم يضارعه أحد فى الموسيقى منذ أيام إسحاق الموصلى. أما فى الخط فقد زعم أنه يضارع ياقوت وابن مقلة. وكان الراتب الذى خصه به الخليفة 50.000 دينار. وروى حاجى خليفة. (جـ 2، ص 413) قصة عنه نقلها من كتاب حبيب السير (المجلد الثالث جـ 1، ص 61) هى أنه لما نهب هولاكو بغداد سنة 1258 م استطاع صفى الدين بفضل شهرته فى الموسيقى، أن يصل إلى الفاتح المغولى، ويطربه بعزفه على العود، فكان ذلك سببًا فى خلاصه هو وأسرته. ثم دخل فى خدمة هولاكو، وأجرى عليه هولاكو راتبًا قدره 10.000 دينار من دخل بغداد؛ وظل هناك يعمل مؤدبًا لابنى الوزير المغولى صاحب الديوان شمس الدين الجوينى، وقد أصبح هذان الأميران الشابان، وهما بهاء الدين محمد المتوفى سنة 1279 م، وشرف الدين هارون المتوفى سنة 1286 م، من رعاة الفن والأدب المتحمسين (Hist. des Mongols: d'Ohsson, جـ 4، ص 11 - 12. Persian Literature under Tatar Dominion: Browne، ص 21). وكان شرف الدين هارون هو الأمير الذى كتب له صفى الدين رسالته المشهورة فى الموسيقى المسماة "رسالة الشرفية فى النسب التآلفية" (يقول بروكلمان Gescrh. d. Arab. Lit: Brockelmann، جـ 1، ص 486، إنها كتبت حوالى سنة 1252 م. ويجعل

شمس الدين الجوينى هو وزير المستعصم، انظر أيضًا Sarton، كتابه المذكور). وأقيم الموسيقار المشهور صفى الدين رئيسا لديوان الإنشاء ببغداد بفضل نفوذ الوزير شمس الدين الجوينى، وعلاء الدين الجوينى مؤلف كتاب "تاريخ جهان كشا". وفى سنة 1265 م صحب صفى بهاء الدين محمد إلى إصفهان عندما أقيم بهاء الدين واليًا على إقليم العراق العجمى. وخمل شأنه بعد وفاة راعيه سنة 1279, وسقوط أسرة الجوينى خاصة (1284 وما بعدها). وحل به آخر الأمر الفقر المدقع، وزج به فى السجن لقاء دين مقداره ثلثمائة دينار، وهو ذلك الموسيقار العظيم الذى اشتهر بمجالس لهوه، وكان ينفق فى أيام عزه أربعة آلاف دينار على فاكهته وطيبه وأصدقائه. وقد كتب صفى الدين علاوة على الرسالة الشرفية كتابًا آخر فى الموسيقى هو "كتاب الأدوار"، وكتابا ثالثا فى العروض اسمه "فى علوم العروض والقوافى والبديع"، وهذا الكتاب الذى هو جدير بالتحقيق والترجمة محفوظ فى مكتبة بودليانا (Dictionary of Music: Grove، الطبقة الثالثة، جـ 4، ص 498، ويصفه كروف خطأ بأنه يتناول الإيقاع وهو خطأ الراجح أن السبب فيه هو العنوان اللاتينى الذى سمى به فى فهرس هذه المكتبة [Bibl. Bodleianae cod. manuscr. orietn Catalogus، جـ 2، 247]، وقد أخطأ كروف أيضًا فى زعمه بأن الرسالة الشرفية: "مأخوذة من رسالة الفارابى وأنها بسطت هذه الرسالة وحسنتها"؛ والحقيقة تخالف ذلك، لأن الرسالة الشرفية عمل مبتكر جدا يتحدى صاحبها فى عدة أمور أقوال الفارابى). وتوجد رسالتا صفى الدين الموسيقيتان مخطوطتين فى كثير من المكتبات، وخاصة مكتبة بودليانا (انظر Arabic Musical MSS in the Bodleian Libraoy: Faimer حيث وصفت محتوياتهما)، والمتحف البريطانى (القسم الشرقى 2361؛ القسم الشرقى 136)، وبرلين (Ahlwaradt 5506)، وباريس (De Slane 2479)، وفينا (Flugel 1515، 1516) والقاهرة (الفنون الجميلة 8، 349، 428، 507،

508، 509 هـ)، وقد نشر ملخص (وليس ترجمة انظر Dictionany of Music: Crove) للرسالة الشرفية بالفرنسية بمعرفة كاراده فو Carra de Vaux سنة 1891, ويؤمل كاتب هذه المادة أن ينشر نص هذه الرسالة وترجمة إنجليزية لها (وكذلك كتاب الأدوار) فى مجموعته: كتاب الموسيقى عند المشارقة Collection of Oriental Writers on Music وقد أظهر صفى الدين أنه أستاذ فى موضوعه (حاجى خليفه، جـ 6، ص 205) ويكاد كل كاتب عربى أو فارسى فى الموسيقى جاء بعده يشيد بفضله، ومن هؤلاء قطب الدين الشيرازى ومحمد بن محمود الآملى فى كتابه "نفائس الفنون"، وصاحب "كنز التحف" عبد القادر بن غيبى، وابنه عبد العزيز، وحفيده محمود، ومحمد بن عبد الحميد اللاذقى وكثيرون غير هؤلاء. وقد كتبت شروح عدة على نظرياته باللغة العربية ونخص بالذكر منها: "شرح مولانا مبارك شاه"، وشرح آخر لفخر الدين الخجندى، وكلا الشرحين محفوظان فى المتحف البريطانى (القسم الشرقى، رقم 2361). ولعل الشرح الأول من صنع على بن محمد الجرجانى وقلما ينسب إلى شخص يدعى مبارك شاه (La Musique Arabe: d'Erlanger جـ 1، ص 15). وقد اشتهر صفى الدين على وجه الخصوص بأنه رائد النظرية المعروفة بنظرية النسب التى قسم فيها الديوان سبع عشرة مسافة. والحق إنه قد يكون صفى الدين مستحدث هذه النظرية، ولو أن هلمهولز Helmholtz رأى أنه من المستطاع أن ترد إلى أيام الساسانيين (Sensations of tone, الطبعة الإنجليزية الثالثة، ص 280)، وهو رأى أيده كيسفتر (Die Musik der Araber: Kiesewetter)، ويقول هلمهولز "وهذه النظرية فيها ما يدل على أنها تطورت بنظرية فيثاغورس تطورًا جوهريًا"، أما السير بارى (The Art of Music: Sir C.Hubert H.Parry، جـ 1، ص 29) فيقول إنها أرست قواعد: "أكمل سلم موسيقى استنبط بعد". ويشتمل "كتاب الأدوار" على موسيقى صوتية من الآواز الثانى المعروف بالنوروز ومن ضرب الرمل

المصادر

الذى ربما كان أقدم شاهد من الموسيقى العربية أو الفارسية المدونة زودتنا به المراجع المكتوبة. وقد أورد كاتب هذه المادة صورة طبق الأصل منه فى كتاب History of Arabian Music (الصورة المواجهة لصفحة 21)، وتناوله بالبحث لاند (J.P.N.Land فى Viertel jahrschrift fur Musikwissenschaft، جـ 2، 1886 م، ص 351 وما بعدها). وقد اخترع صفى الدين وهو فى أصفهان آلتين موسيقيتين: النزهة وهى قيثارة مستطيلة؛ والمغنى وهو نوع من العود القديم؛ وفى "كنز التحف" (مخطوط بالمتحف البريطانى، القسم الشرقى رقم 2361، الأوراق 263 - 264، 264 - 265) وصف لهما، وقد أورد كاتب هذه المادة رسمهما فى كتابه Studies in Oriental Musical Instruments (1931) وكتابه Arabic Musical Manuscripts in the Bodleian Library، (1925). المصادر: (1) ابن شاكر الكتبى: فوات الوفيات، بولاق، جـ 2، ص 18 - 19. (2) تاريخ وصاف، بومباى، ص 43، 55، 61، 65. (3) ابن تغرى بردى: المنهل الصافى، جـ 4، فى باب العين. (4) كتاب الفخرى، طبعة درنبورغ، ص 449 - 450، ترجمة E.Amar فى Archives Marocaines، جـ 16، ص 372. (5) علاء الدين الجوينى: تاريخ جهان كشا (سلسلة كب التذكارية، المجلد 16، جـ 1) المقدمة ص 51. (5) History of Arabian Music: Farmer ص 227 - 229. (6) Les Penseurs de l'lslam: Carra de Vaux، جـ 4، ص 342، 363. (7) Introduction to the History of Science: Sarton، المجلد 2، جـ 2، ص 1034 - 1035. وانظر عن النظرية: (8) History of Arabian Music: Farmer، ص 202 - 206. (9) المؤلف نفسه: Historical Factsfor the Arabian Musical Influence، الفهرس.

صفين

(10) Le traite des rapports musicaux . . . Par Safied-Din: Carra de Vaux، 1891. (11) The Legacy of Islam: Arnold & Guilbaume، ص 361، 366، 368. (12) Die Musik der Araber: Kiesewetter، ص 13 - 15، 21 وما بعدها. (13) Recherches Sur l'histoire de la Gamme Arabe: Land, أعمال مؤتمر المستشرقين السادس, 1883، ص 72 - 75، 78 - 84. (14) Musick des Orients: Lachmann, الفهرس. (15) E'tude Sur La musique arabe: Collangettes، فى J.A. 1904 م و 1906 خورشيد [فارمر H.G.Fatmer] صفين يقول ثيوفانيس (Chronographia: Theophanes، 347) إن سَفّين Shephin وتكتب "صفأ" فى نص سريانى يرجع إلى مستهل القرن التاسع Chapot فى J.A.، 1900 م، ص 285)، مكان لا يبعد كثيرًا عن الشاطئ الأيمن لنهر الفرات غربى الرقة، بينها وبين بالس، ويفصله شريط من المستنقعات عن النهر عرضه مرمى سهم (فى المكتبة الجغرافية العربية، جـ 7، ص 22، س 15: 500 ذراع) وطوله فرسخان، تنمو فيه بغزارة أشجار الصفصاف ونخيل الفرات، وهو ملئ بالحفر المائية يخترقها طريق واحد مرصوف يؤدى إلى النهر. وسبب شهرة هذا المكان، تلك الموقعة الكبرى التى دارت فيه سنة 37 هـ (657 م). بين على ومعاوية. وحين بلغ على هذا الموضع فى طريق زحفه من الكوفة كان أهل الشام قد عسكروا بين أنقاض هذه المدينة التى يرجع تاريخها إلى عهد الرومان، وكانت فصيلة من الجيش بقيادة أبى الأعور قد احتلت الطريق المؤدى إلى الفرات. وبالرغم من عروض علىّ وتأكيده أنه لم يأت للقتال بل للوصول إلى اتفاق مع معاوية، فإن معاوية لم يذعن له مع أن مستشاره الأريب عمرو بن العاص نصحه أن يفعل ذلك، وحينئذ أمر علىّ جيوشه

بالهجوم ونجحوا فى رد الشآميين بالرغم من الإمدادات التى أرسلت إليهم، واستطاعوا أن يفتحوا الطريق إلى النهر، ودل على مرة أخرى على سماحته حين سمح لحملة الماء من الشاميين بنقل المياه من جوار رجاله مما أدى إلى انتشار روح التآخى بينهم وبين الشآميين على وجه لا ضير منه. ومضى بعض الوقت فى مفاوضات لم تنته إلى نتيجة، إذ أصر معاوية فى عناد على أن يسلم الخليفة قتلة عثمان، الأمر الذى لم يكن يريده الخليفة فضلا عن أنه لم يكن فى استطاعته، ومع ذلك فإن المفاوضات استمرت، وعندما بدا أن النزاع يوشك على الانفجار، حاول محبو السلام من الجانبين أن يحولوا دون وقوع ذلك. ويقول الدينورى (ص 180 وما بعدها)، إن الحال ظلت كذلك مدى شهرى ربيع الثانى وجمادى الأولى من سنة 36 هـ. على أن هذا التقدير يفسح وقتًا طويلا للغاية لما يتطلبه التمهيد للمعركة التى بدأت فى قول اليعقوبى (التنبيه، ص 295؛ التاريخ، جـ 2، ص 219) فى أوائل شهر صفر، والتى صححتها رواية اليعقوبى التى تذهب إلى أن موقعة الاقتراب من الماء كانت فى ذى الحجة. ويرجح أيضًا أن الطبرى (جـ 1، ص 72، 3) قد أخطأ فى قوله إن كلا من على ومعاوية كانا يرسلان فى هذا الشهر مرارًا، وفى بعض الأحيان مرتين كل يوم، الأعيان المبرزين من الرجال مع جنود من المشاة والفرسان ليقاتل بعضهم بعضًا الأمر الذى لم يؤد مع ذلك إلى نشوب معركة شاملة، إذ أن كلا من الفريقين كان يخشى النتائج المشؤومة الخليقة بأن تنتهى إليها هذه المعركة. ولابد أنه قد وقعت هنالك كما يذهب فلهاوزن صورة مماثلة للمعركة التى نشبت فيما بعد. وأراد الطرفان أن يفسحا المجال لأى احتمال يؤدى إلى عودة الوئام فاتفقا على المهادنة إبان الشهر الحرام على مألوف المسلمين، وهو شهر المحرم من سنة 37 هـ (19 يونية - 18 يولية 657 م) ولم تنجح هذه الهدنة، وأعلنت الحرب فى النهاية فى أوائل صفر، وهكذا بدأت موقعة صفين. وليس من اليسير الحصول على فكرة واضحة عن سير المعركة، إذ إن

الرواة يروون حشدا كبيرا من الوقعات الفردية التى لا تزودنا بصورة عامة لها، ولا تفيد إلا فى تمجيد قبائل بأعيانها فحسب. وهم أيضًا يسوقون أرقامًا شديدة التفاوت عن عدد الجيوش ومراكز فرقها وقوادها. وسار القتال وفق التقاليد القديمة، فكانت كل قبيلة تدير المعركة مستقلة عن الأخرى، ومن ثم كانت حركة علىّ حركة بارعة حين رتب أقسام القبائل المختلفة فى جيشه بحيث أصبحوا يقفون وجها لوجه أمام أبناء قبائلهم. وتجمع الروايات كلها على أن ذلك القتال، الذى كان يتجدد دومًا ويتسع مداه، كان قتالا داميًا، ولقى كثير من مشاهير الرجال حتفهم فيه، مثل عمار ابن ياسر، وهاشم بن عتبة من جانب علىّ؛ وابن عمر: عبيد اللَّه من فريق معاوية (انظر رثاءه فى ياقوت جـ 3، ص 403) ولقد لقى علىّ معونة كبيرة من الأشتر الذى عرف بشجاعته وحنكته، إذ استطاع هذا الرجل أن يهيئ للقوات العراقية طريقا مفتوحًا آمنًا إلى النهر، كما أبلى بلاء حسنا إبان هذه المعركة فى مبارزات عدة. وفيما يلى ما روى عن نتيجة هذه المعركة: بعد أن سارت الحرب وقتا ما دون أن تصل إلى نتيجة حاسمة، تمكن الأشتر فى الليلة المعروفة بليلة الهرير (من هرَّ أى عوى: انظر ياقوت، جـ 4، ص 970) وهى الليلة السابقة لليلة الجمعة 10 من صفر (28 يولية، انظر Aronyme Chronik: Ahlwardt ص 349, س 3 ويقول الطبرى جـ 2 ص 747 إنها الليلة السابقة ليوم الخميس) وفى صباح اليوم التالى من إحكام الخناق على الشآميين والتضييق عليهم، حتى استبد اليأس بمعاوية وفكر فى الفرار من المعركة، ولم يمنعه من ذلك إلا تذكر بضعة أبيات معينة لابن الإطنابة (الكامل، طبعة Wright، ص 53، 573؛ الطبرى، جـ 1، ص 3300، س 12). وفى هذا الموقف الخطير نصحه الداهية عمرو بن العاص أن يضع بضع نسخ من القرآن الكريم على رؤوس الحراب ليرمز بذلك إلى أن الحرب يجب أن تتوقف وأن يترك الحكم فيها لكتاب اللَّه؛ وعلى العكس كان علىّ يرى أن قضاء اللَّه فى نتيجة المعركة (الطبرى، جـ 1، ص 3322 وما بعدها) وقد صح تقدير

عمرو من أن هذا الاقتراح سوف يوقع الشقاق فى صفوف علىّ، إذ أعلن عدد كبير منهم أن التماسا كهذا لحكم اللَّه لا ينبغى أن يطرح جانبا، ومن ثم اضطر على الذى ظن أنه كسب المعركة فعلا، أن يستدعى الأشتر فعاد محتجا أشد الاحتجاج، ومن ثم توقف القتال. وكذلك وافقت الغالبية من جيشه على اقتراح معاوية الذى يقضى بأن يختار كل من الطرفين المتنازعين أحد اثنين من الحكمين اللذين اتفق على أن يجتمعا بعد للوصول إلى قرار وفقا لأحكام القرآن. واختار الشآميون عمرا كما كان المتوقع، على حين أن الخليفة فرض عليه أبو موسى الأشعرى الذى لم يكن يميل إلى على، ووقع الاتفاق بحسب ما جاء فى الطبرى (جـ 1، ص 3340) فى الثالث عشر من صفر سنة 37 (31 يولية سنة 657) غير أن الدينورى (ص 210، س 5) يرى أنه لم يوقع إلا فى 17 من صفر، كما أن عليا تذكر ذلك المثل الذى ضربه محمد عليه الصلاة والسلام فى ضبط النفس إبان صلح الحديبية فامتنع عن التوقيع بوصفه خليفة، ومن ثم تفرقت الجيوش وعادت إلى أوطانها، وبدت جيوش علىّ فى غاية الاكتئاب والقنوط حتى إنه قد ظهر عليها أنها أصيبت بنكسة بالرغم من أنها لم تهزم. ورغم ما تبدو عليه هذه القصة من طرافة بما تحويه من نقاط وجيهة وما تتضمنه من تصوير بارز للشخصيات التى ظهرت فيها، فلا يمكن أن نقطع بصحتها من الناحية التاريخية دون أن نزيدها بحثا واستقصاء، ذلك أن جميع الروايات التى بين أيدينا تكشف عن ميل إلى علىّ وبغض لمعاوية وبخاصة عمرو بن العاص الذى ينسب إليه فى غير تردد كل عمل ماكر، ولذا فإننا نشعر إلى حد كبير جدًا بالحاجة إلى وصف لهذه المعركة على لسان الفريق الآخر يمكن أن نتخذه وسيلة للتحقيق، وحتى دون أن نحصل على هذا الوصف يمكننا أن نشير إلى نقاط عدة من شأنها أن تدلنا فى أرجح الظن على وجود قدر من التحيز لفريق دون فريق، كما هى الحال دون شك فيما يتصل بقصة التحكيم فى "أذرح"

وبخاصة ذلك الدور البالغ الأهمية الذى ينسب إلى عمرو ذى العبقرية الماكرة، وصاحب معاوية. وحتى لو افترضنا أنه هو الذى اقترح رفع المصاحف، وأن العدد اللازم من نسخها كان متوافرًا لدى الجيش الشآمى (يقول الدينورى أن النسخة الأصلية من القرآن نفسها التى كانت محفوظة فى دمشق كانت من بين هذه المصاحف الخمسة التى حملها خمسة من الجنود على رؤوس الحراب) فإن من الواضح أن هذه الوسيلة لم تكن لتجدى ما لم يكن هناك ميل عام لتقبلها، ومن ثم فإنها لم تكن غير وسيلة للتعبير عما كان يشعر به الكثيرون فى دخيلة أنفسهم. ويستدل على أن هذه كانت هى الحال حتما من عدة إشارات، فلم يكن علىّ وحده يحاول جاهدًا تحاشى حرب مهلكة يتطاحن فيها المؤمنون وأعضاء القبيلة الواحدة بل الأقارب، كالآباء والأبناء (الدينورى، ص 184)، بل إن الجمهرة الكبرى من فرق الجيش كانت تشعر بأنها حرب لا مبرر لها قد تجلب معها الكوارث والأهوال، وكان هذا هو السبب فى مضى وقت طويل قبل أن يبدأ القتال الحقيقى، وفى أنهم لجأوا بعد أن أعيتهم الحيل إلى عقد هدنة خلال شهر المحرم. ويسجل الدينورى فى هذا الصدد عدة ملامح تكمل رواية مخنف كما وردت فى الطبرى فى بعض النقاط الهامة، فعلى حين يؤلف قراء القرآن فى الرواية الأخيرة فرقة قائمة بذاتها لها قوادها وتقاتل بحماسة فائقة (الطبرى، جـ 1، ص 3273، س 2؛ ص 3283، س 11؛ ص 3289، س 5؛ ص 3304، س 10؛ ص 3323، س 3) فضلا عن أنه ليست هناك غير إشارات قليلة للغاية عن رواة القرآن فى الجيش الشآمى (ص 3312، س 12) ويظهر هؤلاء الرجال الورعون فى الدينورى (انظر Vorlesungen, uber den Islam: Goldziher) فى صورة أنصار غيورين للسلام استطاعوا فى إحدى المرات أن يوقفوا معركة كانت على وشك أن تنشب (الدينورى، ص 181, س 1 وما بعده). وكان هؤلاء على أهبة الاستعداد لتحكيم القرآن، كما أن معظم السبب فى وقف القتال بهذه السرعة يرجع إلى نفوذهم (المصدر نفسه، ص 204)

وعندما اتفقوا على تحكيم القرآن تفاوضوا مع القراء الشآميين أمام الجيشين وأوصوا باختيار الحكمين (المصدر نفسه، ص 205)، فإذا كان عمرو قد اقترح حقا رفع المصاحف (وهناك سابقة مماثلة لتحكيم القرآن حدثت فى وقعة الجمل): الطبرى جـ 1، ص 3186، 3188 وما بعدها). فإنه لم يفعل غير التعبير عن فكرة كان يشاركه إياها الكثيرون ومن ثم وجد تأييدًا سريعًا لفكرته. كما أنه من المحتمل إلى حد بعيد أن تكون تلك النقطة البارزة فى هذه الرواية، وهى أن النصر كان بين يدى علىّ فعلا عندما حرمه منه عمرو بفكرته تلك، من المحسنات التاريخية التى لجأ إليها شيعة علىّ لتفسير النهاية الفاشلة التى انتهت بها المعركة. على أنه من الجلى بمكان أن الغنم كل الغنم كان لمعاوية بالالتجاء إلى تحكيم القرآن، فى حين أنه كان بمثابة ضربة قاصمة لعلى، ولذلك فليس بعجيب أن يتحمس له رجلان كمعاوية وعمرو، وبخاصة إذا كانا يخشيان أن تنتهى المعركة فى غير صالحهما. ويجب أن نذكر بصفة خاصة أن الموقعة لم يكن لها شأن بتقرير من سيكون خليفة من الخصمين المتنازعين. أما أن معاوية كانت له أطماع عريضة فأمر كثير الاحتمال، ولكنه كان أيضًا أحصف من أن يكشف عن أطماعه هذه فى هذه المرحلة المبكرة. فقد التزم دوره بكل دقة فى مطالبته بثأر عثمان وأعلن أنه على استعداد لمبايعة على إذا سلم إليه قتلة هذا الخليفة، مما أظهره أمام الناس فى جانب الحق والفضيلة؛ ولما لم يكن فى استطاعة علىّ فى الوقت نفسه أن يجيبه إلى مطالبه هذه، فقد كانت هذه وسيلة طيبة للحيلولة دون عقد صلح بينهما؛ لقد كان تحكيم القرآن بالنسبة لعلى ضربة قاضية ماحقة، ذلك أن معنى هذا وجوب الرجوع إلى الكتاب الكريم لتبين ما إذا كان تصرف علىّ فيما يختص بقتلة عثمان يجعله غير جدير بأن يكون خليفة، ومن ثم يحق خلعه إلى حين على أقل تقدير، أما مركز معاوية فلم يكن ليلحق به أدنى ضرر نتيجة للتحكيم. وأخيرًا يجب أن نذكر أنه يتضح لنا من دلائل عدة أن مركز على قد أصابه

شئ من الضعف على الرغم من جميع مظاهر العطف الشخصى التى أبديت نحوه، لأن الاتهامات الخطيرة التى وجهت إليه تركت أثرًا فى نفوس الناس، حتى من كانوا يعطفون عليه إلى حد أنهم تطلعوا بلاشك إلى سلطة عليا تستطيع أن تكشف لهم وجه الحق فى الأمر. ولو أن جانبى الصواب والخطأ كانا محددين واضحين بين الخصمين، بالصورة التى تزعمها الروايات، لما استطاع أبناء أبى بكر وعمر الإبقاء على العلاقات الطيبة بينهم وبين معاوية. والرأى الذى نعرضه إنما تؤيده تأييدًا طيبًا رواية معتدلة كل الاعتدال ترجع إلى الزهرى وأوردها ابن سعد (جـ 4/ 2، ص 3) وهى تحدثنا بأن الجيشين أنهكهما القتال وتاقا إلى حقن الدماء مما دعا عمرا إلى أن يقترح على معاوية رفع المصاحف، ودعوة العراقيين إلى تحكيم كتاب اللَّه، ومن ثم إحداث الشقاق بينهم، وعندما رأى على جمود أتباعه وفتور حماستهم سلم بطلب معاوية. وقد جاء اقتراح معاوية باختيار حكمين، ردا على سؤال لعلى عمن له أن يقرر -حكم القرآن. أما عن الجانب القصصى المثير الذى تتضمنه القصة المألوفة فهو غير موجود فى هذه الرواية على الإطلاق، وبغض النظر عن الدور الذى ينسب إلى عمرو، فقد كان من المتوقع تماما أن يكون التفسير لتحول المعركة فى غير مصلحة على هو تأكيد حدوث خيانة أدت إلى هذا التحول، وقد وجهت هذه التهمة إلى الأشعث ولعل ماضيه كان يبرر دون شك مثل هذا الافتراض بعض التبرير، إذ تتفق جميع المصادر على أنه توسط بحماسة فى الدعوة إلى تحكيم القرآن، ذلك أنه كان يخشى كما جاء فى الدينورى (ص 201) أن ينجم عن الاستمرار فى القتال أن يحيق أعداء الإمبراطورية العربية بها من كل جانب. وقد أيد معاوية هذا الرأى حين سمع به. ويقول الطبرى (جـ 1، ص 3332 وما بعدها) إن الأشعث عرض أن يذهب إلى معاوية ليؤكد له ما يراه من اقتراحات أخرى، وقد وافق على على ذلك. على أن اليعقوبى يقول (جـ 2، ص 220) إن معاوية أرسل إليه ليغريه بالانحياز إلى جانبه وأنه هدد بأن يترك

المصادر

عليا إذا لم يستجب على لدعوة تحكيم القرآن، ومن ثم اضطر الخليفة إلى الإذعان، لأن جميع رجال القبائل اليمانية من أنصار الأشعث أعلنوا استعدادهم لاتباعه. ورغم كل ما سجلناه آنفا، فإن مثل هذا التفسير لما جرى من أحداث إنما هو تفسير زائف، وبقاء الأشعث على الدوام فى خدمة على إنما يدفع هذا التفسير بالبطلان. أما مدى ما يمكن أن تصل إليه جهود البعض من تبرير النتيجة المؤسفة لهذه المعركة بما يتفق ومصلحة علىّ، فيمكت أن نتبينه من الطبرى (جـ 1، ص 3346 وما بعدها) حيث عزى إلى على أن أوقف القتال لأنه لم يجسر على أن يعرض حفيدين من حفدة النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] والمسلمين للخطر. المصادر: (1) المكتبة الجغرافية العربية، جـ 1، ص 23، 76. (2) ياقوت: المعجم، طبعة فستنفلد، جـ 3، ص 402 وما بعدها. (3) Aronyme arabisch chronik طبعة Ahlwardt، ص 349، س 3. (4) الطبرى، طبعة ده غوى، جـ 1، ص 3265 - 3333. (5) اليعقوبى: التاريخ، طبعة هوتسما، جـ 2، ص 218 وما بعدها. (6) الدينورى، طبعة Guirgas، ص 178 - 205. (7) المسعودى: التنبيه، طبعة ده غوى، ص 295. (8) المسعودى: المروج، طبعة باربييه ده مينار، جـ 4، ص 333 وما بعدها، ص 345 وما بعدها. (9) ابن سعد، طبعة سخاو، جـ 7/ 2، ص 3 وما بعدها. (10) ابن عبد ربه: العقد الفريد، القاهرة 317 هـ، جـ 2، ص 202. (11) Der Islam im Morgen und Abendlande: A.Muller، جـ 1، ص 319 - 324. (12) Annals of the Early Caliphate: Muir، 1883، ص 376 وما بعدها. (13) Das Aratische Reich: Wellhausen ص 48 - 52.

صفية بنت حيى

(14) المؤلف نفسه: Die religios-Politischen Oppositionspar-teien im alter Islam، فى (Abh. Ges. Wiss. Gott وهى سلسلة جديدة، رقم 2) وما بعدها. الأبيارى [بول Fr.Buhl] صفية بنت حيى ابن أخطب، زوج النبى محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] (¬1). ولدت بالمدينة المنورة، وكانت تنتسب إلى قبيلة بنى النضير اليهودية، وكان أبوها وعمها أبو ياسر من بين ألد أعداء النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وعندما طردت قبيلتهم من المدينة فى سنة 4 هـ كان حيى بن أخطب من بين من استقروا فى خيبر، هو وكنانة بن الربيع، الذى تزوجت به صفية فى نهاية سنة 6 أو أوائل سنة 7 هـ، وكانت تبلغ من العمر إذاك 17 سنة تقريبًا. ومن الأخبار المتواترة أنها كانت فيما سبق زوجة سلام بن مشكم الذى طلقها. وعلى إثر سقوط خيبر فى صفر سنة 7 هـ أسرت صفية فى حصن قد يكون القموص أو نزار، مع اثنتين من بنات عمومتها. وعند تقسيم الأسلاب كانت من نصيب، أو هى قد وهبت بالفعل، لدحية بن خليفة الكلبى، ولكن محمدًا [-صلى اللَّه عليه وسلم-] افتداها من دحية بسبعة رؤوس من الماشية، ورغبّها فى اعتناق الإساوم. أما زوجها فقد حُكم عليه بالإعدام وذلك فى خيبر ذاتها أو فى الصهباء، التى تبعد عنها نحوًا من ثمانية أميال، فى الطريق إلى المدينة. وكان عتق صفية صداقها، ومن ثم لبست الحجاب، وبذلك دعمت مركزها كزوجة، وهو أمر كان فيما يبدو موضع شك فى بداية الأمر. أما فى المدينة؛ يبدو أنها عاشت بعد ذلك فى عزلة عما حولها، لأننا لا نعثر على أى ذكر لها خلال السنوات التى سبقت وفاة النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فيما عدا رواية تبين كيف أنها قد أعربت، أثناء مرضه الأخير، عن حبها له، كما كانت على علاقة طيبة بفاطمة بنت النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-]. وفى سنة 35 هجرية انحازت صفية إلى جانب عثمان، إذ قامت وقت أن كان محاصرًا فى داره، بمحاولة فاشلة للوصول إليه، ودأبت ¬

_ (¬1) يريد أنها إحدى زوجاته الإحدى عشرة، وكانت صفية السادسة حين بنى بها رسول اللَّه [-صلى اللَّه عليه وسلم-].

المصادر

على إمداده بالطعام والماء عن طريق لوح خشبى ثبتته بين بيتها وبيته. وعندما طلبت إليها عائشة أن تحضر آخر اجتماع عقده عثمان مع على وطلحة والزبير، وكان ذلك فى داره، استجابت صفية لهذا الداعى، وحاولت أن تدافع عن الخليفة وتوفيت صفية سنة 50 أو 52، إبان خلافة معاوية، وخلفت ثروة تقدر بمائة ألف درهم من الأرض والمتاع، أوصت بثلثها لابن أختها، الذى كان ما يزال على دينه اليهودى. وقد قام معاوية بشراء قصرها بالمدينة مقابل 180.000 درهم. وفى القاهرة مسجد يرجع تاريخه إلى القرن السابع عشر موقوف على الست صفية، التى يسمى باسمها أيضًا الحى المحيط بالمسجد (¬1). المصادر: (1) ابن هشام، طبعة فستنفلد، جـ 2، ص 354، 653، 762. (2) ابن سعد، جـ 8 ص 85 - 92. (3) Annali dell' Islam: L.Caetani جـ 1 ص 379، 415؛ جـ 2 ص 29، 34؛ جـ 8، ص 223. (4) الطبرى، طبعه ده غوى، جـ 1، ص 173. (5) Mo'awia: Lammens ص 246. الإبيارى [فكا V.Vacca] الصقالبة أو السلاف: كان جغرافيو العرب فى القرون الوسطى يطلقون عادة الاسم صقالبة (والمفرد صقلب وصقلبى وصقلابى، وكذلك يبدأ الاسم بالسين بدلا من الصاد) على تلك الشعوب المنحدرة من أصول شتى التى كانت تنزل الأراضى المجاورة لبلاد الخزر بين القسطنطينية وأرض البلغار. صقالبة الأندلس: نجد هذه الكلمة بصيغة الجمع مستعملة فى الأندلس فى وقت مبكر جدًا اسمًا لجنس يطلق على الحرس ¬

_ (¬1) هذا المسجد بجهة الحبانية فى حارة الداودية، أنشأه عثمان أغا بن عبد اللَّه وأوقفه على سيدته الملكة صفية (الخطط التوفيقية 5: 89) وظاهر أن هده الملكة لا صلة بينها وبين صاحبة الترجمة.

الأجنبى الخاص لخلفاء قرطبة الأمويين، وكان الاسم يطلق أصلا على جميع الأسرى الذين كانت تأتى بهم الجيوش الألمانية من حملاتها على الصقالبة ثم يبيعونهم إلى المسلمين فى الأندلس، على أن الاسم صقالبة كان يطلق فى الأندلس فى وقت مبكر جدا يعود إلى عهد الرحالة ابن حوقل على جميع الأرقاء المجلوبين الذين يلتحقون بالجيش أو يعينون فى شتى المناصب فى الحريم وقصور الخلفاء. ويذكر هذا الجغرافى إنه فى الزمن الذى اجتاز فيه شبه الجزيرة الأيبيرية كان الصقالبة هناك لا يفدون من شواطئ البحر الأسود فحسب، بل كانوا يفدون أيضًا من كالابريا ولومبارديا ومن بلاد الفرنج وجليقية. والحق أن معظمهم فيما يظهر قد جلبهم القراصنة المغاربة والأندلسيون فى حملاتهم على السواحل الأوربية للبحر المتوسط؛ وكان أولئك الذين يستخدمون منهم لحراسة الحريم بضاعة خاصة يتاجر بها التجار اليهود الذين احترفوا حرفة هامة هى "صناعة الخصيان" على حد تعبير دوزى، مارسوها فى فرنسا وبخاصة فى فردون؛ وكان معظم هؤلاء الأسرى عند وصولهم إلى الأندلس لا يزالون بعد فى شرخ الشباب، ولكنهم سرعان ما بدأوا يتحدثون بالعربية ثم أسلموا. ولم يلبث عددهم أن زاد زيادة كبيرة، ويقول المقرى إن تعدادهم على تعاقب السنين فى قصبة البلاد أيام عبد الرحمن الثالث كان: 3750 و 6087 و 13750 نسمة على التوالى. ونحن نجدهم فى ذلك الزمن يتولون مناصب مرموقة فى المجتمع رغم أنهم كانوا من الأرقاء، وقد أثرى بعضهم وامتلك الضياع الواسعة، بل كان لهم عبيدهم الخاصون بهم، وتثقفت عقولهم بفضل اتصالهم بالحضارة الأندلسية الزاهرة، وكان منهم علماء مشاهير، وشعراء، ومحبون لاقتناء الكتب، وفى رواية ابن الأبار والمقرى أن أحدهم، وهو حبيب الصقلابى، صنف فى عهد هشام الثانى كتابًا بأسره أشاد فيه بفضائل أدباء الصقالبة من الأندلسيين، وكان عنوان الكتاب: "كتاب الاستظهار والمغالبة على من أنكر فضائل الصقالبة".

وكان الصقالبة فى الأندلس، شأنهم شأن القضاة فى الدولة الرومانية والأرقاء فى تاريخ متأخر بمراكش أيام الأسر الشريفية، يسهمون بنصيب بارز فى السياسة يتناسب وازدياد عددهم واحتلالهم مكانة أكثر خطرًا فى المجتمع الأندلسى، ونجدهم أول ما نجدهم قد تولوا المناصب المدنية الرفيعة فى الدولة بل مناصب القيادة العسكرية فى عهد عبد الرحمن الثالث؛ وكان الخليفة يستخدمهم فى الحد من شوكة النفوذ الذى كان لأشراف العرب فى دولته ومقاومة هذا النفوذ، ومن ثم لم يتردد، بالرغم من السخط الذى ساد بلاطه، فى أن يعهد إلى نجدة الصقلبى سنة 939 بقيادة الحملة التى سيرها على ملك ليون، تلك الحملة التى انتهت نهاية مشؤومة بنكبتى سيمانقاس Simancas والخندق Alhandega ومطاردة جيوش راميرو الثانى وحلفائه من مملكة نبرة (نافار) لجيش المسلمين. ولم يكن الدور الذى سمح الحكم الثانى خليفة عبد الرحمن الثالث للصقالبة بأن يتولوه فى مملكته ليقل شأنًا عن الدور الذى سمح لهم به عبد الرحمن الثالث، بل إن استخفافه بعجرفتهم التى أخذت تزداد شيئًا فشيئًا بل عدم مبالاته بسلوكهم المتسم بالقحة كان من الوضوح بحيث أثار دهشة الإخباريين فى عهد هذا الأمير المتنور. وقد أحس الصقالبة عند وفاته بأنهم سادة الموقف. ويقول صاحب كتاب "البيان المغرب" إنه كان فى القصر وقتئذ أكثر من ألف مجبوب، وكان فى قرطبة فرقة من الحرس الصقالبة رهن مشيئة رجلين من أكابر الأعيان هما: فائق النظامى صاحب البرد والطراز ويليه صاحبه جوذر صاحب الصاغة والبيازرة؛ وقد تكتم هذان الخصيان الصقلبيان نبأ وفاة الحكم وحاولا الوقوف دون المناداة بوريث العرش خليفة، وكان بعد طفلا رضيعًا، ولكن الوزيرين المصحفى وابن أبى عامر قاوماهما فى ذلك، ثم ازدادت شهرتهما بما أنزلاه بهما من عقاب. ولن يتسع لى المجال بأن أفصل الكلام عن النصيب الذى أسهم به الصقالبة خلال ذلك العهد كله الذى

المصادر

اضمحلت فيه الخلافة الأموية فى الأندلس، فنحن نجدهم قد اشتركوا فى جميع المؤامرات التى دبرت فى قرطبة أو فى سائر بقاع الأندلس، ينضمون حينًا إلى الجانب الفائز وحينًا إلى الجانب الخاسر، ولكنهم كانوا يظهرون دائمًا ما عرفوا به من روح الإقدام والطمع والاستبداد، ونذكر منهم الخصى خيران الذى كان فى مستهل القرن الحادى عشر الميلادى زعيما لحزب الصقالبة فى قصبة الميلاد. وكان المؤرخون العرب بعد زوال خلافة قرطبة يتحدثون عن الدور السياسى والاجتماعى الذى قام به الصقالبة فى الأندلس حديثا أقل إسهابًا بكثير عن ذى قبل، ولكن من المرجح أن هؤلاء الصقالبة الذين كانوا قد انقضى على إسلامهم عدة أجيال، قد اندمجوا فى بقية السكان وفقدوا، علاوة على نسيانهم أصلهم الأجنبى، الشأن الذى استطاعوا أن يزعموه لأنفسهم إبان اضمحلال الدولة الأموية فى الأندلس. المصادر: انظر عن صقالبة الشرق: (1) المكتبة الجغرافية العربية، فى مواضع متفرقة (2) المسعودى: مروج الذهب، طبعة باريس، الفهرس (3) ياقوت، طبعة فستنفلد مادة "صقالبة" -وانظر فيما يختص بصقالبة الأندلس: (4) ابن عذارى: البيان المغرب، طبعة دوزى، ص 276 وما بعدها؛ ترجمة فانيان، جـ 2، ص 430 وما بعدها، وفى مواضع متفرقة (5) المقرى نفح الطيب (Analectes جـ 1، ص 88 و 92؛ جـ 2، ص 57). (6) ابن الأبار: تكملة الصلة، طبعة Codera رقم 89 (7) Histoire des Musulmans d'Espagne: R.Dozy، جـ 3، وبخاصة ص 59 - 62 (8) Ensayo bio-bibilografico sobre los histo-riadares y: F.Pons Boigues

geografos arabigo-espanoles مدريد 1898، ص 114 - 116. صبحى [ليفى بروفنسال E.Levi-Provencal] السلاف الكلمة العربية للسلاف هى صقلب، ونادرًا ما تكتب صقلاب بفتح الصاد أو كسرها أو سقلاب، والجمع صقالبة، ولا شك أن هذه الكلمة مأخوذة من اللفظ اليونانى وكان الجنود المرتزقة السلاف قد استقروا فى ولايات الحدود الشرقية للإمبراطورية البوزنطية (دولة الروم) فى القرن السابع الميلادى، وتعرف العرب من ثم على السلاف فى معاركهم الأولى مع الروم، ويقال إن مسلمة فى حملته على القسطنطينية (715 - 717 م) استولى على مدينة الصقالبة بعد اجتيازه حدود الروم مباشرة (Fragm-hist. Arab، طبعة ده غوى، جـ 1، ص 25، س 4)؛ ووجد العرب بعض السلاف الآخرين وهم يستقرون فى مملكة الخزر (بين جبال القوقاز ومجرى الفولجا الأسفل)؛ ويقال إنه حدث فى عهد الخليفة هشام (724 - 743 م) أن عمد مروان بن محمد (الذى أصبح بعد الخليفة مروان الثانى) إلى نقل عشرين ألفًا من الصقالبة من أرض الخزر "فأسكنهم خاخيط ثم إنهم قتلوا أميرهم وهربوا، فلحقهم وقتلهم" (البلاذرى، فى رأس ص 208) على أن هؤلاء السلاف كانوا لا يزالون يذكرون فى عهد الخليفة المنصور (754 - 775) بين المستعمرين الذين نزلوا حدود الروم فى قيليقية (المصدر المذكور، ص 166)؛ وقد أشيد دائمًا بشعر السلاف الأحمر ووجوههم الحمر (أو الضاربة إلى الحمرة)، وشاهد ذلك ما نجده فى القرن الأول للهجرة فى ديوان الأخطل مثلا وبالرغم من هذه السمة الجسمانية المميزة فإن السلاف قد أدرجوا مع الترك بوصفهم من أحفاد يافث، ويقال إن أولاد نوح الثلاثة قد رزق كل منهم ثلاثة أولاد أيضًا، ويروى وهب بن منبه (الطبرى، جـ 1، ص 211، س 13) أن أبناء يافث هم ترك ويأجوج ومأجوج، فى حين أن سعيد بن المسيب. المتوفى سنة 95 هـ = 713/ 714 م) الذى جاء بعده بقليل يذهب إلى أن أبناء يافث هم الترك والسلاف ويأجوج ومأجوج متحدين

فى شعب واحد (البكرى فى Kunik and Rosen، جـ 1، ص 18)، وكذلك قال ابن إسحق (الطبرى، جـ 1، ص 211 وما بعدها)، والكرديزى (فى Barthold: Otcet,etc، ص 80)، اعتمادًا على رواية ابن المقفع ويزيد ابن المسيب على ذلك فيقول إن أولاد سام الثلاثة (وهم أجداد العرب والفرس واليونان) كانت نشأتهم طيبة، على حين أن أولاد يافث وحام كانوا لا يصلحون لشئ؛ وقد استثنى المؤلف المجهول صاحب مجمل التواريخ، الذى ألف كتابه إبان الحكم التركى فى القرن السادس الهجرى (الثانى عشر الميلادى، النص فى Tuikestan. etc.: Barthold، جـ 1، ص 19)، الترك والخزر من أبناء يافث، وقال إنهم كانوا أذكياء، أما إخوتهم فكانوا لا يساوون شيئًا. (الكرديزى فى Otcet: Barthold، ص 85)؛ ويقول الكرديزى أيضًا (المصدر المذكور، ص 86) فى وصف القرغيز إنهم ينحدرون من الصقالبة بسبب احمرار شعرهم وبياض جلودهم، وقد سمى ابن فضلان أمير بلغار الفولجا باسم "ملك الصقالبة"، ونتبين ذلك لا مما نقله عنه ياقوت فحسب (المعجم، جـ 1، ص 723. س 11)، بل نتبينه أيضًا مما تحقق لنا الآن فى "الرسالة" الأصلية التى كتبها (Bulletin de I'Acad. ect 1924، ص 244)؛ وعلى هذا النحو يمكن تفسير حملات الخوارزمية على البلغار والصقالبة التى وردت فى ابن حوقل (المكتبة الجغرافية العربية، جـ 2، ص 281، س 13)؛ ومن المرجح أيضًا أن هؤلاء الصقالبة كانوا رعايا ملك البلغار، وربما كان اليعقوبى (طبعة Houtsma، ص 598) فى روايته عن صاحب الصقالبة يشير إلى هذا الأمير نفسه، وهو الأمير الذى استنجد به شعب من القوزاق لدفع غائلة العرب عنهم حوالى سنة 240 هـ (854/ 855 م)، وقد استنجدوا فى الوقت نفسه "بأمير اليونان" و"أمير الخزر" (وتجد تفسيرًا آخر فى Osteuropaische und ostasiatische Streifzuge: J.Marquart، ليبسك 1903، ص 200)، على أن رواية الطبرى (جـ 3، ص 2152) فى حوادث سنة 283 هـ (896 م) عن حملة ملك الصقالبة على القسطنطينية تشير إلى الحرب التى وقعت بين سمعان

قيصر بلغار الدانوب (890 - 927 م) وبين الإمبراطور ليو السادس سنة 893 م؛ وقد حل الاسم الروس" شيئًا فشيئًا محل الاسم "الصقالبة" الذى يطلق على أهل روسيا الجنوبية الحديثة؛ وكان نهر الدون، الذى ساد الاعتقاد زمنًا بأنه فرع من فروع نهر الفولجا، يطلق عليه أول الأمر "نهر الصقالبة" (المكتبة الجغرافية العربية، جـ 5، ص 271، س 3؛ جـ 6، ص 154، س 12)، ثم أطلق عليه من بعد اسم نهر الروس" (المصدر المذكور، جـ 2، ص 276، س 16، وكذلك أطلق هذا الاسم عليه المؤلف المجهول للمصنف الفارسى حدود العالم، انظر Zap جـ 10، ص 137). ويبدو أن أول من لاحظ العلاقة بين السلاف وشعوب الغرب هو ابن الكلبى (هشام بن محمد، انظر جـ 2، ص 689)؛ وفى رواية ياقوت (المعجم، جـ 3، ص 405، س 8) إنه وصف الصقالبة بأنهم إخوة الأرمن واليونان والفرنجة ومن انحدروا من صلب يونان بن يافث، وقال إنه نقل ذلك عن أبيه، والظاهر أن ثمة معلومات أدق من ذلك عن الصقالبة بوصفهم جيرانًا لليونان قد وردت فى كتب مسلم ابن أبى مسلم الجرمى الذى أطلق سراحه سنة 845 م بعد أن قضى ثمانى سنوات أسيرًا لدى الروم؛ واعتمادًا على رواية مسلم يذكر ابن خرداذبة (المكتبة الجغرافية العربية جـ 6، ص 105، س 15) أن "بلاد الصقالبة" تقع غربى مقدونية؛ ويقول المسعودى (مروج الذهب، جـ 3، ص 66) إن الفرنجة والصقالبة واللومبارديين والإسبان ويأجوج ومأجوج والترك والخزر والبرجان والجلالقة الإسبان هم من أحفاد يافث؛ وقد تناول فى موضع آخر (جـ 4، ص 38 وما بعدها) أراضى هذه الشعوب مرتبا لها ترتيبا جغرافيا يبدأ من الشرق إلى الغرب، ووضع بلاد (عمل) الصقالبة بين بلاد البرجان وبلاد اليونان، وذكر أن اللون الضارب للحمرة (الشقرة) هو سمة الملامح المميزة للصقالبة واليونان (جـ 3، ص 133) وقد اعتنق معظم البلغار

الصقالبة المسيحية وخضعوا لصاحب رومة، قصبة الفرنجة (المكتبة الجغرافية العربية، جـ 8، ص 181 وما بعدها)، وذكر أن قسما كبيرا من هذه الشعوب قد نزل ضفاف الدانوب. المصدر المذكور، ص 183 فى أسفلها، وانظر العبارات الأشد من ذلك غموضًا التى وردت فى حدود العالم، وقد ورد فى المخطوط الذى بين أيدينا ذكر دوتا بدلا من دونا وليست روتا كما فى zap، جـ 10، ص 133 وما بعدها)؛ وكان اليونان والرومان والصقالبة والفرنجة وجيرانهم فى الشمال يتكلمون لغة واحدة وتتألف منهم جميعًا دولة واحدة (المكتبة الجغرافية العربية جـ 8، ص 83، س 9)؛ ونجد أوفى المعلومات المدونة عن الصقالبة بأوروبا فى رحلات اليهودى الأندلسى إبراهيم بن يعقوب سنة 965 التى سجلها البكرى (انظر جـ 1، ص 606 وما بعدها)، وقد ورد فيها أن الصقالبة كانوا يقيمون على البحر الأدرياوى وأنه كان على حدود أراضى الصقالبة فى الشمال الشرقى بلاد الأمير البولندى مشقه (Mieszko) ما بين سنتى 960 - 992 تقريبا، وهو جار الروس والبروسيين، على أن الإدريسى لا يذكر بلادا للصقالبة إلا فى شبه جزيرة البلقان وذلك فيما يتعلق بالبندقية (Geographie d'Edrisi، ترجمة A.Jaubert، باريس 1836 - 1840، جـ 2، ص 286)، ولم ترد إشارة عند وصف بلاد الصقالبة من بوهيميا حتى بولنده (المصدر المذكور، جـ 2، ص 375 وما بعدها) إلى الأصل المشترك لهؤلاء الصقالبة الذين ينزلون تلك البلاد، ومن ذلك الحين أخذ اللفظان صقلب وصقالبة يختفيان شيئًا فشيئًا من المؤلفات الإسلامية ولا يستخدمان إلا عند الاستشهاد بالكتب الأقدم من ذلك عهدا. فكلمة "الصقالبة" مثلا لم ترد فى مصنفى الجوينى (سلسلة كب التذكارية، جـ 16، ص 224 وما بعدها) ورشيد الدين (المصدر المذكور، جـ 18، ص 43 وما بعدها) عن تاريخ الحملات الأوروبية على المغول، وقد استعير اللفظ التركى الحديث "إسلاو" من الاستعمال العلمى الأوربى الحديث،

المصادر

والراجح أن استعارته كانت من الفرنسية. وكان السلاف، شأنهم فى ذلك شأن الترك، يدخلون البلاد الإسلامية أحيانًا أرقاء بل خصيانًا من البيض (انظر المكتبة الجغرافية العربية، جـ 3، ص 242، س 5؛ جـ 5، ص 84، س 1، جـ 6، ص 92، س 5)، وكانت الفرق الخاصة تؤلف من الجنود السلاف، كما كانت تؤلف من الترك؛ وكان زعماؤهم أحيانًا يقيمون الأسر الحاكمة إذا واتتهم الظروف؛ انظر فيما يختص بالصقالبة فى خدمة الفاطميين فى مصر على سبيل المثال K.Inosizancev فى Zap، جـ 17، ص 29 و 86؛ وانظر فيما يتعلق بالصقالبة فى الأندلس مثلا Recherches, etc.: Dozy، باريس- ليدن 1881، جـ 1، ص 277 وما بعدها (الأمير خيران صاحب المرية، انظر جـ 1، ص 213 وما بعدها) و 235 وما بعدها (الصقالبة بوصفهم حلفاء العرب على البربر). المصادر: (1) (Skazaniya musulmanskikh Pisatelei slavyanckhi russkikh: A.Garkavi (Harkavy، بطرسبرغ 1870؛ وعلى أساسه Dopolneniya، 1871 (2) Izviestiya al-Bekri i drugikh avtorov o Rusi i Slavyanakh: A.Kunik and V.Rosen، جـ 1، بطرسبرغ 1878، جـ 2، المصدر المذكور 1903 (3) Ibrahim Ibn-JaKub's Reisebericht uber die Slawenlande aus dem Jahre 965 de l'Acad. etc: Fr.Westberg، السلسلة 8، جـ 3، رقم 4 (4) المؤلف نفسه: Beitrage zurKlarung orientalischer Quellen uber Osteuropd, Bull de l'Acad., etc, 1899، ص 211 وما بعدها و 275 وما بعدها. (5) المؤلف نفسه: Kanalizu vostocnikb istocnikov o vostocnoi Evrope, Z.M.N.Pr، السلسلة الجديد، جـ 13، ص 264 وما بعدها؛ جـ 14، ص 1 وما بعدها (6) Osteuropaische und ostasiatische Streifzuge: J.Marquart، ليبسك 1903. صبحى [بارتولد W.Barthold]

صقلية

صقلية نلمس فى تاريخ صقلية صورة مصغرة لقصة الحضارة الغربية، وصقلية تقع فى قلب البحر المتوسط، وهى أيضًا فى القلب من حروب القرون الوسطى وتجارة هذه القرون وثقافتها؛ وقد اجتمعت فيها الحركات الكبرى للفينيقيين واليونانيين والرومان والمسلمين حيث خاضوا معاركهم وهلكوا جميعا؛ وتغشى غاشية من الظلام أيامها الأولى حين اندمج السيكل Sicels والسيكان Sicans، وحين استقر تجار فينيقية فى مستعمرات فى الرؤوس المطلة على البحر وعلى طول ساحله؛ ويبزغ فجر عصر جديد عندما تمد دول المدن اليونانية أيديها طلبا لأراض جديدة وتستقر فى ناكسوس Naxos (735 ق. م)، وقوصرة (Corcyra)، وسراقوسة (Syracuse) (734)؛ وتظل عملية الاستعمار سائرة باطراد قرونا طويلة، ويصبح العنصر اليونانى فى الجزيرة قويا، وفى مستهل الحرب البيلوبونيزية (427) لاح أن حلم أثينا فى غزو صقلية سوف يتحقق، على أن النتيجة لم تكن نصرا كتب لأثينا ولا طغيانا لكورينثة بل أسفرت الحرب عن انتشار الثقافة القديمة؛ وكان هانيبال فى هذه الأثناء يستعرض بسالته التى عرف بها الفينيقيون، فأخضع سنة 409 سلينوس Selinus وهميره Himera، وعاد إلى قاعدته فى قرطاجنة، ومن ثم بدأت المنافسة بين اليونان وقرطاجنة، تلك المنافسة التى كانت السمة الوحيدة التى اتسم بها تاريخ الجزيرة بضعة قرون؛ وحكم ديونيزيوس Dionysius الأول والثانى، وديون Dion، وتيموليون Timoleon، وأكاثوكليس Agathocles وبيروس Pyrrhus وهيرو Hiero الثانى، يساورهم دائمًا الرعب من الغزوات السامية، ولم تنعم صقلية بالسلام إلا بعد أن قضت رومة على المنافسة الإفريقية لها القضاء المبرم، ومع ذلك فإن عبقرية الحضارة كانت واضحة خلال هذه الحقبة الطويلة من الدهر فى موانى سراقوسة، وفى أسلحة

تاورمينيوم Tauromenium، وفى معابد سيلينوس، وفى قصائد ثيوقريطس Theocritus الرعوية، وحتى عندما طأطأت اليونان وقرطاجنة هامتيهما لرومة، كانت صقلية لا تزال تغذيها الروح الهيلينية، وكان نير رومة أمرا لا يصعب احتماله، ومع ذلك فإن عنصر العبيد فى الجزيرة كان كبيرا جدا، ويرجع بعض السبب فى هذا إلى تاريخ الجزيرة الفريد فى بابه وبعضه الآخر إلى حاجة رومة للقمح الذى تنبته حقولها، وأدى ذلك إلى نشوب الفتن فيها سنتى 132 و 102 ق. م. على أن رومة سقطت أمام الوندال والقوط، وقدِّر على صقلية أن تذوق مثلها بربرية أحدهما والتسامح غير المنتظر الذى اتسم به الآخر، على أنه ما لبث أن ظهر بليزاريوس Belisarius فأعاد إلى رومة قوتها وأيقظها من سباتها الذى راحت تغط فيه بعد تدهورها. وفى هذه الأثناء كانت بلاد العرب تموج بحركة كبيرة، ولو أن هذه الحركة كانت تهدف إلى الدعوة الدينية، إلا أنها كانت فيضا من فيوض الأجناس وتصدع نهر من أنهار السلالات البشرية، وتوفى محمد عليه الصلاة والسلام سنة 632 م، إلا أن حروبه السياسية الدينية استمرت، ففى الشام تغلغلت الجيوش الإسلامية تحت إمرة معاوية حتى بلغت الإسكندرية، وهناك سحقت أسطول الروم سنة 652 وأصبحت السيادة البحرية للعرب، وفى السنة نفسها شن العرب هجومهم الأول على صقلية، ومع أن أحدًا من المؤرخين العرب لم يسجل شيئًا عن هذه الحملة إلا أنه تكفينا شهادة ثيوفانيس Theophanes، فقد دافع عن الجزيرة أوليمبيوس Olympius نائب العاهل الرومى (البوزنطى)، بيد أن المسلمين فازوا بغنائمهم وأبحروا إلى دمشق بسفن امتلأت بزاد عظيم من اللحم والدم والفضة والذهب، وعادوا ليذوقوا أطايب سراقوسة التى أعملوا فيها يد العنف، على أن هذه الحملات لم تكن إلا جهودا فردية من فيض القوة العسكرية، لم تتسم بأية صبغة حاسمة أو يظهر فيها أى طابع سياسى.

وولت الأيام التى تجلى فيها سلطان بنى أمية وانبثقت قوة الإسلام من ناحية أخرى سوى الشام، ومع ذلك فإن هجمات العرب والبربر وجدت لها مخرجًا جديدًا فى جزائر البحر المتوسط، فمنذ أيام موسى عليه السلام راح القراصنة يزعجون هذه البقاع وينشرون الرعب القاتل بين أهل جزائر قورشقة وسردانية وصقلية، وفى سنة 705 م كانت سراقوسة ضحية للسلب مرة أخرى، إلا أن الإفريقيين كانوا هم السالبين هذه المرة، وظل الإفريقيون يعودون المرة بعد المرة طوال هذا القرن إلى كنزهم ويقومون بجهود محدودة حيال الجزيرة؛ وبلغ من شدة أثر هذه الغارات وإزعاجها للقوم أن الشريف غريغورى ظن أنه قد أحسن صنعا بعقده معاهدة مع العرب سنة 813 مدتها عشر سنوات، وقد احترم العرب نصوص هذه المعاهدة، ولكن الجائزة كانت مغرية كل الإغراء، وكان استنجاد يوفيميوس Euphemius السراقوسى بالعرب لدفع عدوان ميشيل المتلعثم سنة 827 ذريعة جاءت فى وقتها للقيام بغزو شامل، فقد أنفذ زيادة اللَّه الأغلبى صاحب القيروان سفنه المائة من سوسة فى الثالث عشر من يونيه، وبدأ الغزو الحقيقى لصقلية، ويختفى يوفيميوس من المسرح، ويتصدر العربى وحده التاريخ فى بضعة القرون التالية. وقاد أسد بن الفرات حملة جمعت خليطا من المقاتلة؛ فقد جُنِّد رجال الحاشية فى القيروان الذين يصعب، قيادهم فرقًا زودت بالجنود من اليمن وخراسان، ومن الشام والمغرب، وكانوا جميعا من المتطوعين، وهاجموا مازر Mazara أول مدينة فى الجزيرة وأخضعوها، ثم جربوا قوتهم فى حملتهم على سراقوسة، ولكن الطاعون أشاع الفوضى فى صفوفهم وسلبهم حتى قائدهم، وكانت الأحوال فى وطنهم خطيرة حقًا ولم يكن بينهم خالد آخر يحفزهم إلى النصر، وكان عليهم أن يفكوا الحصار، على أن غمّهم ما لبث أن انقلب يأسا عندما رأوا أن أسطول

الروم يقطع عليهم خط الرجعة، ومن ثم أكرهوا على الهرب إلى الجبال والتحصن فى مدينة ميناو Mineo، وبقوا فيها إلى أن ظهر أسطول من المغامرين الأسبان وأمدهم بالزاد والعتاد، بيد أن بلاط القيروان كان قد توطدت أركانه، وكان لا يزال غير راض عما تم من غزو، فأنفذ أسطولا كبيرا من 300 سفينة تحمل 20.000 رجل، حاصروا تحت إمرة آسبغ مدينة غلوالية واستولوا عليها، حيث فعل الطاعون بهم مرة أخرى ما استحال على الجيوش الصقلية أن تفعله، على أن بعض الغارات الأخرى نجحت فى الجزيرة، فقد ركزت فرقة اهتمامها ببلرم (باليرمو) وأكرهتها على التسليم، وكان غزو هذه المدينة هى ومدن أخرى كثيرة أصغر منها يعد حقًا من المغامرات فى تاريخ الغزو الإسلامى، فقد كان بداية لها شأنها فى إخضاع نواح أخرى، وأصبحت بلرم مقرًا للأمير، بل هى قد مكنت العرب من صقلية تمكينًا. والحق إن المهاجمين اطمأنوا إلى ممتلكاتهم الجديدة اطمئنانًا عظيما حتى إنهم انقلبوا يتحدى بعضهم بعضًا، ومن ثم بدأت قصة الانشقاق الصقلى الذى غشى الإدارة الإسلامية حتى النهاية. وكان بين العنصرين الأسبانى والإفريقى فى المغامرة احتكاك دائم، بل إن هذا الاحتكاك أفسده التمييز بين اليمنيين والأمويين وبين الفرس والبربر. وما إن حلت سنة 840 م حتى كان ثلث الجزيرة قد أصبح يحكمه المسلمون، وسرعان ما استنجدت نابولى ورددت منحدرات جبل فيزوف وسهول كالابريا ومياه البحر الأدرياوى صرخات الحرب يطلقها المسلمون، بل إن فرق المسلمين لهددت رومة نفسها سنة 846 م وتعذر عليهم اختراقها فأعملوا السيف فيما بقى خارجها، وكان ثمة حملة أخرى قدمت من القيروان، فقد أغار جعفر سنة 875 م على سراقوسة بجيش كامل العدة، وحاصرها ثلاث سنوات سقطت على إثرها بين يدى المسلمين هذه المدينة العظيمة، الحافلة بالتاريخ الإنسانى العريقة فى الحضارة؛ ويتبع ذلك قصة الاستيلاء على الغنائم، بل يتبعه أيضًا الأهواء والغيرة والتحزب والشقاق؛

على أن هذا النصر الجديد زود الفاتحين بمواثيق جديدة؛ ولم يكن دوقا إسبوليتو Spoleto وتوسكانيا Tuscany بريئين من الاشتراك فى الأسلاب، والحق إن سيادة الأغلبى كانت تامة إلى حد أن البابا يوحنا الثامن وجد من الحكمة أن يؤدى له الجزية سنتين، ولقد حجب الهلال الصليب بلا ريب فى ذلك الحين. على أنه بقيت بعد بضع مدن لم تحن رأسها، ذلك أن قوة العرب لم تكن مستطيعة أن تخضع كل مكان على طول الساحل، بل إن الفتنة كانت ترفع رأسها حتى فى المراكز الكبرى مثل بلرم؛ ففى سنة 900 ثارت فتن خطيرة هددت السلام فى قصبة البلاد، على أن النذر داخل المعسكر الإسلامى كانت أشد حلكة وظلامًا، فبينما كان الأمر يقتصر من قبل على الدمدمة العالية أو الحركات السرية إذا به ينقلب حروبًا أهلية، وظهر إبراهيم بشخصه فى صقلية ليثبت وجوده، وبفضل حضوره سقطت تاورمينا ورامطة Rametta (908)، بيد أن وفاته كانت السبب فى حرب ضروس أخرى حالت دون فتح صقلية الشرقية، وتنفس المسلمون الصعداء عندما أبرموا معاهدتهم مع الإمبراطور قسطنطين بورفيروكينتوس Constantine Porphyrogenitus سنة 956 م، فلما عادوا للاستيلاء على تاورمينا سنة 963 ورامتا سنة 965، كان الشعب الإسلامى فى صقلية قد غلب على أمره، بعد أن ظل هذا الشعب يناضل 138 عاما فى سبيل سيادة الجزيرة وراح ينعم بهذه السيادة 73 سنة أخرى، وقد ظلت ثقافة الشرق تنساب طوال هذه المدة فى عقول أهل صقلية وفى قلوبهم وامتزجت فيهما بتراث اليونان ورومة النفيس، وقد أسفر قراع العقل بالعقل عن طراز فى الحياة لا مثيل له فى التاريخ، فقد اجتمع هناك كل ما فى الشرق من روحانيات وكل ما فى اليونان من جمال وكل ما فى اللاتين من حمية ونشاط، ولم يكن ثمة سبيل إلى السلام إلا بالتسامح، وإن كانت صقلية قد سارت فى أى طريق فإن هذه الطريق كانت بلا جدال طريق التسامح.

وشمل الهدوء البلاد سبعة عشر عامًا، عاد بعدها المسلمون يقرعون أبواب صقلية من جديد، ولكن أوتو الثانى Otto II، ومن ورائه إمبراطورية غربية، اضطر إلى الانسحاب من القتال مقهورًا مدحورًا، وإنما لاح النصر عندما استجمع الإمبراطور الشرقى بازيل الثانى قواته المبعثرة سنة 1027 م ليقوم بهجوم حاسم على الفاتحين المشاغبين الذين اقتحموا أملاكه، ولم يطل به العمر حتى يشهد نتيجة عمله، إلا أن تابعه مانياكيس Maniaces واصل خطة الغزو، فقد استغل سخط أبى الأعفر فراح ينتصر فى كل خطوة يخطوها طيلة أربع سنوات، وما إن حلت سنة 1043 حتى كانت مسّينة Messana وسراقوسة وغيرهما من المدن الكثيرة قد خضعت لسيادة المسيحيين. على أن مانياكيس استدعى إلى الوطن للقضاء على بعض المخاوف التى ثارت هناك فاضطر إلى أن يترك عمله دون أن يتمه، وسرعان ما استرد المسلمون بعض ما فقدوه، والظاهر أن الإمبراطورية لم تكن قادرة على رد غائلة الفاتحين إلا أن الساعة حلت سنة 1060 وظهر الرجل المنتظر، فقد كانت مسينة لا تزال تناضل ساعية إلى الخلاص من قضائها المحتوم باستيلاء العرب عليها حين استنجدت بالكونت النورمندى روكر صاحب هوتفيل، وكان هذا النورمندى قويًا بامتلاكه إيطاليا، بيد أنه كان ينتظر الوقت الملائم للاستيلاء على الجزيرة القائمة أسفلها، فاستجاب لنداء أهل المدينة واستولى عليها وجعلها قصبة مملكته، وما إن حلت سنة 1071 م حتى كانت بلرم قد سقطت، وفى سنة 1078 انتزعت تاورمينا من أيدى المسلمين، واستولى النورمندى على سراقوسة سنة 1085، وكان العرب قد استولوا على مالطة سنة 870 فاستردها روكر منهم سنة 1090، ومن ثم تم فى بضع سنوات غزو صقلية بأسرها، وساد الحكم النورمندى الجزيرة كلها، واحتل سادة النورمنديين القصور، كما احتل الجنود النورمنديون الحصون، ولاح أن كل ما كان للعرب من مجد قد ولى وانقضى. وبالرغم من هذا فإن الثقافة العربية وجدت عصب حياتها فى كيان الغزو

النورمندى، ذلك أن العرب كانوا قد نسوا حتى ذلك الحين فنون السلام الرفيعة فى تلك اللجَّة من الحروب المتوالية، أما بعد فقد أكرهتهم الحوادث على الانطواء على أنفسهم فتبينوا ما فى أدبهم وأشعارهم وقوانينهم وعلومهم من كنوز، ولم يتخلصوا فحسب من القتال، بل نعموا أيضًا بحماية روكر حماية كاملة، ذلك أن روكر لم يكن متحزبًا فى مسيحيته، ثم إنه شجع هؤلاء المسلمين على أن ينموا مواهبهم، إن لم يكن قد شجعهم على أن ينشروا دينهم، بل لقد اتهم هو نفسه بأنه مسلم، ذلك أن روكر كان رجلا غير مثقف، وإذ رأى بعينيه اللتين لم تظلهما غشاوة التعصب عبقرية العرب العظيمة، أبى أن يقتل روح هذه العظمة، فمنح المسلمين الحرية التامة فى ممارسة شعائر دينهم، بل حرم على المسيحيين أن يبشروا بدينهم بين العرب، كما خفف من وطأة النظام الإقطاعى النورمندى على المسلمين، وأخذ بنظام الإدارة الإسلامى، بل أبقى على الموظفين المسلمين فظلوا يعملون تحت إمرته، وقيل إن معظم تجار باليرمو أثناء السيادة النورمندية كانوا من المسلمين، على أنه ما من شك فى أن أحسن رجال المال الذين كانوا عنده كانوا من المسلمين، وكانت الأرض بأسرها يزرعها المغاربة دون سواهم، ذلك أنهم كانوا قد أظهروا فى الأندلس براعتهم فى فلاحة الأرض حتى جعلوها تؤتى أطيب ثمارها؛ وكان ورق البردى وقصب السكر والكتان والزيتون تزرع بوفرة فى الجزيرة، وكانت نظم الرى العظيمة تطبق حيث يشح الماء، ويستغل كل جزء من أجزاء الجزيرة، وقد يقال إن عدد من كانوا يقيمون فى وادى مازر Mazara فى هذه الحقبة من الزمن لم يكونوا يقلون عن المليونين، وكذلك ازدهر علم الطب، ولم يكن بلاط روكر مشهورًا ببراعة أطبائه فحسب بل كان مشهورًا أيضًا بكثرة عددهم. وازدهرت اللغة العربية بوصفها وسيلة التفاهم الكبرى كما كانت هى اللغة الرسمية، وهنالك شنفت آذان اليونانيين والنورمنديين قصائد العرب وقصصهم التى تشيد بالصحارى العربية، وهنالك أيضًا نقلت روائع أفلاطون وأرسطوطاليس إلى

المصادر

العربية؛ كما دفعت مثل العرب فى الفروسية، التى تسرى فى كل قصة من قصصهم، روكر وبلاطه إلى أن ينهجوا نهجًا جديدًا فى المغامرة الأوروبية التى قصد بها روكر أن يزيد من رفعة اسمه واسم أسرته. وما من حاكم كان أشد من روكر إدراكًا لعظم ما غنم بامتلاكه صقلية، فحماها كل الحماية من المؤامرات. السياسية والمنافسات الدينية، ولكن سرعان ما حل اليوم الذى احتقر فيه أبناؤه نصيبهم فى هذا الميراث، وامتهن الفكر واللغة والعلوم والثقافة الإسلامية شيئًا فشيئًا، وجر النسيان عليها ذيوله آخر الأمر؛ ولكن "صقلية كانت أشد الممالك الأوربية تألقًا ما بقى اليونان والعرب ينعمون بالحماية وتظلهم عين الرعاية". المصادر: أفضل الثقاة المحدثين هو Storia dei Musulmani di Sicilia,: Michele Amari, 1854، 3 مجلدات و Biblioteca arabosicula ossia raccolta di testi arabiciche toccano la geografia, Storia, biografie e La bibliografia cella Sicilia، 1857 - وانظر أيضًا: (1) Declins and Fall of the Roman Empire: Gibbon، جـ 6، طبعة Bury. (2) History of the Moorish Empire in Europe: S.P.Scott، 1904، فى ثلاثة مجلدات. (3) الإدريسى: صفة المغرب، طبعة وترجمة، Dozy and de Goeje، 1866. (4) ابن الأثير: الكامل، طبعة Tornberg وكذلك مختارات Fagnan من العبارات المغربية. (5) ابن بطوطة، طبعة باريس. صبحى [كرواثر جوردن T.Crouther Gordon] صلاح الدين الملك الناصر صلاح الدين يوسف الأول، وهو ابن الأمير نجم الدين أيوب، ولد فى تكريت سنة 532 هـ (1138 م)، وانتقل أبوه بعد مولده بقليل، أو بعد مولده ببضع سنوات فى بعض

الروايات، إلى الشام حيث نصبه زنكى واليا على بعلبك، وظل فى منصبه هذا (وقد أقطعه زنكى ثلث المدينة وملحقاتها) إلى ما بعد استيلاء الأتابك أبق على هذه المدينة، ونشأ صلاح الدين وإخوته فى بعلبك، فلما بلغ صلاح الدين السابعة عشرة من عمره صحب أباه إلى بلاط نور الدين حين استولى نور الدين على دمشق سنة 549 هـ (1154 م؛ انظر فيما يتصل باحتلال بعلبك ودمشق مقدمة Baalbek, in islamischer zeit فى المجلد الثالث من Baalbek, Ergebnisse der Ausgra. bungen und Untersuchungen in den Jahren 1899 - 1905 برلين 1925)، ومن العجيب أننا لا نعرف إلا القليل عن شباب صلاح الدين وتعليمه، ولم يكن لصلاح الدين شأن ما فى بلاط نور الدين، بل إن الأمير أسامة، الذى كان يقيم فى هذا البلاط، لم يكن يعرفه، كما يتبين من سيرته التى كتبها بقلمه، على أنه برز أول ما برز حين صحبه شيركوه معه فى أول حملة له على مصر سنة 559 هـ (1164 م) على كره منه (فى رواية أبى شامة دون أن يبين لذلك سببا) وكان شاور وزير الخليفة العاضد قد عُزل وحل محله منافس له هو ضرغام فاستنجد شاور بنور الدين أتابك الشام، ووعده بثلث خراج مصر، على حين طلب ضرغام من أمورى الأول Amauryi صاحب بيت المقدس مؤازرته ووعده بإتاوة كبيرة، على أن ضرغاما منى بالهزيمة وقتل قبل أن يستطيع أمورى أن يمد له يده بأية مساعدة. وأعيد شاور إلى الوزارة، ولم يف بوعده، وأراد شيركوه أن يظفر بما وعد فأمر صلاح الدين باحتلال بلبيس وناحيتها وأن يجمع منهما الخراج، فنشب على الأثر قتال حامى الوطيس، ووجد شاور نفسه فى مأزق حرج فاستنجد بالملك أمورى، ولم يجد شيركوه وصلاح الدين بدًا من التحصن ببلبيس، وأبلى الرجلان بلاء حسنا فى الدفاع عن المدينة حتى تعذر على شاور وأمورى الاستيلاء عليها، وفى هذه الأثناء استولى نور الدين على حصن حارم الهام وتقدم صوب بانياس مما اضطر أمورى إلى العودة إلى الشام لمنع نور الدين من الاستيلاء على أراض أخرى، وكان قد اتفق مع شيركوه على

أن ينسحب شيركوه من مصر ويتركها لشاور. وبلغ شيركوه الشام هو وصلاح الدين فى مستهل سنة 560 هـ (أواخر سنة 1164 م)، وقواته سليمة لم تمس، وكانت أهم نتائج هذه الحملة أن نور الدين ورجاله تبينوا ثروة مصر وقوتها التى لا بأس بها، وتاق شيركوه إلى غزو البلاد والاستقرار فيها، ولكن نور الدين لم يشأ أن يفرق جيشه لأنه كان يحارب الصليبيين، على أنه حدث بعد ثلاث سنوات فحسب أن عقد شاور حلفا جديدا مع أمورى، فتلقى شيركوه الأمر بأن شرع فى القيام بحملة أخرى على مصر، واصطحب معه صلاح الدين أيضًا (أكتوبر 1168)، "على كره منه أول الأمر"؛ وكان هدفه الأول احتلال ضفة النيل، فلما تغلب على الصعاب التى صادفته أثناء المسير وأفلت من الفرنجة، أمكنه أن يبلغ جنوبى القاهرة وأقام معسكرا حصينا قرب الجيزة، على أن أمورى سرعان ما أقبل بجنده وعسكر فى الجهة المقابلة له فى الفسطاط، وعقد فى الوقت نفسه اتفاقا خاصا بالجزية مع الخليفة نفسه، ثم هاجم أمورى شيركوه وأكرهه على التقهقر إلى الصعيد، ثم اضطره إلى الوقوف فى البابين، وخاض شيركوه القتال، بعد شئ من التردد، عملا بنصيحة صلاح الدين وبعض الأمراء، وأفلح فى هزيمة أمورى، على حين أكره صلاح الدين جيش الخليفة على أن يولى الأدبار، ولم يكن شيركوه فى مركز يسمح له بمواصلة هذا النصر، بل عاد ومعه صلاح الدين إلى الاسكندرية، ثم ترك صلاح الدين مع نصف جيشه، ومضى هو إلى الصعيد يجمع الجزية، وكانت هذه أول مرة يستقل فيها صلاح الدين بالقيادة، وتقدم أمورى صوب الإسكندرية على رأس جيشه وجيش من المصريين، وكان أسطول الصليبيين يراقب الساحل، ووجد صلاح الدين مشقة فى رد غائلة الفرنجة عن المدينة فقد حاصروها وراحوا يصلونها نارا حامية بمدفعيتهم العظيمة، ومن ثم استنجد بشيركوه وعاد شيركوه مسرعا ولم يضرب خيامه قط إلا عندما أصبح أمام القاهرة، وهنالك دخل فى مفاوضات مع أمورى لعقد صلح، وتم الصلح بينهما فى منتصف شوال سنة 562 هـ (مستهل أغسطس سنة

1167 م)، وقد تعهد شيركوه بأن يعود إلى الشام ومعه صلاح الدين، وتبادل الفريقان الأسرى، وقوبل صلاح الدين بالحفاوة والتكريم فى معسكر أمورى وزار النصارى فى الاسكندرية وزعم كل من الطرفين أنه هو المنتصر، وترك أمورى حامية فى القاهرة كما ترك إدارة لجمع الخراج، وربما كان الخوف من انتصارات نور الدين هو السبب الأكبر فى عقد معاهدة الصلح، على أن أمورى لم يحافظ على الصلح، ذلك أن مستشاريه زينوا له غزو مصر بعد أربعة عشر شهرا فحسب، كما أن حاميتيه فى الاسكندرية والقاهرة نصحتاه بالاستيلاء على مصر نهائيا، فتقدم صوب بلبيس واستولى عليها فى 29 من المحرم سنة 564 هـ (2 نوفمبر سنة 1168 م)، وأعمل القتل فى جميع سكانها فلم يترك منهم أحدا أو يكاد، وقد نفر منه المصريون لهذه الوحشية، ثم تقدم صوب القاهرة، وسعى الوزير شاور إلى إشعال النار فى الفسطاط رغبة منه فى حماية المدينة، ويقال إنها ظلت تحترق 54 يوما، ومنع الدخان المتصاعد من الحريق أمورى من تخير مكان مناسب لمحاصرة القاهرة، وأسرع الخليفة ما وسعه الأسراع إلى إيفاد الرسل للاستنجاد بنور الدين، على حين كان شاور يفاوض أمورى؛ وأوفد نور الدين شيركوه ومعه صلاح الدين، وكان صلاح الدين لا يزال متأثرا بما لقيه من بلاء خلال حصار الإسكندرية، وإنما قرر الذهاب مع شيركوه بعد شئ من التردد، وزود بالرجال والجياد والسلاح. وحاول أمورى أن يعترض طريق شيركوه دون جدوى، وفى غرة ربيع الثانى سنة 564 هـ (2 يناير سنة 1169 م) راح يتقهقر، ولم تنقض بضعة أيام حتى ظهر شيركوه أمام القاهرة وحياه أهل المدينة تحية المنقذ، على أن شاور ظل يناصبه العداء، ودبر أن يأسره هو وأمراءه فى عيد من الأعياد، واتصلت هذه الخيانة بعلم شيركوه ورجاله فقرر صلاح الدين أن يتخلص منه، وقبض على شاور بينما كان راكبا فى جوار القاهرة وأمر بقتله، وسر الخليفة إذ تخلص من وزيره المستبد، وأقام شيركوه وزيرا فى السابع عشر من ربيع الثانى سنة 564 هـ (18 يناير سنة 1169 م)، إلا

أنه لم ينقض شهران على ذلك حتى توفى شيركوه، وظن الخليفة أن صلاح الدين سيكون له خادما مطيعا لما اتسم به من دماثة الخلق فعينه وزيرا ولقبه "بالملك الناصر" (25 من جمادى الآخرة = 26 من مارس)، وبعث إليه نور الدين خطاب تهنئة اعترف له فيه بأنه قائد جند الشام، ومنذ ذلك الحين ظهرت عظمة صلاح الدين، فقد اجتمع له علاوة على القوة والبأس اللذين أتاحتهما له الظروف المواتية موهبة عظيمة عرف كيف يفيد منها. وإذا كان حتى ذلك الحين قد تردد فى وقف حياته على الحرب حتى أن نور الدين كان يعمد إلى حمله حملا أو يكاد على الاشتراك فى الحملات على مصر، وإذا كان أيضًا لم يهتم بشئ قدر اهتمامه بالمجادلات الفقهية الكلامية ولم يكن يظهر أمام الناس إلا قليلا جدا كما مر بنا، فإنه قد عزف عن ذلك كله فصدف عن المجادلات الكلامية لا يمارسها إلا فى أوقات فراغه على سبيل التسلية. وقد وضحت السبيل أمامه: وهى أن يكفل السلطان له ولأسرته، وأن يكبح جماح الشيعة، وأن يقاتل الصليبيين حتى النهاية، وقد استطاع أن يحقق هذه الأهداف إلى حد كبير، لأن الطريق كان ممهدا له بغض النظر تماما عن قدرته وحميته، إذ لولا ما أتاه نور الدين من قبل من أعمال، ولولا قدرة أبيه أيوب السياسية، واضمحلال الخلفاء الفاطميين، بل لولا المشاحنات الداخلية بين الصليبيين، لما استطاع قط أن يحرز تلك الانتصارات العظيمة فى حياته بالقدر الذى أتيح له، ويرجع ذلك إلى انعدام الوحدة أصلا بين ولاة المسلمين؛ لقد كان صلاح الدين أقرب إلى السياسى منه إلى القائد، يأخذ بنصيحة مستشاريه المقتدرين، وكان بارعا موفقا فى اختيار معاونيه، دون أن يترك بحال زمام السلطان يفلت من يده، وكان يدير ديوانه رجلان من أهل العلم يلقب كل منهما بالوزير، وهما القاضى الفاضل، ثم عماد الدين الكاتب الإصفهانى، وقد اشتهر كلاهما فى رسائله بجمال العبارة ورشاقة اللفظ، وكانا يراسلان باستمرار كبار العمال وأصدقاء صلاح الدين من الولاة، وإن المرء ليذهل من غزارة رسائل صلاح الدين وما كانت تحتويه من التقارير السرية الضافية،

وقد التحق القاضى ابن شداد، كاتب سيرته، بخدمته فى تاريخ متأخر، أى من سنة 584 هـ (1188 م)، بوصفه كاتبه الخاص. وملك صلاح الدين زمام الحكم فى مصر، وأثار عداء الحرس السودان (النوبيين والأحباش) الذين كانوا قد جلبوا إلى القاهرة جنودا مرتزقة فاستولوا على السلطان فى ظل الخلفاء الضعفاء وشغلوا المناصب ذات الشأن فى البلاط وفى الحكومة، وانضم إليهم الجميع، ذلك أنهم وهم من غلاة الشيعة كانوا يميلون إلى السخط على صلاح الدين واعتناقه مذهب أهل السنة، وأرسل كبير الحجاب فى قصر الخليفة يستنجد بالملك أمورى, على أنه قبض على رسوله ففشلت الخطة، وقتل الخصى ووضع مقر الخليفة تحت حماية رجال يمكن الاعتماد عليهم، ومن ثم تمرد الحرس السود فى القاهرة فأحرق صلاح الدين منازلهم ليستطيِع التغلب عليهم، ولكنهم هربوا إلى الجيزة وهناك استأصل شأفتهم جنود صلاح الدين، ولم يرتض الفرنجة حكم صلاح الدين فقد عدوه بحق مصدر تهديد لبيت المقدس، فأرسلوا الرسل يطلبون بصفة عاجلة العون من فرنسا وألمانيا وإنجلترا والإمبراطور البوزنطى والبابا، ونجحوا فى الحصول على جيش يحمله أسطول من السفن سار إليهم من القسطنطينية، كما أرسلت إليهم قوة ثانوية من إيطاليا الجنوبية، واتفق البوزنطيون والفرنجة على الاستيلاء على دمياط أولا ثم السير إلى القاهرة، واستنجد صلاح الدين بنور الدين، ذلك أنه وجد نفسه مضطرًا إلى أن يدفع عن نفسه شر الفرنجة والبوزنطيين من ناحية، وأن يحسب حساب المصريين الذين لم تكن تهدأ لهم ثائرة قط من ناحية أخرى، وكذلك طلب أن ترسل إليه النجدات تحت إمرة أبيه، فى الوقت الذى طلب فيه أيضًا من أفراد أسرته أن يقفوا إلى جانبه فى القاهرة. ولعل انتصارات الفرنجة والبوزنطيين كانت حقيقة بأن تكون أكبر وأعظم لو لم يطل الحصار أكثر مما كان مقدرًا له بفضل حمية المدافعين؛ وأخذ الجيش البوزنطى يعانى

من نقص المؤن، وساور أمورى الشك فى الحصول على نصر كامل فآثر أن يفاوض صلاح الدين وأن يعقد معه الصلح لقاء مبلغ جسيم من المال، وربما كان الحسد والخوف قد فعلا فعلهما فى نفسه؛ وكان نور الدين قد غزا فى الوقت نفسه حوران وتهيأ لرد كرات الفرنجة، إلا أنه حدث زلزال مروع سنة 565 هـ (1170 م) أصاب المدن الشامية بدمار هائل، فاضطر الفرنجة والمسلمون على السواء إلى إلقاء أسلحتهم والشروع فى إعادة بناء المدن التى أصابها التدمير؛ وقام صلاح الدين فى السنة التالية (566) بغزوة على فلسطين وتقدم حتى بلغ الرملة وعسقلان، ثم عاد إلى مصر ليستعد للاستيلاء على ميناء أيلة على البحر الأحمر، وليكفل الاتصال شيئًا فشيئًا بين مصر وفلسطين، ونجح فى السنة نفسها فى الاستيلاء على أيلة، وفى السنة التالية (567) أجاب نور الدين إلى رغبته فحذف اسم الخليفة الفاطمى من خطبة الجمعة، واستمر فى ذكر اسم الخليفة العباسى، وسرعان ما توفى الخليفة العاضد بعد ذلك، ويخالجنا الشك فى أنه مات ميتة طبيعية، ويقول الكتاب المسيحيون إنه إما أن يكون قد انتحر وإما أن يكون توران شاه أخو صلاح الدين قد قتله عملا بأوامر أخيه، ويقال إن نور الدين قد سره كل السرور أن ينتهى حكم الفاطميين، وعندما بلغ مسامع الخليفة العباسى نبأ امتداد رقعة أراضيه أرسل بعض كساوى التشريف إلى نور الدين، على أن هذه الكساوى لم تكن تليق بمركز نور الدين (بوصفه واليا)، ومن ثمّ فإنه، وإن كان قد ارتداها فعلا، فقد أرسلها فى الحال مع رسول الخليفة إلى صلاح الدين. وسرعان ما غشيت سحابة العلاقة بين صلاح الدين ونور الدين، ذلك أن صلاح الدين فى القاهرة كان يعد فى نظره مستقلا أكثر مما يجب، فقد كان معه أبوه وإخوته، وبذلك خلت يد نور الدين من الرهائن، فلما أراد صلاح الدين تنفيذ خطته الخاصة بتأمين المواصلات بين مصر وفلسطين اقترح على نور الدين حصار الشوبك والكرك، وخرج هو ليقوم بهذا الحصار، على أنه

عندما رحل نور الدين إلى الكرك نصح صلاح الدين أمراؤه بألا يشخص إليه، خشية على سلامته، وعمل بنصحهم وعاد أدراجه، واعتذر بعدم استقرار الأحوال فى مصر، وغضب نور الدين لذلك، وحشد الجند لقتال صلاح الدين، وعرف هذا الأمر فى بلاط صلاح الدين فرأى بعض أمرائه أن يقاتل، إلا أن أباه كان يخشى من هيبة نور الدين العظيمة فنصحه بأن يكتب إليه خطابًا يعلن فيه طاعته، ومن ثم عادت العلاقات بينهما إلى التحسن، إلا أن الشك الذى كان يساور كل منهما حيال الآخر لم يتبدد، ومن ثمّ لم يتم الاستيلاء على المدينتين المذكورتين الكرك والشوبك، بل إن صلاح الدين لم يبذل ما وسعه من الجهد لعون مولاه على الصليبيين، وقصد صلاح الدين الكرك فى السنة التالية، ولكنه انسحب مرة أخرى معتذرا بمرض أبيه عندما تقدم نور الدين، ثم استقر قرار صلاح الدين فى هذا الموقف العسير على أن يكفل لنفسه ولأسرته مركزًا مأمونا على نحو يرضى نور الدين، فأوفد أخوه توران شاه سنة 569 هـ (1173/ 4 م) فى حملة على عبد النبى الشيعى الذى كان قد استولى على اليمن، وأفلح توران شاه فى طرده وغزا اليمن، وعمل على أن يذكر اسمه فى الخطبة بعد الخليفة بوصفه واليا، وأرسل الرسل إلى صلاح الدين الذى أبلغ الأمر إلى نور الدين والخليفة، على أن مركز صلاح الدين كان لا يزال مهددا، وخاصة أنه اضطر إلى مواجهة فتنة أخرى فى ربيع ذلك العام، وقرر نور الدين حينئذ أن يمتشق الحسام لقتاله، وكان معظم السبب فى ذلك أنه غضب لازدياد سطوة الصليبيين من جراء نكوص صلاح الدين، وكان قد حشد جيشا حين دهمه مرض خطير فى دمشق، وتوفى بعد بضعة أيام فى الحادى عشر من شوال (15 من مايو)، ومن ثمّ تخلص صلاح الدين من هم ثقيل وأصبح حرا فى دعم سلطانه، ثم اعترف بالملك الصالح إسماعيل بن نور الدين الذى كان قد بلغ الحادية عشرة من عمره، وانصرف بشخصه إلى قتال النورمانديين الذين ينزلون صقلية، وكانوا قد ظهروا أمام الإسكندرية بأسطول قوى فى نهاية عام 569 هـ

(1173/ 4 م)، وأنزلوا بحارتهم إلى البر، وما إن انقضت ثلاثة أيام حتى كانوا قد منوا بالهزيمة، وقتل معظمهم بمعاونة الجنود الذين كانوا قد أنفذوا لإمداد الحامية القوية، وظفر صلاح الدين بغنائم لا حصر لها، وكان الملك أمورى قد توفى أيضًا قبل ذلك بوقت قليل، ومن ثم أصبح صلاح الدين آمنا يتمتع بسلطان واسع، وبات يستطيع الانصراف كلية إلى أمنية حياته، وهى قتال الصليبيين، وبدأ بتوجيه التفاتة إلى الشام التى دعاه إليها أمراء دمشق سنة 570 هـ (1174 م)، ووجد الحالة هناك لا تسر، إذ لم يكن بين المسلمين شخصية ذات إرادة تهديهم، ولذلك وجد بحق، كما وجد نور الدين من قبله حين تعرض لموقف مثل موقفه، أن الضرورة كل الضرورة تقتضيه أن يتولى السلطان الحقيقى فى الشام ولو إلى حين، لأنه كان قيلا من الأقيال التابعين للصالح إسماعيل الذى حاول أن يقيم من نفسه وصيا عليه، وجرت الأمور على غير ما يشتهى أول الأمر حين امتشق الحسام لقتال أمراء إسماعيل وزعم بأنه سيخلص إسماعيل منهم، بل إن حلب نفسها قاومته، كما قاومته حماه وحمص وبعلبك، وجاء الغازى عم إسماعيل من بلاد الجزيرة على رأس جيش عرمرم، مما جعل صلاح الدين مستعدا لأن يعقد صلحا فى مصلحة الملك الصالح إسماعيل، على أن شروطه لم تقبل، ومن ثم وجد صلاح الدين نفسه مكرها على القتال، وأعلن استقلاله وحذف اسم الصالح إسماعيل من الخطبة؛ وقد كان هذا القرار فى مصلحة صلاح الدين إذ منى العدو بهزيمة منكرة فى قرون حماة؛ على أن صلاح الدين أظهر تسامحا كبيرا، فقد ترك حلب فى حوزة إسماعيل، وكان لا يخشى منه أى ضرر وأقطع بعض أقاربه حماة وحمص وبعلبك وكانت قد استسلمت له استسلاما بلا قتال. وفى شهر ذى القعدة سنة 570 هـ (مايو 1175 م) منحه الخليفة بناء على طلبه ولاية مصر والنوبة واليمن والمغرب، من مصر حتى طرابلس وفلسطين والشام الوسطى، ومن ثم اعتبر نفسه سلطانًا، كما يقرر أبو الفداء صراحة، وكذلك اعتبره معاصروه، على أنه لم يتخذ لنفسه هذا

اللقب بل سمى نفسه سلطان الإسلام والمسلمين، وقام الحزب الزنكى بمحاولة أخيرة لعزل صلاح الدين، وانتهت هذه المحاولة بعد بضعة معارك وحصار حلب للمرة الثالثة بصلح فى أواخر سنة 571 هـ (آخر يونية سنة 1176 م) وترك لصلاح الدين آخر الأمر الأراضى التى غزاها، ثم حاصر صلاح الدين بعدئذ حليفا لإسماعيل هو الشيخ سنان زعيم الحشاشين، أو شيخ الجبل كما كان يلقب فى قلعته بمسيد، وكان الشيخ سنان قد أنفذ رجاله الحشاشين لقتال صلاح الدين بضع مرات، على أن صلاح الدين لم يستطع الاستيلاء على مسيد، ذلك أن الحشاشين المتعصبين دافعوا عنها بعنف وقوة، فرفع صلاح الدين الحصار عنها وتلقى من سنان وعدًا بألا يعود لمهاجمته، ومن ثم تمكن من القضاء على هذا الخطر أيضًا وعاد إلى مصر. وقد عد صلاح الدين بناء القلعة التى كان قد بدأها فى هذا العام عملا على جانب عظيم من الأهمية فى القاهرة؛ وفى جمادى الأولى سنة 573 هـ (نوفمبر سنة 1177 م) قام فجأة بحملة سريعة على فلسطين وخرب المنطقة المحيطة بغزة وعسقلان، وقاومه الملك بلدوين الرابع Baldwin IV, بيد أنه اضطر إلى الانسحاب إزاء تفوق صلاح الدين الظاهر، ومن ثم تفرق جنود صلاح الدين وأعملوا يد السلب والنهب فى البلاد، على حين جمع بلدوين الداوية وكثيرا من الفرسان تحت إمرة راينالد Raynald صاحب الكرك، وظهر ثانية على مسرح القتال؛ ووجد صلاح الدين نفسه مضطرًا أول الأمر إلى أن يجمع جيشه الجرار، والتقى الجيشان جنوبى الرملة، وأظهر فرسان الداوية بسالة عظيمة فى القتال انتهت بهزيمة منكرة لجيش صلاح الدين فى غرة جمادى الآخرة سنة 573 هـ (1177 م)، بالرغم من تفوقه، وكان النصر مفاجئا حتى ظن الصليبيون أنه تحقق بمعجزة، وقيل إن صلاح الدين نفسه أفلت من الأسر بشق الأنفس، ووقع فى الأسر ابن أخيه وغيره من القادة ورجال العلم الذين كانوا فى حاشيته؛ وأقيمت صلاة للشكر فى بيت المقدس تكريما لهذا النصر، وكان من آثار هذه الهزيمة أن

شيد الملك بلدوين فى العام التالى (574 هـ = 1178 م) حصنا على جسر بنات يعقوب فوق نهر الأردن، مكنه من السيطرة على هذا النهر وعلى السهل الممتد حتى بانياس، ولم يكن فى مقدور صلاح الدين أن يحول بينه وبين ذلك، وعرض صلاح الدين على الملك تعويضا قدره 100.000 دينار إذا أقلع عن هذا البناء، ولكنه لم يفز بطائل، فاضطر إلى الحملة على الحصن، وأنفذ ابن أخيه وأقدر قواده عز الدين فرخ شاه للحملة على بلدوين الذى أصيب بنكسة فى أواخر سنة 574 هـ (مايو 1179 م)، وأفلح صلاح الدين بعد انقضاء سنة فى أن يلحق به هزيمة نكراء فى مرج العيون فى الثانى من المحرم سنة 575 هـ (10 يونيه سنة 1179 م)، ووقع فى الأسر عدد كبير من الفرنجة المشهورين واستولى صلاح الدين بعد شهرين على الحصن القائم على جسر بنات يعقوب وسّواه بالأرض، ولم يقع قتال على نطاق واسع فى السنة التالية؛ وفى المحرم من سنة 576 هـ (يونيه - 1180 م) عقد بلدوين هدنة مدتها سنتان مع صلاح الدين، وفى السنة التالية توفى إسماعيل صاحب حلب وابن نور الدين؛ وقد خلفه ابن عمه عز الدين مسعود الذى أوصى له وهو على فراش الموت، وكان جنديا مقتدرا إلا أنه بادل أخاه زنكى الثانى سنجار بحلب رغبة منه فى الحصول على أملاك موحدة، وفى هذه الأثناء نشبت الحرب بين صلاح الدين والفرنجة على إثر الغزوات المتصلة التى كان يقوم بها راينالد ده شاتييون Raynald de Chatillion أمير الكرك، على القوافل المتجهة إلى مصر؛ على أن زنكى الثانى عقد الصلح مع الفرنجة، بيد أن صلاح الدين سعى إلى أن يسيطر وحده على بلاد المسلمين وشغل نفسه فى بضع السنوات التالية بغزو بقية الشام (حلب)، وكان ذلك فى صفر سنة 579 هـ (يونية 1183 م)، والسيطرة على أرض الجزيرة باحتلال أهم المدن وردها إقطاعات كما كانت، ولم يكن ثمة صلح دائم مع الصليبيين، ولكن الجانبين تفاديا القتال على نطاق واسع، وفى السنة نفسها عقد صلح مدته أربع سنوات بين بلدوين الخامس، الوصى على رايموند الثالث Raymond III أمير

طرابلس، وبين صلاح الدين، وتوفى بلدوين الخامس بعد ذلك بقليل، واعتلى خليفته جى ده لوزينيان Guy de Lusignan العرش فى السنة التالية بالرغم من اعتراض رايموند، وعكر راينالد ده شاييون صفاء السلام مرة أخرى، إذ خرج من الكرك وانقض على قافلة كبيرة، وأبى أن يقدم ترضية أو يعطى تعويضا. وغضب صلاح الدين لذلك غضبا شديدا، وفى أواخر سنة 582 هـ (فبراير 1187 م) غزا منطقة الكرك ودعا جنوده المصريين إلى حماية الحجاج العائدين من مكة، على حين احتشد جنوده الشوام فى حارم، وأدرك الصليبيون الخطر الشديد المحدق بهم، فعقد جى الصلح مع رايموند، وراحت الجنود تفد من كل حدب وصوب حتى استطاع جى أن يحشد جيشما قوامه 30.000 رجل، واتخذ هذا الجيش مركزه فى صفورية، وفى السابع عشر من ربيع الثانى سنة 583 هـ (26 يونية سنة 1187 م)، وصل صلاح الدين إلى جنوبى بحر الخليل واستولى على مدينة طبرية بعد حصار دام ستة أيام، ولم يثبت له إلا الحصن وحده. وحاول رايموند عبثا أن يحذر الصليبيين من ترك مركزهم المأمون الذى يتوفر فيه الماء إبان حمارة القيظ، واعتقد أعداؤه بأنه عقد اتفاقا مع صلاح الدين فنصحوا الملك بأن يحمل على السلطان، فأمر بالسير صوب طبرية وضرب خيامه فى حطين لقضاء الليل، حيث لم يجد الجيش حتى ما يكفيه من الماء، ومنى الصليبيون بهزيمة منكرة بالرغم مما أبدوه من بلاء عظيم، ووقع الملك وعدد كبير من الفرسان فى الأسر، واستقبل صلاح الدين الملك استقبالا حافلا، ألا أنه قتل بيده راينالد، الذى كان قد عكر صفو السلام، وجعل أمراءه وقضاته يقتلون جميع الداوية وفرسان القديس يوحنا، وكما كفلت له وقعة قرون حماة السيطرة على الشام، كذلك كفلت له معركة حطين الفاصلة السيطرة على فلسطين وبيت المقدس، وسقطت فى يده حصون طبرية والناصرة، والسامرة وصيداء وبيروت وبترون وعكا والرملة وغرة وحبرون ثم سار صوب بيت المقدس واستولى على بيت لحم والبثنية وجبل الزيتون، فى رجب 853 هـ (سبتمبر سنة

1187 م)؛ وضرب صلاح الدين خيامه أول الأمر غربى المدينة، ودافع أهلها عن أنفسهم دفاعا مجيدا، بيد أنه عندما هاجم المدينة من مركز أكثر صلاحية فى الشمال واستخدم المنجنيقات لقذف القذائف الثقيلة اضطرت المدينة إلى التسليم فى نهاية الشهر؛ واستطاع أهل اليسار أن يفتدوا أنفسهم، أما أولئك الذين لم يستطيعوا افتداء أنفسهم فقد بيعوا عبيدا، ولكن بعض ذوى المكانة من المسلمين والنصارى تدخلوا فى الأمر فأطلق سراح بضعة آلاف أسير، كما أن صلاح الدين نفسه أطلق سراح عدد كبير من الفقراء، ولم يسمح بالإقامة إلا لعدد قليل من المرضى ومن تعهدوا بأداء ضريبة الرؤوس، ودمر كل ماله علاقة بالدين المسيحى، ورممت قبة الصخرة والمسجد الأقصى، وشيدت المستشفيات والمدارس فى ذكرى هذه المناسبة العظيمة، وزاد كثير من أمراء الأيوبيين من جلال هذه الأيام بحضورهم وبما شيدوا من عمائر فخمة. ويمكننا أن نقول إن العالم الإسلامى كله قد شارك فى الاحتفال بالاستيلاء على بيت المقدس وكان ذلك أمنية يصبو المسلمون إلى تحقيقها. وأعقب هذا النصر استيلاء صلاح الدين على المدن والحصون التى كانت لا تزال مسيحية عنوة أو بغير قتال، ولم يبق فى يد المسيحيين إلا أنطاكية وطرابلس وصور وعدد من البلدان والحصون الصغيرة، على أن سوء الحظ لازم صلاح الدين بقية العام، ذلك أنه أخطأ فلم يفسح لجيشه الضعيف الذى أنهكه التعب الوقت ليسترد قوته بل مضى يحاصر صور، فمنى بهزيمة شديدة نتيجة لاستبسال حاميتها فى الدفاع عنها وما صادفه فى البحر من نكبات؛ وأعيد بناء عكا وتحصينها بعد مشاورات طويلة عقدها مع أميره قرقوش، وكان قرقوش قد أثبت كفايته بتشييد قلعة القاهرة، وحمل صلاح الدين حملة فاشلة على كوكب، ثم شخص إلى دمشق. وفى ربيع الثانى سنة 584 هـ (يونية 1188 م) دعا أمراء المسلمين فى الشام وبلاد الجزيرة وجنودهم للقيام بحملة جديدة، واستولى خلال القتال الذى نشب من بعد على اللاذقية وجبلة وصهيون وسرمين وبرزوية، ثم عقد هدنة

مدتها سبعة شهور مع بوهمند الثالث Bohemund III أمير أنطاكية؛ وعاد صلاح الدين فى غرة رمضان من العام نفسه إلى دمشق وصرف حلفاءه من لبلاد الجزيرة، ولكنه احتفظ بجنوده هو تحت السلاح رغبة منه فى الاستيلاء على صفد وكوكب والكرك والشوبك، وكانت الحملة طويلة الأجل ولكنها آتت ثمارها وانتهت فى غرة ذى القعدة سنة 585 هـ (ديسمبر سنة 1189 م) بالاستيلاء على جميع هذه البلاد. وعندما علم غريغورى الثامن Gregory VIII بالاستيلاء على بيت المقدس أعلن الحرب الصليبية، فلما توفى واصل كليمنت الثالث Clement III، جهوده؛ وتوقفت العداوات التى كانت قائمة بين ملوك أوروبا واتخذت الخطوات للتقريب بين فيليب الثانى philip II ملك فرنسا وريتشارد الأول Richard I ملك إنجلترا؛ وكانت أول نجدة أرسلها الصليبيون الجدد أسطولا أنفذه ويليام أمير صقلية. وقد حرر هذا الأسطول طرابلس فأصبحت بذلك دعامة لموانى فلسطين، وأخذت فرق أكبر وأصغر من هذه تفد من أوروبا إلى الأرض المقدسة وتنزل إلى البر فى صور، وقام الإمبراطور فريدريك الأول Frederick I بحرب صليبية على رأس جيش كبير جهز تجهيزا حسنا، وسلك طريقه إلى الأرض المقدسة عن طريق القسطنطينية بعد أن أنذر صلاح الدين، ومن غير طائل، بأن يسلمه بيت المقدس، ولم يستطع الإمبراطور إسحق Isaac صاحب القسطنطينية أن يمنعه من المرور، وكان هذا الإمبراطور قد عقد معاهدة مع صلاح الدين ثبت عدم جدواها، وشدت النجدات الجديدة من أزر الفرنجة فبدأوا حصار عكا فى الرابع عشر من رجب سنة 585 هـ (28 أغسطس سنة 1189 م) ويعد هذا الحصار من أعظم الأعمال العسكرية التى تمت فى القرون الوسطى؛ وكان صلاح الدين قد أسر الملك جى لوزينيان والكونت مونت فرّا Montferrat عند استيلائه على بيت المقدس، إلا أنه أطلق سراحهما تلبية لطلب الملكة سيبل Sybil فى تاريخ مبكر يرجع إلى جمادى الأولى سنة 584 هـ (يوليو 1188 م)، بعد أن تعهدا بألا يمتشقا السلاح ضده

مرة أخرى؛ على أن البطريرك أحلهما من قسمهما فشرعا يحاصران عكا وهما يعتمدان على معاونة فريدريك الأول ملك ألمانيا وريتشارد الأول ملك إنجلترا وفيليب الثانى ملك فرنسا، وقوَّت من ساعدهما أول الأمر النجدات المتواصلة التى كانت تفد من كثير من البلاد الأوروبية، وقد وضح عندئذ نشاط صلاح الدين فى أجلى صوره، فقد عرف الصليبيون فى هذا القتال الذى استمر بضع سنوات السلطان العظيم وتعلموا كيف يقدرونه. وقاد الملك جى الفرنجة إلى عكا بعد استعداد دام شهرين، ثم وصل صلاح الدين فى اليوم التالى، ونشب القتال للاستيلاء على المدينة بالبر والبحر، وقد امتاز الصليبيون على المسلمين بأن الحامية كانت فى عزلة عن البحر أو تكاد وكانت تعانى أيضًا من نقص المؤن، زد على ذلك أن الصليبيين بالرغم من أنه لم يلحق بهم فى عكا إلا عدد قليل جدا من الفرسان الألمان نظرا لوفاة فريدريك الأول، فقد كانوا يتفوقون تفوقا لاشك فيه على العرب بفضل وصول جيش فيليب وبخاصة جيش ريتشارد الأول، وبفضل استمرار وصول السفن التى تحمل المؤن والجنود، ثم إنه كان فى حورة الصليبيين مدافع حصار غاية فى الجودة، على حين كان عند المسلمين بعض الصناع المهرة الذين يصنعون القنابل الحارقة. وقد امتاز صلاح الدين على الصليبيين بالقيادة الموحدة بالرغم من أن جيشه كان قد أضناه قتال السنوات الطوال حتى إن معاونة حامية عكا ما كانت لتفيده كثيرا، ومن ثم تمرد جيشه آخر الأمر، وعرقل مساعى الصليبيين ما نشب بينهم من خلاف وما ثار من تنافس بين الملك جى والكونت مونت فرًّا وكذلك التنافس بين ريتشارد وفيليب، وزخرت السنوات التالية بالقتال فى البر والبحر، وحاول صلاح الدين عبثا أن يحصل على جيوش جديدة من الشرق مستعينا بتدخل الخليفة، وفى السابع من جمادى الآخرة سنة 587 هـ (12 يوليه 1191 م) استسلمت الحامية من تلقاء نفسها دون أن تنتظر قرار صلاح الدين، وفرض على الحصن ومن فيه

من الأسرى أن يسلموا، واتفق على إطلاق سراح رجال الحامية نظير دفع 200.000 قطعة من الذهب، وانقضى شهر دون أن يدفع هذا المبلغ، فأمر ريتشارد بأن يقتل 3000 أسير من أسرى الحرب، ولقد كان من نتيجة هذا العمل الوحشى الذى استنكره الإخباريون المسيحيون أيضًا، أن قتل المسلمون كل من كان لديهم من أسرى المسيحيين؛ وسرعان ما استولى ريتشارد بعدئذ على قيصرية وحصَّن يافا، على حين دمر صلاح الدين حصن الرملة، ثم استمرت مفاوضات الصلح منذ ذلك الحين ودون انقطاع تقريبا بين الجانبين المتقاتلين، وكان محورها الأكبر الملك العادل أخا صلاح الدين، وكان الطلبان الجوهريان اللذان طلبهما المسلمون هما التنازل عن بيت المقدس، وتسليم الصليب المقدس؛ واقترح ريتشارد بعدئذ، وكان رجلا تستحوذ عليه الأفكار الرومانسية، أن تتزوج أخته الملك العادل الذى كان من المنتظر أن يحكم بيت المقدس، وانتهج سياسة التوفيق والمسالمة فأدت إلى الصلح شيئًا فشيئا، ثم أنعم بلقب فارس على الملك الكامل ابن الملك العادل؛ وعقد الصلح بعد بضعة مواقع أخرى فى 23 من شعبان سنة 588 هـ (2 نوفمبر سنة 1192)، وقسمت اللد والرملة وسويت عسقلان بالأرض وسمح للصليبيين بأن يحجوا إلى الأماكن المقدسة دون أن يحملوا سلاحا؛ وكان السبب الرئيسى الذى حدا بريتشارد إلى عقد الصلح هو مرضه ورغبته فى العودة إلى انجلترا، وكذلك انقطاع النجدات من أوربا؛ وبالرغم من الجهود التى بذلتها أوربا بأسرها، أصبح الجانب الأكبر من فلسطين على الإسلام تحت إمرة صلاح الدين، فيما عدا شقة الأرض التى تحاذى الساحل، وأمنت أسباب الاتصال بين فلسطين والقاهرة؛ وكان صلاح الدين على علاقة طيبة ببوهموند أمير أنطاكية، ونعم صلاح الدين بالسلام فى بضعة الأشهر التالية التى قدر له أن يحياها، وحصن بيت المقدس، ثم سار على مهل إلى دمشق حيث استقبله الأهالى بالتهليل والتكبير حوالى آخر ذى القعدة (آخر نوفمبر)؛ وقضى الشتاء فيها مع أسرته، ثم دهمه المرض فى صفر سنة 589 هـ (فبراير

سنة 1193 م) وتوفى بعد ذلك بأربعة عشر يوما وهو فى الخامسة والخمسين من عمره؛ وقد آلت دمشق إلى ابنه الأكبر ونال ابنه الثانى حلب، وكانت مصر من نصيب ابن ثالث، وكان من نصيب أخيه الملك العادل شمالى بلاد العرب وبلاد ما بين النهرين، وزالت وحدة أملاكه بعد وفاته ببضع سنوات، ولم يكن من المرجح حتى لو امتد به الأجل، أن يستطيع إقناع أفراد أسرته بأن يتفقوا فيما بينهم اتفاقا معقولا، على أنه لم يتعرض فى حياته قط أو يكاد لموقف اضطره إلى قتال فرد من أفراد أسرته، فما كان من المستطاع النيل من سلطانه وهو الذى قام على أساس من المقدرة والرحمة والتقوى، ولم يكن الطمع من خصاله، فقد تهيأت له الفرصة مرتين: مرة عند وفاة الخليفة الفاطمى العاضد وأخرى عند وفاة الأتابك نور الدين، ليجمع ثروة طائلة، إلا أنه وزع كنوز الخليفة على جنده وحاشيته، ولم يمس ثروة نور الدين بل سلمها لابنه؛ لقد كان متعصبًا ضد الصليبيين بوصفهم مجموعة لا بوصفهم أفرادًا, ولم يكن متعصبا ضد الرعايا المسيحيين الذين فى دولته، وإن كان عندما اعتلى العرش قد نفذ فى البداية القوانين الخاصة بملابس المسيحيين واليهود تنفيذا أكثر صرامة، وقد نهج النهج نفسه الذى انتهجه نور الدين، ويمكن وصفه بأنه بطل الردة السنية عن الشيعية (الفارسية) فى العمارة والأسلوب وكتابة الوثائق الرسمية. وفى السنوات الأخيرة من حكمه كانت العلاقات طيبة بين المسلمين والنصارى، ويبدو أن ريتشارد قد أنعم على بعض المسلمين بلقب فارس، مثل الملك الكامل بن الملك العادل؛ وكان صلاح الدين محبوبًا موقرًا من شعبه، ولا يزال هو والسلطان بيبرس وهارون الرشيد أشهر الشخصيات فى الشرق حتى اليوم، وهو يعد فى أوربا مثالا للشهامة والمروءة، والحق إنه لم يكن قاسيًا قط فى غير ما تدعو إليه القسوة، بل كثيرًا ما دعته شهامته إلى إطلاق سراح

المصادر

الأسرى وإهداء الهدايا (كإهداء حصن العزاز إلى أخت الصالح إسماعيل وبضع قرى إلى بوهمند أمير أنطاكية بعد الصلح مع ريتشارد الأول). ولم يذكر العرب صلاح الدين فى قصائدهم الغنائية أو قصصهم وذلك باستثناء واحد (فصل فى قصة بيبرس (1))، على حين أنه قد حدث بعد وفاته بقليل أن داعب صلاح الدين خيال المنشدين الإنجليز فى حديثهم عن ريتشارد، وإن كانوا قد وصفوه وصفًا غير مرض؛ على أن الشعراء الفرنسيين والإيطاليين كانوا أكرم من الإنجليز فى وصفه، فقد وصفه الروائيون المحدثون فى رواياتهم مثل سكوت (Scott) فى قصته الطلسم Talisman، وليسنج Lessing فى كتابه Nathan der Weise؛ وهو فى نظر سكوت حاكم شرقى قوى، على حين وصفه ليسنج برقة العاطفة مثل الأوروبيين؛ لقد كان نصيرًا لعلم الكلام وراعيا للعلماء وبنَّاء على نطاق واسع كما يتبين من تشييده لقلعة القاهرة وتجديده العمائر فى بيت المقدس. أما النقوش المتعلقة بصلاح الدين فقد عالجها بإسهاب فييت G.wiet فى مصنفه Inscriptions de Saladin (سورية، جـ 3، ص 307 - 328). المصادر: ذكر بلوشيه Blochet المصادر المذكورة فى المخطوطات التى لم تطبع بعد فى مقدمة (ص 1 - 55) ترجمته لمصنف المقريزى "السلوك" (عهد الأيوبيين، باريس 1908) على نحو دقيق وكذلك أورد شواهد عديدة من مفرج الكروب لابن واصل ومن History of the patriarchs of Alexandria فى مذكرات فى الترجمة الفرنسية، وقد وردت المصنفات المطبوعة حتى سنة 1889 فى Ousama Ibn Mounkidh: Derenbourg فى P.E.L.O، جـ 12/ 1. باريس 1889. ونجد المصادر العربية والأوروبية المعاصرة فى Recueil des historiens des Croisades' Historiens occidentaux، جـ 1 - 5، باريس

1872 - 1906، Historiens occidentaux جـ 1 - 6، باريس 1844 - 1886، وفى Extaits des historiens arabes relatifs aux guerres des Croisades: Reinaud وفى أجزاء أخرى من Bibliotheque des Croisades: Michaud باريس 1829. أما أحسن وأوفى استخدام للمصادر المبكرة فنجده فى Geschichte des Konigreichs Ierusalem: Rohricht، إينزبروك 1898، وقد ورد فيه أيضًا مصنفات Rohricht الأخرى وكثير من المصادر. وانظر أيضًا Notes sur les Croisades Journ.As: Van Berchem، السلسلة 9، 1902, جـ 12، ص 385 وما بعدها. ونجد من المصادر الأخرى علاوة على طبعة درنبورج Derenbourg لأسامة بن منقذ، سيرتى ابن خلكان وبهاء الدين ابن شداد (وكلاهما أيضًا فى Recueil des hist. Orient، جـ 3)؛ وقد ورد مصنف بهاء الدين فى الإنجليزية باسم Life of Saladin by Beha Ed din C, W The Wilson, لندن 1897؛ وبقلم Von Hammer-Purgstall فى Gemaldesaal der bebensbeschreibungen grosser moslimischer Herrscher، جـ 5، ليبسك 1838، وهو الآن مهجور، ثم بقلم Stanley Lane-Poole فى كتابه الرائع الواضح Saladin and the Fall of the Kingdom of Jerusalem فى سلسلة Heroes of the Nations، لندن 1898 وانظر فيما يتصل بحصار عكا وما إلى ذلك Richard Lion-Heart: Kate Norgate لندن 1924، الفهرس، انظر تحت كلمتى Acre Saladin. وانظر فيما يختص بالقصص الأوروبية عن صلاح الدين lane-Poole المصدر المذكور، الفصل 23، ص 377 وما بعدها حيث نوقشت مناقشة وافية العبارة المتعلقة بصلاح الدين التى وردت فى قصة بيبرس كما نوقشت شخصية صلاح الدين كما وردت فى روايتى سكوت وليسنج (ولم يكن لين بول يدرك أن العبارة التى ذكرها تتعلق بقصة بيبرس). وانظر فيما يختص بالقصص الأوروبية عن صلاح الدين Gaston Paris: La Le gende de Saladin Journal de Savants، 1893، وكذلك الطبعة الجديدة. وانظر أيضًا Rohricht فى مصنفه Geschiehte des Konigreichs Jerusalem، ص 351، التعليق 1. صبحى [سوبرنهايم Sobernheim]

الصلاة

الصلاة (1) هى الاسم المألوف الذى يطلقه العرب على الشعيرة الدينية المعروفة، وترجمته بكلمة Prayer فحسب ليست دقيقة. وكلمة دعاء العربية مطابقة للفكرة التى تؤديها هذه الكلمة الإنجليزية (وقد لفت سنوك هركرونى Sonuk Hurgronje النظر مرات عدة إلى هذا الفارق فى Verspri de Geschriften جـ 1، ص 213 وما بعدها؛ جـ 2 ص 90؛ مجلد 4، جـ 1، ص 56 و 63 وما بعدها الخ). ويبدو أن كلمة صلاة لم تظهر فى الآثار الأدبية السابقة على القرآن الكريم؛ وهى تكتب "صلوة" فى كثير من النسخ الكوفية للقرآن الكريم؛ كما تكتب كذلك فى كثير من المؤلفات المتأخرة عند الحديث عن الكتاب الكريم، ويعد رسمها على هذه الصورة فى الكثرة الغالبة تمثيلا للنطق بها فى لهجة من اللهجات (Geschicte des Qorans: Noldeke ص 255؛ Arabic Grammar: Wright-de Goeje جـ 1، ص 12 أ Arabische Grammatik: Brocklemann الطبعة السادسة، ص 7). وفى الحق أن كتابة "الواو" فى مكان الألف ماثل، كما قد نتوقع، فى كثير من الكلمات الأخرى التى تتصل بلغة القرآن الكريم، كما هو شائع فى اللغة الآرامية اللهم إلا كلمة ربا "ربوا" وحدها التى تستثنى من الكلمات المنتهية بـ (اة) أو (وة) ومن ثم يجب ألا يغرب عن بالنا أثر اللغة الآرامية حين نرى الصورة التى تكتب بها " زكوة" و"صلوة" وغيرهما (Devocabulis in antiquis Arabum carminibus et in corano peregrinis: Frankel ص 21). واشتقاق كلمة "صلوطا" الآرامية واضح كل الوضوح، فالأصل "صلأ" فى الآرامية يعنى الانحناء والانثناء والقيام. ومادة صلوطا هى اسم للأفعال المشتقة من هذه، وتعنى فعل الانحناء إلخ، وتستعمل فى كثير من اللهجات الآرامية للدلالة على الصلاة الشرعية وإن كانت تعنى أيضًا الصلاة الفردية التلقائية التى تسمى عادة فى السريانية على الأقل: "باعوطا". والفعل

(صلى) يشير إلى اشتقاقه من الاسم "صلاة" بمعنى "أداء الصلاة". ويتبين مبلغ الارتباط الوثيق بين الصلاة وتلاوة القرآن حتى فى العهد المكى من أن الآية 78 من سورة الإسراء تطلق على صلاة الصبح: قرآن الفجر، ونجد من ناحية أخرى أن تلاوة القرآن فى ذاتها تكون مصحوبة بالسجود (سورة الانشقاق، الآية 21). والحمد والتسبيح جزء هام من الصلاة كما يتضح من الآيات القرآنية، مثل سورة طه، الآية 130؛ وسورة النور، الآية 41 حيث يذكر (التحميد) و (التسبيح) مرتبطين أوثق ارتباط بالصلاة. ومن ذكر (الصلاة) وفعل (صلى) فى أقدم السور مثل (سورة القيامة، الآية 31؛ سورة المعارج الآية 22؛ سورة الماعون الآيتان 4، 5 سورة المدثر الآية؛ 73 سورة الكوثر الآية 2) يمكن أن يلاحظ فوق ذلك أننا نستطيع أن نؤكد أن هذه الشعيرة كانت ملازمة للإسلام منذ أقدم العصور، (انظر Annali, intoduzione الفصل 219، التعليق، وهو يتفق فى بعضها مع آراء كريمه Grimme المشابهة لذلك) وحسبما ورد فى سورة الإسراء، الآية 110، فقد أوصى اللَّه محمدًا [-صلى اللَّه عليه وسلم-] بألا يجهر بصلاته أو يخافت بها ويبتغى بين ذلك سبيلا، الأمر الذى فسره الحديث -وهو لاشك تفسير صحيح- بأنه يقصد غير المؤمنين من قومه الذين تحرشوا به لجهره بصلاته. ويتفق هذا مع الحقيقة التالية، وهى أن محمدًا [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فى الفترة التى أوصى فيها دائمًا بأن ينهج منهج الأنبياء الأولين ويأتسى بصبرهم، كان يذكّر مرارًا وتكرارًا بأن هؤلاء كانوا يدعون قومهم إلى الاستمساك بالصلاة (مثل سورة الأنبياء، الآية 73؛ سورة مريم، الآية 31؛ سورة إبراهيم، الآية 40؛ سورة مريم الآية 55؛ سورة طه الآية 132). وتذكر الصلاة فى القرآن فى كثير جدًا من المواضع مقرونة بالزكاة، وبيّن أنهما يعدان مظهرين من مظاهر التقوى التى يحبها اللَّه (سورة البقرة، الآيات 83، 110، 177، 277؛ سورة النساء، الآية 77، 162؛ سورة المائدة، الآيتان

12، 55) وفى سورة البقرة، الآيتين 45 و 153 ويحض اللَّه المؤمنين على أن يستعينوا بالصلاة والصبر، وقد فُسر الصبر هنا بأنه الصوم. والصلاة تعبير عن الخشوع (سورة المؤمنون، الآية 2) الذى يعد هو أنسب موقف يقفه الإنسان تجاه المعبود، والمحافظة على الصلاة أمر يوصى به مرارا وتكرارا (سورة الأنعام، الآية 92؛ سورة المؤمنون، الآية 9؛ سورة المعارج، الآية 23). وقد أُنذر الساهون عن الصلاة (سورة الماعون، الآية 5)؛ وفى سورة النساء، الآية 103 وجه إنذار مشابه لذلك مبررًا ذلك بالقول: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا}. وقد نعى على المنافقين أنهم يقيمون الصلاة كسالى مراءاة للناس فحسب (سورة النساء، الآية 142) وتحديد شرب الخمر ثم تحريمها من بعد يعزى فى الأصل إلى أن إدمانها كان يبلبل أداء الصلاة على وجهها (سورة النساء، الآية 43). ونحن نستطيع أن نذهب، كما سبق أن أشرنا، إلى أن السمات الجوهرية للصلاة فى عهدها المتأخر كانت موجودة من أول الأمر، وقد ذكر الوضوء قبل الصلاة فى سورة المائدة، الآية 6، كما ذكر النداء للصلاة فى سورة المائدة، الآية 58، كما ذكر النداء لصلاة يوم الجمعة فى سورة الجمعة، الآية 9. وهناك صلاة خاصة تقام عند الخطر الداهم وقد ذكرت فى سورة النساء، الآيات من 101 - 103 (انظر ما يلى فى الكلام عن صلاة الخوف). وتختم هذه الصلاة بالصلاة على النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] والتسليم؛ لما جاء فى سورة الأحزاب، الآية 56؛ {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}، وقد ذكرت صلاة الجمعة فى سورة الجمعة، الآية 9: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}. ومن المفهوم أن محمدًا [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فى هذه الظروف كان يهتم اهتماما كبيرا

بأولئك الذين أظهروا استعدادا للدخول فى الإسلام، ومن ثم لم يتوان فى تدريبهم على أداء الصلاة. وهكذا يذكر الحديث أنه أرسل أسعد ابن زرارة أو مصعب بن عمير إلى أهل المدينة لتحقيق هذا الغرض العاجل، وأن مصعبا كان أول من جمع الجمعة (انظر Mohammed en de Joden to Medina: A.J. Wensinck، وما بعدها؛ C.H. Becker فى Der Islam، جـ 3، ص 378 وما بعدها) وقد ذكرت الصلاة فى معظم كتب محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى القبائل العربية كفريضة إسلامية (انظر Die Schreiben Muhammeds an Stamme Arabiens: J.Sperber, فى die M.S.O.S As جـ 19، فصلة، ص 16، 19، 38، 58، 77 وما بعدها). وقد جاء فى الرواية الإسلامية أن تقرير الصلوات الخمس يرجع إلى بدء الإسلام، وهى ترتبط بإسراء النبى -صلى اللَّه عليه وسلم- فعندما أسرى بمحمد -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى السماء العليا فرض الَله على أمة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- خمسين صلاة كل يوم، ثم رجع محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- بذلك من حضرة اللَّه حتى مر على موسى عليه السلام فسأله موسى عما فرضه اللَّه على أمته فلما سمع منه موسى ما فرضه اللَّه على أمته قال: "فارجع إلى ربك، فإن أمتك لا تطيق ذلك، ومن ثم جعل اللَّه الصلوات الخمسين خمسًا وعشرين؛ ثم رجع إلى موسى. فأجابه بمثل ما أجابه من قبل، ويتكرر هذا من محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- حتى استقرت الصلوات على خمس (البخارى، كتاب الصلاة باب 1؛ مسلم: كتاب الإيمان، حديث 259، 263, الترمذى: كتاب مواقيت الصلاة، باب 45؛ النسائى: كتاب الصلاة، باب 1؛ ابن ماجة، كتاب الإقامة، باب 194؛ أحمد بن حنبل، جـ 1، ص 315 فى آخرها؛ جـ 3، ص 148، وما بعدها؛ ص 161, انظر ابن سعد: القسم الأول جـ 1/ 1، ص 143 وما بعدها) على أنه قد جاء فى حديث صحيح، أن جبريل نزل خمس مرات فى يوم واحد وصلى ثم صلى محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- وتكرر ذلك فى هذه المرات الخمس (البخارى: كتاب المواقيت، الباب الأول؛ مسلم؛ كتاب المساجد، حديث 161، 167؛ أبو داود: كتاب الصلاة الباب الثانى، الترمذى: كتاب المواقيت، الباب الأول، والعاشر والسابع عشر؛ ابن ماجة: كتاب

الصلاة، الباب الأول؛ الدارمى: كتاب الصلاة الباب الثانى؛ مالك: كتاب الوقوت، حديث 1، إلخ). وعن ابن عباس أن النبى -صلى اللَّه عليه وسلم- جمع فى المدينة عدة صلوات فجعل الظهر والعصر جميعًا، والمغرب والعشاء جميعًا، فى غير خوف ولا سفر (¬1) (مسلم: كتاب المسافرين، حديث 49). وقد سئل ابن عباس: لم فعل النبى -صلى اللَّه عليه وسلم- ذلك؛ فقال: أراد أن لا يحرج أحدًا من أمته (انظر مسلم: كتاب المسافرين، حديث 50؛ وانظر الحديثين 54، 55). وقد جاء فى الحديث نفسه: "أتعّلمنا بالصلاة؟ وكنا نجمع بين الصلاتين على عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (المرجع نفسه، حديث 58) وتعليق النووى على هذه العبارات من الحديث (طبعة القاهرة 1282 هـ، جـ 2، ص 196 وما بعدها). وفى كتب الحديث الصحاح أحاديث متعددة تنص على أن عدد الصلوات خمس، وليس بين فقهاء المذاهب خلاف فى الرأى حول هذه المسألة. ويطلق على الصلوات الخمس المفروضة الأسماء التالية وفقا للوقت الذى تؤدى فيه من أوقات النهار: صلاة الصبح وكثيرا ما تسمى صلاة الفجر؛ وصلاة الظهر؛ وصلاة العصر؛ وصلاة المغرب؛ صلاة العشاء ويطلق عليها فى كثير من الأحوال صلاة "العتمة" ولكن هذه التسمية الأخيرة تعاب كثيرا لأنها نابية (¬2) (مسلم: كتاب المساجد، حديث 228، 229؛ أبو داود: كتاب الحدود، باب 78؛ النسائى: كتاب المواقيت، باب 23 الخ). (2) وكل مسلم راشد سليم العقل، قد فرض عليه أداء الصلوات اليومية الخمس المكتوبة تمييزًا لها من الصلوات الاختيارية التى يطلق عليها "النافلة" أو صلاة "التطوع " وهذا الفرض معلق ¬

_ (¬1) نص الحديث: حدثنا يحيى بن يحيى، قال: قرأت على مالك عن أبى الزبير، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال صلى -صلى اللَّه عليه وسلم- الظهر والعصر جميعًا، والمغرب والعشاء جميعًا، فى غير خوف ولا سفر. (¬2) نص الحديث كما جاء فى مسلم: ". . . عن عبد اللَّه بن عمر، قال سمعت رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه وسلم) يقول: "لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم، إلا إنها العشاء، وهم يعتمون بالإبل".

بالنسبة للمريض. أما الصلوات المتروكة فيجب أن تؤدى "قضاء"؛ وآراء الشافعية فى هذه المسألة وردت فى شرح النووى على مسلم فى كتاب المسافرين، الأحاديث 309 - 316 (جـ 2، ص 178 وما بعدها). وفى الرأى النظرى الصرف (وهو لا صلة له فى كثير من الأحوال بالتطبيق أو قل إنه يتصل به صلة قليلة) أن أى شخص يترك الصلاة عامدا لأنه لا يعترف بها فرضا شرعيًا يعد "كافرا". بل إن الترك العمد إذا لم يبن على سند فقهى من هذا القبيل يجعل التارك معرضا لعقوبة القتل (انظر النووى: منهاج الطالبين، طبعة v.d. Berg، جـ 1، ص 202؛ أبو إسحاق الشيرازى: كتاب التنبيه (¬1) فى الفقه، طبعة Juynboll ص 15). وهناك عدة شروط تمهيدية يجب أن تتوفر فى أداء الصلاة الصحيحة؛ والطهارة الضرورية المفروضة يجب أن تجدد إذ لزم الأمر بالوضوء والغسل أو التيمم؛ والثوب الذى يلبس يجب أن يستوفى الشروط الشرعية التى تهدف إلى "ستر العورة". وتفسير هذا أن الرجال يجب أن يستروا ما بين السرة إلى الركبتين، أما حرائر النساء فيجب عليهن ستر الجسم كله ما عدا الوجه واليدين، وهذا الشرط الأخير يلفت النظر، إذ أن رأى الأوربيين يناقض كل المناقضة هذا الحجاب المفروض على المرأة المسلمة (انظر Twee populaire dwalingen: snouck Hurgronje فى Verspide Geschriften, جـ 1، ص 295 وما بعدها) والأحاديث أحيانا لا تذكر إلا ستر العورة (البخارى: كتاب الصلاة، باب 10) وأحيانا أخرى ينسب إلى النبى -صلى اللَّه عليه وسلم- قوله: إن العاتقين أيضًا يجب أن يسترا (مسلم: كتاب الصلاة، حديث 278) وأحيانًا يذكر صراحة اشتمال الصمَّاء غير الوافية فى هذا الصدد (أحمد بن حنبل: المسند جـ 3، ص 322 وما بعدها) ويقال فى الوقت نفسه إنه يسمح بالصلاة فى ثوب واحد، أو إن هذا الأمر نفسه كثير الشيوع (أبو داود: كتاب الصلاة، باب ¬

_ (¬1) هو كتاب التنبيه فى فروع الشافعية لأبى إسحاق إبراهيم بن على الشيرازى الشافعى المتوفى سنة 476 هـ.

77, 80 - 82) ويقال من ناحية أخرى إن من يملك ثوبين يجب أن يرتديهما فى الصلاة (أبو داود: كتاب الصلاة: باب 82؛ أحمد بن حنبل: جـ 2، ص 148). ولا ضرورة لإقامة الصلاة بالمسجد، ولكن يمكن أن تقام شعائرها فى المسكن وأى مكان آخر، والمعتمد فى هذا ما يُعزى إلى محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- من أنه خُص بميزة هى أنه قد جعلت له الأرض مسجدًا وطهورا (البخارى: كتاب الصلاة، باب 56)، ويستثنى من ذلك المقابر (مسلم: كتاب صلاة المسافرين، حديث 208, 209) والأماكن النجسة كالمجازر وغيرها (الترمذى: كتاب مواقيت الصلاة، باب 141). والمكان الذى تؤدى فيه الصلاة يُميز عما حوله على نحو ما بسترة، وتُستخدم "السجادة" فى ذلك بصفة عامة. ويجب الاهتمام كذلك بالاتجاه إلى مكة. وأركان الصلاة الصحيحة هى كما يلى، ويقوم وصفنا لها على مذهب الإمام الشافعى: النية ويجهر بها أو يخافت مع التصريح بالصلاة التى ينوى المرء أداءها (Mittwoch، المصدر المذكور، ص 16؛ De intentie in recht, ethiek en Mystick der Semietische volken: A. Wensinck فى V.M.A.W، السلسلة الخامسة، المجلد 4) ثم يجهر بعبارة "اللَّه أكبر" وهى تكبيرة الإحرام التى تبدأ بها حالة الانصراف إلى العبادة. وتؤدى الصلاة قيامًا. والنطق بالدعاء أو التعوذ بعد التكبيرة سنة (انظر منهاج الطالبين، جـ 1، ص 78) ثم يلى ذلك التلاوة التى تتضمن الفاتحة عادة. وأهمية هذه القراءة فى الحديث تتمثل فى القول المأثور: لا صلاة لمن لا يقرأ بفاتحة الكتاب (البخارى: كتاب الأذان، باب 95؛ مسلم: كتاب الصلاة، حديث 34 - 36، 42) وجرت العادة فى صلاة الجماعة إن تُتلى الفاتحة وحدها مع الإمام إذا بدأ الإمام بالقراءة الثانية، وعلى الحاضرين أن ينصتوا (انظر المنهاج، جـ 1، ص 80) وفى الحديث كثير من الروايات عن الجهر بالقراءة أو المخافتة

بها (البخارى: كتاب الكسوف، باب 19؛ أبو داود: كتاب الطهارة، باب 89؛ النسائى: كتاب الافتتاح، باب 27 - 29، 80 و 81 إلخ؛ انظر البخارى: كتاب الأذان، باب 96, 97, 108؛ مسلم: كتاب الصلاة، حديث 47 - 49؛ النسائى: كتاب الافتتاح، باب 27 و 28, 80 إلخ). ثم يأتى الركوع الذى يتضمن إحناء الظهر بحيث تصبح راحتا اليدين مبسوطتين على الركبتين (كريعا عند العهود؛ انظر Mittwoch المصدر المذكور، ص 17 وما بعدها وكذلك صور الأوضاع المختلفة للصلاة فى Manners and Customs: Lane, الفصل الخاص بالدين والشرائع، وفى Handbuch: Juynboll، ص 76) فالقيام يعبر عنه "بالاعتدال" وما إن يرفع الرأس بعد الركوع حتى ترفع اليدان ويتلو المصلى "سمع اللَّه لمن حمده" (البخارى: كتاب الأذان باب 52, 74, 82؛ مسلم: كتاب الصلاة، حديث 25 و 28, 55؛ 64 إلخ). وهناك خلافات فى الرأى حول رفع اليدين فى الصلاة والدعاء، فيقول البعض إن محمدًا -صلى اللَّه عليه وسلم- اعتاد أن يرفع يديه فى الصلاة (البخارى: كتاب الأذان باب 83 - 86؛ مسلم: كتاب الصلاة، حديث 21 - 26؛ أبو داود كتاب الصلاة، باب 1 - 6, 85 - 87؛ أحمد بن حنبل، جـ 1، ص 93, 255, 289 إلخ) وتعلق أهمية (كما يتبين من الفقرات التى استشهدنا بها وشيكا) على المدى المسموح به لارتفاع اليدين، فبالإضافة إلى رفع اليدين يحدث كذلك أن تمدّا، (البخارى: كتاب الأذان، باب 130) وواضح أيضًا متفقرات الحديث الذى استشهدنا بها أن رفع اليدين لم يكن يحدث بعد الركوع فحسب، بل كان يحدث فى بعض أجزاء الصلاة الأخرى أيضًا وهذه الحركة التى تقضى بها الشعيرة كانت تفضل خاصة فى صلاة الاستسقاء (البخارى: كتاب الجمعة، باب 34, 35؛ مسلم: كتاب الاستسقاء، حديث 5 - 7؛ أحمد بن حنبل، جـ 3، ص 104, 153, 181 إلخ) ويرد فى بعض الأحيان أن رفع اليدين لا يسمح به فى كل دعاء اللهم إلا فى الاستسقاء (مثل النسائى: كتاب قيام الليل، باب 52، أحمد بن حنبل، جـ 2، ص 243)

ويمكن معرفة قيمة هذه الشعيرة مثلا مما قيل إن محمدًا -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يتوضأ قبل أن يرفع يديه للدعاء (البخارى: كتاب المغازى، باب 55) ويصبح هذا واضحًا كل الوضوح حين نفكر فى أن رفع اليدين كان فى الواقع عملا واجبًا يتخذه الإنسان إزاء اللَّه كما بين جولدتسيهر فى مقاله (Noldeke.Festschrift. Zauber elemente in islamischen Gebet جـ 1، ص 320). ثم إن السنة تربط القنوت بالركوع، والقنوت يدخل من بعض نواحيه فى نفس الباب الذى يدخل فيه رفع اليدين كما أبان جولدتسيهر أيضًا فى مقاله الذى ذكرناه وشيكا. والركن الآخر للصلاة الذى يلى هذا هو"السجود" وكان أيضًا من شعائر الصلاة عند اليهود (انظر Mittwoch: المصدر المذكور، ص 17 وما بعدها: هشتجواياه) وكذلك عند المسيحيين (Moharmneden de Joden to Medina: Wensinck, ص 104 وما بعدها) ويتخذ المصلى بعد ذلك وضعا بين الركوع والقعود وهو ما يعبر عنه فى العربية عادة بالجلوس (انظر Juynboll: المصدر المذكور، ص 76، شكل 7) ثم تلى ذلك سجده أخرى؛ وهذه الشعائر من تلاوة الفاتحة حتى السجدة الثانية هى ركعة كاملة. ويجب أن نلاحظ أنه لا يزال هناك خلاف كبير فى كتب الحديث على الأقل حول هذا الاصطلاح. ويبدو أحيانًا أن كلمة ركعة تستعمل فيما تستعمل فيه كلمة سجدة، وأحيانا تكون كلمة ركعة (وهو الاستعمال الذى استقر من بعد) اصطلاحا أشمل معنى، ينطبق على الجزء الأوسط من الصلاة كلها الذى وصفناه وشيكا ويوضح تاريخ الشعائر الإسلامية وحده، هذه النواحى توضيحًا دقيقًا. وأكثر الاصطلاحات استعمالا (فى الحديث أيضًا) يحدد عدد الركعات لكل صلاة، فصلاة الفجر ركعتان، وصلاة الظهر أربع ركعات، وصلاة العصر أربع ركعات، وصلاة المغرب ثلاث ركعات، وصلاة العشاء أربع ركعات، بل إن الحديث يقول أيضًا إن الصلاة كانت فى الأصل من ركعتين، وإن هذا العدد نفسه عمل به فى صلاة السفر.

ولكن عدد ركعات الصلاة العادية حدد بأربع (انظر مثلا البخارى: كتاب الصاوة، باب 1؛ مسلم: كتاب صلاة المسافرين، الحديث من 1 - 3 إلخ). ويفترض متفوح (انظر المصدر المذكور، ص 18 وما بعدها) وجود التأثير اليهودى فى الاختيار الأصلى للركعتين [وهذا لا أساس له]. والقول بأن هذه الصلاة أو تلك تشتمل على عدة ركعات، يدل على أن الشعائر الاستهلالية التى تسبق القراءة الأولى، والشعائر التى تعقب السجدة الثانية (انظر ما يلى) لا يقتضى الأمر أن تقع إلا مرة واحدة فحسب فى الصلاة التى نحن بصددها، على حين أن الشعائر الأخرى التى تجئ خلال ذلك تكرر عدة مرات، والشعائر التى تعقب السجدة الثانية هى "التشهد" الذى يتلى مع الجلوس. أما إن القاعدة التى ذكرناها وشيكا عن تكرار بعض أجزاء معينة من الصلاة فواضح من حديث للنبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] عن وجوب تكرار التشهد فى كل ركعتين (أحمد بن حنبل، جـ 1، ص 211) ثم تأتى بعد ذلك الصلاة على النبى التى تتضمن تحميد، تكثر فيه عبارة "صلى اللَّه عليه وسلم" وهذه العبارات تكون مع الجلوس، ويظل المصلى جالسا أثناء هذه الشعيرة الختامية، وهى السلام أو تسليمة "التحليل" التى تنتهى بها حالة الانصراف إلى العبادة. والصيغة الكاملة لهذا السلام فى قول النووى (المصدر المذكور، ص 91، وما بعدها) هى "السلام عليكم ورحمة اللَّه". ولكن يمكن اختصار هذه الصيغة وينطق بها مرتين، مرة والمصلى ينظر إلى اليمين وأخرى وهو ينظر إلى الشمال وتعتبر تسليما على المؤمنين، ولكنها تشير كذلك إلى الملائكة الحافظين الحاضرين انظر متفوح (المصدر المذكور، ص 18) عن نظائر ذلك فى صلاة اليهود. وتصنف الشعائر المختلفة للصلاة بحسب أهميتها وبحسب كونها فرضا أو سنة. ويعدد النووى (المصدر المذكور، ص 74 وما بعدها) من أركان الصلاة ما يلى: النية، وتكبيرة الإحرام، والقيام، والقراءة، والركوع، والاعتدال،

والسجود، والجلوس، والتشهد، والقعود، والصلاة على النبى، والسلام، ثم يذكر الركن الثالث عشر وهو "الترتيب". أما الشعائر الأخرى التى ذكرنا بعضها آنفا فهى عنده سنة (انظر أبا إسحاق الشيرازى: التنبيه، ص 25). وإن كثرة شعائر السنة، وهو أمر يتوقف على اختصارها أو القيام بها فى تفصيل كبير، هو الذى يحدد لكل صلاة صفتها ويؤثر بصفة خاصة فى طولها، ويصدق هذا خاصة على الأذكار التى تتخللها (انظر مولوى محمد على: The Holy Quran، الطبعة الثانية، لاهور 1920, ص 2) وعلى القراءة؛ لأن تلاوة الفاتحة يمكن أن يعقبها تلاوة آيات أخرى من القرآن الكريم. وفى الحديث كثير مما يقال فى هذا الموضوع. ويبدو أن الحماسة الشديدة التى أظهرها كثير من الأئمة فى هذا الصدد كانت فى كثير من الأحيان عبئًا على المؤمن. ويقال إن كثيرًا من المؤمنين شكوا إلى النبى من ذلك، وروى أن الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] استمع إلى شكاتهم فحذر النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] الأئمة بقوله: ". . فمن صلى بالناس فليخفف، فإن فيهم الصغير والكبير والضعيف والمريض" (البخارى: كتاب العلم، باب 28؛ مسلم: كتاب الصلاة، حديث 179 - 190؛ أبو داود: كتاب الصلاة، باب 122, 123 إلخ) بل إننا نجده فيما روى عنه يقول فى وصف الإمام المقصود إنه "فتّان" (البخارى: كتاب الأذان، كما أثنى المؤمنون على محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] أيضًا فقالوا: كان رسول اللَّه [-صلى اللَّه عليه وسلم-] من أخف الناس صلاة فى تمام (أحمد بن حنبل، جـ 3، ص 279, 282 وفى كثير من المواضع الأخرى). ويحدد الفقه أيضًا تحديدا دقيقا الأعمال والأوضاع الجسدية التى تبطل الصلاة (النووى: المصدر المذكور، ص 103 وما بعدها؛ أبو إسحاق الشيرازى، ص 28 وما بعدها؛ ويسجل الحديث أن بعض المؤمنين فى بادئ الأمر اعتادوا أن يتحدث الواحد منهم إلى الآخر دون حرج أثناء الصلاة، ويحيون محمدا [-صلى اللَّه عليه وسلم-] كما يحيى بعضهم بعضا, ولكن الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وضع حدًا لهذه الرخصة (البخارى:

كتاب العمل فى الصلاة، باب 2 - 4) ومجريات الأحوال القديمة تتجلى بأجلى بيان فى هذا الخبر المتواتر الذى يروى كيف كان النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] يصلى وقد تعلقت ابنته زينب الصغيرة بعنقه، وقيل إنه لما سجد وضع الطفلة على الأرض ثم رفعها مرة أخرى حين قام (البخارى: كتاب الصلاة، باب 106؛ مسلم: كتاب المساجد 41 - 44؛ النسائى: كتاب المساجد، باب 19). وفى حديث آخر يروى كيف وثب الحسن والحسين على ظهر محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] أثناء سجوده (أحمد بن حنبل، جـ 2: ص 513). (3) وثمة صلوات غير مفروضة علاوة على الصلوات اليومية الخمس، يقسمها الغزالى إلى ثلاثة أنواع: السنة، والمستحب، والتطوع (الإحياء، القاهرة 1302 هـ، جـ 1، ص 174) ويصدق هذا النوع الأخير على صلاة الليل، وهو الاسم الذى يغلب استعماله فى الحديث، على حين يستعمل القرآن "التهجد" (سورة الإسراء: الآية 79). ويفضل فى وصف هذه التعبدات الليلية، فى "ليلة القدر"، خاصة وفى ليالى رمضان عامة، استعمال كلمة "قيام" التى تدل على ما كان للقيام والسهر فى ذاتيهما من شأن عظيم. ويتضح من الحديث أن مثل هذه العبادات الليلية كان يمارسها المجتمع الإسلامى الأول فى شغف وغيرة. وحسبنا أن نقول هنا إنه حتى فى حياة محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] كانت هذه التعبدات ليست لها صفة الفرض (أبو داود: كتاب التطوع، باب 17، 26؛ والنسائى: كتاب قيام الليل باب 2؛ الدارمى: كتاب الصلاة، باب 165). وتتصل صلاة الليل صلة وثيقة بالوتر، ومعناها "الفرد" وتتضمن هذه الشعيرة فى الواقع إضافة ركعة واحدة إلى الركعات الزوجية فى صلاة الليل، وبالإضافة إلى ذلك صلاة الضحى وهى الصلاة الوحيدة قبل الظهر، فعند أحمد بن حنبل (جـ 1، ص 147) يحدد الوقت على الوجه التالى: "صلى رسول اللَّه [-صلى اللَّه عليه وسلم-] الضحى حين كانت الشمس من المشرق حتى مكانها من المغرب فى

صلاة العصر"؛ ويروى أن النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] كان يمتدح صلاة الضحى (النسائى: كتاب قيام الليل باب 28؛ كتاب الصيام باب، 81, الدارمى: كتاب الصلاة باب 151، أحمد بن حنبل جـ 2، ص 175، 265, 271. . الخ) ويؤديها بانتظام، وثمة آراء قالت بأن الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] كان يؤديها مرة واحدة فحسب، أو كان يؤديها عند رجوعه من سفر، وآراء أخرى ترى أن من أئمة الرواة؛ من لم يؤدها (البخارى كتاب التهجد باب 31 الدارمى: كتاب الصلاة باب 152). أما الصلوات السابقة واللاحقة للصلوات المفروضة، والتى تشتمل على ركعتين عادة فإنها كثيرة جدًا تقام قبل صلاة الفجر (البخارى: كتاب الأذان، باب 15؛ أبو داود: كتاب التطوع، باب 6)؛ وتقام قبل صلاة الظهر وبعدها (البخارى: كتاب التهجد، باب 25؛ مسلم كتاب صلاة المسافرين، حديث 105, 106) وتقام قبل صلاة العصر (أبو داود: كتاب التطوع، باب 8؛ البخارى: كتاب المواقيت، باب 53؛ وانظر كتاب المغازى، باب 69)؛ وتقام قبل صلاة المغرب وبعدها (البخارى: كتاب التهجد، باب 35, 24, ست ركعات بعد صلاة المغرب: الترمذى: كتاب المواقيت، باب 204)؛ وتقام قبل وبعد صلاة العشاء (البخارى: كتاب التهجد، باب 25)؛ ولكن روى أيضًا عن النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] أنه لم يتقيد بكل هذه الصلوات الاختيارية كل يوم. ويحدد عددها فى الغالب بست عشرة ركعة واثنتى عشرة ركعة أحمد بن حنبل: جـ 1 ص 11, 142, 143, 146, 147 وما بعدها)، هذا بالإضافة إلى أن ثمة "رواتب" تقام فى أيام مختلفة من الأسبوع والشهر (انظر الغزالى: الإحياء، جـ 1، ص 174 وما بعدها، فى باب 7 من كتاب الصلاة) وفى مناسبات مختلفة مثل دخول المسجد والرجوع من سفر (البخارى: كتاب الصلاة، باب 60؛ مسلم: كتاب المسافرين، حديث 74). (4) ويجوز للمرء أن يؤدى الصلاة اليومية وحده، ولكن المستحب أن يؤديها جماعة (وعن اختلاف الرأى فى

هذه المسألة، انظر النووى، ص 116 وما بعدها) ومهما يكن من أمر فإن ذلك فى رأى النووى غير مفروض على النساء، بل هو غير مستحب بالنسبة لهن. ويؤكد الحديث تأكيدا قويا فضائل صلاة الجماعة (البخارى: كتاب الأذان، باب 29 - 31 - 34؛ كتاب المساجد، الأحاديث 245 - 259، 271 - 282؛ النسائى: كتاب الأئمة باب 42، 45، 48 - 50، 52). والمسجد فى الوقت نفسه مستحب بوصفه مكانًا للاجتماع وإن لم تكن الصلاة فيه فرضا, ولا تتوقف شرعيتها على توافر عدد معين من المصلين الحاضرين. وقد جاء فى أبى إسحاق الشيرازى (التنبيه، ص 31؛ انظر ابن ماجه، كتاب الإقامة باب 5) أن الجماعة تنعقد بشخصين. وكثيرا ما تذكر صلوات أداها ثلاثة أشخاص (مثل مسلم: كتاب المساجد، حديث 269). ومن المستحب أن يذهب الشخص إلى الصلاة فى هدوء (البخارى: كتاب الأذان، باب 20, 21, 23؛ مسلم: كتاب المساجد، حديث 151 - 155). ويعد أيضًا من الثواب خاصة أن يتخذ المرء مكانه فى المسجد قبل بدء الصلاة بوقت وأن ينتظر وقتا بعد الفراغ منها (أحمد ابن حنبل، جـ 2، ص 266, 277, 289 وما بعدها 301). وإذا حضر شخص متأخرا بحيث شارك فى ركعة واحدة فإنه يعد مع ذلك قد أدرك صلاة الجماعة (البخارى: كتاب المواقيت، باب 29؛ مسلم: كتاب المساجد، حديث 161, 165 إلخ) والرأى المعارض لذلك يقول به مالك (كتاب الوقت، حديث 16) بل إنه إذا دخل أحد المسجد بعد أدائه الصلاة وحده مباشرة، فعليه أن يشارك فى صلاة الجماعة (أبو داود: كتاب الصلاة باب 56؛ الترمذى: كتاب المواقيت باب 49). والقاعدة الشائعة هى أن الشخص يجب أن يؤدى وحده ما فاته من صلاة الجماعة (أحمد بن حنبل، جـ 2، ص 237, 238, 239، 270 الخ). ويرتب المصلون أنفسهم صفوفا متلاصقين فى حسن ترتيب، ويؤكد ذلك تأكيدا خاصا (البخارى كتاب الأذان باب 71, 72, 74 - 76, 114؛ مسلم: كتاب الصلاة، حديث 122 -

128؛ أبو داود: باب 93 - 100؛ أحمد ابن حنبل، مجلد 3 جـ 3، ص 122 وما بعدها, 114 و 122 الخ) والأماكن فى الصف الأول لها مميزات خاصة (البخارى: كتاب الأذان، باب 9 - 73؛ مسلم: كتاب الصلاة، حديث 129 - 132) كما أنها تكون فى هذا الصف مفضلة بخاصة إذا كانت على يمين الإمام (ابن ماجه: كتاب الإقامة، باب 34) ومع ذلك فإن هذا يصدق على الرجال فحسب، أما النساء فيحسن أن يأخذن أماكنهن فى الصف الأخير أحمد بن حنبل، جـ 2، ص 47, 336, 354, 370). ويؤم صلاة الجماعة إمام يتخذ مكانه أمام الصف الأول، أما إذا كان عدد الحاضرين اثنين غيره فإنه يقف بينهما أو يجعل أحدهما إلى يمينه والآخر خلفه (أبو داود: كتاب الصلاة باب 98؛ النسائى: كتاب التطبيق باب 1؛ أحمد بن حنبل جـ 1 ص 451). وقد استقر الرأى على أن المصلى يجب أن يتبع الإمام فى كل ما يأتيه (البخارى: كتاب الأذان، باب 51 - 53، 74, 82 الخ) وقد بين متفوح Mittwoch (المصدر المذكور، ص 22 - وقد حذا حذوه بكر Becker فى Deer Islam، جـ 3، ص 386 وما بعدها أن الإمام يماثل الـ "شلياح هاصبور" فى الصلاة عند اليهود) وإمامة فرائض الصلاة يمكن أن يؤديها فى الإسلام أى عضو من الجماعة كفء لأدائها. وقد جرت الحال فى المدينة على حياة النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] أنه كان يؤم الناس فى الصلاة، ولم يشذ الأمر عن ذلك إلا فى حالات استثنائية، ويقال إنه فى مرضه الأخير وفى مناسبات أخرى أثناء غيابه، كان أبو بكر ينوب عنه فى ذلك عادة. ويميل الحديث إلى الإفاضة فى هذه المسألة، ولعل الأمر يقتضينا فى هذه المسألة أن نعد كثيرًا من الأمور انعكاسا للحوادث التى وقعت بعد موت رسول اللَّه [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، فإن إمامة الصلاة كان لها حينذاك شأن خطير كما يتبين من الدلائل المتعددة التى تدل عليها كلمة إمام، فقد كان إمام "الجماعة" فى مسجد النبى بطبيعة الحال هو أيضًا إمام الجماعة فى الشئون السياسية. ثم حدث الفصل شيئًا فشيئا بين الوظائف، ولكن الخليفة

وزعيم الجماعة قد احتفظ كلاهما على السواء بلقب الإمام. وعلى حين أن الإمام كان على الأقل فى الأيام الأولى للخلفاء يعين لمسجد النبى، فإن التغيير فى أداء هذه الواجبات كان أكثر توقعا. فإذا اجتمع عدد من الأشخاص لصلاة الجماعة فإنه يقال أحيانا إنه يجب أن يؤمهم فى الصلاة أكبرهم سنا (البخارى: كتاب الأذان، باب 17, 18, 35, 49, 140؛ كتاب الجهاد، باب 42، النسائى: كتاب الأذان باب 7 الخ) ويقال أحيانا أن ذلك الواجب يقع على أفقههم بالقرآن الكريم (مسلم: كتاب المساجد، حديث 289 - 291؛ النسائى: كتاب الأذان، باب 8؛ أحمد بن حنبل جـ 3، ص 24, 34, 36 الخ). ويستطيع أن يقوم بواجب الإمامة العبيد والأحرار على السواء (البخارى: كتاب الأذان، باب 54). بل لقد جاء فى حديث زيدى ذكر لنساء قمن بإمامة الصلاة (" Juris Corpus ") di Zaid ibn'Ali، طبعة Griffini, رقم 189). أما مسألة من يمكن أن يؤدى المرء خلفه الصلاة، فقد بحثت فى كتب الفقه وفى مجموعات الحديث (النووى: المصدر المذكور، ص 131؛ البخارى: كتاب الأذان، باب 56؛ أبو داود: كتاب الصلاة، باب 63). وأما مسئولية الإمام (أحمد بن حنبل، جـ 2، ص 232, 284, 377 وما بعدها الخ) وما يلقاه عند اللَّه من ثواب فقد أشيد بهما (أبو داود: كتاب الصلاة، باب 58، ابن ماجه: كتاب الإقامة، باب 47). ويجب أن يتنحى المرء عن الإمامة إذا حضر من هو أعظم منه مقاما فى الأمور الدينية. (النسائى: كتاب الأئمة، باب 3، 6) ويجب ألا يفرض أحد نفسه على الناس (أبو داود: كتاب الصلاة، باب 62؛ الترمذى: كتاب المواقيت، باب 149). وينبغى ألا يكون الإمام غريبا بل رجلًا من أهل البيئة (أبو داود: كتاب الصلاة باب 65؛ الترمذى: كتاب المواقيت، باب 147؛ مالك: كتاب صلاة الجماعة، باب 15). وتطورت إمامة الجماعة شيئًا فشيئًا إلى وظيفة تتفاوت حدودها، ففى مصر

كان الإمام فى بعض الأحيان تاجرا من صغار التجار أو ناظر مدرسة (Manners and Customs: Lane، ص 96 وما بعدها) ويقام فى المساجد الكبرى إمامان يؤجران من مخصصات المسجد، ونجد فى مكة أن الذين يقومون بالإمامة هم ابرز العلماء أو أشخاص عاديون على السواء (Mekka: Snouck Hurgronje جـ 2، ص 234، الحاشية) وفى جزائر الهند الشرقية الهولندية يقوم بالإمامة البنغولو الذى يلى أيضًا القضاء. وعلاوة على الصلوات الخمس اليومية، تقوم الجماعة بصلوات أخرى خاصة فى مناسبات معلومة، وأهمها صلاة الجمعة، وصلاة العيدين، وصلاة الاستسقاء، وصلاة الكسوف. وثمة صلاة مختلفة عن ذلك تماما، وهى صورة خاصة أو مختصرة من الصلاة الإسلامية الصحيحة, ونعنى بها صلاة السفر التى تقام من ركعتين. ويوجه الفقهاء بطبيعة الحال عناية كبيرة إلى المقصود بالسفر. وهناك تيسير آخر للسفر هو الجمع بين صلاتين أو أكثر فى صلاة واحدة. وفى الحديث بيانات كثيرة فى هذا الشأن (مثل البخارى: كتاب تقصير الصلاة، باب 6, 13 - 19؛ مسلم: كتاب صلاة المسافرين، حديث 42 - 58 الخ) ويقال، كما ذكرنا فى القسم الأول من هذه المادة، إن النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] جمع بين عدة صلوات فى المدينة؛ وانظر عن مدلول مثل هذه الأقوال ما ذكر فى هذا القسم وما أورده النووى (المصدر المذكور، ص 59 أو ما بعدها). وهناك صلاة وصفها القرآن الكريم وهى صلاة الخوف التى تقام حين يكون المؤمنون مهددين بالخطر من عدو (سورة النساء آية 101 - 103) وتختلف هذه فى جوهرها عن الصلاة المألوفة فى أن المؤمنين يصطفون فى صفين أحدهما يقوم بالمراقبة شاكى السلاح أثناء سجود الصف الآخر، ويكرر كل صف ذلك حتى يؤدوا جميعًا السجود، وعندئذ يشترك الجميع فى تلاوة التشهد. وإذا كانوا يتوقعون هجوم العدو من جهة أخرى غير القبلة فإن الصلاة تعدّل وفقا لما تقتضيه

الظروف (ومن يريد زيادة فى البيان فلينظر النووى، ص 381 وما بعدها) ويمكن تقصير الصلاة فى هذه الحالة أيضًا (مسلم: كتاب صلاة المسافرين، حديث 4، 5؛ النسائى: كتاب صلاة الخوف، باب 4, 7, 23, 24, 26, 27). بل إن ثمة ذكرا لصلاة الخوف تقام من ركعة واحدة فحسب (أحمد بن حنبل جـ 2 ص 237 - 234). وفى الختام يجب أن نتناول باختصار فى هذا المقام الصلاة على الميت، أو صلاة الجنازة وهى فرض كفاية، وإنما يمكن أن تترك فى بعض الأحوال الاستثنائية (Verspr Geschr: Snouck Hurgronje, جـ 1، ص 138، تعليق 3). وفى بعض الأحاديث أن الصلاة تجب على كل ميت من المسلمين (ابن ماجه: كتاب الجنائز، باب 31، النسائى: كتاب الجنائز، باب 57) وفى الحديث (البخارى: كتاب الجنائز: باب 23, 85؛ كتاب التفسير، سورة الأعراف باب 12، 13؛ مسلم: كتاب فضائل الصحابة, حديث 25 الخ) روى كيف أن النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] أقام الصلاة على المتوفى عبد اللَّه ابن أبىّ شيخ المنافقين، وكيف راجعه عمر على ذلك، من ثم نزلت الآية 84 من سورة التوبة: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ} (انظر التعريف الشرعى للفاسق فى Vesrpr.Geschr: Snouck Hurgronje ص 97) وزيادة على ذلك روى الحديث أن النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] أبطل الصلاة فى حالات المتوفين منتحرين (مسلم: كتاب الجنائز، حديث 107؛ أبو داود: كتاب الخراج، باب 46). على أن النووى يقول (ص 225) إنه لم يحدث استثناء لهذه الحالة. ويقول الحديث أيضًا إن النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] رفض إقامة صلاة الجنازة بنفسه إلا إذا كانت ديون المتوفى قد وُفيت بالفعل (البخارى: كتاب: الحوالات باب 3؛ أبو داود: كتاب البيوع، باب 9؛ أحمد بن حنبل، جـ 2، ص 290, 399) ولذلك يوصى الشرع أهل الميت بأن يسرعوا بتسوية هذا الأمر (النووى، جـ 1، ص 221). على أننا نجد فى الحديث روايات مختلفة عن مسألة: هل أقام النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] صلاة الجنازة على من قتلوا بحكم الشرع؟

(أبو دواد: كتاب الجنائز، باب 47؛ النسائى: كتاب الجنائز، باب 63, 64). ويقول أبو إسحاق الشيرازى (طبعة Juynboll، ص 47 وما بعدها) إن الصلاة على الميت تقام على المنهج الآتى: يقف الإمام على رأس النعش إذا كان المتوفى رجلًا، وعلى مؤخرته إذا كان المتوفى امرأة (وهذه هى السنة؛ انظر البخارى: كتاب الجنائز، باب 63؛ مسلم؛ كتاب الجنائز، حديث 87، 88 الخ) ثم ينوى الصلاة ويكبر أربعًا ويداه مرفوعتان ثم يتلو الفاتحة فى الأولى، ثم يصلى على محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فى الثانية، ثم يدعو للميت فى الثالثة، ويدعو للذين اشتركوا فى الصلاة فى الرابعة، ثم يختم الصلاة بالتسليمتين. ويشيع الخلاف فى الرأى حول المكان الذى ينبغى أن تقام فيه صلاة الجنائز، وهناك إشارات إلى وجود مصلى خاص فى المدينة على أيامها القديمة، كما حدث عند وفاة النجاشى بالحبشة (البخارى: كتاب الجنائز باب 4، مسلم: كتاب الجنائز، حديث 63، 64) وجاء فى ابن سعد (مجلد 1, جـ 2، ص 14) إن النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فيما يقال كان يقيم الصلاة فى بيت الميت, ولذلك ظن الناس أنها بدعة حين حمل جثمان سعد بن أبى وقاص إلى المسجد نزولا على رغبة عائشة فيما يقال، أو رغبة زوجات النبى. وقيل إن عائشة أجابت على الاعتراضات التى أثيرت بقولها: "ما أسرع ما نسى الناس ما صلى رسول اللَّه [-صلى اللَّه عليه وسلم-] على سهيل بن بيضاء إلا فى المسجد. . . " (مسلم: كتاب الجنائز، حديث 99 - 101)، ويعلق النووى شارح مسلم على ذلك (كما فعل الزرقانى فى شرح مالك: كتاب الجنائز، حديث 22) فيذكر آراء المذاهب المختلفة مشيرًا إلى الباب من أبواب الشرع الذى يدرج الفقهاء تحته إقامة هذه الصلاة فى المسجد (انظر فى هذه المسألة أيضًا Semitic Rites of Mourning and Religion, ص 2 - 4). ومهما يكن من شئ فإن سنة المسلمين اليوم فى مختلف أنحاء العالم الإسلامى قد جرت على أداء هذه الصلاة فى المسجد (Manners&Customs: Lane ص 526؛ Snouck Hurgronje:

Mekka، جـ 3، ص 189) على أن القوم فى آشى يقيمون صلاة الجنازة فى الجزء الأمامى من الحى القائم أمام بيت الميت، وقد جرى على ذلك أيضًا أهل جاوة (The Achehnesse: Snouck Hurgronje, جـ 1، ص 423؛ المؤلف نفسه: Verspr. Geschr، جـ 4، ص 242) وهذا مباح شرعًا على الأقل وإن لم يكن ممدوحا (ويتوقف الأمر على المذهب المعتنق). ولا يستوجب الأمر أن يكون الجثمان حاضرًا أثناء الصلاة، وقد جرت العادة فى مكة على إقامة صلاة الجنازة لمن يموتون بعيد، عن ديارهم (Mekka: Snouck Hurgronje، جـ 2، ص 189). وتبرير هذه السنة يلتمس فى الحديث المتواتر الذى يروى أن النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] أقام صلاة الجنازة على النجاشى فى المدينة (انظر ما أشرنا إليه آنفًا). (5) لقد جرى النقاد الأوربيون على تناول مسألة مكانة الصلاة من زاوية واحدة، ولا مناص لنا من التسليم بأنهم يجنحون إلى اتباع ما قاله به رانكه Ranke من تعليق أهمية كبرى على الصلاة من حيث هى شعيرة تأخذ المرء بالنظام. ولا شك فى أن جانبا كبيرًا من حياة الجماعة قد تركز فى الصلاة وحولها فى المدينة على حياة النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، ولا شك أيضًا فى أن عقلية العربى الجاهلى قد تحولت عن طريق الصلاة إلى عقلية المسلم. وتكررت هذه الظاهرة نفسها من بعد فى أقاليم الخلافة، ولا جدال فى أن الصلاة ظلت من أعظم العناصر تأثيرا فى تكوين الجماعات. على أن الأوربى قد جرى على أن يقيم حكمه على الصلاة من وجهة نظره الخاصة، فالبروتستانتى يفتقد فيها الحياة الباطنة والكاثوليكى من أتباع الكنيسة الرومانية يفتقد فيها فخامة الطقوس وروعتها. وكلتا النظرتين مخطئة من الناحية العلمية، ومن يريد أن يكون فكرة واضحة عن مكانة الصلاة يجب عليه أن يسأل هذا السؤال: "ماذا تعنى الصلاة للمسلم؟ ".

ويمكن الإجابة عن بعض هذا السؤال بملاحظة غيرة المسلمين على الصلاة فى مختلف الأقطار. وملاحظات لين على الصلاة فى مصر على سبيل المثال (Manners and Customs، ص 98) لها شأنها، إذ يقول: "إن المسلمين يراعون فى صلاة الجماعة منتهى الوقار والجلال، ومظهرهم وسلوكهم فى المسجد لا ينمان عن الإقبال على العبادة فى غيرة وحماسة وإنما ينمان عن التقوى الرزينة الخاشعة، ولا يصدر عنهم فى صلاتهم أبدا كلمة نابية أو فعل جارح عن قصد؛ والظاهر أنهم يتخلون، عند دخولهم المسجد، عما يبدونه من عزة وتعصب فى حياتهم العامة وفى صلتهم بغيرهم من أهل ملتهم أو من أهل الملل الأخرى، ويتجلى عليهم الاستغراق الكامل فى عبادتهم خاشعين مستكينين، من غير تصنع للخضوع، أو تكلف لما يظهر على محياهم من أمارات". والمصدر الغزير المادة فى دراسة مكانة الصلاة نجده فى الآثار المكتوبة، ولا مناص من الرجوع فى القرنين الأولين للهجرة إلى الحديث. وحين تعد أركان الإسلام الخمسة نجد الصلاة دائما تأتى فى المحل الثانى (البخارى: كتاب الإيمان, باب 52، مسلم: كتاب الإيمان، حديث 19 - 22, ويمكن أن نلاحظ هنا ملاحظة عابرة، هى أن الركن الأول قد ورد بصور شتى) ففى القصة الكثيرة التواتر عن البدوى الذى سأل النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] عن الإسلام فأجابه النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] بذكر عدد من الفرائض أوجبها الإسلام على المؤمنين أى: أداء الصلوات الخمس كل يوم، وصيام رمضان والزكاة (البخارى: كتاب الإيمان، باب 34؛ مسلم: كتاب الإيمان, حديث 8). وفى الأحاديث الأخيرة أيضًا التى تحصى الفرائض الواجبة على المسلم مثل حديث الرسالة التى بعث بها النبى معاذ بن جبلى حين أوفده محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] إلى اليمن نجد أنه قد ذكر فيها علاوة على التوحيد، الصلوات الخمس والزكاة (انظر مثلا البخارى: كتاب الزكاة، باب 1؛ مسلم: كتاب الإيمان، حديث 29 - 31). ونجد الصلاة فى تعداد أكثر الأعمال ثوابًا عند اللَّه تأتى

فى كثير من الأحيان فى المحل الأول (البخارى: كتاب المواقيت، باب 5؛ وانظر ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب 4؛ الدارمى: كتاب الوضوء، باب 2). والاستمساك بأداء الصلوات الخمس اليومية تضمن دخول الجنة (النسائى: كتاب الإقامة. باب 6؛ مالك: كتاب صلاة الليل، حديث 14 إلخ). وترك الصلاة سبيل إلى الشرك والكفر: (مسلم: كتاب الإيمان, حديث 134، وانظر النسائى: كتاب الصلاة، باب 8): "بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة". ويصف الحديث وصفا مجازيا أثر الصلاة فى التطهير: "إنما مثل هذه الصلوات الخمس مثل نهر جار على باب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات فماذا يبقين من درنه؟ " (مالك: كتاب قصر الصلاة فى السفر، باب 91؛ وانظر أحمد بن حنبل جـ 1، ص 71 وما بعدها؛ جـ 2، ص 375, 426 و 441؛ جـ 3، ص 305 و 317 إلخ). وقد وصف هذا الأثر وصفا غير مجازى فى الحديث المشهور أيضا وهو: "الصلاة المكتوبة إلى الصلاة التى بعدها كفارة لما بينهما" (أحمد بن حنبل، جـ 2، ص 29؛ ومن المعروف حق المعرفة أن الكبائر تستثنى عادة من ذلك، انظر أحمد بن حنبل، جـ 2، ص 359). ولقد استشهدنا وشيكا بالحديث الذى يروى أن أداء الصلوات الخمس يضمن دخول الجنة، ويذهب الحديث التالى إلى أبعد من ذلك: "من علم أن الصلاة حق واجب دخل الجنة" (أحمد ابن حنبل، جـ 1، ص 6). وفى الحساب الأخير يوم القيامة يكون لمبلغ الصدق فى إقامة الصلاة أكبر وزن: "إن أول ما يحاسب به العبد بصلاته فإن صلحت فقد أفلح ونجح وإن فسدت فقد خاب وخسر" (انظر النسائى: كتاب الصلاة باب 9؛ الترمذى، كتاب المواقيت، باب 188, أحمد بن حنبل، جـ 1، ص 161 وما بعدها, 171 جـ 2، ص 290 الخ). ويجب أن تؤدى الصلاة بورع واستغراق، وقد روى كيف أن النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] كان يخلع أحد أثوابه لأن الأعلام المنقوشة عليه كانت تلهيه عن الصلاة

(البخارى: كتاب الصلاة، باب 14؛ النسائى: كتاب القبلة، باب 20، وانظر باب 12). أما أن الصلاة، كما يقال أحيانًا، لا تشتمل فحسب على أداء فرض، بل يجب أن تكون أيضًا بالقلب فظاهر من الحديث التالى؛ قال النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-]: "حُبب إلى من الدنيا النساء والطيب وجعلت قرة عينى فى الصلاة"، (أحمد بن حنبل، جـ 3: ص 128 مكرر، 285). وكذلك يذكر البكاء فى الصلاة أحيانا (أبو داود: كتاب الصلاة، باب 156؛ النسائى: كتاب السهو، باب 18؛ أحمد بن حنبل، جـ 3، ص 18؛ جـ 4، ص 25 مكرر، وانظر ص 26). وأهم خصائص الصلاة عند الكثيرين هى ما نجده على وجهين، ونعنى بذلك أن الصلاة مناجاة العبد للخالق: الوجه الأول، ورد فى الحديث الذى نهى عن البزق تجاه القبلة أثناء الصلاة، والسبب الذى يقدمه الحديث هو أن المصلى يناجى ربه (البخارى كتاب الصلاة، باب 39؛ كتاب المواقيت باب 8، مسلم: كتاب المساجد، حديث 54؛ أحمد بن حنبل: جـ 2، ص 4 وما بعدها، 144؛ جـ 3، ص 176, 188, 199, وما بعدها 234, 273, 278, 291 إلخ)؛ والوجه الثانى ما ورد فى الحديث على النحو التالى: "أما إن أحدكم إذا قام فى الصلاة فإنه يناجى ربه، فليعلم أحدكم ما يناجى ربه، ولا يجهر بعضكم على بعض بالقراءة فى الصلاة" أحمد ابن حنبل جـ 2 ص 36, 67, 129) وقد ضرب المثل على هذا فى الحديث القدسى التالى: يقول تعالى: "قسمت الصلاة بينى وبين عبدى نصفين، فنصفها لى ونصفها لعبدى، ولعبدى، ما سأل، قال رسول اللَّه [-صلى اللَّه عليه وسلم-] اقرأوا، يقول العبدة "الحمد للَّه رب العالمين" يقول اللَّه عز وجل: "حمدنى عبدى"، يقول العبد "الرحمن الرحيم" يقول اللَّه عز وجل: "أثنى علىّ عبدى" يقول العبد "مالك يوم الدين" يقول اللَّه عز وجل: "مجدنى عبدى"، يقول العبد "إياك نعبد وإياك نستعين" يقول اللَّه عز وجل: هذه الآية بينى وبين عبدى، ولعبدى ما سأل"، يقول العبد: "اهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت

عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين فهؤلاء لعبدى، ولعبدى ما سأل" (أحمد بن حنبل جـ 2، ص 460). ويجدر بنا أن نذكر فى الوقت نفسه "صلاة الحاجة" التى تقام لتحقيق حاجة تشتد رغبة المرء إليها (الترمذى: كتاب الوتر، باب 17)؛ وصلاة الاستخارة قبل اتخاذ قرار يتفاوت فى أهميته (البخارى: كتاب التهجد، باب 26؛ أبو داود: كتاب الوتر، باب 31؛ الترمذى: كتاب الوتر، باب 18؛ أحمد ابن حنبل جـ 3، ص 344 الخ). ووصف الصلاة بأنها مناجاة سمة لنزعة التفكر التى نجدها حتى فى أول عهود الإسلام (انظر فى هذا الشأن خاصة Essai sur les origines du lexique techmique de la mystique musulmane: La Massignon, باريس 1922)؛ ومن المؤكد أنها كانت من أكبر السبل التى دخل بها التصوف فى الإسلام. ومن أقدم المتصوفة المسلمين: المحاسبى (توفى سنة 243 هـ = 857 م) فقد كتب رسالة فى مدلول الصلاة (انظر Massignon: المصدر المذكور، ص 259، تعليق 1) وقد شرح الفيلسوف الترمذى (توفى سنة 285 هـ = 898 م) الجانب الصوفى للصلاة فى 42 مثلا استشهد بها ماسينيون (المصدر المذكور، ص 259). وعند المتصوفة المحدثين طغت أهمية الذكر والورد حتى إن القشيرى فى رسالته لم يفرد للصلاة فصل خاصا بها. أما عند الهجويرى فتظهر الصلاة كأنما هى تناسب خاصة المريدين، إذ عليهم أن يجدوا فيها إلى حد ما صورة لطريق السالكين كلها. وعندهم أن الطهارة تمثل التخلى، والقبلة الافتقار إلى المرشد الروحى، والتلاوة الذكر، والركوع الخشوع، والسجود معرفة النفس، والتشهد الإنس، والتسليم ترك الدنيا. أما المتصوفة حقًا فإن كلا منهم يرى فى الصلاة غير ما يراه الآخر، فهى عند واحد وسيلة للحضور، وعند آخر وسيلة للغيبة (انظر الهجويرى: كشف المحجوب، ترجمة نيكلسون، سلسلة كب التذكارية، جـ 17، ص 91 وما بعدها)، ومع ذلك فإن الهجويرى يؤكد أيضًا حب المتصوفة على اختلافهم للصلاة.

وابن سينا هو الوحيد الذى نذكره هنا من بين الفلاسفة، وقد كتب ابن سينا رسالة موجزة فى الصلاة، ("فى الكشف عن ماهية الصلاة وحكمة تشريعها" فى جامع البدائع، القاهرة 1235 هـ = 1917 م، ص 2 - 14) وجوهر الصلاة عنده معرفة وجود اللَّه فى ذاته ووجوب هذا الوجود، وهى تكون فى الباطن أو الظاهر بحسب طبيعة المؤمن الذى يؤديها. وعند ابن سينا أن ارتقاء معارج الروح لا يقدر عليه الناس جميعًا، ومثل هؤلاء الناس بحاجة إذن إلى رياضة جسمانية وترويض النفس لكبح جماح الشهوة الغريزية، وهذا هو الجانب الظاهر للصلاة؛ وأما باطنها فهو مشاهدة الحق بقلب نقى ونفس خلصت وتطهرت من الأمانى؛ فابن سينا إذن يشرع فى معالجة القول بأن الإنسان فى حالة الصلاة يكون فى مناجاة مع ربه، فهو يقول إن هذا يمكن أن يحدث خارج العالم المادى فحسب, وأولئك الذين يحصل لهم هذا الحال إنما يكونون فى حضرة اللَّه، ويشهدون اللَّه شهودًا عينيًا، فالصلاة إذن "مشاهدة" حقة وعبادة خالصة، أى أنها الحب الإلهى الحق والرؤية بعين القلب. والصلاة فى الفصل الذى عقده الغزالى فى "الإحياء" عن "ربع العبادات" منزلة بين الطهارة والزكاة (كما هى الحال فى الفقه) ويجب أن نلاحظ أن الغزالى فى كلامه عن هذه العبادة قد فعل ما فعله فى العبادات الأخرى، فقد جهد كل الجهد فى وصف القواعد الشرعية وصفا دقيقا (طبعة القاهرة سنة 1302 هـ, جـ 1، ص 19، وما بعدها) كما ارتفع بالصلاة من ناحية أخرى إلى مستوى أخلاقى صوفى يفى كل الوفاء بجميع مقتضيات الاستغراق فى الصلاة. وحسبنا بعد الذى كتبناه فى القسمين الثانى والثالث من هذه المادة أن نلم هنا فى إيجاز بالجانب الآخر من بحث الغزالى، فالمعانى الباطنية التى تبعث الحياة فى الصلاة فتبلغ بها مبلغ الكمال هى المعانى الستة التالية: حضور القلب، والتفهم، والتعظيم، والهيبة، والرجاء والحياء. ولملاحظاته عن حضور القلب (ص 145) أهمية خاصة، فالفقهاء

يتطلبون حضور القلب فى التكبير فحسب؛ على أن الفقهاء المتورعين وعلماء الآخرة يشترطون حضور القلب فى الصلاة كلها، وما أقل من يبلغ هذا المقام من الناس. والصلاة المثلى هى صلاة "حاتم الأصم" الذى قال: إذا حانت الصلاة، أسبغت الوضوء وأتيت الموضع الذى أريد فيه الصلاة، فأقعد فيه حتى تجتمع جوارحى، ثم أقوم إلى صلاتى وأجعل الكعبة بين حاجبَّى، والصراط تحت قدمى، والجنة عن يمينى، والنار عن شمالى، وملك الموت ورائى، أظنها آخر صلاتى، ثم أقوم بين الرجاء والخوف، وأكبر تكبيرًا بتحقيق، وأقرأ قراءة بترتيل، وأركع ركوعا بتواضع، وأسجد سجودًا بتخشع، وأقعد على الورك اليسرى، وأفرش ظهر قدمها، وانصب القدم اليمنى على الإبهام، وأتبعها الإخلاص؛ ثم لا أدرى أقُبِلتْ منى أم لا (ص 179, س 7 وما بعده). ويبسط الغزالى رأيه الأخلاقى فى العبارة التالية: "من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من اللَّه إلا بعدًا". وفى الفصل الذى كتبه عن "بيان الدواء النافع فى حضور القلب" جعل الخواطر الواردة الشاغلة هى العقبات الكبرى التى تصرف الانتباه عن الصلاة، فهذه الآفات يمكن التغلب عليها بمحاربة أسبابها، وهى على نوعين، ظاهرة وباطنة، فالأسباب الظاهرة لتشتيت الانتباه (الغفلة وهى "فهيا" عند متصوفة السريان) مصدرها أعضاء الحواس، وعلى المرء أن يمنعها عن التوزع، ولذلك فإن "المتعبدين" يؤدون الصلاة فى صومعة مظلمة تتسع للسجود فحسب. وقيل إن ابن عمر لم يسمح بوجود شئ ما فى صومعته. أما الأسباب الباطنة للتوزع فتحدث أثرًا أقوى إذ تمتد جذورها إلى الهموم والأفكار والشواغل. ولكن الرغبات لها أقوى الأثر، فهذه يجب أن تحارب بالتفكر فى عالم الآخرة. وعند نداء الأذان يجب أن يستحضر المرء بقلبه قوله النداء يوم القيامة، وستر العورة معناه الاستقصاء عن العورات الباطنة. والغرض الأسمى من الصلاة هو الفناء الكلى فى اللَّه بإذلال النفس. وقد

(أ) نظرة عامة

أثر عن سفيان الثورى أنه قال: "من لم يخشع فسدت صلاته"؛ وقد بسط هذا فى فصلين خاصين: (بيان اشتراط الخشوع وحضور القلب، ص 145 وما بعدها؛ وحكايات وأخبار فى صلاة الخاشعين، ص 157 وما بعدها) ويسوق فى هذا الفصل الأخير عدة أمثلة عن مبلغ استغراق كبار الأئمة فى صلاتهم. [فنسنك A.J.Wensinck] تعليق على مادة "صلاة" بقلم الأستاذ أمين الخولى (أ) نظرة عامة كاتب هذه المادة "فنسنك" من أساطين المستشرقين، وكان الظن أن يكتبها أعمق كثيرًا مما كتب؛ فبدل أن يعنى بأن كلمة صلاة لم تظهر فى الآثار الأدبية السابقة على القرآن، يعنى بما هو أهم من ذلك، فى شأن الصلاة نفسها فى الجزيرة العربية، على اختلاف دياناتها المتعددة؛ ونحو ذلك من الدراسة المقارنة، التى يستفيد منها دارسو الإسلام، ودارسو غيره من الأديان. . لكنه تناول المادة ذلك التناول القريب، ذا الهوى المحتلم -كما سنرى- وأطال حتى أمل فى تفاصيل مما فى متون الفقه الإسلامى، لا يستفيد منها عارف بالإسلام، مسلمًا أو غير مسلم؛ ويستفيد من غيرها أقرب منها وأيسر من لا يعرف الإسلام. وهكذا جاءت المادة طويلة، فى غير طائل، متعثرة الخطى، فى قديم من معتاد أخطاء القوم، أو تمحلهم فى الفهم والتخريج، فى كل مجال إسلامى، مما كثر وتكرر، وأسهب القول فى رد ومناقشته؛ فكان الرأى هنا، بعد ما قيل فى هذا أن توضع هذه الأخطاء، فى ربطة واحدة، وتنال بكلمة شاملة -كما سيلى- وهذه هى الملاحظ على المادة: (ب) منطق مدخول قال الكاتب: "ويبدو أن كلمة صلاة لم تظهر فى الآثار الأدبية السابقة على القرآن". ومهما يكن معنى "البدوّ" وأنه الظهور الواضح عنده، أو أنه مجرد الاحتمال، فإن هذا القول عن عدم ظهور لفظ الصلاة فى الآثار الأدبية السابقة

على القرآن لا يسلم له لأنا نجد من تلك الآثار الأدبية السابقة على القرآن مثل قول أعشى قيس: فما أيبلى على هيكل ... بناه وصلب فيه وصار يراوح من صلواته لمليك ... طورًا سجودًا وطورًا جوار (الديوان ص 40, 41 ط أوروبا) على أنا لا نغفل ما فى هذا المنطق اللغوى والأدبى من دخل؛ وهو أن ما وصلنا من الآثار الأدبية السابقة على القرآن لا يمثل الحياة الأدبية العربية قبل الإسلام تمام التمثيل؛ وبذلك لا يمثل الحياة الاجتماعية لهذه الفترة أصدق التمثيل؛ ونقص ما وصلنا هو ما يقرره قول القدماء، منذ عصور مبكرة؛ فى عبارة "أبى عمرو بن العلاء" المرددة: "ما انتهى إليكم مما قالت العرب إلا أقله، ولو جاءكم وافرًا لجاءكم علم وشعر كثير" إلى آخر ما يسوقه من أدلة وشواهد على ذهاب العلم وسقوطه - ص 10 من طبقات الشعراء لابن سلام، ط ليدن. وكذلك يقرر المنهج الحديث نقص ما وصلنا عن الجاهلية بما يتطلع إليه من الحفر والتنقيب فى الجزيرة العربية، والتتبع العملى لآثار الحياة فيها قديما وحديثا. وكل ذلك يعرفه "فنسنك" لا محالة، وينبغى أن يقدر مع ذلك أن ليس من الصواب فى شئ أن يستقرئ الآثار الأدبية الباقية التى وصلتنا عما قبل الإسلام ليخرج بنتيجة لهذا الاستقراء يقرر على أساسها عدم وجود شئ لأنه لم يجد له فيما بقى صدى للحياة اللغوية أو الأدبية فى العصر الجاهلى، فينفى وجود شئ دينى أو غيره لأنه لا صدى له فيما بقى من الأدب. وهذا إن سلم له الاستقراء للأقل الذى وصل من الآثار الأدبية قبل الإسلام فكيف وهو لم يسلم؟ وقد ورد لفظ "الصلاة" فيما ورد من جمعها، فى قول الشاعر السابق، وهو كاف فى رد الدعوى المتوسعة، وقد يسعف البحث بغيره يزيد بطلان هذا البدوّ الذى لاح لفنسنك. . وبهذا وهى الأساس الذى أراد الكاتب وضعه ليبنى عليه ما بعده.

(جـ) محمد [-صلى الله عليه وسلم-] هو الذى فعل. .!

(جـ) محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] هو الذى فعل. .! تلك هى النغمة المملة التى كانت تستهوى القوم خلال كتابة هذه الدائرة، ورددها كل كاتب منهم فى موضوعه، وتكررت مكالمتهم فيها، حتى سئمنا نحن معاودة الرد عليها، وتقرير أنها دعوى باطلة أمام العلم نفسه، ولا تصح إلا فى نظر الحفيظة المتعصبة، والعقيدة المظلمة؛ وذلك أن العلم يعرف جيدًا أنه لم يصل بمنهجه وأسلوبه إلى إبطال الرسالات الدينية، مهما يجهلها العلم أو يجحدها، وما دام احتمال وجود رسالة دينية قائمًا، فالرسالة المحمدية، من هذه الرسالات، لها حرمتها عند البحث، بقدر ما لها من حق فى الوجود؛ ولا ينكر عليها ذلك عالم, وإنما ينكره فقط صاحب دين متعصب، يضيق أفقه عن فهم دعوتها إلى وحدة الدين, وتطور رسالة السماء، وتصديقها لما بين يديها من رسالات أخرى. وكما لم يقطع العلم الحق بعد بإبطال الرسالات السماوية فإنه ليقطع بأنه يجد السبيل الميسرة إلى درس الإسلام، من كل نواحيه وجوانبه، بما هو ظاهرة حيوية، تؤثر فيما حولها, وتتأثر بما حولها، دون مساس بمكانها بين الرسالات الدينية، ودون إهدار لنبوة محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] ورسالته، بأى شئ يمكن أن يتحقق نتيجة للبحث العلمى المحض فى كيان الإسلام. . ودون أن يكون محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] هو الذى فعل، ووجه، وصنع من تلقاء نفسه، وهو يعرف أنه يفعل ما ليس حقيقيا. . وإن كان الوقت قد فات على كتاب دائرة المعارف الإسلامية، فكلهم وقع فى هذا الخطأ المنهجى، عندما كتب، وستتوالى علينا -مع الوقت-كتاباتهم فى مواضعها من مواد الدائرة، فنرجو ألا نعاود الكلام فى دفع ذلك بعد الآن. * * * وهنا فى هذا الجو الخاطئ المنهج، وعلى أساس من المنطق المدخول الذى تبين دخله فى الفقرة السابقة، يسوق الكاتب عبارته فى نسبة الأشياء إلى محمد عليه الصلاة والسلام. فبناء على أن كلمة صلاة يبدو أنها لم تظهر فى الآثار الأدبية قبل الإسلام. يصف حال محمد -عليه الصلاة والسلام- فى حال هذا النقل والأخذ إفكا.

(د) تشابه الأديان

وفى هذا كله لا يزال يبنى على ما سبق ذكره من المنطق المدخول فى اللغويات والأدبيات، فمع أن كلمة صلاة موجودة فى الآثار الأدبية قبل الإسلام، لو سلمنا جدلا للكاتب بأنها لم تكن موجودة، وإنما دخلت الحياة العربية قبيل الإسلام فليس فرد، هو محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] أو سواه، هو الذى يتولى هذا النقل لأنكم أنتم الذين تقولون: إن الظواهر اللغوية اجتماعية، لا تنسب لشخص ولا لعصر، بل لا تنسب لجمع؛ فكيف تقولون بعد ذلك: إن محمدًا [-صلى اللَّه عليه وسلم-] هو الذى اتخذ كلمة صلاة. . وإن محمدًا [-صلى اللَّه عليه وسلم-] هو الذى نقل كلمة صلاة. . إلخ! إن هذا القول يبطله المنهج اللغوى والاجتماعى الخاص -على ما رأينا- كما يبطله المنهج العلمى العام؛ لأن قائله لا يملك أى دليل على أن هذا من عمل محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-]. وهو يتناسى احتمالا سيظل موجود، ما دام العلم لم يثبت بطلان الأسلوب الدينى، والوحى الدينى. . وما دام هذا فى الحساب وليس محمد عليه الصلاة والسلام هو الذى اتخذ الشعيرة، من اليهود والمسيحيين فى بلاد العرب؛ وليس محمد هو الذى نقل كلمة صلاة بهذا المعنى من جيرانه. . وليس محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] هو الذى احتكم فى هذه الشعيرة -إلخ. ما هو تتمة وبقية لتلك الدعاوى من أن محمدًا [-صلى اللَّه عليه وسلم-] هو الذى فعل. . لأن المقرر الذى لم يبطل بعد هو: وما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحى يوحى، فما لكم عرفتم الرسالات الدينية، ثم رحتم تنكرون أن الإسلام منها بدافع عصبية اعتقادية -لا غير، مع أنه هو الداعى إلى وحدة التدين. .! (د) تشابه الأديان وهى كذلك من أنغامهم القديمة التى عرض لها التعليق على هذه الدائرة، ولعله لم يبق جديد من القول فيها؛ وأن وحدة الأديان، التى كان الإسلام بترتيبه الزمنى داعيا واضح الدعوة إليها فى إعلان أنه أنزل إلى النبيين من قبله، وأوحى إليه كما أوحى إلى من قبله؛ وأنه مصدق لما بين يديه؛ ولا مكان مع ذلك للقول بأن هذا قد أخذ من ذاك، أو هذه قد شابهت تلك؛ لأن الكل فى بيان القرآن واحد المصدر، واحد الغاية؛ وفى ضوء هذا الأصل الواضح المسلم تقرأ فى مادة صلاة ما يلى:

(أ) "يكشف نظام الصلاة عند المسلمين عن تشابه كبير بصلاة اليهود والمسيحيين كما سنبين ذلك بالتفصيل بعد" ولا شئ فى هذا بعد الذى تبين من وحدة الأديان، وتطور حقيقة واحدة فيها، وصدورها عن أصل واحد، وتصديق لاحقها لسابقها. . وأنها رغم كل ما قد يصيب بعضها من تغيير أو نحوه تظل تحتفظ بحقيقة كبرى، وغاية واحدة، وبقايا تفاصيل وجزئيات سليمة، فتحمى كلها الحقيقة الكبرى, وتحقق كلها الغاية المشتركة؛ وتبقى فيها مشابهة فى أعمال، وأحكام، وآداب لا ينفى بقاؤها ما قد أصاب بعضها من تغيير؛ ولا يضر تشابهها سماوية واحد منها. . وذلك ها تذكره عند كل ها سيلقى إليك من مواضع الإلحاح فى المشابهة من مادة صلاة. . مثل: (ب) "ويشبه هذا المشهد -مراجعة محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فى الصلوات حين فرضت - بعض الشبه ما جاء بسفر التكوين - الإصحاح 18 - الآية 23 وما بعدها - حيث وصفت شفاعة إبراهيم لسدوم وعمورة - ولا شئ فى ذلك. (جـ) إضافة الصلاة الوسطى إلى الصلاتين المعتادتين "يرجح أن يكون ذلك قد تم محاكاة لليهود، الذين كانوا يقيمون أيضًا صلاتهم (تفلاه) ثلاث مرات كل يوم". . وبم يرجح أنها محاكاة! ! وبم يثبت ذلك! ! وقد تبين ان التشابه طبيعى وأصيل فى ظواهر حقيقة واحدة. (د) يقول فى الركوع "كريعًا عند اليهود" -ولا بأس فى هذا. (هـ) يقول فى السجود "وكان أيضًا من شعائر الصلاة عند اليهود". . ونقول: فليكن ذلك، فلا شئ فيه. (و) "يفترض متفوح وجود التأثير اليهودى فى الاختيار الأصلى للركعتين" ولا موضع لافتراض التأثير بعد وحدة المصدر والتوجيه. . والقول بالتأثير تحكم باطل لا أصل له. (ز) التسليم؛ وأن صيغة السلام عليكم، تشير كذلك إلى الملائكة الحافظين الحاضرين، يقول: (انظر ميتفوخ عن نظائر ذلك فى حياة اليهود" -ولا بأس بهذا التناظر. (ح) عن التهجد يقول: "والاشتقاق من هذه الكلمة، الذى يعنى السهر يوحى بوجود علاقة وثيقة بينه وبين صلوات الليل المسيحية، وخاصة مع

(هـ) تشكيك غريب

اقترانها بعادة السهر -شهرا السريانية- التى نمت نموًا كبيرًا عند نساك غربى آسية ومتصوفتها. وقد استقينا معلومات دقيقة غاية الدقة عن هذه الشعيرة، من الآثار السريانية. . إلخ"؛ ولا شئ فى أن تتشابه عبادات العباد. (ط) " أن الإمام يماثل الـ "شلياح هاصبور، فى الصلاة عند اليهود؛ وعندهم -أى ميتفوخ وبيكر- أن فرائض الصلاة يمكن أن يؤديها، كما فى الإسلام، أى عضو من الجماعة كفء لها" -ولا شئ فى أن تشابه اليهودية الإسلام ويشابه الإسلام اليهودية. (ى) وعن صلاة الجنازة يقول: "ولا نكاد نخطئ إذا ذهبنا إلى أن هذه الصلاة قد احتفظت ببعض سنن الجاهلية". وهذه أيضًا لا شئ فيها عند القرآن حين يقول: {وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ} فمن هذه الجاهليات ما هو بقية رسالة سماوية؛ ولا شئ فى أن تصدقه رسالة أخرى. (ك) كون الصلاة قد استخدمت أيضًا وسيلة للبر "توجد ظاهرات مماثلة لذلك فى الأديان". والأصل أن توجد تلك الظاهرات المتماثلة فى الأديان، بعد الذى فهمنا من وحدتها: مصدرًا وغاية. (ل) وعن حضور القلب فى الصلاة يذكر الأسباب الظاهرة لتشتيت الانتباه، أى الغفلة، فيقول: وهى فهيا عند متصوفة السريان، . . وخير أن تتشابه أحوال العابدين. وقد كان الأصل العام فى هذا التشابه كافيًا، لكنا عرضنا مواضع المشابهة أو ما قد يسميه الكاتب المحاكاة لنبين أنها كلها مما يحتمله الأصل العام، ولا يؤثر شئ منها عليه، ولا يمس سماوية الإسلام، ولا يقوم على شئ مما جهدوا فى قوله من أن محمدًا فعل وترك. . واللَّه يجمع القلوب على هذه الوحدة؛ ويلهم الصواب فيما بين الدين والعلم. (هـ) تشكيك غريب يحيل الكاتب على كتاب كايتانى Annali dell' Islam ولكنا لا ننسى أن كايتانى يشكك فى علم ضرورى يفيده التواتر العملى الذى لعله توافر فى الصلاة بأكثر مما توافر فى غيرها، إن

(و) أشياء غير ذات بال

فنسنك نفسه فى صدر المادة -يقول عن كايتانى ما عبارته: ". . . يمكن أن يلاحظ فوق ذلك أننا نستطيع أن نؤكد أن هذه الشعيرة كانت ملازمة للإسلام منذ أقدم العصور، وأن آراء كايتانى المتشككة وفروضه لا تقيم وزنا كافيا لحجج القرآن. ." وبذلك شهد شاهد من أهله نستطيع أن نقول بعده فى قوة: إن آراء كايتانى المتشككة، لا تقيم وزنا كافيا لحجية التواتر العملى، وإفادته العلم الضرورى الذى لا يعارض بأى خبر آحاد يشير إليه كايتانى، فيما يذكر. ولا يبدو مع هذا أن الأمر جدير ببحث مستقل أو غير مستقل! ! ولا هو فى حاجة إلى كبير مناقشة. * * * ومن هذا القبيل فى التعلق بما لا يفيد، ما عقب به على مسألة الجمع بين صلاتين فى غير خوف ولا سفر (و) أشياء غير ذات بال وفى المادة إلى جانب ما سبق أشياء غير ذات بال، والخطب فيها هين، مثل ما فى بيان هوتسما (كيف تقررت الصلوات الخمس وأن صلاتى منتصف النهار (الظهر والعصر) وصلاتى المساء (المغرب والعشاء). فكيفية ذلك التقرر للصلوات مما لا نحس نحن بحاجة إلى الوقوف عنده، لأنه لا يقوم إلا على ترجيح بمعان من الحكم لا مجال لغيرها فى الأمور التعبدية. . فبيان هؤلاء المستشرقين فضول من القول لا قيمة له. . فهو قول يلتحق بما قبله فى عدم القيمة أو الأهمية لنا؛ لأنا لا نحتاج إلى الوسائل الدقيقة لتحديد مواقيت الصلاة، حتى بعد توافر هذه الوسائل الدقيقة الآن؛ لأن يسر الدين وسهولته العملية تنوط ذلك بأمور يسيرة، من حركة الشمس وأطوال الظل؛ كما هو معروف، ليظل أداء الصلاة، بل سواها من التكاليف كالصوم مثلًا، غير مرتهن بتعقيدات وصعوبات، من المعاينات أو الحسابات. فمن فى البادية أو الريف لا يعرف بحركات الكواكب، وتغير الظلال: لواح الفجر وتحقق الزوال، وظلال العصر، وغروب الشمس، ومغيب الشفق -أوقات الصلوات الخمس التى لا تحتاج إلى وسائل دقيقة! وكذلك الأمر فى هلال رمضان ونحوه. . وندع ما وراء ذلك فى المادة لفطنه القارئ ففيها الكفاية. أمين الخولى

الصليحى

الصليحى اسم أسرة حكمت اليمن أقيالا تابعين بالاسم للخلفاء الفاطميين فى مصر؛ أسس هذه الأسرة على بن محمد، وهو ابن محمد بن على قاضى حراز من عشيرة قيام، وهى فصيلة من قبيلة همدان الكبيرة، -وقد تأثر على وهو بعد شاب- بالداعى الشيعى عامر ابن عبد اللَّه الرواحى، الذى كان فى حوزته على ما يقال نسخة من الكتاب السرى "الجفر" الذى خطّت فيه مصائر أئمة الشيعة، وانصرف علىّ إلى التحصيل بحمية وغيرة حتى أصبح فقيهًا متمكنًا، وظل خمسة عشر عامًا يقول الحجيج من اليمن إلى مكة. وحدث خلال حج سنة 428 هـ (1037 م) أن أسرّ علىّ إلى ستين رجلًا من قبيلته همدان بأن نيته كانت قد صحت على توطيد أقدام الفاطميين، فى اليمن، وأقسم له هؤلاء الستون الأيمان على الطاعة له فى الحياة والموت، ثم عادوا إلى اليمن؛ وفى السنة التالية استولى هو وأتباعه على قرية مسار فى جبال حراز غربى مدينة صنعاء، ولم يلبث رجال القبائل المحنقين أن حاصروهم، فحصنوا القرية بأقصى سرعة ممكنة حتى أصبح غزوها أمرًا فى غاية المشقة. والظاهر أن عليا لم يصب من النجاح المادى فى مستهل حياته إلا النزر اليسير، ذلك أن الممالك الصغيرة التى قامت بعد تفكك الأسرة الزيادية كانت قد نجحت فى الاستقلال بأمر نفسها إلى حد بعيد، على حين أن المملكة التى أسسها نجاح العبد الحبشى فى أراضى اليمن المنخفضة (تهامة) كانت فى جميع الأحوال عقبة كؤودًا فى سبيل امتداد. سلطان الصليحى على اليمن بأسره، وتمت لعلى السيادة على تهامة ومدينة زبيد سنة 453 هـ (1061 م)، ذلك أنه عمل على دس السم لنجاح مستعينا بجارية أرسلها إليه وربما كان هذا الحادث (وإن كان المؤرخون قد لزموا الصمت فيما يتعلق بأسبابه) هو الذى أدى بالقاسم بن على الإمام الزيدى إلى إنفاذ جيش لقتال على تحت إمرة ابنه جعفر؛ على أن عليا فاجأ هذا الجيش، وأنزل به الهزيمة

المنكرة فى شهر شعبان، وقتل جعفر، ثم هاجم معاقل الأئمة الزيدية واستولى على حصن يناع على جبل حضور؛ وهزم ابن أبى حاشد قرب قرية صوف، ثم سار إلى صنعاء واستولى عليها سنة 455 هـ (1063 م)، ثم ركز اهتمامه بعد هذا فى غزو مدينة زبيد بتهامة، ونصب عليها فى العام التالى صهره أسعد بن شهاب، ثم استولى بعد ذلك بعام على عدن، حيث سمح للعباس ومسعود ولدى الكرم الوالى السابق بأن يظلا يتوليان حكمها فى ظله، ذلك أنهما كانا قد ساعداه على غزو زبيد، وقد وافقا على أن يؤديا إلى سيدة زوجة ابنه جزية سنوية قدرها 100.000 دينار تقريبا، وظلا يؤديانها بانتظام حتى وفاة على؛ أما ما بلغه علىّ من سلطان فى ذلك العين فالدليل عليه ما حدث سنة 455 هـ، ذلك أنه تمكن من أن ينصب أبا هاشم محمد، واليا على مكة، وكان يرسل سنويًا منذ ذلك العين كسوة إلى الكعبة وأعاد الكنوز التى كان الحسنية قد حملوها إلى اليمن، على أن بعض الإمارات الصغيرة ظلت خارجة عن طاعته لم يخضعها بعد. وقد حدث سنة 460 هـ (1068 م) أن استنجد رجل يقال له ابن طرف كان واليا على زرائب، بالأحباش ثم تمرد، إلا أن عليا هزمه هو وحلفاءه. ومن ثم تم له غزو هذه المنطقة الجبلية، وعاد على بعد هذا الحادث إلى صنعاء ولم يبرحها خلال الاثنتى عشرة سنة التالية، وكان يحكم شتى مناطق اليمن ولاة من أهل ثقته وقد حرص علىّ على أن يحتفظ فى ديوانه بالأمراء الذين غزا أملاكهم، وهو إجراء لا يزال يتبعه ولاة اليمن آنئذ. وكف ولاة مكة سنة 473 هـ عن ذكر الخلفاء الفاطميين فى صلواتهم العامة وعادوا إلى ذكر الخلفاء العباسيين فى بغداد، ولعل هذا هو السبب الذى حدا بعلى إلى مغادرة صنعاء والسير إلى مكة كأنما يريد تأدية فريضة الحج، واصطحب معه الأمراء الذين كانوا معه فى قصبته، وترك ابنه المكرم فى القصبة للسهر عليها، وبلغ الركب ناحية المهجم فى تهامة الشمالية وخرّب مخيمه قرب بئر تسمى: أم الدهيم؛ وهاجم أتباع سعيد

ابن نجاح المخيم فى غفلة من أهله، وقتلوا عليًا وأخاه عبد اللَّه، فعم الحزن أرجاء المخيم، وأبقى سعيد على حياة بعض الأمراء الذين كانوا مع علىّ واتخذهم رهائن، إلا أن جل الجيش لقى حتفه، وكان بين الأسرى الملكة أسماء ابنة شهاب وأم الملك المكرم، وقد حملها سعيد معه إلى زبيد قصبة أبيه التى فتحت أبوابها عندئذ لسعيد. وفرض سعيد حراسة قوية على أسماء فلم تتمكن من أن ترسل إلى ابنها خطابا إلا سنة 475 هـ (1082 - 1083 م) أخبرته فيه بأنها حملت من سعيد، كتبت هذا لتستحث المكرم على إنقاذها بأقصى ما يستطيع من سرعة، وكان سلطان المكرم قد تضاءل إلى حد كبير، ذلك أن معظم الإمارات الموالية له أعلنت استقلالها بأمر نفسها مثل حكام عدن. وقد حث المكرم أتباعه فى صنعاء على أن ينتقموا لشرف قبيلتهم، وملكهم، فحملوا على زبيد، وكان يدافع عنها 20.000 رجل من الأحباش، على حين كان قوام جيش المكرم فيما يقال: ستة آلاف رجل فحسب؛ وقد تولى هو نفسه قيادة قلب جيشه، أما الجناحان فقادهما أسعد بن شهاب أخو زوجته وعم من أعمام الملكة، ودارت معركة حامية الوطيس اقتحم إثرها المكرم المدينة، وكان هو واثنان من أتباعه أو من بلغ المكان الذى فيه أمه، وأمر بإنزال رأس أبيه وعمه وكانا مرفوعين على عمودين، ودفنهما بما يليق بهما من تجلة واحترام، ثم نصب أخا زوجته أسعد بن شهاب واليا على تهامة ورحل ومعه أمه إلى صنعاء. وتوفيت أسماء فى صنعاء سنة 479 هـ (1086 م). وقد سك المكرم فى السنة نفسها عملة جديدة اسمها الدينار المالكى، وظلت هذه الوحدة النقدية معمولا بها مدة طويلة؛ على أن أولاد نجاح الذين كانوا قد فروا إلى جزائر البحر الأحمر، عادوا إلى زبيد فى السنة نفسها وطردوا أسعد ونصبوا أنفسهم سادة على زبيد وتهامة، وعاد المكرم فاستولى على زبيد ولقى سعيد بن نجاح حتفه تحت أسوارها سنة 481 هـ (1088 م) أما أخوه جياش فقد هرب مع وزيره إلى الهند عن طريق عدن، على أنهما لم يبقيا فيها إلا ستة أشهر ثم عادا إلى اليمن واستوليا من جديد على مدينة زبيد.

ويبدو أن المكرم كان واليًا تعوزه المقدرة، ونحن نجد فى التاريخ الإسلامى مشهد، فريدًا لامرأة، هى زوجته الملكة سيدة، تسهم بنصيب وافر فى إدارة شئون الدولة، وقد ولدت سيدة سنة ونشأت فى رعاية الملكة السابقة أسماء، وتزوجت بالمكرم سنة 461 هـ، وأنجبت له أربع أولاد، ابنين وبنتين؛ وأفرط المكرم بعد وفاة أمه فى الشراب وانغمس فى الملذات وسلم مقاليد الأمور فى الدولة إلى زوجته فطلبت منه أن يطلق يدها فى تصريف الأمور؛ وكان من أول ما قامت به من الأعمال أن غادرت صنعاء واتخذت مقرها فى ذى جبلة بموضع كان قد أسسه عبد اللَّه بن محمد الصليحى الذى لقى حتفه مع على فى المهجم سنة 458 هـ؛ ومن ثم نقلت قصبة البلاد إلى ذى جبلة؛ وقد شيد قصر وجامع دفنت فيه سيدة من بعد. وكانت هى السبب فى مقتل سعيد بن نجاح. وتوفى المكرم سنة 484 هـ (1091 م) ولم يكن له عقب على قيد الحياة، فأوصى بمنصب الداعى إلى سبأ بن أحمد بن المظفر بن على الصليحى، على أنه لم يستول على ذى جبلة حيث كانت الملكة سيدة تحكمها بموافقة أشراف البلاد وأهلها, ولذلك صرف سبأ همه أولًا إلى غزو تهامة ومدينة زبيد، ولكن جيش جياش هاجمه على غرة فنجا بشق الأنفس وهرب إلى معقله تعكر، ثم راسل الخليفة الفاطمى المستنصر وتلقى منه خطابا أمر فيه سيدة بالزواج من سبأ، ونقل إليها هذا الخطاب فى ذى جبلة، وبعد تردد كثير وافقت على الزواج وحدد المهر، وجاء سبأ شخصيًا إلى قصبتها لعقد الزواج، ولكن ترفعها وغير ذلك من الأسباب حالت بينه وبين إتمام عقد الزواج، فقضى ليلة واحدة رحل بعدها إلى مقره دون أن يبرم هذا العقد. وقد اعتمدت الملكة بعد هذا جل الاعتماد على المفضل بن أبى البركات، وكانت قد وهبته حصن تعكر الذى يقع على جبل من أعلى الجبال يشرف على تهامة، وهناك كانت كنوز الصليحيين محفوظة، وقد ألفت الملكة أن تجعله مقرها فى الصيف وتعود إلى ذى جبلة لقضاء فصل الشتاء. وقد استعادت بفضل المفضل دخلها من عدن كما دانت لها بعض الشئ الأراضى المنخفضة،

وفى سنة 504 هـ (1110 - 1111 م) حاصر المفضل مدينة زبيد، واستغل رجال قبيلة خولان غيابه فاستولوا على حصنه، وعاد المفضل إلا أنه لقى حتفه تحت أسوار الحصين، ثم سارت الملكة بنفسها على رأس جيشها من ذى جبلة واستطاعت أن تسترد الحصن بحيلة فى السنة التالية (12 من ربيع الأول سنة 505)؛ على أن بنى خولان لم يعدلوا بين أهل المنطقة فأمرت عمرو بن عرفطة الجنبى بطردهم؛ ومع أن سيدة لم تكن الوالية الحقيقية على البلاد إلا أنها استطاعت فى السنوات التالية أن تمارس نوعا من أنواع السيادة على شتى الإمارات الصغيرة التى انبثقت فى جميع أنحاء البلاد حتى وصل إلى اليمن ابن نجيب الدولة سنة 513 هـ (1119 م)، وكان الخليفة الفاطمى قد أوفده مبعوثا من قبله، وأشهر ابن نجيب الدولة الحرب ست سنوات على الإمارات الصغيرة فأكرهها على الإذعان واحدة إثر أخرى، وأدركت الشيخوخة الملكة فحاول ابن نجيب الدولة سنة 519 هـ أن ينتزع السلطان منها إلا أنها تلقت تأييدًا قويًا من شتى أمراء البلاد حتى اضطر ابن نجيب الدولة إلى أن يكف عما هم به. وبدأ ابن نجيب الدولة مؤامراته فى اليمن لمصلحة نزار المناهض للخليفة فألقى القبض عليه بناء على طلب الخليفة العامر وأرسل مكبلا بالأغلال إلى عدن ليعاد منها إلى مصر؛ وندمت الملكة على ذلك وكانت تواقة إلى عودته إلا أن حفظته غادروا عدن بالسفينة إلى سواكن، وغرقت السفينة أثناء الرحلة وغرق كل من كان عليها؛ وعينت الملكة بعد سقوط ابن نجيب الدولة رجلًا اسمه إبراهيم بن الحسين الحامدى، ولكنها علمت بوفاة الخليفة العامر فاستبدلته بإبراهيم سبأ ابن أبى سعود، وهو أول ملك من ملوك بنى زريع، وهم الذين خلفوا الصليحى على عرش البلاد حتى غزاها تورانشاه؛ وعاشت الملكة بعد ذلك بضع سنوات ثم توفيت سنة 532 هـ (1138 م) فدالت دولة الصليحى، على أن بعض الأمراء ظلوا يحتفظون بحصون منعزلة، ونجد فى تاريخ متأخر يصل إلى سنة 569 هـ أميرة تسمى الأميرة عروة ابنة على بن عبد اللَّه ابن محمد تحتفظ بحصن ذى جبلة.

ولعل من الخطأ أن نزعم أن الصليحيه، باستثناء العهد الذى كان يحكم فيه أول ملك منهم، كانوا يستولون على اليمن بأسره، ذلك أن أسرة بنى نجاح الحبشية كانت طوال الوقت تقريبا تستولى على زبيد وتهامة، على حين أن عدن وغيرها من المراكز الهامة فى البلاد كان يحكمها بعض صغار الأمراء إما مستقلين وإما شبه مستقلين. ولا يزودنا المؤرخون بكثير من التفصيلات عن الأئمة الزيدية الذين كان مقرهم مدينة جدة، ولكن يلوح أنهم هم أيضًا كانوا ينعمون بسلطان لا حد له. ومع أن الصليحيين كانوا هم الممثلين الحقيقيين لخلفاء مصر الفاطميين من أهل الشيعة، إلا أنه كان ثمة أتباع كثيرون للمذهب السنى كما يدل على ذلك استيلاء رجال قبيلة خولان الشافعية على حصن تعكر إلى حين؛ ومن سوء الطالع أن عمارة كبير مؤرخى الأسرة أبعد ما يكون عن الوضوح فى مصنفه "وفيات الأعيان"، وقد نهج الإخباريون نهجه فى معظم الحالات؛ أما الأخبار التى ذكرها ابن خلدون عن الصليحيين فهى نتف متفرقة أشد التفرق مليئة بالأخطاء وذلك شأن هذا المؤرخ فى الكثير الكاثر من الأخبار الأخرى التى ذكرها. محمد 1 - على تزوج أسماء بنت شهاب توفى سنة 473 هـ. . . عبد اللَّه 2 - أحمد المكرم تزوج توفى سنة 484 هـ. . . 3 - سيدة بنت شهاب توفيت سنة 532 هـ. . . أحمد محمد وقد توفى صغيرًا. . . على وقد توفى صغيرًا. . . أم همدان تزوجت أحمد ابن سليمان الرواحى. . . فاطمة المتوفاة سنة 534 هـ تزوجت على بن سبأ الصليحى عبد اللَّه. . . عروة وكانت على قيد الحياة سنة 569 هـ

المصادر

المصادر: (1) Yaman and its early History by Omara al-Hakami، طبعة كاى Kay، لندن 1892. (2) ابن خلكان، القاهرة 1310 هـ، جـ 1، ص 368. (3) جندى: السلوك، مخطوط، باريس 2127. (4) المخطوطات التى ذكرها كاى فى مقدمة مصنفه History of Omara . (5) وثمة تاريخ كبير لليمن فى مكتبة جون راينلدز John Raynalds فى منشستر كتبه أحد الأئمة الزيدية، وقد يلقى هذا التاريخ ضوءا على هذا العصر، ولكننى لم أستطع الانتفاع به لسوء الحظ. صبحى [كرنكو F.Krenkow] صمصام الدولة أبو كاليجار المرزبان البويهى: توفى الأمير البويهى عضد الدولة فى شوال عام 372 (مارس عام 983 م) فنودى بولده أبى كاليجار أميرًا للأمراء ولقب بصمصام الدولة. وقد اقطع صمصام الدولة أخويه: أبا الحسين أحمد وأبا طاهر فيروزشاه ولاية فارس وأمرهما بالشخوص إليها لتوهما, ولما وصلا إلى أرجان كان الأخ الرابع شرف الدولة قد توقع حضورهما فاستولى على فارس، ومن ثم لم يجدا مناصا من الارتداد إلى الأهواز، وكان شرف الدولة خليقا بألا يعترف بسلطان صمصام الدولة فأنفذ صمصام الدولة لقتاله جيشا بقيادة أبى الحسن بن دنقس فالتقى بجيش العدو تحت قيادة أبى الأعز دبيس بن عفيف الأسدى عند قرقوب بين واسط والبصرة. ووقع أبو الحسن فى الأسر وركن جيشه إلى الفرار فى ربيع الأول عام 373 (أغسطس - سبتمبر عام 983 (فى حين ولى شرف الدولة أخاه: ابا الحسين على الأهواز، ولم يجد صمصام الدولة فى الوقت نفسه بدًا من محاربة الزعيم الكردى باذ الجد الأعلى للمروانيين. وكان باذ قد اغار على ديار بكر واستولى هناك على عدة بلدان مثل: ميا فارقين ونصيبين بعد وفاة عضد الدولة. وحلت الهزيمة بجنود

صمصام الدولة ووقعت الموصل أيضًا فى أيدى باذ، ولكنه عندما حاول فى شهر صفر عام 374 (يوليه عام 984) الاستيلاء على بغداد حلت به الهزيمة واضطر إلى التخلى عن الموصل، ومع ذلك فقد سمح له بأن يستبقى ديار بكر ونصف طور عبدين. وفى سنة 375 هـ (985/ 986 م) انتقض القائد الديلمى أسفار بن كردويه على صمصام الدولة فى بغداد وانحاز بادئ الأمر إلى شرف الدولة، ثم قرر بالاتفاق مع الجند الذين كانوا مخلصين له كل الإخلاص، أن يجعل أبا نصر بن عضد الدولة، (وكان وقتذاك فى الخامسة عشرة من عمره ثم عين بعد ذلك أميرًا للأمراء ولقب ببهاء الدولة) واليا على العراق مكان أخيه شرف الدولة، غير أن أسفار حلت به الهزيمة ووقع بهاء الدولة فى الأسر. وهنالك غادر شرف الدولة فارس وذهب إلى الأهواز وأخبر أخاه أبا الحسين أنه يريد تحرير بهاء الدولة، ولكن أبا الحسين لم يثق فى قوله وأخذ يحشد جنوده. على أن أبا الحسين مضى إلى شرف الدولة ووجد آنئذ أنه لم يبق له إلا الانضمام إلى عمه فخر الدولة ولم يأنس فيه فخر الدولة الشخص الذى يعتمد عليه كل الاعتماد فسجنه ثم قتل من بعد. وقد تراسل صمصام الدولة مع شرف الدولة رغبة منه فى الاحتفاظ بالسلام. وكان صمصام الدولة قانعا بولاية بغداد، ومستعدًا لفك أسر بهاء الدولة وذكر اسم شرف الدولة فى خطبة الجمعة فى العراق أولًا فوافق شرف الدولة على هذه المقترحات. وجاء صمصام الدولة إلى شرف الدولة عام 376 هـ (986 - 987 م) فتلقاه شرف الدولة بادئ الأمر بالترحاب، ولكنه قبض عليه بعد ذلك وسجنه فى قلعة بالقرب من شيزار. وتذكر الرواية الشائعة أن شرف الدولة أمر من بعد بسمل عينيه. وشبت إبان ذلك القلاقل فى بغداد بين الديلم الذين انحازوا إلى صمصام الدولة والترك أتباع شرف الدولة. ولم يعترف الخليفة الطائع بشرف الدولة أميرًا للأمراء إلا بعد أن استتب الأمن والسلام. ولما توفى شرف الدولة فى بداية شهر جمادى الآخرة عام 379 (سبتمبر 989) خلفه بهاء الدولة فى منصبه، وعند ذلك أطلق سراح

المصادر

صمصام الدولة، ولكنه اضطر أول الأمر أن يحارب فى صف ابن أخيه أبى على بن شرف الدولة ثم مع بهاء الدولة بعد مقتل أبى على. وفى عام 383 هـ (993/ 994) -وفى رواية أخرى لعلها ترجع إلى نص خاطئ منذ عهد مبكر يرجع إلى سنة 380 هـ- أفلح أبناء بختيار الذين كانوا محبوسين فى حصن من حصون فارس بعد وفاة شرف الدولة، فى استعادة حريتهم بمساعدة الحامية الديلمية وجمعوا حولهم أتباعا كثيرين. ولما سمع صمصام الدولة بذلك أنفذ جيشا بقيادة أبى على بن أستاذ هرمز لمقاتلتهم، فحاصرهم فى القلعة التى احتموا فيها فاضطروا إلى التسليم وحملوا إلى صمصام الدولة فأمر بقتل اثنين منهم وسجن الأربعة الآخرين. وفى ذلك العام نفسه ثارت العداوات مرة أخرى بين صمصام الدولة وبهاء الدولة ولكن صمصام الدولة قتل فى ذى الحجة عام 388 (نهاية عام 998 م) بالغا من العمر خمسًا وثلاثين سنة وسبعة أشهر. المصادر: (1) ابن الأثير: الكامل، طبعة تورنبرغ جـ 9 فى مواضع عدة. (2) تاريخ أبى الفداء، طبعة Reiske جـ 2، ص 555 وما بعدها. (3) ابن خلدون: كتاب العبر، طبعة القاهرة عام 1275 هـ, جـ 4، ص 456 وما بعدها. (4) حمد اللَّه مستوفى القزوينى: تاريخ كزيده طبعة Browne جـ 1، ص 429 - 430. (5) Gesch. der Sultane aus dem Geschl.Bujeh nach Mirchond: Wilken فصل 10. (6) Gesch. d Chalifen: Wiel جـ 1، ص 31 - 35, 37, 47 وما بعدها. الشنتناوى [تسترشتين K.V.Zetter teen] الصمصامة سيف الشاعر العربى المقاتل عمرو ابن معدى كرب الزبيدى، وقد اشتهر بصلابة حده ورهافته، وهو كغيره من

خيرة سيوف العرب يرتد أصله إلى اليمن وتنسب إليه عراقة فى القدم أبعد مما يتصور. ويذكر عمرو نفسه فى بيت له يستشهد به كثيرا (ابن دريد ص 311؛ العقد [طبعة سنة 1923 هـ] جـ 1، ص 41؛ جـ 2، ص 70؛ ابن بدرون ص 84؛ تاج العروس، جـ 6، ص 299) إن هذا السيف كان فى وقت من الأوقات لابن ذى قيفان من قوم (عاد وهو من عشيرة حميرية [انظر Die arabische Frage: Hartmann، ص 331, 613] ويجعلونه ملكا من أواخر ملوك حمير من أسرة ذى جدن، على أن المرجح أن الشاعر إنما عنى أن يشير إلى العصر العظيم الذى ظهر فيه سلاحه). وتاريخ الصمصامة ووقائعه تاريخ متشعب متشابك, بل إن هذا السيف وقع إبان حياة الشاعر فى يد رجل من الأمويين هو خالد بن سعيد بن العاص من صحابة النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وقد ذكرت الطريقة التى استحوذ بها خالد على هذا السيف بروايات عدة مختلفة، ابن حبيش؛ انظر المصادر) وسيف بن عمر فى ابن الكلبى (فى كتاب البلاذرى) وأبى عبيدة (فى كتاب الأغانى) والزهرى (فى كتاب ابن حبيش؛ انظر المصادر) وسيف بن عمر (فى كتاب الطبرى) ويذكر سيف أن خالدا غنمه فى القتال بعد هزيمة عمرو بن معد كرب الذى اشترك فى الفتنة التى أثارها على الإسلام المتنبئ الأسود العنسى. ويذكر الثلاثة الأولون أن عمرا نفسه أعطاه لخالد فدية لأخته (أو زوجته) ريحانة التى كانت أسيرة فى أيدى المسلمين. وقد نظم عمرو قصيدة بهذه المناسبة جرت المصادر العربية على الاستشهاد بها (ابن دريد، ص 49؛ لسان العرب جـ 15، ص 240. . إلخ). وينكر الثقات إنكارًا تاما الرواية التى تذهب إلى أن عمرا أعطى هذا السيف إلى الخليفة عمر (التبريزى فى كتاب الحماسة، طبعة Freytag ص 39، س 12 - 15). ولما توفى خالد بن سعيد فى وقعة مرج الصفر إبان فتح الشام (عام 14 للهجرة) انتقل الصمصامة إلى ابن أخيه سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص الذى أضاعه عندما كان يدافع عن

الخليفة عثمان إبان حصاره فى بيته بالمدينة (عام 35 للهجرة). وقد عثر عليه بدوى من قبيلة جهينة ووجد معه فى عهد معاوية. وأعيد السيف إلى صاحبه الأول وظل ينتقل من فرد إلى آخر من أسرة بنى العاص إلى أن باعه واحد منهم هو أيوب بن أبى أيوب حفيد ابن سعيد. للخليفة المهدى (158 - 169 للهجرة) نظير ثمانين ألف درهم أو نحوها ومن ثم احتفظ بالصمصامة أثرا نفيسا بين كنوز العباسيين واستمرت شهرته فى الازدياد. وقد تغنى بمدحه شعراء مثل أبى الهول الحميرى (الجاحظ: حياة الحيوان، جـ 5، ص 30) وسلم الخاسر. ونحن نعلم من مصادر مختلفة بوجوده فى خلافة الهادى (169 - 170 هـ) وهارون الرشيد (170 - 193) والواثق (227 - 232 هـ) والمتوكل (232 - 247 هـ) ثم لم نسمع له أى ذكر بعد. وقلما يوثق بصحة الحكايات التى تروى عن جودة هذا السيف المشهور إبان وجوده فى أيدى هؤلاء الخلفاء. ولعل أقرب أوصاف هذا السيف إلى الحقيقة هو ما ذكره الطبرى (جـ 3، ص 1348, س 4 - 8) فى سياق قصة استخدم الواثق لهذا السيف حين قتل بيده أحمد بن نصر الخزاعى (231 هـ) الذى اتهم بالتآمر على الخليفة وقوله بأن القرآن غير مخلوق خلافًا للرأى الذى قال به المأمون: "كان صفيحة موصولة من أسفلها ومسمورة بثلاثة مسامير تجمع بين الصفيحة والصلة". وواضح من هذه أن الصمصامة المشهور لم يكن له آية قيمة إلا عراقته فى القدم. أما من حيث الاسم الصمصامة، فهو مجرد كنية تشير إلى جودة النصل مثل "مصمم" الذى له نفس هذا المعنى. وكثيرا ما يستعمل الصمصامة اسم نكرة كما جاء فى شعر الفرزدق (النقائض ص 384، س 4) وعمرو بن معدى كرب نفسه (حماسة البحترى، ص 83، طبعة شيخو، رقم 237) وفى أمالى القالى (جـ 3، ص 154، س 10) وكذلك مسلم بن الوليد (طبعة ده غوى جـ 6، ص 18) فى بيت شعر ظنه شوارزلوس Schwarzlose خطأ (انظر المصادر) أنه يشير إلى سيف عمرو

المصادر

على حين أن السيف الذى أعطاه هارون الرشيد إلى قائده يزيد بن مزيد المشار إليه فى هذا البيت إنما هو سيف النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] "ذو الفقار" كما هو واضح من البيت الخامس والعشريق من هذه القصيدة والتعليق الذى أورده ابن خلكان جـ 3، ص 993, من طبعة عام 1299 هـ = جـ 2, 284 من طبعة عام 1319 هـ, ورقم 830 من طبعة فستنفلد). المصادر: (1) البلاذرى: فتوح البلدان، طبعة ده غوى, ص 119 - 120. (2) الطبرى، طبعة ده غوى، جـ 1، ص 1984, 1997. (3) الأغانى، الطبعة الأولى، جـ 14، ص 26 - 27, الطبعة الثانية، ص 27. (4) ابن بدرون، طبعة دوزى، ص 84. (5) العقد الفريد، جـ 1، ص 66 طبعة عام 1293 هـ. (6) ابن هذيل الأندلسى: La parure des cavaliers et l'enseigne des preux طبعة L. Mercier باريس 1922, ص 61 - 62. (7) المخصص، جـ 6، ص 19, 28. (8) لسان العرب، جـ 15، ص 240. (9) تاج العروس، جـ 8، ص 370. (10) Annali dell' Islam: Caetani جـ 2، ص 783, 787 (12 هـ فقرة 65, 69؛ وتذكر هذه الفقرة الأخيرة ترجمة لفقرة من كتاب الغزوات لابن حبيش جـ 3، ص 322 (14 هـ فقرة 104 تعليق) جـ 4، ص 632 (21، فقرة 282). (11) Die Waffen der alten araber: Schwarzlose، ليبسك سنة 1886، ص 36, 93 - 129, 192 - 194. الشنتناوى [دلافيدا G. Levie Della Vida] الصميل ابن حاتم أبو جوشن الكلابى: زعيم من زعماء العرب المشهورين فى الأندلس (ويؤيد نطق الاسم "الصُمَيْل: نقش Zumahel الذى استخدمه

إبزودورس الكاذب الباجى PseudoIsodoruo is Beja) وكان الصميل حفيد شمر بن ذى الجوشن الكوفى الذى قتل الحسين فى كربلاء؛ وكانت أسرة شمر قد رحلت عن الكوفة تجنبًا لانتقام الشيعة منهم واستقروا فى إقليم قنسرين وهذا هو السبب فى أن الصميل أصبح من جند قنسرين فى جيش الشام الذى) نفذه هشام بن عبد الملك الخليفة الأموى إلى شمالى إفريقية سنة 123 هـ (741 م)؛ وقد شارك زعيمه بلج بن بشر القشيرى حظه، واستقرت به الحال فى الأندلس ولم يلبث أن أصبح زعيم القيسية هناك وعاش فى قرطبة. ونشب الخلاف بين الصميل وبين أبى الحظار الحسام بن درار الكلبى والى قرطبة، فقد أهان أبو الخطار الصميل، فأخذت الصميل العزة العربية. واستقر رأيه على أن يشق عليه عصا الطاعة، وأن يستنجد باللخمية والجذامية فى الأندلس حتى ينضموا إليه، وعهد بقيادة الثائرين إلى ثوابة بن سلامة الجذامى الذى أصبح بعد انتصاره على أبى الخطار على ضفاف وادى بكة واليا على الأندلس فى قرطبة. وتوفى ثوابة، فتدخل الصميل ليختار خليفة لهذا الوالى، واختار شخصا كان يعلم أنه يستطيع أن يكون له عليه سلطان عظيم ألا وهو يوسف ابن عبد الرحمن الفهرى، وكان هذا الاختيار موضع خلاف أول الأمر، ولكن بعد وقعة شقندة التى كتب فيها الفوز سنة 130 هـ (747 م) لعشيرة المعدية تحت إمرة يوسف والصميل على العشيرة اليمنية التى كان يقودها أبو الخطار، تأيد سلطان الوالى الجديد. وعرض هذا الوالى على الصميل ولاية إقليم سرقسطة سنة 132 هـ (749 م) وقد امتاز الصميل بكرمه العظيم خلال قحط شديد ألم بذلك الإقليم، إلا أن زعيمين من زعماء المتمردين حاصراه فى قصبة، فاستنجد الصميل بأبناء قبيلته القيسية فى الأندلس فرفع أعداؤه الحصار عن سرقسطة. أما التاريخ المتأخر للصميل فله علاقة وثيقة مطردة بتاريح يوسف الفهرى وتاريخ عبد الرحمن الداخل

المصادر

مؤسس الخلافة الأموية فى الأندلس. وقد وعد الصميل عبد الرحمن بتأييده إلا أنه غير رأيه فى ظروف وصفها صاحب كتاب "أخبار مجموعة" المجهول الاسم وصفا رائعا، ونستبين من ذلك ما كان عليه خلق الصميل من تقلب وتعقيد، على أن عبد الرحمن، بعد أن عاد إلى البلاد من بعثهم إلى شبه الجزيرة، ونزل إلى البر فى المكب Almunecar فى ربيع الثانى سنة 138 هـ (سبتمبر سنة 755)، وأكره الصميل سيده يوسف الفهرى على الخلاص من زعيمين من زعماء القيسية الذين لهم شأنهم، وهما سليمان بن شهاب والحسين بن الدجن، ثم أقنعه بأن يعهد إلى مدعى الخلافة الأموية الجديد ولاية الناحيتين اللتين كان يحتلهما جنود دمشق والأردن وأن يزوجه بابنته أم موسى، إلا أن المفاوضات باءت بالخيبة بسبب عدم دقة الرسول فى إبلاغ رسالته فنشب القتال بين يوسف وعبد الرحمن ومنى يوسف بالهزيمة قرب قرطبة, وكان للصميل ابن قتل فى المعركة, كما نهب قصره الذى كان فى شقندة, وحاول هو ويوسف أن يستعيدا سلطانهما إلا أنهما سرعان ما اضطرا إلى الإذعان للخليفة الجديد؛ وعاد الصميل فاستقر فى قرطبة مرة أخرى وهرب يوسف فاتهم الصميل بأنه شريكه وأودع السجن، ثم منى يوسف بالهزيمة وقتل قرب طليطلة وحمل رأسه إلى قرطبة، وأراد عبد الرحمن أن يتخلص من عدوه الآخر، الذى كان يشتبه فى أن إذعانه إنما كان بالاسم دون الفعل فعمل على خنقه سنة 142 هـ (759 م). المصادر: (1) أخبار مجموعة، طبعة وترجمة Ajbar machmua) Lafuenta y Alcantara) مدريد 1867. (2) ابن القوطية: تاريخ فتح الأندلس، القاهرة، بغير تاريخ، ترجمة Houdas فى Recueil de Textes Pubilc. de l'Ecole des Langues Orientales Vii السلسلة 3، جـ 5، باريس 1889 ص 219 - 280؛ الطبعة والترجمة الإسبانية Historia de la Conquista de Espana: J.Ribera, مدريد 1926, الفهرس.

صنعاء

(3) ابن عذارى: البيان المغرب، طبعة R.Dozy، ليدن 1848, جـ 2، ص 34 وما بعدها، و 44 وما بعدها و 50 وما بعدها؛ ترجمة E.Fagran، الجزائر 1904، جـ 2، ص 49 وما بعد , 65 وما بعدها و 75 وما بعدها (4) ابن الأثير: الكامل، طبعة Tornberg، جـ 3، ص 257 و 353 و 374 و 381 (5) Annales Du Maghreb et de l'Espagne ترجمة الجزائر، Fagnan, الجزائر, الفهرس. (6) المقرى: نفح الطيب (. . Analectes), ليدن 1855 - 1861, جـ 2، ص 24 (7) Histoire des Musubnans d'Espagne: R.Dozy, ليدن جـ 1، ص 273 وما بعدها. صبحى [ليفى بروفنسال E.Levi-Provencal] صنعاء قصبة اليمن، وتقوم على السراة الشرقية فى واد جبلى ينفرج إلى الغرب حتى السلسلة الجبلية التى تتبع جبل عَيْبان، ويشرف عليها من الشرق مباشرة جبل نقم الذى يعلوها بمقدار 1600 قدم؛ وهى على خط عرض 15 ْ 23 َ شمالا وخط طول 44 ْ 12 َ شرقا. وجو صنعاء معتدل لأنها ترتفع عن سطح البحر بمقدار 7200 قدم، وتهب عليها فى الصيف بنوع خاص الرياح إبان النهار. وتهبط درجة الحرارة فيها شتاء إلى درجة الصفر إبان الليل فيتساقط الثلج، ولكنه يختفى مرة أخرى بطلوع النهار. وتهطل عليها الأمطار بغزارة فى الربيع ومنتصف الصيف وبخاصة فى شهر يوليه ويندر الجفاف فى الصيف، فإذا حدث جاء معه بالوبال. ويخط صنعاء جدولان عليهما جسور وهما يتجهان إلى وادى الخارد، ويمتلئان بالماء بعد المطر فحسب. أما الماء الصالح للشرب فيستمدونه بانتظام من قناة معلقة آتية من جبل نقم. وتربة الهضبة بركانية الأصل، غير أن الزلازل نادرة جدًا، مثل الزلزال الذى حدث عام 657 هـ (1259 م) وغير ذلك من الزلازل التافهة الشأن.

وحمم البراكين هى مادة البناء التى تشيّد بها المساكن الجيدة، أما البيوت المتواضعة بل وسور المدينة أيضًا فمشيدة من اللبن. والمواد الخشبية قليلة فى هذه الهضبة مثل: أشجار الطلحة والدوم، وتنحصر أهميتها فى اتخاذها وقودًا يباع فى سوق صنعاء. ولا تزال ألواح المرمر الشفافة التى كانت فى وقت من الأوقات فى حصن غمدان تستخدم نوافذ لبيوت الطبقة العليا من الناس. وقد تدهورت كثيرا الصناعات التى اشتهرت بها هذه المدينة فى العصور الوسطى، مثل صهر الفضة وصناعة الأقمشة اليمنية المشهورة. ولا يزال يصنع بها الخناجر اليمنية المقوسة التى يحملها الناس عادة، وهى خناجر لها مقابض من العظم مطعمة بالفضة. وتوجد الحدائق الكبيرة المعتنى بها داخل المدينة التى كانت مكتظة بالسكان فيما مضى. وتزرع فيها فاكهة المنطقة المعتدلة جميعًا مثل المشمش والكمثرى والتفاح والسفرجل والأعناب والأعشاب العطرة. وقد أقلم الترك بها أيضًا جميع أنواع الخضر بما فى ذلك البطاطس. وأشجار النخيل ليست إلا أشجار زينة فى مثل هذا الارتفاع الشاهق. ويزرع البن هناك وبخاصة على منحدرات جبل نقم. ويوجد بمدينة صنعاء التى كان يقدر عدد سكانها بثمانية عشر ألف نسمة ثلاثة أحياء: الحس العربى ويمتد من الحصين عند سفح جبل نقم ناحية الغرب إلى أن يلتقى بضاحية بير الأعذب التى كانت مستقلة بذاتها فى وقت من الأوقات، وبهذا الحى حدائق جميلة ومبان حكومية ومكاتب عامة. وتقوم الثكنات خارج السور الجنوبى، كما تقوم مدينة شعوب الصغيرة فى جوار السور الشمالى. ولا يفتح عادة من أبوابها الاثنى عشر سوى أربعة أبواب. ويقوم المسجد الجامع ذو المأذنتين، ولعله هو مسجد قليس القديم فى وسط المدينة العربية تقريبا، ولا يزال بها كثير من القصور التى شيدتها الأسر الحاكمة المختلفة التى تعاقبت على الحكم هناك. وأشهر هذه القصور هو مقر الإمام ويسمى بستان المتوكل، ويقع فى الشمال الغربى من

المدينة العربية. ومن المبانى العامة بصنعاء، مستشفى كبير، وصيدلية، ونحو اثنى عشر حماما، وثلاث مدارس من بينها مدرسة صناعية، ومطبعة. وطرق المواصلات كانت غاية فى الوعورة تمر بالمناطق الجبلية، والهبوط إلى البحر الأحمر يكون فى اتجاه الحديدة. وتسير الطرق عادة حول أعالى الوديان طلبا للأمان، مثال ذلك: وادى صُنْفر الذى ينحدر انحدارًا رفيقا. والطريق الذى عند قرن الوعل مثلًا، وهو يمتد إلى الجنوب من جبل حضور النبى شعيب عليه السلام، يرتفع إلى ما يقرب من تسعة آلاف قدم، ثم يتسلق عبر الممرات التى يزرع بها البن فى سلسلة حراز عند المناخة على ارتفاع 7200 قدم، ثم يهبط ثانية إلى تهامة خارج باجل مباشرة. وهو يحمل البريد المنتظم فى جبل السراة، مسيرة يومين ونصف يوم أو ثلاثة أيام [بالإبل] من صنعاء إلى الحُديدة، وهى مسافة تقرب من مائة ميل إذا قطعت فى خط مستقيم. ويمتد على طول هذا الطريق أيضًا خط برقى يتصل بشبكة المخطوط السورية العربية. أما الطريق الموصل إلى موقع مأرب القديمة، فطوله ميلًا شرقى الشمال الشرقى فى خط مستقيم، ولا يزال يحمل الملح من إقليمه إلى صنعاء، ويبدأ هذا الطريق بالالتفاف شمالى أو جنوبى الأنوف الخارجية للجبال التى إلى الشرق من المدينة، ثم يهبط إلى الجوف مارًا بوادى ذانة ذى المياه الوفيرة. أما الطريق الممتد من الشمال إلى الجنوب مارًا بيريم، وأطلال ظفار، وجَنَد، والحوطة إلى عدن، ومارًا بصعدة وبيشة وتربة إلى مكة. أما طريق الحج والتجارة إلى مكة فهو لا يتبع الطريق الذى يمر بالجبال، بل يتجه رأسا ناحية وادى سردد ثم يسير قدما من المهجم التى تبعد نحو 25 ميلا إلى الشمال من الحُديدة، ثم يتخذ طريق تهامة الذى يتجه ناحية الشمال من عدن مارا بزبيد. وصنعاء مدينة أولية موغلة فى القدم، ومع ذلك فإننا لا نجد لها ذكرا فى النقوش المعينية والسبأية التى تمت دراستها. ومن المحتمل أن تكون هذه المدينة قد

ذكرت فى العهد الحميرى إذا كان الاسم المذكور فى نقش كليزر (Gleaner رقم 242, سطر 13) يشير إلى صنعاء. وسوف يكون تاريخ هذا النقش راجعا إلى منتصف القرن الأول الميلادى إذا استطعنا أن نثبت أن ملك سبأ وذى ريدان المذكور فى السطر الثالث، وهو إليشرح يحضب الذى أحرز انتصارا عند صنعو أو على صنعو، هو عين إليسر Elisar الوارد فى periplus maris Ervthraei، الفصل 26 (انظر Die Abessinier in Arabien und Africa: E Glaser سنة 1895 , ص 117؛ Der islamische orient: M.Hartmann، سنة 1909, جـ 2، ص 150 وما بعدها). ولا يزال لدى الأساطير والأشعار ما تقوله مستوحية أطاول حصن غمدان. لقد كان سام هو الذى شيد المدينة والحصن وكان اسمهما القديم هو أزال. ولما كان من المحتمل أن يكون هذا الاسم الأخير إنما أخذه اليهود والمسلمون من سفو التكوين (الإصحاح العاشر، الآية 27) فى تاريخ متأخر، فإن القول بأن صنعاء هى أوزال الواردة فى التوراة أمر غير محقق شأنه شأن قول شبرنكر Sprenger (Die alte Geographie Arabiens سنة 1875, فقرة رقم 294) بأن صنعاء هى Menambis basileion التى ذكرها بطلميوس (Geogr, الكتاب السادس، الفصل السابع، الفقرة رقم 38) أو ما أكده كليزر Glaser (المصدر المذكور، ص 122 و Skizze d. Gesch. u Geogr. Arabiens، جـ 2 سنة 1890. ص 310, 427) من أن الاسم القديم كان تفيد وأن الاسم الحالى قد استقى من إقليم مأرب. ولم تستقر شهرة صنعاء بتلك المكانة الممتازة التى احتلتها وذلك الشأن الهام، الذى بلغته حتى الوقت الحاضر فى اليمن العليا وفى اليمن بأسرها مع استثناء بعض فترات متقطعة، إلا منذ الفتح الحبشى وتورط اليمن فى النزاع الذى نشب بين رومة وفارس على سيادة العالم. ولا سبيل لنا إلا إيجاز القول عن بعض أحداث هذه القرون الأربعة التى تمثل فيها تاريخ اليمن فى قصة هذه المدينة الفريدة.

ظهر أبرهة حوالى سنة 530 م بعد سقوط الملك اليهودى ذى نواس الذى اضطهد النصارى فى صنعاء أيضًا على ما يقال، ظهر أبرهة وجعل من هذه المدينة مقرا للوالى الحبشى بعد أن أطاح بمنافسه الحبشى أرياط. وقد زين المدينة بالكاتدرائية المسيحية التى تعرف بقَليس أو قُلَيس (ekklesia). ويقال إنه جلَب مواد البناء من أطلال مأرب، أما العمال فقد بعث بهم إمبراطور الروم (البوزنطى) وكذلك الفسيفساء. وقد استدعت أسرة ذى يزن، وهى الأسرة اليمنية الحاكمة القديمة، وهرز قائد كسرى الأول أنوشروان فأخرج من المدينة حوالى عام 570 م مسروق ابن أبرهة الثانى وخليفته ثم أقام فيها بادئ الأمر حكما مشتركا مع ذى يزن، ثم انفرد الفرس بالحكم وتولاه، كما جاء فى الأسانيد المكتوبة، ابن وهرز فحفيده ثم ابن حفيده. وفى عام 10 هـ (631 م) دخل باذام خامس هؤلاء الولاة فى الإسلام، وجاء فى روايات أخرى أن إسلامه كان قبل ذلك بعامين. وفى عام 10 هـ أوفد مهاجر بن أبى أمية بن المغيرة إلى صنعاء لجمع خراج اليمن. ووقعت صنعاء فى العام التالى فى قبضة خصم النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] عبهلة بن كعب الأسود الذى تحصن فى غمدان، وظل يقبض على أزمة الأمور فيها ثلاثة أشهر. ولما توفى النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] دخلت فتنة عبهلة فى غمار الكفاح العام فى سبيل استقلال اليمن، وكان على رأس هذا الكفاح فرد من أسرة ذى يزن هو عمرو بن معدى كرب. ووجدت حكومة المدينة سندا قويا لها فى أشخاص الأبناء، وهم أشراف الفرس المستعربين. وفى عام 11 هـ (632 م) تمكن فيروز الديلمى بمساعدة المهاجر من رد السيادة الإسلامية إلى صنعاء واليمن العليا. والراجح أن حصن غمدان قد تهدم فى ذلك القتال المرير. وتذهب الأسطورة إلى أن هذا الحصين كان قد أعيد بناؤه قبل ذلك فى العهد الحميرى على يد عمرو بن أبى شرح بن يحصب الذى ورد ذكره فى النقوش. وقد ساد السلام بعض الشئ بعد الفتح، ويرجع بخاصة إلى أن أولى الأمر فى المدينة عاملوا الأشراف فى صنعاء وما

جاورها برفق وحكمة. وكان يعلى بن منية الذى أقامه عمر بن الخطاب خليفة للمهاجر لا يزال واليا على صنعاء عندما استخلف على بن أبى طالب. ولكن عليا عزله وولى مكانه عبيد اللَّه ابن عباس. ذلك أن طلحة فى رواية اليعقوبى على الأقل (جـ 2، ص 218 وما بعدها) رفض أن ينقل إلى هذا المنصب المحلى ألا وهو الولاية على صنعاء، ولكنه استولى هو والزبير على جميع خراج اليمن، وكان يعلى قد حمله من صنعاء إلى مكة. وطرد عبيد اللَّه أو خليفته من صنعاء على يد بسر بن أبى أرطاة بأمر من الخليفة معاوية، حدث ذلك كما جاء فى بعض الروايات عام 40 هـ (660 م) أى قبل مقتل على. وثمة أمثال من قبيل "أبعد من صنعاء" أو "واللَّه لئن بقيت ليأتين الراعى بجبل صنعاء حظه من هذا المال وهو مكانه" (الطبرى، جـ 1، ص 2752؛ جـ 3، ص 2482)؛ فلما انتقل مركز الإسلام إلى الشام ثم إلى العراق ظهرت اليمن العليا للناظر أكثر من ذلك بعدا، وغدا تاريخها متمشيا مع هذه النظرة. لقد كانت قوى ثلاث تعمل على مناهضة الخلافة وتتقاتل فيما بينها أو يساند بعضها بعضا أحيانا: الأمراء المحليون، والولاة الطامحون، وزعماء الفرق الذين أخذوا يدعون إلى مذاهبهم بعيدا عن قصبة الخلافة، واجتهدوا فى تطبيقها بتأسيس الولايات، بل إن إمام الزنادقة عبد اللَّه بن سبأ يوصف بأنه من رجالات اليمن. والظاهر أن الأمويين كانوا قابضين على أزمة الأمور فى صنعاء، دنان كان عدم الإشارة إلى هذه المدينة القاصية لا ينهض دليلًا على استتباب السلام فيها، فإن القائد ابن عطية قد استطاع فى عام 130 هـ (747 - 748 م)، عندما أخذت الخاوفة الأموية فى الاضمحلال، أن يبعث من صنعاء إلى مروان الثانى برأس عبد اللَّه ابن حمزة الذى نصب نفسه هناك خليفة من قبل الخوارج. ولم تلبث الأمور أن تفاقمت فى عهد العباسيين، فقد خرجت هذه المدينة عن ولائها للهادى. وفى عهد هارون الرشيد لم

يتمكن حماد البربرى وإليه الخامس على صنعاء من الظفر بالمتمرد: هيصم ابن عبد المجيد الهمدانى والإتيان به أسيرا من السراة إلى صنعاء إلا بعد كفاح دام تسمع سنوات. وكانت المدينة فى ذلك الوقت، أى حوالى عام 188 هـ (803 م)، تكاد تكون خرابا. ولم تتحسن الأمور فى بداية القرن الثالث حين حكم إبراهيم بن موسى بن جعفر الجزار العلوى البلاد من صنعاء إلى مكة، وكان يجمع بين صفة الغامر والوالى الذى يشغل منصبا رسميا. وكانت خطبة خصمه الوالى حمدوية بن ماهان لا تقل عن خطته غموضا. ولم تجد الحكومة آخر الأمر بدا من أن تلجأ إلى القواد الترك من الحرس. وقد غدا يعافره قبيلة حوالى فيما قبل عام 257 هـ (870 م) أصحاب الأمر فى صنعاء، وكان ذلك فى الحق بفضل حل وسط قضى بأن يذكر محمد بن يعفر، اسم الخليفة المعتمد فى الخطبة ويدفع الجزية للزيادية فى زبيد، بل إن حكم اليعافرة كثيرا ما كانت تشوبه القلاقل فى صنعاء نفسها، وشاهد ذلك أنه عندما ولى إبراهيم بن محمد الأمر فيها عام 27 هـ (872 م) أشعل المواطنون النار فى قصره وكانوا من قبيلة شهاب المنافسة له ومن الأبناء الذين كانوا يكنون له العداوة غالبا. وفى ذلك الوقت هاجم صنعاء جماعتان من الشيعة فأغار عليها من الشمال، أى من صعدة، يحيى بن الحسين الزيدى الذى احتل المدينة لأول مرة أربعة أشهر أو خمسة سنة 288 هـ (901 م) كما أغار عليها من الجنوب على بن الفضل القرمطى واتخذ قلعة المذيخرة قاعدة له، وسيطر على صنعاء من قلعتها فى مستهل عام 293 هـ (905 م) مدة شهرين أو ثلاثة فى بادئ الأمر. وفى النزاع المتصل بين اليعافرة والزيدية والقرامطة والموالى المشاغبين من يعافرة أسرة طريف والولاة العباسيين والقواد غزيت صنعاء ما لا يقل عن عشرين مرة فى السنوات الاثنتى عشرة منذ دخول يحيى لأول مرة حتى نهاية القرن (913 م). فقد سلمت المدينة ثلاث مرات بعد مفاوضات، وحوصرت بلا طائل

خمس مرات أخرى. ويذكر المسعودى (جـ 2، ص 55) أنها مرت بفترة ازدهار وسلام بعد وفاة على القرمطى فى ولاية أسعد ابن إبراهيم اليعفرى من عام 303 حتى عام 332 هـ (915 - 943 م). فلما توفى أسعد أدت المنازعات العائلية إلى عودة المدينة إلى ما كانت عليه من اضطراب. فقد استولى مختار الزيدى حفيد يحيى عليها عام 345 هـ (956 م) ولكنه قتل فى السنة نفسها. وغدت شوارع المدينة وأحياؤها ميدان معركة بين بنى خولان وبنى همدان. واستعاد زيادية زبيد فى ذلك الوقت سلطانهم تحت قيادة الضحاك زعيم همدان. غير أنه حدث فى عام 377 هـ (987 هـ) أو عام 379 هـ (989 م) أن استطاع عبد اللَّه بن قحطان آخر يعافرة صنعاء من ذوى الشأن أن ينزل العقاب مرة أخرى بخصومه ويدمر زبيد. وتمكن عبد اللَّه من كسب تأييد القرامطة الذين كانوا لا يزالون كثيرى العدد كما اعترف رسميا بخلافة الفاطميين. وسار الصليحيون على هذه السياسة نفسها فجعل أولهم على بن محمد، صنعاء مقرًا له حوالى عام 453 هـ. (1061 م) بوصفه داعيا للفاطميين، ووضع بعد نصف قرن من الزمان حدًا للقلاقل التى ازدادت بسبب النزاع بين الأئمة الزيدية الذين كانوا يتوغلون من حين إلى حين بين القبائل المعادية من صعدة. فلما نقلت الملكة سيدة الحرة مقر الحكومة إلى جبة فى اليمن السفلى احتفظ أقرباؤها اليامية بالمدينة عشر سنوات أو نحو ذلك حتى استقل بها حاتم بن الغشيم عام 492 هـ (1098 م). وظلت أسرته الهمدانية تحكم هناك إلى أن أغار على اليمن توارنشاه أخو صلاح الدين عام 569 هـ (1174 م). وكان يقطع حكمهم، كما هو المألوف، المنازعات العائلية فيتولى الأمر فترة من الوقت فرد آخر من أسرة قيام، وبخاصة أحمد بن سليمان المتوكل الإمام الزيدى لصعدة ونجران. ولم يقف الأمر عند هذا الحد فإن الحكم الأيوبى الذى دام خمسًا وخمسين سنة أثبت أنه لا يمكن أن تسيطر على صنعاء تمام السيطرة سلطة بعيدة عنها. وفى عام 583 هـ (1187 م). دمر على الوحيد بن حاتم

الهمدانى الذى استقر فى قلعة براش الجبلية التى تبعد إلى الشرق من صنعاء مسيرة ساعتين، أسوار المدينة والقلعة والجزء الأكبر من مدينة صنعاء. واستولى الإمام عبد اللَّه المنصور سنة 595 هـ (1199 م) ثم سنة 611 هـ (1214 م) على المدينة فترة قصيرة من الزمن. وبدأت سيادة رسولى تعز على صنعاء فى عام 626 هـ (1229 م) وكانت سيادتهم عليها قوية فى بادئ الأمر. وزار الولاة، وكانوا فى الغالب أمراء أو ضباطا من الأكراد، المدينة، كما زارها كثيرًا السلاطين أيضًا. وكان من النادر أول الأمر أن يستولى الأئمة على المدينة، وإذا حدث ذلك فإنما يكون لفترة قصيرة كما حدث عام 648 هـ (1250 هـ) أو عام 671 هـ (1271 م). ولم يستعد الزيدية سلطانهم إلا بعد ذلك بقرن من الزمان. ولم ينجح الإمام صلاح بن على فى توطيد مركزه فى صنعاء فحسب، بل لقد كرر غاراته منها أيضًا على زبيد وعدن وتعز فى السنوات من 777 إلى 793 هـ (1375 - 1391 م). ونجح خلفاؤه فى صد غارات الملوك الطاهريين الجدد فى اليمن السفلى. وإنما استطاع عامر بن طاهر بن مُعَوَدة أول هؤلاء الملوك دخول المدينة إلى حين عام 461 هـ (1456 م). وفى سنة 913 هـ (1507 م) استولى الحسين الكردى، أمير بحر السلطان قانصوه الغورى آخر سلاطين المماليك، على هذه المدينة وولى عليها الغورى هذا سنة 922 هـ (1516 م) الشريف المكى بركات الثانى بن محمد بن بركات الأول. وفى العام التالى مباشرة كان يحكمها الإمام يحيى شرف الدين. ولما قضى العثمانيون على دولة المماليك اقتضاهم الأمر أن يقاتلوا فى سبيل الاستيلاء على أملاك هؤلاء. ففى عام 953 هـ (1546 م) خل أوزدمر باشا مدينة صنعاء. وفى عام 1038 هـ (1628 م) سلم حيدر باشا هذه المدينة بمقتضى شروط خاصة للإمام محمد القاسمى فظل محتفظا بها حتى عام 1087 هـ (1676 م). وأعقب ذلك فترة نزاع بين الأئمة المتنافسين، والقبائل البدوية, والقرامطة الذين لم تستأصل شأفتهم تمامًا، ومن ثم أتيح لهم قدر كبير من حرية العمل، كما أن

الدول الأجنبية استغلت الفرص للتدخل فى الأمر. وتكررت غزوات البدو المخربة التى حدثت عام 1233 هـ (1818 م) فى عام 1251 م (1835 م) فدفع ذلك الإمام الناصر عام 1253 هـ (1836 - 1837 م) إلى مفاوضة الباشا المصرى محمد على فى أن يبيع له صنعاء. وسمح الإمام للقائد التركى قبر صلى توفيق باشا بدخول المدينة عام 1265 هـ (1849 م). وقد ذُبح جنوده فى بحر يومين؛ وفى العام التالى خلع الوالى على يد الشريف المكى محمد بن عون الذى تدخل فى الأمر، ثم أقام مقامه إمامًا منافسا له، غير أن هذا الإمام لم يستطع حماية المدينة. وأغير على صنعاء مرة أخرى فى عامى 1267 هـ (1851 م و 1269 هـ (1853 م). ولما أعاد العثمانيون فتح هذه البلاد على يد مختار باشا، سقطت صنعاء عنوة عام 1269 هـ (1871 م) وجعلت عاصمة ولاية اليمن ومقر الفرقة السابعة من الجيش العثمانى. غير أنه لم يكن قد تم التخلص من الزيدية، فقد حدث فى ربيع عام 1905 أن اضطر العثمانيون إلى إخلاء المدينة والجهات المحيطة بها إزاء تقدم الإمام محمود يحيى بن حميد الدين. واستعاد العثمانيون صنعاء فى الخريف، على أن الأمر اقتضاهم أن ينفقوا خمس سنوات كاملة فى استعادة مركزهم المحفوف بالمخاطر. وبعد الحرب العالمية الأولى اعترف بسيادة الإمام محمود يحيى على صنعاء واليمن بمقتضى معاهدة سيفر التى أبرمت فى العاشر من شهر أغسطس عام 1920. وقد استطاعت صنعاء على الرغم من بعدها وتاريخها الحافل بالفتن والقلاقل أن تسهم فى الحركة العلمية الإسلامية، ففيها وضع عبيد بن شريه بقصصه التاريخية أساس شهرته التى دفعت معاوية بن أبى سفيان إلى استدعائه إلى بلاطه، كما أن زميله الأصغر وهب بن منبه الذى توفى فى صنعاء أشاد به مواطنوه باعتباره حجتهم الأولى فى القرآن الكريم. وقد زار صنعاء كثير من جامعى الأحاديث منهم: أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين اللذان درسا على عبد الرزاق بن همام ابن نافع المتوفى فى صنعاء عام

المصادر

211 هـ (827 م). وتعرف صنعاء بأنها البلد الذى ولد به وتوفى الشاعر والنحوى والمؤرخ بل النسابة والجغرافى الهمدانى. وقد قام كثيرون من الأئمة فى صنعاء بزيادة أشياء على مادة المؤلفات الموجودة، الأمر الذى حفز الأحزاب الأخرى إلى القيام بنشاط مماثل. وقد عاش النصارى أمدا طويلًا بين جماعات المسلمين واليهود المختلفة، أو لعلهم استوطنوا هناك من جديد فى الوقت الذى بلغت فيه الكنيسة النسطورية أقصى ما بلغته من انتشار، فقد حدث مثلا حوالى عام 225 هـ (840 م) أن ذكر توما المركاوى Thomas of Marga (كتاب الرؤساء (الأديرة) طبعة Budge جـ 1، ص 238) مار بطرس Mar Pertus فقال إنه أسقف اليمن وصنعاء فى أيامه. وكان أول أوربى وصل إلى صنعاء هو برثيما Barthema الإيطالى الذى بلغها أسيرا عام 1508. أما أول مكتشف استهدف الوصول إلى صنعاء أو إلى بلاد مأرب عن طريقها فهو كارستن نيبور Carsten Niebuhr وكان ذلك عام 1763. وقد حصل كل من كليزر Glaser ولندبرغ Landberg وكاربروتى Claser بوركارت Burchardt على مجموعات قيمة من المخطوطات من صنعاء وما يجاورها، فى حين أن حصيلة الكتابات من هذه الجهات قليلة (*). المصادر: لقد تحدث عن صنعاء كثير من الجغرافيين والرحالة العرب. ونحن نذكر علاوة على ياقوت المصادر التالية لما لها من أهمية فى ذكر التفصيلات الاقتصادية. (1) المقدسى: المكتبة الجغرافية العربية، جـ 3. (2) ابن خرداذبة: المكتبة الجغرافية العربية جـ 4. (3) ابن حوقل: المكتبة الجغرافية العربية، جـ 2. ¬

_ (*) اختلف ذلك كثيرا فى الوقت الحاضر بعد الطفرة الكبيرة فى التعليم بمختلف مراحله وانشاء جامعة صنعاء فى جمهورية اليمن وبالتالى فقد كثرت الدراسات والبحوث المعاصرة عن اليمن سواء من أبنائه أو سواهم فى الدول العربية. المحرر

(4) ناصر خسرو، طبعة Schefer سنة 1881. (5) ابن بطوطة، طبعة Defremery and Sanguinetti 1853 - 1858 (6) الهمدانى: صفة جزيرة العرب، طبعة D. H. Muller سنة 1884. (7) Die Burgen and Schlosser Sudarabiens: D.H.Muller S.B. Ak. Wien) جـ 94, 97). ونذكر بالإضافة إلى كتب التاريخ العربية العامة ما يلى: (1) Geschichte der Perser und Araber z Zt. der Sasaniden: Noldeke ليدن سنة 1879. (2) Yaman, its early mediaeval history: Kay لندن سنة 1892. (3) الخزرجى: العقود اللؤلؤية، المقدمة والترجمة بقلم Redhouse, طبعة محمد عسل فى مجموعة كب التذكارية، جـ 3. (4) De opkomest van het Zaidietische Imamaat in Yemen: C. van Arendonk ليدن 1919. (5) أحمد رشيد: تاريخ اليمن وصنعاء، إستانبول سنة 1921. (6) Der islamische Orient: M. Hartmann جـ 2، ليبسك سنة 1909. (7) لمحة تاريخية وردت فى كتاب يحيى بن الحسين بن المؤيد اليمنى المسمى أنباء الزمان، مخطوط برلين رقم 9745. (8) الكبسى: اللطائف السنية، برلين رقم 9746. (9) Reisebeschreibung nach Arnhien: C.Niebuhr كوبنهاغن سنة 1774, جـ 1، ص 410 وما بعدها. (10) U.I.Seetzen فى Monatliche Correspondens: F.von Zach سنة 1813, جـ 17، ص 180 وما بعدها؛ جـ 18، ص 353 وما بعدها. (11) Ch. J. Cruttendon فى Journal of the London Royal Geogr. Soc، سنة 1838 جـ 8. (12) Eben safir: Jacob. Sofir جـ 1، لايك سنة 1866 عبرى. (13) وفى المجلة الآسيوية، سنة 1843, 1872.

صنهاجة

(14) Arabers eit hundert Jahren: Zehme Arabien und die، هال سنة 1875, ص 56 وما بعدها. (15) El-Yemen: Manzoni رومة سنة 1884، ص 100 وما بعدها. (16) Glaser فى Petermanns Mitteilungen سنة 1886 جـ 33، ص 1 وما بعدها. (17) The Penetration of Arabia: Hogarth لندن سنة 1905. (18) H. Burchardt فى Z.G.Erdk Berl, سنة 1902, ص 593 وما بعدها. (19) A Modern Pilgrim in Mecca and a siege in Sanao: A.J.B. Wavell لندن سنة 1912، ص 228 وما بعدها. الشنتناوى [شتروتمان R.Strothmann] صنهاجة (يذكر ابن خلدون أن نطق هذه الكلمة قريب من زناكة، ولا تزال هاتان الصيغتان معروفتين حتى الآن. على أننا نعلم أن صنهاجة قد أسبغت اسمها على بلاد السنغال التى تتاخم منازلها). والصنهاجة فرع من فروع الشعب البربرى أو حلف من أحلافه الكبرى. ويذهب نسابة مسلمى الغرب: إلى أنهم انحدروا من صلب صنهاج بن برنس ابن برّ مثل كتامة بلاد القبائل الصغرى ومصمودة المغرب الأقصى. وليس بين أيدينا بعد مقياس لغوى أو غير لغوى يبرر هذا القول. ونحن لا نعرف أى نوع من الحياة كانت يحياها الصنهاجة فى الأزمنة القديمة ولا أين كانوا يعيشون. وكثيرًا ما ظهر اسم الصنهاجة خلال العصور الوسطى، وقد كانوا حشدًا عظيمًا من الناس، وتمتد بلادهم بحيث تشمل كلا من المغرب والصحراء. وكان يعيش بين الصنهاجة عدد كبير من القبائل الرجل (ولا يزال عدد منهم باقيا إلى وقتنا هذا وبخاصة طوارق هقار) وبعض القبائل المستقرة التى لا نستطيع أن نؤكد أنها كانت تعيش حياة البدو الظاعنين فيما مضى مثل قبيلة تلكاتة. وتقابل صنهاجة الجماعة

الأخرى الكبيرة ألا وهى زناتة التى أفلحت فى الجزء الأخير من العصور الوسطى فى أن تحتل مكان صنهاجة. وقد بلغت صنهاجة أوج عزها فى النصف الأول من العصور الوسطى أو فيما بين القرنين العاشر والثانى عشر الميلاديين (من القرن الرابع إلى القرن السادس الهجريين) على وجه التحديد، وهى الفترة التى يرى ابن خلدون أن صنهاجة الجنس الأول والجنس الثانى قد ظهرت فيها على مسرح التاريخ. على أنه يجب أن نتحفظ كثيرا فى استعمال كلمة جنس، ومهما يكن من شئ فإن الأمر يقتضينا أن نلاحظ أن صنهاجة جماعة من الجماعات كانت تلجأ إلى معنى التضامن بسبب وحدة الجنس رغبة منها فى الحصول على معاونة آية جماعة أخرى. كان الجنس الأول، وهو جنس تلكاتة، يحتل فى القرن العاشر ذلك الجزء من المغرب الأوسط الذى ينطبق الآن على إقليم: قسنطينة دون بلاد القبائل. وكانت القبائل المستقرة، وبخاصة سلالة بنى زيرى، قد أنشأوا أو حكموا بعض المراكز فكانت أهمها أشير فى الجنوب من الجزائر. وكانت صنهاجة تؤيد سياسة الفاطميين فى القيروان، ومن ثم حاربت خلال القرن العاشر كله جيرانها فى الغرب وهم الزناتة عملاء الأمويين فى قرطبة، ثم نقلوا نشاطهم من بعد إلى المشرق نتيجة لرحيل الفاطميين إلى مصر. وكانت أسرة بنى زيرى تحكم فى القيروان باسم الفاطميين. وقد أدى انقسام وقع بينهم إلى تأسيس دولة بنى حماد فى القلعة. وازداد ضعف هاتين الدولتين منذ النصف الثانى من القرن الحادى عشر حتى اختفتا فى منتصف القرن الثانى عشر حين نفذ الموحدون إلى الجزء الشرقى من بلاد البربر. ولا تزال جماعة صغيرة تحمل اسم صنهاجة باقية إلى اليوم فى الجزء الجنوبى الشرقى من الجزائر. ويمثل الجنس الثانى من صنهاجة القبائل الرحل العظيمة التى كانت تحتل فى القرنين العاشر والحادى عشر الصحراء فيما بين طرابلس والمحيط، وكانت أهم هذه القبائل هى "أصحاب

المصادر

اللثام"، لمتونة ومسوفة الذين كان لهم شأن كبير فى التاريخ الدينى والسياسى لبلاد البربر والأندلس تحت اسم المرابطين. ويذكر البكرى تفصيلات عجيبة عن أسلوب معاشهم فى الصحراء ومأكلهم وحيلهم الحربية؛ والطوارق فريق من هذه الجماعة. وتستوطن بعض جماعات أقل قوة وسلطانا السوس والوديان المجاورة لجبال أطلس المراكشية، وهى من الأرومة الصنهاجية نفسها, ونعنى بها قبائل لمطة وكزّولة الرجل وقبيلة هسكورة المستقرة. وقد اشتركت هذه القبيلة الأخيرة فى حركة الموحدين. ثم نذكر أخيرا أرومة ثالثة من صنهاجة يقال إنها كانت تعيش متفرقة فى المغرب الأقصى حول القصر وفى سهول شاوية من إقليم نارًا وفى الريف. وظلت صنهاجة بُطّوِية وأرياغل باقية فى الريف حتى وقتنا هذا. ولا يزال اسم صنهاجة يحمله واحد من "اللفبن" اللذين انقسمت إليهما قبائل مراكشى الشمالية. المصادر: (1) ابن خلدون: تاريخ البربر, النص، جـ 1، ص 194؛ الترجمة، جـ 2, ص 1 وما بعدها. (2) البكرى، طبعة الجزائر سنة 1911, ص 164 وما بعدها؛ الترجمة سنة 1913، ص 310 وما بعدها. (3) الإدريسى، وصف إفريقية والأندلس طبعة دوزى وده غوى، ص 57 - 59؛ والترجمة ص 66 - 69. (4) Les Berberes: Fournel باريس سنة 1875. (5) Les Arabes en Berberie du XIe au XIV siecle: G.Marcais باريس سنة 1913. الشنتناوى [مارسيه G.Marcais] صور هى المدينة الجزرية لفينيقية؛ وقد كانت منذ عهد العمارنة من أغنى المراكز التجارية على الساحل السورى ثم ارتقت شيئًا فشيئا حتى غدت تنافس مدينة صيداء منافسة قوية فى السيطرة على المستعمرات الفينيقية فى الغرب.

وقد غزاها الإسكندر الأكبر ودمرها، ولكن ذلك لم يقض على أهمية هذه القصبة الزاهرة إلا إلى حين، وإن كان قد انتهى إلى نتيجة هامة ثابتة هى أن هذه المدينة الجزرية قد وصلها من ثم بالبر الأصلى سد الإسكندر الذى اتسع اتساعا مطردًا حتى غدا برزخا بفعل المواد الرسوبية التى حملتها التيارات الساحلية الجنوبية الغربية. وكانت مدينة بالاتيروس (أشو الأشورية) تقوم منذ عهد ضارب فى القدم على البر الأصلى تجاه هذه المدينة الجزرية. وكانت صور أيضا فى عهد الإمبراطورية الرومانية هى القصبة الدنيوية والدينية للولاية التى عرفت فى اليونانية باسم. وقد استولى شرحبيل بن حسنة على صور وصفَّورية وغيرهما من بلدان هذا الإقليم بعد احتلاله دمشق (البلاذرى، طبعة له غوى، ص 116؛ Annali dell' islam: Caetani مجلد 2، جـ 2، الفصل 21 جـ 3، الفصل 107) وقد جاء فى الكتاب المنحول للواقدى (فتوح الشام، طبعة القاهرة 1287 هـ، جـ 3، ص 58 وما بعدها) أن الاستيلاء على صور قد تم بخيانة أمير حلب عبد اللَّه بوقنا. ويقول الواقدى وهشام ابن الليث الصورى أن معاوية قد أصلح عكا وصور أثناء حملته على قبرص (27 هـ)، وفى سنة 42 هـ أتى بمستعمرين من الفرس، من بعلبك وحمص وأنطاكية وأسكنهم مدن الأردن أى صور وعكا وغيرهما (البلاذرى: المصدر المذكور، ص 117) ويستشهد هشام بن الليث الصورى الذى ذكرناه آنفا يقول من نقل عنهم: نزلنا صور والسواحل وبها جند من العرب وخلق من الروم ثم نزع إلينا أهل بلدان شتى فنزلوها معنا كذلك جميع سواحل الشام، وفى سنة 49 هـ أغار الأسطول الإغريقى على مدن الشام الساحلية التى لم يكن قد أقيم فيها بعد دور للصناعة (البلاذرى: المصدر المذكور؛ محبوب المنجبى: كتاب العنوان الذى نشره فاسيلف فى Patrol. Orient جـ 8، ص 492). ومن هنا أقام معاوية أحواضًا للسفن فى عكا لإقليم الأردن. وجدد عبد الملك بن مروان صور وقيسارية

وأرباض عكا التى كانت قد تخربت مرة أخرى (البلاذرى: المصدر المذكور، ص 117, 143). ثم حدث بعد ذلك أن أراد هشام بن عبد الملك أن يشترى من حفيد من أحفاد أبى معيط مصانع ومخازن فأبى الرجل أن يبيعها له، فما كان من هشام إلا إن نقل دار الصناعة إلى صور وبنى مخازن وأحواضا هناك (البلاذرى، ص 117). ويقول الواقدى أيضًا: إن صور حلت فى عهد المروانيين محل عكا بوصفها محطة بحرية وظلت كذلك من بعد (البلاذرى، ص 118؛ بن جبير، طبعة رأيت، ص 305). فلما جاء المتوكل (247/ 248 هـ) وزع الأسطول وجنود البحرية على بلدان الساحل الشامى. وقد وصف جغرافيو العرب صور قديما فيقولون: إنها من سواحل الأردن المنيعة التحصين العامرة بالسكان يحف بها أراضى خصبة. وكانت هذه المدينة الجزرية لا يبلغها أحد إلا من البر الأصلى عن طريق باب يؤدى إليه جسر، وكانت أيضًا محصنة بأسوار تنهض عمودية من البحر وتكاد تكتنفها من جميع الجوانب ويقوم جزء آخر من البر الأصلى. وقد وصف القزوينى كذلك (طبعة فستنفلد، جـ 2، ص 366, السطر الخامس من أسفل تحت اسم طليطلة) الجسر الذى ذكره المقدسى أيضًا، فقال إنه أكبر قنطرة فى العالم (لعله خلط بينه وبين جسر سنجه). وكانت القنطرة المعلقة القديمة التى كانت تخرج من بلدة (وهى الآن رأس العين أو الرشيدية) حتى صور مارة بتل المعشوق لا تزال تزود المدينة بالمياه فى القرون الوسطى (المقدسى: المكتبة الجغرافية العربية، جـ 2، ص 163؛ ناصر خسرو، طبعة شفر، ص 11). ويذكر ناصر خسرو الذى زار صور سنة 1047 م بيوتها التى تتراوح طبقاتها بين خمس طبقات وست طبقات، كما يذكر مشهد، غنيا بالزخارف قائما عند باب المدينة. وكان معظم أهلها وقتذاك من الشيعة إلا القاضى فقد كان من أهل السنة. وذكر الإدريسى فى عهد الحروب الصليبية (1154 م) ما كان بصور من صناعة زاهرة للزجاج والفخار ونسج الأقمشة النفيسة. وذكر قدامة أرصفة السفن القائمة فى المدينة.

وقد كانت الشام منذ العهد الطولونى واقعة فى جميع الأحوال تقريبا تحت سيادة مصر، واستتبت هذه السيادة (أكثر وأكثر فى عهد الفاطميين. وانتفض الصوريون على الخليفة الحاكم سنة 388 هـ (998 م) يقودهم فلاح يدعى علاقة فى الوقت نفسه الذى انتقضت فيه الرملة وحاصر قلعة فامية القائد الرومى (البوزنطى) دوكاس. وأنفذ وإلى الشام جيش بن محمد بن صمصام إلى صور حسين بن عبد اللَّه بن ناصر الدولة والخصى فاتق (وفى رواية فائق) البرَّاز. فلما هاجم الرجلان صور من البر والبحر استجار علاقة بالإمبراطور البوزنطى طالبا منه العون، فأرسل الإمبراطور إليه عدة سفن، ولكن هذه السفن حلت بها هزيمة منكرة فى معركة بحرية، وهنالك انهارت معنويات السكان فى صور ولم يعودوا يقوون على الاستماتة فى المقاومة فسقطت المدينة ونهبت وذبح سكانها وعُرِّب علاقة ثم قتل فى مصر. على أن الفتن استمرت؛ ولم يجد الوزير بدر الجمالى بدًا سنة 1089 م من أن ينتزع صور وعكا وجبيل من السلطان السلجوقى تتش. وفى سنة 490 هـ (1097/ 1098 م) أنزل خليفته الأفضل شاهانشاه بالسكان العقاب على فتنة جديدة قاموا بها فذبحهم تذبيحا, ولم ينج من ذلك حتى والى صور إذ أخذ فقتل؛ حدث هذا فى السنة نفسها التى غادر فيها الصليبيون القسطنطينية. وضربت السكة فى صور باسم الخليفة المستعلى (1094 - 1101 م). وسعت صور أول الأمر (1100 - 1101 م) إلى استمالة قلب بلدوين بالهدايا, ولكنها سرعان ما شاركت فى الدفاع عن عكا وطرابلس (1103 م) وبناء على اتفاق تم بين الأمير عز الدين صاحب صور وبين طغتكين هاجم عز الدين سنة 500 هـ (1106 - 1107 م) معقل الملك الصليبى فى تبنين ونهب ضاحية من ضواحيها وذبح أهلها ثم عمد إلى الفرار سريعا حين سار بلدوين من صور إلى طبرية. وظهر هذا الملك فى السنة التالية أمام أسوار صور، وشيد قلعة على تل المعشوق

وحاصر المدينة شهرًا. ولم يجد واليها بدًا من أن يؤدى له نظير انسحابه من الحصار سبعين ألف دينار. وبعد سقوط طرابلس بأسبوع، ظهر الأسطول المصرى أمام هذه المدينة بجنوده وقد تزود بمال ومؤن تكفيه سنة، فلما سمع المصريون أن القلعة قد استولى عليها الفرنجة عادوا إلى صور ووزعوا الجنود والمؤن على صور وصيداء وبيروت. وضرب بلدوين الحصار على صور مرة أخرى فى الخامس والعشرين أو السابع والعشرين من شهر جمادى الأولى (27 أو 29 من نوفمبر سنة 1111)، وشيد برجين خشبيين ارتفاعهما عشر أذرع، وأقام فى كل منهما ألف جندى، ودفع بهما إلى أسوار المدينة؛ واستنجد الصوريون بطغتكين فقدم من دمشق إلى بانياس وبعث منها بالأمداد فقطعت المؤن عن الفرنجة، على حين سار هو نفسه إلى صيداء. وكان بولديون قد اقتحم بالفعل سورين من أسوار صور عندما عقد عز الملك الأعز وإلى صور مجلس حرب انبرى فيه شيخ سبق أن اشترك فى الدفاع عن طرابلس مبديًا استعداده لتدمير برجى الحصار اللذين أقامهما الفرنجة. ونجح الشيخ نجاحًا فى إشعال النار فيهما. ولم يظفر الفرنجة بطائل يستحق الذكر حتى ربيع عام 1112 م. وفى هذه الأثناء كان طغتكين قد أقبل فى عشرين ألف مقاتل بعد أن استولى على قلعة الجيش فى الشام وقطع المؤن عن الفرنجة. فلما أخذوا يجلبون المؤن بحرًا ضرب الأراضى المحيطة بصيداء. وفى 10 من شوال (21 إبريل) رفع بلدوين الحصار وارتد إلى عكا. ورحب سكان صور بطغتكين فأجزلوا له الهدايا النفيسة، ورمموا أسوار مدينتهم وخنادقها بعد أن حل بها الأذى من جراء الحصار. ثم غادر طغتكين المدينة وسلمها للخليفة مرة أخرى. على أنه حدث فى السنة التالية عينها أن خشى أهلها وأميرهم عز الملك أنشتكين الأفضلى أن يشن عليهم الفرنجة غارة أخرى، فاستقر رأيهم على أن يسلموا المدينة ثانية إلى طغتكين واستجاب طغتكين لرجائهم وبعث إليهم بالأمير مسعود وزوده بالجنود للدفاع عنها. ومع ذلك فقد ظلت الخطبة باسم الخليفة كما ضربت السكة باسمه أيضًا.

وفى سنة 516 هـ (1122 - 1123 م) أنفذ المأمون خليفة الأفضل أسطولا من أربعين غليونًا مجهزًا تجهيزًا حسنًا إلى صور بقيادة مسعود بن سلار، ولما صعد الأمير مسعود على ظهر السفن لتحية رجال الأسطول أمر به فقيد بالأغلال وحمل إلى مصر. ومع ذلك فقد قوبل هناك بحفاوة كبيرة وأرسل إلى دمشق حيث قدمت إليه الاعتذارات الديبلوماسية بما يزيل آثار هذا الحادث. ورد طغتكين ردًا كريمًا وعد بأن يبذل العون من بعد فى رد غائلة العدو المشترك. على أن الفرنجة استبشروا لرحيل مسعود المغوار وأعدوا العدة لحصار آخر تراودهم آمال جديدة، وتبين الوالى المصرى ضعف الحامية وقلة المؤن فى المدينة فلجأ إلى الخليفة طالبًا منه العون. ورد الأمير بأنه سوف يضع أمر الدفاع فى يد ظهير الدين (طغتكين) ومن ثم احتل ظهير الدين المدينة مرة أخرى وهيأ لها أسباب الدفاع. وفى شهر ربيع الأول (أبريل 1124 م) بدأ الحصار الثانى يضرب حول صور. فقد أقامت السفن البندقية نطاقا حول الميناء فى حين هاجمت الجنود المسلحة من البر أسوار المدينة ببرج من أبراج الحصار. وقد أبلى الجنود الدمشقيون بلاءً حسنًا فى الدفاع. وأنفذ المحاصرون جزءا من جيشهم لقتال طغتكين على حين كلف البنادقة بإبعاد الأسطول المصرى. ومضى القتال متقلبًا ينتصر فيه هذا الجانب مرة وينتصر الآخر مرة، ثم استقر رأى الصوريين بعد أن تفشت المجاعة فى المدينة على أن يسلموا إذا كانت شروط الفرنجة مرضية. وتولى طغتكين أمر المفاوضات مع قواد الفرنجة، وخير الأهالى المحاصرون بين ترك المدينة بزادهم أو أن يظلوا مقيمين فيها بشرط أن يدفعوا الفدية. وفى الثالث والعشرين (أو الثامن والعشرين) من جمادى الأولى (9 أو 14 يولية سنة 1124) خرج الأهالى من المدينة بين جنود طغتكين وجيش الفرنجة، وسكن بعضهم دمشق وبعضهم غزة.

وظلت صور، بعد هذا التسليم الذى هو أقصى ما بلغه الصليبيون من سلطان فى الشام، فى أيدى الفرنجة حتى سنة 1291 م. ويتحسر ابن الأثير على سقوط صور ويعده من النكبات الفادحة التى أصيب بها العالم الإسلامى، ذلك أن صورا كانت من أجمل الثغور وأمنعها ثم يزيد: "فاللَّه يعيده إلى الإسلام". وفى سنة 528 هـ (1133/ 1134 م) خرب شمس الملوك (بورى) صاحب دمشق، بعد غارة شنها الفرنجة على إقليم طبرية، صور وسائر البلاد الساحلية ثم عاد عن طريق الشعراء حاملًا غنائم عظيمة. وظهر أسطول مصرى سنة 550 هـ (1155/ 1156 م) فى ميناء صور وأغرق السفن التابعة للحجاج المسيحيين وغيرها، وعاد بكثير من الأسرى والغنائم النفيسة. وفى سنة 552 هـ (1157 م) ألم زلزال بصور وصيداء وبيروت وطرابلس وغيرها من البلدان فأصابها بخسائر. وبين أيدينا أوصاف لصور منذ عهد الصليبيين كتبها الإدريسى وابن جبير. ويبدى الإدريسى إعجابه بمصنوعاتها الزجاجية والفخارية وبقماش نفيس بالغ الرقة واللطف كان ينسج فيها. وقضى ابن جبير بها أحد عشر يومًا، فزودنا بوصف مفصل للمدينة ولاحتفال رائع أقيم بها أثناء زيارته. وكان لصور من ناحية البر ما بين ثلاثة أبواب وأربعة أبواب متعاقبات. وكان الداخل إلى المدينة من البحر بين برجين مرتفعين فيبلغ ميناء (ميناء صيداء القديمة) من أجمل موانى مدن الساحل جميعًا. وكانت الأسوار تكتنف هذا الميناء من ثلاثة جوانب، أما الجانب الرابع فكان يكتنفه سور فى أسفله مدخل معقود ترسو تحته السفن. وهذا المرفأ الداخلى كان يمكن إغلاقه بسلسلة ضخمة تمد بين البرجين. ولما استولى صلاح الدين على بيت المقدس وعلى معظم المدن الساحلية مضى يحاصر صور وأقام معسكره أمامها (وكان ذلك فى الخامس من رمضان سنة 583، أو فى 9 منه فى رواية آخرين = 8 أو 12 نوفمبر سنة 1187 م) واضطر أول الأمر إلى

الانتظار حتى يتم إعداد جيشه, فاستدعى ابنه الملك الظاهر من حلب وأخاه الملك العادل من بيت المقدس للانضمام إليه، وكان معه ابنه الثانى الأفضل وابن أخيه تقى الدين. وما إن قدم جنود الحصار بمنجنيقاتهم حتى بدءوا يقذفون المدينة بالقذائف من أبراج متحركة. وأخذت عشر سفن من عكا تضرب حصارًا على الميناء. ولكن أسطول الفرنجة باغتها ودمر بعضها أو أغرقه، وردت هجمة على أسوارها. وعقد صلاح الدين مجلس حرب فقرر تأجيل الحصار إلى العام التالى بالنظر إلى قرب حلول الشتاء. وبدأ صلاح الدين وجيشه الانسحاب فى اليوم الثانى من ذى القعدة سنة 584 (= 3 يناير سنة 1188 فى رواية بهاء الدين، ويقول ابن الأثير إن ذلك كان فى آخر شوال أى فى أول يناير سنة 1188 م. ولم يكد محاصروها يرتدون عنها حتى دب النزاع بين الملك كى ده لوزينيان، الذى كان قد عاد وشيكا من الأسر، والمدافع المغوار عن المدينة كونراد ده مونتفرا. وقد كان عجز صلاح الدين عن الاستيلاء على هذا الثغر المنيع نكسة فى سجل انتصاراته الحربية. وكانت صور هى وشقيف أرنون هما المعقلان الوحيدان اللذان بقيا فى يد الفرنجة. وقد اجتمعت فى صور الجيوش القوية فى الحرب الصليبية الثالثة. ذلك أنه قد تدفقت عليها حاميات المدن التى استولى عليها صلاح الدين وتمكن من تحريرها باذلا الكثير من آيات البطولة. ومنها قام صلاح الدين بضرب الحصار على عكا فصرف ذلك انتباهه كله عن صور. وفى اليوم الخامس عشر من شهر ربيع الثانى سنة 588 (29 أبريل سنة 1192) اغتال الإسماعيلية المركيز كونراد الذى كان آنئذ يعيش فى صور بصفته ملك بيت المقدس. وقد عقد خليفته هنرى له شامبانى صلح الرملة مع صلاح الدين (سبتمبر سنة 1192) وقضى هذا الصلح بأن يظل الساحل من يافا إلى صور فى يد الفرنجة. ولما قامت حامية تبنين بحملة على صور وخربت أرباضها، بدأ الصليبيون فى أول صفر سنة 594 (13 ديسمبر

1197) يحاصرون تبنين. على أنهم حين سمعوا باقتراب الملك العادل ارتدوا عنها دون أن يفوزوا بطائل. وفى شهر شعبان سنة 597 (مايو - يونية سنة 1201) نزل بصور زلزال وفى سنة 600 هـ (1203 - 1204 م) أصابها زلزال آخر انهارت على أثره أسوارها القديمة؛ وقضى الصلح الذى عقد بين فردريك الثانى والملك الكامل صاحب مصر (1299 م) بأن تظل صور هى وعدد من مدن الساحل الشآمى فى يد النصارى علاوة على بيت المقدس. وفى السنوات التالية ازدادت قوة الفرنجة ضعفًا من جراء الصراع المتصل الذى نشب بين مدن الساحل والأسطولين البندقى والجنوى. وفى مايو سنة 1266 م، وفى سنة 1269, شن الملك القوى بيبرس حملتين على صور، ويقال إن السبب فى قيامه بالحملة الثانية هو الثأر لمقتل تاجر اغتيل فى صور وقدمت إليه أم التاجر ظلامتها فى بلدة خربة اللصوص. على أن بيبرس عقد مع أمير صور سنة 669 هـ (1270 - 1271 م) اتفاقًا قضى بأن يعطى هذا الأمير عشر نواح من أرض صور، وأن يختار الخليفة خمس نواح، وأن تخضع النواحى الباقية الحاكم مشترك. وقد دفعت مرغريت صاحبة صور ثمن صلح عقدته مع قلاوون تعهدت بمقتضاه فى أغسطس سنة 1285 بأن تؤدى له نصف خراج المدينة وألا ترمم حصونها أبدًا, فلما سقطت عكا سنة 1291 لم تستطع صور وغيرها من المدن القليلة الباقية فى أيدى الفرنجة أن تصمد. ذلك أن خليلا بعد أن استولى على صور أخذ يذبح سكانها أو يبيعهم فى سوق العبيد كما دمر المدينة نفسها. وقد كانت المدينة لا تزال خرابا يبابا فى عهد أبى الفدا (1321 م) والقلقشندى (حوالى سنة 1400 م) وخليل الظاهرى (حوالى 1450 م). ولم يجد فيه ابن بطوطة (1355 م) إلا آثارا قليلة من أسوار مرفئها القديم، ومن ثم ظلت المدينة موضعًا تافه الشأن. ولم يستطع فخر الدين أمير الدروز (1595 - 1634 م) أن يصلح من شأنها، وكذلك عجز الشيخ ظاهر العمر صاحب عكا

المصادر

وخليفته الجزار باشا فى النصف الثانى من القرن الثامن عشر. وأصاب زلزال وقع سنة 1837 المدينة بنكبة أخرى وبلغ عدد سكانها فى العصر الحاضر 6.500 نسمة (سنة 1841 م 3000 نسمة؛ سنة 1880 م 5000 نسمة؛ سنة 1900 م 6000 نسمة) نصفهم تقريبًا من المسلمين، وأقل من ذلك الروم واللاتين الكاثوليك والبقية من اليهود. المصادر: (1) الخوارزمى: كتاب صورة الأرض، طبعة V.Mzik فى Bibl arab Histor Geogr، ليبسك 1926؛ جـ 3، ص 19, رقم 260 (2) البتانى: Opus astronom، طبعة نالينو، جـ 2، ص 39، رقم 125؛ جـ 3، ص 237 (3) الفرغانى Elementa astronom، طبعة Golius، ص 37 (4) الإصطخرى: المكتبة الجغرافية العربية، جـ 1، ص 59 (5) ابن حوقل: المكتبة الجغرافية العربية، جـ 2، ص 114 (6) المقدسى: المكتبة الجغرافية العربية، جـ 3، ص 163 (7) ابن الفقيه: المكتبة الجغرافية العربية، جـ 5، ص 99، 100, 116, 123 (8) ابن خرداذبه: المكتبة الجغرافية العربية، جـ 6، ص 78، 98 (9) قدامة: المكتبة الجغرافية العربية، جـ 6، ص 255 (10) ابن رسته: المكتبة الجغرافية العربية، جـ 7، ص 84, 97 (وهو يتبع الفرغانى) (11) اليعقوبى: المكتبة الجغرافية العربية، جـ 7، ص 327 (12) المسعودى: المكتبة الجغرافية العربية، جـ 8، ص 43، 195 (13) ناصر خسرو: سفر نامه، طبعة شيفر، ص 11 (14) الإدريسي طبعة Gildmeister فى Z.D.P.V جـ 8، ص 11 (15) ابن جبير، طبعة رايت، ص 308 وما بعدها (16) ياقوت: المعجم طبعة فستنفلد, جـ 3، ص 433

(17) صفى الدين: مراصد الاطلاع، طبعة juynboll، جـ 2، ص 171 (18) أبو الفدا، طبعة رينو، ص 243 (19) البلاذرى: فتوح البلدان، طبعة ده غوى، ص وما بعدها، 143 (20) يحيى بن سعيد الأنطاكى، طبعة روزن ص 38 (= ص 57 وما بعدها من الترجمة الروسية) Zapiski imper. Akad Nauk 1883 م, جـ 44 (21) مؤرخو الحروب الصليبية (أبو الفدا، وابن الأثير، وابن ميسر وأبو المحاسن، وبهاء الدين وغيرهم) فى Recueil des hist. orient des croisades، جـ 3 فى مواضع مختلفة (22) كمال الدين: الزبدة فى Historic Merdasidorum: J.JMuller, بون 1829، ص 12، 14. (23) الدمشقى، طبعة مهرن، ص 213 (24) ابن بطوطة، طبعة دفرمرى وسانكوينتى، جـ 1، ص 130 (25) خليل الظاهرى، طبعة Ravaisse, ص 44 (26) العمرى: التعريف بالمصطلح الشريف، ص 183 فى R.Hartmann فى Z.D.M.G 1916 م، ص 38، تعليق 9، 10 (27) القلقشندى: صبح الأعشى، جـ 4، ص 153 (28) Annali dell: Caetani و Islam، 107, 320 (29) Palestine under the Moslems: Le strange, ص 342 - 345 (30) History o& Egypt in the Middle Ages: Lane-poole، لندن 1910, فى مواضع مختلفة (31) Expose de la relig. des Druzes: de sacy، جـ 1، 289, 292, 283 (32) Geschichte der stadt Tyrus zur zeit der Kreuzzuge: Leopold Lucas, برلين 1896 (33) The History of Tyre: Wallace B. Fleming, الدراسات الشرقية بجامعة كولومبيا نيويورك 1915, جـ 10، ص 80 - 132. خورشيد [هونكمان E.Honigmann]

الصولى

الصولى أبو بكر محمد بن يحيى: لاعب شطرنج ومؤرخ وأديب عربى، توفى سنة 335 أو 336 هـ (946 م). ولم يكن الصولى عربى الأصل شأنه فى ذلك شأن عدد من أعيان عصره. وقد جاء فى رواية أنه انحدر من صلب رجل يدعى "صول" كان مثل أخيه فيروز "ملكا" فى جرجان، أى من الولاة الترك الصغار، وقد أسلم الرجلان فى ولاية يزيد بن المهلب، ولازماه حتى وفاته سنة 102 هـ (720 م)، وكان معظم أحفادهما كتَّابا فى خدمة الخلفاء، وقد اشتهر جد المترجم له خاصة وهو إبراهيم بن العباس المتوفى سنة 243 هـ (857 م) وجمع حفيده أشعاره (الأغانى، الطبعة الأولى، جـ 9، ص 21 - 35؛ ياقوت: إرشاد الأريب، جـ 1، ص 260 - 277). وقد استعرب أبو بكر الصولى تماما، وكان من أشهر شيوخه: ثعلب والمبرد، والسجستانى، وأبو العيناء وعون بن محمد. وكان لابن المعتز أثر كبير فى ذوقه الأدبى. وبرع الصولى فى الشطرنج بفضل اتصاله الوثيق ببلاط المكتفى (289 - 295 هـ = 902 - 908 م) مما أعانه على هزيمة الماورد أستاذ أهل زمانه فى هذه اللعبة، وأصبح من ثم مضرب المثل بالبراعة فيها، بل لقد وضعت قصة نسبت إليه أنه هو الذى اخترع الشطرنج (ابن خلكان، طبعة فستنفلد، رقم 659، ص 52). ويوجد من مصنفه: "كتاب فى الشطرنج" ومصنف سلفه العادلى مخطوطتان (القاهرة والآستانة؛ Quellenstudien zur Geschichte des Schachspiels: A.Van der Linde, ص 21 - 22, 333 - 337؛ وقد وضع كيس A.Giese وفاندرليند خطبة لنشر المخطوطتين؛ Das ercte Jahrtausend der schachliteratur: A.Van der Linde, ص 948). وغدا الصولى، من يوم أن هزم الماوردى، نديما للخلفاء؛ وكان بخاصة على صلة وثيقة بتلميذه السابق الراضى (322 - 329 هـ = 934 - 940 م: انظر المسعودى: مروج الذهب، جـ 8، ص 311, 339؛ التنوخى: نشوار المحاضرة ص 145؛ Die Renaissance des Islam: Mez، ص 132). على أنه اضطر فى السنة الأخيرة من حياته إلى الإلتجاء إلى البصرة لما رواه من خبر فى حق على (الفهرست، ص 150، س 26) حيث توفى مستترًا.

وأشهر ما عرف به الصولى المؤرخ تاريخه للعباسيين المعروف باسم "كتاب الأوراق فى أخبار آل عباس وشعرائهم"؛ وقد رتب الجزء الأول من هذا الكتاب ترتيبا تاريخيا، وساق فى الجزء الثانى مختارات من أشعار شعراء من أسرة الخلفاء وعدد من غيرهم من الشعراء. ولم يتم قط هذا الكتاب الذى كان يضم على الأقل خمسة مجلدات أو ستة (الفهرست، ص 150، س 7، ص 151, س 6). ولم يصل إلى أيدينا منه حتى الآن إلا متفرقات قليلة. ويوجد من الجزء الأول مخطوطات فى لينينغراد (المكتبة العامة، السنوات من 227 - 256 هـ؛ Zapiski, جـ 21، ص 101 - 102)؛ وفى القاهرة (مكتبة الأزهر: التاريخ رقم 443, السنوات من 295 - 318 هـ؛ Zapiski, الموضع المذكور، ص 99 - 100)؛ وفى الآستانة (جـ 3 Rescher, فى M.F.O.B, 1912، مجلد 5، جـ 2، ص 523)؛ وفى باريس (المكتبة الأهلية، المقتنيات العربية رقم 4836. السنوات من 322 - 329)؛ ويوجد من الجزء الثانى مخطوطات فى القاهرة (دار الكتب، التاريخ، رقم 594؛ Barthold فى Zapiski، جـ 18, 148. - 153 = مكتبة الأزهر، الأدب، رقم 487؛ Zapiski, جـ 21، ص 98 - 99)؛ وفى لينينغراد (Zapiski، جـ 21، ص 102 - 113). ولم يطبع من كتاب الأوراق إلا أقسام قليلة مثل: "أخبار الحلاج" (Zapiski، جـ 21، 137 - 141، وقد حللها ماسينيون تحليلا وافيا فى كتاب La Passion d'alHallaj, فى مواضع مختلفة) وبعض "أخبار أبان اللاحقى" (Aban al-Lahiqi etc.: A.Krimskij، 1913 م، (ص 1 - 43)، و"أخبار ابن المعتز" (Zapiski، جـ 21، ص 104 - 112). وللصولى كتاب آخر ليس أقل شهرة من كتاب الأوراق وهو "كتاب الوزراء" ولا نعلم عنه حتى الآن شيئًا فيما عدا ما نصادفه من الشواهد المأخوذة منه (ذكره الصولى أكثر من مرة فى كتاب الأوراق؛ وانظر أيضا: ياقوت: إرشاد الأريب، جـ 2، ص 131 - 132؛ جـ 5، ص 320؛ Amar: الفخرى فى Archives Marocains، جـ 16، ص 25). ومن كتب الصولى الأخرى كتاب "أدب الكتَّاب"، طبعه فى القاهرة محمد بهجت عن مخطوطة فى بغداد (1341 هـ = 1922 م)؛ وقد ألف هذا الكتاب فى عهد

الراضى (ص 163)، وهو كتيب صغير فى إرشاد كتاب الدواوين، يعد ضربا من الأدب شاع شيوعا كبيرا فى عهد متأخر وبلغ أوج ازدهاره بكتاب من عيون الكتب هو: صبح الأعشى للقلقشندى (وما يجدر ذكره أن القلقشندى، على معرفته الوثيقة بآثار الصولى، فإنه لم يستشهد بهذا الكتاب قط). أما فى ميدان الأدب الخالص فقد أقام الصولى لنفسه شهرة بنشره ديوان الشعراء العباسيين. وقد تناول الصولى الشعراء المحدثين: تناول السكَّرى للشعراء القدماء. ويوجد من "أخبار أبى تمام"، وهى بقلمه، مخطوطة فى الآستانة (Rescher فى M.F.O.B مجلد 5، جـ 2، ص 501 - 502). ومما نشره من دواوين المحدثين نذكر أخبار أبى نواس (Die literarische Tatigkeit Hamza al-Isbahanis: E.Mittwoch, برلين 1909 م، ص 42 وما بعدها)؛ ومسلم ابن الوليد (طبعة ده غوى, ص 8)؛ وابن المعتز (Gesch. der Arab Lit: Brockelmann، جـ 1، ص 81)؛ والبحترى وابن الرومى (مقتطفات نشرت فى القاهرة سنة 1924)؛ والعباس بن الأحنف (الأغانى، جـ 8، ص 15 - 25؛ جـ 15، ص 141 - 144)؛ والصنوبرى (Die Renaissance des Islam: Mez، ص 250) وكثير غير هؤلاء (الفهرست، ص (151 س 15 - 16؛ ص 161، س 16, 21؛ ص 166، س 3). وقد استشهد ياقوت بأخبار شعراء مصر، وهو للصولى (ياقوت: إرشاد الأريب، جـ 2، ص 5، 415 - 416؛ جـ 5، ص 454). وقد كتب المترجم له أيضًا قرابة اثنى عشر كتابًا آخر لا نعرف عنها، كما هو الشأن فى أمر كثير من الكتاب، إلا اسمها (الفهرست، ص 151، س 8 - 13؛ ابن خلكان، طبعة فستنفلد، رقم 659، ص 51؛ حاجى خليفة، جـ 2، ص 598, 4095, جـ 3، ص 144؛ الصولى أدب الكتاب، ص 175؛ أبو العلاء: رسالة الغفران، ص 147، س 8). ولم يشتهر الصولى خاصة بقرض الشعر، ومع ذلك فله أشعار يستشهد بها فى كثير من الأحيان (ساق محمد بهجت مختارات منها: كتابه المذكور، ص 14 - 18). ولم تكن الآراء التى قيلت فى أمانة الصولى حسنة، فقد استفاضت شهرة الأبيات الساخرة التى قيلت فى خزانة كتبه (ابن خلكان: المصدر المذكور،

المصادر

ص 54) ومنها يتبين أن بعض معاصريه كانوا يعدون علمه جميعًا إنما هو معرفة بكتب غيره. ويقول صاحب الفهرست (ص 129؛ س 27 - 28؛ ص 151، س 7 - 7) وياقوت (إرشاد الأريب، جـ 2، ص 58) عن كتابه "الأوراق" إنه عول فى تأليفه على كتاب المرثدى (هكذا يجب أن يضبط هذا الاسم الذى ورد فى الفهرست، ص 151، س 6: المريدي) "أشعار قريش"، بل نقله نقلا وانتحله (على أن المسعودى: مروج الذهب، جـ 1، ص 16 - 17, قد أورد رأيا أحسن من هذا فيه). وينعته ياقوت بالكذب (إرشاد الأريب، جـ 2، ص 10)؛ ويقول صاحب الفهرست إن الصولى لم يأت بشئ فى إخراجه "أخبار ابن هرثمة" وقد أخذ عليه كثيرا غروره وسقم ذوقه (انظر مثلا: الجرجانى: الوساطة، ص 260؛ ابن الأثير: المثل السائر، ص 289). أما تفاخره فقد عرف أيضًا عند الكتاب الفرس فى القرن الحادى عشر الميلادى (أبو الفضل البيهقى: فى Zapiski: Barthold، جـ 18، ص 151). وقد حلل ماسينيون حديثا جملة كبيرة من الآراء التى قيلت فى الصولى (la Passion d'al Hallaj: Massignon، جـ 2، ص 920، وفى مواضع مختلفة). ونتبين من هذا كله أن الصولى لا يمكن أن يعد مؤرخا من أصحاب المواهب البارزة، وإنما كان مصنفا جم النشاط لا يستطيع فى جميع الأحوال أن يميز كتابه من كتاب غيره، على أن ذلك لا يمس ما كان له من أثر فى عالم التأليف. ونذكر من تلاميذه المباشرين الدارقطنى، وابن شاذان، والمرزبانى وغيرهم. ولا يزال للصولى شأن فوق هذا، وهو أنه مصدر يستقى منه كثير من مؤرخى العرب وأدبائهم، بل إن معاصره الأصغر عريب ينقل عنه فى كثير من الأحيان كلمة كلمة. ويستشهد به على الأصفهانى أكثر من مائتين وخمسين مرة باعتباره مرجعا لتاريخ الشعراء العباسيين خاصة (لم يذكره كويدى Tables Alphabetiques: Guidi كما ذكر جميع الأسانيد). المصادر: (1) كتاب: الفهرست، طبعة فلوكل، ص 150، س 22 - ص 151، س 16؛ ص 156، س 4 - 6. (2) السمعانى: كتاب الأنساب، سلسلة كب التذكارية، ورقة رقم 357.

(3) ابن الأنبارى: نزهة الألبّاء، القاهرة 1924 م، ص 343 - 345. (4) ابن خلكان: وفيات الأعيان، طبعة فستنفلد، رقم ص 659، ص 51 - 55 = de slane، جـ 3، ص 68 - 73. (5) العينى: عقد الجمان، المتحف الأسيوى , 177، جـ 3، الورقتان 14 - 15. (6) حاجى خليفة: كشف الظنون، طبعة فلوكل، الفهرس. (7) Die Geschichtsschr.der Araber: Wustenfeld، ص 37, 115. (8) Gesch. der Arab.Lit: Brockelmann، جـ 1، ص 143, 5. (9) البستانى: دائرة المعارف 1900 م، جـ 11، ص 68 - 69. (10) Horovitz فى M.S.O.S. Westss.st.، 1907, جـ 10، ص 25 - 38. (11) Brathold فى Zapiski 1908 م، جـ 18، ص 148 - 153. (12) Hamasa Abu Temaina Taiskaga: Krinskij (بالروسية)، موسكوم 1912 م، ص 15 - 19. (13) المؤلف نفسه: Aban Lahikij etc، (بالروسية)، موسكو 1913, ص 9 - 11, 47 - 49. (14) زيدان: تاريخ آداب اللغة العربية، القاهرة م، جـ 2، ص 174 - 175. (15) krackowskij فى Zapiski، 1908 م، جـ 18، ص 77 - 78, 1913, جـ 21، ص 98 - 115, 137 - 140. (16) محمد بهجت الأثرى: أدب الكتاب تأليف الحمولى، القاهرة 1341 هـ , 8 - 18. أما عن الصولى لاعب الشطرنج فانظر بصفة خاصة ما كتبه: (17) Geschichte und Litteratur des Schachspiels: Antonius Van der Linde، برلين 1874، جـ 1، ص 97 - 98, 106 - 107. (18) المؤلف نفسه: Des Schachspiels، برلين 1881 م، ص 21 - 24، 333 - 337, 354 - 381. (19) المؤلف نفسه: Das erste Jahrtausend Quellenstudien zur Geschichte der Schachliteratur, ص 83 و 948. (20) History of Chess: H.J R. Murray, أوكسفورد 1913 م، ص 169 - 173, 176, 199 - 201, 235 - 240, 271 - 276, 306 - 317. خورشيد [كراتشكوفسكى Ign. Kratschkovsy]

صوم

صوم (¬1) صوم وصيام، مصدران من ص وم، وهما يستعملان من غير تمييز بينهما. والمعنى الأصلى للكلمة فى لغة العرب و"الركود والمقام" (¬2) (انظر. Neu Beitrage sem Sprachw.: Th.Noldeke, ¬

_ (¬1) الصوم من الأمور التعبدية التى يقوم بها المؤمن طاعة للَّه. والمسلم يصوم باعتبار أن الصوم ركن أساسى من أركان الدين. فلابد أن يكون الكلام فيه واضحًا دقيقا متميزًا بعيدًا عن إثارة الشبهات المتكلفة بدون مبرر علمى. وكاتب المادة ليس مسلما، والكاتب غير المسلم لا يعنيه عندما يكتب شيئًا فى الإسلام، ما يعنى الكاتب المسلم، ولذلك لا يجئ كلامه دقيقًا ولا كافيًا. ولهذا كان لا بد من التعليق على ما قاله كاتب المادة لإكمال الكلام واستيفاء عنصر التدقيق والتحقيق. وهذا قد اقتضى فى بعض المواضع العدول عن مجرد ترجمة عبارة الكاتب إلى الأخذ بالعبارة فى الأصل العربى الذى اعتمد عليه والذى هو أكثر دقة فى التعبير عن المقصود؛ لأن الكاتب فى بعض الأحيان قد أخذ المعنى الإجمالى وعبر عنه تعبيرا غير دقيق أو غير مفهوم. وبعض ذلك يرجع إلى عدم تحرى الضبط، وبعضه يرجع إلى عدم وجود مرادف لغوى دقيق لما فى اللغة العربية. ونحن عندما نعدل إلى الأصل العربى نكون أكثر تمسكا بالطريقة العلمية. هذا ولابد من تنبيه القارى إلى ما قد ينشأ حول موضوع البحث من تشويش فى بعض النقط ذات الأهمية الثانوية, وذلك بسبب انحراف الكاتب عن الطريقة العلمية الموضوعية. فالواجب عليه أن يتكلم فى أصل الصوم الإسلامى -وهو أمر تعبدى وركن من أركان الدين فى الإسلام- كما يجد ذلك فى المصادر التى يعتمد عليها. والتمسك بروح البحث العلمى الصحيح يحتم عليه الابتعاد عن الافتراضات الوهمية وعن الظنون التى لا تقوم على واقع أو دليل ونحو ذلك مما ينزع إليه طائفة من المستشرقين أصحاب الهوى من غمز للإسلام وإنكار أنه وحى من عند اللَّه، ولا مستند لهم فيما يصنعون إلا الهوى. ونحن قد نبهنا على ما استوجب التنبيه من كلام كاتب المادة، لكن لا بد من التنبيه إلى الدلائل القاطعة على صدق الوحى الإسلامى، وقد ألف العلماء قديمًا وحديثًا فى صدق الرسالة المحمدية. وفى كتب علم الكلام الإسلامى كثير من ذلك (راجع مثلا كتاب التمهيد للباقلانى: القاهرة 1947, ص 114 وما بعدها؛ وكتاب أصول الدين، إستانبول 1928, ص 161 وما بعدها؛ وكتاب الإرشاد للجوينى، القاهرة 1950، ص 338 وما بعدها؛ والاقتصاد فى الاعتقاد للغزالى القاهرة 1962، ص 103؛ والمواقف للإيجى مع شرح الجرجانى، إستانبول 1286 هـ وغيرها. . .) ومن خير ما كتبه القدماء كتاب تثبيت دلائل النبوة للقاضى عبد الجبار شيخ المعتزلة المتوفى حوالى عام 415 هـ، وهو ما يزال مخطوطًا بمكتبة شهيد على رقم 1575؛ وكتاب أعلام النبوة للماوردى، وهو قد طبع؛ ومنه مخطوط فى برلين رقم 2527، وفى القاهرة 6 ش (علم الكلام). وقد تناول القاضى عبد الجبار موضوع النبوة فى كتاب المغنى الجزء الخامس عشر، وقد تولى تحقيقه الأستاذ الدكتور محمود قاسم؛ وليرجع القارى أيضًا إلى كتاب "المطالب العالية" لفخر الدين الرازى، مخطوط القاهرة 45 م توحيد من ص 400 ط إلى 420 ط؛ وكتاب نهاية العقول فى دراية الأصول لفخر الدين الرازى أيضا، مخطوط، القاهرة 748 توحيد، الأصل السادس عشر، ص 83 ط - 140 ط ومما كتبه المحدثون كتاب "الوحى المحمدى" للشيخ رشيد رضا. (¬2) لم يذكر نولدكه المرجع العربى الذى اعتمد عليه. وهو يزعم أن كلمة صوم فى اللغة العربية بمعنى الكف عن الطعام والشراب كلمة أجنبية، وأن المعنى الأصيل للصوم فى لغة العرب هو الركود والمقام وأنه يمكن ذكر شواهد كثيرة على ذلك، وهذا الزعم يحتاج إلى مناقشة: =

ستراسبورغ 1910, ص 36؛ هامش 3؛ وانظر ما قاله S. Frankel من قبل فى de Vocab . . . in Corani Peregrine, ليدن 1880، ص 20، مادة quiescere). أما "الصوم" [بمعنى الإمساك عن الطعام والشراب] فيجوز أن يكون مأخوذًا عن الاستعمال اللغوى اليهودى - الآرامى، لما عرف محمد عليه الصلاة والسلام وهو فى المدينة شعيرة الصوم عن كثب (¬3). وهذا المعنى أصبح للكلمة فى ¬

_ = حقيقة إنه فى اللغة! صامت الشمس عند إنتصاف النهار إذا أقامت مكانها ولم تبرح، وصامت الريح ركدت، ومصام الفرس مقامه وموقفه، وصام النهار إذا اعتدل وقام قائم الظهيرة. ولكن فى اللغة أيضًا: الصوم مطلق الإمساك أو الكف عن الفعل. قال الخليل: الصوم قيام بلا عمل. وقال أبو عبيدة: كل ممسك عن طعام أو كلام أو سير فهو صائم. وأخيرا فى كلام العرب: صام الفرس أى أقام على غير اعتلاف، وصامت الخيل أى كفت عن السير. فنحن نلاحظ أن كلمة الصوم بمعنى الركود، وأيضًا بمعنى الإمساك عن الفعل، جارية فى لغة العرب، وهناك شواهد قديمة مذكورة فى المعاجم تدل على الاستعمال الأصلى القديم للكلمة. وإذن يدل كلام العرب على أن الركود والمقام ليس هو المعنى الأصلى الوحيد للكلمة، كما يؤخذ من كلام المؤلف، وفى عصر نزول القرآن كانت كلمات لا تحصى من لغة العرب قد تطورت من الدلالة الأصلية المادية إلى دلالات معنوية، وأصبح الصوم دالا على الركود والمقام ودالا كذلك على الإمساك عن الفعل، حتى كان العرب يسمون الصامت صائما لإمساكه عن الكلام، فلما جاء فرض الكف عن الطعام والشراب بحسب ما بينه الإسلام سمى ذلك صومًا وصياما، على أساس معروف. ولذلك نجد كل من تكلم عن الصوم من العلماء يذكر الدلالة الأصلية للكلمة وهى مطلق الإمساك عن الفعلا ثم الدلالة الشرعية، وهذا هو الحال بالنسبة لسائر الاصطلاحات الشرعية -راجع مثلا تفسير البيضاوى لآية الصوم، وكتاب التعريفات للجرجانى، وكشاف اصطلاحات الفنون (مادة صوم)، وراجع جميع الأبواب فى المرجع الفقهى الذى اعتمد عليه كاتب المادة حيث يذكر المعنى اللغوى ثم المعنى الشرعى الاصطلاحى للألفاظ. (¬3) إن ما يذهب إليه كاتب من تجويز أن يكون معنى كلمة صوم فى اللغة العربية بعد الإسلام مأخوذًا من الاستعمال اللغوى اليهودى الآرامى ظن صرف لا يؤيده أى دليل. وليس هناك ما يدل دلالة قاطعة على أن ذلك الاستعمال المزعوم أقدم من الاستعمال العربى الأصيل، بل العكس هو الصحيح؛ لأن اللغة العربية هى الأقدم بين اللغات السامية التى تفرعت عن اللغة الأم، وهى فى موطنها الداخلى آصل وأبعد عن التأثيرات الأجنبية. والكاتب كأنما يتجاهل أمرًا لا سبيل إلى الشك فيه، وهو أن الأصول اللغوية للمصطلحات الشرعية الإسلامية كانت موجودة فى اللغة العربية، كما كان يتكلمها أهلها فى البيئة التى نزل فيها القرآن الكريم، والإسلام هو الذى خصصها بمعان جديدة، لكن على أساس استعمالها اللغوى البخارى، ومن ذلك هذه الكلمة: صوم، التى كانت تدل -كما قدمنا القول- على مطلق الإمساك عن الفعل فخصصها الإسلام بالإمساك عن الطعام والشراب ونحوهما من لذات الحس والجوارح المدة المحددة لذلك، من الفجر إلى تمام غروب الشمس. ولولا أن القرآن الكريم جاء بلغة العرب المستقرة بينهم لما فهموه. =

نشأة فريضة الصوم

السور المدنية، أما فى السور المكية فهى لم ترد إلا مرة واحدة، فى سورة مريم الآية 26، والمفسرون يفسرونها "بالصمت" (ولذلك فإن هذه هى إحدى ترجمات الكلمة فى القواميس) لكن يجوز أن تترجم كلمة صوم هنا "بالصوم" (بمعنى الإمساك عن الطعام والشراب؛ انظر ما يلى)، ويذكر بعد الفعل ظرف الزمان الدال على الوقت الذى يقضيه الإنسان صائما. نشأة فريضة الصوم: لا يسوغ للإنسان أن يفترض افتراضا أوليا: أن الصوم لم يكن شعيرة معروفة فى مكة قبل زمان محمد (عليه الصلاة والسلام)، فلماذا لا يقال إن الحنفاء كانوا يزاولون هذه الرياضة الروحية، إذا عرفنا أنه كان يتجلى فى أسلوب حياتهم كثير من الخصال اليهودية النصرانية، وذلك على الأقل بحسب ما جاء فى الروايات (¬4). ¬

_ = ثم إن الصوم من حيث هو تكليف إلهى وطاعة شئ قديم، وما هو دليل كاتب المادة على أن الصوم لم يكن أقدم مما عند اليهود؟ لماذا لم يكن هناك صوم منذ آدم أو على عهد نوح أو إبراهيم عليهم السلام. والدلائل الحاسمة تدل على وجود تراث دينى لإبراهيم عليه السلام بين العرب وخصوصًا فى مكة. والعرب جميعًا يعرفون أن إبراهيم هو الذى بنى البيت الحرام. وفى جزيرة العرب بقى تراث إبراهيم فى ذرية أكبر أبنائه، وهو إسماعيل عليه السلام، وهذا التراث قد بقى عندهم حيًا بعيدًا عن الاضطراب زمانا طويلا. وعندما ننظر فى التاريخ الدينى عند العرب يجب ألا يغرب عن بالنا وجود تراث روحى أصيل عندهم يرجع إلى ما قبل اليهودية والنصرانية. ولما جاء الإسلام جاء خاتمة الوحى الالهى بانيًا على ملة إبراهيم عليه السلام وهى التوحيد النقى الخالص بعد ما أصابها بسبب اضطراب التراث الدينى عند اليهود ثم بسبب إغفالهم -لما دونوا تراثهم أخيرًا- كل ما كان هناك من تراث وإبراهيم بين أبناء إسماعيل، هذا إلى جانب ما أصاب الدين الحق الأصلى بسبب الاختلاف والتطاعن بين اليهود والنصارى وتسرب العناصر الغريبة إلى الدين عندهم وضياع التراث الحقيقى وطروء التغير عليه. وكيف يتصور أحد أن يكون معنى الصوم من حيث هو عبادة على صورة الكف عن الطعام والشراب. . إلخ. مجهولا عند أهل مكة بحيث لا يعرف معناه عن كثب إلا من يكون فى المدينة؟ إن الكاتب نفسه يقول فيما يلى بجواز أن يكون الصوم معروفا فى مكة قبل الإسلام، وهو إذا كان يتصور من عدم ورود كلمة "صوم" فى السور المكية، بمعنى الإمساك عن الطعام والشراب، أن معناه هذا كان مجهولا فهو استدلال ليس له أساس، وإذا كان بعض المفسرين قدر ان معنى "الصوم" -فى هذه الآية من سورة مريم- الذى نذرته السيدة مريم عليها السلام و"الصمت" فإن الصوم لا يمكن أن يطلق على الصمت إلا من جهة أن الصمت إمساك عن الكلام، فالصوم أساسًا هو الإمساك وقد يكون عن الكلام وعن غير الكلام. على أن بعض الروايات عند المسلمين تقول: إن صوم السيدة مريم كان صومًا عن الكلام وعن الطعام والشراب (راجع تفسير الرازى للآية). (¬4) حكم كاتب على الحنفاء ظنى، وهو لا يذكر دليلًا عليه، كما لم يذكر دليلًا على أن الصوم لم يكن أقدم من اليهودية. إن الحنفاء أو الحنيفيين الذين كانوا قبل الإسلام لم يأخذوا باليهودية ولا بالنصرانية =

ويدل على ظهور الصيام باعتباره رياضه اختيارية غايتها قهر الشهوات بين المسلمين الأولين فى مكة ما يغلب على الظن من أن محمدًا (عليه الصلاة والسلام)، وهو فى أسفاره الكثيرة، لاحظ هذه العبادة عند اليهود والنصارى. لكن لا يمكن القول بشئ يقينى فى ذلك (¬5). ¬

_ = وإنما كانوا موحِّدين من أهل الرزانة والجد المبتعدين عن مفاسد الجاهلية. وتدل تسميتهم بالحنفاء على صلة بدين إبراهيم؛ لأن إبراهيم كان معروفا عند العرب قبل الإسلام بأنه "حنيف"، والحنيف هو المائل عن الوثنية والشرك. وإذا كان القرآن قد سمى إبراهيم عليه السلام بهذا الاسم فلابد أن يكون لذلك أساس ما فى معارف المخاطبين بالقرآن. وفى الأخبار التى وعتها كتب العلماء المحققين ما يدل على بقاء أتباع لدين إبراهيم قرونا متطاولة، وعلى أن الحنيفيين الذين كانوا فى مكة كانوا يعرفون أنهم بقايا أتباع دين إبراهيم (راجع مثلا كتاب تاريخ الفلسفة فى الإسلام، تأليف دى بور، الطبعة الرابعة 1957؛ ص 22 - 32؛ وكتاب الملل والنحل للشهرستانى ط. القاهرة 1961 (كيلانى) جـ 2 ص 241). ولما جاء الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] بالإسلام أكد أنه جاء يبنى على دين إبراهيم عليه السلام. وكان العرب يعرفون من تراثهم الموثوق به أن إبراهيم عليه السلام هو بانى البيت الحرام فى مكة، وأن نسب الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] يتصل من طريق معد بن عدنان بإسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام، ولم يستطع العرب على شدة حرصهم على معارضة الإسلام، أن يثيروا ظلا من شك حول ذلك ولا أثاره علماء أهل الكتاب فى ذلك العصر. ونسب الرسول عليه الصلاة والسلام كان معروفا عند العرب وعند أهل الكتاب وهو مذكور فى كتب المؤرخين القدماء بحسب ما عرفه العرب وأهل الكتاب على السواء. ويتبين من كل ما تقدم أنه لا يوجد أساس لرد ما كان عليه الحنيفيون إلى يهودية ولا إلى نصرانية. وإذا كان فى الإسلام شئ موجود فى ديانات منزلة سابقة فذلك لأنه دين منزل مثلها، وهو قد جاء مصدقا لما قبله من الأديان ومصححا ومكملا لها. وما هو مشترك بينه وبينها ليس بتأثر ولا بتقليد وإنما هو تجديد التشريع المتقدم وتشريع جديد وذلك من قبل اللَّه باعث الرسل بالشرائع. والهدى الإلهى فى أصوله وروحه واحد. (¬5) اتضح مما تقدم، وحتى من كلام كاتب المادة نفسه، أن الصوم كان معروفا فى مكة، ولم يكن النبى عليه الصلاة والسلام بحاجة إلى أن يعرف ذلك من رحلات ولا من أسفار. وهو رسول يتلقى التعليم من اللَّه. والكاتب بقوله إنه لا يمكن القول بشئ يقينى يعترف بأن كلامه ظن. والباحث المحقق فى غنى عن مثل هذا. وهو إذ يزعم أن ما تحكيه السيرة والروايات الإسلامية يجوز أن يكون غير برئ من الغرض يقول كلاما مبهما ولا سبيل إلى معرفة مقصوده. فهل هو يقصد مثلا شيئًا من قبيل ما جاء فى الحديث الصحيح (البخارى مثلا كتاب الصوم) من أن قريشا كانت تصوم يوم عاشوراء فى الجاهلية؟ إن كلام الكاتب يثير الشك من غير دليل، وهو يعلم أن الروايات الإسلامية كانت موضع تمحيص من جانب العلماء، وهم لم يسجلوا إلا الصحيح. وما كان موضع نظر أو شك نبهوا عليه. أم هو يقصد شيئًا من قبيل ما روى فى السيرة من أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يتحنث فى رمضان؛ أو ما فى بعض الروايات الإسلامية من ان صوم رمضان كان قد فرض على الأمم السابقة. وما هو دليل كاتب المادة على أن اللَّه لم يتعهد الرسول بالهداية كما تعهد من قبله من الرسل، أو على أن الصوم لم يكن قد فرض من قبل. ومهما كان الأمر فإن صيام اليهود والنصارى شئ يفترق عن الصيام فى الإسلام =

ففى السور المكية ورد ذكر الصوم، كما تقدم القول، فى سورة مريم، الآية 26: صوت (¬6) يأمر مريم (عليها السلام) أن تقول {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا}. ويجوز أن الصوم هنا ليس معناه سوى "الصوم" [بمعنى الإمساك عن الطعام والشراب]؛ لأن الإمساك عن الكلام باعتباره صومًا نصرانيا (انظر أفراهاط، طبعة Parisot فى patrol. Syriaca، مجلد 1, ص 97) يجوز أنه كان معروفا لمحمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] لكن محمدًا [-صلى اللَّه عليه وسلم-] لم يكن على كل حال عارفًا بالتفصيلات لأنه لم يأمر بصوم يوم عاشوراء إلا بعد الهجرة لما رأى اليهود يصومونه (¬7)، وفى العام الثانى للهجرة، ¬

_ = ففيما يتعلق بصوم اليهود لم يفرض عليهم إلا صوم واحد (لاوين 16/ 29)، وبعد ذلك فى عصور مختلفة كان اليهود يصومون أياما فى مناسبات. وكان من مظاهر تقشفهم فى الصوم أنهم كانوا يلبسون المسوح على أجسادهم وينثرون الرماد على رؤوسهم ويتركون أيديهم غير مغسولة ورؤوسهم غير مدهونة ويصرخون ويتضرعون ويبكون. . وهكذا مما نقده السيد المسيح عليه السلام لأنه تظاهر (متى 6/ 16). أما الصيام عند النصارى فمن المعروف أن السيد المسيح عليه السلام لم يكن يصوم الأصوام الشرعية المعروفة من قبل، ولكن يذكر أنه صام مرة أربعين يوما بلياليها, لكنه لم يفرض صياما معينا، ثم جاءت الكنيسة ففرضت الصوم ونظمته. وإذن فالصوم يحسب الديانتين السابقتين، وكما حفظ تراثهما، تكوّن وتشكل مع تطور الحياة الدينية وطبقا لتنظيم الهيئات الدينية (راجع مادة "صوم" فى قاموس الكتاب المقدس. ط بيروت 1901، جـ 2، ص 31 - 32, وما كتبه الأب قنواتى عن الصوم اليهودى والنصرانى فى مقدمة كتاب "إتحاف أهل الإسلام بخصوصيات الصيام" لابن حجر الهيثمى، القاهرة 1961، ص 29 - 40). إن الصوم الإسلامى جاء بالنسبة لما عقد اليهود والنصارى شيئًا جديدًا, وهو فرض صيام شهر بأكمله. وهذا الصوم له شروط وآداب مفصلة، وهو ليس مجرد كف عن الطعام والشراب ونحوهما من الجسديات ولا هو تقشف ظاهرى، وإنما هو حياة روحانية، حياة ذكر وفكر، وإحسان وبر، وتخلق بمكارم الأخلاق. (¬6) يقصد كاتب المادة قوله تعالى: {فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي}، والضمير الفاعل فى قوله فناداها يعود إما على عيسى وأما على جبريل عليهما السلام. (¬7) أية تفصيلات هذه التى يقصدها كاتب المادة! ؟ وهل هناك تفصيلات يمكن أن تعرف! ؟ وهو إذا كان يريد الروايات الصحيحة فإن فى حديث البخارى، كتاب الصوم، عن عائشة أن قريشًا كانت تصوم يوم عاشوراء فى الجاهلية وأن الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] كان يصومه. ويجوز أن يكون ذلك عند قريش من قبيل العادات أو العبادات التى يعرف أصلها أو لا يعرف، وهذا يحدث كثيرًا ومن المعلوم أن قريشًا لم تكن على اليهودية. على أنه لما ذهب الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] إلى المدينة ووجد ان اليهود يصومون يوم عاشوراء وسأل عن ذلك وقيل له إنه يوافق يوم نجاة موسى عليه السلام وإن موسى صامه فعند ذلك صامه الرسول وأمر بصيامه قائلا: إنه أحق بموسى من اليهود، وهذا من جانب الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] تشريع يقوم على فكرة وليس تقليدًا. ثم بعد أن فرض صيام رمضان أصبح صيام يوم عاشوراء صياما اختياريًا. وكان النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] يريد تأكيد استقلاله فى =

بحسب الرواية الإسلامية المجمع عليها والجديرة بالتصديق (انظر Mohammed en de jaden to Medina: A.J.Wensinck, وهى رسالة قدمت للجامعة للحصول على درجة الدكتوراه فى الفلسفة، ليدن 1908 ص 136 - 137, خلافًا لما يقوله مثلا Das Leben and die Lehre des Mohammad: A. Sprenger، جـ 3، ص 53 - 59). نسخت آيات الصوم فى سورة البقرة (الآيات 183 - 185) وجوب صوم يوم عاشوراء وأحلت محل ذلك وجوب صيام شهر رمضان (¬8). وفيما يتعلق بمسألة السبب الذى من أجله اختار محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] شهر رمضان بالذات والمصدر الذى أخذت عنه شعيرة الصوم الإسلامية، قيلت آراء عديدة (¬9)، وبقول الإسلام إنه هو الصوم الذى فرضه اللَّه على اليهود والنصارى، لكنهم أفسدوه، فأعاده الإسلام إلى صورته الصحيحة (¬10) ويذهب شبرنكر (Sprenger: فى موضع آخر من كتابه المذكور، جـ 4، ص 55 وما بعدها) إلى أنه تقليد للصوم الأربعينى عند النصارى؛ ونولدكه وشفالى (Geschichtes des Qorans: NoldekSchwally، جـ 1، ليبسك 1909، ص 180، ¬

_ = تشريعه ورغبته فى مخالفة اليهود فكان ينوى أن يصوم التاسع لكنه [-صلى اللَّه عليه وسلم-] توفى قبل ذلك (راجع البخارى, كتاب الصوم، باب صوم يوم عاشوراء؛ وصحيح مسلم: كتاب الصوم، باب أى يوم يصام فى عاشوراء). على أنه فى حديث أبى هريرة، وبحسب ما يقوله اليهود أيضًا، أن يوم عاشوراء هو الذى استوت فيه سفينة نوح عليه السلام على الجودى فصامه نوح شكرًا (هذا الحديث رواه الإمام أحمد -راجع مجمع الزوائد القاهرة 1952، جـ 3، ص 184). ولا عجيب أن يكون الصوم للعبادة أو للشكر أقدم من صوم اليهود، ولا عجيب أن يتخذ النبى الصادق، بتشريع جديد منه، سنة نبى سابق سنة له؛ لأن الأنبياء هداهم واحد، واللاحق منهم يصدق السابق. (¬8) لكن صوم يوم عاشوراء ظل اختياريا كما تقدم القول. (¬9) كلام كاتب المادة هنا غير علمى؛ لأنه لا يقبل صحة الوحى المحمدى وأصالته، مع توفر الأدلة الحاسمة، على صحة هذا الوحى وتميزه عن كل ما عداه. أما كلامه عن سبب اختيار شهر رمضان للصيام أو لنزول القرآن فهو بحث عن شئ لا سبب له سوى الاختيار الإلهى الذى نعرفه من التعليم الإلهى. وقصارى ما يصل إليه من يحيد عن قبول الأدلة على صدق رسالة الإسلام، هو أن يلتمس أنواعا من التشابه السطحية أو العارضة بين الصوم الإسلامى وغيره وهذا لا يصلح طريقًا فى الاستدلال ولا يقدم أصحابه فى فهم الإسلام شيئًا، بل هو يحول بينهم وبين إدراك يتميز الصوم الإسلامى عن اليهودى والنصرانى والمانوى وعن كل صوم معروف لنا. (¬10) راجع فى هذا مثلا: تفسير الفخر الرازى لآية الصوم، وأيضًا تفسير ابن كثير للآية نفسها، حيث يروى أن صوم رمضان فرض على الأمم من قبل.

هامش 1) يشيران إلى مشابهة الصوم الإسلامى لنوع الصوم عند المانوية. لكن فنسنك A. J. Wensinck (فى بحثه الذى عنوانه: Arabic New Year and the Feast of Tabernacle Ak. W. Amst, السلسلة الجديدة، مجلد 25، رقم 2، 1925 ص 1 - 13؛ وانظر أيضًا Over de israelietische verstendagen: M.Th.Houtsma فى Versl. Med. Ak. Amst. Afd.Letterk، مجلد 4، السلسلة الثانية [1898] ص 3 وما بعدها، أمستردام 1898) نبّه على الصبغة المقدسة التى كانت لشهر رمضان خاصة فى العصر السابق على الإسلام (بسبب مجئ "ليلة القدر" فيه -وكانت أيضًا معروفة عند العرب قديما). وبذلك فتح فنسنك بابًا لإمكان البحث عن حل لمشكلة شهر رمضان فى هذا الاتجاه [انظر مادة رمضان] (¬11). ¬

_ (¬11) لم أجد فى مادة رمضان من هذه الدائرة ما يثبت ما يقوله كاتب المادة من قداسة خاصة لشهر رمضان فى الجاهلية -هذا مع أن الكاتب يحيل قارئه على مادة رمضان. وكان يجب عليه هنا أن يثبت ما يقوله خصوصا أن مادة صوم كتبت بعد مادة رمضان، على أنه إذا كان كلامه فيما يتعلق بقداسة رمضان من قبيل قوله فيما يلى مباشرة من أن ليلة القدر كانت معروفة عند العرب قديما فالكل لا بد له من دليل. وليس فى هذه الدائرة مادة مستقلة خاصة بليلة القدر. ثم ما هو الاتجاه الذى فتح فيه فنسنك الباب لإمكان البحث عن حل لمشكلة شهر رمضان؛ هل المقصود أنه كان مقدسا من قبل ولذلك فرض الإسلام صومه؟ أى بأس بذلك! ؟ وإذا كان كاتب يقصد شيئًا من قبيل ما فى بعض الروايات الإسلامية من أن صوم رمضان كان مفروضا على الناس قبل مجئ الإسلام لكن الناس غيروا وأفسدوا، وجاء الإسلام بفرضه شهر رمضان يعيد الأمر إلى ما كان عليه، فلماذا لا يقول ذلك بوضوح وصراحة؟ إن هذا شئ لا عجيب فيه لأن الوحى الإلهى سلسلة متصلة وكل حلقة منها تكمل ما قبلها أو تصلحها إذا فسدت أو تعدلها. ومن الميزة والفضل للرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] أنه جاء مصدقا لما بين يديه من حق مصلحا له من الخطأ الذى طرأ عليه. وقد شرع له بعض ما شرع للأنبياء من قبل وهذا من علامات صحة رسالته. وهو إذا كان قد جاء بما يصحح ما سبق وبما يكمل الهدى الإلهى فذلك من علامات صحة رسالته أيضًا. أما إذا كان الكاتب يريد أن يفسر فرض صوم رمضان تفسير، طبيعيا دون رد ذلك إلى التعليم الإلهى فتفسيره غير صحيح. لأنه كانت هناك فى الجاهلية أشهر حرم كما يدل القرآن على ذلك، لكن رمضان لم يكن منها، ومع ذلك فرض صومه ولم يفرض صومها. وأيضًا كان النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] يكثر الصوم فى شعبان، ومع ذلك لم يفرض صوم شعبان. ثم إنه يؤخذ من كلام كاتب المادة أن قداسة رمضان فى نظر أهل الجاهلية ترجع إلى معرفتهم بأن ليلة القدر تجئ فيه، فما دليله على ذلك؟ إن القرآن نفسه يدل على أنها لم تكن معروفة قبل ذلك، ويدل الحديث الشريف (البخارى - كتاب الصوم) على أنها لم تكن معروفة على التحديد بين ليالى رمضان. على كل حال لو رجعنا إلى مادة رمضان التى يحيلنا كاتب المادة عليها لوجدنا أنواعا عجيبة من =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = الاستدلال، نجد تعلقا بأوهام ومزاعم وفروض لاسند لشئ منها, ولا يظفر قارئها بنتيجة واحدة تلزم عن مقدمتها. وهاك أمثلة من ذلك: يزعم بليسنر M.Plessner كاتب مادة رمضان ان صوم رمضان فرض للاستعاضة عن صوم عاشوراء. وهذا زعم لا أساس له، لأن الصوم من حيث هو رياضة روحية وارتفاع بالإنسان عن الحياة الحيوانية، يجب أن يكون من أركان كل دين حق، والقرآن إذ يذكر فرض الصوم على المسلمين يذكر أنه فرض على الأمم الذين من قبل وذلك لأنه سبيل للتقوى. والصوم الذى كان يصومه اليهود هو صوم الكفارة الذى ذكر فى سفر اللاويين، إصحاح، 16/ 29, وهو صوم تكفير وتطهير يحصل يوما واحدًا فى السنة، وهو لا يذكر مستقلا بل فى سياق طقوس شكلية معتدة، ولا يذكر لفظ الصوم صراحة، بل يذكر "تذليل النفس" فأين هذا من فرض شهر كامل للصوم فرضا صريحا ظاهر الهدف! ؟ وليرجع القارئ إلى سفر اللاويين ليرى بعد ما بين التكفير وصومه عند اليهود وبين صوم رمضان فى الإسلام. مثال آخر: يذكر بليسنر بحثا كتبه كويتين F.Goitein عن رمضان وفيه لفت النظر إلى "التوافق بين رسالة محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] ونزول الألواح الثانية من شريعة موسى عليه السلام وقد جاء فى الروايات أنها نزلت فى يوم الكفارة (عاشوراء السابق الشبيه لرمضان) فكان ذلك هو السبب فى جعله يوما دينيا. ما هذا الكلام؟ وأى علاقة منطقية أو واقعية أو تاريخية، وأى شبه هناك بين نزول وحى على نبى فى يوم معين وفرض صوم شهر فى دين آخر بعد نحو من ألفى عام، أى علاقة بين يوم من شهر يتخذ يوم كفارة فى دين وفرض شهر كامل آخر ليكون شهر حياة روحانية وعبادة وبر فى دين آخر! ؟ . مثال آخر: يذكر بليسنر عن كويتين أنه استعيض فى الإسلام عن صوم يوم عاشوراء بالأيام العشرة لا بشهر كامل، وهذا هو الذى يفهمه كويتين من عبارة {أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ} فى آية الصوم، ثم يقول إن ذلك يتفق مع أيام التوبة العشرة السابقة على يوم الكفارة والتى بقيت إلى اليوم ماثلة فى أيام الاعتكاف العشرة. وظاهر تمامًا أن هذا الكلام كله ليس له سند أصلا. فقد كان صوم المسلمين يوم عاشوراء بحسب الفكرة القى أشرنا إليها فيما تقدم فى السنة الأولى للهجرة، وفى السنه الثانية فرض صوم شهر رمضان ولم يفرض على المسلمين صوم عشرة أيام كما يزعم كويتين. فأما معنى عبارة {أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ} فإنه بعيد عما فهمه كويتين كل البعد. فعند بعض المفسرين أن معناها هو ما كان واجبا قبل فرض شهر رمضان، وهو صوم يوم عاشوراء أو صوم ثلاثة أيام من كل شهر؛ وعند البعض الآخر من المفسرين أن معنى العبارة هو رمضان نفسه (راجع مثلا تفسير البيضاوى وتفسير الفخر الرازى لآية الصوم) ويكون معنى معدودات هو: "مؤقتات بعدد معلوم" أو"محصيات" أو محددة العدد لها بداية ونهاية تجعلها معينة. هذا ما يذكره بليسنر متابعا لكويتين، ثم هو يزيد من عنده ما يدل على تعلقه بأوهام أخرى: من ذلك زعمه أن آراء المسلمين فى ليلة القدر التى نزل فيها القرآن بحسب ما جاء فى سورة القدر تتفق من عدة نواح مع يوم الكفارة عند اليهود؛ وهذا، فى زعمه، يرجح آراء كويتين بعض الترجيح على الرغم مما يعترضها من صعوبات مثل عدم استطاعته تعليل استقرار فريضة الصوم عند شهر برمته. ويوم الكفارة عند اليهود ليس سوى يوم كفارة وتطهير مقترن بطقوس شكلية كما تقدم القول، وهو فى عاشر يوم من الشهر السابع من السنة العبرية. أما ليلة القدر فهى فى العشر الأواخر (دون تعيين) من رمضان وهو الشهر التاسع من السنة العربية. وليس فى التوراة أكثر من وجوب التكفير والتطهر فى يوم الكفارة، وليس فيها شئ عن قيمة اليوم فى نفسه -هذا على خلاف ما جاء فى القرآن الكريم من تعظيم ليلة القدر فى ذاتها، من أنها {خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} أو أنها =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = {لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ} (سورة القدر آية 3؛ سورة الدخان، آية 3، فيها نزل القرآن، وفيها تنزل الملائكة والروح، وفيها السلام والرحمة والنعمة من اللَّه؛ فى ليلة القدر يتجه المسلمون إلى اللَّه ليغمرهم بفضله ورحمته، واللَّه جعلها لذلك ليلة القدر "ليلة" وليست "نهارًا"، والعبادة والإنابة فيها عبادة ليلية، فليس فيها صوم بل فيها عبادة قلبية وقيام وتهجد وذكر وفكر. والمغفرة والرحمة الإلهية تتبعان ذلك، هذه المعانى كلها وغيرها مما يحيط بليلة القدر يجعلها شيئًا آخر مغايرا ليوم الكفارة -وليرجع القارئ إلى ما يتصل بليلة القدر فى كتب التفسير مثل تفسير الفخر الرازى. أما ما يتصوره كويتين من علاقه بين الاعتكاف فى العشر الأواخر من رمضان وبين أيام التوبة السابقة على يوم الكفارة، فإنها علاقة لا وجود لها إلا فى خياله. والاعتكاف فى رمضان مرتبط بليلة القدر وقد اعتكف الرسول عليه الصلاة والسلام فى غير رمضان أيضًا. ومن ذلك أنه يقول إنه يمكن دعم وجهة نظر كويتين بذكر أن ليلة البراءة تقع قبل رمضان فى منتصف شهر شعبان، ثم يقول إن الآراء والشعائر التى وصفها فنسنك فى مادة شعبان، وهى تتصل بهذه الليلة، تشبه إلى حد ما آراء اليهود المتعلقة بأول يوم فى السنة الجديدة، غير أن هذا اليوم يسبق يوم الكفارة بفترة أقل من الفقرة التى تسبق بها ليلة البراءة شهر رمضان مما يقوى الصلة بين ليلة البراءة ويوم الكفارة. ولابد أن نلاحظ أولًا أن بليسنر يشير علينا بأن نرجع إلى مادة "ليلة البراءة" فنجد هنا مجرد إحالة على رمضان. وفى مادة شعبان التى كتبها فنسنك نجد كأنه يستدل من كفرة صوم النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فى شعبان على أن شهر شعبان كان له من الشأن فى بلاد العرب قديما ما لشهر رمضان. وهذا استدلال غير لازم. وإذا أردنا رأى الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وجدنا -فيما يروى- أنه بيّن سبب إيثاره لشهر شعبان، وهو أن اللَّه يكتب فيه على كل نفس ميتة تلك السنة، فكان يصوم لأنه كان يحب أن يأتيه أجله وهو صائم (راجع كتاب الترغيب والترهيب، كتاب الصوم باب الترغيب فى صوم شعبان). ثم إن فنسنك يقول إن ليلة نصف شعبان تعرف بليلة البراءة، أى ليلة غفران الذنوب، ولا يذكر أن هذه الليلة كانت معروفة قديما. وهو يذكر بعض التصورات الشعبية المتعلقة بليلة النصف من شعبان ويذكر عن الترمذى (السنن فى كتاب الصوم، باب 39) أن اللَّه ينزل فى ليلة النصف من شعبان إلى السماء الدنيا وينادى الناس ليغفر لهم. فى هذا الموضع من الترمذى لا يوجد سوى قول النبى عليه الصلاة والسلام أن اللَّه ينزل ليلة النصف من شعبان إلى السماء الدنيا فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم كلب، أما نداء اللَّه للناس: ألا من مستغفر فأغفر له، ألا من مسترزق فأرزقه، ألا كذا ألا كذا! ؟ فهو فى روايات أخرى متعلقة بنصف شعبان (راجع مثلا الترغيب والترهيب، كتاب الصوم، باب الترغيب فى صوم شعبان). والآن نعود إلى ما يزعمه بليسنر من علاقة بين ليلة نصف شعبان وبين يوم الكفارة. الواقع أنه يبحث عن أصل لم خذت منه فى رأيه ليلة نصف شعبان، والحق إنه ليست بين يوم الكفارة وليلة النصف من شعبان علاقة. فذاك يوم التكفير عن الذنوب؛ وهذه ليلة دعاء بالاتجاه إلى اللَّه لا ليغفر الذنوب فقط بل ليمنح الرزق والعافية. . . وهى "ليلة" وليست "نهارًا". وإذا كان المسلمون يتوجهون إلى اللَّه فى هذه الليلة طالبين المغفرة فهم يطلبون غيرها, وليس عند اليهود فيما يتعلق بيوم الكفارة ذلك المعنى العظيم، وهو نزول الرحمة والألطاف الإلهية على البشر، وهذا هو معنى نزول اللَّه تعالى إلى السماء الدنيا. فليس المقصود نزولا حسيا ولا مكانيا، بل المقصود إفاضة الرحمة والمغفرة والنعم والعافية على الناس. على أنه يجوز أن يكون ما ورد فى ليلة النصف من نزول المغفرة على المستغفرين سببا فى تصور بليسنر ارتباطها بيوم الكفارة. =

والأحكام الأولى للصوم فى الإسلام جاءت بها الآيات (¬12) 183 - 185 من سورة البقرة، وهى آيات مترابطة (Noldeke-Schwally، ص 178 خلافًا لما ¬

_ = نعم إذا أخذنا بنص الحديث المروى عن النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وجدنا أن هذه الليلة منذ الغروب إلى طلوع الفجر ليلة مغفرة. إلخ (الترغيب والترهيب، الموضع المتقدم الذكر). لكن فى القرآن أن اللَّه قريب من الداعى، وفى الحديث أنه يبسط يده بالليل ليتوب مسئ النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسئ الليل. وفى حديث أبى هريرة -وهذا حديث أخرجه الستة إلا النسائى- "ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الأخير فيقول: من يدعونى فأستجيب له؟ من يسألنى فأعطيه؟ من يستغفرنى فأغفر له؟ " (تيسير الوصول، القاهرة 1346، جـ 2، ص 56). إن التوجه للَّه بطلب المغفرة والرحمة والأنعام ليس له وقت معين، وكذلك إنعام اللَّه علينا ليس له وقت معين، لكن اللَّه يخصص أوقاتا للوقوف بين يديه ومناجاته وسؤاله وذلك لكى يتعود الإنسان على ذلك ويدخل فى نظام حياته على نحو مطرد فتتهيأ نفسه وتتخلص مما يعتريها من أنواع الكدر والغفلة بسبب ملابسة أمور الحياة الدنيا. وأخيرًا فإن ليلة النصف من شعبان ليست "نهار" صوم بل هى وقت اختير لمناجاة اللَّه وسؤاله. وهى ليست مناسبة طقوس من النوع الوجود فى يوم الكفارة. ونحن لم نقصد مما ذكرناه وعلقنا عليه من كلام كاتب المادة أو كلام غيره إلا أن نبين عدم الدقة وقلة التثبت واليقين فى آرائهم -وقد صرفنا النظر عن أوهام أخرى لكويتين حكاها بليسنر. إن الإسلام، من حيث هو عقيدة وشريعة وأخلاق وفضائل، وحى إلهى أصيل متميز، وهو إن شابه الوحى السابق فى أمور فذلك لأنه جاء من عند اللَّه مصدقا لما بين يديه ولأن هناك أمور، تقضى بها طبائع الأشياء. لكن كاتب المادة وكثيرين غيره من الباحثين لا يريدون أن يسلموا بذلك، مع أنه لا يوجد أى دليل على وجوب وقوف الهداية الإلهية للبشر عند اليهود والنصارى. هذا الموقف الذى وقفه كاتب المادة وغيره هو أساس الخطأ فى البحث، فهو يعمد إلى الدراسة المقارنة ملتمسا أى وجه شبه، حتى لو كان ظاهريا واهيا، بين ما هو إسلامى وغير إسلامى بقصد رد ما هو إسلامى إلى غيره، وفى ذلك لا نجد سوى التعلق بالفروض والأوهام. هذه الطريقة لا فائدة لها ولا تنهض على أساس سليم ولا تقدم معرفة ذات قيمة، وهى التى حجبت عن أنظار أصحابها جوهر الحقيقة. هى حجبت عنهم أولًا الحقيقة الكبرى, وهى أن الإسلام دين حق ووحى إلهى صحيح جاء به رسول صادق، وحجبت عنهم ثانيا إدراك ما فى التعليم الإلهى الإسلامى من حكمة وأعماق وأسرار ومن مميزات تميزه عن غيره. إن الأولى بالباحث الذى يريد أن يكون لبحثه ثمرة هو أن يبحث التعليم الإلهى السابق وما تعرض له من ضياع ونسيان وانتحال وما أصابه من اضطراب وصل إلى التناقض، ثم يتفكر ليدرك؛ أن حكمة اللَّه تقتضى ألا يترك هدايته للبشر على هذه الصورة بل تقتضى أن يصححها ويكملها بالوحى الإسلامى! ؟ (¬12) هذه الآيات هى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (184) شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}.

يقول Handbuch des islamischen Gesetzes: Th.W.Juynboll, ليدن - ليبسك 1910 م، ص 114، من أن الآية 185 نزلت فيما بعد. والبيضاوى أيضًا يذهب إلى أنها نزلت متفرقة). وكان الصوم واجبًا إيامًا معدودات وعلى التحديد فى شهر رمضان، {الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} (¬13). وسمح للمرضى أو لمن يكونون على سفر بتيسيرات خاصة بشرط أن يؤدوا فدية (¬14). وقد أطاع المسلمون هذا الأمر الإلهى فكانوا يصومون رمضان، وأهل الورع منهم كانوا يصومون من الغروب إلى الغروب متابعة لليهود، إلى أن نزل الوحى (سورة البقرة، الآية 186) بقصر الصيام على النهار (¬15) (البخارى: كتاب ¬

_ (¬13) كان الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] قبل فرض صوم رمضان يصوم ثلاثة أيام من كل شهر لا من شهر رمضان وحده. (¬14) هذا كلام كاتب المادة، وهو غير دقيق ولا شاف لأن الفدية تكون بالنسبة للقادر على الصوم ولو لم يكن مريضا ولا مسافرًا وكان هذا فى أول الأمر بحسب قوله: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} ثم نسخ ذلك وأصبحت الفدية فى حق من كان شيخا أو عجوزًا ضعيفًا أو مريضا لا يرجى برؤه. وفى طريقة تعبير القرآن (يطيقونه، وبحسب قراءات أخرى: يطوقونه أو يتطوقونه) ما يشعر بأن المقصود بالفدية هم القادرون، لكن مع الجهد والمشقة لسبب غير المرض العارض وغير السفر. والحديث صريح فى نسخ قوله {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ} بقوله {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} (راجع البخارى: كتاب الصوم) راجع مثلا فيما يتعلق بمراحل فريضة الصوم تفسير ابن كثير لآية الصوم. (¬15) يقصد كاتب المادة قوله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} الآية 187. وقول كاتب المادة إن أهل الورع هن المسلمين كانوا يصومون من الغروب إلى الغروب كما يصوم اليهود كلام غير صحيح، وهو استنتاج خاطئ أو فهم خاطئ للنصوص، فالذى يؤخذ من حديث البخارى الذى يشير إليه الكاتب هو أنه فى أول الأمر كانت الفترة التى يأكل فيها المسلمون ويشربون تمتد ما بين الغروب، وهو موعد الأفطار، وبين أن يناموا، وهذا يكون طبعا بعد صلاة العشاء أو صلاة العتمة أو العتمة باختصار. وهذا هو معنى ما نجده فى كلام العلماء من أن المسلمين كانوا فى أول الأمر يصومون من العشاء الآخرة إلى العشاء الآخرة أو من العتمة إلى العتمة (راجع تفسير الرازى لآية الصوم). وهم كانوا يحبون أن يقضى من الليل شئ قبل أن يفطروا، وذلك على سبيل الوصال فى الصوم، ثم حدث أن أحدهم وهو قيس بن صرمة الأنصارى لم يجد طعاما عند الإفطار، فانطلقت امرأته بالطعام بعد أن كانت قد غلبته عيناه فقام ولم يستطع أن يأكل لأن الأكل بعد النوم لم يكن جائزًا. ووصل قيس صومه فى اليوم التالى فلما انتصف النهار غشى عليه. وذكر ذلك للنبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فنزلت آية {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} وقوله {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ}. =

الصوم، الباب 15 وغيره). على أن الصوم فيما عدا هذا يذكر فى القرآن فى سورة البقرة، الآية 6 حيث يُؤمر به بدلا من الحج فى بعض الأحوال (¬16)، وفى سورة النساء، الآية 92، حيث يؤمر بصيام شهرين متتابعين المؤمن الذى يقتل شخصا (¬17) من قوم بينهم وبين المسلمين ميثاق قتلا خطأ ثم لا يجد الفدية التى يجب تسليمها إلى أهل المقتول ولا يجد تحرير رقبة مؤمنة؛ وفى سورة المائدة، الآية 88: أنه يجب على المرء أن يصوم ثلاثة أيام كفارة اليمين الذى يحنث فيه (¬18)؛ وفى السورة نفسها، الآية 94: أن المرء يجب أن يصوم تكفيرا عن قتله الصيد وهو ¬

_ = وإذن فلم يكن الصوم فى أول الأمر من الغروب إلى الغروب، وإنما كان الإنسان لا يأكل بعد أن ينام، حتى ولو كان نومه فى أول الليل، ثم حدد وقت الطعام والشراب بظهور نور الفجر. ومن المعلوم أن النبى -صلى اللَّه عليه وسلم- حدد وقت الإفطار بالغروب وأمر بتعجيل الفطر، لكن البعض كان من باب الورع يحب أن يواصل الصوم حتى العشاء ثم يصلى ويأكل وينوى الصوم وينام. وبعد أن أذن بالطعام والشراب حتى الفجر صار البعض يواصل الصوم إلى الفجر وصار البعض يريد مواصلة الصيام إلى اليوم التالى فنهاهم النبى -صلى اللَّه عليه وسلم- (راجع البخارى؛ كتاب الصوم). فعلى أى الأحوال لم يكن الصيام من الغروب إلى الغروب. والصيام بعد الوقت المحدد للإفطار سواء للعشاء أو للفجر ورع إسلامى لا علاقة له بتقليد أحد. (¬16) يشير كاتب المادة إلى قوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}. ويؤخذ من كلام كاتب المادة أن الصوم فى بعض الأحوال يقوم مقام الحج، لكن الذى تدل عليه الآية هو إن المحصر -أى الذى يشرع فى الحج ثم يمنع من المضى إلى البيت وهو محرم- إذا أراد التحلل من الإحرام فإن عليه ان ينحر ما يتيسر من الهدى وإن الصوم يكون فدية تجب على من يحلق متحللا بسبب قهرى، وأنه أيضًا يجب على من لم يجد ما ينحره إذا تمتع بالعمرة إلى الحج، على ما تبينه الآية. وليرجع القارئ إلى تفسير هذه الآية عند البيضاوى وابن كثير مثلا، فضلا عن الرجوع إلى كتب الحديث، كتاب الحج، وكتب الفقه، ليرى أن كلام كاتب المادة يدل أبدًا على المقصود من الآية التى يستشهد بها. (¬17) يقول كاتب المادة "شخصا مؤمنا"، لكن هذا ليس موجودًا بصراحة فى الآية التى يشير إليها، لأن فيها "فإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق". وقد ذهب جماعة من العلماء إلى وجوب الدية كاملة، وكذلك تحرير رقبة مؤمنة حتى عندما يكون المقتول كافرًا، فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين. (¬18) صوم ثلاثة أيام هو أحد الكفارات، وهو الكفارة الأخيرة فى الترتيب بحسب معنى الآية: إطعام عشرة مساكين من أوسط ما يطعم الحالف أهله أو كسوتهم؛ أو تحرير رقبة؛ أو صوم ثلاثة أيام لمن لم يجد.

كيف يجب على المرء أن يصوم ومن الذى يجب عليه الصوم

مُحْرم (¬19)؛ وفى سورة المجادلة، الآية 4: أن على المرء أن يصوم شهرين متتابعين إذا ظاهر من زوجته وأراد أن يمسها (انظر أحكام الكفارة فيما يلى). وفى سورة الأحزاب، الآية 35 يوصف المسلمون الأتقياء بأنهم "الصائمون" علاوة على صفات أخرى كثيرة؛ وفى سورة البقرة، الآيتين 45 و 153 يفسر الصبر بأنه الصوم. والأحكام الواردة فى سورة البقرة الآيات 183 - 185، هى أساس ما فصله الفقهاء من أحكام الصوم، وقد أخذت من الحديث تفصيلات كثيرة. وما سنذكره فيما يلى إنما هو تلخيص أحكام الصوم على مذهب الشافعية، وهو مأخوذ عن رسالة أبى شجاع الأصفهانى التى عنوانها: مختصر فى الفقه بشرح أبى القاسم الغزى (المتوفى عام 918 هـ = 1522 م) وحاشية إبراهيم الباجوري (¬20) (المتوفى عام 1278 هـ = 1861 م) طبعة القاهرة. كيف يجب على المرء أن يصوم ومن الذى يجب عليه الصوم: الصوم فى الشرع هو الإمساك عن المفطرات طوال اليوم مع النية الخاصة لكل صوم مطلوب. والصائم يجب أن يكون مسلما عاقلا، فإذا كانت امرأة وجب أن تكون طاهرة من دم الحيض والنفاس (¬21) وبهذه الشروط يكون الصوم صحيحا. ويجب الصوم على كل بالغ قادر. ومما تجب ملاحظته أن المراد بالإسلام الذى هو شرط لصحة الصوم الإسلام بالفعل فى حال الصوم، على حين أن المراد بالإسلام الذى هو شرط لوجوب الصوم الإسلام ولو فيما مضى. فالمرتد صومه غير صحيح، لكن يجب عليه الصوم وجوب مطالبة بأن يقال له؛ أسلم بعد عودته إلى الإسلام يجب عليه أن يقضى الأيام التى فاته صومها. أما الكافر أصلًا الذى ولد على الكفر فلا يقضى ما فاته من الصوم وهو على الكفر، لكنه يجب عليه ¬

_ (¬19) الصوم هنا أيضًا أحد الكفارات وهو يكون أياما بعدد المساكين الذين يطعمهم مما يسارى قيمة الهدى لما قمر من الصيد -راجع تفسير الآية المشار إليها. (¬20) اسمه فى الفسخة المطبوعة: البيجورى. (¬21) الصوم بحسب تعريفه فى الأصل العربى الذى رجع إليه كاتب المادة هو: "إمساك عن مفطر بنية مخصوصة جميع نهار قابل للصوم من مسلم عاقل طاهر من حيض ونفاس" وهذا التعريف جامع للأركان والشروط؛ ومن تعريفات الصوم المبينة لحقيقته أنه: الإمساك عن المفطر على وجه مخصوص مع النية.

العمل بالواجبات الشرعية. والفقه يسمى هذا الوجوب بالنسبة للكافر وجوب عقاب، أما الوجوب بالنسبة للمرتد فهو وجوب مطالبة به (¬22). ويصح الصيام من غير البالغ إن كان مميزا (ويجب إلزام غير البالغ بالصوم من العاشرة) (¬23) وكذلك من غير القادر (¬24). ومعنى أن الصوم يجب على العاقل هو أنه لا يجب أداؤه على المغمى عليه والمجنون والسكران. ويجوز للصائم أن يقضى يومه نائما إذا كان قد نوى قبل النوم؛ وكذلك فى حالة السكران أو الإغماء إذا أفاق الإنسان ولو لحظة فى أثناء النهار (¬25). وفرائض الصوم أو أركانه فيما عدا الصائم، النية والإمساك عن المفطرات، ويجب تبييت النية (¬26)، أى لا بد من نية معينة كل ليلة ومن أن تكون قبل كل فجر كل يوم صيام. لكن يجوز للشافعى من طريق التقليد أن يتبع مذهب مالك الذى يسمح للإنسان بأن ينوى فى ليلة أول يوم من رمضان صيام الشهر كله. وإذا كان الإنسان يصوم نفلا فإنه يجوز له أن ينوى وهو صائم فى أثناء الجزء الأول من النهار قبل الزوال (¬27). ولابد أن يكون إيقاع النية عن قصد ووعى (¬28) وأن ينوى الإنسان صوم الفرض من رمضان لا ¬

_ (¬22) رجعنا فى ترجمة العبارات السابقة إلى حرفية الأصل العربى تقريبًا؛ لأن المعنى بحسب عبارة كاتب المادة غير متميز تمامًا. (¬23) هذا كلام كاتب والصواب بحسب الأصل الذى رجع إليه: أن الصبى يؤمر بالصوم لسبع إن أطاقه، ويضرب عليه لعشر كما فى الصلاة. (¬24) هذا كلام كاتب المادة. وهو غير متميز المعنى، وفى المرجع العربى أن القدرة على الصوم شرط لوجوبه وليست شرطًا لصحته؛ لأن الإنسان لو تكلف وصام مع المشقة صح صومه. (¬25) هذا الكلام يحتاج إلى تدقيق. فالمسألة هنا هى مسألة حكم النائم وغيره وهو أن حكم النائم أن الصوم واجب عليه لأنه أهل للعبادة فى ذاته ولا يضر صوم الصائم نومه ولو استغرق طول النهار؛ لأنه نوى الصوم قبل أن ينام. أما السكران أو المغمى عليه فإن أفاق ولو لحظة من النهار صح صومه, ومتى جن الصائم، ولو لحظة من النهار، بطل صومه؛ وإذا اغمى عليه أو طرأ عليه سكر (طبعا بتأثير تناول مسكر قبل الشروع فى الصوم) فذلك لا يضر الصوم إلا إذا استغرق جميع النهار -هذا ما يؤخذ من المرجع العربى. (¬26) تبييت النية هو إيقاعها ليلًا فى أى وقت بين الغروب وطلوع الفجر. (¬27) بشرط ألا يسبق النية ما ينافى الصوم. (¬28) هذا هو مضمون التعبير الأوروبى عن وجوب أن تكون النية بالقلب لأنه محلها المعتبر شرعًا ووجوب أن يستحضر الصائم حقيقة الصوم ويقصد إيقاع ما يستحضره.

والمفطرات هى

مطلق الصوم أو مطلق الفرض (¬29) ويندب النطق بالنية (¬30) (وفى كتب الفقه صيغ لها) (¬31) لكن النطق بها ليس شرطا، بل الأعمال التى تعمل لأجل يوم الصوم التالى خاصة يمكن أن تعتبر نية (¬32). والمفطرات هى: 1 - وصول شئ إلى الجوف (¬33) ما يعتبر عينا ويمكن إدراكه ومنعه أى: ابتلاع الطعام والشراب، والتدخين، وابتلاع نخامة بعد وصولها إلى الفم وإمكان منها (¬34)، وتقطير سوائل أو إدخال أدوات فى فتحات الجسم كالأذن والإحليل إذا قطر من هذه الأدوات شئ يبلغ داخل الجوف، وإمساك شئ من شأنه أن يخرج من البدن بالطبع (¬35). ونظرًا للقيود المبنية فى أ، ب، ج (انظر ما يلى) فلا يفطر من دخل فى جوفه حشراتٌ مثل ذبابة أو بعوضة أو غبار الطريق أو بقايا الطعام التى تكون فى الأسنان (¬36) أو ما يمتصه الجلد أو ¬

_ (¬29) وجوب التعيين فى صوم رمضان يرجع إلى أنه عبادة مضافة الوقت كالصلوات الخمس. (¬30) لكى يساعد اللسان القلب, كما فى المرجع العربى. (¬31) أكملها بحسب المصدر نفسه: "نويت صوم غد عن أداء فرض رمضان هذه السنة" ويسن أن يزيد على ذلك قوله: إيمانا واحتسابا لوجه اللَّه الكريم. (¬32) يعنى أن ما يفعله الإنسان من طعام وشراب مع شعور أنه يفعل ذلك لكيلا يعطش فى الغدا وكذلك إمساكه عن الأكل أو الشرب أو الجماع خوف طلوع الفجر، كل ذلك يفعله والصوم يخطر ببالها وهذا يكفى فى النية لأنه يتضمن قصد الصوم، وهو حقيقة النية. وهناك تفصيلات كثيرة تتعلق بالنية فليرجع القارئ إليها فى المرجع الذى اعتمد عليه كاتب المادة. (¬33) المقصود بالجوف ما تؤدى إليه فتحة موجودة أصلا فى البدن أو فتحة طارئة كجرح أو نحوه مما يصيب الرأس مثل المأمومة. والجوف بطبيعة الحال هو ما يحيل ما يدخل إليه أو ما يكون سبيلا إلى ما يحيله. ولما كانت الحقن وأنواع التقطير فى أعضاء الحس وفى الجوارح وكل ما يدخل إلى الجوف أو إلى داخل البدن، ينتهى بأن يحيله البدن ويتمهله فكل ذلك مفطر. والمقصود من الصوم أن يحيى الإنسان حياة غير مادية خالصة. ومن احتاج بسبب مرض أن يتعالج بإيصال أى شئ إلى جوفه فليفطر ثم ليقض ما يفوته. هذا ولا تعتبر مسام البدن فتحات تؤدى إلى الجوف لأنها ليست ظاهرة ولا مدركة بالحس ولأنها جزء من طبيعة البدن. (¬34) حددت النقطة التى يجب عندها مج النخامة بمخرج الحاء أو الخاء. (¬35) هذا هو مضمون عبارة كاتب وهو يقصد فى الغالب ما جاء فى المرجع الذى اعتمد عليه من خروج بعض الفضلة الغليظة, أى البراز المتماسك، ثم رجوعه إلى الجوف بسبب استمساك الطبيعة. (¬36) هذا بشرط ألا يحس الإنسان بذلك؛ لأن جريان البقايا مع الريق ودخولها الجوف من غير إحساس بذلك ولا قصد له لا يضر، والإنسان معذور فيما يعجز عن إدراكه وتمييزه.

ما يسبق إلى الجوف من ماء المضمضة إلا إذا بالغ الإنسان فيها، أو من استنشاق شئ فى غسل مطلوب ولو على سبيل الندب (¬37) أو من الطيب الطاهر. إذا اشتد العطش بالصائم حتى آلمه جاز له أن يتمضمض، بشرط ألا يدخل فى جوفه من الماء شئ. 2 - القئ عمدًا, وهو لا يجوز إلا بناء على أمر طبيب عدل وبشرط قضاء الصوم. 3 - الجماع (¬38) 4 - الاستمناء، أى إخراج المنى قصدا بسبب مباشرة (¬39) الجنس الآخر، على أنه يوجد فرق بين ما إذا كان الاستمناء سببه الشهوة أم لا، أو ما إذا كانت المباشرة بحائل أو بغير حائل (¬40). والاحتلام وما إليه لا يفطر. 5 - الحيض، وهو يجعل الصوم حراما (وهذا الحكم غير مفهوم فى رأى الباجورى؛ لأن الصوم لا يقتضى الطهارة الشرعية) (¬41). 6 - النفاس (¬42). ¬

_ (¬37) أما الغسل غير المطلوب كالغسل لمجرد التبرد فما يسبق منه إلى الجوف يضر. (¬38) المقصود هو الجماع عمدًا لا عن نسيان ولا إكراه؛ ولا جهل بسبب البعد عن العلماء. (¬39) المباشرة مس البشر بغير حائل. (¬40) بحسب المرجع العربى الذى رجع إليه كاتب المادة أن الاستمناء هو تعمد إخراج المنى مع خروجه فعلا. وهو فى حق الصائم حرام مطلقا ومفطر مطلقا مهما كانت كيفيته أو سببه أو السبيل إليه أو موضوعه حتى ولو كان سبيله النظر أو التخيل والفكر؛ لأن القصد إلى الشهود متوفر فى حال التعمد. لكن قد يحدث فى بعض الأحيان نزول المنى من غير قصد إلى شهوة، وذلك يكون لأى أمر عارض لا يؤدى فى العادة إلى إنزال، ويحدث بسبب لمس مباح كاللمس للشفقة أو الإكرام من غير قصد لشهوة مهما كان الملموس، فهذا لا يفطر. على أنه يجب على الصائم أن يتجنب كل ما هو شهوة وكل ما يؤدى إليها ولو على سبيل الاحتمال. هذا وكاتب المادة يشير إلى الموضوع دون تدقيق، وقد فهم بعض الكلام فهما غير صحيح، فهو ظن أن كلمة "الحائل" تدل على شخص، على حين أنها تدل على الحائل دون مماسة البشر. ومن أراد التفصيل فليرجع إلى الأصل العربى. (¬41) المقصود هو الحيض اليقينى على خلاف "المتحيرة" فى زمن التحير لعدم تيقن الحيض. وكلام كاتب المادة فيما يتعلق برأى الباجورى لا يؤدى المعنى. فالباجورى يقول إن عدم صحة الصوم من الحائض أمر لا يدرك معناه؛ لأن الطهارة ليست شرطا فى الصوم، وهل وجب الصوم على الحائض ثم سقط أو لم يجب أصلا، وجهان أصحهما الثانى، وإنما وجب عليها القضاء بأمر جديد. (¬42) النفاس مفطر ولو عقب علقة أو مضغة لأنه دم حيض مجتمع.

أما السنن أو ما يستحب فى الصوم فهى

7 - الجنون 8 - السكر (والجنون والسكر يجعلان كل عبادة مستحيلة) (¬43). ويضم إلى ذلك الولادة، لكن عند بعض الفقهاء. والإفطار لا يقع -بحسب الحالة- إلا إذا كان عن تعمد وعلم واختيار، أى أنه لا يكون عن سهو أو جهل بالواجبات -إذا كان الجهل يمكن التجاوز عنه- أو عن إكراه. وقد جاء فى الحديث: "من نسى وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه، فإنما أطعمه اللَّه وسقاه" (البخارى: كتاب الصوم باب 26؛ كتاب الإيمان, باب 15؛ مسلم: كتاب الصيام، حديث 171). أما السنن أو ما يستحبّ فى الصوم فهى: 1 - تعجيل الفطر (¬44) بعد أن يتيقن الصائم أن الشمس قد غربت (¬45) وليكن الإفطار على التمر أو الماء (من زمزم) أو شئ حلو الطعم. والإفطار واجب لأن "صوم الوصال" حرام (¬46). 2 - تأخير السحور ما أمكن وتناول ما يتناول فى الإفطار. 3 - ترك الهُجْر من الكلام والغيبة والنميمة والكذب والفحش والسبّ والشتم، ففى الحديث: "من لم يكف جوارحه عن الآثام لم يحصل له من صومه إلا الجوع والعطش" (¬47). ¬

_ (¬43) الجنون ينافى العبادة، وكذلك الردة -وكاتب المادة لم يذكرها. وهى مذكورة فى المرجع الذى اعتمد عليه، وفى هذا المرجع بعد الكلام عن حكم الجنون والردة نجد قوله: "بخلاف السكر أو الإغماء فلا يبطل كل منهما الصوم إلا إن استغرق جميع النهار، فإن أفاق -أى الصائم- ولو لحظة لم يضر". (¬44) يستعمل الكاتب كلمة فطور. (¬45) لابد من أن يتحقق الصائم غروب الشمس كأن يعاين الغروب، فإن لم يعاينه فلابد له من الاجتهاد. ولا يكفى مجرد الظن أن الشمس قد غربت. (¬46) صوم الوصال أو المواصلة فى الصوم: أن يصوم الإنسان حتى إذا جاء وقت الإفطار لم يفطر وظل صائما ولم يتسحر واستمر وإنما حتى الإفطار فى اليوم التالى. وقد نهى النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] أصحابه عن ذلك واجاز المواصلة فى الصوم حتى السحور فقط (البخارى: كتاب الصوم). (¬47) هذا الكلام موجود فى الأصل العربى لكن لا على إنه بنصه حديث كما فهم كاتب المادة. وفى حديث أبى هريرة: كم من صائم ليس له من صومه إلا الجوع والعطش، قيل: هو الذى يمسك عن الطعام الحلال ويفطر على لحوم الناس بالغيبة وهو حرام، وقيل: هو الذى لا يحفظ جوارحه عن الآثام (راجع الغزالى، كتاب الصوم) وفى البخارى (كتاب الصوم): من لم يدع قول الزور والعمل به فليس للَّه حاجة فى أن يدع طعامه وشرابه.

وبحسب الأحكام الفقهية الخمسة يمكن أن ينقسم الصوم إلى

4 - ترك الأعمال التى ليست محرمة لكنها تبعث الشهوة عند الصائم أو عند غيره (¬48). 5 - ترك الفصد والحجامة (¬49). 6 - ترك ذوق طعام أو غيره (¬50). 7 - ترك مضغ شئ يؤكل (¬51). 8 - الدعاء عقب الفطر (¬52). 9 - تلاوة الصائم القرآن ومدارسته بأن يقرأ على غيره ويعيد الغير ما قرأه الأول. 10 - الاعتكاف فى رمضان، امتثالا لما فى سورة البقرة الآية 187 (¬53). والغزالى يزيد على ذلك الجود فى رمضان (¬54). وبحسب الأحكام الفقهية الخمسة يمكن أن ينقسم الصوم إلى: 1 - واجب أو فرض وهو: (أ) فى شهر رمضان، (ب) إذا كان قضاء لأيام من رمضان، (جـ) بسبب نذر، (د) فى بعض الأحيان كفارة لذنب. (هـ) إذا أمر الإمام بالصوم عند صلاة الاستسقاء بسبب انقطاع المطر وعند الغزالى أنه يجب صوم بقية النهار على من عصى بالفطر أو قصر فيه وذلك "تشبها بالصائمين". ¬

_ (¬48) هذه هى ترجمة عبارة كاتب المادة وهو يقصد ما جاء فى المرجع العربى من أنه يستحب ترك الشهوة التى لا تبطل الصوم كشم الرياحين والنظر إليها؛ لأن ذلك ترفه، وهو لا يناسب الحكمة المرادة من الصوم. (¬49) الحجم ربما أضعف المحجوم فأحوجه إلى الإفطار، وهو يعرض الحاجم إلى الإفطار بدخول شئ إلى جوفه بسبب مص المحجمة. وهذا هو المراد من حديث: أفطر الحاجم والمحجوم, أى تعرضا للإفطار. (¬50) خوفًا من وصول شئ من ذلك إلى الجوف. (¬51) أى ترك عَلْك شئ أى مضغه، وترك مضغ العلك أى اللبان وما إليه؛ لأن ابتلاع الريق المتجمع من ذلك مفطر. (¬52) يقول كاتب المادة شكر اللَّه بعد الصوم، لكن المقصود هو الدعاء والإنابة عند الفطر كان يقول مثلا: اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت وبك آمنت ولك أسلمت وعليك توكلت. ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء اللَّه يا واسع الفضل اغفر لى، الحمد للَّه الذى أعاننى فصمت ورزقنى فأفطرت، اللهم وفقنا للصيام وبلغنا فيه القيام وأعنا عليه والناس نيام وأدخلنا الجنة بسلام. (¬53) الاعتكاف يكون فى العشر الأواخر من رمضان أتباعا للسنة النبوية ورجاء مصادفة ليلة القدر. (¬54) هذا موجود أيضا فى المرجع الذى رجع إليه كاتب المادة: المبادرة لإكثار الصدقة؛ لأن الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] كان أجود ما يكون فى رمضان.

(أ) صوم شهر رمضان هو الركن الرابع من أركان الإسلام ومن جحده فهو كافر إلا إن كان قريب عهد بالإسلام أو كان قد نشأ بعيدًا عن العلماء. ومن ترك الصوم بغير عذر، لكن من غير أن يجحد وجوبه، فيجب أن يحبس ويمنع من الطعام والشراب نهارًا لتحصل له صورة الصوم، وربما حمله ذلك أن ينويه فتحصل له حينئذ حقيقته (¬55). ووجوب الصوم "على سبيل العموم" يبدأ بأول يوم من رمضان بعد استكمال شعبان ثلاثين يوما أو بثبوت رؤية الهلال ليلة الثلاثين من شعبان عند حاكم (أو قاض) بشهادة عدل فى الشهادة أنه رأى الهلال. ووجوب الصوم "على سبيل الخصوص" يكون بعد التاسع والعشرين من شعبان على من رأى الهلال بنفسه، أو على من يصدق شخصًا آخر موثوقا به فى رؤيته، وإن لم يكن هذا الشخص عدلا. والأمور المؤجلة ونحوها لا تحل إلا فى الثانى من رمضان إن لم ير الهلال فى التاسع والعشرين من شعبان إلا عدل واحد (¬56). ويجب إعلام الناس بأول رمضان بإحدى الطرق التى جرى بها العرف فى ناحية ما بضرب المدافع أو بإيقاد القناديل على المآذن، (وفى جاوه بضرب البيدك). وهناك أحكام خاصة يعمل بها فيما يتعلق بالنية والقضاء عندما لا يكون الإنسان قد علم بابتداء الصوم أو يكون قد علم به على وجه خاطئ (¬57). ¬

_ (¬55) فصلت العبارة هنا طبقا للأصل العربى. أما كاتب المادة فهو يقول: يجب أن يحبس حتى يمسك وينوى الصوم. (¬56) هذا ما يعبر به كاتب هو موجود فى المرجع العربى من أن محل ثبوت أول رمضان بعدل واحد إنما يكون فى الصوم وتوابعه كصلاة التراويح لا فى حلول دين مؤجل به ووقوع طلاق أو عتق معلقين به. ما لم يتعلق ذلك بالشاهد نفسه وإلا ثبت لاعترافه هو به. (¬57) يشير كاتب إلى ما ورد فى المرجع الذى رجع إليه من ظروف مثل حدوث الشك فى الرؤية والاشعار بذلك بإطفاء القناديل ثم القطع بثبوت الرؤية وإيقاد القناديل من جديد، ففى هذه الحالة يجب تجديد النية على من علم بإطفاء القناديل دون من لم يعلم؛ ومثل أن يكون أحد فى حبس فيشتبه عليه رمضان بغيره فيجب عليه أن يجتهد فى معرفة دخول أول رمضان ويصوم، فإن صادف ذلك رمضان فهو صيام أداء وإن صادف ما بعد رمضان فهو صيام قضاء. وإن صادف ما قبله فهو نفل ويصومه فى وقته إن أدركه وإلا قضاه. . . وهكذا.

أما مشاهدات الفلكى أو حسابات الرياضى أو رؤية من يرى النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فى المنام ويعرف منه أول رمضان ونحو ذلك، فإنها لا تلزم بالصوم إلا صاحبها أو من يثق به (¬58). (ب) أما قضاء ما فات من الصوم فيجب المبادرة به، أعنى فى اليوم التالى إذا كان يجوز فيه الصوم ولم يكن من الأيام التى حرم الصوم فيها (انظر ما يلى)، أو إذا لم يكن اليوم التالى يوم صوم واجب (¬59). وإذا مات الإنسان من غير أن يقضى ما فاته سقط عنه وجوب القضاء إن كان تأخيره عنه بعذر، وإلا وجب على وليّه (وفى هذه الحالة يجوز أن يكون كل قريب وليا) أو على شخص أجنبى بموافقة الولى أن يدفع كفارة (انظر ما يلى) صغيرة أو فدية، لكن يجوز أن يقوم الولى نفسه (أو الشخص الأجنبى) بالقضاء عن الميت، وفى هذه الحالة يكتب للميت ثواب الصوم. وهذا هو رأى متقدمى الشافعية ولا يقول به متأخروهم، لكن الباجورى يقول به ويعتبره سنة (¬60). (ج) والرأى السائد عند الشافعية أن من نذر على نفسه صوم الدهر (انظر ما يلى) وهو مكروه- لا يتم النذر ¬

_ (¬58) جاء فى المرجع العربى أنه لا يجب العمل يقول المنجم, وهو من يرى أن أول الشهر طلوع النجم الفلانى، لكن له بل عليه أن يعمل بقوله، وكذلك من صدقه، ومثل المنجم الحاسب وهو من يعتمد منازل القمر فى تقدير سيره. ولا عبرة يقول من قال: أخبرنى النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فى النوم بأن الليلة أول رمضان لفقد ضبط الرائى لا لشك فى الرؤية. (¬59) هذا كلام كاتب المادة؛ والمبادرة إلى قضاء ما فات مفهومه للإسراع فى براءة الذمة، وكذلك المتابعة فى القضاء إذا شرع الإنسان فيه. ولكن لا يمكن أن يكون اليوم التالى لرمضان صالحا للقضاء فيه، مع علمنا بتحريم صوم يوم عيد الفطر! لكن يجوز أن يكون قصد كاتب المادة من بعض قوله شيئًا من قبيل ما هو معروف من أنه لا يصح قضاء صوم رمضان إلا فى أيام يجوز فيها الصوم، وهى الأيام التى لم ينه عن الصوم فيها أو الأيام التى لم تعين لصوم مفروض، فمثلا لا يصح قضاء رمضان الفائت فى أيام رمضان الحاضر أو الأيام التى لم يخصصها الصائم لنذر معين. وهذا الأخير فى بعض المذاهب دون بعض، فبعضها أجاز قضاء رمضان فى أيام عينت لنذر مع قضاه النذر فى أيام اخرى (راجع كتاب الفقه على المذاهب الأربعة - وزارة الأوقاف بالقاهرة). (¬60) فى المصدر العربى إلى جانب هذا أنه يسن للولى أن يصوم عنه.

(البخارى: كتاب أحكام الأيمان والنذور) (¬61). (د) والفقهاء يميزون بين الكفارة الكبرى والكفارة الصغرى. والكبرى تجب على: (1) من بطل صومه بالوطء إذا كان الوطء إثمًا، بالشروط المذكورة فيما تقدم، وهو بعد هذا يجب عليه القضاء ويستحق التعزير. ولما كان صوم كل يوم عبادة مستقلة بذاتها فإن الكفارة تجب عن كل يوم يبطل الصوم فيه على هذا النحو. ويذكر الباجورى للإفلات من الكفارة هذه الحيلة، وهى أن يلجأ الإنسان إلى إبطال الصوم بأحد المفطرات الأخرى، فعند ذلك تسقط الكفارة لكن الإثم يبقى، أما الموطوءة فى هذا الذنب فيجب عليها القضاء وتستحق التعزير. (2) مرتكب القتل بغير حق. (3) من ظاهر من زوجته لكن من غير أن يطلق بعد ذلك من فوره لأنه لم يتمسك بما يقتضيه الظهار من عدم المماسة. (4) من حنث فى يمين صحيح. وهذه الكفارة هى: (1)، (2) العتق (ويقوم مقامه) الصوم (ويقوم مقامه) الإطعام. (3) العتق (ويقوم مقامه) الصوم. (4) العتق أو الإطعام أو الكسوة أو الصوم. أى أنه فى الحالات (1) و (2) و (3) تجوز الكفارة بالصوم أن لم يجد إنسان عتق الرقبة. فإذا وجد ذلك بعد أن كان قد شرع فى الصوم ندب له العتق، وعند ذلك يكون ما صامه نفلا (¬62). وعلى هذا النحو نفسه يأتى الصوم فى الحالة (4) فى المحل الرابع، بمعنى أن الكفارات الثلاث الأولى يقوم بعضها مقام بعض، أما الصوم فهو دائما فى المحل الرابع. ¬

_ (¬61) فى البخارى قوله صلى اللَّه عليه وسلم: إنى واللَّه إن شاء اللَّه لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلا كفرت عن يمينى وأتيت الذى هو خير، أو أتيت الذى هو خير وكفرت عن يمينى. (¬62) وكذلك لو شرع فى الإطعام ثم قدر على الصوم عاد إلى الصوم.

وفى الحالات (1) و (2) و (3) يجب صوم شهرين متتابعين، فإذا أفطر من وجب عليه ذلك، ولو يوما واحد، وكان هو اليوم الأخير ولو بعذر، انقطع التتابع ووجب الاستئناف فيعيد الصوم من أوله. وفى الحالة (4) يقتصر الصوم على ثلاثة أيام، ولا يلزم أن تكون متتابعة. ومن لم يقدر على شئ مما يكفَّر به تأجلت الكفارة حتى يقدر على نوع منها (¬63). أما الكفارة الصغرى أو الفدية فهى تدفع إذا أخذ الإنسان بأحد أنواع التيسير المذكورة فيما يلى، وهنا لا يظهر الصوم بين أنواع الكفارة. والكفارة عن الميت (انظر ما تقدم) تكون بإعطاء مُدّ لمسكين من الحبوب التى هى قوت فى الناحية وذلك عن كل يوم فاته صومه. وإعطاء المد عن كل يوم واجب على من يلزمه قضاء أيام فاتته من رمضان، لكن لم يقضها حتى بدء رمضان التالى ويتضاعف المد بتضاعف السنين المنقضية (¬64). والفدية تجب فى الحج أو العمرة على من ترك واجبا من الواجبات (فيما عدا الأركان الأربعة) أو على من أتى عملا لا يجوز فى حالة الإحرام، أو على من أخذ بعض التيسيرات الجائزة (مثل القرآن أو التمتع). وأول ما تكون الفدية فى ذلك بنحر شئ مما تحدد له عن كل عمل غير جائز، فمن لم يجد فعليه أن يصوم، وفى بعض الأحوال عشرة أيام، ثلاثة فى أثناء الحج وسبعة بعد الرجوع منه، وفى أحوال أخرى يكون الصوم من الأيام بعدد ما يجب أن يعطى للمساكين من أمداد (¬65) وأصل هذه الأحكام موجود فى سورة البقرة (الآية 196) وسورة المائدة (الآية، 95؛ وانظر الباجورى كتاب الحج، فصل 2 و 3؛ Hardbuch: Juynboll ص 145، وخصوصا ص 157). (هـ) وعند إنقطاع الغيث يجوز للإمام بحسب الشرع أن يأمر بعبادات غير عادية منها الصوم، فيقضى الناس ثلاثة الأيام السابقة على صلاة ¬

_ (¬63) يفسر الباجورى ذلك بأن الكفارة حق اللَّه وهى تستقر فى ذمة من تجب عليه إذا كانت بسبب منه إلى أن يقدر عليها -راجع الخلاف بسبب حديث الصحيحين المتعلق بالكفارة عقد من لا يجدها (ص 384 - 385, ص 386 - 387 من المرجع العربى المشار إليه). (¬64) المعنى أن هناك فدية عن أصل الصوم وفدية عن تأخير قضائه مع الإمكان، وكلما تأخر عاما لزمته الفدية من جديد، وهكذا "تتكرر فدية التأخير بتكرر السنين لأن الحقوق المالية لا تتداخل" (ص 390 من الأصل نفسه). (¬65) راجع هامش رقم 16 و 19 مما تقدم.

الاستسقاء صائمين (انظر الباجورى: كتاب أحكام الصلاة، فصل فى صلاة الاستسقاء). ومما يستلفت النظر أن النية ليلة الصوم (تبييت النية) واجبة هنا حتى على من لا يجب عليه الصوم، من صبى أو غيره ممن يُعْفَى من الصوم (وهذه هى الحالة الوحيدة التى يجب فيها تبييت النية لصوم غير واجب؛ انظر أيضًا Verspreide Geschriftan: C.Snouck Hurgron, جـ 1، بنون ليبسك 1923، ص 137، هامش 2). والشرع يسمح بتيسيرات فى الأحوال الآتية: (أ) فالذين يكونون قد بلغوا سنًا معينة (أربعين سنة بالنسبة للرجال، وبالنسبة للنساء لا يوجد تحديد دقيق) وكذلك المرضى الذين لا يرجى برؤهم يجوز لهم أن يفطروا إن لم يقدروا على الصوم من غير وجوب القضاء عند عودة الصحة والقوة لهم، وعليهم الفديةُ مُدًا عن كل يوم يفطرونه، وليس على الرقيق فدية، لكن يجوز لسيده أو أحد الأقرباء أن يعطى الفدية عنه، ولا يجوز لسيده أن يصوم عنه لكن يجوز لقريبه أن يصوم عنه. (ب) الإفطار واجب على الحامل والمرضع إذا خافتا على نفسيهما، وعليهما القضاء. والإفطار واجب كذلك إذا كان الخوف على ما فى البطن أو على الرضيع (وهو لا يتحتم أن يكون ابن المرضع) (¬66)، وعليهما إلى جانب القضاء الفدية، لكن لا تدفع الفدية -شأنها شأن زكاة الفطر- إلا مما يفضل عن قوت الإنسان وقوت من تلزمه نفقته من أهله وعما يحتاج إليه من مسكن وخادم. وهذه الفدية لا تعطى إلا للفقراء والمساكين (¬67). وهذه الأحكام نفسها يعمل بها بوجه عام عندما يفطر الإنسان خوفًا على نفسه أو على غيره (¬68). ¬

_ (¬66) قد تكون المرضع مستأجرة أو متبرعة ولو لغير آدمى. (¬67) دون بقية الأصناف الثمانية الذين تعطى لهم الصدقة. ويجوز إعطاء أكثر من مد للشخص الواحد، لكن لا يجوز صرف المدَّ إلى شخصين. (¬68) هذا الكلام مجمل وغير مفهوم، لكن المقصود هو ما نجده فى الأصل العربى من أنه يلحق بالحامل والمرضع فى التفصيل من أفطر لإنقاذ حيوان محترم، آدمى أو غيره، أشرف على هلاك بغرق أو غيره، فإن خاف على نفسه ولو مع المشرف فعليه القضاء فقط؛ وإن خاف على المشرف فقط وجب عليه القضاء والفدية، لأنه فطر ارتفق به شخصان. وأما من أفطر لانقاذ نحو قال غير حيوان فعليه القضاء فقط؛ لأنه لم يرتفق به إلا شخص واحد.

(ج) أما المرضى الذين يرجى برؤهم وكذلك من يغلبهم الجوع أو العطش، فإنه يجوز لهم أن يفطروا بشرط القضاء (¬69)، وإذا وقع الإنسان بسبب الصوم فى خطر الهلاك أو تعرض لفقد عضو من أعضائه فالإفطار واجب عليه. ومن كان مرضه مطبقا أى دائمًا ليلًا ونهارًا فلا يبيت النية، وكذلك المحموم فى حال غلبة الحمى عليه. (د) والمسافرون الذين يخرجون فى السفر قبل الفجر لهم أن يفطروا، إذا تضرروا من الصوم، لكن لا يفطرون إذا خرجوا فى السفر أثناء النهار. والإفطار واجب فى حالة الخطر على الحياة (¬70). والحد الأدنى للسفر هو ما يبلغ مرحلتين فأكثر، والقضاء واجب بحسب الأحوال، وهذا التيسير نفسه يجوز للمطلقات (¬71). والأشخاص الذين ذكروا فى جـ، د (¬72) إذا أفطروا بالجماع فلا كفارة عليهم لأن الجماع هنا ليس إنّما، بل هو جائز "بنية الترخص". (هـ) والذين يقومون بالعمل الشاق يجب عليهم تبييت النية، لكن يجوز لهم أن يفطروا. وإذا زالت أسباب الرخصة والتيسير فى أثناء نهار الصوم فمن السنة الإمساك بقية النهار (¬73). 2 - ويستحب صوم التطوع (¬74)، ولا يجوز للمرأة المتزوجة أن تصوم وزوجها حاضر إلا بإذنه، ويجوز للصائم صيام تطوع أن يفطر من غير التزام بشئ وتجوز النية حتى الزوال من غير تعيين، وإن كان بعض الفقهاء ¬

_ (¬69) حكمهم حكم المريض، لكن لا بد أن يكون ما يلحقهم شيئًا غير محتمل فى العادة. (¬70) من استمر صائما رغم علمه بالخطر على حياته، كما يقع من بعض المتعمقين فى الدين، إلى أن مات، مات عاصيا للَّه لأن اللَّه يقول: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} ويقول {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ}. (¬71) هذا ما يقوله كاتب وليس له أساس ولا وجه. ويجوز أنه ناشئ عن قراءة غير صحيحة أو فهم غير صحيح للمرجع الذى اعتمد عليه. (¬72) هم المرضى والمسافرون. (¬73) المسافر إذا أقام فى أثناء النهار، والحامل والمرضع إذا زال خوفهما, والصبى إذا بلغ، والمجنون إذا أفاق، والكافر الأصلى إذا أسلم، والحائض والنفساء إذا طهرتا، كل هؤلاء ليس لهم الإمساك. وأما الذين يجب عليهم الإمساك فالمفطر والمرتد إذا أسلم، ومن نسى النية ليلا، ومن أصبح يوم الشك مفطرًا ثم تبين أنه من رمضان. (¬74) هو صوم التقرب إلى اللَّه بصوم ليس فرضا.

يرون أن النية مستحبة فى رواتب السنن. ورواتب السنة فى الصوم هى: (أ) صوم يوم عاشوراء. (ب) صوم يوم عرفة، وهو اليوم التاسع من ذى الحجة. (جـ) صوم ستة أيام من شوال. وصوم يوم عرفة يكون خصوصًا من الذين ليسوا فى عرفة فى ذلك اليوم. وفى الحديث خلاف فى هل صام النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فى هذا اليوم أم لم يصم. وقد نبه فنسنك (Mohammed en de Joden te Medina: Wensinck ص 126 - 130) إلى أن كل العشرة الأيام الأولى من ذى الحجة لها صبغة خاصة، وهى فى الشرع مستحبة لصوم التطوع خاصة، لكن اليوم التاسع يعتبر أفضل يوم فيها، كما يعتبر اليوم التاسع من شهر آب عند اليهود عيدًا كبيرًا يستعد له من أول الشهر. ونظرًا لأن شهر آب وشهر ذى الحجة فى السنة الأولى للهجرة اتفقا فى أغلب الظن فإن فنسنك يفترض أن تعظيم اليوم التاسع من ذى الحجة مأخوذ عن اليهودية (¬75) ويذهب نولدكه وشفالى مذهبا آخر (Gesch. d. Qorans: Noldeke Schwally، جـ 1، ص 159) وهما يرجحان أن تكون الآية 30 * من سورة الأعراف مكية ويريان فيها نقدًا للعادة القديمة، وهى "الطواف حول الكعبة من غير ستر العورة والصوم أيام الحج" (قارن ص 179, هامش 1) وبحسب هذا الرأى يمكن إرجاع صوم يوم عرفة إلى عادات عربية قديمة (انظر تفسير البيضاوى لسورة الأعراف، الآية 31: "روى أن بنى عامر فى أيام حجهم كانوا لا يأكلون الطعام إلا قوتا ولا يأكلون دسما يعظمون بذلك حجهم فهم المسلمون به فنزلت الآية 31") (¬76). ¬

_ (¬75) لا توجد هناك علاقة بين ما كان عند اليهود ويين ما فى الإسلام، وقد كان الحج وكثير مما يتصل به موجودًا قبل اليهودية. وهذا شئ ثابت فى تراث العرب وقد صدقه القرآن. * الأرجح أنها الآيات من 26 - 30. (¬76) راجع أيضا تفسير الفخر الرازى للآية. وإذا كان كاتب المادة يجوز أن يكون صوم يوم عرفه راجعا إلى عادات عربية قديمة فلماذا لا يدخل فى الحساب عند دراسة الشعائر الإسلامية أنه كانت بين العرب شعائر دين إبراهيم؟ إن هذا هو الاتجاه الذى ينبغى أن يتجه إليه الباحث، لا أن يحاول رد الشعائر الإسلامية إلى شعائر يهودية لم تكن لها جذور حقيقية ولا أصيلة فى جزيرة العرب. وهذا هو الذى يهدم ظنون فنسنك وأمثاله مما أشار إليه كاتب المادة.

ومن كان عليه أن يصوم على سبيل الفدية ثلاثة أيام فى أثناء الحج وسبعة بعد الرجوع فيستحب له أن يختار الأيام: السابع والثامن والتاسع من ذى الحجة؛ لأن الصوم فى اليوم العاشر وأيام التشريق غير جائز. وإذا كان اليوم التاسع من ذى الحجة يوم الشك (لا يعرف هل هو اليوم التاسع أو العاشر، بسبب عدم التيقن من هلال الشهر) فإن الصوم عند ذلك لا يجوز للقضاء بسبب نذر أو عادة. والباجورى يعتبر أن الصوم من هلال ذى الحجة إلى اليوم التاسع منه مندوب. وفيما يتعلق بصوم ستة أيام من شوال يجوز صوم ستة أيام متفرقة، لكن الأفضل صومها متتابعة بعد يوم العيد مباشرة، أى من اليوم الثانى من شوال إلى اليوم السابع. ويسن للإنسان أن يصوم هذه الأيام لقضاء أو نذر. والنساء اللاتى وقع لهن الحيض فى رمضان يتخذن هذه الأيام لقضاء ما فاتهن بسببه (Handbuch . . .: Juynboll, ص 132). ويستحب لصوم التطوع أيضًا: صوم اليوم السابق ليوم عاشوراء. واليوم التالى له، ويوم المعراج (هو السابع والعشرون من رجب)؛ وصوم يوم الاثنين والخميس من كل أسبوع (وصومهما سنة مؤكدة عند البخارى)، لأنه فى هذين اليومين، كما فى الحديث، تعرض أعمال العباد على اللَّه، ويروى عن النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] أنه قال: "أحب أن يعرض عملى وأنا صائم". وقد بين فنسنك (Mohammed . .: Wensinck ص 125 - 126) أن اليهود أيضًا كانوا يصومون هذين اليومين (¬77)؛ وصوم يوم الأربعاء "شكرا للَّه"، كما يقول الباجورى "على عدم هلاك هذه الأمة فيه كما أهلك فيه من قبلها"؛ وصوم أيام الليالى البيض من كل شهر، وهى اليوم الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر، والأحوط صوم اليوم الثانى عشر أيضًا. ويروى فى الخبر أن النبى عليه الصلاة والسلام (كما يحكى فنسنك ص 125) كان يصوم ثلاثة أيام من كل شهر، والمسلمون المتأخرون ¬

_ (¬77) هذا شئ ليست له قيمة، ويجوز أن يكون اليهود فى ذلك متبعين لدين إبراهيم أو غيره. وصوم الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] ليوم الأثنين والخميس له أساس قائم بذاته.

لم يعرفوا أى الأيام كان يصوم فاختاروا هذه الأيام (¬78). ويجوز أن صوم هذه الأيام الثلاثة كان واجبًا فى السنة الأولى للهجرة، ولا يمكن قول شئ يقينى عن أصل الصوم فى هذه الأيام (¬79). وقد نبهنى الأستاذ فنسنك (مشافهة) إلى الصبغة المقدسة لليومين الرابع عشر والخامس عشر من شهر نيسان اليهودى، وإلى قداسة نصف الشهر مثل نصف شعبان فى جزيرة العرب قديمًا (¬80)، وفى مقابل ذلك وعلى مثال أيام الليالى البيض (¬81)، يستحب صوم أيام الليالى السود، أعنى الأيام الثامن والعشرين والتاسع والعشرين والثلاثين (اليوم الأول من الشهر بدلا من اليوم الثلاثين)، والأحوط صوم اليوم السابع والعشرين أيضًا من كل شهر؛ صوم اليوم الذى لا يجد فيه الإنسان ما يأكله؛ وصوم كل الأيام الأخرى إذا كانت مناسبة لذلك (¬82) -وفيما يتعلق بصوم ثلاثة أيام على سبيل التكفير والتوبة والاستعداد لحياة أقرب إلى الخير انظر (Verspr Geschr: C.Snouck Hurgronje, جـ 1 بون، ليبسك 1923, ص 137, هامش 2). والباجورى لا يذكر أيام صوم التطوع إلا باختصار ويحيل القارئ على رسائل أكثر تفصيلا. ولإكمال كلامه لنأخذ الكلام التالى عن الفصل الثالث من كتاب أسرار الصوم فى الإحياء للغزالى. يذكر الغزالى أن من الأيام التى يستحب فيها التطوع بالصيام أول ¬

_ (¬78) هذا ادعاء من كاتب المادة لا دليل له عليه. (¬79) الروايات الصحيحة تدل على ما كان موجودا -وهى مسجلة فى كقب الحديث وفى كتب التفسير، تفسير آيات الصوم. (¬80) كلام كاتب المادة هنا ليس من العلم الصحيح الذى يمكن الاحتجاج به. وصوم المسلمين وأيام صومهم وعددها, كل ذلك شئ متمايز عما عند اليهود، ولا يصح عند النظر فى الأشياء أن نعنى فقط بالتشابه الظاهرى العارض كما فعل كاتب المادة. (¬81) هى تسمى البيض لأنها تبيض بنور القمر من أولها إلى آخرها، والليالى السود تسمى بهذا الاسم لسواد جميع الليل فيها بسبب عدم نور القمر. (¬82) هذا الكلام غير واضح، ولا يمكن منه إدراك المقصود. لكن فى المرجع الذى اعتمد عليه كاتب المادة أنه مثلا يكره إفراد يوم الجمعة بالصوم, أى إنه لا يصام إلا مع صوم يوم قبله أو بعده، وكذا إفراد يوم السبت أو الأحد لأنهما يومان يعظمهما اليهود والنصارى -وليرجع القارى إلى التفصيل فى المرجع المشار إليه.

الشهر وأوسطه وآخره، وهو يتكلم عن فضل الصوم فى الأشهر الحرم: المحرم ورجب وذى الحجة وذى القعدة. وأهم من ذلك ما يقوله عن "صوم الدهر"، وكان السالكون -كما يقول- يزاولونه على أنحاء مختلفة (¬83) (كما كان يفعل الزهاد فى أول الإسلام). والغزالى يرى فى الجملة أن صوم الدهر مكروه لأن الإفطار فى بعض أيام السنة ليس واجبا وحسب، بل هو أيضا اتباع للسنة بوجه عام (¬84) ولا يصح إلا فى أحوال استثنائية (¬85) اتباع ما فعله الصحابة والتابعون بحسب ما يُروى (من الأحاديث فى صوم الدهر: البخارى: كتاب الصوم، باب 59؛ مسلم: كتاب الصيام، حديث 18 وما بعده؛ لكن انظر أحمد بن حنبل، جـ 4، ص 414 وقارن أيضا أحمد بن حنبل، جـ 2، ص 263 و 435. . . وجـ 2، ص 164 و 190). على أن الأفضل هو صوم نصف الدهر، صوم يوم وإفطار يوم، والغزالى يعده "أشد على النفس وأقوى فى قهرها" ويروى عن النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] أنه قال: "أفضل الصوم صوم أخى داود، كان يصوم يوما ويفطر يوما": ويستحب جدًا أيضا صوم يوم وإفطار يومين. والعلماء والغزالى أيضا (فى الجملة) لا يرون أن من الصواب صوم التطوع بالصيام أكثر من أربعة أيام متوالية (¬86) -يقول الغزالى إنه إذا فهم المعنى الحقيقى للصوم فلا حاجة إلى مراعاة قواعد فى صوم التطوع (¬87). ¬

_ (¬83) يقول الغزالى بعد تفصيله فى بيان الأيام الفاضلة لصوم القطوع: "وأما صوم الدهر فهو شامل للكل (أى لكل الأيام الفاضلة) وزيادة. وللسالكين فيه طرق فمنهم من كره ذلك. . " فالمقصود هو اختلاف الآراء فيه، وليس المقصود الصوم على أنحاء مختلفة. (¬84) يقول كاتب المادة: بل هو مستحب، لكن سياق كلام الغزالى يدل على أن طريقة النبى -صلى اللَّه عليه وسلم- كانت هى الصوم والإفطار. ويقول الغزالى أن من أسباب كراهته صوم الدهر أن: صائم الدهر يرغب عن السنة فى الإفطار. (¬85) يعبر الغزالى عن رأيه بقوله: "من رأى صلاح نفسه فى صوم الدهر فليفعل ذلك، فقد فعله جماعة من الصحابة والتابعين رضى اللَّه عنهم. . " (¬86) هذه هى ترجمة عبارة كاتب المادة ولكن كلامه غير مطابق لرأى الغزالى. فالغزالى يقول: "وقد كره العلماء أن يوالى بين الإفطار اكثر من أربعة أيام تقديرًا بيوم العيد وأيام التشريق، وذكروا أن ذلك يقسى القلب ويولد ردئ العادات ويفتح أبواب الشهوات، ولعمرى هو كذلك فى حق أكثر الخلق لا سيما من يأكل فى اليوم والليلة مرتين". (¬87) هذا كلام مجمل وغير واضح، وخير منه ما يقوله الغزالى من أن "الكمال فى أن يفهم الإنسان معنى الصوم وأن مقصوده تصفية القلب، وتفريغ الهم للَّه عز وجل، والفقيه بدقائق الباطن ينظر إلى أحواله، فقد يقتضى حاله دوام الصوم، وقد يقتضى وإذا فهم الفطر، وقد يقتضى مزج الإفطار بالصوم. وإذا فهم المعنى وتحقق حده فى سلوك طريق الآخرة بمراقبة القلب لم يخف عليه صلاح قلبه، وذلك لا يوجب ترتيبًا مستمرا، ولذلك روى أنه [-صلى اللَّه عليه وسلم-] كان يصوم حتى يقال: لا يفطر ويفطر حتى يقال: لا يصوم"

ويروى عن النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] أيضا أنه "كان يصوم حتى يقال: لا يفطر، ويفطر حتى يقال: لا يصوم" وكان ذلك بحسب ما ينكشف له بنور النبوة من القيام بحقوق الأوقات (¬88). 3 - والصيام حرام فى العيدين وأيام التشريق، وحرام على الحائض. وحرام فى بعض الأحوال عند خوف الخطر، كما تقدم القول. 4 - ويكره الصوم فى يوم الجمعة، لأنه يفسد الانتباه فى صلاة الجمعة (¬89) (لكن صوم يوم الجمعة مستحب عند الغزالى) (¬90)، ويكره صوم يوم السبت أو الأحد، وذلك على الأقل إن لم يكن هناك سبب خاص للصوم، لأن اليهود والنصارى يعظمون هذين اليومين (¬91). ولا يجوز للإنسان أن يصوم إن كان يخشى من الصوم وقوع ضرر ما. ويكره جدًا صوم يوم الشدُ بدون سبب خاص (¬92) وكذلك الصوم فى النصف الثانى من شعبان. ويوم الشك هو اليوم التالى للتاسع والعشرين من شعبان عندما لا يكون هناك غيم، لكن لا يعلم إن كان قد رأى هلال رمضان شاهد عدل. أما إذا كان عند الإنسان سبب خاص يدعوه إلى الصوم جاز له أن يصوم يوم الشك وأن يصوم النصف الثانى من شعبان أى صوم كان: قضاء أو نذرا أو كفارة. . على أنه يستحب الصوم فى شعبان لأن النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، كما جاء فى الحديث، "كان يكثر صوم شعبان حتى كان يظن أنه فى رمضان (فى هذا أحاديث كثيرة؛ انظر أيضا Arabic New-Year: A.J.Wensinck). ويختلف أصحاب المذاهب الثلاثة عن مذهب الشافعية فى التفصيلات، وتوجد الفوارق بينهم فى كتب اختلافات ¬

_ (¬88) هذه العبارة الأخيرة من كلام الغزالى ومعنى القيام بحقوق الأوقات القيام بما تقتضيه أحوال العبد مما يصلح أمره ويهيئه للقيام بحقوق ربه. (¬89) هذا كلام كاتب المادة، ولا يعرف له أصل فى الشرع. (¬90) يقول الغزالى إن من الأيام الفاضلة التى يستحب فيها الصوم فى كل أسبوع؛ يوم الاثنين والخميس والجمعة. فالغزالى لم يذكر يوم الجمعة منفصلا. (¬91) انظر الهامش رقم 82. (¬92) هو مثلا إذا صادف يوما تعود صيامه، أو إذا كان يجوز أن يصام عن قضاء أو نذر أو كفارة أو بأمر إمام فى صوم الاستسقاء.

الفقهاء. وقد أخذنا ما يلى من كتاب الميزان لعبد الوهاب الشعرانى (جـ 2، ص 20 - 30، القاهرة 1279 هـ) المؤلف يتبع ذكر الاختلافات بشرح قصير لوجه كل منها، وهو أحيانا ينضم إلى أحد الآراء. وقد راعينا فيما يلى الترتيب الذى تقدم فى الكلام عن المسائل. 1 - يرى أبو حنيفة أنه لا يصح صوم الصبى، وإنما يصح صوم البالغ، وأن المرتد إذا عاد إلى الإسلام لا يلزمه قضاء ما فاته من الصوم حال ردته. والأئمة الأربعة مجمعون على صحة صوم من أصبح جنبا وبعض الفقهاء الآخرين يرون فى التفصيلات غير ذلك. 2 - ويرى أبو حنيفة أنه لا يشترط فى النية التعيين، بل يجوز نية الصوم أو النفل مطلقًا (¬93) وأنه فى صوم الفرض أيضا تجوز النية حتى الزوال (وغير أبى حنيفة لا يجيزون ذلك إلا فى صوم النذر). أما مالك فهو يرى أنه حتى فى صوم النفل لا يجوز تأخير النية عن الفجر، وقد تقدم ذكر رأيه فى جواز نية صوم رمضان كله. ويذهب أبو حنيفة وأكثر فقهاء الشافعية والمالكية إلى أن الصوم لا يبطل بنية الخروج منه، ويرى أحمد بن حنبل خلاف ذلك. 3 - وأبو حنيفة لا يرى أن ابتلاع ما يبقى من الطعام بين الأسنان يبطل الصوم حتى مع تمييزه، ولا يمانع فى وضع الحقنة، كما هو أحد الآراء المروية عن مالك (¬94). 4 - القئ لا يضر عند أبى حنيفة وأحمد بن حنبل، وذلك إذا كان فى ¬

_ (¬93) هذا ما يقوله كاتب المادة نقلا عن الشعرانى ص 23، س 10 - 11، لكن هذا لا يتعلق بصوم رمضان، ويقول الشعرانى (ص 20، س 14) "واتفق الأئمة الأربعة على وجوب النية فى صوم رمضان وأنه لا يصح إلا بالنية". (¬94) هذا الكلام غير واضح، وفى الأصل العربى: "ومن ذلك قول الأئمة الثلاثة أن الحقنة تفطر إلا فى رواية عن مالك، وكذلك التقطير فى باطن الأذن والإحليل، والإسعاط مفطر عند الشافعى. . فالأول من أقوال الحقنة مشدد، ورواية مالك مخفف. . ووجه الأول أن إدخال الدواء من الدبر أو الإحليل مثلا قد يورث فى البدن قوة تضاد حكمة الصوم، ووجه رواية مالك أن الحقنة تضعف البدن بإخراجها ما فى المعدة فلا تفطر".

حدود قدر معين، وهما يختلفان فى تعيين هذا القدر (¬95). 5 - يرى مالك أن الاستمناء يضر إذا كان نتيجة للتصورات الشهوانية بدون جماع سابق عليه (¬96). 6 - رغم الحديث آنف الذكر يرى مالك: من أكل أو شرب أو جامع ناسيا فقد أفطر ويلزمه القضاء (¬97) أما أحمد ابن حنبل فهو يقول إن الصائم يفطر فى الحالة الأخيرة أى بالجماع دون الأكل والشرب (¬98) وهنا أيضا لابد من الكفارة. والإفطار كرها يعتبر إفطارًا عند النووى، أما عند أحمد بن حنبل فلا يعتبر إلا فى حال إكراه المرأة على الجماع (¬99). 7 - يرى مالك أن القبلة حرام فى كل الأحوال، ويرى أحمد بن حنبل أن الحاجم هو والمحجوم يفطران. وعند هذين الإمامين معًا أن الكحل مكروه وأن الصائم إن وجد طعم الكحل فى الحلق فقد أفطر. ورأى الشافعى فى كراهة السواك بعد الزوال لا يقول به بقية الأئمة، بل لا يشاركه فيه متأخرو الشافعية (لكن الغزالى يقول بالكراهة؛ والسواك لا يزال مكروها اليوم فى جزر الهند الهولندية) (¬100) وهناك ¬

_ (¬95) قول مالك والشافعى هو: يفطر بالقئ عامدًا. وقول أبى حنيفة: لا يفطر به إلا إذا كان ملء الفم؛ وقول ابن حنبل هو: لا يفطر إلا بالقئ الفاحش. (¬96) لو نظر الصائم بشهوة فأنزل، لم يفطر عند الثلاثة، وقال مالك: يفطر. ويستند رأى الثلاثة إلى أنه لم تكن هناك مباشرة، ويستند رأى مالك إلى أن تلك النظرة تشبه لذة المباشرة والا لما أنزل. وبما أنه قد أنزل فقد حصلت اللذة المضادة للحكمة من الصوم. (¬97) وجهة نطر مالك فى قوله ببطلان الصوم فى هذه الحالة أن الأمر يرجع إلى قلة تحفظ الصائم الذى ينسى أنه صائم، وهذا التحفظ من شأن الخواص. وطبيعى أن يكون رأى مالك مشددًا وإن كان لا يعتبر الناسى آثما. لكن رأى بقية الأئمة فيه تخفيف ورأفة وتوسيع على عامة الناس، استنادا إلى قول الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] من أكل أو شرب ناسيا فإنما أطعمه اللَّه وسقاه. (¬98) وجهة نظر أحمد أن الجماع من الصائم بعيد الوقوع لغلبة التحفظ من الجماع على الناس، ولأنه لا يقع إلا بعد مقدمات تذكره به وبأنه حرام. (¬99) قول أبى حنيفة ومالك والشافعى فى أرجح قوليه: إن الصائم لو أكره حتى أكل أو شرب وإن المرأة لو أكرهت حتى مكنت من وطئها لم يبطل صومهما، مع الأصح عند النووى من البطلان، وهو القول الآخر للشافعى. وقول أحمد هو أن الصوم يبطل بالجماع دون الأكل. (¬100) يستند القائلون بعدم كراهة السواك إلى فكرة أن ترك السواك يغير رائحة فم الصائم فتصير له رائحة تؤذى الناس "وإزالة الضرر للناس مقدم على اكتساب الفضائل القاصرة على صاحبها" -هذا إلى أن الصوم صفة صمدانية تقتضى لصاحبها الطهارة الحسية كما تقتضى له الطهارة المعنوية. أما القائلون بكراهة السواك فيقولون إن تلك الرائحة الكريهة تولدت من عبادة فلا ينبغى إزالتها.

إجماع (¬101) على استحباب الغسل للجنب قبل طلوع الفجر (¬102). 8 - وفيما يتعلق برؤية هلال رمضان يقول مالك بضرورة شهادة عدلين، ويقول أبو حنيفة إنه يثبت بعدل واحد فى الغيم، لكن إذا كانت السماء مصحية فلابد فى ثبوته من جمع كثير (¬103). وآخرون من الفقهاء لا يعرفون إلا وجوب الصوم على سبيل العموم لا وجوب صوم شخص يكون رأى الهلال لكن شهادته لم تقبل (¬104). 9 - وكل من الشافعى وأبى حنيفة يرى أن المجنون إذا أفاق لا يجب عليه القضاء، ويرى مالك أنه يجب عليه، ويروى عن أحمد بن حنبل أنه قال بالرأيين (¬105). 10 - والأئمة الأربعة لا يوجبون الكفارة الكبرى إلا على من أفطر فى أداء رمضان، وبعض الفقهاء يوجبها على من يفطر فى قضاء رمضان (¬106) وأحمد بن حنبل يوجب كفارة على كل ¬

_ (¬101) يستعمل كاتب المادة كلمة "اجتماع" وذلك غير المستقر فى الاصطلاح. هذا وعند الغزالى أنه لا بأس بالتقبيل لمن كان شيخا أو مالكا لإربه، لكن ترك التقبيل أولى: "وإذا كان يخاف من التقبيل أن ينزل فقبل وسبق المنى أفطر لتقصيره". على أنه فى الحديث الصحيح أن الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] كان يقبل وهو صائم لكنه كان [-صلى اللَّه عليه وسلم-] مالكا لإربه إلى أقصى درجة (راجع البخارى، كتاب الصوم). ورأى مالك من قبيل التشديد على الضعاف الذين لا يستطيعون السيطرة على دواعى الشهوة سدًا للباب الذى يأتى منه فساد الصوم. (¬102) والحكمة فى استحباب الغسل أن يكون الصائم على طهارة من أول صومه، لكن الأئمة الأربعة مجمعون على صحة صوم من أصبح جنبا. على أن بعض العلماء (عروة والحسن) يرون أنه إن أخر الغسل بطل صومه، ووجه ذلك، كما يبينه الشعرانى، هو: "أن الصوم يشبه الصفة الصمدانية. . فلا ينبغى أن يكون صاحبها إلا مطهرًا من صفات الشياطين. والجنب فى حضرة الشيطان ما لم يغتسل، فكما تبطل صلاة من خرج من حضرة اللَّه الخاصة فكذلك يبطل صوم من خرج من حضرة اللَّه تعالى إلى حضرة الشياطين. (¬103) يستند هذا الرأى إلى أنه إذا كان هناك غيم فإن الهلال يخفى على غالب الناس فيكتفى بواحد، بخلاف حالة الصحو فإنه فيها لا يخفى على الجمع الكثير. (¬104) يرى الأئمة الأربعة أن من رأى الهلال وحده صام، لكن الحسن وابن سيرين يريان أنه لا يجب عليه الصوم. برؤيته الهلال وحده، ووجه الرأى الأول: الغرض من اشتراط شهادة عدل واحد أو أكثر إنما هو حصول العلم بثبوت الهلال، وهو قد حصل لمن رأى الهلال وحده وإن لم يقبل الناس ذلك منه، ووجه الرأى الثانى أن الحس قد يخطئ لأسباب تؤدى إلى الخطأ فلا يقين يوجب الصوم. (¬105) العبارة فى الأصل العربى، بعد ذكر رأى مالك، هى: "هو أحد الروايتين عن أحمد". (¬106) مذا هو رأى عطاء وقتادة.

مخالفة للأحكام الخاصة بالموضوع، ولو كانت مخالفات كثيرة يرتكبها الصائم فى اليوم الواحد (¬107)، أما أبو حنيفة فهو أقل تشددًا، ذلك أنه لا يقول بتعدد الكفارة بحسب تعدد الأيام التى أفطرها الصائم إذا ترك المكفر الكفارة الأولى؛ ويرى أبو حنيفة ومالك إنه فى حالة الجماع تجب الكفارة على كل من الرجل والمرأة (¬108). وهما يوجبان الكفارة على كل من يفطر بالطعام أو الشراب، إن لم يكن مريضا أو على سفر، هذا مع وجوب القضاء (¬109). ويترك ¬

_ (¬107) يقول كاتب المادة بعد هذا الكلام "وفى المخالفة الثانية تجب الكفارة على المرأة المشتركة فى المعصية" لكن ليس الكلام أصل فى النص العربى وقد التبس الموضوع على كاتب المادة من ورد كلمة "الأول" و"الثانى" فى الأصل وهى تشير إلى الرأيين المشدد والمخفف لا إلى الوطء الثانى -راجع النص الكامل لكلام الشعرانى. (¬108) هذا هو نص كلام الشعرانى متماسكا لا كما فككه كاتب المادة: "ومن ذلك (أى مما اختلفوا فيه) قول الشافعى وأحمد إن الكفارة على الزوج مع قول أبى حنيفة ومالك أن على كل منهما كفارة فإن وطئ فى يومين من رمضان لزمة كفارتان عند مالك والشافعى". وقال أبو حنيفة: "إذا لم يكفر عن مالك لزمة كفارة واحدة وإن وطئ فى اليوم الواحد مرتين لم يجب بالوطء الثانى كفارة". وقال أحمد: "يلزمه كفارة ثانية" وإن كفر عن الأول. فالأول (رأى الشافعى وأحمد فى أن الكفارة على الزوج) مشدد على الزوج مخفف على الزوجة على كل منهما) مشدد عليهما لاشتراكهما فى الترفة والتلذذ المنافى لحكمة الصوم. ويقاس على ذلك ما بعده من قول أبو حنيفة وأحمد فى التشديد والتخفيف". ولابد من الإشارة إلى حكمة الكفارة وهى أنها "تمنع من قوع العقوبة على من جنى جناية تتعلق باللَّه وحدة أو تتعلق باللَّه وبالخلق فتصير الكفارة كالظلة تمنع من وصول العقوبة إليه" (¬109) هذا ما يقول كاتب المادة، لكنه غير دقيق من كل الوجوه. ففى الأصل العربى الذى يرجع إليه: "ومن ذلك قول أبى حنيفة ومالك إن من أفطر فى نهار رمضان وهو صحيح مقيم تلزمه الكفارة من القضاء مع قول الشافعى فى ارجح قوليه وأحمد إنه لا كفارة عليه". ولكن يجب أن تتذكر أنه توجد أحكام كثيرة: حكم الحامل والمرضع؛ حكم الشيخ الكبير والمريض الذى لا يرجى برؤه؛ وحكم الناسى، وكل هذا قد تقدم. لكن يبقى حكم من تعمد الإفطار بالأكل والشرب: اتفق الأئمة الأربعة على أن من صام ثم أفسد صوم يوم من رمضان بالأكل أو الشرب عامدًا يجب عليه قضاء يوم مكانه فقط. وهذا الرأى المخفف يستند، كما يقول الشعرانى، إلى سكوت الشارع عن إلزام المفطر بشئ زائد على قضاء ذلك اليوم. لكن لبعض العلماء آراء أخرى؛ فربيعة يقول إنه لابد أن يصوم عن كل يوم اثنى عشر يوامًا؛ وابن المسيب يوجب عليه أن يصوم عن كل يوم شهرا؛ والنخعى يوجب صوم ألف يوم؛ وعند على وابن مسعود إنه لا يقضيه صوم الدهر". ووجه هذه الآراء المشددة أنها من باب التغليظ على المفطر بغير عذر، وقد ذكر الشعرانى وجه أشدها تغليظًا (رأى على وابن مسعود) وهو أن المفطر المتعمد خالف الأمر فى اليوم الذى أمر اللَّه بالصوم فيه، والقضاء إنما هو صوم فى غير الوقت الأصلى، وهو صوم يوم يماثل ما أفطر فيه وليس عن ما أفطر فيه. والشعرانى عندما يذكر مثل هذا الرأى يعتبر أنه فى حق الخاصة والأكابر لا فى حق العامة والأصاغر.

للمكفر الخيار فى طريقة التكفير وإن كان هو يفضل الإطعام (¬110). وأبو حنيفة لا يوجب الكفارة الصغرى (إعطاء المد) إن كان الصائم لم يقض ما فاته من صيام رمضان قبل بداية رمضان التالى له (¬111). 11 - وأحمد بن حنبل يوجب الكفارة الصغرى أيضا على الحامل والمرضع إذا أفطرتا خوفا على الولد، وأبو حنيفة يوجب القضاء فقط، وغيره يوجبون الكفارة فقط دون قضاء (¬112). 12 - المريض الذى لا يرجى برؤه أو الشيخ الكبير لا يجب عليه الصوم عند أبى حنيفة، وعند بعض الشافعية لا يجب عليه إلا الفدية. وعند مالك أنه لا صوم عليهما ولا فدية. 13 - وعند الأئمة الثلاثة أن من أصبح صائما ثم سافر لم يجز له الفطر؛ وعند الإمام أحمد أنه يجوز له الفطر. وعند الأئمة الثلاثة أنه يجوز له الفطر بالأكل والشرب والجماع، أما عند الإمام أحمد فلا يجوز له الفطر بالجماع وإن جامع فعليه الكفارة (¬113). ويذهب بعض الظاهرية إلى أنه لا يصح الصيام فى السفر -ويرى مالك والشافعى أنه يستحب الإمساك بقية النهار إذا زال العذر المبيح للفطر. ويرى أبو حنيفة وأحمد بن حنبل خلاف ¬

_ (¬110) عند الأئمة الثلاثة أن الكفارة الكبرى (عتق الرقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا) على الترتيب، وهى عند مالك على التخيير وعنده أن الإطعام أولى. ورأى الأئمة الثلاثة مشدد "لأن العتق والصوم أشد من الإطعام، وأبلغ فى الكفارة". ورأى مالك مخفف، ووجه إيثاره للإطعام أن الإطعام أكثر نفعًا للفقراء والمساكين لاسيما أيام الغلاء". (¬111) هذا على خلاف رأى الأئمة الثلاثة فى أن من أخر قضاء رمضان مع إمكان القضاء حتى دخل رمضان آخر لزمه مع القضاء مُدٌّ عن كل يوم. (¬112) الرأى الأول (وجوب القضاء والكفارة) هو رأى أحمد ورأى الشافعى فى أرجح قوليه، وهو مشدد لأنه فطر ارتفق به الولد مع أمه. والرأى الثانى (وجوب القضاء دون الكفارة) مخفف لأنه ليس فى الفطر فى هذه الحالة ارتكاب إثم. وفى الثالث (وجوب الكفارة فقط) هو رأى ابن عمر وابن عباس، وفيه تخفيف، ومستنده أنه كان الأولى الصوم لاحتمال أن الصوم لا يضر الولد، لذلك وجبت الكفارة دون القضاء، لإسقاط الصوم عنهما بترجيح الفطر. (¬113) وجهة نظر الأئمة الثلاثة -كما بينها الشعرانى- أن الشارع أطلق الفطر للمسافر فشمل الإفطار بكل مفطر. ووجهة نظر الامام أحمد أن "ما جوز للحاجة يتقدر بقدرها، وقد احتاج المسافر إلى ما يقويه من الأكل والشرب فجوزه الشارع له، بخلاف الجماع فإنه محض شهوة تضعف القوة ويمكن الاستغناء عنها فى النهار بالجماع فى الليل فلا حاجة إليه فى النهار".

ذلك (¬114)، وعندهما أن الفدية نصف صاع من بر أو تمر عن كل يوم فات الصائم. 14 - ويروى مالك أنه لا يستحب صوم اليوم السادس من شوال (¬115) وهو وأبو حنيفة يذهبان إلى أنه يجب على الإنسان إتمام صوم اليوم فى صوع التطوع أيضًا (¬116). 15 - وعند الإمام أحمد أنه يجب الصوم فى يوم الشك إذا كانت السماء مغيمة، فإن كانت مصحية كان الصوم مكروها (¬117) ويرى أبو حنيفة ومالك أنه لا يكره إفراد يوم الجمعة بصوم، ويقول الشافعى وأحمد وأبو يوسف بكراهة ذلك. 16 - ولابد من أن ننبه أخيرًا إلى أن الصوم فى أيام الاعتكاف واجب عند الحنفية والمالكية (انظر مثلا: أبو داود: كتاب الصوم، باب 80 نقلا عن Arabic New-Year: Wensinck). * * * وأحكام الصوم عند الشيعة (¬118) تختلف فى التفصيلات الآتية عن أحكامه عند أهل السنة (نقلا عن دراسة A,Querry، لكتاب "شرائع الإسلام فى ¬

_ (¬114) نجد فى الأصل العربى هذا الكلام: "ومن ذلك قول أبى حنيفة وأحمد إن المسافر إذا قدم مفطرًا أو برئ المريض أو بلغ الصبى أو أسلم الكافر أو طهرت الحائض فى أثناء النهار لزمهم إمساك بقية النهار، مع قول مالك والشافعى فى الأصح أنه يستحب، فالأول مشدد، والثانى مخفف". (¬115) يرى الأئمة الثلاثة استحباب صوم ستة أيام من شوال، ولكن مالكا يقول: إنه لا يستحب صيامها "وقال فى الموطأة لم أر أحدًا من أشياخى يصومها، وأخاف أن يظن أنها فرض". ويذكر الشعرانى أن مالكا كان مطلعًا على الحديث عارفًا بما جاء فى صوم هذه الأيام، فإن كان قد رأى فى صومها هذا الرأى فيحتمل أنه لم يصح عنده ما ورد فى صومها فترك العمل به من باب الاجتهاد فى أن ترك السنة أولى من فعلها، إذا كان الحديث الذى تستند إليه ضعيفا، هذا إلى خوف أن يعتقد الناس على مر السنين أن صومها فرض -هذا هو اعتذار الشعرانى عن مخالفة مالك للأئمة الثلاثة. (¬116) يقول الشافعى وأحمد بأن من شرع فى صوم تطوع أو صلاة تطوع فله أن يقطعهما ولا قضاء عليه، ولكن يستحب له إتمامهما. ويقول أبو حنيفة ومالك بوجوب الإتمام. ومستند الرأى الأول أن المتطوع أمير نفسه فهو إن شاء صام وإن شاء أفطر. ومستند الرأى الثانى وهو وجوب الإتمام، تعظيم حرمة الحق جل وعلا عن نقض ما ربطه العبد معه تعالى. . . وهذا خاص بالأكابر". (¬117) عند الأئمة الثلاثة: أنه لا يصح صوم يوم الشك. (¬118) إن ما سيأتى من آراء للشيعة يجب أن يوضع بإزاء ما تقدم من آراء الأئمة الكبار، فما وافق منها فهو متمش مع رأى أهل العلم بالسنة، وما كان جديدا أو تعسفيا لا سند له من الكتاب أو السنة فلا يقبل.

مسائل الحلال والحرام" لنجم الدين المحقق، وذلك بعنوان Recueil de Lois concern les Musulmnas Schyites، باريس 1871 - 1872 جـ 1، ص 182 - 209؛ جـ 2 ص 75 - 77، 197 - 199, 205 - 205). 1 - تعتبر النية ركنا، بل لا يلزم تعيينها لصوم رمضان، وفيما عداه يلزم ذلك ولابد من النية قبل الزوال. 2 - التدخين ليس من جملة المفطرات (¬119) [وهو محل خلاف] لكن منها الإغماء وتعمد البقاء على الحدث الأكبر إلى ما بعد الفجر. 3 - ويحرم، بل يعد من المفطرات الاستهانة بكلام اللَّه أو كلام النبى عليه الصلاة والسلام أو كلام أئمة الشيعة (¬120) ولا يجوز، وإن لم يكن من المفطرات، أن يغطس الصائم بكل بدنه فى الماء. ولا يجوز تعمد الصمت فى أثناء الصوم. 4 - ومن أفطر عمدًا فى رمضان وجب عقابه (وعقاب الجماع فى الصوم خمسة وعشرون سوطًا لكل من الرجل والمرأة) وبعد المرة الثالثة يستحق القتل (¬121) -ولا تثبت رؤية الهلال لأول رمضان إلا بشهادة عدلين. 5 - ومن الأحوال التى يجب فيها القضاء أن يستيقظ الإنسان بعد الفجر على الحدث الأكبر حتى ولو كان قد نوى الطهارة قبل ذلك. ونسيان التطهر من الحدث الأكبر لا يبطل صوم القضاء. وإذا بقى الإنسان مريضًا حتى مجئ رمضان التالى سقط عنه القضاء لكن تبقى الفدية (مد). 6 - ومن الأحوال التى يجب فيها الكفارة: أن يأكل الإنسان فى أثناء يوم الصوم أو يشرب. . . أو يجامع أو يحدث ¬

_ (¬119) فى التدخين عند متعوديه لذة وهى تتنافى مع الحكمة من الصوم هذا هذا فضلا عن أن الجسم -من طريق الرئتين- يتمثل الدخان ويمتصه وهذا مبطل للصوم. (¬120) هذا ليس فقط منافيا للصوم بل إن الاستهانة بكلام اللَّه أو كلام النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] كفر. أما كلام الأئمة أو نحوهم فليس له هذا الشأن. (¬121) هذا رأى لا سند له من الدين، وكفارة الوطء قد تقدم الكلام فيها.

الاستمناء بيده، أو يبقى بعد الفجر على الحدث الأكبر اختيار، أو ينام على الحدث الأكبر من غير أن ينوى التطهر قبل ذلك ثم لا يستيقظ إلا بعد الفجر، وذلك فى يوم من رمضان، أن يفطر الإنسان بعد الزوال إذا كان صائما لقضاء صوم من رمضان، أن يصوم بسبب نذر خاص أو بسبب الاعتكاف وإذا أكره الرجل زوجته أو جاريته على الجماع فى رمضان لزمه قضاء الضعف وكفارة الضعف، ولا شئ على المرأة من ذلك -ومن الأسباب الأخرى الموجبة للكفارة: القتل، وما يحرم من إظهار الحزن بسبب الموت، وحلق الرأس فى حالة الإحرام ومجامعة الصائم جارية تكون فى حالة الإحرام بعد أن يكون قد أذن لها بالحج. والصوم فى الكفارة يأتى فى المحل الثانى من حيث الترتيب، كما عند أهل السنة، لكن القتل العمد -وعند بعض الفقهاء إفساد الصوم فى رمضان بتناول طعام محرم يستوجب كفارة مثلثة: العتق + الصوم + الإطعام. وإذا أفسد الصائم فى رمضان صومه بغير الجماع فله الخيار فى الكفارة، وكذلك إذا أفسد الاعتكاف أو حلق وهو محرم، أو جامع جارية وهى فى حالة الإحرام. ويجب أن يكون الصوم فى الجملة من غير انقطاع، وفى حالة صوم الشهرين المتتابعين إذا قطع الصائم صومه بغير عذر فى الشهر الأول وجب عليه أن يعيد الصوم، أما إذا قطعه فى الشهر الثانى لم يلزمه إلا القضاء. ومن العذر المقبول إفطار الحامل والمرضع، لكن لا عذر إذا كان السفر غير ضرروى. فإذا كانت مدة الصوم شهرا واحدا فقط، كما فى صوم المملوك للكفارة، فعند ذلك لا تكون مدة الانقطاع إلا خمسة عشر يوما فحسب، والإفطار فى اليوم العاشر من ذى الحجة لا يضر فى صوم الكفارة لثلاثة أيام (انظر ما تقدم) إذا كان الإنسان قد صام يومين -لكن اختيار الأيام غير مقيد فى حالة الكفارة بسبب الحنث فى يمين وبسبب قتل الصيد فى أيام الإحرام وعند صيام سبعة أيام الكفارة (انظر ما تقدم)، وكذلك بالنسبة لقضاء ما فات من أيام الصوم. وإذا لم يستطع الإنسان أن يصوم شهرين متتابعين فيجب أن يصوم 28 يومًا ويطلب

المغفرة من اللَّه بقلب نادم- ونوع آخر من الكفارة (غير الصوم) يمكن أن يقوم به شخص آخر باختياره. 7 - الرخص: يصح الصوم إذا أذن الطبيب للمريض بأن يصوم؛ ولا تعفى الحامل من الصوم إلا فى المرحلة الأخيرة، ولا تعفى المرضع إلا إذا قل لبنها. وصوم من يكون على سفر غير جائز فى الجملة. لكن إذا اضطرت المرء مهنته أن يكون على سفر معظم العام، فإنه لا يتمتع بالرخصة، ويجب على كل حال قضاء ما يفطره الإنسان فى السفر. وإذا مات وجب القضاء على وليّه. 8 - يجوز الابتداء فى صيام التطوع قبل الزوال. وكتب الفقه عند الشيعة تحض على الصوم فى الأيام التالية: الخميس الأول والخميس الأخير من الشهر؛ والأربعاء الأول من العشرة الأيام الثانية من الشهر (بل إن من ترك صوم هذا اليوم وجبت عليه الكفارة مد أو درهم)، ويوم عيد الغدير (18 من ذى الحجة)، وهو اليوم الذى كان فيه النبى عليه السلام عند الغدير، ويروى أنه أوصى هناك لعلى رضى اللَّه عنه بالخلافة بعده) (Querry، المرجع المشار إليه، ص 37، هامش 2)؛ ويوم ميلاد النبى عليه السلام (17 ربيع الأول)؛ ويوم ظهوره بالرسالة (27 ربيع الأول)؛ اليوم الذى ظهرت فيه من السماء الكعبة باعتبارها أول مكان خلق من الأرض (25 من ذى القعدة)؛ ويوم المباهلة، لأنه فى هذا اليوم تباهل النبى عليه الصلاة والسلام هو وأبو جهل أن يلعن اللَّه الكاذب (24 من ذى الحجة، انظر Querry: الكتاب المذكور، ص 37، بهامش 3)، واليوم العاشر من المحرم، وهو اليوم الذى قتل فيه الحسين رضى اللَّه عنه، ويوم الجمعة فى شهرى رجب وشعبان. ويستحب أيضا؛ صوم يوم الشك -ويجب عند الشيعة الإمساك فى الأيام التى يزول فيها العذر: وإذا زال العذر وجب أكل شئ ثم الصوم. 9 - ويكره الصوم فى اليوم التاسع من ذى الحجة فى عرفة إذا خشى الإنسان من شئ فى الصوم؛ وفى السفر فى سبيل اللَّه على ثلاثة أيام فى

المدينة أثناء الحج؛ ويكره صيام الضيف من غير إذن مضيفه؛ وصيام الصبى من غير إذن أبيه. . وهكذا. 10 - ويحرم الصوم فى أيام التشريق على من يكون فى منى وعلى من يكون على سفر. والغزالى فى أول "كتاب أسرار الصوم"، من مؤلفه الإحياء، يتكلم عن قيمة الصوم وهو يذكر بعض الأحاديث المشهورة لبيان شأن الصوم العظيم عند اللَّه، ثم إن الصوم وسيلة قمع عدو اللَّه، لأن الشهوات التى هى وسيلة الشيطان لبلوغ غرضه تقوى بالأكل والشرب (¬122) الشهوات "مرتع الشياطين ومرعاهم، فما دامت مخصبة لم ينقطع ترددهم، وما داموا يترددون لم ينكشف للعبد جلال اللَّه سبحانه وكان محجوبا عن لقائه، وقال [-صلى اللَّه عليه وسلم-]: "لولا أن الشياطين يحومون على قلوب بنى آدم لنظروا إلى ملكوت السموات"، فمن هذا الوجه صار الصوم باب العبادة. وفى الفصل الأول من كتاب أسرار الصوم يذكر الغزالى الواجبات الظاهرة والسنن فى الصوم، على مذهب ¬

_ (¬122) يحسن أن نذكر كلام الغزالى نفسه هنا، لأنه أبلغ فى بيان المراد وأشفى: جاء فى الإحياء "الصوم إنما كان له "أى للَّه" ومشرفا بالنسبة إليه، وإن كانت العبادات كلها له. كما شرف البيت بالنسبة إلى نفسه والأرض كلها له، لمعنيين: أحدهما أن الصوم كشف وترك، وهو فى نفسه سر ليس فيه عمل يشاهد. وجميع أعمال الطاعات بمشهد من الخلق ومرأى، والصوم لا يراه إلا اللَّه عز وجل فإنه عمل فى الباطن بالصبر المجرد؛ والثانى إنه قهر لعدو اللَّه عز وجل، فإن وسيلة الشيطان، لعنة اللَّه. الشهوات، وانما تقوى الشهوات بالأكل والشرب، ولذلك قال [-صلى اللَّه عليه وسلم-]: "إن الشيطان ليجرى من ابن آدم مجرى الدم فضيقوا مجاريه بالجوع". ولذلك قال [-صلى اللَّه عليه وسلم-] لعائشة رضى للَّه عنها: "داومى قرع باب الجنة؛ قالت: بماذا؟ [-صلى اللَّه عليه وسلم-]: بالجوع". . . فلما كان الصوم على الخصوص قمعًا للشيطان وسدا لمسالكه وتضييقًا لمجاريه استحق التخصيص بالنسبة إلى اللَّه عز وجل ففى قمع عدو اللَّه نصرة للَّه سبحانه، وناصر اللَّه تعالى موقوف على النصرة له، قال اللَّه تعالى: {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}، فالبداية بالجهد من العبد والجزاء بالهداية من اللَّه عز وجل" انتهى كلام الغزالى؛ والإشارة فى قول الغزالى أن الصوم للَّه إلى الحديث القدسى: "كل حسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلا الصيام فإنه لى وأنا أجزى به". المترجم

الشافعية، ويذكر فى الفصل الثالث الأيام التى يستحب فيها صيام التطوع، وذلك كما يفعل الفقيه. لكنه يقول فى الفصل الثانى إن أدق المراعاة لأحكام الصوم فى الظاهر ليست صوما بالمعنى الحقيقى. ويميز الغزالى فى الصوم بين ثلاث درجات: الدرجة الأولى (هى الصوم فى نظر الفقه) هى درجة الأنبياء والصديقين والمقربين الذين صومهم كفٌّ عن كل الهمم الدنية والأفكار الدنيوية، والدرجة الثانية هى درجة الصالحين، وهى تتلخص فى حفظ الحواس والجوارح من الآثام (¬123)، ويجب على الإنسان أن يترك ما ينافى الغاية من الصوم، فلا يصح أن يأكل عند الأفطار أكثر وأحسن مما يأكل فى العادة (هذا على ¬

_ (¬123) يقول كاتب المادة هنا: "وعن كل الأشياء الصارفة عن اللَّه"، وهذا فى الحقيقة خاص بالدرجة الثالثة، درجة الأنبياء، والأفضل أن نسوق كلام الغزالى نفسه لدقته فى التقسيم ولوضوحه: "اعلم أن الصوم ثلاث درجات: صوم العموم، وصوم الخصوص، وصوم خصوص الخصوص، أما صوم العموم فهو كشف البطن والفرج عن قضاء الشهوة. وأما صوم الخصوص فهو كشف السمع والبصر واللسان واليد والرجل وسائر الجوارح عن الآثام. وأما صوم خصوص الخصوص فصوم القلب عن الهمم الدنية والأفكار الدنيوية وكفه عفا سوى اللَّه عز وجل بالكلية، ويحصل الفطر فى هذا الصوم بالفكر فيما سوى اللَّه عز وجل واليوم الآخر وبالفكر فى الدنيا إلا دنيا تراد للدين فإن ذلك من زاد الآخرة وليس من الدنيا حتى قال أرباب القلوب: من تحركت همته بالتصرف فى نهاره لتدبير ما يفطر عليه كتبت عليه خطينة فإن ذلك من قلة الوثوق بفضل اللَّه عز وجل وقلة اليقين برزقه الموعود؛ وهذه رتبة الأنبياء والصديقين والمقربين". ويفصل الغزالى صوم الصالحين على صورته الكاملة وتمامها بستة أمور: 1 - غض البصر وكفه عن الاتساع فى النظر إلى ما هو حرام وما يلهى القلب عن ذكر اللَّه. 2 - حفظ اللسان عن الهذيان والكذب والغيبة والنميمة. . . وشغله بذكر اللَّه. 3 - كف السمع عن الإصغاء إلى المحرمات. 4 - كشف بقية الجوارح عن الآثام واجتناب أكل الحرام "فلا معنى للصوم، وهو الكف عن الطعام الحلال ثم الإفطار على الحرام مثال من يبنى قصرا ويهدم مصرًا فإن الطعام الحلال إنما يضر بكثرته لا بنوعه فالصوم لتقليله وتارك الاستكثار من الدواء خوفا من ضرره إذا عدل إلى تناول السم كان سفيها، والحرام سم مهلك للدين، والحلال دواء ينفع قليله ويضر كثيره، وقصد الصوم تقليله. وقد قال [-صلى اللَّه عليه وسلم-]: "كم من صائم ليس له من صومه إلا الجوع والعطش"، فقيل هو الذى يفطر على الحرام، وقيل هو الذى يمسك عن الطعام الحلال ويفطر على لحوم الناس بالغيبة، وقيل هو الذى لا يحفظ جوارحه عن الآثام". 5 - عدم الاستكثار من الطعام الحلال وقت الإفطار، بحيث يمتلئ جوف. فما من وعاء أبغض إلى اللَّه من بطن ملئ من حلال، وكيف يستفاد من الصوم قهر عدو اللَّه وكسر الشهوة إذا تدارك الصائم عند فطره ما فاته ضحوة نهاره وربما يزيد عليه فى ألوان الطعام؟ ! " ويذكر الغزالى فيما يتعلق بحفظ الجوارح كلها أحاديث كثيرة. المترجم

خلاف حكم الفقه) (¬124) ولا أن ينام بالنهار لكيلا يحس بالجوع والعطش فهما سر الصوم وروحه، لأنهما يكسران سلطان الشهوات؛ وكسر الشهوات، لا الإمساك، هو الغرض من الصوم، وهو السبيل إلى القرب من اللَّه؛ والغزالى يخلص إلى عدم جدوى صوم من يعمل فى أثناء الإفطار على إتلاف ثمرة الصوم، وهؤلاء هم الذين يقول الرسول فيهم "كم من صائم ليس له من صومه إلا الجوع والعطش". إن التصور الخلقى للصوم، وهو ما يبينه الغزالى فى هذا الفصل، يكمل بحسب رأيه، الأحكام الجافة الموجودة عند الفقهاء، لكنه بحسب إحساسنا كثيرًا ما يتعارض معها. ونحن نجد فى الحديث كثيرًا أحاديث عدة ذات صبغة خلقية، والغزالى لا يفوته أن يذكرها لتأييد رأيه. ¬

_ (¬124) يشير الغزالى فى عصره إلى العادة التى لا تتفق مع الغرض من الصوم ونجدها فى عصرنا، وتلك هى ادخار جميع الأطعمة لرمضان بحيث يؤكل فيه ما لا يؤكل فى عدة أشهر. وهذا يزيد فى انبعاث الشهوات التى هى وسائل الشيطان. على أن كاتب المادة يقول: إن هذا على خلاف حكم الفقه. وهذا خلط منه لأن الفقه لا يأمر الناس أن يأكلوا فى رمضان أكثر مما يأكلون فى غيرها أما الحقيقة فهى أن الغزالى يبين الفرق بين حكم الفقهاء على صحة الصوم وحكم الصوفية، فالمعانى التى يذكرها الغزالى معان ليست ضد ما يقول به الفقهاء، لكن الفقهاء لا يتكلمون فيها، والصوفية يهتمون بتصحيح العبادات وجعلها عبادات روحية، بالروح وفى الروح. والفقيه يحكم على صحة الصوم بظاهر ما يرى وهو الإمساك عن الطعام والشراب. والصوفى يحكم على صحة الصوم بحسب ما يجب أن يكون معه من أحوال باطنة وأخلاق، ولا تعارض بين الطرفين الفقيه يحكم فى الغالب على صحة الصوم طبقًا للشريعة. والصوفى يحكم على الصوم الروحى وقبوله عند اللَّه وكم من صوفى فقيه وفقيه صوفى. لكن هذا لا يمنع وجود قوم يتعبدون بالظاهر دون الباطن. وقد ذكر الغزالى المقصود من الصوم عند الصوفية وهو "التخلق بخلق من أخلاق اللَّه عز وجل وهو الصمدية والاقتداء بالملائكة فى الكف عن الشهوات، بحسب الإمكان فينهم منزهون عن الشهوات، والإنسان رتبته فوق رتبة البهائم لقدرته بنور العقل على كسر شهوته، ودون رتبة الملائكة لاستيلاء الشهوات عليه وكونه مبتلى بمجاهدتها. فكلما انهمك فى الشهوات انحط إلى أسفل سافلين والتحق بغمار البهائم، وكلما قمع الشهوات ارتفع إلى أعلى عليين والتحق بأفق الملائكة، والملائكة مقربون من اللَّه عز وجل والذى يقتدى بهم ويتشبه بأخلاقهم يقرب من اللَّه عز وجل كقربهم، فإن الشبيه من القريب قريب وليس القرب ثم بل بالصفات. وإذا كان هذا سر الصوم عند أرباب الألباب وأصحاب القلوب فأى جدوى لتأخير أكلة وجمع أكلتين عند العشاء مع الانهماك فى الشهوات الأخرى طول النهار".

على أنه توجد فى كتب الحديث أحاديث كثيرة تتعلق بالصوم ويجدها القارئ مذكورة طوائف بحسب الموضوعات فى كتاب الأستاذ فنسنك (A Handboak of Early Muhammadan Tradition: Wensinck، تحت كلمة Fasting). ولا يمكن أن نذكر هنا، إلى جانب ما تقدم، سوى أحاديث قليلة تتعلق بقيمة الصوم فى العصر الأول للإسلام وكما هو الرأى الشائع اليوم يعتبر الصوم، خصوصا صوم رمضان، خير كفارة لذنوب السنة كلها -ولذلك يراعى الناس الصوم بوجه عام وإن كان ذلك ليس دائما بالدقة التى يريدها الفقهاء- وهكذا كان الحال عند المسلمين الأولين (انظر البخارى: كتاب الإيمان، باب 28؛ كتاب الصوم، باب 6؛ الترمذى: كتاب الصوم باب 1. وهكذا). وبعض الأحاديث تتكلم عن قيمة الصوم فى بعض الأوقات بالنسبة لقيمته فى أوقات أخرى، مثلًا: "صوم يوم" من شهر حرام أفضل من ثلاثين من غيره؛ وصوم يوم من رمضان أفضل من ثلاثين من شهر حرام"؛ "من صام ثلاثة أيام من شهر حرام، الخميس والجمعة والسبت، كتب اللَّه له بكل يوم عبادة تسعمائة عام". ومثل هذه الأحاديث تروى فى صوم يوم عاشوراء وعشر ذى الحجة وخصوصًا صوم رمضان. وهناك أحاديث تتكلم عن مقدار محبة اللَّه تعالى لشخص الصائم وما يتميز به، بل فى الحديث أن "خلوف فم الصائم أطيب عند اللَّه من رائحة المسك" (أحمد بن حنبل، جـ 2، ص 232. . . الخ). وفى الحديث "أن اللَّه تعالى يباهى ملائكته بالشاب العابد فيقول: أيها الشاب التارك شهوته لأجلى المبذل شبابه لى، أنت عندى كبعض ملائكتى" وإنه تعالى يقول: "انظروا يا ملائكتى إلى عبدى، ترك شهوته ولذته وطعامه وشرابه من أجلى"، ويذكر الغزالى أنه قد قيل فى قوله تعالى: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} -قيل كان عملهم

المصادر

الصيام، لأنه قال: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}، فيفرغ للصائم جزاؤه إفراغًا ويجازف جزافًا فلا يدخل تحت وهم وتقدير (¬125). وقد جاء فى الحديث: "للجنة باب يقال له الريان لا يدخله إلا الصائمون، وهو موعود بلقاء اللَّه تعالى فى جزاء صومه" (البخارى: كتاب الصوم، باب 4؛ مسلم كتاب الصيام، حديث رقم 166. . . الخ) وفى الحديث أن للصائم فرحة عند إفطاره وفرحة عند لقاء ربه (البخارى: كتاب التوحيد باب 35؛ أحمد ابن حنبل، جـ 1 ص 446. . . إلخ). ولا يصح للصائم أن يفرط فى هذه الفرحة لأن له الحق فيها. والصائم ليس بحاجة إلى الصوم بعد الغروب، لأن "نوم الصائم عبادة" (¬126). المصادر: قد زودنا جوينبل W.Juyntoll بموجز لأحكام الصوم فى الفقه عند الشافعية وذلك فى كتابه; Handbuch des islami schen Gesetzes، ليدن - ليبسك 1910، ص 113 وما بعدها (بالهولندية، ليدن 1903 و 1925: ويجد القارئ فى طبعة عام 1925 أحدث المراجع)؛ والمراجع الكبرى هى الكتب الخاصة بالتصوف فى كتب الحديث والفقه والاختلاف. وفيما يتعلق بالحديث انظر كتاب Handbook of Early Muhammadan Tradition alphabetically arranged: A. J. Wensinck، ليدن؛ وكتاب إحياء علوم الدين للغزالى، طبعة القاهرة بدون تاريخ، جـ 1، ص 207 - 214. أبو ريدة [بيرك C.C.Berg] ¬

_ (¬125) ذكر كاتب مجمل معنى الأحاديث ودكر جزءًا منها فقط وأجمل أيضًا فى بيان موضوع الكلام فجئنا بالأحاديث كاملة ونقلنا عن الغزالى مفصلا ما ذكره كاتب المادة مجملًا. (¬126) من السنة تعجيل الفطر، فلا يبقى الإنسان صائما بعد الغروب، لكن حديث "نوم الصائم عبادة" فيه نظر ولا شك أن المقصود من القول بأن نوم الصائم عبادة هو إنه بنومه فى أثناء النهار يبعد نفسه عن كثير من الأشياء التى تضير بالصوم أو تكدره. وهذا لا يصح أن يكون مبررًا لكثرة النوم بالنهار لأن من آداب الصوم عدم الإكثار من النوم نهارا إبقاء لليقظة بالذكر والفكر والشعور بكف النفس عن الشهوات، وإذا كانت قلة النوم نهارًا من آداب الصوم فهى فى الليل أحرى.

الصومال

الصومال (*) " الصومال"، بلاد: قطر كبير فى شرقى إفريقية يسكنه الصوماليون. أ- الهيكل الجغرافى: تشمل بلاد الصومال تخوم الهضبة الإثيوبية التى تنحدر شرقا حتى خليج عدن، وتنحدر غربا حتى المحيط الهندى. وتقوم فى حوض خليج عدن، أمام الحد الشرقى للهضبة وعلى بعد غير بعيد من الساحل، سلسلة من التلال الصخرية القاحلة (وأقصى ارتفاع تبلغه هذه السلسلة هو فيما يظهر 6000 قدم تقريبًا)، أبرز تلين فيها هما: "بورنسو هبلود" أى تلال ثديى الفتاة، و"هدفتيمو". وتسير هذه السلسلة فى خط يكاد يوازى ساحل خليج عدن، ثم تهبط إلى المحيط الهندى عند الرأسين الجبليين غرد فوى (رأس عسير) وحافون؛ وفيما وراءها ترتفع الهضبة الإثيوبية ارتفاعًا تدريجيًا، ويخطها بعد ذلك فى جزئها الجنوبى الواديان. الأعليان لنهر شبيلا ونهر جوب. ويقسم الأهالى بلاد الصومال بحسب سماتها الطبيعية إلى ثلاثة أقاليم: إقليم كوبان (ومعناه لغة: الأرض المحترقة) وهو إقليم الجسور والكثبان الرملية على الساحل، وجوه حار شديد الحرارة لا يصلح إلا للرعى أشهرا قليلة أثناء موسم الفيضان وبعده، ثم إقليم أوكو (ومعنى هذه الكلمة لغة: الأرض المرتفعة) وهو إقليم التلال الآنف الذكر، وجوه أكثر من الإقليم الأول اعتدالا، وإن كان لا يصلح للزراعة إلا قليلا، ثم إقليم توكو (ومعنى الكلمة السيول)، وهو إقليم الوادى الذى بين التلال والهضبة وتصب فيه مجارى الماء التى تخرج من جنبى الغور فيتكون منها ناحية الشمال "توك ضير"، أى السيل العميق، وناحية الجنوب: "توك نوكال، وهذه هى خير مناطق بلاد الصومال الشمالية وخاصة لصلاحيتها لتربية الماشية والجياد؛ بل إنا لنجد فى الأرض الموغلة أكثر من ذلك فى الداخل، غربى منطقة توك، أن الجزء الصومالى من الهضبة الحبشية يسكنه الأوكادين، وهم قبيلة يرجح أن اسمها من حيث الاشتقاق يدل على "أهل الهضبة". على أن الأرض على ¬

_ (*) السكان: 9.639.151 نفس الكثافة السكانية: 39 فى الميل المربع. المناطق الحضرية: 24 % الأعراق: صوماليون. المساحة: 246.000 ميل مربع. الحكومة: فى مرحلة انتقال (جمهورية). د. عبد الرحمن الشيخ

مجموعة الأنهار

الجانب المطل على المحيط الهندى، تختلف اختلافا بينا عن الأقاليم الشمالية، ذلك أن الهضبة فى جزئها الجنوبى لا تنحدر سريعا صوب البحر، بل تنحدر انحدارها تدريجيا، وتبعد أقصى أنوفها الجبلية عن الساحل ما بين مائتى ميل وثلثمائة ميل. وهنالك لا تكون مياهها سيولا قصيرة المدى بل أنهارا كبيرة لا تفيض فى بعض المواسم فحسب، وإنما تفيض طوال السنة على اختلاف فى مناسيبها. ويفرق الصوماليون هنا بين أربعة أقاليم يصادفها على الترتيب التالى المسافر من ساحل المحيط إلى داخل البلاد: الأول هو الجسور الرملية المتحركة (بالصومالية: بَعَد) على الساحل. ثم يلى ذلك التلال أو السهول القصيرة من الرمل الأبيض الذى لا يكاد يتماسك (الصومالية: عره عاد أى الأرض البيضاء) ثم يأتى الرمل الأحمر الصوانى وتغطيه الغابات ومعظمه من أشجار السنط (بالصومالية: عرة كدد) ثم نلقى من بعد شقة من الأرض الرسوبية التى تحاذى الأنهار (بالصومالية: عره مادو، أى الأرض السوداء) وهى إلى حد ما أرض غنية بالتربة الخصبة تصلح للزراعة بصفة خاصة. ويوجد فى الإقليم الممتد بين نهر جوب والثنية السفلى الكبرى لنهر شبيلا، وفيما بعد الأرض السوداء الآنفة الذكر منطقة أخرى مترامية الأطراف من الأرض الحمراء يطلق عليها الأهالى اسم: "دوى" وهى أغنى مناطق الرعى فى بلاد الصومال الجنوبية. وتخط منطقة الأرض الحمراء، من الشمال الشرقى إلى الجنوب الغربى، سلسلة من التلال الجرانيتية تقوم حدودا لمشارف حوض شبيلا عند "بور ميلداق" حتى مشارف وادى جوب. وتمتد فيما وراء منطقة الأرض الحمراء، أوغل من ذلك فى الداخل. منطقتا الأرض السوداء وهما منطقة بور هكبَّة ومنطقة هضبة بَيْضُوهْ. ومن هناك ترتفع الأرض ارتفاعا تدريجيا حتى منطقة عيون بُكُّل بالقرب من حدود أوكادين مجموعة الأنهار: يعتمد الفيضان العالى لنهرى بلاد الصومال الكبيرين ومنسوب ارتفاع مياههما اعتمادا وثيقا

على الأمطار التى تسقط على الهضبة الإثيوبية ولا تؤثر الأمطار المحلية للصومال فى ذلك إلا أثرا ضئيلًا؛ والفيضانات العالية تحدث مرتين فى السنة تبعا لاختلاف. مواسم الأمطار بين الشدة والضعف فى جنوبى الحبشة. وتلك ظروف مواتية للزراعة، لأن الأمطار الحبشية الغزيرة تسقط خلال الشهور من 15 يونيه إلى 15 سبتمبر، على حين أن هذه الفترة هى أشد الفترات جفافا فى بلاد الصومال. ومن ثم كان الفيضان العالى، بل طغيان مائه أحيانا، يعد فى نظر بعض القبائل على الأقل تعويضا لهم عما ينزل بهم من أضرار فى فصل الصيف بالصومال. ويطلق الصوماليون على النهر الذى عرف فى الخرائط الأوربية بجوبا وعرفه العرب بجوب، اسم "ويببى كنانه"، وهو فى الحق اسم مركب، ذلك أن "كنان" أو "كنال" معناها بالضبط النهر فى لهجات كالّه بورانا وفى بعض لهجات سداما (والاسم فى النحو جمع بحسب القاعدة الجارية فى اللغات الكوشية، وهى أن جميع أسماء المواد السائلة لا تستعمل إلا بصيغة الجمع). أما النهر الصومالى الآخر الذى يعرفه الأوربيون فى خرائطهم باسم شبلى Shebeli فقد عرفه الأهالى الذين يعيشون فى جواره باسم: "ويبكه" أى النهر. ولعل السبب فى إطلاق اسم شبلى على هذا النهر يرجع إلى أن أهالى أوكادين هم الذين سموه للرحالة الأولين القادمين من خليج عدن باسم "ويبى شبيلا" أى نهر إقليم شبيلا، بمعنى أنه النهر الذى يخط شبيلا. وهو أغنى وأشهر إقليم يخطه المجرى الأعلى لهذا النهر. ومن ثم يجب تصحيح الترجمة الشائعة للاسم من "نهر الفهود" أى نهر موطن الفهود" (معنى شبيلا لغة: "حيث توجد الفهود"). وأشهر زروع بلاد الصومال أجمة أشجار السنط ذات الشوك، وهى أقل كثافة فى الأراضى البيضاء منها فى الأراضى الحمراء. وتقوم الأشجار الباسقة، وخاصة الجميز، على ضفاف الأنهار، وتكون فى بعض الأحيان آجاما فى شقة من الأرض تبلغ ميلا تقريبًا

ب- الأقسام السياسية

على الضفتين جميعا. وتزرع ذرة سُرْغُمِ (بالصومالية؛ مسنكو) والأذرة الهندية (كالاى) فى الأراضى السوداء. وتزرع الأذرة والدخن (وامبه) فى الأراضى الحمراء والبيضاء، كما يزرع أيضا السمسم، وفى بعض مناطق قليلة: البطاطس الأميركى الحلو (بالصومالية: بتاتو) والميوق (بالصومالية: ماهوك). أما القطن وقصب السكر فيزرعان فى المستعمرات الأوربية (وأهم هذه المستعمرات: المستعمرات الصومالية الزراعية الإيطالية التى أقامها صاحب السمو الملكى دوق أبروتزى لويجى من بيت سافوى؛ ومستعمرات جناله التى أقامها الكونت دى فيتشى)، وقد كان التركيب الطبيعى العام لبلاد الصومال الذى وصفناه آنفا عونا عظيما فى الأيام السالفة للأهلين على الغزاة الأجانب، لأن القادم الذى يريد أن يبلغ المنطقة الوحيدة التى لها قيمة اقتصادية ونعنى بها الأراضى السوداء كان لابد له من أن يقطع الصحراء الرملية على الساحل ثم يخترق أجمة الأراضى الحمراء حيث كانت لكل السمات الطبيعية لهذه الأراضى خير معين على نصب الكمائن وتدبير المكائد المأثورة عن البدو فى غاراتهم. ب- الأقسام السياسية: تنقسم بلاد الصومال فى الوقت الحالى (¬1) إلى الأقسام الآتية: 1 - بلاد الصومال الفرنسية وتعرف رسميا ساحل الصوماليين الفرنسى Cote Francaise des Somalis (مساحته 5790 كيلو مترا مربعا، وعدد سكانه 65000 نسمة)، ويديرها حاكم مدنى. وقد حددت تخومها مع: إريتريا الإيطالية بمقتضى البروتوكولين الفرنسيين الإيطاليين المعقودين فى 24 يناير سنة 1900 وفى 10 يوليه سنة 1901؛ ومع بلاد الصومال الانجليزية بمقتضى الاتفاق الانجليزى الفرنسى المعقود فى 2، 9 فبراير سنة 1888 ومع الحبشة بمقتضى الوفاق الفرنسى الحبشى المعقود فى 20 مارس سنة 1897 وعلى الرغم مما يدل عليه الاسم "بلاد الصومال" فإن الجزء الجنوبى فحسب ¬

_ (¬1) كان ذلك وقت كتابة هذه المادة.

من هذه المستعمرة يسكنه الصوماليون أما الأقاليم الشمالية فيسكنها الدناكل، وقصبة البلاد جبوتى (وعدد سكانها 8500 نسمة)، وهى ثغر عامر بالحركة التجارية، ويرجع ذلك بصفة خاصة إلى خط السكة الحديدية الممتد من جبوتى إلى أديس أبابا 2 - محمية بلاد الصومال الإنجليزية (مساحته 68.000 ميل مربع وعدد سكانها 300.000 نسمة). ويديرها حاكم مدنى. وقد حددت تخومها مع بلاد الصومال الفرنسية بمقتضى الاتفاق المشار إليه آنفا، ومع الحبشة بمقتضى البروتوكولين المعقودين بين بريطانيا والحبشة فى 14 مايو سنة 1897، وفى 4 يونية من السنة نفسها؛ ومع بلاد الصومال الإيطالية بمقتضى الإنجليزى الإيطالى المعقود فى 5 مايو سنة 1894, وقصبة هذه المحمية هى بربرة (عدد سكانها 30000 نسمة). 3 - بلاد الصومال الإيطالية (ومساحتها 14000 ميل مربع، وعدد سكانها 65000 نسمة) وهذه المستعمرة يديرها حاكم مدنى، وتنقسم إلى الأقسام الآتية: بلاد الصومال الإيطالية الشمالية، أى محميتا السلطنتين مجيرتين وهوبية؛ وبلاد الصومال الإيطالية الجنوبية التى كانت تعرف باسم بنادر. وقد حددت تخومها مع بلاد الصومال الإنجليزية بمقتضى الاتفاق المشار إليه آنفا ومع بلاد الصومال الحبشية بمقتضى المعاهدة الإيطالية الإثيوبية المعقودة فى 16 مايو سنة 1908؛ ومع بلاد ما وراء نهر جوب الإيطالية بنهر جوب. قصبة البلاد هى مقدشو (عدد سكانها 2100 نسمة). (4) بلاد ما وراء نهر جوب الإيطالية (ومساحتها 25.000 ميل مربع وعدد سكانها 90.000 نسمة)، وهى الأرض التى منحتها بريطانيا لإيطاليا بمقتضى المعاهدة المعقودة فى 15 يولية سنة 1924، وقصبتها كسمايو (عدد سكانها 12.000 نسمة)؛ على أن هذه الأرض قد ألحقت كلها الآن بمستعمرة بلاد الصومال الإيطالية وظل يديرها الحاكم نفسه منذ 30 يونية سنة 1926.

ج- السلالات الصومالية

(5) بلاد الصومال الحبشية، أى أوغادين: وهى مقسمة إلى إقطاعين: الأول ويشمل الوادى الأعلى لنهر شبيلا وهو يعتمد على إقطاعية هرر (وهى إقطاعية الراس تفرى ولى عهد مملكة الحبشة)؛ والثانى ويشمل حوض نهر جوب، وهو يعتمد على أرض كونسو (وهى إقطاعية فتاورارى هبتا كيوركيس). (6) مستعمرة كينيا: ويسكن نواحى أرض تانا والحد الشمالى وذلك الجزء من بلاد جوبة السابقة التى لم تمنح لإيطاليا -شعب صومالى بدوى من الرعاة. ج- السلالات الصومالية: يمكن تقسيم الصوماليين إلى ثلاثة شعوب: شعب الصوماليين الشماليين الذين يعرفهم غيرهم باسم الإيجى وشعب الهوية؛ وشعب الساب. وشعب الصوماليين الشماليين وهو أكبر الشعوب الثلاثة، ينقسم إلى ما يأتى: الإيساق، والدير الذين تقول بعض الروايات إنهم بلا شك أول مجموعة من الصوماليين الشماليين هاجرت إلى الإقليم الذى يعرف فى الوقت الحاضر بالفعل باسم بلاد الصومال مفرقون الآن فى أنحاء بلاد الصومال كلها والراجح أنهم قد أجلوا عن بلادهم على يد غزاة قدموا بعد ذلك. والدير هم أصل القبائل الآتية: العيسى فى بلاد الصومال الفرنسية؛ والبيمال فى بلاد الصومال الإيطالية؛ والفقى محمد فى الوادى الأوسط لنهر شبيلا بالقرب من الحدود الفاصلة بين بلاد الصومال الإيطالية وأوغادين وتوجد أوغادين وبلاد الصومال الإيطالية الشمالية، وإلى جانب هذه القبائل جماعات من أسر ديرية تعيش مع غيرها من قبائل أكثر منها عددًا فى أوغادين، وفى بلاد الصومال الإيطالية الشمالية وفى ما وراء نهر جوبه. ويسكن الإيساق الجزء الغربى من بلاد الصومال البريطانية ومراكز الأسواق الساحلية فى زيلع (بالصومالية أودل؛ وبلغة الكالا: أفدلى) وبربرة وبلحار. وقبائل الإيساق الكبرى

هى: هبر أول وهبر يونس وهبر جعلو وهبر كرحجيس. وتسكن جماعات الإيساق أيضًا فى ما وراء جوبة وخاصة الكتبة الذين اعتزلوا خدمة إدارة المستعمرة البريطانية هم وأسرهم. وثمت جماعة أخرى أكبر من هذه الجماعات تعيش فى عدن حيث يشتغل معظمهم عمالا أو بحارة فى الميناء. والدارود الذين هم أعداء الإيساق بالوراثة، أكبر الجماعات الصومالية عددًا. وهم يسكنون الجزء الشرقى من بلاد الصومال البريطانية وبلاد الصومال الإيطالية الشمالية، وما وراء جوبه، والنواحى الصومالية من الهضبة الإثيوبية. وجماعات الدارود الكبرى هى: (1) الكبلّح، وينقسمون قسمين الكومبه والكومَدَه. ويشمل الكومبه قبيلة كرى كومبه التى تنزل فى جوار هرر، والحلف القديم لقبائل هرتى، أى: المجيرتين الذين يقطنون فى بلاد الصومال الإيطالية الشمالية كلها؛ والورسنكلى؛ والضلبهنته الذين يسكنون الجزء الشرقى من بلاد الصومال البريطانية؛ والدِيششة الذين يعيشون مع المجيرتين. ويشمل الكومده، علاوة على الجماعات الصغيرة المعروفه باسم الكَلميس والويتين والبلعد والجدواق، قبيلة أوغادين الكبرى، ثم هم يسكنون الجزء الأكبر من بلاد الصومال الحبشية والأقاليم الوسطى من ما وراء جوبه. (2) وثمت جماعة أخرى من الدارود هم السده، وأكبر قبائلهم المريهان الذين يسكنون جزءًا من بلاد الصومال الإيطالية الشمالية والأقاليم الشمالية ممن ما وراء جوبه. وقد احتلت قبائل دارودية (المجيرتين) جزيرتى بكاوأبَّا كُبَّا فى بلاد الدناكلة الإيطالية (إريتريا). ويسكن الهوية وادى نهر شبيلا بأسره فى بلاد الصومال الإيطالية وبلاد الصومال الحبشية؛ وتقول رواية الأهالى أن الأجوران سبقوا الهوية فى سكنى هذه الأرض التى يسكنونها الآن، والأجوران قبيلة ترتبط بهم فى الأصل برابطة النسب، والراجح أنها كانت أول جماعة هاجرت صوب النهر، وأفردها فى الوقت الحاضر يعيشون متفرقين

وينقسمون أربع جماعات رئيسية: الأولى تسكن هى ومعاتيقها على الحدود بين بلاد الصومال الإيطالية وبلاد الصومال الحبشية؛ والثانية تسكن الوادى المنخفض لنهر شبيلا جنوبى أفغوى؛ والثالثة تسكن بالقرب من نهر جوب فى أرض بارضيره؛ والرابعة تسكن فى مستعمرة كينيا فى إقليم الحدود الشمالى. ويسمى الإقليم الذى تسكنه الجماعة الأولى: "شبيلا" ولما كان الأجوران فى هذا الإقليم عددهم قليل بعض الشئ فإن أغلب أفراد القبيلة هم أصلا من العبيد أو الأحرار، ويطلق الأوغادين على هذه الجماعة فى كثير من الأحيان اسم أدون، أى العبيد؛ وقد كان بعض علماء السلالات يعدونهم خطأ قبيلة من قبائل البانتو أو شعبًا يتكلم بلغة البانتو. أما جماعات الهوية الرئيسية الأخرى فهى: الككّنضبة وهى تشمل قبائل جدله، وججيله، وبادى، وعَدّه، وكالجعيل التى تسكن جنوبى إقليم شبيلا حتى مهدَّاى فى بلاد الصومال الإيطالية الجنوبية؛ والكرجاته التى تشمل قبائل: هبر كدر، وأبكال (وهى جماعة غفيرة العدد من القبائل مثل الوعيسله، الداؤود، والعيلى، والمنتان، واليوسف، والأكون يار، والورنسكلى أبكال) والموبلين والوعدان، والهلبى؛ وهم يقطنون المنطقة الممتدة من الحدود الجنوبية للككنضبه حتى المحيط، وكذلك أرض الساب. وينقسم الساب الذين يسكنون المنطقة بين أرض الهوية ونهر جوب إلى جماعتين: جماعة رهنوين، وجماعة أخرى اتخذت اسم دكل والراجح أن دكل كان جدهما المشترك، وتشمل الرهنوين جماعتين من القبائل: السييد (أى الثمانية) والسكال (أى التسعة). وقبائلها الرئيسية هى: الإلاى، واللسان، والهريين، والهدامو، اللباى، والكلدى، والكيلدله. وعلى حين أن القاعدة فى تكوين القبائل الصومالية الأخرى هى الاشتراك فى الأصل بأن يكون لها جد أكبر واحد تنسب له القبيلة بصفة عامة فإن تكوين الرهنوين، إذا استثنينا جماعة صغيرة جد، من أحفادهم، يقوم على أسر أو فروع من أصل مختلف يجمعهما حلف ينضوى تحت اسم

مشترك وعلاوة على هذه الجماعات الكبرى وبعض قبائل من أصل غير محقق مثل قبيلة كره التى تعيش قائمة بنفسها فى بلاد الصومال الجنوبية، وفى مستعمره كينيا (إقليم الحدود الشمالى) وفى بلاد الصومال الحبشية (ومما هو جدير بالذكر أن الجماعتين الأخيرتين كانتا تتكلمان إلى عهد قريب جدا باللسانين الصومالى والكمالى)، يجب أن نذكر: المعتقين، والجماعات المنبوذة وسكان المدن التى على الساحل. أما العبيد وأغلبهم أصلا من البانتو وإن كانوا قد اصطبغوا الآن تمامًا بالصبغة الصومالية (سواء أكانوا من المعتقين أم من أولئك الذين فروا من أسيادهم فقد أقاموا فى بعض الأقاليم قبائل مثل: الشدله فى وادى شبيلا الأوسط؛ والمعتقين من الإلاى الذين يعيشون فى هضبة بيضوه مستقلين عن أسيادهم السابقين النازلين فى الأراضى السوداء من بور هكبَّه؛ ومن يعرفون باسم الوكوشه فى الوادى المنخفض لنهر جوب. وأما الجماعات المنبوذة، ونعنى بها الجماعات التى لا يعد نسبها خالصا بالنظر إلى الحرف التى يمارسها أفرادها، فتعيش مع القبائل من الطبقات العليا خاضعة لها. والطبقات الدنيا فى بلاد الصومال الشمالية تعرف عامة باسم الساب، وهى بذلك على العكس مما عليه الحال فى بلاد الصومال الجنوبية كما سبق أن أسلفنا، ذلك أن هذا الاسم فى هذه البلاد هو اسم جماعة من القبائل؛ وأهل تلك الطبقات الدنيا يشملون اليبر، وهم من السحرة؛ والمدكن، وهم من الصيادين؛ والتمال وهم من الحدادين. وتعرف الطبقات الدنيا بين الهوية باسم عام هو "بون" وهو فى الحق اسم شعب من البانتو فى مستعمرة كينيا؛ وهم يشملون: الأيله وهم من الصيادين؛ المدَّراله والككاب وهم من الدباغين؛ والضرضو، وهم من النساجين، واليحر، وهم من السحرة، والتمال والقلمشبه، وهم من الحدادين. والطبقات الدنيا فى نظر الساب هم: الربى، وهم من الصيادين، والورباى، وهم من الحدادين. وتسكن مدن الساحل جماعات من القبائل الصومالية التى من داخل البلاد وأسر اصطبغت الآن بالصبغة

د- اللغة

الصومالية وإن كانت من أصول مختلفة أشد الاختلاف ومعظمها من العرب المهاجرين إلى الصومال أو من البانتو. وتزعم بعض الأسر أنها من أصل فارسى، وثمت روايات تقول بأن الأسر القليلة الأخيرة أصلها من مدغشقر. د- اللغة: الصومالية لغة تنسب إلى اللغات الكوشية، من المجموعة التى يسميها راينييش Reinisch المجموعة الكوشية السفلى، من ثم فهى من أرومة لغات ساهو عفر، وبضوية وكالا. واللغة الصومالية التى كانت فى مراحل تاريخها أقل تأثرا باللغات غير الكوشية من تاثر لغة كالا بهذه اللغات، ولم يدخل فى تركيب أصواتها تلك الأصوات الساكنة المأثورة التى تعقب انحباس الصوت فى الحلق ثم انفجاره، وهى الأصوات الساكنة المركبة الحقة الشائعة فى لغة كالا وبعض لهجات سداما والتى دخلت فى اللغات السامية الحديثة فى الحبشة وإن كان دخولها قد تم بدرجة مختلفة. ومن ثم فإن حرف ك فى اللغة الصومالية هو صوت لهوى انفجارى ينطق به كما فى اللغة العربية. والضاد صوت ينطق به من أصول الثنايا وهو قابل من حيث اللهجة لإبداله راء صريحة أو راء مفخمة. ومن الملاحظ أيضا أن فى اللغة الصومالية جنوحًا كبيرًا جدًا إلى التشجير لا نتيجة لحركتى الكسرة الصريحة والكسرة الممالة فقط بل نتيجة للصوت المتوسط ل أيضًا كما هى الحال فى أداة التأنيث "نا" وكاسعة صيغة المطاوع ت التى تشجر فتتبدل "شا" و"ش" إذا سبقتها الأسماء أو الأفعال المنتهية بحرف اللام (تتبدل لشا إلى شا، ولش إلى ش بالإدغام). وعلى حين احتفظت بعض اللهجات الصومالية بالصوتين الحلقيين وهما الحاء والعين، فإن لهجة الساب قد أبدلت الحاء هاء والعين همزة. أما من حيث علم الصرف فإن الصومالية فيها الضربان من تصريف الأفعال المستعملان فى اللغات الكوشية، ونعنى بذلك التصريف بالبادئات والكاسعات

أو بالكاسعات فقط، على حين أن لغة الكالا قد احتفظت على العكس من ذلك بالتصريف بالكاسعات فقط. على أنه يبين لنا من مقارنة اللغة الصومالية بلغة عفر ساهو أن التصريف بالبادئات والكاسعات فى اللغة الأخيرة أشيع منه فى اللغة الأولى (ولعل السبب فى ذلك تأثرها الشديد باللغات السامية المجاورة). أما اللغة الصومالية فقد احتفظت احتفاظا مأثورًا بذلك التصريف بالبادئات والكاسعات فى خمسة أفعال فحسب، وهى الأفعال التى تعبر عن أكثر الأفكار شيوعًا ونعنى بها: يكون؛ يوجد؛ يعلم؛ يأتى؛ يقول. ومما هو جدير بالملاحظة أننا نجد فى لهجتى الهوية والساب أن فعلين من هذه الأفعال قد استعملا بهذين الضربين من التصريف. والصرف فى اللغة الصومالية يميز هذه اللغة بخصائص متفردة ويجعلها إلى حد ما عسيرة على الأجانب عنها، ذلك أن الأسماء التى لا تعرب وحروف الجر بخاصة لا تأتى قبل الأسماء أو بعدها وإنما توضع جميعا قبل الفعل فى نهاية العبارة. مثال ذلك عبارة: "الجمل والجواد قد ربطا بهذا الحبل" تؤدى بالصومالية هكذا "هاركان راتكا إيو فرسكه آلو كوكا لاحراى" وترجمتها الحرفية: هذا الحبل الجمل والجواد هما كانا مع من بربطا" (وصيغة بـ التى تستعمل فى حالة الجمع تعبر عن فكرة أن الحيوانين لم يربطا معًا، وإنما ربط كل منهما بقطعة من الحبل الذى نحن بصدده). وفى حالة المضاف إليه التى تترجم فى لغة ساهو عفر بوضع الكلمة الدالة على الشئ المملوك، قبل الكلمة الدالة على المالك، وتترجم بعكس الوضع فى لغة كالا فتوضع الكلمة الدالة على المالك قبل الكلمة الدالة على المملوك تترجم فى الصومالية بما تترجم به فى لغة الكالا أو تترجم بما هو أشيع من ذلك أى بأن يأتى أولا اسم الشئ ثم يتلوه اسم مالكه مقترنا بالضمير الدال على الملكية. فمثلا عبارة "بيت عمر" تترجم حرفيا: "البيت عمر" أو "عمر بيته". واللهجات الصومالية تصنف بحسب تقسيم الصوماليين السلالى فروعا هى: لهجات: الإيساق، والدارود، والهوية،

هـ- تاريخها

والساب. وقد احتفظت لهجات الإيساق بالصوت الأصلى وهو الضاد الخارج من أصول الثنايا. وهم يصيغون الأفعال الجامدة بأن يلحقوا بها الكاسعة "اى" ويميزون فى الضمائر ضميرين من ضمائر المتكلم فى حالة الجمع: نحن الشاملة أى التى تشمل المتكلم والمستمع؛ ونحن المقصورة، أى التى تدل على المتكلم ومعه غيره. وتبدل لهجات الدارود الضاد الخارجة من أصول الثنايا راء مفخمة (لهجة أوغادين) أو راءً صريحة (لهجة مجيرتين) إذا وقعت بين حركتين. وهم أيضا يصيغون أفعال الاستمرار بأن يلحقوا بها الكاسعة، "هاى" كما احتفظوا أيضا بالضمير نحن فى حالتيه اللتين أسلفنا الإشارة إليهما. وتبدل لهجات الهوية الضاد إذا وقعت بين حركتين راء، ويصيغون أفعال الاستمرار بصيغة المصدر متبوعة بالفعل هاى، وليس عندهم الضمير نحن بحالتيه. وقد بدلت لهجات الساب، كما بينا آنفا، الحاء هاء وعينا. وهم قد احتفظوا بحالة الموصول المنتهية بـ "اى" والتى أبدلت فى حالة الجزم بـ "أو"، فى غير ذلك من اللهجات الصومالية. أما فعل الأمر فى حالة النفى فيصاغ بإلحاق البادئة "إن" متبوعة بالفعل مع إلحاق الكاسعة "أوى" (وفى اللهجات الأخرى تستعمل فى هذه الحالة الكاسعة "بها" متبوعة بالفعل مع إلحاق الكاسعة "إن"). أما من حيث المفردات فإن اللغة الصومالية لم تتأثر باللغة العربية إلا تأثرا قليلا جدا، بل إن الألفاظ العربية المستعارة كانت حين تدخل فى اللغة تخضع خضوعا تاما لقواعد الأصوات الصومالية. وكذلك لم تؤثر لغة الكالا فى اللغة الصومالية إلا أثرا قليلا إذا وضعنا فى إعتبارنا الأصل اللغوى المشترك، وربما استثنينا من ذلك لهجات الساب. على أننا قد نجد فى مفردات اللغة الصومالية بعض الشواهد التى تدل على أن اللغة الصومالية ولغة سداما كانتا متجاورتين قبل الغزو الكالى الكبير. هـ- تاريخها: لعل الروايات الوطنية صبغت تاريخ الصوماليين بالصبغة الإسلامية برد نسبهم إلى عقيل بن أبى طالب ابن النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-]،

ومهما يكن من أمر الرأى الذى يتجه فى الاتجاه الآخر ويدور حول مسألة جواز وفود السكان الحاميين من آسية إلى إفريقية، فإنه مما لا شك فيه أن الصوماليين قد نزلوا الأرض التى ينزلونها الآن جماعات شتى أقبلت فى غزوات متتالية، وتتابعت هذه الجماعات واحدة تدفع الأخرى، ولكنها كانت جميعا تخرج من الساحل الإفريقى لخليج عدن. ثم أقبل الدير بعد أن طردهم غزاة صوماليون آخرون، ومضى فريق منهم مخترقين أو غادين والإقليم الممتد بين نهرى جوب وشبيلا حتى بلغوا الوادى الأسفل لهذا النهر، وخرجت من أصلابهم قبيلة بيمال. وأقبل الساب من خليج عدن ويمموا أولا شطر وادى جوب، ثم هبطوا من الهضبة على طول وادى ويب ثم تقدموا منعطفين فجأة إلى الشرق فيما جاور مارلا وغزوا الأرض التى يقيمون فيها الآن محاربين قبيلة ورداى إحدى قبائل الكالا. ومن الساحل الشمالى الذى أسلفنا ذكره خرج الإيساق والدارود لغزو منازلهم الحالية بطرر الدير والكالا. ووفد الهوية من الأقطار الشمالية وتوقفوا أول الأمر شمالى ماريك، على حين أخضع إخوتهم الأجوران وادى شبيلا بعد أن غلبوا على الكالا والجدّو. على أن الهوية أنفسهم تقدموا من ثم إلى هذا النهر وفرقوا شمل الأجوران. ولذلك يمكننا أن نميز فى تاريخ استعمار الأراضى الصومالية حقبتين، الأولى: وتشمل الحروب التى شنت على الكالا، والثانية: الحروب التى دارت جماعات الصوماليين أنفسهم، فقد مضت كل جماعة تقاتل الأخرى فى سبيل غزو خير أراضى الصومال. على أن ثمة رواية مكتوبة (وقد استطعت أن أحصل على مخطوط عربى منها) على جانب عظيم من الأهمية تصف خبر الحرب التى شنت قبل الحروب التى جاء ذكرها فى الروايات الصومالية، ونعنى بهذه الحرب القتال الذى نشب بين غزاة الكالا والزنج (أى شعوب البانتو) الذين كانوا ينزلون حوض نهر جوب. ويمكن أن نخرج من ذلك بترتيب مستعمرى بلاد الصومال على الوجه الآتى: الزنوج (البانتو) ثم الكالا الكوشيين ثم الصوماليين الكوشيين.

وبينما هذه القبائل تحتل على التعاقب داخل البلاد، ظلت المنطقة المحاذية للساحل عدة قرون على اتصال تجارى وثيق ببلاد العرب. وهذه التجارة التى كانت قد بدأت مع المستعمرات التجارية فى جنوب المملكة العربية زادت رواجا على رواج فى العهد الإسلامى. ونشأ من هذا الفتح العربى دويلتان هما زيلع ومقدشو اللتان أقامهما وحكمهما بصفة عامة دول من الوطنيين أمراؤها من العرب الذين اصطبغوا بالصبغة الصومالية أو من الصوماليين الذين تأثروا بالثقافة العربية تأثرا كبيرًا. وقد تيسرت لمملكة زيلع التى ظلت تزدهر منذ القرن الرابع عشر الميلادى، أسباب الحياة والرخاء معتمدة على الاتجار مع داخل البلاد حيث عاونتها الدول الإسلامية الكبيرة فى جنوبى الحبشة بقيادة كران. على أن مقدشو لم تزدهر إلا فترة قصيرة فى القرن الرابع عشر الميلادى، ثم لم تلبث أن بدأت فى الاضمحلال، ذلك أن أهلها لم يستطيعوا أن يتغلبوا على مقاومة البدو الصوماليين الذين كانوا يسكنون فى داخل البلاد. وتقلبت على مقدشو معروف الدهر على اختلافها، ومع ذلك فقد استمرت محتفظة باستقلالها أيام دولة المظفر حتى القرن السادس عشر الميلادى. وفى القرن السابع عشر احتلها إمام عمان، وبعد سنوات قليلة ترك هذا الإمام الساحل جميعًا الذى يعرف ببنادر هو ومقدشو لسكانه، وإنما أصر على أن يعترفوا بسلطانه عليهم. ولما انقسمت دولة مسقط إلى سلطنة عمان وسلطنة زنجبار (وكان ذلك فى أوائل القرن التاسع عشر) جعلت مقدشو من نصيب زنجبار، وعندئذ حاول السلاطين أن يكون لهم ملك حق هناك بإقامة وال وحاميات من الجنود فى مقدشو ومركة وبراوة. وما إن مضت مدة قليلة فى حكم هذه البلدان (حوالى ستين عامًا) حتى باعتها زنجبار لإيطاليا. ومهما يكن من شئ فإن القبائل الصومالية فى داخل البلاد قد نعمت باستقلالها التام عدة قرون. ولم تحتفظ الروايات الصومالية بذكرى الغزو الكالى الكبير فى الحبشة، الذى فصل فى القرن السادس عشر بين

و- الإسلام

الصوماليين والسداما وباعد بينهم وبين تلك المراكز الصغيرة من مراكز الثقافة. على أنه يجب علينا أن ننظر بعين الاعتبار لذلك الفرض الذى يقول إن وجود أمارات ثقافة أرفع من الثقافة الصومالية الحالية ماثلة فى بعض الأقطار الداخلية ينسبها الأهالى إلى الأجوران أو المادنلة يجيز لنا أن نرجع تلك الثقافة إلى قوم من الصوماليين كانوا على صله وثيقة بعرب الساحل الجنوبى، وذلك أقرب من أن نردها إلى قوم من الأهالى تأثروا بثقافة دول سداما الشمالية. وظلت بلاد الصومال فى الداخل على هذه الحال حتى نهاية القرن التاسع عشر، حين احتلت فرنسا (سنة 1884) وبريطانيا (سنة 1884) وإيطاليا (سنة 1889) مستعمراتها الحالية. و- الإسلام: الصوماليون جميعا مسلمون يتبعون المذهب الشافعى. ولم يعمد إمام مسقط ولا سلاطين زنجبار أثناء حكمهم القصير للساحل الصومالى إلى نشر آرائهم الإباضية بأية حال بين الشعوب الصومالية. ومن ثم لم يبق منذ رحيل والى السلطان عن بلاد الصومال أى أثر من آثار المذهب الإباضى. ويمكن أن نجد بين العرب الذين هاجروا حديثا إلى بلاد الصومال عساكر أو عمالا فى مستعمرات الأوربيين، عددًا من الزيدية وإن كان هؤلاء بصفة عامة لا يجهرون بمذهبهم. وإن اختلاف تكوين سكان الساحل عن سكان الداخل واختلاف ما أصاب التاريخ هؤلاء وهؤلاء من تغيير قد جعل أثر الإسلام فى كل فريق مختلفا عن الآخر. ذلك أن مدن الساحل التى ظلت عدة قرون متصلة بمراكز الثقافة الإسلامية وانتظمت فى جماعات من أرباب الحرف يرتبط أهلها بالروابط التى تصل أهل الحضر بعضهم ببعض ولا يرتبطون بالوشائج التى تصل بين أهل القبيلة جميعًا، قد يسر بطبيعة الحال الأسباب التى تجعلهم أكثر اصطباغًا بالإسلام من قبائل الداخل التى درجت على الاستقلال من سكان الساحل والشعور بالعداوة لهم وسوء الظن فيهم؛ وقد توطدت بين هذه

القبائل فى منازلها الواسعة دعائم الوحدة التى تقوم على الأصل المشترك. ولم تجد الدعوة الإسلامية بدًا من أن تصارع هناك ما نشأت عليه القبائل من وثنية وعرف سائد. ومن ثم كانت الدعامة التى يرتكز عليها نشر الإسلام هى إقامة الطرق الدينية. ولذلك يجب علينا أن نلم بهذه العناصر الثلاثة التى تكونت منها الثقافة الصومالية الدينية ألا وهى: بقايا الوثنية القديمة فى الداخل؛ والثقافة الإسلامية على الساحل؛ والطرق الدينية. ويمكن أن نذكر من بقايا الوثنية شعيرة "السار" ولعلها رقص دينى قديم. فالأهالى يحتشدون فى حلقة ويبدأ المنشدون فى الإنشاد على إيقاع خاص. ويسقط واحد منهم أو أكثر على الأرض مغشيا عليه، ويمضى الآخرون فى إحياء "السار" بالإنشاد والتصفيق بالأيدى أو الضرب بالأقدام أو بقرع الطبول والقدور. ثم ينهض المغشى عليه رويدًا، رويدًا ويمسك فى يديه خنجرًا، ويرقص فى الحلقة وقد أشهر الخنجر حتى يغشى عليه مرة أخرى، ولكنه لا يلبث أن ينهض وقد أفاق من كل ما نزل به. ويقام السار أيضا بالميسم النارى بدل الخنجر. وعند الساب يخرج الراقص ويجرى فى الأجمة المجاورة. ثم يعود كاشفًا فى صيحات عالية عن خنجره وقد تلطخ بالدم الذى يقال إنه دم الجنى الذى قتله. ومن الشعائر الوثنية الأخرى العيد الصومالى الذى يقام فى أول العام؛ وللصوماليين سنة شمسية من 365 يومًا وكل سبع سنوات دورة، وكل سنة تسمى باسم يوم من أيام الأسبوع. وتسمى كل دورة باسم أهم حادث وقع فيها. ومن ثم يستشهد الهوية بـ "إسنينتا أوراح مدو" أى سنة الاثنين للشمس السوداء (ولا شك أنها سميت بذلك لما وقع فيها من كسوف الشمس). ويستشهد الساب بـ "سيدى فرنجى" أى سنة السبت للأوربى، وفى ذلك إشارة إلى رحلات الكابتن بوتيكو فى أرضهم. ويحتفل بمطلع العام الجديد بعيد يسمى الـ "دبشد" وهو عيد شائع مشهور جدًا، تشعل فيه كل أسرة شعلة بالقرب من كوخها، ثم

يجتاز رأس الأسرة النار بالقفز من جانب إلى جانب، أو يدير حربته كالزوبعة وسط النار. وينبغى أن نذكر الاعتقاد الشائع فى استمرار حياة الأم بعد الوفاة؛ ووجوب تزويد الميت بالطعام والكساء بالتضحية بالأنعام قرب قبره وتوزيع اللحم وقماش القطن على المساكين، إذ يقال إنهم هم الوسيلة إلى إيصال الطعام إلى الميت؛ ومن ثم نشأت عادة أن يخصص فى الوصايا جزء كبير من الميراث لإقامة هذه الشعائر (ما يدفن مع المرء عند الوفاة) وما نجده من عناية حانية يبذلها الأبناء والأقارب "لكنس القبر" أى التقدم بهذه الأضاحى من حين إلى حين. ونجد أيضا آثار الأفكار الوثنية ماثلة فى القوى السحرية التى لشيخ القبيلة بحكم الوراثة، وعين هذا الشيخ بالنسبة إليه كالشمس بالنسبة لإله السماء القديم عند الكوشيين الوثنيين. و"العين الحارة" لهذا الشيخ هى التى تزيد فى نماء الأنعام أو تنقصه، وتصيب بالعقم، وتجلب العافية أو المرض. وقد استبدل الفقهاء المسلمون بالسحرة الوثنيين القدماء، ولو أن الفقهاء قد احتفظوا بالاسم القديم "وداد" وأصبح من الممكن أيضا أن تلتمس عندهم القوى السحرية. ونوال البركة يتوسل إليه بالتفل كما كانت الحال أيام الوثنية. ورأس الذبيحة من الحيوان وبطنها ومخالبها تعد فى نظر الإسلام عند الصوماليين نجسة طبقًا للعقائد الكوشية الوثنية. ويطلق الآن الاسمان الصوماليان لإله السماء (إبّا، واق) على اللَّه، بل إن اسم الجنى الوثنى (غرل؛ بلغة كالا: قولو؛ وبالأمهرية: قوله) يستعمل فى اللهجات الحديثة للدلالة على القسمة أو النصيب. وقد كانت مقاومة العرف الصومالى للإسلام أشد من ذلك وأدهى، ذلك أن هذا العرف يقوم على مرحلة من مراحل التطور الاجتماعى شبيهة كل الشبه بالحياة العربية أيام الجاهلية، ولذلك فإنه يختلف اختلافا بينا عن الشريعة الإسلامية. ونستطيع هنا أن نستشهد ببعض الأحكام الأساسية المتعلقة بزواج الأخ بزوجة أخيه إذا توفى ولم يعقب،

والثمن الذى تؤديه الأرملة لأقارب زوجها المتوفى حين ترغب فى الزواج من رجل غير إخوته (ومما تجدر ملاحظته أن العرف الصومالى يقضى بألا يكون أولاد الزوج الثانى، وهو أخو الزوج المتوفى، أبناء للزوج الأول واستمرارًا لذريته كما هى الحال عند الساميين، بل إن الأمر على العكس من ذلك فذرية الزوج الأول يعدون أولادًا للزوج الثانى)؛ وجواز الزواج بالاغتصاب؛ والدية التى تعد فى نظر الصوماليين تعويضًا يؤديه القاتل، وقد نشأ هذا التعويض من أن الجريمة تكسب أهل القتيل حقًا على القاتل بحكم الجرم الذى اقترفه؛ وحرمان المرأة من حقوق الميراث؛ والجماعات المنبوذة التى لا يباح للمرء الزواج من بناتها أو الاتصال بها بأية حال، ذلك أنها فى حالة نجاسة دائمة (لاحظ البراعة فى صبغ هذه العادة القديمة بالصبغة الإسلامية)؛ وزواج الأباعد، وهى عادة لا يزال لها وجود عند القبائل الشمالية؛ والآثار المشهورة لزيجات تعقد بين قبيلتين أكثر من عقدها بين الأفراد. إما على الساحل، فى مراكز الثقافة الإسلامية، وخاصة بعد ما طرأ من زيادة رواج التجارة فى النصف الثانى من القرن التاسع عشر، فإننا نجد أن آثار الفقهاء المسلمين قد أثمرت زادًا محليًا قليلا فى التأليف باللغة العربية وخاصة فى الموضوعات الصوفية. وأهم الكتب المطبوعة هى: "المجموعة المباركة" للشيخ عبد اللَّه بن يوسف، وهو مواطن من جماعة شيخال طبع كتابه فى القاهرة؛ و"مجموعة القصائد" للشيخ قاسم بن محيى الدين، من أهل براوى، وهذا الكتاب ليس إلا ديوانا لكثير من الشعراء الصوماليين؛ على أن المجموعة المباركة قد قسمها الشيخ عبد اللَّه إلى خمس مقالات فى التصوف، ولكن همه الحق قد صرفه إلى المقالة الثالثة والمقالة الرابعة، وقد سمى الثالثة: "السكين الذابحة على الكلاب النابحة" وسمى الرابعة: "نصر المؤمنين على المردة الملحدين" وهذه المقالة رد شديد على الطريقة الصالحية. ومن الفقهاء الصوماليين البارزين الشيخ عويس محمد البراوى، وقد نظم الشيخ عويس، علاوة على القصيدتين اللتين

نشرتا فى مجموعة القصائد التى أسلفنا ذكرها، خمس قصائد باللغة الصومالية كتبها بالحروف العربية، فكان هو الوحيد الذى جرى على هذه السنة. وهجا بالقصيدة الأولى من هذه القصائد الخمس أتباع مُد ملا. ويجدر بنا أن نذكر أيضا الشيخ عبد الرحمن الزيلعى الذى نظم عدة قصائد صوفية بالعربية (أكثرها شهرة: "سراج العقول والسرائر فى التوصل بالشيخ عبد القادر أى، الجيلانى"). وثمت فقيه صومالى آخر هو الشيخ عبد الرحمن ابن عبد اللَّه من جماعة شانشيه فى مقدشو، وقد اشتهر بالشيخ الصوفى، وهو مؤلف كتاب "شجرة اليقين" أو "النبذة اليقينية فى معجزات خير البرية" وقد نشر فى "المجموعة المباركة" ولها شهرة مستفيضة بين مذاهب الصوفية عند الصوماليين. وثمت مخطوط عشر عليه فى براوى، وهو يشمل ترجمة لهمزية البوصيرى فى أبيات باللغة السواحلية. وأغلب الظن أن الأبحاث التى أعقبت ذلك سوف تؤدى إلى ظهور مخطوطات أخرى قديمة أو وثائق بالعربية والصومالية. وببلاد الصومال أربع طرق صوفية إسلامية هى: القادرية؛ والأحمدية وهم أتباع أحمد بن إدريس الذى توفى فى النصف الأول من القرن التاسع عشر فى صبياء بعسير؛ والصالحية، وهى فرع حديث من الأحمدية (ورأس هذه الطريقة وصاحبها هو محمد صالح الذى كان مركز طريقته فى مكة وأخذ العهد على الصوفى السودانى إبراهيم الرشيدى مريد أحمد بن إدريس)؛ والرفاعية، وهم أتباع السيد أحمد الرفاعى. والقادرية التى تضم جل الفقهاء أصحاب التواليف الصوفية المشار إليها آنفا هم أكثر أرباب الطرق الصومالية علما وأعظمهم تمشيا مع الأفكار الحديثة. وليس لهذه الطريقة من المنازل إلا القليل، كما أنها لا تتبع تنظيما سياسيًا ما، وإنما تنصرف إلى التعليم أكثر من انصرافها إلى الزراعة. وقد دبت الفرقة بين القادرية فى بلاد الصومال والصالحية منذ عدة سنوات، والسبب الأول لذلك هى الردود التى رد بها القادرية على مد ملا الذى كان قد بدأ حملاته فى الدعوة بالقول بأنه هو نفسه التابع الحق لمحمد صالح ودفع

أتباع هذا الملا إلى قتل الشيخ عويس بن محد البراوى سنة 1327 هـ (1909). وبدأت المناظرات مرة أخرى بين الطريقتين، ولو أنها كانت فى هذه المرة أقل عنفًا، وذلك بعد نشر كتاب "المجموعة المباركة" للشيخ عبد اللَّه وقصيدة للشيخ قاسم محيى الدين البراوى حيث رد على الصالحية بترديد عبارة: "لكم دينكم ولى دينى". أما الصالحية فكانوا على العكس من القادرية، قد شغلوا أنفسهم خاصة بالسعى إلى بسط سلطانهم السياسى على القبائل، وإقامة نظام يعتمد على الجماعات الزراعية وخاصة على ضفاف الأنهار. وقد كانت القيادة فى حركة الملا، وقد الفتنة التى أشعلها السيد محمد يوسف على الحبشة فى وادى ويب سنة 1917 لزعماء من الصالحية. وفى الجانب الآخر، كان هدف الصالحية الأراضى السوداء على طول وادى شبيلا، وهى خير الأراضى وإن كان البدو الصوماليون لم يقدروها فيما سبق حق قدرها وأستخدموها فى رعى الماشية وحسب، ذلك أن الصالحية استغلوا فى براعة المشاحنات التى دبت بين القبائل، وغير ذلك من الظروف السياسية وحاولوا أن يحصلوا من هذه القبائل على خير المناطق الصالحة للزراعة. وأما الأحمدية فعددهم أقل من سائر الطرق الصوفية؛ وقد وجهوا همهم شأن الصالحية، إلى الحصول على الأراضى، وإن كانوا ينصرفون إلى التعليم أكثر من الصالحية. والقادرية والأحمدية ليس عندهم نظام طبقى بمعنى الكلمة، على حين نجد الصالحية فى بلاد الصومال الإيطالية يقودهم شيخ زاوية مصره (فى منتصف وادى شبيلا) وهو نائب محمد صالح فى الإقليم كله. والقضاء الوطنى يقوم به فى بلاد الصومال الايطالية قاض مسلم، إلا فى بعض الجرائم والقضايا ذات الصبغة السياسية. وأحكام هذا القاضى تبدأ بعبارة: باسم اللَّه الرحمن الرحيم إنا نحكم بشريعة الإسلام باستخلاف الملك المعظم ملك الإيطالية. . . " (¬1) ¬

_ (¬1) كان ذلك وقت كتابة هذه قبل استقلال الصومال.

المصادر

المصادر: الجغرافية: علاوة على الكتابين القديمين: (1) Documents stir L'histoire,la geographie et le commerce de l'Afrique Orientate: Guilain، باريس 1856. (2) First Footsteps in East Africa: Burton انظر (3) Il Giuba esplorato: V.Bottego، رومة 1895 (4) L. Vannutelli & Citerni: L' Oma . . ميلانو 1899. (5) Lugh, emporio commerciali sul Giuba: U. Ferrandi ميلانو 1912. (6) Alle frontiere meridi onali d'ell'Etiopia: C.Citerni، ميلانو 1899. (7) Somalia e Benadir: Robecchi Brichetti، ميلانو 1899. (8) المؤلف نفسه Nel Paese degli Aromi، ميلانو 1903. (9) British Somaliland: R.E.Drake Brocklmann، لندن 1917. (10) Somaliland: A.Hamilton لندن 1911. (11) Through unknoun African Countries: A. Donaldson Smith، لندن 1897. (12) Zu den Aulihan: E. Hoyos، فينا 1895. (13) Impression de voyage en Apharras: F.Storbeck (Cote francaise de Somali)، باريس 1915. (14) Die Berichte der arabischen Geographen des Mittelalter uber Ostafrika: F.Storbeck، فى M.S.O.S، جـ 17، لوحة 2، برلين 1924. (15) Ricerche geologiche idrologiche etc. mella Somalia Italiana: Stefanini & Paoli فلورنسة 1916. السلالات والعرف: (1) Ethnographie Nord Ost Afrikas: P.Paulischke, برلين AMT . (2) Il diritto consuetudinarin delta Somalia Italiana settentrionale: E. Cerulli، نابلى 1919. (3) المؤلف نفسه Tesci di diritto onsuetudinario des Somali Marrehan، فى R.S.A، جـ 7، رومة 1918.

(4) Principii di diritto della Somalia ltaliani e la propriet consuetudinario: M. Colucci، فلورنسة 1924. (5) Note sul movimento musulmano nella Somalia: E.Cerulli فى R.S.O، جـ 10، رومة 1923. اللغة: (1) A grammar of the Somali language: Hunter، بومباى 1880. (2) Die Somalisprache: A.W.Schleicher، برلين 1892. (3) Schleichers Somalitexte: L.Reinisch، فينا 1900. (4) Practical Grammar of the Somali language: Fr.E.de Larajasse & C. de Sampont، لندن 1897. (5) Somali English and English Somali Dictionary: Fr.E.de Larajasse، لندن 1897. (6) Somalisprache: L.Reinisch، ثلاثة مجلدات، فينا 1901 - 1903. (7) Somalitexte: A.Jahn، فينا 1906. (8) A grammar of the Somali language: J. W. C. Kirk، كمبردج 1905. (9) Note sui dialetti somali: E. Cerulli، فى R.S.O جـ 8، رومة 1921. (10) Somali Texte: M.von Tiling, برلين 1925 التاريخ: علاوة على الكتب الزرقاء التى أصدرتها وزارة الخارجية البريطانية أو وزارة المستعمرات عن الشئون الصومالية، والكتب الخضراء التى أصدرتها وزارة الخارجية الإيطالية، والتقارير الرسمية التى رفعها الحكام الإيطاليون لبلاد الصومال إلى البرلمان انظر: (1) Iscrizioni e documenti arabi per la Storia della Somalia: E.Cerulli، فى R.S.O جـ 11، رومة 1926. (2) المؤلف نفسه: della sotnalia nella tradisione storico locale Le popolazioni فى R.R.A.L، رومة 1926. خورشيد [أ. تشيرولى Enrico Cerulli]

ض

ض

ضباب

ضباب ضِبَاب قبيلة عربية من قبائل معد، وهم من سلالة معاوية بن كلاب الذى عرف بالضباب بسبب ثلاثة من أبنائه هم ضباب وضَبّ والمُضِبَ. وسلسلة نسب ضباب هى: معاويةَ بن كلاب بن ربيعة بن عمرو بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن. ومنازلهم فى حى حمى ضرية من بلاد نجد. ونذكر من منازلهم: جزع بنى كوز، ودارة جُلْجُل، وطلوح. ومن جبالهم: أخزم، والجرشنية، وذات آرام، واليحموم (وهو تل أسود كبير) وكبشة (هو ودارة الكبشات)، والخنزرة (وهو جبل كبير يشمل دارة خنزرة)، ونُمَيْرةَ بيدان، وشعبى (هو جبل كبير طوله مسيرة يوم)، وزهلول (وهو تل سود به رواسب معدنية) إلخ. وفيما يلى وديان الضباب: ذو الجدائر، والريان (ويشتركون فيه هم وجعفر بن كلاب)، وهَضْب غول، وقادم، وتربة (وهو واد كبير به أحراج نخيل وحقول حنطة، ويشاركهم فيه هلال وعامر بن ربيعة) ومياههم هى: الأرطاة، والأسورة، والبردان (بالقرب من دارة جلجل)، وبطحان، والثريا، والجفار، والغدير، وقراقرة، والخصافة، الشُّبَيْرمَة، وصفية، ومعروف، ومنى وغيرها. المصادر: (1) ابن الأثير، طبعة تورنبرغ، جـ 6، ص 172.

الضبى

(2) معجم البلدان لياقوت، طبعة فستنفلد، جـ 1، ص 60، 209, 271، 552، 663، 791، 834، 924؛ جـ 2 ص 38، 71، 156، 259، 266، 477، 603؛ جـ 3، ص 293، 554، 826؛ جـ 4، ص 50، 233، 547، 814, 985، 1012. وانظر الفهرس تحت هذه المادة. (3) ابن قتيبة: كتاب المعارف طبعة فستنفلد، ص 34. (4) محمد بن حبيب: Uber des Gleichheit u. Verschiedenheit Arabischen Stammamen، (طبعة فستنفلد) ص 34. (5) Genealogische Tabellen der Arabischen Stamme und Familien: F.Wustenfeld كوتنكن 1852، القسم الثانى، القبائل الإسماعيلية، الجدول رقم 17. (6) المؤلف نفسه: Register zu den Tabellen: Genealog كوتنكن 1853، ص 154، 299. [شيلفر J. Schleifer] الضبى أبو جعفر بن يحيى بن أحمد بن عميرة (وليس القرطبى): فقيه عربى أندلسى من أعيان القرن السادس الهجرى (الثانى عشر الميلادى). ولد فى بلش (Velez (Rubio, Balanco غربى لورقه Lorca كما يستدل على وجه يشبه اليقين مما ورد فى كتابه من إشارات خاصة به وبأسرته. وبدأ الضبى دراسته فى لورقه وهو بعد فى العاشرة. والظاهر أنه قضى أكثر عمره فى مدينة مرسية مع استثناء رحلاته إلى شمالى إفريقية، فقد زار سبته ومراكش وبجاية ثم الإسكندرية. وتوفى الضبى فى آخر ربيع الثانى عام 559 هـ (بداية عام 1203 م). ولم يبق من تصانيف الضبى سوى معجم قيم فى تراجم علماء الأندلس من العرب مع مقدمة موجزة عن تاريخ العرب فى الأندلس أكملها عبد الواحد المراكشى فى مقدمته (تاريخ الموحدين، طبعة دوزى). والضبى فى بقية الكتاب يتبع عن كثب كتاب جذوة المقتبس للحميدى (ويصل فى كلامه إلى عام 450 هـ = 1058) ويوسع فيه بإضافة تراجم لرجال السنوات المائة والخمسين التالية. ويسمى هذا الكتاب "بغية الملتمس (لا المتلمس كما جاء فى كتاب بروكلمان،

المصادر

جـ 1، 340) فى تاريخ رجال أهل الأندلس". وقد نشر كوديرا Codera وريبيرا Ribera هذا الكتاب عام 1885 عن المخطوط الوحيد القديم الجيد الباقى، وإن كان بعض أجزائه لم يعن بحفظها العناية الواجبة. وهذا المخطوط محفوظ فى مكتبة الإسكوريال، وهو المجلد الثالث من المكتبة العربية الأندلسية. المصادر: (1) Ensayo biobibliogarfico sobre los historiadores Y geografos arabigo-espanoles: Fr.Pons Boigues (مدريد 1898) رقم 212 ص 275 - 259. ونذكر بالإضافة إلى النسختين غير المتقنتين اللتين قام بنسخهما الموارنة فى النصف الثانى من القرن الثامن عشر عن المخطوط الفريد المحفوظ فى الإسكوريال، النسخة التى تملكها الجمعية الأسيوية فى باريس، وهى التى لا أعرف عنها شيئًا أكثر من ذلك. وإكمالا للموضوع نذكر أيضًا نسخة Faustino de Muscat y Gusman المعيبة أيضًا وهى المحفوظة فى كوبنهاغن برقم 163 ولم تذكر هذه النسخة فى أى ثبت للمصادر. الشنتناوى [تسيبولد G.F.Seybold] الضحاك ابن قيس الشيبانى، وهو من الخوارج. لما توفى زعيم الخوارج سعيد ابن بجدل الشيبانى بالطاعون عام 127 هـ (745 م) وهو فى طريقه إلى الكوفة نودى بالضحاك خليفة له، وتجمع الخوارج من كل الأنحاء تحت رايته. وتقدم الضحاك نحو الكوفة فى أتباعه، فوخد النضر بن سعيد الحرشى واليها من قبل الخليفة مروان الثانى وعبد اللَّه بن عمر والى الحيرة جيشيهما، ولكن الهزيمة حلت بهما فى شهر رجب عام أبريل هـ (أبريل عام 745 م) وركنا إلى الفرار ولو أن جيشيهما كانا يتألفان فيما يقال من ثلاثين ألف مقاتل، واحتل الضحاك مدينة الكوفة. وشخص الحرشى إلى مروان فى الشام، على حين ظل ابن عمر فى واسط حيث حاصره الضحاك. واستسلم ابن عمر فى شوال (أغسطس) من العام نفسه بعد حصار دام عدة أشهر، وعقد صلحا مع الضحاك أصبح ابن عمر بمقتضاه واليا على كسكروميسان ودستميسان والأراضى التى على دجلة الأدنى،

المصادر

والأهواز وفارس. وعاد الضحاك إلى الكوفة وظل ابن عمر فى واسط. وفى العام التالى لجأ أهل الموصل إلى الضحاك وطلبوا منه الاستيلاء على مدينتهم. ويقال إنه بعد انقطاع دام عشرين شهرا هبَّ وطرد والى الموصل من قبل مروان وسقطت هذه المدينة فى يده. وتجمع الجند حول الضحاك لأنه كان يجزل لهم فى الأعطيات. وجاءت فى روايات المؤرخين المشارقة -فيها شئ من المبالغة- إنه كان تحت إمرته جيش من 120 ألف مقاتل. وكان الخليفة وقتذاك فى الشام مشغولا بحصار حمص فأنفذ ولده عبد اللَّه لقتال ذلك الخارجى المظفر. وتقدم عبد اللَّه حتى بلغ نصيبين، ولكنه اضطر إلى الالتجاء إليها بعد قتال فاشل فحاصره فيها الضحاك. وخرج مروان بنفسه إلى ميدان القتال بعد أن استولى على حمص ولقى الضحاك عند كفرتوثا حوالى نهاية عام 128 هـ (حوالى شهر سبتمبر من عام 746). واستمر القتال يوما بطوله، وقتل الضحاك كما قتل خليفته الخيبرى عندما حاول معاودة الهجوم، ومن ثم ارتد الخوارج إلى الموصل. وجاء فى رواية أخرى أن الضحاك والخيبرى لم يقتلا إلا سنة 129 هـ (746 - 747 م). المصادر: (1) الطبرى؛ طبعه له غوى، جـ 2، ص 1897 وما بعدها. (2) ابن الأثير، طبعة تورنبرغ، جـ 5، ص 254 وما بعدها. (3) Gesch. der Chalifen: Weil جـ 1، ص 678 وما بعدها. (4) Das arabische Reich: Wellhausen ص 242 وما بعدها. الشنتناوى [تسترشتين K.V.Zetterssteen] الضحاك ابن قيس الفهرى: شيخ قبيلة قيس ومن أنصار معاوية المتحمسين؛ خرج الضحاك سنة 39 للهجرة (659 - 660 م) بأمر من معاوية على رأس حملة قوامها ثلاثة آلاف رجل لقتال أشياع علىّ فى الحجاز وقفل الطريق أمام الحجاج إلى مكة فأنفذ علىّ لقتاله

حجر بن على الكندى الذى أجبر الضحاك على الفرار. واختير الضحاك واليا على الكوفة سنة 55 للهجرة (674 - 675 م) أو فى سنة 54 هـ فى قول رواية أخرى. وصرف عن هذا المنصب فى عام 58 هـ (677 - 678 م) بعد أن شغله بعض الوقت. ولما توفى معاوية عام 60 هـ (680 م) تولى الصلاة عليه وأطاع وصيته التى أوصى بها على فراش الموت وعمل على اختيار ولده يزيد خليفة له. ولما مرض معاوية الثانى اختار الضحاك لإمامة الناس فى الصلاة بدمشق حتى تتم مبايعة الخليفة الجديد. وكان للضحاك أيضا نصيب فى المؤامرات التى قامت فى دمشق عند وفاة معاوية الثانى عام 64 هـ (684 م) غير أن تفصيلات هذا الأمر كله ليست واضحة. ومات الخليفة دون أن يعقب ولدًا. وكان أقرب أقربائه أخاه خالد بن يزيد وكان حينذاك فى السادسة عشرة من عمره يؤيده خال يزيد حسان بن مالك بن بحدل الكلبى ذو السلطة والجاه. على أنه قد نودى بعبد اللَّه بن الزبير خليفة على العراق، وكان له أيضا أنصار كثيرون فى نواح أخرى. ثم إن مروان بن الحكم كان قد قصد إلى مكة ليقدم بنفسه ولاء الشآميين لابن الزبير فاستمع لإغراء عبيد اللَّه بن زياد بأن يتقدم هو الآخر الصفوف مطالبًا بالخلافة لأنه كان أعلى الأمويين سنًا وأكثرهم احترامًا. وتقول بعض المصادر إن الضحاك الذى كان آنئذ نائبًا للوالى فى دمشق كان فى جميع الأحوال ثابتًا على ولائه لابن الزبير، ويقول آخرون إنه آثر أن يظل على الحياد ليطالب بعرش الخلافة الخالى عندما تحين الفرصة الملائمة لذلك. ومهما يكن من شئ فإنه انحاز جهرة إلى ابن الزبير بعد شئ من التردد. وهناك رواية أخرى محتملة بلاشك تقول أن الداهية عبيد اللَّه أغراه بأن يطالب الناس بالولاء له، ومن ثم فقد ثقة الناس به، غير أنه سرعان ما تخلى عن هذه الخطة وانحاز الضحاك مرة أخرى إلى ابن الزبير. على أنه لما بويع مروان بالخلافة فى الجابية على شرط أن ينتقل عرش الخلافة بعد وفاته إلى خالد بن يزيد لم يكن بد من أن يِحسم هذا النزاع بعد السيف. والتقت الجيوش المتعادية فى

المصادر

مرج راهط 64 هـ (684 م) وكان الضحاك على رأس قيس ومروان على رأس كلب. وبعد مناوشات دامت عشرين يومًا انتصر مروان وقتل الضحاك وفر أتباعه. المصادر: (1) ابن سعد، جـ 5، ص 27 وما بعدها. (2) الطبرى، طبعة ده غوى، جـ 1، انظر الفهرس؛ جـ 2، ص 170 وما بعدها، 468 - 479. (3) ابن الأثير، طبعة تورنبرغ، جـ 3 فى مواضع مخللفة، جـ 4، ص 120 - 125 (4) Gesch. der Chalifen: Weil جـ 1، ص 245، 276، 241 وما بعدها. (5) Der Islam im Morgenund Abenlland: Muller جـ 1، ص 371 وما بعدها. (6) Das arabisch Reich: Wellhausen ص 107 وما بعدها. (7) Die krisis der Umajjadenherrschaft im Jahre 684: Buhl فى zeitschr fur assyriologie جـ 12. الشنتناوى [تسترشتين K.V.Zettersteen] ضرغام وزير العاضد آخر خلفاء الفاطميين، واسمه الكامل أبو الأشبال الضرغام بن عامر بن سوار. وأصله العربى الخالص مؤكدًا كما أن لقبيه: اللخمى المنذرى يشيران أيضًا فيما يبدو إلى انحداره من صلب حكام الحيرة القدماء. ولقد ظهر ضرغام من بين فرق البرقية الحربية وكان من ثقات طلائع بن رزيك فقد أقامه قائدًا عامًا سنة 553 هـ (1158 م). وفى هذه السنة نفسها هزم ضرغام النصارى بالقرب من غزة. وكان وثيق الصلة ببنى رزيك، ومع ذلك كان من أهم حلفاء شاور الذين عملوا على إسقاط رزيك بن طلائع، وقد كان ضرغام أستاذًا لطلائع فى كل فنون الفروسية جميعًا. وعين ضرغام فى عهد هذا الوزير الجديد فى منصب "صاحب الباب" ولكنه رأى أنه لم يلق الجزاء الكافى على خيانته فخرج على شاور بعد ذلك بتسعة أشهر (رمضان عام 558 = أغسطس 1163) وأخرجه من البلاد وقتل ولده طيئا واستولى على كرسى الوزارة وأيده

الخليفة فى هذا المنصب وخلع عليه لقب "الملك المنصور"، وانتقل لقبه السابق "فارس المسلمين" إلى أخيه ناصر الدين. ولم يحالف النصر ضرغاما أمدًا طويلا إذ فشل فى محاولة التحالف مع نور الدين الذى لجأ إليه شاور. وقد أدى موقف البرقية العدائى فى مصر بهذا الوزير الحسود إلى قيامه بأفعال تنطوى على القسوة البالغه مما حرم البلاد من أشجع أبنائها، ثم إن غزوة أملريك الأول ملك بيت المقدس الذى أخذ يهدد بحد السيف فى مطالبته بالجزية التى ومحمد بها من قبل كانت من الأمور التى زادت من متاعبه. وقد أوقع أملريك بالمصريين خسائر فادحة فى بلبيس ولم يرتد عن البلاد إلا بعد أن لجأ ضرغام إلى ذلك الإجراء اليائس ألا وهو قطع جسور النيل وإغراق البلاد. غير أن الأخبار سرعان ما بلغت هذا الوزير بنجاح غريمه شاور فى حمل نور الدين على القيام بحملة على مصر. وقد فكر ضرغام -وجاء تفكيره فى ذلك الوقت متأخرًا- فى أن يعقد حلفًا دائما مع أملريك ببذل الوعود له، وكان فى ذلك إذلال كبير. وأغار شيركوه وصلاح الدين وشاور على البلاد. وحلت بناصر الدين وجيشه، الذى انضم معظم قواده إلى صفوف الأعداء، هزيمة منكرة عند بلبيس وأعقب ذلك دخول شاور مدينة الفسطاط. وانصرف أتباع ضرغام عنه شيئًا فشيئا، ثم فقد ما تبقى له فى قلوب الجماهير من حب عندما استغل الأموال الموقوفة على الأيتام فى دعم موارده، كما التمس عون الخليفة فلم يفز بطائل. ولما تخلى عنه الجميع آخر الأمر لجأ إلى الفرار، ولكن الدهماء قتلته عند مدفن السيدة نفيسة (رجب أو رمضان من عام 599 = مايو -يونيه أو يوليه- أغسطس من عام 1164). وحز رأسه وحمل فى طرقات القاهرة، ولم يدفن جسده إلا بعد ذلك بثلاثة أيام بالقرب من بركة الفيل وشيدت قبة فوق قبره. ويوصف ضرغام بأنه شخصية قوية لامعة، وينوه خاصة بمهارته الفذة فى جميع الأعمال التى تنطوى على الرجولة أو النخوة. أجل لقد كان ضرغام شجاعًا مغوارًا محبًا للعلم وشاعرًا وخطاطًا مجيدًا.

المصادر

المصادر: (1) ابن خلكان ترجمة ده سلان، جـ 1، ص 609، 611؛ جـ 4، ص 485 وما بعدها. (2) المقريزى: الخطط، جـ 1، ص 358. (3) ابن الأثير: جـ 11، ص 191، 196, 197. (4) Oumara du Yemen: H.Derenbourge فى مواضع مختلفة. (5) Wustenfeld: Fatimiden-Chalifen ص 329 وما بعدها. (6) History of Egypt: Stanley Lane-Poole ص 175 - 178 (7) المؤلف نفسه: Saladin ص 80 - 82. (8) Geschder Konigreichs Jerusalem: R.Rohricht، ص 314 وما بعدها. (9) ampagnes du roi Amaury ler: G.Schtumberger ص 36 وما بعدها. الشنتناوى [كراف E.Graefe] ضرية ناحية فى بلاد العرب الوسطى سميت باسم بئر وقرية على الطريق من مكة إلى البصرة على مسيرة اثنين وثلاثين ميلا من الجديلة، وعلى مسيرة ثمانية عشر ميلا من طِخْفة (كما فى رواية ابن رسته، ص 28). ويقول العرب إنها نسبت إلى ضرية بنت ربيعة وأم حلوان القضاعى وكانت ضرية محطة يؤمها الحجاج كثيرا إذ كان يلتقى عندها هذا الطريق بالطريق الواصل من البحرين، وكانت ضرية تابعة إلى المدينة من الناحية الإدارية. وتشمل ضرية، وهى التى فصّل البكرى الكلام عن آبارها وجبالها، المنطقة المعروفة باسم Hemmey (الحمى) الواردة فى خريطة داوتى Dougthy ووصفت بأنها مرعى جيد، ولكنها تمتد أيضا إلى الجانب الشمالى الغربى من تل النير. وكان يقطن هذه الناحية بخاصة بنو كتاب، وهم الذين أنفذ النبى محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، جيشا لقتالهم بقيادة أبى بكر فى سنتى ست وسبع للهجرة.

المصادر

واحتفظ الخليفة عمر بجزء من هذا الحى حمى للإبل التى تقع غنيمة فى الحرب ووزع صدقة (انظر ابن سعد، جـ 3، قسم 1، ص 220، س 13، ص 236, س 3). ثم ازداد عدد الإبل ازديادا مطردا حتى بلغ أربعين ألفا فى عهد الخليفة عثمان فعمد هذا الخليفة إلى توسيع المنطقة التى خصصت لهذه الإبل توسيع كبيرا مما أخذ عليه (الكامل، طبعة Wright، ص 606، س 6). وأصبحت هذه الأرض من بعد ملكا خاصا، ويقال إنها كانت تدر خراجا سنويا قدره ثمانية آلف درهم فى العهد العباسى الأول. المصادر: (1) البكرى، طبعة فستنفلد ص 626 - 639 (2) المكتبة الجغرافية العربية، طبعة ده غوى، جـ 3؛ ص 109؛ جـ 5، ص 26؛ جـ 6، ص 109، 146؛ جـ 70، ص 181؛ جـ 8، ص 251، 256. (3) ياقوت: مجم البلدان، طبعة فستنفلد، جـ 3، ص 471 (4) الواقدى، ترجمة فلهوزن، ص 266، 297. (5) تاريخ الطبرى، طبعة ده غوى، جـ 1، ص 107. (6) البلاذرى، طبعة دغوى، ص 372. (7) Alta Goegr. Arabiens: Sprenger ص 227. (8) المؤلف نفسه: Post-und Reiserouten ص 115 وما بعدها وفى Zeitschr. der Deutschen orgenl. Ges، جـ 42، ص 330، 336. (9) Die Strasse von Bacra nach Mekka mit der Landschoft Dharijja: Wustenfeld. الشنتناوى [بول Fr.Buhl]

الضمير

الضمير مصطلح من المصطلحات فى قواعد اللغة العربية. والحق إن عبارة "الضمير" أو "المضمر" تتضمن معنى "الاسم الضمير أو المضمر" ويقابل "الاسم الظاهر أو المظهر" وهو: "الاسم الذى يتميز تميزا لا لبس فيه بالصفة؛ والضمير ليس فى حقيقته كذلك بل هو يستغنى عن الصفات لأن الأحوال المقترنة بها تغنى عنها" (انظر Kleine Schrif: Fleischer، جـ 1، ص 161). ولهذا فإن سيبويه لا يسميه الضمير أو المضمر بل علامة المضمر أو علامة الإضهمار (انظر على سبيل المثال: سيبويه، طبعة درنبورغ، جـ 1، ص 188، س 4؛ ص 329، س 20) (¬1). وتنقسم الضمائر فى المصنفات المتأخرة لقواعد اللغة العربية، التى يعد كتاب "المفصّل" للزمخشرى عمدتها، إلى ضمائر منفصلة وضمائر متصلة، والأولى هى الضمائر المستقلة أو المنفصلة وهى أنا وأنت وهو الخ؛ أما الأخرى فتنتظم أصلا الضمائر المتصلة التى تلحق بأواخر الكلمات فى جميع الحمالات الثلاث (فعلنا، دارنا، رآنا)، وكذلك تنتظم المقدرة وجودا فحسب، مثل الضمير "هو" فى الفعل "فَعَل" ونحوه. ويسمى هذا النوع الأخير من الضمائر باسم "المستتر" فى مقابل اللاحق بآخر الكلمة الذى هو حقا "بارز" وإن كان منفصلا. ومن بين صور الضمير المستتر: "الضمير اللازم" الذى هو مع ذلك لا يظهر عموما، مثال ذلك فاعل فعل المتكلم والمخاطب. ولم تكن هذه العبمارات الاصطلاحية قد تطورت بعد عند سيبويه، فهو لا يفرق إلا بين الإضمار المؤدى فى الواقع صوتا (إما بضمير منفصل أو لاحقة) وبين الضمير غير المصرح به (¬2) انظر ¬

_ (¬1) الاستشهاد الأول من كتاب سيبويه (ص 188، س 4): "والإضمار الذى ليست له علامة ظاهرة"، والاستشهاد الثانى (ص 329، س 2): "هذا باب مجرى علامات المضمرين". (¬2) عبارة سيبويه جـ 1، ص 118، س 1 - 4): "وأما الإضمار فنحو: هو وإياه وانت وأنا ونحن وأنت وأنتم وهم وهى, والتاء التى فى فعلت قولك: فعلتما وفعلتم وفعلتن، أو الواو التى فى فعلوا، والنون والألف اللتان فى الاثنين والجميع، والنون فى فعلن، والإضمار له علامة ظاهرة".

المصادر

خاصة كتاب سيبويه، جـ 1، ص 188، س 1، 4؛ جـ 2، ص 318، س 1، ص 320، س 23، ص 322، س 17)؛ على أننا نجد عنده بالفعل مصطلحات للضمائر إذ يقول: "المتكلم" و"المخاطب" و"الغائب" كما سمى الضمير الغائب أيضا باسم "المحدث عنه". أما عن إعراب الضمائر فقد أثار هذا بين العرب لونًا من ألوان التمييز الدقيق المرهف الذى يقوم على نظرية فى المعرفة، بل إن سيبويه (جـ 1، ص 188، س 9) نفسه يقول: "وإنما صار الاضمار معرفة لأنك إنما تضمر اسما بعد ما تعلم أن من تُحدِّثُ قد عرف من تعنى أو ما تعنى، وإنك تريد شيئا بعينيه"؛ وليس من الجائز أن يثار شك حول ما تشير إليه الضمائر (بما فى ذلك حالات المضاف إليه) إلا فى أمثلة نحو "أضل بدوى ناقته"، ويكاد يكون الشك فى هذا المقام قد زال (انظر مزيدا من البيان حول هذه النقطة المختلف عليها، ابن يعيش، ص 683). على أن العرب قد انتهوا فى هذه النقطة نفسها المختلف عليها إلى الرأى السليم، وهو أن الهاء (أى اللاحقة أو الضمير فى ناقته) لا يحتمل لبس فى هذه الحالة إذ هو على الرغم من رجوعه إلى اسم لا يزال بعد غير معين فمن غير الممكن أن يقصد به بدوى ما بل البدوى الذى سبقت الإشارة إليه فعلا (المصدر نفسه، باب 11). ويجب أن نلاحظ أيضا أن العرب لم يكونوا يعدون أسماء الإشارة والأسماء الموصولة فى حكم الضمائر كما نفعل نحن الغربيين، بل هى تنتظم عندهم بابًا قائما بذاته هو باب "المبهمات". المصادر: (1) سيبويه: الكتاب، طبعة درنبورغ، جـ 1، ص 187 وما بعدها، ص 210، 218 وما بعدها، 218 وما بعدها، 240، 329 وما بعدها. (2) الزمخشرى: المفصل، ص 51 - 55، 81، 88، 144. (3) ابن يعيش، ص 681 - 683. (4) Lexicon: Lane، ص 1083. الأبيارى [شاده A.Schaade]

ط

ط

طارق بن زياد

طارق بن زياد طارق بن زياد بن عبد اللَّه، زعيم البربر، وقائد جيش المسلمين فى فتح الأندلس؛ ويذكر ابن عذارى نسبه كاملا فيقول إنه من قبيلة نفزة، ويروى الإدريسى إنه من بربر زناته، ويسميه ابن خلدون طارق بن زياد الليثى، ويقول آخرون أنه فارسى من أهل همدان. قام طريف باستكشاف فى جنوبى الأندلس فى رمضان سنة 96 هـ (يوليه سنة 710 م)، وأقدم موسى بن نصير بفضل هذا النجاح فأعد العدة لحملة أوسع نطاقًا وعهد إلى تابعه طارق بقيادتها، وكان وقتئذ قائد طليعة جيشه، وأنفذه إلى شبه الجزيرة على رأس 7000 رجل، جلهم من البربر، فى كتائب صغيرة فى سفن زودهم بها الكونت يوليان، ولعل عبورهم المضيق كان فى رجب سنة 92 هـ (أبريل - مايو سنة 711 م)، وهبط جيش طارق أوربا وجمعه طارق على جبل نسب إليه، وهو جبل كالبه Calpe القديم، الذى أقام عليه من بعد الملك عبد المؤمن الموحدى مدينة جبل الفتح (سنة 555 هـ = 1160 م)؛ ويردد جميع الإخباريين العرب تقريبًا فى شأن اجتياز طارق للمضيق، قصة رؤيا رآها أثناء عبوره بشرت بانتصاره، وما لبث طارق أن استولى على قرطاية والجبل الأخضر، وحشد الملك رودريك القوطى جيشًا عظيما لمواجهة المسلمين بالنظر إلى الخطر الذى كان يتهدد بلاده.

ثم طلب طارق من موسى بن نصير النجدة، فأنفد إليه 5000 رجل من البربر علاوة على السبعة الآلاف الذين سبق أن زوّده بهم؛ والإشارات الواردة فى كتب المؤرخين المسلمين والنصارى مقتضبة ولكنها دقيقة دقة كافية فى وصفهما لسير الأمور بعد الفوز، بعد المعركة الفاصلة التى وقعت بين المسلمين والقوط عند مصب وادى بكَّة Rio Barbat على شواطئ بحيرة الخندق؛ وما كان جيش طارق، وقوامه 12.000 من البربر، ليثبت طويلا لولا عدول موسى بن نصير عن إحجامه عن توسيع رقعة الغزو، الذى كان قد قصد به أول الأمر أن يكون مجرد استكشاف وغارة فحسب، فقد استقر رأيه على أن يشخص إلى الأندلس على رأس جيش من العرب دون البربر. إذ غار مما أصابه تابعه من نجاح جرئ مظفر، فترك الحكم فى إفريقية لابنه الأكبر عبد اللَّه وعبر البحر إلى الأندلس فى مستهل صيف سنة 97 هـ (712 م)، وكانت عدة جيشه أكثر من 10.000 مقاتل بينهم الكثيرون من العرب المشهورين مع أتباعهم اليمنية والقيسية؛ واستولى هذا الجيش على مدينة شذونة وقرمونة ثم حاصر أشبيلية، وبعد ذلك ببضعة أشهر حاصر ماردة التى ظلت ثابتة سنة، إلا أن جزءًا من جيش العرب أنفذ لقتال الأمير القوطى ثيودومير فى أريولة، واستسلمت ماردة فتقدم موسى بن نصير صوب طليطلة ولحق بطارق فى الطريق، وكان طارق بعد أن هزم القوط قد حمل على إستجه ثم على طليطلة، وأنفذ فى الوقت نفسط ثلاث سرايا للاستيلاء على قرطبة وأرشذونة وألبيرة، ويقول المؤرخون العرب إن طارقا أصاب ثروة طائلة فى طليطلة، وكتب إلى موسى بن نصير يبلغه ما أحرزه من نصر. وكان لقاء طارق بسيده من الموضوعات التى طرقها المؤرخون، وقد قال البعض إن موسى أذل تابعه إذلالا شديدًا. واستمر الغزو، وسرعان ما بلغ جيش المسلمين سرقسطة ومرتفعات أرغون وليون وأشتورش وجليقية؛ ولما عاد موسى بن ضير مع طارق إلى دمشق ليبلغا الخليفة نبأ انتصاراتهما

المصادر

كانت الأندلس بنواتها الصغيرة من الجنود البربر والعرب قد بلغت تقريبًا أقصى حدودها الجغرافية. المصادر: (1) ابن عبد الحكم: فتوح مصر، طبعة C.Torrey فى Yale Oriental Series، 1922، الفهرس. (2) أخبار مجموعة، طبعة Lafuentey Al,cantara (Ajbar machmua) مدريد 1867 النص ص 4 وما بعدها؛ الترجمة، ص 18 وما بعدها. (3) ابن القوطية: تاريخ فتح الأندلس، مدريد 1926 Hisloria de la conquista de Espana de Abenalacolia el Cordobes) ترجمة J.Ribera)، النص، ص 3 وما بعدها؛ الترجمة ص 1 وما بعدها. (4) الضبى: بغية الملتمس، المكتبة الأندلسية، جـ 3 مدريد 1885، رقم 864، ص 315. (5) ابن عذارى: البيان المغرب، طبعة Dozy, جـ 2، الترجمة، ص 8 وما بعدها (انظر جـ 1؛ ص 28 من النص). (6) الإدريسى: Descr، ص 176. (7) المؤرخون: تحت "جبل طارق". (8) المقرى Analectes الفهرس. (9) Histoire de l'Espagne musulmane: R.Dozy، جـ 1، ص 32 وما بعدها. (10) المؤلف نفسه: Recherches sur L'histoire el la litterature de l'Espagne، الطبعة الثالثة، جـ 1، ص 21 وما بعدها. (11) Les Berbers: Fournel، باريس 1875، جـ 1، ص 236 وما بعدها. (12) Estudio sobre la invasion de los arabes en Espana: E.Saavedra مدريد 1792. صبحى [ليفى يروفنسال E.Levi-Provencal] طاهر وحيد محمد عماد الدولة، شاعر فارسى من قزوين، كان كاتب سر اثنين من رؤساء الوزارات، هما ميرزا تقى الدين محمد، وخليفة سلطان؛ وفى سنة 105 هـ (1645 - 46 م) عيّن مؤرخا للشاه عباس الثانى، ثم أصبح وزيرا

المصادر

سنة 1101 هـ (1689 - 1690 م)، فى عهد سليمان؛ ثم اعتزل الحياة العامة وتوفى على الأرجح سنة 1110 هـ (1698 - 99 م) بالغا من العمر التسعين؛ وفى المتحف البريطانى خمسة مخطوطات من آثاره التاريخية، وقد جاء فى كتاب "آتش - كده" (بومباى 1277، وهو غير مصحّف) أن الإعجاب بقصائد هذا الشاعر إنما كان يرجع بخاصة إلى رتبته. المصادر: (1) Gesch. Redek. Pers.: Hammer, ص 370 (شذرات مترجمة). (2) Catalogue of Persian Mss.: Rieu, ص 189 - 190. (3) A History of Persian Literature in Modern Times: E.G. Browne؛ (كمبردج، 1924)، ص 258 و 264. (4) Descriptive cat. As. Soc.: Ivanow Benga (كلكته 1924)، ص 371. (5) Grundriss. d. iran Phil.: Ethe, جـ 2، ص 312 و 324. صبحى [إيوار Cl. Huart] الطائع لأمر اللَّه (أو للَّه)، عبد الكريم بن الفضل، الخليفة العباسى: ولد سنة 317 هـ (929 - 930 م)؛ وكان أبوه الخليفة المطيع، قد خلع فى الثالث عشر من ذى القعدة سنة 363 هـ (5 أغسطس سنة 974 م)، فنودى بالطائع أميرًا للمؤمنين، وكانت أمه تدعى عتب وقد عمرت بعده ويلاحظ ابن الأثير بحق (جـ 9، ص 56) أن الطائع لم يكن يملك أثناء حكمه من السلطان ما يؤهله لأن يكون قادرًا، على الاشتراك فى أى عمل يستحق الذكر؛ ونستطيع أن نقول دون أن نخشى الزلل إنه إنما ذكر فى التاريخ بالبراءات التى ولى بها بعض العمال فى مناصب الدولة، وبخطابات العزاء التى كتبها وما إلى ذلك من الإجراءات الشكلية، ويبدو أن أبرز سماته كانت هى قوته البدنية الخارقة؛ وكان الذين يحكمون الدولة بالفعل فى أول الأمر هم البويهيون، فلما قضى أعظم البويهين شأنًا، وهو عضد الدولة، حمو الخليفة، فى شوال سنة 372 هـ (مارس 983 م)، شرع أولاده

المصادر

يتشاجرون فيما بينهم؛ وفى شعبان سنة 381 هـ (أكتوبر - نوفمبر سنة 991 م) كان بهاء الدولة يعانى ضائقة مالية، ولم يستطع دفع رواتب جنده، فأقنعه مستشاره القوى النفوذ أبو الحسن بن المعلم، بأن يخلع الخليفة ويستولى على كنوزه، ومثل بهاء الدولة البويهى بين يدى الخليفه وفى ركابه حاشية كبيرة؛ وانتزع الخليفة من عرشه بأمر من بهاء الدولة وحمل إلى داره حيث سجن، وخلفه على عرش الخلافة ابن عمه أبو العباس أحمد واتخذ لنفسه لقب القادر؛ وفى رجب سنة 382 هـ (سبتمبر سنة 992 م) سمح للخليفة السابق بأن يحضر إلى قصر القادر، حيث أكرموا وفادته، وتوفى فى غرة شوال سنة 393 هـ (3 أغسطس سنة 1003 م). المصادر: (1) محمد بن شاكر الكتبى: فوات الوفيات، جـ 2، ص 3. (2) ابن الأثير: الكامل، طبعة تورنبرغ، جـ 8 - 9؛ انظر الفهرس. (3) ابن خلدون: العبر، جـ 3، ص 428 و 436. (4) ابن الطقطقى: الفخرى، طبعة درنبورغ، ص 391. (5) Geschichte der Chalifen: Weil، جـ 3، ص 21 - 44. (6) The Caliphate its rise, cline and Fall: Muir، ص 582. (7) Le Strange Baghdad during the Ab basid Caliphate، ص 162 و 270 و 271. صبحى [تسترشتين K.V.Zettersteen] الطائف بلدة فى جزيرة العرب على مسيرة 75 ميلا تقريبًا جنوبى مكة بشرق، وهى فى جبال السراة وترتفع حوالى 5000 قدم عن سطح البحر، وتكتنفها مزارع بها بساتين مسورة مما حمل بوركارت Burckhardt على القول بأنها "أروع ما رأى منذ غادر لبنان فى الشام". ويصفها البدو أيضا بأنها قطعة من الشام نقلت ثم حلت تحت سماء

الحجاز، وينسبون هذه العجيبة إلى شفاعة إبراهيم حبيب اللَّه الذى لا ترد له شفاعة. وهذا الموقع الذى تصح فيه الأبدان وتشتد فيه الريح حتى تتجمد مياهه أحيانا، كان فيه ما يجذب أنظار تجار مكة الأثرياء، فتصبو نفوسهم إلى امتلاك ضيعة فيه أو قل مقاما يخفف عنهم ما يعانون من [القيظ فيما سواها] الذى يصيب المرء بالخمول، وقد درج أحفادهم على ذلك فيما بعد. وكانت الطائف حاضرة قبيلة ثقيف؛ وتقرن عبارة القرآن الكريم (سورة الزخرف، الآية 31) مكة بالطائف (القريتين)، ويوحى هذا بوجود صلة ذات شأن بينهما، ولم تذكر الطائف فى غير ذلك من آيات القرآن الكريم. على أنه يجوز لنا أن نقول إنها كانت عشية الهجرة تعد ثانى مدائن بلاد العرب الغربية وتلى مكة، بل تفوقها من ناحية ما فيها من أراض خصيبة. ذلك أن الوديان التى تلتف بها كانت تزود تجارة الصادرات التى تخرج منها بسلع وافرة ميسورة التسويق بخاصة فى إقليم كالحجاز حرمته الطبيعة أسباب الزاد، وهذه السلع الحنطة والأخشاب. وكانت الصناعة التى تشتهر بها الطائف هى الجلود تعالج فى مدابغها الكثيرة العدد مما جعل جوها فيما روى كريها. وكان يحيط بها حزام من الأسوار أقيمت لتلقى عدة الحرب. وكانت الجمال، سفائن الصحراء عند مدخل ذلك البحر من الرمال ومخرجه، تمد فى الطائف بالمؤن من غلات أرضها المختلفات وبالأحمال من زاد صناعتها. والظاهر أن الطائف كانت تربطها باليمن خاصة علاقات وثيقة، إذ كانت توفر ثلاث مراحل أو أربعا للمسافر إلى اليمن يسلكها إذا هو اتخذ طريق مكة. وكان أهل الطائف ينقسمون فريقين كبيرين. وكان الأحلاف، أحدث الفريقين عهدًا وأقلهما أخذا بأسباب الارستقراطية، وقد أحس هؤلاء بأنهم دون منافسيهم بنى مالك فى الثراء وامتلاك الأرض فسعوا إلى تعويض نقصهم بالبراعة الفائقة فى سياسة الأمور والتنظيم الحربى الجاد. وقد خرج أعظم شعراء الطائف وأكثر شيوخها هيبة من الأحلاف.

وقد نسب البدو ما عرف عن أهل الطائف من دهاء وكياسة إلى اعتيادهم العيش على الحنطة حتى غدا ذلك مضرب الأمثال. وكان بين أهل الطائف وأهل مكة نوع من الاتفاق الودى، وهو اتفاق وثقت عراه روابط المصاهرة بين قريش والأحلاف. وقد رأينا أن كثيرًا من أهل مكة كانوا يعيشون فى الطائف وكانت لهم ضياع فيها. وكان من يقيمون من أهل الطائف فى مكة لا يكادون يقلون عن أولئك، يعيشون فيها أحلافا لأسرها الكبيرة وخاصة الأمويين الذين كان لهم أصحاب ضياع فى إقليم الطائف. وهذا يفسر الشأن الكبير الذى كان لبنى ثقيف فى خلافة الأمويين. ومن ثم كان مركز الطائف، عشية الهجرة، فريدا بين بلدان الحجاز، وذلك أن جوها المنعش، وفاكهتها وأعنابها، وزبيبها المشهور وغير ذلك من المحاصيل التى تغلها أرضها، كل أولئك كان يجعلها أقرب إلى الشام من أراضى غربى بلاد العرب القاحلة الجرداء. أما من ناحية التقدم العقلى، فإن أهل الطائف فيما يظهر كانوا يعتزون بأنهم يبزون البدو والقبائل المقيمة. وهذا هو الذى خلص إليه الموسوعى الفطن: الجاحظ بالثناء على أهل الطائف فى ختام حديثه عن الحجاج الثقفى. وقد فكر محمد عليه الصلاة والسلام بعد ما لقيته رسالته فى مكة فى أن يجتذب لدعوته أهل الطائف الذين عرفوا بالذكاء. ولكنه لم يوفق فى ذلك فلم يجد بدًا من أن ينصرف إلى الأنصار. وقد استعانت قريش فى حروبها مع النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] بأحلاف الطائف. فلما فتحت مكة سنة ثمان للهجرة بعيد هزيمة هوازن فى حنين حاصر النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] الطائف. ولم يحدث إلا فى سنة من السنين التالية أن أقبل على النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وفد من أهل الطائف ليبحث فى المدينة بالتفصيل أمر دخول أهل هذا البلد فى الدين [الإسلامى] الذى اعتنقوه. ولم يستفد أهل الطائف بعد من انتشار الإسلام خارج حدود جزيرة العرب أكثر مما استفاد أهل مكة، فقد اضمحلت مكة على حين ازدهرت

المدينة، ذلك أن المدينة كانت فى أول الأمر مقر الخليفة، ثم أصبحت من بعد أيام الأمويين مقر والى الحجاز، وفى ظله جرت الحال بأن تصبح بلدًا من البلاد التابعة لولاية من الولايات. وقد وقف أهل الطائف أول الأمر دون اضمحلال بلدهم بفضل إقدامهم وشجاعتهم، فنجحوا فى أن يبقوا على مكانة جبالهم ذات الجو المنعش منتجعا لا لأهل مكة فحسب بل لطبقة الأشراف المسلمين الجديدة فى المدينة. ثم هم قد قدموا فى عهد الأمويين شاهدا آخر على قدرتهم على التكيف بالظروف الجديدة. وقد اقترن التدهور الاقتصادى للطائف وفقدانها لاستقلالها الذاتى ببلوغ الثقفيين أوج سلطانهم السياسى، فقد استطاعوا أن يزجوا بأنفسهم فى المناصب الكبرى وأظهروا ما فطروا عليه من مواهب مختلفة أشد الاختلاف. ذلك أننا ألفنا منذ عهد معاوية أن نجد عمالا من الثقفيين يحيطون بالخليفة، بل لقد كدنا وزياد ابن أبيه فى أوج سلطانه أن نتوقع إلى حين أن يتولى هؤلاء الثقفيون عرش الخلافة. ولما بلغت الإمبراطورية العربية فى أيام الوليد بن عبد الملك غاية ازدهارها، لم يكن أكبر رجل فى هذا العهد هو الخليفة القرشى بل كان هو الحجاج الثقفى. وكان الثقفيون جميعًا قادرين على استغلال علاقاتهم التاريخية، والصداقة التى كانت تربط الطائف بمكة، وصلاتهم بأكبر الأسر القرشية وخاصة الأمويين. وقد تبينوا فى الماضى دليلا يهديهم إلى الاتجاه الصحيح الذى يسلكونه فى نشاطهم السياسى. وقد عنى العباسيون والعلويون بهذا الأمر ووضعوه نصب عيونهم لا ينسونه. وتسجل الروايات كراهيتهم للثقفيين وكيف ربطوا بينهم وبين المآخذ التى كان يلام عليها الأمويون، ثم هم قد صوروهم باللعنة، استنادًا إلى ما وقع فى كربلاء وما مُنَى به العلويون من فشل فى استرجاع عرش الخلافة، وقد مثلت فى أذهان العباسيين كراهيتهم للاضطرابات السياسية التى وقعت فى العراق فتأثروا بذلك تأثرًا وجد له متنفسا فيما أحسوا به من

مرارة خاصة حين كانوا يتذكرون أكابر العمال الثقفيين فى عهد الأمويين. وجاهر الحكام العباسيون بعدائهم للحجاز حيث ظلت فتن العلويين تضطرم فيه. (كتاب الأغانى، جـ 3، ص 94). وقد ضمت الطائف قبر جد الخلفاء العباسيين عبد اللَّه بن العباس الذى أصبح بمثابة الشفيع لهذه البلدة، ولكن قيام هذا القبر فى الطائف، وهو القبر الذى يزوره الناس كثيرًا، لم تسل العداوة قط من قلوب العباسيين الذين لم يغفروا لأهل الطافف قط ما كان من تشيعهم للأمويين، وتركوا البلدة تضمحل رويدًا رويدًا (*). ومن الشواهد النادرة التى تخالف ذلك ما نصادفه من أن أميرة عباسية قد أبدت بعض العناية بالطائف، ذلك أن أم الخليفة المقتدر اشترت ضياعا فيها، ومن قبلها فعلت ذلك السيدة زبيدة زوجة هارون الرشيد الطائرة الصيت، ومن ثنم وجدت قنوات المياه التى أنشئت فى مكة. وقد ظلت الطائف هى ونواحى السراة المجاورة لها سوقا لمكة بفاكهتها وقمحها. ومنذ القرن الرابع الهجرى (العاشر الميلادى) جرى جغرافيو العرب الذين ذكروا الطائف على وصفها بقولهم إنها "بليدة" بل هم يزيدون على ذلك أنها صغيرة. وأصبحت أرباضها مقفرة حتى إن الموسوعيين أمثال ياقوت والبكرى لم يعثروا فيها على مواقع الضياع والقرى التى ذكرت أيام الأمويين. وظلت الطائف منذ قيام إمارة الحسنيين فى مكة خاضعة فى معظم الأحوال الحكم الأشراف الأعظمين، وقد أقيمت الأسوار حول الطائف وشيدت قلعتها المتواضعة بقصد حماية مكة من غارات المغيرين القادمين من نجد؛ ولم تستطع أن تفى بهذا الغرض إلا بقدر محدود وخاصة فى الحروب التى نشبت بين الأشراف الأعظمين والوهابيين فى عهد ابن سعود، فقد استولى عليها هؤلاء الوهابيون سنة 1802، وانتزعتها من قبضتهم الجيوش ¬

_ (*) كان ذلك آنئذ، وهو ما تغير فى التاريخ المعاصر أثر النهضة الكبيرة التى حدثت ككل فى المملكة العربية السعودية.

المصادر

المصرية بقيادة طوسون باشا سنة 1813. وفى السنة التالية زار بوركارت الطائف فألفى نصفها خرائب، وفيها أكل "عنبا كبيرًا جدًا من أعذب الأعناب طعمًا، كما أكل تينًا، ورمانا وسفرجلا" وكان معظم سكانها من عرب ثقيف: "وكان لأغلب التجار من ثراة المكيين بيوت فيها، على أن معظم الأجانب الذين اختاروها مقاما لهم من أصل هندى". وهكذا ظل تكوين سكانها؛ ويقول فلبى Philby الذى زارها فى أواخر سنة 1918 إن هؤلاء السكان لم يكونوا يزيدون على 5.000 نسمة، ولكن عددهم كان يرتفع إلى عشرين ألف نسمة فى فصل الصيف. وفى أبريل سنة 1924 عادت الطائف مرة أخرى إلى يد الوهابيين أثناء حملاتهم على الحسين بن على ملك الحجاز السابق. المصادر: (1) نجد المصادر الخاصة بها فى La cite arabe de Taif a la veille de l'hegire: H.Lammers فى M.F.O.B، جـ 8، ص 115، ص 327. (2) Ziad ibn Abihi, vice-roi l'Iraq, Lieutenant de Mo'awia I: H.Lammens فى R.S.O جـ 4. (3) ياقوت: المعجم، طبعة فستنفلد، جـ 3، ص 494 - 501. (4) ابن حوقل: المكتبة الجغرافية العربية، جـ 1، ص 27. (5) المقدسى: المكتبة الجغرافية العربية، جـ 3، ص 79. (6) ابن الفقيه: المكتبة الجغرافية العربية، جـ 5، ص 22. (7) الهمدانى: صفة جزيرة العرب، طبعة مولز، ص 120، 121. (8) رحلات ابن جبير، طبعة ده غوى، ص 120 - 122. (9) العجيمى: أحمد اللطائف من أخبار الطائف، مخطوط فى دار الكتب بالقاهرة، فهرس التاريخ رقم 87؛ وانظر عن العجيمى كتاب بروكلمان

الطب

تاريخ الأدب العربى، جـ 2، ص 392 ولم يذكر بروكلمان فى هذا الموضع ذلك المؤلف الصغير. (10) Voyages en Arabie: Burchardt الترجمة جـ 1، ص 110 - 113. (11) The Heart of Arabia: philby, لندن 1922 م، جـ 1، ص 182 - 203. خورشيد [لامنس H.Lammens] الطب الطب فرع من فروع العلم حاز فيه العرب أعظم الشهرة، وقد تلقى المسلمون معارفهم فى هذا الموضوع من اليونان بصفة خاصة عن طريق السريان والفرس فى بادئ الأمر، ثم عن طريق ترجمة المؤلفات القديمة مباشرة. وعنى الحكام المسلمون والأمراء فى جميع العهود عناية شديدة باختيار أطبائهم، وكان فى بلاط الخلفاء أطباء يهود ونصارى ومزدكية وصابئة بل وقليل من الأطباء الهنود. وقد درس الطب كثيرًا فى المشرق فى الفترة السابقة على الإسلام وخاصة فى الإسكندرية من أعمال مصر، وفى مدرسة جند يسابور فى فارس، وهى المدرسة التى ظلت على قيد الوجود حتى عهد العباسيين. وعرف العرب بصفة خاصة من مؤلفى كتب الطب اليونان: بقراط وجالينوس، كما نذكر علاوة على هؤلاء روفس الإفسوسى Rufus of Ephesus وأوريباسيوس Oribases وآتيوس Aetius وبولس الأيجيمى وقد ترجمت مؤلفات بقراط إلى العربية على يد حنين بن إسحاق، وقسطا بن لوقا، وعيسى بن يحيى، وعبد الرحمن ابن على، ذلك أنهم ترجموا كتابه المسائل Aphorisms ثم درست وشرحت مقالاته فى تقدمة المعرفة Prognostics, والأمراض الوافدة Epidemics؛ وقد ترجم كثير من مؤلفات جالينوس إلى العربية منها كتاب الصناعة Ars medica أو إيساغوجى Isagoge وهو الكتاب الذى شاع استعماله فى العصور الوسطى؛ وكتاب الأسطقسات على رأى

بقراط De elementis secundum Hippocratem، وكتاب المزاج De temperamentis؛ وكتاب تدبير الأصحاء De sanitate tuenda؛ وثلاثة كتب عن خصائص الأغذية؛ وكتاب قوى الأغذية De alimentorum facultatibus وأربع عشرة مقالة فى حيلة البرء Therapeutics؛ وكتاب مداواة الأمراض Methodus medendi؛ وكتاب تقدمة المعرفة؛ وكتاب العلل والأعراض De morbis et symptomatibas؛ وكتاب آخر فى الحميات كان معروفًا جيدًا فى اللاتينية، كما ترجمت له كتب أخرى فى النبض وفى الأورام وشروح كثيرة على كتب بقراط وخاصة شرحه لكتاب الحميات والمسائل، كما نضيف إلى هذه الشروح، شرحه لكتاب بيماوس لأفلاطون وهو الشرح الذى ترجمه حنين بن إسحاق. ونذكر من الأطباء النصارى الذين برزوا فى بلاط الخلفاء: ابن ماسويه طبيب هارون الرشيد، فقد عهد إليه الخليفة القيام على ترجمة كتب الطب التى ألفها القدماء كما كان يدرس الطب فى بغداد. واشتهرت بالطب فى ذلك العهد أسرة بختيشوع، وقد لزم أحد أفرادها الرشيد فى بداية حكمه. ويقال إن هذه الأسرة وفدت من جنديسابور. وكان على بن رضوان أحد النصارى المصريين طبيبًا للخليفة الفاطمى الحاكم بمصر، وقد كتب شرحًا على جالينوس. وكان على بن عباس المجوسى (الزردشتى) طبيبا للسلطان البويهى عضد الدولة، وقد كتب كتابه المسمى "الملكى" ونال هذا الكتاب أوسع الشهرة قبل كتاب القانون لابن سينا، وقد لزم سنان الصابئ، وهو ابن عالم الهندسة العظيم ثابت بن قره، الخليفة القاهر. وكان هذا الطبيب يحمل إجازة طبية رسمية من أحد المعاهد، ذلك أن الراغبين فى الاشتغال بمهنة الطب كان يفرض عليهم أن ينجحوا فى الامتحان وأن تمنح لهم الإجازات التى تحدد العمل الذى يسمح لهم بمزاولته. وكان فى بغداد وحدها أكثر من ثمانمائة طبيب يحملون هذه الإجازات، ولا يدخل فى عدادهم الأطباء الذين أعفوا من

الامتحان بسبب شهرتهم فى الطب. وقد فر سنان إلى خراسان لاضطهاد الخليفة له ثم عاد من بعد إلى بغداد حيث توفى بها عام 942 م. ولا يعنى هذا الاختلاف فى الأصل بين الأطباء وجود تباين ذى شأن فى آرائهم وخبرتهم فى هذا الفن، وهذا لا ينفى وجود قليل من الوصفات الطبية أو قليل من طرق العلاج فى حالة أو غيرها تختص بها مدرسة أو أخرى من مدارس الطب. ويروى ابن القفطى قصة أمير من أسرة هارون الرشيد أصابه البحران، فأرسل فى طلب طبيب نصرانى ليعالجه، ثم طلب طبيبًا يهوديًا، ولكنهما لم يستطيعا عمل شئ حيال مرضه، فأرسل فى طلب طبيب هندى فنجح فى علاجه. وقد فاقت شهرة الأطباء المسلمين شهرة من سبقوهم. والرازى الذى عرف حق المعرفة فى العصور الوسطى بالاسم اللاتينى Razes كان طبيبًا وصيدليًا وجراحًا وكيمائيًا. وخلف لنا الرازى كتابين كبيرين هما: "الحاوى" و"المنصورى" وقد أهداهما لأبى صالح منصور السامانى، وهما فى بعض الأمراض الخاصة. وكان الرازى رئيسًا لبيمارستان الرى ثم رئيسًا لبيمارستان بغداد. والحق إن إقامة البيمارستانات المنظمة تحت إشراف الدولة لمن الأمور التى تشرف العلم الإسلامى والحكومات الإسلامية أسمى تشريف. ويذكر المؤرخون أيضًا بيمارستان دمشق. وكان فى المدن الكبرى علاوة على ذلك رئيس للأطباء تعينه السلطات المسئولة. ونذكر من بين الذين حازوا هذا اللقب ابن زهر الثانى. وكان كبار فلاسفة المدارس الهللينية المتأخرة، وهم المتكلمون، أطباء ألفوا فى الطب. فابن سينا كان يمارس مهنة الطب وله فيها شهرة فائقة، وكتابه العظيم القانون فى الطب أكبر مرجع فى هذا الموضوع ألف فى العصور الوسطى. وقد شرح هذا الكتاب عدة مرات باللغة العربية وأصبح حجة فى المشرق ثم فى المغرب بعد ذلك. وينقسم هذا المرجع إلى خمسة كتب، الأول مخصص لمبادئ الطب العامة أى الكليات. وهذه الكليات هى التشريح

وعلم الصحة Hygiene والأمراض التى تؤثر بصفة عامة على البدن كله فى مقابل الأمراض الخاصة التى تؤثر بنوع خاص فى عضو أو طرف من الأطراف. وقد عددت هذه الأمراض ودرست فى الكتاب الثالث ابتداء من الرأس ثم هبوطا حتى القدم، كما درست الأمراض العامة أيضًا فى الكتاب الرابع؛ ثم تأتى بعد ذلك العوارض المختلفة والأورام والتسمم وكسور الأطراف. والكتاب الثانى رسالة فى الأعشاب الطبية؛ أما الكتاب الخامس فمخصص للأدوية المركبة التى تسمى أقراباذين. وفى المغرب نجد ابن باجة وابن طفيل وهما من أطباء الموحدين. وكتب ابن رشد الذى خلف ابن طفيل فى التطبيب للموحدين كتابًا فى الكليات، وقد نافست شهرة هذا الكتاب قانون ابن سينا فى العالم الإسلامى الغربى ثم فى العالم المسيحى. وأنجبت الأندلس أسرة ابن زهر المعروفة فى العصور الوسطى بالصيغة اللاتينية Avenzoar. وكان للطب العربى أثر ضخم فى العالم الغربى. فقد انتقل بادئ الأمر إلى اليهود وخاصة إلى ابن ميمون Maimonides صاحب المؤلفات الطبية الجمة. ثم انتقل بعد ذلك إلى النصارى. وعن هذا الطريق قام جيرارد القرمونى Gerard of Cremona بترجمة قانون ابن سينا وكتاب المنصورى للرازى. وقام أندرياس ألياكوس البللونى Andreas Alpagus of Bellona بتنقيح ترجمة القانون كما قام بترجمة كتاب الترياق De Therica لابن رشد وكتاب الكنّاش Practica لابن سرافيون. وترجم فرّاكوت Farragut كتاب الحاوى Continens للرازى كما ترجم بوناكوسا Bonacossa وهو يهودى من بادوا كليات ابن رشد. وقد نشرت هذه الترجمات فى بداية العهد بالطباعة. والمعرفة بالأقراباذين والأعشاب الطبية تتمثل فى رسالة ابن البيطار المالقى علاوة على أجزاء من قانون ابن سينا تشير إلى هذا الموضوع. وقد درس العرب أنفسهم الأعشاب ثم وسعوا معرفتهم بخصائصها الطبية

المصادر

مستفيدين من دروس ديسقوريدس وجالينوس. واستطاعوا بفضل ملاحيهم أن يستحدثوا فى الطب استخدام نباتات جديدة جاءوا بها من أرخبيل الملايو والصين مثل الكافور والقثاء الهندى Cassia وخشب الصندل. وقد نهض العرب بفن تركيب الأدوية وابتكروا عدة تراكيب طبية وأشربة ومستحلبات تمزج بها الأدوية، والمواد الكحولية. وهناك فرع من الدراسات يمت بصلة وثيقة إلى الطب ونعنى به علم البيطرة الذى كان موضوع عدد من الرسائل الخاصة بين العرب. المصادر: هناك معلومات مستفيضة عن الأطباء فى العالم الإسلامى موجودة فى كثير من المؤلفات العربية: (1) ابن أبى أصيبعة: طبقات الأطباء، طبعة Muller سنة 1884 (2) ابن القفطى: تاريخ الحكماء. (3) أبو الفرج: مختصر الدول، طبعة صالحانى. (4) المقرى: نفح الطيب عن أطباء الأندلس. (5) قانون ابن سينا، طبعة عربية فى رومة عام 1593 فى Typographia medicea، وقد أعيد طبعه فى بولاق عام 1924. المؤلفات الأوربية: (1) Histoire de la medetine arabe: L.Leclerc فى مجلدين باريس سنة 1876. (2) Geschichte der arabischen Arzte und Natuforscher: F.Wustenfeld، كوتنكن سنة 1840. (3) Arabian Medecine and Influence on the Middle Ages: Donald Campbell لندن سنة 1916 فى مجلدين، وبه ثبت المصادر. (4) Les penseurs de I'Islam: Carra de Vaux جـ 2، فصل 9، باريس سنة 1921. (5) Arabian medicine: E.G.Browne كمبردج سنة 1922. الشنتناوى [كاراده فو B.Garra de Vaux]

الطبرى

الطبرى أبو جعفر محمد بن جرير المؤرخ العربى: ولد الطبرى على الأرجح سنة 839 م (فى نهاية سنة 224 هـ أو فى مستهل سنة 225 هـ) فى آمل من أعمال طبرستان، وبدأ ينصرف إلى الدرس فى سن مبكرة وقد ظهرت عليه مخايل النبوغ، ويقال إنه حفظ القرآن الكريم ولما يبلغ السابعة؛ وتلقى علومه الأولى فى مسقط رأسه، ثم زودة أبوه الذى كان ميسور الحال بالأسباب التى تعينه على زيارة مراكز العلم فى العالم الإسلامى، فزار الرى وما جاورها، ثم زار بغداد يروم أن يأخذ على أحمد بن حنبل، ولكن أحمد توفى قبيل وصوله إليها. وقضى الطبرى وقتا قصيرًا فى البصرة والكوفة ثم عاد إلى بغداد وأقام فيها ردحًا من الزمن؛ ثم رحل طالبًا مصر، غير أنه توقف فى المدن الشآمية ليدرس الحديث. ولا شك أن الناس كانوا يعدونه وهو بمصر فى زمرة العلماء المشاهير (كان فى مصر فى رواية ابن عساكر ما بين سنتى 869 - 870, وفى رواية ياقوت أنه كان فى مصر سنة 867، وهى أول زيارة له، ثم أقام فيها ما بين سنتى 869 - 870 م بعد أن أقام فى الشام، وفى رواية الطبرى: التاريخ، جـ 3، ص 1862 أنه كان فى بغداد ما بين سنتى 871 - 872 م). ثم شخص من مصر إلى بغداد حيث عاش حتى توفى سنة 923 م فيما عدا رحلتين قام بهما إلى طبرستان (الرحلة الثانية فيما بين عامى 902 - 903 م). والظاهر أن الطبرى كان ينزع إلى حياة العلماء التى تتسم بالهدوء وإن كانت تحفل بمكارم الأخلاق. وقد صرف سنى حياته الباكرة كلها فى جمع الروايات العربية والإسلامية، ثم أنفق معظم وقته فى التدريس والكتابة. ولم يكن لدى الطبرى من المال ما يزيد على كفايته، على أنه ترفع عن الدخول فى المغانم المادية بل هو قد أبى أن يلى ما عرض عليه من مناصب تدر المال على صاحبها، واستطاع بذلك أن ينصرف إلى النشاط الأدبى الموفور المتشعب الجوانب. وكان ميدانه الأول

فى هذا السبيل هو التاريخ والفقه وقراءة القرآن الكريم وتفسيره، ثم هو قد انصرف علاوة على ذلك إلى الشعر وفقه اللغة والنحو وعلم الأخلاق بل الرياضيات والطب. وظل عشر سنوات بعد عودته من مصر يتبع مذهب الشافعى ثم أقام مذهبا خاصًا به سمى أتباعه بالجريرية نسبة إلى أبيه. على أن هذا المذهب كان فيما يظهر يختلف عن مذهب الشافعى فى النظر أقل من اختلافه عنه فى العمل، وسرعان ما جر النسيان أذياله على مذهب الجريرية. وكان اختلافه عن الحنبلية أشد من ذلك فى الجوهر، ذلك أنه سلم بأن ابن حنبل حجة فى الحديث وليس حجة فى الفقه. ومن هنا أثار عداوة الحنابلة عليه؛ ويقال إن السر فى هذه العداوة هو إنكاره لتفسير الحنابلة للآية 81 من سورة الإسراء. واضطر الطبرى إلى الاعتكاف فى داره اتقاءً لغضب الغوغاء الثائرين ولم يأمن على نفسه إلا بعد أن صدر من الشرطة أمر مشدد يكفل حمايته. وحاول أعداؤه أيضًا أن يجروا عليه الأذى متوسلين بالشرع، فقد اتهموه بالميل إلى الزندقة، وكانت قولتهم هذه بعيدة عن الإنصاف. ولم تصل إلينا آثار الطبرى كاملة بحال من الأحوال، وشاهد ذلك أن كل ما كتبه عن أصول مذهبه الجديد فى الفقه قد فقد. على أن تفسيره للقرآن الكريم المسمى "جامع البيان فى تفسير القرآن" ويقال له "التفسير" فحسب، نجا من الضياع. وقد جمع الطبرى فى هذا التفسير لأول مرة المادة الوافرة للتفاسير المأثورة، واستحدث بذلك كتابًا عمدة استقت منه التفاسير التى كتبت من بعد. ولا يزال هذا المصنف معينًا يستمد منه العلماء الغربيون المعلومات فى بحوثهم التاريخية والنقدية. وموقف الطبرى من الروايات التى جمعها تحدده فى جوهره المقاييس اللغوية سواء ما يتعلق منها بفقه اللغة أو النحو. ولكنه يعرض أيضا للأحكام العقائدية والفقهية التى يمكن استنباطها من القرآن الكريم، ثم هو يبيح لنفسه فى بعض الأحيان أن يدلى برأى يتسم بالصراحة دون أن يستند بحال على سند يقوم على النقد التاريخى.

وأهم كتب الطبرى هو تاريخه العام المعروف باسم: "تاريخ الرسل والملوك". ولا تزودنا طبعة ليدن المشهورة لهذا التاريخ إلا بنسخة مختصرة من كتابه الضخم الذى كان يبلغ فى الحجم عشرة أضعاف هذه النسخة، ولو أن الكتاب الأصلى كان يضم عشرة مجلدات ونصف مجلد فحسب ومع ذلك فإن طبعة ليدن المختصرة ليست كاملة، وإنما يقتضى الأمر استكمالها فى فقرات شتى منها بالرجوع إلى الكتاب المتأخرين الذين أفادوا من تاريخ الطبرى العام هذا. ويبدأ تاريخ الرسل والملوك بعد المقدمة بتاريخ آباء البشر، وأنبياء العهود الأولى وحكامها (جـ 1، قسم 1)؛ ثم يتناول تاريخ العهد الساسانى (جـ 1، قسم 2)، ثم عصر محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] والخلفاء الأربعة الراشدين (جـ 1، قسم 3 - 6)؛ ثم تاريخ الأمويين (جـ 2، قسم 1 - 3)؛ ثم يختم الكتاب بعصر العباسيين (جـ 3، قسم 3 - 4). وقد رتب الطبرى مادته منذ بداية التاريخ الهجرى على حوادث سنى الهجرة، وينتهى الكتاب بالحوادث حتى يولية سنة 303 و 915 م، وقد أكمل هذا الكتاب من بعد غيره من المؤرخين؛ ونذكر من الذين أكملوه: (1) الكتاب المفقود المعروف باسم "المذيل" أو "صلة التاريخ" لأبى محمد الفرغانى تلميذ الطبرى. (2) كتاب أبى الحسن محمد الهمذانى المتوفى سنة 1127 م الذى يبلغ بالحوادث حتى عام 1094 م، ولكن المجلد الأول الذى بقى منه ينتهى بحوادث 977 - 978. وقد أفاد المؤرخون المتأخرون مثل ابن مسكويه وابن الأثير من مادة الطبرى فى كتابة تواريخهم، وإن كانا قد تجاوزا فيها العصر الذى كتب هو فيه، ولذلك فإنهم بوجه من الوجوه قد أكملوا تاريخه (حتى عام 979 - 980 أو 1225 م). وعمد ابن الاثير إلى استخدام مادة الطبرى على نطاق واسع، وسعى إلى التوفيق بين الروايات المختلفة التى ساقها وسد ما بها من ثغرات معتمدًا على مصادر أخرى. أما القطعة من كتاب عريب الأندلسى (وهى تشمل

الحوادث من عام 903 - 932 م) التى نشرها ده غوى فهى تعتمد على نسخة مستقلة عن الطبرى وتعد ذيلا لتاريخه. وقد ترجم كتاب الطبرى سنة 963 م إلى الفارسية بامر الوزير أبى على محمد البلعمى السامانى، على إنه اختصر كثيرًا وأكمل من مصادر أخرى وخاصة فى الكلام عن العهود الأولى. وترجمت هذه الترجمة أيضًا إلى التركية والعربية. وأما كتاب الطبرى "تاريخ الرجال" فيزودنا بالحقائق الضرورية عن أسانيده فى الحديث. وشاع هذا الكتاب فى الأصل باعتباره ذيلا لتاريخ الطبرى. وقد نشر مختصر له ليس كاملا فى آخر طبعة ليدن للتاريخ (جـ 3، ص 2295 - 2501). واستند الطبرى فى جمع مادة تاريخه إلى الروايات غير المدونة، وقد تيسرت له أسباب هذا الجمع بفضل رحلاته الواسعة التى صرف معظم همه فيها إلى طلب العلم وحضور الدروس على مشاهير العلماء. وأفاد الطبرى أيضا من كتب غيره مثل كتاب: أبى مخنف، و"كتاب أخبار أهل البصرة" لعمر بن شبّه، وهو كتاب فى الحديث كان يقرأ له منه زياد بن أيوب؛ وتاريخ نصر بن مزاحم (Z.S، جـ 4، ص 6)؛ ثم سيرة محمد بن إسحق؛ والكتب التى كتبها فى هذا الشأن: الواقدى، وابن سعد، ومحمد الكلبى، وهشام الكلبى، والمدائنى، وسيف بن عمر، وابن طيفور وغير ذلك من الكتب. أما رواياته فى التاريخ الساسانى فقد أفاد من نسخة عربية لكتاب الملوك الفارسى التى اعتمدت فى جزء منها على ترجمة لهذا الكتاب قام بها ابن المقفع. ولم يحاول الطبرى أن يصوغ مادته فى رواية فتصلة للحوادث التاريخية، بل جنح إلى الاكتفاء بجمع ما تيسر له من مادة وتسجيل الروايات المختلفة بل المتعارضة فى كثير من الأحيان، كما وصلت إليه، ولذلك أبى أن يتحمل أى مسؤولية فيما يتعلق بحجية هذه الروايات التى جمعها. على أن قيمة كتاب الطبرى فى نظر البحث التاريخى الحديث، إنما تكمن فى ترديده الأمين غير المرتب لرواياته، وخاصة إذا كان

المصادر

المقصود هو إعادة بناء الحوادث الخاصة بصدر الإسلام. المصادر: (1) Gesch der Arab.lit.: Brockelmann جـ 1، ص 142 وما بعدها. (2) ياقوت: إرشاد الأريب، طبعة مركوليوث، جـ 6، ص 423 - 462، سلسلة كب التذكارية، جـ 6، ص 6. (3) السمعانى: كتاب الأنساب، ورقة 1367 الفصول 4 - 12، سلسلة كب التذكارية، جـ 20 (4) ابن خلكان، ترجمة ده سلان، جـ 2، باريس - لندن ليدن 1843 م، ص 597 وما بعدها. (5) الفهرست، طبعة فلوكل، ص 234 وما بعدها. (6) Die literarische Tatigkeit des Tabari nach Ibn'Asakir: I.Goldziher فى W.Z.K.M، جـ 9، 1895 م، ص 359 - 371. (7) Annales quot scripsit M.ibn Diarir at-Tabari: Abu Djafar طبعة ده غوى (جـ 1، ص 1 - 6؛ جـ 2، ص 1 - 3؛ جـ 3، ص 4 - 1؛ Indices, Introduction, Glossarium, Addenda et Emmendanda) ليدن 1879 - 1901 م. (8) Chronique de Abou-Djafar-Mohammed-ben-Djarir-ben-Yezid-Tabari: H.Zotenberg, ترجمة معتمدة على النسخة الفارسية الخاصة بأبى على محمد البلعمى، فى أربعة مجلدات، باريس 1867 - 1874 م. (9) Geschichte der Perser and Araber zur Zeit der Sasaniden Aus der arab. Chronik des Tabari ubersetzt und mit ausfahrl. Erlauterungen und Erganzungen versehen: Th.Noldeke، ليدن 1879. (10) عريب: تكملة الطبرى، طبعة ده غوى، ليدن 1897 م. (11) Das Verhaltnis von Ibn el-Athirs Kamil fit-ta'rikh zu Tabaris Akhbar er-rusul Wal-Muluk: C.Brockelmann، ستراسبورغ 1890. (12) Konkerdonz swischen Tabaris Annalen and Ibn Mis-: H.F. Amedroz

طبرية

kawik's Tagarib el-Umam، فى 1 st، جـ 2، ص 105 - 114 (13) أبو جعفر محمد بن جرير الطبرى: جامع البيان فى تفسير القرآن، القاهرة 1331 هـ 30 جزءًا. (14) Tabari's Korancommentar: O. Loth، فى Z.D.M.G، جـ 35، 1881 م، ص 588 - 528. (15) Geschichte des Qorans: Noldeke-Schwally، جـ 2، ليبسك 1919 م، ص 136 - 142، 171 - 173. (16) Die Richtungen der islamischen Koranauslegung: I.Goldziher, ليدن 1920، ص 85 - 98، 101 وما بعدها. خورشيد [باريه R.Paret] طبرية Tiberias: بلد على الضفة الغربية لبحيرة طبرية يسيل نهر الأردن مخترقًا له صوب الجنوب، والبحيرة غنية بالأسماك، وطولها 13 ميلا وعرضها ستة أميال، وهى دون مستوى البحر المتوسط بسبعمائة قدم، وطبرية طويلة ضيقة إذ تكتنفها من الغرب التلال الوعرة التى تنحدر انحدارًا شديدًا حتى تبلغ الماء شمالى البلد وجنوبه، ويقوم جبل هيرود جنوبى الجنوب الغربى للبلد؛ ولعل طبرية قد خلفت بلدة صغيرة فى هذا الإقليم ذكرها العهد القديم (وتقول بعض المصادر إنها هى: حمة نفسها التى ورد ذكرها فى سفر يشوع، الإصحاح 19، الآية 35، بالنظر إلى ما فيها من عيون حارة)، بيد أنه لم يثبت شئ محقق فى هذا الشأن، وإنما أصبح للبلد شأن عندما أسس هيرودس أنتيباس Herod Antipas حوالى سنة 26 ميلادية مدينة أطلق عليها اسم طبرية تكريمًا لإمبراطور طبرياس؛ وقد شيدت فى فخامة على طراز المدن فى العصر اليونانى المتأخر بما فيها من معابد ومسارح وغيرها من العمائر العامة؛ وكان قصر الملك الرائع، الذى وصفه يوسفوس Josephus يقوم على جبل هيرودس (قصر بنت الملك) ويكتنفه سور المدينة القديمة، وقد تتبع شوماخر G. Schumacher مجرى هذا السور، وكان اليهود المتشددون يتفادون البلدة، ومن

ثم كان أهلها خليطا من أقوام شتى، وقد أكره هيرودس بعضهم على الاستقرار فيها، واجتذب البعض الآخر إليها مزايا شتى، على أنه حدث تغيير غريب فى تاريخ متأخر عندما أصبحت طبرية مركزًا من أهم مراكز الحياة اليهودية الخالصة ومركزًا للدراسات التلمودية، وهنالك سنت مجموعة القوانين المعروفة باسم "المشنا" حوالى سنة 200 ميلادية؛ وفى مستهل القرن الرابع الميلادى وضع "كتاب الكمارا" الفلسطينى وهو ما يعرف بالتلمود الأورشليمى، وفيما بين القرنين الثامن والتاسع الميلاديين استقرت طريقة الحركات الطبرانية التى كانت قد عم استعمالها، وكان المدرس العبرى لهيرونيموس (جيروم) يهودى من طبرية؛ وقد بقيت ذكرى العلماء اليهود الذين عملوا هنا بفصل تلك المجموعات من المقابر ومن بينها قبرا الحبرين يوحنان بن زكّى R.Johanan G. Zakkal وعقيبا R.Akiha؛ وقد اكتشفت جبانة يهودية قديمة أخرى فيها عدد من التوابيت بقرب الباب الغربى للمدينة، وحدث هذا عندما شق طريق جديد. وتغلغلت المسيحية بعد قسطنطين الأكبر فى الجليل، وإن كان تغلغلها قد تم فى بطء، وتضمنت أثبات المجامع المقدسة أسماء بعض أساقفة طبرية؛ وكان الإمبراطور هادريان Hadrian قد شرع فى تشييد معبد فى هذه البلدة، ثم أكمل هذا المعبد. وأعاد يوستنيانوس بناء أسوار المدينة المتهدمة، ويقال إن اليهود الذين كانوا فى البلدة ناصروا الفرس عندما غزوا هذه البلاد سنة 614 ميلادية، وكان هذا شأنهم فى كل مكان آخر؛ وفى سنة 13 هـ (635 م) انتقلت طبرية إلى يد المسلمين، وقد اقتضاهم الأمر إلى فتح بعض بلدان الأردن عنوة، على أن طبرية استسلمت للقائد العربى شرحبيل الذى أمّن أهل البلدة على حياتهم وعلى نصف دورهم وكنائسهم وفرض عليهم أن يؤدوا كل سنة جريبًا من القمح أو الشعير عن كل جربب من الأرض ودينارًا عن كل رأس من الغنم، واحتفظ لنفسه أيضًا بموضع يقيم عليه مسجدًا، ونقض أهل البلدة هذا الاتفاق فى خلافة عثمان فغزا عمرو بن العاص

طبرية (شرحبيل فى رواية بعض المصادر) واستسلمت البلدة بالشروط القديمة؛ وبدأ فصل جديد فى تاريخ طبرية بحلول الحروب الصليبية، فقد أقطعت لتنكرد Tancred ثم أصبحت آخر الأمر من ممتلكات رايموند أمير طرابلس؛ وفى يوم الثلاثاء الموافق 2 يوليو سنة 1187 م (583 هـ) أحاط صلاح الدين بالبلدة وفتحها فى بضع ساعات بالرغم من مناعة حصونها، ثم أشعل فيها النار، وقد أقنع جيرار كبير الداوية المتعجرف جيش النصارى الذى كان يعسكر فى صفورية بأن يهب لنجدة البلدة بالرغم من أن ريموند كان قد حذرهم من مغبة ذلك مرارًا وتكرارًا، وانتهى الأمر بوقعة حطين التى هزم فيها الفرنجة هزيمة منكرة أدت إلى استيلاء المسلمين على بيت المقدس وانهيار سلطان الفرنجة؛ وفى سنة 1240 م وقعت البلدة مرة أخرى فى يد النصارى عندما استولى عليها أودو أمير مونتبليارد Odo of Montbelliard؛ على أن الخوارزميين استولوا عليها سنة 1247 ومن ثم أصبحت طبرية من أملاك المسلمين حتى نهاية الحكم التركى لفلسطين؛ وفى منتصف القرن السابع عشر كانت البلدة من أملاك الشيخ ظاهر العمرو الذى عمل على تحصينها؛ وفى سنة 1759 أصيبت بزلزال، غير أن الزلزال الذى وقع سنة 1837 كان أسوأ بكثير إذ دمر معظم البلدة (دون الحمامات)؛ وفى سنة 1799 احتلها جيش نابليون ردحًا من الزمن. وقد وصف جغرافيو العرب طبرية، قصبة الأردن، وصفًا موجزًا، بعض الشئ؛ فاليعقوبى (278 هـ = 891 - 892 م) يقول عن موقع البلدة إنها فى سفح جبل وتطل على بحيرة كبيرة يتدفق من خلالها نهر الأردن؛ ويقول الإصطخرى (340 هـ = 951 م) إن طول البلدة 12 ميلا وعرضها بين ميلين وثلاثة أميال (طولها الحقيقى هو 13 ميلا وعرضها ستة أميال) ويقول المقدسى (375 هـ = 980 م). "موضوعة بين الجبل والبحيرة فهى ضيقة كربة فى الصيف مؤذية، طولها نحو من فرسخ بلا عرض وسوقها من

الدرب إلى الدرب، المقابر على الجبل، والجامع فى السوق كبير حسن، عليها [أى البحيرة] بما يدور قرى ونخيل، والسفن فيها تذهب وتجئ. . . كثيرة الأسماك خفيفة الماء"، وقد زار الرحالة الفارسى ناصر خسرو طبرية سنة 438 هـ (1047 م) وقال إن طول البحيرة ستة أميال وعرضها ثلاثة، ثم قال "إن البلدة تكتنفها أسوار، ولكن ليس فى الجانب الذى فيه البحيرة، وكثير من دورها يقوم أساسه على القاع الصخرى الذى تحت الماء؛ وعلاوة على المسجد الذى فى سرة البلدة يقوم مسجد آخر فى الجانب الغربى اسمه مسجد الياسمين، وهنا نجد قبر يسوع بن نون والسبعين نبيبًا الذين ذبحهم الإسرائيليون، وكذلك نجد قبر أبى هريرة، ويصنع أهل البلدة الحصر من الأسل (السمار) وعلى التل الذى يقوم غربى البلدة حصن شيد من حجارة منحوتة وعليه نقوش بالعبرية"؛ ويصف الإدريسى طبرية (سنة 1154 أيام الحكم الصليبى) بأنها بلدة تأخذ بالألباب تقوم فوق تل مرتفع على ضفاف بحيرة مياهها عذبة، وطولها 12 ميلا وكذلك عرضها (! ) وتزودها القوارب التى تجرى فيها بالمؤن؛ ويذكر أيضا صنع الأهالى لحصر السمار، وكانت صناعة لها شأنها؛ ويذكر ياقوت (623 - 1125 م) ما قاله بعض من تقدموه، فيردد ما ذكره غيره من جغرافيى العرب من أن طبرية شيدها طبرياس (Tiberius)، ويقول أبو الفداء (المتوفى سنة 732 هـ = 1331 م) إن البلدة دمرها صلاح الدين، وهذا يثبت أنها كانت لا تزال خرائب فى عهده، ويتضح مما قاله ابن بطوطة (725 هـ = 1325 م) أنها ظلت على هذه الحال من بعد. وقد كان للحمامات الطبية الساخنة، فى الأيام التى بقيت فيها هذه الحمامات، شأن عظيم فى تاريخ البلدة، فقد كانت على مسيرة أربعين دقيقة جنوبها، ولعلها هى التى حملت هيرودس على أن يختار هذه البلدة قصبة لبلاده؛ ويقول يوسفوس بحق إن الحمامات لم تكن بعيدة عن طبرية فقد كانت فى قرية تسمى

(أى الحمة الوطنية)، وهذا يتفق مع ما اكتشفه شوماخر من أن سور المدينة القديمة يمتد من جبل هيرودس إلى ضفاف البحيرة دون أن يحيط بها (ومن ثم "فى طبرية" كما يقول يوسفوس، Bell, 85, Vita، جـ 2، ص 1614 ويعنى هذا (فى أرض طبرية)، وقد ذكرت الحمامات فى تاريخ مبكر جدًا يرجع إلى بليناس (Nat. Hist، جـ 5، ص 15) وقد ورد ذكرها كثيرًا فى التلمود. ولا يكف جغرافيو العرب عن القول بأن مياهها ساخنة بلا نار. ويقول اليعقوبى إن المياه الساخنة يؤتى بها إلى البلدة فى أنابيب؛ ويزيد الإصطخرى أن الماء، على بعد العيون بمقدار فرسخين أو نحو ذلك (وهذه مبالغة غير عقولة)، من شدة الحرارة عند دخول الحمامات حتى إن الأجساد التى يلقى بها فيها يذهب عنها الشعر، ومن ثم لا يمكن استخدام الحمامات إلا إذا أضيف إليها الماء البارد؛ ويتحدث المقدسى عن عين مياهها تغلى وهى تزود معظم الحمامات بالماء معًا ويسخن البخار المتصاعد منها العمارة نفسها، ويذكر ناصر خسرو عينًا على باب المسجد الذى فى سرة البلد وقد بنى عليه حمام عزى إلى الملك سليمان؛ ويخص الإدريسى بالذكر حمامًا كبيرًا اسمه دماقر يمكن طهو الدجاج والماعز الصغير فى مياهه المالحة، وكذلك يسلق فيها البيض؛ وثمة حمام اسمه اللولو كانت مياهه ساخنة ولكنها ليست مالحة، على حين أن "الحمام الصغير" كان هو الوحيد الذى تسخن مياهه بالنار؛ وكان أحد أمراء المسلمين قد بنى لأسرته حمامًا فوق "الحمام الصغير"، ولكنه أهداه من بعد إلى الجمهور؛ وكان ثمة عيون ساخنة كثيرة جنوبى هذا الحمام؛ وكان يؤم هذه الحمامات من جميع أنحاء البلاد المشلولون والمصابون بعاهات أو الذين يعانون من أمراض الرئة وكانوا يظلون ثلاثة أيام فى الماء يبرأون بعدها من عللهم بإذن اللَّه؛ وهذه الأوصاف تعوزها الدقة والوضوح، وبخاصة أن بعض الجغرافيين يذكرون فيما يتصل بالحمامات بعض العيون التى تقع على مسافة بعيدة؛ وفى سنة 1703 جفت

المصادر

العيون فترة من الزمن (Palastina: Reland، ص 703)، ولما تهدم الحمام القديم شيد آخر جديد فى مستهل القرن التاسع عشر، وقد وصفه بوركارت Burckhardt بأنه كان غاية فى البساطة حتى إن إبراهيم باشا عمل سنة 1833 على بناء حمام آخر أكثر فخامة ثم تم تشييد حمام ثالث سنة 1890 على مسافة ما إلى الجنوب؛ ويقول روبنصون (Robinson) إن الماء يخرج من أربع عيون إحداها تحت الحمام القديم، ودرجة حرارة الماء وفقا للمقاييس التى قام بها هو 60 سنتيجراد؛ وقرأ فراى (Frei) درجة حرارة الحمام الجديد حيث يدخل الماء الحوض فوجدها 59.5 سنتيجراد، وبلغت خلف الحمام القديم 58، وفى عين أصغر قريبة منه 63؛ وكذلك أورد فراى التحليل الكيمائى للماء. ولاشك أن الظروف السياسية الجديدة ستعيد الرخاء إلى طبرية، على حين أن حالتها قبل الحرب (*) كانت على النقيض من ماضيها المشرق (انظر الوصف المتسم بالحماسة فى Bell: Jos، جـ 3، ص 516 وما بعدها)؛ ولم تكن السفن والقوارب ترى فى البحيرة إلا نادرًا، وأصبحت الحدائق التى كانت كثيفة الزرع يومًا، تبدو قفرًا، موحشًا، ولا يكاد يوجد شئ من الآثار القديمة. المصادر: (1) Palestine: Robinson, جـ 3، ص 399 وما بعدها. (2) Galilee: Guerin، جـ 1، ص 250 وما بعدها. (3) Palestine Exploration Fund Quarterly Stat: G.Schumacher، ص 85 وما بعدها. (4) Volkes, Gesch. d. jud: Schurer جـ 3، ص 216 وما بعدها. (5) Loca Sancta: P.Thomsen، جـ 3. (6) ابن الأثير: طبعة Tornberg، 1898، ص 341 وما بعدها. (7) Geschichte des Konigreichs Jerusalem: Rohricht, 1898، ص 431 ما بعدها.

الطبقات

(8) الإصطخرى؛ المكتبة الجغرافية العربية، جـ 1، ص 58. (9) المقدسى، المصدر المذكور جـ 2، ص 154 و 161 و 185. (10) ناصر خسرو، ترجمة G.Le Strange Palestine Pilgrim Texts، 1888، ص 16. (11) الإدريسى Z.D.P.V، كتاب 8، ص 128 (النص، ص 10). (12) ياقوت: المعجم، طبعة Wustenfeld, جـ 3، ص 509 - 513. (13) Geographie d'Aboulfeda ترجمة Reinaud et de Slane، جـ 2/ 2، ص 21. (14) palestine under the Moslems: G. La Strange، ص 334 - 341. وانظر فيما يتصل بالحمامات الطبية. (15) Z.D.P.V: Dechent، جـ 7، ص 172 وما بعدها. (16) Frei, المصدر المذكور، جـ 9، ص 82 وما بعدها (وبه خريطة). صبحى [بول Fr.Buhl] الطبقات أى كتاب الطبقات: والكلمة إذا استعملت للمكان كان معناها: التساوى، أو طبقة فوق طبقة؛ وإذا استعملت للدلالة على الزمان كان معناها: التساوى، أو الشئ، مثال ذلك الآية الثانية من سورة الملك، والآية الخامسة عشر من سورة نوح: {خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا}. والطبقة أيضا هى طبقة الدار (انظر التعليق على الأدريسى: Description de l'Afrique، فى طبعة دوزى غوى، ليدن 1866، ص 338؛ Inscr.: Sobernheim، رقم 41 فى M.LF.A.O، جـ 25، Additions: Fagnan, مادة طبقات) وكذلك يقال: "طبقات العين". أما إذا استعملت للزمن فإنها تدل على الجيل (يقول فقهاء اللغة إنها ترادف كلمة "قرن") ويستعمل حمزة الاصفهانى (طبعة Gottwaldt ص 8) وغيره كلمة "طبقات" للدلالة على الأسر الملكية الحاكمة القديمة فى فارس. وتدل عناوين الكتب مثل كتاب "طبقات الشعراء" على أن هذه الكتب قد تناولت طبقات متعاقبات

من الشعراء والمغنين والفقهاء والمحدثين وغير ذلك، وأن الأعلام الذين يعيشون فى جيل واحد يعدون طبقة من الطبقات. ثم إن هذه الفكرة قد ضاق مدلولها فى الحديث من بعد وحددت بقدر ما دخلت الفروق الدقيقة لمعنى الكلمة فى هذا العلم، وهى فروق لها شأنها فى نقد الحديث، فأصبح رجال الطبقة الواحدة هم أولئك الذين سمعوا الحديث من طبقة ممن سبقوهم ثم رووها لرجال الطبقة الذين جاءوا بعدهم. مثال ذلك أن ابن الصلاح فى كتابه "علوم الحديث"، (طبعة حلب 1931 م، ص 413) يقول إن "الطبقة" فى المصطلح هى: "القوم المتشابهون" فى السن والإسناد (النووى: التقريب فى J.A، السلسلة 9، جـ 18، ص 144؛ السيوطى: التدريب، القاهرة 1308 هـ، ص 267). وتاريخ معنى الكلمة يحملنا على ترجيح أن كتب الطبقات لم يدفع إلى تأليفها الحاجة التى اقتضت نقد الحديث كما ظن لوث Loth، وكل ما فى الأمر أنها قد استعملت استعمالا خاصًا فى هذا الفرع من فروع المعرفة ولعل الأصل فيها هو اهتمام العرب بالأنساب والتراجم، فقد وجدت قبل "كتاب الطبقات" لابن سعد (المتوفى سنة 203 هـ = 845 م)، أو قل فى زمنه على الأقل، سلسلة من كتب الطبقات لم يصل إلينا معظمها، وهى تتناول القراء والفقهاء والشعراء والمغنين، ذلك أننا نجد، علاوة على كتاب واصل بن عطاء (المتوفى سنة 131 هـ = 748 - 749 م) المستقل بذاته فى ذلك العهد المتقدم والموسوم بعنوان "طبقات أهل العلم الجهل" (ياقوت: إرشاد الأريب، طبعة مركوليوث، جـ 7، ص 225؛ ابن خلكان: الوفيات، القاهرة 1310 هـ، جـ 2، ص 171) كتبًا أخرى هى: إسماعيل بن أبى محمد اليزيدى (حوالى سنة 200 هـ = 815 - 816 م) "طبقات الشعراء" (ابن النديم: الفهرست، ص 51؛ ياقوت، جـ 2، ص 359) الهيثم ابن على (المتوفى سنة 207 هـ = 822 - 832 م) "طبقات الفقهاء والمحدثين" وطبقات من روى عن النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، (الفهرست، ص 99؛ ياقوت، جـ 7، ص 265؛ ابن خلكان، جـ 2، ص 204)؛

أبو عبيدة (المتوفى سنة 208 هـ = 823 - 824 م) "طبقات الفرسان" ولعل المقصود هو الشعراء (ياقوت، جـ 7، ص 169)؛ محمد بن خالد (المتوفى سنة 220 هـ = 835 م) "طبقات الفقهاء" (الضبى: البغية، رقم 101)، خليفة الخياط (المتوفى سنة 230 هـ = 844 م - 855 أو 240 = 854 - 855 م) "طبقات القراء" (الفهرست، ص 232؛ ابن خلكان، جـ 1، ص 172)؛ محمد بن سلام الجمحى (المتوفى سنة 231 هـ = 845 - 846 م) "طبقات الشعراء" (طبعة Hell, ليدن 1916) عبد الملك بن حبيب السلمى (المتوفى 238 هـ = 852 - 853 م) "طبقات الفقهاء والتابعين" (ابن الفرضى: التاريخ، رقم 814) أبو حسان الزيادى (المتوفى سنة 814)؛ أبو حسان الزيادى 858 م) "طبقات الشعراء" (الفهرست، ص 110، وربما كان مع ذلك لا يعدو أن يكون ناقلا عن كتاب الجمحى)؛ دعبل بن على الخزاعى (المتوفى سنة 246 هـ = 860 - 861 م) "طبقات الشعراء" (الفهرست، ص 16؛ ياقوت، جـ 4، ص 197)؛ محمد بن حبيب (المتوفى سنة 247 هـ = 861 - 862 م) "كتاب أخبار الشعراء وطبقاتهم" (الفهرست، ص 106). وقد ننأى كثيرًا عن الموضوع إذا تتبعنا كتب التراجم الخاصة بالجماعات المختلفة وغيرهم من أصحاب الحرف الأخرى. وقد كان تصنيف أجيال الأعلام فى طبقات من الأمور التى يصعب الاستفادة منها فضلا عن أنه يحول بيننا وبين العثور على علم بعينه فى وقت قصير، ومن ثم نظم هذا التصنيف من بعد، فضمت الفترات المتساوية فى الزمن (القرون أو العقود) بعضها إلى بعض ورتب الأعلام داخل كل فترة ترتيبا أبجديا فى الغالب. وأقدم مثال على ذلك هو كتاب "طبقات الصوفية" للسُّلمى (المتوفى سنة 414 هـ = 1022 - 1023 م) وثمة كتب من هذا القبيل هى: "طبقات الشافعية" للسبكى (المتوفى سنة 771 هـ = 1369 - 1370 م)؛ وابن الملقن (المتوفى سنة 804 هـ = 1401 - 1402 م)؛ وابن دقماق (المتوفى سنة 809 هـ = 1406 - 1407 م) الذى رتب على القرون؛

المصادر

وابن قاضى شهبة (المتوفى سنة 851 هـ = 1447 - 1448 م) الذى رتب كتابه على فترات كل فترة عشرون سنة. وخير السبل لتحاشى هذه الصعوبات قد تيسرت فى مجموعة كتب الطبقات التى سادت فى زمن متأخر متبعة الترتيب الأبجدى فى جميع تراجمها فبعدت بطبيعة الحال كل البعد عن المعنى الحق لكلمة طبقة، وكان يعبر عن ذلك فى معظم الأحوال بإضافة شئ إلى عناوينها. وأقدم كتاب من هذا القبيل هو الكتاب الذى فقد فيما يظهر وعنوانه "تاريخ طبقات القراء" لعثمان بن سعيد الدانى المتوفى عام 444 هـ الموافق 1052 - 1053 م (ابن خير فى الفهرست. ص 72) وقد جرى على هذه الخطة أيضًا ابن الجزرى (المتوفى سنة 833 هـ = 1429 - 1430 م) "غاية النهاية فى طبقات القراء" (طبعة Bergstrasser and Pretzl، ليبسك 1933 - 1935) والقرشى (المتوفى سنة 775 هـ = 1373 - 1374 م) "الجواهر المضيئة فى طبقات الحنفية" وغير ذلك من الكتب الكثيرة. المصادر: (1) Ursprung und Bedeulung Tabaqat: Loth فى Z.D.M.G، جـ 23 (1869 م) ص 593 - 614. (2) Die Classen der hanefitischen Rechtsgelehrten: Flugel فى Abh G.W.Gott، جـ 8 (1860 م) ص 270 وما بعدها. (3) وثمة مجموعات غير كاملة من كتب الطبقات هى: حاجى خليفة: كشف الظنون، طبعة فلوكل، جـ 4، ص 132 - 155. (4) Literaturgeschichte der Araber: Hammer-Purgstall، فينا 1850 م، جـ 1، ص 172 وما بعدها (غير دقيق). (5) Die Quellen von Jaqut's Irshad: Bergstrasser، فى Z.S، جـ 2 (1924) ص 184 - 218 (6) Kalalog der Handbibliothek der Orientalischen Abteilung der Preuss Staatsbibliothek؛ ص 34 - 24.

الطحاوى

والكتاب الآتى يتناول فقهاء الشافعية. (7) Der Imam el-Schafi'i Abh. G. W. Gott: Wustenfeld، جـ 36 (1890)، ص 7 وما بعدها. (8) والكتاب الآتى يتناول القراء: Geschichte des Qorans: Noldeke-Bergestrasser، ليبسك 1929، جـ 3، ص 157 - 160. خورشيد [هفننك Heffening] الطحاوى أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة ابن عبد الملك الأزدى الطحاوى الحجرى، والطحاوى نسبة إلى قرية من قرى صعيد مصر تعرف بطحا؛ ويعد الطحاوى أعظم من أخرجته مصر من فقهاء الحنفية؛ وكان أسلافه قد استقروا فى الصعيد، ولما بلغت مصر أنباء الفتنة التى قام بها إبراهيم بن المهدى، خرج جده سلامة هو وغيره عن ولائهم للخليفة المأمون، وأقام المنتقضون عبد العزيز بن عبد الرحمن الأزدى بدلا من السرى بن الحكم، فعمد السرى أول الأمر إلى الفرار، ولكنه عاد أخيرًا وأسر عبد العزيز. وقاوم سلامة فى الصعيد ثم أسر بعد قتال وحمل إلى الفسطاط. وأطلق سراحه ففر وانضم إلى الجروى فى الإسكندرية حيث أصاب المتمردون نجاحًا هناك، ثم عاد سلامة إلى الصعيد وجمع جندًا كثيرين وطرد عمال الدولة. وانتهى الأمر بأن أنفذ إليه سنة 203 (818 م) جيش، وأسر هو وابنه إبراهيم بعد قتال وحملا إلى الفسطاط وقتلا. ونستطيع أن نستخلص من ذلك أن الطحاوى كان ينتسب إلى أسرة من أكبر الأسر فى مصر. ولد الطحاوى بحسب روايته هو نفسه سنة 239 هـ (853/ 854 م) وتلقى دروسه الأولى على خاله أبى إبراهيم إسماعيل المزنى الذى كان من أشهر تلاميذ الشافعى. على أن الطحاوى لم يتقدم فى دروسه بما يرضى خاله، فما كان من خاله إلا أن قال له يومًا: "واللَّه لا جاء منك شئ". وترك الطحاوى خاله وشرع يدرس الفقه الحنفى على أبى جعفر بن أبى عمران (أحمد بن موسى بن عيسى،

وكان قد قدم إلى مصر عندما ولى أيوب وزارة الخزانة وأقام هناك). وتوفى المزنى سنة 264 هـ (878 م) وعنه تلقى الطحاوى مسند الشافعى الذى أخطأ بروكلمان فذكره على أنه مسند الطحاوى. وقد سمع الطحاوى مسند الشافعى سنة 252 هـ وقرأه بدوره على تلاميذه سنة 317 هـ معتمدًا، على الإسناد الذى وجده فى خير مخطوطات هذا المسند. وفى سنة 268 هـ (881 - 882 م) شخص الطحاوى إلى الشام ولقى فيها الشيخ الحنفى القاضى أبا الخازم عبد الحميد ابن جعفر، كما لقى غيره فى بيت المقدس وغزة وعسقلان، ولكنه عاد إلى مصر فى السنة التالية. وكان الطحاوى فى شبابه فقيرًا جدًا، على أنه وجد فى ظل محمد بن عبدة راعيا يستظل به، وكان ابن عبده شيخ قضاة مصر من سنة 277 إلى سنة 283. ويذكر كتّاب السير كيف أخذ شيخ القضاة هذا يسبغ عليه النعم حتى لقد جعله فى مناسبة من المناسبات يتلقى العطايا التى كانت موجهة إليه هو والشهود العشرة علاوة على النصيب الذى خص الطحاوى هو نفسه. وتأثر الطحاوى بهذه المنة وشاء أن يجازى القاضى محمدًا على هذا الفضل بما جبل عليه، وهو الفقيه، من إحقاق للحق، فلم يدخر وسعا فى أن يظهر لكل من يقدم على مجلس القاضى جلال منصب راعيه وخطره. وبرز شأن الطحاوى حين احتاج أبو الجيش ابن أحمد بن طولون إلى شهادة. ووقع الشهود بالصيغة المألوفة: "أشهدنى الأمير أبو الجيش. . الخ"، فلما جاء دور الطحاوى كتب: "أشهد على إقرار الأمير أبى الجيش. . بجميع ما جاء فى هذا الكتاب. . " وتعجب الأمير ومنح الطحاوى جائزة مناسبة مما أثار عليه سائر الشهود. وانتهى الأمر بأن التمس أعداؤه سببًا لاتهامه بسوء إدارة الأوقاف فزج به فى السجن. ولم تذكر الرواية كم بقى فى السجن، ولكننا نلمح بصيصًا آخر من النور فى رواية لمسلمة بن قاسم الأندلسى فحواها أن صديقا له عاد من مصر إلى الأندلس سنة 300 هـ، أخبره أن أهل مصر

كانوا فى حالة من الهياج الشديد بشأن سوء أحكام الطحاوى الفقهية، وخاصة تلك الفتوى الشرعية التى أصدرها فى مصلحة الأمير أبى الجيش بخصوص خصيانه. ولم يتول الطحاوى قط منصب القاضى، وإن كان شيوخ القضاة قد دأبوا على استكتابه، وقد عمل بهذه الصفة أيضًا فى خدمة أبى عبيد على ابن حسين بن حرب الذى كان شيخا للقضاة من سنة 293 - 311 هـ. وقد ألف الطحاوى أن يقول لأبى عبيد فى المسائل الخلافية: إن ابن أبى عمران كان يقول بكيت وكيت، فضاق أبو عبيد بذلك آخر الأمر وقال له إنه كان يعرف أبا عمران حق المعرفة، ولكن البغاث بأرض الطحاوى تستنسر، فأمسك الطحاوى وذهبت كلمة أبى عبيد مثلا. وانصرف الطحاوى فى آخر أيامه إلى إصدار الفتاوى إلى جانب تأليف كتبه الكثيرة، على أنه كان يصطنع الكياسة دائمًا فى فتاواه، فإذا أثيرت المسائل المطلوب الإفتاء فيها فى حضرة القاضى أسند الفتوى إلى القاضى، إلا إذا رخص له القاضى بصفة خاصة أن يفتى على مسؤوليته. وتوفى الطحاوى بحسب رواية المؤرخ ابن يونس فى السادس من ذى القعدة سنة 321 هـ (31 أكتوبر سنة 933)، ويقول ابن خلكان: إن وفاته كانت ليلة الخميس من غرة هذا الشهر، ودفن بالقرافة. ويخطئ الفهرست فيقول إنه توفى سنة 322. وكان الطحاوى فى المقام الأول فقيهًا، أجمعت الأقوال على الثناء على براعته فى كتابة العقود السليمة، ولكنه إلى ذلك يدخل فى زمرة المحدثين، وقد روى بهذه الصفة مسند الشافعى، ومع ذلك فإن بين أيدينا مصدرًا أو أكثر يقول إن الحديث لم يكن فى الحق ميدانه. ومهما يكن من شئ فإن كتبه الكبرى حافلة بشواهد الحديث، كان كانت هذه الشواهد تروى دائما للاستشهاد بها فى المسائل الفقهية. وتواليف الطحاوى كثيرة مختلفة بين مخطوط ومطبوع، ويذكر له كتاب سيرته ما يأتى: (1) "معانى الآثار" وهو باكورة كتبه، وقد طبع فى لكهنو

وعليه شروح أربعة مجلدات كبيرة من قطع الربع (2) "اختلاف العلماء"، وهو مخطوط بالقاهرة (3) "أحكام القرآن" فى عشرين كراسة (4) "مختصر فى الفقه" وهو كتاب كان يعتز به المؤلف كثيرًا، وله عدة شروح أقدمها كتبه أحمد بن على الجساس (مخطوط بالقاهرة)؛ (5) "شرح الجامع الصغير" (6) "الشروط الكبير" وهو مخطوط غير كامل محفوظ بالقاهرة، وقد نشر منه شاخت جزءًا فى هيدلبرغ 1926 م (7) "الشروط الأوسط" (8) "الشروط الصغير" (9) "محاضر وسجلات ووصايا وفرائض" ولعلها عدة مقالات، وشاهد ذلك أن الوصايا قد ذكرها بعض كتاب السير مستقلة بذاتها (10) "شرح الجامع الكبير" (11) "نقض كتاب المدلسين" فى الرد على الكرابيسى (12) "التاريخ الكبير" والراجح أنه ضرب من معاجم سير الفقهاء (12) "مناقب أبى حنيفة" فى مجلد واحد (14) كتاب فى القرآن ذكره القاضى ابن عياض فى كتابه الإكمال، وهو يشمل ألف ورقة تقريبًا، ولعله هو كتاب "مشكل الآثار" (15) "النوادر الفقهيه" فى نيف وعشرين كراسة (16) "حكم أراضى مكة وقسم الفئ والغنائم" (17) "الرد على عيسى بن أبان" وهو يرد فيه على كتاب عيسى "خطأ الكتّاب" (18) "الرد على أبى عبيد فيما أخطأ فى كتاب النسب" (19) "اختلاف الروايات على مذاهب الكوفيين" (20) "مشكل الآثار" وهو آخر كتبه، وقد أودعه غاية ما وصل إليه فى دراساته، وطبع بحيدرآباد فى أربعة مجلدات كبيرة من قطع الربع سنة 1333 هـ. وقد اختصر هذا الكتاب الفقيه المالكى ابن رشد (21) "رسالة فى أصول الدين" وتعرف أيضًا باسم "عقيدة أهل السنة والجماعة"، وقد طبعت فى قازان سنة 1893 وفى الهند، وهى رسالة صغيرة فى عشر ورقات أو نحوها تبين العقيدة فى لغة فقهيه واضحة. وقد شرحها عدد من الشراح؛ (22) "النوادر والحكايات" فى عشرين كراسة (23) وينسب إليه بعض كتّاب السير كتابين بعنوان "المختصر الكبير" و"المختصر

المصادر

الصغير"، ولكن يظهر أن الكتاب الثانى هو الذى شرح كثيرًا (24) وقد ذكر له كتاب "الجواهر المضيئة" كتابًا استند فيه الطحاوى إلى كتب العزل، ولكن لا أستطيع أن أجزم بأننى أصبت فى فهم ذلك. وقد دأبت كتب الفقه الحنفى على الاستشهاد بالطحاوى، وتتلمذ عليه أو سعى إليه فى مصر للإفادة من علمه عدد كبير جدًا من الناس، ذكر منهم كتاب السير الكثير، وخاصة كتاب الجواهر وكتاب لسان الميزان. ونذكر من هؤلاء: عبد العزيز بن محمد التميمى، الذى أصبح من بعد قاضى مصر ومقدمًا على الطحاوى؛ ومسلمة بن القاسم القرطبى؛ وعبد اللَّه بن على الداؤودى الذى كان يعد إمام الظاهرية فى أيامه؛ والقاضى المشهور ابن أبى العوام؛ وسليمان بن أحمد الطبرانى صاحب كتاب "المعجم" وغير ذلك من الكتب. المصادر: (1) الفهرست، طبعة فلوكل، ص 207. (2) ابن خلكان، طبعة فستنفلد، رقم 24؛ طبعة القاهرة سنة 1310، جـ 1، ص 19. (3) السمعانى: الأنساب، سلسلة كب التذكارية، ص 368 من أعلى- 396. (4) الجواهر المضيئة، طبعة حيدر آباد، جـ 1، ص 102 - 105. (5) الذهبى: تذكرة الحفاظ، جـ 3، ص 29. (6) ابن حجر: لسان الميزان، جـ 1، ص 274 - 282. (7) السيوطى: حسن المحاضرة، جـ 1، ص 161. (8) ابن قتلبغا، رقم 15. (9) اللكهنوى: الفرائد البهية، القاهرة 1324 هـ، ص 31 - 34. (10) ابن تغرى بردى، طبعة كوينبول، جـ 2، ص 255 وما بعدها. (11) ياقوت: المعجم، طبعة فستنفلد، جـ 3، ص 516

طرابليس

(12) اليافعى: المرآة، جـ 2، ص 218. (13) الكندى: ولاة مصر، فى مواضع مختلفة، والمقدمة ص 18. (14) Classen der hanefitischen Rechtsgelehrten: Flugel، ص 296 وما بعدها. (15) Gesch. der Arab. Lit.: Brockelmann جـ 1، ص 173. (16) حاجى خليفة: كشف الظنون، فى مواضع مختلفة، وانظر رقم 4131. (17) وقد استشهدت جل كتب الفقه الحنفى بالطحاوى. خورشيد [كرنكو F.Krenkow] طرابليس مدينة على الساحل الشمالى لإفريقية، على خط 13 ْ 20 َ شرقا، وخط عرض 32 ْ 50 َ شمالا، وهى الآن مقر حكومة بلاد طرابلس، وإحدى الولايتين اللتين تتألف منهما ليبيا الإيطالية (¬1)، وقد بلغ عدد سكانها المسلمين، وفقا للتعداد الذى قامت به بلدية طرابلس سنة 1914: 19.907 نسمات بما فى ذلك المنشية Menscia، وكان عدد سكانها اليهود 10.471 نسمة؛ وبلغ عدد الأوربيين فى مدينة طرابلس وحدها 14.180 نسمة، ولعل عددهم بلغ 25.000 فى سنة 1928 فيكون المجموع نحو 60.000 نسمة. والاسم تريبولس Tripolis الذى أطلق على الأقليم الذى كان يتكون من المدن الثلاث سبرته Sabrata وأويا Oea ولبتيس (ليكى) (Leptis (Lepqi وأصله فينيقى قرطاجنى، لم يظهر إلا على يد الكتاب الرومان الذين عاشوا فى القرن الرابع الميلادى؛ على أن الاسم تريبوليتانيا Tripolitania كان قد أطلق منذ القرن الرابع الميلادى؛ على أن الاسم تريبوليتانيا Tripolitania كان قد أطلق منذ القرن الثالث الميلادى على الإقليم الذى كان يسمى أيضا سرتيكا Sirtica كان يدار من المركز الإدارى تكابه Tacape أى قابس. ونجد فى العهد ¬

_ (¬1) أصبحت بعد ذلك مملكة مستقلة وبلغ عدد سكان مدينة طرابلس وفقا لتعداد 1950: 1.8240 نسمة وبعد قيام ثورة الفاتح من سبتمبر 169 صارت جمهورية وأصبح اسمها الجماهيرية العربية الليبية. . "المحرر"

البوزنطى أن الاسم تربيولس قد أطلق على مدينة أويا، وتأيد هذا الاستعمال فى عهد الفاتحين العرب ممثلا فى صيغة طرابلس وأطرابلس وأضيف إلى هذه الصيغة "الغرب"، تمييزًا لها عن طرابلس الشام. وكانت مدينة أويا القديمة، إحدى مراكز سرتيكا التجارية، مستعمرة فينيقية فى أول الأمر، ثم أصبحت مستعمرة قرطاجنية؛ وبدأ النفوذ الرومانى يسود فى القرن الثانى الميلادى أثناء الحروب البونية. ونستطيع أن نرد تاريخ الحكم اليونانى المباشر إلى أواخر العهد القرطاجنى (149 ق. م). وكان جل المدينة القديمة يقع فى الجزء الغربى من المدينة الحالية حول قوس مرقس أوريليوس Marcus Ayrelius الذى لا يزال باقيا، وقد أقامه سنة 163 ميلادية كليورنيوس C.Calpurhius Celsus (cutaator muneris et publicus munerarius) فى عهد الوالى الرومانى كورنيليوس أورفيتوس Cornelius Oritus، وأهداه إلى الإمبراطورين أوريليوس أنطونينوس M. Aurelius Antontus ولوشيوس فيروس Lucius Verus؛ على أنه لم يكن لأويا شأن سياسى أو عسكرى أو اقتصادى، بالرغم من ثغرها الذى كان يحميه حاجز من الصخور؛ وكان لمركزى سبرته ولبتيس التجاريين وقتذاك شان عسكرى واقتصادى أكبر مما كان لأويا. ويمكن أن نرجع أول سور للمدينة إلى القرن الرابع الميلادى وقتما أخذت غارات البدو التى كانوا يشنونها من الداخل تهدد المدينة. ويقول بروكويبوس Procopius إن الوندال الهمج دمروا أسوار المدن الإفريقية، ولكن من المحقق أن البوزنطيين بادروا إلى إعادة بنائها؛ ونحن نجد فى طرابلس أيضًا أن الأقسام التى ثبتت من الأسوار لعوادى الزمان، وتهدمت بعض أجزائها منذ الاحتلال الإيطالى، لا تزال تحتفظ بآثار من الفن البوزنطى؛ ولم تكن الأسوار تحيط بالمدينة فى ذلك الجانب المشرف على البحر، ومن ثم استطاع الفاتحون العرب أن يدخلوها من الغرب مسايرين الساحل.

وقد احتل الوندال طرابلس حوالى سنة 439 م، وظلوا يحكمونها حتى سنة 535 م فيما عدا الفترة التى استغرقتها حملة هرقل Heraclius، والتى أنفذت من بوزنطة سنة 468؛ وقد غزا بليزاريوس Belisarius ولاية إفريقية القديمة سنة 533 م، ثم سير أيضًا جيشًا إلى طرابلس، وبذلك يمكن أن نقول إن طرابلس كانت خاضعة للدولة الرومانية الشرقية منذ سنة 535 م؛ والظاهر أن المذهب الكاثوليكى الذى اضطرب حبله بسبب غزو الوندال الآريين وفتن القبائل فى الداخل عاد فازدهر فى طرابلس نحو قرن من الزمان. والمؤرخون غير متفقين على تاريخ الاحتلال الإسلامى، فيذهب بعضهم إلى أنه حدث سنة 22 هـ (642 - 634 م) ويذهب البعض الآخر إلى أنه حدث بعد ذلك بسنة ولعل طلائع غزاة مصر من العرب قد اندفعوا حتى بلغوا طرابلس سنة 22 هـ، ثم أنفذت حملة أخرى إليها سنة 23 هـ. ومن المعروف أن الحملات الإسلامية الأولى كانت أقرب إلى الغارات منها إلى الفتح، ذلك أن المغيرين لم يوطدوا أقدامهم فى ذلك الحين لا فى داخل ولاية طرابلس ولا فى طرابلس نفسها، وإنما حدث فى تاريخ متأخر أن اجتازها عبد اللَّه بن سعيد ومعه عقبة بن نافع، وكان ذلك سنة 26 هـ (647 - 648 م)؛ وتغلغل عقبة بن نافع سنة 45 - 46 هـ فى غزو إفريقية، وزودت طرابلس فى نحو ذلك الوقت بحامية (جند) دائمة؛ ونحن لا نعرف أسماء ولاة المدينة. وفى سنة (131) هـ (748 - 749 م) سار عبد الرحمن بن حبيب، والى إفريقية بعد سنة 126 هـ إلى طرابلس وقتل رجلين من أهل طرابلس هما عبد الجبار والحرث وهما من بربر الإباضية؛ وفى سنة 132 هـ أعاد بناء أسوار المدينة. ويقول ابن خلدون إن بكر بن عيسى القيسى كان يحكم المدينة آنئذ، وإنه قتل خلال الفتنة؛ وساد الاضطراب برابلس وأرباضها خلال القرنين الثانى والثالث بسبب الفتنة السياسية الدينية التى قام بها الإباضيون، وقد وجدت هذه الفرقة

أتباعا كثيرين بين بربر هوارة وزناتة، وكانوا العنصر الغالب على السكان. وحوالى سنة 140 هـ (757 - 758 م)، خرج الإمام أبو الخطاب المعافرى الإباضى من طرابلس فى الفتنة المعروفة باسم فتنة ورفجومة التى هددت ملك العرب فى إفريقية الشمالية تهديدًا خطيرًا، إلا أنها أخمدت على يد محمد بن الأشعث الذى أنفذه الخليفة المنصور فى وقعة توارغة (143 هـ = 760 - 761 م)، وقامت فتن أخرى فى السنوات التالية بسبب الإباضية المتمردين، وتكرر حصار طرابلس والهجوم عليها. ونحن نعلم أن هرثمة، والى إفريقية، أمر ببناء السور على الجانب المحازى للبحر سنة 179 - 180 هـ (795 - 797 م)، جاسم العباسيين (البكرى، ترجمة، de Slane ص 25؛ ابن الأثير، جـ 6، ص 49؛ ابن عذارى، ترجمة Fagnan، جـ 1، ص 107). وظلت طرابلس تحت حكم الأغالبة من سنة 184 هـ حتى سنة 296 م (800 - 909 م)، على أن هذا القرن لم يكن من القرون التى سادها الهدوء، فقد ذكر ابن خلدون من بين الفتن الكثيرة تلك الفتنة التى قامت سنة 196 هـ (811 - 812 م) لمناهضة عبد اللَّه ابن الأمير إبراهيم بن الأغلب وخليفته سفيان بن المضاء، وكان زعماء هذه الفتنة هم أيضًا من البربر الإباضية الذين اتخذوا من جبل نفوسة مركزًا لمقاومتهم؛ ثم غزا العباس بن أحمد بن طولون أمير مصر، ولاية طرابلس فى عهد الأمير زيادة اللَّه الأغلبى، وأوقع العباس الهزيمة بمحمد بن فرهب والى طرابلس سنة 265 هـ (868 - 869 م) فى لبدة وحاصره 43 يومًا فى طرابلس. وخضعت طرابلس للعبيديين أثناء حكمهم لشمالى إفريقية، وكانوا هم الذين يقيمون ولاتها؛ وقد ورد ذكر فتنة أخمدها أبو القاسم سنة 300 هـ (912 م)؛ انتقل العبيديون إلى مصر، حكم طرابلس أول الأمر بنوزيرى الذين تركهم العبيديون فى إفريقية يتولون أمرها باسمهم، على أنه لم ينقض وقت طويل حتى استتب الأمر

لبنى خزرون، وهم عشيرة من البربر تنحدر من قبيلة زناتة، فاستلقوا بأمرها (391 - 541 = 1000 - 1145 م) على أن تاريخ هذه الفترة التى بلغت قرنًا ونصف قرن من الزمان ليس واضحًا تمام الوضوح بالرغم من المعلومات التى زودنا بها ابن عذارى وابن خلدون وابن الأثير، ونعمت طرابلس حينا من الزمن بحكم ذاتى يكاد يكون كاملًا، على أن هذا الحكم كانت تتنازعه الخلافات الداخلية. وكان من شأن غزوة بنى هلال وبنى سليم، تلك الغزوة التى غيرت النظام السلالى والسياسى فى إفريقية الشمالية تغييرًا بالغ الأثر، أن أطاحت بحكم بنى خزرون فى طرابلس، وظلت المدينة أثنتى عشرة سنة (1146 - 1158) تحت حكم النورمنديين، ثم غزاها الموحدون، وظلت فى قبضة أيديهم قرنًا أو نحو قرن، تتخلله الغزوات والفتن التى تسبب فيها قرقوش المغامر وبنو غانية. ونحن نعرف عن أحوال طرابلس فى عهد بنى حفص أكثر من ذلك، بفضل ابن خلدون والتيجانى والزركشى، فقد انقضت تبعية طرابلس للموحدين سنة 646 هـ (1247 - 1248 م)، عندما أقيم محمد بن عيسى الهنتانى واليًا على المدينة؛ واجتاز التيجانى طرابلس سنة 1308 م. فوجد واليها الحفصى يقيم فى قصبة (أى قصر)، لعلها فى موضع القصبة الحالية، وكان يحكم المدينة الوالى ومجلس من عشرة من الأعيان يجتمعون فى مسجد يسمى مسجد العشرة، وقد شاهد الرحالة فى طرابلس حمامًا جميلا وشوارع عريضة نظيفة يلتقى معظمها فى زوايا قائمة، وأعجب بقوس مرقس أوريليوس وبالمسجد الأعظم وبكثير من المزارات وبمدرسة كانت تسمى المدرسة المستنصرية وبأسوار قوية عنى القوم بصيانتها وتمتد الخنادق أمام بعض أجزائها، وكانت حياة المدينة العقلية مزدهرة فى ذلك الوقت تحفل بالكثير من المثقفين. وقد ظهرت طرابلس، بعد زيارة التيجانى بوقت قصير، فى تاريخ المنافسات الداخلية بين الأسرة

الحفصية، وذلك فى عهد اللحيانى، وقد حدث من بعد أن قامت فى المدينة أسرة حاكمة أخرى مستقلة برأسها أو تكاد بالرغم من دوام حكم الحفصيين، وهى أسرة بنى ثابت أو بنى عمار، وهم قوم من البربر (1324 - 1400 م)، وفى تلك الفترة غزا فيلييو دوريا Filippo Doria البندقى المدينة بضعة أيام ونهبها سنة 1354، وباعها فى الحال لقاء 50.000 مثقال من الذهب للمرينيين. وقد جعل السلطان أبو فارس الحفصى نفوذه المباشر ملموسًا حتى طرابلس وذلك لعشرات من السنين بعد ذلك التاريخ، وكادت المدينة بعد هذا تصبح مستقلة بأمر نفسها فى ظل ولاتها إلى سنة 1510 م، وهو تاريخ الغزو الأسبانى. وكان بطرس أمير نافار (نبرة) Petrer of Navarre قد غزا وهران سنة 1509 وبجاية فى يناير سنة 1510، وأصاب المدينة تلف كبير من هجوم الإسبان عليها ونهبهم لها، على أن الإسبان أعادوا بناء القصبة على نحو ما بقيت عليه حتى الآن أو تكاد، كما قاموا بترميم أسوارها؛ ولا نعرف إلا القليل عن الحكم الإسبانى الذى استمر عشرين عاما (1510 - 1530 م). وقد زارت المدينة سنة 1524 لجنة من تلك الطائفة التى عرفت من بعد باسم فرسان مالطة، وكانت قد تركت رودس ولجأت إلى كيفيتا فششيا Civita Vecchia وفيتربو Vitebro، ثم أقطع الإمبراطور شارل الخامس تلك الطائفة الأرخبيل المالطى سنة 1530 فأصبحت طرابلس من نصيب الحكام الجدد؛ وظل فرسان مالطة فى طرابلس من سنة 1530 حتى سنة 1551 م، وثبتوا للحملات التى كان يشنها العرب المتمردون الذين كانوا يتلقون العون من القراصنة المغاربة المتحالفين مع الباب العالى؛ وكان خير الدين بربروسه قد احتل تونس سنة 1533 وراح يهدد طرابلس؛ وجاء بعده مراد أغا، وهو قرصان وصل من الآستانة، ووجه من تجورة غارات متصلة على طرابلس من البر والبحر، وكان للطائفة فى طرابلس حامية من الفرسان والمرتزقة الإيطاليين

والإسبان، وقد اقتصر سلطانها على المدينة وعلى ما جاورها مباشرة؛ وفى الخامس من أغسطس سنة 1551 م حاصر المدينة سنان باشا هو ودرغوث باشا ومراد أغا، واستولوا عليها فى 13 من أغسطس، واستطاع الحاكم، وهو القائد الراهب جاسبار دى فالييه Fra Gaspar de Valier, أن يرحل إلى مالطة مع فرسان الحامية، وقتل معظم المرتزقة؛ وأصبح مراد أغا الوالى الجديد يتولى الحكم باسم الباب العالى حاملا لقب بكلربك، وقد خلد اسمه بالمسجد الجامع القائم فى تجورة، وخلفه حوالى سنة 1554، درغوث باشا، وهو من الشخصيات ذات الشأن فى تاريخ آل عثمان وتاريخ البربر، وبخاصة فى تاريخ طرابلس؛ وقد قتل هذا الرجل فى حصار مالطة (1565 م) ودفن فى المسجد الذى أقامه فى طرابلس؛ وحاولت إسبانيا، كما حاول فرسان مالطة، انتزاع المدينة من الترك، وانتهت حملة 1559 - 1560 بكارثة حلت بهم فى جزيرة جربة، وباءت المحاولة التى بذلوها سنة 1589 - 1590 بالفشل بالرغم من تفاهمهم مع مرابط من المتمردين يدعى يحيى، وكثيرًا ما كانت تدخل سفن (غلايين) مالطة ميناء طرابلس وتحرق سفنها. وكانت طرابلس مقر الأورجاق الذى يحمل الاسم نفسه، وهو أحد الأوجاقات الثلاثة التى كانت للإنكشارية فى المغرب، وكان كبيرهم الموفد من الآستانة يحمل لقب باشا؛ على أنه سرعان ما قامت حكومة من حكومات الأقلية بين الإنكشارية إستأثرت بالحكم فى طرابلس، كما حدث فى تونس والجزائر، نظرا لبعد المسافة والانحلال الذى دب فى الحكومة المركزية، ونشأت الطبقة العنصرية القلغلى نتيجة للتزاوج بين أفرادها وبين أهل البلاد، وكان النصارى الذين أسلموا كثيرين ولهم سلطان كبير، وكان الباشا يحكم يعاونه ديوان، وكان يرأس الردارة داى، كما كان يرأس الجيش بك، وكان الداى والبك فى كثير من الأحوال هما سيدا المدينة الحقيقيان. وتاريخ طرابلس كله فى القرن السابع عشر ومستهل القرن الثامن عشر يزخر بهذه الفتن التى كان يقوم بها الإنكشارية؛ وكانت الحكومة

المركرية تزداد ضعفا والفوضى تنشب فى الداخل، على حين كان سلطان القناصل يزداد وبخاصة قناصل فرنسا وانجلترا وسردانية من بعد. وبدأت طرابلس تمر بفترة عظم فيها سلطانها حين تولى أمرها محمد باشا ساقزلى من أهل خيوس، وقد حكم محمد من سنة 1042 هـ إلى سنة 1059 هـ (1632 - 1649 م)، وخلفه زوج ابنته عثمان باشا، وهو أيضًا من خيوس (1649 - 1672 م)، وفى هذه السنوات الستين، التى حدث خلالها حصار خانية المشهور (1645 - 1669)، ازدادت جرأة أسطول القرصان فى طرابلس عما كان عليه فى الماضى، وغنم غنائم كثيرة، وازدانت طرابلس بمساجد كثيرة وحمامات عامة؛ وفى عهد خلفائهما قضت انجلترا سنة 1676 وفرنسا سنة 1685 على صلف هؤلاء القراصنة الذى لا يحتمل بالتهديد وضرب المدينة بالمدافع، واستمر الصراع الداخلى حتى سنة 1711 وهنالك نجح أحمد قره مانلى فى إقامة أسرة حاكمة، بعد أن قتل خصومه، وقد حكمت هذه الأسرة بموافقة الآستانة أكثر من قرن (1711 - 1835). وقد خلفت أسرة قره مانلى آثارًا كثيرة فى طرابلس فى ذلك الجزء الباقى من المدينة الإسلامية المغربية، ومن ثم وجب علينا أن نسهب فى ذكر تاريخ هذه الأسرة. كان أحمد قره مانلى (1711 - 1745) رأس هذه الأسرة رجلا عالى الهمة جم النشاط، وقد نعمت طرابلس أثناء حكمه الذى دام 34 عامًا بالرخاء الاقتصادى وبالسلام إلى حد ما، وشعر الناس بقوتها أكثر من أى وقت مضى فى داخل طرابلس نفسها حتى فزّان وإقليم برقة، وكشف أحمد النقاب سنة 1721 عن مؤامرة تدبر لاغتياله، فاستولى بمعاونة أسرته وأصدقائه على جهاز الإدارة والحكم فعلا، وكتب مؤرخ اسمه ابن غلبون تاريخ طرابلس حوالى سنة 1731 - 1732. وقد تحدث ابن غلبون فى معظم كتابه عن عهد قره مانلى، وكان ثمة شعراء أيضًا أشادوا بمغامراته وكرمه، على أنه كان قاسيًا وطاغية على أعدائه وعلى كل الذين كانوا يثيرون شبهته، وتوفى وهو كفيف البصر سنة 1745. ويذكر ابن غلبون من مآثره كثيرًا من الأوقاف التى أوقفها على المدينة، كما أنشأ

قنطرة معلقة تأخذ الماء من عين قريبة بدولاب وتزود به الحصن والمساجد، وكذلك أنشأ أحمد نافورة على الشاطئ تزود البحارة بالماء؛ إلا أن أروع ما يخلد ذكراه هو ذلك المسجد الذى أقامه (1737 - 1738) على الجانب المشرف على الحصن وألحق به مدرسة لا يزال الطلاب يختلفون إليها، وأغناها بكثير من الموارد ومن بينها دخل السوق المجاورة. وجمّل الحصن بغرف جديدة أنشأها ثم جدده، وقد لقى الشدائد من الدول الكبرى ومن القناصل بسبب الأضرار التى لحقت بتجارة البحر على يد قراصنته، إلا أنه أظهر من الإنسانية نحو النصارى بل الكرم فى كثير من الأحيان ما جعلهم يأخذون منذ ذلك الحين فى الاستقرار بأعداد غفيرة فى المدينة، وراحوا يمارسون صناعاتهم وحرفهم، وأحسن أحمد أيضًا معاملة بعثة الفرنسيسكان ثم خلفه ابنه محمد باشا قره مانلى (1745 - 1754)، وكانت مدة حكمه أقصر من أن تترك له أثرًا باقيًا، ودافع الانجليز بحرارة سنة 1751 عن حقوق مواطنيهم فى البحار؛ وأخمد محمد سنة 1752 فتنة قام بها الألبانيون، وخلف محمدًا ابنه على باشا (1754 - 1793) ومدة حكمه معروفة جيدا بفضل المصادر التاريخية العديدة، المطبوع منها والمخطوط. وفى سنة 1765 وقع على فى البندقية، جوساطة سفير من السفراء، على معاهدة صلح مع هذه الجمهورية، إلا أنه نكث بعهوده فى السنة التالية فأكرهه أسطول من البندقية عقد لواؤه الكابتن كياكومو نانى Captian Ciacomo Nani, على الوفاء بها؛ وكانت الحكومة فى عهد على باشا مؤلفة على الوجه التالى: الباشا رئيس الدولة الأعلى، ويساويه فى سلطانه الملكى أو يكاد البك قائد الجيش، والأغا رأس الإنكشارية، والكخيا عاهل الدولة المدنى الأول ومستشار الباشا، والرئيس قائد أسطول القراصنة، والخازندار، أمين خزانة الدولة، وشيخ كان يدير دفة الأعمال بالمدينة وكان أشبه بالعمدة، وخوجه يعاونه كتاب آخرون فى ديوان الحكومة، وكانت تتخذ قرارات لها شأنها فى ديوان المجلس المؤلف من رجال كانوا سفراء فى أوروبا أو قوادا من العسكريين، وقيل أن على باشا كان قد بدأ يهمل استشارة الديوان.

واجتاح طرابلس سنة 1784 - 1785 قحط مروع كما اجتاحها الطاعون، ويقال إن ربع السكان الذين كان يبلغ عددهم 14.000 نسمة لقوا حتفهم؛ ولم يكتب لعهد على قره مانلى التوفيق بالنسبة للمشاحنات العائلية التى أثارتها أطماع يوسف بك، أحد أبنائه، فقد بلغت به الحال سنة 1790 أن قتل أخاه حسن بك وهو بين ذراعى أمه لاله حلّومة، وأصبح يوسف بك طريد القانون وراح يشهر الحرب على أبيه؛ وحدث فى سنة 1793 أن دخل رجل يدعى عليا برغل، وكان من قبل ضابطا فى الجزائر، ميناء طرابلس ببعض سفن وشرذمة من المرتزقة اليونانيين، واحتل المدينة فى ليلة الثلاثين من يولية؛ ولجأ على باشا إلى تونس، ثم عاد منها سنة 1795 ومعه أطفاله، بفضل معاونة حمودة باشا أمير تونس، وارتد على برغل إلى البحر فى ليلة الثامن من فبراير. وتولى أحمد باشا الثانى، ابن على باشا قره مانلى، الحكم بينما كان أبوه، الذى توفى سنة 1795 لا يزال على قيد الحياة، إلا أنه لم يستطع أن يحتفظ بالحكم بسبب غيرة أخيه يوسف الذى حل محله فى يونيه سنة 1795. وكان يوسف باشا قره مانلى (1795 - 1832) يتصف إلى جانب شجاعته وبعد نظره بما يتصف به عواهل المغاربة من الغدر والمكر والقسوة؛ وقد عنى بإصلاح الاستحكامات وجدد أسوار المدينة بين الميناء والحصن كما يستفاد من نقش تاريخه سنة 1215 هـ (1800 - 1801 م) فى جوار سوق النجارة، وقد اكتسبت ولاية طرابلس أهمية دولية خلال حروب نابليون، بسبب الحملة المصرية واحتلال مالطة، وكان المفروض أن تتخذ طرابلس قاعدة لتزويد مالطة بالطعام وللاحتفاظ بالعلاقات مع مصر بعد أن سيطر الانجليز على البحر، على أن هذا لم يكن ممكنا، ذلك أن الانجلير كانوا قد سدوا ميناء طرابلس وبسطوا رعايتهم على القنصل الفرنسى وأنزلوه فى جنوة، ثم استأنفت فرنسا علاقاتها الودية مع يوسف باشا سنة 1801؛ وكانت طرابلس على علاقة سيئة بالولايات المتحدة سنة 1803 - 1815 فقد كانت السفينة "فيلادلفيا" قد أنفذت لتأديب القراصنة فجنحت على صحور الميناء واحترقت، فاستنجد الأميريكيون بأحمد

قره مانلى، الأخ المخلوع عن عرشه، وحاولوا إثارة الفتنة فى برقة، إلا أنهم لم يستطيعوا أن ينالوا من الباشا الداهية، واستمرت القرصنة فى هذا الوقت، فقد بقيت حتى عهد يوسف باشا وكان على رأس الأسطول زوج ابنته مصطفى كرجى، الذى جمع ثروة طائلة أنفق بعضها فى تشييد المسجد الذى يحمل اسمه 1249 = 1833 - 1834 م)؛ وعلى إثر القرارات التى اتخذت فى مؤتمر فينا سنة 1815 وفى إكس لاشابيل، بلغ اللورد إكسماوث (Exmouth) طرابلس سنة 1816 على رأس أسطول بريطانى؛ وجددت شروط التسليم لمصلحة انجلترا ووضعت للمرة الأولى لمصلحة سردانية، وقد أنفذت سردانية سنة 1825 أسطولا إلى طرابلس تحت إمرة القائد سيفورى Sivori بقصد حل المشكلات التى أثارها الباشا بشأن الجزية التى جرى الأمر بأدائها كلما تغير القنصل، وأحرقت بعض السفن الطرابلسية ونال قنصل سردانية الترضية التامة؛ وفى ذلك العهد (1815 - 1830) كان سلطان القناصل يفوق سلطان الباشا، وكان القنصل الفرنسى روسو Rousseau والقنصل الانجليزى وارنكتون Warrington يتنافسان، وكان كل منهما جم النشاط بصفة خاصة. وقام أسطول نابولى سنة 1830 بحملة فاشلة على طرابلس، إلا أن سلطان القراصنة أصيب بالضربة القاضية فى السنة نفسها، فقد احتل الفرنسيون الجزائر واشترط أمير البحر روزامل Rosamel فى التاسع من أغسطس وضع حد للقرصنة وتحرير جميع الأرقاء النصارى، وكان له ما أراد. وكان يوسف باشا قد انتزع السلطان من أخيه، ثم منى فى السنوات الأخيرة من عمره بفتنة قام بها ابن أخيه محمد (1822) على أن الفوضى التى نشبت فى الولاية ومؤامرات الدول العظمى، وبخاصة الاحتلال الفرنسى للجزائر، حملت الباب العالى سنة 1835 على أن ينفذ حملة إلى طرابلس، ونزل الجيش التركى إلى البر فى 27 من مايو، وأعادت الحملة الحكم التركى المباشر إلى ولاية طرابلس بأسرها بما فى ذلك برقة، وكان على باشا قد نزل عن العرش لابنه على فى أغسطس 1832، ثم مات فى ظل النظام الجديد فى الرابع من أغسطس سنة 1838.

المدينة؛ النصب التذكارية

وتتميز الفترة الثانية من الحكم العثمانى (1835 - 1911) بغزو داخل البلاد غزوا منتظما عاقته أطماع القبائل وفتنها، على أن المدينة ظلت 76 عامًا خاضعة للعثمانيين كل الخضوع، ولم تتغير أحوال أهلها تقريبًا، ونعمت المدينة بقدر من التقدم بفضل المستعمرات الأجنبية وحدها، وكانت المستعمرة الإيطالية هى الغالبة سواء من حيث العدد أو النفود أو المشروعات الخاصة أو المالية، وفى الخامس من أكتوبر سنة 1911 هبط الجنود الإيطاليون أرض طرابلس. المدينة؛ النصب التذكارية: ذكرنا فى الملخص التاريخى بعض نصب طرابلس التذكارية، ولن نصف فى هذا المقام الآثار الرومانية والآثار السابقة على العهد الرومانى، كالجبانة التى فى الشمال الغربى من المدينة وقوس مرقس أوريليوس، وحسبنا أن نذكر من نصب المسلمين التذكارية جامع الناقة، وهو من أقدم المساجد، وقد أعاد بناءه صفر بك سنة 1019 هـ (1610 - 1611 م)؛ وجامع درغوث أو جامع شائب العين، وقد شيده سنة 1110 هـ (1698 - 1699 م) محمد باشا الملقب بشائب العين؛ وجامع قره مانلى الذى تم بناؤه فى عهد أحمد باشا قره مانلى سنة 1150 هـ (1737 - 1738 م)، وجامع كرجى الذى سبق ذكره؛ وجامع حمودة، وهو يقوم أمام باب من أبواب المدينة، وقد جدد هذه الجوامع بعض الهندسين الإيطاليين لحساب إدارة الأوقاف، وألحقت ببعض المساجد أضرحة (ترب) لها أهمية فنية وتاريخية بالغة. ويجدر بنا أن نذكر منها الضريحين الملحقين بمسجدى طرغود وقره مانلى وضريح ومدرسة مسجد عثمان باشا القريب من قوس مرقس أوريليوس، وكانت الجبانة القديمة خارج الأسوار، فى الزواية الشمالية الغربية من المدينة، وقد أقيم كثير من الشواهد فى الاستحكامات فلما هدمت الاستحكامات وضعت فى متحف المدينة الذى أنشئ بعد الاحتلال الإيطالى؛ وثمة جبانات أخرى خارج المدينة، وأشهرها جبانة سيدى مندر (منيذر، أحد صحابة النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-])؛ ولم يترك الاحتلال العثمانى أثرًا بين نصب المدينة التذكارية، فيما عدا بعض العمائر الخاصة والمنشآت العسكرية خارج الأسوار، وبخاصة فى السهل الشرقى وفى المنشية (Menscia)؛ ولم تعدل الحكومة الإيطالية إلا قليلا من مظهر المدينة الإسلامى البادى فى أحيائها

الإدارة

الوطنية، وفى الحارة يحيى اليهود. على أن الحال اقتضت هدم جزء كبير من الأسوار، وقد جدد بعضه وهيئ بحيث يوائم الشروط المدنية والصحية، على أن جانب المدينة المشرف على البحر تغير تمامًا بإنشاء ميناء وأرصفة وطريق كبير يسير بمحاذاة الشاطئ (لونجومارى فولبى Lungomare Volpi, نسبة إلى الحاكم من سنة 1921 - 1925 م)؛ أما السراية التى كان الترك قد أحالوا بعضها إلى مكاتب عامة فقد جددت سنة 1922 - 1923. الإدارة: إن ذلك الجزء من شئون المدينة الذى لا تتولاه الحكومة مباشرة، كانت تقوم عليه آنئذ بلدية يرأسها عمدة (رئيس البلدية عند أهل البلاد) ومندوبون عن الحكومة؛ أما إدارة المساجد والأوقاف ففى يد إدارة الأوقاف، وهى مؤلفة من بعض المسلمين. التعليم العام: كانت النظم المدرسية الإسلامية، بما فى ذلك مدارس وكتاتيب التعليم المدينى، توجد جنبا إلى جنب مع المدارس الإيطالية. (*) المكتبات: ثمة مكتبة حكومية فى السراية، وهى تشتمل على مجموعة محدودة من المصنفات فى التاريخ والدين الإسلامى وبعض المخطوطات العربية، وقد حفظت فى السراية أيضًا المحفوظات العثمانية، وترجع أقدم الوثائق فيها إلى سنة 1850 فحسب؛ ومحفوظات القنصليتين الفرنسية والانجليزية ذات شأن عظيم فى تاريخ طرابلس؛ أما الوثائق الأحدث من ذلك عهدًا والخاصة بقنصليات سردانية وتسكانيا ونابولى فمحفوظة فى المكتبة الحكومية. وتقتنى بعض الأسر الخاصة مجموعات صغيرة من الكتب، تشمل أيضًا بعض المخطوطات، ولكن أهم المكتبات جميعا هى تلك المكتبة التى يقال لها مكتبة (كتبخانة) الأوقاف؛ وقد أنشأ نواة هذه المجموعة مصطفى خوجة المصرى، الكاتب الأول فى عهد على باشا قره مانلى؛ أما حجة الوقفية التى أوقفت بها المدرسة والكتاب والمكتبة الملحقة بهما علاوة على مزار صغير، فتاريخها هو غرة جمادى الآخرة سنة 1183 هـ (أكتوبر 1769 م)؛ وقد ترك المسلمون المتعاقبون على اختلافهم كتبا ¬

_ (*) تطور التعليم كثيرا بعد استقلال ليبيا ثم بعد تحولها إلى الجماهيرية واستحداث الجامعات بمختلف التخصصات. "المحرر"

المصادر

أوقفوها على المكتبة، وازدادت المكتبة قيمة بما ضم إليها من بعض الكتب التى تركها المؤرخ الطرابلسى أحمد النائب الأنصارى وبالكتب المطبوعة التى أهداها سنة 1922 حاكم البلاد الكونت. ج. فولبى Count G.Volpi؛ ولم يعد بعد فهرس منتظم لهذه المكتبة، ولكن يوجد فهرس عربى منظم؛ وقد رتبت الكتب وفقا لموضوعاتها حسب التصنيف الإسلامى التقليدى، ولم تفصل الكتب المطبوعة عن الكتب المخطوطة؛ وجميع الكتب بالعربية فيما عدا بعض الكتب التركية. المصادر: المعلومات العامة: (1) Bibliographia della Libia: F.Minutil i، تورين 1903. (2) Bibliographia dela Libia: U.Cecherini، روما 1915. (3) Bibliographia archeologica ed artistica della Tripolirania: P.Romanelli, رومة 1927. التاريخ: (4) مصنفات ابن خلدون وابن الأثير والزركشى، والبكرى والقيروانى. (5) التيجانى: الرحلة. (6) العياشى: الرحلة. (7) ابن عذارى. (8) أحمد النائب الأنصارى: كتاب المنهل العذب فى تأريخ طرابلس الغرب (جـ 1، الآستانة 1317). (9) ابن غلبون: كتاب التذكار فى من ملك طرابلس أو كان فيها من الأخيار، دفتر، مخطوط لأسرة فقيه حسن بطرابلس (10) محمد بهيج الدين، ترجمة تركية مختصرة لمصنف ابن غلبون وتكملة، الآستانة 1284 هـ. (11) Annali dell'Islam: L.Caetni (12) Les Barberes: Fournel (13) Storia dei di Sicilia: M.Amari (14) Storia di Malta: A.Vassallo, مالطة 1854. (15) Istoria dela S.Religione gerocolimitana: Bosio (16) La Mussione francesecaanci in Libia: C.Bergna، طرابلس 1924.

طرابلس

(17) المؤلف نفسه Tripoli dal 1510 al 1856, طرابلس 1925. (18) Le fortificAzioni di Tripoli: S.Aurigemma فى Nortiziario Arch.dal Min, dell Colonie، جـ 2. (19) المؤلف نفسه ll Castello di Tripoli فى Riv.Voloniale، 1923. (20) Tripoli nella storia marinara d'lsalia: C. Manfroni (بادوا 1912). (21) Il Dominio dei Cavalieri di Malta a Tripoli: E. Rossi مالطة 1924. (22) المؤلف نفسه: Carrispondenza tra i Gran Maestri dell' Ordine di S. Giovanni a Malta e i Bey di Tripoli dal 1714 al 1778 فى R.S.O، جـ 10 (1925). (23) Annales Tripolitaines: Feraud فى R.A 1883. (24) المؤلف نفسه: Anales Tripolitaines نشرها A.Rernard، تونس وباريس 1927. (25) Zur Geschichte von Fesan and TRipoli in Afrika: G.A.Krause فى Zeitschr. der Gesell. f. Ercdkunde (26) Lebda: P.Romanelli رومة 1925. (27) La Moschea di Ahmad al-Qarmanali i Tripoli: S.Aurigemma، ديدالوا، 1927، ص 492 - 513. (28) المؤلف نفسه: La Moschea di Gurgi a Tripoli (Africa Italiana)، 1928، ص 285 - 257. (29) Les antiquit's de la Trinolitaine au XVIleme Siecle, Riv. dells Tripolitania: F. Cuwont جـ 2، 1925 - 1926. (30) مقالات شتى فى المجلد Ia rinascita della Tripolitania رومة 1966. صبحى [إيتورى روسى Ettore Rossi] طرابلس مدينة تريبولس Tripolis اليونانية، وهى بلدة فى الشام قرب ساحل البحر المتوسط شمالى جبيل، وبعضها يقع على تل عند مخرج خانق عميق يجتازه نهر هو نهر قديشا (وفى العربية أبو على)، وبعض المدينة بجوار ذلك التل، ويمتد غربيها سهل خصب غاية الخصوبة تغطيه الغابات، وينتهى هذا

السهل بشبه جزيرة يقع فيه الميناء، ويحمى هذا الميناء سلسلة من الجزائر الصحرية الصغيرة تقوم أمامه، كما تحميه بقايا سور قديم؛ ونحن نجهل الاسم الفينيقى القديم للمدينة؛ وقد ورد ذكرها أول ما ورد فى العهد الفارسى، وجاء اسمها اليونانى من قسمتها إلى ثلاثة أحياء تفصل الأسوار كلا منها عن الآخر، وهى أحياء صور وصيداء وأرواد؛ وكانت المدينة القديمة تقوم فى موضع الميناء الحالى، يحميها موقعها الطبيعى واستحكامات أحيائها الثلاثة، مما جعل الاستيلاء عليها أمرا غاية فى المشقة، إلا أنها كانت مهددة باستمرار بفعل انعزالها من ناحية البر عن العالم الخارجى بل عن مورد يمدها بمياه الشرب، ولا أدل على هذا من أن معاوية أنفذ إليها فى خلافة عثمان جيشًا بقيادة سفيان بن مجيب الأزدى، وأقام سفيان حصنًا ليعزل البلدة تمامًا، وأشتد الضيق بأهلها حتى اتصلوا بالإمبراطور البوزنطى وتوسلوا إليه أن يرسل بعض السفن بأقصى ما يستطيع من السرعة لنجدتهم؛ واستجاب الإمبراطور لهم، ونجح الطرابلسيون فى ركوب السفن ليلا ولاذوا بالفرار؛ وأراد معاوية أن يعمر المدينة المقفرة فحمل عددا غفيرًا من اليهود على الاستقرار فيها (البلاذرى؛ ويقول ياقوت إن الذين أسكنهم فيها كانوا من الفرس)؛ ويقال إن معاوية كان يرسل إليها سنويًا جيشا تحت إمرة عامل من عماله، وكان الجيش ينسحب حين تتوقف الملاحة ولا يبقى إلا العامل وحفنة من الرجال؛ ويذكر اليعقوبى الجغرافى (278 هـ = 891 م) ذلك الميناء العجيب الذى كان يتسع لألف سفينة، وراح الإصطخرى بعد خمسين سنة يسمى طرابلس ثغر دمشق ويتحدث بخصوبة أرباضها العجيبة بما فيها من نخيل وحقول مزروعة بقصب السكر، ويشيد بأخلاق أهلها وخلالهم. وقد وصف ناصر خسرو (438 هـ = 1047 م) البلدة فى عهد الفاطميين وصفا رائعا فقال: إن الإقليم كله حقول وبساتين زرع فيها قصب السكر والنارنج والموز والبرتقال والليمون والنخيل. وكان البحر يحمى المدينة من ثلاثة جوانب ويحميها من البر سور ينهض أمام بركة كبيرة، وكان ثمة

مسجد جميل فى سرة البلدة، وكان يسكنها عشرون ألفا جلهم من الشيعة؛ وكان ينفق على حامية السلطان من المكوس التى تؤديها السفن الكثيرة التى كانت تصل إلى الميناء، على حين كان للسلطان نفسه سفن ألفت أن تخرج إلى شواطئ البحر المتوسط من هناك. وقد أنشئت مقاطعة طرابلس فى عهد الحروب الصليبية ومنحت رايموند Raymond أمير تولوز، ولم يكن بد من أن ينتزع رايموند القصبة نفسها من يد المسلمين، فشرع فى حصارها سنة 493 هـ (1101 م)، وأراد أن يعزل المدينة عزلًا أفعل وأبعد أثرا فشيد حصنًا على الجبل القائم قرب خانق قديشا، وكان هذا الجبل يسمى مونز ييريكرينوس Mons Peregrinus (ويسميه العرب سنجيل أى القديس كيل Si.Giles) وقد نشأت فى سفح ذلك الجبل بمرور الزمن بلدة صغيرة، وتوفى رايموند سنة 499 هـ (1105 م) فى هذا الحصن دون أن يبلغ هدفه، ولم تستسلم المدينة المحاصرة إلا فى 12 من يوليه سنة 503 هـ (1109 م)؛ وكتب الإدريسى سنة 1154 يقول إن الحصن بناه الفرنجى ابن سنجيل، وذكر جميع القرى والمعاقل التابعة لطرابلس وكذلك الجزائر الصغيرة الصخرية التى أمام الميناء؛ وفى سنة 1170 قاست البلدة كثيرًا من زلزال مروع، وسقط بيت المقدس سنة 1187 وظلت طرابلس قرنًا آخر قاعدة من قواعد النصارى الهامة حتى سنة 688 هـ (1289 م) وهنالك ظهر جيش السلطان المنصور قلاوون المملوكى أمامها فاضطرت إلى الاستسلام فى 26 من إبريل، وكان ذلك نقطة تحول فى تاريخها، إذ أن هذا السلطان اعتبر بالماضى، فأقام مدينة طرابلس جديدة على تل الحجاج، على حين دمرت المدينة القديمة واضمحلت حتى أصبحت مرفأ صغيرًا وكتب عنها الدمشقى حوالى سنة 1300 م فوصف موارد المياه الجارية فى كل جانب، وأن قنطرة معلقة طولها 200 ذراع وارتفاعها 70 ذراعًا كانت مقامة هنالك، كما وصف حدائقها الغناء التى تجود بأحسن الفاكهة؛ وكذلك ذكر محلات مختلفة تابعة لطرابلس وهى تشمل البثرون

المصادر

والبقيعة وجبال النصيرية، وكان ثمة مملكة اسمها مملكة طرابلس بين المملكات التى اقتسمها خلفاء صلاح الدين، ولكن سرعان ما حل محل هذا التقسيم تقسيم البلاد إلى خمس ولايات وألحقت طرابلس تبعًا له بدمشق وأصبحت ثغرًا لها؛ والمدينة الآن مزدهرة ازدهارًا لا بأس به بفضل خصوبة الإقليم المحيط بها خصوبة عجيبة؛ وحركة الملاحة فيها ذات شأن بفضل صناعة الحرير؛ والروم الأرثوذكس هم أكثر أهل المدينة بعد المسلمين؛ وثمة سلسلة من الأبراج بمحازاة ساحل البحر تذكرنا بماضى المدينة الحربى. المصادر: (1) Gerschicte der Phonizier: R.Pietschmann، 1889، ص 41، وما بعدها. (2) البلاذرى، طبعة de Goeje، ص 127. (3) Die geographischen Verhaltnisse Syriens and Paliistinas nach Wilhelem v. Tyrus: H. Probst، 1927، جـ 1، ص 28 وما بعدها. (4) Geschichte des Konigrieches Jerusalem: Rohricht، ص 33 وما بعدها و 46 و 54 و 58 و 81 و 1000 و 1002. (5) ابن الأثير، طبعة Tornberg, جـ 10، ص 284 وما بعدها، و 334. (6) المكتبة الجغرافية العربية، طبعة de Goeje، جـ 7، ص 97 و 327؛ جـ 1، ص 61 و 66 وما بعدها؛ جـ 3، ص 160. (7) ناصر خسرو، ترجمة G.Le Palest. Pilagrims Texts Strange, 1888 ص 6. (8) الإدريسى فى Z.D.P.V، جـ 8، ص 15 وما بعدها (النص العربى، ص 17). (9) الدمشقى Cosmographie طبعة Mehreu، ص 207 و 253. (10) Die Qeographischen Nachrichten ubar Palastina und Syrien in Halil az-Zahiris Zubdat Kavf al-Mamalik: R.Hartmann، ص 57 وما بعدها و 89. (11) Palestine under the Moslems: Le Strange، ص 348 وما بعدها. صبحى [بول Fr.Buhl]

طراز

طراز (طراز): كلمة معربة من الفارسية معناها فى الأصل: "التطريز" ومن ثم دلت على الرداء المحلى بأشغال التطريز المتشابكة وخاصة الرداء المزين بالأشرطة المطرزة عليها كتابات، يرتديه الحاكم أو أى شخص من الأعيان؛ وتدل هذه الكلمة أخيرًا على المصنع الذى يصنع هذه الأشياء أو الأردية. وقد تطور معنى الطراز من "الشريط المطرز بالكتابة" إلى معنى آخر فرعى هو: الشريط المكتوب عليه سواء كان الشريط على حافة الرداء أو فى الوسط بوجه عام؛ وأصبح الطراز لا يطلق على الكتابات المنسوجة أو المطرزة أو المخيطة على الأقمشة المختلفة فحسب بل يطلق أيضًا على الكتابات المنقوشة على شريط من أى نوع سواء كانت منحوتة فى الصحر أو فى الفسيفساء أو فى الزجاج أو الخزف أو منحوتة فى الخشب (انظر المقريزى الخطط جـ 2، ص 79 , 212، 407)، ومن ثم غدا الاسم طراز مصطلحًا على الكتابات التى يوسم بها رسميًا البردى بالمداد فى مصانع ورق البردى، وكانت هذه الكتابات توسم بالألوان (الأحمر أو الأخضر) ثم استخدم الطراز بعد ذلك للدلالة على المصانع نفسها. وقد اقتصر استعمال هذين المعنيين الأخيرين على بعض المناسبات القليلة (انظر Die arab. Papyrusprotokolle: J.v Karabacek، ص 8 وما بعدها؛ Corpus: A.Grohmann Papyrorum Raineri جـ 1/ 2، رقم 175 [ص 170]، 204 [ص 200]، 214 [ص 309]، 265 [ص 239]، 270 [ص 242]). واختفى هذان المعنيان حوالى منتصف القرن العاشر الميلادى عندما بطلت صناعة ورق البردى. ويمكن تقسيم الأقمشة والستائر والأردية المطرزة أو المنسوجة أو المخيطة بكتابات إلى فئتين تبعًا لمادة هذه الكتابات، ومكانة من يرتديها. وتعبر الفئة الأولى عن الأهواء الفردية للأشخاص، وهى التى بلغت أوجها فى الكتابات التى رغب المتأنقون والسيدات فى تزيين ملابسهم بها (جمعت هذه الكتابات فى كتاب: الموشى، ص 617 وما بعدها). أما الفئة الثانية فلها صفة رسمية، ولعل من المستطاع مقارنتها

إلى حد ما بالرتب والأوسمة التى عندنا اليوم. وتجرى هذه النقوش المكتوبة على طول حافة الرداء، أو تنتظم أحيانًا فى خطين أو أكثر حول الجزء العلوى من الرداء، أو توضع حول الرقبة والأكمام وعلى الجزء العلوى للذراع أو على الرسغ، وقد توضع على لباس الرأس. ولا تستخدم هذه الكتابات حواشى للزخرف فحسب، بل توضع أيضًا فى صلب نسيج الرداء، ويختلف عرضها اختلافًا كبيرًا، فيذكر كاراباسك (Susandschird: J.V. Karabacek ص 84 وما بعدها، تعليق رقم 56؛ Papyrusprotokolle ص 26) أن عرضها يتراوح بين 2 و 55 سنتيمترًا، غير أن ذلك لا يشمل كل ما يمكن أن يكون عليه هذا العرض، فقد بلغ عرض الطراز الذى وجد على حوافى قطع الأقمشة المستخرجة من المقابر المصرية أقل من سنتيمتر. وكان ابن خلدون على دراية عظيمة بنظام الطراز، فهو يذكر "أن من أبهة الملك والسلطان ومذاهب الدول أن ترسم أسماؤهم أو علامات تختص بهم فى طراز أثوابهم المعدة للباسهم، من الحرير أو الديباج أو الإبريسم، تعتبر كتابة خطها فى نسج الثوب إلحامًا وإسداء بخيط الذهب، أو ما يخالف لون الثوب من الخيوط الملونة من غير الذهب. . فتصير الثياب الملوكية معلمة بذلك قصد التنويه بلابسها من السلطان فيمن دونه، أو التنويه بمن يختصه السلطان بملبوسه إذا قصد تشريفه بذلك -أو ولايته لوظيفة من وظائف دولته". وفى عهد الأمويين والعباسيين كانت الدور المعدة لنسج أثوابهم فى قصورهم، تسمى دور الطراز. وكان القائم على النظر فيها يسمى: صاحب الطراز، ينظر فى أمور الصباغ والآلة والحاكة فيها، وإجراء أرزاقهم وتسهيل آلاتهم ومشارفة أعمالهم، وكانوا يقلدون ذلك لخواص دولتهم وثقات مواليهم. وكان هذا النظام معمولا به فى عهد الخلفاء الأمويين بالأندلس وخلفائهم، وفى عهد سلاطين المماليك بمصر وعند معاصريهم من ملوك الفرس فى المشرق. ولم يبطل هذا

النظام إلا عندما اضمحلت الدول الإسلامية الكبرى. وثمة شواهد كثيرة تؤيد أقوال ابن خلدون، وهى الأقوال التى اعتمدنا عليها أساسا فى كتابة هذه المادة، نجدها فيما عثر عليه من المنسوجات الإسلامية التى صنعت فى جهات مختلفة من مصر وخاصة بإخميم وأنتينوى (الآن: الشيخ عبادة) وأرمنت والعظم بالقرب من أسيوط وحفظت فى متاحف برلين (Schlossmuseum, Kaiser-Friedrich Museum Kunstgewerbemuseum) وفى لينينغراد، وباريس (Iouvre et Musee de Cluny) ولندن (Victoria and Albert museum) وفينا (Osterreichisches MuseumFur Kunst und Industrie and Sammlung Papyrus Erzherzog Rainer in the National Litrary)، وفى كثير من المجموعات الخاصة، وفى مخازن المنسوجات الثمينة الموجودة فى جميع أرجاء أوربا، فى الكنائس والأديرة. ومن الواضح أن المعلومات التى أوردها ابن خلدون تعتمد على تجربته الخاصة، ذلك أن الكتابات التى على هذه المنسوجات تظهر فى الواقع وبدون استثناء بألوان براقة بارزة من أرضية القماش مثال ذلك: قطع الكتان (Inv. Ar. Lin، رقم 11، ثم رقم 19 من مجموعة رينر Rainer بفينا) إذ عليها حافة من الكتابة المطرزة بالحرير الأحمر (وردت القطعة رقم 19 فى Fuhrer: J. v. Karabacek، رقم 19 وفى كتاب Papyrusprotokolle للمؤلف نفسه، ص 28). على أننا نجد أن الطراز فى القطعة رقم 18 (Inv. Ar Lin رقم 18) من المجموعة نفسها تبرز من أرضية القماش وهو مطرز بالحرير الأسود. وينسج الطراز عادة فى الديباج والإبريسم بخيوط من الذهب. وتؤيد نصوص الكتابات التى وصلت إلينا أيضًا أقوال ابن خلدون كل التأييد. فنجد بادئ ذى بدئ، ومن حيث أسماء الحكام، أمثلة مختلفة لهذه الأسماء قائمة بذاتها على المنسوجات؛ وثمة قطعة من الدمقس الأخضر عثر عليها فى بلدة العظم محفوظه فى متحف فيكتوريا وألبرت (Inv رقم 769 - 1898: Guest رقم 9، ص 539 وما بعدها؛ Catalogue of Muhammadan Textiles: A. F. Kendrick ص 39) وقد نقش عليها: ناصر الدنيا والدين محمد بن

قلاوون. وهناك قطعة من الكتان مطرزة بالحرير الأحمر محفوظة بمتحف لينينغراد عليها اسم الخليفة الفاطمى العزيز باللَّه (365 - 386 هـ, A.R.Guest مجلة الجمعية الأسيوية الملكية سنة 1918، ص 263 رقم 1). وكثيرًا ما يقرن اسم الحاكم وألقابه المألوفة بكلمات أخرى تجرى مجرى الفأل أو السجلات كما ذكر ابن خلدون، ومن هذا القبيل تلك القطعة من الكتان المحفوظة فى متحف القيصر فريدريك، إذ عليها كتابة منسوجة بالأحمر يحيط بها وشى أبيض، وقد قمت بنسخ هذه الكتابة عام 1924 م ونصها كما يلى: "بسم اللَّه الرحمن الرحيم. بركة من اللَّه وكرامة للخليفة عبد اللَّه المطيع للَّه أمير المؤمنين أطال اللَّه بقاءه، (انظر Isl.,: E.Kuhnel، جـ 15، ص 83). وهناك قطعة من الحرير زرقاء اللون قاتمته محفوظة بدار الآثار العربية بالقاهرة رسم عليها شكل من فروع النبات الدقيقة لونها رمادى ضارب إلى الزرقة ومن زهور اللوتس وقد وشيت بطراز كتب عليه: "عز لمولانا السلطان الملك الناصر ناصر الدنيا والدين محمد قلاوون" (انظر Catalogue raisonne: Herz.Bey ص 272، صورة رقم 51؛ Seidenweberei: Falke جـ 2، صورة رقم 366؛ Catalogue of Muhammadan Textiles: A. F. Kendrick، ص 41 لوحة رقم 12، ص 957). ويوجد على قطعة نسيج دانزك ذات الببغاوات التى نسجت فى الصين على ما يظهر للسلطان محمد بن قلاوون المتوفى عام 1340 م كتابات على أجنحة الببغاوات تجرى كما يلى: "عز لمولانا السلطان الملك العادل العالم ناصر الدين" (انظر Seidenweberei: O.V. Falke جـ 2، شكل رقم 334؛ Die Liturg: Gewander J. v. Karabacek ص 141). وعلى قطعة الأطلس المحفوظة بمتحف ساوث كنسنكتن South Kensington (وهى التى نشرها. O.v.Falke فى Seidenweherei جـ 2، شكل رقم 638 A.F.Kendrick فى Catalogue of Muhammadan Textiles ص 46) نجد فى الهالة التى على شكل اللوزة الموشاة على شعار الملك فى كلا الجانبين كتابة تجرى من اليمين إلى اليسار على هذا النحو: "عز لمولانا السلطان الملك" وعلى الأربع وردات

الصغيرة التى رسمت بالتبادل يمينًا ويسارًا كلمة الأشرف. وتنسب هذه القطعة إلى السلطان المملوكى الملك الأشرف قايتباى (1468 - 1469 م). وتشغل هذه الصيغة التقليدية فى بعض الأحيان حيزًا كبيرًا من الطراز. وعلى قطعة ثوب من الكتان له حواش منسوجة وفيه حرير ملون، وقد عثر عليها فى أرمنت وقام بنشرها كل من كست وكندريك Guest: مجلة الجمعية الأسيوية الملكية سنة 1906، ص 392 وما بعدها؛ Inv: South Kensington Museum رقم 1381 - 1888؛ Catalogue of Muhammadan Textiles: A.F.Kendrick نموذج 10) نجد الكتابة الآتية: "بسم اللَّه الرحمن الرحيم، لا إله إلا اللَّه محمد رسول اللَّه، على ولى اللَّه صلـ. . .، المستنصر ابن أمير المؤمنين، صلوات عليه وعلى أبيه ابن [الأكرمين] الطاهرين وأبنائه المنتظرين". وفى بعض الأحيان يضاف إلى الصيغة التقليدية اسم مكان الصنعة واسم الوزير أو غيره من عمال الدولة القائمين على بيت المال أو على دار الطراز. وقلما يذكر اسم الصانع الذى صنع القماش، وعلى هذا النحو نجد على قطعة الكتان القليلة العرض (Inv Ar.Lin رقم 19 بمجموعة رينر Rainer) الموجودة فى فينا العبارة التالية مطرزة بالحرير الأحمر: "باسم اللَّه الرحمن الرحيم، بركة من اللَّه، نعمة وسعادة لعبد اللَّه جعفر الإمام المقتدر باللَّه أمير المؤمنين، أطال اللَّه بقاءه، مما أمر الوزير أبو أحمد العباس بن الحسن". انظر Papyrusprotokolle: J.v. Karabacek ص 38). ويوجد على طراز من أهم الطرز بمجموعة المنسوجات المحفوظة بدار الآثار العربية بالقاهرة والتى عثر عليها بالفسطاط (انظر Catalogue raisonne: Herz-Bey ص 271؛ E.Kuhnel: lsI، جـ 14، ص 83). الكتابة التالية: "بسم اللَّه، بركة من اللَّه لعبد اللَّه الأمين محمد أمير المؤمنين أطال اللَّه بقاءه، مما أمر بصنعته فى طراز العامة بمصر على يدى الفضل بن الربيع مولى أمير المؤمنين". والفضل بن الربيع هذا (ولد عام 140 هـ وتوفى عام 208 هـ) كان كما ذكر ابن تغرى بردى وزيرًا للخليفة هارون الرشيد أمين خزائنه. فلما توفى

هذا الخليفة استولى الفضل على خزائن المال وسلمها فى بغداد للأمين خليفة هارون الرشيد وحمل إليه فى الوقت نفسه شارات الملك، وهى العباءة والصولجان والخاتم مما جعل الأمين يبدى له مظاهر التكريم ويكل إليه إدارة شئونه. وتولى بصفته وزيرًا للأمين الإشراف أيضًا على صناعة المنسوجات الخاصة بالخليفة كما نتبين من الطراز الذى سبقت الإشارة إليه. وكذلك ذكر أيضًا اسم الفضل فى طراز كسوتين للكعبة كما جاء فى كتاب المقريزى الخطط، جـ 1، 181، 226؛ انظر Papyrusprotokolle: J.von Karabacek، ص 35 وما بعدها). ونذكر أيضًا فى هذا الصدد قطعة من الكتان من سامراء عليها كتابة مطرزة بالحرير الأحمر (انظر Isl.: E. Kuhnel، جـ 14، ص 87، رسم رقم 3) نصها كما يلى: "بركة من اللَّه لعبد اللَّه الإمام المعتمد على اللَّه أمير المؤمنين أيده اللَّه؛ ما عمل بتنيس على يد يزيد مولى أمير المؤمنين"؛ ثم قطعة أخرى من إخميم على غرار ذلك وهى محفوظة الآن فى متحف القيصر فريدريك ببرلين (انظر E.Kuhnel كتابه المذكور، ص 85، رسم رقم 2) عليها آيات من القرآن فى الوسط وقد طرز فى أعلاها وفى أسفلها ما يلى: "بسم اللَّه بركة من اللَّه لعبد اللَّه هارون أمير المؤمنين -صنعة مروان ابن هادى" (؟ ). ونذكر أخيرًا كتابة طراز من القرن الثانى عشر الميلادى على نسيج صقلى عربى ورد فى (Ornamente der Gewbe: F.Fischbach لوحة رقم 144 , 145، ويعرف فى Regensburg باسم عباءة الإمبراطور هنرى السادس)، وقد كتب على الشريطين الأوسطين لهذا النسيج: "العز والنصر والإقبال" وخط فى وسط نجمة ثمانية الشكل: "عمل أستاذ عبد العزيز" (انظر Catalogue of Muhammadan Textiles: A.F.Kendrick ص 66). على أن الذى يحدث فى معظم الأحوال هو أن تقتصر كتابة الطراز على اللقب التقليدى للحاكم دون اسمه مقترنًا أو غير مقترن ببعض صيغ السعد والإقبال، وقد يقتصر على هذه

الصيغ وحدها. وحسبنا هنا أن نذكر قليلا من الأمثلة على ذلك: هناك قطعة من الديباج محفوظة فى متحف دوكال Ducal ببرنزويك تتكرر عليها عدة مرات عبارة "عز لمولانا السلطان، خلد ملكه" ويفصل كل عبارة عن الأخرى بعض الوريدات (Seidenweberei: O.V.Falke جـ 2، رسم رقم 342). ويوجد على قطعة من الحرير محفوظة بدار الآثار العربية بالقاهرة عبارة: "عز لمولانا السلطان عز نصره" (انظر Catalogue raisonne: Herz-Bey ص 372). وعلى قطعة نسيج حريرى محفوظة بمتحف فيكتوريا وألبرت (Guest, مجلة الجمعية الأسيوية الملكية سنة 1922، ص 405؛ A.F.Kendrick: Catalogue of Muhammadan Textilen ص 40) عبارة: "عز لمولانا السلطان الملك الناصر". وتتكرر عبارة "عز لمولانا السلطان" على قطعة نسيج من غرناطة محفوظة بالمتحف السابق ذكره (انظر Seidenweberei: O.V. Falke جـ 2 رسم رقم 372). ويظهر على الأنموذج المعروف المحفوظ فى بروكسل والذى يرجع عهده إلى القرن الحادى عشر الميلادى (Seidenweberei: O.V. Falke جـ 1، رسم رقم 172) عبارة: "العز الدائم والنصر والدولة لصاحبه "مطرزة على أجنحة الطيور فى كلا الجانبين من الأنموذج. ويرد جزء فحسب من هذه الصيغة وهو "العز الدائم" على النسيج الذى صنع فى الشام أو مصر (Inv. رقم 1235 - 1864 من متحف فيكتوريا والبرت: Guest فى مجلة الجمعية الأسيوية الملكية سنة 1918، ص 264؛ Catalogue of Muhammadan Texliles: A.F.Kendrick ص 44" القرنان الحادى عشر والثانى عشر الميلاديان) وكثيرًا ما ترد عبارة "العز والنصر والإقبال" دون سواها (انظر Seidenweberei: O. v. Falke جـ 2، رسم رقم 339، 339، 240، 342؛ Catalogue of Muhammadan Textiles: A. F. Kendrick ص 66 لوحة رقم 21). ونجد عبارة: "نصر من اللَّه" على كثير من المنسوجات فى ذلك المتحف نفسه (Guest: مجلة الجمعية الأسيوية الملكية سنة 1906، ص رقم 13 - 15؛ Catalogue of Muhammadan Textiles: A. F. Kendrick ص 14). ونجد صيغة: "العز لك، الإقبال، المجد" مطرزة

بالحرير الأحمر على قطعة من الكتان عليها شارة الملك محفوظة بدار الآثار العربية بالقاهرة (انظر Catalogue raisonne: Herz-Bey ص 274). ويوجد اللقب التقليدى للحاكم على نسيج محفوظ بمتحف القيصر فريدريك ببرلين موشى بأزواج من الأسود المجنحة، وقد كتب فى دوائر الحافة المزركشة: العادل، العالم، العاقل. وصفّت فى العوارض الوسطى لدوائر الأقسام عبارة "السلطان المظفر" بحيث تمثل شارة الملك (Seidenweberei: O. V. Falke جـ 2، ص 63، رسم رقم 363). ويوجد على نسيج محفوظ بمدينة دانزك يرجع تاريخه إلى القرن الرابع عشر عبارة: السلطان العالم (Seiddenweberei: O. V. Falke جـ 2، رسم رقم 358، 359)، ويوجد اللقب: "السلطان الملك" على قطعة من الحرير الإسبانى بمتحف الفنون والصنائع ببرلين (Seidenweberei: O.v. Falke جـ 2، رقم 377). ونجد على نسيج مفصل بدار الآثار العربية بالقاهرة كلمة السلطان مطرزة بخيوط من الحرير (Catalogue raisonne: Herz-Bey ص 273 وما بعدها. وفى الختام نذكر القارئ بعبارات التقوى والورع التى تتألف منها فى كثير من الأحيان كتابات الطراز كله، ومن هذا القبيل نموذج ماسترخت ذى السبع، فقد كتب على صدر السبع عبارة الملك للَّه (Seidenweberei: O. V. Falke, جـ 1، رسم رقم 153). وعلى نماذج أخرى نجد عبارة الأمر للَّه، وهى تدل على المعنى السابق نفسه (المصدر المذكور، جـ 1، الشكلان رقم 187، 191). وهناك صيغة مألوفة هى "البركة الكاملة" صنعت فى صورة شعار على اليمين واليسار (O.v. Falke: Seidenweberei جـ 1، رسم 205) ويقتصر أحيانًا على عبارة "البركة" دون سواها (المصدر السابق جـ 1، رسم رقم 202). وتوجد صيغة "ما شاء اللَّه كان" على نسيج محفوظ بمتحف سارث كنسنكتن South Kensington، (Inv رقم 613 - 1892؛ Guest: مجلة الجمعية الأسيوية الملكية سنة 1906، ص 399، Catalogue etc: A.F.Kendrick ص 18). وذلك بالإضافة إلى مجموعة من الصيغ الأخرى التى لم يصل إلينا منها إلا بقايا، ولكنها معروفة على أنسجة أخرى من المجموعة نفسها (المصدر السابق،

ص 396 وما بعدها). ولعل أجمل نموذج لهذا النوع هو الموجود بمتحف كلونى Cluny (Inv رقم 6526 وقد عثر عليه فى بايون Bayonne)، ويظهر فيه قسم من شعار الإسلام بالحروف منسوجًا نسجًا جميلًا على الاتساع. وتختصر فى بعض المناسبات هذه الكتابات بحذف بعض الحروف (انظر Die liturgischen Gewander: J.v. Karabacek ص 142 وما بعدها) ونزيد على ذلك أن تواريخ الكتابات توجد بين هذه الطرز، مثال ذلك: القطعة التى نشرها كست (مجلة الجمعية الأسيوية الملكية سنة 1918 ص 407) من مجموعة إنكل كروس Engel-Gros وعليها البسملة والتاريخ وهو سنة 448 (انظر Catalogue etc.,: A.F.Kendrick ص 10، رقم 681 ولوحة رقم 6). وهناك قطعة أخرى عليها اسم الخليفة المعتضد تاريخها 282 وهى محفوظة فى متحف سارث كنسنكتن وقد نشرها أيضًا كست (مجلة الجمعية الأسيوية الملكية سنة 1906, ص 391؛ وانظر Catalogue etc: A.F.Kendrick، ص 35؛ Les Collections de Musulman I'Orient: G. Salles and M. I. Rallnt ص 74). سبق أن قلنا إن شرائط الطراز ذات الكتابات تماثل إلى حد ما أوسمتنا ورتبنا. فقد كان إهداء الأثواب المحلاة بهذه الطراز من حق من فى يده السلطان، وهو حق يماثل حقه فى إصدار السكة. ومن الثابت أن ستة إهداء مثل هذه الأثواب سنة درج عليها المشارقة من عهد سحيق. وقد جرى الفراعنة على أن يخلعوا على خدامهم المخلصين أثواب التشريف علاوة على العقود الذهبية وغير ذلك من الخلع النفيسة. وشاعت هذه السنة أول ما شاعت فى عهد الإسلام. فقد جرت العادة على أن تكون البراءة التى يقام بها كبار عمال الدولة فى مناصبهم مصحوبة بكسوة تشريف، ولم يقتصر الأمر على ذلك بل كان هؤلاء العمال يتلقون أيضًا كسوة تشريف مرة على الأقل فى السنة. وكان المماليك وكبار عمال الدولة فى بلاط السلاطين المماليك يتلقون عادة كسوة تتناسب ورتبهم مرتين فى السنة، مرة فى الشتاء وأخرى فى الصيف (انظر Kulturgeschichte: A. v. Kremer جـ 3، ص 220 - 223, القلقشندى: صبح الأعشى جـ 4،

ص 55). ويذكر ابن جبير الرحلة، ص 94) أن الخطيب بالمسجد الحرام فى مكة -وغيره من المساجد الكبرى دون شك- كان يلبس ثوب سواد مرسومًا بذهب ومتعممًا بعمامة سوداء مرسومة أيضًا، وعليه طيلسان شرب رقيق، كل ذلك من كسا الخليفة التى يرسلها إلى خطباء بلاده" ومن ثم كان لباسه كسوة رسمية تمنح بمعرفة الحاكم. وليس من شك فى أن ثياب الأمراء التى جروا على ارتدائها فى المناسبات الرسمية كانت بطبيعة الحال أكثر أُبهة، فقد كانت ثياب الفاطميين تتألف من أنسجة من دبيق ولباس رأس بحواش مطرزة بالذهب تقدم للأمراء من دار كسوة الخليفة. (انظر المقريزى: ويذكر القلقشندى فى كتابه صبح الأعشى (جـ 4، ص 52 وما بعدها) أن قسمًا من كسوة تشريف الأمراء كان عبارة عن قماش العمامة وقد طرز عليه اسم السلطان كما كان على الثياب نفسها كتابات من هذا القبيل. ولم يكن بدعًا أن يحافظ الخلفاء على هذا الامتياز الهام من امتيازات الملك وأن يحيطوه بكل الضمانات خشية استعماله فى غير وجهه، ويتبين لنا مدى الأهمية التى كانوا يولونها الطراز وإعداده مما جاء فى وصية هارون الرشيد (180 هـ) فى القسم الخاص بجعل إقليم خراسان للمأمون، فقد نص فيه على دور الطرز بصفة خاصة إلى جانب الخراج والبريد وبيوت المال (انظر الأزرقى: أخبار مكة، ص 162 - 166) وذكر اسم الحاكم فى الطراز دليل على سلطانه كما هو الشأن فى الخطبة. وكان أول شئ فعله المأمون عندما خرج على أخيه الأمين أن حذف اسم الخليفة من كتابات الطراز. (ابن تغرى بردى: النجوم الزاهرة، جـ 1، ص 544، وانظر فقرات أخرى وردت فى Papyrusprotokolle: J. v. Karbacek ص 25) وكان إذا تولى الحكم خليفة جديد أثبت اسمه فى كتابات الطراز. ولم يؤخذ بذلك فى كتابات المنسوجات وكساوى التشريف فحسب، جل أخذ به أيضًا فى لفافات أوراق البردى (انظر Corpus Pap. Raineri قسم 3 جـ 1/ 2، رقم 150، 158؛ ص 145 وما بعدها 153 وما بعدها). وكثيرًا ما كان يذكر

اسم الوزير فى مثل هذه الحالة الأخيرة، وذلك فى المراسم، ولكن قلما كان يذكر اسمه فى كتابات الطراز على كساوى التشريف، فإن ذكر كان تقديرًا خاصًا للوزير، مثال ذلك أن الخليفة الفاطمى العزيز باللَّه وضع اسم وزيره يعقوب بن يوسف بن كلسّ المتوفى عام 380 للهجرة على كتابات الطراز (انظر المقريزى: الخطط، جـ 3، ص 6، س 15، ص 384). ومن هذا القبيل ما فعله الخليفة الفاطمى المستعلى باللَّه (1094 - 1101 م) فقد سمح بذكر اسم وزيره الأفضل فى الطراز كما يتبين من كتابة الطراز على النسيج المحفوظ بمكتبة الفاتيكان (انظر Papyrusprotokolle: J. v. Karabacek ص 39)؛ ولكن اسم الوزير فى هذه الحالة كان يعقبه عبارة تضاف إلى الكتابة وهى "باسم الإمام" مراعاة لسلطان الحاكم. والحق إن كبار عمال الدولة قد احتفظوا فيما بعد بدور للطراز خاصة بهم. وشاهد ذلك أن على ابن أحمد الراسبى (المتوفى عام 130 هـ) الذى كان واليًا على جميع البلاد بين واسط وجنديسابور وبين السوس وشهرزور، وقد احتفظ بما لا يقل عن ثمانين دارًا للطراز كان ينسج بها القماش الخاص به (ابن تغرى بردى: النجوم الزاهرة، جـ 2، ص 192؛ A.v.Kremer: Kulturgeschichte جـ 2 ص 193). ونجد على قطعة حرير من مصر (القرنان الحادى عشر - الثانى عشر للميلاد) محفوظة بمتحف فيكتوريا وألبرت (Guess: مجلة الجمعية الأسيوية الملكية سنة 1906، ص 394؛ A.F.Kendrick: Catalogue of Muhammadan Textiles ص 43 ما بعدها)، عبارة "السيد الأجل يمن الدولة أبو يمن أطال اللَّه بقاءه". وتوجد على قطعة الحرير الفاخرة المحفوظة بمتحف اللوفر (وهى التى نشرها Syria: G. Migeon جـ 3، سنة 1922، ص 41 - 43) عبارة "عز وإقبال للقائد أبى منصور نجتكين أطال اللَّه بقاءه". غير أن حقوق الخليفة فى السيادة لم تكن تتجلى فى كتابات الطراز على الملابس فحسب، بل إن الحق فى كسوة الكعبة فى الأصل من اختصاصات الخليفة دون غيره (انظر القلقشندى: صبح الأعشى جـ 4، ص 57). وكان العباسيون يرسلون كل عام الكسوة من

بغداد إلى مكة، وكانت هذه الكسوة تصنع فى كثير من الأحيان بمصر؛ وقد انتقل هذا الواجب إلى ولاة مصر. وكانت الكسوة فى زمن القلقشندى تنسج فى مشهد الحسين من الحرير الأسود وعليها كتابات بيضاء. وفى آخر عهد الظاهر برقوق كانت الكتابات باللون الأصفر المذهب. وقد قام كاراباسك J.v.Karabacek بإعداد مجموعة من هذه الكتابات (انظر Papyrusprotokolle ص 35 - 39) نستدل منها على أن الكسوة كانت تصنع بأمر مباشر يصدره الخليفة للوالى، ويشرف على هذا العمل أمين مال هذا الوالى، الذى كان يقوم بنفسه على دار الطراز، أو تصنع بأمر يصدر من وزير الخليفة (انظر ما سبق) ومما يجدر ذكره أن من بين النصوص التى أوردها كارباسك طراز ثائر علوى فى عهد المأمون (الكتاب المذكور، ص 37 وما بعدها)، ونذكر هنا أيضًا باختصار صيغ الإهداء التى وضعها الخليفة المعز الفاطمى سنة 353 هـ على الرياش الحريرى المختلف الأشكال وهو الذى وصفه المقريزى (الخطط، جـ 1، ص 417، س 12 وما بعده؛ انظر أيضًا Uber einige Benen.ungen Mittelalterlicher Gewbe: J.v. Karabacek ص 33) وهذه الصيغ تكون فى حالات كثيرة هى الصيغ المألوفة التى تطرز بها المنسوجات كما نتبين من ملاحظات الكسائى التى أوردها البيهقى (كتاب المحاسن والمساوئ، ص 499). ويجب أن نوجه عناية خاصة إلى ما كان من صلات لا يمكن إنكارها بين كتابات الرنوك على عهد سلاطين المماليك (انظر Das Schrifiwappen der Mamluken sultane, Jahrb. d, Asiat. Kunst: L. A. Mayer سنة 1925، ص 183 - 187) وبين الصيغ المختلفة المألوفة لكتابات الطراز، مثال ذلك العبارة التى تتردد كثيرًا: "عز لمولانا السلطان الملك. . الخ عز نصره". إن الترتيب المتواتر للصيغ القصيرة الشبيه بترتيب صيغ الرنوك مثل "البركة الكاملة"، وهى الصيغ التى توضع معًا واحدة إلى اليمين والأخرى إلى اليسار كما ترتب صور الحيوان على شعارات السلطنة (مثال ذلك النسر المزدوج) توحى بحدوث ضرب من

التطور الرنكى فى صيغ الطراز أيضًا، وخاصة عندما يوضع لقب الحاكم فى بعض الأحيان داخل إطار على المنسوجات أو فى الشريط الأوسط للدرع المحيطة التى تشبه شارة السلطنة (انظر Seidenweberei: O.v. Falke جـ 2، رسم رقم 463) وقد أشرنا من قبل إلى أن إعداد الأقمشة والكساوى التى يحتاج إليها رجال البلاط وكبار عمال الدولة، يضاف إلى ذلك كسوة الكعبة، لم يكن يترك فى أيدى أفراد وهيئات خاصة، وإنما كان من عمل مصانع الدولة التى كان إنتاجها فى كثير من الأحيان على نطاق واسع. وكانت مصر فى طليعة الجهات التى تقوم بصنع الأقمشة الكتانية كما كانت تضرب بسهم وافر فى صنع الأقمشة الحريرية. وكان نسج الكتان بصفة خاصة مركزًا فى الدلتا. وكانت تنيس وتونة ودمياط والإسكندرية هى المراكز الكبرى لهذه الصناعة. ونضيف إلى هذه البلدان أيضًا: دبيق، وبنشا، والفرما، ودُمَيره (بمركز شربين وليس دمَيره كما يذكر جوبير Jaubert). وتنتج تنيس مثل دمياط منسوجات كتانية رقيقة على غرار ما كان يعرف باسم دبيق وشرب كما كان يعمل بها الثياب الملونة والفرش البوقلمون (انظر ياقوت: معجم البلدان، جـ 1، ص 882). وكانت هذه المنسوجات تباع بأسعار مرتفعة، فالثوب المطرز بالذهب بألف دينار، والثوب غير المطرز بين 100 و 200 دينار (انظر الإدريسى، جـ 1، ص 320). ويذكر ابن عبد ربه فى كتابه العقد الفريد (جـ 3، ص 362)، أن فى تينس، التى كان بها خمسة آلاف مغزل، مصنعا يعمل من أجل الخليفة، ويؤيد ذلك الكتابات التى أوردها المقريزى فى كتابه الخطط (جـ 1، ص 181) والتى كانت مطرزة على كساوى الكعبة (انظر Papyrusprotokelle: J.v. Karabacek ص 35)، كما تؤيده المنسوجات المذكورة آنفا الواردة من سامراء. ويذكر ناصر خسرو أن تنيس كانت تصنع بصفة خاصة أقمشة القصب الملونة المستخدمة فى صنع العمائم والقلانس وملابس النساء، وأن الثياب التى كانت تصنع فى مصانع السلطان لم تكن تباع

للأفراد؛ فقد أرسل أمير فارس عشرين ألف دينار لشراء رداء من تنيس مصنوع من هذه الثياب الثمينة المخصصة للسلطان ولكن وكلاءه لم يحصلوا على شئ منها. وقد كان من خصائص الصناعة فى تنيس "البدنة" التى كان لا يستخدمها إلا الخليفة، وهى رداء يخرج من المغزل كاملا لا يتطلب تفصيلا أو خياطة (انظر Catalogue raisonne: Herz-Bey ص 268 - 266؛ Die Renaissance des Islams: A.Mez، ص 433). وبلغت صادرات الأقمشة المصنوعة فى تنيس مبلغًا كبيرًا، فقد وصلت قيمتها حتى عام 360 هـ ما بين 20 و 30 ألف دينار سنويًا. وكانت قرية تونة التابعة إداريًا لمركز تنيس تصنع هذه الأقمشة نفسها وكذلك كساوى الكعبة (المقريزى: الخطط جـ 1، ص 181؛ J.v. Karabacek؛ الكتاب المذكور، ص 36)، وكان بها أيضًا دار للطراز. ولم تكن دمياط تنتج هذه الثياب الكتانية مثل تنيس فخسب، بل كانت تصنع أيضًا الثياب الكتانية البيضاء اللون، وكذلك الثياب الحريرية المذهبة والثياب المعروفة باسم الثياب البلخية (انظر على بن داود الخطيب الجوهرى، مخطوط: A.F رقم 282، ورقة رقم 69 أ؛ وانظر كذلك Culturgeschichte: A.v.Kermer جـ 2، ص 289) وغير ذلك من المنسوجات. وكانت شطا تصنع أيضًا الكساوى والأقمشة المعروفة باسم الثياب الشطوية (المقريزى: الخطط، جـ 1. ص 226، س 5 وما بعده). ونحن نعرف أن هذه الكساوى كانت تصنع فى دار للطراز ملك للدولة، نستدل على ذلك من كتابة الكسوة التى ذكرها المقريزى (انظر Papyrusprotokolle: J. v. Karahacek ص 36)، أما من حيث الثياب المعروفة باسم الثياب الشطوية فلا نعرف على التحديد أين كانت تصنع. ونجد فى ورقة من أوراق البردى بمجموعة رينر (Rainer رقم 849 فى Ausstellunge؛ انظر Fuhrer: J.v.Karabacek ص 227) إشارة بالسطر السادس إلى لباس للرأس من شطا (منديل شطوى معلم) يساوى عشرين قيراطا من الذهب. وهذا الثمن يعد مرتفعًا إلى حد ما لأن أقمشة شطا ودبقو (دبيق) ودميرة لم تكن فى رقة أقمشة تنيس (الإدريسى، ص 320).

وكانت الصناعة التى تتم فى هذه البلدان على أيدى النساجين القبط تخضع لرقابة دقيقة من الدولة (المقدسى: المكتبة الجغرافية العربية، جـ 3 ص 213؛ وانظر Die Renaissance des Islams: A.Mez ص 118؛ Islamstudien: C.H.Becker ص 184) تبدأ منذ قيام النساج بالعمل على نوله. وكان يختم على هذه المنسوجات بختم السلطان، ونحن نعرف شكل هذه الأختام من الختم الأحمر الموسومة به قطعة الكتان (Inv. Ar. Lin رقم 1) بمجموعة رينر Rainer المكتوب عليها "الملك المعز" (انظر Corpus Pap: Rained جـ 3، السلسلة العربية جـ 1، قسم 1، ص 59 وما بعدها، رسم رقم 2)؛ ولا تباع "إلا على يد سماسرة قد عقدت عليهم، وصاحب السلطان يثبت ما يباع فى جريدته، ثم تحمل إلى من يطويها، ثم إلى من يشدها بالقشى [ولعله ورق البردى الغليظ] ثم إلى من يشدها فى السفط، وإلى من يحزمها، واحد منهم له رسم يأخذه، ثم على باب الفرضة يؤخذ أيضًا شئ. وكل واحد يكتب على السفط علامته" وهذا العمل كله لا يدل دلالة قوية على أنه كان هناك مصنع حكومى يقوم بعمل هذه الثياب، بل إنا لنميل إلى القول بأنه كان فى الدلتا على الأقل صناعة تمارس فى المنازل الخاصة، والراجح أنها كانت تقوم جنبًا إلى جنب مع المصانع الحكومية. وكان نصيب العمال من هذه الصناعة يبعث على الأسى، فالنساء تغزلن والرجال ينسجون، وهم الذين يستأجرون أماكن العمل، وكان أجر الفرد منهم نصف درهم كل يوم وهو مبلغ لا يكفى للوفاء بأقل الحاجات الضرورية للمعيشة. وكانت الأجور فى مصر كلها منخفضة جدًّا. وكانت الثياب الحريرية والديباج والابريسم تصنع بصفة خاصة فى الإسكندرية، وكذلك الثياب الكتانية الرفيعة المعروفة باسم "الشرب" كما كانت هذه الثياب تصنع أيضًا فى تنيس، ودمياط، وشطا (انظر Culturgeschichte: A.v. Kremer جـ 1، ص 353) وكانت الاسكندرية تشتهر حتى فى الأزمنة الرومانية بأنها مركز لنسج الحرير كما كان فى البلاط البوزنطى بها مساكن للنساء يقمن فيها بإعداد الثياب. ولم تكن مادة الثياب

المصنوعة خلال العهد الإسلامى فى جودة الثياب التى كانت تصنع فى العهد السابق ولطفها، ولكن الاسكندرية فى القرنين الثالث عشر والرابع عشر كانت تزود بوزنطة والبابا فى رومة بالثياب (Seidenweberei: O.v. Falke جـ 1، ص 48، 51، 110) وجرت عادة الكثيرين من البابوات على إهداء الكنائس منسوجات جميلة عليها رسوم تمثل الفرسان وكانت دور الطراز الحكومية فى تنيس والاسكندرية ودمياط تصنع بصفة خاصة ثياب الخلفاء الفاطميين (المقريزى: الخطط، جـ 21 ص 413؛ القلقشندى: صبح الأعشى، جـ 3، ص 476 Geographie: F.Wustenfeld ص 175 وما بعدها) وخلفائهم. ويذكر أبو الفداء فى كتابه "تاريخ الخميس" (جـ 4، ص 101) أن دار الطراز بالإسكندرية كانت تعمل لسد حاجات الحاكم الشخصية (للخاص الشريف؛ انظر 1070 Die Liturguschen Gewander: J.v.Karabacek ص 195). واشتهرت دبيق بثيابها الكتانية ونسيج العمائم، وكانت تصنع الستائر لتغطية عرش الخلفاء الفاطميين إبان الاحتفالات (القلقشندى: صبح الأعشى، جـ 3، ص 499). وكثيرًا ما يرد ذكر منسوجات دبيق فى الكتب، وخاصة فى المقريزى، وقد توطدت هذه الصناعة هناك منذ القدم. ويوجد بالمتحف النمساوى حزام من العهد القبطى عليه زركشة ثمينة وعلى حافته خطت كلمة وهو الاسم القبطى لمدينة دبيق (انظر Die Theodor Graf. schen Funde: J.v. Karabacek رقم 427). ولا نعرف عن مدينة بنشا الصناعية إلا القليل. ونجد على قطعة طراز حريرى موشاة بالأسود من مجموعة رينر (Inv.Ar.Lin رقم 18، وقد نشرها J.v.Karabacek فى Papyrusprotokolle ص 39) الكتابة الآتية: "هذا مما أمر بعمله فى طراز الخاصة بنشا" ونستخلص من هذا أنه كان هناك دار لصنع الثياب الحريرية تزود الخليفة دون سواه بحاجته، وكانت هذه الدار من أملاك الدولة؛ ونحن نعرف أيضًا اسم هذه المدينة من أوراق البردى. واشتهرت مدينة الأشمونين بالصعيد إلى جانب الفيوم بصناعة المنسوجات (انظر الإصطخرى. المكتبة الجغرافية العربية،

جـ 2، ص 58؛ ابن حوقل: المكتبة الجغرافية العربية، جـ 2، ص 105؛ الإدريسى، جـ 1، ص 124 Culturgeschichte: A.v.Kremer جـ 1، ص 353) كما اشتهرت تخا بالمنسوجات الصوفية (انظر Renaissance des Islams: Mez ص 432). وكان للبهنسا مركز خاص، إذ كان يصنع بها منسوجات ثمينة كما يقول الإدريسى (جـ 1، ص 128) تحمل اسم المدينة وتخصص للحاكم وكبار عمال الدولة، كما كان يصنع بها ثياب من الأنواع العادية. وكان القماش يقسم إلى قطع طول الواحدة منها ثلاثون ذراعًا، ويبلغ ثمن الزوج منها مائتى دينار. وكانت كل قطعة من هذه الأقمشة من الصوف أو من القطن، رخص ثمنها أو غلا، تحمل الاسم الدال على نوعها، وبذلك كان المشترى يعرف نوع ما يشترى. ولدينا بعض المعلومات عن الأثمان استقيناها من ورقة من أوراق البردى محفوظة بمجموعة رينر (Ausstellung: Rainer رقم 849) نستدل منها على أن قماش العمامة الطويل من صنع البهنسا (منديل بهنسى طويل) كان يساوى قيراطًا من الذهب. ومما يؤسف له أن الإدريسى لم يقل لنا هل كان القماش المخصص لرجال البلاط يصنع فى دار للطراز أو فى دار خاصة. وقد ذكر على بن داود الخطيب الجوهرى (A.F رقم 282، ورقة رقم 91 ب) عبارة "طراز سعيد"، ولكنه لم يذكر مكان هذا المصنع الحكومى من مصر العليا. وفى دار الكتب المصرية بالقاهرة (سجل رقم 96، 103) ورقتان من أوراق البردى تلقيان ضوءًا على هذه المسألة، فقد ورد فيهما وصف لشخص يدعى رماح بن يوسف بأنه "المتوكل بطراز أشمون وأنصنا"، ونتبين من ذلك أن هذا الرجل هو الذى كان يدير دار الطراز فى أشمون وأنصنا ويجمع فى إدارته بينهما، ومن ثم يمكن القول بأن هاتين الكورتين كانتا فى الأصل منفصلتين ثم ضمتا من بعد وأصبحتا كورة واحدة (انظر Papyri Schott-Reinhardt: C.H. Becker جـ 1، ص 20) وكان بالقاهرة (الفسطاط) فى عهد العباسيين دار عامة للطراز (طراز العامة بمصر) كما نتبين من قطعة القماش التى أسلفنا ذكرها، المحفوظة بدار الآثار العربية بالقاهرة. وواضح

أن صفة "العامة" هنا تقابل صفة "الخاصة" التى تدل على أن المصنع يعمل من أجل الخليفة وحده. وليس معنى هذا أن دار القاهرة قد أصبحت فى عهد الأمين منشأة خاصة بحتة، بل يمكن أن نقول إنها كانت فى الوقت نفسه منشأة حكومية تزود الأفراد بما يلزمهم علاوة على تزويد رجال البلاط بما يحتاجونه. ولا نستطيع فى أية حالة من الحالات أن نقطع على وجه اليقين برأى فى مسألة ملكية المصنع. ولا نستطيع أن نتصور -كما هو شأننا عادة حتى هذا الوقت تمشيًا مع كاراباسك Karabacek- أن الخليفة كانت له الرقابة المطلقة على هذه المصانع. وإذا كان الأمويون والعباسيون قد عنوا عناية كبيرة بصناعة منسوجات الطراز ومراعاة الحقوق المتصلة بها، فإن أهمية هذه المنسوجات قد ازدادت فى عهد الفاطميين الزاهر، كما يتبين من رواية المقريزى عن ابن الطوير الذى كان على دراية تامة بهذا الموضوع (الخطط، جـ 1، ص 469). فقد كان إلى جانب مصنع الدولة الشهير بالاسكندرية المسمى دار الطراز، مصنع آخر بالقاهرة يحمل الاسم نفسه، وقد أنشئ فى عهد خلفاء الخليفة العزيز باللَّه باسم الوزير أبى الفرج يعقوب بن يوسف بن كلِّس المتوفى عام 380 هـ (911 م) وكان يعرف أيضًا باسم دار الديباج، لأن الديباج كان يصنع به (المقريزى: الخطط، جـ 2، ص 104، س 25 وما بعدها). وكان على رأس الإدارة فى هذه المصانع الحكومية دائما موظف من رتبة عالية يختار من رجال الفقه أو الحرب، وكان الخليفة يخصه بالرعاية والتقدير؛ ويباشر عمله وتحت إمرته هيئة مختارة من الموظفين تنقل منتجات دور الطراز وتتخذ الوسائل اللازمة لهذا النقل. وكان هذا الموظف حين يصل إلى البلاط ومعه المنسوجات اللازمة للخليفة، ومن بينها المظلة والحلل التى تسمى "بدلة" و"بدنة" وثياب الخليفة الخاصة، يستقبل بأعلى مظاهر التشريف، ويوضع فى خدمته طوال مدة إقامته جواد من حظائر الخليفة. وكانت منازله بالمدينة تقوم فى منظرة الغزالة على شاطئ الخليج قبال

باب جامع ابن المغربى الذى كان قد تهدم فى عهد المقريزى، وكان يلقى من الضيافة ما يلقاه المبعوثون الأجانب. وكانت أحمال المنسوجات الثمينة حين تجلب إلى مقر الخليفة يمثل صاحب الطراز بين يديه ويعرض عليه جميع ما معه وينبهه إلى كل قطعة من المنسوجات أحضرت إلى قصره بيد حاجبه الخاص، فإذا انقضى عرض ذلك سلم لمستخدم الكسوات، وخلع عليه بين يدى الخليفة باطنًا ولا يخلع على أحد كذلك سواه، ثم ينكفئ إلى مسكنه. وكان من الجائز أن ينوب عن مستخدم الكسوات فى أوقات معينة ابنه أو أخوه. وكانت رتبة صاحب الطراز عظيمة، وكان يتقاضى راتبًا، سبعين دينارًا فى الشهر ويتقاضى نائبه عشرين دينارًا. وكان هذا النائب يتولى عنه ذلك حين يشخص هو إلى تسليم هذه الثياب والكساوى، كما كان يشهد نيابة عنه شد الاسفاط. وكان صاحب الطراز حين يجلب المظلة وما يليها من خاص الخليفة إلى مجلس دار الطراز يقف الحاضرون أثناء هذا الحفل وهو جالس فى رتبته ونائبه واقف على رأسه خدمة لذلك (انظر أيضًا: القلقشندى صبح الأعشى، جـ 3، ص 476؛ Wustenfeld: Geographie ص 175 وما بعدها). وقد ذكرنا فيما سبق أن دور الطراز كانت تدر على الدولة مبالغ كبيرة بفضل منتجاتها النفيسة. ومما هو جدير بالذكر أن مدن تنيس ودمياط والأشمونين قد استطاعت أن تؤدى من بيوت مالها سنة 363 هـ: 200 ألف دينار لخزينة الدولة فى يوم واحد، وذلك فى عهد الوزير الفاطمى ابن كلس (المقريزى: الخطط جـ 2، ص 6). وكان المصروف على خيوط الذهب يبلغ عادة 31 ألف دينار، وقد بلغ فى عهد الآمر بأحكام اللَّه 34 ألف دينار (المصدر المذكور، جـ 1، ص 469)، والظاهر أن الأمور قد تبدلت بعض الشئ فى عهد سلاطين المماليك، إذ نجد ابن خلدون -على الأقل- يذكر (جـ 1، ص 323) أن المنسوجات وثياب الطراز لم تعد تصنع فى المصانع ودور الطراز فى القصر، فقد أوقفت الدولة إنتاجها فى منشآتها الخاصة، وأصبحت تطلب حاجتها، التى اقتصرت على الكساوى المنسوجة من

الحرير والذهب الخالص، من بيوت النساج. ولم يكن نظام مصانع الطراز الملكية مقصورًا بطبيعة الحال على مصر وحدها بل كانت هذه المصانع موجودة أيضًا فى غيرها من الأقطار. فإذا اتجهنا غربا نجد مصنعا منها فى بالرمو بصقلية، حتى أن ابن جبير يذكر فى رحلته (ص 329) اسم طرّاز كان يعمل فى "طراز الملك" وهو الاسم الذى عرف به المصنع الملكى. ولا تزال العباءة التى نسجت لروجر الثانى سنة 528 هـ. (1133 م) هى أهم قطعة تشهد بنتاج هذا المصنع؛ ثم نذكر ثوب التتويج الذى صنعته الخزانة الملكية النمسوية؛ وقد أطلق على هذا المصنع فى كتابات هذا الطراز اسم "خزانة الملكية" (انظر Kleinodien: F.Beck ص 29)، وكان ينتج (أى الملكى regium ergasterium) المنسوجات الحريرية اللطيفة حتى القرن الثالث عشر الميلادى (انظر Seidenweberei: O.V.Falke جـ 1، ص 119، 121). وكان بمدينة المرية من أعمال الأندلس ثمانمائة مغزل فى زمن الإدريسى تصنع الثياب الحريرية الثمينة والسقلاطون (أى الثياب المنسوجة بخيوط الذهب) والثياب المنسوجة بخيوط الفضة من طراز ثياب جرجان وإصفهان، وكانت هذه المدينة تعد أهم مركز لهذه الصناعة؛ على أننا نذكر أيضًا مدن: مرسية وإشبيلية، وغرناطة، ومالقة. وكان فى هذه المدينة دار لصنع ثياب الديباج المطرزة بالذهب (Uber einige Benenungen Mittelalterlicher Gewebe: J.v. Karabacek ص 6؛ Beitrage: M. J. Muller ص 5؛ Geschichte der liturg. Gewander: F.Bock ص 39 وما بعدها). وكان بآسية الصغرى دار طراز فى بلاط السلاجقة، ومن منتجاته قماش الديباج المطرز بالذهب الموجود بمتحف المنسوجات بمدينة ليون، وكتابة طرازه عليها اسم السلطان كيقباذ بن كيخسرو (1219 - 1236 م). وقد أشاد ماركوبولو (انظر Sidenweberei: O.v. Falke جـ 1، ص 206)، بصناعة سكان الدولة السلجوقية من الروم والأرمن الذين صنعوا أحسن السجاجيد والثياب الحريرية الثمينة. واشتهرت دمشق وأنطاكية من أعمال الشام بمنسوجاتهما

(انظر O.v. Falke، كتابه المذكور، جـ 1، ص 108؛ Die Liturg. Gewander: J.v. Karabacek ص 196) وكانت بغداد من أعمال العراق من أهم المدن فى هذا الميدان، وقد اختصت بعمل الثياب البيض المروية نسبة إلى مرو (ابن الفقيه: المكتبة الجغرافية العربية. جـ 5، ص 252) ولكنها كانت تصنع أيضًا الثياب الحريرية وثيابًا من الديباج كثيرة التطريز اشتهرت فى أنحاء الغرب باسم Baudekinus أو Baldachinus (O.V. Falke: كتابه المذكور، جـ 1، ص 108). ويمكن أن نرجع صناعة غزل الحرير فى بغداد إلى جالية من النساجين قدمت من تستر واستقرت هناك منذ منتصف القرن العاشر على الأقل (Uber einige Benennungen mittelalterlicher Gewebe: J.V. Karabacek, ص 28). ونجد على قطعة من الحرير نشرها كندرك (A.F. Kendrick فى Burlington Magazine جـ 49، ص 261 - 267) كتابة الطراز الآتية فى أعلى القطعة (طرزت مرتين كما هى الحال فى شعار الملك): "البركة من اللَّه واليمن و [. . . " وفى أسفلها على هذا النسق خط: "بصاحبه أبى نصر مما عمل فى بغداد". وهذا بعض مما كان يصنع فى بغداد، ويحتمل أن يكون من نتاج مصنع حكوص للطراز. ومهما يكن من شئ فقد استورد البلاط كميات كبيرة من مصر، ولكن التصدير كان ممنوعًا فى مصر على عهد الفاطميين (Die Renaissance dss Islams: A. Mez ص 433). والظاهر أن تقدم صناعة غزل الحرير فى فارس بدأت حين نقل سابور الثانى عمالا من الجزيرة، ومن آمد وغيرها من الأقاليم الرومية إلى السوس وتستر وغير ذلك من بلدان الأهواز (انظر المسعودى: مروج الذهب، جـ 1، ص 124). وكان فى إقليم فارس، الذى اشتهر بغزل الكتان، مصانع مثل التى كانت فى مصر تعمل للحاكم وللتجارة مثل مصانع فسا، فى حين كان للحاكم مصانعه الخاصة فى شينيز وجنابة والغندجان (ابن حوقل: المكتبة الجغرافية العربية جـ 2، ص 213 وما بعدها Susandschied: J.V. Karabacek ص 106 وما بعد ها؛

الإدريسى، جـ 1، ص 391، 399 وما بعدها). وأصبحت كازرون "دمياط فارس" من بعد المركز الرئيسى لصناعة الكتان حوالي عام 500 هـ (بداية القرن الثانى عشر للميلاد). وكانت هذه الصناعة تخضع لرقابة شديدة حتى أن قناة رهبان ذات الشأن فى صناعة الغزل ونقل منتجاته بعد تمام صنعها، كانت من أملاك خزانة الملك لا يعمل بها إلا النساجون الذين يصنعون ثياب الأمير، وكان الإنتاج هنا أيضًا تحت رقابة الدولة (انظر Dip Renaissance des Islams: A. Mez ص 434). لم تكن خوزستان Suciana أقل شهرة من فارس بوصفها مركزا لغزل المنسوجات. وكان فى تستر، حيث تصنع الثياب الحريرية والديباج والأبريسم والمخمل وشيلان العمائم والستائر وأقمشة الخز الثقيلة، مصنع حكومى على رأسه مدير (صاحب) وكانت ستائر الكعبة تعمل من الديباج المصنوع هناك، ثم يرسلها بلاط بغداد كما رأينا، ومن ثم ندرك أهمية الملاحظة التى أوردها ابن حوقل (المكتبة الجغرافية العربية جـ 2، ص 175) وهى أن كل من حكم العراق كان له طراز وصاحب فى تستر (انظر أيضًا Uber einige Benenungen mittelalterlicher Gewebe: J.v. Karabacek، ص 30 - 32). وكان نسيج الكسوة يصنع فى العراق أيام الإدريسى (نزهة المشتاق، جـ 1، ص 383). ولم تكن مدينتا السوس وقرقوب أقل شأنا من تستر. فقد كان فى السوس دار حكومية للطراز تصنع بها منسوجات الخز والكتان الرفيع (الإصطخرى: المكتبة الجغرافية العربية، جـ 3، ص 416). وكان يوجد أيضًا "طراز للسلطان" فى قرقوب حيث كان يصنع به -كما كانت الحال فى سوس- الحلل الملكية والديباج الثمين، والأقمشة المخططة، وقد نسبت دار الطراز إلى هذه المدينة (الاصطخرى: المكتبة الجغرافية العربية، جـ 1، ص 93؛ ابن حوقل: المكتبة الجغرافية العربية جـ 2، ص 175؛ الإدريسى، جـ 1، ص 383 وما بعدها؛ Susandschird: J.v. karabacek ص 107) ونذكر أخيرًا أنه كان فى

سجستان أيضًا دار للطراز تعمل للوالى وكانت تصنع بها كساوى التشريف التى كان يسخو الوالى فى إهدائها (معجم البلدان لياقوت، جـ 3، ص 458). وليس ثمة قول فى أصل الطراز نستطيع أن نجزم به على وجه التحقيق؛ وقد حاول كاراباسك (Papyrusprotokolle: J.v.Karabacek ص 27) أن يرجع أصل الطراز إلى أثر أجنبى رجح أنه أثر بابلى أشورى، بل هو قد ذهب إلى القول بأن وجود كثير من دور الطراز فى فارس تحتكرها الدولة وإقامة خزائن الكسوات الكبرى، يمكن أن يؤخذا على أنهما سنة ملكية ورثت عن الساسانيين (Uber einige Benennungen mittelalterlicher Gewebe ص 20) والظاهر أن كاراباسك Karabacek قد أصاب فى استشهاده بقول ابن خلدون (جـ 1، ص 222) أن ملوك الفرس قبل الإسلام قد وضعوا صور الملوك أو الرسوم والصور التى رسمت خصيصًا لهذا الغرض على الطراز الذى توشى به الثياب وأن الحكام المسلمين قد استبدلوا بهذه الصور والرسوم كتابات بأسمائهم وعبارات يتفاءلون بها. وقد أشار كاراباسك أيضًا إلى أن المسلمين قد تأثروا فى ذلك بالروم فقد وجدوا عند هؤلاء الطراز الذى انتقل إليهم من المصدر نفسه. ويربط إبراز (Cicerone: G.Ebers جـ 1، ص 205) أيضًا بين الطراز والشعار الرومانى القديم Clavus (¬1) . ويرى فالكه (Seidenweberei: O.v.Falke جـ 1، ص 77)، أن النمط الأصلى قد قلده الفرس أيضًا فى القرنين الخامس والسادس للميلاد على رداء يزدجرد المشهور (قبل عام 640 م؛ انظر Falke جـ 1، ص 83 والرسم رقم 105) فقد كان رداء هذا الملك العظيم يشتمل على المخطوط المطرزة المأثورة عن النمط الأصلى، وهى التى تتجه إلى أسفل من الكتف والظهر، وهو ما نشهده كثيرًا فى القمصان المصنوعة فى أخميم. ويرى فالكه Falke أن نقل الأنموذج الأصلى من الغرب ووضعه على القميص يعد ¬

_ (¬1) Clavus: شريط أو شعار رأسى أرجوانى يوضع على قميص كان يرتديه أعضاء مجلس الشيوخ الرومان الأولون وفرسان الرومان القدماء شارة تدل على رتبهم.

دليلا على قيام طراز فارسى جديد، على أن مقارنته بالنسيج الساسانى الشهير المطرز بصورة الفارس المحفوظ بمتحف الفنون والصناعات ببرلين Berlin Kunstgewerbe-Museum (Falke جـ 1، صورة رقم 107) تثير بعض الشكوك فيما يقال من استعارة الأنموذج الأصلى على كساوى رجال البلاط الفارسى وذلك حين نرى كيف عبر الفنان عن هذا الأنموذج الأصلى تعبيرًا مضطربًا بعيدًا عن الروح الرومانية. ولربما كان ثمة صلات بين هذه النماذج لم نتبينها بعد فى صورتها الكاملة، ولكن مما هو جدير بالملاحظة أن الشعار الرومانى القديم (Clavus)، وهو شارة رجال مجلس الشيوخ والفرسان الرومان، يمكن أن نرجعه آخر الأمر إلى أصل إترورى (انظر مادة Clavus, فى Paulywissowa Real-Encykl, جـ 7، عمود 4 وما بعده) ومن ثم فإن القول بأصل شرقى لهذا النظام المشهود لا يمكن استبعاده استبعادًا تامًا. وقد ظلت آثار الشارات الرومانية القديمة (Clavi) باقية حتى عهد متأخر فى الشكل الخارجى لحوافى الطراز. وهكذا نجد أن القطعتين رقم 921 و 922 من العهد الأيوبى والمملوكى، وهما اللتان نشرهما كندريك (A.F.Kendrick فى Catalogue of Muhammadan Textiles، لوحة رقم 7) لا يزالان يفصحان عن الشكل الأصلى نفسه كما هى الحال فى المنسوجات القبطية، وإن كانت الزخرفة تختلف بعض الشئ (انظر Seidenweberei: O.V. Falke جـ 1، شكل رقم 26) بل إن ما جرى عليه العرف الشائع فى حوافى الطرز الإسلامبة من وضع صورة أو شريط حلية بين صفين من الكتابات نجده أيضًا على خافة قطعة مستطيلة من القماش القبطى يرجع عهدها إلى القرن السابع للميلاد (انظر Die agyptischen Textilfunde: A Riegl، لوحة رقم 9 قبال ص 48). والنص المستخدم هنا هو الآية العاشرة وما بعدها من المزمور الأربعين من سفر المزامير. وإن استمرار هذا الفن فى الصناعة المصرية، تلك الصناعة التى كانت على الأغلب فى أيدى الأقباط إبان العهد الإسلامى، وخاصة فيما يتصل بإنتاج المنسوجات، يجعل الاحتفاظ بالأشكال والسنن القديمة أمرًا واضحًا

كل الوضوح. ومما هو جدير بالملاحظة أن شريط الكتابات كان يطرز أو ينسج فى معظم الأحوال بالحرير الأحمر، وكان هذا هو المتبع أيضًا فى المنسوجات الإسلامية. ولعل تفضيل هذا اللون يرجع إلى أن شارات الرومان القدماء (Clavi) كانت تطرز عادة باللون الأرجوانى. ولقد كان الحق المخول للرؤساء Princeps فى إهداء الشارات العريضة latus clavus لأعضاء مجلس الشيوخ والاحتفاظ بالشارات الأرجوانية للحكام، وقصر إنتاج الجدائل المذهبة ابتداء من عام 369 على سيدات البلاط gynaecea بحيث يقمن دون غيرهن بغزلها، كان لهذا الحق على الأقل أثر فيما نجده من نظائر لذلك عند الخلفاء المسلمين، فقد كان لهم أيضًا الحق فى الطراز وفى إهدائه. على أن النظام الذى جعل سيدات البلاط يقمن بعمل الطراز لم يعمل به فى الإسلام. وقد كان فى القاهرة وحدها فترة من الزمن نظام شبيه بهذا، ذلك أن الثياب التى تعمل من أجل الخليفة كانت تتولاها بعد صنعها هيئة من النساء قوامها ثلاثون امرأة على رأسهن مشرفة فيعدلنها بعض التعديل اليسير بما يناسب المقام (Is Lastudien: C.H.Becker جـ 1، ص 183, وما بعدها). ومهما يكن من شئ فإن نظام الطراز فى الإسلام قد نشأ فى عهد جد مبكر أيام الأمويين، يشهد بذلك رواية الكسائى عن الإصلاح الذى أدخله الخليفة عبد الملك على السكة واتخاذه اللغة العربية فى تدوين الوثائق الرسمية. وإلى هنا يحق لنا أن نقول إننا لم نجد إلا خليفة واحدًا من البيت الأموى -لعله مروان بن محمد- ذكر اسمه على قطعة من الحرير من صنع أخميم وعليها الكتابة الآتية: [عبد] اللَّه مروان أمير [المؤمنين] (انظر A.R.Guest: مجلة الجمعية الآسيوية الملكية سنة 1006، ص 390؛ Catalogue of Muhammadan Textiles: A.F. Kendrick ص 35) وقد انتقلت مع المنسوجات الإسلامية، التى كانت تستوردها أوربا بكميات كبيرة، أشرطة الطراز ذات الكتابات وأصبحت

المصادر

زيا شائعا. وكان أنفورتاس Anfortas منذ عهد بارسيفال Parcifal (ص 231، س 8) يضع جدائل طراز عربى على لباس رأسه. ومن أعجب الأمور أن نجد ملابس كبار رجال الكنيسة وقد زينت بجدائل طراز تشمل أدعية إسلامية. وقد قام سيول Sewell) مجلة الجمعية الأسيوية الملكية، سنة 1907، ص 164). بعمل مجموعة من كتابات الطراز العربية، على أثواب العذراء وعلى الصور التى رسمها أئمة المصورين الإيطاليين. وإنى أضيف إلى ما تقدم أن كيوبيد قد رسم على الورقة رقم 2 من مخطوط فينا الجميل لرينيه ده أنجو (Le livre de d'Anjou Rene Coeur d'amour epris وقد كتب بعد عام 1457) وعليه رداء أزرق اللون مطرز بطراز عربى خط بالذهب على أرضية زرقاء، كما أن قطعتين من نسيج بروكسل المشجر goblins ترجعان إلى القرن السادس عشر قد طرزتا بكتابات خطت بالذهب. ومن المشهور المتواتر ذلك التقليد الفج للكتابات العربية الذى نجده على المنسوجات الحريرية المصنوعة فى شمالى إيطاليا. المصادر (1) الإصطخرى: المكتبة الجغرافية العربية، جـ 1، ص 53، 92، 93. (2) ابن حوقل المكتبة الجغرافية العربية، جـ 2، ص 105، 175، 213 وما بعدها. (3) المقدسى: المكتبة الجغرافية العربية، جـ 3، ص 128، 213، 416. (4) ابن الفقيه الهمذانى، المكتبة الجغرافية العربية جـ 5، ص 252. (5) الإدريسى: كتاب نزهة المشتاق، ترجمة A. Jaubert، جـ 1، ص 124، 320، 352، وما بعدها، 383 وما بعدها 385، 391، 399، 425، 427، 469. (6) ابن جبير: الرحلة، طبعة W.Wright، ليدن سنة 1852، ص 81، 94، 126، 181، 309، 329. (7) ياقوت: معجم البلدان، طبعة فستنفلد، جـ 1، ص 849، 882 - 887، 901؛ جـ 3، ص 458. (8) المقريزى: الخطط، بولاق سنة 1270 هـ، جـ 1، ص 181، 226، 398، 400، 409، 413، 427، 440.

446، 452 وما بعدها، 469 وما بعدها؛ جـ 2 ص 6، 79، 104، 113، 212، 217، 227، 284، 407. (9) القلقشندى: صبح الأعشى، القاهرة سنة 1904، جـ 3، ص 476. 499، جـ 4 ص 52 وما بعدها 55، 57. (10) المسعودى: مروج الذهب، بولاق سنة 1284، جـ 1، ص 222، 223. (11) الأزرقى: كتاب أخبار مكة، طبعة فستنفلد، ص 162, 166, 183. (12) تاريخ أبى الفداء، إستانبول سنة 1286 هـ، جـ 4، ص 101. (13) ابن تغرى بردى: النجوم الزاهرة، طبعة كوينبول، ليدن سنة 1855، جـ 1، ص 544, 498؛ جـ 2، ص 192. (14) ابن عبد ربه: العقد الفريد بولاق سنة 1293، جـ 3، ص 362. (15) البيهقى: كتاب المحاسن والمساوئ، طبعة Schwally؛ كيسن Giessen سنة 1902، ص 499. (16) الوشاء: كتاب الموشى، طبعة برونو R. E.Brunnow ليدن سنة 1886، ص 167 وما بعدها. (17) Beitrage zur Geschichts der westlichen Araber: M. J. Muller، جـ 1، ميونخ سنة 1866، ص 6. (18) على بن داود الخطيب الجوهرى: الدر الثمين المنظوم فيما ورد فى مصر وأعمالها بالخصوص والعموم (مخطوط A.F ورقم 282 بالمكتبة الأهلية بفينا ورقة رقم 69، 69، 71, 91). (19) معرب الجواليقى، طبعة سخاو، ص 102. (20) Die Geographie u Veriwaltung von Agypten: F.Wustenfeld، كوتنكن سنة 1879، ص 175 وما بعدها 193، 197. (21) المؤلف نفسه Geschichte der Fatimiden chalifen كوتنكن سنة 1881، ص 130. (22) Ornariente der Gewebe: F. Fischbach لوحة رقم 6، 8، 9، 10، 15، 18، 19، 22 - 25، 29، 33 -

36، 47، 62، 71، 75، 95، 96، 97، 99، 100، 104، 106، 107، 129، 131، 136، 138، 145، 156، 157. (23) Die Kleinodien des heiligen romischen Reiches deuischer Nation: Bock ص 29. (24) المؤلف نفسه: Geschichte der liturgischen Gewander des Mittelalters بون 1859 - 1871، ص 33 - 77, 39 وما بعدها. (25) Die liturgischen Gewander mit arabischen Inschriften aus der Marienkirche in DanzigMitteilungen der K.K. Osterr. Mus. Kunst u.industrie: J.V. Karabacek جـ 5، سنة 1870، ص 141 - 147، 191 - 204. (26) المؤلف نفسه Nadelmalerei susondschird: Die persische ليبسك سدة 1881، ص 60، 82 - 106، 111. (27) المؤلف نفسه: Uber einige Benennungen mittelalter licher Gewebe فينا سنة 1882، ص 19 وما بعدها 28 - 33. (28) المؤلف نفسه: Die Theodor Graf'schen Funde in Agypten فينا سنة 1883؛ ص 31، 33، 36. (29) المؤلف نفسه: Kataloge der Theodor Graf'schen Funde in Agypten فينا سنة 1883، ص 46 وما بعدها، 50 Mitteilungen des K. K. Osterr Kunst u. Industrie) Mus.f) جـ 18، سنة 188، ص 541 وما بعدها، ص 563. (30) المؤلف نفسه: zur orientalischen Altertumskunde II, Die arabischen Papyrusprotokolle, S.B. Ak. Wien جـ 161، سنة 1908، ص 8 - 14، 21 - 27، 35 - 39 (انظر من ثم ZA.: C.H.Recker جـ 22، سنة 1908، ص 187 - 1901). (31) المؤلف نفسه: Papyrus Erzherzog Rainer, Fuhrer durch die Auss tellung فينا سنة 1894، ص 227 وما بعدها، رقم 489. (32) Culturgeschichte des Orients unter den Chalifen: A.v. Kremer فينا

1875 - 1877, جـ 1، ص 353؛ جـ 2، ص 220، 223، 289، 293. (33) Cicorone durch das alte und neue Agypten: G. Ebers شتوتكارت سنة 1886 جـ 1، ص 45، 205. (34) Die agyptischen Textilfunds im K.k.Osterreich. museum: A.Rrigl فينا سنة 1889، ص 52، لوحة رقم 9 أمام ص 48. (35) على بهجت بك: Les manufactures d'etoffes en Egypte au moyen B.I. E., age، سنة 1904 (لم يكن فى متناول يدى). (36) Catalogue raisonne des monuments exposes dans le musee nationale de l'art arabe: M. Herz-Bey القاهرة سنة 1906 ص 265 - 277. (37) Notice on some Arabic inscriptions on textiles at the South Kensington Museum. J.R.A.S: A.R.Guest سنة: 1906، ص 387 - 399. (38) المؤلف نفسه Further Arabic inscriptions on textiles, J.R.A.S سنة: 1918، ص 263 - 265؛ سنة 1923 ص 405 - 408. (39) Arabic inscriptions on textiles, J.R.A.S: R. Sewell, سنة 1907، ص 163 وما بعدها. (40) Kunstgeschichte der Seidenweberei: O.v. Falke برلين سنة 1913، جـ 1، ص 15، 28، 47 وما بعدها؛ 51، 77، 83 - 86، 106، 108، 110، 119 - 121 الأشكال رقم 105، 107، 153، 162، 172، 187، 191، 202 وما بعدها، 205، جـ 2، الأشكال رقم 224، 338، 340، 342، 355، 358، وما بعدها، 363، 366، 368، 372، 377. (41) Early textiles in the Cooper Union Collection, in Art in America: R. Meyer-Riefstahl جـ 3، سنة 1915، ص 231 - 254، 300 - 308؛ جـ 4، سنة 1916, ص 43 - 52. (42) Reliquiasde los musulmanos en Cataluna. Revista de archivos. bibliothecas museos: Amador de los Rios، جـ 33،

سنة 1915، ص 173 - 212 (لم يكن فى متناول يدى). (43) Le stoffe e le vesti tombali di Cangrade I della Scala: G. Sangiorgi فى Bolletino d'arte, جـ 1، سنة 1921، ص 441 - 457. (44) Die Renaissance des Islams: A. Mez، هيدلبرغ، سنة 1922، سنة 1922، ص 118، 432 - 434. (45) Un tissu de soie persan du X Eme siecle au Musee du Louvre: G. Migeon فى Syria جـ 3، سنة 1922، ص 41 - 43. (46) E.Blochet: مجلة الجمعية الآسيوية الملكية، سنة 1923، ص 613 - 617. (47) Victoria and Albert Museum department of textiles, Catalouge of Muhammadan textiles of the medieval period: A.F.Kendrick، لندن سنة 1924، وانظر G.Wiet: المجلة الآسيوية، جـ 206 سنة، 1916، ص 341 - 344. (48) Vom Werden und Wesen der islamischen Welt. Islamstudien: C.H.Becker، جـ 1، ليبسك، سنة 1924، ص 182 - 184. (49) Terazstoffe der Abbasiden: E. Kuhnel فى lsl، جـ 4 سنة 1925، ص 82 - 88. (50) المؤلف نفسه: Islamische Stoffe aus agyptischen Grabern in der islamischen Kunstabteilung and in der Stoffsammlung des Schlossmuseums، برلين سنة 1927. (51) A silk fabric woven in Baghdad: A.F. Kendrick and R. Guest فى Burlington Magazine جـ 49، سنة 1926 ص 261 - 267. (52) Musee national du Louvre, les collections de l'Orient Musulman: G. Salles and M. J. Ballot باريس سنة 1928، ص 73 - 75. الشنتناوى [كرومان A.Grohmann]

طراز

طراز: إن المادة السابقة قد اكتملت تمامًا حين كنت فى القاهرة، إذ تفضل الأستاذ فيت فغمرنى بكرمه وأطلعنى على مجموعته النفيسة من كتابات الطراز وهى مجموعة فيها ذخر من المعلومات الجديدة، بعضها فى حوزة التجار وبعضها فى يد جامعى الآثار، وبعضها فى المتاحف على اختلافها. بيان دار الآثار العربية بالقاهرة لحقيقة بالفخر، فقد استطاعت خلال السنوات القليلة الماضية أن تزيد على مجموعتها القيمة من المنسوجات سلاسل كاملة من القطع اللطيفة عليها كتابات مطرزة. ويأتى بعد هذه الدار فى الأهمية متحف بيناكى فى أثينا الذى لا يبارى. وحسبى أن أذكر من هذه المواد الجديدة التى تشمل نيفا ومائة نص أعظمها شأنا، بحيث لا يسوقنى ذلك إلى أن أتجاوز حدود هذا المقال، على أن التحديد هنا أمر تزداد النفوس له قبولا إذا علمنا أن الأستاذ فيت يعد للطبع جميع نصوص الطراز (Repertoire chronologique d'epigraphie arabe: G.Wiet) (¬1) كما يعد الأستاذ كومب E.Combe مواد الطراز المحفوظة فى دار الآثار العربية بالقاهرة. ويمكن أن نزيد على كتابات الطراز التى تشمل اسم الحاكم كما تشمل عبارات تفيد البركة، قليلا من الكتابات الجديدة من عهد الفاطميين وعهد العباسيين. وينتسب إلى العهد الثانى ثلاثة طرز موجودة فى دار الآثار العربية بالقاهرة: (رقم سجل 8072) ونصه "عز من اللَّه للخليفة جعفر مما [كلمتان ناقصتان] الإمام المقتدر باللَّه أمير المؤمنين سنة عشرة ثلاث مائة، غفر اللَّه له (؟ ) ولوالديه. عز من اللَّه للخليفة جـ[ـــعـ]ــفر"؛ (ومن الواضح أن الكتابة تتكرر)؛ رقم سجل 7961؛ ونصه بعد البسملة [بركة من اللَّه لعبد اللَّه أبى] العباس محمد الإمام الراضى باللَّه أمير المؤمنين أيده اللَّه سنة. . "؛ وثمة قطعة نسيج من مجموعة موريتز نحمان فى القاهرة، وهى جديرة بالتنويه، ذلك أنها وإن كانت غير كاملة، ¬

_ (¬1) أعد الأستاذ فيت هذا المصنف ونشره فى أربعة عشر جزءًا من سنة 1931 - 1944.

فإنه ينقطع فيها الألف فى عبارة "أيده"؛ والنموذج الثالث، ولعله آخر ما بقى من العهد العباسى، نصه كما يأتى (رقم سجل 8164): "بسم اللَّه الرحمن الرحيم. بركة من اللَّه [لعبد] اللَّه أ [بى] العباس الإمام القادر باللَّه أمير المؤمنين [أيد] هـ اللَّه [3 - 4 كلمات ناقصة]. وينتسب إلى العهد الفاطمى ما يأتى: قطعة من مجموعة تانو بالقاهرة وهى من شقتين: أ، ب؛ ونص الشقة أ: [الملـ]ــك الحق المبين اليقين (كذا! ) الحمد للَّه رب العالمين وصلاة اللَّه" ب. . . . . . [أ] لإمام المعز (لدين) اللَّه أمير المؤمنين، صلوات اللَّه عليه وعلى أبنائه الطاهرين"؛ وقطعة أخرى من متحف الفنون الزخرفية بباريس نصها: 1 - [بسم اللَّه الرحمن الرحيم لا [إله إلا اللَّه وحده لا شريك له. . . 2 - . . . بركة من اللَّه لعبد اللَّـ]ـه ووليه نزار [أبى المنصور الإمام العزيز باللَّه أمير المؤمنين]. ونورد فيما يلى نماذج أخرى من الطرز التى جمعت بين اسم الخليفة ووزيره: نموذج من مجموعة نحمان بالقاهرة ونصه: "بسم اللَّه الرحمن الرحيم؛ عز من اللَّه لعبد اللَّه جعفر الإمام المقتدر باللَّه أمير المؤمنين أعزه اللَّه، ما (أ) مر الوزير على بن عيسى بعمله ثلاث وثلاثمائة؛ ونموذج من متحف بيناكى بأثينا ونصه: "بسم اللَّه الرحمن الرحيم، الحمد للَّه [رب] العالمين. بركة من اللَّه للخليفة جعفر الإمام المقتدر باللَّه أمير المؤمنين، أطال اللَّه بقاءه. ما أمر الوزير حامد بن العباس أعزه اللَّه بمصر على يدى شفيع المقتدرى مولى أمير المؤمنين سنة سبع وثلاثمائة. بركة. ومن مجموعة دار الآثار العربية بالقاهرة، رقم سجل: 1 - [بسم اللَّه ا] لرحمن الرحيم؛ لا إله إلا اللَّه وحده. . 2 - صلوات اللَّه عليه. . وعلى أبنائه المنتظرين. مما أمر بعمله الوزير الأجـ[ــل. .]، (وهذه الكتابة نفسها قد بقى بعضها فى طراز نشره Islamische Stoffe aus agyptischen Grabern: E.KUhnel، ص 22، رقم 3132 ولوحة 7، وبها خروم يجب استيفاؤها كما فى النموذج السابق)؛ ومن مجموعة رسل باشا: أ 1 - بسم اللَّه الرحمن الرحيم، لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، محمد رسول اللَّه. . . ب 1 - : ". . . لعبد اللَّه ووليه معد. . . أ 2 - . . .

المستنصر باللَّه أمير المؤمنين صلوات اللَّه عليه ب [وعلى آبائه الطاهرين و] أبنائه الأكرمين، مما أمر بعمله القاضى الأ [جل]. . . ". ومن الطرز ذات الشأن طراز فى دار الآثار العربية بالقاهرة (رقم سجل 7966) ورد به ذكر الجرجرائى. وزير الخليفتين الفاطميين الظاهر والمستنصر، المتوفى سنة 436 هـ، ونصه كما يأتى: "الوزير الأجل صفى أمير المؤمنين وخالصته أبو القا [سم على بن أحمد] "؛ ونذكر بهذه المناسبة طراز بهاء الدولة أبو نصر البويهى (انظر Manuel de genealogie: v.Zambaur جـ 2، ص 212)، وهو على ثوب حريرى من مجموعة ماير George H. Meyer واشنطن، وقد صنع فى الجزيرة: أ - " [عـ]ــزّ وإقبال لملك الملوك د. . . ب [بهـ]ــاء الدولة وضياء الملة وغياث الأ [مة أبو نصر بن عضد جـ: الد] ولة وتاج الملة طال عمره. . د- استعمال أبى سعيد زادان فروخ بن آزادمر الخازن"؛ وثمة أنموذجان للطراز الذى يذكر فيه أمراء مستقلون عن بغداد نختم بهما هذا القسم من المادة، أحدهما نشره ريانو (Industrial Arts in Spain: Riano ص 254) وأمادور ده لوس ريوس Musulmanas: Amador de los Rios Ensenas، ص 148) وقد ذكر فيه اسم الخليفة الأموى هشام الثانى، ونصه بعد البسملة: "البركة من اللَّه واليمن والدوام للخليفة الإمام عبد اللَّه هشام المؤيد باللَّه أمير الموْمنين"؛ والنموذج الآخر مطرز بحروف كبيرة بالخط الكوفى الزخرفى على شقة من النسيج مساحتها 57 × 52 سم من مجموعة موريتز نحمان بالقاهرة، وقد عمل للإمام المنصور يوسف بن يحيى الزيدى (أنظر E.V Manuel: Zambaur، جـ 2، ص 122) ونصه كما يلى: ". . . الداعى إلى الحق أمير المؤمنين يوسف بن يحيى بن الناصر. . . أحمد بن رسول اللَّه صلى اللَّه عليهم أجمعين"، ويظن أن هذا الطراز عمل بدار الطراز فى صنعاء التى سنورد بعد شواهد أخرى على وجودها حينذاك. أما بخصوص دور الطراز فى مصر فبين أيدينا الآن شواهد من كتابات تدل

على أنه كان بتنيس دار طراز عامة علاوة على دار الطراز التى كانت تعمل للخليفة. وذكرت الدار الثانية على نسيج محفوظ بمتحف بيناكى فى أثينا وعليه تطريزة اشتملت على السطرين الآتيين بخيوط من ذهب: 1 - . . [لا إله] إلا اللَّه؛ نصر من اللَّه لعبد اللَّه ووليه نزار أبى المنصور الإما [م العزيز باللَّه]. . . 2 - . . . [ما أمر. . . . الإمام العزيز باللَّه. . . صلوات اللَّه عليه. .. . وعلى أبنائه] الأكرمين بعمله فيطراز (كذا! ) الخاصة بتنيس سنة. . . "؛ وذكرت الدار الأولى على قطعتين من مجموعة نحمان بالقاهرة، وقد خط على القطعة الأولى: بسم اللَّه الرحمن الرحيم. بركة من اللَّه لعبد اللَّه جعفر الإمام المقتدر باللَّه أمير المؤمنين أيده اللَّه، ما أمـ[ــر الوزير] على بن عيسى بعمله فى طراز العامة بتنيس على يدى شفيع مولى أمير ا [لمؤمنين]؛ ولم يبق من القطعة الثانية إلا شقق خط عليها. . [حامد بن] العباس بعمله فى طراز العامة بتنيس على يد شفيع مولى أمير [المؤمنين]. .؛ وثمة قطعة أخرى من المجموعة نفسها تاريخها 309 هـ، ولم تحدد فيها أوصاف دار الطراز بأكثر من ذلك، وقد خط عليها: . . الإمام المقتدر باللَّه أمير المؤمنين أعزه اللَّه، ما أمر الوزير حامد ابن العباس بعمله فى طراز تنيس على يد شفيع مولى أمير المؤمنين سنة تسع وثلاثما (ئـ) ــه محمد". وبين أيدينا الآن من كتابات الطراز إشارتان إلى دار عامة للطراز فى تونة، وكلتا الإشارتين فى متحف بيناكى بأثينا. وقد خطت الإشارة الأولى بخط كوفى نسج بالأسود على الكتان؛ ونصها: ". . منصور أبى على الإمام الحاكم بأمر اللَّه أمير المؤمنين. صلوات اللَّه عليه وعلى آبائه الطاهرين وأبنائه الأكرمين الأخيار وسلم تسليمًا. مما أمر بعمله فى طراز العامة بتونا (كذا! ) سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة؛ لا إله إلا اللَّه. . إنشاء اللَّه والتوفيق باللَّه، الإقبال من اللَّه"؛ والإشارة الثانية نص طرازها أكمل: "بسم اللَّه وباللَّه (كذا! ) الرحمن الرحيم؛ لا إله إلا اللَّه الملك الحق المبين الحمد للَّه رب العالمين، نصر من اللَّه لعبد اللَّه ووليه المنصور. . . الخ" ثم يجرى النص كالطراز السابق ثم يختتم بما

يأتى: "فى طراز العامة بتونه سنة تسعين وثلاثمائة. لا إله إلا اللَّه. . إنشاء اللَّه". أما عن دار الطراز بدمياط فبين أيدينا الآن الكتابة الآتية، وطولها 110 سم، على قطعة من مجموعة خاصة، وقد طرزت بالحرير الأحمر بحروف كبيرة بالخط الكوفى: . . [كلمتان ناقصتان] مما أمر به الوزير [أبـ]ـــو الحسن على بن محمد [كلمتان] فى طراز الخاصة بدمياط وجر (ى) على يدى بشر الخادم مولى أمير المؤمنين سنة ست وتسعين ومائتين"؛ وكان فى البهنسا دار عامة للطراز، كما يتبين من القطعة المحفوظة بدار الآثار العربية بالقاهرة (رقم سجل 720)، ونص الكتابة التى عليها: ". . مما عمل فى طراز الخاصة بمدينة البهنـ[ــسـ]ـــا" أما عن وجود دار عامة للطراز بالفيوم (ومما يدعو إلى الأسف أننا لا نستطيع أن نتبين الاسم على وجه التحقيق) فلدينا شاهد من كتابة جميلة على رداء محفوظ بدار الآثار العربية فى القاهرة (رقم سجل 9061): [. . .] دة والنعمة كاملة لصاحبه؛ مما عمل فى طراز الخاصة بسطمول (؟ ) من كورة الفيوم. ونستبين اسمين آخرين لدور الطراز من شقتين لقطعة من النسيج (رقم سجل 7086 و 8174) محفوظة بدار العربية بالقاهرة؛ على أننا لم نستوثق بعد من قراءة الاسمين، فالفقرة الملائمة فى الشقة الأولى هى: مما عمل بالسد على يد محمد بن هلال سنة [ست] خمسين مائتين؛ والفقرة الملائمة فى الشقة الثانية هى: [فـ]ـي طراز العامة باسمون فى سنة ثلاث وعشرين [. . .] وربما جنح المرء إلى قراءة الاسم الأخير "أشمون" لولا الزيادة الكثيرة فى أسنان حروف الكلمة. ونحن نعلم الآن بوجود دار للطراز بالقاهرة، دون أن نصل إلى مزيد فى التحديد، من سلاسل كاملة من قطع النسيج تواريخها 298، 301، 305، 330، 336، 353 هـ، ومعظم هذه القطع فى مجموعة نحمان. ويرد فى ثلاث كتابات طراز من هذه المجموعة ذكر: لأطراز العامة بمصر" (إحداهما تاريخها سنة 302 هـ، والثانية تاريخها سنة 310 هـ، أما الثالثة فلم يرد تاريخها) وحسبى أن أسوق هنا كتابة بنصها الكاهل لأنها تشير إلى كسوة: "بسم اللَّه الرحمن الرحيم. بركة من اللَّه لعبد اللَّه

جعفر الإمام المقتدر باللَّه أمير المؤمنين أيده اللَّه. مما أمر الوزير على بن محمد فى طراز العامة بمصر على يدى شفيع مولى أمير المؤمنين سنة عشر ثلاثمائة [حرف أو حرفان] كسوة؛ ونحن نتبين وجود دار للطراز خاصة تعمل لسد حاجة السلطان علاوة على الدار العامة، من قطعة نسيج من الكتان فى دار الآثار العربية بالقاهرة (رقم سجل 7085) عليها الكتابة الآتية: "". . . [أ] مير المؤمنين أعزه اللَّه، مما أمر بعمله فى طراز الخاصة بمصر سنة أربع وخمسين ومائتين"، كما نتبين ذلك أيضًا من قطعة نسيج بمتحف بيناكى بأثينا، وعليها كتابة نصها: ". . . [أ] أمير المؤمنين أيده اللَّه، أمر الوزير. . . [أ] عزه اللَّه بعمله فى طراز الخاصة بمصر سنة خامس [وسـ]ــــتين وثلاثمائة". ومن الأمور ذات الشأن أننا نعلم الآن بوجود دارين للطراز خارج مصر علاوة على هذه الشواهد الجديد الدالة على وجود دور للطراز بهذه البلاد. الدار الأولى فى طبرية، وقد ذكرت فى طراز سجادة مساحتها 15 × 233 سم محفوظة فى متحف بيناكى بأثينا، والكتابة التى عليها من سطرين طول كل سطر 95 سم، الأول فى أعالاها والثانى فى أسفلها، وقد خطت الكتابة بالخط الكوفى الجميل بحروف كبيرة طرزت باللون الأسمر الكستنائى، وتكرر نصها مرتين: "بركة كاملة ونعمة شاملة وسعادة متواصلة لصاحبه؛ مما أمر بعمله فى طراز الخاصة بطبرية"؛ والدار الأخرى فى صنعاء، وقد ذكرت فى طراز قطعاة من النسيج اليمنى المخطط حصلت عليها دار الآثار العربية بالقاهرة، ونص كتابة هذا الطراز كما يأتى: "بسم اللَّه الرحمن الرحيم والحمد للَّه رب العالـ[ــــمين وصلى] اللَّه على محمد عبده ورسوله [كلمتان أو ثلاث] اللَّه وبركة. بركة من اللَّه ويمن وسعادة ونعمة لعبد اللَّه الخليفة جعفر الإمام المقتدر باللَّه أمـ[ـــــــير] المـ[ـــــــؤمنين] أطال اللَّه بقاءه وأدام إعزازه وسلامته. مما أمر بعمله فى طراز الخاصة بصنعاء سنة إحدى وعشرة وثلاثمائة". ونستخلص من ذلك أن العباسيين كان لهم دور طراز خاصة أيضًا فى قصبة اليمن التى اشتهرت شهرة عريضة بمنسوجاتها. خورشيد [كرومان A. Grohmann]

طرفة

طرفة طَرَفة بن العبد البكرى: يعد بإجماع النقاد العرب من فحول شعراء الجاهلية ومن ناظمى القصائد الطوال المعروفة بالمعلقات، وهو فى الوقت نفسه من أوائل الشعراء المبرزين فى تلك الحقبة الذين بقى شعرهم. وشارحو المعلقة وشعره المجموع يستنبطون له سلسلة نسب متصلة يمكننا منها على أية حال أن نستخلص على التحقيق أنه إنما ينتمى إلى فرع من بكر من قبائل وائل. ويذكر اسم أبيه على أنه العبد بن سفيان. والاسم "العبد" هو على الراجح ليس إلا اختصارًا لاسم فيه معنى العبودية لرب من الأرباب. والتراجم التى ذكرها له مؤلفو العرب فيها إسراف زائد، وعادة ما تبذل محاولات لاستخلاص حقائق من أشعاره؛ والذى يبدو أشد قربًا من الواقع أنه كانت له صلات ببلاط ملوك الحيرة وخاصة بالملك عمرو بن هند الذى حكم على وجه التقريب من 554 إلى 568 م. وكانت منازل قبيلة الشاعر تقع فى الجنوب الشرقى من الجزيرة العربية، فى البحرين واليمامة، ويظهر أيضًا أنها كانت موطن الشعراء العرب الأولين الذين نملك عنهم جانبًا من المعلومات التى يعول عليها. ومن المحتمل أن الشعر العربى كما نعرفه قد انتشر من هذا المكان من الجزيرة العربية. واتصل طرفة كما تحدثنا رواية تشوبها الأساطير، بالمُسَيَّب بن عَلَس الشاعر الذى كان متقدمًا عليه فى الزمن والذى يقال إنه أصلح له لحنا وقع فيه فى قصيدة له. وعلى العموم فعلماء التراث القديم من العرب يصفون طرفة بأنه من الشعراء الذين نبغوا نبوغًا خارقًا فى سن مبكرة، ويستدلون بقصيدة له (Ahlwardt، رقم 1) على أنه كان ما يزال صبيًا عندما نظم بعد موت أبيه أبياتًا يعيب فيها على أعمامه سوء مسلكهم مع أمه وردة (¬1). وقد اختطفه الموت أيضًا صغيرًا جدًا، انتهى إلينا هذا استنتاجًا من بعض أبيات للخرنق -ويقال إنها كانت أخته- وهذه الأبيات تشير إلى أن عمره كان 26 سنة (¬2) كذلك يقال إنها كانت ابنة لرجل يدعى هفان، ومن ثم فإن الأكثر ¬

_ (¬1) مطلعها: ما تنظرون بحق وردة فيكم ... صغر البنون ورهط وردة غيب. (¬2) عددنا له ستا وعشرين حجة ... فلما توفاها استوى سيدًا ضخمًا.

احتمالًا أن مرثاتها التى قيلت فى رجل آخر غير معروف حملت على أنها قيلت فى طرفة الذى يجوز أن يكون توفى قبلها فى عمر مبكر بعض الشئ. وبموازنة التاريخ المعاصر لذلك نستطيع أن نحصل على بصيص من النور فى هذا الصدد، فحين خلف عمرو أباه سنة 554 م أوصى إخوته بأمور، غير أنه وضع من شأن أخيه غير الشقيق عمرو بن أمامة. وقد ذهب هذا الأخير إلى جنوب الجزيرة العربية وفى صحبته طرفة ليستعين بأمراء اليمن. وقد ترك طرفة بعضًا من الإبل كانت لديه -أو كانت لطرفة ورثها عن أبيه- فى إقليم قابوس أخى الملك، وكان قابوس وعمرو بن قيس الشيبانى يليان هذا الإقليم. وتلقى عمرو بن أمامة العون من قبيلة مراد اليمنية جنودًا تحت إمرة هبيرة بن عبد يغوث. وحين بلغ الجنود اليمامة سقط هبيرة مريضًا من شربة شربها من بئر ماء، وأرسل إليه عمرو بن أمامة طبيبًا فوضع حديدًا محمى دون خبرة على معدته لعلاجه فكاد أن يودى بحياته. وظن هبيرة أن الطبيب كان يعمل بإيحاء من عمرو فدس عليه من قتله فى مكان يقال له قضيب، ورجع هو ورجال عشيرته إلى اليمن؛ ومضى الرجل الذى قتل عمرًا بأسرته إلى الحيرة متوقعًا جائزة مناسبة من الملك عمرو، ولكنه بدلا من أن ينال المكافاة أُحرق هو وأسرته أحياء، وهذه الحادثة ذكرها طرفة فى قصيدته الأولى من الديوان نسخة ابن السكيت (ولا يوجد منها فى طبعة آلوارت Alhwardt غير أبيات قليلة). والشاعر يزعم أيضًا فى القصيدة نفسها أن الإبل المستباحة التى عادت كانت ملكًا لأبيه الذى يسمى هنا معبدًا. وكانت تسرح بالقرب من تبالة (ابن السكيت، رقم 2) وفى هذه القصيدة التى نعدها جد متأخرة، فإنه ينفس عن غضبه الكامن لأن الأبل لم تعد، ثم هو يتهم أيضًا رجلًا اسمه عبد عمرو بن بشر الذى لم يكن يمت بصلة قرابة للملك كما يدعى مؤرخو السير عامة؛ ويبدو أن هذا الأخير قد أفاد من استباح الإبل. ولم يكن لهذه القصيدة التأثير المرتجى فشن طرفة حملة قاسية على الملك قال فيها: قد يكون من الخير أن تكون لىنا نعجة تحكمنا مكان الملك عمرو (القصيدة 17 بيتًا فى رواية ابن

السكيت وتسعة أبيات فقط عند آلوارت رقم 17.7). (¬1) وهى تدل على أن التوتر كان قد بلغ منتهاه، فإنه يُستشف من قصيدة لأخت طرفة لم يذكرها ابن السكيت أن عبد عمرو كان مسئولا مسئولية كبرى عن وقوع طرفة فى يد حاكم البحرين (وهذه القصيدة لم يذكرها آلوارت ولا سلكسون Seligsohn) ويذهب ابن السكيت إلى أن حاكم البحرين لم يكن راغبًا فى قتله وأن الملك أرسل واحدًا من رجاله فقتل الحاكم الخارج عليه كما قتل طرفة. وعلينا أن نورد مقابل هذه قصة الخطاب، ففى رواية مشهورة أن الملك عمرا رأى أن يعطى طرفة وقريبه المتلمس، بعد وفودهما على مقر ملكه زائرين حيث قابلهما بالترحيب، خطابًا لكل منهما يوصى حاكم البحرين بأن يكافئهما مكافأة تليق عند وصولهما. وهذا الأسلوب فى المكأفاة مع أنه لم يكن مألوفًا، فقد كان مقبولًا فى ظاهره ظنًا بأن العطاء سوف يكون من ماشية. غير أن المتلمس داخلته ريبة ففض ختم الخطاب وطلب إلى غلام من الحيرة أن يقرأ ما تضمنه الخطاب. وعند قراءة الخطاب وجد أنه يتضمن أمرًا بقتلهما. وحرصًا على حياته عزم على أن يذهب إلى الشام ونصح طرفة بأن يفتح هو الآخر خطابه، غير أن طرفة أبى أن يفعل فعله ظنًا منه أن الملك يستحيل عليه أن يجرؤ فيقتله وهو بين عشيرته. وعلى حين هرب المتلمس إلى الشام ومن هناك بعث بقصائده الهجائية إلى الملك، فقد ذهب طرفة إلى البحرين ولقى حتفه الشنيع، إذ دفن حيًا بعد أن قطعت أطرافه. وإنى أعتقد أن هذه الرواية اخترعها علماء التراث القدامى الذين عرفوا من قصائد المتلمس أن طرفة ذكر خبر الخطاب فى شعره، ولكن محتوياته لم تكن معروفة، وقد تكون ذات صيغة تختلف عن هذا الاختلاف كله. وابن الأنبارى فى تقديمه لشرحه على المعلقات يسوق سلسلة غير منقطعة من الأسانيد تصل إلى المتلمس نفسه، سلسلة تنم الظواهر كلها على أنها حقيقية إلا إذا اشتبهنا فى صحة رواية حماد الراوية (طبعة Rescher، ص 1). ومن الشرح نفسه نعلم أن طرفه استقبل من الملك ¬

_ (¬1) بيت طرفة: فليت لنا مكان الملك عمرو ... رغوثا حول قبتنا تخور

عمرو ومن أخيه قابوس بغير ترحاب، وذلك حين زار بلاط أبيهما أثناء حكمه (المصدر المذكور، ص 5). ومن ثم فإنى أميل إلى القول بأن طرفة لم يزر أبدًا بلاط الملك عمرو أثناء حكمه، غير أنه انحاز إلى أخيه غير الشقيق عمرو بن أمامة، وذهب معه إلى اليمن حيث أقاما معًا سنوات عدة، لأن عمرو بن أمامة تزوج هناك وأنجب عددًا من الأولاد قبل أن يذهب على رأس البعثة إلى اليمامة (شرح ابن السكيت) وهذا أيضًا يجعل من المستحيل موت طرفة فى سن مبكرة، فلقد كان فى بلاط الحيرة قبل اعتلاء عمرو العرش شريفًا فيما يرجح من شرفاء قبيلته. وأمضى أعوامًا عدة فى جنوب الجزيرة العربية، وقد يكون عندها صغيرًا بالقياس إلى شيوخ آخرين، غير أنه من الشطط أن نقرر آراء محددة فى هذا الصدد. أما بالنظر إلى آرائه الدينية فغاية ما يمكن، أن نقوله استنادًا إلى قصائده: إنه ليس من المستطاع استخلاص شئ يشير إلى أى أمر آخر غير اعتناقه للمعتقدات الوثنية القدرية المألوفة. وأما بالنظر إلى مكانته فى الشعر ففى وسعنا أن نردد فحسب الرأى الذى قال به النقاد العرب، وهو رأى غير قاطع عن: هل هو من فحول شعراء الجاهلية، أم هو أسبقهم جميعًا؟ وإن وصفه للجمل فى معلقته قد لقى بحق ما يستحقه من شهرة، ولا نكاد نجد شاعرًا عربيًا آخر بذه فى ذلك. وفيما يتعلق بصحة نسبة شعره إليه فارانى مضطرًا إلى أن أحيل القارئ إلى آراء كل من آلوارت وكيكر Gieger, غير أنى أحب أن أشير إلى أنه قد تكون له قصائد أخرى صحيحة النسبة إليه غير التى ذكرها الكاتبان المذكوران. وإذا كان المتلمس والأعشى وعبيد، راوى الأعشى، وسماك ابن حرب وحماد الراوية والهيثم بن عدى، إذا كان هؤلاء قد رووا شعره حقًا فيجوز لنا أن ننتظر أن قصائده قد وصلت إلى العصر الذى كان يمكن أن يتناولها فيه النحاة بالتعليق آخر الأمر، ومن ثم فقد بقيت سليمة بعض السلامة. وأحسن ما بين أيدينا من روايات عن هذا الشاعر نجده فى الديوان فى نسخة ابن السكيت حيث خلط المحقق لسوء الحظ بين ملاحظاته وملاحظات

المصادر

الأعلم، كما نجده فى التقديم الذى قدم به ابن الأنبارى للمعلقات. المصادر: (1) ديوان الشعراء الستة الجاهليين، طبعة W. Ahlwardt, لندن 1870. (2) ديوان طرفة، طبعة M.Seligsohn مع شرح الأعلم، باريس 1901. (3) شرح ديوان طرفة، طبعة أحمد ابن أمين الشنقيطى، قازان 1909 (وهو يضم بين دفتيه شرح ابن السكيت). (4) لويس شيخو: شعراء النصرانية. بيروت 1890. (5) ابن الشجرى: مختارات، القاهرة 1888 (والطبعة الجديدة سنة Tharaphae Moallakah 1924)، طبعة Reiske، ليدن 1742. (6) The Moalakat: Jones لندن 1783. (7) Die hellestrahlenden Pleyaden: A.Th.Hartmann، مونستر 1802. (8) Tarafae Moallaco cum Zuzenii scholiis: J. Vullers، بون 1829. (9) Die Sieben Preisgedichte: P. Wolff؛ روتول 1857. (10) Septen Mo'allacat: F.A Arnold, ليبسك 1850. (11) Die sieben Mu'allakat: Abel، برلين 1891. (12) The ten ancient Arabic poems: C.J. Lyall كلكتة 1894 (مع شرح التبريزى). (13) جمهرة أشعار العرب، القاهرة 1890. (14) Trafa's Mo'allaqa mit dem kommentar des Abu Bakr . . . Ibn al-Anbari: O.Rescher, إستانبول 1329 هـ. (15) Nonnulla Tar: B. vandenhoff برلين afac poetae carmina etc 1890 (16) Die Mu'allaqa des Tarafa ubersetzt und erklart: B.Gieger فى W.Z.K.M مجلد 19، 20. (17) Bemerkungen uker die Echtheit der alter arabischen Gedichte: W. Ahlwardt، كريسفالد 1872. (18) Studien in arabischen Dichtarn: G.Jacob، برلين 1893.

الطرماح

(19) وقد استشهدت كتب لا تعد بأبيات وشذرات من شعر طرفة. (20) واستشهد لسان العرب بطرفة 264 مرة وفقا للفهرس الذى أعددته لهذا المعجم. الأبيارى [كرنكو F.Krenkow] الطرماح ابن حكيم الطائى: شاعر مشهور من القرن الأول للهجرة، انحدر من بطن من بطون قبيلته عظيم الحسب والجاه، ويعد جده قيس من بين الذين وفدوا إلى مكة فى العام التاسع للهجرة لتقديم ولائهم للنبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-]. وقد ولد الطرماح نفسه فى الشام فى قول أوثق الروايات، وأمضى السنوات الأولى من حياته هناك؛ ثم ذهب إلى الكوفة جنديًا، وتأثر بإمام من أئمة الخوارج فأصبح خارجيًا، وظل مخلصًا لعقائد الخوارج حتى آخر حياته. وشهد الطرماح وهو جندى أو غير جندى عدة أنحاء من فارس، وقد تميزت أشعاره المجموعة عن أشعار معاصريه باستخدامها الواعى لألفاظ من الغريب أشبه بما استخدمه رؤبة الشاعر الرجاز الذى عرف بذلك. وهذه الأشعار بقى بعضها فى مخطوط أندلسى قديم جدًا. وكان رؤبة فى نظر نحاة البصرة مرجعًا يرجع إليه فى الألفاظ الغريبة، ويروى الأصمعى النحوى وبعض الكتاب الآخرين أن رؤبة زعم أنه تعلم هذه التعبيرات الغريبة من الطرماح. والغالب أن هذا الزعم لا يقوم على أساس صحيح، لأن الطرماح كانت قد أدركته منيته عندما نبه شأن رؤبة. وكانت صلة الطرماح بالشاعر الكميت، وهو شاعر شيعى من الغلاة غير مغمور، مخالفة لصلته برؤبة، لأن صداقتهما كانت وثيقة وطيدة بالرغم من أنهما كانا يكادان يختلفان فى كل شئ آخر غير ما ذكرنا؛ ذلك أن خيانة التميميين من أسرة المهلب، وسقوط يزيد بن المهلب عام 102 هـ (720 - 721 م) وابتهاج التميميين السافر لذلك قد حمل الطرماح على معارضة الشاعر الفرزدق وانتهى الأمر بأن انسحب الفرزدق من هذا الخصام فيما يظهر، جعد أن هجاه الطرماح بقصيدة هجاء لاذعًا. وظلت هذه القصيدة أكثر من قرن من الزمان تعتز بها اليمنية، ولا يملون تلاوتها كلما أرادوا هجاء التميميين. وفقد أمان

المصادر

حفيد الطرماح بعد ذلك بقرن منصب الكاتب فى شمالى إفريقية حين ولى إبراهيم بن الأغلب حكم هذه البلاد عام 184 هـ (800 م) وكان إبراهيم يدّعى أنه من سلالة تميم. وديوان الطرماح الذى لم يبق منه إلا شذرات لا يعطينا إلا فكرة ناقصة عن خلق هذا الشاعر وشخصيته، على أننا نلمس فى بعض أشعاره مسحة من الزهد تختلف كل الاختلاف عن أشعار خصمه الداعر. وثمة أبيات من قصائده فى الوصف مليئة بالألفاظ الغريبة التى تكثر المعاجم العربية من الاستشهاد بها على وجود هذه الألفاظ فى اللغة، ولكنى استطعت أن أستوثق إلى حد كبير من أن الطرماح استخدم كثيرًا من الألفاظ التى وردت بنفس معانيها فى أشعار أبى زبيد أحد أفراد قبيلته، وفى أشعار ابن مقبل (تميم بن أبىّ بن مقبل العجلانى). ويحتمل أن يكون الطرماح قد عرف شخصيًا هذين الشاعرين فى شبابه، ومن ثم جاز لنا أن نذهب إلى أن الألفاظ التى استخدمها توجد حتما فى لهجات بعض القبائل العربية، ولم تكن ألفاظًا مستحدثة، وهو الأمر الذى يغلب على الشاعر رؤبة. المصادر: (1) أشعار طفيل الغنوى والطرماح ابن الحكم، طبعة F.Krenkow ليدن سنة 1928. (2) كتاب الأغانى، جـ 10، ص 156 - 160. (3) ابن قتيبة: كتاب الشعر، طبعة ده غوى. (4) المرزبانى: الموشح. وقد ورد ذكر الطرماح فى لسان العرب أكثر من مائة مرة كما استشهد الزمخشرى فى أساس البلاغة بخمسة وستين بيتا من أشعار الطرماح لا توجد فى النسخة الخطية من الديوان ولا فى أى مصدر آخر. الشنتناوى [كرنكو F.Krenkow] طريف قائد الجنود المسلمين الذين كانوا أول من نزل بأرض إسبانيا سنة 91 هـ (710 م). وقد اختلف مؤرخو العرب فى أصل هذا المولى من موالى القائد المشهور موسى بن نصير فيقول

المصادر

بعضهم إنه من أصل بربرى، ويقول بعضهم إنه من أصل عربى. ويذكر الرازي أن اسمه هو: أبو زرعة طريف ابن مالك المعافرى، على حين يروى ابن خلدون أنه: طريف بن مالك النخعى. ويُخلط أحيانًا بينه وبين مولى آخر من موالى موسى بن نصير هو طارق بن زياد. ونحن نعلم أنه حين استحث الكونت يوليان موسى بن نصير لعبور المجاز إلى أسبانيا على رأس جيشه، رجع موسى إلى مولاه الخليفة الوليد، فأمره أن يستكشف جنوبى الجزيرة الأيبيرية بكتيبة من الجنود الخفاف قبل أن ينفذ أية حملة على البلاد؛ وصدع موسى بأمر الوليد فأنفذ طريفًا فى أربعمائة راجل ومائة فارس كلهم من البربر. وعبر طريف بقوته الصغيرة هذه مجاز جبل طارق، ونزل بشبه الجزيرة التى نسبت إليه فقيل: "جزيرة طريف ثم قفل راجعًا إلى إفريقية بعد أن غنم غنيمة عظيمة وعاد بالكثير من الأسرى. وقد وقع هذا الاستكشاف الأول فى رمضان سنة 91 هـ (يولية 710) وأعقبته الحملة الكبيرة التى قادها طارق بن زياد؛ ولا نسمع بعد ذلك شيئًا عن طريف. المصادر: (1) مؤرخو العرب الأندلسيين وخاصة التاريخ الذى لا يعرف مؤلفه: "أخبار مجموعة"، طبعة Ajbar mach Lafuente y Alcantara) (mua مدريد 1867 , ص 6 من النص العربى، وص 20 من الترجمة. (2) ابن عذارى: البيان المغرب، طبعة دوزى، جـ 2، ص 6؛ ترجمة فانيان، جـ 2، ص 6 - 7. (3) المقرى: نمْح الطيب: Analectes، الفهرس. (4) Histoire de L'Espagne musulmane: Dozy، جـ 2، ص 32. (5) Les Berbers: Fornel, باريس 1875، جـ 1، ص 240 - 241. (6) Estudio sobre la invasion de los drabes en Espana a: E. Saavedra مدريد 1892. خورشيد [ليفى بروفنسال E.Levi-Provencal]

طريقة

طريقة (والجمع طرق): هذا اللفظ العربى الذى يعنى السبيل قد أخذ معنيين اصطلاحيين متعاقبين فى التصوف الإسلامى: (1) فهو فى القرنين التاسع والعاشر من التاريخ الميلادى عبارة عن منهج لعلم النفس الأخلاقى يدبر عمليًا ضروب السلوك الفردى. (2) وهو بعد القرن الحادى عشر الميلادى قد أصبح عبارة عن جملة مراسم التدبير الروحى المعمول به من أجل المعاشرة فى الجماعات الإخوانية الإسلامية المختلفة التى بدأت تنشأ منذ ذلك الحين. ونتناول هنا التصوف الإسلامى فيما يتعلق بثمراته الاجتماعية ومنظماته الجماعية ونهاياته التى انتهى إليها تحقيقه العملى على أيدى جماعات إسلامية مؤمنة. وقد ظلت لفظة "طريقة" غامضة فى معناها الأول (انظر نصوص الجنيد والحلاج والسراج والقشيرى والهجويرى)، وأصبحت تدل أكثر ما تدل على منهج نظرى مثالى (وأقوى منها لفظتا رعاية وسلوك) من شأنه أن يدبر كل سلوك، وذلك برسم طريق لسفر النفس إلى اللَّه تسلكه خلال منازل نفسية مختلفة هى المقامات والأحوال، وهى التطبيق العملى الحرفى للشريعة حتى الحقيقة. . وقد أثارت هذه الدعوى الجريئة ثائرة المطاعن بل الاضطهاد من جانب الفقهاء. وعيّن أئمة التصوف طرائقهم وحدودها على مقتضى أنماط أكثر ملاءمة للسنة، جامعين لآداب الصوفية بما يدرأ هذه الشكوك، وذلك من السلمى والمكى حتى ابن طاهر المقدسى (صفوة) والغزالى، ومراعين الفتح على أنه الغاية من الوصول المباشر إلى الحقيقة؛ وأنهم ليهجرون تدريجًا السماع الذى من شأنه أن يحرك مع الوجد ما يؤدى إلى الشطح، وغالبًا ما يكون مستشنعًا، مستعيضين عنه بتلاوات محددة لأدعية لها أساس من القرآن الكريم (ذكر)؛ وهكذا يعد المريد لحال من التفكر يروض عليها نفسه فى صمت فيما بينه وبين نفسه؛ وإنها لحال يتعزى فيها رويدًا رويدًا الإدراك المتعاقب للأنوار

المختلفة التلوين عن قالبه من الكلام. ووضوح الذكر الذى يتلى وتجوهره فى القلب الذى يعاين عندئذ الذات الإلهية ثمرة لدعائه، هو ما عبر عنه السهروردى بقوله: "ذكر الذات بتجوهر نور الذكر فى القلب" (عوارف المعارف، الباب 27 جـ 2، ص 191). وهكذا انتهت الطريقة إلى أن أصبحت تدل على المعاشرة القائمة على الرعاية الإسلامية العادية وعلى سلسلة من الوصايا الخاصة، لكى يصبح الإنسان مريدًا (فقير، وبالفارسية درويش). ويتلقى المريد (كندوز) البيعة أو التقليد أو الشد أمام طائفة من الشهود ذوى المراتب: من شيخ السجادة (= بيرفى فى الفارسية؛ بابا فى التركية)، والمرشد (رنْد أو رابهر فى الفارسية وغير ذلك) والمقدم والنقيب والخليفة والترجمان. . الخ. وينبغى عليه أن يعمل كما لو كان متبعًا نظام حياة قوامها السياحة، والعزلة والخلوة والأربعينية (= جهل بالفارسية)، وذلك بالقرب من ذوى المراتب هؤلاء فى رباط أو زاوية (= خانقاه بالفارسية = تكية بالتركية) للطريقة التى تعيش على الهدايا والتى تبنى عامة بالقرب من ضريح ولى من الأولياء يحتفل بمولده أو عرسه، وتلتمس فى زيارته البركة. وتتميز حياة المعاشرة فى داخل الرباط بين الإخوان (= أخيلر بالتركية، وهى لفظة أناضولية من القرن الثالث عشر؛ ولم تكن هناك محاولات لإقامة أربطة للأخوات إلا فى سورية ومصر، وذلك فى القرنين الثالث عشر والرابع عشر) برياضات من قبيل النوافل كالسهر والصيام والورد (كأن يردد الدعاء بـ "يالطيف" مائة مرة أو ألف مرة) والذكر أو الحزب لاسيما فى مواسم معينة (وهى ضروب من العبادات التى يقوم بها الإيقاظ ممن لا يغفلون: على نحو ما هو الشأن فى البراءة والرغائب والقدر)، كما تتميز بالرخص مثل: جمع الصدقات (القسامة: مجموعات فى الكشكول)، وبالحضرة والوظيفة والزردة، حيث يقع فى معظم الأذكار وكل ذلك من قبيل المباحات.

وكما لاحظ كاله Kahle فإن مراسم البيعة المطابقة لمراسم الدخول فى نقابات أرباب الحرف ذات الأصل القرمطى، هى فيما يرجح مستقاه من هذه النقابات فى القرن الثانى عشر (وقد نشر lslam: Taeschner، جـ 6، ص 169 - 172 صورة تركية مصغرة من القرن السابع عشر تمثل منظر البيعة). وإجازة البيعة المستعملة منذ سنة 1227 (انظر ابن أبى أصيبعة: عيون الأنباء: جـ 2، ص 250) تنقل إسناد المحدثين لكى تعطى للمبايع الجديد سلسلتها المزدوجة أو شجرتها، وفى الوقت نفسه يتسلم المبايع خرقة مزدوجة هى (خرقة الورد؛ خرقة التبرك)، شاهدة من حيث هى قسم مزدوج (عهد اليد والاقتداء = التلقين وعهد الخرقة) بنسبها المزدوج فى التبنى وبالانتقال الشفوى لقاعدة التربية، وبالإسهام (الإشراق الخاص) الذى يعدل فى قيمته ما أخذه المبايع على نفسه من عهد الطاعة. وقد دأب الفقهاء السنيون على محاربة البدع التى انتشرت على أيدى الطرق: رياضاتهم التى هى من قبيل النوافل، ورخصهم، وثيابهم الخاصة (عماماتهم المميزة بعصاباتها الملونة: الكلاه؛ التاج. . الخ)، واعتقاداتهم فى التأثير الفعال الخارق للتلقين والبركة، وخضوعهم الأعمى للكشف الإشراقى الفردى والفوضوى لكبير غير مسئول. وقد عنوا عناية خاصة بالنقد التاريخى لإسناد البيعة، مظهرين ما فى هذه السلاسل من ثغرات ومجانبة للتصديق؛ وإنهم ليستعلون على الإسناد الإلهامى الذى يؤسس ما تمتاز به الطريقة على ظهور كائن ولى خفى أبدى هو الخضر الذى تقدسه كل الجماعات الإخوانية على أنه أستاذ الطريقة من حيث أنه كان دليلا لموسى عليه السلام بحسبما ورد فى القرآن الكريم (سورة الكهف: الآيات 59 - 81)، فهو إذن قادر على أن يدبر نفس الصوفى حتى يصل بها إلى الحقيقة. وفى تركية كثيرًا ما كانت الحكومة تضطهد الجماعات الإخوانية من أجل صلاتها الشيعية؛ وبعد هدنة قصيرة

مدخل إلى تصنيف الطرق الإسلامية

أراد مذهب الوحدة الإسلامية الحميدى أن يصطنع هذه الجماعات فى سنة 1925 بسبب مؤامرة انقلابية. وفى البلاد الإسلامية الأخرى، وعلى الرغم من بعض جهود الإصلاح الهامة من الناحية الأخلاقية (الهند) أو العقلية (الجزائر)، أصبحت الجماعات التى نحن بصددها فى حالة اضمحلال كامل، فالشعبذات لبعض المريدين من الطبقة الدنيا، جعلها كلها تقريبًا عرضة لعداوة الصفوة من المسلمين المحدثين. ومع ذلك فإن الطرق، ومهما يكن فى مستواها من بعد عن المثل الأعلى للصوفية الأولين، فإن الدور الكبير الذى لم تنقطع عن أدائه فى الحياة الشعبية، المتواضعة العميقة للجماعة الإسلامية، يبشر بنتائج هامة لهؤلاء الذين أخذوا على أنفسهم أن يستعمقوا الدراسة النقدية لقواعد الطرق وكتاباتها. وقد أظهر بعض العلماء بأحوال الشعوب وانتشارها، مثل تريميرن Tremeame ووستر مارك Westermark أن كثيرًا من شعائر هذه الطرق مركب تركيبًا يقوم على قواعد لعبت فيه العبادات الإسلامية دورًا لم يكن متوقعًا. والحق إن هذه الشعائر إما أن تكون آثارًا بقيت من الجاهلية (كما فى الهند وجاوة) وإما أن تكون مؤثرات تسربت إليها من القائلين بمذهب حيوية المادة (مثل زار الكلشنية فى القاهرة، المستقى من قبائل الأزندة بالسودان؛ وقرابين عيسوية مكناس، على غرار البورى Bori عند قبائل الهوسة (الحوصة): انظر R.M.M جـ 44، ص 1 - 52). وسيكون لعلم العادات والتقاليد الشعبية المقارن ولعلم النفس التفاضلى على السواء شئ يستقيانه أيضًا من الأسانيد والوثائق المقدسة للطرق الإسلامية الكبرى (انظر Melanges R. Basset 1923, جـ 1، ص 259 - 270؛ Journal de Psychologie 1927، ص 163 - 168). مدخل إلى تصنيف الطرق الإسلامية لكى نضع محتويات هذا التصنيف فى موضعها من الحقيقة التاريخية، فلنذكر فى إيجاز أن المحاولات المنفصلة لإقامة حياة المعاشرة فى الإسلام لم

تبدأ تسمى المريدين باسم جامع إلا فى سنة 814 م (الإسكندرية، والكوفة) وذلك هو اسم "الصوفية"؛ وبعد سنة 857 (المحاسبى) بدأ هذا الاسم يستعمل استعمالًا عامًا غير محكم للدلالة على جملة الأدعية الصوفية فى العراق (حيث نشأت فيه بذور أكثر كثافة متمثلة فى السالمية والحلاجية). وقد ظل هذا الاسم طوال قرنين ونيف مقابلا لاسم الملامتية، وهو اسم اطلق على صوفية خراسان الذين كانوا أكثر إيجابية وجدًا، والذين لم يبالوا بالملام، وكانوا ينعون على الصوفية استكانتهم إلى اللذات الجمالية وذوقهم فى السماع. وفيما يتعلق بهذه الفترة الأولية، فإن التصنيف الذى سيأتى بعد لا يشتمل إلا على تسميات لم يراع فيها الترتيب الزهنى، وقد بعثت بعثًا مصطنعًا منذ القرن الثالث عشر على أيدى كتاب الطبقات والمناقب المسلمين، مع أسماء المدارس المذهبية الموثوق بها والتى نعتت بغير حق بأنها طرق دينية، وأسماء فرق الزنادقة التى تخيلها متكلمو الإمامية. أما فيما بعد القرن الثانى عشر فإن التصنيف يلقى ضوء، فيه كثير من التحديد على المؤسسات المختلفة للجماعات الإخوانية التى يمكن إن يلخص تاريخها على الوجه التالى: نشأت بين الصوفية الخفيفية طريقة فرعية هى الكازرونية (1034 م) وبين الصوفية الجنيدية طريقة أكبر من ذلك يدير شئونها رؤساء بحق (الجرجانى، والفرمذى، والنساج، وأحمد الغزالى) وهى طريقة تقسمت رعايتها أخير، فى القرن الثالث عشر ثلاث رئاسات هى: الخواجه كان (يوسف الهمدانى، المتوفى 1140 م)، والكبراوية (كُبرا، المتوفى 1221)، والقادرية (ولو أن مؤسسها توفى سنة 1166 م، إلا أن رعايتها لم تنظم إلا بعد خمسين سنة). وإلى هاتين الطريقتين الأخيرتين يضيف أحمد بن القاضى (القواعد الوافية، انظر مخطوط لاله لى 1478). الرفاعية المدنية (الشاذلية من بعد) والجشتية، ليقيم من ذلك مجموعة لا الخرق الخمس الأولية". ولم يلبث آخرون أن أضافوا فى هذا المقام: القلندرية، والأحمدية، والمولوية،

وذلك فى القرن الثالث عشر؛ والبكتاشية والنقشبندية والصفوية والخلوتية فى القرن الرابع عشر، مع الفروع التى اندرجت تحتها فيما بعد؛ وفى القرن الخامس عشر كان إصلاح الجزولى فى المغرب، وظهور الشطَّارية فى الهند وسومطرة؛ وأخيرًا، أى فى القرن التاسع عشر، كان مع إصلاح القادرية والشاذلية تأسيس التجانية والدرقاوية والسنوسية. وفى هذا الوقت لم تتجمع طريقة من هذه الطرق الكبرى عدا السنوسية والمولوية؛ ومن حيث إن الرابطة التى تربط بين المريدين ليست دائمة ولا مقصورة على طائفة بعينها، فإنها تصبح فى كثير من الأحيان غير قوية. وعلى الجملة فإن مجموع المنتظمين فى سلك الجماعات الإخوانية فى أى بلد من البلاد الإسلامية لا يتجاوز 3 % من عدد السكان. وأكثر الطرق انتشارًا هى القادرية (العراق، تركية، الهند، التركستان، الصين، النوبة، السودان، المغرب)؛ والنقشبندية (التركستان، الصين، تركية، الهند، ماليزيا)؛ والشاذلية (المغرب، سورية)؛ والبكتاشية (تركية، ألبانيا)؛ والتجانية (المغرب A.F.O، تشاد)؛ والسنوسية (الصحراء، الحجاز) والشطارية (الهند، ماليزيا). وقد بذلت عدة محاولات لإقامة اتحاد بين الجماعات الإخوانية فى العهد الحميدى، وترجمت هذه المحاولات بسلسلة عجيبة من المراتب الملفقة تجمع فى وحدة بين الأبدال وقطب الوقت وبين محفل (مجلس) دائم مؤلف من الشفعاء الأربعة الكونيين: الرفاعى (رئيسًا)، والجيلانى والبدوى والدسوقى. ولم يفرد للطرق الصوفية كلها مواد قائمة بنفسها فى هذه الدائرة، ومن ثم فإن التصنيف الآتى يورد فى ترتيب أبجدى أسماء الطرق الرئيسية مع بيان مختصر لأصلها وفروعها ومركزها الجغرافى وتاريخ وفاة مؤسسها (بحسب التاريخ الميلادى). وأشير إلى ما لا يزال موجود، منها بنجمة تسبق اسم الطريقة. أما الحروف

الرمزية الواردة فى هذا التصنيف فتشير إلى المصادر التسعة المستقصاة والمحصاة بعد؛ والأرقام المثبتة على يسار الرموز الحرفية تدل على ترتيب كل طريقة بحسب كل مصدر؛ وليلاحظ القارئ هنا الرقمين الرمزيين 32 بعامة و 40 بخاصة (وهما رقما الأبدال الذين يسهرون على نجاة العالم). هـ = الهجويرى: كشف المحجوب طبعة شوكوفسكى Shukovski، 1926 ص 218 - 340؛ ترجمة نكلسون، 1911، ص 176 - 266 (11 اسمًا). ع = العجيمى: فهرسة، مخطوط محمد الفاسى (40 اسمًا). س = السنوسى: سلسبيل معين؛ مخطوط فى حوزتى (40 اسمًا). ت = معصوم على شاة: طرائق الحقائق، طبع على الحجر فى طهران سنة 1319 هـ، جـ 2، 136 وما بعدها (17 اسمًا). د = Tableau general del'empire Othoman: d'Ohsson، باريس 1788 م، جـ 2، ص 294 - 316 [فى: Dictionary of Islam: Hughes، ص 117؛ Darwishes: Brown، طبعة Rose، 1927 م، ص 267 - 271 (32 اسمًا)]. كـ = كمشخانى: جامع أصول. .، القاهرة 1319 هـ، ص 3 وما بعدها (40 اسمًا). ر = Marabouts et khouan: L. Rinn الجزائر 1885 (31 اسمًا). ف = History of Persia: Malcolm 1815، جـ 2، ص 271 (5 أسماء). م = Annuaire du monde musulman: Massignon، الطبعة الثانية 1926 (والأرقام تشير إلى الصفحات). والمصدران المرموز لهما بحرفى ع، س، مصدران عربيان لهما قيمة جوهرية، على أنهما للأسف لم ينشرا بعد؛ والمصادر المرموز لها بالحروف هـ، ت، ف مصادر فارسية. أما المصدران المرموز لهما بالحرفين د، ك فمصدران تركيان، وقد قورنا بما ورد فى مجلة العالم الإسلامى الفرنسية Revue du monde musulman, جـ 2، ص 513 - 517؛ ومجلة العالم الإسلامى التى تصدر بالإنجليزية The muslim World، 1922 م، ص 52 - 56. وأما

قائمة

المصدر المرموز له بحرف (ر) فمصدر أصله جزائرى، وقد قورن بما ورد فى Chatelier (Confreries musulmanes du Hedjaz باريس، 1887)؛ (Depont Confreries religieuses mus Coppolani ulmanes، الجزائر 1897)؛ و Mones (فى E.R.E، 1918، ص 719 - 726) الذى أفاد من هذا المصدر. قائمة الإباحية - زندقة الاتحادية - زندقة الأحمدية - ع 14، س 12، ك 5، م 117 - طريقة مصرية (طنطا - السيد البدوى المتوفى سنة 1276 م)، ولها عدة فروع: الشناوية، والمرازقة، والكناسية، والأنبابية، والحمودية، والمنائفية، والسَلّامية، والحلبية، والزهدية، والشُعَيْبية، والتسقيانية، والعربية، والسطوحية، والبُنْدارية، والمُسْلِمية (= الشُرُنُبلالية)]، * والبيومية. * الإدريسية -م 44 - وهى فرع من الطريقة الخاضرية استقرت فى عسير (القرن التاسع عشر الميلادى). الأدهمية -د 2 - ولها إسناد تركى سورى موضوع فى القرن الخامس عشر الميلادى، وهى تنسب إلى ولى (توفى سنة 776). * الإسماعيلية - طريقة نوبية فى كردفان (القرن التاسع عشر). الإشراقية - مدرسة السهروردى الحلبى (المتوفى سنة 1191) فى العقائد. الأشرفية -د 19 - فرع تركى من الطريقة القادرية (إزنيق) - (توفى سنة 1493) = الواحدية. الإغتْ باشية -د 23 - فرع تركى من الطريقة الخلوتية (توفى سنة 1544). الإغتْشاشية -ت 7 - فرع خراسانى من الطريقة الكبراوية (إسحق ختّلانى المتوفى فى القرن الخامس عشر). الأكبرية -ك 7 = الحاتمية. * الأمير غنية - فرع نوبى من الطريقة الادريسية (توفى سنة 1853). الأمى سنانية -د 24 - طريقة تركية (توفى سنة 1552).

الأوَيْسية -ع 2، س 3، ك 40، ر 2 - ولها إسناد تركى موضوع فى القرن السادس عشر، وهى تنسب لأحد الصحابة. البابائية -د 17 - طريقة تركية فى أدرنة (توفى سنة 1465). البحورية -ك 20 - لم تعرف حقيقتها. البدوية -د 11 - الأحمدية. * البرهانية (أو البُرْهمية) -ع 13، س 30 - طريقة مصرية (إبراهيم الدسوقى المتوفى سنة 1277) ولها فرعان هما الشهاوية والشرانبة. البسطامية -د 3 - ولها إسناد تركى موضوع فى القرن الخامس عشر (انظر الطيفورية). * البكتاشية -ت 8، د 14، ك 12 - طريقة أناضولية (من قبل سنة 1326) وبلقانية (فرع ألبانى مستقل ذاتيًا منذ سنة 1922؛ ومركزه فى آقجه حصار). البكرية -ك 22 - انظر الصدّيقية. ". -اسم يطلق أحيانًا على بيت البكرى (شيوخ الصوفية فى القاهرة منذ القرن السادس عشر). ". -ع 20، س 16, د 20, ر 11 - فرع سورى مصرى من الطريقة الشاذلية (توفى سنة 153). ". - طريقة خلوتية مصرية تناولتها يد الإصلاح. * البكّائية -ر 22 - فرع سودانى من الطريقة القادرية (توفى سنة 505)؛ وله فرعان هما: الفضلية والآل سيدية. * البَناوة -فرع من القادرية فى الدكن (القرن التاسع عشر). * البوعَلية -م 97 - فرع جزائرى مصرى من الطريقة القادرية (القرن التاسع عشر). * البونوحية (= بونيين) -طريقة صغيرة فى جنوبى مراكش (انظر Revue du Monde musulman، جـ 58، ص 141). * البيبرية -م 324 - طريقة صغيرة فى قيليقية (سنة 24).

البيرحاجات -ت 14 - طريقة أفغانية يقول أتباعها إنهم ينتمون إلى الأنصارى الهروى (المتوفى سنة 1088). * البيرمية -د 18، ك 20 - فرع تركى من الطريقة الصفوية (أنقرة) - (توفى سنة 1471) وهو ينقسم إلى فروع صغرى هى: الحمزاوية، والشيخية، والخواجه همَّتية. البيومية -ك 35 - انظر الأحمدية. * التَبّائية -م 97 - طريقة تونسية (القرن التاسع عشر). * التجانية -ر 29 - طريقة جزائرية مراكشية (توفى سنة 1815)، وقد انتشرت من تماسين وعين مهدى إلى السودان شرقيه وغربيه. * التششتية -ع 32، س 37، ك 16 - طريقة هندية أفغانية، مركزها أجمير (توفى سنة 1236). التلقينية -ف 3 - زندقة. التهامية = الطيبية. الجباوية = السعدية. * الجَرَّاحية -فرع تركى من الطريقة الخلوتية- (توفى سنة 1733) الجزولية -ر 9 - هى الشاذلية بعد أن تناولها المراكشيون بالإصلاح- (توفى سنة 1465)، ولها فروع هى: الدرقاوة، والحمادشة، والعيسوية، والشرقاوة، والطيبية. الجلالة -اسم مراكشى للطريقة القادرية. * الجلالية البخارية -فرع هندى من الطريقة السهروردية (مخدوم جهانيان المتوفى سنة 1383). الجمالية -ت 11 - فرع فارسى من السهروردية (أردستانى المتوفى فى القرن الخامس عشر). ". ر 32 - طريقة تركية- إستانبول (توفى سنة 1750). الجلوتية -د 25، ك 11 - فرع تركى من الطريقة الصفوية (بروسه، بير أفتدا المتوفى سنة 1580)، وله فروع هى: الهاشمية، والروشنية، والفنائية، والهُدائية. الجنيدية - هـ 4، ع 39، س 4، ر 3 - مدرسة بغدادية فى العقائد (توفى سنة 909) تطورت فى طريقة صوفية فى القرن الحادى عشر، ونشأ منها

طرق: الخواجكان، والكبراوية، والقادرية -وقد اصطنع اسمها فى الإسناد الموضوع لذكر. الحاتمية -مدرسة فى العقائد عند ابن عربى (المتوفى سنة 1240). * الحبيبية -ر 18 - فروع من الشاذلية فى تافيلالت (توفى سنة 1752). الحدادية -ك 31 - لم تعرف حقيقتها بعد. الحروفية - زندقة. الحريرية -فرع حورانى من الرفاعية- (توفى سنة 1247). * الحَفنَوية -ر 17 - فرع مصرى من الخلوتية - (توفى سنة 1749) الحكيمية -هـ 7 - مدرسة فى العقائد عند حكيم الترمذى (توفى سنة 898). الحلاجية -هـ 12، ع 38، س 5 - مدرسة فى العقائد عند الحسين بن منصور الحلاج (توفى سنة 922) وقد اصطنع اسمها فى إسناد موضوع لذكر. الحلمانية -هـ 11 - فرقة حلولية من القرن العاشر. الحلولية -هـ 11 - زندقة. * الحمادشة -فرع مراكشى من الطريقة الجزولية فى زرهون (القرن الثامن عشر) له فروع هى: الدَغوغية، والصَدّاقية، والرياحية، والقاسمية- فى مكناس وسلا. الحمزاوية -ك 19 - مزيج من البيرمية والملامية. * الحنَصْلية -ر 26 - طريقة صغيرة وهرانية مراكشية. ". - فرع شلوى من الناصرية (القرن التاسع عشر). الحيدرية - فرع فارسى من القلندرية (القرن الثالث عشر). * ". - م 313 = خاكسار - رباط فارسى من أرباب الحرف (القرن التاسع عشر). الخاضرية (= الخِضْرية) -ر 27 - طريقة مراكشية (ابن الدباغ المتوفى سنة 717) ومنها استقت الأميرغنية والإدريسة والسنوسية.

الخرازية -هـ 8، ع 29، س 36 - مدرسة فى العقائد عند أبى سعيد الخراز (المتوفى سنة 899)، ثم إسناد تركى موضوع من القرن الخامس عشر. الخفيفية -هـ 9, ع 16، س 31 - مدرسة فى العقائد عند ابن خفيف (المتوفى سنة 82)، وقد أحيى هذا الاسم فى القرن الرابع عشر إذ اصطنع لإسناد موضوع. * الخفية -لقب النقشبندية فى الصين والتركستان (القرن التاسع عشر)؛ انظر الدهرية. * الخلوتية -ع 10، س 19، ت 17، ر 15، ك 10، ر 20 - فرع من السهروردية ظهر فى خراسان (ظهير الدين المتوفى سنة 1397)، وانتشر حتى بلغ تركية؛ وله فروع كثيرة، ففى الأناضول: الجراحية، والإغتباشية، والعشاقية، والنيازية، والسنبلية، والشمسية، والكلشنية، والشجاعية؛ وفى مصر: الضيفية، والحفنوية، والسباعية، والصاوية الدرديرية، والمغازية؛ وفى النوبة والحجاز والصومال: الصالحية؛ وفى بلاد القبائل: الرحمانية. * الخليلية -م 97 - طريقة تونسية صغيرة (القرن التاسع عشر). * الخَمّوسية -م 97 - طريقة تونسية (القرن التاسع عشر). الخواجكان -ت 15 - طريقة فارسية انحدرت من المدرسة الجنيدية وانتشرت فى التركستان (= اليسوية) - (يوسف الهمذانى المتوفى سنة 1140). الخواطرية -ع 24 وس 32 - فرع حجازى من الطريقة المدنية (ابن عَرّاق المتوفى سنة 1556). الدريرية -فرع مصرى من الطريقة الخلوتية (توفى سنة 1786). * الدرقاوة -م 90 - فرع جزائرى مراكشى من الجزولية - (توفى سنة 1823). وله عدة فروع: البوزيدية، والكتانية، والحراقية، والعَلّوية. الدسوقية -ك 7 = البرهانية. الدهرية -ع 12، س 29 - طريقة يمنية (القرن الخامس عشر).

* ". -م 251، 276 - طرق تجيز الذكر جهرة فى الصين والتركستان (القادرية)؛ انظر الخفية - (القرن التاسع عشر) (¬1). الذهبية -ت 6 - هو الاسم الفارسى للطريقة الكبراوية. * الرحّالية - طريقة مشعبذى مراكش (القرن السادس عشر). * الرحمانية -ر 30 - فرع من الخلوتية فى بلاد القبائل (1793) * الرسولشاهية -م 293 - طريقة هندية فى كجرات (القرن التاسع عشر). * الرشدية -ر 13 - طريقة جزائرية قامت بعد الانشقاق عن اليوسفية (القرن التاسع عشر). * الرفاعية -ع 28، س 8, ت 9، د 6، ك 4 - طريقة فى جنوبى العراق - (توفى سنة 1175) - انتشرت من مركزها فى البصرة إلى دمشق وإستانبول، وفروعها السورية هى: الحريرية، والسعدية، والسَيّادية - وفروعها المصرية هى: البازية، والمالكية، والحبيبية (القرن التاسع عشر). الركنية -ع 8، س 32 - فرع بغدادى من الكبراوية (علاء الدولة السمنانى المتوفى سنة 1336). الروشنية -فرع من الخلوتية، فى تركية والقاهرة (الكلشنى المتوفى سنة 1533). ". - فرع أفغانى من السهروردية (بايزيد الأنصارى المتوفى فى نهاية القرن السادس عشر). الرومية -ك 14 = الأشرفية. الزروقية -ع 19، س 15، ر 10 - فرع من الطريقة الشاذلية فى فاس (توفى سنة 1493). الزريقية = الزَرَقية -ف 4 - وهى من الزندقة، ولم تعرف حقيقتها بعد (ولعل اسمها قد رسم خطأ؛ انظر التهانوى، طبعة شبرنكر، ص 637، 669). * الزيانية -ر 28 - فرع مغربى من الشاذلية (القرن التاسع عشر). ¬

_ (¬1) انظر: الغيبية (ك 32)، والحضرية (ك 39).

الزينية -د 16 - فرع تركى من السهروردية فى بروسة، (خوافى المتوفى سنة 1435). الساسانية -رباط من أرباب الحرف فى سورية والأناضول (القرن الثانى عشر- القرن السادس عشر). السالمية = السهلية (بمعناها الأول). السبعينية -مدرسة فى العقائد وطريقة ضالة عند ابن سبعين (توفى سنة 1268). * السعدية -د 13، ك 15 - فرع سورى من الرفاعية (سعد الدين الجباوى المتوفى سنة 1335)، وله فروع هى: عبد السلامية وأبو الوفائية. السقطية -د 4 - إسناد تركى موضوع فى القرن السادس عشر (السقطى المتوفى سنة 867). السلامية = العروسية. * السلطانية -م 251 - طريقة تركستانية (القرن التاسع عشر). * السمانية -فرع مصرى من الطريقة الشاذلية (القرن التاسع عشر). * السنبلية: د 21، ك 39 - فرع تركى من الخلوتية (توفى سنة 1529). السنان أمية د 28 - طريقة تركية (توفى سنة 1668). السنانية -م 97 - طريقة تونسية صغيرة (القرن التاسع عشر). * السنوسية -ر 31 - طريقة عسكرية انحدرت من الخاضرية، فى جغبوب ثم فى الكفرة فى الصحراء الشرقية - (توفى سنة 1859). * السهروردية -ع 15، س 11، ت 1، د 7، ك 9، ر 5 - طريقة بغدادية أسسها عبد القاهر السهروردى (توفى سنة 1167) وعمر السهروردى (توفى 1234)، وقد عرفت بالصديقية = أتباع الخليفة أبى بكر- قامت فى أفغانستان وفى الهند، ولها فروع: الجلالية، والجمالية، والخلوتية، والروشنية، والصفوية، والزينية. السهلية -هـ 6، ع 40، س 40 - مدرسة فى العقائد (سهل التسترى المتوفى سنة 896)؛ وقد اصطنع اسمها فى القرن السادس عشر من أجل إسناد موضوع.

السهيلية -ر 15 - فرع جزائرى من الشاذلية (القرن التاسع عشر). السَيارية - مدرسة فى العقائد من القرن العاشر. * الشاذلية -ع 17، س 13، ت 16، د 9، ك 3، ر 6 - طريقة أسسها أبو مدين التلمسانى (المتوفى سنة 1197) وعلى الشاذلى التونسى (المتوفى سنة 1256). وفروعها المغربية هى: الغازية، والحبيبية، والكرزازية، والناصرية، والشيخية، والسهيلية، واليوسفية، والزروقية، والزيانية، وفروعها المصرية هى: البكرية، والخواطرية، والوفائية، والجوهرية، والمكية، والهاشمية، والسمانية، والعفيفية، والقاسمية، والعروسية، والهندوشية، والقاووقجية - ولها فروع فى إستانبول، وفى رومانيا، وفى النوبة وفى جزائر قمر. الشاهمدارية = ملنك = المدارية. * الشرقاوة - فرع مراكشى من الجزولية فى بوجد (1599). * الشرقاوية - فرع مصرى من الخلوتية (القرن الثامن عشر). * الشطارية -ع 34، س 25، ك 34 - طريقة هندية وسومطرية وجاوية (عبد اللَّه شطار المتوفى سنة 1415 أو 1428) (¬1). * الشعبانية -ك 17 - فرع تركى من الخلوتية فى قسطمونى - (توفى سنة 1569). الشمسية -ر 27 - فرع تركى من الخلوتية (توفى سنة 1601) = النورية السيواسية. الشوذية - طريقة أناضولية من القرن الثانى عشر تقوم على السبعينية. الشيخية -ر 42 - اسم أطلق على شاذلية أولاد سيدى شيخ فى إقليم وهران. الصفوية -ت 4 - فرع آذرى من الطريقة السهروردية فى أردبيل (توفى سنة 1334) ومنه نشأت القزلباشية، ¬

_ (¬1) انظر سيرته فى غلام سرور: خزانة الأصفياء، طبع على الحجر فى كونيور سنة 1893، جـ 2، س 306 - 308.

والبيت الصفوى الفارسى، وكثير من الطرق التركية. الصديقية -ع 4، س 2، ر 1 - إسناد موضوع يرد إلى الخليفة أبى بكر (وضعه ابن عطاء اللَّه، فى القرن الثالث عشر). * الطالبية - طريقة صغيرة مراكشية فى سلا (القرن التاسع عشر؛ انظر R.M.M جـ 58، ص 143). * الطيبية -ر 25 - فرع مراكشى من الجزولية فى وزَّان (توفى سنة 1727). الطيفورية -هـ 3 - مدرسة فى العقائد أقامها داستانى وخُرقانى (القرن الحادى عشر) وهى تنتسب إلى أبى اليزيد طيفور البسطامى (توفى سنة 877). العاشقية -ف 2 - زندقة. العرابية -ع 27، س 9 - فرع من القادرية (القرن السادس عشر). * العروسية -ر 8 - فرع طرابلس من القادرية (زليطن، القرن التاسع عشر). * العزوزية -م 97 - طريقة تونسية صغيرة (القرن التاسع عشر). * العشاقية -د 26، ك 21 - فرع تركى من الخلوتية (توفى سنة 1592). العُشيقية -ع 35، س 27 - فرع هندى من الطريقة الشطارية أبو يزيد عشقى المتوفى فى القرن الخامس عشر). العلوانية -د 1 - إسناد تركى موضوع من القرن السادس عشر يرد إلى ولى من جدة من أهل القرن الثامن. * العمارية -م 90 - فرع جزائرى تونسى من القادرية (القرن التاسع عشر). * العلوية -فرع جزائرى من الدرقاوة (مستغانم- بنى علوية منذ 1919). * العَلَوية -ك 25 - إسناد موضوع يرد إلى الخليفة على بن أبى طالب (¬1). ¬

_ (¬1) انظر العمرية (ك 23)، والعثمانية (ك 24)، والعباسية (ك 26)، والزينبية (ك 27).

* العوامرية -م 97 - فرع تونسى من الطريقة العيسوية (القرن التاسع عشر). * العيدروسية -ع 31، س 33، ك 37 - فرع يمنى من الطريقة الكبراوية (القرن الخامس عشر). * العيسوية -ر 21، ك 28 (؟ ) - فرع مراكشى من الجزولية فى مكناس (توفى سنة 1524). * الغازية -ر 14 - فرع من الشاذلية فى جنوبى مراكش (توفى سنة 1526). الغزالية -ك 13 - مدرسة فى العقائد عند الغزالى (توفى سنة 1111). * الغوثية -ع 37، س 26 - فرع هندى من الشطارية (الغوث المتوفى سنة 1562 فى كواليور). الفردوسية -اسم هندى للكبراوية. * القادرية -ع 26، س 6، ت 13، د 5، ك 2، ر 4 - طريقة بغدادية نشأت من مدرسة الجنيدية (عبد القادر الجيلانى المتوفى سنة 1177)؛ ولها فروع كثيرة، ففى اليمن والصومال: اليافعية (القرن الخامس عشر)، والمشارعية، والعرابية" وفى الهند: البناوة، والكرزس؛ وفى الأناضول: الأشرفية، والهندية، والخاوصية، والنابلسية، والرومية، والوصلتية؛ وفى مصر: الفارضية، والقاسمية (القرن التاسع عشر)؛ وفى المغرب العقارية، والعروسية، والبوعلية، والجلالة؛ وفى السودان الغربى: البكائية. * القرائية -م 97 - طريقة تونسية صغيرة (القرن التاسع عشر). القشيرية -ع 23، س 35 - إسناد موضوع من القرن السادس عشر يرد إلى القشيرى (المتوفى سنة 1074). القصارية -هـ 2 - مدرسة فى العقائد من القرن التاسع = الملامتية. * القلندرية -ع 3، س 39 - طريقة ضالة قامت فى فارس (ساوجى

المتوفى سنة 1218)، انتشرت فى سورية والهند (القرن الرابع عشر - القرن السادس عشر)، وقد اندرست الآن. القونياوية -ت 12 - مدرسة فى العقائد عند صدر الرومى (المتوفى سنة 1273)، وقد انبثقت من الحاتمية. الكبراوية -ع 6، س 20، ت 6، د 8 - طريقة خراسانية انبثقت من مدرسة الجنيدية (نجم كبرا المتوفى سنة 1221)، وفروعها هى: العيدروسية، والهمذانية، والإغتشاشية، والنوربخشية، والنورية، والركنية. الكازرونية -فرع فارسى انبثق من مدرسة الخفيفية فى العقائد بشيراز- (توفى سنة 1034). * الكرزازية -ر 23 - فرع من الشاذلية فى تافيلالت (القرن التاسع عشر). * الكرزمر - فرع هندى من القادرية. * الكلشنية -د 22، ك 18 = الروشنية. * المتبولية -ك 38 - طريقة مصرية صغيرة (توفى سنة 1474). المحاسبية - هـ 1 - مدرسة فى العقائد عند الحارث المحاسبى (توفى سنة 859). المحمدية -ع 1، س س 1 - إسناد تعبدى موضوع يرد إلى النبى -صلى اللَّه عليه وسلم- بلا واسطة، استعمله فى القرن السادس عشر على الخواص والشعرانى، وقد استعمل أيضًا فيما يتصل بتلاوة دلائل الجزولى. * المدارية -ع 33، س 38 - طريقة هندية ضالة (شاه مدار المتوفى فى سنة 1438 فى مكنبور). المدنية -ع 22، س 7 - الاسم الأول للشاذلية. * ". فرع طرابلسى من الدرقاوة فى مصراطة (توفى سنة 1823). المرادية -د 30 - طريقة تركية بإستانبول - (توفى سنة 1719). المرازقة - فرع من الأحمدية (القرن الرابع عشر).

المشارعية -ع 30، س 34 - فرع يمنى من القادرية (القرن الخامس عشر). المشيشية - مريدو الولى المراكشى ابن مشيش (المتوفى سنة 1226) خلط بينهم وبين الشاذلية، ثم أعيد تنظيمهم فى القرن السادس عشر. المصرية = النيازية المطاوعة = الأحمدية المغربية -ك 29 - ربما صح القول بأنهم هم مريدو الشاعر الفارسى مغربى (المتوفى سنة 1406). الملامتية -ع 5، س 18 - مدرسة خراسانية فى العقائد (القرن التاسع - القرن الحادى عشر) وهم ضد الصوفية فى العراق - اسم اصطنع فى القرن السادس عشر من أجل إسناد موضوع. الملامية -ك 36 - ) (= الحمزاوية) - فرع من الطريقة البيرمية فى تركية، (توفى سنة 1553). المنصورية = الحلاجية. * المولوية -ع 11، س 28، ت 2، ك 8، د 10 - طريقة أناضولية (جلال الدين الرومى المتوفى سنة 1273 فى قونية) وفرعاها هما: اليوستنشينية، والإرشادية. * الناصرية -ر 16 - فرع مراكشى من الشاذلية فى تمكروت (القرن السابع عشر) يتفرع منه فرع آخر تونسى (الشَبِيّة). النُبُوية - رباط من أرباب الحرف فى سورية (القرن الثانى عشر). * النعمتاللهية -ت 5 - الطريقة الوحيدة الشيعية الفارسية فى كرمان، وقد انبثقت من القادرية اليافعية - (توفى سنة 1430). * النقشبندية -ع 36 - س 24، ت 10، د 12، ك 1، ر 19 - طريقة تركستانية يزعم أتباعها أنها انبثقت من المدرسة الطيفورية- ولها فروع فى الصين، والتركستان، وقازان، وتركية، والهند، وجاوة - (بهاء الدين المتوفى سنة 1388). النقشبندية = الخالدية - بعد أن تناولها الترك بالاصلاح (القرن التاسع عشر).

المصادر

النوربخشية -ت 3 - فرع خراسانى من الكبراوية (محمد نوربخش المتوفى سنة 1465). النور الدينية - د 31 = الجرّاحية. النورية -هـ 5 - مدرسة فى العقائد عند نورى (المتوفى سنة 907). ". - ع 9، س 23 - فرع منشق من الركنية (القرن الرابع عشر). ". زندقة. النيازية -د 29 - فرع تركى من الخلوتية (توفى سنة 1693) الهدادية -ل 31 - لم تعرف حقيقتها. * الهدارة - طريقة ضالة مراكشية فى تكزرت (القرن التاسع عشر). الهمذائية -ع 7، س 21 - فرع كشميرى من الكبراوية (على همذانى المتوفى سنة 1385). * الوارث عليشاهية - طريقة هندية (نهاية القرن التاسع عشر) قامت فى أوده.! الوحدتية -ف 5 - زندقة = الوجودية = الحاتمية. الوصولية -ف 1 - زندقة. * الوفائية -ر 7 - حركة إصلاح سورى مصرى للشاذلية (توفى سنة 1358). اليسوية -شعبة من الخواجكان فى التركستان (اليسوى المتوفى سنة 1167 م). * اليوسفية -ر 12 - فرع من الشاذلية المغربية فى مليانة (القرن السادس عشر). اليونسية - فرع ضال سورى (الشيبانى المتوفى سنة 1222). المصادر: (1) ذكرت المصادر الكبرى فى رأس القائمة المبينة أعلاه. (2) ونضيف إليها المصادر التى ذكرها Handbuch der Islam-Literatur: G. Pfannmuller، 1923، ص 292 - 315. (3) وانظر أيضًا المواد التى أفردتها هذه الدئرة والمتصلة بهذا الموضوع. مصطفى حلمى [ماسينيون Louis Massignon]

طسم

طسم طَسْم بن لوذ بن سام بن نوح: قبيلة عربية أسطورية جاهلية تتصل اتصالا وثيقًا من حيث النسب والمنزل (باليمامة) وظروف الحياة (زراع ورعاة) والتاريخ، بقبيلة جديس [تقرن بها دائمًا] بن حاثر بن إرم بن سام بن نوح. وكثيرًا ما تذكر الكتب العربية المعالم البارزة لقصة سقوط هاتين القبيلتين الشقيقتين على النحو التالى: كانت القبيلتان فى وقت من الأوقات تخضعان لجبروت رجل طسمى يدعى عمليق (أو عملوق). وقد لجأت إليه امرأة من جديس تدعى هزيلة تستقضيه فى نزاع زوجى، فأصدر فى الأمر حكما جائرًا. واستشاط عمليق غضبًا لمعارَضة المرأة له فادعى لنفسه حق الليلة الأولى Jus primae noctis يقضيها مع كل عروس فى جديس. وظل عمليق يمارس طغيانه هذا طوال أربعين سنة، ثم كان أن حل هذا الهوان بامرأة من جديس كريمة المحتد تدعى عَفيرة بنت عفار فأخذت تستنهض همة قبيلتها طَلبًا للثأر والانتقاض جهرة على عمليق. غير أن أخاها الأسود أشار عليها باصطناع الحيلة وقام بتنفيذ خطة على خلاف ما رأت عفيرة، فقد دعا عمليق ورجال قبيلته إلى حفلة عرس أخته وانقضت جديس إبان الوليمة عليهم وقتلت طسم بسلاح كانت قد خباته فى الرمال. ولم ينج من هذه المذبحة سوى رياح بن مر الذى لجأ إلى الأمير الحميرى حسان بن تبع وحرضه على قتال جديس طلبًا للثأر. وعندما أصبح الجيش على مسيرة ثلاثة أيام من منازل جديس المسماة جَوّ أشار رياح بأن تقطع أغصان الشجر ويحمل كل فارس غصنا منها يختفى وراءه. وكان فى جديس امرأة حكيمة تدعى يمامة (أو زرقاء) تستطيع رؤية أى شخص وهو على مسيرة ثلاثة أيام منها. وتمكنت هذه المرأة من أن تتبين قوة العدو على الرغم من تخفى رجاله، ونصحت أفراد قبيلتها بالاستعداد للدفاع عن أنفسهم، ولكنهم أدبروا عن الاستماع لمشورتها وباغتهم العدو فقمر الرجال وسبى النساء ومن بينهن يمامة. وسمل حسان عينى يمامة وصلب جسدها على باب جو التى

المصادر

عرفت من يومها باسم اليمامة. وهذه هى القصة؛ وهى فى كثير من سماتها مجرد أسطورة، ولكنها قد تمت إلى حادثة تاريخية فى بعض أجزائها والراجح أن الشذرات التى بقيت منها فى المصادر مقطعات من الشعر القديم فى صورة الأغنية الشعبية، هى بقايا أسطورية لأغنية قصصية. المصادر: (1) الطبرى، جـ 1، ص 771 وما بعدها. (2) كتاب الأغانى، جـ 10، ص 48. وما بعدها. (3) شرح نشوان على القصيدة الحميرية وتوجد شذرات منه فى كتاب D. H. Muller المسمى Sudarab.Studien ص 67 وما بعدها. (4) وتوجد هذه الرواية بالتفصيل فى شرح البيت السابع عشر من القصيدة الثالثة عشرة للأعشى ميمون، طبعة R. Geyer، المصدر السابق (ص 74، تعليق رقم 12) توجد به أيضًا قائمة مستفيضة بالمصادر العربية عن طسم وجديس. الشنتناوى [براو H. H. Brau] الطغرائى مؤيد الدين فخر الكتاب أبو إسماعيل الحسين بن على بن محمد بن عبد الصمد الأصفهانى المشهور بالطغرائى (نسبة إلى الطغرى التى تشتمل على اسم الملك وألقابه، وكانت تكتب فى أعلى الوثائق الرسمية فوق البسملة): شاعر عربى ولد سنة 453 هـ (1061 م) الراجح أن ولادته كانت فى إصفهان، ومعلوماتنا عن حياته العملية الأولى ناقصة، ولكن يبدو أنه عمل أول ما عمل كاتب سر فى إربل، ثم التحق بديوان السلاطين السلاجقة وخدم به فى عهد ملكشاه وابنه محمد، ولم يكن له نظير فى جمال خطه، ولكن عماد الدين يقول عنه فى بيان مسهب إن عمله كان بطيئًا جدًا، وكان وزير السلطان محمد يناصبه العداء، ولعله قد خشى منافسته له، وكان بوده لو نحاه، جيد أنه لم يجد لذلك سببًا؛ أما طموح الطغرائى للمراكز الرفيعة فواضح من ملاحظة كتاب سيرته من أنه كان ينفق النقود لينال منصب الوزير، ولكنه لم يوفق،

والظاهر أن فرصته لاحت عندما مات السلطان محمد بينما كان الطغرائى صحبة الأمير مسعود بالموصل، والوزير السميرمى صحبة الأمير محمود فى إصفهان، فقد اتفق الطغرائى مع غيره من الأعيان وأقنعوا مسعودا بأن ينقض ولاءه لمحمود، وكان السميرمى قد نادى به سلطانًا على الولايات الغربية من الدولة السلجوقية؛ وكانت وفاة السلطان محمد سنة 511 هـ (1117 - 1118 م)، على أن هؤلاء الأعيان لم يحاولوا الاستيلاء على العرش إلا سنة 513 هـ، وسار جيش سيئ العدة، يصحبه مسعود والطغرائى، الذى أصبح وزيرًا آخر الأمر، لملاقاة جيش السلطان محمود، ونشبت معركة فى جوار همدان، انتهت بهزيمة ساحقة لمسعود، وأسر مسعود، وكذلك الطغرائى الذى وقع بذلك فى يد عدوه، وصدر العفو عن مسعود، أما الطغرائى فقد حكم عليه بالموت لأنه عد زنديقًا، وصدر الأمر برميه بالسهام على يد فصيلة من الجند، إلا أنه ألقى أبياتًا من الشعر وهو يواجه الموت فأجل الوزير تنفيذ الحكم فيه؛ على أنه نفذ فيه فى تاريخ متأخر يحددونه عامة بسنة 515 هـ (1121 - 1122 م) على أن تاريخ هذه الأحداث بعيدة عن التحقيق؛ ويقول ابن الأثير إن المعركة نشبت سنة 514 هـ، جل ذكرت رواية من الروايات أن حكم الموت نفذ فى الطغرائى سنة 518 هـ ولاشك فى خطأ هذا التاريخ، لأن السميرمى لقى حتفه فى شهر صفر سنة 516 هـ فى بغداد بالقرب من المدرسة النظامية بيد عبد من الزنوج، قيل إنه من أتباع الطغرائى وإنه قتله انتقامًا لسيده. وترجع شهرة الطغرائى بوجه خاص إلى قصيدته "لامية العجم"، وقد نظمها فى بغداد سنة 505 هـ (1111 - 1112 م) وشكا فيها من الأوقات العصيبة التى يمر بها؛ ولعل هذه القصيدة، وقد نشرها غوليوس Golius ومعها ترجمة لاتينية، كانت أقدم الأمثلة على الشعر العربى الذى كان فى استطاعة أوساط فى أوربا أوسع دائرة من ذلك الحصول عليها، وقد أعيد طبعها مرارًا وترجمت إلى لغات أخرى؛ كما كانت موضع بعض الشروح

طبعات قصائده

العربية؛ وقد جمع الديوان، المطبوع فى الآستانة، جعد وفاة صاحبه، وهو يشتمل، إلى جانب اللامية، على قصائد فى مديح الأعيان والأمراء، ولعل آخر ما نظم كان فى مديح مولاه الشاب الأمير مسعود. وكان ثمة فرع آخر من فروع الدراسة أنشأه الطغرائى، وهو الكيمياء، ووضع فى هذا العلم عدد، من المصنفات، قال عنها الذهبى إنها كانت السبب فى ضياع أموال طائلة، وكانت اللغة التى كتبت بها غامضة كما هو المألوف فى هذا الطراز من التآليف؛ وقد سجلت العناوين التالية لمصنفاته وبعضها مخطوط: (1) جامع الأسرار (مخطوط فى كوتا؟ )؛ (2) تراكيب الأنوار (ولعله جزء من عنوان المصنف الأول)؛ (3) حقائق الاستشهادات (4) كتاب الرد على ابن سينا فى إبطال الكيمياء (5) مصابيح الحكمة ومفاتيح الرحمة، للطلاب المتقدمين فى العلم فحسب (مخطوط باريس رقم 2614)؛ وعلاوة على هذه فإن مخطوط باريس رقم 2607 يزعم أنه شرح على كتاب الرحمة لجابر بن حيان بعنوان سر الحكمة فى شرح كتاب الرحمة، ولكننا لسنا واثقين من مؤلفه. طبعات قصائده: الديوان، الآستانة 1300 هـ؛ اللامية، طبعة غوليوس، ليدن 1629، وقد أعاد درسلوت H. Van. Der sloot طبعه فى فرانكر سنة 1769؛ E.Pocock، أكسفورد مع ترجمة لاتينية، وقد أعاد طبعه J.Hirth فى institutiones Arabicae يينا؛ L.G.Pareau، أوترخت 1824 و A.Raux، باريس مع ترجمة فرنسية؛ وثمة ترجمات إنكليزية بقلم Specimens of Arabic Poetry: J.D.Carlyle, أكسفورد 1796, وقد أعاد طبعه Arabic Poetry: W.A.Clauston كلاسكو 1881؛ L.Chappelow، كمبردج 1758 (نقلا عن طبعة Pocock اللاتينية)؛ وثمة ترجمة فرنسية بقلم P.Vattier، باريس 1660, نقلا عن طبعة Golius وطبعة Raux المذكورتين فيما تقدم. الشروح: صلاح الدين الصفدى: الغيث المسجم فى شرح لامية العجم،

المصادر

وتسمى أيضًا غيث الأدب الذى انسجم فى شرح لامية العجم، طبعة القاهرة، سنة 1290 و 1305 هـ، وهو مصنف ضخم يتناول كل ماله علاقة بالشعر أو سواه، وثمة مختصرات لهذا الشرح: أحدهما اسمه: قطر الغيث المسجم لعبد الرحمن العلوانى، وقد طبع فى بولاق سنة 1290، وآخر، وهو مختصر اختصارا شديدًا واسمه كتاب العرب من غيث الأدب، وقد طبع فى بيروت سنة 1897؛ وثمة شروح وردت فى مخطوطات هى نشر العلم فى شرح لامية العجم. بقلم محمد بن عمر الحضرمى (المتوفى سنة 939 هـ) ومنه نسخ فى بعض المكتبات؛ نبذ العجم عن لامية العجم، وقد صنفه جلال بن خضر فى الآستانة سنة 962؛ ولعل أقدم شرح هو الشرح الذى كتبه محب الدين أبو البقاء عبد اللَّه بن الحسين العكبرى (المتوفى سنة 616)؛ وأما الشرح الذى بقلم كمال الدميرى فهو أيضًا لا يعدو أن يكون ملخصًا لشرح الصفدى، وتوجد غير هذا ملخصات كثيرة. ونجد سير الطغرائى فى جل كتب التاريخ التى تضم المراثى، ويبدو أنها جميعا تستقى من المصادر نفسها: ياقوت، إرشاد الأريب، جـ 4، ص 50 - 60؛ ابن خلكان، طبعة القاهرة، 1310 هـ، ص 159؛ الصفدى: الغيث، القاهرة 1305، جـ 1، ص 6 وما بعدها؛ ابن الأثير: الكامل، فى مواضع متفرقة؛ البندارى، طبعة Recueil: Houtsma، جـ 2 فى مواضع متفرقة؛ وقد ذكرت أشعاره فى جميع دواوين الشعر المتأخرة. المصادر: ذكرت فى صلب المادة. صبحى [كرنكو F.Krenkow] طغرل الأول ابن محمد: سلطان من السلاطين السلاجقة حكم العراق من سنة 526 هـ - 529 (1132 - 1134 م)، وولد سنة 503 هـ (1109)، وكان حارسه (أتابك) الأمير شيركيل الباسل الجرئ، وقد أقطع جزءًا كبيرًا من ولاية الجبال بما فيها بلدان: ساوة وقزوين وأبهر

وزنجان وطالقان وغيرها؛ وكان الأتابك شيركير قد ألقى به فى السجن عند موت أبيه وحل محله الأمير كندغدى، وكان على علاقة سيئة بالسلطان محمود أخى طغرل، وقد اشترك مع كندغدى فى الحملة السيئة الطالع التى حملها على الكرج، سنة 515 هـ (1121 م)؛ وكان فى مركز خطير عندما توفى الوصى عليه فى السنة نفسها، وازدادت علاقاته بأخيه سوءًا وهى العلاقات التى لم تكن فى يوم من الأيام طيبة قط. وأمام هذه الظروف الحرجة التى انتابته سهل على العربى دبيس بن صدقة، وكان رجلًا مقتدرًا مثيرًا للفتن، أن يزين له الاستيلاء على ولاية العراق والتخلص من الخليفة والسلطان، على أن هذا المشروع أخفق ولجأ الاثنان إلى السلطان سنجر، وناصر سنجر قضيتهما وبدأ المفاوضات باسمهما مع محمود فى الرى أواخر سنة 522 هـ (1128 م)؛ وتوفى محمود بعد بضع سنوات (525 هـ = 1131 م) واستدعى ابنه داود لولاية العرش حتى ينتهى سنجر إلى رأى فيمن يتولاه. وأيد سنجر طغرل، ولكن مسعودًا، وهو أخ آخر لطغرل، كان فى الوقت نفسه يطالب بالعرش ويتقدم بجيش جرار، ونشبت معركة فى دينور (526 هـ = 1132 م) بين سنجر ومسعود منى فيها مسعود بالهزيمة وأعيد إلى ولاية كنجة فى حين نودى بطغرل سلطانًا، ثم رحل سنجر وترك ابن أخيه ليفرض على خصومه الطاعة له، وأفلح طغرل فى القضاء على أتباع داود، ولكن داود نفسه هرب إلى بغداد، وسرعان ما تولى مسعود زمام الأمر فيها، وأقنع الخليفة بذكر اسمه فى خطبة الجمعة وتنصيب داود خليفة له (527 هـ = 1132 م)؛ ولم يكن طغرل كفئًا لأخيه، فقد هَامَ على وجهه طويلًا، ثم لجأ إلى اسيهبد طبرستان حيث قضى شتاء سنة 1132 - 1133 م بأسره فيها، على أنه كان أكثر توفيقًا فى العام التالى فنجح مرة أخرى فى الاستيلاء على القصبة همذان، وما إن بلغها حتى أصيب بمغص كلوى وتوفى فى مستهل سنة 529 هـ (أكتوبر - نوفمبر سنة 1134 م)، وقد ذكر كتاب Recueil (جـ 2)؛ التاريخ خطأ، إذ جاء فيه إنه توفى سنة 528 هـ ثم تزوجت أرملته

المصادر

فيما بعد إيلدكز الذى نادى بأرسلان بن طغرل سلطانًا على عرش السلاجقة (555 هـ = 1160 م). المصادر: انظر مادة السلاجقة. صبحى [هوتسما M.Th.Houtsma] طغرل الثانى ابن أرسلان، آخر سلاطين السلاجقة فى العراق (571 - 590 هـ = 1175 - 1194 م)؛ ولد سنة 564 هـ (1168 - 1169 م)؛ وأقامه الأتابك يهلوان على العرش وهو لا يزال قاصرًا، بعد أن توفى أبوه مسمومًا حتى تحبط مساعيه للخلاص من وصاية الأتابك الثقيلة الوطأة (انظر Houtsma فى Acta Arientalia جـ 3، ص 140 وما بعدها)؛ وإنما استطاع طغرل بعد وفاة يهلوان سنة 581 هـ أو 582 هـ (1186 م)، وكان قد بلغ سن الحلم، أن يثبت أنه ليس مستعدًا بحال أن ينهج نهج أبيه فيكتفى بلقب السلطان اسمًا لا فعلا، ذلك أنه كان قد تلقى قسطًا كبيرًا من التعليم ورزق قوة الجسم وقوة العقل مما أتاح له أن ينظم بعض القصائد الفارسية القصيرة؛ ومما سهل عليه مهمته أن قزل أرسلان خليفة بهلوان كان قد تشاجر مع أرملة أخيه المتوفى وابنيهما حتى استطاع أن يدبر الأمر مع بعض الأمراء الترك ويستولى على همذان القصبة السلجوقية، وأراد قزل أرسلان أن يستوثق تمامًا من القضاء على خصمه الخطر فطلب من الخليفة أن ينفذ إليه جيشًا من بغداد، على حين تقدم هو نفسه من آذربيجان، ولكن الوزير ابن يونس، قائد جيش بغداد الضعيف، هاجم طغرل فى دايمرك (584 هـ = 1188 م) ومنى بهزيمة منكرة بسبب استبسال خصمه فى القتال، على أن طغرل لم يكسب من القتال إلا قليلًا، ذلك أن قزل أرسلان كان يقترب وكان الخليفة يجهز جيشًا جديدًا، ومما زاد من متاعب السلطان الشاب أنه تشاجر مع قومه وشَنق إثر عودته إلى همذان بعض معاونيه البارزين، فعجز من ثم عن الثبات فى قصبته، وسرعان ما استولى عليها قزل أرسلان، وقضى طغرل فترة فى نهب

المصادر

منطقة أرمية وخوى وسلماس، وحاول عبثًا أن يكسب الخليفة إلى جانبه، واستنجد من غير طائل ببعض الأمراء المسلمين ومنهم صلاح الدين مما اضطره آخر الأمر إلى الاستسلام إلى قزل أرسلان فحبسه أرسلان فى حصن كهران قرب تبريز سنة 586 هـ (1190 م)؛ وتبوأ قزل أرسلان نفسه عرش السلاجقة، على أنه قتل فى السنة التالية بتحريض أرملة أخيه، وهنالك أفلح طغرل فى الهرب، ثم لجأ إلى بنى كفشود فى زنجان، على أن أولاد يهلوان، ولاة آذربيجان وقتذاك، كانت تنقصهم الوحدة، مما هيأ الفرصة لطغرل بأن يعود إلى همذان ويتزوج أرملة بهلوان لا لشئ إلا ليعمل على قتلها؛ واستولى أيضًا على إصفهان والرى ونهب حصن طبرك قرب الرى (ياقوت: المعجم، جـ 3، ص 507 وما بعدها) على أن فعلته هذه جلبت عليه عداء خوارزم شاه القوى القادر، وكان قد استولى على الرى قبل ذلك بفترة وجيزة، وأراد أن يحتفظ بها، فانفذ جيشا لانتزاعها من السلطان السلجوقى، وكانت دواعى الحكمة تقتضى أن يتفادى طغرل الاصطدام بجموع خوارزم شاه الغفيرة، ولكن أبت عليه العزة والنخوة إلا أن يدافع عن حقوق السلاجقة فى العراق ولو كلفه ذلك حياته، فانتظر فى هدوء اقتراب العدو بالرغم من نصيحة أصدقائه، ثم حمل هو وبعض أتباعه المخلصين على العدو فقتل لتوه (29 من ربيع الأول سنة 590 = 25 من مارس سنة 1194 م). المصادر: انظر مادة "السلاجقة". صبحى [هوتسما M. Th. Houtama] طغرل بك أو طغرلبك، ركن الدين أبو طالب محمد بن ميكائيل، أول سلاطين السلاجقة (429 - 455 هـ = 1038 - 1063 م) ونبدأ هنا بسنة 429 هـ (1038 م) عندما دخل طغرل بك نيسابور وذكر اسمه هناك فى الخطبة. ويورد البيهقى، (ص 691) تفصيلات هامة عن هذه الحادثة؛ ويقول ابن الأثير

وغيره من الكتاب أنه استقبل فى هذا التاريخ المبكر رسولا بعثه الخليفة، وقد شكا إليه الرسول من سرقات الغز الغلاظ القلوب، وهى رواية صحيحة على الأرجح، ذلك أننا نعلم أن السلاجقة فى أقدم وثيقة لهم (البيهقى، ص 583) يسمون أنفسهم موالى أمير المؤمنين وأنه كانت بينهم وبين الخليفة علاقات من أول الأمر، على أن طغرل بك سرعان ما اضطر إلى هجر نيسابور مرة أخرى من أجل فعال الغزنويين، وإنما اضطر مسعود، بعد هزيمته فى دندانقان فى السابع من رمضان سنة 431 هـ (22 من مايو سنة 1040 م)، إلى الانسحاب من خراسان وترك هذه الولاية للسلاجقة؛ وكان زعماء السلاجقة، ونذكر منهم طغرل بك وجغرى بك وإبراهيم ينال وقتلمش، قد بدأوا يمدون سلطانهم على الأراضى المجاورة أيضًا، كل لحسابه، وإن كان طغرل بك قد خص بفضل السبق؛ وكان أول من أذعن بنو زيار فى جرجان وطبرستان بأدائهم له جزية سنوية عام 433 هـ (440 هـ = 1048 م)؛ وفى السنة التالية ساعد أخاه جغرى بك فى غزو خوارزم، ثم عمد إلى إقرار النظام فى الرى حيث كان الغز المتمردون يعيثون فى الأرض فسادًا تحت إمرة إبراهيم ينال، وغزا مجد الدولة البويهى الذى كان لا يزال ثابتًا فى حصن طبرك، وقد اعترف الناس بسلطان السلاجقة، فى قزوين وفى همذان أيضًا، ورضى فرامرز أمير إصفهان بأن يؤدى لهم مبلغا من المال؛ وسعى جلال الدولة البويهى إلى الصلح مع السلاجقة، بتدخل الخليفة الذى أنفذ الماوردى الفقيه المشهور إلى طغرل بك لهذا الغرض (435 هـ)، ولكن جلال الدولة توفى فى العام نفسه فلم يتم الصلح إلا فى عهد خليفته أبى كاليجار سنة 429 هـ (1047 م)؛ وكان إبراهيم ينال قد نهب كردستان هو ورجاله الغز فى طريقه إلى بغداد، وبلغ حلوان وخانقين، وهنالك صدر إليه الأمر بأن يعود أدراجه ويبحث عن ميدان آخر لنشاطه، ومن ثم حمل على الأبخاز والروم (البوزنطيين) وأخذ ليبريتس Liparites أمير الأبخاز أسيرًا وغنم من الغنائم ما لم تكف لحمله عشرة آلاف عربة (440 هـ = 1048 م)؛ ونشبت من

جراء ذلك معركة بينه وبين طغرل بك انتهت بوقوعه أسيرًا، ولكن صدر العفو عنه بل نصب قائدًا على الموصل؛ وأطلق طغرل بك سراح ليبريتس دون فدية، وأرسل وفدًا إلى بوزنطة للمفاوضة فى الصلح، ولكن هذا الصلح لم يكن ليستمر من جراء غارات الغز، ودأب طغرل بك فى هذه الأثناء على مد رقعة سلطانه وتلقى ولاء المروانيين فى ديار بكر؛ وفى سنة 492 هـ (1050 م) حاصر إصفهان، وكان أميرها فرامرز موضع رضى السلاجقة أو البويهيين وفقًا للظروف، ولم يكن حصار مدينة محصنة من الأمور التى يستطيعها جنوده الجفاة، ومن ثم استمر الحصار، وإنما اضطر فرامرز إلى الاستسلام بسبب افتقاره إلى المؤن فى السنة التالية، وقد راقت فى عينيه المدينة كثيرًا حتى قرر أن يجعلها مقره، وأن يهب لفرامرز يزد وأبرقوية تعويضًا له، ونجده سنة 446 هـ (1045 م) وبعد مرض خطير انتابه فى آذربيجان، يتلقى ولاء أمراء تبريز وكنجة؛ وغزا أرض الروم دون أن يجنى ثمرة تذكر، وكذلك أكره على رفع الحصار عن ملازكرد (انظر Math. of Edessa، الفصل 78؛ Cedrenus، طبعة بون، جـ 2، ص 590)، صحيح أنه كان وقتذاك منشغلا بمشروعات أخرى؛ فقد حشد فى الخريف جيشه وجمع مقادير كبيرة من الذخيرة فى همذان، وكان غرضه من هذا القيام بحملته الكبيرة على بغداد؛ وقد أغراه بالقيام بها ابن المسلمة وزير الخليفة الذى كان يراسله سرًا، ذلك أن ابن المسلمة لم يحتمل لا هو ولا الخليفة حكم الملك الرحيم البويهى خليفة أبى كاليجار منذ سنة 440 هـ (1048 م) ذلك أن الرحيم كان يمارس حكمه بمعرفة البساسيرى قائدهما العسكرى فى بغداد، وكانت للبساسيرى تدابير سرية مع الفاطميين، ولم يتردد طغرل بك فى الاستجابة إلى هذا الرجاء؛ وفى شهر رمضان سنة 447 هـ (1055 م) بلغ حلوان فى طريقه إلى بغداد حيث سبب وصوله حزنًا عميقًا، وهرع الملك الرحيم إلى القصبة فى الحال، وكان وقتذاك فى واسط؛ ولكن البساسيرى وجد من الحكمة أن يرحل ويلجأ إلى دبيس أمير الحلة المزيدى؛ ولم يكن ثمة ما يمنع الآن من الدخول فى مفاوضات

مع طغرل بك، وما إن حل الثانى والعشرين من رمضان سنة 447 هـ حتى أمر الخليفة بذكر اسمه فى الخطبة، ثم دخل السلطان بغداد بعد ذلك بثلاثة أيام، على أن وجود الغز الجفاة سرعان ما أدى إلى النهب والقتل مما هدد بنشوب حرب منتظمة فى الشوارع مع الأهلين، فاضطر طغرل بك إلى التدخل فورًا ليضع حدًا لهذا الأمر، واحتج بأن الملك الرحيم هو السبب فى هذه الحال فقبض عليه بالرغم من توسط الخليفة، وهكذا انتهى حكم البويهيين إلى غير رجعة. وقد قويت أواصر تحالفه مع الخليفة بزواجه من إحدى بنات جغرى بك، ولكن السلطان والخليفة لم يلتقيط إلا بعد أن فرض السلطان الطاعة على دبيس وغيره من العرب الثائرين (أواخر سنة 449 هـ = مستهل سنة 1058 م)؛ وقد منح طغرل بك لقب "ملك الشرق والغرب"، على أنه سرعان ما طرأ تغيير على الحالة، فقد كان البساسيرى فى هذه الأثناء يعمل بنشاط لمصلحة الفاطميين، بل بلغ به الأمر أن أغرى إبراهيم ينال بالتمرد على طغرل بك، فسلم منصبه فى الموصل إلى البساسيرى وشخص هو إلى همذان حيث لحق به كثيرون من غز السلطان الذين كانت قد ضاقت صدورهم بسبب طول المدة التى قضوها عاطلين فى العراق؛ ومن ثم خرج طغرل بك من العراق بالجيش الذى ظل مخلصًا له، وجاء أولاد جغرى بك لمساعدته بالمزيد من الجند، فاستطاع أن يأسر إبراهيم ينال فى الرى، وعمل على قتله فى الحال، ودخل البساسيرى فى الوقت نفسه بغداد، وكانت خالية من الجند، وأمر بذكر اسم المستنصر الخليفة الفاطمى فى خطبة الجمعة (8 من ذى العقدة سنة 450 هـ = 27 من ديسمبر سنة 1058 م)؛ على حين استنجد الخليفة ووزيره ابن المسلمة بقريش بن بدران وكان صديقًا للبساسيرى، وأفلح قريش فى المجئ بالخليفة سالمًا إلى "حديثة عانة" وسلم الوزير إلى البساسيرى لينتقم منه فقتله شر قتلة؛ وبعد سنة بالضبط ظهر طغرل بك على مسرح الحوادث، وأعاد الخليفة إلى قصبته، وأوقع الهزيمة بجيش البساسيرى الذى هلك فى المعركة (أواخر سنة 451 هـ = مستهل

المصادر

1060 م)؛ وكانت ذكرى هذه الأحداث لا تزال ماثلة فى الأذهان فى بغداد أيام ياقوت بفضل بعض الأقوال المأثورة (المعجم، جـ 3، ص 395؛ س 10 وما بعده)؛ ثم ذهب طغرل بك إلى واسط وعقد الصلح مع دبيس، وكلف المزارعين بجمع الجزية فى واسط والبصرة، ثم عاد مرة أخرى إلى بغداد سنة 452 هـ (1060 م) ليعنى بأمر كان شغله الشاغل، وهو الزواج بإحدى بنات الخليفة، وهو أمر ثارت له كرامة العباسيين، ولكن الكندرى وزير طغرل بك هدد بمصادرة موارد خليفة، فاضطر الخليفة إلى الإذعان وتم الزواج فى غياب السلطان بأرمينية (454 هـ = 1062 م) فلما عاد طغرل بك إلى بغداد فى السنة التالية لم يسمح له بأن يرى عروسه إلا محجبة، ورحل إلى الرى دون إشارة إلى تنفيذ عقد الزواج، زد على هذا أنه كان قد أصبح شيخًا فى السبعين يشرف على النهاية، ذلك أنه توفى بالرى فى الثامن من رمضان سنة 445 هـ (4 من سبتمبر سنة 1063 م)؛ وكان بعد وفاة أخيه جغرى بك قد تزوج إحدى زوجاته، فقد كان هو نفسه لم يعقب، وأقام ابنها سليمان خليفة له، ولكن سليمانًا اضطر إلى أن يترك الميدان فى الحال إلى ابن آخر من أبناء جغرى بك هو ألب أرسلان. المصادر: انظر مادة "السلاجقة" صبحى [هوتسما M. Th. Houtsma] طغرلشاه ابن قلج أرسلان، مغيث الدين: سلطان سلجوقى فى آسية الصغرى. وقد وقعت مدينة أبلستين من نصيب طغرل شاه عندما قسم الملك العالى السن قلج أرسلان الثانى ملكه بين أبنائه الكثيرين. وفى سنة 597 هـ (1200 - 1201) غزا أخو طغرل ركن الدين سليمان أرزن الروم (أرضروم) وسلمها لطغرل، واستولى هو على أبلستين. وبعد ذلك بسنوات قلائل أغار الأوحد أيوب بن العادل الأيوبى على بلبن صاحب خلاط (أخلاط)، وأحس بلبن بأنه أضعف من أن يرد عن نفسه هذه الغارة، ففزع إلى طغرلشاه

المصادر

يستعينه، وهاجم الاثنان الأوحد بجيشهما المشترك واكتسحاه اكتساحًا. وكان طغرلشاه أيضًا يطمع فى خلاط فعمل على قتل بلبن غيلة، وحاول أن يستولى على البلدة فلقى مقاومة عنيفة، فتحول عنها إلى ملازكرد؛ ومنى بالهزيمة هناك ولم يبق له إلا أن يعود إلى أرزن الروم. وعندئذ اتجه أهل خلاط إلى الأوحد فاحتل الأوحد البلدة سنة 604 هـ (1207 - 1208). ولم يستطع طغرلشاه أن يحمى نفسه من جيرانه الكرج، فاضطر إلى أداء الجزية إلى الملك كيوركى الثالث لاشا فى تفليس، وأن يظهر ولاءه له فى أمور أخرى كذلك. وحدث آخر الأمر أن تنصر ابن من أبناء طغرلشاه وتزوج أخت كيوركى "رسدان" وخلفه على العرش. وتوفى طغرلشاه سنة 622 هـ (1225 م) وخلفه ابنه ركن الدين جهانشاه. وفى سنة 627 هـ (1230) خلعه عن العرش ابن عمه علاء الدين كيقباذ الأول. وجاء فى رواية أخرى لاشك فى خطئها، أن طغرلشاه مات فى تاريخ مبكر يرجع إلى سنة 610 هـ (1213 - 1214 م)، بعد أن بذل محاولة خائبة للاستيلاء على مملكة ابن أخته كيكاوس الأول، فأسره كيكاوس وقتله. المصادر: (1) ابن الأثير: الكامل، طبعة تورنبرغ جـ 12، ص 58، 134، 180، 271، 295، 318. (2) أبو الفداء: التاريخ، طبعة ريسكه، جـ 4، ص 249، 251. (3) Recueil de historiens des croisades, Historiens orientaux, جـ 1، ص 84، 87، جـ 2/ 1، ص 69، 97 وما بعدها، وما بعدها. (4) Recueil de textes relatife a l'histoire des Seloioucide: Houtsma، جـ 3، ص 11، 27 وما بعدها، 57، 59 وما بعدها، 99، 102، 104 وما بعدها، 187؛ جـ 4، ص 5، 9، 21 - 33، 40 - 43، 84، 148. (5) خليل أدهم: دول إسلامية، ص 211، 219، 228. (6) Manuel de Genealogie et de chronolgie: de Zambaur، ص 143، وما بعدها. خورشيد [تسترشتين K.V. Zettersteen]

طلاق

طلاق بينونة المرأة عن زوجها بتطليقه إياها، وصيغة التطليق بقول الزوج لزوجته: أنت طالق. والفكرة التى هى الأساس فى فعل طلق هى فك القيد والإرسال (مثل إطلاق الناقة من العقال) ومنه أخذ تطليق الرجل زوجته (فهى من هذا الوجه قد طلقت). وطلق أى أرسل (الناقة) من عقالها وطلق المرأة، والطالق الناقة التى حل عقالها والمرأة التى طلقها زوجها (انظر Arab. Eng. Lexicon: Lane مادة طلق). 1 - وكان الحق فى حل عقدة الزواج للرجل وحده عند العرب الجاهليين. فقبل محمد عليه الصلاة والسلام بزمان طويل كان هذا الطلاق جاريًا بين العرب، وكان يترتب عليه مباشرة أن يترك الرجل تركا نهائيا كل الحقوق التى له على زوجته بحكم الزواج (انظر De Mohammedaansche bruidsgave: Th.W.Juynboll (وهى رسالة قدمت لجامعة ليدن) ص 42 - 64، والمؤلف يصحح الرأى الذى ذهب إليه سميث Robertson Smith فى كتابه Kinship and marriage in early Arabia الطبعة الثانية، ص 112 وما بعدها، وفلهاوزن J.Wellhausen فى بحثه Die Ehe bei den Arabern (فى Nachrichten v. d. Konigl. Ges. d wiss كوتنكن 1893) ص 452 وما بعدها). 2 - والقرآن الكريم يضع للطلاق قواعد مفصلة إلى حد كبير. ويتبين من كمالها وإحاطتها، وخصوصًا من كثرة الحض على مراعاتها بدقة، أن محمدًا (-صلى اللَّه عليه وسلم-) كان فى هذا الباب يأتى بقواعد جديدة لم يعرفها قط معاصروه من قبل. وقد استبشع محمد (-صلى اللَّه عليه وسلم-) بصفة خاصة ما يظهر أنه كان شائعًا فى بيئته من استغلال كل من الولى والزوج للمرأة من الناحية المالية ولا سيما فى أمر الطلاق. ويظهر أن أول قاعدة من قواعد تنظيم الطلاق فى الإسلام كانت هى تحريم اتخاذه وسيلة لابتزاز المال من المرأة، سورة النساء الآية 20 (وعن السنوات من 3 - 5 الهجرة من حيث الترتيب التاريخى فى جملته، وهو الذى ذكر هنا أكثر تفصيلا، انظر Geschichte des Korans: Noldeke Schwally)؛ والآية

19 السابقة للآية 20 من هذه السورة موجهة ضد الاعتداء على حقوق النساء من جانب أقارب المتوفى ومن جانب الولى: ونص الآية 20: {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} وجاء فى الآية 21 {وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} ويدرك النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] هنا بأن الطلاق على هذا النحو شرعى. والآيات التالية التى تتناول الطلاق تستحدث شيئًا جديدًا هامًا جاء به الرسول (-صلى اللَّه عليه وسلم-) وهو مدة العدة التى يقصد بها من جهة قطع الشك فيما يتعلق بأبوة المولود من زوجة مطلقة، ومن جهة أخرى إعطاء الفرصة للزوج للرجوع فى طلاق تسرع فيه. فقد ورد فى سورة البقرة الآية 228: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} (وهذا المصطلح الذى فسر تفسيرات مختلفة يدل على آية حال على ظاهرة تتعلق بالحيض) {وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (ويعطى الرجل فى هذه الآية الحق فى إرجاع زوجته فى مدة العدة حتى رغم إرادتها). لكن هذا الحق الذى أعطى للرجل هنا لم يلبث أن أسئ استعماله. فكان الرجل يعيدها إلى عصمته قبيل نهاية العدة. ثم لا يلبث أن يطلقها بحيث كانت تظل دائما فى حالة انتظار انتهاء العدة، وكان يقصد الرجل من ذلك إلى أن يضطرها إلى افتداء نفسها برد المهر إليه أو بدفع فدية أخرى، ولذلك نزلت الآية 229 {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (وفى أحد التفاسير للآية أن الخلع، وهو افتداء المرأة نفسها بمال

تدفعه لزوجها لكى يطلقها، جائز -خلافًا لابتزاز الذى تقدم تحريمه)، فقد نصت الآية 230 {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} (ويجوز أن يكون الشطر الأخير من الآية نزل بمناسبة حالة عرضت فعلا، إذ وقع أن امرأة طلقت للمرة الثالثة وتزوجت غيره أرادت أن ترجع إلى زوجها الأول). وفى الآية 231 بيان لما دعت إليه الضرورة بسبب استعمال حق إرجاع المرأة من الحيلولة دون إساءة استعمال الزوج حقه فى ذلك أثناء مدة العدة: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (ففى هذه الآية تحريم أن يراجع الرجل زوجته متظاهرًا بالمصالحة ثم يمسكها لمجرد تنغيص حياتها وإكراهها على افتداء نفسها بالمال. والآية التى يجوز أنها كانت قد نزلت مع الآيات السابقة تتضمن التحذير لأولياء النكاح للمطلقات) (¬1). والقواعد التى فى الآية الأولى وما بعدها من سورة الطلاق جاءت بعد الآية 238 من سورة البقرة، لأنها مبنية على ما فى هذه الآية الأخيرة، لكنها على كل حال قبل السنة الخامسة للهجرة: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} (يظهر أن معنى هذا التعبير العربى، وهو غير واضح كل الوضوح، أن الطلاق يجب أن يكون بحيث يمكن حساب مدة العدة بسهولة، أى ليس فى أثناء الحيض) {وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} (أى إذا ارتكبن الزنا) وتلك حدود اللَّه ومن يتعد حدود اللَّه فقد ظلم نفسه لا تدرى لعل اللَّه يحدث بعد ذلك أمرًا. (أى فى مسلك الرجل إزاء المرأة بحيث يراجعها). ¬

_ (¬1) يقصد كاتب المادة: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ. . .} الآية 232.

{فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا}. (وهنا حض آخر على اتباع ما أمر اللَّه) {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ} (نتيجة للشك حول مدة العدة) {فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا (4) ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا}. (وهنا حض آخر على اتباع ما أمربه اللَّه) {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ. . .}. (وتلى ذلك قواعد خاصة بالمطلقة وهى ترضع؛ وفى هذه الآيات تفرض التزامات على الرجال لإسكان الزوجات والإنفاق عليهن أثناء مدة العدة، وهذا هو الذى يكمل العمل على حماية المرأة من الاستغلال المالى للرجل عند الطلاق، وهو العمل الذى بدأته الآية 20 من سورة النساء)؛ والآية 49 من سورة الأحزاب ترجع إلى آخر السنة الخامسة للهجرة: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا}، والقاعدة العامة المبينة هنا جاءت أكثر تفصيلًا فى الآية 236، 237 من سورة البقرة: {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ (236) وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (وهذه القاعدة أيضًا يظهر أن أصلها يرجع إلى حادثة وقعت فعلا وكانت مثار تساؤل. وفيما يتعلق بالأهمية الشرعية للرجوع فى الخطبة، وهو هنا يبدو كالطلاق قبل المس، انظر كتاب كوينبول Juynboll، المصدر المذكور، ص 73).

وبالإضافة إلى هذا توجد الآية؛ 28 من سورة الأحزاب (التى ترجع إلى آخر العام الخامس للهجرة) والآية 5 من سورة التحريم (من الفترة المدنية المتأخرة)، والآية 226 وما بعدها من سورة البقرة حيث يرد ذكر الطلاق مقترنًا بالإيلاء (¬1). 3 - وقد تناول الحديث الطلاق بتفصيل لا يكاد يقل عما تناوله به القرآن؛ وإلى جانب عدة أحاديث هى مجرد تأكيد للأوامر المشهورة فى القرآن، بحيث لا نحتاج إلى تناولها هنا، توجد أيضًا أحاديث تفصل فى نظرية الطلاق تفصيلًا أكثر؛ فهناك جملة منها تحاول تحديد الطلاق بقدر الإمكان وتستحق التفاتًا خاصًا: "أبغض الحلال إلى اللَّه الطلاق"؛ قيام حكمين للإصلاح والتوفيق بين الزوجين؛ لا يصح أن تطلب الزوجة من الزوج أن يطلق زوجة أخرى لأجلها؛ اللَّه يعاقب الزوجة التى تطلب الطلاق من زوجها من غير سبب كاف. وهناك إجماع على تفسير الآية الأولى من سورة الطلاق بأن المراد هو أن يحرم الطلاق أثناء الحيض، فهذا الطلاق يعتبر خطأ، لكن لا نزاع فى صحته. وعلى من صدر منه أن يرجع فيه، فإن أصر على الطلاق فإنه يجب عليه أن يطلق طبقًا لأحكام الطلاق. وهناك مسألة الطلاق ثلاثًا متتابعة، فقد اختلفت الروايات فى ذلك. وعلاوة على القول باعتبار مثل هذا الطلاق طلاقا ثلاثًا، فإن هناك استنكارًا شديدًا له. بل لقد ذهب البعض إلى عدم وقوعه ثلاثًا، وإلى هذا يشير الحديث، فقد ظل مثل هذا الطلاق حتى خلافة عمر يعد طلقة واحدة، وأن عمر كان هو أول من قال فى الفقه بالرأى الذى يعتبر أن هذا الطلاق ثلاث طلقات. وذلك لكى يخوف الناس من نتائج استعمال حق الطلاق. وتذكر الأحاديث شرطًا آخر لابد منه للطلاق، وهو أن يكون بحسب السنة أى بحسب أحكام القرآن وأوامر الرسول (-صلى اللَّه عليه وسلم-)، وهو أنه لا يصح أن يقرب الرجل زوجته فى طهرها الذى يطلقها فيه (¬2). ¬

_ (¬1) الإيلاء هو أن يقسم الرجل الذى هو أهل للطلاق إلا يمس امرأته مطلقًا أو مؤقتًا بأربعة أشهر أو أكثر، فالشرع حدد له أربعة أشهر، ، فإن ظل مصرًا على ذلك طلقت منه تلقائيًا بمجرد انقضاء الأربعة الأشهر عند الحنفية. وقال الشافعية: لا يقع الطلاق إلا بتطليق الزوج أو تفريق القاضى. (¬2) هذا هو تعبير كاتب ويمكن القول أيضًا إن الرجل يصح أن يطلق زوجته فى طهر جامعها فيه وهذا أوضح.

وما يسمى بالتحليل، وهو تزوج امرأة طلقت ثلاثًا ثم تطليقها على الفور، وذلك لمجرد تسهيل مراجعة زوجها الأول (الآية 230 من سورة البقرة) شئ لقى إنكارًا شديدًا بل كان موضع لعن؛ ولا تعتبر المرأة بصفة عامة حلالًا لزوجها الأول إلا إذا تم زواجها من الزوج الثانى. ودفعًا للعبث فى أمر النطق بالطلاق فقد عد الطلاق الذى يلقى به فى حالة المزاح طلاقًا شرعيًا ملزمًا. ثم إن الطلاق من جهة أخرى فسخ لعقدة الزواج، لذلك فإنه إذا وقع قبل إتمام الزواج فلا قيمة له. وليس ببين إن كانت المرأة التى طلقت ثلاثًا لها فى أثناء العدة الحق على زوجها فى السكنى والإنفاق؛ وأقدم الاختلافات فى الرأى حول هذه المسألة كائنة فى جملة من الأحاديث، بعضها ينكر هذا الحق كلية وبعضها يقول به فيما يتعلق بالسكنى وحدها، وبعضها فيما يتعلق بالإنفاق فحسب. ولم تُنظَّم قواعد للطلاق بين الأرقاء. والحديث يعطى للرقيق أيضًا الحق فى الطلاق لكن مرتين فحسب (وهذا مشابه لتشريعات أخرى)، وكذلك يجعل مدة العدة للأمة قُرءين. وكل من دخل فى الإسلام وله أكثر من أربع زوجات يجب عليه أن يطلق ما زاد عن الأربع، وإذا كان متزوجًا من أختين وجب أن يطلق إحداهما. وروى أن النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] أشار بأن يطلق عبد اللَّه بن عمر زوجته لأجل أن أباه كان يكرهها. 4 - وأقدم الفقهاء (إلى بداية تكون المذاهب)، وبعضهم كانوا فى عصر تدوين الأحاديث، يتوسعون فى مبدأ الطلاق على الأسس التى تقدم ذكرها؛ وأهم الآراء التى يجب أن نذكرها فى هذا المقام هى: مبدأ طلاق السنة وشروطه الثلاثة، وقد فصل ذلك بعد. ومن ينسب إليهم هذا المبدأ: عبد اللَّه بن عباس، وعبد اللَّه بن مسعود، وعبد اللَّه ابن عمر، والضحاك، وحماد، وإبراهيم النخعى، وعكرمة، ومجاهد، ومحمد بن سيرين (ومثل هذه النسبة إلى أقدم

الفقهاء يجب أن تعتبر غير تاريخية وإنما أصبحت تاريخية على وجه اليقين إبتداء من إبراهيم النخعى؛ وهذا يصدق أيضًا على ما يلى) وهو ينطبق حتى على الحالة التى تكون فيها المرأة ذات حمل؛ والحجة فى ذلك، على ما يذكر، هم: عبد اللَّه بن مسعود، وجابر بن عبد اللَّه، وحماد والحسن البصرى وإبراهيم النخعى. والطلاق ثلاث مرات متتالية صحيح من حيث هو طلاق ثلاث عند الغالبية العظمى بمن فيهم عبد اللَّه بن عباس، وعبد اللَّه بن مسعود، وعبد اللَّه بن عمر، وحماد، والحسن البصرى، وإبراهيم النخعى، والزهوى، بل يذكر أحيانًا أن هذا الرأى هو الرأى السائد الوحيد الذى لا يوجد رأى مخالف له، لكن فى تاريخ متأخر عن ذلك بعض الشئ كان هناك من يدافع عن الرأى القائل بأن مثل هذا الطلاق يجب أن يعد صحيحًا مرة واحدة. وعلى حين يذهب رأى الغالبية، الذين يذكر بينهم عبد اللَّه بن عباس والضحاك، إلى أن المرأة تصبح حرامًا على الرجل بعد طلاق الثلاث المتتالية بحيث لا تستطيع أن تتزوجه من جديد إلا بعد أن تنكح رجلا آخر ويتم الزواج ثم يطلقها هذا الرجل، فإن هذه النتائج -بحسب رأى يذكر عن مجاهد (ومعه آخرون) وهو يتابع الطبرى، ويرجع إلى اختلاف فى تفسير الآية 228 وما بعدها من سورة البقرة- تصبح نافذة بعد طلاق مرتين إن لم يرجع فيه الرجل بل "يسرح المرأة". أما أنه لابد من إتمام الزواج الثانى إتمامًا فعليًا إذا أريد أن تصبح المرأة حلالًا للزوج الأول، فهو ما يطالب به الجميع قاطبة، ومنهم مثلا عبد اللَّه ابن عباس، وعبد اللَّه بن المبارك، وعبد اللَّه ابن عمر، وإبراهيم النخعى، وسعيد بن المسيب، والزهرى. ويؤكد كل من عبد اللَّه بن مسعود، وحماد، وإبراهيم النخعى، صحة الطلاق الذى ينطق به فى حالة المزاح تأكيدًا صريحًا، وهو يعتبر طلاقًا معترفًا بصحته عند الجميع. وهناك تأكيد إجماعى للمبدأ القائل بأنه فى حالة الطلاق بعبارات غير صريحة يكون المعول على نية الناطق

بها، لكن هناك خلاف كثير فى الرأى حول عبارات بعينها، وهل تعتبر غير صريحة أم لا، وحول الطلاق بالإكراه أو تحت تأثير السكر: هل يعتبر صحيحًا أو غير صحيح؟ والمسألة هنا مسألة تطبيق مبادئ هى ذات أهمية فيما عدا ذلك أيضًا، أجل تطبيقها فى ميدان كان له، نظرا لأهميته، شأن كبير فى تطور هذه المبادئ، وإنكار صحة الطلاق قبل إتمام الزواج يستند إلى الحديث الذى رواه عبد اللَّه بن عباس، وعلى، وعكرمة، ومجاهد، وسعيد بن المسيب وغيرهم، أما الطلاق المشروط بإتمام الزواج (إن تزوجتك فأنت طالق) فهو يعتبر صحيحًا عند عبد اللَّه بن مسعود، وعبد اللَّه بن عمر، وإبراهيم النخعى، والزهرى، لكن ينكر ذلك آخرون. وكل طلاق قبل إتمام الزواج فهو بات لا يمكن الرجوع فيه (انظر سورة البقرة، الآية 236, 237؛ سورة الأحزاب، الآية 49) وأصحاب هذا القول هم عبد اللَّه بن عباس، وحماد، وإبراهيم النخعى، والزهرى وغيرهم (هذه القاعدة تتفق بلا شك مع روح القرآن - انظر سورة الأحزاب، الآية 49). والآراء المختلفة الموجودة الحديث حول حقوق المطلقة ثلاثًا فى السكنى والنفقة توجد هنا أيضًا: وبحسب رأى عبد اللَّه بن عباس، والحسن البصرى، وعكرمة، لا حق لها كلية، وعند الزهرى (وهو يظهر بين أنصار الرأى الأول، لكن الراجح أن ذكره بينهم خطأ) أنه لاحق لها إلا فى السكنى، وعند عبد اللَّه بن مسعود وحماد وإبراهيم وعمر، أن لها الحق فى السكنى والنفقة. ويذهب عبد اللَّه بن عمر، وسعيد بن المسيب، والزهرى إلى أنه لا يجوز للرقيق أن يطلق إلا مرتين سواء كان الطلاق لأمة أو حرة. أما عند عبد اللَّه بن مسعود، وإبراهيم النخعى فإن العامل الحاسم فى ذلك هو مركز المرأة من حيث هى أمة. فكل من كان زوجا لأمة سواء كان عبدًا أو حرًا فليس له أن يطلق أكثر من مرتين. ولفظ القروء الوارد فى القرآن (سورة البقرة، الآية 228 وما بعدها) يفسر

أحيانا بأنه الحيض، وأحيانا بأنه مدة الطهر؛ ومن أصحاب الرأى الأول عبد اللَّه بن عباس، وعبد اللَّه بن مسعود، والضحاك، وحماد، وإبراهيم النخعى، وعكرمة، وعمر، وفقهاء العراق. ويذكر من أصحاب الرأى الثانى عبد اللَّه بن عمر، والزهرى (وينسب إليه الرأى الأول خطأ) وفقهاء المدينة. وكل من على وسعيد بن المسيب يذكر بين أصحاب الرأيين الأول والثانى. وهناك خلافات فى الرأى أقل شأنا من ذلك حول تفسير ألفاظ قرآنية مختلفة وردت فى سورة البقرة الآية 228, وسورة الطلاق، الآيات 1 و 2 و 4. وهناك إجماع على أنه يحق للزوج أن يرجع فى الطلاق حتى رغم إرادة الزوجة، وهذا ما يقول به صراحة أمثال عبد اللَّه بن عباس، والضحاك، والحسن البصرى، وإبراهيم النخعى، وعكرمة، ومجاهد. 5 - وأحكام الفقه فى الطلاق مبنية على ما تقدم، ويمكن إجمالها باختصار فيما يلى: للزوج الحق فى تطليق زوجته حتى بدون إبداء الأسباب، لكن الطلاق بدون أسباب وجيهة مكروه، بل هو عند الأحناف حرام، وأيضا يعتبر "طلاق البدعة" حراما، وذلك هو الطلاق الذى لا تراعى فيه شروط "طلاق السنة" (انظر ما تقدم) لكن هذا لا يؤثر بحال فى صحة الطلاق. ويشترط فى الزوج لكى يصح منه الطلاق بلوغ الرشد وسلامة العقل. ولا يعتبر طلاق القاصر صحيحا إلا بحسب حديث واحد عند أحمد بن حنبل، والوصى يقوم مقام الزوج الذى لا تتوفر فيه الشروط المطلوبة شرعا. والطلاق حق شخصى يجب أن يباشره الزوج شخصيا أو بمعرفة وكيل يعينه هو خاصة، بل يستطيع الزوج أن يعطى هذا التفويض للزوجة أيضا، فهى التى تطلق نفسها. والطلاق يكون بعد زواج صحيح، والطلاق المعلق بشرط إتمام الزواج (انظر ما تقدم) غير صحيح عند الشافعية والحنابلة، لكن صحيح عند الأحناف والمالكية (لكنه عند المالكية لا يعتبر صحيحا إلا إذا صيغ فى عبارة

عامة لا تخصيص فيها مثل أن يقول المطلق: كل امرأة أتزوجها طالق). وطلاق المخرف والمجنون غير صحيح، وطلاق السكران كان مثار مناظرات حية فى جميع المذاهب، فطلاق السكران المذنب يعتبر صحيحًا عند غالبية الفقهاء. وطلاق المكره صحيح عند الحنفية وليس صحيحا عند المالكية، والشافعية، والحنابلة. والعبارات المتضمنة للطلاق الدالة عليه دلالة صريحة مباشرة توقعه مهما كانت نية القائل لها عند نطقه بها. وإذا استعمل الناطق بالطلاق عبارات مسهبة غير ملتبسة فإن الحنابلة والحنفية والشافعية يشترطون النية أيضا، على أن المالكية لا يجعلون لها أهمية، أما إذا استعمل المطلق ألفاظًا أو إشارات ملتبسة فإن النية هى العامل الحاسم الوحيد. وبين أصحاب المذاهب خلاف كبير فى الرأى حول كل هذه المسائل من حيث التطبيق على حالة المطلق. وهناك خلاف كثير أيضًا حول صحة الطلاق المعلق بشرط، هذا بصرف النظر عن الحالة التى تقدم (ذكرها) فالحنفية والشافعية يعتبرون أن الطلاق المعلق إنما يقع عند وقوع الشرط، والمالكية ينظرون إليه بحسب طبيعة الشرط فيعتبرونه أحيانا واقعا على الفور وأحيانا لا قيمة له. ومدة العدة تبتدئ بعد الطلاق مباشرة، إلا إذا كان الطلاق قبل إتمام الزواج فهذا الطلاق بائن: وفى هذه الحالة لا تحتاج المرأة إلى عدة، وليس لها إلا المطالبة بنصف المهر إن كان قد فرض وحدد مقداره (وإذا كان قد دفع وجب عليها أن ترد نصفه) ولها الحق فى هدية الزواج، وهى التى يقال لها المتعة بحسب تقدير الرجل (انظر سورة البقرة الآية 236, 237. ولابد من التفرقة بين الطلاق الرجعى والطلاق البائن. ففى الحالة الأولى يعتبر الزواج شرعا قائما بكل نتائجه، وللمرأة على الزوج الحق فى السكنى والنفقة طول مدة العدة، وللزوج من جهة أخرى الحق فى الرجوع فى الطلاق طول مدة العدة،

فإذا ترك هذه المدة تمضى من غير أن يستعمل هذا الحق انحل الزواج نهائيا بانتهاء المدة، فإن لم يكن المهر قد دفع وجب دفعه، إلا إذا كان قد اتفق على دفعه فى تاريخ بعد ذلك. فإذا حدث صلح بين الطرفين، وأرادا أن يتراجعا فلابد لهما من عقد جديد ومهر جديد. أما فيما يتعلق بالطلاق البائن فإن الزواج ينحل به على الفور انحلالا نهائيا (مع استثناء واحد وهو أن الطلاق البائن الصادر عن الرجل فى مرض يموت فيه لا يحرم الزوجة من حقوق الميراث، وهذا هو رأى الأحناف والحنابلة مع اختلاف فى التفصيلات، أما الشافعية فهم يعتبرون أن الرأى الآخر أفضل) على أنه لابد فى هذه الحالة من أن تقضى الزوجة مدة العدة، ولا يصح لها فى أثناء هذه المدة أن تتزوج. وفى هذه المدة لها على الزوج الحق فى السكنى، لكن لا يكون لها الحق فى النفقة إلا إذا كانت حاملا. ودفع الزوج للمهر هو كالحال فى الطلاق الرجعى. ولا يجوز عقد زواج جديد بين الطرفين الأولين إلا إذا كانت المرأة فيما بين ذلك قد أتمت الزواج برجل آخر وعاشرته (انظر سورة البقرة، الآية 230)، لكن حتى هذا السبيل لا يكون ميسورا لهما إلا مرتين. والطلاق الثالث يعتبر بائنًا بين الأحرار (انظر سورة البقرة، الآية 229 وما بعدها)، أما بالنسبة للرقيق فالطلاق الثانى هو البائن ولا أهمية لكون الطلقات المتفرقة قد حصلت فى زواج واحد أو أكثر لم يفصل بينها تحليل. وفيما يتعلق بالزواج بين الأحرار والإماء فإن مركز الرجل هو المعول عليه عند المالكية والشافعية والحنابلة، ومركز المرأة هو المعول عليه عند الحنفية. ومدة العدة للمرأة ثلاثة قروء (انظر سورة البقرة، الآية 228) أى أنه عند المالكية والشافعية ثلاثة أطهار، وعند الحنفية ثلاث حيضات، فإذا كانت الزوجة حاملا استمرت المدة حتى تضع حملها. أما بالنسبة للأمة فمدة العدة فى الحالة الأولى قرءان وفى الحالة الثانية شهر ونصف، فإذا كانت الأمة حاملا استمرت المدة أيضا حتى الوضع.

وعند الحنفية، وهو الأشهر عند المالكية، أنه لا يجوز وطء المرأة التى لم تطلق الطلاق البائن فى أثناء مدة العدة، وعند المالكية والشافعية والرأى الآخر للحنابلة، أن ذلك محرم. وبحسب ذلك يعتبر الوطء عند الأولين رجوعًا فى الطلاق فى كل حال، ولا يعتبر عند المالكية رجوعا فى الطلاق إلا إذا كانت نية الرجل قد انعقدت على ذلك. أما الشافعية فلا يعتبرون فى الرجوع فى الطلاق إلا الكلام الصريح من جانب الزوج. 6 - وأحكام الطلاق عند الشيعة لا تختلف إلا فى تفصيلات قليلة الأهمية عن أحكامه عند أهل السنة التى تكلمنا عنها حتى الآن، فالشيعة يفسرون الآية الثانية من سورة الطلاق تفسيرًا أكثر تشددًا، ويرون أنه لكى يكون الطلاق صحيحا لابد من إحضار شاهدين تتوفر فيهما الشروط الشرعية، هذا على حين أن أهل السنة لا يرون ضرورة للشاهدين. والشيعة يجعلون قيمة للعبارات الملتبسة والعبارات والإشارات التى تحتمل أكثر من وجه مهما كانت نية الناطق بالطلاق. 7 - والطلاق، من حيث هو نظام متعلق بتشريع الأسرة، يجب أن يجرى من الناحية العملية على أسس تمليها أحكام التشريع الإسلامى بكل شدة. وقد أدت كثرة الطلاق ذاتها، وفى أحيان كثيرة طلاق ثلاث لأتفه الأسباب، إلى هذا الإجراء الآتى: إذا أراد الزوجان أن يتراجعا بعد الطلقة الثالثة فإنهما يبحثان عن شخص مناسب يكون مستعدًا فى مقابل مكافأة لأن يعقد على الزوجة ثم يطلقها على الفور، وهنالك تصبح الزوجة حلالا لزوجها الأول، ولذلك فإن الشخص الذى يقوم بالدور فى هذا التحليل يسمى المحلل، ويفضل استخدام شخص قاصر أو شخص مملوك، لهذا الغرض. ولا يمكن الاعتراض بحال على صحة مثل هذا الإجراء بشرط ألا تذكر كلمة التحليل عند عقد هذا الزواج الحاصل بين الطلاق ثلاثا وبين المراجعة، ويدافع الحنفية عن جوازه، لكن المالكية والشافعية يعارضونه. وابن تيمية الحنبلى كان يرى أن التحليل فى الجملة غير جائز وقد هاجمه فى

المصادر

مصنف خاص له (انظر بروكلمان: تاريخ الأدب العربى جـ 2، ص 155، رقم 38) لكن ابن تيمية كان فيما يظهر متفردًا فى ذلك. وتعليق الطلاق قد تكون له أغراض مختلفة: فالرجل قد يستخدم هذا الطلاق مثلا لكى يحمل نفسه أو زوجته على شئ أو لكى يرجع عن شئ مخافة الطلاق الذى يهدده، أو لكى يكسب بعض ما يقول قوة. وفى الهند وبين سكان المضايق وفى شطر كبير من جزر الهند الهولندية، صار هذا التعليق للطلاق عادة جارية عند عقد الزواج، ويندر إغفاله، وهو يستخدم فى فرض التزامات على الرجل لزوجته فإن هو لم يف بها انحل الزواج بالطلاق (انظر De Atjehers: Snouck Hurgronje، جـ 1، ص 382 وما بعدها؛ Verspreide Ges chriften جـ 4/ 1 ص 300 وما بعدها؛ Handleiding tot de kennis von de mohammedaansche wet: Juynboll، ص 207 وما بعدها، الطبعة الثالثة). أما عن الناحية العملية للطلاق بحسب ما تطور فى بلاد مختلفة فى ظل الشريعة وفى ظل القانون العرفى بين أهل البلاد فانظر (فيما يتعلق بشمالى إفريقية Sitte and Recht in Nordafrika: Ubach and Rackow ص 37, 97, 194 و 277, 379 وما بعدها؛ وفيما يتعلق بمصر Manners and customs of the modern Egyptions: Lane, الفصلان 3، 4؛ وفيما يتعلق بشرق الأردن انظر Coutun es des Arabes au pays de Moab: A Jaussen، قسم 3؛ وفيما يتعلق بشمالى غرب جزيرة العرب انظر للمؤلف نفسه: Coutmes des Fugara، قسم 4؛ وفيما يختص بالهند الهولندية انظر المراجع التى ذكرها Handleiding: Juynboll ص 207، هامش رقم 3، وانظر بوجه عام كتب وصف أحوال الشعوب وكتب الرحلات). أما تركية فإنها باتخاذها منذ 1926 القانون السويسرى فى الأحوال المدنية هى البلد الإسلامى الوحيد الذى ألغى الطلاق كلية. المصادر: علاوة على المصادر التى تقدم ذكرها والمصادر الأصيلة فى الحديث والفقه انظر

تعليق على مادة "طلاق"

(1) R. Roberts: The social laws of the Qoran, ص 98 وما بعدها. (2) Handbook of early Muhammadan Tradition: Wensinck, مادة طلاق. (3) Dictionary of the technical terms: Sprenger، جـ 1، ص 920، جـ 2، ص 921 (هذا الكتاب هو كشاف اصطلاحات الفنون للتهانوى). (4) Handleiding . .: Juynboll الطبعة الثالثة، ص 203 وما بعدها (5) Muhammedanisches Recht und Schafitische Lehre: Sachau، الكتاب الأول. (6) Istituzioni di diritto musulmano malichita: Santillana, جـ 1، ص 201 وما بعدها (6) Dictionary of Islam: Hughes، مادة طلاق. أبو ريدة [شاخت J.Schacht] تعليق على مادة "طلاق" - 1 - يلحظ فى هذه المادة الإطالة بغير طائل، فمن تكرار فى غير موضع، إلى تلخيص بعد تفصيل، مما يقلل الاستفادة، من هذه الصفحات الكثار. ثم يلحظ فى المادة عدم وضوح الطابع المميز لها، فهل هى تاريخية، أو اجتماعية، أو فقهية؟ وإذا كانت فقهية، فهل هى من فقه القرآن الكريم، أو فقه السنة، أو الفقه المذهبى فى صورته الأخيرة؟ فإن أهل الذكر يدركون الفروق بين هذه الدراسات المختلفة. وفى المادة لمحات من كل هذه الاتجاهات، لا تكتمل منها واحدة؛ فهى تحدث عما كان عليه الأمر أول ظهور الإسلام، من مفارقة ما زاد عن أربع، ممن عنده أكثر, وتحدث عما صار إليه الأمر حديثا فى تركية، من إلغاء الطلاق، ولكنك لا تجد فيها التناول التاريخى الصادق، للطلاق عند العرب، أو الساميين، أو المسلمين على مرور الأزمنة! !

وهى تحدث عما فى القرآن من آيات الطلاق أحيانا، لكنك لا تجد فيها التتبع الكامل للطلاق فى القرآن، واستخراج الأحكام من آياته! ! وهى تحدث عن أحاديث فى الطلاق، لكنك لا تجد فيها ذلك التتبع، الذى هو دراسة للطلاق فى الحديث، واستخراج الأحكام من مروياته! ! وهى تحدث عن اجتهاد المجتهدين فى الطلاق، وتذكر آراء طبقات مختلفة منهم، لكنها لا تبين التطور الاجتهادى لأحكام الطلاق الفقهية! ! ولا هى تقدم صورة مما استقر عليه الأمر أخيرًا من أحكام الطلاق المذهبية! ! وهكذا لا تكون مادة طلاق فى دائرة المعارف الإسلامية درسا مستوفيا لجانب محدود، من جانب البحث الإسلامى يخرج القارئ منه بفائدة صالحة، ولا هى إلمام عام منسق، بتلك الجوانب، من البحث الإسلامى. ولعل المادة كانت تستحق التناول المبتدأ، كما حدث ذلك فى غير مادة من الدائرة المترجمة حين بدا عدم وفاء ما كتب عنها فى الأصل الأوربى إ! وربما كانت الكتابة المبتدأة فرصة قد فاتت. . فلننظر فيما قدم من هذه المادة. - 2 - يقول الكاتب: "وأخيرا يجب أن نذكر أنه بحسب ما ورد فى الحديث أن الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- أوقع الطلاق من فوره على نساء استعذن باللَّه أمامه، وروى أنه أشار بأن يطلق عبد اللَّه بن عمر زوجته، لأجل أن أباه كان يكرهها". وأول ما فى ذلك: التعبير بالجمع عن نساء استعذن باللَّه أمامه، فإن المشهور أن ذلك لم يكن من جمع من النسوة! ! على أنك تجاوز ذلك إلى تفهم مراد الكاتب بإيراد هذين المعنيين، من طلاق من استعاذت باللَّه أمام الرسول عليه الصلاة والسلام فورًا؛ وطلاق ابن عمر وزوجته لأجل أن أباه كان يكرهها؟ فهل يريد الكاتب أن الطلاق كان هينًا، ولأسباب يسيرة؟ أو هو يريد أن إشارة الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- بطلاق زوجة ابن عمر فيها شئ ما من هذه السهولة، فى تقدير تلك الرابطة؟ ! أو هى غمزة منه

بذكر استعادة امرأة أمام الرسول عليه الصلاة والسلام؟ فأما أن الطلاق كان هينا ولأسباب يسيرة، فواضح فى حالة الاستعادة أمام الرسول عليه الصلاة والسلام أن أساس هذه الرابطة الزوجية، وهو المودة والرحمة -آية 21: الروم- ليس موجودًا من جانب المرأة، وقد قال القرآن الكريم: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}، وهو ما فهم منه أن يفعل بها الزوج ما يحب أن تفعل به، أى أن يصنع لها كما تصنع له -والعبارتان لابن كثير والبغوى جـ 2، ص 384 و 385 ط المنار- وإذا كان الأمر كذلك، فهل بقى شئ من أساس هذه الصلة أو نظام التعامل فيهما بعد الاستعاذة باللَّه من الزوج! ! ولا موضع للغمز فى خبر الاستعاذة باللَّه أمام الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- لأنها -حين تصح- ليست إلا من حيل النساء، على ما هو معروف من الخبر، فهن أفهمن هذه المرأة المستعيذة أن هذا هو ما يحب الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- أن تلقاه به المرأة أول لقاء، فتوهمت المرأة ذلك واستعادت. والمسألة كلها أهون من أن يطول فيها القول بأكثر من ذلك. وأما إشارة الرسول عليه الصلاة والسلام بأن يطلق ابن عمر زوجته لأجل أن أباه كان يكرهها، فيحسن أن نقدم بين يدى الكلام عنها، ما أدب به القرآن الناس، عند كراهتهم هم أنفسهم لهؤلاء الزوجات وما أتم به الرسول عليه الصلاة والسلام بيان هذا التأديب؛ وذك من آية النساء: 19 - قوله: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} فهذا هو ما تلا الرسول عليه الصلاة والسلام على عمر وابنه وغيرهما؛ ثم نقل أنه قال فى هذا التأديب: "لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقا رضى منها آخر"، أو كما قال فى هذا المعنى. . ومن هذه الآية أخذ العلماء دليل كراهة الطلاق، مع الإباحة، وروى عن النبى -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: إن اللَّه لا يكره شيئا أباحه إلا الطلاق والأكل، وإن اللَّه ليبغض المعى إذا امتلأ -تفسير القرطبى جـ 5، ص 98.

وفى ظل هذا التوجيه القرآنى والنبوى إلى ما يفعل عند الكراهة للزوجة ننظر فى حادث ابن عمر، وكراهة أبيه لزوجته فنرى، الحديث -كما فى مسند ابن حنبل، جـ 2، صفحات 42, 53, 157: "وإذا عمر يقول للرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-]: يا رسول اللَّه إن عند عبد اللَّه بن عمر امرأة كرهتها له، فأمرته أن يطلقها فأبى، فقال لى رسول اللَّه [-صلى اللَّه عليه وسلم-]: يا عبد اللَّه طلق امرأتك فطلقها". ودعك من أنه خبر آحاد، وأن فى سنده الحارث بن عبد الرحمن، قال الحاكم: لم يرو عنه غير أحمد. . وانظر فى عبارة الحديث قول عمر "فكرهتها له، أى كرهها لابنه، وليس أن عمر الأب هو الذى كره زوجة ابنه. وكراهة عمر هذه الزوجة لابنه تحتمل أشياء كثيرة، وتبين قيمة مشورة هذا الأب الذى عرف بحسن التقدير، وأيدت ذلك فيه حوادث كثيرة أيد الوحى فيها رأيه، كما هو معروف. ولا بعد فى أن يكون تقدير الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] لهذا الرأى من عمر فى أن هذه زوجة غير صالحة لابنه، وكراهتها له، لا كراهة عمر لها، هو التقدير الدقيق فى ظل هذا الهدى القرآنى، عند كراهة النساء، ولذلك كله أشار الرسول عليه الصلاة والسلام بطلاق ابن عمر لمن كره أن تكون زوجة له. ولا يبقى فى الحادث بعد ذلك وتعبير عمر بقوله "كرهتها له" موضع لملاحظة؛ وهو شهادة على دقة الكاتب أو أمانته، حين يقول من أجل أن أباه كان يكرهها. مع أنه كان يكرهها له. - 3 - يقول الكاتب: "ومثل هذه النسبة إلى أقدم الفقهاء يجب أن تعتبر غير تاريخية، وإنما أصبحت تاريخية على وجه اليقين ابتداء من إبراهيم النخعى". وفى قوله "يجب أن تعتبر غير تاريخية" جرأة، ولا يقبلها منهج البحث المحرر؛ فكل ما فى الأمر أنه قد يشك فى هذه النسبة، ولكن هذا الشك لا يعطيه الحق فى إيجاب عدم تاريخيتها. ولو قد قال إنه يشك فى تاريخية هذه النسبة، أو إنه يتهم هذه النسبة بكذا أو كيت لساغ له من ذلك ما يصح، ثم

طلائع

ينظر فى تقدير أثره على تاريخية النسبة، لا أن يهجم على تقرير وجوب إهدار تاريخية النسبة هكذا. وفى كل حال فإن هذه العبارة حين تصلح بما يحتمله المنهج الصحيح، فتكون مثلا: "وهذه النسبة إلى أقدم الفقهاء يمكن أن تعتبر غير تاريخية". . يكون هذا القول من الكاتب هو الامتداد المتجنى لمهاجمتهم السند الإسلامى، وتصيدهم الشبه لاتهامه، من العصر الأول حين لم تكن الحاجة ماسة إلى تتبع السند، لقرب العهد بمصدر الرواية، وحياة المشافهين له عليه الصلاة والسلام. وقضية هذا الاتهام للسند وتاريخيته قد سبقت مناقشتها، ورد شبه المستشرقين فيها، بقاعات الدرس فى الجامعات بمصر والإسكندرية ولا مجال هنا لإعادة ذلك القول المفصل فى ذلك. ولعل أوجز ما نشر منها ما ورد فى كتاب "مالك بن أنس: ترجمة محررة" لكاتب هذا التعليق. وهو فى ص 564 إلى 567 - من الطبعة الأولى. أمين الخولى طلائع ابن رزيك الملك الصالح: وزير فاطمى (495 - 556 هـ = 1101 - 1161 م)، وقد أدت الحوادث التى أعقبت اغتيال الخليفة الفاطمى الثانى عشر "الظافر" (1154 م) إلى استقدامه، بناء على رغبة الحريم فى قصر الخليفة، من ولايته على الأشمونين ليقبض على زمام الأمور بيد قوية فى تلك الظروف؛ وحالفه النجاح فى سيره إلى القاهرة هو وأتباعه من أهل الصعيد؛ وهنالك وزر للخليفة الطفل "الفائز" سنة 549 هـ (1154 م) بعد أن صرف الوزير عباس عن منصبه، وتلقب بلقب الصالح باللَّه، ذلك أن سلفه الخائن عباسا كان قد فر حاملا ثروته إلى فلسطين حيث وقع فى يد الصليبيين. وتفاوض طلائع مع هؤلاء فى تسليم أسيرهم عباس، ويقال إنه دفع لهم نظير تسليمه عشرة آلاف دينار (ابن إياس، جـ 1، ص 66). وتمت الصفقة وعذب عباس وابنه نصر عذابا شديد، وصلبا فى القاهرة. وقبض طلائع على زمام الأمور بيد من حديد

المصادر

كما كان منتظرا من قائد عسكرى مثله. وأظهر طلائع فى أوقات فراغه ولعًا بنظم القريض حتى لقد أقحم ذلك فى رسائله العسكرية، وقد أورد ابن خلكان (جـ 1، ص 658) شواهد من شعره، والظاهر أن طلائع كان راعيا كريما للفن والأدب وإن كان لم يتورع عن إثقال كاهل الفلاحين بالضرائب. ويمكن أن نشاهد آثار المسجد الذى بناه قائمة لم تزل بالقرب من باب زويلة بالقاهرة، مما يشهد بغيرته على الدين. وكان طلائع دائما نصيرا قويا للإسماعيلية، ولما توفى الخليفة الصغير فى الحادية عشرة من عمره (1160 م) وتولى الخلافة ابن عمه الطفل العاضد آخر الخلفاء الفاطميين، ظل طلائع فى منصب الوزارة وزوج ابنته للخليفة. وكان طلائع فى الواقع هو الحاكم الفعلى للبلاد، ومع ذلك فإن تقويض سلطانه قد اقتضى من أعدائه السياسيين زمنا. وأدت القيود التى فرضها على حريم قصر الخلافة من ناحية إلى إيغار صدر عمة الخليفة، وانتهت دسائسها باغتياله. وقد تجلت روحه الغلابة وهو على فراش الموت إذ أمر بقتل هذه السيدة أمام عينيه؛ وأدركته المنية فى 19 رمضان سنة 556 هـ (سبتمبر 1161)، ودفن آخر الأمر فى القرافة. ويروى أبو صالح فى تاريخه (ورقة 89 ب) قصة تقول إن راهبا من رهبان النصارى فى الصعيد كان قد تنبأ لطلائع وهو بعد من ولاة الأقاليم، بأنه سوف يبلغ أرفع المناصب فى الدولة. ويقال إن الوزير حين تحققت نبوءة الراهب منح الدير قطعة من الأرض. وأيا كانت صفات هذا الوزير الأخرى فإنه كان حقا محاربا بطلا. وقد فعل أقصى ما فى طاقته لطرد الصليبيين من فلسطين متوسلا بالسياسة والرشوة والقتال ولكنه آب بالخيبة، ويرجع معظم السبب فى ذلك إلى إخفاق المفاوضات التى أجراها مع حاكم دمشق المسلم السنى. ويروى أنه أبدى أسفه وهو فى النزع الأخير على أنه لم يستطع أن ينتزع بيت المقدس من الفرنجة. ويقال إن أملريك غزا مصر فى وزارته. المصادر: (1) ابن خلكان: وفيات الأعيان، ترجمة ده سلان جـ 1، ص 657 - 661.

طلحة

(2) ابن دقماق: كتاب الانتصار، جـ 4، ص 56، جـ 5 , ص 45. (3) أبو صالح: تاريخ: Monasteries of Egypt&Churches، ترجمة Events، الفهرس. (4) ابن إياس: تاريخ مصر، جـ 1 ص 66 - 76. (5) المقريزى: الخطط، جـ 2، ص 294. (6) Oumara du Yemen: H. Derenbourg الفهرس. (7) المؤلف نفسه: Vie d'Ousama ص 177. (8) Omarah's Hist. of Yemen: Kay, جـ 6، ص 78. (9) السيوطى: حسن المحاضرة، القاهرة 1327 هـ، جـ 2، ص 11. (10) Egypt in the middle Ages: S. Lane-Poole الفهرس. (11) Geschichte der Fatimiden Chalifen: Wustenfeld الفهرس. (12) The Crusades in the East: W.B.Stevenson، ص 186 خورشيد [ووكر J.Walker] طلحة ابن عبيد اللَّه: صحابى من المبشرة أى من أولئك الذين بشرهم الرسول عليه الصلاة والسلام بالجنة. وطلحة قرشى من عشيرة بن تيم بن مرة، ونسبه: طلحة بن عبيد اللَّه بن عثمان ابن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة، ويكنى بأبى محمد نسبة إلى ابنه، واشتهر طلحة بورعه وكان من أوائل القراء، وقد قتل هو وابنه فى وقعة الجمل سنة 36 هـ، كان أيضًا من السابقين الأولين إلى الإسلام. وقد ابتلى طلحة هو وأبو بكر بتهديدات قريش وسوء معاملتهم لهما وهاجر طلحة مع النبى عليه الصلاة والسلام، وكان بذلك من أصحاب مشورته ومن أصدق أصدقائه. وكان النبى عليه الصلاة والسلام قد أنفذه قبيل وقعة بدر ليرصد حركات القافلة المكية، ولكنه عجز عن العودة عندما نشبت المعركة فلم يسهم فيها بشأن ذى بال، ولكنه اشترك فى الغنيمة مع سائر المهاجرين على قدم المساواة. وأبلى طلحة بلاء حسنا فى وقعة أحد المشؤومة وامتاز

بشجاعته، فقد حمى بجسمه النبى -صلى اللَّه عليه وسلم- عند تراجع المسلمين فأصيب بعدة جروح وأدركته ضربة قطعت أوتار إصبعين من أصابعه فبقيتا مشلولتين. وأكسبه حسن بلائه هيبة فى أيام النبى -صلى اللَّه عليه وسلم- وبعد وفاته، وجعل له مكانة واحتراما فى قلوب المسلمين لم تستطع الشيات التى شابت صفحة حياته المتأخرة أن تمحوها. فلما توفى النبى (-صلى اللَّه عليه وسلم-) بدا أن علاقته بالخليفتين الراشدين الأولين كانت أميل إلى الفتور، ويقال إنه تردد مدة طويلة قبل أن يبايع أبا بكر وعمر من بعده. وقد حرص عمر بدوره على ألا يولى منصبا رفيعا ذلك الصحابى القوى، فقد كان لدى هذين الخليفتين فيما يرجح أسباب تدعوهما إلى الخشية من أطماحه. ولم يمنعه ذلك من أن يجمع ثروة طائلة من الفتوح الإسلامية، إذ كانت له ضياع فى جزيرة العرب وفى العراق وأملاك عينية، وتذكر الروايات إن كرمه كان يعادل ثروته. وقد بوأته هيبته ومركزه المالى أرفع مكانة فى عهد عمر. ويذهب كايتانى (Annali dell'Islam، جـ 5، ص 42, 46) إنه كان هو والزبير وعلى من المحرضين على قتل عمر، ولكن هذه الدعوى لا سند لها، كما أنها أبعد ما تكون عن الاحتمال بالنسبة لطلحة لأنه كان غائبا عندما وقع الاغتيال فى المدينة (انظر Rivista deglistudi Orientali، جـ 4، ص 1060 - 1061). ومهما يكن من شئ فإن طلحة كان من المرشحين للخلافة، وقد أحس بمرارة الخيبة عندما وقعت من نصيب عثمان. واندمج طلحة فى صفوف المعارضة فاستغل السخط الذى سرعان ما دب فى نفوس الناس على حكم عثمان، وسعى إلى تولى الخلافة مرة أخرى. ويصعب علينا اليوم أن نفهم جوهر الفتنة التى أودت بحياة عثمان، ذلك أن الروايات التى سجلت عنها غامضة يشوبها الغرض، على أنه من الثابت فيما يبدو لنا أن طلحة كان من الممثلين الأوائل فى هذه القصة، وبخاصة فى أيامها الأخيرة حين انقطعت فجأة المناقشات الطويلة التى دارت بين عثمان من ناحية، وبين طلحة والزبير وعلى من جهة أخرى، وقتل الخليفة فى بيته على يد الغوغاء وظن طلحة أن حلمه أوشك أن يتحقق، بل لقد بدا أن مبايعته بالخلافة باتت

قاب قوسين أو أدنى، وإذا بعلى يبايع بالخلافة دونه. وهنا أيضا يشوب الروايات غموض كبير بالرغم من التفصيلات الكثيرة التى غشيتها. والراجح أن عليا قد اعتمد على العناصر الكثيرة الشغب التى أصبح لها اليد العليا فى تلك الأيام التى اضطربت فيها الأمور، أما طلحة (وكذلك الزبير الذى كان يعمل بالاتفاق معه وإن كان يسعى لإدراك أغراضه الخاصة) فقد سعى إلى اتخاذ موقف وسط، فأقصى عن الخلافة. ومهما يكن من شئ فقد وجد طلحة ألا مناص له من الاعتراف بالخليفة الجديد، ولكنه لم يلبث أن فر من المدينة هو والزبير وبلغ مكة حيث انضم إلى عائشة (كانت عائشة تقف موقف العداء من على كما كان هذا شأنها مع عثمان) التى كانت فيما يبدو تناصر دعوى طلحة فى الخلافة (وربما كان السبب فى ذلك رابطة الدم التى كانت تربطها به، فقد كان كلاهما من عشيرة تيم بن مرة). وشخص الحلفاء الثلاثة إلى البصرة، حيث كانوا يعتمدون، وبخاصة طلحة. على اجتذاب أنصار لقضيتهم، وأعلنوا أنهم يرغبون فى الأخذ بثأر عثمان من علىّ بعد إذ قالوا إنهم بريئون من دمه. ونحن نعلم النهاية المشؤومة التى نزلت بهم، فقد هلك طلحة والزبير فى يوم الجمل (جمادى الآخر سنة 36) وفاز على بالعراق، على أنه لم يحتفظ به إلا سنوات قليلة؛ ولم تشق أسرة طلحة بهلاك شيخها، ذلك أن ورثته آلت إليهم ثروته وظلوا محتفظين بجاههم؛ وكان منهم كثير من المحدثين، ولكنهم طلقوا السياسة بالثلاثة. ونستطيع أن نتبين من أقوال الروايات أن طلحة كان مقاتلا شجاعا، ورجلا نبيلا كريما، وأغلب الظن أن السبب فى هلاكه كان الخطأ المأثور عن العصاميين، وهو العجز عن الحد من الطموح الذى يتملك نفوسهم. ذلك أن ما أصابه من نجاح غير متوقع فى كثير من الأمور، جعله لا يعرف حدودًا لإمكانياته، إذ كانت تعوزه فيما يظهر الصفات اللازمة لإدراك هذه الحدود

المصادر

وقد ظل الحكم على سلوك طلحة (وكذلك سلوك الزبير وعائشة) دائما مسألة دقيقة فى نظر المسلمين من أهل السنة. ذلك أنهم بتّوا فيها على هدى من روح التوفيق التى أثرت عنهم، فقالوا إن طلحة وحلفاءه قد أخطئوا بحسن نية وأن أفضالهم السابقة كافية لمحو أخطائهم. وقد ذهب كثير من الروايات إلى أن طلحة نفسه قد ندم قبل موته وأن عليا من جهته قد أعلن أنه رضى عن خصمه. وإنما غلاة الشيعة هم الذين لم يرجعوا عن "لعنة الناكثين". المصادر: (1) ابن سعد: الطبقات، جـ 3/ 1، ص 152 - 161 والمراجع الأخرى عن سير الصحابة. (2) وقد جمع كايتانى annali dell'Islam: Caerani، جـ 9، ص 380 - 399, وفهارس المجلدات 1 - 2, 3 - 5, و 8, 9، السنوات 35, 36 هـ. (3) انظر أيضا: Privista clegli Studi Orientali: Vida G. Lev Della جـ 6، ص 434 - 449 (عن الفتنة ضد على). خورشيد [ليفى دلافيدا G.Levi della Vida]. طليحة ابن خويلد بن نوفل الأسدى الفقعدى: شيخ من شيوخ القبائل الذين تزعموا حركة الردة مدعين النبوة. كان طليحة وأخوه سلمة على رأس بنى أسد فى السنة الرابعة للهجرة، وقد نزلت به الهزيمة على يد المسلمين فى حملة قَطَن، واشترك فى حصار المدينة فى السنة التالية. وفى بواكير سنة 9 هـ وفد طلحة إلى المدينة واحدا من عشرة رجال من بنى أسد كانوا يمثلون على الأرجح فريقا فحسب من هذه القبيلة، وأعلنوا الولاء للنبى عليه الصلاة والسلام. ويقال إن الآيات من 13 إلى 16 من سورة الحجرات قد نزلت فى تأنيب هؤلاء على غطرستهم، على أن ثمة رواية تقول إن طليحة وحده هو الذى دخل فى الإسلام وهى تفرق بذلك بين الخضوع السياسى للإسلام والإيمان به، ذلك أن طليحة دون سواه هو الذى يعد أنه أسلم، وإنما مرد ذلك إلى أن الردة كانت فى نظر المسلمين كفرا. وربما كانت هذه القصة بأكملها قد وضعت لتناظر قصة زيارة مسيلمة للمدينة.

وافتتن طليحة سنة 10 للهجرة؛ وركز قواته فى سميراء وادعى النبوة ويقال إنه قدم شروطه للنبى عليه الصلاة والسلام، فأنفذ إليه النبى ضرار بن الأزور ليكبح جماحه. ولم يعقب ذلك أى قتال ذى شأن حتى وفاة النبى (-صلى اللَّه عليه وسلم-)، وهنالك نجح طليحة فى الحصول على تأييد بنى فزارة وفريق هام من طئ، وانحاز إلى الفتنة التى نشبت فى وسط جزيرة العرب وأنفذ جيشا ليخوض معركة ذى القَصّة. وفى الحادى والعشرين من رجب سنة 11 هـ سار خالد بن الوليد إلى طليحة، وأقنع بالتهديد معظم بنى طئ بالانضمام إليه. ودارت المعركة فى بزاخة، وكانت هزيمة طليحة راجعة إلى نكوص عيينة بن حصن زعيم بنى فزارة، إذ يقال إنه تولاه اليأس عندما عجز عن أن يجد وحيا يشجعه على المضى فى القتال. وفر طليحة هو وزوجته، وأبى كثيرون من أتباعه أن يسلموا، فحرقوا أحياء، وسعت أمه إلى النيران لتزهق روحها. وعاش طليحة بعد وقعة بزاخة مدة من الزمن يغمره النسيان بالقرب من الطائف أو فى الشام. وأسلم أخيرًا بعد أن أسلمت أسد وغطفان وعامر. ومر طليحة بالمدينة بعد حين لأداء العمرة ففزع الناس إلى أبى بكر مستنكرين وجوده ولكن أبا بكر أدركته الرحمة به وأبى أن يؤذى رجلا قد أسلم. ولما بويع عمر بالخلافة شخص إليه طليحة ليعلن له ولاءه، وعنفه الخليفة على قتل عكاشة بن محصن وثابت بن أقرم فى وقعة بزاخة، وسأله عما بقى من كهانته، فقال طليحة فى تواضع: "نفخة أو نفختان". أما حياته الحربية بعد ذلك فكانت طويلة مشرقة، فقد أبلى بلاء حسنا فى القادسية على رأس قبيلته، وقاد مشاة المسلمين فى جالولاء؛ وينسب الفضل فى انتصار المسلمين فى وقعة نهاوند إلى خطة الهجوم التى رسمها؛ وهناك رواية غالبة تقول إنه قتل فى هذه الوقعة (21 هـ) ولكننا نجد له ذكرا سنة 24 هـ فقد روى أنه كان واحدًا

المصادر

من الخمسمائة رجل من المسلمين الذين عسكروا فى قزوين؛ وهكذا يظل تاريخ وفاته غير مؤكد. والراجح أن تحديد هذا التاريخ بسنة 21 هـ يرجع إلى أنها هى السنة التى توفى فيها خالد ونعمان ابن المقرن وعمرو بن معدى كرب. وكان اسمه الحقيقى هو طلحة أما طليحة فتصغير لهذا الاسم كقولنا فى مسلمة مسيلمة أما عن الوحى الذى ادعى أنه أنزل عليه (يأتيه به جبريل أو ذو النون) فلا نعرف عنه إلا القليل النادر. ومن قبيل ذلك نبوءة له بفتح الشام والعراق. وأخرى تعرض لحجر الرحى وهو رمز شائع للنصر فى معركة حربية. ويبدو أنه كان إلى العراف أقرب منه إلى النبى، ذلك أن الأقوال القليلة التى عرفت عنه تتعلق بحوادث واقعة، وليس له منهج دينى واضح. وكان طليحة محاربًا باسلا، ويعد بألف فارس، على أنه كان يفتقد صفات الزعيم إذا حكمنا بسيرته القصيرة فى التمرد والثورة، وقد كتب عمر بشأنه إلى النعمان بن المقرن: "استعن فى حربك بطليحة وعمرو بن معدى كرب واستشرهما فى الحرب ولا تولهما من الأمر شيئا فإن كل صانع أعلم بصناعته". ويروى عنه أيضا أنه كان يرتجل الشعر ويخطب عفو الساعة فى ميدان القتال، ويبدو أنه كان مثالا حقا للزعيم القبلى الجاهلى وقد اجتمعت فيه صفات العراف والشاعر والخطيب والمقاتل. المصادر: (1) الطبرى، طبعة ده غوى، جـ 1 ص 1687, 1795, 1882, 1891. (2) ياقوت: المعجم، طبعة فستنفلد جـ 1، ص 702، جـ 6؛ ص 487. (3) ابن الأثير: أسد الغابة، جـ 3، ص 65. (4) الذهبى: تجريد، جـ 1 ص 299. (5) ابن هشام، طبعة فستنفلد، ص 452. (6) البلاذرى طبعة ده غوى، ص 95, 96, 258, 261, 264, 322. (7) Annalli dell, Islam: Gaetani، حوادث سنة 10 هـ، الفصل 67؛ حوادث سنة 11 هـ، الفصول من 127 - 146؛ حوادث سنة 12 هـ الفصل

طليطلة

98، حوادث سنة 16 هـ، الفصول 46, 63, 337, 338. (8) Skizzen und voararbeiten: Wellhausen، جـ 6، ص 9 - 11, 197. خورشيد [فكا V.Vacca] طليطلة مدينة بأسبانيا فى وسط شبه جزيرة أيبيريا على مسيرة ستين ميلا إلى جنوب الجنوب الغربى من مدريد. وقد شيدت هذه المدينة على ارتفاع ألفى قدم فوق سطح البحر على تل جرانيتى، ويحيط بها من ثلاثة جوانب ثنية نهر تاجه التى احتفرت مجراها على امتداد قاع لصدع عميق فى الأرض. وهى تشرف فى جوارها مباشرة على مرج خصيب يمتد إلى الشمال الغربى بمحازاة مجرى النهر كما يمتد فيما وراءها سهل كونته عوامل التعرية فى هضبة قشتالة، ويبلغ عدد سكانها فى الوقت الحالى 25.000 نسمة (¬1) وطليطلة قصبة مديرية تعرف بهذا الاسم نفسه ومقر الكرسى الأسقفى لكبير أساقفة أسبانيا. والقصبة القديمة لملوك قشتالة هى الآن مدينة صغيرة هادئة، ولكنها احتفظت بطابعها الخاص، وهى بارعة الجمال تقوم فى موقع جليل لا يضارع. وقد ساق لنا جميع جغرافيى العرب الذين وصفوا شبه جزيرة إيبيريا أوصافا لطليطلة تتفاوت طولا وقصرا. فالإدريسى يجعلها فى إقليم الشارات (Las Sierras) وكانت فى زمنه قد انتزعت من أيدى المسلمين، وهو يصف موقعها المنيع الممتاز وحصونها والبساتين المحيطة بها تتخللها القنوات التى ترفع النواعير ماءها لاستخدامها فى الرى. ويشيد أبو الفداء أيضا بجمال بساتينها ومن بين أشجارها شجر الرمان ذو الأزهار الكبيرة. ويذكر ياقوت أن الحبوب التى تزرع حول طليطلة تبقى فى مطاميرها سبعين سنة لا تتغير، وأن زعفرانها هو الغاية فى الجودة. وكان ليفى (Hist: Livy جـ 37، ص 7) أول من ذكر المدينة الأيبيرية ¬

_ (¬1) كان ذلك وقت كتابة المادة، وبلغ عدد سكانها فى تعداد سنة 1950: "38136" نسمة.

توليتم Toletum التى استولى عليها وكيل القنصل الرومانى فولفيوس M.Fulvius سنة 193 ق. م فى شئ من المشقة. وظلت هذه المدينة مزدهرة غاية الازدهار تحت الحكم الرومانى. ولما دخلت المسيحية إلى أسبانيا لم تلبث طليطلة أن اكتسبت أهمية كبيرة بوصفها مركزا لهذا الدين، وانعقد لأول مرة فى طليطلة عام 400 م مجلس من أربعة عشر أسقفا، واستولى القوط الغربيون على مدينة طليطلة عام 418 م وأضحت فى القرن السادس عاصمة مملكتهم فى شبه الجزيرة، واتخذها أثاناكلدا Athanagilda عاصمة له سنة 567 م. ولما اعتنق الملك ريكارد Rekkared المسيحية عام 587 أصبحت القصبة القوطية مرة أخرى المركز الدينى لأيبيريا بل إن ذلك كان على نطاق أوسع. وبدأ رجال الدين الروم الكاثوليك يتدخلون فى شئون البلاد السياسية ويظهرون نشتاطهم عن طريق المجالس المتعددة. وكانت طليطلة مسرحا للقصة الأسطورية التى تدور حول الملك ردريكو وفلورنده Florinda إبنة الكونت يوليان صاحب سبتة، ولا يزال الناس فى هذه المدينة يشيرون إلى موضع على ضفة نهر تاجه كانت تستحم فيه فلورنده حين رآها الأمير القوطى المغربى ووقع فى غرامها (Banos de la Cava) واستولى الفاتح طارق بن زياد على طليطلة سنة 92 هـ (714 م) فوجدها قد خلت من أهلها أو كادت ولم يبق فيها سوى عدد قليل من اليهود ألحقهم طارق بجيشه، وسرعان ما انضمت إلى هذا الجيش فى طليطلة القوة التى كان طارق قد أنفذها للاستيلاء على غرناطة ومرسية. ويجعل الإخباريون المسلمون التقاء طارق بموسى بن نصير فى طليطلة أيضا. ومكث القائد العربى فترة قصيرة فى تلك المدينة ثم مضى فى تقدمه نحو الشمال من شبه الجزيرة فسار إلى سرقسطة واستولى عليها. قد ذكر جل الكتاب العرب الذين كتبوا فى تاريخ الأندلس أو جغرافيته قصصا شائقة، وإن كانت أسطورية، عن الثروة الخيالية التى وجدها الفاتحون المسلمون فى طليطلة عندما استولوا عليها، وكانت هذه القصص

تدور على ألسنة الناس فى القرون الأولى للهجرة؛ وأشهرها هى قصة "بيت طليطلة المغلق" وقد درس باسيه Rene Basset سنة 1889 المراجع التى ذكرت هذه القصة (انظر المصادر). ويرد اسم طليطلة كثيرا فى روايات إخباريى الأندلس أيام الولاة وخاصة بعد قيام إمارة قرطبة الأموية. وجاء فى الروايات التى ذكروها والتى أيدها الإخباريون النصارى أن هذه المدينة سرعان ما أصبحت مرتعا للفتن ومركزًا دائما للتمرد على الحكومة؛ ومن المؤكد أن معظم أهل طليطلة لم يتخلوا قط عن عقيدة الروم الكاثوليك وظلوا مستغربين على الرغم من قيام الحكم الإسلامى. وقد أظهر الفاتحون تسامحا عظيما نحو السكان إلا هؤلاء إن لم يقبلوا حكمهم مستسلمين، ذلك أن أهل طليطلة لم يتركوا فرصة تمرد دون أن يغتنموها لرفع هذا الحكم عن كاهلهم، وكذلك كانوا كلما لاحت لهم الفرصة طلبوا معونة البربر الممعنين فى الشغب الذين لم يستطع ولاة الأندلس ولا خلفاؤهم السيطرة عليهم تمام السيطرة، وقد وجدت فتنة البربر الكبرى عام 122 هـ (740 م) أكبر عون لها فى طليطلة. وقضت الجيوش التى أنفذت من قرطبة على الثائرين بالقرب من هذه المدينة على ضفاف وادى سليط (Guazalete). ولجأ يوسف الفهرى أيضا إلى طليطلة بعد ذلك بقليل عندما عزله عبد الرحمن الأول عن ولايته، ولقى مصرعه بالقرب منها سنة 142 هـ (759 م). وما من أمير من أمراء الأمويين منذ أول حكمهم حتى عهد عبد الرحمن الثالث الناصر إلا واهتم بطليطلة، بل انشغل بها باله انشغالا خطيرا فى بعض الأحيان. ففى 147 هـ (764 م) انتفض فى طليطلة هشام بن عذرة. فأنفذ إليه عبد الرحمن الأول قائديه بدرا وتمام بن علقمة لإخضاع المدينة. ولما تولى هشام الأول الحكم (173 هـ = 788 م) نادى أخوه ومنافسه سليمان بنفسه خليفة فى طليطلة، ولم يجد هشام بدا من محاصرة المدينة فى العام التالى، ولكنه اضطر إلى الارتداد عنها بعد شهرين

دون أن يظفر منها بطائل. وشبت فى طليطلة عام 181 هـ (797 م)، عقب اعتلاء الحكم الأول العرش، فتنة جديدة أشعل لهيبها رجل يدعى عبيدة بن حميد، ولكن الأمير الأموى لم يتوان فى عقاب أهل طليطلة بشدة لدأبهم على التمرد. وكان يؤجج نار الفتنة فى نفوسهم فى تلك الأيام أشعار كان ينظمها مواطن من مواطنيهم هو الشاعر غريب الذى ذاع صيته بينهم. وبعد وفاة غريب ولى الحكم على طليطلة مولد من أهل وشقة Huesca يدعى عمروس؛ وعمد عمروس، بالاتفاق مع أمير قرطبة. إلى استدراج أشراف المدينة، بعد أن استحوذ على ثقتهم، إلى كمين وذبحهم جميعا، ويعرف هذا اليوم بوقعة الحفرة المشهورة (191 هـ = 807 م) على أن القسوة الشديدة التى اتسم بها قمع هذه الفتنة لم تمنع أهل طليطلة من أن يتمردوا ولما يمض على ذلك عشر سنوات. وفى عام 199 هـ (814 - 815 م) خرج الأمير الحكم بنفسه إلى طليطلة وتمكن بالحيلة من دخول المدينة وحرق أنحاءها المرتفعة جميعا. وعادت طليطلة سنة 214 هـ (829 م) فأصبحت الموضع الذى اندلعت منه نار فتنة أثارها مولد آخر يدعى هاشما الضراب، واقتضى قمع هذه الفتنة سنتين؛ وأنفذت فى عهد عبد الرحمن الثانى حملة لتأديب طليطلة بقيادة الأمير أمية، وكان ذلك فى سنة 219 هـ (834 م). وحاصر طليطلة فى العام التالى أمير قرطبة واستولى عليها عنوة بعد أن حاصرها بضعة أشهر فى رجب من عام 222 (يونية عام 837). وظلت طليطلة خاضعة للأمويين، وكانت تقدم لهم الرهائن حتى عام 238 هـ (852 م) ولكنها انتقضت مرة أخرى فى هذا العام عندما اعتلى الأمير محمد بن عبد الرحمن بن الحكم العرش. وقد أسخط عدم تسامح الأمير أهل طليطلة فعمد هؤلاء بقيادة واحد منهم يدعى سندولا Sindola إلى خلع الوالى العربى وأعلنوا استقلالهم عن الحكم الأموى. ولم يكتف أهل طليطلة بطرد ممثلى

حكومة قرطبة من المدينة بل جهزوا جيشا ألحق الهزيمة بجنود الأمير محمد فى شهر شوال من سنة 239 (مايو 854) بالقرب من أندوجر (أو أندوشر) Andujar وأرادوا أن يردوا الجيش الذى سيرته قرطبة لقتالهم فتحالفوا مع أردونو الأول Ordonon ملك ليون فأمدهم بجيش يقوده جاتون Gaton كونت بيرزو Counu of Bierzo لمقاتلة جيش قرطبة. وكانت عاقبة هذا القتال هزيمة منكرة لحقت بأهل طليطلة إذ فقدوا عشرين ألفا من رجالهم. وفى عام 244 هـ (858 م) أوقع محمد بالمدينة التى لم يشأ لها أن تنعم بالراحة فاجعة أخرى فقوض الجسر المقام على نهر تاجه أثناء ازدحامه بالجنود، واضطرت طليطلة أن تطلب الأمان فى العام التالى، وأقام محمد واليًا من قبله عليها. ولا يكاد يذكر المؤرخون العرب شيئا عن طليطلة منذ ذلك الحين حتى عهد عبد الرحمن الثالث الناصر، وكل ما نعرفه أن أهل طليطلة حصلوا عام 873 على معاهدة تعترف لهم باستقلالهم السياسى من الناحية العملية إذا هم قبلوا أداء الجزية لقرطبة. وتم إخضاع طليطلة نهائيًا على يد الحاكم الأموى العظيم الناصر، الذى انتظر حتى استأصل شأفة مهاد الفتنة الأخرى فى مملكته جميعا قبل أن يفرغ لهذه المدينة. وأرسل هذا الخليفة فى عام 318 هـ (920 م)، بعد أن استولى على بطليوس، وفدًا من الفقهاء ليبصروا أهل المدينة بأن حريتهم لا تتمشى مع سلطان حكومة قرطبة، ولما خابت هذه المحاولة السلمية حاصر الناصر المدينة على الفور وخرج بنفسه على رأس جيش عظيم ليدير دفة الحرب. وعسكر الناصر على مرتفعات شارنكاس Charnecas وبين لأهلها بأنه لن ينسحب إلا بعد الاستيلاء على طليطلة، وأخذ يشيّد بعض العمائر وسوقا أطلق عليه اسم مدينة الفتح قبال المدينة المحاصرة. واستمر الحصار حتى عام 320 هـ (932 م) وهنالك سقطت طليطلة آخر الأمر. وأقام بالمدينة حامية أموية قوية. وكان للاستيلاء على

هذه المدينة أثر معنوى عظيم فى الأندلس بأسرها. وأضحت طليطلة منذ ذلك الحين قصبة الثغر الأوسط كما كان منصب والى طليطلة من أهم المناصب الحربية بالديوان الأموى. ومن أكابر من شغلوا هذا المنصب محمد بن عبد اللَّه بن حدير، والقائد أحمد بن يعلى، كما شغله فى عهد الحكم الثانى القائد غالب بن عبد الرحمن الناصرى حمو الحاجب المنصور بن أبى عامر الطائر الصيت. ولم يعد لطليطلة إبان عهد الاضطرابات التى انتهت بسقوط خلافة قرطبة وتقسيم الدولة الأموية بالأندلس إلا شأن ضئيل فى شئون السياسة. واتخذت طليطلة فى مناسبات عدة مركزًا لم تغتنم فيما يظهر هذه الفرص للفتنة كما فعلت من قبل فى كثير من الأحيان، وظلت طليطلة سنوات عدة قاعدة العمليات الحربية للقائد واضح، كما لجأ إليها محمد بن هشام ابن عبد الجبار فى الفترة التى وقعت بين حكميه، وأصبحت طليطلة عقب إنشاء الدويلات الإسلامية فى شبه الجزيرة قصبة دولة صغيرة هى مملكة بنى ذى النون. وبنو ذى النون هؤلاء أشراف من أصل بربرى حصلوا فى عهد المنصور بن أبى عامر على بعض القيادات العسكرية. وقد استقر هؤلاء فى إقليم شنتبرية (مديرية قونكه Cuenca الحديثة). ولجأ أهل طليطلة إلى بنى ذى النون عندما أرادوا أن يولوا عليهم زعيما حين سقطت خلافة قرطبة، فأرسل إليهم عبد الرحمن بن ذى النون صاحب شنتبرية ولده إسماعيل فتسلم زمام المدينة والجهات التابعة لها، ثم استعان بخبرة أبى بكر بن الحديدى أحد أشراف طليطلة ليتولى الأمور باسمه. ويذكر عدد من الإخباريين العرب أن إسماعيل بن ذى النون لم يكن أول ملك على طليطلة وإنما هو قد جاء عقب زعماء. أسر مختلفة: ابن مسرة، ومحمد بن يعيش الأسدى، وولده أبى بكر يعيش. وتذكر أسماء أخرى علاوة على هؤلاء: سعيد بن شنظير وولده أحمد، وعبد الرحمن بن منيوه وولده عبد الملك. واتخذ حاكم

طليطلة الجديد الذى يجعلون بداية عهده بصفة عامة سنة 427 هـ (1035 - 1036 م) لقب التشريف الظافر. ولم يمكث الظافر على العرش إلا بضع سنوات إذ توفى سنة 452 هـ (1043 - 1044 م) وخلفه على العرش ولده وتلقب بالمأمون وانظر عن حكمه الطويل المادة الخاصة به (ويجب تصحيح تاريخ اعتلائه العرش من عام 429 إلى عام 435 انظر، Recherches: Dozy, جـ 1، ص 238، تعليق رقم 1). واتسعت رقعة مملكة طليطلة اتساعا عظيما عند وفاة يحيى المأمون فى نهاية عا م 467 هـ (1075 م)، وانتقلت إلى حفيده يحيى بن إسماعيل بن يحيى الذى تلقب بالقادر. قد انتهى عجز هذا الأمير الشديد إلى فترة تضاعف فيها اضمحلال البلاد بعد حكم المأمون الممتد المشرق الزاهر. وتخلى عن هذا الأمير حلفاء جده من المسلمين وخاصة أمير أشبيلية، فاضطر إلى التحالف مع ألفونسو السادس ملك قشتالة وليون وبسط عليه ألفونسو حمايته نظير أداء جزية زادت مع الأيام. واضطر القادر فى سبيل الوفاء بالتزاماته أن يثقل كاهل رعاياه بالضرائب فانتهى بهم الأمر إلى الفتنة. واتخذ القادر حيال ذلك اجراءات عنيفة كما قتل كثيرا من أشراف المدينة ومنهم وزيره الأول ابن الحديدى، غير أن ذلك لم يؤد إلا إلى زيادة غضب أهل طليطلة عليه فاضطر إلى الهجرة من العاصمة والالتجاء إلى وبذة Huete, وعرضت دولة طليطلة على ملوك بنى الأفطس ببطليوس فاستولى عليها المتوكل. عام 472 هـ (1077 م). واستعاد ألفونسو السادس طليطلة عقب ذلك مباشرة باسم حليفه المسلم، ولكن ذلك لم يكن إلا ذريعة، فقد دخل ملك قشتالة طليطلة باعتباره صاحب الأمر فى السابع والعشرين من المحرم عام 478 (25 مايو سنة 1085) بعد معاهدة أبرمت بينه وبين القادر الذى لم يستطع التنصل منها، وبذلك اتخذ ملك قشتالة خطوة هامة فى سبيل استعادة أسبانيا من العرب Reconquista. وكان

للاستيلاء على طليطلة أثر معنوى هائل بين المسيحيين والمسلمين على حد سواء، كما كان السبب فى دفع المرابطين إلى غزو أسبانيا فى العام التالى. وقد أحرز يوسف بن تاشفين أولا ثم الموحدون من بعده انتصارات شبه جزيرة أيبيريا؛ إلا أن طليطلة لم تعد ثانية إلى أيدى المسلمين؛ وظلت طوال قرن من الزمان هدفا من أهداف الجيوش الإسلامية، وحوصرت طليطلة مرتين دون طائل الأولى عند وفاة ألفونسو السادس، والثانية على يد أبى يوسف يعقوب المنصور الموحدى عام 592 هـ (1095 م) إبان حملته التى ردت مدن قلعة رباح Calatrava ووادى الحجارة Guadalgara ومدريد إلى حوزة المسلمين بضع سنوات وتوجت بانتصار المسلمين فى وقعة الأرك Alaracos غير أن وقعة العقاب Las Navas de Tolosa سرعان ما بددت أمل المسلمين فى استعادة طليطلة. وانتقلت طليطلة إلى حوزة المسيحيين، واتخذها ملوك قشتالة عاصمة لمملكتهم، إلا أنها احتفظت أمدًا طويلا بطابعها الإسلامى، وظل عدد من أهلها المؤمنين يقومون بشعائر الدين الإسلامى. وأصبحت طليطلة التى كانت مدينة للمستعمرين Mozarabs فى عهدها الإسلامى مدينة للعرب المنتصرين Morescoes أمدا طويلا بعد ارتدادها للمسيحية، ولم يبق فى طليطلة إلا قليل جدا من الآثار المتخلفة من العهد الطويل التى حكمها فيه المسلمون، إذ لا يكاد يوجد بها إلابقايا من مسجد ببيت مردودم الصغير (Cristo de la Luz) وبعض أجزاء من قصر لاس تورنرياس Las Torneri (¬1) وباب شقرة Visagra القديم، وكلها ترجع إلى عهد ملوك الطوائف. على إنه قد عثر بالمرج القريب من المدينة على عدد كبير من الكتابات على أخر مسلمى طليطلة ومعظمها منقوش على أبدنة العواميد. ومدينة طليطلة على الرغم من موقعها الذى يجعلها من مدن الحدود (الثغور) واحتواء عدد سكانها على نسبة كبيرة من العناصر المسيحية، ¬

_ (¬1) كان أصل هذا القصر هو "مسجد المسلمين" ثم اتخذ مسكنا لطائفة من الرهبان النصارى الذين نذروا أنفسهم للعبادة, وكان الطعام يوضع لهم فى شباك, ومن ثم جاء هذا الاسم, لأن معنى اللفظ تورنريا بالأسبانية هو الشباك.

المصادر

فإنها كانت تعد مركزًا من مراكز الحياة العقلية فى الأندلس الإسلامية. وخاصة فى نهاية الخلافة الأموية وفى عهد المأمون. وقد خصص عدد كبير من المواد الواردة فى طبقات سير المسلمين من أهل الأندلس: للعلماء والفقهاء الذين خرجوا من طليطلة. المصادر: (1) الجغرافيون العرب: المكتبة الجغرافية العربية (أنظر الفهارس). (2) الإدريسى: صفة الأندلس، النص، ص 173, 175, 187؛ الترجمة ص 207, 311, 227. (3) أبو الفداء تقويم البلدان، النص ص 176، الترجمة، ص 255. (4) ياقوت: معجم البلدان، جـ 3, ص 545 - 546. (5) ابن عبد المنعم الحميرى: الروض المعطار فى عجائب الأقطار، الأندلس رقم 80. (6) جميع مؤرخى الأندلس من العرب (أخبار مجموعة: ابن القوطية، ابن حيان، ابن بسام، ابن عذارى، عبد الواحد المراكشى، المقرى، ابن الأثير، النويرى، ابن خلدون، وذلك فى مواضع مختلفة. (7) Histore des muslmans d'Espagne: R.Dozy الفهرس. (8) Los reyes de taifas: A.Prieto vives مدريد 1926, ص 52 وما بعدها. (9) La Espana del cid: R. Menedez Pidal مدريد سنة 1929, جـ 1, فى مواضع مختلفة. (10) La Maison fermee fe Tolede. Bull. Soc, Geororan: R.Basset سنة 1898 ص 42 - 58. (11) Historia F. Simonet de los Mozarabes de Espanan الفهرس. (12) Inscriptions arabes d'Espangne: E. Levi-Pronencal. مقالات عن طليطلة: (1) Pin toresca: J. Amador de los Ruos مدريد سنة 1845. (2) Toleso en la mano: S. Ramon Parro طليطلة سنة 1857. (3) Historia de laciudad de togedo. sus claros varones y: A.Martin Gamero

الطليطلى

monumentos، طليطلة سنة 1862. (4) de Palazuelos: J. Lopez de Ayala، (alis Toledo, quia artisticopractica طليطلة عام 1890. (5) Toledo: R. Amador de los Rois، Monumentos arquitectonicos de Espana) مدريد سنة 1905. (6) Toledo: A.F.Calvert, لندن سنة 1907. (7) Toledo: A.L.Mayer، ليبسك سنة 1910. (8) Tolede (Les villes d'art celebres: E.Lambert باريس سنة 1925 الشنتناوى [ليفى بروفنسال E. Levi Brovencal] الطليطلى نسبة يعرف بها أحيانا أبو القاسم صاعد بن أحمد الأندلسى المشهور بالقاضى صاعد. ولد الطليطلى فى المرية سنة 420 هـ (1029 م) وبدأ دراسته فى قرطبة وأتمها فى طليطلة التى كانت وقتذاك قصبة بنى ذى النون ومركزا زاهرا كل الازدهار للحياة العقلية. وسرعان ما حقق لنفسه شهرة فى الفقه والتاريخ والرياضيات والفلك. وقد أقامه الأمير يحيى المأمون من بيت ذى النون قاضيا لطليطلة، وظل يشغل هذا المنصب حتى أدركته المنية فى شوال سنة 462 (يوليه 1070). وكتب القاضى صاعد رسالة فى الفلك، وتاريخا عاما، ومؤلفا على نسق كتاب الملل والنحل لابن حزم، والظاهر الآن أنه مفقود وبين أيدينا من آثاره فى الوقت الحالى كتاب فى تاريخ العلوم يعرف باسم "طبقات الأمم"، (طبعة شيخو، بيروت 1912)، وهذا الكتاب قسمان، يتناول القاضى صاعد فى القسم الأول الأمم التى لم تنشأ فيها علوم، ويقتصر فى كلامه على العموميات، ويدرس فى القسم الثانى الأمم الثمانى التى اهتمت بالعلوم، وهى الهندوس، ولافرس، والكلدانيون، والإغريق، والمغاربة، والمصريون، والعرب واليهود. والفصول التى كتبها عن الإغريق والعرب واليهود هى دون سواها الجديرة منا بالالتفات فى هذه الأيام، زد على ذلك أن ما اتسم به الكتاب من اختصار، وما شاب ملاحظاته من نوادر وحكايات، وافتقار

المصادر

الكتاب إلى البيان القائم على منهج ما من التطبيق الفنى، لشاهد واضح على أن صاعدا لم يقصد بحال إلى تأليف بحث عميق على طريقة المتخصصين، وإنما قصر همه على تأليف كتاب بسيط لجمهور القارئين. ومن المؤسف أن كتاب طبقات الأمم لم يلبث أن فقد فى نظر الناس الصفة التى أضفاها عليه كاتبه. وهذا الكتاب الذى كان ينظر إليه الناس من قبل نظرتهم إلى مختصر فى تاريخ العلوم، سرعان ما عد كتابا من الأمهات يتعمق جميع فروع المعرفة الإنسانية، بل سرعان ما عدل عن اعتباره مجرد تصنيف، ونظر إليه على اعتبار أنه مرجع من الأصول فى المعرفة، وهو أمر أخطر. وقد أخذ كتاب العرب الذين كتبوا فى تاريخ العلوم فى القرن الثالث عشر الميلادى هذا الخطأ قضية مسلمة، فابن القفطى قد نقل الكثير من كتاب طبقات الأمم حتى ليحق لنا القول بأن نقدر ما نقله بما يعادل ربع كتابه تاريخ الحكماء، بل إن ابن أبى أصيبعة فى كتابه العظيم "عيون الأنباء فى طبقات الأطباء" قد ضمنه عدة تراجم للأطباء نقل نصوصها من كتاب القاضى صاعد. ونذكر أخيرا أن الكاتب النصرانى ابن العبرى قد احتذى صاعدا فى تقسيمه الأمم إلى أنصار للعلم وأعداء له، وفى إلمامه العام بكل أمة من هذه الأمم وذلك فى كتابه "مختصر الدول". المصادر: (1) ابن بشكوال: كتاب الصلة. رقم 535. (2) الضبى: بغية الملمس، رقم 452. (3) المقرى: نفح الطيب Analectes, ص 905، جـ 2، ص 123. (4) Gesch d. Arab Litr: Brockelmann، جـ، ص 344. (5) Die mathimatiker und Astronomen der Araber: Suter، رقم 224. (6) Ensayo biobibliografico: Pons Boigues رقم 106. (7) the Source de L'histoire des Sciences chez les Arabe): 1928 ,Mesperis LesTabakat al-umam de Sa'id alAndalusi. خورشيد [بلاشير R. Blacheere] .

طنجة

طنجة Tangier: وهى تنكيس Tingis القديمة (والنسبة القديمة إليها طنجى، والنسبة الحديثة طنجاوى): مدينة من أعمال مراكش تقوم على مضيق جبل طارق، على مسيرة عشرة كيلو مترات إلى الشرق من رأس إشبرتال Spartel عند النقطة التى يبدأ بها المحيط الأطلسى. وطنجة تشرف على جون رائع ينتهى فى الشرق برأس المنار، وفى الغرب بالقصبة، ثم ينحدر إلى البحر انحدارًا فيه شئ من الوعورة أحيانا. وللمدينة عدة أحياء، بعضها داخل الأسوار وبعضها خارجها؛ ويبلغ عدد الأحياء التى فى داخلها أربعة عشر حيا هى قوام المدينة عينها. ومن أهم الأحياء التى فى خارجها: سيدى أبو القناديل، وَمرشان (وهى هضبة كبيرة طولها 1.200 متر تقوم إلى الغرب من المدينة بمحازاة البحر)؛ والدرادب (أى المنحدرات)؛ وحسنونة، وسوق البّرا؛ والصفاصف (أى أشجار الحور)؛ والمصّلى؛ والسَوانى (أى النواعير) وفى جوار طنجة مباشرة قريتا شَرْف وطنجة البالية اللتان يسكنهما الريفيون من قبيلة فحص طنجة. وفى المدينة عدد قليل بعض الشئ من المساجد، منها سبعة مساجد جامعة وستة مساجد أقل أهمية. وأهم هذه المساجد جميعًا هو المسجد الذى حول إلى كنيسة أيام الاحتلال البرتغالى، وقد تناولته يد الإصلاح مرارًا منذ أن استرده المسلمون سنة 1684 م. والمدينة عينها يحيط بها حصن طوله يربى على كيلومترين مشيد بالحجر يرجع معظمه إلى أيام احتلال البرتغاليين (1471 - 1661 م) وقد رمم بعد ذلك فى مناسبات شتى، وفتحت فيه أبواب أغلبها حديث. ولا تزال تكتنف الحصن من الجانبين أبراج نذكر منها برج النعام، والبرج الإيرلندى ويسمى برج دار البارود (قلعة يورك التى ترجع إلى أيام الإنجليز) وبرج السلام، وفيها تسعة وعشرون مدفعًا من أصل أوروبى. وأعظم آثار طنجة قصر الشريف الذى يقوم على الجزء الشرقى من القلعة، وقد ظل هذا القصر مقرًا للحكومة عدة قرون، وكان الإنجليز يسمونه أثناء احتلالهم للمدينة: القلعة

العليا. وقد شيد القصر الحالى على أطلال العليا: الباشا أحمد بن على بن عبد اللَّه التمسامانى الريفى قبيل عام 1743, وفيه قتل فى المعركة التى دارت بالقرب من القصر الكبير. ويقطن طنجة الآن سكان خليط يبلغ عددهم 50.000 نسمة (¬1) منهم 30.000 من المسلمين، و 12000 من اليهود، وجالية أوربية غلب عليها العنصر الإسبانى حتى عهد قريب. وكانت المدينة منذ القرن التاسع عشر مقر ممثلى الدول الأجنبية لدى بلاط سلاطين مراكش. وهذا الشأن السياسى الذى كان لقصبة الدولة الشريفية قد أضفى على طنجة طابعًا خاصًا بها؛ وهى الآن قصبة المنطقة الدولية التى تحمل اسمها، وقد تحدد أخيرًا مركز هذه المنطقة. وتروى عن أصل طنجة وتشييدها قصص أسطورية مختلفة أشد الاختلاف يضيق المجال هنا عن ذكرها. وكان موقع المدينة معروفا لدى الفينيقيين، وكانوا هم أول من استعمرها، ثم سكنها من بعد المستعمرون البونيون، وقد ظهرت طنجة فى رحلات هانو (Hanno: Periplus) سنة 530 ق م. والظاهر أن المدينة كانت قصبة ملوك مختلفين صغار من الأهلين أهمهم شأنًا بوّكوس الأول Bokkus (حوالى 105 ق. م)؛ وفى عهد بوكوس الثالث (فى سنة 38 ق. م) أصبحت جمهورية وأعلنت رومة أنها مدينة حرة، وظلت على هذه الحال حتى عهد كلوديوس (42 ق. م) وهنالك رفعت إلى مرتبة مستعمرة وسميت Julia Traducta وأصبحت قصبة ولاية Mauretania Tingitania وفى سنة 291, أى فى أيام الإصلاح الإدارى الذى قام به دقلديانوس حين ضمت ولاية موريتانيا الطنجية إلى أبرشية بايتيكا، أصبحت طنجة مقر ناظر (Comes) ورئيس Praeses يديرها مدنيا. ثم انتقلت طنجة إلى حكم البوزنطيين، ولكن سبتة كانت هى مقر ممثل إمبراطور القسطنطينية. وكان دخول طنجة فى الإسلام فى مستهل القرن الثامن الميلادى، فقد ¬

_ (¬1) كان ذلك وقت كتابة المادة, وقد بلغ عدد سكانها فى تعداد سنة 1941: 100.000 نسمة.

احتلها موسى بن نصير المشهور، وناط أمر حكمها بأحد قواده وهو طارق بن زياد الليثى، وحشد طارق فى جوارها مباشرة الجنود الذين استقر رأيه على الخروج بهم من سبتة والنزول بإسبانيا سنة 711 م. وأصبحت طنجة فى عهد الولاة الذين أقامهم خلفاء المشرق قصبة بلاد مراكش حتى أطلس الكبرى، ومن ثم الاصطلاح "السوس الأدنى" الذى يقابل "السوس الأقصى". وكان أول وال اتخذ طنجة مقرا له هو: عمر بن عبد اللَّه المرادى سنة 732 م. وسرعان ما شبت فتنة ميسرة فى أرباض طنجة الدانية. وكان ميسرة رجلا من البربر تذَّرع بحركة الخوارج، وأراد أن يرفع عن كاهل بلاد مراكش الحكم العربى، وسعى إلى اجتذاب عدد كبير من الأتباع إلى نصرة قضيته، ثم سار إلى طنجة واستولى عليها سنة 740 م، وظلت الفتنة التى أشعل نارها قائمة حتى سنة 785 م. ويجعل المؤرخون طنجة هى المكان الذى نزل به فى قدومه من المشرق إدريس الأول الذى أصبح سيدًا لهذه البلاد بأسرها. وقد ألفى إدريس أن موقع هذه المدينة ليس موقعًا متوسطًا يصلح كل الصلاحية لاتخاذه مقرًا له، والظاهر أنه لم يفكر فى جعلها قصبة ملكه، وهنالك فقدت طنجة مكانتها بوصفها المدينة الأولى فى بلاد مراكش، ولم تستعد هذه المكانة بعد ذلك قط. ولما تقاسم الأدارسة الملك، وقعت طنجة من نصيب القاسم، ولم يلبث أخوه عمر الذى توفى سنة 835 م أن حل محله فيها، وانتقل الجزء الشمالى الغربى بأسره من بلاد مراكش إلى حكم هذا الأمير، واحتفظ أولاده به فتوارثه الآباء فالأبناء قرنا من الزمان ونيفا مستقلين بأمره استقلالا يكاد يكون تاما. ولم تضم طنجة إلى أملاك خلفاء الأمويين بالأندلس إلا سنة 949 م, فأقاموا عليها واليا جعلوا له أيضًا الإمارة على مراكش التى أنزلت إلى مرتبة الولاية التابعة لقرطبة. ومن ثم فقد أقيم على ابن حمود الإدريسى فى أوائل القرن الحادى عشر الميلادى واليًا على طنجة من قبل الخليفة سليمان المستعين باللَّه، وذلك قبل أن يشعل نار الفتنة التى

رفعته إلى عرش قرطبة سنة 1016 م. ولذلك كان لجميع الفتن التى قامت فى أواخر عهد الخلفاء الأمويين بالأندلس أثرها فى طنجة -وكذلك فى سبتة المجاورة لها وفى بربر هذه البلاد، الذين كانوا دائمًا أبدًا متيقظين لما يحدث فى الجانب الآخر من مضيق جبل طارق، فأمَّروا عليهم واليين من برغواطة هما رزق اللَّه، أمروه على طنجة، وسقّوط أمروه على سبتة فى ظل الولاية الاسمية فحسب لبنى حمود فى الأندلس. واستولى المرابطون على طنجة سنة 740 هـ (1077 م)، وفيها نزل المعتمد المشهور سنة 1090 م. وكان المعتمد آخر ملوك بنى عبَّاد أصحاب إشبيلية، وقد نفاه يوسف بن تاشفين فى مراكش. ولما سقطت دولة المرابطين انتقلت طنجة على الفور إلى حكم الموحدين، فقد استولى عليها أول خلفائهم عبد المؤمن بن على سنة 542 هـ (1147 م)، وظلت طوال حكم هذه الأسرة مدينة زاهرة وثغرًا عامرًا بالحركة بفضل مجاورته للأندلس. ولم تعترف طنجة من فورها بالأسرة الجديدة، أسرة المرينيين التى خلفت أسرة الموحدين بعد سقوطها، شأنها فى ذلك شأن سائر بلدان الشمال الغربى لمراكش. وقد انتقلت سبتة إلى حكم الأمراء الوطنيين من بنى العَزَفى، أما طنجة فقد أمرت عليها أبا الحجاج يوسف بن محمد بن الأمير الحمدانى الذى قتل سنة 665 هـ (1266 - 1267 م) بعد أن نادى بنفسه أول قيل من أقيال الحفصيين أصحاب إفريقية؛ ثم دان بالولاء للخلفاء العباسيين فى المشرق. وفى سنة 672 هـ (1274 م) استولى السلطان أبو يوسف يعقوب بن عبد الحق على طنجة عنوة بعد أن حاصرها ثلاثة أشهر. وعادت المدينة فى القرن التالى إلى الدخول فى عهد ران عليه الغموض، واشتبكت فى كثير من الفتن التى اتسمت بها الأيام الأخيرة لدولة بنى مرين. وفى النصف الأول من القرن الخامس عشر أثارت طنجة أطماع الدول النصرانية الأوروبية لأول مرة

بعد دخول المدينة فى الإسلام، فقد حاول البرتغاليون، أصحاب سبتة منذ 1415 م، أن يستولوا على طنجة عن طريق البر سنة 841 هـ (1437 م)، ولكن هذه المحاولة لم تثمر شأنها شأن المحاولتين اللتين بذلتا سنتى 1458 و 1464. وأخيرًا استطاع البرتغاليون احتلال المدينة فى الثامن والعشرين من أغسطس سنة 1471 فى عهد الملك ألفونسو الخامس. وامتد احتلال البرتغاليين لطنجة من سنة 1471 إلى سنة 1661 أى قرابة قرنين. وانتقلت طنجة اسما إلى حكم إسبانيا فى عهد فيليب الثانى شأنها شأن سائر أملاك البرتغاليين فى مراكش، وذلك بعد أن انضوت البرتغال تحت عرش إسبانيا، ولكنها احتفظت بإدارتها الخاصة وبحاميتها البرتغالية؛ وبقيت الحال على هذا المنوال حتى سنة 1643، وقبلت طنجة بعد الثورة أن تعود إلى الاعتراف بسلطان الملك البرتغالى الجديد جون الرابع من بيت براكنزا. وفى سنة 1661 انتقلت طنجة من أيدى البرتغاليين إلى أيدى الانجليز بعد زواج تشارلس الثانى من كاترين الطفلة من بيت براكنزا، ذلك أن أملاك البرتغاليين دخلت فى مهر هذه الأميرة. وقد أقبل أسطول صغير يقوده اللورد ساندويتش لتسلم المدينة ونزلت بها حامية فى نهاية شهر نوفمبر من السنة نفسها، وهنالك قفلت الحامية البرتغالية ورحل السكان البرتغاليون راجعين إلى وطنهم الأصلى البرتغال. وإنما استطاع البرتغاليون، قبل ضم طنجة إلى أملاك التاج البريطانى، أن يمكنوا لأنفسهم فيها مواجهين صعوبات من جميع الأنواع والأشكال. فقد نشبت بينهم وبين المجاهدين عدة مناوشات أثارها زعيم الجهاد الخضر غيلان بن على من قبيلة جرفت، ودأب هذا الزعيم على مناوءتهم وإجهادهم فى ضواحى المدينة حتى أوشكوا فى كثير من الأحيان على التخلى عن طنجة. وظلت الحال تسير على هذا المنوال تحت الحكم البريطانى؛ وحاول الحاكم البريطانى إيرل بيتربورو أول الأمر أن يعقد هدنة مع المجاهدين على أن يؤدى لهم مبلغًا من المال، ولكن هذه الهدنة لم

تحترم إلا فيما بين سنتى 1663 - 1664، بعد كبح جماح المسلمين دون حصون المدينة؛ ثم نُقضت الهدنة. وفى اليوم الثالث من مايو سنة 1664 وقع الحاكم البريطانى الجديد إيرل تافيوت فى كمين بالقرب من طنجة وقتل هو وأربعمائة ونيف من جنوده. على أن الإنجليز حاولوا من بعد أن يضموا إلى صفهم الزعيم غيلان الذى كان قد ادعى السلطنة منازعا السلطان العلوى الجديد مولاى الرشيد؛ وعقد حلف بين غيلان وبين الحاكم البريطانى البارون بلاسايس سنة 1666، ولكن جنود الرشيد كبحوا جماح غيلان فاضطر إلى الكف عن بذل أى نشاط فى شمالى مراكش. ونعم الإنجليز فى المدة التى انتهت بموت هذا الزعيم سنة 1673، بفسحة من الوقت فى طنجة استغلوها فى تنفيذ خطة من التحصينات واسعة النطاق وإقامة خندق يحتمون به. غير أن التكاليف التى اقتضتها هذه الخطة وغير ذلك من الأسباب قد تسببت فى نفور الشعب فى إنجلترا كل النفور من احتلال المدينة. وفى هذه الظروف المواتية استقر عزم السلطان العلوى مولاى إسماعيل على حصار طنجة. ودام هذا الحصار مدة لا تقل عن ست سنوات وَجَيش السلطان جنوده وسد المنافذ على طنجة ووالى الهجوم منذ سنة 1678 على التحصينات الخارجية التى أقامها الإنجليز فنجح، واشتد الحصار على المدينة شيئًا فشيئًا وانتهى رأى الإنجليز إلى الجلاء عنها بعد تدمير الخندق ومعظم التحصينات التى أقاموها. وفى اليوم السادس من فبراير سنة 1684 اعتلت الحامية والجالية الإنجليزية متن السفن وعلى رأس الجميع اللورد دار تموث آخر حكامها من الإنجليز، وعادت طنجة مدينة إسلامية. ولم يلبث الوالى المراكشى الذى أمر على طنجة، وهو أبو الحسن على بن عبد اللَّه التمسامانى الريفى، أن مضى فى إعادة بناء المدينة التى تركها الإنجليز أطلالا وخرائب وأصبح هذا الوالى وابنه بعده، من القوة فى هذه الناحية حتى إنهم سرعان ما كفوا

المصادر

مولاى عبد اللَّه خليفة مولاى إسماعيل، وأجاروا بين ظهرانيهم المطالبين بعرش هؤلاء السلاطين. ولم يتردد ولاة طنجة فيما بعد، وكانوا جميعا على وجه التقريب ينتسبون إلى أسرة التمسامانى؛ فى رفع سلطان هؤلاء السلاطين عن كاهلهم أحيانًا. وأصبح تاريخ العلاقات بين هؤلاء الولاة وبين المخزن هو تاريخ طنجة حتى القرن التاسع عشر. وفى اليوم السادس من أغسطس سنة 1844 قذف أسطول فرنسى صغير بقيادة الأمير ده جوانفيل طنجة بالقنابل، ونزلت بالجيوش المراكشية هزيمة ساحقة فى معركة إيسلى. وما من حاجة تقتضينا أن نذكر الاتفاقات المتعاقبة التى تمت بين الدول الأوربية ومراكش، تلك الاتفاقات التى انتهت بتفصيل وتطبيق الدستور التى تحكم بمقتضاه اليوم طنجة ومنطقتها، هى ومنطقة النفوذ الإسبانية ومنطقة النفوذ الفرنسية فى بلاد مراكش (¬1)؛ وقد افتتحت السكة الحديدية التى تمتد من طنجة إلى فاس والرباط منذ سنة 1927. المصادر: (1) ثمة رسالة جيدة عن طنجة مدعمة بالوثائق والإحصاءات والصور والخرائط نشرت بعنوان " Tanger et sa Zone" وتعد هذه الرسالة الجزء السابع من مجموعة: Villes et tribus de Maroc(Documents et renseignements publies par la Section Sociologique de la Residence General de la Republique Française au Maroc) باريس 1921. (2) وتشتمل مجموعة Archives marocaines، باريس 1904 - 1920, أيضًا على عدة وثائق عن طنجة. (3) أما عن الاحتلال البرتغالى فإن أهم مصدر معاصر هو Historia de Tangere Menzes: D. Fernando de، لشبونة، 1732. (4) وكانت طنجة موضوع كثير من كتب الرحالة الذين وضعوها فى القرن التاسع عشر، ومعظمهم من الإنجليز، ويمكن أن نجد قائمة بأسمائهم فى ¬

_ (¬1) كان ذلك وقت كتابة المادة.

الطنطاوى

Bibliography of Morocco: Playfair لندن 1892 (5) وفى الختام نجد أن مارسيه William Marçais قد نشر دراسة فذة للهجة التى يتحدث بها أهل طنجة عنوانها: Textes arabes de Tanger، باريس 1911, اعتمد فيها على أبحاث لو دريتز Luderitz وميسنر Meissner، وبلان Blane, ومارشان Marchand، وكامفماير Kampfimeyer. وتحتوى هذه الدراسة بجانب ما فيها من أبحاث لغوية هامة على معلومات قيمة عن المجتمع فى طنجة وحياة أهلها. خورشيد [ليفى بروفنسال E. Levi-Provençal] الطنطاوى محمد عياد، واسمه بالكامل: الشيخ محمد بن سعد بن سليمان عياد المرحومى الطندائى الشافعى: فقيه عربى من أعيان القرن التاسع عشر، ولد سنة 1225 هـ (1810 م) فى نِجْريد، وهى قرية صغيرة بالقرب من طنطا، وتوفى فى 29 من أكتوبر سنة 1861 فى سانت بطرسبرغ. وكان أبوه تاجرًا جوالا ولد فى محلة مرحوم ومن ثمة نسبة المترجم له. وفى سن السادسة التحق محمد بمكتب فى طنطا، ولما بلغ الثالثة عشرة من عمره نزح إلى عمه فى القاهرة ودرس فى الأزهر. وكان من شيوخه إبراهيم الباجورى المشهور (المتوفى حوالى سنة 1276؛ انظر Gesch. d. Arab. Lit.: Brockelmann، جـ 2، ص 487) وقد أثَّر فيه تأثيرًا كبيرًا (انظر القصيدة التى أهداها له الطنطاوى فى Zeitschr. der Deutsch. Morgl. Gesells فى جـ 4، ص 245 - 246). ودرس الباجورى أيضًا على يد الشاعر حسن العطار (المتوفى حوالى سنة 1250 هـ؛ انظر بروكلمان: كتابه المذكور، جـ 2، ص 473, رقم 1)، وقد نبه صيت كثير من زملائه الطلبة من بعد، فقد أرسل محمد على صديق الطنطاوى رفاعة الطنطاوى (¬1) (بروكلمان، جـ 2، ص 481, رقم 6) إلى باريس إمامًا لأول بعثة علمية أرسلها، وأصبح رفاعة من مؤسسى الحركة الأدبية الجديدة، وكان إبراهيم الدسوقى (1811 - 1883) أول أستاذ ¬

_ (¬1) صحة نسبته: رفاعه الطهطاوى ..

درس عليه المستشرق لين Lane (بروكلمان جـ 2، ص 478, رقم 4). ولما توفى أبو الطنطاوى سنة 1243 هـ (1827 م) اضطر إلى البقاء فى طنطا سنتين، حيث مضى فى دراسته وأصبح يلقى الدروس. ثم عاد إلى القاهرة وألحق بالمشايخ الذين كانوا يدرسون فى الأزهر، وكان من أوائل الشيوخ الذين ناقشوا النصوص الأدبية والشعرية. ودرس الطنطاوى حينًا فى المدرسة الإنجليزية. وكان فرسنل F.Fresnel أول من أذاع صيته فى أوربا (انظر Journ Asiatique، السلسلة الثالثة، جـ 5, 1828 م, ص 60 وما بعدها)، وتبعه كثير من الأساتذة الشبان فدرسوا على الطنطاوى (Dr. Pruner, G.Weil، A. Perron و R. Frahn، ابن مؤسس المتحف الآسيوى فى سانت بطرسبرغ وأول مدير له)، ونقل فران صيته إلى روسيا، ودعى الطنطاوى سنة 1840 م (1256 هـ) إلى سانت بطرسبرغ مدرسًا للعربية فى معهد اللغات الشرقية بها. وفى سنة 1848 عين أستاذًا فوق العادة فى جامعتها ثم عين أستاذًا عاديًا سنة 1854. وكادت دروسه لا تترك أى أثر باق فى روسيا، ذلك أن منهجه لم يتمش مع هذه الجامعة الأوربية. ونذكر من أنبه تلاميذه (1840 - 1842) والن Finn G.A. Wallin (1811 - 1852) الرحالة المستعرب المشهور الذى أصبح من بعد أستاذًا فى جامعة هلسنكفورث، وقد ظل هذا الأستاذ يراسل الطنطاوى بانتظام حتى وفاته (انظر Bref och Dagbok-Santechnigar of G. A. Wallin: K. Tallquist هلسنكفورث 1905 م). ونزل بالطنطاوى مرض شديد اضطره إلى اعتزال الخدمة سنة 1861 م، وأدركته المنية فى السنة نفسها، ولا يزال قبره قائمًا فى مقبرة التتر بلينينغراد، وعليه نقوش روسية وعربية. ويكاد نشاطه الأدبى قبل شخوصه إلى سانت بطرسبرغ يقتصر على التفقه فى فروع المعرفة القديمة، وله منظومات وشروح وهوامش وخواتم مخطوطة فى القاهرة ولينينغراد (مكتبة الجامعة). ومن تواليفه الأصيلة فى هذا الباب: "لذيذ الطرب فى نظم بحور العرب" (فى المكتبات الخاصة بالقاهرة) وأرجوزته المسماه: "مشتهى الألباب

على منتهى الآراب فى علوم الإرث والجبر والحساب" وعليها شرح بقلمه (مخطوط فى لينينغراد، القسم الشرقى، رقم 820)، ومن آثاره التى كتبها أثناء إقامته فى روسيا بحثه المفيد المسمى Traite de la Longue arabe vulgaire، ليبسك 1848، وهو يحتوى على عدة رسائل وأبيات من الشعر بقلمه، علاوة على ما تضمنه من تمارين (انظر ملاحظات Fleischer فى zeitschr. der Deutsch. Morgenl. Gesells جـ 1, 1847, ص 212 - 213؛ جـ 3، 1849 م, ص 474 - 475). وقد استطاع أن يكتب ملاحظات نقدية مفيدة بفضل معرفته للأدب الأوربى وإتقانه اللغة الفرنسية (انظر Jour. Asiatique السلسلة الرابعة، جـ 9, 1847 م ص 351 - 354؛ MeIanges Asiatiques سانت بطرسبرغ، جـ 1, 1851 م, ص 474 - 495؛ جـ 2, 1855 م, ص 466 - 486). وثمة مقالات كثيرة بالعربية توجد بقلمه فى مخطوطات خلفها بعد موته (مثل مقالته فى الأعياد المصرية، مخطوطة، القسم الشرقى، رقم 838 الأوراق من 50 - 60، وله مجموعة من القصص والنوادر باللغة العربية الدارجة، مخطوطة، القسم الشرقى، رقم 745؛ rendus Comptes de L'Academie des Sciences، 1926 م, ص 23 - 26؛ وقد بدأ فى ترجمة كتاب كلستان لسعدى إلى اللغة العربية: Ompterendus de 'Academie; l des Sciences de Russie: 1924, 102 وما بعدها)، وقد عثر على مخطوطة بخطه من كتابه "تحفة الأذكياء بأخبار بلاد روسيا" تاريخها: 1266 هـ (1850 م) (انظر Zeitschrift Semitistik فى Rescher جـ 3، 1924, ص 252 Comptes-rendus de L'Academie des Sciences , 1927 م, ص 181 وما بعدها). أما حقه الفائق فى الشهرة فيرجع إلى مجموعة مخطوطاته الكبيرة (حوالى 150 مخطوطًا) التى آلت بعد موته إلى مكتبة الجامعة (انظر Indices Alpha betici Codicum manuscripto-rum Persicorum turcicorum orabicorum qui in Bibliotheca Imperialis Litterarum Universistatis Petropolitanae adservantur: Salemann&C.V. Rosen سانت بطرسبرغ، 1888 م) وقد نسخ كثيرا من المخطوطات وقابل بعضهما

المصادر

على بعض وصححها بقلمه (انظر Zapiski، جـ 6، ص 384 - 388). وتحتوى هذه المجموعة على مخطوطات قديمة قليلة، ولكن منها نسخ وحيدة وقيمة، ومعظمها من مصر (انظر مثلا Zapiski، جـ 22، ص 283 وما بعدها؛ Zapiski، الطعة الثانية، جـ 1، ص 291 وما بعدها؛ Comptes-rendus de L'Academie des Sciences، 1924 م، ص 101 وما بعدها). المصادر: (1) طبع Kosegarten سيرة الطنطاوى بقلمه حتى إقامته فى روسيا ومعها ترجمة ألمانية فى Wiener Zeitschrift far die Kunde des Morgenlandes, جـ 7، 1850 م, ص 43 - 63, 197 - 200 (2) وقد أدخل تصويبات هامة عليها G. Gottwaldt فى Zeitschr. der Deutsh. Morgenl Gesells, جـ 4، 1850, ص 243 - 238. (3) والمقالات الأوربية التى كتبت عن الطنطاوى نادرة تعوزها الدقة (Gesch. der Arab. Lit.: Brockelmann, جـ 2 ص 479؛ Lit- Arabe rerature: Huart الطبعة الثانية، ص 420, شيخو: الأدب العربى فى القرن التاسع عشر، جـ 2 ص 59) (4) وأهم من ذلك الترجمتان الحديثتان اللتان كتبهما عنه بالعربية أحمد تيمور فى مجلة المجمع العلمى العربى، جـ 4, 1924 م, ص 388 - 391 (وقد أدخل عليهما تصويبات إكناس كراتشكوفسكى: المصدر المذكور، جـ 4، ص 562 - 564) ومحيى الدين الخطيب فى مجلة الزهراء، جـ 1، 1343 هـ, ص 417 - 428 (وفيها صورة له، ص 554) (5) ويعد كراتشكوفسكى وصفا لمخطوطاته الموجودة فى لينينغراد. خورشيد [كراتشكوفسكى I.gn. Kratschkovsky] طه حرفان مقطَّعان، وهما اسم السورة العشرين من القرآن الكريم. وقد ذهب البعض فى تفسيرهما إلى أنهما إما اختصار لفعل أمر (من مادة وطء؛ الحسن البصرى) أو اختصار مشتق

المصادر

من اسم علم هو طلحة (أبو هريرة) يرمز إلى الصحابة الذين أمدوا جامعى القرآن الأوائل بهذه السورة. والأمر المهم الذى تجب ملاحظته هو أن الروايات الإسلامية منذ القرن الثالث قد جعلت طه اسما من أسماء النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، ومن ثم نجد القوم فى مصر والعراق لا يزالون يسمون الصبيان "محمد طه". وقد أجمع المتصوفة منذ القرن الرابع على أن طه معناها طهارة قلب الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- واهتداؤه؛ وكذلك معنى الحرفين فى الجفر عند القدماء. على أن بعض المتصوفة المتقدمين قالوا بأن حرفى طس (وهما إسم السورة السابعة والعشرين من القرآن)، اللذين هما اختصاران للطهارة والسنا تطبيقا لمناهج علم الجفر (¬1). المصادر: (1) الميدانى؛ رد من ط إلى البسملة، مادة طه (2) البقلى: التفسير، كاونبور 1883, جـ 2, ص 18 - 19 (الترجمة فى Essai sur le Lexique . . . de la mystique: Massignon 1922, ص 81 - 82؛ المؤلف نفسه: Hallaj، ص 884, رقم 1) (3) راغب باشا: السفينة, القاهرة 1282 هـ، ص 359 (4) Noldeke-Schwally: Geschichte des Qorans جـ 3، ص 70 - 79. خورشيد [ماسينيون L.Massignon] طهارة فى اللغة مصدر طهر يطهرُ طهرًا أو طهارة: وهى لغة: النظافة, وأصلها "النظافة المخصوصة المتنوعة إلى وضوء وغسل وتيمم وغسل البدن والثوب ونحوه" (¬2) وهى تحتل مكانا هامًا فى الإسلام، لأن الطُّهور شطر الإيمان" وهو حديث مروى عن الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] (مسلم، أول كتاب الطهارة). والعلماء يقسمون النجاسة إلى مادية ¬

_ (¬1) معظم هذه المادة فروض وتخريجات لا تفسح المجال للرد عليها. (¬2) أخذنا هذا التعريف عن كشاف اصطلاحات الفنون للتهانونى، ص 906. (المترجم)

ومعنوية؛ والفقهاء يقسمون إلى ما هو حقيقى وما هو حكمى. والفقه يتناول النجاسة البدنية المادية فقط، فالجماع والحيض والنفاس كل ذلك نجس حكما، والنجاسة الحقيقية لها جرم محسوس، فمن ذلك (¬1) الخمر، والخنزير والكلب وما تولد منهما، والميت "إلا خمسة: الآدمى والسمك والجراد ودود التفاح"، وفى معناه كل ما يستحيل (¬2) من الأطعمة، وكل ما ليس له نفس سائلة كالذباب والخنفساء وغيرهما، فلا ينجس الماء بوقوع شئ منها فيه. وأما أجزاء الحيوانات فقسمان: أحدهما ما يقطع منه وحكمه حكم الميت. والشعر لا ينجس بالجزِّ والموت، والعظم ينجس؛ الثانى: الرطوبات الخارجة من باطنه، فكل ما ليس مستحيلا ولا له مقر فهو طاهر (¬3) كالدمع والعرق، واللعاب، والمخاط، وما له مقر وهو مستحيل فنجس إلا ما هو مادة الحيوان كالمنى، والبيض، فأما القيح والدم، والروث والبول فهو نجس من الحيوانات كلها (¬4). ولا يعفى عن شئ من هذه النجاسات قليلها وكثيرها إلا عن خمسة: الأول: أثر النجو (¬5) بعد الاستجمار بالأحجار يعفى عنه ما لم يَعْدُ المخرج. الثانى: طين الشوارع وغبار الروث فى الطريق، يعفى عنه، مع تيقن النجاسة، بقدر ما يتعذر الاحتراز عنه، وهو الذى لا ينسب المتلطخ به إلى تفريط أو سقطة. الثالث: ما على أسفل الخف من نجاسة لا يخلو الطريق عنها، فيعفى عنه بعد الدلك للحاجة. ¬

_ (¬1) رجعنا فى هذا الكلام وفيما يلى إلى كتاب الإحياء للغزالى، فتابعناه فى بعض المواضع توخيا للوضوح والدقة فى بيان الموضوع -وكاتب المادة نفسه رجع إلى الإحياء. (المترجم) (¬2) يعنى تغير طبيعته. (¬3) معنى المستحيل هنا هو ما تتغير طبيعته، والشئ الذى له مقر هو الذى له وعاء يكون فيه أو يتجمع فيه. (¬4) هذا كله بحسب مذهب الشافعى. (¬5) النجو ما يخرج من البطن من ريح أو غائط (لسان العرب).

الرابع: دم البراغيث ما قل منه أوكثر إلا إذا جاوز حد العادة. الخامس: دم البثرات وما ينفصل منها من قيح وصديد. . . وفى معناه ما يترشح من لطخات الدماميل التى تدوم غالبا، وكذلك أثر الفصد إلا ما يقع نادرا من خراج أو غيره فيلحق بدم الاستحاضة (¬1) ولا يكون فى معنى البثرات التى لا يخلو الإنسان عنها فى أحواله. ومسامحة الشرع فى هذه النجاسات تعرفك أن أمر الطهارة على التساهل، وما ابتدع فيها وسوسة لا أصل لها. والطهارة تكون بالماء، ويجوز أن تكون بحجر الاستنجاء. والماء يكون طاهرًا إذا كان جاريا, وإذا كان راكدًا فى مساحة أكثر من مائة ذراع مربع، أو إذا كان أقل من ذلك ما دام لم يتغير لونه أو طعمه أو رائحته، وقد وضعت قواعد دقيقة مفصلة لمختلف الأحوال (¬2). وبعد التبول أو التغوط تكون الطهارة بالحجارة، وهو الاستجمار، وبالماء، وهو الاستنجاء. وإذا لم يوجد الماء أو إذا تعذر استعمال الماء بسبب المرض، أو حال بين الإنسان وبين الحصول على الماء حائل، جاز التيمم من صعيد طيب عليه تراب طاهر خالص لين بحيث يثور منه غبار" (¬3). وأحكام الطهارة عند الشيعة تختلف فى التفصيلات عنها عند أهل السنة. فبعد حمل جثة ميت إلى القبر، فالغسل واجب وليس مجرد شئ مستحب. ومن ¬

_ (¬1) دم الاستحاضة هو الدم الذى ينزل زائدًا عن دم الحيض ويرجع إلى علة. وأقصى مدة الحيض خمسة عشر يوما. (¬2) يحسن بالقارئ أن يرجع فى التفصيلات إلى كتب الفقه خصوصا "كتاب أسرار الطهارة" من الإحياء للغزالى. وهناك تدقيقات كثيرة فى أمر الطهارة، لكن المهم على كل حال هو أن يكون الماء غير متغير اللون أو الطعم أو الرائحة بسبب اختلاط شئ نجس به. والمعول فى ذلك على إدراك الحس السليم الذى هو الوسيلة الطبيعية لدى الإنسان. (¬3) وبحسب مذهب مالك يجوز التيمم بالحجر وإن لم يكن عليه تراب (المترجم)

المصادر

حيث الكمية لا ينجس الماء إذا بلغ قُلَّتين (¬1) ". على أن هذه الأعمال لا يصح أن تكون آلية وحسب، فيجب أن تسبقها النية ويجب أن تقترن بذكر اللَّه وبنية الصلوات المخصوصة بحسب اختلاف الأوقات والأماكن، والعلماء يوسعون هذا المعنى ويقولون إن الطهارة على أربع مراتب. المرتبة الأولى: تطهير الظاهر عن الأحداث وعن الأخباث والفضلات. المرتبة الثانية: تطهير الجوارح عن الجرائم والآثام. المرتبة الثالثة: تطهير القلب عن الأخلاق المذمومة والرذائل الممقوتة. المرتبة الرابعة: تطهير السر عما سوى اللَّه تعالى، وهى طهارة الأنبياء صلوات اللَّه عليهم والصديقين. والطهارة فى كل رتبة نصف العمل الذى فيها، فإن الغاية القصوى فى عمل السر أن ينكشف له جلال اللَّه تعالى وعظمته، ولن تحل معرفة اللَّه تعالى بالحقيقة فى السر ما لم يرتحل ما سوى اللَّه تعالى عنه. والطهارة هى أيضًا التسمية الجارية للختان وما يتصل به. المصادر: (1) أبواب الطهارة والنجاسة من كتب الفقه. (2) الغزالى؛ الإحياء، المجلد الأول الكتاب الثالث (كتاب أسرار الطهارة). (3) أبو طالب المكى: قوت القلوب، جـ 2، ص 91. (4) Handleiding tot de kennis van. Moh. wet: Th. W. Juynboll، ليدن 1925, ص 56 وما بعدها. (5) A. J. Die Entstehung der musl Reinheitsgetzgebrinng: Wensinck فى مجلة Islam مجلد 5 (1914) ص 62 - 80. (6) المؤلف نفسه: Handbook of early Muhammadon Traditian تحت مادة Purity . أبو ريدة [تريتون A. S. Tritton] ¬

_ (¬1) يؤخذ من كلام كاتب المادة أن هذا عند الشيعة لكنه عند أهل السنة أيضًا والمقصود أن الماء فى هذه الحالة لاينجس إذا خالطه شئ بشرط واحد ألا يتغير طعمه أو لونه أو ريحه -وهذا فى الماء الراكد. ويقول كاتب المادة أيضًا إن معنى القلة غير واضح لكن ذلك كان معروفًا، وسعة القلتين كانت خمسمائة رطل برطل العراق (المترجم)

تعليق

تعليق نحب أن ننبه القارئ إلى ما أشار إليه كاتب المادة على سبيل الإيجاز فى آخر مقاله، وهو مراتب الطهارة. على أنه لما كان الإنسان فى هذه الدنيا مركبا من بدن وروح، فإن الطهارة تنقسم بوجه عام إلى طهارة الظاهر وطهارة الباطن. ونظافة الظاهر، أعنى نظافة البدن عن إدراك ووعى وقصد، هى شئ تقتضيه الإنسانية من حيث هى، لكن طهارة البدن كما رسمها الشرع إلى جانب التأكيد لمعنى النظافة تتضمن معانى أخرى أعظم شأنًا. فلما كان الإنسان فى حقيقته هو الروح، وكان بسبب البدن يتصف بالصفات الحيوانية من طعام وشراب وما يترتب عليهما، ويخضع لملابسة الشهوات، فإن تطهر الإنسان الذى هو الروح من لواحق الحياة البدنية ضرورى, وخصوصًا أن البدن الإنسانى ليس مجرد جسم مادى وإنما هو جسم تبنيه الروح لنفسها وتتعهده وتختص به وتباشر به وظائفها الدنيوية، فإذا باشرت به أعمالا غير روحانية فإنها تطهره من آثار تلك الأعمال، وتكون الطهارة على قدر ملابسة الروح للأعمال الحيوانية، فهناك طهارة من آثار وظائف حيوانية جزئية وهناك طهارة من آثار وظائف حيوانية ينغمس فيها الإنسان بكليته. وهذا هو أساس التفرقة بين ما يسمى "الحدث الأصغر" و"الحدث الأكبر". والطهارة من الأول تكون بالوضوء أو ما يقوم مقامه، ومن الثانى بالغسل أو ما يقوم مقامه. والطهارة فى الحالين يجب أن تقترن بنية التطهير بمعنييه وبإرادة التطهر كعمل روحى باطن ولا يكمل التطهر إلا بناحيتيه. فمما لاشك فيه أن طهارة الظاهر بحسب شروطها الشرعية، وخصوصًا بحسب النية، عامل يساعد على طهارة الباطن، وأن إرادة التطهر من حيث هى عمل روحى من أكبر العوامل على صون الجوارح مما يشوب الطهارة الروحية. وهناك أحكام كثيرة للطهارة تتعلق بكيفيتها من شتى نواحيها المطلوبة شرعا، والمطلوبة من ناحية حسن المظهر

طهران

الإنسانى وسلامة الجوارح التى جعلها اللَّه أدوات ووسائل للروح فى هذه الحياة الدنيا. والقارئ يفيد أكبر الفائدة إذا رجع إلى كتاب الإحياء للغزالى وأطال التأمل فى كلامه عن طهارة الباطن فى ضوء قول الرسول عليه الصلاة والسلام: بنى الدين على النظافة؛ وقوله الطهور شطر الإيمان؛ وقول اللَّه عز وجل فى القرآن: {. . إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} وقوله: {. . مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ. .}. أبو ريدة طهران أو تهران: قصبة فارس. الاسم: بقى الرسم العربى لطهران حتى أوائل القرن العشرين. وقد جرى العرب على أن يبدلوا حرف التاء الذى يقع فى أول الأسماء الفارسية طاء (حرف حلقى؟ ). على أن الجغرافى العربى ياقوت يقر النطق تهران. ولا يذكر زكريا القزوينى الفارسى إلا الرسم تهران. وتنطق الكسرة القصيرة فى الفارسية الحديثة مثل الحركة القصيرة التى بين الفتحة والكسرة، ومن ثم اختلف الأوربيون فى رسم الاسم فجعلوه Teheran: وغيرها (وير سمه Clavijo & della Valle,Chardin: Theran). والنطق تهران بفتح التاء غير معروف فى فارس، ولكن أتراك الآستانة الذين تحتفظ لغتهم فى بعض الأحيان بالكلمات الفارسية فى أقدم صيغتها يقولون تهران بفتح التاء. ولا نعرف أصل هذا الاسم على وجه التحقيق. والاشتقاق الشائع ته + ران ومعناه: "من يطارد الناس إلى أعماق الأرض" يقوم كما هو واضح على رواية ياقوت. فالمقطع ته قد يرادف تَه تِه "عمق" فى لهجة من اللهجات الشمالية. ونحن نعرف عدة أسماء مركبة يدخل فيها المقطع ته (Stack جـ 1، ص 97 جـ 2، ص 13: تهْدَشْك> ته - دِشْت). وقد يغرينا ذلك بالقول بأن المقطع الثانى ران اختصار لاسم الرى (رغان < ريان > ران) ويكون المعنى الكامل "عند القاع، أسفل الرى". غير أن

الموقع

هذا الفرض عسير، لأن هناك تهران أخرى بالقرب من إصفهان. ومع ذلك فإن من العجيب أن يتحول اسم البلد الأخير تيران > تيرون، على حين احتفظت القصبة برسمها الأصلى. ويرى شندلر (Pers. irak East: H.Schindler لندن 1896، ص 121) أن تهران هى تير - آن، أى "السهول" (Vullers جـ 1، ص 486, تير: السهول Planities والبرية desertum) . وإذا أردنا أن نفسر المقطع تهر وجب علينا أن نبدأ بصيغته الأخيرة تير، ولكن من المحقق أننا سوف لا نصل إلى هدفنا إلا إذا وجدنا الكلمة فى صيغتها الأصلية فى بعض الوثائق. والاحتفاظ بالمقطع هر (yg >) نخرج منه بكلمة من المجموعة الشمالية (يبدل المقطع هر فى الجنوب سينا). ويقارن شندلر H.Schindler الاسم تهران باسم شمران (ويكتب شميران، انظر ما يلى) ويرى أنه هو جمع شمار أى "جبل تحتجز المياه عليه لتروى السهل" (برهان قاطع، ولم يرد بهذا الكتاب شاهد على ذلك). وكلمة شمر معناها بوجه عام بركة أو خزان ماء (Vullers جـ 2 ص 462) وهذا التخريج يؤدى بنا إلى معنى مفهوم كل الفهم؛ ومهما يكن من شئ فإن هذا الاسم كان له بلا شك أصل مشترك هو واسم الحصن الديلمى شمبران. الموقع: وطهران على خط طول 51 ْ 25 َ 2.8 َ شرقا، وعلى خط عرض 35 ْ 41 َ 6.83 َ شمالا، فى غور (كود) أسفل الأنوف الخارجية لجبال ألبرز، ويبلغ ارتفاع ممر سر توجال الذى يمتد على مسيرة اثنى عشر ميلا إلى الشمال من المدينة 12 ألف قدم. وليست هذه السلسلة من مقاسم ماء حوض بحر قزوين، إذ يخرج مما وراء ممر سر توجال نهرا كرج وجاجرود، وكلاهما يجرى صوب الصحراء الفارسية الوسطى. ويمتد أنف جنوبى من هذه السلسلة من الجبال على طول الضفة اليمنى لنهر جاجرود فيكون حاجزًا لسهل طهران من الشرق، ويعرف باسم سه بايه (الثلاثى الأرجل). وتقوم بليدة شاه عبد العظيم عند حده الجنوبى؛

وطهران. وطهران على ارتفاع 3810 قدما (H.Schindler). وترتفع الأرض مباشرة إلى الشمال من المدينة ارتفاعا يمتد ثلاث مراحل: من طهران إلى قصر قاجار (3 أميال) ومن قصر قاجار إلى زركنده ثلاثة أميال أخرى (على ارتفاع 4500 قدم) ثم من زركنده إلى سفح توجال. ويقوم هنا على منحدر الجبل إقليم شمران الممراع الذى يزود أهل طهران بملجأ رطيب فى الصيف (مايو - سبتمبر) ويزود المدينة أيضا بالمياه. وليس بطهران أنهار، وإنما يحمل المياه إليها قرابة ثلاثين قناة باطنية (قناة، كاريز) عميقة طولها ما بين خمسة أميال وعشرة أميال تمتد من الينابيع التى فى الجبل. وجو طهران ملائم فى فصل الشتاء وخم فى فصل الصيف. والتيفوس وغيره من الحميات وكذلك الزحار، من الأمراض المتوطنة هناك. ويغطى الضباب المنبعث من التربة المشبعة بماء الرى المدينة فى كل مساء. أما فيما عدا ذلك فالجو جاف. وجاء فى أرصاد شندلر (Klimatafeln aus Persien Pet mitt: H.Schindler, سنة 1909, ص 361, 270) خلال سبعة عشر عاما متصلة قضاها فى طهران (1892 - 1908) أن المعدل السنوى لسقوط الثلج والأمطار هناك يتراوح بين 25 - 134 مليمترا (1901) و 75 - 330 (1904) مليمترا, وكان شتاء عام 1894 - 1895 خاليا تماما من الأمطار والثلوج. ولم تسقط أية قطرة من المطر إبان صيف عام 1905 - 1906. ويتراوح سقوط الثلج فى الشتاء ما بين 50 - 16 - 25 - 96 مليمترا. ويبلغ متوسط درجة الحرارة السنوية 16.9 مئوية بحد أعلى يبلغ + 42.2 وبحد أدنى قدره - 16.1 وتوجد فى كتاب بروكش (Brugsch, جـ 2، ص 475 - 481) وفى كتاب ستال (Stahl: ص 52) أرصاد أخرى. وذكر بعض الكتاب (مثل كنير Kinneir وكيرزون Curzon) أن اختيار طهران قصبة للبلاد دليل على حكمة القاجار الذين أرادوا أن يشرفوا على

الطرق

التخوم الشمالية. والحق أن هذا الاختيار قد أملته فى الأصل رغبة أسرة قاجار التركية: ألا يكونوا بعيدين كل البعد من أسترآباذ، وهى الإقطاع الذى توارثوه أبا عن جدّ، وأن يظلوا على صلة وثيقة بالقبائل التركية فى فارس الشمالية. وقد أكد معظم الرحالة المتقدمين (Olivier جـ 5، ص 87؛ Dupre جـ 2، ص 187؛ Flandin جـ 1، ص 235) عدم ملاءمة هذا الموقع لقصبة البلاد (الافتقار إلى المياه، والجو الوخم، والبعد عن الطرق الكبرى). وقد أمكنت معالجة بعض هذه العيوب إلى حد كبير بفضل التحسينات التى أدخلت منذ أيامهم، غير أن العيب الرئيسى، وهو موقع المدينة الشاذ، سوف يُحس به عندما تتضح أهمية تنمية الموارد الطبيعية لجنوبى فارس بالنسبة لحياة بلاد فارس كلها. وقد أحصى كروث (Persien: H. Grothe؛ فرانكفورت سنة 1911، ص 98 - 99) بُعد طهران عن سائر بلدان فارس الكبرى كما يلى: طهران - أنزلى 220 ميلا طهران - تبريز 360 ميلا طهران - مشهد 578 ميلا طهران - محمره 660 ميلا طهران - بوشهر 764 ميلا طهران - بندر عباس 980 ميلا الطرق: هناك طرق طبيعية لا بأس بها تربط القصبة بالأقاليم. وقد أنشا المهندس النمسوى كاستيكر خان سنة 1875 طريقا لا يصلح إلا لعبور الخيل والبغال يصل بين طهران ومازندران، وبدأ الفرس بين عامى 1883 و 1892 فى إنشاء طريق للعربات أتمته آخر الأمر شركة إخوان لينش الإنجليزية Brothers Lynch ويبلغ طوله خمسة وتسعين ميلا. ويتم الاتصال بروسيا عن طريق قزوين - تبريز - جلفا - تفليس. وفى عام 1850 أنشئ خط بحرى منتظم يربط بين باكو وأنزلى على متن البواخر الروسية. والطريق المستقيم بين طهران وبحر قزوين، وإن كان لا يزيد على سبعين ميلا، إلا أن ممر ألبرز كان على الدوام شاقا كل المشقة. وقد حصل الروس سنة 1893 على امتياز إنشاء طريق للعربات بين رشت

إقليم طهران

والقصبة. وافتتح ذلك القسم منه الذى يمتد حتى منجيل فى أول يناير عام 1890, والقسم الذى يمتد إلى طهران افتتح فى 15 سبتمبر 1899 ومن ثم فإن جل الرحالة يتخذون هذا الطريق الذى أصبحت له أهمية تجارية كبيرة. وقد دخلت إلى فارس منذ الثورة الروسية جميع أنواع المشروعات الروسية. فقامت منذ عام 1917 خدمة للسيارات بين طهران وبغداد، وامتد سيرها حديثا إلى بيروت (الشام)، والرحلة بالطائرة بين طهران وباكو تستغرق يوما واحد. ومنذ أن اعتلى العرش رضاشاه وضع مشروع لربط بلاد فارس بالسكة الحديدية، بل لقد نفذ جزء من هذا المشروع سنة 1928، والغرض منه ربط طهران بالخليج الفارسى (خور موسى عن طريق لورستان) من جهة وببحر قزوين (بندر كاز عن طريق فيروزكوه) من جهة أخرى. إقليم طهران: يتكون إقليم طهران من ست نواح (H.Schindler): 1 - شهريار فى الشمال الغربى على الضفة اليمنى لنهر كرج. 2 - ساوج بلاق إلى الشمال الغربى من شهريار. 3 - فشاويه (بشابويه) إلى الجنوب الغربى من المدينة فى اتجاه رباط كريم. 4 - ورامين إلى الجنوب الشرقى. 5 - شمران إلى الشمال من المدينة، وبها 63 قرية مزدهرة أهمها تجريش؛ وقد احتلت السفارتان الإنجليزية والروسية قريتى قولهك (كولهك) وزركنده فانفردت كل منهما بقرية. وتمت هذه المنحة على يد محمد شاه عام 1835. 6 - قسران إلى الشمال من شمران على المجرى الأعلى لنهر جاجرود. وتورد الخريطة الفارسية أقسام فرعية أخرى أقل من ذلك أهمية منها: غار، وتقوم إلى الجنوب الشرقى من طهران مباشرة (ومنها بلدة شاه عبد العظيم)؛ ولواسانات إلى الشرق من شمران وكند (كان)؛ وسولاقان إلى الغرب من شمران؛ وشهرستانك إلى الشمال من كند، وأرنكبه بين كند وكرج.

المراجع المتقدمة

المراجع المتقدمة: لقد افترض ده غوى (الإصطخرى، ص 209) أن طهران هى عين بهزان Bhzan أو بهتان Bhtan أو بهنان Bhnan التى ذكرها الاصطخرى (ص 209) وابن حوقل (ص 366) والمقدسى (ص 375). وقد أحيا هذه الفرض مرة أخرى محمد خان قزوينى (الكتاب المذكور، ص 39). أما ياقوت (وإن كان من الكتاب المتأخرين ولا تتسم روايته بالوضوح الكامل) فإن موضع بهزان الذى يمثل موقع الرى القديم يقوم على مسيرة سبعة فراسخ (؟ ) من الرى، على حين يحدد هذا الجغرافى ذاته موقع طهران كما هو المتوقع، على مسيرة فرسخ واحد من الرى. وأقدم إشارة إلى طهران حتى هذا الوقت ما ورد فى فارسنامه (الذى كتب قبل عام 510 - 1116 م؛ انظر سلسلة كب التذكارية، ص 134) ويمتدح مؤلف هذا الكتاب رمان طهران الذى ذكره أيضا السمعانى (فى عام 555 هـ - 1160 م)؛ انظر سلسلة كب التذكارية، ص 373). وإذا صرفنا النظر عن هذه الإشارات فإن قرية طهران كانت بلا شك قائمة قبل عهد الاصطخرى (فى عام 340) لأن السمعانى يذكر جده أبا عبد اللَّه محمد بن حماد الرازى الذى توفى فى عسقلان من أعمال فلسطين عام 261 هـ (874 م). وجاء فى كتاب راحة الصدور (كتب عام 599 هـ - 1202 م, انظر سلسلة كب التذكارية ص 293) أنه حدث فى سنة 561 هـ - عندما كانت والدة السلطان السلجوقى أرسلان فى طريقها من الرى إلى نقجوان أن كانت أول محطة توقفت فيها (نقل مقان، وهى المحطة المألوفة عند الفرس) "بالقرب من طهران". وكان السلطان نفسه ينزل فى بعض الأحيان بالقرب من دولاب (اسم مكان إلى الجنوب الشرقى من طهران، حيث توجد القرافة الروسية الآن). ويروى ابن اسفنديار فى تاريخ طبرستان (كتب عام 613 هـ - 1216 م؛ سلسلة كب التذكارية، ص 19) أخبار الحروب التى خاضها الملوك الفرس أيام الملاحم الفارسية، ويقول إن معسكر أفراسياب نصب فى الموضع الذى تقوم فيه الآن دولاب وطهران. ويشير ياقوت بعد ذلك

نمو مدينة طهران

بثمانى سنوات إشارة قصيرة إلى طهران التى كان قد زارها قبل غزو المغول. وكانت طهران حينذاك مدينة كبيرة بها اثنا عشر حيا، وكانت مساكنها مشيدة تحت سطح الأرض، وتحيط بالمدينة حدائق كثيفة الأشجار، ومن ثم كان موقعها منيعا، ولذلك آثرت الحكومة أن تصطنع الحيلة فى معاملتها للأهالى. وقد استشرت الفتن فى طهران مما حمل الأهالى على حرث حقولهم بالجرافات خشية أن يسرق جيرانهم ما يملكون من حيوانات. وقد شبه القزوينى (674 هـ = 1275 م) بيوت طهران بجحور اليرابيع (كانفقائى اليربوع) كما يؤيد رواية ياقوت عن أخلاق سكانها وطباعهم (انظر آثار البلاد، ص 288). ولاحظ جميع الكتاب المتأخرين أن بيوتها تقوم تحت الأرض، غير أن كربورتر Ker Porter (جـ 1، ص 312) يقول فى هذا الشأن إنه شاهد على مسافة تتراوح بين 200 و 300 ياردة من بوابة قزوين داخل المدينة: "رقعة فسيحة من الأرض مليئة بأعمال التنقيب العميقة الواسعة النطاق، أو لعلها كانت حفرا" تستخدم مأوى للفقراء وحظائر لدواب الحمل (انظر اللوحة رقم 57 فى Hommaire de Hell). ولا شك أن فى ذلك إشارة إلى "دروازه ى نو" (ياقابق) القديمة التى تقوم إلى الجنوب منها الحى المعروف باسم غار (أى الكهوف). ويطلق هذا الاسم أيضا على الحى كله الممتد إلى الجنوب من طهران. ويمكن الرجوع فيما يختص بحياة سكان الكهوف التى فى جوار طهران إلى (Eastwick جـ 1، ص 294: قرية إلى الشرق من جسر كرج) وإلى (Rock-dwellings at Rainah: Crawshay Williams فى مجلة الجمعية الأسيوية الملكية، سنة 1904، ص 551، سنة 1906، ص 217. نمو مدينة طهران: كان نمو مدينة طهران نتيجة لاختفاء مراكز كبيرة أخرى تقع إلى جوارها. ويرد تاريخ اضمحلال الرى إلى الزمن الذى دمرت فيه على يد المغول عام 617 هـ (1229 م). وذكرت طهران فى

الصفويون

العهد المغولى أحيانا فى كتاب "جامع التواريخ"، ففى حوادث عام 683 هـ (1284 م) وصل أرغون إلى طهران الرى (انظر محمد قزوينى: كتابه المذكور، ص 38) بعد انتصاره على إليناق قائد أحمد تكودر بالقرب من آق خواجه (= سوميقان: نزهة القلوب ص 173). وفى عام 694 هـ (1294 م) توقف غازان عند طهران الرى عند مجيئه من فيروزكوه (انظر Dorn: Ausiige ص 138) وجاء فى كتاب نزهة القلوب (كتب عام 1430 م، سلسلة كب التذكارية، ص 55) أن طهران كانت مدينة ذات شأن (معتبرة) يفضل جوها جوالرى، وكان سكانها من قبل (فيما قبل) كثيرون جدا، وقد تؤيد هذه الإشارة الأخيرة الفرض الذى يذهب إلى أن طهران هى عين بهزان (؟ ). وفى عهد بنى تيمور ذكرت طهران الرى 806 هـ (1403 م) فقيل إنها المكان الذى أمضى فيه شاه زاده رستم عشرين يوما يحشد الجنود التى سار بها لقتال اسكندر شيخ جلاوى (ظفر نامه، جـ 2، ص 573 = مطلع السعدين؛ Auszuge: Dorn ص 175) وفى هذه الأثناء (6 يوليه سنة 1404) زار طهران (Ciudad que ha nombre Teheran) أول رحالة أوربى، وهو السفير الأسبانى كلافيخو Clavija (طبعة سانت بطرسبرغ سنة 1881, ص 186، ترجمة Le Strange لندن سنة 1928، ص 166)، وكان يحكم إقليم الرى فى ذلك الوقت الأمير سليمان شاه زوج ابنة تيمور (ظفرنامه، جـ 23، ص 591؛ Clavijo: ص 189، 351: Zuleman or Cumalexa Mirass) وكانت مدينة الرى (Xahariprey) مقفرة من السكان (agrora deshahitada، وكان يقيم فى برج طهران ممثل للوالى، وكان به مسكن ينزل فيه الملك عند زيارته لها. (una posacla oracle el Senor suele stoir quanclo albvenia) وطهران خالية من الأسوار. الصفويون: انتقلت القصبة فى عهد الصفويين أيضا من أردبيل إلى تبريز ثم إلى قزوين، ثم انتقلت آخر الأمر إلى أصفهان، ولم يعد لإقليم الرى شأن كبير، إذ لم تكن به سوى بلدتين لهما

بعض الشأن هما: ورامين -التى دب إليها الاضمحلال سريعا بعد فترة قصيرة من الازدهار فى عهد شاهرخ- وطهران. ويقول رضا قلى خان (روضة الصفا ناصرى) إن زيارات الصفويين الأولى لطهران كانت بسبب أن جدّهم سيد حمزة كان مدفونا هناك بالقرب من شاه عبد العظيم، ويرجع تاريخ ازدهار المدينة إلى عهد طهماسب الأول الذى أقام بها سوقا عام 961 وأحاطها بسور يبلغ طوله فى رواية كتاب "زينة المجالس" فرسخا (مرآة البلدان: 600 كام أى خطوة) وكانت لهذا السور أربعة أبواب و 114 برجا بعدد سور القرآن (نقشت على كل منها سورة من القرآن) وكان لا يزال هناك بحسب الخطة التى أوردها برزين Berezin (1842 م) 114 برجا. وقد جلبت المواد التى بنيت بها القلعة من محجرى. جال ميدان وجال حصار اللذين نسب إليهما حيان من أحياء المدينة. ويشيد أحمد رضا الذى خرج هو نفسه من إقليم الرى بوفرة قنوات طهران وبساتينها التى لا تضاهى ومباهج هضبة شميران وحى كند وسلقان المجاور (مخطوط بالمكتبة الأهلية، ملحق المخطوطات الفارسية رقم 357، ورقة 436 - 467، والجزء الأكبر منه يتناول أعيان مدينة الرى القديمة). وجاء فى كتاب "مجالس المؤمنين" أن قرية سلاغان أنشأها سيد محمد نوربخش المشهور الذى قام بكثير من الحركات الدينية، وقد توفى عام 869 هـ (1464 م). وكانت طهران سنة 985 هـ مشهدا لمقتل الأمير ميرزا الذى دس له أعداؤه عند الشاه إسماعيل الثانى بأنه يطمع فى العرش. وفى عام 998 هـ (1589 م) مرض الشاه عباس الأول مرضا شديدا فى طهران (عام آرا، ص 275) وهو فى طريقه لقتال عبد المؤمن خان الأوزبكى مما مكن الأزابكة من الاستيلاء على مشهد. ويقال إن هذا الحادث جعل الشاه عباسا يمقت طهران مقتا شديدا، ومع ذلك فإن تاريخ بناء قصر جهارباغ الذى قامت فى مكانه القلعة الحالية (أرك) ينسب إلى هذا العهد. وقد زار يبترو دلا فاله Pietro delta Valle مدينة طهران عام 1618 فوجدها أكبر رقعة من كاشان وإن كانت أقل منها سكانا، وأطلق عليها اسم

الأفغان

"مدينة الأشجار المنبسطة"، وكان يعيش فى طهران فى ذلك الحين بكلربك (gran Capo di Provincia) يمتد سلطانه حتى فيروزكوه. وقدر السير توماس هربرت Thomas Herbert سنة 1627 عدد بيوت طهران بثلاثة آلاف بيت. الأفغان: أقام الشاه حسين الصفوى عشية الغزو الأفغانى بمدينة طهران، وبها استقبل درِّى أفندى سفير السلطان أحمد الثالث (فى مستهل عام 1720، انظر Efendi Relation de Dourri س 1810). وبهذه المدينة أيضا طرد الصدر الأعظم فتح على خان اعتماد الدولة (المعروف باسم Athemat عند الأوربيين) وسملت عيناه مما عجل بالانقلاب. (انظر Krusinski نشره Hist. Des revol. de perse: Du Cerceau سنة 1742، جـ 1، ص 295) وما إن عاد الشاه حسين إلى أصفهان (أول يونيه عام 1721؛ La Mamye Clairac جـ 1، ص 200) حتى فقد عرشه، ونزل طهماسب الثانى بطهران فى أغسطس سنة 1725 ولكنه فر إلى مازندران عند اقتراب الأفغان، ويذكر الكتاب الأوربيون أن طهران قاومت هذا الغزو، وفقد أشرف كثيرا من رجاله (Krusinski: كتابه المذكور، ص 351؛ La Hist. de Perse: Mamye Clairac سنة 1750، جـ 2، ص 250؛ Hanway جـ 2، ص 234)، وسقطت طهران بعد ذلك بفترة من الزمن على الرغم من المحاولة الواهنة التى بذلها فتح على خان فاجار لتخليص المدينة (انظر Olivier جـ 5، ص 89؛ مرآة البلدان). وجاء فى هذا المصدر أن تاريخ إقامة بابى "دروازه ى دولة" و"دروازه ى أرك" يرجع إلى هذه الفترة، لأن الأفغان كانوا حريصين على تأمين طرق انسحابهم، ويشير المرجع بطبيعة الحال إلى الأبواب القديمة التى تحمل هذه الأسماء. وبعد هزيمة أشرف عند مهماندوست فى 6 من ربيع الأول سنة 1141 (20 سبتمبر سنة 1728) قتل الأفغان فى طهران أعيانها ثم غادروها إلى أصفهان. وقد انقض الأهلون على زاد الجيش الذى خلفه الأفغان وانفجر

نادر

مخزن للبارود نتيجة للإهمال (تاريخ نادر شاه ترجمة Jones، لندن سنة 1770، ص 78). وسرعان ما طرد أشرف ذاته من وارمين، وعاد الشاه طهماسب الثانى إلى طهران. نادر: أقطع نادر طهران سنة 1154 هـ (1741 م) ولده الأكبر: رضا قلى ميرزا الذى كان يحكم حتى ذلك الحين فارس كلها، وكانت تسمية طهران سابقة على سقوط الأمير وسمل عينيه (انظر Jones جـ 2، ص 123؛ Hanway جـ 2، ص 357، 378، عبد الكريم: Voyage de I'inde a'la Mekke سنة 1825، ص 93). وفى إبان القتال بين خلفاء نادر، التجأ على شاه عادل (1160 = 747 م). إلى طهران، ولكن أنصار إبراهيم قبضوا عليه وسملوا عينيه (تاريخ بعد نادريه، طبعة O.Mann، ص 34). وانتقلت طهران بعد سقوط أسرة نادر إلى دائرة نفوذ الفاجار منافسى كريم خان زند. كريم خان: ارتد السلطان محمد حسن خان قاجار إلى طهران سنة 1171 هـ (1757 م) بعد أن خاب فى قتال كريم خان بالقرب من شيراز، وهنالك تفرق جيشه. ولما علم كريم خان بانسحاب السلطان من طهران أرسل إليها الشيخ على خان أحسن قواده مع طليعة الجيش، وقتل محمد حسن قاجار بمعونة محمد خان دولو، ووصل كريم خان مع جيشه إلى طهران عام 1172 هـ (1739)، ودفن رأس محمد حسن خان بكل ما يليق به من مظاهر التبجيل عند شاه عبد العظيم، وصدرت الأوامر فى العام التالى ببناء مقر للحكومة (عمارات) ينافس قصر الأكاسرة فى طيسفون: ديوان خانه وحرم ومعسكرات للحرس. (انظر صادق نامى: تاريخ كيتى كشا المكتبة الأهلية، ملحق المخطوطات الفارسية، رقم 1374، ورقة رقم 29). وأضاف صنيع الدولة إلى هذه العمائر حديقة الجنة، وهو يقول: إن كريم خان قصد أن يجعل من طهران قصبة له. وأسر

ظهور الفاجار

أقا محمد قاجار فى مازندران، ثم حمل إلى كريم خان فى طهران فعامله كريم معاملة كريمة جازاه عليها أسوأ الجزاء فيما بعد وفى عام 1176 هـ وقع اختيار كريم خان على مدينة شيراز ونقل إليها دولاب الحكم، وترك غافور خان حاكمًا على طهران. ظهور الفاجار: توفى كريم خان فى الثالث عشر من صفر عام 1193، وما وافى اليوم العشرون من صفر حتى كان أقا محمد فى شاه عبد العظيم، فجلس على العرش فى اليوم التالى، وذلك فى ظاهر طهران. (انظر مرآة البلدان، جـ 1 ص 525). على أن طهران انتقلت إلى منطقة نفوذ على مراد خان الأخ غير الشقيق لجعفر خان زند (انظر تاريخ زنديه، طبعة Beer, ص 8، 13، 25). وقام أقا محمد خان سنة 1197 هـ (1782 م) بأول محاولة للاستيلاء على طهران، ولكن الوالى غافور خان تهرانى عمد إلى المماطلة، ثم إن تفشى الطاعون أجبر أقا محمد على الانسحاب إلى دامغان (مرآة البلدان)، وحاصرت جيوش أقا محمد مدينة طهران بعد وفاة على مرادخان (1199 = 1785 م) ولم يكن الأهالى راغبين فى تسليم القلعة قبل استيلاء أقا محمد على أصفهان. وكانت أخبار تقدم جعفر خان زند من فارس سببا فى تفرق جنود أقا محمد. على أن حاكم طهران وعمالها استقبلوه بالترحاب وأصبحت المدينة منذ ذلك الحين قصبة له (مقر السلطنة، دار السلطنة، ثم دار الخلافة من بعد) ومنها شن حملاته التى وحدت فارس كلها تحت سلطانه. وجاء فى كتابه: مآثر سلطانى (ترجمة Brydges باسم Dynasty of the Kajars ص 8) أن طهران أصبحت قصبة البلاد سنة 1200 هـ (1786 م) وأن أساس القصص أقيم وقتذاك. وبعد الاستيلاء على شيراز نقلت إلى القصبة الجديدة فرق مدفعية الزند وذخائرهم جميعًا. وكان من أمر آخر ملوك الزند لطفى على خام الذى أسر فى طهران وسملت فيها عيناه، أن قتل هناك عام 1209 هـ ودفن فى ضريح الإمام زاده زيد (المصدر السابق، ص 25، 30، 76، 82، 101). وبعد أن قتل أقا محمد شاه (21 ذو

الحجة عام 1211 = 16 يونية عام 1797) ظهر أخوه على قلى خان أمام القصبة، ولكن ميرزا شافعى كبير الوزارء لم يسمح له بدخولها، وفى هذه الأثناء استطاع بابا خان (= فتح على شاه) الوارث للعرش أن يبلغ شيراز، وتوخ فى بداية عام 1798 بعد أن هزم صادق خان شققى المطالب الثانى بالعرش، واستخدم أسرى شققى فى حفر الخندق المحيط بالقصبة (انظر Fath Ali scha una seine Thronriralen, Sitz A. W. Wien: Schlechta-Wssehrd، سنة 1864، جـ 2، ص 1 - 31). وزارت طهران إبان فترة التنافس بين انجلترة وفرنسا سلسلة من السفراء، فقد زارها من قبل انجلترة السير جون مالكولم Sir John Molcolm (1801 و 1810) السير هارفورد جونس بريدجس Sir Harford Jones Brydges (1807) والسير جور أوسلى Sir Gore Ouseley. (1811) وزارها من قبل فرنسا اللواء روميو Gen Romieu (توفى بطهران عام 1806) وجوبير A.Jaubert (1806) واللواء كاردان Gen Gardane (1807). وصرف الروس جهودهم فى تبريز مقر ولى العهد الفارسى. ولم يزد الوزير الروسى كريبويدوف A.S.Griboyedow القصبة إلا فترة قصيرة بعد معاهدة تركمان جاى وقبيل عودته إلى تبريز. وتقدم إلى الوفد الروسى ميرزا يعقوب أحد كبار طواشى الشاه، وهو أرمنى من إيوان حمل على الدخول فى الإسلام، وطلب منهم أن يعود إلى بلاده تطبيقا للمادة الثالثة عشرة من المعاهدة وأدى هذا الارتداد من ميرزا إلى الهجوم على السفارة الروسية فى الحادى عشر من فبراير عام 1829 ومقتل 45 شخصا من أعضائها (Griboyedow كتاب سره، وقوزاقه، وخدمه) وقد وقعت هذه المأساة فى حى السفارات (بيت زمبوركجى باشى بالقرب من باب الشاة عبد العظيم القديم، ويعرف الشارع الآن باسم سربولاك فى حى زركره آباد). ومقتل كربيويدوف أمر معروف فى الحوليات الروسية. انظر رضا قلى خان: روضه الصفاى ناصرى، طهران سنة 1274 هـ 1858،

ميرزا تقى خان: تاريخ قاجارية، طهران سنة 1273 هـ 1875 م، جـ 1، ص 221؛ صنيع الدولة: تاريخ منتظم ناصرى جـ 3 سنة 1301 هـ، (1883 م) ص 144, Relation des evenements qui ont precede et nccompane Ie massacre de la derriere ambassade russe en Perse, Nouv annales des voyages, 1830, قسم 48، ص، 237 - 367؛ Smert'Gribovedova Russ. Starina: Berge سنة 1872، جـ 8، ص 162 - 207؛ Podlinnoye delo Russ vestnik: Malyshinsky سنة 1890 جـ 6 ص 160 - 233، Persidskiye, letopistsy. Novoye: Znkovski Vremia سنة 1890، رقم 5068؛ Koncina Grebovedova poarmiantskim istocnikam: AlIahverdiants سنة 1901، رقم 10، ص 44 - 68؛ " Tsena Krovi" Russ' Storina Griboyedova, Russ Mysl: Minorsky، براغ 1923، جـ 23؛ ص 1 - 51). ولما عرف الناس فى القصبة بموت فتح على شاه (19 أكتوبر سنة 1834) نادى ولده على ميرزا ظل السلطان ملكا وتلقب بعادل شاه وضرب السكة باسمه، ولكن محمد ميرزا الوارث للعرش وفد من تبريز فى صحبة ممثلى بريطانيا والروسيا ودخل القصبة من غير قتال فى الثانى من يناير عام 1835. ولم يحكم عادل شاه سوى ستة أسابيع (انظر Aus. d. neuester Geschichtse Z.D.M.G, Persiens: Tornau سنة 1849، ص 1 - 15). وتعاقب الملوك الثلاثة الآخرون على العرش دون وقوع حادث ما. وتاريخ طهران فى عهد هؤلاء الملوك هو تاريخ فارس بأسره ولم يعكر صفو المدينة إلا الأوبئة والهجرات الدورية التى سببتها المجاعات، مثال ذلك الشغب الذى حدث فى أول مارس عام 1861 ووصفه إيستويك Eastwick (كتابه المذكور) وأوسشر (Ussher: Journey from London to Persepoli لندن سنة 1865، ص 625). ونذكر من الحوادث الأكبر من ذلك شأنا حادث البابية وخاصة فى سنة 1850، بعد المحاولة التى بذلها ناصر الدين شاه. وقامت فى طهران أيضا

الثورة

الحركة المناوئة لامتياز احتكار الطباق المعطى لهيئة احتكار الطباق Tohocco Monopoly Corporation سنة 1891 (انظر The Perian Revolution: Browne سنة 1910، ص 46 - 57). الثورة وسرعان ما غدت القصبة منذ الثورة الفارسية المركز السياسى والعقلى لهذه الدولة بعد أن كانت من قبل منعزلة بعض الانعزال عن الولايات. وتسلسلت حوادث هذه الفترة على النحو الآتى: "بست" التجار فى مسجد شاه. ديسمبر عام 1905؛ "بست" الدستوريين عند السفارة البريطانية من 20 يولية حتى 5 أغسطس سنة 1906؛ افتتاح المجلس فى قصر بهارستان فى 7 أكتوبر سنة 1906؛ توقيع ولى العهد محمد على ميرزا على الدستور فى 30 ديسمبر سنة 1906؛ وفاة مظفر الدين شاه فى 8 يناير سنة 1907؛ مقتل الأتابك أمين الدولة فى 30 أغسطس سنة 1907؛ مظاهرات مناهضة قام بها أنصار الحكم المطلق من 13 إلى 19 ديسمبر سنة 1907؛ قذف المجلس بالقنابل فى 23 يونية 1908؛ استيلاء جنود القوميين على طهران بقيادة السبهدار أعظم من أهل رشت والسردار أسعد بختيارى، من 13 إلى 15 يولية سنة 1909؛ نزول محمد على شاه عن العرش فى 16 يولية واعتلاء السلطان أحمد شاه العرش فى 18 يولية سنة 1909 (انظر Persian Revolution: Browne؛ Persia and Turkey in Revolt: D.Fraser لندن سنة 1910، ص 82 - 116). وتوجد معلومات عن الحوادث التى وقعت ما بين 12 مايو سنة 1911 حتى 11 يناير سنة 1912 فى (The Strangling of Persia: Morgan Shuster لندن سنة 1912). واشتبكت طهران فى الحرب الكبرى الأولى سنة 1915. وأوشك ممثلو الدول الوسطى، أى النمسا والمجر وألمانيا، أن يحملوا الشاه أحمد معهم إلى قم. وكانت القصبة خارج منطقة العمليات الحربية الفعلية، ولكن تحركات الجنود حدثت فى كثير من المناسبات فى جوارها (المناوشات التى وقعت فى 10 ديسمبر سنة 1915 بالقرب من رباط كريم بين قوزاق

نمو المدينة

الروس وعساكر الأمير حشمت الذين كانوا فى جانب الدول الوسطى، انظر Persidskii front: Emelianow برلين سنة (1923). وكانت الجيوش الروسية تسيطر على الإقليم ما بين قزوين وطهران حتى عام 1917. وأخذت الجيوش الإنجليزية مكانها ابتداء من عام 1918 (انظر The Adventures of Dunsterforce: Dunsterville لندن 1920). واستخدمت أيضًا فرقة القوزاق الروس التى كان يرأسها المعلمون الروس القدامى لحماية فارس من أى هجوم محتمل من ناحية الشمال. وقد طرد الضباط الروس فى الثلاثين من أكتوبر عام 1920, وكان القسم الأكبر من هذه الفرقة يعسكر عند قزوين حيث كانت لا تزال ترابط قوة إنجليزية بقيادة إيرونسايد Ironside وقد احتل القصبة فى 21 فبراير سنة 1921: 2500 مقاتل من القوزاق الروس جاءوا من قزوين بقيادة قائدهم رضا خان. وألف سيد ضياء الدين الوزارة الجديدة (24 فبراير إلى 24 مايو) فعين رضا خان كبيرا للقواد سردار سباه، انظر Recent Happenings in Persia: J.M.Balfour لندن سنة 1922). وغادر شاه سلطان أحمد البلاد حوالى نهاية عام 1923 فى نفس الوقت الذى غادرها فيه قوام السلطنة كبير الوزارء (من 4 يونية عام 1921) الذى اتهم بالتآمر على سردار شاه. وظل قوام السلطنة سيد الموقف، ثم توج آخر الأمر فى الخامس والعشرين من أبريل عام 1926. نمو المدينة توحى رواية ياقوت عن بيرت طهران بأن أقدم جزء فى المدينة يقوم فى الجنوب (حى الغار) وأن هذا الجزء قد نما من الجنوب إلى الشمال (أى من الصحراء إلى الجبل ثم إلى عيون الماء) ولم يبق من طهران فى عهد الزند إلا القليل. وقد نشأت المدينة الحديثة كلها فى عهد القاجار. وذكر أوليفييه Olivler الذى زار طهران عام 1796 أن المدينة التى كانت تبدو جديدة كل الجدة، أو تبدو كأنه قد أعيد بناؤها، كانت على شكل مربع يزيد قليلا عن ميلين (؟ ) ولكن نصفه فحسب هو الذى كانت تقوم عليه المبانى. ولم يكن عدد السكان يزيد على 15 ألف

نسمة منهم ثلاثة آلاف من الجند، وقد لاحظ أوليفيبه بحق أن الذهب المنثور حول العرش لم يبطل سحره فى اجتذاب السكان. وقد شيد القصر القائم بالقلعة فى عهد أقا محمد شاه، ووضع فى الـ "تالار تخت مرمر" الصور والمرايا والأعمدة الرخامية التى أخذت من قصر كريم خان بشيراز. ودفنت تحت عتبة أحد الأبواب عظام نادر شاه حتى يتمكن الأمير القاجارى من وطئها كل يوم (Ouseley). ونقلت هذه العظام من مكانها عند اعتلاء رضا شاه العرش. ويذكر اللواء كاردان General Gardane (1808) أنه لا يبقى بطهران فى فصل الصيف سوى الفقراء، أما فى الشتاء فيصل عدد سكانها إلى 50 ألف نسمة. ويقول مورييه Morier(1808 - 1809) أن محيط طهران كان بين 4.5 و 5 أميال. وقدر كنير Kinneir حوالى ذلك الوقت نفسه عدد السكان إبان الصيف بعشرة آلاف نسمة، وفى الشتاء بستين ألف نسمة. وكانت المدينة محوطة بسور قوى وخندق عظيم ذى منحدر رفيق، غير أن وسائل الدفاع لم تكن ليحسب لها حساب إلا فى بلد "لا يعرف فيه فن الحرب". وقد أحصى أوسلى Ouseley (1811) ستة أبواب فى طهران وثلاثين مسجدًا ومدرسة وثلثمائة حمام. وقدر عدد السكان فى الشتاء ما بين أربعين ألف نسمة وستين ألف نسمة ويذكر كربورتر (1817) ثمانية أبواب بنيت أماهها أبراج مستديرة ضخمة (انظر تخطيطه)، لتحول دون الاقتراب من المدينة ولمراقبة الخارجين منها. وكان عدد السكان فى الشتاء يتراوح بين 60 ألف نسمة و 70 ألف نسمة. وقد أدخل فتح على شاه تحسينات عظيمة على المدينة، ولكنها مرت بفترة إهمال حوالى نهاية عهده. وذكر فريزر Fraser (1838) أنه لم تكن فى فارس مدينة أخرى أفقر منظرا من طهران، ذلك أن المشاهد ما كان ليرى فيها قبة واحدة. وتحسنت الأمور بعض الشئ فى عهد محمد شاه.

وقد أورد برزين وصفا مفصلا بصفة خاصة للقصر (ضرب دولت خانه) بباحاته الأربعة ومبانيه المختلفة (دولت خانه، دفتر خانه، كلاه فرنكى (الجوسق). سندوق خانه، زركر خانه، عمارت شير خورشيد، سروستان، خلوت شاه كلستان) ووضع هذا الرحالة رسما تخطيطا للقصر وللمدينة له أهمية كبيرة بالنسبة للتخطيط التاريخى لأرض المدينة. وكان يقدر طول المدينة من داخل أسوارها فى ذلك التاريخ (1843 م) بنحو 3800 أرشين فارسى (ياردة تقريبًا) وذلك من الغرب إلى الشرق، وما بين 1900: 1450 أرشين من الشمال إلى الجنوب، أى أنها كانت تشغل مساحة تقرب من ثلاثة آميال مربعة (انظر تقدير يولاك Polak كتابه المذكور ص 223: 83750 متر مربع وهو خطأ واضح)، وكانت القلعة (أرك) على هيئة متوازى الأضلاع (600 أرشين من الغرب إلى الشرق و 1175 أرشين من الشمال إلى الجنوب، أى ربع المدينة بأسرها). ويمس الجانب الشمالى لقلعة وسط الواجهة الشمالية المدينة التى تلى السور. وكان أنشط أحياء المدينة هو الحى القائم إلى الجنوب الشرقى من القلعة فى اتجاه باب الشاه عبد العظيم. ويظهر فى هذا الرسم التخطيطى خمسة أبواب فحسب، ولم يكن الميدان الوحيد المكشوف، وهو ميدان شاه الملاصق للجانب الجنوبى للقلعة، كبيرا (انظر اللوحة فى Hommaire de Hell) ومن مساجد المدينة ثلاثة مساجد لها بعض الشأن وهى مسجد الشاه، ومسجد إمام زاده الزيدى، ومسجد يحيى. وقد شاهد كاردان مسجد الشاه وهو يشيد عام 1807، ويرجع تاريخه وكتاباته التى نقشت بخط محمد مهدى خطاط البلاط إلى سنة 1224 هـ (1809 م) ولكن شندلر يذكر أن هذا المسجد لم يتم بناؤه إلا عام 1840. (انظر فريزر، ما سبق ذكره فى هذه المادة). والرسم التخطيطى الذى وصفه كرزيز Krziz(1857) يشبه إلى حد كبير رسم برزين، وإن كرزيز قد بين بخطوط منقوطة حدود التوسع الجديد للمدينة، وهو التوسع الذى قال عنه الدكتور بولاك فى التعليق الذى تولاه

المدينة الجديدة

فيه بالشرح إنه قد بدئ فيه قبل عام 1857 بوقت طويل. وشيد بولاك نفسه فى عام 1853 مستشفى إلى الشمال من الباب الشمالى للمدينة. وكانت هذه العمائر الجديدة قليلة العدد، ولم تشيد وفق أية خطة منظمة. وكانت المدينة سنة 1861 لا تزال داخل حدود المربع القديم. وقدر بروكش Brugsch عدد سكان طهران فى الصيف بثمانين ألف نسمة، وفى الشتاء بمائة وعشرين ألف نسمة. المدينة الجديدة طرأ على المدينة تغيير جوهرى فى الأعوام من 1869 إلى 1874 (انظر Stahl Curzon H. Schindler؛ إن الأرقام الرسمية لمشروعات التنمية الخاصة بالمدينة لم تكتشف بعد). وقد امتدت المدينة من جميع نواحيها واختفى الخندق القديم والأسوار. واتخذت طهران شكل المثمن غير المنتظم يحيط بها تحصينات جديدة (أبراج بارزة من الثرى بها خنادق) على غرار تحصينات باريس، على أنه لم يكن لها أهمية حربية. ويذكر كرزون جـ 1، ص 305) أن هذا العمل قد تم إبان المجاعة التى وقعت عام 1871، (انظر Persia during the famine: Brittlebank لندن 1873). وجعل للمدينة اثنى عشر بابا. وقد احتفظ بالأبواب القديمة داخل المدينة، ولكن أسماءها نقلت إلى الأبواب المقابلة لها على خطوط التحصينات الجديدة. ويبلغ طول هذه التحصينات 20 ألف ياردة، وتبلغ المساحة التى تشغلها المدينة الآن سبعة أميال مربعة ونصف الميل (H.Schindler). وأقيم أمام باب دولت القديم "طوب خانه" ذات الشأن (دار الصناعة) ومساحتها 250 × 120 ياردة ويحيط بها ثكنات المدفعية. وأقيم ميدان التدريب العسكرى (ميدان مشق) وهو أكثر من ذلك اتساعا، إذ تبلغ مساحته 550 × 350 ياردة، إلى الشمال الغربى من طوبخانه. ويمتد الآن طريقان متوازيان هامان هما خيابان علاء الدولة ولاله زاد، من ميدان طوب خانه إلى الشمال. وقد ضمت المتنزهات القديمة التى كانت خارج الأسوار إلى المدينة وهى لاله زار وبخاستان وغيرهما. واستهوت الأحياء الجديدة أولا وقبل

كل شئ السفارات الأجنبية. واستقرت البعثتان الفرنسية (Gardane) والإنجليزية (H. Jones Ouseley) الأولى فى بيت أمين الدولة بالقرب من باب الشاه عبد العظيم القديم. وبنيت سفارة إنجليزية أيام أوسلى Ouseley على أرض من أملاك زمبوركجى باشى ومنحها الشاه للإنجليز، وكانت هذه الأرض بالقرب من أرض أخرى للمالك نفسه قتل عندها كريبويدوف Griboyedow، وشيدت السفارة الإنجليزية الجديدة عام 1870 فى آخر طريق علاء الدولة. وعندما استقرت السفارة الروسية نهائيا فى طهران عام 1834 سكنت فى بيت رئيس الوزراء حاجى ميرزا أغاسى فى الأرك ذاته. وابتنى الروس أنفسهم سفارة لهم عام 1880 فى حى بامنار (إلى الشرق من الأرك) ولكنهم استقروا نهائيا سنة 1915 فى منتزه الأتابك إلى الشمال من السفارة الإنجليزية مباشرة. وتقوم السفارتان التركية والفرنسية إلى الشرق والغرب من السفارة الإنجليزية. وحذت المتاجر الأوربية ووجهاء الفرس حذو السفارات. . غير أن المركز التجارى للمدينة لا يزال قائما فى السوق القديمة التى إلى الجنوب من الأرك. ولا يوجد بطهران عمائر عامة جميلة. ومسجد السياه سالار (ميرزا حسين خان المتوفى عام 1289 هـ = 1881 م) هو أروع عمائر طهران (بالحى الجديد فى الشمال الشرقى إلى جانب قصر بهارستان الذى احتله المجلس منذ عام 1906) وبدأت عمارة هذا المسجد عام 1296 هـ (1878 م؛ انظر مآثر الآثار، ص 83) وتمت حوالى عام 1890. وعلى مدرسة هذا المسجد نقش مورخ بسنة 1320 هـ (1884 م). وجمال طهران يتمثل فى جوهره فى بيوتها الخاصة الكبيرة بحدائقها وأزهارها. ويوجد حولها كثير من البيوت الخلاوية وقصور على الطراز القاجارى لا تخلو من مسحة من الجمال الفنى، وهى تعد امتدادا لتقاليد العمارة الصفوية مثل قصر: عشرت اباد إلى الشمال من طهران (انظر صورته فى كتاب Curzon جـ 1، ص 34، وانظر صفحة 326 وفى D'Allemagne قصر شمس العمارة فى الأرك).

المصادر

وقصر قاجار هو الآن أطلال (انظر اللوحات فى و Saltykoff و Coste و Hommaire de Heil)، ويقوم كوخ الصيد بوشان تيه أى تل حشيشه الزوفاء (ويعرف عادة باسم دوشان تيه أى تل الأرانب البرية) عند سفح جيل سيابه (إلى الشرق من طهران) ويربطه بالمدينة طريق جيد (ثلاثة أميال) افتتح فى 14 أكتوبر سنة 1874 (Serena). ويحج الأتقياء من أهل المدينة إلى شاه عبد العظيم وهى بليدة وراء أطلال الرى وطول السكة الحديدية من طهران إلى هذا المزار خمسة أميال (خطان فرعيان واحد طوبه ميل والآخر 1/ 12 ميل). وقد مد هذا الطريق فيما بين عامى 1888 و 1893، وكان حتى عام 1915 هو السكة الحديدية الوحيدة فى فارس، واستحدث استخدام الغاز فى فارس سنة 1875 (Serena) وبدأ استخدام النور الكهربائى حوالى عام 1905. وأقيمت منشأت عامة عظيمة فى المدينة إبان الحكم الهلوى. وتأسست بالعاصمة سنة 1926 جمعية أصدقاء طهران القديمة، والأمل معقود بأنها سوف تتمكن من أن تحدد وتحمى كل العمائر المشهودة من العهد القاجارى. وطهران التى لا تزال دائبة على النمو ناحية الشمال، هى الآن أكبر مدينة فى فارس. وقدرت السيدة Serena سنة 1878 سكان المدينة بنحو 200 ألف نسمة فى الشتاء و 80 ألف نسمة فى الصيف. وقدر ستال سنة 1900 عدد السكان بنحو 250 ألف نسمة، وعدد السكان فى الـ 670 بلدة وقرية المجاورة لها بنحو 350 ألف نسمة. وأورد بلفور Belfour (1921) شاهدا فارسيا على أن الحد الأدنى لعدد سكان طهران هو 250 ألف نسمة، على حين أن أعلى رقم معقول لعدد السكان هو 380 ألف نسمة وهذه الأرقام بالنسبة لإقليم طهران هى 700 ألف و 800 ألف نسمة). المصادر: علاوة على المصادر الشرقية الواردة فى المادة انظر:

(1) عبد الرشيد باكوتى: تلخيص الآثار N.E جـ 2، سنة 1789 ص 477. (2) زين العابدين: بستان السياحات، طهران سنة 1315 هـ، ص 354. (3) حاجى خليفة: جهاثنما، إستانبول سنة 1145، ص 92. (4) أوليا جلبى، جـ 4، ص 382 - 383، انظر الرى وليست بياناته دقيقة كل الدقة). (5) صنيع الدولة: مرآة البلدان، طهران 1294، جـ 1 ص 508 - 593 (وهو مصنف هام). (6) محمد خان قزوينى: طهران فى "بيست مقاله قزوينى"، بومباى سنة 1928 ص 36 - 39. (7) كاوه، سنة 1921، رقم 2. المصادر الأوروبية: (1) Langles فى طبعته لكتاب Chardin، جـ 8، سنة 1811، ص 162 - 170 ولا يذكر Chardin نفسه رلا اسم طهران وأنها مدينة صغيرة من بلاد الريف جـ 8، ص 174. (2) Erdkunde: Ritter جـ 8، برلين سنة 1838، ص 604 - 612. (3) The Lands of the East. Caliphate: Le Strange كمبردج سنة 1905، ص 217. (4) Iran im Mttelalter: Schwarz سنة 1926، ص 807. (5) Pietro della valle: (سنة 1618) Viaggi، بريتون سنة 1843, جـ 1، ص 703 (قسم 2، خطاب 4). (6) Sir Thomas Herbert (سنة 1627): Some Years Travels الطبعة الثالثة سنة 1677، ص 206. (7) Hist. Account: Hanway لندن سنة 1745، جـ 1، ص 246 (فى دليل Van Mierop). (8) A. Olivier .G (1797): Voyage باريس سنة (1708) جـ 5، ص 87 - 49، جـ 6، ص 47.

(9) Sketches of Persia: Malcolm (سنة 1807) لندن سنة 1827، جـ 2، ص 103 - 152، فصل 17 - 19. (10) A geogr.Memoir on Persia: Macdonald Kinneir لندن سنة 1813 ص 811. (11) Voyage en Armenie et en Perse: Jaubert (1806) باريس سنة (1821) ص 221، 228، 233، 331 - 335. (12) Journal d'un voyage . . . en 1807 et 1808: Gen. Gardane باريس سنة 1819 جـ 2، ص 186 - 194. (13) An Account of the Transactions of H.M.S Pission: ir Harford Jones Brydges، (1807 - 1811) لندن سنة 1834, ص 185 وما بعدها. (14) A. Journey through persia: Morier (1808 - 1809) لندن سنة 1812 ص 185 - 197، 224. (15) Travels: Ousely (1811 - 1812) لندن سنة 1823 جـ 3، ص 115 - 200 مع مصور جغرافى. (16) Journal of the Brit.Emb. to Persia: W. Price الطبعة الثانية، لندن سنة 1832، ص 28 - 39, مناظر لطهران وقصر قاجار. (17) Second Journey: Morier (1810 - 1816) لندن سنة 1818 فصل 11 - 12, ص 169 - 199. (18) Travels: Ker Porter (1817) لندن سنة 1181 جـ 1، ص 306 - 365 منظر عام من الجنوب ص 312. (19) A. Winter's Journey: J. B. Fraser (1838) لندن سنة 1838، جـ 1، ص 416. (20) Vospominaniya Persii (1834 - 1835: Baron F. Korf) سانت بطرسبرغ سنة 1838 ص 197 - 261. (21) Voyage en perse (1838: Prince A. Soltykoff) باريس سنة 1851، ص 85 - 115، مناظر الشوارع. (22) Puteshestviya po vstoku (1842: Berezin)، قازان 1852، جـ 2، ص

143 - 177 مع تخطيط هام لطهران والرى. (23) Voyage: Hommoire de Hell (1846 - 1848) باريس سنة 1856، جـ 2، ص 115 - 213, أطلس باريس سنة 1859، اللوحات 57 - 72، مناظر جميلة لطهران، والقصر، وميدان شاه وغير ذلك قام بها Laurents (انظر ما يلى d'Allemagre) . (24) Glimpses of . . . Persia (1849: Lady Sheil) لندن سنة 1856 , ص 118، وفى مواضع أخرى. (25) Trois ans en Asia: Gobineau (1834) باريس، ص 275، 211 - 225. (26) A Journeys: A.h. Mounsey (1865 - 1866) لندن سنة 1872، ص 127 - 147. (27) Journal: Eastwick (1860 - 1861) لندن سنة 1864، جـ 1، ص 217 - 245، وفى مواضع أخرى. (28) Reise D. K. Prussischen Gesandtechaft (1860 - 1861: Grugsch) ليبسك 1865، جـ 1، ص 207 - 234, وفى مواضع أخرى؛ لوحات عدة ملونة. (29) Persia: J. Basset (1871 - 1884) لندن سنة 1886 ص 102 - 119. (30) Hommes et Choses en Perse (1877: Mme. Serena) باريس سنة 1883، ص 48 وما بعدها. (31) Six Months in Persia: Stack لندن سنة 1882، جـ 2، ص 151 - 169. (32) Le Caucase et La Perse: Orsolle (1882) باريس 1885، ص 210 - 294. (33) Persia and the Persians (1883 - 1885: S. G. W. Benjamin) لندن سنة 1887، ص 56 - 109. (34) Persia: Curzon (1889 - 1890) لندن سنة 1892 جـ 1، ص 300 - 353 (لا يزال أهم وصف).

(35) A Year amongst the Persians: E. g. Browne لندن سنة 1893، ص 82 - 98. (36) Persion Life: S.C.Wilson، لندن سنة 1896، ص 140 - 155. (37) Trois ans a la cour de Perse (1889 - 1891: Feuvrier) فى تاريخ غير مذكور، ص 126 - 219 (عدة صور). (38) Teheran,Encycl,Brit: Houtum-Schindler، سنة 1911 الطبعة الحادية عشرة، جـ 26، ص 506 (ملخص جيد). (39) d'Allemangne: Du Khorasan etc، باريس 911، جـ 3، ص 215 - 268 والفهرس، تخطيط الأرك، عدة صور (وتضم عدة رسوم بريشة Laurents سنة 1848). (40) Teheran: Hirsch، باريس 1862. (41) Teheran et la Perse en Revue des deux mondes, 1863: Forges، 15 مايو سنة 1864. (42) Nineshnii Teheran i yego okrestnosti, lzv. Russ. Geogr, Obshc: G.Spasskii (43) Meine Wandrungen in persien: Vambery، بشت سنة 1868، ص 106 - 123، 260. المصورات الجغرافية (1) رسم تخطيطى للمدينة فى كتاب Berezin (1842) . (2) Topogr. Bemerktingen z. Karte d. Umgebung und zu d. plane v. Teheran. Mitt. der K.K, Geogr Gesell (1877: J.E. Polak) فينا 1878، ص 218 - 225 (مع مصور جغرافى مقاس 1: 108.000 ورسم تخطيطى مقاس 1: 20.700 قام به Comm. Krziz عام 1857 - 1858). (3) Teheran and Umgegend: A.F. Stahl (1890 - 1894) Pet.Mitt سنة 1900 ص 49 - 54 مع خريطة مقياس رسمها 1: 210.0000 (والمقالان مليئان بالمعلومات الهامة). (4) الخريطة الفارسية التى وضعها عبد الرزاق خان بغائرى (1910) من مقاس 1: 200.000 وقد استغل واضع الخريطة إلى جانب كلامه الخاص المصادر التالية: (1) خريطة عبد الرسول خان التى وضعت فى عهد الوزير الأكبر ميرزا

طهماسب الأول

تقى خان (1849 - 1851) (2) خريطتين وضعهما نجم الدولة، إحداهما مقاس 1: 4000 والأخرى وضعت نقلا عن Krziz (طبعت فى طهران عام 1275 هـ = 1858)؛ انظر Brugsch جـ 1، ص 210. (3) الخريطة التى أعدها الضباط الروس بإرشاد البارون ليتنر Leitner مقاس 1: 25000 (1880) (4) خريطة الجنرال وث General Weth مقاس 1: 12500 (توفى عام 1893) (5) خريطة ستال Stahl. 2 - قرية فى إقليم إصفهان بناحية كاروان السفلى إلى الشمال الغربى من إصفهان. وقد عرف السمعانى (ص 373) المدينتين المعروفتين باسم طهران إصفهان، وذكر كثيرًا من المحدثين ولدوا فى هذه القرية أقدمهم عقيل بن يحيى أبو صالح المتوفى عام 258 هـ (انظر أيضًا ياقوت). وتعرف القرية الآن باسم تيرون (انظر Chirikow 1850 Putewoi Journal ص 158 ولكن بركش Bruwsch (جـ 2، ص 39) يكتب اسمها طهران. ويذكر هوتم سندلر (East. Persian Irak: Houtum Schindler ص 124، 127، 131) أنه لا يزال بالقرب من إصفهان بلدة باسم طهران (تيران أهنكران)، وتروى قناة تيران (التى تبدأ من هناك؟ ) محله - يى الحديثة وأحياء بيد آباد بأصفهان. الشنتناوى [مينورسكى V.Minorsky] طهماسب الأول الحاكم الثانى لفارس من الأسرة الصفوية، وهو الابن الأكبر للشاه إسماعيل الأول، ولد سنة 919 هـ (1514 م)، وولى العرش فى سن العاشرة (930 هـ = 1524 م)، ولذلك كان بطبيعة الحال ألعوبة فى يد شيوخ القزلباشية، وقد هزم طهماسب الأول الأزابكة سنة 934 هـ (1527 م) بالقرب من "تربت شيخ جام" وشخص إلى بغداد لما قامت فتنة ذى الفقار من قبيلة موصلى الكردية، وكان يعاون ذا الفقار أكراد كلهر، كما كان هذا المتمرد يزعم أنه يتمتع برعاية الترك (936 هـ = 1530 م). ولكن طهماسب وجد أن إخوة ذى الفقار قد قتلوه، ثم شخص طهماسب إلى هراة التى كان الأزابكة يحاصرونها منذ ثمانية عشر شهرا؛ على أن الأزابكة انسحبوا عندما أحسوا بقدومه. وفى سنة 920 هـ (1534 م) احتل العثمانيون أرض الجزيرة وتبريز، ومضى السلطان سليمان إلى سلطانية، ثم عبر الجبال التى إلى الجنوب ليحتل

المصادر

بغداد، واستولى على وإن بعد ذلك بأربع سنوات، وكان الفرس يلزمون الدفاع فى جميع الأحوال وفى سنة 1451 م قامت فتنة أطاحت بالمغولى الأكبر همايون بن بابر عن العرش فالتجأ إلى طهماسب، وأقيمت بهذه المناسبة احتفالات فخمة خلد ذكرها على صورة حائطية نقشت فى جوسق جهل فى أصفهان، ولكن همايون انزعج من إلحاح الشاه عليه بأن يعتنق مذهب الشيعة. ولم يهدأ بال طهماسب لما أثاره أخوه إخلاص ميرزا من فتنة سنة 954 هـ (1547 م) يعاونه فى ذلك الترك، واحتل جيش تركى آذربيجان وإصفهان. على أن إخلاص تشاجر مع حلفائه، ولم تؤد الحملة إلى نتيجة، وأسر مدعى العرش من بعد وقتل. وفى سنة 961 هـ (1554 م) عقد طهماسب هدنة مع الترك، ثم أبرم معهم صلحًا فى العام التالى، والتجأ بايزيد بن السلطان سليمان إلى فارس بعد الفتنة التى أشعل نارها (963 هـ = 1556 م)، غير أن الترك سلموه لطهماسب بعد مفاوضات دامت سنتين، وأمر طهماسب بقتله، أو قل إنه سمح بذلك نظير مبلغ قدره أربعون ألف قطعة من الذهب. وقد عرفت السنون الأخيرة من حكمه بغزوات أزابكة خراسان، والمجاعة التى أعقبت تفشى الطاعون (919 هـ، 1571 م). وتوفى طهماسب سنة 984 هـ = (1576 م) متأثرًا بالسم الذى دسته له أم رجل يدعى حيدر شيخ قبيلة إستاجلو. واستمر حكمه اثنتين وخمسين سنة ذاتية نشرها هورن (Denkwer digkeiten: P.Horn) فى مجلة. Z.D.M.G؛ جـ 44؛ 1890، ص 563 - 649؛ وقد نشرت ترجمة لها فى ستراسبورغ سنة 1891, وهى تقف عند حوادث عام 969 هـ (1561) حين سلم بايزيد للترك؛ وتوجد مخطوطات مختلفة من الخطابات الرسمية التى وجهها إلى الملوك من معاصريه؛ انظر Cotologue: Rieu، الأرقام 390، 530، 801، 984) وفى عهده زار بلاد فارس أنطونى جنكنسون Anthony Jenkinsor السفير الإنكليزى (1592)، وفنسشيود السندرى Vincetio d'Alessandri السفير البندقى (1571 م). المصادر: (1) رضا قلى خان: روضة الصفا ناصرى، طهران 1274 هـ، جـ 8، ولم ترقم صفحات هذه الطبعة.

طهماسب الثانى

(2) Persian Literature in Modern Times: E.G.Browne، كمبردج 1924 ص 81، 84 - 98 (3) History of Peersia: P.M.Sykers الطبعه الأولى، جـ 2، ص 35. (4) Persia: Curson جـ 2، ص 53. (5) Histiore de Bagdad dons les temps modernes: Cl. Huart، باريس 1901، ص 43 - 36. (6) P.Horn: Geschichte Irans Geundriss d.Iran in islamitischer Zeit Phililogie، جـ 2، ص 582. (7) L.Teufel فى Z.D.M.G، 1883 م , جـ 37، ص 113 - 125. (8) History of Persia: Malcolm لندن 1815 , جـ 1، ص 505 - 511. طهماسب الثانى الابن الثالث للشاه حسين، وقد نودى به وليا للعهد أثناء حصار الأفغان لأصفهان (1135 هـ = 1722 م)، وفر فى ستمائة رجل وسعى بنجاح إلى تجنيد العساكر فى قزوين. وأبرم معاهدة مع بطرس الأكبر الذى كان قد غزا وشيكا رشت وباكو (لم تؤد المعاهدة إلى نتيجة)، واعتصم فى فرح آباد من أعمال مازندران بمعونة فتح على جان رأس القاجار، وانضم إليه هناك من لقب بعد بنادر شاه، وهو الذى كان وقتئذ قد تلقب بطهماسب قلى خان (الخان أى خادم طهماسب) وعززه بخمس آلاف رجل من الأفشار والكرد. وبعد أن اغتال نادر فتح على شاه بالقرب من مشهد، أقيم نادر قائدًا عامًا للجنود الفرس، واستولى على مشهد وهراة وأحرز انتصارًا مشهودًا على الأفغان عند مهمان دوست بالقرب من دامغان سنة 1141 هـ (1729 م) وترك نادر طهماسب فى دامغان، وأحرز انتصارًا آخر عند مرجه خرت، ودخل أصفهان، وهنالك تبعه طهماسب الذى كان الأفغان ذبحو أياه قبل مغادرتهم المدينة ووجد أمه فيها، وكانت قد عاشت فى أصفهان سبع سنين متخفية لم يكشف سرها أحد. وكافأ طهماسب قائد جنده على ما أداه من خدمات، فولاه على خراسان، وسجستان، وكرمان، ومازندران، ومنحه لقب سلطان، وضرب نادر سكة باسمه ودفع منها أعطيات جنوده.

المصادر

وأثارت انتصارات نادر الحماسة فى قلب طهماسب فرغب فى أن يتولى بنفسه قيادة الجيش، وضرب الحصار حول إريوان ونجح فى ذلك؛ على أنه هزم على يد الترك عند كوره جان بالقرب من همدان سنة 1144 هـ (1721 م). وفى السنة التالية عقد صلحًا تنازل بمقتضاه عن ما وراء القوقاز، بيد أنه احتفظ بتبريز والبلاد التى إلى الجنوب الشرقى منها، واحتج نادر على عقد هذا الصلح، وسار إلى أصفهان وقبض على طهماسب وبعث به إلى خراسان ليسجن فيها، وأقام على العرش ابنا من أبناء الشاه عمره ثمانية شهور، وتلقب هذا الابن بشاه عباس الثالث. وتوفى شاه عباس، فنادى نادر بنفسه شاها على فارس سنة 1148 هـ (1736 م). وفى أثناء الحملة التى شنت على الهند قتل ابن نادر رضا قلى طهماسب هو ومعظم أفراد أسرته فى سبزوار (1151 هـ - 1739 م) المصادر: (1) ميرزا مهدى خان؛ تاريخ جهان كشاى نادرى، بومباى 1265 هـ ص 9 - 114؛ تبريز 1266 هـ، ص 6 - 67 (2) رضا قلى خان: روضة الصفا ناصرى، طهران 1274 هـ, جـ 8، ولم ترقم صفحاته (3) History of Persie: P.M. Sykes، جـ 2، ص 317 - 344 (4) History of Persian Literature in modern Times: E. G. Browre، كمبردج 1924 ص 129 - 136 (5) History of Persie: Malcoim، لندن 1815 م، جـ 1، ص 636 - 637؛ جـ 2 ص، 12 - 96. خورشيد [إيوار Cl, Huart] طواف (*) كلمة عربية من طاف يطوف طوافا، مع الباء؛ فيقال طاف بكذا بمعنى دار حوله. والطواف فى الشعائر الدينية هو الدوران حول شئ مقدس، مثل حجر أو مذبح أو نحو ذلك. وقد بقيت آثار من هذه الشعيرة عند بنى اسرائيل (انظر سفر المزامير، الإصحاح 26، فقرة 6، الإصحاح 27؛ فقرة 6؛ الإصحاح 70) كما تدل على ذلك احتفالات عيد هيكل سليمان فى عهد الهيكل الثانى، حيث كان يطاف حول المعبد مرة فى كل يوم من الأيام الستة الأولى، وسبع مرات ¬

_ (*) علاوة على هوامش الردود يوجد تعليق على ما ورد بهذه المادة عليها يليها مباشرة.

فى اليوم السابع. على أن الطواف كان أيضا موجودًا عند الفرس والهنود والبوذيين والرومان وغيرهم، ولذلك فهو يرجع إلى عصور قديمة جدًا، وكان له شأن عظيم فى الشعائر الدينية عند العرب القدماء، وترد بدل كلمة "طواف" كلمة "دوران" (من دار) المرادفة لها فى المعنى (انظر معلقة امرئ القيس، بيت 63 حيث يشبه امرؤ القيس سرب نعاج بقر الوحش بعذارى يدرن فى ملاء مذيل (¬1) وعند عنترة 105 - 2، كلمة دُوار بمعنى الصنم الذى يدار حوله؛ هذا إذا لم نقرأ هنا دوار بدلا من دُوار) وفى مكة كان يطاف حول الكعبة التى فيها الحجر الأسود الذى كان مقدسا منذ قديم الزمان (وهذا ما يسمى طواف البيت). وقد أخذ محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] بهذه العادة القديمة لما وضع شعائر دينه وجعل الكعبة مركز هذه الشعائر (¬2) فيروى ابن هشام (820؛ الطبرى جـ 1، ص 1641) أنه لما دخل الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] مكة منتصرا فى العام الثامن للهجرة طاف بالبيت وهو راكب ناقته واستلم بمحجنه الركن (الركن الشرقى من الكعبة حيث يوجد الحجر الأسود). على أن ذلك كان أمرًا استثنائيا؛ وبحسب ما يؤخذ من رواية ابن هشام لم يضع الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] القواعد التى لابد من العمل بها إلا قبل وفاته بفترة قصيرة، وذلك فى "حجة الوداع". على أنه يمكن القول -على وجه اليقين- أنه كان يراعى فى ذلك شعائر قديمة مأثورة ترجع إلى إبراهيم عليه السلام (انظر ابن هشام، ص 51، س 20) بحيث نستطيع أن نستنتج من ممارسة المسلمين لهذه الشعيرة ما كانت عليه عادة الوثنيين (¬3). وكان أحد مظاهر هذه العادة أن الطواف كان يجب أن يكون ¬

_ (¬1) فعن لنا سرب كأن نعاجه ... عذارى دوار فى ملاء مذيل (¬2) إن أكثر مراسم الحج ترجع إلى دين إبراهيم عليه السلام، أو هى تدور حول ذكرى إبراهيم وأسرته التى أسكنها فى الوادى الذى بنى فيه البيت الحرام والتى هى نموذج الأسرة الكاملة. والإسلام جاء يبنى على دين إبراهيم، وعلى هذا لا يكون الطواف الإسلامى مأخوذا عن وثنية قديمة. (المترجم) (¬3) إذا كان كاتب المادة يشير إلى ما جاء عن ابن هشام فى الموضع الذى يعينه، وهو أن الطواف كان على عهد إبراهيم عليه السلام وأن أبناء إسماعيل كانوا يقومون بالطواف، فإنه لايصح القول بوجود وثنية قديمة فى مكة، لأن إبراهيم عليه السلام بنى هنا ييتا لعباده الإله الحق، وأسس هنا أيضا جماعة موحدة بعد أن لم يكن قبل ذلك بيت عبادة ولا حتى سكان يعمرون المكان. (المترجم)

سبع مرات متعاقبات (انظر ما تقدم عن عيد الهيكل): الثلاث الأولى منها بسرعة أكبر، ويبدأ الطواف من الحجر الأسود وينتهى عنده، وفى أثنائه تكون الكعبة إلى يسار الطائفين. ويجب على المرء أن يبذل جهدًا خاصًا لكى يقبِّل الحجر الأسود أو يلمسه على الأقل، وخلافا لذلك فإننا إذا فرضنا أن فلهاوزن على صواب فقد كان من التجديد أن محمدًا [-صلى اللَّه عليه وسلم-] أدخل الطواف فى الحج الكبير عندما كان الحجاج يزورون مكة (¬1) بعد أن كان من قبل فى العمرة. على أن هذا الاستنتاج موضع نزاع (انظر مادة حج، حيث تذكر آية 97 من سورة آل عمران للاستشهاد على خلافه). لكن عبارة "حج البيت" لا يمكن أن تكون حاسمة فى دلالتها، فقد يكون محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] قرر توسيع شعائر الحج لمّا تلقى هذه الآية، إن لم تكن تلك العبارة قد دخلت فى النص فيما بعد (¬2). وأنواع الطواف الخاصة الآتية هى بلا شك مستحدثات إسلامية: طواف التحية، أو طواف القدوم، أو طواف الوداع (انظر Reisen in Arabia: Burckhardt، ص 439) وهى على كل حال ليست أركانا يبطل الحج بتركها. على أن الرسول عليه الصلاة والسلام قد حرم عادة من العادات الوثنية تحريما باتا، وهى ما كان يحدث من أن يطوف البعض وهو عريان (انظر ابن هشام ص 921، وانظر ابن سعد، قسم 3، جـ 1، ص 6، س 21) حيث يذكر أنه كان عند الكعبة نصب خشبية عليها يضع الجاهليون ثيابهم أثناء الطواف. والممشى المحيط بالكعبة الذى يسير عليه الحجاج أثناء الطواف يسمى المطاف. وعند حائط الحطيم يسير الطائف محاذيا جانبه الخارجى لا محاذيا للكعبة كما هى العادة. والطواف فيما عدا الأنواع التى تقدم ذكرها ركن لابد منه، ولذلك صار أمرا جوهريا فى الإسلام، ومن ثم فإن مما له دلالته أنه لما صعب على المسلمين ¬

_ (¬1) كلام كاتب المادة هنا غير دقيق، ويمكن القول بأن مقصوده يتعلق بالعمرة. والواقع أنه قبل الإسلام كانت العمرة لا تجوز فى أشهر الحج، فلما جاء الإسلام أجاز العمرة فى أشهر الحج وفى غير أشهر الحج (المترجم) (¬2) هذه تخمينات لا قيمة لها.

المصادر

الحج إلى مكة بسبب استيلاء عبد اللَّه ابن الزبير عليها معارضا للخلافة التى كانت قائمة، أعلن الخليفة عبد الملك أن الطواف حول قبة الصخرة سيكون له ما للطواف حول الكعبة من قيمة (Mu-studien hammedanische: Goldziher جـ 2، ص 35) ولو أن هذا المنسك من مناسك الحج ترك تركا تاما لأحدث ذلك فجوة فى الدين الإسلامى، لكن تلك البدعة لم تلبث أن اختفت باختفاء سببها. ويرى الإسلام الصحيح أن كل طواف لا يكون حول الكعبة يعتبر شيئًا لا قيمة له. ويدل على بقاء العادة الوثنية القديمة بين أهل الطبقات الدنيا من العرب ما يحكيه العجيمى على صورة طريفة من أن البدو كانوا يحاولون أن يؤدوا الطواف لا حول قبور أسلافهم فحسب، بل حول قبر ابن عباس أيضا فى الطائف. المصادر: (1) Lectures on the Religion the Semites: Robertson Smith، 1889، ص 321. (2) Scheftelowitz فى M.G.W.J مجلد 65 (1921) ص 118 وما بعدها. (3) Reste arab. Heidentums: Wellhausen الطبعة الثانية ص 67، 74، 141. (4) Het mekKaansche Feest: Snouck Hurgronje ص 108. (5) Handhuch des islamischen Gesetzes: Juynboll، 1910، ص 148، 150، 156 وما بعدها (6) الأزرقى، طبعة Wustenfeld ضمن Die Chroniken der Stadt Mekka مجلد 1، فى مواضع كثيرة. (7) Wensinck: andbook of Early Mohammadan Tradlitian مادة طواف. أبو ريدة [بول fr.Buht] تعليق على مادة طواف (1) كان الأمر بالحج على عهد إبراهيم عليه السلام كما نصت على هذا الآية الكريمة: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} (سورة الحج: 27). وكان الطواف أيضا على عهد إبراهيم بدليل قوله تعالى: {وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ

وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} (سورة البقرة آية 125). (2) ثم دخلت مناسك الحج تحريفات يرجع معظمها إلى الغلو والإسراف، ومن أمثلتها أنهم -بعد انحرافهم- كانوا لا يطوفون حول البيت فى ثياب عصوا اللَّه فيها ولو أدى الأمر بأحدهم إلى أن يطوف حول البيت وهو عريان، كذلك كانت قريش لا تدفع إلى عرفات مكتفية بالوقوف عند المشعر الحرام، لأنه من الحرم وعرفات من الحل، فساوى اللَّه بينهم جميعا فى الموقف تحقيقا لأصل المساواة وفى هذا يقول تعالى: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} (سورة البقرة، الآية 199) (3) فأمر الإسلام كان إعادة الشعائر إلى ما كانت عليه على عهد إبراهيم، ويوضح هذا حديث الرسول عن يزيد بن شيبان يوم عرفة: "كونوا على مشاعركم فإنكم على إرث من إرث أبيكم إبراهيم" (المغنى لابن قدامة 3، 410 ط المنار بالقاهرة)، وإذا كانت فى أمر خاص فى كيفية أداء المنسك، فقد ارتبط هذا الأمر بعبرته؛ والنموذج الفرد الذى نجده لذلك هو الَرَمل -أى الإسراع- فى طواف الأشواط الثلاثة الأولى -وهذا للقادر، فإن لم يقدر طاف الأشواط السبعة ماشيا دون رمل، وأجزأ الطواف حتى لو كان محمولا. وسبب الرمل يرجع إلى إظهار القوة والجلد، كان هذا من سنة الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فى عمرة القضاء قبل فتح مكة، وسنته فى حجة الوداع بعد الفتح مما يبين أنها سنة ثابتة (نفس المرجع ص 273). (4) أما عن عدد الأطوفة المشروعة فيذكر ابن قدامة (المغنى 3، 444) أنها ثلاثة: طواف الزيارة أو الإفاضة بعد الوقوف بعرفات وهو ركن الحج لا يتم إلا به بغير خلاف؛ وطواف القدوم، وهو سنة لا شئ على تاركه، وطواف الوداع، وهو واجب ينوب عنه الدم (أى الفدية) إذا تركه الحاج؛ بهذا قال أبو حنيفة والثورى على خلاف جزئى مع مالك والشافعى فى طوافىّ الوداع والقدوم دون الزيارة. وما زاد على هذه الأطوفة فهو نفل. وبهذا يبدو خطأ ما نقله الكاتب عن بوركارت فى رحلته

طوبال

العربية (ص 439) عندما ذكر أن الأطوفة المستحدثة "ثلاثة: التحية والقدوم والوداع، وأنها ليست أركانا يبطل الحج بتركها" وقد أخطأ فيما ذهب إليه من القول بالاستحداث، وفى حصر الأطوفة ومشروعية كل منها. 5 - أما قول الكاتب بأن مناسك الحج لم "توضع" إلا فى أواخر حياة النبى عليه الصلاة والسلام، فغير ذلك يدعو إلى العجب: ذلك لأن الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] لم يدخل مكة معتمرًا إلا فى عمرة القضاء فى العام السابع من الهجرة ثم أدى حجة الوداع فى السنة العاشرة من الهجرة، ومات بعدها بقليل. ولم يكن من المعقول أن يكلف بالمناسك من لا يستطيعون دخول مكة، أو من لا يؤمنون قبل الفتح أو صلح الحديبية. 6 - ثم إن القول بإمكانية إحلال صخرة بيت المقدس محل المسجد الحرام فى أداء فريضة الحج أو الطواف بغير المسجد الحرام قول لا يستند إلى أساس من علم ويتعارض معارضة صريحة مع محكم القرآن ومتواتر السنة وإجماع الأمة الإسلامية، ولقد نهى النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فى حديث ابن عباس عما دون الطواف كإيقاد السرج على القبور واتخاذها مساجد. وأمام النصوص الصريحة لا يحتاج البحث إلى أقوال "طريفة" عن البدو وطوافهم حول قبور الأسلاف وابن عباس. د. عبد العزيز كامل طوبال عثمان باشا: محافظ عثمانى للبوسنة، اسمه شريف، ولكنه عرف عادة بطوبال عثمان باشا لعرج أصابه من رصاصة. وقد خرج طوبال من أرباض إزمير حيث ولد سنة 1219 هـ (وتبدأ هذه السنة فى 12 أبريل سنة 1804) لأب فلاح يدعى حاجى شريف أغا، والتحق طوبال أول ما التحق بخدمة الأسطول، وفى سنة 1839 سلم (بوصفه أميرًا للبحر) هو وقيودان باشا أحمد فوزى باشا الأسطول العثمانى فى الدردنيل لمحمد على باشا والى مصر عندما سمعا أن خسرو باشا قد عين صدرًا أعظم. وظل طوبال ملتجئا إلى مصر عدة سنوات بعد إبرام الصلح حيث حظى بعطف الخديو، ولما

صدر أمر بتأمين اللاجئين فى سنة 1258 هـ (وتبدأ هذه السنة فى 12 فبراير سنة 1842) عاد طوبال إلى إستانبول والتحق بالخدمة المدنية، فأصبح "قائمقام" إزمير، ثم "متصرف" قره سى وفى ذى القعدة من عام 1265 (سبتمبر سنة 1849) عين متصرفًا لبيغه فمتصرفًا لقبرص سنة 1271 هـ (تبدأ 24 سبتمبر سنة 1854) وفى سنة 1273 هـ) تبدأ أول سبتمبر سنة 1856) شخص إلى بلغراد محافظًا لها، ومنها ذهب فى الحادى عشر من رجب سنة 1277 (23 يناير سنة 1861) إلى سراييفو محافظًا للبوسنة والهرسك. ويمكن أن نصف ولايته هذه بأنها العصر الذهبى لتاريخ البوسنة فى عهد العثمانيين. وظل طوبال شاغلا لهذا المنصب تسع سنوات، وهى فترة لم يقضها من قبله أو من بعده محافظ إلا خسرو باشا؛ وصرف جل همه فى سلب نفوذ البكوات الأقوياء، فدعم بذلك سلطان الحكومة العثمانية، وكان سبيله إلى ذلك إقامة الأعيان البوسنويين فى المناصب العامة، فلم يلبثوا أن فقدوا جاههم الموروث ونفوذهم بين الناس، كما رفع من مركز الطبقة الوسطى، وخاصة أرباب الحرف وصغار التجار، واستغلهم فى مناهضة الأعيان. وسرعان ما اكتسب حب الأهلين بوصفه حامى العامة، وكادت "أيام الباشا العثمانى المجيدة" تذهب فى البوسنة مذهب الأمثال. وقد وجه طوبال عناية خاصة إلى الشباب فى المدارس فارتقت هذه المدارس فى عهد إدارته إلى درجة لم يكن يحلم بها أحد. وأقام طوبال فى سراييفو غرفة للمطالعة (قراءت خانة) ومدرسة عليا (رشدية) ومدرسة فنية لتدريب الموظفين (مكتب حقوق) علاوة على ما أقامه من مدارس عامة. وكان الهدف من إقامة هذه المنشآت صبغ أهل البوسنة بالصبغة الإستانبولية، أى تربيتهم تربية تجعلهم مواطنين عثمانيين مخلصين. ولم يكتف عثمان باشا بذلك بل لقد مد يد المعونة أيضًا للمؤسسات التربوية الخاصة بغير المسلمين وساعدها بمختلف السبل؛ وأمد مسجد غازى خسرو بمكتبة جليلة (حوالى ألفى مخطوط وكتاب). ومن

أعظم خدماته إقامته مطبعة للولاية أصبحت تطبع فيها الكتب المدرسية علاوة على التقويم الرسمى (سالنامه بوسنه) والمجلتين الأسبوعيتين: بوسنه (وهى جريدة رسمية) وكلشن سراى (باللغة التركية، والصربية أيضًا بعنوان Sarajeviski cvjentnik). وقد سعى عثمان باشا منذ سنة 1863 إلى تنظيم العلاقات بين ملاك الأرض ورقيق الأرض الذين كانوا فى معظم الأحوال من النصارى ويسمون الـ"كمت" وحقق لهم بعض الحماية القانونية التى تدرأ عنهم ظلم ملاك الأرض، فاكتسب بذلك حب الطبقات الدنيا واحترامها. على أن المحاولات التى بذلها لإلغاء العشور يستبدل بها ضريبة مباشرة على الأراضى لم تنجح من جراء معارضة الباب العالى لها. ودأب عثمان باشا على مد الطرق فى ولايته، واستخدم فى ذلك كل ما أتيح له من عمال. ويعود إليه الفضل فى إقامة عدد من الطرق الهامة فى داخل البوسنة، وغيرها من الطرق التى تربطها بالعالم الخارجى (مثل الطريق من ماكلاى إلى دونيا وتوزله وزفورنيك؛ والطريق من كرادشكا وبنالوقه وترافنيك ولفنو فى البوسنة ثم يعبر برولوك إلى دلماشيا؛ والطريق من سراييفو إلى مستار الذى أتمته وزارة الحرب سنة 1864, والطريق الذى مد سنة 1868 من تربنيه إلى راغوسة وغير ذلك). وقد كان من الطبيعى أن يجاهد عثمان باشا دائمًا فى سبيل تجميل سراييفو التى كانت مقره الرسمى، فأقام فيها بيتًا خلاويًا فخمًا يعرف ببيت جنكيش الخلاوى، وهذا البيت لا يزال قائمًا؛ ودس له أعداؤه الكثيرون فى إستانبول، فصرف عن منصبه فى البوسنة فى رمضان سنة 1285 (تبدأ فى 16 ديسمبر سنة 1868)، ونقل واليًا على لستريا (دونا ولاية سى)، وخلفه المشير صفوت باشا على أن هذا التغيير ألغى فجأة، وعاد عثمان باشا إلى سراييفو وسط حماسة الشعب الصاخبة. ثم إن ولايته الثانية لهذا المنصب لم تدم طويلاء ذلك أن أعداءه فى إستانبول استطاعوا أن يقنعوا السلطان عبد العزيز الذى كانت تجوز عليه الغفلة بأن عثمان باشا قد أقام

المصادر

لنفسه قصرًا فى البوسنة، وأنه وقد تتلمذ من أول الأمر على محمد على باشا المتمرد، يطوى بين جوانحه أطماعًا تدفعه إلى الاستقلال عن الدولة العثمانية. وانتهى ذلك بأن استدعى عثمان باشا من البوسنة إلى غير رجعة فى 15 صفر سنة 1286 (27 مايو سنة 1869)، وجرد من ضياعه وقصره، واعتكف الرجل فى استانبول يعيش من معاش قليل أجرى عليه، واعتزل الناس اعتزالا مخلدًا إلى بيت بسيط فى الريف يطل على البوسفور. وتوفى عثمان باشا هناك فى العاشر من جمادى الآخرة سنة 1291 (26 يوليه سنة 1874) ودفن فى استانبول خلف دار الصناعة "الترسانة". ومن أبنائه رءوف باشا. المصادر: (1) Osman Pacha der Letzta grosse Wesier Bosniens: Josef-Koetschet سراييفو 1909. (2) Zapamc enja: Fra Grga martic، ص 43 وما بعدها. (3) سجل عثمانى، جـ 3، ص 449. خورشيد [بابنكر F.Babinger] الطور 1 - جبل الطور، وقلما يقال طور سيناء، ويفسر الجغرافيون العرب هذا الاسم فيقولون إنه من أصل عبرى (أبو الفدا، طبعة Reinaud، ص 69؛ القلقشندى، ترجمة فستنفلد فى Abh.G.W.Cott جـ 25، ص 100؛ المقريزى: Geach d Kopten, ترجمة فستنفلد، المصدر المذكور، جـ 3، ص 113؛ ياقوت: المعجم، طبعة فستنفلد، جـ 3، 57)؛ وقد ورد ذكره مرة فى القرآن: "طور سنين" سورة التين، الآية 2، (وقد جعله ابن الفقيه: المكتبة الجغرافية العربية، جـ 5، ص 104: "طور سيناء"). وكان الجبل الذى يقوم غير بعيد من بحر القلزم (البحر الأحمر) يُرتقى من ناحية الأمن (إليم؟ ) حيث ضرب بنو إسرائيل مخيمهم مرة؛ وفى جوار جبل الطور وادى طوى، حيث كلم موسى اللَّه قبل أن يبعثه تعالى إلى فرعون (القرآن، سورة طه، الآية * 11 سورة النازعات، الآية 16؛ ياقوت: المعجم، جـ 3، ص 553؛ ¬

_ * لاحظ أن موضع الاستشهاد يدخل فيه الآيات من (11 - 23).

صفى الدين: مراصد الإطلاع، طبعة Juynbol, جـ 2، ص 213). ويقوم دير سانت كاترين على الجانب الشمالى من الجبل (الآن جبل موسى) فى الوادى الذى يعرف فى الوقت الحاضر بجبل شعيب، على ارتفاع 5000 قدم، وهذا الدير بُنى فى موضع الحصن الذى شيده يوستنيانوس الأول بين عامى 548 و 592 م على الأرجح (: Bull. de Corresp. Hellen: Gregoire ص 327 - 334) ليكفل الحماية لرهبان سيناء (Procopius: جـ 5 ص 8، طبعة Haury جـ 3/ 2، ص 168 وما بعدها؛ يوتيخيوس: الحوليات فى Corp. Script. Christ. Orient, السلسلة الثالثة، جـ 6، ص 202 - 404. ويذكر "كتاب الديارات" للشابشتى (نقل عنه ياقوت: المعجم، جـ 2، ص 675؛ صفى الدين: مراصد الإطلاع، جـ 1، ص 434) أن كنيسة الطور (ويكتب ياقوت فى كتابه المذكور "دير" بدلا من كنيسة) كانت تقوم فوق قمة الجبل، وقد بنيت بالحجر الأسود وحصنت تحصينا منيعًا، وبخارجها عين وبداخلها عين؛ وكان يقيم فيها رهبان ويزورها خلق كثيرون لما يحدث فيها من كرامات (Abh. pr. Ak. W. Sachau سنة 1919، شكل 10، ص 21). وفى هذا الوصف خلط بين الكنيسة النصرانية للعذراء مريم (. . .) التى شيدها أيضًا يوستنيانوس على جانب الجبل فى الموضع التى تقوم عليه الآن بيعة إلياس (انظر ما يلى) على الأرجح، وبين الدير الذى يقوم عند سفح الجبل. وفى حوزة رهبان الدير نسخة من رسالة تنسب للنبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] تؤمنهم على حياتهم (Description of the East: Pococke, جـ 1، ص 268 - 270؛ Ably. Pr. AK.W: Moritz، سنة 1918 مجلد 4، ص 6 - 8؛ انظر رسالة من هذا القبيل تؤمن القبط على حياتهم، وقد نشرها M.V.A.G.: G.Graf جـ 22، ص 181 - 193؛ Moritz: كتابه المذكور، ص 21 - 23) وعدد من الوثائق الصحيحة من عهود السلاطين: إينال وخشقدم وقايتباى (Moritz: كتابه المذكور

ص 25 وما بعدها) وهى تتناول فى جوهرها تأمين الرهبان النصارى من غارات البدو النهابين على الأرض المجاورة للدير، ولكن هؤلاء الرهبان كانوا فيما يظهر يعدون هذه الغارة مجرد تهديد فارغ، لأن عهود الأمان قد جددت كثيرًا (أصدر قايتباى ما لا يقل عن اثنين وعشرين فرمانا فى عهده الذى دام ثلاثين عامًا) وقد اقتحم الدير عدة مرات وأحرق وسرقت بساتينه، وسلب الحجاج والتجار، بل لقد اضطر الرهبان إلى الالتجاء إلى دير قرية الطور (انظر ما يلى؛ Moritz: كتابه المذكور، ص 28). وفى داخل الدير "بين الكنيسة والمساكن القائمة فى الجناح الشمالى للمبانى" لا يزال يقوم مسجد ورد فى نقش به أن محرابه أهداه إلى المسجد أبو على المنصور أنوشتكين الآمرى فى غرة ربيع سنة 500 (نوفمبر 1106) على عهد الخليفة الآمر بأحكام اللَّه (Moritz ص 50 - 52)، وقد أطلق هذا النقش على دير سيناء "والدير الأعلى" تمييزًا له عن ديرى الطور (Pai Oau) وفاران. وجاء فى نقش آخر أن أنوشتكين هذا شيد ثلاثة مساجد فوق مناجاة موسى، مسجد على تل دير فاران، ومسجد أسفل فاران الجديدة، ومنار على الساحل. ولا شك أن المقصود بمناجاة موسى هو جبل سيناء المأثور الذى يعرف الآن بجبل موسى (Mnritz: كتابه المذكور، ص 54)، وإنما استعير ذلك الاسم فى القرن الرابع عشر فأطلق على تل صغير شرقى دير سانت كاترين يعرف فى الوقت الحاضر بجبل المناجاة مثله مثل تل آخر بالقرب من فيران؛ ومن هذه المساجد الثلاثة اثنان فقط يمكن أن يكونا قد قاما على قمة جبل الطور، وهما كنيسة النصارى التى شيدها سانت يوليان سنة 364 م، ومسجد صغير ذكره الإدريسى أيضًا. أما المسجد الثالث فلا شك أنه يقوم على هضبة صغيرة أسفل قمة الجبل مسافة 500 قدم، وتقوم عليها الآن بيعة إلياس التى بنيت فى تاريخ متأخر عن ذلك، وربما استدللنا على المسجد القائم على "جبل دير فاران" فوق جبل المُحَرث، وعلى مسجد فاران الجديدة فى واحة فيران التى سكن بساتينها أهل فاران "مدينة العمالقة" (المقريزى: الخطط،

بولاق جـ 1، ص 188. Moritz: (كتابه المذكور، ص 56) ويذهب موريتز (كتابه المذكور، ص 57) إلى أن المنار كان قائمًا عند مدخل وادى فيران فى البحر، وكان هناك مرسى تافه الشأن. وجاء فى الوصف السريانى للأقاليم السبعة، وهو وصف يرجع إلى القرن الثالث عشر الميلادى، أن جبل سيناء (طورا ده سيناى) كان يتوسط الخريطة الهلالية فى الإقليم الثانى (Notice sur une mappemonde Syrienne: Chabot فى Bulletin de geogr. hist. et descript، سنة 1897، ص 104 لوحة 4). والرواية التى تقول إن السلطان سليما الأول زار سيناء فى حملته على مصر رواية موضوعة، ذلك أنه لم يرد ذكر لهذه الرواية لا فى جريدة سليم ولا فى كتاب ابن إياس (Moritz: كتابه المذكور، ص 5، تعليق 1). وتقوم بلدة الطور الصغيرة إلى الجنوب الغربى من جبل موسى على خليج السويس وعلى مسيرة خمسين ميلا من رأس محمد، وهو الطرف الجنوبى الأقصى لشبه جزيرة سيناء. ويربط هذه البلدة بدير سانت كاترين خط من القوافل منتظم، ويقيم فيها عادة بعض رهبان الدير (La Presqu'ile du Sinai: Weil, سنة 1908، ص 82)، وهى تقوم على البقعة الوحيدة على الساحل الغربى لشبه الجزيرة التى تخلو تمامًا من الشعاب المرجانية، ومن ثم نجد فيها مرسى للسفن. ثم إن الطور تزود بالماء على خير وجه، وتمتد فى جوارها حراج النخيل، ولذلك كانت، ولم تزل، أهم ثغر فى شبه الجزيرة؛ وكانت تعرف فى القديم باسم Agatharchides) Iloo 3 tolov فى Strabo جـ 16، ص 776؛ Diodorus، جـ 3 ص 42) ثم سميث من بعد: (نسبة إلى القبيلة العربية فى Sudiac)، ولعل الدير القائم هناك يرجع إلى العصر السابق للعصر العربى. ولقد كان القلقشندى يعلم بالفعل أن الطور كانت أهم ثغر مصرى لسفن الحجيج إلى مكة حتى سنة 450 هـ (1047 م) وهنالك حلت محلهما مدينة

المصادر

عيذاب ولم يصلح ثغر الطور إلا سنة 780 هـ (1378 - 1379 م) ومن ثم عاد الحجاج إلى اتخاذ الطريق الشمالى (Weil: كتابه المذكور، ص 92 - 194). ولما اكتشف البرتغاليون الطريق البحرى إلى الهند فقدت الطور قيمتها شيئا فشيئًا، وغدت قرية من قرى صيادى السمك وحسب، وظلت على هذه الحال حتى أقيم فيها فى النصف الثانى من القرن الثامن عشر محطة للحجر الصحى يحتجز فيها الحجاج العائدون من مكة فعادت إلى الازدهار. وقد شيد السلطان مراد حصن قلعة الطور قرب الدير القديم، ولكن الحصن والدير أصبحا الآن خرابا يبابا. المصادر: (1) المقدسى: المكتبة الجغرافية العربية، جـ 3، ص 179. (2) أبو الفدا، طبعة Reinaud، ص 69. (3) الإدريسى، طبعة Cildmeister فى Z.D.P.V جـ 8 ص 2. (4) ياقوت: المعجم، طبعة فستنفلد، جـ 3، ص 577. (5) صفى الدين: مراصد الاطلاع، طبعة Juynboll، جـ 2، ص 214. (6) كتاب الكواكب، طبعة ابن الزيات، القاهرة 1907، ص 12. (7) المقريزى: الخطط، بولاق، جـ 2، ص 509 وما بعدها. (8) الدمشقى، طبعة Mehern، ص 231. (9) ابن دقماق: Description de L'Egypte، طبعة دار الكتب المصرية، القاهرة 1893، جـ 5، ص 43. (10) القلقشندى Die Geographic u. Venvaltung uon Agypten، ترجمة فستنفلد كوتنكن 1879، ص 100، 169 وما بعدها. (11) Histoire des Sultons Mamlouks: Quatrmere، 1890، ص 73، 547. (12) Palestine under the Moslems: Le Strange، 1890، ص 73، 547. (13) R. Well: La Presqu'ile du Sinai فى (Biblioth. de l'ecole d. haut

2 - طور زيتا أو جبل زيتا،

etudes الكراسة 171) باريس 1908، ص 93 وما بعدها. وفى مواضع أخرى. (14) Materaux pour servir a'la geor de l'Egypt: Maspero Wiet, جـ 1 (M.I.E.F.A.O) جـ 36، ص 122، مادة الطور ومادة طور سيناء. 2 - طور زيتا أو جبل زيتا، أى جبل الزيتون شرق بيت المقدس وما زال يعرف بجبل الطور. وتقول الروايات إن سبعين ألف نبى ماتوا هناك جوعا حيث دفنوا، وجاء فى رواية قديمة أن صعود المسيح كان من جبل الزيتون. وكان يمتد بين هذا الجبل وبلدة الطور وادى جهنم Vale of Cedron (ويعرف الآن بوادى ستى مريم وبه عين سلوام التى تعرف فى العربية بعين سُلوان) الذى يقوم فوقه جسر السراط، وتقوم قرية كفر الطور فى الوقت الحاضر على الجيل. المصادر: (1) ياقوت: المعجم، طبعة فستنفلد، جـ 3، ص 558. (2) صفى الدين: مراصد الاطلاع، طبعة Juynboll, جـ 2، ص 215. (3) ابن الفقيه: المكتبة الجغرافية العربية، جـ 5، ص 101 (3) أبو الفدا، طبعة Reinaud، ص 69. (4) الإدريسى: طبعة Gildmeister، فى Z.D.P.V، جـ 8، ص 8. (5) المقدسى: المكتبة الجغرافية العربية، جـ 3، ص 171 وما بعدها. (6) ابن بطوطة، طبعة Defremery Sanguinetti، جـ 1 ص 124. (7) ناصر خسرو، طبعة شفر، ص 26. (8) مجير الدين، طبعة بولاق 1283 هـ، ص 412. (9) Le Strange: Palestine under the Moslems، 1890، ص 72، 74، 162، 211، 218 - 220. 3 - الطور أى جبل تابور (وما زال يعرف بجبل الطور)، ويقوم على هذا

المصادر

الجبل دير الطور أو دير التجلى عند البقعة التى تجلى فيها المسيح لحوارييه؛ وفى أيام الحروب الصليبية كان يقوم على قمته حصن استولى عليه صلاح الدين، ورممه الملك العادل سنة 608 هـ (1212 م)، وقد حاول الصليبيون أن يستردوه سنة 614 هـ (1217 م) فلم يفوزوا بطائل. وفى جمادى الآخرة سنة 661 هـ (1263 م) استخدم بيبرس الحصن قاعدة حربية يشن منها حملاته على عكا. المصادر: (1) ياقوت: المعجم، طبعة فستنفلد، جـ 2، ص 694، 675. (2) صفى الدين: مراصد الأطلاع، طبعة JuynbolI، جـ 1، ص 426، 434. (3) أبو الفدا، طبعة Reinaud، ص 69. (4) Geschichte der chalifen: Weil جـ 3، ص 438، 440؛ جـ 4 ص 46 وما بعدها. (5) Palestin und the Moslems: Le Strange، ص 75، 434، وما بعدها. (6) La Syrie a L'epoque de mameluks: Gaudefroy-Demombynes، باريس 1923، ص 124، تعليق 4. 4 - الطور، أى جبل جرزيم (3000 قدم) ويشرف على نابلس، وهو الجبل المقدس عند السامرة، تجعله الرواية اليهودية مشهد تضحية إسحق. ويعرف هذا الجبل بجبل الطور أو الجبل القبلى تمييزًا له عن الجبل الشمالى أو جبل إسلاميه (إبل) إلى الشمال من البلدة. المصادر: (1) ياقوت: المعجم، طبعة فستنفلد، جـ 3، ص 557. (2) صفى الدين: مراصد الاطلاع، طبعة Juynboll، جـ 2، ص 214. (3) Palestine under the Moslems: Le Strange، ص 74. 5 - طور هرون أو جبل هور (5600 قدم) غربى بطرة، وقد نسب إلى هرون الذى دفن هناك فى قول رواية قديمة (Archaiol: Josephus جـ 4، ص 7، 4).

المصادر

ولما رمى بنو إسرائيل موسى بجريرة قتله، أطلعهم فوق الجبل على التابوت الذى رقد فيه هرون. ويسمى المسعودى الجبل مآب فى ناحية الشراة، ويذكر أيضًا الكهوف الكائنة بالجبل. ويقوم قبر هرون على القمة الشرقية لجبل النبى هرون (5200 قدم)، وما زال البدو يزورونه. المصادر: (1) ياقوت: المعجم، طبعة فستنفلد، جـ 3، ص 559. (2) صفى الدين: مراصد الاطلاع، طبعة JuynbolI، جـ 2، ص 215. (3) المسعودى: مروج الذهب، طبعة باريس جـ 1، ص 94. (4) Travels in Syria and the Holy Land: Burckhardt، لندن 1822، ص 429 وما بعدها. (5) Le strange palestine under the Moslems، ص 74. (6) Petra: Dalman، 1908، ص 15 وما بعدها، 42، 168. (7) المؤلف نفسه: Neue Petra Forschungne، 1912، ص 2، 8، 26. خورشيد [هونكمان E.Honigmann] طورانشاه ابن أيوب الملك المعظم شمس الدولة فخر الدين، مؤسس الدولة الأيوبية فى اليمن. ولد شمس الدولة فى أوائل رجب سنة 569 (فبراير 1174)، وكانت وفاة العاضد -آخر السلاطين الفاطميين قبل ذلك بسنتين- قد مكّنت صلاح الدين من أن يصبع رسميًا أميرًا على مصر، وهنالك غدت تبعية صلاح الدين للأتابك نور الدين بن زنكى أمرًا شاذًا يؤذن بأن تنتهى هذه العلاقة بالحرب، ولم يكن قد تم بعد إخضاع الملك أملريخ صاحب بيت المقدس الذى كان صلاح الدين يقاتله، وكان صليبيو الكرك والشوبك ينوشون الطرق الموصلة إلى مصر. أما أن يختار صلاح الدين مثل هذا الوقت لغزو اليمن فأمر مشهود لا تعلله كل التعليل الأسباب

الدينية التى أغرته بشن هذه الحرب، ألا وهى طرد المهدى الخارجى من زبيد، وطرد بنى كرم الشيعيين من عدن، وكان هؤلاء قد دخلوا رسميًا فى زمرة طبقة الفاطميين أصحاب السلطان. ومن الدلائل المشهودة على نفاذ بصيرة صلاح الدين أنه رغب فى أن يمكن لنفسه فى ولاية يستطيع أن يلجأ إليها إذا دهمته أزمة طارئة. وكانت الظروف العامة تشير إلى أن ذلك لا يتأتى له إلا فى الجنوب، وهى الجهة الوحيدة التى يستطيع منها أن يستغل جنوده، ذلك أنه لو شاء أن يتجنب قيام عداء سافر بينه وبين نور الدين، فإن خير سبيل كان يمكن أن ينهجه لتحقيق ذلك هو أن يترك سلطان الفرنجة قائمًا فى فلسطين حتى يكون دريئة له أمام نور الدين وقتذاك. وكان قد أنفذ قبل ذلك بسنة واحدة إلى بلاد النوبة أخًا عالى السن من إخوته الخمسة هو طورانشاه، وكانت الشائعات قد ربطت بينه وبين مقتل آخر السلاطين الفاطميين. على أن طورانشاه لم يكن يرى أن اليمن تساوى ما يبذل فى سبيل غزوها من مشقة ومال. وكانت العلاقات المكينة القديمة التى ربطت بين مصر والأراضى المقدسة قد لفتت آئنذ أنظار صلاح الدين إلى شبه الجزيرة العربية التى كان قد استولى بالفعل سنة 566 هـ (1171 م) على المنفذ الشمالى لها ونعنى به ثغر أيلة. ومن ثم بعث بطورانشاه إلى اليمن فاستولى على زبيد فى شوال من سنة 566 هـ (مايو 1174 م)، وعلى عدن فى السنة نفسها، وفى السنة التالية طرد من صنعاء على ابن حاتم الوحيد الحمدانى الذى كانت مقاومته قد وهنت بفعل الغارات المتصلة التى كان يشنها عليه الإمام أحمد بن سليمان الزيدى صاحب صعدة، ومع ذلك فإن طورانشاه لم يحس بالارتياح فى بلاد لا يسقط فيها الثلج أبدًا ولا يجد فيها ما يشتهيه من فاكهة، واستطاع طورانشاه بما عمد إليه من اعتراضات ملحة على بقائه فى هذه البلاد أن ينال موافقة صلاح الدين على نقله منها، فنقل إلى الشام سنة 571 هـ، وكانت قد آلت إلى صلاح الدين فى هذه الأثناء عقب وفاة نور الدين. وقضى طورانشاه

ثلاث سنوات فى دمشق واليًا على الشام، ثم نقله أخوه صلاح الدين إلى الإسكندرية حيث توفى غرة صفر سنة 576 هـ (27 يونيه سنة 1180 م). ولم تكن حياة طورانشاه العملية بالحياة التافهة الشأن، غير أن صلاح الدين كان المحرك له دائمًا؛ ثم إنه كان رجلا يحب الاستمتاع بالحياة، وكان قد جمع ثروة كبيرة وهو بعد مقيم فى مصر، وعاد من حملة النوبة بعدد كبير من الأرقاء، ومن بينهم رئيس أساقفة النصارى. وكان قد أقطع قبل حملة اليمن إقطاعات كبيرة من إقطاعات الأسرة القديمة فى بعلبك، وخلع عليه أخوه ضياعا غنية فى اليمن؛ فلما غادر طورانشاه اليمن كان همه الأكبر منصرفًا إلى استحثاث ممثله هناك على موافاته بمواردها. وعلى الرغم من ذلك فقد خلف هذا الرجل الذى كان يتمتع بكل هذه الضياع ديونًا قدرها 200.000 دينار سددها أخوه. وكان طورانشاه دائم الحنين إلى الشام وقد حملت أخته ست الشام زمرد جثمانه إلى دمشق، ودفن فى المدرسة التى أقامتها هى هناك. وكان الغزو الأيوبى لليمن عظيم الأثر فيها، فقد اجتمع شمل ولاياتها الثلاث وتوحدت فى قوة كبيرة، وبلغ الاحتلال الأيوبى غايته تماما. صحيح إن آخر الأسرة الحمدانية استطاع أن يلود بالهضاب؛ إلا أن آخر المهديين عبد النبى، وأخويه وآخر حاكم من حكام بنى كرم الأصليين وكبير الحجاب ياسر، قتلوا بأمر من طورانشاه بعد استسلامهم له بفترة وجيزة، ولم يكن من المقدور أن يجتمع شمل البلاد المفتوحة فى يد الأيوبيين إثر مغادرة طورانشاه لليمن فى أعقاب فتحها، ولذلك نشبت الفتن الخطيرة دفعة واحدة. ولم يستتب الحكم للأيوبيين إلى حد كبير إلا بعد أن أنفذ إليها صلاح أخاه طغتكين سيف الإسلام فأقام بها من سنة 578 إلى 593 هـ (1182 - 1196 م). وخلف طغتكين ابناه: معز الدين إسماعيل حتى سنة 598 هـ (1201 م) والناصر أيوب سنة

المصادر

611 هـ (1214 م). وقد اغتيل الاثنان. وفى سنة 612 هـ (1215 م) أنفذ رأس الأسرة الأيوبية العادل سيف الإسلام أبو بكر أخو صلاح الدين، حفيده المسعود يوسف إلى اليمن. وكان الانحلال التدريجى الذى فتت أواصر الأسرة الأيوبية قد تمثل قبيل ذلك فى شخص حفيد أخى صلاح الدين نور الدين شاهنشاه الملقب بالمظفر سليمان، فقد مكن هذا الأمير لنفسه فى اليمن حين استنجد به أخو الناصر، وحل فيها صوفيا يلوذ به أتباع من المتصوفة. وكان قد أقبل على البلاد وقت أن قدم إليها طورانشاه خمسة إخوة من أسرة بنى رسول، وسرعان ما أصبح لهم شأن عظيم، إذ غدوا أصحاب مشورة لا غنى عنهم وملاكا من أصحاب الثروات فى البلاد، وانحاز على بن رسول إلى يوسف فى القتال الذى نشب بينه، وبين سليمان، فتحقق الظفر ليوسف، وغزا الحجاز باسمه، وأقيم واليًا على مكة سنة 619 هـ (1222 م): وأتخذ ابنه عمر بعد وفاة الأمير يوسف الضعيف سنة 626 هـ (1228 م) لقب المنصور وأقام دولة بنى رسول التى حكمت اليمن نيفا وقرنين من الزمان بوصفها أسرة من أهل البلاد، بعد أن دام الحكم الأيوبى نصف قرن وحسب. المصادر: (1) ابن الأثير طبعة تورنبرغ، جـ 11، ص 260 وما بعدها، الفهرس. (2) ابن خلكان طبعة بولاق سنة 1299 هـ، جـ 1، ص 123 وما بعدها (طبعة ده ساون، جـ 2، ص 284). (3) الخزرجى: العقود العلوية (سلسلة كب التذكارية، جـ 4، ص 26 وما بعدها). (4) The Mohammedan Dynastie: Lane-Poole، سنة 1894، ص 98. (5) Manuel de ge ale genealogie et e Chronologie: Von Zambaur، هانوفر سنة 1927 ص 98. خورشيد [شتروتمان R.Strothmann]

الطوسى

الطوسى محمد بن الحسن بن على أبو جعفر، ولد بطوس فى رمضان سنة 384 هـ (995 م). وتلقى دروسه الأولى فى مسقط رأسه، ثم شخص إلى بغداد سنة 408 هـ (1017 م)، وفيها أخذ على الشيخ المفيد محمد بن محمد النعمان البغدادى المتوفى سنة 413 هـ (1022 م). فلما توفى المفيد لزم الطوسى السيد المرتضى (أبو القاسم على بن الحسين المتوفى سنة 436 هـ = 1044 م)، وظل يصحبه ويأخذ عليه حوالى اثنتين وعشرين سنة. ومضى يقيم فى بغداد بعد وفاة السيد المرتضى إثنى عشر عاما. وبذل غاية وسعه فى نشر تعاليم الشيعة. وقد شكاه أعداؤه مرة إلى الخليفة القائم (422 - 467 هـ = 1031 - 1075 م) متهمينه بأنه يكره الخلفاء الثلاثة الراشدين أبا بكر وعمر وعثمان وعززوا اتهامهم بشواهد من مؤلفه "كتاب المصباح" ودعى إلى حضرة الخليفة وشرح هذه الشواهد شرحًا أقنع الخليفة بأنه لا يقصد أى تجريح لعقائد أهل السنة، ومن ثم لم تفرض عليه أية عقوبة. على أن الجمهور ازداد سخطه عنفا فأحرقت داره آخر الأمر حتى غدت رمادًا سنة 488 هـ (1056 م). وغادر الطوسى بغداد فى هذه السنة وانتقل إلى النجف حيث قضى بقية عمره، ويعد الطوسى أكبر فقهاء الشيعة، واشتهر عامة بشيخ الطريقة، ويقال الشيخ وحسب. وتوفى فى رواية معظم أصحاب كتب التراجم فى النجف سنة 460 هـ (1067 م) أو سنة 458 هـ (1065 م) فى قول بعض الروايات. ويعد كتابان من كتبه وهما: "تهذيب الأحكام" و"الاستبصار" من "الكتب الأربعة" التى يوقرها الشيعة أعظم التوقير. وللطوسى عدة مصنفات أورد قائمة بها فى مؤلفه: "فهرست كتب الشيعة" (Bibliotheca hidica ص 285). ومن أشهر كتبه ما يلى: - (1) "كتاب تهذيب الأحكام" فى الحديث على مذهب الشيعة، وقد طبع على الحجر بطهران فى مجلدين. (2) "كتاب الاستبصار فيما اختلف فيه من الأخبار" وهو أيضا فى الحديث

والكتاب الأول موسع شامل يحتوى على كل أبواب الحديث، أما الثانى فلا يتناول إلا الأحاديث المختلف فيها، وقد طبع على الحجر فى لكهنو سنة 1037 هـ وطهران سنة 1322 هـ. (3) "كتاب المبسوط" وهو ملخص فى الفقه الإسلامى على مذهب الشيعة، وقد طبع على الحجر فى طهران سنة 1271 هـ. (4) "النهاية فى الفقه"، وهو مختصر فى الفقه الإسلامى على مذهب الشيعة، وقد طبع على الحجر مع مجموعة من الرسائل فى الموضوع نفسه بعنوان "المجموعة الفقهية" فى طهران سنة 1276 هـ. (5) "فهرست كتب الشيعة" وهو فهرس بكتب الشيعة، طبع فى المكتبة الهندية، سنة 1848 م. (6) "دعاء الجوشن الكبير" وهو كتاب فى الدعوات المنسوبة إلى الإمام على زين العابدين المتوفى سنة 94 هـ "وأنتقلت منه إلى صاحب الكتاب" وقد طبع على الحجر فى لكهنو مع ترجمة فارسية بين السطور. (7) "دعاء الجوشن الصغير" وهو كتاب آخر فى الدعوات المنسوبة إلى الإمام موسى القائم المتوفى سنة 183 هـ، "وأنتقلت منه إلى صاحب الكتاب"، وقد طبع على الحجر فى لكهنو سنة 1288 مع ترجمة بالهندوستانية بين السطور. (8) "كتاب الفصول فى الأصول" وهو رسالة فى الأصول على مذهب الشيعة. (9) "مصباح المتهجد الكبير" فى عمل السنة والعبادات المرعية خلال السنة. وقد اختصر الطوسى هذا الكتاب وسماه "مصباح المتهجد الصغير". (10) "كتاب الحل والعقد" وهو فى العبادات بعامة والصلاة بخاصة. (11) "كتاب التبيان فى تفسير القرآن" وهو تفسير كبير للقرآن فى عشرين مجلدا. (12) "عدة الأصول" وهو فى الأصول وقد طبع على الحجر فى طهران.

المصادر

(13) "الأمالى فى الأحاديث"، وهو فى الحديث، وقد طبع على الحجر فى طهران. المصادر: (1) النجاشى: الرجال، ص 287. (2) منتهى المقال، ص 269. (3) روضات الجنّات، ص 580 - 590. (4) قصص العلماء، ص 312 (5) شذور العقيان، جـ 2، الأوراق 116 - 120. (6) محمد هدايت حسين: فهرس المخطوطات العربية فى مكتبة بوهار، جـ 2، ص 54. (7) Gesch. d. Arab. Lit.: Brockelmann، جـ 1، ص 405. خورشيد [محمد هدايت حسين] الطوسى نصير الدين أبو جعفر محمد بن الحسن: فلكى، وإخبارى متعدد الجوانب، وسياسى شيعى، عاش أيام الفتح المغولى؛ ولد بطوس فى الحادى عشر من جمادى الأولى سنة 597 (18 فبراير سنة 1201). وتوفى ببغداد فى الثامن عشر من ذى الحجة سنة 672 هـ (26 يونية سنة 1274 م). بدأ نصير الدين حياته العملية فلكيا للوالى الإسماعيلى نصير الدين عبد الرحمن بن أبى منصور فى سرتخت. وانفضح سعى نصير الدين فى الأنتقال إلى بلاط الخليفة، فوضع تحت الرقابة فى سرتخت ثم فى الموت، مع السماح له بالبقاء فى منصبه والمضى فى أبحاثه لا يعوقه عائق. وفى سنة 654 هـ (1256 م) أفلح فى أن يوقع ركن الدين خورشاه رأس الحشاشين فى يد هولاكو، ثم صحب هولاكو فى غزو بغداد، وأقام بأمره مرصدا فى مراغة، وأصبح وزيرا وناظرًا للأوقاف، ومضى يشغل منصبه العظيم الجاه فى عهد أباقا بلا انقطاع حتى أدركته منيته. وقد تحدد مذهب الطوسى السياسى بتحيزه الشديد للإثنى عشرية مما بوأه مقعد الزعامة للأقلية الشيعية الإيرانية بفضل مواهبه وتفننه فى علوم جمة،

وجعله ينصر المغول على الخلافة، وتمكن بشفاعته من أن يعامل الشيعة بشئ من الرحمة فى أتون الدمار الذى أنزله المغول بالبلاد الإسلامية وأن تبقى مزاراتهم المقدسة فى جنوبى أرض الجزيرة بمنجاة من الهلاك. ومن تواليفه (56 عنوان كتاب ذكرها بروكلمان فى كتابه تاريخ الأدب العربى، جـ 1، ص 508 وما بعدها؛ وانظر أيضا Nallino فى Oriente Moderno، جـ 8، ص 43 وما بعدها) رسالتان فى العقائد يقدرهما إخوانه فى الدين حق قدرهما ولهما شروح كثيرة، وهما: "تجريد العقائد" (طهران، طبعة غير مؤرخة) و"قواعد العقائد" (طهران 1305 هـ وعليها شرح تلميذه ابن المطهر). وقد شرحت نظرية الأثنى عشرية فى الإمامة شرحًا محكمًا واضحًا كذلك بكتابه "الفصول" فى الغيبيات الذى ألفه بالفارسية (انظر النسخة العربية وعليها تعليقات، مخطوطة ببرلين، رقم 1770، الأوراق 138 ب وما بعدها). أما أقوال الطوسى فى المنطق والفلسفة فقد تفرقت فى كتاباته العقائدية التى تعد مقدمة تقليدية لكلامه عن العقائد التى استقيت فى جوهرها من روايات الشيعة، وهى تنتمى إلى مدرسة ابن سينا، فقد كتب شرحا للإشارات" والتنبيهات لابن سينا اسمة (حل مشكلات الإشارات)، (لكهنو سنة 1293 هـ)، وفيه يرد على نقد فخر الدين الرازى لابن سينا، كما كتب أيضا فى الرد على كتاب الرازى "محصل أفكار المتقدمين والمتأخرين" الشرح النقدى: "تلخيص محصل. . . " (فى ذيل كتاب المحصل، القاهرة سنة 1323 هـ). وكذلك ظل الطوسى شيعيًا عميق الإيمان بمذهب الشيعة فى كتابه فى التصوف: "أوصاف الأشراف" (طهران سنة 1320 هـ) الذى كتبه بالفارسية، كما أن صوفيته وتوقيره للحلاج يميزانه عن معظم إخوانه فى الدين. وقد كتب الطوسى فى الفقه عن أحكام الوراثة؛ وبقى من كتبه فى العلوم الخفية: "كتاب الرمل" (ميونخ، مخطوطة عربية، رقم 880). وأهدى الطوسى إلى مولاه وهو بعد فى سرتخت كتابا فى الأدب عنوانه: "أخلاق ناصرى" وما زال هذا الكتاب

المصادر

يعاد طبعه كثيرا (لاهور سنة 1265 هـ؛ بومباى سنة 1267 وغير ذلك من الطبعات) ويظهر فيه تأثره بابن مسكويه. وولاء الطوسى للمذهب الذى تقول به فرقته لم يقطع صلته بالآخرين، فقد ناقش المسائل العلمية كتابة مع جلال الدين الرومى، وشفاها مع نجم الدين الكاتب (G.A.L، جـ 1، ص 466) وكان يعمل فى البلاط مع الأخوين الملقبين بالجوينى فإلى المؤرخ علاء الدين الجوينى أهدى كتابه "تلخيص المحصل"، وإلى الأخ الثانى صاحب ديوان شمس الدين أهدى كتابه "أوصاف الأشراف". وهو يدين بشهرته خارج دوائر الشيعة إلى كتبه وأبحاثه فى العلوم الخالصة: الطب، والرياضيات، وخاصة علم الفلك. المصادر: (1) مصطفى التفريشى: نقد الرجال، طهران سنة 1318 هـ، ص 331 (2) نور اللَّه المرعشى الششترى: مجالس المؤمنين، طهران سنة 1268 هـ المجلس السابع (3) الحر العاملى: عمل العامل فى ذكر علماء جبل العامل، طهران سنة 1306 هـ، ص 506 (4) محمد باقر الخوانسارى: روضات الجنات، طهران سنة 1306 هـ، ، جـ 4، ص 66 وما بعدها (5) الوصاف: تجزيات الأمصار، بومباى سنة 1269 هـ، طبعة هامز بور كستال، فينا سنة 1836 (6) رشيد الدين فضل اللَّه: جامع التواريخ = Hist. des Monnols de la Perse: Quartremere، باريس 1836. (7) محمد باقر المجلسى: بحار الأنوار، جـ 15، طهران سنة 1315 هـ، جـ 1، ص 4 (8) إعجاز حسين الكنتورى: كشف المحجوب والأستار عن الكتب أسفار (المكتبة الهندية، السلسلة الجديدة، رقم 1403، عنواين كتب مرتبة على حروف الهجاء) (9) ابن شاكر: فوات الوفيات، بولاق سنة 1299 هـ، جـ 2، ص 149.

(10) خواندمير: حبيب السير، بومباى سنة 1857، جـ 2، ص 80؛ جـ 3، ص 54 (11) إبراهام ابن صموئيل زوكوتو؛ سيفر يوخسين، كراكاو سنة 1581، ص 152 (12) Thesaurus temporum Eusebii Pamphili Chronicorum Cananum: J. Scaliger ليدن سنة 1606، ملحق 2، كتاب 2، ص 145 (13) Stimmen aus dem Morgenland: Pieper، هيرشبرغ سنة 1850 (14) A.Sprenger فى مجلة Zeitschr der Deutsch Morgenl. Gesell، جـ 13، ص 539 وما بعدها (15) E.Berthels فى Islamic، جـ 1، ص 274 وما بعدها (16) J.Stephenson فى Isis، جـ 5، ص 264 وما بعدها (17) Die Philosophischer Ansichlen van Razi und Tusi: M.Horten, بون سنة 1910؛ Die spekulative und Positive Theologie des Islam nach Razi und ihrs Krilik durch Tusi ليبسك سنة 1912 (18) Histoire des Mongols depuis Tschingiz Khan Jusqu'a Timour Bey: d'Ohsson, لاهاى وأمستردام سنة 1834 وما بعدها (19) Geschichle der Ilchane: Hammer Purgstall دار مشتات سنة 1842 وما بعدها (20) History of the Mongols: Howorth، لندن سنة وما بعدها، جـ 3، الفهارس (21) Gazali: Carra de Vaux، باريس سنة 1920، ص 167 وما بعدها (22) A. Literary History of Persia: E.G.Browne، لندن سنة 1906 (23) المؤلف نفسه: A History of Persian Literature under Tartar Dominion, كمبردج سنة 1920 انظر الفهارس (24) Die ZwolferSchi'a: R.Strothmann، ليبسك سنة 1926، وقد ورد فيه علاوة على ذلك مراجع أقل أهمية خورشيد [شتروتمان R.Strothmann]

وكُتب الطوسى فى الطب ليس لها قيمة علمية خاصة وقد صرف همه فى الفيزياء وكذلك فى علم النجوم، إلى مسائل البصريات هندسيا وفسيولوجيا. وإلى هذا الباب ينتسب كتابه: "تحرير كتاب المناظر" وهو نسخة من كتاب البصريات لإقليدس؛ و"رسالة فى انعكاس الشعاعات وانعطافها". ويتبين دأب الطوسى بأجلى بيان فى تحقيقه وتصحيحه لترجمات ثابت بن قرة، وقسطا بن لوقا، وإسحق بن حنين لكتب علماء الإغريق فى الرياضيات والفلك، ونحن نذكر من علماء الرياضيات إقليدس (أصول الهندسة، الفوائد، الظاهرات)، وأبولونيوس (المخروطيات)، وأرشميدس (كتاب مساحة الدائرة، كتاب الكرة، والأسطوانة، كتاب المفروضات) ومن الفلكيين: ثيودوسيوس، ومنلاوس، وأوطولوقس، وأرسطرخس، وإبسقلاؤس، وبطلميوس. وأشهر كتب الطوسى المبتكرة: "كتاب شكل القطاع" وهو يستخرج من شكل القطاع علاقات فى حساب المثلثات الكرية لها أهمية أساسية. وكتب الطوسى أيضا كتابا فى الرياضيات هو: "مختصر بجامع الحساب بالنحت والتراب". واكتسب الطوسى شهرة عظيمة بفضل ما حققه فى ميدان علم الفلك. فقد تيسرت له الوسائل للقيام بأبحاث فى طوالع خانات المغول وخاصة مولاه هولاكو. ووكل إليه هولاكو إقامة مرصد كبير فى مراغة جهز بخير الآلات التى استحدث بعضها استحداثا، وبعدد كبير من الراصدين وكان الطوسى قد بلغ الستين فعلا حين شرع فى بناء المرصد، ولكن عمره امتد اثنى عشر عاما أخرى فأتاح له ذلك أن يفرغ من مهمته فى عمل حسبانات لأزياج جديدة تعتمد على أرصاد شاملة، وقد سجل حسباناته فى الزيج الأيلخانى، وتتناول المقالة الأولى منه التواريخ، والثانية حركات الكواكب، والثالثة والرابعة الأرصاد التنجيمية. ونذكر من كتبه الأخرى: "كتاب التذكرة النصيرية" وهو إلمامة بميدان الفلك بأسره، وقد تولاه بالشرح من بعد عدة علماء، وكتابا فى التنجيم هو: "كتاب سى فصل".

المصادر

المصادر: (1) خير تقويم لكتب الطوسى فى الرياضيات والفلك والمخطوطات التى بقيت من كتبه هو كتاب: Die Mathema tiker und Astronomen der Araber und ihre Werke: Suter، ليبسك سنة 1900، ص 148 - 153 (2) وثمة مراجع أخرى وردت فى Beitrugez Gesch. d. Naturwissenchaften: E.Wisdemann، جـ 78: نصير الدين الطوسى فى Sitzungsberichte d. Physmedizine, Sazietat in Erlangen، جـ 6، سنة 1928، ص 315 خورشيد [رسكا J.Ruske] الطولونيون الاسم الذى أطلق على أول أسرة مسلمة من ولاة مصر وحكامها المستقلين. وقد دخل رأس هذه الأسرة أحمد بن طولون الفسطاط نائبا لصاحب إقطاع مصر القائد التركى باكباك فى الثالث والعشرين من رمضان سنة 254 (15 سبتمبر سنة 868)، ونجح فى العشر سنوات التالية فى توحيد مصر والشام تحت سلطانه مستقلا بهما بالفعل عن الخلافة. وتوفى أحمد فى العاشر من ذى القعدة سنة 270 (10 مايو سنة 884) بعد أن بايع لابنه خمارويه، وقتل خمارويه فى دمشق فى 17 ذى الحجة سنة 282 (7 فبراير سنة 896) بعد أن قضى فى الحكم إثنى عشر عامًا، خدم فيها البلاد خدمة جليلة. وأقام قواد الجيش على العرش ابنين صغيرين لخمارويه، فبدءوا بالأكبر جيش ثم خلع فى العاشر من جمادى الآخرة سنة 283 (26 يولية سنة 896) وولوا أخاه هارون. وأنتهى بالفعل حكم هذه الأسرة باغتيال هارون فى 19 صفر سنة 292 (أول يناير سنة 1905)؛ وإن كان عمه شيبان بن أحمد تولى حكم مصر المحلى أميرًا لها إثنى عشر يوما أخرى. وقد آلت إلى خمارويه وخلفائه مصر والشام وقيليقية وبلاد الجزيرة (فيما عدا الموصل) مدة ثلاثين عاما بحكم المعاهدة التى أبرمت عند اعتلاء الخليفة المعتضد العرش (279 هـ

892 م)، وذلك نظير أدائه جزية سنوية قدرها ثلثمائة ألف دينار (وهذا المبلغ كان يؤديه أحمد بن طولون من قبل للخليقة المعتمد عن مصر وحدها). وهذه المعاهدة تعد أقصى ما بلغته الأسرة الطولونية من سلطان. وقد أدى الضعف الذى أصاب موقفها من بعد إلى إعادة النظر فى شروط هذه المعاهدة سنة 228 هـ (899 م) فقصرت أملاكها على مصر والشام ورفعت الجزية السنوية التى كانت تؤديها إلى 450000 دينار. وكان انهيار حكم الطولونيين فى الشام بفعل القرامطة قد أتخذ ذريعة لإنفاذ جنود الخلافة إلى دمشق سنة 289 هـ بتحريض من الشآميين أنفسهم. ومن ثم نظم القائد المظفر محمد بن سليمان بمعونة أسطول طرسوس، حملة عسكرية بحرية على مصر، ولم يلق إلا مقاومة قليلة بعض الشئ، فاحتل الفسطاط فى الثانى من ربيع الأول سنة 292 (12 يناير سنة 905)، ونهبت هذه المدينة وعومل أهلها معاملة وحشية، ودمرت ضاحيتها العسكرية القطائع التى أقامها أحمد عن آخرها، وحمل الذكور الباقون من الأسرة الطولونية مكبلين بالأغلال إلى بغداد وتحفظ عليهم فى السجن. وكان سلطان الطولونيين يعتمد اعتمادًا تامًا على الجيش الذى أنشأه أحمد، وقوامه مماليك من الترك واليونانيين والسودان، ومرتزقة من اليونان أيضا فيما يرجح. وبلغ عدد جنود الجيش بعد تجنيد رجال من أهل البلاد 100.000 مقاتل. قد فرض على الجنود النظاميين أشد ضروب النظام، وتولى تنفيذه رؤساء شرطة، رئيس لكل فرقة على الأرجح. ويقول اليعقوبى (جـ 2، ص 624) أن جميع الجنود قد حملوا على أن يقسموا يمين الولاء شخصيا لأحمد بن طولون. ومنذ هذه الأيام أيضا بدئ فى إنشاء القطائع وغيرها من الأعمال العسكرية فى مصر. ومع أن فتحه للشام سنة 264 قد زود جيشه بجنود جدد من الرديف فضلا عن الجنود الخاصين بالحكام الترك السابقين، إلا أنه فرض عليه عبئا أكبر فى دعم سلطانه والحفاظ عليه حيال هذه القوة غير المتجانسة التى كان لا يربطها به إلا أوهى الروابط.

وقد كان فى انتقاض ابنه العباس (365 هـ - 968 م) عليه -وهو انتقاض يعد فى حقيقته فتنة أشعل نارها عدد من ضباطه- وما تبعه من ظهور تقصير لؤلؤ، تهديد خطير لمركزه لم ينجح منه إلا بشق الأنفس وهو على فراش الموت. واستطاع خمارويه بفضل شجاعته الشخصية، وبالرغم من البداية المشؤومة التى بدء بها عهده، أن يدفع إلى حين الخطر الذى كان يهدد الدولة بالتمزق، بل إن الجيش العامل قد زاد عدده بفضل الجنود الجدد من المماليك الذين اشتروا من آسية الوسطى، وإنما استطاع خمارويه ببذل الأموال فى سخاء والتخفف بعض الشئ من الصرامة التى اتسم بها حكم أحمد، أن يلم شعث الجيش. وقد بلغت نفقات قيامه فى عهده تسعمائة ألف دينار، على أن إسرافه أنهك خزانة الدولة حتى أنه عندما اعتلى جيش العرش رفض قسم من الجيش أن يبايعه لعجز خزانة الدولة. ثم إن قصور جيش الشديد نفر منه قلوب القواد الترك الكبار ففروا إلى بغداد وبالغ الخليفة المعتضد فى إكرامهم وعاملهم معاملة الأمراء. وأوشكت الحكومة المركزية فى عهد هارون أن تفقد كل سلطان مباشر لها على الجيش الذى كان عنصر الإغريق فيه وقتئذ قد أصبح له الكلمة العليا، وغدا لكل أمير من أمراء الجيش الكبار فى مصر، وهم بدر، وصافى، وفائق، سلطان على قسم من الجنود، وأثقلوا كاهل ميزانية الدولة فى الإنفاق على الأقسام التابعة لهم. وغدا طغج بن جف (وهو أبو الأخشيد والى مصر فى المستقبل) مستقلا أو يكاد فى دمشق. وكان التنافس بين القواد هو السبب الأكبر فى الكوارث التى حلت بالجيوش المصرية فى الشام إبان فتنة القرامطة، وهى الكوارث التى استنزفت بدورها موارد الطولونيين. وكذلك زاد التنافس بين حكام هذه الدولة والوحشة التى دبت بين هارون وأمرائه هذا التفكك حدة. فما إن ظهر محمد بن سليمان فى دمشق، حتى انحاز إليه طغج، بل انضم إليه أيضا بدر وفائق بجنودهما. أما بقية الجيش فإن معظم الجنود تخلوا عنه فى القتال الذى أدى إلى فتح الفسطاط، والسبب الأكبر الذى دفعهم إلى ذلك هو عجز هارون عن دفع أعطياتهم.

ولم يكتف أحمد بن طولون بإنشاء الجيش، بل عنى أيضًا بتعزيز الأسطول، وإقامة تحصينات ومحطات بحرية، وكان بعض السبب فى ذلك راجعا إلى رغبته فى التمكين لنفسه فى الشام حيث أقام قاعدة بحرية فى عكا (ياقوت: المعجم، جـ 3، ص 707 - 708). وقد حافظ خلفاؤه على الأسطول، ولكنه دمر فى تّنيس على يد أسطول طرسوس بقيادة دميانه الذى صحب محمد بن سليمان فى حملة على الشام. والتفصيلات الخاصة بالإصلاحات التى قام بها أحمد بن طولون فى الإدارة المالية لمصر أقرب إلى الغموض، وتردد جميع المصادر الأقوال التى تذكر أن مورد البلاد من الخراج الذى كان يدر فى عهد أسلافه ثمانمائة ألف دينار فقط، قد أرتفع فى نهاية عهده إلى أربعة ملايين وثلثمائة ألف دينار، وأن أحمد قد خلف من الأموال المدخرة المتراكمة ما يقدر بعشرة ملايين دينار. وقد تلقى بيت المال علاوة على الدخل الوارد من الخراج (وقد شمل الإيجار الذى كان يؤديه الأمراء عن ضياعهم) إيجار سنوى من الأملاك التى كانت تدار باسم صاحب إقطاع مصر، وكان آنئذ هو جعفر المفوض ابن الخليفة المعتمد ووارث عرشه (P.E.R.F, رقم 836). وكانت إدارة هذه الأملاك هى شغل ديوان مستقل بذاته (ابن سعيد، ص 67). والراجح أن تخريب الديوان بعد غزوة محمد الثانية قد جعل من المستحيل على الكتاب المتأخرين أن يزودنا بمعلومات مفصلة عن ذلك (المقريزى، جـ 1، ص 325 , س 12). على أن الآراء متفقة على أن زيادة الدخل قد اقترنت بالقضاء على اعتداءات المحتالين وإقامة نظام للرقابة الشديدة على الأمراء والعمال القائمين على الأموال، وتم ذلك دون فرض أعباء جديدة على البلاد. وقد أدت هذه الإجراءات التى ساعد على نجاحها ما جاء به النيل من فيضانات عالية متعاقبة وصرف المبالغ التى كانت تستنزفها من قبل الجزية التى كانت تودى إلى بغداد فى خير مصر نفسها،

أجل أدت هذه الإجراءات إلى بزوغ فجر من الازدهار عظيم. وثمة رواية غامضة (ابن سعيد، ص 38) تشير إلى محاولة بذلت لاحتكار الكتان، وقد عدل عن هذه المحاولة من بعد، على أن هذا المصدر (ص 67) ذكر أيضًا أن أحمد بن طولون بذل فى آخر سنى حكمه محاولات أخرى من هذا القبيل. ولاشك أن تجارة مصر كانت قد راجت رواجا عظيما، على أنه لم تصل إلينا فيما يظهر معلومات فى هذا الصدد. والراجح أن الإدارة المالية فى عهد خمارويه بدأت تضمحل. وتعوزنا فى ذلك أيضًا التفصيلات، ولكننا نستشف هذا الاضمحلال مما اتسم به عهد خمارويه من إسراف بلغ حد الاستهتار، وقد تسامح هذا السلطان مع الأمراء مما أعطاهم مطلق الحرية فى إدارة ضياعهم. ولاشك أيضًا أن فقد أحمد بن محمد الواسطى الذى كان ذراع أحمد ابن طولون اليمنى فى الشئون المالية قد أثر أيضًا فى كفاية هذه الإدارة. وكانت خزانة الدولة خاوية تماما حين أدركت المنية خمارويه، ثم إن التنازل الفعلى للحكومة المركزية عن حقها للأمراء أدى إلى عودة المساوئ المعهودة للنظام المالى. وكان السلطان هارون مجرد طفل (بلغ عمره عند وفاته اثنتين وعشرين سنة وحسب) فترك أزمة الأمور فى يد أبى جعفر بن أبالى وسارت الأمور فى عهده من سئ إلى أسوأ واستفحلت الكارثة التى حلت بالبلاد فى النهاية بالفيضان المنخفض الذى جاء به النيل على غير العادة سنة 291 هـ. وقد تميز عهد أحمد فى ميدان الإدارة أيضًا بتقدم كبير. فقد استحدث ديوان الإنشاء على نمطا الديوان الخاص بالخلفاء، وكان السلطان يعقد جلسات عامة منتظمة لسماع المظالم؛ وثمة وثيقة بردية (P.E.R.F، رقم 805) تشير فيما يظهر إلى أن مسحا عام لمصر تم بين عامى 258 و 261 هـ ولم ينل اليهود ولا النصارى بصفة عامة ضرر منه، والراجح أن أحمد بحكم تحيزه للأهلين من الموظفين المصريين، قد توسع فى استخدامهم فى الإدارة. على أن البلاد قد أزعجتها فى

كثير من الأحيان على عهد أحمد فتن وحروب خاصة، فقد كان العلويون فى الصعيد مصدر متاعب متصلة لم يستطع أحمد الخلاص منها حتى بترحيلهم بالجملة إلى المدينة، كما أن عرب البحيرة كانوا قد أوضعوا فى الشغب مما حمل خمارويه على البعد بهم عن أعمال السلب والعنف التى درجوا عليها بالالتجاء إلى الوسيلة التى استحدثها وزير الخزانة السابق أحمد ابن مدّبر فجند منهم فرقة مختارة من شبابهم اتخذها حرسًا له، ومن ثم اسمهم المختارة. وكان جنود ربيعة عم هارون المتمرد عليه من عرب البحيرة ومن البربر. وقد اصطنع أحمد إجراءات صارمة للقضاء على هذه الفتن، فلم يكتف بالقتل بالجملة فى حياته بل إنه يقال إنه ترك عند موته 18.000 شخص ملقى بهم فى السجون. وقد زادت مصاعب الطولونيين بالوحشية التى دبت بينهم وبين طائفة الفقهاء بالرغم من سعيهم إلى تهدئة خواطرهم بإغداق النعم عليهم وإظهار آيات الاحترام للشعور الدينى. والظاهر أن الفقهاء انحازوا للخلفاء فى الصراع الذى نشب بين الطولونيين وبين هؤلاء، ونظروا إلى أحمد وخمارويه نظرتهم إلى مغتصبين للحكم. ولا يعد قاضى أحمد بن طولون أبو بكرة البّكار فوق الشك، إذ لعله قد حرض فى السر ابنه العباس عليه، وزج بأبى بكرة فى السجن لرفضه توقيع الفتوى التى عملت ضد الموفق. ومن المظاهر الأخرى ذات المغزى لهذا الصراع وجود خروم فى قائمة قضاة مصر بين سنتى 270 - 277، وبين سنتى 283 و 288. ومعظم المنشآت العامة التى أقامها الطولونيون اقتضتهما سياستهم العسكرية وحاجات المدينة الجديدة القطائع. وقد شيد مسجد ابن طولون الجديد لازدحام مسجد عمرو بن العاص بجنود المعسكر الضخم. أما المنشآت الأخرى كالقنطرة المعلقة والمستشفى فقلما كانت الحاجة إليها أقل من ذلك. على أن ترميم أحمد بن طولون لقبر معاوية والهبة التى أجراها عليه سنة 270 هـ يستبين منهما أنه فعل ذلك مناورة سياسية يجتذب بها

المصادر

المصريين السنيين والشآميين إلى صفة على الخلافة. على أن أحمد الذى تلقى تعليما سمحا أعظم السماحة، وقد أظهر أنه نصير غيور للعلم والفنون، وكل الدلائل تؤيد أنه شجع على نشر التعليم فى مصر. ومن المحتمل أن يكون أثر من آثار مساعيه قد حفظ فى وثيقة تتعلق بالهبات التى أفاءها على مدرسة مسجد الأشمونين (P.E.R.F، رقم 773). ولاشك أن اهتمام خمارويه بالموسيقى والتصوير بل الحفر، مضافا إلى ذلك ما اتسم به العهد من ترف عام قد أسهم فى تطور الفنون والحرف المحلية يشهد بذلك بطريقة غير مباشرة وصف المقريزى للأسواق فى القطائع. وعنى أحمد وابنه شأن الحكام المستبدين المتنورين جميعًا، بالترويح عن الشعب بتوزيع الطعام مجانا والمشاهد الفخمة والكرم الزائد، والتخفيف من وقع الشدائد باتخاذ إجراءات عملية لتحسين الحالة الإقتصادية تحقيقا لمصالح دولتهما ورفع قدرتهم على تحصيل الدخول فى الوقت نفسه. ومن ثم فإنه بالرغم من قيام حكم أجنبى فى مصر واعتماده على الناحية العسكرية فإن عهد الطولونيين كان عهد، يتميز بالرخاء المادى والرقى اللذين أصابا جمهور الشعب المصرى، حتى لقد نعت فيما بعد بالعهد الذهبى: "كانت من غرر الدول وأيامهم من محاسن الأيام". المصادر: (1) الكندى: الولاة والقضاة طبعة Rhuvon Guess، ص 212 - 248، 477 - 480 من الملحق (2) Beitrage zur Geschichte der Staatskanzlei im: M.Bjorkmann Islamischen Agypten (هامبوغ سنة 1928)، ص 18. (3) الأقسام المعنية بهذا الموضوع من موسوعة النويرى: نهاية الإرب، ولم يكتمل طبعها بعد (4) وانظر Early Moslem Arckitecture: k.A.C.creswell جـ 1، عن مسجد ابن طولون وغيره من المنشآت العامة. خورشيد [كب H.A.R.Gibb]

طومان باى

طومان باى طومان باى "الثانى" الملك الأشرف (من قنصوه الغورى): هو آخر سلاطين المماليك، حكم من 14 رمضان سنة 922) (17 أكتوبر سنة 1516) إلى 21 ربيع الأول سنة 923 (15 سبتمبر سنة 922)، ونشأ مملوكا لدى الأمير قانصوه الذى أصبح من بعد السلطان الغورى وإليه انتسب، ثم وهب للسلطان قايتباى. وأمر قايتباى بتدريبه بين طائفة الكتَّاب من المماليك (الكاتبية)، وأعتقه السلطان الناصر الثانى، والراجح أن ذلك كان فى أوائل سنة 902 هـ (1496 م) ورقاه إلى وظيفة "جاندار"، ثم التحق بعد ذلك بقليل بحرس السلطان، وظل فيه حتى تولى قريبه السلطان قانصوه الغورى، فجعله أمير عشرة، وفى سنة 910 هـ (1504 م) أى عند وفاة ولى العهد، أصبح طومان باى "أمير طبلخانه" وكبير السقاه، وأصبح سنة 913 هـ "دوادار كبير" ثم "أستادار" و"كاشف الكشوف" كما جرت الحال فى أواخر عهد المماليك وبذلك ارتقى إلى أرفع المناصب المدنية؛ وغدا "نائب الغيبة" حين شخص السلطان إلى الشام لقتال السلطان سليم، فلما هزم السلطان الغورى وقتل قضى طومان باى على روح الهزيمة بين الجنود والأمراء المتقهقرين، وأعاد النظام إلى صفوفهم بقدر ما وسعه، فوثق به الأمراء والشعب. وانعقدت له البيعة بالإجماع فقبل آخر الأمر أن يلى العرش بعد تردد مع إدراكه تمام الإدراك بالمصاعب التى تكتنف موقفه. وكان الافتقار إلى المال هو الخطر الأول؛ ذلك أن الترك استولوا من السلطان الغورى على بضعة ملايين من الدنانير، بعضها كان محتفظًا به فى معسكره، وبعضها كان فى حصونه؛ زد على هذا أن الجيش كان منهكا، ولم يكن يؤمن جانب الأمراء الكبار. وقضى فى الأمر لمصلحة طومان باى بفضل رجل من العلماء هو الشيخ أبو سعيد الجارحى (نسبة إلى يحيى بالقرب من مصر القديمة لا يزال يحمل اسمه) وقد حمل هذا الشيخ الأمراء على حلف يمين الولاء له. وكان

الخليفة سجينًا لدى السلطان سليم، على أن أباه أعطى طومان باى براءة تعيينه وبذل له آيات الاحترام. وولى طومان باى الأمراء العائدين من الشام أرفع المناصب. وبلغته استغاثة من غزة فبادر بإنفاذ الجنود إليها، وحوالى هذا الوقت بعث السلطان سليم بعرض للصلح، طالبا أن يدين له طومان باى بالولاء. وكان السلطان الجديد مستعدًا لعقد الصلح ولكن الأمراء كانوا غير ميالين إلى ذلك وحاولوا أن يقتلوا الرسل الذين بعث بهم السلطان سليم مما جعل الاستمرار فى الحرب بين الطرفين أمرًا لا محيص عنه. وحاقت الهزيمة بالجنود الذين أنفذهم السلطان بقيادة جانبردى فى غزة على يد سنان باشا وعاد إلى القاهرة. وهناك عبر سليم الصحراء وناوشه البدو، إلا أنه استطاع أن يبلغ مصر هو وجنوده فى حالة طيبة. وأراد طومان باى أن يبادر إلى مهاجمته عند الصالحية بمجرد وصوله، ولكن الأمراء قرروا أن يتريثوا حتى يلقوه أمام القاهرة بين المطرية وجامع الأحمر فى الريدانية؛ وأقيمت المدافع فى مواقعها فى الرمال لتحول دون تقدم الترك، على أن الخيانة فعلت فعلها فأبلغت هذه الخطبة للعثمانيين فالتف جيشهم حول موقع المصريين وهاجمهم من الجناح. ولم تمض ساعة حتى كانت مدفعية الترك الذين أحسنوا اختيار موقعها قد حصدت الجزء الأكبر من جيش المماليك. واقتحم السلطان طومان باى الشجاع على رأس سرية من جيشه صفوف الجنود الترك إلى خيمة السلطان سليم وأطاح برؤوس الأمراء الترك ظانا أن السلطان سليم كان بينهم. ثم عاد سالمًا فوجد المصريين يفرون فتبعهم إلى النيل ولم شعث البقية القليلة من فلول جيشه. واستولى الترك على القاهرة ونهبوها وقتلوا كل ما وقع بين أيديهم من المماليك. ونجح طومان باى مرة أخرى فى استرداد المدينة وثبت فيها يومين، ثم اضطر إلى الفرار عابرًا النيل إلى الصعيد. ومن هناك فاوض السلطان سليم فوعد سليم بأن يرتد عن مصر إذا ضربت باسمه السكة وكانت الخطبة له فى صلاة الجمعة. وكان السلطان مستعدًا لقبول هذه الشروط، ولكن

الأمراء منعوه من ذلك وذبحوا رسل سليم، ومن ثم عمد سليم إلى قتل الأمراء والمماليك المصريين الذين أسرهم فى القاهرة، وأمر جنوده بعبور النيل، ولكنهم رسوا متفرقين شراذم فقضى عليهم جنود طومان باى الذين كانوا يفوقونهم عددًا. ولذلك استقر رأيه على أن يستعين بمدفعيته، فأقام المدافع على ضفة النيل، وقذف أعداءه بالقنابل فأصابهم بضر عظيم فعمدوا إلى الفرار، وهناك أصبح فى استطاعة الترك أن يعبروا النيل. وجمع طومان باى مرة أخرى جيشًا، ومن ثم أنفذ إليه رسولا للتفاوض معه؛ على أن هذا الرسول الذى كان من قبل مملوكًا لطومان باى، بدأ يستعمل فى كلامه ألفاظًا مهينة فجرح أثناء المناقشة وأعيد إلى السلطان سليم. ودار القتال سجالًا فى تلك الليلة. وفى اليوم التالى تحدى تابعه القديم للمبارزة التى انتهت بفوز السلطان. على أن جنود المماليك حلت بهم هزيمة منكرة على يد القوات المتفوقة للترك والبدو الذين كانوا قد انضموا إليهم على الرغم من الشجاعة التى أبداها المماليك. ولجأ طومان باى إلى شيخ من شيوخ البدو كان قد أسدى إليه معروفًا، ولكن قومه حملوا الشيخ على الإخلال بعهده وإذاعة مخبأ طومان باى. فأمر سليم بأسره وحمل إلى خيمته حيث أشبعه تأنيبًا على ما بدر منه من قتل رسله. وتأثر سليم بنبل سلوكه، وجنح إلى العفو عنه، إلا أن الأمراء شخصوا إليه ونصحوه فأمر بشنق طومان باى بعد ذلك بأسبوع على باب زويلة. وهكذا قتل آخر سلاطين المماليك. وترجع أسباب هزيمته إلى فساد الحالة فى مصر، والمشاحنات المتصلة بين المماليك، والافتقار إلى المال، ولكن السبب الأكبر الذى يقتضينا الأمر أن نعود فنؤكده، هو تفوق الترك فى المدفعية، ذلك أن المماليك الشجعان لم يحفلوا باستخدام المدفعية ولم يستطيعوا أن يدركوا شأنها العظيم فى الحرب، لأنهم اعتقدوا أن العامل

المصادر

الحاسم فى القتال هو الشجاعة الشخصية. المصادر: (1) Geschichte der Chalifen: Weill، جـ 5 شتوتكارت سنة 1862 (وهو يزودنا بمراجع عربية لا تزال مخطوطة، انظر المقدمة، ص 15). (2) Gesch. d. Osm Reiches: V.Hammer؛ بشت سنة (وبه قائمة بالمصادر). (3) ابن إياس: بدائع الزهور، بولاق سنة 1311، ويمكن أن يرجع أولئك الذين لا يعرفون العربية إلى الجزء الثالث من هذا الكتاب بقلم W. S. Salmon لندن سنة فى Oriental Translation Fund، السلسلة الجديدة، جـ 25. (4) علاوة على ابن إياس فإن كتاب زنبل: تاريخ الفتح العثمانى لمصر على يد السلطان سليم عظيم الأهمية، انظر عنه كتاب بروكلمان: تاريخ الأدب العربى، جـ 2، ص 43، 298. (5) ومن الكتب التى لها أهمية غير مباشرة عن هذا العهد انظر Beitrage Zur osman. Geschichte: H.Jansky، جـ 2، ص 173 وما بعدها حيث وردت المراجع التركية كاملة. خورشيد [سوبرنهيم M.Sobernheim] طويس أبو عبد المنعم عيسى بن عبد اللَّه الذائب، وهو أول أكابر المغنين فى الإسلام. ويقال إن لقبه الحقيقى هو طاووس، فلما تخنث جعلوه طويسا (تصغير طاووس) وغيروا كنيته عبد المنعم وجعلوها عبد النعيم. وقد ولد طويس فى اليوم الذى قبض فيه الرسول عليه الصلاة والسلام (8 يونية سنة 632) وفطم فى اليوم الذى مات فيه أبو بكر، وخق فى اليوم الذى قتل فيه عمر بن الخطاب، وتزوج فى اليوم الذى قتل فيه عثمان، ورزق بأول أبنائه

فى اليوم الذى قتل فيه علىّ. وكان هذا من عجائب الاتفاقات ومن ثم جرى المثل: "أشأم من طويس". ونشأ طويس فى المدينة مولى لبنى مخزوم، وكان مولى لأروى أم الخليفة عثمان. وأول ما لفت إليه الأنظار غناؤه بعض ألحان استقاها من الموالى الفرس؛ علا شأنه فى الغناء أيام عثمان بن عفان (644 - 666 م). وحوالى هذا الوقت استحدث فى الموسيقى أسلوب جديد ورد على المدينة، وقد عرف هذا الأسلوب باسم "غناء الرقيق" أو غناء المتقن"، وأبرز خصائصه إدخال الإيقاع على اللحن، ويقال إن طويسا هو أول من غنى فى المدينة بهذه الطريقة الجديدة (الأغانى، جـ 4، ص 38؛ العقد الفريد، جـ 3، ص 187) ولا يمكن أن نفهم ما نسب إليه غير ذلك فى الأغانى (جـ 2، 170) فهما صحيحًا إلا على ضوء ما أسلفنا بيانه، لذلك يجب أن تفهم عبارة الأغانى على هذا النحو: أول من غنى [غناء المتقن] بالعربى بالمدينة طويس". وكان طويس مخنثا شأنه شأن كثير من المغنين فى المدينة لذلك العهد (انظر History of Arabian Music: Fanner ص 45)، ومن ثم ضرب به المثل فقيل: "أخثث من طويس". وقيل إن الغناء نشأ فى المدينة بين المخنثين. الأغانى، جـ 4، ص 161). والراجح أن هذا القول فرية استحدثها العلماء. ومن المستبعد كثيرًا أن يكون ما رواه الأغانى من أن طويسا هو أول مخنث بالمدينة صحيحا (البخارى، جـ 4، ص 32؛ الترمذى، جـ 1، ص 271؛ أسد الغابة، ص 268). وقد كان أبان بن عثمان بن عفان وهو وال على المدينة، يعطف على طويس، فلما ولى معاوية بن أبى سفيان الخلافة وأمر عليها مروان بن الحكم، اضطهد المخنثون، وفر طويس إلى السويداء على مرحلة يومين على الطريق الذاهب إلى الشام، وظل مقيمًا بها حتى أدركته منيته حوالى سنة 710 - 711 م. ويقول بعضهم إنه توفى بالمدينة، ويذهب آخرون إلى أن وفاته كانت فى غيرها. وكان طويس لا يستخدم فى غنائه إلا دفًا مربعا يحتفظ به فى حقيبة أو

المصادر

فى عباءته لينقر عليه وهو يغنى، ومع ذلك فإنه كان من المبرزين فى الغناء وممن يضرب به فيه الأمثال، وإياه عنى شاعر من أهل المدينة بقوله: تغنى طويس والسريجى بعده ... وما قصبات السبق إلا لمعبد وكان من تلاميذه ابن سريج، والدلال نافذ، ونوهة الضحى، وفند. وقد قال ابن سريج أن طويسا كان أبرع مغن فى عصره، وإنه كان خير نصير للهزج. المصادر: (1) الأغانى، طبعة بولاق، جـ 2، ص 170 - 176؛ جـ 4، ص 38 - 39، فهرس كويدى، وقد ذكر كويدى مغنيين يحملان اسم طويس، ومما لاشك فيه أنهما كانا واحدا. (2) ابن عبد ربه: العقد الفريد، طبعة القاهرة سنة 1887 - 1888؛ جـ 3، ص 186. (3) ابن خلكان: الوفيات، طبعة فستنفلد، جـ 2، ص 438. (4) الميدانى الأمثال، طبعة فريتاغ، جـ 7، ص 124؛ جـ 13، ص 158. (5) ابن عبدون: Commentaria hist sur le poeme d'Ibn Abdoun par Ibn Badroun، طبعة دوزى سنة 1846 ص 64. (6) ابن قتيبة: كتاب المعارف، طبعة فستنفلد ص 164. (7) Lib. cant.: Kosegarten، ص 11. (8) Journ. As، سنة 1873 ص 309 - 301. (9) Hist of Arabian Music: Farmer, ص 50 - 53. خورشيد [فارمر H.G. Farmer] طويل هو أول البحور فى علم العروض العربى، له عروضة واحدة، وثلاثة أضرب. وأجزاء الطويل هى: فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن. فى كل مصراع. والعروض، أو الجزء الأخير من الشطر الأول من البيت، هو على الدوام:

الطيالسى

مفاعلن؛ والضرب الأول، أو آخر الشطر الثانى من البيت هو: مفاعيلن؛ والضرب الثانى: مفاعلن؛ والضرب الثالث: (مفاعى =) فعولن. وتحذف النون عادة من فعولن، ويمتدح هذا الحذف من التفعيلة السابقة مباشرة على تلك التى تؤلف الضرب الثالث. وقد تحذف الفاء من التفعيلة الأولى فى الشطر الأول من البيت الأول للقصيدة، فإذا اقترنت بحذف النون كان لدينا: (عولن =) فعلن، و (عول =) فعل. وقد تحذف الياء أو النون من مفاعيلن، مع وجوب بقاء أحد الحرفين. الطيالسى سليمان بن داود بن الجارود أبو داود: جامع للأحاديث وصاحب مسند. والطيالسى نسبة إلى الطيالسة جمع طيلسان، وهى قطعة من القماش تغطى لباس الرأس كما تغطى أحيانًا الأكتاف (انظر Dictionnaire deiaille des noms des vetements Chez les Arabes: Dozy ص 278 وما بعدها). ولد الطيالسى عام 133 هـ (750 - 751 م) وتوفى سنة 203 هـ (818 - 819 م). ويقال أيضًا إنه بلغ الثانية والسبعين. وهو يروى الأحاديث عن شعبة وسفيان الثورى وغيرهما من المحدثين المشهورين. وهو أيضًا حجة أخذ عنه أحمد بن حنبل، وعلى بن المدينى، وأبو بكر بن أبى شيبة وغيرهم. ويقال إنه كان يحفظ ثلاثين ألف حديث بيانه لم يكن يستعين فى روايتها بالمذكرات. وقد اشتهر بحجيته، بيان عرف عنه أن ذاكرته كانت تخونه. وقد أصيب الطيالسى بداء الفيل لكثرة تعاطيه البلاذر. والنص فى مسنده الذى طبع فى حيدرآباد 1321 قد روى عن أبى بشر يونس ابن حبيب، وأبى محمد عبد اللَّه بن جعفر بن أحمد بن فارس، وأبى نعيم أحمد بن عبد اللَّه بن أحمد بن إسحاق، وأبى على الحسن بن أحمد بن الحسن الحداد المقرى، وأبى المكارم أحمد بن أحمد. . . بن محمد بن قيس اللبان (توفى عام 597 هـ = 1200 - 1201 م).

المصادر

ومصنف الطيالسى يشمل أسانيد مفردة لنيف وستمائة صحابى، وقد روعى فى ترتيبه ما روعى فى غيره من المصنفات التى من هذا القبيل. ويضم هذا المسند 2767 حديثًا، ويدل هذا على أن حجمه بلغ نحو عشر صحيح البخارى أو 1/ 25 من مسند ابن حنبل. ويتناول أبوابه كل ميدان الحديث المأثور، وتتمثل فيه جميع الموضوعات ذات الأهمية على نطاق متوسط. ومما يلاحظ أن الأحاديث المتصلة ببعض الشخصيات التى كان لها شأن فى تاريخ النبى عليه الصلاة والسلام -أكثر ندرة فيه منها فى مجاميع الحديث الأخرى، مثال ذلك أننا لا نجد فيه أحاديث عن خديجة، وزينب بنت جحش، وأبى سفيان، وعمرو بن العاص، وأبى موسى الأشعرى، وعبد اللَّه بن أبىّ، وعبد اللَّه بن سلام، وابن صياد، وكعب بن مالك، وخالد بن الوليد، وسعد بن معاذ، وسلمان الفارسى. وقلما يرد فى هذا المسند أى حديث لا نجده فى كتب الحديث العمدة. ويساعد فى حالات نادرة على تفهم الأحاديث الصعبة. المصادر: (1) أبو بشر محمد بن أحمد الدولابى: كتاب الكنى والأسماء، حيدرآباد سنة 1322 هـ، جـ 1، ص 169. (2) الذهبى: ميزان الاعتدال، القاهرة سنة 1325 هـ، جـ 1، ص 413. (3) المؤلف نفسه: طبقات الحفاظ، طبعة فستنفلد، جـ 1، ص 76 وما بعدها (4) ابن حجر العسقلانى: تهذيب التهذيب: حيدرآباد سنة 1325 هـ، جـ 4، ص 182 وما بعدها (5) ابن خطيب الدهشة: تحفة ذوى الأرب، طبعة T.Mann: ص 170 (6) السمعانى: كتاب الأنساب، سلسلة كب التذكارية، جـ 20، ورقة رقم 374. الشنتناوى [فنسنك A.J.Wensinck] طيئ قبيلة من قبائل بلاد العرب على أيامها الأولى، وأصلها يمنى. ويقول علماء الأنساب إن جدها جُهلُمة بن أدد

الملقب بطيئ، كان من القحطانية، وكان أخا مذحج ومرة، وجدَّ قبيلة كندة الكبيرة. وكان بنو طيئ يعيشون فى ذلك الجزء من الجوف جنوبى بلاد العرب الذى كانت فيه "حنكة" على الطريق بين صنعاء ومكة. وقد اشترك بنو طيئ هم وبنو أزد وغيرهم من أهل بلاد العرب الجنوبية فى الهجرة التى تربط الروايات بينها وبين تصدع سد مأرب؛ ونزلوا الجزء الشمالى من شبه الجزيرة قرب جبل شمر إلى الجنوب من صحراء النفود، بل لقد نسب جبلا أجا وسلمى، إلى الجنوب الشرقى من حائل، إلى طيئ فقيل "جبلا طيئ"، ويثبت هذا أن هذه القبيلة ظلت قرونا صاحبة حق فى تلك البقاع. وكان جبل العوجاء الذى يقوم فى منتصف الطريق بين حائل وتيماء، وكذلك تيماء نفسها، تابعين لطيئ. وبهجرة بنى طيئ فقد بنو أسد، وهم قبيلة من نصر، جزءًا من منازلهم. ومع ذلك فقد تآخت القبيلتان فيما بعد ويقال إنهما ضمتا قواتهما بعضهما لبعض وهزمتا بنى يربوع التميميين عند رجلة التيس. وكانت عشائر طيئ هى: ثعل، وجديلة، وجرم، وعدى، والغوث، ومعن، ونبهان، ثم "ثعالب طيئ" الثلاثة الذين تميزوا بهذا اللقب عن ثعالبة بنى بكر. وكان بنو طيئ يعبدون فى الجاهلية صنمًا يسمى "فلس"، وكان له معبد فوق جبل أجأ، وقد حطم على بن أبى طالب هذا الصنم بأمر النبى عليه الصلاة والسلام يعاونه مائة وخمسون من الأنصار، وأسرت فى هذه الحملة بنت من بنات حاتم الطائى. وكان لبنى طيئ صنم آخر هو "رضى". وظل بنو طيئ إلى حين على الأقل على علاقات طيبة بأقربائهم اللخميين فى الحيرة نستدل على ذلك من أن النعمان الرابع آخر ملوك الحيرة كانت له زوجتان من طيئ هما فرعة بنت سعد، وزينب بنت أوس وكلتاهما تنتسبان إلى أسرة الحارثة بن لأم. على أنه حدث حين فر النعمان أمام جيش

المصادر

ملك الفرس وأراد أن يلجأ إلى بنى طيئ، أن أبى هؤلاء أن يفيئوا عليه حمايتهم، والراجح أن الذى دفعهم إلى ذلك هو علاقات الود التى كانت تربطهم بالفرس، وهى علاقات لم تكن فيما يظهر علاقات عابرة. ذلك أنه لما توفى النعمان أقيم إياس بن قبيصة الطائى نائبا لملك فارس على الحيرة (602 - 611 م). وقاد إياس هذا الجيش الفارسى العربى فى حملة على بنى بكر فى يوم ذى قار. وقد جعله الطبرى وغيره من الكتاب من "العباد" لأنه كان نصرانيًا. وفى سنة 9 للهجرة بعث بنو طيئ إلى النبى عليه الصلاة والسلام وفدا من بينه قيس بن جحدر الذى كان فيما يقال أول من أسلم منهم، وهو يعد من الصحابة (انظر: أسد الغابة، جـ 4، ص 210). والنسبة إلى بنى طيئ هى طائى. وقد اشتهر الشاعر حاتم بهذه النسبة (نشر ديوانه شولتس Schulthess)، ورويت نوادر وقصص كثيرة عن كرمه الذى يضرب به المثل. ونذكر من الشعراء الطائيين: عارقا الطائى، وزيد الخيل، وأبا زبيد وهو نصرانى، وعمرو ابن ملقط، وعمرو بن ميار بن قرواشى، ومن الإسلاميين منهم الطرّماح الخارجى، الذى نشر ديوانه كرنكو (Krenkow, سلسلة كب التذكارية، جـ 25، سنة 1928). وقد احتفظت كتب اللغة والدواوين بشواهد من لغة طيئ، مثال ذلك أنهم يقولون: بقى وفنى لبقية وفنية، ومجح لبجح، وظلت لظللت، وعين لجديد. وأصبح اسم بنى طيئ علما فى اللغة السريانية على العرب والمسلمين. المصادر: (1) ابن دريد: كتاب الاشتقاق، طبعة فستنفلد (2) البكرى، طبعة فستنفلد (3) Geneal. Tabellen and Register: Wustenfeld (4) Die alte Geographic Arabiens: Sprenger خورشيد [براو H.H.Brau]

ظ

ظ

ظاهر العصر

ظاهر العصر ويقال له فى سورية ضاهر، وهو نطق أهل البلاد للرسم ظاهر العمر، أو آل عمر نسبة إلى أبيه عمر: شيخ بنى زيدان وهم البدو الذين نزلوا ناحية صفد. وقد استطاع ظاهر أمير طبرية والأردن الأعلى أن يصل إلى اتفاق مع متولية الجليل بغية طرد العمال الترك شيئًا فشيئًا، ثم استولى على ثغر عكا المخرب حتى يكون له منفذًا لتصدير القطن والحرير. وأعاد ظاهر تعمير هذا الثغر وبادر إلى إقامة الأسوار المتينة التى كان الصليبيون قد شيدوها، ولم تكن يد التدمير قد أتت عليها تمامًا عند رحيلهم. ولم يشأ أن يقطع حبل الصلة بينه وبين الباب العالى، ومضى يؤدى له الضرائب "الميرى" دون أن يسمح بوقوعها فى يد وكلاء الترك. ولم يكن ظاهر يشبه فى شئ البدو فيما أثر عنهم من صفات، فقد أراد أن يمكن لنفسه فسعى أن يقوم حكمه على رفاهية البلاد وازدهارها، وبسط حمايته على الفلاحين وشجعهم على أن ينتجوا، وكان ظاهر إلى ذلك عارم النشاط قضى حياته على متن جواده ولم تؤثر فيه عثرات الحياة ولا انقلاب الحظ. وقد جلب عليه توطد مركزه فى عكا عداوة الباب العالى فى استانبول، فوصل حبله بعلى بك ليجتاز العاصفة،

وكان على بك قد أحيا وشيكا حكم البكوات، أو قل المماليك فى مصر. وهرع أبو الذهب، نائب على بك، إلى الشام واستولى على دمشق، ثم تمرد على على بك فحمله على بك على الالتجاء إلى الظاهر حليفه الجديد وبدأ ظاهر الذى كان فى عنفوانه لم تنزل به آية نازلة بسجن جنود عثمان باشا الوالى التركى لدمشق، ثم استولى على صيداء. وجهز الباب العالى جيشًا كبيرًا، وكان فى استطاعة ظاهر أن يعتمد على معونة المتولية، وعلى بضعة مئات من المماليك الذين كانوا قد صحبوا على بك، ثم على أسطول من مراكب الروس الحربية بقيادة أمير البحر أورلوف كان يجوب شرقى البحر المتوسط منذ سنة 1770 ووقع الاشتباك على طول الساحل بالقرب من صيداء، وحسمت نيران هذا الأسطول المعركة (مايو سنة 1770) وهنالك مضى الروس إلى قذف بيروت ثم نهبوها. واستغل ظاهر هذا النصر الكبير، وسارع إلى مد سلطانه على أعمال فلسطين، ودانت هذه البلاد لسلطانه من صيداء إلى الرملة. ثم بدأ الحظ يقلب له ظهر المجن، فقد استدرج على بك إلى العودة إلى مصر، وهناك حلت به الهزيمة وقتل. ولما تم الخلاص من على بك عاد أبو الذهب إلى الظهور فى فلسطين. واستولى على الثغور التى كانت هى حوزة ظاهر، وتقدم إلى عكا إلا أن المنية عاجلته (يونية 1775). على أن الأسطول التركى ضرب حصارًا على عكا بعد استيلائه على صيداء، وكان ظاهر قد اعتصم بعكا. ولم يحدث قذف عكا بالقنابل أثرًا فى الأسوار القديمة التى كان الصليبيون قد شيدوها، إلا أن ذهب الترك أتى بنتيجة أفعل، وقام عصيان فى الحامية فأصابت رصاصة ظافرًا فقتلت فى الحال ذلك الزعيم البدوى الشيخ (أغسطس 1775) الذى ظل يتحدى سلطان الباب العالى ربع قرن من الزمان. وظلت ذكراه حية فى نفوس أهل سورية، ولم يكن المسيحيون الذين بسط عليهم حمايته هم آخر من أسف على مصرعه.

المصادر

المصادر: (1) الجبرتى: تاريخ، القاهرة: 1880، جـ 1، ص 173 وما بعدها، 413، وما بعدها (2) طنوس شدياق: أخبار الأعيان فى جبل لبنان، بيروت 1859، ص 360 - 361، 388 - 391. (3) Voyoge en Syrie et en Egypte: Volney، باريس 1907، جـ 2، ص 5 وما بعدها (4) Voyoge dans l'Isle de Chypre, la Syrie et la Patestine: Abbe Mariti، باريس سنة 1791، جـ 2، ص 85 وما بعدها (5) Ahmed le Boucher,Ia Syrie et L'Egypte au 18 eme Sieele: Ed Lockroy, باريس سنة 1885 (وهو هام لصبغته الحلية، أما فيما عدا ذلك فليست له قيمة) (6) وقد ذكر لامنس إشارات إلى مراجع مخطوطة فى كتابه Ia Syrie Precis Historique، بيروت سنة 1921 جـ 2، ص 103 - 112. خورشيد [لامنس H.Lainmens] الظاهر الظاهر بأمر اللَّه أبو نصر محمد بن الناصر: خليفة عباسى؛ كان الخليفة الناصر فى وقت مبكر يرجع إلى شهر صفر سنة 585) مارس - أبريل سنة 1189)، قد عهد بالخلافة من بعده إلى ابنه الأكبر محمد. على أنه عدل عن رأيه واستخلف ابنه عليا، فلما توفى على سنة 612 هـ (1215 - 1216 م) لم يجد الناصر ولدًا ذكرا آخر من عقبة، فعاد إلى محمد وعقد البيعة له من بعده. وقد وصف لنا ابن الأثير (جـ 12، 287) المعاملة التى كان يعامل بها محمد فى بيت أبيه فقال: "إلا أنه تحت الاحتياط والحجر لا يتصرف فى شئ". ولما توفى الناصر فى آخر رمضان سنة 622 (أوائل أكتوبر سنة 1225) اعتلى محمد عرش الخلافة متلقبًا بالظاهر بأمر اللَّه، إلا أن خاوفته لم تدم إلا تسعة أشهر وأربعة عشر يوما، ذلك أنه توفى فى الرابع عشر من رجب سنة 623 (11 يولية سنة 1226)، وخلفه إبنه الأكبر المستنصر. وقد أثنى المؤرخون المسلمون الثناء

المصادر

العاطر على الظاهر لحميد أخلاقه وخلاله، فقالوا إنه كان يخشى اللَّه، جوادًا , عادلا وديعا وقارنوه بالخليفة الأموى عمر بن عبد العزيز الذى اشتهر بالتقوى ومع ذلك فلم يكن له فى ميدان السياسة شأن يذكر كما كان فى خلافته كشأنه قبل ولاية العرش خاضعًا لسلطان غيره ولم يحدث فى مجرى الأمور أثرًا يذكر. المصادر: (1) ابن الأثير: الكامل، تورنبرغ، جـ 12، ص 26، 287 - 289، 298 وما بعدها (2) ابن الطقطقى: الفخرى، طبعة درنبورغ، ص 443 - 445. (3) Gesch. der Chalifen: Weil جـ 3، ص 451 - 435. خورشيد [تسترشتين K.V.Zettersteen] الظاهر غازى الملك الأيوبى: الابن الثانى لصلاح الدين ولد سنة 568 هـ (1172 - 1173 م) وولى اسما على حلب عقب غزوها على يد صلاح الدين فى أوائل سنة 579 هـ (1183 م) على أن صلاح الدين أمر عليها أخاه العادل بعد ذلك ببضعة أشهر. ولم تمض ثلاث سنوات حتى ولى الظاهر نهائيا حكم حلب وعدة بلدان، فامتدت ولايته شمالا حتى حدود أرمينية، وشرقًا حتى نهر الفرات (عند منبج) وجنوبًا حتى ما يقرب من حماة، وبذلك وكل إليه حماية الحدود الشمالية من غارات الروم والأرمن والصليبيين. وقوى الظاهر الحصون وظلت حلب حصنًا من حصون الإسلام ومن أعظم الحواضر رخاء وازدهارًا فى عهد الأيوبيين. وفى الحروب التى نشبت مع الصليبيين ساعد الظاهر فى إخلاص أباه ثم أخاه الأفضل ثم عمه العادل وفى جمادى الآخرة سنة 584 (أغسطس 1188) انتزع قلعة سرمين من الصليبيين، وأطلق سراح عدة مئات من الأسرى، وأمر بقتل كل من لم يستطع من السكان أداء الجزية ودمر التحصينات حتى سواها بالأرض وقد أظهر نشاطًا جمًا وأبدى شجاعة نادرة فى القتال الذى نشب من أجل عكا

المصادر

ويافا. ولما توفى صلاح الدين فى 27 صفر سنة 589 (4 مارس سنة 1193) تردد فى إبداء ولائه بين الأفضل الذى كان قد ورث ملك دمشق والشام، وبين العادل الذى كان من نصيبه قلعتا الكرك والشوبك وغير ذلك من الأماكن فى أرض الجزيرة، والذى قام بدور الوسيط فى القتال الذى نشب بين أبناء أخيه. فلما اضطر الأفضل سنة 592 هـ (1195 - 1196 م) إلى النزول عن دمشق وأدركت المنية فى المحرم سنة 592 (1195 - 1196 م) الابن الثالث لصلاح الدين العزيز الذى ورث ملك مصر، لم يجد الظاهر أمامه إلا التسليم هو وبقية أفراد الأسرة الأيوبية بسيادة العادل. ومع ذلك أيد بلا جدوى المحاولة التى بذلها الأفضل لفتح دمشق ثانية. وفى نهاية سنة 597 (1201 م) حاصر الأخوان هذه المدينة وكانت خليفة بأن تسقط فى يدهما لو لم يختلفا ويعمد الأفضل إلى تسريح الجند الذين كانوا تحت إمرته، ولما هدد العادل حلب فى السنة التالية، اضطر الظاهر إلى الخضوع مرة أخرى والنزول عن بعض أملاكه. وفى شعبان 599 (أبريل/ مايو 1203) استطاع بالتهديد أن يجبر الأفضل على النزول له عن قلعة نجم دون أن يؤدى له أى تعويض. وتوفى الظاهر فى السابع من جمادى الآخرة سنة 613 (3 سبتمبر سنة 1215) بعد أن دبر أن يخلفه ابنه الملك العزيز محمد البالغ عمره ثلاث سنوات والذى ولدته له زوجته ضائفة ابنة العادل، مقصيًا بذلك ابنا له أكبر من العزيز. وتولى الحكم الأتابك شهاب الدين طغرل وصيا على الأمير الصغير. وكان الظاهر قد تزوج سنة 582 هـ (1186 - 1187 م) ابنة أخرى للعادل هى الغازية، على أنها توفيت قبله دون أن تعقب وقد أثنى ابن الأثير على سخاء الظاهر مع الشعراء، وامتدح مواهبه السياسية العالية، ولكنه يقول فى الوقت نفسه أنه كان قاسى القلب. المصادر: (1) ابن الأثير: الكامل، طبعة تورنبرغ، جـ 11، ص 330 وما بعدها، 366؛ جـ 12، ص 7، 34، 63 وما بعدها، 102، 105 - 107، 110 وما بعدها،

الظاهرية

117، 119، 131، 158 وما بعدها، 181، 189، 204، وما بعدها 227 (2) كمال الدين: تاريخ حلب: Histoire d'Alep، ترجمة بلوشيه، Blochet، فى مواضع مختلفة (3) Geschichte der Chalifen: Weil, جـ 3، ص 402، 406، 433 - 435 (4) Geschichte des Kongreichs Jerusalem: Rohricht، انظر الفهرس، وانظر أيضًا مادة "حلب" خورشيد [تسترشتين K.V.Zettersteen] الظاهرية مذهب فى الفقه إنما يأخذ الشريعة بظاهر لفظ القرآن والسنة، وهو بعدُ يزيد من حيث فروع الفقه فى عدد القواعد المفصلة المتباينة بالإتيان بعدة خلافات تختص به وحده. وأهم من هذا أثره فى أصول الفقه، فقد توسع كثيرًا، فى تنميتها وتوضيحها بإنكاره المتشدد للرأى، والقياس، والاستصحاب، والاستحسان، والتقليد. وفى العراق أصبح المذهب الظاهرى الذى يقال له أيضًا الداودى نسبة إلى منشئة داود، مذهبا منتظما له أصوله وقواعده. وقد امتد سلطان هذا المذهب إلى فارس وخراسان، أما فى الأندلس فقد ظل محصور، فى ابن حزم يكاد يقتصر عليه وحده. وإنما حدث فى عهد يعقوب المنصور الموحدى (580 - 594 هـ = 1184 - 1199 م) أن غدا المذهب الظاهرى هو المذهب الذى أخذت به الدولة. ومع ذلك فقد بقى فى كل وقت أناس ميولهم ظاهرية، ولكنهم لم ينتظموا فى مذهب أو يكونوا مذهبًا جديرا بهذا الاسم، وظلت الحال على ذلك حتى بعد أن عجز المذهب الظاهرى عن أن يحل المسائل التى لم تنشأ فى محيط النبى عليه الصلاة والسلام أو فى محيط رواة السنة الأولين، بالرغم من جميع المسائل التى اضطر فيها هذا المذهب إلى التسليم بأحكام المذاهب الأخرى المنافسة له. وقد سجل التاريخ فى عهد متأخر يرجع إلى سنة 788 هـ (1386 م) قيام فتنة ظاهرية فى الشام حيث لم يكن للمذهب وجود، كما نجد فى مصر أن المقريزى يكتب بروح ظاهرية. ويمكن أن يأخذ بالظاهرية،

وخاصة من حيث النظر، أولئك الذين لم يحتكوا بالأمور الصغيرة التى تجرى فى الحياة اليومية، ولم يرضوا أن يتبعوا مذهبا بعينه كراهية منهم لتوسع المذاهب فى التخريج وما يقوم بينها من تنازع، ومن ثم فليس بعجيب أن يقوم صوفى هو الشعرانى بحفظ كثير من أحكام مذهب الظاهرية. صحيح أن مفسرى القرآن، وخاصة فخر الدين الرازى، وشراح مجموعات الحديث، يوردون التفاسير الظاهرية الخاصة، إلا أن الفقهاء المتأخرين لم يعودوا يأخذون أحكام منافسيهم السابقين من الظاهرية مأخذ الجد، وكفوا عن ذكرها فيما بقى لنا من كتب خاصة فى اختلاف الفقه. على أن الشعرانى فى كتابه الميزان (ص 44) يضع فى عين الشريعة المطهرة داود بين ابن جنبل وسفيان بن عيينة (¬1)، ووضعه فى طرق مذاهب الأئمة المجتهدين إلى أبواب الجنة. . بين ابن جنبل وأبى الليث بن سعد. وليس بين أيدينا مخطوطات فى فقه الظاهرية، لذلك نورد من الكتاب الأول للشعرانى شواهد من السمات المتميزة لهذا المذهب فى باب الطهارة: ص 98، س 12: استعمال أوانى الذهب والفضة فى الأكل والشرب حرام. وقد ذكر النووى فى شرحه لصحيح مسلم (القاهرة 1284 هـ. جـ 4، ص 416) وأبو الفداء فى تاريخه (طبعة Reiske، جـ 2، ص 262) أن الظاهرية أخذوا بالحديث الخاص بذلك والذى اقتصر على ذكر الشرب، فجوّزوا الأكل فى هذه الأوانى. ص 98، س 23: استعمال السواك واجب، وزاد إسحق بن راهوية شيخ داود أن من تركه عامدًا بطلت صلاته. ص 99، س 12 وما بعده؛ جـ 2، ص 163، س 15: قال داود بطهارة الخمر مع تحريمها. ص 103، س 17، ص 107، س 15: قال داود بجواز مس المصحف على المحدث. ¬

_ (¬1) وضع داود فى العين المطهرة التى أوردها الشعرانى فى كتابه الميزان (طبعة المطبعة الحسينية المصرية، سنة 1929 هـ) بين مذهب الإمام الليثى ومذهب الإمام أبى حنيفة.

ص 105، س 23: إن لمس الأجنبية حتى لو كانت بنتا ساعة ولادتها ينقض الطهارة ويوجب الوضوء. ص 107، س 26: لم يرد حكم باستقبال القبلة أو استدبارها عند قضاء الحاجة، ولذلك أجازهما داود. ص 108 س 17؛ ص 113، س 10: فى قول عبيد اللَّه النخعى (وهو قاض ظاهرى فى خراسان توفى سنة 376 هـ = 986 م) أنه لا يصلى بوضوء واحد أكثر من خمسة صلوات، وقال عبيد اللَّه بن عمير: لا يصلى بوضوء واحد غير فريضة واحدة. ص 109، س 24: إن التسمية فى الوضوء ليست مستحبة بل واجبة. ص 109، س 33: إن غسل اليدين قبل الطهارة واجب فى قول بعض الظاهرية تعبدًا لا لنجاسة. ص 110، س 30: إن المرفقين لا يدخلان فى وجوب غسل اليدين (على أن زفر بن الهذيل المتوفى سنة 158 هـ الموافقة 774 م والذى كان وثيق الصلة بأبى حنيفة قد قال بذلك أيضًا). ص 113، س 20: إن الغسل لا يجب إلا بإنزال المنى. ص 114، س 21: إن المرأة إذا أجنبت ثم حاضت يجب عليها غسلان. ص 114، س 21؛ ص 122، س 22: يجوز للجنب، حتى المرأة وهى حائض، قراءة القرآن كله كيف شاء. ص 115، س 11: إن التيمم يرفع الحديث. ص 120، س 23: يجوز المسح على الخف المخرَّق بكل حال. ص 122، س 8: إذا غسلت المرأة فرجها بعد الحيض جاز وطؤها (وهذا قول الأوزاعى أيضًا): ولا يمكن أن نقول فى الظاهرية على وجه الإجمال، كما يتبين من هذه الشواهد، أن هذا المذهب متخفف أو متشدد، فقد وصفه الشعرانى حينا بأنه أخف المذاهب جميعًا، ووصفه حينا بأنه أشدها قاطبة. ولم يستطع هذا المذهب أن يلج الميدان الذى وجد فيه كثير من الفقهاء بغيتهم الأولى رغبة منهم فى

التخفيف. ذلك أنه على سبيل المثال قد أصر على الأخذ بظاهر اللفظ فيما ورد بآيات القرآن وعبارات الحديث خاصًا بالكفار إلى حد التشدد الذى لا يعرف هوادة ولا سماحة. ثم إن الظاهرية لم يستطع -من حيث العمل- تطبيقها تطبيقًا منهجيًا، لأنها حرمت البحث العقلى فى أى حكم ولم تسمح بأن يمتد الحكم بالقياس إلى حالة مماثلة، أو أن ينتقل الحكم من الخاص إلى العام، وأنكرت إنكار، مطلقًا تخفيف الكلمات الواردة فى مصادر الشريعة على ضوء نظائرها التى استعملها الشعراء الوثنيون، وأرادت أن تقيم الفقه الصحيح للحديث بالاستعانة بنصوص خاصة من فقه اللغة الإسلامى. وقد بدا لها أن مذهب مالك يقوم على الرأى مثله مثل مذهب أبى حنيفة، ورأت أن الشافعى، الذى خرجت هى منه، إنما نظم قواعد الرأى ولم يبطله، وأن الإجماع لا يمكن أن يقال فيه إلا أنه إجماع الصحابة الأولين وحسب. وهى لم تفطن إلى مراتب النواهى والأوامر. فالأوامر التى فسرتها المذاهب الأخرى فى بعض الأحيان بأنها مجرد رخصة أو أمر مستحب أو نهى بسيط نجدها عند الظاهرية إما واجبة وجوبًا مطلقًا أو محرمة تحريمًا مطلقًا. وكان من الطبيعى أن تأخذ بحشد من الأحاديث كما أنه قد وجه إليها النقد بأنها لم تكن تعنى بتمحيص ما تأخذ العناية الدقيقة. على أنها لم تر بدا من نقد الحديث منكرة كثيرًا من الأحاديث المناصرة للرأى التى كانت تلقى القبول، ومنكرة الأحاديث المشهورة التى تقول إن الاختلاف رحمة، ذلك أنها رأت فى هذه الأحاديث أثر، سيئ للأساليب الشخصية التى كانت متبعة، وكانت ترى فى نفسها حيال ذلك أنها النصير للوحدة التى افتقر إليها الإسلام فى عهده الأول. ولم تبلغ الظاهرية فى الشريعة الوحدة على الرغم من الجهود التى بذلها ابن حزم. وهذا المذهب يلتزم على العموم موقف الحيدة التى تقوم على الحرص ثم الترفع عن المنازعات الشرعية، وهو يسلم بالأقوال التى وصف بها اللَّه من غير تفسير تمشيًا مع احترامه لظاهر اللفظ فى القرآن والسنة.

المصادر

المصادر: (1) الشعرانى: الميزان، الطبعة الثانية، القاهرة سنة 1317 هـ، فى مواضع مختلفة. (2) ابن النديم: الفهرست، طبعة فلوكل، جـ 1، ص 216 - 219. (3) السمعانى: كتاب الأنساب، فى سلسلة كب التذكارية، جـ 20، مادة داودى، ورقة رقم 220 عين، س 8 - 16؛ ص 220 من أعلى، س 5؛ مادة الظاهرى، ورقة 376، س 2 - 30. (4) ابن الأثير: الكامل، طبعة تورنبرغ، جـ 12، ص 59 وما بعدها. (5) Die zahiriten Ihr Lehrsystem und ihre Geschishte: I.Goldziher، ليبسك سنة 1884. خورشيد [شتروتمان R.Strothmann] ظفار 1 - كانت تقع ظفار قرب قرية فى جنوبى اليمن على مسيرة نحو عشرة أميال جنوب غرب يريم، وقد اشتهرت فى الأزمان القديمة بوصفها قصبة مملكة حمير (وتسمى أيضًا ظفارى، انظر ياقوت: المعجم، جـ 3، ص 706؛ وقد ذكرت أصول الكلمة ظ - ب (ف) - ر فى نقوش جنوبى بلاد العرب؛ ووردت فى الإثيوبية بصيغة "صفار"): وقد ذكر بليناس (Natur. Hist.: Pliny, جـ 6، ص 104) المدينة الملكية باسم regia Sapphar كما ورد ذكرها فى Periplus Mar. Erythr, (الفصل 23) باسم التى كان يحكمها (كريبائيل) ملك بنى حمير وبنى سبأ وهو من تلك الأسرة التى خلفت ملوك سبأ باسم "ملوك سبأ وذى ريدان" وكانت لها السيطرة على جنوبى بلاد العرب، منذ نهاية القرن الثانى قبل الميلاد على الأكثر؛ وكان بنو سبأ فى رواية Periphus من أتباع ملوك حمير بالفعل، وكانت لا تزال تقوم هناك مملكة حميرية فى زمن المصادر التى استقى منها بليناس. والإشارة الثانية للقصبة ظفار فى المؤلفات اليونانية الرومانية وردت فى بطلميوس (جـ 6، ص 7 و 41؛ جـ 8،

ص 22 و 16)، حيث ذكرت البلدة ضمن بلدان العرب السعيدة، أى كما ورد فى Periplus تمامًا، أما عن الخلاف حول خط الطول الذى تقع عليه هذه المدينة كما نستبين من مخطوطات بطلميوس الذى جعل هذا الخط 78 ْ مرة و 88 ْ مرة أخرى فإننا نفضل الأخذ بخط الطول 78 ْ وهذا هو الرقم الذى ذكره الهمدانى فى صفة جزيرة العرب (طبعة D. H. Muller، ليدن 1884، ص 28)، فى حين ذكر فى كتابه الإكليل (فى Die Burgen and S.B.Ak.Wien: D.H.Muller فى Schlosser Sudarabiens جـ 94، سنة 1879، 417) أن خط الطول هو 78 ْ، ولما كانت المدينة الساحلية تقع فى رواية بطليموس على خط الطول 87 ْ 30 ْ مع الاختلاف بين 88 ْ 10 َ و 88 ْ 30 َ) وعلى خط عرض 14 ْ مثل ظفار تماما فقد حدا ذلك بكليزر (Skizze der Cescht. and Geographie Arabiens: E. Glasser، برلين 1890، جـ 2، ص 1880)، إلى القول بأن هذا الخلاف فى خط الطول يرجع فيما هو واضح إلى خطأ وقع فيه ناسخ فى العهد الذى تلا العهد البطلميوسى، فقد خلط بين ظفار اليمنية وظفار التى كانت فى هذه الأثناء قد قامت فى الشرق قرب موشا Moscha. وهذا القول نشأ من خطأ كليزر فى تعيين موضع موشا (انظر ظفار رقم 3)، ثم لعله من الجائز منذ البداية أنه قد وقع خطأ عتد النقل من بطلميوس فاستبدل بالرقم الأصلى سبعة، كما حدث فى الرقم المباين فى خط الطول الذى تقع عليه موشا، أما قوله: "بأننا لا نملك إلا أن ننسب لبنى سبأ" القصبة التى ذكرها بطلميوس؛ لأن موقعها لا يناسب الأراضى الحميرية التى كانت بلا شك محدودة جدًا فى ذلك الحين"، وقوله: "كانت مأرب بلا ريب المقر الملكى فى عهد ملوك سبأ وريدان"، وقوله إن هذه المدينة كانت خرائب وأطلالًا "منذ قرون سبقت عهد بطلميوس" (المصدر المذكور، ص 240 و 242) فإنما هى أقوال تعتمد على آرائه فى تاريخ نشوء المملكة الحميرية. ثم إنها تناقض ما تشهد به المصادر القديمة التى ذكرناها وشيكا، وهى التى يمكن أن نوفق بينها وبين

الأدلة المستقاة من النقوش على نحو أفضل. ونستبين من بطلميوس (جـ 6، ص 7 و 25)، أنه كان يقيم بقرب بنى حمير أهل مدينة وناحية تحيط بها، ونعنى بهم الأسرة الحاكمة؛ وثمة إشارات أيضًا إلى ظفار، بوصفها ناحية، فى الكتب العربية كالإدريسى، ولكنها لم تعد تذكر اسما لقبيلة (Die alte Geographie Arabiens: Sprenger، برن 1875، ص 311)، وربما كان قد تفرع طريق إلى يريم وظفار من الطريق الذى ورد ذكره فى Periplus، والذى كان يتجه من مخا مشرقا، أما إن القصبة كان لها شأن فى التجارة فأمر مفهوم؛ (انظر عن الطريق الذى ورد فى خريطة بطلميوس: Sprenger, المصدر المذكور، ص 183 وما بعدها) وإلى ظفار هذه يشير فيلوستورغيوس Philostorgius (الثلث الأول من القرن الخامس؛ Hilt. eccl, جـ 4، ص 4) عند روايته نبأ دخول بنى حمير فى المسيحية حوالى سنة 354 - 355 على عهد قسطنطين الثانى Constantius II (357 - 361؛ انظر الشاهد فى نفقور كاليستس Nicephorus Callictus جـ 9، ص 18)، وقد حرص ثيوفيلوس Theophilus, الذى أصبح أسقفًا من بعد، على الحصول من ملوك حمير على إذن بإقامة الكنائس فى وعدن وهرمز. وقد عارض كليزر (المصدر المذكور، ص 181) هذا القول الثابت الذى يقرر أن لا تعنى المدينة الحميرية، بل المدينة التى على الساحل (انظر ظفار رقم 2)؛ وكذلك فعل ريتر من قبله (Ritter: Erdkunde، برلين 1846، جـ 8/ 12، ص 65)، ومع ذلك فإننا لا يساورنا أقل شك فى أن فيلوستورغيوس قد تزود بمعلومات مخطئة، ثم إن القصبة كانت فيما يرجح هى المكان المناسب لإقامة كنيستهم. وقد أخطأ بيورى (Arabia infelix: G.W.Bury، لندن 1915، ص 10)؛ فى القول بأن ظفار هى يريم نفسها؛ وذكر تيودورس (Theodoros Anagnostes، جـ 2، ص 58؛ وانظر Nicephorus، جـ 16، ص 37) أن دخول بنى حمير فى المسيحية كان فى عهد أنسطاسيوس Anastasius (491 -

518 م)، وقد عزيت نصوص مزيفة على الكتاب المقدس إلى غريغنطيوس Gregentius أسقف ظفار، حوالى منتصف القرن السادس، وكذلك ذكرها أميانوس Ammianus Marcellinus (أواخر القرن الرابع، جـ 23) باسم تفارون Tapharon؛ ثم ذكرها أيضًا جغرافى رافنا Ravenna (القرن السابع، جـ 2، ص 6)، باسم تفره Tafra، وقد سمى هذا الجغرافى حمير باسم Omeritia؛ ثم إن الاسم يظهر أخيرًا، فى الصيغة فى إسطفانوس البوزنطى (Stephanus Byzantinus، انظر تحت هذا الاسم) وهو بوصفه لغويًا لم يكن يهتم إلا بصيغة الاسم فحسب. وحوالى منتصف القرن الرابع كانت مملكة حمير قد غزاها بنويكسوم Axumites، على أنه ما إن حان الربع الأخير من هذا القرن حتى عاد الملوك الوطنيون وأصبحت لهم اليد العليا، ومن ثم فإن ملك ظفار الذى قال فيلوستورغيوس إنه كان صديقًا للمسيحيين إما أن يكون واليًا أقامه بنو يكسوم (انظر Glazer, Die Abessiner: in Arabien and mutandis Afrika، ميونخ 1895، ص 166) مثل سميفع سنة 525، وإما أن العودة إلى غزو البلاد، التى كان الحكم فيها لا يزال فى يد بنى يكسوم وفقا لنقش تم قبيل سنة 356، كان قد بدأه بنو حمير بنجاح حوالى 355 م، ولم يكتب للأحباش السيادة على البلاد مرة أخرى إلا سنة 525 م، ثم غلبهم الفرس على أمرهم حوالى سنة 70 هـ، وحتى ذلك التاريخ كانت ظفار قصبة جنوب بلاد العرب؛ وقد دخل آخر ولاة صنعاء الفرس فى الإسلام سنة 628 م. ويقول ابن خرداذبة (ص 145) والمسعودى (المروج، جـ 3، ص 178) وياقوت (جـ 3، ص 377 جـ 2، ص 722) إنه كان على باب ظفار نقش نصه: "لمن ملك ظفار؛ لحمير الأخيار؛ لمن ملك ظفار، للحبشة الأشرار، لمن ملك ظفار؛ لفارس الأخيار؛ لمن ملك ظفار، لحمير ستجار" وهذا يعبر بأجلى بيان عن تاريخ من تقلبوا على حكم جنوبى بلاد العرب. وقد شهد جغرافيو العرب ومؤرخوهم وأصحاب معاجمهم بأن ظفار كانت قصبة ملوك حمير، فأيدوا بذلك ما ذكره الكتاب اليونان والرومان،

ومن هؤلاء العرب ابن خلدون (جـ 4، ص 140) والمسعودي (جـ 3، ص 177)، والجوهرى، (انظر مادة "ظفار") وياقوت (جـ 3، ص 577، 812 فى قول شاعر استشهد به)، والقاموس (انظر مادة "ظفار")، وتاج العروس (جـ 3، ص 370)، وجهاننما، وقد ذكر ابن خرداذبة (ص 140) حصن ريدان الملكى فى ظفار، وهو يستشهد بشعر امرئ القيس (ص 206، س 22 فى The Diwans: Ahl wardt)، والهمدانى (الإكليل، ص 410 و 414، فى شعر أسعد تبع)، والبكرى (المعجم، انظر مادة: "ريدان")، وياقوت (جـ 2، ص 885، جـ 3، ص 422، حيث غير مولر D. H. Muller الصيغة زيدان الواردة فى "الإكليل" ص 140، س 3، من خطأ فى القراءة، إلى ريدان [انظر الصيغة نفسها فى Ritter، جـ 12، ص 258، عن الإدريسى]، انظر ما يلى عن تفسير كليزر لريدان الواردة فى النقوش)، ويصف الإدريسى أيضًا ظفار (جـ 1، ص 184 وما بعدها، طبعة Jaubert، باريس) فيقول إنها من أهم وأشهر بلدان اليمن، وأنها كانت مقرًا لملوكها. وفى روايته أنها ناحية من يَحْصِب التى كانت تسمى أيضًا ظفار. ويذكر المقدسى (المكتبة الجغرافية العربية، جـ 3، ص 70) (253)، فى استعراضه لجزئى اليمن، التهامة والنجد، يحصب على اعتبار أنها من بلاد نجد، وقد ذهب شيرنكر (Die Post-and Reiserouten des Orients Abth. F.d.Kunde des morgenl: Springer, فى جـ 3/ 3، ليبسك 1684 ص 106)، إلى أن هذا القول يشير إلى ظفار، وهذا التعريف الذى نجده أيضًا فى (its early mediaeval History: H.C.Kay Yaman لندن 1892 ص 246 وعلى خريطته)، ليس مقنعًا، وهو يخطئ أيضًا فيكتب الاسم يَحْضب، على أن يحصب (بضم الصاد أو كسرها) هو اسم مخلاف (انظر علاوة على الإدريسى، ياقوت، جـ 2، ص 885، الذى يقول أن حصن ريدان فى هذا المخلاف، ثم يستطرد فيقول إن ريدان فى ظفار ويستشهد بأبيات من قصيدة لأسعد تبع فى الإكليل، المصدر المذكور، ص 414 ومن ثم تقع ريدان

القبيلى فى سهل يحصب)، وفى رواية (الإكليل، ص 410) كانت ظفار معروفة باسم حقل (أى هضبة)، وفى ياقوت (جـ 4، ص 346) إشارة إلى يحصب العلو فى ظفار، أما تعليل شيرنكر للرواية التى وردت فى ابن خرداذبة (المصدر المذكور): يحصب هو اسم المدينة، أما الحصن الذى يقيم فيه الملك. . . فاسمه ظفار) Postrouten، المصدر المذكور، ص 147) فهو تعليل مخطئ، والمعنى الأقرب للذهن هو: "يحصب (وفيها) مدينة ظفار وحصنها ريدان". وفى رواية الإدريسى أن هذا الحصن كان فى أيامه من بقايا القصر الملكى هناك، وهو يتحدث أيضًا عن آثار أخرى تشهد بازدهارها قديمًا، ويرجع الطبرى (طبعة ده غوى de Goeje، جـ 1، ص 256) إقامة ظفار إلى ملوك بنى حمير، ويزودنا الهمدانى فى الإكليل (المصدر المذكور، ص 412) بوصف لموقع ظفار على منحدر تل قرب مدينة سختيون (منكث، ولا تزال هناك خرائب لقرية منكث قرب ظفار مع نقوش حميرية وجدها Seetzen؛ انظر D. H. Muller المصدر المذكور، ص 370)، وهو يستشهد فى هذا المصدر ببيت من عمر بن تبع الذى يذكر نقوشًا فى ظفار، وأبياتًا من علقمة تشير إلى ظفار فى عبارات كلها إطراء ومديح، وفى "الصفة" (ص 203) يذكر الهمدانى ظفار ضمن الأماكن المشهورة فى اليمن ذات الحصون القديمة، وأراد أن يوضح ملاحظاته عن انخفاض درجات الطول فى بطلميوس عما ذكره الفلكيون المشارقة، فاختار موقع ظفار وراح يتحدث (المصدر المذكور، ص 27) عن المواقع التى ذكرها بطلميوس لهذه المدينة هى وصنعاء، وكلاهما على خط زوال واحد (وكذلك ص 28 و 44، وانظر أيضًا ص 45)، ذلك أن ظفار كانت على مسيرة نحو ثلاثة أيام إلى الجنوب (ويتفق ذلك بصفة عامة مع تقدير نيبور Niebuhr أن ظفار على بعد 1 ْ 12 َ جنوبى صنعاء)، وهو لا يزودنا فى ص 201 بشئ ثابت من الناحية الجغرافية أكثر من أن ظفار فى جوار صنعاء، ويحذو حذوه ياقوت (جـ 3، ص 577، حيث يضيف أن بعض

المصادر تقول هى صنعاء نفسها)، والقاموس (انظر الجوهرى، هذه المادة)، وتاج العروس (جـ 3، ص 370) وهو ينقل عن ياقوت. ويدلل مولر (Burgen, D.H.Muller ص 369) على أن ياقوت (جـ 3، ص 422) يقارن بين ظفار وصنعاء (ولكن انظر ظفار رقم 3)، أما الروايات العربية عن تاريخ ملوك حمير، التبابعة وأنسابهم، فلا سند لمعظمها من التاريخ. ويفرق ياقوت فى المعجم (جـ 3، ص 577) بين ظفار هذه والمكان الذى يحمل الاسم نفسه على الساحل (انظر ظفار رقم 4)؛ ولم تذكر هذه التفرقة فى المشترك، وكثيرًا ما يخلط كتاب العرب بين هاتين المدينتين، كما خلطت بينهما المصادر الحديثة، وقد نعى عليها ذلك نيبور (Beschreibung von Arabien: C. Niebuhr، كوبنهاجن ص 236)، وريتر (Ritter، المصدر المذكور، ص 254) وغيرهما. على أن ريتر يقع فى الخطأ نفسه (انظر ص 65 و 253) أما أبو الفدا فى وصفه الذى خلط فيه بين المدينتين (وثمة شواهد أخرى ذكرناها تحت ظفار رقم 4) فلم يزد على أن ظفار فى اليمن، وكل أقواله الأخرى تصدق على المدينة الساحلية. وقد أورد الهمدانى (الإكليل، المصدر المذكور، ص 416) والبكرى مع شئ من الخلاف (المصدر المذكور، ص 464)، وياقوت، (جـ 3، ص 577) كلامًا فى صورة حكاية صغيرة تشرح القول المأثور: "من دخل ظفارَ حمَر" (أو "ظفار تتبع بنى حمير")، وهو مثل على مصطلح حميرى خالص، ويفرق العرب بين أبناء بنى حمير الأكبر سنًا والأصغر والأقرب، أى بين الحميريين بأوسع المعانى وبالمعنى المألوف وبأضيق المعانى (Geographie: Springer، ص 72 وما بعدها)، ولا يستطيع المرء إلا أن يتحدث عن وجود لهجة حميرية (انظر شبرنكر، ص 74، فيما يتعلق ببعض خصائصها) بين الحميرين فى أضيق الحدود. وقد ذكر فى القرن العاشر الميلادى أن النواحى التى يتحدث فيها القوم باللغة الحميرية الخالصة هى الإقليم القائم غربى صنعاء وجنوبى ذمار حتى حقل قتاب، وهى منطقة تشمل يريم وظفار

(إشارات إلى منازل بنى حمير فى Das Leben des Mohammad: Sprenger . . . برلين 1865، جـ 3 ص 438)؛ ويقول فرسنل Fresnel أن اللغة الحميرية والحديث المختلط الجارى فى النواحى المجاورة كانا يسميان اللغة الإحكلية، وهى تسمية غير دقيقة، وتعد هذه التسميط مصطلحًا انتشر خطأ حتى شغل أيضًا المهرية ولغة قرأ (حكلى)، أو ما يسميه كليزر باسم شحرات، أما لغة النقوش الحميرية القديمة فى معناها الضيق فأقرب إلى لغة سبأ منها إلى المجموعة الثانية الكبرى من نقوش جنوب بلاد العرب، لغة بنى معن. وهاتان الناحيتان الحميرتيان الخالصتان خصيبتان تجود فيهما الزراعة؛ وتغل تربة ظفار أيضًا حجرًا شبه نفيس هو الجزع اليمانى، وقد ذكره الهمدانى فى الإكليل (ص 415 مع شواهد من أقوال الشعراء)؛ والجوهرى، وياقوت (جـ 3، ص 577) ولسان العرب (جـ 6، ص 192) والقاموس، والتاج (المصدر المذكور، انظر Lane، مادة "جزع" عن معنى اللفظ، وشيرنكر، المصدر المذكور، ص 62). وبعد احتلال الأحباش لظفار للمرة الأخيرة، وهو الاحتلال الذى زودنا كتاب Martyrium Arathae؛ بوصف كامل عنه، وزوال دولة جنوبى بلاد العرب، بل بعد قيام الإسلام، أخذت القصبة الملكية السابقة تضمحل رويدًا رويدًا، وخاصة أنها كانت قد انعزلت عن الطرق الرئيسية للتجارة، وقد أصبح شأنها، هى وما يكتنفها من بقاع جبلية من حيث كونها أماكن حصينة، ثانويًا فى العمليات الحربية أيام التاريخ المتأخر لليمن؛ مثال ذلك أن الولاة اعتصموا بمعاقلهم فى الجبال حين دالت دولة الزياديين (409 = 1018 م)، واستولى نجاح على زبيد ونادى بنفسه ملكًا (412 هـ)؛ وكان من هذه المعاقل (فى رواية عماره الحكمى، تاريخ اليمن، طبعة Key، المصدر المذكور، ص 12) النقيل "المر"، ويقول كاى فى شرحه له (ص 246) أنه "نقيل سمارى" قرب ظفار. والمعلومات التى زودنا بها الرحالة المحدثون تتفق مع أقوال الكتاب العرب (انظر أيضًا Beschreibung Van Arbien: Niebuhr كوبنهاغن، 1772،

ص 94 و 236 و 290؛ المؤلف نفسه: Beschreibung van Arbien، جـ 1، ص 400، مادة "سبأ"، Sabaieche Denkmaler: D. H. Muller فينا 1883 , ص 85، اللوحة 4 (نقش)، A Jaurney through the Yaman: W. Harris، أدنبره - لندن، ص 25؛ Die Abessinier: Glaser، ص 58 و 100 و 116؛ المؤلف نفسه فى M.V.A.G، 1897، جـ 6، ص 241، المؤلف نفسه: Skizzen، جـ 2، ص 241 Handbuch der altarbischen Altertumskunde: Nielsen، كوبنهاغن، باريس - لندن, 1927 ص 21 و 88؛ Ethnologie and Geographie des Alten Orients: Hommel، ميونخ 1926, ص 656 و 711؛ Oslander، فى Z.D.M.G جـ 19، 1865، ص 180؛ G.I.S، جـ 4/ 1، رقم 312) 2 - موقع خرب جنوب غربى صنعاء؛ ويذكر تاج العروس (جـ 3، ص 370)، نقلا عن الصغانى، حصنين اسمهما ظفار، أحدهما شمالى صنعاء والآخر جنوبيها، وذلك عدا البلدتين اللتين تحملان الاسم نفسه (انظر ظفار رقم 4). 3 - تل محصن على مسيرة نحو 20 ميلًا شمال غربى صنعاء قرب كَوْكبَان. 4 - اسم مدينة عريقة فى القدم، كانت أطلالا منذ أواخر القرون الوسطى، واسم السهل المحيط بها، وتقوم فى الركن الجنوبى الشرقى لجزيرة العرب على المحيط الهندى، وقد جرى القول الآن بأنها من عمل مهرة؛ ويقول ابن خلدون فى "العبر" (انظر الشاهد الذى نقله عنه Kay، المصدر المذكور، ص 133) إن نطق اللفظ هو ظفار، بفتح الظاء)؛ ويقول المقريزى (De valle Hadhramaut، طبعة Berlin Noskowyi، بون 1866، ص 29) إن اللفظ يجب أن ينطق ظفار (بضم الظاء)، كما يقول بذلك مالتزن (Maltzan فى مقدمة مصنفه: wredes Rise in Hadhromaut برنشفيك 1873، ص 24 و 39) على أن اللفظ ينطق به ظفار أو ظفور (بسكون الظاء فى كل)، وينطق به الآن أحيانًا ضُفار؛ أما أن المدينة قد أشير إليها فى الكتب اليونانية فأمر محقق أو يكاد؛ ويجب البحث عنها بين الأماكن التى ذكرها بطلميوس على ساحل البحر؛ ويؤكد شيرنكر أن بطلميوس

استخدم المعلومات التى زوده بها الرحالة من الهند حتى الساحل الجنوبى الشرقى لبلاد العرب بطوله، ولعله أصاب (Gographie، ص 95 وما بعدها) بإشارته إلى المكان على خريطة بطلميوس (جـ 5، ص 7 و 11)، وهو يتفق مع موقع ظفار أى التى ذكرت بين بلدان التى تشتمل على ترجمة للقمر ("ديانا" Diana)، ونجدها أيضًا فى جبال القمر وغبة القمر، أى جون القمر التى تقوم عليه ظفار بالفعل؛ أما موضع "مهبط وحى القمر" فإننا نستبين من روايات بطلميوس أنه كان قريبًا جدًا من الميناء السابق ريسوت وكان يمتد من هذا المكان سهل جيد الرى على مسيرة نحو تسع ساعات طولًا وساعة عرضا عند طاقة، حيث يبلغ أقصى اتساع له فى العرض، وهو أيضًا يجتاز التلال ويسمى الآن ظفار (شيرنكر، المصدر المذكور، ص 96)؛ وقد وجد كارتر Carter خرائب ست مدن أو نحوها هناك؛ أما أن هذه المدن كانت العواصم المتعاقبة للظفارية، كما ذهب إلى ذلك شيرنكر، فموضوع آخر لا يمكننا الإجابة عنه بعد؛ وكذلك سلم شبرنكر باستحالة التحقق مع الموضع الذى كان فيه "مهبط وحى القمر"؛ أما عن قول ابن بطوطة (المصدر المذكور جـ 2، ص 203) من أنه كان يقوم مزار فيه قبر هود (انظر أيضًا جـ 1، ص 203) على مسيرة نصف يوم من ظفار (المتأخرة) (أى المنصورة) ومسجد على الساحل فى قرية لصيادى السمك، وقد ذهب شبرنكر إلى أنه كان يوجد بها مسجدو "معبد القمر"، فى موقع طاقة على خط طول 54 ْ 22 َ شرقًا وخط عرض 17 ْ 2 َ شمالًا، "على خليج كان من الممكن استخدامه مرسى للأطواف والقوارب" على أن هذا الموضع يجب تعديله على هدى أقوال بنت Bent، ويجب البحث عن ظفار فى موضع خرب شرقى طاقة (انظر ما يلى). ولا يمكننا أن نؤيد رأى كليزر (Skizze، جـ 2، ص 97 و 180) من أن التى ذكرها بطلميوس عقب مباشرة، والتى قال عنها شبرنكر (المصدر

المذكور، ص 97) إنها كانت ميناء ظفار وأنها كانت مرباط، هى ظفار نفسها وإن موشا Moscha ميناؤها (Periplus، 32، وقد ذكر هذا الميناء أيضًا ريتر، المصدر المذكور، جـ 12، ص 329، وكذلك كليزر Abessinier، ص 90 وما بعدها؛ Ethnologie Hommel, ص 654) هى خور البليد، وإن الاسم ظفار ربما لم يظهر فى الناحية إلا بعد زمن بطلميوس، بدلا من أبيسه يولس Mosche أو Skizze) Abissa Polis، ص 180، Abessinier، ص 187 وما بعدها)، ونحن نعارض هذه الأدلة الطبوغرافية، التى نقول على سبيل الاستدراك أنها لا تقرر بعد المكان الذى قيل إن الاسم ظفار قد نقل إليه، ونقول إنه ليس ثمة أى احتمال يؤيده، ثم أنه يعارض معارضة مباشرة خريطة بطلميوس وخريطة Periplus، وأن موشا (موشى) Moscha، التى وضعها بطلميوس غربى رأس الفرتك يجب، وفقًا لما ورد فى كتاب Periplus، وهو الذى يفضله كليزر على بطليموس فى وصف ساحل شحر، أن يبحث عنها على مسيرة نحو عشرة أميال غربى مرباط، وهو القول الذى لم يجد كليزر بدا من التسليم به، ولا وجود الآن لميناء فى خور البليد، جل توجد بحيرة (Skizze: Glasser، ص 181)، ومن جهة أخرى فإن موشا Moscha فى بطليموس توصف كما فى Periplus أيضًا، بأنها هى وهذه الأهمية يؤكدها Periplus تأكيدًا خاصًا، ولعل موشا Moscha هى مقشى، أى الميناء التى على خط طول 51 ْ 55 َ شرقًا، وهى تبعد وأقل من ساعة من رأس فردن فى مأمن من الرياح الجنوبية، (شيرنكر، المصدر المذكور، ص 85)، أما الفرض الذى افترضه شبرنكر من أن الموضع الصحيح لموشا قد سقط عند النقل من بطليموس ففرض محتمل، ولكن ما من داع يدعو إليه فيما يظهر؛ ذلك أن الموضع الذى عينه يتفق مع أقوال المؤلفين العرب، مثل ياقوت (جـ 3، ص 775، جـ 4، ص 481) من أن ميناء ظفار التى لم يكن لها مرفأ صالح (وكذلك أيضًا فى ابن خلدون، المصدر المذكور، ص 133 طبعة كاى Kay) كان هو مرباط على مسيرة نحو خمسة فراسخ، ويزوره التجار كثيرًا، وكذلك يتفق هذا الفرض

مع الحقيقة الواقعة من أن رأس فرنك الذى حدد بالقرب منه موضع موشا Moscha التى يقول ابن المجاور عنها إنها بنيت فى مدخل "خليج القمر، وأنه يقوم هناك مرسى للبواخر القادمة من الهند، هو فى الأزمان الحديثة أول المعالم الذى تتجه إليه البواخر القادمة من بومباى (شبرنكر، المصدر المذكور)، وقد زودنا بنت (Southern Arabia: Th. Bent, لندن 1900، ص 240 وما بعدها) بمادة جديدة تؤيد هذا الرأى، جاء بعضها عفوًا وبلا وعى، فهو يقول إن من المؤكد أن الخرائب التى على الساحل عند البلد الحديث (البليد وقفًا لكليزر، Skizze، ص 181، وكذلك Abessinier ص 184 [وسماها Fresnel، البلد بكسر الباء عن الخريطة الإنكليزية] على بعد نحو ميلين شرقى القصبة الحالية الحافة (لحافة) هى خرائب القصبة القديمة لهذا الإقليم، واستطرد فقال إنه ما من صعوبة تقوم فى سبيل تتبع قول شبرنكر من أى هذه المدينة هى عين وقد جانبته الدقة فى هذا، ذلك أن شبرنكر فرق بينهما تفريقًا واضحًا، فرق بين طاقة، حيث كان يبحث عن ظفار الأصلية، وبين البلد إلى الغرب منها، وهو الموضع المفروض أن المنصورة قامت عليه من بعد، ويقول بنت إن هذا الموضع الخرب، الذى يشتمل على آثار لمعابد الصائبة، عمره السكان آخر ما عمروا خلال الغزو الفارسى حوالى سنة 500 هجرية، وهو أكبر مواضع السهل بأسره وأكثرها تأثيرًا فى النفس، ويستطرد بنت ص 268)، وهو يسرد فى غير دقة كيفية تحقيق كليزر لأبسه بولس Abissa Polis وموشا فيقول إن النقطة التى على الساحل قرب نهر رورى، وهو نهر عريض بصفة خاصة عند مصبه (كذلك فى الخريطة التى رسمها لإقليم ظفار ["عن تخطيط قام به إمام شريف خان بهادور" رفيقه فى رحلته]، ووصف المياه بأنها خورورى فى بنت (ص 270) خطأ (انظر كليزر, Abessinier، ص 185) وفى الخريطة الإنكليزية خورريرى (Khors Reiri: Cruttenden .Khor Reiri) وجزيرة ختية الصحرية على الساحل هى أبسه بولس Abissa Polis وكذلك موشا، على أننا نجد طاقة على مسافة قليلة غربى

هذه النقطة وعلى خط طول 54 ْ 25 َ (54 ْ 22 َ) وهى التى حاول شبرنكر عندها تعيين موضع وحاول من بعده كليزر (Abessinier، ص 187 تعيين موضع ابسه يولس Abissa polis؛ ومن ثم لم يبق أمامه إلا "مهبط وحى القمر"، الذى ذهب بنت فى تحكم بالغ إلى أنه يقع فى مدينة حميرية فى وادى نهست غير بعيد من الحافة "وعلى سبيل الحصر فى عبقد أو روبط أو أحد المواقع الخربة المتغلغلة فى الداخل أى فى وادى نفس"، وهو قول غير معقول ولعل من الجائز أن نبحث عن موقع ظفار القديمة، و"مهبط وحى القمر". ولعل من الجائز أن نبحث عن موقع ظفار القديمة، و"مهبط وحى القمر"، وربما عن المزار الذى ذكره ابن بطوطة أيضًا، فى الأطلال التى وجدها بنت (269) شرقى طاقة إلى الغرب قليلًا من الموضع الذى عينه شبرنكر عند مصب النهر المجاور خوروى مرفأ المدينة، وقول كليزر (Skizze، ص 181 إن "خرائب ظفار فى عبقد وعوقد وريسوت وخور البليد" لا يكفى، وكذلك اخطأ بنت فيما يختص ب بقوله إنها مخا "وهو اسم ليس غريبًا على الموانى الواقعة على ساحل بلاد العرب" ولم يحسب حساب قصور البيانات عن ساحل شحر فى نص كتاب Periplus كما نقل إلينا (الفصل 32)، أما أن شحر معناها ريسوت بحكم أنها مركز تجارة اللبان (Sachalite) فلم يبلغ من التحقيق المبلغ الذى يقال عنه عادة، وهذا الخطأ الذى كرره بنت منشؤه أن هذا المكان يسمى موشا Moscha. إن صاحب بلاد اللبان التابع لبنى حمير على أيام كتاب Periplus (الفصل 32)، كان هو ملك حضرموت، أما أن بطلميوس يشير إلى بنى قتيان بين العمانيين وجبال أسابون Asabon فلا يبرر الاستنتاج بأن ساحل الكندر نفسه (من ظفار شرقًا) كان كله أو بعضه مستعمرة قتبانية. وأرجح الظن أن مدينة ظفار الساحلية أقدم من القصبة الحميرية، ولعلها فى أرجح الاحتمالات قد جعلت هى لاسفار وهو جبل فى الشرق"

(انظر سفر التكوين، الإصحاح العاشر، الآية 30). ويجعل العرب ظفار فى مهرة حينا، وهو أمر يتفق مع التوزيع الحالى، وفى إقليم الشحر (ساحل مهرة) حينًا، وهو نفس الشئ تقريبًا وهكذا يقول ياقوت (جـ 3، ص 577) وأبو الفداء (انظر Hommel المصدر المذكور، ص 30) وابن خلدون (طبعة كاى Kay، المصدر المذكور، ص 132)، والتاج (جـ 3، ص 370) ويجعلونها أحيانًا فى عثمان غير متوخين الدقة (Geographie: Sprenger ص 92)، ويقول ابن بطوطة إنها فى أقصى أقاصى اليمن (يذكر فى جـ 1، ص 205، أنها مدينة من مدن اليمن وحسب) وفى حاشية (فى مخطوط لكتاب المراصد استشهد به Wustenfeld فى ياقوت، جـ 5، ص 24) وصفت المدينة بأنها أقصى مدن اليمن ويجعل جغرافيو العرب مهرة فى اليمن، وقد ذكر ياقوت (جـ 3، ص 577) قصبة اليمن ثم تحدث عن المدينة المشهورة فى زمانه التى تحمل الاسم نفسه على ساحل المحيط الهندى (وتجد الموضع أيضًا فى جـ 3، ص 422، جـ 4، ص 481، حيث استخدمت الصيغة ظفار بكسر الظاء، انظر هذه القراءة فى ابن خرداذبة المكتبة الجغرافية العربية، جـ 6، ص 146؛ وفى ابن بطوطة والتاج، جـ 3، ص 370)، وفى الفقرة الأخيرة التى ذكرناها يصفها ياقوت فى عبارات عامة فيقول إنها بين حضرموت وعمان (انظر جـ 1، ص 196 والإضافات الواردة فى المكتبة الجغرافية العربية جـ 4، ص 432 على ابن حوقل، ص 32، وكذلك فيما يتصل بالمسافة بين ظفار ومرباط؛ ويقول القاموس فى إيجاز إنها قرب مرباط)، ويحدثنا ياقوت فى الفقرة الرئيسية فيقول إن اللبان ينمو فى الجبال التى تبعد عن المدينة بعض الشئ، وتعطى حصة من المحصول لأمير المدينة المستقل الذى احتكر الاتجار فيه، ثم تلى ذلك ملاحظات عن جمع الكندر الذى كان يتعين حمله إلى المدينة (وثمة بيان مماثل موجز فى جـ 4، ص 481). وظفار فى إقليم اللبان نفسه، ومساحتها كما يذكر ياقوت صغيرة غاية الصغر، وهو أمر يتضح من أقوال

جغرافيى العرب الآخرين، كما يتضح بخاصة من أبحاث كارتر Carter الذى يجعل حده الغربى عند خط الطول من 52 ْ 47 َ إلى 55 ْ 23 َ شرقًا، أى بعيدًا كل البعد ناحية الشرق، كما يتبين من تخطيط كليزر، الذى صحح أرقامه فى الزمن المناسب، ومن بنت Bent وهرش Hirsch وبعثة مجمع فينا إلى جنوبى بلاد العرب. وربما كان الاسم ظفار ("النبات العطر") إنما يدل أصلًا على الفكرة التى غبر عنها اليونانيون باللفظ؛ أما فكرة فرسنل (Sur la geographie de L'Arabie,Lettre: Fresnel، جـ 4، فى J.A السلسلة 3، جـ 5 , 1838، ص 518)، الذى حذا حذوه ريتر Ritter (جـ 12، ص 252 و 270)، من أن المدينة الحميرية كانت تسمى ظفار باسم المدينة الساحلية من قبيل التنافس، ففكرة مخطئة، ولعل هذا الاسم قد أطلق على المدينة الأولى بمعنى آخر، أى ليدل مثلا على "المظفر"، كما ورد فى أبيات أسعد تبع (الإكليل، المصدر المذكور، ص 410 = البكرى 464) وقد جاء الملاحون البرتغاليون بأنباء عن بلاد الكندر إلى أوربا، ونجد صدى لهذه الأنباء فى كامويس (Os Lusiadas, Camoes، جـ 10، ص 101، س 1, Olha Dofar insigne Porque manda Omais cheiroso "incensoPera as aras"). ويتحدث ياقوت (جـ 2، ص 881) مستعيرًا الألفاظ نفسها التى استعملها الهمدانى تقريبًا (صفة جزيرة العرب، ص 51) عن طريق ساحلى يؤدى من عدن إلى عثمان عن طريق ظفار مارًا بريسوت إلى اليسار، وقد زار ابن المجاور ظفار حوالى سنة 619 هـ. وهو يزودنا بالمراحل المختلفة للطريق من شبام فى حضرموت إلى ظفار ذاكر المسافات (وثمة تفصيلات أو فى Postrouten: Sprenger, ص 144، المؤلف نفسه: Geographie، ص 164). وقد لاحظ أن الفلفل وقصب السكر وأنواعًا كثيرة من الفاكهة كانت تزدهر فى ظفار، كما وجد آثارًا على شرفات قديمة زرعت فيها شجرة الكندر، وقد أيد بنت هذه الملاحظة الأخيرة، فهو

يحدثنا عن طريق مأمون للقوافل من بغداد (خلال الصحراء) إلى مرباط وظفار، يسلكه البدو مرتين فى السنة ويأتون فيهما بالجياد ويقايضون عليها بالتوابل والعباءات النفيسة. وفى روايته أن أحمد بن عبد اللَّه (618 = 1221 م) خرب ظفار وبنى المنصورة على مقربة منها، ثم حملت هذه المدينة الاسم ظفار من بعد؛ وفى أيامه كانت الناحية فى يد أهل حضر موت؛ ويقول ابن خلدون (Kay، المصدر المذكور، ص 133) إن التخريب حدث سنة 619 هـ وقد أطلق على ظفار الجديدة اسم الأحمدية نسبة إلى مخربها. أما رواية أبى الفداء، التى فطن نيبور إلى ما وقع فيها من خلط (انظر ما تقدم، Beschreibung Niebuhr ص 236؛ وهومل Hommel, المصدر المذكور، ص 30 وما بعدها، مع إشارات إلى الكتب المتقدمة فى الزمن، وقد فصل نيبور هذا الخلط تفصيلًا أكثر، دون أن يخلو هو نفسه من الأخطاء) فقد قيل إن المدينة الساحلية، علاوة على ما سبق ذكره، تقوم على رأس خليج ولها تجارة مع الهند، وتكتنفها بساتين (انظر ابن الفقيه، المكتبة الجغرافية العربية، جـ 5، ص 109) ينمو فيها التانبول والكاكاو، ووصف ابن بطوطة مماثل لذلك (جـ 2، (ص 196 وما بعدها)، فقد أقلع حوالى سنة 730 هـ (1329 - 1330 م) من كلوة إلى ظفار بعد مضى أكثر من قرن على تدمير المدينة القديمة، وهو يقول إن المدينة كانت منعزلة تقوم فى واد فسيح الأرجاء (انظر ياقوت، جـ 4، ص 481)، ولكنه يدلى بملاحظات جديرة بالذكر عن البساتين الغنية والنبات (التانبول والكاكاو)، والأشجار المغلة للتوابل التى فى جوارها ومالها من شأن اقتصادى، وكانت ظفار التى وصفها ابن بطوطة مركز، تجاريًا مهمًا أيضًا. أما فيما يختص بالتاريخ القديم فيحق لنا أن نذكر هنا فرضًا عرضه كليزر، وهو أن ظفار هى القصبة الحبشية القديمة (انظر Skizze، ص 181؛ Hommel Ethnologie، ص 654)، ومن المحقق أنها مرت فى صدر القرون الوسطى، شأنها فى ذلك شأن جنوبى

بلاد العرب بصفة عامة، بفترة ساد فيها نفود الفرس؛ ومما له شأن فيما حدث فى تاريخ لاحق لذلك محاولة قام بها الفرس لغزوها سنة 664 هـ (1265 م). حين فتح الأمير محمود بن أحمد الكوسى، أمير هرمز، ظفار ونهبها، وسرعان ما تشاجر بعد ذلك سليم بن إدريس حاكم ظفار مع المظفر الحاكم الثانى للأسرة المظفرية، وقد أنزل جيش اليمن الهزيمة بجيش المظفر سنة 678 هـ (1727 م) واستسلمت ظفار (Kay، المصدر المذكور، ص 311، عن ابن خلدون، ص 132)؛ وفى زمن بطوطة كانت ظفار مستقلة برأسها عن اليمن. وكان ماركو بولو، معاصر أبى الفداء، قد سمع عن ظفار بوصفها من أهم موارد اللبان؛ ويفرق نيبور بحق (Beschreibung: Niebuhr، ص 226 و 263) بين المدينتين اللتين تحملان الاسم نفسه. ولكنه لم يستطع أن يعرف شيئًا عن المدينة الأخرى، اللهم إلا أنه كانت تقوم "على الساحل الجنوبى الشرقى لبلاد العرب مدينة ومرفأ" ظفار، وكذلك يذكر بيانات مماثلة (ص 286) حيث يشير إلى تصدير اللبان (ص 143 وما بعدها عن زراعة اللبان)؛ أما أول ما بلغنا من التفصيلات التى تتسم بدقة أكثر من ذلك عن هذه المنطقة فى الأزمان الحديثة فهى المعلومات التى زودتنا بها لجنة مسح الشواطى الإنجليزية؛ وقد جاء ولستد J. R. Wellsted إلى هناك أول ما جاء سنة 1833، وهو يصف مرباط والساحل الذى يمتد غربها (Travels in Arabia)، لندن جـ 2، ص 453 وما بعدها؛ Travels to the City of the Coliphs؛ ولندن 1840، جـ 2، ص 129 وما بعدها)، وقد ذهب كرتندن C.J.Cruttenden سنة 1837 برًا من مرباط إلى دهاريز، قصبة إقليم ظفار الساحلى (انظر Journal of an Excursion from Morebat to Dyreez, in Proceed. of Bombay Geogr. Soc. Transactions , . . [1844، ص 184 وما بعدها] وقد حقق ما أكده له فرسنل Fresnel نقلا عن مبلغه فى جدة وعن هاينز Haines بأنه لم تعد فى زمانه مدينة اسمها ظفار، بل إن الإقليم

الممتد من مرباط إلى ريسوت هو الذى يحمل هذا الاسم، وهو قول لا يزال صحيحًا؛ وفى الوقت نفسه تقريبًا عرف فرسنل (انظر مصنفه Lettro، جـ 4، المصدر المذكور، ص 251 وما بعدها) من محسن مستشاره فى المسائل اللغوية أن الخرائب القائمة فى البليد التى كان محسن قد زارها لا تزال تحتفظ بآثار لمجد مدينة قديمة اسمها ظفار (وربما كانت هى المنصورة)، وإنما يقوم فيها الآن ثلاثة بيوت أو أربعة، وقد أخطأ فرسنل فوهم أن ظفار هذه هى القصبة الحميرية (مثله فى ذلك مثل ابن خلدون وأن البليد هى ميناؤها، وقد ايد ولستد (Travels: Wellsted) الكابتن هاينز (Memoir of the . .South and East Coasts of Arabia: S. B. Haines فى J.R.G.S لندن 1845، جـ 15، ص 104 وما بعدها). واستمد ولستد بعض معلوماته من ملاحظات أبدتها بعثة هاينز ونشرت قبل الأوان دون إذن من هاينز (انظر Ritter، جـ 12، ص 608 والشاهد المذكور فى ص 654 وما بعدها (أما رواية كارتر (فى A Description of the frankincense trees of Arabia J.Bombay Br. R.A.S: G.j.Carter, فى لندن، 1848 جـ 2، ص 380 وما بعدها) فقد جاءت متأخرة جدًا عن ريتر (جـ 12، ص 356، وما بعدها)، حتى أنه لم يستطع استخدامها؛ وقد زودنا فيها كارتر بتفصيلات أخرى عن وجود شجرة اللبان؛ وأمدنا كليزر (Skizze، ص 180 وما بعدها؛ Abessinier، ص 184 وما بعدها) من استكشافاته الخاصة بعدة أماكن على الساحل تسمى ظفار ذكر معظمها فرسنل وكرتندن وهاينز. وقد اتسعت معلوماتنا عن سهل ظفار بفضل "بنت" الذى سافر سنة 1894 - 1895 بمحاذاة الساحل (انظر Bent: فصل Dhofar and the Gara Mountains من كتابه، ص 227 وما بعدها)؛ وهو يزودنا بأسماء عدة أماكن لم تكن معروفة من قبل، ويحدّد منطقة اللبان تحديدًا أكثر دقة، وهو يقول إن مساحتهما لا تزيد كثيرًا عن مساحة جزيرة وايت Wight, ووالى

الحافة هو فعلا سيد سهل ظفار، وإنما تتبع الأرض بالاسم فحسب سلطان عثمان باعتبار أنها ملحقة بإمامة مسقط (انظر أيضًا Abessinier: Glaser، ص 126)؛ ويذكر أيضًا ياقوت وابن المجاور وابن بطوطة (انظر ما تقدم) سلطان ظفار المستقل برأسه، ومن الرحالة المحدثين ذكر نيبور (المصدر المذكور، ص 287) "الشيخ المستقل" هناك ولم تقع المنطقة أبدًا تحت حكم الترك، وقد حبطت محاولة الترك التى قاموا بها فى أواخر القرن الماضى لإخضاع هذا الإقليم، ويقول بنت عن تجارة اللبان إنها قليلة الشأن، ويأتى بدو قرا (Abessiinier: Glaser، ص 185، يزودنا بالنطق المحلى لقرا وهو بسكون القاف لافتحها) باللبان من الجبال إلى الساحل على ظهور الجمال (وهذا يذكرنا بما قاله ياقوت، جـ 3، ص 577)؛ فقد رأى مخازن اللبان فى الحافة؛ ويخترق الطريق إلى الجبال منطقة مليئة بأشجار اللبان، والمنطقة غنية عامة بالخضروات، ولعل زراعة اللبان فى الأزمان القديمة لم تكن أكثر اتساعًا من ذلك بكثير، ونجد المر أيضًا فى الجبال، وهو يقول، مثلما قال كارتر، إن البدو كانوا يقيمون فى كهوف فى الجبال، وفى هذا تأييد حديث الرواية التى وردت فى كتاب Periplus, ويبدو أنهم هم ممثلو أهل البلاد الأولين، ولغتهم لا يفهمها العرب؛ وهذا يذكرنا بما قاله الإصطخرى والإدريسى وابن المجاور عن مهرى، وقد زاد كروفورد على ما جاء به بنت (The Dhofar District: C.Craufurd فى Geogr. Journal لندن فى صفحة 101 وما بعدها وصف الخرائب البليد). وكان كليزر أول من صرف همه إلى اللغة التى يتحدث بها أهل سهل ظفار وجباله (انظر Abessiniar، ص 184؛ وانظر فيما يتصل بنقله الدقيق لما ورد عن شحرات: Hommel: Ethnologie ص 153)؛ ويجب أن نلزم الحرص فى استعمال نماذج اللغة التى أوردها بنت (المصدر المذكور، ص 275 وما بعدها) وقد أخذ رودوكاناكيس N.Rhodokanakisa سلسلة من النصوص من فم مواطن من أهل البلاد فى فينا سنة

المصادر

1904، ونشرها (فى جـ 8 من Sudarabische Expedition، فينا 1908 alekt im(Der Vulgarara bische Di-Dofar (Zfar), ويشتمل المجلد العاشر (1911) على المفردات وقواعد النحو، وفى المجلد 7 من السلسلة نفسها نشر مولر D.H.Muller نصوصًا من لغة أهل التلال نقلا عن هذا المواطن نفسه (Shauritexte، 1907؛ وانظر أيضًا Studien Zur Shauri-M. Bitter Sprache، جـ 1 - 4 فى S.B.A.K.Wien (1915 - 1917). المصادر: سبق أن أوردنا بالتفصيل مصادر المعلومات التى استقيناها من المؤلفين العرب واليونانيين والرومان ومن مصنفات شبرنكو ومولر وكليزر وهومل؛ ونود أن نضيف فيما يتصل بـ (1) و (4) الإشارات إلى الكتب المتقدمة فى الزمن التى أوردها ريتر (Ritter جـ 12، ص 64 وما بعدها و 251 وما بعدها و 260 وما بعدها و 293 وما بعدها و 311 و 323 و 650 وما بعدها و 728 و 770 مع حالات كثيرة تعوزها الدقة نظرًا لعدم كفاية مصادره وقد ذكرت فى فهرس المجلد 13 تحت عشرة رءوس مختلفة)، وفى Arabien and die Araben seit 100 Johren: A. Lehme هال 1875، فى مواضع متفرقة؛ وفيما يتصل ب (1) J.H.Mor ي tmann وفيما يختص بـ (1) (4) انظر بحثى الكامل الذى اشتمل على كثير من التفصيلات فى Realenz-der Klass - Al-tertuinswiss: Pauly Wissowa Kroll، انظر تحت كلمة Saba (العمود 1372 وما بعده، و 1378 و 1372 وما بعده و 1437 وما بعده و 1461 وما بعده؛ وفيما يتصل بـ (4) انظر مقالات بنت The Explorotion of Southern Arabia Journ for the Advancement of Science: Bent فى Exploration؛ وما بعدها ص 492، 1895 of the Frankincense Country, Souther لندن 1895, Geojr. Journ فى جـ 6، ص 109 وما بعدها The Land of Nine فى Frank Myrrh Century incense and؛ 1895 ص 595 وما بعدها. صبحى [تكتش J.TKatsch]

ع

ع

عائشة بنت أبى بكر

عائشة بنت أبى بكر (*) زوجة النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] الثالثة وأحب زوجاته إليه، ولدت بمكة حوالى سنة 614 م، وأمها، "أم رومان" تنتمى إلى قبيلة كنانة. وقد كنّى محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] عائشة بأم عبد اللَّه نسبة إلى ابن أختها عبد اللَّه بن الزبير. وقصة زواجها بمحمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] هى أن خولة بنت حكيم، التى كانت فيما يبدو تساعد محمدًا [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فى تدبير أمور بيته، أوحت بهذه الفكرة. فقد حدث بعد وفاة خديجة بحين أن اقترحت خولة على النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] أن تزوج عائشة ابنة صاحبه الأكبر أبى بكر، وكانت تبلغ من العمر إذ ذاك ست سنوات؛ أو سودة بنت زمعة، وكانت أرملة فى الثلاثين من عمرها تقريبًا هاجرت مع نفر من المسلمين إلى الحبشة وتوفى زوجها هناك. ويقال إن محمدًا [-صلى اللَّه عليه وسلم-] سألها أن تدبر له زواج الاثنتين. وقد كان من المتفق عليه من قبل أن تتزوج عائشة جبير بن مطعم الذى كان أبوه على صلة من الود بالمسلمين على الرغم من بقائه على الوثنية. على أن الإجماع قد انعقد على التخلى عن هذه الفكرة، وخطبت عائشة للنبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-]. . . وقد أدى زواجه بعائشة إلى تقوية أواصر الصلة التى ربطت بينه وبين صاحبه الأكبر أبى بكر. ولم يتم زواج محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] بعائشة إلا بعد الهجرة (فى شوال، فى اليوم الأول أو الثانى من أبريل سنة 623 أو 624 م). وانتقلت عائشة إلى جناح فى بيت محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] الذى أصبح ¬

_ (*) توجد تعليقات تلى هذه المادة على ما جاء بها من آراء.

من بعد مسجد المدينة. ولا يمكن أن يكون عمر عائشة فى ذلك الوقت أكثر من عشر سنوات، وقد حملت معها لعبها إلى سكنها الجديد. وكان محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] يشاركها ألعابها فى بعض الأحيان. وكانت عائشة فيما يظهر فائقة الجمال طفلة وشابة، وظلت أحب زوجات النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] إليه حتى بعد بنائه بعدة نساء أخريات جميلات. على أن مركز عائشة بوصفها الزوجة الأولى فى المرتبة كان يرجع من بعض النواحى إلى مكانة أبيها فى المجتمع. وقد قامت أزمة حادة نجمت عن الحادث الذى وقع أثناء عودة النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] من غزوته لبنى المصطلق فى الشهر الخامس من سنة 627 م والتى صحبته فيها عائشة. ذلك أن عائشة خرجت عندما حطّت القافلة رحالها فى وقفتها الأخيرة قبل المدينة. لقضاء حاجة فأبعدت قليلا عن المعسكر، وسقط منها عقد فتلبثت بعض الوقت تفتِّش عنه. وكانت عائشة خفيفة الوزن حتى أن الرجال الذين كانوا يحملون هودجها إلى الجمل لم يحسوا بغيبتها، ومضت القافلة جميعًا فى طريقها قبل أن تعود إلى المعسكر. وجلست عائشة تنتظر حتى عثر عليها آخر الأمر صفوان بن المعطل السلمى، فعاد بها فى حراسته إلى المدينة، وكان ذلك (فى رأى البعض) زلة كبيرة فى الظروف التى كانت سائدة آنذاك، وخاصة أن الحجاب كان قد فرض على زوجات النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-]. وكثر القيل والقال وجسم الأمر، ولم يكن ذلك بفعل الأعداء الشخصيين لعائشة وأسرتها فحسب، بل بفعل عبد اللَّه بن أبىّ زعيم المنافقين أيضًا. ذلك أن هذا الرجل كان قد أعلن خلال الغزوة عن سخطه على ازدياد سلطان محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وهيبته. واتضح آخر الأمر أنه ما من شاهد قوى ينهض ضد عائشة، ونزل الوحى على النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] (سورة النور، الآية 11 وما بعدها) متضمنًا براءة عائشة ولوم أولئك الذين تقولوا عليها، وباء عبد اللَّه بن أبىّ بالخزى أمام الناس.

وقد بقى لنا عدد من الروايات عن عائشة ترجع إلى السنوات المتأخرة من حياة النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، وهى تصوره [بعد زواجهما] فى صورة المحب الصادق لها وتظهرها بمظهر المتعلقة به كل التعلق. على أن هذه الروايات لا تبرر الرأى الذى ذهب إليه لامنس (Le Triunrvirat M.F.O.B, Abou Bakretc: Lammens, جـ 4) بقوله: ومع ذلك فقد كان بين زوجات النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فيما يبدو حزبان، أحدهما تقوده عائشة وحفصة بنت عمر، وينتصر لسياسة أبويهما، والآخر تقوده أم سلمة من قبيلة مخزوم المكية. والراجح أن التنافس بين هذين الحزبين لم يكن له فى السياسة إلا أثر ضئيل. ولما أحس النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] بدنو أجله سأل زوجاته أن يتفقن على أن يأوى إلى حجرة عائشة ويخلد إليها. وراحت عائشة ترعاه فى أيام مرضه القليلة، ثم دفن فى أرض حجرتها، وكذلك دفن فيها أبو بكر وعمر. ولما زاد سلطان محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] زادت حياة زوجاته يسرًا وارتفعت مكانتهن فى المجتمع ولقبن بأمهات المؤمنين (سورة الأحزاب، الآية 5) (¬1)، وحرم عليهن الزواج بعد النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] (سورة الأحزاب، الآية 53). وهكذا ترك النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] عائشة أرملة لا عقب لها وقد بلغت من العمر حوالى ثمانية عشر عامًا، وظل أبوها يلى الخلافة سنتين، ثم وليها عمر عشر سنين. وكانت تربط عائشة بعمر علاقات ودية طيبة، وإن كانت لم تشارك على ما يبدو فى الشئون العامة على أنها شاركت بنصيب بارز فى المعارضة التى قامت فى وجه الخليفة الثالث عثمان، ولو أنها لم تكن على اتفاق مع جماعة المتمردين المسئولين عن مقتله ولا مع حزب علىّ. وقد أعلنت صراحة معارضتها لمقتل عثمان، ومع ذلك فإنها تركت المدينة إلى مكة قاصدة الحج. وقد رويت عدة بواعث لخروجها من الدينة إلى مكة فى هذه الأزمة. ولعل أهمها هو رغبتها فى أن تساعد فى مكة على تنظيم جماعة القوم الذين كانوا يرون رأيها. كان عثمان قد قُتل فى ذى الحجة ¬

_ (¬1) رقمها الآية 6 فى المصحف الشريف طبعة الأزهر.

المصادر

سنة 35 هـ (يونية 656 م)، وخرجت عائشة من مكة بعد ذلك بحوالى أربعة أشهر قاصدة البصرة فى ألف رجل من قريش منادين بأنهم يريدون الأخذ بثأر عثمان، وكان طلحة والزبير قد انضما إلى عائشة قبيل ذلك، وأصبح الثلاثة زعماء حركة تناهض عليًا، وقد استطاعوا أن يقبضوا على ناصية الأحوال فى البصرة، وخرج معهم كثير من مسلمى البصرة إلى أرباض هذا البلد ليلقوا عليًا الذى كان فى هذه الأثناء قد ترك المدينة إلى الكوفة وتقدم لملاقاتهم. وعرفت الوقعة التى التقى فيها الفريقان بوقعة الجمل (جمادى الآخرة سنة 35 هـ = ديسمبر سنة 656 م)، ذلك أن آخر قتال فيها دار حول الجمل الذى كان يحمل هودج عائشة، وانتصر علىّ وتفرَق جيش معارضيه، وأحسن على معاملة عائشة، ولكن طلحة والزبير فقدا حياتيهما. وعاشت عائشة بعد هذه الهزيمة حياة هادئة فى المدينة أكثر من عشرين سنة، ولم تشارك فى السياسة بعد مشاركة فعالة، ذلك أنها تصالحت مع علىّ ولم تعارض معاوية. ومع ذلك فقد ظل اعتراضها أو موافقتها على الأمور له بعض الوزن. وتوفيت فى رمضان سنة 58 هـ (يولية سنة 678 م). وقد وصفت فى الأزمنة المتأخرة بأنها كانت مثالا للتقوى. ولكن ليس من اليسير أن نتبين السند فى هذا القول. ويقال إن عائشة روت 1210 من الأحاديث النبوية الشريفة، على أن البخارى ومسلما لم يحتفظا من هذه الأحاديث إلا بثلثمائة حديث وحسب. ويقال أيضا: إنه كان لديها نسخ خطية من القرآن، كما أن قليلا من القراءات تعتمد على روايتها (Materials for the History of she Qoran: A. Jeffery، ليدن سنة 1927، ص 231 - 233). وكانت عائشة على بصر بالشعر وقدرة على روايته، كما عرفت بالفصاحة والدراية الواسعة بتاريخ العرب وغير ذلك من الموضوعات. المصادر: (1) ابن هشام، الفهرس (2) البلاذرى: أنساب الأشراف، جـ 5 (3) الطبرى، الفهرس (4) ابن الأثير، الفهرس

تعليق على مادة عائشة بنت أبى بكر

(5) ابن الأثير: أسد الغابة، جـ 5، ص 501 - 504 (6) ابن سعد: الطبقات، جـ 8، ص 39 - 56 (7) ابن حجر: الإصابة، جـ 4، ص 691 (8) المسعودى: مروج الذهب، جـ 4 (9) النووى، طبعة فستنفلد، ص 848 (10) أحمد بن حنبل: المسند، جـ 6، ص 29 - 282 (11) Das Leben Muhammads: F. Buhl فى مواضع مختلفة (12) Aishah the, Beloved of Mohammed: N. Abbott، شيكاغو سنة 1942. خورشيد [وات Montgomery Watt] تعليق على مادة عائشة بنت أبى بكر ذكر كاتب المادة أن النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] حين اقترحت عليه خولة بنت حكيم الزواج من عائشة بنت أبى بكر، أو من سودة بنت زمعة، طلب منها أن تدبر له الزواج من الاثنتين. والحق أن الذى أجاب به الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] خولة حين اقترحت عليه ذلك: "اذهبى فاذكريهما على"، ومعنى ذلك أن الأمر كان خطبة بالنسبة لعائشة لا زواجا، إذ كانت سنها حينذاك ست سنين كما ذكر الكاتب نفسه بعد ذلك. ووصف الكاتب لما وقع من تصرف عائشة حين تخلفت عن الركب وعثر عليها صفوان كان منها زلة كبيرة، فيه خروج عن أدب التعبير كنا نرجو أن يتنزه عنه، لاسيما وأنه ربط ذلك بفرض الحجاب على زوجات النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، إذ الثابت من الروايات أن عائشة حين قعدت على جانب الطريق تلتمس أن يشعر القوم بغيابها فيعودون للبحث عنها، وقد حرصت على أن تحتجب، ولم ير منها صفوان غير سوادها، وحين كلمها لم ترد عليه، وقرب لها البعير وأستأخر هو حتى ركبت وانطلق بها يقود البعير حتى أدرك القوم. وقد جانب الكاتب الصواب والواقع

عائشة بنت طلحة

حين قال: "لما زاد سلطان النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] زادت حياة زوجاته يسرًا ولقبن بأمهات المؤمنين". فمن المحقق أن النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] مات ولم يشبع من خبز الشعير وأن نساءه كن يضقن بتلك الحياة المتقشفة، أما تلقيبهن بأمهات المؤمنين فهذا أمر طبيعى إذ كن بمكانة الأمهات حقًا للمؤمنين يتلقين عن رسول اللَّه [-صلى اللَّه عليه وسلم-] ويلقّن الناس ما تلقين. واشتط الكاتب مرة أخرى وخالف إجماع المؤرخين حين قال: "وقد وصفت فى الأزمنة المتأخرة بأنها كانت مثالا للتقوى، ولكن ليس من اليسير أن نتبين السند فى هذا القول" والحقيقة التى ذكرها جميع من أرّخوا لعائشة أو تعرضوا لحياتها أن تقواها واستقامتها كانت معروفة مشهورة لا فى الأزمنة المتأخرة بل من أول حياتها حتى لقد قال فيها النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-]: "خذوا نصف دينكم عن هذه الحميراء". وقال فيها عمر الفاروق: "وما جربنا عليها سوءًا قط"، وكان حديث صلاحها وتقواها وعبادتها يملأ أرجاء المدينة ويسرى فى جميع البلاد الإسلامية منذ زواجها بالنبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] حتى أتاها اليقين. محمد كامل البنا عائشة بنت طلحة من أعظم نساء العرب شهرة، فهى بنت صحابى هو طلحة بن عبيد اللَّه التيمى الذى كان قد نال صيتًا بعيدًا، وحفيدة أبى بكر من ناحية أمها أم كلثوم، وابنة أخت عائشة أحب زوجات النبى -صلى اللَّه عليه وسلم- وقد جمعت عائشة بين شرف المولد والروح الطاغية والجمال النادر الذى حرصت على أن يكون موضع التفات الناس. وكانت بالفطرة امرأة ذات دلال أغرت شعراء الغزل بمديحها (عمر بن أبى ربيعة، جـ 1، ص 80؛ كثير عزة، انظر ابن قتيبة: الشعر، ص 322؛ عروة بن الزبير، انظر الأغانى، جـ 10، ص 60)، وعرفت كيف تستغل على أوسع نطاق الانفعالات التى كانت تثيرها فيهم. بل لقد كان من شأنها أن تسببت فى عزل والى مكة الحارث بن خالد المخزومى الذى وافق على أن يؤجل وقت الصلاة حتى تنتهى من طوافها (الأغانى، جـ 3، ص 100، 103، 113؛ وانظر الجاحظ: البغال،

المصادر

طبعة بيلا Pellat، الفصل 20، والأغانى، جـ 10، ص 60، عن الحكاية التى تروى عن الحاشية النابهة التى وافق الخليفة على أن تصحبها فى حجها). وتعد عائشة من "المتزوجات" اللائى كان لهن أكثر من زوج، فقد تزوجت على التعاقب ابن عمها عبد اللَّه بن عبد الرحمن بن أبى بكر، ومصعب بن الزبير، ثم تزوجت بعد وفاة مصعب، عمر بن عبيد اللَّه بن معمر التيمى. ولسنا نعرف تاريخ وفاتها. المصادر: (1) ابن قتيبة: المعارف، القاهرة 1353 هـ = 1934 م، ص 102 - 103 (2) ابن سعد: الطبقات، جـ 8، ص 342 (3) البلاذرى: أنساب الأشراف، جـ 11، ص 16 , 504 - 405، 222 (4) محمد بن حبيب، المحبّر، حيدر آباد، 1361 هـ = 1942، ص 66، 100، 442 (5) الأغانى: الفهارس (6) النووى: التهذيب، ص 850 (7) Culturgesch. des Orients tinier den Chalifen: A. von Kremer, جـ 1، ص 29، جـ 2، ص 99. خورشيد [بيلا Ch. Pellat] عائشة المنوبية ولية تونسية من أعيان القرن السابع الهجرى، الثالث عشر الميلادى)، اسمها عائشة بنت عمران بن الحاج سليمان. وشهرتها المنوبية التى عرفت بها نسبة إلى قرية المنوبة التى نشأت بها، على مسيرة خمسة أميال غربى تونس. وعرفت عائشة أيضًا، وخاصة فى تونس بلقب التشريف السيدة. وقد سكت المؤرخون المحدثون للدولة الحفصية التى عاشت الولية فى ظلها سكوتًا مطلقًا عن الكلام بشأنها، ومع ذلك فإن بين أيدينا ديوانا صغيرا عن مناقبها كتب بأسلوب أثر العامية فيه كبير بقلم كاتب مجهول هو بالأمى أشبه. والظاهر أن هذا الكاتب قد أفاد من ديوان آخر نظمه فى حياة الولية أو

بعيد وفاتها إمام مسجد المنوبة. وقد أظهرت عائشة وهى بعد فتاة صغيرة كرامات ترهص بولايتها المقبلة. ولما بلغت سن الزواج وجدت أن الزواج يحول بينها وبين تحقيق رسالتها للصوفية فأبت أن تنصاع لرغبة والديها فى تزويجها من ابن عمها، وهربت إلى تونس حيث لجأت إلى "قيسارية" (وهى نوع من خانات القوافل) خارج باب الفلاق العتيق (جنوبى شرق تونس، وقد عرف من بعد بباب الجرجانى)، وهنالك قضت حياتها تنعم بشهرة عظيمة فى الولاية، وخاصة بين الطبقات الدنيا، ولو أن بعض فقهاء الشريعة أظهروا لها العداوة وتقول الروايات الشفهية أنها أخذت العهد على الصوفى المشهور أبى الحسن الشاذلى الذى كان فى حياتها يقيم فى تونس، ولكن لم ترد أية إشارة إلى ذلك فى مناقب هذا الولى، ولا فى مناقب مريديه. وتوفيت عائشة فى سن عالية فى 21 رجب سنة سنة 655 (20 أبريل سنة 1257) أو فى 16 شوال سنة 653 (19 نوفمبر سنة 1255) ودفنت فى مقبرة نسبت إليها فعرفت بمقبرة الشرف؛ وقد حدث فى أوائل هذا القرن أن اعتقد رجل من غلاة مريديها أنه عثر على قبرها؛ وأقام هناك ضريحًا خشبيًا لم يلبث أن أصبح مزارًا لنساء تونس على أن المكان الذى عاشت فيه هذه الولية مضى يجتذب إليه المؤمنين بها، وخاصة النساء، وهو يحمل اليوم اسم المنوبية، وقد نشأت طائفة من المبانى حول القيسارية على مدى القرون، تشتمل على منبر، وحجرات للزوار، ومساكن خاصة، بل بعض الحوانيت. وزيارة (ميعاد) الضريح تكون للرجال أيام الخميس، وللنساء أيام الاثنين. وكذلك أسبغ على البيت القائم فى القرية التى ولدت فيها عائشة توقيرًا خاصًا، ذلك أنه تحول فى عهد محمد الصادق (1859 - 1882) الباى الحسينى إلى عمارة ضخمة تضم زاوية، ومساكن خاصة، وصحنا واسعًا مغطى كانت تجتمع فيه الرباطات الدينية. أما فى وقتنا الحاضر الذى ضعف فيه الاعتقاد فى الولاية. فقد هجرت هذه المبانى القائمة فى المنوبة. وقد نظم فى مدح السيدة لالا عائشة

المصادر

المنوبية كثير من الشعر الدينى باللهجات العربية، وساق لنا سونِّك Chants arabes du Maghreh: Sonneck). جـ 1، ص 5 - 7؛ جـ 2، ص 36 - 39) شواهد من هذا الشعر. وأصبح اللقبان المنوبية والسيدة يطلقان فى كثير من الأحوال على البنات، وخاصة فى تونس، بل إن لقبًا من ألقاب الذكور، وهو المنوبى، قد اشتق من نسبة هذه الولية. المصادر: (1) كاتب مجهول: مناقب السيدة عائشة المنوبية، تونس 1344 هـ = 1925 م، فى 44 صفحة (وثمة مخطوطات كثيرة من هذه الرسالة موجودة فى تونس نفسها) (2) محمد الباجى المسعودى: الخلاصة النقية فى أمراء إفريقية، تونس 1323 هـ = 1905، ص 64 (3) ح. ح. عبد الوهاب: شهيرات التونسيات، تونس 1353 هـ = 1934، ص 77 - 78 (4) Hafsides: Brunschvig، جـ 2، ص 329. خورشيد [ح. ح عبد الوهاب] عائشة بنت يوسف بن أحمد بن ناصر بن خليفة الباعونية: هى الأخت الصغرى لمحمد بن يوسف الباعونى عاشت سنة 922 هـ (1516 م) فى حلب، ولكنها نزحت إلى القاهرة وأقامت فيها منذ سنة 929 هـ (1523 م) وتوفيت فى دمشق. وتظهر موهبتها الشعرية من قصائد قلائل نظمتها (Verz.d. Ardb Hass. d. Kgl. Bibliothek Zu Berlin: Ahlwardt، (برلين رقم 7933، 1 - 3) و"بديعية" وهى قصيدة تشتمل على نماذج من البلاغيات تعرف باسم "الفتح المبين لمدح الأمين" (المصدر نفسه، رقم 7378؛ Supplemet to the Catal. of Arab. Mss: Rieu، رقم 985، جـ 6، in the Brit Museum Catal . . . Brill: Houtsina، رقم 64). ومخطوط الأذكار للنووى، المحفوظ فى مكتبة الجامعة بلبيسك، بخطها (Leipzig Catal.: Vollers, جـ 2، ص 51). وتجد سيرتها فى "السفينة" المجهولة المؤلف (المصدر نفسه، رقم 684).

عاتكة

عاتكة سيدة مكية، وهى ابنة زيد بن عمرو الحنيف، وأخت سعد بن زيد من عشيرة عدى بن كعب. وكانت عاتكة من السابقين إلى الإسلام، اشتركت فى الهجرة. وتزوجت أولا: عبد اللَّه بن أبى بكر، فلما توفى تزوجت عمر بن الخطاب (سنة 12 هـ = 633 م فى رواية الطبرى، جـ 1، ص 2077) وأعقبت منه ولدًا اسمه عياض (ابن سعد جـ 3، قسم 1، ص 190). وقُتل عمر فتزوجت الزبير بن العوام الذى رثته بعد مماته بقصيدة يستشهد بها كثيرًا (ابن سعد، جـ 3، قسم 1، ص 79 وما بعدها). ولم تلبث القصة الحزينة لهذه المرأة الجميلة وأزواجها الذين انتهت حياتهم بمأساة، أن استحالت رواية خيالية جملت بقصائد موضوعة فى الحب والرثاء. المصادر: (1) ابن سعد، جـ 8، ص 193 - 5؛ جـ 2، قسم 2، ص 97 (2) ابن قتيبة: عيون الأخبار، جـ 4، ص 114 (3) ديوان الحماسة، طبعة فريتاغ، ص 493 (4) الأغانى، الطبعة الأولى، جـ 16، ص 133 - 135 (5) العينى، جـ 2، ص 278 (6) خزانة الأدب؛ جـ 4، ص 351 وما بعدها. خورشيد [فوك J.W.Fuck] عاد قبيلة قديمة يتردد ذكرها كثيرًا فى القرآن، وقد روى تاريخها فى إشارات متناثرة. وكانت عاد أمة شديدة البأس عاشت بعد زمن نوح مباشرة، وأصبحت ذات قوة واستكبار بفضل رخائها العظيم (سورة الأعراف، الآية 68؛ سورة فصلت، الآية 15) وقد ذكرت منشآت عاد فى القرآن (سورة الشعراء، الآيتين 128، 129) جاء فى الآية 7؛ من سورة الفجر عبارة: "إرم

ذات العماد". ويستدل من الآية 21 من سورة الأحقاف أنهم كانوا يسكنون الأحقاف، أى كثبان الرمل. وقد عاملوا الرسول الذى أرسل إليهم، وهو أخوهم هود بمثل ما عامل المكيّون محمدًا [-صلى اللَّه عليه وسلم-] من بعد سواء بسواء، فأرسل اللَّه عليهم ريحًا صرصرًا عاتية صرعتهم إلا هودًا وقلة من المتقين (سورة الأعراف؛ الآية 72، سورة فصلت، الآية 16؛ سورة القمر الآية 18، 19؛ سورة الحاقة، الآية 6). وأخيرًا تذكر الآية 58 من سورة هود قحطًا قاسوا منه. ومن هذه الآيات نسجت قصص الأنبياء من بعد روايات مترابطة عن عاد. ولا نستطيع أن نبين على وجه اليقين ما وراء القصة القرآنية لعاد من روايات أخرى قديمة. وقد عرف الشعراء القدامى عادًا فقالوا إنها أمة قديمة بادت (مثل طرفة، جـ 1، 8، المفضليات، جـ 8، 40، ابن هشام، جـ 1، ص 468، وانظر زهير 20، 12، ولقمان) ومن ثم جاء القول المأثور "من عهد عاد". وقد جاء ذكر ملوكهم فى ديوان الهذليين (جـ 80، 6) وفطنتهم فى ديوان النابغة (25، 4). وماذكر عن الأحمر العادى فى معلقة زهير (البيت 32) يستحق النظر، ذلك أن القصة الإسلامية تربط بين قدار الأحمر وثمود. أما مسألة: هل وجدت حقًا أمة تسمى عاد وفى أى مكان عاشت؟ فلاتزال بلا حل. وأنساب قوم عاد التى قال بها العرب لا قيمة لها بطبيعة الحال، وكذلك قولهم بأن هؤلاء القوم كانوا ينزلون الصحراء البلقع بين عمان وحضرموت. والقول بأن إرم هى أرم الذى أخذ به العرب وعدد من العلماء المحدثين بعيد الاحتمال. وقد زعم لوث Loth بأن عاد هى القبيلة المعروفة إياد. على أن شبرنكر Sprenger يفتش عن عاد بين الأوديين Oadites الذين كانوا فى رواية.

المصادر

بطلميوس يسكنون فى الشمال الغربى من جزيرة العرب. ويذكرنا هذا بعين إرم فى الحسمة (الهمدانى، صفة جزيرة العرب، ص 126، Die alte Geogr. Arabiens: A.Sprenger فصل 207، Arabie Petraea: A.Musil جـ 2/ 2، ص 128). وقد كشفت أعمال التنقيب فى المعبد النبطى الذى يرجع إلى القرن الثانى الميلادى فى جبل رم على مسيرة خمسة وعشرين ميلا شرقى العقبة، عن نقوش نبطية تجعل اسم المكان أرم. وقد ربط سافيناك Savignac بين هذا المكان وإرم على نحو منطقى يستسيغه العقل جدًا (انظر H.W.Glidden فى B.A.S.O.R، رقم 73، سنة 1939، ص 83). ورم يمكن أيضا أن يكون إرم التى ذكرها الهمدانى، وأرموه التى ذكرها بطلميوس. على أن فلهاوزن قد بين أن القول المأثور "من العاد" يرد أيضًا بدلا من "من عهد عاد"، ومن ثم ذهب إلى أن عاد كانت فى الأصل اسم جنس (أى الزمن القديم والصفة منه عادى أى قديم جدًا) وأن هذه الأمة الأسطورية نشأت من تفسير خاطئ لهذا التعبير. المصادر: (1) الطبرى، جـ 1، ص 231. (2) الهمدانى: صفة جزيرة العرب، ص 80. (3) Das Leben and die Lehre des Mohammad: A.Sprenger، جـ 1، ص 505 - 518. (4) المؤلف نفسه: Die alte Geogr. Arabiens، الفصل 199. (5) Essai sur L'histoire des Arabes avant L'islamisme: Caussin de Perceval، جـ 1، ص 259. (6) Le Cults d'Aphrodite-Aphrodite-Anahita chez le Arabes du paganisme: E. Blochet، سنة 1902، ص 27 وما بعدها. (7) O.Loth فى Z.D.M.G سنة 1881، ص 622 وما بعدها. (8) J.Wellhausen فى G.G.A، سنة 1902، ص 596، والمؤلف نفسه، الواقدى ص 24. (9) Koranische Unter Suchungen: J.Horovitz، برلين ليبسك سنة 1926، ص 125.

1 - الملك العادل أبو بكر محمد بن أيوب

(10) جواد على: تاريخ العرب قبل الإسلام، بغداد سنة 1951، ص 230 - 237 (11) وانظر عن عادى بمعنى جبار: الأغانى على سبيل المثال، جـ 2، ص 182 (12) ابن قتيبة: الشعر، ص 217. (13) تعليق على كتاب الكامل للمبرد بقلم رايت Wright، ص 297. خورشيد [بول F.Buhl] العادل لقب أميرين من الأمراء الأيوبيين: 1 - الملك العادل أبو بكر محمد بن أيوب الملقب بلقب التشريف سيف الدين، ويسميه الصليبيون "سفدين" Saphadin: أخو صلاح الدين ومساعده ووريثه الروحى، ولد فى المحرم سنة 540 (يونية - يولية سنة 1145) أو فى سنة 538 (1143 - 1144 م) فى قول روايات أخرى، بدمشق أو ببعلبك، ومن ثم فإنه كان يصغر أخاه المشهور بست سنوات أو ثمانى سنوات. وقد صحب العادل صلاح الدين عند قدومه إلى مصر فى حملة شيركوه الثالثة والأخيرة سنة 564 هـ (1169 م) وكان أول منصب هام عين فيه هو ولاية أمر مصر أثناء تغيب صلاح الدين فى فترات كثيرة بالشام بعد وفاة نور الدين سنة 569 هـ (1174 م). وقد أثبت فى منصبه هذا أنه حاكم مقتدر مخلص. وأنفذ العادل أمدادًا ومؤنًا إلى جيش صلاح الدين عندما طلب منه ذلك، ثم هو قد مارس سلطات كاملة على استقلال، فى الأمور الخارجية والداخلية، حتى غدا السلطان الحقيقى لمصر (عماد الدين: البرق الشامى، جـ 5، ص 1171). ولما فتحت حلب سنة 579 هـ (1183 م)، ولى عليها صلاح الدين أول الأمر ابنه الظاهر غازى، وبعد ذلك ببضعة أشهر رجاه العادل أن يوليه عليها، فولاه وفوضه سلطات كاملة فى حكمها (إجازة فى عماد الدين: كتابه المذكور، ص 124 - 146، وتاريخها شهر

شعبان سنة 579) وأقام ابن أخيه تقى الدين عمر على مصر نائبًا للسلطان الأفضل صحيح أن الظاهر خضع فى ولاء لما حكم به أبوه، إلا أن خيبة أمله فى ذلك كانت فيما يرجح السبب فى توتر العلاقات من بعد بينه وبين العادل. على أنه حدث بعد ذلك بثلاث سنوات، أى فى سنة 582 هـ (1186 م) أن عاد العادل فاقترح على صلاح الدين أن يقيم الظاهر على حلب مرة أخرى، وأن يعود هو إلى حكم مصر، فتم ذلك وأصبح العادل نائبًا للسلطان العزيز عثمان بن صلاح الدين وظل العادل يلى هذا المنصب خلال الحملات التى شنت ما بين سنتى 583 و 584 هـ (1187 - 1188) وفى الحملة الصليبية التالية، وكان له شأن فى غزو جنوبى فلسطين والكرك، وقد أنفذ سفنًا ورجالًا ومؤنًا لدعم محاولة صلاح الدين رفع الحصار عن عكا. وكان للعادل أيضًا شأن خطير فى القتال الذى دار بعد ذلك فى فلسطين، إذ اشترك فى المفاوضات التى دارت مع ريتشارد قلب الأسد وبلغ من متانة الصداقة التى أقامها معه أن اقترح أن يتزوج العادل أخت ريتشارد جوان وأن يشتركا معًا فى حكم فلسطين. وفى السنة التالية (588 هـ = 1192 م) انتهت الاضطرابات التى نشأت من الحملات التى شنها تقى الدين من تلقاء نفسه على الجزيرة وديار بكر، بعودة العادل إلى حكم هذه الولايات مع احتفاظه فى الوقت نفسه بالكرك والبلقاء. ولعلنا نستشف من وراء هذه التغييرات فى المناصب سياسة موصولة الحلقات رسمها صلاح الدين. فقد كان العادل من دون إخوته جميعًا هو موضع ثقته الكبرى وعلى مشورته يعتمد فى كل الطوارئ. ومن ثم كان من الطبيعى أن يلى العادل أمر هذه الولاية التى كانت آنئذ، وفى خضم هذه الأحداث المتقلبة، لا غنى عنها قط فى دعم وحدة أهلاك صلاح الدين والاحتفاظ بقوتها. وكانت أول مهمة واجهت العادل بعد وفاة صلاح الدين سنة 589 هـ (1193 م) هى القضاء على المحاولة التى قام بها عز الدين أتابك الموصل لانتزاع الجزيرة من الأيوبيين. وقد

مكّن العادل لنفسه فى ولايته هو، ثم توسط فى المنافسات التى دبت بين ابنى صلاح الدين: العزيز صاحب مصر، والأفضل، صاحب دمشق. وانتصر العادل أول الأمر للأفضل، ثم تجلى عجز الأفضل للأعين فانحاز آخر الأمر للعزيز لطرد الأفضل، وتولى هو نفسه حكم دمشق نائبًا للعزيز سنة 592 هـ (1196 م) وقد مكنه ذلك من أن يكون فى ميدان الحوادث متأهبًا لمواجهة الصليبيين مواجهة فعالة سنة 1197 م. فلما توفى العزيز سنة 595 هـ (1198 م) انقسمت الجيوش المصرية حزبين، حزب ينتصر للأفضل وحزب ينتصر للعادل. العادل فى دمشق حتى رفعت عنه الحصار جنوده فى أرض الجزيرة بقيادة ابنه الكامل، ومضى هو يطارد الأفضل إلى مصر وهزمه ونودى به سلطانًا على مصر والشام سنة 596 هـ (1200 م) ونازعه على السلطنة الظاهر، إذ عاد إلى حصار دمشق، على أن العادل نجح فى حمله على الارتداد عنها، وطارده إلى حلب حيث اضطر الظاهر أخيرًا إلى الاعتراف بسلطانه سنة 598 هـ (1202 م) وفى سنة 604 هـ (1207 م) أقر الخليفة سلطنته، فعمد من بعد إلى توزيع ولاياته على أبنائه فخص الكامل بمصر، والمعظم بدمشق، والأوحد بالجزيرة، والأشرف بديار بكر، وراح هو يتنقل من مكان إلى مكان وفق ما تمليه الظروف. وبقدر ما تهيأ لنا من أسباب الحكم على العادل، نقول إن عماد سياسته كان يقوم على الحفاظ على وحدة إمبراطورية صلاح الدين وتماسكها أمام الأحتمال الذى كان ماثلا دائمًا وهو قيام الصلييبن بحملة أخرى تأتى من وراء البحار؛ ثم خدمة مصالح البيت الأيوبى فى الوقت نفسه. ومع أن العادل وكل أمر مناصب الحكم الكبرى لأبنائه، فإنه لا يستطيع منكر أن يمارى فى أنهم كانوا كفاة كل الكفاية فى تولى أمرها، وإن كان قد ثبت فى ولاية حلب الابن الوحيد لصلاح الدين الذى أبدى شيئًا من الكفاية بل هو قد تعهد بأنه يخلفه ابنه فى ولايته، زد على ذلك أنه ثبت أيضا الأقرباء فى ولاية حمص وحماه وكانت هيبة العادل الشخصية

المصادر

فوق الجميع، وقد استغلها فى الارتفاع برعاياه ماديًا ومعنويًا وذلك برعاية الدين والعلم، وتشجيع الثقافة والتجارة، ودعم السلام والأمن. وجرى على سياسة صلاح الدين بعقد معاهدات تجارية مع الدول الإيطالية مستهدفًا غرضين الأول: زيادة موارد العسكرية؛ والثانى تثبيط همة هذه الدول عن تأييد حروب صليبية أخرى. أما الدويلات الصليبية المحلية فقد أقر السلام معها بعقد سلسلة من المهادنات كادت أن تغطى مدة حكمه كلها، وكذلك عمد فى الوقت نفسه إلى تقوية حصونه تأهبًا لدفع الخطر الذى تحقق بوصول الحملة الصليبية الخامسة سنة 614 هـ (1217 م). وقد ترك العادل قوام جنوده لحراسة مصر، وشخص هو إلى الشام لمعاونة المعظم على سد مشارف بيت المقدس ودمشق، وداهمه المرض وهو يجهز الإمدادات للدفاع عن دمياط فى عالقين بظاهر دمشق فى السابع من جمادى الأولى. سنة 615 هـ (31 أغسطس سنة 1218 م). المصادر: (1) أبو شامة: كتاب الروضتين، القاهرة سنة 1287 هـ، فى مواضع مختلفة (2) ذيل الروضتين، القاهرة سنة 1366 هـ/ 1947 م، ص 119 - 113 (3) ابن خلكان، وفيات الأعيان، رقم 665 (4) سبط بن الجوزى: مرآة الزمان، ص 390 - 392 (5) ابن تغرى بردى: النجوم الزاهرة، جـ 6، فى مواضع مختلفة (6) المقريزى: السلوك، جـ 1، القاهرة سنة 1934، ص 58 - 194 (6) كمال الدين بن العديم: تاريخ حلب (ترجمة BIochet, باريس سنة 1900) ص 82 - 158 (7) L'Egypte arabe: G. Wiet، باريس سنة 1937، ص 318 - 347 (8) التواريخ العامة للحرب الصليبية الثالثة 2 - الملك العادل الثانى أبو بكر سيف الدين ابن الملك الكامل وحفيد العادل

المصادر

صاحب الترجمة الأولى، ولد سنة 617 هـ (1221 م)، وخلف الكامل فى حكم مصر سنة 635 هـ (1238 م)، ولكن أخاه الأكبر الصالح أيوب خلعه سنة 637 هـ (1240 م)، ومات فى محبسه بالقاهرة فى الثانى عشر من شوال سنة 645/ 9 هـ (فبراير سنة 1248). وانظر مادة "الأيوبيون". المصادر: (1) ابن خلكان: وفيات الأعيان رقم 666 (2) سبط بن الجوزى، ص 466 - 485 (3) ابن تغرى بردى: النجوم الزاهرة، جـ 6، ص 303 (4) المقريزى: السلوك جـ 1، ص 223 - 341. خورشيد [كب H.A.R Gibb] العادل ابن السلار، أبو الحسن على: وزير فاطمى، كان ابن عامل أرتقى دخل فى خدمة الفاطميين بعد أن استولى المصريون على بيت المقدس سنة 491 هـ (1098 م)، وتزوج من أرملة أمير من بنى زيرى مات فى منفاه بالإسكندرية. وقد ظهر أول ما ظهر على صفحات التاريخ واليًا على الإسكندرية فى مستهل عهد الخليفة الظافر الفاطمى، ونحن نعلم أنه جمع جندًا وتقدم بهم إلى القاهرة. وفى السابع من شعبان سنة 544 (10 ديسمبر سنة 1149) أقام نفسه فى دار الوزير الذى كان قد هجرها سلفه الشيخ المسن ابن مصال الذى قتل فى مصر العليا فى التاسع عشر من شوال (19 فبراير سنة 1150 م) ومع أن الخليفة الظافر كان ينفر منه، إلا أنه لم يجد بدا من أن يقبل وزارته مع تلقيبه بالملك العادل. وسعى الخليفة إلى تدبير مؤامرة لوزيره، ولكن العادل اشتم رائحة المؤامرة فانتقم انتقامًا دمويًا بالقضاء على فصيلة العلمان. ولم يمض على ذلك وقت طويل حتى وقع هو فريسة لربيبه عباس بن أبى الفتوح فقد كلف عباس

المصادر

ابنه نصرًا باغتيال ابن السلار فى اليوم السادس من المحرم سنة 548 (3 أبريل سنة 1153)؛ ونفذ نصر الجريمة بيده هو، وأنبأ أباه بنبأ الاغتيال مرسلا إليه حمامة من الحمام الزاجل، وكان عباس قد فرغ لتوه من تولى قيادة حامية عسقلان. وبادر عباس بالعودة إلى القاهرة لتولى منصب الوزير. ومن الأمور الهامة فى سيرة ابن السلار السياسية أنه كان أول من درس احتمال عقد اتفاق ودى مع أمير حلب نور الدين بغية التعاون على الفرنجة. وكانت هذه الخطوة بلا شك سابقة لأوانها، ذلك أن نور الدين كانت له أطماعه الخاصة فى دمشق التى كان الصليبيون قد حاصروها قبل ذلك ببضع سنين. وإثباتًا لحسن نيته كان ابن السلار قد أنفذ سنة 546 هـ (1151 م) أساطيله المصرية لضرب ثغور يافا وصيداء وبيروت وطرابلس فألحقت بها ضررًا كبيرًا، وكانت هذه الحملة أيضًا انتقامًا من الفرنجة لنهبهم الفرما قبل ذلك بعام المصادر: (1) ابن ميسر، ص 89 - 92 (2) ابن تغرى بردى: النجوم الزاهرة، القاهرة، جـ 5، ص 288 - 299 (3) أسامة بن منقذ ترجمة درنبورغ، الفهرس (4) Precis de L'histoire d'Egypte: G. Wiet، جـ 2، ص 193 - 194 (5) المؤلف نفسه: Hist de la Nation Egyptienns، جـ 4، ص 278 - 284. خورشيد [فيت G. Wiet] العادلشاهية لقب البيت الإسلامى الذى حكم بيجابور وهى مملكة من الممالك التى ورثت حكم مملكة الدكن البهمنية. ويمتد التاريخ المستقل لبيجايور من سنة 895 - 1097 هـ (1489 - 1686 م) حين فتحت هذه المملكة واستوعبتها إمبراطورية المغول. وكان رأس هذا البيت يوسف عادل خان مولى فى

خدمة محمود كوان الوزير البهمنى المشهور. ولما رقى إلى منصب صاحب الخيل فى البلاط البهمنى ولى يوسف أصر الولاية الإقليمية دولت آباد. وشارك بنصيب فعال فى المؤامرات والفتن التى اشتهرت بها أيام اضمحلال المملكة البهمنية، ويقول المؤرخ فرشته إن يوسف هو الذى جعل الخطبة باسمه سنة 895 هـ (1489 م). ويزعم المؤرخون المسلمون لهذا البيت أن يوسف عادل خان له نسب سلطانى، إذ يقررون إنه كان ابن السلطان العثمانى مراد الثانى، وأن أنقذته من الموت على يد السلطان العثمانى الذى خلف مرادًا الثانى. فقد تركته أمانة فى عنق تاجر من ساوة يدعى خواجه عماد الدين، وتولى هذا التاجر تعليمه واستطاع آخر الأمر أن يلتمس طريقه إلى الهند ليدخل فى خدمة محمود موان. وليس ثمة شاهد قائم برأسه يؤيد شهادة المؤرخين المنحزبين لبيت لعاد الشاهية. ومع ذلك فإن القول بأصل يوسف الفارسى أمر مسلم به عامة. وقد أدخل يوسف عقائد الشيعة فى البلاد، فكان بذلك أول حاكم مسلم للهند فعل هذا الفعل. وفى عهده (895 - 916 = 1489 - 1510 م) الذى كاد ينفقه كله فى حرب متصلة مع أمراء الدكن المسلمين المنافسين له ومع أمراء فيجاينكر الهندوس، ظهر البرتغاليون تجاه شواطئ الهند واستولوا على ميناء كوا. وتعاقب على حكم المملكة بعد يوسف عادل شاه الملوك الآتية أسماؤهم: إسماعيل بن يوسف 916 - 941 هـ (1510 - 1534 م). ملو بن إسماعيل 941 - 941 هـ (1534 - 1535 م). إبراهيم الأول بن إسماعيل 941 - 965 هـ (1535 - 1557). على الأول بن إبراهيم 965 - 987 هـ (1557 - 1579 م). إبراهيم الثانى بن طهماسب بن إبراهيم 987 - 1035 هـ (1579 - 1626 م). محمد بن إبراهيم 1035 - 1066 هـ (1626 - 1656 م). على الثانى بن محمد 1066 - 1083 هـ (1656 - 1672 م).

سكندر بن على 1083 - 1097 هـ (1672 - 1686 م). وحتى بداية القرن الحادى عشر الهجرى (القرن السابع عشر الميلادى) وظهور خطر المغول وتهديدهم من ناحية الشمال، حفل تاريخ بيجابور السياسى بالقتال المتصل بين العادلشاهية والدوبلات الإسلامية المجاورة لهم: الدكن، وبيدار، وكلكنده، وبينهم وبين إمبراطورية فيجاينكر الهندوسية ومع ذلك فقد حدث سنة 972 هـ (1564 م) أن اجتمعت الإمارات الإسلامية الأربع على فيجاينكر وألحقت بجيوشها عند تاليقوط هزيمة منكرة ونهبت قصبتها وبلغت بيجايور عز سلطانها وأوج رخائها فى عهد إبراهيم الثانى، ولو أنها لم تبرأ قط من المشاغبات التى نشبت بين أشرافها. وغابت بيجايور عن التفات المغول المباشر حتى عهد شاه جهان ساعية بيقين إلى انتزاع أملاك من مملكة أحمد نكر التى كانت تتهاوى تحت ضربات المغول. وتقاتلت بيجايور مع أحمد نكر، فغزا المغول بيجايور سنة 1046 هـ. (1636 م) ودانت بالولاء لهم. وظلت هذه المملكة تنعم بالسلام فى العشرين السنة التالية فلما توفى محمد عادل شاه سنة 1068 هـ (1656 م)، اعترض شاه جهان على أن يخلفه على عادل شاه الثانى، وأثار حقه فى الولاية على المملكة، وأمر أورنكزيب بغزوها. على أن الغزو توقف لما جاءت الأخبار بمرض شاه جهان، وبقيت المملكة إلى حين فحسب، لتواجه خطرا آخر أحدق بها على يد شيخ المراطها سيواجى الذى قضى على جيش لبيجايور كما قضى على قائده أفضل خان بإيقاعهما فى كمين سنة 1069 - 1070 هـ (1659 م). ومن ذلك الحين لم تكن بيجايور تنجو من تخريب المراطها إلا فى النادر ولما تولى أمرها الأمير القاصر سكندر عادل شاه، أخذ المغول والمراطها يجردونها شيئًا فشيئًا من ولاياتها حتى سقطت القصبة نفسها، بعد حصار دام نيفًا وعامًا، فى يد أورنكزيب سنة 1097 هـ (1786 م)، ودخلت بقايا المملكة فى غمار إمبراطورية المغول. وتوفى سكندر فى الأسر سنة 1111 هـ (1700 م).

المصادر

وكان العادلشاهية من أكابر المنشئين للعمائر، فقد جعلوا قصبتهم بيجابور من أروع البلاد تمثيلا لعبقرية العمارة الإسلامية فى الهند. وكانوا أيضًا رعاة عظامًا للكتاب، وقد كتب المؤرخ المشهور فرشته فى ظل من رعاية إبراهيم عادلشاه الثانى. المصادر: (1) Persian Literature: C. A. Storey جـ 2، ص 742 (2) Bijapur and its Architectural Remains: Henry Cousens فى Archaeological Survey of India، جـ 37، بومباى سنة 1916، ص 1 - 18 (3) Cambridge Hist. of India، جـ 3 الترك والأفغان)؛ الفصلان 16، 17؛ جـ 4 (عهد المغل)، الفصل 9؛ كمبردج سنة 1928، 1927 (4) History of Aurangzib: Sir Jadunath Sarkar، كلكتة سنة 1912 - 1924، جـ 4، الفصول 28 - 45 (5) محمد قاسم هندوشاه (قرشته): كلشن إبراهيمى (تاريخ فرشته)، طبعة Briggs, بومباى سنة 1831، جـ 2، ص 1 - 179. خورشيد [هاردى P. Hardy] عارف حكمت بك (1201 - 1275 هـ = 1786 - 1859 م)، وشيخ الإسلام من سنة 1261 - 1270 هـ (1845 - 1854 م) ومن أواخر شعراء المدرسة القديمة من الترك: وقد انحدر عارف حكمت من أسرة من أكابر الموظفين (كان أبوه إبراهيم عصمت: "قاضى عسكر" فى ظل السلطان سليم الثالث)، تولى منصب "ملا" بيت المقدس سنة 1251 هـ (1816 م) ثم القاهرة سنة 1236 هـ (1820 م) ثم المدينة سنة 1239 هـ (1823 م). وغدا من بعد نقيب الأشراف سنة 1249 هـ (1823 م)، ثم قاضى عسكر الأناضول سنة 1254 هـ (1838 م)، ثم الروملى سنة 1254 هـ (1838 م)؛ وتقلد أخيرًا منصب شيخ الإسلام، وظل يشغله سبع سنوات. وقد عقد عارف حكمت بك صلات مع أكابر شعراء عصره

المصادر

وخاصة: أسعد أفندى، وزيور باشا، وطاهر سلام. وكان هو نفسه يقرض الشعر، ويعد ديوانه الذى يشتمل على قصائد بالتركية والعربية والفارسية، من أواخر الآثار النابهة لمدرسة الشعر التركية القديمة. ونحن نحس فى هذا الديوان تأثر عارف بنفعى ونبى ونديم (انظر Turk divan edebiyati antolojisi: M. F. Koprulu القرنين الثامن عشر والتاسع عشر) وقد طبع الديوان فى إستانبول سنة 1283 هـ (1867 م). ومن آثاره الأخرى: "تذكرة شعراء" (وهو تراجم للشعراء الترك حتى سنة 1250 هـ الموافقة 1834 م)؛ "مجموعة التراجم: ذيل كشف الظنون" (انظر Ibnulemin Mahmud Kemal san asir turk Shairlen جـ 4، ص 626 - 628)؛ "الأحكام المرعية فى الأراضى الأميرية" (وقد استشهد به فى كتاب عثمانلى مؤلفلرى)؛ "خلاصة المقالات فى مجالس المكالمات" (وهو مخطوط فى مكتبة جامعة إستانبول، رقم 3791؛ وانظر Ibnulemin Mahmud Kemal: كتابة المذكور، ص 626). وكان عارف حكمت بك ينعم بشهرة عظيمة فى حياته، وقد كتب نامق كمال بأنه كان هو وطاهر سلام، أنبه الشعراء صيتًا فى عهد محمود الثانى: المصادر: (1) نجد كثيرًا من الإشارات عن حياة عارف حكمت فى كتب التاريخ والتراجم التى صنفت فى النصف الثانى من القرن التاسع عشر، وانظر علاوة على ذلك (2) Djewdet Pasha we Zamani: Fatima' Aliyye، إستانبول سنة 1332 هـ، فى مواضع مختلفة (3) وانظر عن شعره مقدمة ديوانه بقلم محمد زيور، إستانبول سنة 1283 هـ (4) Ottoman Poetry: Gibb جـ 4، ص 350. (5) Son asir turk Shairleri: Ibnulemin Mahmud Kemal, إستانبول سنة 1937، جـ 4، ص 620؛ I.A هذه المادة بقلم فوزية عبد اللَّه. خورشيد [مانتران R. Mantran]

عاشق

عاشق كلمة عربية بمعنى المحب، وتستخدم كثيرًا لتشير للصوفى، وكانت تطلق على أحد أفراد طائفة من الشعراء والمغنين المتجولين من أتراك الأناضول وأذربيجان، وقد ظهروا فى القرن التاسع أو العاشر الهجرى/ الخامس عشر أو السادس عشر الميلادى. وكانوا يغنون ويرتلون بين جموع العامة. وكانت أدوارهم وألحانهم تشمل أناشيد دينية (أذكارًا) ومرثيات وملاحم بطولية. فى أول الأمر صاروا يستخدمون بحور الشعر والمقاطع الصوتية الخاصة بمشاهير الشعراء ولكنهم فيما بعد تأثروا بشعراء الصوفية من الفرس، سواء بشكل مباشر أو عن طريق التأثيرات الفارسية التى تغلغلت فى شعر شعراء الصوفية الأتراك. ويرى "كوبرلي Koprulu" أنهم يمثلون عنصرا اجتماعيًا متميزًا عن شعراء البلاط والمدرسة المعروفين، وهم خلفاء للشعراء الأتراك الأوائل من الغز وكانوا يظهرون بكثرة خلال القرن 17 ضمن جماعات الدراويش والانكشارية وفروع أخرى من الجيش ومن أشهر أعلامهم الجوهرى وعاشق عمر. المصادر: (1) Turk Sazsairlerine ait metinler ve terkile i-v: Kopruluzade, Mehmed Fu'ad, اسطنبول 1929 - 1930. (2) H.J.van Lennep tle Known parts of Asia Minor, I, New York 1807,253 - 4: Travels in lit وائل البشير [ب. لويس B. Lewis] العاصى، نهر العاصى لفظ عربى يعنى "المتمرد" ويطلقه العرب على نهر أورونتس Orontes الذى عرف فى الأدب العربى باسم أُرونت أو الأُروند. تبدأ شبكة نهر العاصى من شمال سهل البقاع بالقرب من بعلبك، لكنه فى الواقع يستمد معظم مياهه من موقع أبعد شمالا يقع بالقرب من بلدة

المصادر

الهرمل. وتقع على ضفتى نهر العاصى اهم المدن السورية ومنها حمص وحماة. وعند النقطة التى تلتحم فيها الجبال السورية بفاصلى أرمينيا وآسيا الصغرى ينثنى النهر نحو الجنوب الغربى حيث يلتقى بالجداول القادمة من أقصى شمال سوريا ثم يصب فى مستنقعات "العمق" ويصل إلى البحر أسفل أنطاكية إلى جنوب جبال الأمانوس حيث الساحل منبسط وخال من الموانى الطبيعية. وقد أتاحت الخصائص الجغرافية للنهر ووفرة مياهه استخدامه فى الرى لحقبة طويلة، لكن الإمكانات التى يوفرها للتنمية الحديثة على نطاق واسع لم تسفر حتى الآن إلا عن القليل من المشروعات. المصادر: (1) ياقوت، معجم البلدان، طبعة M.J.De Goeje ليدن 1892، الجزء الثالث، ص 588. (2) أبو الفدا، تقويم البلدان، الترجمة الفرنسية لرينو، باريس 1848، ص 49. (3) G.Le Strange: Palestine under the Moslems. London 1890,59 - 61 أمل رواش [هارتمان R.Hartmann] العباس بن عبد المطلب العباس بن عبد المطلب [رضى اللَّه عنه]، وكنيته أبو الفضل، عم الرسول صلى اللَّه عليه وسلم، وأمه نتيلة بنت جناب من نمير، وينتسب الخلفاء العباسيون إليه باعتبارهم ينحدرون من نسل ابنه عبد اللَّه، ومن هنا مال المؤرخون الذين عاشوا فى ظل الدولة العباسية للتفخيم من دوره، ونسبت إليه أفعال كثيرة وأصبح من الصعب التمييز بين ما هو حقيقى منها وما هو مكذوب، وكان العباس من أكابر قريش فى الجاهلية والإسلام، وكان تاجرًا ثريًا وكان فى هذا المضمار يفوق أخاه أبا طالب، وكانت للعباس سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام، ويقال أيضًا إن الرفادة كانت له، ورغم أنه كان يمتلك بستانًا فى الطائف إلا أنه لم يكن على

المصادر

الدرجة من الثراء نفسها التى كانت عليها عشيرتا عبد شمس ومخزوم، أسلم قبل الهجرة وكتم إسلامه، شهد وقعة حنين فأبلى بلاء حسنًا وثبت بينما تزعزعت مكانة آخرين، وشهد فتع مكة وكان عمر بن الخطاب يجله ويحترمه، كما كان عثمان بن عفان يظهر له التجلة والاحترام ووافته منيته حوالى سنة 32 هـ/ 653 م وهو فى الثامنة والثمانين من عمره تقريبًا. المصادر: (1) ابن سعد، الطبقات الكبرى ليدن، 1905، جـ 4 ص 668 - 671. (2) ابن حجر، الإصابة فى تمييز الصحابة، جـ 2 ص 668 - 671. (3) ابن الأثير، أسد الغابة فى معرفة الصحابة، جـ 3 ص 109 - 112. د. عبد الرحمن الشيخ [و. منتجمرى وات W.Montgomery Watt] عباس بن فرناس عالم وشاعر أندلسى من أصل بربرى عاش فى القرن الثالث الهجرى/ القرن التاسع الميلادى فى كنف بلاط الأمويين فى قرطبة، حيث عاصر منهم الحكم الأول وعبد الرحمن الثانى ومحمد الأول. وقيل إنه سافر إلى العراق وعاد منه بكتاب "السندهند"، (انظر مادة علم الهيئة). ونسب إليه ابتكار نوع من الزجاج، كما أنه صنع آلة لقياس الوقت وأداة فلكية لرصد النجوم مؤلفة من حلقات تمثل مواقع الأفلاك الرئيسية فى الكرة السماوية "ذات الحلقات". وكان رائد الطيران فى العالم، حيث صنع رداءً كساه بالريش وثبت عليه جناحين وقفز من جبل عالٍ محاولًا الطيران، لكنه سقط، ونجا فن الموت بمعجزة. وكانت وفاته فى 274 هـ/ 887 م. المصادر: أهم المصادر عن حياته كتاب المقتبس لجابر بن حيان الذى اكتشف حديثًا ويمكن الرجوع أيضًا إلى: (1) E. Levi Provencal arabe en Espagne, 76 f: La civilization (2)Gonzalez Palencia Christianos en Espana medieval,Madrid 1945,30 f: Moros y أحمد صليحة [ليفى بروفنسال E. Levi-Provencal]

العباسة بنت المهدى

العباسة بنت المهدى ابنة الخليفة المهدى. . وشقيقة الخليفة هارون الرشيد والخليفة الهادى وقد سميت محلّة سويقة العباسة بهذا الاسم نسبة إليها. . وقد تزوجت ثلاث مرات. . ومات الأزواج جميعا قبلها، وقد أدى هذا إلى أن يكتب أبو نواس بعض الأشعار الهجائية يوصى فيها الخليفة بأنه إذا أراد أن يقتل خائنا فليزوجه العباسة، وقد ارتبط اسمها بسقوط البرامكة بسبب العلاقة الغرامية السرية مع "جعفر بن يحيى البرمكى". . ويقول الطبرى: إن الرشيد لم يكن يستطيع أن يحرم نفسه من رفقة شقيقته أو جعفر، -وحتى يكونا معه فى وقت واحد عقد بينهما زواجا صوريا، ولكنهما لم يقتنعا بهذا الزواج الصورى؛ وعندما علم هارون الرشيد أنهما قد أنجبا، أمر بإعدام جعفر، ولم يذكر بعض الذين سبقوا الطبرى هذه المعلومة. ولكن الذين علقوا على شعر أبى نواس قد ذكروا أسماء من تزوجتهم العباسة، باستثناء جعفر، ولكن الطبرى يذكر هذه الحادثة كواحدة من الأسباب التى دفعت إلى إعدام جعفر، وقد ضخم المؤرخون بعد ذلك من قصة الحب هذه حتى أن ابن خلدون شكّك فى صحتها. . ولو أن أسبابه لا تقنعنا. . كانت العباسة فى الأربعين عندما بدأت قصتها مع جعفر. والمؤكد أيضا أن زوجها الثانى مات قبل جعفر بإحدى عشرة سنة -ومن ثم لم تكن هذه العلاقة فى مرحلة الشباب، وربما غلّفها بعض الخيال لتعطى حالة شاعرية لسقوط الوزير الأثير لدى الرشيد، وهذا هو الأكثر احتمالا، لأن قصص العرب تتضمن كثيرًا من الحكايات المماثلة عن زواج ابنة الملك بوزير الملك. وما يُقال عن العباسة يقال أيضا عن شقيقتين أخريين للرشيد من نسج الخيال هما ميمونة وفاختة، ولم تذكر المصادر القديمة شيئًا عما حدث للعباسة بعد موت جعفر. . ولكن الكتاب الذين جاءوا بعد ذلك هم الذين نسجوا الروايات المرعبة عن نهايتها. وقد ألهمت هذه القصة الغرامية بين العباسة وجعفر خيال الكتاب الأوربيين والعرب أيضا. ففى عام 1753 م ظهرت رواية

المصادر

رومانسية فرنسية حول هذه العلاقة. وفى عام 1904 كتب أيمى جيرون Aime Geron " والبرت توتزا" Albert Tozza كتابهما "ليالى بغداد" Les Nuits de Bagdad المصادر: (1) أبو نواس: الديوان، طبعة اسكندر عساف، ص 174. (2) ياقوت: معجم البلدان، طبعة Wustenfeld ليبسك 1866 - 1873، الجزء الثالث، ص 200. (3) الطبرى: تاريخ الرسل والملوك، طبعة De Goeje، ليدن 1879 - 1901 الجزء الثالث، ص 676. بهجت عبد الفتاح [ج هوروفيش J.Horovitz] العباسية مدينة قديمة فى أفريقية (تونس). على بعد ثلاثة أميال إلى الجنوب الشرقى من القيروان. وكانت تعرف باسم "قصر الأغالبة" و"القصر القديم". وقد شيدها إبراهيم بن الأغلب مؤسس دولة الأغالبة، فى عام 184 هـ/ 800 م، وهو العام الذى عين فيه أميرًا لأفريقية بعد ثورة بعض قادة الجند العرب، وقد سمّاها ابن الأغلب بالعباسية تكريما لسادته العباسيين. وكانت المدينة تضم حمامات وخانين وأسواقًا ومسجدًا لصلاة الجمعة بمئذنة أسطوانية الشكل، وهو مبنى من القرميد وتزينه أعمدة صغيرة من سبعة طوابق. وكان به -على غرار جامع القيروان الكبير- مقصورة من الخشب المنقوش تجاور المحراب وهى مخصصة للأمير وكبار الشخصيات وكان للمدينة عدة أبواب أهمها باب الرحمة، وباب الحديد وباب غلبون (نسبة إلى الأغلب ابن عبد اللَّه بن الأغلب)، وباب الريح، وهذه كلها فى الجانب الشرقى -وباب السعادة فى الغرب، وكان هناك فى وسط المدينة ميدان كبير يطلق عليه اسم "الميدان"، حيث كانت تجرى المواكب وعرض القوات. وعلى مسافة ليست بعيدة يوجد قصر "الرصافة" تشبها بقصرى الرصافة فى دمشق وبغداد وفى هذا القصر استقبل إبراهيم الأول سفراء شارلمان الذين جاءوا يطالبون برفات "سانت سبريان"

المصادر

ويسلمون الهدايا المقدمة من شارلمان إلى هارون الرشيد. وفى هذا القصر أيضا عقدت الهدنة لعشر سنين، وتم تبادل الأسرى مع مبعوثى قسطنطين شريف صقلية (189 هـ/ 805 م) كما استقبل حكام الأغالبة التالون مبعوثى الفرنجة وبيزنطة، والأندلس فى هذا المكان -وقد كان بهذه المدينة منذ إنشائها دار الضرب (لسك النقود)، حيث كانت تسك الدنانير الذهبية والدراهم الفضية التى تحمل اسم المدينة، وكان هناك مصنع رسمى للطراز تصنع به الخلع والرايات. وقد تزودت المدينة فى ظل من تتابعوا على الحكم بعد إبراهيم الأول بآثار ذات منفعة عامة وخاصة. فقد أمر أبو إبراهيم أحمد ببناء صهريج كبير، وفسقية لا تزال بقاياها موجودة حتى الآن، وقد كان الحوض يتسع لكمية كبيرة من المياه كانت تنقل إلى القيروان فى الصيف عندما تنفذ المياه من خزانات العاصمة. ولما أسس إبراهيم الثانى فى عام 264 هـ/ 877 م مدينة رقادة على بعد بضعة أميال إلى الجنوب حلّت محل العباسية كمقر للوالى وتراجعت مكانة العباسية إلى مستوى منطقة أو ناحية، واقتصر سكانها على الموالى والتجار وظلت على هذا المستوى المتواضع حتى غزو الهلالية (منتصف القرن الخامس الهجرى - الحادى عشر الميلادى) حيث اختفت إلى الأبد ولكن كشفا سريعا، جرى فى عام 1923 فى التل حيث كانت توجد مدينة العباسية، أسفر عن وجود قطع كثيرة من أوانى خزفية ترجع إلى عصر الأغالبة - فهذا الخزف الأبيض بزخارفه السوداء والخضراء والزرقاء قد أثبت -ولا شك- النماذج الشرقية التى كانت تأتى من العراق (سامراء والرقة) ومصر (الفسطاط) ويجب أن نذكر أن العباسية كانت مسقط رأس العديد من الباحثين والدارسين نخص منهم "أبو العرب محمد بن أحمد بن تميم" أول مؤرخ للقيروان (المتوفى عام 333 هـ/ 945 م). المصادر: البلاذرى: فتوح البلدان، طبعة M,J,de Goeje ليدن 1866. (1) Desvergers: Histoire de L'Afrique et de la Sicilie Paris, 1841. P 86 - 88 بهجت عبد الفتاح (ح. ح. عبد الوهاب)

العباسيون

العباسيون العباسيون (بنو العباس) هم الأسرة الحاكمة من الخلفاء الذين تتابعوا على الحكم فى الفترة من 132 هـ/ 750 م إلى 656 هـ/ 1258 م. وهم ينتسبون إلى "العباس بن عبد المطلب بن هاشم" عم الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-]. أما جذور وطبيعة الحركة التى أطاحت بالخلافة الأموية، وأقامت مكانها سلالة بنى العباس، فقد كانت معروفة ولفترة طويلة فى الكتابات المنقحة التى تم نشرها والترويج لها عندما استولت هذه الأسرة على السلطة، ولكن هناك دراسة نقدية قام بها ج. فان فلوتن G.Van Vloten، وأضاف بعض التعديلات إليها ج فلهوزن، . وقد أكدت البحوث التى أعقبت ذلك، ما توصل إليه هذان العالمان، وبالأخص تلك المعلومات الجديدة التى خرجت إلى النور فى السنوات الأخيرة حول التاريخ المبكر لطوائف الشيعة، وهنا نخص بالذكر كتاب "فرق الشيعة" تأليف "النوبَخْتى" (ريتر H.Ritter إستانبول طبعة 1931) وكان ابن خلدون قد توقع فى كتاباته معر هذه النتائج إلى حد كبير. وقد عرف الحزب العباسى الذى استولى على الحكم من الأمويين باسم "الهاشمية". وكان هذا الاسم يشير إلى "هاشم" الجد الأكبر المشترك لكل من "العباس" و"على" و"النبى محمد" [-صلى اللَّه عليه وسلم-]؛ الأمر الذى يؤكد دعوى الخلافة التى تقوم على أساس القرابة للنبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-]. . والحق أن للاسم مغزى مغايرا تماما، ويكشف بجلاء عن الجذور الحقيقية للحزب "العباسى". . ففى ظل العصر الأموى، يمكن أن نقسم عددا كبيرا من الطوائف والأحزاب الشيعية والموالية للشيعة، التى انتشرت فى أجزاء مختلفة من الدولة "الأموية"، وعلى الأخص فى جنوب العراق، إلى جماعتين رئيسيتين. . سارت إحداهما فى طريق الذين تظاهروا بانتهاج خط فاطمة الزهراء وكانت معتدلة، إذ تختلف عن الاعتقاد السائد بالدعاوى السياسية لبيت علىّ. أما الجماعة الأخرى، فقد ظهرت لأول مرة فى ثورة "المختار"، الذى دعا فى عام 66 هـ/

685 م، باسم محمد بن الحنفية وفى السنوات الستين أو السبعين التالية روج لدعاوى محمد بن الحنفية وخلفائه عدد من الطوائف ذات النزعات الأكثر تشددًا، إذ كانت تستمد تأييدها من الموالى الحانقين، وتبث فى تعاليمها الكثير من الأفكار التى جاء بها هؤلاء الذين تحولوا إلى الإسلام، من معتقداتهم السابقة. وبعد موت محمد ابن الحنفية فى عام 81 هـ/ 700 م، انقسم أتباعه إلى ثلاث فرق رئيسية تبعت إحداها ولده أبا هاشم عبد اللَّه وسميت باسمه "الهاشمية"، وبموت "أبو هاشم" -بلا ذرية- فى عام 98 هـ/ 716 م، انقسم أتباعه مرة أخرى إلى جماعات عديدة، ذكرت إحداها أن "أبو هاشم" قد أوصى بالإمامة إلى محمد بن على بن عبد اللَّه ابن العباس، وذلك قبل وفاته مباشرة فى منزل والد محمد بن على فى فلسطين. . واستمرت هذه الجماعة تحمل اسم الهاشمية وأيضا اسم الرّاوندية. . وهنا تجدر الإشارة إلى أن مبدأ إمكانية توريث الإمامة، أو أن يقوم الإمام بنقلها إلى شخص آخر كان كثير الحدوث فى الحركات الشيعية المبكرة. وسواء كانت قصة توريث أبى هاشم حقيقية أم غير حقيقية، فإن الحقيقة الواضحة هى أن محمد بن على أخذ على عاتقه ما كان يطالب به أبو هاشم بالأضافة إلى تنظيم الدعاية للهاشمية، التى بدأ يحولها إلى "أداة" للحزب العباسى. وتشير التقارير بشكل عام إلى أن الدعاية المكثفة قد بدأت نحو عام 100 هـ/ 718 م. فمن مركز القيادة فى الكوفة بدأت "الهاشمية" فى إرسال المبعوثين إلى خراسان؛ وقد حقق أحدهم -وهو "خداش" نجاحا كبيرا، ولكنه أعدم فى عام 11 هـ/ 736 م بعد أن كشف عن خططه- ولكن الشيعة المعتدلة -التى كان يسعى محمد ابن على إلى الحصول على تأييدها- ابتعدت بسبب الأفكار المتطرفة التى كان يروج لها "خداش"، ولذلك فإن محمد ابن على رأى -بعد موت خداش- أن يتنصل من مسئوليته عنه وأن يعهد بالتنظيم فى خراسان إلى الداعية الشيعى الكبير "سليمان بن كثير". . وجاءت بعد ذلك فترة خمول مات فى

أثنائها محمد بن على فى عام 125 هـ/ 743 م. ونجح ابنه إبراهيم فى الدعوة لما كان أبوه يطالب به، ورضى عنه الأتباع فى خراسان، ومن بينهم سليمان بن كثير -ومع إبراهيم بدأت مرحلة جديدة من النشاط. . فأرسل فى عام 128 هـ/ 745 - 746 م مولاه أبا مسلم كممثل شخصى له إلى خراسان. وإذا كانت المصادر تختلف حول أصل أبى مسلم، إلا أنها تتفق على أنه كان فارسيا، وممن أعتقهم إبراهيم. ونشير هنا إلى أن استخدام الكُنْيَة كان من الميزات أو الحقوق التى نادرا ما كان يتمتع بها غير العرب. . وإن إضفاءها على المبعوثين الفارسيين للعباسيين مثل أبى مسلم ومساعده "أبى الجهم"، ومنافسه أبى سلمة الخلال، له معناه ومغزاه. وإذا كانت بعض المصادر تقول إن أبا مسلم، قد منح عضوية البيت العباسى، فإن هذا يدل على ما كان شائعا بين الشيعة المتطرفين، بمنحهم مساعديهم من ذوى الحظوة حق الانتساب أو العضوية لبيت النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، وبالتالى للأمة العربية. وقد اتخذ هذا الأسلوب شكلًا معدلًا فيما بعد ذلك وأصبح جزءا من سياسة الخلفاء العباسيين. وحقّقت مهمة أبى مسلم إلى خراسان نجاحا سريعا ومدويا. وقد كان اهتمامه الأول بالموالى الفُرْس، ولكنه أيضا وجد تأييدا مهما من العرب اليمنيين بل يقال إنه كسب إلى جانبه الكثيرين من "دهاقنة" زرادشت وبوذا، وقد كان بعضهم قد تحول إلى الإسلام لأول مرة. وتتباين الآراء حول طبيعة تعاليم أبى مسلم ولكنّ هناك مع ذلك أمرين واضحين وهما أنه كان أداة مخلصة للهاشمية، وأن تعاليمه كانت جزءا من الجناح المتطرف من الشيعة، ثم إن رفع الأعلام السوداء، التى أصبحت بعد ذلك شعار بنى العباس، كان فى هذه المرحلة ذا مغزى وهو الخلاص المنتظر، فقد كانت الأعلام السوداء من بين الإشارات والنذر التى ذكرت فى التكهنات الأخروية (التى تتعلق بالأخرويات مثل الثواب والعقاب والحساب) السائدة فى ذلك الوقت، وقد استخدمت كشعارات للثورة الدينية من جانب المتمردين الأوائل ضد الأمويين،

وهكذا كان استخدام أبى مسلم لها استلهامًا للأمل فى الخلاص وقد أثارت نشاطاته بعض المعارضة بين الشيعة العرب الأكثر اعتدالا، وعلى رأسهم سليمان بن كثير، ولكن الانسحاب التكتيكى من جانب أبى مسلم من خراسان، كان كافيا ليظهر أنه لن تكون هناك أية حركة مؤثرة وفعالة بدونه وبدون سياساته، الأمر الذى أدى إلى عودته كزعيم بلا منازع لهذه المهمة، وفى رمضان من عام 129 هـ/ مايو يونيه 747 م، كان على استعداد ليفصح عن خططه ونياته، وكان المكان والزمان يبشران بنجاح المهمة وكان الشيعة المعتدلون، وكذلك الخوارج -وهما أهم حركتين للمعارضة ضد الأمويين الأولى فى انتفاضات عام 122 هـ/ 740 م وعام 126 هـ/ 744 م، والثانية فى التمرد الذى وقع عام 127 هـ/ 745 م. وقد حققت هذه الانتفاضات هدفا مزدوجا إذ أضعفت من نظام الحكم الأموى، وأزالت -بسقوط هذا الحكم- كل من يحاول أن ينافس الهاشميين فى الخلافة. . وتركز اهتمام العباسيين على خراسان، بعد أن أنهكت العراق الحركات المناهضة للأمويين والتى كانت مركزا لها، وقد كان هذا الاختيار موفقا إذ كان السكان الفرس ذوو النشاطات الكثيرة والنزعات الحربية التى تصطبغ بالتراث الدينى والعسكرى، قد ضاقوا بمظالم الحكم الأموى، وكان الجيش العربى، والمستوطنون -وقد تأثروا إلى حد كبير بالتقاليد الفارسية بسبب طول إقامتهم- قد انقسموا على أنفسهم -بل إنهم- وفى غمرة الزحف الظافر لأبى مسلم. تحولوا بطاقاتهم وطاقات الحاكم الأموى "نصر بن سيّار" لمواجهة النزاعات فيما بين القبائل العربية وقد استطاع أبو مسلم أن يستولى على "مرو"، ثم انضم إليه القائد قحطبة وهو عربى من قبيلة "طى"، وتم الاستيلاء على كل خراسان من يد السلطة الأموية المتداعية، ومن خراسان تقدمت القوات العباسية إلى "الرى"، واستولت على نهاوند -وأصبح الطريق مفتوحا إلى العراق، وفى عام 132 هـ/ 749 م عبر جيش العباسيين الفرات على بعد ثلاثين أو أربعين ميلا شمالى الكوفة، واشتبك مع جيش أموى بقيادة ابن

هبيرة وأوقع به الهزيمة، وسقط قحطبة فى أرض المعركة، ولكن أبا الحسن بن قحطبة تولى القيادة واستولى على الكوفة ووقع إبراهيم الإمام فى أيدى الخليفة مروان فى عام 130 هـ/ 748 م، ومات بعد ذلك بقليل، ولذلك فقد نودى بأخيه أبى العباس خليفة من جانب القوات الهاشمية فى الكوفة وذلك فى عام 132 هـ/ 749 م. ولقب بالسفاح، وقد صاحب تولى أول خليفة عباسى الخلافة أول صدع فى العلاقات مع الثوريين، وذلك عندما تعرض أبو سلمة الخلال للموت فى ظروف غامضة، ويقال إنه حاول أن يأتى بالعلويين مكان العباسيين؛ وقد أخذ أبو مسلم على نفسه أن يطيح به (أى بأبى سَلَمة) فى مقابل أن يتقبل العباسيون موت سليمان بن كثير، وفى هذه الأثناء تقدم جيش عباسى آخر بقيادة "أبى عون" من نهاوند فى اتجاه ما بين النهرين، وفى عام 131 هـ/ 749 م، وفى مجاورة "شهرزور"، شرقى نهر الزاب الأصغر، أوقع هزيمة ساحقة بجيش أموى بقيادة عبد اللَّه، ابن الخليفة مروان، ثم تولى مروان القيادة وزحف عبر الفرات إلى نهر الزاب الأكبر، ليشتبك مع جيش "أبى عون" وكان هذا الأخير قد سلم القيادة إلى عبد اللَّه عم "السفاح" الذى كان قد وصل من الكوفة مع تعزيزات كبيرة. وأنهت معركة الزاب الأكبر 132 هـ/ 750 م، الخلافة الأموية، وفرن "مروان" المهزوم إلى سوريا، حيث حاول عبثا أن ينظم المقاومة من جديد، ولكن القوات العباسية المنتصرة تقدمت عبر "حران" -مقر إقامة مروان- إلى سوريا، واحتلت دمشق، وتعقبت مروان حتى مصر، حيث قتل، وبُعث برأسه إلى السفاح فى الكوفة، وهكذا استقرت سلطة الخليفة العباسى الجديد فى الشرق الأوسط بأسره. وقد كثرت الكتابات حول المغزى التاريخى للحركة العباسية، التى يرى المؤرخون بحق أنّها أكثر من مجرد تغيير السلالة (أو الأسرة)، وقد رأى كثيرون من المستشرقين فى القرن التاسع عشر -والذين تأثروا كثيرا بالنظريات العنصرية التى قال بها "جوبينوس" Gobineus وآخرون- أن ما

حدث من قتال أو نضال كان صراعا بين العنصر الآرى فى إيران والسامية فى الجزيرة العربية، الأمر الذى انتهى بانتصار الفرس على العرب، وإقامة إمبراطورية إيرانية جديدة ترتدى عباءة إسلام صُبغ بالصبغة الفارسية، فيما يقول "فلهوزن" Welkhausen وهناك للوهلة الأولى الكثير الذى يؤيد هذه النظرية مثل الدور الذى لاشك فيه للفرس فى الثورة ذاتها، والمكانة البارزة للوزراء الفرس ورجال البلاط الفرس فى النظام الجديد، والعناصر الفارسية القوية فى الحكومة العباسية والثقافة وليس غريبا أن نرى بعض الروايات تحمل المعنى نفسه فى المصادر العربية (المسعودى فى المروج -والجاحظ فى البيان والتبيين 181 - 206) - ومع ذلك فإن الكتاب المحدثين جدا قد أدخلوا بعض التعديلات المهمة على النظريات التى تتعلق بانتصار الفرس وهزيمة العرب -فالمذهب الشيعى- الذى كان يعتبر لفترة طويلة تعبيرا عن الوعى القومى الإيرانى، وكان من أصل عربى، وكان مركزه الرئيسى بين السكان والمخلّطين من العرب والآراميين والفرس فى جنوبى العراق، وقد أخذ العرب هذا المذهب إلى فارس وأصبح أقوى ما يكون فى مناطق الاستيطان العربى مثل "قُم" وقد كانت ثورة أبى مسلم موجهة ضد الحكم الأموى والسورى وليس العربى، وكسبت تأييد الكثيرين من العرب وعلى الأخص بين أهل اليمن -وكان هناك الكثيرون من العرب، حتى بين قادتها ومن بينهم القائد قحطبة، وبالرغم من أن الخصومات العنصرية قد لعبت دورها فى الحركة، وبالرغم من أن الفرس كانوا متميزين بين المنتصرين، إلا أنهم خدموا سلالة عربية وكان الحكام يعطونهم فرصة ضئيلة للتفكير قبل إعدامهم، وذلك عندما يصطدمون بهم، وهذا ما يؤكده مصير أبى مسلم وأبى سلمة والبرامكة، وقد حدث فى بادئ الأمر أن احْتُجِزَت الكثير من المناصب الرفيعة فى الدولة للعرب، وكانت اللغة العربية لا تزال هى اللغة الرسمية الوحيدة، كما أن الأراضى العربية ظلت ذات امتيازات مالية، وبقى مبدأ تفوق العنصر العربى قويا وذلك حتى يحفزوا الفرس على أن يوفروا لأنفسهم سلالة

ونسبا عربيا مزيفا وملفقا، وأيضا لإثارة رد الفعل القومى للشعوبية، ولكن ما فقده العرب هو الحق الخالص لهم فى أن يجنوا ثمار السلطة. فقد جاء الفرس والعرب أيضا إلى البلاط العباسى، وكان الحاكم يعبر عن تفضيله لشخص ما بأن يمنحه حق الانتساب إلى البيت الحاكم، وليس لانحداره الخالص من أصل عربى. وكان ذلك جواز المرور إلى السلطة والهيبة. وإذا كنا نريد تعبيرا يتلاءم مع المملكة العربية آنئذ، فيمكن أن نبحث عنه فى التوقف التدريجى عن المنح والهبات والمعاشات التى كانت تمنح من قبل كحق للمحاربين العرب وأسرهم، وأيضا نبحث عنه فى صعود الحرس الترك إلى مواقع السلطة والنفود بدءا من عهد المعتصم. ويجب أن ننظر إلى المغزى الحقيقى لانتصار العباسيين فى حقائق التغيير التى أعقبت ذلك، وقد كان أكثرها وضوحا تحول مركز الثقل والجاذبية من سوريا إلى العراق، المركز التقليدى للامبراطوريات الكبيرة فى الشرق الأوسط القديم وللحضارة وقد أسس السفاح، الخليفة العباسى الأول، عاصمته فى مدينة الهاشمية الصغيرة، التى بناها على الضفة الشرقية لنهر الفرات بالقرب من الكوفة وبعد ذلك نقل العاصمة إلى الأنبار -وقد كان شقيقه وخليفته المنصور- وهو فى كثير من النواحى المؤسس الحقيقى للخلافة العباسية، فهو الذى أسس العاصمة الدائمة للدولة فى مدينة جديدة على الضفة الغربية لنهر دجلة بالقرب من أطلال طيْسَفُون (المدائن) وعند تقاطع عديد من طرق التجارة، وكان اسمها الرسمى مدينة السلام ولكنها تعرف عادة باسم المدينة الصغيرة التى كانت تحتل هذا المكان من قبل -أى بغداد ومن هذه المدينة -أو مجاورتها- حكمت الأسرة العباسية فى أول الأمر، ثم أمسكت بالسلطة بعد ذلك للجزء الأكبر من العالم الإسلامى لمدة خمسة قرون. ويمكن أن تنقسم هذه الفترة من سلطان هذه الأسرة التى تغطى الجزء الأكبر من الحضارة الإسلامية التقليدية إلى جزءين: الأول من 132 هـ/ 750 م إلى 334 هـ/ 945 م وقد شهد الضعف التدريجى لسلطة الخلفاء، وارتفاع شأن

1 - 132 هـ/ 750 م - 334 هـ/ 945 م (العصر العباسى الأول)

القادة العسكريين الذين يحكمون من خلال قواتهم، وفى الجزء الثانى من 334 هـ/ 945 م إلى 656 هـ/ 1258 م -وفيه احتفظ الخلفاء واستعادوا -مع استثناء واحد- السلطة الاسمية، على حين كانت السلطة الحقيقية حتى فى بغداد نفسها فى أيدى أسرات حاكمة. وسوف نورد هنا الخطوط العريضة للأحداث مع محاولة لوصف السمات الرئيسية لكل فترة 1 - 132 هـ/ 750 م - 334 هـ/ 945 م (العصر العباسى الأول) لابد أن الخلافة العباسية فى الأيام التى أعقبت تأسيسها قد بدت فى أعين المعاصرين غير مستقرة فقد انتفض المتمردون عليها فى كل جانب ولفترة طويلة كان كل خليفة جديد يضطر لمواجهة الانتفاضات فى داخل العراق وحوله. كما أن مؤيدى الأمويين المخلوعين من العرب فى سوريا أثاروا الكثير من الاضطرابات ووجدوا تشجيعا فى الحكايات الأسطورية عن أسرة سفيان وهو شخصية كبيرة فى بيت أمية تنافس مع الموالين للعلويين من أجل الحصول على تأييد الساخطين -بل إن العلويين أنفسهم- وكانوا قد تفككوا مؤقتا بسبب خيبة آمالهم وأصبحوا تحت رقابة شديدة، قد توارى نجمهم لفترة ثم عادوا إلى الظهور كأخطر خصوم للحكم العباسى بل إن الخوارج أيضا ظلوا قوة معارضة نشطة وإن تكن قليلة. والأكثر من ذلك أن المؤيدين الظاهرين للأسرة لم يكونوا موضع ثقة تماما وفى ذلك الجو السائد من الريب والشكوك تم تعيين أفراد الأسرة العباسية فقط فى المناصب الرفيعة، ولكن عندما مات أبو العباس السفاح، وخلفه شقيقه أبو جعفر الذى حمل لقب المنصور حدث أن ثار عمهما عبد اللَّه بن على الذى كان قائدا للقوات على الحدود البيزنطية، ثم أعلن نفسه خليفة، ولكن أمكن تجنب هذا الخطر الداهم بفضل (أبو مسلم). وبقيت بعد ذلك مشكلة (أبو مسلم) نفسه، والهاشمية، وقد وجد العباسيون أنفسهم يواجهون صراعا بين أهداف الحركة من جهة وبين احتياجات الحكم من جهة أخرى ومن ثم اضطروا إلى مواجهة غضب بعض أتباعهم وخيبة

أملهم فتم القضاء على أبى مسلم وإعدامه بمجرد أن شعر المنصور بقوته وقدرته على أن يستغنى عن وجود غير المريح. وقد أدت هذه الخطوات وأعمال القمع لجناح "الراوندية" الأكثر تماسكا وثباتا إلى إبعاد الأتباع المتطرفين للعباسيين الذين وجد بعضهم المخرج فى القيام بعديد من الثورات الدينية السياسية فى إيران، على حين انضّم آخرون بعد ذلك إلى صفوف الاسماعيلية، وهى الجناح المتطرف للشيعة الفاطمية التى نمت فى القرنين الثانى والثالث الهجريين (الثامن والتاسع من الميلاد)، وقد استطاع المنصور أن يواجه أخطار الثورة والحروب الخارجية، كما استطاع فى عهده الطويل الرائع أن يضع أسس الحكومة العباسية. وقد ساعده فى هذه المهمة -وعلى الأخص فى بلورة بنية وهيكل الإدارة المركزية- أسرة لعبت دورا حيويا فى نصف القرن الأول من الحكم العباسى وهى أسرة البرامكة التى توصف عادة بأنها من الفرس، ولكنها كانت من نوع مختلف تماما من ثوار خراسان الذين تبعوا أبا مسلم. وكانت عقيدتهم قبل تحولهم إلى الإسلام هى البوذية وليست الزرادشتية أو أيا من فروعها. وكانت هذه الأسرة تنتمى إلى طبقة الكهنة الأرستقراطية مالكة الأرض فى مدينة بلخ فى وسط آسيا. وبعد تأسيس بغداد ظهر خالد البرمكى، كساعد أيمن للمنصور، وبعد ذلك صار هو وسلالته الذين يوجهون إدارة الإمبراطورية حتى كان السقوط الدرامى الذى لم يفسر حتى الآن لهذه الأسرة فى عهد هارون الرشيد فى عام 187 هـ/ 803 م. . ومع تحول مركز الإمبراطورية إلى الشرق والقضاء على احتكار الأرستقراطية العربية للمناصب العليا، ورسوخ أقدام البرامكة فى السلطة، أصبح النفوذ الفارسى أقوى. وظهرت النماذج الساسانية الفارسية فى البلاط والحكومة، وبدأ الفرس يلعبون دورا متزايد الأهمية فى كل من الحياة السياسية والثقافية. . وقد استمر هذا "التفريس" فى عصر المهدى والهادى. . واختفى بالتدريج التحيز ضد استخدام الموالى فى المناصب العليا. ولكن الخلفاء -فى محاولة لاعادة

الرابطة التى ضعفت للقومية العربية- ركزوا على الآراء الإسلامية السديدة القويمة، حتى للتحم الدولة فى وحدة تقوم على العقيدة المشتركة وعلى الأسلوب المشترك فى الحياة، وانتهج المنصور سياسة محددة ومدروسة بالتودد إلى رجال الدين ذوى الرأى المستقيم، وإلى أصحاب الفكر، والتركيز على العنصر الدينى فى طبيعة السلطة التى يمارسها الخليفة، وقد أدت هذه السياسة -بمقارنتها بحياة الترف والانغماس فى الملذات من جانب كثيرين من الخلفاء ورجال البلاط- إلى أن تتهم بالنفاق ولكنها نجحت فى تحقيق هدفها فقد أعيد بناء مكة والمدينة، وانتظمت رحلات الحج من العراق. ويعتبر عصر هارون الرشيد فى الغالب الأعم ذروة السلطة والنفوذ العباسى؛ ولكننا نرى النذر الأولى للانهيار فى هذا الوقت، فقد أصبحت سلسلة الثورات الدينية فى فارس والتى أعقبت موت أبى مسلم أكثر خطورة، بل تحدت السلطة العباسية فى أقاليم بحر الخزر (قزوين) وكذلك فى خراسان. أما فى الغرب فكادت تختفى تماما سلطة العباسيين؛ فقد رفضت أسبانيا الخضوع للعباسيين وأصبحت مستقلة فى ظل أمير أموى منذ عام 138 هـ/ 756 م. وبعد موت يزيد بن حاتم آخر الولاة العباسيين ذوى النفوذ فى شمال أفريقيا، بدأت تظهر الأسر المستقلة فى عام 170 هـ/ 787 م، فى المغرب فى أول الأمر، وبعد ذلك فى تونس. ولم تتأكد بعد ذلك أبدا سلطة العباسيين فى المناطق التى تقع إلى الغرب من مصر. فالأغالبة فى تونس مارسوا الحكم المستقل المتوارث تحت السيادة الاسمية للخليفة، ووضعوا الأساس والنموذج لعديد من نظم الحكم المحلية المتوارثة الأمر الذى هبط بالسيادة الفعلية للخليفة إلى منطقة لا تتعدى وسط العراق وجنوبه؛ وظهرت بوادر خطر أخرى كشفت عن ضعف دفاعات الدولة، ففى عهد العباسيين كانت حدود الإسلام مستقرة. والحروب الخارجية الوحيدة ذات الأهمية هى ما تجرى مع البيزنطيين، وغير ذات فعالية. وكانت حملات هارون الرشيد غير الحاسمة هى آخر الهجمات الكبيرة ضد بيزنطة؛

وبعد ذلك صار الإسلام فى حالة دفاع؛ واستغلت الجيوش البيزنطية نقاط الضعف فى سوريا وبلاد ما بين النهرين، على حين دخل الغزاة الخزر الأراضى الإسلامية فى القوقاز وأرمينيا. . وربما يكون أخطر عوامل الضعف هو التصدع والاضطراب الداخلى الغامض الذى وصل إلى ذروته بالإطاحة بالبرامكة وتولى هارون الرشيد مقاليد السلطة والإمساك بها بيدين ليستا على درجة كبيرة من الكفاءة؛ وقد هزت هذه الخطوة التحالف مع الجناح الأرستقراطى الفارسى للحركة التى جاءت بهم إلى السلطة والتى حافظ عليها العباسيون الأوائل لفترة طويلة بعد أن عزلوا العناصر الأكثر تطرفا. . وبعد موت هارون الرشيد تفجرت الصراعات الكامنة وتحولت إلى حرب أهلية بين ولديه الأمين والمأمون. وكانت قوة الأمين تكمن أساسا فى العاصمة وفى العراق. . أما قوة المأمون فكانت فى فارس وقد قيل إن الحرب الأهلية صراع قومى بين العرب والفرس، انتهى بانتصار الفرس. . وقد اقترح المأمون -معتمدا على التأييد الذى يأتيه من الشرق- أن تنتقل العاصمة من بغداد إلى "مرو"، ولكنه وبعد انتصاره، قرر فى تعقل أن يعود إلى بغداد وبعد ذلك وجدت الطموحات الإقليمية والأرستقراطية لدى الفرس منفذا لها فى الأسر المحلية ففى عام 205 هـ/ 820 م استقل "طاهر" القائد الفارسى لدى المأمون بخراسان وأسس أسرة حاكمة. وتبعه آخرون؛ وعلى حين كان معظمهم يعترف بالسيادة للخلفاء، إلا أنهم حرموهم من كل سلطة فعلية فى معظم فارس. وإذا كانت سلطة الخلفاء فى الأقاليم قد تقلصت بالتدريج لتصل إلى حد منح تقليد السلطة للحكام الفعليين، فإن سلطتهم قد تضاءلت فى العراق أيضا فالبلاط الذى يسرف فى بذخ شديد، والبيروقراطية المتضخمة قد أديا إلى اضطرابات مالية مزمنة، ضاعف منها ومن خطرها افتقاد الموارد المالية من الأقاليم، وكذلك سقوط مناجم الذهب والفضة فى أيدى الغزاة أو استنفاد طاقتها. وقد وجد الخلفاء العلاج فى

الزراعة للحصول منها على موارد للدولة، الأمر الذى أدى فى النهاية إلى أن يصبح الحكام المحليون "مزارعى ضرائب"؛ وأصبح هؤلاء هم الحكام الحقيقيون للإمبراطورية وخصوصا عندها أمسك بمزارع الضرائب وبالحكم قادة الجيش الذين كان فى مقدورهم فرض الطاعة والولاء. . ومن ثم أصبح الخلفاء، بدءا من عصر المعتصم والواثق، دمى يحركها القادة الذين كانوا قادرين على تعيينهم وخلعهم. . والمعروف أن المعتصم هو الذى استخدم الأتراك من آسيا الوسطى كجنود وقادة. . ومنذ ذلك الحين أصبح الطاقم العسكرى المسيطر من الأتراك. وفى عام 221 هـ/ 836 م قام ببناء مقر جديد له فى سامراء، على بعد ستين ميلا شمالى بغداد. . وظلت سامراء هى "العاصمة" حتى عام 279 هـ/ 892 م عندها عاد المعتمد إلى بغداد. وإن إنشاء هذه المدينة ليوضح الهوة الكبيرة بين الخليفة وحرسه من جهة، وبينه وبين أهل بغداد من جهة أخرى. كما أن معمارها وما استخدم فيها من فنون يظهر طاقما حاكما جديدا ذا أذواق وتقاليد مختلفة. . وقد استمرت سلطة الأتراك فى ازدياد فى عهد الواثق. ولكن خليفته المتوكل قام بمحاولة خطيرة لكسر شوكة الحرس التركى، وحشد التأييد ضدهم من جانب رجال الدين والسكان المدنيين الذين سعى إلى تخفيف تعصبهم بنبذ مبادئ المعتزلة التى كان يتبعها من سبقوه، ولكن هذه المحاولة باءت بالفشل. وأعقبت اغتيال المتوكل فى عام 247 هـ/ 861 م فترة من الفوضى. وفى خلال فترة تصل إلى تسع سنوات تعاقب أربعة من الخلفاء على الخلافة، ولكنهم جميعا كانوا بلا حول ولا قوة أمام الحرس التركى، الذى قويت قبضته على البلاط والعاصمة. على حين أصيبت الأقاليم بحالة من الفوضى، وفى أحسن الأحوال بحالة من الاستقلال الذاتى. وفى هذه الأثناء قامت فى جنوب العراق ثورة بين العبيد الزنوج عرفت باسم ثورة الزنج. الذين كانوا يستخرجون الملح من "المستنقعات" بجوار البصرة. وقد تطورت هذه الثورة بسرعة لتشكل خطرا كبيرا على

الإمبراطورية وقد استطاع زعيم الزنج أن يوقع الهزيمة بعدد من جيوش الدولة، واستطاع أن يسيطر بفاعلية على معظم جنوبى العراق وجنوب غرب فارس. . وقطعت خطوط المواصلات التى تربط بغداد بالبصرة، وبالتالى مع الخليج العربى، وطريق التجارة إلى الشرق. وفى عام 264 هـ/ 877 م، كانت جماعات الزنج تشن غاراتها على بعد سبعة عشر ميلا من بغداد نفسها. . ولكن يحدث فى هذه الأثناء أن تبدأ فترة من الاستقرار فى العاصمة. . ولم يكن الخليفة المعتمد، الذى تولى الخلافة فى عام 256 هـ/ 870 م بالحاكم القوى، ولكن شقيقه الموفق، أصبح السيد الحقيقى فى العاصمة، وفى السنوات العشرين التى حكم فيها بذل الكثير من الجهد لاستعادة القوة التى وهنت لبيت العباس. وكانت مهمته الأولى أن يعيد النظام والاستقرار إلى بغداد ذاتها، وبعد ذلك كان عليه أن يواجه المشكلات التى آثارها الزنج، وكذلك انتهاكات الزعماء المحليين، وخصوصا الصّفاريين فى فارس والطولونيين فى مصر وسوريا. وفى عام 269 هـ/ 882 م, استطاع أن يطرد الزنج من كل المناطق التى غزوها، واستطاع أن يسحقهم تماما فى عام 270 هـ/ 883 م. وبالرغم من فشله فى القضاء على الصفاريين والطولونيين إلا أنه نجح فى كبح جماح أطماعهم، ومن ثم كانت المهمة سهلة لمن جاءوا بعده، وبموت الموفق فى عام 278 هـ/، 891 م، خلفه -كحاكم فعلى- ابنه المعتضد الذى أصبح خليفة بموت المعتمد فى العام التالى -وقد كان المعتضد وخليفته المكتفى من الحكام ذوى المقدرة والنشاط- إذ تأكدت لفترة سلطة الخلافة فى كل من فارس ومصر، تاركة الحكومة حرة فى التعامل مع خطر الشيعة، الذين نشطوا مرة أخرى فى ذلك الوقت بشكل متطرف ذى نزعة عسكرية -فبعد بزوغ نجم العباسيين وما تبع ذلك من اختفاء سلالة الحنفية، أصبح التسلسل الفاطمى للأئمة هو الذى يتحكم فى

معظم الشيعة. وبعد موت جعفر الصادق فى عام 148 هـ/ 765 م، ورث الإسماعيليون الكثير من مهام ومبادئ وأعوان الحنفية -ثم إن تحول الخلافة فى القرنين الثامن والتاسع الميلاديين من دولة زراعية عسكرية إلى دولة عالمية غير محلية، مع الحياة التجارية والصناعية المكثفة، أدى إلى نمو المدن الكبيرة وتركيز رأس المال والعمالة، وإلى أن تتعرض البنية الاجتماعية الهشة للدولة إلى توتر شديد، وإلى أن ينتشر السخط. كذلك فإن تطور الحياة الثقافية للإسلام، وصراع الحضارات والأفكار نتيجة النفوذ والمؤثرات الخارجية والتطورات الداخلية، ساعد مرة أخرى على انتشار حركات الهرطقة، التى كانت -فى أى مجتمع دينى- هى التعبير الممكن الوحيد عن المعارضة المعنوية والمادية للنظام القائم. وقد أدت هذه الاضطرابات المحلية والانتفاضات فى أواخر القرن التاسع وأوائل القرن العاشر، إلى أن يصل التوتر إلى نقطة يتقوض عندها كل شئ، واضطر الخلفاء إلى أن يواجهوا عديدا من التحديات بدءًا من العنف الثورى للقرامطة فى البحرين وسوريا وبلاد ما بين النهرين وجنوب الجزيرة العربية، إلى الانتقادات التى كان يوجهها أصحاب المذاهب الأخلاقية والمتصوفة فى بغداد نفسها. . وقد مات المعتضد بعد أن هزم على أيدى القرامطة، ولكن خليفته المكتفى قرر أن يسحق ثورة القرامطة فى سوريا وبلاد ما بين النهرين، وكان عند وفاته فى عام 295 هـ/ 908 م -قد قاد هجوما مضادا ناجحا ضد البيزنطيين، الذين سعوا لاستغلال هذه الفوضى التى تجتاح الدولة الإسلامية. أما خطر الشيعة فلم ينته. وبعد صراع قصير على السلطة، خلف المكتفى شقيقه المقتدر، وكان لا يزال صبيا فى الثالثة عشرة من عمره. . وفى هذه السن التى لم يبلغ فيها مرحلة الرشد، وفى أثناء فترة الحكم الطويلة غير المؤثرة، عادت إلى الظهور من جديد الميول الهدامة التى كان قد أوقفها الموفق والخليفتان

اللذان جاءا من بعده. فقد استأنف القرامطة نشاطهم، ومن قواعدهم فى البحرين بدأوا يهددون الطرق الحيوية للخلافة، هذا على حين أقام جناح آخر للإسماعيلية فى الغرب خلافة فاطمية فى تونس. . وفى شمال سوريا أقامت أسرة الحمدانيين دولة لها، فى الوقت الذى بدأت تؤسس فيه فى فارس أسرة شيعية أخرى -هى بنو بويه (البويهيون)، سلالة جديدة وحكما سرعان ما بدأ يهدد العراق ذاتها. . وصلت الاضطرابات فى العاصمة والفوضى إلى ذروتها بموت الخليفة وهو يقاتل قائده مؤنس واكتمل تفسخ وتصدع سلطة الخلافة فى عهد خليفتيه: "القاهر" و"الراضى". . وثمة واقعة ترمز إلى هذه الأحوال جميعا وهى مَنْحُ حاكم العراق "ابن رائق لقب أمير الأمراء. وفى عام 344 هـ/ 945 م كان الانهيار النهائى عندما دخل الأمير البويهى "معز الدولة" بغداد، وأصبح لقب أمير الأمراء، بالإضافة إلى السيطرة المحكمة على مدينة الخلفاء، فى أيدى أسرة شيعية. والحق أن التصدع السياسى فى القرنين التاسع والعاشر والذى أدى إلى تمزق السلطة فى الدولة، وانهيار الحكم فى العاصمة، لم يكن له آثار سلبية مباشرة على الحياة الاقتصادية والثقافية للخلافة. فقد أعقب وصول العباسيين إلى السلطة انتعاش اقتصادى كبير، يقوم على استقلال موارد الإمبراطورية عن طريق الصناعة والتجارة وتنمية وتطوير شبكة كبيرة من العلاقات التجارية، فى داخل الإمبراطورية، ومع العالم الخارجى. . وقد أدت هذه التغييرات إلى نتائج اجتماعية مهمة. . فطبقة المحاربين العرب قد استبعدت، وحلّت محلها طبقة حاكمة من ملاك الأراضى والبيروقراطيين، والجنود المرتزقة، ورجال الأدب والتجار ورجال التعليم. وتحولت المدينة الإسلامية من مدينة عسكرية إلى سوق و"بورصة"، كما تحولت فى الوقت المناسب، إلى مركز لثقافة حضرية مزدهرة ومتنوعة. وتجدر الإشارة هنا إلى أن هذه الفترة كانت العصر الكلاسيكى للإسلام، حيث نضجت

2 - (العصر العباسى الثانى) 334 هـ / 945 م - 656 هـ/ 1258 م

حضارة جديدة وثرية وأصيلة، وهى ناجمة عن تأثير كثير من الأجناس. 2 - (العصر العباسى الثانى) 334 هـ / 945 م - 656 هـ/ 1258 م أصبحت الخلافة مجرد مؤسسة اسمية فى تلك الفترة الطويلة بدءا من احتلال البويهيين لبغداد حتى سقوطها على أيدى المغول. . وكانت -أى الخلافة العباسية- تمثل قيادة الإسلام السنى، وتتصرف كسلطة تضفى الشرعية على الحكام المدنيين العديدين الذين يمارسون السيادة الفعلية فى الأقاليم وفى العاصمة. . وكان الخلفاء أنفسهم -باستثناء فترة انتعاش قصيرة قبل النهاية- تحت رحمة هؤلاء الحكام المدنيين، الذين يعينونهم ويخلعونهم متى شاءوا، بل إن واحدا منهم وهو الناصر، لم يترك أية بصمة فى التاريخ. . وإن تعيين ابن رائق أميرا للأمراء، كان واحدا من سلسلة طويلة، وكان دليلا على الاعتراف الرسمى بمنصب الحاكم المدنى. وفى الربع الثانى من القرن العاشر بسط عدد من الأمراء من بنى بُويه الفرس الشيعة، الذين يسكنون مرتفعات الديلم. حكمهم على معظم غربى فارس وأجبروا الخلفاء على الاعتراف بهم. وفى 334 هـ/ 945 م دخل الأمير البويهى معز الدولة بغداد، وانتزع من الخليفة "المستكفى" لقب أمير الأمراء. واضطر الخلفاء لأكثر من قرن أن يذعنوا لهذه المهانات ورغم تشيع البويهيين إلا أنهم لم يحاولوا أن ينصبوا خليفة علويًا، فالإمام الثانى عشر عند الشيعة "الاثنى عشرية" قد اختفى قبل ذلك بسبعين عاما، ولكنهم أعطوا بيعة ظاهرية للعباسيين -متَّخذين منهم ستارا "رشيدا" لسلطتهم، وأداة لسياستهم فى العالم السنى. ومن هذه الشيعة كان الخطر الحقيقى للعباسيين ففى عام 356 هـ/ 969 م غزا الفاطميون "الاسماعيليون" من تونس مصر، واستطاعوا بسرعة أن يبسطوا سلطانهم حتى سوريا والجزيرة العربية. ولأول مرة تحكم فى الشرق الأوسط أسرة مستقلة قوية، لم تعترف حتى بالسلطة الاسمية

للعباسيين، بل إنها -على العكس- أقامت لنفسها خلافة خاصة، متحدية العباسيين فى زعامة العالم الإسلامى بأسره. وقد وجدت السلطة السياسية والعسكرية للفاطميين تأييدا وعونا من عدد كبير جدا من المتعاطفين فى "الممالك" العباسية، وقامت أيضًا سياسة اقتصادية بارعة تستهدف تحويل تجارة الشرق من الخليج الفارسى إلى البحر الأحمر، وفى الوقت نفسه تعمل على تقوية مصر وإضعاف العراق. ثم انقسمت الإمبراطورية البويهية إلى عدد من الدول الصغيرة، على حين كانت تنمو فى فارس سلطة جديدة هى السلاجقة. . وفى منتصف القرن الحادى عشر انتهت سطوة البويهيين، واستطاع قائد تركى يدعى البساسيرى أن يحتل بغداد، ويلقى الخطبة باسم الخليفة الفاطمى. وكانت هذه الواقعة البسيطة دليلا على مدى ما بلغته سلطة الفاطميين من علو ورفعة. وفى عام 447 هـ/ 1055 م، دخل طغرل بك السلجوقى بغداد وأعلن نفسه سلطانًا. ويبدو أن السلاطين السلاجقة هم أول من استخدم اللقب رسميا، ونقشوه على عملاتهم. والحق أن السلطنة السلجوقية الكبيرة، التى استمرت قرنا من الزمان، كانت التطور المنطقى لمنصب أمير الأمراء، وقد بقى اللقب منذ ذلك الحين لمن يمسك بالسلطة الدنيوية (الزمنية) المطلقة. وقد أدخل السلاجقة الكثير من التغييرات المهمة. . فقد، كانوا تركًا سنيين، وبمقدمهم استقرت قوة الأتراك التى كانت تنمو بشكل متقطع غير متصل منذ عهد المعتصم. . ولم يعد الأتراك فى الشرق الأوسط -منذ ذلك الحين- جنودا أرقاء أو متحررين، يتم استيرادهم من آسيا الوسطى. . وبدأت عشائر بأكملها من الأتراك الأحرار الرعويين تهاجر تجاه الغرب، وتقوم بدور مهم، وتغير الصورة العرقية للشرق الأوسط. . وقد أدى إحلال الحاكم السنى مكان الشيعى إلى تزايد هيبة -لا سلطة- الخلفاء ولذلك توسع نطاق سلطة الحكومة المركزية، ومن ثم

زادت السيادة الاسمية للخلفاء، على كثير من الأراضى الكثيرة التى كانت مستقلة حتى ذلك الحين. وقد أحدث عهد السلاجقة، الذى أعقب تصدع السلطنة الكبيرة تغييرين على جانب كبير من الأهمية. أحدهما تنظيم التغيرات الاجتماعية والاقتصادية التى حدثت فى الفترة السابقة، وبلورة نظام اجتماعى ومالى جديد ذى سمة شبه إقطاعية؛ أما الآخر فهو الحملة ضد التهديد الشيعى على المستوى السياسى والعسكرى، وعلى المستوى الثقافى عن طريق خلق شبكة من المدارس، حتى تكون مراكز لصياغة المذهب السنى والدفاع عنه فى مواجهة أبواق الشيعة -وقد واجه هذان التغييران رد فعل عنيفًا متمثلًا فى حركة الحشاشين وهى حركة ثورية نشيطة، انبثقت من بين أطلال الدعوة الفاطمية، وشكلت تحديا مريرا لحكم السلاجقة والسنيين. . وقد فشل الحشاشون فى النهاية، ولم تعد الشيعة بعد ذلك عاملا سياسيا كبيرا حتى ظهور الصفويين. وبعد تصدع السلطنة السلجوقية الكبيرة، سقطت العراق تحت سيطرة أسرة محلية من الأمراء السلاجقة، كان آخرهم طغرل الثانى 573 - 590 هـ/ 1177 - 1194 م. وقد أدى انهيار سلطانه، وعدم وجود أى بديل إلى أن يقوم الخليفة العباسى الناصر بمحاولة أخيرة لاستعادة السلطة المفقودة للخلافة. وكانت اللحظة طيبة ومواتية -فالأسرتان الكبيرتان فى الشرق الأوسط كانتا مشغولتين، فالأيوبيون فى مصر وسوريا انشغلوا بالنضال ضد الصليبيين. وانشغل خوارزم شاه فى الشرق بحروبه مع الأسر التركية الأخرى ثم مع المغول. وفى هذا الفراغ للسلطة، حاول الناصر خلق كيان موسع للخلافة، ومع ذلك فإن تحول نشاطاتهم لمواجهة خطر المغول فى الشرق هو الذى أنقذها من الهلاك على أيدى شاهات خوارزم. وكان خلفاء الناصر ضعفاء، وغير أكفاء، وعندما

الخلفاء العباسيون فى مصر

ظهر القائد المغولى هولاكو -الذى كان قد غزا فارس- أمام بغداد فى عام 656 هـ/ 1258، كان آخر خليفة وهو المستعصم، وغير قادر على القيام بأية مقاومة جادة. ويعد غزو المغول لبغداد، والقضاء على الخلافة كارثة كبيرة فى تاريخ الإسلام والحق أن هذين الحدثين هما نهاية عصر -لا فى الأشكال الخارجية الظاهرية للحكم والسياسة فحسب- بل أيضا فى الحضارة الإسلامية ذاتها، التى تدفقت وتدافعت بعد التحول الذى فرضته موجة الغزو التتارى العارم، فى مسارات جديدة، تختلف عن تلك التى كانت فى القرون السابقة. وهكذا لم تعد الخلافة مؤسسة ذات فعالية، ولم يفعل المغول أكثر من أن يلقوا بشبح شئ مات بالفعل. ولم تحدث الغزوات المغولية تأثيرا كبيرًا فى الأجهزة الحقيقية للسلطة الزمنية؛ ولكن التغيير الوحيد هو أن السلطنة قد بدأت تكتسب الاعتراف الشرعى، وبدأ السلاطين ينتحلون لأنفسهم ألقابا وامتيازات كانت مقصورة من قبل على الخلفاء. الخلفاء العباسيون فى مصر ذكر "ر. هارتمان R.Hartemann" عن تأسيس الظاهر بيبرس لخلافة عباسية فى الظل فى القاهرة فى عام 659 هـ/ 1261 م. إن اختفاء الخلافة من بغداد أوجد فراغا سياسيا، لم يؤثر فحسب فى رجال الدين بل أيضًا فى الحكام المدنيين، الذين كانوا لا يزالون يستشعرون الحاجة إلى سلطة ذات وضع قانونى. وقد اعترف أبو نص شريف مكة، رسميا بالحاكم الحفصى فى تونس "أبو عبد اللَّه"، الذى اتخذ لقب الخليفة، تحت الاسم الملكى المستنصر فى 650 هـ/ 1253 م. . وقد اكتسب هذا اللقب قيمة جديدة باعتراف (أبى نُمَىْ) وتأكد بالتصرف الذى أقدم عليه المماليك بإرسالهم تقريرا عن النصر الذى تحقق فى عين جالوت، إلى "أبو عبد اللَّه" متوجهين إليه باسم أمير المؤمنين. أما بيبرس، وكان أقوى من

المصادر

سلفه، فقد فضل ألا يعطى هذا الاعتراف إلى جار قوى يمكن أن يكون خطرًا عليه، وبدلا من ذلك أقدم على حل مشكلات الشرعية والاستمرارية بتنصيب لاجئ عباسى كخليفة فى القاهرة بنفس الاسم "الخليفى" المستنصر. . وفى القرنين ونصف القرن التالية تتابعت شلالة من العباسيين الواحد بعد الآخر كخلفاء اسميين تحت حكم سلاطين المماليك فى القاهرة. . وباستثناء فترة قصيرة فى عام 815 هـ/ 1412 م فيها الخليفة المستعين حاكما لسد الفراغ لمدة ستة شهور فى غمرة الصراعات بين المتنافسين على السلطة -كان الخلفاء فى القاهرة لا حول لهم ولا قوة بل لم يكونوا أكثر من أصحاب معاشات فى البلاط، مع بعض متطلبات الاحتفال عند اعتلاء السلطان الجديد للسلطة. . وقد حاول سلاطين المماليك استخدام هؤلاء الخلفاء كوسيلة لكسب اعتراف الدول الإسلامية الأخرى، ولكن هذه المحاولات لم تلق إلا نجاحا ضئيلا وخصوصا فى الهند والإمبراطورية العثمانية حيث تقدم بايزيد الأول إلى خليفة "القاهرة" فى عام 1394 بمنحه لقب سلطان. وفى عام 1517 تم خلع آخر خليفة وهو المتوكل على يد سليم الأول الغازى العثمانى لسوريا ومصر. وهكذا أزيلت خلافة الظل العباسية. . المصادر: انظر الحوليات العربية: ابن خياط، الطبرى، ابن الأثير، ابن كثير وغيرها، ومن المراجع الأجنبية: (1) R. Hartmann: Zur Vorgeschichte des, Abbasidischen Schein-Chaliphates von Cairo, Abhandlungen der deutscen Akademie der Wissensch aften zu Berlin, Phil-hist. KI. 1947, nr, 9, Berlin 1950 (2) G. Weil: Geschichte der Chalifen 5 vols, Mannhem-Stuttgart 1846 - 62 (3) A. Muller: Der Islam im Morgenund Abendland, 2 vols. Berlin 1882 بهجت عبد الفتاح [ل. لويس L. Lewis]

خلفاء الدولة العباسية

خلفاء الدولة العباسية هجرية. . . ميلادية 1 - أبو العباس السفاح. . . 132. . . 750 2 - المنصور. . .136. . . 754 3 - المهدى. . . 158. . . 775 4 - الهادى. . . 169. . . 785 5 - هارون الرشيد. . . 170. . . 786 6 - الأمين. . . 193. . . 809 7 - المأمون. . . 198. . . 813 8 - المعتصم. . . 218. . . 833 9 - الواثق. . . 227. . . 842 10 - المتوكل. . . 232. . . 847 11 - المنتصر. . . 237. . . 861 12 - المستعين. . . 248. . . 862 13 - المعتز. . . 252. . . 866 14 - المهتدى. . . 255. . . 869 15 - المعتمد. . . 256. . . 870 16 - المعتضد. . . 279. . . 892 17 - المكتفى. . . 289. . . 902 18 - المقتدر. . . 295. . . 908 19 - القاهر. . . 320. . . 932 20 - الراضى. . . 322. . .934 21 - المتقى. . . 329. . . 940 22 - المستكفى. . . 333. . . 944 23 - المطيع. . . 334. . . 946 24 - الطائع. . . 363. . . 974 25 - القادر. . . 381. . . 991 26 - القائم. . . 422. . . 1031 27 - المقتدى. . . 467. . .1074 28 - المستظهر. . . 487. . . 1094 29 - المسترشد. . . 512. . .1118 30 - الراشد. . . 529. . . 1135 31 - المقتفى. . . 530. . . 1136 32 - المستنجد. . . 555. . . 1160 33 - المستضئ. . . 566. . . 1170 34 - الناصر. . . 575. . .1180 35 - الظاهر. . . 622. . . 1226 36 - المستعصم. . . 640 - 656. . . 1242 - 1258

الخلفاء العباسيون فى مصر

الخلفاء العباسيون فى مصر هجرية. . . ميلادية 1 - المستنصر باللَّه أبو القاسم أحمد. . . 659. . . 1261. 2 - الحاكم بأمر اللَّه أبو العباس أحمد. . . 660. . . 1262 3 - المستكفى باللَّه أبو الربيع سليمان. . . 701. . .1302 4 - الواثق باللَّه أبو اسحق إبراهيم. . . 740. . .13371 5 - الحاكم بأمر اللَّه أبو العباس أحمد. . . 742. . . 341 6 - المعتضد باللَّه أبو الفتح أبو بكر. . . 753. . . 1352 7 - المتوكل على اللَّه أبو عبد اللَّه محمد. . . 763. . . 1362 8 - المعتصم (المستعصم) باللَّه أبو يحيى زكريا. . . 779. . .1377 9 - المتوكل على اللَّه (للمرة الثانية). . . 779. . . 1377 10 - الواثق باللَّه عمر. . . 785. . . 1383 11 - المعتصم باللَّه (للمرة الثانية). . . 788. . . 1386 12 - المتوكل على اللَّه (للمرة الثالثة). . . 791. . . 1389 13 - المستعين باللَّه أبو الفضل العباس. . . 808. . . 1406 14 - المعتضد باللَّه أبو الفتح داود. . . 816. . . 1414 15 - المستكفى باللَّه أبو ربيع سليمان. . . 845. . . 1441 16 - القائم بأمر اللَّه حمزة. . . 855. . .1451 17 - المستنجد باللَّه أبو المحاسن يوسف. . . 859. . . 1455 18 - المتوكل على اللَّه أبو العز عبد العزيز. . . 884. . . 1479 19 - المستمسك باللَّه أبو الصبر يعقوب. . . 903. . . 1479 20 - المتوكل على اللَّه محمد. . . 914. . . 1508 - 1509 21 - المستمسك باللَّه (للمرةالثانية). . . 922 - 923. . . 1516 - 1517

جدول بأنساب الخلفاء العباسيين فى بغداد عباس بن عبد المطلب عبد اللَّه على محمد. . .عبد اللَّه. . .عيسى. . .سليمان إبراهيم. . .1 - السفاح. . .2 - المنصور 3 - المهدى 4 - الهادى. . .5 - الرشيد. . . المنصور. . .إبراهيم 6 - الأمين. . .7 - الواثق. . .8 - المعتصم محمد. . .9 - الواثق. . .10 - المتوكل 12 - المستعين. . .14 - المهتدى. . .11 - المنتصر. . .13 - المعتزة المعتمد. . .الموفق ابن المعتز. . .16 - المعتضد 19 - القاهر. . .18 - المقتدر. . .17 - المكتفى 23 - المطيع. . .21 - المتقى. . .الراضى. . .22 - المستكفى 24 - الطائع. . . 25 - القادر 26 - القائم محمد خيرت الدين 27 - المقتدى 28 - المستظهر 29 - المسترشد. . .31 - المكتفى 30 - الراشد. . .32 - المستنجد 33 - المستعدى 34 - الناصر 35 - الظاهر 36 - المستنصر. . . المستنصر (خليفة فى مصر) 37 - المستعصم

جدول أنساب الخلفاء العباسيين فى مصر (من كتاب "خليل أدهم" الدول الإسلامية) المستظهر المكتفى. . .المسترشد المستنجد المستعدى الناصر الظاهر. . .الراشد. . .أبو بكر على الحسن 1 - المستنصر. . .المستنصر (خليفة فى بغداد). . . 2 - الحاكم الأول 3 - المستكفى الأول. . .أحمد. . . 4 - الواثق الأول 6 - المعتضد الأول 7 - المتوكل الأول. . .5 - الحاكم الثانى 8 - المعتصم. . .9 - الواثق الثانى 14 - المستنجد. . .13 - القائم. . .12 - المستكفى الثانى. . .11 - المعتضد الثانى. . .10 - المستعين 15 - المتوكل الثانى 16 - المستمسك 17 - المتوكل الثالث (يقول آخرون أن الخليفة الثانى -الحاكم الأول- انحدر مباشرة من الراشد على النحو التالى: الحاكم بن على بن أبى بكر الحسين بن راشد). بهجت عبد الفتاح [ل. لويس L.Lewis]

عبد

عبد والجمع عبيد وقد وردت فى القرآن الكريم على صيغة الجمع (عباد) كما فى الآية 32 من سورة النور {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ}، وتطلق كلمة (عبد) على الذكر خاصّة أما الأنثى فتسمى أمة (بفتح الألف والميم) وجمعها إماء، وكلتا الكلمتين من أصل سامٍ قديم، وتستخدمها عبرية التوراة بالمعنى نفسه، وتستخدم العربية الفصحى كلمة (رقيق) للدلالة على العبد والأمة أى (المذكر والمؤنث) كما تدل الكلمة على المفرد والجمع أيضا، وعلى أية حال فإن كلمة (رقيق) لم ترد فى القرآن الكريم، ويستخدم القرآن الكريم كلمة (رقبة) ومعناها حرفيًا تشير إليه الكلمة الإنجليزية neck أى العنق وقيل إن معناها مؤخر أصل العنق وقيل أعلاه والجمع رقب (بضم الراء والقاف) ورقاب ورقبات، كما ورد فى القرآن الكريم [. . . . .] (*) {مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}، و (العبد المملوك) فى سورة النحل آية 75 {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ} ومن هنا تطور مفهوم كلمة مملوك فى اللغة العربية ليكون مرادفًا لكلمة عبد، وقد دخلت اللغة العربية -شأنها شأن اللغات الأخرى- تعبيرات لطيفة مخففة لتشير للمعنى نفسه مثل فتى، وفتاة، وخادم وخادمة، وغلام للعبد المذكر وجارية للأنثى، وهناك أيضا وصيف ومؤنثه وصيفة، وفى مرحلة من المراحل كانت كلمة (خصى) تعنى العبد، بل وامتد معنى العبودية لكلمتى (زنجى) و (زنجية)، بل إن كلمة (أسير) المقابلة للكلمة الانجليزية Captive كانت تعنى أحيانا العبد، ومطلق العبودية يعبر عنها بالرق أو بالعبودية المشتقة من كلمة عبد، وصاحب العبد أو مالكه هو (السيد) ويمكن أن يشار إليه أيضا على أنه المولى أو (المالك)، وعكس العبد (رجل حر) و (امرأة حرة). وبالنسبة للغة التركية فإنها تضم عددا من الكلمات الدالة على العبد منها كولى Kole بالإضافة لكلمات أخرى دخلت التركية من لغات أخرى مثل بند الفارسية الأصل، وأسير وغلام وهما عربيتان، وكارية وهى تحريف لكلمة جارية العربية، بالإضافة إلى هلايك، وهى تحريف لكلمة خلائق، ومعناها

_ (*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: مسح بالمطبوع

الرق قبل الإسلام

بدقة هو المخلوقات بما تحمله من مضمون شبيه بالمضمون الذى تحمله الكلمة الانجليزية Creatures أما اللغة الفارسية ففيها كلمات مثل باندا وغلام للمذكر، وكنيز للمؤنث. الرّق قبل الإسلام: مورست العبودية فى شبه الجزيرة العربية قبل الإسلام كما مورست فى بقية دول العالم القديم وبواكير العصور الوسطى، غير أنه يجب الاعتراف أن المعلومات المتفرقة التى تيسرت لنا عن فترة ما قبل الإسلام غير كافية لتقديم إجابات مؤكدة عن معظم المشاكل التى أثارها نظام الرق هذا، ويمكن الاعتراف بأنه "قبل الهجرة مباشرة" كانت الأغلبية العظمى من العبيد موجودة فى غرب شبه الجزيرة العربية، وكان هؤلاء العبيد يمثلون سلعة متوفرة فى مكة المكرمة حقق التجار من وراء بيعها أرباحا طائلة؛ وكان العبيد فى غرب شبه الجزيرة العربية أناسا ملونين من أصل حبشى، ولابد أن بعضهم قد كون نواة جماعة الأحابيش التى كونت قوة للدفاع عن مكة، وقد كان بلال رضى اللَّه عنه أول مؤذن فى الإسلام عبدًا من هؤلاء (*)، كما كان هناك بعض العبيد البيض من عنصر أجنبى لكن عددهم كان أقل كثيرا من العبيد ذوى الأصول الأثيوبية (الحبشية)، وقد وصل هؤلاء العبيد البيض -بدون ريب- مع قوافل التجارة العربية (ويعود تاريخ تجار الرقيق إلى زمن سحيق فقد أشار لهم العهد القديم فى سياق قصة يوسف عليه السلام) ولا توجد أسباب موضوعية تجعلنا ننكر وجود عبيد من أصل عربى -ولو أن افتداء الأسرى بين القبائل الرّحل كان أمرا شائعا، وليس لدينا دليل حاسم على وجود استعباد وفاء لدين، كما ليس لدينا ما يشير إلى قيام بعض الأسر ببيع أبنائها، فالحكايات النادرة، والمتأخرة بهذا الشأن تبين أن هذا الأمر فى حال حدوثه كان يمثل حالة شاذة وغير عادية، وعلاوة على ذلك فسوف يكون ¬

_ (*) أصبح الصحابى الجليل بلال بن رباح مسلما حرًا بعد الإسلام، وهو الذى أعتقه أبو بكر الصديق رضى اللَّه عنه، حتى قيل "إنه سيدنا وأعتقه سيدنا". المحرر

القرآن والأخلاق الدينية

من غير الحكمة أن نكثر من الاستنتاجات اعتمادا على المعلومات الضئيلة التى لدينا عن حال العبيد فى الحجاز قبل الإسلام، فالاحتقار الدائم للأسلاف العبيد حتى لو كان -فقط- من ناحية الأم، والسخرية التى يعانى منها من تزوج من فتاة أسيرة -ربما كان ذلك من خصائص العقلية البدوية [آئنذ] أكثر من كونه دلالة على النظرة العامة لسكان المدن، وسيرة الشاعر المحارب المشهور عنترة وهو ابن بدوى ومن أم من الرقيق الحبشى، والذى كان عليه أن يقوم بأعمال بطولية أمام والده قبل أن يعترف ببنوته، هذه الحكاية ذات مدلول إذ إن فحواها ينطوى على معارضة لحرمان الأطفال الناتجين عن مثل هذه الزيجات من حقوقهم. القرآن والأخلاق الدينية: كان الإسلام أكثر من الديانتين الأخريين -اليهودية والمسيحية- حسما فى مسألة الرق فى محاولة لتلطيف هذا النظام وتخفيف نواحيه الشرعية وإعطائه بعدا أخلاقيا، فالعبد -فى الإسلام- يمتلك القيمة نفسها التى للرجل الحر، ولروحه الخلود نفسه الذى لروح الحر، ويحض القرآن الكريم على تحرير العبيد، فهو تكفير عن الذنوب، وهو أيضا من أعمال البر والإحسان وهو كفارة للحنث فى القسم، وقد جرى العرف على التفرقة بين نوعين من العبيد. يقول ابن منظور "القِنْ -بكسر القاف وتسكين النون- هو العبد، والعبد القن هو الذى ملك هو وأبواه، وقن للمفرد والاثنين والجمع والمؤنث، وجمعه أقنان وأقنة والأخيرة نادرة، والأنثى قن بغير هاء، فالعبد القن هو الذى وُلد عندك ولا يستطيع أن يخرج عنك، وحُكى عن الأصمعى: "لسنا بعبيد قن ولكننا عبيد مملكة" ولدينا دليل قوى متمثل فى الآية 33 من سورة النور على أن العرب قبل الإسلام كانوا يخصصون نساء العبيد (الجوارى) لصالح أسيادهم، وقد نهى الإسلام عن ذلك {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}، وقد أتاح الإسلام للجارية المسلمة فرصة التزوج من المسلمين الأحرار بل وجعل الأمة المسلمة خيرا من المشركة الحرّة وقد

الرق فى الفقه

وصف الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] العبيد بأنهم إخوة ونهى الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] عن معاقبة العببب بشدة كما أمر بالعفو عنهم وبمؤاكلتهم وكسوتهم ومعاملتهم بالحسنى. الرق فى الفقه: 1 - بغض النظر عن التمييز -من حين لآخر- بين العبيد المسلمين، والعبيد غير المسلمين، فإن الشرع الإسلامى يعترف بطبقة واحدة فقط من العبيد بصرف النظر عن أصلهم العرقى أو طريقة الحصول عليهم، وقد ظل نظام الرق ساريا بوسيلتين شرعيتين، الميلاد فى العبودية أو الأسر فى الحرب، ولم يكن مبدأ الأسر فى الحرب يطبق على المسلمين، فقد يؤسرون ولكنهم لا يستعبدون أو يصبحون عبيدا من الناحية الرسمية على الأقل، لذلك فقد كان العبيد المسلمون هم الذين كانوا عبيدا قبل تحولهم للإسلام أو الذين ولدوا فى ظل العبودية، ومن هنا كان عددهم يميل للتناقص باستمرار، بالإضافة إلى العتق (التحرير) الذى حض عليه الإسلام، ورغم أن المبدأ المعتاد هو أن الطفل المولود يأخذ وضع أمّه (حرّة كانت أم أمة)، إلّا أن هذا المبدأ جرى تفسيره لصالح الطفل، فاعتبره الشرع الإسلامى حرا فليس من الطبيعى أن يكون عبدًا لأبيه، ومعنى هذا أن العبودية لم يكن لها أن تستمر فى المجتمع الإسلامى دون الإسهام المتجدد للعناصر الخارجية أو الهامشية، وإنه لأمر يدعو للإعجاب أن نرى العبودية فى رأى الفقهاء المسلمين حالة استثنائية؛ فالمبدأ الأساسى على حد تعبيرهم "هو الحرية" أو "الأصل هو الحرية"؛ فغالب الفقهاء المسلمين يعتبرون اللقيط حرا، واللقيط هو الذى لا يعرف أصله، وذلك بناء على القاعدة الشرعية "الأصل هو الحرية". 2 - وعلى المستوى الشرعى كان للعبد قيمة مزدوجة فباعتباره (شيئا) مملوكا فإنه يخضع لحق الملكية، فهو يباع ويهدى ويؤجر ويورث. . . إلخ، وهو فى هذا الشأن مجرد سلعة من السلع، والعبد حديث الولادة على سبيل المثال هو (غلّة) أُمّه أى انتاجها، ويصبح بالتالى ملكًا لمالك أمّه، وعلى

المحتسب واجب ضمان أن الأسياد يعاملون عبيدهم معاملة طيبة، وقد يكون العبد -كما كان بين الرومان وفى أوربا المسيحية- ملكا لاثنين أو أكثر من الملاك فى الوقت نفسه، ويقال عندئذ إنه (شائع الملكية) أو إنه مملوك (على الشيوع) أو إنه (مشترك)، ومثل هذه الملكية تثير أوضاعا قانونية معقدة جدا، ومن المفيد ملاحظة أن الشرع يرتب مبلغ المكافأة التى يمكن أن يطالب بها شخص أعاد عبدا هاربا (آبقا) إلى سيده. على أن العبد -حتى من وجهة نظر حق الملكية، الذى هو موضوعها- لا يعامل دائما مثل الملكيات الأخرى تماما، فالفقه المالكى -على سبيل المثال- يسمح بضمان تلقائى لمدة ثلاثة أيام على حساب بائع العبد ضد أى عيوب فى الأخير، ومن الأمور الرائعة فى الفقه الإسلامى أنه من المحظور فصل أم مستعبدة عن طفلها الصغير. 3 - وللعبد المسلم حقوق دينية من حيث العبادات والتكاليف مماثل نظريا لما للأحرار، وعلى السيد دفع زكاة الفطر نيابة عنه، وليس هناك ما يمنع أن يكون العبد إماما فى صلاة الجماعة، وإن كان الأحناف لا يوافقون على ذلك، ومسألة حقه فى الإمامة فى صلاة العيدين محل خلاف كبير، وفى كل الأحوال فإن من المفضّل أن يكون الإمام حرًا. 4 - وموافقة السيد مطلوبة لعقد زواج العبد أو الأمة، وللعبد أن يتزوج امرأتين كحد أقصى غير أن المذهب المالكى يجعل من حقه أربع زوجات كالحر، كما يرى أصحاب المذهب المالكى أن من حق الزوجة الأمة أن تشارك الزوجات الأخريات (الحرائر) فى اقتسام الليالى، أى أن من حقها أن يبيت عندها زوجها عدد الليالى نفسه الذى يبيته عند كل واحدة من زوجاته الحرائر. والأولاد المولودون من محظية مملوكة بطريقة شرعية أولاد شرعيون، وفيما يتعلق بالميراث فهم فى هذا كأولاد الزوجات الحرائر. 5 - ومعظم الفقهاء ينكرون على الأمة حق الحضانة ولا يسمحون للعبد أن يكون (وليا)، والأحناف والشافعية

الرق فى العصور الوسطى

لا يسمحون أن يكون العبد منفذ وصية، وشهادة العبد غير معترف بها أمام القضاء إلّا عند الحنابلة، ومع هذا فهم لا يقبلون شهادته فى الأمور التى يعاقب عليها الشرع بشدة. 6 - والنشاط التجارى للعبد مقيد، فهو غالبا لصالح سيده، ومع هذا فللعبد حق الملكية لماله الخاص الذى جمعه عن طريق الهدايا والإرث بوصية. 7 - أما فيما يتعلق بالقصاص فإن غالب المذاهب تعارض إعدام رجل حر لقتله عبدا، وفى حالة التعويض أى إذا أصاب أحد عبدا فإن التعويض يذهب للسيد المالك، وإذا أخطأ العبد أو ارتكب جرما كان على سيده تسليمه أو دفع الدية عنه، أما العبد المتهم بالسرقة أو الردة فيعاقب بالعقوبة نفسها التى يعاقب بها الرجل الحر. الرِّق فى العصور الوسطى: على مدى التاريخ الإسلامى كله وحتى القرن التاسع عشر كانت العبودية دائما نظاما مرتبطًا بالحياة ومتأصلا بعمق بحكم العادة، وكان الأتراك الذين قُيِّض لهم أن يجيئوا لغوث العرب فى نضالهم الظافر ضد القوى الأوربية قد مارسوا العبودية -فيما يبدو- فى دولتهم فى مراحلها الأولى من خلال الاختطاف والشراء فتكونت بذلك طبقة العبيد فى العالم الإسلامى، واعتنق هؤلاء العبيد الإسلام وأصبحوا هم أنفسهم أكبر المدافعين عن نظام الرق والدين الإسلامى الذى اعتنقوه. وقد أمدّت حروب الفتح -التى أدت إلى التوسع العظيم والسريع لدار الإسلام فى القرن الأول للهجرة واستمرت خلال القرون الوسطى- المسلمين المنتصرين بفيض لا يتوقف من الأسرى رجالا ونساء تحول عدد كبير منهم إلى عبيد، وكانت الغارات المسلحة التى يشنها المسلمون على بلاد الأعداء فى المناطق الحدودية، والتى اتخذت شكل الحروب المقدسة موردًا آخر للأسرى الذين يتحولون إلى عبيد، وكانت هذه الغارات شبه مستمرة إذ لم تكن تتوقف إلّا أثناء التحالفات الوقتية أو عند عقد هدنة، كما شكلت حركة القرصنة (الجهاد البحرى) فى البحر المتوسط موردًا آخر للعبيد بالنسبة للدول المطلة عليه، وقد مارس

المسيحيون أيضا القرصنة فى البحر المتوسط وجعلوا عددا من المسلمين يعيشون فى ذل العبودية فى أوربا، وتحول بعضهم إلى المسيحية تحولا بطيئا واندمج فى السكان المحليين، بينما تمكن آخرون من الهرب وقد حدث على نطاق محدود -باعتراف الجميع- أن مسلمين استعبدوا مسلمين آخرين، وكانت هذه هى الحال -على سبيل المثال- عندما اعتبر أفراد من شيع متعصبة بقية المسلمين خارجين عن دائرة الإسلام، وبالتالى لم يترددوا فى مهاجمتهم واسترقاقهم، وهناك مثال صارخ ففى سنة 1077 م بيعت آلاف النساء من قبيلة بربرية ثائرة فى أسواق الرقيق بالقاهرة، كما حدث هذا بكثرة فى المناطق الحدودية إذ إن جماعات حكومية أو تعمل لحسابها كانت تشن هجمات عبر الحدود على السكان الذين كانوا غالبا وثنيين -لكن هذا لا يمنع من وجود مسلمين بينهم أو حتى أطفال من آباء مسلمين، وبانتشار الإسلام فى أفريقيا السوداء (أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى) وبتكثيف الضغط المغربى فى هذا الاتجاه فى القرون الأخيرة من العصور الوسطى- ثار سؤال حول شرعية استرقاق المسلمين بين الحين والآخر، وقد أجاب الفقهاء باحتراس بأن شككوا فى أن هؤلاء المعروضين للبيع قد يكونون مسلمين وبالتالى حرموا الاتجار فيهم. وكانت قوافل النخاسين تتوغل فى قلب أفريقيا وآسيا للحصول على الرقيق بالشراء أو الخطف والسرقة، وفى القارة الأفريقية كانت النزاعات القبلية بين الوطنيين تيسر عمل تجار الرقيق، وثمة مسألة لابد من التنويه عنها وهى أن كل الأجناس تقريبًا كانت مجالا للاتجار فيها كرقيق، فلم يكن الأمر مقصورا على عناصر الزنوج والأثيوبيين والبرابرة والترك فحسب، بل عناصر أوربية أيضا خاصة العناصر السلافية. ومنذ منتصف القرن الثامن، بدأ أهل البندقية -رغم نقمة البابوية الشديدة- سيرتهم كمتعهدى توريد رقيق كان من بينهم مسيحيون -للدول الإسلامية. وفى القرنين التاسع والعاشر لعب التجار اليهود دورا مهما فى تجارة

الرقيق عبر أوربا الغربية والوسطى، كما أداروا مركزا مشهورا للخصى (الإخصاء) فى فيرون وتوزيعهم على ديار المسلمين، وفى تاريخ لاحق جلب مماليك مصر -بموافقة الإمبراطور البيزنطى- عبيدا من مراكز تجارة القرم وبحر أزوف، وحتى داخل العالم الإسلامى كانت هناك حركة تجارية كبيرة فى العبيد من مختلف الأعراق، وكانت الجزية المرسلة للخلفاء تضم عبيدا، ونحن لا نعرف كل تفاصيل تنظيم هذه التجارة ولكننا نلم ببعض أوجهها، فقد كان فى كل مدينة كبيرة سوق كبيرة للرقيق تعرف بمكان العرض (المعرض) وليس من المفيد أن نذكر هنا أسعار الرقيق خاصة إذا كانت أسعارا استثنائية، فمثل هذه الأرقام ليس لها معنى حقيقى إلّا إذا خضعت للنقد والمقارنة وقورنت بقيمة السلع الأخرى، وهى دراسة يمكن إجراؤها والحصول على بياناتها دون صعوبة كبيرة، لكن من الواضح أنه كانت توجد فروق كبيرة فى الأسعار فى السوق الواحدة وفقا لجنس العبيد وعمرهم وعرقهم وحالتهم الصحية وقدراتهم، وبخاصة بالنسبة للإناث، فالصغيرة الأنيقة الموهوبة غالية الثمن، وبشكل عام كان العبيد البيض أغلى من السود وكان العبيد من أعراق معينة مشهورين بأعمال خاصة ارتبطت بهم دون سواهم. وبشكل عام فقد كان الهدف من اقتناء الجوارى هو القيام بالأعمال المنزلية بالإضافة إلى إشباع نزوات أسيادهم، وكانت الجوارى اللائى تبدين استعدادا لتقبل العلم يسمح لهن بدراسة الموسيقى والشعر. أما العبيد الذكور فمجال الافادة منهم أوسع فهم يكونون الحرس الشخصى وأحيانا يكونون جزءا من كتيبة ضخمة، بل كانت هناك كتائب كاملة مخصصة للعبيد، وقد تكون هذه الكتائب من العبيد السود أو من العبيد البيض، وغالبا ما تقع المنافسات بينهم، كما كان للعبيد وظائف منزلية بعضها ذو طابع مريب، وكان من بينهم الطواشية (المخصيون) الذين ملأوا قصور الخلفاء والأمراء والأثرياء كحرس للحريم،

الرق فى العصر الحديث

وكان يطلق على الواحد منهم لقب ينم عن التشريف مثل أستاذ وأحيانا يقال له خادم دون الإشارة إلى كلمة خَصِى، وفى القرن التاسع كانت أغلبية العبيد الخصيان فى العراق من السلاف. وخدم كثير من العبيد كمساعدين فى الأعمال التجارية بل ومارس بعضهم التجارة لحسابه الشخصى، كما عمل العبيد فى الأعمال الزراعية فى حقول أسيادهم، لكن المسلمين فى العصور الوسطى -فى الحقيقة- لم يعرفوا طريقة استغلال العبيد على نطاق واسع فى الأعمال الزراعية، وقد ثار العبيد ثورة كبرى فى العراق فى العصر العباسى، انتهت فى النصف الثانى من القرن التاسع الميلادى، وكان هؤلاء العبيد فى الأساس قد جلبوا من شرق أفريقيا لزراعة مناطق ما بين النهرين (العراق). وإذا وضعنا جانبا المعاناة التى تسببها تجارة الرقيق إلّا أن حالة أغلبهم مع سادتهم المسلمين كانت محتملة، بل لقد وصل بعضهم إلى مراكز مرموقة يحسدهم عليها الأحرار. الرق فى العصر الحديث: يبدو أن الممارسات المتعلقة بالرق بين المسلمين لم يطرأ عليها تغييرات جوهرية إبان الفترة الحديثة، فالمصادر الرئيسية للرق فى العصور الوسطى وطرق الاسترقاق ظلت كما هى وإن عدلت على نطاق محدود بسبب اختفاء المسلمين من أسبانيا من ناحية، واتساعه فى البلقان والهند وأندونيسيا من ناحية أخرى. وقد أحست أوربا بخطر تجارة الرقيق على أراضيها ذاتها قبل تبنى سياسة عالمية بإلغاء الرقيق بوقت طويل ومع هذا شغلت أوربا نفسها بامداد مستعمراتها الأمريكية بالزنوج الأفريقيين الذين عانوا بشدّة من ذل العبودية، وكان العبيد المسلمون كثيرين فى البرازيل على نحو خاص، وقد قاموا بثورات هائلة من سنة 1807 م إلى سنة 1853 م وتم إخمادها بعنف شديد. وفى البحر المتوسط كان للقراصنة ولصوص البحر البربر (¬1) ¬

_ (¬1) من المعروف أن هذه الحركة هى حركة جهاد بحرى وليست حركة قرصنة قام بها -على نحو خاص- المسلمون المطرودون من أسبانيا الذين سلبت أموالهم وذراريهم. [المترجم]

يواصلون أعمالهم للنهب والتخريب خاصة بعد امتداد السيادة العثمانية لشمال أفريقيا، وقد قام الأوربيون أيضا بحركة قرصنة حقيقية ضد مجاهدى البحر المسلمين الآنف ذكرهم واستمروا فى هذه الأعمال حتى أواخر القرن الثامن عشر، وأسروا عددا من المسلمين، وقد لعب فرسان مالطة دورا فعالا أثناء النصف الأول من القرن الثامن عشر فى أسر المسلمين، وباعوا للأسطول الفرنسى الرجال الذين احتاجوهم كمجدفين فى السفن الشراعية، وحاول أكثر من عشرة آلاف عبد مسلم الثورة على جزيرة مالطة سنة 1749 م وقد حرر بونابرت الألفى عبد البربرين الذين وجدهم هناك سنة 1798 م. ومن الأهمية أن نميز بين العبيد المأسورين للفدية والذين استرقوا بعد أن كانوا أغنياء فهؤلاء كانوا يلقون معاملة حسنة، والعبيد العاديين الذين كانوا يعاملون معاملة قاسية ويجبرون على أداء أعمال شاقة فى السفن الشراعية وفى الأرض الزراعية، أما فى المدن فقد كان العبيد يؤدون أعمالا أيسر من العبيد العاملين فى الأراضى الزراعية، وكان الأطلنطى عامرا بالقراصنة المراكشيين الذين كانوا ينطلقون من قاعدتهم فى "الرباط ساليا" Rebat Sale، وكما حدث فى العصور الوسطى فقد قامت الجماعات الدينية التحررية بما فيها الجماعات اليهودية بدور فعال فى عتق العبيد بتقديم الفدية (¬1)، وكان العبيد المتحولون للإسلام يصلون لمناصب عالية فى الجيش والأسطول العثمانيين؛ لكن عدد العبيد الذين كانت تحصل عليهم الدولة العثمانية بدأ يتناقص بالتدريج فى بداية القرن التاسع عشر بسبب الضغط العسكرى الأوربى. وعند الغزو الفرنسى للجزائر سنة 1830 م -على سبيل المثال، لم يكن فى الجزائر سوى ¬

_ (¬1) كان اليهود فى الواقع هم الرواد الحقيقيون لتجارة الرقيق فى المحيط الأطلنطى خاصة، فقد تمركز عدد كبير من اليهود المطرودين من أسبانيا فى جزيرة ساو تومى Sao Thome وأسموها جزيرة الميلاد، واستقدموا من الساحل الأفريقى المقابل عددا كبيرا من العبيد لزراعة مزارع قصب السكر الواسعة فكانوا بذلك أول من استخدم العبيد استخداما استثماريا حقيقيًا فى الأعمال الشاقة، وكانوا هم أول الوسطاء فى التاريخ الحديث لتوريد الرقيق إلى الأمريكتين. لجنة المراجعة

إلغاء الرق فى العصر الحديث

122 من الرقيق الأوربى مقارنة بعدة آلاف منذ قرنين سابقين. وظل شمال أفريقيا مخرجا لحركة تجارة الزنوج حتى الاحتلال الفرنسى. ولقد لعبت مراكش دورا كبيرا فى هذه التجارة وبخاصة فى النصف الثانى من القرن السابع عشر عندما حشد السلطان مولاى اسماعيل جيشا حقيقيا من الزنوج المهجّنين أطلق عليهم اسم عبيد البخارى نسبة (إلى الإمام البخارى) لأنه كان يجعلهم يقسمون يمين الولاء له وأمامهم صحيح البخارى المعروف، واستمر العبيد السود يجلبون إلى مراكش حتى فى القرن العشرين -مع مراعاة السرية- من تمبكتو، وكانت أسواق البيع العلنى تعقد فى سيدى أحمد وسيدى موسى على الحدود الجنوبية؛ كما كانت تعقد فى الرباط، إلّا أن الاستمرار فى هذه التجارة بشكل علنى أصبح مستحيلا. وفى تونس كان العبيد الذكور السود يأتون تحت إمرة الأغا أو الطواشى (الخصى) الرئيسى للباى بينما كانت النسوة النيجيريات يخضعن لرئيسة منهن، وكانت نسبة موت النيجيريات فى مصر عالية، وكان محمد على فى العصر الحديث يزيد من تعداد جيشه بضم عبيد من السودان إليه. إلغاء الرق فى العصر الحديث: يحض الإسلام على تحرير العبيد، ومع هذا فقد اعتبر بعض الكتاب والمؤرخين أن الريادة الحديثة كانت لإلغاء الرق للقوى الأوربية. وليس معنى هذا أن القوى الأوربية كانت دائما ضد الرق فقد احتفظ الأوربيون بالعبيد فى مستعمراتهم، وكان فى روسيا أيضا عبيد، وعندما أدان الفلاسفة الفرنسيون ابتداء من منتسكيو مبدأ العبودية ذاته عملت الجمهورية الفرنسية الأولى على قمع نظام العبودية لفترة قصيرة، ولكن منذ سنة 1806 م فصاعدا تولت بريطانيا القيادة فى حركة حظر تجارة الرقيق ثم حظر الرق أو العبودية ذاتها، ولقد أثبت التاريخ أن بريطانيا قامت بدور رائد فى هذا حتى فى البلاد الإسلامية ذاتها. وقد شهد القرن التاسع عشر منذ

1814 م عدة معاهدات واتفاقات دولية تهدف إلى تحريم التجارة الدولية فى الزنوج وقد حررت بريطانيا العبيد فى مستعمراتها بالقانون الشهير فى 28 أغسطس 1833 م، وفى 1843 م أصدرت قرارا مكملا لإلغاء العبودية فى الهند وألغت فرنسا -تماما- العبودية فى كل أراضيها عبر البحار بما فيها الجزائر بقرار من الجمهورية الثانية فى 27 أبريل 1848 م، وقامت هولندا بالأمر نفسه فى ممتلكاتها فى أندونيسيا سنة 1854 م، وبالمثل قامت روسيا بإصدار قوانين مماثلة لممتلكاتها فى آسيا فى 22 يونيو سنة 1873 م قبل استكمال قهر تركستان. وبالتدريج بدأت الدول الإسلامية المستقلة تحذو حذو هذا المد الأوربى. ويعود لتونس الفضل فى أنها كانت أول كيان إسلامى يصدر مرسوما عاما لتحرير العبيد السود، ذلك أن الباى أحمد أصدر فى 23 يناير 1846 م (فى العام نفسه الذى بدأ فيه رحلة إلى فرنسا) أوامر بمنح صكوك التحرير لكل عبد يرغب فى ذلك، وقد اعتمد ديباجة هذا المرسوم اثنان من كبار علماء الأحناف والمالكية فى تونس، وفى هذه الديباجة ما يفيد أن الرق مقبول من الناحية الشرعية من حيث المبدأ ولكن لاعتبارات دينية وسياسية يجب إلغاؤه، فمن الناحية الدينية لاحظ العلماء أن أصحاب العبيد لم يعودوا يراعون قواعد المعاملة الطيبة لهم والتى نص عليها الشرع الإسلامى، كما أن الإسلام قد انتشر انتشارا كبيرا مما يلقى بظل اللاشرعية على العبودية، أما من الناحية السياسية فمن المناسب تلافى مخاطر لجوء العبيد لسلطات أجنبية تحميهم. وقد كان لانضمام تركيا إلى قرارات موْتمر بروكسل سنة 1890 م دور فى قمع تجارة الرقيق التى انخفضت بالفعل بقرار الحظر فى الدول الأفريقية والبحر الأحمر ومع هذا ظلت هذه التجارة تمارس سرا على نحو أو آخر. علاوة على ذلك فقد ضمن القناصل الأجانب من السلطات العثمانية تحرير العبيد الذين استجاروا بهم، وقد ظل

الدستور العثمانى الصادر سنة 1876 م والذى كان يضمن الحرية الشخصية لكل رعايا الدولة معطّلًا إلى أن وضع موضع التنفيذ الفعلى على يد الأتراك الشبان سنة 1908 م. وكانت مصر من الناحية الاسمية ضمن الأراضى العثمانية، وكانت بالتالى تخضع لأقدم فرمان يمنع الاتجار فى الزنوج. والحقيقة أن مصر كانت فى حاجة لفرمان منع لأن هذه التجارة قد اتسعت فى اللحظة التى وجد المصريون فيها أنفسهم فى قلب السودان فالباشوات المصريون الخاضعون للباب العالى نظموا بعض الحملات ضد تجارة الرقيق فى الجنوب مع أن نتائج هذه الحملات كانت متوسطة القيمة، وعهد الخديوى إسماعيل إلى سير صمويل بيكر بحملة من هذا النوع (1869 م - 1873 م) جاءت نتائجها -بالمثل- مخيبة للآمال، وبعد عام 1874 م كثفت الحرب ضد تجارة الرقيق مع التوسع المصرى بقيادة الكولونيل جوردون وزملائه الأوربيين وفى هذه الفترة كان الخديوى ملزما بشروط اتفاق مع انجلترا فى 4 أغسطس 1877 م حظر رسميا كل التجارة فى الرقيق، وتم افتتاح مكاتب تحرير فى المديريات المختلفة. ومنذ سنة 1895 م كان أى انتهاك لحرية الفرد يعد جريمة فى مصر. وهاجم الانجليز أحد المصادر الأساسية المصدرة للعبيد ونعنى به شرق أفريقيا وكانت الجهود الدبلوماسية الإنجليزية لمنع تجارة الرقيق فى هذه الأنحاء تتسم بالهدوء والرغبة فى الحصول على موافقة الطرف الآخر. وبعد الحرب العالمية الأولى أصبح لدى القوى المنتصرة من الرؤى الواضحة ما يمكنها من إقرار السلام وفقا لمعاهدة سانت جرمان فى 10 سبتمبر سنة 1919 م فوضعت فى اعتبارها ما يمكن أن تلقاه من مقاومة من الدول الإسلامية فيما يتعلق بمقاومة الإتجار فى الرقيق، تلك التجارة التى ظلت تمارس بشكل سرى رغم الإلغاء الرسمى لها.

المصادر

المصادر: (1) J. H.Harris: A century of Emancipation, London 1933 (2) H. H. Wilson: In American Journal of International Law, 1950, 505 - 26 (3) United Nations: The Supperssion of Slavery, New York, July 1951 وداد عبد ربه [د. برونشفيج R. Brunschvig] عبد الجبار بن عبد الرحمن هو عبد الجبار بن عبد الرحمن الأزدى والى خراسان. كان من أعوان العباسيين فى عامى 130, 133 هـ (747، 750/ 751 م) فى محاربتهم الأمويين وأصبح عامل الشرطة فى خلافتى السفاح والمنصور، فلما تولاها ثانيهما أرسله إلى خراسان ليكون عامله عليها فلما بلغها أسرف فى اضطهاد كبرائها إسرافا كبيرًا متهمًا إياهم بممالأة العلويين، لكن مع ذلك لم يسلم من اضطهاده نفر من العباسيين (كما يتضح ذلك من الترجمة الفارسية للطبرى)، وربما كان هذا هو السبب الذى حمل الخليفة على الشك فيه فاتهمه بالتمرد، وتؤكد هذه الشكوك الرسائل المتبادلة بينهما بعد ذلك حتى أن المنصور اضطر فى النهاية (سنة 141 هـ = 758 م) إلى إرسال جيش كبير ضده بقيادة ابنه المهدى، فلما اقتربت هذه الجيوش من "مرو الروذ" قام أهلوها فسلموا إلى العسكر عبد الجبار، وجاءوا به إلى المنصور فعذبه وقتله والأرجح أن ذلك الأمر قد تم فى مطلع سنة 142 هـ. المصادر: (1) الطبرى: تاريخ الرسل والملوك، طبعة M. J. De Geoje وآخرون ليدن 1879، 1901. (2) اليعقوبى: التاريخ طبعة M.Th. Houtsma، ليدن 1883، (الفهرس). (3) S. Mocati: La rivolta di "Abd al Gabbar فى حولية Rendicioti della Reale Accademia dei Lincei, classe di Psciencze morali, 1947, 613 - 5 د. حسن حبشى [س. موسكاتى S.Moscati]

عبد الجبار الهمدانى

عبد الجبار الهمدانى عبد الجبار بن أحمد بن عبد الجبار الهمدانى الأسدابادى أبو الحسن الفقيه المعتزلى، الشافعى المذهب، ولد حوالى سنة 325 هـ ونشأ فى بغداد وظل بها حتى استدعاه إليه صاحب الرى ابن عباد الذى كان من غلاة المعتزلة فذهب إلى هناك وجعله قاضى الولاية، ومن ثم ترد الإشارة إليه فى أدب الاعتزال المتأخر مقرونا بقاضى القضاة، وقد أورد ياقوت (فى إرشاد الأريب جـ 2/ 312، 314) كثيرا من أخباره وعلاقاته بابن عباد الذى ما كاد يموت حتى أمر الوالى الجديد فخر الدولة بخلعه من منصبه فخلع وزج به فى السجن، وكان سبب ذلك ملاحظة بدت من عبد الجبار فيها مساس بمولاه الراحل. ويبدو أنه لا تتوفر أى تفاصيل عن الفترة الأخيرة من حياة الهمدانى، فلا نعرف عما إذا كان قد أعيد إلى منصبه السابق أم بقى معزولا عنه حتى وافته منيته عام 415 هـ (= 1025 م). والكتاب الرئيسى الذى وضعه عبد الجبار والمتعلق بعقيدة المعتزلة كتاب ضخم يعرف بالمغنى لا يزال الجزء الأكبر منه محفوظا فى صنعاء (انظر فهرست كتب الخزانة المتوكلية 103 - 104) كما تتوفر بعض مجلدات منه فى القاهرة جئ بها من صنعاء (انظر خليل نامى: البعثة المصرية لتصوير المخطوطات العربية، القاهرة 1952 م، ص 15). وهناك كتاب آخر مهم عن عقائده اسمه "المحيط بالتكليف" وضعه تلميذه ابن "متويه" وتوجد بضعة مجلدات منه فى صنعاء (انظر الفهرس، ص 102، وانظر الجزء الأول من كتالوج برلين، رقم 5149، وفهرست الخزانة التيمورية، العقائد رقم 357، ومقتطفات منه فى مكتبة لينينجراد) انظر فى ذلك Borisa: les mass. Mutazalites de la Bibliotbeque Publique. 1935, pp 63 - 95، أما رسالته عن النبوة المسماة "تثبيت دلائل نبوة سيدنا محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] " فموجودة فى مكتبة شهيد على باشا تحت رقم 1575، وانظر ريتر، 1929 م، ص 42) وتحتوى هذه الرسالة أيضا على بحوث مهمة عن آراء

المصادر

المذاهب الأخرى لاسيما الشيعة. والظاهر أن هناك رسالة أخرى عقائدية مهمة واردة فى كتابه شرح الأصول الخمسة (مكتبة الفاتيكان رقم 1028) أما فيما سوى هذا عن مؤلفاته الأخرى التى وصلت إلينا فراجع بروكلمان. ويلاحظ أن جميع كتابات المعتزلة بما فيها مؤلفات الكتاب الزيديين وكذلك ما ألفه هو نفسه قد حفظت وكان أكبر المحافظين عليها زيدية اليمن وكلها زاخرة بالكلام عن أفكاره ومع أنه كان الشخصية البارزة فى الطور الأخير لحركة الاعتزال إلا أن تعاليمه لم تزل غير مدروسة. المصادر: (1) أبو سعيد البيهقى: شرح عيون المسائل: (مخطوط بليدن، وتاريخ بغداد للخطيب البغدادى 11/ 113، وما بعدها. (2) الكامل: لابن الأثير 8/ 510 - 511، 9/ 77 - 78، 325، 10/ 95 م. ويلاحظ أن كتاب طبقات المعتزلة لعبد الجبار كان المصدر الرئيسى الذى استقى منه أبو سعيد البيهقى ما ذكره من حقائق تاريخية مهمة عن المعتزلة فى مقدمة كتابه شرح عيون المسائل وكان ابن المرتضى قد جار إلى حد ما على ما ورد فى تقرير البيهقى. د. حسن حبشى [س. م. شتيرن S.M. Stern] عبد الحميد الأول عبد الحميد الأول السلطان العثمانى ولد فى الخامس من رجب سنة 1147 هـ (20 مارس 1725 هـ) وخلف أخاه مصطفى خان الثالث يوم الثامن من ذى القعدة سنة 1187 هـ (21 يناير 1774 م). ولقد اعتلى عبد الحميد الأول العرش أثناء الحرب مع روسيا فى وقت كانت الدولة العثمانية فيه تعانى الصعوبات المالية التى بلغت ذروتها كما قاست من قيام العديد من الثورات التى عمت كثيرًا من ولاياتها، وكابدت الدولة الفشل الذى أدى إلى الاحباط. كل ذلك عمل على أن يصبح وقف الحروب حاجة ملحة لتركيا، أضف إلى ذلك أن ثورة "البوجاشيف" قد دفعت روسيا فى هذا الوقت بالذات إلى موقف صارت فيه

هى الأخرى ترحب بالسلام، على أن السلطان العثمانى الجديد لم يكن راغبًا فى إنهاء الحرب دون أن يحرز بعض النصر. ومن ثم فقد رفض الباب العالى قبول الاقتراحات الروسية لعقد مفاوضات من أجل السلم، فعاد القتال من جديد بين الطرفين ودارت الدائرة على الجيش التركى وأصيب بهزيمة فادحة فى وقعة "قوزليجق (¬1) " وامتد الشغب إلى مراكز قيادة الوزير الأعظم "محسن زاده محمد باشا"، فى "شوملا" مما حمله رغم أنفه على السعى حثيثًا فى طلب الصلح مع القائد الروسى "روماتروف"، فلما كان يوم 12 جمادى الأولى سنة 1188 هـ (21 يوليو 1774 م) أمضى فى قينارجه Kaynarja (¬2) اتفاقية الصلح التى وضعت نهاية لهذه الحرب وأملى الروس على تركيا شروط هذه الاتفاقية والتى بمقتضاها انفصلت القرم عن الدولة العثمانية وأصبحت بلدًا مستقلًا وآلت إلى روسيا جميع القلاع الواقعة على شاطئ بحر أزوف (أزاف) ومناطق "كبرتاى" الصغرى والكبرى والمنطقة الواقعة بين نهرى "دينيبروَبجْ" كما نصت الاتفاقية على حرية الملاحة فى البحر الأسود والسماح للسفن التجارية بالمرور عبر المضايق التركية، وقبلت تركيا هذه الشروط. على أن أخطر بنود هذه الاتفاقية على تركيا هو صياغة بعض عباراتها فى صورة يفهم منها أن يكون لروسيا الحق فى حماية رعايا الدولة العثمانية الذين يدينون بالمذهب الأرثوذكسى وفى مقابل ذلك اعترفت روسيا بسلطة السلطان العثمانى على جميع المسلمين باعتباره "الخليفة" وقد اغتنمت النمسا الفرصة (بعد عقد هذه الاتفاقية) واستغلت ضعف تركيا وضمت إليها سنة 1775 م "بيكوفينا" التى هى جزء من إمارة "مولدافيا". كذلك اندلعت الحرب سنة 1774 م بين تركيا وفارس إثر الهجوم الفارسى على كردستان، كما جاءت العساكر العثمانية إلى بغداد سنة 1175 هـ لغرض وضع نهاية لحكم المماليك، لكن الباب العالى اضطر للاعتراف رسميًا ¬

_ (¬1) فى رومانيا الحالية. (¬2) فى رومانيا الحالية. (لجنة المراجعة)

بإدارتهم هناك ثم سقطت البصرة فى العام التالى فى أيدى الفرس غير أنهم اضطروا للجلاء عنها وإخلائها من جنودهم نتيجة الاضطرابات الداخلية فى فارس؛ فعاد إلى احتلالها المملوك "سليمان أغا" الذى أنعم عليه بعدئذ (1180 هـ) ببشاليك العراق الثلاثة. لقد أثبتت اتفاقية "قينارجه" أنها لا تعدو أن تكون هدنة بين تركيا روسيا، إذ تابعت الأمبراطورة كاترين الثانية هدفها لضم القرم إلى روسيا فى الوقت الذى كان يسعى فيه الباب العالى لاسترجاع هذه الولاية إلى وضعها السابق للاتفاقية، مما أدى لأن تصبح القرم منطقة شد وجذب بين الطرفين يتنازعانها فيما بينهما وأخذت روسيا تتدخل فى القرم بحجج مختلفة، وقد زاد من حدة النزاع بين الجانبين البنود المتعلقة بالمضايق المائية ووضع المسيحيين الأرثوذكس الموجودين فى تركيا، ولقد جاءت لحظات كان شبح الحرب يحوم فيها فوق الروس بسبب مشكلة القرم والنصوص المتعلقة بها فى اتفاقية قينارجه. فقد عقد مؤتمر لتفسير وتأكيد هذه النصوص وساهمت فى هذا المؤتمر فرنسا كوسيط وعُقد هذا الاتفاق فى إستانبول يوم العاشر من مارس 1779 م. ومع ذلك فإن كاترين الثانية عقدت حلفًا ضد تركيا مع جوزيف الثانى الذى كان قد تولّى عرش النمسا، خلفًا للامبراطورة مارية تيريزا، وأذكت كاترين الفتنة فى القرم ضد "الخان شاهين جراى" ثم استغلت هذه الفتنة فأرسلت جيشًا إلى القرم وضمتها إليها مما أحدث جرحًا عميقًا ومميتًا فى نفس السلطان عبد الحميد الأول الذى كان يدرك مدى ضعف دولته، إلّا أنه لم يكن يتصور أنه قادر على منع نفسه عن القتال، وأخذت القيصرة كاترين فى رسم خطط استهدفت من ورائها إقامة دولة يونانية حتى تضع على رأسها حفيدها "قسطنطين بفلوفيتش" وحينذاك وجد الباب العالى نفسه غير قادر على أن يقف أمام هذه الأحداث مكتوف الأيدى، ولا أن يكون بمعزل عن مواجهة المؤامرات التى تحيكها الامبراطورة والتى يساعدها فيها

حليفها جوزيف الثانى. وهكذا فإنه على الرغم من رغبة السلطان فى السلام، إلا أنه كلف وزيره الأعظم خوجه يوسف باشا (1787 م) أن يعلن الحرب على روسيا والنمسا معًا وذلك حين رفض العدو الروسى التماس السلطان بعودة القرم إليه، مما ترتب عليه انضمام السويد إلى جانب تركيا فيما أقدمت عليه، ثم تلى ذلك قيام الأسطول التركى بمهاجمة مدينة كيلبورن هجومًا أسْفر عن فشله فقام الروس بمحاصرة قلعة "أوجاكوف". واستطاعت الجيوش النمساوية أن تنزل الهزيمة بالعثمانيين مرتين متتاليتين وفشل الأسطول التركى فى محاولته إنقاذ قلعة "أوجاكوف" ثم سقطت بعد مقاومة طويلة وقتل أهلها جميعًا بحد السيف. أما السلطان عبد الحميد فقد تدهورت صحته تدهورًا كبيرًا بسبب متاعب الحرب وأهوالها، فلما علم بهذه الأنباء مات بأزمة قلبية يوم 11 رجب 1203 هـ (17 أبريل 1789 م). وعلى الرغم من أن السلطان عبد الحميد الأول الذى ارتقى العرش فى سن متأخرة كان قد قضى معظم أيامه السابقة فى مكان منعزل بالقصر إلا أنه كان على جانب كبير من الحماسة والإنسانية وكان نزَّاعًا للخير، كما منح كبار وزرائه سلطات واسعة وتركهم أحرارًا فى تسيير دفة الأمور، كذلك حاول تدعيم الحكومة المركزية ضد القوى الثائرة الموجودة فى داخل دولته، ومثال ذلك أنه أرسل حملة تأديبية بقيادة "حسن باشا الجزائرلى" لتأديب "ظاهر العمر" الذى كان نفوذه قد تضخم فى سورية، وكذلك ضد البكوات المماليك المتمردين فى مصر، كما يلاحظ أنه اتبع سياسة خاصة نحو القوقاز بمحاولته تحضير القبائل القوقازية وربطها بتركيا، فما كان من روسيا إلا أن نهجت نهجا يخالف سياسته هذه إذ أخذت فى معاونة أهل جورجيا للتمرد على تركيا. كان أهم وزراء عبد الحميد الأول الكبار الوزير خليل حامد باشا الذى كان مساعدًا للحركات الإصلاحية حتى إنه من أجل هذه الغاية حاول الإطاحة بالسلطان السابق وأن يولى مكانه

المصادر

الأمير الشاب سليم الذى عرف فيما بعد بالثالث، وفى أثناء قيام هذا الوزير بمهام وظيفته والذى خاطر بحياته من أجل تحقيق مسعاه أعيد تنظيم سلاح المدفعية ورماة القنابل والمعدّنين. ولقد كان من آثار السلطان عبد الحميد الأول فتح مدرسة لتخريج ضباط مدرّسين سميت (بمدرسة المهندسخانه بحرى همايون) كما أعاد فتح دار "طباعة إبراهيم" التى كانت أحوالها قد تدهورت، كذلك أسس إلى جانب هذا كله عددًا من المكتبات والمدارس ومطاعم للفقراء والسبل يشرب منها الناس. المصادر: (1) أحمد رسمى: خلاصة الاعتبار، إستانبول 1307 هـ. (2) محمد صديق: الوقائع الحميدية، إستانبول، 1289 هـ. (3) Hammar: Histoire de l'empire Ottoman, الترجمة الفرنسية، باريس 1839 م، وغيره من مصادر التاريخ العثمانى. بدرية الدخاخنى [جاويد بايسون M.Cavid Baysun] عبد الحميد الثانى أما عبد الحميد الثانى الذى يعرف بعبد الحميد الغازى، وهو السلطان السادس والثلاثون من سلاطين آل عثمان (*) والطفل الخامس من بين ثلاثين ولد للسلطان عبد المجيد، وقد ولد عبد الحميد هذا يوم الأربعاء الحادى والعشرين من سبتمبر سنة 1842 م، وعلى الرغم مما كان عليه من الذكاء الحاد إلا أنهم لم يدعوه يدرس. ويقال إنه بعد أن قضى فترة شباب عاصف عاش حياة عائلية مقتصدة جعلت الناس ينعتونه "بحميد البخيل"، وقد أظهر منذ وقت مبكر ميلًا شديدًا لمصاحبة الأتقياء والزهاد والمتصوفة والعرّافين وأصحاب الحيل. ولما كان الأول من سبتمبر 1876 م خلف أخاه المخلوع "مراد الخامس" بمساعدة جماعة "تركيا الفتاة" بزعامة مدحت باشا الذى كان ¬

_ (*) (عدّه محمد فريد بك السلطان الرابع والثلاثين، ونظرا لتكرار ولاية مصطفى الأول فهو إذن رقم 35 فى سلسلة سلاطين آل عثمان) راجع: محمد فريد تاريخ الدولة العثمانية، تحقيق إحسان حقي، دار النفائس بيروت 1401 هـ/ 1981 م

قبل ذلك الوزير الأعظم للسلطان عبد العزيز. وقد انشغل الباب العالى بالحرب ضد "ميلان" أمير الصرب ونقولا الأول أمير الجبل الأسود وكان النصر فيها للعثمانيين، ورغبة من السلطان عبد الحميد الغازى فى وضع حد لتدخل القوى الكبرى فى مجريات الأمور السياسية العثمانية فإنه عقد بالتشاور مع مدحت باشا مؤتمرًا دوليًا فى إستانبول، فلما كان يوم افتتاحه (23 ديسمبر 1876 م) أصدر "خطا همايونيا" يعلن للناس فيه قيام أول دستور للبلاد ويسمى "بقانونى أساس" وقد أقيم بمقتضاه نظام برلمانى يتألف من مجلسين، وقد دعى هذان المجلسان للانعقاد يوم 17 من مارس 1877 م (وكان فضه فى الواقع لفترة استمرت ثلاثين سنة). ولقد شنت تركيا فى عهد السلطان عبد الحميد حربين إحداهما على روسيا (1877 - 1878 م) والأخرى على اليونان واستمرت من 18 أبريل حتى 5 يونيو 1897 م، وأخيرًا فإن المسألة المقدونية المعقدة أدت إلى تدخل أوروبى بالإجماع انتهى بالإطاحة بالسلطان عبد الحميد وقيام ثورة تركيا الفتاة، ففى الخامس من يوليو سنة 1908 م قام "القُل أغاسى نيازى بك" واستولى على "مونستير"؛ فلما كان الثالث والعشرون من الشهر نفسه تمرد فى سالونيك أنور بك الملحق الحربى الأسبق لتركيا فى برلين، فلم يكن من السلطان إلا أن استجاب لطلبه بعقد الجمعية التشريعية التى كانت قد توقفت عن العمل وإن ظلّت تُذكر فى السجل السنوى الرسمى المعروف باسم "سالنامه"، وتم عقد الجمعية التشريعية يوم 24 يوليو وهو اليوم الذى صار بعد ذلك عطلة رسمية قومية فى البلاد، ثم كانت الحركة الانقلابية التى تزعمها الرجعيون وبعض العسكر الذين اتسموا بالتعصب والتى قادها مارشال محمود شوكت. وانتهى الأمر بصدور قرار بخلع السلطان عبد الحميد الثانى، وقد اتخذ هذا القرار المجلسان اللذان عقدا فيما بينهما يوم 28 أبريل 1909 م جلسة مشتركة، واعتمد هذا الخلع على "فتوى" صدرت فى اليوم ذاته اتهمته

"بتحريمه كتب الشرع وحرقه إياها" وتم خلعه بمقتضى هذه الفتوى وتولى مكانه أخوه محمد رشاد الذى عرف بمحمد الخامس، ونفى عبد الحميد الغازى إلى سالونيك، فلما اندلعت الحرب البلقانية فى سنة 1912 م نقلوه إلى قصر مطل على البسفور فظل مقيمًا به حتى مات بالتهاب الرئة يوم الأحد العاشر من فبراير 1918 م وقد بلغ الخامسة والسبعين من عمره ودفن فى تربة جده محمود الثانى. لقد كانت النقطتان البارزتان اللتان اتسم بهما نظام عبد الحميد الثانى هما الاستبداد والتعصب الإسلامى. 1 - أما فيما يتعلق بالاستبداد فيلاحظ أنه على الرغم من أن سلطة أسلاف عبد الحميد كانت سلطة مطلقة إلا أن تدخلهم فى أمور الحكومة كان قليلا نسبيًا، إذ جرت عادة الواحد منهم على أن يترك الأمر إلى من ينيبه عنه وهو الوزير الأعظم ويطلق السلطان يده فى تصريف الأمور ويعدّه "وكيله المطلق" وبذلك تكون الحكومة فى الواقع حكومة هذا الوزير الذى يعتبر هو الباب العالى، وقد أراد السلطان الغازى عبد الحميد أن يوجد وسيلة للسيطرة تنفذ كل مآربه ورقابته الشخصية وبذلك تكون سلطة "القصر" أو البلاط هى المنفذة ولكن من وراء ستار. وبعد نجاته من محاولة أرمينية دُبرت لاغتياله ازداد خوفه وشكه الجارف فى كل من حوله، وهو شك سيطر على كل جوانب حياته، ولذلك فتح أذنيه لكل نمّام، وشجع التجسس حتى صار كل واحد عينًا على الآخر مما أسفر عن قيام شبكة جاسوسية معقدة تعقيدًا لا يمكن لأحد أن يتصور مداها، وتكوّن شئ جديد يعرف "بالخفية" وما هو فى الواقع إلا "هيئة شرطة" أصبحت تضم فى النهاية جميع الوشاة والمخبرين السريين فكان فيهم قوم من أرقى طبقات المجتمع، وفيهم من هم من أدناها، ومهمتهم تقديم الاتهامات المكتوبة التى عرفت باسم "الجرنال"، وهو تعبير يرجع أصله إلى زمن محمد على والى مصر وكان المقصود به أصلا "التقرير اليومى الإدارى".

ولقد بلغت قسوة هذه الرقابة درجة كبيرة من البعد عن العرف والأخلاقيات لا يمكن تصديقها لولا ورود الخبر الذى يؤكدها فى الوثائق الأصلية، ولقد ابتدع الرقيب كلمات مثل "الوطن" ومهد الآباء بدلًا من قولهم "الأسرة" و"الدين" كما أصبح أى إنسان موضع شبهة لترديده بعض الألفاظ مثل "الحرية" و"الانفجار" و"القنبلة" و"اغتيال الحاكم" و"القتل العمد" و"المكيدة" و"التآمر" إلخ. . 2 - أما فيما يتعلق بالدعوة إلى الوحدة الإسلامية فقد كان السلطان عبد الحميد الثانى يدرك إدراكًا عميقًا أهمية دوره كخليفة وإن كانت هذه الأهمية موضع جدل، وكان يرى أن هذه الخلافة تجعل منه "حامى حمى الإسلام" كما جاء فى المادة الثالثة من قانون 1876 م، وكان عظيم التقدير لجمال الدين الأفغانى الذى يدين له بالشكر لتوفيقه فى إرجاع الشيعة إلى حظيرة السنَّة، على أن هذه السياسة العقيمة، بل والخطيرة كانت قائمة فى الغالب على وهم باظل مؤداه أنه قادر على الاعتماد على وفاء "أطفاله الذين أفسدهم التدليل" وهم "العرب" وعلى ولائهم له. ومن الأمور العجيبة أن "فامبرى" الأرمنى المتترّك الذى كان من يهود المجر ومن أكبر مشجعى عبد الحميد الثانى على هذه الاتجاهات. وأسفرت ميوله الطيبة نحو العرب عن نتيجة محمود , واحدة فقط تلك هى أنها حفزته على إنشاء سكة حديد الحجاز التى تصل إلى الأماكن الإسلامية المقدسة. وكان لهذا الخط قيمته الاستراتيجية للقضاء على الاضطرابات التى تشب بلا انقطاع فى بلاد اليمن، وكان السلطان عبد الحميد كبير الاعتزاز والتباهى بخط سكة الحديد هذا، وهو اعتزاز له ما يبرره، كما أنه اعتزازٌ له ما يؤكده، أما المبالغ التى صرفت على مدّه فقد جمعت كلها من المسلمين ومن دخول "طابع الحجاز" وبدأ تشغيل خط سكة حديد الحجاز لأول مرة فى الأول من سبتمبر 1900 م وهو يوم الاحتفال بالذكرى

المصادر

الخامسة والعشرين لاعتلائه العرش، كما كان فى الوقت ذاته سببًا -وإن لم يكن مباشرًا- فى النزاع الأنجلو تركى حول طابا وخليج العقبة وهو النزاع الذى وقفت فيه انجلترا موقف المدافع الرسمى لأول مرة عن المصالح المصرية وذلك سنة 1906 م، ويلاحظ أن خط سكة حديد الحجاز امتد حتى بلغ المدينة عام 1908 م. ولقد اتهمت الصحافة الأوربية ورسامو الكاريكاتير الأوربيون السلطان عبد الحميد بالتعصب الأعمى ونعتوه بالسلطان الأحمر بسبب ما نسبوه إليه من العنف والقسوة فى إخضاع الثورات، وما اتهموه به من تدبيره المجازر الدموية التى جرت فى مقدونيا وكريت وأخصها ما كان فى أرمينية فى عامى 1894، 1895 م، وفى الهجوم على البنك العثمانى سنة 1896 م، على أن أقل ما يمكن أن يقال فى الدفاع عنه فى هذا الصدد إنه لم يتخذ أى إجراء لوقف هذه المذابح الفظيعة (كما أنه لم يفعل شيئًا لمنع الابتزازات). ومن ناحية أخرى فإن الفظائع الوحشية التى ضج الناس منها كانت قد بدأت قبل عهده كما أنها لم تتوقف حتى بعد موته، وليس من العدل أو الإنصاف أن نهضمه حقه فيما يستحقه من ثناء على ما تم من تنظيمات فى عهده. وكان عبد الحميد ذا صوت جهورى قوى يعرف كيف يستولى به على قلب محدّثه، أما ملبسه فكان بسيطًا غاية البساطة كما كان فى حد ذاته مجموعة من المتناقضات، وبالإضافة إلى ذلك فإنه كان من اليسير التحدث إليه عكس بقية سلاطين آل عثمان، كما كانت تنتابه نوبات غضب عنيفة لكنها سرعان ما تهدأ وتتلاشى، كما كان فى الوقت ذاته شديد التمسك بالموضوعية، هذا مع ذكاء حاد، وذاكرة واعية، وقدرة عظيمة على العمل، ورغبة شديدة فى معالجة الأمور بنفسه. المصادر: هناك كثير من المراجع عنه فى اللغات الإنجليزية والفرنسية والألمانية، أما فى العربية فنكتفى بالإشارة إلى

عبد الحميد بن يحيى

كتاب "هذا ديوان. . " وهو مجموعة أشعار بالعربية فى تمجيد السلطان عبد الحميد الثانى، وقد طبع بالقاهرة سنة 1897. وبالإضافة إلى ذلك: (1) عبد الرحمن شريف وأحمد رفيق، سلطان عثمانى دائر، إستانبول 1918 م. (2) Ali Hydar Midhat Bey: Midhat Pasha, sa vie, son oeuvre, Paris 1908 (3) Aly Nari: Unter dem Scepter des Sultan. Berlin, 1908 (4) B. Bareilles: Les Turcs, Paris 1917. بدرية الدخاخنى [ج. دنى J. Deny] عبد الحميد بن يحيى مؤسس أسلوب الرسائل. مَوْلَى عشيرة قريش بزعامة عامر بن (لؤى) وأغلب الظن أنه كان من ناحية الأبتار ويقال إنه كان عربيا جوّالًا قبل أن يُستخدم فى وظيفة كاتب لدى الأمويين واستمر فى خدمتهم بعد تولى مروان الخلافة ورفض أن يتخلى عن مولاه حين ألمت به الخطوب، ويقال إنه لقى حتفه فى بوصير فى 26 ذى الحجة 132 هـ/ أغسطس 750 م. وثمة رواية أخرى تقول إنه لجأ إلى بيت تلميذه ابن المقفع ولكنهم اقتفوا أثره وألقوا القبض عليه، وانتقل باقى أفراد أسرته إلى مصر للإقامة بها فعرفوا ببنى المهاجر كما عملوا كتابا لأحمد بن طولون. ومؤلفات عبد الحميد التى حفظها لنا التاريخ تتكون من ست رسائل رسمية ومقطوعات وخطابات خاصة وهى تكشف عن أساليب متنوعة للغاية، وأكثر رسائله إتقانا رسالة مطولة موجهة إلى ابن مروان ووريثه عبد اللَّه، يسدى فيها النصيحة حول المسلك الشخصى والرسمى، وكيف ينبغى أن يكون كلٌّ منهما. كما تتضمن القول حول مسلكه فى الحرب وهى مكتوبة بلغة وأسلوب أساسهما العبارة ذات الإيقاع المميز والاستعارات الجميلة المنتقاة من الشعر العربى والبلاغة العربية، نظرا لأن هذا الأسلوب نفسه يظهر فى معظم رسائله الرسمية الأخرى، ويبدو أيضا أنه تأثر بالمؤثرات اليونانية التى كانت لدى كتّاب الديوان

المصادر

الأمويين ولاسيما أننا لا نعثر على كتابات ديوانية اسبق منه -ومن ناحية أخرى نجد أن أشهر رسالة له (وهى تلك التى وجّهها إلى كتاب الديوان مبرزا فيها رفعة منزلتهم وخطورة مسئولياتهم)، وهى رسالة كتبت بأسلوب متدفق يمتاز بالبساطة والسهولة، وإذا قارنا بين محتويات هذه الرسالة وكتابات ابن المقفع والاقتباسات التى استشهد بها الأدباء فى فترات لاحقة نقلا عن المؤلفات الفارسية، تبين لنا بجلاء أنها تستلهم تراث كتاب الديوان الساسانيين. كذلك رسالته التى يصف فيها تفاصيل ما يجرى فى الصيد (ومن الواضح أنها كُتبت بهدف الترويح عن رجال البلاط، وهى عبارة عن رسالة فارسية الاستلهام وتتميز تمام التميز عن الطريقة التى عولج بها نفس الموضوع فى التراث العربى، ونلاحظ أن شطرًا كبيرًا من قواعد السلوك التى وردت فى الرسالة الأولى، سالفة الذكر، والموجهة إلى الأمير مستقاة بدورها من القواعد المرعية فى بلاط الساسانيين، وإن كان من المرجح أن تكون توجيهاتها العسكرية متأثرة بأساليب اليونان، إما من خلال القنوات الأدبية وأما بفضل التجربة العملية المستفادة من الحروب البيزنطية. ولذلك يمكن القول إن وجهتى نظر النقاد العرب فى نقدهم لعبد الحميد قائمتان على أساس يبررهما رغم تعارض كل منهما مع الأخرى. فهناك وجهة نظر -ويمثلها العسكرى فى "ديوان المعانى جـ 2 - ص 89"- ترى أن عبد الحميد قد اقتبس من اللسان الفارسى أسلوب التأليف الديوانى وصاغه بلسان عربى -أما وجهة النظر الأخرى- ويمثلها ابن عبد ربه فى "العقد الفريد" جـ 2 ص 169 (139) = جـ 4 ص 165 طبعة (1363 هـ/ 1944 م) فإنها تصفه بأنه أول من فتح براعم البلاغة ومهد دروبها، وفك قيود الشعر. وكان أيضا بارعا فى الحكمة البليغة وقد سجلتها كتب الأدب. المصادر: (1) الاصطخرى: المسالك والممالك، طبعة M.J.De Goeje، ليدن 1870 م، ص 145.

عبد الحى المولوى

(2) ابن خلكان: وفيات الأعيان، ترجمة de Slane, الجزء الثانى، طبعة بولاق 1275 هـ. ص 173 - 175. (3) Brocklemann: Gechichte der Arabischen Literatur. Leiden 1943 - 1949. سعيد عبد المحسن [هـ. أ. ر. جب H.A.R. Gibb] عبد الحى المولوى عبد الحى محمد بن مولوى عبد الحليم وكنيته أبو الحسنات؛ فقيه هندى حنفى المذهب وقد ارتبط بمدرسة "بُنْدِلْخَنْد" الشهيرة بمدينة "لاكناو"، وقد ولد فى "باندا" من إقليم بُنْدِلْخَنْد سنة 1264 هـ (1848 م)، ودرس على يد أبيه وعالم آخر حتى بلغ السابعة عشرة من عمره، ثم أخذ يعاون أباه فى التدريس، وقد أدى فريضة الحج إلى مكة مرتين حيث التقى بالمفتى أحمد بن زينى دحلان وأجاز له ابن دحلان أن يقرأ على الناس مجموعة من مؤلفاته الكبرى التى كانت شائعة فى المدارس الهندية، هذا إلى جانب طائفة كبرى من غيرها من المؤلفات المتعلقة بالمواضيع الدينية والشرعية، ذكرها هو بنفسه فى كتابه "النافع الكبير" وفى مقدمته لطبعته المنقحة للموطأ للشَّيبانى (انظر طبعته بدلهى سنة 1297 هـ ص 27 - 29). وتجب الإشارة إلى كتابه "الفوائد البهية فى تراجم الحنفية" (المطبوع مرة بدلهى سنة 1293 هـ، وأخرى بالقاهرة سنة 1324 هـ) فهو كتاب كبير الفائدة كثير التداول، كما أنه وضع مختصرًا (مع إضافات فى التراجم) لكتاب محمود بن سليمان الكفوى المعروف باسم "كتائب أعلام الأخبار" ولقد كان عبد الحى مدرسًا بارزًا مؤثرًا، يفد إلى دروسه حشد كثيف من الطلاب الذين نجحوا بدورهم فى أن يصيروا فيما بعد أعلامًا فى التدريس وعلماء بارزين، ولقد مات أحد تلاميذه وهو مولوى حافظ اللَّه فوضع سيرة له باسم "كنز البركات" ومات أبو الحسنات عبد الحى فى لاكناو سنة 1304 هـ (1886 م).

المصادر

المصادر: (1) Sarkis: Dictionnaire de la bibliographie Arabe (القاهرة 1928 م)، العمود 1595 - 1597. (2) Brockelmann: Geschichte der Arabischen Literatur Leiden 1943 - 1949 S,ll 857 - 78 (3) عبد الرحمن على، تذكرة علماء الهند، (فارس)، طبعة لاكناو 1894 - 1914. مروان حسن حبشى [ش. عنايت اللَّه Sh. Inayatullah] عبد الرحمن الثالث هو عبد الرحمن بن محمد بن عبد اللَّه أعظم حكام قرطبة وأول من لقب بالخليفة فى الأندلس، وقد تولى العرش بإشارة من جده الأمير عبد اللَّه، وكان الحفيد لا يزال فى الثالثة والعشرين من عمره، وقد أهَّله للحكم ما امتاز به من الصفات الطيبة، وصادف اختيار الجد محله فلم يقدر للأندلس أن تنعم بعصر أزهى من عصر عبد الرحمن الناصر، وساعده طول مدة حكمه التى بلغت نصف قرن من الزمان على أن يقضى على جميع بؤر الاضطراب فى الأندلس ويمكن تقسيم عصره إلى فترتين رئيسيتين الأولى فترة الهدوء الداخلى التى كان من نتيجتها تحقيق الوحدة السياسية فى مملكة قرطبة، ولكن هذه الوحدة اضطربت قوائمها اضطرابا خطيرا فى زمن الأمير عبد اللَّه. أما الفترة الثانية من حكمه فأطول من سابقتها وتمتاز بالنشاط الملحوظ فى السياسة الخارجية وفى مهاجمة الأماكن والإمارات الأسبانية فى الأندلس ومنافسة الخلافة الفاطمية فى بسط نفوذ كل منهما فى أفريقية الشمالية. لم يكد عبد الرحمن يرقى العرش حتى انصرف لإخماد الثورة التى كانت مستعرة فى جنوب الأندلس وللقضاء على محرك هذه الفتنة وهو عمر بن حفصون، كما أنه ظل حتى سنة 305 هـ (917 م) يقض بلا انقطاع مضاجع الثوار الاندلسيين ويهاجم الارستقراطية العربية فى أشبيلية

وقرمونة وألبيرة حتى اضطرها للاستسلام له. وما كاد ابن حفصون يموت حتى تخلى أولاده عن التمرد واستسلمت معاقلهم الحصينة فى "بوبشترو" سنة 315 هـ (928 م) ثم سقط فى يده آخر معقل من معاقل مقاومتهم وهو طليطلة. وقد بذل عبد الرحمن الثالث (الناصر) غاية جهده حتى لا يفاجئه جيرانه النصارى بغاراتهم التى كانوا يزعجونه بها بين آن وآخر، فأوقف فى سنة 308 هـ (920 م) تقدم أردونيو الثالث ملك ليون واستوريا كما استولى على مجموعة من القلاع فى مناطق "دورة" وأوسما وشنت شتيبن ودى جورما وكلونيا. كما استطاع بعد أربع سنوات من انتصاره فى حملته المعروفة بحملة بمبلونة أن يخرب عاصمة البشكانس قصبة شانجة غرسية الأول، مما أدى إلى أن يرفرف الأمن والهدوء بجناحيه على حدوده لبضع سنوات ولكنه وجد خصما عنيدا قويا فى ملك ليون الجديد راميرو الثانى الذى بدأ -بعد قليل من اعتلائه العرش- فى العدوان على الإسلام ولكنه نجح بعد عدة هزائم أنزلها به عبد الرحمن الثالث أن يرد له الصاع صاعين، إذ هزمه هزيمة ساحقة فى معركة "شمنقة" وهى المعروفة خطأ باسم معركة الخندق. على أن عبد الرحمن الثالث (بعد عشر سنوات من استرداده بوبشترو، وردًا على مضايقات الفاطميين له) لقب نفسه بأمير المؤمنين الناصر لدين اللَّه، وأخذ منذ ذلك الحين فى اتباع سياسة الشد والجذب ولاسيما فى مراكش فاحتل بعض الحصون فى سبتة وسرعان ما نجح عبد الرحمن الناصر فى تدعيم مكانته بعد هزيمته فى شمنقة، وساعده على ذلك موت خصمه "راميروا الثانى" 339 هـ (951 م) فتنازع العرش ولداه "ردونيو الثالث وشانجة" كما استغل عبد الرحمن الثالث (الناصر) الحروب الأهلية التى أغرقت وقتئذ مملكتى ليون وبمبلونة فى بحر من الدماء.

المصادر

ومات عبد الرحمن الثالث بقرطبة يوم 22 رمضان 350 هـ (15 اكتوبر 961 م) وهو فى ذروة مجده وبأسه، وقد نقل فى أخريات أيامه محل إقامته إلى الزهراء التى جعلها مدينة مستقلة بذاتها. أما مملكة الأندلس التى كانت أيام أسلافه نهبًا للجدل والخصومات والفتن الأهلية والمنازعات القبلية العربية والعرقية، فقد جعلها عبد الرحمن الثالث مملكة يعمها الهدوء والرخاء، وبلغت فى زمنه من الثراء مبلغا عظيما وأصبحت قرطبة فى أيامه "العاصمة الإسلامية الكبرى". المنافسة للقيروان ولمدن الشرق العظمى. كما أنها فاقت غيرها من العواصم الأوربية الغربية وناطحت شهرتها وهيبتها فى عالم البحر الأبيض المتوسط شهرة القسطنطينية وهيبتها. المصادر: (1) Levi-Provencal: Histoire de l'Espagne musulmane, Leiden-Paris 1950 - 1953, ll, 1 - 164 د. حسن حبشى [ليفى بروفنسال Levi-Provincal] عبد الرحمن الرابع عبد الرحمن الرابع هو عبد الرحمن ابن محمد بن عبد الملك بن عبد الرحمن حفيد عبد الرحمن الناصر الخليفة الأموى الأندلسى الذى لقب فى أوائل عهده القصير بالمرتضى، وكان قد عاد إلى بلنسية واعتكف بها أثناء الفتنة التى قامت فى قرطبة التى أراد استردادها وتثبيت نفسه بها، فحاصر غرناطة التى كان بنو صنهاجة زاوى بن زيرى هم أصحاب السلطة فيها، ولكنه منى بهزيمة نكراء أدت إلى انفضاض رجاله عنه، ولما عرف فيهم الخيانة فر إلى وادى آش، ثم ما لبث أن اغتيل. المصادر: (1) Levi-Provencal: Histoire de l'Espagne musulmane, Leiden-Paris, II, 328 - 330 د. حسن حبشى [ليفى بروفنسال Levi-Provencal] عبد الرحمن الخامس هو عبد الرحمن بن هشام بن عبد الجبار، كان واحدا من أواخر خلفاء الأندلس الأمويين، وقد نودى به خليفة

المصادر

يوم 16 رمضان 414 هـ (= 2 ديسمبر 1023 م) فى قرطبة، ولقب بالمستظهر باللَّه وكان طرير الشباب يوم استخلافه، ولكنه كان على جانب كبير من المواهب الأدبية فأحاط نفسه بطائفة من الرجال الذين اختارهم من أرفع طبقات المجتمع فى العاصمة أمثال الكاتب الكبير على بن حزم، لكن لم ينعم عبد الرحمن بن هشام المستظهر باللَّه بالسلطة إلا سبعة وأربعين يوما إذ ثار عليه العامة من أهل قرطبة وخلعوه، وأحلوا محله "محمد الثالث" الذى لقب بالمستكفى والذى كان أول عمل قام به هو القبض على المستظهر باللَّه وقتله يوم 3 من ذى القعدة (= 17 من يناير 1024 م). المصادر: (1) Levi- Provincal: Histoire de l'Espagne musulmane, Leiden-Paris, II, 334 - S د. حسن حبشى [ليفى بروفنسال Levi-Provencal] عبد الرحمن فى حبيب الفهرى عبد الرحمن بن حبيب بن أبى عبيدة (أو عبده) الفهرى من نسل عقبة بن نافع أحد التابعين. كان والى أفريقية فى آخر أيام الخلافة الأموية وشارك -وهو لا يزال شابا- فى الحملات التى أرسلها أبوه حبيب ضد السوس ومراكش وصقلية، وقد قدر له أن ينجو من الهزيمة الساحقة التى أنزلها البربر بالقوات العربية سنة 123 هـ (= 741 م) والتى قتل فيها أبوه والوالى كلثوم بن إياد فعبر عبد الرحمن ابن حبيب البحر إلى أسبانيا لكنه رجع إلى أفريقية سنة 127 هـ (ت 745 م) خوفًا على حياته، ثم ثار ضد واليها حنظلة بن صفوان الكلبى الذى لم يجد بدا من أن يذعن بعد عامين من المقاومة وأن يسلم السلطة إليه، فلما أصبح عبد الرحمن صاحب الأمر فى القيروان قضى على كثير من العصاة وخرج على رأس عدة حملات ضخمة فهاجم جزيرتى صقلية وسردينيا سنة 135 هـ (752 م) ولم يصادف توليه السلطة مقاومة كبيرة لأن ذلك واكب سقوط

المصادر

الخلافة الأموية فى الشام، والظاهر أنه اعترف فى بادئ الأمر بسيادة العباسيين؛ لكنه ما لبث أن نقض العهد حين بعث إليه المنصور برسالة فيها إهانة له فشجعت هذه الرسالة اثنين من إخوته على أن يدبرا أمر قتله فقام أحدهما واسمه "الياس بن حبيب" بذبحه واستولى على القيروان سنة 137 هـ (= 755 م) وما لبث أحد أبناء عبد الرحمن واسمه حبيب (يعاونه عم له اسمه عمران بن حبيب حاكم تونس) أن قام بمهاجمة القاتل وتملك أفريقية، ويوجد لدينا واحد كان معاصرا لهذا الحادث واسمه هو الآخر عبد الرحمن ابن حبيب الفهرى ولكنه ينعت بالصقلبى حتى لا يختلط بصاحب الترجمة أعلاه، فقام بالدعوة للعباسيين فى الأندلس ولكن تعقبه الأمير الأموى عبد الرحمن الأول وفتك به قرب بلنسية سنة 162 هـ (= 778 م). المصادر: (1) الحميدى، جذوة المقتبس، القاهرة 1953 م، رقم 594. (2) ابن خلدون، العبر، الجزء الأول، بولاق، 1284 هـ، ص 218. د. حسن حبشى [ليفى بروفنسال Levi-Provincal] عبد الرحمن بن الحكم ويعرف بعبد الرحمن الثانى، بن هشام بن عبد الرحمن بن معاوية، حفيد عبد الرحمن الداخل، ولد بطليطلة عام 176 هـ (792 م) وتولى الأمر يوم 25 من ذى الحجة 206 هـ (21 مايو 822 م) وبايعه أبوه بالحكم بولاية العهد وعينه وليا للعهد ونستمد من النتف التى عثر عليها المستشرق بروفنسال (وهى من كتاب المقتبس لابن حيان) أن عهد عبد الرحمن الثانى (الذى قارب ثلث قرن من الزمان) كان أزهى وأكثر رخاء مما كان الناس يظنون، فهو العهد الذى استحدث فيه بقرطبة بعض التقاليد ونظم الحياة التى كانت متبعة فى بغداد وما تميزت به طائفة الخاصة من مسلمى الأندلس مما أدى إلى استمرار الطابع الشامى الأموى فى المملكة المروانية.

ولقد أمكن فى مستهل ولاية عبد الرحمن (الثانى) بن هشام إخماد بعض الفتن التى كانت رد فعل لقبضة الحكم الحديدية فى حكم الأندلس، ودخلت أقاليم شرقى الأندلس كلها بالتدريج تحت حكمه، وتأسست فى سنة 216 هـ (831 م) مدينة جديدة هى "مرسية" لتحل محل المدينة القديمة "ايللو" Ello، كما أمكن إخماد فتنة ضارية فى طليطلة وتم الاستيلاء على البلد بالعنف سنة 222 هـ (837 م)، وعاود أمير قرطبة محاربته للنصارى الموجودين على حدود الأندلس، ولم يكد يمر عام بدون أن يقوم عبد الرحمن الثانى بنفسه بقيادة حملة أو يرسل صائفة من الصوائف (*) ضد مملكة ليون الأشتورية، كما أنه تمكن من التغلب على ثورة محمود بن عبد الجبار البربرى فى "ماردة"، وقضى على التحركات الصغيرة التى قامت بها أسرة "بنى قصى" فى أراجون وأخذ يشن غاراته فى أوقات منتظمة ضد مملكة الباشكنس فى بمبلونه وما يعرف الآن بكتالونيا (قطالونيا)، التى كانت حينذاك جزءا من امبراطورية الفرنجة. وشهد عهد عبد الرحمن الثانى أثارًا سياسية هامة منها قيام علوج نصارى طليطلة وقرطبة بالثورة التى كان يؤججها رجال من رجال الدين المتعصبين. وتُمْسِك المصادر العربية عن الإشارة إلى هذه الفتنة ولكن تخبرنا بها المصادر اللاتينية المعاصرة وإن كانت قليلة، وقد عالجت حكومة قرطبة هذه الفتنة بالشدة فبطشت بعدد كبير من المولدين والقسس والعلمانيين والرجال والنساء ومن اتُّهِموا عندها بالتجديف فى الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] والهجوم على الإسلام واندلعت فى هذا الوقت حركة استشهاد ذاتية قضى عليها فى سنة 238 هـ (862 م) مجمع عقد فى قرطبة وكان على رأسه مطران أشبيلية. ثم حدث بعد ذلك بسبع سنوات أن قام القديس خولوجس (Eloges) فبعث هذه الحركة من جديد، ولكن تم القبض عليه وأمر الأمير محمد بقطع رأسه. ¬

_ (*) الصائفة: الغزوة فى الصيف. انظر: المعجم الوسيط، استانبول ط 2/ 1932 هـ/ 1972 ص 531.

أما الحركة التى كانت أشد خطورة فتتمثل فى غارة النورمنديين عام 230 هـ (844 م) على الأندلس حين ظهر لأول مرة أمام لشبونة أسطول "النورمنديين" (المسمون عادة بالمجوس فى الحوليات العربية) فدخل نهر الوادى الكبير وخرب أشبيلية وكل ما حولها، فبادرت الدولة لردِّه مما أسفر عن سفك كثير من الدماء كما استردت الحكومة بلدة اشبيلية من أيدى القراصنة وذلك فى نهاية صفر 230 هـ (14 نوفمبر 844 م)، ثم اهتمت الدولة بتقوية البحرية الإسلامية الأندلسية دفعا لأى خطر غير متوقع ودرءًا لأى هجوم جديد. ولقد قام عبد الرحمن (الثانى) بتأكيد العلاقات الودية بثلاث من الممالك الصغيرة المستقلة فى الساحل الأفريقى وهى مملكة بنى رستم فى تاهرت، ومملكة "نكور" الصنهاجية، ومملكة سجلماسة المدرارية، ولكن لم يحدث أى تقدم تجاه أغالبة افريقية المشايعين لبنى العباس، وكانوا قد هاجموا صقلية. ويؤرخ عهد عبد الرحمن بن الحكم أيضا قيام علاقات دبلوماسية بين قرطبة وبيزنطة، فجاءت إلى اسبانيا فى سنة 225 هـ (= 840 م) سفارة من الإمبراطور تيوفيليوس تطالب برد جزيرة أقريطش (كريت) التى كانت قد احتلها المغامر الأندلسى أبو حفص عمر البلوطى، فلم تستجب حكومة قرطبة لهذه السفارة، ولكن ذهبت إلى القسطنطينية حينذاك وفادة قرطبية كان من أعضائها الشاعر الغزال. ولقد عرف عبد الرحمن (الثانى) بن الحكم بحبه العظيم للتنظيم والادارة وتشجيعه الآداب وعطفه على الفنون، فرتب أمور المملكة وفق نظام بنى الهباس، شيد كثيرا من المبانى العامة فى قرطبة، وزاد فى مساحة المسجد الجامع بالعاصمة سنتى 218 هـ و 234 هـ (= 833 م و 848 هـ)، وسرعان ما ازداد تألق شهرته حين وفد إلى قرطبة (207 هـ = 822 م) المغنى الموسيقى زرياب فلقى ترحابا كبيرا فى بلاطها لإدخاله مظاهر الحضارة البغدادية، كما زخر بلاط

المصادر

الأمير بكثير من الشعراء أمثال العباس بن فرناس والغزال وإبراهيم بن سليمان الشامى، وذاع صيت المدرسة المالكية القرطبية وجماعة من فقهائها وعلى رأسهم يحيى الليثى البربرى الذى لم يكن يتولى أحد منصب القضاء إلا بإذنه؛ غير أن عبد الرحمن بن الحكم اغتيل بتدبير من فتاه نصر ومعشوقته "طروب" فمات يوم 3 ربيع الثانى 238 (= 22 سبتمبر 852). المصادر: (1) Levi-Provincal: Histoire de I'Espagne Musulmane, II 1950 - 1953, 334 - 335 د. حسن حبشى [ليفى بروفنسال Levi-Provencal] عبد الرحمن بن خالد بن الوليد عبد الرحمن بن خالد بن الوليد المخزومى هو الابن الوحيد الذى بقى على قيد الحياة من نسل خالد، وقد قاد وهو فى الثامنة عشرة من عمره كتيبة فى وقعة اليرموك، ولما استُخلف معاوية عينه حاكما على حمص وقاد عدة كتائب من جند الشام فى بلاد الأناضول، وكان قد انضم إلى معاوية يوم صفين وصار حامل الراية يومذاك، وتقول إحدى الروايات إن معاوية دس له السم إذ خاف أن ينافس ولده يزيد فى الخلافة فدس إليه الطبيب النصرانى "ابن أثال" فوضع له السم سنة 46 هـ (666 م). المصادر: (1) G.Levi della Vida: ll Califfo Muewiyaal, Rome 1938, nos. 269, 281. (2) نصر بن مزاحم، واقعة صفين، القاهرة 1365 هـ، الفهرس. (3) H.Lammens: Etudes sur le reigne de Mo'awia I, Paris 1908 - 03 - 15. 218 f. د. حسن حبشى [هـ. أ. ر. جب H. A. R. Gibb] عبد الرحمن الداخل عبد الرحمن (الداخل) هو عبد الرحمن بن معاوية بن هشام كان لا يزال شابا حين أخذ العباسيون فى مطاردة أفراد أسرته الأموية ويستأصلونهم قتلا وتشريدا، وقد ولد

سنة 113 هـ (731 م) ونجح فى الهروب سرا مع مولاه بدر، ففر إلى مصر ومنها ذهب إلى أفريقية، إلا أن الموقف العدائى الذى وقفه منه عبد الرحمن بن حبيب والى القيروان حمله على الفرار إلى اقليم تاهرت بعضا من الوقت لما وجده هناك من ترحاب من قبيلة مكناسة البربرية وقبيلة نفزة وكانتا تنزلان الساحل المراكشى المطل على البحر الأبيض المتوسط، فنزل بينهم عبد الرحمن بن معاوية منزلا كريما لوشيجة القربى التى كانت تربطه بنفزة إذ كانت أمه فى الأصل منهم وقد أسرت من قبل، غير أن البربر لم ينظروا بعين الرضا إلى مشاريع هذا الشاب الشامى السياسية، لذلك رأى أن يجرب حظه فى بلاد الأندلس بالذهاب اليها وساعده فى خطته هذه مولاه بدر. ولقد استفاد عبد الرحمن بن معاوية بمهارته وحاسته السياسية المرهفة فى أن يوظف الخصومات المريرة التى كانت بين العرب القيسيين وعرب اليمن فى شبه جزيرة أيبريا لصالحه، حتى عادى كل منهما الآخر ونجح عبد الرحمن بن معاوية فى الوقت ذاته فى الحصول على تأييد الموالى الأمويين الكثيرين فوقفوا إلى جانبه، وكان هؤلاء الموالى الأمويون ممن وفدوا إلى الأندلس مع "بلج بن بشر" فكانوا يؤلفون بالأندلس "جند الشام" وقد انتشروا فى نواح كثيرة من جنوب البلاد ولقد نجح عبد الرحمن فى دخول شبه الجزيرة بعد أن مهد له مولاه بدر الأرض فأرسى فى "المنكب" يوم الفاتح من ربيع الأول سنة 138 هـ (= 14 اغسطس 755 م) وبادر فأعلن أنه صاحب الأمر، فأنكر ذلك عليه والى الأندلس "يوسف بن عبد الرحمن الفهرى" وأعلن الحرب عليه، غير أن عبد الرحمن بن معاوية استطاع لازدياد عسكره بمن انضم إليه أن يزحف إلى أشبيلية فى شوال 138 هـ (مارس 756 م) وأن ينزل الهزيمة بيوسف الفهرى فى أطراف قرطبة يوم العاشر من ذى الحجة من نفس السنة (15 مايو) ودخل العاصمة ونودى به أميرا على البلاد.

استمر حكمه كمؤسس لإمارة قرطبة الأموية ما ينيف على ثلاث وثلاثين سنة، قضى معظمها فى تدعيم مكانته فى القسم الشرقى من الأندلس الذى سرعان ما تدفق عليه سيل من الأمويين والمؤيدين له ليعملوا جميعا على إعادة الأسرة الأموية التى سقطت فى الشرق، لكن ما لبث عبد الرحمن أن وجد نفسه يواجه مشكلات متباينة سياسية جمة، أولها ما يجب عليه من كسر شوكة الوالى السابق يوسف الفهرى الذى لم يعدم التفاف كثير من المتمردين حوله فسعى بهم إلى استرداد قرطبة، لكنه فشل ودارت عليه الدائرة سنة 141 هـ (758 م)، ثم قتل فى السنة التالية قرب طليطلة. وحدث فى هذا الوقت -كما هو الحال أيام الولاة السابقين- أن أخذت فلول الثورة تتجمع ضده فى كل ناحية من نواحى المملكة الجديدة، فاضطرب حبل الأمن على يد المسلمين الأسبان الجدد ومن معهم من بربر المناطق الجبلية، وزاد فى مضايقته ما كان بين القبائل العربية بعضها وبعض من العداوات والثأر، وبذلك أصبح الواجب على عبد الرحمن الداخل أن يقضى على أشكال شتى من الثورة، من ذلك مثلا ثورة الزعيم العربى "العلاء بن مغيث الجذامى" سنة 146 هـ (763 م)، وثورة "شقيا البربرى سنة 152 هـ (769 م) فى إقليم "شنت مرية" المعروف الآن بإقليم "كونيكا". كما تجمع بعدئذ رهط من شيوخ العرب فى القسم الشرقى من شبه الجزيرة وتحالفوا فيما بينهم ضد عبد الرحمن الداخل، والتمسوا المعونة من "شارلمان" ملك الفرنجة فاستجاب لندائهم وهبَّ لمساعدتهم واجتاز جبال البرانس على رأس جيش كبير من الفرنجة وحاصر "سرقسطة" سنة 162 هـ (778 م)، إلا أن شارلمان اضطر لرفع الحصار والرجوع إلى بلاد الراين لاضطراب الأمور هناك، غير أن عصابات من "الباشكنس" هاجمت مؤخرة جيشه عند موضع يعرف بشيروى، وقضت على بعضه، ومن هنا ظهرت أنشودة رولاند دوق بريتانى، وإذ ذاك قام عبد الرحمن الداخل

المصادر

وحاصر سرقسطة واستولى عليها إلا أنه وجد نفسه مضطرا للتخلى عن فكرة التوسع الإقليمى فى الاستيلاء على بعض المدن الأخرى التى فى يد النصارى. ولقد مات عبد الرحمن بن معاوية فى قرطبة بعد ذلك بثلاث سنوات أعنى يوم 25 ربيع الآخر 172 هـ (30 سبتمبر 788 م) دون أن يبلغ الستين من عمره، وكانت أحوال إمارة قرطبة من غير شك لا تزال مضطربة غاية الاضطراب، لكنه استطاع على أية حال أن ينظم أمورها إداريا وحربيا، وعلى غرار التنظيمات التى كانت سائدة فى دمشق زمن الخلافة الأموية السابقة، وقد ظل هذا النظام قويا طالما ظل المروانيون فى الأندلس محافظين على تقاليدهم الشامية. وعلى أية حال فإن محالفة النجاح لعبد الرحمن "الداخل" قد تركت أثرا عميقا فى الشرق حتى لقد نعته الخليفة العباسى أبو جعفر المنصور بصقر قريش نظرا لشجاعته وما طبع عليه من روح المغامرة. المصادر: (1) E, Levi-Provencal: Histoire de L'Espagne musulmane, Leiden-Paris, 1950 - 53, I, 91 - 138 د. حسن حبشى [ليفى بروفنسال Levi-Provencal] عبد الرحمن بن سمرة عبد الرحمن بن سمرة بن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصى القائد العربى، كان اسمه فى الجاهلية "عبد الكعبة" فلما أسلم يوم الفتح سماه النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] عبد الرحمن وكانت أولى حملاته هى التى افتتح فيها سجستان سنة ثلاث وثلاثين هجرية خلفًا للربيع ابن زياد، والوارد فى المصادر العربية التى كتبت عنه، أنه لما استعمل معاوية ابن عامر على البصرة سيّر عبد الرحمن ابن سمرة إلى سجستان سنة 42 هـ/ 662 م لإعادة النفود العربى إلى ما كان عليه بها من قبل، وكان معه فى تلك الحملة الحسن البصرى والمهلب بن أبى صفرة وعبد اللَّه بن حازم وقطرى أبن الفجاءة ففتح زَرَنج وزمينى داور، وعقد صلحًا مع حاكم كرمان ثم

المصادر

انسحب بعد موت عثمان بن عفان. ويستفاد من المصادر الصينية أن "بيروز Peroz بن يزد جرد الثالث حاول بعد ذلك أن يستولى على سجستان وأن يقيم بها. وكان عبد الرحمن بن سمرة رسولًا مع عبد اللَّه بن عامر فى الوفد الذى أرسله معاوية بن أبى سفيان إلى الحسن بن على (رضى اللَّه عنهما). ولما كان عام 43 هـ أرسله للاستيلاء على سجستان كما استولى على كابول بعد حصار دام بضعة أشهر، ثم قاد بعد ذلك حملة إلى الرُخَّج المعروفة فى المراجع الغربية باسم Araehosia وزبولستان وهنا هاجم كابول مرة ثانية واستولى عليها إذ كانت قد عادت للانتفاض والأرجح أن ذلك كان سنة 45 هـ/ 665 م ومن ثم استقدمه معاوية إليه لكن ما لبث أن أعيد إلى ما كان عليه بعد قليل من استعمال زياد على البصرة، وقد عاد عبد الرحمن بن سمرة من حملته الأخيرة بطائفة كبيرة من أسرى كابول استعملهم فى بناء مسجد له بقصره فى البصرة، فبنوه على نمط مساجد كابول ومات ابن سمرة فى سنة خمس وخمسين للهجرة (= 670 م) بالبصرة، وتمكنت ذريته من أن يجعلوا من أنفسهم قوة كبيرة وأسرة ذات نفوذ عظيم خلال القرن التالى. المصادر: (1) البلاذرى، فتوح البلدان، طبعة Schlossinger, القدس 1936 - 1938، ص 360، 394، 396، 397. (2) ابن سعد، الطبقات الكبرى، طبعة H.Sachau، ليدن 1905 - 1940. د. حسن حبشى [هـ. أ. ر. جب H.A.R. Gibb] عبد الرحمن شانجة هو عبد الرحمن بن محمد بن أبى عامر الملقب بشانجويلو (أى شانجة الصغير) وهو من ناحية أمه -حفيد شانجة غرسية الثانى (ملك بامبلونة الباسكى) أما أبوه فهو الحاجب المعروف بالمنصور بن أبى عامر، وقد خلف أخاه الأكبر عبد الملك المظفر يوم وفاته يوم 16 صفر 399 هـ (20 أكتوبر 1008 م) بموافقة من الخليفة الأموى هشام الثانى المؤيد باللَّه.

المصادر

جمع عبد الرحمن شانجة بين التفاهة والغرور والخلاعة، وارتكب منذ أول لحظة صارت فيها مقاليد السلطة بيده سلسلة من الأخطاء يتلو بعضها بعضا مما نفر الناس منه وصرفهم عنه، فكان أول أخطائه انتزاعه ولاية العهد لنفسه من هشام الثانى، ولا يزال لدينا نص وثيقة هذا التقليد التاريخى المؤرخ بربيع الأول 399 هـ (نوفمبر 1008 م). وقد استقبل أهل قرطبة تعيينه أسوأ استقبال، وكان التذمر قد بلغ بهم منتهاه بسبب ميول الحاجب العامرى المؤيدة للبربر. ولقد أخطأ شانجة خطأ جسيما حين خرج فى الشتاء بحملة ضد مملكة ليون فظهر إذ ذاك حلف معارض له من أهالى قرطبة الذين اغتنموا هذه الفرصة فرفعوا إلى العرش الأموى محمد بن هشام بن عبد الجبار الذى كان أول قرار أصدره هو تخريب الزاهرة مقر العامريين، ولم يكن رد شانجة على ذلك العمل ردا حاسما بل اتسم بالفتور اذ اتخذ طريقه إلى قرطبة، غير أن عسكره انفضوا من حوله وهو فى طريق عودته إليها، وألقى القبض عليه وهو على مقربة منها مرتزقة الدعى الأموى الذى قتله يوم الثالث من رجب 399 هـ (3 مارس 1009 م). المصادر: (1) Leve-Provincal: Histoire de L'Espagne Musulmane, II, Leiden-Paris 1950 - 1953, 291 - 304 د. حسن حبشى [ليفى بروفنسال Levi-Provincal] عبد الرحمن بن عوف كان اسمه فى الأصل عبد عمرو أو عبد الكعبة، وهو من أشهر المسلمين الأوائل من بنى زهرة القرشيين، شارك فى الهجرة إلى الحبشة وقاتل فى بدر وغيرها من الغزوات، وخرج على رأس سرية قوامها سبعمائة رجل إلى دومة الجندل فى شعبان 6 (ديسمبر 627 م) فأسلم على يده الزعيم النصرانى الأصبغ وتزوج عبد الرحمن من ابنته تماضر. وبلغ من الثراء حدا كبيرا بفضل همته ومهارته التجارية، وكان صديقا لأبى بكر الصديق، ولما مات عمر ابن الخطاب كان عبد الرحمن بن عوف واحدا من رجال الشورى الستة الذين عهد إليهم باختيار الخليفة الجديد فلعب

المصادر

دورا قياديا فى تعيين عثمان بن عفان، ثم مات حوالى سنة 31 هـ (652 م) وقد أربى على الستين من عمره، وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة. المصادر: (1) ابن سعد، الطبقات الكبرى، طبعة H.Sachau، ليدن 1905 - 1940، الجزء الثالث 87 - 97. (2) الطبرى، تاريخ الرسل والملوك M.J.De Goejec، ليدن 1879 - 1901، الفهرس. (3) A.Sprenger: Das Leben und die Lehre des Mohammad, I, 428 - 30 حسن حبشى [مونتجمرى وات W.Montgomery Watt] عبد الرحمن الغافقى عبد الرحمن بن عبد اللَّه الغافقى ولى أمر الأندلس بعد محمد بن عبد اللَّه الأشجعى فى ختام سنة 111 هـ أو مستهل السنة التى تليها، وظل فى حكومتها حتى مات سنة 114 هـ (= 732 م) وكان من التابعين الذين عرفوا بالتقوى، وقد ذاع صيته بفضل حملته التى توغل بها فى غالة والتى كلفته حياته، وكان قد أحسن الإعداد لها وكان يقصد كنيسة سنت مارتن دى تور، وقد جمع الغافقى جيشا ضخما وزحف من بمبلونة عبر وادى روزنشفال على نهر بوردو ولم يستطع "ايود" دوق أكويتانيا صده فتابع عبد الرحمن الغافقى الزحف لكن حال بينه وبين التقدم دوق الفرنجة شارل مارتل ودار القتال بينهما فى مكان يقع على بعد عشرين كيلو مترا من شمالى شرقى بواتييه، وهزمه شارلمان هزيمة ساحقة وتعرف هذه المعركة فى الحوليات الفرنجية بوقعة بواتييه Poitiers أما العرب فيسمونها ببلاط الشهداء، وقد تراجع المسلمون الذين كتبت لهم الحياة إلى نربونة بعد أن تركوا وراءهم كثيرا من القتلى كان من بينهم عبد الرحمن الغافقى ذاته. . ويمكن تاريخ هذا القتال بنهاية أكتوبر 732 م (= رمضان 114 هـ). المصادر: (1) Levi-Provincal: Histoire de l'Espagne musulmane, Leiden-Paris 1950 - 53, Ii 40, 59 - 62. د. حسن حبشى [ليفى بروفنسال Levi-Provincal]

عبد الرحمن الفاسى

عبد الرحمن الفاسى عبد الرحمن بن عبد القادر الفاسى عالم مغربى ولد بمدينة فاس سنة 1040 هـ (= 1631 م) ومات بها عام 1096 هـ (= 1685 م) وقد تتلمذ على يد والده عبد القادر بن على وعلى أيدى الكثيرين من غيره من علماء وقته، وكان معدودا من النساخين المرموقين واشتهر عند جميع من ترجموا له بعمق معرفته وتنوع فنونها، ويقال إنه ألف أكثر من مائة وسبعين كتابًا عن الفقه المالكى والطب والفلك والتاريخ، وكان أمَّة وحده فيما ألف فله مجموعته الكبرى عن عادات فاس وهو كتابه المسمى أمالى الفاسى، وتعليق على كتاب الشفا للقاضى عياض المعروف بمفتاح الشفا، كما نظم قصيدة طويلة فى الرجز سماها "الأقنوم فى مبادئ العلوم "راجع ما كتبه عنه ليفى بروفنسال فى كتابه Hist. de L'zor ص 266 - 269، وما أورده من المراجع والمصادر عنه وانظر أيضا بروكلمان فى تاريخه 2/ 612 والملحق 2/ 694. المصادر: (1) Levi-Provincal: Les Histoire de L'Espegne musulmane, Leiden-Paris 1922, 266 - 9. د. حسن حبشى [ليفى بروفنسال Levi-Provencal] عبد الرحمن بن مروان عبد الرحمن بن مروان الملقب بابن الجليقى، كبير ثوار غرب الأندلس فى النصف الثانى من القرن الثالث (التاسع الميلادى) وكان من المولدين الذين قدموا أصلا من شمال البرتغال واستقروا فى ماردة رغم أن أباه كان واليا عليها من جهة حكام قرطبة إلا أن ولده عبد الرحمن هذا ثار على الأمير الأموى محمد الأول سنة 254 هـ (868 م) فحاصره الأمير وأرغمه -بعد استسلام المدينة- على الإقامة فى العاصمة قرطبة حيث ظل بها حتى سنة 261 هـ (875 م) حيث عاد إلى ماردة وخلع طاعة الأمويين وتحصن فى قلعة الحنش ولكن الأمير حمد الأول أرغمه مرة ثانية على الاستسلام وألزمه

المصادر

بالإقامة فى "باداجوزة"؛ غير أنه لم يمض وقت طويل حتى رفع الجليقى راية العصيان مرة أخرى وساعده صاحب "البرتغال" وهو المولد "سعدون السرنباقى" والفونسو الثالث ملك أستوريا وليون ونصب الثوار كمينًا للقائد المخلص هاشم بن عبد العزيز وسلموه إلى الملك النصرانى فافتدى هاشم نفسه بمال كبير، غير أن ابن الجليقى خاف أن تبطش حكومة قرطبة به، فلجأ إلى الفونسو الثالث وعاش فى بلاده النصرانية ثمانى سنوات عاد بعدها سنة 271 هـ (= 884 م) إلى باداجوزة، وتوصل مع قرطبة إلى اتفاق سرى يسمح له بحكم منطقة تمتد من الوادى اليانع وجنوب ما يعرف الآن بالبرتغال وأصبح يتصرف وفق هواه حتى وفاته سنة 311 هـ (= 923 م) وعاش شبه مستقل زمن الأميرين المنذر وعبد اللَّه، ثم خلفه ولد له اسمه "عبد الرحمن الذى أرغمه عبد الرحمن الثالث (الناصر) سنة 318 هـ (= 930 م) على الخضوع له. المصادر: (1) Levi-Provincal: Histoire de L'Espagne musulmane, Leiden-Paris 1950 - 1953, I, 255 ff, II 24 - 25. د. حسن حبشى [ليفى بروفنسال Levi-Provincal] عبد الرزاق السمرقندى هو عبد الرزاق كمال الدين بن جلال الدين اسحق السمرقندى مؤرخ فارسى وله كتاب مطلع السعدين ومجمع البحرين الشهير، ولد فى هرات فى شعبان 816 هـ/ نوفمبر 1413 م ومات هناك فى جمادى الآخر 887 هـ (يولية، أغسطس 1482 م) كان والده إمامًا وقاضيا لحضرة شاه رخ وقرأ له العديد من الكتب وشرح له الكثير من المسائل المعقدة، وتلقى من العلم ما هو سائد فى وقته. واعتاد بعد وفاة والده أن يتردد على بلاط شاه رخ مع أخويه الكبيرين. وفى عام 841 هـ/ 1437 هـ - 1438 م أهدى كتابه شرح على "الرسالة العَضُدية" إلى الملك وقدمها له. ثم طُلِب إلى الخدمة وسمح له بالتردد

بانتظام على البلاط وبعد عامين اجتاز الامتحان على يد العلماء فى البلاط ومنح مرتبا وإعاشة (وهو ما يعرف بمرسوم وعلوفة). وأرسل عبد الرزاق فى رمضان 848 هـ/ ديسمبر 1444 م سفيرا إلى الهند والى جيلان فى 850 هـ 1446 م. وصدر الأمر بالاستعداد للسفر إلى مصر فى نفس السنة ولكنه ألغى سفره بسبب وفاة شاه رخ. وظل عبد الرزاق فى خدمة الملوك الذين جاءوا بعد شاه رخ وهم ميرزا عبد اللطيف، وميرزا بن عبد اللَّه وميرزا أبو القاسم بابور وخدم بعضهم بوصفه "الصّدر" وبعضهم الآخر بوصفه النائب "أو" الخاص وفى 3 جمادى الأولى 867 هـ/ 24 يناير 1463 م. فى عهد السلطان "سعيد" قام الوزير خواجة قطب الدين طاؤوس سيمنانى شيخا لخانقاه شاه رخ وهى الوظيفة التى ظل يشغلها حتى مماته ويصف فى كتابه "مطلع" كيف تولى الخان بوسعيد الحكم عام 716 هـ/ 1316 - 1317 م، كما يصف الأحداث التى وقعت فى الأعوام من 717 هـ - 875 هـ (= 1317 - 1471 م) على شكل حوليات وقد استفاد بالدرجة الأولى من كتاب "فريدة التواريخ" للحافظ أبرو بالنسبة للسنوات حتى عام 830 هـ (= 1426/ 1427 م) حيث اعتاد الكُتَّاب الاقتباس الحرفى من هذا المرجع، وإن الوصف الذى يصف به سفارته إلى الصين عام 823 - 825 هـ/ 1420 - 1422 م وهو وصف مشهور مأخوذ أيضا من "الفريدة"، أما عن الفترة من 830 - 875 م (= 1426 - 1471 م) فإن الكتاب الذى ألَّفَه عبد الرزاق يعد واحدا من أهم مصادر المعلومات وأكثرها أصالة. وقد نشر المجلد الثانى منه فى مجلة الكلية الشرقية - لاهور - نوفمبر 1933 م، وما بعدها- ثم نشرت منه بعد ذلك طبعة فى جزءين فى لاهور 1360 هـ - 1368 هـ (= 1941 - 1949 م)

المصادر

وتوجد فى مكتبة جامعة البنجاب نسخة منها بخط يده، وقد حصلت عليها المكتبة حديثًا، وقد أتمها المؤلف يوم 17 ربيع الأول سنة 875 هـ (= 13 سبتمبر 1470 م)، كما أتم المؤلف تصحيح هذه النسخة يوم 18 شعبان 885 هـ (= 23 أكتوبر 1480 م) ونقرأ فى الجزء الثانى (ص 190) من كتاب "مطلع" أن عبد الرزاق قد كتب كتابا آخر عن تاريخ هرات وأحيائها، كما أنه يورد فى هذا الكتاب أشعارا من تأليفه. المصادر: (1) St. Guyard: Journ. Asiat. 7 th ser د. حسن حبشى [د. ب. ماكدونالد D.B.Macdonald] عبد السلام بن مشيش عبد السلام بن مشيش الحسنى أحد أقطاب حركة التصوف والزهد فى المغرب والواقع أنه ليس لدينا شئ مؤكد عن هذه الشخصية لكن الشئ الثابت الوحيد أنه مات غيلة سنة 625 هـ (1227 م) فى صومعته بجبل العلم بناحية بنى عروس الواقعة إلى الجنوب الشرقى من تطوان، ويقال إن قاتله رجل من الناحية اسمه محمد بن أبى تواجين الكتامى من أهل قصر كتامة الذين ثاروا على سلطان المرابطين المنهار وإن هذا الرجل كان قد ادعى النبوة ثم فتك بالولى التقى ابن مشيش الذى كان عقبة فى سبيل أطماعه، وقد دفن عبد السلام بقمة الجبل عند أصل شجرة بلوط، ونلاحظ أن ابن خلدون لم يذكره ولم يذكر شيئا عن فتنة مُغتاله، وإذا خلينا جانبا قصة موت هذا الورع التى يرجح صدقها رغم أن الذين أوردوها (وردُّه إلى بيت النبوة) إنما هم جماعة جاءوا بعده بزمن طويل فإننا لا نعرف إلا القليل عن أسلافه، وإن جاء فى سلسلة نسبه أسماء بربرية، ويقال إنه ولد على مقربة من جبل العلم فى قبيلة بنى

المصادر

عروس، وإنه خرج فى التماس العلم فرحل إلى الشرق وهو فى السادسة عشرة من عمره، فلما عاد اعتنق (وهو فى بجاية) تعاليم الصوفى الأندلسى الشهير أبى مدين، ثم رجع أخيرا ليستقر فى موطنه الأصلى حيث عاش عيشة فاضلة فى صومعته الجبلية سالكا مسلك أهل الزهد. ونكاد لا نعرف إلا شذرات من تعاليمه، إلا أنه هو القائل "أد فرائض الشرع وتجنب الكبائر" ويقال إنه نصح أحد مريديه حين سأله أن يسن له سنة الحياة الكريمة فقال له. "احفظ قلبك بعيدا عن مطامع الدنيا، واجعل حبك للَّه فوق كل ما سواه". ويقال أيضا إنه كان له تلميذ اسمه أبو الحسن الشاذلى جاءه ليجعل منه صوفيا زاهدا. على أن تجاوز شهرته حدود قبيلته إلى كل الجزء الشمالى من المغرب إنما كان منذ القرن الخامس عشر فقط يوم ارتبطت حركة المرابطين بالشاذلية وقوى ساعدها فى مراكش، وحينذاك أصبح معدودا "قطب" الغرب نظير عبد القادر الجيلانى المعدود قطب المشرق، وأصبح الناس يزورون قبره فى الأيام الثلاثة التالية ليوم المولد النبوى ويوجد وصف شيق لهذه الزيارة فى السنوات الأخيرة من القرن التاسع عشر فى كتاب "المغرب المجهول" لمولييراس. المصادر: (1) الشعرانى، الطبقات الكبرى، القاهرة 1299 هـ، الجزء الثانى، ص 60. (2) ابن عياد، المفاخر العلية، القاهرة 1323 هـ، ص 106. (3) أحمد الكمشافانوى النقشبندى، جامع أصول الأولياء ترجم فى Graulle. (4) Brockelmaun: Geschichte, Leiden 1937 - 42, 787 د. حسن حبشى [ر. لو تورنو R.Le Tournean]

عبد العزيز بن الحجاج

عبد العزيز بن الحجاج هو عبد العزيز بن الحجاج بن عبد الملك القائد الأموى، الذى كان شديد التأييد لقرينه يزيد الثالث ومن أكبر أعوانه، فلما كانت ولاية الوليد الثانى قام عبد العزيز بن الحجاج ببذل العون ليزيد الذى كان على رأس الساخطين فساعده فى تجهيز العسكر لمحاربة الخليفة حتى إذا نجح الاثنان فى تكوين جيش بدمشق تولى عبد العزيز قيادته وزحف بالجند ضد الوليد، غير أن العباس (أخا يزيد) -وكان على وشك المضى لمساعدة الخليفة هوجم واضطر لإعلان طاعته. ليزيد، وما لبث عبد العزيز أن قتل الخليفة بعد قليل من استيلائه على قلعة بَخْرَاء التى كان الوليد قد انسحب إليها وذلك فى سنة 126 هـ (744 م) وحينذاك نودى بيزيد خليفة، غير أن أهالى حمص رفضوا رفضا تاما الخضوع ليزيد إذ عدوه مغتصبا لحق ليس له فزحفوا على دمشق، فأرسل يزيد لقتالهم كتيبتين شغلت إحداهما الثوار، وأما الأخرى فقد تقدم بها عبد العزيز لقتالهم قتالا أسفر عن إنزاله الهزيمة بهم وأخمد فتنتهم، ثم مات يزيد بعد أن ثبت الحكم من بعده لأخيه إبراهيم ثم من بعده لعبد العزيز، غير أن أهالى حمص عادوا للتمرد من جديد على الحاكم الجديد الذى لم يستطع تدعيم سلطانه خارج العاصمة، ولذلك شرع عبد العزيز (بأمر صادر إليه من إبراهيم) فى محاصرة البلد، ولكنه سرعان ما انسحب حين زحف ضده مروان بن محمد والى أرمينية وأذربيجان حينذاك وفتحت حمص أبوابها لمروان ودارت الدائرة على أنصار الخليفة السابق فى صفر 127 هـ (744 م) وذلك فى وقعة "عين الجر". ونادى مروان بنفسه خليفة فى دمشق التى ما كاد يدخلها حتى قتل عبد العزيز بن الحجاج على يد أتباع الوليد. المصادر: (1) الطبرى: تاريخ الرسل والملوك، طبعة M J. De Goeje، ليدن 1789 - 1901، الجزء الثانى، 1794.

عبد العزيز الدهلوى

(3) ابن الأثير: الكامل، مدريد 1887 - 1889، الجزء الخامس، ص 215. د. حسن حبشى [ك. ف. تسترتشتين K.V.Zettersteen] عبد العزيز الدهلوى هو أكبر أولاد شاه ولى اللَّه الدهلوى، أحد كبار فقهاء الهنود المرموقين ومؤلف العديد من الكتب الدينية بالعربية والفارسية، وكان مولده فى دلهى عام 1159 هـ (1746 م) ومات بها سنة 1239 هـ (1824 م) ودرس على وجه الخصوص على يد والده، فلما مات أبوه سنة 1176 م شرع هو فى التدريس وصار شيخ المدرسة الرحيمية التى كانت من مؤسسات جده، وظهرت براعة شاه عبد العزيز فكان مدرسًا وداعية إسلاميًا وكاتبًا، وكان له أثره البارز فى الفكر الدينى فى عصره، وأسهم فى التأليف بالعربية، ومن مؤلفاته فى هذا المجال: (1) "سر الشهادتين" المطبوع فى دلهى 1261 هـ وقد شرح فيه أن النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] كانت له الشهادة متمثلة فى استشهاد حفيده "الحسين بن على"، وقام أحد تلاميذ شاه عبد العزيز واسمه سلامة اللَّه بوضع شرح لهذا الكتاب باللغة الفارسية سنة 1882 م. (2) كتاب "عزيز الاقتباس فى فضائل أخبار الناس" وهو مجموعة من الأحاديث النبوية الشريفة عن مآثر وفضائل الخلفاء الأربعة الأوائل وهو مطبوع فى دهلى سنة 1322 هـ (1804 م) مع ترجمة له بالفارسية وأخرى بالأردية. (3) "ميزان العقائد" وهو بحث موجز عن العقيدة الإسلامية مع تعليق وشرح بقلم المؤلف نفسه وقد طبع بدهلى 1321 هـ. (4) أما مؤلفاته بالفارسية فأولها كتابه المسمى "تحفة الاثنى عشرية" وقد نشره محمد صادق على رضوى فى لكناو سنة 1295 هـ ويعتبر هذا الكتاب تكملة لكتاب أبيه "إزالة الخفاء عن خلافة الخلفاء" حيث يعرض فيه بالنقد لأفكار الشيعة، وقد ترجم "التحفة" إلى الأردية.

المصادر

(5) العجالة النافعة" (دهلى 1312، 1348 هـ) وهو مقدمة لدراسة علم الحديث النبوى الشريف. (6) "بستان المحدثين" (دهلى 1898 م) ويتضمن قائمة ببليوجرافية عن كل ما يتعلق بالكتب التى صدرت عن الحديث مع وصف لكل كتاب من هذه الكتب وألحقها بتراجم مختصرة للمؤلفين أصحاب هذه الكتب. (7) "الفتاوى" (وقد طبع بدهلى فى مجلدين) وهو مجموعة من الآراء والأفكار والمجادلات عن بعض من المشكلات الشرعية والمذهبية، وتوجد للجزء الأول من هذا الكتاب ترجمة بالأردية قام بها نواب على وعبد الجليل، وطبع هذا القسم فى حيدرآباد عام 1313 هـ ثم أعيد طبعه مرة أخرى فى كاونيور. (8) "فتح العزيز" ويعرف عادة باسم "تفسير عزيزى"، وهو تفسير بالفارسية على سورتى الفاتحة والبقرة والجزأين التاسع والعشرين والثلاثين من القرآن الكريم وقد طبع هذا التفسير عدة طبعات. (9) "ملفوظات شاه عبد العزيز" وهى مجموعة أماليه التى كتبها أولًا بالفارسية سنة 1233 هـ ثم قام بترجمتها بعد ذلك إلى الأردية عظمت إلهى سنة 1315 هـ (1857 م) ثم صورت نسخة منها فى بيروت. المصادر: 1 - عبد الرحمن على، تذكرة علماء الهند، لكناو 1914، ص 122. (2) Zubaid Ahmad: The Contribution of India to Arabic Literature, Jullundur. 1946. Index مروان حبشى [ش. عناية اللَّه Sh.Inayatullah] عبد العزيز بن مروان كان أبوه خليفة وقد أنجب هو ولده المعروف بعمر بن عبد العزيز، واختار مروان ولده عبد العزيز واليا على مصر، وصادق على هذا الاختيار عبد الملك حين آلت إليه الخلافة، وقد

المصادر

أثبت عبد العزيز خلال سنواته العشرين التى قضاها واليا على مصر أنه نعم الحاكم القادر الساعى إلى فلاح بلده سعيا جديا، وحدث فى سنة 69 (689 م) أن أراد عبد الملك (بعد قتله قائده عمرو بن سعيد) أن يستأصل أقارب عمرو فما كان من عبد العزيز بن مروان إلا أن تشفع لهم عند الخليفة للعفو عنهم فاستجاب له وعفا عنهم. ولقد كابد عبد العزيز فى أخريات أيامه سوء ظن أخيه عبد الملك به، إذ إن أبوهما مروان أوصى أن يخلفه ولداه الوليد ثم سليمان، ولذلك أحب أن يخلع أخاه من الولاية وأن يحول بينه وبين توليه العرش، لكن حدث فى سنة 85 هـ (754 م) أن جاءت الأخبار إلى دمشق بموت عبد العزيز على غير انتظار. المصادر: (1) ابن الأثير، الكامل، مدريد 1887 - 1889، الجزء الرابع، ص 156. (2) Muller: Der Islam im Morgen Und Abendland, I, 383 عبد الرحمن الشيخ [ك. ف. تسترستين K.V.Zettersteen] عبد العزيز بن موسى بن نصير هو أول وال على الأندلس بعد أن رحل إلى المشرق أبوه موسى بن نصير فاتح شبه جزيرة أيبريا سنة 95 هـ (714 م) وقد عهد إليه والده بمتابعة الفتح الإسلامى وإقرار الهدوء فى البلاد التى دخلت تحت حكم المسلمين. وتذهب بعض الروايات إلى أنه تم -تحت حكم عبد العزيز- فتح جزء مما يعرف حاليا بالبرتغال، فاستولى المسلمون على إيفورا Evora وشنت ريم وقمبرة وكذلك إقليم جبال البرانس امتدادا من بمبلونة حتى نربونة، كما استولى هو ذاته على مالقة وألبيرة ثم أخضع بعد ذلك بلاد مرسية وعقد صلحا مع أحد أشراف القوط واسمه تودومير الذى أطلق اسمه على ما يعرف بتدمير، وقد وصلت إلينا صورة أولية من هذه الاتفاقية. وقد تزوج عبد العزيز بن موسى من أرملة رذريك: آخر ملوك القوط واسمها ايجلون Agilon التى يقال إنها أسلمت وسميت بأم عاصم، وكان لهذه الأميرة نفوذ كبير على زوجها الحاكم إذ سرعان ما جعلته

المصادر

يشك فى بنى جلدته ودفعته للإساءة إليهم، على أنه اغتيل فى مستهل رجب 97 هـ (مارس 718 م) فى إشبيلية التى كان قد اتخذها مقامًا له، وكان اغتياله على يد رجل يسمونه بزياد بن عذرة البلوى، فخلفه ابن خالته أيوب بن حبيب اللخمى. المصادر: (1) Leve-Provencal: Histoire de L'Espagne musulmane, Leiden-Paris, 1950 - 1953,I,255 ff,386,II 24 - 25 د. حسن حبشى [ليفى بروفنسال Levi-Provincal] عبد العزيز بن الوليد هو عبد العزيز ابن الخليفة الوليد وقد ساهم فى الحملة التى خرجت بأمر عمه مسلمة بن عبد الملك لمحاربة البيزنطيين، كما اشترك فى السنوات التالية فى المعارك التى كانت ضد الروم أيضا. وحدث فى سنة 96 هـ (= 714 م - 715 م) أن قام الوليد بتنحية سليمان بن عبد الملك من تولى الخلافة من بعده بعد أن كان هو ذاته الذى عينه لها، وكان مدفوعا فى ذلك برغبته فى أن يخلفه ولده عبد العزيز ولكنه فشل فى محاولته هذه، فلما مات سليمان فى دابق 99 هـ (717 م) سعى عبد العزيز كى يتولى الحكم لكنه ما كاد يعلم باستخلاف عمر بن عبد العزيز حتى مضى إليه وبايعه، وكانت وفاة عبد العزيز سنة 110 هـ (= 728/ 729 م). المصادر: (1) الطبرى: تاريخ الرسل والملوك، طبعة M.J.De Goeje, ليدن 1879 - 1901، الجزء الثانى، ص 1217. (2) اليعقوبى 4/ 435 وما بعدها. د. حسن حبشى [ليفى بروفنسال Levi-Provincal] عبد الغنى النابلسى عبد الغنى بن إسماعيل النابلسى، رجل جمع بين التصوف والفقه ونَظْم

الشعر والرحلة والتأليف، وله كتب ضخمة فى شتى المواضيع، وكان مولده بدمشق يوم الخامس من ذى الحجة سنة 1050 هـ (= 19 مارس 1641 م)، وكان شخصية قيادية على أيامه فى حياة الشام الدينية والأدبية، وقد نشأ فى أسرة شافعية المذهب (رغم تحول الغالبية إلى المذهب الحنفى)، واستقرت عائلته بدمشق منذ زمن بعيد، وينعت جده الأكبر لأبيه فى كتابه الخلاصة بشيخ مشايخ الشام، وقد شغف عبد الغنى منذ سنواته الأولى بالتصوف فتبع الطريقة القادرية والنقشبندية، ويؤثر عنه أنه لما كان فى صدر شبابه حبس نفسه فى داره سبع سنوات متتاليات انكب خلالها على النظر فى أعمال ابن العربى وابن سبعين وعفيف الدين التلمسانى، ولقد كان مؤلفه الذى وضعه فى صغره والمسمى "بالبديعية" فى مدح النبى عليه الصلاة والسلام آية فى الإبداع حتى لقد ساور الشك بعض الناس فى أن يكون هذا الكتاب من تأليفه حقا، ولم يخلصه من ريبة الناس هذه إلا ما كتبه من تعليق عليه، فكان التعليق براءة له مما رمى به. وقام النابلسى فى سنة 1075 هـ (1664 م) بأول رحلة له إلى استانبول وزار فى سنة 1101 هـ (= 1689 م) البقاع ولبنان، وحط رحاله فى العام التالى بالقدس والخليل، حتى إذا كانت سنة 1105 هـ (= 1693 م) زار الحجاز ومصر ثم طرابلس فى عام 1112 هـ (= 1700 م) وكتب عن كل هذه البلدان والأمصار. وتتراوح أعماله (بما فيها الرسائل القصار) ما بين مائتين ومائتين وخمسين أثرا، وكثر تلاميذه كثرة قل أن تحصى، ولعل من أبرزهم مصطفى البكرى. وقد مات النابلسى بدمشق يوم الرابع والعشرين من شعبان سنة 1143 هـ (= الخامس من مارس 1731 م). وتتناول مؤلفاته ثلاثة فروع: التصوف والشعر والرحلات، وأغلب ما تركه من مؤلفات فى الصوفية كان فى صورة شروح وتعليقات على ابن العربى والجيلى وابن الفارض

وأمثالهم، وهو لا يكتفى فيها بالشرح والتلخيص. ويلاحظ أنه فى كثير من تعليقاته يذهب للتقريب بين اتجاهين فى الفكر الصوفى أحدهما المدرسة الأندلسية المغربية التى كان من أقطابها أبو مدين وابن مشيش والششترى والسنوسى، أما الاتجاه الآخر فهو المدرسة الفارسية الأناضولية وكان من رجالها أوحد الدين نورى ومحمود اسكدراى ومحمد برجلى، كما ألف عن الطوائف التى تنتمى إليها، وكذلك عن نظام المولوية. ويبدو فى كتاباته أنه يأخذ بفكرة وحدة الوجود، ومن هذه المؤلفات الأصلية وأعظم كتبه أهمية هو الجزء الأول من ديوانه الكبير، وأما ديوان الدواوين فيحتوى على القسم الأكبر من إنتاجه الشعرى إلى جانب تخصيصه الجزء الأول عن التصوف (وهو الجزء الذى طبع بالقاهرة 1302 هـ)، وهناك ثلاثة مجلدات أخرى لم تطبع بعد تتضمن مراثيه فى النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] ومراثى عامة فى غيره، كما تحتوى على مراسلاته وقصائد غزله. على أنه ليس معنى ذلك أن هذا هو كل إنتاجه الشعرى إذ إن هناك كثيرا من أعماله الأخرى فى الشعر واردة فى ثنايا شرحه لقصائد ابن هانئ الأندلسى. ولقد اشتهر حيا وميتا كشاعر. على أنه لا يهتم فى كتب رحلاته بتقديم وصف طوبوغرافى أو معمارى للأماكن التى زارها لكنه يميل فيما يورده إلى ذكر تجاربه فى الزهد، وإن كان يلقى فى الوقت ذاته بصيصا كبيرا من النور على حياة عصره الدينية والثقافية. ولقد نسج على منوال كتبه هذه الرحالة المتأخرون عنه أمثال مصطفى البكرى الدمشقى وأسعد اللقيمى، وزيادة على هذا فإن بعض مؤلفات النابلسى هذه شديدة الضخامة ويدخل بعضها فى عداد دوائر المعارف وإن كانت جميعها تعنى بالتفسير والحديث وعلم الكلام والفقه وتفسير الأحلام، أى أنها منجم أخبار عن روحانيات جيله وخرافاته كما وردت فيها كتابات عن الزراعة والتنديد بشرب الطباق إلى غير ذلك من الموضوعات.

المصادر

المصادر: (1) المرادى: سلك الدرر. (2) الجبرتى: عجائب الآثار فى التراجم والأخبار. (3) ابن العربى: فصوص الحكم. (4) الخالدى: رحلة إلى ديار الشام. (5) نفسه: رواد النهضة الحديثة. د. حسن حبشى [و. أ. خالدى Khaledi] عبد الفتاح فومنى عبد الفتاح فومنى شاعر فارسى الأصل عاش على أرجح الأقوال فى القرن السادس عشر وأوائل السابع عشر، وانخرط فى خدمة الحكومة فى "فومان" عاصمة جيلان القديمة حيث اختاره "بهزاد بك" وزير القصر مراقبا للحسابات وذلك سنة 1018 هـ (1609 م) أو التى بعدها، ثم دخل فى خدمة كثير من الوزراء ممن خلفوا "بهزاد بك" ثم استصحبه عادل شاه معه إلى العراق. ألف عبد الفتاح بالفارسية كتابه المسمى "تاريخى جيلان" أورد فيه أخبار جيلان من سنة 923 - 1038 هـ (= 1517 - 1628 م) وقد قام بطبعه "دورن" مع إيراد ملخص له جعله فى مقدمته، ويعتبر هذا الكتاب ذيلا على تواريخ ظاهر الدين وعلى بن شمس الدين. د. حسن حبشى [هـ. ماسيه H.Masse] عبد القادر الحسنى هو الأمير عبد القادر بن محيى الدين الحسنى سليل أسرة موطنها الأصلى "الريف". ولد عام 1223 هـ/ 1808 م بوادى الحمّام الذى يبعد عن مسكرا بحوالى عشرين كيلومترًا إلى الغرب. درس فى "أرزو" ثم فى "أدوان"، وتزوج وذهب إلى مكة وأدى مناسك الحج عام 1244 هـ/ 1828 م. هذه أبرز أحداث حياته فى فترة الشباب حيث كان مكرسًا كل وقته لقراءة القرآن وممارسة الرياضة وذلك بتوجيهات من والده الذى كان له تأثيره العميق على شخصيته بفضل محبته له

وعطفه عليه. وقد استولى الفرنسيون على الجزائر (6 يوليه 1830) لكنهم أظهروا ترددًا فى إحكام غزوهم مما أتاح الفرصة لمحيى الدين فى أورانيا، فبادر إلى اتخاذ المبادأة للنضال ضد الفرنسيين ولكنه سرعان ما تنازل لابنه ليحتل المكانة الأولى، فبادر بنو هاشم وبنو عامر وغَرابة إلى تنصيبه سلطانًا على العرب فى 5 رجب 1248 هـ/ 22 نوفمبر 1832 م. واضطر الجنرال ديمشيد إلى مجاراة خصمه هذا (4 و 26 فبراير 1834 م) وبذلك تم الاعتراف رسميًا به أميرًا للمؤمنين وبامتداد سلطانه حتى أبواب الجزائر (أبريل 1835 م) ولكن مطالبه جدّدت المنازعات. وكان موقف الفرنسيين مزعزعًا، فهم يزاولون الشدة فى المدن التى فى حوزتهم ولكن جنودهم كانت تتعرض فى نفس الوقت لغارات متكررة، وإنزال العقاب بالمتعاونين معهم. وقد اضطرت حكومة لوى فيليب إلى التفاوض رغبة فى تأمين الجنود من الهجوم عليهم من ناحية الغرب حيث كانت هناك حملة يجرى توجيهها نحو قسنطينة، وتم توقيع معاهدة تافا (30 مايو 1837 م). وعلى الرغم من احتفاظ الفرنسيين بأوران وأرزو وستجاتم وبليدا وكوليا فإن الأمير استولى على ولاية أوران بأكملها وجزء من مدينة الجزائر وبيلق تيترى بأكمله. ونلاحظ أنه منذ يونيه عام 1837 م وحتى نوفمبر عام 1839 م أوقف الأمير عبد القادر هجماته المتكررة على قوات الفرنسيين وذلك من أجل أن تتاح له الفرصة لتنظيم الأراضى التى دخلت فى حوزته، واتخذ عاصمة له فى تاجدميت، وسافر عبر ولايته الجديدة فعيّن رؤساء للقبائل فى المنطقة الواقعة فيما بين مراكش فى الغرب وكابيليا فى الشرق لكسب الاعتراف بسلطانه حتى الصحراء. وفى أثناء القيام برحلاته هذه انتهز الفرصة واستغل وجود ثغرات فى صياغة معاهدة تافنا Tafna ليجاوز الحدود التى سبق أن حددت له، لذلك قدم له المارشال فاليه مسودة لملحق معاهدة تحدد بدقة الأراضى التى رأت فرنسا أن تعترف بحقوقه فيها، ولكن تقلص

حجمهما، غير أنه رفض قبولها. ولقد استطاع الدوق أورليانز أن يربط قسنطينة بالجزائر وذلك عبر حملة البوابات الحديدية، فكان ذلك ذريعة لكى يستأنف الأمير الحرب من جديد. فلما كان يوم 20 نوفمبر 1839 م غزا الفرنسيون متيجا، واجتاحوا المزارع والحقول وفتكوا بالأهالى ولكن تم تعيين بوجو حاكمًا عامًا (يوم 29 نوفمبر 1840 م) فأدى ذلك إلى تغيير مجرى الأحداث، إذ أدرك أن الجزائر لن تنعم بسلام إلا بسحق قوة عبد القادر وأنه لابد من القيام بهجمات نشطة بدلًا من الاحتلال المحدود. فاستولى فى الفترة ما بين عامى 1841 و 1843 م على مدن تاجدمت، مسكرة، بوغار وتازا، وتلمسان، وسيدو، وندروما وأرسل الحملات مزودة بتعليمات تقضى بضرورة القبض على عدوه والقضاء على أتباعه. وكان استيلاء هذه القوات على "سمالا" (16 مايو 1842 م) (وهى العاصمة التى يسافر إليها الأمير)، ضربة قاسية لعبد القادر فقد ترتب عليها خضوع القبائل لفرنسا، وطورد عبد القادر حتى وهنت قواه فلجأ إلى حدود مراكش فى أواخر العام نفسه لحماية نفسه وتجنيد المقاتلين، ولكن قصف طنجة وموجادور بالقنابل (6، 15 أغسطس 1844 م) وانتصار يوم 14 أغسطس أجبر السلطان مولاى عبد الرحمن على رفض تقديم أى معاونة لضيفه الأمير عبد القادر بل أعلن أنه طريد القانون. وظهر الأمير عبد القادر مرة أخرى فى الجزائر فى عام 1846 م لقيود حركات التمرد التى اندلعت فى ذلك الوقت فى جميع الأرجاء. وأصاب أول نجاح له فى سيدى إبراهيم (23 سبتمبر) مما أنعش أمله فى تحقيق نصره النهائى ونصرة قضيته. ولكن تم صد هذه الحركات واضطر الأمير إلى العودة إلى مراكش وأصبح هدفًا لعداوة السلطان إذ اعتبره منافسًا خطيرًا له. كما أصبح هدفًا لهجوم القبائل ومطاردًا من القوات الشريفية. لذلك اضطر عبد القادر إلى العودة مرة أخرى إلى حدود الجزائر لكنه وجد كل سبل الهروب نحو الجنوب مسدودة أمامه، فسلم نفسه

المصادر

لدوق دومال فى 23 ديسمبر 1817 م وتم اعتقاله مع حاشيته فى طولون ثم بو ثم أميواز رغم الوعد بترحيله إلى أكرا أو إلى الإسكندرية، وأفرج عنه الرئيس -الأمير لوى فيليب- فى 16 أكتوبر 1852 م وأصبح يتقاضى معاشًا من فرنسا وبدأ يعيش حياة التقاعد فى بروسا (1853 م) ثم فى دمشق (1855 م) وفى تلك المدينة أظهر ولاءه وإخلاصه بطريقة فريدة فى نوعها، فقد أنقذ آلاف الأشخاص المسيحيين من مذبحة دبرها الدروز، وسلمهم للقنصل الفرنسى (يوليه 1860 م) وتوفى هناك فى ليلة 25، 26 مايو 1883 م بعد أن كان يقضى وقته فى المنفى فى التأمل وممارسة شعائر دينه والقيام بأعمال الخير. المصادر: (1) " نزهة الخاطر فى قريض الأمير عبد القادر" ديوان شعر (القاهرة بدون تاريخ). (2) "ذكرى العاقل وتنبيه الغافل" بيروت (بدون تاريخ). (3) M. Emeni & H. Peres: La texte arabe du traite de La Tafna (4) M. Eneni: L'Algerie a L'eproque d'Abd el-Kader, Paris 1951. عيد عبد المحسن [ف. دكوسيه - بريساك F.Giese - Breslau] عبد القادر بن عمر البغدادى عالم بارز فى علم اللغة. ولد فى بغداد سنة 1030 هـ (1621 م) ومات بالقاهرة عام 1093 هـ (= 1682 م) وتلقى علومه الأولى فى بغداد التى كانت مسرحا للمعارك العنيفة بين الصفويين والعثمانيين منذ سنة 941 هـ (= 1534 م)، ثم عاد الترك فاستولوا عليها بأمر من مراد الرابع فغادرها البغدادى الذى كان قد أتقن العربية والفارسية والتركية، وكان تعلمه العربية بدمشق على يد محمد بن كمال الدين الحسينى نقيب أشراف الشام وعلى يد محمد بن يحيى الفرائضى، ثم التحق بالأزهر بمصر فتعلم فيه العلوم الدينية على يد جماعة منهم الخفاجى وياسين الحمصى، ونظرا لسعة اطلاعه وكثرة قراءاته فقد كان شيخه الخفاجى يستفتيه فى بعض

المصادر

المسائل الصعبة، ولما مات الخفاجى سنة 1069 هـ (= 1659 م) استحوذ عبد القادر على معظم مكتبة شيخه وزاد فيها ويقال إنه كان بها ألف ديوان من شعر العرب العاربة وشروحها. ثم زار اسطنبول فى ذى الحجة سنة 1077 هـ وأمضى بها أربعة أشهر عاد بعدها إلى مصر وتعرف فى هذه السنة ذاتها بإبراهيم باشا كتخدا والى مصر الذى عرف قدره فأكرمه ورافقه، فلما خلع كتخدا بعد بضع سنوات وعاد إلى وطنه عبر الشام صحبه عبد القادر فى رحلته ودخل معه أدرنة حيث تعرف بوزير تركيا كوبريللى زاده واهدى إليه مؤلفه الكبير "شرح بانت سعاد لابن هشام". ويذكر المحبى (وهو ولد أحد اصدقائه القدماء) أنه رآه فى ادرنة حينذاك وهو موضع التقدير العظيم من كبار الشخصيات التركية البارزة، ثم أصابه مرض فى عينيه فقد معه بصره فعاد إلى القاهرة وما لبث أن مات بعد قليل، وكان عبد القادر بن عمر البغدادى يحفظ مقامات الحريرى عن ظهر قلب وكثيرا من الدواوين الشعرية والمنظومات الفارسية والتركية، وكان ملما إلماما كبيرا بعلوم اللغة العربية وتاريخ العرب والفرس والأمثال والأخبار العربية وله من الكتب "خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب"، وقد بدأ فى وضعه بالقاهرة سنة 1073 هـ (1663 م) وانتهى منه سنة 1079 هـ وأهداه إلى السلطان العثمانى محمد الرابع. كما أن له كتابا آخر هو "شواهد شرح الرضى على شافية ابن الحاجب"، وله أيضا تعليق على شرح بانت سعاد لابن هشام (وهو مخطوط فى مكتبة رامبور بالهند)، وله شرح المقصورات الدرية وشرح التحفة الشاهدية باللغة العربية. المصادر: (1) أبو علوى الخضرمى: عقد الجواهر. (2) المحبى: خلاصة الأثر 2/ 451. (3) عبد العزيز الميمنى: إقليد الخزانة. (4) سامى بكع: قاموس الأعلام.

عبد القادر الفاسى

(5) Brokelmoman 2/ 862 والملحق 2/ 257. د. حسن حبشى [محمد شافى] عبد القادر الفاسى عبد اللَّه بن على بن يوسف، كان أبرز رجال أسرة الفاسيين المغربية، وقد ولد فى القصر الكبير سنة 1077 هـ (= 1599 م) ومات سنة 1091 هـ (1680 م) وكان شيخ زاوية الشاذلية فى القصر الكبير، وخلف من بعده من الكتب فهرستا وبعض مؤلفات عن الحديث، ولكنه يعرف أكثر ما يعرف كواحد من أشهر الصوفية المغاربة الذين ظهروا فى مستهل القرن السابع عشر الميلادى. وتشتهر ذريته اليوم بالكثرة العددية، وأنهم أهم فرع من رجال طبقة العلماء فى فاس، والمتآلف عليه اليوم هو إطلاق عبارة "أهل فاس" على سكان البلد حتى لا يختلط الأمر بينهم وبين أسرة الفاسيين. د. حسن حبشى [ليفى بروفنسال Levi-Provincal] عبد القادر القرشى عبد القادر القرشى محيى الدين عبد القادر بن محمد بن نصر اللَّه بن سالم بن أبى الوفاء، عالم وفقيه حنفى ومترجم مصرى. ولد فى شعبان سنة ست وتسعين وستمائة هجرية (مايو 1297 م) ومات يوم السابع من ربيع الأول سنة 775 هـ (= مايو 27 أغسطس 1373 م) وأشهر ما يعرف به مجموعته المرتبة على الحروف الهجائية لرجال الحنفية والمسماة "الجواهر المضية فى طبقات الحنفية" وهو مرجع قيم بل إنه يعتبر المصدر الأول فى هذا الموضوع. وقد وضعه فى بلد لم يكن فيه للمذهب الحنفى أتباع كثيرون، وعلى الرغم من أن مصادر الكتاب ليست أولية إلا أن مادته غزيرة ولا سيما ما كان منها مستمدا من المؤلفات التاريخية الفارسية. وإلى جانب هذا فإن عبد القادر القرشى كتب ترجمة لأبى حنيفة سماها البستان فى مناقب إمامنا النعمان، كما كتب تراجم لمجموعة ممن ماتوا بين عامى 696 و 760 هـ (= 1297 و 1359 م). أما كتبه الأخرى (وتوجد عنها قائمة كاملة

المصادر

فى ابن قطلوبغا وابن طولون) فتعتبر من المؤلفات العادية وهى مأخوذة من مصادر وأصول فقهية. المصادر: (1) بروكلمان 2/ 96، والملحق 2/ 89. (2) ابن حجر: الإصابة. (3) ابن طولون: الغرف. (4) وابن العماد: شذرات الذهب 6/ 238. د. حسن حبشى [روزنتال F.Rosenthal] عبد الكريم بخارى مؤرخ فارسى ألف فى سنة 1233 هـ (1818 م) موجزًا قصيرًا عن العلاقات والصلات الجغرافية بين أقطار آسيا الوسطى وهى أفغانستان وبخارى وخيوة وخوقند والتبت وكشمير، وألمَّ فيه أيضًا بالأحداث التاريخية التى وقعت فى تلك الأقطار منذ سنة 1160 هـ، وهى ألسنة التى اعتلى فيها العرش أحمد شاه الدرَانى حتى وصل إلى عصره هو ذاته، وكان عبد الكريم البخارى هذا قد ترك مهبط رأسه فى سنة 1222 هـ (1807/ 8 م) وسافر فى صحبة سفارة ذهبت إلى القسطنطينية، فلما بلغها ظل مقيمًا بها لم يغادرها حتى وافاه أجله، وكان موته بعد سنة 1246 هـ (1830 م)، وقد كتب كتابه هذا لمولاه صاحب دار المراسيم عارف بيه، ولا توجد من هذا الكتاب سوى نسخة واحدة حصل عليها (ش. شيفر) من تركة عارف بيه، وقام بطبعها فى PELOV، ونشر النص فى بولاق مصر سنة 1290 هـ (1872/ 1874 م) أما الترجمة الفرنسية فقد نشرت فى باريس سنة 1876 م تحت عنوان Histoire de L'Asie Centrale أى تاريخ آسيا الوسطى، وهو يعتبر من أهم المراجع عن تاريخ هذه المنطقه من آسيا الإسلامية فى العصر الحديث، ولا سيما فى كل ما يتعلق ببخارى، وخيوة وخوقند. المصادر: (1) Espagne: Histoire de L'vi-Provemcal-Musalmane, Leiden-L'Paris مروان حسن حبشى [و. بارتولد W.Barthold]

عبد اللطيف البغدادى

عبد اللطيف البغدادى عبد اللطيف البغدادى هو موفق الدين أبو محمد بن يوسف ويعرف أيضا بابن اللباد. عالم وأديب فى فنون شتى. ولد ببغداد سنة 557 هـ (= 1162 م) ومات بها سنة 629 هـ 1231 م ودرس فيها النحو والفقه والحديث وعلومًا أخرى مذكورة فى ترجمته التى كتبها لنفسه. كما تأثر برحالة مغربى حمله على أن يهتم بالنظر فى كتب الفلسفة ولا سيما كتب ابن سينا. كما درس العلوم الطبيعية والكيمياء، وسافر إلى الموصل سنة 585 هـ (= 1189 م) حيث انكب على دراسة كتب السهروردى المقتول فلم يهضمها، فمضى فى السنة التالية إلى دمشق ثم إلى معسكر صلاح الدين حين كان أمام عكا (587 هـ = 1191 م) حيث قابل كلا من بهاء الدين ابن شداد وعماد الدين الاصفهانى، وحظى برعاية القاضى الفاضل، ثم مضى إلى القاهرة فتعرف على موسى ابن ميمون وآخر اسمه أبو القاسم الشارعى الذى عرفه بمؤلفات الفارابى واسكندر الافروديسى Alexander of Aphrodrisias وتيميستيوس Themistius فصرفته هذه الكتب عن مؤلفات ابن سينا وعن الكيمياء. وقابل فى سنة 558 هـ (1192 م) صلاح الدين بالقدس ثم سافر إلى دمشق ثم عاد للقاهرة وبعد بضع سنين سافر للقدس ثم رحل ثانية إلى دمشق سنة 604 هـ (1207 م) كما سافر فيما بعد عن طريق حلب إلى أرزنجان، ودخل بلاط علاء الدين داود، فلما غزا كيقباذ السلجوقى أرزنجان عاد عبد اللطيف البغدادى منها إلى حلب عن طريق كماخ وملطية (626 هـ = 1228 م) لكنه سرعان ما عاد إلى بغداد مهبط رأسه حيث مات بها. ولعبد اللطيف البغدادى مؤلفات عدة تناول فيها أغلب فروع المعرفة السائدة فى عصره، ومن هذه المؤلفات التى وصلت إلينا (الإفادة والاعتبار) وهو وصف موجز لمصر، ولهذا الكتاب شهرة عظيمة فى أوربا وترجم إلى اللاتينية والألمانية والفرنسية. أما كتبه الأخرى فتتناول علوم اللغة والحديث

المصادر

الشريف والطب والرياضيات والفلسفة، وقد استغل الذهبى مادته وكلّ ما دوّنه البغدادى عن غزو المغول، كما استفاد ابن أبى أصيبعة مما كتبه عن بعض الشخصيات. المصادر: (1) الذهبى: تاريخ الإسلام، مخطوطة فى أكسفورد، الجزء الأول 654. (2) L. Leclerc: Histoire de la Medecine arabe, ll, 182 (3) Brockelman: Geschichte der Arabischen Literatur, Leiden 1943 - 1949 l, 632, Sl, 880 وقد ترجم هذا الكتاب إلى العربية بعنوان تاريخ آداب اللغة العربية، نشر الهيئة المصرية العامة للكتاب. د. حسن حبشى [س. م. شيترن S.M.Stern] عبد اللَّه بن أُبى عبد اللَّه بن، بى بن سلول (وسلول هى جدّته لأبيه وبها اشتهر) وهو كبير "باحبلى" المعروفة أيضا بسالم وهى بطن من عوف من الخزرج وأحد كبار أهل المدينة، ولقد كان على رأس جماعة من الخزرج فى أول يوم من حرب الفجار بالمدينة قبل الهجرة ولكنه لم يشارك فى اليوم التالى من هذه الحرب ولا فى وقعة بعاث لنزاع شب بينه وبين شيخ مثله هو عمرو بن النعمان البياضى لما قام به الأخير من قتله رهائن من اليهود من غير جريرة (وكان يوم بعاث يوما -كما يقول ابن اسحق- أقبلت فيه الأوس والخزرج وكان الظفر فيه للأوس على الخزرج الذين كان عليهم عمرو بن النعمان البياضى الذى قتل فى ذلك اليوم) وربما كان الداعى لعبد اللَّه بن أُبى للوقوف هذا الموقف أنه كان يريد إحقاق العدالة فى مجتمعه وأنه خاف أيضا أطماع عمرو بن النعمان، وتقول المصادر إنه لما قدم النبى محمد (صلى اللَّه عليه وسلم) المدينة كان أهلها على وشك أن يتوجوا عبد اللَّه بن أُبى ملكًا عليهم فلما أسلم غالب المدنيين إلا شرذمة قليلين أبَتْ الإسلام لم يجد ابن أبى السلولى بدا من أن يعلن هو الآخر إسلامه جريا على ما جرت عليه هذه

الكثرة لكنه لم يكن أبدا بالصادق الإيمان ولم يدخل الدين قلبه. وحدث فى السنة الثانية للهجرة (= 624 م) حين هاجم النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] بنى قينقاع أن تشفع لهم عبد اللَّه بن أُبَىّ عند النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] لأنهم كانوا حلفا للخزرج قبل ظهور الإسلام. [وقد ألحَّ على الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وقال له عنهم: هم أربعمائة حاسر وثلاثمائة دارع قد منعونى من الأحمر والأسود. . . تحصدهم فى غداة واحدة، إنى واللَّه امرؤ أخشى الدوائر، فقال له النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-]: هم لك، وأطلقهم] وربما كان هذا الموقف من عبد اللَّه بن أبى لأنه أدرك أهميتهم كقوة مقاتلة فى حرب قد يشنها المكيون. ولما أجرى المسلمون النقاش قبيل أُحد حول خروجهم (شوال سنة 3 هـ = 625 م) أيَّدَ عبد اللَّه السلولى رأى الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فى وجوب بقاء المسلمين بمعاقلهم بالمدينة لكن لما عاد وجد النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] قد عزم على الخروج لقتال العدو فلم يوافقه السلولى ورجع على رأس ثلاثمائة من أمثاله بحجة أن هذه الحركة قد تمنع المكيين من مهاجمة المدينة بعد المعركة، ولكنها دلت على جبن المرتدين وعدم إيمانهم التام باللَّه ورسوله عليه الصلاة والسلام، وقد ندد القرآن الكريم بهذا الموقف فى قوله تعالى فى سورة آل عمران الآيات 166 - 168 {وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ (166) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ} ولم يكن موقف عبد اللَّه بن أبى من محمد إلا معارضة باللسان فقط أولًا، لكنه أخذ فى العامين التاليين يحيك المؤامرات ضده، فحاول حمل بنى النضير على ألا يستجيبوا لما أمرهم به محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فلا يرحلوا، بل لقد ذهب مذهبا أبعد من ذلك إذ وعدهم أْن ينصرهم بالسيف. كما أنه فى غزوة المريسيع استغل نزاعا بين أحد المهاجرين والأنصار لزلزلة الأرض تحت أقدام المسلمين ودفع رجالًا منهم ليخرجوا محمدًا [-صلى اللَّه عليه وسلم-] والمهاجرين من المدينة.

المصادر

ثم تلى ذلك بنشاطه المحموم فى نشر شائعة الإفك. وكان خبره كزعيم للمنافقين معروفا ثم لا نجد له نشاطا ضد النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] بعد هذا ولا نجده ضالعا لا فى التآمر ضده حتى وقعة تبوك فى السنة التاسعة للهجرة. وقد يقال إنه لم يشارك فى أحداث مسجد الضرار ويستدل على ذلك بأن النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] شيع جنازته. وقد أظهر النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] صبرا عظيما نحوه. وكان لعبد اللَّه ابن أبى ولد هو عبد اللَّه بن عبد اللَّه بن أبى وعدة بنات حسن إسلامهم جميعا. المصادر: (1) ابن هشام: السيرة، طبعة جوتنجن 1859 - 1860 ص 441، 546، 558، 591، 652، 726، 734، 927. (2) Wellhausen: Muhammed in Medina, Berlin 1882, index د. حسن حبشى [و. مونتجمرى وات W.Montgomery Watt] عبد اللَّه بن بلجين عبد اللَّه بن بُلجين بن باديس بن حبوس بن زيرى ثالث ملوك غرناطة وآخرهم من بنى زيرى البربر الصنهاجيين، ولد سنة 447 م (1056 م) وعين بعد موت أبيه بُلجين سيف الدولة (456 هـ = 1064 م) كوريث لجده باديس بن حبوس فخلفه على العرش بغرناطة بينما انتقل أخوه تميم المعز إلى حكم مالقة، وشهدت مملكته طوال حكمه سلسلة طويلة من الاضطرابات الداخلية والصراعات المسلحة مع جيرانه المسلمين، كما شهدت بضع اتفاقيات مع ألفونسو السادس ملك قشتالة. ولما تدخل المرابطون فى أسبانيا شارك فى وقعة الزلاقة وغيرها ولكن مفاوضاته مع الملك النصرانى سرعان ما كلفته عرشه فقد حاصره يوسف بن تاشفين فى عاصمته سنة 843 هـ (1090 م) وخُلع عن العرش ثم نفى إلى أغمات جنوب مراكش حيث أكره على قضاء بقية عمره هناك. ولقد وضع عبد اللَّه مذكراته أثناء نفيه بمراكش وتوجد منها نسخة تكاد تكون كاملة عثر عليها ليفى بروفنسال فى مكتبة جامع القرويين وهى عبارة

المصادر

عن أوراق مبعثرة يتطلب جمعها بضع سنوات، وهذه السيرة الذاتية المسماة بـ "التبيان عن الحادثة الكائنة بدولة بنى زيرى فى غرناطة" تعتبر أكمل وثيقة عن تاريخ أسبانيا فى النصف الثانى من القرن الحادى عشر، وعلى الرغم من الاستطرادات الطويلة يحاول بها المؤلف تبرير موقفه السياسى إزاء الأخطار التى كانت تهدد مملكته إلا أن هذه المذكرات تمدنا بتاريخ مفصل كل التفصيل عن جميع الأحداث التى أدت فى سنة 478 هـ (1085 م) إلى سقوط طليطلة فى يد ألفونسو السادس وإلى ما جرى فى العام التالى من دخول المرابطين إلى شبه جزيرة ايبيريا. يضاف إلى ذلك أن هذه المذكرات تعتبر وثيقة تحليلية نفسية بالدرجة الأولى تعكس (أكثر من غيرها) أحوال ملوك الطوائف بالأندلس، وتُبرز التفسخ الاجتماعى والسياسى الذى كانت تعيشه أسبانيا المسلمة فى ختام القرن الحادى عشر وما حدث من تقدم الجهود التى بذلت لاستعادة البلاد المعروفة بحركة الاسترداد, كما تعتبر الأحداث السابقة لعهد المؤلف جديدة وهامة، ويجب أن نعد مذكرات الأمير عبد اللَّه بن بلجين هذا الضوء الهادئ الذى ينير طريقنا عبر متاهات تاريخ أسبانيا الإسلامية فى اللحظة التى كانت البلاد فيها موشكة على السقوط فى أيدى أسر شمال افريقية. وقد قام ليفى بروفنسال بنشر قطع كثيرة من التبيان مع ترجمة لها وملاحظاته عليها فى مجلة الأندلس 1935، ص 233 - 344 سنة 1936 ص 29 - 145، وسنة 1941، ص 231 - 293) وقد طبعت نسخة كاملة من التبيان بعد أن تم جمع نتفه المتفرقة وترجمها ليفى بروفنسال وغرثيه جرميز تحت عنوان los memorias de Abdella ultima reyzi de Isranada المصادر (1) E.Levi-Prvincal: Histoire de l'Espagne musulmane, Leiden. Paris, 1950 - 1953 (2) Menendez: Pidal, La Espana del Cid, Madrid, 1947, indices د. حسن حبشى [ليفى بروفنسال E.Levi-Provincal]

عبد الله التعايشى

عبد اللَّه التعايشى خليفة محمد أحمد المهدى السودانى ينتمى إلى عشيرة أولاد أم صُرَّة من عشائر جُبَرات وهم يشكلون جزءا من قبيلة التعايشة وهم عرب يشتغلون بتربية الماشية ويعرفون بالبقّارة فى دارفور -ويقال إن جده الأعلى كان من أشراف تونس تزوج امرأة من القبيلة- أما والده فهو محمد بن على كرّار الملقب بتور شين (أى الثور الشائن الكريه المنظر)، وكان الاتجاه الدينى أمرا متوارثا فى الأسرة. وكان كل من الوالد وابنه فقيها مشهورا ويروى "زبير رحمت" التاجر المشهور وفاتح دارفود أن عبد اللَّه أفلت بأعجوبة من تنفيذ حكم الإعدام الذى قُضى به عليه حين وقع فى الأسر خلال معركة دارفور عام 1872 م، وأنه حتى فى ذلك الوقت كان يبحث عن المهدى المنتظر، وقد مات "تور شين" بين الجمعه (بكسر الجيم) وهى قبيلة فى كردفان بعد أن عهد إلى ولده أن يفتش عن محمد أحمد المهدى المنتظر، ثم لازمه فى الجزيرة قبل أن يظهر للناس وكان أول من آمن بدعواه ومن أقرب الناس إليه فى المشورة خلال سنوات الدعوة وسنوات القتال (1881 - 1885 م). وكانت مواهبه القيادية سببًا من أسباب النجاح الذى بلغ أوجه فى سقوط الخرطوم (26 يناير 1885 م) وفى رسالة له بتاريخ 17 ربيع الأول 13 - 26 يناير 1883 م اختاره المهدى ليكون خليفته وأن يحمل لقب الصِّديق وأمير جيش المهدية فلما وافت المهدى منيته فى أم درمان (22 يونية 1885 م) أصبح عبد اللَّه مسيطرا على دولة المهدية الجديدة ونظرا لأنه كان مؤمنا كل الإيمان برسالة المهدى وبنفسه، معتقدا أن اللَّه قد وهبه صفات خارقة للعادة، فقد كان محافظا على تعاليم الشعائر المهدية دون إغفال هدفه ألا وهو إقامة حكمه الفردى والمطلق. ولما كان هذا الهدف نصب عينيه فقد جرّد أقرباء المهدية (الأشراف) من أى نفوذ ونجح فى سحق معارضة رؤساء القبائل القوية. وكان فى خدمة عبد اللَّه كثير من الأمراء الأقوياء، وتمكن هؤلاء الأمراء فى أول سنة من سنوات حكمه من الاستيلاء على آخر المواقع التى كانت فى قبضة الحامية المصرية. وقد

قاد واليه على الإقليم الشرقى "عثمان دجنه" وهو شخصية ساهمت بنجاح عدة حملات ضد القوات الانجليزية المصرية المتمركزة فى سواكن. . وكانت هناك سلسلة من المعارك ضد الحبشة بين عامى 1887 م وعام 1889 م منها تخريبه جندار ووقعة القلبات التى انهزمت فيها الحبشة بموت الملك يوحنا فى ساحة القتال وقد اعتمد عبد اللَّه فى تنفيذ سياسته على رجال قبيلة البقّارة فى كردفان ودارفور الذين كان قد استقدمهم إلى السودان الأوسط مما جلب عليه سخط الأهالى نظرا لأنهم كانوا يشكلون طبقة متميزة إلى جانب ممارستهم أعمال السلب والنهب. وكان أقرب شركائه إليه أخوه يعقوب، ويبدو أنه كان ينوى أن يستخلف ولده الأكبر عثمان شيخ الدين بعده. وكانت أول انتكاسة خطيرة فى حكمه هى هزيمة جيش المهدية فى تُشكى (3 أغسطس 1889 م) بقيادة عبد الرحمن النجومى حيث حاول غزو مصر بقوات تفتقر تماما إلى الكفاءة. وأصبح البلد الذى لا زال فى قبضة حكم عبد اللَّه وسلطته المطلقة قد بدأ يتهدم نتيجة الحروب المستمرة ولحدوث مجاعة بشعة فى عام 1889 م - ولاحت النهاية حين قررت الحكومة البريطانية التى كانت فى ذلك الوقت هى الحاكم الفعلى لمصر إعادة غزو السودان فتم احتلال دنقله (1896 م) بواسطة القوات الانجليزية المصرية وتلا ذلك تقدم هذه القوات نحو أم درمان ثم جاءت الهزيمة الحاسمة للجيش المهدى فى 2 سبتمبر 1898 م. وهرب عبد اللَّه إلى كردفان حيث جمع حوله عددًا كبيرًا من أتباعه لمدة عام، ثم لقى حتفه بشجاعة وكبرياء فى آخر معركة فى "أم دُنيكرات" فى 24 نوفمبر 1899 م. ولقد أعد المهدى وأتباعه أنفسهم لإحياء سنة الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-]. وإن رسائله التى يدعو فيها سلطان تركيا وخديو مصر والملكة فيكتوريا إلى اعتناق فكر المهدية تكشف بقوة عن مفارقة فى روح المهدية لا تتفق مع العصر الذى تعيش فيه -فهو ضد الأعداء الخارجين ولا تلين له قناة فى هذا الشأن ولديه نزعة إلى الحكم دون مراعاة لرفاهية بلده. إلا أنه ظل وفيا للتقاليد البدائية لقبيلة البقارى العربية. وعلى عكس الكتاب الغربيين

المصادر

الذين يركزون على قسوة نظام حكمه نرى التراث السودانى يفخر به نظرا لبساطة حياته الشخصية وكرم ضيافته وشجاعته فى المعارك. المصادر: (1) F.R.Wingate: Mahdiism in the Egyptian Sudan, London 1891 (2) J.Ohrwalder: Ten Years Caplivity in the Maltdi's Camp, tr. F. R. Wingate, London 1892 (3) R.Salatin: Fire und Sword in the Sudan. tr. F. R Wingate London 1896 سعيد عبد المحسن [س. هليلسون Hillelson] عبد اللَّه بن جحش عبد اللَّه بن جحش القرشى حليف بنى عبد شمس وقيل حليف حرب بن أمية، وكانت أمه "أميمة" بنت عبد المطلب عمة النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وقد أسلم عبد اللَّه مع أخويه عبيد اللَّه وأبى أحمد اللذين شاركاه الهجرة إلى الحبشة، غير أن عبيد اللَّه تنصر هناك ومات بها، أما عبد اللَّه فقد عاد إلى مكة فكان من أبرز أهلها المؤمنين، وأخته هى زينب بنت جحش أم المؤمنين، وكانوا ممن هاجروا إلى المدينة. وقد أمَّره الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] على سرية نخلة التى أثارت كلاما كثيرا اذ أهرق (دم فى شهر من أشهر اللَّه الحرم كما قيل يومذاك) وقد حارب عبد اللَّه فى بدر واستشهد فى أحد، وكان عمره يوم استشهاده أربعة وخمسين عاما. المصادر: (1) ابن سعد: الطبقات الكبرى ليدن 1905 - 1940. الجزء الثالث/ 1، ص 62 - 64. د. حسن حبشى [مونتجمرى وات W.Wontgomery Watt] عبد اللَّه بن جدعان كان عبد اللَّه بن جُدْعان قرشيا ورجلا بارزا من قبيلة تيم بن مرة، وقد ظهر فى أواخر القرن السادس للميلاد، وحاز ثروة ضخمة لمشاركته فى تجارة القوافل والرقيق حتى صار صاحب أكبر رأس مال فى مكة (الجاحظ الحيوان، وابن رستة ص 215، ومروج

المصادر

الذهب للمسعودى 6/ 153). وكان ابن جدعان يعيش عيشة المترف التى تفوق الخيال حتى عرف بحاسى الذهب لاعتياده الشرب فى كأس من الذهب، وكانت عنده جاريتان تعرفان "بجرادتى عاد" أهداهما إلى أمية بن أبى الصلت. وكان ابن جدعان يقيم المآدب الفخمة ويبسط يده فكان مضرب الأمثال فى الكرم (الأغانى جـ 4/ 8) ومن ثم أحبه الشعراء ولكنه جنى على نفسه فى الوقت ذاته راجع (الحيوان للجاحظ جـ 1/ 364، جـ 2/ 93) وقد استطاع بفضل هيبته أن يلعب دورا هاما فى الأمور السياسية (الأغانى جـ 19/ 76) ويبدو أنه ساهم فى حلف الفضول (ابن هشام 85، اليعقوبى جـ 2/ 16، ولامنس: شرحه). وقبل أن يطل القرن الثالث الهجرى (التاسع الميلادى) أراد الناس فيما يظهر أن ينسبوا ثراءه الفاحش إلى أنه -كما جاء فى إحدى الأساطير- اكتشف قبر شداد بن عمرو (التيجان لابن منبه 65)، وقالوا إنه كان صعلوكا نبذه أهله وعشيرته فتجول فى الصحراء فعثر فى قبر قديم على خبيئة من الأحجار الكريمة والذهب (الاكليل جـ 8/ 183, والبيان للحاجظ جـ 1/ 31)، كما زعموا أنه مدفون فى مكان باليمن يعرف ببرك الغماد (ياقوت/ 589) المصادر: (1) الطبرى: تاريخ الرسل والملوك، ليدن 1879 - 1901, الجزء الأول، ص 1178 - 1330. (2) أبو الفرج الأصفهانى: الأغانى، بولاق 1285 هـ، الجزء الثامن، ص 2 - 6. د. حسن حبشى [شارل بيلات CH.Pellat] عبد اللَّه بن جعفر هو عبد اللَّه بن جعفر بن أبى طالب، ابن أخى على بن أبى طالب، أسلم أبوه عند بدء ظهور الإسلام وكان واحد، ممن هاجروا الهجرة الأولى إلى الحبشة حيث يعتقد البعض أنه قد ولد له بها ابنه عبد اللَّه (وهو أول مولود فى الإسلام بأرض الحبشة). وأما أمه فأسماء بنت عميس الخثعمية وأخوه منها محمد بن أبى بكر، وقد عاد أبوه

المصادر

بعد بضع سنوات إلى المدينة ومعه ولده عبد اللَّه الذى اشتهر بالكرم والسخاء حتى لقب ببحر الجود. ولا يعرف عنه أنه قام بدور بارز فى مجريات الأحداث السياسية رغم ظهور اسمه فى التاريخ بين حين وآخر زمن على بن أبى طالب وبعد موته. ولما حاول معاوية إثارة الشك فى قيس بن سعد حاكم مصر القدير، ليزلزل من قدره فى نفس على الإمام، كان عبد اللَّه بن جعفر ممن أشاروا على على بتنحية قيس فجازت الحيلة على على فأقدم على خطوة ضارة إذ نحاه واختار مكانه محمد بن أبى بكر وكان ذلك سنة 36 هـ (636 م). وحدث فى أعقاب تولى يزيد الخلافة سنة 60 هـ أن استدعى شيعة الكوفة الحسين بن على لمبايعته بالخلافة فقام عبد اللَّه بن جعفر ومعه آخرون بمحاولة صرفه عن الإقدام على هذا العمل فلم يفلحوا. ويؤرخ الناس وفاة عبد اللَّه ابن جعفر بسنة 80 أو 85 و 87، و 90 هـ (ولكن ابن الأثير يؤكد فى كتابه أسد الغابة أنه مات سنة ثمانين عام الجحاف بالمدينة وكان أميرها يومذاك أبان بن عثمان فحضر غسله وكفنه). المصادر: (1) الطبرى: تاريخ الرسل والملوك، ليدن 1879 - 1901، الجزء الأول، ص 3243, الجزء الثانى، 3 (2) Lamments: Etudes sur le regne du Calife omaiyade Mo'awia ler, in MFOB, Index د. حسن حبشى [ك. ف. تسترشتين K.V.Zettersteen] عبد اللَّه بن خازم السلمى هو عبد اللَّه بن خازم بن أسماء بن الصّلت السلمى البصرى تولى قيادة طليعة حملة عبد اللَّه بن عامر الأولى ضد خراسان سنة إحدى وثلاثين للهجرة (= 651 هـ) واحتل سرخس، ويقال إنه أخمد ثورة "قارن" سنة 33 هـ، وأنها كانت ولاية ابن عامر الثانية للبصرة عام 41 هـ (= 661 م) خرج عبد اللَّه بن حازم على رأس حملة لاسترداد بلخ وسجستان، ثم ولاية عبد اللَّه بن عامر على مكة فخراسان

المصادر

فظل بها حتى استدعاه زياد بن أبيه سنة 45 هـ ثم عاد مرة أخرى إليها (أى إلى خراسان) وخرج بالعسكر فاحتل مرو بعد هزيمة حاكمها فى وقعتى مرو الروذ وهرات، وأراد الخليفة عبد الملك بن مروان استخدامه ليخرج على عبد اللَّه بن الزبير فأبى، فغدر به بمرو "بكير بن وشاح" الذى انضم إلى عبد الملك وأمسك بابن حازم السلمى وقتله سنة ثلاث وسبعين هجرية ولا تخلو بعض أخباره من الطابع الأسطورى. المصادر: (1) البلاذرى: فتوح البلدان، ليدن 1866، ص 356، 409، 413. (2) اليعقوبى: تاريخ، ليدن 1883، الجزء الثانى، ص 258، 32 - 324. د. حسن حبشى [هـ. أ. ر. جب H.A.R.Gibb] عبد اللَّه بن الحسن عبد اللَّه بن الحسن بن الحسن الزعيم العلوى الذى أحسن الخلفاء الأمويون معاملته وأكرمه الخليفة العباسى الأول أبو العباس السفاح إكراما ملحوظا حين وفد عليه وهو فى الأنبار. على أنه لما عاد إلى المدينة ارتاب فيه الخليفة المنصور، وكان الذى جلب عليه غضب بنى العباس ولداه محمد وإبراهيم لأنهما لم يفدا للسلام على الخليفة مع من وفدوا من الهاشميين حين خرج المنصور أميرا للحج، وكان غضبه منه أعظم من غضبه على من سواه حين استفسر بعد توليه الخلافة عما منعه من السلام عليه فحاول الهاشميون تبرير تغيبه. غير أن الحسن ابن زيد حذر المنصور من هذا العلوى الخطير، ولذلك حاول المنصور أن يحتال على محمد فكلف أحد رجالاته باستمالته إليه بالخلع والهدايا، وبالكتب يبعثها إليه من خراسان حتى يطمئن قلبه فجازت الحيلة على عبد اللَّه بن الحسن وبين له عزم الثوار العلويين على الانتفاض فنقل ذلك إلى الخليفة المنصور الذى أسرَّها فى نفسه حتى إذا حج ثانية سنة مائة وأربعين للهجرة دعا عبد اللَّه لزيارته فزاره وأظهر ولاءه له، وحينذاك ظهر "عقبة" فجأة فأدرك عبد اللَّه أن قد غرر به إذ أمر الخليفة

المصادر

بسجنه فى المدينة، ولما عاد الخليفة للمدينة ثانية بعد أداء الحج سنة 144 هـ، أمسكوه مع أقارب له وعادوا بهم إلى العراق فأقام فى الحبس حتى مات وهو فى الخامسة والسبعين من عمره، وإن كانت الرواية المتواترة أن المنصور أمر باغتياله فاغتيل. المصادر: (1) الطبرى: تاريخ الرسل والملوك طبعة ليدن، 1879 - 1901، الجزء الثانى، 1338. د. حسن حبشى [ك. ف. تسترشتين K.V.Zettersteen] عبد اللَّه بن حنظلة عبد اللَّه بن حنظلة بن أبى عامر الأنصارى أحد رجال الثورة التى اندلعت فى المدينة ضد الخليفة يزيد بن معاوية، وهو ابن الصحابى المعروف بغسيل الملائكة شهيد أحد، ولذلك يعرف عبد اللَّه بن حنظلة بابن الغسيل، ولقد شارك فى سنة اثنتين وستين للهجرة (682 م) فى السفارة التى بعث بها حاكم المدينة عثمان بن محمد إلى دمشق لتهدئة الأمور بين ثوار المدينة وبين الأمويين، وأكرم يزيد السفارة إكراما عظيما ولكن رجالها تكلموا كلاما كريها فى حق الخليفة واتهموه بأنه ليس أهلا للخلافة. وعُرف ابن الغسيل بهجومه الشديد على يزيد، فلما جاهر الأنصار بالثورة اختاروه قائدا لهم على حين تزَعَّم عبد اللَّه بن مطيع المهاجرين من قريش، ولذلك اضطر الخليفة لقتال الثوار بعد إخراجهم الأمويين من المدينة، فلما أوشكت سنة 62 هـ (= 683 م) على الانتهاء بعث يزيد بالعسكر بقيادة مسلم بن عقبة فاحتل "الحرة" الواقعة شرقى المدينة وبعد إقامته ثلاثة أيام قاتل أهلها وفتك بهم وهزم الخارجين على الخلافة هزيمة ساحقة وذلك فى ذى الحجة سنة ثلاث وستين (أغسطس 682 م) وأظهر عبد اللَّه بن حنظلة شجاعة نادرة فى القتال ولكن تناوشته سيوف أهل الشام فسقط فى المعركة فقطع رأسه وحمل إلى مسلم بن عقبة. ويقال إن الخليفة أنعم على قاتليه.

المصادر

المصادر: (1) البلاذرى: أنساب الأشراف، القدس 1936 - 1938، الجزء الخامس 154. (3) ابن سعد: الطبقات الكبرى، ليدن 1905 - 1940، الجزء الخامس، ص 46. د. حسن حبشى [تسترشتين - شارل بيلات Zettersteen - CH.Pellat] عبد اللَّه بن رواحة كان عبد اللَّه بن رواحة بن ثعلبة الأنصارى الخزرجى خزرجيا ومن أعظم بيوتات بنى الحارث، وكان أحد النقباء الاثنى عشر فى بيعة العقبة الذين لهم يد غراء فى إسلام أهل المدينة، ولما هاجر النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] برهن عبد اللَّه بن رواحة أنه من أصدق الناس إيمانا وتأييدا للدعوة (فقد شهد المشاهد كلها مع رسول اللَّه إلا الفتح وما بعده فإنه كان قد استشهد قبله) وكان محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] يحبه حبا جما ويعظمه كثيرا، وكثيرا ما عهد إليه بالسفارة الرفيعة. ولما انتصر المسلمون فى بدر سنة 2 هـ (= 623 م) بادر عبد اللَّه بن رواحة وزيد بن حارثة إلى المدينة ليحملا إليها نبأ النصر وقد خلفه الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فى المدينة فيما عرف ببدر الثانية (فى ذى القعدة سنة 4 هـ = 626 م) كما أرسله إلى بنى قريظة -وكان حليفا لهم- عند بدء معركة الأحزاب ليعرف ماذا يكون موقفهم، كما اختاره ليقسم قسمة خيبر سنة 7 (= 628 م) وكان أحد أمراء العسكر الإسلامى فى غزوة مؤتة وأوصى رسول اللَّه [-صلى اللَّه عليه وسلم-] إن أصيب أمير الجيش زيد بن حارثة فالراية لجعفر ابن أبى طالب فإن أصيب جعفر فلعبد اللَّه بن رواحة (فنزل للقتال فطعن فاستقبل الدم بيده، ثم صرع بين الصفين فاستشهد وكان عبد اللَّه بن رواحة -إلى جانب كفاءته الحربية- على جانب كبير من الصفات الأخرى النابهة، إذ كان واحدا من القلائل قبل الإسلام ممن يعرفون القراءة والكتابة ومن ثم اختاره الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] واحدا من كتابه، وكان النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] عظيم التقدير له ولاسيما لموهبته الشعرية (وقال المؤرخون عنه إنه كان من الشعراء

المصادر

الذين يناضلون عن الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] ومن شعره فيه: أنى تعرفت فيك الخير أعلمه ... واللَّه يعلم أن ما خاننى بصرى أنت النبى ومن يحرم شفاعته ... يوم الحساب فقد أزرى به القدر فثبت اللَّه ما آتاك من حسن ... تثبيت موسى ونصرا كالذى نصروا ويقرر صاحب الأغانى أن النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] كان يعد شعره وشعر شاعره حسان بن ثابت وكعب بن مالك فى مرتبة واحدة، وقد هاجم قريشا لعدم إسلامها، ولم يصل إلينا من شعره إلا ما يقرب من خمسين بيتا ورد معظمها فى ابن هشام. المصادر: (1) ابن سعد: الطبقات الكبرى، طبعة H.Sachau, ليدن 1905 - 1940، الجزء الثالث/ 2، ص 79. (2) ابن هشام: السيرة، طبعة Wustenfeled جوتنجن 1859 - 1860. الجزء الأول 457، 675. د. حسن حبشى [أ. شاده A.Schada] عبد اللَّه بن الزبير عبد اللَّه بن الزبير بن العوام بن عبد العزى القرشى، وأمه أسماء بنت أبى بكر أخت عائشة أم المؤمنين، ولد بالمدينة بعد عشرين شهرا من الهجرة (فى ذى الحجة)، واستشهد فى حربه ضد عسكر الشام بقيادة الحجاج فى أحد الجمادين 73 هـ، وتذكر بعض المصادر (كابن قتيبة فى المعارف، ص 116، وابن حبيب فى المحبر، 275) أنه أول ولد للمهاجرين بالمدينة، وتعود شهرته إلى قرابته من الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فجدته لأبيه صفية بنت عبد المطلب عمة النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، وخديجة عمة أبيه الزبير، وخالته عائشة بنت الصديق، ويقال إنه حضر -رغم أنه كان صبيا- مع أبيه وقعة اليرموك (رجب 15 هـ = أغسطس 636 م)، كما صحبه حين انضم إلى جند عمرو بن العاص فى خروجه إلى مصر (سنة 19 هـ = 640 م) كما شارك فى حملة عبد اللَّه بن سعد بن أبى سرح سنة 26 هـ (= 647 م) ضد الروم فى أفريقية، ويقال إنه قتل بيده جريجورى النائب (المعروف فى المراجع

العربية باسم جرجير والمنعوت فيها بملك أفريقية) ونطالع فى الأغانى مدحا كبيرا لهذه الحملة ووصفا لها اعتمد عليه معظم رواة أخبارها فيما بعد. وقد صحب ابن الزبير سعيدا ابن العاص فى حملاته التى شنها على شمالى فارس سنة 29/ 30 هـ (650 م) وترتب على ذلك أن اختاره عثمان بن عفان ليكون واحدا ممن كلفهم بجمع القرآن الكريم، فلما اغتيل عثمان صحب عبد اللَّه بن الزبير أباه وعائشة إلى البصرة محاربا لعلى وقاتل فى وقعة الجمل، فلما انتهى القتال عاد إلى المدينة وكف عن المشاركة فيما جد بعدئذ من الحروب الأهلية، إلا أنه حضر التحكيم فى دومة الجندل (أو على الأدق: أذرح) حيث نصح كما يقال -عبد اللَّه بن عمر أن يصانع عمرو بن العاص. فلما كان زمن معاوية سكت عبد اللَّه ابن الزبير وكان قد ورث عن ابيه أموالا طائلة وأخذ يترقب الفرصة لأخذ الأمور لنفسه ورفض أن يبايع يزيد بن معاوية على ولاية العهد، فلما مات معاوية (60 هـ = 680 م) رفض هو والحسين ابن على أن يقسما يمين الطاعة ليزيد وفرا إلى مكة خوفا من مروان، فأقاما سالمين لم يعرض أحد لهما بسوء، غير أنه بعد خروج الحسين ومصرعه فى كربلاء أخذ ابن الزبير يجمع سرا المؤيدين له فجاءت قوة صغيرة من المدينة لقتاله فهزمها وقتل قائدها وأسره وألقى به فى الحبس فظل به حتى مات ورفع على خشبة وحينذاك جاهر ابن الزبير بخلع يزيد وفعل فعله الأنصار بالمدينة واختاروا لقيادتهم عبد اللَّه بن حنظلة فأرسل يزيد إليهم جندا من الشام بقيادة مسلم بن عقبة فهزم أهل المدينة فى وقعة الحرة (27 ذو الحجة 63 هـ) وتقدم الجيش محاصرا لابن الزبير فى مكة، فلما جاءت الأخبار بعد ستة وعشرين يوما بموت يزيد كف العسكر الشامى عن القتال وحاول قائده حسين بن نمير السكونى أن يحمل ابن الزبير على الذهاب معه إلى الشام ليبايعه، ولكن ابن الزبير أبى إلا البقاء فى مكة. واغتنم ابن الزبير ما تلى ذلك من اضطراب الأمور فى الشام فنادى بنفسه أميرا للمؤمنين وأطاعه خصوم بنى أمية فى

المصادر

الشام ومصر والكوفة واليمن وخراسان وبايعوه بالخلافة ولكن سلطته كانت اسمية فقد ضعف موقف أنصاره فى مصر والشام والعراق بعد انتصار مروان الأول فى مرج راهط (64 هـ) وثورة المختار بن أبى عبيد بالكوفة. وانفصل عن ابن الزبير بعد موت يزيد، البكرية وأقاموا فى شرقى نجد بقيادة "نجدة" واحتلوا البحرين (أى الحسا) واليمن وحضرموت ثم الطائف ومن ثم عزلوه عزلا تاما فى الحجاز ثم أرسل عبد الملك بن مروان قائده الحجاج لحصار مكة فحاصرها أول فى الحجة 72 هـ حصارا دام أكثر من ستة أشهر وضرب الكعبة بالمنجنيق وانفض الجميع عن عبد اللَّه بن الزبير حتى أولاده استسلموا للحجاج فضعف، فشدت أمه من عزيمته وحثته على معاودة القتال فعاوده فقتل ورفع جثمانه على خشبة، ثم أمر عبد الملك بعد حين بإرجاعه إلى أمه فدفنته فى بيت صفية بالمدينة. ويتزعم عبد اللَّه بن الزبير الجيل الثانى من الأسرات المكية التى أنكرت خلافة الأمويين فازدادت هوة الشقاق بين عبد شمس والمكيين. وهناك من المصادر ما تندد بابن الزبير لموقفه تجاه محمد بن الحنفية وعبد اللَّه بن العباس. المصادر: (1) الطبرى: تاريخ الرسل والملوك، ليدن 1879 - 1901، الفهرس. (2) البلاذرى: أنساب الأشراف، القدسى، 1936 - 1938، الجزء الرابع، 16 - 60، والجزء الخامس 188 - 204، 355 - 379. د. حسن حبشى [هـ. أ. ر. جب H.A.R.Gibb] عبد اللَّه بن سبأ هو مؤسس الطائفة السبئية المعروفة. ويلقب أيضا بابن السوداء وبابن حرب وبابن وهب. يقول عنه أهل السنة إنه يهودى يمنى اعتنق الإسلام، وهو أول من أدخل فى وقت مبكر -يعود إلى أيام أمير المؤمنين علىّ- الأفكار التى تنسب إلى من يُعرفون بغلاة الشيعة. ويُنسب إليه بصفة خاصة تمجيده لشخص علىّ تمجيدا يجعله وصىّ النبى محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] (مذهب

المصادر

الوصاية). ويزعم أن عليا لم يمت وسيعود ليملأ الأرض عدلا، وبذلك أدخل مبدأ الرجعة، ويُسبغ على علىّ الألوهية وأنه وراء الغمام وأن الرعد هو صوته -ويعزو أهل السنة (كما يقول الطبرى) إلى دهائه أنه أوجد أول شرخ بين الصحابة (انظر خطط المقريزى جـ 2/ 334)، كما يقال إنه أثار ثائرة المصريين ضد عثمان لما زعمه من حقوق لعلى، وأنه كان السبب فى الدم المراق بين على وطلحة والزبير على أيدى قتلة عثمان. ويعتبره الشيعة فى بعض الأحيان مثلا للغلاة حتى لقد لعنه جعفر (انظر الكشى: معرفة أخبار الرجال، ص 70) ولقد أصبح ابن سبأ موضوع أخبار يستغلها كل من الجانبين فى مهاجمة الشيعة الغلاة والدفاع عنهم، ويقال إن عليا أمر بحرقه هو أو بعض أنصاره لادعائهم بأن الإمام هو اللَّه، وقد استغل الإسماعيلية هذا الخبر لصالح ابن سبأ فقالوا: إن النار لم تضره إلا ظاهريا (راجع المقدسى، بدء الخلق جـ 5/ 181). وليس من الواضح لدينا من يكون الشخص أو الأشخاص الذين كانوا وراء ابن سبأ فى نشاطه السياسى ضد عثمان رضى اللَّه عنه، ويرى "فريد لاندو" أن دور ابن سبأ الخطير لم يكن فى تأليهه عليا ولكن فى نفى الموت عنه وتأكيده أن ذلك لم يكن إلا فى الظاهر وأنه -أى على- سيأتى فى النهاية فى السحاب. وربما كان ذلك يتواءم مع الخلفية اليهودية اليمنية المنسوبة إلى يهود أثيوبيا المعروفين بالفلاشا، أما "كايتانى" فيذهب للقول بأن ابن سبأ يعتبر مؤيدا سياسيا خالصا لعلى، نسجت الأجيال التالية له من خيالها مؤامرة دينية كالتى قام بها العباسيون، ويعتبر "ماسينيون" فى كتابه "سلمان باك" المطبوع بباريس عام 1934 أن سبئية زمن المختار ليسوا إلّا فرعًا من الفرق الغالية". المصادر (1) الطبرى: تاريخ الرسل والملوك، طبعة M.J.De Goeje، ليدن 1879 - 1901، الجزء الثانى، ص 2941. (2) الشهرستانى: الملل والنحل، لندن، 1846، ص 132. سعيد عبد المحسن [م. ج. س هدجسون M.G.S. Hadgson]

عبد الله بن سلام

عبد اللَّه بن سلام كان عبد اللَّه بن سلام (بفتح اللام المخففة) من يهود بنى قينقاع بالمدينة وقد أسلم على عهد الرسول عليه الصلاة والسلام فسماه بعبد اللَّه وكان اسمه فى الجاهلية "الحصين" ويقال إنه أسلم لحظة دخول النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] المدينة، وقال آخرون بل كان إسلامه سنة ثمان للهجرة ومع أن هذا هو الأدعى للتصديق، إلا أن المسلمين يعتقدون أنه رأى خاطئ، ويدعونا إلى القول بذلك أننا لا نجد اسمه ضمن المقاتلين مع الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فى غزواته بعد هجرته للمدينة (*) ولقد صحب عبد اللَّه بن سلام الخليفة عمر بن الخطاب فى الجابية والقدس وانضم إلى جانب عثمان ضد الثوار ونهاهم عن قتله ويحكى عنه أنه قال لهم "اللَّه اللَّه فى هذا الرجل فواللَّه لئن قتلتموه لتطردن جيرانكم الملائكة" ولكنهم لم يستمعوا لنصحه، فقد جاء فى تحفة الأحوذى أن الثوار سفَّهوه وتصايحوا: "اقتلوا هذا اليهودى" فلما مات عثمان لم ينضم إلى على بن أبى طالب ولكنه توسل إليه ألا يمضى إلى العراق لمحاربة عائشة. ومات ابن سلام سنة 43 هـ كما قال أبو أحمد العسكرى ويقال إنه نزلت فيه بعض آى القرآن الكريم، وإنه قال عن ذلك: "نزل فى. . أى فى عبد اللَّه بن سلام (قوله تعالى {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ} (الأحقاف، آية 10) ويورد الطبرى فى تاريخه بعض أخبار توارتية عنه. المصادر: (1) ابن هشام: السيرة، طبعة Wustenfeld، طبعة جوتنجن 1859 - 1860، ص 353، 359. (2) الواقدى: المغازى، طبعة Welhausen ص 154 - 215. د. حسن حبشى [هـ. أورفيتس H.Horovitz]

عبد الله بن طاهر

عبد اللَّه بن طاهر ولد عبد اللَّه بن طاهر بن الحسين ابن مصعب بن زريق الخزاعى سنة 182 هـ (= 798 م) ومات عام 230 هـ (= 844 م) وكان من أهل الأدب ينظم الشعر ويشتغل بالسياسة، وكان مقربا من الخلفاء و"موضع ثقتهم" ولما استعملته الخلافة العباسية على خراسان صار شبه مستقل فى ولايته، ولقد أسس أبوه طاهر بن الحسين الدولة الطاهرية القوية وبسط نفوذها على النواحى الممتدة من إقليم الرى إلى الحدود الهندية، واتخذ نيسابور عاصمة له. ولقد استعمل الخليفة المأمون سنة 206 هـ (= 821/ 2 م) ولده عبد اللَّه ابن طاهر واليا على كل الإقليم الممتد من الرقة إلى مصر، كما استعمله فى الوقت ذاته على قوات الخلافة التى خرجت لمحاربة "نصر بن شيث" الذى كان من أنصار الأمين وحاول السيطرة على بلاد ما بين النهرين فلما تمت الغلبة لعبد اللَّه بن طاهر على خصمه نصر بن شيث اتجه عبد اللَّه سنة 211 هـ (= 826 م) إلى مصر التى كان قد فر إليها جماعة من أهل الأندلس وأقاموا بها عشر سنوات [دون أن يستطيع أحد إخراجهم منها] فزادوا البلد خلال هذه السنوات العشر ضعفا على ضعف وسرعان ما أمسك عبد اللَّه ابن طاهر برؤوس اللاجئين الاندلسيين [وهددهم وأدركوا الصدق فى تهديده فاستسلموا له وسألوه الأمان فأمنهم فرحلوا إلى جزيرة كريت وكانت تعرف باقريطش] واستقر الهدوء فى مصر بعد أن نزحوا عنها. وحدث فى أثناء وجوده فى "دينور" (بإقليم الجبال) وانشغاله بجمع الجند لإخماد فتنة بابك الخرمى أن مات طلحة أخو عبد اللَّه وذلك عام 214 هـ (= 829 م) فولاه المأمون مكانه على خراسان، فبرهنت سيرته فى ولايته هذه على أنه الوالى الكفء الحصيف الذى بلغ الغاية فى الحكمة والعقل إذ نجح فى تأسيس حكومة وطد أركانها، ونشر الأمن فى أرجاء ولايته، وحمى العامة من مفاسد أهل الطبقة العليا وبطشهم وما ينزلونه بالناس من أذى، كما أفشى العلم بين الناس، ولم يحرم

أى امرئ -مهما بلغ فقره- من أن ينال حظه من التعليم. وترتب على المنازعات حول مياه الرى فى نيسابور أن أمر بعمل استقصاء حول هذه المياه فأسفر التحرى عن الكتاب الذى سماه "كتاب القنوات" والذى تضمن أحكاما قضائية ثابتة عن استعمال المياه، وظل هذا الكتاب مرشدا فى موضوعه لعدة قرون (انظر مقال شميت A. Schmidt: Islamica, 1930, P.128 ولقد نجح عبد اللَّه بن طاهر فى أيام خلافة المعتصم فى إخماد ثورة الخارجى العلوى محمد بن القاسم وذلك سنة 219 هـ (= 834 م) كما استطاع بعد ذلك بعدة أعوام، أعنى سنة 224 هـ (838 م) أن يطفئ فتنة أشد من فتنة ابن أبى القاسم خطرا كان قد أضرمها "اسبهسبارها" المزيار بن [قارن] الذى شجعه الافشين عليها وذلك فى إقليم طبرستان التابع له باعتباره والى خراسان. ويروى "جرد يزه" أن كراهية المعتصم لعبد اللَّه بن طاهر بلغت حدا أنه لما آلت الخلافة إليه أرد هلاكه فبعث إليه جارية بهدية هى عبارة عن حلة مسممة، ولكن فشلت هذه المحاولة من جانب الخليفة إذ ما كادت الجارية ترى عبد اللَّه حتى شغفها حبا ملك عليها قلبها فكشفت له عن المكيدة التى دبرها له المعتصم، الذى ترجع أسباب نقمته على عبد اللَّه بن طاهر إلى ما كان قد ترامى إلى سمعه من نقد وجهه إليه، ومهما كانت حقيقة هذا الخبر فقد كان عبد اللَّه بن طاهر يتمتع بتقدير الخليفة الكبير له، وقد شهد له بهذه المكانة أعتى خصومه وأشدهم نقمة عليه ألا وهو الأفشين أثناء محاكمته على هرطقته إذ شهد على كره منه بأن المعتصم نفسه أشار إلى عبد اللَّه كواحد من أربعة رجال عظام ازدان بهم عهد أخيه (والعجيب أنهم جميعا من بيت بنى طاهر) وتحسر الخليفة أنه هو داته لم يستطع أن يربّى رجالا على هذا الطراز الرفيع. وكان عبد اللَّه كبقية آل طاهر رجلا شديد الثراء، وصار قصره الرائع فى بغداد ملاذا يلجأ إليه الخائف فلا يخشى شرا يصيبه أو ضرًا يلحقه،

المصادر

وظل هذا القصر مكانا لإقامة حاكم المدينة كما ظل من أملاك بنى طاهر زمنا طويلا. وكان عبد اللَّه بن طاهر رجلا واسع الثقافة مع حب شديد للعلم وتقدير لرجاله، ولما عقد الحوار المتعلق بمحاسن الثقافة العربية ضد الثقافة الفارسية (وهو الحوار الذى شغل أذهان مفكرى الإسلام تلك الأيام) ساند عبد اللَّه كل ما هو عربى مساندة شديدة، كما أنه كان مولعا بالموسيقى والشعر وناظما مرموقا، وكان يميل إلى أبى تمام صاحب الحماسة وإلى شعره حتى لقد نظم الشاعر فيه كثيرا من المدائح. ومات عبد اللَّه بن طاهر وهو فى الثامنة والأربعين من عمره بالخناق بعد أن ظل يعانيه ثلاثة أيام سويًا. وكانت وفاته يوم الاثنين الحادى عشر من ربيع الأول عام مائتين وثلاثين للهجرة (= 26 نوفمبر 844 م) كما يقول معظم المؤرخين. ولما مات خلفه من بعده -جريا على تقاليد الأسرة الطاهرية- ولده طاهر بن عبد اللَّه. وكانت الضرائب التى جبيت عند موته من الولايات التابعة له قد بلغت ثمانية وأربعين مليون درهم. المصادر: (1) الطبرى: تاريخ الرسل والملوك، طبعة M.J.De Goeje، ليدن 1879 - 1901، الجزء الثالث، ص 1044. (2) ابن تغرى بردى: النجوم الزاهرة، طبعة JuynboiI, الجزء الأول، ص 600. د. حسن حبشى [إ. مارين E.Marin] عبد اللَّه بن عامر هو عبد اللَّه بن عامر بن كريز بن ربيعة الأموى والى البصرة، ولد بمكَّة عام 4 هـ (626 م) هو قرشى من عبد شمس ابن خال الخليفة عثمان بن عفان الذى استعمله عاملًا له على البصرة سنة 29 هـ (649/ 50 م) خلفا لأبى موسى الأشعرى، فحارب فى فارس وأتم فتح هذه الولاية باستيلاء، على اصطخر وكرمان وزابلستان وسجستان، ثم تقدم سنة 30 - 31 (561 م) فى خراسان واحتل الولاية

المصادر

كلها حتى مرو، كما احتل هراة سنة 32 هـ (653 م) ولما حج بسط يده بالمال والكسوات إلى المكيين والأنصار، ثم رجع إلى البصرة بعد أن عهد بحكومة خراسان إلى نواب من ناحيته، ولم يفلح فى محاولاته إنقاذ عثمان فبذل العون لعائشة وطلحة والزبير لتنظيم حركة معارضة ضد على بالبصرة فلما كانت هزيمتهم فى وقعة الجمل رحل مع من رحل من بنى حرقص إلى دمشق فانضم إلى معاوية الذى بعثه مع غيره فى وفادة إلى الحسن بن على للاتفاق على حقن الدماء، وفى ختام هذه السنة ولى مرة أخرى البصرة فقام قواده سنة 42 - 43 هـ (662 - 664 م) بإعادة فتح خراسان وسجستان التى كان العرب قد فتحوها أثناء الفتنة، وخرجت حملة إلى السند غير أن معاوية كره منه تسامحه مع القبائل العربية ورأى فى ذلك خطرا شديدا فخلعه وعين مكانه آخر أقْدَر منه، فركن ابن عامر إلى العزلة حتى وافاه أجله بمكة سنة سبع أو ثمان أو تسع وخمسين للهجرة. وقد اشتهر عبد اللَّه بن عامر بالكفاءة الحربية والكرم وأعماله التى منها شقه قناتين بالبصرة وواحدة غيرهما تعرف بقناة الأبلة وعمر "المنهاج" والقريتين، وقام بخدمة الحجاج فأمدهم بالماء. المصادر: (1) ابن سعد: الطبقات الكبرى، ليدن 1905 - 1940, الجزء الخامس ص 30 - 35. (2) البلاذرى: فتوح البلدان، ليدن 1866، ص 51، 315. د. حسن حبشى [هـ. أ. ر. جب H.A.R.Gibb] عبد اللَّه بن العباس عبد اللَّه بن العباس بن عبد المطلب القرشى الهاشمى ويعرف عادة بابن عباس، وينعت بالحَبْر وبالبحر لسعة علمه، وهو يعد من أكبر الفقهاء من رجال المصدر الأول من الإسلام إن لم يكن أكبرهم، كما أنه يعتبر إمام المفسرين للقرآن الكريم. ولقد ولد

المصادر

عبد اللَّه قبل الهجرة بثلاث سنوات حين كان بنو هاشم فى الشعب وكانت أمه قد أسلمت قبل الهجرة فعُد هو مثلها، وأظهر منذ صدر شبابه اهتماما بالبحث وكان يلتف حوله من يريدون الاستزادة من المعرفة، فكان يعد لكل يوم من أيام الأسبوع درسا يتناول فيه فرعا من فروع الدراسة، فكان هناك يوم لتفسير القرآن وآخر للمسائل الفقهية وغيره لسرد غزوات النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، وسواه لأيام الجاهلية والشعر القديم. وجاءه الناس للفتوى وكان منها فتواه فى موضوع "المتعة". وقد جُمعت فتاويه، كما يوجد اليوم كثير من تفاسيره ما بين خطية ومطبوعة. وهو الجد الأعلى لبنى العباس وقد صحب الجيوش الإسلامية الذاهبة إلى مصر (بين عامى 18 و 21 هـ) وإلى أفريقية (عام 72 هـ) وجرجان وطبرستان (عام ثلاثين للهجرة) كما صحب حملة يزيد على القسطنطينية. كذلك شارك فى وقعة الجمل (36 هـ) وصفين (37 هـ) إلى جانب الإمام على. وترد فى المراجع إشارات تدل على أن عمر وعثمان وعليا والحسين كانوا يسألونه الرأى. على أنه يجب أن نلاحظ أن ابن عباس لم يخض بحر السياسة إلّا فترة لا تزيد على أربع سنوات بعد أن صارت الخلافة للإمام على، وقد عهد إليه عثمان بالخروج مع الحجاج إلى مكة سنة محاصرته بالمدينة، ومن ثم غاب ابن عباس عنها فى وقت استشهاد ذى النورين الذى كان ولاه على حكومة البصرة. وقد رفض ابن عباس تأييد ثورة عبد اللَّه بن الزبير ووقف إلى جانب محمد بن الحنفية فأمسكا عن مبايعة ابن الزبير بالخلافة وقد مات ابن عباس سنة ثمان وستين للهجرة (686 م) بالطائف. المصادر: (1) A. Sprenger: Das Leben und die Lehre des Mohammed, Berlin, 1869. I, XVII; III, CVI, et seq (2) J. Wellhausen: Das Arabische Reich, Berlin 1902, 69 - 70 د. حسن حبشى [فيتشيا فاليرى L.Veccia Vaglieri]

عبد الله بن عبد المطلب

عبد اللَّه بن عبد المطلب قرشى من بنى هاشم وهو والد الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] ولا ترد عنه فى أقدم المصادر وأصدقها سوى ندرة من الأخبار، وأمه فاطمة بنت عمرو المخزومية، ويؤرخ الكلبى مولده بالعام الرابع والعشرين من حكم أنوشروان (554 م) وإن كان الشائع أنه كان فى الرابعة والعشرين من عمره حين مات (570 م)، وتذهب إحدى الروايات التى تتسم بالطرافة -بما كانت تستند إلى بعض الواقع- إلى أن عبد المطلب كان قد أقسم لئن رزقه اللَّه بعشرة من الذكور وبلغوا الإدراك ليضحين بواحد منهم، فلما تحقق له ما تمناه ضرب القداح فخرج السهم على ولده عبد اللَّه، وانتهى الأمر أخيرا بأن افتداه بمائة بعير. وتتسم قصة زواج عبد اللَّه من آمنة بنت وهب بجانب أسطورى، لكنها تشير إلى تحالف بين بنى عبد المطلب وبيت بنى زهرة عشيرة آمنة. وحدث فى أثناء سفره للتجارة أن مرض مرضا أفضى إلى موته بالمدينة وسط بنى النجار أخواله ودفن بدار النابغة، وإن ورود كلمة "اليتيم" فى القرآن الكريم لتشير من غير شك إلى فقدان محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] المبكر لوالديه. المصادر: (1) ابن هشام: السيرة، طبعة Wustenfeld، جوتنجن 1859 - 1860، ص 97 - 102. (2) ابن سعد، الطبقات الكبرى، ليدن 1905 - 1940، الجزء الأول/ 1، ص 53 - 61. د. حسن حبشى [و. مونتجمرى وات W.Montgomery Watt] عبد اللَّه بن عبد الملك بن مروان ولد عبد اللَّه حوالى سنة 60 هـ (680 - 681 م) وربما قبل ذلك بقليل، إذ يقال إنه كان فى السابعة والعشرين من عمره سنة 85 هـ (704 م)، ونشأ فى دمشق، وصحبه أبوه معه فى عدة حملات، على أننا نلقاه لأول مرة كقائد مستقل 81 هـ (700 م) فى إحدى المناوشات ضد البيزنطيين، فلما كان عام 82 هـ (701 - 702 م) أرسله أبوه فى صحبة محمد بن مروان

المصادر

لمساعدة الحجّاج فى حملته لقتال الأشعت، وكان له دور فى مفاوضات "دير الجماجم"، ثم قاد بعدئذ الحملات التى خرجت لمهاجمة البيزنطيين، وغزا المصيصة سنة 84 هـ (703/ 704 م) وجعلها قاعدة عسكرية، واختير واليًا على مصر سنة 85 بعد موت عمه عبد العزيز بن مروان فلمّا كان الحادى عشر من جمادى الآخرة دخل الفسطاط وطمس كل آثار عمه وغيَّر جميع العمال وكره الناس إدارته لقبوله الرشا واحتجانه الأموال العامة، على أن الانجاز الحقيقى الهام الذى تم فى أيامه يتمثل فى استعماله اللغة العربية فى دواوين العاصمة، وأظهر أهل دمشق كراهيتهم له حين مر بهم مرورا عابرا، ثم استدعى ثانية إلى الشام فذهب إلى هناك محملا بكثير من الهدايا والتحف إلّا أن الخليفة أمر بأخذها منه وهو ما زال فى إقليم الأردن، ومن ثم اختفى من الساحة السياسية. وينفرد اليعقوبى بالقول بأنه قتل حين قامت دولة بنى العباس كما يقال إن السفاح أمر بصلبه فصلب سنة 132 هـ (749 م) فى الحيرة. المصادر: (1) ابن تغرى بردى: النجوم الزاهرة، ليدن 1908 - 1936، الجزء الأول، ص 232. (2) ابن الأثير: الكامل. ليدن 1851 - 1876 الجزء الرابع، ص 377. د. حسن حبشى [س. هـ. بيكر C.H.Beker] عبد اللَّه بن على عم الخليفتين أبى العباس السفاح وأبى جعفر المنصور، وكان من أنشط المساهمين فى صراع العباسيين ضد مروان الثانى آخر الخلفاء الأمويين، وهو صاحب الأخبار فى الموقعة الفاصلة عند الزاب الكبير، التى فقد فيها مروان تاجه فتبعه عبد اللَّه بن على الذى سرعان ما استولى على دمشق وزحف على فلسطين وتتبع الخليفة الهارب إلى مصر. واشتهر عبد اللَّه بن على بتفوقه على أخيه داود بن على فى مقاتلة الأمويين، ولم يكن يمتنع عن كل ما يؤدى إلى استئصال شأفتهم، حتى لقد

المصادر

قتل منهم ذات مرة وهو فى دمشق ثمانين شخصا مرة واحدة، فكره الناس منه وحشيته مما أدى إلى نشوب ثورة خطيرة ضده فى الشام تزعمها اثنان أحدهما احد حفدة معاوية بن أبى سفيان واسمه أبو محمد، والثانى هو أبو الورد بن الكوثر والى قنسرين، وانهزمت القوات العباسية فى بادئ الأمر إلا أن عبد اللَّه عاد فهزمهم سنة 132 هـ (750 م) فى "مرج الأخرم". غير أنه لما صار واليا على الشام أصبح خطرا يهدد أمن الدولة الجديدة وما كاد السفاح يموت حتى قام عبد اللَّه بن على يطالب بالخلافة لنفسه إزاء خدماته الكبيرة فى قتاله الأمويين وما ادعاه من وعد وعده به السفاح، يضاف إلى ذلك كثرة ما تحت يده من جند كانوا مُعدّين فى الواقع لمحاربة البيزنطيين، ويقال إنه لما علم بخروج أبى مسلم على المنصور قام ففتك بسبعة عشر ألف خراسانى كانوا فى عسكره خوفًا من أن يمتنعوا عن قتال أبى مسلم إن حاربه، ولكن الهزيمة دارت على عبد اللَّه بن على فى نصيبين ففر إلى أخيه سليمان والى البصرة فى جمادى الآخرة 137 هـ (نوفمبر 754 م) ثم ألقى القبض على عبد اللَّه بأمر من المنصور وزج به فى الحبس فبقى به سبع سنوات، فلما كانت سنة 147 للهجرة أخذوه إلى بيت دبروا هدمه عليه فمات تحت الأنقاض، ويقال إن عمره يوم مات كان اثنتين وخمسين سنة. المصادر: (1) البلاذرى: فتوح البلدان، ليدن 1866، الفهرس. (2) الطبرى: تاريخ الرسل والملوك، ليدن 1879 - 1901، الفهرس د. حسن حبشى [ك. ف. تسترشتين K.V.Zettersteen] عبد اللَّه بن عمر بن الخطاب من أبرز شخصيات الرعيل الأول من المسلمين، ومن أعظم من يستشهد بهم فى رواية الأحاديث النبوية، ولا ترجع شهرته إلى أنه ابن الخليفة عمر فحسب، بل أيضًا لما كان يتحلى به من صفات خلقية عالية حملت معاصريه

على إجلاله والإعجاب به، واستطاع ابن عمر أن يقف بمنأى عن الصراع وقت الفتنة، فضلا عن التزامه بتعاليم الإسلام التزاما دقيقا إلى حد أنه غدا قدوة تقتدى بها الأجيال التالية. وتواترت الأخبار عن أدق تفاصيل حياته، ماذا يرتدى؟ وكيف يشذب لحيته ويصبغها؟ وتراجم سيرته حافلة باللمسات الساحرة التى ترسم صورة لما فطر عليه من الفطنة وعمق التقوى ودماثة الخلق وتواضع ولباقة وكبح النفس وقدرة على التجرد من كل ما يمكن أن يفتنه. وقد تكون بعض هذه الأخبار مختلقة ولكن مما لا جدال فيه أنه شخص فطر على النبل الذى لا يجاريه أحد فيه، وبوصفه أحد رواة الحديث النبوى كان من أكثر الرواة حرصا ودقة لقد عُرضت عليه الخلافة ثلاث مرات: واحدة بعد وفاة عثمان مباشرة (35 هـ / 655 م) وثانية حين تشاور المحكمان لحل النزاع الذى نشب فى صفين بين على ومعاوية عام (37 - 38 هـ / 758 م) وأخيرا بعد وفاة يزيد بن معاوية عام (64 هـ / 683 م) وكان يرفض هذا العرض فى كل مرة لأنه يريد أن تكون البيعة بإجماع الآراء وحقنا للدماء. وُلد قبل الهجرة فى تاريخ ليس بين أيدينا ما يؤكده اعتنق الإسلام مع والده وسبقه فى الهجرة إلى المدينة، وحين قدم نفسه للنبى لكى يشارك فى غزوتى بدر وأحد رده الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] لصغر سَنه ولكنه سمح له بالاشتراك فى رفع الحصار عن المدينة يوم بلغ الخامسة عشرة تقريبًا. كما اشترك فى غزوة مؤتة عام 7 هـ وفى فتح مكة سنة 8 هـ وفى المعارك التى وقعت مع مسيلمة الكذاب [الذى ادعى النبوة] ومع طليحة عام 12 هـ وفى الحملة على مصر (عام 18 - 21 هـ) وفى معركة نهاوند. وفى الحملة على جرجان وطبرستان عام 30 هـ، وفى حملة يزيد على القسطنطينية (عام 49 هـ). أما فى أمور السياسة فقد ظهر فيها لأول مرة حين شكل الخليفة عمر -وهو يحتضر مجلسا لاختيار من يخلفه فى الخلافة من أعضاء هذا المجلس نفسه حيث أمر باللجوء إليه للمشورة دون أن يكون له صوت معدود. وظل طوال حياته يلزم جانب الأغلبية فى أى بيعة تتم لأى

المصادر

خليفة. وإذا لم يكن قد سارع لبيعة الخليفة على فالسبب فى ذلك أنه كان ينتظر اتفاق الجماعة الإسلامية على بيعته. وعندما تمت البيعة ونشبت الفتنة نأى بنفسه عن الخلاف واتخذ موقف الحياد -وقد رفض الاعتراف بيزيد كولى للعهد لأن هذا المنصب كان بدعة من معاوية خالف فيها النظام. ولم يتول ابن عمر أى منصب هام فى إدارة الدولة الإسلامية باستثناء مهام محدد كلف بها، وربما تعمد العزلة من أجل أن يتفرغ للعبادة، ويقال إنه لم يقبل وظيفة القاضى خشية الزلل فى تفسير الشريعة- ومات فى عام 73 هـ/ 693 م وقد نيف عمره على الثمانين عاما بسبب تعفن جرح أصاب قدمه من طرف رمح لأحد جنود الحجاج أثناء تدافع الحجيج وهم عائدون من عرفات -وحين عاده الحجاج أثناء مرضه وسأله إذا كان يعرف الرجل الذى أصابه برمحه. وجه له ابن عمر اللوم لأنه سمح لرجاله بحمل السلاح فى الأماكن المقدسة- بما كان هذا اللوم أو التأنيب سببًا فى تواتر خبر أوردته بعض المصادر مفاده أن الحجاج كلّف قاتلًا ليصيب ابن عمر برمح مسمم. المصادر: (1) ابن الأثير: القاهرة 1285 - 1287 هـ، الجزء الثانى، ص 227 - 231. (2) ابن سعد: الطبقات الكبرى، طبعة H.Suchau, ليدن 1905 - 1940، الجزء الرابع/ 1، ص 105 - 138. سعيد عبد المحسن [فيشيا فاجليرى Veccia Vaglieri] عبد اللَّه بن عمر بن عبد العزيز عبد اللَّه بن عمر بن عبد العزيز: استعمله سنة 126 هـ (744 م) يزيد الثالث (ابن الوليد) على العراق، ولكن ما لبث شيوخ الشام أن تمردوا عليه ونقموا منه ما شعروا به من سوء معاملته لهم وإيثاره أهل العراق عليهم. ولما تولى مروان الثانى الحكم تحرك بالثورة عبد اللَّه بن معاوية الذى هو من ذرية جعفر أخى على بن أبى طالب وأضرمها فتنة فى الكوفة وذلك فى المحرم سنة 127 هـ (= اكتوبر 744 م)، إلا أن عبد اللَّه بن عمر بن عبد العزيز سرعان ما أخمدها فاضطر

المصادر

عبد اللَّه بن معاوية لنقل نشاطه إلى نواح أخرى، ولما عهد مروان بحكومة العراق إلى النضر بن سعيد الحرشى رفض عبد اللَّه رفضًا باتًا أن يتخلى عما بيده وحينذاك ظهر النضر أمام الكوفة على حين بقى عبد اللَّه فى الحيرة واندلعت الخصومات بين الطرفين غير أنه سرعان ما ظهر عدو مشترك لهما معًا تمثل فى القائد الخارجى الضحاك بن قيس مما حمل الجانبين المتنازعين على الاتفاق بل وضم قواتهما بعضها إلى بعض، لكن الضحاك تمكن من هزيمتهما فى رجب سنة 127 هـ هزيمة أرغمت عبد اللَّه بن عمر بن عبد العزيز على الارتداد إلى واسط وسقطت الكوفة فى يد المنتصر، وحينذاك عادت الخصومة القديمة التى كانت بين الواليين إلى ما كانت عليه من قبل. غير أن نهاية منازعاتهما جاءت على يد الضحاك الذى فرض الحصار بضعة أشهر على عبد اللَّه الذى لم يجد مناصا من أن يعقد الصلح مع الضحاك. وتلى ذلك إلقاء القبض على مروان وعبد اللَّه، وتقول الأخبار إنه مات بالطاعون فى سجن حران سنة 132 هـ (= 749 - 750 م). المصادر: (1) الطبرى: تاريخ الرسل والملوك، ليدن 1879 - 1901، الجزء الثانى، ص 1854. (2) Wellhausen: Das arabische Reich, 239 ff د. حسن حبشى [ك. ف. تسترشتين K.V.Zettersteen] عبد اللَّه بن مطيع عبد اللَّه بن مطيع بن الأسود العدوى، كان هو وعبد اللَّه بن حنظلة من زعماء الثورة ضد الخليفة يزيد بن معاوية (ولما خرج أهل المدينة ضد بنى أمية زمن يزيد هذا ونادوا بخلعه كان عبد اللَّه بن مطيع على رأس الثوار من القرشيين وكان عبد اللَّه بن حنظلة يتزعم الناقمين من الأنصار ضد الأمويين)، ولما رأى ابن مطيع الحكومة الأموية قد أثارت سخط الأمة بعد تولى يزيد الخلافة أخذ يهيج الناس وأصبح رأس من بها من القرشيين. وقد ساهم فى وقعة الحرة فى ذى الحجة 63 هـ (= اغسطس 683 م) فلما أتيح له أن

المصادر

ينجو من المذبحة العامة فر إلى مكة مع خصم الخليفة عبد اللَّه بن الزبير الذى استعمله فى رمضان 65 هـ (= ابريل 685 م) واليًا على الكوفة، لكن ما لبث أن هاجمه بعد قليل المختار بن أبى عبيد فلما وجد نفسه محاصرا فى داره وقد انفض الناس من حوله؛ وأنه وجد من قائده إبراهيم بن الأشتر غير ما كان يتوقعه لم يجد بدًا من مغادرة الولاية وانسحب إلى البصرة حيث اتصل بابن الزبير فى مكة وانضم إليه وحارب تحت لوائه حتى قتل معه سنة 73 هـ (= 692 م). المصادر: (1) الطبرى: تاريخ الرسل والملوك، ليدن 1879 - 1901، الجزء الثانى، ص 1879. (2) المسعودى: مروج الذهب، باريس 1861 - 1877. د. حسن حبشى [ر. ف. تسترشتين R.V.Zettersteen] عبد اللَّه بن معاوية هو عبد اللَّه بن معاوية بن عبد اللَّه ابن جعفر بن أبى طالب ويعرف بعبد اللَّه الطالبى، عاش فى أخريات الدولة الأموية، وكان علويا ثائرا تدور ثورته حول الإمامة التى كان قد تنازعها فى ذلك الوقت جماعة قال بعضهم إنها انتقلت من أبى هاشم إلى محمد بن على العباسى، وقال آخرون بل إنه أوصى بها لعبد اللَّه بن عمر الكندى، وأراد أتباعه المناداة به إماما فرفض طلبهم فانصرفوا عنه، وقالوا إن الإمام الحقيقى هو عبد اللَّه بن معاوية الذى ادعى أنه يجمع فى ذاته بين الألوهية والنبوة لأن "روح اللَّه ظلت تنتقل من واحد إلى آخر حتى استقرت أخيرا فيه هو ذاته". وآمن قوم بهذا القول وغالوا فيه حتى لقد زادوا ونادوا بتناسخ الأرواح، وانتهى الأمر أخيرا بعبد اللَّه بن معاوية بأن قام بالثورة فى محرم 127 هـ (أكتوبر 744 م) وكثر أنصاره لا سيما من الزيدية الذين استولوا على قلعة الكوفة وأخرجوا

المصادر

منها صاحبها، فقام عبد اللَّه بن عمر بن عبد العزيز فحارب دعاة الفتنة فانفضوا من حول صاحبهم عبد اللَّه بن معاوية فاضطر للخضوع ولكنه خضع بأمان أعطوه له، فذهب إلى "المدائن" ثم إلى "جبال" التى كثر أتباعه بها وبغيرها، وامتد نفوذه على مناطق كثيرة من إقليم "جبال" وفارس وكرمان، وانضم إليه طائفة من الخوارج ومن يكرهون بنى العباس ويخاصمونهم، وحينئذ خرج إليهم عامر بن ضبارة سنة 129 هـ وهزمهم هم وعبد اللَّه بن معاوية فى موقعة عرفت "بمرو الشاذان" ففر عبد اللَّه فاعترضه أبو مسلم الخراسانى فقتله، وعُرف بعض أتباعه بعد موته "بالجناحية" وقالوا إنه لم يمت ولكنه سوف يعود، وقال آخرون بل أن روحه حلت فى اسحق بن زياد بن الحارث الأنصارى، وآمن بهذا القول أناس عرفوا بالحارثية. المصادر: (1) الطبرى: تاريخ الرسل والملوك، ليدن 1879 - 1901، الجزء الثانى، ص 1879. (2) المسعودى: مروج الذهب، باريس 1861 - 1877. د. حسن حبشى [ك. ف. تسترشتين K.V.Zettersteen] عبد اللَّه بن موسى بن نصير عبد اللَّه بن موسى بن نصير وكان أكبر أولاد أبيه موسى بن نصير فاتح المغرب والأندلس الذى ما كاد يخرج إلى أسبانيا حتى عهد إلى ولده عبد اللَّه بإدارة دفة أمور الحكم فى إفريقية (= 93 هـ/ 711 م)، ولما اتهم طارق موسى بن نصير عند الخليفة الوليد بن عبد الملك بما اتهمه به مضى موسى إلى الشرق ولم يعد بعد ذلك قط. وقد أصاب الابنَ عبدَ اللَّه بن موسى رذاذ مما رميت به أسرته عند الخليفة سليمان بن عبد الملك الذى لم يقع من نفسه موقع الرضا ما لاحظه من استتباب الهدوء فى كل من أفريقية (تحت حكم أحد أولاد موسى بن نصير وهو عبد اللَّه) وفى الاندلس تحت حكم عبد العزيز بن موسى بن نصير والمغرب ويحكمها عبد الملك، فخلع عبد اللَّه سنة 96 هـ (= 714 م) وولى مكانه محمد بن يزيد سنة 97 هـ.

المصادر

وكانت التهمة التى رمى بها عنده هى أنه شارك فى تدبير اغتيال يزيد بن أبى مسلم، وحينذاك أمر الخليفة بقتله فقتل فى 102 هـ (= 730 م) على يد بشر بن صفوان بأمر من الخليفة يزيد ابن عبد الملك. المصادر: البلاذرى: فتوح البلدان، ليدن، 1866، ص 231. د. حسن حبشى [ر. باست R.Basset] عبد اللَّه النديم عبد اللَّه النديم (1843 - 1896 م): هو السيد عبد اللَّه مصباح الحسنى، خطيب وكاتب مصرى ثورى، ولد بالإسكندرية وبها تلقى العلم فى جامع الشيخ إبراهيم باشا، لكنه لم يواصل دراسته، وعمل موظفًا بالتلغراف فى بنها، ثم فى دائرة الوالدة باشا فى القاهرة حيث أتيحت له فرصة الدراسة فى الأزهر والاختلاف إلى الدوائر الأدبية. ولكنه فصل من الخدمة أثر حادثة، فغادر القاهرة إلى الأقاليم ليعمل كشاعر متجول أو "أدباتيًا"، ومن هنا اكتسب لقب "النديم" لأنه كان "ينادم" أو يسامر الناس. وفى عام 1879 م عاد إلى الإسكندرية ليشترك فى جمعية سرية وطنية وهى جمعية "مصر الفتاة" التى كانت تناوئ طغيان الحكومة، واهتم بالتعليم فأسس الجمعية الخيرية الإسلامية التى كان بناء المدارس من أنشطتها، وتولى نظارة مدرستها، وهناك ألف مسرحيتين وطنيتين مثلهما الطلاب. واتجه كذلك إلى الصحافة، وكان له أسلوبه الساخر الخاص، وتجاسر على الكتابة بالعامية ليصل إلى الناس، ودبج بها مقالات كاملة، وأسس صحيفة "التنكيت والتبكيت"، وبعدها "اللطائف" التى صارت فيما بعد لسان حال الثورة العرابية. وبعد فشل الثورة التى انتهت باحتلال الانجليز لمصر، فر إلى الأقاليم، ثم قبض عليه ونفى خارج مصر عام 1891 م، ثم عاد فى السنة التالية بعد صدور العفو عنه، وأسس مجلة الأستاذ

المصادر

التى أخذ يندد فيها بالاحتلال، فنفى من جديد إلى يافا ومنها اتجه إلى اسطنبول حيث عينه عبد الحميد الثانى وزيرًا للتعليم ثم مفتشًا على المطبوعات حتى توفى فى 1896 م. المصادر: (1) على الحديدى: عبد اللَّه النديم، خطيب الوطنية والقاهرة، بدون تاريخ. (2) عبد المنعم إبراهيم الدسوقى: عبد اللَّه النديم ودوره فى الحركة الوطنية، القاهرة 1980 م. أحمد صليحة [ب. س. سادجروف P.C.Sadgrove] عبد اللَّه بن همام عبد الرحمن بن همام السلولى شاعر عربى من شعراء القرن الأول للهجرة ويقال إنه مات سنة ست وتسعين هجرية (= 715 م) وقد لعب دورًا سياسيًا بارزًا زمن الأمويين وظل على اتصال بيزيد بن معاوية من سنة ستين للهجرة، فعزاه بموت أبيه وهنَّأه بولايته الخلافة، وهو الذى أغرى يزيد بأن يبادر فيعلن ابنه معاوية (الثانى) وليا لعهده وخليفة له من بعده، ومع ذلك فقد كان أول من هنأ الوليد بن عبد الملك حين أصبح خليفة سنة ست وثمانين (705 م). وكل ما لدينا من خبر عن نشاطه أيام ابن عبد الملك (85 - 86 هـ) = (704 - 705 م). أنه كان على صلة بالثائر وبعبد اللَّه بن الزبير المنافس للخليفة فقد رفع إلى ابن الزبير قصيدة يندّد فيها بمصعب الذى خلعه الزبير بعد قليل (67 هـ - 687 م). المصادر: (1) البلاذرى، أنساب الأشراف، القدسى 1936 - 1938، الفهرسى. (2) ابن قتيبة، الشعر والشعراء، ليدن 1900، ص 412 - 413. د. حسن حبشى [شارل بيلات CH.Pellat] عبد اللَّه بن وهب الراسبى كان عبد اللَّه بن وهب الراسبى من قواد الخوارج ومن قبيلة بجيلة، وهو من جيل التابعين، وقد اشتهر بشجاعته وتقواه ولقب بذى الثفنات لكثرة السجود للصلاة. وقد قاتل تحت راية سعد بن أبى وقاص فى العراق، وإلى جانب على فى

المصادر

صفين لكنه خرج عليه لقبوله التحكيم وانضم إلى جانب المنشقين فى حروراء. وحدث قبل قليل من مغادرتهم الكوفة فى شوال سنة سبع وثلاثين (= مارس 658 م) أن اجتمع الخوارج واختاروه حامل رايتهم وأميرهم ولكنهم لم يستخلفوه عليهم إذ جرت العادة بتلقيبه بخليفتهم. وكان مقتل عبد اللَّه بن وهب الراسبى فى معركة النهروان يوم التاسع من صفر سنة ثمان وثلاثين (= يوليو 658 م). راجع عنه تاريخ الطبرى 1/ 3363، والكامل للمبرد، والأنساب للبلاذرى وكتاب الجواهر للبرادى. المصادر: (1) الطبرى: تاريخ الرسل والملوك، ليدن 1879 - 1901، الجزء الأول 3363 - 3366، 3376 - 3381. (2) البلاذرى: أنساب الأشراف، القدسى 1936 - 1938 الفهرسى. د. حسنى حبشى [هـ. أ. ر. جب H.A.R.Gibb] عبد المؤمن بن على عبد المؤمن بن على بن علوى بن يعلى الكومى، أبو محمد خليفة المهدى ابن تومرت فى قيادة الحركة الإصلاحية المعروفة بحركة الموحدين ومؤسس أسرة بنى مؤمن التى حلت فى الغرب الإسلامى فى القرن السادس الهجرى (الثانى عشر الميلادى) محل ممالك أفريقية ومحل دولة المرابطين فى مراكش والأندلس واتخذت مراكش عاصمة لها. ولقد أمكن معرفة الكثير عن بنى عبد المؤمن بفضل المخطوطات التى عثر عليها المستشرق الفرنسى ليفى بروفنسال فى مكتبة الإسكوريال مثل كتاب الأنساب الذى يهتم اهتماما خاصا بالجانب السياسى لابن تومرت، كما تم العثور على كتاب آخر هو نظم الجمان لابن القطان يتعلق بأوليات الحركة. ويرجع الفضل لأبى بكر بن على الصنهاجى المعروف بالبيذق فى وقوفنا على الصلة بين ابن تومرت وتلميذه عبد المؤمن الذى هو من قبيلة "كومية" البربرية الزناتية التى استقرت فى وهران، ومنه نعرف أن ابن تومرت غادر فى صدر شبابه قرية "تاجرا" وذهب إلى افريقية فى طلب العلم ولقى سنة 505 هـ فى بلدة "ملالة" رجلا هو

عبد المؤمن فشرح له المهدى بن تومرت العقيدة شرحا حاز إعجابه كما أخذه إلى قبيلته "هرغة" وضمه إلى "مجلس العشرة" ممن اختارهم. وأظهر عبد المؤمن حماسة عظيمة لآراء ابن تومرت فأكرمه أكثر أعضائها نشاطا واسمه "أبو حفص عمر الهنتاتى" الذى نودى به بعد ثلاث سنوات من موت المهدى خليفة له سنة 527 هـ (= 1133 م) وبايعته "رعيته" الجديدة، وحينذاك بذل قصارى جهده للقضاء على المرابطين الذين كانت قوتهم قد تضعضعت وسارت خطته فى هذه الناحية فى مراحل ثلاث أولاها السعى لضم كل مراكش إلى الموحدين وذلك بضمه "سوس" و"درعة" والاستيلاء على سلسلة الحصون والقلاع المحيطة بجبال أطلس ومنع وصول أحد ما إلى مراكش، ثم تابع زحفه فاستولى على "دمنات" وأدى ذلك إلى نجاحه فى بسط نفوذه على نواحى أطلس الوسطى وبعض الواحات فى سنتى 534 هـ - 535 هـ (1140 م - 1141 م). ولازم النصر الموحدين بانضمام قبائل وادى لاو "وبادس ونكور ومليلة إليهم. ثم كانت المرحلة الثانية من خطة عبد المؤمن وهى الانتقال من حرب المناوشات والكمائن إلى الحرب السافرة الواسعة ضد المرابطين وساعده على ذلك موت أمير المرابطين على بن يوسف بن تاشفين سنة 537 هـ تاركا لابنه تاشفين عرشا مزعزعا ونزاعا صريحا بين لمتونة ومسوفة، كما ساعده موت واحد من أكبر أنصار المرابطين وهو قائد القوات النصرانية" "الروبو تاير" فى معركة له مع الموحدين سنة 539 هـ (= 1145 م) شرقى مراكش كذلك كان انضمام زناته إلى دعاة فكرة "التوحيد" من عوامل نجاح الموحدين. وتحاربت جيوش عبد المؤمن وتاشفين عند تلمسان وانهزم تاشفين وفر إلى وهران فسقط فى هروبه من فوق ظهر جواده ومات سنة 539 هـ فتم للمرابطين الاستيلاء على "وجده" ثم "آجرسيف" وتلا ذلك سقوط عاصمة شمال مراكش سنة 540 هـ (= 1146 م) بعد حصار دام تسعة أشهر، وأعقب ذلك الاستيلاء على

المصادر

مراكش فى شوال سنة 541 هـ (= أبريل 1147 م) وحينذاك أمر عبد المؤمن ببناء عاصمة جديدة قرب جامع الكتبيين وأخذ عبد المؤمن فى تنظيم دولته وتدعيمها فحكم السيف فى رقاب من شك فى ولائهم للعقيدة، ثم شرع فى مد حدود مملكته فى المغرب وتأهب لضم أفريقية التى كانت تعانى شدة ضعف أسرة صنهاجة الحاكمة فى بجاية والقيروان كما استولى النورمنديون بقيادة روجر الثانى ملك صقلية على بعض موانى إفريقية فأعلن عبد المؤمن الجهاد فاستولى على بجاية وقلعة بنى حماد وخلف عبد المؤمن فى المغرب قائده عمر التهتانى وانتزع المهدية من أيدى النرمان فى جمادى الآخرة 555 هـ (= يناير 1160 م) كما استولى فى هذه الحملة على سوسة والقيروان وصفاقص وقابس وطرابلس الغرب. ثم كانت الخطوة الأخيرة للموحدين فى دخولهم أسبانيا بدءا من سنة 539 هـ (= 1145 م) كما انضم إليهم قائد سفن المرابطين وهو ابن ميمون، ثم استسلمت غرناطة سنة 549 هـ (= 1157 م) واسترد المرابطون المرية من أيدى النصارى وحينذاك رأى عبد المؤمن أن يذهب إلى الأندلس وجعل قاعدته جبل طارق فبقى هناك شهرين ثم عاد إلى مراكش فى مستهل 558 هـ وجعل جنده تعسكر فيما عرف برباط الفتح (وهى المعروفة الآن بالرباط) وقد عزم على متابعة فتح الأندلس ولكن فاجأه المرض فمات فى جمادى الآخرة سنة ثمان وخمسين وخمسمائة فحملوا رفاته إلى "تبز ملال" ودفنوها فى قبر المهدى ابن تومرت ولقد لقبه أتباعه قبل موته بأمير المؤمنين، على حين كان المرابطون يستعملون فقط لفظ "أمير المسلمين" واعترف بسلطان العباسيين الروحى. المصادر: (1) الزركشى: تاريخ الدولتين، تونس 1289 هـ. (2) ابن خلكان: وفيات الأعيان، جوتنجن 1835 - 1850، الجزء الأول، 390 - 391. (3) C. A. Julien: Histooire de l.Afrique du Nord de la conqu'te arabe ete arabe a' 1830, paris 1952, 93 - 112 د. حسن حبشى [ليفى بروفنسال E.Levi-Provencal]

عبد المطلب بن هاشم

عبد المطلب بن هاشم عبد المطلب بن هاشم جد النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، كان هاشم بن عبدى مناف والد عبد المطلب قد مر بيثرب (المدينة المنورة) فى تجارة إلى الشام فتزوج فيها بسلمة بنرت عمرو الخزرجية من بنى عدى بن النجار الخزرجى، فأنجبت له عبد المطلب (أو شيبة) ورقية وبقيت سلمة مع والدها فى دارها بالمدينة حسبما يقضى به عرف أسرتها. فلما مات هاشم سعى أخوه فى احضار ولده إلى مكة، ونستمد من المصادر العربية أن عبد المطلب كان من كبار رجال مكة وهو معروف بينهم بسيد قريش، ويبدو أنه كان زعيم جماعة سياسية فى قريش، ومما يلفت النظر ما يقال من أنه كانت هناك خصومة بين عبد المطلب وبين نوفل حفيد عبد شمس مما يدل على عظمة قدرته على التفاوض مع (أبرهة) قائد الحبشة الذى جاء غازيا لمكة. وكان بين عبد المطلب وبعض القبائل المجاورة لمكة -مثل قبائل خزاعة وكنانة وثقيف- حلف. وكانت له بشر بالطائف، ويرجع السبب فى ثرائه إلى تجارته فى الشام واليمن إلى جانب ما كان بيده من السقاية والرفادة التى ورثها عن هاشم، كما يعود إليه الفضل فى حفر بضعة آبار لاسيما بئر زمزم بجوار الكعبة، وكان معظم أولاده -ومنهم عبد اللَّه- من فاطمة بنت عمرو من بنى مخزوم، كما تزوج من بنات بنى زهرة القرشية والنمر وعامر بن صعصعة وخزاعة. وأنجب منهن على التوالى حمزة والعباس والحارث وأبا لهب. المصادر: (1) ابن هشام، السيرة، جوتنجن 1859 - 1860، ص 33 - 35، 71، 91 - 96، 107 - 114. (2) Caussin de Perceval: Essai sur l'histoire des Arabes avant l'Islamisme, 1, 259 - 90 (3) Montgomery Watt: Muhammad in Mecca, index د. حسن حبشى [مونتجمرى وات W.Montgomery Watt]

عبد الملك بن صالح

عبد الملك بن صالح عبد الملك بن صالح بن على بن عبد اللَّه ابن عباس هو ابن عم الخليفتين أبى العباس السفاح وأبى جعفر المنصور، وقد خرج فى عدة حملات لمهاجمة الروم زمن هارون الرشيد سنة 174، 181 هـ، وإن كان هناك من المصادر ما يضيف إلى ذلك حملة سنة 175 هـ (792 م) وإن قيل إن حملة تلك السنة كانت بقيادة ابنه عبد الرحمن بن عبد الملك بن صالح. وتولى عبد الملك بن صالح المدينة فترة من الوقت وولاية مصر أيضا لكنه لم يسلم من شكوك الخليفة فألقى به فى السجن سنة 187 هـ (803 م) من غير سبب يقبله العقل، وظل فى حبسه حتى جاء الخليفة المأمون سنة 183 هـ) فأطلق سراحه وعينه 196 هـ (811 م) واليا على الشام وشمالى العراق فنهض عبد الملك بن صالح فى لحظته إلى الرقة فمرض فيها ومات بها. ويؤكد المسعودى فى التنبيه أنه مات فى سنة 196 هـ، ولكنه عاد فى مروج الذهب (4/ 437) فجعل وفاته سنة 197 هـ. أما ابن خلكان فيقول إنه مات سنة 193 ثم يعود فيجعلها سنة 199 هـ. وقد أمر الخليفة المأمون بعد بضع سنوات بنبش قبره، ويقال إن السبب فى ذلك أن عبد الملك كان قد أقسم أثناء الفتنة بين الأمين والمأمون ألا يقطع العهد أبدا للمأمون. د. حسن حبشى [ك. ف. تسترتشتين K.V.Zettersteen] عبد الملك بن قطن الفهرى ولى حكومة الأندلس بعد مقتل عبد الرحمن بن عبد اللَّه الغافقى فى حملته فى غالة سنة 114 هـ (732 م)، ثم تخلى عن الحكم سنة 116 هـ (= 734 م) لعقبة بن الحجاج السلولى ثم عاد إليه سنة 123 هـ (740 م). ولما كان عبد الرحمن بن قطن من حزب المدينة وهواه معهم فإنه لم يكتم كراهيته لخليفة دمشق. وقد صادفته مشاكل خطيرة من جانب البربر الذين ثاروا فى شبه جزيرة أيبيريا حتى هددوا قرطبة ذاتها،

عبد الملك بن محمد بن أبى عامر

فاضطر عبد الملك بن قطن -رغم قلة من تحت يده من الجند لاستخدام جماعة من العرب "الأجناد" المختلفين من أهل الشام الذين كانوا محاصرين فى قلعة سبتة بالشمال الأفريقى، وأذن لهم بعبور المضيق بقيادة شيخهم "بلج"، ويرجع الفضل فيما أصابه من النجاح فى إبعاده الخطر الذى كان يهدده إلى هذه الطلعة البلجية التى أنزلت ثلاث هزائم متتالية بالبربر المتمردين غير أن هؤلاء الجند الشاميين لم يجدوا أية صعوبة فى خلع عبد الملك بن قطن اعتمادا منهم على قوتهم، وذلك فى مستهل ذى القعدة 123 هـ (سبتمبر 741 م) وولوا مكانه قائدهم "بلج" الذى كان أول قرار اتخذه هو الأمر بقتل سلفه الذى كان (إذ ذاك) رجلا طاعنا فى السن قد بلغ من العمر أرذله. (1) E. Levi-Provencal: Histoire de l'Espagne musulmane, Leiden-Paris 1950 - 1953,1,41,43 - 7 د. حسن حبشى [ليفى بروفنسال Levi-Provincal] عبد الملك بن محمد بن أبى عامر عبد الملك بن محمد بن أبى عامر المعافرى، أبو مروان المظفر بن الحاجب المنصور، وقد خلف أباه فى منصبه زمن الخليفة الأموى الأندلسى هشام المؤيد باللَّه، وكان عبد الملك هو الحاكم الفعلى لأسبانيا الإسلامية بعد موت أبيه فى مدينة سالم سنة 392 هـ (= 1002 م). ولد عبد الملك (وهو الابن الثانى للمنصور بن أبى عامر) سنة 364 هـ (975 م)، وكانت أمه -وهى أم ولد- تدعى "الذلفاء" وقد ظلت على قيد الحياة بعده بضع سنوات، وتمرس عبد الملك بالقيادة حتى قبل وفاة أبيه فقاد كثيرا من الحملات على شمالى أسبانيا ضد النصارى وعلى المغرب، ثم اختاره والده شبه نائب عنه فى المغرب سنة 388 هـ (= 988 م) فأقام فى فاس، إلا أنه استدعى فى السنة التالية إلى قرطبة فعاد إليها. ولقد أمدتنا الحوليات الإسبانية التى تم العثور عليها حديثا بتفاصيل جمة عن سيرة عبد الملك بن أبى عامر أيام

المصادر

ولايته، ويخرج المرء من مطالعته لهذه التفاصيل بأنه لم تكن تنقصه الصفات اللازم توافرها فى رجل الدولة، وإن لم يكن عبد الملك أقل عبقرية من أبيه. وعلى أية حال فإن السنوات السبع التى استبد فيها بالسلطة إنما هى فترة مشرقة فى تاريخ الأندلس قبل انهيار الخلافة الأموية فى الغرب. لقد ظل "الحاجب" وفيا للسياسة التى اختطها أبوه المنصور بن أبى عامر فتابعه فيها، فلم يكن يمر عام إلّا ويشن حملة هنا وأخرى هناك، حتى إذا كانت سنة 393 هـ (= 1003 م) زحف بجيشه على بلاد الافرنج ودمر كل ما حول برشلونة، وخرب خمسًا وثلاثين قلعة من قلاع العدو، ثم هاجم فى العام التالى بلاد كومن قشتالة "شانجة غرسية" Sancho Garcia الذى اضطر لطلب الصلح، كما أنه قام بمساعدته فى حملته على جليقية واستريا، وشرع عبد الملك بن محمد بن أبى عامر فى صيف 396 هـ (1006 م) فى حملته التى لم يكن لها ما يبررها ضد إقليم "ريباجوزا" الفرنجية. على أن أهم حملاته على الإطلاق هى التى كانت فى السنة التالية ضد حصن "كلونيا" فاستولى عليه وخربه فاستحق من أجل هذا العمل أن يلقب بالمظفر. ثم أنه حارب فى سنة 398 هـ = 1007 م شانجة غرسية وقشتالة وكرر ذلك فى السنة التالية أيضا، وحدث أثناء هجومه على قشتالة أن أصابه -قرب قرطبة عدد وادى أرميلات- مرض فى صدره أدى إلى وفاته يوم 16 صفر 399 هـ = 20 اكتوبر 1008 م. لقد استطاع عبد الملك المظفر خلال سنوات حكمه السبع أن يحفظ لحكومة قرطبة تكوينها الإدارى القوى بتشجيعه الصقالبة ضد الأرستقراطية العربية. غير أنه كان هدفا لكثير من الهجوم على شخصه، وهناك من الأسباب ما يؤكد أنه كان لأخيه عبد الرحمن الذى خلفه يدٌ فى موته الفجائى المبكر. المصادر: (1) Dozy: Histoire des Musulmans III, d'Espagne, III, 185 - 214 (2) Levi-Provencal: Histoire de l'Espagne musulmane, Leiden, Paris, 1950 - 1953, II, 273 د. حسن حبشى [ليفى بروفنسال E.Levi-Provincal]

عبد الملك بن مروان

عبد الملك بن مروان كان خامس خلفاء بنى أمية حكم ما بين 65 و 86 هـ (685 - 705 م) وولد على أرجح الأقوال سنة 26 هـ (646 م)، وأبوه هو مروان بن الحكم، وأمه عائشة بنت معاوية بن المغيرة، وشاهد وهو صبى فى العاشرة من عمره الهجوم على دار عثمان بن عفان، فلما بلغ السادسة عشرة ولاه أبوه قيادة العسكر لمحاربة البيزنطيين، وقد ظل مقيما بالمدينة حتى كانت الثورة ضد يزيد بن معاوية (62 هـ/ 682 م) فلما أخرج الثوار الأمويين من المدينة غادرها مع أبيه، ثم عاد إليها فى رفقة مسلم بن عقبة أمير جيش الشام بعد أن زوده عبد الملك بأخبار المدينة واستحكاماتها، وتلى ذلك وقعة الحرة وهزيمة أهل المدينة الهزيمة التامة يوم 27 ذى الحجة 63 هـ (27 اغسطس 683 م) إلا أنه واجه صعوبات جمة، ذلك أنه على الرغم من أن وقعة مرج راهط قد دعمت من جديد سيطرة الأمويين على الشام كما استردوا مصر التى قوى فيها حكم أخيه عبد العزيز بن مروان، إلا أن الثورة اندلعت ضده فى شمالى "قريقساء" بقيادة ظفر بن الحارث الذى لقى العون من القيسيين، وظلت الثورة قائمة حتى سنة 71 هـ (690 م). هذا إلى كثرة المناوشات البيزنطية على الحدود بل وعودتهم بهم إلى احتلال (انطاكية) سنة 68 ومساعدتهم المروانيين داخل سورية ذاتها. كذلك نودى فى مكة بعبد اللَّه بن الزبير خليفة ودانت له -ولو ظاهريا- أكثر ولايات الدولة إلا أن عبد الملك برهن على أنه الرجل الكفء لمقارعة هذه الأهوال، ونجح فى سنوات قلائل فى إعادة وحدة العرب تحت قيادة أهل الشام. على أنه حدث فى البداية إخلاء العراق والشرق إذ استطاع رجال القبائل العربية بعد موت يزيد من أن يطردوا الوالى عبيد اللَّه بن زياد الذى عجز عن استرداد الكوفة والبصرة رغم نجاحه فى صد هجوم قوات الكوفة على أرض الجزيرة بالعراق فى رمضان 65 هـ (685 م)، ثم ما لبثت الكوفة أن

وقعت فى يد المختار بن أبى عبيد الذى نجح أنصاره بعد قتالهم الشاميين قتالا عنيفا فى هزيمتهم (فى ذى الحجة 67 = يوليو 686) وهزيمة عبيد اللَّه على نهر الخازر وكانوا بقيادة إبراهيم بن الأشتر، وقد ظل العراق السنوات الخمس التالية تحت حكم مصعب بن الزبير الذى استطاع قائده المهلب بن أبى صفرة (بعسكر البصرة) أن يهزم عسكر المختار فى "حروراء" فى رمضان 67 هـ (ابريل 687 م) واحتل الكوفة من جديد. ولما كان عبد الملك راغبا فى إطلاق يده فى محاربة العراق فقد اضطر لأن يبرم مع قيصر الروم هدنة أمدها عشر سنوات، وما كاد هذا الاتفاق يتم حتى زحف عبد الملك من دمشق على مصعب بن الزبير لكنه اضطر للرجوع لاخماد ثورة بالعاصمة أضرمها قريبه "عمرو بن سعيد الأشدق" متخذا من مكانه حصنا له، لكن ما كاد الخليفة يصل إلى دمشق حتى استسلم الأشدق ونزل بعهد أمان ضمن له حريته والحفاظ على حياته، لكن عبد الملك لم يكن مطمئنًا إلى الأشدق إذ سرعان ما قبض عليه وقتله بيده كما تقول الشائعة. فلما كانت السنة التالية (70 هـ = 690 م) عاد لمحاربة مصعب والتقى الجيشان وجها لوجه فى شمالى العراق دون أن يسفر القتال عن شئ، ومن ثم عاود عبد الملك حملته الثالثة بمحاصرة "ظفر بن الحارث"فى "قريقساء" حصارا دام بضعة أشهر سقطت بعدها فى يده فاحتل أرض الجزيرة ثم سار إلى العراق يساعده القيسيون، وتمت هزيمة مصعب وابن الأشتر عند "دير الجثاليق" قرب "مسكن"، ولقى الاثنان مصرعهما وذلك فى جمادى الأولى أو الآخرة (أكتوبر 691 م) ولقد شارك المهلب بجند من البصرة فى محاربة الخوارج، وأنهكت الحرب معظم العراقيين ولم تجلب عليهم سوى التعب والخسارة، وحدث فى أعقاب دخول الخليفة الكوفة (التى اعلنت طاعتها له) أن جاءت قوة من أهل الشام قوامها ألفا مقاتل بقيادة الحجاج لقتال ابن الزبير فى مكة، وبعد أن تريث الحجاج قليلا بالطائف قام أول ذى القعدة 72 هـ (25

مارس 692 م) بمحاصرة مكة وما مضت ستة أشهر حتى قتل ابن الزبير فى ساحة الحرب واستسلمت المدينة (17 جمادى الأولى 73 هـ) فكانت مكافأة الحجاج على ذلك أن ولى الحجاز. رأى الخليفة عبد الملك بعد استرداده العراق إجراء ترتيبات عاجلة ضد الخوارج واستطاعت قوات الكوفة والبصرة معا بعد فشلهما الأول أن تنزلا الهزيمة بنجدية اليمامة فى "مشحر" سنة 73 هـ (692 م) إلا أن الصعوبة الكبرى كانت تتمثل فى أزارقة فارس الذين كانوا أشد خطورة وأكثر تعصبا من غيرهم، ولقد دل المقاتلون الذين انهكتهم الحروب على عدم ميلهم للقتال مما حمل عبد الملك على أن يولى الحجاج أمر الكوفة، فاندفع الحجاج فى نصرة المهلب فقضى على الأزارقة فى حملة استغرقت ثلاث سنوات، كما قامت بين قبائل ربيعة فى الجزيرة ثورة خارجية جديدة بقيادة "شبيب" اكتسحت أراضى الكوفة واستولت على المدائن (67 هـ = 695 م)، فلما عاد مقاتلة الكوفة من بلاد فارس عجزوا عن منع "شبيب" من دخول بلادهم، وإذ ذاك استعمل الحجاج أربعة آلاف من جند الشام نجحوا بعد إخراجهم المهاجمين وقتلهم "شبيبا" أن يبددوا شمل الفريق العربى من الأزارقة فى طبرستان. وعمت الفوضى فى نفس السنة خراسان فضمها عبد الملك هى الأخرى إلى حكومة الحجاج الذى أناب المهلب عنه فيها، فأعاد المهلب بعد قليل الحملات التى اتجهت إلى آسيا الوسطى ولكنه لم يكسب كثيرا من هذا العمل فقد وافاه أجله سنة 82 هـ (701 م) وخلفه ابنه يزيد. وقام فى نفس الوقت عبد الرحمن ابن محمد بن الأشعث الذى كان عين واليا على سجستان فقاتل فى افغانستان بقوات الكوفة والبصرة، ثم ثار هو والأشراف سنة 81 (700 م) وعادوا إلى العراق، فلم يعد فى قدرة العدد الضئيل من جند الشام وأعوانهم القدرة على مقاومة القوات المتحالفة، وتأزم الموقف، إلا أن قدوم الامدادات

الحربية من الشام ساعد على هزيمة الثوار عند دير الجماجم فى جمادى الآخرة 82 هـ (يوليو 701 م) ثم القضاء عليهم عند "مسكن" الواقعة على نهر دجلة، وذلك فى شعبان 82 هـ، وفر الباقون منهم إلى سجستان وخراسان ففرق جموعهم يزيد بن المهلب (83 هـ = 702 م)، وقام الحجاج فبنى فى نفس السنة معسكرا حصينا لقوات الشام فى "واسط" فكان ذلك نقطة انتقال فى تاريخ الخلافة الأموية والدولة العربية، واستقر منذ ذلك الحين جند شامىّ احتل العراق. ولم يحدث قط بعد ذلك أن مست الحاجة إلى معونة من جانب "مقاتلة" الكوفة والبصرة واستتب النظام والأمن بفضل صرامة الحجاج وشدته ورفرف الهدوء على مدى اثنتى عشرة سنة، وبدأ الرخاء يعم العراق، إلا أن ذلك لم يكن على رضا من القبائل العربية لا سيما التى كانت مقيمة بالكوفة. كانت الحرب قد تجددت سنة 73 هـ (692 م) مع بيزنطة إذ رفض امبراطورها قبول تداول العملة الذهبية الإسلامية الجديدة التى سكها عبد الملك، وعلى الرغم من بعض الانتصارات الأولى التى أحرزها جند الشام بقيادة محمد بن مروان -أخى الخليفة- فى غاراتهم على أرمينية والأناضول إلا أنهم لم يستطيعوا الاستيلاء على أرض كثيرة لكنهم كانوا قد مهدوا الطريق للحملات التى شنت بعد ذلك إبان الحكم التالى، ففى الشمال الأفريقى نجد أن "مقاتلة" مصر بقيادة "حسن بن النعمان" (بعد استردادهم جزءًا من افريقية قد زحفوا إلى "قرطاجة" تساعدهم قوة بحرية (78 هـ = 679 م وأنزلوا الهزيمة بالاسطول البيزنطى، كما تم احتلال قرطاجة وتأسست قاعدة آمنة فى القيروان تمهيدا لفتوح قادمة. ورغم انشغال بال عبد الملك بالاضطرابات الداخلية، وبالحروب الخارجية إلا أنه وجد وقتا استطاع أن يصرفه فى القيام ببعض الإصلاحات الإدارية فدعم الحكومة المركزية فى وجه الإضطرابات القبلية ووضع اصلاحات عدة للوصول إلى هذه الغاية، كان من أهمها إحلال العربية محل اليونانية والفارسية فى دواوين

المصادر

الحكومة المحلية، وكان هذا العمل أول خطوة لتنظيم جمع الضرائب وتوحيدها فى كافة ولايات الدولة، كما كان فى الوقت ذاته خطوة نحو قيام إدارة إسلامية خالصة، ويظهر هذا واضحا تماما فى القرار الخاص بإصدار (سك) عملة ذهبية فحَلَّ الدينار الإسلامى محل العملة البيزنطية المعروفة باسم "ديناريوس" التى كانت تحمل صورة الإمبراطور، وعلى الرغم من روح العداء تجاه الأمويين عامة والحجاج خاصة إلا أنه مما لا مشاحة فيه أن نفوذ الإسلام أصبح قويا فى هذا المجال، ثم أن الأمر الذى كان أكثر وضوحا هو إعادة نسخ مصحف عثمان بالضبط ويرجع الفضل فى ذلك إلى الحجاج وإن كان هذا الأمر قد أثار ثائرة فقهاء الكوفة الذين التزموا بقراءة ابن مسعود. ومجمل القول إن السنوات الأخيرة من حكم عبد الملك بن مروان كانت على العموم سنوات رخاء وهدوء، ولم يكن يشغل بال الخليفة سوى من يخلفه، لأن مروان كان قد عين للخلافة من عبد الملك ثم أخاه عبد العزيز إلا أن عبد الملك أراد حرمانه من ولاية العهد ليسوقها إلى ولديه الوليد وسليمان، غير أن موت عبد العزيز فى مصر فى جمادى الأولى سنة 86 هـ (مايو 705 م) جَنَّب الدولة الشقاق وذلك قبل خمسة شهور من وفاة عبد الملك (شوال 86 هـ = اكتوبر 705 م) فخلفه الوليد أكبر أبنائه. المصادر: كتب الحوليات العامة مثل الطبرى والبلاذرى واليعقوبى والمسعودى وابن الأثير، وكذلك الأغانى للأصفهانى وعيون الأخبار لابن قتيبة. د. حسن حبشى [هـ. أ. ر. جب H.A.R.Gibb] عثمان بن عفان هو الخليفة الثالث (23 - 35 هـ/ 644 - 655 م) وهو من أسرة بنى أمية الشهيرة والثرية بمكة المكرمة، مما جعل لإسلامه أهمية خاصة، وقد أسلم قبل الهجرة بعدة سنوات، وكان عثمان بن عفان تاجرًا ثريا خلوقا، وقد ربط البعض بين إسلامه وزواجه من رقية

بنت الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] إلّا أن الثابت أن هذا الزواج تم بعد إسلامه، وكان لإسلام عثمان وهو من سراة القوم أثر فى انتشار الدين الإسلامى، فعثمان ليس من العوام، وإنما يمكن وصفه بأنه كان من "الطبقة العليا" فى مجتمعه، وشارك عثمان رضى اللَّه عنه فى الهجرتين: الهجرة إلى الحبشة وبعد عودته لمكة المكرمة، هاجر إلى المدينة المنوّرة لكنه لم يشترك فى غزوة بدر لمكثه إلى جوار زوجته التى كانت تعانى المرض، ومع هذا فقد أسهم له الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فى الغنائم أسوة بمن حضر المعركة، وبعد وفاة زوجته رقية، زوجه الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] من ابنة أخرى له هى أم كلثوم، على أن تدخل عثمان بن عفان فى الحياة العامة أثناء حياة الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وأثناء خلافة أبى بكر كان دورا يكاد يكون غير محسوس، ومع هذا فقد اختاره مجلس الشورى الذى أمر به عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه ليكون أحد المرشحين للخلافة. وربما كان ذلك لعرقه الأموى ولصلته القوية بمحمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وكان بنو أمية قد استطاعوا -حتى فى حياة الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] أن يستردوا بعضًا مما كان لهم من نفوذ فى الجاهلية، واستمر ذلك حتى فى زمن عمر بن الخطاب الذى كان يتميز بالحنكة والخبرة وقوة الشخصية، مما مكنه من السيطرة على مجريات الأمور وكبح جماح أية تكتلات تسعى للسيطرة، ويرى المستشرق "فلهاوزن" والمستشرق "كيتانى" أن عثمان ابن عفان رضى اللَّه عنه حاول انتهاج السياسة نفسها التى نهجها عمر بن الخطاب لكنه لم يكن فى الواقع يمتلك القدرة السياسية والحنكة التى كانت لسلفه، وقد ألصق خصوم عثمان بن عفان به تهمة إيثاره لأقربائه فى تولى المناصب الكبرى، فقد ولى قريبه عبد اللَّه ابن عامر بن كريز، والوليد بن عقبة -وكان أخًا غير شقيق له- مكان أبى موسى الأشعرى على البصرة، كما ولى سعد بن أبى وقاص على الكوفة، وعندما اضطر لعزل الوليد بن عقبة ولّى مكانه أمويا آخر هو سعيد بن العاص الذى ينسب إليه القول المشهور (سواد العراق بستان قريش) كما ولّى مصر لعبد اللَّه بن سعد بن أبى السرح،

وكان قد ارتد عن الإسلام زمن الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، ولكنه رجع إلى حضن الإسلام بعد ذلك وحسن إسلامه وعفا الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] عنه، وكان مستشار عثمان رضى اللَّه عنه هو مروان بن الحكم وتنسب الأخبار إليه أنه كان ذا نشاط ضار بالنسبة لعثمان رضى اللَّه عنه، ورغم كل هذا فقد كان هدف عثمان هو تأسيس حكومة مستقرة مترابطة، وكان يرى أن تعيين القريبين منه يحد من محاولات الولاة الاستئثار بالأمور، وكان عمر بن الخطاب يعمل أيضا فى اتجاه السيطرة على الولاة وعدم السماح لهم بالاستئثار بالأمور، وقد استطاع عمر بالفعل تحقيق ذلك وفرض سيطرته حتى على القادة والولاة الذين كانوا ينتمون لعشائر وقبائل أخرى، أما عثمان رضى اللَّه عنه فقد كان يظن أنه يستطيع تحقيق الغرض نفسه بتعيين أقاربه، فانقلب الوضع وأصبح الخليفة نفسه تحت سيطرة هؤلاء الأقارب. وثمة مسألة أخرى أثرت فى اضطراب الأمور فى عهد عثمان رضى اللَّه عنه، فقد كان بيت المال الذى أرسى فى عهد عمر بن الخطاب، يتطلب دائما فيضا من الغنائم الناتجة من حركة الفتوح، ولم تكن مبالغ الجزية المحصلة من أهل الذمة كافية لسد احتياجات العسكر الجدد، ولم تكن الفتوح فى عهد عثمان رضى اللَّه عنه رغم اتساعها بذات مردود مالى يسد حاجة بيت المال، وقد اتهم عثمان بأنه احتفظ بجانب من الغنائم لعماله وأقاربه وذلك بتوسيعه لمفهوم القطائع إلى حد كبير، وربما كان عثمان يقصد من هذا تكوين أملاك الدولة، بدلًا من تقسيم كل الغنائم على المحاربين ولم يعجب المناهضون لعثمان رضى اللَّه عنه بجمع القرآن الكريم فى (إمام) وهو ما كان يطلق على مصحف عثمان، وقد ناهض بعض القراء من ذوى النفوذ فى هذه الخطة (¬1) ويمكن تقسيم فترة حكم عثمان رضى اللَّه عنه إلى فترتين؛ الفترة ¬

_ (¬1) مع أنها خطوة عظيمة أكدت وحدة المسلمين ومنعت اختلافهم حول هذا النص المقدس [المترجم]

الأولى من 23 إلى 29 هـ وهى فترة استقرار ورخاء، والفترة الثانية من 30 إلى 35 هـ وسادها الاضطراب، وقد فسرت بعض الروايات هذا تفسيرًا غيبيا إذ أرجعته إلى سقوط خاتم الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] من يد عثمان فى بئر أريس سنة 30 هـ. وقد بدأت الفتنة ضد عثمان رضى اللَّه عنه فى العراق حيث كانت الأزمة الاقتصادية فيه أوضح منها مما فى سواه، وحيث كانت حركات التمرد والشغب كثيرة. وقد أثرت أقوال أبى ذر رضى اللَّه عنه -الذى نفى إلى الشام مع عدد من أتباعه، ثم بعد ذلك إلى الربضة حيث مات- فى إثارة بعض الاضطرابات وانفجرت اضطرابات أخرى خطيرة فى الكوفة فى الفترة من 32 إلى 33 هـ تزعمها القراء، وفى مصر أحدث محمد بن حذيفة بعض المشاكل لكن عبد اللَّه بن سعد بن أبى السرح سرعان ما تصدى له. ويقال إن عمرو بن العاص كان يشجع الاضطرابات فى مصر سرا، وفى آخر سنة 350 هـ انفجرت الثورة عارمة موحدة بعد أن كانت متفرقة، فتقدم المعارضون إلى المدينة المنورة قادمين من الأمصار، فكان المعارضون القادمون من مصر هم أول من وصل وتحدثوا مع الخليفة بمرارة وعرضوا عليه ما كانوا يعتقدونه مظالم وخروجا عن الإسلام وكان رد الخليفة وديعا كطبيعته ونزل لهم عن كل طلباتهم ووعد بتعديل عماله، فغادر الوفد المصرى راضيا لكن -فجأة- اكتشف الوفد وهو فى طريق عودته للعرائش -حيث أناخوا دوابهم- رسالة أرسلها -سرًا- عثمان بن عفان رضى اللَّه عنه لواليه على مصر عبد اللَّه بن سعد بن أبى السرح، وكان مضمونها يفيد الأمر بقتل زعماء الثورة بمجرد عودتهم لمصر، فعاد الوفد المصرى غاضبا، ورغم إنكار عثمان لإرسال هذا الخطاب فقد كان هو السبب الرئيسى لمقتله، وقد اختلفت آراء المؤرخين وفقا لاتجاهاتهم فمن قائل إن مروان مستشار عثمان هو الذى دس هذا الخطاب دون علم عثمان، ومن قائل إن عثمان رضى اللَّه عنه شك أن عليا رضى اللَّه عنه هو الذى دس الخطاب، لكن كل ذلك لم يثبت تاريخيا. د. عبد الرحمن الشيخ [ليفى دى لافيدا Levi Della Vide]

العدة

العدة ورد فى المعاجم العربية أنَّ عدَّة المرأة هى أيام قروئها، وعدتها أيضا أيام حدادها على بعلها وإمساكها عن الزينة شهورا كان أو أقراء أو وضع حمل حملته من زوجها. وقد اعتدت المرأة عدّتها عن وفاة زوجها أو طلاقه إياها، وجمع عِدتها عدَد، وأصل ذلك كله من العّد، ويقال قد انقضت عدتها. وفى الحديث: لم تكن للمطلقة عدَّة فأنزل اللَّه سبحانه وتعالى العدّة للطلاق، وعدة المرأة المطلقة المتوفى زوجها هى ما تعده من أيام أقرائها أو أيام حملها أربعة أشهر وعشر ليال. وفى حديث النخعى: إذا دخلت عدّة فى عدّة أجزأت إحداهما، يريد إذا لزمت المرأة عدتان من رجل واحد فى حال واحدة، كفت إحداهما عن الأخرى كمن طلق امرأته ثلاثا ثم مات وهى فى عدتها فإنها تعتد أقصى عدّتين، وخالفه غيره فى هذا، وكمن مات وزوجته حامل فوضعت قبل انقضاء عدة الوفاة فإن عدتها تنتهى بالوضع عند الأكثر. وفى تفسير القرء والقروء أوردت المعاجم العربية أيضا أن القرء (بفتح القاف وضمها) هو الوقت وبالتالى قد يكون للحيض وقد يكون للطهر. قال الشافعى: القرء اسم للوقت فلما كان الحيض يجئ لوقت، والطهر يجئ لوقت جاز أن يكون الإقراء حيضا وإطهارًا. والمعتقد أن تشريع العدّة لم يكن معروفا فى الجزيرة العربية قبل الإسلام فيما يتعلق بالمرأة المطلقة، ولم تكن النصوص القرآنية التى تأسس عليها هذا القانون تتبع دائما فى السنوات الأولى من الإسلام، بالرغم من أن الفقهاء اعتبروا أى زواج يعقد فى أثناء فترة عدة لم تكتمل باطلا ولاغيا، وهذا العنصر الجوهرى فى تشريع الزواج له أهمية أيضا فى تحديد الأبوة. ومشكلات الفقه فى هذا الموضوع تنبثق من حقيقة أن هناك طريقتين لحساب فترة العدة: الأولى بالشهور والأيام وتنطبق أساسا على الأرامل من النساء، والثانية تنطبق على المرأة المطلقة أو تلك

التى فسخ زواجها، وتتأسس هذه الطريقة على حدوث ثلاث دورات للحيض (ثلاثة قروء)، وأصول هذا النظام موجودة فى القرآن، وأحكامه حول هذا الموضوع واضحة جدا لا لبس فيها، فلا مجال فيها لاجتهادات الفقهاء. ويجب أن نضيف إلى الحالتين السابقتين (وهى انتهاء الفترة المحددة، وحدوث القُرْء الثالث) اللتين تحددان نهاية العدة، حالة ثالثة وهى مولد الطفل. فعدة المرأة الحامل فى وقت الانفصال (أو الوقت الذى انحل فيه عقد الزوجية) تنتهى بالنفاس أو الوضع، وسوف نعالج هذه الحالة أولا لأنها الأيسر والأسهل: 1 - فالمرأة الحامل مهما يكن سبب انتهاء زواجها (بموت الزوج أو الطلاق أو الفسخ) تستمر عدتها حتى الوضع، وتنتهى به، حتى إذا جاء بعد الطلاق أو موت الزوج مباشرة، ونادرا ما نجد مذاهب -باستثناء الشيعة "الاثنا عشرية" والزيديين- تطيل فترة العدة فى حالة المطلقة فقط إلى ما بعد الوضع حتى انتهاء فترة الأشهر الأربعة والعشرة أيام التى نص عليها القرآن الكريم لكل الأرامل بلا تفرقة. . وهما يقولان إن فترة التأخير هذه قد استقرت، لا لتجنب البلبلة فى إثبات الولادة فحسب، بل أيضا احتراما لذكرى الميت، فليس من المناسب والمقبول أن تتزوج الأرملة من جديد وفى وقت سريع بعد موت زوجها، لمجرد أنها فى تلك الأثناء وضعت طفلا. 2 - أما بالنسبة للأرامل غير الحوامل، والمطلقات اللائى فى سن صغيرة جدا لا يحدث فيها الطمث أو اللائى وصلن إلى سن اليأس (سن انقطاع الطمث) فإن حساب العدة يكون بالشهور والأيام: (أ) فالأرملة يجب أن تتقيد بالاعتزال لفترة أربعة أشهر وعشرة أيام بعد موت زوجها، سواء تحقق الزواج (أى دخل بها الزوج) أو لم يتحقق، وسواء بلغت سن البلوغ أو لم تبلغ والشرط الوحيد هو أن يكون الزواج صحيحا، وهنا تتراجع فكرة

تجنب البلبلة والشك حول المولود وتحل محلها فكرة التوافق الاجتماعى والأسرى. (ب) وعلى المطلقات اللائى يكن من الصغر جدا أو من الكبر جدا فلا يحضن، أن تتقيدن بثلاثة أشهر قمرية. (جـ) أما المطلقات أو هؤلاء اللائى أبطل زواجهن أو فسخ، وفى سن الحيض، فيجب أن ينتظرن ثلاثة قروء. وقد أثارت كلمة قروء (ومفردها قرء) فى النص القرآنى الكثير من الجدل بين الشراح والمفسرين منذ بدء الإسلام. فالبعض يقول إنها تعنى فترات ما بين الحيض. أو فترات الطهارة. وهذا الرأى هو السائد فى الشافعية والمالكية والشيعة الجعفرية. أما الأحناف والحنابلة والزيديون فيقولون إن كلمة قرء مرادفة للحيض. ولذلك فإن هناك اختلافا طفيفا فى حساب فترة العدة وفقا للمعنى الأول والمعنى الثانى. وبالرغم من أن الأرامل يضطرون إلى الامتناع عن آية علاقات جنسية مهما كانت الظروف، حتى إذا كان زواجهن لم يكتمل أو يتحقق، فإن القانون يختلف بالنسبة للمطلقات، ولهؤلاء اللائى فسخ زواجهن أو أبطل. وتقول الشريعة الإسلامية إنهن يجب أن يتقيدن بالعدة فقط عندما يتحقق الزواج، والشافعية ترفض فكرة الخلوة التى يستدل بها على أن الزواج قد تحقق، إذا اختلى الزوج وزوجته وحدهما فى مكان يكون من الممكن لهما أن يحدث الجماع. وإذا كانت المذاهب الأخرى تعترف بقرينة اكتمال الزواج وتحققه نتيجة للخلوة، فثمة سؤال يثور هل هذه القرينة مطلقة؟ إن جمهور الحنفية والمالكية والحنابلة يقولون إن الخلوة لا يستدل بها كقرينة لتحقق الزواج، ولذلك فإنها لا تتضمن التزاما بالتقيد بالعدة إلا عندما يكون هناك مانع قوى لتحقيق الزواج مثل الضعف الجنسى عند الزوج أو انسداد المهبل عند المرأة. والحق أن قائمة الاحتمالات كثيرة جدا، ولكن يجب أن نذكر أن المرأة التى طلقت طلاقا بائنا يجب أن تتقيد بفترة من الاعتزال تحسب بدورات الحيض، حتى إذا تصادف ومات زوجها فى فترة اعتزالها، ذلك

لأن ترملها يحدث بعد انحلال الزواج ولكن إذا أعلن الطلاق فى أثناء مرض الموت، فإن على الزوجة -التى لا يضيع حقها فى الإرث حينئذ- أن تتقيد بالأطول عن فترتى الاعتزال 3 - تاريخ بدء العدة -عندما يتم الزواج شرعا، فإن العدة تبدأ فى اللحظة التى ينتهى فيها الزواج، أى بموت الزوج. أو بإعلان الطلاق، حتى إذا لم تعلم به الزوجة. وقد كان يحدث فى بعض الأحيان فيما سبق (قبل القوانين التى تحتم إشهار الطلاق وإعلانه) ألا تعلم الزوجة عن طلاقها، وفى هذه الحالة تتقيد بكل عدتها دون أن تكون مدركة لها. ومن جهة أخرى فإن إبطال الزواج أو فسخه أو قرار الزوج بالانفصال عن زوجته لسبب معين، فإن الزوجة يجب أن تعلم به وفى هذه الحالة تبدأ العدة من اللحظة التى تسمع فيها بذلك. 4 - إن حساب العدة بفترات الحيض، أو فترات ما بين الحيض تثير الكثير من الصعوبات التى لا يستطيع الفقهاء حلها فى ارتياح. ففى هذه الأحوال لا بد من الاعتماد على صاحبة المصلحة نفسها. . وهى قد تكذب إما لإطالة فترة الانتظار بادعاء بأنها لا تحيض، أو على الأقل ليس هناك حيض ثالث، أو لتقصير هذه الفترة بقولها إن فترات الحيض لديها قصيرة أو تأتى متقاربة والنوع الأول من السلوك سائد بين الحنفية (الأحناف) فالمذهب الحنفى يسمح للمطلقة طلاقا بائنا أن تحتفظ بنفقتها كاملة خلال فترة العدة. وهذا هو السبب فى أن هؤلاء اللائى لا يتوقعن زواجا جديدا يتأخرن فى الإعلان عن حدوث الحيض الثالث، الذى بإنهائه للعدة، يحرمهن من كل النفقة، وقد حال التشريع دون ذلك بأن حدد مدة عام كأقصى فترة، لا تستحق الزوجة بعدها النفقة (مصر والسودان) وهناك قوانين دول أخرى (القانون العثمانى والأردنى - والسورى) تحدد تسعة أشهر أو سنة كحد أقصى للاعتزال. ويقل التحايل فى هذا المجال بين أتباع الشافعية والمالكية، الذين يسمحون للبائن فقط بأن تظل فى بيت زوجها خلال فترة الاعتزال، دون أى حق فى الطعام أو الكساء -وهذا حق "بخيل" بطريقة

شرعية لا يشجع المرأة على أن تطيل فترة اعتزالها، أما المطلقة التى تتلقى عرضا بالزواج وتخشى أن يضيع زوج المستقبل بسبب طول المدة، فإنها قد تدعى بأن فترات الحيض وما بين الحيض أقصر مما هى فى الحقيقة. وهنا يظهر مذهب أبى حنيفة (وهو المأخوذ فى هذا الشأن) الذى يقول إن فترة العدة يجب ألا تقل عن ستين يوما -أما الحد الأدنى الذى تقرره المذاهب الأخرى فيتراوح بين ثلاثين يوما وتسعة وثلاثين يوما- ويجب أن نشير هنا إلى أن المذهب المالكى لا يأخذ برأى المرأة حتى إذا كانت تتمسك بحد الثلاثين يوما، وهى الحد الأدنى فى هذا المذهب لمجموع فترات الحيض الثلاث، ويتمسك بأن تفحصها امرأتان. 5 - وعدة "الأمة" تحكمها قواعد خاصة -فالأمة التى هى مجرد "خليلة" يجب أن تتقيد بفترة من الاعتزال تعادل حيضا واحدا أو شهرا، حسبما إذا كانت فى سن الحيض أم لا، على أن تبدأ من الوقت الذى تصبح فيه "ملكا" لسيد جديد، إذا كان ينوى أن يقيم معها علاقات جنسية، أو إذا حدث أى تغيير فى وضعها الشرعى (القانونى) -ويعرف هذا بالاستبراء- ولكنها قد تتزوج، وفى هذه الحالة يجب أن تتقيد -فى نفس الظروف التى تفرض فيها العدة على المرأة الحرة- بعدة تكون مدتها نصف المدة التى تتقيد بها المرأة الحرة وذلك تطبيقا لقاعدة نصف النصاب -وهذا يعنى أن عدة الأمة الأرملة تستمر شهرين وخمسة أيام، وعدة المطلقة التى ليست فى سن الحيض شهرا ونصف الشهر. . كى تقرر أن تكون عدة الأمة المطلقة التى فى سن الحيض فترتين بين الحيض (الشافعية والمالكية) أو فترتى حيض (الأحناف والحنابلة) والاستثناء الوحيد هى "أم الولد" التى تعامل معاملة المرأة الحرة. . 6 - أما حقوق والتزامات المرأة التى تلتزم بعدة فتختلف حسبما إذا كانت أرملة أو مطلقة -فالأرملة ليس لها الحق أبدا فى نفقة كاملة حتى إذا كانت حاملا. . وتتفق المذاهب جميعا فى هذا وليس فى هذا جور عليها، فالذى يجب

أن نعرفه هو أن لها نصيبا فى ممتلكات الزوج المتوفى. وبالرغم من عدم أحقيتها فى النفقة، فإنه يجب أن تتم العدة فى منزل زوجها -كى يجب أن تواصل الحداد فلا تلبس المجوهرات ولا تستخدم مستحضرات التجميل (كالتزام أخلاقى) -وحقها فى الخروج أقل تقييدا من حق المطلقة، ذلك لأنها قد تضطر لكسب عيشها طالما لا تحصل على نفقة- أما القواعد الخاصة بالبائنة فتختلف باختلاف المذاهب (ووضع المرأة غير البائنة هو وضع المرأة المتزوجة) فالأحناف يقولون إن زوجها السابق يجب أن يتكفل بنفقتها خلال فترة العدة حتى إذا لم تكن حاملا: إلا إذا كان الانفصال بسبب غلطة فيها (الزنا أو الارتداد عن الدين) فحينئذ تحرم من النفقة -أما المذاهب الأخرى فأقل تحررا بكثير فهى (مثل الحنابلة) ترفض آية حقوق للبائنة أو (مثل المالكية والشافعية) تمنحها فقط حق السكنى، ما لم تكن حاملا، ففى هذه الحالة يجب على الزوج -حسب النص القرآنى- أن يعطيها نفقة كاملة. . والبائن لا ترث من زوجها إلا إذا كان قد طلقها فى أثناء مرضه الأخير (باستثناء المذهب الشافعى). ولا تصر أغلبية المذاهب على أن تتقيد بالحداد أو بالالتزامات الأخلاقية التى تفرض على الأرملة، لكن الأحناف يقولون إنها يجب أن تخضع لهذا المبدأ الأخلاقى فى مقابل النفقة، وهى ميزة منحتها لها القواعد الحنفية ويجب أن نذكر أن من حق وواجب أى امرأة تتقيد بعدة أن تفعل ذلك فى بيت زوجها السابق. 7 - والزواج الذى يتم الدخول به فى أثناء العدة لزواج سابق فاسد حسب المذهب الحنفى -ويجب على الزوج والزوجة أن ينفصلا من تلقاء نفسيهما، والمذاهب الأخرى ترى الشئ نفسه فقط فى حالة حسن النية، وفى هذه الحالة تتلقى الزوجة (طالما تحقق الزواج) كل المهر، والأطفال الذين يولدون شرعيون، وعندما ينحل هذا الزواج الثانى، فإن الشافعية والحنابلة يرون أن تتقيد الزوجة بعدتين، ما تبقى من العدة الأولى ثم عدة جديدة لثلاث

المصادر

مرات حيض أو ثلاث فترات لما بين الحيض- ولكن الأحناف يصرون على عدة واحدة تمتد إلى ثلاث فترات للحيض، يمكن أن يتقرر على أساسها مقدار العدة الأولى التى انتهت لتوها. وهناك أقوال كثيرة حول جمع العدتين، ولكن يحق للزوجة فى جميع الحالات وفى نهاية هذه العدة الثابتة أن تتزوج من جديد الزوج الثانى (وهو الذى انفصلت عنه) ولكن بعقد جديد ومهر جديد. وهذا ما تراه معظم المذاهب. 8 - وقد أولت مجموعة القوانين الحديثة -من قانون الأسرة العثمانى عام 1937 م إلى القانون العراقى للأحوال الشخصية عام 1959 م- اهتماما كبيرا بأحكام العدة دون أن تحيد عن المبادئ الإسلامية باستثناء القانون التونسى للأحوال الشخصية الذى حدد فترة ثلاثة أشهر للعدة -والتعديلات الطفيفة التى أدخلت على "القانون" القديم (الكلاسيكى) (وخصوصا فى الدول التى تأخذ بالمذهب الحنفى) تتعلق بحساب فترة العدة بفترات الحيض فهى تحدد فترة أقصى وفترة أدنى يجب أن تحدث خلالها فترات الحيض الثلاث، وينص القانون العثمانى لعام 1917 م وكذلك القانون الأردنى لعام 1951 م ألا تتجاوز العدة تسعة أشهر- وقد رأت مصر والسودان وسوريا أخيرا ألا تحدد حدا أقصى للعدة للمطلقة التى تكون فى سن الحيض، على حين نصت على ألا تطالب بالنفقة لأكثر من اثنى عشر شهرا (القانون المصرى 25 لعام 1929 م والقانون السودانى لعام 1927 م) ولا تتجاوز تسعة أشهر فى القانون السورى (مادة 84) بعد انتهاء. الزواج -وقد وضعت هذه الاجراءات لعدم التحايل من جانب المطلقات فيزعمن أنهن لا يحضن لسنوات طويلة حتى يحصلن على النفقة- وقد تحدد الحد الأدنى للعدة فى بعض الدول -بحساب فترات الحيض- بثلاثة أشهر. المصادر: (1) يوجد ملخص مفيد للموضوع (الذى تعالجه أمهات كتب الفقه فى باب مستقل بذاته) فى مختصر القدورى الذى ترجم إلى الفرنسية:

عدن

Bercher et Bousquet: Le Status personnel en droit musulman hanafie, 156 ff (2) J. Schacht: The Origins of Muhammadan Juris prudence, 181, 197 - 8. 225 - 6 بهجت عبد الفتاح [ى. لينانت دى بلفوند Y.Linant De Bellefowds] عدن 1 - مدينة 2 - مستعمرة تحت التاج البريطانى 3 - محمية بريطانية جنوب غرب الجزيرة العربية 1 - هى مدينة وميناء بحرى على الساحل الجنوبى للجزيرة العربية، خضعت لبريطانيا منذ عام 1839 م - ويبلغ عدد سكانها من ذوى الأجناس المختلفة نحو خمسة وثلاثين ألفا ولأنها ذات حصون قوية، فإنه يطلق عليها الكثير من أسماء الموانى والثغور الشهيرة (ويمكن الرجوع إلى "المقدسى" لمعرفة الأسماء الكثيرة التى أطلقت عليها). وشبه جزيرة عدن بركان هامد، يسمى الآن شمشان أو شَمْشَم باللغة الدارجة، وكان اسمه فى الزمن القديم جبل عدن الذى يرتفع عن البحر بخمسمائة وخمسين ميلا (1775 قدما) وفى الجانب الشرقى شعب فى سلسلة الجبال التى تواجه جزيرة صيرا sira، وهنا يقع الجزء الرئيسى من المدينة وتصل المساكن إلى البحر، وقد كانت عدن جزيرة فى يوم من الأيام. ولا يزال البرزخ الضيق المنخفض يغطيه المد والجزر المرتفع فى الربيع، وقد أزيل هذا العائق بأن أقام الفرس جسر المكسر Maksir (انظر خور مكسر غربى البرزخ). . وبجانب البركان الرئيسى هناك عدة مرتفعات صغيرة مثل جبل صيرا وحقات ومرشق (وبه منارة كبيرة) وجبل حديد Hadid (غربى البرزخ) وقد كان الميناء القديم على الجانب الشرقى ومتصلا بالمدينة؛ وقد أقيم حاجز لحمايته من الرياح الجنوبية الشرقية. وقد كانت عادة بناء السدود (الخزانات) والصهاريج من سمات حضارة سبأ القديمة وقد تركت آثارها فى أراضى عدن فهناك بقايا خمسين من المستودعات تنتشر على أرض شبه

الجزيرة، ويقال إن الفرس هم الذين أقاموها، وشهد على أنها فى حالة مقبولة وطيبة نوعا ما كل من صولت salt فى 1809 م وهاينز Haines، اللذين غزوا عدن فيما بعد فى عام 1835 م ولكن اعتراها الاهمال منذ عام 1839 م وما بعد ذلك -وتم نقل الكثير من أحجارها حتى عام 1856 م، عندما بدأت استعادة تلك المستودعات التى فى داخل "فوهة البركان" وهناك ثلاثة عشر صهريجا تحجز ما يقرب من مليونى لتر من الماء ولكن مياه الأمطار القليلة غير المنتظمة نادرا ما تملأ هذه الصهاريج تماما. وهناك آبار كثيرة فى نطاق فوهة البركان فى الجزء الغربى من شبه الجزيرة، ولكن لا تسد الحاجة للمياه النقية للشرب، إذ تكون فى معظمها مائلة للملوحة. وقد كانت "الحيلة" Alhayle (وتسمى الآن الحصوة) هى منهل عدن (مصدر المياه) وفى عام 1867 حصلت الحكومة البريطانية على تصريح من سلطان لحج بشق قناة لجر المياه من قرية الشيخ عثمان وبعد ذلك (بفترة) أقيمت المكثفات وتعزو الأساطير تأسيس عدن إلى "شداد بن لماد" الذى يقال إنه أمر بحفر النفق الشهير فى سلسلة الجبال، واستخدم المكان كسجن- وقد سمعنا الشئ نفسه عن قوم "تُبَّع"، وفراعنة مصر، حيث جاء اسم "الحبس" أو "حبس فرعون" وتقول الروايات القديمة إن قابيل بعد أن قتل أخاه هابيل هرب مع أخته من الهند إلى عدن حيث زاره إبليس على جبل صيرا وعلمه كيف يستخدم الآلات الموسيقية. ويظهر قبره اليوم فوق بوابة الممر الرئيسى- كما أن البئر المعطلة أو المهجورة (Abondoned well)، وإرم ذات العماد موجودتان فى عدن أو بالقرب منها، أما ما تقوله الروايات عن نيران تخرج من اليمن أو عدن (صيرا)، تنبئ بيوم القيامة، والتى تنسب إلى حديث للرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، فقد تكون نوعا من الذكريات عن النشاط البركانى، أما عن السكان فيقول الحمدانى إن عرب عدن كانوا ينقسمون إلى ثلاث طوائف: مرب وحماحم وملّاح ثم إن الأعداد الكبيرة من الهندوس والصوماليين تشير إلى الهجرة المستمرة عن طريق البحر وهناك ما يشير إلى هجرات مبكرة من

مدغشقر، عبر مقدشيو وكلوه وهجرات للفرس من سيراف وقيس (أوكيس). وقد تم إجلاء عدد كبير من اليهود من عدن فى السنوات الأخيرة إلى اسرائيل. وكان فى عهد الإمبراطور الرومانى قسطنطين وقد قام الاسقف ثيوفيلوس ببناء كنيسة هناك. وبعد فترة من الوقت فقدت عدن أهميتها أمام موانئ البحر الأحمر ومنذ عام 575 م فصاعدا فضل الفرس تمدين اليمن وتحضرها ببناء الصهاريج والحمامات وإقامة المدابغ. وبعد أن استسلم باذان آخر الحكام الساسانين للنبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] قام (على بن أبى طالب) فى 10 هـ/ 631 م بزيارة عدن وخطب من على منبرها وقد استطاع حسين بن سلمة -وزير بنى زياد أن يسترد مسجدا كان قد أقامه عمر بن عبد العزيز، وفى عام 454 هـ/ 1062 م قام على بن محمد الصليحى الحاكم الفاطمى فى مصر بغزو عدن وتقديمها هدية إلى حرتْ سيده عند زواجها من ابن المكرّم فى عام 461 هـ/ 1069 م)، ولكن "بنو معن" الذين كانوا يحكمون عدن منذ 410/ 1019 م بعد بنى زياد، ظلوا يشرفون عليها حتى عام 476 هـ/ 1083 م، عندما ثاروا وحل محلهم شقيقان من الأسرة الحمدانية، وبعد فترة اتحدت المدينة تحت أيدى محمد بن سبأ (534 هـ - 48 هـ/ 1130 - 53 م) وابنه عمران (560 هـ/ 1165 م) وكان خراج عدن فى ذلك الوقت يصل إلى مائة ألف دينار فى العام. وفى عام 569 هـ/ 1173 م، غزا توران شاه شقيق صلاح الدين الأيوبى عدن بمجموعة من المرتزقة الأتراك (الغز) وقد كانت فترات حكم الأيوبيين (625 هـ/ 1228 م)، والرسوليين (858 هـ/ 1454 م) والطاهريين Tahirid (923 هـ/ 1517 م) فترات ذهبية لتجارة عدن. ولكن اكتشاف الطريق البحرى للهند وظهور القوة العثمانية كانا بداية لانهيار تجارة عدن وقد هاجمها الادميرال البرتغالى البوكيرك Albwquerque فى عيد الفصح عام 1513 م بعشرين سفينة، ولكنه لم ينجح فى الاستيلاء عليها. . وفى عام 1538 م استطاع أسطول بحرى تركى -وهو فى طريقه إلى الهند- أن يخدع

المدافعين، وحكم الأتراك اليمن لما يقرب من مائة عام. وأصبحت عدن تحت حكم أئمة صنعاء من الزيديين (الزيود) فى عام 1568 م وفى عام 1630 م تركها الأتراك نهائيا. وفى عام 1735 م أصبحت عدن فى أيدى العبدلى Abdali سلطان لحج الذى اضطر واحد من سلالته واسمه محسن أن يتخلى عنها لحملة إنجليزية بقيادة الكابتن هانيز Haines، الذى أرسلته حكومته للحصول على تعويض عن سرقة ونهب إحدى السفن البريطانية. . وبسبب هذا المسلك الخائن من جانب السلطان تم احتلال المكان بهجوم عاصف فى 1839 م وقد بقى من هذ المدينة التى كانت فى رخاء وسعة والتى زارها ماركو بولو فى عام 1276 م - وكانت تضم 360 مسجدا ويقطنها ثمانون ألفا، غير قرية فقيرة بائسة تضم ستمائة نسمة يعيشون فى أكواخ. ومنذ ذلك الحين تقدمت عمليات النمو بسرعة فى عدن وخصوصا بعد فتح قناة السويس فى عام 1896 م، وأصبح جبل طارق العربى الآن مركزا ذا أهمية كبيرة ومتزايدة. أما فى شأن المبانى فثمة أسوار لحماية التجارة كما تزايد عدد المنازل المبنية من الحجر. وبعد رحيل توران شاه قام نائبه فى عدن عثمان الزنجبلى (أو الزنجبيلى) ببناء سور أكبر بست بوابات وإدارة للجمرك. وهناك أبنية مدنية أخرى للحاكم طغتكين بن أيوب، وابنه إسماعيل والرسولى "على بن مجاهد" والطاهرى "عبد الوهاب". . ومن المساجد المشهورة فى عدن مسجد "أبو بكر العيدروس" حامى المدينة، وتتم زيارته فى الخامس عشر من ربيع الآخر. 2 - مستعمرة (تحت التاج البريطانى منذ 1937 م) (*) فى جنوب غرب الجزيرة العربية تضم مدينة عدن ¬

_ (*) نالت عدن استقلالها بعد ذلك. اندمجت مؤخرا شمال وجنوب اليمن فى دولة واحدة هى الجمهورية العربية اليمنية. المحرر.

المصادر

وشبه الجزيرة والبرزخ ومدينة الشيخ عثمان بما يحيطها وشبه جزيرة عدن الصغيرة Little Aden وجزيرة "بريم" Perim وتصل المساحة إلى ثمانين ميلا مربعا -السكان 45 ألف- محمية بريطانية منقسمة إلى نصف غربى ونصف شرقى، ومركزاهما عدن -والمكلَّا Mukalla وتضم محمية عدن الغربية (40 ألف ميل مربع) تسعة أقاليم (أو ولايات) وتضم محمية عدن الشرقية (من 70 إلى 8 ألف ميل مربع) دويلات حضرموت و"بير على"، ومشيخات Hawra,grka وسلطنة المهرة Mahri فى كشن Kishn وسوقطرة - السكان ستمائة ألف نسمة. المصادر: ورد الكثير عن عدن فى المصادر العربية، ياقوت الحموى، المقدسى، الادريس، ابن بطوطة، وأيضًا أبو محزمة فى تاريخ ثغر عدن، أحمد فضل بن محسن العبدلى: عاديات الزمن فى أخبار ملوك لحج وعدن، ومن المراجع الأجنبية: (1) D. Ingrams: A Survey of social and economic conditions in the Aden pro teclorale, Asmara 1949 (2) ياقوت الحموى، معجم البلدان، ليبتسك 1866 - 1873 الجزء الثالث ص 621. بهجت عبد الفتاح [و. لوفجرن O.Lofgrn] عراف (والمصدر العرافة) وهو واحد من الذين يقرأون الغيب والمرادف الأوربى لها هو المرأة الحكيمة مع تغيير الجنس. وهناك عدة مرادفات فهى تأتى بمعنى الطبيب "قلت لعراف اليمامة -عالجنى- وإذا شفيتنى فأنت طبيب حقا" و"سوف أعطى عراف اليمامة ما يستحقه هو وعراف نجد إذا شفيانى" وكان الاثنان على التوالى هما رباح بن عجلة Rahah b. Adjale و"الأبلق الأسدى" والكاهن من

المصادر

يستنتج الإجابة من كلمات السائل وسلوكه أو ظروفه، أو يجد أشياء تكون قد سرقت أو ضاعت. ويقال إن العراف أدنى فى الدرجة إلى حد ما من الكاهن -والآراء تختلف حول المعانى الدقيقة لهذه الكلمات وهناك قول مأثور مفاده أن العراف يأخذ ما يفلت من السارق و Hazi هو من يحزر من شكل الأطراف أو الشامة فى الوجه- ويقال إن الذى يستشير العراف أو الكاهن غير مؤمن ومع ذلك فإن نشاطهم معروف فى التاريخ الإسلامى ولم يكن عمرو ابن العاص عرافا محترفا، ولكنه اشتهر بحكمته العملية فمن معرفته بأسماء اثنين من المسافرين هما حصيرة Hasira وقتال Kattal استنتج أن عثمان قد ضرب حوله حصار ثم قتل (الطبرى). ويقول إخوان الصفا: الكاهن لا يستخدم ادوات أو كتبًا أو حسابات ولكنه يعتمد على ذكائه الفطرى ثم يفسر ما يراه أو يسمعه وتستخدم (زجر) لوصف هذا النوع من الكهانة بالرغم من أنها كانت تعنى فى بادئ الأمر التكهن بالطيور والحيوانات والتفاؤل والتشاؤم منها. أما ابن خلدون فيضع نظرية فى النبوءة والتنبؤ فيقول إنها خاصية تتميز بها روح الإنسان. فقد تشكلت الروح بطريقة تمكنها من أن تتجرد من إهابها الدنيوى أو غلافها الجسدى وترتفع أبى حالة روحية أسمى فالذين يندرجون فى مصاف الأنبياء يعلقونها -بتكوينهم الطبيعى- كومضة من الحدس، وتهبط عليهم بلا جهد أو عناء، دون أية مساعدة من وسائل الادراك الحسى، ودون إجهاد الفكر كما أنهم لا يحتاجون إلى القيام بأية حركات متعجلة أو كلمات ملفوظة ولا يحتاجون إلى استخدام أية وسائل غير طبيعية. وبتجريد أنفسهم من الجسد، يصبحون فى حالة ملائكية التى هى أمر طبيعى بالنسبة لهم -فى أقل من "طرفة عين". المصادر: (1) المسعودى: مروج الذهب، باريس 1861 - 1877، الجزء الثالث، ص 352. (2) إخوان الصفا: القاهرة، الجزء الرابع ص 382. بهجت عبد الفتاح [أ. س. تريتون A.S.Tritton]

العراق

العراق (*) أ- منذ الفتح العربى حتى 1258 م: اجتذب إقليم العراق الخصيب منذ القدم اهتمام بعض الجماعات العربية فاستقر اللخميون المسيحيون فيما حول الحيرة منذ القرن الثالث للميلاد، وعهد إليهم الساسانيون بالدفاع عن إقليم ما بين النهرين ضد أى هجوم قد يقوم به البيزنطيون أو حلفاؤهم، فلما كان القرن السادس للميلاد نزحت ¬

_ * يبلغ عدد السكان: 19.890.000 نسمة، لكثافة: 118 فى الميل المربع. المناطق الحضرية 70 %. الأعراق: عرب 85 % أكراد: 15 %، الحكم: جمهورية يرأسها الرئيس صدام حسين التكريتى. المولود فى 29 ابريل سنة 1937 والذى شغل منصبه فى 16 يوليو سنة 1979 كما شغل منصب رئيس الوزراء فى 29 مايو سنة 1994. وتنقسم العراق إلى 18 قضاه (مديرية). العملة: الدينار العراقى (ووفقا لتحويلات مارس سنة 1994 كان 100 دينار عراقى = 3.21 دولار أمريكى). أعلنت العراق مملكة مستقلة سنة 1932، وفى 1958 قامت ثورة أعلنت الجمهورية ووثقت علاقاتها بالاتحاد السوفيتى وتم تأميم معظم الصناعات الكبرى كما تم تفتيت الملكيات الزراعية الكبيرة. وحكم حزب البعث العربى الاشتراكى منذ سنة 1968، ووقعت العراق والاتحاد السوفيتى اتفاقات تعاون اقتصادى سنة 1972 ووصل خبراء روس لمساعدة الجيش العراقى وتدريبه. وفى سنة 1978 تم إعدام 21 شيوعيا وعادت العلاقات التجارية مع الغرب على نحو أكثر طبيعية، لكن سرعان ما عادت العلاقات قوية مع الاتحاد السوفيتى. وفى سنة 1973 عندما قامت الحرب العربية الاسرائيلية قدم العراق مساعدات عسكرية لسوريا. وفى 22 سبتمبر سنة 1980 خاض العراق وايران حربا شعواء فى نزاعات حدودية وفى مايو سنة 1982 عادت القوات العراقية إلى حدودها تاركة الأراضى الإيرانية التى كانت قد احتلتها. فى 7 يونيو 1981 حطم سلاح الجو الاسرائيلى المفاعل النووى العراقى. وفى 1984 توسع نطاق الحرب العراقية الإيرانية لتهدد منطقة الخليج كلها. وانتهت هذه الحرب الشنيعة فى أغسطس 1988 عندما قبلت العراق وقف اطلاق النار بناء على قرار الأمم المتحدة. فى 2 أغسطس سنة 1990 اجتاحت القوات العراقية أراضى دولة الكويت، فقررت الأمم المتحدة قطع العلاقات التجارية مع العراق ودعت كل أعضائها لتأييد عودة حكومة الكويت الشرعية. إلا أن العراق أعلن أن الكويت هى القضاء (المحافظة) =

بعض القبائل من وسط شبه الجزيرة العربية، وهى قبائل بنى تغلب وبكر بن وائل سعيا وراء المراعى فى سهول الفرات، ثم تلاهم بنو تميم الذين انتقلوا إلى النواحى الواقعة تحت سيطرة اللخميين فى شمال بلاد العرب، واعتنق بعضهم حينذاك النصرانية. ثم بدأ الفتح العربى للعراق زمن الراشدين حين قام المثنى ابن حارثة وانضم إلى خالد بن الوليد فى غزو بلاد العراق الخصيبة، فلما كان صيف أو خريف سنة 12 هـ (633 م) وقف خالد بجنده القليلين أمام الحيرة التى سرعان ما دانت له، وسار الفتح فى خطوات بطيئة حين سار خالد فى سنة 13 هـ إلى الجبهة الشامية تاركا المسلمين بقيادة المثنى، وجرت مصادمات حربية بين المسلمين والفرس انتهت بانتصار المثنى فى معركة "الجسر" أولا ثم فى معركة "بويه" فى العام التالى، غير أنه ما لبث أن مات فتولى القيادة بعده الصحابى سعد بن أبى وقاص الذى جابه هجمة شرسة من جانب القائد الساسانى "رستم"، وجرت بين الجانبين معركة ضارية استمرت ثلاثة أيام عرفت بالقادسية على مسافة ثلاثين كيلو مترا جنوب شرقى الحيرة، وانتصر المسلمون فى النهاية فانفتحت أبواب العراق أمامهم ودخلوا العاصمة "المدائن" واحملوا بقية الإقليم الذى رحب أهله بهم ترحيبا كبيرا ربما كان سببه أنهم يرجعون إلى أصل آرامى ويتكلمون لغة سامية الأصل كالعربية، ¬

_ = رقم 19 فى دولة العراق، وكان قراره هذا فى 28 أغسطس. وقادت الولايات المتحدة تحالفا لإخراج القوات العراقية من الكويت فى 16 يناير 1991. وفرضت الأمم المتحدة حظرا على التعامل الاقتصادى مع العراق واخضعت أراضيه للتفتيش بحثا عن أسلحة الدمار الشامل، وأصبح الشعب العراقى يعانى كثيرا مما جعل الدول العربية بما فيها الكويت تميل إلى فك الحصار عنه. د. عبد الرحمن الشيخ

وتلى ذلك سنة 17 هـ (638 م) تأسيس البصرة كمعسكر حصين على شط العرب، وأخذت فى النمو والقوة والاتساع. كما تأسست الكوفة الواقعة جنوبى بغداد سنة 17 أو 18 هـ (639 م) التى قدر لها أن تصبح العاصمة الجديدة للعراق لتحلّ محل "المدائن" التى هجرها سكانها شيئا فشيئا. على أن فتح العراق النهائى تم بانتصار المسلمين فى وقعة "نهاوند" (21 هـ = 642 م) فانفتحت الحدود الإيرانية أمام القوات الإسلامية، وتحولت كل من الكوفة والبصرة إلى مدينة قائمة بذاتها وكان لكل منهما حاكم مستقل عن الآخر. ولقد حارب علىّ قرب البصرة وهزم خصومه فى وقعة الجمل عام 36 هـ (= 656 م) وجعل الكوفة مركزا له، وذلك أثناء محاربته معاوية والخوارج الذين انتصر عليهم فى وقعة النهروان سنة 38 هـ (= 658 م) ثم اغتيل هناك أيضا على يد ابن مُلْجم سنة 40 هـ (= 661 م). وأدى انتصار معاوية والى الشام وقيام الدولة الأموية إلى رجحان كفة الشام على العراق على الرغم من أن العراق كان حينذاك أغنى وأكثر سكانًا، وكان أهله -أكثر تمرسا من أهل الشام بالإدارة والحكومة. فقد أُلقيت مقاليد الحكم فى العراق زمن معاوية إلى زياد بن أبيه الذى ولى أولا البصرة سنة 45 هـ (665 م) ثم حكم الإقليم كله منذ سنة 50 هـ (670 م) حتى موته سنة 53 هـ (673 م) فخلفه ولده عبد اللَّه بن زياد سنة 55 هـ (675 م) الذى هو مسئول عن قتل الحسين فى كربلاء سنة 61 هـ (= 680 م) فى زمن يزيد الخليفة، وجرت فى السنوات التالية ثورة عبد اللَّه ابن الزبير الذى أنكر على يزيد الخلافة ووقف إلى جانب أغلب سكان الكوفة والبصرة (لا سيما بنو تميم)، وعهد بحكومة العراق إلى مصعب بن الزبير

الذى كانت مهمته الأولى القضاء على ثورة المختار التى بدأت عام 66 هـ (= 686 م) وتم إخمادها بعد بضعة أشهر عام 67 هـ، وما لبث هو ذاته أن مات بعد قليل فى معركة بين قواته وقوات عبد الملك بن مروان وتمكن الأمويون عام 72 هـ (691 م) من إعادة بسط سلطانهم على العراق. ونظرا لاستمرار الخوارج فى عدائهم للدولة فقد اضطر الخليفة سنة 75 هـ (694 م) لأن يولى الحجاج حكومة الكوفة، فقام بتأسيس مدينة "واسط" الجديدة بعد تنظيمه القوات العراقية، التى كانت بقيادة المهلب بن أبى صفرة وإخماده ثورة ابن الأشعث الذى كان قد احتل البصرة والكوفة. وتم فى الوقت ذاته تطبيق الإصلاحات الإدارية والمالية التى أمر بها عبد الملك والتى أسفرت عن سك عملة جديدة فى واسط، كما برزت فى الوقت ذاته مشكلة خطيرة هى هجرة الفلاحين الذين اعتنقوا الإسلام ورفضوا بالتالى استمرارهم فى دفع الضرائب التى كانوا يدفعونها قبل إسلامهم. وظهرت العصبيات القبلية فى العراق، ففى الشام مال الحجاج إلى القيسيين، على حين اضطهدهم يزيد بن المهلب اضطهادًا شديدا حمل الخليفة عمر بن العزيز على الزج به فى السجن، إلا أنه استطاع الفرار من حبسه وأشعل ثورة أنذرت بشر كبير، لكن تم القضاء عليها سنة 102 هـ (721 م) على يد الأمير الأموى مسلمة الذى يرجع إليه الفضل -عن غير قصد- فى استصلاح الأخوار المتناثرة فى منطقة شط العرب، فلما كان زمن الخليفة هشام بن عبد الملك عاد الاستقرار يرفرف بجناحيه على العراق فى ولاية خالد بن عبد اللَّه القسرى الذى قُتل بعدئذ زمن الوليد الثانى. واتصفت أخريات العصر الأموى بازدياد الاضطراب بسبب ما أثاره العباسيون والخوارج الذين وقعت

الكوفة فى قبضتهم فترة من الوقت، وعجز الوالى ابن هبيرة عن صد الهجوم الذى شنته الكتائب العباسية التى حاصرته فى الكوفة حصارًا انتهى بهزيمة القوات الأموية ونزول ابن هبيرة بعهد أمان لم يوضع موضع التنفيذ. ولما قامت الدولة العباسية اتخذت عاصمتها فى العراق فكانت الكوفة أولا ومن بعدها مدينة بغداد، وترتب على ذلك تزايد الاهتمام بهذه الولاية وبسكانها، وأدى ظهور المدن إلى إحداث تغيرات فنزح سكان الكوفة بالتدريج إلى بغداد التى أخذت فى الاتساع والعمران، ثم جاء وقت انتقل فيه بلاط الخليفة إلى سامراء وذلك فى الفترة الواقعة بين عامى 241 هـ، 278 هـ (638 - 872 م) وظهر تطور اقتصادى ملحوظ فى العراق خلال العصر المبكر منذ الخلافة العباسية فأصبح مركز تجارة الشرق بأجمعه، كما صار فى الوقت ذاته مركزا ثقافيا وفنيا وملتقى الشعراء والأدباء ورجال الدين والعلماء. ومع ذلك فقد قاسى العراق اضطرابات خطيرة كثورات العلويين فى إقليم البصرة سنة 145 هـ (762 م) ثم الكوفة (199 هـ - 200 هـ = 815 - 816 م)، كما قاسى شرور الفتنة بين الأمين والمأمون، وحوصرت بغداد سنة 196 - 198 هـ (= 812 - 813 م) وقام الجند الأتراك بتمرد فى سامراء مما أدى إلى محاصرة بغداد مرة أخرى عام (251 هـ = 865 م)، وشبت ثورة الزنج فى العراق الأدنى (255 - 270 هـ = 869 - 883 م)، وتعددت غارات القرامطة. ويلاحظ أن كل هذه الأحداث التى ترجع إلى أسباب سياسية ودينية وإلى عدم الاستقرار الاجتماعى أفضت إلى إزعاج الحكومة فى العراق الذى يعد واحدا من أغنى أقاليم الخلافة. وكانت الضرائب المفروضة على أراضى السواد (أى العراق) تعتبر جزءا هاما من موارد بيت المال وهو ما يفسر لنا لماذا كان الوزراء فى مستهل القرن الرابع

الهجرى (العاشر الميلادى) يُختارون على الدوام من أصحاب الخبرة المالية وممن سبق لهم -قبل توليهم الوزارة- معالجة المشكلات الحساسة التى يثيرها جباة الضرائب فى هذا الإقليم. وقد حدث منذ خلافة المهدى أن أصبح جمع هذه الضرائب قائما على مبدأ دفع جزء مناسب من المال مقدما عينا. وكان تعيين الخليفة الراضى لابن رائق أميرا للأمراء بداية عصر جديد امتد من سنة 336 هـ حتى سنة 447 هـ (أى من 945 - 1055 م)، تعرَّض العراق فى أثنائه لحملات حربية أدت إلى حدوث نكسة فى رخائه الزراعى حتى أصبح لا يعدو أن يكون إقليما داخل التركيبة السياسية المعقدة زمن الأمراء البويهيين الذين كانت اعتقاداتهم الشيعية (وعلى الأخص الإمامية) مؤدية بهم إلى الاحتفال بأعياد الشيعة وإقامة الأضرحة على قبور الأئمة الموجودة بالعراق، غير أن هذه السياسة قوبلت بالامتعاض من جانب سكان العراق من أهل السنة بل ومن الخليفة ذاته. وزيادة على ذلك فإن الإعفاءات الضريبية التى منحت للأمراء على ما يسمى بالأراضى الخراجية لم تؤد إلى تحسين وضع العمال الزراعيين الذين كانت ثروة البلاد تعتمد عليهم بعض الشئ. وبعد أن اضطربت أحوال العراق لقيام ثورة البسليرى المؤيدة للفاطميين جاء السلاجقة فأقاموا دولة جديدة ظلت فى الوجود حتى الغزو المغولى، وبذل السلاجقة غاية جهدهم لإعادة المذهب السُنى، لكن لم يخْل الأمر من وجود مضايقات، منها: المنازعات بين الخلفاء والسلاطين الذين اتخذوا من أصفهان عاصمة لهم. كذلك قامت الانشقاقات بين الشافعية المؤيدين للأشعرية وبين الحنابلة الذين شجعهم السلاطين السلاجقة بتعيينهم مدرسين فى المدرسة الجديدة المعروفة بالنظامية (التى أنشئت عام 945 هـ = 1067 م)، واستمر السلاجقة يحكمون العراق

العراق من 1258 م حتى 1534 م

طوال القرن السادس الهجرى (الثالث عشر الميلادى)، ثم ما لبثت دولتهم أن تفككت فاستطاع واحد من نسل محمود ابن محمد بن أخى سنجر أن يؤسس إمارة مستقلة فى العراق، وبقى هذا الفرع هنا حتى مجئ الخوارزميين سنة 590 هـ، غير أن الخلفاء العباسيين قاوموا نفوذ أمراء العراق السلاجقة وحاولوا التخلص من نفوذهم مما ترتب عليه قيام صراع على السلطة كان أخطره ما حدث زمن سلطان مسعود حتى لقد أعدموا الخليفة المسترشد عام 529 هـ والخليفة الراشد سنة 530 هـ، وقام السلطان السلجوقى فولّى المكتفى، ومع ذلك فقد ظلت قوة السلاطين فى التدهور مما حمل الخليفة الناصر (575 - 622 هـ) إلى استحداث ما عرف بنظام الفتوة الذى كان فى نظره أحسن وسيلة لإعادة ما كانت تتمتع به الدولة العباسية فى القديم من وحدة سياسية ومعنوية، لكن لم يقدر لهذه الخطوة النجاح المرجو فلم يَعُد الخلفاء العباسيون يسيطرون على العراق حين غزاه المغول سنة 656 هـ. العراق من 1258 م حتى 1534 م لا يمتاز العصر الممتد من الغزو المغولى حتى الفتح العثمانى إلا بتغير سريع فى تعاقب الأسرات الحاكمة بدءا من زوال الخلافة مما أسفر عن تدهور سياسى استمر إلى ما بعد القرن السادس عشر. وشهدت هذه الحقبة تفاقم الانحطاط الاقتصادى الذى بلغ ذروته فى القرن الخامس عشر وإن لم يكن من اليسير فهم هذا التدهور. ولم تتوفر دراسة جادة لفترة ثلاثة قرون تشمل عصر المغول (الخانات والجلائريين والتيموريين) ثم عصر الحكام التركمان (وهم القراقوليون والصفويون) ولا توجد مؤلفات مفصلة عن الجغرافية التاريخية والنظام الإدارى والبنيات الاجتماعية والاقتصادية، لقد جمع عباس العزاوى نتفا من أهم المصادر فى كتابه "تاريخ العراق بين احتلالين" (من الجزء الأول

إلى الرابع) ولعل أهم المصادر عن عصر الايلخانيين هى أعمال ابن الفوطى، وعن عصر قره آق قنليو هى تاريخ الغياثى (لم يطبع بعد)، وما كتبه أبو بكر طهرانى المسمى (تاريخى ديار بكرية)، تحقيق فاروق سومرا، مجلدان، أنقرة، 1952 م - 1964 م. ولقد نعمت بغداد أيام الايلخانات بشئ من الازدهار الفكرى والدينى رغم أنها أصبحت عاصمة إقليمية لأرض الرافدين وقاعدة حكومة تحكم القسم الجنوبى، أما القسم الشمالى فكانت أموره تدار من الموصل. ولقد ظل تقسيم العراق إلى قسمين كبيرين متنافسين قائما حتى الغزو العثمانى، وكان على رأس العراق (أيام الإيلخانيين) حاكم مغولى يعاونه نائب مغولى قد يكون مسلما أو مسيحيا أو يهوديا، ولكنه يكون فى العادة من جماعة الوزراء المتنافسين فى البلاط، وظلت بغداد عشرين سنة وهى تحت حكم طائفة من الإداريين الخراسانيين يسيطر عليهم "الجوينيون". ولقد ظلت الولايات العراقية فى بادئ الأمر بعد موت الإيلخان "بوسعيد" (735 هـ) تدور فى فلك المغول، ولم يحدث أن قام حسن جلاير بتأسيس الدولة الجلائرية، ورغم وجود عاصمتين للدولة الجلائرية إحداهما فى بغداد والأخرى فى تبريز إلا أن دولتهم كانت فارسية أكثر منها عربية، ثم دخل تيمورلنك بغداد لأول مرة سنة 759 هـ (= 1393 م) ولم يطل احتلاله لها غير سنوات قلائل (796 - 804 هـ) وكان تخريبه بغداد ضربة لم تصح منها لوقت طويل. وقد أكملت قبائل البدو فى الجنوب، والتركمان والكرد فى الشمال: تخريب الاقتصاد، فتحولت القوافل التجارية لتسير عبر الخليج الفارسى والبحر الأسود والبحر الأبيض المتوسط. وتجلى التفكك السياسى بأوضح صوره فى الصراع المسلح الذى نشب بين حكام بغداد والموصل.

العراق فى العصر العثمانى

إن الحركة الوطنية الوحيدة القادرة على مصاولة سلطة التركمان ومناضلة ثورة المشعشع ظلت محدودة، وعلى الرغم من معارضيها إلا أنها لم تنجح فى الاستيلاء على بغداد، وإن كانت الحلة قد سقطت فى قبضتهم ولكن لمدة قصيرة (1466 - 1468 م)، فلما تولى "آق قينلو" بعد قره قونيليو كانت أحوال العراق أقل اضطرابا. وظل حكم هذه الأسرة بضع سنوات بعد أن طردهم من إيران قزلباش الصفوى. واتسم حكم الصفويين للعراق (1508 - 1534 م) بالركود الاقتصادى وبضعف الحكومة المركزية وظلت أقاليم وسط ما بين النهرين السفلى تدور فى فلك أمراء الموصل الذين كانوا أصحاب السلطة منذ زمن قونيليو، كما استطاعوا بفضل حكمهم بغداد أن تكون لهم السلطة فى الواقع على العراق، غير أن واحدا منهم اسمه "ذو الفقار" حاول الانفصال وذلك فى مستهل حكم شاه طهماسب الأول. العراق فى العصر العثمانى ظلت أراضى العراق منذ القرن العاشر الهجرى حتى مطلع القرن التاسع عشر مركز القوة العثمانية ضد فارس والأكراد وضد رجال القبائل العربية، وكانت الأقاليم العراقية نهبا للغزو. وشاهد القرن التاسع عشر فى العراق ظاهرة استعادة التنظيم الإدارى، وضم العثمانيون الموصل وديار بكر ومناطق الأكراد التى فى شمال دجلة سنة 921 هـ = 1515 م فى أعقاب حملة شالدران، واستولى العثمانيون على بغداد (فى نزاعهم مع طهماسب سنة 1534 م)، وأصبح العراق يتألف من ثلاث ولايات أو "إيالات" رئيسية هى الموصل وبغداد والبصرة بالاضافة إلى إيالة شهرزور الكردية فى الشرق والحسا وإيالة ديار بكر. وأدى ضعف الرقابة المركزية طوال القرنين الحادى عشر والثانى عشر الهجريين إلى قيام حكومات استبدادية محلية، فقام "افراسياب" (سنة

1021 هـ = 1612 م) واشترى إيالة البصرة وتوارثتها أسرته، واستقلت أسرة أخرى بالحسا، وقام أحدهم بالتفاوض مع شاه عباس مما أدى إلى قيام الحكم الفارسى (1033 هـ = 1623 م)، ولكن فشل الصفويون فى الاستيلاء على الموصل وشهرزور، وتمكن السلطان مراد الرابع سنة 1048 هـ من طرد الفرس نهائيا من بغداد، ثم كانت التسوية العثمانية الصفوية المعروفة باتفاقية "زهاب". لكن الاسترداد العثمانى لم يؤد إلى الاستقرار النهائى، فقد ظهر حلف المنتفج بين عرب الحدود وعرب صحراء الجنوب، فهدد هذا الحلف السيطرة العثمانية التى استعيدت على يد والى بغداد حسن باشا الذى حكم من 1116 حتى 36 هـ وولده أحمد باشا الذى ظل فى الحكم حتى مات سنة (1160 = 1747 م)، واعتمد حكم الوالد والولد على ركائز حربية وإدارية جديدة، وإذ كان الإثنان من أصل جورجيانى فقد أسسا فى بغداد بطانة جرجاينة مملوكية استطاعا من خلالها رقابة إيالتهما وإدارتها، وأصبحت البصرة تابعة لبغداد ثم ظهر فى السنوات التالية لسنة 1135 هـ (1722 م) خطر أشد ضراوة حين تجددت المنازعات بين العثمانيين والأفغان، ثم بينهم وبين نادرشاه، كما ظهر فى هذا الوقت بالذات جماعة من أسرة الجليلى جعلوا حكم الموصل شبه وراثى فى رجال منهم، وقام نادر شاه سنة 1146 هـ (= 1733 م) فحاصر بغداد ثم الموصل (سنة 1156 هـ = 1743 م) لكن لم يتمخض هذا الصراع الطويل عن نتيجة حاسمة، ولم يكن إقرار الوضع سنة 1159 هـ (= 1746 م) إلا تأكيدا لاتفاقية "زهاب". ولما مات أحمد باشا عقب وفاة نادرشاه سنة 1160 هـ/ 1747 م قام رجال الحاشية بجمع السلطة فى أيديهم وكوّنوا طبقة إدارية ممتازة. وقوة حربية دائمة. ولقد شهدت فترة

"الباشاليك" المملوكية (1160 هـ - 1247 هـ = 1747 - 1831 م) الصدام بين الوالى الفارسى "كريم خانى زند" وبينهم وضياع البصرة فترة من الوقت (1190 - 1193 هـ) م لكن سرعان ما زال هذا الخطر بموت "كريم خان"، كما أن حكم بويوك سليمان باشا الطويل ببغداد والبصرة وشهرزور يعد ذروة قوة الباشاليك المملوكى، غير أنه انشغل طوال سنوات حكمه الأخيرة بمحاولاته الفاشلة لكبح جماح توّغل الوهابيين فى الحسا وفى أطراف العراق بسبب مقاومة التحالف المنتفكى، كما كشف حملة الوهابيين الكبيرة سنة 1216 هـ (= 1802 م) وتخريب كربلاء -أقول كشفت القناع عن عجز الباشاليك المملوكى، ومع ذلك فقد ظلت الأسرة باقية حتى استطاع السلطان محمود الثانى بقوة السلاح أن يخرج داود باشا ويضع نهاية للحكم الذاتى (1831 م). يعتبر الإصلاح الإدارى وتَزَايُد التدخل الأوربى الظاهرتين الرئيسيتين فى تاريخ العراق منذ سنة 1831 م حتى 1908 م، ولم يكن من خلفوا داود باشا مباشرة أكثر نشاطا من الباشوات المماليك فى فرض سلطانهم على القبائل، وإنما تبدأ نقطة الانتقال الحقيقية بحكومة مدحت باشا (1869 - 1872 م) التى شهدت تطبيق قانون "ولايات" وقانون الأراضى العثمانى (1858) اللذين صبغا الاصلاحات بصبغة غربية، فجعل أحدهما الإدارة المحلية ذات طابع أوربى، وأما الثانى فقد أقام ملكية فردية حرة فى النواحى التى تعيش فيها القبائل، كما أن السلطان عبد الحميد الثانى ضم مناطق شاسعة فى العراق تحت إدارته "السنية". ولقد ظل إقليم العراق (دون الأراضى الساحلية الواقعة على الخليج العربى) بعيدًا عن أى اهتمام أوربى حتى إذا كانت أواخر القرن الثامن عشر صارت السيادة للبريطانيين كما صارت

العراق منذ 1918 م

السيادة للهولنديين من قبل بعد البرتغال، وأصبحوا القوة الأوربية المتحكمة فى الخليج، كما أصبحت البصرة منذ سنة 1763 مركز التجارة البريطانية ومركز هيئة شركة الهند الشرقية، واحتلت بغداد المركز الثانى فى الأهمية عند البريطانيين حتى مجئ حملة بونابرت إلى مصر. وتم تعيين مقيم بريطانى دائم هناك سنة 1798 م، وأدى الاهتمام بتحسين طرق المواصلات مع الهند إلى الاهتمام بمسح طريق الفرات سنة 1830 م وإلى بدء النقل النهرى الحديث فى العراق. وتلى ذلك فى سنة 1860 م الاهتمام بالاتصالات البرقية حيث تم الربط تلغرافيا بين إستانبول وبغداد، وعارضت الحكومة البريطانية المشروع الألمانى لتمويل مد خط سكة حديدية من الأناضول إلى الخليج، والذى لم يتم منه -زمن الحكم العثمانى- سوى الخط الواصل بين بغداد وسامراء. لقد كان التدخل الأوربى السياسى والاقتصادى فى العراق محدودا جدا عند اندلاع الحرب العالمية الأولى، فلما كان نوفمبر 1914 م جاءت قوة عسكرية من الهند واحتلت رأس الخليج والبصرة وانتهت أول محاولة للاستيلاء على بغداد باستسلام البريطانيين فى كوت الامارة فى إبريل 1916 م، ثم تلتها حملة أخرى نجحت فى احتلال المدينة فى مارس سنة 1917. ومع ذلك فقد ظلت الموصل تقاوم حتى بعد إعلان هدنة "مدرس" " Mudros" التى أخرجت الدولة العثمانية من الحرب، وتكونت فى الأقاليم العراقية المحتلة هيئة يديرها موظفون بريطانيون وهنود مهدت الأرض لفرْض الحماية البريطانية بالعراق وألقت بمسئولية إدارة الأمور إلى بريطانيا التى أصبحت مسئولة عن حكم البلاد. العراق منذ 1918 م: تمثل احتلال بريطانيا للعراق فى إرسال قوة بريطانية استولت على

الموصل فى نوفمبر 1918 م وذلك بعد سبعة أيام من توقيع معاهدة Mudros بين تركيا والحلفاء. وأدى تضارب وجهات النظر عند الجهات الرسمية البريطانية إلى حدوث تخلخل إدارى وإلى انتشار روح الثورة الوطنية ضد البريطانيين، وكانت هذه الروح تنزع إلى قيام حكومة عربية مسلمة فى العراق، ولما عُهد إلى بريطانيا العظمى بالانتداب على العراق سنة 1920 م اندلعت حركة عصيان قادها شيوخ قبائل وسط الفرات وزادها اشتعالا المجاهدون الشيعة من أهل النجف وكربلاء، واستلزمت تهدئة هذه الحركة جهود قوات كثيرة حتى تم إخمادها تماما فى مستهل سنة 1921 م، وكان قد سبق هذا تعيين سير بيرسى كوكس كمندوب سامٍ بريطانى، فبدأ أولا بتكوين مجلس عربى للدولة ليمارس المهمات الحكومية وبعد أن انتهى الحكم العسكرى فى أكتوبر 1920 م، عقد فى مارس 1921 م مؤتمر القاهرة تحت رئاسة ونستون تشرشيل وزير المستعمرات وقرر المؤتمر لمعالجة الأمور فى العراق أن يكل حكم البلاد إلى فيصل أمير مكة الذى كان الفرنسيون قد أخرجوه من الشام فى يوليو 1920 م، ثم صودق على اختياره ملكا على العراق. ووُضعت مجموعة من الاتفاقيات نظمت علاقة العراق بدولة الانتداب وهذه المجموعة من الاتفاقيات كان آخرها سنة 1930 م وهى التى منح العراق بمقتضاها استقلالا صوريا مع عقد محالفة إنجليزية عراقية مدتها خمس وعشرون سنة، وبمقتضى هذه المحالفة دخل العراق عصبة الأمم كدولة مستقلة ذات سيادة. لم يكن العراق حين نال هذا الاستقلال قد تمكن من إتمام المزج الاجتماعى بين مجموعاته الدينية والعرقية المختلفة، وهو المزج اللازم لتكوين أمة حديثة، فقد كانت به قوى محلية متناحرة ولها مصالحها المختلفة المتضاربة، وكان التغلب على هذه

التباينات ضرورة يقتضيها قيام دولة ناجحة ويتطلب قيادة رشيدة، وقدرة على التوصل إلى توازن بين البريطانيين والقوميين من جهة وبين شتى المجموعات الوطنية من جهة أخرى. وقد نجح فيصل فى الوصول إلى مثل هذا التوازن، ومن ثم كان موته الفجائى سنة 1933 م خسارة لا تعوض، وحينذاك أخذ العراق يمر بفترة شديدة الخطورة زادها حِدّة ما عرف بالمذبحة الأشورية، كما شبت الاضطرابات القبلية واندلعت روح الثورة القوية ضد البريطانيين فهددت كلها أسس الدولة الحديثة ولم يكن الملك غازى (خليفة فيصل وولده) بالرجل المتمرس الخبير بل كانت تنقصه حنكة أبيه حتى يدعم الاستقرار السياسى، فانغمس -رغم أنفه- فى سياسات البلد الحزبية، ففى الوقت الذى كانت فيه جماعات معينة تعمل على إشعال الثورات القبلية لتنحية خصومهم كانت هناك جماعات أخرى تلتمس تأييد الجيش ومعاونته لها للاستحواذ على السلطة السياسية، فنجم عن ذلك حدوث انقلاب 1936 م العسكرى الذى قاده "بكر صدقى" بالاتفاق مع حكمت سليمان وبمعاونة مجموعة الإصلاح السياسى المعروفة بحزب الأهالى وانتهت حركة بكر صدقى بعد عشرة أشهر بحركة انقلاب أخرى، وكان التدخل العسكرى فى السياسة سابقة خطيرة فقد شاهدت البلاد بسببه سبعة انقلابات فيما بين 1936 و 1941 م، وفى هذه الفترة أدّى انتعاش الروح الوطنية المعادية لبريطانيا التى وجدت سندًا من دول المحور، كما أن السياسة البريطانية فى فلسطين ساعدت على تيسير الأمور أمام رشيد عالى الكيلانى لإقامة نظامه المؤيد للنازية واستيلائه على مقاليد السلطة فى أبريل 1941 م وإعلانه عدم تقيده بالالتزامات التى تفرضها اتفاقية 1931 م، وكان رد الفعل هو قيام الجيش الأردنى تحت القيادة البريطانية فى سنة 1941 م

باحتلال بغداد، وقضى على نظام رشيد عالى الكيلانى وإعادة الحكم الدستورى، وأصبح الزعيم السياسى نورى السعيد أقوى رجل فى الوزارات التالية، كما أعلن العراق الحرب على دول المحور وبذلك أصبح أهلا ليأخذ مكانه عضوا فى عصبة الأمم المتحدة، كما أصبح العراق عضوا مؤسسًا فى جامعة الدول العربية، كذلك عاد النشاط السياسى فى العراق عند نهاية الحرب حيث سمح للأحزاب أن تمارس نشاطها السياسى فى حرية، فظهرت فى الوجود عدة أحزاب تمثل مختلف الطوائف، وقد طالبت هذه الأحزاب جميعها بإلغاء الاتفاقية الإنجليزية العراقية كما طالبت طوائف العمال والطلبة بتحقيق مطالب معينة وردت الحكومة على المظاهرات التى قاموا بها بقمع نشاط هذه الأحزاب. وشاهد مستهل سنة 1950 م زيادة فى دخول النفط واتجه العراق إلى المشاريع العمرانية طويلة المدى مثل بناء السدود المائية، غير أن فشل هذه المشاريع فى تحقيق تقدم اقتصادى سريع أدى إلى انتشار روح التذمر ممّا شجع رجال المعارضة العراقية الذين ما زالوا يحملون على المعاهدة مع بريطانيا. التى أدت إلى قيام حلف بغداد المؤيد للتحالف مع الغرب فى شئون الدفاع، وقوبل هذا الحلف باستهجان شديد فى الداخل وفى العالم العربى حيث وقف هذا موقفا مائعا فى موضوع مساعدة مصر أثناء أزمة قناة السويس سنة 1956 م وكان العراق قد انضم إلى هذا الحلف، غير أن انتصار مصر الدبلوماسى وظهور جمال عبد الناصر كرمز عربى قومى كان نقطة تحول فى تاريخ العراق فى عصره الملكى، وذلك أن اتفاق سورية ومصر على إنشاء ما عرف بالجمهورية العربية المتحدة عام 1958 م أدى إلى قيام العراق والأردن بالاتحاد معا تحت التاج الهاشمى، لكن ما لبث أن أطيح بالملكية العراقية على يد طائفة من الضباط

بقيادة عبد الكريم قاسم وإعلان الجمهورية. ولقى قاسم معاونة من جميع الأحزاب وأصحاب المصالح الذين يمثلون طبقات المجتمع العراقى إلا أنه لم يقَدَّر لهذا التحالف أن يستمر إلا بضعة شهور، وحاول عبد الكريم قاسم -على مدى خمس سنوات تقريبًا- أن يحفظ التوازن بين القوات الحربية المتنازعة وبين الجماعات المدنية، فانسلخ العراق فى عهده من حلف بغداد ومن منطقة الاسترلينى وأقام علاقات دبلوماسية مع الأقطار الشيوعية. غير أنه أطيح به. ترجمة د. حسنى حبشى 7 - الفن والآثار ترتبط أهمية الدور الذى لعبه العراق فى تطور الفن الإسلامى ارتباطا مباشرا بدوره التاريخى منذ أن كان المقر المركزى للخلافة العباسية الزاهرة فيما بين أواخر القرن الثانى للهجرة (8 م) وحتى بداية انحلالها فى القرن الرابع الهجرى (10 م). وإن وصف هذا الدور بأسلوب منهجى يستلزم أن نتتبع الأقاليم من خلال عمائرها وأيضًا فنونها الصغرى [أى الفنون الزخرفية أو الفنون التطبيقية كالخزف والنسيج والمعادن والزجاج وغير ذلك]، المراحل المختلفة لتطور الفن العباسى الإمبراطورى (أى الدولى) الذى نشأ فى عواصم الخلافة كنتيجة لأسباب وتأثيرات كثيرة: سياسية كانت أو تجارية، ثم لم يلبث أن انتشر فى الأقاليم الخارجية التابعة للخلافة والتى استمدت بعض خصائصه المميزة الأصيلة. وقد كان تقدم هذا الفن سببًا رئيسيًا فى شهرة الصناع الذين عملوا آنذاك داخل النطاق الجغرافى للعراق ولكنهم انصهروا فى ذات الوقت فى بوتقة كافة الجهود السابقة والمعاصرة للأقطار الإسلامية الأخرى.

إن صفة "الامبراطورى" [أى الدولى] التى تمتع بها الفن العراقى لفترة طويلة والتى بدأ فى اكتسابها فى الواقع منذ أواخر العصر الأموى تجعل من العسير التحدث عن هذا الفن كما لو كان فنًا محليًا تطور عبر القرون وأصبح ذا ملامح خاصة محددة نبعت من عوامل ثابتة: جمالية أو صناعية [تقنية] فُرضت عليه نتيجة لظروف البلاد الطبيعية. ويجب أن نضع فى اعتبارنا أن طبيعة العراق -كطريق بين الأقطار الأخرى وكسهل طينى خصب صالح للزراعة ومرور الأنهار العظيمة به فضلًا عن تعرضه للدمار مرارًا سواء عن طريق الغزوات أو بسبب الفيضانات- جعلتها ملائمة لطرق معينة فى البناء والزخرفة المعمارية والحرف الأخرى. ولقد اعتمدت هذه الطرق على توافر مادة الطين واقتصادية استخدامه، ومع ذلك فقد كان مادة غير متينة. إن استخدام الطين سواء كان على هيئة الطوب اللبن أو الآجر فى تشييد المبانى وزخرفة الواجهات التى كانت تزخرف أيضًا بالجص قد سمح بسرعة البناء والتشييد -حسب الطرق التقليدية لبلاد الرافدين- التى تشبع احتياجات الكثير من السكان المتحضرين وكذلك الحكام المولعين بالتفاخر، ومن جهة أخرى كان استخدام الطين سببًا فى عدم متانة وصلابة المبانى المشيدة التى تخربت فلم يصل إلينا سوى أطلال. ويستطيع المرء أن يحدد الخصائص المميزة للعراق ومنتجاتها بالفخامة وضعف المتانة، وتظهر هذه السمات فى كافة عمائر العصر العباسى وفى العمائر المتأخرة المقلدة لها التى شيدها أمراء الأقاليم المختلفة التابعة للخلافة التى برز فيها معماريون على درجة رفيعة من المهارة، كما توافرت فيها مواد للبناء كانت أكثر متانة. وتعتبر الظروف الجغرافية الخاصة بالعراق مسئولة أيضًا عن التطور المتوازى للمدارس الفنية المحلية الكثيرة خلال تاريخها، والمتمثلة بصفة أساسية فى كل من مدارس بغداد وسامراء من جهة، والدلتا السفلى من جهة أخرى، ويضاف إلى تلك المدارس مدرسة

الموصل التى كانت واقعة تحت تأثير المدارس المجاورة لها فى كل من الأناضول وأذربيجان. ولكن هذا التقسيم للمدارس يجب ألا يؤدى إلى تصنيف طوبوغرافى للتطور الفنى كما هو الحال فى الأقطار الإسلامية، الذى تأثر أيضا بالأحداث السياسية التى أدت إلى انتصار الأسر الحاكمة الفرعية [أى الدويلات المستقلة]، وفى ضوء ذلك يجب أن ندرس الفن الإسلامى فى العراق، سواء فى العمارة أو الفنون الصناعية [أى الفنون الزخرفية أو التطبيقية]، من منظور تاريخى كما يجب أن نضع فى الاعتبار أنه لا يوجد أى قطر إسلامى آخر قد شهد هذا التغير الشامل فى طبيعة الأرض فيما بين العصور الوسطى وحتى الآن. إن المعلومات الأثرية القليلة التى يمكن أن نحصل عليها من المواقع التى تحولت إلى صحراء ليست كافية فى الواقع لتزودنا بمعلومات محددة عن أوجه الكثافة السكانية التى مرت بها المنطقة عند تدهور شبكة الرى بعد العصر العباسى الذهبى ممّا أدى إلى هجر القرى والمدن الصغيرة والتى يصعب علينا اليوم تحديد مواقعها ومساحتها بالضبط. وبالمثل فإنه من العسير الآن معرفة التاريخ الصحيح لمعظم المدن الإسلامية العراقية التى كانت عامرة بسكانها وأنشطتها الاقتصادية. ونظرًا لأنها بنيت فوق تربة غير مستقرة، فإننا لا نستطيع أن نعثر لها الآن على أى بقايا أثرية تمكننا من إعادة التعرف على طوبوغرافيتها فى مختلف العصور. وبالرغم من كل ما سبق فقد حدث مؤخرًا بعض التقدم فى دراسة العمارة الإسلامية المبكرة فى العراق على أساس بعض الدلائل التى كانت مهملة حتى الآن. إن هذا التقدم يبرر رجوعنا -حتى نكمل بعض النقاط- إلى القائمة المذكورة فى مادة عمارة التى توضح تطورها خلال القرون الإسلامية الأولى وهى الفترة التى تطور فيها الفن الإسلامى بصفة عامة.

ولعل من أكثر الإسهامات إيجابية وإثارة ما نجده فى مجال العمائر المدنية المتعلقة بالمنافع العامة، وهى إن كانت ليست مجال جذب كبير لمؤرخى الفنون إلا أنها مادة خصبة لمؤرخى الحضارة. إن الأبحاث الأخيرة المتعلقة بنظم حفر القنوات وتوزيع مياه الرى الذى أتاح استغلال الأراضى خلال العصرين الأموى والعباسى، أتاحت توثيق هذا الموضوع بشكل جديد على أساس التصوير الجوى والفحوص الجيولوجية. وعثر فى نفس الوقت على نمط من الجوامع من جهة، وعلى نمط لمقر ملكى [قصر] من جهة ثانية يرجعان إلى فترة الفتح الإسلامى الأولى لتلك البلاد، كما أنهما يختلفان عن النماذج السورية المؤرخة بنفس الفترة والتى كانت حتى ذلك الوقت، تعتبر الأمثلة الأولى للفن فى تلك الفترة. وقد اكتُشف مسجد بسيط فى إسكاف بنى جنيد على الضفة الغربية لقناة النهروان وأيضًا اكتشف مسجد فى واسط فى موضع العاصمة التى بناها والى العراق الشهير الحجاج للخليفة عبد الملك بن مروان فيما بين عامى 83 و 86 هـ/ 703 - 706 م. وعلى ذلك فقد زودتنا هذه الاكتشافات بتخطيطات أكثر دقة عن تلك التى اعتمدت على التفسيرات الجدلية [أى التى اعتمدت فحسب على الروايات التاريخية دون العثور على أدلة أثرية تؤكدها أو تنفيها] كما هو الحال فى كل من جامعى البصرة والكوفة الشهيرين. وبالإضافة إلى ذلك، فإنه على الرغم من عدم إتمام الحفائر ونشر نتائجها، فإن القصور الرائعة التى اكتُشفت فى نفس مواقع واسط وإسكاف بنى جنيد وأيضًا بجوار جامع الكوفة قد زودتنا بنماذج كثيرة عن دار الإمارة أو قصر الإمارة الذى بنى فى ذلك الوقت داخل المدن الإسلامية الجديدة. وتختلف هذه القصور اختلافًا بينًا من حيث ترتيب بيوتها الداخلية (وهى تشبه ما اكتشف مؤخرًا فى المنازل والقصور العباسية) عن النماذج المعاصرة لها فى القصور الشامية. والنتائج التى يمكن أن نخرج بها من هذه الحقائق قد سبق أن ألمحنا إليها بشكل يسير، ولكنها تقودنا إلى إدراك

الأهمية الكبيرة للدور الذى لعبته بلاد الرافدين فى تطور الحضارة الإسلامية المبكرة، حيث أتاحت الثورة العباسية للبلاد التفوق الاقتصادى والفكرى، وهو تفوق ظل معترفًا به لفترة طويلة. ويكفى هنا أن نعيد ذكر الملامح الرئيسية للعمارة العباسية المزدهرة فى العراق. إن تفاصيل هذا الموضوع، المستمدة بصفة أساسية من دراسة أطلال موقع مدينة سامراء عاصمة الخلافة العباسية، توجد فى كل الدراسات التحليلية المتعلقة بالفن الإسلامى التقليدى وذلك بالنسبة إلى تكوين المبانى الرئيسية والطرز المختلفة لزخرفة الواجهات، سواء كانت زخارف جصية مرسومة أو قالبية، وقوام هذه الزخارف زخرفة الأرابيسك [التوريق وهى الزخرفة النباتية التى ابتكرها الفنان المسلم وأصبحت سمة من سمات الفن الإسلامى الرئيسية] والزخارف الهندسية المتداخلة أو المتشابكة فضلًا عن تمثيل أشكال الكائنات الحية وقد استمرت هذه الزخارف فى الظهور حتى خلال التغييرات اللاحقة لفن البلاط المبكر. ويمكن أن نخرج بدلالات مفيدة عن نقاط خاصة متعددة بعد البحث والترميم فى "الأخيضر"، وهو قصر محصن منعزل غير محدد التاريخ، يقع فى الصحراء الواقعة غرب الكوفة، أو من النتائج المستمدة من الأبحاث المتعلقة ببضعة قطاعات جديدة مختارة داخل المساحة الهائلة لموقع مدينة سامراء. وعلى كل حال فإن تلك النتائج لن تغير كثيرًا وجهة النظر الحالية بالنسبة لفخامة وثراء العمائر المدنية والدينية التى ترجع إلى هذا العصر الذى شهد أيضًا ازدهار بعض الفنون الصناعية مثل الزجاج والخزف والحفر على الأخشاب الثمينة والتى بقيت منها بضعة نماذج تعتبر نادرة. وبخصوص فن الخزف لابد أن نشير إلى المدرسة العباسية التى ازدهرت فى العراق خلال القرنين 3 و 4 هـ/9 - 10 م قبل هجرة الصناع. ربما إلى مصر الفاطمية والتى ترجع شهرتها بصفة أساسية إلى إنتاجها

خزف البورسلين الزبدى اللون المزخرف بزخارف مرسومة باللون الأزرق الزرنيخى (بين الأزرق والأخضر) أو الخزف ذى البريق المعدنى (الأخضر المذهب). ومن الصعوبة بمكان أن نشير هنا إلى الفن العراقى خلال عصرى البويهيين والسلاجقة حيث اندثرت تمامًا الأمثلة المعمارية التى ترجع إلى هذين العصرين، كما أنه لا يمكن تمييز أعمال الصناع عن الأعمال المعاصرة فى الأقاليم الإيرانية كنتيجة لإحياء تقاليد محلية سابقة. ومهما يكن من أمر فقد اتسمت الفترة اللاحقة بتقدم جديد للفن الإسلامى فى العراق ولكنه اتخذ فى واقع الأمر شكلًا محليًا لم يكن له تأثير خارجى إلا فيما ندر. ومع ذلك فقد كان أكثر حيوية من فنون الأقطار المجاورة. هذا وترجع غالبية الآثار التى تمثل اليوم التراث المعمارى للمدن العراقية مثل بغداد والموصل إلى العصر السلجوقى المتأخر الذى يشمل القرنين 6 و 7 هـ/ 12 - 13 م. كانت آثار بغداد نتيجة للجهود التى قام بها كل من الخليفة الناصر والمستنصر لاستعادة سلطتهما الدنيوية واستعادة هيبة الخليفة السابقة، تتسم بالجمال والجلال، أما الموصل والتى كانت مقر بلاط الزنكيين وخلفائهم الأتابكة وأشهرهم بصفة خاصة بدر الدين لؤلؤ، فقد كانت مركز، فنيًا ذا أهمية وحيوية حقيقية على الرغم من التأثيرات الكثيرة التى تعرضت لها. وسوف نشير فى هذا المقام إلى السمات الرئيسية للتطور المعمارى الذى حدث فى بغداد خلال تلك الفترة كما يتمثل فى أهم آثارها المتبقية مثل التحصينات و (البوابات التذكارية مثل الباب الوسطانى وباب الطلسم وقد اندثر هذا الباب الأخير فى بداية القرن الحالى). ومثل بقايا عمائر مدنية مثل جسر [قنطرة] الحربة وأجزاء مخربة من قصر سابق للخلفاء أدمج فيما بعد ضمن مبانى قلعة عثمانية، أو عمائر دينية على درجات مختلفة من التهدم، مثل المدرسة المستنصرية ومسجد سوق الغزل (الذى لم يتبق منه سوى المئذنة) أو تربة زبيدة.

كذلك يمكن أن نشير أيضًا إلى بعض البقايا الأثرية التى تقع خارج نطاق مدينة بغداد نفسها مثل مسجد باب الغيبة فى سامراء أو تربة الحسن البصرى فى البصرة. هذا وتعكس جميع هذه العمائر أسلوبا رفيع المستوى فى استخدام الآجر (الطوب المحروق أو الطابوق) وذلك حسب التقاليد المتبعة خلال العصر السلجوقى. وقد ظهر -فضلًا عن ذلك- ذوق جديد فى المعالجات الرائعة والفخمة (للواجهات فقط) وتجسد ذلك فى استبدال الأشكال الحرة بالتكوينات المعقدة، سواء من الناحية الإنشائية (كما هو الحال فى استخدام الكوابيل المقرنصة على هيئة خلايا النحل لحمل القباب) أو الزخرفية. إن هذا التجانس المعمارى فى آثار بغداد لا نجد ما يقابله من حيث دقة المستوى بين آثار شمال العراق التى ترجع إلى نفس الفترة، ومن أمثلة ذلك المجموعة الهامة الموجودة فى الموصل والتى لم تخضع بعد لدراسة كافية (مثل أطلال قصر بدر الدين لؤلؤ أو قره سراى على ضفاف دجلة، ومساجد صغيرة كثيرة أو ترب الصالحين وجامع مهجور [فى مكان منعزل] ومئذنة أسطوانية فخمة من الآجر أو البقايا الأثرية فى بعض المواقع مثل سنجر وإربيل أو تكريت حيث تم مؤخرًا ترميم تربة الأربعين. ويظهر فى كل حالة تأثير استخدام الأسلوب الصناعى الذى يجمع بين الآجر والجص والحجر، وهذه المادة الأخيرة متوافرة بكثرة هناك رغم أنها دون المستوى (أى من حيث الجودة) وهو الأمر الذى يعطى المبنى طابعًا غير متناسق ومنفّرًا فى ذات الوقت. وعلى كل حال فهناك ظاهرة مشتركة يمكن رؤيتها فى بعض التفاصيل المعمارية [حيث حلت القباب محل الأسقف الحجرية] مثل الحليات القالبية وغير ذلك. وقد صحب هذا التوسع فى العمارة العراقية خلال القرنين 6 و 7 هـ/ 12 - 13 م توسع مماثل فى الفنون الفرعية [أى الفنون الزخرفية أو الفنون التطبيقية] والتى أظهرت فيها المدارس العراقية المختلفة

نبوغًا غير مسبوق، ولابد أن نذكر أولًا صناعة الخزف، وربما لا نشير إلى الخزف المزجج (حيث كان مركز إنتاجه الرئيسى فى الرقة التى تقع الآن خارج نطاق العراق الحالية). ولكن سنشير على الأقل إلى الخزف غير المزجج ذى الزخارف البارزة والذى يعتبر اليوم من أحسن القطع الفنية التى أنتجتها الموصل. وقد وجدت فى الموصل أيضًا مدرسة مزدهرة لصناع المعادن من النحاس والبرونز والذين تركوا عددًا كبيرًا من التحف المؤرخة والممهورة بتوقيعاتهم، والتى تتميز بجودة زخارفها المكفتة بالذهب والفضة. كما تعتبر هذه الأعمال مصدرًا للمعلومات عن المصانع التى صنعت بها، وعن عائلات الصناع الذين أجادوا صناعتها، والأساليب الصناعية التى استخدموها فى صنعها. وقد عرف العراق، علاوة على ما سبق، خلال تلك الفترة أيضًا فن التصوير (والذى أطلق عليه أحيانًا اسم المدرسة العربية فى التصوير ولكنه فى الواقع من إنتاج مجتمع مختلط يختلف تمامًا عما كان موجودًا خلال العصر العباسى الذهبى الذى يتمثل فى أعمال هامة وبخاصة المخطوطات المزوقة بالتصاوير التى أنتجتها المدرسة العراقية على أوسع نطاق (وتقسم هذه المدرسة أحيانًا إلى مدرسة شمال العراق [أى مدرسة الموصل] ومدرسة بغداد على وجه الخصوص ولكن دون تحديد فروق واضحة بينهما). هذا ويعد تصوير مناظر الحياة اليومية لذلك العصر فى العديد من التصاوير الموجزة والمعبرة بمثابة ميلاد فن تصوير المخطوطات الذى كُتب له أن يحتل مكانة هامة بين الفنون الإسلامية فى العصور المتأخرة، وقد بلغت هذه النماذج المبكرة فى ذات الوقت درجة عالية من النضج الفنى سواء فى التصميم أو فى الألوان. إن هذا التفوق الفنى الذى شهدته العراق منذ الفتح الإسلامى بدأ فى التدهور بعد سقوط بغداد فى أيدى المغول سنة 656 هـ/ 1258 م ولم يكتب له الاستمرار نتيجة للتدهور السياسى والاقتصادى الذى بدأ عقب هذا التاريخ،

عرايش

وهذا هو المصير المحتوم لإقليم لم يعد يتمتع باستقلاله أو بقوته الضاربة. وعلى الرغم من تلك الحياة المقيدة فقد استمر النشاط المعمارى والفنى حيث بنيت خلال قرون عديدة عمائر جديرة بالاهتمام وبصفة خاصة حول المشاهد الشيعية الكبيرة (المراقد المقدسة) فى بغداد وسامراء، والنجف وكربلاء، والتى أضيفت إليها الزخارف بصفة مستمرة فضلًا عن كسوة قبابها ببلاطات خزفية مربعة من البورسلين ذى الألوان الزاهية التى يمكن رؤيتها حتى الآن. ولكن هذه الآثار المتنوعة التى نجمت عن الأساليب الفنية سواء لعصر إيلخانات فارس (مثل المدرسة المرجانية أو خان مرجان فى بغداد) أو العصر الصفوى أو العصر العثمانى (والمتمثل بصفة أساسية فى المساجد وعمائر المنافع العامة مثل الأسواق أو الحمامات) لم تخضع حتى الآن لأى دراسات أو إحصائيات دقيقة لها تمكننا من أن نضعها فى أماكنها الصحيحة حسب التقاليد المحلية المتبعة والتأثيرات الأجنبية العديدة التى أثرت فيها، وهكذا تتوافق مع واحد من الملامح الثابتة فى التاريخ العراقى. د. حسن حبشى [سورديل تومين Sourdel-Thomine] عرايش (معناها الحرفى تعريشات كرمات العنب) -وتسمى بالفرنسية والأسبانية Larache، وهى مدينة على الساحل المغربى بشواطئ الأطلنطى- تبعد أربعة وأربعين ميلا إلى الجنوب الغربى من طنجة وثلاثة وثمانين ميلا إلى الشمال الغربى من فاس. والعرائش تغطى منحدرات تل يبرز كالنتوء فى البحر على شكل لسان، وتحتل الضفة الغربية لوادى لوكوس Lukkos عند النقطة التى يصب فيها النهر المسمى بهذا الاسم مياهه فى البحر، وهذه المدينة الإسلامية ليست بذات أهمية، وليس بها ما يمكن أن يلفت النظر إليها إلا سوقها الرباعى الشكل الذى تحفه الأقواس (أروقة مقنطرة) ويمثل مظهرا تذكاريا غامضا ذلك أنه يوجد من أيام الاحتلال الأسبانى الأول - 1610 - 1689 م)

قلعة تسمى قلعة اللقلق (Cas Hill de Los Cignenas وتعرف أيضا Santa Maria Europa كما توجد إلى الجنوب والجنوب الغربى من المدينة الإسلامية مدينة أوربية أسسها الأسبان -الذين عادوا لاحتلال لاراش فى عام 1911 م وكان فى وسط هذه المدينة منطقة مستديرة تعرف بقصر أسبانيا Plaze de Espagne، وكان تعداد سكان لاراش فى عام 1955 أقل من ثلاثة وأربعين ألف نسمة منهم ثمانية وعشرون ألفا من المسلمين وألف وثلاثمائة من اليهود وثلاثة عشر ألفا من الأوربيين، ومعظمهم من الأسبان، وتزرع إلى جوار لاراش البطاطس وأشجار الفاكهة على وجه الخصوص، ويعتبر السكان حامى المدينة هو "لالّامينيانا" الذى تعتبر قبته مبدأ المدينة حين يدخلها المرء وليست العرائش مدينة قديمة جدًا إذ لم يرد لها ذكر عند الإدريسى، كما لم ترد الإشارة إليها فى كتابات الرحالة العرب قبل القرن السابع الهجرى (الثالث عشر الميلادى)، ويبدو أن الذين أسسوها هم بنوعروس، الذين أطلقوا عليها -بسبب وفرة الكروم فى المناطق المجاورة- اسم عريش متاع ابن عروس، كذلك فإن سلطان الموحدين يعقوب المنصور قام ببناء قلعة عند مدخل وادى لوكوس. وفى عام 1270 م قام الأسبان بهجوم مباغت ناجح على المكان. والحق أن تاريخ هذه المدينة لم يعرف بكل يقين وثقة إلا بدخول البرتغاليين إلى مراكش فبعد احتلالهم لمدينة سبتة فى عام 1415 م قاموا بهجوم ناجح على المدينة ولكن ثماره لم تدم طويلا. غير أن احتلال ألفونسو الخامس ملك البرتغال لمدينتى أرزله وطنجة فى 1471 م أدى إلى الجلاء عن "لاراش"، التى وضعتها معاهدة السلام فى مناطق نفوذ البرتغال ولكنها ظلت مقفرة من السكان طيلة عشرين عاما، حتى إذا كان عام 1489 م، انتهز جون الثانى ملك البرتغال هذه الظروف ليعزز موقفه فى شمالى مراكش، ويشكل خطرًا مباشرًا على فاس والقصر الكبير، فأقام قلعة سماها "جراكيوزا" على الضفة اليمنى لنهر "لوكوس" وأدنى قليلا من التقاء هذا النهر مع وادى "مخازن" ولكن حصار المراكشيين للقلعة، وهلاك معظم رجال حاميتها، وعدم توفر الإمدادات والتعزيزات لهم أدى إلى إرغام الحامية

المصادر

البرتغالية على الاستسلام المشرف، وقد تم استرداد عرايش على يد مولاى الناصر ابن السلطان "الوطاسى" محمد الشيخ ويقول ليو الافريقى الذى يقدم لنا بيانا عن المدينة فى بداية القرن السادس عشر: إن أعدادًا كبيرة من أسماك الثعابين البحرية قد اصطيدت هناك وكذلك من الطرائد وإنه كان هناك على ضفاف نهر لوكوس غابات تضم الكثير من الحيوانات البرية، وقد كان أهل المدينة يصنعون الفحم النباتى الذى يبعثون به إلى ارزيلة وطنجة ولكنهم كانوا يعيشون فى خوف دائم من غارات البرتغاليين الذين هاجموا المدينة فى عام 1504 م (وكان هناك هجوم أسبانى غير موفق من قادس فى عام 1546 م) ولكن هذا الخوف وعدم الأمان لم يمنع من تطور المدينة وتنميتها، فنجحت فى تحقيق قدر طيب من التجارة البحرية لأنها الميناء الوحيد فى الجزء الشمالى من مراكش الذى لم يحتله المسيحيون، كما كانت واحدة من الطرق التى تمر بها تجارة فاس القريبة منها وكان للبرتغال (مقيم) تجارى بها، كما كان الجنوبيون كثيرى التردد عليها، ومنذ ذلك الحين أصبحت "لاراش" مركزا للقراصنة، وزادت حركة القرصنة بعد رحيل البرتغاليين سنة 1550 م عن أرزيك وفى عام 1610 م احتل فيليب الثالث ملك أسبانيا المدينة بعد اتفاق مع السلطان السعدى مولاى محمد الشيخ غير أن المراكشيين استردوا المدينة فى عام 1689 م فى عهد السلطان العلوى مولاى "إسماعيل"، وسكنتها من جديد قبائل جبلة الريف ولكن لم تنقطع عنها هجمات الأوربيين. وفى عام 1765 م لقى الأدميرال الفرنسى دى شافولت هزيمة منكرة هناك، وفى أثناء الأزمة المراكشية نزلت القوات الأسبانية إلى المدينة فى 8 يونية 1911 م وظل البلد فى نطاق النفوذ الأسبانى حتى إعلان استقلال مراكش (المغرب) فى عام 1956 م. المصادر: 1 - Leo Africanus: Description de I'Afrique, ed. by Schefer, II. Paris 1987, 215 - 219 وقد ترجم هذا الكتاب مؤخرًا باللغة العربية وقامت بنشره جامعة الامام محمد بن سعود الإسلامية.

المصادر

2 - Eugene Auhin: Le Maroc d' aujour d'hui, 6 th ed, paris 1910,89 - 95 بهجت عبد الفتاح [ج. إيفر، ر. ريكارد G. Yver - Ricard] عرب فقيه عرب فقيه اسم يطلق على رجل يعرف بشهاب الدين أحمد بن عبد القادر، عنى بتدوين أخبار مسلمى أثيوبيا (الحبشة) فى القرن السادس عشر الميلادى، وشارك بنفسه فى الحرب التى قامت بين الإمام أحمد بن إبراهيم صاحب هرر والنجاشى لبنة دنغل Lebna Denghal لكنه حين شرع فى وضع تاريخه كان قد غادر الحبشة إلى جيزان فى بلاد العرب، وكان يلقب فى هرر بعرب فقيه أى فقيه العرب وحكيمهم، وربما قيل فى تفسير هذا اللقب أن واحدا من الأحباش أطلقه عليه. وكان يريد السخرية به، وكان عرب فقيه متمكنا من اللغة العربية والفقه، وقيل إنه كان لقبا لعربى هاجر إلى الحبشة ثم عاد بعد ذلك إلى مهبط رأسه ويعرف كتاب عرب فقيه فى التاريخ بتحفة الزمان، ولكنه وارد فى المخطوطات باسم "فتوح الحبشة" وهو يتعلق بأحداث سنة 1537 م، لكن العبارة التى وردت فى آخر المخطوطة وبخط صاحبها تصف هذا الكتاب بأنه الجزء الأول، ومع ذلك فلم يتسن ابدا العثور على الجزء الثانى منه، وعلى هذا الأساس فالأرجح هو أن المؤلف لم يستطع قط أن يكمل كتابه هذا كما ورد، ويتوفر لدينا فى الوقت الحاضر كتاب "فتوح الحبشة" فى بضعة مخطوطات كلها حديثة النسخ وقد اعتمد عليه الأُلخ خانى اعتمادا كبيرا فأكثر من الأخذ عنه نقلا وتلخيصا فى كتابه "تاريخ كجرات" المعروف باسم "ظفر الواله بمظفر وآله"، وكان هو الآخر من كتاب العرب وقد هاجر إلى الهند الإسلامية فى النصف الثانى من القرن السادس عشر. أما كتاب فتوح الحبشة فقد نشر نصه العربى رينيه باسيه وترجمه إلى الفرنسية باسم Hist de la Conquete de I'Abyssinie ونشره فى باريس فى مجلدين عام 1897 انظر عنه أيضا سير دنيسون روس فى كتابه: An Arabic History of Gujiral الذى نشره فى مجلدين بلندن. المصادر: وردت فى المادة. د. حسن حبشى [أ. سيرولى E. Cerulli]

العربية، اللغة

العربية، اللغة اللّغة العربية -ويُقال لها أيضا لسان العرب تعنى كل ما نطق به العربُ بمختلف أشكاله، وكان استخدام (العربيّة) للدلالة على ذلك موجودًا قبل الإسلام كما تشير لذلك الصادر العبرية التى ترجع للقرن الثالث للميلاد، وربما كان هذا هو المعنى المقصود بعبارة {لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ} التى وردت فى القرآن الكريم فى سورة النحل، آية 103 {لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ} وسورة الشعراء، آية 195، وسورة الأحقاف، آية 12 {وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَانًا عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ}، أما من الناحية الاصطلاحيّة فتعنى لغة الشعر الجاهلى، والقرآن الكريم والكتابات ذات الطابع الأدبى فى العصور الإسلامية. وبهذا المعنى الاصطلاحى الأخير يمكن تمييز العربية بمعناها العام عن العربية (الفصحى) أو العربية (الفصيحة) المشتقة من (فَ صُ حَ) أى صار جليًّا واضحا، وفى لسان العرب لابن منظور (فَصُح الرجُل فصاحة. . وفصيح من قوم فصحاء وفُصح. . وامرأة فصيحة من نسوة فصَاح وفصائح. . وكلام فصيح أى بليغ، ولسان فصيح أى طَلْق) ويستخدم الفعل "أعْرَب" أيضا بمعنى تكلم بوضوح وبمعنى تكلم بلغة عربية صحيحة لا عِوَج فيها. العربية واللغات السامية الأخرى: تنتمى اللغة العربية إلى مجموعة اللغات الساميّة التى هى بدورها تنتمى لمجموعة لغوية أوسع هى مجموعة اللغات الحاميّة -السَّاميّة التى تضم من بين ما تضم اللغة المصرية القديمة. أما العربية فتنتمى إلى الفرع السامى الجنوبى أو الجنوبى الغربى الذى يضم شعبتين؛ إحداهما: العربية الجنوبية التى تضم السبئية القديمة والمعينية والقَتَبانية والحضرمية. . الخ فى اليمن وحضرموت الجنوبية، والمهرية والشخورية. . الخ فى حضرموت الشمالية بالإضافة إلى لغة جزيرة سوقطرة.

وعلى النقيض من الافتراضات الشائعة فإن العربية الجنوبية القديمة تشكل مجموعة لغوية مختلفة تماما عن العربية. ثانيتهما: الاثيوبية التى تشتمل على الاثيوبية القديمة أو الجعيز، ولغة تجْرى الحديثة واللغة التجرانيّة واللغة الأمهرّية واللغة الهرريّة ولغة جوارج. . الخ. وليس من الواضح تماما ما إذا كانت مجموعة اللغات الأثيوبية هذه تعود فى أصولها إلى العربية الجنوبية أم لا. العربية الأولى: Old Arabic تتمثل أقدم النقوش العربية فى حوالى أربعين اسما ورد ذكرها فى سياق نص أشورى عن الحرب ضد أريبى Aribi (أو أروبو Arubu أو أوربى Urbi) خلال الفترة من 853 إلى 626 قبل الميلاد. وقد جمعها فيس روزمارين T.Weiss Rosmarin وهومل F.Hommel المصادر: (1) 6 in M. de Vogue: Syrie Centrale: hiscr. Semit., 1868 - 77 (2) G. Ryckmans, in Revue Biblique, 1932, 89 - 95; idem, in Med. kon. Volaamsche Acad, 0941 العربية الأولى (من القرن الثالث إلى القرن السادس للميلاد). يمكننا أن نطلق على العربية منذ القرن الثالث إلى القرن السادس للميلاد اسم العربية "الباكرة" أو "الأولى" إذا طبقنا على العربية المصطلحات المتعلقة بتطور اللغتين الإنجليزية والألمانية، ففى هذه الفترة كانت معظم اللهجات العربية فى شبه الجزيرة العربية قد أصبحت مميزة تماما عن العربية القديمة Old Arabic التى أشرنا إليها فيما سبق، وأصبحت تقترب من العربية الكلاسية (التقليدية أو الفصحى) المنطوقة، ولا بد أن العربية الفصحى قد نشأت وتطورت فى هذه المرحلة، والشواهد المتعلقة بهذه المرحلة نادرة لكن لدينا عدد من الاستشهادات من المصادر العبرية المعاصرة جمع جانبا منها أ. كوهين Co The Jewish Quarterly Review 1912, 1913, pp. 221 - 223

وفى هذه الفترة دخلت العربية مئات من الكلمات الآرامية من خلال الاتصالات مع اليهود والمسيحيين، وقد كتب الباحث س. فرنكل S.Fraenkel مبحثا عن الكلمات الآرامية التى استعارتها اللغة العربية. كما تسربت إلى العربية أيضا فى هذه الفترة كلمات من لغات جنوب شبه الجزيرة العربية، وقد أشار إلى هذا هـ. جريم Grimme وغيره من الباحثين فى دورية Zeitschrift Fur Assyriologie الصادرة سنة 1912 (صفحات 158 - 168). وفى هذه الفترة أيضا دخلت العربية كلمات فارسية وجدت طريقها إلى الشعر وورد بعضها فى القرآن الكريم، وعن طريق الآرامية دخلتها للعربية كلمات يونانية، كما دخلتها كلمات لاتينية عن طريق اليونانية والآرامية، فقنطار بالسريانية قنطيرا وباللاتينية Centettarius, ومنديل بالسريانية منديلا وباللاتينية Mantele . . المصادر: (1) الجواليقى، المعرب، شاو Schau، 1867 . (2) Noldeke, Neue Beitrage, 23 - 30 (3) A. Jeffery, Foreignvocabulary of the Qur'an, 1938 . (4) A. Salonen, Alte Substrat-und Kulturworter im Arab., 1950 (= St. Or.Soc. Or. Fennica, xvii, 2) ويجب أن نفترض أن هذه الكلمات التى دخلت العربية قد دخلتها ابتداءً فى مناطق اللهجات المتصلة بالثقافات الأم (الآرامية أو لغات جنوب الجزيرة أو الفارسية) ومن ثم انتشرت أو دخلت فى اللغة العربية الكلاسيّة (الفصحى) فنحن نسمع عن كلمات أجنبية لا يتداولها إلا أهل المدينة (المنوّرة). ويحفظ لنا التراث الفيلولوجى (فقه اللغة التاريخى والمقارن) كثيرا من المعلومات عن اللهجات الباكرة فى نجد (قبائل تميم وأسد وبكر وطيئ وقيس) والحجاز ومناطق مرتفعات جنوب غرب الجزيرة العربية (هذيل وأزد ويمن) بينما تبدو هذه المعلومات شحيحة بالنسبة للمناطق الأخرى، ويبدو أنَّ هذه المعلومات عن اللهجات قد تمَّ جمعها خلال القرنين الثانى والثالث للهجرة

(ربما عندما بدأت هذه اللهجات تتلاشى) وقد قام بجانب من هذا الجمع رجال القبائل فى الأمصار، إلا أنها تعرَّضت للتصحيف والتحريف عند استخدامها لشرح ما غمض من النصوص، أما الاهتمام باللهجات فى حد ذاتها (بصرف النظر عن قيمتها الاستشهادية وقيمتها فى توضيح النصوص) فلم يأتِ إلا فى وقت متأخر. لقد ظهر انشقاق واضح بين مجموعة اللهجات الشرقية على الخليج، ومجموعة اللهجات الغربية التى تشمل بالإضافة للهجات الحجاز وجنوب غرب شبه الجزيرة العربية لهجة طيئ، وكانت لهجات جنوب غرب الجزيرة أكثر تأثرا بلهجة يمن وطيئ بينما نجد تأثيرا للهجات الشرقية على لهجات الحجاز، ويتمثل الاختلاف فى هذه اللهجات فى الإيقاع والنظام الصوتى والنحو (ففى اللهجات الغربية (ذو) و (ذى) بدلا من (الذى) فى اللهجات الشرقية، وأهل الشرق يبنون الفعل (قال) للمجهول بقولهم (قُولَ) بينما أهل غرب الجزيرة يجعلونه (قيل)، وفى الغرب يجعلون فعل الأمر من ردّ (أردُدْ) أما الشرق فيقولون رُدُّ (رُدَّى) وغير ذلك. ولا ندرى ما إذا كانت هذه الفروق بين لهجات غرب الجزيرة وشرقها حديثة أم قديمة موروثة، وإن كان لابد أن نضع فى الاعتبار أن أهل الجزيرة العربية قد أتوا من أنحاء مختلفة من العالم السَّامى وأن العربية قد تعرضت لتأثيرات شتى بعد استقرار العرب فى شبه جزيرتهم. وتحتل اللهجات اليمنية مكانة خاصة نظرًا لما قدّمه لنا ابن دريد ونشوان بن سعيد من معلومات ثرَّة وافرة عنها كما أنه يمكننا تقييمها والتحقق منها لأن اللهجات اليمنية الحديثة ما هى إلّا استمرار للقديمة إذ تضم اللهجات اليمنية الحديثة بين جنبيها كثيرا من ألفاظ اللهجات القديمة بل وطريقة النطق أيضا. فلهجة حِمْيَر كما وصفها الفيلولوجيون كانت لهجة قديمة مهجورة فى غرب الجزيرة العربية تأثرت تأثرا شديدا بلهجات جنوب غرب شبه الجزيرة. ولدينا من الحميرية بعض النقوش (مُسْندات) وبعض

الأقوال وشئ عن الإيقاع فيها وضعه نشوان والهمدانى على اعتبار أن ملوك جنوب شبه الجزيرة القدماء من حمير وسبأ كانوا يتحدثون لغة حمير التى كانت موجودة فى القرن السابع للميلاد. المصادر: (1) G.W. Freytag, Einfuhrung etc 1861, 56 - 125 (2) P. Anastase Marie, in Mash.,vi 529 - 36 (3) K. Vollers, Volkssprache 1906 (4) H. Kofler, Reste altarab. Dalekte, WZKM, 1940,61 - 130, 233 - 62, 1941,52 - 88, 247 - 74; 1942, 15 - 30, 234 - 56 (5) E. Littmann, B. Fac. Ar., 1948, 1 - 56 (6) C. Rabin, Ancient West Arabian, 1951; K. Petracek, Aro, 1954,460 - 6 لغة الكتابة 1 - فى العربية الباكرة أقدم النصوص فى الكتابة العربية تتمثل فى ثلاثة نقوش على جدار فى معبد رام Ramm فى سيناء يعود قدمًا لحوالى سنة 300 للميلاد. وثمة نقوش مسيحية تصحبها ترجمة يونانية فى زبد Zabad تعود لسنة 512 للميلاد، وأخرى فى حرّان تعود لسنة 568 للميلاد، وقد سجل البكرى المؤرخ المسلم نص النقش الوارد على كنيسة هند بالحيرة. ويوجد مُخربش (نقش) غير مؤرخ فى أم الجمال. . ومن المحتمل أن الإنجيل أو جانبا منه قد ترجم للعربية قبل الإسلام. 2 - العربية فى القرنين الثالث والرابع للهجرة (العربية الوسيطة الباكرة) لقد أصبحت العربية -من وجهة النظر الأكاديمية- لغة مقنَّنَة منذ القرنين الثالث والرابع للهجرة، فقد أصبح نحوها وتركيباتها وألفاظها محدَّدة واضحة بعد جهود دءوبة ومنظمة، فمنذ هذا الوقت وحتى الآن كانت تخضع لتجريب مستمر ومتواصل، ومع أن كل قطر عربى قد طور لغته العامية الخاصة به إلّا أن العرب جميعا استمروا فى استخدام الفصحى لغة للكتابة.

لقد اتخذ العلماء المسلمون فى القرون الأولى للإسلام الذين كانوا مسئولين عن هذا الانجاز الجدير بالاحترام فى مضمار تَقْنين اللغة العربية -اتخذوا منطلقًا لهم النص القرآنى الكريم الموثّق تاريخيا، ذلك النص الذى ورد فيه أنه (كتاب عربى مبين) والذى سجِّل وجُمع فى القرن الأول للهجرة (السابع للميلاد) وأحاديث الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] والتى تعنى ما ورد عنه [-صلى اللَّه عليه وسلم-] من قولٍ أو فعلٍ أو تقرير، وأقوال الخلفاء وخطبهم وخطب مشاهير خطباء صدر الإسلام ومجموعات الشعر العربى، وجعلوا من كل هذا مثلًا يحتذى للغة الكتابة، إلّا أن الجهود الأعظم على الاطلاق والتى بذلها العلماء المسلمون فى القرون الثانى والثالت والرابع للهجرة (الثامن والتاسع والعاشر للميلاد) هى تلك التى توجهت نحو جمع ما ظل محفوظًا فى صدور الرواة والبدو عن تراث ما قبل الإسلام وإحياؤه وتحقيقه، فتم جمع إْشعار الجاهلية وأمثالها وخطبها وتم درسها والتعليق عليها واستخدمت فى شروح القرآن الكريم كما استخدمت كشواهد لغوية. والافتراض القائل بأن هذا الجهد الذى قام به العلماء المسلمون من حيث إعادة إنشاء بناء العربية وتقنينه وإنشاء قنطرة بين الأدب العربى قبل الإسلام وبعده له ما يؤيده تاريخيا، افتراض صحيح، فالقرآن الكريم ينص فى سورة إبراهيم، آية 4 {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} وعندما كان العرب يسمعون القرآن الكريم فإنهم كانوا يفهمونه ويتذوقون عباراته الراقية ويدركون سمو لغته. ويمكننا أن نُورد كثيرا من الشواهد التى تؤيد ما ذهبنا إليه من أن الشعر الجاهلى يتفق مع النص القرآنى والأدب الإسلامى لغة وصياغة وأسلوبا. وثمة حقيقة أخرى وهى أن الشعر الجاهلى كما جُمع ووصل إلينا كان مفهوما ومستساغا فى كل أنحاء شبه الجزيرة العربية، فقد كانت اللغة الشعرية المتداولة فى بلاط اللخميين هى نفسها لغة الشعر عند الغساسنة، وهى نفسها فى نجد والحجاز.

وثمة دعاوى متعلقة بالسبق فى مضمار -لغة الكتابة الأدبية ففى المراجع الإسلامية أن الشعر الجاهلى بدأ فى ربيعة بالمهلهل ثم انتقل إلى قيس بالنابغتين وزهير، وأخيرا وصل إلى تميم وظل فيها حتى أطلّت أيّام الإسلام، ويمكن أن نلقى ضوءًا على الموضوع من خلال حديث الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] (أنزل القرآن على سَبْعةِ أحرف) وكلمة أحرف هنا تعنى سبع لغات أو سبعة ألسن وهى وفقا لما ذكره أبن عبّاس لهجات هوازن العليا وتميم الدنيا *. والمرحلة التالية فى تطور لغة الكتابة العربية وانتشارها بدأت مع ظهور الإسلام، فقد اختار الدين الجديد أن يتحدى عقول العرب ذات الطابع الشعرى بكتاب مقدس هو القرآن الكريم معجز فى صياغته وأسلوبه إعجازا لا يقل عن معجزة تحويل العصا إلى أفعى. ولقد تضمن القرآن ما يعتبر ثورة كاملة فى حياة العرب وعقائدهم وفلسفتهم العملية. ومنذ بداية الوحى كان هذا القرآن الكريم يُحفظ عن ظهر قلب ويسجّل كتابة بواسطة كتَّاب الوحى. ولم يكن القرآن كلامًا يُتلى فحسب وإنما كان منهاج حياة، فقد كان المسلم -بشكل عام- لا يحفظ إلا آيات قلائل (عشر آيات على سبيل المثال) ثم هو لا يزيد عليها حتى يفهم معناها تماما ويدرك مراميها ويطبقها تطبيقا عمليا، ولم يمض وقت طويل حتى ظهر اختصاصيون فى تفسير النص القرآنى كابن عباس وابن مسعود وعِكرمة وعلىّ، وبذلك ظهر علم التفسير الذى سرعان ما أصبح فرعًا هامًا ساهم فى تطوير لغة الكتابة. وكان للاختلافات فى طريقة قراءة القرآن الكريم أهمية بالغة بالنسبة للمؤمنين، ولم تصبح هذه الخلافات خطرًا بعد جمع عثمان (رضى اللَّه عنه) القرآن فى نسخ ¬

_ * هناك خلاف كبير بين الباحثين والعلماء المسلمين فى موضوع الأحرف السبعة هذه، وبعض علماء الشيعة ينكرونه تماما ومنهم أبو القاسم الموسوى الخولى فى كتابه البيان فى تفسير القرآن. جـ 1 ص 119 المطبعة العلمية بالنجف [المترجم].

معتمدة أرسلها للأمصار، ومع هذا فقد بقيت الاختلافات فى طريقة القراءة وأصبحت موضوعًا لعلم القراءات الذى يفيد فى معرفة اللهجات العربية. لقد أثر القرآن الكريم فى اللغة الأدبية إذ كان المسلمون ينظرون إليه عبر العصور كنص بليغ معجز يستحيل تحدّيه أو الإتيان بمثله، وظهرت كتابات تتناول سر إعجاز القرآن. لقد أدى ظهور الدين الجديد بما أحدثه من تغييرات فى العقيدة والظروف الاجتماعية إلى إحداث تغييرات كانت ضرورية فى اللغة العربية. ولم يكن هذا هو كل شئ فلم يظل العرب بعد ظهور الإسلام بفترة طويلة متقوقعين فى شبه جزيرتهم ولكنهم انتشروا خارجها ينشرون الإسلام حاملين معهم القرآن الكريم بلغته العربية المهذبة البليغة وحاملين معهم أيضا خصائصهم اللغوية القبليّة وما توارثوه من أشعار وحكم وأمثال وحكايات وخطب اختزنوها فى ذاكرتهم. ولقد أثرت هذه الفتوح تأثيرا هاما فى توحيد لغة العرب فلم تعد القبيلة هى (الوحدة الاجتماعية) فى حياة العرب، فقد كانت جيوش الغزو العربية الكبيرة مؤلفة من خليط من القبائل، وكان كثيرون ممن انخرطوا فى جيوش الغزو هذه يصحبون معهم زوجاتهم وأطفالهم ومن ثم حدث اختلاط وتزاوج بين القبائل التى استقر أفرادها فى المدن المفتوحة وفى المستقرات الجديدة كالكوفة التى كانت تضم عناصر من شمال شبه الجزيرة العربية وجنوبها ومن الحجاز ونجد. لقد تجاوز العرب الآن (فى هذه الفترة) المرحلة القبلية ليدخلوا مرحلة تجمعات المدن والبلدان وأصبحوا أهل حواضر كالبصرة أو الكوفة، كما انتمى العرب إلى البلاد التى استوطنوا بها كالعرب المصريين أو العرب السوريين، ومثل هذه النقلة الحضارية ومثل هذا الأسلوب الجديد فى التجمع ساعد يقينا على التقليل من الفروق بين اللهجات العربية. لقد انتشرت اللغة العربية إثْر الفتوح فى بلاد كثيرة، لكن لم يكن حظها فى الانتشار واحدًا فى كل المناطق، ففى مصر والشام -مثلا-

أصبحت -ولا زالت- هى اللغة الوطنية، وفى بلاد أخرى كفارس ظلت لقرون قلائل لغة الثقافة ثم تخلت عن مكانها -بمرور الوقت- للغة الفارسيّة. وقد كانت هناك عوامل ساعدت على جعل اللغة العربية لغة وطنية (قومية) فى بعض البلاد، ففى الشام كانت هناك عناصر عربية مستقرة بالفعل وكان الشعر العربى -قبل الإسلام- يلقى ترحابا فى بلاط الغساسنة وكان عدد كبير من السكان يتحدثون -بالفعل- اللغة الآرامية وهى لغة تجتمع مع العربية فى الأصل الواحد. وفى العراق كانت هناك قبائل عربية مستقرة بالفعل منذ ما قبل الإسلام، وكانت هناك دولة عربية متمركزة فى الحيرة، وفى مصر كانت اليونانية منذ العصر البطلمى هى لغة الثقافة والسياسة والحكم والإدارة، وبعد ذلك أصبحت أيضا لغة الكنيسة، بينما كانت القبطية هى لغة الحياة اليومية بين الناس. وفى غضون قرن واحد من الفتح أصبحت العربية الفصحى هى اللغة الرسمية للدولة وأصبحت العربية العامية هى لغة الحديث بين المصريين. وتذكر المصادر أن اللغة القبطية قد اختفت تماما تقريبًا بعد هذه الفترة من معظم أنحاء مصر ولم يعد لها وجود اللهم إلّا بين الدارسين الذين تخصّصوا فى دراستها، وقد أورد هذه الحقيقة أحمد أمين فى كتابه فجر الإسلام. وعندما دخل الإسلام شمال أفريقيا وجد ثلاث لغات هى اللاتينية كلغة للإدارة والثقافة، ولغة خليط من اليونانية واللاتينية والساميّة كانت تعد بمثابة تراث أو إرث تخلف عن قرطاجة، واللغة البربرية فى المناطق الداخلية. وأصبحت اللغة العربية هى اللغة السائدة فى المدن بسبب انتشار الدين الإسلامى ووصول موجة فى إثْر موجة من العرب الذين استقروا فى هذا الشمال الأفريقى. وعلى أية حال فإن اللغة البربرية قاومت انتشار العربية فى المراكز الحصينة فى الداخل. د. عبد الرحمن الشيخ [محمد خلف اللَّه M. Kalafallah] 3 - العربية الوسيطة إن تكوين الدولة العربية التى امتدت فى أقصى اتساع لها من البرانس وسواحل الأطلنطى إلى شواطئ نهر

سيحون (سرداريا) ونهر إندوس -هذا الاتساع كانت له نتائجه التى أثرت على اللغة العربية، فقد ذهبت هذه اللغة بعيدا عن موطنها الأصلى فى شبه الجزيرة العربية والمناطق القريبة منها، لقد حملتها الجيوش الإسلامية إلى أقاصى المعمورة، وقد أدت حياة المعسكرات ورفقة السلاح إلى تجمع أفراد من قبائل شتى معا واتصلوا ببعضهم اتصالا وثيقا فى الأحياء السكنية مما أدى إلى اختلاط لهجاتهم وتقاربها. وفى الولايات العربية الجديدة -ربما باستثناء سوريا- كان أهل البلاد يفوقون العرب عددا، وقد استمروا فى استخدام لغاتهم الأصلية لكنهم اضطروا لاستخدام لغة الفاتحين فى تعاملهم مع الحكومة القائمة مع أنهم -فى البداية- كانوا يستخدمونها كبديل مؤقت، وهناك أيضا غير المسلمين الذين وقعوا فى الأسر وعملوا فى خدمة سادتهم العرب فإنهم سرعان ما تعرّبوا واعتنقوا الإسلام، وقد اعتق عدد كبير منهم أو من سلالتهم ولعبوا باعتبارهم من الموالى دورا مهما فى الحياة الاقتصادية للدولة الإسلامية خاصة فى المدن. وكانوا ينطقون العربية بكثير من التبديل والتغيير فى حروفها وتراكيبها ويرجع هذا فى جانب منه إلى نشأتهم غير العربية، كما يرجع أيضا إلى التغيرات الاقتصادية والاجتماعية السريعة، وكانت هذه اللهجات المتباينة تباينا شديدا إحدى خصائص اللهجات العربية المحلية فى هذه المرحلة، وكانت سائدة بين الطبقات الدنيا فى مدن الولايات المختلفة. وكانت هذه اللهجات تتميز بتبسيط النطق، فالقاف القوية الخارجة من أعلى الحلق والتى تبدو واضحة فى كلام البدو لم يعد لها وجود فى هذه اللهجات، وكذلك حرفى الضاد والظاء، لقد اختلطا، وأهملت الحروف المتحركة إذا كانت فى أواخر الكلمات، ولم يكن الإعراب أفضل حظًا منها، وقد أثر استخدام المسيحيين فى فلسطين والشام والعراق وكذلك استخدام اليهود الشرقيين لها واعتمادها كلغة كتابة لديهم منذ القرن الثانى للهجرة (الثامن للميلاد) على مستواها فصارت أقرب إلى خواص العربية الوسيطة (عربية هذه المرحلة) بينما ظل العرب المسلمون متمسكين بلغتهم الفصحى التقليدية.

وبنهاية القرن الأول الهجرى (السابع للميلاد) شعر الموالى بضرورة إتقان الفصحى السوية وأدى هذا إلى البدء فى الدراسات النحوية بينما واصل العرب الحفاظ على نقاء لغتهم، لجعلها مثلا يحتذى، وكان ما ينطق به البدو أساسا لوضع القواعد (النحو) وبناء على ذلك ظهرت المدارس النحوية فى الكوفة والبصرة. لقد ساعد الاهتمام بأمثال العرب وأيامهم وبالمغازى والسيرة على الحفاظ على اللغة العربية الفصيحة، أما الاهتمام بحديث الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- وبعلم الفقه فقد ساعد على أن تترك التغيرات الاجتماعية والاقتصادية أثرها من حيث الكلمات المستخدمة والأسلوب وطريقة الصياغة، بل وحتى فى الصرف أو بنية الكلمات. وقد تأثر النثر الفنى الذى لا يتناول موضوعات دينية فى العصر العباسى الأول بتلك التغيرات الاجتماعية والاقتصادية وإن كان ذلك على نحو مختلف، فقد أدت هذه التغيرات إلى بزوغ نجم العناصر غير العربية كما أدت إلى إحياء تراث ما قبل الإسلام وإحياء الهيلينية الشرقية (الهيلينستية) بشكل ترك تأثيرا فائقًا فظهر شعراء مُحْدثون مثل أبى العتاهية الذى كان يمثل اتجاها جديدا رغم التزامه بالشكل التقليدى للقصيدة العربية. ويمكننا أن نجمع من كتابات الجاحظ (165 - 225 هـ) ما يفيدنا فى التعرف على أحوال العربية فى نهاية القرن الثانى للهجرة (الثامن للميلاد) من حيث النطق الخاطئ واللّحن من ناحية والكياسة فى التعبير والتملق والكلف والتأنق فى اختيار الألفاظ والمعانى من ناحية أخرى إلى جانب معرفتنا باللغة العربية الفصيحة كما ينطقها البدو الخفص وما اعتراها من تغضّن والتواء قل أو كثر نتيجة جريانها على ألسن الزراع والتجار والباعة الجائلين وغيرهم. ودخلت العربيةَ مصطلحاتٌ لا حصر لها نتيجة جهود المترجمين والعلماء الذين جعلوا التراث الفلسفى اليونانى والطب والرياضيات وغيرها متاحة للعقل الإسلامى. لكن هؤلاء المترجمين والعلماء كانوا فى غالبهم من المسيحيين

(مثل حنين بن إسحق) أو من اليهود، ولم يكونوا يتقنون نحو العربية إتقانا كاملا ومن هنا تجلت فى لغتهم ملامح هذه الفترة. وأدى انحلال القوى العباسية وازدهار العسكرية التركية أثناء القرن الثالث الهجرى (التاسع الميلادى) إلى تدنى مستويات التعليم، فحتى لغة البلاط لم تعد تحتفظ بنقائها القديم بل طُعِّمت بأساليب السوقة وألفاظهم. وفى حوالى سنة 300 هـ (912 م) اقتصر استخدام الفصحى على المجتمعات الراقية وفى مجالس القضاء ومجالس العلم، ومع هذا فقد كان الحديث بها -رغم مراعاته قواعد الإعراب- يتسم بالتكلف والتحذلق. وفى هذه الفترة نبغ فى الكتابة بالعربية عدد كبير من غير ذوى الأصول العربية كالخوارزمى وبديع الزمان وفى فقه اللغة أبو هلال العسكرى. وكان الأدب الرفيع فى حاجة إلى تفسير أو تعليق ليفهمه الناس، وقد حدث هذا بالفعل بالنسبة لأدب أبى العلاء المعرى والمتنبى. ومع نشوء الدولة المستقلة فعليا عن الدولة العباسية مع بقائها تابعة اسميا لها تأثر وضع العربية باعتبارها لغة الإسلام، ففى عهد الدولة السامانية -إحدى دويلات الشرق- جرى إحياء الآداب الفارسية بل حدث هذا فى عهد السلاجقة كذلك، وبعد أن اجتاح المغول العالم الإسلامى الآسيوى فى معظمه دخلت العربية المكتوبة مرحلة تاريخية جديدة فقد أصبحت مصر تحت حكم المماليك هى قطب الرحى لهذا العالم الإسلامى وأصبحت القلب النابض للثقافة الإسلامية والأدب العربى، وقد تأثرت العربية الفصيحة فى هذه الفترة باللهجات المحلية وجرى استخدام ألفاظ عامية، وهذا واضح فى كتابات ابن أبى أصيبعة (توفى 668 هـ/ 1270 م) وابن إياس (حوالى 930 هـ/ 1524 م) وابن طولون (حوالى 955 هـ/ 1548 م) بل ودخلت العربية ألفاظ تركية وتراكيب تركية كما هو واضح من كتابات الأمير بكتاش الفخرى. وقد أثرت التغيرات الكبرى التى اتخذت سبيلها للعالم فى نهاية القرن التاسع الهجرى (الخامس عشر

الميلادى) فى اللغة العربية المكتوبة، وكان التأثير الذى لحقها عميقا، فبعد سقوط غرناطة سنة 897 هـ/ 1492 م وخروج المسلمين من الأندلس، تلاشت العربية من شبه جزيرة أيبيريا، وفى بلاد المغرب -حيث كانت العربية الفصحى فى مواجهة حادة دائمة مع اللهجات المحلية- انبثق من اللغة الشعرية الجديدة لهذه اللهجات ما سُمّى بالمَلْحون، وقد حقق هذا اللون منذ القرن العاشر الهجرى (السادس عشر الميلادى) انتشارا واسعا فى المغرب الأقصى (مراكش). وبعد وقوع البلاد الناطقة بالعربية فى أيدى سلاطين آل عثمان، لم تعد اللغة العربية وآدابها تحظى بالاهتمام الأول، حتى فى مصر -التى كانت حتى ذلك الوقت حاضرة الثقافة العربية- فتدَنَّى النشاط الأدبى فيها إلى أدنى درجة، وأصبحت الفصحى مقصورة على الخاصة وظهر التأليف بالعامية (انظر على سبيل المثال هزّ القحوف فى شرح قصيدة أبى شادوف للشربينى المتوفى حوالى 1098 هـ/ 1687 م). وفى القرن العاشر الهجرى (السادس عشر الميلادى) كانت القصائد -بالفعل- تكتب بالعامية، أما فى الشام فقد قام جرمانوس فرحات رئيس الأساقفة المارونى (توفى 1145 هـ/ 1732 م) فى حلب ببذل جهد كبير لإحياء دراسة نَحْو العربية ومفرداتها وبلاغتها. أما خارج البلاد الناطقة بالعربية فقد ظل العلماء والدارسون يستخدمونها وبخاصة أولئك المتخصصون فى التوحيد والفقه والموضوعات المتصلة بهما. ورغم أن منطقة نفوذ اللغة العربية كانت قد امتدت لتشمل أنحاء من شرق أفريقيا وزنجبار والملايو، وأرخبيل أندونيسيا إلّا أن تأثيرها قد تقلص الآن فى هذه المناطق عن ذى قبل. وقد استمرت مرحلة الانهيار والتجمد بالنسبة للغة العربية حتى بداية القرن الثالث عشر للهجرة (التاسع عشر الميلادى). المراجع: (1) H. L. Fleischer Kleinnere Schinlten, i-iii, Leipzig 1885 - 8 (2) Th. Noldeke, Zur Grammatik des classischen Arabisch, Wien 1896

(3) J. Fuck, Arabiya, Unter suchungen zur arabischen Sprach-und StiIgeschichte, Berlin 1950 د. عبد الرحمن الشيخ [ح. و. فيك J. W.Fuckv] 4 - العربية المكتوبة فى العصر الحديث كانت حملة نابليون على مصر سنة 1798 م تمثل بداية الاقتحام الأوربى لعقل العالم العربى، فبدأت عناصر لا تحصى من مفردات الحضارة الغربية تحدت تأثيرات عميقة فى اللغة العربية المكتوبة، وتحقَّق ذلك بالفعل من خلال برنامج محمد على الإصلاحى المتروِّى الذى استهدف إدخال المنجزات الأوربية خاصّة من فرنسا التى ظلت مثلًا يُحتذى فى كل مكان حتى بعد الحرب العالمية الأولى. لقد اتخذت الأفكار الأجنبية طريقها إلى فكر المصريين عن طريق البعثات التعليمية إلى فرنسا، وإنشاء مدارس على النَّسق الأوربى، وإنشاء مطبعة عربية، والأهم من كل ذلك ترجمة كتب أوربية عديدة مما أوجد ضرورة إيجاد تعابير ومصطلحات لحشد من الأفكار الأجنبية، وقد ظهرت الحاجة لذلك فى مصر أولا ثم فى المناطق العربية الأخرى. فحتى الترجمات الباكرة التى قام عليها المترجمون الأول فى مصر -وكان من أبرزهم رفاعة رافع الطهطاوى (1801 - 1873 م) - كانت تشتمل على عدد كبير من المصطلحات الأجنبية جنبا إلى جنب مع مصطلحات عربية خالصة تم وضعها للتعبير عن أفكار أوربية. ولم تبدأ حركة معارضة حقيقية ضد الإسراف فى استخدام كلمات أجنبية حتى النصف الثانى من القرن التاسع عشر. لكن قضية كيفية مواجهة الحاجة المتزايدة لوضع مصطلحات وتعابير جديدة فى اللغة العربية قد أضحت واحدة من القضايا الفكرية الكبرى المثارة. فالأثر الأوربى -فى حد ذاته- قد أيقظ لدى العرب الإحساس بعظمة تراثهم اللغوى والأدبى بعد قرون شكلت فترة فاصلة بينهم وبين هذا التراث، ومما ساعد على هذا الإحياء طباعة كثير من الأعمال الأدبية التراثية والمعاجم وكتب النحو، وشاعت فكرة أن العربية الفصحى القديمة هى الأكثر صحة والأكثر جمالا

من العربية فى أثوابها أو أشكالها الجديدة، رغم وجود معارضين لهذا الرأى، وقد بدأت المطالبة بإحياء العربية الفصحى التقليدية فى الشام (سوريا ولبنان)، وكان إبراهيم اليازجى من بين أوائل النقاد المهتمين باللغة العربية وقد انتقد لغة الصحف فى زمانه فى مقالات تحمل عنوان (لغة الجرائد) وقد نشرت على هيئة كتاب فى القاهرة سنة 1319 هـ, ومع هذا ظلت مشكلة المصطلحات العلمية أكثر تعقيدا رغم جهود بذلها كثيرون منها: معجم أسماء النبات لأحمد عيسى (القاهرة، 1930 م) ومعجم الحيوان لأمين معلوف (القاهرة، 1932 م) ومعجم الألفاظ الزراعية لمصطفى الشهابى (دمشق، 1943 م) ومعجم ألفاظ الطب والأحياء وما يتصل بهما لمحمد أشرف (الطبعة الثانية فى القاهرة، 1929 م) وغير هذه الأعمال كثيرًا، وإن كانت هذه الأعمال لم تدرج كثيرا من التعبيرات والمصطلحات المستخدمة بالفعل كما أن هذه الأعمال اشتملت على إضافات اجتهادية من مؤلفيها. أما الجهود الرامية إلى تنسيق تعريب المصطلحات العلمية فتعود إلى الثمانينات من القرن الأخير وبعد محاولات غير ناجحة تم تأسيس المجمع العلمى العربى فى دمشق سنة 1919 م الذى ظهرت بواكير مطبوعاته سنة 1921 م. وفى سنة 1932 م ظهر للوجود مجمع اللغة العربية وأصدر (مجلة مجمع اللغة العربية) صدر المجلد الأول منها 1934، ومنذ 1936 بدأ تجميع محاضر المجلس. وفى العراق كان الأب أنستاس مارى الكرملى يصدر (لغة العرب) وعمل على تأسيس المجمع العلمى العراقى سنة 1947 م. ومع المحاولات المستميتة للتمسك بالعربية التقليدية إلا أن أحدا لم يكن بمستطيع الهرب من التأثير الأوربى على العربية حتى النحو جرى تبسيطه وإن كان الصرف وطريقة النطق قد ظلا كما هم دون تغيير. وتم إحياء كلمات عربية كانت مهجورة واستخدمت استخداما جديدا مثل كلمة قطار التى كانت تعنى مجموعة جمال يمشى بعضها فى إثْر بعضها الآخر، انصرف معناها لتعنى قطار السكك الحديدية،

وكلمة البَرْق التى تعنى الضوء المصاحب للرعد أصبحت تعنى التلغراف، واستُخدمت اشتقاقات جديدة من جذور لغوية قديمة للدلالة على مستحدثات مثل متحف من (ت ح ف) وإذاعة ومفازة. . . الخ، وأضيفت بعض الصفات لألفاظ قديمة لإعطائها دلالات جديدة مثل (البريد الجوى). وحتى الحرب العالمية الأولى كانت معظم الألفاظ الدخيلة فى العربية من الفرنسية والإيطالية ثم بدأ التأثير الإنجليزى بعد الحرب العالمية الأولى خاصة فى مصر والعراق وبدأت كثير من الكلمات ذات الأصل التركى تختفى فى الحقب الأخيرة. وقد أجرى العرب على الألفاظ الدخيلة -أحيانا- طريقة الجمع العربية (مثل جمعهم فيلم على أفلام وبنك على بنوك) وكذلك طريقة المصدر الصناعى كقولهم (ديمقراطية)، لكن الكلمات الأجنبية التى دخلت العربية لم تكن كافية بأى حال ولا زال استخدام المصطلحات الأجنبية قائما فى كثير من المجالات العلمية. ومن غير المتوقع أن تحل اللهجات المحلية العامية محل العربية الفصحى كلغة كتابة، فاستخدام العرب من العراق لمراكش لغة واحدة يعد رمزا لوحدة ثقافتهم التليدة وأملا يدعم وحدتهم. المصادر: (1) W. Braune, in MSOS xxxvi, 2, 130 - 40 (2) Brockelinann, S III 5 - 7, J (3) Fuck, Arabiya xiv; R. B. Winser and F. J. Ziadeh, An Introduction to Modem Arabic, Princeton 1955 د. عبد الرحمن الشيخ (هـ. فبر) العربية الدَّارجة مسح عام: يتحدث العربية اليوم ملايين من البشر يقطنون غرب آسيا وشمال أفريقيا من الخليج العربى إلى المحيط الأطلنطى، وهذه المناطق تشمل شبه الجزيرة العربية والهلال الخصيب وحتى الحدود الفارسية والتركية كما تضم مصر ومعظم السودان (من النيل

إلى تشاد) وتونس والجزائر ومراكش والسودان الغربى (غرب أفريقيا الناطقة بالفرنسية) وشمال الصحراء الكبرى، وبالإضافة لهذه المساحة الممتدة توجد مناطق أخرى مثل جيبوتى وزنجبار، وفى أوربا مالطة (فيما مضى جزر البليار وصقلية) وأسبانيا (حتى القرن الخامس عشر) ويجب ألا نغفل السوريين واللبنانيين الذين هاجروا واستوطنوا فى أمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية وغرب أفريقيا الناطق بالفرنسية. واللهجات المستخدمة اليوم مشتقة -بصفة أساسية- من اللهجات العربية القديمة فى وسط شبه الجزيرة العربية وشمالها، ولم يلحظ علماء فقه اللغة التاريخى والمقارن (الفيلولوجيا) فروقا جوهرية فى التركيبات اللغوية، وكل ما لاحظوه من اختلاف مقتصر على النطق والكلمات المستخدمة. وقد وصف علماء اللغة الآنف ذكرهم هذه اللهجات العربية القديمة جميعها بالفصاحة وقسموها إلى ثلاث مجموعات: لهجات الحجاز واعتبروها هى الأنقى، ولهجات نجد، وأخيرا لهجات القبائل المجاورة واعتبروها لهجات فسدت إلى حد كبير بدخول تأثيرات من لغات سامية وغير سامية عليها. وقد ارتقت عربية الحجاز خاصة لهجة قريش لتصبح لغة أدب قبل ظهور الإسلام. وللعامية العربية الحديثة أصول من العربية الفصحى مع بعض التحولات، فحرف الضاد الذى يميز اللغة العربية الفصحى أصبح فى اللهجات العامية أقل فخامة، بل لقد اقترب من حرف الدال، وكذلك اختلفت صيغ الجمع عنها فى الفصحى، ومع كل هذا فمعجم العامية هو فى غالبه معجم الفصحى مع ملاحظة أن كثيرا من الألفاظ الفصحى المرتبطة بالحياة البدوية إما أنها اختفت بين السكان الحضر أو أنها استخدمت استخداما مختلفا، كما أن ألفاظا من لغات أجنبية وجدت طريقها بوضوح للعامية. أدب اللهجات العامية: ظل أدب اللهجات العامية بشكل أساسى أدبا شفاهيا غير مكتوب، وذلك لأن البعد الدينى للعربية الفصحى باعتبارها لغة القرآن الكريم قد منع

تطور الأدب العامى مع استثناءات يسيرة، متمثلة فى الأمثال الشعبية والزجل الذى يتناول المجالات الشعرية نفسها وهى التى يتناولها الشعر الفصيح: مديح، وهجاء ورثاء ووصف. . وقد أفرز الأدب الشعبى ملاحم وقصصا، وعندما نتحدث عن الأدب الشعبى فإن هذا لا يعنى بعده الكامل عن العربية الفصحى، والمثال الواضح لذلك هو قصص ألف ليلة وليلة وفى الفترة الأخيرة جرت محاولات لإنشاء أدب شعبى باللهجات العامية خاصة فى مجال المسرحيات والروايات. ويجب ألّا نغفل الإنتاج الأدبى والفكرى العربى للمسيحيين (انظر: G.Graf,: Geschichte der christilick Arabischen Lileratur Leipzig 1905 ولا الأدب الذى أنتجه العرب بلغات غير العربية فى مالطه، ولا الكتابات العربية اليهودية. وبالنسبة لليهود العرب وإنتاجهم المكتوب بعبرية ذات طابع خاص أو أيضا بعربية ذات طابع خاص يمكن للباحث المهتم أن يطالع مقال: E. Vassel,: La Litteratnre Popalaire des Israelites tunisiens. in RT, 1904 وكتاب: G.Vajda,: Un Recueil de texres historique Juddo-Mazocaiues, Paris 1951 وكذلك: M. Steinschneider.: Arabische Litteratur. der juden. Frankfurt. 1902 وليس بين أيدينا حتى الآن عمل شامل عن أدب اللهجات العامية العربية. عاميّة المشرق العربى: تمتد المنطقة الجغرافية التى تشغلها هذه اللهجات لتشمل مصر وسوريا وشبه الجزيرة العربية وبادية الشام والعراق. وتوجد لغات غير العربية فى هذه المساحة الجغرافية، ففى مصر بربرية أهل سيوة، وفى المنطقة السورية اللبنانية اللهجة الآرامية فى معلولة وجبعدين وبخعة Bakh'a, ولغة الجراكسة الذين يعيشون فى قرى سورية مختلفة (القنيطرة وعين زيت وتل أميرى خاناسير ومنبيج)، وجرش فى الأردن، واللغة الأرمنية (أو التركية) التى يتحدث بها حوالى 200.000 أرمنى (خاصة فى بيروت وحلب)،

واللغة الكردية التى يتحدث بها حوالى 230.000 كردى فى جبل الأكراد وجربلوس والـ Hassetche، وبعض المدن الرئيسية خاصة بيروت ودمشق، ويشكل الأكراد جزءا رئيسيا من سكان العراق، وبالإضافة لهذا هناك السريانية الجديدة فى سهل الموصل. وفى شبه الجزيرة العربية وكمزارى (شبه جزيرة مسندم فى عدن) لهجة فارسية. وهناك أيضا لغات جنوب شبه الجزيرة العربية الحديثة (وصف الحداثة هنا يعود للغات لا لشبه الجزيرة) وتوجد بين حضرموت وعمان ممثلة فى اللغة المهرية والقروية والهرسوس والبتهريّة، وفى إسرائيل توجد العبرية الحديثة. وقد تغلغلت العربية المصرية (لهجات البدو) فى جمهورية السودان وانتشرت بين الناطقين باللغات النيلية والكوشيّة، ثم انتقلت بتأثيرات مغربية فى منطقة بحيرة تشاد حيث اللغات الزنجية الأفريقية، وتستخدم العربية اليمنية كلغة ثانية بين الصوماليين فى أفريقيا. واتخذت العربية فى عمان طريقها إلى زنجبار، ووجدت تأثيرات من اللهجات العربية البدوية فى تركمانستان وخزرستان وطاجيقستان، وأخيرا ففى أمريكا يوجد السوريون واللبنانيون. ونعود إلى اللهجات العربية المشرقية، ففى مصر حققت لهجة القاهريين شهرة، أما لهجة أهل الإسكندرية فأقل شهرة، وما نعلمه عن لهجات الفلاحين قليل، أما لهجات البدو وأهل الصعيد فهى الأصعب على الإطلاق. وفى فلسطين لابد أن نلاحظ الفصل بين لهجات الحضر المستقرين وأهل الريف المستقرين (الفلاحين) والبدو. وفى سوريا ولبنان فإن لهجات الحضر المستقرين ولم هل الريف المستقرين يمكن -حقا- تمييزها بوضوح وإن كانت الفروق بينها أقل إذا قورنت بالفروق بينها وبين اللهجات البدوية، ولهجات المدن الكبرى كبيروت ودمشق وحلب والقدس متشابهة. وفى منطقة جبال لبنان المقسم إلى وحدات إدارية منفصلة يلاحظ المرء بعض الفروق المحلية. وفى العراق اختلطت اللهجات الحضرية والريفية بلهجات بدو شمال

الجزيرة العربية اختلاطا شديدا. . وبشكل عام فإن اللهجات البدوية هى الأكثر انتشارا (لها السيادة) فى العراق. وقد تكون دراسة لهجات يهود بغداد والبصرة أكثر فائدة إلّا أن الهجرات الحديثة قد فككت هذه المجتمعات. وإنه لأمر شائق أن نلاحظ اللهجات من خلال النصوص الأدبية. ويلاحظ أن اللهجات العامية استغنت عن حرف الضاد ووضعت بدله حرف الدال، كما اختفى الالتزام بتشكيل أواخر الكلمات (الإعراب). . . الخ المصادر: وردت فى المتن. عاميّة المغرب العربى انتشرت العربية انتشارا واسعا فى شمال أفريقيا لكنها لم تكن بأية حال اللغة الوحيدة، فقد ظلت البربرية -رغم فقدانها بعض المواضع- فى حالة ازدهار. وساعدت الظروف الجغرافية من جبال وتلال وامتداد صحراوى شاسع على ذلك فتغلغلت العربية لكنها لم تمحق البربرية خاصة فى المناطق الداخلية. وقد تنوعت العربية العامية فى المغرب تنوعا شديدا وصعب بعضها صعوبة غير مألوفة حتى أنه يمكننا أن نطلق مصطلح (العربية المغربية) عليها تمييزا لها عن (العربية المشرقية). وقد ذهب بروكلمان فى أبحاثه الباكرة -حيث لم تكن المعلومات قد توفرت بما فيه الكفاية عن لهجات المغرب العربى- إلى أن اللهجات المغربية ذات طابع بدوى فى الأساس لكن هذا الرأى يبدو الآن غير دقيق، فالخواص الصوتية فى غالب اللهجات المغربية تميزها عن غيرها من اللهجات، حيث يجرى التركيز على أواخر الكلمات على سبيل المثال، كما يجرى تقصير حروف المد، فالفعل (ضَرَبَ) على سبيل المثال عند النطق تقصر الفتحة بين الضاد والراء، وتوسع بين الراء والباء (darab) تصبح (drab) وفَرَح (farah) تصبح (frah) أى تقصّر الفتحة بعد الفاء وتطوَّل بعد الراء، أما ضَرَبوا (darahu) فإنهم عند النطق يختزلون الفتحة بعد الراء (darbu) . وللمغرب العربى قاموسه الخاص من المفردات بعضها غير شائع فى المشرق وإن كان هذا لا يمنع أنها كلمات عربية أو من أصول عربية. د. عبد الرحمن الشيخ [ف. مارسيه PH Marcais]

ب - الأدب العربى قسَّمنا هذا المبحث كالتالى: 1 - بواكير الأدب العربى: - قبل الإسلام (الشعر والنثر). - شعر القرن الأول. 2 - الأدب العربى فى القرن الثانى (الشعر والنثر). 3 - الأدب العربى فى الفترة من القرن الثالث إلى القرن الخامس. (الشعر والنثر). 4 - الأدب العربى من القرن السادس إلى القرن الثانى عشر. 5 - الأدب العربى الحديث. • إلى سنة 1914. • بعد سنة 1914. قائمة عامة بالمراجع. لم يكتب حتى الآن * تاريخ كامل للأدب العربى، فلا زالت أعمال كثيرة مهمة مخطوطة لم تُنشر، كما أنَّ الدراسات النقدية التى تتناول الشعراء والكتاب لازالت قليلة نسبيا، ولم تحظ بعض فترات الأدب العربى بالدراسة الوافية، ويجد الباحث أن أكثر القوائم اكتمالا هى تلك التى قدمها لنا بروكلمان فى كتابه تاريخ الأدب العربى: C. Brockelmann: Gesch. der arab.Literatur وما صدر له من ملحقين. وثمة مسح آخر للإنتاج الفكرى العربى قدّمه لنا جبريلى: F.Gabrieli,Storia della letteratura araba, Milan (1952) بالإضافة للحصر الوارد فى الأعمال الآتية: - H.A.R. Gibb: Arabic Literature, Landon, 1929 - R. A. Nicholson,: A literary history of the Arabs, and ed., Cambridge, 1930 - Ch. Pellat,: langue et litterature arabes, Paris, 1952 - O. Rescher,: Abriss der arab Literaturgeschichte, i, ii, Stuttgart 1925 - جورجى زيدان، تاريخ آداب اللغة العربية فى أربعة مجلدات القاهرة 1911. ¬

_ * كان هذا وقت كتابة المقال.

- أحمد الاسكندرانى ومحمد عنانى، الوسيط فى الأدب العربى، القاهرة، 1919. . بالإضافة إلى أعمال أخرى عديدة صدرت باللغة العربية، وقد أدرجنا -بعد ذلك- فى قوائم تشتمل على المصادر والمراجع المتعلقة بكل فترة على حدة، كما أدرجنا مصادر أخرى فى ثنايا البحث تتناول كتابا أو شعراء. (1) بواكير الأدب العربى 1 - قبل الإسلام: - الشعر: بدأ الأدب العربى فى الظهور فى نحو أواخر القرن الخامس للميلاد ممثلًا فى الشعراء العرب فى الشمال الشرقى لشبه الجزيرة العربية وعند تخوم الفرات، وقد بقى من إنتاجهم ما حاز انتشارا، على نحو أو آخر، وقد وصل الجيل الثانى من هؤلاء الشعراء بقصائدهم إلى درجة عالية من الكمال والإتقان الفنى، وكان من بينهم الشاعر الأشهر امرؤ القيس، وكانت قصائدهم (المفرد: قصيدة، والجمع: قصائد، وبلغة الحياة اليومية: قَصيد) مثلا يُحتذى للأجيال اللاحقة من الشعراء العرب الذين نهجوا نهجها -بلا استثناء- مع بعض التغيير فى المحتوى وطريقة التناول. لقد انتشرت أشعار هذه المدرسة بسرعة كبيرة فى شبه الجزيرة العربية ومناطق المستقرات العربية فى الشام والعراق. وبظهور الإسلام وما تلاه من تغير فى الاهتمامات القبلية تعرض هذا النوع من الشعر لكسوف مؤقت. والقصيدة العربية شكل فنى تتميز بخصائص لا تشاركها فيها الآداب الأخرى إلّا قليلا -والغرضان الرئيسيان. . للقصيدة العربية هما الفخر والمدح، وهما يردان فى سياق رحلة يقوم بها الشاعر، ويوسع الشاعر من مجال قصيدته بالنسيب وهو التشبيب بامرأة من قبيلة أخرى، ووصف بعير الشاعر أو حصانه وذكر مزاياه، ومقارنته بالطرائد، ويفضى هذا إلى ذكر شئ من حياة الحيوان فى الصحراء. ويستطرد الشاعر فيتعرض لصور مثالية من الكرم البدوى، وعادات الشراب والحرب ومناظر المعارك، وهجاء المناوئين له. ويتراوح طول

القصيدة بين ستين ومائة بيت لها الوزن نفسه، والقافية نفسها. ويحيط الغموض بأصول الشعر العربى، فتراث فقه اللغة العربية (الذى يشكل غالبا مصدر المعلومات الوحيد فى هذا المجال) لا يقدم لنا معلومات تعود بجذورها إلى أبعد من شعراء القصائد (أو القصيد) مع أنه من الصعب أن نتصور أن هؤلاء الشعراء قد أنشأوا قصائدهم هكذا فجأة دون أن يكون قد سبقهم أسلاف مهدوا الطريق. لقد كان ظهور المدرسة الشعرية الجديدة معاصرا لمملكة كِنْدَة فى شمال شرق شبه الجزيرة العربية، وكان لمملكة كِنْدَه علاقات مع أمراء الحيرة وغسّان، مما يجعلنا نفترض إمكانية ورود تأثيرات من منطقة الهلال الخصيب، لكننا لا نمتلك أدلة تؤيد هذا الفرض. وعلى أية حال فقد أثر شعراء القصيد بشكل مسيطر وواضح على الشعر العربى الذى أتى بعد ذلك. والطابع الرئيسى الذى يميز هذه القصائد وترك أثره بعد ذلك هو التركيز أو التكثيف أو الإيجاز الشديد، إذ يتم حشد كل الإشارات والإيماءات والصيغ بشكل مركز لتوضيح الصورة فى أقل قَدْر من الكلمات. وكانت الصور البيانية من استعارة وكناية وتشبيه محصورة فى صور تقليدية قليلة مرتبطة بالحرب والطعام، وقد يقتضى سياق القصيدة إضافة مثل أو عبارة تجرى مجرى المثل. أما عن أقسام القصيدة فإن الجزء المتعلق بوصف الحيوان يتسم بالحيوية والواقعية، على العكس من الجزء المتعلق بالنسيب، إذ يشير هذا الجزء بإيجاز إلى موقع المعسكر الذى سبق أن أقام فيه الشاعر فى رحلة سابقة (وصف الأطلال) ونادرا ما يصف الشاعر المرأة التى تستدعيها ذاكرته، رغم أن الأبيات التى تتناول المرأة بالوصف الحسِّى قد يخصص لها أحيانا بعض الأبيات المنفصلة. والبيت الشعرى -وليس القصيدة ككل- هو المعيار الذى تقاس به مهارة الشاعر الشعرية. والشعر الجاهلى (شعر ما قبل الإسلام) أو على الأقل ما بقى منه ارتبط بعدد محدود من الأغواض themes تلاحمت مع القيم الخلقية والجمالية السائدة، لذا فقد كان

المضمون الشعرى معروفًا سلفا، بل وأكثر من هذا فقد كان أى خروج عن المألوف يعد أمرا لا يحظى بالقبول، كما تحكم الشكل الشعرى فى استرسال عاطفة الشاعر. واتسم المحتوى الشعرى بالاعتدال والرزانة اللهم إلّا فى مجال الفخر والمديح حيث حفل هذان الغرضان بالمبالغة خاصة إذا كان الأمر متعلقا بالكرم. وأخيرا فقد كانت المهمة الكبرى للشاعر هى كونه ممثلًا للذاكرة الجمعية، ومن ثم أضفى طابع الاستمرار على الحاضر. وبالإضافة للقصائد ظهر ما يعرف بشعر المناسبات حيث يتناول الشاعر موضوعا شعريا واحدا، لكن هذا النوع من الشعر -على أية حال- لم يظهر قبل القصائد المعروفة التى أنشأها شعراء القصيد، كما أن شعر المناسبات هذا قد تأثر فنيا بالقصائد التقليدية، ولا يمكن اعتباره ممثلا للشعر العربى فى مرحلته الباكرة. إلا أنه يمكننا أن نستثنى من ذلك -على نحو ما- أشعار الحرب من بحر الرَّجز، وكذلك شعر الرِّثاء الذى هو أقرب إلى المعنى العام لفن الشعر، ومن بين شعر المناسبات أيضا ما يعرف بشعر الحماسة، وقد ارتبط بعضه بالشعراء الصعاليك. إن ثمة معنى خاصا ارتبط بشعر الهجاء مؤداه أن الشاعر الهجاء ينطق بلسان قوى غيبية أو قوى ما فوق الطبيعة (انظر: I.Goldziher,Abhandlungen zur arab. philologie, i 1896, 1 - 121) ويبدو أن تركيز العرب على جماليات الألفاظ وحسن اختيارها قد أعطى للألفاظ نفسها قوة ذات دلالات غامضة وسحرية. وكان الشعر مبعث فخر ومجال تنافس، فالشاعر الذى يمكنه أن يؤثر فى مشاعر مستمعيه بالمجازات البليغة والمحكمة والعبارات الخصبة المشبعة بالكنايات والفوارق الدقيقة فى المعانى، ليس مجرد شاعر، وإنما هو يلقى التوقير والاحترام باعتباره حاميا لشرف القبيلة وباعتباره سلاحًا فعّالا ضد أعدائها. وكانت الحروب القبلية تحسم -على نحوٍ قلَّ أو كَثُر- من خلال المفاخرة بين الشعراء المرموقين، تماما كما تحسم فى

ميدان القتال. وكانت عادة المفاخرة هذه عميقة الجذور حتى أن محمدا -صلى اللَّه عليه وسلم- لجأ اليها -بعد ذلك- فى المدينة المنوّرة، رغم أنه كان -بشكل عام- معاديًا لنفوذ الشعراء (انظر ديوان حسّان بن ثابت. وحساسية العرب للهجاء لم تمنع من توجيهه ضد شيوخ القبائل وذوى الحيثيات، وإن كانت قلة قليلة من هذه الأشعار هى التى بقيت (هكذا لاحظ الجاحظ فى كتابه الحيوان، 1، 359) والملمح الجدير بالملاحظة هو الافتقاد الكامل لشعر الحب (بصرف النظر عن النسيب التقليدى) كما أن شعر الخَمْريّات نادر بدوره ويلاحظ أن الشواهد الدالة على وجوده تعود لفترة ظهور الإسلام (انظر أبو محْجَن)، ولا توجد قصائد مستقلة تتناول الصيد (قصائد الطرديّة والجمع طرائد). وشهدت المناطق الحضرية أيضا شعراء، وإن كان إنتاجهم الشعرى يختلف نسيجًا ومضمونا عن شعر البادية، ولم يبق منه إلّا القليل خلا أشعار عَدِىِّ بن زيد وهو شاعر من الحيرة يتناول الدين ومجالس الشراب بالإضافة للقصائد الدينية المنسوبة إلى أمية بن أبى الصلت (من الطائف) وهى قصائد مشكوك فى نسبتها إليه. النقل والتوثيق: ليس هناك دليل يقينى على أن الشعر الجاهلى قد وصلنا مكتوبا فى فترة سابقة على القرن الأول الهجرى رغم أنه لا يمكننا انكار استخدام الكتابة فى تسجيل الأعمال الأدبية قبل الإسلام وإن كان وصول الأشعار والأشكال الأدبية الأخرى إلينا يُعزى فضله للرواة، أما عملية التسجيل فيعود الفضل فيها لعلماء فقه اللغة فى القرن الثانى للهجرة (الثامن للميلاد) وعلى هذا فتدوين الانتاج الأدبى بدأ بعد مائتى سنة أو ثلاثمائة من ظهور هذا الإنتاج أو إنشائه، وهذا يجعل الأشعار المجموعة والمنسوبة للجاهلية موضع شك فى نسبتها لقائليها، وقد تعرض لهذه القضية د. س مرجليوث فى مجلة الجمعية الملكية الآسيوية Journal of the Royal Asiatic Society, العدد الصادر سنة 1925، وطه حسين فى كتابه فى

الأدب الجاهلى الصادر فى القاهرة سنة 1927. الشعر فى القرن الأول للهجرة: أثرت التغيرات الاجتماعية والاقتصادية المصاحبة للإسلام وكذلك حركة الفتوح فى الشعر العربى من حيث لغته ومجالاته، ففقد الهجاء سطوته وتحولت الحماسة إلى أشعار ذات طابع دينى تحث على الجهاد ومقاومة الخوارج، ونتيجة الثروة وحياة الرفاهية ظهرت قصائد الغزل المستقلة فى الحجاز -بمعنى أن الغزل لم يعد مجرد نسيب أو تشبيب ملحق بقصائد تضم أغراضا أخرى وإنما ظهرت له قصائد مستقلة- كما ظهرت قصائد جرى إعدادها خصيصا لتُغنّى. وكان الغزل على نوعين أحدهما ارتبط -على نحو خاص- بمكة وهو شعر مرح وحَضَرِى ويتسم بالصدق والواقعية وخير ممثل له عمر بن أبى ربيعة، أما النوع الثانى فارتبط بالمدينة واتسم بالحب اليائس (الحب بلا أمل) وكان ذا طابع بدوى. وظهر نوع من الشعر الدينى السياسى على يد شيعة علىّ، كما ظهر شعر الرجز. وفى القرن الأول للهجرة أرسيت التقاليد الشعرية على يد مجموعة من الشعراء أبرزهم الأخطل وجرير والفرزدق وذو الرمة. أما الأخطل فكان خير ممثل لمنهج عمرو بن كلثوم والنابغة، وصبغت مدرسة الأخطل ومن لفّ لفّه بروح شعر ما قبل الإسلام، فقد عكف الأخطل على مدح خلفاء بنى أمية وتميزت قصائده بالروح القبلية، وكان الفرزدق فى ميدان الفخر صدى لروح أجداده الجاهليين لكن الفرزدق وكذلك جرير لم يكونا يحبان الفقر الذى تتسم به الحياة البدوية وكانت القصائد بالنسبة لهما وسيلة للثراء والنفوذ، وقد جرت بين جرير والفرزدق حوارات شعرية أساسها المفاخرة والهجاء عرفت بالنقائض، لم تبتعد روح الصحراء إذن عن شعراء هذه الفترة بل إن شاعرا مثل ذى الرمة قد تجلى فى شعره بوضوح وصف الصحراء والإقامة فيها، ومن وصف حياة البادية. وعلى أية حال فإننا لا نقدم فروقا بين الشعر الجاهلى والشعر الأموى

(شعر القرن الاول للهجرة)، فقد كانت العاطفة فى الشعر الجاهلى أقوى وأوضح وإن كانت تصب فى مجار ضيقة وتتحرك فى إطار محدود، أما الشعر الأموى فمجاله أرحب. وشارك الشعراء بشعرهم فى الصراعات الدائرة حول المبادئ والأشخاص، وتأثر الشعر فى هذه المرحلة بالأسلوب القرآنى. والشعر فى هذه المرحلة أكثر توثيقا من الشعر الجاهلى فقد كتب فى حياة الشاعر أو بعد وفاته بقليل. المصادر: (1) R. Blachere,: Litt., i (2) C.A. Nallino, Raccoltu di Scritti vi, Rome 1948 شوقى ضيف، التطور والتجديد فى الشعر الأموى. القاهرة، 1952. أحمد أمين، فجر الإسلام. القاهرة، 1928 م. م. البصير، عصر القرآن، بغداد، 1947. الأدب فى القرن الثانى للهجرة: يمتاز أدب القرن الثانى للهجرة عن أدب القرن الأول بخاصِّيتين. أنه -إذا غضَضْنا الطّرف عن استثناءات قليلة- أدب المجتمع الحضرى وقد ظهر غالبه فى العراق، وكان الأدباء والشعراء فى هذه الفترة -فى غالبهم- أنصاف عرب أو غير عرب على الاطلاق ينحدرون من سلالات فارسية أو آرامية، وكان من الطبيعى أن ينعكس ذلك على الأدب الذى ينتجونه، وتجلى ذلك فى النثر أكثر من تجليه فى الشعر. ولقد ظل الشعر العربى فى هذا العصر العباسى الأول ملتزما بعمود الشعر العربى ملتزما ببحور الخليل بن أحمد (توفى 175 هـ/ 791 م) كما ظل محافظا على العربية الفصحى لغة الأباء والأجداد وإن بدا أكثر رقة وبساطة، واتجهت أفكار الشعراء ومعانيهم نحو العمق وترتيب الأفكار ودقة المعانى وكثرت فى الشعر صور الخيال وانفسحت، كما زاد الاهتمام بالصنعة والمحسنات البديعية وغالى بعضهم فى ذلك كأبى تمام، ومن المجالات الشعرية الجديدة التى ظهرت وصف القصور والنافورات. . إلخ

ومن الشعراء البارزين فى هذا القرن بشار بن برد (ت 168 هـ/ 784 م) وهو من أصل فارسى وهو أول شاعر عظيم من أصول غير عربية، ويعزى حشد القصيدة العربية بالبديع (المحسنات اللفظية) لشاعر من الجيل التالى لبشار هو مسلم بن الوليد الذى اختلف فيه النقاد بين مادح مشيد وقادح متَّهِم، لكننا لا نجد هذا الخلاف حول شاعر عظيم آخر معاصر هو أبو نواس (توفى حوالى 198 هـ/ 803 م) الذى لا نكاد نجد له نظيرا فى الأدب العربى خاصة فى خمرياته، إلا أن علماء اللغة لم يحفلوا بأشعار العصر العباسى الأول احتفاءهم بأشعار القرن الهجرى الأول والعصر الجاهلى، إذ اعتبروها أقل التزاما باللغة الصحيحة ولا يجوز الاستشهاد بها فى المضمار اللغوى، لذا لم يحفلوا بجمع هذه الأشعار فى دواوين. أما فيما يتعلق بالنثر فقد شهد تطورا هائلا فقد كتب الكتاب أول المقالات، وكانت الكتابات الخارجة من البلاط الأموى أقرب إلى فن الخطب. ومن أشهر الكتاب فى القرن الثانى الهجرى عبد الحميد الكاتب المتوفى سنة 132 هـ (750 م)، وقد بدأ النثر العربى فى هذه الفترة من خلال الترجمة لأدب البلاط البهلوى فى فارس وقد أثر ذلك فى النثر العربى سار ابن المقفع بعد ذلك على هذا المنوال (*). ومما ساعد على تطور النثر ما قام به القصّاص فى هذه الفترة إذ كانوا يربطون جملة أحاديث معًا لتكون شبه القصة أو الحكاية، ومن الأعمال التى نحت هذا المنحى (سيرة النبى) لابن إسحاق (توفى 151 هـ/ 768 م). وظهور طائفة الإخباريين (رواة الأخبار) الذين راحوا يروون أخبار العرب فى أيامهم وفى عشقهم، وفى القرن الثانى للهجرة تعددت الاضطرابات وأسبابها وظهرت مذاهب دينية جديدة وامتدت الفتوح الإسلامية، ¬

_ (*) يلاحظ أن المؤلف هنا يتناول القرن الثانى الهجرى كله بما فيه من فترة أموية وأخرى عباسية، وبالتالى فهو لا يسير وفقا للتقسيم التقليدى المتعارف عليه فى الكتابات التى تؤرخ للأدب العربى: عصر أموى، عصر عباسى أول، عصر عباسى ثان. [المترجم].

وكان للفلسفة دور فى الحياة الثقافية، وقد أثر كل هذا فى النثر وساعد على تطويره، وكان لظهور المدارس الفقهية على نحو خاص أثره الواضح، فالمذهب الحنفى كان له كُتابه المشهورون مثل أبو يوسف (توفى 189 هـ/ 804 م) ومحمد الشيبانى (ت 189 هـ/ 804 م)، وأنتجت مدرسة المدينة أو تجميع مهم لأحاديث الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- ونعنى به الموطّأ للإمام مالك بن أنس (توفى 179 هـ/ 795 م) وبعد ذلك أصدر الإمام الشافعى كتابه الأم، وكذلك تطورت الدراسات القرآنية. المصادر: (1) أحمد أمين: ضحى الإسلام. جـ 1 القاهرة، 1933. (2) الرفاعى: عصر المأمون جـ 2 القاهرة 1927. (3) طه حسين: حديث الأربعاء، القاهرة 1925. (4) Ch. Pellat,: Le Milieu Bastien et la Formation de Gahiz, Paris 1952 (5) J. Schacht, Origins of Muhammadan Jurisprudence, Oxford 1950 الأدب من القرن الثالث إلى الخامس للهجرة: مع بداية القرن الثالث الهجرى (التاسع الميلادى) كانت الدراسات اللغوية والتاريخية والفقهية والقرآنية التى ذكرنا شيئا عنها فيما سبق قد أرست أرضيّة متينة لأدب النثر فى التاريخ الإسلامى. ولكن المسألة التى بقيت فى حاجة إلى حل هى كيف نخرج كل هذه الدراسات من حيزها الضيق بين الباحثين والعلماء لتتفاعل مع العامة وتحظى باهتمامهم وتدخل حياتهم اليومية، وقد ألقى الضوء على هذه المشكلة الجاحظ، ذلك العبقرى (توفى 255 هـ/ 869 م) الذى استطاع أن يكون حديث العامة بكتاباته الألمعية الذكية ذات الأسلوب الساخر. ولا تعود النجاحات التى حققتها كتابات الجاحظ إلى إتقان علوم العربية وامتلاكه ناصيتها فحسب وإنما تعود أيضا إلى ظهور مدرسة البصرة باتجاهاتها العقلية والاتجاه الإحيائى لعناصر الثقافة الهيلينية فى غرب آسيا، وتجلى ذلك بوضوح فى طائفة المعتزلة.

وقد دعّم هذا الاتجاه الهيلينى تأسيس المأمون (198 - 221 هـ/ 813 - 833 م) لبيت الحكمة فى بغداد لترجمة الأعمال الفلسفية والعلمية اليونانية. لقد تجلت فى كتابات الجاحظ -إذن- العناصر الثقافية العربية واليونانية وامتد ذلك التأثير اليونانى ليشمل كل ضروب الأدب ولم يعد قصرا على الجاحظ دون سواه، ومما ساعد على ازدهار الآداب والعلوم استخدام المسلمين للورق الذى جلبوه من الشرق الأقصى فى النصف الثانى من القرن الثانى للهجرة. ولقد استطاع هذا الاتجاه الجديد أن يقهر التراث الساسانى للكتاب رغم محاولاتهم الدائمة للتمرد، تلك المحاولات التى لم تكن تخلو من روح شعوبية تهدف إلى تشويه العرب وثقافتهم. وفى مواجهة هذه التيارات الهيلينية كان هناك تيار أصولى من المسلمين السنة من دارسى التوحيد والفقه رفضوا الاتجاهات العقلية للمعتزلة وفضلوا الانشغال بسنة الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- والشريعة الإسلامية وقد شهدت هذه الفترة ظهور الكتب الستة التى جمعت الأحاديث الصحيحة للرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- وهى كتب البخارى ومسلم والترمذى وابن ماجه وأبو داود والنسائى، وبالنسبة للشيعة فإنهم يعتبرون الكتب الصحاح التى جمعت أحاديث الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- عددها أربعة أهمها ما جمعه الكُلَيْنى (توفى 328 هـ/ 939 م). ورغم جهود أهل السنة وأتباع المذهب الظاهرى إلا أن هذا لم يمنع من أنه فى القرنين الثالث والرابع كان هناك أدب صوفى جديد فى حالة تطور، منذ عهد المحاسبى (عام 213 هـ/ 857 م) والجنيد (المتوفى 297 هـ/ 910 م). بل وظهر الشعر الرمزى (الباطنى)، وشهدت الفترة رؤى ذى النون (توفى 245 هـ/ 859 م) وغيره. وإذا تناولنا الشعر فى هذه الفترة فلابد من القول إنه لم يعد يحتل المكان الأول إذ سبقه النثر، ولا يعود ذلك لتخلى العرب عن حبهم للشعر وتفضيلهم له وإنما لأن هناك مجالات فكرية وعلمية جديدة لم يعد الشعر

بقادر على إحراز قَصْب السَّبْق فيها، لكن هذا لم يمنع من ظهور شعراء عظماء فى هذه الفترة منهم أبو تمام (المتوفى فى عام 231 هـ/ 846 م) وكان مولعا بالأفكار العميقة والتراكيب اللغوية غير المبتذلة وبالمحسنات البديعية والصور البيانية فحمل قصائده أحمالا ثقالًا من ذلك كله، بينما كان البحترى (المتوفى سنة 284 هـ/ 897 م) أكثر ميلا للمعانى البسيطة والألفاظ ذات الموسيقى والجرس، فكان بذلك أقرب للروح البدوية، وقد حاول ابن الرومى (ت 283 هـ/ 896 م) أن يوجد شعرا نقديا استبطانيا introcpective جديدا تكون فيه القصيدة كيانا يشكل وحدة موضوعية متكاملة وتتناول مجالا شعريا واحدا. ويعد أبو العلاء المعرى هو آخر الشعراء العظماء فى هذه الفترة (المتوفى عام 449 هـ/ 1057 م)، ولا شك أن تاريخ الأدب العربى فى هذه الفترة بل وفى غيرها من الفترات زاخر بالتفاصيل مما يصعب منه التلخيص، لذا ففى قائمة المراجع فائدة كبيرة لكل مستزيد. المصادر: (1) البصير: فى الأدب العباسى، بغداد، 1949. (2) خليل مردم، شعراء الشام فى القرن الثالث. دمشق 1925. (3) L. Mubarak,: La prose arahe an IV siecle de L'Hegire, Paris 1931 (Arabic edition Cairo 1934 (4) A. Mez,: Die Renaissance des Islams, Heidelberg (English tr., The Renaissance of Islam. London I 937 (5) G.E. von Grunebaum,: A tenth Century Document of Arab Literary Theory and Criticisms, Chicago I 950 (6) Idem., The spirit of Islam as shown in its Literature. studio Islamica i I, 1953 (7) H. Ritter,: Introduction to Asrar al-Baligha of al-Djurdjani, Istanbul 1954 (8) Palencia,: Historia, de la Literatura Arbbigo Espanola, Barcelona 1928

(9) H. Peres: La Poesie andalouse en Arabe classique qu XI siecle, Paris 1937, 1953 من القرن السادس للقرن الثانى عشر للهجرة: شهدت بداية القرن السادس للهجرة (الثانى عشر للميلاد) انتصار قوتين سيهيمنان من الآن فصاعدا على الحياة الفكرية للبلاد العربية، ونعنى بهما الأصولية Scholasticiam والصوفية. وقد ارتبط هذان الاتجاهان بحركة الإحياء السنى التى قادها السلاجقة والتى بدأت فى خراسان فى منتصف القرن الخامس وانتشرت فى العراق فى ظل سلاطين آل سلجوق ومنها إلى سوريا ومصر فى ظل آل زنكى وآل أيوب (الأيوبيين)، وفى الغرب الإسلامى ظهرت حركة مشابهة قادها البربرى محمد بن تومرت (المتوفى 524 هـ/ 1130 م) وتطورت الحركتان بشكل متواز فى شطرى العالم العربى (الشرقى والغربى) وساعد على ذلك عمق الصلات والاتصالات بين المشرق والمغرب. وكان العامل الرئيسى فى انتشار الأصولية هو التركيز التدريجى على التعليم النظامى فى المدارس، والمدرسة نوع جديد من المؤسسات التعليمية أدخله الوزير السلجوقى نظام الملك (المتوفى 485 هـ/ 1092 م) فى بغداد لتخريج العلماء والإداريين، وسرعان ما انتشر نظام المدارس هذا ليغمر العالم الإسلامى كله. وقد أدى حصر التعليم فى شكل محدد إلى حصر الموضوعات (المجالات) التى تُدرَّس أيضا فى أشكال محددة (قوالب محدَّدة) وأدى هذا إلى الاستعاضة بالكتب المقررة (كتب المختصرات Text books) والأعمال الموسوعية المجمعة لتحل محل الأعمال الأصلية. وكان هذا الاتجاه ملحوظا عند الجيل الرائد الأول من معلّمى المدرسة النظامية: التبريزى اللغوى (المتوفى 502 هـ/ 1109 م) تلميذ أبى العلاء المعرى الذى جرى الاستشهاد بأشعاره فى الكتب المدرسية وفى التفسيرات والتعليقات، وخلف التبريزى فى الاتجاه نفسه الجواليقى (المتوفى 539 هـ/ 1145 م) والفقيه الشافعى الجوينى

إمام الحرمين (توفى 478 هـ/ 1085 م) وتلميذه أبو حامد الغزالى (المتوفى 505 هـ/ 1111 م) الذى كرس أعماله الأولى للتوحيد والدفاع عن السنة ضد الفلسفة الهيلينستية والأفكار الغريبة عن الإسلام، وسار على دَرْب هؤلاء غالب أهل السنة من علماء التوحيد والشريعة الذين أتوا بعد ذلك إذ ألفوا عددا كبيرا من المختصرات فى علم العقيدة (الجمع عقائد) ومن أشهر هذه الأعمال ما كتبه أبو حفص النَّسفى (المتوفى 537 هـ/ 1132 م) وعضد الدين (المتوفى 756 هـ/ 1355 م) ومحمد بن يوسف السنوسى (المتوفى 892 هـ/ 1486 م) كما ظهرت كتب من هذا النوع فى الحديث خاصة كملاحق لكتب الصِّحاح الستة، وممن كتبوا فى هذا المجال ابن الهيثمى (المتوفى 807 هـ/ 1405 م) وعلى المتقى الهندى (المتوفى 975 هـ/ 1567 م) فى كتابه الشامل كنز العمال. وقد ألف الشيعة فى القرنين الرابع والخامس كتبا فى التوحيد والعقائد على الشاكلة نفسها، ومن هؤلاء الشيعة المطهّر الحِلّى (المتوفى 726 هـ/ 1326 م) ومحمد بكر المجلسى المتوفى 1110 هـ/ 1700 م كما ألفوا كتبا موجزة فى الشريعة وتفسير القرآن الكريم. ومع هذا فقد ظهرت اتجاهات مناوئة لهذا الحصر والتضييق المدرسى وكان المناوئون لهذا الاتجاه قليلى العدد لكن دورهم كان فى الغاية من الأهمية فقد انخرط المصلح الحنبلى الشهير ابن تيمية (المتوفى 728 هـ/ 1328 م) وتلميذه ابن قيم الجوزية (المتوفى 751 هـ/ 1350 م) فى جدال عنيف ضد الجمود المدرسى من ناحية وضد الصوفية من ناحية أخرى لكن لم يحققا إلا نجاحا محدودا حتى تم أخيرا إحياء تعاليمهما على يد محمد بن عبد الوهاب (المتوفى 1206 هـ/ 1791 م) فى منطقة نجد بوسط شبه جزيرة العرب. وفى الهند ظهرت مدرسة مهمة لم تحظ بالدراسة الكافية وكان اهتمامها منصبا على الفلسفة الدينية، وقد أسست فى جنبور على يد محمد الجنبورى (المتوفى 1062 هـ/ 1652 م) وظلت هذه المدرسة ذات تأثير لعدّة أجيال وأثرت فى أعمال المصلح الدينى ولى اللَّه

الدهلوى (المتوفى 1176 هـ/ 1765 م). وفى مجال الشريعة قدم تاج الدين السبكى الشافعى (المتوفى 771 هـ/1370 م) والحنفى ابن نجيم المصرى (المتوفى 970 هـ/ 1563 م) أعمالًا أصيلة. وكان للحروب الصليبية دور فى صبغ آداب العربية بطابع خاص، فأثناء هذه الحروب ظهر ما يمكن تسميته بأدب الحرب كما ظهرت أعمال عن المناورات (التكتيكات) العسكرية واستخدام الأسلحة وسياسة الخيل والجهاد بشكل عام وحتى فى الأندلس كان الأدب صدى للأعمال المشرقية. وفى مجال الأدب الخالص انتشرت المحسنات البديعية وبلغت ذروتها فى القرن السادس الهجرى (الثانى عشر للميلاد) وكان الحض على الأخلاق الفاضلة هو محور كثير من الأعمال كما فى أطواق الذهب للزمخشرى (المتوفى 538 هـ/ 1143 م) وانتعش النثر الديوانى (الإنشاء) على يد كتاب مثل القاضى الفاضل (المتوفى 596 هـ/ 1199 م). وظل العنصر الهيلينستى فعّالا فى الثقافة العربية لعدة قرون ليس فى مجالات الطب والعلوم والفلسفة فحسب، بل فى سائر فروع المعرفة. وفى هذه الفترة ظهر ما يمكن تسميته بالحركة الموسوعيّة، ويمكن القول إن هذا كان نتيجة للحركة المدرسية الهادفة إلى تنظيم المعرفة وضبطها والتى وجدت نفسها -بوعى أو بدون وعى- تركز على العلوم الدينية والفلسفة. واتخذ الموسوعيون أشكالا مختلفة منها: ترتيب المعارف هجائيا تحت رءوس موضوعات فى مجال معين أو عدة مجالات مثل قاموس الأنساب المعروف بكتاب الأنساب لتاج الدين السمعانى (المتوفى بعد 551 هـ/ 1156 م) وسار على النسق نفسه ياقوت الحموى ذو الأصول اليونانية فى كتابه معجم البلدان، وكتب التراجم كوفيات الأعيان لابن خلكان والوافى بالوفيات للصفدى. . الخ وبالإضافة للترتيب الهجائى، ظهر الترتيب وفقا للقرون على يد ابن حجر العسقلانى فى كتابه

الدرر الكامنة فى أعيان المائة الثامنة، ثم السخاوى الذى تناول أعيان المائة التاسعة. . وهكذا. وبعد ذلك ظهرت الموسوعات الببليوجرافية كموسوعة كشف الظنون عن أسامى الكتب والفنون للتركى حاجى خليفة (المتوفى 1068 هـ/ 1658 م) وأتى بعده محمد على التهانوى الذى ألف سنة 1158 هـ/ 1745 م معجم مصطلحات الفنون. وبعض الكتاب الموسوعيين نحا نحو مزج عدة فروع معرفية فى عمل واحد كالنويرى (المتوفى 732 هـ/ 1332 م) فى كتابه نهاية الأرب وكذلك القلقشندى (المتوفى 821 هـ/ 1418 م) فى كتاب صبح الأعشى. وفى مجال العلوم غير الدينية كان الإنتاج فى مجال التاريخ هو الأهم والأكثر تأثيرا، فقد حرص السنة على إحياء الكتابة فى مجال التاريخ العام، ومن الكتابات فى هذا المجال المنتظم لابن الجوزى (المتوفى 597 هـ/ 1200 م) واستمر من خلال العمل المهم الكامل لابن الأثير (المتوفى 630 هـ/ 1373 م) وتتابعت الأعمال التاريخية الموسوعية المهمة. وفى هذه الفترة كثرت الدواوين الشعرية لكن قليلا من الشعراء هم الذين حققوا شهرة كالعراقى صفى الدين الحلّى (المتوفى 749 هـ/ 1349 م) والسورى ابن حجَّة الحموى (المتوفى 837 هـ/ 1434 م) والمصرى بهاء الدين زهير (المتوفى 656 هـ/ 1258 م) وحقق الشعر الدينى فى مدح النبى -صلى اللَّه عليه وسلم- نجاحا كبيرا خاصة لملك القصيدة المعروفة بالبردة للبوصيرى (المتوفى 694 هـ/ 1296 م). وبالنسبة للحركة الصوفية وإفرازاتها الأدبية فقد حلت الخوانق والربط والزوايا لدى الصوفية محل المدارس لدى السنة، واتخذت كتاباتهم فى كثير من الأحيان شكل تسجيل لكرامات الأولياء ومناقبهم، وبدءوا فى الابتعاد عن التصوف بشكله الواضح البسيط كما كان يتجلى فى كتابات الغزالى. وأدى الجمود السريع الذى حاق بمعظم فروع المعرفة بعد الفتح العثمانى

لمصر والشام فى بداية القرن العاشر الهجرى (السادس عشر للميلاد) إلى ازدهار النشاط الصوفى الذى راح يعبر عن نفسه من خلال كتابات مبالغ فيها أحيانا ككتابات المصرى عبد الوهاب الشعرانى (المتوفى 973 هـ/ 1565 م). ويعتبر عبد الغنى النابلسى (المتوفى 1143 هـ/ 1731 م) أبرز كتاب العصر العثمانى لكتاباته الدينية والصوفية ولأشعاره أيضا وقد وقع معظم الكتاب فى مصر والشام طوال القرن الثامن عشر تحت تأثيره سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، بل ووصل تأثيره للمغرب. وفى الشرق الإسلامى كان الاتجاه الصوفى السائد هو الاتجاه الإشراقى الذى أثر من خاول الفارسى صدر الدين شيرازى وتلميذه فيض الكاشى فى الصوفية الهندية وصوفية الشيعة الفرس. ولم يظهر الاتجاه بالعودة للأصول الصوفية الأولى إلا فى نهاية هذه الفترة على يد المرتضى الزبيدى المصرى رغم أصوله الهندية، وعلى الشاذلية فى المغرب. المصادر: (1) حمزة، ا. ل. الحركة الفكرية فى مصر القاهرة، بدون تاريخ. (2) J. Rkabi, La Poesie profane sous les Ayyubides, Paris 1949; G. Graf (3) Gesch. d. christlichen arabischen Literatur, ii, iii, Vatican City 1947 - 9; and see also T.ASAWWOF الأدب العربى الحديث: (أ) إلى سنة 1914 ينطوى مصطلح "الأدب العربى الحديث" على التطورات الحادثة من القرن الثالث للهجرة وما تبعه من قرون، كما يضم بين جنبيه أيضا تغيرات أعمق وأوسع من حركة الإحياء البسيطة التى شهدها الإنتاج الأدبى سواء على المستوى الضيق ونعنى به استخدام اللغة أو على المستوى الأرحب ممثلًا فى الحركة الإنسانية. فقد شهد الأدب العربى الحديث حركات إحياء محلية بسيطة بين وقت وآخر، كتلك الحركة -على سبيل المثال

- التى حدثت فى حلب بتأثير رئيس الأساقفة المارونى جرمانوس فرحات (1670 - 1732 م) بغداد فى النصف الأول من القرن الثانى عشر للهجرة (الثامن عشر للميلاد). وقد شهد القرن الثالث عشر للهجرة (التاسع عشر للميلاد) أيضا ظهور أدب جديد يستوحى الأدب القديم ويسير على نهجه، وكان هدف الروّاد الأحيائيين فى هذه الفترة هو تحرير اللغة المعربية وانتشالها من حفرة التدهور والركاكة التى وقعت فيها، وذلك بأن يستعيدوا التراث الأدبى القديم بلغته النقية الخالصة. ومن رواد هذه المرحلة ناصف اليازجن (1800 - 1871 م) فى سوريا، وعلى باشا مبارك (1823 - 1893 م) فى مصر ومحمود شكرى الألوسى (1857 - 1932 م) فى العراق. وقد عمل هؤلاء الرواد -سواء فى مؤلفاتهم أو فى مجالسهم ومدارسهم- على إحياء التراث العربى، فكتاب الخطط التوفيقية لعلى باشا مبارك ما هو إلا استمرار لنهج المقريزى. وجنبا إلى جنب مع هؤلاء كان هناك كتاب تأثروا بأفكار العالم الغربى واقتربوا من آدابه إما لأن الظروف أتاحت لهم ذلك أو باختيارهم الشخصى، وكان الدافع الأكبر هو حاجة المدارس العسكرية التى أنشأها محمد على فى مصر إلى مترجمين لترجمة المصطلحات الفنية من الفرنسيَّة، كما أدى إنشاء مطبعة فى مصر سنة 1828 م إلى الإسراع بالنهضة الفكرية المتأثرة بالغرب. وظهرت هذه الحركة فى سوريا بعد ذلك بفترة قصيرة. وكان كبير المترجمين فى عهد محمد على هو رفاعة رافع الطهطاوى (المتوفى حوالى 1873 م)، ولا يمكننا أن نحسم مسألة مدى انتشار هذه المصطلحات المعربة فى هذه الفترة ولا إلى أى مدى أثرت فى الأدباء. لكنه من الواضح أن رفاعة وآخرين مثله قد ألحقوا ما استفادوه من الغرب إلى أعمالهم ببساطة، وكان على المشتغلين بالأدب والدارسين له فى لبنان والذين كانوا على اتصال

بالحضارة الغربية من خلال البعثات التعليمية فى سوريا خاصة بطرس البستانى (1819 - 1883 م) وأحمد فارس الشدياق (1801 - 1887 م، وناصف بن إبراهيم اليازجى (1847 - 1906 م)، وكذلك فى تونس مثل محمد بيرم (1740 - 1889 م) أن يستجيبوا للدوافع نفسها، وينهجوا النهج نفسه، وهذا لا يمنع أن هؤلاء جميعا كانوا من بين منشئى الدوريات الصحفية العربية الجديدة وخاضوا تجربة الكتابة الصحفية. لقد أدى تطور الصحافة الجديدة فى مصر -التى كانت فى بدايتها تحت إشراف سورى ثم سرعان ما تولى أمرها مصريون- إلى إرساء أساس متين لأدب عربى جديد. ففى خلال الحقب الأخيرة من القرن التاسع عشر والحقبة الأولى من القرن العشرين كانت الصحف مسرحا يحقق الأدباء من خلالها شهرتهم (باستثناء الشعر) وبدأت الآداب العربية تخوض مجالات اجتماعية جديدة وتتناول أفكارًا بأساليب جديدة ومختلفة مثل: كتابات محمد على (1849/ 1905 م) الصارمة ولكنها مفعمة بالحياة، ومقامات محمد المويلحى (1898 - 1930 م) وهى مقامات لمسها التطوير والتحديث رغم أنها نهجت منهج المقامات العباسية، والكتابات الأنيقة لمصطفى لطفى المنفلوطى (1876 - 1924 م)، والنثر الوظيفى الذى تميزت به كتابات جورجى زيدان (1861 - 1914 م)، وكتابات يعقوب صروف (1852 - 1927 م) وكتابات قاسم أمين (1865 - 1908 م) بالإضافة للكتابات الحماسية ذات اللغة المنمقة والتى اتضحت فيما كتبه ولى الدين يكن (1873 - 1921 م) ومصطفى كامل (1874 - 1908 م)، والكتابات العامية الساخرة ليعقوب صنوع "أبو نظارة " (1938 - 1912 م) وعبد اللَّه النديم (1844 - 1896 م). وفى الوقت نفسه قدمت لنا الصحافة السورية فى بلاد المهجر نوعا جديدا من المقالات الأدبية وقصائد النثر التى خرجت عن النظام الشعرى التقليدى، ومن فرسان هذه الصحف

جبران خليل جبران (1883 - 1931 م) وأمين الريحانى (1877 - 1940 م). وكان من غير الممكن فى الواقع ظهور هذا التطور فيما نسميه الأدب العربى الجديد دون حركة الترجمة، نفاما كما أنه لم يكن من الممكن أن يظهر ابن المقفع والجاحظ فى العصر العباسى دون حركة الترجمة المزامنة لهما أيضا. ولم تترك الترجمة أثرا فى الأدب العربى الحديث من حيث توسيع مجاله، وطرائقه فى التعبير وتبسيط لغته فحسب وإنما ساعدت على إدخال أشكال أدبية وفنية جديدة، فقد ساعدت الترجمة على ظهور الفنون الدرامية وتطويرها، ومن بواكير الأعمال الدرامية تلك التى قدمها فى سوريا مارون النقاش (1817 - 1855 م) الذى استوحى كتابات موليير، وتبعه نجيب الحداد (1867 - 1899 م) الذى كتب على نسق كورنيل Corneille وهوجو وا. دوماس وشكسبير، وظهرت أعمال درامية أكثر نجاحا فى مصر على يد محمد عثمان جلال (1828 - 1898 م) الذى مصّر أعمال موليير، ورغم كل هذا فلا يمكن القول إن الدراما العربية حققت فى هذه المرحلة نجاحا كبيرا، وفى هذه الفترة أيضا حدث بعض التطور فى مجال الرواية واتضح هذا فى روايات جورجى زيدان التى حذا فيها حذو سكوت Scott. وظهرت أعمال فكرية أيضا متأثرة بالفكر الأوربى مثل الكتابات ذات البعد السياسى والاجتماعى لعبد الرحمن الكواكبى (1849 - 1903 م) وكتابات الحركة النسائية الوليدة ممثلة فى ما كتبته عائشة التيمورية (1840 - 1902 م) وملك حفنى ناصف (1886 - 1918 م) وقاسم أمين. وفيما يتعلق بالشعر فقد ظلت التقاليد الشعرية التقليدية التى تعد استمرارًا للشعر العربى القديم هى السائدة تطغى على أى تأثير أدبى يهب من الغرب وظل هذا هو الحال حتى سنة 1914 م، وبظهور الحركة الوطنية اتسعت مجالاته، وكان محمود سامى البارودى (1839 - 1904 م) رائدا من رواد الإحياء الذى تم على يديه تطوير

الشعر العربى، وأعقبه أحمد شوقى (1868 - 1904 م) الذى قدم شعرا وإن كان تقليديا إلا أنه أكثر عذوبة وأكثر صقلا، وحافظ إبراهيم (1871 - 1932 م) الذى قدم شعرا أكثر عمقا وإحساسا بنبض المجتمع. ومع كل هذا فلا البناء الشعرى الأوربى ولا طريقته فى التناول الاجتماعى والوطنى ولا روحه الفردية كانت قادرة على التغلغل فى البناء الشعرى العربى ذى التقاليد الراسخة منذ القدم، لكننا نجد استثناءات لذلك فى العراق فقد كانت أشعار جميل صدقى الزهاوى أكثر تحررا لغة وأكثر بعدا عن التقليدية، ولا يختلف الحال عند معروف الرصافى (1875 - 1945 م) أن كان ألصق بشكل القصيدة العربية التقليدية من الزهاوى. وقد عبر هذان الشاعران من خلال شعرهما عن كثير من الأفكار والطموحات. وقد ترجم سليمان البستانى (1856 - 1925 م) الإلياذة سنة 1904 م فى محاولة لأقلمة الشعر اليونانى، لكن هذه الترجمة لم تكن عماو ناجحا فى حد ذاتها، كما أنها لم تترك أثرًا كبيرا. (ب) منذ 1914 م كانت الفترة السابقة على هذا التأريخ تمثل بالنسبة للنثر العربى الحديث فترة تجريب وتقليد، لكن الحقب الأولى التى أعقبت سنة 1914 م شهدت بدايات أدب عربى أصيل وجديد يعكس إلى حد كبير جدا الاهتمامات العقلية والاجتماعية للشعوب العربية. وقد أخذت مجموعة الكتاب المصريين الليبراليين على عاتقها مهضة القيادة الفكرية يلهمها محمد عبده الذى كان يكتب فى جريدة (الجريدة) التى كانت تصدر منذ سنة 1907 م ويحررها أحمد لطفى السيد، كما كان يكتب فى الجريدة التى تعتبر خلفا لها وهى (السياسة) التى كان يحررها منذ سنة 1922 م محمد حسين هيكل، واتسع مجال هذه الحركة فلم يعد مقتصرا على دائرة ضيقة. وكانت الأنواع الأدبية الأولى التى ظهرت هى القصة القصيرة (وتلا ذلك ظهور الرواية) والمقال الأدبى، وتبع ذلك بفترة الكتابة المسرحية الأدبية.

وكان أول عمل كبير لهذه المدرسة الجديدة هو (زينب) وهى رواية عن الحياة فى قرية مصرية نشرها دون أن يسجل اسمه عليها -محمد حسين هيكل (1888) - 1914 م. وبرغم مزايا هذه القصة إلا أن الضعف فى نسيجها الفنى يلقى ضوءًا على ما كان يُعوز الأدب العربى فى فن الرواية فى تلك المرحلة، وشهدت حقبة العشرينات من القرن التاسع عشر كما كبيرا من القصص القصيرة الواقعية التى تتناول الحياة المعاصرة بدءًا من الصور الفنية التى قدمها الكاتب الموهوب محمود تيمور (1891 - 1921 م) والتى جعل لها عنوانا (ما تراه العيون)، واستمر هذا الاتجاه بنجاح وإتقان أكثر على يد أخيه محمد تيمور (ولد سنة 1894) وتابع الاتجاه نفسه أدباء آخرون (عيسى عبيد وشحاته عبيد وطاهر لاشين. . الخ) وكان أكثر المؤلفين طرافة فى الأسلوب وألمعية فى هذا الاتجاه هو إبراهيم عبد القادر المازنى (1890 - 1949 م) الذى ألف أيضًا أول رواية ناجحة تحمل عنوان (إبراهيم الكاتب) والتى نشرت سنة 1931 م. وبدأ الإنتاج الأدبى فى فن الرواية يزداد ببطء بعد سنة 1930 م ومن بين الروايات الأولى (عودة الروح) التى ألفها توفيق الحكيم ونشرت سنة 1933 م، و (سارة) لعباس محمود العقاد ونشرت سنة 1938 و (نداء المجهول) لمحمود تيمور ونشرت سنة 1939 م، أما الروايات التاريخية فقد انتعشت فعلا بفضل أعمال محمد فريد أبو حديد الذى ألف روايته (ابنة المملوك) سنة 1926 م. أما الرواية ذات الأبعاد النفسية فشهدت محاولة ناجحة قام بها طه حسين (ولد سنة 1889 م) الذى قدم للأدب العربى رائعته (الأيام) التى تعد إضافة -مضمونا وشكلا وأسلوبا- للإبداع الأدبى العربى. وظهر فى لبنان وسوريا والعراق والمهجر ما لا يمكن حصره من القصص القِصار وكان بها تنوع كبير فى الأسلوب والتناول والموضوع (المجال) والبناء الفنى، وهذا أمر متوقع. أما الرواية فكان الانتاج فيها أقل. وإذا انتقلنا للمقال الأدبى وجدناه يتناول أغراضا مختلفة فلم يقتصر على

التقويم النقدى للأدب العربى التقليدى (الكلاسى) وإنما امتد ليشمل الأدب الغربى الحديث، بل وتناول فى بعض الأحيان الأدب الكلاسى اليونانى واللاتينى، كما تناول النقد الاجتماعى بشكل عام والتراث العربى وأحوال العالم المعاصر. وأدى الازدياد السريع فى أعداد الصحف اليومية والمجلات الأسبوعية والشهرية بعد سنة 1920 إلى إتاحة فرص كثيرة جدًا لنشر المقالات وعرض كل الآراء. ويكفينا هنا أن نذكر أسماء بعض رواد الرعيل الأول لاستحالة إدراج كل الأسماء. فطه حسين والعقاد كانا كاتبين ومفكرين لهما تأثير كبير، وكانا من جناح الكُتاب العصريين. وكان الشيخ رشيد رضا محرر المنار (1865 - 1935 م وهى جريدة دينية إصلاحية) وفريد وجدى وكان أيضًا ذا تأثير فى الدوائر المحافظة والدينية، ومصطفى صادق الرافعى (1880 - 1937 م) الذى وصل فى كلاسيكيته الجديدة إلى حد التعقيد والحذلقة، وفى سوريا وجدنا محمد بك كرد على (رئيس المجمع اللغوى فى دمشق 1876 - 1952 م) والسورى المتأمرك (المهاجر) ميخائيل نعيمة (ولد 1889 م). ومن بين هذه الأعمال نشات بالتدريج آداب أكثر تطورًا كما نشأ نقد اجتماعى أكثر عمقا، وبدأ الأساس الأكاديمى يشكل قاعدة لبعض الأعمال مستعينا بتقنيات الفن الروائى، ونجد هذا فى (السندباد العصرى) لحسين فوزى (1938 م) وهى رحلة علمية ذات بعد روائى. وثمة اتجاه آخر جدير بالملاحظة وهو تطبيق مناهج البحث الأدبى والتاريخى الجديدة عند دراسة عصور الإسلام الأولى ومن الذين نحوا هذا المنحى محمد حسين هيكل وطه حسين والعقاد بل إن توفيق الحكيم قد جعل من عصور صدر الإسلام مجالا لكتاباته المسرحية الباكرة (أهل الكهف)، (محمد)، (شهرزاد). وثارت مشكلة مدى صلاحية الفصحى للحوار فى الكتابات المسرحية والروائية، فكان بعض الكتاب يستخدم أحيانا العامية، لكن الرأى الذى لقى قبولا عاما هو استخدام لغة عربية مبسطة يفهمها كل الناس.

أما بالنسبة للشعر فقد شهد الأدب المعاصر ميلًا للخروج عن القواعد التقليدية للقصيدة العربية، متمثلة فى وحدة البيت والقافية، فمال الشعراء للوحدة العضوية للقصيدة وحشدوا فيها كثيرا من المشاعر واستخدموا الرموز، وكان اللبنانى خليل مطران (1871 - 1949 م) رائدًا لهذا الاتجاه، وكان شعراء المهجر أول من هجر الشكل التقليدى للقصيدة العربية (رشيد سالم الخورى، وفوزى معلوف 1899 - 1930 م) من شعراء المهجر فى البرازيل، وإليا أبو ماضى فى أمريكا الشمالية وإلياس أبو شبكة (1903 - 1947 م) فى لبنان ذاتها وغيرهم. وكان رائد هذا التغيير فى مصر أحمد زكى أبو شادى (1892 - 1955 م) وكانت مجلته (أبولّو) التى استمر ظهورها لفترة قصيرة (1932 - 1933 م) قد قدمت كثيرين من الشعراء الشبان. المصادر: (1) بروكلمان، تاريخ آداب العربية. (2) جورجى زيدان، تاريخ آداب اللغة العربية جـ 4، القاهرة، 1914 م. (3) لويس شيخو، تاريخ الأدب العربى فى القرن التاسع عشر، بيروت، 1924 - 1926 م. (4) لويس شيخو، تاريخ الأدب العربى فى الربع الأول من القرن العشرين، بيروت، 1926 م. (5) عمر الدسوقى، فى الأدب الحديث، القاهرة، 1950 م. (6) أنيس المقدسى، العوامل الفعّالة فى الأدب العربى الحديث، القاهرة، 1939 م. (7) أنيس المقدسى، الاتجاهات الأدبية فى العالم العربى الحديث، بيروت، 1952 م. - فيليب دى طرازى، تاريخ الصحافة العربية، بيروت، 1913 - 1933 م، 3 ج. - عبد اللطيف حمزة، أدب المقالة الصحفية فى مصر، القاهرة، 1949. (1) (enlarged Russian ed. in Zap., 1934) Kratchkowsky, EI: supplement (2) المؤلف نفسه، Die Litteratur arabischen Emigranten in Amerika, MO, 192.19637, 192 - 213

(3) المؤلف نفسه، idem Der hist. Roman in d. neueren arab . Litteratur. WI. 1930.51 - 87 (4) H.A.R. Gibb: Studies in Contemporary Arabic Litterature,i-iv, BSOS, 1928, 1929, 1933 (5) T.Khemiri and G.Kampffineyer Leaders in Contemporary Arabic Literature, WI, 1930, 1 - 40 (with Arabic texts (6) J. Lecerf: La Litt. arabe moderne,RA. 1931 (7) المؤلف نفسه، Litt. dialectale et Renaissance arcibe moderne, BED. I 932 - 33 (8) C. C. Adams: Islam and Modernisms in Egypt London 1933 (9) H. Peres: Les premieres Mamifestatirnis de la Renaissance arabe en Orient au XIX siecle, AIEO 1935 (10) المؤلف نفسه، Le Roman etc dans la litt. arabe moderne, AIEO 1937 (11) المؤلف نفسه، La litt. arabe et l'Islam par les textes, les XIX et XX siecles, 4 th ed Algiers 1949 (full bibliography (12) N. Barbour: The Arabic Theatre in Egypt, BSOS 1935 - 7 (13) F. Gabrieli: Correnle e figure della lett. araba contemporanea, OM 1939 (14) L. Veccia Vaglieri: Notizie bin bibhogruflche su autori crabi moclcrnn AlSON 1940 (15) A. J. Arberry: Moden,. Arabic Poetry, London 1950 د. عبد الرحمن الشيخ [هـ. ا. ر. جب H. A. R. GIBB] ملحق عن الإنتاج الأدبى والفكرى العربى فى أسبانيا: عن مصادر الموضوع: إذا نحينا جانب الأعمال التى تناولت تاريخ الأدب العربى بشكل عام والتى خصصت فصلًا أو أكثر لأسبانيا الإسلامية فإن كتاب ا. جونزليز بالنشيا A. Gonzalez Palencia الموسوم باسم: Historia de la Lilteratura arablgo-espanola

والصادر سنة 1928 م (الطبعة الثانية 1945 م) يعد هو المرجع الشامل الوحيد عن الأدب العربى فى الأندلس. لكن هذا لا يمنع أننا نجد تناولا مختصرًا للموضوع فى عدة مراجع أخرى منها: Elias Tere's Sadaba: La Literature Arulblg-Espanola, apud F.M Pareia Parega: Islamologia ll. Madrid 1954 بالإضافة إلى مستلات بحثية قصيرة عن مؤلفين بعينهم أو فترات بعينها وإن كانت الدراسات التى تتناول فترات بعينها لازالت قليلة، إلا أنه لابد من التنويه بالدراسات التالية: فى الشعر: Elias Tere's Sadaha: La Literatiira Aralhig-Espanpla, apud F. M Pareja Parega: Islamologia II, Madrid بالإضافة إلى مستلات بحثية قصيرة عن مؤلفين بعينهم أو فترات بعينها وإن كانت الدراسات التى تتناول فترات بعينها لازالت قليلة، إلا أنه لابد من التنويه بالدراسات التالية: فى الشعر: E. Gracia Go'mez: Poemas arabigo an daluses, Madrid 1930.1940.1943 وللمؤلف نفسه: Poesia arabigoa nda luzo, breve Sintesis historico. Madrid 1952 وبالنسبة للكتابات الجغرافية والتاريخية: F. Pons Boigues: Enscnvo bibiogra Fico Sobre Los hisioriodoresy geografos arabi go-Espanoles. Madrid, 1898 بالإضافة إلى: - E. Levi-Provencal, La Civilisation arabe en Espagne - Dozy: Recherches Sur L'histoire et la Litr, de L'Espagne Pendant Le moyenage, Leiden 1849,1860,1881 * * * وسنقسم الدراسة إلى شقِّين: الشق الأول يتناول الآداب العربية حتى قيام دولة المرابطين أى الفترة من 92 هـ/ 711 م إلى 485 هـ/ 1092 م. الشق الثانى من قيام دولة المرابطين حتى نهاية الحكم العربى فى الأندلس

أى من 485 هـ/ 1092 م حتى 897 هـ/ 1492 م. ويرجع السبب فى هذا التقسيم إلى أن المرابطين كانوا متمسكين تمسكًا شديدًا بتعاليم الدين الإسلامى مما طبع تصرفاتهم بطابع خاص تحكمه الأفكار الدينية (كانوا سجناء أيديولوجيتهم الدينية) بينما لم يكن الأمراء أو الخلفاء أو الملوك الذين حكموا الأندلس قبلهم يلتزمون بتعاليم الإسلام الصارمة رغم دفاعهم عنها، وهناك عامل آخر يؤيد هذا التقسيم الذى انتهجناه، وهو أنه حتى نهاية ملوك الطوائف انتشر الطابع الخليع والمتحرر خاصة فى الشعر، وطغى على الإنتاج الفكرى الدينى الخالص، بينما بعد قيام المرابطين وجدنا العلوم الدينية تتخذ مكان الصدارة وتزيح الآداب الخليعة والأفكار المناوئة للدين من مكانها الذى شغلته فى فترة سابقة، بالإضافة إلى أن الإنتاج الفكرى فى أسبانيا لم يتراجع القهقرى رغم الاضطرابات السياسية والعسكرية بل على العكس فقد ظل يزدهر بثبات فى القرن الخامس للهجرة (الحادى عشر للميلاد) ثم بدأ فى الانحدار شيئا ما حتى انتهى بانتهاء الوجود العربى فى إسبانيا. آداب العربية قبل المرابطين 92 - 711 هـ/ 485 - 1092 م: عندما وضع العرب الفاتحون أقدامهم على الأرض الإسبانية فى نهاية القرن الأول الهجرى (بداية الثامن للميلاد) كانت آداب الشرق الإسلامى لا زالت تتحلّق حول القرآن الكريم والعلوم الدينية بالإضافة إلى الميل الشعرى الذى هو خاصية عربية، ومن هنا فمن المحتمل أن يكون المقاتلون العرب الذين كانوا شعراء -على نحو أو آخر- يمثلون بأشعارهم أقدم أشكال الأدب العربى التى شهدتها إسبانيا إلا أنه من المحتمل أن يكون نشاطهم الأدبى فى هذه المرحلة الباكرة مقتصرًا على قصائد قليلة يفخرون فيها بقبائلهم ويرثون بها شهداءهم أو يبدون فيها الحنين إلى ديارهم تماما كما فعل أقران لهم ذهبوا لفتح بلاد أخرى، وليس بين أيدينا من هذه القصائد الأولى شئ إلا أن بعض الباحثين لاحظ أن أهل الأندلس -فى أزمنة قديمة- كانوا يغنون على النحو نفسه الذى يغنى به

راكبو الجمال من العرب أو من المسيحيين (E.Garacia)(Go'mez, Poesio, 30 - 31). إلا أن تأسيس الدولة الأموية بالأندلس جعل العلاقة بالشرق الإسلامى أوثق (من الناحية الفكرية والأدبية) فوصل للأندلس علماء ودعاة مسلمون وأدى دخول عدد كبير من الأسبان فى الدين الإسلامى إلى الحاجة إلى تطوير الدراسات الشرعية. ومنذ سنة 200 هـ/ 816 م فصاعدا شجع الأمويون -لأسباب سياسية- المذهب المالكى بفكر الأوزاعى، فأثمر هذا تكوين مدرسة فقهية وشرعية مختلفة نوعا ما رغم اعتمادها على موطأ الإمام مالك. فراح ابن حزم يعتمد فى كتاباته فى المقام الأول على استشهادات من عيسى بن دينار، وابن حبيب (180 - 238 هـ/ 796 - 852 م) والعتبى (255 هـ/ 869 م) وإبراهيم بن مزين (258 هـ/ 872 م) ومالك بن على القطنى (268 هـ/ 882 م) وتابع هذه الدراسات بحماس علماء ساروا على هدى هؤلاء الرواد مثل محمد بن عمر بن لبابة (225 - 314 هـ/ 840 - 926 م) ومحمد بن عبد الملك بن أيمن (252 - 866 - 941 م) وقاسم بن أصبغ (247 - 340 هـ/ 861 - 951 م)، وأحمد بن سعيد (284 - 350 هـ/ 897 - 961 م) ونخص بالذكر الفقيه الكبير ابن عبد البر (368 - 463 هـ/ 978 - 1070 م) ولم تثمر محاولة بقى بن مخلد (201 - 276 هـ/ 817 - 889 م) إدخال المذهب الشافعى فى الأندلس بعد عودته من الشرق الإسلامى، إلا قليلا (يستحق لقاؤه بابن حنبل دراسة مستقلة) ودخل المذهب الظاهرى للأندلس على يد عبد اللَّه بن قاسم (المتوفى 272 هـ/ 885 م) وأيده منذر ابن سعيد البلّوطى (المتوفى 355 هـ/ 962 م) لكن الذى حقق للظاهرية (المذهب الظاهرى) شهرته هو -فى الواقع- ابن حزم (384 - 456 هـ/ 994 - 1064 م) إذ جعل لهذا المذهب الهيمنة على النشاط الفكرى فى النصف الأول من القرن الخامس الهجرى (الحادى عشر للميلاد)، وقد ذاع صيت كتاب ابن حزم المسمّى "الفصل" حتى خارج بلاد الإسلام فهو يقدم تاريخا للأفكار الدينية فى الإسلام. أما مذهب

المعتزلة فلم يكن مجهولا إذ كان من بين معتنقيه خليل غفلة (القرن الثالث الهجرى/ التاسع الميلادى) ويحيى بن السمينة (المتوفى 315 هـ/ 927 م) وموسى بن حدير (المتوفى 320 هـ/ 932 م)، وأخيرا ظهرت الفلسفة على المسرح على يد الصوفى ابن مسرّة (المتوفى 319 هـ/ 931 م) ومدرسته. وقد تطورت العلوم الأخرى المرتبطة بالعلوم الدينية فى خط مواز لها، فمنذ نهاية القرن الثانى للهجرة (الثامن للميلاد) وردت كتب النحو المشرقية لإسبانيا وكانت هناك حلقات دراسية لدراستها لكن يبدو أن الدراسات اللغوية لم تزدهر بشكل ملحوظ إلا بوصول اللغوى العراقى أبى على القالى إلى قرطبة سنة 330 هـ/ 941 م الذى كان ما ورد فى كتابه الأمالى مثالًا لما نشره من علم فى هذه البلاد. وقد ألف أبو على القالى -من بين ما ألف- كتاب النوادر، وكتاب البارع، وقد اعتبر ابن حزم أن محمد بن يحيى الرياحى (المتوفى 358 هـ/ 968 م) ومحمد بن عاصم (المتوفى 382 هـ/ 992 م) ندّين للمبرد. وقد اهتم ابن القوطية أيضا (المتوفى 367 هـ/ 977 م) اهتماما كبيرًا بالنحو، وصنف ابن السيد (تلميذ القالى) معجما (المتوفى ابن السيد سنة 385 هـ/ 995 م) وحذا حذوه بعد ذلك ابن التيانى (المتوفى 436 هـ/ 1044 م) إلا أن المعجم الجدير بالتنويه هو المخَصّص لابن سِيده (398 - 458 هـ/ 1007 - 1066 م). أما بالنسبة للتاريخ فلم يكن الأندلسيون عازفين عن تتبع مجريات التاريخ العالمى. ومن مؤرخيهم ابن حبيب الذى لم يضع حدًا فاصلًا بين ما هو تاريخ من ناحية وما هو روايات ذات طابع أسطورى من ناحية أخرى، ومثل عريب بن سعد (المتوفى 370 هـ/ 980 م) الذى تابع حوليات الطبرى، إلا أنهما (عريب وابن حبيب) اهتما بالتاريخ الأندلسى من خلال تناولهما للأسرات الحاكمة ومن خلال تراجمهم للقضاة وعلماء الشريعة والمحدّثين والأطباء. . إلخ. ومن الذين أرّخوا لعلماء الحديث ابن الفرضى (351 - 403 هـ/ 962 - 1013 م)، ومن الذين أرخوا للقضاة الخشنى (المتوفى 361 هـ/

971 م)، ومن الذين أرخوا للأطباء ابن جلجل (المتوفى بعد سنة 372 هـ/ 982 م)، وأحيانا كان مؤرخوهم للفترة الممتدة من الفتح العربى للأندلس حتى أيامهم ومن هؤلاء أحمد بن محمد بن موسى الرازى (274 - 344 هـ/ 888 - 955 م) وابنه عيسى وقد ضم ابن القوطية -إلى حد ما- ما ذكراه من معلومات تاريخية فى كتابه أخبار مجموعة، وممن اهتموا بهذا النوع من الكتابة وحققت كتاباته شهرة كبيرة المؤرخ الكبير ابن حيان (377 - 469 هـ/ 987 - 1075 م) فى حوليته المهمة المعروفة بالمقتبس التى عرف جانب منها، وأدلى ابن حزم بدلوه فى مجال التاريخ أيضًا وكان يفضل مجال الأنساب وكانت كتاباته تحظى بتقدير أهل الأندلس، وكتب سعيد الطليطلى (419 - 463 هـ/ 1029 - 1069 م) كتابه طبقات الأمم تناول فيه الإغريق والرومان بالإضافة للشعوب الأخرى. أما فى مجال الجغرافيا فقد قدم لنا أحمد بن محمد الرازى وصفا لأسبانيا وقد أعيد تجميع هذا العمل جزئيا إلا أن المؤلِّف الجغرافى المهم والجدير بالتنويه هو أبو عبيد البكرى (المتوفى 487 هـ/ 1094 م). وظهرت مدرسة لعلوم الرياضيات والفلك كان على رأسها مسلمة المجريطى (المتوفى حوالى 398 هـ/ 1007 م) وكان ظهور هذا الاتجاه نتيجة تشجيع الحكم الثانى، وقد تابع جهود مسلمة المجريطى، ابن السمح (370 - 426 هـ/ 980 - 1034 م) فى غرناطة وانتعشت الدراسات الرياضية والفلكية فى القرن التالى فى طليطلة. أما فى مجال الطب وعلم النبات فقد انتعش فى قرطبة فى عهد عبد الرحمن الثالث بتداول أعمال ديوسكوريدس Dioscoricles. وبعد ابن جِلْجِلْ الذى ذكرناه آنفا ومحمد بن الحسن المذحجى (المتوفى حوالى 420 هـ/ 1029 م) وأبو القاسم خلف بن عباس الزهراوى (325 - 404 هـ/ 936 - 1013 م) الذى عرفته أوربا فى العصور الوسطى باسم Abulcasis، وابن الوافد (388 - 466 هـ/ 988 - 1074 م) - بعد ظهور كل هؤلاء أصبح أمامنا سلسلة من الأطباء وعلماء النبات العظماء حققوا شهرة فى الحقب التالية.

ومما يدعو للدهشة أن الأعمال الأدبية الخالصة -شعرًا ونثرًا- والتى كتبها أندلسيون لم تظهر -بوضوح- فى أسبانيا إلا منذ القرن الرابع للهجرة (العاشر للميلاد) فكتاب العقد الفريد لابن عبد ربه (المتوفى 328 هـ/ 940 م) لم يحظ بنجاح كبير فى أسبانيا ولم يقلده إلا قليلون خلال هذه الفترة الأولى التى نتناولها الآن بالدرس والتحليل، مع أنه بعد أن وصل زرياب المغنى العراقى المشهور (173 - 242 هـ/ 789 - 857 م) إلى قرطبة فى بداية حكم عبد الرحمن الثانى جلب معه إلى أسبانيا أسلوب البلاط العباسى وروحه، وكانت بغداد حقا هى المثال الذى يحتذيه حكام الأندلس، ومع هذا فهناك ظاهرة على جانب كبير من الأهمية مؤدّاها أن الإنتاج الفكرى والأدبى فى أسبانيا كان يختلف على نحو ما عنه فى الشرق الإسلامى. فمنذ القرن الثالث للهجرة (التاسع للميلاد) بدأ التقارب يزداد بين العرب والأسبان بعد فترة طويلة كان كل منهما. كثيرًا عن الطرف الآخر، وأدى هذا اللقاء والتلاقح الحضارى الذى بدأ ينمو رويدًا رويدًا يؤتى ثماره ويطبع الإنتاج الفكرى والأدبى بطابع خاص. لقد أدت نُدْرة معلوماتنا عن الشعر العربى المكتوب خلال القرون الأولى للحكم الإسلامى وفقداننا لأقدم كتب المجموعات الشعرية خاصة كتاب الحدائق الذى ألفه أحمد بن فرج (المتوفى 344 هـ/ 976 م) -إلى حرماننا من التوثيق الضرورى للمعلومات، وربما كان يحيى الغَزَال (المتوفى 251 هـ/ 864 م) الذى أرسله عبد الرحمن الثانى فى سفارة إلى القسطنطينية -قد كتب شعرًا بمعنى الكلمة، ومن المعروف أنه كان يفضل الشكل الملحمى الموجز وكان يصب معانيه الشعرية فى أراجيز (جمع أرجوزة)، كما كان تمّام بن عامر (184 - 283 هـ/ 801 - 896 م) وابن عبد ربه يفضلان أيضًا الأرجوزة كشكل شعرى. وعلى أية حال فما كانت الأرجوزة ولا الشكل الملحمى الصغير

هما الشكل الشعرى (القالب الشعرى) المعتاد الذى يسم الشعر الأسبانى بميسمه، وإنما كان هو الموشح الذى عُد من خصائص الشعر الأندلسى. فمنذ نهاية القرن الثالث الهجرى (التاسع للميلاد) قدم لنا شاعر كابرا Cabra مقدّم بن معافر (المتوفى فى بداية القرن الرابع الهجرى (العاشر الميلادى) هذا الشكل الشعرى الجديد المعروف بالموشح، والتوشيح اسم لنوع من الشعر على أشكال متنوعة القوافى وتسمى القصيدة الجارية على هذا النظام موشحة، وقد خرجت الموشحات على أوزان الشعر العربى التقليدية فقدم الوشاحون أشعارا فى أوزان لم يعرفها الشعر العربى المشرقى وبعضها عجز النقاد عن اكتشاف أوزانه. وتتكون الموشحة من عدة أدوار أو مقطوعات حيث تبدأ بمْطلَعْ، وبعده الأدوار متشابهة فى عدد الأبيات ومختلفة فى القافية، وكل دَوْر يتكون من غصْن وقفْل، فالغصن مجموعة من الأبيات التى يتكون منها الدور وتكون له قافية خاصّة، والقُفل هو الذى ينتهى بالدور ويتفق فى قافيته مع قافية المطلع فى أول الموشح، ويسمّى القفل أيضًا لازمة *. وأحيانا كانت (الخارجة) فى الموشحة بغير اللغة العربية وإنما بالأسبانية (بإحدى اللغات الرومانسية الناشئة عن اللاتينية)، إننا نرى فى الموشحات مثالًا للتزاوج بين اللغتين ومثالا للتزاوج بين النظامين الشعريين (العربى والأسبانى) وطالما كانت هناك مخطوطات لمجموعات من الموشحات لم تنشر بعد (انظر S.M. Slerni Arabice 2/ 1955) فمن السابق لأوانه أن نقدم قائمة لشعراء الموشحات. ¬

_ * نضيف هنا مثالا لأحد الموشحات ليتضح المعنى. يقول ابن زهر: أيها الساقى إليكَ المشتكى قد دعوناك وإن لم تسمع (المطْلَع) ونديم همتُ فى غرّته وبُشرب الرّاح من راحته كلما استيقظ من سكرته (غُصن الدور الأول) جذبَ الرِّق إليه واتّكا وسقانى أربعًا فى أرْبَع (القُفل ويلاحظ أنه يتفق مع المطلع) وهكذا [المترجم]

وقد كان الخلفاء الأمويون بالتأكيد يلعبون دورًا مهما فى الرقى بالثقافة العربية بتشجيعهم لها وبإنشاء المكتبات خاصة مكتبة الحكم الثانى الشهيرة وبتقديمهم الرواتب والمنح للشعراء الذين ينشدون أشعارهم فى بلاطهم ويعد المُصْحَفِى (المتوفى 372 هـ/ 982 م) وزير الحكم الثانى وهشام الثانى مثالًا واضحًا على هؤلاء الشعراء الذين وظفوا أشعارهم لخدمة البلاط الأموى فأصبح ذا طابع سياسى، إلا أنه فى عهد المنصور (الذى أمر بإحراق كتب الفلسفة والفلك وغيرهما من العلوم التى اعتبرت مناهضة للإسلام) ظهر الشعر الحضرى الحقيقى ممثلا فى أشعار ابن درّاج القشتالى (347 - 421 هـ/ 958 - 1030 م) وصاعد البغدادى (المتوفى 418 هـ/ 1026 م) والرمادى (المتوفى 403 هـ أو 413 هـ/ 1013 م أو 1022 م). وأكثر من هذا فمنذ نهاية فترة الخلفاء تكونت مجموعة أدبية ذات أصول أرستقراطية وأفكار ثورية أظهرت عداءها للموشحات كشكل أدبى واعتبرتها -أى الموشحات- سوقية جدا لأنها لا تحذو حذو الشعر المشرقى، وأعلنت هذه المجموعة أن الإنتاج الأدبى الجدير بهذا الاسم يعتمد على عبقرية المؤلف وليس على التقليد، وكان زعيم هذه المجموعة أو المدرسة هو ابن شهيد (382 - 426 هـ/ 992 - 1035 م) الذى طوّر أفكاره فى عمل شعرى أصيل بلا شك هو رسالة التوابع والزوابع وحذا حذوه ابن حزم الذى وإن كان لم يُبد نبوغا كبيرًا فى مضمار الشعر إلا أن كتابه طوق الحمامة يعتبر فريدًا فى بابه حتى أنه يعد من الآداب العالمية. ولم يكن سقوط الخلافة وظهور ملوك الطوائف يمثل فاجعة بالنسبة لمستقبل الشعر، حقيقة إن الشعر كان قد وصل ذروته فى القرن الخامس الهجرى (الحادى عشر الميلادى)، وإن كان ا. جارسيا جوميز E.Garcia Gomez قد وصفها بأنها (قمة كاذبة)، ليس مجرد صدفة إذن أن لدينا عن هذه الفترة، الدواوين والمقتطفات الأدبية والمختارات بالإضافة لأكثر الدراسات أهمية والتى تتناول التاريخ الأدبى لأسبانيا الإسلامية، وقد قدم لنا كتاب La Poesie andalouse, en arabe Classique, au xle Siecle الذى ألفه

بيريه H. Peres إذ يقدم لنا -بالإضافة لقيمته التوثيقية- نظرة شاملة عن الشعر فى هذه الفترة. ففى قرطبة ازدهر شعر ابن زيدون (393 - 463 هـ/ 1003 - 1070 م) الذى أنشد القصائد فى مدح ولّادة، وفى إشبيلية كان المعتمد (المتوفى 488 هـ/1095 م) يحيا بالفعل "حياة شعرية" على حد تعبير جراسيا جوميز Gomez ولم يقتصر تشجيعه على الشعراء الأسبان مثل ابن عمّار (المتوفى 477 هـ/1084 م) وابن اللبّانة (المتوفى 507 هـ/ 1113 م) وإنما شعراء من صقلية أيضًا مثل ابن حمديس (477 - 527 هـ/ 1055 - 1132 م). وفى المرية Almeria استقبل المعتصم (المتوفى 484 هـ/ 1091 م) ابن شرف (444 - 534 هـ/ 1052 - 1139 م) وحقق أبو إسحق (المتوفى 454 هـ/ 1069 م) شهرة فى غرناطة، أما فى بادا جوزا Badajoz فكان ابن عبدون (المتوفى 529 هـ/ 1134 م) هو الشاعر المشار إليه بالبنان. آداب العربية منذ بداية حكم المرابطين حتى انتهاء السيادة العربية (488 - 897 هـ/ 1092 - 1492 م): لم يكن الفتح المرابطى ذا أثر حميد على الشعر فقد اهتم الفاتحون الجدد بعلوم الدين أكثر من اهتمامهم بالآداب والعلوم الأخرى، وإن كانت التقاليد الشعرية السائدة قبل الفتح المرابطى قد استمرت مزدهرة -فقط- فى بلنسية التى شهدت ازدهار أشعار ابن خفاجة (450 - 533 هـ/ 1058 - 1138 م) وابن زقّاق (المتوفى 529 هـ/ 1135 م). وفى ظل الموحدين كان أهم شعراء الفترة هم الرصافى (المتوفى 572 هـ/ 1177 م) وابن سهل (المتوفى 649 هـ/ 1251 م) وبعد ذلك وحتى سقوط غرناطة استمر فى متابعة التقاليد الشعرية المعروفة لسان الدين بن الخطيب (713 - 776 هـ/ 1313 - 1374 م) وابن زمرق (733 - 796 هـ/ 1333 - 1393 م) ولا سواهما. وقد أحس معاصروهما أن الشعر غدا فى محنة وأن الوقت قد حان لجمع تراث الماضى لإنقاذه من الضياع فظهرت الأعمال المجمعة التى قام بها:

ابن بسام (المتوفى 542 هـ/ 1147 م) فى كتابه الذخيرة، والفتح بن خاقان (المتوفى 529 هـ/ 1134 م) فى كتابه قلائد القيان ومطمح الأنفس وابن سعيد المغربى (المتوفى 972 هـ/ 1274 م) فى كتابه المُغْرِب. وفى الوقت الذى تدهور فيه الشعر التقليدى نجد أن الموشحات قد حققت إنتعاشًا بفضل بعض الشعراء مثل الأعمى التطيلى (المتوفى 520 هـ/ 1126 م) وابن باقى (المتوفى 540 هـ/ 1145 م) وآخرين. أما الزجل فقد بعث حما وظل منتعشا حتى نهاية السيادة العربية على الأندلس. أما النثر الذى حقق بداية واحدة على يد ابن حزم وابن شهيد فقد اتخذ مرة أخرى طابعا مشرقيا على يد الطرطوشى) (451 - 520 هـ/ 1059 - 1126 م) وجرت محاولات كثيرة لتقليد مقامات الحريرى. أما بالنسبة للكتابات التاريخية فقد حققت التواجم نجاحا ملحوظا على يد القاضى عياض (478 - 544 هـ/ 1085 - 1149 م) وابن بشكوال (493 - 578 هـ/ 1100 - 1183 م) الضبى (المتوفى 599 هـ/ 1202 م) وابن الأبّار (595 - 658 هـ/ 1198 - 1260 م) وابن الزبير (628 - 708 هـ/ 1231 - 1308 م). وبالنسبة لتاريخ الأسر الحاكمة هناك العمل المهم الذى ألفه ابن سعيد المغربى. أما فى مجال الجغرافيا فكان الإدريسى هو ألمع الأسماء وأهمها (493 - 564 هـ/ 1100 - 1169 م) وحقق المغاربة والأندلسيون سبقا وتميزا فى مضمار أدب الرحلات: أبو حامد الغرناطى (473 - 565 هـ/ 1080 - 1169 م) وابن جبير (560 - 614 هـ/ 1154 - 1217 م) والعبدرى (القرن السابع للهجرة/ الثالث عشر للميلاد). ويعد القرنان السادس والسابع للهجرة (الثانى عشر والثالث عشر للميلاد) فى الأندلس هما العصر الذهبى للرياضيات والفلك والطب والصيدلة وعلم النبات. المصادر: وردت فى متن المادة. د. عبد الرحمن الشيخ [هيئة التحرير]

عرفة - أو عرفات

عرفة - أو عرفات هو سهل على بعد واحد وعشرين كيلو مترا (13 ميلا تقريبًا) شرقى مكة، فى الطريق إلى الطائف، تحده شمالا سلسلة من الجبال تحمل نفس الاسم. . وهذا السهل هو المكان الذى تتم فيه الشعائر الأساسية للحج إلى مكة كل عام، وتستكمل هذه الشعائر على تل جرانيتى مخروطى الشكل واقع فى الركن الشمالى الشرقى من السهل، ويقع تحت السفح، بارتفاع مائتى قدم، ويطلق على هذا التل أيضا اسم عرفة ولكن الاسم الشائع هو "جبل الرحمة". وتوجد على الجانب الشرقى لهذا التل درجات حجرية عريضة (أمر ببنائها جمال الدين الجواد وزير الأتابك عماد الدين زنكى) تؤدى إلى القمة التى تعلوها مئذنة، وتقوم على الدرجة الستين منها مِنَصّة تضم المنبر الذى تلقى منه خطبة الحج المعتادة بعد ظهر يوم عرفة (التاسع من ذى الحجة)، وقد كان هناك فيما سبق "قبة"، فوق القمة، يطلق عليها اسم السيدة "أم سلمة" (ابن جبير)، لكن دمرها الوهابيون، ويقال إن التل كان يسمى أيضا "بإلال" ولكن الأرجح أن يكون هذا الاسم إشارة إلى ضريح أو موضع كان يحج إليه الوثنيون قبل الإسلام. ويبلغ سهل عرفة قرابة أربعة أميال عرضا من الشرق إلى الغرب وما بين سبعة أو ثمانية أميال طولا، وهو واقع خارج الحرم أو الأراضى المقدسة لمكة. . ويسير الحاج القادم من مكة فى شعب ضيّق يطلق عليه شعب المعظمين ويتخطى الأعمدة التى تحد الحرم، كما يوجد إلى الشرق منخفض يعرف بغزنة وفى نهايته مسجد يقال له مسجد إبراهيم أو نمرة أو عرفة. ويمتد الموقف (وهو الوقوف بعرفة) مباشرة إلى الشرق من هذا المسجد وإلى الجنوب من جبل الرحمة وتحده شرقا سلسلة جبال الطائف. ولقد تم فى قرون الإسلام الأولى حفر الكثير من الآبار فى السهل، كما كان به مزارع عدة

المصادر

وعدد من الدور والمنازل. كما أن القناة (التى أمرت زبيدة -زوجة الرشيد- بشقها لجلب المياه من منطقة الطائف إلى مكة) تجرى عند قاع جبال عرفة -أما السهل فى حاضره فتكسوه الأعشاب الجافة، وهو غير مأهول فى العادة ولكنه يتدفق بالحياة فى يوم عرفة عندما يضرب الحجيج خيامهم للاحتفال بالوقوف بعرفة، وهو الوقوف الذى يبدأ بعد خطبة وصلاة الظهر ويستمر حتى بعد غروب الشمس مباشرة. ولا يعرف على التحقيق أصل هذا الاسم "عرفة" ولكن الأخبار تقول إن آدم وحواء التقيا فى هذا المكان مرة أخرى بعد طردهما من الجنة و"تعارفا". ويذكر الكتاب العرب الذين يُعنون بدراسة أصول الكلمات وتاريخها حكايات أخرى مماثلة. المصادر: (1) Wustenfeld: Chroniken der stadt Mekka, 1.418 - 9,II (2) ابن جبير، رحلة، طبعة Wright de Goeje، ص 168 - 176. بهجت عبد الفتاح [أ. ج. فنسينك A. J. Wensinck] [هـ. أ. ر. جب H. A. R. Gibb] العروض علم العروض مصطلح يعنى علم أوزان الشعر العربى القديم (التقليدى). ويستخدم مصطلح علم العروض كمرادف لعلم الشعر أحيانا. وبالمفهوم العام لعلم العروض فإنه يضم بين جنبيه علم القوافى أيضا، وإن جرت العادة على اعتبار علم القوافى علما منفصلًا مما يجعل علم العروض بمعناه الدقيق يقتصر على دراسة الأوزان، ويعرفه علماء فقه اللغة العرب على النحو التالى: "العروض علم بأصول يعرف بها صحيح أوزان الشعر وفاسدها". ويرى بعض النحويين العرب أن لفظ العروض يضم بين جنبيه معنى الأوزان، لأن الشعر "يعرض عليها"،

بينما يرى آخرون أن هذه التسمية ترجع إلى أن الخليل بن أحمد طور هذا العلم فى مكة، وكان اسم مكة القديم -من بين أسماء أخرى- هو العروض. أما جيورج ياكوب Grorg lacob فيذهب إلى أن التسمية مستوحاة من نص فى "ديوان الهذيليين" يُشبّه القصيدة بأنثى الجمل -العروض- عنيدة المراس التى يطوعها الشاعر. أما التفسير الأشهر لهذه التسمية فيعتمد على استلهام صورة حسية وهى صورة العارضة أو قطعة الخشب المستعرضة التى تُشد عليها الخيمة من وسطها كدعامة أساسية، ووجه الشبه أن التفعيلة الأخيرة فى الشطر الأول من بيت الشعر هو أيضا بمثابة الدعامة الرئيسية للبيت بفضل وضعه الوسيط. وهكذا نرى أن العارضة أو العروض فى الخيمة (بيت الشَّعر) توازى التفعيلة الأخيرة فى الشطر الأول من (بيت الشِّعر)، ومن هنا اتُّخذ لفظ "العروض" اسمًا لعلم الأوزان كما يذهب إلى ذلك لين Lane. ومن الغريب أن المؤلفات التى تتناول أوزان الشعر العربى قليلة العدد، بالقياس إلى الأعمال الكبيرة الخالدة فى النحو وتأليف المعاجم، ويقال إن الخليل وضع كتابا سماه "كتاب العروض"، ولكن لم يعثر على هذا الكتاب حتى الآن، ولم يعن أيضا على غيره من المؤلفات التى وضعها قدامى النحويين فى هذا المجال. وترجع أقدم الأعمال الموضوعة فى هذا العلم بصفة عامة والتى بقيت حتى وقتنا هذا إلى القرن الثالث الهجرى، وهى فى حقيقة الأمر تتناول الأوزان فى سياق أعمال أدبية أوسع نطاقا كما فى "العقد الفريد" (القاهرة - 1305 - جـ 3 - ص 146 وما بعدها) لابن عبد ربه (المتوفى فى عام 328 هـ/ 940 م). وتوضح القائمة التالية أسماء اللغويين العرب الذين وضعوا كتبًا عن أوزان الشعر مع استبعاد الشُّرَّاح، والأسماء فى هذه القائمة مرتبة زمنيا حسب التقويم الهجرى، وتعطى القائمة مزيدا من التفاصيل عن أشهر هذه الأعمال:

القرن الرابع: ابن كبسان. . . "تلقيب القوافى وتلقيب حركاتها" الصاحب الطالقانى. . . "الغقناع فى العروض" ابن جِنِّى القرن الخامس الربعى القُنُذرى التبريزى. . . 1 - "الكافى" 2 - "الوافى" القرن السادس الزمخشرى. . . "القسطاس فى العروض" ابن القطاع. . . "العروض البارع" الدهان نشوان الحميرى السقاط القرن السابع أبو الجيش الأندلسى. . . "العروض الاندلسى" -هناك الكثير مما كتب تعليقًا على هذا العمل الخزرجى. . . "القصيدة الخزرجية"، ويمكن أيضا العثور على هذا المؤلف ضمن "مجموع المتون الكبير، -وهناك الكثير مما كتب تعليقا على هذا العمل. ابن الحاجب. . . "المقصد الجليل فى علم الخليل" -هناك الكثير مما كتب تعليقًا على هذا العمل. المحلى. . . 1 - "الشفاء" 2 - "الأرجوزة". ابن مالك. . . "العروض" القرن الثامن الكلاوسى الساوى. . . "القصيدة الحسنى" القرن التاسع الدمامينى القنائى. . . "الكافى فى علمى العروض والقوافى" هناك الكثير مما كتب تعليقا على هذا العمل -يمكن الرجوع إلى هذاالعمل فى "مجموع المتون الكبير". الشروانى القرن الحادى عشر الإسفرائينى القرن الثانى عشر الصبيان. . . منظومة (الشافية الكافية) فى علم العروض -يمكن الرجوع لهذا العمل فى "مجموع المتون الكبير".

وقد كتب العرب قصائدهم أو القوهاشفاهة مستخدمين الأوزان المعروفة قبل وضع مبادئ علم العروض بفترة طويلة، فظهرت مثل تلك القصائد قبل الإسلام بحوالى مائة سنة، وظل شكلها قائمًا كما هو بدون تغيير يذكر على مدى قرون طويلة، وعرف العرب الشكل الشعرى المعروف "بالقصيدة" مثلما عرف الهنود والإغريق أشكالًا شعرية خاصة بهم، والقصيدة بصفة عامة هى أقدم أشكال الشعر العربى وهى عادة ذات بنية بسيطة تتراوح أبياتها ما بين الخمسين والمائة، وتجرى على قافية واحدة، نادرا ما تزيد إلى اثنتين أو أكثر، ويتكون كل بيت من الأبيات الشعرية من "مصراعين" أى شقين منفصلين، يعرف أولهما "بالصدر" والثانى "بالعَجُز". وترجع أول إشارة واضحة لتلك السمات إلى القرن الأول الهجرى، أما الخليل بن أحمد الفراهيدى (الذى توفى فى عام 175 هـ فى البصرة) فكان أول من درس البنية الإيقاعية الداخلية للشعر العربى، وميز بين الأوزان المختلفة وسمَّاها بالأسماء التى لا تزال نستخدمها حتى اليوم، وقسمها إلى أقسامها الأساسية والفرعية. ولكن هناك صعوبات كبيرة فى وصف الشعر وتحليله استنادا إلى الملاحظات المستمدة من السمع، ففى كل لغات العالم يتوقف اختيار الكلمات وموضعها فى السياق النثرى على قواعد اللغة وعلى رغبة المتكلم فى التعبير عن أفكاره بوضوح قدر الإمكان، أما فى الشعر فيعتمم الاختيار على الإيقاع، ولذلك يصبح اختيار الكلمات وتتابعها فى السطر أو البيت الشعرى مقيدا باعتبارات أخرى، ولذلك تتحدد الإيقاعات والأوزان الشعرية بالعوامل التالية: 1 - مراعاة ترتيب المقاطع اللفظية فى السطر أو البيت ترتيبا محددًا. 2 - تكرر ظهور المقاطع المنبورة التى تتحدد إما بالضغط على أجزاء بعينها من الألفاظ أو بغير ذلك من الطرق لإبرازها.

ويرتبط الإيقاع الشعرى بالخصائص الصوتية للغة المكتوب بها ارتباطا تامًا مثلما ترتبط المقاطع اللفظية للكلمات المنثورة بهذه الخصائص. وثمة عاملان مهمان فى هذا السياق هما: الزمن Duration الذى يستغرقه المقطع فى النطق، والنبر Stress الذى يقع عليه مقارنة بما حوله من مقاطع. ويلاحظ أن المقاطع اللفظية فى أية لغة لها زمن يمكن قياسه، ولكن بعض اللغات كاللغات الجرمانية ليس بها زمن محدد أو تناسب ثابت بين أطوال المقاطع اللفظية من حيث الزمن الذى تستغرقه فى النطق، فبعض المقاطع بها أطول من غيرها زمنا وبعضها أقصر بما لا يدع مجالًا للخلط، ولكن ثمة مقاطع أخرى بتلك اللغات ليس لها قيم زمنية كمية ثابتة، ومن ناحية أخرى نجد أن بعض اللغات كاليونانية القديمة تقوم على مقاطع لفظية ذات قيم زمنية ثابتة لا تتغير مطلقًا، فنستطيع أن نميز فيها تمييزا واضحا وصارما بين المقاطع اللفظية الطويلة والقصيرة، حيث نجد نسبتها دائما هى 1 إلى 2. أما بالنسبة للنبر ففى كل اللغات نجد مقطعا لفظيًا معينا يأخذ نبرًا أقوى من غيره فى الكلمة ونجد أن قوة هذا النبر تتفاوت من لغة لأخرى إلى حد كبير. ويتوقف الإيقاع الشعرى فى كل لغات العالم على هاتين السمتين للمقاطع اللفظية، ففى حالة تحديد المدة أو الطول الزمنى للمقطع اللفظى تحديدا ثابتا نجد أن الإيقاع ينبع أساسًا من تكرر ظهور المقاطع الطويلة والقصيرة ظهورًا منتظما على نحو يؤدى إلى قيام وحدة وزنية ذات طول زمنى ثابت. ويمكن أن نسمى هذا اللون من الشعر "بالشعر الكمى" Quantitative Verse. أما إذا كان النبر هو العامل الرئيسى للتمييز بين المقاطع المختلفة المتجاورة، فعندئذ يتوقف الإيقاع الشعرى وبنية أوزانه على ترادف ظهور المقاطع المنبورة وغير المنبورة بانتظام، ونستطيع أن نطلق على هذا اللون من الشعر اسم "شعر النبر" accentuat Verse. وكما يتضح فى القرآن الكريم وأشعار العرب القدماء التى وصلت إلينا

نجد أن اللغة العربية قديما كانت تعتمد على الأطوال الثابتة للمقاطع الشعرية، وربما كان بها نبر إلى حد ما، ولكنه لم يكن عنصرا بارزا فى اللغة، ولذلك نستطيع القول بأن الإيقاع فى الشعر العربى القديم أدى لظهور أوزان "كمية"، رغم أنه من الناحية التحليلية كانت هناك صعوبات تعترض اللغويين العرب وتتمثل فى أن مفهوم "المقطع اللفظى" -طال أو قصر- لم يكن موجودًا لديهم مثلما كان حاضرًا فى أذهان أبناء بعض اللغات الأخرى كاليونانية القديمة مثلًا. ولم يكن الخليل يفكر فى دراسة الشعر من منطلق "المقطع اللفظى" أو "النبر" على نحو ما كان يفكر به اليونانيون القدماء، رغم أنه بلاشك كان يشعر بوجودهما بالتأكيد كما يتبين للقارئ لأعماله الصعبة. وقد اعتمد الخليل على بعض قواعد كتابة اللغة العربية فى التوصل إلى أوزان العربية، ومثل الحروف الساكنة بالرمز 1 والمتحركة بالرمز 5، وعلى ذلك يمكن تمثيل عبارة "قِفَا نَبْكِ" كالآتى: قِفَانَبْكِ = //5/ 5/5 ويلاحظ أنه فى بعض الأحيان تُكتب الألفاظ بطريقة تخالف ما تنطق به مثل بٍ = بِنْ، بٌ = بُنْ، وَالْ = وَلْ، آخر = أاخر، ذلك = ذالك، قَتَّلَ = قَتْتَلَ. ويرى الحريرى وابن خلكان أن الخليل استرعى انتباهه الإيقاعات الصادرة عن صوت المطارق فى ورش النحاس بسوق البصرة مما أوحى له بوضع أصول لعلم الأوزان لتحديد الإيقاع فى بنية القصائد الشعرية القديمة، ويرى الجاحظ أن الخليل هو أول من ميز بين الأوزان المختلفة بمعنى أنه أول من ميز بالسمع بين البنيات الإيقاعية المختلفة فى الشعر القديم، وأنه أول من حلل هذا الإيقاع بتجزئته إلى عناصره الوزنية. وقد أضاف العروضيون العرب فيما بعد إلى نظرية الخليل دون أن يغيروا فى مفهومها الأساسى. واليوم لا تزال

البحور الستة عشر التى وضعها الخليل توصف بنفس الترتيب والطريقة التى استخدمها الخليل وهى "الدوائر الخمس". وتتلخص نظرية الخليل فى أن أى بحر من بحور الشعر ينشأ من تكرار ثمانية أجزاء إيقاعية تظهر ظهورًا متكرر، فى توزيع وتتابع محدد فى كل البحور، ويمثل كل جزء من هذه الأجزاء الثمانية بلفظة مستمدة من جذر "فعل" وهى: - جزءان يتكونان من خمسة أصوات: فَاعِلُنْ - فَعُولُنْ. - ستة أجزاء تتكون من سبعة أصوات: مفَاعيلُنْ - مُسْتَفْعلُنْ - فَاعِلَاتُنْ - مُتَفَاعِلُنْ - مُفَاعَلَتُنْ - مَفْعُولاتٌ. ويبين الشكل التالى كيف تنشأ البحور الستة عشر من هذه الأجزاء الثمانية، وقد فتحنا الدوائر الخمسة هنا فى هيئة خطوط مستقيمة من باب التوضيح، كما مثلنا لشطر واحد فقط فى كل بحر من البحور: الدائرة الأولى الطويل: [فعو - لن - مفا - عيـ - لن فعو - لن - مفا - عيـ - لن] البسيط: - عيلن فا علن [مُسْ تفـ علن فا علن مسـ تف. . . .] المديد: - علن [فا علا تن فا علن فا علا تن فا. . .] الدائرة الثانية الوافر: [مفا علا تن مفا علا تن مفا علا تن] الكامل: - علن [متـ فا علن متـ فا علن متـ فا. .] الدائرة الثالثة الهزج: [مفا عيـ لن مفا عيـ لن مفا عيـ لن] الرجز: - علن [مسـ تف علن مسـ تف علن مسـ تف. . .] الرمل: - علا تن [فاعلا تن - فا علا تن - فا. . .] الدئرة الرابعة السريع: [مسـ - تف - علن مسـ - تف علن مفـ - عو - لات مسـ - تفـ - علن مسـ - تف - علن مفـ - عو - لات -] المنسرح: [مسـ - تفـ - علن مفـ - عو - لات مسـ - تف - علن]

الخفيف: [فا - علا - تن مسـ - تفـ - عـ - لن فا - علا - تن] المضارع [مفا - عيـ - لن فا - علا - تن مفا - عيـ - لن] المقتضب: [مفـ - عو - لات مسـ - تفـ - علن مسـ - تفـ - علن] المجتث: [مسـ - تفعـ - لن فا - علا - تن فا - علا - تن] الدائرة الخامسة المتقارب: [فعو - لن فعو - لن فعو - لن فعو - لن] المتدارك: - علن [فا - علن فا - علن فا - علن فا. . .] ويعتمد ترتيب الدوائر الخمس على عدد الأصوات فى أجزاء كل منها، فالطويل والبسيط والمديد يحتوى المصراع فى كل منها على 24 صوتًا وتلك هى الدائرة الأولى، أما فى المتقارب والمتدارك فيتكون المصراع من 20 صوتا فقط وتلك هى الدائرة الأخيرة، بينما تحتوى كل البحور الأخرى على 21 صوتا فى مصراع كل منها، كما فى الدائرة الثانية والثالثة والرابعة. أما ترتيب البحور داخل الدوائر فيعتمد أيضا على قاعدة ثابتة، فأجزاء البحر تكتب على محيط الدائرة، فتكتب "مفاعيلن مفاعيلن مفاعيلن" (الهزج) حول محيط الدائرة الثالثة بحيث لو بدأ المرء فى القراءة من موضع آخر يحصل على أجزاء بحر آخر تلقائيًا. فعلى سبيل المثال لو بدأنا فى القراءة من "عـ" مفاعيلن فى الهزج لحصلنا على وزن الرجز، أما لو بدأنا من "لن" فسنحصل على وزن الرمل. وهكذا نجد أن إمكانية تقسيم أجزاء الدائرة بطرق مختلفة والحصول على أوزان مختلفة نتيجة لذلك ترجع لبناء الدوائر كما صممها الخليل على نحو يجعل عدد الأصوات ثابتا فى كل دائرة، وعلى نحو يجعل الحروف الساكنة والمتحركة فيها تتطابق إذا كتبناها بطريقة معينة بالنسبة لبعضها البعض كما يتضح من الشكل التالى الذى يمثل الحروف الساكنة والمتحركة فى بحور الهزج والرجز والرمل: الهزج://5/ 5/5 //5/ 5/5 //5/ 5/5 الرجز: /5/ 5//5/ 5/5/ 5 //5/ 5/5 //5 الرمل: /5//5/ 5 /5//5/ 5 /5//5/ 5

وهو ما ينطبق على الدوائر الأربع الأخرى، وإن لم يصل إلينا السبب وراء ترتيب الدوائر بهذا الشكل لا فيما بين أيدينا مما كتبه الخليل أو غيره من العروضيين، ولكن من الواضح أن هذا التطابق الشكلى من الحروف الساكنة والمتحركة لا يعنى إيقاع بحر ما من البحور ينشأ من بحر آخر غيره. كما نرى أن الأجزاء الثمانية التى تكون البحور الستة عشر تنقسم إلى جزئيات عروضية، وهذه الجزئيات هى أصغر الكلمات التى نجدها فى اللغة قائمة بذاتها. وقد حدد الخليل زوجين من هذه الجزئيات لأن كلًا منها على حدة لا يمكن استخراجه من الكلمات الثلاث الأخرى فى الزوجين، فى حين أن الأجزاء الثمانية يمكن تكوينها من المزج بين هذه الكلمات الأربع، وهى: أ- سببان يتكون كل منهما من صوتين: 1 - سبب خفيف: متحرك يتبعه ساكن مثل: قَد. 2 - سبب ثقيل: حرفان متحركان مثل: لَكَ ب - وتدان يتكون كل منهما من ثلاثة أصوات: 1 - وتد مجموع: متحركان يتبعهما ساكن مثل: لَقَدْ 2 - وتد مفروق: متحركان بينهما ساكن مثل: وَقْتَ وعلى ذلك يمكن تقطيع كل بحر من البحور الستة عشر إلى أسباب وأوتاد من الناحية النظرية، أما فى واقع الأمر فتختلف البحور فى القصائد إلى حد ما عن شكلها المثالى النظرى بحيث يصعب تقطيعها للأجزاء الثمانية أو إلى الأسباب والأوتاد التى حددها الخليل، وقد كان الخليل نفسه مدركا لهذه الصعوبة، حيث اعتبر أن دوائره مجرد أصول إيقاعية يستخدمها الشعراء بقدر كبير من الحرية بحيث يولدون منها فروعا، ولهذا فإن لفظ "البحور" يستخدم للإشارة للصيغ المثالية فى الدوائر، أما "أوزان الشعر" فهى ما نجده بالفعل فى القصائد وهى ما يختلف بعض الشئ عن البحور المثالية.

وأبسط أشكال الاختلاف عن البحر هو تقصيره، أى عندما لا يحتوى البحر على العدد التام من الأجزاء، ويمكن أن يقصر البحر على نحو من الأنحاء الثلاثة التالية، فيكون البيت: 1 - مجزوءًا: إذا فقد جزءًا من كل مصراع (مثلا إذا تكرر الجزء مرتين بدلا من ثلاثة فى الهزج أو الكامل أو الرجز). 2 - مشطورًا: إذا اختفى شطر كامل (مثلًا عند اختزال الرجز لمصراع واحد فقط). 3 - منهوكًا: وذلك فى أحوال نادرة عندما يضعف البيت إلى حد الإنهاك مثلما يحدث عند اختزال المنسرح إلى الثلث. تلك الاختلافات تطرأ على الشكل الخارجى للوزن لا على بنيته الإيقاعية المتمثلة فى تتابع الحروف الساكنة والمتحركة. وهناك مجموعة من القواعد تبين مدى اختلاف هذا التتابع فى القصائد القديمة عن الأنماط المثالية فى الدوائر، وهى معقدة إلى حد كبير بالمقارنة باتساق جوهر النسق العروضى وهو الدوائر الخمس. ويحدد العروضيون هذه الاختلافات بالنسبة لكل بحر على حدة وبالنسبة لكل جزء من أجزائه على حدة فى كل شطر من شطرى البيت مما يكشف عن مدى تعقد الفروع العروضية، ولكن لحسن الحظ أن كل الاختلافات عن الأصول تنقسم إلى نوعين فقط، لكل منهما وظائف محددة، وموضع مختلف فى البيت الشعرى. ويتعرض الجزء الأخير من المصراع الأول (العروض) والجزء الأخير من المصراع الثانى (الضرب) لأشد الانحرافات عن الأنماط العروضية المثالية، ولهذا نجد لها تسمية محددة، أما الأجزاء الأخرى فتسمى بتسميات مختلفة ولكنها جميعا تندرج تحت ما يسمى "بالحشو". وهناك نوعان من الاختلاف عن الأنماط المثالية: "الزحافات" وهى اختلافات طفيفة تطرأ على الحشو فقط بينما يظل النمط الإيقاعى قويا فى البيت، إلا أن الأسباب الضعيفة تتغير تغيرًا كميا بسيطا، ولم كانت الزحافات طارئة فليس لها مواضع ثابتة أو

محددة، أما النوع الثانى فهو "العلل" والتى تطرأ على الجزء الأخير من كلا الشطرين وتسبب اختلافا ملحوظا عن طبيعة البحر النظرية، ولذلك يتغير الإيقاع فى آخر البيت بصورة ملحوظة، وتظهر العلل بصورة منتظمة وبنفس الشكل دائما وفى نفس الموضع من كل بيت من أبيات القصيدة بعكس الزحافات، وبالإضافة لذلك نجد أنها تطرأ على الجزء الأخير فى كل شطر من شطرى البيت وعلى سببه أيضا أما الزحافات فلا نجدها إلا فى الأسباب فقط وبالتحديد فى الصوت الثانى منها. وتستعمل كلمات معينة لتشير للتغيرات العروضية التى تحدثها الزحافات والعلل فى تتابع الأصوات الساكنة والمتحركة، فعند فقد "السين" من "مستفعلن" نحصل على "متفعلن" وهى كلمة ليس لها وجود فى العربية وعندئذ نستعيض عنها بكلمة أخرى مقبولة لها نفس نمط التتابع فى الحروف الساكنة والمتحركة (مفاعلن)، وهذا ما يشار إليه "بالفروع" التى تشتق من الأصول، وفيما يلى سنعرض بعض الأمثلة لهذا الجزء المعقد من النظرية مع ملاحظة أن الفروع متى وردت ستوضع بين قوسين هكذا []. وإذا ظهرت الزحافات على أحد الأسباب بتغير الصوت الثانى فلابد من تحديد الحرف الذى طرأ عليه التغير وتحديد ما إذا كان ساكنا أم متحركا، فعلى سبيل المثال يمكن تقسيم ما يسمى بالزحافات البسيطة لمجموعتين إحداهما يتغير فيها السبب الخفيف والأخرى يتغير فيها السبب الثقيل، والأحوال الثمانية للتغيرات فى هذا السياق هى: 1 - الخَبَن: عندما يختفى الحرف الثانى من الجزء مثل سين م [س] تفعلن - مَفَاعِلُن أو مثل "ألف" ف [أ] علن. • الطى: عند اختفاء الحرف الرابع مثل فاء مست [ف] علن = مُفْتَعِلُنْ. • القبض: عند تغير الخامس مثل نون فَعُول [ن]، أو ياء مفاع [يـ] لن. • الكفّ: عند اختفاء السابع مثل نون فاعلا ت [ن].

2 - بالنسبة للسبب الثقيل لا يطرأ تغير سوى على الحرف الثانى باختفاء حركته ويعرف ذلك "بالإضمار" كاختفاء الفتحة فى متفاعلن = مستفعلن، أما "العَصْبُ" فيظهر عند اختفاء الفتحة فى مُفَاعَلَاتُنْ = مُفَاعِلُنْ أما لو اختفى الحرف الذى يحمل الحركة ذاته فهذا ما يعرف "بالوقص" كما فى اختفاء تاء مُتَفَاعِلُنْ = مُفَاعِلُنْ، أما "العَقْلُ" فيظهر عند اختفاء "لَا" فى مُفَاعَلاتُنْ = مُفَاعِلُنْ. وهكذا تؤدى الزحافات دائما لاختفاء حروف أو حركات بالمقارنة بالأسباب العادية، أما العلل فتنقسم لمجموعتين بحسب ما يطرأ على الجزء الأخير من المصراعين من زيادة أو نقص [1] "فالتذييل" هو إضافة ساكن على وتد مجموع (مَسْتَفْعِلُنْ = مُسْتَفْعِلانْ)، و"الترفيل" هو إضافة سبب خفيف على وتد مجموع (مُتَفَاعِلُنْ = مُتَفَاعِلاتُنْ). أما الحذف فيعنى اختفاء سبب خفيف كما فى مفاعب [لن] = مفعول، أو كما فى فَعُو [لٌ] = فَعَلْ، أما "القطف" فهو اختفاء سبب ثقيل والحركة التى تسبقه مُفَاعَلَتُنْ = فَعُولٌ، وأما الحذف فهو اختفاء وتد مجموع بأكمله (مُتَفَا [عِلُنْ] فَعِلٌ). وقد تكون التغيرات العروضية أكثر تعقيدا إذا اتفق ظهور تغييران فى نفس الجزء كما فى بعض الحالات الخاصة، وهذا يعنى أن الأجزاء الثمانية الأساسية يمكن أن يتولد عنها ما لا يقل عن 37 جزءا فرعيا، وكلها نجد لها أمثلة فى الشعر القديم. وتلعب الأجزاء التى تتغير بالعلل دورا أهم من غيرها لسببين، أولهما أنها تحدث قدرا أكبر من التغير بالزيادة أو النقصان على الجزء العادى بالمقارنة بالزحافات، وثانيهما أنها تسبب تنويعات إيقاعية تظهر فى كل القصيدة من أولها لآخرها. ونظرا لكثرة التنويعات التى يمكن أن تظهر فى نهاية البيت نجد أن هناك عددا ضخما من التقسيمات الفرعية فى كل الأوزان، وبما أن الضرب (الجزء الأخير فى الشطر الثانى) أوثق ارتباطا

بهذه التغيرات عن العروض (الجزء الأخير فى الشطر الأول) فإن الأوزان المحتمل توليدها من التغيرات المختلفة تسمى على أسماء ضروبها المختلفة. فالبحر الطويل له عروض واحد أى أن الجزء الأخير من شطره الأول يجئ على صورة ثابتة وهى مُفَاعِلُنْ (بالقبض)، ولكن له ثلاثة ضروب هى الشكل المعتاد للجزء الأخير فى الشطر الثانى وشكلان آخران للضرب، ولذلك فهناك الطويل الأول والثانى والثالث لأن الضرب يأتى على صورة مَفَاعِيلن أو مَفَاعِلُنْ أو فعولُنْ، وينطبق هذا المبدأ نفسه على بقية الأوزان، ويختص الكامل بأكبر عدد من الضروب، ويبلغ إجمالى عدد الأعاريض للبحور الستة عشر كلها ستة وثلاثين، أما عدد الضروب فيبلغ سبعة وستين، أى أن قدامى شعراء العرب استخدموا البحور الستة عشر للحصول على سبعة وستين تنويعا إيقاعيا ودلك بحساب التغيرات التى تطرأ على نهايات الأبيات بسبب العلل وبغض النظر عن الزحافات العارضة التى تطرأ على حشو البيت. ويلاحظ أن المستشرقين الأوربيين يجدون صعوبة فى تقبل العروض العربى لأنهم يرون أنه علم مبنى على الوصف الخارجى للتغيرات التى تطرأ على أصوات الحروف فى البيت الشعرى بينما تعتمد اللغات الأوربية على وصف خصائص المقاطع اللفظية فى هذه اللغات، ولذلك يرى هؤلاء المستشرقون أن العروضيين العرب لا يوضحون مصدر الإيقاع فى الشعر العربى وهل هو نابع من تتابع قصار الأصوات وطوالها أم من النبر والضغط على أجزاء بعينها من الكلام أكثر من سواها، وفيما يلى نستعرض بعض الآراء المتخصصة فى طبيعة العروض ونلاحظ أن ثمة اتفاقا على أن إيقاع الشعر العربى يتوقف على مبدأ كمى، ولكن هناك اختلافا كبيرًا فى الآراء حول دور العناصر الأخرى فى تشكيل الإيقاع فى النظم العربى القديم مثل نمط تتابع المقاطع القصيرة والطويلة، أو مسألة وجود النبر الإيقاعى. يرى هاينريش إيوالد Heinrich Ewald أن إيقاع الشعر العربى لا يتولد من طول المقاطع اللفظية فحسب بل من وجود نبر على بعضها، وتوصل إلى

تحديد خمسة أنواع للإيقاع أطلق عليها تسميات تعتمد على مقارنتها بالأوزان اليونانية القديمة، ولكن ما يعيب هذه النظرية هو عدم إمكانية البرهنة على تشابه إيقاعات العربية واليونانية بل إن مسألة وجود التبر الإيقاعى فى الشعر اليونانى القديم هى فى حد ذاتها أمر مختلف عليه. أما ستانسيلاس جويارد Stansilas Guyard فقد وضع نظرية تعتمد على مقارنة طول المقاطع اللفظية بالإيقاعات والتدوين فى الموسيقى، فاستبدل بمفهوم المقاطع القصار والطوال مفهوم الزمن القوى Temps Fort والزمن الضعيف Timps Faible ورأى أنهما يتعاقبان فى الظهور أحدهما تلو الآخر، ولكن هذه النظرية لم تقدم جديدًا سوى أنها استخدمت مصطلحات موسيقية لوصف المفاهيم التى كانت موجود بالفعل عن بنية البيت الشعرى وأوزانه. ويتجه مارتن هارتمان Martin Hartmann إلى التركيز على نشأة الأوزان المختلفة وتوليدها من بعضها البعض، وإن كان يعبر ضمنيا عن اعتقاده فى أن الشعر العربى يعتمد أساسا على النبر ويؤكد أن لكل من المقطع المنبور وما يسبقه من مقاطع قصيرة أطوالا زمنية محددة ثابتة، أما عن أصل نشأة الأوزان فيرى أنها محاكاة فطرية للأصوات التى تصدر بانتظام عن وقع خف الجمل فى حركته، فمن هذه الحركة يمكن أن نتوصل إلى وزن الهزج أو الرجز إذا شرعنا فى تتبع حركة خف الجمل وهى تبدأ من وضع السكون تارة، أو إذا تتبعناها بدءا من إحدى الحركات الوسيطة. ومن هذين الوزنين يرى هارتمان أن المتقارب والمتدارك يتولدان بإضافة مقطعين غير منبورين بين الخطوتين، أما الوافر والكامل فيأتيان من إضافة مقطعين غير منبورين بالتوالى مع مقطع واحد غير منبور يين المنبورين، أما البسيط والطويل فيرى أنهما شكلان غير مكتملين للرجز والهزج. ولكن هذه النظرية تخلق بعض المشاكل عند محاولة تخريج بعض الأوزان الأخرى، كما تتسم بأنها أساسا تقوم على فروض غير موضوعية

المصادر

وضعها هارتمان عن أصل الأوزان بصفة عامة وتوليدها من وزن أساسى بعينه بصفة خاصة. أما جوستاف هولشر Gustav Goelccher فقد وضع نظرية تتلخص فى أن بحر الرجز هو أبسط البحور وأصل نشأتها جميعا وأن هذا البحر نفسه ظهر من تطور السجع بتنظيم عدد المقاطع اللفظية وأطوالها، ومنه اشتقت بقية البحور بتأخير النبر بدرجات متفاوتة، ولكن هذه النظرية بدورها تعجز عن تفسير ظهور بحرى الخفيف أو المنسرح. كما يتناول هولشر فى نظريته العناصر الإيقاعية الأساسية التى تحدد الأوزان وهى فى نظره التفعلية أو الطرق الإيقاعى Foot or Beat ولكنه لا يعطى تعريفا محددًا لها. أما الفريد بلوك Alfred Block فيرى أن العربية أكثر من غيرها من اللغات تميل إلى الاعتماد على القيمة الكمية للمقاطع اللفظية فى بناء الأوزان الشعرية، وجدير بالذكر أن الشكل التقليدى للقصيدة يختلف عن الأشكال المستخدمة فى الشعر العربى المعاصر بل وعن الأشكال الشعبية للنظم التى كان لها وجود فى عصر ما قبل ظهور الإسلام، وذلك لأن النظم فى قوالبه الشعبية يخلو من رتابة القافية ويتمتع بثراء البنية الإيقاعية وتنوع الأغراض وفوق هذا وذاك يتمتع بلغة مستوحاة من لغة الحياة اليومية التى تختلف اختلافا كبيرًا عن لغة الشعر العربى القديم. المصادر: وردت فى متن المادة: أحمد هانى الشامى [جوتهولد فيل Gotthold Well] العريش العريش مدينة فى مصر كانت تعرف قديما باسم رينوكورورا، وهى تطل على ساحل البحر المتوسط وتقع فى واحة خصبة تحيط بها الرمال وهى على الحدود بين فلسطين ومصر، وقد وجد هذا الاسم منذ القرون الأولى للميلاد وكانت تسمى لاريس Laris, وسكانها كما يقول اليعقوبى ينتمون إلى قبيلة جذام ويشير ابن حوقل إلى مسجدين كبيرين فى المدينة ويتكلم عن كثرة ما بها من الفاكهة، ولقد مات الملك

المصادر

بالدوين الأول عام 1118 فى العريش. ويذكر ياقوت "أن المدينة كانت تضم سوقا كبيرا وكثيرا من الخانات وللتجار مراكز بها. وقد احتل نابليون العريش فى عام 1799 حتى إذا كان العام التالى وقعت معاهدة فى المدينة تم بمقتضاها جلاء الفرنسيين عن مصر. المصادر: (1) Butler: The Arab conquest of Egypt, 196 - 7 (2) J. Maspero et G. Wiet: Materiaux pour servir a la geographie de l'Egypte p. 125 بهجت عبد الفتاح [ف. دول F. Duhl] العريف مصطلح يطلق على الذين يتولون بعض المناصب المدنية أو العسكرية، على أساس من الكفاءة فى الأمور التى تستند إلى العرف وليس إلى المعرفة بالأمور الدينية، التى يتميز بها العالم. وقد كان هناك فى بعض الحالات "عرفاء" بحكم الواقع فى الجزيرة العربية قبل محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وفى عهده أيضًا (انظر كتاب الأم للشافعى 4/ 81) ويقال إنه أدانهم (ابن حنبل 4/ 133، ابن الأثير النهاية 3/ 86، والسرخسى: شرح السير الكبير 2/ 341) ولكن الواضح مثل هذه الأخبار قد تأثرت بالأحداث التى جرت بعد ذلك. كان العريف زمن الراشدين والأمويين يقوم بجمع الضرائب من القبائل ويسلمها إلى "المصدق" الذى يعينه الخليفة (الشافعى: 2/ 61، 72، 74، والأغانى: 3/ 62، 11/ 248). وليست هناك تفاصيل متاحة تدلنا على كيفية تعيينهم باستثناء. أنه كان يتم اختيارهم من بين القبائل التى يهمها الأمر ولكن ليس من بين شيوخها. ومن عهد عمر وما بعد ذلك، نجد إشارات كثيرة عن وظيفة العريف فيما يتعلق بالتنظيم الحربى للدولة والأمصار. ويقول "سيف بن عمر" إن جند الكوفة قد قسموا بعد معركة القادسية إلى وحدات (عِرافات) يرأس كل منها عريف (الطبرى 1/ 2496). ولكن معظم التفاصيل عن مهام العريف

ترجع إلى عهد معاوية فقط. فقد كان كل عريف يختص بعرافة ما، وكان مسئولا عن توزيع العطاء بين أفراده، ومن ثم كان عليه أن يحتفظ بسجل (ديوان) فيه أسماؤهم وعائلاتهم. وأكثر من ذلك كان مسئولا عن الأمن فى نطاق عرافته، بجانب مسئولياته عن جمع أموال الدم والتحكيم فى المنازعات بين أفراد "العرافة". وقد كان حاكم المصر (أو صاحب الشرطة) هو السلطة الوحيدة التى تعين العرفاء وتستغنى عنهم، ولم يكن من الضرورى أن يحصل على موافقة الخليفة أو القبيلة (العشيرة) - ولكن من المحتمل أنه كان يختار ذوى النفوذ والتأثير. واستمرت وظيفة العريف الحربية طيلة العصور الوسطى -فقد كان صاحبها فى عهد الرشيد مثلا هو المسئول عن عدد من الرجال فيما بين عشرة وخمسة عشر، على حين كان فى أسبانيا فى عهد "الحكم" قائدا لمائة من الفرسان وهو فى الجيش السورى والعراقى مسئول عن عشرة من الرجال. ومن بين الوظائف المدنية التى يحمل صاحبها اسم العريف نسمع فى القرنين الأولين للهجرة عن موظف مخصوص، مسئول عن مصالح الأيتام والأطفال غير الشرعيين. كذلك نقرأ عن عريف للذميين. ولكن أكثر استخدامات لقب العريف فى العصور الوسطى فى الشرق الناطق بالعربية، كانت تتعلق "برئيس النقابة"، بالرغم من أن المصطلح قد التقى فى استخدامه مع مصطلحات أخرى مثل النقيب والرئيس الشيخ- وقد بطل استخدامه فى العصر العثمانى، وقد استخدم الغرب لقب "أمين" بهذا المعنى زمن الأمويين، ونجد ما يشير إلى الصلة المباشرة بين العريف وبين القاضى قبل ظهور وظيفة المحتسب. ولكن منذ القرن السادس الهجرى (الثانى عشر الميلادى) كان العرفاء يقومون بأعمال كانت قاصرة على المحتسب. وعلى العموم فإن العريف أو الأمين يعتبر مساعدا للمحتسب فيما يتعلق بوضع اللوائح، والفصل فى المنازعات الداخلية والالتزامات المالية للنقابة -ولا يمكن أن يتحلل من

المصادر

واجباته إلا إذا ضعفت الثقة به. ونشير إلى أنه كان يمثل النقابة فى التعامل مع السلطة، كما كان ينظم عملية اشتراك النقابة فى احتفالات معينة. وفى كثير من الأحيان كان يساعده خليفة له ويمارس سلطات الحكم والقضاء بمساعدة محكمة عرفية صغيرة تتبع المحتسب. وكان هناك أيضا أمين الأمناء الذى كان يحتفظ بسجل لأعضاء النقابة. ولكن هذا التنظيم بالطبع قد ضعف اليوم بسبب ظهور الاتحادات العمالية على النمط الأوربى. المصادر: (1) Goldziher: Abhandlungen zur Arab, philologie, 1, 21 (2) P. Hitti: History of the Arabs London 1946, 328 بهجت عبد الفتاح [صالح العلى Salih A.El-Ali كلودكاهن CI.Cahen] عز الدولة لقب من ألقاب التشريف ظهر مع بداية القرن الرابع للهجرة (العاشر للميلاد وكان الخلفاء هم الذين يُضْفُونه على حامليه، لكن أصحاب المناصب -فيما دون منصب الخليفة- صاروا يمنحونه بعد ذلك. وأوّل من حصل على لقب تشريفى تدخل كلمة الدولة فى تركيبه هو القاسم وَلىّ الدولة وزير الخليفة المكتفى، وكان هذا سنة 289 هـ/ 902 م. والمعنى الأصلى للدولة من مادة دَوَلَ هو التحول من حال إلى حال سواء بالنسبة للمال أو الحرب، فالدولة اسم الشئ الذى يُتداول (راجع لسان العرب) ثم انصرف معناها لتدل على الدعوة للمهدى، ومنذ منتصف القرن الثالث للهجرة (التاسع للميلاد) اتخذت معنى الأسرة الحاكمة أو الدولة بالمفهوم السياسى، وظل هذا المعنى قائما حتى اليوم. وبهذا المعنى الأخير أصبحت (الدولة) جزءا من ألقاب التشريف التى بدأ منحها قبل منتصف القرن الرابع للهجرة (العاشر للميلاد) بفترة قصيرة والتى أصبحت أمرًا معتادا فى عهد بنى بُوَيْه. ويمكننا تقسيم هذه الألقاب التى تدخل كلمة الدولة فى تركيبها وفقا لمعناها وطبيعة (المضاف) إلى ست مجموعات:

1 - اسم فاعل يصف نشاط حامل اللقب فى علاقته بالأسرة مثل مُعين الدولة وناصر الدولة ومُعز الدولة ومشرِّف الدولة، الخ. . الخ. 2 - صيغة مجازية غالبا ما تشتمل على اسم سلاح أو عضو من أعضاء الجسم مثل سيف الدولة، وحسام الدولة، عَضُد الدولة يمين الدولة، عين الدولة. . إلخ. 3 - صيغة يكون فيها المضاف ظاهرة كونية مثل نور الدولة وضياء الدولة وبهاء الدولة، وشمس الدولة، وسماء الدولة (وإذا حمل الابن والأب على التوالى مثل هذه الألقاب دلَّ ذلك على مزيد من قوَة الأسرة وتتابع السيادة فيها). 4 - صيغة يكون فيها المضاف مستمدا من العمارة مثل عميد الدولة وعماد الدولة وركن الدولة وسَنَد الدولة وعمدة الدولة وقوام الدولة. . . إلخ. 5 - صيغة تحتوى على شارة السلطة والنفوذ مثل تاج الدولة وسلطان الدولة وهذا اللقب الأخير كان مقصورًا على الخليفة وحده فى هذه الفترة، وزعيم الدولة. 6 - صيغة فيها تشريف وعظمة مثل فخر الدولة وجلال الدولة ومجد الدولة وشرف الدولة وعلاء الدولة وعز الدولة. وفى سنة 348 هـ (959/ 960 م) منح الأمير بختيار ابن الأمير معز الدولة لقب عِزّ الدولة وهو مجرد تحوير للقب أبيه وقد استمر هذا التقليد مرعيَّا عندما عين بختيار ابنه المرزبان حاكما للبصرة خلفا له فمنحه الخليفة لقب إعزاز الدولة وعندما ظهر عضد الدولة فى بغداد وأبعد عنها -بحسم- بويهيّى بغداد سنة 977 م (367 هـ) وانتهى بختيار نهاية غير حميدة زال بزواله لقب عز الدولة وكل الألقاب التى تدخل كلمة الدولة (كمضاف إليه) أو على الأقل لقد انتهت بين بنى بويْه. واتخذ بويهيو بغداد وشيراز المتأخرون -وكانوا بلا استثناء من سلالة عضد الدولة ألقابا أخرى من بين مجموعات الألقاب الستة الآنف ذكرها.

وبالإضافة لبنى بُوَيه فإن كل الحكام المعاصرين الذين اعترفوا بالخلافة العباسية كانوا من حَمَلة الألقاب، وذلك على النحو التالى: المروانيون والمزيَديون، والمرداسيّون والغَزْنويون. . إلخ بالإضافة للسامانيين الذين ظلوا لفترة لا يعترفون بالخليفة العباسى الذى يعينه البويْهيون -حتى هؤلاء (السامانيون) منحوا الألقاب من تلقاء أنفسهم لحكام خراسان ليقربوهم إليهم. أما فى مصر الفاطمية فقد كان من ناحية أخرى يتم اختيار الألقاب على أساس غير هذا الأساس. أما فى شمال أفريقيا وأسبانيا فإن الألقاب التى تدخل كلمة (الدولة) فى تكوينها لم تكن تظهر إلّا بين الحين والحين. ولم يظهر لقب عز الدولة الذى ارتبط بذكرى بختيار البويهى (وهى ذكرى لا تسر) إلّا بعد ذلك بفترة خاصة فى فارس. ومن أمثلة من حمل هذا اللقب: عبد الرشيد الغزنوى (1050 - 1053) وهزارساب بن ناموَر (470 - 510 هـ/ 1077 - 1117 م) فى مازنداران وقباد بن شاه غازى (780 - 801 هـ/ 1378 - 1377 م) وأبو نصر ابن الحسن فى ديار بكر (551 - 565 هـ/ 1156 - 1170 م) ومنذ عهد السلاجقة حلت الألقاب التى يدخل فى تركيبها كلمة (الدين) وفى عهد الصفويين عادت الألقاب التى تدخل كلمة "الدولة" فى تركيبها فى الانتشار على نحو ما كان الصدر الأعظم (كبير الوزراء) يحمل بحكم منصبه لقب اعتماد الدولة، وفى ظل القاجار استمرت التقاليد البويهية والصفوية فى الألقاب، فكل الألقاب التى صنفناها فى ستة أنواع فيما سبق يمكن أن تكون مستخدمة مع إضافة صيغ جديدة. لكن لقب عز الدولة -على أية حال- لم يعد شائعا فلم يحمله من القاجار إلّا الأمير عبد الصمد ميرزا بن محمد شاه (1250 - 1264 هـ/ 1834 - 1848 م)، ويبدو أن عبارة (عزَّ وجَلَّ) التى لا تستخدم إلّا مرتبطة باسم اللَّه منعت استخدام القاب تحمل الصيغة ذاتها، ولم ينتشر لقب جلال الدولة بين القاجار الذين فضلوا ألقابا

المصادر

أخرى على شاكلة أمين الدولة، واعتماد الدولة ومؤيِّد الدولة ومعتمد الدولة ونظام الدولة. المصادر: (1) انظر مصادر مادة عز الدين. د. عبد الرحمن الشيخ [هـ. بس H. Busse] عز الدين يمكن تناول هذا اللقب فى السياق التاريخى نفسه الذى تناولنا فيه الألقاب عند الحديث عن لقب عز "الدولة"، وفى ضوء هذا السياق التاريخى للألقاب نشك كثيرا فى أن اللقب الذى وجد مكتوبا على قطعة عملة فى واسط (256 هـ/ 869 - 870 م) يمكن أن يُقرأ (عَلِىّ الدين) فأول لقب تدخل كلمة "الدين" فى صياغته كما ورد فى المؤلفات التاريخية، مُنح للأمير بدر بن حسنَوَيه الكردى البرزكانى سنة 388 هـ/ 998 م بعد حوالى مائة سنة من ظهور لقب عز الدولة لأول مرة. وتتضح الصلة بين اللقبين (عز الدولة) و (عز الدين) بشكل جَلِىّ فى الجمع بينهما فى لقب واحد (ناصر الدين والدولة). . وقد دفع الطموح بالإضافة لظروف سياسية ودينية سادت زمن الدولة البويهّية -إلى أن يطلب البويهيون أنفسهم وكذلك الأمراء المحليون الآخرون أن يُلْحق الخلفاء العباسيون بألقابهم لفظ "الدين" بالإضافة للدولة، وبالإضافة لذلك ظهر لقب "محيى الدين" الذى منح لأبى كاليجار (415 - 440 هـ/ 1020 - 1048 م) وهو لقب يدعو للدهشة لأنه أعطى للبويهيين الشيعة لأن منح هذا اللقب للأمير الكردى بدر كان مرتبطا بأدائه خدمات دينية باسم السنّة. وفى سنة 403 هـ (1012 - 1013 م) عندما رفض محمود الغَزْنَوى (389 - 421 هـ/ 998 - 1030 م) خِلْعَة التشريف من الخليفة الفاطمى منحه الخليفة العباسى لقب "نظام الدين" و"ناصر الحق"، ولم يظهر لقب عز الدين فى الفترة البويهية. . وبوصول السلاجقة حل "الدين" محل "الدولة" فى الألقاب فقد أراد السلاجقة أن يرتبطو مباشرة فى

ألقابهم باعتبارهم حماة للمذهب السنى، أما البويهيون فقد كان ارتباطهم بالخلفاء كأشخاص لا بالمذهب السنى، بينما ظل طغرل بك محتفظا بلقب "ركن الدنيا والدين" (لقد استُعيض هنا عن الدولة بالدنيا) أما خلفاؤه فاحتفظوا بلقب (ركن الدين) فقط، وينطبق الحال نفسه على سلاجقة الروم والصفاريين اعتبارا من سنة 496 هـ/ 1103 م والأراثقة اعتبارا من 538 هـ/ 1144 م، والدانشمنديين فى الأناضول والغوريين فى شرق إيران والهند، وشاهات خوارزم، وإسماعيلية فارس اعتبارا من 564 هـ/ 1166 م. وخلال القرن السابع للهجرة (الثالث عشر للميلاد) فقد اللقب -على أية حال أهميته كتشريف يمنحه الخليفة أو الأمير المحلى وتحول ببساطة إلى مجرد اسم يطلقه المرء على نفسه أو يطلقه الناس على شخص جدير بالاحترام دون حاجة إلى إجراءات رسمية. وقد أدرج ابن الفوطى (المتوفى 723 هـ/ 1323 - 1324 م) فى كتابه "مجمع الآداب فى معجم الألقاب" ما يزيد على خمسمائة ممن يحملون لقب عز الدين وكانوا من مختلف الطبقات، وبعد وصول المغول فقد اللقب معناه المنطوى على الشرف. وذكر القلقشندى فى كتاب "صبح الأعشى" فى قائمة الألقاب التى أوردها لقب عز الإسلام كلقب لبعض الملوك. وقد انتقد البيرونى نظام الألقاب، وسخر ابن تغرى بردى المصرى من الفرس لربطهم كل شئ بلقب يقحمون الدين فيه واعتبر على بن ميمون المغربى الألقاب بدعا شيطانية، وتحولت الألقاب بعد ذلك مع بداية القرن العاشر للهجرة (السادس عشر للميلاد) إلى مجرد أسماء عادية. ولاحظ بابنجر F.Babinger أنه فى ظل العثمانيين كان للشخص لقب يمثل الدين فيه موقع المضاف إليه واسم آخر خالص. أما فى الأزمنة الحديثة فقد اختصرت الأسماء المضاف إليها لفظ "الدين" فأصبح الناس يقولون "جمال" بدلا من جمال الدين "وكمال" بدلا من كمال الدين. . إلخ وكان هذا واضحا فى مصر، وربما كان الاسم التركى عزت قد جرى

المصادر

اختصاره على النحو نفسه. المصادر: (1) حسن الباشا، الألقاب الإسلامية فى التأريخ والوثائق والآثار، القاهرة، 1957. (2) J. H. Kramers: Les noms musulmans composes avec Din, in AO, V (1926/ 1927) 53 - 67 د. عبد الرحمن الشيخ [هـ. بس H. Busse] عزرائيل هو ملك الموت، ويُعد عزرائيل هو أحد الملائكة الأربعة الكبار الذين بعد جبريل وميكال (ميخائيل) وإسرافيل (*)، وأحيانا ينسب إلى عزرائيل مهمة النفخ فى الصُّور إيذانا بحلول يوم الحساب، مثله فى ذلك مثل إسرافيل، وهو ضخم ذو جِرْم كونى هائل فإذا غلت كل مياه البحار والأنهار فوق رأسه لم تصل نقطة ماء واحدة إلى الأرض، وقد خُصّ بسرير من نور فى السماء الرابعة أو السابعة يضع عليه إحدى قدميه، بينما يضع القدم الأخرى على جسر بين الفردوس والجحيم. وعلى أية حال فإنه يقال إن له سبعين ألف قدم. ويطابق وصف مظهره الوارد فى (التراث الإسلامى) ما ورد عنه فى الآداب اليهودية، فله أربعة آلاف جناح وكل بدنه عيون وألسنة بعدد الأحياء ويقال أيضا إن له أربعة وجوه. وكان عزرائيل فى بادى الأمر ملكا كسائر الملائكة لكن اللَّه عندما أراد خلق الإنسان أمر جبريل بأن يقبض قبضة من ثرى الأرض لهذا الغرض لكن إبليس أثار الأرض فقاومت ومن ثم لم يستطع أىُّ من جبريل وميكال (ميخائيل) أو إسرافيل إنجاز المهمَّة، ولكن أنجزها عزرائيل فعينه اللَّه ملكا للموت لما يتصف به من قلّة الرحمة. ولما خلق اللَّه الموت دعا الملائكة للنظر إليه، فلما رأوا قوته الخارقة خرُّوا مغشيا عليهم وظلوا فى رقدتهم ألف عام فلما أفاقوا قالوا إن الموت هو أقوى ¬

_ (*) يشتمل هذا المقال على كثير من الأفكار التى يرددها العامة وهى ليست فى كل الأحوال من السنّة الصحيحة. إنه مثال عن الفكر الشعبى فيما يتعلق بعزرائيل عليه السلام. (المترجم)

المخلوقات لكن اللَّه أنبأهم أنه جعل عزرائيل أقوى منه. وثمة ملائكة عديدون للموت تماما كما فى الآداب اليهودية، ويُقال إن عزرائيل موكل بقبض أرواح الأنبياء، أما أرواح البشر العاديين فموكلة لخليفته. وفى مطلع سورة النازعات آيتان تشيران إلى ملائكة الموت {وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا (1) وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا} ويقال إن المقصود بالفئة الأولى (النازعات) الملائكة الذين ينزعون أرواح الكافرين عنوة من أبدانهم، أما المقصود بالفئة الثانية (الناشطات) فهم الذين يفصلون أرواح المؤمنين عن أبدانهم. إلّا أن هذا التفسير للآية غير مؤكد (اجتهادى). ومع أن عزرائيل يحتفظ بقائمة بأسماء كل البشر إلّا أنه لا يعلم ميعاد وفاة أى فرد وهو لا يعرف أكان الواحد من المرضى عنهم أم من الملعونين، بل يعرف الأول بهالة من نور تحوطه والآخر بدائرة سوداء. وعندما يقترب أجل إنسان ما فان اللَّه سبحانه يُسقط ورقة من الشجرة التى تحت عرشه ويكون مكتوبا عليها اسم الشخص الذى حانت منيَّته فيقرأ عزرائيل الاسم وينزع روحه من جسده بعد أربعين يوما. لكن بعض البشر يقاومون فصل أرواحهم عن أجسادهم فيعود ملك الموت إلى اللَّه ليخبره عما صادف فيعطيه اللَّه تفاحة من الجنة مكتوب عليها البسملة لتكون آية من عنده مصدقة له فما أن يراها الشخص المراد نزع روحه حتى يطيعه. وثمة أمور أخرى تجعل من الصعب على الملاك (عزرائيل) تنفيذ مهمته ذلك أنه إذا أراد الدخول إلى حلقه لينزع روحه تلا الميت ذكرا فيسد تلاوة الذكر المدخل فيعود عزرائيل إلى اللَّه (سبحانه) فينصحه [العلى] بالأخذ بيد الشخص المراد نزع روحه فإن كان ممن تصدقوا بصدقة أصبح الدخول على عزرائيل امرا مستحيلا مرة أخرى، وينتهى الأمر أخيرا بعزرائيل بأن يكتب اسم اللَّه على يد المحتضر فتسير الأمور بعد ذلك على ما يُرام ويتم نزع الروح. ويقال أيضا إن عزرائيل يطعن المرء المراد قبض روحه برمح مُسمم، وهناك رواية

المصادر

أخرى تقول: إنه إذا حانت منية المرء وكان على فراش موته وقف عزرائيل عند رأسه وسحب روحه برقة فتخرج كأنها ماء قد تفصّد عن الجلد فيسلمها عزرائيل وأعوانه الذين يحملونها عبر السموات السبع إلى أعلى عليين ثم يضعونها مع الجسد فى القبر، أمّا إذا كان الميت كافرًا فإن ملاك الموت ينتزع الروح من جسده بأقسى صورة، وتغلق السماوات دون روحه وهى فى رحلتها إلى فوق ثم يقذف بها إلى الأرض ثانية. وهناك شخصيات مثل إدريس وإلياس وعيسى والخضر عليه السلام ويحوز عليها القرب كما هو معروف وبالنسبة لموسى (عليه السلام) فليس أمر عدم تعرضه للموت مؤكدا وإن كان الإنجيل قد ألقى حجابا على موته ومن ثم فإن الرواية الإسلامية تذكر أن موسى قاوم ملك الموت حين جاءه لينفذ فيه قضاء اللَّه ولكمه فى عينه، فلما عاد الملك يشكو للَّه ما كان [من موسى] قال إن وضَع موسى يده على بقرة منحناه عمرا بقدر شعر البقرة الذى وقع تحت يده، فلما سمع موسى ذلك سأل وماذا بعد ذلك؟ فقال اللَّه: "الموت". ويقال أيضا إن ملك الموت أتى لموسى يتفاحة من الجنّة فلما شمّ ريحها أسلم الروح. (*) وعن تجربة سليمان مع ملك الموت يمكن مراجعة البيضاوى. فى تفسيره للآية 34 (سورة لقمان). المصادر: (1) المسعودى، مروج الذهب، باريس 1861 - 1877, الجزء الأول، ص 51. (2) ابن الأثير، الكامل، طبعة تورنبرج، الجزء الأول ص 20. (3) J. Macdonald: IsIamic Eschatology l. IV, in Islamic Studies, III (1964) 285 - 308, 485 - 519,IV (1965) 55 - 102, 137 - 179 د. عبد الرحمن عبد اللَّه الشيخ. [أ. ج. فنسينك A. J. Wensink] ¬

_ (*) لا يخفى على فطنة القارئ أن كثيرا مما ورد فى هذا المقال مجرد ترديد لما فى الإسرائيليات ولما يشيع على ألسنة الناس وليس بالضرورة من السنة الصحيحة أو التفسير المتفق عليه للقرآن الكريم. [المترجم]

عسقلان

عسقلان مدينة على الساحل الجنوبى لفلسطين (بالعبرية: أشقلون)، وهى إحدى المدن الفلسطينية القديمة الخمس المعروفة لنا من العهد القديم؛ وعرفت فى الفترة الرومانية باسم " Oppidum Accaln Liherum" (مدينة عسقلان الحرة)، وكانت طبقا لقول (Schruerer Geschichte des Juedischen Volkes im zeitalter Jesu الطبعة الثانية، جـ 2، ص 65 - 7) مدينة هيلينية مزدهرة ذائعة الصيت فى إقامة عبادات وطقوس دينية، واحتفالات خاصة بالمباريات المختلفة، ومزارًا مباشرًا للإلهة أفروديت، وفى الفترة المسيحية مقرًا لأسقفية (مقبرة الثلاثة الأشقاء المصريين الشهداء). وكانت عسقلان من آخر مدن فلسطين التى وقعت فى أيدى المسلمين. وقد أخذها معاوية صلحًا بعد زمن قصير من الاستيلاء على قيصرية فى سنة 19 هـ (640 م)، ويحتمل أن يكون عمرو بن العاص قد احتلها قبل ذلك فترة وجيزة. واحتلها البيزنطيون مرة أخرى فى أيام ابن الزبير بضع سنين، ثم استردت، وأعاد عبد الملك بن مروان تحصينها (البلاذرى، فتوح البلدان، ص 142 - 4). ويبين نقش فى أحد الأبنية اكتشفه Clermont Ganneau أن الخليفة المهدى سنة 155 هـ (772 م) قام بتشييد مسجد ومنارة هناك (Repertoire chronologique d' Epigraphie arabe، جـ 1، ص 32 - 3)، وانتقلت عسقلان بعد تقلبات الزمن إلى أيدى الفاطميين، وأصابها قدر من الازدهار فى ظل حكمهم وفق رواية المقدسى وناصر خسرو، وأصبح بها دار لسك العملة، واستخدمت قاعدة بحرية فرعية فى بعض الأحيان. وقد احتفظ الفاطميون بعسقلان حتى بعد فقدهم سائر سوريا وفلسطين على أيدى السلاجقة، ولكن لم يكن لهم سوى سيطرة صورية على العمال المحليين. وفى سنة 492 هـ (1099 م) دخل الجيش المصرى المنسحب من بيت المقدس مدينة عسقلان، وفى ردح من

الزمن بدا أن عسقلان على وشك أن تنتقل إلى حكم الفرنجة. إلا أن الخلافات الداخلية بين الصليبيين هى التى أنقذتها من براثنهم، وبقيت فى أيدى المصريين. وقد ظلت عسقلان على مدى قرن ونصف القرن من الزمان مدينة حدودية، وهدفا عسكريًا رئيسيا فى الصراع بين الصليبيين، وحكام مصر المسلمين. وظلت تحت سيطرة المصريين فى الثلاث والخمسين سنة الأولى بعد قدوم الصليبيين، حيث استخدموها رأس جسر وقاعدة تشن الغارات منها على أراضى الفرنجة. ونتيجة لتضخم عدد سكانها بوفود اللاجئين من مناطق الفرنجة المحتلة، وحاميتها التى تعزز من مصر، أصبحت عسقلان مركزًا حربيًا كبيرا. ولكن على الرغم من الاستئناف الجزئى للتجارة مع بيت المقدس، إلا أن الحياة كانت صعبة فى هذه القاعدة الأمامية، ولم يجد المصريون مناصًا من أن يرسلوا إمدادات جديدة وقوات نجدة عدة مرات خلال العام الواحد (وليم الصورى، المجلد 17، ص 22؛ وابن الميسر، الحوليات، ص 92). ووفق رواية وليم الصورى كان كل سكانها المدنيين بما فيهم الأطفال مدرجين فى جدول رواتب الجيش. وبعد سقوط صور فى أيدى الصليبيين فى سنة 1134 م، ضعف موقف عسقلان كثيرًا. وللقضاء على ما أظهرته من تهديد لبيت المقدس، أحاطها الصليبيون بحلقة من القلاع، وفى سنة 548 هـ (1153 م)، وبعد حصار استمر سبعة أشهر، استولى بلدوين الثالث على عسقلان بهجوم برى وبحرى موحد، وأصبحت آنئذ قاعدة لمغامرات الفرنجة الحربية والسياسية فى مصر. وبعد معركة حطين استسلمت مثل معظم معاقل الصليبيين فى فلسطين، لصلاح الدين فى سنة 583 هـ (1187 م). وفى سنة 587 هـ (1191 م) بعد هزيمة أرسوف، وجد صلاح الدين نفسه عاجزًا عن التشبث بعسقلان فى مواجهة ريتشارد ملك انجلترا، ولذلك دمرها وهاجر السكان المسلمون إلى

سوريا ومصر، وانتقل المسيحيون واليهود إلى بيت المقدس. وثمة وصف شديد الوضوح لتدمير المدينة وإجلاء سكانها فى الحولية التاريخية المملوكية مجهولة المؤلف التى نشرها K.V. Zettersteen، (Beitrage، ص 233 - 5). ووصل ريتشارد إلى عسقلان فى شهر ذى الحجة سنة 587 هـ (يناير 1192 م) وأعاد بناء قلعتها، ولكن وفق شروط السلم التى تمت فى شهرى أغسطس - سبتمبر من السنة نفسها، كان لا مناص من أن تهدم مرة أخرى. وقد أتاح التنافس بين الصالح أيوب صاحب مصر، والصالح إسماعيل صاحب دمشق انفلاتها مرة أخرى إلى أيدى الفرنجة، وحشدت بها حاميات، وأعاد تحصينها فرسان الإسبتارية الذين نجحوا فى الدفاع عنها أمام هجوم مصرى فى سنة 642 هـ (1244 م). وبعد معركة غزة الحاسمة (17 أكتوبر سنة 1244)، لم تستطع عسقلان توقع المساعدة بأى حال من الأحوال، ووقعت فى سنة 645 هـ (1247 م) فى يد فخر الدين يوسف ابن الشيخ. ولكى يصعب على المسيحيين أن ينزلوا بها، هدم السلطان المملوكى بيبرس عددًا من الأماكن بساحل فلسطين، وفى سنة 668 هـ (1270 م) مهد البقايا الضئيلة من عسقلان، وَسَدَّ لميناء بالأشجار والدبش (المقريزى، السلوك، جـ 1، ص 590). وظلت المدينة -التى لم تستعد رونقها بعدما هدمها صلاح الدين- خربة حتى العصور الحديثة. وقد وصفها أبو الفدا (ص 239)، وابن بطوطة (جـ 1، ص 126)، ومجير الدين (ص 432)، و Piri Re'is (بحرية ص 724، الترجمة الانجليزى التى قام بها A Turkish Description of the, U. Heyd Coast of Palestine فى Israel Exploration Journal، المجلد 6، سنة 1956، ص 205 - 207)، Syrie) Volney، فصل 10) بأنها خربة. وفى العصور القديمة، والعصور الوسطى، كانت الأكناف المحيطة بمدينة عسقلان مشهورة بنبيذها، وأشجار

المصادر

الجميز، وشجيرات الحناء (Kypros) وقد أعطت عسقلان اسمها لنوع من البصل يسمى (allium ascalonicum = Shallot أى: البصل العسقلانى). ويردد مؤلفو العصر الوسيط أثرًا هو أن النبى عليه الصلاة والسلام كان يقول دائما "عسقلان عروس الشام" Sponsa Syriae، وفى فترة سيادة الشيعة الفاطميين، شيد الفضل بن بدر الجمالى فى سنة 491 هـ (1098 م) مشهدا فخيما لاستقبال رأس الحسين رضى اللَّه عنه سبط الرسول عليه الصلاة والسلام. وقد تم إنقاذ هذا الأثر المقدس والمبجل إلى أقصى حد فى سنة 548 هـ (1153 - 54 م) من أيدى الفرنجة، وأخذ الرأس إلى القاهرة (انظر المقريزى، الخطط، جـ 1، ص 427؛ Mehren: Cahirah og Kerafat, كوبنهاجن سنة 1870، جـ 2، ص 61 - 2؛ Reberioire Chronologique d,Epigraphie arabe, المجلد 7، ص 261 - 3؛ ويرفض ابن تيمية (تحقيق Schreinier فى Zeitschrift Dewschen Morgenlaendischen Gesellschaft، ص 53، 81 - 2) القصة كلها على أنها "أكذوبة". وبجانب مشهد الحسين الذى أصبح بعدئذ مزارًا لحجاج المسلمين توجد بئر تعرف ببئر إبراهيم (عليه السلام). المصادر: (1) G. Le Strange: Palestine Under the Moslems، ص 400 - 3. (2) A.S. Marmardji: Textes geo graphiques arabes sur la Palestine، باريس، سنة 1951، الفهرس. (3) F.M. Abel: Goeographie (4) K. Ritter: Erdkunde المجلد 16، ص 66 - 89. (5) F. Buhl: Geog des alien Pal، ص 189. (6) P.Thomsen: RLV جـ 1، سنة 1924، ص 237 وما بعدها. (7) H. Guthe: Zeitschrift der Dentschen Palaestinavereins جـ 2، سنة 1879، ص 164 - 71. (8) G. Beyet: Zeitschrift des Deuts

chen Palaestinavereins، سنة 1933، ص 250 - 3. (9) Judie: V. Guerin، جـ 2، ص 133 - 71. (10) N.G Nassar: The Arabic Mints in Palestine and Transjordan فى Quarterly Statement of the Department of Antiquities of Palestine، المجلد 8، سنة 1948، ص 121 - 7. (11) W.J. Phythian Adams: History of Askalon فى Palestine Exploration Fund. Quarterly Statement، سنة 1921، ص 76 - 80. (12) y. Prawer: Ascalon and the Ascalon Strip in Ctusadet Politics (ملخص بالعبرية والإنجليزية)، Eretz Istael، جـ 4، سنة 1956، ص 231 - 248. (13) البلاذرى: فتوح البلدان، ص 143 وما بعدها. (14) المقدسى، ص 74. (15) ابن الفقيه، ص 103. (16) على الهروى: كتاب الزيارات، دمشق سنة 1953، ص 32 - 3 (ترجمة Sourdel Thomine، دمشق سنة 1957، ص 75 - 6). (17) K.V. Zettersteen: Beitrage Zut Geschichie der Mamlukensultane، ليدن، سنة 1919، ص 233 - 5. (18) ياقوت، جـ 3، ص 673 وما بعدها. (19) أبو الفدا: (تحقيق Reinaud، ص 239). (20) ابن بطوطة: (تحقيق: Defremery)، جـ 1، ص 126 وما بعدها، ترجمة Gibb، كمبردج سنة 1958، ص 81 - 2. (21) مجير الدين: الأنس الجليل، القاهرة سنة 1283 هـ، ص 422. (22) The Itinerary of Benjamin of Tudela، تحقيق وترجمة A. Asher، نيويورك، بدون تاريخ، جـ 1، ص 79 - 80، جـ 2، ص 99 - 100.

العسكرى

(23) William of Tyre، المجلد 17، ص 22. (24) ناصر خسرو: سفرناهه، (تحقيق: Kaviani) ص 51. (25) حاجى خليفة: جهان نامه، ص 562 - 3، وعن الحفريات فى عسقلان، انظر Palestine Exploration Fund. Quarterly Statement، من سنة 1921 - 3. حسن شكرى [ر. هارتمان - ب لويس R. Hartmann - B. Lewis] العسكرى أبو الحسن على بن محمد، الإمام العاشر للشيعة الاثنى عشرية. ويعرف عامة بالنقى، والهادى. وهو ابن الإمام التاسع محمد بن على الرضا، ولد فى المدينة. تحدد معظم مصادر الشيعة العمدة تاريخ ولادته على أنه كان فى رجب سنة 214 هـ (سبتمبر 829 م)، وتقول مصادر أخرى إنه ولد فى ذى الحجة سنة 212، 213 هـ (فبراير - مارس سنة 828 أو 829 م). وتقرر بعض المصادر أن والدته هى أم الفضل ابنة المأمون، وهى وفق مصادر أخرى أم ولد مغربية اسمها سمانة أو سوسن. والرواية الأخيرة هى الأكثر احتمالا نظرًا لتصريح بعض الحوليات التاريخية بأن زواج محمد بن على الرضا بأم الفضل، مع أنه قد عقد فى سنة 202 هـ (817 - 818 م) بيد أنه لم يتم إلا فى سنة 215 هـ (830 م؛ وانظر الطبرى، جـ 3، ص 1029، 1102 - 3؛ والمسعودى، مروج الذهب، جـ 7، ص 61 - 62؛ واليعقوبى، جـ 2، ص 552 - 3. وتقول بعض تراثيات الشيعة إن أم الفضل دست السم لزوجها، ومات دون أن ينجب أطفالا - المجلسى، بحار الأنوار، جـ 12 ص 99 وما بعدها). وقد مات أبوه فى سنة 220 هـ (835 م)، وأصبح إمامًا مثله، وهو ما زال طفلا. (ربما توجد أصداء الخلافات المذهبية حول هذا الموضوع فى آثار الشيعة الكلامية) وقد عاش العسكرى فى سلام ودعة بالمدينة حتى ارتقى المتوكل أريكة الخلافة، والذى سرعان ما جلبت له سياسته المعادية

للعلويين مصاعب جمة. وفى سنة 233 هـ (848 - 8 م) أو 234 هـ (848 - 9 م) سُعى به عند المتوكل، وقيل: إن فى منزله سلاحًا وكتبا وغيرها من شيعته، وأوهموه أنه يطلب الأمر لنفسه، فوجه يحيى بن هرثمة بن أعين إلى المدينة ليأتى به إلى سامراء (الطبرى، جـ 3، ص 1379؛ والنوبختى، ص 77؛ والنجوم الزاهرة، جـ 2، ص 271). ويبدو أن الخليفة أعظمه، ومع أنه ظل مراقبا، إلا أن أحدًا لم يزعجه. وقد حظى بتقدير كبير لورعه وتواضعه، وبقى فى سامراء حتى وفاته التى وقعت فى جمادى الآخرة أو فى رجب سنة 254 هـ (يونيه - يوليه سنة 868 م). ونسبته العسكرى مشتقة من عسكر سامراء. وقد دفن فى بيته بتلك المدينة. وفى التراث الشيعى أن الخليفة قد دس له السم (انظر المسعودى، مروج الذهب، جـ 8، ص 383، الذى يظهر أنه يعلم هذه القصة بالفعل)، ولكن كتاب "مقاتل الطالبيين" لا يدرجه بقائمة الشهداء العلويين. وكان "بابه" محمد بن عثمان العمرى (المتوفى سنة 304 أو 305 هـ = 916 - 917 م) والذى كان أبو عثمان بن سعيد "بابًا، ووكيلًا" للإمامين الثامن والتاسع (المجلسى، ص 150، حيث توجد قائمة بأسماء "ثقاته، ووكلائه"، وانظر كذلك الاسترابادى، مناهج المقال، طهران سنة 1306 هـ، ص 305). واعترف الشيعة الاثنا عشرية بابنه الحسن الذى يسمى العسكرى أيضا على أنه الإمام الحادى عشر. وقد اعتقدت جماعة شيعية أخرى أن ابنه محمد الذى مات قبله، كان هو الإمام المختفى (النوبختى، ص 78 - 9، 83). وربما كان محمد بن نصير النميرى - الذى ارتبط بهذه الجماعة، ونسب إلى على النقى مكانة مقدسة، وزعم أنه "بابه"، وملهمه - هو مؤسس النصيرية (انظر النوبختى، ص 78؛ والأشعرى، مقالات، جـ 1، ص 15؛ والكشِّى، رجال، ص 323, وانظر النصيرى، مجموع العائد، تحقيق R.Strothmann فى Der Islum سنة 1946، والفهرس مادة: أبو الحسن على العسكرى).

المصادر

المصادر: ثمة معلومات كاملة مع استشهاد بالمصادر عن حياة، وأعمال، ومعجزات، ورفقاء، ومعاملات الخلفاء للإمام العاشر فى كتاب محمد باقر المسمى: بحار الأنوار، جـ 12، طهران سنة 1302 هـ، ص 126 - 153. وتوجد الملاحظات المتقدمة زمنيا فى: (1) المسعودى: مروج الذهب، جـ 7، ص 306 - 9، 379 - 383. (2) اليعقوبى: (طبعة هوتسما)، جـ 3، ص 614. (3) ابن خلكان: جـ 1، ص 445 - 6 (ترجمة De slane، جـ 2، ص 214 - 6). (4) النوبختى: فرق الشيعة، تحقيق: Ritter، ص 77. (5) مفيد الأرشاد، طهران سنة 1308 هـ -وهذه المادة؛ وإضافة إلى النصوص المستشهد بها فى صلب المقال تجدر الإشارة إلى: (1) الشهرستانى، تحقيق Cureton جـ 1، ص 128 وما بعدها، وتحقيق: بدران ص 347 - 8. (2) أبو المعالى: بيان، تحقيق: Schefer، ص 164 وما بعدها، وتحقيق: إقبال ص 42. (3) D.M. Donaldson: The shicite Religion، لندن سنة 1933 ص 209 وما بعدها. (4) J.N. Hollister: The Shica of India، لندن سنة 1953، ص 87 - 89. حسن شكرى [ب. لويس B. Lewis] العسكرى فقيهان لغويان عربيان من القرن الرابع الهجرى (العاشر الميلادى)، يحمل كلاهما الاسم نفسه وهو: الحسن ابن عبد اللَّه، ولكن لكل منهما كنية مختلفة، ويعرفان بهذا الاسم، وهو اسم منسوب مشتق من عسكر مكرم فى خوزستان. (1) أبو أحمد الحسن بن عبد اللَّه بن سعيد، ولد فى عسكر مكرم فى 16 شوال سنة 293 هـ (11 أغسطس سنة 906 م) وتوفى بها فى 7 ذى الحجة سنة 382 هـ (3 فبراير سنة 993 م).

المصادر

وتاريخ سنة 387 هـ (940 م) أقل احتمالا. بدأ دراساته على أيدى أبيه، والمُحَدِّث عبدان، المتوفى سنة 306 هـ (919 م) وواصل تعليمه فى بغداد، والبصرة، وأصبهان على أيدى ابن دُريد، المتوفى سنة 321 هـ (933 م)، وعلى المُحَدِّثين البغوى، المتوفى سنة 317 هـ (929 م)، وابن أبى داود السجستانى، المتوفى سنة 316 هـ (929 م) كما التقى بالصولى وغيره من الأدباء. ثم رجع إلى عسكر مكرم. كان الوزير الصاحب بن عباد يود الاجتماع به، ولا يجد إليه سبيلا فاحتال فى السفر إليه ولقيه وأطراه. اختلف إلى إصبهان مرات عديدة حيث استقر أخوه المُحَدِّث أبو على محمد، ومثال ذلك اختلافه إليها فى سنة 349 هـ (960 م)، ومرة أخرى فى سنة 354 هـ (965 م). كان عالمًا موسوعى المعرفة، ألف عددًا من الكتب (انظر Brockelmann، قسم 1، ص 193) إلا أنه لم يكن ذائع الصيت خارج حدود خوزستان؛ وقد واجه ياقوت صعوبات جمة فى الحصول على معلومات عنه. وعمله العمدة هو "كتاب التصحيف" الذى به معلومات مفيدة عن الألفاظ النادرة، والصعبة، وأسماء الأعلام الواردة فى الأحاديث النبوية الشريفة والأشعار، وأساء ناقلوها فهمها. وقد استفاد به ياقوت (معجم الأدباء، جـ 6، ص 384) وعبد القادر البغدادى (انظر إقليد الخزانة، ص 31 وما بعدها). وقد حفظ لنا تلميذه أبو هلال العسكرى قدرًا كبيرًا من علمه فى متون مؤلفاته. المصادر: (1) أبو نعيم: Geschichte I Sbahans، جـ 1، ص 282، جـ 2، ص 291 (2) السمعانى: الأنساب ورقة 390 ب (3) ياقوت: إرشاد، جـ 3، ص 126 - 135 (4) ابن خلكان: القاهرة سنة 1299 هـ، جـ 1، ص 234 وما بعدها. (2) أبو هلال الحسن بن عبد اللَّه بن سهل. لا يعرف عن حياته سوى النزر

المصادر

اليسير. كان تلميذا لأبى أحمد العسكرى المتقدم ذكره، ويدين له بالفضل فى معرفته المتبحرة، ويبرهن على ذلك الإشارات المرجعية العديدة فى كتاباته. وقد كتب من بين أعمال أخرى (انظر Brockelmann، جـ 1، ص 126 وقسم 1، ص 193 وما بعدها.) لفائدة ناشئة الكتاب: (1) كتاب الصناعتين الكتابة والشعر (استانبول سنة 1320 هـ، القاهرة سنة 1952؛ وانظر Schwarz فى Milleilungen des seminars Fuer orientnlische Sprachen, Westasiutische Studien، العدد 9، ص 206 - 230)، وهو كتاب منهجى فى فن البلاغة. (2) ديوان المعانى (القاهرة سنة 1352 هـ)، وهو مجموعة مختارات من أعظم التعبيرات المتسمة باللباقة والأصالة عن الأفكار التى يتطلبها الشعر والنثر. (3) كتاب الفروق اللغوية (القاهرة سنة 1353 هـ) ويتناول المترادفات. (4) المعجم فى بقية الأشياء (القاهرة سنة 1353 هـ؛ واختصره وحققه O. Rescher فى Mitteiltingen des Seminars Fuer orienu alische Sprachen weslasialische Studien، العدد 18، ص 103 - 130)، وهو قائمة بالكلمات التى تعنى "بقية". (5) جمهرة الأمثال (بومباى سنة 1306 - 7، وعلى هامش كتاب الميدانى، القاهرة سنة 1310 هـ)، وهو مجموعة من الأمثال، وله تفسير لم ينشر بعد، عنوانه "محاسن المعانى" ويتناول على ما يبدو، ألوان الجمال الأسلوبى فى القرآن الكريم. وآخر تاريخ معروف عن حياته هو سنة 395 هـ (1005 م) التى أنهى فيها إملاء كتابه المسمى "كتاب الأوائل" عمن يسمون بمبتدعى الفنون إلخ. .. (ياقوت، إرشاد، جـ 3، ص 138). ويقال إنه توفى بعد سنة 400 هـ (1010 م). المصادر: (1) ياقوت: إرشاد، جـ 3، ص 135 - 9

المصادر

(2) السيوطى: بغية الوعاة، ص 221 (3) عبد القادر: خزانة الأدب، جـ 1، ص 112 (4) زكى مبارك: النثر العربى فى القرن الرابع الهجرى (5) R. S ellheim: Die Klassischarahischen Sprichwoertersaininlungen, لاهاى سنة 1954، ص 138 - 42 حسن شكرى [ج. و. فوك Fuck] العشرة المبشرون بالجنة لم يرد مصطلح "العشرة المبشرون بالجنة" فى أحاديث الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] لكن المصطلح -على أية حال- مستوحى من جملة أحاديث الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، إذ وردت الروايات عن "عشرة يدخلون الجنة. . . " تليها قائمة بالأسماء. وقد اختلفت الروايات فى هذه القائمة وإن كانت هناك أسماء متفق عليها بلا جدال وهى أسماء أبى بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلى بن أبى طالب وطلحة بن عبيد اللَّه والزبير بن العوام وعبد الرحمن بن عوف وسعد ابن أبى وقاص وسعيد بن زيد. وفى بعض الروايات يأتى ذكر النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] قبل أسماء هؤلاء التسعة (سنن أبى داود، باب 8، أحمد بن حنبل جـ 1 ص 187، 188) وفى روايات أخرى يتمم أبو عبيدة بن الجراح الأسماء العشرة ولا يوجد اسم الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] (الترمذى، مناقب باب 25، ابن سعد جـ 3/ 1، ص 279، أحمد بن حنبل جـ 1 ص 193). المصادر: وردت بالنص. وائل البشير [فنسنك A. J. Wensinsk] العصا كلمة يطلقها العرب على الأداة التى يستخدمها رعاة الغنم، وذكر فى القرآن الكريم أن موسى (عليه السلام) كان يهش بها على غنمه، وأنه أحالها (بقدرة الخالق) إلى ثعبان التهم كل ثعابين سحرة فرعون، وأنه شق بها البحر ليعبره بأتباعه، وضرب بها الحجارة

المصادر

لتتفجر ينابيع المياه، وأنار بها ظلمة الليل، واستنبت بها الأرض ليحصل على قوته، وحمى بها نفسه من الأعداء. ويقال إن هذه العصا هى نفسها العصا التى قطعها آدم من إحدى شجيرات الآس فى الجنة ثم ورثها ابنه شيث seth، فإدريس، فنوح، فصالح، فإبراهيم وعشيرته وأخيرا شعيب، وانتقلت لموسى بزواجه من ابنة الأخير. وتبعا للمعتقدات المتعلقة بالبعث والحساب فسوف تظهر عصا موسى مع ظهور الدابة وخاتم سليمان كعلامة أخرى من علامات قرب قيام الساعة. المصادر: (1) الطبرى، تاريخ الرسل والملوك. (2) L. Ginzberg,: Legends of the Jews. 11.291.292. v. 411: vi, 165 (3) Grunbaum,: Neve Beitrage, 161 ff (4) Sidersky,: Origines des legendes musulmanes, 78 - 80 أمل رواش [أ. جفرى A.Jevery] العصبية العصبية أصلا هى "القرابة والانتساب" داخل الأسرة أو العشيرة (والعصب هو الرابطة بين الذكور داخل خط القرابة الذكرى) وقد نهى الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] عن العصبية باعتبارها مناقضة لجوهر الإسلام. وقد شاع هذا المصطلح حين جعله ابن خلدون أساسا لتفسيره للتاريخ ومبدأه عن الدولة؛ إذ رأى أن العصبية هى الوشيجة اللاحمة للمجتمعات البشرية والقوة الدافعة وراء أحداث التاريخ. واشتقت الكلمة فى الأصل من العصبية القبلية عند العرب من أهل البداوة، وهى بهذا المعنى تحمل مفهوما عنصريا غير ملائم للعرب الأقدمين الذين تغلبوا عليها بإشهار مبدأ "الولاء"، وهو المعنى الذى اضفى عليه ابن خلدون أهمية كبيرة عند تعريفه للعصبية الحميدة. وسواء كانت العصبية قائمة على روابط الدم أم على تصنيف اجتماعى آخر، فقد راى ابن خلدون أنها القوة

المصادر

التى تدفع الجماعات البشرية لتأكيد ذاتها وللنضال من أجل السيادة وإحراز المراتب السلطانية وإقامة أقطارها وممالكها والمحافظة على سلالتها الحاكمة من أى شوب. وقد وضع ابن خلدون هذا المبدأ فى محك الاختبار أولا فى التأريخ العربى وثانيا فى تاريخ البربر والشعوب الأخرى الداخلة فى الإسلام؛ فالإمبراطورية العربية مثلا هى نتاج لعصبية قريش وخصوصا بطن بنى عبد مناف، لكن بمجرد حوز الملك تسعى الجماعة ذات السيادة للنأى بنفسها عن العصبية التى نهضت على أساسها وتستبدل بها قوى أخرى تصير أداة لسلطتها المطلقة. المصادر: (1) F. Gabrieli: ll Concetto della casabiyyah nel pensiero storico di ibn Haldun. Atti della R. Accad delle science di Torino. Ixv, 1930,473 - 512 أمل رواش [ف. جبريلى F. Gabrieli] العطار وهى كلمة مثل الصيدلانى، تعنى بائع العطور أو العقاقير، ولأنه يعزى إلى معظم العطور والعقاقير أنها ذات صفات تبعث على الشفاء، فإن كلمة العطار تعنى أيضا الكيميائى أو المتطبب، وهو يجمع فى نشاطه بين التجارة والعلم والطب، ويجب عليه أن يعرف الأدوية المختلفة، وتأثير مختلف العقاقير وخواصها، والجرعات، والعطور ومختلف أنواعها ويميز بين الطيب والخبيث منها. كما يجب أن يعرف ما الذى يتغير منها بسرعة أو يفسد، والذى لا يتغير ولا يفسد، وما هى وسائل حفظها أو إعادة تركيبها، وأخيرًا يجب أن يعرف خلط الجرعات والمقادير والمساحيق والتوابل (الدمشقى، كتاب الإشارة إلى محاسن التجارة، هـ. ريتر H.Ritter). وفى بعض الأحيان يشمل هذا المصطلح فى أيامنا الأصباغ وتجار الصبغة، بالرغم من أن تجار العطور هم أرقى وأغنى العطارين. وكما كان يحدث فى العصور الوسيطة فإن العلاج بالأعشاب -بمعنى أكبر

جزء من الأدوية التى توصف- لا يزال يباع جافا (جذور وأخشاب على شكل قطع صغيرة، وأعشاب وأوراق الشجر، والزهور كاملة أو مسحوقة، وفاكهة أو بذور قد جفَّت لتوها). وتاجر العقاقير فى السوق هو الذى يقدم الزجاجات الصغيرة أو العلب التى يوضع فيها العقار (ناصر خسرو، سفرنامه، طبعة شيفر Schefer، باريس 1881، 53). ويمكن أن نتعرف على النباتات والحيوانات التى يستخدمها العطار (تاجر العقاقير - الصيدلى) والطرق التى يحصل بها على مادته الخام من المخطوط الفارسى للطبيب اليونانى ديسكوريدس Dioscrides تحت اسم Topkaplsaroy Ahmed III - الذى كتب فى عام 867 هـ/ 1463 م. وعادة ما كانت تقدم الأدوية فى شكل بسيط (وهى الأدوية المفردة)، وفى بعض الأحيان تقدم مركبة (الأدوية المركبة)، وكان العطار يقوم بتركيبها فى حضور المريض، وإذا اقتضت الضرورة أعطاه جرعة فورية. وعادة ما تكون معرفة تاجر العقاقير الطبية ضئيلة، كما أن أدويته كثيرا ما تتعرض للتلف بسبب سوء التخزين. ودائما ما عرف تجار العقاقير بالغش فى المكاييل والموازين (كتاب المختار فى كشف الأسرار وهتك الأستار للجوبرى Gjawbavi فى القرن السابع، الذى لا يزال مقروءًا فى الشرق) كما يتضح من البحوث حول واجبات المحتسب، بل إن م. مييرهوف M-Meyrhof يبين كيف أن العطور الفرنسية يتم تخفيفها فى البازار ثم تجرى تعبئتها فى قوارير شرقية، ثم تباع للأوربيين على أنها عطور شرقية أصيلة، وإلى المواطنين على أنها منتجات باريسية محسنة، وكان أشهر أحياء العطارة (سوق العطارين) فى الأزمنة القديمة فى الفسطاط، والذى احترق تماما فى 563 هـ/ 1168 م (ولكن حسبما ذكر ابن دقماق Ibn Dukmak - أعيد بناؤه فى عهد المماليك) ولابد أن نذكر هنا أيضا سوق العطر فى دمشق. وفى كتاب إدوارد لين

المصادر

"عادات وسلوكيات المصريين المحدثين" يقدم الكاتب صورة حية لمحل أحد تجار العقاقير فى القرن التاسع عشر، ثم إن الأقراص الخاصة بالأدوية والوصفات الطبية والنصوص المماثلة عن أعمال تاجر العقاقير موجودة بأعداد كبيرة على أوراق البردى، ويؤيد انتشار هذه المهنة التواتر الذى يظهر به مصطلح العطار كلقب، وخصوصا بين الشعراء الدارسين، الذين لابد أن تكون هذه المهنة قد حققت لهم دخلا إضافيا، وأشهر مثال على ذلك فريد الدين العطار. وتستخدم الكلمة ذاتها فى الهند لتشير إلى زيت العطور الخالى من الكحول، والذى يتم الحصول عليه من تقطير زيت خشب الصندل عن طريق الزهور. بهجت عبد الفتاح [هـ. أ. ر. جب H. A. R. Gibe] العطار، حسن بن محمد هو دارس مصرى من أصل مغربى، ولد فى القاهرة بعد عام 1180 هـ/ 1766 م ودرس فى الأزهر، وكان واحدا من العلماء القلائل الذين أقاموا -بعد احتلال بونابرت لمصر- علاقات مع الباحثين الفرنسيين، واهتموا بالعلوم الجديدة. وبعد ذلك قضى عددا كبيرًا من السنوات فى سوريا وتركيا، وعند عودته إلى مصر عمل محررا فى الصحيفة الرسمية (وهى الوقائع المصرية) التى أسسها محمد على (1244 هـ/ 1828 م). وفى عام 1245 هـ/ 1830 م عينه محمد على شيخا للأزهر، ومات وهو فى وظيفته فى عام 1250 هـ/ 1835 م. وهو أستاذ رفاعة الطهطاوى وكتابه عن المراسلات (إنشاء العطار) تمتع بشعبية كبيرة وأعيد طبعه كثيرا. المصادر: (1) على مبارك، الخطط التوفيقية، بولاق الجزء الرابع ص 38 - 40. (2) J. Heyworth-Dunne: History of Education in Modern Egypt, London 1940, 154, 564, 397 بهجت عبد الفتاح [هـ. أ. ر. جب H. A. R. Gibb]

العطار، فريد الدين

العطار، فريد الدين محمد بن إبراهيم، شاعر صوفى فارسى. ولا يعرف تاريخ مولده أو وفاته بشكل مؤكد، ويقول "دولتشاه" Dawlat shah إنه ولد فى عام 513 هـ/ 1119 م، والاعتقاد السائد هو أنه قتل على أيدى المغول فى نيسابور فى عام 627 هـ/ 1230 م، وهذا يعنى أنه عاش حتى المائة وأربعة عشر عاما وهذا غير محتمل، يضاف إلى ذلك أن المغول غزوا نيسابور فى أول عام 617 هـ/ 1220 م، ولكن ما كتب على مقبرته التى أقامها له الأمير على شير amir Ali Shir يقول إنه مات فى أوائل عام 586 هـ/ 1190 م، أى بعد ثلاث سنوات من كتابة "منطق الطير"، (سعيد نفيسى 129). ويقول سعيد نفيسى إن عام 627 هـ هو تاريخ وفاته، ويؤسس هذا القول على الكتاب المنحول مفتاح الفتوح بأن العطار قد أعطى كتاب "أسرار نامه" إلى جلال الدين الرومى الذى هاجر من بلخ مع أبيه فى عام 618 هـ/ 1221 م -وقد تمت هذه الهجرة فى أوائل عام 616 هـ/ 1219 م. بل إننا لا نستطيع من خلال أعماله أن نصل إلى شئ محدد عن تواريخ حياته. والكتاب الذى يبدو أنه يضم معظم المعلومات عن سيرته وهو "مظهر العجائب" كتاب مزور، ومن سوء الحظ أنه خدع ميرزا محمد قزوينى" كما خدع كاتب هذا المقال، وقد كان العطار صيدليا وطبيبا، ولم يكن صوفيا بالمعنى الدقيق، ولكنه كان يعجب بذوى التقوى والورع، ويهتم كثيرا بالقصص التى تحكى عنهم. والأعمال التى تنسب إلى العطار تقع فى ثلاث مجموعات تختلف كثيرا عن بعضها البعض فى المضمون وفى الأسلوب، حتى أنه ليصعب أن نعزو هذه الأعمال إلى نفس الشخص. وتضم الأعمال الرئيسية فى المجموعة الأولى: "منطق الطير" -الهى نامه- مصيبات نامه Musibat Nama، وتضم المجموعة الثانية عشتور نامه Ushturnama جوهر الذات Djwhor al-Dhat أما

المجموعة الثالثة فتضم "مظهر العجائب" و"لسان الغيب"، ويضاف إلى ذلك مجموعة رابعة من الأعمال التى لا يمكن -على أساس الشواهد الداخلية- أن تكون من تأليف العطار. وباستثناء "أسرار نامه" فإن ملاحم المجموعة الأولى تشمل قصة رئيسية واضحة محكمة البناء، تتناثر فيها عديد من القصص الفرعية التى غالبا ما تكون قصيرة. وهذه القصص تعكس الكثير عن الحياة الدينية والدنيوية، ويجرى سرد هذه الحكايات الثانوية التى تتباين فى موضوعاتها، ببراعة ومهارة فائقة، حتى أنها لتمثل الجمال الحقيقى لأعمال هذه المجموعة. أما فى المجموعة الثانية فتقل عدد القصص كثيرا، وينسحب الاهتمام من العالم الخارجى بكل ما يحدث فيه، ويمكن أن نتتبع عددا محدودا من الأفكار بكثير من العمق والعاطفة الكبيرة، مع كثير من التكرار. وتنحصر الموضوعات المتكررة فى: الغناء التام حتى من خلال الموت الفيزيائى (الجسدى). - وحدة الوجود، وأن الحقيقة كل عضوى واحد (ليس هناك شئ غير اللَّه، وكل الأشياء من مادة واحدة) - معرفة نفس الإنسان على أنها كل شئ، مثل اللَّه، ومثلما تتماثل مع كل الأنبياء. أعماله: المجمو عة الأولى 1 - الديوان. . ويكشف -بجانب قصائد الحب- عن نفس الأفكار الدينية التى تحكم الملاحم. 2 - مختار نامه. . . وهى مجموعة من الرباعيات مرتبة حسب الموضوعات. مع مقدمة نثرية توضح أصل هذا العمل -الذى يمثل جزءا من الديوان- "جواهر نامه" وشرح القلب Sharh Al Kalb. 3 - منطق الطير (مقامات الطيور) وهى تفصيل شعرى رائع لرسالات الطير لمحمد أو أحمد الغزالى، فقد خرجت الطيور -بقيادة الهدهد- تبحث عن سيمورغ Simurgh الذى انتخبته الطيور ملكا. وقد هلك الجميع، ما عدا ثلاثين من الطير، فى الطريق الذى كان عليها أن تعبر من أجله سبعة وديان

خطيرة ("حافة الواى" -وهذا الجزء يظهر مستقلا فى بعض المخطوطات). 4 - مصيبات نامه Musibat Nama . . وهى قصة أحد مريدى الصوفية (السالكين) يعيش فى عجز وبأس فينصحه أحد المتصوفة بأن يقوم بزيارات متتابعة إلى كل الكائنات الخفية والجنة والنار والشمس والقمر والعناصر الأربعة، والجبل والبحر، وعوالم الطبيعة الثلاثة وإبليس والأرواح والأنبياء والحواس والخيال والعقل والقلب والروح (النفس)، وفى بحر الروح -أى فى ذاته- يجد فى النهاية "اللَّه". وقد يكون كتاب حديث الشفاعة هو الذى أوحى إليه بهذه القصة. 5 - الهى نامه ملك يطلب من أولاده الستة أن يقولوا ما يريدونه من بين هذه الأشياء التى يضمها العالم وهم يريدون بدورهم ابنة ملك الجن، وفن السحر وفنجان جام (Gjam) السحرى وماء الحياة، وخاتم سليمان، والأكسير (مادة تطيل الحياة إلى ما لا نهاية) ويحاول الأب الملك أن يثنيهم عن هذه الرغبات الدنيوية. 6 - أسرار نامه لا تشتمل على الإطار المعروف للقصة، وكثيرا ما تذكر الفكرة الرئيسية للغنوسطية (المعرفة الروحية) عن تشابك الروح فيما قبل الوجود فى العالم المادى "الوضيع" ويقال إن العطار أعطى نسخة من هذا الكتاب إلى "جلال الدين الرومى". . 7 - خسرو نامه قصة رومانسية عن الحب والمغامرات، تحكى عن خسرو ابن امبراطور الرو (Ruin) وجول Gul ابنة ملك خوزستان، مع كثير من المغامرات التى تحدث للفتاة المخلصة "جول" التى يحاصرها عدد كبير من الذين يطلبون يدها. 8 - باندنامه Pand Nama، وهى بحث أخلاقى صغير تمتع بشعبية كبيرة (وقد طبع فى تركيا وحدها ثمانى مرات بالإضافة إلى الطبعات باللغات الكثيرة الأخرى). 9 - تذكرة الأولياء Tadhkirat Al Awliya هى عمل نثرى كبير يضم تاريخ حياة المتصوفة المسلمين وأقوالهم، وهو ينتهى بسرد لحياة

الحلاج الذى يلعب دورا كبيرا فى أعمال المجموعة الثانية. وهناك سير أخرى -نحو العشرين- أضيفت إلى بعض المخطوطات. وفى هذه السير -كما فى الملاحم- عالج العطار مصادره بحرية، بل إنه قام بالتغيير فى بعضها على ضوء أفكاره الدينية. 10 - بلبل نامه: تشكو الطيور إلى سليمان من البلبل، التى تقول إنه يزعجها بغنائه إلى الورد، ويتم استدعاء البلبل للدفاع عن نفسه، وفى النهاية يأمر سليمان بأن تترك الطيور البلبل يعيش فى سلام. 11 - معراج نامه Miradj Nama ويمكن أن تكون جزءا مقتطفا من "نعت" Na't أى مثنوى mathnawi- وهى صفحتان فقط فى المخطوط الذى قرأته. 12 - جمجمة نامه Gjumdjuna Nama وهى قصة قصيرة يمكن أن تأتى من أى من ملاحم العطار. وتقول إن المسيح يبعث الحياة فى جمجمة فى الصحراء، ويحكى الرجل الميت، الذى كان ملكا عظيما، للمسيح عن عذابات القبر والجحيم؛ وحينئذ يعتنق العقيدة الحقيقية ويموت للمرة الثانية. أعمال المجموعة الثانية التى وصفناها من قبل: 13 - عشتور نامه (شوتور نامه) (Shatur) Nama Uslitur - الشخصية الرئيسية فى الجزء الأول من هذا العمل هو لاعب عرائس تركى، يظهر كرمز للمعبود. وهناك سبعة أستار على مسرحه، ولديه سبعة من المساعدين، ويقوم بكسر وتحطيم الشخوص التى صنعها بنفسه ويمزق الأستار. ويبعث بمساعديه فى كل اتجاه، ثم ينسحب ليحرس أسراره. ويوجه إليه رجل حكيم سؤالا عن السبب فيما يقوم به من أفعال. ولكى يجيب، يبعث به أمام سبعة من الأستار وهناك يشاهد سلسلة غريبة من الأحداث لا تكاد تصدق، يجب أن يدرك معناها عن طريق الرمز. فدائما ما يبعث به Pir دونما معلومات واضحة، وعند وصوله إلى الستارة السابعة يطلب منه أن يبحث فى أحد القبور عن بعض

المصادر

الكتابات المكتوبة على حرير بحروف خضراء، وعلى هذه القطعة من الحرير يكشف "اللَّه" عن أمور تتعلق بذاته، والطريق الذى يوصل إليه والخلق، والنبى محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، وهناك تكرار كوسيلة للوصول إلى اللَّه، ودائما ما يشار إلى الحلاج على أنه أكبر مثال على ذلك، والتجوال غير المجدى من ستارة إلى أخرى يذكرنا مرة أخرى بالرحلة الكونية للصعاليك فى مصيبات نامه. ويكاد يتعلق الجزء الثانى كله بالحلاج، فهو يتحدث -وهو على المقصلة- مع الجنيد، والشيخ الكبير (ابن الخفيف)، وبيازيد والشبلى - وفى هؤلاء -كما فى اللَّه- تنمو وتتطور عقيدة وحدة الوجود. ورغم طول هذه الحكاية إلا أنها عمل مهم يستحق الدراسة المتأنية. 14 - جوهر (جواهر) الذات Gjaawahar (Gjuwahir) al Dhet . . وقد كتب هذه الملحمة بعد العمل السابق عشتور نامه، لأن هذا الأخير موجود بها، وفى هذا العمل يجرى تصوير الحلاج باستمرار على أنه نموذج الغناء. 15 - حلاج نامه Halladj Nama وهو محاكاة ضعيفة للجزء الثانى من عشتور نامه. 16 - منصور نامه وهو وصف موجز لاستشهاد الحلاج. 17 - بيسار نامه وهى مثنوى موجز - جوهر تأليه الذات. 18 - مظهر العجائب (المكان الذى تظهر فيه العجائب) وهى اسم شرفى لـ "على"، الذى يخصص هذا العمل لتمجيده، فهو الرجل المقدس وحامل الأسرار المقدسة وشاه (ملك). 19 - لسان الغيب وهو عمل شعبى ينكر فيه الشاعر أبا بكر وعثمان. ثم هناك "خياط نامه" Khayyat Nama وصلات نامه Nama Wasla وكنز الأسرار ومفتاح الفتوح ووصيَّات نامه Wasyyal Narna وكنز الحقائق (وهى إطراء لأمير يدعى نيكو غازى Niku Yhazi). المصادر: (1) سعيد نفيس، جوستوجو دار أحوال وآثار فريد الدين، طهران 1320 هـ. بهجت عبد الفتاح [ر. ريتر H. Ritter]

عفريت

عفريت يرتبط العقريت أحيانا بالنفريت ويستخدم للتعبير عن القوة والدهاء والشر، والكلمة تبدو من أصل عربى، ويرى مؤلفو المعاجم أن مصدرها يأتى من الفعل "عَفَر" بمعنى (مرَّغه فى التراب أو دسَّه فيه)، وندر استخدام اللفظ فى الشعر العربى زمن الهجرة، وقد ذكر مرة واحدة فى القرآن الكريم فى قصة سليمان عليه السلام عندما طلب عرش ملكة سبأ {قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ} سورة النمل الآية 39. وقد أظهرت بداية الآية 40 من نفس السورة أن المقصود من كلمة عفريت هو التمرد وليس أنه نوع معين من الجن. وثمّة حديث شريف رواه أبو هريرة عن الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] استخدم نفس المصطلح "عفريت من الجن" (صحيح مسلم , 1334 هـ القاهرة جزء 2، الدميرى , الحيوان 1319 القاهرة جزء 1 ص 173). انتشر استخدام الكلمة بعد ذلك بمفهومها الدلالى، وأصبحت تعنى نوعًا من القوى الغيبية التى تمتاز بالدهاء والمكر. ويصعب عادة التفرقة بين العفريت والجن حيث يشير الأخير إلى كل ما هو خفي عن الأبصار، ويشمل ذلك أيضًا الشياطين والمردة. وقد جاء ذكر المارة فى القرآن الكريم مرة واحدة فى سورة الصافات آية 7 واستخدمت كصفة بمعنى المتمرد. وجرت العادة بعد ذلك على استخدام كلمة مارد لوصف نوع هائل من المخلوقات يصعب تمييزه عن العفاريت. وقد أجمع أغلب المفسرين على اعتبار كل منهما نوعًا من الشياطين المتمردين. ويرى الجاحظ أن الشيطان جن مارق يزرع الفرقة ويفعل الشر، وهو من القوة بحيث يمكنه أداء أعمال شديدة الصعوبة، فهو يحمل أثقالًا ويسترق السمع فى السموات (القرآن الكريم سورة الصَّافات الآيات 6 - 10، وسورة الجن 8 - 9) والمارد نوع من العفاريت أشد قوة (الحيوان 1356، 1، ص 291) والمارد أقوى من العفريت وقد تصل قوته إلى أربعين ضعفًا (سيف بن ذى يزن، القاهرة) ويخضع

المصادر

له ألف "عون" وكل عون له ألف شيطان يأتمر بأمره، وكل شيطان يخضع له ألف جن (ألف ليلة وليلة، الليلة 995). وعلى الرغم أن القرآن الكريم ذكر أن الجن مخلوق من مارج من نار (سورة الرحمن آية 15) فإن له أجنحة يطير بها (ألف ليلة وليلة، الليلة 179، سيف جزء 1 ص 50) وهو يسكن الأطلال والخرائب (ألف ليلة وليلة، ليلة 191) ويعيش تحت الأرض (ألف ليلة وليلة، ليلة 6، وليلة 184. سيف جزء 1 هـ 47). ورغم قوته الشديدة، يمكن للإنسان أن يستعبده بإذن اللَّه وعن طريق السحر. وأشد الأسلحة فتكا به (سيف جزء 2 ص 287) هو السحر المضاد. وتجدر الإشارة إلى أن العفاريت ليست كلها أشرار، بل توجد ثماذج منها خيرة تتعاطف مع الإنسان وتعاونه (توجد أمثلة فى ألف ليلة وليلة، ليالى 21, 22) والعفاريت من ذكر وأنثى يتزاوجون فيما بينهم كما يمكن أن يتزاوجوا مع البشر، ويمكن استخدام كلمة عفريت لوصف الإنسان والحيوان بالداهاء والقوة والذكاء والبراعة (القاموس المحيط و LA,art مادة عفر). وتحمل كلمة عفريت عند المسلمين المعاصرين دائما معنى الشيطان القوى المهول. أما فى مصر، فبالإضافة إلى المعنى العام (Lane: Manners and Customs of the Modern Egyptians, London 1895. p.232 ما قبله) الذى يعطى ميزة التفوق على المارد (أحمد أمين، قاموس العادات، القاهرة، 1953 ص 355) فهو يعنى شبح أو روح الميت (Lane, ibid, p 236). المصادر: من أهم الكتب التى تتحدث عن هذا الموضوع: (1) الشبلى، آكام المرجان فى أحكام الجان. (2) القزوينى، عجائب المخلوقات. (3) ن. ت. نعمة، الجن فى الأدب العربى، بيروت 1961. وائل البشير [ج. شلهولد J. Chelhold]

العقاب

العقاب اسم واحدة من أكبر المعارك التى حسمت الصراع الطويل بين المسلمين والنصارى لامتلاك شبه جزيرة أيبيريا. وقعت هذه المعركة يوم الاثنين 15 صفر 609 هـ الموافق 16 يوليو 1212 م، وانتهت بانتصار حاسم للجيوش الأيبيرية المسيحية القشتالية المدعمة بقوات صليبية من غرب أوربا بقيادة ألفونسو الثامن على جيوش المسلمين بقيادة محمد الناصر رابع خلفاء الموحدين. كانت معركة العقاب ردا على انتصار الموحدين على قوات قشتالة قبل ثمانية عشر عاما فى معركة الأرك فى (9 شعبان 591 هـ/ 18 يوليو 1194 م) حيث ترتب على انتصار يعقوب المنصور ثالث خلفاء الموحدين فى تلك المعركة استيلاؤه على "قلعة رباح" معقل فرسانهم. وخلال السنوات التالية استولى الموحدون على منطقة طليطله Toledo وأدرك القشتاليون صعوبة مقاومتهم وحدهم لضغوط المسلمين، فاستعانوا بممالك مسيحية أخرى فى شبه جزيرة أيبيريا ونجح ألفونسو الثامن ملك قشتالة فى ضم النفاريين والأراجونيين إلى جانبه بعد تسوية خلافاته مع ملكيهما، ولكن فشل فى ضم ألفونسو التاسع ملك ليون إليه، كما استطاع ملك قشتالة أن يستميل مجموعة من أكفأ الفرسان فى شبه جزيرة أيبيريا أمثال ألفارونونيز دى لارا، ودييجو لوبيزدى هاور, ولوب دياز، كما حصل على موافقة البابا أنوسنت الثالث على شن حملة صليبية ضد المسلمين فى الأندلس فوافق وحث الناس فى إيطاليا وغرب أوربا على حرب المسلمين مقابل وعد بغفران خطاياهم غفرانا تاما. وعلى الجانب الآخر، تدهورت أحوال المسلمين منذ وفاة يعقوب المنصور (22 يناير 1199 م) حيث صارت مقاليد الأمور فى أيدى أعمام الخليفة محمد بن يعقوب المنصور الملقب بالناصر البالغ من العمر عندئذ 17 عاما، ولم يكن

هؤلاء الأعمام على درجة من الكفاءة فى إدارة شئون البلاد، بينما كان محمد ابن عبد الواحد بن أبى حفص (الهنتانى) أحد مؤسسى حركة الموحدين هو الوحيد القادر على ذلك. وعندما شب محمد الناصر قليلا، سعى إلى القبض على زمام الأمور فى يده بمعاونة مجموعة من الوزراء المخادعين والأنانيين من أمثال أبى زيد عبد الرحمن ابن يوجان وأبى سعد بن جامع وأبى محمد بن مثنى، كما كان الناصر لصغر سنه يسعى إلى تحقيق مجد شخصى، فأجهد عسكره فى حملات مكلفة لتأديب المتمردين من بنى غانية، ومع حلول عام 1209، وجد ألفونسو الثامن نفسه قادرا على مواجهة الموحدين. وقبل انتهاء مهلة الهدنة المقرر لها عام 1210, أخذت القوات القشتالية تغير على مقاطعتى جين ومرسيه Jaen&Marcia وعندئذ أخذ محمد الناصر يعد حملة لغزو قشتالة متجاهلًا نصيحة عبد الواحد بن أبى حفص واليه فى أفريقية (تونس) بعدم القيام بتلك الحملة لسوء أحوال المسلمين والضعف الشديد الذى حل بالدولة مما يجعل فرصة إحراز النصر غير واردة. تحركت القوات النصرانية بقيادة ملوك قشتالة ونفاره وأراجون صوب "قلعة رباح" واستولوا عليها فى يونية 1212, وعندما هرع يوسف بن قادش قائد القلعة إلى جان، أعدمه الخليفة دون أن يعطيه الفرصة لتبرير موقفه، وقد أدى هذا التصرف إلى زيادة سخط الأندلسيين على الظلم الذى وقع على أكفأ قوادهم ودفعهم هذا إلى الامتناع عن القتال فى ساحة المعركة، مما كان له أثره البالغ فى هزيمة المسلمين فى تلك المعركة. تقدم المسلمون "بياسة" Saluatievva ومنها حاصروا "قلعة شلبطرة"، والتى كانت قاعدة للعمليات فى قلعة رباح واستولوا عليها مما شجعهم للتقدم غربا حيث عسكروا على بعد خمسة كيلومترات تقريبًا غربا (منطقة سانتا إلينا حاليا). نظم المسلمون صفوفهم حيث شكل المتطوعة الجناح الأيسر (الميسرة)

للجيش وشكل الأندلسيون ومعهم نحو ألف وخمسمائة من الأعراب والأعزاز الجناح الأيمن (الميمنة)، أما الموحدون فكانوا فى القلب، وكانت خيمة الخليفة وسط قوات الموحدين يحيطها الحرس الخاص به من العبيد، وبلغت جيوش المسلمين نحو مائتى ألف نصفهم من المطوعة. أما قوات النصارى فكانوا أقل من المسلمين وإن كانت أفضل منهم عتادا وعدة واحتلت موقعا متميزا على مرتفعات Moradel مكنتهم من رؤية معسكر المسلمين، وبدءوا بالهجوم على جناح المتطوعة وحاولوا اختراق صفوفهم ولكنهم فشلوا وارتدوا بعد أن تكبدوا خسائر، وحاولوا مرة أخرى الهجوم من الشرق على جناح الأندلسيين وكانت المفاجأة انسحاب الأندلسيين من ميدان المعركة دون قتال، وتبعهم الأعراب والأغزاز ليتركوا جيوش الموحدين النظامية بلا غطاء فانقضت عليهم جحافل النصارى بكل ثقلها تفتك بهم. حاول الموحدون الصمود، ولكن سرعان ما تمزقت صفوفهم لقلة عددهم، وعلى الجانب الآخر هجم النصارى على المتطوعة وأجهزوا عليهم مستغلين حالة الهلع والرعب التى أصابت المسلمين، وحاول الكونت الفارونونيز وفرسانه الوصول إلى خيمة الخليفة الناصر، إلا أن الأخير استطاع أن يفر ومعه بعض رجاله إلى بياسة Baeza ومنها إلى "جان" Jaen و"ستيل". أما باقى جيوش المسلمين فقد مزقت إربا، وواصل ألفونسو الثامن تقدمه إلى بياسة. وتعد هذه المعركة هى آخر المعارك العظمى التى حاربها المسلمون فى أسبانيا، وكانت آثارها عليهم أسوأ من الهزيمة نفسها حيث تحطمت معنويات المسلمين وكانت بداية النهاية لوجودهم فى أسبانيا كما انحسر الموحدون فى شمال أفريقيا، ولم يستطع الخليفة محمد الناصر تحمل هذه الهزيمة طويلا، فاعتكف فى قصره بمراكش عقب وصوله إليها ومات يوم 22 ديسمبر 1213 م بعد سبعة عشر شهرا من هزيمة العقاب.

المصادر

المصادر: (1) المسعودى، مروج الذهب، القاهرة 1332 هـ، ص 181 - 182. (2) ابن خلدون، العبر، بولاق 1284، الجزء الرابع، ص 180. (3) Chronique Latine des Rois De Castille, ed. G. Girot, Offprint from the Bulletin Hispanique, no. 41 ff وائل البشير [حسين مؤنس] العقيدة وتكون فى بعض الأحيان بمعنى المذهب أو المبدأ أو شرط الإيمان، وجمعها "عقائد" 1 - تطور المصطلح واستخدامه: تختلف الوثائق التى يستعمل فيها مصطلح العقيدة أو العقائد فى الطول، ولا يمكن أن نفصل فى دقة الأطول من هذه الوثائق عن الدراسات الشاملة التى تتعلق بالذات الإلهية (مثل العقيدة النظامية للجوينى). وأقدم عقيدة وأبسطها هى الشهادة أو الاعتراف بالإيمان. ومع ذلك فإن المناقشات الطائفية قد أدت إلى تطور المبدأ، وأهم مصدر لما جاء بعد ذلك من عقائد هى الصيغة المحكمة التى تحدد موقف الفرد أو المدرسة أو الطائفة حول نقطة من نقاط النزاع، فالفقه الأكبر المنسوب إلى أبى حنيفة هو مجموعة من مثل هذه الصيغ، ولكنها تذكر موقف المدرسة الحنفية تجاه الأمور التى يرفضون على أساسها آراء الخوارج والشيعة والجهمية، تلك الآراء التى تدور حول موقف المدارس الدينية المختلفة، سنية أو غالية فغالبًا ما تدور العقائد حول الشهادة (كما يقول الغزالى) أو "الحديث" الذى يفسر نصا قرآنيا بأن الإيمان هو الإيمان باللَّه (جل جلاله) وبملائكته وكتبه ورسله إلخ (كما يقول البرجوى). وفى بعض الأحيان تتضمنها دراسات قانونية كمقدمة لما يلزم أن يؤمن به المسلم. 2 - تطور المبدأ (أو العقيدة): وإذا كان الإيمان قد صيغ بدقة كبيرة فى حياة النبى محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فإن

3 - المبادئ الأساسية للإسلام

تطور المبدأ بدأ مع مجئ خلافة علىّ وظهور الخوارج والشيعة كأحزاب سياسية دينية متميزة، فواحدة تقول بالعدل طبقًا للكتاب وهو المبدأ الأسمى بينما أخرى تتطلع إلى قيادة من بيت محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] على الأقل، وكان الدين والسياسة فى القرنين الأولين للإسلام على الأقل يمتزج كل منهما مع الآخر بطريقة لا يمكن انفصامها؛ فمقصورية الخوارج كانت تتعارض مع شمولية "المرجئة"، الذين رفضوا اعتبار المسلمين الذين يرتكبون الكبائر كفارًا (ولذلك يمكن أن يظلوا مخلصين للخلفاء الذين لا يرضون عنهم). ولما كان لكل طائفة من هذه الطوائف فرق ولأن هذه الطوائف كانت ذات تفريعات كثيرة أصغر منها فقد كان لكل منها آراؤها التى تخالف آراء الأخرى، كما كثرت المذاهب فى منتصف القرن الثانى الهجرى (الثامن الميلادى) وظهرت فى النصف الثانى من هذا القرن مناقشات فكرية دقيقة حول المذاهب، اعتبرها الكثيرون بداية لعلم الكلام الذى كان تأثيره فى المبدأ (العقيدة) لدرجة أن بعض المتكلمين قد استخدموا كلمات فلسفية عندما يقولون مثلا إن اللَّه (جل جلاله) ليس جوهرا وليس عرضا (ليس مادة أو حادثا)، أو عندما يقدم السنوسى مذهبه بالتفرقة بين الضرورى والمستحيل والممكن. وجدت معارضة لهذا الاتجاه فى التفكير. 3 - المبادئ الأساسية للإسلام: ليس هناك "مقياس" عقائدى يقبله الجميع، حتى جميع المسلمين السنة مثل "البيان القياسى" للمبادئ الإسلامية. وقد جمعنا هذا التقرير المختصر التالى من كتابات الكثيرين (وخصوصا كتابات البغدادى والغزالى ونجم الدين النسفى)، بالرغم من أننا لم نستخدم عباراتهم: (أ) اللَّه (جل جلاله) واحد، لا إله غيره -لا شريك له، ليس بالوالد ولا المولود، وأصبح الشرك- وجود شركاء للَّه (سبحانه وتعالى) أو تعدد الآلهة، خطيئة كبرى، وعندما اشتدّ اتصال المسلمين بالمسيحيين اعتبروا الشروح الخاصة بالثالوث خرقا وخروجا على مقولة الإيمان هذه.

(ب) اللَّه (جل جلاله) موجود. ووجوده يثبت عقليا من الصفة الإبداعية للعالم. وعندما كان على المسلمين أن يدافعوا عن دينهم فى مواجهة الماديين وسواهم من غير المؤمنين، قدم بعضهم براهين عقلية تثبت وجود اللَّه (سبحانه) مثل البغدادى ونجم الدين النسفى. وقد اعتقدت بعض المذاهب مثل السنوسية بأن "الوجود" صفة من صفات اللَّه. وهذا يتضمن التفرقة بين الجوهر والوجود، الأمر الذى عارضه الأشعرية وكذلك ابن تيمية. (جـ) اللَّه (سبحانه) أبدى سرمدى فهو ليس له بداية أو نهاية. وهو القديم والأزلى والباقى والأبدى. (د) اللَّه (جل جلاله) يختلف عن المخلوقات فهو لا يشبه أحدا منها ولا يشبهه أحد منهم. وهو ليس جسدًا أو مادة ولا حدثا لمادة. ولا يحده شئ. وهو موجود فى كل مكان. وهو يجلس على العرش، ولكن بالمعنى الذى يقصده هو، وهو فوق العرش وفوق السماوات ولكنه فى الوقت ذاته أقرب للإنسان من حبل الوريد، وهو لا يتغير ولا يتبدل. ونأتى إلى مقولة "المخالفة" فنرى السنوسية يعتبرونها واحدة مما لا ينسب للَّه ثم جاء معظم المسلمين فى وقت مبكر من قيام الإسلام فاعتبروا "المشَبّهة" (وهم الذين يجعلون اللَّه شبه الإنسان) غير راشدين فى الدين. وعلى الطرف الآخر من المشبهة كان هناك فريق آخر -كالمعتزلة- الذين فسروا العبارات تفسيرا مجازيا، ثم كان هناك من وقفوا وسطا بين هذين فقالوا إنه لا ينبغى أخذ هذه التعابير أخذا حرفيا ولكنها تؤخذ "بلا كيف". ومنذ القرن الخامس الهجرى (الحادى عشر الميلادى) فصاعدا ترك أتباع الأشعرية والمتكلمين المتدينين الآخرين -باستثناء الحنابلة- القول "بلا كيف" وقبلوا التفسير المجازى للعبارات التجسيمية. (هـ) سوف يرى المؤمنون اللَّه (سبحانه) فى العالم الآخر، وقد أحدث هذا النص صعوبة كبيرة فى تفسيره

بسبب لا جسدية اللَّه (سبحانه)، فقد أنكر المعتزلة وآخرون إمكانية رؤية اللَّه بأية صورة من الصور، ويقول "ضرار" إن حاسة سادسة سوف توجد حينئذ. ومهما يكن من أمر فقد تم فى النهاية تقبل مبدأ "بلا كيف" عامة وتجنب أية استنتاجات تتضمن فكرة التجسد. (و) اللَّه (جل جلاله) هو القوى القدير، العليم، الحى، المريد، السميع البصير، المجيب، وهو "سبحانه" موصوف بصفات القوة والعلم والحياة والإرادة والسمع والبصر، وهذه كلها صفات أبدية، وإن قدرته تمتد إلى كل شئ. وهو عليم بكل شئ ما خفى وما بطن فهو يرى النملة السوداء على الصخرة الدكناء فى الليلة الظلماء. وقد حظيت هذه الصفات باهتمام خاص من علماء الدين منذ القرن الثالث الهجرى (التاسع الميلادى) فصاعدا. وقد برز جدل من سؤال يدور حول "هل القرآن مخلوق أم غير مخلوق؟ " وخرج الجهمية والمعتزلة برأى اختصوا به وعارضهم آخرون معارضة شديدة حتى لقد أطلق عليهم لفظ "المعطلين". ز- القرآن هو كلام اللَّه الخالد غير المخلوق، وهذا الكلام الخالد تردده ألسن الناس ويكتبونه فى المصاحف ويعونه فى قلوبهم، ومع ذلك فهو يتميز عما يجسده من ماديات. (ح) إرادة اللَّه ومشيئته هى الأسمى. وهى فعالة، وما يريده يكون وما لا يريده لا يكون. (ط) أفعال الإنسان يخلقها اللَّه، ولكنها مع ذلك تعزى كلية للإنسان ويحاول أصحاب الرأى المعتدل أن يجدوا طريقا وسطا بين الجبر، وبين الإرادة الحرة المطلقة أى الاختيار. وقد دفع قول المعتزلة بأن عدل اللَّه افترض سلفا أن بنى البشر يمكن أن يعاقبوا أو يكافأوا بشكل سليم على أفعالهم، ويقول الأشعرية إنه بالرغم من أن الفعل انطلق من قدرة فى الإنسان فإن هذه القدرة هى التى أوجدها اللَّه (جل جلاله) وخلقها فى لحظة وقوع الفعل لهذا الغرض بالذات وليس لغيره. ولكن المعتزلة من جهة أخرى قالوا إن القدرة وجدت أو خلقت قبل الفعل وهى قادرة على أن تفعل الفعل أو نقيضه.

(ك) للَّه "صفات فعلية" مثل الخلق والرزق، ويقول البعض -والأشعرية على وجه الخصوص إن اللَّه لا يمكن أن نطلق عليه لفظ الخالق أو الرزاق حتى يخلق أو يرزق؛ ولأن هذا يتضمن وجود كائنات منذ البداية أو النشأة الأولى، فإن هذه الصفات لا يمكن أن تكون أبدية، ومن جهة أخرى يقول البعض -مثل الماتريدية- إن اللَّه خالق سرمدى. إلخ. (ل) وهذه الأسماء أو الصفات التى تطلق على اللَّه هى تلك التى توجد فى القرآن أو الأحاديث الصحيحة أو أقرها الإجماع. ويقول المعتزلة إن الأسماء قد تطلق على اللَّه بالاستدلال. ويجمع جمهور العلماء على أن هناك تسعة وتسعين اسما (الأسماء الحسنى) ولكن الحقيقة أن هناك أسماء أخرى. (م) الاعتراف بسؤال منكر ونكير وبعذاب القبر وأنها حقائق أكيدة، وكذلك علامات القيامة مثل قتل الدجال على يد عيسى وبين الموت والبعث يوم القيامة سيقوم منكر ونكير بسؤال البشر فى قبورهم فإما ثواب وإما عقاب. وقد ذكرت علامات كثيرة على مجئ يوم القيامة ويؤكد الشيعة بشكل خاص على فكرة "الرجعة" وهذه الرجعة إلى الأرض تكون قبل يوم القيامة. (ص) اللَّه هو الذى يحكم بين الناس جميعا يوم القيامة. وإن الميزان والصراط والحوض حقائق ثابتة، فالميزان توزن عليه أفعال الإنسان، وحوض محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] الذى يروى منه ظمأ أتباعه والصراط الذى فى حد السكين هو فوق هاوية الجحيم والذى يسقط منه الأشرار إلى اللج. - يسمح اللَّه (جل جلاله) لأشخاص معينين ولاسيما محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] بأن يشفعوا للآخرين فى يوم القيامة وسوف يجئ محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] شفيعا أيضا لمن أخطأوا من أمته. وقد أنكر المعتزلة ذلك على أسس قرآنية، ولكنه رأى لقى قبولا عاما فى النهاية. - الجنة والجحيم موجودتان وسوف تبقيان إلى الأبد، وسوف يعاقب مرتكبو

المصادر

الخطايا من أمة المسلمين فى الجحيم ولكن ليس إلى الأبد، وتقول الجهمية وطوائف أخرى إن الجنة والجحيم لن يخلقا إلا فى يوم القيامة، وهناك بعض الاختلافات حول المصير الحقيقى الدقيق للمسلمين الخطاة ولكن جمهور العلماء يُجمع على أنهم بالشفاعة سوف يتحررون من الجحيم، هذا إذا كانوا قد دخلوها بالفعل. - الصلاة من أجل الميت وتوزيع الصدقات على روحه أشياء نافعة له. - اللَّه (جل جلاله) أرسل إلى البشرية رسلا وأنبياء فى مرتبة فوق القديسين والملائكة. ومحمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] هو خاتم الأنبياء وأكرمهم. ويذكر كتاب الفقه الأكبر المنسوب إلى الشافعيين أن هناك مائة وعشرين ألف نبى وثلاثمائة وثلاثة عشر رسولا. اللَّه سبحانه يعصم الأنبياء من كل خطيئة وهذا هو رأى "الماتريدية" وأتباع أبى حنيفة، ولكن الأشعرية يقولون إنهم يمكن أن يرتكبوا أخطاء بسيطة. - أفضل الرجال بعد محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] هم أبو بكر وعمر ثم عثمان ثم علىّ، ولكن الشيعة يقولون إن عليا هو أفضلهم. - لم يذكر أى رفيق لمحمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] إلا بالخير، ومعنى ذلك منع الجدل حول حسنات وأخطاء عثمان وطلحة والزبير وغيرهم. - إن الكفر لا يعقب بالضرورة ارتكاب المؤمن لخطيئة ما، وهذا القول موجه للخوارج الذين ينكرون الإيمان على كل من يرتكب خطيئة. - الإيمان هو عقد بالقلب واعتراف باللسان وإنجاز الأعمال وهو يزيد وينقص، ومع ذلك فقد قال الكثيرون وأعنى بهم الأشعرية إن الأعمال ليست جزءا من الإيمان، وإن الإيمان لا يتزايد أو يتناقص. المصادر: تناول هذا الموضوع العديد من المصادر الإسلامية مثلا الفقه الأكبر لأبى حنيفة، الرسالة القدسية فى الكتاب الثانى من الاحياء للغزالى، والعقيدة الوسيطية فى مجموعة

العلة

الرسائل الكبرى لابن تيمية، أم البراهين للسنوس وغيرها من المراجع الأجنبية: (1) H. Lammens: L'Islam croyances et institutions, Beirut 1926 (2) A. J. Wensinck: The Muslim Creed, Cambridge 1932 (3) D. B. Macdonald: Development of Muslim Theology Jurisprudence and Constitutional Theory, London and New York 1903 بهجت عبد الفتاح [و. مونتجمرى وات W.Mantgamery Watt] العلة 1 - فى النحو ظهرت فكرة العِلَّية فى الكتابات العربية الباكرة. عالجها عبد اللَّه بن إسحق (ت 117 هـ - 735 م)، والزَّجَّاجى فى "كتاب الإيضاح فى علل النحو"، وابن جنى فى "الخصائص"، والسيوطى فى "كتاب الاقتراح فى علم أصول النحو"، وغيرهم. يقول عنها الزجاجى (ت 337 هـ - 948 - 9 م) إنها مستنبطة وليست موجِبة، ويصنفها إلى فئات ثلاث: تعليمية وقياسية وجدلية نظرية. أما الفئة الأولى فتدخل ضمن المعايير التى تحكم هذه اللغة ونذكرها لمن يتعلمها، فنقول "قام زيدٌ"، مع رفع زيد (فاعل)، فإذا سأل سائل، لماذا رفع زيد؟ جاءت الإجابة: لأنه فاعل، وهذه هى العلة. فهو العامل الذى يعمل به الفعل ويتأثر به فيجعله هذا الفعل فى حالة "الرفع" أما الفئة الثانية فتتعلق بوضع تفسيرات على أساس من القياس. ففى المثال: إن زَيْد، قائمٌ، تدخل إنّ على الاسم فتجعله منصوبا، لماذا؟ لأنها تشبه الفعل المتعدى -وهذه هى العلة القياسية- فهى تعد شبيها به وتعمل عمله، ومن الوجهة الشكلية "زيد" يشبه مفعولا لفعل فيأتى منصوبا، و"قائم" مرفوع لأنه يشبه الفاعل الذى يأتى دائما مرفوعا. أما الفئة الثالثة فهى محصلة كل التفسيرات الناتجة عن التأمل أو النظر، وهى دائما موضع جدل فالعلة القياسية تقول: ثمة تشابه مع الفعل المتعدى، ولكن أى فعل؟ أهو فعل فى الماضى؟ أم فى

المصادر

الحاضر؟ أم فى المستقبل؟ وحين نعقد مقارنة مع الفعل المتعدى يثور التساؤل، لماذا يقع اختيارنا على فعل يكون مفعوله سابقا على الفاعل مثل (ضرب زيدا عمرو) فهذا تركيب فرعى بالقياس إلى التركيب الأصلى (ضرب عمرو زيدا). فلماذا وقع اختيارنا على التركيب الفرعى، وما هى الأمثلة المشابهة له والتى تبرره، وهل يجوز أستخدام التركيبين الفرعى والأصلى؟ الإجابة: لا. . لأنه ليس بوسعنا القول: إن قائمٌ زيدا. لماذا إذن نجيز القول: إن أمامك بكرا. إن كل الأجوبة على هذه الأسئلة "علل جدلية نظرية". لقد أدام العرب النظر فى "العلل" كوسيلة للتعرف على أسرار الحكمة التى تضفى نوعا من التنظيم المتناغم على لغة العرب. أما ابن السراج (ت 316 هـ/ 929 م) فيقسم "الاعتلالات" أى الأدلة التى يقدمها النحاة إلى فئتين (أ) تلك التى تؤدى إلى معرفة كلام العرب مثل "كل فاعل مرفوع" و"كل مفعول منصوب" وهذه هى الفئة الأولى عند الزجاجى. (ب) الفئة التى تضم "علة العلة" مثل لماذا يكون الفاعل مرفوعا، ولماذا يكون المفعول منصوبا؟ ذلك أننا لن نجنى شيئا مفيدا إذا تحدثنا كما يتحدث العرب وكفى، بل علينا أن نستخلص الحكمة الكامنة فى الأصول التى وضعوها. وبذلك تتضح لنا الأسباب التى تجعل هذه اللغة تتبوأ مكانا أسمى من نظيراتها. و"علة العلة" تضم فى طياتها الفئتين الأخريين من تصنيف الزجاجى. ويمضى نحاة آخرون فى تعمق فكرة العلة مثل ابن جنى وغيره. ثمة معنى آخر لكلمة علة: حروف العلة أو حروف الاعتلال أو الحروف المعتلة وهى الألف والواو والياء فى مقابل الحروف الصحيحة. المصادر: وردت فى المادة. سعيد عبد المحسن [هـ. فليش H. Fleiseh] 2 - فى الفلسفة ورد مصطلح العلة فى الفكر الشيعى واستخدمه كذلك الفلاسفة والطبقة

الأخيرة من المتكلمين. وإن كان المتكلمون يميلون إلى استخدام لفظ سبب (ج أسباب). أما الفيلسوفان الفارابى وابن سينا فيستخدمان اللفظين (علة وسبب) كمترادفين. كما ورد مصطلح "علة" فى فترة باكرة فى ترجمات النصوص اليونانية، ولاسيما نصوص الأفلاطونية الجديدة (المحدثة) التى نسبت خطأ إلى أرسطو. 1 - فى الفكر الشيعى: من رسائل إخوان الصَّفا رسالة عن العلل والمعلولات. تعرف العلة بأنها اسم لما يتوصل به إلى المقصود. أما عن أنواع العلل فهى شبيهة بما أورده أرسطو فى كتابيه "الفيزيقا" و"الميتافيزيقا" من تحليل العلل. إن كل معلول له أربع علل هى العلة الفاعلة (الفاعل)، العلة الهيولانية (المادة) والعلة الصورية ثم العلة التمامية (الغائية). ثم يضيفون إلى هذه العلل ما يحتاجه الفاعل وفقا لطبيعته، فإذا كان الفاعل بشرا فهو بحاجة إلى المادة والمكان والزمان وبعض الحركات وإلى أعضائه بوصفها أدوات. أما الفاعل الطبيعى غير البشرى فلا يحتاج إلا إلى مادة ومكان وزمان وحركة. أما الخالق الأعلى أو البارئ فلا حاجة به لشئ من هذا، لأنه العلة الأولى وعلة العلل، وفِعْله بداية مطلقة وخَلْق محض. وهم يصنفون الموجودات المعلولة إلى أربعة أنواع أيضا: الموجودات التى أوجدها البشر، والموجودات الطبيعية (المعادن والخضروات والحيوانات)، ونوعان آخران أضفت عليهما النزعة الإسماعيلية صفات بعينها، فهناك الموجودات النفسانية (الكواكب، والنجوم، والعناصر) وهناك الموجودات الروحانية (المادة الأولى، والصورة بغير مادة، الروح، العقل). إن حديثهم عن العلل أقرب إلى الوصف وأميل إلى إبراز تدرج سلم الموجودات. ويتحدثون عن الشروط الوسيطة التى يستحيل بغيرها إيجاد الأشياء، وهى شروط تقيم نوعا من العلاقات الضرورية بين العلل والمعلولات، وبالتالى هناك ما يسمونه بتأثير العلة على المعلول.

المصادر

2 - الفلسفة: يورد الكندى فى رسالته "العلة الفاعلة القريبة للوجود والفساد" العلل الأربع الآنفة الذكر ويسميها العلل الطبيعية ويسمى العلة المادية والعلة العنصرية، أما العلة الغائية فيسميها تمامية. أما عن إطاعة الأجسام للَّه فثمة علل أخرى حيث يسمى المجال السماوى بالعلة الفاعلة القريبة للمخلوقات الحية الفانية، وهو يستخدم كلمة أسباب كمرادف لكلمة علل حيث يتحدث عن أسباب الضباب. الفارابى: كذلك الفارابى فى كتابه "عيون المسائل" يرى أن الممكن لابد أن تتقدم عليه علة تخرجه إلى الوجود ولابد من وجود علة أولى لسائر الموجودات، هى الكائن الواجب الوجود أو الكائن الضرورى ولا يجوز أن تكون له علة إلا بذاته لأنه السبب الأول، ثم يصنف العلل كما صنفها أرسطو. وإن كان فى "آراء أهل المدينة الفاضلة" يستخدم كلمة سبب وأسباب. أما ابن سينا فيتحدث عن العلل أو الأسباب فى كتابيه "الشفاء" و"النجاة" على نحو ما فعل أرسطو ولكنه يتجه بها وجهة أفلاطونية جديدة ويميز بين الماهية والوجود بل يجعل من الوجود عَرَضًا من أعراض الماهية. ويولى أهمية خاصة للعلة الغائية بوصفها العلة الفاعلة للعلل الفاعلة (رسائل الكندى) وإن كانت العلاقة متبادلة بينها وبين العلة الفاعلة. واللَّه هو العلة الأولى وهو المبدى للوجود وإبداع مطلق. 3 - علم الكلام: عند بدء ظهور علم الكلام لم يكن هناك وعى "بنظرية العلل" ولكن حين تصادفهم فكرة العلة فى مبحث ما فعندئذ يتحدثون عن الأسباب لا العلل. والمعتزلة يؤكدون تأثير الفاعل على أفعاله فى حين ترى الأشعرية أن تعاقب السبب والمسبب أمر غير حتمى بل هو من خَلْق اللَّه "دون تأثير من الفاعل". المصادر: وردت فى متن المادة. سعيد عبد المحسن [ل. جارديه L.Gardet]

علم الحساب

علم الحساب يقسِّم "الفارابى" فى كتابه "إحصاء العلوم" علوم التعاليم -أى الرياضيات- إلى سبعة فروع كبيرة على رأسها "علم الأعداد" وهو يرى أن هناك علمين للأعداد واحد عملى يبحث فى أعداد المعدودات، والآخر نظرى يبحث فى الأعداد فى صورتها المجردة وفى الخصائص الأساسية للأعداد (كأن تكون زوجية أو مفردة مثلا) والخصائص التى تكتسبها حين يُنسَب أحدها للآخر أو حين يرتبط أحدها بالآخر أو ينفصل عنه. وفى المؤلفات الرياضية العربية نجد تمييزا آخر بين "علم العدد" و"علم الحساب" وهو تمييز مستمد من نظير يونانى؛ فعلم الحساب يختص بالموضوعات التى تتناول الأبواب 7، 8، 9 من كتاب "العناصر Elements" لإقليدس الذى تُرجم لأول مرة فى عهد الرشيد؛ والتى تناولها كذلك كتاب "مقدمة لعلم الحساب" لنيقوماخوس Nicomachus الجيرازى. وقد نهج المؤلفون العرب المنهج الإغريقى فى اعتبار أن الأعداد غير النسبية Irrational numbers تنتمى للهندسة لا إلى الحساب، وإن كان البعض منهم كعمر الخيام اتخذ خطى مهمة من أجل اعتبار الأعداد غير النسبية أعدادا حقيقية. ومن جهة أخرى فقد كان علم الحساب مختصا بالعمليات الحسابية الأساسية وعمليات استخراج الجذور لكن تمشيا مع المفهوم العام للحساب واختصاصه بتعيين الكميات العددية المجهولة، فإن كتب الحساب تشتمل عادة على أقسام للمسائل الجبرية. وبعض الرسائل التى قد يظن أنها مختصة بالحساب (مثل "تعريف الحساب" لأبى كامل شجاع ابن أسلم) هى فى واقع الأمر مختصة بكليتها بالجبر، وتختلف هذه الرسائل عن الكتب التى تتناول طرق الحساب الهندى فى كون الأعداد تُكتب بها بالكلمات. وبناء على مصطلح "علم حساب النجوم" قد يكون مصطلح

"الحاسب" مقصودا به "الفلكى" أو "المنجم" أو "المختص بعلم الحساب". ترجم "ثابت بن قُرَّة الحَرّانى" -المتوفى 288 هـ/901 م- كتاب "مقدمة نيقوماخوس" إلى العربية تحت عنوان "كتاب المدخل إلى علم الأعداد" الذى ذاع صيته وأحاط رياضيو الإسلام من خلاله بمعارف الحساب الفيثاغورسى المتمثلة فى علاقة الحساب بالموضوعات الأخرى للرباعية quadrivium (أى الهندسة والفلكُ والموسيقى)، وتصانيف الأعداد (تامة، فوق تامة، ناقصة - متحابة - متسلسلة -. . . إلخ). وتأثير هذا العمل يمكن أن يكون ملموسا فى مؤلفات "إخوان الصفا" الذين كانت رسالتهم الأولى "فى الأعداد" ومع ذلك فالمرء يباغَت بندرة المؤلفات فى علم الأعداد بصفة خاصة، وإن كانت هناك معالجة مطولة نوعا لهذا الموضوع هى "مراسم الانتساب فى علم الحساب" التى كتبها فى دمشق عام 774 هـ/ 1373 م الأندلسى"يعيش بن إبراهيم بن يوسف الأموى"، والتى تشتمل على معالجة للأعداد الهرمية. كما كتب كل من "ثابت بن قُرة" و"كمال الدين الفارسى" رسالة مستقلة فى الأعداد المتحابة. وأول كتاب فى الحساب الهندى -وهو كتاب "محمد بن موسى الخوارزمى" الموضوع حوالى عام 210 هـ/ 825 م- وصلنا فقط من خلال عدد من نسخه اللاتينية المنحولة عن ترجمة لاتينية يحتمل أنها أُعدَّت فى القرن 12 الميلادى، وتتمثل إحدى هذه النسخ فى مخطوط فريد محفوظ فى كمبردج ومنشور فى روما 1857 م تحت عنوان: Algoritmi de numero in dorum وتتمثل نسخة أخرى فى كتاب آخر منشور فى روما أيضا وفى نفس العام تحت عنوان: Liber algorismi (alghoarismi) de pratica arismetrice, والكتاب السابق يتناول بالشرح نظام القيم العشرية للخانات العددية؛ وإن كانت الأرقام الهندية التسعة مفقودة

من مخطوط كمبردج الذى يستخدم فقط الأرقام الرومانية، والصفر ممثل فيه بدائرة صغيرة تشير إلى الخانة الخالية. والكتاب الأخير يشير إلى الصفر بلفظ Ciffre أو Siffre. وتُجرى العمليات الحسابية الأساسية بوضع الأعداد فوق بعضها البعض ثم تبدأ العملية جهة اليسار، ومحو الأعداد ونقلها كلاهما مستخدمان مما يعنى ضمنا أن العمليات كانت تُجرى على "تخته رَمْل". ومن السمات المميزة للكتاب معالجة "التضعيف" و"التنصيف" باعتبارهما عمليتين مستقلتين، وهى الممارسة التى واصلها الحاسبون العرب طويلا حتى عصر "الكاشى" فى القرن 9 هـ/ 15 م (وإن لم يكن الأمر كذلك فى حالة "الكرخى" و"البنَّاء" حوالى عام 619 هـ/ 1222 م، أو فى حالة "القَلَصادى" المتوفى عام 882 هـ (1477 م أو عام 891 هـ/ 1486 م)، كما واصلها الكثير من المؤلفين الأوروبيين حتى القرن 16 م. وما زال باقيا من الكتب التمهيدية الأولى للحساب الهندى كتاب "أصول حساب الهند" الذى ألفهُ "أبو الحسن كوشيار بن لَبّان الجيلى" حوالى عام 390 هـ/ 1000 م، ويقع الكتاب فى جزأين يعرض أولهما للأرقام التسعة ولمبدأ القيم العشرية للخانات العددية! حيث تشير دائرة صغيرة (صفر) إلى غياب رقم المرتبة (الخانة) التى يشغلها. ثم يتناول كوشيار الزيادة (الجمع) النقصانى (الطرح) والضرب والقسمة أما "التضعيف" و"التنصيف" فهما معالجان بوصفهما صنفين من الجمع والطرح على التناظر، ويلى ذلك معالجة للجَذْر (الجذر التربيعى)، ثم ينتهى هذا الجزء بفصل قصير عن الموازين. أما الكسور فيعبر عنها الكتاب أساسا فى صورة "قيم ستينية"؛ فالنصف مثلا يعبر عنه بثلاثين جزءا من الواحد الصحيح، وعلى ذلك فالناتج النهائى لتنصيف العدد 5625 يظهر على الصورة 2812، 30 وعلى النحو ذاته يحول باقى القسمة بالضرب (× 60)

إلى التقدير الستينى ثم يقسم على المقسوم عليه. أما الجزء الثانى فهو مخصص بكامله لنظام الحساب الستينى المركب (بما فى ذلك حساب الجذر التربيعى) بمعاونة جداول ضرب الأعداد حتى العدد 60 (وهى مفقودة من النّص الباقى). وفى تلك الجداول يُعَبًر عن الأعداد بنظام حساب الجُمَّلْ التقليدى، وإن كانت العمليات الحسابية ذاتها تقوم على نظام القيم العشرية للخانات العددية مع استخدام الأرقام التسعة والصفر، ويشرح الفصل الأخير كيفية استخراج الكعب (الجذر التكعيبى) فى النظام العشرى. والكتاب يتناول العمليات الحسابية من خلال إجرائها على تَخْت (تختة رمل) وما يشتمل عليه ذلك من محو وإزاحة الأرقام. لكن وحتى قبل عصر كوشيار أُدْخِلَتْ مُسْتَحدثات فائقة الأهمية، كما يشهد بذلك كتاب "الفصول فى الحساب الهندى" لمؤلفه "أبو الحسن محمد بن إبراهيم الأقليدسى" فى دمشق عام 341 هـ/ 952 - 953 م. وبالإضافة إلى تطبيق نظام الحساب الهندى على حساب العقود القديم وعلى الكسور الستينية، شَرَعَ الأقليدسى فى تعديل طرق تختة الرمل لتلائم استخدام الحبر والورق. ومن ثم ففى نفس القرن نجد "أبو الوفاء البوزجانى" حين وضع كتابه فى الحساب من أجل استخدام موظفى الحكومة "ما يهتدى إليه الكتاب والعمال من صناعة الحساب" يحرص على تخليص نظم الحساب الهندى -التى كان يستخدمها بين الفينة والفينة- من تختة الرمل والمحو. وقد زعم الأقليدسى أنه أول من قدم معالجة مُرْضية للجذر التكعيبى، لكن أهم ما يميز كتابه قيامه بشرح وتطبيق الكسور العَشْرِيَة وهى مستحدث ظل إلى عهد قريب جدا يُنْسَبُ إلى "الكاشى" الذى عاش بعده بخمسة قرون، وإن كانت الفكرة تعاود الظهور بصورة ما فى كتاب "تكملة فى علم الحساب" لمؤلفه "أبو منصور عبد القاهر البغدادى" المتوفى عام

428 هـ/ 1037 م، والذى عبر عن الكسر 17.28 بالكيفية التالية: 17.02.08. لكن يبدو أن هذا الابتكار قد فُقِدَ على مر خمسة قرون بعد الأقليدسى حتى أعاد الكاشى استخدام الكسور العشرية فى كتابه "مفتاح الحساب" باعتبارها كشفا جديدا توصل إليه عن طريق المضاهاة بالقيم الستينية. ومع أن الكاشى أدرك أهمية الكسور العشرية على نحو أفضل من الأقليدسى، فإن الأخير استخدم "علامة عشرية" عبارة عن شرطة قصيرة توضع فوق الرقم فى موضع الكسر العشرى؛ وهذه تتفوق على الطرق التى اتبعها الكاشى للإشارة إلى الجزء العشرى من العدد مثل كتابته بلون مختلف أو فى عمود أو أعمدة مستقلة. والسمة المميزة لكتب طرق الحساب الهندى هى استخدامها للأرقام العربية التى اعتاد أهل العلم العرب فى القرون الوسطى على التأكيد بأنها هندية الأصل؛ الأمر الذى أضحى مُسَلَّمًا به الآن، وإن كان الجدل حول المصدر الأول للأرقام وطريقة انتشارها وتطورها فى العالم الإسلامى يظل محتدما بالرغم من البحوث المكثفة التى قام بها "ووبكه Woepcke" و"سميث Smith" و"كاربنسكى Karpinski" و"كارا دوفو Carra de Vaux" و"جاندز Gandz" وكثيرون غيرهم. وفى العالم الإسلامى تواجدت الأرقام وواصلت تواجدها أساسا فى صورتين إحداهما فى المشرق والأخرى فى المغرب، وجرت العادة على تسمية الأرقام المشرقية بالهندية وتسمية المغربية -التى هى الأصل المباشر للأرقام الأوربية الحديثة- بالغُبارية، وإن كانت هذه الأسماء تُعْكَسْ أحيانًا. وكلا نوعى الأرقام كان معروفا للعرب بحلول عام 733 م إن لم يكن قبل ذلك، ومع ذلك يمكن ملاحظة أنه لم يجد أحد حتى الآن فى الرسائل العربية الخاصة بعلم الحساب آية إشارة إلى مؤلفين هنود أو عناوين لكتب هندية،

خلافا لما هو معهود فى المؤلفات الفلكية العربية! . ويُضاف إلى ذلك أن تلك الرسائل لا تنم عن أى أثر للحساب الهندى فى نحو عشرين عملية تتبع الحساب الإغريقى المألوف. وعلى النقيض من دلك نجد عبارة "حساب التخت والتراب" لها ما يناظرها فى اللغة السنسكريتية، ونجد توازيا بين العربية والسنسكريتية فى استخدام المصطلحين "الجمع والتفريق" أو "الضم والتفريق" -أى "الجمع والطرح"- للدلالة على علم الحساب برمته، مع إنه لا يقتصر على هاتين العمليتين الأوليين. وقبل انتشار طرق الحساب الهندى شاع فى العالم الإسلامى نوع من الحساب يُطْلق عليه الأقليدسى "حساب الروم والعرب"، وكانت الكتب التى تتناوله (مثل رسالة "أبو الوفاء" سالفة الذكر) تقدم قواعد إجراء العمليات الحسابية بما فى ذلك التعيين التقريبى للجذور التربيعية. وكانت تلك العمليات تجرى عادة ذهنيا، وتُسْتَبْقَى النتائج الجزئية -المتحصل عليها سعيا إلى الحل النهائى- عن طريق الاحتفاظ بالأصابع فى أوضاع معينة؛ الأمر الذى جعل هذا النوع من الحساب يُعْرَف باسم "حساب اليد" أو "حساب العُقود" أو "الحساب الهوائى". وللتعامل مع الكسور كان حساب اليد يَسْتَخْدِم المقياس الستينى، أو يحول الكسور إلى أجزاء من العملات أو وحدات القياس. كما كان هناك أيضا النظام اللغوى فى التعبير عن الكسور (ثلث، ربع، . . .، عشر) وهو نظام مستمد من خصائص اللغة العربية؛ حيث يمكن التعبير عن الكسر بلفظ مشتق من اللفظ الدال على المقام، باستثناء "نصف" الذى لا يشتق من "اثنين". وبالرغم من مواصلة وضع الرسائل فى حساب اليد حتى بعد التعرف بجلاء على مزايا الحساب الهندى، فقد كان الهدف العام للحسابين العرب -وربما أيضا إنجازهم الرئيسى- دَمْجَ الطرق

المصادر

المختلفة المتوفرة لديهم فى نظام حسابى واحد يقوم على التطبيق الثابت لفكرة القيم العشرية للخانات واستخدام الأرقام الهندية. وإحدى هذه الطرق طريقة المقياس الستينى القديم الذى تأثرت به المؤلفات العربية فى علم الحساب تأثرًا قويًا من خلال ترجمة الأعمال الفلكية اليونانية. لكن وإلى جانب ذلك ظلت طرق الحساب الستينية دائمًا -هى ونظام "حساب الجُمَّل" المصاحب لها- قيد الاستخدام بين الفلكيين الإسلاميين. وإدراكًا لهذه الحقيقة كانت كل رسالة هامة فى علم الحساب العربى تخصص فصلا لمعالجة النظام الستينى يُعْرَفُ أحيانًا باسم "حساب المنجمين" أو "حساب الزيج" أو "حساب الدَرَج والدقائق". وهناك رسالة متأخرة -وإن كانت شاملة- خصصت بكاملها لهذا النظام، هى "رقائق الحقائق فى معرفة الدَرَج والدقائق" لِسبْط الماردينى المتوفى بعد عام 891 هـ/ 1486 م، وهو يقول فيها إن العمل الوحيد المرضى فيما رآه من أعمال الحساب الستينى هو عمل لمعلمه "شهاب الدين أحمد بن ماجد". وتحتل الموازين (طرق التحقق من صحة العمليات الحسابية) فى كتب الحساب العربية موقع التطبيقات العملية، وهذا مخالف لما عليه الحال فى المصنفات العربية فى الجبر التى تسير على النهج الإغريقى والتى تُورِدُ البراهين الهندسية غالبًا. والوزن بالعدد 9 يظهر فيما وصلنا من بواكير الكتب مثل كتب الأقليدسى وكوشيار، ويتواصل استخدامه على مر الزمان وإن استخدمت بعد ذلك أعداد أخرى فى الوزن (7، 8، 11)، وكان هناك اعتراف بمحدودية جدوى هذه الطرق؛ فالكاشى -الذى استخدم التسعة فقط- يقرر أن هذه الطرق قد تُثْبِت خطأ نتيجة ما، لكنها لا تثبت صحتها، وهناك تقرير مماثل بكتاب الخوارزمى. المصادر: وردت بالمتن. محمد غريب جودة [عبد الحميد صبرة A.I.Sabra] رقم الإيداع بدار الكتب 10127/ 1996 ISBN 977 - 01 - 4975 - 6

علم الكلام

علم الكلام أحد العلوم الدينية الإسلامية. والمصطلح على وجه التقريب مناظر للمصطلح الغربى "اللاهوت". (1) تعريف: من المتعذر أن نحدد بدقة العصر الذى صار فيه مصطلح "علم الكلام" يعنى علما دينيا مستقلا، وعلى أية حال فبينما المعنى الأصلى لمصطلح "الفقه" -خصوصا فى المذهب الحنفى- يعنى الفهم والفطنة؛ مما يميزه عن "العلم" بمعنى "المعارف التقليدية"، اكتسب مصطلح "الكلام" معانى "التحاور والمناقشة والجدل". يعتبر الفارابى فى "إحصاء العلوم" أن علم الكلام هو العلم الذى يتيح للإنسان العمل من أجل نصرة العقائد الدينية والفرائض التى تفرضها، ودحض كل الآراء المناقضة لها. وهذا أحد التعاريف الشائعة: "الكلام هو العلم المعنىُّ بترسيخ العقائد الدينية، عن طريق إيراد البراهين ونفى الشكوك". وهناك تعاريف مشابهة يمكن أن نجدها عند "ابن خلدون" و"محمد عبده"، وكلاهما يلخص تفاصيل مسهبة دون أن يضيف جديدا. وعلم الكلام هو المبحث الذى يضع الحجج المنطقية فى خدمة العقائد الدينية، ويتيح إعمال الفكر والتأمل والاستدلال فى شرح مضمون العقيدة والدفاع عنها؛ وهو يتصدى أصلا للمشككين والناكرين، ووظيفته الدفاع عن الدين. وهناك مصطلح مرادف بالغ الشيوع هو "علم التوحيد"؛ الذى من المفهوم أنه لا يختص بوحدانية اللَّه سبحانه وتعالى، بل بكل قواعد العقيدة الإسلامية خصوصا النبوة. وهناك تفسير يقرر أن "علم الكلام" إنما هو "علم كلام اللَّه"، ولا شك أن صفات "الكلام" وطبيعة القرآن الكريم كانتا ضمن أولى الموضوعات التى عالجها هذا العلم. وقد تواصل النقاش فى هذا الموضوع على القرون دون أن يظفر قط بالأولوية فى المعالجة ولا بطول المتابعة، والاحتمال الأقوى أن "الكلام" كان أول أمره يشير إلى "الحجج المنطقية"، وكان المتكلمون هم "الاستدلاليون Reasoners"؛ وذلك هو الحال فى عصر "مَعْبَد الجُهَنى" المتوفى

(2) المدارس الكبرى

عام 80 هـ/ 699 - 700 م. ثم أضحى الكلام مبحثا منتظما حينما تحولت تلك البراهين والمناقشات إلى التعامل مع مضمون العقيدة. وسِمَة الدفاع المنطقى والاستدلالى عن الدين هذه كان من شأنها أن تجعل المتكلمين مرمى لسهام كل من السلفيين والفلاسفة معا. (2) المدارس الكبرى: أ- النزاعات الأولى: يلوح أنه انطلاقا من موقعة "صفين" وما تمخضت عنه من انشقاقات، يمكن تحديد -ليس بداية التأملات فى مضمون العقيدة بل- تشعُّب تلك التأملات إلى نزعات ومذاهب. وقد وضع ظهور المذاهب السياسية الدينية الرئيسية الثلاث (الخوارج والشيعة والسنة) أمام المفكرين المسلمين مسألة "صلاحية الإمامة" و"حالة التقوى" التى ينبغى أن يكون عليها الإمام؛ وكان هذا هو منشأ مسألة الإيمان وشروط التقوى ومسألة "مسئولية المرء أو عدم مسئوليته"؛ ثم وفى موازاة ذلك "طبيعة القرآن الكريم" (مخلوق أم غير مخلوق) وبالتالى التأكيد على الصفة الإلهية للكلام، وأخيرا المسألة الأعم الخاصة بالصفات الإلهية ووجودها وعلاقتها بالذات الإلهية ووحدانيتها. وبمرور الوقت أُضِيفت مسائل أخرى كثيرة، لكن الموضوعات الأساسية التى قُيض لها أن تشكل كيان "علم الكلام" كانت قد نشأت بالفعل فى ذلك العصر المبكر (عصر الأمويين وبداية عصر العباسيين). لكن مهما كانت التأثيرات الخارجية -كالمناقشات مع الزنادقة المزدكيين حول الخير والشر فى سلوك البشر، ومع اللاهوتيين المسيحيين الدمشقيين حول "كلمة اللَّه" (¬1) the word of God"، وكذلك اكتشاف العلم والفلسفة الاغريقيين- فقد اتجه علم الكلام أول الأمر إلى اتخاذ شكل مميز مخالف للمسائل النمطية الإسلامية ومن المحتمل أن المؤثرات الخارجية كان لها بعض الأثر -نتيجة للمناظرات (التى كانت تؤكد على بعض جوانب الموضوعات التى تعالجها) - على اختيار البراهين وربما كذلك على أسلوب الجدل. ومع ذلك تبقى الحقيقة أن "علم الكلام" قطعا ليس تحويرا ¬

_ (¬1) المقصود ما ورد بسورة النساء بشأن عيسى ابن مريم عليه السلام. (المترجم)

عربيا للاهوت المسيحى أو المزدكى، بل هو علم نشأ داخل المجتمع الإسلامى وحافظ على أصالته. ولعله من قبيل المجازفة أن نحاول تحديد بدايات اتخاذ المواقف، فهذه لا تكاد تعرف إلا من خلال الأعمال المتعلقه بالمِلَل والنّحلْ (خصوصا مصنفات الأشعرى والبغدادى والشهرستانى وابن حزم) والأعمال المفندة لها. وإلى جانب ذلك فليس لزاما دائما الربط بين نفس المفكرين تحت مسمى عام معين (كالقدرية مثلا)، كما ينبغى عدم تحويل ما هو "مجرد نزعات" إلى "مذاهب" بالمعنى الدقيق؛ فهذا المتكلم أو ذاك ربما يقدم باعتباره يعبر عن نزعات متباينة -بل ومتعارضة- حسب المسألة التى يعالجها، وهذا يؤدى بنا كمؤشر عام- إلى عدة نقاط مرجعية. كان القَدرية أشد المعارضين للنظام الأموى وأشد الناقدين لأسلوب البلاط فى دمشق، وهذا الاسم يطلق عادة على أولئك الذين يسلّمون بأن الإنسان لديه القدرة على التحكم فى تصرفاته؛ وأن هذه القدرة من الضخامة إلى الحد الذى يجعل القدر ملكا للإنسان وحده، والذين رأوا فى "الأفعال" التى تصدر بمثل هذا القدر من الحرية جزءا مكملا للإيمان؛ ومن ثم فمرتكب الكبائر عامدا كافرا فى نظرهم. . . وهذه العقيدة الأخيرة التى لا يبدو أنها لاقت تعضيدا عاما، ظلت خاصية مميزة لفكر الخوارج. ومن أكثر أتباع القدرية الذين تنوقلت كتاباتهم "غيَلان" و"معبد الجهنى"، ويمكن أن نضيف إليهم مع بعض التحفظات "واصل بن عطاء" و"عمرو بن عبيد" (من رجال القرن الثانى هـ/ الثامن م) اللذين يُعدان مؤسسَى مذهب المعتزلة واللذين ارتبطت بهما "المعتزلة السياسية". وتعود تلك النزعة للظهور فى كلام الخوارج والشيعة المتأخرين، وقد أطلق فيما بعد مصطلح القدرية على المعتزلة من غير تحفظ لكنهم تنصلوا منه وقام البعض منهم بتفسير الأصل الاشتقاقى للكلمة تفسيرا مختلفا واستخدموها للتعبير عن أولئك الذين نادوا بفكرة القدر المطلق! ولهذا التفسير وجود بعد ذلك فى أعمال ابن تيمية الذى يعتبر خصم المعتزلة.

وبهذا المعنى الثانى تصبح القدرية مرادفة لما هو عكسها أى "الجبرية" أو "المجْبرة" وهم المنادون بـ "الجَبْر" أى "الإلزام القسرى الإلهى" الذى تنجم عنه أفعال المرء خيرا كانت أو شرا، ومن ثم فلا شئ منها يعزى إلى الإنسان الذى تصدر عنه، لقد اعتبر المعتزلة فى عداد الجبرية أولئك الذين رفضوا مبدأ "القدر" بما فيهم الأشاعرة، أما الاشاعرة فقد أطلقوا مصطلح "الجبرية" -ربما بشئ من التسرع- على مريدى "جَهْم". أما "المُرْجئة" فقد خالفوا الخوارج فى مسائل الإيمان والثواب والعقاب فارتكاب الكبيرة مثلا لا يترتب عليه الخروج من حظيرة الإيمان؛ فوفقا للنص القرآنى يصبح مصير المذنب قيد "الإرجاء" انتظارًا لقضاء اللَّه. وعادة يشار إلى "غيلان" و"غَسّان" -اللذين تبدو لهما صلات بالحنفية- باعتبارهما من المرجئة، كما نوه الشهرستانى مثلا. وقد قلص المتأخرون ممن كتبوا عن الملِل والنّحل تلك النزعات المتباينة إلى مجرد نصوص مختصرة، ومن المحتمل أنهم غالوا فى تبسيطها وربما عملوا على تحريفها. ومع ذلك ففى إطار المحاولات الأولى لدعم المواقف السياسية الدينية بالحجج المنطقية، تحددت الخطوط العامة لما تلا ذلك من مناقشات؛ فالقدرية سواء أحالفهم التوفيق أم جانبهم قد استبقوا بعض الأطروحات الرئيسية للمعتزلة، أما الأشاعرة فكان من شأنهم البحث عن "وسيلة مناسبة" للتوفيق بين "الجَبر" الذى نادى به الجَبرية و"مسئولية الإنسان" أى "الاختيار"، بينما المرجئة فى معالجتهم لمسألة الثواب والعقاب فى العالم الآخر قد استبقوا إلى حد ما تفسيرات الأحناف الماتريديين والكثيرين من الأشاعرة. والمناقشة الوافية لهذه المسألة سوف تحتاج إلى دراسة تفصيلية (وإن كانت أمرا من قبيل المجازفة نظرا لنقص المراجع الموثقة) عن غيلان، الذى يُدرج أحيانا ضمن القدرية باعتباره قد أكد على حرية الإنسان فى الاختيار، كما يصنف فى أحيان أخرى ضمن المرُجئة بناء على نظريته عن مصير المؤمن مرتكب الذنوب. لذلك فإننا نعالج نزعات لا "مذاهب فقهية" راسخة، ونعالج آراء متشابكة

ب- مذاهب المعتزلة

كان من شأنها أن تتشعب فيما بعد وعلى ذلك فسوف نتناول أتباع -نحلة الجَهْمية الذين يعتبرون أن "جهم بن صفوان" (الذى أعلم عام 128 هـ/ 746 م) هو مؤسس تلك النحلة، والذين لم تعرف ماهية عقائدهم إلا من خلال مناقضات خصومهم. وقصارى القول فيهم أنهم فيما يتعلق بمسألة القدر يقفون فى صف الجبرية، وفيما يتعلق بمسألة الإيمان يقفون فى صف المرُجئة وفيما عدا ذلك فهم قد رفضوا الاعتراف بأى وجود مستقل للصفات الإلهية، يفصلها عن الذات الإلهية وهو ما عرف بـ "التعطيل"؛ مستهدفين من ذلك صون كمالها ووحدانيتها المطلقة وفى نهاية المطاف أيد الجهمية فكرة "مخلوقية القرآن الكريم" وقدموا تفسيرات مجازية للآيات الدالة على التجسيم (خلع صفات الجسم البشرى على الذات الإلهية). ومن ثم نشأ نوع من البلبلة بينهم وبين المعتزلة (كما هو الحال فى مسألة "ضرار بن عمرو" مثلا)، وناوأهم هؤلاء من جراء مغالاتهم فى التعطيل ومن جراء رفضهم لفكرة "الاختيار" أى حرية الإنسان فى التصرف. ب- مذاهب المعتزلة: (فيما يتعلق بأصل التسمية والتفاصيل الخاصة بالتطور التاريخى لذلك المذهب ومعتقداته) كان المعتزلة الأوائل معاصرين لمختلف النزعات والفئات التى استعرضناها أعلاه، مما يجعل من المتعذر أحيانا بل وربما من غير المجدى أن نميز بينهم وبين القدرية. إلا أنه بعد عام 132 هـ/ 750 م -حين كان الحكم العباسى آخذا فى توطيد دعائمه فى بغداد- فقدت المناقشات الخاصة بصلاحية الإمامة موضوعيتها وحل محلها الدفاع عن العقائد الدينية بصفة عامة فى وجه هجمات الزنادقة من كل نوع. وفى ذلك الوقت صارت المواقف العقائدية محددة ومنظمة إلى الحد الذى يمكننا معه الحديث عن مذهب منتظم (أو بالأحرى مذاهب منتظمة)، له مصطلحاته الخاصة وأساليبه فى المحاجاة التى تأثرت بالعلم والفلسفة اليونانيتين من جراء الترجمة عنهما. وبعد المؤسسين "واصل بن عطاء" و"عمرو بن عبيد" والرائد "ضرار بن

عمرو"، نجد أمامنا جماعتين من المعتزلة تتشكلان فى البصرة وبغداد فيما بين نهاية القرن الثانى هـ/ الثامن م وبداية القرن الرابع هـ/ العاشر م. وقد تبنت كل من الجماعتين نزعات متباينة، لكن تَصْدُق على كل منهما تسمية "مذهب". ولعلنا نتفق مع "مونتجومرى وات W. Montgomery Watt" فيما ذهب إليه فى كتابه " Free will and Predestination in Early Islam" من أن "أبا الهُذيل العَلاف" - المتوفى حوالى عام 227 هـ/ 841 م- هو مؤسس مذهب البصرة، وأيضا (وإلى حد ما) مؤسس "المعتزلة العقائدية" ذاتها. ويتمثل أعلام هذا المذهب فى "معمر" و"النظّام" -وكلاهما لم يتورع عن انتقاد العلاف- وكذلك الكاتب المبرز "الجاحظ"، و"الجبائى" وابنه "أبو هاشم" المتوفى عام 321 هـ/ 933 م. وقد قام فقهاء البصرة -فى إطار معالجهتم لمستجدات مسائل العقيدة- بتقديم حلول إبداعية فى ميدان الفلسفة الطبيعية والعلوم العقلية مثل "نظرية الأجزاء" لأبى الهذيل و"مذهب الأحوال" شبه التصورى لأبى هاشم. أما المذهب البغدادى فربما كان أقل بروزا من المذهب البصرى، وقد استمد أفكاره "بشر بن المعتمر"، المتوفى بين عامى 210 - 226 هـ/ 825 - 840 م. والذى تعرض للسجن لبعض الوقت بأمر هارون الرشيد؛ وكان بشر هدفا لانتقاد أبى الهذيل، وقد تأثر به "معمر" وقد حظيت المجموعة المنتمية لهذا المذهب ببعض الشهرة على أيدى رجال مثل "المُردار"، و"ثُمامة" و"الخياط"، و"الكعبى" المتوفى عام 319 هـ/ 931 م. والمعتزلة كما قال عنهم "أحمد أمين" فى كتابه "ضحى الإسلام" كانوا رجال دين فى المقام الأول وفلاسفة فى المقام الثانى. والسمة المميزة للمتكلمين لا تتمثل فى نظرية الأجزاء (أو النظرية الذرية atomic theory) أو فى نظرية الأحوال؛ بل تتمثل فى اهتمامهم الأساسى بالضلوع فى النزاعات والمناظرات من أجل حماية العقيدة من زنادقة ذلك العصر، وهم مدّعو التحرر الفكرى الذين استمدوا أفكارهم من المزدكية أو المانوية، أو من العقلانية اليونانية فى فترة زمنية لاحقه. ومع أن الاختلافات العقائدية الطفيفة -والتى

لها وجاهتها فى بعض الأحيان- قد فرًقت المعتزلة، فقد كانوا جميعا ينهلون من ذات معين الإلهام الواحد وهو "احترام العقل" فى مجال الدفاع عن العقائد الدينية (حتى أن العقل يصبح عندهم "ميزان القانون")، والاهتمام بتنزيه الذات الإلهية عن كل صور التعددية والتجسيد، والرغبة فى التأكيد على الكمال المطلق للذات الإلهية. وقد عرف المعتزلة أنفسهم بأنهم "أهل العدل والتوحيد". ويمكننا أن نلحظ تأثير أفكار المعتزلة على الفكر اليهودى الناشئ فى البيئة العربية، إذ اشتمل بدوره على "الكلام" الذى نحا إلى معارضة فقهاء المسلمين كما اقتضت الضرورة ذلك، والذى استعار منهم وبصفة أساسية إشكالياته ومنهجه ونظم المناقشة الخاصة به. وكان أشهر المتكلمين اليهود "سَعديا جون" (أو: سعيد الفيومى). والأصول أو المبادئ الخمسة التى قامت عليها إشكالية فكر المعتزلة هى: - (1) التوحيد: فصفات اللَّه تكون ذات معنى فقط حينما تؤخذ فى إطار من التنزيه التام؛ الأمر الذى سارع خصومهم باعتباره من قبيل التعطيل الجهمى؛ فالإله الخالق -ذلك الكائن الروحى المطلق- ليس من الممكن الوصول إليه ومن المحال رؤيته، سواء أكان ذلك فى الدنيا أم فى الآخرة. (2) العدل: فاللَّه يؤتى أفعاله عن قصد، والأشياء بطبيعتها تتضمن الخير والشر، لكن اللَّه لا يشاء إلا الخير، وهو قد تكفل بإيتاء الأصلح. . ومن ثم فهو لا يشاء الشر ولا يأمر به. أما الإنسان فهو مالك تصرفاته بما أودعه فيه اللَّه من قدرة، ومسئول عما يفعل! واللَّه قد تكفل بمثوبته أو عقابه بناء على ذلك. (3) الوعد والوعيد أو الأسماء والأحكام: الإيمان معناه الالتزام بالأفعال التى حض عليها القرآن الكريم، ومن يرتكب الكبيرة ولا يكفر عنها فمآله إلى جهنم. والأحكام تصدر من أجل المؤمن وغير المؤمن معا. وهذا المبدأ يتعامل أيضا مع "الأخبار"؛ فهو على نقيض المبدأ المتعارف عليه لا يحتم أن يكون كل "الناقلين" من المؤمنين، ولا يتشبث

بمقولة إن "الإجماع معصوم من الخطأ". (4) المنزلة بين المنزلتين: المنزلة الوسطى بين منزلتى المؤمن والكافر هى منزلة "الفاسق" أى المؤمن مرتكب الذنوب، وهذا المبدأ من خصائص فكر المعتزلة. فالمذنب ليس بمؤمن حقا ولا بكافر حقا؛ فهو قد فشل فى أن يعصم أطرافه عن ارتكاب الذنوب، لكن إيمانه باللَّه يبقيه داخل جماعة المسلمين. وهذا هو المدخل الذى نوقشت من خلاله شروط الإمامة ومن ثم كان استحقاق الخلفاء الراشدين للخلافة. (5) الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر: وهو مبدأ كانت له وجاهته أول الأمر، ثم فقد موضوعيته بعد ذلك؛ فالأمر بالمعروف فريضة على كل مسلم (على نقيض ما ذهب إليه الأصم البصرى)، وقد دعا المعتزلة -مخالفين فى ذلك وجهة النظر الأكثر كياسة وتبصرا التى قدر لها أن تنتصر آخر المطاف- إلى التدخل المباشر بالسيف إذا اقتضى الأمر هذا التدخل. فالمرء فى نظرهم يمكن له بل ويجب عليه) خلع أولى الأمر الفاسدين، والمرء يمكن له بل ويجب عليه إكراه خصومه -تحت طائلة العقاب بالموت- على الاعتراف بالعقيدة الحقه. كان هذا موقف المعتزلة فى أوج مجدهم فى عهد المأمون حينما كانوا يقتادون المنادين بعدم خلق القرآن الكريم إلى المحاكم. ومع ذلك تظل الحقيقة أن كتابات أقطاب المعتزلة -بغض النظر عن رسالة "الانتصار" الجدلية التى وضعها الخياط دفاعا عن عقائد المعتزلة فى مواجهة "ابن الراوندى"- غير متاحة لنا إلا من خلال كتابات الآخرين عنها. وبعد أن ظل مذهب المعتزلة المذهب الرسمى للدولة لبعض الوقت؛ فإنه ما لبث أن تعرض بدوره للشجب وإهلاك معظم إنتاجه. وفى العصر الحديث فقط (حوالى عام 1958) برزت إلى دائرة الضوء فى اليمن -متأخرة لسوء الحظ- كتابات المعتزلى القاضى عبد الجبار المتوفى عام 415 هـ/ 1025 م)، حيث ظهر أولا "المغنى فى أبواب التوحيد والعدل" وهو بحث شامل حقا، ثم ظهر "كتاب

المجموع فى المحيط بالتكليف". وإلى هذين العملين يمكن إضافة مؤلف "شرح الأصول الخمسة" الذى يحتمل أن يكون من تصنيف أحد المريدين الزيديين، ويمكننا الإشارة أيضا فى إطار تعاليم عبد الجبار إلى كتاب "المعتمد فى أصول الفقه" لتلميذه "أبى الحسين الطيب البصرى". وتصدر عن عبد الجبار إشارات متكررة إلى أشياخ المعتزلة الأوائل وإلى مذهب البصرة؛ وبصفة خاصة إلى "الجبائى" و"أبى هاشم". ومن ثم فإننا نمتلك الآن قطوفا من كتابات أساتذة المعتزلة المبكرين وخلاصات لأفكارهم معروضة من وجهة النظر المعتزلية! الأمر الذى يكشف بصورة عارضة إلى أى حد كانت مقالات الأشعرى موضوعية (وينم عن أن الجزء الأول على الأقل من ذلك قد تم تأليفه إبان السنوات التى كان فيها المؤلف ملتزما بفكر المعتزلة). ومرة أخرى فى ذلك العصر المتأخر (حين كان عبد الجبار يلقى بتعاليمه)، فقد حثته تلك المقالات على شن الهجمات على الأشاعرة وإطلاق ردود المعتزلة على ما وجه لهم من هجمات. واكتشاف تلك الأعمال فى اليمن هو دليل على أنه فى ظل التحدى الذى واجه المعتزلة فى القرن الخامس هـ (الحادى عشر م) امتد تأثير مذهبهم ليصبح مستشعرا فى الأوساط غير السنية. وقبل أن نفرغ من المناخ الفكرى لأول المذاهب الكبرى لعلم الكلام؛ ربما تعنّ لنا الإشارة إلى ما يطلق عليه الأشعرى "أهل الإثبات" أو "المثبتة". وهؤلاء من غير الميسور ألبتة تعريفهم بدقة؛ فهم يشملون عددا من المفكرين منهم "ضرارب" و"النجار" و"محمد برغوث"، الذين سارع مؤرخو الملل والنِحل بتصنيفهم على أنهم معتزلة؛ إلا أنهم كانوا يلقون المعارضة من جانب العديد من أشياع مذهب البصرة (ومن ذلك أن النجار واجه معارضة "أبى الهذيل" و"النظام")، كما أن الأشعرى رأى فيهم رُوّادَه. ويقال إن أهل الإثبات قد نادوا ضمن أمور أخرى بأن اللَّه خالق أفعال البشر، وأنهم قد استبقوا

جـ - رد فعل الأشعريين

نظرية "الكسب" أو "الاكتساب" التى حددت وحَدَّت من امتلاك الإنسان للأفعال المخلوقة على هذا النحو. وهذه الإشارة إلى أهل الإثبات قد أتاحت للأشعرى تقديم نفسه باعتباره غير مجدد فى مجال علم الكلام. جـ - رد فعل الأشعريين: كان انتعاش المذهب السنى فى عهد المتوكل وعلى مدى القرن الخامس هـ/ الحادى عشر الميلادى مصحوبا بتوجيه الاتهام إلى المعتزلة، وتوجيهه فى الوقت ذاته -على الأقل من جانب الحنابلة والظاهرية- إلى علم "الكلام"؛ والأمر الذى كان محل الريبة هو نفس المبدأ القاضى بإعمال الجدل المنطقى إنطلاقا من الحيثيات الإيمانية. وبرغم ذلك فعلم الكلام لم يواصل البقاء فقط؛ بل وجدد نفسه أيضا بفضل المنحى الجديد الذى وفَّره له "أبو الحسن الأشعرى" (260 - 324 هـ - 935 م) وهو معتزلى سابق يعد بحق مؤسس مذهب الأشعرية -ذلك المذهب الذى ظل المذهب الرسمى للكلام والأكثر قبولا فيما بين القرنين التاسع والعاشر الميلاديين (= الرابع الهجرى) - وقد بقى لنا عدد من أعماله (خصوصا "اللمع" و"الإبانة")، وما يزال مصنفه "مقالات الإسماعيليين" حتى اليوم معينا لا ينضب نستمد منه معلوماتنا عن النزعات والمذاهب المبكرة. ومن المؤكد أنه ظهر فى إطار ذلك المذهب العديد من النزعات واتخذت المواقف المتباينة. . بل المتفارقة. ومن ذلك أن "الباقلانى" جلب إلى خدمة العقائد الأشعرية نظرية الأجزاء (أى النظرية الذرية atomism) التى كان "أبو الهذيل" أول من نادى بها، إلا أن "الجوينى" لم يتبعه البتة فى هذا المنحى بل تبنى من جديد مذهب "الأحوال" لأبى هاشم (والباقلانى) بعد أن تخلى عنه الغزالى. لكن وجهات النظر الأساسية التى استمدت منها المعتقدات الأساسية لذلك المذهب تبقى كما هى. وبالرغم من الفوارق المذهبية (الناجمة أساسا عن الأحداث التاريخية وتباين الخصوم الذين كان يتعين تفنيد آرائهم)، فإن من الجائز لنا الحديث عن مذهب أشعرى واحد أكثر ترابطا مما كانت عليه مذاهب الاعتزال.

هل من الضرورى -كما اقترح البعض- التسليم بوجود فارق جذرى أو انشقاق بين فكر مؤسس المذهب والمذهب الذى أطلق عليه اسمه؟ . من الثابت أن الأشعرى فى "الإبانة" يستهل استعراضه لمذهبه بالاعلان عن امتثاله لتعاليم "ابن حنبل"، ومن الثابت أنه بالرغم من كون إعلان الإيمان هذا -الذى أضحى أمرًا تقليديا فى اطار ذلك المذهب- وجد له بعض المبررات فى "اللمع"، إلا أنها تختلف اختلافا جوهريا عن المبررات التى أبديت فى "الإبانة" و"المقالات". ومع ذلك فالامتثال الذى أعلنه الأشعرى لتعاليم ابن حنبل لم يَجُزْ على الحنابلة الذين هاجموا بشدة مبدأ "الدفاع عن العقيدة باتباع أساليب الجدل العقلانى" فى حد ذاته. وبالإضافة إلى ذلك فإن الكثير من المسائل التى نوقشت فى "اللمع" كان يتعين عليها انتظار الشرح بمعرفة مريدين متأخرين تأثروا بدورهم بأحوال تاريخية جديدة وعلى ذلك فليس هناك مذهبان للأشعرية -واحد للمؤسس وواحد للتابعية- بل هناك فى الأصل موقف عام واحد تطور تدريجيا وتلون كثيرًا بتأثير المناقشات الدفاعية المتعاقبة. وهذا الموقف العام تأكيد واضح على أن اللَّه هو القادر على كل شئ الذى لا تدركه الأبصار والذى لا يُسأل عما يفعل. واللَّه وفقا لأدق المعانى هو "الموجود الواحد والمهيمن الأحد"، وهو لا يأمر بفعل ما لمجرد أن ذلك الفعل خير وصواب؛ بل إن أمره هو الذى يجعل ذلك الفعل خيرا وصوابًا. فاللَّه خالق أفعال الإنسان، والإنسان ليس سوى متلق ممتثل أو هو "محل" لأمر اللَّه. لكن اللَّه أيضا يوعز للإنسان بأفعاله (نظرية الكسب أو الاكتساب) وفى هذا مسوغ لكل من "مسئولية الإنسان" و"المقدرة على التمييز" التى أشار إليها القرآن الكريم وكل ما يذكره القرآن الكريم حق؛ فالآيات المتشابهات حق مطلق فيما يختص بتأكيدها على وجود اللَّه، أما ما تشير إليه من صفات التجسيم فينبغى التسليم به "بلا كيف". . أى بدون السؤال عن الكيفية. وبالرجوع إلى مواقف الحنابلة والمناهضة للمعتزلة

فمن المجزوم به أن القرآن الكريم غير مخلوق وأن صفات اللَّه سبحانه وتعالى حقائق؛ فصفة الكلام ليست محدثة بل هى ملازمة للَّه. لكن ذلك المذهب نادى فى مرحلة تالية بوجود الكلام الذاتى الإلهى -وهو غير مخلوق- ومالوا للتسليم بأن الإشارات أو الرموز التى تعبر عنه مخلوقة. . ومثل هذه التفرقة كان من شأنها أن تجلب نقدا عنيفا من جانب فقهاء الحنفية. كان ذلك موقفا عاما كما ذكرنا، لكنه كان يسعى بصورة متواصلة إلى تبرير نفسه باتباع أساليب الجدل المنطقى فى وجه خصومه المتعددين؛ كالمعتزلة أول الأمر الذين كان لدى الأشاعرة أهدافهم المفضلة لتوجيه الجدل نحوها، ومن بعدهم الحرفيون Literalist مثل الكرّامية الذين تصدى لهم "ابن فوراك"، ثم الفلاسفة والكثيرون غيرهم. وكان الأشاعرة من حين لأخر يستعيرون من خصومهم طريقة أو أخرى لعرض الإشكالية أو حتى الأساليب المتبعة فى الجدل، وعلى ذلك يمكننا -فيما يتعلق بهم- تمييز الأطوار الزمنية التالية: (1) أعمال المؤسس "الأشعرى". (2) التلامذة الأُول: "الباقلانى" الذى تبنى نظرية الأجزاء (النظرية الذرية) ونظرية الأحوال؛ وهما النظريتان اللتان كانتا فيما بعد تلقيان القبول أحيانا والإعراض عنهما أو رفضهما أحيانا أخرى. وكذلك "البغدادى"، و"ابن فوراك" خصم الكرامية، و"البيهقى" و"الجوينى" نصيرا نظرية الأحوال. (3) وهذا الأخير - الجوينى -وهو أستاذ الغزالى فى الكلام- أصبح رائدا للاتجاه الذى يطلق عليه ابن خلدون اسم "المجددين"؛ ذلك الاتجاه الذى واصل تلخيص ومناقشة مواقف كبار الفلاسفة، والذى بلغ شأوا عاليا استمده من أشهر المتكلمين: الغزالى، والشهرستانى، وفخر الدين الرازى (وهو واحد من أكثر مفكرى هذا المذهب إبداعا)، والأصفهانى، والإيجى، والجُرجانى، والدوانى (الذى كتب "محمد عبده" تعليقا على أعماله). ولم يحجم هؤلاء المجددون عن استخدام درجة ما من التأويل (المعتدل) من أجل

د- النزعات الحنفية الماتريدية

شرح عناصر التجسيد فى القرآن الكريم (انظر كتاب "أساس التقديس" للرازى). (4) الكتب الموجزة التى وضعها ذوو النزعة المحافظة المتزمتة؛ والتى اكتفت بترديد وتصنيف الحلول التى قدمها أساتذة العصور القديمة، ونسخ ردودهم على المعتزلة أو الفلاسفة. تلك الأعمال التى أضحت وبصورة متزايدة أقل شيوعا ومألوفية؛ ونعنى بها أعمال "السنوسى" التلمسانى، واللقانى، والفضالى، والباجورى. د- النزعات الحنفية الماتريدية: وهذه أصبحت -إلى جانب الأشعرية- السلك الثانى من التعاليم الذى يلقى قبولا رسميا به -ونقول عمدا "نزعات" ولا نقول "مذهبا"، لإيماننا بصحة ملحوظات الأب "ألار Allard" فى هذا الصدد انظر: Le probeme des attribuits divins dans la docttrine d'al Ashari et ses premiers diciples, Beirut 1965, 420 وقد تعامل الأشعرى نفسه مع الحنفيه باعتبارهم فرعا من المرجئة ومع ذلك فنحن معنيون هنا بسلك فكرى متماسك بالقدر الكافى الذى يجعله مستحقا للدراسة فى حد ذاته. وهو يحتكم من جهة إلى مجموعتين من النصوص القديمة تحملان العنوانين "الفقه الأكبر" و"وصية أبى حنيفة"، ويحتكم من جهة أخرى إلى "الماتُريدى" السمرقندى (المتوفى عام 333 هـ/ 944 م) وهو مؤلف "كتاب التوحيد" الذى أعده أحد تلامذته. وكان للحيثيات الإيمانية التى أعلنها الأحناف خصائصها الفريدة كالصلة بين "الإسلام" و"الإيمان" والتصريح بالإيمان قولا، . . إلخ. لكن يبدو أن الماتريدى -سابقا فى ذلك معاصره الأشعرى- قد راح ينازل الكثير من الفلاسفة (وكذلك الثنوية والدهرية والفرق الباطنية، وفى المقام الثانى المعتزلة والمجسمة). ومع أنه -مثله فى ذلك ملر الآخرين- كان يتناول صفات اللَّه والأسماء الحسنى، فإن المسألة الأساسية التى هى موضع اهتمامه كانت "خلق العالم". ومن المحتمل تماما أنه لم "يؤسس" مذهبًا بالمعنى الحرفى

هـ - العصر الحديث

لذلك، لكن الكثير من المتكلمين ينظرون إليه مع ذلك باعتباره نقطة المرجعية. وفى السنوات الأخيرة أضحى من الصعب التمييز الواضح بين كل من أتباع الأشعرى وأتباع الماتريدى، فبينما "فخر الدين الرازى" و"الدوانى" و"اللقانى" يعدون أشاعرة واقعين تحت تأثير الماتريدى، فإن "أبا البركات النسفى" و"التفتازانى" قد ينظر إليهما على أنهما منتمين أساسا إلى سلك الأحناف الماتريديين ومنتمين بصفة ثانوية فقط للأشاعرة (من حيث كونهم قبلوا بنظرية الأجزاء). ومذهب الأحناف الماتُريديين فى واقع الأمر -إذا ما قورن بمذهب الأشاعرة- يقترح حلولا ذات طابع سيكولوجى وفكرى، كما تعرض ذلك كتب بعينها (مثل كتاب "نظم الفرائد" لعبد الرحمن بن على). فالأخير يعتبر أن اللَّه يخلق فى الإنسان "أصل" أفعاله أيا كانت، والإرادة الحرة للإنسان هى التى توجهها نحو الخير أو الشر. والأول يرى أن القضاء والقدر لم يعودا مرتبطين -على نحو ما يرى الأشاعرة- بإرادة اللَّه، بل هما مرتبطان بالمعرفة الربانية Dirrine Knowledge وأن الروابط بين أحدهما والآخر فى الزمن والأزل معكوسة. (انظر القضاء والقدر أيضًا). هـ - العصر الحديث: النهضة التى عرفها الفكر العربى الإسلامى فى نهاية القرن التاسع عشر تحققت بصورة خاصة فى مجال الثقافة بمعناها الواسع وبصفة أساسية فى ميدان الأدب تحت تأثير الفكر الغربى الحديث -لكن كان لها رد فعلها على علوم الدين" ومن ثم على "التفسير" و"أصول الفقه". . ونقول ذلك وحركة الإصلاح التى تولتها السلفية ماثلة فى الأذهان. لكن هل يجوز لنا الحديث عن انبعاث لعلم الكلام؟ للإجابة على هذا السؤال سنلجأ إلى رسالة "الرد على الدهريين" لجمال الدين الأفغانى، وكذلك "رسالة التوحيد" لمحمد عبده، وبعض الكتابات الأخرى لهذا الأخير. فكتاب الأفغانى الذى يهاجم المتشككين والمنكرين المعاصرين قد حض عليه الاهتمام بالدفاع عن العقيدة، ورسالة محمد عبده القصد منها أن تكون بمثابة شرح جذاب للإسلام يهدف إلى التأثير على

(3) المنهج والإشكالية

الإنسان المعاصر وإثارة اهتمامه. وربما نلحظ أنه يُعرف "علم الكلام" بأنه توطيد العقائد الدينية وتفسير الوحى سعيا إلى الحفاظ على الدين وترسيخه. وتستمد رسالة التوحيد أهميتها من حقيقة كونها تطالب بعدم رفض أى شئ موروث من عصور الماضى العظيمة، وضرورة التمرس على الإفادة من الإنجازات الإيجابية لكل مذهب. ويتمسك محمد عبده بصفة أساسية -ولكن دون جمود- بمذهب الأشاعرة (أسماء اللَّه الحسنى وصفاته، ولا محدودية أفعال اللَّه سبحانه وتعالى. . . الخ). لكنه لا يتردد فى أن يستمد الأفكار من مواقف كان المتعارف عليه اعتبارها ماتريدية، أو أن يتبنى حتى مواقف معتزلية. لقد كان محمد عبده يسعى إلى النفاذ فيما وراء خلافات العصور الماضية من أجل تحقيق التصالح بين النزعات المختلفة للكلام. ومع ذلك فدوره لم يكن دور المفكر (أو عالم الفقه) بقدر ما كان "دور المصلح"؛ فهو حين يجابه غيب، "فعل اللَّه سبحانه وتعالى فى العالم" لا يحاول أن يفرض عليه اجتهاده النابع من الاستنارة بالوحى، وفقا للنهج الذى وجد مفكر مثل "فخر الدين الرازى" نفسه مضطرا لاتباعه ومن أجل تعزيز إيجاب الإيمان وإيجاب الخبرة الإنسانية، نجده يفضل الاحتماء بالإقرار بجهله. (3) المنهج والإشكالية: أ- المحاجاة وأساليب الاستدلال العقلى: على هذا النحو تقدمت الحلول وتنوعت للغاية المقاييس المختارة؛ لكن جمع بينها أنها كانت دائما تتنوع تبعا للعقيدة التى تدافع عنها أو تبعا للخصوم الذين تجرى مواجهتهم. وسوف نقتصر فى تناولنا على بعض الملحوظات حول المذهبين الكبيرين. لقد سعى المعتزلة -فى ظل هجمات الزنادقة- إلى إعلاء شان وحدانية اللَّه المطلقة وعدالة اللَّه المطلقة، لكن هذا الإعلاء سرعان ما يستحيل بفعل الحجج المدفوع بها لتحقيق الإقناع إلى مجرد "تبرير"؛ بمعنى أن الذات الإلهية والفعل الإلهى يصبحان مبررين أمام

عقل الإنسان ومن خلاله. ومن أجل مواجهة كشف الغيب هذا انبرى الأشاعرة معلنين عن "كلية القدرة الإلهية" و"كلية العلم الإلهى" ورافضين أى أساس أنطولوجى لحرية الفعل لدى الإنسان، وكانوا فى الوقت ذاته يسعون إلى مناقضة المعتزلة (بنفس أسلحتهم) والى مناقضة المجسمة (أى المنادين بالتجسيم) على اختلاف درجاتهم على الجانب الآخر. وفى الحالتين -حالة الأشاعرة وحالة المعتزلة- كان منطلق الحجج الجدلية هو افتراض أن العقل أهل للثقة وأنه يتعين الاعتراف بنوع من التناغم بين الشريعة والجهود العقلية المبذولة للتأثير فيها. وتلك فى اعتقادنا هى القاعدة الأساسية لعلم الكلام التى من شأنها أن تجعل منه فرعا دراسيا مستقلا، وليس مجرد هذه أو تلك من النظريات الكونية أو الفكرية، سواء كانت تعالج الأجزاء (الذرات) أو تعالج الأحوال. لكن بينما العقل لدى المعتزلة بمقدوره ويتعين عليه أن يعلل سبب اتفاقه مع الشريعة، فإن الشريعة لدى الأشاعرة هى التى ترسم للعقل حدوده وتحكم فعالياته. وفى الحالتين تكون الشريعة هى حاملة الحقيقة المطلقة التى يعين حدودها -من وجهة نظر المعتزلة- معيار العقل، أما بالنسبة للأشاعرة فذلك راجع فقط إلى أن الشريعة تفرض على الإنسان إعمال العقل لكى يتسنى له "التفكر" فى "مظاهر الكون". وعلى ذلك فمنهج علم الكلام "أساسا" تفسيرى ودفاعى، وهو يفترض دائما وجود خصم ينبغى الفوز عليه. وتتنوع تبعا لطبيعة الخصوم ليس الحجج فقط بل وطريقة عرضها أيضا، ويجدر بالذكر أن الحجج "العقلانية" كانت فى أغلب الأحوال أول ما يجرى تقديمه؛ وهى جدلية فى جوهرها وتتبع دروبا عويصة فى الاستدلال العقلى، وإن كانت المصنفات الحديثة تضفى عليها مظهرا قياسيا. وكانت الحجج حتى عصر "الديوانى" -وكذلك الحال أحيانا مع المجددين- قائمة على أساس منطق ذى حدين حسب الأسلوب التقليدى عند الجماعات التى ترجع إلى العنصر السامى Semitic التقليدى، ومن خلال التضمين أو

التضامن أو الاتفاق والاختلاف أو التقابل. ونجد ملخصا يوضح ذلك فى كتاب "البيان عن أصول الإيمان" لمؤلفه "السُمنانى" وهو من تلامذة الباقلانى. والحجج "المنطقية" تكون متبوعة (وأحيانا مسبوقة) بالحجج "التقليدية"، أو بألفاظ أخرى -الحجج المستمدة من المراجع؛ وهذه تتمحور حول استشهادات من القرآن الكريم، تتمثل من جهة فى تلك المقدمة فى سبيل الدعم المباشر للحجة، وتتمثل من جهة أخرى فى استشهادات الخصوم التى تصبح الأخطاء فى تفسيرها منفذا للهجوم عليها. . . ويمكن أن تضاف إلى هذه الاستشهادات أيضا الأحاديث الشريفة، وهى وافرة العدد فى بعض الحالات وقليلته فى حالات أخرى. وهذا بصفة خاصة هو الإجراء الذى اتبعه الأوائل من كبار الأشاعرة، وقد اعتمد أغلبهم على النصوص المستندة إلى الاجماع. . . وكان من حججهم الأثيرة مقولة "من المتفق عليه أن. . . ". الديوانى وآخرون غيره ويُفسح حيزا كبيرا للإجماع والحقيقة المتمثلة فى كون هذه الحجج "التقليدية" قد سيقت فى بعض المراجع بعد الحجج "العقلانية" إنما تشير إلى أن الحجج التقليدية عدت بمثابة تاكيدات لنتائج الاستدلال الجدلى. وهكذا تتجلى الطبيعة الدفاعية لعلم الكلام من حيث رجوعها إلى العقائد فى دعم الحجج. وابتداء من الديوانى فصاعدا تخلى الجدل وفقا للأسلوب العتيق وما يرتبط به من استدلال ذى حدين عن موقعه -ودون أن يختفى كلية- لصالح الجدل ذى النمط القياسى فى ثلاثة حدود؛ بما يتضمنه من وجود "حد أوسط كلى" وكذلك الرجوع -ضمنيا كان أم صريحا- إلى "مبدأ العلة". وأضحى الفلاسفة خصوما مألوفين على قدم المساواة مع المعتزلة بل وربما أشد خصومة منهم؛ ومن ثم صار لزاما مناقضتهم بنفس أساليبهم، الأمر الذى أكسب المنطق الأرسطى (المتأثر بالرواقية) نفوذا متزايدا فى مجال حجج الكلام. وتُورد أولى المؤلفات الممثلة لهذه النزعة "الجديدة" -مثل "المحصل" للرازى و"شرح الموقف" للجرجانى وغيرهما- أسئلة تتعلق باللَّه سبحانه وتعالى مع مناقشات عقلانية بحتة مستفيضة، استعرضوا فيها

الموضوعات المنطقية والكونية والفكرية والميتافيزيقية التى تناولها الفلاسفة. وفى هذا الإطار يعالج المنطق وفقا للخطط الأرسطية مع بعض التحوير أحيانا (خصوصا أشكال القياس الأربعة أو حتى الخمسة)، ومع ذلك فالمحاجاة القديمة ذات الحدين لا تختفى كلية، إذ يمكن أن نجد مؤشرا عليها فى تحبيذ الاستدلال بالإحراج؛ اذ من المحتمل أن هذا نهج أرسطى، وإن كان الحد الأوسط الضمنى غالبا ما يكبت لصالح حجة تقوم على ثبت يتمثل فى (حقيقة أو نص مستشهد به) أو لصالح الحكم الوجودى الجدلى [انظر "بُحران"]. ويمكن تمييز مذهب المجددين عن فكر الأجيال الأولى من الأشعرية بما قدمه من حلول أكثر غموضا فى دلالتها وبما أثاره من إشكاليات جديدة. وهو يميز بصفة خاصة باستخدامه للقياس بعد أوسط كلى وبرجوعه للعلية Causality حتى لو كانت فَعَالية العلل الثانوية مرفوضة على المستوى الأنطولوجى. وعلى ذلك فقصارى القول إنه يمكن إعادة تقسيم المذاهب إلى "الكلام المعتزلى" و"الكلام الأشعرى المبكر" وهما برغم التعارض فى المبادئ التى يؤكد عليها كل منهما إلا إنهما ربما يشتركان فى نفس الموقف تجاه المسائل المعنية ويستخدمان نفس أساليب الاستدلال؛ والكلام الأشعرى المبكر وأشعرية "المجددين" يدعمان نفس المبادئ لكنهما يختلفان بدرجة ملموسة فى تناولهما للمسائل المعنية (اتخاذ "المقدمات الفلسفية") وكذلك فى طرائق الاستدلال. وفى نهاية المطاف تبنت "النزعة المحافظة الجامدة" من جديد ما قد صار فى ذلك الوقت مبادئا كلاسيكية ومزجت بين التناولين الجدلى والقياسى دون أن تميز دوما أحدهما عن الآخر. والكلام الأشعرى المبكر (الباقلانى والإسفرايينى، والأشعرى ذاته) قد اعترف -على ما ذكره ابن خلدون فى مقدمته) برجعية البراهين أى أن بطلان البرهان يعنى ضمنا بطلان ما قصد به إثباته. وهكذا -وفقا لتعليق "لويس ماسينيون"- أعلن الباقلانى أن رؤية العالم من منظور نظرية الأجزاء (النظرية الذرية) أمر يتمشى مع نص القرآن الكريم.

ب- صوغ المسائل

ب- صوغ المسائل: هذه الدراسة لأساليب الفكر والمحاجاة المستخدمة فى "علم الكلام" إنما تؤكد على أن النزاع بين الأشاعرة والمعتزلة كان جزءا من عملية متواصلة. وهناك انشقاق فيما يتعلق بالمبادئ الرئيسية المعلنة؛ لكن الأمر ليس كذلك فيما يتعلق بأنماط الحجج أو طريقة الاستدلال المستخدمة، ولا فيما يتعلق بالخطوط العامة أو مخططات الأطروحات. ومن وجهة النظر هذه فإن الكلام -باعتباره مبحثا راسخا- مدين للمعتزلة بالكثير؛ فأصولهم الخمسة تواصل (مع بعض المتغيرات) السيادة على الأمر برمته، لهذا نجدها فى "اللمع" للأشعرى وأيضا فى "التمهيد" للباقلانى. ومع ذلك فابتداء من عصر الديوانى فصاعدا (وبصفة خاصة ابتداء من الرازى) تظهر ثلاثة مستجدات: - (1) الملاحظات الاستهلالية على طبيعة الاستدلال (الديوانى فى الإرشاد)، وعلى طبيعة الكلام (الغزالى فى "الاقتصاد")، وأخيرا على المبادئ العامة للمنطق والفلسفة الطبيعية والانطولوجيا (الرازى، الإيجى، الجرجانى) تصبح ذات أهمية متزايدة على الدوام إلى أن تبرز ضمن الأطروحات الفعلية ذاتها. (2) فى الموضوعات الأكثر اختصاصا بالتوحيد -على وجه التحديد- ينشأ تمييز بين الفصول المعلقة بالإلهيات من جهة وبين الفصول المتعلقة بالسمعيات؛ أى الفصول التقليدية التى تعتمد المُحاجاة فيهما على البيانات الموجبة. وتجمع الفصول الفلسفية والإلهيات معا تحت مصطلح "العقليات"؛ حيث إن السمعيات تتناول النبوة والمسائل المتعلقة بالآخرة والأحكام والأسماء (مسألة الايمان) والأمر بالمعروف. وبعض المؤلفين كالديوانى والغزالى يجعلون النبوة كرابطة بين الإلهيات والسمعيات. (3) وأخيرا جرى التمييز -الأمر الذى أعاد محمد عبده أخذه فى الاعتبار- بين ما هو ضرورى فى اللَّه سبحانه وتعالى (كالوجود والصفات) وما هو ممكن فى اللَّه (كالقابلية للرؤية وخلق أفعال البشر والتسويغ والطرد من الرحمة) وما هو مستحيل فى اللَّه سبحانه وتعالى وله (نقيض الصفات)،

وهذه الإضافات المختلفة غالبا ما تتمازج معا. ونجد الديوانى يصر على تقسيمه الثلاثى الذى يشمل الضرورى والممكن والمستحيل، بما فى ذلك النبوة وخلق الأفعال فى الفصل الذى يعالج "ما يدخل فى قدرة اللَّه"، ويخصص مصطلح "السمعيات" للفصول التقليدية الأخرى. ويبدو أن مبادئ التمييز الجديدة هذه راجعة إلى تأثير الفلسفة، فمن أجل الرد على الفلاسفة كثرت المقدمات والفصول الفلسفية؛ ومصطلح "الإلهيات" يعد ضمن مفردات الفلاسفة، والتمييز بين "الضرورى" و"الممكن" و"المستحيل" هم واضعوه. وعلى ذلك فمن المؤكد أن صوغ المسائل فى الأطروحات الكبرى للأشاعرة فى عصر المجددين يستمد أصله من الصياغة القديمة التى قام بها المعتزلة ومن أصولها الخمسة، ويستمدها كذلك من تأسيس المعارف الفلسفية التى اتسم بها الفلاسفة وبصفة خاصة على النحو الذى عرضتها به (موسوعة ابن سينا) (¬1). وأكثر المصنفات ثراء وأوفرها تفاصيلا - (وهو "شرح المواقف" للجرجانى الذى يدرس فى إطار برامج دراسية خاصة تدور فى الجوامع التعليمية الكبرى) - مرتب على النحو التالى: ثلثى العمل (الكتب من 1 - 4) تعالج المنطق والفلسفة الطبيعية والأنطولوجيا العامة. والثلث الأخير مقسم بين الإلهيات (الذات الإلهية -وحدة وتفرد اللَّه- صفاته المباشرة وصفاته الممكنة. . أى إمكانية رؤيته وامكانية إدارك وجوده)، وكذلك أفعال القادر (خلق أفعال البشر) والأسماء الحسنى، والسمعيات (وهى أقصر نسبيا). وهنا لا تنهض مسألة التمييز بين "الفلسفة" واللاهوت theology (نظير الإلهيات فى العلوم المسيحية) بالمعنى الغربى وصحاولة التوفيق بينهما؛ بل مسألة الرد -الذى يسعى لأن يكون شاملا- على أطروحات الفلاسفة والمعتزلة. ولما كان الرد يقصد إلى استخدام أسلحة الخصوم فإن مفردات الفلسفة وحججها قد أدمجت بصورة واسعة فى علم الكلام. ويمكن القول بأن تاثير الفلاسفة استطاع عن ¬

_ (¬1) يقصد "موسوعة الشفاء".

(4) مكانة علم الكلام فى الفكر الإسلامى

طريق المتكلمين أن يخترق الفكر السنى بصفة عامة. (4) مكانة علم الكلام فى الفكر الإسلامى: يبقى علم الكلام أحد العلوم الدينية المعترف بها على نحو رسمى؛ لكن المدارس المختصة بالعلوم الدينية فى جامعات البلاد الإسلامية تعرف باسم "كليات الشريعة"، وفيها يدرس "الفقه" بنفس القدر كعلم الكلام إن لم يكن بقدر أكبر. ومن ثم فالكلام -المكلف أساسا بوظيفة الدفاع عن الدين- لا يشغل فى الفكر الإسلامى موقع الصدارة الذى يشغله اللاهوت فى المسيحية. ولكى نجد معادلا للاهوت theology بمعناه المسيحى يلزم اللجوء إلى العديد من المباحث الدراسية، وإلى "أصول الفقه" بنفس القدر الذى نلجأ به إلى "الكلام" وسوف نتحول الآن إلى رسم حدود هذه الحقيقة واستخلاص نتائجها، لكى نضعها فى سياقها التاريخى: أ - ثلاثة آراء: (أ) فى كتابه "إحصاء العلوم" يقسم الفارابى العلوم وفقا لخطط التصنيف الأرسطى، مضيفا إليها مبحثى "الفقه" و"الكلام". وتلخيصه لأساليب المحاجاة التى استخدمها المتكلمون ينأى عن كونه مديح، وهو يؤكد على الطبيعة الدفاعية لعلم الكلام، ويميل إلى اعتباره امتدادًا للفقه ويقول إن المتكلم يدرك سمو المبادئ التى يرتكز إليها الفقه دون أن يخلص منها إلى أى نتائج جديدة. (ب) فى كتابه "الاقتصاد" يكرس الغزالى ثلاثة من الفصول الأربعة لمقدمته للطبيعة ودور علم الكلام؛ فهذا المبحث له مكانة بين العلوم الدينية لأنه معنى بشفاء المتشككين من شكوكهم ودحض إنكار الناكرين، لكن دوره, علاجى أساسا ومن ثم فدراسته "فرض كفاية" كما ذكر فى "إحياء علوم الدين"، كان لم يكن اختصاصا موكولا إلى كل مسلم لأنه قد يكون مكمن خطر على النفس البسيطة الراسخة الإيمان. وفى "المنقذ من الضلال" يعيب الغزالى على "الكلام" مبادئه العقلانية التى تفتقر إلى البراهين الكافية. (جـ) وعلى النقيض من ذلك نجد كبار مؤلفى المصنفات المجددة (ومن ثم

ب- المعارضة

"الإيجى" و"الجرجانى") يعلون قدر الكلام للغاية لدرجة وصفهم له بأنه أمجد العلوم من حيث كونه "يبرهن" على الحقائق التى هى من مقتضيات الإيمان، ويذهب البعض منهم إلى اعتباره فرض عين على كل مسلم قادر على استيعابه. . وهذا التقييم مكرر بنصه الحرفى فى مصنفات أهل الجمود الفكرى. فالباجورى مثلا فى مصنفه "حاشية على جوهرة التوحيد" يذهب إلى أن الإيمان عن طريق التقليد يفقد كل قيمة إذا ما قورن بالإيمان الراسخ عن علم، على النحو الذى يمكن أن يوفره الكلام. ب- المعارضة: كان للكلام على مدار تاريخه فئتان كبيرتان من المعارضين، فمن جهة نجد الحنابلة والظاهرية الذين رفضوا أى تناول للحقائق الإيمانية من خلال الحجج المنطقية؛ ومن جهة أخرى نجد الفلاسفة الذين انتقلوا من المعارضة الصامتة -بل الخفية فى واقع الأمر- التى عرف بها الفلاسفة المشرقيون، إلى أعنف الهجمات التى عرف بها "ابن رشد". . ثم ما لبث الفلاسفة أنفسهم أن تعرضوا لهجمات المتكلمين. (أ) المعارضة الحنبلية: واكب العصر العظيم للكلام المعتزلى عهد المأمون، فقيه سَما إلى منزلة المذهب الرسمى للدولة؛ فذلك هو الوقت الذى فرض فيه مبدأ "مخلوقية القرآن" بتأثير النفوذ العلمانى، وتعرَّض أنصار "لا مخلوقية القرآن" للاضطهاد وصدور الأحكام عليهم من المحاكم، حتى أن "ابن حنبل" نفسه تعرض للاتهام والجلد، وقد أطلق على تلك الفترة فيما بعد اسم "المحنة". وقد حدا رد الفعل الحادث فى عهد المتوكل بالمذهب السنى إلى توجيه ضربة حاسمة إلى المعتزلة، وسيقوا هم بدورهم للمثول أمام القضاة وأفنيت أعمالهم. وتلك الحركة التاريخية -التى يمكن أن نطلق عليها "انبعاث الإسلام السنى فى القرن 12 م" والتى ظلت أول أمرها تحت نفوذ السلف الصالح- كانت ترفض أى إعمال للعقل أو للطريقة الجدلية فى إثبات الأمور المتعلقة بالعقيدة. ومن الثابت أن الإصلاح الأشعرى أبدى احترامه أول الأمر لابن حنبل، لكنه أيضا سعى إلى قهر المعتزلة والى الرد عليهم بأساليبهم، كما كان لديه

(ب) النزاع على "التهافت"

طموح ليصبح الواجهة الرسمية للمذهب السنى المنبعث من جديد. وكان الصراع بين الحنابلة والأشاعرة يصبح حادا أحيانا بل وعنيفا، وكان بوسع بعض المؤلفين الحديث عن محنة ثانية بعد وفاة الأشعرى حينما هدم مدفنه بمقابر بغداد. وفى القرن 5 هـ/ 11 م أمر الوزير "الكندرى" بلعن المذهب الأشعرى من على منابر نيسابور، واضطر الديوانى إلى الاحتماء ببغداد (لكن سرعان ما أسبغ "نظام الملك" بعد ذلك تأييده على الأشاعرة). وفى ذلك الوقت تقريبًا كان الصوفى الحنبلى "الأنصارى" يكتب مؤلفه "ذم الكلام وأهله" الذى يتضمن واحدة من أشد الهجمات التى بين أيدينا. وفى القرنين 7 - 8/ 13 - 14 م ردد الحنبلى الشهير "ابن تيمية" أقواله، وقد هوجم هو ذاته وأدين (وتعرض للسجن فى أحد الأوقات) بتحريض من المذاهب الفقهية الأخرى. وهو حين يذكر آراء المتكلمين الذين يرفض صلاحية حلهم لأية مسألة، إنما يشير إلى "القدرية" و"المعتزلة" معا، ويضع فى مواجهتهم "الجبرية" دون أن يميز "الأشاعرة" عنهم. وقد بلغ علم الكلام الغاية حقا بنيل الاعتراف الرسمى به؛ إلا أنه فى ذلك الوقت حينما حاول الحنابلة -وبصفة خاصة ابن تيمية- ممارسة قدر كبير من النفوذ على الحركات المعاصرة سعيا إلى الإصلاح، كانت التوجهات الجدلية للمذاهب والأطروحات يُنْظَر إليها بشئ من الريبة. (ب) النزاع على "التهافت": فى وقت مبكر للغاية أدت الحملة التى واصلها "الكلام" من أجل الدفاع عن العقيدة به إلى تحدى الفلاسفة. وبالرغم من فشله المطبق فى التغلب على المعارضة الحنبلية، فيمكن القول إنه حتى نهاية القرن 19 - بل وربما حتى اليوم فى بعض دوائر الفكر- لعب الكلام دوره فى وصم الفلسفة بالخروج عن الاجماع وإنزالها منزلة دونية. وكان لدى أول فيلسوف كبير -وهو "أبو يوسف الكندى"- أصدقاء من المعتزلة، كما كان هو ذاته فى عداد المتكلمين. لكن "الفارابى" (الذى وجه نقدا مريرا لمناهج الكلام) وكذلك "ابن

سينا" اتخذا موقفهما داخل دائرة البحث الفلسفى التى كانت جد مختلفة عن دائرة المتكلمين. وقد كتب "أحمد أمين" فى "ضحى الإسلام" أن الفلاسفة على خلاف المعتزلة كانوا فلاسفة أولا ورجال بالدين بعد ذلك؛ وأنهم كانوا يكترثون بالدين فقط متى وقع الخلاف بينه وبين تأملاتهم الفلسفية، سعيا للتوفيق بينهما. ولسنا الآن فى سبيلنا إلى تناول الدفاع الجدلى أو التبريرى عن العقيدة، بل لتناول دائرة واسعة من المنظورات الفلسفية التى هى أساسا من وحى الفلسفة الإغريقية، وإن اشتملت بالتأكيد على بعض التأثيرات الإسلامية، والتى تهدف إلى تبيان اتفاقها البعدى a posteriori مع القرآن الكريم. والبحث المنطقى يشغل المكانة الأولى، والاتفاق مع مبادئ العقيدة غالبا ما يتم تحقيقه بالقدر الوافى عن طريق التأويل الواسع للنصوص القرآنية. وقد كان المحيط الذى عاش فيه "الفارابى" و"ابن سينا" مصطبغا بوضوح بالتأثيرات الشيعية، أو كانت تسوده، ولم تكن الحواشى التفسيرية على القرآن الكريم أمرا غير مألوف، ولم تكن صحة عقيدة الفلاسفة موضع شك فى ذلك المحيط. لكن الأمور اختلفت ابتداء من القرن 5 هـ/ 11 م فصاعدا بعد انتعاش المذهب السنى؛ إذ سرعان ما صار الفلاسفة -جنبا إلى جنب مع المعتزلة والمجسمة- خصوما وعرضة لهجمات الكلام الأشعرى والماتريدى. وقد قام الغزالى بتلخيص أفكارهم بموضوعية فى "المقاصد"؛ ثم تكفل بمناقضتها فى مؤلفه الشهير "تهافت الفلاسفة"، ووصم فيه عشرين من معتقداتهم بالخطأ، ودفع أربع منها بأنها موجبة للتكفير هى: أزلية العالم سلفا -أزلية العالم مستقبلا- التفسير الرمزى لنشور البدن -إفتقار اللَّه إلى المعرفة بالفرد فى حد ذاته. والترجمة الذاتية للغزالى المعنونة "المنقذ من الضلال" تؤكد بدورها على أخطاء الفلاسفة وعلى ما كانوا يمثلونه من خطر على العقيدة. وبعد ذلك بعدة عقود نال "الشهرستانى" لقبه "عدو الفلاسفة".

وجاء رد "ابن رشد" فى القرن التالى فى كتابه "تهافت التهافت" الذى آلى على نفسه فيه مناقضة الغزالى وإظهار الاتفاق بين الفلسفة والتعاليم القرآنية. وهو فى "فصل المقال" وفى "الكشف عن المناهج العادلة" يضع موضع الشك حتى مشروعية الكلام، إذ يتهمه بتمزيق الشريعة إربًا وتفريق الناس شيعًا وأحزابا (وكذلك "موسى بن ميمون" يتخذ مثل هذا الموقف المتشدد من الكلام). ويجدر بالملاحظة أن ابن رشد تمادى فى إعادة استخدام النقديات التى كان الغزالى أول من رسم إطارها، ولكن بصورة أكثر تشددا وأشد عنفا. وفى واقع الأمر فإن ابن رشد الذى قدر له أن يلعب هذا الدور فى تاريخ العصور الوسطى اللاتينية، يبدو أنه على نقيض أسلافه المشارقة كان قليل التاثير على الفكر الإسلامى. وكل مصنفات الكلام التى وضعت بعد ذلك تلخص وتناقض -دون أن تفتر لها همة- موقف الفلاسفة (لاسيما الفارابى وابن سينا) ومن ثم فقد حظيت كما لاحظنا بمقدماتها الفلسفية المسهبة. وينبغى هنا الاعتراف بأنه برغم أن "المحصل" للرازى و"شرح المواقف" للجرجانى يواصلان شجب الكثير من معتقدات الفلاسفة ودمغها بالزيف، فإن الملخصين اللذين يقدمانهما يتسمان بقوة التحليل ويهدفان إلى الموضوعية، بينما المناقضات المطروحة لا تعدو أحيانا أن تكون -خصوصا فى حالة "المحصل"- مجرد تأكيدات عامة. وتكاد الفلسفة المشرقية تكون هى المعنية دائما، ومن ثم فهى التى واصلت التأثير على تطور علم الكلام. ونجد كيانا مختلطا قد نشأ؛ وهو عبارة عن نوع من علم الكلام المشبع بالفلسفة، أو هو نوع من الفلسفة التى انتقلت إلى ميدان مسائل علم الكلام. . . وهذا لم يكن دائما فى صالح أى من هذين المبحثين. وفى الختام قد يعن لنا أن نشير إلى موقف "ابن تيمية" الذى كان شديد العداء لكل من الفلسفة والكلام؛ وموقف "ابن خلدون" الذى كان من الناحية العلمية يكرر فيما يتعلق بالفلسفة المزايا والانتقادات التى ذكرها الغزالى؛ ونشير

(جـ) علم الكلام والمذاهب الفقهية

أخيرا إلى "التهافت الثالث" وهو من تأليف التركى "خوجة زاده" فى القرن 9 هـ/ 15 م، وقد استمد عنوانه من عنوان كتاب الغزالى وسعى فيه إلى مناقضة كتاب ابن رشد "تهافت التهافت". (جـ) علم الكلام والمذاهب الفقهية: يقدم علم الكلام نفسه باعتباره موضحا للعقيدة ومدافعا عنها؛ ومن هذا المنطلق نازل المعتزلة الزنادقة والحرفيين فى القرون الهجرية الأولى، ثم جاء الأشاعرة وتحدوا المعتزلة والحرفيين والفلاسفة. إلا أننا نجد الحنابلة وكذلك الظاهرية الخارجة على الاجماع يرفضون الاعتراف بهذا المنهج، وذلك لأن الحنبلية والظاهرية كليهما مذهب فقهى، الأمر الذى حدا بهما إلى رفض المحاجاة الجدلية التى اتبعها المتكلمون، وقد ارتأوا أن يضطلعوا هم بدور الدفاع عن العقيدة الذى زعم "الكلام" قيامه به. وعلى ذلك فلربما يجد المرء فى أعمال بعض المؤلفين من أمثال "ابن حزم" أو "ابن تيمية" الكثير من الشروح على صفات اللَّه، وأفعال البشر، والنبوة والأيمان، والتى تتضمن الكثير من الخوض فى الإهيات، كما هو الحال مع بعض مصنفات الأشاعرة المتأخرة والمُصَّحفة. ومن جهة أخرى فإن المذاهب الفقهية الأخرى توصلت إلى تسوية سهلة مع علم الكلام ومناهجه وأساليبه فى المحاجاة. ونحن هنا نتعامل مع مواقف نابعة من توجهات فكرية مختلفة، ومع الصلة بين الكلام والفقه التى سبق للفارابى التأكيد عليها. ويتعين علينا ألا ننسى ذلك. ويمكن القول بأن المذهب الأشعرى تطور بمنتهى اليسر فى المناخ الشافعى، وأحيانا فى المناخ الحنفى، ثم فى المناخ المالكى آخر الأمر. كما أن ما عرف بالنزعة الماتريدية كان فى أوائل أيامه وثيق الصلة بالمذهب الحنفى إلى حد يمكن معه الحديث عن توجه "حنفى ماتريدى". وأخيرا فإن الترحيب الذى لقيه مذهب المعتزلة من الطوائف غير السنية -وبصفة خاصة الزيدية- كان أمرا على قدر كبير من الأهمية. وعلى ذلك فحين نرغب فى تقييم مكانة علم الكلام فى الفكر الإسلامى، ينبغى عدم اعتباره مبحثا تطور بطريقة

(د) الموقف اليوم

عصامية؛ فهو مرتبط بالعلوم الدينية الأخرى -بصفة خاصة "أصول الفقه"- فى وحدة ثقافية مرنة أملت لأكثر من مرة كل من المواقف التى اتخذتها المذاهب والمعارك التى تعين عليها خوضها. (د) الموقف اليوم: فشلت هجمات "ابن رشد" فى تهديد الشرعية التى حظى علم الكلام بالاعتراف بحوزه لها. لكن هجمات الحنابلة و"السلف الصالح" -من ناحية أخرى- أسفرت عن تركة من الشك والارتياب. ونجد بعض آثار ذلك قد امتدت إلى يومنا هذا، حتى إن تأثير السلف هو الذى يوحى بـ "العودة إلى الأصول" التى تنادى بها حركات الإصلاح الحديثة. وصحيح أن علم الكلام -على النحو الذى تمثل به فى أبرز علمائه- تبقى له مكانته كإنجاز جدير بالاحترام لأزهى قرون الثقافة الإسلامية، لكننا إذا استثنينا محاولة "محمد عبده" يتعذر علينا أن نشير إلى أى تجديد حى وحديث، ومن ثم فالأصح أن نتحدث عن تحول أو "ابتعاد") معين عن علم الكلام. ويمكن على ما يبدو إبداء السببين التاليين: - (1) لأمد طويل للغاية ظل تدريس هذا العلم الدينى فى الجوامع محصورا فى المصنفات الجامدة التى تفتقر للإبداع وتخلو من آية ميزة جوهرية لافتة للأنظار. (2) مادة الدفاع عن العقيدة تكون ذات معنى فقط متى كانت مرتبطة بالأمور المباشرة، أما وقد أملى محتوى تلك المصنفات من خلال مناقضات الخصوم (المعتزلة فى القرن 3 هـ/ 9 م والفلاسفة فى القرن 4 هـ/ 10 م) الذين كانوا قد اختفوا من على مسرح الأحداث منذ فترة طويلة بينما مسائل اليوم الملحة يجرى تجاهلها؛ فإن الدفاع عن الدين ينبغى أن يبنى على موضوعات جديدة. . فهل تتواصل جهود الأفغانى ومحمد عبده فى هذا الاتجاه؟ إلا أن المثير للاهتمام شأنه شأن محاولاتهما ذاتها، أنهما قصرا للغاية فى بلوغ المستوى الفلسفى اللاهوتى Philosophico-theological standard الذى حققه كبار العلماء فى العصور السالفة؛ فالأفغانى ومحمد

عبده كانا أولا وقبل كل شئ "مصلحين" و"رجلى فعل" لا "متكلمين". ولا يسعنا أن نختم حديثنا إلا بإثارة سلسلة من الأسئلة: هل سيقدر لأى شئ أن يشغل منزلة علم الكلام بمزيد من المنظورات الواسعة وبحيث يخدم موقفا عمليا لا تأمليا؟ أو هل سنشهد تجديدا -فيما يتعلق بمكونات العقيدة الإسلامية- يجيب مرة أخرى على الأسئلة التى ثارت فى الماضى بخصوص اللَّه والإنسان وشروط نجاة البشر من الضلال، ويأخذ فى اعتباره هذه المرة متطلبات الاكتشافات العلمية والأفكار السائدة فى عالم اليوم؟ لكل ذلك فإن الدارس سيكون بحاجة إلى مضاعفة معرفته الموضوعية بكل من الأعمال الكبرى للعصر الكلاسيكى والمسائل المعاصرة. ومن الملائم فى هذا المقام أن نؤكد على انتعاش الحظوة التى يتمتع بها اليوم الفكر المعتزلى؛ ليس على نحو مباشر من أجل دفاعه عن وحدانية وعدالة اللَّه، ولكن من أجل تأكيده على حرية الإنسان فى غمرة الحماس للإيمان بالإله الواحد الخالق والمهيمن، أما الفكر الأشعرى فيبدو أن متطلبات العقيدة لم تعد تستوجبه. فهل يا ترى سوف يحدث تركيب symthesis بين النزعات المختلفة لعلم الكلام تعمل من خلال مجموعة معدلة من الأدوات الفلسفية؟ ويبدو هنا أن الحاجة تدعو إلى دراسة نص القرآن الكريم وإلى المزيد من علم الإنسان anthropology المتطور للغاية؛ لا ليحل ذلك محل "الإلهيات"، بل ليفتح منظورات أوسع من أجل مناقشتها. . . فعلم الكلام قد حظى بماض مجيد، وأثمر اعمالا تستحق أوقر الإحترام من جانب المؤرخ. ولعل من المأمول أن ينهض ذات يوم "كلام" جديد مختلف كل الاختلاف عن القديم من حيث مناهجه وحججه ومداخلاته، لكى يؤدى دوره فى تشجيع الانتعاش الثقافى للعلوم الدينية الإسلامية. المصادر: وردت فى متن المادة. محمد غريب جوده [ل. جارديه L.Gardet]

علم الهيئة

علم الهيئة علم هيئة السماوات، أو علم الفلك، وله فى العربية العديد من الأسماء الأخرى، هو ذلك الفرع من المعرفة الذى يختص بدراسة التركيب الهندسى للكون، وتحديد القوانين التى تحكم الحركات الدورية للأجرام السماوية، وابتداع نماذج تصويرية لوصف تلك الحركات، واختزال المعلومات فى صورة جدولية تسمح للحاسب بتحديد مواقع الأجرام السماوية على النحو الذى تشاهد به من أى منطقة على سطح الأرض بكل دقة ويسر، وابتكار واستخدام الأدوات اللازمة لضمان أقصى دقة فى الرصد. إن التركيب الهندسى للكون على النحو الذى أدركه به الفلكيون المسلمون بعد حوالى عام 800 م يتطابق عموما مع التركيب الذى اقترحه بطلميوس فى كتابه "المَجَسْطى"؛ فالأرض مستقرة دون حركة بالقرب من مركز مجموعة من ثمانية أفلاك تحيط بها آخرها مرصعة بالنجوم الثابتة وهى تدور كل يوم من الشرق إلى الغرب، كما تتحرك أيضا فى الاتجاه العكسى، أو تتذبذب بحركة تعرف بـ "الارتعاش" وكرات الكواكب النجمية الخمس التى لا ينطبق مركزها المشترك على مركز الأرض -تدور بأسلوب يجعل مراكز حركتها المنتظمة غير متطابقة مع مراكزها الهندسية. وكان علم الفلك عند المسلمين معنيا بدرجة كبيرة بشرح تعقيدات هذا النظام وتهذيب القيم العددية التى من شأنها تحويله من نموذج "وصفى" إلى نموذج "كمى" لحركات الأجرام السماوية؛ كتب "الزيج" قائم على الجداول المبنية على الحركات المنتظمة لمختلف أجزاء النموذج الكونى وقيمها العددية المحددة. لهذا اعتبر الفلكيون المسلمون بصفة عامة -وبناء على مؤلف المجسطى- أن النظام الكونى إنما هو تركيب رياضى بحت لا حاجة به إلى سورة فيزيائية مناظرة، لكن ابن الهيثم اعتبر النماذج الواردة فى المجسطى حقائق فيزيائية فى واقعها وكانت المشكلة التى واجهت الذين قبلوا هذا الرأى هى التوفيق بين هذه النماذج وبين الفيزياء الأرسطية،

التى لا مجال فيها إلا لأجرام سماوية تتحرك حركة دائرية منتظمة فى دوائر متحدة المراكز مع مركز الأرض. وقد حاول فلاسفة الأندلس. (ابتداء بابن باجة ثم ابن طفيل وابن رشد والبطروجى من بعده) حل هذه المشكلة إما جزئيا عن طريق استبعاد أفلاك الدوران، أو كليا عن طريق إزالة كل من أفلاك الدوران والدوائر المتحدة المراكز من الأجزاء السماوية للكون، غير أن جهودهم فى ذلك لم تكن ذات آثار هامة على علم الفلك. ثم تنولت هذه المشكلة من منطلق أكثر واقعية فى مراغة وتبريز ودمشق فى أواخر القرن السابع هـ (الثالث عشر الميلادى) وأوائل القرن الثامن هـ (الرابع عشر الميلادى) وكان الهدف من وراء ذلك استبعاد معظم العناصر غير الأرسطية من النظام البطلميوسى (مراكز الحركة المنتظمة والنقطة المقابلة للقمر) لكى يتسنى شرح حركات الأجرام السماوية على وجه الخصوص باعتبارها اتحادات بين الحركات الدائرية المنتظمة. كان علم الهيئة فى عصر ما قبل الإسلام وفى القرن الأول من ظهوره قاصرا على أسلوب بسيط للغاية لتحديد الوقت من الليل عن طريق منازل القمر، وتقدير تقريبى لمواقيت الفصول عن طريق حركات النجوم. لكن حدث فى القرنين الثانى والثالث الهجريين أن ترجمت الكثير من النصوص الفلكية إلى العربية من اللغات السنسكريتية والبهلوية واليونانية والسريانية ولقد ظل المترجمون العرب انتقائيين للغاية طوال النصف الأول أو نحو ذلك من فترة الترجمة هذه وقد تواصلت هذه النزعة الانتقائية وقويت لفترة زمنية طويلة فى مناطق معينة مثل الأندلس. لكن إدخال أساليب بطلميوس الدقيقة وبراهينه الهندسية فى أوائل القرن الثالث هـ أدت إلى نمو سريع فى علم الفلك الرصدى الذى استهدف فى جانب منه استقصاء أسباب التناقضات بين النظم اليونانية والإيرانية والهندية، واستهدف فى الجانب الآخر تحسين القيم العددية التى توصل إليها بطلميوس. وبتنامى الاعتراف بتفوق النظام البطلميوسى فى ديار الإسلام، ظفر كتاب المجسطى عند

الترجمة من السنسكريتية

أغلب الفلكيين المسلمين بمكانة سامية لا يرقى إليها كتاب آخر. وقد اكتملت هذه العملية بظهور كتاب "الزيج الصابئ" للبتانى حوالى عام 900 م وعلى الرغم من نزوع الأندلسيين إلى الفلك الهندى، وهحمات الأرسطيين وما حققته مدرسة مراغة من نجاحات، إلا أنه ظلت لبطلميوس المكانة السائدة حتى مقدم الفلك الغربى الحديث. الترجمة من السنسكريتية: كانت أول ترجمة لنص فلكى سنسكريتى إلى العربية على ما يبدو هى "زيج الأركند Zidj al-Arkand، (واللفظ "أركند" عبارة عن تحريف للفظ السنسكريتى أهرجنا " Ahargana") وقد تمت الترجمة بعد قليل من عام 117 هـ/ 735 م فى السند، وقد بنى على هذا الزيج زيجان آخران هما: "زيج الهزور al-Hazur" و"الزيج الجامع"، اللذان تم وضعهما فى قندهار فى القرن الثانى هـ/ الثامن م. ومن الجلى أن زيج الأركند قد استمد عناصره أساسا من كتاب "كاندا كادياكا Khandakhadyaka"، الذى وضعه "براهما جوبتا" البهيلامالى عام 665 م. وفى عام 742 م ترجم زيج سنسكريتى آخر إلى العربية، وقد صيغ نظما محاكاة للنصوص الهندية وأطلق عليه اسم "زيج الهرقن" حيث من الواضح أن اللفظ "هرقن" عبارة عن تحريف آخر للفظ السنسكريتى "أهرجنا Ahargana". إلا أن أهم ترجمة من السنسكريتية إلى العربية كانت ترجمة الـ "مهاسيدانتا Mahasiddhanta" التابعة لمدرسة البراهما، وقد تمت الترجمة عام 154 هـ/ 771 م ويعتقد أن المترجم هو "الفزارى" الذى مزج فى زيجة "السندهند الكبير" بين المعارف الإيرانية والهندية. وكما وضع الفزارى أيضا حوالى عام 90 م "زيجا على سنى العرب" بناه على عمله الأول، ولاشك أن هذا الزيج كان أول مجموعة من الجداول الفلكية تستخدم التقويم العربى. وهناك عالم آخر من الجلى أنه تناول المهاسيدانتا" على نحو مستقل

الترجمة من البهلوية

هو "يعقوب بن طارق" الذى وضع كتابا سماها "تركيب الأفلاك" عام 777 أو 778 م بالإضافة إلى زيج وكتاب العلل، وجميعها تعكس مزيجا من العناصر الهندية والإيرانية وأعمال الفَزارى واليعقوبى هذه تشكل أساس "تراث السِنْدهِنْد" الذى سنناقشه فيما بعد. الترجمة من البهلوية: الكتابات الساسانية فى الفلك مثلها مثل الكتابات الساسانية فى التنجيم (وكلتاهما عرفت أساسا من خلال ترجماتها العربية وصورها العربية المعدلة)، كانت عبارة عن تركيب متمازج بين مواد إغريقية وأخرى هندية، وكان مجسطى بطلميوس مترجما إلى البهلوية من قبل فى القرن الثالث م؛ وهناك نص تابع لمدرسة منتصف الليل الموجودة فى آرايَبْها كان موجودًا اعتبارًا من عام 556 م، وآخر ينتمى لمدرسة البراهما تكْصَا كان معروفا فى وقت مبكر يرجع إلى عام 450 م. و"الجداول الفلكية الملكية" أو "زيكى شاهرياران" الذى تم تهذيبه من أجل "أنو شروان" عام 556 استخدمه بالفعل "ما شاء اللَّه" حوالى عام 780 - 810 م ولكن يظهر أنه لم يترجم قط إلى العربية. والترجمة الأخيرة -والتى طبعت فى ظل يزدجرد الثالث- نقلت إلى العربية على يد واحد يقال له "التميمى" تحت عنوان "زيج الشاه"، وقد اعتمد عليها كل من الفزارى (وبصفة خاصة لما تحويه من معادلات كوكبية) وأبو معشر، وكانت مخطوطاتها ما تزال متداولة فى عصر البيرونى. الترجمة من اليونانية والسريانية: إن أهم نص إغريقى فى الفلك ترجم إلى العربية هو بالطبع "مجسطى بطلميوس"؛ وقد جرت الترجمات عن كل من النسخة الإغريقية الأصلية والنسخة السريانية. وطبقا لما ذكره الحجاج كان لهذه الترجمة أثر كبير فى السنى الأولى من القرن الثالث هـ/ التاسع م على الفلكيين الذين جمعهم المأمون؛ لا أن أهم ترجمة دقيقة هى

التراث البطلميوسى

تلك التى أنجزها إسحق بن حنين" وصوبها "ثابت بن قرة". وفى غضون القرن الثالث الهجرى والتاسع الميلادى نجد أن "الفروض" لبطلميوس و"الجداول الميسرة" لثيون Theon، وكذلك مجموعة الكتابات الفلكية الإغريقية الثانوية التى عرفت باسم "الفلك الصغير" (وعرفت فيما بعد -حينما أضحى العرف يقضى باستهلال دراسة الفلك بالاستيعاب التام لكتاب "العناصر" لإقليدس- باسم "الفلك الوسيط") قد ترجمت جميعها إلى العربية، كما نشر عدد من الرسائل فى الاسطرلاب بنيت على مصادر إغريقية وسريانية. وهذه المادة التى تأثرت كثيرا أو قليلا بالترجمات التى أنجزت من السنسكريتية والبهلوية (ولعل أروع التأثيرات هو تطوير المسلمين لحساب المثلثات عما كان لدى بطلميوس؛ وذلك بالإفادة من النظام الهندى الذى استخدم فقط دوال الجيب وجيب التمام وقاطع التمام) تشكل لب علم الفلك عند المسلمين بعد القرن التاسع للميلاد. التراث البطلميوسى: المصنفات العربية فى نظرية الكواكب وتركيب الكون -وضحنا سلفا- تعكس بطبيعة الحال النظام البطلميوسى، لكن بسبب ندرة الدراسات التفصيلية أضحى من الصعب الآن تقدير المدى الذى ذهبت إليه آية مجموعة بعينها من الجداول الفلكية (الزيج) فى الاعتماد على مادة هندية أو فارسية أو إغريقية. ومع ذلك، فمن الواضح أنه حتى فى أغلب الأزياج البطلميوسية سيجد المرء قيما عددية وطرقا حسابية أو عناصر أخرى مستمدة من السندهند أو من الشاه؛ وهذا يصدق على "زيج الممتحن" ليحيى ابن أبى المنصور، وفى الأزياج العديدة التى وضعها "حبش"؛ أما أبو معشر فى "زيجة الهزارات" فقد بذل جهدا ملموسا من أجل المزج بين النظم الثلاثة لكى يقيم الدليل على زعمه بأنها قد انحدرت جميعا من وحى فريد أوحى به فى زمن يسبق زمن الفيضان. ومع ذلك نجد "الزلج الصابئ" للبتانى (الموضوع حوالى عام

تراث السندهند

287 هـ/ 900 م) يكاد يكون بطلميوسيا بكامله، وهو من هذه الناحية ربما كان يعكس المناخ الهيلنستى الواضح الذى اتسمت به مدارس الفلك والتنجيم السريانية وبصفة خاصة المدارس الحرانية وقد تبنى "كوشيار بن لبان" القيم العددية التى توصل إليها البتانى، مع أن كوشيار كان بصفة عامة من تابعى "أبو معشر" فى أعماله التنجيمية، والمرء يشك فى أن هذا التأثير يمكن تتبعه إلى أزياجه. و"الزيج الكبير الحاكمى" الذى وضعه ابن يونس حوالى عام 380 هـ/ 990 م فى القاهرة ذو أهمية فائقة نظرا لما يحويه من معلومات تاريخية. كما يعتبر القانون المسعودى الذى وصفه للبيرونى (421 هـ = 1030 م) الذى تتسم أعماله أيضا بأهمية كبيرة نظرا للمعلومات التاريخية التى تضمنها -يعكس كثيرا اهتمام مؤلفه بعلم الفلك الهندى. وأما "الزيج السنجارى" فقد وضعه الخازنى فى إيران حوالى 514 هـ/ 1120 م ترجمت خلاصته إلى اليونانية على يد "جريجورى خيونيادس Gregory Chioniades الذى ترجم أيضا "زيج العلائى" للفهاد)، وظل الخازنى -برغم اهتمامه بنظرية الدورات الهندية لأبى معشر- يواصل الحساب وفقا للتراث البطلميوسى. تراث السندهند: وضعت أسس هذا التراث فى مصنفات "الفزارى" ويعقوب بن طارق" التى امتزجت فيها كما رأينا عناصر ساسانية وإغريقية بأخرى هندية. وأقوى ممثلى هذا التراث أثرا هو "زيج السندهند" للخوارزمى الذى وضع حوالى عام 215 هـ/ 830 م؛ والذى لم تبق من نصه الأصلى سوى نتف وإن كان لدينا ترجمة لاتينية للنص الذى راجعه "المجريطى" فى قرطبة حوالى 390 هـ/ 1000 م، والمترجم هو "أديلارد الباثى Adelard of Bath". ولدينا شروح على زيج الخوارزمى كتبها "المنصور" حوالى عام 261 هـ/ 875 م و"ابن المثنى" فى القرن الرابع الهجرى (وهذا الشرح بقى محفوظا

مدرسة مراغة

فقط فى الترجمات اللاتينية والعبرية التى أنجزت فى الأندلس)، وهذا إلى جانب أجزاء من تعليق "الفرغانى" الذى وضعه حوالى عام 235 هـ/ 850 م وتفاصيل الحفاظ على زيج الخوارزمى هى دليل على الولع الأندلسى الشديد بالسندهند؛ ويعمق من هذا الانطباع حقيقة أن كتاب "نظم العقد" الذى وضعه "ابن الآدمى" حوالى 308 هـ/ 920 م -وهو أحد ممثلى تواث السندهند الرئيسيين فى المشرق- قد عرف أصلا من خلال قطعة نقلبها صاعد الأندلسى. وقد تواصل هذا التراث فى الأندلس على يد "ابن السمح" تلميذ المجريطى؛ الذى بقى زيجه فى صورة مشتتة. ومن المحتمل أن زيج "ابن الصفار" قد فُقد بدوره، وإن كان هناك مخطوط بباريس ربما كان يحتويه. أما الزيج الأندلسى الرئيسى فهو "الجداول الطليطلية" (1) الذى وضعه رزق اللَّه حوالى عام 476 هـ/ 1080 م وهو مزيج بين مواد مأخوذة من الخوارزمى والبتانى، وكان له تأثير هائل فى غرب أوربا حتى نهاية القرن 15 م بين الفلكيين المسلمين (مثل ابن كماد، وابن البناء، . . إلخ) واليهود (مثل ابراهام بن عزرا، بروفاتيوس، . . إلخ) والمسيحيين (فى "جداول ألفونسين" وما أعقبها). مدرسة مراغة: كانت الأندلس كما رأينا مركزا ليس فقط لتراث السندهند؛ بل وللهجوم الأرسطى على بطلميوس أيضا، لكن الأثر الأعمق من الناحيهْ الفلكية كان للجهد المبذول فى مرصد مراغة (الذى أسسه "نصير الدين الطوسى" عام 657 هـ/ 1259 م) تعديلا لنظرية بطلميوس، والذى تواصل بعد ذلك فى تبريز ودمشق. وفى مراغة نفسها حيث عاون الفلكيون الصينيون زملاءهم المسلمين، كانت مشكلة مراجعة فلك بطلميوس ينظر إليها باعتبارها أساسا "مشكلة استبدال مركز الحركة المنتظمة equant" لكل كوكب من أجل أن تصبح كل حركات الأجرام السماوية دائرية

المراصد المتأخرة

منتظمة. وكان "إزدواج الطوسى the Tusi Couple" الذى توصل إليه نصير الدين فى تذكرته قد وفر المقاربة الأساسية للحلول التى اقترحها فيما بعد تلميذه "قطب الدين الشيرازى" عامى 680 هـ/ 1281 م و 683 هـ/ 1284 م، ومن بعده "ابن الشاطر" الدمشقى حوالى عام 750 هـ/ 1350 م، وإن كان كل منهما قد اقترح أعدادا وأبعادا وترتيبات لأفلاك الدوران مختلفة عن بعضها البعض. وكان ابن الشاطر دون غيره هو الذى توصل أخيرا إلى حل مقنع لأصعب كوكبين وهما عطارد والقمر؛ لكن علم الفلك الإسلامى توصل -بحلول منتصف القرن الثامن الهجرى (14 م) - إلى نمادج كوكبية تعتمد فقط على اتحادات بين الحركات الدائرية المنتظمة، مسقطا بذلك مراكز الحركة المنتظمة من نماذج الكواكب النجمية الخمسة، ومسقطا "ميكانيكية ذراع الدوران" و"النقطة المقابلة" من نموذج القمر. وهذا الإنجاز الذى حققه ابن الشاطر يشترك فى الكثير من الملامح مع النمادج التى اقترحها "كوبرنيكس Kopericus" بعد ذلك بقرنين من الزمان، حتى إننا نجد إنمادجهما الخاصة بالقمر وعطارد متطابقة؛ فكلاهما يستخدم "ازدواج الطوسى"، وكلاهما يسقط مراكز الحركة المنتطمة بنفس الطريقة أساسا. ومن ثم فهناك القليل من الشك فى أن كوبرتيكس كان على علم بإنجازات ابن الشاطر، ومع ذلك تظل تفاصيل انتقالها غامضة. وصحيح أن مخطوطات الترجمات اليونانية التى أنجزها" جريجورى كيونيادس" لمختلف الأزياج العربية حوالى 1300 م -عقب عودته إلى القسطنطينية بعد دراسته فى مرصد تبريز- كانت موجودة فى إيطاليا بحلول منتصف القرن 15 م، وأنها كانت تحتوى على أشكال توضيحية من الجلى أنها تشرح ازدواج الطوسى؛ لكنها لا تتضمن أية تفاصيل حول عمل (إنجاز) قطب الدين، كما أنها بالطبع كانت أبكر من أن تتأثر بابن الشاطر، ولابد أن كانت هناك بعض الأعمال الوسيطة. المراصد المتأخرة: إن مرصد مراغة -وكذلك الزيج الذى تمخض عنه وهو "زيجى إيلخانى"

استعمل- كنموذج لجهود المسلمين المتأخرة فى علم الفلك، وهذا برغم أن التحويرات التى ادخلت على نظرية بطلميوس التى وصفناها حالا لم يعرف عنها أنها كانت ذات تأثير قوى على الفلك عند المسلمين بعد القرن الثامن هـ/ الرابع عشر م. وأشهر مرصد بنى على نمط مرصد مراغة هو المرصد الذى أسسه "أولغو بك" فى سمرقند عام 823 هـ/ 1420 م وفيه قام عدد من الفلكيين برئاسة "الكاشى" و"قاضى زاده" بإعداد الزيج المسمى "زيجى سلطانى" حوالى 844 هـ (= 1440 م) كما نشر الكاشى أيضا زيجا من وضعه هو يعرف "بزيجى خاقانى". وكل هذه الأزياج الثلاثة كانت بطلميوسية أساسا بالرغم من التحسينات التى أدخلت على القيم العددية وعلى تركيب بعض الجداول، وبالرغم من إضافة مادة عن التقويم الصينى - الأويغورى Chinese-Uyghur Calender إلى المعلومات الخاصة بالتقاويم الأخرى الشائعة فى كل الجداول الفلكية. وآخر مرصد هام فى الإسلام بنى من أجل "تقى الدين" فى استانبول بين عامى 983 هـ/ 1575 م - 985 هـ/ 1577 م. وهع ذلك فالمراصد الخمسة التى بنيت على نمط مرصد سمرقند على يد "جاياسمها Djayasimha" مهراجا عنبر -فيما بين عامى 1693 - 1743 م فى"جايابورا" و"أوجييغى" و"دلهى" و"ماثورا" و"فاراناسى"، لهى جديرة بالذكر لكونها تمثل محاولة -وإن كانت غير ناجحة- لتحيل الفلك الهندى متفقا مع التراث البطلميوسى الإسلامى. والتأثير الأعظم ثمارا للمراصد الإسلامية المتأخرة على جيران المسلمين هو ذلك الذى مارسته مراصد مراغة وسمرقند واستانبول على الفلك الأوربى، فالعديد من الآلات والأدوات وكذلك بعض الملامح التنظيمية لتلك المؤسسات قد ظهرت فى المراصد التى أسسها "تيكوبر Tycho Brahe" فى "أورانيبورج" عام 1576 م و"سترنبورج" عام 1584 م. ذلك أن تطور المرصد الفلكى، وإنجازات مدرسة مراغة، وخطى التقدم التى تحققت فى حساب المثلثات وفى تركيب الجداول، والمحاولات المتواصلة لتصحيح القيم

- تأسيس الأسرة

العددية؛ تبرز جميعها باعتبارها أكثر منجزات علم الفلك روعة عند المسلمين. محمد غريب جودة [د. بنجرى D. Pingree] العلوية والمقصود بهم الأشراف العلويون فى المغرب الأقصى، وقبل أن ينجح هؤلاء الأشراف العلويون فى بسط سيطرتهم على المغرب كانت البلاد تعانى من أزمات خطيرة سياسية واجتماعية ودينية. فقد تعاون نمو الصوفية والشريفية وتطور الجماعات الدينية لتمهيد الطريق لحركة المرابطين العظيمة وكذلك كراهية الأجانب التى تجلَّت بوضوح خلال القرن التاسع الهجرى (15 م) وهى الفترة التى اتخذ فيها غزو السواحل المغربية من قبل البرتغاليين والأسبان المسيحيين شكلًا جديدًا. وأوشك مرابطو "الدلاء" على تأسيس منطقة صنهاجة وذلك بمساعدة البربر سكان جبال أطلس الذين بدأ بعضهم فى النزوح إلى سهول الأطلنطى. وكانت المغرب فى أمسِّ الحاجة إلى الهدوء وإعادة التعمير والتنظيم وذلك بعد أعمال الفوضى التى سادَتْه. وإذا كان العلويون لم يواجهوا الأسرة الحاكمة السابقة (أى الأشراف السعديين) إلا أنهم واجهوا الكثير من المشاكل المعتدة فى كافة الجوانب. - تأسيس الأسرة: قدم العلويون وهم من سلالة الحسن بن على بن أبى طالب من الجزيرة العربية (وبالتحديد من ينبع النخل) إلى تافيللت (أو تافلالت) فى أواخر القرن السابع الهجرى (13 م) وعاشوا فترة طويلة بعيدين عن التدخل فى الأمور السياسية، ولكن بعد فترة الاضطرابات التى عمت البلاد عقب سقوط الأسرة السعدية قام أهل تافيللت نتيجة لتهديدات كل من أبى الحسن السملالى ومرابطى الدلاء (أصحاب زاوية الدلاء) بتنصيب مولاى الشريف زعيمًا لهم. وقد خلفه أثناء حياته وبالتحديد فى سنة 1045 هـ/ 1635 - 1636 م ابنه مولاى محمد الذى ظل يحارب لمدة

عشرين عامًا لكى يؤسس إمارة صغيرة فى شرق المغرب. وقد أكمل هذه المهمة من بعده أخوه وخليفته مولاى الرشيد الذى كان أكثر بصيرة وإصرارا، وكانت الفرصة مواتية له بسبب ما كانت تعانيه البلاد من فوضى فضلًا عن أن جماعة المرابطين الكبيرة كانت قد بدأت فى الاضمحلال. وبدأ مولاى الشريف (بعد وفاة والده فى سنة 1069 هـ/ 1659 م وحتى هربه من أخيه مولاى محمد) يجرب حظه حيث استطاع أن يجمع جيشًا صغيرًا ونجح فى تأسيس دولة له فى شرق المغرب بمساندة عرب المعقل وبربر بنى يزناس ثم شرع فى توسيع أرجاء مملكته بالتدريج واتخذ من "تازا" حاضرة له. واستولى على فاس فى سنة 1076 هـ/ 1666 م ونصَّب نفسه سلطانًا وكرّس كل جهوده لإخضاع قوات المرابطين التى اقتسمت فيما بينها شواطى الأطلنطى بالمغرب وقد قام أولا بغزو شمال المغرب وبعد ذلك هزم الدلائيين ثم دخل مراكش فى سنة 1079 هـ/ 1669 م واحتل السوس لكن وافته منيته فى مراكش سنة 1082 هـ/ 1672 م دون أن يدعم ما حققه من إنجازات. وهكذا تمكن الشريف الفلالى من الوصول إلى السلطة كنتيجة لمغامرة شخصية تأرجحت لفترة طويلة ما بين أعمال العصابات والحرب وبلغت ذروتها بغزو المغرب بسهوله وواحاته. وقد نجح مولاى الرشيد نجاحًا يُعزى إلى المعاونة الصادقة التى قدمتها له بعض القبائل العربية ولسبب ما كانت تمر به البلاد من الضعف وفشل جماعة المرابطين الكبيرة فى إعادة النظام وسن القوانين ولكن البلاد كانت ما تزال فى حاجة إلى أن يوضع كل شئ فى مكانه. وعلى الرغم من أن أزمة المرابطين قد انتهت فجأة إلا أن مشكلة العرب التى كانت دائمًا خطيرة ظهرت على قدم المساواة مع مشكلة البربر، وهو الأمر الذى كان سببًا رئيسيًا فى دفع صنهاجة أطلس إلى الشمال والغرب، كما أن مسألة تنظيم الجيش وإصلاح الحكومة وكذلك تثبيت مكانة المغرب على مسرح البحر المتوسط ظلت باقية.

- مولاى إسماعيل (1082 - 1139 هـ/ 1672 - 1727 م) وتقوية نفوذ الأسرة

- مولاى إسماعيل (1082 - 1139 هـ/ 1672 - 1727 م) وتقوية نفوذ الأسرة: إن حالة الهدوء التى حققها الرشيد أثبتت عدم استمرارها وقد واجه أخوه وخليفته مولاى إسماعيل اثنين من المنافسين له على العرش كما كان عليه إخماد العديد من الثورات سواء فى المدن أو بين القبائل. وأجبر على حصار كل من فاس ومراكش اللتين فقدتا مكانتهما كحواضر ومن ثم انتقل هو وحكومته إلى مكناس. وكان على مولاى إسماعيل أن يحل أولًا مشكلة الجيش فعمد فى البداية إلى المصدر القديم وهو الجيش العربى وأضاف إليه جيشًا من عرب المعقل فى الواحات وأطلق عليه اسم جيش الودايا كما أدخل فى الخدمة العسكرية أحفاد العبيد السود الذين جلبوا بكثرة على أيدى السعديين [وقد نزل هؤلاء العبيد فى موضع اسمه مشرع الرمل لتعليمهم الصناعات المختلفة] وهؤلاء هم عبيد البخارى ولكن لم يكن لهؤلاء السود أى قيمة عسكرية. هذا ولم يكن مولاى إسماعيل منذ بداية حكمه ناجحًا فى المغامرات التى قام بها فى الجزائر وانتهى الأمر بعقد معاهدة سلام بينه وبين الأتراك حسب الشروط المعهودة (حيث اتفق معهم على أن يكون له حتى وادى تافنه). ونجح مولاى إسماعيل فى استرداد المعمورة -المهدية- والعرائش من أيدى الأسبان كما أجلى البريطانيين عن طنجة وإن كانت كل من مزغن وسبتة ومليلة ظلت باقية فى أيدى المسيحيين. وقد قضى مولاى إسماعيل أغلب فترة حكمه الطويل فى إخماد الثورات الداخلية التى كان يقوم بها المطالبون بالعرش أو بعض القبائل، وكان ذلك مجهودًا شاقًا وكانت وراء اندلاع تلك الثورات أسباب رئيسية منها حالة الفوضى التى أصابت البلاد لمدة طويلة والأعباء المالية التى فرضها الحاكم على الأراضى التى تم غزوها، وكانت أشد هذه الحملات صعوبة تلك التى وجهت إلى بربر صنهاجة.

- عصر الفوضى والانحلال (1139 - 1170 هـ/ 1727 - 1757 م)

وعلى الرغم من أن مولاى إسماعيل قد استطاع أن يشيع السلام بعض الوقت فى وسط الأطلس عن طريق بعض هذه الحملات، إلا أنه لم ينجح مطلقًا فى فرض سيطرته على كافة المغرب. وكانت العلاقات الدبلوماسية لمولاى إسماعيل مع أروبا سببًا فى إثارة التساؤلات حول المفاهيم المتناقضة، وعلى الرغم من الجهود التى بذلتها الأمم الأوربية إلا أن مشكلة الأسرى لم يتم تسويتها. وقد أهملت التجارة الخارجية كما عزلت المغرب نفسها إلى حد كبير سواء عن أوربا أو عن الجزائر التركية. أما فى الداخل فقد استطاع مولاى إسماعيل تدعيم مركز أسرته وأشاع السلام فى جزء من البلاد ومع ذلك فقد فشل فى تسوية أى من مشكلة العرب أو البربر، وبعد وفاته كان العبيد السود هم مصدر المتاعب والقلاقل. هذا ولم يقم مولاى إسماعيل بمعالجة الفوضى المتأصلة فى البلاد كما لم يمهد للبلاد طريقا جديدا، ولا عجب فإنه عند وفاته كانت الفوضى فى البلاد أشد عن ذى قبل. - عصر الفوضى والانحلال (1139 - 1170 هـ/ 1727 - 1757 م): قام كل من العبيد والجيش وحتى قبائل البربر التى نزحت إلى السهول خلال فترة الثلاثين عامًا التى أعقبت وفاة مولاى إسماعيل بتعيين وعزل العديد من أبنائه وقد حكم خلال هذه المدة القصيرة سبعة حكام ومن بينهم كل من: أحمد الذهبى الذى حكم مرتين وعبد اللَّه الذى حكم أربع مرات وعلى وجه العموم كانت هذه الفترة من أحلك فترات التاريخ المغربى، حيث أضاعت الفوضى وأعمال النهب الكثير من الأراضى والمدن الكبيرة. - إعادة التعمير فى عهد محمد بن عبد اللَّه (1170 - 1204 هـ/ 1757 - 1790 م): قام محمد بعد تعيينه سلطانًا وخليفة لوالده فى مراكش فى سنة 1170 هـ/ 1757 م بالعديد من الإنجازات الهامة.

- السياسة المتحفظة للعلويين والتى مهدت الطريق للأزمة المغربية (1204 - 1311 هـ/ 1790 - 1894 م)

ولم تكن لمحمد -مثل خلفائه أو أسلافه، المقدرة على إيجاد حلول جديدة أو على إعادة تنظيم البلاد كما فشل فى تسوية أى من المشاكل الرئيسية التى واجهته. وقام محمد بنشر السلام والرفاهية على قدر ما سمحت به الامكانيات المحدودة المتاحة له. كما نظم جمع الضرائب وسك العملة وأسس جيشًا صغيرًا مما تبقى لديه من الجيش والعبيد وبعض العناصر من القبائل الموالية له. وعلى الرغم من تحالف البربر معه إلا أنه لم يستطع أن يتبين تحركات قبائل صنهاجة فى السهول. ولذلك قطع الطريق بين فاس ومراكش. ومن حسن حظه أنه قام باسترداد مزغن بعد إجلاء البرتغاليين عنها فى سنة 1182 هـ/ 1769 م. وقام بعد هزيمته مرتين فى سبتة ومليلة بعقد معاهدة سلام مع أسبانيا، وقد أدرك أنه لا غنى للمغرب عن التجارة الخارجية ولو على نطاق ضيق ولذلك عوّل على عقد معاهدات تجارية وصداقة مع القوى الأوربية الرئيسية كما حاول -ولكن دون جدوى- أن يستقر أغلب التجار والقناصل الأوربيين فى مدينة موجادور (ثغر الصويرة) الجديدة التى قام بتصميمها المعماريون الأوربيون وكان قد شرع فى بنائها عام 1179 هـ/ 1765 م. وانتهى حكم محمد بن عبد اللَّه على يد ابنه وولى عهده آل يزيد الذى أعلن التمرد (وسانده فى ذلك العبيد السود). - السياسة المتحفظة للعلويين والتى مهدت الطريق للأزمة المغربية (1204 - 1311 هـ/ 1790 - 1894 م): اتسمت فترة حكم آل يزيد القصيرة (1204 - 1206 هـ/ 1790 - 1792 م) بالصراع مع أسبانيا من جهة، والثورات الخطيرة فى جنوب المغرب من جهة ثانية. وعقب وفاة هذا السلطان المتعصب والمتعطش للدماء قام أخوه سليمان بالتخلص من اثنين من منافسيه وأتاح للمغرب أن تنعم لفترة قصيرة بالهدوء. هذا ولم تعان المغرب حتى أواخر القرن 19 م من أى أزمات فيما يخص

مسألة اعتلاء العرش حيث كان ولى العهد الشرعى يعتلى العرش بدون أى صعوبة. ومن السلاطين الموهوبين ذوى العقل الراجح الذين حكموا خلال هذه الفترة كل من: السلطان سليمان (1206 - 1238 هـ/ 1792 - 1882 م) والسلطان عبد الرحمن بن هشام (1238 - 1276 هـ/ 1822 - 1859 م) السلطان محمد بن عبد الرحمن (1276 - 1290 هـ/ 1859 - 1873 م) ومولاى الحسن (1290 - 1311 هـ/ 1873 - 1894 م) وعلى الرغم من أن سياستهم قد اتسمت بالمرونة إلا أنها لم تكن تقدمية. وظلت المشاكل الداخلية، خلال هذه الفترة، باقية كما هى. وكان الجيش ضعيفًا، وتم إخضاع العبيد ولكن الجيش، بالرغم من بلوغه مكان الصدارة، بقى غير منظم وغير ذى فائدة كما كانت القوات غير النظامية التى تشكلت من القبائل الموالية عشية الحملات تعد أفضل القوات وقتئذ. وقد وجهت جهود السلاطين -وإن لم تكن ناجحة دائمًا- إلى فرض الضرائب على الأراضى الخاضعة لهم كما أنهم يئسوا من أى أمل فى تهدئة بلادهم التى اتسعت تدريجيًا. وقد دأب سلاطين العلويين خلال القرن 19 م على قيادة الحملات من أجل إخماد الثورات المحلية وتأمين دفع الضرائب إلا أن تأثير ذلك كان محدودًا ومؤقتًا. كما تم إحلال الطرق الدبلوماسية محل استخدام القوة وذلك لتأمين إخلاص القبائل التى كانت تعيش مستقلة بالفعل. وقد حاول "المخزن" عن طريق كل هذه الوسائل أن يحفظ ماء وجهه وإن لم يكن ذلك داخليًا فعلى الأقل أمام أوربا. وقد تحاشى الدخول فى أى مصادمات غير محمودة العواقب مع الجماعات القوية غير الخاضعة للسلطان والتى كانت بدورها غير قادرة على التواجد معًا ضد القوة المركزية. ومع ذلك فإنه فى نهاية القرن 19 م استطاع مولاى الحسن أن يجتذب إليه

القواد الأقوياء الذين ثبَّتوا أنفسهم فى جنوب المغرب. وكانت جهود السلاطين فى كل من الناحيتين العسكرية والسياسية محدودة الأفق ومضنية. وعلى الرغم من حسن استغلال الموارد المالية إلا أنها ظلت غير كافية كما أن قلة المبالغ المتاحة للمخزن جعلت من العسير القيام بأى أعمال لها صفة البقاء. وظلت المغرب متعلقة بما كان سائدًا خلال العصور الوسطى ولذلك أصبح التدخل الأوربى أمرًا لا مفر منه. والواقع أنه لم يقرر مصير المغرب، التى تعد آخر بلاد البحر المتوسط والتى ظلت بمعزل عن العالم الحديث، قبل ذلك بسبب الصراعات بين القوى المختلفة فضلًا عن رغبة فرنسا فى السلام، وقد ساعد ذلك كله على بقاء الأوضاع كما هى عليه. هذا ولم تكن المغرب على حذر حين دخلت فى حربين مع القوات الأوربية فقد ساند السلطان عبد الرحمن عبد القادر بن محيى الدين (عبد القادر الجزائرى) فى صراعه مع فرنسا وهو الأمر الذى كان من نتيجته هزيمة القوات المغربية فى وادى إيسلى (28 جمادى الآخرة 1260 هـ/ 15 يولية 1844 م) وقام الأسطول الفرنسى بضرب كل من ميناءى طنجة وموجادور، ومن ثمّ عوّل السلطان على عقد معاهدة سلام مع الفرنسيين. وعقب وفاته قام ابنه وخليفته المدعو "محمد" كنتيجة لأحداث الصراع على الحدود بإعلان الحرب على الأسبان، وبدأ الجيش الأسبانى زحفه من سبتة واحتل تطوان وتقدم نحو طنجة عندما بدأت تتدخل بريطانيا العظمى فى التفاوض حول السلام بين الفريقين. هذا وقد دخلت الأسرة العلوية فى هاتين المغامرتين مدفوعة فى ذلك بعقدة كراهية الأجانب وتحمسها لفكرة الحرب المقدسة ولكنها خرجت منهما بدون أى إصابات. وبالرغم من ذلك فقد ازداد التدخل الأوربى فى المغرب خلال عهد مولاى الحسن. وقد قرر مؤتمر مدريد الذى عقد فى عام 1297 هـ/ 1880 م قرارات خاصة بالتجارة والحماية كما اتسعت التجارة الأوربية بالموانى.

- الأزمة المغربية وإعلان الحماية الفرنسية (1311 - 1330 هـ/ 1894 - 1912 م)

وقد اتجهت جهود مولاى الحسن مباشرة نحو فرض سيطرته على الأراضى الخاضعة له فضلًا عن إطالة عمر الاستقلال الذى كانت تحوطه الأخطار. وما كان لهذا الوضع غير المستقر والمتناقض أن يدوم طالما ظلت الأسرة العلوية محافظة على سياستها الدبلوماسية. - الأزمة المغربية وإعلان الحماية الفرنسية (1311 - 1330 هـ/ 1894 - 1912 م): ازداد التفكك الداخلى بالمغرب خلال السنوات الأولى من القرن 20 م وقد كان عبد العزيز فى الرابعة عشرة من عمره عندما عين خلفًا لوالده مولاى الحسن. وكانت السلطة الفعلية حتى عام 1900 م فى يد الوزير (با أحمد) والذى استمر يتابع كافة مظاهر فترة الحكم السابقة. وبالرغم من كافة النوايا الطيبة للسلطان ومحاولته الإصلاح فقد تفككت بلاد المخزن كما قام أبو حمراء، الذى لا يمت للأسرة الحاكمة بصلة، بتنصيب نفسه فى تازايل وتحدى الجيوش الشريفية (أى الأسرة العلوية). وهكذا وجدت المغرب نفسها وبشكل غير إرادى تدخل المرحلة الدبلوماسية، وقد بلغ الاضطراب مداه حين تجاهلت البلاد الاتفاقيات التى توصل إليهما رؤساء الوزراء الأوربيين لحفظ السلام. هذا وترجع جذور الأحداث الرئيسية لتلك الأزمة إلى التحركات العسكرية من قِبَل ألمانيا والتى كانت حريصة على عدم توسع النفوذ الفرنسى فى المغرب. وكان الفصل الأخير من تلك الأحداث هو عقد مؤتمر الجزيرة الخضراء فى 4 نوفمبر 1911 م الذى أقر تسوية الخلافات واستقلال السلطان ووحدة دولته والمساواة الاقتصادية مع القوى الأوربية فضلًا عن تقرير بعض الامتيازات الخاصة بفرنسا. وقد كان مقتل بعض المواطنين الفرنسيين والاضطرابات على الحدود الجزائرية هما الدافع وراء فرنسا لتهدئة الأمور فى منطقة "وجدة" وفى احتلال بعض المناطق الأخرى.

كذلك فقد انتهت أزمة دبلوماسية جديدة باتفاق فرنسى - ألمانى فى سنة 1909 م كما ازداد النشاط الفرنسى والأسبانى فى المغرب. وخلال تلك الأحداث ظلت الأسرة العلوية بعيدة وغير مؤثرة وذلك بسبب انشغالها بالاضطرابات الداخلية من جهة وبالدفاع عن نفسها من جهة أخرى ومن ذلك أن مولاى عبد الحفيظ قد ثار ضد أخيه مولاى عبد العزيز فى مراكش وحل محله. وأخيرًا فقد هددت أحداث أغادير، لفترة قصيرة، السلام فى أوربا وهو الأمر الذى أدى فى النهاية إلى عقد اتفاقية فرنسية - ألمانية جديدة حيث تم بمقتضاها تعويض الرايخ الألمانى بأراض فى إفريقية الاستوائية مما أدى إلى توقيع إعلان الحماية الفرنسية على المغرب (فى 11 ربيع الآخر 1330 هـ/ 30 مارس 1912 م). وهكذا تسنى للأسرة العلوية التى كانت على وشك الانهيار أن تسترد مكانتها وتدخل مرحلة جديدة تحت الحماية الفرنسية. وقد أظهر مولاى عبد الحفيظ تحفظه الشديد بشأن الإصلاحات التى وردت فى اتفاقية إعلان الحماية ولذلك عزل فى سنة 1913 م وحل محله أخيه مولاى يوسف الذى خلفه فى سنة 1926 م ابنه سيدى محمد الذى حل محله فى ذى الحجة 1372 هـ/ أغسطس 1953 م سيدى محمد بن مولاى عرفة ولم يلبث أن عاد السلطان سيدى محمد بن يوسف [محمد الخامس] من منفاه فى 16 نوفمبر 1955 م) بعد أن قبلت فرنسا شروطه الخاصة باستقلال المغرب. وفى 2 مارس 1956 م صدر بباريس تصريح فرنسى - مغربى مشترك اعترفت فيه الحكومة الفرنسية باستقلال المغرب وسيادته. وفى 7 أبريل 1956 م صدر تصريح مماثل فى مدريد ينهى الحماية الأسبانية فى المنطقة الخليفية ووقع وزير خارجية المغرب أحمد بلا فريج فى 28 مايو 1956 م ووزير خارجية فرنسا كرستيان بينو اتفاقًا يمنح المغرب كل حقوق التمثيل السياسى كدولة مستقلة ذات سيادة). د. محمد حمزة [هنرى تيراس H. Terrasse]

على بن أبى طالب

على بن أبى طالب ابن عم الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وزوج ابنته، ورابع الخلفاء، وهو من أوائل من آمنوا برسالة محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، والجدل يدور بين الشيعة والسنة فيما إذا كان هو ثانى من آمنوا بعد خديجة أو الثالث بعد خديجة وأبى بكر، وكان فى ذلك الوقت فى نحو العاشرة أو الحادية عشرة على أقصى تقدير، وقد أخذه محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فى بيته ليخفف العبء عن أبيه أبى طالب الذى كان يعاني الفقر. وفى كتب السيرة أنه نام فى مكان الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فى الليلة التى هاجر فيها الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] من مكة إلى المدينة حتى أن المتآمرين على قتل النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] أصابتهم الدهشة عندما رأوا ابن عمه ينام فى موضعه. وبعد ذلك انضم على إلى الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فى قباء، وبعد ذلك بعدة شهور تزوج ابنته فاطمة، وأثمر زواجهما الحسن والحسين؛ ولم يتزوج علىّ أية امرأة أخرى فى حياة فاطمة. واشترك على فى حياة الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فى كل الغزوات تقريبًا، كحامل للراية فى كثير من الأحيان وكقائد فى حالتين فقط (فى فَدَك - 6 هـ/ 628 م وفى اليمن فى 10 هـ/ 632 م). ودائما ما كان يظهر شجاعة أصبحت مضرب الأمثال، وقد قتل فى بدر عددا كبيرا من القرشيين، وفى خيبر استخدم بابا كبيرًا ثقيلا كدرع، كما كان انتصار المسلمين على اليهود يعود إلى حماسته وغيرته، وكان فى حُنين 8 هـ/ 630 م واحدا من الذين دافعوا ببسالة وقوة عن الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، وبعد موت الرسول لم يشترك فى أية حملة عسكرية لأسباب غير معروفة، ويقال إن عمر قد منع القرشيين من الذهاب إلى الأمصار ولكن عثمان أزال جميع القيود على تحركاتهم، وربما لم يكن على يرغب فى ترك المدينة لحالته الصحية التى حالت بينه وبين القتال؛ بالرغم من أن أعمالا عظيمة عديدة نسبت إليه فى موقعة الجمل (36 هـ/ 656 م) وموقعة صفين (37 هـ/ 657 م) وكان عمره ستين عاما. وقد قام بأعمال كثيرة أخرى للنبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فكان واحدا من معاونيه، وكان الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] يكلفه بمهام يمكن أن

نطلق عليها دبلوماسية، وقد حصل -فى مناسبتين- على تفويض بتحطيم الأصنام. ونفذ بيديه إعدام أعداء حكم عليهم الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] بالموت، كما أشرف -مع الزبير، على الانتقام من يهود بنى قريظة (5 هـ/ 627 م)، وفى عام 9 هـ/ 631 م قرأ على الحجيج المجتمعين فى منى الآيات السبع الأولى من سورة "براءة". وفى أثناء اختيار أبى بكر، كخليفة لرسول اللَّه [-صلى اللَّه عليه وسلم-] ظل على وطلحة والزبير وعدد من الصحابة فى بيت الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] للإعداد لدفنه. وبالرغم من أن العباس -وقيل أبو سفيان أيضا- نصحه بأن يبقى على الخلافة فى أيدى الهاشميين إلا أنه لم يبذل أى جهد فى سبيل ذلك. وعندما أقر هؤلاء الذين امتنعوا عن الاعتراف بأبى بكر باختياره تدريجيا، بقى على رفضه لمدة ستة شهور، ولكن موقفه تعقد بسبب موضوع الوراثة، فقد أكدت فاطمة مطالبتها بالأراضى التى امتلكها والدها, الأمر الذى رفضه أبو بكر على أساس قول محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] (نحن معاشر الأنبياء لا نورث) - ونحن نشك فى أن عليا كان يأمل فى أن يخلف محمدًا [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، فالقاعدة العامة عند العرب أن يختاروا رؤساءهم ممن قد اكتمل نموهم وكان علىّ فى عام 11 هـ/ 633 م لا يتعدى الثلاثين إلا قليلًا، ولم يبد أى ميل للمطالبة بأحقيته فى الخلافة. ولكن الشيعة بتفسيرهم حسب معتقداتهم بعض الكلمات التى يقال إن النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] قالها فى حق على، يوْكدون دائما أن النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] كان ينوى أن ينقل الخلافة إلى على، ولكن المؤكد على أية حال أن النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] لم يعرب عن رغبته هذه فى أثناء مرضه الأخير. ويقول الكتاب المسلمون إن عليًا كان مستشارا له قيمته لدى الخلفاء الذين سبقوه، ولكن المحتمل أنهم كانوا يسألونه المشورة حول المسائل الشرعية فى ضوء معرفته الوثيقة الكبيرة بالقرآن والسنة، ولذلك نشك فى تقبل عمر لمشورته فى القضايا السياسية، فبالنسبة "للديوان" المشهور -على الأقل- كان على يرى ما يخالف رأى الخليفة تماما، فعندما سأله عمر عن هذا الموضوع أوصى بتوزيع الموارد كلها دون الاحتفاظ بأى احتياطى

(البلاذرى)، ولم يتقلد علىّ أى منصب فى عهد عمر (وعثمان) عسكريا كان أو سياسيا، باستثناء حكم المدينة بالنيابة فى أثناء رحلة عمر إلى فلسطين وسوريا (الطبرى)، وقد اختلف أيضا مع عثمان، بل إنه -ومعه طلحة والزبير- كثيرا ما اختلفوا مع عثمان رضى اللَّه عنه وخصوصا فى تطبيق الحدود، فقد أصر علىّ على ضرورة تطبيق الشرع الإلهى، وكان من بين هؤلاء الذين طالبوا بتوقيع العقوبة الشرعية على شرب الخمر على الوليد ابن عقبة، والى الكوفة، وتقول بعض الروايات إن عليا نفذ فيه الجلد بيديه. ثم إنه -مع عبد الرحمن بن عوف- وجه اللوم إلى عثمان لتأديته أربع ركعات فى عرفات ومنى بدل ركعتين. وحول المسائل السياسية إيضا كان يعتبر من خصوم عثمان. ومن أمثلة ذلك: 1 - عندما نفى أبو ذر الغفارى من المدينة -وكان يهاجم تجاوزات صاحب السلطة- ذهب على وبنوه لتوديعه بالرغم من اعتراض عثمان ونشأ عن ذلك نزاع عنيف مع عثمان. 2 - عندما جاء المتمردون (الثوار) من مصر وبدأوا مفاوضات مع عثمان كان على وسيطا لهم أو واحدًا من وسطائهم. 3 - عندما عاد هؤلاء المتمردون بعد ذلك إلى المدينة وحاصروا "بيت الخلافة" طلبوا من على أن يكون على رأسهم، وبالرغم من أنه رفض إلا أنه مع ذلك -فيما تذكر بعض الروايات- شجع المتمردين فى أثناء الحصار. 4 - عندما تولى الخلافة كان أنصاره من بين هؤلاء الذين كانوا يعادون الحكومة فيما يتعلق بالمسائل الاقتصادية مثل الأشتر وصعصعة وغيرهم، والمعروف أنه عندما تولى الخلافة قام بتوزيع جميع المبالغ التى وجدها فى بيت المال فى المدينة والبصرة والكوفة، وكل المؤن والتموين المخزونة فى بيت الطعام. وليس هناك ما يدل على أنه متطرف، بل على العكس من ذلك فقد كان يعادى السبئيّة أتباع عبد اللَّه بن سبأ، وعندما امتدحوه بما يتجاوز الحدود أمر بقتلهم. وقد عارض المبدأ الذى يدعو إلى امتداد حق البيت الهاشمى فى الخلافة إلى قبيلة محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] كلها -ومن ثم أثار قريشا عليه

وإن يكن هو من قريش ذاتها، ولكنه حظى بتأييد معظم الأنصار والعرب غير القرشيين فى الولايات والطبقات الفقيرة بشكل عام. وعندما قتل عثمان، هرب الأمويون من المدينة وظلت المعارضة سيدة الموقف، ولأن عليا هو الشخص الذى يحظى باحترامهم فقد دعى إلى تولى الخلافة (فى 18 ذو الحجة 35 هـ/ 17 يونيه 656 م) وكان أنصاره على استعداد لاستخدام العنف فى مواجهة هؤلاء الذين رفضوا بيعته (ومن بينهم طلحة، والزبير)، وكان هناك البعض الذين لم يرضخوا، ومن ثم تركوا المدينة، مثل عبد اللَّه بن عمر، وسعد بن أبى وقاص، والمغيرة بن شعبة ومحمد بن سلمة الأنصارى وأسامة بن زيد، كذلك أعلن معاوية أن تولية على باطلة لأنها اعتمدت على الأقلية، وأجاب على بأن اختيار الخليفة حق للأنصار والمهاجرين ومقاتلى بدر الذين كانوا موجودين فى المدينة فى ذلك الوقت. والشئ المؤكد أن عليا سمح بأن يقوم بتوليته هؤلاء الذين يتهمون بقتل عثمان. وأقدم علىّ على إجراءات طلبتها المعارضة من عثمان فاستبعد الحكام الذين عينهم عثمان واستبدل بهم حكاما من حزبه، وأرضى الجماهير بالهبات التى وزعها بالعدل والمساواة. وقد أثار مقتل عثمان وما قيل من حماية علىّ لمن ارتكنوا هذا العمل ردود فعل قوية فى مكة والشام ومصر، واتهم معاوية (والى الشام وابن عم عثمان) باشتراك على مع القتلة ورفض أن يبايعه، وسرعان ما جمع على قواته لإجبار معاوية على الطاعة ولكن تمردا آخر أجبره على تأجيل زحفه إلى الشام. واحتفظ معاوية بسياسة الانتظار، فالذى حدث هو أن السيدة عائشة -رغم معارضتها من قبل لعثمان- نشطت فى دعايتها ضد الخليفة الجديد (على)، وبعد أربعة شهور انضم إليها طلحة والزبير، وعلم علىّ أن الثلاثة -ومعهم عدة مئات من الجند- يزحفون إلى العراق من طرق جانبية -فتعقبهم. ولكنه لم يلحق بهم واحتل الثوار البصرة، وذبحوا كثيرا من النفار، وأرسل علىّ أعوانه إلى أهل الكوفة ليقفوا بجانبه، وبعد أن جمع قوة

مناسبة زحف إلى البصرة وقد استطاع الجانبان أن يصلا إلى تسوية يتخلى علىّ بمقتضاها عن النفَّار (على حين يضمن سلامتهم). ولكن لم تكن هذه هى النهاية التى كان يريد أن يصل إليها المتطرفون فى حزبه، فأثاروا شجارًا تطور إلى معركة عرفت باسم موقعة الجمل (15 جمادى الآخرة سنة 36 هـ/ 9 ديسمبر 656 م) قتل فيها طلحة والزبير، وأصدر علىّ أوامره بأن تعود السيدة عائشة فى حراسة إلى المدينة. وبعد هذا النجاح استشعر علىّ الأمل فى استعادة ولاء حاكم الشام ببدء مفاوضات معهم ولكن بلا جدوى. وطالب معاوية باستسلام قتلة عثمان -الذى قتل "مظلوما"- للولى أى لأقرب أقربائه، وأصر على عدم إعطاء علىّ البيعة، ومن ثم لجأ علىّ إلى الهجوم، وواجه كل من الجيشين الآخر فى صفين (وكان كل جيش يتألف من عشرات الآلاف من الرجال) وبعد مناوشات تخللتها هدنة فى محرم عام 37 هـ/ يونية - يولية 657 م، التحم الجيشان، وكانت هناك معارك لمدة أسبوع بين الفرسان والمشاة، أعقبها قتال عنيف عام 37 هـ/ 28 يولية 657 م). وبدا أن نجم معاوية على وشك الأفول، حين نصحه عمرو بن العاص بأن يرفع جنوده المصاحف على أسنة الرماح، ولم يكن هذا يعنى الاستسلام، بل التحكيم للقرآن، وكان أن صيغت اتفاقية فى صفين (صفر عام 37 هـ/ 657 م)، يلتقى بمقتضاها طرفا التحكيم -أبو موسى الأشعرى عن علىّ وعمرو بن العاص عن معاوية- فى مكان وسط بين سوريا والعراق بحضور شهود يختارونهما، وذلك لاعلان قرارهما. وعادت الجيوش إلى قواعدها لانتظار قرار التحكيم ولكن بعض الأشخاص فى صفين احتجوا على التحكيم وهتفوا "لا حكم إلا للَّه"، وليس من حق الإنسان أن يقرر شيئا، وهناك نص قرآنى واضح فى ذلك وهو قوله عز وجل {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} (الحجرات - 9).

ورأى المنشقون -وهم من حزب السيدة عائشة وطلحة والزبير- أن من واجبه أن يواصل القتال مع معاوية -ولكنه نجح فى التصالح معهم بتقديم بعض التنازلات، ولكنه بعد عودته إلى الكوفة من حروراء (بالقرب من الكوفة) حيث كانت المصالحة، أعلن أنه لن ينقض اتفاقية صفين، وعندما سرت الأنباء بأنه أرسل موسى إلى الاجتماع مع عمرو، ترك ما بين ثلاثة آلاف وأربعة آلاف رجل الكوفة سرًا، وترك مئات آخرون البصرة، وكانت نقطة اللقاء بين هؤلاء المنشقين -الذين أطلق عليهم اسم الخوارج- عند "النهروان" على القناة التى تحمل نفس الاسم وتتفرع من نهر دجلة. وكان معاوية أول من وصل إلى مكان اجتماع لجنة التحكيم (رمضان 37 هـ/ فبراير 658 م) واعتذر علىّ بسبب المتاعب التى فجرها الخوارج ولم يفعل أكثر من أن بعث بأبى موسى ومعه مرافق، بالإضافة إلى ابن عمه ابن عباس كممثل له. ويقول البعض إن الاجتماع كان فى دومة الجندل وهى فى منتصف الطريق بين سوريا والعراق. وهناك ما يؤكد أن الاجتماع الأول كان فى دومة الجندل (الجوف الآن) والثانى فى أذرح فى شعبان عام 38 هـ. وفى هذه الأثناء بايع أهل الشام معاوية (ذو القعدة عام 37 هـ/ أبريل 658 م) واعترض علىّ على الحكم الذى عرفته الأطراف، وإن يكن لم يعلن، إذ اتفق الحكمان على ألا يقولا شيئا، وعلى ذلك جمع قواته وخرج لمقابلة معاوية. وعند الأنبار اتجه إلى "النهروان"، معتقدا أنه من الضرورى أولا القضاء على مركز التمرد، وفى الشهر نفسه الذى انشغل فيه علىّ مع الخوارج، استولى معاوية على مصر (صفر عام 38 هـ). وحاول علىّ أن يستميل الخوارج إلى قواته بإعلانه أنه سيقاتل معاوية مرة أخرى ولكن محاولته باءت بالفشل واتهموه بأنه ارتكب عملا من أعمال الكفر؛ الأمر الذى رفضه بشدة، وبعد وعد بالأمان لهؤلاء الذين سوف يستسلمون -وكان هناك بعض منهم- هاجم المتمردين (9 صفر 38 هـ/ 17 يوليو 658 م) وكانت مذبحة أكثر منها معركة، ويبدو أن عليا كان أول من

أسف لذلك وتخلى عنه الكثيرون واضطر أن يعود إلى الكوفة ويوقف الحرب ضد معاوية. وفى هذا الوقت اجتمع الحكمان، وبعض الأشخاص البارزين (باستثناء علىّ وربما ممثله أيضا) فى أذْرح فى شعبان عا م 38 هـ/ يناير 659 م، وتم إعلان قرار التحكيم (وتقول مصادر عديدة إن أبا موسى اعترف بأن عثمان قتل ظلما) وجرت مناقشة اختيار خليفة جديد. أيد عمرو بن العاص معاوية معارضا تفضيل أبى موسى لعبد اللَّه ابن عمر الذى رفض أن يتولى منصب الخلافة. وحينئذ اقترح أبو موسى خلع معاوية وعلىّ وإعادة عرض الاختيار على لجنة، وقد وافقه عمرو على ذلك، وأعاد أبو موسى الأشعرى تفضيله لابن عمر، وهنا أعلن عمرو بن العاص خلع علىّ وتنصيب معاوية، وقد وصف المؤرخون بعد ذلك هذا الإعلان بأنه خدعة غادرة وخيانة، وعلى أية حال لم يكن للمؤتمر غير النتائج السلبية ذلك لأن المشتركين تفرقوا دون أن يصلوا إلى قرار بشأن الخلافة. واستمر أنصار علىّ -الذين كانوا يتناقصون- يعتبرونه الخليفة، وفى عام 39 هـ/ 659 م، كان الموقف لا يزال مضطربا، وظل علىّ -الذى كان حبيس الكوفة- سلبيا حتى عندما كان معاوية يقوم ببعض الحملات فى قلب العراق، وفى الجزيرة العربية. وفى خراسان والشرق، انتهى الحكم العربى، وفى عام 40 هـ/ 660 م، لم يكن لعلىّ أية سلطة فى المدينتين المقدستين، ولم يستطع أن يوقف هجوم معاوية على اليمن، وأخيرًا تمكن أحد الخوارج وهو عبد الرحمن بن ملجم المرادى، أن يضربه بسيف مسموم أمام باب مسجد الكوفة؛ وذلك انتقامًا للذين قتلوا فى النهروان، ومات علىّ بعد يومين وكان فى الثانية أو الثالثة والستين، وتقول إحدى الروايات إن عبد الرحمن بن ملجم كان واحدا من جماعة من المتطرفين اتفقوا على تخليص الإسلام من هؤلاء الثلاثة الذين تسببوا فى الحرب الأهلية، وكان المفروض أن يقتل معاوية وعمرو فى الوقت نفسه، وظل مكان دفنه غير

معروف حتى كان عهد هارون الرشيد عندما أعلن عن قبره فى موقع على بعد بضعة أميال من الكوفة حيث أنشئت مدينة النجف هناك. وقد كان علىّ قويًا متين البنية بدينًا، عريض المنكبين، ذا جسم مشعر، ولحية بيضاء طويلة تغطى صدره، ولم يكن اجتماعيًا، وكان له أربعة عشر ولدًا، وتسع عشرة بنتًا من تسع زوجات وعدد من الجوارى. ومن بين أبنائه كان هناك ثلاثة فقط لعبوا دورا تاريخيًا هم الحسن والحسين ومحمد بن الحنفية وخمسة من هؤلاء جميعًا هم الذين خلفوا ذرية. ويعرف عن علىّ معرفته العميقة بالقرآن الذى كان واحدا من أفضل قرائه. وقد نسبت إليه الكثير من المواعظ والرسائل والأقوال الحكيمة جُمعت فى كتاب نهج البلاغة، وكانت مواهبه كخطيب غير عادية. ثم هناك الكثير الذى يدل على تقشفه، والتزامه الصارم بالقواعد الدينية، وبعده عن متاع الدنيا، وتقواه فيما يتعلق بالغنائم والثأر. ولاشك أنه اشتبك فى حروب مع المسلمين "العصاة" كواجب مفروض عليه حتى تقوى العقيدة وينتصر الهدى. فبعد أن انتصر فى موقعة الجمل، حاول أن يخفف من آلام المهزومين وعندما انتهت المعارك أبدى حزنه، وبكى على الموتى بل إنه صلى على أعدائه. وربما يرجع غموض سياسته تجاه الحروريين إلى الخوف من عصيان اللَّه. وبالرغم من أنهم أقنعوه أن التحكيم خطيئة، فإنه اعترف أيضًا بأن انتهاك معاهدة صفين خطيئة كذلك ومن ثم مضى بالتحكيم إلى غايته. وقد كانت الطاعة والتسليم بالشرع الإلهى هو مفتاح سلوكه. ولكن كانت تحكم آراءه صرامة شديدة حتى أن أعداءه وصفوه بالتشدد ولكنه لم يستطع بسبب تمسكه الشديد بالقواعد الدينية، أن يتكيف مع ضرورات المواقف التى كانت تختلف تماما عما كانت عليه أيام محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] ولذلك كان أقل مرونة من معاوية. فقد كان برنامجه مفرطًا فى المثالية، ويمكن أن يكون قد اكتشف ذلك عندما أصبحت السلطة فى يده. وقد يفسر -هذا مع الأحداث الخارجية- ظروفه فى سنواته الأخيرة.

المصادر

المصادر: (1) نصر بن مزاحم المنقرى، وقعة صفين، تحقيق عبد السلام محمد هارون - القاهرة 1365 هـ. (2) محب الدين الطبرى، الرياض النضرة فى مناقب العشرة، القاهرة 1327 هـ. (3) البلاذرى، أنساب الأشراف تحقق ديلافيدا. (4) H.Lammens: Etudes sur le Regne dun Lulife dun Lulife Omaiyore Mo'awrales Paris 1908 (5) محمد كفافى، ظهور الخوارج. (6) طه حسين، الفتنة الكبرى. د. عبد الرحمن الشيخ [فاجليرى L. Veccia Vaglieri] على باشا داماد على باشا داماد (1667 - 1716 م) الوزير العثمانى الكبير ولد قرب نيقية سنه 1079 هـ (= 1667 م) والتحق بمدرسة سيداليو أحمد الثانى وشغل وظائف مهمّة أظهر فيها من المقدرة والكفاءة ما جعل النجاح نصيبه مثل وظيفة الكاتب والركابدار والجندار والسلاح دار، وكان له نفوذ عظيم على السلطان أحمد الثالث الذى ولى العرش العثمانى سنة 1703 م فجعله وزيرًا له وزوجه من ابنته فاطمة فى ربيع الأول 1121 هـ (مايو 1709 م) فصار له دخل كبير فى تولية الوزراء وفصلهم ومن هؤلاء كوبريللى زاده ونعمان باشا وبلطجى محمد باشا، وقد اتُّهم الوزير الكبير خوجة إبراهيم باشا بتدبيره مؤامرة لاغتيال داماد على باشا وأدين وحكم بإعدامه فأعدم، وحينذاك تولى الوزارة داماد على وذلك فى ربيع الثانى سنة 1125 هـ (= أبريل 1713 م) فكان أول عمل بادر إلى تنفيذه هو عقد الصلح مع روسيا وهو المعروف بصلح أدرنة الذى رسم الحد الفاصل بين البلدين وذلك فى الخامس من يونيو 1713 م، كما قام بشن حملة على بلاد المورة وكانت الأسباب الداعية إليها هى هجمات البنادقة على الجنود التركية وتمكن داماد على من احتلال نابلى دى رومانيا وأرجوس وكورون ومودون، كما احتل بعض البلدان فى

المصادر

كريت، وقام فى الوقت ذاته بإخماد الفتنة التى أشعلها عثمان أوغلو نصوح باشا فى سوريا، كما أخمد ثورتين أخريين إحداهما فى الأناضول والثانية فى مصر. كذلك جهز حملة ضد كورفو ولكن قيام التحالف بين البندقية والنمسا (الذى جاء على غير انتظار من أحد) أفسد عليه خطته وأرغمه على إرسال قواته إلى بلجراد والتقى الجيشان النمساوى بقيادة الأمير يوجين والعثمانى عند مدينة (بيترواردن) فأصابت الداماد طلقة فى جبهته جرحته جرحا قاتلا فمات وذلك يوم 16 شعبان 1128 هـ (5 أغسطس 1716 م)، وحينذاك أخذت القوات العثمانية فى التقهقر ومات الداماد ودفن فى حديقة جامع سليمان الأول فى بلجراد، فلما استولى القائد النمساوى "جنرال لاندولن" على هذه البلدة بعد ذلك الحادث بسبعين سنة أمر بنقل الضريح إلى غابة (هادرسدورف) بفينا. على أنه فى أثناء محاربة الداماد للنمسا كانت الجيوش التركية راسية على شاطئ كورفو، فلما سمعت بخبر مصرعه جلت عن الجزيرة وذلك فى يوليو/ أغسطس 1716 م. وكان داماد على باشا قائدا حربيا عظيما وسياسيًا بارعًا واشتهر بالحنكة السياسية، وقضى على كثير من المفاسد، ونظم قواعد الصرف فى الدولة ومنع ما كان شائعًا من الرشاوى والهدايا، وأعاد المفصولين ظلما إلى سابق ما كانوا عليه، وردّ عليهم أملاكهم التى كانت قد اغتصبت منهم، وشجع العلماء لاسيما المؤرخ "راشد" وأظهر اهتمامًا كبيرا بالعلوم والشعر وشيد مسجدا فى "سولوز" وجدد آخر فى "ايفن سراى". المصادر: (1) مصطفى باشا: نتائج الوقوعات. (2) التاريخ لطيار زاده عطا. (3) Van Hammer: Hist de l'Zzmpire Ottoman نجلاء فتحى محروس [ر. منتران R.Mantran]

على الرضا

على الرضا ويعرف بأبى الحسن بن موسى بن جعفر ثامن أئمة الشيعة الاثنى عشرية. ولد بالمدينة سنة 148 هـ (765 م) كما يقول الصفدى، وقال آخرون -ولعل قولهم أصح- إن مولده كان سنة 151 هـ (768 م) ولكن النوبختى وابن خلكان ومير خواند يذهبون للقول بأن مولده كان سنة 153 هـ (770 م). وتوفى بطوس سنة 203 هـ (818 م) وإذا كانت المصادر لا تتفق على سنة وفاته فإنها تختلف حول يوم وفاته والشهر الذى مات فيه، فهو نهاية صفر عند الطبرى والصفدى، وهو الحادى والعشرون من رمضان عند الصفدى أيضا، وهو الثالث عشر من ذى القعدة أو الخامس من ذى الحجة عند ابن خلكان. وأبوه هو الإمام موسى الكاظم، وأما أمه فأم ولد نوبية يختلف الناس فى اسمها فهو "شهد" أو "نجية" عند النوبختى، وهى "سكينة" عند ابن خلكان، وهى خيزران عند ابن الجوزى. ولم يعرف عن على الرضا أنه لعب دورا سياسيا بارزا فى معظم أيام حياته، بل اشتهر بالتقوى والعلم ورواية الأحاديث عن أبيه وعن عبد اللَّه بن أرطاة. وجلس للفتوى فى مسجد النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] بالمدينة. أما أول ظهوره على مسرح الأحداث السياسية فكان سنة 201 هـ (816 م) حين استدعاه المأمون إلى "مرو" ولقّبه بالرضا. وتتفق المصادر على أن عليا الرضا لم يكترث بهذا اللقب وإنما قبله استجابة لإصرار الخليفة المأمون الذى أخذ البيعة لولى العهد الجديد من العباسيين والعلويين وكبار رجال الدولة، وفى طليعتهم العباس بن المأمون فلبس الرضا الخلعة الخضراء، كما أمر الخليفة يومذاك أن ترفع الرايات الخضر وأن يُلبس الخضار فى جميع أرجاء دولته بدلا من السواد الذى هو شعار العباسيين. وليس من المحتمل أن اللون الأخضر كان فى هذا التاريخ المبكر شعارا خاصا لبيت على، ولسنا نعرف على وجه الدقة أهمية تغيير اللون فذلك أمر غير ثابت. ويوجد لدينا

النص الأصلى لهذا التقليد عند القلقشندى فى صبح الأعشى (جـ 9، ص 362 - 366، وابن الجوزى: مرآة الزمان، مخطوط باريس رقم 5903)، ويتضح منه أن المأمون تجنب فى مهارة الإشارة إلى المشكلة الكبرى التى محورها دعاوى البيتين العباسى والعلوى، وإنما كان تعيينه عليا الرضا باعتباره أنسب الناس بناء على صفاته الشخصية، ولا تشير الوثيقة من قريب أو بعيد إلى من يخلف عليا الرضا. ولقد أثار التعيين ردود فعل عنيفة متضاربة، فقد قام الولاة العباسيون المختلفون (باستثناء اسماعيل بن جعفر فى البصرة) بتنفيذ هذا القرار تنفيذا صادقا، وأخذوا يمين الطاعة لولى العهد الجديد وكان من الطبيعى أن يرحب الشيعة بهذا القرار الذى يقرر بصراحة ما يدَّعونه من حق فى الخلافة. أما فى العراق فقد ثار الأهالى حنقا على هذا القرار بالإضافة إلى انتقال العاصمة إلى مرو، وانضمت إليهم الحامية والأمراء العباسيون فاختاروا واحدا منهم خليفة بدلا من المأمون، وانصبَّت كراهية العراقيين على وجه الخصوص على أولاد سهل فنسبوا إليهم كل ما هم فيه من المصائب. والظاهر أن عليا الرضا العازف عن وضعه الجديد هو الذى بَيَّن للخليفة المعنى الحقيقى للثورة فى العراق، فلما أدرك المأمون أخيرا حقيقة الوضع أخذ يبدل شيئا فشيئًا فى سياسته، فخرج سنة 203 م (818 م) قاصدا بغداد وفى صحبته كل من الفضل بن سهل وعلى الرضا، فاغتيل الأول فى "سرخس" ومات الثانى فى طوس بعد قليل من مرض ألمَّ به وإن قال المؤرخون الشيعة إنّ عليا بن هشام دس له السم فى رمانة أكلها فمات (اليعقوبى جـ 2 ص 551) أو فى عصير رمان أعده له أحد سقاة القصر وناوله إياه الخليفة بنفسه وبيده كما جاء فى كتاب مقاتل الطالبيين، أما الطبرى فقد خلا تماما من كل ما يشير إلى أنه اغتيل، وقد أظهر المأمون حزنه عليه وصلى عليه، ودفن على الرضا إلى جوار ضريح هارون الرشيد وأطلق على المدينة التى بها قبره اسم "مشهد" بدلا من طوس، وتنسب المؤلفات الشيعية إلى على الرضا كثيرا من المعجزات. د. حسن حبشى [ب. لويس B. Lewis]

على بن عيسى الجراح

على بن عيسى الجراح على بن عيسى بن داود بن الجراح، الوزير العباسى، ولد سنة 45 هـ (= 850 م) من أسرة فارسية الأصل استقرت فى "ديرقُنَّا" على دجلة أسفل بغداد، والأرجح أنه تنصّر قبل اعتناقه الإسلام، وكان الكثيرون من أقاربه بمن فيهم أبوه وجدّه ممن عملوا فى دواوين الإدارة العباسية. كما أنه شغل أول وظيفة كتابية له وهو فى التاسعة عشرة أو العشرين من عمره، ولما أنشأ أحمد بن الفرات فى سنة 278 هـ (892 م) "ديوان الدار" اشتغل بالكتابة فيه كل من على بن عيسى وعمه محمد ابن داود تحت رياسة على أخى أحمد ابن الفرات، ولما صار هناك قسمان مستقلان للولايات الشرقية والغربية بعد ذلك بسبعة عشر عامًا اختير على ابن عيسى وعمه لإدارتهما، على أنه فى السنوات الأخيرة من خلافة المعتضد تفاقمت حدَّةُ الخلاف بين أفراد أسرة الجراح وبين الأخوين أحمد وعلى ولدى ابن الفرات، وبلغ هذا الخلاف ذروته حين مات المكتفى سنة 295 هـ (908 م) وخلفه أخوه المقتدر بفضل الجهود التى بذلها ابن الفرات، وحينذاك أخذ بنو الجراح يحيكون خيوط مؤامرة يرجون من ورائها خلعه ليتولى عبد اللَّه ابن المعتز الخلافة، ونجحوا فيما دبروه وأصبح أمر "الدواوين" كلها فى يد علىّ ابن عيسى أيام ولاية المعتز القصيرة وحينذاك غرم كثيرا من الأموال ونفى إلى مكة عند تولية المقتدر. وفى أثناء وزارة ابن الفرات القصيرة ظل علىّ بن عيسى تحت المراقبة الشديدة فى مكة حتى سقط ابن الفرات سنة 299 هـ (= 900 م)، فلما كانت السنة التالية اقترح القائد مؤنس [الخادم] استدعاء علىّ بن عيسى فاستدعى فولى الوزارة بعد "الخاقانى" واستمر فى وزارته الأولى هذه أربع سنوات ظهرت فيها جهوده الكبيرة لإصلاح الأمور المالية، وعلى الرغم من نجاحه فى زيادة دخل بيت المال زيادة كبيرة إلَّا أن تقتيره فى النفقات والصرف جلب عليه كراهية البلاط بمن فيهم الخليفة المبذّر الذى لا يحس بالمسئولية.

ولقد بعث فى السنة الأولى من وزارته سفارة إلى القرامطة نجحت فى إطلاق سراح أسرى الحرب العباسيين، وترتب على سياسته هذه نحو القرامطة أن ظلوا ساكنين لا يثيرون شيئا من القلاقل لمدة عشر سنوات، غير أن هذا العمل من جانبه سَهَّل على خصومه أن يرموه بأنه على صلة بأتباعهم، على أن ادخاره ما يصرف من الأموال على هذه الجبهة قابله نفقة كبرى على الحملات التى وجهت ضد الفاطميين بمصر (301 هـ/ 914 م) وغيرهم من المتمردين فى العراق (303 هـ = 916 م)، ووجد علىّ بن عيسى الوزير نفسه عاجزا عن صرف مستحقات بعض الجند فى العاصمة فثاروا، فاغتنم ابن الفرات الفرصة وتمكن من العودة إلى الوزارة بفضل ما وعد به الخليفة وأمه من إجراء الأموال الجزيلة عليهما، كما ساعدته على تولى الوزارة القهرمانة أمّ موسى بنفوذها الضخم، وكان علىّ بن عيسى قد أساء إليها إساءة لم تغفرها له، وعلى الرغم من كثرة ما صودر عليه من المال وحبسه ورميه بخيانة رجال الدولة (وإن لم يثبت ذلك عليه) واتهامه بالاشتراك مع المتآمر يوسف بن أبى الساج فى فتنته التى أضرمها قبل فترة قصيرة من خلع علىّ بن عيسى، أقول على الرغم من كل هذا فإنه لم يمض عام على هذه الأحداث حتى أخذ الخليفة فى استشارته حول من يوليه مكان خصمه، حتى إذا كان مستهل سنة 306 هـ = (918 م) خلع ابن الفرات من الوزارة وتولاها حامد بن العباس الذى ثبت عدم كفاءته، وحينذاك ألزم علىّ بن عيسى بأن يتولى الوزارة نيابة عنه، ثم ما لبث أن صار الأمر كله فى يده بعد قليل. ولقد أدت محاولة حامد بن العباس إلى استعادة نفوذه بزيادة الدخل عن طريق زيادة الضرائب على أهل السواد والأهواز وإصفهان إلى ارتفاع حاد جدا فى ثمن القمح ببغداد أسفر عن ثورات عارمة قام بها العامة وطال مداها، حينذاك استغل علىّ بن عيسى هذه الظروف ووظفها حسبما يريد لنفسه وإن رفض منصب الوزارة فى العام

التالى، ولقد أدت إجراءاته الاقتصادية إلى أن أصبح موضع كراهية الناس، لاسيما بما صحبها من الأموال الفائضة التى صرفت على الحملات التى وجهها لإخراج الفاطميين من مصر وبما حدث من هزيمة ابن أبى الساج، وترتب على ذلك إعادة ابن الفرات للمرة الثالثة لتولى الوزارة مكانه. وأُمسك علىّ بن عيسى مرة أخرى وسئل عن إدارته للشئون المالية وعن صلته بالقرامطة الذين أغاروا على البصرة بعد خلعه بأربعة أيام فقط، فبرئت ساحته من التهمة الثانية ولكنهم أرغموه على كتابة صك على نفسه بثلاثمائة ألف دينار وهن ثم أخذه المحسِّن بن أبى الفرات وعذبه، ووجد من يساعده على دفع ما فرض عليه من الغرامة. وإذ ذاك اكتفوا بنفيه إلى مكة، حيث حاول حارسه قتله أكثر من مرة فلم يفلح فنُفى إلى صنعاء فبقى بها حتى منتصف العام التالى حين قتل ابن الفرات فتولّى وظيفة كشف مصر والشام ثم استدعى بعد ثلاث سنوات (أعنى عند نهاية 314 هـ) وعهد إليه بالوزارة من جديد. لم يبق هذه المرة فى الوزارة إلّا عامًا وبعض عام، إذ كانت الحكومة العباسية حينذاك أفلست إفلاسًا لا رجاء فى معالجته، وتجرأ البيزنطيون مدفوعين بضعفها الظاهر ودخلوا البلاد الإسلامية واستولوا على سميساط، كما أن القرامطة زحفوا على بغداد وأوشكوا على الاستيلاء عليها بعد أن أخذوا الكوفة وهزموا ابن أبى الساج واضطر الوزير علىّ بن عيسى أن يطلب الأموال من الخليفة وأمه لصرفها فى الدفاع عن المدينة ولدفع أجور الجند المتمردين، وعلى الرغم من أنه التمس إعفاءه من الوزارة يأسا منه من إصلاح الأمور المالية فإن المقتدر لم يستجب لالتماسه، ولكنه ما لبث أن أخرجه من الوزارة وزج به فى السجن. ثم أطلق سراح الوزير على بن عيسى بعد خلع المقتدر للمرة الثانية فلما أعيد الخليفة عهد إليه بالنظر فى المظالم، ثم صار بالتالى فى سنة

318 هـ رئيس الدواوين والمستشار لابن عمه سلمان بن الحسن بن مخلد ثم لخليفته فى الوزارة الكلواذى، على أنه حين استُوْزِر ابن عمه الثانى وعدُوه الحسين بن القاسم نفى مرة أخرى ولكن إلى مسقط رأسه "ديرقُنَّا" وإن لم يلبثوا أن أذنوا له بالعودة إلى العاصمة. وتولى علىّ بن عيسى أثناء حكم القاهر وظيفة مالية صغرى لبضعة أشهر، فلما جاء الراضى إلى الحكم ألقى القبض عليه مرة أخرى وصودر ونفى إلى "الصافية" القريبة من "ديرقُنَّا" بإشارة من ابن مقلة الذى وجد نفسه مضطرا فى سنة 323 هـ (= 935 م) لالتماس معونته فى مفاوضات الصلح مع "الحسن بن علىّ أبن أبى الهيجاء الحمدانى" الذى سوف يعرف بعدئذ بناصر الدولة. وفى صيف سنة 325 هـ (= 936 م) عهدوا إليه بأن يقوم نيابة عن أخيه عبد الرحمن فى أمور وظيفته، فقام بها بضعة شهور، ثم لما تولى المقتدى سدّة الحكم اختاروه مرة أخرى لديوان المظالم، ثم أعيد إلى ما كان عليه قبل الآن من معاونة أخيه عبد الرحمن وإن لم يطل عهده هذه المرة أكثر من أسبوع واحد. هذا بيان عن وظائفه الأخيرة، وإذا استثنينا الدور الذى لعبه فيما يتعلق بالأثر المسيحى المعروف "صورة الرها" ووجوب ردّها إلى البيزنطيين فإننا لا نجد له دورا جديدًا فى الأحداث العامة، فقد مات بعد ستة أشهر فقط من وصول معز الدولة البويهى إلى بغداد، وكان عمره ثمانية وتسعين عاما حين مات يوم التاسع والعشرين من ذى الحجة 334 هـ (أول أغسطس 946 م). إذا كان هذا ما نعرفه عن وظائف علىّ بن عيسى فإنه ليس لدينا إلا القليل من حياته الخاصة، إلا أنه كان له ولدان (من المحتمل أن يكونا من زوجتين) أحدهما واسمه إبراهيم الذى تولى الكتابة للخليفة المطيع سنة 347 هـ (= 958 م) ثم وافاه أجله سنة 350 هـ وأما الآخر فعيسى بن علىّ المولود سنة 302 وهو الذى تولى الكتابة ولكن للخليفة الطائع واشتهر بمعرفته للحديث

المصادر

وروايته له كما عرف بدراسته لعلوم الروم ومات سنة 391 م (= 1001 م) وكان شغفه بالحديث الشريف سببا لميله إلى التصوف فقد صار مذكورا بأنه كان صديقا للصوفى الشبلى، وكذلك بموقفه من الحلاج، حين اتهم بالهرطقة، فقد شاع أن بين الاثنين مودة فى الباطن. وقد حفظ لنا ابن القفطى وكذلك ابن أبى أصيبعة رسائل لعلىٍّ هذا بعث بها إلى سنان بن ثابت الصابى، كما يذكر أن الرازى الفيلسوف وجه رسالة إلى علىّ تكشف عن اهتمامه به الكبير بتحسين أموال الصحة العامة، بل أنه أسس هو ذاته بيمارستانا فى حىّ "الحربية" من العاصمة، كما بنى مسجدًا فى أملاكه الخاصة وحفر بئرًا بمكة عرفت بالجرَّاحبّة (نسبة إليه)، وقناة بصنعاء وألف ثلاثة أو أربعة كتب ولكنها لا توجد اليوم. المصادر: يمكن الرجوع إلى أهم المراجع العربية التى تناولته ومنها: كتاب الأوراق للصولى، ومروج الذهب للمسعودى والولاة للكندى والفرج بعد الشدة للتنوخى، والوزراء لهلال الصابى والفهرست لابن النديم، والتكملة للهمذانى والمنتظم لابن الجوزى والإرشاد لياقوت ومرآة الزمان لسبط ابن الجوزى. مها سيّد معبد [هـ بوين H.Bowen] علىّ بن عيسى الكحال علىّ بن عيسى ويعرف بابن عيسى كحال العرب، وكتابه تذكرة الكحالين جدير باهتمام كبير منا من وجهة نظر تاريخ الحضارة، إذ هو أقدم كتاب عربى عن طب العيون، وقد وصل إلينا كاملًا وفى صورته الأصلية. أما مؤلفه فيقال فيه تارة على بن عيسى وتارة أخرى عيسى بن علىّ، وإن كان لقولهم: علىّ بن عيسى التقدمة ونستفيد ذلك من إشارة واردة فى كتاب عيون الأنباء لابن أبى أصيبعة وكذلك من الاقتباسات الواردة فى مؤلفات الكُتّاب المتأخرين كالغافقى وخليفة بن أبى المحاسن، وترجع الاضطرابات فى حقيقة رسم اسمه إلى الخلط بينه وبين عالم عاش فى بلاط الخليفة المتوكل وهو عيسى بن علىّ

الذى كان موجودًا قبل صاحبنا علىّ بن عيسى بمائة وخمسين سنة، كما نستدل على ذلك مما أورده ابن النديم فى فهرسته جـ 1 ص/ 297 وابن أبى أصيبعة فى عيون الأنباء جـ 1 ص/ 203. هذا بالإضافة إلى ما كتبه من المقالات الطبية، ولقد عاش على ابن عيسى فى النصف الأول من القرن الخامس الهجرى (الحادى عشر الميلادى) وتتلمذ ببغداد (كما يقول ابن أبى أصيبعة) على يد أبى الفرج بن الطيب شارح كتاب جالينوس، وقد مات أستاذه أبو الفرج فى العقد الثالث من القرن الخامس الهجرى كما يقول ابن القفطى ص 223 وكان علىّ بن عيسى مثل شيخه المشار إليه على دين النصرانية التى يُرجح أنه اعتنقها أثناء وجوده ببغداد. وليس بين أيدينا ما يمدنا بتفاصيل حياته الخارجية، أما فيما يتعلق به كمطبب فقد كان حجة فى فنه حصيفاً كل الحصافة، وعلى جانب كبير من الرحمة، ويتجلى لنا هذا فى كثير من نصائحه للكحالين من أجل مرضاة مرضاهم، وكتابه "تذكرة الكحالين" الذى يوصف فى بعض الأحيان بأنه رسالة ما هو إلّا مقال مطول جدًا والكتاب الأول منه كما يتضح من مقدمته ويتضمن شرحًا للعين، أما الثانى فيتكلم علىّ بن عيسى فيه على الأمراض الظاهرة ويبين طرق معالجتها مثل أمراض الجفن وجوانب العيون وأمراض الملتحمة والقرنية وعتمة عدسة العين وكيفية معالجتها، وأما ثالث أقسام هذه التذكرة فيتكلم فيه عن الأمراض الخفية وعلاجها وهى خداع البصر، وطول البصر وما يصيب عدسة العين الزجاجية، كما يتحدث فيه عن عمى النهار وعمى الليل وأمراض الرطوبة التى تصيب العين وأمراض الشبكية واضطراب أعصاب العين وغلاف العين المشيمى وتصلب غشاء العين الخارجى والحَوَل وضعف النظر، وبعد أن يقدم المؤلف فصلًا عن المحافظة على الصحة يختمه بإيراد قائمة مرتبة حسب الحروف الهجائية لمائة وواحد وأربعين علاجًا بسيطًا وتأثيرها على العين. ومما يلاحظ على علىّ بن عيسى أنه يقول فى مقدمته إنه فتش كتب القدماء تفتيشًا دقيقًا ولم يضف إليها من الجديد إلا قليلًا مما تعلمه من أساتذة وقته ومن ممارسته لهذا العلم، ويشير إلى كتاب حنين وكتاب جالينوس ويقرر أنهما مصدراه الرئيسيان. وبالإضافة إلى ذلك فإنه يقتبس فى "التذكرة" من

المصادر

"دوسكو ريدس" وأبو قراط وأوراسيوس وبولس الأسكندريين. إن ضخامة المعلومات التى تضمنها كتابه هذا هى التى أدت إلى ما يتمتع به من شهرة فى هذا الفن، وقد استعمله من جاءوا بعده من الكحالين العرب استعمالًا كبيرًا فى المجالين النظرى والعملى على السواء واقتبسوا منه فصولًا كثيرة. ولقد ذكر خليفة بن أبى المحاسن فى مقدمته لكتابه عن طب العيون: إن دانيال بن شعيا كتب شرحًا لكتاب "التذكرة" وإن كان هذا الشرح يعتبر اليوم فى عداد الكتب المفقودة، على أن نسخًا كثيرة من مخطوطات "التذكرة" وصلت إلينا كما هى، هذا إلى جانب أنه ترجم مرة فى العصور الوسطى إلى العبرية ومرتين إلى اللاتينية بعنوان: Tractus de Oculis b Hali وطبع أكثر من مرة فى البندقية سنة (1497، 1499، 1500 م) ثم قام "بانسير" بنشره مع ترجمة ثانية له مرة أخرى واعتمد فيها على الترجمة العبرية وسماه: Epistula thesu fillii Haly de Cognitione infirmitatum sive memeriale oculariorum quod compilavit ali b. Jssa وقد طبعت هذه الترجمة فى باريس سنة 1903 م. أما السبب الأساسى فى عدم ذيوع وانتشار أهمية "التذكرة" فى تاريخ الطب فيرجع إلى الصورة الكريهة التى تمت بها ترجمته اللاتينية وسقوط جمل كثيرة كاملة منها حتى لم يعد هناك ترابط بين فقراته بعضها وبعض، وقد صدرت ترجمة ألمانية للكتاب معتمدة على المخطوطات العربية وتوجد هذه الترجمة فى الجزء الأول من Die arabischen Augenarzte. وقد قام بنشرها ثلاثة من المستشرقين الألمان هم هرشبرج وليبيرت وميتفوخ فى ليدن 1904 م. المصادر: وردت فى متن المادة بدرية الدخاخنى [ميتفوخ E. Mittwoch] على بك الكبير ولد فى القوقاز وظل ما يقارب عشرين سنة الشخصية البارزة فى مصر التى جُلب إليها فى وقت مبكر وأهداه صاحبه إلى إبراهيم كَتْخُدا الذى كان الحاكم الفعلى للبلد من 1156 حتى 1168 هـ (1743 - 1754 م) ومنح قبل موته عليا هذا لقب البكوية

وجعله واحدا من أعضاء المجلس الأعلى، فتنامى نفوذه نظرا لما صار إليه الباشا المعين من قِبل الباب العالى من ضعف ومن غير حول ولا قوة. ولقد التزم الوالى العثمانى بالحياد فى وجه الصراعات الدامية التى كانت بين البكوات والمماليك ولكنه كان حيادا سرعان ما يتخلى عنه إذا انتصر فريق على آخر فينضم إلى المنتصر ويُعِينه على خصمه. ولقد اشتهر على بك فى مستهل حياته بحمايته ركبا من الحجاج ضد جماعات من العرب، ولما أصبح "بيكا" انغمر فى جو التآمر حيث كان كل مشارك فى هذه المأساة مضطرا للجوء إلى اغتيال خصمه والاستعانة بالقتلة السفاحين ليجعلهم حاشيته وبطانته. ولقد اتسم موقفه فى بادئ الأمر بالترقب الحذر، وعمل جهده على تحسين صورته بكل الوسائل وبذلك أصبح قادرا على أن يضم إليه عددا كبيرا من المماليك، وقد أثمرت هذه السياسة ثمرتها المرجوة حين نادى به إخوانه قائدا لهم منذ سنة 1177 هـ (1763 م)، فلما كانت السنة التالية خلع هو لقب البكوية على مملوكه محمد أبى الذهب الذى شاءت الأقدار أن يكون سقوط على بك الكبير على يده. ولم يكن وصول على بك إلى الاستحواذ على السلطة خاليا من متاعب ومنازعات فقد اضطر للهروب إلى الشام حفاظا على نفسه حيث وطد علاقاته بوالى عكا عمر الضاهر الذى كان لمساعيه الحسنة الفضل فى عودة على بك إلى مصر وتأييد الباب العالى له فاسترد صلاحياته كشيخ للبلد لا يشاركه فى هذا أحد. على أنه اضطر للهروب مرة ثانية بعد عامين إلّا أنه عاد إلى العاصمة على رأس قوة مسلحة سنة 1181 هـ (1767 م)، ولم يجد الوالى العثمانى الجديد بدا من إقراره شيخا للبلد. على أن خوف الوالى من نزعة على بك الاستقلالية دفعته إلى محاولة تأليب القلوب عليه ولكنه فشل فى هذه المحاولة فاضطر لترك وظيفته (1182 هـ = 1768 م) لم يعد على بك منذ هذه اللحظة يَخشى المجاهرة بمطامعه فكان يرفض قبول حضور أى مسئول ذى نفوذ، كما صرح بخصومته

للباب العالى وقلل من عدد إنكشاريته إلا أنه مع ذلك لم يخلع القناع عن وجهه تماما ولم يرفض رجاء السلطان له فى إرسال كتيبة لمحاربة روسيا. لكنه رُمِىَ عند الباب بالخيانة وبأنه يعبئ هذا العسكر لمساعدة الروس ومن ثم صدر فرمان الباب العالى بإعدامه فلما علم على بك الكبير بهذا الحكم رد عليه ردا فيه عجرفة اذ أعلن استقلاله وأصبح منذ هذه اللحظة متورطا فى أمور مكروهة ومضطرا لإبقاء قواته على الدوام فى حالة تأهب للحرب، فأخضع فى البداية قبائل عرب الصّعيد، ثم تدخل فى شئون مكة لتنصيب رجل ادعى أنه "شريف" والتمس هذا الرجل الدّعى تأييده فأرسل إليه على بك عسكرا بقيادة رجل يعتبر يده اليمنى هو "محمد بك أبو الدهب". ولما أحس على بك بقوته سك عملة خاصة به وإن كانت لا تزال تحمل اسم السلطان، والحروف الأولى من اسم والى مصر وفوقها تاريخ ليس بتاريخ تولى السلطان السلطنة. وتابع على بك سياسته هذه فأرسل جيشا ضخما بقيادة تابعه محمد أبو الدهب لغزو الشام، وكانت المفاوضات مع الروس لا تزال جارية ولكنها لم تسفر عن أى نتائج، وسرعان ما تم له فتح الشام كله، غير أن الأحداث جرت بما لم يكن فى الحسبان إذ قاد محمد بك أبو الدهب جيشه بعد دخوله دمشق منتصرا وعاد إلى مصر ليسلبها من يد مولاه على بك الكبير الذى قرر حينذاك الهروب من القاهرة فى محرم 1186 هـ (أبريل 1772 م) والتجأ مرة أخرى إلى باشا عكا وشرع فى تجهيز جيش جديد بمساعدةٍ روسية واستطاع بعد بضع مناوشات ناجحة أن يواجه خصمه فى الصالحية شرقى الدلتا إلا أن الدائرة دارت على جيشه وأصيب هو بجراحات قاتلة فى ساحة القتال مات بعدها بأيام قلائل يوم 15 صفر (8 مايو 1773 م). وإنه لمن الصعب تقدير فترة استقلاله الذاتى لأن شكل عملته كان غير مألوف رغم أنه كان قد أعلن أن تملك العثمانيين للبلاد كان بالقوة وبخيانة بعض الأهالى. ولدينا وثيقة مؤرخة بمستهل 1186 هـ (أعنى قبيل مغادرته النهائية للقاهرة) تبين لنا أنه لم يجرؤ على إعلان نفسه

المصادر

رسميا حاكما لمصر. وفيها نص طويل منقوش على قبة الشافعى وليس فيها ما يشير إلى السلطة العثمانية ولا ذكر على بك بل أنها تقرر أن الأمر بإصلاح هذا القبر إنما صدر من حاكم مصر القوى الذى زادت هيبة هذا البلد بقوته. ويوحى كتاب الجبرتى لنا بأن على بك الكبير كان مكروها فى كثير من الحالات، لكن يجب أن نضع فى الاعتبار أخلاقيات الوقت والبيئة، ولا نملك إلّا الموافقة على ما قاله أحد معاصريه حين قال إنه كان رجلا فوق المألوف من رجالات وقته، ولم يكن ينقصه إلا مسرح كبير ليدهش الدنيا المصادر: (1) S. Luisigan: A History of the Revolt of Aly Bey, London 1783 (2) C. Volney: Voyage en Syrie, i; J (3) Marcel: Histoire d' Egypte, Paris 1834, 227 - 39 (4) Deherain: L'Egypte turque, 122 - 37 (5) Wiet: Inscr. du mausolee de Shdfi'i in BIE, xv, 182 د. حسن حبشى [ج. فيت G. Wiei] على مبارك على باشا مبارك، وزير مصرى، وأحد رجالات الفكر والأدب البارزين. ولد سنة 1239 هـ/ 1823 م فى برنبال (مديرية الدقهلية)، ودرس فى المدارس الحكومية التى أنشأتها الحكومة حديثًا: مدرسة قصر العينى، ومدرسة أبى زعبل، ودرس فى المهندسخانة فى بولاق. وفى سنة 1260 هـ/ 1844 م ابتُعث إلى فرنسا ضمن مجموعة من زملائه لدراسة الهندسة الحربية (الاستحكامات والحركات الحربية)، ولما عاد إلى مصر سنة 1266 هـ/ 1849 م حظى بعطف عباس الأول وتولى بعض المناصب العسكرية ثم عين مديرًا للتدريبات العسكرية (المفرزة)، وأثناء حرب القرم قام ببعض المهام فى استانبول. والقرم

وجمشخانة، واستقال من منصبه الحكومى فى عهد سعيد، لكنه شغل عدة مناصب مهمة فى عهد الخديوى اسماعيل، وكان يقوم بإصلاحات فذة فى كل مجال يتقلد مسئوليته، فإليه يعزى إنشاء دور الطباعة، وطباعة الكتب الموجزة خاصة المتعلق منها بالموضوعات الهندسية والعلمية، كما يعزى إليه إنشاء كوبرى (جسر) بالقرب من القاهرة (فى القناطر الخيرية) لكن هذا العمل لم يكن موفقًا تمامًا، كما تعزى إليه نشاطات فى مجال مد خطوط السكك الحديدية وأعمال الرى، وهو مؤسس دار العلوم، وكانت وقتها تهدف إلى تدريب المعلمين على طرائق التدريس، كما أسس المكتبة الخديوية سنة 1870 م. أما جهوده فى مجال تطوير التعليم فأجل من أن ينكرها أحد، حيث كان يأنس لنصائح المربى السويسرى دوربى Dor Bey (توفى 1880 م)، وقد شغل منصب نظارة المعارف فى حكومة رياض باشا، واضطر للاستقالة نظرًا لتدخل ألفرد ملتر (لورد ملنر فيما بعد) سنة 1891 م. وتوفى -رحمه اللَّه- فى القاهرة فى جمادى الأولى 1311 هـ/ 14 نوفمبر 1893. وله عدة كتب فى التربية والهندسة وغيرهما، وأهم كتبه: - الخطط الجديدة التوفيقية، بولاق، 1306 هـ/ 1898 م فى عشرين جزءًا، وحاول فى هذا الكتاب أن يسير على نهج خطط المقريزى الشهيرة، وهو يقدم فى هذا الكتاب وصفًا للقاهرة (الأجزاء من الأول إلى السادس) ووصفًا للاسكندرية (الجزء السابع)، وهو يقدم لنا التراجم للمشاهير الذين دفنوا بهاتين المدينتين، كما يقدم لنا وصفًا للمواضع الهامة فى مصر مصحوبة بتراجم (الأجزاء من الثامن إلى السابع عشر)، ويقدم لنا وصفًا لمقياس النيل (الجزء 18) ووصفا للقنوات والسدود (الجزء 19) ووصفا للمسكوكات والعملة (الجزء 30) كما قدم لنا ترجمة لحياته الشخصية عند تعرضه لبرنبال (مديرية الدقهلية) حيث ولد (الجزء

المصادر

الحادى عشر)، وقد رجع لكتابات السخاوى والشعرانى والسيوطى والمُحبِّى والجبرتى كمصادر لتراجمه كما رجع للمصادر الأوربية عند حديثه عن آثار مصر وتاريخها خاصة كتابات ساسى Sacy وكاترمير Quatremere إنه كتاب مهم، وإن كان هذا لا يمنع من الاعتماد عليه بحذر بمعنى النظر إلى معلوماته -أحيانًا- نظرة نقدية. المصادر: (1) K. Vollers: ZDMG, 1893 (2) I. Goldziher: in WZKM, 1890 (3) L. Cheikho: la litt arabe au Ige Siecle (4) جورجى زيدان، تاريخ مشاهير الشرق. (5) J. Heyworth-Dunne: introduction Education in Modern to the history of Egypt (6) بروكلمان، تاريخ آداب اللغة العربية، جـ 2. د. عبد الرحمن الشيخ [ك. فولرز K.Vollers] على بن محمد الزنجى على بن محمد الزنجى ويعرف بصاحب الزنج وقائدهم وهم العبيد السود الذين ظلوا يبثون الرعب فى جنوب العراق وما جاوره من النواحى على مدى خمسة عشر عاما (255 هـ - 270 هـ) أو كان مولده فى "وَرْزَنيِن" وهى قرية قرب الرى وتقول بعض المصادر إنه عربى الأصل وأنه ينحدر من جهة الأب من عبد قيس، وأما من ناحية الأم فمن بنى قيس، ويعرف عادة بعلى بن محمد بن عبد الرحيم، وإن كان ابن الجوزى يقول فى المنتظم (حيدر أباد 1357 هـ، ص 2/ 69) أن اسمه الحقيقى هو "بهبوذ" على حين يقرر البيرونى أنه كان يعرف بالبرقعى، وكان هو نفسه يدعى أنه علوى فيسمى نفسه بعلى بن محمد بن أحمد بن عيسى بن زيد بن على بن الحسين بن على بن أبى طالب (مروج الذهب للمسعودى 8/ 31) وقد أورد الطبرى سلسلة النسب هذه ولكن باختلاف يسير. وفيما يتعلق بعلوى يحمل نفس الاسم (كان أبوه قد مات فى السجن زمن المستعين) فراجع المروج 7/ 404،

المصادر

والاصفهانى: مقاتل الطالبيين ص 672، 689). وكانت هذه محاولة لكسب التأييد له فى البحرين فقيل إن له نسبا فيها، وقد هرب إلى بغداد ثم ما لبثت الاضطرابات أن اندلعت من جديد فى البصرة بهدف عودته فالتمس العون هذه المرة بين صفوف الزنج العبيد الذين يعملون فى ملاحات الملح شرقى البصرة، واستطاع بعد قليل يوم 26 رمضان 255 هـ (5 سبتمبر 869 م) الدعوة لنفسه جهارا، وعلى الرغم من ادعائه أنه علوى الأصل وتلقيبه نفسه بالمهدى إلا أنه لم يتشيع بل اعتنق مذهب الخوارج. وعلى الرغم من الانتصارات الحربية التى استغرقت زمنا طويلا والتى استولى فيها بعض الوقت على الأبلة والأهواز والبصرة وواسط إلا أن الهزيمة لحقت أخيرا بجيوش الزنج على يد حملة كبيرة بقيادة ولى العهد الموفق، وحوصرت فى عاصمتها "المختارة" وهنا رفض قائد الزنج ما عرض عليه من العفو واجراء نفقة عليه وانتهى الأمر يوم 2 صفر 270 هـ (11 أغسطس 883 م) بالهجوم عليه فقُتل ودخلوا برأسه إلى بغداد مرفوعًا على عمود. المصادر: (1) الطبرى 3/ 1742 - 1787, 1835 - 2103. (2) المسعودى مروج الذهب جـ 8. (3) الدورى دراسات فى العصور العباسية المتأخرة ص 75 - 106 (4) p. Casanova in Revue Numismatique, 1893, 510 - 6 and J.Walker, in JRAS, 1933, 651 - 6 د. حسن حبشى [ب. لويس B.Lewis] على بن ميمون الإدريسى على بن ميمون بن أبى بكر الإدريسى المغربى، صوفى زاهد يرجع إلى أصل بربرى وإن ادعى هو أنه علوى. وقد ولد حوالى سنة 854 هـ (= 1150 م) ويقال إنه كان فى صدر شبابه أمير قبيلة من قبائل بنى راشد

على بن يوسف بن تاشفين

فى جبل غمارة ولكنه هجر هذا الموضع لأنه كان عاجزًا عن أن يمنع جماعته من شرب الخمر ويحرموه فيما بينهم. وفى سنة 901 هـ (= 1495 م) غادر مدينة فاس وزار كلا من دمشق ومكة وحلب وبروصة، ثم استقر به المقام أخيرًا فى دمشق ومات بها سنة 917 هـ (= 1511 م) وكان وسطًا فى تصوّفه وزهده. ونلاحظ أنه قد ندّد تنديدًا ثوريًا بالعيوب الدينية والاجتماعية التى لاحظها سائدة فى الشرق، وأوضح ذلك كله فى كتابه "بيان غربة الإسلام بواسطة صنفى الشام وما يليها من بلاد الأعجام". راجع عن ذلك Eyoldziher. ZDMG., 1874, P. 293 fol وقد وضع ابن ميمون كتابه هذا حين تقدم به العمر إذ بدأه فى 19 محرم 916 هـ أما فيما يتعلق بمؤلفاته فى التصوف ومن بينها كتابه الذى يعتبر دفاعًا عن ابن عربى مما يستحق التنويه فانظر: بروكلمان تاريخ آداب اللغة العربية جـ 2 ص 124 والملحق جـ 2 ص 152 وراجع أيضًا طاش كوبرى زاده: الشقائق النعمانية على هامش كتاب ابن خلكان. طبعة بولاق سنة 1399. د. حسن حبشى [بروكلمان Brockelmann] على بن يوسف بن تاشفين من أمراء المرابطين وثانى حكام أسرة بنى تاشفين الذى ولى قسما كبيرا من المغرب وجنوب الأندلس وامتد حكمه من 500 - 537 هـ (1106 - 1143 م). وقد خلف على أباه يوسف ابن تاشفين فى اللحظة التى كانت قوة المرابطين قد بلغت فيها ذروتها على جانبى مضيق جبل طارق، وامتاز حكمه بسلسلة من الأحداث، وقد توفر لدينا اليوم كتابان هما نظم الجمان لابن القطان ومذكرات البيذق رفيق المهدى ابن تومرت عن تدهور قوة المرابطين قبل ظهور الموحدين. كما توجد من ناحية أخرى نتف لا زالت غير مطبوعة من كتاب البيان المغرب لابن عذارى تتعلق بعهد على بن يوسف وهى نتف مقتطفة إلى حد كبير من كتاب المؤرخ ابن الصيرفى الذى عاصر المرابطين. على أن الأخبار المستمدة من حوليات القرن الثامن الهجرى (الرابع عشر الميلادى) تضيف جديدا، وإن كان يجب أخذ بعضها بشئ من الحذر بل

ورفضها أحيانا لعدم موضوعيتها ولتحيزها الشديد للموحدين، ويتمثل هذا بوضوح إزاء ما هو وارد فى "المعجب" لعبد الواحد المراكشى الذى يعتبر مصدرا رئيسيا لعصر المرابطين، ولكن يجب الاحتياط عند مطالعته رغم ما قد يكون فيه من تفاصيل حيَّة وبيانات دقيقة عن البلاط فى مراكش. ولقد استمر حكم على بن يوسف سبعا وثلاثين سنة رغم الصعاب التى اعترضت طريقه منذ البداية ولكنها تعتبر تافهة إذا ما قورنت بالخطر الناجم عن ثورة ابن تومرت فى الإقليم الجبلى المُطل على الأطلس، وكان هذا أول خطر حقيقى واجهه على منذ توليه الحكم واستمر فى السنوات التالية إلى جانب المنازعات التى كانت بين أفراد أسرته وبين زعماء حركة المرابطين الذين ينتمون إلى فرعين أحدهما لمتونة قبيلة الحاكم والآخر "المسوفة". وعرف يوسف بن تاشفين الخطر واضحا تماما فكان ماهرا فى أنه لم يختر له خليفة من أولاده من زوجته الصنهاجية، بل ولا حتى ابنه البكر وهو أبو الطاهر تميم من زوجته التى تزوجها فى غمات وكانت قد ماتت قبله بعشر سنوات ولكن وقع اختياره على علىّ المولود بسبتة من أميرة نصرانية أسبانية سنة 477 هـ (1084 م) أى قبل عامين من وقعة الزلاقة، ولم يصادف هذا الشاب علىّ ابن تاشفين البالغ من العمر ثلاث وعشرين سنة أى معارضة فى مراكش حين جلس على العرش عند موت والده أول المحرم 500 هـ (سبتمبر 1106 م) برضاء ظاهرى من أخيه تميم الذى يَكْبُرهُ سنًا، ولم يكن علىّ بن تاشفين باتا فى قراراته طول مدة حكمه اعتمادا منه فى ذلك على قرار مستشاريه الأندلسيين الذين كانوا من حاشية والده. ومن ناحية أخرى فقد ابتسم الحظ كثيرا لعلى بن تاشفين فى حملات "جهاده" ضد نصارى أسبانيا سواء ما كان من هذه الحملات بقيادته أو بقيادة غيره من رجاله ذلك أن "أذفونش الرابع" العجوز ظل يتطلع للثأر لهزيمته فى الزلاقة. ويشير جميع المؤرخين إلى حملات يوسف الأربع المتتالية التى عبر فيها إلى الأندلس فكانت الحملة الأولى سنة توليه الحكم ولكنه لم يجاوز فيها

"الجزيرة الخضراء Algeciras" وكانت الثانية حملة فى صيف 503 هـ (1109 م) التى أدت إلى احتلاله المؤقت لطلبيرة الواقعة على نهر تاجة، وكانت الثالثة حملة جهاد هى الأخرى أسفرت عن نجاح كان له دوى عظيم إذ استولى على قمبيرة فى صفر 511 هـ (1117 م) بعد حصار دام عشرين يوما أما حملته الرابعة سنة 515 هـ (1121 م) فلم يجاوز فيها ما وراء قرطبة. لكن لم تنقطع أبدا عمليات القواد المرابطين الحربية ضد القوى النصرانية الإسبانية سواء ما كان منها فى أرغونة أو فى قشتالة الجديدة، وكان من أعظم الانتصارات الأخيرة البارزة انتصاره فى "فرجة" بإقليم "لاردة" فقد كان الفونس المحارب يحاصر هذه المدينة ثم استنقذها منه القائد المرابطى يحيى بن على بن الغانية الذى أنزل الهزيمة الساحقة بملك أرغونة يوم 23 رمضان 528 هـ (17 يوليو 1134 م) وعلى الرغم مما كان عليه علىّ بن تاشفين من بعض الصفات الطيبة التى لا يمكن انكارها إلا أنه كان أبعد ما يكون عما كان عليه أبوه يوسف من العظمة، ومع أنه قضى الشطر الأكبر من حكمه فى مراكش ذاتها إلا أنه يبدو أنه كان صارفا اهتمامه إلى أسبانيا، فقد أوقف معظم نشاطه الحربى لمجاهدة المسيحية ولم يستبق للحفاظ على أمن عاصمته وحراسة الإقليم المغربى الجبلى سوى قوات بسيطة يتألف معظمها من المرتزقة المسيحيين بقيادة القطلونى الذى تحول للإسلام "الروبرتاير". وقد أدت هذه السياسة إلى سقوط مملكته، فقد واكب قيام دولة على بن يوسف منذ اللحظة الأولى عودة ابن تومرت إلى المغرب وظهور دعوة الموحدين وهجمات زعمائهم الحربية الأولى فعاد ذلك بالخسارة عليه لعدم اتخاذه إجراءات فورية وحاسمة ضد الحركة العدوانية. كذلك وجد علىّ نفسه مضطرا يوما بعد يوم لمواجهة الحقائق التالية وهى أنه أصبح عاجزا عجزًا تاما عن تقوية النظام الذى ورثه عن أبيه، بل كان هو ذاته سبب إحداث شروخ كبيرة فى هذا النظام الذى سرعان ما انهار، لكن ابن يوسف لم يقدر له الحياة ليشاهد هذه النكسة الفادحة فقد مات يوم 8 رجب

المصادر

537 هـ (28 يناير 1143 م) قبل خمس سنوات فقط من استيلاء عبد المؤمن الموحدى على مراكش -تاركا ولده تاشفين ليخلفه على العرش المزعزع. بَيْد أنه على الرغم من هذه البلايا الكارثة إلا أنه يمكن اعتبار عهد على بن يوسف من أزهى العصور فى تاريخ المغرب الإسلامى، ذلك أن المؤرخين الموالين للموحدين (وتابَعهم فى ذلك دوزى) حاولوا عبثا الغض من المرابطين، غير أنه ينبغى علينا اليوم أن نُقِرْ أن الثلث الأول من القرن السادس الهجرى (الثانى عشر الميلادى) واكبته نهضة إيجابية اتسمت بها الحضارة الإسبانية فى كل من الأندلس والمغرب، فقد ظل محيط البلاط كما كان عليه أيام الطوائف، وعادت قرطبة لتكون مرة أخرى العاصمة الفكرية والاجتماعية للمملكة، ويعطينا ابن قزمان صورة لطيفة عنها فى أزجاله، كما يمدنا المحتسب ابن عبدون بمعلومات عن الاقتصاد الريفى فى إشبيلية وعن الدور الذى لعبه كبار رجال المرابطين فى إنعاشه. ومع ذلك فقد استمرت يد المالكية فى أقوى صورها الباطشة تعمل على ايقاف عجلة المجتمع، وكان للفقهاء -وأغلبهم من أهل الأندلس- اليد العليا فى كل من مراكش وقرطبة، واعتبروا أنفسهم حماة للدين حتى لقد أحرقوا فى سنة 503 هـ (1109 م) كتاب الإحياء للغزالى فى ساحة مسجد قرطبة الجامع، وتعالى تنديدهم بما سموه برخاوة الأخلاق، ووقفوا ضد ما زعموه بدعا مستحدثة عسى أن يعيرهم السلطان أذنا صاغية، غير أن بقية كبار المرابطين وزوجاتهم لم يعبأوا بعظاتهم، ونجم عن ذلك حدوث فجوة عميقة أخذت فى الاتساع بين الارستقراطية اللمتونية وسكان المدن، ولم يكن لدى على بن يوسف الشجاعة الكافية فى سدها فى وقتها. المصادر: أهم المصادر العربية فى هذا الموضوع هو كتاب نظم الجمان لابن القطان، والبيان المغرب لابن عذارى. وانظر أيضا المراكشى الحلل الموشية، وابن خلدون وابن خلكان وابن الخطيب وابن الأثير والنويرى، وكذلك: (1) E. Levi Provencal: Reflexions sur l'empire almora vide au debut du XII, sie

عماد الدولة، بن بويه

cle, Islam d'Occident, i, Paris 1948, 239 - 56 د. حسن حبشى [ليفى بروفنسال E.Levi-Provencal] عماد الدولة، بن بويه هو على بن بويه، كان أكبر ثلاثة إخوة من الدَّيْلم -وإن كان أقلهم شهرة- أسسوا أسرة البويهيين. عمل فى البداية مع رهط من أهله فى خدمة نصر بن أحمد السامانى من سنة 321 هـ إلى 329 هـ، ثم فى خدمة قائده فى فارس "ماكان بن كاكى" حيث خدع الأخير لصالح عدوه "مرداويج" والذى استولى منه أيضا فى ظروف مريبة على حكم "كدج" و"ماه البصرة" [بفضل علاقاته مع وزير حاكم "الرى" ووالد "ابن العميد" الذى أصبح وزيرا فيما بعد]. وعن طريق الرشاوى المقنعة وإغداق الأموال المسحوبة من الخزائن والمخازن وخصوصا فى "خرَّامس" التى دبر للاستيلاء عليها، واستقطب حوله عددا كبيرا من الدَّيلم ممن كانوا يعرضون خدماتهم لمن يدفع أكثر. وأثار هذا بطبيعة الحال مخاوف "مرداويج" الذى أعد العدة لمهاجمته. بيد أن "عليا" أخذ زمام المبادرة، واحتل أصفهان -فإن لم يستطع الاحتفاظ بها إلا لفترة قصيرة- واحتل قلعة "أرجان" نهائيا ونصب نفسه عليها بعد حركة تمرد واسعة. وفى السنة التالية خلع ياقوت حاكم الخليفة من "فارس" على الرغم من الدعم الذى كان يلقاه هذا الأخير من "البريدى" الحاكم المستقل للبصرة. وتحت تهديد العداء المركب من كل أعدائه، حصل من "ابن مقلة" وزير الخليفة على اعتراف رسمى باعتباره "مقطع" منطقة فارس، وحاول أن يفاوض "مرداويج" ونجا أخيرا من محاولة اتهامه بالتورط فى اغتيال مرداويج فى بداية سنة 323 هـ/ 935 م. وهكذا أصبح سيد الموقف فى وسط فارس، حيث مزج فى سياسته بين القوة والدبلوماسية تجاه أمراء المناطق المجاورة أو حكامها. وأرسل أخوه الحسن (ركن الدولة فيما بعد) ليحتل "الرى"، بينما بسط أخوه أحمد (معز الدولة فيما بعد) نفوذه على كرمان وخوزستان، واستولى فى النهاية على بغداد وأخضع الخليفة لإمرته سنة (334 هـ/ 945 م). ومنذ ذلك الحين اكتسب الإخوة الثلاثة الألقاب الشرفية التى اشتهروا بها فى

عماد الدين بن محمد

التاريخ. وحاول عماد الدولة جاهدا فى هذه الأثناء وقد أصابه الكبر والوهن، أن يقيم علاقات ودية مع "السامانيين" فى الشرق الشمالى، لكى يضمن خلافة سلمية للرجل الذى اختاره ليخلفه فى الحكم، وهو ابن أخيه ركن الدولة "فانا خوسرو" لعدم وجود ابن له، وهو الذى أصبح فيما بعد "عضد الدولة" واجتمع مع أخيه معز الدولة فى الأهواز لهذا الغرض، حيث توفى بعد ذلك بقليل فى سنة (338 هـ/ 949 م). وأهم ما اشتهر به حكمه هو الطريقة التى سعى بها إلى جمع الأموال للصرف منها على قواته. وكان لديه فى ذلك الوقت وزير مسيحى هو إسرائيل بن موسى، والذى راح ضحية الدسائس التى كادها له أعداؤه المسلمون. وعلى الرغم من توطيد دعائم حكم معز الدولة فى بغداد، والمكانة التى اجتمعت له فى نظر الكثير من المسلمين، إلا أن هذا لم يمنع عماد الدولة من النظر لنفسه كعميد للعائلة. مصطفى محمود [كين CI.Cahen] عماد الدين بن محمد هو محمد بن محمد الكاتب الإصفهانى، الكاتب المتميز والمؤرخ المشهور. ولد فى إصفهان فى سنة 519 هـ/ 1125 م لعائلة بارزة، ينتمى إليها أيضا "كاتب العزيز" المشهور، الذى أورد ابن خلدون سيرته الذاتية. أمضى شبابه فى مسقط رأسه، وكذلك فى كاشان، إلا أنه درس فى بغداد الفقه على وجه الخصوص وقام برحلة إلى الموصل، وزار عدة أماكن أخرى. وعندما فرض السلطان السلجوقى محمد الثانى حصاره الفاشل على بغداد فى سنة 551 هـ/ 1156 م، كان عماد الدين فى المدينة، وكتب قصيدة يهنئ فيها الخليفة على فك الحصار، والتى أكسبته عطف الوزير ابن هبيرة، فعينه نائبا له فى "واسط" بيد أنه فقد منصبه بعد وفاة الوزير (559 هـ/ 1164 م) وعانى من الفقر فى السنتين التاليتين. وأخيرا وبفضل مساندة الوزير الشهرزورى, عرج على آل زنكى فى سوريا، الذى كان على معرفة بعائلته وخصوصا عمه عزيز السابق ذكره، وهكذا لقى ترحيبا وديا، وعينه السلطان نور الدين "كاتبا" وفيما بعد مدرسا فى مدرسة أنشئت تكريما له، وعهد إليه علاوة على ذلك بمهمة دبلوماسية إلى الخليفة، انتهت بتعيينه مشرفا على الديوان. ولكن بعد وفاة نور الدين فى سنة 569 هـ/ 1173 م،

نجح أعداؤه فى إقصائه وأجبروه على أن يترك وظيفته ويرحل إلى الموصل. وهناك سقط مريضا، ولكنه شفى وعاد إلى سوريا، حينما علم أن صلاح الدين كان يخطط لغزوها. وحينما استولى الأخير على حمص (652/ 1175)، أرسل إليه عماد الدين مرحبا فى قصيدة أكسبته مكانة عظيمة لديه، فاصطحبه فى كل حملاته. وعاد بعد وفاة صلاح الدين (589/ 1193) إلى الحياة الخاصة. ونذر نفسه للعمل الأدبى حتى وفاته (597 هـ/ 1201 م). وانتقى مجموعات غزيرة من أشعار العرب فى القرن السادس الهجرى/ الثانى عشر الميلادى، وضعها فى "خريدة القصر وجريدة أهل العصر" والتى هى استكمال لـ "يتيمة الدهر" للثعالبى وأكمل عماد الدين مختاراته، بتسجيل بعض ملاحظاته مثل أعماله السابقة بأسلوب منهجى منمق كما هو العرف السائد بين الكتاب فى الدوائر العليا للإدارة والدواوين (أبرزهم هلال الصابئ والعتبى). وكتب بنفس الأسلوب وعلى نطاق أوسع، أشهر أعماله لفتح القسى فى الفتح القدسى". وتلخصت أعماله كمؤرخ فى التالى: 1 - نصرة الفترة، وتناول فيها التاريخ الأول للسلاجقة العظام. وكانت النواة التى قام عليها هذا العمل هى كتاب الذكريات الفارسية الضائعة لأنوشارفان بن خالد، والذى قدمه عماد الدين إلى العربية، حيث أضاف إليه الكثير من المواد والمحسنات البديعية، وأكمله سنة (579 هـ/ 1183 م)، ولم يتبق منه سوى موجز له أعده البندارى سنة 623 هـ/ 1126 م. 2 - البرق الشامى (562 هـ/ 1166 م - 589 هـ/ 1193 م) وهو سيرة ذاتية لحروب صلاح الدين الذى عمل فى خدمته. 3 - متابعات ما بعد وفاة صلاح الدين وترد اقتباسات منها فى بعض الأعمال مثل "العتبى والعقبى" و"نهلة الرحلة" و"خطفة البارح وعطفة الشارح" لأبى شامة. وذكرهم البندارى أيضا فى مقدمته لكتاب "السنا". مصطفى محمود [هـ. هاس H.Hasse]

العمارة

العمارة العمارة الإسلامية المبكرة 1 - العمارة فى عصر الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-]: نظرا لتهدم بعض جدران الكعبة المشرفة قامت قريش بهدمها وإعادة بنائها وكان عمر محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] يومذاك خمسة وثلاثين عاما وذلك فى سنة 608 م، وأخذت قريش الخشب من سفينة محطمة، واستخدموا فى إعادة البناء نجار بناء يسمى باقوم كان فى السفينة. ويذكر الأزرقى فى كتابه تاريخ مكة (جـ 1 - ص 164 - 165) أن الكعبة المشرفة بنيت من أعلاها إلى أسفلها بمدماك من حجارة ومدماك من خشب بالتناوب وكانت الحجارة ستة عشر مدماكا والخشب خمسة عشر مدماكا، والباب الذى كان قبل ذلك فى مستوى الأرض ارتفع بمقدار أربعة أدرع وشبر، أما السقف فقد جعلوه مسطحا وارتكز على ست دعامات (سوارى - مفردها سارية) رتبت فى صفين فى كل صف منها ثلاث دعائم وبلغ الارتفاع الكلى للمبنى ثمانية عشر ذراعًا. (شكل 1) ويضيف الأزرقى فيذكر أنهم زوّقوا سقفها وجدرانها ودعائمها بصور الأنبياء والأشجار والملائكة. (شكل 1): تصور لما كانت عليه الكعبة عند إعادة بنائها فى عام 608 م.

إن هذا الطراز المعمارى الغريب [أى غير المألوف فى جزيرة العرب] الذى تتناوب فيه مداميك الحجر والخشب يشبه مثيله المستخدم فى الحبشة فى العصور المبكرة. ومن المحتمل أن اسم باقوم إنما هو اختصار لـ "انباقوم" وهو لفظ أصله فى الحبشية "هباكوك" وعلى ضوء ذلك نرجح أن هذا النجار البناء كان حبشيا. وفى عصر محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] كان الحرم المكى عبارة عن مساحة صغيرة مستطيلة الشكل غير مسقوفة، تحيط بها أربعة جدران يزيد ارتفاعها عن قامة الرجل بقليل، وكانت مبنية بالحجارة الخشنة [غير المصقولة] دون استخدام مونة [ملاط]. وكان يوجد داخل هذه المساحة بئر زمزم المقدس. ويقع هذا الحرم الصغير المعروف بالكعبة فى بطن واد تحيط به دور مكة التى كادت أن تلاصقه وقد هدمها عمر (رضى اللَّه عنه) عندما أراد أن يوسع المسجد ليسع الناس. (البلاذرى - فتوح البلدان - ص 53). وعندما هاجر محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] بنى دارًا له ولآله [الصواب مسجدا] وهو عبارة عن مساحة مربعة حوالى مائة ذراع من الطوب اللبن، وتوجد فى الضلع الجنوبى ظلة من جذوع النخل التى استخدمت كأعمدة لحمل السقف المكون من سعف النخل والطين وبنيت تجاه الجدار الشرقى من الخارج حجرات صغيرد لزوجات الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وكانت كلها تفتح على صحن المسجد. ولدينا وصف لهذه الحجرات ذكره رجل اسمه عبد اللَّه بن يزيد رآها بنفسه قبل هدمها بأمر الوليد بن عبد الملك [وكان ذلك على يدى عمر بن عبد العزيز والى المدينة] وقد حفظه لنا ابن سعد (الطبقات الكبرى جـ 3 - ص 32 - 34) فقال (. . كان منها أربعة أبيات بلبن لها حُجر من جريد وخمسة أبيات من جريد مطينة لا حجر لها، على أبوابها مسوح الشعر. ذرعت الستر -أى قِسْتُه- فوجدته ثلاث أذرع فى ذراع). وكان فى الاستطاعة تناول السقف باليد [حيث إنه كان منخفضا].

2 - العمارة فى العصر الراشدى والأموى

فى هذه الفترة كانت الطائف المدينة الوحيدة المسورة فى الحجاز. وعندما هوجمت المدينة [أى يثرب] فى سنة 5 هـ/ 627 م لم تكن مسورة لذا أمر محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] بإشارة من سلمان الفارسى بحفر خندقا لحمايتها وقد أثار هذا دهشة كبيرة لأنه لم يسمع أحد بمثل ذلك من قبل. وكلمة خندق فارسية الأصل. وسورت المدينة لأول مرة فى سنة 63 هـ/ 683 م. (المسعودى - التنبيه والاشراف - 263). 2 - العمارة فى العصر الراشدى والأموى: سرعان ما وجد الفاتحون العرب أنفسهم فى بيئتين حضاريتين تخالف كل منهما الأخرى تمام المخالفة فقد تأثرت إحداهما بالطابع الهيلنستى لمدة ألف عام أما الأخرى فكانت متأثرة بالطابع الفارسى لفترة أطول. ولم يقف الأمر عند ذلك الحد فحسب، وإنما كانت الأوضاع المادية متباينة كذلك فالشام تتميز بوفرة مواد البناء الرائعة، ويعد الحجر الجيرى السورى من أحسن أنواع الحجر، كما أنه يقاوم العوامل الجوية ويكتسب لونا كهرمانيا جميلا عند تعرضه لها، كذلك فإن خشب الأرز متوفر بكثرة فى لبنان. ولذلك فإن فاتحى القرن الأول الهجرى/ السابع الميلادى وجدوا أنفسهم فى قطر يتميز بمبانيه الرائعة وكنائسه المشيدة من الحجر المنحوت وبعضه -أى الحجر- مربع فى مداميك يبلغ ارتفاعها 90 سم، ذات بائكات من الأعمدة الرخامية، والأسقف الجمالونية المصنوعة من خشب الأرز، والأسطح الكبيرة المزخرفة بالفسيفساء الزجاجية الملونة على أرضية مذهّبة براقة. وفى البيئة الأخرى صادف الفاتحون العرب الأبنية الآجرية وأحيانا أبنية من الطوب اللبن، وأحيانا أخرى من قصب وأخرى ذات أسقف مسطحة من جذوع النخل وسعفه ومن الطين. ولكن على أى طراز من الأبنية صممت المساجد الأولى فى المدن الإسلامية المبكرة؟ القائمة التالية عن تلك المساجد الأموية الجامعة، وقد تعرفنا على

خصائصها الجوهرية من المصادر التاريخية أو الأدلة الأثرية. 1 - جامع البصرة: أعيد بناؤه عام 45 هـ/ 665 م. 2 - جامع الكوفة: أعيد بناؤه عام 50 هـ/ 670 م. 3 - جامع دمشق: بدأ بناؤه عام 87 هـ/ 706 م. 4 - جامع المدينة: أعيد بناؤه فيما بين عامى 88 - 91 هـ/ 706 - 710 م. 5 - المسجد الأقصى بالقدس: بنى فى عهد الوليد الأول 86 - 96 هـ/ 705 - 715 م. 6 - جامع حلب: بنى فى عهد الوليد الأول أو سليمان أى فيما بين عامى 86 - 99 هـ/ 705 - 717 م. 7 - جامع الفسطاط: أعيد بناؤه فيما بين 92 - 93 هـ/ 710 - 712 م. 8 - جامع الرملة: أكمل بناؤه فيما بين 98 - 102 هـ/ 717 - 720 م. 9 - جامع بصرى: بنى فى عام 102 هـ/ 720 - 721 م. 10 - مسجد قصر الحير الشرقى (الذى أثبت سوفاجيه أنه الرصافة قصر هشام بن عبد الملك وقد بنى عام 110 هـ/ 728 م. 11 - جامع حران: بنى فيما بين 126 - 132 هـ/ 744 - 750 م. 12 - جامع حماة: أعيد بناؤه فى تاريخ غير محدد. 13 - جامع درعة: وتاريخه غير محدد. فى البصرة التى أسست عام 14 هـ/ 635 م نستمد مما أورده البلاذرى (فتوح - ق 2 - ص 430) أن أول مسجد اختط بها كان بسيطا وصلى الناس به دون أى بناء ثم لم يلبث أن أحيط بسياج من القصب. أما الكوفة التى أسست 17 هـ/ 638 م فكان مسجدها الأول على نفس الدرجة من البساطة إذ إن حدوه قد عينت بواسطة رجل "غلا -أى رمى- بسهم قبل مهب القبلة فأعلم على موقعه ثم غلا بسهم آخر قبل مهب الشمال وأعلم على موقعه ثم غلا بسهم قبل مهب الجنوب وأعلم على موقعه ثم غلا بسهم قبل مهب الصبا فأعلم على موقعه".

(البلاذرى - شرحه - ص 339، الطبرى: تاريخ الرسل - جـ 4 - ص 44). وتكونت نتيجة لذلك مساحة مربعة طول كل ضلع من أضلاعها مرمى سهمين، ولم تحط هذه المساحة بأسوار وإنما أحيطت بخندق فقط، وكانت البائكة المسقوفة (الظلة) هى السمة المعمارية الوحيدة وطولها مائتا ذراع على امتداد الضلع الجنوبى. وكانت الأعمدة من الرخام المجلوب من بعض أبنية الأمراء اللخميين فى الحيرة على بعد أربعة أميال تقريبًا. وكانت هذه الظلة مفتوحة من جميع الجوانب حتى أن المصلى -بداخلها- كان يستطيع أن يرى الدير المعروف بدير هند وباب المدينة المعروف بباب الجسر (الطبرى - جـ 4 - ص 47). وقد بنيت دار لأمير الجند سعد بن أبى وقاص خارج جدار القبلة يفصلها عن المسجد شارع ضيق. - أما أول مسجد فى مصر وهو مسجد عمرو بن العاص بالفسطاط فقد بُنى فى شتاء 21 هـ/ 641 م وكان على نفس الدرجة من البساطة إذ بلغت مساحته 50 × 30 ذراعا (أى 25 × 15 م)، وكان له بابان بكل جانب خلا الجانب القبلى، وسقفه كان منخفضا جدا. (المقريزى - الخطط - جـ 2 - ص 247) ومن المساجد الأولى التى تستحق أن تندرج تحت اسم العمارة كل من جامع البصرة الثانى 45 هـ/ 665 م وجامع الكوفة الثانى 50 هـ/ 670 م، أما فيما يتعلق بهذا الجامع الأخير على وجه الخصوص -أى الكوفة- فيذكر الطبرى "ولما أراد زياد بن أبيه بنيانه دعا بنّائين من بنائى الجاهلية -أى من غير المسلمين- فوصف لهم موضع المسجد وقدره وما يشتهى من طوله فى السماء وقال: أشتهى من ذلك شيئا لا أقع على صفته، فقال له بنّاء وكان بنّاء لكسرى: لا يجئ هذا إلا بأساطين من جبال أهواز تنقر ثم تثقب ثم تحشى بالرصاص وبسفافيد الحديد فتدفعه ثلاثين ذراعا فى السماء ثم تسقفه. . ." (الطبرى - جـ 2 - ص 46). وقد شاهد ابن جبير هذا الجامع ووصفه بقوله ". . . وهو جامع كبير: فى الجانب القبلى

منه خمسة أبلطة [أى أروقة] وفى سائر الجوانب بلاطات، وهذه البلاطات على أعمدة من السوارى الموضوعة من صم الحجارة المنحوتة قطعة على قطعة مفرغة بالرصاص ولا قسى (أى عقود) عليها. . . وهى فى نهاية الطول متصلة بسقف المسجد فتحار العيون فى تفاوت ارتفاعها فما أرى فى الأرض مسجدا أطول أعمدة منه ولا أعلى سقفا". شكل 2 (ابن جبير- الرحلة - ص 153). (شكل 2) مسقط أفقى لجامع الكوفة.

قبة الصخرة فى القدس الشريف

(شكل 3) مسقط افقى لقبة الصخرة. قبة الصخرة فى القدس الشريف: تعد أقدم أثر باق فى العمارة الإسلامية وقد بنيت بأمر الخليفة عبد الملك بن مروان وأكمل بناؤها فى عام 72 هـ/ 691 م وهى بناء دائرى يتكون فى جوهره من مثمنين أحدهما خارجى والآخر داخلى تتوسطه دائرة مركزية أقيمت فوقها القبة (شكلا 3 - 4). (شكل 4) قطاع لقبة الصخرة ويبلغ طول كل ضلع من أضلاع المثمن الخارجى من الخارج 20.60 م وارتفاع جدرانه الثمانية 9.5 م فيما عدا الدورة المضافة التى تعلو هذه الجدران ويبلغ ارتفاعها 2.60 م. ويوجد بمنتصف كل ضلع من الأضلاع الأربعة التى تواجه الجهات الأصلية باب يبلغ اتساعه 2.60 م وارتفاعه 4.30 م، وتوجد على جانبى كل باب ست دخلات يضم أعلاها ست نوافذ منها أربعة مفتوحة تتوسطها

النافذة التى تعلو كل باب وهى أصغر بكثير عن النوافذ المجاورة لها. أما الأضلاع الأربعة الأخرى فيوجد بكل ضلع منها سبع دخلات يضم أعلاها سبع نوافذ منها خمسة مفتوحة. أما المثمن الداخلى فهو يتكون من ثمانى دعامات تحصر فيما بينها ستة عشر عمودا وقد رتبت بالتبادل بحيث يتوسط كل دعامتين عمودان وتعلو هذه الدعامات والأعمدة العقود ويبلغ عددها أربعة وعشرين عقدا نصف دائرى. وكان وجود هذا المثمن فيما بين المثمن الخارجى والدائرة المركزية ضروريا ليساعد فى إقامة السقف. هذا ويتوسط المثمن الداخلى دائرة مركزية تحيط بالصخرة المقدسة وتعلوها القبة، وتتكون هذه الدائرة من أربع دعامات تحصر فيما بينها اثنى عشر عمودا، وقد رتبت بالتبادل بحيث يتوسط كل دعامتين ثلاثة أعمدة، وتعلو هذه الدعامات والأعمدة العقود ويبلغ عددها ستة عشر عقدا نصف دائرى. ويلى ذلك رقبة القبة وهى رقبة طويلة مستديرة فتحت بها ست عشرة نافذة، ويعلو هذه الرقبة القبة الخشبية التى يبلغ قطرها 20.44 م. ويوجد رواقان، أحدهما فيما بين المثمنين الخارجى والداخلى والآخر فيما بين المثمن الداخلى والدائرة المركزية، كانا يستخدمان بطبيعة الحال للطواف حول الصخرة المقدسة أما جدران المثمن الخارجى فكانت -وما زالت- مكسوة من الخارج بكسوة من الرخام حتى منتصف ارتفاع الواجهة، أما الجزء العلوى فكان فى الأصل مكسوًا بالفسيفساء شأنه فى ذلك شأن البائكات الداخلية ولكن حلت محلها الكسوة الحالية وهى من القاشانى (البلاطات الخزفية) تنفيذًا لأمر السلطان العثمانى سليمان القانونى فى عام 959 هـ/ 1552 م. وكانت الفسيفساء تكسو أقبية السقائف التى تتقدم المداخل الأربعة أيضا، إلا أنه لم يتبق منها سوى كسوة سقيفة المدخل الشرقى. كذلك تكسو أعتاب الأبواب الأربعة من أسفلها أشرطة معدنية مصنوعة من النحاس أو البرونز، وتظهر هذه الكسوة تنوعا فى تصميم زخارفها المنفذة بأسلوب الطّرق وقوام هذه الزخارف بصفة أساسية أوراق العنب وعناقيده والأكانتس، والأجزاء البارزة من هذه

الجامع الأموى بدمشق

الزخارف مذهبة، بينما أرضية الجزء الأوسط مدهونة باللون الأسود، والإطارات الخارجية خضراء فاتحة. ويكسو الوجه الداخلى للحائط الخارجى من أعلاه إلى أسفله كسوة من الرخام تماثل مثيلتها الموجودة على كل الدعامات. أما الأربطة الخشبية لعقود البائكة المثمنة فقد كسيت بأشرطة برونزية تماثل الأشرطة السابقة، ولكن أوجهها الداخلية عولجت مثل التكنات الكورنثية، بينما كسيت أوجه عقود البائكة فضلًا عن باطنها بالفسيفساء الزجاجية. أما بواكى الدائرة المركزية فقد كسى وجهها الداخلى وباطنها بكسوة رخامية، ولكن لا يعرف متى كان ذلك، غير أنه كان على أى حال قبل عام 741 هـ/ 1340 م، كذلك كسيت رقبة القبة بالفسيفساء أيضا. ومن المحتمل أن يكون سقف الرواق الخارجى [الرواق الأول] قد تم عمله بأمر السلطان المملوكى الناصر محمد ابن قلاوون فى عام 718 هـ/ 1318 م وهو نفس التاريخ الذى عملت فيه البطانة الحالية للقبة. أما بالنسبة إلى سقف الرواق الداخلى [الرواق الثانى] فهو يرجع إلى نهاية القرن 12 هـ/ 18 م. وكانت القبة الأصلية مغطاة، حتى سقوطها عام 407 هـ/ 1016 - 1017 م، بصفائح الرصاص [3393 صفيحة] تعلوها صفائح نحاسية مطلية بالذهب يقدر عددها بـ 10210 صفيحة. (ابن عبد ربه: العقد الفريد - جـ 7 - ص 291). والحق أن قبة الصخرة تعدّ واحدة من أروع المبانى فى العالم، ويرجع ذلك بطبيعة الحال إلى دقة نسبها وتناسقها وثراء زخارفها. الجامع الأموى بدمشق: شرع الخليفة الوليد بن عبد الملك فى بنائه عقب جلوسه مباشرة على العرش عام 86 هـ/ 705 م وأكمل بناؤه عام 96 هـ/ 714 م ويتكون تخطيط هذا الجامع من صحن أوسط مستطيل يشغل ضلعه الجنوبى الحرم [أى مقدم الجامع] بينما تشغل الأضلاع الثلاثة الأخرى [أى المؤخر والمجنبتان] ثلاثة أروقة [بلاطات] بواقع رواق بكل ضلع. شكل (5).

(شكل 5) مسقط أفقى للجامع الأموى بدمشق. أما الحرم فيشتمل على ثلاثة أروقة (بلاطات) موازية للجدار الجنوبى -أى جدار القبلة- ويقطع هذه الأروقة الثلاثة فى وسطها مجاز قاطع (الصواب رواق أوسط) عمودى على جدار القبلة. (شكل 5). والبائكات عبارة عن طابقين السفلى يحوى عقودا كبيرة يبلغ ارتفاعها 10.35 م أما العلوى فيبلغ ارتفاعه 5 م تقريبًا وهو يحوى عقدين صغيرين متجاورين فوق كل عقد من العقود السفلية الكبيرة، وتشبه هذه البائكات مثيلتها فى الأروقة الثلاثة الأخرى المحيطة بصحن الجامع. وقد سقفت أروقة الحرم، وكذلك المجاز القاطع، بأسقف خشبية جمالونية الشكل تكسوها صفائح الرصاص، أما أسقف الأروقة الثلاثة الأخرى المحيطة بالصحن فتميل قليلا نحو الداخل. ويعلو الجزء الأوسط للمجاز القاطع قبة خشبية مرتفعة ورائعة. والزخارف عبارة عن حشوات رخامية وما تزال

توجد بعض الحشوات الأصلية بالمدخل الشرقى للجامع، وتجرى فوق هذه الحشوات الكرمة الذهبية وهى عبارة عن إفريز من تفريعات العنب الحلزونية وتعلو ذلك زخارف من الفسيفساء الزجاجية التى تمتد حتى السقف. وقد تعرض الجامع لثلاث حرائق فى أعوام 462 هـ/ 1069 م، 804 هـ/ 1401 م، 1311 هـ/ 1893 م دمرت بسببها أجزاء كثيرة من الفسيفساء ومع ذلك فقد بقيت أجزاء هامة منها يمكن أن نشاهدها فى الرواق الغربى. ومن أشهر هذه الأجزاء الباقية ما يعرف باسم "مصورة نهر بردى" التى تمتد مسافة 34 م ويبلغ ارتفاعها 7 م تقريبًا. وكانت هذه الفسيفساء فى حالة اكتمالها تشغل مسطحا كبيرًا لا يوجد ما يماثله فى أى مبنى آخر. وتوجد بهذا الجامع أيضا ست نوافذ من الرخام المفرغ وهى تعد أقدم مثل للتصميمات الزخرفية الهندسية فى العمارة الإسلامية. أما عن الأبراج الأربعة فى الأركان [أى الصوامع] فقد أصبحت المآذن الأولى فى العمارة الإسلامية وذلك بناء على ما يقوله ابن الفقيه (مختصر كتاب البلدان - ص 104) من أن المئذنة التى بجامع دمشق كانت فى الأصل "ناطمرا [أى برجا للمراقبة] للروم"، وأنه لما بنى الوليد المسجد تركت على حالها. ويؤكد ذلك المسعودى (مروج الذهب، جـ 2 - ص 260) فيذكر أنه عندما بنى الوليد المسجد وأُحْكم بناؤه لم يُغيَّر من الصوامع شئ وأنها منائر الأذان إلى هذا الوقت [أى حتى زمن المسعودى]. والحق أن الجامع الأموى بدمشق قد اعتبره المسلمون فى العصور الوسطى أحد عجائب الدنيا السبعة. ومن الأبنية الأخرى التى تنسب إلى الوليد بن عبد الملك قاعة استقبال وحمام يعرف الآن بقصير عمره وهو فى الأردن. شكل 6.

(شكل 6) مسقط أفقى لقصير عمره. وتبلغ مساحة قاعة الاستقبال هذه حوالى 10 م 2 وقد سقفت هذه القاعة بثلاث أقبية برميلية يفصلها عن بعضها عقدان مدببان تدبيبا خفيفا، ويسير هذان العقدان فى اتجاه يتعامد على قطاع الأقبية. وتوجد بصدر القبو الأوسط تجاه المدخل حنيه [B] مغطاة بقبو برميلى ويكتنف هذه الحنية من جانبها حجرتان صغيرتان [C - Ci] بواقع حجرة بكل جانب مغطاة بقبو برميلى. أما الحمام فنصل إليه من باب يقع بالجانب الشرقى لقاعة الاستقبال وهو عبارة عن ثلاث حجرات صغيرة غطيت الحجرة الأولى [D]، [وهى الحجرة الباردة] بقبو برميلى، والحجرة الثانية [E] [وهى الحجرة الدافئة] بقبو متقاطع والحجرة الثالثة [F] [وهى الحجرة الساخنة] بقبة، ويوجد تحت أرضية هذه الحجرة الأخيرة الهيبوكاوست أى غرف التسخين السفلية وممراتها وهى فى ذلك تشبه تماما ما فى الحمامات الرومانية. ولعل أبرز ما يميز هذا البناء تلك الصور المائية المرسومة على الجص [الفرسكو] التى تغطى الجدران، وهى

ومن القصور الأموية الباقية كل من

تمثل فى معظمها مناظر فى الحياة اليومية ومناظر صيد وأشكالًا رمزية لآلهة التاريخ والشعر والفلسفة وضع على رؤوسها أسماؤها باللغة اليونانية. وتمثل تصاوير قبة الحجرة الساخنة (كالدريوم) رسوم البروج السماوية والمجموعات الشمسية كالدب الأكبر والدب الأصغر والدائرة الفلكية (زودياك) وغير ذلك. أما أهم هذه الصور فهى التى تصور أعداء الإسلام الذين قضى عليهم الأمويون، وقد كتبت أسماؤهم فوق رؤوسهم باللغتين العربية واليونانية وهم قيصر (الإمبراطور البيزنطى)، وروذريق (آخر ملوك القوط الغربيين فى أسبانيا) وكسرى والنجاشى (ملك الحبشة) ثم اسمان آخران مطموسان. هذا ولم ترد فى القرآن الكريم (عكس ما هو شائع) آية آية تشير إلى تحريم التصوير، ولكن كراهية التصوير ظهرت فى الوجود واتخذت شكلا دينيا خاصا [أى لدى الفقهاء] عند نهاية القرن 2 هـ/ 8 م. ومن القصور الأموية الباقية كل من: 1 - قصر الوليد بن عبد الملك فى المنّية على بحيرة طبرية 86 - 96 هـ/ 705 - 715 م. 2 - قصر الوليد بن عبد الملك فى جبل سيس 86 - 96 هـ/ 705 - 715 م. 3 - قصر هشام بن عبد الملك المعروف بقصر الحير الغربى 109 هـ/ 727 م. 4 - قصر هشام بن عبد الملك المعروف بقصر الحير الشرقى 110 هـ/ 728 م. 5 - قصر هشام بن عبد الملك المعروف بقصر خربة المفجر على بعد أربعة أميال شمال أريحا. 6 - قصر الوليد الثانى المعروف بقصر المشتى حوالى 127 هـ/ 744 م. 7 - قصر الوليد الثانى المعروف بقصر الطوبة حوالى 127 هـ/ 744 م. ولما أراد هشام بن عبد الملك فى عام 109 هـ/ 727 م أن يبنى قصره المعروف الآن بقصر الحير الغربى،

واختار له موضعا يقع على بعد أربعين ميلا إلى الغرب من تدمر وكان يوجد فى هذا الموضع دير بناه الحارث الغسّانى فى عصر جستنيان عام 559 م، وقد أدمج برج هذا الدير فى الركن الشمالى الغربى للقصر وصار بمثابة برج مراقبة مرتفع. ويشغل هذا القصر مساحة مربعة يبلغ طول ضلعها 70 م وليس له سوى باب واحد يتوسط الواجهة الشرقية ويحمى هذا الباب من أعلى سقاطة تعد أقدم مثل باق فى العمارة الإسلامية. (شكل 7) (شكل 7) مسقط أفقى لقصر الحير الغربى وقد اكتشف هذا القصر (م. دانيال شلومبرجيه) ويتميز هذا القصر بزخارفه الرائعة المتنوعة ما بين الزخارف الجصية والحشوات الحائطية والنوافذ المفرغة والإطارات والأشكال الآدمية فضلا عن رسوم العنب التى تزخرف عتب الباب، وقد أعيد تجميع جزء كبير من هذه الزخارف بمهارة فائقة وعرضت فى المتحف الوطنى بدمشق. واكتشفت أيضا بهذا القصر

صورتان كبيرتان مرسومتان بالألوان المائية على الجص (الفرسكو) تمثل إحداهما الخليفة (والصواب فارس) وقد امتطى صهوة جواده الراكض وشرع يرمى غزالا بسهم، ويلاحظ فى هذه التصويرة وجود ركاب للفارس ولذلك فهى تعد أقدم مثل معروف لظهور هذا الشكل فى الفن الإسلامى. وأمر هشام بن عبد الملك ببناء قصره الآخر المعروف الآن بقصر الحير الشرقى وقد بنى فى عام 110 هـ/ 728 م ويتألف هذا القصر من قصرين أحدهما كبير وكان بمثابة مدينة صغيرة محصنة، وبهذا القصر مسجد يتكون تخطيط حرمه (أى المقدم) من ثلاثة أروقة (بلاطات) موازية لجدار القبلة، ويقطع هذه الأروقة فى وسطها مجاز قاطع [الصواب رواق أوسط] عمودى على جدار القبلة، ويسقف هذا المجاز سقف أكثر ارتفاعا من سقف الأروقة كما هو الحال فى الجامع الأموى بدمشق. (شكل 8). (شكل 8) مسقط أفقى لقصر الحير الشرقى والمسجد الملحق به. [القصر الكبير]

أما القصر الآخر فصغير وهو عبارة عن مساحة مسورة قريبة من المربع يبلغ طول ضلعها من الداخل 67 م تقريبًا ومن الخارج 71 م تقريبًا يحوطها أسوار حجرية مزودة باثنى عشر برجا مستديرة ارتفاعها 14 م تقريبًا. وليس لهذا القصر سوى مدخل واحد يتوسط واجهته الغربية ويحمى هذا المدخل من أعلى سقاطة [شرفة بارزة لصب الزيوت المغلية وخلافه على من يحاول اقتحام الباب] كما هو الحال فى أعلى المداخل الأربعة بأسوار المدينة [أى القصر الكبير]. ويزين أعلى الجدران فى مستوى ممشى السور شريط من الزخرفة الآجرية (على هيئة معينات صغيرة متجاورة أو ما يعرف بحبات اللؤلؤ الساسانية)، ويتوج كل برج حجرة صغيرة مغطاة بقبة من الآجر. كذلك يزين أعلى برجى المدخل حشوات جصية مقصودة (بائكات صماء) تظهر فيها بوضوح أوراق العنب وعناقيده فضلا عن أوراق الاكانتس. أما القصر من الداخل فهو يتكون من فناء مكشوف تبلغ مساحته (شكل 9) مسقط أفقى لقصر الحير الشرقى [القصر الصغير]

37 × 45 م وتحيط به حجرات فى طابقين، غطيت حجرات الطابق السفلى بأقبية برميلية والعلوى بأسقف خشبية. (شكل 9). ولهشام بن عبد الملك قصر آخر فى خربة المفجر على بعد أربعة أميال شمال أريحا. (شكل 10) وقد اكتشف هذا القصر حديثا [فيما بين عامى 1934 - 1948 م] وهو يتكون من مساحة مسورة تقرب من 70 م 2 بما فى ذلك المسجد الذى به وفناء أمامى كبير وبركة تعلو أوسطها قبة مثمنة صغيرة مفتوحة الجوانب الأربعة [أى أنها كانت بمثابة جوسق]، فضلا عن مسجد آخر برواقين [بلاطتين] فى جهة القبلة فقط، ويوجد إلى الشمال حمام كبير يتكون من تسع قباب بواقع ثلاثة بكل رواق، وفى الركن الشمالى للحمام حجرة صغيرة ملحقة به تزدان بأرضية من الفسيفساء تعتبر أروع ما اكتشف فى فلسطين وقوام هذه الزخارف شجرة [شجرة رمان] جميلة لونت بثلاث درجات مختلفة من اللون الأخضر وعلى جانبها الأيسر غزالتان ترعيان وعلى الجانب الأيمن أسد يقاتل آخر [الصواب أسد يفترس غزالا]. (شكل 10) مسقط أفقى لقصر خربة المفجر وتكون السلالم عادة فى القصور الإسلامية ضيقة دائرية غير ملحوظة ولكننا نجد هنا سلالم عريضة جميلة تؤدى إلى الطابق العلوى. وقوام الزخارف الجصية فى هذا القصر حشوات ذات زخارف هندسية

- قصر المشتى

فضلا عن النوافذ المفرغة ورؤوس آدمية وفتيات يرقصن، وقد أعيد تجميع هذه الزخارف مرة ثانية وعُرِضَت فى المتحف الفلسطينى بالقدس. ويضم كل قصر من القصور الثلاثة السابقة ساحة مسورة، والتى تقدر فى قصر الحير الشرقى بحوالى 1.5 كم عرضا و 7 كم طولا، ذات جدران مبنية من الحجارة حتى ارتفاع 1.5 م ثم بالطوب اللبن بارتفاع 2 م على الأقل. ويدعم الأسوار دعامات ساندة نصف دائرية على مسافات منتظمة، وتوجد آثار لأسوار مماثلة فى خربة المفجر. وكان يطلق على مثل هذه الساحات المسورة اسم الحير، ويثبت ذلك قول اليعقوبى (البلدان - ص 32 - 33) وهو يصف تأسيس مدينة سامرا على يد الخليفة المعتصم فى عام 221 هـ/ 836 م ". . . وهذه الشوارع التى من الحير كما اجتمعت إلى اقطاعات لقوم هدم الحائط وبنى خلفه حائط غيره، وخلف الحائط الوحش من الظباء والحمير الوحش والأيائل والأرانب والنعام وعليها حائط يدور فى صحراء حسنة واسعة". كما أن ابن مسكويه يذكر فى كتابه (تجارب الأمم -جـ 5 - ص 159) فيما يذكر ضمن أحداث عام 315 هـ/ 925 - 926 م ". . . وفيها [أى فى هذه السنة] شغب الفرسان برسم التفاريق وخرجوا إلى المصلى فنهبوا القصر المعروف بالثريا [أى فى بغداد] وذبحوا الوحش الذى فى الحاير. . .". - قصر المشتى: يقع على بعد حوالى أربعة أميال من زيزا [محطة على خط سكة حديد الحجاز] وحوالى عشرين ميلا جنوب عمان بالأردن. (شكل 11). وهو يعد أكبر القصور الأموية إذ تبلغ مساحته حوالى 145 م 2 إلا أن بناءه لم يكتمل، وقد بنيت جدرانه الخارجية بما فيها من أبراج نصف دائرية بالحجر الجيرى المصقول، أما جدرانه الداخلية فقد بنيت كلها بالآجر الذى يرتفع فوق ثلاثة أو أربعة مداميك من الحجر المنحوت.

(شكل 11) مسقط أفقى لقصر المشتى هذا وتتراوح مقاسات الآجر فيما بين 21 سم 2 و 28 سم 2، أما سمكه فيبلغ 6.5 سم. ويتوسط المدخل الواجهة الجنوبية، وينقسم القصر من الداخل إلى ثلاثة أقسام رئيسية تتجه من الشمال إلى الجنوب يبلغ عرض القسم الأوسط منها 57 م وعرض كل من القسمين الجانبين 42 م، وكانت النية متجهة إلى تشييد بعض الأبنية فى هذين الجانبين إلا أن شيئا من ذلك لم يحدث. ولم يقف الأمر عند ذلك الحد، بل إن بعض أبنية القسم الأوسط الرئيسى لم يكتمل بناؤها. ومن الواضح أن النية كانت متجهة إلى أن يكون الجزء الذى يلى المدخل مباشرة بمثابة صالة المدخل إذ يبلغ طولها 17.40 م، وتؤدى هذه الصالة إلى فناء عرضه 27.14 م وعمقه 23 م، ويحيط بكل من هذين [أى الصالة والفناء] حجرات وأفنية أخرى، ويمكن أن نطلق على هذا الجزء اسم مجموعة المدخل. ويلى الفناء السابق ذكره فناء أوسط كبير تزيد مساحته عن 57 م 2 وهو خال من الأبنية، ويوجد فى الجانب الشمالى منه مدخل ذو ثلاثة عقود أوسطها أوسعها (العقود سقطت) (شكل 12).

(شكل 12) المدخل ذو العقود الثلاثة المؤدى إلى قاعة العرش ويؤدى هذا المدخل إلى قاعة العرش وهى قاعة بازيليكية كبيرة يبلغ عمقها 21.60 بصدرها حنية كبيرة ثلاثية العقد [واحد فى المصدر واثنان جانبيان] ويكتنف هذه القاعة من جانبيها مجموعتان متماثلتان من الأبنية إذ يتوسط كل مجموعة فناء مستطيل عمودى على القاعة وفى كل من جانبى هذا الفناء يوجد فناء آخر عمودى عليه يحيط به من جانبيه أربع حجرات قصية بواقع حجرتان بكل جانب. وكانت النية متجهة إلى كسوة جدران هذه الحجرات بوزرة رخامية حيث توجد كتل كبيرة من الحجر الأخضر الجميل الذى يبدو وكأنه رخام إلا أنه فى الواقع حجر الشست وقد قطعت هذه الكتل بالفعل إلى ألواح يبلغ سمك اللوح فيها 3 سم ووضعت فى الجانب الشرقى. والحق أن شهرة قصر المشتى ترجع إلى زخارفه البديعة المحفورة على واجهته الجنوبية على البرجين اللذين يكتنفان المدخل وهما نصفا مثمنين فضلا عن جزء من الحائطين المتصلين بهذين البرجين يمينا ويسارًا ويبلغ

طول الجزء الأيمن المزخرف 13.20 م والأيسر 13.50 م، حيث إن زخارف هذه الواجهة تشغل المسافة الممتدة فيما بين البرجين c - z فقط (شكل 9) وتبدأ من أسفل بسفل بارز خال من الزخرفة يبلغ ارتفاعه 47 سم تعلوه قاعدة مشحونة بالزخارف يبلغ ارتفاعها 1.25 م ثم إفريز زخرفى يبلغ ارتفاعه 1.25 م ثم تكنة يبلغ ارتفاعها 90.4 م وتتكون القاعدة من حلية بارزة مستديرة تحيط بها من أعلى وأسفل زخارف غائرة أما الحلية البارزة فمزخرفة بشبكة من محاليق العنب المتداخلة التى تشكل فيما بينها أشكال دوائر (حلقات) بكل منها زخرفة من أوراق العنب وعناقيده وقد قسم سطح الجدار إلى عشرين مثلثا معدولا ومثلها مقلوبا بواسطة كورنيش (طنف) على هيئة الحلية القالبية وتجرى هذه المثلثات فيما بين السفل والتكنة مرة لأعلى ومرة لأسفل على هيئة زجزاجية (أى على هيئة خط متصل متكسر أو متموج)، ويبلغ ارتفاع هذه المثلثات حوالى 2.85 م وعرضها عند القاعدة 2.50 م ويتوسط كل مثلث وريدة تأخذ شكل مفصص سداسى الأضلاع فى المثلثات المعدولة ومثمن مستقيم الأضلاع فى المثلثات المقلوبة، وبصفة عامة فإن زخارف كل الوريدات متنوعة. وتزين أسطح المثلثات المعدولة زخارف غنية غاية فى الروعة منفذة بالحفر البارز قوامها محاليق العنب وعناقيده وأشكال الطيور التى تنقر ثمار الفاكهة وغير ذلك. وأسفل بعض المثلثات منظر كأس وعلى جانبيه حيوانان يشربان، وتخلو زخارف المثلثات فى الجانب الأيمن للواجهة من رسوم الطيور والحيوانات فضلا عن أن زخارف هذا الجانب نفذت بمقياس أصغر. والحق أن هذه الاختلافات -أى بين زخارف الجانبين الأيمن والأيسر- كافية لكى تؤكد الرأى القائل بأنها نفذت من قبل صناع ينتمون إلى مدارس [أى أساليب فنية] مختلفة. وبعد فإن آثار العمارة الأموية تعد بحق أبنية رائعة فهى من الحجر

المنحوت وذات بائكات محمولة على أعمدة رخامية وكسيت من داخلها بزخارف غنية جدا نفذت على الحشوات الرخامية والفسيفساء. والمساجد غالبا ما سقفت بأسقف جمالونية، أما المآذن فعلى شكل أبراج مربعة مرتفعة مأخوذة من أبراج الكنائس الشامية فى عصر ما قبل الإسلام، كما أن الحرم [أى مقدم الجامع] ذا الأروقة الثلاثة يرجع إلى التأثير ذاته. وتُظهر الآثار الأموية خليطا من التأثيرات تحتل سورية المقام الأول تليها بلاد فارس أما التأثير المصرى فقد ظهر بوضوح فى نهاية العصر كما هو الحال فى قصر المشتى. كذلك استخدمت العمارة الأموية الأساليب الإنشائية التالية: العقد نصف الدائرى، والعقد حدوة الفرس، والعقد المدبب، والعقود المسطحة أو الأعتاب التى يعلوها عقد عاتق نصف دائرى، والصنجات [. . . . .] (*) أو المعشقة، والأقبية البرميلية سواء كانت من الحجر أو الآجر، والقباب الخشبية والقباب الحجرية المقامة على منطقة انتقال من المثلثات الكروية الحقيقية، أما مناطق الانتقال المكونة من حنايا ركنية (اسكونشات) فلم تستخدم خلال ذلك العصر. ونحن نعرف من خلال أوصاف المؤرخين الأوائل أنه قد ساد فى بلاد فارس والعراق نمط من المساجد يختلف تماما عن النمط الشامى حيث إنه كان ذا تخطيط مربع بنيت جدرانه بالآجر (وأحيانا بالطوب اللبن) وحملت أسقفه الخشبية المسطحة على الأعمدة مباشرة دون وساطة العقود. وعلى ذلك فإن هذا النمط من المساجد متأثر بشكل مباشر بقاعات الاستقبال (الأبادانا) فى القصور الفارسية القديمة (أى التى ترجع إلى العصر الأخمينى) والرواق ذو السقف المسطح (تالار) فى القصور الفارسية المتأخرة أى التى ترجع إلى العصر الساسانى).

_ (1) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: مسح بالمطبوع

3 - العمارة فى العصر العباسى

3 - العمارة فى العصر العباسى: كان لتأسيس بغداد تأثير بعيد المدى مشابه للتأثير الذى حدث عندما انتقلت عاصمة الامبراطورية الرومانية من روما إلى القسطنطينية وترتب على ذلك تغير مركز الثقل فى الامبراطورية. كانت العاصمة [أى دمشق] حتى ذلك الوقت، تقع فى منطقة خاضعة لتأثير الحضارة الهيلنستية منذ عصر الإسكندر، ولكن ترتب على انتقال مركز الخلافة إلى بغداد أن ضعف هذا التأثير وحل محله التأثير الساسانى الفارسى، وإلى هذه المنطقة تنتمى العراق مما كان له أثره فى تصميم المدينة الجديدة التى توجد عنها بيانات مفصلة فى اليعقوبى والخطيب يمكن على هديها إعادة بنائها على الرغم من أنه لا يوجد أى أثر لبغداد المنصور التى شرع فى وضع أساسها فى عام 145 هـ/ 763 م وتم الفراغ من بنائها عام 149 هـ/ 766 م، وكانت المدينة ذات تصميم دائرى، (شكل 13). (شكل 13) مسقط أفقى لمدينة بغداد. ويحيط بها سوران أحدهما خارجى والآخر داخلى بينهما فصيل يبلغ عرضه حوالى 35.40 م، ويبلغ ارتفاع السور الخارجى حوالى 14 م وسمكه 4 م، بينما يبلغ ارتفاع السور الداخلى هو والشرفات التى تعلوه حوالى 17 م وسمكه 5 م. وكان يوجد بين كل باب والآخر برج وعددها ثمانية وعشرون برجًا ويبلغ ارتفاع كل برج منها ما يقرب من مترين ونصف المتر [إلا أنه كان يوجد برج إضافى بين كل من بابى البصرة والكوفة وعلى ذلك كان عدد الأبراج فى هذا الجانب 29 برجا]

وكان للمدينة أربعة أبواب محورية [وهى باب خراسان فى الشمال الشرقى وباب الشام فى الشمال الغربى وباب البصرة فى الجنوب الشرقى وباب الكوفة فى الجنوب الغربى]. ويذكر الخطيب البغدادى (تاريخ (شكل 14) مسقط أفقى لأحد مداخل بغداد.

بغداد - ص 66 - 67) أن "لكل باب منها بابين: باب دونه باب بينهما دهليز ورحبة، يدخل إلى الفصيل الدائر بين السورين فالأول باب الفصيل والثانى باب المدينة، فإذا دخل الداخل من باب خراسان الأول عطف على يساره فى دهليز أزج معقود بالآجر والجص: عرضه عشرون ذراعا وطوله ثلاثون ذراعا، المدخل إليه فى عَرْضَيْه والمخرج منه من طوله، يخرج إلى رحبة ممتدّة إلى الباب الثانى طولها ستون ذراعا وعرضها أربعون ذراعا ولها فى جنبتيها حائطان من الباب الأول إلى الباب الثانى، وفى صدر هذه الرحبة فى طولها الباب الثانى وهو باب المدينة. . . والأبواب الأربعة على صورة واحدة فى الأبواب والفصلان والرِّحاب والطاقات". ويتضح من كلمات الخطيب البغدادى التى يقول فيها "إنه إذا دخل الداخل من باب خراسان الأول عطف على يساره فى دهليز. ." إن المدخل الخارجى كان مدخلا منكسرا [وهو ما يعرف فى المصادر العربية باسم الباشورة]، ويضيف الخطيب (نفسه - ص 67) فيذكر أن الباب الثانى أو الباب الداخلى يؤدى إلى دهليز أزج مقبى بالآجر والجص طوله 20 ذراعًا وعرضه 12 ذراعًا [وكذلك فى سائر الأبواب الأربعة ويعلوه مجلس على رأسه قبة عظيمة مزخرفة سمكها 50 ذراعًا. أما بالنسبة إلى شكل المدينة الدائرى فإن المؤرخين المسلمين يصرون على أنه [لا يعرف من أقطار الدنيا مدينة مدوَّرة سواها] وواقع الأمر أن هذا القول بعيد عن الصواب إذ أن هذا التخطيط كان معروفا فى العديد من المدن قبل العصر الإسلامى ومنها كل من: مدينة سنجرلى الحبشية، ومدينة عبره [شرق نصيبين] ومدينة اجبتانا [هاجمتانا] ومن العصر الفارثى [أو البارثى] كل من مدينة اكتسيفون [المدائن] ومدينة تخت سليمان ومدينة دارا بجرد فى فارس وأيضا فيروزآباد [مدينة جور الساسانية] أما عن المسجد فقد بنى فى وسط المدينة الجديدة. (شكل 15).

(شكل 15) مسقط أفقى لمسجد مدينة بغداد. وكان المسجد، حسب رواية الخطيب، يشغل مساحة مربعة يبلغ طول ضلعها مائتى ذراع (أى حوالى 100 م) وسقفت هذه المساحة بسقف خشبى محمول على أعمدة خشبية، ومن المحتمل أن حرم المسجد [أى المقدم] كان يتكون من خمسة أروقة [بلاطات] مثل جامعى الكوفة وواسط [وبكل بائكة سبعة عشر عقدا [تسير من اليمين إلى اليسار [أى أنها تتجه موازية لجدار القبلة] أما الجوانب الثلاثة الأخرى المحيطه بالصحن [أى المؤخر والمجنبتان] فبكل منها رواقان فقط. هذا وقد أعيد بناء الجامع بالآجر والجص وخشب الساج بأمر الخليفة

هارون الرشيد فيما بين عامى 192 - 193 هـ/ 807 - 808 م. وكان قصر المنصور مربعا يبلغ طول ضلعه 400 ذراع ويقع فى وسط المدينة ملاصقا للجامع من جهة جدار القبلة (شكل 15) كما هو الحال فى القصور الإسلامية السابقة مثل دمشق حوالى عام 30 هـ/ 630 م والبصرة 50 هـ/ 665 م والقيروان 55 هـ/ 670 م وواسط 83 هـ/ 702 م أو 84 هـ/ 703 م ومرو 132 - 138 هـ/ 750 - 756 م وجامع أحمد بن طولون (إذا اعتبرنا دار الإمارة التى خلف جدار القبلة قصرا) 265 هـ/ 878 م. وقد اندثر المسجد والقصر منذ فترة طويلة، إلا أنه لحسن الحظ بقى لدينا قصر عباسى من هذه الفترة [أى الربع الثالث من القرن 2 هـ/ 8 م] فى حالة جيدة من الحفظ وهو قصر الأخيضر ويقع فى وادى عبيد على بعد 30 ميلًا غربى كربلاء. (شكل 16) (شكل 16) مسقط أفقى لقصر الأخيضر ويتكون هذا القصر من مساحة خارجية مستطيلة محصنة تبلغ 175 × 169 م ويتوسط كل واجهة من واجهاته الأربع باب، وتوجد أربعة أبراج مستديرة [والصواب على هيئة ثلاثة أرباع الدائرة] فى الأركان، بينها عشرة أبراج نصف دائرية عدا الأبراج الفريدة على جانبى كل مدخل من المداخل الأربعة. وداخل هذه المساحة الخارجية المسورة يوجد القصر نفسه وقد بنى ملاحقًا لواجهة سوره الشمالى من الداخل، وتبلغ مساحته 111 م من

الشمال إلى الجنوب و 82 م من الشرق إلى الغرب، وهو مزود أيضًا بأبراج نصف دائرية ويقع مدخله الرئيسى على محور المدخل الشمالى للسور الخارجى الرئيسى، وكان ارتفاع الجدران الأصلى بالدروة التى تعلوها حوالى 19 م، وهى مبنية بالحجر الجيرى على هيئة لوحات غير مستوية [أى أنها خشنة الملمس] ولحاماتها مكونة من مونة من الجص. ويتكون داخل القصر من فناء كبير [ساحة الشرف] فى الجانب الجنوبى منه إيوان كان بمثابة قاعة الاستقبالات العامة وتوجد خلف هذا الإيوان حجرة مربعة من المفروض أنها قاعة الاستقبالات الخاصة ويحيط بكل منهما [أى الإيوان والحجرة المربعة] حجرات قصبية. ويوجد دهليز كبير قصبى يبلغ عرضه حوالى 3.5 م يدور بكامله حول هذه المجموعة من الحجرات وساحة الشرف، كما توجد فى جانبيه الشرقى والغربى أربع مجموعات من البيوت منعزلة ومستقلة تمامًا، وكل بيت مكون من حجرات قصبية يتوسطها فناء خاص وكانت هذه البيوت الأربعة تخص الزوجات الشرعيات الأربع للأمير المسلم الذى بنى هذا القصر من أجله كما هو الحال فى قصر المشتى. (شكل 16). فى هذه البيوت الأربعة نجد أنه يتخلل الضلع المجاور للدهليز الكبير [ويقصد به الضلع الشرقى لفناء البيوت الغربية والضلع الغربى لفناء البيوت الشرقية] بائكة صماء ذات خمسة عقود يشغل العقد الأوسط منها باب [وهو باب الدخول لفناء البيوت الأربعة من الدهليز]، وتوجد فى الجانب المقابل [أى الضلع الغربى لفناء البيوت الغربية والضلع الشرقى لفناء البيوت الشرقية] سقيفة يبلغ عمقها 2.80 م ذات خمسة عقود محمولة على أربع دعامات مستديرة، ويسقف هذه السقيفة قبو برميلى، أما الضلعان الشمالى والجنوبى لفناء كل من البيتين الشماليين [B - H] فيشغل كل منهما سقيفة ذات ثلاثة عقود تمتد خلفها ثلاث حجرات [الصواب إيوان أوسط وحجرتان على جانبيه] مستعرضة مسقفة باقبية برميلية، ويلاحظ عدم وجود السقيفة ذات العقود الثلاثة بكل من الضلعين الشمالى والجنوبى لفناء البيتين الجنوبيين [C - G].

المسجد الأقصى بالقدس الشريف: -

هذا ويوجد ممر يمتد من الفناء الذى يتوسط البيوت الأربعة ويؤدى إلى حجرة يبلغ طولها 17.60 م وعرضها 3.5 م، وتقع هذه الحجرة بشكل عمودى خلف الحجرات الثلاث المقبية بكل بيت من البيوت. وقد سقفت هذه الحجرة بقبوين برميليين طوليين يتوسطهما من أعلى فتحة كانت مخصصة لإخراج الدخان حيث عثر على زوج الأنابيب الفخارية بالقبو المجاور للجدار الخارجى مما يرجح استعمالها كمدخنة لمطبخ كل بيت والمتمثل فى هذه الحجرة. والقصر مزود أيضًا بمسجد [يشغل الركن الشمالى على يمين الداخل] يبلغ عرضه 24.20 م وعمقه 15.15 م، وهو عبارة عن صحن تحيط به من جهاته الثلاث الجنوبية والشرقية والغربية أروقة (بلاطات) بواقع رواق من بائكة واحدة بكل جهة، أما الجهة الرابعة للصحن (وهى الشمالية) فيلاحظ أنها تخلو من وجود هذا الرواق. أما عن تاريخ بناء القصر فمن المحتمل أنه بنى بأمر عيسى بن موسى عم الخليفة أبو جعفر المنصور فى حوالى عام 161 هـ/ 778 م. المسجد الأقصى بالقدس الشريف: - وحوالى هذه الفترة [أى الربع الثالث من القرن 2 هـ/ 8 م] أعيد بناء المسجد الأقصى بأمر الخليفة المهدى العباسى وذلك فى عام 163 هـ/ 780 م. ويمكننا بفضل الدراسات الحديثة أن نؤكد أنه كان يتكون (شكل 17) [أى مقدم المسجد أو المغطى على حد قول المقدسى] من خمسة عشر رواقا [بلاطا] تتجه كلها عمودية على جدار القبلة، مكان الرواق الأوسط [البلاطة الوسطى] أوسعها حيث يبلغ عرضه 11.50 م وعن يمينه سبعة أروقة ومثلها عن يساره ويبلغ عرض كل منها 6.25 م، ويسقف هذه الأروقة سقف جمالونى، وسقف الرواق الأوسط أكثر ارتفاعا كما تعلو نهايته عند المحراب قبة خشبية عظيمة ويتوسط الواجهة الشمالية تجاه المحراب باب كبير توجد على جانبيه أربعة عشر بابا أصغر منه بواقع سبعة أبواب عن يمينه ومثلها عن يساره كما توجد فى الجانب الشرقى عشرة أبواب [الصواب أحد عشر بابا] غير مزخرفة [أى سواذج على حد قول المقدسى]. (شكل 18).

(شكل 17) مسقط أفقى للمسجد الأقصى فى عهد المهدى العباسى وليس هناك شك فى أنه كان لتصميم المسجد الأقصى أثره الكبير على تصميم جامع قرطبة الذى أمر ببنائه عبد الرحمن الأول [أى الداخل] فى عام 170 هـ/ 786 - 787 م ورغم الإضافات التى أضيفت إليه فى فترات ثلاث مختلفة، إلا أن الجزء الأول [أى الأصلى] ما يزال باقيا (شكل 19) وهو يتكون مثل المسجد الأقصى من أروقة (شكل 18) منظور لحرم [أى مقدم] المسجد الأقصى.

بلاطات] تتجه كلها عمودية على جدار القبلة ويبلغ عددها أحد عشر رواقا أوسطها أوسعها ويسقف هذه الأروقة أسقف جمالونية متوازية. ولم يكن التأثير السورى [أى الشامى] فى أسبانيا مستغربا فى هذه الفترة لكثرة اللاجئين السوريين [الشاميين] إليها. وتتكون كل بائكة من بائكات الأروقة من اثنى عشر عقدًا تعلوها مثلها وبفضل هذه الوسيلة المعمارية المبتكرة تم رفع سقف الجامع حوالى 9.80 م. (شكل 19) مسقط أفقى لمسجد قرطبة فى عهد عبد الرحمن الداخل. (شكل 20) طريقة إقامة عقود البواكى بمسجد قرطبة

صهريج الرملة بفلسطين: -

صهريج الرملة بفلسطين: - [يعرف محليا باسم بئر الضيزية] لهذا المبنى أهمية كبيرة فى تاريخ العمارة الإسلامية، وهو عبارة عن بئر محفورة فى باطن الأرض يبلغ عمقه 8 م، (شكل 21) وقد قسم هذا الصهريج إلى ستة أروقة [بلاطات] بواسطة خمس بائكات، تتكون كل بائكة منها من أربعة عقود تجرى من الشرق إلى الغرب. (شكل 10). وجميع العقود مدببة، ويبدو أنها مكونة من مركزين يتراوح البعد بينهما من 1/ 7 إلى 1/ 5 بحر العقد أى اتساع فتحته. وليس هناك أى شئ حول تاريخ البناء إذ توجد كسوة جصية عليها نقش كتابى بالخط الكوفى يثبت أن تاريخ البناء هو ذو الحجة 172 هـ/ مايو 789 م، وعلى ذلك فإن العقود المدببة التى استخدمت فى هذا الصهريج تسبق مثيلتها فى العمارة الأوربية بقرون عديدة. (شكل 21) مسقط أفقى لصهريج الرملة. - جامع عمرو بن العاص فى الفسطاط: أمر عبد اللَّه بن طاهر والى مصر فى عام 212 هـ/ 827 م بزيادة الجامع وتوسعته فأضاف إليه مساحة جديدة من الجهة الجنوبية الغربية تعادل مساحته التى كان عليها قبل هذه الزيادة، ويقول المقريزى "وكانت زيادة ابن طاهر المحراب الكبير وما فى غربيه. . ." وصار للجامع عقب هذه الزيادة ثلاثة عشر بابًا منها خمسة فى الجدار الشمالى الشرقى وثلاثة فى الجدار الشمالى الغربى وأربعة فى الجدار الجنوبى الغربى وباب واحد فى جدار القبلة لخطيب الجامع، وكانت هذه

التوسعة هى خاتمة الزيادات المسجلة (أى فى المصادر)، وتكمن أهميتها فى أنه يمكن أن نحدد من خلالها أن الجزء الواقع من المبانى الحالية على يمين الخط المرسوم المنصف للجامع (أى فيما بين المحراب الكبير الحالى وفتحة الباب الأوسط المقابل له بالواجهة البحرية) لا يمكن أن يكون تاريخه بأى حال من الأحوال قبل عام 212 هـ/ 827 م. وأصبحت مساحة الجامع على ما هو عليها الآن إذ يبلغ طول الجدار الجنوبى الشرقى 109 م والجدار الشمالى الغربى (المقابل له) 28/ 205 م والجدار الشمالى الشرقى 55/ 120 م والجدار الجنوبى الغربى (المقابل له) 28/ 117 م. هذا وقد كشفت أعمال الحفر عن أساسات الجامع التى قام بها (كريسويل) فيما بين 1926 - 1933 م أنه توجد سبع بائكات تجرى من اليمين إلى اليسار (أى موازية) فى جانب القبلة ومثلها فى الجانب المقابل (أى الجانب البحرى) وأربع بائكات: فى الجانب الجنوبى الغربى أما بائكات الجانب الشمالى الشرقى فتتجه عمودية على الجدار. ويبلغ ارتفاع الجدران الخارجية بدون الشرافات المتوجه لها حوالى 10.50 م وهذه الشرافات لا نعرف عن طرازها شيئا. وتوجد فى أعلى جدران الجامع ثمان وسبعون نافذة ذات تصميم رائع ويبلغ اتساع فتحتها (أى بحر العقد) حوالى 2.70 م وبنواصيها من الداخل والخارج صف من الأعمدة المدمجة وزوج من الأعمدة الرخامية القصيرة على جانبى فتحة النافذة. وتوجد طبلية خشبية مستعرضة ترتكز على الأعمدة الرخامية مما أدى إلى تقليل سعة الفتحة إلى 1.90 م هذا وتعتبر كل العقود الباقية عقودًا ممتدة ومدببة تدبيبًا خفيفا، ويوجد عدد من الطبالى والروابط الخشبية مزخرفة بزخارف محفورة تتكون من إفريز متتابع من أوراق الأكانتس قوامه أربعة أوراق ملتفة تتبادل مع أوراق ذات خمسة فصوص (شكل 22). وتتجلى أهمية هذه الزخارف بصفة أساسية فى أنها مشتقة من الفن الهيليينستى السورى وتثبت أن الفن العباسى العراقى، الذى ظهر بعده 50 عامًا فى جامع ابن طولون، لم يصل إلى مصر بعد (أى حتى عام 212 هـ/ 827 م).

مدينة سامرا بالعراق: -

(شكل 22) النوافذ الأصلية بجامع عمرو. مدينة سامرا بالعراق: - يحدد عام 221 هـ/ 836 م حدثا ذا أهمية كبيرة (أى فى تاريخ تطور العمارة والفنون الإسلامية) ألا وهو تأسيس مدينة سامرا. وقد شيد القصر (أى قصر الجوسق الخاقانى المعروف ببيت الخليفة) على حافة الهضبة التى ترتفع عن مستوى الوادى الخصيب لنهر دجلة بحوالى 17 م. ويوجد فى الوادى نفسه حوض كبير مساحته 127 م 2، ومنه يرتفع درج كبير عرضه 60 م يصعد منه إلى مستوى الأرضية الأعلى التى تتقدم باب العامة. (شكل 23). ويعد هذا الباب أحسن أجزاء القصر الباقية حفظا، وهو يتكون من واجهة ذات ثلاثة عقود كبيرة يبلغ ارتفاعها حوالى 12 م، وتوجد خلفه ثلاث حجرات عرضية مغطاة بأقبية برميلية، ويلى الباب دهليز يمر بين ست قاعات عرضية وبعد ذلك نصل إلى فناء مربع، وإلى الشمال توجد حجرات الخليفة وإلى الجنوب يوجد جناح الحريم. وبمتابعة السير على محور الباب نصل إلى فناء طويل هو المعروف بساحة الشرف، وخلف هذا الفناء يوجد مدخل ثلاثى العقود يؤدى إلى حجرة العرش، وتتكون هذه الحجرة من أربع قاعات على شكل حرف T، وقد رتبت هذه القاعات بشكل متقابل حتى يمكن الحصول على قدر كاف من الإضاءة

والتهوية من خلال المناور التى نتجت عن هذا التصميم. ويشبه تخطيط كل قاعة التخطيط البازيليكى ذا الأروقة الثلاثة، وفى الفراغات توجد حجرات على نطاق أصغر كسيت جدرانها بوزرات رخامية. كذلك يوجد أيضًا مسجد للخليفة مزود بمحراب. وخلف ذلك توجد ساحة كبيرة للتنزه يبلغ طولها 350 م وعرضها 180 م ويتخلل هذه الساحة قنوات صغيرة، ويوجد خلف ذلك ملعب البولو (ميدان الصوالجه). هذا وتبلغ المسافة من الحوض الكبير إلى حلبة السباق (المضمار) حوالى 1400 م. (شكل 23). أما الزخارف فهى تتكون من وزرات ذات زخارف جعبية قالبية غالبًا باستثناء الوزرات فى مجموعة حجرة العرش حيث إنها عبارة عن ألواح رخامية. (شكل 23) مسقط أفقى لقصر الجوسق الخاقانى كذلك تكسو الجزء العلوى لجدران جناح الحريم تصاوير مرسومة بالألوان المائية على الجص (الفرسكو) وقوام زخارفها أشكال الكائنات الحية والزخارف النباتية. وأعمال الخشب بالقصر من خشب الساج وهى إما محفورة أو مرسومة.

جامع سامرا: -

(شكل 24) مسقط أفقى لجامع سامرا جامع سامرا: - لم يتبق شئ من الجامع الأول الذى بنى مع المدينة عن قبل الخليفة المعتصم، وقد أعيد بناؤه تمامًا بأمر الخليفة المتوكل، وبدأ البناء فى عام 234 هـ/ و 848 م - 849 م وفرغ منه فى فى شهر رمضان 237 هـ/ فبراير - مارس 852 م. وهو يعد أكبر الجوامع الإسلامية إذ أنه يتكون من مساحة مستطيلة كبيرة بنيت بالآجر المحروق يبلغ طولها من الخارج حوالى 240 م يبنما يبلغ عرضها من الداخل 165 م (أى أن طول ضلعيه بنسبة 3: 2) وعلى ذلك تقدر هذه المساحة بحوالى 38.000 م 2. ولا تزال هذه المساحة الخارجية هى الباقية فقط بحالة جيدة ويبلغ سمك الجدران 2.65 م وتدعمها أبراج نصف دائرية يبلغ قطرها 3.60 م وتبرز عن سَمْت الجدران بحوالى 2.15 م. ومن هذه الأبراج أربعة أبراج ركنية بواقع برج بكل ركن واثنا عشر برجا فى كل من الجدارين الشرقى والغربى وثمانية أبراج فى كل من الجدارين الشمالى والجنوبى وبذلك يصل عدد هذه الأبراج إلى أربعة وأربعين برجًا ويبلغ طول الجدران بين هذه الأبراج 15 م، كذلك يوجد ستة عشر بابا مستطيلا يتوج فتحاتها أربطة خشبية يعلو كل رباط منها عقدا عاتقا. والأبراج كلها فى غاية البساطة بينما يزخرف الجزء العلوى للجدران فيما بين هذه الأبراج إفريز ذو ست دخلات مربعة مجوفة ذات حافات

مشطوفة، وتوجد بكل دخلة سرة دائرية (قرص) ضحلة (غير عميقة) قطرها حوالى 1 م وعمقها 25 سم، ويبلغ الارتفاع الكلى للجدران الآن حوالى 10.50 م. وعلى الرغم من بساطة التكوين العام للواجهة إلا أنها، بفضل تأثيرها فى النفس، تعد حقيقة واجهة تذكارية. وقد فتحت فى الجدار الجنوبى أربعة وعشرين نافذة وضعت على نفس محاور الخمسة والعشرين رواقا للحرم (أى مقدم الجامع) باستثناء الرواق الأوسط حيث إن المحراب لا تعلوه نافذة، وتوجد نافذتان أخريان فى كل جانب وبذلك يصبح عدد النوافذ ثمانيًا وعشرين نافذة، وشكل هذه النوافذ من الخارج عبارة عن فتحات مستطيلة ضيقة، أما من الداخل فهى على هيئة عقود ذات خمسة فصوص ترتكز على أعمدة مدمجة صغيرة، وجميع النوافذ داخل إطار مستطيل غائر. وقد أثبتت اكتشافات هرتزقلد أن السقف كان يرتكز على دعامات مثمنة من الآجر مباشرة دون وساطة العقود ويبلغ طول ضلعها 2.07 م وقد وضعت فى أركان هذه الدعامات الأربع أعمدة رخامية مدمجة، ويبلغ الارتفاع الحالى 10.35 م. وكان المسجد محاطا بمساحة خارجية من جوانبه الثلاثة: الشمالية والغربية والشرقية وتعرف هذه المساحة باسم الزيادة ويتضح من إحدى الصور الجوية أن مساحة الجامع بالزيادة كانت تبلغ 376 × 444 م. أما المئذنة الشهيرة المعروفة "بالملوية" فتقف على بعد 27.25 م من الحائط الشمالى للجامع. وتتكون هذه المئذنة من قاعدة مربعة يبلغ طول ضلعها 33 م وارتفاعها حوالى 3 م، ويعلو هذه القاعدة برج حلزونى يلتف حوله منحدر يبلغ عرضه 2.30 م ويجرى هذا المنحدر حول البرج فى اتجاه عكس عقرب الساعة إلى أن يتم خمس لفات كاملة، ويبلغ ارتفاع كل دورة 6.10 م ولكن لما كان طول كل دورة تالية هو أقل من سابقتها مما استوجب زيادة الانحدار كما ارتفعنا حتى يتم الاحتفاظ بارتفاع كل دورة. ويعلو الجزء الحلزونى طابق مثمن مزخرف بثمانى تجويفات كل منها

جامع أبى دلف

داخل إطار ضحل (غير عميق) والتجويف الجنوبى يؤلف بابًا حيث ينتهى به المنحدر ويفتح على سلم مستقيم فى بدايته ثم حلزونيا بعد ذلك حتى ينتهى عند قمة المئذنة، وعلى ضوء وجود ثمانية ثقوب شاهدها هرتزقلد فى هذه القمة يعتقد أنها ربما كانت تمثل جوسق صغير محمول على أعمدة خشبية. جامع أبى دلف: (شكل 25) يقع على بعد 15 كم تقريبًا من القسم الشمالى لمدينة الجعفرية التى أمر الخليفة المتوكل ببنائها لنفسه شمال مدينة سامرا فيما بين عامى 245 - 247 هـ/ 859 - 861 م. وهو جامع كبير مثل جامع سامرا إلا أنه أصغر منه إذ تبلغ مساحته الداخلية 213 م من الشمال إلى الجنوب و 135 م من الشرق إلى الغرب، وقد بنيت جدرانه الخارجية بالطوب اللبن ويبلغ سمكها حوالى 1.60 م وتدعمها دعامات ساندة نصف دائرية، ويرتكز سقف الجامع على بائكات من الطوب تجرى من الشمال إلى الجنوب ومن الواضح أن ارتفاعها كان يبلغ حوالى 8 م. والحرم (أى مقدم الجامع) يتكون من ست عشرة بائكة تحصر فيما بينها سبعة عشر رواقا (بلاطة) عموديًا على جدار القبلة، وتتكون كل بائكة من خمسة عقود يبلغ اتساع فتحة كل عقد منها (أى بحر العقد) نحو 3.13 م، وتمتد كل من البائكتين الخارجيتين (أى اللتين بطرفى بائكات الحرم وهما رقم 1 - 2، 15، 16) إلى الشمال حتى تصل نهاية جدار الجامع (رواق المؤخر) من هذه الجهه، وهما بذلك يشكلان الرواقين الجانبيين لصحن الجامع ويبلغ عمق كل رواق منهما 14 م وبكل رواق بائكتان عموديتان على جدار القبلة، أما الرواق الشمالى (رواق المؤخر) فيشبه الرواق الجنوبى (أى مقدم الجامع) إلا أنه أقل عمقا منه حيث تتكون كل بائكة من ثلاثة عقود فقط. أما مئذنة الجامع فتقع على بعد 9.60 م من الجدار الشمالى للجامع

العمارة فى عهد الدويلات المستقلة عن الخلافة العباسية

وتعرف أيضًا بالملوية وتتكون من قاعدة مربعة يبلغ طول ضلعها 11.20 م ويعلو هذه القاعدة الجزء اللولبى ويلتف حوله منحدر يجرى حوله فى اتجاه عكس عقرب الساعة إلى أن يتم ثلاث دورات كاملة (أما بعد أعمال الترميم والصيانة فقد أضيفت للمئذنة الدورة الرابعة مع القمة التى تعلوها). العمارة فى عهد الدويلات المستقلة عن الخلافة العباسية: العمارة فى عهد الأغالبة بتونس: 1 - جامع القيروان (شكل 26): يعد من المساجد الإسلامية الشهيرة التى أسست فى العصور الأولى (50 هـ/ 670 م) إلا أنه لم يتبق منه، باستثناء المئذنة فقط، أى جزء يعود تاريخه إلى ما قبل القرن 3 هـ/ 9 م، إذ ترجع أقدم أجزائه الحالية إلى زيادة اللَّه الأغلبى عندما أعاد بناءه فى عام 221 هـ/ 836 م. (شكل 25) مسقط أفقى لجامع أبى دلف بسامرا. وبالنسبة لأبعاد الجامع يلاحظ أن طول الجدار الشمالى يبلغ 65.60 م والجدار الجنوبى 70.28 م، والجدار الشرقى 121.80 م والجدار الغربى 120.50 م. ويتكون حرم الجامع (أى المقدم) من ست عشرة بائكة تحصر فيما بينها

سبع عشرة رواقا (بلاطة) وتتكون كل بائكة من سبعة عقود تتجه عمودية على جدار القبلة ولكن دون أن تصل إليه بسبب وجود بائكة موازية ينتهى عندها امتداد البائكات العمودية، ويوجد خلف هذه البائكة الموازية رواق موازى لجدار القبلة يبلغ عرضه حوالى 6 م. أما الأروقة العمودية فيبلغ عرض كل منه 3.30 م باستثناء الرواق الأوسط الذى يبلغ عرضه الآن 5.40 م وكان عرضه الأصلى يبلغ 6.60 م، أى أن عرض هذا الرواق قد قلّ نحو 1.20 م وذلك بسبب بناء البائكتين اللتين تحددان هذا الرواق واللتين تمتد على جانبيهما (الأيمن والأيسر) بقية البائكات القديمة ولكن دون وجود أى رباط من أى نوع بينهما حتى أن الحدارات (مكعبات من الحجر مستطيلة أو مربعة) التى تعلو أعمدة كل من هاتين البائكتين مستقلة بدلا من ربط كل زوج من الأعمدة معا بالحدارات كما هو الحال فى البائكات القديمة، كما أن عقود كل من هاتين البائكتين من نوع العقود حدوة الفرس المدببة فى حين أن عقود البائكات الأخرى من نوع العقود حدوة الفرس المستديرة، وليس هناك أى شك فى أن هذه الأعمال ترجع إلى عهد إبراهيم الثانى بن أحمد 261 - 289 هـ/ 875 - 902 م [والصواب أنه حكم فيما بين 242 - 249 هـ/ 856 - 863 م]. ومن أعمال أبى إبراهيم أحمد أيضًا بناء القبة المضلعة التى تعلو المنطقة المربعة التى تتقدم المحراب بنهاية الرواق الأوسط، وقد أقيمت هذه القبة على أربعة عقود منها ثلاثة عقود حرة والعقد الرابع ملتصق بالجدار، ويبلغ ارتفاع هذه العقود نحو 9.15 م، وينتهى المربع الناتج عن ذلك فى أعلاه بطنف (كورنيش) يبلغ ارتفاع حافته العليا عن مستوى الأرضية 10.83 م، ويعلو ذلك منطقة الانتقال المثمنة ويبلغ ارتفاعها 2.15 م، وهى تتكون من ثمانية عقود نصف دائرية ترتكز

أرجلها على صفوف من الأعمدة ترتكز على كوابيل صغيرة مندمجة فى الطنف المشار إليه سابقا ويلى ذلك الرقبة وهى تتكون من ثمانى نوافذ معقودة فيما بينها ست عشرة مضاهية مرتبة بواقع مضاهيتين بين كل نافذتين. والقبة يبلغ قطرها 5.80 م ويكسوها أربعة وعشرين ضلعا ينبثق كل منها من كابولى صغير وتحصر هذه الضلوع فيما بينها مناطق مقعرة يبلغ عمقها عند القاعدة 30 سم ثم تأخذ فى الصغر إلى أن تنتهى إلى لا شئ عند القمة، والتكوين كله فى غاية الروعة. أما من الخارج فالقبة تبدو على شكل السنطاوى ويكسوها أربعة وعشرون ضلعا محدبا، وتستدق هذه الضلوع أى تتناقص وتأخذ فى الصغر تدريجيا إلى أن تنتهى إلى لا شئ عند القمة (القطب). ومن أعمال أبى إبراهيم أيضًا كسوة المحراب بسلسلة من الحشوات الرخامية المحفورة الرائعة، وقد رتبت هذه الكسوة فى أربعة صفوف متتالية بكل صف منها سبع حنايا، ويبلغ الارتفاع الكلى لهذه الكسوة 2.72 م، كذلك يكسو وجه المحراب والجدار الذى يحيط به بلاطات خزفية منفذة بالبريق المعدنى (139 بلاطه) يبلغ مقاس كل منها 21 سم 2. هذا وقد أمر أبو إبراهيم أحمد باستيراد كل من الحشوات الرخامية والبلاطات الخزفية من العراق، وتعد هذه الأخيرة -أى البلاطات الخزفية- أقدم أمثلة الخزف ذى البريق المعدنى المحددة التاريخ، ويرجع ذلك بطبيعة الحال إلى أن أعمال أبى إبراهيم أحمد بجامع القيروان تؤرخ بعام 248 هـ/ 862 - 863 م. وكان يسقف أروقة الحرم (أى مقدم الجامع) بما فى ذلك الرواق الأوسط سقف مسطح بارتفاع متماثل، إلا أن سقف الرواق الأوسط صار أكثر ارتفاعا عقب أعمال الزيادة التى تمت فى عهد أبى إبراهيم الثانى.

2 - جامع سوسة

هذا ولم يكن الصحن محاطا بالأروقة فى جوانبه الثلاثة -أى المؤخر والمجنبتان- حتى عهد إبراهيم الثالث وذلك فى عام 261 هـ/ 875 م. وقد بنيت الجدران الخارجية بالحجارة ودعمت بدعامات ساندة وضعت على مسافات غير متساوية الأبعاد. 2 - جامع سوسة: (شكل 27) بنى هذا الجامع فى عام 236 هـ/ 850 - 851 م ويتكون تخطيط الجامع، بدون الزيادتين، من مساحة مستطيلة منتظمة تمامًا، وقد بنيت بالحجارة على هيئة مداميك يبلغ ارتفاع كل منها نصف متر، ويبلغ طول الجامع من الداخل 49.39 م بينما يبلغ عرضه 57.16 م، ويتوسط الجامع صحن تبلغ مساحته 22.25 × 41 م، وتطل على هذا الصحن واجهات الأروقة الأربعة المحيطة به، وهذه الواجهات ذات بائكات متخصصة عقودها قريبة من شكل حدوة الفرس وترتكز هذه العقود على دعامات على شكل حرف T، ويبلغ عدد العقود المشرفة على الصحن فى كل من الجهتين الشمالية والجنوبية أحد عشر عقدًا بينما يبلغ عدد العقود فى كل من الجهتين الشرقية والغربية ستة عقود فقط. ويبلغ ارتفاع الواجهة حوالى 61.50 م وهى فى غاية البساطة باستثناء إزار زخرفى ممتد به زخرفة قالبية ويعلوه مباشرة إفريز كتابى رائع (شكل 26) مسقط أفقى لجامع القيروان بتونس.

منفذ بالخط الكوفى البسيط غير المزخرف ويبلغ أقصى ارتفاع له 28 سم وهذا الشريط الكتابى محفور بشكل مقوس قليلا من الأمام ليعوض قصر الحروف وذلك كى يساعد المشاهد على قراءته له من مستوى أرض الجامع، ويعد هذا الشريط هو النموذج الأول المعروف لمثل هذه المعالجة، ثم لم يلبث أن انتقل إلى مصر مع الفاطميين وظهر أول ما ظهر بجامع الحاكم بالقاهرة 380 - 403 هـ/ 990 - 1013 م. ويختلف عمق الأروقة الثلاثة المحيطة بالصحن (أى المؤخر والمجنبتان) إذ يتراوح ما بين 4.08 م و 4.27 م، ويسقف كل رواق منها أقبية برميلية. أما الحرم (أى مقدم الجامع) فهو يتكون من اثنتى عشرة بائكة تحصر فيما بينها ثلاثة عشر رواقا (بلاطة) وتتكون كل بائكة من ستة عقود تتجه عمودية على جدار القبلة، كذلك توجد عقود أخرى (تبلغ 13 عقدًا) تتجه من الغرب إلى الشرق (أى موازية لجدار القبلة) وهو الأمر الذى نتج عنه تقسيم كل رواق إلى ست مساحات صغيرة (مستطيلة غالبًا أو مربعة أحيانًا) وجميع العقود المرتكزة على دعامات متقاطعة من نوع العقود حدوة الفرس، ويسقف الأروقة الثلاثة الأولى من جهة الصحن أقبية برميلية مع استثناء واحد يتمثل فى أن المساحة التى تتقدم المحراب فى الرواق الأوسط مغطاة بقبة قائمة على رقبة مثمنة ذات أوجه مقوسة قليلا. أما الأروقة الثلاثة الأخرى المتجهة إلى الجنوب فيسقفها أقبية متقاطعة أكثر ارتفاعًا قليلًا من الأقبية البرميلية المشار إليها. ويتكرر هنا أيضًا ما سبق أن شاهدناه فى الأروقة الثلاثة الأولى حيث يغطى المساحة التى تتقدم المحراب فى الرواق الأوسط، وعلى محور القبة السابقة، قبة قائمة على حنايا ركنية (إسكونشات). ومن الواضح أن حرم الجامع قد توسع جهة الجنوب وأن الأروقة الثلاثة الأولى من جهة الصحن هى الجزء الأصلى للجامع، وأن القبة

الأولى تحدد المساحة التى تتقدم المحراب الأصلى للجامع. وقد هدم الاثنان (أى جدار القبلة والمحراب الأصلى) وأضيفت مساحة جديدة ناحية الجنوب، وكان عمق الجامع قبل هذه الزيادة 44 م. هذا ويؤرخ الجزء الأصلى للجامع شريط كتابى كبير منفذ بالخط الكوفى وينتهى هذا الشريط بتاريخ البناء وهو عام 236 هـ/ 850 - 851 م. ب- العمارة فى عهد أحمد بن طولون بمصر: - الجامع الطولونى (شكل 28). فى عام 263 هـ/ 876 م قرر أحمد ابن طولون أن يبنى جامعا على (نشوز) صخرى يسمى جبل يشكر. ويمكن أن نتعرف على تخطيط الجامع من خلال مسقطه الأفقى (شكل 12). ومن خلال المنظر العام المأخوذ من مئذنة المدرسة الصرغتمشيه. وعلى ضوء هذا وذاك يتضح أنه يتكون من مساحة مستطيلة كبيرة تبلغ 112.26 و 140.33 م ويعلو جدران هذه المساحة شرافات فريدة ويتوسط هذه المساحة صحن مربع يبلغ طول ضلعه حوالى 92 م 2 وتحيط بهذا (شكل 12) مسقط أفقى لجامع سوسة.

الصحن الأروقة بواقع خمسة أروقة فى جهة القبلة (أى المقدم) ورواقان فى كل جهة من الجهات الثلاث الأخرى (أى المؤخر والمجنبتين). هذا وتحيط بالجامع من جهاته الثلاث، البحرية والغربية والشرقية، زيادة عدا جهة القبلة حيث كانت توجد دار الإمارة، ويبلغ عرض هذه الزيادة 19 م تقريبًا. وجدران الزيادة أقل ارتفاعًا من جدران الجامع نفسه، ويشكل الجميع المساحة الكلية للجامع وهو أقرب إلى المربع منه إلى المستطيل إذ تبلغ مساحته 162 م طولًا، و 162.46 م عرضًا، وقد بنيت جدران الجامع بالآجر الأحمر، الذى تتراوح مقاساته ما بين 18 × 8 × 4 سم، المغطى بطبقة سميكة جدًا من الجص حتى يمكن حفر الزخارف عليها بسهولة، كذلك يلاحظ أن الأربطة الخشبية لم تستخدم فى أى مكان بالجامع باستثناء قمم الدعامات. هذا وقد وجدت أن وحدة القياسات المستعملة فى الجامع هى ذراع مقياس النيل الذى يقدَّر بنحو 54.04 سم لأن الأبعاد الأساسية تعد تقريبًا مضاعفات صحيحة له. وبالنسبة إلى مخطط واجهة الجامع نفسه يبدو أن المهندس قد وضع تصميمه على أساس شطر الواجهة إلى شطرين بالنسبة لارتفاعها ثم اتخذ بعد ذلك خط الوسط كمستوى لأعتاب النوافذ. وعلى ضوء ذلك نجد أن الجزء السفلى للواجهة بسيط لم تفتح به سوى سبعة أبواب مستطيلة أما الجزء العلوى فقد فتحت به إحدى وثلاثون نافذة معقودة بعقود مدببة يتراوح ارتفاع أعتابها ما بين 70، 25، 5.86 م من مستوى أرضية الجامع. وترتكز عقود النوافذ على أعمدة قصيرة مدمجة من الآجر تشبه تمامًا مثيلتها بجامع عمرو فى الجزء الذى يؤرخ بعام 212 هـ/ 827 م. ويبلغ ارتفاع الجدران حتى مستوى السقف نحو 10.03 م، ويلى ذلك صف من الدوائر المفرغة داخل مربعات ويعلو ذلك شرافات مفرغة فريدة فى نوعها

(شكل 28) مسقط أفقى لجامع أحمد بن طولون وبها يصل الارتفاع الكلى للجدران من مستوى أعتاب الأبواب إلى 13.03 م. ويلاحظ أن جميع أعتاب الأبواب فى غاية البساطة باستثناء أربعة أعتاب خشبية أصلية باقية يزخرف باطنها زخارف محفورة. وبالإضافة إلى السبعة عشر بابًا الكبيرة والبابين الصغيرين التى تؤدى

إلى داخل الجامع من الزيادة، توجد أربعة أبواب فى جدار القبلة يؤدى أحدها إلى حجرة خلف المحراب، وهذا هو الباب الذى ذكره المقريزى عند حديثه عن دار الإمارة فقال: "ولها باب من جدار الجامع يخرج منه إلى المقصورة بجوار المحراب والمنبر. .". وكان هذا هو النظام المتبع خلال القرون الثلاثة الأولى للهجرة النبوية الشريفة على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى السلام. ويتوسط الجامع صحن مربع يبلغ طول ضلعه حوالى 92 م 2 يحيط به من كل جانب ثلاثة عشر عقدًا مدببًا، ويشغل الضلع القبلى للصحن الحرم (أى مقدم الجامع) وهو يتكون من خمس بائكات بكل منها سبعة عشر عقدًا. أما الرواق المقابل (أى رواق المؤخر فى الضلع البحرى للصحن) فيتكون من بائكتين وكذلك يتكون كل من الرواقين الجانبيين (أى المجنبتان بالضلعين الغربى والشرقى للصحن) من بائكتين أيضًا، وبكل بائكة ثلاثة عشر عقدًا فقط. وترتكز جميع هذه العقود على دعامات يبلغ عرضها 2.46 م وطولها 1.27 م، وقد وضعت فى أركانها الأربعة أعمدة مدمجة من الآجر. كذلك يلاحظ أنه وضعت ألواح خشبية معشقة حول قمم هذه الدعامات لتقويتها. وقد اشتقت التيجان من التيجان الكورنثية المتأخرة إلا أنه قد حلت محل صفين من أوراق الاكانتس أوراق العنب المحورة وفق طراز سامرا، وبالنسبة لزخارف بواطن العقود فقوامها أشرطة جصية بقى منها بحالة جيدة حوالى عشرة أشرطة وتتكون زخارف جميع هذه الأشرطة من شريط أوسط عريض محصور بين إطارات ضيقة مزدوجة، وقوام زخرفة الشريط الأوسط فى كل مرة عبارة عن إطار هندسى مملوء بعناصر ورسوم متنوعة رائعة تنتمى فى أسلوبها إلى طراز سامرا الثانى (B). شكل (39). وبالإضافة إلى ذلك يوجد شريط زخرفى مستمر يبلغ عرضه 46 سم، ويلتف هذا الشريط حول العقود من كلا وجهيها الداخلى والخارجى ثم يدور حول الزوايا القائمة لأرجل العقود ثم يجرى أعلى الدعامات ثم يدور بعد ذلك فى زوايا قائمة مرة ثانية ليلتف حول العقد التالى. . وهكذا.

ويعلو هذا الشريط الزخرفى الذى يلتف حول العقود إفريز زخرفى آخر فى الجص، ويجرى فوق هذا الإفريز الزخرفى بحوالى 20 سم الشريط الكتانى الشهير المنفذ بالخط الكوفى المحفور فى الخشب أسفل السقف بحوالى 30 سم ولا تزال أجزاء كثيرة منه باقية بحالة جيدة، وقد ثبت بالحسابات الدقيقة لهذا الشريط الكتانى الذى يمتد مسافة 2 كم أنه كان يشتمل على جزء من سبعة عشر من القرآن الكريم. (أى مكتوبا عليه) وتبدو النوافذ التى تشغل أعلى الجدران الأربعة خلف أروقة الجامع والسماء من ورائها مثل المخرمات (الدانتيلا) الدقيقة ولذلك فهى تعد واحدة من أجمل سمات الجامع. ويبلغ عددها 128 نافذة (والصواب 129) ويتكون كل منها من عقد مدبب ترتكز أرجله على زوج من الأعمدة القصيرة المدمجة ويتوج هذه الأعمدة تيجان جصية، ويلتف حول هذه العقود إطار من الزخارف الجصية ويدور هذا الإطار حول الزوايا القائمة لأرجل العقود ثم يمتد أفقيا ثم يلتف حول عقد النافذة التالية وهكذا، إلا أنه لسوء الحظ لم يبق من النوافذ ذات الزخارف المفرغة الأصلية سوى ثلاث أو أربع على الأكثر. (شكل 29) تفريغ لزخارف بواطن العقود

وقد نفذت هذه الزخارف بصفة أساسية باستعمال الفرجار، وتتكون هذه الزخارف من دوائر متداخلة وقطاعات من دوائر، ونفذت زخارف نافذتين منهما بطريقة مشابهة لإحدى النوافذ الرخامية المفرغة بالجامع الأموى بدمشق أما الثالثة فقوامها شبكة من المثلثات المتساوية الأضلاع (شكل 30). ومنطقة انتقال القبة الخشبية التى تعلو المنطقة المربعة التى تتقدم المحراب ترجع بلا شك إلى أعمال السلطان لاجين 696 هـ/ 1296 م، أما القبة نفسها فترجع إلى فترة متأخرة. وأنا أشك بدرجة كبيرة فى أنه لم تكن توجد فى هذا المكان قبة أصلا [ويقصد فى العصر الطولونى]. وترجع المئذنة الحالية إلى أعمال لاجين أيضًا، ومن المحتمل أن المئذنة (شكل 30) تفريغ للزخارف المفرغة بإحدى نوافذ (قمريات) الجامع الأصلية

الأصلية التى شاهدها المقدسى (فى الربع الأخير من القرن 4 هـ/ 10 م) كانت نسخة طبق الأصل من ملوية سامرا. ويذكر كل من ابن دقماق والمقريزى نقلًا عن القضاعى أن جامع ابن طولون بنى على طراز (على بناء) جامع سامرا، وهذا القول ليس صحيحًا بالتأكيد لأن تخطيطه على الأقل لا يشبه أى من جامعى سامرا باستثناء أن الجوامع الثلاثة محاطة بزيادة. ويختلف الجامع الطولونى عن جامع سامرا فى عدد أروقته 5 - 2 - 2 - 2 بدلًا من 9 - 4 - 4 - 3، أما جامع أبى دلف بسامرا فأروقته تجرى عمودية على جدار القبلة بدلًا من موازاتها له. ويختلف الجامع الطولونى عن جامع سامرا أيضًا فى أن سقفه يرتكز على عقود بدلًا من ارتكازها مباشرة على الدعامات دون وساطة العقود فى جامع سامرا، وهذه الدعامات هى التى تذكرنا فقط بمثيلتها فى جامع سامرا ولكن دعامات سامرا مربعة وفى أركانها الأربعة أعمدة رخامية مدمجة أما دعامات ابن طولون فمستطيلة وأعمدة الأركان الأربعة من الآجر. كذلك فإن واجهة الجامع لا تذكرنا بمثيلتها فى كل من جامعى سامرا حيث أنها غير محصنة مثلهما، والسمة الوحيدة فى واجهة جامع ابن طولون التى تذكرنا بسامرا هى صف الدوائر داخل مربعات أسفل الشرافات المتوجه للواجهة. ونوافذ الجامع الطولونى لا تشبه مثيلتها بجامع سامرا فهذه الأخيرة -أى نوافذ جامع سامرا- أقل عددًا وذات عقود مفصصة من الداخل وتشبه المزاغل (فتحات مرامى السهام) من الخارج. أما نوافذ الجامع الطولونى فتشبه مثيلتها بجامع عمرو 212 هـ/ 827 م باستثناء عدم وجود الطبالى الخشبية العرضية والإفريز الخشبى ذى الزخارف المحفورة، وبتعبير آخر فإن واجهة الجامع الطولونى مشتقة من واجهة جامع عمرو 212 هـ/ 827 م وتعتبر مصرية الطراز حيث لا توجد واجهة مثلها معروفة فى أى مكان آخر. وبالنسبة للزخارف فإن هناك إجماعًا الآن على أنها مشتقة من زخارف سامرا، ولكن بينما استخدمت فى سامرا الطرز الثلاثة (A-B-C) كل طراز منها على حدة، نجد أنها فى جامع ابن طولون متحدة وممتزجة مع بعضها. وبعد فإن زخارف الجامع الطولونى والمظاهر الأخرى المحددة تجعلنا نعتبره بناءً

أجنبيًّا -أى عراقيا- غرس فى التربة المصرية ولا بد أن يكون قد استخدم فيه عدد كبير من الصناع العراقيين لعمل زخارفه فى الخشب والجص. وتمثل زخارف الجامع الطولونى وكذلك زخارف دير السريان فى وادى النطرون أقصى مثالين باتجاه الغرب لفن الإمبراطورية العباسية. وختامًا فإنه يمكن القول إنه خلال العصر العباسى حلت التأثيرات الساسانية الفارسية محل التأثيرات الهيلنستية فى الشام وقد أصابها تحوير شديد فى الفن والعمارة مما أدى إلى ميلاد فن جديد عرف بفن سامرا، وقد انتقل هذا التأثير إلى مصر فى عهد ابن طولون. ويوجد اختلاف كبير فى عمارة القصور بين القصور الأموية والعباسية ويرجع جزء من هذه الاختلافات إلى تبين العباسيين للأفكار الفارسية فى الحكم والتى تؤله الملوك إلى حد بعيد، ولذلك تضمنت عمارة القصور العباسية قاعات العرش المتقنة المغطاة غالبا بالقباب والمخصصة للاستقبالات الخاصة والتى يتقدمها إيوان مقبى أو أربعة إيوانات متقابلة للاستقبالات العامة. والبيوت كانت مختلفة أيضًا لأنها تتبع طراز قصر شيرين وليس الطراز الشامى كما هو الحال فى المشتى وقصر الطوبة. ومن السمات الميزة لذلك القصور المساحة الضخمة والتخطيط المحورى وقد بنيت كل هذه القصور بالآجر وبنى جزء كبير منها بالطوب اللبن المغطى بطبقة سميكة من الجص. وظهر خلال ذلك العصر نوع جديد من العقود المدببة هو العقد المدبب ذو الأربعة مراكز، كذلك فإن أقدم أمثلة الحنايا الركنية (الاسكونشات) الباقية فى العمارة الإسلامية ترجع إلى هذا العصر أيضًا. ومن الابتكارات المهمة التى استخدمت خلال ذلك العصر البلاطات الخزفية ذات البريق المعدنى، وقد أحضرت أقدم نماذجها من الطرق المؤدية إلى القيروان فى عام 248 هـ/ 862 م. وغالبًا ما كانت الأشرطة الكتابية تنقش على أرضية زرقاء لإبرازها. ولكن تأثير الفن العباسى الواسع الانتشار لم يصل إلى أسبانيا حيث كان الفن الأموى الذى أحضره إلى هناك اللاجئون الشاميون لا يزال حيًا. المصادر: وردت فى صلب المادة. د. محمد حمزة [كرسويل K.A.C.Creswel]

عمران

عمران هذا الاسم لرجلين من التاريخ العبرانى. ذكر اسم الأول فى الكتاب المقدس ولم يأت فى القرآن الكريم، أما الثانى فجاء بالعكس إذ ذكر اسمه فى القرآن الكريم ولم يأت فى الكتاب المقدس. والأول هو عمران أبو موسى وهارون عليهما السلام وأختهما مريم، وهو ابن قاهت بن لاوى وفقًا لأنساب الكتاب المقدس (سفر الخروج، الإصحاح السادس، آية 20). والأساطير التلمودية تشير إلى أن عمران كان له ثقله فى مصر. وفى رواية وردت عن الكسائى، أن عمران عين وزيرًا وحارسًا لفرعون، وترتب على هذا، وبتدبير إلهى محكم أن تربى موسى عليه السلام فى قصر الطاغية ونجا من حكم الإعدام الذى أصدره فرعون على المواليد الذكور من بنى إسرائيل. وعمران الثانى كما ورد فى القرآن الكريم (سورة آل عمران آيات 31 - 35) سورة التحريم آية 12 هو أبو السيدة مريم العذراء أم المسيح عيسى عليه السلام. المصادر: بالإضافة إلى المصادر الواردة فى المادة انظر: (1) الطبرى: التفسير، القاهرة، 1321 هـ/ 1903 م، الجزء 16، ص 50. (2) الثعلبى: عرائس المجالس، القاهرة 1371 هـ/ 1951 م، ص 102، 119. (3) الكسائى: قصص الأنبياء، طبعة Zisenberg, 193 - 195، 201. (4) L. Grinzberg: The Legends of The Jews, li, 1910, 258 - 65, 7, 1925. 390 - 7 وائل البشير [ايزنبرج J.Eisenberg] عمر بن الخطاب هو الخليفة الراشد الثانى، الذى قام بدور كبير فى تأسيس الدولة الإسلامية بعد وفاة أبى بكر الصديق،

وقد وضع الوضّاعون فى سيرته أمورا غير حقيقية، لكن البحوث التاريخية المتأنية تقدم لنا كثيرا من الحقائق الأساسية عنه مما يمكننا من فهم شخصيته. لقد عادى عمر بن الخطاب الإسلام معاداة شديدة فى بداية الأمر، لكنه -بعد أن أسلم- تحول إلى الطرف النقيض فراح يدافع عن الإسلام بالشدة نفسها التى كان يعاديه بها من قبل. وربما أثَّرت هذه الحقيقة فى الروايات المتعلقة بإسلامه وهو ما تقدمه لنا على أن ذلك تم فجأة عندما استمع عمر رضى اللَّه عنه -مصادفة- لبعض آيات من القرآن الكريم كانت تُتْلى فى بيت أخته فاطمة التى كانت قد أسلمت مع زوجها سعيد بن زيد، ونتج عن هذه الحادثة -التى تبدو عرضية- وهى إسلام عمر أن أصبح الإسلام بفضل عمر بعد ذلك ظاهرة عالمية لقد أسلم عمر -فيما تقول الروايات- وهو فى السادسة والعشرين من عمره، وكان ذلك قبل الهجرة بسنوات أربع، وربما لا يكون هذا هو عمره وقت إسلامه لكن المؤكد أنه كان فى ريعان شبابه، وكانت نصرته للإسلام ومؤازرته له ذات نفع كبير بسبب شخصيته القوية أكثر منها بسبب عشيرته، فهو ابن نفيل العدوى من بنى عدى بن كعب وهم من قريش الظواهر الذين لم يلعبوا دورا سياسيا بارزا فى مكة التى يسودها التجار والتى كانت التجارة هى عصب الحياة فيها، ومع أن الروايات تذكر أن إسلامه قد أعز الإسلام قبل الهجرة إلا أن دوره غير واضح فى ترتيب أمور الهجرة، ولم يتبلور دوره إلا فى المدينة المنورة حيث غدا بمثابة مستشار وقام بدور كبير فى تنظيم الدولة الدينية الناشئة، وظهر عمر كمستشار أكثر من ظهوره كجندى مقاتل، ورغم شهوده غزوة بدر وأُحد وغيرهما فلم تنسب الروايات إليه بطولات فذة أو أعمالا غير عادية كتلك التى نسبتها لعلى رضى اللَّه عنه وغيره من الصحابة، وقد نزل القرآن الكريم مؤيدا رأى عمر (أو مبادراته التشريعية) كالأمر بحجاب أمهات المؤمنين (الأحزاب، آية 53) وما يلفت النظر أن عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه ارتبط برباط من الصداقة العميقة مع أبى بكر الصديق فى المدينة المنوّرة، صداقة لم يتخللها أى نوع من الغيرة، رغم أن الرسول صلى اللَّه عليه وسلم

كان متزوجًا من ابنة عمر رضى اللَّه عنه (حفصة) ومن ابنة أبى بكر رضى اللَّه عنه (عائشة)، بل إن عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه كان له دور مهم فى تأييد أبى بكر الصديق فى تولى الخلافة بعد وفاة الرسول صلى اللَّه عليه وسلم، كما ارتبط عمر بصداقة متينة أيضا مع أبى عبيدة بن الجراح الذى توفى بعد ذلك سنة 18 هـ/ 639 م، وقد انتقلت الخلافة إلى عمر بن الخطاب بعد وفاة أبى بكر وبدا هذا طبيعيا، فقد كان لابن الخطاب دور مهم فى أثناء حياة الرسول صلى اللَّه عليه وسلم وخليفته أبى بكر. وهنا يثور سؤال: هل عَهَدَ أبو بكر لعمر بن الخطاب بالخلافة من بعده؟ هذه مسألة ثار حولها نقاش بين علماء المسلمين، وعلى آية حال فقد تلقى عمر البيعة من كبار الصحابة وعامة المسلمين، بعد أن كان أمر توليه الخلافة قد استقر بالفعل، وواصل ابن الخطاب حركة الفتوحات الكبرى، وفى عهده لم يستطع بنو أمية أن يسيطروا على دفة الأمور، فقد كان ابن الخطاب محنكا حازما ولم يكن يسمح لأىٍّ مهما كان بتشكيل مركز من مراكز القوى، أو يؤسس دائرة نفوذ لنفسه، فقد عزل خالد بن الوليد بعد أن حقق أروع انتصار فى تاريخ الإسلام، مما يدل على عبقرية عمر السياسية ومدى قوة شخصيته، وقد عامل عمرو بن العاص بحذر وكياسة فسمح له بفتح مصر، لكنه جعل إلى جواره الصحابى الكبير الزبير ليكون رقيبا عليه، وكان حريصا على عدم تعيين كبار الصحابة (ولم يكن الزبير استثناء من القاعدة) خوفا من ازدياد نفوذهم مما يهدد بانقسام الدولة الإسلامية. ولقد كان ذلك من أمارات عبقريته السياسية. ولقد وضع عمر بن الخطاب أساس كل التنظيمات التى سارت عليها الدولة الإسلامية بعد ذلك: التنظيمات الخاصة بأهل الذمة، والدواوين، وبيت المال، وسجلات المقاتلين، ومبادئ التقاضى ونظام القضاء، كما وضع التاريخ الهجرى (¬1) وفضل عمر أن يسمَّى أمير المؤمنين وقيل إنه اتخذ هذا ¬

_ (¬1) ويتهم كاتب المقال عمر بن الخطاب بأنه حرف آية كريمة فى القرآن الكريم أو حرّف تفسيرها ليفرض رأيه القاضى برجم الزانية، والحقيقة أن هذا الإجراء تمّ فى عهد الرسول صلى اللَّه عليه وسلم نفسه كما هو معروف)، [المترجم]

المصادر

اللقب سنة 19 للهجرة. وتظهر لنا الروايات أن شخصية عمر كانت مرهوبة، ومحترمة، ويبدو أن عمر كان ينوى تعيين أبى عبيدة خلفا له، لكن ابا عبيدة مات، ولم يفكر عمر فى تعيين اسم من يخلفه حتى فوجئ بطعنة أبى لؤلؤة العبد المسيحى (1) الذى يمتلكه المغيرة بن شعبة والى البصرة، وقد اختلف الباحثون فى دوافع أبى لؤلؤة فقيل قتله لوطأة الأعباء المالية المفروضة عليه وعلى أمثاله (2) لكن قتل عبيد اللَّه بن عمر بن الخطاب فى معركة صفين سنة 37 هـ قد يفسَّر كدليل لإثبات هذا الشك. مع أن الحقائق التاريخية لا تؤيد -فى الواقع- مثل هذا التفسير، فدوافع أبى لؤلؤة شخصية. ومع عظمة عمر بن الخطاب، وكونه -بحق المؤسس الثانى للدولة الإسلامية، إلا أنه ترك بعض المشكلات التى كان يتعين على عثمان بن عفان رضى اللَّه عنه الذى خلفه، مواجهتها، ولم يكن عثمان رغم تدينه وصلاحه وتقواه يمتلك العبقرية الإدارية نفسها التى لعمر رضى اللَّه عنه. وبينما ينسب التراث السنى إلى عمر كل فضيلة من فضائل الإسلام، فإن بعض الشيعة لا يخفون كراهيتهم له لحجبه حق على رضى اللَّه عنه فى الخلافة، ورغم احتفاء الصوفية بتقشفه وزهده فإنه لا يحتل فى التراث الصوفى الغيبى مساحة كبيرة. المصادر: (1) L. Caetani: Annali del l'Islam Milan, 1909 - 1912 (2) كتب الحديث. د. عبد الرحمن الشيخ [ليفى دلافيدا G.Levi Della Vida] تعليق أوردنا ما ذكره الكاتب من تحليلات لكن المراجع العربية تجمع على الحقائق التالية:

عمر بن عبد العزيز

- بويع بالخلافة بعد وفاة أبى بكر بعهدٍ منه. - فى أيامه تم فتح الشام والعراق والقدس والمدائن ومصر والجزيرة حتى قيل انتصب فى مدة خلافته اثنا عشر ألف منبر. - ولّاه أبو بكر القضاء فكان أول قاض فى الإسلام ولم يأته مدّة ولايته للقضاء متخاصمان. - قطع العطاء عن المؤلّفة قلوبهم بعد أن قوى الإسلام. - أخضع أراضى البلاد المفتوحة عنوة للخراج ولم يقسمها بين الغانمين. - أول من دوّن الدواوين لإحصاء الأعطيات وتوزيع المرتبات لأصحابها وفقا لسوابقهم فى الإسلام. - روى الزهرى أن عمر كان إذا نزل به الأمر المعضل استشار الشبّان يبتغى حدّة عقولهم. - اتخذ بيت مال للمسلمين. - ردّ سبايا أهل الردّة إلى عشائرهم. - ضرب فى الخمر ثمانين جلدة وحرّم زواج المتعة ونهى عن بيع أمّهات الأولاد. - اتخذ دار الدقيق يُعين بما فيها المنقطع. - أرّخ بالهجرة. - اغتاله أبو لؤلؤة الفارسى غلام المغيرة بن شعبه -وكانت مدة خلافته عشر سنين وستة أشهر. د. عبد الرحمن الشيخ عمر بن عبد العزيز هو عمر بن عبد العزيز بن مروان ابن الحكم، وكنيته أبو حفص الأشج. خليفة أموى، ولد فى المدينة المنوّرة سنة 63 هـ/ 682 - 683 م، وكان والده عبد العزيز واليا على مصر لسنوات عدّة. أما أمه فهى أم عاصم بنت عمر بن الخطاب "رضى اللَّه عنه". وقد أرسله والده من مصر إلى المدينة المنوّرة ليتلقى تعليمه وظل بها حتى وفاة والده سنة 85 هـ/ 704 م فأخذه عمه الخليفة الأموى عبد الملك إلى

دمشق وزوجه من ابنته فاطمة، وفى ربيع الأول سنة 87 هـ/ فبراير - مارس 706 م عينه الوليد بن عبد الملك واليا على الحجاز، فاستقر فى المدينة المنوّرة مرة أخرى، وسرعان ما شكل مجلس شورى مخالفا بذلك سنن الولاة الذين لم يشكلوا مثل هذا المجلس بل لقد كلف عمر مجلسه هذا -وكان مكونا من عشرة من المشهود لهم بالعلم والتقوى- بمراقبة معاونيه. وكانت فترة حكمه خيرا على رعاياه إذ كان يراعى مصالحهم دائما، لكن الحجاج بن يوسف الثقفى والى العراق لم يكن سعيدا بطريقة عمر بن عبد العزيز المعتدلة فى الحكم فقد هجر عدد كبير من العراقيين العراق لاجئين إلى المدينة المنورة تخلّصا من عنت الحجاج، فتم استدعاء عمر بن عبد العزيز سنة 93 هـ/ 711 - 712 م دون إغضابه، وبعد موت سليمان بن عبد العزيز فى دابق بأرض قنسرين فى صفر سنة 99 هـ اتضح أنه عين عمر بن عبد العزيز خليفة له، ذلك أن الفقيه المعروف رجاء بن حيوة بن جدول الكندى -وكان واعظا بليغا موثرا- جمع أفراد البيت الأموى فى المسجد وطلب منهم إعطاء البيعة لمن حدده سليمان بن عبد الملك، ولم يذكر اسمه، فلما قدموا البيعة أعلن لهم وفاة الخليفة واسم عمر بن عبد العزيز الخليفة الجديد، ولكن ولدى سليمان: يزيد وهشام لا يفضلان عمر بن العزيز، لذا لم يكن غريبا أن يعترض هشام فى بداية الأمر على هذا التعيين لكنه -على أية حال- سرعان ما تراجع عن اعتراضه، وولى عمر بن عبد العزيز الخلافة دون اعتراضات خطيرة. وكان عمر بن عبد العزيز نسيجًا وحده يختلف عن الخلفاء الذين سبقوه والذين لحقوه، فقد دفعته تقواه بأن يكون على وعى كامل بأن اللَّه يراه وبالتالى كان يعى تماما واجباته كحاكم ومسئوليته عن رعاياه. وفى فترة خلافته عاش حياة متقشِّفة تتسم بالبساطة الشديدة رغم أنه كان -قبل توليه الخلافة- يعيش حياة مترفة

كسائر أمراء بنى أميّة. لذا فقد قل فى بلاطه أثناء خلافته الشعراء المدَّاحون والوصافون لمباهج الدنيا. ولم تشهد فترة خلافة عمر بن عبد العزيز التى لم تدم أكثر من عامين ونصف العام أحداثا عسكرية كبيرة، فقد رُفع الحصار المضروب على القسطنطينية فى عهده وإن كان من غير المؤكد ما إذا كان هو الذى أمر برفع الحصار أم أن ذلك تم فى أواخر أيام سلفه، وفى عهده سمح لأهل طورنده بالعراق أن يهجروا مدينتهم وأن يقيموا فى ملطية، وفى أقصى الغرب الإسلامى عبرت الجيوش الإسلامية جبال البرنس وغزت جنوب فرنسا وعادت بغنائم كثيرة، كما استولى المسلمون على ناربونه Narbonne وحصنوها، وإن كان من غير المؤكد أن ذلك تم فى عهد عمر بن عبد العزيز، وكان عمر يشعر بلا شك بضرورة الجهاد لنشر الإسلام، لكنه أيضا أرسل كثيرا من الدعاة لنشر الإسلام بالطرق السلمية، وقد نجح هذا الأسلوب السلمى بين البربر حتى أنه لم يبق -فيما يقال- بربرى واحد لم يعتنق الإسلام فى عهد واليه على المغرب إسماعيل بن عبد اللَّه، وعلى النحو نفسه استطاع واليه عمرو بن مسلم الباهلى إقناع أمراء السند بدخول الإسلام ووعدهم بالمساواة الكاملة مع المسلمين. لكنهم -على آية حال- ارتدوا ثانية فى عهد هشام. وقد ركز عمر بن عبد العزيز اهتمامه على الأمور الداخلية فقد نحّى يزيد بن المهلَّب والى خراسان غير الجدير بالثقة وعين مكانه الجَرَّاح ابن عبد اللَّه الحكمى، وفى حالات أخرى كان عمر بن العزيز لا يوكل المناصب المهمة إلا للأشخاص الأكفاء الجديرين بالثقة، ومنع لعن الإمام على رضى اللَّه عنه وآله على المنابر وكان معاوية بن أبى سفيان قد أدخل هذه البدعة، ويقال إنه عندما كان صغير السن طلب من أبيه الذى كان واليا على مصر منع سب على رضى اللَّه عنه وآله على المنابر إلا أن أبا ذكّره بأن ذلك قد يقوى دعوى مطالبة آل على بالخلافة مما يضعف موقف الأسرة الأموية، كما ملّك عمر

واحة فدك لورثة فاطمة الزهراء، وكانت فيما يقال ملكا خاصا لمحمد صلى اللَّه عليه وسلم لكنها اعتبرت بعد وفاته ملكا للدولة الإسلامية باعتبار أن الأنبياء لا يورثون وما تركوه صدقة، وأعاد لآل طلحة ممتلكاتهم فى مكة المكرمة وكان عبد الملك قد نزعها منهم، ومنع جباية ما فوق العشر فى اليمن، وكانت هذه الزيادة قد فرضها والى اليمن محمد بن يوسف أخو الحجاج. وبوجه عام فقد أزال ابن عبد العزيز كل ما كان يعتقد أنه مظالم ارتكبها سابقوه. وكان متسامحا مع أصحاب الديانات الأخرى دون أن يخرق مبدأ من مبادئ الإسلام فقد احتفظ اليهود والنصارى بأماكن عبادتهم دون السماح ببناء أخرى جديدة، وكان الوليد قد هدم باسيليقا يوحنا المعمدان فى دمشق وضم موضعها للمسجد الأموى، ولما تولى عمر اشتكى إليه النصارى فأمر عمر الوالى بإعادة الموضع إليهم، لكن ذلك كان غير متوافق مع رغبة أهل دمشق، فوافق عمر على إعطاء النصارى كنيسة القديس توما Thowa التى كان يمتلكها المسلمون بالفعل بسبب كون الغوطة كانت قد فتحت عنوة زمن الفتح الإسلامى، فأعطاها لهم عمر مقابل تنازلهم الكامل عن كنيسة القديس يوحنا المعمدان وتعهدهم بعدم المطالبة بها مستقبلا. وكان عمر ابن العزيز حريصا على عدم تحميل رعاياه من مسلمين ومسيحيين أعباء مالية لا يطيقونها، فقد أعاد عمر مبلغ الجزية الذى كان مفروضا فى أيلة وقبرص إلى ما كان عليه وفقا للاتفاق الذى عقده المسلمون الفاتحون، وكان الخلفاء الأمويون قبل عمر قد زادوه. وبالنسبة لنصارى نجران كان الرسول صلى اللَّه عليه وسلم قد أمنهم على أرضهم مقابل دفع 2.000 حُلّه كل عام (كل حلة بأربعين درهما)، وقد خفض عثمان رضى اللَّه عنه منها مائتى حلة، وخفَّض معاوية (وقيل ابنه يزيد) مائتى حلة أخرى بسبب نقصان عددهم إما بسبب الموت أو بسبب التحوّل للإسلام. لكن عندما ثار عبد الرحمن بن محمد بن

الأشعث ضد الحجاج رفع هذا الأخير ما يتحتم على النجرانيين دفعه إلى ألف وثمانمائة حلة لأنه شك فى كونهم قد عقدوا اتفاقا سريا مع الثائرين مع أن عددهم -أى نصارى نجران- كان قد تقلص إلى 4.000 بعد أن كانوا 40.000 وعندما تقدموا بالشكوى إلى عمر بن عبد العزيز خفض المفروض عليهم إلى العشر، فكان عليهم دفع 200 حلة بدلا من 4000، أى أصبح إجمالى ما يدفعوه سنويا هو 8000 درهم (باعتبار الحلة بأربعين درهما). لقد كانت التنظيمات الإدارية العظيمة التى وضع أسسها عمر بن الخطاب فى حاجة إلى تطوير جديد يلائمها مع الزمن فكانت أهم إصلاحات عمر بن عبد العزيز هى إجراءاته المهمة لإصلاح النظم المالية. لقد كانت خزانة الدولة فى عهد عمر بن عبد العزيز تعانى من نقص مستمر بسبب كثرة المتحولين للإسلام، وكثرة الذين هجروا أراضيهم الزراعية واستقروا فى المدن فعانت الزراعة من التدهور من جرَّاء ذلك. وكان الحجاج قد واجه هذه المشكلة بفرض الخراج حتى على المسلمين من ملّاك الأراضى وكانوا قبل ذلك لا يدفعونه كما منع الحجاج الهجرة إلى المدن، ولم تحظ إجراءات الحجاج بالرضا لكنه لم يُعر ذلك اهتماما، ولكن عمر بن عبد العزيز صمّم على عدم التحصيل من المسلمين، وأكثر من هذا فقد كان من رأيه أن الأرض المفتوحة ما هى إلا ملكية عامة للمسلمين وبالتالى لا يجوز تقسيمها أو بيعها، ولا شك أن رأيه هذا كان متفقا مع رأى فقهاء المدينة. وفى سنة 100 هـ/ 718 - 719 م منع المسلمين من شراء الأرض التى فُرض عليها الخراج، لكنه لم يطبِّق هذا المنع بأثر رجعى، كما رفع عمر بن عبد العزيز كل العراقيل التى كان الحجاج قد وضعها أمام الراغبين فى هجرة المهتدين الجدد للإسلام إلى المدن، وأكثر من هذا فقد دفع للموالى فى خراسان الذين حاربوا إلى جانب المسلمين أجرا كما أعفاهم من الجزية وجعلهم بهذا كالمسلمين سواء بسواء. وقد خلت فترة حكم عمر بن عبد العزيز من الاضطرابات التى كان

المصادر

يثيرها الخوارج، لكن قوى أخرى كانت تعمل فى السر لإسقاط الدولة الأموية. ومات عمر بن عبد العزيز بعد أن عانى من المرض عشرين يوما -فى رجب سنة 101 هـ/ فبراير 720 م ودفن بالقرب من حلب، وخلفه ابن عمه يزيد بن عبد الملك، واعتبر عمر بن عبد العزيز هو الخليفة الراشد الخامس (خامس الراشدين) واحترمت كل الأطراف المتصارعة ذكراه حتى أن العباسيين أشادوا بذكره ولم ينبشوا قبره بعد نجاح الحركة العباسية. المصادر: (1) ابن سعد: الطبقات الكبرى. (2) ابن الجوزى: مناقب عمر بن عبد العزيز. (3) ابن شاكر الكتبى: فوات الوفيات. (4) ابن الأثير: الكامل فى التاريخ. (5) البلاذرى: فتوح البلدان. [ك. ف. تسترستين K.V.Zettersteen] د. عبد الرحمن الشيخ عمرو بن العاص عمرو بن العاص السهمى أحد صحابة الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وهو قرشى المولد، أسلم فى عام 8 هـ/ 629 - 630 م ومنذ ذلك الحين لعب دورًا فى التاريخ الإسلامى. ولابد أنه كان فى أواسط عمره حين أسلم لأنه كان قد جاوز التسعين عند وفاته عام 42 هـ/ 663 م، وكان عمرو معدودًا من أدهى الساسة فى عصره وهذا رأى لا نستطيع إلا أن نقر به، ولقد تنبأ أهل البصيرة من المكيين أن فشل حصار المدينة يعتبر نقطة تحول فى مستقبل الإسلام، ومن ثم فلا عجب أن يتحول للإسلام رجال مثل خالد بن الوليد، وعثمان بن طلحة وعمرو بن العاص قبل فتح مكة. ويقال إن إسلامه تم فى الحبشة بتأثير من نجاشيها المسيحى، ولقد قام محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فى الحال بالاستفادة من العون الجديد، وبعد عدد قليل من الحملات الصغيرة قام بإرسال عمرو إلى عمان [بضم العين وفتح الميم المخففة] حيث فاوض حاكميها الأخوين

وهما جَيْفر وعباد ابنى الجلندى [وكان ذلك فى العام التاسع الهجرى] فدخلا الإسلام، ولكنه [أى عمرو] لم يتمكن من رؤية الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] مرة أخرى حيث وصله نبأ وفاته وهو فى عمان وكان ذلك سببا لعودته للمدينة، ولكنه لم يبق بها لفترة طويلة. وفى عام 12 هـ/ 633 م أرسله أبو بكر [رضى اللَّه عنه] على رأس جيش إلى فلسطين وإن كانت أنباء ذلك الفتح تبدو إلى حد ما مضطربة ولكن من المؤكد أن عمرو بن العاص قد لعب دورًا بارزًا فى تلك المهمة. ويعتبر إخضاع هذا القطر الواقع غرب الأردن من إنجازاته، كما أنه كان موجودًا أيضًا فى معركتى أجنادين واليرموك وكذلك عند فتح دمشق. وترجع شهرة عمرو الحقيقية إلى قيامه بفتح مصر، وعلى ضوء ما ورد فى بعض المصادر يتضح أنه قاد قواته على مسئوليته الشخصية ومع ذلك فمن الأرجح أن عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه قد تم إخطاره بذلك الأمر أو أن ذلك الأمر قد تم بناء على أوامره. ومن المؤكد أنه أرسلت إليه [أى لعمرو] فى الحال الإمدادات بقيادة الزبير، على أن ما يجب الاكتفاء بذكره هنا هو أنه فى صيف عام 19 هـ/ 640 م تمت هزيمة الروم فى هليوبوليس [عين شمس] كما استولى العرب فى السنة التالية 20 هـ/ 641 م على حصن بابليون ثم كان وقوع الإسكندرية فى قبضتهم عام 21 هـ/ 642 م. هذا ولم يكن فتح مصر هو أحد أعمال العبقرى عمرو بن العاص فقط ولكنه أيضا عين واليا عليها وقام بتنظيم إدارتها وقضائها والضرائب. كما أسس مدينة الفسطاط التى عرفت فيما بعد بمصر ثم أطلق عليها اسم القاهرة فى القرن الرابع الهجرى (العاشر الميلادى). ولقد شعر عمرو بالإهانة عندما قام الخليفة عثمان [رضى اللَّه عنه] بعد فترة قليلة من توليه الخلافة بعزله عن ولاية مصر وتولية عبد اللَّه بن سعد مكانه فاعتزل الحياة العامة مما أكد شعوره بالإهانة.

وعندما تغيرت الظروف المحيطة بعثمان كان عمرو أحكم من أن ينضم إلى أعدائه [أى عثمان] ولكنه قام فى الخفاء بتأليب على وطلحة والزبير ضده. ولقد أخذ يترقب تطور الأحداث بقلق شديد، ولكته لم يظهر على مسرح الأحداث حتى موقعة الجمل حيث لم يتبق من المتنازعين سوى على ومعاوية وقد انضم عمرو إلى جانب معاوية. وتولى عمرو فى وقعة صفين قيادة الفرسان الشاميين وعندما تحولت دفة الحرب لصالح على لجأ إلى حيلة ذكية وهى رفعه المصاحف على أسنة الرماح، ولقد نجحت هذه الحيلة وإن لم تتضح نهاية المعركة، ومن ثم تم الاتفاق على عقد جلسة للتحكيم بين أبى موسى الأشعرى وعمرو بن العاص. وقبل حلول يوم التحكيم قام عمرو بإسداء خدمة جليلة لمعاوية وهى أنه احتل مصر باسمه [أى معاوية]، ولم يكن عزل والى مصر من قبل علىّ -وهو الشاب محمد بن أبى بكر- بالمهمة الشاقة حيث هزمه عمرو (فى أوائل عام 38 هـ/ 658 م) ووضع بذلك نهاية لحياته. وفى شهر شعبان من ذات العام توجه عمرو إلى أذرُح [مكان وسط بين أهل الشام والعراق] حيث يقام التحكيم. وهنا يقدم عمرو أيضا البرهان على عبقريته السياسية فقد نجح فى إقناع أبى موسى الأشعرى بخلع كل من على ومعاوية وهكذا فقد علىّ لقبه كخليفة وفى ذات الوقت لم يخسر معاوية أى شئ لأنه كان يحارب فقط من أجل دم عثمان. ولقد ظل عمرو بن العاص واليا على مصر حتى وافته منيته عام 42 هـ/ 663 م. وفى 15 رمضان عام 40 هـ/ 22 يناير 661 م نجا عمرو بن العاص من محاولة اغتياله على يد أحد الخوارج الذين كانوا قد اتفقوا على قتل كل من علىّ ومعاوية وعمرو، وكان عمرو قد أصيب فى هذا اليوم بوعكة اضطر معها لترك إمامة الصلاة لخارجة بن حذافة الذى أصيب بطعنة قاتلة ولذلك قيل "أردت عمرا وأراد اللَّه خارجة".

المصادر

المصادر: (1) ابن حجر العسقلانى: الإصابة. (2) ابن الأثير: أُسد الغابة فى معرفة الصحابة. (3) البلاذرى: فتوح البلدان. (4) ابن سعد: الطبقات الكبرى. (5) الطبرى: تاريخ الرسل والملوك. (6) بتلر: فتح العرب لمصر. د. محمد حمزة [فنسنك A.J.Wensink] عمار بن ياسر هو عمار بن ياسر بن عامر بن مالك أبو اليقظان أحد صحابة الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وأحد أتباع على [رضى اللَّه عنه]. كان والده أحد موالى أبى حذيفة المخزومى وقد تزوج بإحدى جاريات مولاه واسمها سمية التى أعتقت، ولكن ياسر وأسرته ظلوا فى خدمة أبى حذيفة. وقد كانوا من المسلمين الأوائل وقاسوا أشد العذاب وقيل إن عمارًا هاجر إلى الحبشة وبعد الهجرة عاد إلى المدينة وقد شارك فى المعارك الأولى وحارب فى بدر وأحد وعلى وجه العموم فإنه شارك فى كل حروب النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، وقد فقد عمار إحدى أذنيه فى وقعة اليمامة زمن أبى بكر وفى عام 21 هـ/ 641 م استعمله عمر بن الخطاب واليا على الكوفة وشارك فى فتح خوزستان. وكان عمار منذ البداية أحد أتباع علىّ [رضى اللَّه عنه] ومنذ عام 53 هـ/ 656 م فصاعدا أولاه على ثقته الشديدة، وقبل موقعة الجمل ساعد عمار فى استمالة أهل الكوفة إلى جانب علىّ، كما أنه كان واحدا من الذين صحبوا السيدة عائشة [رضى اللَّه عنها] زوجة الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] إلى البصرة. ومات فى صفين عام 37 هـ/ 657 م وقد تقدمت به السن وصار كهلا، وقد ظل قبره موجودًا قرب صفين لمدة بضعة قرون، وكان عمار على دراية كبيرة بأحاديث الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] واشتهر بتقواه وبتمسكه بالإسلام.

المصادر

وبعد ذلك قام المؤرخون الكارهون لبنى أمية بتمجيده وإعلاء قدره فوضعوا أحاديث ترفع من شأنه وقالوا إن بعض آيات القرآن تشير إليه. كما أن هناك حديثا ينسب إلى الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وفيه يتنبأ الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] بوفاة عمار على يدى الفئة الباغية والذين سيكون مصيرهم جهنم. وكان لعمار ولد يدعى محمدا وكان مشهورًا أيضا بحفظه الحديث، كما كانت له أيضا ابنة تدعى أم الحكم. المصادر: (1) ابن سعد: الطبقات (2) ابن قتيبة: المعارف (3) النواوى: تهذيب (4) ابن حجر: الإصابة د. محمد حمزة [ركندورف H.Reckondorf] عمان هى عاصمة المملكة الأردنية الهاشمية، ويرجع الموقع الذى تشغله اليوم إلى عصور ما قبل التاريخ. ومما لا شك فيه أن رابية القلعة التى تعرف الآن بجبل القلعة كان موقع المدينة القديمة. ولم يتبق من هذه المدينة القديمة سوى آثار قليلة منها بعض المقابر على جانبى الجبل وكذلك قطاع صغير من سور المدينة يرجع إلى العصر الحديدى ربما إلى القرن التاسع أو الثامن قبل الميلاد، ولقد حاول الإسرائيليون الأول (حوالى عام 1300 ق. م) أن تكون لهم السيطرة على المدينة أو على الإقليم فلم يفلحوا حتى جاء داود [عليه السلام] فهجم على المدينة فى القرن 11 ق. م ووقعت أحداث قصة أوريا الحيثى والذى أصبح اسمه مرتبطا بهذا الموقع حتى القرن 4 هـ/ 10 م. ولقد استعادت عمان استقلالها على يد سليمان [عليه السلام]، وخلال القرنين الثامن والسابع قبل الميلاد وقعت المدينة مثل باقى المدن فى القطر فى قبضة الأشوريين ولكنها نالت استقلالها فى عهد البابليين. وعندما قام بطليموس فيلادليفوس (285 - 227 ق. م) بغزو المدينة أسماها

فيلادلفيا وهو الاسم الذى عرفت به خلال العصرين الرومانى والبيزنطى. وقد استولى عليها الملك السلوقى انتيوخس الثالث حوالى عام 218 ق. م، وفى القرن الأول قبل الميلاد انضمت عمان إلى مجموعة "ديكابوليس" واحتلها الأنباط لفترة قصيرة [حوالى 30 عاما] ولكن هيرود الكبير قام بطردهم منها فى حوالى عام 30 ق. م، ثم استرجعها الرومان من هيرود وأعادوا بناءها على غرار المدن الرومانية المزودة بالمسارح والمعابد والميادين العامة والحمامات الكبيرة وكذلك شارع رئيسى ذو أعمدة. هذا وما تزال بعض تلك الآثار باقية. وفى العصر البيزنطى أصبحت عمان مقرا لإبرشية فيلادلفيا والبتراء، وقد كانت واحدة من ثلاث مدن كهنوتية فلسطينية باسم بصرى وما يزال هذا اللقب يطلق على الكاهن الكاثوليكى اليونانى. ويستدل من الحفائر التى أجريت بالقلعة فى موقع المتحف الحالى على أن المدينة قد ازدهرت عندما فتحها القائد العربى يزيد بن أبى سفيان عام 14 هـ/ 635 م والذى حدث عقب سقوط دمشق مباشرة. وتوجد فى القلعة على الأقل بعض البيوت الخاصة الجميلة التى ترجع إلى العصر الأموى، ولهذه البيوت أهمية أثرية ليس فقط لكونها قصورًا مكتشفة للخلفاء الأمويين ولكن لأنها تعتبر أول شاهد على كيفية حياة الرجل العادى فى ذلك العصر. كذلك يوجد فى القلعة أيضا مبنى مربع يرجع إلى عصر الغساسنة أو العصر الأموى. وقد بدأت عمان مثلها فى ذلك مثل باقى مدن الأردن فى الاضمحلال بعد انتقال مركز الخلافة من دمشق إلى بغداد، فابن الفقيه يذكر أن عمان تتبع دمشق، ثم جاء المقدسى فذكر لنا وصفا مفصلا للمدينة بعد ذلك بثمانين سنة كما أنه وضع المدينة ضمن كورة فلسطين وذكر أن "رستاقها البلقاء" (المقدسى - ص 149). وفى عام 622 هـ/ 1225 م أشار ياقوت إلى عمان على أنها مدينة

وربط المدينة بأسطورة لوط [عليه السلام] وبناته، وما يزال [أى ياقوت] يعتبرها إحدى المدن المزدهرة فى فلسطين وأنها "كانت قصبة أرض البلقاء" (معجم البلدان - جـ 4 - ص 151). ولكن الدمشقى الذى كتب كتابه فى حوالى 699 هـ/ 1300 م أشار إلى أنها تتبع ولاية الكرك واقتصر على ذكر بعض خرائبها. ثم جاء أبو الفدا بعد ذلك بحوالى 20 عاما فقال إنها مدينة موغلة فى القدم وقد خربت قبل الإسلام. ومن العسير أن نتعرف على هذا السقوط المفاجئ الذى أصاب المدينة إذ لم تحدث قط أى كوارث طبيعية أو تاريخية حدثت خلال تلك الفترة. وبعد ذلك لم يرد ذكر لهذه المدينة فى كتابات المؤرخين وعندما بدأ الرحالة الغربيون الأوائل فى زيارة شرق الأردن فى أوائل القرن التاسع عشر لم تكن عمان سوى قرية صغيرة جدًا. وفى عام 1295 هـ/ 1878 م زوّدتها السلطات التركية بحامية شركسية. ومع ذلك بقيت المدينة لعدة سنوات عبارة عن بضعة منازل. وقد بدأت الاكتشافات الحقيقية للمدينة وضواحيها على يد الميجور كوندر ومجموعته فى عام 1881 م حيث تم العثور على بقايا مسجد ذى منارة مربعة، وربما كان هو المسجد الذى ذكره المقدسى، وقد كان المسجد والمنارة موجودين عندما قام بتلر بمسح شامل 1907 م ولكنه اعتبر السور الرئيسى من العصر الرومانى أو البيزنطى، وليس من المعروف على وجه التحديد الوقت الذى دمر فيه هذا السور، ولكن من المحتمل أن ذلك حدث عقب الحرب العالمية الأولى مباشرة. وفى عام 1340 هـ/ 1921 م جعلها عبد اللَّه بن الحسين عاصمة شرق الأردن وأخذت المدينة فى الازدهار منذ ذلك الحين، ثم بلغت أوج ازدهارها عقب الحرب العالمية الثانية مباشرة حيث تضاعف حجم المدينة بنسبة 50 % على الأقل. وعمان الآن هى العاصمة والمركز الإدارى للمملكة على كلا جانبى الأردن وتضم القصر الملكى ومبانى البرلمان وكذلك مكاتب الوزارات المختلفة.

المصادر

ولقد تم بناء بعض المبانى الحكومية الفخمة ومن بينها المتحف والمدارس ولكن الكثير من الآثار قد اندثر خلال الأيام الأولى لإنشاء المدينة الحديثة. المصادر: 1 - البلاذرى: فتوح البلدان. 2 - مرمرجى: بلدانيات فلسطين العربية. 3 - الزركلى: عامان فى عمان (القاهرة 1925). د. محمد حمزة [لانكستر هاردنج G.Lankester Harding] عمود يرتبط استخدام العمود والتاج فى الفن الإسلامى وبصفة خاصة فى العمارة الدينية بتبنى المعماريين تصميم المساجد ذات الأروقة [البلاطات] المتعددة حول صحن [فناء] أوسط. ويبدو أن العمود مثله فى ذلك مثل هذا النمط من المساجد والأروقة منقول عن التراث الهيلنستى [أى التراث اليونانى الممتزج بالتراث الشرقى] خاصة وأن الأعمدة المستخدمة فى المساجد الأولى فى كل من بلاد الشام ومصر وأفريقية وأسبانيا كانت من نفس المواد المستخدمة [أى أنها كانت مأخوذة من العمائر القديمة السابقة]. وعلى كل حال بدأت بعد فترة من التقليد الصادق للنماذج السابقة الأنماط الإسلامية المميزة فى الظهور وكانت ذات تصميم أكثر بساطة حيث لم يعد بدن العمود قليل التحديب كما أصبح القطر متساويًا مع طول العمود وصار تخطيط المسقط الأفقى للعمود إما دائريا أو متعدد الأضلاع. وكذلك أصبحت التيجان ذات أشكال متعددة ونستطيع أن نرتبها فى مجموعتين رئيسيتين كلتيهما مشتقة من التاج الكورنثى ولكن يظهر فيهما بوضوح التطور المحلى، وتتكون المجموعة الأولى من التيجان الكأسية أو الناقوسية الشكل والتى ربما تكون متأثرة بتاج زهرة اللوتس فى مصر القديمة، وقد ظهر هذا النوع من التيجان

فى القرن 3 هـ/ 9 م فى الآثار العباسية فى كل من مدينتى سامرا والرقة ثم لم يلبث أن انتقل هذا التاج، مع عناصر أخرى كثيرة، إلى العمارة الطولونية فى أواخر القرن 3 هـ/ 9 م ثم استمر ظهوره فى مصر خلال عصرى المماليك البرجية [الصواب البحرية أى الدولة المملوكية الأولى 648 - 784 هـ/ 1250 - 1382 م] والجراكسة [أى الدولة المملوكية الثانية وهى التى تعرف أيضا بالبرجية 784 - 923 هـ/ 1382 - 1517 م] كذلك صممت قواعد الأعمدة على نفس الشكل [أى الشكل الكأسى أو الناقوسى] إلا أنه وضع عكسيا [أى مقلوبا] وقد وجدت هذه التيجان ذات الشكل الكأسى أيضا فى بلاد فارس حيث لا يسمح الآجر والبلاطات المستخدمة فى العمائر هناك إلا بوجود عدد قليل من الأعمدة الحقيقية، وتتوج هذه التيجان الأعمدة المقلدة الصغيرة فى المحاريب الخزفية، ويبدو أن التصميم العام للمجموعة الثانية من تيجان الأعمدة إنما هو صورة مبسطة من التيجان الكورنثية حيث تم تقليل عدد النقوش البارزة الكثيرة التى تميز هذه التيجان الكورنثية، وقد تنوعت هذه التيجان تنوعا محليا كبيرًا وانتشرت بصفة خاصة فى الغرب الإسلامى. وتوجد فى القيروان [بتونس] من القرن 3 هـ/ 9 م تيجان صغيرة على غرار النماذج القبطية ذات الأوراق الأربع الملساء المتصلة من أسفل والمقوسة لأعلى عند نقطة مثل الخطاف، ومنها اشتقت فى نفس المنطقة التيجان الفاطمية خلال القرنين 4 - 5 هـ/ 10 - 11 م والتى تتميز بالتصميمات النباتية المتتابعة التى تعلو أبدانًا ذات زخارف حلزونية أو نقوش كتابية على شكل لفائف [حلزونات]. وأيضا التيجان التونسية من القرن 7 هـ/ 13 م فصاعدا. وترجع إلى نفس هذه الفترة تقريبًا الآثار الأموية فى أسبانيا وقد زينت بتيجان تعد نسخة من النموذجين الكلاسيكيين وهما: الكورنثى والمركب، وهو إما مستدير كما هو الحال فى

عنترة

جامع قرطبة، أو مملوء بالأخاديد العميقة كما هو الحال فى مدينة الزهراء (منتصف القرن 4 هـ/ 10 م). وقد كانت هذه التيجان بمثابة النماذج الأصلية لعدد من التيجان المتنوعة الرائعة فى كل من قصر الجعفرية بسرقسطة (القرن 5 هـ/ 11 م) وفى مساجد الموحدين فى تنمل [أو تنملل] فى المغرب الأقصى ومراكش (القرن 6 هـ/ 12 م). وفى القرن 7 هـ/ 13 م ظهر التاج الأسبانى المغربى وهو الذى يجمع بين الشكل الأسطوانى فى جزئه الأسفل والمتوازى فى جزئه الأعلى والذى يعد فى الواقع تطورًا للتاج الكورنثى. ويمكن أن نجد أنماطًا متنوعة فى مساجد شمال إفريقيا ومدارسها وفى قصر الحمراء بغرناطة والذى توجد به أيضا بعض التيجان المقرنصه والتى ربما كانت تقليدًا لنماذج فارسية الأصل. د. محمد حمزة [لوكهارت Lockhart] عنترة عنترة تعنى البطل، وهذه الكلمة من المحتمل أنها مشتقة من الجذر (ع. ت. ر) وهى تعبر عن فكرة العنف. وقد تسمّى عدد من شعراء الجاهلية بهذا الاسم (عنترة)، والشاعر عنترة عاش فى القرن السادس للميلاد وينتمى إلى قبيلة عبس فى قلب الجزيرة العربية، كما أن الإشارة القصيرة للأصفهانى فى كتاب الأغانى تشير إلى أنه من القرن الرابع الهجرى (القرن العاشر الميلادى) كان الحكام يميلون إلى رفض المبالغات الشعبية والتى كونت بطولة عنترة فى قصته. لقد ولد عنترة لأب عربى وأم زنجية، وعاش فى طفولته حياة العبودية فكان يرعى الغنم فى الوقت الذى كان هناك صراع بين عبس والقبائل العربية المجاورة، ثم أخذ فرصته لكى يمارس شجاعته فى حرب داحس والغبراء وخاصة بين عبس وذبيان، ولبسالته أخذ يتفوق على أقرانه، ومن المحتمل أن يكون عنترة قد أعتق نتيجة لأعماله البطولية، وفى ذلك

المصادر

الزمن تورط عنترة فى غارة ضد طيئ وهكذا ارتدت الأسطورة هذا الإطار الظاهر وهو المطالبة بالمساواة بين البشر. لقد أثبت عنترة وقدم الدليل الدامغ على أن الشخص المختلط الدماء فى عصر ما قبل الإسلام يمكن أن يحقق ما يحققه الدم العربى النقى. إن الخيال والتزويق يمكن ملاحظتهما فى عدد محدود من الموضوعات: - تحقيق شجاعة البطل أو فروسيته وبسالته -حبه وهيامه لابنة عمه عبلة. - قوته فى التغلب على الاستعلاء والازدراء ومحاولة أن يكون جديرا بتعاطف غلاظ القلوب المتحجرة. إن هذه التطورات تولدت أخيرًا فى الحوار الموجود فى ملحمة عنترة الشهيرة وكما هو معروف فإن المقطوعات والأشعار تكون الأساس المتين لعناصر النزعة الأسطورية أو الاتجاه الخرافى. والمعروف أنه من بداية القرن الثالث الهجرى (القرن التاسع الميلادى) كانت هذه الأعمال الشعرية فى متناول الدارسين فى البصرة ومعروفة للأصمعى الذى حققه وعلق عليه الأسبانى الأعلم الشنتمرى Al-Alam Al Shantamari وهناك سبعة وعشرون قصيدة ومقطوعة واحدة منها القصيدة الميمية التى ظهرت ضمن مقتطفات أدبية مختارة من المعلقة المنسبوبة لعنترة، وعلى العموم فهذه الأصول المتأخرة ظهرت كخليط غير متناسق. كما أن الدارسين أو الملفقين قد اعتادوا غالبًا أن ينسبوا لعنترة أية قصيدة جاء فيها اسم عبلة حيث إن الشاعر يعلن عن نفسه باسم عبلة ويكشف فروسيته وبطولاته مع حصانه، وهكذا فإن الكثير من العناصر المنسوبة لعنترة مشكوك فيها. المصادر: (1) ابن سلام: طبقات الشعراء. (2) ابن قتيبة: الشعر والشعراء. (3) الأغانى جـ 8. (4) شيخو: شعراء النصرانية، بيروت 1890. والذى أعاد تقديم الديوان بعد تحقيقه وتهذيبه. (5) مقال فى التاريخ العربى Caussin de. Derceval Essai sur L'histoire des Arabes, Paris 1847, ii.441 ff, 514 - 21

العواصم

sai sur l'histoire des Arabes, Paris 1847, ii. 441 ff,514 - 21 (6) عنترة، المعلقة. (7) شعر عنتر غير الإسلامى، ديرنبورج. د. إبراهيم شعلان [بلاشير R.Blahere] العواصم لفظ يطلق على جزء من منطقة الحدود التى تمتد بين الامبراطورية البيزنطية ودولة الخلافة فى الشمال والشمال الشرقى لبلاد الشام. وكانت النقاط القوية المتقدمة فى تلك المنطقة تدعى الثغور بينما كانت النقاط القوية فى المؤخرة تدعى العواصم (مفردها عاصمة) وتعنى حرفيا الحاميات. ولم يقم العرب بعد نجاحهم السريع فى سوريا والعراق بأية محاولة لمد فتوحاتهم واكتفوا بالقيام بغارات فى الأراضى البيزنطية من ناحية جبل اللكام الهائل وجبال طوروس. وفى عهد كل من عمر وعثمان كانت النقاط الأمامية القوية للمسلمين، والتى عرفت فيما بعد بالعواصم، تقع بين أنطاكية ومنبج بينما كانت تلك النقاط التى عرفت بالثغور تقع فى أراضى قفر فى المنطقة الشاسعة الممتدة بين شمال أنطاكية وحلب حتى طرسوس وطوروس حيث قام هرقل بإخلاء المدن من سكانها عند انسحابه من سوريا وحيث قام البيزنطيون بترك نقاط الحراسة تسمى بالمسالح مزوّدة بقوات محلية غير نظامية يطلق عليها اسم المردة وربما كانوا من الجراجمة النصارى الذين كانوا يتخذون جانب البيزنطيين تارة وجانب العرب تارة أخرى وكانوا يمدونهم أيضا بالمسالح والجواسيس ولقد أطلق العرب اسم الضواحى أو ضواحى الروم على المنطقة التى اجتاحها المسلمون عدة مرات. وقد ظل هذا التعبير مستخدما خلال العصر العباسى كما ورد فى أشعار أبى تمام والبحترى. وقد بدأ الأمويون يثبتون أقدامهم فى هذه المنطقة ويحتلون النقاط

الاستراتيجية الرئيسية حيث التقاء الطرق أو عند مداخل ممرات الجبال. وحسب ما ذكره ثيوفانس [المؤرخ اليونانى] فإن انسحاب المردة جاء نتيجة لعقد هدنة بين عبد الملك بن مروان وجستنيان الثانى وبذلك تركت المنطقة كلها بدون أى دفاع مما جعلها مصدر خطر على الامبراطورية البيزنطية وقد اعتمدت هذه المنطقة المتقدمة فى البداية على جند حمص ولكن منذ عهد يزيد بن معاوية استقلت وجعل لها جند خاص بها وهو جند قنسرين. وفى عام 170 هـ/ 786 م أفرد هارون الرشيد "قنسرين بكورها فصير ذلك جندا واحدا وأفرد منبج ودلوك ورعبان وقورس وانطاكية وتيزين وسماها العواصم، لأن المسلمين يعتصمون بها فتعصمهم وتمنعهم إذا انصرفوا من غزوهم وخرجوا من الثغر" (البلاذرى فتوح - ق 1 - ص 156). وزودنا ابن شداد بتفسير آخر وهو أن تلك التسمية ترجع إلى أن أهل الثغور كانوا يحتمون بها عندما يتهددهم خطر الأعداء. ويضيف القلقشندى تفسيرًا آخر فيذكر أنها سميت بذلك "لعصمتها ما دونها فى بلاد الإسلام من العدو إذا كانت متاخمة لبلاد الكفر" جـ 4 - ص 130. ويعتقد القلقشندى أن الثغور والعواصم إنما هُما اسمان لمسمى واحد وهذا ليس بصحيح لأن الاثنين كانا مختلفين بعضهما عن بعض تمام الاختلاف منذ فترة مبكرة، ولكن منذ إنشاء هذه الكورة، والتى وليها عبد الملك ابن صالح العباسى فى سنة 172 هـ/ 789 م وجعل مدينة العواصم منبج، فقد شملت كل مدن الثغور ولذلك فمن المحتمل أن يكون التعبيران [أى العواصم والثغور] قد استخدما لنفس الغرض ويذكر الطبرى، أن هارون الرشيد قد عزل الثغور كلها من الجزيرة وقنسرين وجعلها حيزا واحدا وسماها العواصم. وغالبا ما كانت تتوحد العواصم والثغور تحت إمرة قيادة واحدة فكانت تارة مع جند قنسرين وتارة أخرى تصبح الثغور كورة مستقلة.

هذا ولم يتفق الجغرافيون على عدد من المواقع التى شكلت جزءًا من العواصم فابن خرداذبه ضم إليها أيضا الجومة وبوقا وبالس ورصافة هشام، أما عند ابن حوقل فهى: بالس وسنجه وسميساط وجسر منبج، وأضاف ابن شداد أيضا بغراس دربساك، وارتاح، وكيسوم، وتل قباسين أما ياقوت فيضيف مواقع أخرى، وكانت أنطاكية هى عاصمة العواصم فى القرن 4 هـ/ 10 م. وكانت منطقة العواصم كما هو الحال فى الثغور مسرحا للحروب الدامية بين البيزنطيين والعرب. وقد أعيد غزو العواصم على يد "نقفور مؤكاس الذى أجبر إمارة حلب أن تسلم له جميع الجزء الغربى والشمالى للمنطقة وفى ضوء ذلك فإن كلمة العواصم أصبحت مجرد تعبير جغرافى استمر استخدامه من قبل الجغرافيين العرب فى عصر الحروب الصليبية والمماليك، وليس لدينا سوى القليل من المعلومات عن الموقف الاقتصادى لتلك المنطقة التى يبدو أنها ازدهرت خلال العصر العباسى ويذكر ابن خرداذبه أن "خراج قنسرين والعواصم أربع كان فئة ألف دينار". (المسالك والممالك - ص 73) بينما يذكر قدامة أنه "ثلثمائة ألف وستون ألف دينار" (الخراج وصناعة الكتابة - ص 184) وكان السكان أخلاطا كثيرة فبالإضافة إلى السكان الأصليين من المسيحيين أو الجراجمة فى جبل اللكام هاجرت أو انتقلت إلى هناك عناصر أخرى كثيرة من القبائل العربية لا سيما قيس التى استقرت هناك وكلاب التى امتدت حتى دلوك فضلا عن عناصر أجنبية جاءت من الهند عن طريق العراق مثل السيابجة الذين أحضرهم معاوية إلى أنطاكية والزط الذين انتقلوا إلى المنطقة نفسها [أى أنطاكية] بأمر معاوية ومن بعده الوليد بن عبد الملك. ومن المعروف أن من أسباب استقرار الزط فى هذه المنطقة (كما فى قاليقلا بأمر يزيد الثانى والمعتصم)

المصادر

أنهم كانوا يقومون بتربية ورعى جاموس الماء مما ساعد فى تنظيف مناطق المستنقعات فى أنطاكية وقاليقلا من السباع التى كانت تعيش هناك. (البلاذرى - ق 1 - 198 - 199). المصادر: (1) البلاذرى، فتوح البلدان، ليدن 1866، ص 132 - 144. (2) الاصطخرى، المسالك والممالك، ليدن 1870، (الطبعة الثانية 1927) ص 56، 62. (3) ابن حوقل، صورة الأرض، ليدن 1938 - 1939، ص 108، 119. د. محمد حمزة [م. كانار M.Canard] عيد توردها المعاجم العربية تحت مادة (عَ وَدَ). "عَود" بمعنى الرجوع وهى فى الأصل مستعارة من الآرامية، وهناك كلمة شبيهة تحمل المعنى نفسه فى السريانية. ويحتفل المسلمون خلال السنة الهجرية الواحدة بعيدين رسميين هما عيد الفطر يوم أول شوال ولمدة ثلاثة أيام وعيد الأضحى يوم العاشر من ذى الحجة ولمدة أربعة أيام. ويتميز العيدان بصلاة العيد التى تؤدى فى كل منهما مرة واحدة فى أول يوم، وهى سنَّة، وتصلى جماعة. وصلاة العيد تختلف عن الصلاة المكتوبة فى الكثير من التفاصيل، وتتكون من ركعتين اثنتين وبها عدة تكبيرات، ولا يؤذن لها، كما ليس لها إقامة، وعند إعلان بدء الصلاة ينادى "الصلاة جامعة". والموعد المحدد لأداء صلاة العيد هى الفترة من شروق الشمس وحتى لحظة وصولها كبد السماء. وعادة يرتدى المسلمون خلال أيام العيد ملابس جديدة أو على الأقل

المصادر

يرتدون أفضل ما لديهم، ويتزاورون ويهنئ بعضهم بعضا ويتبادلون الهدايا. كما يزورون المقابر للترحم على الأموات، ويمكثون هناك عدة ساعات قد تصل فى بعض الأحيان إلى اليوم بأكمله. المصادر: (1) " Salat el Aid" The books of filch in the chapter (2) Juynoll: Handbuch (3) E. W. Hane: Manners and customs of the Modern Egyptians (4) M. d'Ohssoh: Tableau General de I'Einpire Othoman (5) J. Chelhod: Le Sacrifice, chez les Arabes, Paris 1955, Chaps. 3 and 4 وائل البشير [ميتفوخ M.Mittwoch] عيد الأضحى (عيد القربان - عيد النمر - العيد الكبير) يحتفل به فى يوم العاشر من ذى الحجة من كل عام هجرى لمدة أربعة أيام ويقدم فيه الحجاج الضحية قربانًا للَّه تعالى فى وادى "منى" أول أيام التشريق الثلاث. والتضحية فى هذا اليوم بوصفها سنة مؤكدة لا تقتصر على الحجاج فحسب بل على جميع المسلمين، كما أنها تعد واجبًا للوفاء بالنذر. وعلى كل مسلم حر قادر على شراء ضحية أن يضحى بكبش (واحد عن كل فرد) أو من الإبل والماشية (واحد عن كل عشرة أفراد) ويجب أن تكون الأضحية فى عمر مناسب وأن تكون خالية من العاهات والأمراض المعدية وتبدأ فترة الأضحية مع صلاة العيد وحتى غروب شمس ثالث أيام التشريق وتتبع الخطوات التالية: 1 - التسمية 2 - الصلاة على النبى 3 - التوجه نحو القبلة

المصادر

4 - التكبير ثلاث مرات قبل وبعد التسمية. 5 - الدعاء للَّه الكريم أن يتقبل. وعلى المضحى أن يزكى بثلثى الأضحية، وله أن يحتفظ بالثلث أما إذا كانت الأضحية وفاء لنذر، فعندئذ تذهب الأضحية بأكملها وفاء للنذر ولا يحتفظ المضحى بشئ لنفسه أو لأهله. وعلى خلاف جميع المسلمين الذين يحتفلون بعيد الأضحى بمناسبة فداء اسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام يحتفل الدروز بعيد الأضحى بمناسبة قربان قابيل وهابيل ولدى آدم عليه السلام. المصادر: انظر مصادر مادة (عيد). وائل البشير [ميتفوخ M.Mittwoch] عيد الفطر (العيد الصغير) يحتفل به يوم أول شوال من كل عام هجرى ولمدة ثلاثة أيام، وعلى المسلم الذى لم يؤد زكاة الفطر قبل نهاية فترة الصيام أن يؤديها قبل موعد صلاة العيد. وعلى الرغم أن عيد الفطر يسمى العيد الصغير إلا أن فرحة استقباله تفوق فرحة استقبال عيد الأضحى لحلوله بعد انتهاء فترة الصيام الشاقة فى شهر رمضان. المصادر: انظر مصادر مادة (عيد). وائل البشير [ميتفوخ M.Mittwoch] عيدروس وكثير ما تفسر خطأ فيقال إدريس وأصلها اللغوى مبهم- وهى أسرة من السادة الأشراف والصوفيين العلماء فى جنوب الجزيرة العربية والهند وأندونيسيا، وتنتمى هذه الأسرة إلى السقاف الذى هو فرع من "باعلوى"، ولا تزال تلعب دورًا مهما فى حضرموت وقد أورد وستنفيلد نقلًا عن المجئ تفاصيل حول أكثر من ثلاثين شخصية بارزة من هذه الأسرة حتى

القرن الحادى عشر الهجرى (السابع عشر الميلادى) وفى القرن التاسع عشر كان هناك خمسة مناصب عيدروسية فى حزم "وبور" وسليلة وتبى والرملة، كذلك فإن هناك عددا كبيرا من الشخصيات فى هذه الأسرة أشتهرت بالنشاط الأدبى منهم. (1) الشيخ عبد اللَّه بن أبى بكر (السكران) ابن عبد الرحمن السكاف (811 - 865) من تريم وقد أطلق عليه والده اسم "العيدروس" وأخذ الحرفة من عمه عمر المحضار وخلفه بعد موته فى منصب "نقيب باعلوى" واشتهر فى هذا الوقت بشدة الزهد والورع وأخذ يدرس التفسير والحديث والفقه ومن مؤلفاته الكبريت الأحمر، ومناقب شيخه، سعد بن على، ورسائل عمر بن عبد الرحمن صاحب الحمراء (انظر السخاوى: الضوء اللامع 5/ 16). (2) ابنه أبو بكر بن عبد اللَّه العيدروس (851 - 914 هـ) ولد فى تريم ومات فيها ومن مؤلفاته الجزء اللطيف فى علم التحكيم الشريف، وديوان الموشح، وينسب إليه عادة شرب القهوة فى بلاد العرب (انظر ابن العماد شذرات الذهب 8/ 39). (3) الشيخ عبد اللَّه بن الشيخ عبد اللَّه (919 - 990 هـ) ولد فى أحمد آباد (هوجرات بالهند) ودرس بمكة وزبيد والشحر ثم انتقل إلى الهند وانخرط فى خدمة الوزير عماد الدين ومن مؤلفاته: العقد النبوى والسر المصطفوى، وكتاب الفوز والبشرى وقصيدة تحفة المريد، وديوان شعر. (4) عبد القادر بن الشيخ الهندى، محيى الدين بن أحمد أباد الصوفى وله عدة كتب عن التصوف، ومن مؤلفاته الفتوحات القدسية فى الخرقة العيدروسية وكتاب تعريف الأحياء بفضائل الأحباء. (5) شيخ بن عبد اللَّه بن شيخ (993 - 1041) ولد دولت آباد، ورحل إلى الهند سنة 1025 ثم مضى إلى

المصادر

"الدكن" ورحب به السلطان برهان نظام شاه ووزيره ملك عنبر، وكتب كتابًا عن التصوف سماه "السلسلة". (6) عبد اللَّه بن شيخ (1017 - 1073 هـ)، زار مكة، والمدينة مرتين ثم مضى إلى "سورات" بالهند ثم عاد إلى بلاد العرب فأقام بالشحر حتى مات حيث لا يزال ضريحه ومسجده موضع تقديس ومزارًا للحاج. (7) على بن عبد اللَّه بن شيخ ويعرف بزين العارفين (984 - 1041 هـ) وليس له من المؤلفات سوى مجموعة "رسائل". (8) جعفر الصادق بن على زين العابدين (997 - 1064 هـ) درس بالجزيرة العربية ثم انتقل إلى الدكن وتقدم فى بلاط الوزير الأكبر ملك عنبر وترجم عن الفارسية إلى العربية كتاب تحفة الأصفياء بترجمة سفينة الأولياء. (9) جعفر بن مصطفى بن على ومن مؤلفاته كشف الوهم عما غمض من الفهم. (10) عبد الرحمن بن مصطفى بن شيخ (1135 - 1192 هـ) اشتهر بالرحلة فزار سورات والجزيرة العربية والطائف واستقر بالقاهرة كما زار دمشق. (11) حسن بن أبى بكر المتوفى فى باتاهيا 1798 وقبره يعتبر أكبر مزار يحج إليه أتباعه من جزر الأرخبيل الهندية. المصادر: (1) عبد اللَّه السقاف، تاريخ الشعراء الحضرميين. (2) نجم الدين الغزى، الكواكب السائرة بأعيان المائة العاشرة. (3) R. B. Serjeant: Materials For Saudi Arabian (BoAs.history 1950)

عيذاب

عيذاب ميناء على الساحل الأفريقى للبحر الأحمر، ولا تزال أطلاله موجودة على هضبة مستوية لا مياه فيها، على بعد اثنى عشر ميلا شمالى حلايب -وهى تذكر فيما وصلنا من القرن الثالث الهجرى (التاسع الميلادى) على أنها ميناء يستخدمه الحجاج الذاهبون إلى مكة والتجار القادمون من اليمن، وتتصل بوادى النيل بطرق القوافل من أسوان (خمسة عشر يوما) وقوص (سبعة عشر يوما). وقد كانت عيذاب فى الأصل قرية صغيرة من الأكواخ، ولكن أخذت أهميتها فى الازدياد منذ القرن الخامس الهجرى (الحادى عشر الميلادى) نتيجة لزيادة التجارة المصرية مع اليمن. وازدهرت على وجه الخصوص فى عهد تجار الكارم، حيث وصفها ابن بطوطة (فى عام 725 هـ/ 1325 م بأنها مدينة كبيرة معظم سكانها مسلمون من قبائل بوجا Budjah والتى كثيرا ما اصطدمت أسرتها الحاكمة التى تسمى بالعربية الحدربى أو الحضربى مع أعمال مصر حول حصتهم فى عائدات الميناء والإشراف عليه وقد أمر السلطان المملوكى "برسباى" (825 - 842 هـ - 1422 - 1438 م) بتخريبها ردا على ما جرى من سلب قافلة كانت فى طريقها إلى مكة وحل محلها ميناء سواكن. المصادر: (1) القلقشندى، صبح الأعشى. (2) ابن جبير الرحلات. بهجت عبد الفتاح [هـ. أ. ر. جب H. A. R. Gibb] عيسى (عليه السلام) هو الاسم الذى أطلقه القرآن (الكريم) على المسيح (يسوع). وقد ورد ذكره فى القرآن (الكريم) فى ثلاث وتسعين آية تضمَّنتها خمس عشرة سورة، وتُعد هذه الآيات هى الأساس الذى تقوم عليه العقيدة الإسلامية فيما يتعلق بطبيعة المسيح ورسالته. إلَّا أنَّ كثيرًا من الإضافات التى دخلت التراث الإسلامى عن طفولة المسيح تَعُود فى أصلها للأبوكريفا apocryphal gospels، والتى تعنى الكتب غير المعترف بها أو

أصل كلمة عيسى

المشكوك فى صحتها والتى كان هناك جدل حول إضافتها للتوراة (1)، وقد أدت هذه الإضافات إلى تقريب وجهات النظر بين المسيحية والإسلام حول طبيعة المسيح ورسالته. أصل كلمة عيسى: يرى بعض الكتاب الغربيين مثل مرَّاكى a Marracci ولانداور Landauer ونولدكه Noldeke أنَّ اليهود هم الذين زيّنوا لمحمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] إطلاق اسم عيسى على المسيح، وأنه فعل ذلك بحسن نيّة (2). والحقيقة أن اليهود -كراهية منهم للمسيح- قد أطلقوا عليه اسم إساو Esau على اعتبار أن روح إساو هذا قد حَلَّتْ به. وقد أيد لامنس Lammens هذا الرأى، بينما يرى آخرون مثل ديرنبورج Derenbourg وفرانكل Frankel وفولر Voller ونستله Nestle أن كلمة (يسوع) مشتقة من السريانية يشوع التى أخذت بدورها من الكلمة العبريَّة يشواع. وأخيرًا فإن بعض الباحثين يرون أنَّ اسم (عيسى) الوارد فى القرآن الكريم قد ورد ذكره فى النقوش السابقة على الإسلام، وهو المنْحى الذى رفضه بشدّة الباحث ريكمانس Ryckmans. أسماء المسيح فى القرآن الكريم: ورد ذكر المسيح (عليه السلام) فى القرآن الكريم إحدى عشرة مرة، وأشير إليه بالنبى فى سورة مريم (آية 30) وبالرسول فى سورة النساء (آية 157 و 171) وسورة المائدة (آية 75)، وبابن مريم ثلاثًا وثلاثين مرة منها ست عشرة مرة (عيسى ابن مريم) وسبع عشرة مرة بابن مريم فقط أو مشفوعًا بلقب آخر، بينما لم يظهر اسم ابن مريم فى الأناجيل إلَّا مرة واحدة ويرى بعض الباحثين المسيحيين أن هذا الاسم (ابن مريم) دخل عن طريق الكنيسة الأثيوبية بعد عودة المجموعة الثانية من المهاجرين؛ وقد ظهر هذا

البشارة والحمل والميلاد

الاسم (ابن مريم) فى الإنجيل المكتوب بالعربية خمس مرات فى سياق طفولة المسيح، كما ورد خمس عشرة مرة فى النص السريانى للإنجيل. كما ورد المسيح عليه السلام فى القرآن الكريم باعتباره من المقرَّبين فى سورة آل عمران آية 45 وهى كلمة يمكن شرحها فى ضوء حقيقة صعوده أو رفعه إلى السماء. كما أطلق عليه وصف وجيه فى السورة ذاتها (آل عمران - آية 45) وقد شرح البيضاوى معنى وجاهته فى الدنيا بأنه نبى، ومعنى وجاهته فى الآخرة باعتباره شفيعًا، ومبارك فى سورة مريم، آية 31 وشرح البيضاوى الكلمة فقال إنه جالب للبركة. وقول الحق فى سورة مريم، آية 34، وعبد اللَّه. البشارة والحمل والميلاد: يحتوى القرآن الكريم على عناصر بعينها تعكس ما ورد فى الأناجيل على نحوٍ أو آخر، بل إن بعض المؤلفين مثل ب. هايك P. Hayek يذهب إلى أبعد من هذا فيقرِّر أنه إذا استثنينا العقيدة المسيحية القائلة بأن مريم هى أم الرَّب وهى الفكرة التى يرفضها المسلمون، فإن كل العقائد المسيحية الأخرى التى تقرها الكنيسة تجد ما يؤيدها فى القرآن الكريم، كفكرة الحمل الطاهر لمريم العذراء، ودخوله المعبد والبشارة بالمسيح والرفع للسماء وعيد الميلاد. فالأناجيل تشير إلى انسحاب مريم داخل المعبد حيث زارها روح اللَّه، والمعنى نفسه فى القرآن الكريم فى الآيتين 16 و 17 فى سورة مريم: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا (16) فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا} وتشير المأثورات إلى أن المقصود هنا بروح اللَّه المرسل هو جبريل (عليه السلام) الذى بشرها بالميلاد الإعجازى للمسيح (عليه السلام) ووجه الإعجاز أن مريم كانت عذراء وهبت عُذريتها للَّه كما ورد فى الآية 91 فى سورة الأنبياء {وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا

رسالة المسيح

وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ} والآية 12 من سورة التحريم {وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ} وقد أخبرها جبريل (روح اللَّه) أنها ستلد رغم عذريتها لأن اللَّه يريد أن يجعل وليدها (آية) ورحمة منه، ومن ثم كان أمر اللَّه مقضيا {فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا} - سورة مريم، آية 22. ويبدو أن القرآن الكريم لا يفْصل بين البشارة والحمل، فوفقا لما ورد فى إنجيل لوقا (الإصحاح الأول - الآيات من 26 إلى 38) يتضح أن هناك فصلًا واضحًا بين ملاك الرب الذى بشرها والروح القدس الذى تمَّ الحمل عن طريقه، ويبدو أن القرآن (الكريم) يوحّد بين الفكرتين: فكرة البشارة وفكرة الحمل. رسالة المسيح: المسيح عيسى ابن مريم نبى ورسول، وهو ككل الأنبياء والرسل حُمِّل رسالة عليه أن يبلّغها للناس، فما من أُمَّة إلَّا خَلَا فيها رسول. [. . . .] (*) جعل اللَّه مريَم وابنها آية، وهيّأ لهما ملجأ آمنًا ذكر المفسّرون أنه فى القدس أو دمشق، كما ظهرت آيات (معجزات) على يد السيد المسيح نفسه فقد تكلم فى المهد صبيا وجعل من الطين كهيئة الطير فنفخ فيه فصار طيرًا حقيقيا بإذن اللَّه، وقد ورد ذكر ذلك أيضًا فى الأناجيل الأبوكريفية (غير الرسمية) مثل إنجيل توما Thomas وإنجيل طفولة المسيح باللغة العربية والكتاب الأرمنى عن طفولة المسيح. وتعطى الأحمدية تفسيرًا رمزيا لهذه المعجزة، فهى ترمز -من وجهة نظرهم- لخلاص الأرواح، وأبرأ الأكمه والأبرص وأحيى الموتى بإذن اللَّه وأنزل مائدة من السماء بناء على طلب الحواريين (أو الرسل فى المصطلح المسيحى) لتكون لهم عيدًا وآية على صدقه، وما ذكره القرآن الكريم بهذا الصدد يذكرنا بما ورد فى الأناجيل عن العشاء الأخير أو برؤيا بطرس فى أعمال الرسل (الفصل العاشر، بدءًا من الفقرة 9)، وفى الوقت نفسه يمكن أن يكون ما ورد فى القرآن الكريم عن

_ (*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: مسح بالمطبوع

يسوع المسيح

المائدة التى نزلت من السماء مرتبطًا بمعجزة الخبز والسمكتين كما وردت فى إنجيل متى، الإصحاح الرابع عشر، الآية 17 وما بعدها. والإصحاح الخامس عشر، الآية 32 وما بعدها. يسوع المسيح: لا بد أن نعرف بعض المصطلحات التى تم إطلاقها على المسيح (عليه السلام) والتى تحمل قيمة كبيرة فى المسيحية، ونعنى بذلك مصطلحى المسيح وعبد اللَّه. وبالنسبة للمصطلح الأول (المسيح) فإنه لم يطلق على عيسى ابن مريم إلَّا بعد فترة طويلة من الإعداد النفسى تمهد للمسيح المنتظر، وهذا الأمر غير مذكور فى القرآن الكريم الذى أطلق عليه اسم المسيح منذ ولادته، ويسوع المسيح فى القرآن الكريم مجرد نبى فى سلسلة الأنبياء التى تنتهى بمحمد (صلى اللَّه عليه وسلم)، وهو ككل الأنبياء رجل عادى، فالقرآن الكريم يدحض بشدة أى اعتقاد فى يسوع المسيح كابن للَّه، ففى سورة التوبة، آية 30 وآية 31 نجد {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (30) اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ}. والكلمة (المسيح) ذات أصل يهودى انتقلت للعربية عن طريق السريانية ويبدو أنها كانت معروفة قبل الإسلام فى شمال شبه الجزيرة العربية وجنوبها. فالكلمة العبرية مَشْيَح Mashiah كانت تطلق على الملوك والشيوخ وعلى المخلِّص المنتظر على نحو خاص. وقد ترجمتها اللجنة السبعونية إلى اليونانية بالكلمة كريستوس Christos، ويرى الزمخشرى والبيضاوى أنها كلمة أجنبية دخلت العربية، ويذكر الفيروزآبادى صاحب لسان العرب خمسين معنى للكلمة، أما فى القرآن الكريم فالكلمة لم تستخدم إلا للدلالة على المسيح عيسى ابن مريم. ويرجع المؤلفون العرب كلمة المسيح إلى جذرين لغويين أولهما فى الفعل (مَ

المسيح عبد الله

سَ ح) ومن ثم كان عيسى مسيحًا لأنه "مُسح" بالبركة والرحمة أو لأن جناح جبريل عليه السلام قد حماه عند ولادته من عضّة الشيطان أو لأنه كان قد دهِن بالأدم كسائر الناس أو لأنه كان يمسح عين الأعمى فيرتد بصيرًا أو لأنه كان يمسح بالزيت المقدّس (المبارك) أما الجذر الثانى الذى يمكن أن تكون الكلمة قد اشتقت منه فهو (سَ احَ) فالمسيح بالنسبة للمسلمين الصوفية إمام السائحين. المسيحُ عبدُ اللَّه: الكلمة عبد تعنى أنه مخلوق والإنسان ليس عبدًا للَّه فحسب بل إنه ملكه، وهذا واضح فى العهد القديم فى كلمة عبد وفى العهد القديم 32/ 1، 32/ 13، وفى الأغنية الرابعة لعبد يهوا وفى العهد الجديد، وفى القرآن (الكريم) نجد أنه حتى الملائكة يعتبرون عبيدًا للَّه، ويجب ألَّا نغفل عن أن القرآن (الكريم) لا ينظر للمسيح إلا على أنه مجرد مخلوق ويدحض كل اعتقاد فى ألوهية عيسى. إنه إنسان. المسيح (عليه السلام) ومحمد (صلى اللَّه عليه وسلم): يقول المفسرون المسلمون معتمدين على ما ورد فى الآية السادسة من سورة الصف {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ}. إن المسيح (عليه السلام) قد بشَّر برسول يأتى من بعده اسمه أحمد، وهذا الاسم الأخير يشير إلى محمد لأن الاسمين (أحمد ومحمد) من جذر لغوى واحد (ح م د) وفى إنجيل يوحنا يعلن السيد المسيح عن إرسال بَرَقْليط Paraclete وتكتب أحيانا البَارقليط (نص الآية فى الإنجيل المذكور: إن كُنتم تحبّوننى فاعملوا بوصاياى وسوفَ أطلب من الآب أن يعطيكم مُعينًا آخر يبقى معكم إلى الأبد وهو روحُ الحق الذى لا يقدر العالم أن يتقبله لأنه لا يراه ولا يعرفه. . ." يوحنا 14/ 16).

المسيح وروح الله

وقد نقلت الأناجيل الأولى هذا المصطلح (بارقليط) دون ترجمة لذا فقد كتبت Parakletos فَارقليط Faraklit. المسيح وكلمة اللَّه: هناك أربعة تأويلات أخذ بها المسلمون فيما يتعلق بكلمة اللَّه للمسيح أولها أن المسيح تلقى كلمة اللَّه لحظة ولادته {فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (29) قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا} مريم، آية 29، وآية 30. وثانيها أن المسيح النبى مثل كلمة اللَّه وبشّر به من سبقه من الرسل، وثالثها أن المسيح كلمة اللَّه لأنه نطق بكلمات اللَّه التى أوحاها إليه، ورابعها أن المسيح كلمة اللَّه لأنه -فى ذاته- بشارات بالخير. المسيح وروح اللَّه: أشار القرآن (الكريم) إلى أن المسيح (عليه السلام) كان مؤيّدًا، من الروح القُدُس بمجرد ولادته ثم خلال وأثناء نشأته بين اليهود. المسيح وعقيدة التثليث: رغم أن القرآن الكريم أشار للمسيح على أنه من "المقرَّبين" فمعنى هذا أنه يشارك الملائكة فى هذا القرب إلا أن ذلك لا يمنع أن يكون الملائكة والمسيح، كلهم من مخلوقات اللَّه، فوحدانية اللَّه مقررة فى القرآن الكريم: {فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (52) رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (53) وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (54) إِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} آل عمران آية 52 إلى 55. وربما كانت هذه الآيات ردًا على نصارى نجران. فالقرآن يرفض عقيدة التثليث تمامًا. المسيح ومسألة الصَّلْب: عند مناقشة مسألة صلب المسيح يظهر سؤالان:

- أصُلب المسيح حقًا ومات على الصليب؟ . - وإذا لم يكن الأمر كذلك فهل مات ميتة طبيعية؟ وبالنسبة للسؤال الأول فإن القرآن الكريم يقرر أنه لم يُصلب وأن الذين رأوا ذلك (شبّه لهم) لأن اللَّه قد رفعه إليه وفسّر البعض (شبّه لهم) باعتبار أن اللَّه ألقى شبهه على غيره فظنوه هو المسيح ولم يكن الأمر كما ظنوا، وبعض الفلاسفة والاسماعيلية يفسرون (شبه لهم) تفسيرًا آخر إذ يقولون إن اليهود كانوا يقصدون القضاء على المسيح تمامًا ولكنهم تمكنوا فقط من جسده (ناسوته) ولم يستطيعوا أبدًا أن يقضوا على (لاهوته) الذى ظل حيًا، لكن هذا التفسير لم يَلْق قبولًا عامًا، ويمكن القول إن مسألة الصلب تلقى إنكارًا عامًا من المسلمين. أما فيما يتعلق بالسؤال الثانى المتعلق بموت المسيح ورفعه فإن التأمّل فى الآية 33 من سورة مريم {وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا} والآية 47 من سورة آل عمران {قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ. . .} والآية 42 فى سورة الزمر {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} بالإضافة إلى الآيات 155 - 158 من سورة النساء والتى تعد مفتاحًا لفهم الآيات الأخرى فى السور الأخرى {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا (155) وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا (156) وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (157) بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} فهذه الآيات تبين المعتقد الإسلامى فيما يتعلق بمسألة الصَّلب، فالبعث المشار إليه فى

عودة المسيح

آية سورة مريم الآنف ذكرها يعنى البعث العام بعد نهاية العالم إلّا أن للمسيح عليه السلام بعثًا خاصًا ذلك أنه لم يمت على الصليب. وثمة روايات متأخرة تقرر أن المسيح عندما يعود فى آخر الزمان سيموت موتًا طبيعيًا، ومن ثم يُبعث. وكلمة توفى عادة ما تكون مقترنة بالموت، لكنها استخدمت فى مواضع قرآنية أخرى ذكرناها آنفًا بمعنى استدعاء اللَّه لأرواح النائمين وإعادتها إليهم عند استيقاظهم، وقد استخدم القرآن (الكريم) ألفاظًا تحتمل أن يكون المسيح قد رفع إلى السماء وهو حى. عودة المسيح: تعتبر الآية رقم 61 فى سورة الزخرف {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ} هى الدليل القرآنى الوحيد على عودة المسيح، فالمعنى المقبول من غالبية المسلمين هى أن المسيح (عليه السلام) هو المقصود فى النص (وإنه لَعلْم للساعة) بمعنى أن نزوله دليل على اقتَراب الساعة، وثمة قراءة أخرى (وإنه لَعَلَمٌ) بفتح العين واللام أى هو دليل أو علامة على الساعة، وثمة قراءة ثالثة وهى قراءة أُبَى "وإنه لذكْرٌ" بمعنى أنه يذكّر بالساعة (ويحذر الناس وينبّههم) وثمة فهم رابع مؤداه أن الضمير فى (وإنه) يعود للقرآن الكريم. وثمة مرويات كثيرة عن عودة المسيح إذ يقال إنه سيذهب إلى الرواق الشرقى فى دمشق وهناك من يقول بل سيذهب إلى جبل اسمه عفيق فى الديار المقدسة، وسيكون فى يده رمح يطعن به المسيخ الدجال ثم يذهب للقدس وقت صلاة الفجر وسيجد الإمام يؤم المصلين، وسيحاول الإمام أن يتنحى عن الإمامة للسيد المسيح، إلا إنه سيرفض وسيصلى خلف الإمام اقتداء بسنة الرسول محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] ثم إنه سيقتل كل الخنازير وسيكسر الصليب. . وبعد ذلك لن يكون هناك إلا مجتمع واحد هو مجتمع الإسلام. وسيقيم المسيح (عليه السلام) العدل وسيعم السلام بين البشر بل وبين الحيوانات، وسيحكم المسيح أربعين عامًا ثم يموت حيث سيدفن فى المدينة

المسيح والمتصوفة

(المنورة) إلى جوار محمد فى قبر شاغر بين قبرى أبى بكر وعمر. وأحيانًا تختلط عقيدة عودة المسيح بفكرة المهدى المنتظر. وأخيرًا فإن الأحمدية يعتقدون أن المسيح بعد موته الظاهر على الصليب بعث من جديد وهاجر إلى الهند وإلى كشمير ليبشّر بالإنجيل هناك، وأنه عاش هناك حتى بلغ مائة وعشرين عامًا، ودفن فى سَرينَاجَار Srinagar, ويعتقدون أن المهدَى تجسيد لثلاثة: المسيح (عليه السلام) ومحمد (صلى اللَّه عليه وسلم) وكريشنا Krishna. المسيح ويوم الحساب: عندما عُرِج بمحمد (صلى اللَّه عليه وسلم) إلى السماء التقى بإبراهيم وموسى والمسيح ولما سأل عن السَّاعة أخبره المسيح (عليه السلام) أنه هو نفسه -أى المسيح- سيكون دلالة عليها. لكن المسيح (عليه السلام) رغم كوْنه (عِلْم للسَّاعَة) لا يعرف وقت قيامها بالضبط إذ لا يعرف وقتها إلا اللَّه. المسيح والمتصوَّفة: لقد كانت الموضوعات المتعلقة بالمسيح والتى تناولناها فيما سبق مجالًا لتأمل النسّاك والمتصوّفة فنسجوا حول شخصية المسيح كثيرًا من المرويات والتأملات التى تناولت فقره واعتزاله العالم وتعاليمه ومعجزاته، ومن كتب الصوفية التى تناولت ذلك حلية الأولياء لابن نُعَيمْ، وروض الرَّياحين لليافعى وقوت القلوب للمكى وكتاب النوادر للتّرمذى، كما تناولها بتفصيل أكثر الغزالى فى كتابه إحياء علوم الدين وكتابيه المكاشفَات، والدرّة الفاخرة. بل لقد تناول هذه الأمور المتعلقة بالمسيح مؤلفون لا تشكل الأمور الدينية محور كتاباتهم مثل الدّميرى فى كتابه حياة الحيوان، وابن عبد ربّه فى كتابه العِقْد الفريد ومنذ خمسين عاما قام أسين بالاكيوز Asin Palacios بجمع كل النصوص المتعلقة بالمسيح فى كتابات الغزالى وترجمها ونشرها تحت عنوان: Logia et agrapha Domini jesu فى Patrologia oriontalis مجلد 13 (1919 م) ومجلد 19 (1926 م) وقام الأب ميشيل هايك

الجدل الإسلامى المسيحى حول المسيح

Hayek بجمع النصوص المتعلقة بالمسيح وترجمها وبوبها بشكل كامل ونشرها بعنوان le Christ del'islam فى باريس سنة 1959 م، والنص العربى لهذا الكتاب نشر فى بيروت سنة 1961 م بعنوان (المسيح فى الإسلام) وعندما اتصل الصوفية -أخيرًا- بالأناجيل استقوا منها ما يؤكد أفكارهم المتعلقة بالتنسّك والزهد، بل لقد ذهب ابن عربى (المتوفى 638 هـ/ 1240 م) إلى أبعد من ذلك فذكر أن المسيح هو الذى يستحق بأن يوصف بأنه خاتم القداسة العامة لخلاص معتقده (أمانته) وأنه سيعود بالتأكيد ليحكم العالم بشريعة محمد (صلى اللَّه عليه وسلم). الجدل الإسلامى المسيحى حول المسيح: أدت عقيدة التجسّد والفداء (تخليص البشرية من الخطيئة) التى يعتقدها المسيحيون إلى جدل حاد بين العلماء المسلمين واللاهوتيين المسيحيين. لكن كتابين صدرا فى القاهرة يظهر من خلالهما اتجاه جديد اقترب فيه المسلمون من قضية المسيح (عليه السلام) والكتابان هما عبقرية المسيح لعباس محمود العقاد الذى صدر سنة 1952 م وقرية ظالمة للدكتور كامل حسين وقد صدر سنة 1954 م. أما كتاب العقاد الذى حقق انتشارًا كبيرًا فقد اقترب من المسيح بكل الاحترام وتناول المسيح كما ورد بالفعل فى الأناجيل وليس كما ورد فى القرآن (الكريم) فحسب، ودافع عن حقيقة الوجود التاريخى للمسيح كما دافع عن الأناجيل باعتبارها المصادر الوحيدة لمعلوماتنا عن المسيح لكن العقاد تعض لنقد من المسيحيين لطريقة تناوله لموت المسيح وفترة الآلام التى سبقته. أما الكتاب الثانى فهو تأملات أكثر من كونه سيرة للمسيح ولم يؤيد المؤلف صلب المسيح ولكنه أيضًا لم يرفضه وإنما ردد قول القرآن الكريم (بل رفعه اللَّه إليه) وهو قول يمكن أن يلقى تفسيرًا مقبولًا لدى المسيحيين. المصادر: لقد أشرنا لعدد كبير من الكتب فى ثنايا المقال، وفى مادة إنجيل يطالع القارئ فى قائمة المراجع كتابات Ahrens و Blachere (ترجمة القرآن) و Fritsch و Goldziher و Henninger و Horovitz

و Jomier و Masson و Schleinschneider و Tor Andrae . . الخ أما هنا فسندرج الكتب المتعلقة بنظرة القرآن للعقيدة المسيحية فيما يتصل بالمسيح. (1) C. F. Gerock: Versuch einer Darstellung der Christologie des Koran, Hamburg and Gotha 1839 (2) M. Manneval: La christologie du Coran, Toulouse 1867 (a thesis based on the above book (3) G. Rosch: Die Jesusmythen des Islam, in Theologische Studien and Kritiken, 1876, 409 - 54 (4) E. Sayous: Jesus-Christ d'apres Mahomet, Paris-Leipzing 1880 (5) E. Blochet: Le Messianisme dans l'heterodoxie musulmane. Paris, 1903 (6) F. W. von Herbert: The Moslem tradition of Jesus' second visit on earth in Hibbert J. vii, (1909), 27 - 48 (7) C. H. A. Field: Christ in Mohammedan tradition, in MW, i, (1911), 68 - 73 (8) S. M. Zwemer: The Moslem Christ, An essay in the life, character and teachings of Jesus Christ according to the Koran and orthodox tradition, Edinburgh-London 1912 (9) Muhammad Din: The Crucifixion in the Koran, MW, xiv (1924) 23 - 9 (10) E. J. Jenkinson: Jesus in Moslem Tradition, ibid., xviii, (1928), 263 - 9 (11) E. J. Robson: Christ in Islam 1929 (12) H. Gregoire: Mahomet et le monophysisme, in Melanges Charles Diehl, Paris 1930, i, 107 - 19; L. Massignon (13) Le Christ dans les Evangiles selon Ghazali, in REl, 1932, 523 - 36 (14) Th. Monod: Le Christ des Musulmans, in Le Monde nonchretien, Cahiers de Foi et Vie no. 5, December 1933, 7 - 26 (15) E. F. F. Bishop: The Son of Mary, in MW, xxiv (1934) (16) Ign. di Matteo: La divinitd diCristo e la dottrina della Trinita in Maometto e nei polemisti musulmani, Romepont, Ist. Bibl. 1938 (17) Ghazali Refutation excellente de la divinite de Jesus-Christ d'apres les

Evangiles, ed. and tr. by R. Chidiac, Paris 1939 (18) J. Robson: Muhammadan teachings about Jesus, in MW, xxix (1939), 37 - 54 (19) F. V. Winett: References to Jesus in Pre-islamic Arabic inscriptions in MW, xxxi (1941), 341 - 53 (20) J. Robson: Stories of Jesus, ibid, cl (1950) (21) E. Littmann: Jesus in a preislamic inscription, ibid, xl (1950) (22) J. Abd El-Jalil: Marie et l'Islam, Paris (1950) (23) W. M. Watt: His name is Ahmad, in MW, xlii (1953) (24) F. L. Bakker: Jesus en de Islam The Hague (1955) (25) E. F. F. Bishop: The Qumran Scroll and the Qur'an, in MW, xlviii (1958) (26) G. Fares: Le Christ et l'Islam contemporain, in Mediterranee, carrefour dereligions, 31 - 52 (Cahier no. 28 of Recherches et debats du centre catholique des intellectuels francais, September 1959) (27) K. Cragg: Introduction to histranslation of Kamil Husayn, City of Wrong (28) Djambatan-Amsterdam 1959: M. Hayek, Le Christ de l'Islam, Paris 1959 (2 nd Arabic edition, Beirut 1961) (29) "Abd al-Tafahum: The Qur'an and the Holy Communion, in MW xlix (1959) (30) Ishaq al-Husayni: Christ in the Qur'an in modern arabic literature, Tokyo 1960 (31) H. Michaud: Jesus selon le Coran, Cahiers Theologiques 46, Neuchatel 1960 (32) M. Hayek L'origine des termes "Isa, al-Masih (Jesus-Christ) dans le Coran, in l'Orient chretien, vii (1962), 223 - 54 and 365 - 82 (33) Geoffrey Parrinder: Jesus in the Qur' an, London 1965 (34) Ali Merad le Christ selom le Coran, in R.O.M.M., v (1968/ 1 - 2), 79 - 93 د. عبد الرحمن الشيخ [قناواتى G. C. Anawati]

عين

عين تشير الكلمة فى الأصل إلى عضو الإبصار، وفى علم دلالات الألفاظ تشير كلمة عيان إلى أثر الرؤية ومجالها فى الأشياء المرئية. وذكر الخوارزمى فى كتابه مفاتيح العلوم نقلا عن كتاب المقولات لأرسطو الذى ترجمه ابن المقفع أن لفظة عين تدل على شئ محسوس محدد مثل حصان بعينه أو رجل بعينه. وذكر ابن سينا فى كتابه "النجاة" نقلا عن كتاب المعانى لأرسطو أن كل الكلمات المنطوقة إنما هى رموز لما تضمره الروح من صور ومفاهيم تعد دلالات على الموجودات فى العالم الخارجى. وقد قبل الفلاسفة المسلمون تصنيف الرواقيين لأنواع الموجودات إلى قسمين: أشياء فى العالم الخارجى قالوا إنها "فى العين"، وأخرى قالوا إنها "فى الذهن". وتستخدم كلمة عيان مرادفة لكلمة شخص وهى تعبر عن كينونة الشئ المفرد المحسوس ويسمى فى النحو فعل عيان. وقد سمى الفلاسفة الصفة الكلية للشئ ماهية أو ذات والقصد جوهره. ويرى الفلاسفة والصوفيون من معتنقى الأفلاطونية الحديثة أن الكليات توجد بصفة أزلية فى العقل الكلى وهذه الأفكار الأزلية دعاها المتصوفون بالعيان الثابتة وأطلق عليها آخرون الحقائق والمعانى بينما سماها بعض المعتزلة عيان أو حالات. والعين فى العربية أيضًا هى المنبع أو المصدر، ويستخدمها المتصوفون فى الإشارة إلى جوهر الوجود الإلهى المطلق المراجع Bibliography: see ANNIYYA; for the mystical use of the term see R. A.Nicholson, Studies in Islamic Mysticism (s أمل رواش [فان دن بيرج Van. Den. Bergh] عين (بالمعنى الطبى) العَيْنْ فى المصطلحات الطبية العربية لا تشير فقط إلى "المُقْلَة" أو "كُرة العين"، بل تشير أيضًا إلى كل أعضاء جهاز الرؤية أو "جميع آلات البَصَرْ" (*) ¬

_ (*) هو المصطلح العربى القديم. [المترجم]

لقد شكلت دراسة العين البشرية -بالنسبة للأطباء ولأولئك الذين تناولوا هذا الموضوع بالكتابة فى العالم الإسلامى- واحدا من أبرز فروع علومهم وهذا الفرع من المعرفة المناظر لمبحث Ophthalmology الغربى فى العصر الحالى قد عرف بأسماء عدة فى فترات تاريخية مختلفة؛ منها "الكُحْل" ذلك العقار ومستحضر التجميل ذو المكانة السامية فى الشرق، والذى استخدم استخداما واسعا كتعبير عن "علم وفن صيانة العيون"؛ ومنها "الكَحالة" المشتق من، "الكحل" والذى استُخْدمَ بنفس المعنى الواسع؛ ومنها "طب الأَعْيُن" أو "طب العيون" وهو تعبير ما زال ساريا؛ ومنها "الطب الرَمَدى" و"علم الرمد". ومصطلح الرمد الذى يشير أصلًا إلى مرض يصيب العين (التهاب المُلْتَحمة Conjuctivitis) صار الآن شاملا لكل أنواع أمراض العين. ومن وجهة نظر تاريخ الطب نجد هذا الفرع يعكس تطور الطب العربى ككل، وهناك مرحلتان متميزتان فى هذا الصدد: مرحلة التَشَكُّل الأولى وفيها قام أرباب العلم فى الشرق -وجلهم من المسيحيين- بترجمة علم طب العيون واستخدامه على ما هو عليه؛ وثانيا مرحلة التطوير، وفيها قام آخرون بتنظيم تلك المادة والارتقاء بها وتعزيزها بإسهاماتهم الأصيلة. ومن الفئة الأولى يتعين علينا ذكر "يوحنا بن ماسويه" الجَنْديسابورى مؤلف كتاب "دَغَلْ العين"، و"حُنيْن بن إسحاق" الحيرى (264 - 267 هـ/ 809 - 877 م) الذى يُعْزَى إليه كتاب "العشر المقالات فى العين". ومن الفئة الثانية "علىّ بن عيسى" المسيحى البغدادى الذى عاش فى النصف الأول من القرن 5 هـ/ 11 م وهو مؤلف الكتاب الشهير "تَذْكرة الكَحّالين"، وكذلك معاصره العظيَم "عَمَار بن على" المسلم الموصلى الذى مارس الطب فى القاهرة، وهو مؤلف "كتاب المنتخب فى علاج أرماد العين". ويتعين اعتبار أعمال هؤلاء المؤلفين الأربعة بمثابة أحجار الزاوية فى صَرح طب العيون العربى. ولتقديم فكرة عن أصالة الفكر العربى فى هذا المجال يكفينا أن نتذكر علاقات السبب والتأثير -التى كان على ابن عيسى أول من أدركها- بين التراكوما ("جَرَب العين" أو بمصطلحات اليوم: "الرمد الحبيبى" أو "التراكوما" أو "التراخوما") وحالات التهاب

المراجع

الملتحمة الحادة التى تسبقها، وكذلك العلاقة بين "السبيل Cornee Pannus" وحاله "انقلاب الشعر entropion trichiacic التى تعقبه، وكذلك فى عملية إزالة المياه البيضاء Cataract (الماء، أو الماء النازل فى العين) علينا أن نتذكر أن عملية شفط العدسة البللورية الرخوة؛ تلك العملية المدهشة التى أجراها الموصلى وأُخِذَ بها فى الغرب بعد ذلك بثمانية قرون وتواصل الأخذ بها إلى يومنا هذا. وهناك إسهامات أخرى فى هذا المجال يمكن التماسها فى الرسائل الطبية العامة مثل كتاب "القانون" لابن سينا الذى نجد فيه مثلا أول وصف "تشريحى" للعضلات المحركة للعين وللغدد الدمعية. كذلك الحال فى مصنفات المؤلفين من غير الأطباء مثل الرسالة الشهيرة فى البصريات "كتاب المناظر" للحسن بن الهيثم البصرى (المتوفى 431 هـ/ 1039 م)؛ ففيها نجد هذا العالم العظيم يطرح نظريته العقلانية الخاصة بعملية الرؤية vision داحضا فكرة "رُوح البصر" التى ورثها العرب عن الإغريق. ولا يمكن أيضًا أن نتغاضى عن الكثير من الأعمال الأدنى شأنا فى طب العيون التى راحت تظهر بوتيرة عالية فى كل مكان من البلاد الإسلامية والتى كان بعضها فى صورة محاورات (انظر "كتاب المسائل فى العين" لحنين) أو حتى فى صورة نظم (انظر "منظومة فى الكُحل". VatBorg 87/ 3 والمؤلف مجهول) وأخيرا يتعين علينا ألا ننسى أنه كان هناك أطباء عيون ظفروا بشهرة عظيمة، ودون أن تكون لنا دراية بعد بأى من أعمالهم فى هذا المجال فإذا هو الحال مثلا مع "إسحاق الإسرائيلى" (القرن 3 هـ/ 9 م) الذى مارس الطب فى القاهرة قبل انتقاله إلى القيروان ليصبح واحدا من أكثر أساتذة العصور الوسطى ومؤلفيها فى الطب العام باعا فى العلم. المراجع: (1) Hirschberg: Geschichte der Augenheeilrunde bei den Arabern, Leipzig I 908 (2) M. Meyerhof: The Book of the Ten Treatises on the Eye oscribed to Hunain ibn Ishaq, Cairo 1928, and the whole of his valuable series of studies and original memorandn محمد غريب جودة [ت. سارنلى T. Sarnelli]

غ

غ

غائب

غائب تعنى فى القانون عادة الشخص الذى لا يكون حاضرا فى لحظة بعينها فى المكان الذى يجب أن يكون موجودا فيه. ويطبق المصطلح أيضًا فى بعض لحالات الخاصة (انظر ما يلى) على لشخص الموجود فى مكان بعيد عن المحكمة التى كان سيرفع دعواه أمامها، أو على ذلك الشخص الذى لا يحضر أمام المحكمة التى استدعى لها. ولو أضيف إلى هذه الفكرة الأولى فكرة الارتياب فى وجود شخص ما عندئذ لا يستخدم مصطلح "غائب" ولكن مصطلح "مفقود"، مع أن حالة المفقود قد تسمى "غيبة" أحيانا، ويضاف إليها نعت "منقطع" (والغياب لا يقطع بمعلومات عن وجود الشخص). وقد تنشئ هذه الحالة من الأمور نتائج قضائية كبيرة أو قليلة الأهمية طبقا للظروف. ولو امتد الغياب فترة زمنية يكون فيها أشخاص من الجيل نفسه موتى، حينئذ يعلن القاضى أن هذا الشخص ميت: تذهب ممتلكاته إلى ورثته، وتنحل عرى زيجته أو زيجاته. وحتى هذا الزمن، يستمر وكيل المفقود فى إدارة ممتلكاته، إذا كان قد عين له وكيلا، وفى حالة عدم تعيينه لوكيل يديرها -أى ممتلكاته- وصى يعينه القاضى، ويظل ميراثه معلقا، وزواجه أو زيجاته قائمة. وتنشئ الغيبة بمعناها العادى والعام نتائج قضائية عديدة، وبخاصة ما يلى: بالنسبة للزواج، فإن غياب الزوج

المصادر

الذى يتجاوز فترة زمنية معينة -أعنى: أربع سنوات، وأربعة أشهر وعشرة أيام، طبقا لرأى أغلبية الفقهاء، يجيز للزوجة أن تطلب الطلاق الشرعى، إذا لم تكن تحصل على نفقة بانتظام. والغيبة سبب أيضا فى تعليق تقادم موعد رفع الدعوى وأية إجراءات قانونية أخرى. والشرط هنا بالنسبة للمدعى أن يرفع إليه دعواه مسيرة ثلاثة (سيرًا على الأقدام). ويجب أن يكون هذا الغياب مستمرًا (وفى هذه الحالة أيضًا يسمى غيبة منقطعة)، حتى أنه خلال الفترة التى يكون التقادم متوقفًا فيها، يستطيع المدعى أن يأتى مرة أخرى إلى حيث يرفع دعواه، ولا يكون لفترة غيابه أى أثر بعد. وعدم حضور الخصم فى المحاكمة لا يجيز للقاضى أن يبت فى الدعوى بناء على تخلفه, وهو إجراء غير معترف به من حيث المبدأ، مع أنه يمكن استخدام وسائل عديدة لإجبار الخصم على الحضور، شريطة ألا يكون موجودًا فى مكان يبعد مسافة شاسعة. على أنه فى معظم المرحلة الحالية للشريعة الإسلامية, كما هى ممثلة فى مجموعة القوانين العثمانية للنصف الثانى من القرن التاسع عشر، يكون الحكم مع تخلف أحد أطراف المتداعين له حجيته. وفى القانون العام، بالنسبة لبعض الدول (الدولة المملوكية على سبيل المثال)، فإنه حين يكون السلطان نفسه غائبًا عن حاضرة ملكه، غالبًا ما يعين ما يعرف باللاتينية " a locum tenens" (حاكم محلى) يسمى "نائب الغيبة". (معناه الحرفى، "البديل فى الغيبة"). وفى العبادة تعنى، صلاة الغائب، الصلاة التى تقام لميت لا يمكن إحضار جثته. المصادر: (1) مجلة (القانون المدنى العثمانى) المواد 1663 وما بعدها، 1883 وما بعدها. (2) E.Tyan Histoire de l'organisation judiciaire en pays d'Islam، باريس،

غات

جـ 2، ص 177 (3) الطبعة الثانية ليدن، ص 369 وما بعدها؛ والمؤلف نفسه: La Procedure du "defaut" en droit musulman فى St. 1 sl، سنة 1957, ص 115 وما بعدها (4) Supplement، Dozy ص 60 (5) قانون الأسرة العثمانى لسنة 1917 (6) كل كتب الفقه تحت رأس موضوع "مفقود". حسن شكرى [إتيان E. Tyan] غات بمعنى قصر الصحراء بين الطوارق بلدة على الحدود بين فزان فى ليبيا والصحراء الجزائرية، وهى تدين بوجودها لكثرة المياه الجوفية وقربها من سطح الأرض ولموقعها على طريق الدرب عبر الصحراء، الذى يبدأ من "كانو" وغدامس، ويؤدى إلى جنوب تونس عن طريق غدامس وإلى طرابلس أما عن طريق غدامس أو فزان، متجنبا جبال تاسيبلى. وقد كانت هذه المنطقة مأهولة فى الزمن القديم وثمة حفريات كثيرة تدل على ذلك، رغم أن عمرها لا يزيد على سبعمائة عام، وقد جاء ذكرها لأول مرة فى أعمال ابن بطوطة فى القرن الثامن الهجرى الرابع عشر الميلادى، وقد اعتمد رخاؤها على استمرار التجارة وتعاقبها عبر الصحراء والتى نستقى معلوماتها المؤكدة عن بعض رحالة القرن التاسع عشر وعلى الأخص محمد الأوتسمان الحشايشى M. al-otsman al Hachaicli وهو يقول إذا كانت غات هى باريس الطوارق أجر Ajjer فإن معظم تجار "غات" التى هى مارسيليا الصحراء هم من غدامس ومن طرابلس -وكان الطوراق يؤجرون جمالهم للتجار ولكن الجزء المهم من التجارة عبر الصحراء كان عن طريق خزان وقد اختفت هذه التجارة شيئًا فشيئا فى السنوات الأولى من "غات" القرن- وقد ظلت غات لسنوات طويلة مستقلة يحكمها أمغر amgher, وبلدية منتجة

المصادر

ولكن فى ظل حماية الطوارق وفى عام 1875 م أقام أتراك طرابلس حامية هناك، ونصبوا "قائمقام" وظلوا سادتها حتى عام 1914 م، وقد احتلت لأول مرة من الإيطاليين الذين غزوا ليبيا، وذلك من إبريل حتى ديسمبر 1914, ومرة ثانية من فبراير 1930 م حتى يناير 1943، واستولى عليها حينئذ الجيش الفرنسى فى جنوب الجزائر فى الوقت الذى وصلت فيه حملة جنرال "ليكليرك" إلى فزان وانضمت إلى منطقة جانت Djanet قلعة شارمى، وقد تركت القوات الفرنسية غات بعد المعاهدة الفرنسية اللعينة فى العاشر من أغسطس 1955 م، واتصلت غات مرة أخرى وارتبطت بفزان -وهى مركز لألف من البدو- وهناك بعض الآبار والينابيع تنتج زراعة أحدى وعشرين ألفا من أشجار النخيل وبعض أشجار الفاكهة وحبوب الشتاء (مثل القمح والشعير) وحبوب الصيف (مثل السرقوم "ذرة والدخن") - والبدو يربون الماعز وبعض الأغنام والجمال وحيدة السنام (الجمال العربية) أما طبقة الحرفيين فهى تنهار بشكل سريع -وتقتصر التجارة اليوم على المعاملات المتواضعة بين البدو والسكان المقيمين، واستيراد بعض السلع المصنوعة من فزان- ولكن إذا أسفرت بحوث البترول فى الشمال والشرق من "غات" عن شئ ذى قيمة، فإن هذا سوف يغير بسرعة الاقتصاد المتواضع لهذه البلدة- المصادر: (1) D. Denham, H. Clapperton and w. Oudrey: Narratives of travels and discoveries in northern and central Africa, London (2) J. Richardson: Travels in the great desert of sahara, London (3) H. Barth: Reisen and Entdeckungen in nord - und centeral Afrika, Gotha بهجت عبد الفتاح [ج. دسبوا J. Despois] الغاضرى بطل مجموعة من المِلَحْ فى القرن الثالث الهجرى (التاسع الميلادى) على ما يحتمل عنوانها "كتاب الغاضرى

المصادر

(الفهرست، ص 435). ويقال إنه كان طفلًا لقيطًا, وأصبح من ظرفاء المدينة، وأكبر منافسى "أشعب"، وربما يظن أن الحسن بن زيد؛ والى المدينة من سنة 150 - 150 هـ = 767 - 772 م، الذى يظهر اسمه فى إحدى ملح الغاضرى، كان شخصية تاريخية، ولكن لأن بنى غاضرة لهم شهرة كظرفاء، ربما يكون قوام المجموعة مجهولة المؤلف التى يشير إليها ابن النديم، حكايات منسوبة إلى أفراد كثيرين من هذه الجماعة، ووجدت كتراث شائع بينهم. المصادر: (1) الجاحظ: الحيوان, , جـ 5, ص 241 - 3؛ المؤلف نفسه، البخلاء، تحقيق الحاجرى، ص 192, 365 (2) ابن قتيبة: عيون الأخبار، جـ 2، ص 52 (3) القالى: الأمالى؛ جـ 2، ص 242 (4) الأغانى، جـ 5، ص 132, جـ 17، ص 101 (5) الحصرى: زهر الآداب، ص 160 - 1؛ المؤلف نفسه، جمع، ص 69، 152 (6) الآبى: نثر الدرر، مخطوط دار الكتب، جـ 2، ص 208 (7) الآمدى: مؤتلف، ص 161 حسن شكرى [بلا Ch. Pellat] الغافقى محمد بن قَسُّوم بن أسلم عالم أسبانى عربى وطبيب عيون من القرن السادس الهجرى = الثانى عشر الميلادى. لا تذكر الحوليات التاريخية العربية أى شئ عن سيرته، ونحن لا نعلم شيئا عن حياته. ويفترض أنه ولد فى قرطبة، وأنه زاول الطب فى هذه المدينة زمنا طويلا. ويرى وستنفيلد أن أباه هو أبو جعفر أحمد بن محمد الغافقى الطبيب الشهير وعالم الأقرباذين، ومؤلف "كتاب الأدوية المفردة". ولم يبق من أعمال محمد الغافقى سوى "كتاب المرشد فى الكحل" الذى توجد نسخة وحيدة منه فى مكتبة

المصادر

الأسكوريال (برقم 835). ويعد هذا الكتاب خلاصة معرفة العرب كلها فى المشرق والمغرب الإسلامى عن علم الرمد فى عصر مؤلفه. وهو مقسم إلى ستة أقسام، يتناول القسم الخامس منها طب وسلامة العيون "جزئيًا" ويتناولهما القسم السادس "كليًا". ومع أن "كتاب المرشد" يعد النص الرمدى العمدة فى المغرب الإسلامى، بيد أن البعض يرونه مجرد تصنيف مستفيض ليس به إسهامات أصيلة، وأن الجزء الذى يعنى طبيب العيون لا يشغل سوى مساحة محدودة بالمقارنة إلى المساحة المخصصة فيه للطب العام، وأنه يفتقر إلى الإحساس بالتناسب (Hitschberg). ولكن الحكم عليه من وجهة نظر معرفة العصر الحالى، يتبين أنه مضبوط فى خطة عمله وترتيب مادته، وأنه بنظرة حدس خاطفة لمفهوم علم أمراض العين الحديث، يمكن أن يكون مرتبطًا ومتبعًا لذلك الكائن العضوى الكامل من حيث النتيجة. المصادر: (1) L. Leclerc: Histoire de la medecine arabe، باريس سنة 1876، جـ 2. (2) F. Wuestenfeld: Geschichte der arabischen Aerzt und Naturforscher جوتنجن سنة 1840 (3) Hirschberg: Die arabischen Lehrbueher der Augenheil Kunde، برلين سنة 1905 (4) M. Meyerhof: L' Ophtalmologie de Mohammad al-Ghafiq'l, برشلونة سنة 1923 (5) P. Pansier: Breve Conspecto de La Oftalmologia arabe (ترجمة، وتحقيق، وتعليقات: J. M. Milltfs ValIicrosa, برشلونة سنة 1956. حسن شكرى [ت. سرنيلى T. Sarnelli] غالب بن صعصعة ابن ناجية بن عقال بن محمد بن سفيان بن مجاشع بن دارم وهو تميمى بارز فى قومه. . أشتهر بالكرم، كما أنه والد الفرزدق الشاعر المعروف -ويقترن اسم غالب بأسماء طلحة بن قيس بن عاصم وعُمَيْر بن السليل الشيبانى وهما من زعماء القبائل فى عهد معاوية وكان هو أكثرهم كرما.

المصادر

ويقال أنه قام بزيارة على بن أبى طالب وقدم إليه ابنه الفرزدق، فأوصاه على بأن يعلم ابنه القرآن -وقد جاء فى الأغانى إن هذه الزيارة تمت فى البصرة بعد موقعة الجمل، ويقول البغدادى فى كتابه خزانة الأدب أن غالبًا كان حينئذ شيخا عجوزا وكان الفرزدق فى بواكير شبابه. وقد اكتسب غالب شهرته بكرمه، ويعتبره محمد بن حبيب واحدًا من أشهر من عرفوا فى الجاهلية بالكرم والسخاء. ولكن -كما يؤكد الجاحظ- كان واحدًا من أكرم الرجال فى العصر الإسلامى. ولا يقل كرما عن رجال الجاهلية رغم أن الرأى العام يفضل هؤلاء الآخرين. ويقال إنه كان كثير العطايا والهبات لا يسألهم شيئا حتى ولا من يكونون. وقصة خصومته زمن عثمان مع "سُحَيمٌ بن وثيل الرّياحى حول نحر الإبل ترد فى كثير من النصوص كما أن الفرزدق أشار إليهما مفاخرا فى شعره، ولكن جريرًا أشار إليه فى استهجان وازدراء. وثمة قصة وردت فى النقائض تقول إنه وزع فى الناس بمكة أربعين ألف درهم وقد اعتدى عليه ذكوان بن عامر الفقيمى فى نزاع شب بين أتباع الأخير وأحد خدم غالب الذى حاول مِنع الفقيميين من الشرب من بئر لغالب فى القبيبات، وينكر المشاجعى إنه مات نتيجة هذا التعدى، ويقول إنه مات فى مستهل حكم معاوية ودفن عند كاظمة. وقد رثاه ولده الفرزدق فى شعر كثير له، وأصبح قبره ملجأ المحتاجين والمضطهدين الذين ينشدون المساعدة التى يجدونها عند الفرزدق، الذى كثيرا ما يسميه فى قصائده بذى القبر أو صاحب الجدث. راجع عنه المبرد للكامل ورسائل البلغاء لابن قتيبة والاشتقاق لابن دريد والأغانى وذيل الأمالى للقالى والأصابة لابن حجر والخزانة للبغدادى. المصادر: بالإضافة إلى المصادر الواردة فى المادة انظر: (1) البلاذرى: انساب الأشراف، القدس 1936 - 1938.

غامد

(2) المرزبانى: المعجم، ص 486. (3) ابن قتيبه: كتاب الشعر والشعراء، ليدن 1900 بهجت عبد الفتاح [كستر M. J. Kister] غامد غامد قبيلة عربية فى غرب المملكة العربية السعودية، كما أن غامد اسم لإمارة (مديرية أو محافظة)، ويقال إن قبيلة غامد تنحدر من غامد بن عبد اللَّه من قحطان، الذى هاجر من اليمن واتجه شمالا حيث استقر فى منطقة تعرف الآن باسم بلاد غامد فى مرتفعات جنوب الحجاز عند خط عرض 20 شمالا وخط طول 41.45 شرقا تقريبًا، وقد انقسمت القبيلة إلى عدد كبير من البطون معظمها قد غدا متوطنا مستقرا، والقليل منها الذى لا زال على البداوة ويطلق عليهم اسم آل صيَّاح، وهم يتجولون على طول الحواف، الشمالية والشرقية للمنطقة المستقرة أو المتوطنة (المقصود منطقة بلاد غامد) ويمتلكون بساتين قليلة فى العقيق وعلى طول وادى رَنْيا. ومنطقة غامد منطقة كثيفة السكان وتتميز بالخصوبة والازدهار، وتسمح كمية المطر الهاطلة بالزراعة بدون رى، ويزرع أهلها الفاكهة والقمح والشعير والبقول والتِّتِن (الطباق)، وغالبية منازل قراها مشيّدة بالحجارة الجرانيتية التى قطعت من محاجر محلّية. وقد شيد أهل البلاد ما لا يحصى من الأبراج الدفاعية والحصون من الجرانيت لأن خصوبة المنطقة والنزاعات القبلية الحادة وغارات البدو -الذين كانوا فى حالة صدام مع السكان المزارعين- استدعت وجود هذه المبانى ذات الطابع الدفاعى. وتعد هذه الأبراج من الخصائص المميزة لمنطقة بلاد غامد وإن كان كثير منها -الآن- مخربًّا بالفعل. وقبل الحرب العالمية الأولى كان الغوامد موالين للأتراك أو لشريف مكة، وكان المركز الإدارى لبلاد غامد فى قرية الظفر (نسبة إلى آل الظفر وهم بطن من غامد) وبعد تكوين المملكة العربية السعودية أصبحت بلاد غامد

المصادر

وزهران الواقعة إلى الشمال منها وحدة إدارية واحدة. ويقع مقر الإمارة الآن على بعد حوالى خمسة عشر ميلا إلى الجنوب من الظفر فى بَلْجُرشى (أو بَلْجُراشى) وهو اسم يشير إلى أربع وعشرين قرية صغيرة متناثرة فى واد عريض (يرتفع 1960 مترًا فوق سطحَ البحر) ويطلق على أربع من هذه القرى الصغيرة (وهى العواذا والصلمية والرقبة والغازى) اسم دار السوق لأنها متقاربة وتشكل مركزا إداريا وتسويقيا. المصادر: (1) فؤاد حمزة، قلب جزيرة العرب، مكة, 1933. (2) عمر رضا كحالة، معجم قبائل العرب، دمشق, 1949. (3) M. F.Von Oppenheim: Die Beduinen, ii, Leipzig, 1943 (4) Admiralty: A handbook of Arabia, London, 1916 - 7 د. عبد الرحمن الشيخ [ف. س. فيدال Wiedall] غانا ربما يعود انتشار الإسلام للمرة الأولى فى المنطقة التى تعرف الآن باسم جمهورية غانا (مستعمرة ساحل الذهب البريطانية سابقا) إلى أواخر القرن الثامن للهجرة (الرابع عشر للميلاد) وذلك عندما مد الديولا Dyula المسلمون -خاصة جماعات السُّوننكى والمالكنى الماهرة فى التجارة- نشاطهم من منطقة مالى إلى المراكز المختلفة للإنتاج الاقتصادى الأولى (مركز انتاج الواد الأولية) وأنشأ الديولا المسلمون لأنفسهم مستوطنات صغيرة على طول طرق التجارة المؤدية من مناجم الذهب فى الشمال إلى الأسواق الأعظم شأنا على نهر النيجر والتى تمثل النهاية الجنوبية لطرق القوافل عبر الصحراء الكبرى. وكانت بجو Begho عند الحدود الغربية لغانا بالقرب من نسوركور Nsorkor الحالية هى مركز الديولا الذى حاز أهمية منذ وقت باكر إذ اتجه إليها فيما بعد عدد كبير من جماعات المسلمين فى كل من ساحل العاج وغانا

وذلك قبل انهيارها الذى يرجح أنه كان فى بواكير القرن الثامن عشر. لقد كانت "بجو" قبل انهيارها إحدى المراكز الرئيسية لنشاط المسلمين فى منطقة نهر الفولتا. وكذلك كانت مدينة وا wa فى شمال غانا التى كانت مقرا أمير المؤمنين الدوالا منسا. الذى يقال إنه أمير المؤمنين الثانى والأربعون. وأتى التأثير الإسلامى الثانى إلى غانا من الشمال الشرقى، فالتجار المسلمون من دول الحَوْصة (الهوسا) الذين كانوا نشطين فى تجارة الكولا قد مدوا نشاطهم إلى غانا منذ منتصف القرن التاسع للهجرة (الخامس عشر للميلاد) وفقا لما هو وارد فى حوليات كانو، وبازدياد هذه التجارة وتوسعها فى القرن الثامن عشر كون الحَوصْة مستقرات مهمة فى سالاجا Salaga ويندى Yendi وغيرهما. ولم يبدأ الإسلام فى الانتشار خارج تجمعات الحَوْصة والديولا قبل أواخر القرن العاشر للهجرة (السادس عشر الميلادى)، ففى حوالى هذا التاريخ استطاع الشيخ إسماعيل حاكم بجو وابنه محمد الأبيض أن يحولوا الارستقراطية الحاكمة فى جنجا Gonja - وهم هن المالكنى - بمبارا malinke - Bambara إلى الإسلام، وكانوا (أى المالكنى - بمبارا) هم القوة الصاعدة فى شمال غانا. وللك هى الفترة التى شهدت قيام عمر الشيخ (توفى حوالى 949 هـ/ 1552 - 1553 م) بنشر الطريقة القادرية فى غريب أفريقيا (السودان الغربى). وبعد تحول الجونجا إلى الإسلام ظل الإسلام لا يحقق تقدما ملحوظا فى غانا طوال قرن ونصف إلا أنه فى السنوات الأولى من القرن الثامن عشر اعتنق حاكم الداجومبا Dagomba الإسلام وأصبح اسمه محمد زنجينا Zanjina، وفى التاريخ نفسه تقريبًا تحول أيضا للإسلام زعيم دولة مامبروسى Mamprusi أتابيا Atabia (توفى 1154 هـ/ 1741 - 1742 م). لقد كان لكل من الدول الثلاث الرئيسية فى شمال غانا -إذن- حاكم مسلم فى

بواكير القرن الثامن عشر، وهذه الدول هى: جنجا Gonja وداجومبا Dagomba ومامبروسى إلّا أن أحدا منهم لم يُطور دولته إلى إمامة على نسق إمامتى فوتاتورو Futa-Toro وفوتا جالون Futajalon فى القرن الثامن عشر. وفى أواخر القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر توغلت مجتمعات المسلمين أكثر صَوْب الجنوب، ففى كوماسى Kumasi عاصمة امبراطورية الأشانتى Ashant كان للمسلمين وجود فى مجلس الملك، وكانوا يتولون القضاء وسيطروا على قطاعات مهمة من اقتصاد دولة الأشانتى بالاتفاق مع ملكها الذى كان واعيا لتنامى روح الثورة لدى طبقة التجار من الأشانتى. وتركت حركة عثمان دان فوديو الإسلامية الاصلاحية فى مطلع القرن التاسع عشر والتى أدت إلى تكوين إمارات الفولاتى فى شمال نيجيريا -تركت بعض التأثير على مجتمعات المسلمين فى شمال شرق غانا مثلما حدث فى يندى Yendi عاصمة الداجومبا، لكنْ رُبما كان لتركيز حركة عثمان بن فودى على عدم التعاون مع الحكام الوثنيين أثر فى تعويق انتشار الإسلام فى التوغل أكثر فأكثر نحو الجنوب. وفى النصف الثانى من القرن نفسه هبت موجة من التحول للإسلام فى الشمال الغربى، ويبدو أنها كانت نتيجة جهاد الحاج محمد كارنتو M.Karantac (فيما عرف بجمهورية الفولتا بعد ذلك) والذى كانت كتائبه تضم عناصر من الداجارى ديولا Gegari - Dyula من وا Wa. وفى أواخر القرن خضعت منطقة وا Wa والجونجا الغربية لفترة غير طويلة لامبراطورية الماندنكا Mandinka بزعامة سامورى تورى Tore، بينما كان الزاباريما Zabarima وقوات محلية من ألفا كازارى Alfa Kazare والباباتو Babatu والهاماريا Hamaria, يكوّنون نواة دولة إسلامية وسط بحر من الجرونشى Grunshi الوثنيين. وقد فشل التحالف بين قوات سامورى المسلمة والباباتو وقوات مختار بن الحاج محمد كارانتو، بل والتحالف مع قوات

الأشانتى غير المسلمة فى مواجهة القوات البريطانية والفرنسية. ومع بداية هذا القرن الحالى قهرتهم القوات الاستعمارية: جماعةً إثر جماعة. ولا توجد مدينة غانية الآن إلّا وفيها قطاع يسكنه المسلمون. ولا يوجد إحصاء بعدد المسلمين فى غانا إلّا أنهم لا يقلون عن 10 % من السكان وربما أكثر، وغالبهم فى العاصمة أكرا التى قد تضم حوالى 75.000 مسلم من بين إجمالى عدد سكانها البالغ 338.000، وفى كوماسى يبلغ عددهم حوالى 60.000 من بين إجمالى عدد سكانها البالغ 221.000، ويتباين تقدير نسبة عدد السكان فى شمال غانا تباينا شديدا، ما بين 15 % إلى 50 %، وكثير من هذه التقديرات يعتمد على وجهة نظر الجماعات المسلمة. وليست هناك دراسة مفصلة -حتى الآن- عن التنظيمات الإسلامية فى غانا. وللطريقتين القادرية والتجانية وجود قوى فى غانا إلى حوالى سنة 960 هـ/ 1550 م رغم أنها لم تنتشر على نطاق واسع إلّا فى بواكير القرن التاسع عشر، وكان ذلك -إلى حد كبير- بفضل دعاة من الحَوْصة (الهوسا)، وانتشرت التيجانية على نطاق واسع -وكان ذلك غالبا على حساب القادرية- فى النصف الثانى من القرن التاسع عشر ولا يزال نجمها فى صعود. وربما يعود أصل الوِرْد التجّانى فى غانا فى جانب منه إلى الحاج عمر من سيجو Sego والذى وافته منيته سنة 1864 لكن لحقته بالتأكيد إضافات من منطقة سنغامبيا (السنغال وغمبيا) ومن العائدين من الحج. ومنذ سنة 1921 أصبح للأحمدية نشاط ملحوظ خاصة فى سالتبند saltpond فى الجنوب وفى كوماس ووا Wa. وفى سنة 1963 بلغ المنضمون إليها ما بين ثلاثين وأربعين ألفا، وفقا لما يقوله أتباعها. وللمسلمين فى غانا مجلس إسلامى وهو جناح من حزب ميثاق الشعوب الغانية الحاكم. وتم تأسيس جمعية المسلمين Muslim Association سنة 1932 كمنظمة ثقافية وتعليمية، وفى سنة 1956 أصبح حزب الجمعية الإسلامية معارضا لحزب ميثاق الشعوب الغانية لكن هذا الحزب (حزب الجمعية الإسلامية) وقد

المصادر

تم حله فى أواخر سنة 1957. ويعد كتاب غُنحا عملا تاريخيا مهما جمعه مؤلفون من الجونجا Gonga فى منتصف القرن الثامن عشر، ولدى معهد الدراسات الإفريقية التابع لجامعة غانا مجموعات متنامية من المخطوطات العربية الغانية بالإضافة لبعض المخطوطات بلغة الحوصة (الهوسا) والداجبين Dagbane المامبرول Mamprule والجوان Guan. ويوجد فى شمال غانا حوالى ثلاثين مسجدا قديما منها مساجد جامعة (تعقد فيها صلاة الجمعة وكثير من المبانى فى شمال غريب غانا تحمل بوضوح ملامح الطراز الإسلامى السودانى. المصادر: (1) ابن حوقل: ترجمة de Slane فى JA 1842، ص 240. (2) الادريسى: ترجمته de goeje ص 9 (3) D. F. Mccall: The Traditions of the Foundings of Sijilnasa and ghana وهى ترجمة لـ Hist. of Soc: of Ghana (1, 19) 1/V (4) J. Spencer Trimingham: A History of Islam in West Afrca, Oxford 1962 د. عبد الرحمن الشيخ [كورنافين R. Cornevin] غانة مدينة من مدن السودان النيجيرى (السودان الغربى) فى العصور الوسطى، وقد تلاشت الآن من الوجود، وكان موقعها يماثل موقع مدينة كمبى صالح الحالية (15.40 شمالا و 8 غربا) إلى الشمال من باماكو بحوالى 200 ميل/ 330 كيلو متر وإلى غريب الشمال الغربى من نارا Nara بحوالى 95 كم/ 60 ميل، وإلى جنوب الجنوب الشرقى من تمبدرا Timbedra بحوالى 70 كم / 44 ميلا وتتبع كمبى صالح قسم عيون العتروس وهو أحد الأقسام الفرعية التابعة لتمبدرا فى جمهورية موريتانيا الإسلامية، وكانت غانة عاصمة لأول مملكة زنجية فى السودان النيجيرى

(غرب أفريقيا). وكان الفزارى (قبل 184 هـ/ 800 م) هو أول من تحدث عنها باعتبارها أرض الذهب، وذكرها -أيضًا اليعقوبى (256 هـ/ 870 م) كما ذكرها -على نحو خاص- ابن الفقيه الهمذانى الذى توفى حوالى 290 هـ/ 903 م والذى أورد عنها فى كتاب البلدان بعض التفاصيل الطريفة منها أن الذهب ينمو فى رمالها كما ينمو الجزر، وأن أهلها يعيشون على الذرة واللوبياء ويسمون الذرة بالدُّخن. أما أول من روى لنا عنها رواية شاهد عيان فهو ابن حوقل الذى كتب سنة 366 هـ/ 977 م كتاب "المسالك والممالك" وقال إن ملكها هو أغنى ملوك الأرض، وقد ذكر السَّعدى (المتوفى حوالى 1065 هـ/ 1655 م) أربعة وأربعين أميرا من عناصر بيضاء لا يعلم أصلها حكموا غانة منهم 22 قبل الهجرة و 22 بعدها، لكن ديلافوس Delafosse ذكر اعتمادا على المرويات التقليدية أن عددهم بالفعل هو أربعة وأربعون أميرا بعضهم قبل الهجرة، وأن السعدى أخطأ فترجم الكلمة التى تعنى (عدد) بكلمة (نصف)، ولا نعرف شيئًا عن هذه الفترة سوى أن السُّوننكى -وهم عناصر زنجية- قد عاشوا مع هؤلاء الأمراء البيض وإن كان مونى R.Mauny يشكك فى أمر هؤلاء الأمراء البيض فى هذه الفترة، وهو الأمر الذى كان الإدريسى 549 هـ/ 1154 م أول من أثبته، ففى حوالى 174 هـ/ 790 م طرد الملك الزنجى كايا ماغان سِسى Kaya Maghan Cisse أول ملك زنجى لغانة العناصر البيضاء فتراجعت إلى تاجانت Tagant وجورجول Gorgol وفوتا Futa. والواقع أننا لا نعرف فى غالب الأمر عن هذه المملكة شيئًا حتى الغزو البربرى الأول لها فى القرن الثالث للهجرة التاسع للميلاد، الذى أورد ابن أبى زرع فى كتابه "روض القرطاس"، وأورده كذلك ابن خلدون، وقد أدى الغزو البربرى إلى الحاق مملكة أوداغست Audaghost بمملكة غانة، وفى سنة 380 هـ/ 990 م عين ملك غانة حاكما زنجيا لأوداغست ليؤكد أن الرسوم على قوافلها يدفعها البربر التابعون له.

وظلت غانة طوال نصف قرن هى اقوى مالك السودان الغربى، وقد أورد لنا البكرى (460 هـ/ 1067 - 1068 م) معلومات طيبة عن هذه المملكة فذكر أن العاصمة تتكون من قسمين (مدينتين) أحدهما يسكنه المسلمون حيث القضاة والفقهاء، وكان به اثنا عشر مسجدا بها الأئمة والمؤذنون والمرتلون، وتعقد صلاة الجمعة فى المسجد الجامع بانتظام. أما القسم الثانى فعلى بعد ستة أميال وبه مقر الملك الذى يتكون من قلعة وعدد من الأكواخ وقد أحيط كل ذلك بسور، وغير بعيد عن مقر الملك مسجد يؤدى فيه المسلمون الذين يزورون الأمير صلواتهم، والمنازل هنا مشيدة بالحجارة وأخشاب أشجار الصمغ، ويطلق على القسم الذى به مقر الملك هذا اسم "غابة" نظرا لقربه من غاية شاسعة بها أكواخ السحرة ورعاة الأرباب المحليين، وبها أيضًا مقابر الملوك والسجون، ومع أن الناس هنا. وثنيون مثل حاكمهم إلّا أنهم فى الحقيقة -يعاملون المسلمين باحترام كبير، فالمترجمون منهم ومعظم وزراء الملك والقائم على خزينة البلاد منهم أيضا, وللمسلمين -وفقا لما يقوله البكرى- مزايا خاصة فى اللباس، ولا يسجد المسلمون للملك وإنما يكتفون بتحيته بالتصفيق له. ولعبت غانة دورا تجاريا فى الغاية من الأهمية إذ كانت القوافل المغربية تصلها حاملة البضائع لا سيما الملح ونوع من الأخشاب يستخدم فى معالجة جلود القرب لتجعل المياه صالحة للشرب فترة طويلة، وكانت تأتيها القوافل أيضا من الصحراء الكبرى محملة بالملح، على أن الذهب كان هو السلعة الرئيسية وكان يجلب من مناجم ونجارا Wangara (إلى الأعلى من حوض السنغال وفالم Faleme) وكان يتم تبادله عن طريق المقايضة الصامتة. أما عن قوة جيش غانة فيقدرها البكرى كالتالى 200.000 مقاتل منهم 40.000 رام بالسهام، وهذا تقدير مبالغ فيه. وقد استولى المرابطون على أوداجست فى عهد يحيى بن عمر المرابطى (446 هـ/ 1054 م)،

المصادر

واستولى أبو بكر بن عمر على غانة سنة 1076 م فأجبر أهلها على التحول للإسلام، لكن غانة استعادت استقلالها بعد موته (480 هـ/ 1087 م) وفى 1203 م استولى سوما نجوروكانتى Sumanguru Kante حاكم سُوسو على غانة وأقام بها حامية عسكرية وثنية فهاجر المسلحون إلى والاتا Walata التى حلت محل غانة كمركز لتجارة القوافل والتعليم الإسلامى، كما هاجروا أيضا إلى دينى Dienne، وفى سنة 1240 م استولى سونجاتا كيتا Soundjata Keita على غانة التى كانت مخرّبة تماما. لقد كانت عظمة تاريخ غانة كمملكة زنجية هى التى حديث بالدكتور نكروما زعيم ساحل الذهب إلى أن يطلق اسم غانا على منطقة ساحل الذهب بعد الحصول على الاستقلال سنة 1957، لكن غانا الدولة القائمة فى غرب أفريقيا ليست هى بالضبط غانة ذات التاريخ الإسلامى العميق التى أشرنا لها فى هذا المقال. المصادر: (1) ابن حوقل، ترجمة de Slane، فى Journal Asiatique 1842, 240 (2) البكرى ترجمة de Slane ص 381. (3) ابن خلدون، عن البربر، ترجمة de Slane جـ 2، ص 110. (4) ياقوت، جـ 3، ص 370 (تحرير فشتنفلد) (5) E. Fegnan: Afriqu septentrionale de Xile siecle de notre Era (Kit. al - Istibsar) PP. 195 - 199 - 204 (6) H. Barth: Reisen, Vol IV P. 600 (7) Cooley: Negroland of the Arabs, London, 1841. Chapter 1 (8) M . . Delafosse: Haut senegal et Niger, first series, Tome II I'Historie (Paris, 1912) chap.II (9) M. Hartmann,: Zur Geschichte des westichen Sudanin, Berlin, 1912 د. عبد الرحمن الشيخ [ج. يفر G. Yver] غانية، بنو عائلة تنتمى لبربر صنهاجة الذين حاولوا استعادة حكم المرابطين فى شمال أفريقيا زمن الموحدّين.

وغانية كانت أميرة مرابطية زوّجها سلطان الدولة المرابطية يوسف بن تاشفين لعلى بن يوسف الذى أنجب منها ولدين هما يحيى ومحمد، وقد حارب يحيى ضد "الفونسو" المعروف بالساقى ملك أرغونة وانتصر عليه، وكان يحكم مرسية وبلنسيته، ونجح فى الحفاظ على قرطبة ضد حملات الفونسو التى دامت ثلاثة عشر عاما، إلا أنه اضطر للاستسلام بعد أن أعاد الملك المسيحى الكرة. كان الموحدون فى هذه اللحظة بالذات قد أرسوا على شواطئ أسبانيا (541/ 146 م). وكان يحيى بن غانية واحدًا من آخر المدافعين عن أملاك المرابطين، ومات فى غرناطة سنة 543 هـ/ 1148 م، على بن يوسف قد نادى فى سنة 520 هـ (1126 م) بمحمد أخى يحيى بن غانية واليًا على جزر البليار، فلما سقطت دولة المرابطين جاء الكثيرون من أفرادها للانضمام إليه فأعلن نفسه حاكما مستقلا وكان ذلك بداية عهد أسرة جديدة. وقد انتقلت السلطة إلى يدي اسحق بن محمد (560 هـ) فى أعقاب ثورة قام بها رجال القصر، وقد أثرت المملكة المرابطية الصغيرة بالقرصنة على حساب المسيحيين وامتلأت الجزر باللاجئين إليها والسجناء، ثم مات اسحق سنه 579 هـ حملة من حملات القرصنة فخلعه أكبر أبنائه واسمه محمد ولكنه اضطر للخضوع لتهديدات أبى يعقوب الموحدى الذى أرغمه على الاعتراف بسلطانه عليه، ولما ثار أهل ميورقة أن ثورتهم إلى تقوية ساعد على أخى محمد، وقد اضطر على تحت إلحاح المرابطين الفارين المحيطين به للخروج لقتال الموحدين فى المغرب ونجح فيما خرج من أجله. وقد كسب على بن غانية مساعدة كثيرين من العرب الرجل من بنى هلال من رياح وأثبج وحذام، ثم زحف فاحتل الجزائر ومُزَاية كما احتل فى طريق عودته قلعة بنى حماد وحاصر قسطنطينة ولما علم خليفة الموحدين يعقوب المنصور بنجاح المرابطين بادر فأرسل كتيبة استردت المدن المسلوبة وطردت يحيى بن غانية وحينذاك اضطر على لرفع الحصار عن قسطنطينة وفرّ إلى الصحراء ومضى إلى جبال أوراس وبلغ بلاد الجريد

جنوب تونس التى صارت مركز عملياته الحربية، ونجح بمساعدة عرب تلك الناحية فى الاستيلاء على قفصة ونادى بنفسه حاكما وأعلن خضوعه للخليفة العباسى الذى وعده بتجديد المساعدة له، ثم مضى بعدئذ إلى طرابس حيث قابل الأرمنى قراقوش مولى ابن أخى السلطان صلاح الدين الأيوبى. كان الاستيلاء على الهدية وتونس هدف الحملة، ولما علم على بن غانية بوصول الخليفة المنصور على رأس جيش من الموحدين ارتدّ إلى "الجريد" فتبعه ستة آلاف من الموحّدين على ظهور خيولهم فهزمهم هزيمة ساحقة فى سهل العُمْرة (582 هـ)، وجرت مناوشات بين الجانبين وانتهى الأمر بهروب ابن أبى غانية وقراقوش إلى الصحراء، ثم مات على بن أبى غانية سنة 584 هـ فانتقلت مقاليد السلطة إلى أخيه يحيى الذى ظل ما يقرب من خمسين عاما وهو يكيل الضربات لقوة الموحدين، وحدث تصدع فى الصفوف، وقد ساعد عرب سليم يحيى بن غانية فاستطاع الاستيلاء على المهدية من يد رجل اسمه ابن عبد الكريم الرجراجى، وأطل الخوارج برؤسهم ولكن ذلك لم يزعجه. على أن يحيى بن غانية دارت عليه الدائرة وهرب إلى "ودَّان"، واضطربت الأمور بين المتحاربين اضطرابًا تشابكت فيه الأحداث بصورة لا تدع للإنسان مجالًا. وعلى وجه العموم فقد فشلت محاولة إعادة المرابطين فشلا ذريعًا. على أن العواقب الوخيمة لتلك الأحداث يمكن أن نستنبط منها ما يلى: (1) أن اتارة مطامع العرب فى الحصول على الغنائم والنهب وحملات بنى غانية أطالت من الغزو الذى بدأه الهلاليون وتابعهم فيه بنو سليم. (2) أن بنى غانية مَدّوا النفوذ العربى إلى المغرب الأوسط الذى اختفى منه المراكز التى ترجع إلى المدن ولم يبق هناك سوى تلمسان التى أخذت تلعب دورها كعاصمة لمملكة جديدة.

المصادر

(3) إذا كانت محاولة المرابطين قد انتهت بالفشل فلا أقل من أنها عجلت بسقوط دولة الموحدين. (4) تطورت الأحوال لصالح تلمسان فى إفريقية حيث قام حكم ثابت الأراكان. المصادر: (1) ابن خلدون: المقدمة ترجمة de Slane، باريس 1863 - 1868، وطبعة 1934 - 1938. (2) ابن الأثير: الكامل، ليدن 1851 - 1876. (3) ابن دينار: المؤنس فى أخبار أفريقيا وتونس، تونس 1350 - 1931. أمل رواش [ج. ماركيز G. Marcais] غديرخم اسم يطلق على عين ماء تقع فى منطقة تسمى بهذا الاسم بين مكة والمدينة على بعد ثلاثة أميال من الجحفة وتأتى مياهه لتصب فى وادى خم ولم يعد لاسم خم وجود الآن. ولما كانت الناحية تروى من مياه الأمطار فقد كثرت بها الأحراش والنباتات الشوكية التى تنمو بغزارة حول الغدير وحول المسجد الذى شيد هناك وتتميز المنطقة بمناخ شديد الحرارة وغير صحى وكان سكانها من قبائل خزاعة وكنانة ولكنهم نزحوا عنها فيما بعد. وغديرخم مشهور فى التاريخ الإسلامى بسبب عبارة أو بضع عبارات نطق بها الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وذلك أنه عند عودته من حجة الوداع فى 18 ذى الحجة سنة 10 هـ (16 مارس 632 م) توقف عند غدير قم حيث خطب فى الحجيج آخذا بعيرَ علىّ وتساءل أليس هو أولى بالمؤمنين من أنفسهم ومدح عليًا قائلا اللهم والى من والاه وعادى من عاداه، من كنت مولاه فعلى مولاه وبذلك أوصى به. ولم نذكر هذه الواقعة بعض كتب السيرة النبوية التى تحدثنا بدقائق حياة الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] كالطبرى وابن سعد، وحتى إذا ذكر فإنه لا يذكر فيها حديث الرسول عن على حتى لا

مصادر

يثيروا ثائرة أهل السنة الذين كانوا فى السلطة آنذاك. والذين قديون أن فيما قاله الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] إنما أراد أن يوحى إلى سامعيه أن يعدوا عليا فى المكانة الرفيعة التى هو أهل لها. وقد يكون من المؤكد وقوع هذا الأمر فقد أوجز الإشارة إليه اليعقوبى الذى كان هواه مع العلويين. وقد وردت الإشارة إلى هذا الحديث فى سنن ابن حنبل وفى العديد من المخطوطات. مصادر: (1) اليعقوبى: البلدان, BGA جـ 7، ص 314. (2) ياقوت: معجم البلدان لينسك 1863 - 1873 جزء 2, ص 305 - 471. أمل رواش [فاجليرى L. Veccia Vaglieri] الغذاء تشير الكلمة فى اللغة العربية إلى كل ما يؤكل ويساعد على النمو ويضمن الصحة والجسم السليم ويعتبر اللبن عند عرب الجزيرة العربية الغذاء الرئيسى وقد ذكر فى القرآن باعتباره "سائغًا للمشاربين" فى قوله تعالى {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ} وأكثر ما يشربون منه لبن الجمال والماعز والأغنام، ويمكن مزجه بالماء، أما اللبن الرائب وهو ما يسمونه بالحازر فينصرفون عنه لا يَقربُونه. ومن منتجات الألبان "السمن" الذى عافه الرومان الذين كانوا مع ايلوس جالوس حين رأوا العرب يستعملونه بدلًا من الزيت، ومنه "الجبن"، ولم يكونوا يعقرون الجمال إلا عند الضرورة القصوى, وعلى العموم فقد كان من النادر أن يأكلوا اللحم، ومن هنا كان اللحم عظيم التقدير غالبا، وأغلب ما يأكلون منه لحم الضأن ولحوم الدواجن، وكان النبى (صلى اللَّه عليه وسلم) يؤثر الكتف (راجع صحيح البخارى وابن حنبل وابن سعد). ويعرف عن أهل المدينة المنورة إيثارهم الدهن وخاصة لحم الإلية ودهن سنام الجمل.

ويعد البلح من المأكولات الأساسية لدى العرب سواء ما كان منه جافا (التمر) أو طريا (الرطب) أو معجونا (العجوة) أو ما كان منه "بُسْرًا". أما الخبز فلم يكن مبذولًا، حتى أن الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] لم يقدمه إلّا يوم زواجه بزينب، وكان "الرغيف من الخبز" يؤكل مع الإدام، وكان أهل الحضر المستقرون يتناولون بعض الخضروات والبقول التى كان النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] يحب منها "الهندِباءِ" والقثاء، والقرع، أما الكرَّات فكان مكروها ولكنه لم يكن "محرما وكذلك الثوم والبصل. وكان العرب يأكلون الزيتون وقد وردت الإشارة إليه فى القرآن الكريم، وجمار النخل، ومن مأكولاتهم أيضًا الزبيب والتفاح وإن كانا نادرين، والجراد والقنفذ والزبيب. ويأكل العرب اللحم مشويا ومطبوخا ومجففا (القديد)، وهم لا يعرفون الموقد ويستخدمون ما يسمى "بالتنور"، وهى كلمة آرامية الأصل واسمها العربى الأولى هو "الطابونة" التى ربما يقصد بها "الفجوة" توضع فيها النار لتمنع عنها الرياح. ويعد الثريد (خبز مُفتت فى مرقه اللحم والخضر) والحَيْص (وهو خليط من التمر والزبد واللبن) أشهر أكلتين عند الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وفى أثناء الخروج لحرب الفتوحات كان الجنود يتناولون "السويق" وهى وجبة من الشعير المجفف يضاف إليها الماء أو الدهن المستخلص من ذيول الخراف. أما فى المآتم فيتناول العرب "الخزير" أو "الخزيرة" وهى عصيدة مصنوعة من الردّة واللحم المطهو فى الماء. والعرب فى شمال غريب الجزيرة العربية لا يأكلون قلوب الطيور خشية أن يصبحوا على شاكلتها إذ من المعروف عن الطيور سمة الجبن. أما النذر فهو نوع من التقشف المؤقت وذلك بالامتناع عن تناول السمن واللبن واللحم والخمر أو الكف تماما عن الأكل لفترة محددة. ويحرم الإسلام الخمر إلا أن العادة جرت على تناول شراب العنب المخمر فى مكة فى الجاهلية فى نهاية موسم الحج. ويُعنى عرب شبة الجزيرة

العربية بالصيد عناية كبيرة فيصطادون الغزال والنعام والوعول وأحيانا الحمر لأكل لحومها، كما يصطادون السمك من البرك الواقعة على أطراف الصحراء ويجففونها. ومع ظهور الإسلام وتبين الحلال من الحرام فى الطعام نهى عن الإسراف فى تناول الطعام، كما لا يحب التقتير فيه، وقد ذكر لفظ "كلوا" فى القرآن ثلاثين مرة، وحرم أكل الدم والميتة ولحم الخنزير كما حرم على الحجاج أكل الطرائد، وظلت طرائق وأنواع الأكل فى أقطار الدولة العربية التى أصبحت بعد عام 75 هـ (= 132) إمبراطورية إسلامية على ما هى عليه إلا أن ضم بلاد جديدة أدى إلى تبادل منتجات تختص بها أقطار دون الأخرى. ويعد الأرز أهم المحاصيل التى تزرع فى العالم الإسلامى، وهو غذاء الفقراء حيث يصنع منه الخبز أحيانا، إلا أنه لم يحظ أبدا بأهمية القمح كما هو الحال فى الهند والشرق الأقصى. أما قصب السكر فقد انتقل لإيران من الهند وعرفه المسلمون بعد الفتوحات الإسلامية حيث انتشر فى كل بلدان البحر المتوسط، إلا أن العسل أرخص ثمنا منه ويستبدله الفقراء بسكر العنب والخروب. وعرفت الحضارة الإسلامية أساليب خزن الأغذية وحفظها نَقْلًا عن حضارات الشرق القديم الكلاسيكية، فحفظوا الحبوب من العفن والتسوس بوضعها فى مخازن خاصة، كما يعد تجفيف الفاكهة وخاصة العنب أهم الوصفات وأرخصها ثمنا وأوسعها انتشارًا, كما يحفظونها فى آنية محكمة الغلق تدفن أحيانًا فى الأرض، كما يجففون الكمأة الصحراوية والفستق والبندق. وعند تجفيف اللحم (وهو ما يعرف بالقديد لابد أن يغطى بالدهن (واستخدموا الملح والخل إضافة إلى البهارات الأخرى لمنع انتشار العفن وهى طريقة التخليل. أما إعداد وطهى الطعام فقد كان من مهام الزوجات اللائى يطحن القمح فى منازلهن ثم يُرسل العجين إلى ما يُدعى "بالفران" أما الفطائر فيصنعها حرفيون منهم الهرايسيون الذين يصنعون

المصادر

الهريسة، والكبابجى (الكباب)، والكبودى (الكبد). ويقول الزوار الأوربيون للقاهرة فى العصور الوسطى أنهم رأوا ما بين 10.000 و 12.000 بائع فى الشوارع وأن العرب المسلمين نادرا ما يطهون بالمنازل. وجرت العادة على استقدام مشاهير الطهاة إلى دول عدة، فالخليفة الطاهر أحضر لبغداد طاهيا خراسانيا، كما عملت السيدات المصريات طاهيات فى بلدان عديدة ونائية، كما عرف عن بعض المناطق أنواع من الكعك فهناك مثلا الأخميمية والأسيوطية والحلوى المكية، بل إن الأطباق الشهيرة لكل دولة تكون مدعاة لإثارة الحماسة الوطنية فاشتهرت أطباق الطعمية والفول المدمس والملوخية فى كل أنحاء العالم، بل إن المهاجرين يقدمون أطباقهم الوطنية التقليدية فى أماكنهم الجديدة، بل ونجد طبيعة الطعام تتحكم فى رفض البدويات الزواج من قاطنى المدن لأنهم يكرهون طعامهن وخاصة الخضر. كما عرفت المأكولات الإيرانية بل واشتهرت فى العصر العباسى وتأثر العرب بالذوق التركى فى ظل الحكم العثمانى وبالذوق الأوربى بعد الحملات الصليبية. المصادر: انظر المصادر الواردة فى المادة. أمل رواش [رودنسون M. Rodinson] غراب الكلمات العربية المشتقة من مادّة "غ، ر، ب" من الكثرة بحيث لا يتسنى تتبع أصولها؛ ومن المحتمل أنها اشتقت من أصول مختلفة، وكلمة "غراب" تقترب كثيرا من الكلمة اللاتينية "كوْرَفس Corvus" إلى حد يدعونا للظن بأنها أكثر من مجرد مصادفة، ومن جهة أخرى ففقهاء العربية يعتبرون كلمة "غراب" كلمة مستقلة الأصل طالما قد اشتقت منها كلمات مثل "غُربة" و"اغتراب". ويدعم تلك النظرية أن الغراب يعد فى "عرافة الطيور Ornithomancy" طائر الشؤم؛ فهو مرادف للفراق ووقوع الَبليّة، والشعراء يغالون أحيانا فى استخدام تعبير "غراب البَيْن" الذى يشير بالتحديد إلى "الزاغ الجيفى"

ويستمد أصله -كتعبير- من حقيقة أن الغربان تنقاد بالغريزة إلى المخيمات التى يستعد شاغلوها للرحيل وتأخذ فى النعيق إعلانا عن أن "البَيْنْ" وشيك الحدوث. ومَرْأى الغرابُ منفّر فى حد ذاته، الأمر الذى حدا بالعرب القدماء إلى اعتباره، "طائر شؤم" وإلى عكوفهم على ملاحظة وتفسير كيفية طيرانه ونعيقه فى إطار ما عُرف بـ "الطَيرة". وفى مجال الأدب قورنت رسالة فى "عرافة الطيور" تُعْزَى للجاحظ مع اثنين من النصوص الأشورية - البابلية، ووجد أن النص العربى لا يمكن أن يكون ناتجا عن استقصاء أُجرى بين ظهرانى البدو، مما يوحى بأنه محاولة متأخرة للتوفيق بين عناصر مختلفة الأصول، ومن الغريب مع ذلك أن الجاحظ كان أحد الكُتّاب القلائل الذين أعتبروا الإيمان بالتطير من نعيق الغراب وطيرانه مجرد خرافة (الحيوان جـ 3). وفى الدين الإسلامى استخدمت كلمة "غُراب" فى القرآن (المائدة: 31) للإشارة إلى الغراب الذى أرسله اللَّه ليبين لقابيل كيف يدفن جثة أخيه هابيل. ومع أن المناطقة يرون فى ذلك إبداء لحظوة ذلك الطائر عند اللَّه؛ فإنهم لا يفلحون فى إخفاء تحاملهم الشديد عليه من جراء قصة "غراب نوح"، الذى أرسله نوح عليه السلام للاستطلاع لكنه عثر على جثة ولم يعد. وقد عرف العرب العديد من سلالات الغربان؛ بما فيها من سلالة يمكن أن تتعلم الكلام، ولاحظوا علاقات الغربان العدائية مع الماشية والحمير والبوم. كما إن عادة الغربان فى الحط على ظهور الجمال لكى تدس مناقيرها فى الخراريج المتكومة عليها تضاعف من كراهية البدو لتلك الطيور التى لم يعرفوا عنها إلا القليل على أية حال طالما أن البعض منهم كانوا يؤكدون أنها تتكاثر عن طريقَ نقْر الإناث بمناقيرها! والغراب من بين الحيوانات التى يجب قتلها, ولحمه محرم؛ ومع ذلك فقد اعتُقد فى امتلاكه لخصائص طبية معينة، فدمه المجفف عُدَّ دواء للبواسير. ومنقار الغراب حين يحمله امرؤ يحميه من الحسد، لكن الغراب فى الرؤيا نذير شؤم بالطبع.

المصادر

المصادر: (1) الجاحظ: الحيوان جزء 2، ص 313, جزء 3، ص 409 - 464. (2) الدميرى: حياة الحيوان (مادة غراب). (3) القزوينى: عجائب المخلوقات (مادة غراب). محمد غريب [بيلاة Ch. Pellat] الغرابية هى فرقة من غلاة الشيعة يعتقد أصحابها أن عليا ومحمدا [-صلى اللَّه عليه وسلم-] كانا متشابهين جدا فى الملامح الجسدية حتى ليختلط الأمر على من يراهما، وهما بذلك مثل الغراب بالنسبة لأخيه الغراب (وهو تعبير يضرب على سبيل المثال لإظهار التشابه الشديد) ومن ثم فإن جبريل (عليه السلام) عندما كلفه اللَّه (سبحانه وتعالى) بأن يهبط بالوحى على علىّ، هبط به خطأ [والعياذ باللَّه] على محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-]. وهم يقولون إن عليا هو الذى اجتباه اللَّه (سبحانه تعالى) ليكون نبيًا وأن محمدا [-صلى اللَّه عليه وسلم-] أصبح كذلك بطريق الخطأ. ويقول ابن حزم أن البعض يعتقد أن جبريل أخطأ بحسن نية -ويقول آخرون إنه انحرف وأخطأ عن عمد وأمطروه باللعنات لأنه مرتد، ويقول البغدادى إن المتشيعين لهذه الطائفة يحيى كل منهم الآخر بأن يلعن جبريل (والعياذ باللَّه) وقد جاء فى بيان الأديان (لأبى المعالى) أن اسم الغرابية جاء من اعتقادهم بأن عليا كان فى الجنة على هيئة غراب، ويذكر ابن قتيبة (فى كتابه المعارف) أن هذه واحدة من الطوائف القليلة التى ينسب أصلها إلى شخص. ويقال إن أتباع هذه الطائفة قاموا فى القرن الرابع الهجرى (العاشر الميلادى) بثورة كبيرة فى "قم" معترضين على قرار للقاضى أبى سعيد الإصطخرى (المتوفى عام 328 هـ/ 940 م) بتقسيم الميراث مناصفة (بالتساوى) بين ابنة المتوفى وعمه. وطالبت الطائفة بأن يذهب الإرث كله إلى الابنة وأن يستبعد العم. . والسبب

المصادر

فى ذلك هو اعتقادهم بأن خلافة محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] تكون شرعية فقط فى نسل ابنته فاطمة فحسب وليس فى نسل عمه عباس. المصادر: (1) ابن حزم: فصل، القاهرة جزء 4، ص 183 - 184. (ترجمة انجليزية I. Friedlander تحت عنوان: The Heterodoxies of the Shiites according to ibn Hazm (2) البغدادى: الفَرق بين الفِرق، القاهرة، ص 237 - 238. (3) أبو المعالى: بيان الأديان، طبعة C. Schefer، جزء 2، باريس 1885، ص 158. (4) الخوارزمى: مفاتيح العلوم، القاهرة 1342، ص 22. بهجت عبد الفتاح [جولدتسهير I. Goldziher] غرناطة 1 - المدينة: أسست غرناطة فى موضع مدينة رومانية صغيرة تعرف باسم اليبيرى Illiberis بُنيت فى الموضع الذى بُنى فيه فى القرن الخامس الهجرى (الحادى عشر الميلادى) مقر بنى زيرى المعروف بالقصبة القديمة. وعلى الرغم من أنه قد اكتشفت بضعة آثار ترجع إلى عصور الرومان والقوط والغربيين إلا أن تاريخ آثار غرناطة لا يمكن أن يكتب إلا بدءًا من العصر الإسلامى فصاعدا. هذا ولم تكن غرناطة فى البداية مدينة هامة فى الإقليم [أى كورة ألبيرة] حيث كانت مدينة ألبيرة الواقعة على سفح جبل يحمل نفس الاسم [هو المعروف الآن بجبل سيرا البيرة] وهى حاضرة الكورة وقد اكتشفت بها بقايا آثار ترجع إلى عصر الخلافة [الأموية بالأندلس] وتمتاز بأنها ذات زخارف محفورة وملونة ومع ذلك فإن آثار غرناطة ستصبح منذ القرن 4 هـ/

10 م وماتلاه ذات أهمية كبيرة فقد بنيت وفق الأساليب السائدة فى أسبانيا [أى الأندلس] خلال عصر الخلافة، فالمئذنة المستخدمة الآن كقاعدة لبرج أجراس كنيسة سان خوسى تشبه كل مآذن ذلك العصر، كذلك لا يزال جزء من سور هذه المدينة باقيا بحالة جيدة فضلا عن قنطرة نهر شنيل ولذلك يمكن القول: بأن الفن الاسبانى المغربى الذى غرس فى قرطبة قد ازدهر فى غرناطة فى القرن الرابع الهجرى -[العاشر الميلادى] مما يثبت أنها قد اكتسبت وقتئذ أهمية وثراءً. هذا ويرجع الفضل إلى بنى زيرى خلال عصر ملوك الطوائف أن أصبحت غرناطة مدينة زاهية، فقد قام الأميران حبوس (409 - 429 هـ/ 1019 - 1038 م) وباديس (429 - 465 هـ/ 1038 - 1073 م) بتحصين عاصمتها [أى غرناطة] بسور منيع يحيط بها ما زال باقيا داخل المدينة فيما بين باب ألبيرة والباب الجديد، وهو سور عال من الحجارة القوية المتماسكة تتخلله أبراج كثيرة الأضلاع غير منتظمة الشكل أو أبراج نصف دائرية. ويوجد فى هذا الجزء من السور بابان يعرف أحدهما بباب موناييتا [باب البنيدر قديما] والآخر بالباب الجديد أو عقد لاس بيساس [عقد الموازين وكان اسمه قديما باب قشتر أو باب سيدة]. وقد بنيت عقود هذين البابين بالحجر أو الآجر وتعلو هذه العقود أعتاب من الآجر وعقود عاتقة [لتخفيف الحمل] وتضم هذه الأبواب وبخاصة باب موناييتا دهاليز منكسرة مقبية [الباشورة] تعد أقدم النماذج الباقية المعروفة فى أسبانيا. ولم يعد الآن وجود لبابين من أبواب المدينة هما باب الرملة وباب مورور, كما أنه لم يتبق من ذلك العصر أيضًا سوى بقايا عقد كانت تقوم عليه قنطرة نهر حدرة [وهى تعريب للكلمة الأسبانية دى أورو أى الذهبى] التى تعرف اليوم بقنطرة القاضى، ويقوم بجوار هذا العقد برج سداسى الشكل، والواقع أن هذا العقد [وهو مزود بشق مزدوج] كان يؤلف مغلاق النطاق المسور للمدينة عبر النهر مع شبكة ترتفع فى حالة الفيضان [ومنها اشتق

اسم باب الشبكة المفتوح فى الكتف المقابل للعقد، وهو الذى يفضى بالمرء إلى المدينة] وقد اندثر قصر بنى زيرى الذى كان يشغل الجزء العلوى للقصبة القديمة [وكان يعرف ببيت الديك] ولم يبق منه سوى صهريج ذى أربعة أروقة قصبية وأجزاء كثيرة من السور أعيد أستخدامها فى مبان تالية. ومن الآثار الباقية بالمدينة نفسها حمام واحد هو المعروف بالحمام الصغير وهو يتكون من حجرة للاستراحة وخلع الملابس [تعرف عادة بالمسلخ أو المشلح] ويتوسط هذه الحجرة حوض [فسقية] ويلى هذه الحجرة ثلاث حجرات مقبية موازية لبعضها: الأولى هى الحجرة الباردة، والثانية الحجرة الدافئة، والحجرة الساخنة. وقد بنيت جدران الحمام من الحجارة القوية الشديدة الصلابة، أما العقود والأقبية فمن الآجر. والحق أن هذا الحمام يعد النموذج المتكامل للحمامات الأسبانية المغربية وقد ظل تخطيطه مثالا نسج على منواله فى القرون التالية، كما عثر فى غرناطة على أجزاء قليلة من الزخارف فضلا عن بعض تيجان الأعمدة. ويحتفظ معهد "فالنسيا دون خوان" بمدريد بقطعة فريدة من الرخام المنحوت تشبه صينية التوابل، وقد قسمت إلى عدة أقسام مزخرفة بالكتابات الكوفية. ولم يطرأ تغيير كبير على غرناطة خلال عصرى المرابطين والموحدين، ومن الممكن القول بأن التحصينات القائمة فى غرب الحمراء والتى تعرف الآن بأبراج البرميخاس ترجع إلى القرن الخامس الهجرى (11 م)، ويحتفظ المتحف الأثرى بمدريد ببضعة قطع من أعمال الخشب ذى الزخارف المحفورة وأجزاء من أعمال الجص من مورور ويمكن إرجاعها إلى عصر المرابطين وقد صنعت بدقة فائقة. هذا وقد أصبحت غرناطة منذ أن استقر بها محمد بن الأحمر سنة 635 هـ/ 1238 م عاصمة آخر الدول الإسلامية الحاكمة فى أسبانيا، وقد ظلت كذلك حتى سقطت تلك الدولة على يد الملكين

الكاثوليكيين سنة 897 هـ/ 1492 م. وقد تعرض بنو نصر لعدة مؤثرات فنية سواء إسلامية أو مسيحية، وهو الأمر الذى كان من نتيجته أن أصبح فنهم يمثل المرحلة الأخيرة التى بلغ فيها الفن الإسلامى فى أسبانيا ذروة الازدهار. وقد نشطت حركة البناء والتعمير فى غرناطة فى نهاية القرن السابع الهجرى (الثالث عشر الميلادى) وكذلك القرن التالى له (8 هـ/ 14 م) سواء فى العمارة أو الزخرفة، بينما ندرت إقامة أمثال هذه العمائر الهامة فى القرن 9 هـ/ 15 م وفقدت زخارف الآثار المختلفة ذاتيتها ودقتها الفائقة. وبالنسبة لسور المدينة فقد امتد إلى الشمال ليشمل حى البيازين، وما يزال جزء منه باقيا بأبراجه المستطيلة المتعددة الأضلاع، وكذلك أبراجه البرانية. أما العمائر الدينية فقد زالت ولم يبق أى أثر لها فى غرناطة فأصبح موضع جامع البيازين الآن كنيسة سان سلفادور والتى تحتفظ ببعض بقايا من صحن الجامع. ونحن نعرف من وصف قديم [أى لأحد المؤرخين أو الرحالة] أن الحرم [أى مقدم الجامع] كان رائعا ويشتمل على تسعة أروقة [بلاطات] ترتكز عقود بائكاتها على ستة وثمانين عمودا رخاميا. وقد استخدمت مئذنة مسجد آخر يرجع إلى القرن 7 هـ/ 13 م كبرج أجراس فى كنيسة "سان خوان دى لوس ريس" وهى عبارة عن برج مربع يشبه فى طرازه المعمارى وزخارفه مآذن المرينيين فى فاس، إلا أنه يخلو من التكسيات الخزفية [الزليج أو القاشانى]. أما مدارس غرناطة فلم يبق منها سوى إيوان القبلة فى مدرسة يرجع تاريخ بنائها إلى عام 750 هـ/ 1349 م وبعض بقايا الواجهة التى نقلت إلى المتحف. وأخيرا يوجد خارج المدينة القديمة دير سان سبستيان وكان يشغل موضعه فى الأصل مبنى إسلامى صغير، من المحتمل أنه مبنى جنائزى، وهو مربع الشكل تعلوه قبة تكسوها

تضليعات كثيرة رائعة. أما بالنسبة للعمائر المدنية فلم يتبق من حمامات غرناطة الكثيرة سوى حمام واحد يقع فى شارع كاليه ريال وهو مصمم وفق الطراز التقليدى حيث يشتمل على حجرة الاستراحة وخلع الملابس، تتلوها ثلاث حجرات مقبية موازية لبعضها. ويعلو حجرة خلع الملابس صالة [قاعة] فى الطابق الأول. وقد خُرِّب البيمارستان بيد أنه احتفظ بتخطيطه وهو عبارة عن فناء أوسط تحيط به أروقة من بائكات ذات عقود مدببة فى الطابق الأرضى وأعتاب خشبية فى الطابق الأول، وكانت حجراته تفتح على الممرات التى تتقدمها. كذلك امتازت واجهته بالتماثل والانسجام سواء من حيث زخارفها الفنية أو من حيث اشتمالها على النص التأسيسى للبيمارستان، ويوجد فى الطابق الأول نوافذ مفردة أو مزدوجة. ولم يتبق من فنادق غرناطة المتعددة سوى فندق واحد هو المعروف بفندق أو مخزن الفحم، وهو عبارة عن فناء يشبه فى نظامه مثيله فى البيمارستان حيث تحيط به البائكات فى طابقين. وعلى وجه العموم فإن عمارة هذا الفندق تشبه ما نراه فى فنادق المرينيين فى فاس سواء من حيث مدخله التذكارى ذى الزخارف الفنية أو فى عقوده ونوافذه المزدوجه. وأعتابه وأسقفه أو غير ذلك. وعلى الرغم من اختفاء كل المبانى العامة التى كانت بغرناطة تقريبًا إلا أنه ما يزال باقيا أجزاء من خمسة دور رائعة امتدت يد الترميم إلى بعضها ومنها الدير المعروف بدير "سانتا إيسابيلا" الملكى وكان يشغل موضعه فى الأصل دار الحرة وهى عبارة عن فناء تتكون جوانبه القصيرة من ثلاثة عقود فى كل من الطابقين الأرضى والأول، فضلا عن قاعات كبيرة مزودة بدخلات مجوفة فى نهايتها. ويمكن أن

2 - الحمراء

نشاهد بقايا دار أخرى فى دير سانتا كاتالينا وهو عبارة عن فناء ما زال محتفظا بشكله الأصلى والذى يشبه مثيله فى دار الحرة والزخرفة ملونة بصفة أساسية. كذلك توجد داران أخريتان بسيطتان للغاية يرجع تاريخهما إلى منتصف القرن التاسع الهجرى/ 15 م، وقد استمر هذا النظام فى الدور المورسكية فى القرن العاشر للهجرة/ 16 م. ومن المبانى السكنية أيضًا قصر شنيل الذى رمم كثيرًا. وتوجد بقايا برج ذى حجرة مربعة مزودة بدخلتين مجوفتين بكل منهما حوض ويمكن إرجاعه (بناءً على زخارفه الجصية) إلى القرن 8 هـ/ 14 م. وتعكس هذه الدور الخاصة بعمارتها وزخارفها وحدة الفن فى غرناطة. 2 - الحمراء - الحمراء قبل القرن 7 هـ - 13 م: ظهر اسم الحمراء فى نهاية القرن 3 هـ/ 9 م وكان يطلق على حصن صغير لجأ إليه العرب الفارون امام الفلاحين الثائرين [المولدين] الذين طوردوا أثناء الفتن التى شبت خاول عهد الأمير عبد اللَّه الأموى [275 - 300 هـ/ 888 - 912 م. وقد حدثت هذه الواقعة 276 هـ/ 889 م وسميت بوقعة المدينة]. وكان هذا الحصين مبنيا فى طرف هضبة السبيكة الغربى، وقد امتدت مبانى الحمراء فى عهد بنى نصر لتغطى الهضبة كلها. ومما لا شك فيه أن هذا الحصين الذى بنى فى نهاية القرن 3 هـ/ 9 م قد هجر فى أواخر عصر الخلافة [الأموية بالأندلس] ثم أعيد بناؤه خلال النصف الأول من القرن 5 هـ/ 11 م وزيد فيه

فاتسعت أرجاؤه بلاشك على يد الوزير اليهودى صمويل ابن نجرلو فيما بين عامى 443 - 447 هـ/ 1052 - 1056 م، ثم قام الأمير عبد اللَّه أحد أمراء بنى زيرى بتحسينه متأثرا فى ذلك بنظام حصن بليوس المسيحى الذى استولى عليه. وقد ذكر هذا الحصن عدة مرات فى أثناء الصراع بين الأمراء الأسبان والمرابطين والموحدين، وكانت مساحته صغيرة والدليل على ذلك أن جند ابن حموشق اضطروا لأن يعسكروا خارج أسواره، وتدل بعض الأسوار الممتدة المبنية بالدبش وبعض بقايا الأبراج الركنية المبنية بالآجر والأحجار المسطحة المجاورة لسور الحمراء الآن على أن الحصن الذى بنى قبل عصر بنى نصر كان فى غاية البساطة. وعندما دخل محمد بن الأحمر غرناطة فى رمضان 635 هـ/ مايو 1238 م أقام فى قصبة بنى زيرى فى المدينة نفسها وبادر فى لحظته فأمر ببناء قصر الحمراء الحالى وبدأ العمل فيه بعد أشهر قلائل. هذا ويختلف المبنى الجديد اختلافا بينا عن الحصين الأصلى [أى القديم] سواء فى أغراضه أو فى سعته. فالحمراء ليس مجرد حصن وقصر بل هو أكثر من ذلك: إنه مدينة ملكية ومقر الحكومة مثله فى ذلك مثل مدينة الزهراء ومدينة الزاهرة وقصبة الموحدين فى مراكش. وكانت توجد فى مقابل الحى التجارى للمدينة قصبة أخرى تم زيادة مساحتها لتسع حاجات الحكومة النصرية فقد احتوت بالإضافة إلى القصور الملكية على المصالح الحكومية كالمكاتب ودار الضرب وثكنات الحرس وكبار الموظفين وكل ما يحتاج إليه الخدم والأتباع وما يحتاجه أهل المدنية من المصانع والحوانيت والمسجد الكبير والحمامات، وكان المنظر الطبيعى الذى يضم المدينة والقصر

الحصن

كامل الروعة إذ تطل جميعًا على نهر حدره عند التقائه بنهر شنيل [وهو أحد روافد الوادى الكبير] وتل السبيكة وعند هذا النشز الرائع تنتهى جبال سيرانفادا [وتعنى جبال الجليد أو الثلج]، وهى عبارة عن هضبة ضيقة تمتد أربعمائة وسبعين متر، طولًا، ومائتين وعشرين عرضًا كما ذكر تورس بلباس. بدأ العمل ببناء قنطرة لنقل الماء من الجبال وكانت المياه متوافرة فى كل مكان بالمدينة وفى قصور بنى نصر، ومن المحتمل أن المساحة الخارجية المسورة والقصور الأولى لم ينته العمل بها حتى عهد محمد الثانى 671 - 701 هـ/ 1273 - 1302 م ومنذ ذلك الوقت أصبحت قاعدة بنى نصر-[أى حتى سقطت دولتهم فى - 897 هـ/ 1492 م]. وتعتبر الحمراء قبل أى شئ حصْنا منيعا وتحوطها الأسوار العالية المدعمة بأبراج قوية، وهى تعد من أجمل وأروع ما عرف فى العمارة الحربية، والحمراء كحصن يستحق العناية والدراسة، والفناء الكبير الذى تضمه الساحة فى الداخل والذى ينحدر على كلا الجانبين كان مقسما إلى ثلاثة أجزاء: فإلى الغرب يقع مُجمع من التحصينات المترابطة المتماسكة وأعنى بذلك القصبة، كما تقع فى أعلى جزء منه القصور الرئيسية، أما المدينة نفسها فتقع على السفوح المنحدرة التى تمتد جهة الشرق. الحصن فى نهاية التل المواجه لفحص غرناطة تقع القصبة مكونة نوعا من النطاق المحصن المستقل تماما عن بقية الحمراء. وهى تشتمل على مساحة كبيرة للاستعراضات أقيمت فيها بعد ذلك دور صغيرة ويحيط بهذه المساحة سور منيع مثلث الشكل له جدران عالية تكتنفها الأبراج وتدعمها ثلاثة أبراج

مقبية منيعة [ربما يقصد بذلك ما يعرف فى مصطلح الغرب الإسلامى بالأبراج البرانية]، وإلى الشرق منها يوجد سور خارجى آخر، ولهذا الحصين بوابته الخاصة التى تفضى إلى الخارج. ويتكون السور الذى يحيط بالحمراء والذى تكمله القصبة فى جهة الغرب من جدار واحد بنى بالحجارة القوية المتماسكة وهذا السور فى غاية الارتفاع ويدعمه ثلاثة وعشرون برجا كبيرا عاليا وتضم الطوابق العليا لبعض الأبراج قاعات أو بيوتا صغيرة ملحقة بالقصور. وقد بنى هذا السور بأمر كل من محمد الأول ومحمد الثانى. وبنيت فى القرن 8 هـ/ 14 م خلال عهد يوسف الأول (733 - 755 هـ/ 1333 - 1354 م) أبراج ممارش ونتشوكة [المطرقة] والقنديل والأبواب التذكارية الثلاثة الكبيرة، وهى باب العدل [باب الشريعة] وباب الطباق السبع وباب السلاح، أما برج المتزين فقد كمل بناؤه فى عهد السلطان محمد الخامس ولذلك فإن هذا السور قد اكتسب مظهره الحالى بعد منتصف القرن 8 هـ/ 18 م بقليل، وقد اكتفى سلاطين بنى نصر المتأخرون أمام تهديدات الملوك المسيحين ببناء قواعد [منصات] المدافع عند أسفل البوابات الثلاثة الكبيرة. هذا وتفتح ثلاثة من أبواب الحمراء وهى: العدل [الشريعة] والطباق السبع والشرفات [الآسنة أو القمم المسننة] على الخارج أما باب السلاح الذى يحيط بالقصبة فهو وحده الذى يصل الحمراء بالمدينة، وتشكل أبواب الحمراء ذات النسب المعمارية الضخمة كتلا عميقة من المبانى تضم مدخلين أو ثلاثة من المداخل المنكسرة [الباشورة] المقبية وغالبا ما تتقاطع عبر رحبة مفتوحة، وقد بنيت هذه الأبواب بالحجارة القوية المتماسكة وواجهاتها وعقودها من

الآجر وأحيانا تزخرف بالقاشانى [البلاطات الخزفية وتعرف فى الغرب الإسلامى بالزليج]، ونظرًا لأهميتها فهى تعد من أروع نماذج العمارة الحربية. ورغم أن باب الشارع خال من الأبراج إلا أنه يشكل فى حد ذاته برجا عاليا، فتح به عقد، ويتميز هذا الباب بمظهره القوى الرائع. أما الأبواب الأخرى فلا تختلف كثيرا عن الأبواب الكبيرة للموحدين والمرينيين فى مراكش وبصفة خاصة عندما تكون محاطة ببرجين. وللأسوار الشاهقة الارتفاع والعلو ممشى للحرس له دروة متوجة بالشرافات الهرمية الشكل، ولا يخفى أن توزيع الأبراج فى الأسوار غير متساوٍ تماما فهى مقامة على مسافات مختلفة إذ تبلغ المسافة بين البرج والآخر قرابة خمسين مترًا. وغالبا ما تكون الأبراج العالية للسور كبيرة لتضم فى قمتها أحد قاعات القصر أو بيتًا صغيرًا مزودًا بصحن [فناء]، ومن ذلك قاعة العرش أو قاعة السفراء التى تشغل الطابق العلوى لبرج مربع ضخم. هذا وتشرف كل هذه القاعات والمنازل السكنية من خاول نوافذ عديدة على المنظر الجميل لكل من المدينة [أى غرناطة] وفحصها. والمعروف أن تلك المجموعة الرائعة من التحصينات التى بناها سلاطين بنى نصر لم تهاجم على الإطلاق، فقد كانت الغارات المسيحية المتعددة التى تصل إلى غرناطة تقف أمام أسوارها دون أن تتعرض للهجمات العنيفة أو للحصار القوى حتى الحصار الأخير الذى أدى إلى سقوط غرناطة وتسليمها إلى الملكين الكاثوليكيين فى غرة ربيع الأول 897 هـ/ الموافق 3 يناير 1492 م، وفى أعقاب التسليم دخل فرديناند وإيزابيللا إلى الحمراء فى السادس من يناير [أى بعد أربعة أيام].

القصور

ويمكن القول بأن أسوار الحمراء والقصور قد سلمت جميعها من الخراب والتدمير إلى حد كبير أثناء الانهيار المتتابع للمملكة وسقوط الأسرة. القصور: إن قصور الحمراء، مثلها فى ذلك مثل كل القصور المغربية الأسبانية، قد رتبت فى مجموعات من المبانى حول أفنية مركزية، وعلى ذلك فإن العنصر الأساسى ليس هو جسم المبنى نفسه وإنما الفناء المركزى سواء كانت مساحته كبيرة أم صغيرة وتحيط به الظلات [السقائف] وتفتح على الفناء حجرات [المعيشة والحكم]. وهذه المجموعات من المبانى تكون غالبا ذات محاور مختلفة ويتصل بمضها ببعض بواسطة ممرات أو حجرات متصلة. وقد هدمت قصور القرن السابع الهجرى/ (13 م) فى القرن الثامن الهجرى (14 م) لتقوم فى مكانها حجرات القصور الحالية. وقد خربت المجموعة الأولى من المبانى التى كانت تقع فى الغرب منذ زمن طويل، وقد كشفت الحفائر الأثرية النقاب عنها حديثًا وهى عبارة عن فناء مربع تفتح عليه بعض حجرات صغيرة ومسجد صغير، وكان يتبع هذا المنزل البسيط ساحة كبيرة تعرف بساحة متشوكة [أى المطرقة] وتوجد إلى الشمال منها ظلة [سقيفة] تؤدى إلى قاعة تعلو أحد أبراج السور. وتتألف القصور الحالية من مجموعتين بنيتا حول فنائين لهما محاور رئيسية عمودية وتضم المجموعة الأولى بهو قمارش ويتقدمه عمر ثم المشور ثم بهو صغير [بهو البركة أو بهو الريحان] وقد بنيت هذه المجموعة بأمر السلطان يوسف الأول (733 - 755 هـ/ 1333 - 1354 م) والمجموعة الثانية وهى مجموعة بهو السباع التى بنيت بأمر السلطان محمد الخامس (755 - 759 هـ/ 1354 - 1358 م ثم من 769 - 794 هـ/ 1368 - 1392 م) فضلا عن بعض الحمامات القديمة، ومسجد يصل

بين هاتين المجموعتين، وقد بنى هذا المسجد فى القرن 8 هـ/ 14 م. وتوجد مقبرة الأسرة وتعرف بالروضة إلى الجنوب من بهو السباع وقد أمكن التعرف على تخطيطها بفضل الحفائر الأثرية. ويحيط بكل من الفنائين الكبيرين ظلات [سقائف] أو مبانٍ فى الجوانب الأربعة، ويشتمل الطابق الأرضى دائما على قاعات الاستقبال، أما حجرات المعيشة فنسبها المعمارية أقل وتشغل الطابق الأول. وعلى ذلك يمكن القول بأن كل مجموعة من مجموعات هذا القصر تشكل عالما صغيرا محصنا حول فنائه المركزى، ولكن الأجزاء العلوية التى فتحت بها الرحاب والممرات التى تعلوها المناظر الرائعة فذات أشكال مختلفة بهيجة. أما بخصوص التكوين المعمارى فإنه يلاحظ أن تخطيط هذا القصر ليس له محور معلوم أو نظام معين كما أنه لا يتكون من عدة طوابق يعلو بعضها البعض كما يتبادر إلى الذهن ولكنه فريد فى تخطيطه وتصميمه إذ أنه يتألف من مجموعات من القاعات والابهاء رصت بجانب بعضها البعض دون الالتزام بقاعدة ثابتة أو تخطيط منتظم واضح، وربما كان ذلك راجعا إلى طبيعة الأرض الجبلية التى شيد القصر عليها، والتى فرضت على العرفاء [أى المهندسين] عدم الالتزام بالتماثل واتباع الأصول الهندسية المعروفة، ولكنهم استطاعوا أن يتغلبوا على هذه الظروف الطبيعية بل استغلوها أحسن استغلال, وجعلوا للقصر أجنحة متفرعة بصورة لم تؤثر على جمال إخراج المبانى ودقة تنسيقها مع العناية الفائقة بتزيينها وزخرفتها، ومن جهة أخرى فإن من أهم مميزات هذا القصر، أيضا استغلال العرفاء للأبراج التى تتخلل الأسوار الشمالية بصفة خاصة القريبة والبعيدة من أجنحة القصر وقد استغلوها لزيادة عدد قاعاته فزخرفت هذه القاعات وأصبحت من أجمل وأروع مبانى القصر كما هو الحال فى برج قمارش وبرج الأسيرة وبرج الأميرات وغيرها من الأبراج.

ومن أهم وأكبر أبهاء قصر الحمراء بهو الريحان أو بهو البركة وهو البهو الذى يتقدم برج قمارش وقد اكتسب اسمه من البركة الكبيرة التى تتوسطه والتى تحيط بها أشجار الريحان وعلى جانبيه الشمالى والجنوبى رواقان يطل كل منهما على البركة بسبعة عقود ترتكز على أعمدة رخامية رشيقة أكثرها اتساعا وارتفاعا "العقد الأوسط"، ويؤدى الباب الذى يتوسط الرواق الشمالى إلى قاعة قمارش التى تشغل أسفل البرج وهى من أعظم وأفخم قاعات القصر حتى أنه يقال: إنه كان يوجد بها عرش مؤسسها السلطان يوسف الأول أبى الحجاج، وإنه كان يجتمع فيها برجال الدولة وسفراء الدول الأخرى، ولذلك أطلق عليها قاعة السفراء. وفى الطرف الشرقى يوجد أشهر أبهاء الحمراء وهو البهو المعروف ببهو السباع، وقد اشتق اسمه من الفوارة الكبيرة التى تتوسطه والتى يوجد أسفلها إثنا عشر سبعًا من الرخام تمج المياه من أفواهها، كما يجرى الماء من فوقها وحولها بشكل يثير الإعجاب، ويزيد من جمال هذا البهو وروعة تنسيقه الأروقة الأربعة المحيطة به والتى ترتكز عقود بائكاتها على أعمدة رخامية رشيقة منفردة تارة ومزدوجة تارة أخرى ونصادف هذه الروائع أينما حللنا بأى قاعة من قاعات القصر، فإذا دلفنا مثلا إلى قاعة الأختين [نسبة إلى لوحتين كبيرتين من الرخام متماثلتين] القائمة فى منتصف الجدار الشمالى لبهو السباع فإنها تشعرنا بفخامة البناء وثراء الزخرفة إلى أقصى حد إذ يتدلى من السقف فى كل مكان حلية بهية من المقرنصات ذات الدلايات أحيانا وكأنها أوكار فى الأشجار تتساقط كالأغصان على عمد صغيرة رشيقة ملتصقة بالجدران. ويقابل قاعة الأختين قاعة أخرى تعرف بقاعة بنى سراج ويتوسطها حوض من الرخام به آثار بقع حمراء [يقال: إنها من دماء بنى سراج بعد أن قضى عليهم بنو نصر] وتعلو القاعة قبة رائعة الجمال من المقرنصات الدقيقة. ومن القاعات

الأخرى قاعة الملوك وتعرف أيضا بقاعة العدل، أما البرطل فهو يرجع إلى اعمال يوسف الأول، ويقصد بالبرطل فى الأندلس الظلة التى تقوم على مدخل هذا القصر الواقعة بين برج الحريم ومصلى صغير، وتتألف هذه الظلة من خمسة عقود أوسطها أكثرها ارتفاعا، ويطل البرطل على بركة تزودها فوارة أسفل العقد بالماء، ووراء هذا البرطل وفى ركن منه قاعة مربعة تشبه البرج يمكن الصعود منها إلى طابق علوى، ويمتاز البرطل بتصاويره الجدارية وهى عبارة عن مناظر صيد وفرق جنود بملابسهم وسلاحهم فضلا عن الزخارف الهندسية الجميلة. أما عن زخارف قصر الحمراء فيعجز عنها الوصف حيث تمثل المرحلة الأخيرة التى بلغ فيها الفن الإسلامى فى أسبانيا ذروة تطوره الفنى الذى كان وما يزال وسيظل مثار إعجاب العالم بأسره، وقد نفذت هذه الزخارف على مختلف المواد وقوامها الزخارف النباتية الدقيقة [التوريق أو الأرابيسك] والزخارف الهندسية البسيطة والمركبة والمتداخلة فضلا عن المقرنصات الدقيقة التى تبدو فى كثير من الأحيان كخلايا النحل ويضاف إلى ذلك التصاوير الجدارية بقصر البرطل والنقوش الكتابية المتعددة، وهكذا فإن المرء بقصر الحمراء يتمتع بحياة من الترف فى نطاق طبيعى لا مثيل لجماله وكأن المجال الذى يحيط به يتجاوب وهذا التمتع، ونجح عرفاء بنى نصر فى إحداث تأثير جمالى يصحب فن توزيع الخمائل والجنان، ومزج المنظر الطبيعى بالعمارة، فالحمراء تجلو لنا أروع أمثلة هذا الفن بل هى واحة خضراء فى إقليم قاحل جاف تحرقه الشمس ولا تدع غابة الحمراء التى تحيط بالقصر السلطانى وكثافة الفروع أى مجال لنفاذ أشعة الشمس، كما أن هذه النسمات المنعشة التى تهز الأشجار فترطب الوجوه المحترقة والمياه التى تنساب بين الصخور، والطيور التى تغرد على الأشجار وبين الأغصان والأفنان. . كل ذلك يجعل من قصر الحمراء قصرا أسطوريا أو جنة اللَّه فى أرضه، ويحمل المرء على أن يحيى فى عالم خيالى لا يفكر فيه إلا فى القصور

المصادر

التى كانت تعيش فيها أميرات ساحرات. أما قصر جنة التعريف فيقع فى شمال شرقى قصر الحمراء فوق ربوة مستقلة، وهو يشرف على الحمراء وتدخل إليه من مدخل بسيط يؤدى إلى ساحة كبيرة فى صدرها مدخل ذو ثلاثة عقود عربية جميلة الزخارف، أما الطابق العلوى فقد أمرت بإنشائه الملكة إيزابيلا، وهو يتكون من رواقين طويلين ومن جناحين متقابلين فى الشمال والجنوب ذات سقوف مضلعة ويضم الجناح الشمالى متحفًا يحوى عدة صور تاريخية لبعض ملوك قشتالة والملكين الكاثوليكَّيينْ فرديناند وإيزابيلا. ويزدان قصر جنة التعريف بالعديد من الزخارف النباتية والهندسية فضلا عن النقوش الكتابية. ويبدو أن قصر جنة التعريف كان مصيفا أو متنزها لسلاطين بنى نصر يقصدونه للاستجمام والاستمتاع بجمال موقعه، ويلجأون إليه لتمضية أوقات الفراغ والمتعة. إن آية فن الحدائق عند المسلمين هى حدائق جنة التعريف فهى شئ رائع من أشجار الحور والأزهار والورود من كل صنف ولون وشجر الريحان، ووسط هذا وذاك تقوم برك الماء والفوارات. وختاما فإن قصر الحمراء يمثل درة الفن فى أسبانيا الإسلامية فى مرحلة أزدهاره الأخيرة. المصادر: (1) H. Terrasse: Islam l'Espagne, Paris, 1958, 202 - 32 (2) K.A.C. Creswell: A bibliography of the architecture, arts and crafts of Islam, London 1961, 351 - 63 د. محمد حمزة [هنرى تيراس H. Tarrasse] غرناطة هى عاصمة مملكة غرناطة ولم تدخل دائرة الشهرة فى التاريخ الأسبانى إلا فى مستهل القرن الخامس الهجرى (الحادى عشر الميلادى) حين أدرك فرع من بنى زيرى الصنهاجيين (أصحاب قلعة بنى حمود فيما بعد) أن قوتهم موشكة على الانهيار، ومن ثم

أعلنوا تأييدهم لعبد الملك المظفر بن منصور بن أبى عامر أول وزير لهشام الثانى فوجدوا الترحيب الكبير فركبوا البحر مع طائفة كبيرة من عشيرتهم وأنصارهم وعلى رأسهم زاوى بن زيرى وسرعان ما أصبحوا أهم كتائب الجيش البربرى الذى جمعه العامريون، فلما مات عبد الرحمن شانجول نقلوا ولاءهم لزعيم حزب البربر فى الأندلس وهو "سليمان المستعين"، فكان لهذا التأييد الفضل الأكبر فى اعتلائه كرسى الخلافة، فلما أخذ سليمان فى مكافأة أتباعه أقطع هؤلاء إقليم ألبيرة وأعنى بذلك أراضى سهل "شينيل" الفتية مع نواح أخرى، وكانت عاصمتها مدينة "ألفيرا" القديمة التى ما لبثت غرناطة أن حلت محلها، وكانت غرناطة مجاورة لها وكان أغلب سكانها من اليهود. ويجمع جغرافيو الأندلس ومؤرخوها على جمال غرناطة وخصب تربة سهولها ولعل مرآها الجميل أثار فى نفوس الزيريين ما يترجم عنه آخر أمير منهم وهو عبد اللَّه الذى أثنى على واديها الجميل فقد أعجبته قنواته المائية وأشجاره وتلاله، وهذا هو الذى جعل بنى زيرى يجمعون العزم على إقامة مدينة لهم هناك فبادر كل أندلسى وبربرى إلى تشييد دار له بها، وسرعان ما أصبحت "ألفيرا" خرابا. وليس من شك فى أنه خلال العصر الرومانى وفى زمن الإمبراطور "أوجستوس" كانت كورة "ألفيرا" تقوم على سلسلة الجبال المسماة بهذا الاسم أيضا، وقد تم العثور إلى جوارها على أطلال رومانية ومسيحية بل وعربية، وليس بين أيدينا تفاصيل عن فتح البربر لها فى القرن الخامس، أو عما حدث من تدمير فى إقليم غرناطة حين اقتحمها "ليوفيلد و" على رأس جيشه. لكن لما جاء المسلمون ترك موسى بن نصير لولده عبد العزيز مهمة إخضاع شرقى الأندلس والاقليم الساحلى المطل على البحر المتوسط، واستطاع فى أثناء زحفه أن يحتل مالقة وألبيرة، كما أن أبا الخطار الحسام بن ضرار -حين صارت إليه الولاية سنة (135 هـ = 743 م) - عهد باقليم ألبيرة غرناطة إلى جند دمشق الذين ساعد شيوخهم

الأمويون الأمير عبد الرحمن الداخل على النزول إلى الساحل، ولقد شهدت كورة ألبيرة (أيام الأمير عبد اللَّه) سلسلة من الصراعات الدامية بين المولدين الموالين للحكومة المركزية من جانب وبين العرب الذين كانوا بقيادة سوار بن حمدون من جانب آخر، والذين استطاعوا التخلص مما هم فيه من محاصرة، وأرغموا الأندلسيين على الفرار فى الواقعة المعروفة بوقعة المدينة، فانخرط المهزومون فى خدمة ابن حفصون الذى تقدم شطر ألبيرة ليتابع القتال فى سهل شينيل، فأصبح يستولى على البيرة تارة ويفقدها تارة أخرى حتى ضاعت منه نهائيا أثناء حكم عبد الرحمن الثالث. وكان إقليم كورة ألبيرة يتبع من الناحيتين الإدارية والحربية -خلال العصور الوسطى- ولاية غرناطة الحالية، وكانت توجد قبل دخول الإسلام أسقفية البيرة التى عقد فيها مجمع دينى بين عامى 309 - 312 هـ. فلما جاء المسلمون الأوائل اتخذوا بيوتهم فى "اللبيريس" التى صحَّفوها إلى "ألبيرة" وآثر الولاة الإقليميون الصغار الانتقال إلى الناحية الجديدة التى أسسوها إلى جوار العاصمة القديمة، وهكذا استحدثت عاصمة جديدة. لكن الإقليم ما زال يعرف بكورة "ألبيرة" وانتشر هذا الاسم وحل محل كلمة "كاستيلا" شأنه فى ذلك شأن حلول كلمة غرناطة محل "الليبيريس" ولم تكن غرناطة هذه تعدو فى القرن الثالث أن تكون قرية كبيرة مسورة على الشاطئ الأيمن لنهر "دارو" عند التقائه بشينيل، وكانت تعيش فى هذه الناحية أقلية إسلامية، تليها فى الكثرة جالية مسيحية، أما الأغلبية فكانت من اليهود حتى لقد كانت غرناطة تعرف فى بعض الأحيان بغرناطة اليهود. وكان يوجد فى مواجهة هذا المكان سور صخرى يشرف على شاطئ "دارو" الأيسر وبه قلعة قديمة تعرف بالحمراء لغلبة اللون الأحمر عليها، وكانت "الهمبرا" ذات الشهرة التاريخية مركز ملوك بنى نصر.

ويمكن تلخيص الأحداث الرئيسية التى أثرت تأثيرا مباشرا على مدينة غرناطة زمن أسرة بنى زيرى فى أن حصارها على يد الخليفة المرتضى (بتحريض من الفتى المنذر والفتى خيران) إلا أنهما غدرا به وحاولا طرد الزيريين مما اضطره للفرار مهزوما هزيمة نكراء، وحدث بعد ذلك قيام الأسرة أيام الأميرين حبوس وباديس وبالمعونة الفعالة من جانب الوزيرين اليهوديين صمويل وولده يوسف بن نجرلو أن أصبحت غرناطة مسرحا لمذبحة مستنكرة كان من ضحاياها الوزير يوسف وعدد كبير من أبناء ملته، مما حدى بالأمير باديس (وقد هرم وأحس بالخطر يهدد حكمه) إلى بذل الأموال الطائلة لتحصين غرناطة القصبة القديمة حتى تصير مكانا لا يمكن اقتحامه أبدا، ناظرا إلى أنه لو حدث أن الولايات المجاورة له أو حتى رعاياه الثائرون اضطروه للفرار فإنه يستطيع حينذاك الاعتصام بغرناطة هذه فيفعل ما فعله من قبل جده زاوى من الإبحار إلى افريقية. ولا نملك إلا أن نشير إلى أن آخر أمير زيرى -وهو عبد اللَّه حفيد باديس الذى ولى الحكم وهو لا يزال طفلا- قاسى حياة مريرة مليئة بالمؤامرات والثورات والحروب مع جيرانه المسلمين والنصارى على السواء، ثم ابتلى أخيرا بعداوة المرابطين فاستعد لمقاومتهم حربيا بتقوية القلاع وتموينها بالسلاح وربط القصبة بالأسوار المتصل بعضها ببعض، وعلى الرغم من ذلك كله فإنه ما كاد يوسف ابن تاشفين -أمير المرابطين- يقف أمام غرناطة حتى خف إليه أبو عبد اللَّه (لما طبع عليه من الجُبن ونزولا على مشورة أصه ووزرائه) وفتح له أبواب البلد وأسلمه كل ما فى قصره من الثروة والمال. وهكذا انتقلت غرناطة إلى حكم الولاة المرابطين سنة 483 هـ/ 1090 م حتى سنة 551 هـ = 1166 م أى إلى أن آلت إلى الموحدين، فكان أول وال مرابطى عليها هو أبو محمد عبد العزيز

وتلاه الأمير يحيى بن واسينو قريب يوسف الذى عاد إلى شبه الجزيرة لآخر مرة سنة 496 هـ/ 1103 م للحفاظ على مركز ابنه علىّ الذى كان قد نودى به واليا على مراكش قبل عام من هذا التاريخ, وسار إلى الساحل عبر غرناطة (وواليها وقتئذ هو أبو الحسن بن الحجاج) فهاجمه، "أدفونش السادس" فى مدينة سالم فرد عليه بهجمة من طليطلة وطلبيرة، ولكنه هزم وقتل فى المعركة. أما الوالى الذى خلفه فهو محمد بن الحجاج الذى جاء على رأس قوات غرناطة لمساعدة الأمير "سير" وإلى أشبيلية الذى كانت بلاده تواجه تهديدات الفونسو السادس، لكنه اضطر للارتداد عند "المقاطع" المجاورة لاشبيلية متكبدا كثيرا من الخسائر الفادحة، فلما كان العام التالى (499 هـ = 1105 م) نجد أن الحاكم هو أبو بكر بن إبراهيم اللمتونى الذى وقف فى وجه المناداة بعلى بن يوسف عند وفاة يوسف بن تاشفين (500 هـ = 1106 م)، لكن انصراف الغرناطيين عن مساعدته أفضى إلى أسره وإرساله إلى مراكش، وحينذاك مضى على بن يوسف بصحبة أخيه الأكبر طاهر بن تميم إلى الأندلس مباشرة للقضاء على الفتن المضطرمة فى قرطبة، وتولى تميم حكومة غرناطة فبادر فى الحال إلى الخروج على رأس عسكره والتحم فى قتال مع شانجة الصغير بن الفونسو السادس الذى لقى مصرعه فى هذه المعركة، لكن لم يكن معنى ذلك صفاء الأمور لتميم فقد تم خلعه فى هذه السنة ذاتها كما انتصر الأمير "مزدلى ابن سلنكان" ابن أخى على بن يوسف على عبد اللَّه بن فاطمة والى غرناطة، واستطاع رغم تقهقره سنة 506 هـ = 1112 م أن يستولى فى السنة التالية على بعض الأماكن وامتدت يده بالتخريب إلى بعض المواقع مثل "بجيناس" و"كابيتياس ومجان" وتغلب على القائد "رودريجو انزارس"، لكن لم يقدر لنجاحه هذا أن يستمر طويلا فقد دارت الدائرة فى شوال

508 هـ على "علىّ" حليف يوسف بن تاشفين وخليفته وقتل، فنهض ابنه بحكم غرناطة، وبينما كان تميم فى غرناطة مرة أخرى قام ألفونس الأول المعروف بالمقاتل بحملة عبر بها بلاد الأندلس وظهر أمام غرناطة مرتين دون أن يحاول محاصرتها لكنه استطاع أن ينزل الهزيمة بتميم فى "أرانزويل" وانتهى الأمر بخلعه وتولية "أبى عمر" حفيد يوسف بن تاشفين والى فاس من قبل فالتحم بألفونسو أثناء ارتداده، ثم صدرت الأوامر إلى ولاة اشبيلية وغرناطة وقرطبة وألمرية لترميم أسوار مدنهم وقلاعهم، وبذل "اينالو" والى غرناطة الجديد جهودا مضنية لتنفيذ هذه المشورة رغم الثورة فى جبيل واستيلاء الثوار على مواد بنائه التى كانت حول باب الرملة وباب ألبيرة وهلاك أرواح كثيرة، فخلعه على فى جمادى 522 هـ (مايو 1128 م) وأمره بالذهاب إلى مراكش لمواجهة ما رمى به من التهم النكراء من علوج غرناطة، وحوكم عليه بالسجن تكفيرا عن أخطائه. وتدلنا هذه الحادثة على أن جميع المولدين قد أرغموا على الهجرة إلى مراكش. واستولى الحاكم الجديد أبو حفص ابن يوسف على إحدى القلاع، ولكنه خلع بعد أربعة أشهر، وحل محله أحد أبناء على وهو المعروف بتاشفين، وكان سئ الطالع فقد ظل يحارب القشتاليين عشر سنوات حروبا عنيفة لم يقدر له فيها النجاح، ولما ولى حكومة قرطبة سنة 526 هـ (1132 م) أناب عنه فى ولاية غرناطة أبا محمد الزبير بن عمر المعروف فى الحوليات النصرانية باسم Azuel الذى انتهت حملاته البطولية نهاية مأساوية سنة 538 هـ (1143 م) فقد تمت هزيمته ومقتله على يد القائد الطليطلى "مينيو الفونسو". لقد كان على بن أبى بكر بن على بن فاطمة آخر حكام مراكش فقد مات فى ثورة "ابن أضحى" الذى سلم غرناطة لسيف الدولة المعروف فى المراجع النصرانية باسم Zafadola وهو آخر سلالة بنى هود أصحاب سرقسطة والذى استسلم لألفونسو السابع.

ولقد تحصن المرابطون فى "القصبة" القديمة واستبسلوا فى صد هجمات سيف الدولة وأرغموه على الارتداد بعد أن قتلوا ابنه عماد الدولة إذ باغتوه بالهجوم، ولما أخرج الغرناطيون عليا بن أضحى الذى ارتد إلى حصن المنكب اعترفوا بسيادة مرابطى القصبة عليهم، ولقد ظلوا محافظين على مكانتهم حتى سنة 551 هـ (= 1156 م) بقيادة ميمون بن بدر قائد ابن غانية، إلا أن أعمال حكام قرطبة واشبيلية الموحدين زادت من إحساسهم بعزلتهم وتضاؤل عددهم فكاتبوا مراكش فى طلب الصلح فأجيبوا إليه، وجاءت الأوامر إلى عبد اللَّه بن سليمان قائد اسطول سبتة إلى العدوتين وهو السيد أبو عثمان بالابحار إلى الجزيرة الخضراء ومنها إلى غرناطة فأسلم "ميمون بن بدر" المدينة وانتقل بجميع مرابطى غرناطة إلى مراكش وسكنوها. واستعد حاكم غرناطة الجديد للرسو برا على ساحل المرية التى كانت فى يد القشتاليين، على حين قام أسطول "سبتة" بمحاصرتها بحرا، ونجح فى احتلالها مرة ثانية، وحينذاك أسرع الفونسو السابع وحليفه "ابن مردنيش" لمعاونتها ولكنهما لم يستطيعا الاحاطة بها، ومن ثم حاول مباغته غرناطة التى كانت حاميتها غائبة عنها فى المرية، غير أن الوزير أبا جعفر أحمد بن عطية والسيد يوسف بن عبد المؤمن (وقد توقعا استسلام المرية) استطاعا أن يسبقاه إلى غرناطة ونجحا فى الدفاع عنها مما أدى إلى إنقاذ بعض النواحى. ومات الفونسو السابع يوم 21 اغسطس 1157 وحينذاك نعمت غرناطة بفترة من السلام لمدة خمس سنوات إذ قام "ابن همشكا" سنة 557 هـ (1162 م) بالهجوم عليها لغضبه لضياع قرمونة من يده، وعاونه فى هذا الهجوم سكانها اليهود والمولدون، فتحصنت حامية القصبة القديمة، وطلبت نجدات من "ابن مردنيش" فجاءها بمن معه من الجند والمرتزقة النصارى بقيادة "ألفا روديز" حفيد "ألفار فانييز". وكان صاحب غرناطة السيد أبو عثمان غائبا حينذاك فى مراكش فأسرع لنجدة البلد، ولما صار فى سهل غرناطة استصحب معه

قوات من اشبيلية إلا أنه منى بالهزيمة فى موضع يسمونه "مرج الرقد" الذى يبعد عن المدينة بأربعة أميال ففر إلى مالقه، فعاد عبد المؤمن مع طائفة من المحاربين وجعل عليهم فى الظاهر ولده ووريثه "يوسف". أما القيادة فكانت فى الواقع فى يد "يوسف بن سليمان" البطل المحارب الذى تسلق بالليل مكانا صخريا مشرفا على "شينيل" وباغت عسكر العدو فى الفجر وانتصر نصرا عظيما وفك حصار حاميتها، ودان له جميع سكان الوادى الذين كانوا قد أعلنوا خضوعهم لابن همشكا. فلما كانت سنة 563 هـ (1168 م) وفى اللحظة التى اعترف فيها الغرناطيون بيوسف الأول "أميرا للمؤمنين" قام واليها فهزم بقربها كتيبة من المرتزقة النصارى الذين كانوا فى خدمة ابن مردنيش، وكانت هذه الكتيبة قد توغلت فى الداخل حتى بلغت "رندة" فلما عاد يوسف من حملته الفاشلة فى خريف 568 هـ (1172 م) مر بغرناطة وولى عليها أخاه أبا سعيد عثمان الذى كان يصحبه فى هذه الحملة، ولم يحدث شئ هام أيام حكم الأمراء الموحدين التالين حتى زمن عبد المؤمن الذى أعلن وهو فى اشبيلية قبل سفره إلى مراكش أنه مهاجم محمد بن يوسف بن هود الجذامى الممثل لثورة المسلمين الأسبان. ولقد تمكن ابن هود (أثناء غياب المأمون) من السيطرة على معظم الأندلس كما اعترف بالخليفة العباسى المستنصر الذى جاء رسوله سنة 632 هـ (1233 م) إليه فرحب به أعظم ترحيب، وخلع على ابن هود لقب "أمير الأندلس" كلها، غير أن ابن هود لقى مصرعه اغتيالا فى ألمرية سنة 535 هـ (1237 م) فقام خصمه ابن الأحمر فى ارغونة واستولى على غرناطة سنة 636 هـ (1238 م) وأقام دوله بنى نصر. وكانت إحدى مهامه الأولى النظر الدقيق فى أمر المدينة فوضع أساس "القصر" وجهز آلات الحفر ووضع الأساس، ولم يمر العام حتى كان قد تم إنشاء كثير من التحصينات، وأجرى المياه من النهر، وأقام السدود، ولكنه

المصادر

أمر فى بداية البناء بقتل جابى الضرائب "أبى محمد بن عروس" وغيره من الجباة فقد طلب منهم من الأموال ما يسد رغبته للصرف على مشروعه. ولما مات الخليفة الموحدى الراشد سنة 640 هـ (1242 م) أعلن طاعته لأمير تونس أبى زكريا الحفصى الذى تسلم منه مبالغ مالية كبيرة كان العزم أن يصرفها المسلمون الأسبان فى الجهاد، لكن ابن الأحمر صرفها فيما أراد هو على توسيع مساجد المدينة، وأرغم القاضى محمد بن عياش أن يُقسم أن هذا المال من الحاكم التونسى لم يكن مرصودا لشئ معين ولكنه يصرف حسب الحاجة. المصادر: (1) ابن الخطيب: أعمال الأعلام، ص 139، 260 - 270. (2) Levi-Provencal: Esp. Mus., Leiden, Paris 1950 - 53, vol i, 342, ii, 330 (3) R. Dozy: Hist. des Musulmans d'Espagne iii, 70, 143 د، حسن حبشى [ميراندا A. Huici Miranda] غريب معناه الحرفى "غير المألوف"، وهو مصطلح فى فقه اللغة، وفى علم الحديث. وهو يعنى كمصطلح فى فقه اللغة: "العبارات النادرة، وغير المألوفة" (وبالتالى تكون غامضة تحتاج إلى تفسير) ويستخدم فى معناهما اللفظان ("وحشى" و"حوشى"). ومصطلح "غريب" يأتى كثيرا فى عناوين الكتب التى تتناول التعبيرات غير المألوفة عادة فى القرآن الكريم، وفى الحديث النبوى الشريف ويبدو أن الكتب التى تحمل عناوين "غريب القرآن" و"غريب الحديث" كانت قد وجدت فى فترة زمنية متقدمة ترجع إلى القرن الثانى الهجرى. ويوجد مصطلح "غريب" أيضًا فى أعمال خاصة بالنظرية الأدبية (حيث يحمل المعنى المدحى غير الفنى "غير مألوف", "أصيل"). وثمة أخبار قصصية تبين أن بعض النقاد الأمويين والعباسيين الأوائل قد عابوا على بعض الشعراء المعاصرين لهم استخدامهم لغة غير مألوفة، ومن هؤلاء الشعراء على سبيل المثال: الطرماح، والكميت، وابن

المصادر

مناذر؛ لأن هذه اللغة غير المألوفة، لم تكن جزءا من مجموع المفردات الأصلية لهؤلاء الشعراء، ولكنها نجمت من ميل إلى استخدام المهجور من الألفاظ. ويتبع معظم العلماء العمدة فى النظرية الأدبية الخط نفسه حيال معجم الشاعر، ولا يقرون إلا بصحة التعبيرات المعروفة فى عصر الشاعر نفسه، ويدينون بالمثل استخدام "غريب" الألفاظ فى النثر والخطابة. ولكن ابن الأثير الذى يتناول هذا الموضوع باستفاضة يرى أنه يمكن استخدام تعبيرات غير مألوفة فى الشعر طالما أنها لا تؤذى الأذن. المصادر: (1) الجاحظ: البيان, القاهرة سنة 1948، جـ 1, ص 378 - 80. (2) قدامة بن جعفر: نقد الشعر، ليدن سنة 1956، ص 100 - 3. (3) الآمدى: الموازنة، استانبول سنة 1287 هـ, ص 120 - 1, 190 - 1. (4) المرزبانى: الموشَّح، ص 191 - 2, 208 - 9, 295 - 6, 310 - 1, 369 - 70, 376. (5) أبو هلال العسكرى: كتاب الصناعتين، القاهرة سنة 1952، ص 3, 61. (6) ابن رشيق: العمدة، القاهرة سنة 1325 هـ، جـ 2، ص 205 - 6. (7) الخفاجى: سر الفصاحة القاهرة سنة 1953، ص 69 - 77. (8) ابن الأثير: الجامع الكبير، بغداد سنة 1956، ص 41 - 9، والمؤلف نفسه: المثل السائر، القاهرة سنة 1939, جـ 1، ص 155 - 78. (9) J. Fueck: العربية، برلين سنة 1950 (الترجمة الفرنسية، باريس سنة 1955)، الفهرس. (10) Von Grunebaum: Kritik und Dichtkunst, فيسبادن سنة 1955، الفهرس. (11) أمجد طرابلسى: La Critique poetique des Arabes, دمشق سنة 1956، ص 167 - 70. حسن شكرى [س. أبونيبكر S. A.Bonebakker]

الغريض

الغريض لقب لأبى زيد أو أبى مروان عبد الملك المغنى الذى ذاع صيته فى العصر الأموى وكان ابنا مدجنا لعبد بربرى وجارية من جوارى الأخوات الثلاث "عبلات" المكيات اللائى اشتهرن فى مكة بمراثيهن، وقد قامت إحداهن واسمها "ثريا" وهى التى امتدحها عمر ابن أبى ربيعة وغنى لها فقدمت أبا زيد (الغريض) إلى المغنى الشهير ابن "سريج" إلا أنه سرعان ما فاق أستاذه وبزّه مما جعل ابن سريج على أن يهجر هذا الفن. ثم ذاع صيته بانتقاله إلى بيت "سكينة بنت الحسن" كما غنى فى بلاط الخليفة الوليد الأول، وحدث فى إحدى المرات -وقد غنى الاثنان أمام سكينة أبياتا لعبد اللَّه العَرْجى فقالت سكينة إنها لا تدرى أيهما يبز الآخر فى حسن الغناء. وشيّهَتْما بعقدين أحدهما من اللؤلؤ والآخر من الياقوت، ولما أمر وإلى مكة نافع بن علقمة بمنع الخمر والموسيقى فرَّ الغريض إلى اليمن التى يقال إنه مات بها حوالى سنة 98 هـ رغم أن هناك رواية أخرى يظهر فيها غريض فى بلاط يزيد الثانى سنة (101 - 105 هـ) ويقال إن الجن كانت تلهمه الغناء فيه ما شاء الإبداع، وكان نجاحه فى شعر الرّمل والهزج مدعاة لابن سريج أن يقلّده فيهما وينهج نهجه، كذلك بدع الغريض فى اللعب بالعود والدفّ والنفخ بالمزمار، وقد عدّه إسحاق الموصلى رابع أربعة من أعظم المغنيين فى الإسلام حتى إنه وضع فيه كتابا سماه "كتاب الغريض" الذى يبين عظيم قدْره فى أيام الإسلام الأولى. المصادر: (1) الجاحظ: الحيوان، جزء 1 ص 302، جزء 4، ص 208. (2) المسعودى: مروج الذهب، باريس، 1861 - 1877, جزء 3، ص 327. (3) الأغانى: طبعة Brunnow, ليدن 1883. (4) ابن عبد ربه: العقد الفريد، القاهرة, 1887 - 1888، الجزء 3، ص 187. أمل رواش [هـ. ج فارمر H. G. Farmer]

الغزال

الغزال بالزاى المفتوحة المخففة هو يحيى بن الحكم البكر من أهل جيان بالأندلس نعت بالغزال فى شبابه لرقته وحسن طلعته، واشتهر فى بلاط الحكم الأول الذى كان إذا عاد من حملاته المستمرة عقد حوله ندوات شعرية يشارك هو فيها، وكان الغزال فى الخمسين من عمره حين سطع نجمه فى بلاط الأمير عبد الرحمن الثانى حين اتخذه واحدا من شعرائه المقربين إليه. وكان مما زاد فى رفعة مكانة الأمير السفارة التى أوفدتها إليه توفيليوس امبراطورة بيزنطة، فلما عادت إلى بلادها صحبها سفيران مسلمان كان أحدهما الغزال وثانيهما يحيى المعروف بصاحب المنقلة، يحملان اقتراح مولاهما بعقد معاهدة ضد العباسيين فى الشرق وحلفائهم أغالبة أفريقية الذين امتد نشاطهم فى حوض البحر الأبيض المتوسط حتى هاجموا صقلية. وبعد أن فرغ الغزال من أداء رسالة الأمير عبد الرحمن وتسليم هداياه إلى توفيليوس ظل بالبلاط البيزنطى فترة استطاع فيها بحنكته وذكائه أن يتوصل للوقوف بين يدي الإمبراطورة "تيودورا" وولى عهدها ميخائيل، وأعجب الإمبراطورة ما عليه الغزال من ظرف فوصلته ببعض الحلى والمجوهرات الثمينة هدية منها لبناته. وكان الغزال شاعرا حاضر البديهة يخشاه الناس لهجوه المقذع الذى يتسم بالصراحة، حتى صار كثير الجريان على ألسنة العامة. ولما عاد الغزال من بلاط القسطنطينية عاد محملا بالهدايا وعدة أشجار من أشجار التين، وكان زرياب قد أدخل يومذاك الأندلس لعب الشطرنج فانصرف عنه الغزال، حتى لقد نهى قريبًا له عن لعبه وذمه إليه ووصفه من "عمل الشيطان". وقد أدت بعثة الغزال الدبلوماسية وهجوم الفيكنج على الأندلس إلى ظهور أسطورة ذاعت فى القرن الثانى عشر أو الثالث عشر وروج لها ابن دحية الأندلسى ومفادها: أن عبد الرحمن -وقد أرضته سفارة الغزال وصاحبه إلى بيزنطة- عهد إليهما من جديد بسفارة إلى البلاد الشمالية لمنع ملك الفينكنج من معاوية الهجوم على الأندلس،

المصادر

ونجحت السفارة فيما ذهبت من أجله وعادت بعد رحلسة استغرقت تسعة أشهر تعرضت فيها لأخطار كثيرة فى مياه الأطلسى. والواقع أن القصة خيالية فى معظم أحداثها وكذلك دخل الخيال قصة الذهاب إلى بيزنطة فدخلها الجانب الأسطورى الذى شوه الحقيقة التاريخية. المصادر: بالإضافة إلى المصادر الواردة فى المادة انظر: (1) القزوينى: عجائب المخلوقات (مادة ظبى). (2) الدميرى: حياة الحيوان (مادة ظبى وغزال). (3) ابن سيدة: المخصص، الجزء 8، ص 21 - 42 (مادة ظبى). د. حسن حبشى [فيريه F. Vire] الغزالى أبو حامد محمد محمد الطوسى (450 هـ/ 1058 م - 505 هـ/ 1111 م) كان متكلما بارزا وفقيها ومفكرا أصيلا وصوفيا ومصلحا أثير كثيرٌ من الجدل حول اسمه هل هو "الغزالى" بتخفيف الزاى المفتوحة أم بتشديدها مع الفتح؟ وإن كان الأول أخف فى النطق. حياته: ولد فى طوس من أعمال خراسان بالقرب من مدينة مشهد الحديثة عام 450 هـ/ 1058 م، تلقى العلم فيها هو وأخوه أحمد ثم انتقل هو إلى جرجان ثم نيسابور حيث تتلمذ على يد الجوينى إمام الحرمين حتى إذا مات الجوينى درس على أيدى كثير من العلماء وإن كان أكثرهم مجهولين، ثم انتقل إلى بغداد ليلقى دروسه بها، وفى عام 488 هـ/ 1095 م ألم به مرض منعه من التدريس وانتابه الشك لفترة من الزمن. ثم ترك بغداد للذهاب إلى الحج كما يقول لا سيما وأنه كان يعتقد أن الفساد كان متفشيا بين علماء الدين فى ذلك الحين. ثم عاد فى عام 449 هـ/ 1106 م إلى التدريس فى مجال الفلسفة. ويقال إنه ذهب إلى دمشق وبيت المقدس ثم إلى المدينة ومكة لتأدية الحج. وقد عاش الغزالى تلك الفترة كالصوفى الفقير معتزلا

أعماله واتجاهاته الفكرية

الناس يمارس التأمل والتدريبات الروحية وفى تلك الفترة أيضا وضع أهم مؤلفاته وهو إحياء علوم الدين ثم سلك بعدئذ سلك الصوفية ورأى أن التصوف هو الطريق الأسمى للإنسان. وتوفى فى جمادى الآخرة - ديسمبر عام 505 هـ/ 1111 م. أعماله واتجاهاته الفكرية: أ - يواجه الباحث فى فكر الغزالى صعوبة بالغة. إذ على الرغم من كثرة ما ترك من مؤلفات إلا أنه مما لا شك فيه أن كثيرا من الكتب مدسوسة عليه. فهناك قائمة تحوى 404 عنوانا بعضها لا توجد له نسخ بين أيدينا، وبعضها الآخر ظهر بعناوين عدة. ومعظم الأعمال المنحولة والمنسوبة له تحمل نظرات صوفية أو فلسفية متقدمة تختلف عن الأفكار التى نعهدها فى كتبه المسلّم بصحتها. وصعوبة أخرى تواجه دارس الغزالى تتمثل فى ثراء فكره، وقد نبه ابن طفيل فى "حى بن يقظان" إلى وجود تناقضات فى كتاباته، كما نبه أيضا إلى أنه يكتب على مستويين أحدهما موجه إلى العامة والآخر إلى الخاصة، أى أن له نظرات باطنة لا يفصح عنها لكل عابر غير أنه ليس هناك ما يبرر الاعتقاد بوجود تناقضات فى كتاباته استنادا إلى وجود مستويين فى الكتابة كل منهما موجه إلى جمهور مختلف. كما أنه من المستبعد افتراض أن الغزالى اتخذ وجهة نظر صوفية ذات صبغة فلسفية فى أواخر حياته لأن كتاب "إلجام العوام" -وهو كتاب أنجزه قبل وفاته بعدة أيام- ينطوى على أفكار شبيهة بتلك التى وردت فى كتاب "الإحياء"، لذلك فإن أسلم طريقة لدراسة الغزالى هى التركيز على أعماله الرئيسية. ب- الجانب الشخصى: قبل وفاة الغزالى بعامين كتب "المنقذ من الضلال" وهو بمثابة وصف لتطور أفكاره الدينية ولكنه لا يعد سيرة ذاتية بالمعنى الدقيق. فأحداثه غير مرتبة ترتيبا تاريخيا بل هى مجمل عام لحياته. وبه رد على ما واجه كتابه من نقد لأفكاره وتصرفاته. وثمة كتاب صغير يسمى "الإملاء" كتبه للرد على من انتقد كتابه "الإحياء".

جـ- الفقه

جـ- الفقه: اقتصرت كتاباته الأولى على مجال الفقه، ومنها كتاباه "البسيط" و"الوسيط" وقد كتب "الوجيز" فيه 495 هـ/ 1101 م. أما "المستصفى" فقد كتبه أيام إقامته فى نيسابور ويدور حول أصول الفقه. د- الفلسفة والمنطق: بعد فترة الشك التى مر بها الغزالى عكف على دراسة الفلسفة دراسة متأنية وخصوصا الأفلاطونية الجديدة كما وردت عند الفارابى وابن سينا. وعلى الرغم من أنه كان يهدف فى نهاية الأمر إلى بيان أن هذه الفلسفات تتعارض مع الإسلام السنى إلا أنه فى كتابه "مقاصد الفلسفة" قدم عرضا خالصا للفلسفة دون نقدها. وكان له صداه الطيب فى الأندلس فى القرنين الثانى عشر والثالث عشر، وأعقب ذلك كتابه "تهافت الفلاسفة" عام 488 هـ/ 1095 م ذكر فيه عشرين مسألة تتعارض فيها أقوال الفلاسفة مع معتقدات أهل السنة وقد ركز الغزالى فى هذا الكتاب على بيان تناقض الفلاسفة دون أن يقدم وجهة نظر منسقة خاصة به. ولكن الغزالى كان معجبا بصفة خاصة بالمنطق وبصفة أخص بالقياس الأرسطى فكتب كتابيه "معيار العلم" و"محك النظر"، أما كتابه "القسطاس المستقيم" فقد كتبه ليبين فائدة استخدام المنطق فى المسائل الدينية. هـ - علم الكلام: أهم كتبه فى هذا المجال "الاقتصاد فى الاعتقاد" ويرجح أنه كتبه قبل قليل من مغادرته بغداد أو بعد قليل، ويرى ابن خلدون بحق أن الغزالى يعد بهذا الكتاب مؤسس اتجاه جديد فى علم الكلام، نظرا لاستخدامه المنطق الأرسطى وبصفة خاصة القياس. وقد تحدث الغزالى عن هذا الكتاب فى كتابه "الأربعين" واصفا إياه بأنه يمهد الطريق للوصول إلى المعرفة على الطريقة الصوفية على خلاف كتب المتكلمين التقليدية، وهذا يعزز الاعتقاد بأن الغزالى ظل أشعريا فى الأمور الاعتقادية إذ كان يرى أن المناقشة العقلية للأمور الدينية ينبغى أن تنحصر فى حدود معينة لا تتعداها لا سيما وأن هذه المناقشات العقلية لا تعود على أحد

و- الممارسة الصوفية

بفائدة عملية. ومن مؤلفاته فى هذا الموضوع كتاب "فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة" وهو نقد موجه ضد فرقة الباطنية، أما كتاب "إلجام العوام عن علم الكلام" -وهو فيما يبدو آخر مؤلفاته- فهو بمثابة تحذير من مخاطر دراسة علم الكلام لمن كان تحصيله العلمى ضئيلا. و- الممارسة الصوفية: أهم كتب الغزالى من حيث المحتوى وأكبرها حجما "إحياء علوم الدين" فى أربعة مجلدات يعالج فيه أربعة أبواب "العبادات" و"العادات" و"المهلكات" و"المنجيات" وكل باب استغرق عشرة كتب. ومن ثم فهو يعتبر مرشدا كاملا للمسلم التقى فى كل ما يتعلق بالحياة الدينية، سواء العبادات أو السلوك اليومى أو نقاء السريرة والتقدم على طريق التصوف الذى من شأنه أن يحقق "بداية الهداية" كما يعد كتاب "الأربعين" ملخصا "للإحياء". أما كتابه "كيمياء السعادة" فهو فى الأصل موجز "للإحياء" ولكن باللغة الفارسية. ى- النظرة الصوفية: فى هذا المجال تكثر حالات الانتحال أى الكتب المشكوك فى نسبتها للغزالى، إلا أن كتابه "مشكاة الأنوار" يعد من كتبه غير المشكوك فيها إلا الفصل الأخير منه. وكتاب "الرسالة الدينية" يتحدث عن معرفة الأمور الإلهية وطبيعة هذه المعرفة حيث يصل إليها المرء بالذوق أى بالحس ونسبته للغزالى مشكوك فيها نظرا لتشابهه مع كتاب لابن عربى ولاحتوائه على أفكار مستمدة من الأفلاطونية الجديدة. وهناك كتب عديدة للغزالى فى هذا المجال أهمها كتاب "منهاج العابدين" وهو يهم دارسى التصوف حتى لو ثبت أنه منتحل فهو يكشف عن التفكير الصوفى فى عصر الغزالى. أثر الغزالى: أ- كان لنقده لفرقة الباطنية أثره فى التقليل من جاذبية هذه الفرقة لدى جمهور المسلمين. ب- بعد توجيه سهام نقده للفلاسفة لم تظهر أسماء كبيرة فى الحركة الفلسفية فى الشرق الإسلامى، وإن كان من غير الواضح إلى أى حد

المصادر

ساهم الغزالى فى تدهور الفلسفة، إذ أن كتابه "تهافت الفلاسفة" ظل رائجا فى الغرب الإسلامى مما يعنى أن ثمة أسبابا أخرى لها أهميتها قد عملت على تدهور الفلسفة. جـ - أدت دراسات الغزالى الفلسفية إلى إدماج عدة فروع منها -وبصفة خاصة المنطق- فى علم الكلام. وبمرور الوقت أخذ علماء الكلام يولون المزيد من الوقت والمساحة للأولويات الفلسفية. د- أدت "الخانقاة" (التى أسسها فى طوس وعاش فيها مع مريديه) خدمات جليلة للمسلمين من مختلف مستوياتهم التعليمية. المصادر: (1) P. BAUYGES: ESsai de chrondosie des oeunes de al-Ghezali ed. M. Al lard., Beirut 1959 (2) D.B. Macdonald: The life of al-Ghazzali in JAOS. (1899). 71'132. Mar garet Smith, Al-Ghazali the mystic. London 1944 (3) EW. Mantgomery walt: Muslim intellectual, Edinbwgh 1963 (4) W.R. WGardne: An account of AlGazali's life and words. Mahas 1919 (5) S.M. Zwemer: A Moslem seeher apter God Lodon 1920 (6) Brochelmann J. 535 - 46. SI, 744 - 56 Bouyges, Chranlgre- An ZDMG, XCiii 395 - 408, Fr. Mecer (English tr. by F.R.C. Bagley, Chezali's Book of Counrel for Kings London 1953 (7) W. Montgomery watt: The faith and Pradtic of AIGhezali-London 1953 (8) G. H Bousquer: Ih'ya au vivification des suenes de la foi, analyse et index Paris 1955 (9) M. Asim Palacios: la espisitualicad de Algazed y su sentido critiona, Madrid 1935 etc (10) J. Obermann: Der Philaaspharische und religirere Subkektivismes Ghezalis, Vicenna and Leipzrig 1921 (11) A. J. Wensinch: la Peure de Ghazali Paris 1940. farid Jabre: La notion de la Ma'sifa chez Ghazuli, 1958

الغزل

(12) M. Smith: al-Ghazuli the Mvstic Rogu Arnaldey, Contraverses theologiques chezz Ibn Hazm de Gordoue et Ghazali in les Mardis de Dar el-Salam, Sommaire 1953, Paris 1956, 207 - 48 سعيد عبد المحسن [مونتجمرى وات W. Montgomary Walt] الغزل تسمى أغنية الحبِّ أو قصيدةُ الحب غَزَلا، وفى لسان العرب لابن منظور الغزلُ حديثُ الفتيان والفتيات، والغزلُ أيضًا اللَّهو مع النساء، وغازل الفتى فتاته أسمعها حلو الكلام. وكلمة الغزل عربية وانتقلت منها إلى الفارسية والتركية والأوردية، وأصبح لها فى هذه اللغات معان خاصة. والأصل اللغوى للكلمة هو مادة (غَزَل) ففى ابن منظور (غزلت المرأة القطن والكتان وغيرهما تغزله غزلا وكذلك اغتزلته وهى تغزل بالمِغْزل. . الخ لكنه ليست هناك -فى الواقع علاقة بين هذا المعنى الأخير ومعنى ملاطفة النساء بقصائد الحب وأغانى العشق، كما ليست هناك علاقة بينه وبين أغانى النساء وهن يَغْزِلْن، وقد ذهب إلى هذا الرأى الخاطئ تيبيولوس Tibullus فى بحث نشر فى باريس سنة 1931. وارتبط الغزل أحيانا باللَّهْو كما فى بعض أشعار الأخطل وسُراقة (يلهو إلى غَزَل الشباب)، كما ارتبطت الكلمةُ بأغانى الحب التى تناجى الحبيبَ كما فى أشعار الوضّاح، وبدءا الغزل نقيضا للخَوْف من الموت. وبدءا من القرن الثالث الهجرى (التاسع للميلاد) انصرف مصطلح الغزل لمعناه العام الذى أوردناه فى صدر هذا المقال وأصبحت صيغة المفاضلة (أَغْزَل) تستخدم للمفاضلة بين قصائد الغزل والشعراء الغزليين (هذه القصيدة أغزل من تلك، هذا الشاعر أغزل من ذاك). كما استخدمت صيغة المبالغة فكان يقال (هذا شاعرٌ غَزِل -بفتح الغين وكسر الزاى) وذلك منذ القرن الثالث للهجرة وقد فرَّق قدامة بين الغزل والتغزُّل وأصبح الغزل مختلف شيئا ما عن النسيب. والأفكار المرتبطة بالغزل هى نفسها الأفكار المرتبطة بالتشبيب من الفعل

الغزل فى الشعر العربى

شبَّب ويستخدم التشبيب كمرادف للغزل والنسيب إلّا أنَّ هذا المصطلح الأخير -فيما يقول ابن دُرَيد- هو الأكثر استخداما. والتشبيب يقينا مشتق من الفعل شبَّبَ (شبَّ يشبُّ شبابًا وشبيبة. . والشبيبة خلاف الشيب. .)، ومع أن مصطلح النسيب هو الأكثر استخدامًا إلا أنَّ أصله اللغوى غامض لكنَّ ذلك لا يمنعنا من إيجاد صلة بينه وبين النَّصب، وفى لسان العرب (النَّصب أن يسير القوم يومهم وهو سير ليِّن، ومنه قول الشاعر: كأن راكبها يهْوى بمنخرقٍ ... من الجنوبِ إذا ما ركْبُها نَصَبُوا والنَّصب نوع من تفجّع راكب الجمل يشبه الحداء. الغزل فى الشعر العربى: لا يمكن أن تكون قصيدة الغزل العربية موضوعا لدراسة تاريخية ونقدية إلّا منذ الربع الأخير من القرن السادس الميلادى من خلال ما وصلنا من قصائد امرئ القيس وطرفة وغيرهما، وتشير الأدلة إلى أن كثيرا من شعر الغزل قبل هذه الفترة -مثله مثل الحداء- كان مرتجلا وابن لحظته لذا لم يصلنا منه شئ. لكن متى وأين وفى ظل أية ظروف ظهر تقليد بدء القصيدة العربية باستهلال غزلى، ذلك التقليد الذى أصبح عرفًا فى القرن السابع للميلاد وأطلق عليه اسم النَّسيب؟ إن إجابتنا عن هذا السؤال المتشعب لا تعدو أن تكون تخمينا، وربما كان سبب هذا التقليد أن القصيدة قد تحولت من مجرد شكل إلى حركة غنائية مفعمة بالتعبير عن الذات بشكل صارخ كما يتجلى ذلك فى الفخر والتعبير المشبع بالغرور، ففى هذا الجو النفسى دخل النَّسيب ليكون جزءا من القصيدة يعبر فيه الشاعر عن شهواته ووجده فى آن معا، والحقيقة أننا نجد عند الطوارق الشئ نفسه مقترنا بالفخر، فليس الأمر إذن قاصرًا على العرب، ويبدو أن إدراج النسيب فى قصائد بدْو وسط شبه الجزيرة العربية وشرقها كان فى المرحلة الأولى بتأثير شعراء من سهوب الفرات وهو ما يقول به الباحثون العراقيون إلّا أنَّ هناك

افتراضا أن ذلك يُعزى إلى شعراء بعينهم كابن حزم وامرئ القيس. وثمة دلالات تجعلنا نكتشف تأثيرات لمناطق أخرى قريبة قربا وثيقا من أسلوب الحياة البدوية كتيماء ومكة (المكرمة) والطائف. ودراسة القصائد الغزلية التى تطورت فى الحجاز حوالى سنة 50 هـ/ 670 م وأواخر الربع الأول من القرن الثانى الهجرى (الثامن الميلادى) يحول دون تمامها أن جزءا كبيرا من هذا الشعر قد اختفى وبعضه منحول أو لحقه تنقيح فى وقت لاحق كما فى حالة قصائد كثيِّر ونصيْب، حتى فى حالة ديوان مهم كديوان عمر ابن أبى ربيعة تُثار قضايا مهمة وقد ظلت الصلة بين الشعر والموسيقى حيَّة دائمًا وتجلَّى ذلك فى استخدام شعراء الحجاز لبحور من الشعر غير معروفة لشعراء الصحراء كبحور الخفيف والهزج والرمل كما كانت ألفاظهم أقل حوشية وغرابة من شعراء الصحراء، وهذا لا يمنع من أن شعراء الحجاز نحوا نحو شعراء الصحراء بحديثهم عن الأطلال والرحيل ولوعة الفراق. ويشكل الشعر العذرى مرحلة مهمة فى تطور الشعر الغزلى لكن هناك صعوبة فى معرفة بداية هذه المرحلة ففى النصوص الشعرية الغزلية المنسوبة للشعراء الحجازيين يجد القارئ كثيرا من المشاعر الرقيقة والأحاسيس السامية ويمكن للمرء أن يعزو ظهور هذا النوع العذرى إلى تأثيرات أتت من خارج بلاد العرب البدائية وقد يكون ذلك من العراق أو نتيجة اتصال بين مراكز حضرية فى كليهما. حقيقة أنه عندما حدث فى الربع الأول من القرن الثانى للهجرة (الثامن للميلاد) أن غادر المدينة (المنورة) مؤلفو الأشعار المغّناة ليستقروا فى العراق حاملين معهم تلك الروح التى أدت لانتعاش الحركة الأدبية فى الحجاز دون أن يكونوا هم مبدعوها، فإن كل ما حدث -نتيجة هذه الهجرة- أن تحركت مشاعر العامة من أهل العراق نظرا لما كانوا يسمعونه من حكايات عن الشعراء الغزليين فى مكة والمدينة. ومنذ نهاية

القرن الثانى للهجرة (الثامن للميلاد) ظهر فى بغداد أدب ذو طابع رومانسى إلى حد كبير، بالإضافة للأدب ذى الطابع التقليدى، وقد أورد لنا ابن النديم فى كتابه الفهرست عددا من المؤلفين الذين نحوا هذا المنحى مثل ابن الكلبى والمدائنى أو الهيثم بن عَدِىّ وقد استشهد أبو الفرج الأصفهانى فى كتابه الأغانى بكتاباتهم وقد أظهرت استشهاداته تلك أن الشعراء المحبِّين يقاسون أحيانا من تغيُّر حقيقى يعترى أبدانهم وأرواحهم ليصبحوا -مثل جميل- عشاقا حقيقيّين، لذا فنحن لا نستطيع من خلال الأعمال الشعرية التى صحت نسبتها أو التى نسبت خطأ لغير مبدعيها إلّا أن نقول إنها تعكس الحالة النفسية لهؤلاء الأبطال العاشقين الذين يظهرون فى القصص أو تراجم العاشقين، أيمكن لمجموعة قبلية بعينها فى غريب شبه الجزيرة العربية أن تشيع فى تراثها الشعبى منذ القرن الأول للهجرة (السابع للميلاد) أو حتى قبل ذلك قصص حب تتحلّق حول شخوص أسطوريين أو خرافيين على نحو أو آخر؟ إن هذا ممكن جدًا فقبيلة عُذرة الصغيرة التى كانت فى القرن الأول للهجرة (السابع للميلاد) تمتد مضاربها من واحة تَيْماء إلى وادى القرى تفخر بأنها أنجبت واحدا من هؤلاء الأبطال ذلك هو الشاعر المشهور جميل. وعلى آية، فلم تكن قبيلة عذرة وحدها التى ادعت مثل هذا الادعاء، فقد فخرت قبيلة نهد التى تمتد مضاربها فى المنطقة نفسها بأنه قد ولد فيها السيد ابن عَجْلان الذى أصبح أخيرا بطلا لقصة حب زاخرة بالأعمال البطولية وبسبب رغبة كل قبيلة فى التفرد والمفاخرة فقد ابتدعت أبطالا من النوع نفسه مثل عامر بن صَعْصعة، والمجنون الذى حقق شهرة كبيرة بسبب ولعه وهيامه بليلى. وقد لعب بشار بن برد المولود حوالى 95 هـ/ 714 م والمتوفى حوالى 167 هـ/ 784 م دورا مهما فى نشر مجالات شعرية بعينها فى البصرة، ففى ديوانه غير المكتمل يسهل ملاحظة مخاطبته لعبدة وغيرها من نسوة البصرة حيث يبدو حبه يائسًا لا أمل فيه، وقد كان مجتمع البصرة زمن

بشار مجتمعا متحرر الفكر متسامحا بل منغمسًا فى المسرات والمتع مما زاد التعطش لمسرات أكثر نقاء وأبعد عن الفحش، ولقد عانى بشار خيبة الأمل مثل معاصره الكوفى مطيع بن إياس (المتوفى سنة 170 هـ/ 787 م) ويعزى هذا الهروب من حياة الفحش والانغماس فى اللذة المادية إلى شاعر آخر من البصرة أيضا هو العباس بن الأحنف (الذى ولد حوالى 133 هـ/ 750 م ومات حوالى 193 هـ/ 808 م) وتحتل أشعار هذا الشاعر مكانًا فريدًا فى تاريخ الشعر العربى فهى أشعار حب عذرى حقا. وكان ظهور أبى نواس (ولد بين 130/ 145 هـ - 747/ 762 م وتوفى فى بغداد حوالى 200 هـ/ 815 م) علامة تمثل مرحلة جديدة فى تطور شعر الغزل، وكان أبو نواس ابنا لأم إيرانية وأب نصف عربى، إلّا أن الوجد الروحى والشفافية التى تمثلت فى شعر العباس بن الأحنف وبشار أقل وضوحا فى شعر أبى نواس وربما كان لبيئته البغدادية أثر فى هذا. لقد شهد القرن الثالث للهجرة (التاسع للميلاد) تأثيرا متعاظما للأفلاطونية الجديدة فتأثرت العقائد بالفلسفة وظهر ذلك فى كتاب الموشّى للوشاء وكتابات محمد بن داود ألأصفهانى وقد انعكست هذه الأفكار حتى فى أشعار الكلاسيكية الجديدة فى المشرق الإسلامى متمثلة فى أبى تمام والبحترى والمتنبى، ولقد خف الطابع البدوى كثيرًا فى أشعار هؤلاء. وقدم لنا الشاعر القرطبى ابن زيدون (المولود منه 394 هـ/ 1003 م والمتوفى فى أشبيلية 463 هـ/ 1701 م) أشعارا غزلية ذات طعم خاص باستخدام ألفاظ جديدة عذبة وصور بيانية أكثر سلاسة. وقدمت الأندلس شكلا جديدا عُرف بالموشحات وإنتقل هذا الفن إلى الشرق الإسلامى حيث كان لابن سناء الملك فى مصر وصلى الدين الحلّى فى العراق دور بارز فى هذا المضمار. وفى العصر الحديث نشهد فى الشرق الأوسط جهودا لإحداث ثورة شعرية بتأثير من السريالية والرمزية وهى جهود تستحق الاهتمام لكن

المصادر

الوقت ما زال مبكرًا للحكم عما إذا كانت ستترك تأثيرا عميقا فى الغزل العربى أم لا. المصادر: لدراسة الشعراء حتى نهاية القرن الثالث الهجرى/ التاسع الميلادى انظر كتاب الأغانى (القاهرة 1922, فى 16 جزءًا مطبوعًا) وابن قتيبة، الشعر والشعراء، ليدن 1900. (1) العماد الأصفهانى: خريدات القصر (طبعة ش. فيصل، دمشق 1375 هـ/ 1955 م و 1378 هـ/ 1959 م). (2) ديوان عمر بن أبى ربيعة (طبعة عبد الحميد، القاهرة 1371 هـ/ 1952 م). (3) ديوان كثير (طبعة بيريه فى جزأين، الجزائر 1928 - 1930 م). (4) ديوان جميل (طبعة نصار، القاهرة، غير مؤرخ). عبد الرحمن الشيخ [بلاشير R. Blachere] الغزل فى الأدب الفارسى الغزل واحد من أكثر الموضوعات الأدبية تناولا فى القصائد الغنائية الفارسية الجديدة، والقصيدة الغنائية فى شكلها الحالى تتكون من أبيات قليلة لا تقل عادة عن خمسة ولا تزيد عن اثنى عشر بيتا تجرى جميعها على قافية واحدة (وغالبا ما تصحب برديف) ويسمى البيت الأول (المطلع) وفيه يتفق المصراعان فى القافية أما البيت الأخير فيسمّى (مقطع) ويحتوى على اسم مستعار أو كنية للمؤلف ويسمى (تخلص)، وغالبًا ما تتناول قصيدة الغزل الحب والربيع والخمر كل ذلك معا وبشكل مترابط ويرجع بعض الباحثين قصائد الغزل الفارسية إلى النسيب أو التشبيب فى القصيدة العربية، ويرجعه آخرون إلى الأغانى الشعبية الفارسية، ويعتبر السعدى (القرن السابع الهجرى/ الثالث عشر للميلاد) هو الممثل للحد الفاصل بين الغزل الفنى والغزل العام (المبتذل). لقد اشتقت الآداب الفارسية من الأدب العربى أوزان الشعر وشكله وبدا ذلك واضحًا فى الدول المستقلة الفارسية فى خراسان وتطور على أيدى شعراء فرس يجيدون اللغة العربية، ويمكن القول أيضًا إنه مثلما تأثر الأدب

المصادر

الفارسى بالأدب العربى فإن الأدباء والشعراء العرب قد استقوا من الأدب الفارسى أفكارا كثيرة. وقد مرَّ الغزل الفارسى بمراحل خمس: الأولى هى مرحلة النشأة الأولى وكانت غامضة فليس لدينا منها إلّا نمادج يسيرة لا تختلف عن النسيب العربى ومن شعراء هذه المرحلة روداجى ودقيقى (فى القرنين الثالث والرابع الهجريين/ التاسع والعاشر الميلاديين) أما المرحلة الثانية فيمكن أن نطلق عليها اسم مرحلة التكوين (من القرن الرابع إلى القرن السابع الهجرى) ففى هذه المرحلة اكتسب الشعر روحا صوفية أو مسحة تأملية، نابعة من تجربة الشاعر كما ظهر أيضا الغزل الإباحى. أما المرحلة الثالثة (من القرن السابع إلى القرن العاشر للهجرة) فيمكن وصفها بأنها المرحلة الكلاسيكية إذ اتخذت القصيدة الغزلية شكلها المحدد الذى نعرفه شكلا ومضمونا. ويعتبر سعدى وحافظ من أبرز شعراء هذه المرحلة. أما المرحلة الرابعة فيمكن أن نطلق عليها مرحلة التأثر بالأدب الهندى (من القرن العاشر إلى القرن الثانى عشر للهجرة/ من القرن السادس عشر إلى القرن الثامن عشر للميلاد) فدخل الرمز إلى قصائد الغزل الكلاسيكية وأصبح للقصيدة أبعاد فلسفية فحل لفظ (معبود) محل (معشوق)، وأشهر شعراء هذه المرحلة هو (صائب) أما المرحلة الخامسة والأخيرة فأضحى الشعراء فيها يميلون إلى إحياء القيم الكلاسيكية بل وما قبل الكلاسيكية، مع إدخال رموز الآفلاطونية الجديدة وروحها. المصادر: انظر المقالات الواردة باسم غزل فى لغتنامة لدهخوا، طهران، جـ 1، ص 207 - 210 وغزل لاتيص فى Islam Ansiklop (1) M. Garcin de Tassy: Histoire de la Litterature Nindouie et hindoustanie Paris 1870 (3 Vols.) (2) R. B. Soksena: A History of Urdu Literature, Allahabad 1927 د. عبد الرحمن الشيخ [بوسانى A. Bausani]

الغزنويون

الغزنويون اسم يُطلق على الأسرة الحاكمة ذات الأصول التركية التى أسَّسها سَبُكْتَكين، وقد استمر حكم الغزنويين من عاصمتهم غَزْنة أكثر من مائتي عام من 397 هـ إلى 583 هـ (977 - 1187 م) وكان سلطانها يشمل شرق إيران وما يُعرف الآن بأفغانستان ثم فى أجزاء من البنجاب، وظل حكامها لفترة طويلة يُلقّب الواحد منهم بلقب أمير رغم أن المؤرخين يطلقون عليهم سلاطين منذ كانت لهم دولة، ومن خلال العملات المسكوكة نعرف أن إبراهيم وهو الحاكم الغزنوى الثانى عشر كان أول من اتخذ لقب سلطان. ومنذ الوقت الذى دعَّم فيه البتكين مركزه فى غزنة (344 هـ/ 955 - 956 م) وحقق لنفسه قدرا كبيرا من الاستقلال عن السامانيين، ظلت المناطق المحيطة بهذه المدينة (غزنة) فى أيدى الحكام الترك. وفى سنة 397 هـ/ 977 - 978 م استحوذ سبكتكين على السلطة وظل يحكم حتى وافته منيته سنة 387 هـ/ 997 م وكان سبكتكين معترفا بالسيادة السامانية كما تشير لذلك العملات العائدة لهذا العصر، ووجه سبكتكين وجهه شطر الأباطرة الهنادكة فى البنجاب خاصة أسرة شاهو الحاكمة التى كان على رأسها جيبال وألحق به الهزيمة سنة 979 و 988. وكانت امبراطورية سبكتكين تضم بالإضافة لذلك بالوشستان الشمالية وغور وزابولستان وتوخارستان (باكتريا) وهكذا استطاع سبكتكين الحاكم القوى الطموح الذى يعتنق المذهب السنّى أن يضع أدسس امبراطورية -دامت فيما بعد- فى المناطق الهندية الأفغانية. واستطاع محمود الغزنوى -الذى اختلف مع أبيه فترة ثم تضامن معه فى أخريات حياته- أن يفتح البنجاب ففتح بذلك للإسلام مجالا رحبا فى الهند مما أدى إلى إنشاء دولة باكستان بعد ذلك، وكان محمود قد استطاع تنحية أخيه إسماعيل عن الحكم رغم أن أباه كان قد عيَّنه كخلف له. وليس من شك فى أن محمود الغزنوى هو أكثر الحكام الغزنويين أهمية. وكانت الثقافة

الغزنوية تنحو بشدة نحوًا فارسيا، أما من الناحية السياسية فقد كان وضع محمود الغزنوى جيدا منذ توليه الحكم فقد كان السامانيون قد فقدوا نفوذهم وبالتالى فقد كان محمود قادرًا على الاتفاق مع القرخانيين المنتصرين على أن يكون نهر جيحون هو الحد الفاصل بين المملكتين وكان محمود الغزنوى سنّيا كأبيه فاستبدل بالارتباطات بالسامانيين ولاء للخليفة العباسى القادر، وكان هذا الولاء شكليا أو اسميا بطبيعة الحال، وبالإضافة لتوسعات محمود فى البنجاب فقد توسع أيضا على حساب بنى بويه وأقصى نفوذهم عن خوارزم. وكانت امبراطوريته عند وفاته فى 23 ربيع الثانى 421 هـ (30 ابريل 1030) تضم البنجاب وأجزاء من السند (بالإضافة إلى سلسلة الدول الهندوكية فى وادى الجانج التى اعترفت بسيادته). وبلوشستان الشمالية (حول قصدار) وأفغانستان بما فيها غزنة وكذلك جرشستان وغور وسيستان وخراسان وبلاد فارس حتى حبال وتوخارستان وبعض المناطق الحدودية على نهر جيحون. وخلف محمد أباه لكن أخاه "مسعود" كان يحظى بتأييد الجيش فسرعان ما اعتلى سُدَّة الحكم وكان مقاتلا شديد البأس وإن كانت تنقصه حنكة أبيه السياسية، وقد واصل مسعود فتوحات أبيه فى الهند، واستعاد كرمان من بنى بويه لفترة قصيرة (424 هـ/ 1035 م). وكان موقف مسعود العسكرى أضعف من موقف أبيه ففى الوقت الذى تولى فيه الحكم كان السلاجقة قد بدأوا يعبرون نهر جيحون وشيئا فشيئا استولوا على خراسان، ولم تجد مقاومة مسعود كثيرا فقد كان جانب كبير من جيشه مشغولًا فى البنجاب وكانت قواته مؤلفة من عناصر متباينة: فُرس من أعراق مختلفة وهنود، ولم يكن الترك وهم رجاله المخلصون ممثلين فى قواته كثيرا. وفى 8 رمضان 431 هـ/ 23 مايو 1040 م ألحق السلاجقة بقوات مسعود هزيمة ساحقة فى سهوب دندان قان ففقد إثر هذه الهزيمة ممتلكاته الفارسية. وتعرض مسعود

لمؤامرة أثناء مسيره للهند ولاقى حتفه مقتولا فى السجن فى سنة 433 هـ/ 1041 م. ونجح مودود بن مسعود أن يصل سريعا من بلخ -حيث كان أبوه قد عينه قائدا لمواجهة السلاجقة- إلى كابل وبذلك أحبط محاولة أخيه محمد للاستيلاء على الحكم وقتله، وظل مودود يواصل جهوده غير المثمرة لوقف تقدم السلاجقة فى فارس الذين هددوا غزنة صسها سنة 436 - 437 هـ/ 1044 - 1046 م. لكن القائد الغزنوى باسيتيكن نجح فى إبعادهم فساعد بذلك فى إنقاذ موطن الغزنويين. وكان مودود على وشك أن يخوض معركة بنفسه ضد السلاجقة لاستعادة سيستان لكن المنيّة عاجلته فى 20 رجب 440 هـ/ 18 ديسمبر 1048 م بعد مرض قصير فى غزنة. لقد فقد الغزنويون الآن بشكل نهائى جانبا من فارس ومما ساعد فى إضعافهم ذلك الصراع الشديد على خلافة مودود، وولت الحاشية والوزراء مسعودًا الثانى ابن مودود الحكم وهو طفل فى السادسة من عمره، وخلفه فى أول شعبان 440 هـ/ 9 يونيو 1049 أخو مودود وهو على بن مسعود الأول إلّا أن عبد الرشيد بن محمود أطاح به فى العام نفسه، ومع أن عبد الرشيد استطاع أن يعيش فى سلام مع جيرانه إلّا أنه فشل فى تحقيق الاستقرار الداخلى، فقد اتخذ أصحاب المقام الرفيع فى دولته موقفا من علاقته الخاصة مع المملوك تومان الذى كان يتصرف بعنجهية وكأنه عبد الرشيد نفسه، فقام طغرل -وكان مملوكا لمسعود الأول- باغتيال عبد الرشيد ونحّى السلالة الغزنوية عن الحكم، لكنه قتل بدوره فى 17 ذى القعدة 433 هـ/ 21 مارس 1052 م. وبتولى فرُّوخُزاد بن مسعود الأول عادت السلالة السلطانية إلى توارث الحكم، واستطاع فرّوخزاد أن يتمرد على السلاجقة الذين كانوا -فى الوقت نفسه- يتقدمون فى اتجاه بغداد والأناضول. وتوفى فرُّوخزاد بالكوليرا فى صفر 451 هـ/ مارس 1059 م وعقد خليفته إبراهيم بن مسعود الأول معاهدة صداقة مع السلاجقة فتخلى لهم عن خطّلان وشاغانيان وقباديان،

على أن يكفوا عن التوسع شرقا وهكذا أثبت إبراهيم أنه حاكم دبلوماسى إذ أتاح لنفسه فرصة التوسع فى الهند (465 - 468 هـ/ 1072 - 1076 م) فأكد السيطرة الغزنوية فى البنجاب واتخذ لقب سلطان على مسكوكاته وعهد بمهمة مواصلة الفتوح لابنه سيف الدولة محمود وعينه حاكما على لاهور فاستولى على أجرا Agra وحصون قوية أخرى إلا أن الابن حاول الاستيلاء على الحكم من أبيه فسجنه مع أعوانه سنة 481 هـ/ 1088 م، وتوفى إبراهيم فى 5 شوال سنة 2 أغسطس 1099 م بعد أن استمر فى الحكم أربعين عاما وهى أطول فترة حكم بالنسبة لكل من حكم فى هذه الأسرة. وخلفه مسعود الثالث الذى شرع مباشرة فى مهاجمة كاناوح Kanawdj فرضخ له الحكام الهنادكة واحضرهم إلى غزنة مكبلين فى الأغلال وواصل سياسة توثيق الأواصر مع السلاجقة إلى أن توفى فى السادسة والخمسين من عمره فى شوال 508 هـ 1 فبراير - مارس سنة 1115 م. وبموته نشبت الحرب بين الإخوة وانتهى الأمر بتولى ثلاثة من أبنائه العرش على التوالى: شيرزاد الذى اضطر للهرب إلى طبرستان أمام قوات أخيه، ومالك أرسلان الذى فشل فى إحكام السيطرة على غزنة، ثم بهران شاه الذى أجبر مالك أرسلان على الهرب إلى الهند، واعترف بهرام شاه بسيادة السلاجقة وتجلى ذلك فى الإتاوة الكبيرة التى كان يدفعها لهم، وساعد السلاجقة بهرام شاه فى صد هجوم قام به من الهند أخوه مالك أرسلان وفشل الهجوم وتم القبض على أرسلان الذى تم إعدامه فى جمادى الآخرة 512 هـ/ سبتمبر - أكتوبر 1118 م لكن أخا بهرام شاه واسمه علاء الدين حسين دخل فى نزاع معه وأجبره على الفرار إلى الهند، وقبض السلاجقة على علاء الدين، ووافت المنية بهرام شاه فى غزنة بعد عودته من الهند سنة 552 هـ/ فبراير - مارس 1157 م. لقد تقلص ملك الغزنويين الآن ففى عهد خسرو شاه ابن بهرام شاه لم يكن ملكهم يتعدى غزنة وكابل وزابولستان بصرف النظر عن البنجاب.

المصادر

فقد استولى الغوريون على المناطق المتطرفة، كما استولوا أيضا على تيجيناباد بعد صدام مع خسرو شاه فى منتصف سنة 552 هـ/ 1157 م. وتوفى خسرو شاه سنة 555 هـ/ 1160 م وخلفه ابنه خسرو مالك الذى شهد عهده ضياع ما بقى من الإمبراطورية الغزنوية شيئا فشيئا بل إنه فقد غزنة نفسها سنة 558 هـ/ 1163 م وكل الأراضى الأفغانية، إذ استولى الغُز عليها جميعًا، لكن خسرو مالك ظل محتفظا بلاهور وبيشاور وملتان والسند، لكن شهاب الدين -بحجة مواجهته للقرامطة المحليين- استولى منه على ملتان سنة 471 هـ/ 1175 - 1176 م, وسقطت أمام بيشاور سنة 575 هـ/ 1179 - 1180 م، وأجبر -أخيرا- خسرو مالك فى لاهور على دفع إتاوة كبيرة وأخذ منه ابنه كرهينة، وأدى تعاون قبيلة خوخار الهندية مع خسرو مالك إلى تأخر الغوريين فى القضاء نهائيا على الملك الغزنوى إذ اضطر الغوريون لمحاصرة لاهور عدة مرات قبل أن يستسلم خسرو مالك فى جمادى الأولى والآخرة سنة 583 هـ/ 1187 م. ولاقى خسرو شاه حتفه فى السجن فى قلعة جارشستان فى غورستان سنة 585 هـ/ 1190 م وبموته انتهى ملك الغزنويين، وفى الوقت نفسه بدأ الغوريون يعانون من تهديدات شاهات خوارزم. المصادر: بالإضافة إلى مصادر التاريخ الإسلامية (مثل ميرفون وفرشتا إلخ. .) انظر عطبى وبيهقى وجوزجانى وابن الأثير وحمد اللَّه مستوفى قزوينى فى تاريخ لغزيدة. وبالنسبة للدراسات انظر: (1) M. Nozim: The Life and times of Sultan Mahmud of ghazha, Cambridge with map 1931 (2) Y.A.Hashimi: Political, Caltural and administrive History under the later Ghaznawids, Hamburg 1956 (theis), map, bibliography د. عبد الرحمن الشيخ [ب. سبيلر B. Spuler]

الفنون فى العهد الغزنوى وآثاره الباقية

الفنون فى العهد الغزنوى وآثاره الباقية: لقد ازدهرت العمارة والفنون بازدهار الدوله الغزنوية وساعد على هذا ثراء النماذج المُحْتَذاه وتفاعلها مع مراكز شرق إيران التى كانت -لفترة طويلة- مركز تمازج والتقاء بين التيارات الفنية الإسلامية ونظيراتها الأجنبية. ومن المؤكد أن هذا الازدهار ما هو إلا استمرار للتجارب السامانية الباكرة فى خراسان أو بلاد ما وراء النهر والتى اختلطت فى مرحلتها الأخيرة بالفنون السلجوقية التى حققت شهرة تخطت حدود الإمبراطورية السلجوقية، لكن الأسلوب الفنى الذى طوره الغزنويون منذ عهد محمود بن سبكتكين ومن أتى بعده لا يقل أهمية من حيث الإبداع مما يدفعنا للاحتفاء به والتركيز على أهميته وطابعه المميّز الجدير بالاقتداء فى هذه المرحلة المتأخرة من تطور الفنون الإسلامية ممثلة فى أعمال فنية تم إنجازها فى غزنة وبست وبلخ وهراة ونيسبابور. ومما يؤسف له أنّ مواقع العواصم الغزنوية القديمة قد درست وهو ما حدث أيضا لكثير من الأعمال الفنية ولم تحفظ لنا سجلات الحوليين ما يكفى لإشباع نهمنا فى هذا المضمار. ولقد زادت معارفنا بشكل كبير عن البقايا الأثرية الغزنوية التى ظلت حتى الآن لكن عملا شاملا لا يضمها معا. ومن الآثار الغزنوية الباقية مآذن غزنة والقلاع الحصينة فى بست، وكلها فى أفغانستان الحالية وما تبقى من ضريح أرسلان جاذب فى سانجبسط الذى تم وصفه منذ فترة. ولا زالت بقايا المآذن بشكلها الموشورى قائمة بما عليها من زخارف وكتابات لكن إرجاعها إلى العصر الغزنوى المتأخر (مسعود الثالث وبهرام شاه) لم يتم إلا حديثا إذ كان الرخالة يشيرون إليها -خطأ- باعتبارها أبراج نحمر أقامها فاتحو الهند. وقد نشرت البعثة الأثرية الفرنسية فى أفغانستان تقريرا مبدئيا عن بقايا لاشكارى بازار فى موقع معسكر محمود فى ضواحى بست والتى كانت

المصادر

أيضا محل إقامة مفضل لمسعود الأول. وطريقة التشييد هنا توحى بتأثرها بطراز بناء قصور العباسيين فى العراق. ومن البقايا الأثرية المهمة تلك الألواح من الرخام التى تضم كتابات وزخارف والمجلوبة من المقابر العائدة للعصر الغزنوى وقد اكتشف بعضها منذ أربعين عاما وكشفت البعثة الإيطالية عن قطع أخرى منها، وقد تأثرت الكتابات والزخارف فى هذه الألواح بالأسلوب العربى (أرابيسك) كما يمكننا أن نلمح فيها تأثيرات هندية وأخرى من وسط آسيا. ومن الآثار المهمة أيضًا بقايا المحاريب والمصنوعات الحرفية البارعة وأعمال البرونز التى يضم متحف كابل جانبا منها. المصادر: (1) A. U. Pope: A survey of Persian Art. Oxford 1939 (2) E. Diez: Persian. Islamische Boukunstin Churasan. Gotha 1923 د. عبد الرحمن الشيخ [سوردال - ثومين J. Sourdel -Thomine] غزة مدينة فى جنوب فلسطين كانت منذ العصور القديمة مركزا زراعيا وملتقى للقوافل، تبعد عن البحر الأبيض مسافة أربعة كيلو مترات على الطريق المؤدِّى من فلسطين إلى سوريا وملتقى طرق القوافل القادمة من شبه الجزيرة العربية وكانت عزّه (بالعين) القديمة إحدى عواصم الفلسطينيين القدماء Philistines وأسماها الإغريق جَزَا Gaza وكانت مدينة هيلينستية مزدهرة ثم مدينة رومانية، وفى الفترة البيزنطية كانت جزءا من ولاية فلسطين، وتحولت للمسيحية فى القرن الخامس للميلاد وأصبحت مقرا لإحدى الأسقفيات (الأبرشيات) وحققت شهرة فى مجال الأدب والخطابة، وفى بداية القرن السابع للميلاد كانت توصف بأنها مدينة ثرية يلقى الغرباء فيها ترحابا. وكان تجار مكة يزورونها بانتظام إذ إنها كانت إحدى محطات قوافل قريش فى رحلاتها للشام، ويقال إن هاشما جد الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] قد مات هناك لذا فمن مفاخر أهل غزة أنهم يطلقون على

مدينتهم اسم (مدينة هاشم) وقد هزمت قوة أرسلها أبو بكر الصديق (رضى اللَّه عنه) القائد البيزنطى لغزة فى موضع غير بعيد عن المدينة يسمى داثن وأحيانا تادُن، إلا أن المدينة نفسها لم تسقط -وفقا لمصادر موثقة- إلّا على يد عمرو بن العاص الذى عامل السكان معاملة حسنة لكنه ذبح أفراد الحامية العسكرية، ومن ثم اعتبرهم العالم المسيحى شهداء. ولا تشير المصادر كثيرا لغزة فيما بين القرن الأول والثالث للهجرة (السابع والتاسع للميلاد) غير أننا نعلم أنها شهدت صراعا فى أواخر القرن الثانى الهجرى (الثامن الميلادى) بين القبائل العربية التى كانت قد استقرت فى سوريا وفلسطين، وفى سنة 150 هـ/ 767 م ولد فيها الإمام الشافعى (رضى اللَّه عنه). وفى القرن الرابع للهجرة (العاشر للميلاد) عندما كانت تحت حكم الفاطميين وصفها الجغرافيون بأنها كانت مدينة مهمة يزينها مسجد ضخم جميل. وعندما احتلها الصليبيون وجدوها أطلالا خربة فبدأوا فى إعادة بنائها سنة 544 هـ/ 1149 م وأقاموا بها قلعة ساعدتهم على الاستيلاء على عسقلان سنة 548 هـ/ 1153 م. إلّا أن صلاح الدين الأيوبى هاجمها سنة 565 هـ/ 1170 م واستولى على الجانب الأدنى من المدينة لكنه لم يسقط القلعة واستعادها بعد ذلك ريتشارد قلب الأسد وكانت موضوعا لمفاوضات بين المسلمين والصليبيين انتهت بتسليمها للمسلمين وفقا لشروط معاهدة عقدت سنة 642 هـ/ 1244 م وشهدت غزة بعد ذلك هزيمتين مريرتين حاقتا بالصليبيين. وسقطت غزة فى أيدى قوات هولاكو وكانت أقصى حد وصلوا إليه فى اتجاههم غربا وجنوبا بغرب. وأصبحت غزة فى العهد المملوكى هى المدينة الرئيسية فى الشام بل وكانت مستقلة عن دمشق فى فترات، وكانت غزة فى هذه الفترة المملوكية تحظى بازدهار وثراء كما امتدت امتدادا كبيرا وأكد الجغرافيون الذين زاروها

فى هذه الفترة ازدهارها الاقتصادى وكثرة المجارى المائية بها وأرجعوا ذلك فى جانب كبير منه إلى مهارة تجارها. وقد شيد المسجد الجامع بها على أساسات كنيسة القديس يوحنا فى بداية القرن الثامن الهجرى (الرابع عشر للميلاد). وظل هذا المسجد قائما حتى الحرب العالمية الأولى (1914 - 1918). وأدّى وصول العثمانيين سنة 922 هـ/ 1516 إلى معاناة غزة لكثير من المتاعب إذ خدع سكانها بتقارير غير صحيحة عن انتصارات للمماليك فظنوا أنهم قادرون على ذبح الحامية التركية الجديدة، فانتقم العثمانيون بإعدام عدد منهم، وعلى أية حال، فقد استعادت المدينة ازدهارها، وتشير السجلات العثمانية إلى زيادة فى عدد السكان من أقل من 1000 أسرة سنة 932 هـ/ 1525 - 1526 م إلى ما يزيد على 2000 أسرة سنة 955 هـ/ 1548 - 1549 م، وإن كان التقدير الإحصائى لسنة 963/ 964 هـ (1555/ 15557 م) يشير إلى تدن طفيف فى عدد الأسر. وكانت غالبية السكان مسلمين مع أقليات مسيحية ويهودية ومجموعة صغيرة من السَّامريين (أبناء السامرة) وتشير السجلات العثمانية أيضا إلى تراجع أعداد ما كان يعرف بجند الحلقة. كما كان بغزة أحياء للأكراد والتركمان. وفى أواخر القرن الحادى عشر الهجرى (السابع عشر الميلادى) نعمت غزة بفترة رخاء لم تشهدها من قبل تحت حكم أسرة من الباشاوات أشهرهم حسين باشا، الذى نجح فى وضع حد لغارات البدو وكان يحتفظ بعلاقات طيبة مع المسيحيين المحليين والأوربيين. وفى القرن الثامن عشر سببت الاضطرابات التى كان يثيرها البدو متاعب لغزة، ووجدت السلطات العثمانية بعض الصعوبة فى التصدّى لهم، وبانتصار نابليون سنة 1799 سرعان ما خرج البدو من غزّة. وفى القرن التاسع عشر كانت غزة إما مرتبطة بمصر أو بالحكام العثمانيين مباشرة وبنهاية الحرب العالمية الأولى كانت تكوّن جزءًا من فلسطين تحت الوصاية البريطانية.

المصادر

وفى نهاية القرن التاسع عشر وبداية العشرين كانت غزة تنعم بحياة هادئة مما أثر فى ازدياد عدد السكان ففى لسنة 1882 كان عدد السكان 16.000 نسمة ارتفع سنة 1906 إلى 40.000 نسمة (منهم 750 مسيحيا ومائة وخمسون يهوديا) وعلى أية حال ففى لسنة 1932 انخفض عدد السكان إلى حوالى 17.000 منهم قلة قليلة من اليونان الأورثوذكس الذين يحتفظون بكنيسة ترجع للقرن الثانى عشر للميلاد بها قبر القديس بورفيرى أسقف غزة فى القرن الخامس للميلاد. ومنذ الحرب العالمية الأولى بدأ المسلمون يتجمعون للصلاة فى موضع بالقرب من أطلال المسجد العظيم -يبجلون أيضًا مقام نبى هاشم الذى يعود للقرن السادس الهجرى/ الثانى عشر للميلاد (¬1). وأسلوب الحياة فى غزة قريب من أسلوب الحياة فى مصر. المصادر: (1) البلاذرى: فتوح البلدان. (2) اليعقوبى: البلدان. (3) ابن حوقل: صورة الأرض. (4) كتابات المقدسى والإدريسى. (5) الهروى: كتاب الزيارات، دمشق، 1952. [د. عبد الرحمن الشيخ] + غزة: مدينة تقع جنوب فلسطين وتبعد عن البحر بنحو أربعة كيلومترات وقد اشتهرت منذ القدم بأنها مركز زراعى ومحطة لالتقاء القوافل القادمة من بلاد العرب. ولما كانت غزة مدينة من مدن الحدود فكثيرا ما تناولها التغيير من حين إلى حين، فمن "عزة" (بالعين) التى كانت إحدى عواصم الفلسطينيين ثم صار اسمها "جزة" وهو اسم يونانى ثم صارت جزءا من أرض يهوذا فى العصر الرومانى ثم صارت فى العصر البيزنطى جزءا من الأراضى الفلسطينية الأصلية، ودخلتها المسيحية فى القرن الخامس وأصبحت ¬

_ (¬1) لا شك أن هناك خطأ هنا فلم يظهر بين المسلمين نبى فى القرن السادس للهجرة، فالمسلمون يؤمنون جميعا أن محمدًا خاتم الأنبياء ولعل الإشارة هنا لقبر هاشم جد النبى الذى قيل أنه مدفون هناك، ومنه اتخذت مدينة غزة كنيتها فى بعض المراحل "مدينة هاشم". [المترجم].

مقر بطركية. ووصفت فى بداية القرن السابع بالبلد الغنى وملتقى الزوار الأجانب وقد اعتاد التجار المكيون زيارتها بانتظام حتى ليقال إن هاشمًا أحد أجداد الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] مات بها فى إحدى زياراته التجارية لها ولذلك شرفت بتسميتها مدينة هاشما. وبجوار مدينة غزة مكان يسمى "بدائن" وأحيانا تادون ويقال إن جيش المسلمين الذى أرسله الخليفة أبو بكر ألحق الهزيمة بحاكم غزة الرومانى فى هذا الموضع، ولكن أصدق الروايات تؤكد أن الذى فتحها إنما هو عمرو بن العاص، ويندر ورود ذكر لمدينة غزة فى أى نصوص دونت فيما بين القرنين الأول والثالث الهجريين (السابع والتاسع الميلاديين) ولكن كل ما نعرفه عنها أنها كانت مرتعا لصراع دار بين القبائل العربية التى استقرت فى سوريا وفلسطين وذلك فى القرن الثانى الهجرى، ومن المعروف أيضا أن الفقيه الإمام الشافعى ولد هناك فى عام (= 150 هـ 767 م) وقد وصف الجغرافيون غزة وهى تحت حكم الفاطميين بأنها مدينة هامة بجامعها الكبير وتمتد حتى تصل إلى تخوم عبر الصحراء ثم تبعد عن البحر مسافة ميل واحد ويحيبابها البساتين الفسيحة والأشجار والكروم. وكانت أطلالًا وقت أن احتلها الصليبيون الذين شرعوا فى إعادة بنائها عام 544 هـ/ 1149 م ولما تولى بالدوين الثالث حكم القدس منح القلعة الجديدة للداووية (فرسان الهيكل) وقد ساعد هذا المعقل الصليبيين فى الاستيلاء على عسقلان فى عام 548 هـ/ 1153 م، وبعد عدة سنوات أعنى عام 565 هـ (= 1170 م) هاجم صلاح الدين المدينة لكنه لم يفلح فى الاستيلاء على القلعة فاستولى على المدن الصغيرة المتناثرة حولها, ولكن كبير فرسان الداووية سلمها له أخيرا بعد سقوط بيت المقدس فى يد صلاح إلا أن ريتشارد قلب الأسد استعادها مرة أخرى وظلت المدينة موضع أخذ ورد أثناء المفاوضات التى جرت بين الصليبيين والمسلمين وأعيدت للمسلمين بمقتضى معاهدة عام 626 هـ/ 1229 م.

لكن سرعان ما صارت مسرحا هُزم فيه الصليبيون مرتين فى عامى 636 هـ, 642 هـ (= 1239, 1244 م)، ثم أصبحت قبل الغزو المغولى مجال تنازع بين الأيوبيين فى الشام والأيوبيين فى مصر قبل أن يتم لهولاكو احتلالها فكانت بذلك الاحتلال أَخر نقطة وصل إليها فى زحفه. ولما جاء العصر المملوكى أصبحت غزة المدينة الكبرى لإقليم يتبع معظمه ولاية دمشق، وكانت البلدة حينذاك شديدة الثراء عظيمة الاتساع، وإن كانت فى بعض الأحيان مستقلة وإذا أخذنا بما يقوله الجغرافيون والرحالة المعاصرون فإنهم يجمعون على رخائها الاقتصادى الذى يعود بعضه إلى ثراء الإقليم المحيط بها لكثرة ريّه بالمياه الجوفية. واشتهرت غزة فى عهد المماليك بالعنب والتين وعرف عنها الثراء وكان مجتمعها يتألف من ثلاث مجموعات هم التجار والفلاحون والمشتغلون بتربية الماشية والأغنام، وأدى وصول العثمانيين فى عام 922/ 1516 م إلى نكبة حلت بغزة إذ جاءها نبأ كاذب بنصر أحرزه المماليك فظنوا إذ ذاك أنهم قادرون على الفتك بالحامية العثمانية الجديدة فكان الانتقام منهم فظيعا ولقى الكثيرون منهم حتفهم قتلا. وقد سكن غزة أغلبية من المسلمين والمسيحيين وأقلية من اليهود ومجموعة ضئيلة من السامريين وتمتعت غزة بفترة من الرخاء فى عهد عائلة تعرف بعائلة الباشاوات (1070 هـ/ 1660 م) نجحت فى الحد من غارات البدو المستمرة على المدينة وفى الحفاظ على العلاقات الطيبة مع المسيحيين والأوروبيين. وكان القرن الثامن عشر قرن تمردات من جانب البدو الذين وجدت السلطات العثمانية بعض الصعوبة فى كبح جماحهم. وفى القرن التاسع عشر سرى على غزة ما سرى على فلسطين حيث خضعت للسيطرة العثمانية بحكم صلتها بمصر، ثم أصبحت بعد حرب

المصادر

1914 - 1918 جزءا من فلسطين تحت الانتداب البريطانى. وقد زاد عدد سكان غزة زيادة ملحوظة بفضل فترة السلم التى تمتعت بها عند نهاية القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، فصاروا أربعين ألف نسمة فى ستة 1906 م بعد أن كانوا ستة عشر ألف فى سنة 1882 منهم 750 من المسيحيين، و 160 من اليهود إلا أن العدد قل إلى 17.000 نسمة كانت منهم أقلية أرثوذكسية يونانية لهم كنيستهم التى ترجع إلى القرن الثانى عشر والملحق بها قبر شهيد غزة المسيحى فى القرن الخامس الميلادى ويتجمع المسلمون للصلاة عند ضريح يعرفونه بضريح النبى هاشم وعلى الرغم من انتهاء عصر القوافل إلا أن غزة ظلت تتمتع زمنًا طويلًا بسوق رائجة حافلة بشتى أنواع البضائع. المصادر: (1) M. A. Meyer: History of the city of Gaza, New York 1907 (2) F. M. Abel: Geographie de la Palestine ii Paris 1951, 154 - 7 (3) البلاذرى: فتوح البلدان، طبعة de goeje، ليدن 1866. (4) المقدسى: أحسن التقاسيم، طبعة de goeje، ليدن 1877. أمل رواش [سوردال D. Sourdel] غزولى هو علاء الدين على بن عبد اللَّه البهائى الدمشقى، وهو كاتب عربى يرجع أصله إلى البربر (توفى عام 815 هـ/ 1412 م)، وضع كتاب "مطالع البدور فى منازل السرور"، وهو مختارات على غرار كتب الأدب، ولكنه فى محتواه -كما يقول الكاتب بحق فى المقدمة- يتميز عن كثير من هذه الكتابات، وهو يتحدث عن البيت وأقسامه المختلفة، وجميع مباهج الحياة والرياضة والكماليات المطلوبة لتحقيقها -وهو يحلّى هذه الموضوعات جميعا بالنوادر والأشعار التى ينتقيها من أعمال الشعراء المتأخرين، ولكنه يقدّم فى الوقت ذاته مادة ثرية جدا لا يمكن أن تبلى جدّتها وهى ترتبط بتاريخ

المصادر

حضارة الشعوب المسلمة. وقد طبع الكتاب فى القاهرة فى مجلدين فى عام 1299 - 1300. المصادر: وردت فى صلب المادة بهجت عبد الفتاح [س. بروكلمان C. Brockelmann] غسان (غساسنة) فرع من مجموعة قبائل الأزد الكبيرة التى هاجرت من جنوب الجزيرة العربية، وارتحلت فى شبه الجزيرة إلى أن استقرت أخيرا فى داخل نطاق الإمبراطورية الرومانية فى عام 490 م. وقبلت بالمسيحية ووافقت على أن تدفع الجزية. وبعد فترة تعايش قصيرة كدافعين للجزية، استطاعوا أن يتغلبوا على هذه الجماعة الأخيرة (قبائل صالح) وحلت محلها كحلفاء عرب جدد لبيزنطة وكان ذلك فى عام 502 - 503 م. وقد نظمت علاقاتهم مع الإمبراطورية معاهدة كانوا يتلقون طبقا لها إعانات سنوية، يقدمون فى مقابلها فرقا محمولة (مزودة بما تحتاجه القوات) للجيش البيزنطى. وكان يطلق على رؤسائهم فى الأقاليم المختلفة أسماء رومانية تعنى رؤساء العشائر، كما كانوا يوضعون فى مصاف الكبار والمتميزين -بل إن زعيمهم الذى كان مقعده فى جابية فى إقليم الجزيرة العربية حصل على أعلى تكريم وأعظم الألقاب حتى أنه كان يضع على رأسه التاج كملك تابع، ورغم هذه الاتجاهات التى تشربوها من الرومان فى كثير من النواحى ورغم ارتباطهم العاطفى بفكرة "الطبيعة الواحدة" للمسيح، فقد ظل الغساسنة عربا فى أعماقهم، وقد زار بعض الشعراء من شبه الجزيرة مثل حسان بن ثابت والنابغة زاروا بلاطهم وأنشأوا فيهم قصائد المديح التى تشى بحياتهم من الداخل، والتى تعتبر وثائق لتاريخهم لثلاثة عقود. وقد أدى الغساسنة، سياسيا وعسكريا أعظم المهام لبيزنطة: (أ) فقد زودوا جيشى المشرق بالفوق ذات الكفاءة العالية والقدرة على التحرك، وذلك فى حرب "الروم" ضد الفرس

التى كانت أبرز الإسهامات السياسية والعسكرية فى عهد الحارث بن حبلة فى الفترة من عام 529 م إلى عام 569 م، وقبل أن تؤدى الخلافات مع أباطرة الرومان جوستين الثانى، وتبيربوس Tiberins وموريس إلى الحد من جهودهم العسكرية وإحباطها. وقد اشترك الحارث على نحو منتظم فى الحربين اللتين خاضهما الرومان ضد الفرس فى عصر جوستنيان (527 - 565 م)، وحارب ببراعة فى "كالينيكوم" Callinicum (531 م) وفى حملة بيليزاريوس Belisurius الأشورية (541 م). (ب) تواصلت الحرب بنجاح مع اللخميين. وقد انتصر الحارث بمفرده على منذر اللخمى فى يم حليمة Yamm Haliam فى عام 554 م بالقرب من قنسرين وانتصر ابنه على قابوس فى عين أوباغ Ayn Ubagh فى عام 570 م واستولى على الحيرة وأحرقها -وقد كان تفوق الغساسنة العسكرى على اللخميين خلاصا لبيزنطة من أخطر مشكلة عربية تواجهها (جـ) استطاع الغساسنة من قاعدتهم الرئيسية فى الجزيرة العربية وفلسطين أن يضيقوا الخناق على البدو الرجل، والقيام بحملات عسكرية ضد اليهود فى الحجاز. وقد تضمن الجانب العربى لمهمتهم حماية المصالح التجارية والسياسية لبيزنطة على طول طريق التوابل، وقد انعكست أهميتهم فى هذا الجانب فى الاشتراك فى البعثة الدبلوماسية إلى أبرهة الحاكم الحبشى لـ Arabia Felix. وقد كان الغساسنة عنصرا حاسما فى تاريخ الإيمان بالطبيعة الواحدة للمسيح فى سوريا، فقد أدت جهود ملكهم الحارث بن حبلة إلى إحياء الكنيسة التى تأخذ بهذه العقيدة (الإيمان بالطبيعة الواحدة للمسيح) بعد أن كانت غير معترف بها فى عصر الإمبراطور الخلقيدونى (¬1) جوستين الأول فيما بين 518 - 527 م. ¬

_ (¬1) نسبة إلى خلقيدونية وهى مدينة قديمة بآسيا الصغرى على البوسفور وقد عقد فيها عام 451 م "المجمع المسكوفى الذى حرم القول بالطبيعة الواحدة للمسيح. المترجم

وفى عام 540 م تقريبًا وبمساعدة الإمبراطورة تيودورا، حصل الحارث على رسامة اثنين من الأساقفة الذين يعتقدون فى الطبيعة الواحدة للمسيح وهما اتيودوراس Thendnnic والأسقف الشهير جاكوب (يعقوب) برادايوس Jacob Baradaeus والذى سميت باسمه كنيسة الطبيعة الواحدة للمسيح فى سوريا فأصبحت تسمى بالكنيسة "اليعقوبية" -وقد عملت الجهود المضنية لهذين الرجلين على إعادة النشاط لهذه الكنيسة مرة أخرى. واستمر ملوك الغساسنة، الحارث وابنه منذر فى حماية هذه الكنيسة لا من عداء الخلقيدونيين فحسب بل أيضا من الحركات الانقسامية فى الداخل "هرطقة التثليث" التى قال بها إيوجينيوس Eugenius وكونون Conon، والخلاف الذى نشب بين جالوب برادايوس وبين بول الأسود، وكذلك الصراع على كرسى البطريركية بين أساقفة أنطاكية والاسكندرية -ولكن الغساسنة لم يهملوا أبدا شبه الجزيرة العربية فقد كان نشاطهم التبشيرى- وخصوصا فى نجران ذا أثر مهم فى نشر المسيحية فى تلك الأجزاء الجنوبية. وبالرغم من أن تأييدهم القوى لحركة الطبيعة الواحدة للمسيح قد كدرت علاقاتهم بالأباطرة الارثوذكس، وأدت إلى سقوط ملكهم منذر (569 - 582 م)، وولده نعمان، إلا أن تاريخ هؤلاء القادة العسكريين قد اختار من خلال هذه الحركة هذا الصفاء الروحى الذى جعل منها أنضج تعبير عن الثقافة العربية المسيحية. وقد قام الغساسنة بإسهامات مهمة فى تمدن سوريا وفى حياتها المعمارية فى القرن السادس فأنشأوا أعدادًا من المدن مثل جلق، وكذلك الأشغال العامة مثل الصراع فى الرصافة (سيرجيوبوليس Sergio polis) - كما بنوا الكنائس والأديرة- وسبقوا الأمويين عندما شيدوا فى الصحراء وبالقرب منها مساكن فخمة كانت فى بعض الأحيان منشآت عسكرية. ولم تكن العلاقات بين بيزنطة والغساسنة طيبة بسبب نزعة الاستقلالية وبسبب تأييد الغساسنة لحركة الطبيعة الواحدة للمسيح. . وفى

المصادر

عام 580 م اعتقل الإمبراطور تيبربوس، منذر وجئ به إلى القسطنطينية. وفى عام 582 - 583 م أوقع الإمبراطور موريس العقوبة نفسها على ابنه نعمان -وقد أدى هذا إلى ضعف زعامة الغساسنة- ولكن الغزو الفارسى فى عام 613 - 614 م هو الذى كان الضربة القاضية للغساسنة، الذين ظهروا مع ذلك من جديد يخدمون فى جيش هرقل ومثلهم جبلة بن الأيهم فى معركة اليرموك الحاسمة عام 536 م. وكان الفتح الإسلامى لسوريا فقضى على الغساسنة تماما وذهب بعضهم إلى بيزنطة واستقروا فى الأناضول وأسلم آخرون واندمجوا فى الجماعة العربية الجديدة -وظل الباقون على ديانتهم المسيحية ومكثوا فى سوريا. المصادر: المصادر اليونانية: (1) Evagrius: Ecclesiastical Historyed. Bizdel and Parmentier, 216, 223 المصادر السريانية: (1) Michael the Syrian: Chrouique French trans. by J. B. Chabot, ii, 254 - 8, 285, 358 - 9, 344, 345, 349 - 51, 364 - 71 المصادر العربية: (1) حسان بن ثابت: ديوان طبعة: GMS Hirschfeld قصائد 13, 79, 86, 92، 125, 138, 155, 160. (2) النابغة فى The Diwans of the Six Ancient Arabic Poets, ecl. W. Ahlwardt. Poens 1, 2, 11, 13, 18, 20, 21, 25, 27 بهجت عبد الفتاح [عرفان شاهد Irfan Shahid] غسل تعنى كلمة الغسل غَسْل الجسم كله بما فى ذلك الشعر بماء طهور، بعد النّية. ويدخل فى معنى الغُسل الوضوء الذى هو فرض لابد أن يؤديه المسلم قبل أداء الصلوات (المترجم: فإن تعذّر وجود الماء استعيض عن الوضوء بالتيمّم)، لكن الوضوء وحده لا يكفى

(وكذلك التيمم) فى حالة ما إذا جامع الإنسان زوجته أو إحدى حليلاته (بالحاء المهملة) لأنه فى هذه الحال يكون قد أصبح جُنُبا (بضم الجيم والنون) أى فى جنابة فلا يصح للجُنب صلاة إلا بعد الاغتسال الكامل الذى عرّفناه فى صدر هذا المقال، أما إذا كان هناك مانع من مرض فيمكن للجُنب أن يكتفى بالوضوء العادى. ويتحتَّم الغُسْل أيضا بعد انقضاء الطَّمث (الحيض) أما نزول الدم لسبب آخر فلا يقتضى التطهر بالغسل الكامل. وإذا حاضت المرأة أو طمثت وجب على زوجها تجنب مجامعتها فإذا طهرت (أى زال الحيض فيها) وجب عليها الغسل ولا يجوز لزوجها مجامعتها إلّا بعد الاغتسال، ولا يجوز للجنب ترتيل القرآن أو دخول المسجد إلّا بعد الغسل (المترجم: هناك خلاف فى ذلك، وإن كان مس المصحف وأداء الصلاة من الممنوعات المؤكدة) والنسوة الحائضات واللائى فى حالة وضع يمكنهن قراءة القرآن، لكن أداءهن للصلوات غير مطلوب، وثمة خلاف فى تفاصيل الغسل بين مذاهب السنة يمكن متابعتها فى كتب الفقه الكثيرة وبالإضافة للغسل الذى يعد فرضا لازما، هناك غُسل سُنّة كالغسل لصلاة الجمعة وللعيدين وأثناء الحج قبل دخول مكة (المكرمة) وقد عدّد الإمام الشافعى اثنتى عشرة مناسبة جعل الغسل فيها سُنة عن الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] أما الشيعة فلديهم ما لا يقل عن ثمان وعشرين مناسبة للغسل معظمها مرتبط بتاريخ التشيّع، ووفقا لرأى بعض علماء الشيعة فإن الغسل فرض واجب إذا لمس المرء طفلًا حديث الولادة وإذا نظر إلى شخص مشنوق (على حبل المشنقة). أما غسل الميت فهناك خلاف بيّن أتباع المذهب المالكى إن كان فرضا أم سُنّة، مع أن هذا الغسل غالبا ما يقوم به مغسّلون اختصاصيون ولابد -عموما- من تغطية عورة المتوفى أثناء تغسيله إلا إذا كانت الزوجة هى التى تغّسل زوجها فلا مانع فى هذه الحال أن ترى عورته، ولا تغسّل جثث الشهداء الذين سقطوا فى ساحة المعركة، ويهمنا أن نشير إلى ما يحدث

المصادر

فعلًا فى العالم الإسلامى بصرف النظر عما تورده كتب الفقه، ولما كان الوضوء مرتبطا بالصلاة فإن إهمال فروض الصلاة (وهو ما يحدث بين النساء خاصة فى شمال أفريقيا) يؤدى إلى إهمال الوضوء، ويلاحظ فى بعض المناطق فى مراكش -حيث توجد علاقة مع النسوة اليهوديات -لابد أن تغتسل المرأة عدة مرات بمياه تم جلبها من سبعة مجارٍ مائية مختلفة. المصادر: (1) محمد الجزيرى: الفقه على المذاهب الأربعة جزءا، ص 78، القاهرة 1355. (2) G. H. Bousquet: Ha Purete rituelle enlslam, in RHR, cxxxviii (1950), 53 - 71 د. عبد الرحمن الشيخ [بوسكويه G. H. Bousquet] غطفان اسم يطلق على مجموعة من القبائل فى شمال الجزيرة العربية تنتمى إلى قيس عيلان، وينحدرون حسب تسلسل الأنساب -من غطفان بن سعد بن قيس بن عيلان. وتقع أرضهم بين الحجاز وجبال شمر، فى ذلك الجزء من نجد الذى ينتهى عند وادى الرمة- وقد عاشت فى هذه المنطقة من الغرب إلى الشرق قبائلهم الرئيسية وهى "بنو أشجع" و"ذبيان" (وقبائلها الفرعية فزارة و"مرة" وثعلبة) وعبس و"الأنبار" فى منطقة القصيم. ومن هذه القبائل برزت بنو عبس (بن بغيض بن ريث بن غطفان) فى عام 550 م، عندما سيطر زعيمهم زهير بن جذيمة ليس على الغطفانيين وحدهم فحسب بل أيضا على هوازن وهى الجماعة الأخرى المهمة من جماعات قيس عيلان. وبعد مقتل زهير على يد خالد بن جعفر من بنى عامر بن صعصعة تضاءلت سلطة عبسى وكان النزاع الذى شب بين قيس بن زهير بن جذيمة وبين حذيفة ابن بدر شيخ بنى فزارة ابن ذبيان بن بغيد بن ريث بن غطفان قد أدى إلى ما عرف بحرب داحس بين عبس وذبيان تلك الحرب التى لم يبق أحد من غطفان كلها تقريبًا إلا وقد حمل السلاح ضد عبس

وأجبروها على ترك مراعيها، وبعد كثير من الترحال والتجوال وجدوا مأوى لهم عند بنى عامر بن صعصعة. وفى عام 580 تقريبًا هزمت الجماعتان فى معركة شعب جبلة وانحل عقد التحالف الذى كان يضم نفيما وذبيان وأسدًا وقبائل أخرى ثم ما لبث السلام أن عاد بين عبس وذبيان بسبب المساعى الحميدة من اثنين من رؤساء بنى مرة هما ابن عوف بن سعد بن ذبيان المعروف بالحارث بن عوف والآخر هو هرم بن سنان، وقد امتدحهما زهير بن أبى سلمى فى معلقته -وبعد هذه المصالحة اتحدت عبس وذبيان بنى عامر بن صعصعة وكثير ما انضمت إليهما قبائل غطفان الأخرى كما حدث فى موقعة الرَّقَم كما عقدت غطفان فى الوقت نفسه تقريبًا تحالفا مع جيرانها "طئ" و"أسد" وقد كانت هناك أيضا معارك بين غطفان وهوازن وسليم حتى جاء الإسلام فأنهى هذه الصراعات. وقد كانت غطفان مثل كل البدو تقريبًا تعادى محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] والإسلام وفى ذلك الوقت كان "عيينة ابن حصن الفزارى من بين بيت بدر الشهير- الشخصية القيادية بين قبائل غطفان وقد حاول أهل مكة كسب تأييده، على حين كان محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] حريصا على أن يحيط كل التحركات المعادية (مثلما حدث فى حملة الكدر) ضد سليم وغطفان وبعد طرد بنى النضير من المدينة إلى خيبر، تحالف اليهود مع أهل مكة وكسبا تأييد غطفان وسليم. وقد اشتركت فرقة من بنى فزارة وربما بنى مرة أيضا بقيادة عيينة فى عام 5 هـ/ 627 م فى حصار المدينة (فيما عرف باسم غزوة الخندق) ولكن عندما فشلت هذه المحاولة، عقد بنو الأشجع -الذين كانوا من بين قبائل غطفان كلها يعيشون قريبا جدا من المدينة معاهدة مع محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، وتيقن عيينه أنه من الأفضل أن يحجم عن المعارضة السافرة. . وقد كان عيينه فى معسكر محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] أثناء فتح مكة فى العام الثامن للهجرة (630 م)، وصحبه فى غزوة حنين التى جاءت بعد ذلك وكافاة النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] بشكل خاص فى الجِعرّانة فاختصه بمائة من الإبل عند توزيع الغنائم على حين أعطى عباس ابن مروان السلمى أربعة رؤوس فقط

فأحسّ عباس بالمرارة رغم استبسال بنى سليم فى القتال يومذاك وفى العام التاسع من الهجرة (631 م) ذهب وقد من فزارة وفزة برئاسة خارجة بن حصن والحارث بن عوف، إلى المدينة ليعلنا اعتناق قبيلتيهما للدين الجديد، ولكن حدث فتنة فى الردة التى أعقبت وفاة محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] مباشرة، أن اشهرت غطفان وبنو اسد السلاح. وهاجمت عصبة منهم بقيادة خارجة بن حصن أبا بكر فى معسكره القريب من ذى القصة ولكن المسلمين ردوها على أعقابها. وبعد ذلك هزم خالد بن الوليد بنى أسد الذين كانوا بزعامة طليحة وجماعة من فزارة بقيادة عيينه بن حصن فى موقعة "بزاخة" وقضوا على آخر مقاومة من جانب خارجة بن حصن فى الغَمْرة فى أراضى فزارة، وترتب على هذه الهزيمة أن فقدت فزارة جزءا كبيرا من مراعيها، وجئ بعيينه بن حصن أسيرا إلى المدينة، ولكن أبا بكر عفا عنه وأصبحت ابنته أم البنين زوجة لعثمان بن عفان. وقد اشترك مقاتلو غطفان فى حروب الغزو، واستقر بعضها فى البلاد التى فُتحت حديثا. فالجيش الشامى الذى أرسل إلى المدينة بعد موت معاوية مباشرة فى عام 60 هـ/ 680 م كان بقيادة مسلم بن عقبة المرّى وفى الكوفة نجد أفرادا ينتمون إلى الأسر الكب يرة من بنى فزارة مثل منظور بن زبان صهر الحسن بن على ومحمد بن طلحة بن عبيد اللَّه الحجج، وعبد اللَّه بن بن الزبير ومندر بن الزبير. وقد تزوجت هند بنت أسماء بنت خارجة بن حصن من عبد اللَّه بن زياد ثم من بشر بن مروان وأخيرا من الحجاج. وقد كان طبيعيا فى الصراع بين عرب الشمال (مصر) وعرب الجنوب (كلب) أن تتعاطف غطفان مع عرب الشمال وقد حاربوا فى مرج راهط (65 هـ/ 684 م) بقيادة الضحّاك بن قيس الفزارى، ضد بنى كلب ويبدو أن القراربين فى الكوفة قد أيدوا ظُفَر بن الحارث الكلبى بن عامر وعمير بن حباب السلمى فى حربهم ضد حميد بن حُريث الكلبى -وعندما قتل حميد بعضا من بنى فزارة فى أرضهم فى الجزيرة العربية، انتقمت فزاره فى معركة "بنات

قين" بالسَّماوة) (74 هـ/ 693 م) - وكان من حظ فزارة أن كانت ولادة بنت العباس، وهى واحدة من زوجات عبد الملك بن مروان، وأم الخليفتين الوليد وسليمان من سلالة زهير بن رواجه الفزارى. وعندما كان عمر بن هبيرة الفزارى واليا على الشرق فى الفترة من عام 102 هـ/ 721 م، إلى عام 105 هـ/ 725 م إستعادت قبائل قيس كلها مكانتها مرة أخرى وبعد سقوط الأمبراطورية الأموية. لم نسمع إلا القليل عن غطفان. وقد جاء ذكر "فزارة وأشجع" وثعلبة مرتبطا بثورة قبائل البدو فى عام 230 هـ/ 844 م، والتى أخمدها بُغا الكبير، ولكن غالية غطفان كانت قد تركت الجزيرة العربية واحتلت قبائل طئ أراضيها كما لم تكن هناك أية جماعات من غطفان بين عرب الشمال (قيس) الذين استقروا فى مصر فى عام 107 هـ/ 725 - 726 م بأمر من هشام بن عبد الملك. وبعد ذلك بفترة طويلة نجد عشائر وعائلات فى مصر وليبيا والمغرب فى أسبانيا تدعّى أنها من سلالة غطفان. ومن بين شعراء المعلقات اثنان ينتميان إلى غطفان هما عنترة بن شداد العبسى، والنابغة الذبيانى. . وهناك شعراء آخرون من غطفان أيضا أقل من هذين شهرة وهم غروة بن الورد والحطيئة العبسى والحَاضرة و"الشماخ" من ثعلبة بن سعد؛ وكذلك ابن ميادة من بنى مرة بن عوف؛ وابن داره من بنى عبد العزى الذين يعرفون عادة ببنى المحوّلة ذلك لأن النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] أمر بتغيير اسم سلفهم إلى "عبد اللَّه" عويف القوافى من فزارة. وليس هناك إلا القليل الذى نعرفه عن عقيدة الغطفانيين الوثنية -فقد كانوا- مثل القبائل الأخرى يعبدون وثنا يسمونه "الأقيصر" وكان لهم أيضا بيت العزى فى "بوس" الذى أخطأ الكتاب المسلمون فجعلوه منافسًا للكعبة فى مكة -وقد دمره زهير بن جناب الكلبى فى النصف الأول من القرن السادس الميلادى ثم كان هناك خالد بن سنان العبسى الذى يعزى إلى النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] قوله عنه "إنه كان نبيًا أهلكه ناسه".

المصادر

كما أن أصل اسم غطفان غير معروف وهناك بجانب غطفان قيس بن عيلان الشهيرة عشائر تحمل نفس الاسم منها جهينة وجذام، وإباد وقد كان عطفان بن أنيف الكلبى من شعراء القرن الأول للهجرة (السابع الميلادى) وكان من بين كُتّاب مروان بن الحكم رجل يكنى بأبى غطفان. المصادر: انظر المصادر الواردة فى المادة بالإضافة إلى المصادر العربية الأخرى مثل: ابن سعد، الطبرى. نقائض جرير والفرزدق. المفضليات وكتاب الأغانى للأصفهانى. بهجت عبد الفتاح [ج. و. فوك J. W.Fuck] غفارى أحمد بن محمد مؤرخ فارسى سليل أسرة ترجع أصولها إلى مدينة "ساوة" ثم استقرت فى مدينة "قزوين"، وانحدرت من الإمام الشافعى نجم الدين عبد الغفار المتوفى فى سنة 665 هـ (1266 م)، وهو مؤلف كتاب "الحاوى الصغير"، وتعزى إليه نسب غفارى. وقد تولى خمسة أفراد من أسلافه منصب القاضى. وقد توفى أبوه فى سنة 932 هـ (1526 م) الذى نظم الشعر باسم مستعار هو "وصالى"، كما تولى أخوه المنصب نفسه فى مدينة الرّىّ. وحيث أنه عاش فى مدينة "قزوين"، وحمل لقب "قاض" فمن المحتمل أنه تولى المنصب نفسه فى مدينته الأم. ويقال إنه تقاعد فى نهاية حياته من الوظائف الرسمية، وعمل فى خدمة الأمراء. وقام برحلة من مدينة قزوين إلى مدينة قاشان بصحبة الأمير تقى الدين محمد، حفيد الأمير جمال الدين محمد صدر، والشاعر نذيرى التبريزى. والتقى فى هذه الرحلة بالشاعر العظيم محتشم القاشانى، وفى نهاية حياته أدى فريضة الحج، ومات فى أثناء عودته ببلدة دَيْبُل (بالسند) فى سنة 957 هـ (1567 م). وعلى الرغم من أنه شاعر، بيد أنه ألف كتابين كبيرين فى التاريخ, هما: "نجارستان" وهو مجموعة نوادر وملح تاريخية جمعت من أحسن الأعمال المعروفة،

المصادر

رتبها وفق التسلسل الزمنى، وقد أتمها فى سنة 959 هـ (1552 م)، وأهداها إلى الشاه الصفوى "طهماسب"؛ وكتاب "نسخ - ئى جهان - آرا"، وهو تاريخ السلالات الحاكمة منذ البداية حتى سنة 972 هـ (1564 م)، وأهداه إلى هذا الحاكم نفسه. المصادر: (1) Sam Mirza Safawi: Tuhfa-yi Sami, Tehran 1314/ 1936, 72 - 4 (2) منتخب التواريخ عبد القادر بن ملوك شاه البدونى، جزء 3، كلكتا 1860, ص 185 - 186. حسن شكرى [س. نفيسى S. Naficy] غفران مصدر غَفَرَ، ويشير إلى إسمين من أسماء اللَّه الحسنى "الغفور" أى كثير المغفرة والستر للذنوب، و"الغَفَّار" وهو أبلغ من الغفور لأنه وضع للتكثير، ومعناه أنه يغفر الذنب أبدا. وعلى هذا النحو: يكون فعل الإنسان هو الصفح عن الاساءة، ويكون فعل اللَّه سبحانه وتعالى بصفة جوهرية، هو الصفح عن الذنوب والآثام. ومصطلح "غفران" من مجموع المفردات المستخدمة فى "علم الكلام" ومثال ذلك البحث عن "الوعد والوعيد" وسورة التوبة، ومن مجموع المفردات المستخدمة فى "التصوف" ومثال ذلك "مقام التوبة". وله مترادفات شائعة منها: العفو، أى التوكيد على محو السيئات والتجاوز عن المعاصى، وترك المؤاخذة على الذنب والتجافى عنه، وازالة الذنوب بالكلية ومحوها من ديوان الكرام الكاتبين. -وقد حللت شرائط المغفرة الإلهية وطرائقها فى مادة "التوبة". حسن شكرى [ل. كارديه L. Gardet] غلاة هم المتطرفون أو الذين يغالون فى المسائل الدينية -وقد أطلقها دارسو البدع على هؤلاء الشيعة الذين تبالغ مبادؤهم الإمامية "الاثنا عشرية" فى توقير الأئمة- ولكن هذا المصطلح فى الواقع قد شمل كل الشيعة الأوائل وكذلك أطلق على كل جماعات الشيعة

المتأخرين باستثناء الزيديين والأثنى عشريين التقليديين؛ والإسماعيليين فى بعض الأحيان. وقد كان أول الغلاة، عبد اللَّه بن سبأ، الذى تتمثل مغالاته فى أفكاره إن عليا وإن كان قد مات، إلا أنه تكهن بعودته (الرجعة)، كما ذكر الأئمة المتأخرون ذلك عن الإمام الثانى عشر. . وعلى أية حال فإن فكرة غياب (أو غيبة) إمام سوف يعود ويقيم العدل باسم المهدى أو القيم قد ظهرت أولا بيت الغلاة. . وهناك مواقف أخرى اعتبرها الكتّاب الأوائل من الغلو (أو المغالاة) مثل "سب" (إدانة) أبى بكر وعمر على أساس أنهما مغتصبا حق علىّ وكذلك فكرة أن الإمام الحق هو الذى يعصمه اللَّه (سبحانه) من أى نوع من الخطأ. وقد اهتم الغلاة على وجه الخصوص بتحديد طبيعة شخص الإمام، ومن ثم ينسب إليهم مواقف متباينة حول هذا الموضوع فهم يقولون: - إن الإمام وحى النبى أو المنفذ لوصيته. - إن الإمام له قدرة تنبؤية (النبوءة) بالرغم من أنه تال لمحمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-]. - إن الإمام (مثله مثل محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-]) يستشعر وميضا من النور الإلهى. ورثه عن آدم من خلال مجموعة من الأنبياء. - أو أن الإمام يمثل الألوهية ذاتها، ربما كإله أصغر على الأرض أو بحلول الروح الإلهية فيه. وبالقدر نفسه تقريبًا كانوا يهتمون بتحديد طبيعة المؤمن الحق. . وقد تصور البعض أن المخلصين الصادقين يتلقون قدرا من الوحى أو الإلهام الذى ينزل على الأنبياء. وقد حدث فى الفترة التى ظهر فيها أبو الخطاب -وهو صديق جعفر الصادق- ومن قيادات المغالين أن فكر كثيرون فى الروح بمفاهيم روحية خالصة مستقلة عن أى جسد ومن ثم توقع البعض بعثا روحيا خالصا، وتبنى الكثيرون فكرة التناسخ بل وفكرة المسخ فى الأجساد دون البشرية -ولذلك- وتمشيا مع التقليل من قيمة الجسد، اعتبر الكثيرون أن الشرع الذى يقوم على الشعائر

والطقوس ليس ملزما لهؤلاء الذين توصلوا إلى حقائق أعمق أى هؤلاء الذين عرفوا الإمام. . وبشكل عام فإن الاتهامات توجه إليهم لأنهم يعتبرون كل قواعد الأخلاقيات التقليدية غير قائمة وفى الوقت نفسه يلام بعضهم لأنهم يدخلون قواعد جديدة مثل فكرة النباتية (أى العيش على النباتات من خضر وفواكه) وهناك من بين الغلاة -وعلى الأخص المغيرة بن سعيد و"أبو منصور العجلى- من فكر فى طبيعة اللَّه (سبحانه) ذاته، وفى عبارات "تجسيمية" (أى خلع الصفات البشرية على اللَّه جل جلاله) مأخوذة من نصوص القرآن. ويمكن أن نرد الكثير من هذا التفكير إلى قوة دفع الإسلام ذاته، وإلى علم القرآن ومعارفه -فتوقع استمرار النبوءة والأمل فى ترنيم إنسانى يقوم بتوجيه من اللَّه سبحانه بتنظيم العالم فى عدل وإنصاف، يمثل تفسيرا للإسلام، بديلا لإسلام القيادة فى مكة والمدينة ومع ذلك فهناك بعض التفاصيل التى تعكس المفاهيم العربية قبل الإسلام، ذلك لأن كثيرين من قيادات الغلاة الأوائل كانوا من عرب القبائل. . فالتقديس الذى يخلع على "المختار" وكذلك بعض مفاهيم رجعة الأبطال، ذات أصول عربية قديمة. . وأخيرا فإن كثيرين من زعماء الغلاة المتأخرين كانوا من الموالى المتأثرين بالمسيحية واليهودية والغنوصية والزرادشتية، وقد جاءوا معهم بهذه المفاهيم القديمة. ومن المحتمل أن تكون أكثر أفكارهم حول الروح من هذه التعاليم الأولى التى ظهرت فى الشرق الأوسط. ويبدو -فى الأجيال الأولى- أن الغلاة كانوا مجرد فرق دينية فى الحركات الشعبية المختلفة. ولكن بمقدم القرن الثانى بدأ بعضهم نشاطا سياسيا مستقلا ضد النظام القائم (ولكن قد تكون الحكومة هى التى بادرت بمحاولة القمع فى بعض الانتفاضات مثل تلك التى قام بها بيان بن سمعان)، على حين ساعدت أفكارهم أيضًا على تبرير تشكيل تسلسل موروث للإمامة، يسود

الاعتقاد فيه بأن مطالبا ما بالإمامة يكون أماما سواء سعى إلى حكم الأمة الإسلامية أو لم يسع. والحق أن المفكرين الغلاة أحاطوا بأنساب كل من محمد بن الحنفية ومحمد بكير وجعفر الصادق -والتقاليد الإمامية تعتبر كل مؤيدى أى مطالب بالإمامة من نسل محمد بن الحنفية من الغلاة تحت مسمى الكيسانية- وقد استمر بعض هؤلاء الكيسانيين العباسيين كأئمة ذوى سلطة فوق الطبيعة وذلك طيلة عدة أجيال. ويبدو أن بعض الغلاة لم يسمحوا للإمامة أن تخرج فحسب من العلويين بل من الأسرة الهاشمية أيضا، وذلك عندما يظهر شخص آخر تكون له القيادة المقدسة وأخيرا فإنه يبدو أن أفكار غلاة الشيعة قد أثرت فى بعض الحركات الطائفية الزرادشتية وخصوصا عن طريق توقير أبى مسلم. ومع القرن الثالث الهجرى (التاسع الميلادى) خرجت من بين الغلاة نظم باطنية تفسر القرآن رمزيا. ويبدو أن هذه النظم قد تأثرت بالفلسفة اليونانية -وقد اختلف الغلاة حول توكيدهم على سيادة مبدأ أو آخر. . فالميمية تمجد الميم أو محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] الذى يجسد كنبى مبدأ الحق المعلن والحقيقة الموضوعية؛ أما العينية فتمجد العين أو على الذى يجسد كإمام مبدأ المعنى الداخلى -وهناك مبدأ ثالث تمثله السين أو سلمان الفارسى، البوابة (الباب) الذى يصل منه الإنسان إلى الحقيقة. وقد لعب عديد من هذه الجماعات بعض الدور فى سنوات انهيار الخلافة العباسية عندما تولى أحد المتعصبين وهو شلمفانى Shalmaghani مركزا أساسيا رفيعا. وقد جرى استيعاب ما خلفه الغلاة فى حركات الإمامية والإسماعليية وتم تنظيمه باستبعاد الأفكار التى تتضمن آية حلول وسط لوحدانية اللَّه (سبحانه). . وهكذا رفض الذين عاشوا بعدهم فكرة الحلول، مع فكرة أن الإمام يمكن أن يكون إلها أو نبيا. ولكن حتى هذه الأفكار ظلت موجودة فى داخل الدوائر الإمامية والإسماعيلية وفى طوائف مثل النصيرية -وفى القرون التى تلت ذلك ظهرت حركات غامضة

المصادر

استخدمت الكثير من أفكار الغلاة مثل النزارية والدروز من داخل الاسماعليية و"أصل الحق" الذى رأوا فى علىّ إلهًا. . وبالمثل فإن الصفويين الأول فسروا التشيّع بطريقة تعتبرها الإمامية التقليدية غلوا -وقد دخلت الكثير منها فى البحر الواسع للصوفية بعد أن تحولت إلى معرفة رمزية معقدة. المصادر: (1) J. Wellhausen: Die religios Politische Oppositionsparteien, Abh. G.W. Gott Phil. Nist. Kl. n.f. v no 2, 1901 (2) Marshall G. S. Hodgson: How did the early shia become sectarion? in JAOS, IXXXV, 1955 بهجت عبد الفتاح [م. ج. س. هودجسون M.g.s.Hodgson] غلزى غلزى (بفتح الغين أو كسرها) أو غلجِى قبيلة كبيرة فى غريب بلاد الأفغان ولها بطون عديدة خاصة بين قندهار وغزنة. وثمة كتابات كثيرة عن أصل هذه القبيلة إلّا أنه يمكن القول أنهم خليط من العناصر التركية والهفتاليت Hephthalite والاسم غلزى يعنى بلغة الباشتو ابن الغَل والتى تعنى بدورها ابن اللص ووفقا للأساطير المدرجة فى Makhza-i Afghani فإن الغلزيين منحدرون من ماتو Mato ابنة بتان Bitan (أو باتنى Batni) الذى كان ابنا لقيس، وقد اتخذ الباتان اسمهم من هذا الجد (بتان أوباتنى) وكان لماتو شأن مع شاه حسين الأمير الغورى (من الغور) اللاجئ وولد غَلْزى الجد الأعلى للقبيلة نتيجة هذا الزواج. وربما كان الاسم غلزى مشتقا من خَلَج Khaladj وهو اسم قبيلة تركية (من المجموعة التركية أذربيجان وتركمان وقرغيز. . الخ) أو من العناصر الهيفثاليتيه (؟ ) التى عاشت فى منطقة غزنة فى القرن الرابع للهجرة (العاشر للميلاد). وقد كان القادة المؤسسون للأسرة الحاكمة الخَلْجيَّة فى الهند من هذه القبيلة، وقد ورد فى جهان -نامه-

وهو نص جغرافى يعود للسنوات الأولى من القرن السابع للهجرة (الثالث عشر للميلاد) ما يشير إلى اختلاط العناصر التركية بالأفغانية. وقد حارب بابر الخلجيين بالقرب من غزنة، ويمكننا أن نفترض أن هذه هى المرّة الأولى التى يُشار فيها للغَلْزيين الذين ظهروا بوضوح على مسرح الأحداث فى القرن الحادى عشر للهجرة (السابع عشر للميلاد) عندما تحركوا فى منطقة قندهار وشغلوا منطقة كان قد تخلّى عنها أفراد قبيلة "أبدالى" الذين نقلهم شاه عباس الأول إلى هراة. وفى سنة 1707 م ثار ميرويس Ways زعيم غلزيى قندهار سنة 1715 م وخلفه ابنه محمود بعد فترة صراع لم تطل، واستولى محمود هذا على كرمان سنة 1720 م، وعلى العاصمة الصفوية أصفهان سنة 1722 م، وحكم الغلزيون بلاد فارس حتى سنة 1730 م. وتلاشت قوى الغلزيين بانتصارات نادر شاه، وأصبح الدرَّانيون (أو الأبدليون) تحت زعامة أحمد شاه هم القبيلة الرئيسية فى أفغانستان. وساعد الغلزيون شاه شجا على الاستيلاء على كابُل سنة 1218 هـ/ 1803 م وارتبط الزعماء القبليون الغلزيون بأواصر التزاوج والمصاهرة مع القبيلة الدرّانية الحاكمة. وفى سنة 1880 م هزمت قوة بريطانية بقيادة ستيوارت كانت فى طريقها من قندهار إلى كابل قوة من الغلزيين عند أحمد خلْ. وفى سنة 1886 م أثار الغلزيون ضد عبد الرحمن حاكم أفغانستان. ويتركز الغلزيون الآن فى شرق غزنة وجنوبها الشرقى رغم أن جماعات منهم مستقرة فى شمال أفغانستان بالقرب من "ميمنة" وكذلك فى بَدَخشان. وهم ينقسمون إلى مجموعتين رئيسيتين تران وبرهان. ويبلغ تعداد الغلزويين حوالى مليونين؛ ثلاثة أرباعهم فى أفغانستان والباقى فى باكستان.

المصادر

المصادر: (1) V. Minorsky: The Turkish Dialect of Khalaj in Bsos, x (1940), 417 (2) D. Wilber: Afghanistan, New York 1963 د. عبد الرحمن الشيخ [ر. ن. فرى R.N. Frye] غناء الغناء من غنى يغنى، وقد جعل إخوان الصفا (القرن 4 هـ, 10 ميلادى) الموسيقى مرادفا للغناء، كما جعلوا المغنى مرادف للموسيقار ولا شك أن الأغنية تطورت وتشكلت من خلال الفولكلور. ومن الوجهة الموسيقية لا يوجد فرق بين الإنشاد البسيط للفقير المتصوف والغناء غير الفنى للسقاء (بائع الماء) أو بين الأداء المحكم للمؤذن والأعمال الملحنة المتقنة التى يؤديها المغنى المحترف ويصنف الغناء فى بعض البلدان طبقا للبناء الموسيقى الذى يصب فيه سواء كان هذا البناء تقليديا أو شعبيا وتصنف فى بلاد أخرى وفقًا لنوع البيت الشعرى المغنى. وتنقسم الأغنية فى مراكش إلى أغنية فولكورية أو شعبية تسمى (قريحة) وأغنية فنية تسمى (آلة) أو (صنعة). أما فى الجزائر فتنقسم إلى كلام الهزل وكلام الجد وفى الجاهلية نرى المعنى المزدوج للكلمة اللاتينية Carmen (تعويذة - أغنية) فى لَحَنَ وشَعَرَ اللتين يشتق منهما المصدران لحْن وشعْر ويعطى الفعلان ظلالا من كلمة (الفهم) وفيما يبدو أن "الحداء" كان فيما سبق تعويذة ضد جنى الصحراء. ولا يقتصر الحداء على راكبى الجمال فحسب ويلاحظ أن الأغنية الحرفية كانت فى متناول الجميع ولم تكن قصرًا على فئة دون أخرى وقد انتشرت فى الغناء العربى القديم. ولم يكن ترديد الأغانى الحرفية يؤثر فى إضفاء الحيوية على حركة العمل فحسب، بل امتد إلى التنظيم والالتزام به.

ويقول ابن جنى (ت. 392 هـ - 1002 م) إن ساحب الماء يستمر فى عمله ما دام "الرجز" مستمرا وكذلك يفعل أصحاب الحرف الأخرى كالسقائين والبحارة، ويجزم المسعودى أن الحداء نبع من بكاء النساء وقد تشمل أغنيات الأفراح والأطفال والهدهدة [المترجم: من المعروف أن النوح يعبر عن الحزن وأن النصب يعبر عن التعب، لذا تبدو هذه الفكرة غريبة]. والحق أنه ليس لدينا علم الأبيات والموسيقى فى هذه الأغنيات الفولكلورية المبكرة على الرغم من وجود أسماء لبعض المغنين. ويؤكد كل من الجوهرى (ت. 396 هـ - 1006 م) وابن سِيده (ت. 458 هـ - 1066 م) أن النصب كان خاصًا بالعرب، ولكن لم يزد عن كونه حداء محسنا ويقول الغزالى (ت 505 هـ - 1111 م) أن أساسا الوزن فى الحداء والنصب هو العروض الشعرى المعتاد. ويرى بروكلمان Brokelman أن الكثير من الشعر قبل الإسلام كان يغنى، ولم يكن مجرد تخمين ما قاله سانت جايارد St. guyard ولاندبرج Landberg أن العروض العربى يقوم على أسس موسيقية. ويعد اللحن والوزن هما الأساس الرئيسى، كما هو الحال فى "الملحون" فى مراكش، والإطار اللحنى للأغنية الفولكلورية بسيط، فالعبارة الموسيقية المنفردة هى الخط العام (القاعدة) وتتكرر مع كل بيت أو حتى كل مصراع. والسلم الموسيقى عامة رباعى أو خماسى رغم أن الأغنية الحرفية لا تحتاج لأكثر من نغمتين، والتحسينات المضافة للحن بواسطة نغمات منسقة -هى التى تبرز مقدرة المغنى والمحترف- ونادرًا ما يظهر هذا فى الأغانى الفولكلورية، والغناء ثلاثة أنواع -الغناء- الفردى والغناء الجماعى (الكورس) والترنيمة التجاوبية. ويستخدم الشعر الموزون وغير الموزون على السواء. وفى الحالة الأولى تسمى نشيدًا أو إنشادًا أو أنشودة والأخيرة تسمى ترتيلًا. ولا شك أن الأغنية الفنية نشأت مع القينات فى القبائل والخمارات والأسر

الخاصة، ومصطلح "مسمعات" الوارد عند الأعشى ميمون يحتمل أن يكون قد ظهر بعد الإسلام. والتاريخ يذكر هؤلاء الفتيات المغنيات عند حديثه عن قدماء العماليق (انظر الطبرى جـ 1، ص 231, المسعودى المروج جـ 3، ص 296) ومن المؤكد أن "القنيتو Kinitu" كان معروفًا فى آشور. وفى بداية الإسلام، لم يكن هناك أى معارضة للغناء، حتى أن رسول اللَّه [-صلى اللَّه عليه وسلم-] كان يشارك بنفسه فى الغناء أثناء حفر الخندق فى مكة (¬1) ومع ذلك، وردت أخبار أن الخلفاء الراشدين الأربعة عارضوا الإنغماس فى الاستماع إلى الغناء أو أى لون من ألوان الموسيقى، وترتب على ذلك أن الاتجاه الدينى المتشدد فى العراق حرمها بينما أجازها المعتدلون فى المدينة. واكتظت المكتبة الإسلامية بالمؤلفات والكتابات بين مؤيد ومعارض للاستماع. وظهرت روايات صحيحة ناقشت الاختلاف بين "ترتيل" القرآن الكريم والغناء، كما ذكر ابن خلدون ورغم ذلك أشار ابن قتيبة أن قواعد الترتيل والغناء مماثلة. وإلى جانب القينة ظهر الموسيقيون والمحترفون، وسجل التاريخ أن طويس (10 هـ/ 632 م - 92 هـ/ 711 م) وعزة الميلاء اللذين قدما لونًا جديدًا فى الغناء عرف بالغناء المتقن أو الغناء الرقيق. وبالرجوع لابن الكلبى نرى الغناء ثلاثة أنواع. (1) النصب وهو غناء الركبان والقيان. (2) السناد وبها ترجيعات وهى مليئة بالنغمات. (3) الهزج وهو الغناء الخفيف. ومع ذلك ظهر عنصر جديد هو الايقاع والذى كان متميزًا عن العروض وكان خارجيًا لأنه كان مصحوبا بالتصفيق أو بآلة للصَّفق كالقضيب أو الدف أو الغربال. وكافة الأصوات الواردة فى كتاب الأغانى فى أشكال القصيدة أو القطعة. وقد صنع يونس ¬

_ (¬1) الصواب أن الحفر كان بالمدينة لصد هجمات المشركين فيما عرف بغزوة الخندق أو الأحزاب. المترجم

الكاتب (ت. ح 148 هـ/ 715 م) العديد من مجموعات الأغانى، وكذلك ابن جامع (ت. 187 هـ/ 803 م) ويحيى بن مكى (ت. 205 هـ/ 820 م) واسحق الموصلى (ت. 236 هـ/ 805 م) وحسن ابن موسى النصيبى (ت. ح 246 هـ/ 860 م) وابن بانه أو ابن بنائه (ت. 278 هـ/ 891 م) والوزير المغربى (ت 417 هـ/ 1026 م) وظهرت بعد ذلك ألوان غنائية شعبية جديدة مثل الموشح والزجل والموال والبليق والكانكان. وقد ظهرت الموشحة أول مرة بمكان ما بالأندلس، ومن المؤسف أنه لم تحفظ نغمة واحدة لها، وكل ما نعرفه عن تلك الأغنيات جاء فى كتاب الأغانى للأصفهانى عن صيغة النغمة المسماة بالأصبع وصيغة الايقاع المسماة بالضرب. كان صفى الدين عبد المؤمن (ت 693 هـ/ 1294 م) أول من حدثنا عن تدوينات أقرب ما تكون إلى علامات موسيقية للأغنية بينما كان عبد القادر ابن غيبى (ت 837 هـ/ 1435 م) أول فارسى يستخدم التدوين أو العلامات الموسيقية فى أغنية. وقد لوحظ وجود ثلاثة أنواع من الغناء خلال القرنين (الثامن والتاسع للهجرة الرابع عشر والخامس عشر للميلاد) هى النشيد والبسيط والنوبة بتسكين الواو وهو غناء مصحوب بالآلات أشبه بلحن أوركسترالى. أما النشيد فيتكون من جزأين، الأول لحن لبيتين بلا ايقاع يسمى "نشر النغمات" والثانى لحن لبيتين مصحوب بإيقاع ويسمى "نظم النغمات" أما البسيط فكان قطعة ملحنة من إحدى الايقاعات الثقيلة. والغناء فى الشرق الإسلامى بأكمله أساسه لحنى صرف [يسير على خط لحنى واحد] ولا يوجد فى الغناء عند المسلمين - الهارمونى أو التوافق الموسيقى، والقطاع الأكبر من الشرق الإسلامى يتصور الموسيقى فى خط أفقى بينما تراها أوروبا فى خط رأسى. وكافة الألحان شكلية. وفى أيام الأصفهانى مؤلف كتاب الأغانى لم يكن

المصادر

يوجد أكثر من ثمانى صيغ موسيقية، ولكن مع الطفرة التى حدثت فى الثقافة الإيرانية صار هناك ثمانى عشرة صيغة، هذه الصيغ كانت تسمى "أصابع" ولكن فيما بعد سميت "نغمات" أو "مقامات" أو "طباع". ثم كان -ولا زال- هناك حركات أو أشكال فى اللحن، بعضها عتيقة وحيث أن كل بيت فى أغنية مكتمل فى ذاته، أى إنها تحوى فكرة محكمة، فهى تتكون من نفس الفقرة اللحنية. ولكن بعد ابن محرز (ت. ح 96 هـ/ 715) أصبح البيت الثانى يلحن على خط مختلف. وهذه العوامل لا تبعث الملل والرتابة لأن المغنى ينوع أداءه للحسن عن طريق الزوائد والتحسين أو الزواق. ويؤدى المغنى هذه الزوائد أو التحسين أو الزواق بتقديم بعض المقاطع مثل آه أو يا أو لا عندما لا تفى "ياليل" أو "ترى طار" الأكثر شيوعًا ووفاءً بالغرض وهذه الكلمات تأتى فى مواضع متنوعة من الأغنية، فقد تأتى فى قلب كلمة أو فى أخر الجملة أو فى نهاية مصراع أو بيت أو أغنية وفى الوضع الأخير تسمى "شغل". وبالطبع فإن الفنيات اَنفة الذكر لا توجد فى الأغنية الفولكلورية أو الحرفية. المصادر: (1) General. Ribera: La musica de les cantigas, Madrid 1922, translated into English as Music in Ancient Arabia and Spain by E. Hague and M. Leffingwell Stanford, California 1929 (2) أحمد الشبراوى: روضة أهل الفكاهة، القاهرة 1317 هـ. (3) أحمد بن محمد بن على الحجازى: روضة الأدب، فصل 6، القاهرة. (4) محمد الحداد. صديقة المنادمة، باب 29، القاهرة. (5) محمد بن محمد سعد المصرى: تحفة أهل الفكاهة باب 9، القاهرة 1307 هـ. (6) H. G. Farmer: History of Arabian Music, London 1929

الغوريون

(7) جورجى إبراهيم الدمشقى: نزهة الطلب، القاهرة 1310 هـ. (8) عبد الرازق الحسينى: الأغانى الشعوبية بغداد 1348 هـ. (9) عبد الكريم العلاف: الطرب عند العرب، بغداد 1364 هـ. وائل البشير [هنرى ج. فارمر Henery G. Farmer] الغوريون الغوريون اسم يطلق على أسرة إيرانية شرقية ظهر نفوذها واستفحلت قوتها فى القرن السادس الهجرى وأوائل القرن التالى له (ق 12 و 13 الميلاديين) وموطنها فى إقليم غور فيما يعرف الآن بوسط أفغانستان، وعاصمتها "فيروزكوه" ويحب أهلها أن يردّوا أصولهم الأولى إلى ماض إيرانى مجيد ذكره مؤرخهم الجُزجانى فى القرن السابع الهجرى فأوْصَل هذا الأصل إلى بطل أسطورى سمّاه "ازددهاك" الذى تزعم الروايات أن ذريته استقرت فى "غور" وتقول الأخبار إن جدهم "شَنْسَب" اعتنق الإسلام على يد الإمام على الذى عهد إليه بحكم "غور" وأن ولده "فولاد" انضم إلى أبى مسلم الخراسانى وكان عونًا للعباسيين. كما أن هناك رواية أخرى تقول إن هارون الرشيد استقبل فى بلاطه الأمير "بنجى" بن نهاران الشنسبانى واستعمله على إمارة "غور" ولقّبه بقسيم أمير المؤمنين، وجعله "شيث" بهلوانا (أى أمير الجيوش). وتهدف كل هذه الأخبار الملفّقة إلى تمجيد أسرة برزت من المجهول، على أنه يمكن أن نقول إن الشنسبانيين (من الناحية العْرقية) كانوا كبقية الغوريين من أصل إيرانى شرقى. وليس لدينا معلومات مؤكدة عن اللغة التى كانوا يتكلمون بها إلا أنها كانت فى مستهل القرن الخامس الهجرى (الحادى عشر الميلادى) تختلف اختلافا كليا عن اللغة الفارسية المستعملة فى بلاط الغزنويين. ومن الممكن أن تكون اللغة الغورية فى أقدم صورها ضربا من اللغة الايرانية الجنوبية الشرقية.

تحت حكم الغزنويين والسلاجقة

كذلك لا نعرف شيئا مؤكدًا عن الشنسبانيين حتى العصر الغزنوى، أعنى حتى القرن الخامس الهجرى. ففى مستهل هذا القرن اعتنق الغوريون الإسلام، ويشير كتاب حدود العالم (فى سنة 372 هـ) إلى شخص اسمه "غور شاه" "كان تابعًا لأمراء "جوزجان" فى شمال غور، ولكن ليس لدينا ما يؤكد أنه كان "شنسبانيًا". ولقد ظلت غور أيام امبراطورية السلطان محمود الغزنوى (338 - 421 = 998 - 1030 م) مقاطعة مستقلة، وقد بعث السلطان إليها خلال حكمه ثلاث حملات. وفى سنة 401 هـ (= 1011 م) أرسل حملة هاجمت الزعيم الشنسبائى محمود بن سورى وأمسكته فى حصنه وتم خلعه وتولى مكانه ولده "أبو على" الذى كان ضالعًا مع الغزنويين ثم صار تابعا للسلطان وبقى رهط من المسلمين يعلمون الناس مبادئ الدين وأصوله، راجع: Nazim Life Times of Sultan Mahmoud of Gazna Cambridge, 1931), pp. 70 - 72, 22, 23, (27, 28) ونستطيع من هذا البيان ومن الأخبار الواردة فى "جرجانى" أن نؤكد أن الشنسبانيين كانوا حكاما إقليميين صغارا لمنطقة منديس ولقلعتها التى تقع عند سفح جبل "زرى مرج" أحد جبال غور الكبيرة ويظهر أن لفظ "غور" فى هذه الفترة بالذات كان يقصد به إقليم منديس "منديش" أى الركن الشمالى الشرقى من إقليم غور المعروف عند الجغرافيين المسلمين الأوائل وكان هناك بضعة زعماء قلائل فى إقليم غور، كما يمدنا البيهقى ببيان مفصل عن حملة سنة 411 هـ = 1020 م) الغزنوية التى كانت بقيادة مسعود بن محمود والتى زحفت من هرات واستولت على قلعة "جرواس" وأخضعت الزعيم المحلى "ورميش بات"، ونستدل من ورود هذا الاسم بعد ذلك بوقت طويل فى أسرة شيث على أن إقليم "جروس" الواقع فى الركن الشمالى الغربى من غور كان مركز تجمع خصوم "الشنسبانيين" يضاف إلى ذلك ما يورده البيهقى من ذكر أسماء زعماء آخرين فى غور. . تحت حكم الغزنويين والسلاجقة: حين يراد اسم أبى على بن محمد يقرن بالمدح والثناء على أيام حكمه وذلك

لتشجيعه الإسلام الذى كان قد دخل البلاد حديثا، فقد أكثر من بناء المساجد وتشييد المدارس وأكثر من حبس الأوقاف عليها، لكن حدثت فتنة داخلية فى "منديش" أيام حكومة مسعود الغزنوى (421 - 432 هـ = 1030 - 1041 م) وقام عباس بن شيث فخلع عمه أبا على بن محمد وصرف همته لتقوية الحصون الموجودة وإقامة القلاع التى أصبحت سمة تتحلى بها "غور" غير أن استبداده حمل الزعماء الغوريين الكارهين له والناقمين عليه إلى استدعاء إبراهيم بن مسعود الذى استجاب لاستغاثتهم به وزحف على "غور" وخلع عباس بن شيث ووضع مكانه ولده محمد بن عباس بن شيث الذى خلفه هو الآخر ابنه قطب الدين حسن (الذى كان شنسبانى يحظى بلقب تشريفى). كان الشنسبانيون خلال النصف الثانى من القرن الخامس الهجرى يبذلون جهدهم لزيادة رقعة ممتلكاتهم فيما وراء "منديش" والأراضى المجاورة. ويتكلم الجُزجانى عن الاضطرابات الاقطاعية التى استمرت داخل "غور" منذ ذلك الحين حتى وقت لاحق. وحدث فى أثناء فتنة فى "وجيرستان" غربى غزنة أن قتل قطب الدين حسين فتولى الحكم ولده عز الدين حسين (493 - 540 هـ = 1100 - 1146 م) ويسميه الجُزجانى بأبى السلاطين لأن أربعة من أولاده الكثيرين تولوا الحكم واحدًا بعد واحد. ومنذ تلك الآونة تصبح "غور" منطقة حاجزة بين كل من الامبراطورية الغزنوية التى تضاءلت بعد منتصف القرن الخامس الهجرى وبين شمالى الهند ودولة السلاجقة القوية لا سيما وأن اقليم خراسان السلجوقى أصبح بعد سنة 490 هـ (= 1097 م) تحت حكم سنجر بن ملك شاه القوى، وترتب على تدهور الغزنويين بعد موت إبراهيم سنة 492 هـ (= 1099 م) أن أصبحت غور تدور فى فلك النفوذ السلجوقى، وقام مسعود الثالث بن إبراهيم الغزنوى فى بداية الأمر بتثبيت عز الدين حسين. لكن خرج سنجر فى سنة 501 هـ (= 1107 م) على رأس حملة أغار بها على غور وألقى القبض على عز الدين فأخذ الغوريون منذ تلك

الآونة يوثقون علاقاتهم بسلجوق ويبعثون إليه بهداياهم من سلاح ودروع ونوع من الكلاب المحلية الشرسة. ولما مات عز الدين تولى ولده سيف الدين سورى مكانه زعيما فى غور وكبيرا للبيت الشنسبانى وقسم البلاد إقطاعيات بين إخوته، وكان ذلك انعكاسا للشعور السياسى بين الغوريين وتطبيقا للطابع القبلى، واستبقى سيف الدين قلعة "استيا" عاصمة له، وأقطع (ورشاد) أو "ورشار" لقطب الدين محمد الذى أسس بها مدينة "فيروزكوه" وقلعتها ولقب نفسه بملك الجبال. أما نصر الدين محمد فقد أخذ "مادين"، وأخذ بهاء الدين سام "سنجا" وهى الموضع الرئيسى فى "منديش" أخذ فخر الدين مسعود "كشى" الواقعة على نهر "هرى رود". ويبدو من هذا العمل أن فكرة وجود أسرة موحدة لم تكن متبلورة إذ سرعان ما تنازع قطب الدين مع إخوته وفر إلى بلاط بهرام شاه فى غزنة ولكنه مات بها مسموما، ويقول الجُزجانى إنه كان من جراء هذا الفعل أن دبت الكراهية العميقة والبغضاء بين الأسرتين الغزنوية والغورية، وقام سيف الدين سورى للثأر والقصاص مما جرى فزحف على غزنة وأخرج منها السلطان ولكن إلى حين، كما أنه لم يستطع الاستيلاء على المدينة بسبب ما واجهه من التأييد الشعبى وميل الأهالى للغزنويين. ولما عاد بهرام شاه جرت معركة وقع فيها سيف الدين فى الأسر ثم قتله آسروه قتلة شنيعة. وتولى بهاء الدين حكم غور سنة 544 هـ (1149 م) وما كاد يفرغ من تحصين "فيروزكوه" حتى تهيأ للزحف على غزنة بيد أن الموت عاجله فى تلك السنة فى بعض الطريق، وترك خلفه علاء الدين حسين ليحكم "غور" ويجمع مقاليد السلطة العليا فى يده، ولم يكن يشغل بال علاء الدين سوى فكرة الثأر لاخوته الراحلين والعمل على إضعاف قوة الغزنويين فى أفغانستان كلما وجد إلى ذلك سبيلا، وكان يدعوه إلى ذلك أن سيطرة الغزنويين على الطرق المارة

عبر أفغانستان الشرقية (من كابول إلى غزنة وبست) كانت تقف حائلا فى وجه أى توسع قد يقوم به الغوريون هناك. وجمع بهرام شاه قواته فى إقليم "تجينا باد" (التى تعرف الآن باسم قندهار) وزحف على علاء الدين بعسكره ودخل "زامين دوار" حيث جرت بين الجانبين معركة) ضارية تمكن فيها المشاة الغوريون بدرعهم الواقية والتى هى أشبه ما تكون بالسور أمام عدوهم، أقول تمكن المشاة الغوريون من أن يتغلبوا على فيلة الغزنويين ففر بهرام شاه إلى غزنة حيث لحقته الهزيمة مرة ثانية وحينذاك لجأ إلى الهند. أما علاء الدين فقد دخل المدينة وتلى ذلك عاصفة هوجاء مخيفة من النهب والتدمير لم تبق ولم تذر وجعلت الناس تطلق على غورى لقب "جهان سوز" أى السفاح العالمى، وذلك سنة 545 هـ (= 1150 م) ونبشت قبور جميع السلاطين الغزنويين عدا ثلاثة وأخرجت هياكلهم فأحرقوها. وحدث فى طريق العودة أن عرج المنتصر على "بست" مركز الغزنويين ونهبها وفعل بها من الأفعال الوحشية ما فعله بسابقتها. ولم يقم علاء الدين فى هذه اللحظة بأية محاولة لضم إقليم غزنة فى افغانستان الشرقية إذ يظهر أنه كان يطمع فى الحصول على مركز يكون فيه أكبر من مجرد زعيم غورى وإذا أخذنا بما يقوله ابن الأثير فإن علاء الدين نهج نهج السلاجقة والغزنويين إذ لقب نفسه بالسلطان المعظم واتخذ الغاشية تظلل رأسه. ويلاحظ أن الغوريين كانوا قبل ذلك قانعين بلقب "ملك أو أمير" لكن ليس من شك فى أن انتصار علاء الدين فى غزنة بث فيه الجرأة على أن يقدم على الخلاص من تبعيته للسلاجقة، فعمد فى سنة 547 هـ (= 1152 م) إلى الكف عن دفع الجزية إلى سنجار، كما حاول معاونة حركة تمرد فى هرات ضد السلاجقة، وتقدم بجيشه من فيروزكوه إلى "هرى رود" ولكنه التقى عند "ناب" بقوات سنجار التى أنزلت به هزيمة ساحقة بعد أن فرت قوات "أغز" وقوات "خَلجَ" الموجودة فى الجيش الغورى إلى أبناء جلدتها فى جيش سنجار وألقى القبض

الغوريون قوة استعمارية

على علاء الدين ذاته وأقام فى الأسر فترة من الوقت فى خراسان. وقد أمضى السنوات الأخيرة من حياته حتى وافته منيته سنة 556 هـ (= 1161 م) لا يشغل باله سوى أمرين أحدهما العمل على دعم أركان عرشه فى غور ضد أعضاء أسرته المنافسين له، وأما الآخر فقيامه ببعض الفتوحات لتوسيع رقعة ملكه. الغوريون قوة استعمارية: تشير سياسة علاء الدين التوسعية فى السنوات الأخيرة من عمره إلى أن الغوريين أخذوا يخرجون إلى ما وراء حدود جبالهم فى غور، وسرعان ما أصبحوا قوة كبيرة ذات ثقل فى العالم الإسلامى الشرقى. والواقع أنه كان هناك شئ من الفراغ فى القوة فى ذلك الوقت إذ كانت الامبراطورية الغزنوية آخذة فى التدهور والانحطاط، وأدى انتشار الفوضى فى خراسان إلى فتح الطريق أمام التوسع الغورى فى الناحية الغربية لكن اتساع الامبراطورية فى عهد علاء الدين أدى إلى تقسيمها فيما بعد إلى ثلاثة أقسام، وأصبح كل قسم منها تحت إمرة "شنسبانى" مستقل عن الآخر. وقد ظل هذا التقسيم السمة البارزة حتى سقوط الغوريين النهائى. أما الفرع الأكبر فقد اتخذ من "فيروزكوه" مقرا له ليحكم الغور، وانصرف هذا الفرع من الأسرة إلى التوسع غربا فى خراسان. ولما تم الاستيلاء نهائيا على غزنة عام 569 هـ (= 1173/ 4 م) تأسس فرع آخر بها واتخذ منها مركزا للتوسع فى الهند وانتهى الأمر أخيرا بأن أقر علاء الدين فى بلدة باميان بعد فتحها، أخاه فخر الدين مسعود الذى كان يحكم طُخارستان وبدَخْشَان و"شُغْنان" حتى ضفاف سيحون، فلما مات فخر الدين عام 558 هـ (= 1163 م) خلفه ولده شمس الدين محمد الذى يقال إنه مد سلطانه على جيحون، كما لقّبه غياث الدين محمد فى "فيرزكوه" بالسلطان [ولما مات علاء الدين حسين خلفه فى فيروزكوه ابنه سيف الدين محمد الذى اتخذ سياسة القهر العنيف حيال الاسماعيلية الذين تغلغلوا فى "غور"

ونشروا دعوتهم بها إلا أن سيف الدين هذا لم تطل أيامه فى الحكم فلم تزد عن عامين (556 - 558 هـ = 1161 - 1163 م) إلا أن فترة حكمه هذه شهدت قيام منازعة إقطاعية بين الشنسبانيين وخصومهم الشيثانيين، وغدر السلطان بقائده ورمش بن شيث فاغتاله فقام أخو المقتول (وقد أصبح يتولى وظيفة السبهسلار) وانتقم لأخيه فلما أن وقع سيف الدين فى يده فى ساحة القتال ذبحه. وقد حاول الجُزجانى تفسير هذه المنازعات القبلية الأسرية فأرجعها إلى ما كان بين الأسرتين من منافسات تعود إلى زمن العباسيين. ولقد بلغت الامبراطورية الغورية أقصى اتساعها وغاية قوتها زمن الأخوين شمس الدين محمد الغورى (الذى عرف فيما بعد بغياث الدين) والذى حكم من 558 - 599 (= 1163 - 1203 م) وزمن شهاب الدين الذى عرف بمعز الدين محمد صاحب غزنة (569 - 602 هـ/ 1173 - 1206 م). ومجمل القول فيهما إن أولهما صرف همته كلها للتوسع غربا وللقضاء على مطامع شاهات خوارزم الذين كانوا يتطلعون إلى الاستيلاء على خراسان. أما ثانيهما فقد تابع حركة غزو الغزنويين فى شمالى الهند، وظل غياث الدين محتفظا بعلاقات الود مع الخلفاء العباسيين وكثرت السفارات المتبادلة بين فيروزكوه وبغداد. ولقد ساهم الجُزجانى فى واحدة منها وانخرط السلطان فى نظام الفتوة الذى أسسه الناصر. وانضم غياث الدين إلى معز الدين فى فيرزكوه وراح الاثنان يعملان يدا واحدة للقضاء على التحالف الذى تم بين فخر الدين (صاحب باميان الذى كان يتطلع فى نهم لأن تكون له السلطة فى غور) وبين (تاج الدين يلدز) و (علاء الدين قماج) حاكمى هرات وبلخ التركيين وهزمهما فى "راغى زر" فى وادى "هرى رود" فلما تمت الهزيمة عليها تقدم غياث الدين بعسكره وضم أرضهما إلى دولته وسرعان ما اعترف به تاج الدين حرب واعتبر نفسه تابعا له. كما أن الغُزْ الذين فى كرمان (كانوا قد اجتاحوا الولاية بعد الاطاحة

بسلاجقة كرمان) بعثوا برسل من جانبهم إلى "فيروزكوه" وحدث بعد أن ترك خسرو ملك (وهو آخر الغزنويين) مدينة غرنة ومضى إلى لاهور بعد أن قام المغامرون الغز فاحتلوا عاصمته السابقة مدة اثنى عشر عاما حتى قام غياث الدين سنة 569 هـ (= 1173 م) وطردهم منها واقام معز الدين فى غزنة وتلقب بالسلطان معز الدين كما استولى على هرات سنة 571 هـ (= 1175 م) وانتزعها من يد واليها التركى بهاء الدين طغرل فظلت فى يده فترة من الزمن. ولقد استغل الغوريون المنازعات الداخلية التى كانت بين أفراد أسرة الشاهات الخوارزميين وحدث فى سنة 568 هـ (= 1172 م) أن خلع علاء الدين تكش أخاه السلطان شاه فاستغاث الأخير بالقراخطاى، واغتصب فى الوقت ذاته إحدى الولايات فى خراسان، وحينذاك تنازع هو والغوريون حول امتلاك "هرات" وبادغيس لكن غياث الدين استدعى العسكر من باميان وسستان ومن معز الدين فى غزنة وتمكن فى سنة 586 هـ (= 1190 م) أن ينزل الهزيمة بسلطان شاه قرب مرو ووقع السلطان أسيرًا فى أيدى الغوريين. أما فى افغانستان الشمالية فقد احتل بهاء الدين الغورى مدينة بلخ فى 594 هـ (= 1198 م) مغتنما فرصة موت واليها التركى الذى كان تابعًا اقطاعيا للقراخطاى. كما شبت فى السنة نفسها حرب شاملة فى خراسان بين الغوريين من ناحية وبين خوارزم شاه وسادته من جهة أخرى وكان الذى يشجع الغوريين على هذا القتال خليفة بغداد الذى رأى فى تقدم الخوارزميين فى غربى فارس ما يهدده، وتمكن القراخطاى فى هذا الصراع من غزو جوزجان، كما أخذ تكش يهدد هرات لكن لقى الاثنان هزيمة منكرة على أيدى الغوريين فلما مات تكش سنة 596 هـ (= 1200 م) استولى غياث الدين على معظم مدن خراسان وزحف شطر الغرب وتوغل حتى بلغ "بسطام" فى "قُومِس" واستعمل على خراسان أميرًا من أهل

نهاية الغوريين

الغور اسمه ضياء الدين محمد وتلى ذلك موت غياث الدين بهرات سنة 599 هـ (= 1202 - 3 م) وكان المرض قد اشتد به فى أخريات أيامه وأعجزه أى عمل كما أن معز الدين كان قد أضرب عن متابعة حملاته على الهند وشرع الانصراف شطر الغرب. ويسير معز الدين بعد موت أخيه على النهج المألوف فى الأسرة الشنسبانية من حيث توزيع ولايات الامبراطورية المختلفة كهبات وإقطاعات للملوك الغوريين، فإذا كان قد احتفظ لنفسه بغزنة وجعلها عاصمة له فإنه أقام ضياء الدين فى فيروزكوه. وكان علاء الدين محمد يتأهب لاسترداد خراسان نظرا لكراهية أهلها للحكم الغورى فى الوقت الذى كان فيه -تبعا لما يقوله الجوينى- يصادر لجنده القمح الذى كان مخصصا لمشهد الامام الرضا بطوس وقد استطاع معز الدين فى سنة 601 هـ (= 1204 م) أن يرد الشاه عن هرات ويخرجه منها بل وإن يطارده إلى خوارزم ومع ذلك فإن غرق الإقليم الخوارزمى بمياه الفيضان أوقف الجند عن التقدم واستطاع القراخطائيون حلفاء الخوارزميين أن يقضوا القضاء المبرم على جيش معز الدين فى ناحية يدعونها أندخوى "وهى واقعة على جيجون وإن استطاع السلطان النجاة بنفسه ولكن ضاعت كل خراسان فيما عدا هرات، وما كاد هذا العام ينصرم حتى اغتيل السلطان فى وادى السند إذ وثب عليه جاسوس اسماعيلى حين كان فى طريق عودته من حملة تأديبية ضد "الخوكر" سكان البنجاب. نهاية الغوريين: لم يكد يمر عقد من الزمان حتى على موت معز الدين حتى كانت امبراطورية الغوريين قد تمزقت أوصالها إذا انتقلت لفترة قصيرة إلى أيدى شاهات خوارزم قيبل مجئ المغول وإلحاقهم النكبة بالعالم الإسلامى الشرقى. وكانت الجيوش الغورية تتألف من خليط من أهالى غور، ومشاة من الأفغان والغلمان الأتراك الذين كانوا قوام جماعة

الثقافة الغورية

الفرسان، وقد استطاع معز الدين ببراعته أن يستبقى هذه الطوائف المختلفة على وفاق فيما بينها لكن حدث الانشقاق والشقاق بعد موته إذ مالت القوات الغورية إلى أن يخلفه فى السلطنة واحد من الفرع الباميانى وتحققت رغبة هذا الفريق فتولى بهاء الدين سام، ثم خلفه بعد موته عام 602 هـ (= 1205 م) ولداه علاء الدين وجلال الدين. أما الغلمان الأتراك فكانوا يميلون لابن أخيه غياث الدين محمود الذى استطاع فى النهاية أن يتغلب على ضياء الدين حاكم غور، مرشح طائفة الكرَّامية المحليين، وحدث فى الأقسام الشرقية الامبراطورية أن قام القائد التركى تاج الدين يلدز واستولى على غزنة وتملكها، فلم توات الشجاعة غياث الدين محمود على مغادرة "فيروزكوه" والتحرك لقتال يلدز، بل أنه اضطر سنة 603 هـ (= 1206 م) إلى استدعاء خوارزم شاه والاستنجاد به لطرد يلدز ولتأكيد حقه فى غزنة. هكذا أصبحت نهاية الأسرة دانية وأصبح آخر السلاطين فى "فيروزكوه" (وأولهم غياث الدين محمود ثم خلفه على التوالى بعد سنة 609 هـ/ 1212 م بهاء الدين سام وعلاء الدين اتسز وعلاء الدين محمد) أقول أصبح هؤلاء السلاطين ألعوبة فى يد الشاه الذى قام أخيرا فى 621 هـ (1215 م) بخلع آخر السلاطين فى فيروزكوه. وهكذا تم استئصال شأفة الفرع الباميانى، وإخراج يلذر من غزنة، ولذلك اضحت الآن جميع الأملاك الغورية تحت سيطرة الحكام الخوارزميين باستثناء ما كان موجودا منها فى الهند. وعلى هذه الصورة انتهت الحقبة التى يمكن تسميتها بالحقبة الغورية فى التاريخ الإسلامى المشرقى، هى حقبة رائعة فى بابها، استطاع الغوريون خلالها أن يصنعوا من "غور" لأول مرة فى تاريخها مركز امبراطورية عظيمة. الثقافة الغورية: لقد طبعت الامبراطورية الغورية على شدة التمسك بالسنة مما أدى إلى قيام سيف الدين

المصادر

محمد باضطهاد أتباع المذهب الاسماعيلى فى غور، الأَمْرَ الذى أكسب غياث الدين محمد تأييد العباسيين المعنوى له ولأتباعه الغوريين فى شمالى الهند، فكان هذا كسبا للغوريين امتازوا به على يد شاهات خوازرم الذين انهارت مكانتهم فى نظر أهل السنة لموقفهم المعادى للخلافة ولميولهم القوية إلى الشيعة، على الأقل فى عهد علاء الدين محمد. ولقد كان لمبادئ الطائفة الكرامية شئ من السيادة فى غور فى مطلع العهد الغورى، واشتد كل من غياث الدين محمد ومعز الدين محمد فى تأييد المذهب الشافعى فى الفقه. ونهج الغوريون نهج الغزنويين فى رعاية الفنون. حتى إن علاء الدين عند تخريبه غزنة حرص أشد الحرص على جمع مؤلفات كبار الشعراء الغزنويين، وقد ضاع للأسف أكثر الشعر الغورى. بيد أنه كان من حسن الطالع أن بقيت بعض أعمال فخر الدين مبارك شاه وفخرى المدبر، المكتوبة بالفارسية. كما أن المجموعة المكتشفة حديثا والمسماة بخزينة الأسرار تتضمن شعرا بشتيا من العصر الغورى. وإذا كان الغوريون قد حافظوا على ادب العصر الغزنوى فقد حافظوا أيضا على تراث هذه الحقبة فى مجال الفن والعمارة ونستدل على ذلك مما تبقى منها. ونهضت غزنة مرة ثانية بعد أن دمرها الغوريون وازدهرت أيام معز الدين. وكان غياث الدين محمد من البناة العظام ومن كبار مشجعى الفنون ومعمرى المساجد ومؤسسى المدارس والخانات فى خراسان، وفوق ذلك كله نجد الآن منارة جامع فيروزكوه رمزا لفن العمارة الغورى. هذا بالإضافة إلى غيرها من الأمثلة الحية فى هرات وغيرها. المصادر: المصدر الرئيسى الأول هو "طبقاتى ناصرى" لجزجانى، كان معتبرا تاريخا للعالم إلا أنه فى الواقع تاريخ خاص للأسرة الغورية. ويمكن أن نضيف إلى هذا الكتاب كتب ابن الأثير والجوينى.

الغول

أما عن التواريخ المحلية فيمكن مراجعة "روضات الجنات" فى أوصاف مدينة هرات" (تحقيق محمد كاظم إمام وهو فى مجلدين وقد طبع فى طهران سنة 1338 و 1339 هـ, ويشتمل على مادة كبيرة عن هرات زمن الحكم الغورى. (1) C. E. Bosworth: The Early Islamic in History of Ghur Central Asiatic Journal, vi (1961), 116 - 33 (2) Sir Wolseley Haig in Camb. Hist. of india iii, Turks and Afghans, ch. 3 د. حسن حبشى [س. أ. بوسورث C. E. Bosworth] الغول كلمة غول تشتمل على معنيين مختلفين: أحدهما: القدرة على التشكل بعدة أشكال والثانى: الهجوم الغادر المفاجئ. وأخيرا فإن الغول لديه موهبة خارقة فى تغيير أشكاله باستمرار والظهور للمسافرين بأشكال غاية فى الغرابة. والكلمة أيضا تعنى سوء الحظ الذى يحدث على غير توقع للإنسان (انظر التعريفات للجرجانى، هورتن Theol, des Islams 335) وهذه الكلمة استخدمها كعب بن زهير فى بردته فى البيت الثامن (انظر بر. باست R. Basset Banat Sa'ad 102) بما يشير إلى تغيير الطبع وعدم الثبات. ومقدرة الغول على تغيير شكله ولونه قد أصبحت كالمثل السائر فى انتشاره وفى بعض الأحيان يعطى معنى خيتاعور Khaytaur الأصول القديمة تشير إلى أن الغول كائن ذكرى يسلك سلوكا أنثويا أما العرب فقد مالوا إلى اعتبارها أنثى، والأصول الحديثة أدخلتها فى السحر والشعوذة كالجن الشيطانى. ويفضل بعض العلماء إطلاق كلمة غول على الذكر أما الأنثى فتسمى سعلاة (جمعها سعالى) بينما آخرون يرون أن القطرب Kutrub هو الذكر (انظر الدميرى S.V. Kutrub) وأخيرا فإن هؤلاء المؤلفين لم يبتعدوا عن الاعتقاد أن الغول والسعلاة هما كائن واحد، أما الجاحظ (الحيوان) وتبعه

القزوينى (عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات) وأيضا الدميرى (حياة الحيوان) فقد أكدوا أن السعلاة تتميز عن الغول بحقيقة أنها لا تغير شكلها فقد اعتبرت بين الجان كما اعتبرت ساحرة. ونجد البعض يعتقد بزواج مثمر مع السعلاة ونجد أيضًا خرافة الحيوان الذكر الذى كان من عادته أن يخضع الرجال لنزواته حتى الموت إذا تكاثرت الديدان فى إست الضحية، وأكثر من ذلك هناك مثل يقول "اللواط من عدار" " Alwat min Undar" وهو ما بقى وترسب فى اليمن وتهامة وحتى فى مصر العليا (الصعيد) (الجاحظ، الحيوان، المسعودى، مروج الذهب). ولم يذكر القرآن الكريم شيئا عن هذه التعبيرات ولكن النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] أشار إلى الاعتقادات الشعبية فى موضوع الغيلان Ghilan وطبقا للحديث فقد أنكر وجودهم ولكن بعض العلماء اعتبر أنه أنكر -فقط- قدرتهم على تغيير أشكالهم. وعلى كل وطبقا لحديث آخر فقد نصح المصلين بتكرار الدعاء كوسيلة لاتقاء أفعالهم الشريرة. ولهذا السبب فإننى لأتعجب أن هذا الاعتقاد قد ظل حيا (موجودا) فى الإسلام حتى أن القزوينى وبعده الدميرى لم يترددا فى التأكيد على انتشاره وخاصة فى الأدغال الكثيفة والمستنقعات وأنهم كانوا يمسكون الشخص ويلعبون معه لعبه "القط والفأر". على أية حال فالمعتزلة وخاصة الجاحظ وأيضا الزمخشرى فى تفسيره القرآن أوضحوا أن هذه الخرافة غير موجودة أصلا، فالجاحظ أرجع ذلك إلى أن الشعراء ضمن مبالغتهم قد استندوا على الخرافة. كما أن الرواة قد أطلقوا العنان لحريتهم اعتمادا على انتشار الروايات مثل روايات تأبط شرا الذى كان يتباهى بعلاقته الحميمة مع السعلاة أو الغيلان الذين قابلهم فى الصحراء (الأغانى للأصفهانى) أما المسعودى فى مروج الذهب فقد خصص فصل كاملا للغيلان ولم

المصادر

يستطع أن ينفى وجودهم اعتمادا على أن عمر بن الخطاب نفسه فيما يُروى قد قال إنه قد راى واحدًا منها وقتله ورفاقه أيضا. ولقد سجل القزوينى الفكرة الفلسفية التى تقول إن الغول عبارة عن مسخ حيوانى غريب ذى طبيعة ناقصة شرد عن الحيوانات لينشد الحماية فى الصحراء المنيعة المترامية الأطراف، ويقال أيضا إن هذه الموجودات من ذرية كوكبة من أبطال الميثولوجيا الإغريقية (حامل رأس الغول Hamil Ras Al-Ghul). وفى أراضى البربر -ومنذ العصور القديمة- يؤمنون بوجود غيلان ومخلوقات خرافية أخرى ظهرت فى قصص كثيرة لبس ثوبا اسلاميا. وفى اللغة الشعبية يستخدم الغول (غوله، قطرب لألهما Kutrub . . الخ) غالبا ليشير إلى آكل لحوم البشر رجلا كان أو عفريتا، وهم يذكرون هذا الغول لتخويف الأبناء المتمردين. وقد ظهر الغول فى كثير من القصص الذى انتقل إلى فرنسا وانجلترا ويدل على نوع من مصاصى الدماء التى تنبش القبور ليلا لالتهام الجثث. المصادر: (1) فلهاوسن، رست Wellhausen Reste 137 ff (2) ر. باست R. Basset بانت سعاد، الجزائر 1910 ص 102. (3) شرح ألف وواحد حكاية خرافية جـ 1 ص 80 - 84، 153. (4) ابن أبى الحديد، شرح نهج البلاغة جـ 4، ص 444. (5) حكايات فارسية: ج مالكوم J.Malcolm (6) حكايات مصرية: باى سبيتا Spitta Bey وتشمل خرافات عربية عن الغول. (7) حكايات من شمال أفريقيا: ج دسبارمنت J. Desparmet حكايات شعبية عن الغيلان من البليدة باريس 1909 ص 10، هـ. باست H. Basset مدخل إلى

غياث الدين طغلق الأول (غازى ملك)

La-litt للبربر - الجزائر 1920 ص 129 - 135 (8) حكايات تركية: كونوس Kunos، الفولكلور التركى. فهرس S. vv. (9) وعن الغول الذى يسبب داء الكلب انظر ر. بيرتون. R. Burton الحج 18 جزء. (10) والصعرانة مقتبسة عن اللغة الحبشية. انظر نولدكة Noldeke إبراهيم شعلان (د. ب. ماكدونالد - Macdonland [بلات Ch. Pellat]) غياث الدين طغلق الأول (غازى ملك) هو مؤسس أسرة طغلق وحاكم الهند فى الفترة من عام 720 إلى عام 725 هـ (1320 - 1325 م) -وهو تركى الأصل- وقد هاجر من خراسان وعمل فى خدمة الخلجيين وفى عام 705 هـ/ 1305 عين حاكما لمنطقة "ديباليور" فى اقليم البنجاب وقد استطاع -لكونه كان أمينا للحدود ومراقبا لها- أن يضيق الخناق على المغول طيلة خمس عشرة سنة، بالقيام بغارات سنوية ضدهم فى مناطق كابول وغزنة. وقد كانت هذه المكانة التى اكتسبها رصيدا له عندما ثار على "خسرو خان" وهو قائد خلجى ينحدر من طائفة هندوسية وضيعة المستوى والمنزلة فأقدم بوحشية على قتل قطب الدين مبارك آخر حاكم خلجى (716 - 720 هـ/ 1316 - 1320 م) كذلك فتك بكل الأمراء الخلجيين، واستولى على العرش وارتد عن الإسلام وبدأ عصرا من الإرهاب والرعب فى "دهلى". وتوجه غازى مالك إلى ستة حكام يدعوهم للجهاد فى غرب الهند فانضم إليه واحد منهم ورفض اثنان فقتلتهما جنودهما على حين أعادت قواته المتمردة قبل ذلك إلى السلطة حاكما وعد بأن يقدم المساعدة -لذلك كانت ثورة طغلق من عمل ضباط الصف والجنود فى جيش المسلمين وليس الصفوة الحاكمة المسلمة، وقد جعلت هذه الانتصارات الحاسمة التى انتهت بالقبض على خسروخان وإعدامه، من

غازى ملك سندًا للسلطة بلا منازع وقد أجمع الأشراف والنبلاء على أن يعتلى العرش كمدافع عن نفوذ الإسلام ومستعيد لقوته فى الهند فى مواجهة التحدى المزدوج من تهديد المغول وأعمال الهدم والتخريب من جانب الهندوس. ومن ثم اتخذ لقب غياث الدين ويمتدحه المؤرخون المسلمون المعاصرون ويعدّونه منقذ الإسلام فى الهند. . ويقول البارنى أنه السلطان المثالى الذى جمع بين الأعمال البطولية وبين الفضائل الشخصية مثل كبح النفس والفقه والتقوى. وقد كانت أول مشكلة تعترضه -من الناحية الإدارية هى انعاش اقتصاد الدولة بعد الاضطرابات والفوضى المالية التى كانت عليها زمن خسروخان وكان عليه أن يصادر أموال أسلافه المتهورين واضطر للجوء إلى إجراءات غير مألوفة بالاستيلاء على الأراضى التى اقطعوها وعلى مرتبات رجال الجيش- وقد كانت سياسته فيما يتعلق بالضرائب -والتى أثرت أساسا على طبقات المزارعين وملاك الأراضى الهندوس تمضى فى طريق وسط فهى تنكر عليهم تكديس الثروات الأمر الذى قد يؤدى إلى قيام الناس بالثورة وفى الوقت نفسه يُيَسّر لهم أمر معاشهم حتى يتمكنوا من مواصلة الزراعة- وفيما بين عامى 722 و 723 هجرية (1322 - 1323 م) تدعمت السلطة وتوسعت على يد ابنه "جاونا خان" والذى يعرف أيضا باسم (ألغ خان)، والذى صار فيما بعد يعرف بالسلطان (محمد بن طغلق) الذى أعاد إخضاع الطوائف والجماعات المتمردة فى وارانجال وضم مملكة "مَعْبَرْ" الهندوسية وقام بغزو "جاجناجار" كما شن بعض الغزوات داخل إمارة أوريسا الهندوسية المستقلة وقال غياث الدين حملة للقضاء على الحرب الأهلية فى إقليم البنغال الذى ضمّ جزءا منه إلى سلطته وأبقى الجزء الآخر فى أيدى

المصادر

حاكم تابع هو "نصر الدين" وهكذا استطاع فى السنوات الخمس لحكمه أن يدعم السلطة ويمد حدودها إلى ما وراء الحدود الخلجية. ولكن حدث وهو عائد من البنغال فى عام 725 هـ/ 1325 م أن سقط عليه فى أثناء عرض للفيلة سقف سرادق خشبى أقيم على عجل بأمر من ولده جونا خان الذى اتهمه ابن بطوطه و"عصامى" بتدبير قتله ولكن بعض مؤرخى العصر مثل برانى و"يحيى بن أحمد سرهندى" لم يوجهوا مثل هذه الاتهامات. وإن ما يراه سير وولزلى هيج من أن لنظام الدين "أوليا" يدًا فى هذا الحدث ينقصه ما يؤكده. المصادر: (1) الأصمعى: فتوح السلاطين طبعة A. S. Usha، مدراس 1948، ص 375 - 421. (2) أمير خسرو: طغلق نامة طبعة Hashimi Faridabadi، أورانجباد 1933. (3) عبد القادر البداءونى: منتخب التواريخ، كلكتا 1868 جـ 1، ص 221 - 225. (4) ابن بطوطة: رحلات ابن بطوطة ترجمة فرنسية: Defremery and Sanguinetti، جزء 3، باريس 1853 - 1858. بهجت عبد الفتاح [عزيز أحمد Aziz Ahmed] الغيب للكلمة معنيان أصليان: أحدهما "غاب عنى"، أى بعد، و"غاب فى"، أى توارى أو خفى، وقد تعنى فى الاستخدام الجارى "الغياب" وذلك خلاف الشهود التى تعنى الحضور وهو مصطلح صوفى ولكن الأكثر شيوعا أن كلمة "غيب" تعنى ذلك الذى لا تدركه الحواس ولا يكون فى متناول العقل أى إنه جزء من الحكمة الإلهية،

المصادر

وهذا هو المعنى الاصطلاحى للكلمة. فكأنها تعنى "السر" وهذا هو المعنى الذى وردت به فى القرآن الكريم، . . . {إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ. . .} (سورة يونس - 20)، {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ. . .} (الأنعام - 59). فليس بوسع أحد معرفته أو إدراكه، {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا. . .} (الجن - 26). والإيمان بالغيب والإيمان بما أنزل على الرسول من أركان الإيمان ومن سمات المؤمنين. وقد يكشف اللَّه عن جزء من "السر الإلهى" -كما هو الحال فى القرآن- وقد لا يكشف، {ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ. . .} (آل عمران - 44). وقد أطلق فخر الدين الرازى على تفسيره للقرآن اسم "مفاتيح الغيب". وهناك ما يسمى بعالم الغيب أى ما وراء الحواس فى مقابل "عالم الشهادة" أو "عالم الملك" أى العالم الذى تدركه الحواس. ثمة استخدامات أخرى ورد فيها مصطلح "الغيب" أ- الإمام عند الشيعة له علم بالغيب (أى العلم الصحيح). ب - تحت نفس العنوان "مفاتيح الغيب" عالج أحمد الزرقاوى موضوع السحر والرجم بالغيب. جـ - يستخدمه ابن عربى بمعنى "المعرفة الصوفية" كما أن الصوفية يفسرون الغيب على أنه ليشمل العوالم الثلاثة: الجبروت والملكوت واللاهوت. وإذن فإن مصطلح "الغيب" قد يفهم بمعانى ثلاث: (1) معنى دينى أى أمر اللَّه الذى يكشف القرآن عن جزء منه. (2) العالم غير المرئى حيث يحاول أهل السحر والتنجيم النفاذ إليه ولكنهم بذلك يرتكبون معصية. (3) عند الصوفية هو عالم ما وراء الحس والعقل المنطقى. المصادر: وردت فى صلب المادة. سعيد عبد المحسن [د. ب. ماكدونالد (ل. جرانديه) [D.B. Macdonald (L. Grandet)

ف

ف

الفأل

الفأل الفأل والطيرة والزجر/ وتعنى كلها معنى واحدا، والفأل مصطلح تتميز به العربية ويرادفه نحاثم فى العبرية ونحشه فى السريانية وهو يظهر فى أشكال مختلفة بدءا من العطة، وبعض السمات والميزات فى الأشخاص والأشياء والتى نواجهها كل يوم ونلتقى بها، إلى تأويل أسماء الأشخاص والأشياء التى ترد تلقائيا على سمع الإنسان وبصره وعقله. وحول هذه النقطة الأخيرة نجد أن السيرة والحديث، والحوليات الإسلامية تقدم الدلائل الوفيرة التى تصور اتجاه العقل العربى لاستنباط الطالع من الحركات الجسدية جميعا، ومن كل أنواع الواقعات التى تحدث مصادفة، ومن كل أنواع الكلمات والعبارات المسموعة وكذلك من السلوكيات جميعا. وهنا يقول "دوتيه" Doutte إن العادات (التصرفات) الحميدة الطيبة قد نشأت من الفأل على أنه يجب أن نضيف إلى هذا الأثر الغالب الذى أحدثه لطف التعبير وسوء التعبير عند الجماعات السامية كلها ولا سيما العرب. وهذا الاتجاه فى التفكير العربى يوضح نفسه بجلاء فى سلوك وممارسات وتوصيات النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فالسيرة حافلة بما يدل على أن النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] كان يستبشر أو ينفر من بعض أسماء القبائل والمناطق التى يجتازها فى غزواته (المراجع: ومع هذا فقد قال "ليس منا من رَّدته الطَّيرة") -وأكثر من ذلك فقد أدخل تغييرات كثيرة على

الأسماء بهدف محو أى أثر للوثنية العربية من المصطلحات الإسلامية وأيضا استبعاد أية أسماء غير مناسبة والتى تصدم آذان أتباعه والتى لابد أن يسمعها تتردد من حوله، وبذلك يزيل أية تأثيرات كريهة مشئومة يمكن أن تثيرها معانى هذه الأسماء ولهذا السبب أقدم على تغيير القليل إلى الكثير، "والعاصى" إلى "المطيع" كما أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- أطلق اسم طيبة على ما أصبحت المدينة بعد ذلك، بدلا من يثرب التى يتضمن أصلها فكرة الافتراء (تشويه السمعة) وغير اسم "زيد الخيل" إلى "زيد الخير" وأطلق اسم سليمان على "سليمان بن طرَد الذى كان يدعى يسار، وغير اسم حزم إلى سهل وهكذا. . وقد حاكى النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فى هذا الاتجاه صحابته وعلى الأخص عمر بن الخطاب، كذلك كان المظهر -بجانب الأسماء- مما يستبشر أو ينفر منه فقد كتب النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] إلى عماله يطلب إليهم إذا هم أرسلوا إليه رسولًا أن يكون جميل الاسم سمح الوجه، ولقد كان الوضع الاجتماعى للفرد فى شمال افريقية يثير التفاؤل أو التشاؤم فعندما يلتقى الإنسان بشريف ما فهذا فأل طيب، أما إذا التقى بيهودى أو بحداد فإن الموقف يختلف. وقد يكون لأسرة كاملة أثرها المشئوم (مثل أسرة بَصبصْ التى جلبت مشورتها الشؤم للتغالبة) وثمة أسماء معينة تعتبر نذير شؤم فلا تستحب مصاحبتها. ولهذا السبب كان اختيار الآباء لأسماء أطفالهم والسادة لأسماء عبيدهم شيئا مهما -واتبع العرب فى هذا قاعدة محددة- فقد سأل أحدهم بدويا، لماذا يطلق على أطفاله أقبح الأسماء مثل كلب وذئب، وعلى عبيده أحسن الأسماء مثل مرزوق ورباح؟ فردّ بأن "أسماء أولاده موجهة إلى أعدائه، أما أسماء عبيده فله هو ذاته". يقصد أن يقول إن الأطفال درع ضد العدو وسهام فى صدورهم، ولهذا السبب أطلقوا عليهم هذا النوع من الأسماء وهنا نشير إلى أن الجاحظ فى الحيوان قد عرض للدوافع المتعددة وراء اختيار العرب للأسماء. واتسعت عملية التأويل هذه فجاوزت أسماء الأشخاص إلى أسماء

الأحجار الكريمة والفاكهة والزهور بل والأغانى فالذهب يعنى الرحيل، "والجزع" [وهو العقيق اليمانى] يعنى الحزن والكآبة والليمون (الأُتْرجَّة) يعنى النفاق ذلك لأن القشرة الخارجية لا تتماثل مع الداخل؛ "والسفرجل" يعنى الرحلة لأن الاسم يتضمن كلمة "سفر" و"السوسن" يجلب المحنة لأن الاسم يتضمن كلمة "سوء" والمحنة التى تستمر طيلة عام من كلمة سنة (فالمفرد سوسنة) -أما الريحان فهو بشير ونذير فى الوقت نفسه لأن اسمه يحتوى على كلمة "روح"، ومن جهة أخرى له مذاق مر بالرغم من أنه يسر العين والأنف، أما بالنسبة للأحاسيس الداخلية المسبقة بالشر والتى تثيرها ما تتضمنه العبارة أو الأغنية، فالأمثلة كثيرة عليها فى تاريخ العرب (ويمكن أن تدرج هذه الحقائق كلها تحت كلمة طيرة). ويقول "حاجى خليفة" فى كشف الظنون إن الفأل تصديق لنيات الإنسان ومن هنا يكون تشجيعا له على أن ينفذها على حين أن الطيرة هى على العكس عدم التصديق ومن ثم فهى عائق أمام تنفيذ النيات أو تأجيل هذا التنفيذ إلى وقت لاحق، وهذه المقابلة التى استقرت فى النهاية بين مفهومين يكمل كل منهما الآخر قد تطورت على ما يبدو من اتجاه ينسب إلى أحاديث النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فيما يتعلق بهذا التنوع السائد للفأل. فالطيرة فى الواقع تعبير يرجع إلى أصل رعوى وبدوى، لذلك كانت الجزيرة العربية منطقة ملائمة جدا لتطوره كما قال شيشرون وبمقارنة المعطيات المختصرة المبهمة فى الكتابات الإسلامية، بما خلفته الثقافة السامية أصبح من الممكن التحقق من السمة الدينية للطيرة كما كانت تمارس فى الجاهلية. ويبدو أنه من هذا المنطلق كان عداء النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] للطيرة، حتى وهو يمارس الفأل ويوصى به، ولكن هناك بعض الأمثلة التى توضح أن الطيرة يمكن أن تكون طالعا طيبا فقد رسم عبيد اللَّه بن زياد كلبا وكبشا وأسدا فى مدخل منزله وقال عنها "كلب نابح، وكبش مقاتل وأسد غاضب" ورأى فيها طالعا طيبا ونستفيد من كتاب الحيوان

للجاحظ ما ذكره من أنهم كانوا يتطيرون وتكرر ذلك بعده، ويقول الكاتب نفسه أيضا كان الرجال المحترمون يحملون أسماء الحمار والكلب والثور، ولم يتردد العرب فى استخدامها، إذ رأوا فيها طالعا حسنا: وهناك حديث يعطى الطيرة معنى أوسع وهو "أصدق الطيرة الفأل" وبنفس الطريقة نجد أمثلة تعطى للفأل معنى الطالع الشرير. وهذا التضارب فى الأقوال يكشف عن وجود أساس بدائى لم تغمره تماما موجة التطهر القوية التى سادت الجزيرة العربية فى القرنين الأولين للهجرة. والواضح من كل ما سبق أن الطيرة بهذه الطريقة قد تطورت بعد أن كانت فى الأصل لا تتعدى ملاحظة وتأويل طلعات وصياح ونشاطات بعض الطيور التى تستخدم فى العرافة (الكهانة). وقد انبثقت عن هذا كتابات كثيرة -بل أدب كامل- وخصوصا فى الشعر والأمثال التى تقنع الإنسان بالعدول عن اتباع الأفكار التى تثيرها الطيرة فى نفسه، والتى يتعرض لها كل الناس. ويؤثر عن النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] أنه قال ما معناه إن هناك ثلاثة أخطار يمكن للمرء أن يهرب منها وهى الطيرة والشك والغيرة. قال رسول اللَّه [-صلى اللَّه عليه وسلم-] (لا شؤم وقد يكون اليُمن فى الدار والمرأة والفرس) ابن ماجه، نكاح، 55، وقال أيضًا (سوء الخلق شؤم) أبو داود، أدب، 124، أحمد ابن حنبل، وقال أيضًا (ما بى إلّا كراهية أن يتشاءم الناس) مسلم، باب الصلاة، أما ما جاء فى الشعر حول هذا الموضوع فهو كثير جدا - (وخصوصا البحترى فى الحماسة). ويبدو أن المعنى البدائى للطيرة قد ظل حيا فى "الزجر" الذى يستخدم كثيرا كمرادف للطيرة بالرغم من أن هذا المصطلح فى الأصل يدل على أسلوب يتصل بالطيرة. فإذا كانت الطيرة تكمن فى ملاحظة الطيران التلقائى والصيحات التلقائية للطيور وتفسيرها أو تأويلها، فإن الزجر -على العكس من ذلك- يشتمل على الباحث

المعتمد لهذا الطيران وهذه الصيحات. وبغض النظر عن معنى "زجر" (الإثارة، ومطاردة الأفراد بالصيحات أو دفع الطيور للطيران أو قراءة الطالع أو ممارسة الكهانة) فإن العادات العربية لا تزال تحتفظ بما يدل على ممارسة "الزجر". ولكن وكما حدث للفأل والطيرة -سرعان ما بدأ الزجر يفقد معناه البدائى وكذلك سماته المميزة، وأصبح يرمز إلى طالع النحس أو الكهانة بشكل عام- والحق أن هناك فى بعض الأحيان نوعا من الزجر يختلط بالكهانة وهذا يؤدى بنا لأن نقول إن الزجر كان -كما كان فى آشور وبابل- حقًا مقصورًا على العراف الذى كان يجمع وعلى الأخص فى الجزيرة العربية -بين وظائف عدة ويتصرف كحارس على القوانين فى مجتمع بدوى يفتقد النقاط البؤرية الضرورية لتثبيت هذه القوانين وتأمينها. وهكذا نجد فى كتابات الجاحظ أن الزجر يتضمن تفسير هديل الحمام، وصيحات الطيور، والظهور المفاجئ لأى حيوان يسير من اليمين إلى الشمال أو من الشمال إلى اليمين، وحفيف أوراق الشجر، وتنهيدة الريح وأشياء أخرى مماثلة مبشرة أو منذرة. ويشار إلى "الزجر" على أنه "عيافة" وهو ما ينطبق على اجراءات متعددة من الكهانة أما بالنسبة للطيور التى يعتبر طيرانها وصيحاتها موضوع الفأل أو الطير أو الزجر، فهى متنوعة أما الطائر الذى يُكثر العرب من الإشارة إليه فى موضوع الكهانة فهو الغراب ومع ذلك فإن هذه الأمور الثلاثة لا تقتصر على الطيور. وذلك لأن أى حيوان يمكن أن يستخدم فى الطالع. وإن وجهة الطائر فى طيرانه أو خطوات الحيوان على الأرض، لتلعب دورا مهما جدا فى تطبيق هذه الإجراءات الثلاثة. وهناك مصطلحات فنية تحدد الاتجاهات المختلفة: فالسائح هو الذى يطير من اليمين إلى الشمال؛ والبارح هو الذى يطير من الشمال إلى اليمين والجابح وهو الذى يأتى من الأمام، والقائد أو الخفيف وهو الذى

المصادر

يأتى من الخلف. والشمال كقاعدة عامة -هو ما يشير إلى الشر أو النحس؛ لذلك كان العرب يحبون السائح ويكرهون البارح- وباستخدام العبارات اللطيفة عن شئ بغيض نجد أن العرب يطلقون على الشمال كلمة "اليسار" وعلى اليد الشمال لفظ "اليسرى". وفى مجالات أخرى أيضا تلعب العبارات اللطيفة وغير اللطيفة دورا مهما فى الفأل. فالرغبة فى سماع كلمات سعيدة طيبة من أفواه الآخرين والخوف من سماع عبارات غير طيبة موجودة فى الإسلام فى كل العصور، فى كل البلدان -وهناك مجموعة كاملة المفردات تستخدم للابتعاد عن العبارات ذات المعانى التى ترمز إلى الشؤم. ومن ثم سمى الأعمى "بالبصير" ووصف الجدرى بأنه "مبارك" وكذلك الزهرى والطاعون والعتة. . ويقول الجاحظ أنه [. . . . . . .] (*) المصادر: (1) ابن قتيبة: عيون الأنباء القاهرة، جـ 2، ص 144 - 151. (2) المسعودى: مروج الذهب، جـ[. . . .] (*) ص 334، باريس 1861 - 1877. (3) الجاحظ: الحيوان. (4) نويرى: نهايات العرب جـ 3، القاهرة ص 134. (5) E. Daulte: Magie et religion 363 ff بهجت عبد الفتاح [ت. فهد T. Fahd] مطابع الهيئة المصرية العامة للكتاب رقم الإيداع بدار الكتب 10128/ 1996 ISBN 977 - 01 - 4976 - X

_ (*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: مسح بالمطبوع

فاتحة

فاتحة (أول سورة فى القرآن الحكيم وأيسرها). ويعنى اسمها أنها (فاتحة القرآن الكريم) ولهذه السورة القصيرة التى هى سبع آيات، عدة سمات خاصة بها، فهى فى أول الكتاب العظيم، بينما كل قصار السور فى آخره، وهى فى صيغة دعاء، وسائر السور فى صيغة نصح وإرشاد، أو لوم وتوبيخ، وتعقب تلاوتها بكلمة "آمين" التى لا تعقب تلاوة سائر السور. وفى سورة الحجر، الآية 87 تلميح إلى سورة الفاتحة فى قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ} (أى سبع آيات) ينبغى أن تكرر دائمًا مثلما يكرر القرآن، وهى مثان، لأنها تثنى فى كل صلاة، وتحتل موقعًا خاصًا مع الإشارة إلى تقسيم القرآن الموحى به وقتذاك. وفى تلك الفترة، حين نزلت سورة الحجر، وهى سورة مكية، كانت سورة الفاتحة هى الدعاء المحبب إلى جماعة المؤمنين قليلة العدد بعض الشئ. وقد قيل إن هذه السورة هى أقدم سور القرآن أو واحدة من أقدم سوره. وقد فند نولدكه Noeldeke الرأى القائل أن بها تعبيرات لا توجد فى سور الفترة الأولى، وبخاصة بعض صفات اللَّه عز وجل مثل "الرحمن الرحيم" التى تظهر لأول مرة. ومع ذلك، فإن سورة الفاتحة قديمة نسبيًا، ويجب أن توضع فى نهاية الفترة المكية الأولى. وأول آياتها "الحمد للَّه رب العالمين"، وتتكرر فى آخر سورة الصافات (الآية 182)، والتى تنتمى إلى الفترة الثانية أيضا وتشير كلمات "المغضوب عليهم" أى الذين غضب اللَّه عليهم، و"الضالين" أى الذين يذنبون، فى الآية السابعة من سورة الفاتحة إلى كل من اليهود والنصارى على التوالى [المترجم: لا تجمع التفاسير على ذلك]. والفاتحة جزء لا يتجزأ من صلوات المسلمين الخمس وقراءتها فرض عند الشافعى، بينما يقول أبو حنيفة إنها أمر لازم شرعًا. وقد كتب علماء ورعون كثيرون عن فضائل هذه السورة. المصادر: (1) البخارى: اجارة، جـ 16. (2) تفسير القرآن جـ 1.

حياته

(3) فضائل القرآن جـ 9. (4) مسلم: باب الصلاة، 34 - 44. (5) الطبرى: تفسير 1321، جـ 1، 35 - 66. (6) الزمخشرى: كشاف، القاهرة 1373/ 1953، جـ 1، 1 - 15. (7) A. Jeffery: A variant text of the Fatiha in MW, XXXIX (1939), 158 - 62 حسن شكرى [ر. باريه R. Paret] الفارابى أبو نصر محمد بن محمد بن طرخان بن اوزلفه كان واحدًا من أبرز فلاسفة المسلمين وأشهرهم، واشتهر بلقب المعلم الثانى إذ المعلم الأول أرسطو. حياته: لا نعرف عن حياة الفارابى إلا القليل. فهو لم يكتب سيرته كما أن معاصريه لم يكتبوا عنه. وهو من أصل تركى، ولد فى تركستان بمدينة فاراب الواقعة على نهر سيحون، ويقال إنه توفى فى دمشق فى عام 339 هـ/ 950 م وقد بلغ الثمانين ونيف عليها وربما قدم -فى فترة باكرة من حياته- إلى بغداد مع والده الذى وصف بأنه قائد جيش وربما كان ينتمى إلى حرس الخليفة. واستقر هناك لعدة سنوات منعزلا ومنفردًا بنفسه ولم ينضم قط إلى بلاط الخليفة أو كتابه فلما كانت سنة 330 هـ (= 942 م) تلقى دعوة من سيف الدولة الحمدانى (الشيعى) للذهاب إلى حلب فقبل الدعوة لأسباب لا نعرفها، وعاش هناك فى بلاطه هو وفئة من رجال الأدب حتى آخر حياته -وكان أستاذه فى الفلسفة مسيحيا هو يوحنا هيلان النسطورى الذى يقول عنه الفارابى إنه ينتمى إلى مدرسة الإسكندرية فى الفلسفة اليونانية والتى ظلت قائمة بعض الوقت بعد فتح العرب لها- ونعلم أيضا عن الفارابى أنه كان على صلة وثيقة بأبى بشر متى بن يونس المترجم والشارح الكبير (ت 329 هـ/ 940 م). وهو أحد الشخصيات البارزة فى مدرسة بغداد الأرسطية المسيحية وأنه له تأثيرا بالغًا على يحيى بن عدى (ت 362 هـ/ 972 م).

فكره

فكره كان الفارابى يعتقد أن الفلسفة انتهى أمرها فى كل مكان إلا بلاد الإسلام. فقد وجدت فى هذه البلاد ملاذًا جديدا وحياة جديدة. ويرى أن العقل الإنسانى مقدَّم على ما سواه، ذلك أن الأديان -فى رأيه- تصطنع الرموز لكى تصل للجمهور العادى، أما الحقيقة الفلسفية فتختلف الرموز فيها عن أمة إلى أمة -وبهذا الرأى يكون الفارابى قد خطا خطوة أبعد من الكندى الذى جعل الفلسفة فى خدمة الحقيقة التى نزلت بالوحى. ثم هو من جهة أخرى يرى أن الفلسفة اليونانية يمكنها أن تقدم تفسيرا صحيحا لكل القضايا المهمّة والمثارة فى المجتمع الإسلامى المعاصر -فالإلهيات اليونانية وهى الهيات طبيعية- تتحدث عن اللَّه بوصفه العلة الأولى للفيض (أى صدور الموجودات عن اللَّه) كما تتحدث عن الوحى بوصفه نتاج الكمال الأسمى للعقل الإنسانى. وتتحدث عن الطبيعة الحقة لعملية الخلق وعن العناية الإلهية على نحو ما تتبدى فى تدرج الموجودات فى العالم، ثم هى تتحدث عن الخلود الذى لا يحظى به الكائن البشرى. إن الفلسفة تقدم لنا الرأى السليم عن حرية الاختيار الأخلاقية وعن الحياة الخيرة والإنسان الكامل -أى الفيلسوف- ينبغى أن يكون السيد الحاكم للدولة فالفلسفة وحدها هى التى تمدنا بالطريق الصحيح نحو إصلاح الخلافة -والفارابى يرسم بخياله مدينة مثالية (فاضلة) وأمة مثالية (فاضلة) وعالما مثاليا (فاضلا). وبوسعنا ذكر بعض خصائص فكر الفارابى، من ذلك أنه كان يعتقد -شأنه شأن الكثيرين من مفكرى اليونان فى العصر المتأخر فى اتفاق آراء أفلاطون وأرسطو- وأقام فكره على مبادئ أرسطو -كما قدمها الشراح اليونانيون المتأخرون- فى المنطق، والعلم الطبيعى، وعلم النفس، والميتافيزيقا، وإن كانت هذه الميتافيزيقا فى تطوير الفارابى لها -قد اتخذت سمة معتدلة عن الأفلاطونية الجديدة. أما فى العلم السياسى فقد آثر أن يتابع خطى أفلاطون فى الجمهورية والقوانين؛ لأن تحليل أفلاطون للدول غير المثالية

أعماله

والحلول التى يقدمها لحل المشكلات السياسية تظل صالحة كما هى وتتماشى مع الظروف السياسية التى استجدت، ويرى الفارابى أن العلة الأولى تجمع بين الوصف الأفلاطونى أى الخالق الأبدى لعالم أزلى والوصف الأرسطى أى العقل الإلهى، وهو موجود مفارق أو متعال على كل الموجودات. وهناك نظرية هامة للفارابى عن الخيال والنبوة. فعلى الرغم من أن النبوة جزء لا يتجزأ عن كمال الإنسان فهى بمثابة عامل ساعد لملكته العاقلة ومحدودة بحدود ملكة التصوير الناقصة. إن للفارابى تأثيرا بالغا على الفلاسفة المسلمين الذين جاءوا بعده -فلا مجال لإنكار تأثيره على كتاب القرن الرابع الهجرى/ العاشر الميلادى مثل إخوان الصفا، والمسعودى، ومسكويه وأبى الحسن الأميرى، ويبدو أن ابن سينا قد اطلع على مؤلفاته، كما تابعه ابن رشد فى أفكاره الرئيسية وقدره ابن ميمون حق قدره، وكان لأفكاره السياسية تأثير بالغ فيما بعد فى القرن الثالث عشر الميلادى، وما بعده. وقد اطلع الدارسون اللاتينيين على بعض مؤلفاته، كما ترجم بعضها إلى العبرية. أعماله: ينسب مؤلفو الفهارس العرب للفارابى أكثر من مائة مؤلف متفاوتة الأحجام، منها الأصيل ومنها المنتحل مثل "النصوص فى الحكمة" وهى فى الغالب من تأليف ابن سينا. أ - من الأعمال الأصيلة "الشروح المدرسية الكبيرة" لعدد من دروس أرسطو -فهذه الشروح واصلت مسيرة التراث اليونانى فى فترته المتأخرة دون حدوث أى فجوة. ويبدو أن ابن باجة استفاد من هذه الشروح كما استفاد منها بصفة خاصة ابن رشد. وثمة شروح على كل الأجزاء المتبقية عن الأرجانون والخطابة. و"الفيزيقا": (الذى قرأه الفارابى أكثر من أربعين مرة) وكذلك نجد مؤلفات صغيرة الحجم تعد بمثابة مقدمات: أ - المنطق: "التوطئة فى المنطق" وهو مقدمة للمنطق. ب - الفيزيقا: عن "الفراغ".

المصادر

جـ - الميتافيزيقا "حول مجال ميتافيزيقا أرسطو" فى الواحد والوحدة د - الأخلاق والسياسة "البيِّنة على سبيل السعادة" فى الملة الفاضلة وهى رسالة هامة وإن لم تنشر بعد. وله رسائل أخرى فى الرد على خصوم أرسطو والرد على زكريا الرازى وابن الراوندى -وهناك مجموعة من الأعمال تلخص نتائج أبحاث الفارابى الفلسفية، تعنى بوضع الفلسفة فى مركز السيادة فى الفكر، والمجتمع الكامل (الفاضل) والملك الفيلسوف. وفهم هذه الأعمال يعد مفتاحا لفكر الفارابى، مثل: 1 - إحصاء العلوم 2 - فى تحصيل السعادة 3 - فى مبادئ آراء أهل المدينة الفاضلة 4 - السياسة المدنية وهو احصاء لكل مبادئ الفلسفة على وضع الهدف السياسى نصب عينيه. المصادر: (1) C. Brockelmann: 1, 232 ff. Geschichte, Leiden 1943 - 49 (2) Leo Strauss: Farabi's Plato, in Ginsberg Jubilee Volume, New York 1945 (3) Idern: How Farabi read Plato's laws (4) E. I. J. Rosenthal: Political thought in medieval Islam, Cambridge, 1962, 122 ff (5) سعيد زايد: الفارابى (نوابغ الفكر العربى، ص 31)، القاهرة 1962. سعيد عبد المحسن [ر. والتزر R. Walzer] فارس الشدياق فارس الشدياق كاتب ومؤلف معجمى وصحفى وشاعر لبنانى. ولد سنة 1804 م وليس فى التى تليها كما يقول أحدهم فى كتاب له عنه وكما يقول أيضا يوسف ازبك، وكان مولده بعشقوط وليس ببيروت كما قال بروكلمان. وقد انتقل به أبواه سنة 1809 م إلى الحدث حيث تلقى الابن تعليمه الأوَّلى بها ثم انتقل إلى كلية اللاهوت الكاثوليكية فى عين ورقة. وترتب على منازعة سياسية ووفاة أبيه أن احترف حرفة أخيه طنوس (1791 - 1861 م) وهى نسخ المخطوطات التى وجد منها كمية لا بأس بها فى مكتبة أبيه. ثم جرت بعد ذلك فى سنة

1830 م مأساة أثرت فى حياته وطبعه وسلوكه واتجاهاته كل التأثير ألا وهى مقتل أخيه أسعد (1798 - 1830) لتحوله إلى البروتستنتية مما حمل البطرك المارونى يوسف حبيش (المتوفى عام 1845) على أن يسجنه ويعذبه حتى مات تحت التعذيب (انظر فى ذلك خبريات أسعد الشدياق عند بطرس البستانى) ويمكن أن نؤرخ تحول فارس إلى البروتستنتية فى نهاية 1825 وإن كان دى طرازى فى كتابه الصحافة وكذلك ب. مسعد فى كتابه "فارس الشدياق" يزعمان أنه اعتنق هذا المذهب فى مالطة أى فيما بين 1834 و 1848 م ولكنه رأى مرفوض (انظر السياق 1/ 773 - 378) ونجد فى صفحة 130 - 133 ما يؤكد أنه اتصل بالبعثة الإنجيلية البروتستنتية قبل مغادرته لبنان إلى مصر التى ظل مقيما بها من 1825 حتى 1834 م وفيها كان أول زواج له من مارونية ولدت فى "الصولى" وأنجب منها ولديه "سليم" (1826 - 1906) و"فايز" (1828 - 1856 م). وتسنى له فى مصر أن يتصل بجماعة من كبار العلماء والأدباء مثل نصر اللَّه الطرابلسى (1770 - 1840 م) وشهاب الدين محمد بن إسماعيل المالكى (1803 - 1857 م) وقد أتاح له وجوده فى هذه البيئة الجو الملائم لدراسة العربية والمنطق واللاهوت وعلم الكلام، كما اختير محررا بصحيفة الحكومة الرسمية وهى الوقائع المصرية محل رفاعة الطهطاوى. ثم سأله رئيس الارسالية الإنجيلية البروتستنتية أن ينتقل إلى مالطة فانتقل إليها وأمضى فيها بضع سنوات (1834 - 1848) يعلم العربية وينسخ المصادر ويصحح المخطوطات. ولم يقطع هذه الحياة الجافة إلا مرتين فقط عاد فى أولاهما سرا إلى لبنان سنة 1837 م وزار فى ثانيتهما انجلترا سنة 1845 م، ثم دعى إلى لندن سنة 1848 م ليساعد فى ترجمة الإنجيل وهنا طلق زوجته الأولى وتزوج إنجليزية وحصل على حق الحماية البريطانية ومات له حينئذ ثالث أولاده. ولما تمت ترجمة الإنجيل فى أقل من عشرين شهرا استقر فى باريس حيث نظم قصيدتين مدح فى واحدة منهما أحمد باشا باى تونس

ومدح فى الثانية السلطان عبد الحميد سنة 1854 م، وكان لهاتين القصيدتين أكبر الأثر فى تغيير مجرى حياته، حيث تلقى دعوة حارة لزيارة تونس (1857 م) فاعتنق الإسلام، وتسمى أحمد تاركا لقبه "الشدياق" واقتدت به زوجته وابنه. ويقرر دى طرازى أنه لم يكن له دور فى تأسيس الرائد التونسى. على أن فارس الشدياق بلغ فى اسطنبول ذروة شهرته فقد حظى بعطف السلطان الذى كان قد بعث رسميا فى استدعائه وأحاطه بكل مظاهر التشريف وهنا أسس فارس الشدياق مجلة الجوائب الأسبوعية والتى ظلت تصدر من 2 من يوليو 1861 حتى 1884 م. وليس بحق ما يقرره شيخو ودى طرازى ودائرة البستانى من أن طبع الجوائب بدأ سنة 1860 م، وكان صدورها تدشينا لعهد جديد فى الصحافة العربية ثم جاء إلى القاهرة سنة 1886 م فلقى بها ترحيبا صادقا وأقام فترة قصيرة فيها وغادرها بعدها إلى اسطنبول (راجع جريدة الأهرام الصادرة يوم 26 مايو 1887 م) حيث مات بها بعد شهور قلائل يوم 20 سبتمبر 1887 م فى مصيفه فى "كاديكوى" وليس هناك ما يؤكد ما يدعيه البعض من أن أسرته عادت إلى الكاثوليكية، وعاد جثمانه إلى بيروت يوم الأربعاء خامس أكتوبر سنة 1887 م ودفن فى الحازمية من ضواحى بيروت ويقتصر هنا -فيما يتعلق بمؤلفاته- على ذكر أهمها التى منها كتاب الساق على الساق فيما هو الفارياق "تناول فيه أيام العرب والعجم" وقد طبع هذا الكتاب لأول مرة بباريس 1855 م، ويعتبر هذا الكتاب أهم مؤلفاته وواحدا من أبرز الكتب العربية التى ظهرت فى القرن التاسع عشر. ويلاحظ أن اسم "الفارياق" مشتق من المقطع الأول من اسمه الشخصى (فارس) أما المقطع الثانى فمشتق من اسم عائلته "الشدياق" وقد تضمنت هذه السيرة مزيجا كبيرا من ذكريات الطفولة والشباب وملاحظاته والنقد الاجتماعى والأخلاقى والدينى. أما الكتاب الثانى فهو "الواسطة فى معرفة أحوال مالطة" الذى طبع فى الجوائب وهو مكتوب بأسلوب رحالة

عرب العصور الوسطى. وقد ضمنه المؤلف ملاحظاته أثناء وجوده بمالطة وألم فيه بجغرافيتها وسكانها ومناخها وفنها ولا سيما الموسيقى والغناء والعمارة وما بها من الكنائس. وكان يرفق ذلك فى بعض الأحيان ببيانات احصائية ومقارنات. أما كتابه الثالث فهو "كشف المخبأ - عن فنون أوروبا" وهو الجزء التالى لكتابه "الواسطة" ويتضمن ملاحظاته فى أوروبا وتعرض فيه لأحداث تاريخية ككلامه عن نابليون وجان دارك وغيرهم من المشهورين وضمنه أيضا آراءه عن مظاهر الحضارة فى لندن وباريس ونظم الحكومات المختلفة وآراءه عن الدين. أما عن الشدياق اللغوى فنشير إلى محاوراته مع بعض البارزين أمثال يحيى الأسير (1815 - 1890 م) والأحدب (1826 - 1891) ونبيه اليازجى وابنه إبراهيم (1827 - 1906 م) وبطرس البستانى (1819 - 1883 م) وأديب اسحق (1856 - 1886 م). ويشير فى المقدمة الطويلة التى وضعها للجاسوس على القاموس إلى ما يعتور المعاجم العربية من نقص ويبين ذلك النقص، ويوضح الأخطاء الرئيسية التى وقع فيها أصحاب هذه المعاجم ثم يورد نقدا لاذعا للفيروزبادى وللبستانى فى محاولته تقليد الفيروزبادى محلّلا الأربعة والعشرين مغمزا التى وجدها فى قاموس الفيروزبادى، وعلى الرغم من أهمية هذا الكتاب إلا أنه لم يجد الاهتمام اللائق به إذا ما قورن بما لقيه كتاب "سر الليال فى القلب والابدال" الذى طبع الجزء الأول منه سنة 1884 م، أما الثانى فيظهر أنه لا يزال مخطوطا ويدرس المؤلف فى هذا الكتاب الأفعال والأسماء شائعة الاستعمال ويرتبها حسب نطقها وأصولها، ويوضح الفروق الجزئية التى تختص بها. وللشدياق ديوان يحتوى على اثنين وعشرين ألف بيت يسير فيها على النمط التقليدى. أما كتابه "كنز الرغائب" الذى يقع فى سبعة مجلدات فقد جمع فيه خلاصة مطالعاته ورحلاته وترجماته وأخبار علاقاته الشخصية فهو بذلك مزيج من الأخلاقيات وعلم الاجتماع والسياسة والأدب والمحاورات

المصادر

الأدبية فقد صادف هذا اهتماما فى الدوائر الشرقية والأوروبية. أما فى المجال الدينى فالظاهر أنه لم يكن ترضيه أية عقيدة فهو شاك ساخر واقعى مادى يجرى وراء الأمجاد والمبهجات، ومع ذلك فقد كان رجلا ثوريا وعلى الرغم من انضمامه إلى الحركة الإسلامية فقد أثنى الثناء العطر على مبادئ الثورة الفرنسية، ومع أنه ثار ضد الاقطاع وجميع أنواع الاستعباد وكان مؤيدا للمساواة بين الناس وتحرير المرأة وناقدًا سياسيا واجتماعيا إلا أنه عاش وكتب ما يتفق وأوامر السلطان أو الخديوى. وعلى الرغم من كل هذا التناقض الوجدانى الثقافى والنظرة العامة للأمور إلا أننا لا نستطيع أن نتبين فى سهولة بعض الخصائص التى تميزت بها كتابات معاصريه، وكذلك صفات أدبية قدر لها أن تتفتح بعده فيما يتعلق بمشاكل الحياة اليومية فى قرنه، إلا أن الشدياق يعتبر مبدعا فى فن المقالة ومن أوائل دعاة الاصلاح التقدمى إن لم يكن أولهم، وليس من شك فى أن رجلا مثله جمع فى ذاته بين الرجل المحافظ والمراديكالى والرحالة واللغوى والعالم والصحفى إلا أنه يعتبر واحدا من أهم الشخصيات التى ظهرت فى مجال الأدب العربى فى القرن التاسع عشر. المصادر: (1) م. عبود: صقر لبنان، بيروت 1950. (2) البستانى: دائرة المعارف، جـ 10، 1898. (3) داغى: مصادر الدراسة الأدبية جـ 2، بيروت 1956. (4) ب. مسعد: فارس الشدياق، بيروت 1934. (5) م. نجم: أحمد فارس الشدياق، رسالة ماجستير من الجامعة الأمريكية فى بيروت، 1948. (6) D. A. J. Arberry: Fresh Light on Ahmed Faris al-Shidyaqa, in IC (1925), 155 - 68 د. حسن حبشى [أ. ج. كرم A. G. Karam]

الفارسى

الفارسى الفارسى هو أبو على الحسن بن على. كان من أبرز النحويين الذين ظهروا فى القرن الرابع للهجرة (العاشر الميلادى) ولد سنة 288 هـ (= 900 م) فى "فسا" أو "بسا" ودرس فى بغداد على يد ابن السراج الزجَّاج وغيره، ثم دخل بلاط سيف الدولة الحمدانى صاحب حلب وصحب المتنبى الشاعر ثم انتقل من تلقاء نفسه إلى خدمة عضد الدولة البويهى قبل قليل من غزو الأخير لبغداد سنة 319 هـ (= 979 م) (انظر خبره فى الإرشاد لياقوت 3/ 11) ومات ببغداد سنة 377 هـ (= 987 م) وكثُرَ تلاميذه كثرة ملحوظة وكان فيهم ابن جنى الذى صحبه أربعين عاما ثم خلفه فى ميدانه كما صحبه ابن أخيه أبو الحسين الفارسى الذى أصبح شيخا لعبد القاهر الجرجانى، وقد اتهم الفارسى بميله للمعتزلة، والواقع أنه علق على تفاسير محمد الجباعى المعتزلى بكتاب اسمه "التتابع" الذى يعد الآن فى عداد الكتب المفقودة. ومن مؤلفاته الأخرى كتابه الكبير "الإيضاح" فى النحو والذى ألحق به ما يعرف بالتكملة. ويتجلى لنا ذيوع هذا الكتاب فى وقته من كثرة نسخ المخطوطة وبالتعليقات الخمسة التى لا تزال موجودة، وقد طبع جرجاس روزن جزءا كبيرا منه. ومن مؤلفات الفارسى الأخرى (وإن ضاع) كتابه الإيضاح الشعرى الذى ربما كان هو كتاب الشعر أو العضدى الذى توجد منه نسخة خطية فى مكتبة برلين. برقم 6465. وقد طبع "روديجر" بعضا منه فى هال سنة 1870 م ومعه شرح أبيات الإيضاح الذى أشار إليه الفهرست. كما أن له تعليقات على كتاب معانى القرآن للزجاج وعنوانه "الاغفال" وله أيضا أبيات المعانى وتعليق على كتاب القراءات السبع لابن مجاهد وعنوانه "الحجة والاغفال وكتاب التذكرة وجواهر النحو" و"مختصر عوامل القصور" و"الممدود"، وأبيات الأعراب وتفسير للقرآن وعدد من المسائل ولسنا نعرف على وجه الدقة ماذا كانت طبيعة كتابه "نقد الهاذور".

المصادر

المصادر: وردت فى المتن ترجمة د. حسن حبشى [بروكلمان Brockelmann] الفاروقى الفاروقى. . هو الملا محمود بن محمد. . ولد عام 993 هـ (1585 م) فى "جاونبور" Giawnpur . . وقد تلقى تعليمه المبكر على يد جده، وأستاذ الملك محمد أفضل "الجاونيورى"، وعندما أنهى دراسته فى السابعة عشرة من عمره، بدأ فى إلقاء محاضرات للطلبة الذين توافدوا على "جاونبور" من جميع أنحاء الهند. وسرعان ما ذاعت شهرته الأدبية وثقافته العلمية. ووصلت إلى مسامع الإمبراطور "شاه جاهان" الذى طلب من "الملا" أن يزين بلاطه. وقبل الدعوة. . وعندما اقترب من "دلهى" كان الوزير سعد اللَّه خان فى استقباله. . واصطحبه إلى "دلهى" بكل التكريم اللائق به وأعطاه الإمبراطور منصبا. . وأمطره بالمنح الملكية. وقد كان واحدا من أبرز العلماء، لا فى الهند وحدها، بل فى العالم الإسلامى كله. وعندما ذهب مع الإمبراطور إلى لاهور، وقام بزيارة "شاه ميرلاهورى"، وجه إليه هذا القديس اللوم لأنه انشغل بالأمور الدنيوية ونصحه بترك خدمة السلطان. . وبناء على ذلك استقال من الخدمة الملكية وذهب إلى موطنه الأصلى حيث قضى أيامه الأخيرة فى إلقاء المحاضرات على الطلبة المسلمين بجانب تأليف الكتب ويمكن القول بأن محمود -كعالم بالفلسفة والبلاغة- كان واحدًا من أبرز المثقفين فى العالم الإسلامى، تقررت أعماله فى المناهج النهائية فى جميع الجامعات الهندية، كما أن شهادات الكفاءة تمنح فقط لهؤلاء الذين تفقهوا فى أعماله وقد مات عام 1062 هـ - 1651 م وقد ألف الأعمال التالية: 1 - "حاشية الآداب الباقية" وهو شرح لتعقيب عبد الباقى الصديقى، على بحث فى "الجدليات" تحت عنوان. . الرسالة الشريفية فى علم آداب المناظرة "تأليف سيد شريف الجرجانى" 2 - "الفرائض فى شرح الفوائد" وهو شرح لكتاب "عبد الرحمن بن أحمد

المصادر

الـ Al-Idji عن البلاغة بعنوان "الفوائد الغياثية". 3 - رسالة فى إثبات الهيولا -وهى بحث عن المادة الأولى "الهيولا". 4 - "الشمس البازغة" وهو كتاب عن الفلسفة شرح لكتاب له بعنوان "الحكمة البالغة". المصادر: (1) ج. زيدان: تراجم مشاهير الشرق، جـ 2، ص 193. (2) عباس العزاوى: تاريخ العراق بين احتلالين، جـ 5، بغداد 1955، ص 119 - 140. (3) م. م. البصير: نهضة العراق الأدبية، بغداد 1365/ 1946، 89 - 113. بهجت عبد الفتاح [شارل بيلا Ch. Pellat] فاروقى هو عبد الباقى الفاروقى -وهو شاعر عربى ولد فى الموصل فى عام 1204 هـ (1790 م) - يعتز بانتسابه إلى الخليفة عمر بن الخطاب ولذلك يحمل اسم "الفاروقى" و"العمرى" ولا نعرف إلا القليل عن حياته. . فقط نعرف أنه صحب ابن عمر قاسم باشا عندما أرسل الباب العالى هذا الأخير إلى بغداد للقضاء على سلطة المماليك هناك، وعندما فشلت هذه الحملة، ذهب مع الحملة التالية لنفس الغرض بقيادة "على رضا باشا" الذى نجح فى إنهاء حكم "داوود" باشا والمماليك، وبقى الفاروقى معه فى بغداد فى منصب "كتخدا" الولاية حتى وفاته فى عام 1278 هـ (1862 م). . وقد نشر "عثمان الموصلى" فى القاهرة عام 1316 هـ (1896 م) أشعاره تحت عنوان "الترياق الفاروقى من منشآت الفاروقى وبجانب هذا الديوان، وضع ديوان آخر تحت عنوان "أهلّة الأفكار فى معانى الابتكار" وأيضا عملا عن سيرة حياته بعنوان "نزهة الدهر فى تراجم فضلاء العصر" بهجت عبد الفتاح [شارل بيلا Ch. Pellat] فاس (1) التطور التاريخى للمدينة مدينة فى شمال المغرب على خط طول 4.54 درجه غربا و 34.6/ شمالا.

وتقع مدينة فاس فى أقصى الشمال الشرقى عن نفس الموضع الذى تنحدر عنده مياه الجزء الشرقى لهذا السهل إلى وادى "سبو" طريق وادى فاس ولذلك فهى تشغل الطرق السهلة الواصلة بين ساحل المغرب المطل على المحيط الأطلنطى ووسطه ويوجد، بالإضافة إلى ذلك، على بعد 30 كم جنوب فاس واحد من أقل الطرق وعورة ويمر بوسط جبال أطلس إلى الجنوب عبر طريق "سفرو" كذلك فإن طرق الاتصال بين فاس وكل من ساحل البحر المتوسط أو مضيق جبل طارق على قدر كبير من السهولة ويمكن القول إن "فاس" تقع على نقطة تقاطع بين محورين كبيرين للاتصالات يحددها الخط الساحلى للبلاد أما المحور الأول فيمتد من الشمال إلى الجنوب بين البحر المتوسط أو مضيق جبل طارق أو تافيللت [تافلالت] إلى ما وراء بلاد الزنج أما المحور الثانى فيمتد من الغرب إلى الشرق بين ساحل الأطلنطى ووسط المغرب. وزيادة على ذلك فإن موقع فاس يتميز بوفرة المياه حيث يوجد. النهر وروافده التى كان من السهل جعلها تجرى فى قنوات لخدمة سكان المدينة فضلا عن العديد من العيون التى تنبع من الضفاف شديدة الانحدار وخاصة فى الضفة اليسرى الواقعة داخل المدينة. وتوجد قرب المدينة المحاجر التى توفر أحجار البناء والرمال والجير، وفى الوقت ذاته هناك الغابات بوسط الأطلس والتى تتوفر فيها أشجار البلوط والأَرْز والتى تستخرج منها أخشاب عالية الجودة. وأخيرًا فإن الأراضى التى تمتد لمسافة كبيرة حول المدينة تعد صالحة لكافة أنواع الزراعة حيث تنمو الحبوب والكروم والزيتون وأنواع عديدة من أشجار الفاكهة ومن الممكن تربية الخراف والماعز والأبقار أيضا. وبالرغم من ذلك فإنه لم يكن يشغل هذا الموقع المتميز أى مدينة قبل نشأة المدينة الإسلامية. هذا ولم يؤكد علم الآثار أسطورة الأسطورة الواردة فى أسطورة روض القرطاس لابن أبى زريح والتى تقول

إنه كانت هناك مدينة موغلة فى القدم تشغل مكان فاس الحالية ومع ذلك فيمكن القول بأن مدينة فاس لم تظهر فى الوجود إلا فى أواخر القرن الثانى للهجرة 2 هـ/8 م بناءً على رغبة الأدارسة. وقد اعتُقد لفترة طويلة، بناءً على زعم صاحب روض القرطاس والذى أيده العديد من المؤرخين الآخرين، أن إدريس بن إدريس قد شيد مدينة فاس فى غرة ربيع الأول عام 192 هـ/ 4 يناير 808 م ويعتقد أن الملك [الأمير] الشاب قد أنشأ هذه المدينة على الضفة اليمنى لوادى فاس وبعد ذلك بسنة قمرية أى فى 22 ديسمبر 808 م قام بإنشاء مدينة ثانية على الضفة اليسرى. إن بناء هاتين المدينتين الذى ليس له أى تفسير قد حيّر (العلامة ليفى بروفنسال) الذى عكف على دراسة هذه المسألة وانتهى به الأمر أيضا إلى القول بأن هناك رواية غير شائعة ولكنها قديمة عن نشأة مدينة فاس والتى يعتقد أن إدريس بن عبد اللَّه والد إدريس بن إدريس هو الذى قام ببنائها على الضفة اليمنى فى سنة 172 هـ/ 789 م وأطلق عليها اسم مدينة فاس ولكنه توفى قبل أن يتاح له تطويرها، ويعتقد أن ابنه قام بعد ذلك بعشرين عاما [أى فى سنة 192 هـ/ 808 م] ببناء مدينة لنفسه على الضفة اليسرى وأطلق عليها اسم "العالمية" والحق إن تلك الرواية تبدو أقرب إلى الحقيقة. وعلى أية حال فإنه من الموكد أن كلا من هاتين المدينتين كانتا منفصلتين لعدة قرون وكان الذى يفصل بينهما هو المجرى المائى لوادى فاس ومع ذلك فقد ظلت كل منهما تنافس الأخرى دائما وتعرقل تطورها مما أعاق نموهما معًا. وقد عكرت خلافات الأسرة الحاكمة طيلة عهد الأدارسة، أى حتى مستهل القرن 4 هـ/ 10 م، صفو الحياة لهذه المدينة المزدوجة وأصبحت المدينة بعد ذلك خلال الثلث الأول من نفس القرن [أى القرن 4 هـ/ 10 م] أحد ركائز الصراع بين الأمويين فى الأندلس

والفاطميين فى إفريقيه، وكان هذا الصراع غالبا ما يحدث فى شمال المغرب. وقد وقعت المدينة تحت سيطرة الأمويين فى الأندلس لمدة تربو على الثلاثين عاما فيما بين 980 - 1012 م [370 - 403 هـ] وتمتعت المدينة خلال تلك المدة بالازدهار. وعندما آذنت شمس الخلافة الأموية بقرطبة بالمغيب وقعت مدينة فاس تحت سيطرة أمراء زناتة الذين كانوا على خلاف مستمر فيما بينهم وقد قاموا بإشعال نار المنافسة القديمة بين المدينتين التوأم حتى قدوم المرابطين. إن التاريخ المعروف لدخول المرابطين فاس بقيادة يوسف بن تاشفين هو 461 هـ/ 1069 م ولكن يرى العلامة ليفى بروفنسال (فى بحث نشر له بعد وفاته وهو خاص بتأسيس مدينة مراكش) اعتمادًا على ما ذكره البكرى أنه يجب أن نتعامل بحذر مع هذا التاريخ حيث أن تأسيس مراكش وبالتالى دخول فاس لابد وأنه كان بعد هذا التاريخ بأعوام قلائل. ومهما يكن من أمر فإن دخول المرابطين يعد علامة هامة فى تاريخ مدينة فاس حيث أمر يوسف بن تاشفين بتوحيد المدينتين وجعلهما مدينة واحدةً صارت القاعدة الحربية الرئيسية فى شمال المغرب وعلى ذلك يعتبر يوسف بن تاشفين المؤسس الثانى لفاس فهو الذى قضى على ازدواجية المدينة وهذه الازدواجية كانت السبب الأصلى لعدم تطورها لمدة طويلة من جهة كما حدد اتجاه تطورها فى المستقبل من جهة ثانية وذلك عن طريق بناء مدينتين جديدتين فى الغرب فضلا عن بناء قلعة هامة (وهذه القلعة لم يتبق منها أى أثر)، وقد ساعد بناء تلك القلعة على ظهور أحياء جديدة فيما بينها وبين الأحياء الأصلية كذلك كان المرابطون هم المسئولون عن ازدياد أهمية الجامع الرئيسى الواقع على الضفة اليسرى وهو جامع القرويين وقد بنى هذا الجامع، على ما يبدو، فى القرن 4 هـ/ 10 م وكانت مساحته صغيرة ثم قام على بن يوسف المرابطى بهدمه باستثناء [الصومعة] التى لا تزال قائمة، وبنى فى موضعه جامعا

كبير المساحة قام بزخرفته صنّاع أندلسيون كذلك من المحتمل أن يعود إلى عصر المرابطين ما تم من الأعمال الأساسية فى وادى فاس، التى يرجع الفضل إليها فى تزويد المدينة بنظام للمياه الجارية منذ العصور المبكرة. وعلى ذلك يمكن القول بأن فاس قد عاشت لمدة ثلاثة أرباع القرن (467 - 540 هـ/ 1075 - 1145 م) عصرًا من أزهى عصورها تحت حكم المرابطين ولكن للأسف ليس لدينا سوى القليل من المعلومات المفصلة عن تلك الفترة. إن دخول الموحدين يعد نقطة توقف قصيرة فى تاريخ فاس، وعندما قام عبد المؤمن بمهاجمتها فى سنة 540 هـ/ 1145 م أثبتت [أى المدينة] إخلاصها للمرابطين فقاومت مقاومة عنيفة ولم يستطع الموحدون دخولها إلا بعد حصار شديد ومن ثم عوقبت المدينة بتدمير قصبة المرابطين وأسوار المدينة. ولما كان الموحدون (مثلهم فى ذلك المرابطين) فى أشد الحاجة لمدينة فاس فقد نمت المدينة وازدهرت على نحو ما ذكر الإدريسى الذى وصفها بأنها مدينة فى غاية النمو والازدهار الاقتصادى. وقد أمر الناصر رابع خلفاء الموحدين بعد هزيمته فى لاس نافاس دى تولوسا [موقعة العقاب] (1212 م - 609 هـ) بإعادة بناء أسوار مدينة فاس. وإن التصميم العام وكذا جزء كبير من أساليب الإنشاء تؤرخ بهذا العصر، هذا وقد فتحت فى السور المحيط بها ثمانية أبواب ضخمة بواقع أربعة بكل جانب وقد بات من المؤكد أنه كانت توجد داخل هذه المساحة المسورة أماكن فضاء خالية وحدائق وبساتين. وتغير بعد قرن من الزمان، حكام فاس التى أصبحت تحت سيطرة بنى مرين وعلى الرغم من سوء استقبال المدينة فى بادئ الأمر لحكامها الجدد إلا أنهم نجحوا فى الوصول بها إلى أقصى درجات الازدهار بصورة لم تشهدها من قبل. ولم يأت بنو مرين مثل المرابطين والموحدين، من الجنوب ولكنهم جاءوا عن الشرق وكانت فاس أول مدينة

كبيرة ينجحون فى دخولها ولذلك اتخذوها حاضرة لهم بدلا من مراكش التى تراجعت إلى مرتبة أدنى من مرتبتها هذه، ولهذا السبب احتفظت فاس بازدهار لعدة قرون. وعاش البلاط الجديد [أى بنومرين] فى بادئ الأمر فى القصبة التى أعاد بناءها الموحدون فى نفس موضع قصبة المرابطين القديمة فى المنطقة التى تعرف الآن "بوجليد" وسرعان ما ضاق المكان بالمرينيين ولذلك قرر أبو يوسف المرينى (654 - 685 هـ/ 1258 - 1286 م) إنشاء مدينة ملكية وإدارية جديدة إلى القرب من المدينة القديمة ووضع أساسها فى الثالث من شوال 674 هـ/ 21 مارس 1276 م. وقد عرفت هذه المدينة فى بادئ الأمر بالمدينة البيضاء وإن كانت قد عرفت لوقت كبير ولا تزال تعرف باسم فاس الجديدة، وتتكون هذه المدينة بصفة أساسية من القصر ومبانى إدارية متنوعة والجامع ثم أضيفت إليها بالتدريج مبان أخرى كالمساجد الصغيرة والثكنات وبيوت العديدين من سادات بنى مرين وبعد ذلك وبالتحديد فى القرن التاسع للهجرة 15 م) أضيف حى خاص لسكنى اليهود. وقد أحيطت هذه المدينة الجديدة منذ بداية نشأتها بسور مزدوج تتخلله بوابات قليلة وقد دعمت هذه الأسوار فى القرن العاشر الهجرى 16 م بعدد من الأبراج البارزة لاستخدام المدافع. وهكذا أصبحت فاس مرة أخرى مركزًا حضريًا مزدوجًا فمدينة الطبقة المتوسطة والتجارة عرفت باسم فاس بالى [أى فاس القديمة] وقد عرفت محليا باسم المدينة فحسب. إن الوصف الذى زودنا به ليو الأفريقى [الحسن بن محمد الوزان الفاسى] لمدينة فاس فى مستهل القرن 10 هـ/ 16 م يعطى انطباعا بأن المدينة كانت تعج بالنشاط والسكان وقد كانت كثافة السكان عالية جدا لدرجة أنه استحدثت مساحات عديدة خارج الأسوار وشيدت بها بعض المبانى وخاصة فى الجانب الشمالى الغربى من المدينة القديمة ولم تكن فاس مدينة تجارية وصناعية فحسب وإنما كانت

أيضًا مدينة الدين والعلم حيث ازدهرت حول جامع القرويين مدرسة فاس على حد قول بيرك. وأخيرًا أصبحت المدينة مركزًا للفن ويرجع ذلك إلى قصور المرينيين التى شيدوها على التلال التى تطل على فاس من جهة الشمال فضلا عن المدارس التى بنيت خاصة فى القرن 8 هـ/ 14 م على يد العديد من الأمراء حول كل من جامعى القرويين والأندلسيين فى الجزء الأعلى من المدينة القديمة وفاس الجديدة. وقد زينت كل هذه المدارس تقريبًا بذوق فنى رفيع ومتنوع وهى بذلك تشكل واحدة من أروع الكسوات الزخرفية فى فاس. ولقد استمر هذا الوضع المتميز لمدة ثلاثة قرون حظيت فاس خلالها بالازدهار السياسى والاقتصادى والفكرى بين سائر بلاد المغرب فضلا عن الأقاليم الغربية فيما يعرف الآن بالجزائر، كما كانت لها علاقات اقتصادية وثقافية مع أقاليم الصحراء الغربية حتى النيجر وفى عام 870 - 871 هـ/ 1465 م كانت المدينة مسرحا لمحاولة الأدارسة استعادة الحكم فأشعلوا النار فى المدينة، ويبدو أن الوطاسيين خلفاء المرينيين لم يضربوا بيد من حديد على المشتركين فى هذه المؤامرة على حد قول (ليو الافريقى) الذى أعطى وصفا للمدينة المزدهرة. ورغم ذلك فقد بدأ الأشراف السعديون حكام مراكش منذ عام 931 هـ/ 1524 م يمدون نفوذهم تدريجيا على بقية مراكش وبدأوا يهددون فاس منذ عام 954 هـ/ 1547 م واستطاعوا بفضل المؤامرات الداخلية السيطرة على المدينة فى 28 ذى الحجة 955 هـ/ 28 يناير 1549 م. هذا ولم يكن تغير الأسرة الحاكمة فى صالح المدينة حيث اتخذوا [أى السعديون، وهم من أهل الجنوب]، مراكش حاضرة لهم وعلى ذلك أصبحت فاس مرة أخرى المدينة الثانية للدولة الشريفية [أى الأشراف السعديين]. ولم تتقبل المدينة فى بادئ الأمر هذا الوضع بارتياح ولكنها رحبت

ورحبوا بأبى حسون، المطالب بعرش الوطاسيين، عندما استطاع أهلها طرد السعدى [محمد الشيخ] فى 2 صفر 961 هـ 7 يناير 1554 م بمساعدة قوة تركية صغيرة صاحبته من الجزائر، ولكن تلك المغامرة لم يكتب لها النجاح طويلا حيث عاد السعدى على رأس جيشه فى شوال 968 هـ/ سبتمبر 1554 م واستطاع أن يجبر أبا حسون على تسريح حلفائه الأتراك وقد قتل أبو حسون فى المعركة تحت أسوار فاس ووقعت المدينة فى قبضة السعديين مرة أخرى. هذا ولم يستمر السعديون فى الإساءة لمعارضيهم لفترة طويلة كما قاموا بتدعيم تحصينات المدينة ليحكموا سيطرتهم عليها فضلا عما قاموا به من أعمال التحسين والزخرفة بجامع القرويين. وعندما توفى السلطان أحمد المنصور فى فاس 16 ربيع الأول 1012 هـ/ 25 أغسطس 1603 م شبّ الصراع بين أبنائه على العرش مما أدى إلى إشاعة حالة من الفوضى فى الغرب ظلت باقية لمدة تربو على ستين عامًا. ووقعت فاس فى دائرة مفرغة من الضعف وتعرضت لعدة غزوات ومما زاد من سوء حظ المدينة أنها عانت كثيرًا من الخلافات الداخلية الشديدة وعاشت أحلك فترات تاريخها لمدة تربو على خمسين عامًا كانت فاس مدينة قد مسها الضعف عندما استولى عليها المطالب بعرش العلويين وهو مولاى الرشيد فى عام 1076 هـ/ 1666 م. وبدأت جراح تلك المدينة تندمل وتدبّ فيها الحياة من جديد تحت حكم هذا الأمير النشيط الذى أولى أعمال المنافع العامة اهتماما كبيرًا (ومنها بناء جسر [قنطرة] فوق وادى سبو المتاخم لها وبناء قلعتين غريب المدينة القديمة وترميم جسر فوق وادى فاس واستحداث مدرسة جديدة تضاف إلى تلك المدارس التى بناها من قبله المرينيون). وعندما قتل مولاى الرشيد فى سنة 1082 هـ/ 1672 م خلفه أخوه مولاى إسماعيل الذى كان حاكمًا متميزًا ومع ذلك كان لا يهتم بفاس ولذلك أنشأ حاضرة جديدة له فى مكناس واستمر

فى سب وتحقير أهل فاس خلال فترة حكمه الطويلة التى بلغت نحوا من خمسة وخمسين عاما لدرجة أن تلك المدينة [أى فاس] أصبحت مهجورة. وازدادت الأمور سوءًا عقب وفاة مولاى إسماعيل فى سنة 1139 هـ/ 1727 م إذ دب الصراع على العرش بين العديد من أبنائه وأصاب المغرب -مثلما حدث فى القرن السابق- حالة من الفوضى كما وقعت فاس (مرة أخرى ولمدة ثلاثين عاما) فريسة لنزوات الحكام المؤقتين ومن بينهم مولاى عبد اللَّه الذى أساء معاملة أهلها كما تعرضت لعمليات السلب والنهب من قبل الجنود وخاصة جنود قبيلة الوداية. ومرّت فاس بمرحلة من الهدوء فى عهد سيدى محمد الذى خلف والده (فيما بين 1171 - 1204 هـ/ 1757 - 1790 م) لكن لم يقدر لهذا الهدوء أن يستمر طويلا فقد بدأت الاضطرابات المهلكة لتكون نهاية حكم مولاى سليمان (1207 - 1230 هـ/ 1792 - 1824 م). واستعادت فاس مكانتها كحاضرة وتقاسمت هذه المكانة مع مراكش حتى بداية القرن 20 م. وعندما استطاع مولاى عبد العزيز أن يتخلص من وصاية وزيره با أحمد شرع فى انتهاج سياسة التحديث مما أثار ضده غالبية أهل المغرب. وقد دخل عدد كبير من تجار فاس خلال النصف الثانى من القرن 19 م فى علاقات مع العديد من الدول الأوروبية والافريقية (مثل إنجلترا وأسبانيا وفرنسا وإيطاليا وألمانيا وغرب افريقيا الفرنسية) وبدأت المدينة تعرف طريقها تدريجيا إلى التجارة الدولية وبالإضافة إلى ذلك جاء عدد من الأوروبيين والأمريكيين (من جنود ودبلوماسيين وأطباء ورجال أعمال وغير ذلك) واستقروا فى المدينة. وبدأ مصير فاس، مثل غيرها من بقية المدن الغربية، فى التحول يضاف إلى ذلك أن السلطان مولاى الحسن (1290 - 1311 هـ/ 1873 - 1894 م) بدأ فى الاهتمام بأعمال المرافق العامة الهامة فى المدينة وذلك حين لا يكون

خارج البلد على رأس جيشه ومن ثم فقد قام ببناء مصنع صغير للأسلحة قرب قصره كما قام بتشييد أسوار كبيرة حتى تتصل المدينتان بعضهما ببعض وأعنى بهما مدينة فاس الجديدة والقديمة بعد انفصال دام زمنًا طويلًا يضاف إلى ذلك أنه شيد قصرًا جديدًا فى بوجلود على حافة المدينة. وعانت فاس مرة أخرى منذ عام 1901 م بسب الأوضاع المتردية، حيث هددها فى سنة 1903 م أحد المطالبين بالعرش وهو "بوحمرا" وعندما أرغم مولاى عبد العزيز فى عام 1908 م على التنازل عن العرش ساقت فاس الحكم إلى أحد سلالة مؤسسها إدريس وهو الشريف محمد القطنى ولكنه فشل فى تنظيم الجيش ومن ثم لم يستطع أن يمنع سلطان مراكش المطالب بالعرش وهو مولاى عبد الحفيظ من دخول المدينة ومع ذلك ظلت القلاقل مستمرة وأصبح الحاكم الجديد مهددًا من قبل قبائل البربر التى تسكن وسط الأطلس مما اضطره فى النهاية إلى أن يستنجد بالجيش الفرنسى لمساعدته وذلك فى سنة 1911 م وبالفعل جاءت كتيبة فرنسية بقيادة الجنرال موانييه وعسكرت تحت أسوار فاس وكانت هذه هى المرة الأولى التى يدخل فيها المدينة جيش أوروبى واستقرت هذه القوات فى جنوب فاس الجديدة، وفى 30 مارس 1912 م أعلنت الحماية الفرنسية على المغرب ووقعت اتفاقية بذلك فى إحدى حجرات قصر "بوجلود" وحدث بعد ذلك بأيام قلائل أن ثارت القوات المغربية يوم 16 و 17 ابريل 1912 م ووقعت مذبحة راح ضحيتها عدد من الأوروبيين على حين قام فى الوقت ذاته بإنقاذ عدد آخر فيهم ثم قامت بعد قليل القبائل البربرية الثائرة بمحاصرة الجنرال "ليوتى" القائد المعتصم بالمغرب فى فاس، التى حررها الجنرال "جورد" فى نهاية مايو ومستهل يونيو 1912 م. وهكذا أصبحت فاس منذ ذلك الوقت قادرة على أن تعيش فى سلام وأن تهيئ نفسها لنمط جديد من الحياة وسرعان ما بدأت تظهر مدينة أوروبية فوق مساحة مسطحة كبيرة بمنطقة دار الدبيغ والتى أطلق عليها الفرنسيون

اسم المدينة الجديدة وأصبح قصر "بوجلود" قصرًا للجنرال المقيم كما سكن عدد من الأوروبيين منطقة بوجلود. وبنيت، خلف أسوار المدينة التى ترجع إلى عهد مولاى الحسن، مبانٍ إدارية وفق طراز العصور الوسطى، وسرعان ما تماشى تجار مدينة فاس مع الأوضاع الاقتصادية الجديدة لبلدهم كما استقر الجديد منهم فى كازابلانكا [الدار البيضاء] وإن كانوا لم يقطعوا صلتهم بموطن أجدادهم. كذلك تم وضع نظام للتعليم الحديث سار جنبًا إلى جنب مع نظام التعليم الدينى التقليدى. ثم تقوقعت فاس على نفسها لسنوات عدّة ربما لما أحدثته سياسة التمدن من صدمة لها ولكنها سرعان ما اتخذت اتجاها معارضًا لنظام الحكم الجديد. إن حرب الريف وما صادفهُ عبد الكريم (1925 م) من نجاح الأمر أثار المخاوف من أعمال السلب والنهب وظهر حزب شعبى جديد كانت اتجاهاته السياسية معادية للحماية المفروضة على البلاد، وقاد شباب هذا الحزب الحركة العدائية ضد مشروع "الزهير" الذى كان يهدف إلى تمزيق الوحده المغربية عن طريق الفصل بين المغاربة وتقسيمهم إلى كتلتين متضادتين [العرب والبربر] فى منطقة العدل وكان قد صدر مرسوم هذا المشروع فى 16 مارس 1930 م. وكانت فاس عامى 1937 م و 1944 م وهى فترة الأزمات السياسية التى انتهت أخيرًا لإعلان استقلال البلاد (يوم 11 يناير 1944)، مسرحًا لمظاهرات هامه ومع ذلك فقد تحول مركز الثقل السياسى فى المغرب إلى الرباط والدار البيضاء وكان الدور الذى لعبته فاس دورًا ثانويًا فى مجريات الأحداث فيما بين عامى 1953 - 1956 م والتى أن إلى إعلان استقلال المغرب ولا تعدو فاس اليوم أن تكون عاصمة ولاية كما أنها تحتل المرتبة الثالثة فى المغرب بعد كل من الدار البيضاء ومراكش. وتضم مدينة فاس، التى بلغ تعداد سكانها (حسب إحصاء 1952 م).

نحوًا من 179.400 نسمة منهم 15.800 من الأوروبيين، أربعة مراكز رئيسية وذلك على النحو التالى: 1 - المدينة ولا تظهر بها تقريبًا أية مساحات فضاء ولكن توجد أماكن معينة فى ضواحى المدينة لحركة المرور. 2 - فاس الجديدة وهى تتكون من ثلاثة عناصر: أولًا مدينة صغيرة يسكنها العامة من "الصفان" الدنيا فى المجتمع الإسلامى يضاف إليها القصر والمناطق المحيطة به ثم حى اليهود أو كما يسمى بالمِلّاح. 3 - المدينة الجديدة: ويعيش فيها الكثير من اليهود فضلًا عن بعض العائلات الإسلامية. 4 - ثم مدينة إسلامية جديدة تقع عند الشمال الغربى للقصر وقد استحدثت منذ 1950 وشيدت وفق طرز البناء الحديثة. هذا ويربط فاس بالعالم الخارجى شبكة ممتازة من الطرق والسكة الحديدة التى تصل ساحل الأطلنطى وجبل طارق بوجده على الحدود الجزائرية فضلًا عن وجود مطار ذى أهمية بسيطة. وتعتمد الحياة الاقتصادية فى فاس، مثلما كان عليه الحال فى الماضى، على علاقاتها بالمدن المجاورة، وقد ظلت الصناعة فيها تقليدية [أى تسير وفق الأسس الموروثة] مع محاولة القيام بعملية تحديث جزئى لها فضلًا عن أن تكيف الصناع مع الأوضاع الاقتصادية الحديثة يعد واحدًا من مشاكلها الرئيسية. وعلى النقيض تمامًا توسعت الرقعة الزراعية التى أصبحت تشكل حزامًا عريضًا حول المدينة. وعلى الرغم من أن فاس كانت حتى بداية هذا القرن [20 م] هى مدينة رجال الأعمال الأولى فى المغرب إلا أنه قد حلت محلها مدينة الدار البيضاء. وظلت فاس العاصمة الفكرية فى المغرب لمدة طويلة ويرجع ذلك إلى مركزها العظيم فى التعليم الموروث المتمثل فى جامع القرويين.

الآثار

ولكن يبدو أنه من الصعوبة بمكان أن تظل فاس محتفظة بأسبقيتها فى هذا المضمار فى المغرب الحديث لا سيما منذ أنشئت الجامعة المغربية الحديثة، بعد الاستقلال، بمدينة الرباط وبالرغم من ذلك فإن فاس ستظل مركزا هامًا لكل من العلوم التقليدية والحديثة فضلًا عن الحياة الفكرية بصفة عامة. المصادر: (1) ابن حوقل: صورة الأرض. (2) البكرى: المغرب فى وصف أفريقيا والمغرب. (3) والإدريسى: نزهة المشتاق، والجزنائى: زهر الأسس. (4) ابن فضل اللَّه العمرى: مسالك الأبصار. (5) ابن أبى زرع الفاسى: روض القرطاس. (6) ابن القاضى: جذوة الاقتباس. (7) ابن القطان: سلوة الأنفاس. ترجمة د. محمد حمزة [ر. لى تورنو] الآثار - فى عصر الأدارسة: أتاحت لنا بعض الروايات التاريخية المقتضبة تحديد المكان الذى كان يشغله كل من بْيتَى الصلاة [المقدم] اللذين كانا يشكلان أصل المسجدين الكبيرين فى المدينة وهما: مسجد فاطمة بحى [عدوة] القرويين وقد بنى سنة 242 هـ/ 857 م، ومسجد الأندلسيين فى الحى المعروف بعدوة الأندلسيين، وكان كل منهما يشغل مساحة متوسطة ذات أروقة [بلاطات] موازية لجدار القبلة كما أن الصحن [الفناء] مغروس بالأشجار أما المئذنة [الصومعة] فغير مرتفعة. هذا وقد سقطت بعض الأحجار غير المصقولة [الدبش] من السور المحيط بالمدينة الموجود بعدوة القرويين، ولكن نظرًا لاختفاء كل أثر للأبواب أو الأبراج فمن الصعب أن تحدد بدقة الخطوط الرئيسية لهذا السور الأول. ولم يتحول هذا البناء الذى أسسه إدريس الأول وإدريس الثانى إلى مدينة إلا بالتدريج وقد بُنيت به بضعة آثار خلال ذلك العصر.

- فى عصر أمراء زناتة

- فى عصر أمراء زناتة: بدأت المدينة بعد فترة من الاضطرابات تُطِّور عددًا من أنشطتها الفنية تحت حكم أمراء زناتة الذين كانت أهواؤهم مع الأمويين فى قرطبة. وعرف مسجد فاطمة بمسجد القرويين عقب الغزو الفاطمى للمدينة، وأصبح مسجد الأندلسيين هو الجامع الكبير لكل من العَدْوتين وذلك فى عام (321 هـ/ 933 م). وتم خلال عهد أمراء مغراوة إعادة بناء المسجدين وتوسيعهما وظلت الأروقة [البلاطات] مثلما كانت عليه تسير موازية لجدار القبلة وهى تتكون من صفوف من البائكات الآجرية ذات العقود على هيئة حدوة الفرس. ولا تزال المئذنتان [الصومعتان] اللتان بنيتا فى عام 349 هـ/ 956 م، باقيتين على حالهما، وقد أمر الخليفة الأموى عبد الرحمن الثالث [أى الناصر] ببناء مئذنة [صومعة] القرويين على نفقته الخاصة. هذا ويشبه كل من هذين البرجين الحجريين طراز المآذن الأندلسية سواء من حيث نسبهما المعمارية أو تخطيطهما المربع الذى يضم سلما يدور حول نواة مركزية ومع ذلك فبهما بعض العناصر التى تنتمى إلى الطراز الإفريقى [أى المحلى]. ولم يكن للتواجد الأموى بالمغرب أى تأثير فى انتشار التأثيرات الفنية. فالمنبر القديم لمسجد الأندلسيين والذى يرجع إلى فترة تالية لترميم بيت الصلاة يحمل الدليل على التأثير الشرقى حيث أنه صنع فى عام 369 هـ/ 980 م، أى فى وقت سيطرة بلكين الزيرى على فاس وهو من الخشب المخروط والمحفور على الطراز الفاطمى البحت. وعندما قامت حملة أموية باسترداد المدينة عام 375 هـ/ 986 م قاموا على الفور بتدمير هذا المنبر الشيعى، ولكن بعد أن هدأت تلك الثورة الدينية بدأوا فى إصلاح هذا المنبر القديم واستمروا فى استخدامه، وقد تمت هذه الإصلاحات والإضافات وفق الطراز الأولى. ويعد هذا المنبر (بعد منبر القيروان الذى يعد أقدم المنابر الإسلامية التى

- فى عصر المرابطين

وصلت إلينا) الأثر الوحيد الباقى الذى يشهد على مرحلة الصراع بين الفاطميين والأمويين فى المغرب. ولذلك بدأت فاس تستيقظ تدريجيًا متأثرة فى ذلك بالحياة الفنية السائدة فى القيروان ثم لم تلبث أن استقبلت هى أيضًا منذ منتصف القرن الرابع الهجرى/ العاشر الميلادى بعض التأثيرات الأندلسية. - فى عصر المرابطين: يمثل عصر المرابطين فترة حاسمة فى التاريخ المعمارى لمدينة فاس. وعلى الرغم من أن أمراء صنهاجة اتخذوا من مراكش (المدينة التى أسسوها) عاصمة لهم إلا أنهم لم ينسوا مدينة الشمال الكبرى (أى مدينة فاس التى تعد عاصمة شمال المغرب) حيث قام يوسف بن تاشفين بتوحيد العدوتين [أى القرويين والأندلسيين] وجعلهما مدينة واحدةً وبنى فى أعلى نقطة فيها قصبة "بوجلود". وسرعان ما أصبح يوسف بن تاشفين سيدا [أى أميرًا] على أسبانيا الإسلامية وقد وضع هؤلاء [أى مسلمو أسبانيا] كل خبراتهم الفنية فى خدمة الأمراء الأفارقة. إن الفن الأسبانى المغربى الذى أصبح النمط السائد فى كل من فاس ومراكش قد محا التأثيرات الإفريقية التى عاشت فى ظلها المدينة حتى ذلك الوقت. وقد أصبحت فاس حاضرةً فنية نتيجة لتمسكها بالتقاليد الفنية التى استمرت حتى الآن. واتخذ مسجد القرويين صورته ومساحته الحالية على يد الأمير على بن يوسف (ثانى أمراء المرابطين) الذى أمر بالزيادة فيه من جهة القبلة ومن جهة الصحن فضلًا عن إضافة بعض العناصر للأجزاء السابقة. وقد أُنجزت هذه الأعمال فيما بين عامى (529 - 536 هـ) (1135 - 1142 م) وظل نظام الأروقة [البلاطات] الموازى لجدار القبلة كما هو ولكن أضيف رواق محورى [أى بلاطة وسطى عمودية] ويمتاز بأنه أكثر ارتفاعًا ويؤدى إلى المحراب فيما بين الأروقة القديمة والأروقة الجديدة لبيت

- فى عصر الموحدين

الصلاة [المقدم] ويعلو هذا الرواق صف من القباب المقرنصة [المقربصة] الرائعة [يبلغ عددها ست قباب]. وقد كسى هذا الرواق بزخارف رائعة وملونة إلا أنها غطيت بالجص على يد الموحدين فى فترة غضبهم الدينى، وتم الكشف عن هذه الزخارف الرائعة، والتى تتكون بصفة أساسية من زخارف كتابية ونباتية، أثناء عملية الترميم الشامل للمبنى الذى أشرف عليه كاتب هذا المقال [يعنى هنرى تراس وكان ذلك فى عام 1949 م]. إن فن المسلمين فى أسبانيا، الذى بلغ غاية الدقة فى القرن الخامس الهجرى (الحادى عشر للميلاد) قد ظهر بكل تراثه الفنى وتكوينه الفخم وأناقته الشديدة فى هذا المسجد المغربى. وما يزال مسجد القرويين يحتفظ بمنبره المصنوع من الخشب المحفور والمُطعّم وهذا المنبر الذى أمر بصنعه على بن يوسف ويعتبر ثانى المنابر المغربية بعد منبر الكتبية فى مراكش الذى صنع بأمر الحاكم [أى على بن يوسف]، كما أنه يُعدّ من أجمل المنابر الإسلامية قاطبة. وختامًا فإن جامع فاس الكبير، الذى ظلت تفاصيله مجهولة فترة طويلة، أصبح خير شاهد على ما وصل إليه الفن الأسبانى المغربى فى عصر المرابطين. - فى عصر الموحدين: احتفظ الموحدون بمراكش عاصمة لهم ولذلك لم يهتموا بفاس فى البداية. وقد أعيد بناء مسجد الأندلسيين باستثناء مئذنته [أى الصومعة] فى عهد محمد الناصر وغطى منبره القديم باستثناء الجلسة الخلفية بزخارف محفورة جديدة. أما جامع القرويين فقد زود بثريا فخمة وحجرة للوضوء. ولكن أعظم أعمال الموحدين تتمثل فى إعادة بناء سور المدينة الكبير الذى لا يزال يحيط إلى اليوم بفاس بالى [أى فاس القديمة كما يرجع إلى نفس هذا العصر كل من باب خيره [أى باب عجيزة] وباب المحروق [أى باب

- فى عصر المرينيين

الشريعة] وإن كان قد تمت بهما بعض الإصلاحات أو التغييرات. ومهما يكن من أمر فقد بلغت فاس خلال عصر الموحدين غاية الازدهار كما استمرت التأثيرات الأندلسية فى الانتشار دون منازع. - فى عصر المرينيين: أصبحت فاس عاصمة المغرب خلال عصر المرينيين وأسس أبو يوسف يعقوب فى عام 674 هـ/ 1276 م (أى بعد انتصاره بقليل على آخر الموحدين) فى الجهة الغربية من المدينة القديمة مدينة إدارية جديدة سماها بفاس الجديدة [وعرفت أيضًا بالمدينة البيضاء] وبنى فيها قصوره والجامع الكبير وعين حُراسه [أى الحُجاب وكان الحاجب فى البلاط المرينى يعرف بالمزوار وهو يرأس مجموعة الحرس السلطانى بباب السلطان والتى تسمى بالجنادرة] فضلًا عن كافة المرافق والخدمات [كالأسواق والجماعات والقناطر وغير ذلك]. وأحيطت فاس الجديدة بسور عظيم ذى أسوار داخلية وخارجية وفتحت به بوابات تذكارية لم يعد باقيًا منها، (مع بعض التغييرات الطفيفة) سوى ثلاث وهى: باب السمارين وباب البقاقين وباب المخزن. وحلت المبانى الحديثة محل قصور المرينيين وإن كان لا يزال باقيًا بعض المخازن المقبية. وبنيت فى فترة تالية بعض المساجد فى فاس الجديدة مثل مسجد الحمراء الذى يرجع بلا شك إلى عهد أبى سعيد (710 - 731 هـ/ 1310 - 1731 م) ومسجد لاله زهر (759 هـ/ 1357 م) الصغير الذى بناه أبو عنان وأخيرًا مسجد لاله غريبة (810 هـ/ 1408 م) الذى لم يعد باقيًا منه سوى مئذنته [الصومعة] فحسب. هذا ويعد كل من جامع الحمراء ومسجد لاله زهر من المبانى الرائعة ذات النسب المتقنة كما يتجلى فيهما الإسراف الشديد. وأسس أبو سعيد فى عام 720 هـ/ 1320 م مدرسة تدهورت حالتها اليوم إلى الحضيض.

هذا ولم ينس المرينيون فاس بالى [أى فاس القديمة] حيث بنوا فيها المساجد الصغيرة المتعددة مثل الشرابليين ومسجد أبى الحسن وعلى الرغم من إعادة بناء بيوت صلاتهما [أى المقدم] إلا أنهم ما زالوا محتفظين ببعض الأخشاب المحفورة التى ترجع إلى نفس هذه الفترة [أى العصر المرينى]، والأهم من ذلك كله مآذنهما الرشيقة. وتتكون جميع المآذن المرينية سواء فى فاس الجديدة أو فاس القديمة من أبراج مربعة كسيت واجهاتها بالزخارف المتداخلة أو المتشابكة فضلًا عن الفسيفساء الخزفية والزليج وهى تعد نماذج مثالية للطراز الكلاسيكى [التقليدى] للمآذن الأسبانية المغربية. كذلك تدين المدينة القديمة [فاس بالى] بالفضل إلى المرينيين الذين قاموا ببناء المدارس ذات الجمال الفائق خلال عصرهم وهى عبارة عن كليات للطلبة الدارسين تلتف حول صحون [أفنية] فخمة فضلًا عن قاعات الصلاة الموجودة فى الخلف. وقام أبو يوسف يعقوب، مؤسس المدرسة، فى أوائل 670 هـ/ 1271 م ببناء مدرسة الصفارين. أما كل من مدرسة الصهريج (720 هـ/ 1321 م) ومدرسة السبعين (723 هـ/ 1323 م) ومدرسة العطارين (743 هـ/ 1346 م) فقد بنيت جميعها فى عهد "أبو سعيد". وأسس أبو الحسن المدرسة المصباحية (743 هـ/ 1346 م) وأبو عنان المدرسة التى تحمل اسمه "أى المدرسة البوعنانية" وإن اختلفت هذه المدارس الجميلة فى مظهرها إلا أنها بنيت كلها فى هذه الفترة الأخيرة لازدهار الفن الأسبانى المغربى. ويتجلى الذوق الفنى الرفيع فى الزخارف التى تحلّى هذه المدارس، وتمتاز هذه الزخارف بما هى عليه من الانسجام المنسق. إن المدرسة البوعنانية، هى آخر المدارس من حيث تاريخ بنائها فضلًا عن أنها أكبرها جميعًا، كما أنها المدرسة الوحيدة المزودة بمنبر ومئذنة، وتعتبر هذه المدرسة النموذج الأكمل الأخير

- فى عصر السعديين

للفترة الكلاسيكية للفن الأسبانى المغربى فى المغرب. هذا وقد قام بتصميم وزخرفة الآثار المرابطية والموحدية فنانون يعرفون (بالصناع أو العرفاء) جاءوا من أسبانيا [أى أنهم كانوا من مسلمى الأندلس] وهكذا، فإن فاس تحت حكم المرينيين لم تكتسب فقط شكلها كمدينتين متميزتين (أى فاس الجديدة وفاس القديمة) ولكنها اكتسبت أيضًا مظهرها المعمارى، ومنذ ذلك الوقت غدت، المدينة الثانية بعد غرناطة، أكثر مراكز الفن الأسبانى المغربى نشاطًا. وبمجرد انتهاء أسبانيا المسلمة ظلت كل عمليات البناء والأساليب الصناعية [التقنيات] والأشكال الزخرفية الموروثة من القرن 8 هـ/ 14 م مستخدمة فى فاس حتى الآن بكل دقة وإن كانت فى اضمحلال بطئ. وعقب سقوط غرناطة فى عام 896 هـ/ 1492 م وانتشار فن النهضة فى أسبانيا أصبح الفن الأسبانى المغربى منذ القرن 10 هـ/ 16 م محصورًا فى المناطق الإفريقية. - فى عصر السعديين: دخل السعديون فى صراع طويل مع بنى وطاس (أى المرينيين) للسيطرة على فاس التى مرت بها حينذاك أوقاتًا عصيبة. وعادت مراكش مرة ثانية عاصمة للمغرب وترك السلاطين حاضرة الشمال [أى فاس]. ولكن منذ أواخر القرن 7 هـ/ 13 م أصبحت لفاس ورشها الخاصة التى ارتبطت بعلاقة وثيقة مع مثيلاتها فى غرناطة. وبنيت منذ بداية القرن 8 هـ/ 14 م منازل رائعة فى كل من فاس الجديدة وفاس القديمة وقد كسيت هذه المنازل مثل المدارس بالأرضيات والواجهات ذات الفسيفساء الخزفية والجص والخشب المحفور، وانتشر هذا النمط الزخرفى أيضًا فى المساجد الصغيرة والقصور والبيوت الفخمة. وقد لعب خشب الأَرز دورًا كبيرًا فى كل عمائر فاس سواء منها الأربطة الخشبية أو الأعتاب أو الكوابيل أو

- فى عصر العلويين

الأسقف أو القباب فضلًا عن إطارات الأبواب والفتحات والأفاريز والمداخل البارزة التى ترتكز على كوابيل ذات زخاف محفورة أو مرسومة. والحق إن التوسع فى استخدام الخشب ووفرة الدعامات وندرة الأعمدة تعد السمات الوحيدة التى تميز الآثار المرينية عن عمائر بنى نصر [فى غرناطة] المعاصرة لها. وقد وجدت العمائر المقبية فقط فى المخازن الكبيرة فى فاس الجديدة وأيضًا فى الحمامات التى صممت وفق التخطيطات البسيطة جدًا للحمامات الأندلسية. وقام السعديون بتدعيم أسوار فاس الجديدة، التى ظلت مقرًا للحكومة، بالأبراج البارزة لاستخدام المدافع. وهناك عملان متشابهان حتى فى قوتهما وهما البرج الشمالى والبرج الجنوبى الذى يسيطر ويشرف على فاس القديمة. كذلك أضيف إلى مسجد القرويين "جوسقان" يبرزان من الجوانب القصيرة للصحن. وخلال فترة الفوضى التى أعقبت سقوط الأسرة السعدية مرت فاس بأوقات عصيبة ولذلك لم تُبْن فيها أى آثار خلال هذه الفترة. - فى عصر العلويين: أسرع مولاى الرشيد، مؤسس الأسرة، ببناء مدرسة جديدة بفاس القديمة وهى مدرسة الشراطين (1081 هـ/ 1670 م) وقام خلفه مولاى إسماعيل بنقل عاصمته إلى مكناس، كما قام بإعادة بناء مدفن ومسجد مولاى إدريس. ولم تلبث فاس أن أصبحت مرة أخرى منذ بداية القرن 18 م مقرًا للسلطان والحكومة المركزية، وقام جميع الحكام منذ عهد سيدى محمد بن عبد اللَّه بأعمال مختلفة فى قصور فاس الجديدة. هذا وترجع أهم مجموعة من العمائر التى لا تزال باقية حتى الآن إلى عهد كل من مولاى عبد الرحمن (1237 - 1275 هـ/ 1822 - 1859 م) ومولاى الحسن (1289 - 1311 هـ/

1873 - 1894 م)، وقد أعيد ترميم الأسوار عدة مرات، كما أعيد بناء أحد الأبواب الكبيرة، وهو باب الفتوح، تمامًا على يدى مولاى سليمان. وقام الحكام العلويون ببناء العديد من أماكن العبادة سواء المساجد الرئيسية الكبيرة أو أماكن الصلاة الصغيرة ومن أهمها كل من مسجد باب جيزة ومسجد الرصيف ومسجد السياج فى فاس بالى [أى فاس القديمة] ومسجد مولاى عبد اللَّه فى فاس الجديدة فضلًا عن بناء العديد من المساجد المحلية، وهى أماكن للصلاة خصصت للأولياء، ومقرًا للجماعات الدينية. وصممت المساجد ذات المساحات الكبيرة وفق التقاليد المحلية فهى تتكون من أروقة [بلاطات] موازية لجدار القبلة والمآذن [الصوامع] على هيئة أبراج مربعة إلا أنها كانت غالبًا ما تخلو من الزخارف سواء المشكلة على هيئة شبكة من الزخارف المتداخلة أو المتشابكة أو الزخارف المنفذة على الخزف [إما أن تكون فسيفساء خزفية أو بلاطات خزفية الزليج أو الزليزلى كما يعرف عادة فى مصر]، أما الجدران التى كانت من الطوب، سواء المزجج أو غير المزجج فكانت مزخرفة بالبائكات الصماء البسيطة. كذلك صممت بعض المدارس الباقية وفق الطراز التقليدى مثل مدرسة باب جيزة ومدرسة الواد. وترجع غالبية منازل فاس الباقية إلى العصر العلوى ورغم ذلك فهى محتفظة بالتقاليد المرينية وتتكون معظم منازل المدينة القديمة [فاس بالى] من طابقين حول أفنية ضيقة، وعلى الرغم من أن الإضاءة والتهوية فى تلك المنازل ليست جيدة إلا أن بعضًا منها على درجة من الفخامة. هذا وتُكْسى دعامات الأفنية وأسفل الحوائط بحشوات من الفسيفساء الخزفية، أما الزخارف الجصية المحفورة فغالبًا ما تزخرف الأبواب وإطارات النوافذ والنفيس أعلى الفتحات، وفى بعض الأحيان الحوائط نفسها، ويفوج كل ذلك إفريز من خشب

المصادر

الأرز المصبوب فى قوالب أو المحفور، وقد صنعت الأسقف وأعمال النجارة الأخرى من خشب الأرز أيضًا ونفذت بعناية شديدة. هذا وتوجد فى الضواحى البعيدة والأقل كثافة منازل أقل ارتفاعًا تحيط بأخفية واسعة وأحيانًا بالحدائق. وقد بنيت الفنادق ذات الطوابق المتعددة والممرات على غرار دور الضيافة المرينية. والحق أن تلك الفنادق فى مدينة التجارة هذه [أى فاس] هى بمثابة عمائر رائعة فى أغلب الأحيان. وليس هناك أى جديد يذكر فى أعمال القرون الأخيرة بفاس سوى إخلاص واضح للتقاليد المعمارية والزخرفية العظيمة. وعلاوة على ما سبق فإن وحدة الطراز الفنى التى حافظت عليها طوائف [نقابات] الصناع المعروفين والمحبين لأعمالهم قد أكسبت فاس بالى [أى فاس القديمة] وفاس الجديدة بصفة خاصة مظهرهما الرائع المتناسق المثير للدهشة. كذلك فإن القوانين المنظمة للتراث الفنى قد نجحت فى احتفاظ فاس، فضلًا عن غيرها من المدن المغربية القديمة، بأصالتها وجمالها. وختامًا فإن مدينة فاس قد احتفظت أكثر من أى مدينة أخرى، بالمناخ المعمارى والزخرفى للأندلس الإسلامية. المصادر: (1) H. Gaillard: une ville de L'lslam: Fes, Paris 1905 (2) G. Marcais: L'architecture musulmare d'Occident, Paris 1950 (3) H. Terrasse: L'art hispanomauresque des origines au XIII'siecle Paris 1932 (4) R. Le Tourneau: Ees avant Le Protectorat, Casablanca 1949 د. محمد حمزة [هـ. تراس H. Terrasse]

فاسق

فاسق وتعنى آثم ويوصف بها مرتكب الكبائر أما إذا اعتبرنا اللَّمم من بين الكبائر لكان كل المسلمين من الفاسقين، ولا يعتد بشهادة الفاسق. أما المسلم الورع فهو الشاهد (العدل) الذى يمكن تصديقه. والجمع عدول وهم أشخاص ذوو صفات خاصة وشهرة حسنة، يقومون بمهمة الشهود عند إبرام العقود (ومنها عقود الزواج). ويكون الزواج عند الشافعية (وبعض الحنابلة) باطلًا، إذا كان أقرب الأقرباء (الولى) الذى يزوج العروس فاسقًا وقت إبرام عقد الزواج، ولهذا السبب جرى العرف فى بعض المناطق التى تعتنق المذهب الشافعى أن يسبق إبرام العقد بتوبة الولى، لأن الذى يقلع عن ذنوبه ويحيا بأسلوب أفضل ينظر إليه على أنه "عدل" مرة أخرى. انظر C.Snouck Hurgronje فى De lndische Gids، سنة 1884، جـ 1، ص 779. المصادر: (1) ارجع إلى المصادر الواردة فى المادة، وما ورد فى علم الكلام تحت عنوان الأحكام والأسماء (مثل: البقلانى الجوينى والجرجانى، والباجورى الخ. .) (2) A. J. Wensinck: The Muslim Creed, Cambridge 1932, index S. V (3) H. Gardet: hes nons et les statuts in Stud. Isl. iii, Paris 1956 حسن شكرى [ل. جارديه L. Gardet] فاطمة ابنة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- من زوجته خديجة بنت خويلد، وزوج على بن أبى طالب (كرم اللَّه وجهه)، وأم الحسن والحسين (رضى اللَّه عنهما) وقد حققت شهرة عظيمة تفوق شهرة سواها من بنات محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وقد حظيت بتقدير وتوقير عظيمين من المسلمين كافة، لأنها عاشت لصيقة بأبيها كما أنها عاشت فترة أطول من إخوتها، ورزق محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] بأحفاد كُثُر منها كان منهم سلالة انتشرت فى مختلف أنحاء العالم الإسلامى، أما أبناء محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] الذكور فماتوا صغارا، وأما بناته الأخريات، فاللائى أنجبن منهن ماتت ذريتهن

وربما ترجع الشهرة التى حققتها فاطمة (رضى اللَّه عنها) إلى عظمة أبيها النبى، ولأهمية الدور التاريخى الذى قام به زوجها الإمام على وأبناؤها منه، وربما لما نسبه المسلمون إليها. -بمرور الوقت- من صفات وخلائق باهرة. ومن المألوف أن يضاف إلى اسمها صفة تشريفية فى العالم الإسلامى كله فيقال لها فاطمة الزهراء، ويتحدث عنها كل المسلمين بتجلة واحترام، إلا أن الشيعة على نحو خاص يحيطونها بهالة من القداسة وراحوا يعظمونها بعد موتها لعدة قرون؛ ففاطمة امرأة لا كالنساء، وإنما هى امرأة ارتبط اسمها باسم رسول اللَّه [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، وظلت فى الظل لا تلقى اهتماما كثيرا فى سنوات الإسلام الأولى نظرا للأحداث العظيمة والمهمة التى شهدتها تلكم السنوات، وكان لابد -وقد انتهت هذه الأحداث- أن يشتعل الخيال حول فاطمة (رضى اللَّه عنها) فتتحول إلى ما يشبه الأسطورة، وما كان هذا ليسبب مشكلة لدى المؤمنين المسلمين، لكن الباحثين الغربيين -من ناحية أخرى- كان عليهم أن يعملوا بدأب ليكتشفوا جوهر فاطمة (رضى اللَّه عنها) بمناقشة ما أحاط بها من هالة وضباب ومبالغة. أحقا كانت فاطمة (رضى اللَّه عنها) تمتلك من المزايا والصفات ما جعلها أهلًا لهذه الشهرة التى طبقت الآفاق بعد وفاتها، أم أن هذه الشهرة نتجت عن ظروف متشابكة جعلت الناس يميلون لتوقيرها توقيرًا شديدا كامرأة؟ ! إن اثنين من المستشرقين البارزين هما الأب هنرى لامنس، ولويس ماسينون قدما لنا أحكاما متناقضة عن فاطمة (رضى اللَّه عنها)، فنحن نجد أن الأب هنرى لامنس فى كتابه (فاطمة وبنات محمد Fatima et les filles de Mahomet) يرسم لفاطمة (رضى اللَّه عنها) صورة من خلال أسلوبه المفعم حيوية يستفاد منها أنها كانت طَّيبة طِيبة لا تخلو من دهاء ويعطينا صورة غير مشرقة لابنة النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فهى امرأة غير جذابة، ذات ذكاء متوسط، مهملة تماما لا يقدرها أبوها النبى -صلى اللَّه عليه وسلم- إلا قليلا، ويعاملها زوجها (الإمام على) معاملة سيئة، مصابة بفقر الدم، تعانى المرض فى غالب أيامها

نزاعة للبكاء، وربما تكون قد ماتت بداء السل *. ومن أحاديث الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فى هذا السياق "ما من مسلم له بنتان فيحسن إليهما، ما صحبتاه أو صحبهما إلا أدخلتاه الجنة" رواه ابن ماجة، "من كان له ثلاث بنات أو ثلاث أخوات أو بنتان أو أختان، فأحسن صحبتهن واتقى اللَّه فيهن، فله الجنة" رواه الترمذى وكيف يهمل محمد ابنته فاطمة مع ما عرف من تعلقها الشديد به وحبها له، وتروى كتب السيرة أن أبا جهل كان يلقى على الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] أقذارًا أثناء صلاته، وأن فاطمة (رضى اللَّه عنها) كانت هى التى تطهره وتغسل ما ألقى الكفار من نجاسات وتبكى وكان الرسول يقول لها: "لا تبكى يا بنية فإن اللَّه مانع أباك" ويلخص أحمد أمين فى كتابه فجر الإسلام من كتب السيرة ما يوضح بجلاء مدى تعلق الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] بابنته فاطمة حتى قيل موته بقليل ". . . وبلغت به شدة المرض حدا آلمه. . وكانت ابنته فاطمة تعوده كل يوم، وكان يحبها حبا يمتلئ به وجود الرجل للابنة الواحدة الباقية له من كل عقبة، لقد كانت إذا دخلت على النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] قام لها وقبلها وأجلسها مجلسه، فلما بلغ منه المرض هذا المبلغ دخلت عليه فقبلته، فقال: مرحبا يا ابنتى. . ." القاهرة 1968، ص 500 - 501 أما قول لامنس أن عليًا كان يعامل فاطمة بخشونة وقسوة فالوقائع التاريخية بما فى ذلك الوارد منها فى هذا المقال تشير إلى تقدير على لفاطمة، وإن كان الأمر لا يخلو من خلافات زوجية سرعان ما تسوى. ولا ندرى فى الحقيقة كيف استنتج لامنس أنها ماتت بالسل وأنها كانت مريضة دائما فما ورد فى هذا الصدد ليس هناك دليل يقينى عليه وقد تكفل مستشرقون آخرون بالرد على أقوال لامنس (كما سيتضح). بل إن عددا من المستشرقين قد انتقد هذه الصورة التى رسمها لامنس لفاطمة الزهراء واعتبرها غير حقيقية. ومن هؤلاء ج. ليفى ديلافيدا G.levi Della vida فى Rivista degli Studi RSO ¬

_ * من الواضح أن استنتاجات لامنس غير صحيحة، ونصوص أحاديث الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- تشير إلى تقديره للإناث، فما البال إن كن بناته. [المترجم]

Orientali. المجلد السادس (1913) ص 536 - 547، س. هـ. بيكر C.H Becker فى Grundsatzliches Zur Leben Muhammed - Farschung فى دورية الدراسات الإسلامية Islamstudien جـ 1، ص 220 - 227، ونشره بعنوان آخر هو Prinzipielles Zu lammens Sirastudien فى ISL مجلد 4 (1913) ص 263 - 269. أما ماسينون -من ناحية أخرى- فقد رسم لفاطمة (رضى اللَّه عنها) صورة طيبة إذ رفع فاطمة مكانًا عليا فجعل مكانتها بين المسلمين كمكانة العذراء مريم بين المسيحيين، وانتقد ما ذكره لامنس واتهمه بأنه راح يجتزئ الوقائع والأحداث التاريخية، دون أن يجمع كل الحقائق ويصفها فى سياق كامل واحد يكون قادرا على تقديم صورة صادقة وحية، فتلك هى الطريقة الوحيدة -فيما يقول ماسينون- التى تمكننا من فهم كيف أن أعمال فاطمة الحدسية قد تغلغلت فى نظريات الإسلام ومذاهبه وتكيفاته، بل واستخدمت كوسيلة للخداع، طوال التاريخ الإسلامى، ففاطمة (رضى اللَّه عنها) كما يتصورها ماسينون امرأة لم تحظ إمكاناتها الروحية بالتقدير الكافى أثناء حياتها -إنها امرأة انتقلت إليها بعض خصائص روح أبيها. إنها ربة بيت النبوة الذى هو خيمة الكرم والفضل. إنها مُضَيِّفة عُتقاء النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] والذين تحولوا للإسلام من غير العرب، لذا فهى تمثل بداية عالمية الإسلام، وحتى نتجنب أى إساءة فهم لأفكار ماسينون فإننا ننقل جملة بلغتها ونصها عند حديثه عن المباهلة، ففاطمة كما يراها: " Vie Secre'te . . . Voilee bien au dela Jalouse de Ayisha, par une autre Jalousie, celle de Dieu. Vie de Comassion interieure de Lavmes, Prieres Pour les morts (aUhud) er dans les Cimetieres, Voeux de Jeune, choses de peu de poids Pour des theologiens Philosophes ou Camonistes Vie Qui les Survole et les Surplombe en Islam, Comme une menace, de plus en plus imminente, de la Grace de Dieu: du Voeu Secret de la faemme, Vierge ou Mere Qui hanscende tous les axiones et Serments des homme. L'hygperdulie des

anes et douleur, en Islam Pour Fatina, n est Selon . . . " إن هذا التفسير لشخصية فاطمة سيرضى -بدون شك- ذوى النزعات الصوفية والباطنية الذين يعيشون فى عالم من الوجد الدينى حيث يفضلون خوض التجارب الدينية غير العادية، بل إن هذا التفسير قد يرضى الدارسين المهتمين بالقضايا الدينية لأنه يقدم لنا توضيحا دينيا نفسيا (سيكولوجيا) لأصل تطور الأفكار الأسطورية المتعلقة بابنة النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، كما أن هذا التفسير يعد بمثابة جسر أو رابط بين الحقيقة التاريخية والأسطورة الشعبية، وهو ما فشل لامانس فى تقديمه لكننا لا يمكن أن نهرب من اعتراضات المؤرخين على منهج ماسينون التفسيرى هذا على اعتبار أنه قد أخضع الحقائق للعقائد التى تحَّلقت حول فاطمة والتى لم تظهر إلا مؤخرا. وسيجد القارئ فى هذا المقال أننا رتبنا الحقائق ترتيبا زمنيا وأننا علقنا فى بعض الأحيان على ما أوردته المصادر والمراجع التى تناولت فاطمة، وهى مراجع تعود للقرنين الثانى والثالث للهجرة والنصف الأول من القرن الرابع للهجرة (الثامن والتاسع للميلاد والنصف الأول من القرن العاشر للميلاد) وقد رجعنا -على نحو خاص- للأنساب للبلاذرى ولابن سعد، ولكتب الحديث التى يعتبرها المسلمون السنّيون كتبًا صحاحًا (البخارى ومسلم والنسائى والترمذى وأبو داود وابن ماجه) لأن ابن هشام والمؤرخين الآخرين انشغلوا بأحداث أخرى فلم يسجلوا عن فاطمة إلا قليلا، أما المراجع المتأخرة كابن عبد البر فى (الاستيعاب) وابن الأثير فى (أسد الغابة) وابن حجر فى (الإصابة)، والحلبى فى (السيرة الحلبية) والدياربكرى فى (تاريخ الخميس) فقد كان هناك تجاهل -إلى حد كبير- لفاطمة (رضى اللَّه عنها) وفى هذا المقال ستذكر بعض الحقائق التى قد تبدو غير مهمة لكنها فى الواقع تمثل تطورا غير متوقع للعقائد المتحلقة حول فاطمة خاصة بين الشيعة، فعرس فاطمة أو جهاز عرسها أصبح -على سبيل المثال- موضوعا للمسرحيات الدينية الفارسية بالإضافة لطقوس (التعزية) أو (التعازى) المشهورة لديهم.

فاطمة فى التاريخ

فاطمة فى التاريخ المولد وفترة الطفولة: تاريخ ميلاد فاطمة (رضى اللَّه عنها) غير مؤكد، وإن كان التاريخ الأقرب احتمالا هو أنها ولدت فى عام إعادة بناء الكعبة المشرفة أى قبل بداية البعثة النبوية بخمس سنوات، وهذا يعنى أنها تزوجت عندما بلغت الثامنة عشرة من عمرها، ولم يكن من المألوف أن يتأخر زواج الفتاة العربية حتى هذا السن، لكن إذا أخرنا يوم مولدها لسنوات قلائل فإننا نواجه صعوبة أخرى، ذلك أن أُمها خديجة رضى اللَّه عنها تكون فى هذه الحالة -قد ولدتها وهى تربو على الخمسين من عمرها، وقد ناقش لامنس مسألة عمر فاطمة -بالتفصيل- فى كتابه الآنف ذكره، وثمة أمر آخر غير مؤكد بالنسبة لفاطمة رضى اللَّه عنها وهو ترتيبها بين أخواتها، وإن كانت بنات (محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-]) عادة ما يتم ترتيبهن على النحو التالى: زينب فرقية فأم كلثوم ففاطمة. أما عن طفولتها وحياتها فى مكة (المكرمة) فبين أيدينا واقعتين أولاهما أن فاطمة عندما اشتد بها الحزن لوفاة أمها خديجة طمأنها الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] بأن اللَّه سبحانه وتعالى قد بنى لها قصرا فى الجنة لا صخب فيه ولا نصب. وثانيتهما أنها لعنت من أهان أباها وهو يصلى، وكان المعتدى الآثم هو عقبة بن أبى معيط. الهجرة وخطبة فاطمة: بعد الهجرة، نقل محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] بنتيه فاطمة وأم كلثوم وزوجته سودة بنت زمعة من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة، وقد كلف الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] ابنه بالتبنى (فى ذلك الوقت) زيد بن حارثة وأبا رافع بعد أن زودهما ببعيرين ومبلغا من المال، إلا أن هناك رواية للعباس مفادها أن انتقال بنتى النبى وزوجته آنفات الذكر إلى المدينة لم يتم بسهولة ودون مشاكل إذ إن الحويرث ابن نقيظ بن وهب قد نخس البعيرين فتسبب ذلك فى سقوطهن لذا، فإنه يُقال -إن النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] قد أمر بقتله بعد فتح مكة (المكرمة). وفيما يتعلق بخطبة

زواج فاطمة

فاطمة (رضى اللَّه عنها) فإن المصادر تقدم لنا كثيرا من المعلومات، لكنها -كالعادة- لا يوافق بعضها بعضا بشكل تام. فقد طلب كل من أبى بكر وعمر (رضى اللَّه عنهما) يد فاطمة، لكن محمدا [-صلى اللَّه عليه وسلم-] لم يوافق على خطبتها لأى منهما قائلًا: إنه ينتظر اللحظة التى يحددها القدر، ولم يجسر على رضى اللَّه عنه على التقدم لخطبتها نظرا لفقره، لكن محمدا [-صلى اللَّه عليه وسلم-] يسر هذا الأمر بنفسه فذكره أنه -أى على- يمتلك درعا يكفى ثمنه كمهر لفاطمة، وأضاف على للدرع جملا وأشياء أخرى فبلغ ما دبره من المال حوالى أربعمائة وثمانين درهما، فاشترى بثلث المبلغ أو ثلثيه عطورا وجهز بيت الزوجية بالباقى، وعندما أخبر محمد ابنته فاطمة بوعده لعلى صمتت ولم تقل شيئا وفسر النبى سكوتها بالرضى والقبول، لكن بعض المصادر تذكر أنها اعترضت إلا أن الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] أقنعها بأنها إنما ستتزوج ابن عمه وأنه أكثر الناس فقها وحكمة وأنه كان من السابقين للإسلام. زواج فاطمة: تختلف المصادر فى سنة زواج فاطمة وفى الشهر الذى تم فيه هذا الزواج، فقد قيل إن ذلك تم فى السنة الأولى للهجرة، وقيل بل فى الثانية، أما الدخول الفعلى فتذكر بعض المصادر أنه تأخر بضعة أيام أو شهورا قليلة حتى عودة علىّ (كرم اللَّه وجهه) من غزوة بدر، وقد أخبر النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] عليا بأن الاحتفال بهذه المناسبة أمر ضرورى فنحر على خروفا، وقدم الأنصار ذرة ورتبت زوجتا النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-]: عائشة وأم سلمة الدار واستعد الجميع لوليمة العرس، ويقال إن عليا فى ذلك الوقت كان فى الخامسة والعشرين من عمره، وإن فاطمة (رضى اللَّه عنها) كان عُمرها يتراوح بين الخامسة عشرة والحادية والعشرين، ويقال: إن النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] أمر بماء فغسل فيه يديه أو غمس يديه فيه أو تفل فيه ونضح به صدرى علىّ وفاطمة ودعا لهما بالبركة. الفقر فى بيت العروسين: وفى ليلة العرس نام العروسان على فرو خروف وكان غطاؤهما قطعة

أولاد على وفاطمة

قماش يمانية لا تكفى لتغطية الرأس والقدمين معا أما الحشية فمن جلد محشو بالليف. كان أثاث بيت الزوجية بائسا حقا: قربة من جلد الماعز ومنخل ومكنسة وآنية. وقدم محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] للعروسين بعض الهدايا: خميلًا (أو خملة) وقربة وإبريقا وبعض عذوق (أفرع) من أعشاب عطرية ووسادة، ولم يكن لفاطمة خدم فكانت تطحن الحبوب بنفسها مما سبب لها قروحا فى جلدها، وكان علىّ يسحب الماء من الآبار ويروى أرض الناس ابتغاء اكتساب قليل من المال، وبسبب هذا العمل الشاق راح يشكو من ألم فى صدره (لقد شقوت حتى أسليت) وقال لفاطمة (قد جاء اللَّه بسبى للنبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فاذهبى فاستخدمى -أى اطلبى خادما) قالت: أنا واللَّه قد طحنت حتى محلت يداى، فأتت النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، فقال: ما جاء بك؟ فقالت جئت أُسلِّم واستحت أن تطلب طلبها ورجعت، فذهب علىّ معها فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا واللَّه لا أعطيكما وأدع أهل الصفة تتلوى بطونهم لا أجد ما أنفق عليهم، ولكن أبيع وأنفق عليهم أثمانهم" لكن الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] ذهب إليهما بعد ذلك وقال: (ألا أخبركما بخير مما سألتمانى؟ فقالا: بلى، فقال: كلمات علمنيهن جبريل: تسبحان اللَّه دُبر كل صلاة عشرا، وتحمدان عشرا وتكبران عشرا، وإذا آويتما إلى فراشكما سبّحا ثلاثا وثلاثين وأحمدا ثلاثا وثلاثين وكبرا أربعا وثلاثين) قال علىّ: (فواللَّه ما تركتهن منذ علمنيهن) وعلى أية حال فبعد فتح خيبر تحسن الوضع فى بيت علىّ وفاطمة كما تحسن وضع عدد كبير من المسلمين لتلقيهم أنصبتهم مما تنتجه أرض خيبر من تمور حتى أن عائشة رضى اللَّه عنها حمدت ربها لأنه أصبح فى إمكانها أن تأكل تمرا حتى الشبع. وقد بنى علىّ بعد الزواج دارًا غير بعيدة عن دار النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] لكن فاطمة كانت راغبة فى أن تكون دارها أقرب ما تكون لدار أبيها فقدم لهما الحارثة بن النعمان -وهو رجل من أهل المدينة- داره. أولاد علىّ وفاطمة: ولد الحسن فى السنة الثانية للهجرة (624 م) (لكن فى هذه الحال لا يمكن

الخلافات الزوجية

أن تكون الدخلة أى المباشرة الفعلية للزواج قد تمت بعد موقعة بدر) أو فى شهر رمضان فى السنة الثالثة للهجرة (625 م)، أما الحسين فتم الحمل به بعد خمسين يوما من مولد الحسن، وولد سنة 4 هـ (626 م) فى أوائل شهر شعبان، وبالإضافة للحسن والحسين فإن هناك مولودًا ثالثا هو مُحَسِّن أو مُحْسن وقد مات عند ولادته أو ولد ميتا، وأَنجبت فاطمة بنتين سمتهما على اسم أختيها: أم كلثوم وزينب. الخلافات الزوجية: لم يكن علىّ وفاطمة يعيشان فى وفاق دائم، وكان علىّ (كرم اللَّه وجهه) يعامل فاطمة بالغلظة فكانت تشكوه لأبيها، وكان البشر يعلو وجه الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] عندما يوفق بينهما. لكن حدثت مشكلة ذات خطر حقيقى عندما عرض بنو هشام بن المغيرة (من قريش) على علىّ بن أبى طالب (كرم اللَّه وجهه) أن يتزوج منهم فلم يمانع علىّ لكن محمدًا -صلى اللَّه عليه وسلم- رفض قائلا: إن فاطمة (بضعة منى) وأن ما يؤذيها يؤذيه (عن الأحاديث فى هذا الموضوع راجع الترمذى) وكذلك اعترض النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] على محاولة على الزواج من ابنة أبى جهل على أساس أن ابنة نبى اللَّه وابنة عدو اللَّه (أبى جهل) لا تعيشان فى بيت واحد، وفى هذه المرة كرر النبى أيضا قوله: (إنها بضعة منى) وذكر النبى ما يفيد أن عليا إن أراد أن يتزوج من ابنة أبى جهل فعليه أن يطلق فاطمة أولا أحمد بن حنبل: مسند أحمد، القاهرة، 1313، جـ 4، ص 326، البخارى، جـ 2، ص 440) وقد ذهب بعض المؤلفين استخلاصا من هذه الواقعة أن تلك إحدى (خصائص) فاطمة ابنة النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-]. وقد كنى النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] علىّ بن أبى طالب بأبى تراب، لأن عليا كان إذا اختلف مع زوجته فاطمة كظم غيظه وترك البيت حتى لا يرد عليها ردا غليظا، ووضع التراب على رأسه، فلما رآه محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- يفعل ذلك اسماه أبا تراب *. ¬

_ * التفسير المعروف لهذه الكنية أن الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وجد على بن أبى طالب نائما فى المسجد وقد تساقط عليه التراب، فنفضه عنه وأيقظه وقال له مداعبا "قم يا أبا تراب"). [المترجم]

بعض الأحداث التاريخية التى كانت فاطمة طرفا فيها أثناء حياة الرسول [-صلى الله عليه وسلم-]

بعض الأحداث التاريخية التى كانت فاطمة طرفًا فيها أثناء حياة الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-]: 1 - بعد معركة أحد اهتمت فاطمة بجروح النبى فطببتها، كما كلفها النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وكذلك زوجها بتنظيف سيفيهما مما علق بهما من دماء، وقد اعتادت بعد ذلك أن تذهب لمكان هذه المعركة لتدعو للشهداء. 2 - طلب منها أبو سفيان، وكذلك من زوجها على أن يتشفعا له عند محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، بعد أن أدرك -أى "أبو سفيان"- أن محمدا سيفتح مكة لا محالة، وكان هذا الطلب وجيش الرسول محيط بمكة (المكرمة). 3 - تلقت نصيبها من نتاج خيبر، وكذلك علىّ، وكان نصيب كل منهما منفصلًا عن الآخر. 4 - ذهبت لمكة (المكرمة) بعد الفتح فطلب منها أبو سفيان أن تهبه حمايتها (أن تجيره) لكنها رفضت، ونهت طفلها عن فعل ذلك لأن النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] رفض أن يجيره أحد (¬1). ¬

_ (¬1) هذا خطأ واضح فالرسول قد منح الحماية لكل أهل مكة بعد الفتح، أما ما يشير إليه الكاتب فتم فى المدينة المنورة قبل الفتح، يقول أحمد أمين فى فجر الإسلام - طبعة القاهرة 1968 ص 43 - 44. ". . . أما حكماء قريش وذوو الرأى فيها فما لبثوا أن قدروا ما عرضهم له عكرمة ومن معه من الشبان من خطر. فهذا عهد الحديبية قد نقض، وهذا سلطان محمد فى شبه الجزيرة يزداد بأسا وقوة ولئن فكر بعد الذى حدث فى أن ينتقم لخزاعة من أهل مكة لتتعرض المدينة المقدسة لأشد الخطر. فماذا تراهم يصنعون؟ أوفدوا أبا سفيان إلى المدينة ليثبت العقد وليزيد فى المدة، ولعل المدة كانت سنتين فكانوا يريدونها عشرًا. وخرج أبو سفيان قائدهم، وحكيمهم يريد المدينة فلما بلغ طريق عُسفان، لقيه بديل بن ورقاء، وأصحابه، فخاف أن يكون قد جاء محمدا. وأخبره بما حدث، فيزيد ذلك مهمته تعقيدا، وقد نفى بديل مقابلته محمدا، ولكن عرف من بعر راحلة بديل أنه كان بالمدينة. لذلك آثر ألا يكون محمد أول من يلقى، فجعل وجهته بيت ابنته أم حبيبة زوج النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-]. ولعلها كانت قد عرفت عواطف النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] إزاء قريش وإن لم تكن تعلم ما اعتزمه فى أمر مكة. ولعل ذلك كان شأن المسلمين بالمدينة جميعا. فقد أراد (بو سفيان) ن يجلس على فراش النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فطوته أم حبيبة. فلما سألها أبوها: أطوته رغبة بأبيها عن الفراش أم رغبة بالفراش عن أبيها؟ كان جوابها: هو فراش رسول اللَّه [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وأنت رجل مشرك نجس، فلم أحب أن تجلس عليه. قال أبو سفيان: واللَّه لقد أصابك يا بنية بعدى شر! وخرج مغضبا. ثم كلم محمدا -صلى اللَّه عليه وسلم- فى العهد وإطالة مدته، فلم يرد عليه بشئ. فكلم أبا بكر ليكلم له النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، فأبى. فكلم عمر بن الخطاب فأغلظ له فى =

أهل البيت خمسة منهم فاطمة

5 - قامت فاطمة وزوجها وأبناؤها بدور مهم فى (المباهلة) ذلك الحدث الذى أصبح له صدى عظيم بين الشيعة. أهل البيت خمسة منهم فاطمة: الآية الكريمة رقم 33 من سورة الأحزاب تنص فى جانب منها {. . . إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} ويتضمن صدر الآية نفسها والآية التى قبلها تعليمات لزوجات النبى {يَانِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا (32) وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ. . .} ونفهم من هذا أن الخطاب لجمع الإناث، ومع هذا فإن الضمير فى قوله تعالى {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ. . .} يشمل الإناث والذكور، إنه لأهل البيت رجالا ونساء، لذا فقد قيل: إن هذه التعليمات أو التوجيهات مقتصرة على زوجات النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فحسب، وتعبير أهل البيت يعنى أسرة النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فقط، فالمزايا التى وهبها اللَّه لهذه الأسرة - (فى البداية كانت مزايا روحية خالصة لكن بعد ذلك لم تعد هذه المزايا روحية أو معنوية فحسب) - جعلت -وهذا أمر طبيعى- كل أقارب محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] يدعون الانتساب لأهل البيت، واتسع مفهوم القرابة لمحمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فلم يعد قاصرًا على الأقارب ¬

_ = الرد وقال: أنا أشفع لكم إلى رسول اللَّه [-صلى اللَّه عليه وسلم-]! فواللَّه لو لم أجد إلا الذر لجاهدتكم به. ودخل أبو سفيان على على بن أبى طالب وعند فاطمة، فعرض عليه ما جاء فيه واستشفعه إلى الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-]؛ فأنباه على فى رفق أنه لا يستطيع أحد أن يرد محمدًا [-صلى اللَّه عليه وسلم-] عن أمر إذا هو اعتزمه. واستشفع رسول قريش فاطمة أن يجير ابنها الحسن بين الناس. فقالت: ما يجير أحد على رسول اللَّه [-صلى اللَّه عليه وسلم-]. واشتدت الأمور على أبى سفيان فاستنصح عليا؛ فقال له: واللَّه ما أعلم شيئا يغنى عنك شيئا. لكنك سيد بنى كنانة، فقم فأجر بين الناس ثم الحق بأرضك؛ وما أظن ذلك مغنيا، ولكنى لا أجد لك غيره. فذهب أبو سفيان إلى المسجد وهناك أعلن أنه أجار بين الناس. ثم ركب راحلته وانطلق ذاهبا إلى مكة وقلبه يفيض أسى مما لقى من هوان على يد ابنته وعلى يد أولئك الذين كانوا قبل هجرتهم من مكة، يرتَجُون منه نظرة عطف أو رضا. عاد أبو سفيان إلى مكة؛ فقص على قومه ما لقى بالمدينة وما أجار بين الناس فى المسجد بمشورة على، وأن محمدا -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يجز جواره قال قومه: ويلك! . [المترجم]

فاطمة أثناء مرض النبى [-صلى الله عليه وسلم-]

اللصيقين (قرابة الدرجة الأولى أو الثانية) وإنما امتد إلى فروع الأسرة والامتدادات المباشرة وغير المباشرة، بل وامتدت لتدعيها جماعات من المجتمع كالأنصار مثلا، والحقيقة أنها امتدت لتشمل المجتمع كله. لكن هناك رواية روتها عدة مصادر مؤداها أن محمدا -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يشتمل ببرده (يضم تحت عباءته) فى ظروف مختلفة (مثلما حدث يوم المباهلة) حفيديه الحسن والحسين وابنته فاطمة وصهره على بن أبى طالب، لذا فهؤلاء الخمسة أطلق عليهم أهل الكساء بمعنى الذين ضمهم الكساء (بُردة النبى أو عباءته) وقد بذلت جهود لضم زوجات النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] اللائى تزوجهن بعد ذلك ليكن ضمن أهل الكساء أى ليشملهن هذا المصطلح إلا أن هؤلاء الخمسة ظلوا بشكل عام هم أهل الكساء، ويقول الشيعة بدون استثناء وكذلك السنة قبل ظهور حركة التشيع لعلى: إن أهل الكساء تعنى أهل البيت. وقد ارتبطت الآيتان القرآنيتان الواردتان فى صدر هذا المقال بعلى (كرم اللَّه وجهه) وفاطمة (رضى اللَّه عنها) إذ يروى أن محمدًا [-صلى اللَّه عليه وسلم-] كان يستيقظ مبكرا لصلاة الصبح ويدق على بيت على وفاطمة مذكرا إياهما بميقات الصلاة تاليا الآية الكريمة {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ. .} فاطمة أثناء مرض النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-]: حزنت فاطمة لمرض والدها حزنا شديدا فقد كانت تحبه حبا جما، وأراد محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] أن يخفف من حزنها فأسر إليها بكلمات فتبسمت، فيما تروى السيدة عائشة، وبعد وفاة النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] سألت السيدة عائشة فاطمة عما كان يقوله الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] لها، وما الذى جعلها تبتسم فقالت فاطمة إن الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] قد أخبرها أن جبريل (عليه السلام) كان يأتيه فى كل عام مرة لكنه فى هذا العام قد أتاه مرتين، واستنتج الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] من ذلك أن أجله قد قرب وأخبرها الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] أنها ستكون أول من يلحق به من أهل بيته، فبكت فاطمة لكن محمدا [-صلى اللَّه عليه وسلم-] أخبرها أنها ستكون سيدة نساء أهل الجنة، فتبسمت، وكما سنرى فإن هذه القصة

فاطمة بعد وفاة محمد [-صلى الله عليه وسلم-]

ذات أهمية فى التطورات التى حدثت فى عقائد الشيعة. فاطمة بعد وفاة محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-]: وجدت فاطمة نفسها طرفا فى بعض الأحداث التى أعقبت وفاة أبيها [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، فبعد بيعة أبى بكر (رضى اللَّه عنه) توجه إلى بيت فاطمة حيث تجمع عدد من الأنصار ومؤيدى على (رضى اللَّه عنه). وقد أراد الخليفة الجديد (أبو بكر) أن يحصل على بيعة هؤلاء المنشقين لكن عليا ذهب إليه شاهرا سيفه فهدأ عمر بن الخطاب من ثائرته ونزع سلاحه وصاحت فاطمة (رضى اللَّه عنها) مهددة بكشف شعرها، فاضطر أبو بكر ومن معه للانسحاب وقد أورد هذه الرواية اليعقوبى، جـ 2 ص 141، وثمة رواية أخرى مؤداها أن فاطمة قد رأت فى يد عمر بن الخطاب جمرة نار فسألته إن كان يعتزم إحراق دارها (الأنساب للبلاذرى، جـ 1، ص 586) وفى كتاب (الإمامة والسياسية). وهو كتاب منسوب خطأ لابن قتيبة نجد تفاصيل أكثر خطورة فقد ورد فى هذا الكتاب أن عمر بن الخطاب جمع الحطب وهدد بإحراق البيت بمن فيه، فسأله سائل: حتى لو كانت فاطمة بالبيت؟ فأجاب بالإيجاب على حد رواية الكتاب. عندئذ خرج كل من فى البيت وقدم البيعة إلا عليا، واعترضت فاطمة على أساس أن أبا بكر وأنصاره قد تركوا رفاة نبى اللَّه وانشغلت هى وزوجها بتجهيزها للدفن، ثم راحوا يدبرون أمر من يخلف الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] دون مراعاة لحقوق أهله، وعندما حاول أنصار أبى بكر إجبار على على البيعة شكا لربه ما عاناه من ظلم أبى بكر وعمر له بعد موت رسول اللَّه [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، وقد رفضت فاطمة السماح لأبى بكر وعمر بدخول بيتها عندما عادا إليها مرة ثانية ولما سمح لهما على بالدخول أشاحت فاطمة بوجهها حتى لا تنظر إليهما. وإذا كان ما ورد فى هذا الكتاب صحيحا فإن فاطمة قد لعبت دورا أساسيا فى هذه الفترة إذ يقال: إنها ركبت حصانا وذهبت مع على للقاء أنصار زوجها الذين قالوا لهما إنهما قد تأخرا فى الوصول فقد بايعوا أبا بكر بالفعل، وقد يكون فى هذه الروايات بعض المبالغة أو بعض التفاصيل الزائدة إلا أنه لابد من

مطالبة فاطمة بميراثها من أبيها

أصل لها، وهذه الروايات توضح الدور السياسى الوحيد الذى قامت به فاطمة، كما تبين هذه الروايات سر كراهية الشيعة الشديدة لعمر (رضى اللَّه عنه) اعتمادا على سوء معاملته لابنة النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] سواء أكان ما نسب إلى عمر صحيحا أم مدسوسا عليه، وإنما يهمنا فى هذا الضوء أن نقدم الروايات التى تفسر الأحداث (¬1). مطالبة فاطمة بميراثها من أبيها: بعد موت محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] طلبت فاطمة من أبى بكر (رضى اللَّه عنه) أن يمكنها مما كان يمتلكه أبوها، وليس من الواضح ما إذا كانت هذه الممتلكات تشتمل على ما قدمه المخيرق اليهودى (الذى تحول إلى الإسلام) للرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فى المدينة من أرض بنى النضير، وربما لم يكن هناك نزاع حول هذه الأرض، إنما كان النزاع حول فدك وحول نصيبها فى أرض خيبر، وقد واجه أبو بكر مطالب فاطمة برفض قاطع مؤكدا أنه سمع النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] يقول: (نحن معاشر الأنبياء لا نورث، ما تركناه صدقة) وليس من المعروف ما إذا كانت دعوى الوراثة هذه كانت من فاطمة وحدها أم من فاطمة والعباس، ولم يكن هذا النزاع بين أبى بكر وفاطمة مقبولا -فى أى وقت من الأوقات- من المسلمين، فقيل: إن فاطمة كانت تطالب بفدك لتوزيع ريعها على الفقراء (وتضيف المصادر الشيعية إلى الفقراء الموالى) وقيل إن الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] كان قد وهب فاطمة "فدك" أثناء حياته، ولم يغفر الشيعة لأبى بكر موقفه من ابنة النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، وظل الشيعة لعدة قرون يناقشون أحقية فاطمة فى "فدك". مرض فاطمة وموتها: ما لبث المرض أن ألم بفاطمة بعد وفاة أبيها، وتقول بعض المصادر: إنه ¬

_ (¬1) لا شك أن هناك مبالغات كثيرة متعلقة بالأحداث التى وقعت بعد وفاة النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] مباشرة، والأحداث التى استقرت أثناء الفتنة الكبرى، ولا شك أن أهواء كثيرة تدخلت، وإذا أضفنا أن هذه الأحداث لم تسجل إلا بعد حدوثها بفترة طويلة اعتمادا على ما تناقله الرواة لتبين لنا أن احتمال المبالغة بل والدس وارد بالفعل، ويلاحظ فى الآونة الأخيرة نوع من التقارب بين المثقفين من المذاهب المختلفة من سنة وشيعة وهناك اتجاه عام للتخفيف من المبالغات التى تبدو غير معقولة، أيعقل أن يحرق عمر بن الخطاب بيت فاطمة؟ وهل كان يمكن أن يسمح له أحد بذلك؟ . المترجم

قد تم الصلح بينها وبين أبى بكر فى فترة مرضها فقد طلب زيارتها لعيادتها فى مرضها فوافقت، ولكن معظم المصادر تؤكد أنها ظلت غاضبة منه حتى وافتها منيتها، وثمة رواية تتكرر كثيرا عن اللحظات الأخيرة فى حياتها مؤداها أنها استعدت للموت فغسلت نفسها وكفنت بدنها بعباءات خشنة، وطلبت من أسماء بنت عُميس أرملة جعفر بن أبى طالب التى ساعدتها فى الغسل وفى تكفين نفسها -إن صح التعبير- ألا يكشف أحد عن بدنها بعد موتها، ثم انطرحت فوق سرير نظيف فى وسط الغرفة وراحت تنتظر نهايتها، ولأن فاطمة كانت تشكو من عادة تغطية الموتى بطريقة تكشف عن أشكالهم، فقد جهزت لها أسماء بنت عميس نعشا (تابوتا) مصنوعا على نسق التوابيت الحبشية -من خشب وجريد نخل أخضر، فسعدت فاطمة بهذا التابوت، لكن هذه الصورة التى تظهر فاطمة سعيدة هادئة راضية وهى تستقبل الموت، تتناقض مع روايات أخرى، فوفقا لما ذكره اليعقوبى فإنها وبخت بعنف كل من عادها من زوجات الرسول ونساء قريش، وأوصت أسماء بنت عميس بمنع عائشة (رضى اللَّه عنها) من الدخول، ويقال إن عليا نفسه هو الذى غسلها بعد موتها، ويقال: إنها هى نفسها التى رجته قبل أن تموت أن يؤدى بنفسه هذه المهمة، ومن الصعب أن نتعرف على الصحيح من بين كل هذه الروايات. ولاقت فاطمة ربها فى العام الحادى عشر للهجرة لكن شهر وفاتها غير متفق عليه وإن كان القول الشائع أنها ماتت بعد الرسول بستة أشهر، وكتم خبر موتها وجرى دفنها ليلا، ووفقا لمعظم الروايات فإن أبا بكر وعمر لم يحاطا علما بخبر موتها لكن هناك بعض الروايات تذهب إلى أن أبا بكر صلى صلاة الجنازة عند قبرها، وتجمع معظم المصادر على أنها دفنت فى البقيع، لكن بعض المصادر تذكر أنها دفنت بالقرب من مسجد يقال له مسجد رقية فى زاوية دار عقيل (أخى على)، وذكرت مصادر أخرى أن موضع دفنها غير معروف، وأكد المسعودى فى مروج الذهب أنه كان هناك قبر يحمل كتابة

صفات فاطمة

تفيد أن فاطمة وثلاثة علويين آخرين قد دفنوا فيه، إلا أن المسعودى هو وحده الذى أشار لذلك، أما المقدسى فقد أدرج قبر فاطمة ضمن القبور التى ليس هناك اتفاق على موضعها، وهناك احتمال أنها دفنت فى الحجرة. والشيعة -الآن- يقدمون التوقير والاحترام لفاطمة (سيدة النساء) فى مواضع ثلاثة: منزلها، ومقبرة البقيع، والروضة فى المسجد النبوى إلى جوار قبر الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-]. صفات فاطمة: كان لفاطمة (رضى اللَّه عنها) كنية غريبة هى (أم أبيها)، والتفسيرات التى دارت حول هذه الكنية تجعلنا نظن أن انتشارها كان بين الشيعة أساسا، ومن الواضح أن هذه الكنية لم تظهر إلا فى المراجع المتأخرة مثل أسد الغابة، وتقول مصادر -الشيعة الإمامى إنها سميت بأم أبيها لأنها علمت عن طريق الوحى أن اسم آخر واحد من سلالتها سيكون اسمه محمَّدا كاسم أبيها، وثمة تفسير آخر سنورده عند الحديث عن أسماء فاطمة. وقد لفت المستشرق ماسينون الأنظار إلى وجود صلة بين عقيدة المسيحيين فى مريم باعتبارها (أم الرب) وعقيدة بعض المسلمين فى فاطمة (أم أبيها) فالكنيتان متناظرتان (¬1). ومن المؤكد أن فاطمة لم تكن جميلة لأن المصادر سكتت عن منظرها بينما تحدثت عن جمال أختها رقية، واكتفت -أى المصادر- بأن ذكرت أن مشيتها كانت تشبه مشية أبيها (¬2). ¬

_ (¬1) لا شك أن هذا تعنت شديد فى الربط والتفسير فلم يقل أحد من المسلمين؛ سنة أو شيعة أن محمدا إله أو رب، وبالتالى فليس هناك وجه للمقارنة، كما أنه من المعلوم أن المسلمين يرفضون أى تأليه لمحمد أو عيسى عليهما السلام. المترجم (¬2) لا مجال فى الواقع لتأكيد ذلك أو نفيه ولا مبرر للخوض فيه، لكن المصادر على أية حال مجمعة على وسامة النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وجمال خديجة (رضى اللَّه عنها)، كما أن الجمال نسبى، وما دام على كرم اللَّه وجهه قد رضى بها وأحبها، فما دخل الأستاذ المستشرق؟ ! المترجم

فاطمة فى الأساطير

ولا يمكن وصفها بأنها امرأة واهنة مريضة كما ذهب لامنس اعتمادا على حديثين (شريفين) لابد أنهما قيلا فى ظروف خاصة، فهناك حقائق أخرى تفيد عكس ما ذكره لامنس فقد كانت ولودا أنجبت خمسا، كما كانت تقوم بأعمال بيتها بنفسها وقامت برحلتين إلى مكة. كل ذلك يشير إلى أنها كانت صحيحة البدن. وتشير كل الوقائع إلى أنها كانت امرأة صبورة دءوبة تعمل بجد وأنها كانت تجد متعة فى مساعدة الآخرين، وكانت تقوم بدور المتحدث بلسان زوجات النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] عندما شكون من تفضيله عائشة عليهن وأدت فاطمة ما طلب منها خاصة أنها لم تكن تميل لعائشة (رضى اللَّه عنها) كثيرا لكن الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] عندما سألها إن كانت تحب من يحب أجابت بالإيجاب. . . فاطمة فى الأساطير لا توجد دراسات متكاملة عن هذا الموضوع، ومن ثم فقد ألزمنا أنفسنا بالاعتماد على ثلاثة أعمال شيعية باكرة خصص كل منها فصولا لابنة النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، ومؤلفو هذه الأعمال هم: 1 - ابن رستم الطبرى الذى عاش -وفقا لما ذكره محرر كتابه (دلائل الإمامة) - فى القرن الرابع الهجرى (العاشر الميلادى). 2 - الحسين بن عبد الوهاب الذى بدأ فى كتابة كتابه فى سنة 448 هـ/ 1056 - 1057 م، وهو الكتاب الذى اعتمدنا عليه فى نقل بعض القصص عن فاطمة تختلف اختلافا بينا عما ذكرته المصادر الأخرى، وكان كتابه هذا مصدرا من مصادر المجلسى فى كتابه بحار الأنوار، والبحرانى فى كتابه مدينة المعاجز. 3 - ابن شهراشوب المتوفى سنة 588 هـ/ 1192 م الذى ألف ثلاثة كتب يعتبر كتاب مناقب آل أبى طالب أوفاها وأكثرها تفصيلا. الأساطير المتعلقة بحمل خديجة بها: لم تكن قريشى راضية عن زواج خديجة من محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] الفقير، لكن محمدا [-صلى اللَّه عليه وسلم-] أخبر خديجة أن جبريل (عليه السلام) أخبره أنها ستضع ابنة

الأساطير المتعلقة بخطبتها

طاهرة مباركة وأنها ستنجب الأئمة الذين سيحكمون العالم، وقد تحدثت فاطمة مع أمها خديجة وهى -أى فاطمة- لا تزال فى رحمها، وعندما رفضت نسوة قريش مساعدة خديجة فى الولادة هبطت من الجنة أربع نسوة لمساعدة خديجة وهن سارة وآسيا ومريم وصفوراء ابنة شعيب وزوجة موسى، وحملت عشر حوريات آنية وإبريقا فيهما ماء من نهر الكوثر وهو نهر الجنة وساعدت الحورية الأولى هؤلاء النسوة القادمات من الجنة فغسلن الطفلة الوليدة ولففنها فى قماش معطر من تيل وباركنها وذريتها أيضا، وجعلنها -وذريتها- طاهرة مطهرة، ولاحظت خديجة (رضى اللَّه عنها) التى أرضعتها أنها كانت تنمو فى شهر قدر ما ينمو غيرها من الأطفال فى سنة، ونطقت فاطمة فى المهد إذْ حيت النسوة اللائى أتين لمساعدة أمها بأسمائهن. وغمر السماوات والأرض نورسنى لحظة ميلاد فاطمة، لذا فقد سميت بالزهراء، وبعد ميلاد فاطمة مباشرة اعتنقت فاطمة الإسلام وصدقت بإمامة على ورتلت القرآن، وتنبأت بما سيحدث من أحداث. الأساطير المتعلقة بخطبتها (*): رغب عبد الرحمن بن عوف فى الزواج من فاطمة وقدم مهرا ضخما (مائة بعير محملة بالأقمشة القبطية وعشرة آلاف دينار) فتقدم عثمان بن عفان بمهر له القيمة نفسها وعزز طلبه بقوله إنه أسبق فى الإسلام من عبد الرحمن، وغضب النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] لتنافسهما (عبد الرحمن وعثمان) فى إظهار الثراء فألقى إلى عبد الرحمن بحصى سرعان ما تحول إلى جواهر وأحجار نفيسة، تساوى الجوهرة الواحدة منها ما يعادل كل ثروة عبد الرحمن، ونزل جبريل من السماء ليعلن أنه لا زوج لفاطمة سوى علىّ لأن اللَّه سبحانه وتعالى قد أمر الملك رضوان بتزيين الفراديس (جمع فردوس) الأربعة، كما أمر ملكا آخر ببناء منبر من نور. ¬

_ (*) تلك أساطير شعبية وليست حقائق تاريخية أو دينية، ومعرفتها أمر مفيد، وقد أوردها كاتب المقال لهذا الغرض). المترجم

الأساطير المتعلقة بزواج على وفاطمة

الأساطير المتعلقة بزواج على وفاطمة: انتقدت النسوة القرشيات زواج فاطمة من على فهو رجل فقير لكن محمدا [-صلى اللَّه عليه وسلم-] كان قد قدر أن تكون فاطمة لعلى لأنه علم من جبريل (أو عن طريق ملك اسمه محمود) أن هذه هى إرادة اللَّه ومشيئته، بل وعلم أن الزواج قد تم بالفعل فى السماء، حيث قام اللَّه سبحانه بدور (ولى) العروس، وقام جبريل بدور الخاطب، وشهد الملائكة على هذا الزواج وكان المهر المقدم لفاطمة هو نصف الأرض (أو خمسها أو ربعها) بالإضافة للجنة وجهنم (ومن هنا فإن فاطمة قادرة على إدخال مؤيدها الجنة والزج بأعدائها فى جهنم). وقد كان مهرها فى الدنيا (على الأرض) حوالى 500 درهم فقط حتى لا يغالى الناس فى المهور، وثمة إشارة لنحلة من على تتكون من خمس الأرض وثلثى الفردوس وأربعة أنهار هى: دجلة والفرات والنيل وجيحون، وقد كست شجرة طبا (سدرة المنتهى) بأمر من اللَّه سبحانه وتعالى نفسها بالجواهر واللآلئ والأحجار الثمينة والملابس ونثرت كل ذلك بكميات هائلة، وراحت حوريات الجنة يجمعن كل هذا وسيحتفظن به إلى يوم القيامة لأن كل هذه الملابس والجواهر هى نثار فاطمة، ووفقا لبعض الروايات فإن سدرة المنتهى أسقطت من أفرعها رسائل من نور جمعها الملائكة؛ لأنها دلائل أمان مؤيدى العلويين، ولما علم محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] بكل ذلك دعا إليه عمار بن ياسر وسلمان الفارسى والعباس وأخبر عليًا فى حضورهم بإرادة اللَّه، فباع على درعه لدحية. وقد تم الزواج فى السماء قبل أن يتم فى الأرض بأربعين يوما (أو فى ليلة الإسراء). أساطير حفل الزفاف: أثناء حفل الزفاف على الأرض صاح جبريل فى السماء (اللَّه أكبر) فسمعه محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فصاح بدوره (اللَّه أكبر) وردد الصحابة (اللَّه أكبر) فكان هذا أول تكبير فى الإسلام وبذلك أصبح سنة. وهناك تفسير أكثر غرابة من ذلك للتكبير إذ أركب محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فاطمة

أساطير الهدايا

على بغلته التى يسحبها سلمان ويحثها الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] على المسير، وفجأة ظهر اضطراب شديد فى الطريق. . آه لقد حضر جبريل وميكائيل، وكل واحد منهما على رأس سبعين ألف ملك لحضور زفاف فاطمة وعلى وراحوا يرددون مع محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] اللَّه أكبر. أساطير الهدايا: أحضر جبريل لمحمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] قرنفلا وسنبلة قمح من الفردوس وقال إن اللَّه قد أمره بتزيين الفردوس ابتهاجا بعرس فاطمة وعلى، وطلب الرسول من على أن ينظر للسماء فرأى عذارى عليهن حلل ثمينة قد جلبن هدايا من السماء. إنهن -أى العذارى- سيكن خدم فاطمة فى الفردوس. ولما عاد عمار جالبا معه العطور التى أمره الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] بشرائها لفاطمة قالت فاطمة إن الملك رضوان قد أرسل لها من الجنّة عطرا حملته حوريات تحمل كل واحدة منهن فى يدها اليمنى فاكهة، وفى يدها اليسرى بعض الرياحين، وهذه الهدايا مخصصة لأهل البيت وكل من يؤيدهم. وتلقت فاطمة -مثلها فى ذلك مثل مريم التى كان يأتيها الرزق وهى قائمة تصلى فى المحراب- رمانا وعنبا وتفاحا وسفرجلا. . . إلخ، كما أكلت بالإضافة لهذا مالا عين رأت ولا أذن سمعت منذ هبط آدم ومعه حواء على هذه البسيطة. وذات يوم دخل محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] بيت فاطمة وهى قائمة تصلى فرأى خلفها مرجلا يخرج منه بخار فقال لها ما هذا يا فاطمة فقالت: إنه العناية الإلهية، وذات يوم دعا على سلمان لبيته لأن فاطمة تلقت هدايا من السماء تريد أن تشركه فيها، وقد أحضرت حوريات ثلاث هذه الهدايا من السماء وتعزية من اللَّه سبحانه لها لبكائها حزنا على موت أبيها، أما أسماء الحوريات فهى: - ذرّة؛ لأنها خلقت لتكون من نصيب أبى ذر. - مقدادة؛ لأنها خلقت لتكون من نصيب المقداد. - سلمى؛ لأنها خلقت لتكون من نصيب سلمان وكانت الهدية عبارة عن

أساطير الخصائص الجسدية

طبق من التمر الأبيض المبرد له رائحة عطرة، فطلب سلمان أن يأخذ منه خمسا يستعيض بها عن المسك. لقد كان هذا التمر بلا نوى، وقد خلقه اللَّه لفاطمة بين عرشه (عرش الرحمن) سبب الدعوات التى ترددها فاطمة والتى علمها محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] إياها. وقد رغبت فاطمة فى أن يكون عندها سوار، وطلبت ذلك من ربها فى صلاتها بالليل، فسمعت صوتا غامضا يخبرها أن السوار تحت السجادة. وفى منامها رأت فاطمة قصورا مشيدة لها فى الفردوس ولاحظت أن السوار الذى أعد لها صنع من قائمة واحد من الأسرة فى هذه القصور فأصبح السرير بثلاثة قوائم فقط، وفى اليوم التالى أخبرها الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] أن آل عبد المطلب لابد لهم أن يهتموا بالآخرة لا بالدنيا، وأمرها أن تضع الخاتم تحت سجادتها كما كان، ورأت فاطمة فى منامها بعد ذلك أن السرير الذى رأته فى منام سابق بقوائم ثلاثة قد أصبح الآن مكتملًا -أى أصبح له أربعة قوائم. وبعد موت النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] تلقت فاطمة من السماء كتابًا له غلاف من الزبرجد وصفحات من لؤلؤ أبيض، وكان الكتاب يضم بين دفتيه أخبار كل ما سيحدث فى العالم حتى يوم القيامة، ولم يكن فيه شئ من القرآن المعروف. وقد لخصت لنا بعض المصادر محتويات هذا الكتاب: أنه يتناول عدد الملائكة والأنبياء. . الخ، وأسماء الأماكن على الأرض وإحصاءات بعدد المؤمنين ومجريات الأحداث فى غضون خمسين ألف عام. . إلخ. وقد نزل هذا الكتاب على فاطمة وهى تصلى فانتظرتها الملائكة حتى أكملت صلاتها ودعاءها ثم سلمّوها هذا الكتاب الذى قرأته فاطمة فخضع لها كل إنس وجان وطير وحيوان وأنبياء وملائكة، وانتقل هذا الكتاب منها لعلى ثم للأئمة واحدًا إثر واحد. أساطير الخصائص الجسدية: لم تعان فاطمة مما تعانى منه النساء من حيض ونفاس، وكان حملها لا يستغرق أكثر من تسع ساعات، وكانت تلد من فخذها الأيسر بينما ولدت مريم من فخذها الأيمن.

أساطير المعجزات

أساطير المعجزات: كان حجر الرَّحى فى بيت فاطمة يدور دون أن يديره أحد، وكان جبريل يهز مهد وليدها، وقدمت زوجة زيد بن حارثة إحدى عباءات فاطمة كرهن ليهودى فشعَّت هذه العباءة نورا فاعتنق هذا اليهودى وثمانون آخرون معه الدين الإسلامى بسبب هذه المعجزة. . . وعندما كانت فاطمة تبكى لموت أبيها واساها جبريل بنفسه، واستمرت المعجزات تُروى منسوبة لفاطمة حتى بعد موتها. أقوال عن فاطمة: يُقال: إن فاطمة ستكون أول من يدخل الجنة بعد قيام الساعة وسيغض كل من حضر طرفه وهى تعبر الصرَّاط تحيطها سبعون حورية وستكون فى الفردوس تحت قبة من نور تركب جملا رائعا قوائمه من زمرّد وعيناه من ياقوت. . الخ ويقود جبريل هذا الجمل إلى عرش الرحمن لتشكو إليه ممن تسببا فى مقتل الحسن والحسين طالبة أن يقتص لها سبحانه، فيقول لها سبحانه: "يا حبيبة يا بنت الحبيب اطلبى ما تشائين فسأهبه لك" فتطلب فاطمة أن يدخل كل من أيدوها الجنّة، وسيكون لفاطمة خاصيّة تختص بها فى الجنة فستكون هى الزوجة الوحيدة لعلى حيث لا ضرة لها بينما سيختار أهل الجنة الآخرون ما يشاءون من حوريات. أسطورة التفاحة السماوية: تعود هذه الأسطورة لما رواه الغلابى المتوفى 298 هـ/ 910 م ومؤداها أن محمدا -صلى اللَّه عليه وسلم- عندما كان يقترب ليحتضن فاطمة دون سواها من أخواتها- قال: إن جبريل كان قد أتاه وقدم له تفاحة من الجنة فلما أكلها استحالت إلى ماء سرى فى عضوه التناسلى فقذف به فى خديجة فحملت بفاطمة، لذا فقد كان الرسول يشم فى فاطمة ريح الجنة. وثمة رواية أخرى مؤداها أن محمدًا [-صلى اللَّه عليه وسلم-] أكل هذه التفاحة المقدسة وكذلك تمرا مقدسا أثناء رحلة المعراج. . ثم تستمر الحكاية، وثمة رواية أخرى

أسطورة نور فاطمة

تفسر كنية فاطمة (أم أبيها) وهى أن اللَّه بدأ بخلق نور فاطمة ووضعه فى شجرة فى الجنة التى أشعَّت نور محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فلما صعد محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] للجنة فى رحلة المعراج أمره اللَّه باقتطاف ثمرة من هذه الشجرة فانتقل إليه نور فاطمة فوضعه فى رحم خديجة فولدت فاطمة، ومن هنا فهى (أم أبيها). أسطورة نور فاطمة: تروى الأسطورة حديثا مكذوبا (موضوعا) عن رسول اللَّه [-صلى اللَّه عليه وسلم-] مؤداه أن اللَّه خلق محمدا وعليا من نور، وانتقل نورهما إلى أهل البيت وذريتيهما، ثم من نور محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وعلى كان نور العرش، ومن نور ذريتهما خلق اللَّه نور الشمس والقمر، وعلم أهل البيت الملائكة كيف يكبرِّون ويهللون ويحمدون (علموهم التكبير والتهليل والتحميد) ثم قال اللَّه: بعزتى وجلالى إننى سأخلق، فخلق نور فاطمة كالمصباح، وبنور فاطمة أضاءت السماوات، لذا سميت فاطمة بالزهراء. وهذه القصة تعتبر ذات أهمية خاصة لأنها تدخل فى بعض عقائد الإسماعيلية. أسماء فاطمة: فطم العود فطمًا أى قطعه وفطم الصبى فهو فطيم أى فصله عن الرضاع، وفطام الصبى فصاله عن أمه (اللسان) وقيل إن فاطمة سميت بهذا الاسم لأنها وذريتها فصلت عن الشر أو أبعدت عن جهنم أو لأنها مبرأة من الشرك. وتورد المصادر الشيعية أسماء فاطمة كالتالى: فاطمة، الصدِّيقة، الرَّاضية، المباركة، المحدَّثة (بتشديد الدال وفتحها) وقد سميت المحدَّثة لأن الملك تحدَّث إليها على نحو ما تحدث لمريم العذراء والزهراء، والطاهرة، والرضية، والراضية، والذكية. ووفقا لمصدر شيعى آخر فإن أسماءها على الأرض هى: فاطم، فاطر، الزهراء، البتول، الحَصَان، الحوراء، السيدة، الصديقة، مريم الكبرى. وقد ذكر ابن بابويا المتوفى سنة 381 هـ 991 م ستة عشر

الإشارات لفاطمة فى القرآن الكريم فى رأى بعض الشيعة

اسما أرضيا وثلاثة أسماء سماوية لفاطمة، وقد ألحق ابن شهرا شوب بهذه الأسماء قائمة بتسعة وستين اسما آخر، ويلاحظ أن الاسم (فاطر) يعنى الخالق وبصرف النظر عن أنه أتى فى صيغة المذكر فإنه -أى هذا الاسم- يستخدم لتعظيم فاطمة عند الإسماعيلية وبعض المذاهب كالنُّصيرية، واعتبار فاطمة (فاطر) أى خالق يفسر لنا كنية (أم أبيها). الإشارات لفاطمة فى القرآن الكريم فى رأى بعض الشيعة: ولقد استغلت بعض طوائف الشيعة القرآن الكريم لتعظيم فاطمة، ونحن مدينون للمفسرين الشيعة فى الاستدلال على الآيات التى قيل: إنها تشير لعلى وفاطمة، فهم يقولون: إن القرآن الكريم إذا أشار للمرأة بشكل عام ودون ذكر اسمها فالمقصود هى فاطمة. إنه المعنى الباطنى للآية، ومثال ذلك ما ورد فى سورة آل عمران آية 194 وما بعدها {رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ (194) فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ}. . فالمقصود بالذكر فى هذه الآيات وفقا للمعنى الباطنى هو (على) والمقصود بالأنثى وفقا للمعنى الباطنى أيضا هو (فاطمة) وذلك فى فترة الهجرة أو فى أثنائها. ويفهم الشيعة الباطنيون أيضًا الآية الثالثة من سورة الليل وما بعدها {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (3) إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (4) فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى} فهم يرون أن المقصود بخلق الذكر هنا هو خلق على، والمقصود بخلق الأنثى هو خلق فاطمة. لقد أشار القرآن الكريم إلى اثنتى عشرة امرأة دون ذكر أسمائهن، منهن على سبيل المثال حواء وسارة وامرأة فرعون. . إلخ، وعلى هذا النحو قالوا إن القرآن الكريم أشار لفاطمة فى سورة الرحمن آية 19 وما بعدها {مَرَجَ

فاطمة فى التعزية (مناسبات الأحزان)

الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ (19) بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ (20) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (13) يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} فالتفسير الباطنى للبحرين هو على وفاطمة فهو بحر العلم وهى بحر النبوة، والبرزخ بينهما الذى تسبب فى عدم بغيهما بعد الخصام هو رسول اللَّه [-صلى اللَّه عليه وسلم-] الذى منعهما من التعلق بعرض الدنيا، أما اللؤلؤ والمرجان فالمقصود بهما الحسن والحسين، وكما أن لكل امرأة وردت فى القرآن الكريم خاصية خاصة، فإن فاطمة اختصت بالعصمة بسبب واقعة المباهلة الواردة فى سورة آل عمران آية 61 {فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ}. فاطمة فى التعزية (مناسبات الأحزان) نعرف من خلال نصوص التعزيات التى جمعها إنريكو شيروللى Enrico Cerulli لمكتبة الفاتيكان (قام د. روسى Rossi وأ. بومباتشى Bombeci بنشر كشاف بها). نصوصا مختلفة تدور حول الحياة الأسطورية لفاطمة (فاطمة فى القصائد الشعبية) فى مواقف مختلفة: جهاز عرسها، عملها الشاق، سلب فدك منها، موقف عمر بن الخطاب منها ومن على، زيارة أبى بكر لها فى مرضها الأخير، الرمانة التى وصلتها من الفردوس، وصولها لمعسكر الحسين فى العاشر من محرم، وقيام المذبحة فى اليوم التالى ورؤيتها جسد ابنها مسجى. . وفى مقدمة الكتاب المشار إليه فى بداية هذه الفقرة إشارات لمجموعات فارسية أخرى ذات طابع مأساوى تدور كلها عن حياة فاطمة (رضى اللَّه عنها). فاطمة فى العبادات المعاصرة: كان لتعاطف الشيعة الشديد مع فاطمة أثر فى إقامتهم عدة أعياد ومناسبات دينية مرتبطة بفاطمة، فثمة عيد رسمى بمناسبة المباهلة يعقد فى 21 و 24 أو 25 من شهر ذى الحجة، لكن هناك مناسبات أخرى غير رسمية

فاطمة فى عقائد الاسماعيلية

يجرى الاحتفال بها كالاحتفال بمولدها فى العشرين من رمضان، وتقديم السم للحسن واستشهاد الحسين. . وثمة أمر جدير بالملاحظة فى عقائد الشيعة وهو أنهم يؤمنون بأن الخمسة (أهل البيت كما عرفناهم آنفا) يحضرون دوما فى المواقف الصعبة التى تمر بالناس ويسمعون دعاءهم. فاطمة فى عقائد الاسماعيلية: دراسة عقائد الاسماعيلية المتعلقة بفاطمة أكثر صعوبة من دراستها بين الشيعة الإمامية لأن عقائد الاسماعيلية تحوطها السرية والغموض كما أنهم -أى الاسماعيلية- ينقسمون إلى فرق مختلفة، ولأن عقائدهم لم تجمع حتى الآن فى دراسة واحدة منهجية. إلا أنه يمكننا استخلاص بعض المعلومات عن عقائدهم من كتابات المستشرق ماسينون ومن كتابات إيفانوف وكوربين. ومن الضرورى أن نبدأ ببعض الملاحظات العامة: - بين الشيعة الإمامية هناك رباط واضح بين فاطمة كحقيقة تاريخية وفاطمة كما وردت فى الأساطير فهم يعتمدون على الأحاديث النبوية سواء الوارد منها فى مجموعاتهم أو فى مجموعات السنة (البخارى، مسلم. . . الخ). أما عند الاسماعيلية فإن الحقيقة التاريخية تكاد تضيع بسبب المبالغات الشديدة فى قوة فاطمة وتأثيرها غير المحدود. وبين الاسماعيلية وبعض المذاهب الإسلامية الشاذة تظهر عقائد أخرى لا نستطيع متابعتها فى مصادر الشيعة الإمامية، كعقيدة الربط بين فاطمة والمسجد الأقصى، والربط بينها وبين أهل الكهف أو بينها وبين صخرة موسى التى انبثق منها الماء، وعقيدة أنها تحمل من أذنها وتلد من سرتها. . الخ - ونجد فى عقائد الاسماعيلية عن فاطمة شبها أكثر وضوحا بالعقائد المسيحية عن مريم، كما أن الاسماعيلية يميلون لتمثيل فاطمة فى أيقونة (تصويرها وهى متوجة فى السماء وعلى رأسها تاج وفى يدها سيف وفى أذنيها قرطان) وصور المسيحيون مريم وهى تحمل طفلها وحول رأسها هالة

خاتمة المقال

من نور. ومن ثم فهناك تشابه بين نظرة الاسماعيلية لفاطمة، ونظرة المسيحيين لمريم. ورغم أن كتاب (أم الكتاب) وهو الكتاب المقدس لاسماعيلية آسيا الوسطى قد تم نشره وقام إيفانوف Ivanow بدراسته وتحليله سنة 1930 م فقد اتضح أن الاسماعيلية الآخرين -فى غالبهم لا يعرفون عنه شيئًا. ومع ذلك فإننا سنذكر شيئا من محتواه هنا فنظرته للخلق لا تختلف كثيرا عما ذكره حسين بن عبد الوهاب الذى أشرنا إليه فى هذا المبحث، ونظرته للَّه سبحانه وتعالى أنه (شخص نورانى) وجد قبل الخلق وأن له سمعا وبصرًا وحاسة للشم والتذوق وأداة للحديث (الكلام) وقد تمثلت هذه الحواس فى صور أرضية وأصبحت هى محمد وعلى وفاطمة والحسن والحسين. خاتمة المقال: عند تناولنا فاطمة فى التراث الأسطورى تركنا بعض الفجوات لم نستطع ملأها، لذا فإننا نشير هنا للمنهج الذى يجب اتباعه لإعداد دراسة أكثر تفصيلا فى المستقبل. لابد من جمع كل ما يتعلق بفاطمة فى مجموعات الأحاديث المعتمدة لدى الشيعة (مثل مجموعة الكلينى) وفى كتاب أخبار فاطمة التى جمعها أغا بوزورج فى كتابه الذريعة، وإذا كانت هذه الكتب التى جمعها أغا لم تعد موجودة -أو بعضها- فيمكن جمع ما ورد مقتبسًا منها ومنقولًا عنها من الكتب التى ألفت بعد ذلك. ومن الضرورى جمع ما يتعلق بعقائد الصفويين من كتب المجلس، كما أنه من الضرورى جمع ما يتعلق بعقائد الإسماعيلية. وأخيرًا جمع ما يتعلق بعقائد الفاطميين من القاضى النعمان أو غيره من المؤلفين، ومن الضرورى الرجوع للمطبوعات الفارسية القديمة (طباعة على الحجر) لمعرفة مدى التطور الحادث فى هذه العقائد، ولابد من دراسة الحكايات الصوفية وربطها بالموضوع، ومدى ارتباط عقائد ما قبل الإسلام والعقائد التى كانت سائدة فى البلاد المفتوحة قبل تحولها للإسلام.

المصادر

المصادر: (1) ابن هشام، السيرة، جـ 1، القاهرة 1937. (2) ابن سعد: الطبقات، جـ 8 طبعة ليدن 1905، 1940. (3) البلاذرى: الأنساب جزء 1 طبعة محمد حميد اللَّه، القاهرة 1959، ص 125، 269، 324، 390، 400، 402، 403، 404، 405، 414، 415، 519، 583، 586. (4) الطبرى: تاريخ الرسل والملوك، ليدن 1789 - 1901 جزء 1، ص 1128، 1140، 1272، 1273، 1367، 1426، 1431، 1623، 1751، 1825، 1869، 3470، جزء 3، ص 2302، 2423، 2434، 2436، 2440، 2463. (5) اليعقوبى: البلدان، ليدن 1892. جزء 2، ص 19، 35، 42، 91، 128، 141، 142. (6) ابن قتيبة: الإمامة والسياسة طبعة رافعى، القاهرة 1332/ 1904، ص 20 - 24. كتب الشيعة الإمامية: - الكلينى، محمد بن يعقوب، الكافى فى علم الدين، طهران, 1313/ 1895. - ابن رستم الطبرى: دلائل الإمامة، النجف، 1369/ 1949. - حسين بن عبد الوهاب: عيون المعجزات، النجف، 1369/ 1950. - ابن شهرا شوب، مناقب آل أبى طالب، النجف، 1956. - محمد باقر مجلسى: بحر الأنوار، طهران 1305. - محسن فيض القاشانى: الوافى طهران، 1376/ 1957 م. فيما يتعلق بالتراتيل الدينية المتعلقة بفاطمة لدى الشيعة الإمامية انظر: - الشيخ عباس الكومى، كليات مفاتيح الجنان، طهران، 1316. من أعمال الاسماعيلية: - القاضى النعمان، دعائم الإسلام القاهرة، 1951 م. د. عبد الرحمن الشيخ [ل. فيشيا فاجليرى L. Veccia]

الفاطميون

الفاطميون الفاطميون هم الأسرة الحاكمة فى شمال أفريقيا -وبعد ذلك فى مصر- فى الفترة من 297 هـ (909 م) حتى 567 هـ (1171 م). وخلفاؤهم: - عبيد اللَّه المهدى، من 297 هـ إلى 322 هـ (909 - 934 م). - القائم، من 322 هـ إلى 334 هـ (934 - 946 م). - المنصور، من 334 إلى 341 هـ (946 - 953 م). - المعز، من 341 هـ إلى 365 هـ (953 - 975 م). - العزيز، 365 إلى 386 هـ (975 - 996 م). - الحاكم، من 386 هـ إلى 411 هـ (996 - 1021 م). - الظاهر، من 411 - 427 هـ (1021 - 1036 م) - المستنصر، من 427 إلى 487 هـ (1036 - 1094 م). - المستعلى، من 487 إلى 495 هـ (1094 - 1101 م). - الآمر، من 495 - 525 هـ (1101 - 1130 م). - الحافظ، من 525 إلى 544 هـ (1130 - 1149 م). - الظافر، من 544 إلى 549 هـ (1149 - 1154 م). - الفائز، من 549 إلى 525 هـ (1154 - 1160 م). - العاضد، من 555 إلى 567 هـ (1160 - 1171 م). والفاطميون نسبة إلى فاطمة لأن الخلفاء الفاطميين يُرجعون أصولهم إلى على (كرم اللَّه وجهه) وفاطمة الزهراء ابنة النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وهناك من يرجعهم إلى فاطمة أخرى هى فاطمة بنت الحسين (رضى اللَّه عنه) التى روت عدة أحاديث عن النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] التى تنبّأت بالمهدى ولعبت دورا فى وضع هذا الاسم، وقد أشار لهذا المستشرق ل. ماسينون L. Massignan فى مقاله فاطمة بنت الحسين، وأصل الفاطميين نشر فى Intern. Orientalisten Kongresses, Munich, 1957, P.368).

نسب الفاطميين

ولابد أن نذكر أيضا أن أم على كانت هاشمية اسمها فاطمة بنت أسد (انظر ابن حجر، الإصابة، القاهرة، 1928 م جـ 4، ص 380) وأن هذا يعتبر بين أهل الحق مرتبطًا بأسطورة متعلقة بسلمان الفارسى الذى لعب دورًا بارزًا فى التراث المتعلق بفاطمة. ووفقا لما ذكره إيفانوف فى مبحثه عن تراث الاسماعيلية المتعلق بظهور الفاطميين (نشر فى بومباى 1942 م) فإن اسم الفاطميين كان هو الاسم الذى أطلق على الاسماعيلية فى بداية الأمر، وكان هذا الاسم -فيما يقول الطبرى- قد اتخذه بدو بنى الاصبغ فى بادية الشام تحت زعامة القرمطى الاسماعيلى يحيى بن زكرويه. لكن ماسينون يذكرنا بأن اسم الفاطميين يوجد بالفعل فى أشعار بشّار بن برد فى سياق معين يحمل معنى الانتقاص ويجب تلمس أصول الحركة الفاطمية التى أوصلت الفاطميين إلى السلطة فى شمال أفريقيا بزعامة عبيد اللَّه المهدى فى أصول عقائد الشيعة الاسماعيلية التى تمثل -فى الوقت نفسه أبعادا سياسية وفلسفية ودينية واجتماعية والتى يتوقع معتنقوها ظهور المهدى المنتظر من سلالة النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] من خلال على وفاطمة مرورا بفرع إسماعيل بن جعفر الصادق. نَسَبُ الفَاطميين: يعود الفاطميون بأصولهم إلى إسماعيل ومع هذا فإن أصل الفاطميين ظل حتى اليوم يلفه الغموض، لأنهم ظلوا لفترة لا يعلنون أنسابهم بشكل رسمى، كما أنهم تعمّدوا أن يجعلوا أسماء أئمتهم من محمد بن إسماعيل حتى عبيد اللَّه المهدى مخفيّة فى الفترة التى اتخذوا فيها مبدأ سَتْر الإمام (فترة الأئمة المستورين). وقد أنكر أعداء الفاطميين نسبهم إلى على بن أبى طالب وأعلنوا أنهم أدعياء. بل لقد وصف بعضهم عبيد اللَّه المهدى بأنه ابن يهودى، وفقا للعادة العربية القديمة بخلع أصول يهودية على كل من يكرهونه. أما النسب التقليدى للفاطميين فيقول إن عبيد اللَّه كان ابنا للحسين بن أحمد ابن عبد اللَّه بن محمد بن إسماعيل بن

جعفر الصادق. أما نسبه كما يقول أعداء الفاطميين فهو عبد اللَّه بن الحسين بن أحمد بن محمد بن عبد اللَّه ابن ميمون القدَّاح، وأن الاسم الحقيقى لعبيد اللَّه كان سعدا، وأنه لم يتخذ اسم (عبيد اللَّه) أو (عبد اللَّه) إلا فى شمال أفريقيا ومن ثم ادّعى أنه من سلالة علوية وأنه المهدى. ويمكن للقارئ أن يطالع نسب الفاطميين بمختلف أشكاله سواء من وجهة نظر أعداء الفاطميين أو من وجهة نظر الاسماعيلية، وما يُثار حوله من قضايا معقدة لم يصل الباحثون فيها إلى نتائج مرضية -فى الأعمال الآتية: كتابات دى ساسى (1838 م)، وبيكر، ودى خويه عن القرامطة وأصول الفاطميين لمامور كما نوقشت مسألة نسب الفاطميين فى أعمال -أكثر حداثة عند: ايفانوف فى ثلاثة أبحاث صدرت عام 1940، 1942، 1946 م على التوالى وبرنارد لويس عن أصول الاسماعيلية. ومن الأعمال التى صدرت حديثا حول هذا الموضوع: - حسين الحمدانى، عن أنساب الخلفاء الفاطميين، القاهرة، 1958 م، بالإضافة إلى كتابات مادلونج. وليس فى مقدورنا فى هذا المقال سوى أن نلقى نظرة على القضايا التى ناقشتها هذه الأعمال والصعوبات التى تواجهنا فى دراسة أصل الفاطميين واضعين فى اعتبارنا الاختلافات الكثيرة التى تزخر بها المصادر، وكذلك الاختلافات الشديدة فى وجهات نظر المؤلفين الذين تناولوا هذا الموضوع حتى بين الكتاب الاسماعيليين أنفسهم الذين يجب أن نضع كتاباتهم فى الاعتبار بما فيها من تباين شديد فى المعالجة، فقد تناولت كتبهم هذه المسألة بطريقة بسيطة شعبية أحيانا وبطريقة مُمعنَة فى الغموض موجهة للخاصة منهم أحيانا أخرى، وفى هذا الصدد فإننا نواجه قليلًا من الصعوبات، ففى المصادر الإسماعيلية نجد أن سلسلة الأئمة قبل عبيْد اللَّه ليست دائما واحدة إذ يوجد خلاف فى أسمائهم كما بين ذلك ايفانوف، وحتى اسم والد عبيد اللَّه غير متفق عليه بين هذه المصادر فثمة رواية واحدة تذكر أنه عبيد اللَّه بن أحمد وليس عبيد اللَّه بن حسين، بل إن عبيد اللَّه يظهر أحيانا باعتباره هو على بن

الحسين، لكننا نجد -من ناحية أخرى- أن عليا بن الحسين الذى يعتبر هو الإمام الرابع المستور لا يظهر فى قوائم الأئمة التى ذكرناها آنفا. فهل كان حسين، والد عبيد اللَّه إماما معتمدًا فى سلسلة الأئمة، أم كان الإمام لا يعدو كونه محمد بن أحمد عم عبيد اللَّه؟ ففى تلك الحال لا يكون العم قادرا على توريث الإمامة (أو نقلها) لعبيد اللَّه لأن الإمامة -وفقا لأصول عقائدهم- لا تنتقل إلّا من الأب لابنه فيما عدا حالة الحسن والحسين، كما أن محمد بن أحمد الآنف ذكره يسمّى أيضا بأبى على الحاكم وكنيته أبو الشَّلَغْلَغْ أو أبو الشَّلعْلَعْ كما يسمى سَعِيد الخيْر، وتقدمه المصادر باعتباره أيضا والدًا لعبيْد اللَّه، وإذا كان عبيد اللَّه يسمّى أيضا سعيدا، فإنه يتضح لنا كيف أن هذه الأسماء المختلفة تعد مصدرا هائلًا للاضطراب الذى يشكل عائقا بين الباحث وبين الوصول للحقيقة (راجع فى ذلك مادلونج وايفانوف وداى ساسى ودى خويه). بل إن عبيد اللَّه نفسه قد قدم لنا نسبه بصورة مغايرة لما قدمه التراث المتعلق بأنساب الفاطميين والذى ذكرناه آنفا. ففى خطاب أرسله إلى الاسماعيليين فى اليمن ذكر أنه ليس من سلالة إسماعيل بن جعفر وإنما من سلالة ابن آخر لجعفر هو عبد اللَّه. بل ويقرر أبو محسن (وهو شريف لا مَنَاص من معاداته للفاطميين) أن مبعوث حمدان قرمط ذكر أن عبيدْ اللَّه من سلالة ميمون بن القِّداح. وثمة أمر آخر غير مؤكد فيما يتعلق بعلاقة القرابة بين عبيد اللَّه والخليفة الفاطمى الثانى محمد أبى القاسم القائم بأمر اللَّه، فمصطلح "القائم" يعنى وفقا للتراث الفاطمى "المهدى المنتظر" الذى يتحتم أن يحمل اسم الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] ونعنى به محمدا، فمصطلح "المهدى" يعنى "القائم" والكلمتان تستخدمان لتحمل إحداهما محل الأخرى. حقيقة إن عبيد اللَّه اتخذ لقب "المهدى" لكن أكان حقا -فى قرارة نفسه- يعتبر نفسه المهدى المنتظر، مع أنه يفتقد الشروط المطلوبة؟ فقد يكون القائم ليس ابنا لعبيد اللَّه مع أن هذا الأخير كان يعتبره -من الناحية الرسمية- ابنا له. ووفقًا لما ذكره خطاب بن الحسن من رجال القرن

السادس للهجرة (الثانى عشر للميلاد) فى كتابه (غاية الموالد) فإنه -أى القائم- كان ابنا للإمام الرابع المستور على المذكور آنفا كما يقول ايفانوف ومادلونج وقد كان تصرف عبيد اللَّه إزاء القائم عند دخول رقادة يشير إلى أنه يعتبره المهدى المنتظر فقد عامله بتوقير شديد ورفع مقامه عن مقامه هو شخصيا. وتثور شكوك أخرى مشابهة حول تفاصيل متعلقة بشخصية القائم (انظر: سيرة جعفر الحاجب، ص 304). وعلى أية ح حال فإننا نجد صعوبة فى الوصول إلى حقيقة واضحة محدَّدة فى هذا الموضوع. وثمة صعوبة أخرى نشأت عن التناقض بين النَّسب الرسمى، والنسب الذى يربط الفاطميين بميمون القدَّاح، فحتى فى عهد المُعِز الخليفة الفاطمى الرَّابع جرت محاولة فى بعض الدوائر الاسماعيلية لربط سلسلتى النسب بعضهما ببعض باعتبار عبد اللَّه بن ميمون القدّاح هو نفسه عبد اللَّه بن محمد بن إسماعيل بن جعفر، وقد اعتبر هؤلاء هراطقة لأنهم أدخلوا فى السلالة الفاطمية عناصر غير علوية (انظر ايفانوف فى مجلة P. 140. S. M. Stern, Heterodox Ismailism BSOAS، مجلد 17، سنه 1955، ص 12 وما بعدها) وقد قام برنارد لويس بحل هذا التناقض الظاهرى اعتمادا على النظرة الروحية (أو التفسير الباطنى) وذلك استنادا إلى براهين استقاها من كتابات الدروز والاسماعيلية وبين كيف أنه من الممكن اعتبار القدَّاحين أئمة فاطميين. فبين الاسماعيلية هناك نوعان من النسب: النسب الظاهر، والنَّسب الباطن (ويمكننا أن نستدعى للذاكرة هنا ما ذكره عبيد اللَّه فى خطابه لاسماعيلية اليمن من أن عمه محمد بن أحمد مدرج بين الأئمة)، وأنه هو نفسه كان يدعى عبد اللَّه بن محمد لأنه كان (فى الباطن) ابنا لمحمد بن أحمد هذا الذى نقل الإمامة إليه (انظر ما ذكره حسين همدانى ومادلونج). وبصرف النظر عن أن الأئمة الحقيقيين ينحدرون من نسل على وفاطمة ويسمّون بالمُسْتَقَرين (بضم الميم وتسكين السين وفتح التاء

والقاف) وتعنى الأئمة الدائمين، فإن هناك -كما يقول لويس- أئمة من نوع آخر يعرف الواحد منهم بالمُسْتَوْدَع (بضم الميم وتسكين السين) والمقصود بهم الأئمة الذين يحمون الإمامة ويسترونها وهؤلاء الأئمة "المستودعون" يعملون بحق التفويض مما يسمح لهم بالدخول ضمن الأئمة الحقيقين (المستقرين). فميمون القدَّاح الذى كان قد تولى عن جعفر الصادق أمر العناية بحفيده محمد بن إسماعيل قال إن ابنه عبد اللَّه هو ابن من الباطن (ابن روحى) لمحمد بن إسماعيل وبالتالى فهو يرث منه الإمامة. وعلى هذا فإن ذرية الأئمة القداحين (الذين هم من سلالة القدَّاح) قد وجدوا جنبا إلى جنب مع سلالة الأئمة العلويين (الذين هم من نسل على وفاطمة) وكان آخر إمام من القدَّاحين هو عبيد اللَّه سعيد وهو إمام (مستودع) للإمام القائم الذى هو الإمام العلوى (المستَقَر) وعلى هذا ففى شخص القائم عادت الإمامة للأسرة العلوية. وبالنسبة لكل القضايا التى لم نستطع معالجتها هنا يمكن الرجوع للدراسة المفصّلة والموثقة التى أعدها مادلونج Madelung عن الإمامة فى عقائد الاسماعيلية الباكرة والتى سنعود إليها عند مناقشة السياسة الدينية للفاطميين. ومن وجهة النظر التاريخية والتى تهمنا بشكل مباشر فى هذه المسألة عن نسب الفاطميين، نجد أن العباسيين -وهذا طبيعى- ينكرون الأصل العلوى لمنافسيهم الفاطميين لما يمنحه لهم هذا الانتساب من مكانه رفيعة، وقد كشف لنا الصولى أنه فى بغداد -على أيامه- كان يقال إن سيّد المغرب ينحدر من نسل عتيق صاحب شرطة زياد بن أبيه، ومع ذلك لم تظهر إلّا فى فترة لاحقة وثيقتان رسميتان وقعهما قضاة وعلويون، أما إحدى الوثيقتين فيرجع تاريخها إلى سنة 402 هـ/ 1011 م والأخرى إلى سنة 444 هـ/ 1052 م وهما تنكران أنهم كانوا من أصول علوية (انظر: ابن الجوزى، المنتظم، جـ 7، ص 255، ابن الأثير، حوادث 402 و 444, ابن خلدون، ترجمة دى سلين جـ 1، 39، والمقريزى، ألفاظ الحنفا، القاهرة، 58 وما بعدها، أبو المحاسن، القاهرة، جـ 4، ص 229, جـ 5، ص 53).

تأسيس الدولة

ولا يميل المؤرخون السنة بشكل عام للفاطميين، فلا نكاد نجد بينهم -فيما عدا المقريزى وابن خلدون- من يقر بصحّة نسبهم العلوى. وأكثر من هذا، فإن الحجة التى ساقها كل من المقريزى وابن خلدون هى أن عبيد اللَّه ما كان ليتعرض لمضايقة العباسيين إذا لم يكونوا مقتنعين بأن نسب الفاطميين العلوى لا يلقى قبولا، وسواء كان الفاطميون ينتسبون لعلى أم لا فإنهم قدموا أفكارا كانت تهدد السلطة العباسية التى كان لابد لها من أن تتعرض لهم بالمواجهة. وبينما يشير مؤيدو الفاطميين لهم بالدولة العلوية، نجد أن المؤرخين السنة يشيرون إليهم باسم العُبَيْديين والدولة العبْيدية ويسميهم ابن حماد باسم ملوك بنى عُبَيْد، ويحدثنا أبو المحاسن عن المُعز العبيْدى. . . وهكذا. تأسيس الدَّولة: وأيًّا مِنْ كان عبيد اللَّه سعيد هذا فقد وضع أسس الدولة الفاطمية فى الشمال الأفريقى. وقد عاش عبيد اللَّه فى سلمية (بالشام) التى كانت مركزا للدعوة الإسماعيلية ومهَد الدعاة الطريق له. وكان ابن حَوْشب منصور داعية اليمن الذى مكن لنفسه فيها قد أرسل دعاة إلى شمال أفريقيا، كان آخرهم وأهمهم هو أبو عبد اللَّه الشيعى. وعندما قرر عبيْد اللَّه أن يغادر سلمية -سواء كان ذلك هربا من مطاردة العباسيين له أو نتيجة مؤامرة غامضة حيكت له فى داخل الحركة الإسماعيلية ذاتها (حركة الإخوة القرامطة الثلاثة كما ذكرها إيفانوف) كان عليه أن يتجه إلى اليمن أو إلى شمال أفريقيا حيث كان الداعية أبو عبد اللَّه الشيعى يعمل بنشاط ونجاح بين قبيلة كتامة البربرية منذ سنة 280 هـ/ 893 هـ. وتحرك عبيد اللَّه فى البداية إلى الرَّملة فى فلسطين ومنها إلى مصر التى ربما يكون قد وصلها فى سنة 291 هـ/ 930 م، وعندما تعرض لمضايقات الوالى العباسى توقع أتباعه أن يتخذ طريقه لليمن لكنه قرر أن يذهب للشمال الأفريقى حيث شغل أبو عبد اللَّه الشيعى بإضعاف الحكم

الفترة الأفريقية للخلافة الفاطمية

الأغلبى فتوجه إلى سجلماسة التى امره أميرها بأن يكون رهينة البيت إن لم يكن قد سجنه فعلا، واستطاع أبو عبد اللَّه الشيعى أن يجعل من نفسه سيدا للحاضرة الأغلبية رقادة وأن يطرد زيادة اللَّه فى رجب سنة 296 هـ (مارس 909 م) وأقبل بعد ذلك ليبحث عن عبيد اللَّه ويصحبه فى موكب النصر 29 ربيع الثانى 297 هـ/ 15 يناير 910 م فى رقادة حيث أعلن رسميا أنه المهدى وانه أمير المؤمنين (بالإضافة لكتابات المؤرخين انظر سيرة جعفر الحاجب أحد المؤمنين بمهدية أبى عبيد اللَّه). الفترة الأفريقية للخلافة الفاطمية: مارس الخلفاء الفاطميون الأربعة الأول سلطانهم فى شمال افريقيا وهم عبيد اللَّه المهدى والقائم والمنصور والمعز، وهذا الأخير ظلَّ فى شمال أفريقيا حتى سنة 362 هـ/ 973 م حيث غادرها إلى مصر التى كان قائده جوهر قد فتحها. وقد واجه الفاطميون خلال فترتهم الأفريقية كثيرا من الصعاب، ففى شمال أفريقيا نجح الفاطميون فى إحداث شقاق بين السنّة الذين اعتنق غالبهم مذهب الإمام مالك وبين الخوارج الذين كانوا إما اباضية أو صفرية. وكان فى المغرب مجموعتان بربريتان تصارع كل منهما الأخرى هى زناتة فى الغرب، وصنهاجة (التى تضم كتامة) فى الشرق، وقد كان وجود هاتين المجموعتين المتنافستين عاملًا آخر من عوامل عدم الاستقرار. كما أدى وجود دولتين (أسرتين حاكمتين) من اصول مشرقية فى الوسط والغرب وهما دولة الرُّستميين الخوارج وحاضرتهم تاهرت، ودولة العلويين الأدارسة وحاضرتهم فاس -إلى استحالة محافظة الدولة الفاطمية على استقلالها. وكان أمويو الأندلس يمتلكون أجزاء من المغب أقرب ما تكون إلى شبه جزيرة أيبيريا. وأخيرا، فإننا إذا علمنا أنه منذ البداية كان سادة أفريقيا الجدد يضعون فى اعتبارهم أنها مجرد قاعدة للانطلاق شرقا للقضاء على الخلافة العباسية وأن إتمام هذا العمل كان يفرض عليهم إعداد جيش قوى ثم أسطول، وأنه -بالإضافة لهذا- كان

عليهم أن يتدخلوا فى أمور صقلية -اتضح لنا أن التحديات التى كان على الفاطميين مواجهتها قد أصبحت الآن واضحة ظاهرة. ورغبة من الخلفاء الفاطميين فى حلّ كل المشاكل التى فرضها الواقع عليهم لم يكن أمامهم سوى الاعتماد على عدد محدود من المؤيدين بصرف النظر عن قبيلة كتامة التى لم تكن سهلة القياد فى بعض الأحيان، بالإضافة إلى مهارتهم السياسية ونشاطهم. ولقد نجح الخلفاء الفاطميون فعلا فى ظل هذه الظروف، وكان هذا أمرًا يدعو للعجب. ولم يقُم عبيد اللَّه من ناحية بإطالة أمد الصراع مع داعيته أبى عبد اللَّه الشيعى الذى نقم على عبيد اللَّه سواء لشكّه فى أنه المهدى المنتظر أو لأن عبيد اللَّه قد حجّم من سلطته، فقد قام عبيد اللَّه باغتيال عبد اللَّه وأخيه وأدى هذا إلى ثورة كتامة فنصَّبت طفلًا كمهدى جديد، فقمع عبيد اللَّه الثورة بقسوة وأريقت دماء كثيرة، وبعد ذلك ثارت نزاعات داخل الأسرة الفاطمية ذاتها فى عَهْدَى المنصور والمعز أشير إليها فى (سيرة الأستاذ جوهر) وقد ترجم هذا العمل. كانارد (ص 19، 91 وما بعدها، 147، 150, 181) كما كان إلغاء تولية تميم، ابن المعز ولاية العهد منسجما مع هذا (انظر ترجمة كانارد الآنف ذكرها ص 213، 339, 467) وبالإضافة إلى أنه كان من الضرورى مقاومة الآراء المتطرفة التى ظهرت فى المعتقد الفاطمى، وسنتناول هذا فى الفقرات التالية. لقد كان على الفاطميين أن يواجهوا فى الشمال الأفريقى معارضة دينية وسياسية دينية من كل من السّنة والخوارج. ولقد شرح المعارضة السنية المالكية شرحا جيدا الباحث ج. مارسيه فى كتابه: La Berberie musulmane et L'orient au Moyen Age Paris, 1946 فى الفصل الذى جعل له عنوانا (أسباب الفراق Les Causes du divovce) فرغم أنه اعتمد على مصادر سنّية إلّا أنه قدّم صورة واضحة لحجج هذه المعارضة التى كان الفاطميون يخمدونها أحيانا بالرشاوى، ويقدم لنا محمد بن شنب فى مبحثه Classes des Savants de L'Ifrikiya قصصا شائقة لمناظرات

دينية بين الفقهاء وأخى الداعية. وعلى أية حال فإن هذه المعارضة لم تسَّبب إزعاجا جادا للسلطات إلّا عندما تحالفت القيروان -رغم أن أهلها يتمسكون تمسكًا شديدًا بالسنّة- تحالفا مؤقتا مع أبى يزيد الخارجى. حقيقة إن المعارضة من جانب الخوارج قد اتخذت شكلًا خطيرا بثورة أبى اليزيد هذا الذى استولى على عدّة مدن مهمة وفرض حصارا على المهدية لمدة عام ولم تلحقه الهزيمة حتى سنة 336 هـ/ 947 م. وقد استنفدت هذه الثورة التى بدأت سنة 332 هـ/ 943 - 944 م جهود الخليفة الفاطمى القائم فلجأ إلى سوس تخلصًا من متاعب الحرب، ولم تنته هذه الثورة إلّا فى زمن الخليفة المنصور. وكان أبو يزيد الخارجى يلقى الدَّعْم من الحاكم الأموى فى قرطبة مما مكنه من وضع الفاطميين على شفا الهاوية. وكانت قبيلة زناتة فى الغرب مصدرا آخر للمتاعب فقد كان أبو عبد اللَّه الشيعى قد طرد الرستميين الخوارج من تاهرت لكن الثورة اشتعلت واستطاع مصالة بن حبوس أن يستعيدها فى 299 هـ/ 911 م، كما استولى مصالة بن حبوس على فاس سنة 308 هـ/ 920 م ثم سجلماسة سنة 309 هـ/ 921 م. وبعد موت مصالة أخضع خليفته موسى بن أبى العافية بلاد المغرب واستولى على فاس من الأدارسة لكن الأمر انتهى باستسلامه للأمير الأموى فى سنة 320 هـ/ 932 م. وعلى النحو نفسه تصرَّف الخليفة الفاطمى القائم الذى كان بالفعل يدير المعارك فى المغرب أثناء حياة والده، وأسَّس مدينة مصالة الحصينة (المحمدية) فى الزاب -إذ وجد نفسه مضطرًا بعد توليه الحكم لإرسال حملة لإعادة فتح فاس وكل المناطق الغربية فى بلاد المغرب والاستيلاء عليها من ابن أبى العافية، وكذلك تاهرت. وأعاد الخليفة القائم تنظيم الأدارسة فى المناطق التى كانوا يحكمونها لكنهم -أى الأدارسة- قد أصبحوا الآن تحت حكم الفاطميين. وقد استطاع الخليفة المعتز بحكمته وتصرفه الحذر الحصيف ومهارة قائده جوهر أن يخضع كل المغرب ويفرض السلام

حتى المحيط الأطلنطى نتيجة معركة عظيمة قادها جوهر. كما واجه المعتز هجوما بحريا شنته قوات عبد الرحمن الثالث الأموى سنة 344 هـ/ 955 م. وكان الخليفة عبيد اللَّه المهدى قد أسس مدينة المهديّة على ساحل أفريقيّة (تونس) الشرقى لتكون نافذة يُطل منها بلاد المشرق، وفى سنة 308 هـ/ 930 م جعل منها عاصمة لخلافته. وبعد سنوات قليلة من توليه السلطة حاول أن يقوّى مركزه فى مصر لكن الحملتين اللتين أرسلهمما بقيادة ابنه القائم سنة 301 - 302 هـ/ 913 - 915 م و 307 - 309 هـ/ 919 - 921 م باءتا بالفشل رغم ما حققتاه من نجاح مبدئى فقد وصل فى الحملة الأولى إلى بوّابات الفسطاط وفى الثانية إلى الفيوم وقد تحطم الأسطول الفاطمى فى الحملة الثانية، وعلى أية حال فإن برقة ظلت بعد الحملة الثانية فى أيدى الفاطميين، وقد حاول الخليفة القائم بعد توليه الاستيلاء على مصر سنة 323 هـ/ 925 م لكن الفاطميين فشلوا للمرَّة الثالثة. ولم يقدم قرامطة البحرين للفاطميين أية مساعدة فى كل حملاتهم العسكرية للك وهذا يناقض رأى دى خويه (انظر فى هذا الموضوع: بحث مادلونج عن الفاطميين وقرامطة البحرين وما بعدها، حيث ينكر وجود تعاون فاطمى قرمطى مؤكدا ذلك بالخطاب الذى أرسله عبيد اللَّه إلى أبى طاهر بعد استيلاء القرامطة على الحجر الأسود (انظر أيضا فى حوليات التاريخ الإسلامى تحت سنة 317 هـ, فليس هناك دليل على تحالف فاطمى قرمطى). ولم تكن السلطة الفاطمية الجديدة التى حلت محل الأغالبة بقادرة على تجاهل صقلية أو النظر إليها بعدم اكتراث. لكن واليَيْن فاطميّين متعاقبين اضطرا لترك صقلية لرفض أهل الجزيرة لهما، وقام الصقليون باختيار ابن قُرْهب الذى أعلن ولاءه للخليف العباسى وأرسل -مرتين- أساطيله لمهاجمة أفريقية (تونس) فلاقى فى المرة الثانية هزيمة ساحقة، وأخيرا تخلّص الصقليون من ابن قرهب بتسليمه لعبيد اللَّه الذى أمر بقتله سنة

304 هـ/ 914 م، وبعد ذلك -فقط- استطاع الوالى الذى أرسله الفاطميون للجزيرة أن يُحكم قبضته عليها، لكن صقلية عانت من الاضطرابات فى زمن لاحق، ففى سنة 336 هـ/ 948 م أرسل المنصور الحسن بن على بن الكلبى واليا على صقلية فاحتكرت أسرته بعده هذا المنصب وشيئا فشيئا بدأت الأمور فى الجزيرة تتجه نحو الحكم الذاتى وكان من الطبيعى أن يخوض الخلفاء الفاطميون حروبا ضد البيزنطيين الذين كانوا مستقرين فى صقلية وأن يتبادلوا السفارات معهم. فلقد أرسل الفاطميون من أفريقية أكثر من مرة أساطيلهم لمحاربة البيزنطيين فى إيطاليا وصقلية، وفى خلافة عبيد اللَّه فى تاريخ لم تؤكده المصادر (بين سنتى 914 و 918 م) عقد الإمبراطور البيزنطى معاهدة مع حاكم صقلية تعهد بمقتضاها أن يدفع جزية سنوية مقدارها 22.000 قطعة ذهب وبعد ذلك بعدة أعوام قرر الخليفة تخفيض المبلغ إلى 11.000 كرد جميل للامبراطور رومانوس ليكابينوس لإطلاقه سراح المبعوثين الفاطميين إلى بلاط ملك البرتغال وكانت سفينتهم قد أسرت وهم فى الطريق لأداء مهمتهم وبصحبتهم مبعوثون بلغاريون كان ملك البلغار قد أرسلهم إلى أفريقية ليقترحوا على الفاطميين عقد تحالف بينهما (بين الفاطميين والبلغار) ضد البيزنطيين. وبسبب كشف المخطط بعد وقوع المبعوثين فى الأسر فشل التحالف البلغارى الفاطمى المقترح ضد البيزنطيين. وفى حوالى هذا الوقت تقريبًا أرسل الفاطميون حملة ضد جنوة وكورسيكا وسَرْدينيا. وأثناء حكم الخليفة القائم حاول الإمبراطور البيزنطى دعم ثوار جيرجنتى Girgenti وتلقى المنصور وهو فى أوج نضاله ضد أبى يزيد فى سنة 335 هـ/ 946 م مبعوثين بيزنطيين أتوا لتقدير الموقف بأنفسهم. وفى عهد المُعز وأثناء النزاع مع الأمويين، طلب الخليفة الأموى المساعدة من الإمبراطور البيزنطى ضد الخليفة الفاطمى واستجاب الإمبراطور لطلبه إلّا أنه اقترح على المعز سحب مساعدته للأمويين إذا رغب فى عقد هدنة طويلة معه -أى الإمبراطور البيزنطى، إلا أن

فتح مصر

المعز رفض ذلك، وأرسل فى سنة 345 هـ/ 956 - 957 م أسطولًا بقيادة عَمّار الكلبى وجوهر هاجم الأراضى البيزنطية وأنزل قوّات فى إيطاليا، لكن عاصفة شديدة شتَّتت الأسطول فى رحلة العودة. وفى سنة 346 هـ/ 957 - 958 م وصل مبعوث بيزنطى لدفع الجزية وطلب عقد هدنة لمدة خمس سنوات وحصل على الهدنة بالفعل، إلّا أن الفاطميين فى عهد المعز قد خرقوا هذه الهدنة عندما لجأ إليه أهل كريت لمساعدتهم ضد البيزنطيين، وكانت مساعدات المعز لأهل كريت -حتى لو وصلت- غير مجدية وقد كتب شتيرن عن سفارة 346 هـ والأحداث المتعلقة بها وبعد ذلك بعدة سنوات فى عهد نقفور فوكاس Phocas الذى رفض أن يستمر فى دفع الجزية وواصل أعماله العدائية ضد صقلية، واستطاع الأسطول والجيش الفاطميين إنزال الهزيمة بالقوات البيزنطية فى بداية سنة 965 م (فى معركة رامتا Rametta ومعركة المضايق) وتوصل الطرفان إلى اتفاق سلام سنة 356 هـ/ 967 م ومما ساعد على تساهل الفاطميين فى إبرام هذه المعاهدة أن المُعِز كان مشغولًا بالإعداد لحملته على مصر. فتح مصر: أدى النجاح الذى حققه المعز فى شمال أفريقيا إلى العمل على تنفيذ سياسته بالتوجه شرقا بأن يأخذ على عاتقه فتح مصر، تلك المهمة التى لم يستطع تنفيذها كل من عبيد اللَّه والقائم، وتم التخطيط للفتح بعناية سواء من الجوانب العملية أو من الجوانب الدعائية التى استخدمت الأبعاد النفسية بمهارة (انظر: G. Weit: L'Egypte arabe vol. Iv , M. Canard: L'impend lisme des Fatimides et Leur Propagande, in AIEO Alger, Iv, 167 f). وبثتها فى بلد (مصر) كانت تعانى من اضطراب أحوالها الداخلية وقد أنهكتها المجاعة ففتحها جوهر بدون صعوبات تذكر ودخل الفسطاط فى 12 شعبان سنة 538 هـ/ أول يوليو 969 م وبذلك أصبحت مصر بلدًا شيعيا

الفاطميون فى مصر

لمدة قرنين أو على الأقل تشيعت بشكل ظاهرى، وحذف جوهر اسم الخليفة العباسى من خطبة الجمعة وأدخل بالتدريج صيغا جديدة تنطوى على عقائد شيعية. وركز جهوده منذ البداية فى اتخاذ إجراءات للتخلص من المجاعة واستعادة النظام وتصرف مع أهل البلاد بكرم وسخاء وأنشا مدينة جديدة هى القاهرة لإسكان عسكره ووضع حجر الأساس للجامع الأزهر فى 24 جمادى الأولى سنة 359 هـ/ 4 إبريل 970 م. الفاطميون فى مصر: بعد أن استقر الفاطميون فى مصر عملوا على مذ سلطانهم للمناطق التى كانت تابعة للدولة الإخشيدية فتم إلحاق مكة والمدينة بالفعل سنة 359 هـ/ 970 م. وكان الأمر بالنسبة لضم الشام أكثر صعوبة إذ إن الحاكم الإخشيدى كان قد عقد حلفًا مع قرامطة البحرين الذين كانوا يلقون بدورهم دعما من البويهيين فى بغداد إلا أن جعفر الفالح مساعد القائد جوهر كان قادرا على محاصرة دمشق غير أنه قتل فى معركة ضد القائد القرمطى الحسن الأعصم فى آخر سنة 360 هـ/ أغسطس 971 م واتجه القرامطة إلى مصر إلّا أن جوهر ألجأهم إلى الفرار فى آخر سنة 361 هـ/ ديسمبر 971 م واستولى جوهر على جانب من فلسطين وعاد القرامطة بقيادة الحسن الأعصم ليهاجموا القاهرة سنة 363 هـ (بداية سنة 974 م) وكان المعز موجودا فعلًا بالقاهرة فنثر الذهب للأعراب مما جعلهم ينفضون عن مساعدة الحسن الأعصم، وبعد ذلك أعاد الفاطميون فتح دمشق التى وقعت بعد فترة قصيرة فى يد ألبتكين التركى فاستعادها العزيز سنة 368 هـ/ 978 م لكنه كان مضطرًا للدفع للقرامطة الذين ساعدوا ألبتكين كى ينسحبوا، وتوالت الجهود الفاطمية حتى تم الاعتراف بسلطانهم من المحيط الأطلنطى حتى البحر الأحمر والحجاز واليمن بل وامتد حتى الموصل لكنهم فشلوا فى التفاهم مع آل بويه فى بغداد مع أنهم شيعة. وشهد القرن الخامس الهجرى/ الحادى عشر الميلادى اضطرابات فى

العلاقات مع صقلية وشمال أفريقيا

سوريا وفلسطين، وحاول القائد الأرمنى بدر الجمالى عبثا أن يحتفظ بسلطة الفاطميين فى دمشق لكن باءت جهوده بالفشل سنة 455 - 456 هـ (1063 - 1064 م) ومرة أخرى سنة سنة 458 - 460 هـ (1066 - 1068 م)، واحترق المسجد الأموى سنة 461 هـ/ 1069 م أثناء نزاع عسكرى بين عناصر مغربية وأخرى مشرقية فى الجيش. وفى سنة 468 هـ/ 1076 م احتل دمشق القائد الفاطمى المنشق التركمانى أتسيز بل هدد القاهرة ذاتها سنة 469 هـ/ 1077 م، وابتداء من سنة (471 هـ/ 1079 م كان لدمشق أمير سلجوقى، وفى سنة 463 هـ/ 1071 م استولى أتسيز على القدس التى انتقلت بعد ذلك إلى سقمان ابن أرتق، ولم يبق فى يد الفاطميين من فلسطين سوى عسقلان التى احتلها الصليبيون سنة 548 هـ/ 1153 م -وعدد قليل من مدن الساحل، ولم تنجح أى محاولة من محاولات بدر الجمالى لإعادة الشام لحوزة الفاطميين. العلاقات مع صقلية وشمال أفريقيا: أما عن العلاقة مع الشمال الأفريقى فإن الروابط كانت قد بدأت بالفعل فى التفكك فى عهد العزيز، وكان يحكمه منصور بن بلكين فى الفترة من 373 - 386 هـ/ 984 - 996 م. وفى عهد الحاكم ظهرت بعض المشاكل فى برقة وطرابلس. وفى 443 هـ/ 1051 م قطع المعز بن باديس علاقته تماما بالفاطميين وأعلن هذا الأمير الصنهاجى ولاءه للخليفة العباسى فى بغداد، وقد تم اجتياح قبائل بنى هلال لأفريقية بموافقة الوزير الفاطمى اليازورى على سبيل الانتقام، وفى 517 هـ/ 1123 م قدم الأمير حسن بن على البيعة للخليفة الفاطمى الآمر وطلب منه التدخل لدى روجر الثانى الصقلى لوقف هجماته على أفريقية، إلّا أنه يمكن القول إن العلاقة ظلت مقطوعة مع الخلافة الفاطمية فى القاهرة أكثر من نصف قرن. وفيما يتعلق بصقلية فقد ظلت مستقلة فعليا وظل الأمراء الكلبيون أقرب إلى الزيديين فى أفريقيا ومع هذا

العلاقات مع الإمبراطورية البيزنطية

فقد ظلت عملتهم حتى أيام الظاهر، بل للخليفة الذى تلاه تحمل اسم الخليفة الفاطمى، وليس من المستبعد أن الهجمات التى كان يشنها أهل صقلية على الحدود البيزنطية كانت تلقى دعما من الخلفاء الفاطميين بالقاهرة لأن الإمبراطور البيزنطى رومانوس أرجيروس طلب من الخليفة الفاطمى الظاهر عدم مساعدة صاحب صقلية فى حملاته ضد البيزنطيين، ولم يهتم الفاطميون بالغزو النورمانى لصقلية وظلت العلاقات مع روجر الثانى طيبة رغم هذا الغزو فيما عدا سنوات 1153 و 1155 و 1169 و 1174 م التى شهدت غارات بحرية نورمانية ضد تونس ودمياط والإسكندرية. العلاقات مع الإمبراطورية البيزنطية: كان مضمون الدعاية الفاطمية أثناء الفترة الأفريقية (قبل فتح مصر) هو حقهم فى السيادة على العالم كله كحق مقدس لهم لذا فقد دعوا إلى القضاء على حكم أمويىّ الأندلس، وعباسيىّ بغداد وأباطرة بيزنطة، ومع هذا فقد رأينا -فيما سبق- علاقتهم بالبيزنطيين إذ استقبل المعز عدة مبعوثين منهم، أما فى مصر فقد استقبل المعز قبيل موته سفارة من يوحنا (جون) تزيمسكاس John Tzimiscs, وحاول العزيز الحصول على حلب وفشل لكن العزيز حصل عليها من الإمبراطور بازل الثانى ووعد العزيز بعدم مقاطعة التجارة البيزنطية فى مقابل أن يذكر اسمه فى خطبة مسجد القسطنطينية (أبو المحاسن القاهرة، جـ 4، ص 151 - 152) وكان العزيز يعد حملة كبيرة ضد البيزنطيين لكنه مات أثناء خروج الحملة. وقد استمرت الأعمال العدائية فى شمال سوريا فى فترة خلافة الحاكم وغالبا ما كانت تلقى دعما من الإمبراطور البيزنطى إلّا أنه فى سنة 391 هـ/ 1001 وقعت هدنة مدتها عشر سنوات، وقد أدى تحطيم كنيسة القيامة بأمر الحاكم أن ساءت العلاقة إلّا أن محاولة جرت للتوفيق سنة 412 هـ/ 1021 م قبيل وفاة الحاكم. وفى عهد الظاهر أعيد ترميم كنيسة القيامة وإصلاحها، وفى بداية عهد المستنصر

العلاقات مع الشرق العباسى

تم توقيع اتفاق سلام بين الطرفين مدته ثلاثون عاما. وساعد ظهور الخطر السلجوقى وتغلغله على توثيق عرى الصداقة البيزنطية الفاطمية. العلاقات مع الشرق العباسى: كان ابن هانئ الأندلسى شاعر المعز يزين له دخول بغداد ليصل منها إلى خراسان، ويقال إن المعز قال لمبعوث بيزنطى فى القاهرة إنه عندما يزوره فى المرة القادمة سيكون ذلك فى بغداد، وأخذ العزيز على عاتقه تحقيق هذا الهدف عن طريق المفاوضات فحاول حث آل بويه على الاعتراف به لكن ذلك لم يحدث. ولم تفلح جهود الحاكم بعد ذلك مع الغزنويين، ووثق المستنصر علاقاته مع دويلات المشرق فأرسل البعوث حتى السند لدرجة أنه أتى وقت ظن فيه المستنصر أن حلم الفاطميين أضحى على وشك أن يتحقق، ففى العراق عمل القائد التركى البساسيرى على الاعتراف بالخلافة الفاطمية فى أنحاء مختلفة إذ تم الاعتراف بها فى الموصل سنة 448 هـ/ 1057 م، بل وفى بغداد ولمدة عام 451 هـ/ 1059 م. لكن السلاجقة باعتبارهم سنة لم يكونوا متعاطفين مع الفاطميين، ففى سنة 447 هـ/ 1055 م أعلن طغرل بك عن عزمه على التوجه لسوريا ومصر ليضع نهاية لحكم المستنصر. وقد قوى عزم السلاجقة للسيطرة على سوريا وسواحل البحر المتوسط الشرقية بعد أن ضعف شأن البساسيرى فى بغداد خاصة بعد أن قرر الوزير الفاطمى اليازورى قطع الدعم عنه، بل وراح هذا الوزير يراسل طغرل بك. والحقيقة أنه منذ ذلك الحين لم يكن هناك شاغل للسلاجقة سوى اقتطاع مناطق تابعة للدولة الفاطمية. وفى مكة (المكرمة) حذف اسم الخليفة الفاطمى من الخطبة بشكل مؤقت سنة 462 هـ/ 1069 - 1070 م ثم بشكل نهائى سنة 473 هـ/ 1088 م، وعندما شق الأمير ناصر الدولة عصا الطاعة أيام المستنصر طلب المساعدة سنة 462 هـ/ 1069 - 1070 م من السلطان السلجوقى ألب أرسلان بإرسال جيش لفرض ذكر اسم الخليفة العباسى فى الخطبة، وفى العام التالى تقدم السلطان السلجوقى حتى حلب

الفاطميون والحروب الصليبية

وأبطل الحاكم المدراسى ذكر اسم الخليفة الفاطمى فى الخطبة، ولم يعق تقدم ألب أرسلان سوى قيام الإمبراطور البيزنطى بغزو أرمينيا. وبصرف النظر عن ذلك فقد أضحى التغلغل السلجوقى فى سوريا وفلسطين أمرًا ملموسا. وفى اليمن كان الفاطميون يلقون تأييدا حارا من الأسرة الحاكمة الصالحية فى صنعاء التى حكمت من 429 هـ إلى 534 هـ (1038 - 1139 م) إذ كان مؤسس الأسرة واحدا من الدعاة الفاطميين. الفاطميون والحروب الصليبية: عندما وصل الصليبيون إلى شمال سوريا لم يكن فى حوزة الفاطميين سوى عسقلان وقليل من المدن الساحلية الأخرى، لذا فقد كانوا أقل اهتماما بمواجهة هذا الخطر من الأمراء الأتراك فى سوريا. ويذكر لنا ابن الأثير فى حوادث سنة 491 هـ/ 1097 - 1098 م ما يفهم منه أن الفاطميين هم الذين استدعوا الفرنج (الصليبيين) إلى الشام انتقاما من السلاجقة الذين هددوا الفاطميين فى الشام وكانوا على وشك تهديدهم فى مصر. ولا يبدو رأى ابن الأثير هذا مقبولا، لكن الفرنج (الصليبيين) استقبلوا سفارة فاطمية خارج أسوار أنطاكية فى بداية سنة 1098 م كما أرسلوا مبعوثين منهم للقاهرة، لكن مشروع التحالف بينهما (بين الفاطميين والصليبيين ضد الترك السلاجقة) بإعطاء سوريا للصليبيين وإعطاء فلسطين للفاطميين لم يصل إلى نتيجة رغم أن الفاطميين كانوا أكثر تعاطفا مع الصليبيين منهم مع الترك ورغم النوايا الطيبة للصليبيين الذين كانوا قادرين على تفهم مشاعر الفاطميين تجاه الترك من خلال ما ذكره لهم ألكسس كومنين. وفى هذه الظروف قرر الوزير الأفضل الاستيلاء على القدس من سقمان التركى ونجح فى ذلك سنة 491 هـ/ أغسطس 1098 م بعد حصار دام أربعين يوما واستمر فى تقدمه إلى ما وراء بيروت. ومن الصعب فى ظل هذه الظروف أن نفهم لماذا لم يفعل أى شئ لمنع الصليبيين من الاستيلاء عليها (القدس)

فى يوليو 1099 م، ولماذا سمح لنفسه أن يفاجأ ويضرب خارج عسقلان فى معركة سبقها استيلاء الصليبيين على مدن عدة بما فيها يافا. أحقا كان قد استولى على القدس بنيّة الاحتفاظ بها؟ وأعقب ذلك فى 494 هـ/ 1100 - 1101 م استولى الصليبيون على حيفا وأرسوف وقيصارية، وفى 497 هـ/ 1104 م استولوا على عكا، ولم يحل تدخل القوات المصرية دون سقوط طرابلس التى استنجدت بهم فى آخر سنة 503 هـ/ 1109 م ولا سقوط بيروت وصيدا فى سنة 504 هـ/ 1110 م ولا سقوط صور سنة 518 هـ/ 1124 م ومن الأمور الصحيحة أن حاكم صور كان قد وقع معاهدة مع أمير دمشق، ولم يستطع الصليبيون حتى سنة 517 هـ/ 1118 م التقدم إلى أبعد من الفرما، ومضى وقت قبل أن يركز الصليبيون جهودهم لمهاجمة مصر وأعدوا حملة قوية لمهاجمة عسقلان، فقام الوزير المصرى ابن سلار بالتفاوض مع نور الدين أمير حلب فى سنة 545 هـ/ 1150 م وشن الأسطول المصرى هجوما قويا على الموانئ التى يحتلها الصليبيون. وفى 548 هـ/ 1153 م استولى الصليبيون على عسقلان بعد معركة دموية رهيبة. وقام الوزير طلائع بن رزيق بإرسال حملات ضد الصليبيين أحرزت نصرا قرب غزة وفى الخليل سنة 553 هـ/ 1158 م لكن ذلك لم يكن مجديا كثيرا لأن نور الدين لم يكن مطمئنا إلى شن حملات مشتركة بسبب عدم استقرار الأحوال فى القاهرة. وقتل طلائع بتحريض من العاضد سنة 556 هـ/ 1161 م وخلفه فى الوزارة ابنه الذى لاقى مصير أبيه نفسه سنة 558 هـ/ 1163، وأدّى الصراع على منصب الوزارة فى مصر بين شاور وضرغام إلى تدهور الأحوال فى مصر وتدهور مشروعات التعاون مع نور الدين فى الشام لمواجهة الصليبيين، وقد طرد ضرغام شاور، فلجأ هذا الأخير إلى نور الدين وحرضه على فتح مصر فأرسل نور الدين جيشا

السياسة الداخلية للفاطميين فى مصر

على رأسه شيركوه ومعه ابن أخيه صلاح الدين، وقتل ضرغام فى الرملة 559 هـ/ أغسطس 1164 م واسترد شاور منصب الوزارة، وليس هنا مجال تفصيل لما حدث بعد ذلك إذ لا يهمنا إلّا القول إن صلاح الدين قد نجح فى خاتمة المطاف فى إسقاط الخلافة الفاطمية وإعادة مصر لحظيرة السنة فى سنة 567 هـ/ 1171 م وأصبح اسم الخليفة العباسى يتردد فى الخطبة. السياسة الداخلية للفاطميين فى مصر: الخلافة والوزارة: لا تتم الخلافة لدى السنة إلَّا عن طريق البيعة أو بتعيين من الخليفة السابق على أن يعقب ذلك بيعة شكلية، أما فى المذهب الإسماعيلى فإن الخليفة هو وريث من اختاره النبى ليكون (وصيا) أى أنه خليفة بالتفويض الإلهى وبالتعيين، والإمامة تنتقل من الأب إلى ابنه، داخل أسرة على (الوصى) وليس هناك استثناء من ذلك سوى فى حالة الحسن والحسين. ويمكن إخفاء اسم الإمام عن الناس (سَتْره) فلا يكون معروفا إلّا لقلَّة قليلة ويمكن ألَّا يقع الاختيار على الابن الأكبر فجعفر الصادق قد أوصى لإسماعيل مع أنه لم يكن الابن الأكبر، وعلى النحو نفسه فقد تم تفضيل عبد اللَّه على تمَّام مع أنه الابن الأكبر للمعز، ولما مات عبد اللَّه سنة 364 هـ/ 974 - 975 م عُيِّن أخوه نزار (العزيز) لكن بعد اختفاء (الحاكم) تم القبض على عبد الرحمن بن إلياس ابن أخى الحاكم وهو الخليفة الموصى له وتم سجنه بناء على أوامر ست الملك أخت الحاكم وتم الاعلان بأن عليا بن الحاكم هو الإمام وتسمى بالظاهر وكان عمره ست عشرة سنة فقط، لكن السن ليس شرطا من شروط الإمامة فالحاكم نفسه اعتلى سدة الحكم وهو فى الحادية عشرة من عمره، وغالبا ما كانت الإمامة (الخلافة) فى الدولة الفاطمية تؤول إلى أطفال كما فى حالة المستنصر (7 سنوات) والمستعلى (8 سنوات) والآمر (5 سنوات) والظافر (17 سنة) والفائز (5 سنوات) والعاضد (9 سنوات) وكان من نتيجة هذا أن السلطة الحقيقية كانت دائما فى أيدى الأوصياء أو الوصيات كما فى

تطور منصب الوزارة

حالة ست الملك أخت الحاكم أو الأم كأم المستنصر، وأحيانا كانت السلطة الفعلية فى أيدى القادة العسكريين والوزراء، ولقد ظل تتابع الخلفاء بشكل منتظم دون مشاكل خطيرة حتى المستعلى وهو أول خليفة فاطمى يؤدى تعيينه إلى ظهور مشاكل وصراعات. فقد تسبب الوزير الأفضل فى إزاحة نزار الابن الأكبر للمستنصر، وتولية الابن الأصغر المستعلى بدلًا منه وأدى هذا إلى ثورة نزار التى تسبَّبت فى حدوث انشقاق لازال قائما حتى اليوم فى عقائد الاسماعيلية، وبعد وفاة الآمر قيل إن تتابع الإمامة الفاطمية لم يعد منتظما فالخليفة الحافظ هو ابن عم الآمر باعتبار على بن أبى طالب كان عما للرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وأى هذا الاضطراب فى نظام توريث الحكم إلى شيوع الاضطرابات والفوضى وتجلى ضعف الخلفاء بشكل واضح منذ أيام المستنصر. ومنذ أيام المستعلى كانت السلطة الحقيقية فى أيدى وزراء السيف. وعلى أية حال فإن مسألة شرعية الفاطميين نفسها أصبحت بعد ذلك موضع شك فقد جرت محاولة بالفعل فى عهد المستنصر لإعادة السلطة العباسية، وفى سنة 464 هـ/ 1072 م فى الاسكندرية جعل ناصر الدولة الخطبة باسم الخليفة العبّاسى، بل ودخل فى علاقات معه عندما كانت بيده مقاليد الأمور -بشكل مؤقت- فى القاهرة واتخذ الحافظ وزيرا سنيّا هو ابن السلَّار، وقد أدت الفوضى الداخلية كما أدى عجز الفاطميين فى مواجهة الصليبيين إلى التعجيل بسقوط الفاطميين. تطور منصب الوزارة: شغل منصب الوزارة أهمية فى التاريخ الفاطمى راحت تتنامى تدريجيا. وأثناء الفترة الأفريقية لم يكن يوجد وزراء يحملون هذا الاسم، أما فى مصر فقد كان أول من حمل هذا الاسم هو يعقوب بن كلس فى عهد الخليفة العزيز، وبعد ذلك كان الخلفاء -فى بعض الأحيان- يحكمون دون مساعدة من وزير، وفى أحيان أخرى كانوا يستخدمون شخصا يقوم بعمل الوزير

لكنه لا يحمل لقب الوزير ولا يشغل منصبه، وإنما يؤدى ما يوكل إليه من أعمال الوساطة أو السفارة بينه وبين موظفيه أو بينه وبين رعاياه وفى هذه الحال يسمى وسيطا، وأحيانا يكون للوزير سلطة تنفيدية قوية وفى هذه الحال كان يسمى وزير التنفيذ، لكن فى النصف الثانى من حكم المستنصر -عندما احتاج الأمر لمن يعيد النظام ويعالج الكوارث- تم استقدام بدر الجمالى من سوريا وخول كل السلطات والصلاحيات حتى أصبح فيما يقول الماوردى (وزير تفويض) ولأن بدر الجمالى كان عسكريا لذا فقد سمى وزير القلم والسيف وأحيانا كان اللقب يختصر ليكون (وزير السيف) ومنذ ذلك الوقت أصبح كل الوزراء سواء الذين تم تعيينهم بواسطة الخلفاء أو الذين استأثروا بالسلطة لأنفسهم -يتمتعون بالسلطة كاملة وبكافة الصلاحيات وبالتالى أصبحوا (وزراء سيف)، ولم يكن وزير السيف قائدًا للجيوش فحسب وإنما كان أيضا رأسًا للسلطة المدنية والقضائية بل والدينية فمن ألقابه ما يفيد أنه (أمير الجيوش) وقاضى القضاة وأمير الدعاة ولقد رأينا أن الوزير كان لا يدع شيئا من السلطة للخليفة منذ رضوان وزير الحافظ سنة 531 هـ/ 1171 م ومما يزيد هذا الأمر وضوحا اتخاذ الوزير لقب (ملك) مصحوبا بألقاب أخرى مختلفة مناظرة للبويهيين الذين اتخذوا لقب (أمير بغداد) ابتداء من سنة 440 هـ/ 1948 م، وأدت الأحداث الجسام إلى انتقال منصب الوزارة من شيركوه الذى تقلد الوزارة سنة 564 هـ/ 1169 م إلى ابن أخيه صلاح الدين. والأمر الجدير بالملاحظة أن عددا من الوزراء الفاطميين -سواء كانوا يحملون اللقب رسميا أم لا- كانوا من المسيحيين، ومن هؤلاء عيسى بن نسطورس وزير الخليفة العزيز، وزرعة ابن عيسى بن نسطورس الذى خلف فى منصب الوزارة نصرانيا آخر هو منصور بن عبدون، أما بالنسبة ليانس الأرمنى الذى شغل منصب الوزارة لبضعة أشهر من سنة 562 هـ/ 1132 م فى عهد الخليفة الحافظ -فلا ندرى إن كان قد ظل على مسيحيته أم

الاضطرابات والثورات وحركات العصيان

تحوّل للإسلام. لكن هناك حالة غريبة لوزير أرمنى آخر ظل على مسيحيته ولم يعتنق الإسلام، وكان يحمل لقب (وزير السيف) وكانت له صلاحياته كاملة وكان يتمتع بنفوذ قوى وسلطات كاملة، كما كان لقبه (سيف الإسلام) ومن ناحية أخرى لا يبدو أن اليهود قد شغلوا منصب الوزارة رغم تقلدهم فى الغالب لمناصب مهمة أخرى- إلّا إذا اعتنقوا الإسلام، فابن كلّس وزير المعز كان يهوديا تحول للإسلام، وكذلك كان وضع حسن بن إبراهيم بن سهل التسترى الذى شغل منصب الوزارة -لفترة قصيرة- فى عهد المستنصر، وكذلك كان الوزير ابن الفلَّاحى. وشاع فى العهد الفاطمى إعدام الوزراء سواء بأوامر من الخلفاء أو من منافسيهم، ففى بداية سنة 390 هـ/ 1000 م تم إعدام برجوان بأمر من الحاكم كذلك أعدم ستة وزراء خلفوه، وتم إعدام اليازورى سنة 450 هـ 1058 م خلال حكم المستنصر، وتم إعدام الأفضل فى سنة 515 هـ/ 1121 م بأمر من الآمر، وقد أمر هذا الخليفة نفسه (الآمر) بسجن المأمون البطائحى سنة 519 هـ/ 1125 م وشنق بعد ثلاث سنوات، وأعدم الوزير كُتيْفات سنة 526 هـ/ 1131 م فى عهد الحافظ، وفى العام التالى تم إعدام الوزير يانس، وفى سنة 556 هـ/ 1161 م أُعدم طلائع بن رزيق بأمر واحد من أعمام الخليفة الصغير (العاضد). وقد استخدم الخليفة العزيز ثمانية وزراء خلال عشرين عاما، واستخدم المستنصر خمسة وزراء فى الفترة من 452 - 554 هـ/ 1060 - 1062 م، وفى الفترة من 454 - 466 هـ/ 1062 - 1074 جرى صرف وإحلال عديد من الوزراء إذ عدد ابن الميسر أربعة وعشرين وزيرا استخدمهم هذا الخليفة، تولى بعضهم المنصب ثلاث مرات. الاضطرابات والثورات وحركات العصيان: ليس غريبا أن تسود فترة الحكم الفاطمى اضطرابات خطيرة لأسباب سياسية وعسكرية ودينية واقتصادية بسبب تدهور حال الخلفاء من القوة إلى

الضعف وعدم استقرار منصب الوزراة وشيوع الفوضى: - فى عهد الحاكم قامت ثورة أبى ركوة الذى اذعى الانتساب لأمويى الأندلس وكان هدفه إعادة الأسرة الأموية للحكم. - وفى بداية حكم المستنصر ظهر دَعِىّ اسمه سكين ادّعى أنه (الحاكم) وجمع مؤيديه وتوجه بهم إلى بوابات قصر الخليفة وتم القبض عليه وعلى أتباعه جميعا حيث أعدموا فى 443 هـ/ 1043 م. - ثورة نزار الإمام الذى عينه المستنصر، لكن الوزير الأفضل تدخل بسلطانه فنحاه من سلسلة الأئمة (الخلفاء) لصالح أخيه الخليفة المستعلى، وكانت لذلك نتائج وتتابعات خطيرة إذ انضم الحسن بن الصباح إلى جانبه وبدأ حركة أدت إلى ظهور مذهب الحشاشين (انظر مادتى الحشيشية والنزاريّة). فى سنة 524 هـ/ 1130 قتل واحد من أتباع نِزَار الخليفة الآمر الذى لم يترك ابنا، لكن هناك من أعلن أنَّ له ابنا هو الطيب، ومن هنا ظهر انشقاق جديد فى العقائد الفاطمية (انظر إيفانون وشتيرن). - وفى سنة 543 هـ/ 1148 م حدث تمرد آخر قام به شخص ادَّعى أنه ابن نزَار. وشهد عصر الدولة الفاطمية فى مصر عديدا من الاضطرابات العسكرية خاصة عندما بدأت الدولة تضعف إذ تشرذم العسكر وراحت كل مجموعة تحارب أخرى وقد أدّت طبيعة تشكيل الجيش إلى حدوث هذه النزاعات العسكرية فهناك البربر (المغاربة) وهناك الترك (الذين أدرجوا فى الجيش منذ فترة حكم العزيز) والدّيلم (المشارقة) بالإضافة إلى العبيد السودانيين (عبيد الشراء) وزاد عدد منذ وصاية أم المستنصر التى كانت هى ذاتها جارية سوداء أعتقت. وكانت كل هذه العناصر يغار بعضها من بعضها الآخر ويكره بعضها البعض الآخر. ففى معركة بين هذه الفصائل فى عهد الحاكم كان الترك والديلم والسود فى جانب، والبربر فى جانب آخر، وكان قائد البربر ابن عمار الكتانى، وتزعم

الفصيل الآخر برجوان، وتأججت الكراهية بين الترك والعبيد السود سبب أم المستنصر وأدت هذه الكراهية إلى معارك عديدة بين الطرفين سنة 454 هـ/ 1062 م و 459 هـ/ 1067 م، وقد اتخذ البربر جانب الترك فى هذه المعارك. وقد سلب ناصر الدولة القائد التركى الذى انتصر على السود فى هذه المعارك الأهلية- الخليفة المستنصر كل سلطانه، حتى أنه -أى المستنصر- كان مضطرًا لبيع ممتلكاته ليدفع للترك وكانت طلباتهم مبالغا فيها. واستمرت الاضطرابات بسبب استبداد ناصر الدولة وصاحبتها المجاعة حتى مجئ بدر الجمالى الذى تصرف بحزم لا لين فيه (بدكتاتورية)، ومنذ حكم الحافظ فصاعدا كانت هذه الفصائل العسكرية المتناحرة توزع ولاءاتها على مدَّعى منصب الوزارة أو المطالبين به، وكان بعض الوزراء يحابون بعض الفصائل على حساب الأخرى حتى يستعينوا بها مستقبلا كما كانوا يجندون البدو لصالحهم. وقد نشبت بعض الاضطرابات الدينية عند ما حاول بعض الدعاة إجبار الناس على الاعتراف بالوهية الحاكم، ففى سنة 411 هـ/ 1920 م قتل جمهور الناس هؤلاء الدعاة فأمر الحاكم بإحراق الفسطاط. وفى سنة 531 هـ/ 1137 م لم يجد رضوان مشقة فى إثارة عامة المسلمين ضد الوزير الأرمنى المسيحى بهرام. وشهد العصر الفاطمى أيضا متاعب اقتصادية ومجاعات (من ذلك النوع الذى يحدث فى مصر إذا انخفض فيضان النيل). وفى سنة 414 - 415 هـ/ 1924 - 1025 م فى عهد الظاهر شهدت مصر مجاعة اضطرت الناس لأكل القطط والكلاب لأن الخليفة منع ذبح ثيران الحرث، لكن أخطر المجاعات كانت تلك التى حدثت فى عهد المستنصر، وفى سنة 446 هـ/ 1054 م طلب الخليفة من قسطنطين مونوماخوس أن يمد مصر بالطعام. وقد تحسن الوضع الاقتصادى فى عهد وزارة بدر الجمالى وابنه الأفضل.

السياسة الدينية

السياسة الدينية: نظرًا لارتباط السياسة الدينية للفاطميين ارتباطا شديدا بعقائد الإسماعيلية، فإنه لا يمكن معالجتها بالتفصيل هنا ويمكن للقارئ المهتم أن يرجع إلى مقالة (الاسماعيلية) وإلى كتالات مادلنج Madelung، التى بيَّن فيها الإصلاحات التى أدخلها على هذه العقائد كل من عبيد اللَّه والمعز، ونظريات الاسماعيلية الفرس والانشقاق الحادث زمن الحاكم والتطور الحادث زمن المستنصر. - لقد كان على الخلفاء الفاطميين الأوائل أن يقدموا أنفسهم بصورة مختلفة عن الإسماعيلية فناهضوا الأفكار المتطرفة والهرطقة التى قد تشكل خطرًا عليهم. وكان عليهم أن يواجهوا حقيقة أن الآمال التى ربطها الإسماعيلية بظهور المهدى لم تعد حقيقة قائمة، فشريعة محمد لازالت حية لم تلغ، والمعانى الباطنية للقرآن والطقوس الدينية لم تتجلَّ ولم يظهر الشرع الموعود الذى يختفى فيه الحد الفاصل بين ما هو (ظاهر) وما هو (باطنى) ولم يتم الإعلان عنه، كما أن الحكم الفاطمى لم يَغْمُر العالم كله بل على العكس أنه يواجه الصعوبات. وقد اضطر الخلفاء الفاطميون للإبقاء على الفروض الأساسية للاسلام، كما اضطروا إلى الإبقاء على (الظاهر) جنبا إلى جنب مع (الباطن). ولما كان من المفروض أن يتم الانتصار على كل الكفار بظهور المهدى، فقد كان لابد من ذريعة تفسر تأخير هذا الانتصار فكان أن قيل إن هذا الانتصار الذى سيتم على يد المهدى قد أُرجئ إلى آخر الزمان، وأن كل مهمة المهدى الآن هو إعادة الحق لأسرة آل بيت النبى وأنه لابد من استمرار الدعوة عن طريق المهدى وخلفائه حتى يحقق اللَّه وعده بظهور القائم، وقد قام القاضى الفاطمى الكبير المعروف بالقاضى النعمان بتفصيل هذا النظام فى كتابه (دعائم الإسلام) ولم يكن فى عروضه يختلف اختلافا جوهريا فى كثير من النقاط مع العلماء السنّة. وبشكل عام فإن الخلفاء الفاطميين الأوائل بدوا انتهازيين متحوّلين

الإدارة

متقلبين وأظهروا أن هدفهم لا يعدو أن يكون ترسيخ دعائم الدعوة. ومع هذا فلم يلق المعتقد الفاطمى قبولًا عاما فى مصر وسوريا، وكانت سياسة الدولة الفاطمية تجاه أهل السنة متقلبة، فأحيانا كان يتم منع الممارسات السنيّة تماما وأحيانا كانت الدولة تتصرف بتسامح، ففى سنة 307 هـ/ 919 - 920 م تم إعدام أحد المؤذنين فى القيروان لأنه لم يقل فى الأذان "حى على خير العمل" وتم منع صلاة التراويح فى شمال أفريقيا، كما منعه! العزيز فى مصر سنة 372 هـ/ 982 - 983 م، لكن الحاكم سمح بها بعد ذلك سنة 399 هـ/ 1009 م، وكان العزيز متشددا مع المالكية بينما كان الحاكم متسامحًا معهم فى بعض الأحيان وطرد الظاهر فقهاء المالكية من مصر سنة 416 هـ/ 1025 م وفى سنة 525 هـ/ 1131 م أظهر الوزير كتيفات تسامحًا كبيرا فكان هناك إلى جانب القاضى الإسماعيلى، قاض مالكى وآخر شافعى وقاض إمامى، ويذكر القلقشندى أن الفاطميين كانوا متسامحين مع كل المذاهب السنية ماعدا المذهب الحنفى. وقد تمتع المسيحيون واليهود بوضع مميز على نحو نسبى فى عهد الفاطميين، فقد لاحظنا أن عددا من الخلفاء الفاطميين قد اتخذوا لهم وزراء مسيحيين، ومن هؤلاء الخلفاء العزيز والحاكم الذى اتخذ ثلاثة وزراء مسيحيين هم فهد بن إبراهيم، ومنصور بن عبدون، وزرعة بن نسطورس والحافظ الذى كان وزيره هو بهرام المسيحى، وكان المسيحيون يشغلون المناصب العليا دائما رغم ما كان يبديه المسلمون أحيانا من كره لهم، وفى عهد العزيز تولى اليهود مناصب مهمة وزاد نفوذهم خاصة فى أيام المستنصر أثناء وصاية أمه عليه. الإدارة: كانت الدولة الفاطمية فى شمال أفريقيا ذات نظم إدارية بسيطة غير معقدة رغم أنها كانت محاطة ببعض الطقوس والمراسم، لكن منذ بداية الفترة المصرية قام المعز والعزيز بإرساء دعائم مؤسسات قوية فقد قام جوهر وابن كلِّس وأُسلوج بوضع نظم إدارية

النشاط الاقتصادى فى عهد الدولة الفاطمية

ومالية تطورت وتعقدت وجرى تحويرها وتكييفها لتحقيق الأغراض المطلوبة، ومن الكتب التى تناولت هذه النظم ابن الصيرفى فى كتابه قانون ديوان الرسائل (تحقيق على بهجت، القاهرة، 1905) والمقريزى فى كتابه الخطط والقلقشندى فى صبح الأعشى. وكانت الإدارة الفاطمية تتبع النظام المركزى الصارم، على رأسه الخليفة والوزير كسلطة تنفيذية وسلطة مفوَّضة (ومنذ عهد الوزير بدر الجمالى أصبح الوزير يسمى وزير السيف) ولم يكن لحكام الأقاليم سلطة الادارة الذاتية (الحكم الذاتى) رغم أن بعض الحكام الاقليميين -كحاكم قوص مثلا- استطاعوا الاستمتاع بسلطة واسعة، وكانت القرارات تتخذ فى الدواوين كما كانت توضع أحيانا فى قصر الوزير كما كان الحال على سبيل المثال فى عهد الوزير ابن كلَّس والوزير الأفضل، وأحيانا كانت الدواوين فى قصر الخليفة. وكان الموظفون المدنيون (أرباب الأقلام) والعسكريون (أرباب السيوف) فى خدمة الخليفة شخصيا، وكان الموظفون (فى المجالات العسكرية والإدارية والمالية والقضائية والدينية) مرتبين ترتيبا طبقيا (تصاعديا أو هيراركيا) ولم تكن رواتبهم هى التى تحدد (رُتبهم)، فحسب، وإنما كانت هناك أيضا شارات خاصة بكل طبقه (درجة) بالإضافة للمكان المخصص لكل فئة من الموظفين عند استقبالهم فى القصر أو المواكب العامة. النشاط الاقتصادى فى عهد الدولة الفاطمية: لقد وجد عبيد اللَّه المهدى شمال أفريقيا فى حال مزدهرة بفضل تطور حياة المدن، ممّا ساعد الفاطميين على تأسيس جيش وأسطول قويين. ورغم كثرة الفتن والاضطرابات وشيوع الفوضى التى كثرت فى بعض الفترات فإن مصر الفاطمية بشكل عام كانت تنعم بالرخاء بفضل الإدارة الحاسمة واستقرار الأجهزة المالية والإدارية، والعوائد العالية من التجارة والزراعة، وكثرة ما يجمع من خراج بالإضافة للذهب الذى كان يستخرج من

النشاط الثقافى فى الفترة الفاطمية

بلاد النوبة، وأهم الزراعات فى العهد الفاطمى هى القمح والشعير والخضروات المختلفة وقصب السكر والنباتات المستخدمة فى الأصباغ، والمزروعات التى تستخدم كأعلاف للماشية، وشهد هذا العصر أيضا زراعة القطن، ولم يكن إنتاج الأخشاب كافيا للاستهلاك المحلى. أما الصناعة فكانت منتعشة خاصة صناعة النسيج التى ساعد على ازدهارها زراعة الكتان، وشهدت القاهرة مصانع المنسوجات الحريرية وأنشأ المعز لدين اللَّه فيها دار الكسوة. ومن الصناعات الأخرى المهمة: النجارة وصناعة السفن، والزجاج والفخار والأعمال المعدنية أشغال الحديد والنحاس وصناعة السكاكين والمقصّات فى تنيس) وصناعة الزيت والسكر والورق والجلود وأشغال العاج، ولعب اليهود دورًا مهما فى التجارة لأن الفاطميين لم يفرضوا على التجار اليهود أو المسيحيين ضرائب أكثر من تلك التى يفرضونها على المسلمين. وكانت قوص وعيذاب (على البحر الأحمر) هما مركزى استقبال بضائع الهند، ومنهما (أى من قوص ثم عيذاب) يتم تصدير البضائع المصرية إليها، ودخلت القاهرة فى علاقات تجارية مع الحبشة والنوبة والقسطنطينية (التى كان يستغرق الوصول إليها (بحارا لعشرين يوما) وإيطاليا وصقلية والشمال الأفريقى واسبانيا ودول أوروبا الأخرى -عن طريق صقلية، وكانت أهم صادرات مصر هى البهار والملابس، أما أهم وارداتها فهى القمح والحديد والخشب والجبن (الذى كان اليهود يستهلكونه بكميات كبيرة). النشاط الثقافى فى الفترة الفاطمية شهد العهد الفاطمى نشاطا فكريا وأدبيا وفنيا كبيرا. ففى الشمال الأفريقى ارتفع شأن شعراء البلاط كابن هانئ الذى كان شديد التعاطف مع المذهب الاسماعيلى. ويمكن للقارئ المهتم متابعة كتابات الشاعر الإيادى وغيره من الشعراء، وقد نشر ديوان تميم بن المعز، ويمكن مراجعة كتاب عبقريات الفاطميين لمحمد حسن الأعظمى المنشور فى القاهرة سنة

1960. وفى شمال أفريقيا أيضا ألف القاضى النعمان مؤلفاته التاريخية والفقهية والباطنية. وقد أسس عبيد اللَّه مدينة المهدية بمسجدها الفخم وقصرها، وأسس المنصور صبرا (المنصورية) بقصورها الجميلة العديدة. أما فى مصر فقد كان النشاط العقلى والثقافى أكثر ازدهارا فرحب الخلفاء الفاطميون بالشعراء حتى من غير الاسماعيليين كعمارة اليمانى وظهرت مؤلفات دينية كثيرة لتأييد المذهب الإسماعيلى وفى التفسير الباطنى للقرآن الكريم وكان هناك اهتمام بالفلسفة وتعليم العلوم المختلفة بحيث يمكن مقارنة هذه الفترة بالنهضة العقلية فى أوروبا فى القرن الثامن عشر. وقدم لمصر علماء مشاهير مثل ابن الهيثم الرياضى المعروف، بدعوة من الحاكم، ومن علماء العصر الفاطمى أيضا على بن يونس الصَّدفى مؤلف الزيج الحاكمى، والطبيب ابن سعيد التميمى الذى كان ضمن حاشية ابن كلّيس، وموسى بن العازار الإسرائيلى وابناه اسحق وإسماعيل فى عهدى المعز والعزيز، وابن رضوان وابن بطلان اللذان جرت بينهما مناقشات طبية، ومنصور بن سهلان ابن المقشّر النصرانى طبيب الحاكم. وشهد العصر الفاطمى علماء فى مختلف المجالات، فمن المؤرخين هناك ابن زولاق والمُسَبِّحى والقضاعى مؤلف كتاب الديارات والشابشتى امين خزانة كتب العزيز، وابن المأمون البطائحى، والقاضى الرشيد ابن الزبير مؤلف كتاب الذَّخائر. المصادر: يرجع للمؤرخين العرب الذين ذكرهم عبد اللَّه عنان فى مصر الإسلامية القاهرة 1931 م، ص 34 وحسن إبراهيم حسن: ابن ظافر. (1) C. H. Becker: Beitoage zur Gesch. Acgypten unter dem Islam, with, in Particular, a Study on a fragment of al Musabiti (2) A. S. Ehrenkreutz: Studies in the Monetary history of Egypt in the Middle ages, in JESHO, 1959, 1963, 1964 (3) Lare-Poole: A History of Egypt in the Middle Ages, London 1914 د. عبد الرحمن الشيخ [م. كنارد M. Canard]

الفن الفاطمى

الفن الفاطمى: يشكل التاريخ السياسى للفاطميين حجر الزاوية لفهم تطور فنونهم. كما يمكننا من أن نميز بين حقبتين متعاقبتين: الأولى هى الحقبة الإفريقية التى تمتد من عام 308 هـ/ 908 م/ التى هى تاريخ استقرار المهدى فى القيروان وتأسيس المهدية وتنتهى عام 362 هـ/ 973 م وهو تاريخ مغادرة المعز [لافريقية] وتأسيس القاهرة كعاصمة للخلافة، أما الحقبة الثانية فهى الحقبة المصرية التى تمتد من عام 362 هـ/ 973 م حتى سقوط الخلافة الفاطمية عام 567 هـ/ 1171 م. ويجب أن نضيف إلى هذا التقسيم التاريخى التقسيم الجغرافى الذى لابد أن يوضع فى الاعتبار. إن هذا الفن الذى حمله الفاطميون إلى مصر ظل مزدهرا هناك [أى بإفريقية] بفضل أتباعهم الزيريين والحماديين كما امتد تأثيره أيضا إلى صقلية سواء فى عصرها الإسلامى أو فى عهد النورمانديين. وما تزال المهدية، (وهى مدينة المهدى على الساحل التونسى) تحتفظ ببعض تحصيناتها الفاطمية والجامع وبقايا قصر القائم، وعلى الرغم من أن الجامع قد تعرض لتغييرات كثيرة فإنه ما زال محتفظا بمدخله التذكارى البارز ويكتنف ممره الأوسط من جانبيه حنايا فى طابقين. إن هذا التصميم الذى يذكرنا بأقواس النصر الرومانية قد أصبح من سمات الطراز الفاطمى فى مصر. وما يزال قصر القائم (322 - 334 هـ/ 934 - 946 م) الذى يقع تجاه قصر أبيه المهدى، قائما بأسواره المشيده الجميلة وبمدخله البارز عن الواجهة وقاعة الحكم التى كسيت أرضيتها بالفسيفساء الحجرية وتعتبر النموذج الأخير لاستخدام هذا النوع من الارضيات فى شمال إفريقية. أما قصر صبرة -المنصورية على أبواب القيروان- فيبدو أن يؤرخ بعهد الخليفة الفاطمى المنصور (334 - 341 هـ/ 946 - 953 م) وتشاهد هنا [أى فى هذا القصر] قاعة كبيرة تعد بمثابة

حجرة أمامية تفتح على ثلاث حجرات عميقة وتخلو الحجرة الوسطى من جدارها الأمامى ولذلك فهى تشبه الإيوان. ويذكرنا هذا التصميم المعمارى لقصر صبرة الفاطمى بالبيوت الطولونية بالفسطاط وهو الأمر الذى يكشف عن الصلة بين مصر وإفريقية قبل مغادرة الخليفة المعز. وحتى قبل مغادرة الخليفة المعز قام القائد الفاطمى جوهر الصقلى ببناء الجامع الأزهر فى القاهرة والذى تم توسيعه فيما بعد ليصبح جامعة إسلامية كما نعرفه الآن. ويعكس حرم الجامع الأصلى [أى المقدم الذى يرجع إلى العصر الفاطمى نفسه] من حيث تخطيطه وزخارفه استمرار التقاليد الطولونية ومع ذلك فإن التاثير الإفريقى [أى التونسى] موجود أيضا ذلك أن الأروقة [البلاطات] الخمسة الموازية لجدار القبلة كما فى جامع ابن طولون، يقطعها فى الوسط رواق عمودى [يعرف خطأ بالمجاز القاطع فى جميع الكتب الأجنبية والعربية] أكثر اتساعا وتعلوه [أى عند بدايته من جهة الصحن ونهايته من جهة المحراب] قبة. ومن الأرجح أنه متأثر فى ذلك بجامع القيروان. ويضم جامع الحاكم (384 - 394 هـ/ 990 - 1003 م) عناصر مستوحاة من إفريقية وأخرى باقية من العمارة الطولونية فالمدخل التذكارى البارز فى واجهة المبنى وممره المغطى بقبو والذى يفتح على صحن كبير مستوحى من جامع المهدية بإفريقية [أى تونس]. أما تأثير الجامع الطولونى فيظهر فى بيت الصلاة [الصواب مقدم الجامع] بأروقته [بلاطاته] الخمسة الموازية [أى الجدار القبلة] وعقودها التى ترتكز على دعامات من الآجر وضعت فى أركانها أعمدة مدمجة. وترتفع مئذنتا الجامع فى ركنى الواجهة الأمامية [وهى الواجهة

الشمالية الغربية أو الواجهة البحرية] ولكل منهما قلب أسطوانى محاط بكتلة مصمتة [أطلق عليها المقريزى مصطلح "بدنه" وعبر عنها بعض العلماء بمصطلح مصطف أو غلاف خارجى] وهى ذات تصميم مربع كما هو الحال فى المدخل التذكارى البارز وقوام زخرفة هاتين المئذنتين المنفذة بالحفر الغائر اشكال هندسية ونباتية وهى تمثل خطوة هامة فى تطور الفنون الزخرفية الإسلامية. إن جامع الأقمر (519 هـ/ 1125 م) والذى بنى بعد جامع الحاكم بنحو مائة واثنتين وعشرين سنة لجدير بالمشاهدة أيضا نظرًا لزخارف واجهته، ويزدان مدخلة البارز عن سمت الواجهه الأمامية بزخارف شديدة البروز تكتنفها حنايا فى طابقين. أما جامع الصالح طلائع (555 هـ/ 1160 م) فيعتبر آخر الجوامع الفاطمية وقد بنى فوق حوانيت، وتتكون واجهته الأمامية من جزءين بارزين يربط بينهما سقيفة أما الحرم [أى مقدم الجامع] فيشمل على ثلاثة أروقة موازية [لجدار القبلة]. وبالإضافة إلى هذة الجوامع فإن العصر الفاطمى شهد أيضا إقامة عدد كبير من الأضرحة مثل الجعفرى والسيدة عاتكة والحصواتى والشيخ يونس، ويتكون تخطيطها عادة من حجرة مربعة تعلوها قبة مقامة على منطقة انتقال من الحنايا الركنية فى الأركان الأربعة، وقد تطورت هذه الحنايا خلال القرن 6 هـ/ 12 م بمضاعفة عدد حطاتها التى يعلو بعضها البعض وهو الأمر الذى نتج عنه ظهور المقرنصات التى ترجع نماذجها الأصلية (على ما يبدو) إلى بلاد فارس وتعتبر المقبرة عنصرا أساسيا من مشهد الجيوش الذى بنى بأمر الوزير بدر الجمالى أعلى جبل المقطم فى عام 478 هـ/ 1085 م وذلك ليدفن فيه عقب مماته. ويتكون هذا المشهد من أربعة أجزاء: جزء أمامى يحوى باب الدخول تعلوه المئذنة، وجزء أوسط عبارة عن صحن

محاط بحجرتين [من الغرب والشرق] ويوجد فى الخلف الحرم [أى المقدم] وهو عبارة عن ثلاثة أروقة [بلاطات] مغطاه بأقبية متقاطعة وقبة كبيرة تجاه المحراب [أى تعلو المنطقة المربعة التى تتقدم المحراب]، وأخيرًا توجد حجرة المقبرة نفسها. ويمكن أن نلاحظ فى هذا الأثر بعض الخصائص الجديدة التى أصبحت من سمات الفن المصرى: ومنها المئذنة التى تتكون من ثلاثة طوابق يعلو بعضها البعض فيكون الطابقان الأول والثانى مربعين أما الثالث فمثمن وتعلوه قبة، ويتوج الطابق المربع الأول إفريز من المقرنصات. ومن الممكن اعتبار هذه المئذنة النموذج الأصلى لمآذن القاهرة التى بنيت بعدها. وقد قام بدر الجمالى أيضا فيما بين عامى 480 و 484 هـ/ 1087 - 1091 م ببناء سور القاهرة الجديد، وهو أرمنى المولد وقد أحاط نفسه بقوات أرمنية، كما أحضر من بلده معماريين يرجع الفضل لثلاثة منهم فى بناء أبواب القاهرة الثلاثة: وهى باب زويله وباب النصر وباب الفتوح. إن هذه البوابات العظيمة بتصميمها وزخارفها وروعة الاسوار والأقبية والعقود نصف الدائرية مستوحاة من التقاليد الهيلنستية. لقد اندثرت القصور التى تعرفنا عليها من خلال المصادر التاريخية [المخطوطة والمطبوعة] والتى بناها الخلفاء الفاطميون فى وسط القاهرة، بينما قصور قلعة بنى حماد ما تزال باقية وربما تعد سجلا لعمائرهم المدنية. وقد بنيت هذه العاصمة البربرية بين الجبال فى شرق الجزائر فى بداية القرن 5 م/ 11 م ولكنها ازدهرت ازدهارا رائعًا بعد غزو بنى هلال للقيروان وتخريبهم إياها. وشهدت فى نهاية القرن نفسه فترة قصيرة من الازدهار وفى عام 1908 م تم اكتشاف مسجد تطل مئذنته على مساحة كبيرة من الخرائب، وبقايا قصور من بينها قصران هما قصر

المنار ودار البحر، وتزود هذه الآثار المكتشفة معرفتنا بما كانت عليه العمارة فى شمال إفريقية التى تأثرت بالتأثيرات الشرقية المستوحاة من مصر والعراق وبلاد فارس على حد سواء. ويكفينا أن نتذكر صفوف الحنايا الطويله التى تزين واجهة المئذنة ولكن القصور تعد هذه الحنايا من السمات الرئيسية المميزة للعمارة الساسانية، كذلك فإن المرآة المائية فى صحن دار البحر وأعمال الخزف المطعم والخزف ذى البريق المعدنى فى الأرضيات والقاعات الكبيرة وأخيرًا المقرنصات تعد من الابتكارات الايرانية واستخدمت لأول مرة فى الضرب الإسلامى فى مبانى قلعة بنى حماد. إن الاكتشافات التى تمت فى قلعة بنى حماد قد قامت بسد النقص الكبير فى معلوماتنا فإن مدينة بجاية التى انتقل إليها بنو حماد فى أوائل القرن 6 هـ/ 12 م لم تمدنا بنفس القدر من الثراء حيث لم يتبق من مبانى عاصمة بنى حماد الثانية سوى بعض أجزاء من سور المدينة والعقد الحجرى الكبير الذى كان يشكل المدخل إلى ميناء المدنية وسفنها. ورغم ما تقدم فإننا يجب أن نعتبر بجاية خطوة هامة على طريق انتقال تأثير الفن الفاطمى إلى صقلية وهناك الكثير من المؤشرات التى تدعم هذا الاعتقاد. إذ إنه مما لاشك فيه أن اليرمو قد تأثرت فى تصصيم الجواسق فى ضواحيها ببجانة فضلا عن المهدية فى عهد بنى زيرى أو من تونس فى عهد بنى خراسان أكثر من تأثرها بالقاهرة. إن قصور بنى حماد تساعدنا أن نتفهم بصورة أفضل قصور ملوك النورمانديين مثل قصر القبة وقصر العزيزة. وفى الواقع إن مصر الفاطمية قد أنتجت كما كبيرًا فى مجال الفنون الزخرفية وأصابت تطورًا هائلا فى الفخامة. ولقد حدثنا عن الثراء الفاحش الذى كان عليه الخليفة وكبار الموظفين جماعة من المؤرخين العرب مثل المقريزى الذى وصف كنوز الخليفة المستنصر وابن

ميسر الذى بيّن ثراء الوزير الأفضل ابن بدر الجمال وإن الابتكارات الفنية للعصر الفاطمى تعد درة كنوز المتاحف والكنائس الأوروبية وقد ازدهرت خلال القرنين الخامس والسادس للهجرة (5 هـ/ 11 - 12 م) الأساليب المتعلقة بالتحف البرونزية والخزفية والزجاجية فضلا عن البللور الصخرى والمجوهرات والمنسوجات كما أنها تظهر بحق الذوق الفنى الرفيع. وقد استخدمت نفس العناصر الزخرفية كما فى المنحوتات التذكارية مثل العناصر الخطية والمتداخلة سواء على هيئة أشكال نجمية وهندسية أو قائمة على أرضية نباتية وأحيانا عناصر حيوانية. والواقع أنه بالرغم من التحفظ الشديد لدى السنة فقد ظهر الكثير من مناظر تمثل الكائنات الحية سواء من الإنسان أو الحيوان ومنها ما هو محفوظ فى متحف القاهرة [متحف الفن الإسلامى] مثل أفاريز من الخشب المحفور من القصر الفاطمى قوام زخرفها رسوم موسيقيين وراقصين وصيادين ومنها أباريق وأجزاء من نافورات مصنوعة من البرونز ومن أشهرها عقاب محفوظ فى "كامبوسانتو" فى بيزا ومنها الخزف المذهب [أى ذو البريق المعدنى] الممثل عليه رسوم الأشخاص ومنها منسوجات الديباج المزخرفة برسوم الحيوانات المتقابلة. هذا ويرجع موقف الفنانين من التصوير إلى الحرية التى تمتع بها السادة الشيعة وذلك على عكس أهل السنة، ويمكن أن تضيف عاملًا آخر وهو شخصية الفنانين أنفسهم والتقاليد التى حافظوا على استمرارها. مما سبق يمكن القول بأن الفن الفاطمى يعد معبرا للتأثيرات المختلفة، فبالإضافة إلى العناصر المعمارية من إفريقية [أى تونس] والتراث الطولونى والعراقى والإسهامات السورية التى تتضح فى العمارة الحربية نرى التراث الفارسى الذى كان شائعا بين سادة مصر فضلا عن التراث الهيلنستى عن

المصادر

طريق الأقباط ولكنه يأتى فى المرتبة الثانية من الأهمية. وإنه من الصعب علينا أن نتجاهل الدور الذى لعبه مسيحيو مصر فى تكوين الطراز الفاطمى وهو الذى يعرف باسم الارابيسك. المصادر: (1) Arnold: Painting in Islam, Oxford 1928, 22 (2) The mosques of Egypt, Publ. of Ministry of Works, Chap. 3 (3) K. A. C. Creswell: The Muslim architecture of Egypt, Oxford 1952 (4) A bibliography of gloss and rock crystal, in Bull. of the Fac. of Arts, xiv Cairo 1952 (5) زكى محمد حسن: الفن الإسلامى فى مصر 1935. (6) المؤلف نفسه: زخارف المنسوجات القبطية. د. محمد حمزة [جورج مارسيه G. Marcais] الفاكهى أبو عبد اللَّه محمد بن إسحق بن العباس مؤرخ مكة من أبناء القرن الثالث الهجرى (التاسع الميلادى). لم تتوفر معلومات عنه لعلماء المسلمين المتأخرين زمنيا، أو لنا نحن، سوى ما يمكن معرفته من تاريخه عن مكة (المكرمة) الذى بقى نصفه الثانى محفوظًا فى مخطوطة وحيدة موجودة فى ليدن (برقم 463)، وقد حقق قسمًا صغيرًا منها F. Wuestenfeld: فى كتابه Die Ckroniken der stadt Mekka المنشور فى ليبسك سنة 1857 - 61, جـ 2، ص 3 - 51. وعلى ما يبدو أن الفاكهى كان حيًا وفى بواكير الشباب فى أثناء تولى عبد الرحمن بن يزيد بن محمد بن حنظلة بن محمد منصب القضاء فى مكة المكرمة ذلك المنصب الذى تركه فى سنة 238 هـ = 852 - 3 م، أو قبلها بقليل (وستنفيلد، جـ 2، ص 43 وما بعدها)؛ ووقائع أخبار القضاة، جـ 1، ص 268 وما بعدها؛ وربما يكون مولده حوالى سنة 225 هـ = 839 م ويتفق

المصادر

هذا مع حقيقة أن بعض شيوخه قد وافتهم المنية فى أوائل سنة 240 هـ تقريبًا. وكان الفاكهى على صلة بعلماء مكة المكرمة المرموقين. وقد أتم تأليف تاريخه فيما بين سنة 272 و 275 هـ (885 م - 889 م) وقد ذكر هو نفسه التاريخ الأول (272 هـ)، أما التاريخ الآخر (275 هـ) فقد شهد وفاة عبد العزيز بن عبد اللَّه الهاشمى الذى يشار إليه فى كتاب الفاكهى على أنه لا يزال حيا (وستنفيلد، جـ 2، ص 12؛ وتاريخ بغداد، جـ 10، ص 451 وما بعدها؛ أو إذا كانت الفقرات المستشهد بها تشير إلى رجال شتى فى سنة 279 هـ = 892 م على أبعد تقدير). وخلف الفاكهى ابنًا هو أبو محمد عبد اللَّه الذى ورد ذكره بإيجاز فى كتاب العقد للفاسى ويشار إلى مؤلف الفاكهى باسم "أخبار مكة" أو (فى مخطوطة ليدن) باسم "تاريخ مكة"، ولكن الفهرست ص 159 يسميه "كتاب مكة وأخبارها فى الجاهلية والإسلام" وكان حجمه أكبر من ضعفى حجم كتاب "تاريخ مكة" تأليف الأزرقى. وهو يشارك كتاب الأزرقى فى الترتيب، وفى المادة بدرجة كبيرة، ولكنه لابد أن يعد إنجازًا علميًا مستقلًا بذاته، وتثبت الأسانيد أن الفاكهى قد جمع مادة كتابه بنفسه إلا أن المعطيات والأوصاف التاريخية لسمات فن المعمار، وما أشبه التى لم يقدم لها أسانيد تتفق مع ما أورده الأزرقى حرفيًا، ولذلك، ربما تكون قد نقلت من كتابه دون الاعتراف بذلك. وحقيقة أن الفاكهى لا يذكر الأزرقى، بل يبدو أنه يخفى الإشارة إلى أسرته، وقد يكون هناك بعض العداوة الشخصية بينه وبين الأزارقة ومن يميلون إليهم، وربما لأن الأزارقة قد أبوا أن يأذنوا له باستخدام المادة التى فى حوزتهم. المصادر: (1) Brockelmann: 1, 143. Geschichle der Arabischen Literatur, Leiden 1943 - 49 (2) Wustenfeld: op. cit., i, xxiv-xxix حسن شكرى [ف. روزنتال F. Rosenthal]

فتح

فتح تعنى علامة إعرابية فى النحو العربى لنطق الحرف بالحركة التى تسمى الفتحة وفى كتاب سيبويه (على سبيل المثال، تحقيق Derenbourg, جـ 2، ص 281 رقم 9) لا يزال الفتح يطلق من آونة إلى أخرى على نطق الفتحة الصريحة دون إمالة -وفى علم الحساب الفتح يعنى مربع العدد- وثمة استعمالات اصطلاحية فنية أخرى لهذه الكلمة، انظر لمعرفتها محمد أعلى، Dict. of Techn. Terms، تحقيق: Sprenger إلخ، جـ 2، ص 1104 وما بعدها، هذه المادة. حسن شكرى [شاده A. Schaade] الفتح " الفتح" "نصر"، اسم السورة رقم 48 من القرآن الكريم "سورة الفتح"، و"نصر" هو اسم السورة رقم 110 "سورة النصر" Al,FATH (A.): "Victory", title of Sura xlviii and one of the titles of Sura cx. usually called حسن شكرى [هيئة التحرير] فتحبور، سكرى مدينة مهجورة تبعد مسافة 23 ميلًا عن أجرا Agra, وتقع على خط 5، 27 شمالًا، 40، 77 شرقا، وتقوم على حافة مرتفعة من صخور الحجر الرملى قرب قرية سِكَرى القديمة. وفى سنة 1569 م، وحين زار السلطان أكبر الولى الشيخ سليم جشتى الذى كان يعيش بكهف فوق حافة سكرى العالية، تنبأ الولى بأن العاهل الذى ليس لديه أطفال سوف ينجب ولدا، وفى سنة 1570 م، ولد هناك السلطان سليم الذى عرف فيما بعد بالإمبراطور جهانجير وعندئذ بدأ السلطان أكبر فى بناء مدينة تغطى مساحة تقرب من 3/ 4 1 ميلًا مربعا، وأحاطها بسور (ما زال قائمًا) طوله 3/ 4 3 ميل مربع وعند عودته من حملته لفتح الكَجرات فى سنة 1574 م، وجد عاصمته الجديدة مهيأة للسكنى، فسماها فتحبور (مدينة الفتح) وأقام بها حتى سنة 1586 م، وحين هجرها كحاضرة -ربما بسبب طبيعة مائها المالح الذى يسبب الغثاء- بدأ الخراب يحل بها بعد فترة وجيزة من وفاته.

ولكن كثيرًا من مبانيها لا يزال باقيًا فى حالة ممتازة، ومنها دار سك العملة، وبيت المال، ومكتب السجل. وقاعة جمهور المستمعين، والقصر الملكى، بما فى ذلك شقق الإمبراطور، وسكنى زوجاته العديدات. ومن الأبنية اللافتة للنظر بيت السلطانة التركية بنقوشه البديعة المتقنة، والزخرفة من الداخل لقواعد الأعمدة التى يبلغ ارتفاع الواحد منها أربعة أقدام مقسمة إلى ثمانية أجزاء مستطيلة، تمثل زخارفها ونقوشها الثرية مناظر الغابة والبستان وتغطى المبنى ذا الطابقين المعروف ببيت بيربَل (الذى كان دون شك قصر واحدة من ملكات أكبر) بنقوش تعرض مجموعة وافرة من النماذج المنفذة بتفصيل دقيق. وتوجد قرب الحجرات الملكية بعض المبانى الغريبة ذات تصميم فريد، ومثال ذلك (بنج محل)، وهو جناح ذو خمسة طوابق، كل طابق منها أصغر من الطابق الذى يستقر عليه، وما يسمى "ديوانى خاص" أى القاعة الخاصة بجمهور المستمعين، وهى بناء به حجرة واحدة فحسب، فى وسطها عمود مثمن الأضلاع يعلوه تاج دائرى هائل، وتتفرع منه ممرات ضيقة طول كل منها حوالى عشرة أقدام، وتتصل قمة تاج هذا العمود عند زوايا البناء بقاعة تسير حول الجزء الأعلى للحجرة وبسلالم (بسمك الجدار) وكلاهما له سقف، وكلاهما تحته قبة فناء. وليس بوسعنا أن نعدِّد هنا المبانى الكثيرة الأخرى المرتبطة بالإمبراطور وبلاطه، ولكن لا مناص من ذكر المسجد الجامع الذى أقيم على طراز المسجد الحرام وهو -أى هذا المسجد الجامع- يعد من أروع نماذج فن العمارة المغلى. وهو يغطى مساحة 438 × 542 قدما، وبه صحن مساحته 360 × 439 قدما، تحوطه أروقة معمدة مسقوفة باستثناء البوابات الثلاث التى من بينها بوابة "بُلَنْد دروازه" أى (البوابة الكبيرة) المواجهة للجنوب، وقد بناها أكبر فى سنة 1602 م، تذكارًا لانتصاراته فى الدكن، وترقى هذه البوابة إلى مصاف أرفع البوابات شأنًا فى الهند. وفى صحن المسجد يقوم ضريح الشيخ سليم جشتى، وهو بناء من طابق واحد مكسو بالمرمر الأبيض، وتعلوه قبة، وتطوق شرفته حواجز شبكية مرمرية

المصادر

تتسم برقة وتعقيد خارق للعادة فى التصميم الهندسى؛ وفوق نصب القبر مظلة خشبية مطعمة بعرق اللؤلؤ المصفوف فى شكل زخارف هندسية بديعة الشكل. ومن السمات الجديرة بالذكر لمبانى فتحبورسِكَرِى، تلك الشواهد الكثيرة على تأثير فن العمارة الهندى، فى البناء والزخرفة، واللوحات الجصية الجدارية المرسومة على جدران الخوابجة، وسونهره مكان، والزخارف الملونة بالحمام وغيره من المبانى. المصادر: (1) E. W. Smith: The Moghul Archi in Archaedogical tecture of Fathpursikri Survery of India, Allahabad 1894 - 8 (2) Keen's Hand book for visitors to Agra and its neighbourhood re-written by E.A. Duncan, 7 th ed. Cultcutta 1909, p 222 - 225 (3) E. W. Smith: Wall paintings recently found in the khwabagah, Fathpur Sikri, Delhi 1937 (4) P.Brown: Indian architecture (the Islamic period), Bombay 1942 ترجمة حسن أحمد شكرى الفتح بن خاقان هو الأمير الأثير عند المتوكل. مارس الفتح، والوزير عبيد اللَّه بن يحيا، وقد أثر تأثيرًا بالغًا على هذا الخليفة القاسى اللعوب، وبخاصة فى سنوات حكمه الأخيرة. كان كلاهما مؤيدًا متحمسًا لابنه الثانى المعتز، وبذلا ما فى وسعهما لاستبعاد المنتصر الابن الأكبر للخليفة عن تولى الخلافة وأوغرا صدره عليه. وقد حُقِّر شأن المنتصر علنًا، واضطر إلى تحمل كل أنواع الكُنَى التى أطلقت عليه مثل "المستعجل" أى "الخديج"، و"المنتظر" (المتلهف، أعنى على أريكة الخلافة). وأساء الفتح معاملته بناء على أوامر أبيه. وأقحم رجال آخرون ذوو نفوذ بجانب الفتح حتى أعَدَّ الخليفة سقوط نفسه بقصر نظره حين أمر الفتح أن يصادر ممتلكات القائد التركى "وصيف" فى إصفهان، و" Media" (همذان)، وعلم

المصادر

وصيف بنية الخليفة، فتحالف مع المنتصر وآخرين كثيرين على التخلص من أمير المؤمنين. وقتل المتوكل فى شوال سنة 247 هـ (ديسمبر سنة 861 م)؛ وحاول الفتح أن يدافع عنه، لكنه هزم أمام القوات المتفوقة، وشارك مولاه المصير نفسه. المصادر: (1) الطبرى: (طبعة ده غويه)، جـ 3، (الفهرس). (2) ابن الأثير (طبعة تورنبرج)، جـ 7، ص 60 - 68 (3) Weil: Geschichte der chalifen جـ 2، ص 368 وما بعدها. حسن شكرى [تسترشتين - K.V.Zettersteen] + الفتح بن خاقان أبو نصر محمد بن عبيد اللَّه بن خاقان بن محمد بن عبد اللَّه القيسى المشهور باسم الفتح بن خاقان، لأن كتاب السير والتراجم لا يوافقون على سلسلة نسبه، ولد فى صخرة الولد، وهى قرية قريبة من "قلعة يَحْسُب" إحدى نواحى غرناطة. ومن بين معلميه أبو الحسن على بن السّراج، وأبو الطيب بن زرقون، وأبو عبد اللَّه محمد بن عبدون وابن دُرِيد الكاتب، والعالم الشهير أبو محمد بن عبد اللَّه بن السيد البطليوسى، إلخ. . . كان فى شبابه صعلوكًا صفيق الوجه، لا يكاد يفيق من الشراب حتى استوزره حاكم غرناطة أبو يوسف تاشفين بن على. قصد مراكش، واغتيل هناك فى فندق، فى التاسع والعشرين من رمضان سنة 528 هـ (الرابع والعشرين من يوليو 1134 م) أو فى يوم الأحد الثانى والعشرين من المحرم سنة 529 هـ = 12 نوفمبر سنة 1134 م، أو طبقا لروايات أخرى فى سنة 535 هـ (السابع عشر من أغسطس سنة 1140 - الحادى عشر من أغسطس 1141 م)، وعلى ما يبدو، أنه بناء على أوامر السلطان أبى الحسن على بن يوسف بن تاشفين، شقيق أبى إسحاق إبراهيم بن يوسف بن تاشفين الذى أهدى إليه "قلائده"، قد دفن فى مقبرة "باب الدبَّاغين". ومن آثاره: (1) "قلائد العقيان و (أوفى) محاسن

الأعيان "وهو مجموعة تراجم لبعض من عاشوا قبله بزمن وجيز، وبخاصة لمعاصريه الذين آووه، أو تشاجروا معه (وبوجه خاص ابن باجة الذى وضعه فى آخر الكتاب)، وهو مقسم إلى أربعة أجزاء: (أ) الملوك والأمراء (ب) الوزراء (جـ) القضاة والعلماء (د) الأدباء والشعراء (نشره فى باريس سليمان الحرائرى فى مجلة البرجيس، وطبع فى مطبعة بولاق فى سنة 1283 هـ. وسنة 1284 هـ. وقد شرحه محمد بن قاسم بن زاكور (توفى فى العشرين من المحرم سنة 1120 هـ) شرحًا سماه "تزيين قلائد العقيان بفرائد التبيان" (توجد نسخة منه فى مكتبة خاصة بالجزائر؛ ولم تظهر ألبتة الترجمة الفرنسية التى أنبأ بها L'Abbe E.Bourgade فى سنة 1865، على الرغم من تصريحات Brockelmann, Der enbourge and Huart. (2) " مطمح الأنفس ومسرح التأنس فى ملح أهل الأندلس" وهو ذيل للقلائد، ويبدو أنه كانت توجد له طبقتان أو ثلاث طبقات، أو على الأصح نصوص منقحة منه بأحجام مختلفة, طبع الصغير منها فى الآستانة فى سنة 1305 هـ (مطبعة الجوائب)، وفى القاهرة فى سنة 1325 هـ. (3) ترجمة حياة معلمه عبد اللَّه بن محمد بن السيد البطليوسى (مختلفة عن تلك الترجمة التى كتبها عنه فى الجزء الثالث من كتابه القلائد) محفوظة فى مكتبة الأسكوريال (Derenbourg: Les Mss. ar. de L'Escurial, ص 448 رقم 1)؛ وألحق بهذه الترجمة منتخبًا يحوى رسائل وقصائد لابن السيد وغيره من العلماء، وغالبيتهم من معاصريه. (4) "مقامة عن ابن السيد البطليوسى" محفوظة فى مكتبة الأسكوريال Derenbourg: Les Mss. ar de L'Escurl، ص 538 رقم 7). (5) "بداية المحَايش وغاية المحَايش وظن أنه مفقود (*). (6) "مجموع رسائله". ¬

_ * يقول الكاتب وظن أنه مفقود أيضا وحسب علمى أن مكتبة الخانجى بالقاهرة قامت بنشر رسائله لذا وجب التنويه

المصادر

وقد كتب الفتح بن خاقان كثيرًا من النثر المسجوع الممتاز عادة، وله شعر منظوم متوسط الجودة، ويبدو أنه سطا أدبيًا على أعمال معاصريه أو حتى استولى عليها جملة، ولم يتجرأ واحد منهم على اتهام اللص خوفًا من الأكاذيب الكئيبة التى تفصح عن نفسها كثيرًا فى حياته اليومية وفى أعماله الأدبية. ومهما كان الأمر، فليس لنا حاجة إلى النظر فى كتابه القلائد، أو فى مطمح الأنفس لنعرف الحقائق التاريخية، لأن قيمة عمله تكمن بالأحرى فى روعة أسلوبه فحسب. المصادر: (1) ابن خلكان: (القاهرة، سنة 1310 هـ)، جـ 2، ص 407. (2) Brockelmann: Geschichte der Arabischen Litteratur (فيمار، سنة 1898) جـ 1، ص 339. (3) Wuestenfeld: Geschichtsch reiber der Araber and ihre werke (كوتنكن، سنة 1882)، ص 238 (4) ابن الآبار: المعجم، تحقيق Codera (مدريد، سنة 1898)، تعليق رقم 5، ص 285. (5) Weyers: Specimen Criticum exhibens Iocoss Ihn Khacanis de Ain Zeiduns (ليدن، سنة 1831). (6) المقرى: نفح الطيب (القاهرة، سنة 1302 هـ) جـ 4، ص 207 - 223. (7) Pons Boigues: Ensayo bio bibliografico (مدريد، سنة 1898)، تعليق رقم 5، ص 162. (8) CL. Huart: Litterature Arabe (باريس، سنة 1902)، ص 203. (9) الناصرى السلاوى: زهر الأفنان من حديقة أبى الونان (فاس، سنة 1314 هـ)، جـ 2، ص 356. (10) Dozy: Scriptorum Arabum Loci de Abbdidis (ليدن، سنة 1846)، جـ 1، ص 1 - 10. (11) M. Ben chened: Etude sur Les Personnages de L'Idjaza de Sidi Abd el Qadil al-Fasy (باريس، سنة 1907)، تعليق رقم 5، ص 241. حسن شكرى [محمد بن شنب]

فتح على شاه

فتح على شاه ملك فارسى من أسرة القاجار الحاكمة ولد فى سنة 1185 هـ (1771 م) خلف عمه آقا محمد شاه فى سنة 1212 هـ (1797 م) على العرش، وتوفى فى سنة 1250 هـ (1834 م) بعد حكم استمر 38 سنة وخمسة أشهر ودفن فى قم. وقد عرف أول الأمر باسم بابا - خان. وقد أوقع مقتل آقا محمد الجيش فى حالة بالغة من الفوضى؛ فقام ميرزا محمد - خان قاجار بغلق بوابات طهران حتى وصول بابا - خان الذى كان وقتذاك فى شيراز، ونودى به ملكًا فى الحال، ولكنه لم يتوج إلا فى بداية العام التالى. وبعد انتصاره على كل من أخيه حسين قولى - خان، ومحمد خان زند، وصادق خان شقاقى، اعترف بسلطته حكام خراسان وبعد حرب طويلة مع الروس خسر جورجيا، بل تخلى عنها آخر الأمر بمقتضى اتفاق سلام كلستان فى أكتوبر سنة 1813 م. وقد سعى فتح على شاه إلى الظفر بمساعدة نابليون الأول الذى أرسل له روميو، وجوبير، ثم الجنرال جاردان بلقب سفير فى (سنة 1806 م)؛ ولكن اعتقاده بأن فرنسا لم تستطع أن تقدم له أية عون وقتذاك، دفعه إلى السعى لكسب صداقة انجلترا التى بعثت إلى بلاطه كل من السير جون مالكولم، والسير هارفورد جونز بريد جيس، والسير جور أوزيلى. وقد أثار التمرد فى خراسان محمد شاه صاحب أفغانستان، وأتاح فرصة للشاه فتح على شاه ليستولى على هراة فى (سنة 1813 م)، لكنه لم يستطع الاحتفاظ بها. ودارت حرب مع الباب العالى من سنة (1821 - 1823 م) انتهت بمعاهدة فى صالح فارس. وفى سنة 1826 م، وخلال سعيه إلى الاستفادة بموت ألكسندر الأول قيصر الروسيا، بغزو جورجيا واستردادها أعلن فتح على شاه الحرب على روسيا بتحريض من ابنه الأكبر عباس ميرزا، لكن ابنه هزم قرب كنجه على أيدى الجنرال باسكوتش (فى الخامس والعشرين من شهر سبتمبر)، وهزم مرة أخرى أمام عباس آباد (فى شهر يوليو 1827 م)، وأجبر الشاه على التخلى عن أرمينيا بمقتضى (معاهدة

المصادر

تركمان جى، فى الثانى والعشرين من فبراير سنة 1828 م)، وعن إيروان، ونخشوان. ومات فتح على شاه فى إصفهان بعد بضعة أشهر من موت ابنه عباس ميرزا، وترك العرش لحفيده محمد شاه، الذى كان ذاعينين حادتين غائرتين تحت حاجبين كثيفين، وكانت له لحية طويلة كثة مصبوغة بالحناء. المصادر: (1) عبد الرزاق بن نجفقلى: مآثرى سلطانية، تبريز سنة 1241, (ترجمة H.T.Brydges تحت عنوان The Dynasty of The Kajars, London (2) ميرزا تاقى سبهر: تأريخ القاجارية (الجزء التاسع من ناسخ التواريخ) تبريز 1319/ 1901 - 1902. (3) سعيد نفيسى: التاريخ الاجتماعى والسياسى فى إيران، طهران 1335. (4) R.G. Watson: A History of Persia London 1866 (5) J.B. Fraser: Narrative of a journey into Khorasan. London, 1825 حسن شكرى [لامبتون A.K.S. Lampton] الفترة أكثر ما تطلق كلمة (الفترة) على الفاصل الزمنى بين نبيين أو رسولين جاء الثانى منهما عقب الأول مباشرة (انظر الجاحظ، طبعة السنوبى، 133 - 134). ويلاحظ أن المسعودى استعمل الكلمة فأطلقها على ما انقضى من زمن بين هود وصالح وإن كان ذلك غير شائع الاستعمال، وقد تطلق "الفترة" على الفاصل الزمنى بين عيسى (عليه السلام) ومحمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] ولم يلاحظ من أطلقوا اللفظ بهذا المعنى ما كان من مرور ستة قرون بين الاثنين، وهى فترة حاولوا سدها بشخصيات رفض أصحابها عبادة الأوثان دون أن يعتنقوا اليهودية أو المسيحية، ولكنهم عاشوا عيشة النسك وصرحوا فى بعض الأحيان بظهور النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-]. ويبدو أن ابن قتيبة فى كتابه المعارف (ص 58)

فتوى

كان أول من أحصى الرجال الذين كانوا على ملة من الملل قبل بعث النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] واعتمد فى ذلك على مصادر ترجع إلى القرن الثانى للميلاد فذكر منهم الشنى وورقة بن نوفل وزيد بن عمرو بن نفيل وأمية بن أبى الصلت وأسعد أبو كرب وقس بن ساعدة وصرمة بن أبى أنس وخالد بن سنان، ولكنه لم يستعمل لفظ "الفترة" على حين أننا نجد المسعودى فى القرن التالى لابن قتيبة يصف الشخصيات التى ذكرها ابن قتيبة بأنهم "أهل الفترة" (المسعودى مروج 1/ 124 - 148) ويضيف إليهم غيرهم فيمن يقول إنهم "آمنوا بإله وأحد وبالبعث"، بل إنه ليؤكد أن اثنين منهم وهما حنظلة بن صفوان وخالد بن سنان يدخلان فى عداد الرسل عند فريق من أهل الإسلام وفى عصور متأخرة استخدم مصطلح الفترة -بالإضافة إلى ما سبق ليشير إلى الحقبة أو الحقب التى ينقطع فيها استمرار نظام حكم معين، أو يختل فيها تسلسل ولاية العهد. . وهكذا، وقد استخدمت الكلمة بمدلولها السياسى هذا فى أسبانيا لتدل على ما بعد سقوط الخلافة، كما استخدمت فى الدولة العثمانية لتدل على ما بعد موت بايزيد الأول. ت د. حسن حبشى [شارل بيلات Ch. Pellat] فتوى وهى الرأى فى نقطة قانونية. . ومصطلح القانون ينطبق -فى الإسلام- على كل الأمور المدنية والدينية. وإعطاء الفتوى هى "الفتيا أو الافتاء" ويستخدم المصطلح ذاته ليدل على مهنة "الناصح" أو الاستشارى والشخص الذى يعطى الفتوى أو ينشغل بهذه المهنة، هو المفتى. . أما الذى يطلب الفتوى فهو المستفتى. وعندما انتشر الإسلام ظهرت الحاجة إلى المشورة (الشرعية)، فالأعداد المتزايدة ممن دخلوا فى الدين الجديد، الذى يشرع -بصفته الشمولية للجوانب الدنيوية كما يشرع للجوانب الروحية فى الحياة اليومية، وكذلك بقاء قوانين وعادات البلاد التى فتحها المسلمون، والتى كان من الضرورى أن تتناغم- بطريقة أو بأخرى مع المفاهيم

الجديدة وتتوحد فى مجموعة القوانين الإسلامية الوليدة، كل هذا كان يتطلب الرجوع المستمد إلى آراء ومشورة المختصين فى هذه الأمور. وقد لعب المفتون -مثل الحكماء فى القانون الرومانى- دورا عظيما فى تدعيم بنية وهيكلية القانون الإسلامى -وتعتبر مجموعة الردود التى يقدمها المُفْتُون ذوو السمعة الحسنة من بين أهم مصادر الشريعة. وهناك شروط تتطلبها المبادئ التقليدية لممارسة هذه المهنة أو تقديم الفتوى وهى: الإسلام -العدالة- المعرفة الشرعية (القانونية) أو الاجتهاد أو القدرة على الوصول بالتفكير إلى حل لأية مشكلة، ولذلك يقول الكتاب إنه فى تلك الأوقات التى لم يكن فيها من لديه القدرة على ذلك مثل هؤلاء الذين يرددون آراء أسلافهم، لم تكن الآراء تشكل فتاوى بالمعنى الصحيح، بل مجرد آراء أو ترديد للآراء. ويمكن أن يكون المفتى -على عكس القاضى- امرأة أو عبدا أو شخصا أعمى أو أصم (إلا فى حالة المفتى الذى يكون موظفا عاما). وهذه الشروط التى سبقت الاشارة إليها مطلوبة أيضا سواء كانت الحالة لفتوى فردية منفصلة أو كانت ممارستها من صلاحيات المهنة. ويمكن تقديم الفتاوى للأفراد، وللمستشارين أو القضاة فى ممارستهم للمهنة، أو لأية سلطة أخرى، والحق أن القانون يحث الحكام على أن يسعوا إلى الشورة -ولكن حدث فى تلك البلاد (مثل اسبانيا الإسلامية) التى تطورت فيها مفاهيم الشورى أن أصبح هناك مفتون دائمون فى بلاط الحكام بهدف تقديم النصيحة والمشورة وكان يطلق على الواحد منهم اسم "مشاور" وقد كانت "الفتيا" من جهة المبدأ، مهنة مستقلة؛ ولكنها أصبحت مرتبطة بالسلطة العامة بعديد من الوسائل. . فقد أشرفت الدولة على ممارسة المهنة ومثل هذا الاشراف أو الرقابة كان من بين وظائف الحاكم الذى كان يستطيع فى حالات الضرورة أن يحرم المفتى من

زمرة المؤمنين ويمنعه من الافتاء. ومنذ القرن الأول الهجرى -السابع الميلادى- أخذت الدولة على عاتقها تعيين القضاة المؤهلين لأن يعملوا فى مجال الفتوى وبعد ذلك وجدت الوظائف الرسمية "للفتيا"، ومن ثم أصبحت وظيفة عامة مثل المستشارية الشرعية (القضاء الشرعى) وتدخل فى نطاق المهام الدينية وهكذا شكل هؤلاء "المُفْتُون" -فى الدولة المملوكية- جزءا من مجلس المظالم الذى يرأسه السلطان وحكام الأقاليم وفى بعض العصور وأيضا فى بعض المناطق -كما فى الامبراطورية العثمانية- ارتبطت وظيفة المفتى بوظيفة القاضى وكان من يتولى هذا المنصب ممنوعا من مجرد تقديم الفتاوى فيما يتعلق بأى إجراء قانونى يعرض فى محكمته. والوظيفة العامة للمفتى لا تتحيز للأهواء الشخصية اللمهنة ومع ذلك ومع دخول القوانين والتشريعات المأخوذة من النظم الأوربية فى كل فروع القانون تقريبًا، هبطت المهنة إلى درجة الإهمال -بل- وفى أمور مثل الأحوال الشخصية والوقف، والتى ما زالت تحكمها مبادئ القانون الإسلامى (الشريعة الإسلامية) بشكل عام، أصبحت ممارسة الفتوى فى طريقها إلى الزوال. وقد بقيت كوظيفة عامة فقط، أو بالأحرى كشئ يبقى للتاريخ، يأخذ طابع الشخصية الإسلامية للدولة وعلاوة على ذلك فإن الدول الإسلامية التى تأخذ بالهياكل السياسية الحديثة لم تعد تلجأ إلى من يتولون هذا المنصب من أجل إقرار شرعية نشاطاتهم التشريعية. أما فى الدول التى يشكل فيها مجموعة المسلمين جزءا من سكان البلاد -مثل لبنان- فقد خضعت لتحول ملحوظ: فقد أصبح مفتى الجمهورية الزعيم الدينى لمجتمع المسلمين وممثله -بهذه الصفة- لدى السلطات وهو رئيس كل المسئولين فى طائفة المسلمين وخدمة الوقف، وينتخبه مدى الحياة جماعة تتألف من أعضاء متخصصين ذوى كفاءة فى المجتمع المسلم (المرسوم التشريعى رقم 18 فى 13 يناير 1955 م) ومع ذلك يبقى الفنيون، بالمعنى التقليدى، تحت رئاسة "مفتى الجمهورية".

المصادر

المصادر: (1) ابن خلدون فى المقدمة. (2) ابن نجيم فى البحر الرائق. (3) دماس افندى فى مجمع الأنهر Damas Afendi: Nadjma Aranher Tyan: Histoine de liarganisdin iudi ciaice en pays A,islan [بهجت عبد الفتاح (أ. تيان z.Tyan] فى الامبراطورية العثمانية يبدو أن مهمة الإفتاء -فى الفترات الأولى من حكم العثمانيين- كانت ذات طبيعة عرضية مثلما اتضح حتى الآن فى كل المناطق الأخرى التى تخضع لحكم الإسلام- فقد كان يمكن أن يطلب من أية سخصية بارزة فى علمها وتقواها أن تكون "حكما" فى أى نزاع ينطوى على مسألة شرعية، وكان رأيه قاطعا ومع ذلك، رأى المسئولون ومع تنظيم الإدارة فى الامبراطورية التى تتزايد اتساعا، أن الأمر يتطلب نظاما أكثر تماسكا وتوحدا للممارسة التشريعية (الشرعية - القانونية)، ومن ثم اقتصرت سلطة الإفتاء تدريجيا على قلة من الأفراد من ذوى المناصب العامة (مثل قافى العسكر، ومعلمى السلاطين، وقضاة المدن الكبيرة مثل البورصة وادرنة) تستأنف أمامهم القرارات التى يصدرها المفتون". "الأقل" درجة. . . ولكن هذا أيضا لم يكن مرضيا إذ بدا أنه يخضع قانون السماء للأوضاع الدنيوية (العلمانية)، ويجعله وسيلة وأداة لإرادة الحاكم؛ لذلك -وكما حدث فى عهد مراد الثانى (824 - 55 هـ/ 1421 - 51 م) كان حق إصدار الفتوى -فى بعض الأحيان- مقصورا على شخص يطلق عليه شيخ الإسلام، الذى -رغم تعيينه من قبل السلطان لم يشترك فى مجالس الدولة، ولا يتلقى أية رسوم، على القرارات التى يصدرها، وكان يعتبر فوق الاعتبارات الدنيوية -ولم يكن يتصل بأطراف النزاع أو بالمدافعين عنهم- فهناك كاتب الفتوى (Fetwa Odasi) ويعرف باسم "المسودجى" الذى يعد المسودة للموضوع الذى سيعرض عليه (على شيخ الإسلام)، ثم يفحص هذه المسودة لضمان سلامة العرض وصحته، كاتب آخر فى المكتب

يسمى "المميز" Mumeyyiz، حتى يصل فى النهاية إلى مسألة قانونية (شرعية) يحق عليه أن يقرر فى شأنها ما يراه. وكانت هذه القرارات تسجل ويحفظها امين الفتوى فى مكتب السجلات الخاصة (فتوى خانه)، حيث يمكن الرجوع إليها إذا برزت من جديد نفس المشكلة وكان هؤلاء الأشخاص الثلاثة يقتسمون الرسوم المفروضة على الفتوى التى وصلت فى منتصف القرن السابع عشر إلى ثمانية " akce" وبالرغم من أن منصب شيخ الإسلام اتسع مع مرور الوقت ليشمل عددا من الإدارات الأخرى والموظفين، فإن القسم الخاص بالفتوى ظل كما هو -ومن وقت لآخر كان يتم جمع مختارات من فتاوى بعض شيوخ الإسلام المتميزين فى كتاب، ولكن هذه المختارات وكذلك القرارات المحفوظة فى "فتوى خانه"، لم تكن ذات قيمة كسابقات قانونية، فقانون السابقات (السوابق) بالمفهوم الحالى لم يكن معروفا آنذاك. وكان هؤلاء الذين يحملون لقب المفتى يعملون مع القضاة فى كل الأقاليم، ولكن لم تكن لهم أية علاقة بالفتوى إلا فى تفسير أصل الكلمات وتاريخها. وإذا كان من الضرورى أن يكون المفتى -من الناحية النظرية- رجلا متمكنا ضليعا فى الأمور الشرعية لمذهبه، وأن يكون أيضا شخصية موثوقا بها ولا يرقى إليها الشك، فإن الصفة الأخيرة -فى الواقع- هى التى كانت مطلوبة فى هذه الأقاليم ولأن القاضى كان شخصًا عابرًا أو غريبًا على الأقليم الذى تم تعيينه فيه ولأنه كان يعتبر فى نظر الجمع ممثلا للسلطة الدنيوية وصوتا لها، فقد كانت أحكامه تحقق تأثيرها الدينى عندما يقرها بشكل ضمنى بعض كبار السن الذين يلقون الاحترام فى المنطقة بسبب ورعهم وتقواهم ويكون مستوى تعليمهم فى المتوسط فوق المستوى الأدنى. وفى بعض الأحيان كان يمكن للقاضى الذى يعتزل المهنة، أن يقدم خدماته بهذه الصفة فى مكان إقامته، كما يمكن لأى فرد من العائلات المتعلمة المحلية فى المدن الكبيرة، ولكن فى غير ذلك لم يكن "المُفْتُون" من طبقة العلماء، وكان وجودهم فى الأقاليم ضروريا فقط لتحقيق التفرقة القانونية بين

القضاء والإفتاء، ولتجنب النفقات والمماطلة التى تنتج عن إحالة الموضوعات إلى استانبول لتلقى الحكم فيها من شيخ الإسلام. وبالرغم من أن هؤلاء المفتين كانوا يتلقون وثيقة تعيينهم من شيخ الإسلام، فإنهم لم يكونوا بأى معنى جزءًا من التنظيم المركزى، وكان دخلهم الوحيد من الوظيفة حصة فى الرسوم التى كان يتقاضاها القضاة عن القضايا التى كانوا يحكمون فيها. . . وقد كان هذا هو الوضع فى الوطن الأم للامبراطورية العثمانية (روميلى Rumili والأناضول) حيث كان المذهب الحنفى هو المتبع وحده، أما فى الاقاليم العربية (مصر، سوريا، شمال افريقيا) حيث كانت استانبول هى التى تعين القضاة لعدد قليل من المدن المشهورة فقط (مثل القاهرة ودمشق وحلب والقدس ومكة والمدينة) وكانت هذه مجرد وظائف عاطلة (أو مؤقتة) توطئة لمنصب أعلى، فقد كانت التقاليد والممارسات القديمة هى التى تنفذ، فهنا كان "المفتون" من جميع المذاهب الأخرى هم من ذوى المرتبة الرفيعة فى الأمور الدينية والمسائل القضائية، وكان شيخ الإسلام يعترف بهم على هذا النحو؛ وقد كان (بثمن ما) يصدر الترخيص بتعيينهم وكذلك السلطة المدنية التى تنفذ أحكامهم. وكانت وثيقة الفتوى ذات شكل تقليدى، وتختلف قليلا من قرن إلى آخر، وكان يعلوها دعاء دينى مكتوب باللغة العربية وباسلوب معين، ويختلف من فترة إلى أخرى حسب ما يتميز به كاتب المسودة؛ ومع ذلك فقد اصبحت صيغة "التوفيق منه" ثابتة لا تتغير بعد منتصف القرن الثانى عشر الهجرى -الثامن عشر الميلادى- بقية الوثيقة تكتب باللغة التركية- وصار شيخ الإسلام هو الذى يكتب القرار أو الجواب بخط يده على الصفحة ذاتها. . وكان الجواب دائما مختصرا يقتصر على نعم أو لا، وبغير إبداء الأسباب، وتختم الوثيقة بتوقيع شيخ الإسلام (فقد كان "الختم" محظورا ما لم تكن حالته الصحية تمنعه من الكتابة) وقد ألغى منصب شيخ الإسلام فى عام 1924 م فى الوقت الذى ألغيت فيه الخلافة العثمانية، وقد حل محل هذا

المصادر

المنصب إدارة للشئون الدينية تتبع مكتب رئيس الوزراء، الذى يعين رئيسها. المصادر: انظر شيخ الإسلام [بهجت عبد الفتاح (ج. ر. والش J.R. Walsh] الفجار الفجار: تعنى كلمة الفُجر وتدنيس المعابد والمقدسات. أما حرب الفجار فكانت بين قريش وكنَانة من جانب وقيس عيلان (دون غطفان) من جانب آخر وذلك فى الأشهر الحرم مع نهاية القرن السادس الميلادى وتشير المراجع التى بين أيدينا إلى أنها استغرقت ثمانية أيام استمر فيها النضال موصولًا، واعتبرت الأيام الثلاثة الأولى منها مجرد مناوشات أما القتال الحقيقى فكان فيما تلى ذلك من الأيام ثم استمرت كما تقول الروايات أربع سنوات وقد وقعت هذه الحرب أثناء الأشهر الحرم عندما قتل غدرًا عروة الرحال الذى ينتمى لبنى عامر بن الصعصع الذى كان يحرس قافلة النعمان الثالث القادمة من الحيرة إلى سوق عكاظ وكان اغتياله بالغدر على يد البراد بن قيس الكنانى. وكان حرب ابن أمية مع بعض شيوخ قريش يضمنون البراد فى عكاظ فما إن بلغتهم أنباء هذا العمل الشائن حتى رحلوا إلى مكة وحينئذ باغتتهم هوازن وهاجمتهم فى منطقة تعرف بنخلة، غير أن هبوط الظلام لم يمكنهم من الوصول إلى البقعة المقدسة، ويعد يوم "نخلة" أول أيام معركة الفجار الثانية على أنه بعد عام من تلك الأحداث التقى الطرفان المتقاتلان دون أن يشترك هذه المرة بنو كعب وبنو كلاب من جماعة عامر بن الصعصع (صعصعة) وكانت معركتها عند شمطة (شمظة) قرب عكاظ وانتصرت هوازن وعرف ذلك اليوم بيوم "العبلاء"، ثم انتصرت قريش وكنانة فى العام التالى ثم كان اللقاء الخامس عند "الحرة" قرب عكاظ وعرف ذلك بيوم "الحُرَيْرَة" وانتصرت فيه هوازن مرة ثانية، ولم يكن هناك بعد ذلك أكثر من مناوشات جانبية انتهت بإقرار السلام بين الطرفين، وقيلت فى هذه المعارك قصائد كثيرة

المصادر

حفظ لنا الواقدى منها شيئا قليلا. وعلى الرغم مما يقال من أن النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] شارك فى حرب الفجار إلا أن التفاصيل تختلف فيما بينها، فيقول البعض إنه ساهم فى القتال فى "شمطة" حيث هزمت قريش وتثنى الأغانى على شجاعته فى هذا اليوم، على حين يقول البعض الآخر إنه كان يجمع النبال لأعمامه، ولكن يستفاد من أيام العرب أنه لم يشترك فى الفجار من أعمامه سوى الزبير. ولقد اندلعت حرب الفجار هذه فى الموسم الذى تزدهر فيه الحركة التجارية وكان الغرض الأساسى منها هو السيطرة على طريق التجارة فى نجد، وقد عظم شأن قريش من حرب "الفجار" هذه، حيث أخذت تزود حلفاءها بالسلاح، كما يلاحظ أن خصومهم من أهل ثقيف وبنى نصر بن معاوية أبدوا أشد أنواع المقاومة ولكن أنهكهم طول الصراع. المصادر: (1) سيرة ابن هشام: ص 117 - 119. (2) ابن سعد: جزء ص 80 - 82 (3) الطبقات الكبرى، ليدن 1905 - 1940. (4) كتاب الأغانى جزء 19 ص 73 - 82. (5) اليعقوبى: جزء 1 ص 14 أمل رواش [ج. و. فوك J.W. Fuck] فخ فخ موضع قرب مكة يعرف الآن بالشهداء، وتقول إحدى الروايات الموغلة فى القدم إن رهطا من الصحابة وفيهم عبد اللَّه بن الخليفة عمر بن الخطاب قد دفنوا به، وجرت العادة على إقامة احتفال يوم الرابع عشر من صفر من كل عام تمجيدا لمن قتلوا فى هذا الموضع، ويبلغون المائة فعرفوا بالشهداء وذلك فى معركة تعرف بيوم فخ يوم الثامن من ذى الحجة 169 هـ (11 يونيو 786 م). ويحتفظ الشيعة بذكريات كثيرة عن هذه المعركة التى أسفرت عن خاتمة مأساوية لثورة علوية بدأت فى المدينة واستمرت أقل من أربعين يوما واعتبرت أكبر مذبحة بعد مذبحة كربلاء، فيذكر اليعقوبى أنه بعد اعتلاء الهادى الخلافة تجددت

المراجع

العداوات ضد الشيعة مما حمل بعضهم على الذهاب إلى المدينة يشكون لعلوييها ما يلقاه اخوانهم من الاضطهادات والظلم. على أنه يجب أن نرجع إلى الوراء لنعرف الأسباب الحقيقية لمجريات الأحداث فإن هذه الثورة كانت على صلة بثورة محمد بن عبد اللَّه المعروف بالنفس الزكية وأخيه إبراهيم سنة 145 هـ (762 م). ومن ناحية أخرى فقد ثار أحدهم بالمدينة واسمه الحسين العلوى الذى عرف بصاحب فخ فقد ظل يقاوم قوات بنى العباس أحد عشر يوما خرج بعدها إلى مكة والتحم بعسكر العباسيين يوم التروية (أى الثامن من ذى الحجة 169 - 786) عند سفح "جبل البرود" بفخ، ورفض الحسين أن ينزل بالأمان وقتل فى المعركة إلى جانب آخرين من العلويين وظلت أجسادهم فى العراء فكانت مدعاة لإلهاب خيال الشعراء فنظمت فيهم المراثى الكثيرة. وقد نجح فى الفرار من هذه المذبحة العلوى إدريس ابن عبد اللَّه بن الحسين فهرب إلى مصر ثم تمكن من تأسيس دولة الأدارسة فى المغرب. المراجع: أولًا: العربية (1) ياقوت: معجم البلدان، جزء 3، ص 854. (2) الطبرى: مروج الذهب، جزء 6 ص 662 - 862. الكامل (3) ابن الأثير: ليدن 1851 - 1876. جزء 4 ص 60 - 64. ثانيًا: الأجنبية (1) F.Wustenfeld: Die Chroniken der Stodt Mekka Leipzig 1857 - 1959, 1,435,501 F., ii, 185 and index د. حسن حبشى [ل. فيشيا فلجيرى L.Veccia Valgieri] الفخار (¬1) يعد الخزف أحد مفاخر الفن الإسلامى وكان يصنع فى كافة الأقطار الإسلامية. وللمنتوجات الخزفية مكانتها فى العمارة الإسلامية سواء كأداة للتطعيم ¬

_ (¬1) استخدم المؤلف هذه اللفظة كمصطلح عام يدل على كافة المنتجات الخزفية من بلاطات وأوانٍ. [المترجم]

أو كبلاطات خزفية [وتعرف بترابيع القاشانى] كما أنها تتمتع بمكانة هامة فى مجال الفنون التطبيقية [تعرف أيضا بالفنون الزخرفية أو الفنون الصناعية أو الفنون الصغرى]. وإنه لمن الأنسب، لكى نقدم دراسة مختصرة واضحة لهذا الموضوع الواسع، أن نمهد لذلك بإعطاء نبذة يسيرة عن الأساليب الصناعية [وهى التقنيات] المختلفة المستخدمة فى صناعته قبل أن نتطرق إلى ذكر مراكز صناعته الرئيسية والمراحل التاريخية التى ازدهرت خلالها. ويمكن القول، بادئ ذى بدء، أن المادة الأساسية للمنتوجات الخزفية هى الطين المحروق الذى يتحول إلى سليكوز [السليكا أى الرمل الناعم جدا] أو البلاستيك [مادة لدائنية أى طرية ليسهل تشكيلها] حسب المادة السائدة فى تكوينه. وإما أن يُترك الطين عاريا وفى هذه الحالة يبدو فى مظهره كالطوب [الآجر] أو يغطى بطبقة البطانة التى تخفى اللون الحقيقى يمكن إضافة أنواع متعددة من الزخارف والطين وهو لا يزال طريا [لينا] كما يمكن حز الآنية بخطوط غائرة [أخاديد] أثناء دورانها على العجلة [أى الدولاب] أو تزخرف بزخارف بارزة على طبقة البطانة حيث يتم ضغط العناصر الزخرفية وتوضع جنبا إلى جنب فى قالب أو تختم بصبغات منفصلة. وبعد أن يجف الإناء ويحرق فى الفرن يزجج أى يغطى بطلاء زجاجى مخلوط بالرصاص مما يضفى عليه مظهره اللامع ويمنع فى نفس الوقت رشح الماء وقد يلوّن هذا الطلاء أو يترك كما هو بدون تلوين. هذا ويستطيع الخزاف أن يضفى على آنيته طابع الثراء بإضافة الألوان المتعددة إليها وما تحدثه من تأثيرات حيث يمكن الحصول على عدد كبير من الطلاءات الزجاجية الملونة المختلفة بواسطة مزج الأكاسيد المعدنية بمواد مذابة عديمة اللون. وفضلا عن أكسيد القصدير الذى يعطى اللون الأبيض فإن لوحة الألوان

تضم أكسيد الكوبالت لأعطاء اللون الأزرق وأكسيد النحاس لإعطاء اللون الأخضر واللون الأزرق التركوازى [الفيروزى] وأكسيد المنجنيز لأعطاء اللون البنى واللون البنفسجى الباذنجانى. هذا وترسم الزخارف بفرشاة على طبقة البطانة التى كل تغطى جسم الآنية ومن ثم تظهر هذه الزخارف تحت طبقة الطلاء الزجاجى وهذه هى الطريقة المستخدمة فى صناعة أوانى السيلكوز، أو ترسم الزخارف على طبقة الطلاء الزجاجى المعتم [غير الشفاف] نتيجة إضافة أكسيد القصدير إليها وهذه هى الطريقة المستخدمة فى صناعة الأوانى المطلية بالطلاء الزجاجى القصديرى [أى المعتم]. وقد كانت منطقة غرب آسيا هى أول بقعة شهدت ميلاد صناعة الخزف الإسلامى التى يرجع أصلها من غير شك إلى الطّوب المزجج فى القصور الأخمينية والمنتوجات الخزفية الغارثية [أو البارثيه] والساسانية. ومهما يكن من أمر فإن الخزف الإسلامى لم يكن معروفا لدينا حتى بداية العصر العباسى (القرن 3 هـ/ 9 م)، ونحن ندين بمعلوماتنا الأولية والدقيقة عن هذه المنتوجات الخزفية إلى الحفائر التى أجريت فى مدينة سامراء (عاصمة الخلافة العباسية فيما بين 223 - 269 هـ/ 838 - 883 م) وقد زودتنا هذه الحفائر بالعديد من الأوانى والقطع الخزفية التى تتميز بالتنوع الشديد والمهارة الفائقة فى التنفيذ وهو الأمر الذى يدعو إلى الاعتقاد بوجود عدد من مراحل التطور السابقة والتى لا نعرف عنها شيئا [حتى الآن]. وقد وجدت فى سامرا، (علاوة على أنواع الخزف سواء المزجج أو غير المزجج أو المخروز أو المختوم) وثلاثة أنواع رئيسية من المصنوعات الخزفية: النوع الأول هو الخزف الأبيض المزخرف بالنقاط والعناصر الكتابية غير المقروءة المنفذة باللون الأزرق الزرنيخ [بين الأزرق والأخضر]. النوع الثانى هو الخزف ذو الزخارف المتعددة الألوان ومن الواضح

أنه مستوحى من المنتوجات الحجرية الصينية التى ترجع إلى عصر أسرة تانج (القرنان 1 - 2 هـ/ 7 - 8 م). والنوع الثالث والأخير هو الخزف المميز والمعروف بالخزف ذى البريق المعدنى [الفضار المذهب] ويمكن الحصول على زخَارف هذا النوع من الخزف عن طريق مزج أكسيد الحديد مع بودرة الفضة أو النحاس الذى ينفصل عند درجة الانصهار ويوضع كسائل رقيق فوق الطبقة الزجاجية المعتمة [كنتيجة لإضافة القصدير إليها وتكون شفافة عند إضافة الرصاص إليها]. وتتدرج ألوانه من اللون الذهبى الباهت [الشاحب] إلى اللون الأحمر الياقوتى، أما درجات انعكاس للك الألوان فتختلف حسب سقوط الضوء عليها. وقد عثر فى مدينة سوسة على قطع أخرى مشابهة ولاشك أنها معاصرة خزف سامراء فى القرن 3 هـ/ 9 م] ولقد كانت هذه المنتوجات الخزفية سواء فى بغداد أو فى غيرها من مراكز الخلافة العباسية تنافس فى مظهرها الأوانى المعدنية النفيسة ولكنها لم تتعرض مثلها إلى التحريم من جانب المتشددين [أى الفقهاء الذين أجمعوا على تحريم استعمال الأوانى الذهبية والفضية] ومن ثم صارت إحدى السلع التجارية الرائجة فى مجال التصدير إلى كافة الأقطار الإسلامية ويؤكد ذلك ما عثر عليه فى حفائر مدينة الزهراء الأندلسية من قطع عديدة تشبه مثيلتها فى سامراء، وأيضا أروع مجموعة من البلاطات الخزفية وصلت إلينا (ويقدر عددها بنحو 150 بلاطة [وفى رأى آخر 139 بلاطة) أرسلت من بغداد أو أى مركز صناعى آخر) وهى التى تكسو محراب جامع القيروان [بتونس]. وكانت مصانع الفسطاط بمصر هى أول من استخدمت أسلوب الزخرفة بالبريق المعدنى [وهو يشير بذلك إلى بعض القطع الزجاجية المزخرفة بالبريق المعدنى والتى ترجع إلى الربع الثالث من القرن 2 هـ/ 8 م] حيث ستقابلنا هذه المنتوجات مرة أخرى.

وقد قامت بلاد فارس بدور بارز فى تطور المنتوجات الخزفية منذ وقت مبكر، ويبدو أنها استفادت من التقاليد الأجنبية فضلًا عن التقاليد السابقة على العصر الإسلامى ويظهر ذلك جليا فى النوع المسمى بخزف "جيرى" وكانت زخارفه تنفذ بواسطة عمل حزوز كبيرة أو صغيرة فى طبقة البطانة التى تغطى جسم الآنية تحت طلاء زجاجى شفاف لامع وتتكون هذه الزخارف من رسوم تخطيطية تذكرنا بالحضارة الفارسية القديمة وقوامها مذابح النار فضلا عن أشكال الكائنات الحية من رسوم الأشخاص والحيوانات والطيور والأسود والتنين المنفذة بأسلوب شديد التحوير. وتعتبر مدينة الرى (وتقع أطلالها الآن قرب طهران) من أقدم مراكز إنتاج الخزف فى إيران وقد استمر نشاطها الفنى مزدهرا حتى القرن 7 هـ/ 13 م وهو يعد من أحسن الأنواع المعروفة لجامعى هذا النوع من التحف [أى تجار العاديات] وتظهر المنتوجات الخزفية لهذه المدينة تنوعا كبيرًا سواء فى الشمل أو الأسلوب الصناعى [التقنية]. إن المنتوجات الخزفية المنفذة بالبريق المعدنى الذى غالبا ما يكون ذا لون ذهبى مائل للاخضرار قد مثلت بحرية تامة، وقد أنتجت الرى أيضا، علاوة على البلاطات الخزفية [ترابيع القاشانى] التى تكسو أسطح الجدران والمشكلة على هيئة تخوت ثمانية مدببة العقد أو على هيئة أشكال صلبان ذات ثمانى أذرع متساوية، والقوارير والمزهريات المشكلة على هيئة رسوم حيوانية أو المزخرفة بالحيوانات البرية المنفذة بالحفر البارز. ولقد كان الخزافون يفضلون تمثيل مناظر الكائنات الحية وهو الأمر الذى يعد أحد السمات المعروفة للذوق الفارسى إذ نشاهد فى داخل الأطباق وعلى حوافها وعلى الأبدان المنتفخة للقوارير وفى البلاطات الخزفية جنودا وصيادين على ظهور الخيل والحكام والموسيقيين الجالسين ذوى الوجوه والأجسام الممتلئة وهى تذكرنا بمثيلتها فى تصاوير المخطوطات المعاصرة وقد نفذت هذه الأشكال الصغيرة على أرضية بيضاء أو زرقاء باهتة [شاحبة] وهم يرتدون ملابس ملونة رقيقة

موشاة بالذهب والكتابات ذات حروف مذهبة وهى تحكى الأساطير الإيرانية القديمة المرسومة على مثل هذه المنتوجات الخزفية وعلى الرغم من خراب الرى على يد جنكيز خان المغول 624 هـ/ 1227 م [الصواب 617 هـ/ 1220 م] وما أصاب صُناع خزفها من ضعف وفقر إلا أنهم استمروا فى إنتاج المنتوجات الخزفية بأساليبهم المعهودة ويوجد عدد من القطع الخرفية المزخرفة بأسلوب الظل الأسود [السلويت] على خلفية خضراء وهى ترجع إلى تلك الفترة ومن الواضح وجود صلة بين وصول المغول وبين إقامة عدد من المخازن التى وجدت فى حفائر جرجان فالقطع التى اكتشفت سليمة تماما كانت قد حفظت فى جرار كبيرة أو دفنت أثناء الغزو وترجع هذه المنتوجات إلى أواخر القرنين 5 - 6 هـ/ 11 - 12 م وربما يرجع بعضها إلى فترة سابقة عن ذلك. وتشتمل هذه القطع على أوان ذات أرضية زبدية اللون أو "تركوازية"، كما توجد أيضا بعض الأوانى التى يبدو أنها مستوردة من مدينة ساوة. هذا وقد استمرت صناعة الخزف مزدهرة خلال فترة السيطرة المغولية وخاصة فى المناطق الفارسية وفى آمل وساوة وقاشان فضلا عن شمال شرق سمرقند. ويعتقد أن الأوانى ذات الزخارف الهندسية والنباتية والحيوانية المنفذة بتحوير شديد والمحفورة فى طبقة البطانة [أى تحت الطلاء] والملونة بلمسات من اللون الأخضر والأرجوانى قد صُنعت فى آمل فيما بين القرنين 5 - 7 هـ/ 11 - 13 م. وبرزت خلال العصر المغولى مراكز صناعية جديدة مثل سلطان آباد وقد كان للتأثير الصينى أثره الواضح على حكام إيران الجدد الذين عولوا على إحضار الخزافين الصينيين فضلا عن استقدام المصورين إلى الأراضى المحتلة. وقد استمرت التأثيرات الصينية باقية حتى زمن الصفويين ويشهد على ذلك أوان تنسب إلى كرمان وتؤرخ

بعصر الشاه عباس (995 - 1037 هـ/ 1587 - 1628 م) وقوام زخرفتها رسوم الحيوانات الخرافية المفعمة بالحيوية والمتأثرة بمثيلتها فى أوانى الشرق الأقصى [أى الأوانى الخزفية الصينية]. وقد أثبتت الحفائر الأثرية التى أجراها الأمريكان قبل وأثناء الحرب العالمية الثانية ازدهار صناعة الخزف فى نيسابور ببلاد ما وراء النهر [إقليم خراسان أو آسيا الوسطى أو التركستان الغربية] وقد بلغت هذه الصناعة الغاية خلال العصر السامانى من الثانى إلى الخامس الهجرى 8 - 11 م، وعلى ما يبدو فإن تلك الأوانى هى الأولى التى غطيت بطبقة زجاجية لامعة شفافة وتتراوح ألوانها بين الأصفر الليمونى والأخضر والأحمر الطوبى أما زخارفها فمجموعات غير متجانسة من الزخارف الهندسية والعناصر الكتابية غير المقروءة والأزهار والحيوانات وأشكال الكائنات الحية وتحدد هذه الزخارف خطوط سوداء وربما تكون مشتقة من فارس القديمة. كذلك فإنه يتضح من أوانى داغستان فى الجنوب الغربى للقوقاز وفى الأطباق المنسوبة إلى مدينة كوباجى الصغيرة بقاء التأثيرات الصينية المتأخرة فضلا عن الخصائص المميزة للخزف التركى فى آسيا الصغرى [الأناضول وهى تركيا الآن]. وقوام زخارفها المرسومة تحت الطلاء، والذى إما أن يكون عديم اللون أو ذا لون أخضر أو أزرق وغالبا ما تكون به تشققات، عبارة عن رسوم أزهار محورة وحيوانات منفذة عادة بأسلوب الظل [السلويت] أو أشخاص مصممون على أرضية نباتية وقد أنتجت بلاد فارس أيضا، علاوة على أشكال [الفاظات] المزهريات والأطباق إنتاجا وفيرا من المنتوجات الخزفية الأخرى للأغراض المعمارية مما أضاف البهجة والرونق إلى تلك المبانى ذات النسب المعمارية والفنية الدقيقة. . ومن بينها الفسيفساء الخزفية والبلاطات الخرفية التى تكسو العمائر سواء من الداخل أو الخارج فضلا عن القباب والمآذن الممشوقة والمداخل وقوام

زخارفها عبارة عن زخارف هندسية وكتابية ونباتية وأهم الألوان المستخدمة هى الأزرق الفاتح أو الداكن. كذلك شاعت المحاريب الخزفية وبصفة خاصة التى صنعت فى قاشان وهى عبارة عن حشوات وسطى مسطحة [غير مجوفة] تكتنفها من جانبها أعمدة تتوجها عقود فارسية. وقد ترتب على استقرار الأتراك السلاجقة فى آسيا الصغرى [الأناضول] انتشار الفن الفارسى انتشارًا ملحوظًا حيث ذخرت قونية (التى أصبحت عاصمة سلطنة سلاجقة الروم وشيد بها السلاطين المنشآت المتعددة) بالعديد من الصناع لاسيما الخزافين من أهل خراسان كنتيجة طبيعية للغزو المغولى لبلادهم. وترجع إلى القرنين 6 - 7 هـ/ 12 - 13 م بضعة أسوار رائعة مكسوة من الداخل بالطوب المزجج من جهة أو بلاطات الفسيفساء والبلاطات المتعددة الألوان من جهة ثانية. ولقد توقفت صناعة الخزف فى الأناضول بسقوط سلطنة سلاجقة الروم فى قونية فى مستهل القرن الثامن الهجرى (14 م) ولكنها سرعان ما عادت إلى الازدهار بفضل الأتراك العثمانيين الذين اتخذوا بورصة [أوبروسه] عاصمة لهم فى عام 726 هـ/ 1326 م وقاموا بتجميلها بالعمائر الرائعة المكسوة بالبلاطات الخزفية التى كانت سمة سائدة وقتئذ وكانت المساجد والترب هى أكثر هذه العمائر إتقانا وبالرغم من ذلك لم تكن بورصة مركزا للصناعة وإنما كانت مدينة أزنيق [مدينة نيقية القديمة] التى لا تبعد كثيرا عنها والتى استمرت مركزا مزدهرا لمدة قرنين (من أواخر القرن 8 هـ/ 14 م إلى أواخر القرن 10 هـ/ 16 م) ومرت الصناعات الخزفية خلالهما بمراحل مختلفة من التطور فى الأسلوب الفنى والصناعى. كان التأثير الايرانى ما يزال واضحا جدا فى بداية القرن 10 هـ/ 16 ولكن منذ أواخر هذا القرن بدأ الخزافون يحررون أنفسهم من هذه التقاليد حيث بلغت منتوجات أزنيق

الخزفية المتعددة الألوان الغاية واكتسبت الخصائص التركية المميزة. هذا وقد رسمت الزخارف فوق طبقة البطانة وأضيفت إلى الألوان المستخدمة بالفعل (وهى الأزرق الزرنيخى والتركواز والأخضر النحاسى) اللون الأسود لتحديد المساحات الملونة واللون الأحمر الطماطمى الرائع الذى يظهر بارزًا على سطوح البلاطات والأوانى الخزفية. أما تكوين الحشوات المصنوعة فى بلاطات مستطيلة فيعتمد بصفة أساسية على الزخارف النباتية حيث نشاهد الزهور الأربع التقليدية وهى: الورد والياسمين والخشخاش والتوليب [زهرة اللاله]. وقد توقفت أزنيق عن الانتاج خلال القرن 11 هـ/ 17 م وحلت محلها مدينة كوتاهية التى كان إنتاجها نسخة مكررة من إنتاج أزنيق سواء فى الأسلوب الصناعى أو الفنى ولكن دون أن تصل إلى نفس الدرجة من الإتقان. كذلك انتقل مجد أزنيق الآفل إلى أسطنبول حيث أنشئت الأفران [المصانع] فى منطقة "تكفورسراى" فى بداية القرن 12 هـ/ 18 م. وينسب إلى دمشق بعض الأطباق الرائعة الشبيهة بالأوانى الأناضولية إلا أنها تختلف عنها كثيرا سواء من حيث الألوان حيث لم يستخدم اللون الأحمر الطماطمى واستخدم اللون الأرجوانى والأخضر أو من حيث رسم التصميمات الزخرفية التى كانت على درجة أقل من حيث واقعيتها [الأسلوب الطبيعى أو الواقعى] وحساسيتها فضلا عن إعطاء درجة كبيرة من الاهتمام بالخلفية. ومن المعروف أن صناعة الزجاج قد بدأت أولا فى مصر، وقد صنع المصريون القدماء أيضا الخزف كما عرفوا استخدام الترجيج [أى طلاء المواد المصنوعة من الطين أو الحجر بمادة الزجاج الذائب]. وإذا لم يكن البريق المعدنى قد ابتكر أولا فى مصر كما يعتقد بعض العلماء فإنه على الأقل قد صنع فيها منذ فترة

مبكرة جدا كتقليد لمثيله فى العراق حيث توجد بعض القطع من الخزف ذى البريق المعدنى تشبه مثيلتها فى سامراء. وهى مؤرخة بالقرن 3 هـ/ 9 م أى خلال العصر الطولونى أو قبله بقليل. وتتكون زخارف هذه الأوانى من أشكال آدمية غريبة إلى حد ما وعناصر كتابية غير مقروءة وتمتاز هذه الزخارف بكبر حجمها وسذاجة رسمها. هذا ولم تلبث أن تطورت هذه الأوانى تطورًا كبيرًا خلال القرنين 5 - 6 هـ/ 11 - 12 م تحت حكم الفاطميين. إن التنوع الكبير للقطع والأطباق والمصابيح والتماثيل الصغيرة يوضح ليس فقط التحرير من الاعتقاد المتشدد تجاه التصوير وإنما يؤكد أيضا طابع الرقى الذى صبغ فنون العصر الفاطمى قاطبة. وقد زينت الأسطح المغطاه بالبريق المعدنى الذهبى الرائع بتفاصيل من مادة البريق نفسها حددت بدقة شديدة مما أضفى عليها مظهرًا فخما، وتضم قائمة هذه الزخارف الحيوانات ذوات الأربع والطيور أو الأسماك وأيضا الأشكال الآدمية من رجال معممين ونساء مسترسلات الشعور. كذلك فإن رسم الصليب وتمثيل السيد المسيح [عليه السلام] وفوق رأسه هالة يدعونا للاعتقاد بوجود صناع أقباط [أى من مسيحيى مصر] وقد شهد العصر ذاته ازدهار نوع آخر من الخزف هو المعروف بالخزف ذى الزخارف المحفورة تحت طلاء زجاجى ذى لون واحد وخاصة لون السيلادون الصينى الأخضر الضارب إلى الرمادى. إن كميات القطع الخزفية [الكسرات] التى ألقاها الخزافون على أكوام النفايات لتكشف عن مدى نشاط الأفران [المصانع] فى الفسطاط. وقد ظهر خلال القرن 7 هـ/ 13 م أسلوب صناعى جديد لرسم الزخارف على بدن الآنية تحت طلاء زجاجى وسميك ولامع وغالبا، ما تكون به تشققات، أما الزخارف فترسم بالفرشاة وتتكون من رسوم الحيوانات المنقذة بإسلوب الظل [السلويت] المظلل باللون الأسود وحتى يمكن أن نكمل

هذه الدراسة السريعة عن فن الخزف فى مصر يجب أن نذكر شيئًا عن الخزف ذى الزخارف المحفورة تحت طلاء زجاجى أصغر أو أخضر [وهو المعروف باسم الفخار المطلى بالميناء المتعددة الألوان]. وتشتمل هذه الأوانى التى كانت مخصصة أصلا للاستخدام المنزلى على نقوش كتابية ورنوك الأمراء وهى شارات تدل على الوظائف المختلفة وقد تكون بسيطة أو مركبة] وقد صنعت هذه الأوانى لهؤلاء الأمراء كما صنعت كل من سوريا وفلسطين أوانى من نفس هذا النوع خلال ذلك العصر أيضا [أى العصر المملوكى]. أما بالنسبة لشمال إفريقية فقد كانت على الأقل حتى القرن 6 هـ/ 12 م امتدادًا فنيا للشرق الأدنى ومصر فقد أرسلت إلى القيروان بلاطات من الخزف ذى البريق المعدنى [الفضار المذهب] من بغداد فى القرن 3 هـ/ 9 م [حوالى منتصف هذا القرن على وجه التحديد] ومن الجائز قيام صناع الخزف المحليين بإكمال هذه المجموعة. وقد عثر فى قصر بقلعة بنى حماد بالجزائر يؤرخ بالقرن 5 هـ/ 11 م على أرضية مصنوعة من البلاطات الخزفية ذات البريق المعدنى وهى على هيئة أشكال نجمية ومتقاطعة ورغم أنها تتطابق مع الطراز الفارسى إلا أنه من المحتمل جدًا أنها من الانتاج المحلى. إن الكميات الكبيرة من خزف قلعة بنى حماد والزبريين فى القيروان (بتونس) تتميز بخصائص ذات سمات مستقلة [أى محلية] للغاية. وبالإضافة إلى العناصر المعمارية والمقرنصات (المقربصات) والأوانى المزججة باللون الأخضر ذات الزخارف المحزوزة أو المختومة، كشفت الحفائر الأثرية عن أوانٍ ذات طلاء زجاجى متعدد الألوان رسمت زخارفها فوق طبقة البطانة وقد نفذت هذه الزخارف المتنوعة والدقيقة بأسلوب الظل [السلويت] وقوام هذه الزخارف أشكال مثلثة وبيضاوية وأشكال آدمية وحيوانية يمكن أن نميزها عن النماذج الشرقية أما الألوان فتنحصر فى اللون البنى المنجنيزى والأخضر النحاسى

ونادرًا ما يستخدم اللون الأصفر كما استخدم اللون الأزرق الزرنيخى فى فترة متأخرة. وقد أنتجت بجاية خلال القرن 6 هـ/ 12 م الخزف المتعدد الألوان بعد أن رحل إليها الصناع من القيروان والقلعة (أى قلعة بنى حماد) كنتيجة لغزو العرب الرحل لبلادهم. ومن جهة أخرى فقد استفادت بجاية، وهى المدينة الساحلية، من واردات الأندلس إليها. وقد أنتجت أسبانيا الأوانى الخزفية الرائعة وكشفت الحفائر الأثرية فى مدينة الزهراء عن كميات كبيرة من الخزف المزخرف بخطوط ملونة باللون البنى المنجنيزى أما الأسطح فملونة باللون الأخضر النحاسى، وتؤرخ هذه الأوانى مثلها فى ذلك مثل المدينة بالقرن 4 هـ/ 10 م وهى مشابهة لنماذج مغربية ترجع إلى تاريخ متأخر. كذلك فإن الخزف الإسلامى فى صقلية (القرن 6 هـ/ 12 م) مشابه تماما لتلك الأنواع. والحق أن هذا المظهر لهذه المجموعة الواحدة والمتجانسة تماما من أوانى الغرب الإسلامى يثير مشكلة عن كيفية ايجاد مبرر لهذا الطابع. وقد أثبتت حفائر مدينة الزهراء أن أسبانيا فى القرن 4 هـ/ 10 م كانت على دراية بأوانى البريق المعدنى المستورد من الشرق ومع ذلك فإن شبه جزيرة أيبريا كانت تملك مراكز صناعية أيضا ومنها مالقه التى أنتجت فيما بين القرنين السابع والتاسع الهجرى (13 - 15 م) أطباقًا من ذات البريق المعدنى الذهبى وجرارًا [قدورًا] كبيرة من النوع المعروف برسم جرار [أو قدور] الحمراء والذى يعد أكثرها شهرة. إن جمال ودقة تلك الجرار الخزفية الكبيرة نجد صداه فى المزهريات ذات الزخارف البارزة والتى يبدو أنها تنتمى إلى نفس الأصل وربما تؤرخ بنفس الفترة أيضا وقد تترك العجينة دون طلاء زجاجى أو تغطى بالميناء الزجاجية الخضراء، أما الزخارف فترتب فى صفوف أفقية يعلو بعضها البعض وهى تشتمل على البائكات الصماء والنقوش الكتابية والعناصر المتداخلة أو المتشابكة وأحيانا الرسوم

الحيوانية، وقد وجد نفس الأسلوب الصناعى والزخرفى فى الآبار والخزانات الموجودة فى الأندلس وكذلك المغرب ومنها مجموعة رائعة بسيدى بو عثمان شمال مراكش وربما ترجع إلى القرن 6 هـ/ 12 م. ومنذ هذا القرن لعب الخزف فى كل من أسبانيا والمغرب دورًا هاما فى الزخرفة المعمارية. إن البلاطات المزججة التى ظهرت أولا فى فارس ثم فى إفريقية [أى تونس] قد ارتبطت بزخرفة المآذن وجعلت على هيئة حشوات كسيت بها الحجرات، وإن مهارة الصناع، ولاسيما المتخصصون فى الزليج، فى قطع وتشكيل البلاطات ذات اللون الواحد وتجميعها على هيئة أشكال من الزخارف الهندسية والكتابية والنباتية لهو شئ يدعو للدهشة حقا. وكانوا على نفس الدرجة من المهارة فى نوع من الخزف المعروف المحفور والذى يقوم على كشط طبقة الطلاء الزجاجى بأداة حفر، ولذلك تترك العناصر الزخرفية كما هى. ونتوقف أخيرًا عند الخزف ذى الفواصل الجافة وهو المعروف فى الأسبانية بإسم (الكورداسيكا) وتستخدم فيه نفس العناصر الزخرفية الهندسية المتداخلة أو المتشابكة. والتى توحى من بعيد بإحساس كما لو كانت أحد الأعمال المفعمة وهو أسلوب صناعى قديم جدا يشبه الطوب المزجج فى القصور الأخمينية بسوسة. وهناك خط أسود يحدد كل سطح ولهذا الخط مكانة هامة فى التكوين حيث يمنع اختلاط الألوان القريبة بعضها ببعض هذا ولم يستخدم مثل هذا الأسلوب الصناعى أى واحد من خزافى سامرا ومدينة الزهراء وإنما استخدم فى شمال إفريقيا فى القرنين الخامس والسادس للهجرة 11, 12 م. وقد بلغت مراكز الصناعة الأسبانية وبخاصة اشبيلية درجة عالية من المهارة فى استخدام كل من الأسلوبين الصناعيين (الكورداسيكا والكونكا) حيث حل محل الخط الأسود خط رفيع محزوز فى العجينة لفصل الألوان بعضها عن بعض.

المصادر

ولم يلبث أن انتقل هذا الأسلوب إلى تونس مع المسلمين الأسبان عندما تم نفيهم إلى هناك فى مستهل القرن 11 هـ/ 17 م وقد شهد عصر المدجنين انتقال مصانع أوانى البريق المعدنى من منيشه إلى مالقه، وزخرفت أوانى "باترنا" بنفس الأسلوب باستخدام اللونين الأخضر والبنى. ويبدو أن منطقة فالنسيا خلال القرنين 8 - 9 هـ/ 14 - 15 م كانت بمثابة المركز الصناعى الأخير لتراث الخلافة الأندلسية. وقد ظل فن الخزف يتمتع بشهرة فى شمال إفريقيا وما تزال مراكش تحتفظ بصانعى الزليج، كما كان خزافو فاس حتى وقت قريب على دراية بكيفية صناعة الأوانى ذات الزخارف الزرقاء أو المتعددة الألوان فضلا عن أنواع مبتكرة من الأطباق. وشاع فى الجزائر خلال العصر العثمانى استخدام كميات كبيرة من البلاطات الخزفية ولكنها كانت مستوردة بالكامل من أوربا. لم تنس تونس، وبخاصة تونس العاصمة، الفنون الخزفية التى تعود إلى العصور الوسطى. والحق أن صناعة الأوانى ذات الطلاء الزجاجى المعتم لإضافة القصدير إليه لم تتوقف طالما كانت هناك حاجة إليها. وقد شهدت القرون القليلة الماضية صناعة المزهريات التى احتفظت بالألوان القديمة بدرجة رائعة فضلا عن الحشوات المزخرفة بالبائكات الصماء وقد انصهرت فى هذه المزهريات والتغطيات التقاليد المحلية مع إسهامات من الليفانت. المصادر: (1) A. Lane: Early Islamic pottery (2) H. Wallis: Persian Lustre Vases, London 1899 (3) A.U.Pope: The ceramic art in Islamic times (A survery of persian art, in, v),Oxford 1938 - 9 (4) Dimand: Handbook of Muhamedan art, 19558, 158 - 229 د. محمد حمزة [جورج مارسيه G. Marcais]

فدائى

فدائى وكثيرا ما يُنْطق "فداوى" وهو لفظ يطلق على كل من يضحى بحياته من أجل آخر كما ينعت به هؤلاء الأشخاص الذين يكرِّسون أنفسهم لخدمة معتقداتهم الدينية أو السياسية، ويستخدم هذا الاسم بين فرقة الاسماعيلية النزارية على من يخاطرون بأرواحهم لاغتيال أعداء الفرقة وأحيانا يستأجرهم حلفاء النزاريين ليقوموا بمثل هذه الأعمال؛ وقد يقومون بها لقاء أجر نقدى يأخذونه وقد أصبحوا فى الموت [بالشام] فى السنوات الأخيرة طائفة قائمة بذاتها، وإن جرت العادة على أن عمليات الاغتيال كانت توكل فى العادة لمن يستطيع انجازها ويصلح لها، وتشير إليهم أخبار العصور الوسطى على أنهم قوم دربوا أحسن تدريب حتى صاروا اختصاصيين فى هذا المجال وتقوم هذه الأخبار على ما تقدمه الأخبار الإسلامية فى تلك العصور بشأنهم، وربما دخل بعضها كثير من الخيال مما أدى إلى القول باستعمال "الحشيش" فى تحريك الفدائى ولكن لا يوجد شاهد على هذا القول. ويطلق لفظ "فداوى" فى الجزائر على راوى الملاحم والأعمال البطولية، وإذا قيل "فدويه" فإنه يقصد بها القصة أو الأغنية التى تتغنى أو تروى أعمال البطولة كما أطلق لفظ "فداوى" فى اثناء الثورة الإيرانية بالدرجة الأولى على انصار الحزب الجمهورى ثم أريد به فيما بعد الأشخاص المدافعون عن الأفكار الحرة وعن الدستور. وكان "الفدائى" اسما مستعارًا للشيخزادة لاهجى الذى أرسله الشاه إسماعيل الصفوى كسفير لمحمد خان شيبانى ثم تقاعد فيما بعد وبقى فى شيراز حيث توفى هناك، كما كان أيضا اسما مستعارًا لسيد ميرزا سعيد الذى عاش فى أصفهان وكان الشاعر الأثير عند محمد شاه قاجار. المصادر: (1) ابن خلدون: ترجمة: De Salane جزء 1، ص 221, 5، باريس 1863 - 1868. (2) Lane: Modern Egyptians, ii, 147 أمل رواش [هينة التحرير]

فدية

فدية " فدْيَة"، "افتداء" (سورة البقرة، الآيتان 183, 184: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ. أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ. .}؛ والآية 196: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ}. يفرض القرآن الكريم الفدية هاهنا لأمور تطرأ بالنسبة لأداء فريضتى الصيام والحج، وفى حالات أخرى يفرضها عند إغفال بعض الفرائض والشعائر. وبالتفاسير تفاصيل اضافية مسهبة فى هذا الشأن، وفى جاوة وسومطرة يطلقون كلمة باديا Padya وتعنى الفدية التى يقدمها الإنسان تكفيرا عما يفوته من صلوات فى فترة حياته، وفى سوريا وشرق الأردن يطلقون اسم (فَدْى) أو (فَدْ) على ما يذبحونه تقربا إلى اللَّه لحماية أطفالهم وممتلكاتهم (بيوت أو ماشية) من سوء الطالع أو الدمار، كما يطلقونه على الذبيحة التى تذبح عند خروج "الميت". وفى مراكش تطلق كلمة "فدية" على احتفال غريب الشأن، يجرى أيضا فى أنحاء كثيرة من الجزائر باسم "فدوى" يصنع فيه رجل كل تجهيزات دفنه (كفنه) يرتل عليها عدد من "الطلباء" ما تيسر من آيات القرآن الكريم التى تعارف على تلاوتها عند دفن الموتى. (انظر W. Marcais: Textes arabes de Tanger (Bibl. de L'Ecole des Langues Orient.Vit، مجلد 4) ص 409 المسرد. المصادر: (1) S. Curtiss: Primative Semitic relgion today, Chap. XVi, London 1902 (2) T. Canaan: Mohammedan saints and sactuairies in Palestine, 1164 - 6 (3) H. Granqvist: Child problems among the Arabs, Helsing fors, 1950, 131 - 2 حسن شكرى [تشلهود J. Chelhod]

فذلكة

فذلكة خلاصة أو مجمل وهى مشتقة من الفعل العربى فذلك، وهى من قول الحاسب إذا أجمل حسابه: فذلك كذا وكذا إشارة إلى حاصل الحساب ونتيجته. وبجانب الاستخدام الرياضى لهذا المصطلح، فإنه استخدم كذلك فى تلخيص العرائض والتقرير، أو غير ذلك من الوثائق ومثال ذلك التقارير الموجزة عن الشكاوى المقدمة للديوان الهمايونى (فى الدولة العثمانية). وقد اكتسب هذا المصطلح معنى "الخلاصة الوافية" مع التوسع فى استخدامه وهو مستخدم بهذا المعنى فى عنوانين لعملين مشهورين عن التاريخ العثمانى، كتب أحدهما فى القرن السابع عشر كاتب جلبى، وكتب الآخر فى القرن التاسع عشر أحمد وفيق باشا. حسن شكرى [هيئة التحرير] الفرات الاسم العربى لنهر الفرات، وكان السومريون يدعونه "بو - را - نو - نو" والآشوريون "بوراتو" وفى الفارسية القديمة "أُوفْراتو" ومنها جاءت "فرات" فى الفارسية الوسطى و"فيرات" فى التركية الحديثة. ويتكون المجرى الرئيسى للنهر من التقاء رافدين هامين فى جنوب تركيا الحالية هما كاراسو (450 كيلو مترًا) ومراد سويو (650 كيلو مترًا). ويستمد الأول ماءه من الأنهار الكثيرة التى تنحدر من الجبال العالية الواقعة فى شمال سهل أرزورُم، (أرض الروم) ومنه يتجه غربًا عبر خوانق صخرية ثم جنوبًا فغربًا حتى يصل إلى سهل ارزينكان (1200 متر فوق سطح البحر)، ثم يتجه صوب الجنوب الشرقى، وبالقرب من كِبَان (على ارتفاع 680 م) يلتقى بالرافد الثانى "مراد سويو" الذى ينبع من جبال الألاداغ وتنديريك البركانية شمال بحيرة فان، ثم ينحدر غربًا ليعبر سهل كاراكوزيه، ثم يخترق عدة خوانق صخرية حادة وسهولًا فسيحة حتى يدخل من الشمال سهل موص (موش)، ويتجه غربًا حتى يلتقى بنهر كاراسو.

ولا يُعرف على وجه الدقة سبب تسمية هذا الرافد بمرادسو، ولكنه فى الماضى كان يعرف باسم أرسانياس، وتشير بعض المراجع الغربية لهذين الرافدين تحت اسم الفرات الغربى (كاراسو) والفرات الشرقى (مرادسو). ثم ينحدر الفرات من الجبال صوب الجنوب ليفصل أرض الجزيرة عن الشام أسفل سمساط. وكانت تصب فيه روافد عدة فى هذه المنطقة أهمها نهر سَنْجَة أو النهر الأزرق الذى كانت تقوم عليه قناطر سَنْجَة الشهيرة. ثم يمر بمنطقة قلعة الروم الصخرية ومعبر البيرة الذى اكتسب أهمية كبرى أثناء الحروب الصليبية وأسفلهما كان يصب نهر الساجور. ويدخل النهر سوريا الحالية عند منطقة جرابلس، ثم يتجه شرفا بعد مخاضتى قلعة النجم والرقة، ويصبح صالحًا للملاحة. ويمر بمنطقة صفين (غرب الرقة) التى شهدت المعركة الشهيرة، وبالقرب منها أطلال قلعة جَعْبَر القديمة حيث ضريح سليمان شاه. وأسفل الرقة كان يصب فيه نهر البليخ الذى ينبع من منطقة حران، ثم يصل إلى الفرات ثم إلى منطقة دير الزور (قرقيساء القديمة)، وجنوبها يصب نهر الخابور، ويقال إن الخابور كان يؤلف مع أحد روافده مجرى صالحًا للملاحة يربط بين نهرى دجلة والفرات، ولكن الشكوك تحوم حول صحة هذه الرواية. ثم يدخل الفرات أرض الرافدين (ميزوبوتميا) عند منطقة عنة التى كانت تشتهر فى العصور الوسطى بنخيلها ومنها امتدت زراعته فى حوض الفرات. وعند منطقة الأنبار كانت تبدأ شبكة القنوات الكبرى المتفرعة من قناة بابل التى حفرت فى عهد سحيق القدم، ولكن لم يبق منها سوى القليل اليوم، وكانت تخرج من الفرات إلى دجلة أربعة أنهار هى عيسى وصَرصَر والملك وكوثا وربما كانت من بقايا تلك الشبكة (انظر مادة دجلة). وكان الفرات ينقسم بعدها إلى فرعين، الغربى منهما يمر بالكوفة وينتهى عند البطحة غرب واسط، وكان يسمى بالعلقمى، أما الشرقى منهما،

فكان يوازى فى قسمه الأول مجرى نهر الفرات الحديث حتى بدأ، منذ حوالى عام 1889 م، فى صب معظم مياهه فى فرع الهندية. وكان هذا الفرع الشرقى ينقسم بدوره بالقرب من بابل، فيخرج منه فرع إلى دجلة يعرف باسم نهر سورا الأعلى أو نهر النيل ويمر بمدينة النيل (النيلية الحديثة)، أما الغربى فكان يسمى نهر سورا الأسفل ولسنا نعرف مدى مطابقة مجراه مع مجرى الفرات الحالى أو قناتى النيل وشط الكار اللتين تسيران فى اتجاه جنوبى شرقى. وكان هذا الفرع ينتهى هو الآخر فى منطقة مناقع البطحة، ويخرج منه نهر آخر يعرف باسم أبى الأسد، وربما كان مجراه نفس المجرى الأسفل لنهر الفرات. تلك هى الملامح العامة التى نستخلصها من مؤلفات الجغرافيين العرب لمجرى نهر الفرات قديمًا، وقد تغير مجرى هذا النهر على مر العصور، وأدرك العرب القدماء أنفسهم هذا، فنرى المسعودى فى مروج الذهب يشير إلى أن السفن البحرية كانت تصل قديمًا إلى النجف فى مجرى النهر "العتيق". ويصل طول نهر الفرات من نقطة التقاء كاراسو ومرادسويو حتى البصرة 2333 كيلو مترًا مربعًا. وهو يروى حوضًا عظيمًا تقدر مساحته فى سوريا بحوالى 229 ألف كيلو متر مربع وفى العراق 444 ألف كيلو متر مربع، ولكن معظم أرض الحوض فى تلك المنطقة صحراوية ولا تغذيه بالمياه. لذا يستمد النهر مياهه من المنطقة الجبلية الشمالية. ومتوسط تدفق المياه السنوى فى منطقة هيت فى منتصف مجراه تقريبًا 838 مترًا مربعًا فى الثانية، وهو معدل غير كبير إذا قورن بنهر الراين (2200 متر مربع فى الثانية واللوار 935 مترا مربعًا فى الثانية). ويتذبذب معدل تدفق المياه من سنة إلى أخرى، فقد يرتفع فى منطقة هيت إلى 1140 مترًا مربعًا فى الثانية كما حدث عام 1941، وقد ينخفض إلى 382 م مترًا كما حدث عام 1931 م. كما أن منسوب المياه يتذبذب من فصل إلى آخر، فهو أعلى فى الشتاء منه فى الصيف. ويختلف انحدار مجرى النهر من بلد إلى آخر، ففى تركيا الجبلية يكون

الفرائض

الانحدار شديدًا. والتيار قويًا، بينما هو فى أرض الجزيرة فى شمال سوريا يسير، حيث يقدر معدل الانحدار بين جرابلس وهيت بـ 30 سم فى الكيلو متر، ثم ينخفض المعدل إلى 10 سم فى الجنوب، وينخفض فى أقصى الجنوب إلى 3 سم. ومجرى الفرات فى شمال أرض الرافدين أعلى من مجرى دجلة، ومن ثم تخرج منه قنوات الرى التى تسير فى اتجاه الشرق والجنوب الشرقى، ومن المستحيل حفر قنوات تسير غربًا بسبب حافة الهضبة السورية، بينما يروى الجنوب بقنوات تخرج من دجلة. ويسير الفرات فى قسمه الجنوبى محاذيًا للهضبة الشرقية الصحراوية حتى يلتقى بدجلة ليكون مجرى شط العرب الذى يصب فى الخليج العربى جنوب البصرة. وكان بالمنطقة الجنوبية مستنقع كبير يقال إنه ظهر فى القرن الخامس ويعتقد البعض أنه تخلف عن الفيضان الهائل الذى أصاب المنطقة عام 629 م. وكان يمتد من السَمَاوة حتى شط العرب. وكان الشغل الشاغل لسكان أرض الرافدين على مر العصور بناء الجسور العالية لحماية أرضهم من أخطار تلك الفيضانات العالية، ولكن أملهم هذا لم يتحقق إلا فى العصر الحديث بفضل مشروعات الرى العملاقة. أحمد صليحة [ر. هارتمان. دو فوما R. Hartmann E.de Vaumas] الفرائض جمع فريضة، ويقصد بها فى اللغة ما فرض من الصدقة فى السائمة، كما أن الفرائض علم تعرف به كيفية تقسيم التركة على مستحقيها الذين ينعتون بذوى الفريضة أو أصحابها حسبما جاء فى القرآن الكريم فى سورة النساء (آية 11، 12، و 176. ولقد فصل الشرع الإسلامى ما جاء فى القرآن الكريم. وإن القواعد المتعلقة بالفرائض لتمثل لنا الظواهر المثالية لقانون الإرث فى الإسلام ونظرا لأهميتها فإن جميع ما يتعلق بتنظيم الوراثة يعرف بعلم الفرائض.

المصادر

المصادر: (1) J. Schacht: Introduction to Islamic Law (Forthcaring), Chap. 23 (With bibiography) (2) Juynboll: Handbuch, Leiden 1910, 247 - 550 (3) F. Peltierand G.H. Bouquest: Les successions agnatiques mitigees, Paris, 1935 حسن حبشى [هيئة التحرير] الفرائضيون تأسست هذه الطائفة فى البنغال الشرقية فى عام 1804 م تقريبًا، على يد "حاجى شريعة اللَّه" الذى ولد من أبوين غير معروفين، أقاما فى قرية "بهادريور" Bahdurpur فى إقليم "فريدبور" -وعندما بلغ الثامنة عشرة من عمره ذهب فى رحلة الحج إلى مكة، ولكنه -بدلا من أن يعود كما هى العادة- بقى تلميذا ومريدا للشيخ طاهر السنبل المكى، زعيم طائفة الشافعية هناك فى تلك الأيام وفى عام 1802 م وبعد غياب عشرين عاما، عاد إلى الهند، محاورا ماهرا ودارسا جيدا للعربية. . وفى طريقه إلى بلدته وقع فى أيدى عصابة من اللصوص سلبوه كل شئ حتى تذكاراته وكتبه وما ادخره فى أثناء إقامته بالجزيرة العربية. وعندما وجد أن الحياة لا تطاق بدون كتب أو تذكارات، انضم إلى العصابة، وشاركهم الكثير من ضلالهم وانحرافهم. . ولكن بساطة شخصيته وصدق معتقداته الدينية، كان لهما تأثير السحر على أفراد العصابة الأشرار، الذين أصبحوا فى النهاية أخلص أتباعه المتحمسين، وهذه هى القصة التى تروى اليوم عن الخطوة الأولى التى اتخذها هذا الرجل المتميز غير العادى نحو الاهتداء واستمر شريعة اللَّه لعدة سنوات، وفى هدوء، ينشر تعاليمه ذات الصياغة الجديدة، فى قرى الأقاليم التى يتكون منها موطنه الأصلى، قد واجه الكثير من المعارضة والمقاومة والايذاء ولكنه -باجتذابه زمرة من التابعين المخلصين- اكتسب تدريجيا سمعة وشهرة الرجل "الطاهر" التقى -وكان أخطر ما دعا إليه هو عدم التقيد بصلوات الجمعة

والعيدين، على أساس أن الهند كانت فى ظل الحكم البريطانى، دار الحرب (*). وكذلك أمر بأن تحل فى المستقبل كلمة أستاذ وكلمة تلميذ -وهما لا يتضمنان الخضوع التام- محل الولى والمريد، اللذين كانا لعصور طويلة يطلقان على المعلم الدينى وتلميذه. وأكثر من ذلك منع أو حرم الاحتفالات التى كانت مألوفة وشائعة عند دخول "التلميذ" الجماعة الدينية، ولكنه طلب التوبة من كل من سيصبح تلميذا له والندم عما ارتكب من أخطاء فى الماضى، والعزم على أن يحيا حياة فاضلة وأكثر تقوى وورعا فى المستقبل -ومن الغريب أن أيًّا من هذه الآراء لم تثر الكثير من المعارضة، ولكن عندما أعلن أن السماح للقابلة بأن تقطع الحبل السرى للوليد يعتبر خطيئة مميتة، أخذت عن الهندوس، واصراره على أن واجب الأب أن يقوم بهذه المهمة، أثار معارضة قوية أدت إلى أن ينشق عنه الكثيرون ممن تشيّعوا له. . ثم أن سادة الأرض أصابهم الذعر بسبب انتشار هذا المذهب الجديد الذى ربط بين الفلاحين المؤمنين بمحمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وجعلهم رجلا واحدا. . وسرعان ما تفجرت النزاعات والمعارك، وتم طرد شريعة اللَّه من "نافابارى" Navabari فى إقليم "دكا"، حيث كان قد استقر؛ ومن ثم اضطر إلى العودة إلى مكان مولده -وهناك استأنف نشاطه الدينى كممثل (خادم) للعقيدة، واستطاع فى فترة قصيرة أن يستحوذ على مشاعر وتأييد أغلبية كبيرة من غير المتعلمين، وكذلك الطبقات الأكثر إثارة فى السكان المسلمين وأصبح نفوذه بلا حدود، ولم يتردد أحد فى تنفيذ أوامره - وكان يتصرف بتعقل وحذر، ونادرا ما كان يخلع على نفسه شخصية غير شخصية المصلح الدينى ولكن هذه الحركة التى أسسها هذا الرجل، لم تجتذب إلا القليل من الاهتمام فى أثناء حياته، ونادرًا ما التقينا باسمه فى حوليات (سجلات تاريخ) تلك الأيام. . ومع ذلك فعندما ننظر إلى حياته نجد الكثير الذى ¬

_ (*) كان هذا بمثابة دعوة منه للجهاد لتحرير الهند من الانجليز. [التحرير]

يستحق التساؤل- فانحداره من أسرة غامضة بين مستنقعات البنغال الشرقية، ثم يكون أول واعظ يدمن الخرافات والمعتقدات الفاسدة التى تطورت بسبب الاتصالات والعلاقات الطويلة مع الهندوس الذين يؤمنون بتعدد الآلهة، شئ جدير بالاهتمام والملاحظة، ولكن أن يثير ويوقظ الفلاحين البنغال غير المبالين الكسولين ويدفعهم إلى الحماس الدينى فهذا شئ أكثر استحقاقا للاهتمام والملاحظة فلكى يحدث هذا التأثير لابد أن يكون هناك واعظ مخلص ودود. . ولم يحدث أن اجتذب أحد تعاطف الناس وتحمسهم بهذا القدر القوى مثلما فعل شريعة اللَّه. وقد حاول أن يجعل كل المزارعين والفلاحين ينضمون إلى طائفته، وعندما يرفضون كان يأمر بضربهم، وحرمانهم أو طردهم من "مجتمع" المخلصين، بل يدمر محصولاتهم أيضا وقد حاول أصحاب الأرض منع مستأجريهم من الانضمام إلى الطائفة، ويقال إنهم كثيرا ما كانوا يعاقبون العصاة ويعذبونهم. وقد كانت حياته الطاهرة النموذجية موضع إعجاب من الفلاحين الذين يعيشون حوله، والذين كانوا يجلونه وقد كان يقدم إليهم النصح فى أوقات الشدة والعسر، والمواساة فى حالات الحزن والألم. وقد وصف بأنه رجل متوسط الطول وسيم وحسن المظهر ذو لحية طويلة جميلة. أما ابنه "محمد محسن" -المعروف باسم "دودو ميان" Dudhu Miyan, فهو يختلف عنه تماما- وبالرغم من أن الابن كان ذا قدرات عادية إلا أن نفوذه فاقت نفوذ أبيه واسمه مألوف يتردد فى جميع أنحاء اقاليم "فريدبور" و"يوبنا" Pubna, و"باكرجانج" Bakirgamj و"دكا" و"نوكالى" Noakhali، ثم أن أعداد تابعيه فى الوقت الحاضر تشهد على دقة وشمولية المنهج الذى حقق به هو وأبوه رسالتهما. وقد ولد "دودو ميان" فى عام 1819 م، وقد زار مكة وهو لا يزال

شابا حيث هبطت عليه -حسبما ذكر فى أقواله وجعل أتباعه يعتقدون- الكشوف التى تنبئ بعظمته فى المستقبل -وعند عودته كرس نفسه لنشر تعاليم أبيه وتعاليم أخرى جديدة أضافها هو. فمثلا فرض على أتباعه أن يأكلوا الجندب الشائع (وهو جراد صغير) الذى كانوا يكرهونه، وكان مبرره أن الجراد يُتخذ طعاما فى الجزيرة العربية. أما أهم ما استحدثه "دودو ميان" فى حياته فهو تنظيم الطائفة. وقد قسم منطقة البنغال الشرقية إلى دوائر، وعيّن على كل دائرة خليفة أو نائبا، يتمتع بسلطة جمع التبرعات لتعزيز أهداف "الرابطة المركزية -وكان هؤلاء النواب يطلعون "دودو ميان" على كل ما يحدث فى دائرة اختصاصهم- وعندما يحاول أحد أصحاب الأرض أن يفرض حقوقه القانونية على أى عضو من الطائفة، كانت تتوفر الأموال لمقاضاته فى المحكمة، أو يبعثون بالرجال معهم الهراوات لسلب ممتلكات أصحاب الأرض، والحق أن الطائفة -فى أثناء حياة أبيه- لم تعترض أبدا على القانون الخاص بالأرض أو تصطدم به. ولكن الاجراءات التى اتخذها الابن جمعت بين أصحاب الأرض ومزارعى القنب ضده. ومع ذلك فقد فشل القهر والاكراه، ولم يفعل أصحاب الأرض إلا القليل للحيلولة دون المزيد من انتشار الاضطرابات المماثلة، وقد كان أكبر عدد من الذين اهتدوا على يد "دودو ميان" من بين المزارعين وعمال القرى -وقد دافع عن المساواة بين البشر، وقال إن سعادة الفقراء والطبقات الدنيا ورفاهيتهم موضوع جدير بالاهتمام مثل سعادة الأغنياء والطبقات العليا ورفاهيتهم. . وقال إنه عندما يقع "أخ" فى محنة فان من واجب جيرانه أن يساعدوه؛ وأضاف مؤكدا أن استخدام أية وسائل لهذا الهدف لا ينطوى على جريمة أو ظلم. ومع ذلك فإن أعداءهم يزعمون أن الشهود كانوا يتقاضون أموالا من خزينة الرابطة. وأصبح "دودو ميان" والحجاج -كما كان يطلق عليه أتباعه- مصدر

خوف للهندوس، وأصحاب الأرض من الأوروبيين. ولم يكن من السهل الحصول على دلائل تدين أى شخص أو تجرمه. ومع ذلك فقد كانت أعظم وقفات "دودو" الصارمة هى معارضة أن يجمع أصحاب الأرض ضرائب غير قانونية -كما أن إجبار أى مزارع مسلم على أن يسهم فى تزيين صورة "دورجا" (معبود الهندوس) أو فى دعم أى من طقوس صاحب الأرض الهندوسى الذى يعمل عنده، تعتبر أعمالا من الاضطهاد لا تطاق أو تحتمل. وقد كان فى ذلك على حق بكل تأكيد، فالمبرر الوحيد لاستمرارها هو قدَمُها وتكيفها مع مشاعر الناس. ولكنه خطا خطوة أكبر عندما أعلن أن الأرض أرض اللَّه، وأنه ليس من حق أحد أن يحتلها بالإرث، أو يفرض ضرائب عليها. . ولذلك اقتنع الفلاحون بأن يستوطنوا أراضى الخاصة التى تملكها الحكومة، ومن ثم يتجنبون دفع أية ضرائب، باستثناء عائد الأرض الذى تفرضه الدولة -ومع ذلك فقد أثار نجاحه السريع حفيظة أصحاب الأرض المعاصرين، ورفعت ضده قضايا كثيرة ملفقة. ففى عام 1838 اتهم بالتحريض على نهب عدد من المنازل؛ وفى عام 1841 أحيل إلى المحاكمة بتهمة القتل ولكن تمت براءته، وفى عام 1844 حوكم من أجل انتهاك القانون وتكوين جمعية غير قانونية، وفى عام 1846 اتهم بالخطف والسلب -وقد كانت اضطرابات عام 1838 شيئا خطيرا، وقد ذهبت كتيبة من السباهيين (جنود هنود فى الجيش الانجليزى) من دكا لقمع أية اضطرابات. وقد كان من المستحيل مع ذلك أن تحفز الشهود على أن يقدموا الدلائل. ولذلك كانت تصدر فى كل مرة الأمر بتبرئته. . وفى "نهادربور" حيث كان يقيم، كان الطعام يقدم إلى كل غريب مسلم، على حين كان جواسيسه يترددون على البنغال الشرقية، وكان يسوى الخلافات، يقيم ويعاقب أى هندوسى أو مسلم أو مسيحى يجرؤ -دون أن يحيل الأمر اليه أولا- على أن يقيم دعوى -بالنسبة لاستعادة الدَّين مثلا- فى محكمة "الانصاف" المجاورة -وكان مبعوثوه يحملون أوامره إلى

المصادر

القرى النائية، وكانت رسائله التى يوقعها باسم "أحمد نام معلوم (أحمد ذو الاسم غير المعروف) تحمل العنوان الهندوسى المألوف تخفيفا للريبة والشك. وقال لا خطيئة فى اضطهاد هؤلاء الذين لا يأخذون بتعاليمه أو هؤلاء الذين يتظلمون أمام محاكم الحكومة من أوامر الطائفة وقادتها المعترف بهم. ويقال إن "دودو ميان" كان رجلا طويلا أنيقا بلحية سوداء متدلية وعمامة كبيرة تلتف حول رأسه وقد مات فى بهادربور فى 24 سبتمبر عام 1860 ودفن هناك، ولكن نهر "اريال خان Arail Khan" أزال فى السنوات القليلة الماضية كل أثر لمنزله وقبره. وقد خلف ثلاثة أبناء، ليس من بينهم من يتمتع بطاقة أبيه وقدراته، ومن ثم تتناقص الطائفة نتيجة لذلك ويتضاءل عددها. . تعرف الطائفة باسم الفرائضية. وبقول هؤلاء الذين يأخذون بتعاليمها إن صلاة الظهر فرض فى أيام الجمعة المعروفة، والتى يؤديها أغلبية المسلمين. المصادر: (1) Abdul Ban: The ervorm mouement in Berga in Ahistory of Freedom Mouement (2) قصة الصراع الإسلامى من أجل الحرية، الصراع الهندى الباكستانى 1707 - 1947. (3) I, Karach 1957, 542 ff بهجت عبد الفتاح [م. هدايت حسين M. Hidayet Hassain] فراسة فراسة -بوضوح- كلمه آرامية Aramaic دخيلة والمعاجم لم تقتبس شاهدا قديما يدل عليها. وليست موجودة فى القرآن الكريم ولكنها تستخدم لدى المفسرين بمعنى تفرس لتشرح كلمة توسم فى القرآن الكريم سورة الحجر، آية 75 والمعنى العام هو "التبصر أو نفاذ البصيرة" وإدراك الأحكام السديدة طبقا للأحوال الموجودة (ابن القيم الجوزية/ الطرق الحاكمية ص 24/ القاهرة هـ). والفراسة كعلم عند العرب القدماء بمعنى القيافة (دوتى Doutte / السحر

المصادر

الدين ص 370). وفيما يتعلق بالتعبيرات الصوفية المرتبطة بالحدس الإلهى للملائكة والأولياء فإن الأساس يظهر فى التعبير التقليدى "اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور اللَّه" (¬1) ويضاف إلى هذا "أنه شئ يقذفه اللَّه فى قلوبهم وعلى ألسنتهم" وعن مثل هذه التعبيرات انظر (إحياء علوم الدين للغزالى مع شرح السيد المرتضى/ القاهرة جـ 6 ص 544 - 545) وعن الفراسة لدى الصوفية انظر (رسالة القشيرى/ طبع بولاق 1290 هـ مع شرح زكريا الأنصارى جـ 3 ص 174 - 185 وابن الأثير/ لسان جـ 8 ص 40) وهم يقولون إن النصوص السابقة يمكن أن تفهم بطريقتين: الأولى: المعنى الظاهر وهو شئ يضعه اللَّه فى أفهام الملائكة والأولياء ولذلك عرفوا أحوال أُناس معينين بواسطة الكرامة واستخدام الحدس. الثانية: الفراسة هى شئ ينتقل عن القدماء بالتعليم وأيضا ينتقل من ذوى الخبرات وكان الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] ذا فراسة واضحة لاحظها صحابته والمؤمنون به، كما لاحظهما أعداؤه أيضا. المصادر: توجد عدة أبحاث فى علم الفراسة بالعربية والتركية والفارسية نذكر من المصادر العربية على سبيل المثال: (1) "كتاب الفراسة" لشمس الدين أبو عبد اللَّه محمد بن إبراهيم بن أبى طالب الأنصارى الصوفى الدمشقى المتوفى فى 727 هـ/ 1327 م، ويسمى أحيانا "السياسة فى علم الفراسة" أو "الفراسة من أجل السياسة". (2) فخر الدين الرازى "رسالة فى علم الفراسة" أو "مجمل أحكام الفراسة". د. إبراهيم شعلان [ت. فهد T. Fated] فرحا باد اسم يطلق على موضع فى مازندران عند خط 36.50 شمالا وخط طول 38 و 52.2 شرقا وهو واقع شمالى "سارى" وشمال غربى أشرف قرب ¬

_ (¬1) جاء فى المستطرف فى كل فن مستظرف للأبشيهى جـ 2 عن الفراسة قوله تعالى {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ} سورة الحجر آية 75، وقال رسول اللَّه [-صلى اللَّه عليه وسلم-] "اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور اللَّه" [التحرير]

مصب "تجن" أو تيجان أو تيجينه وكان هذا الموضع يعرف فى سالف الأيام باسم "طاجان" حتى إذا جاء الشاه عباس الأول سماه بفرحا باد كما أمر فى سنة 1021 هـ (1611 م) أو فى السنة التى تليها ببناء قصر ملكى له هناك، وشيد حول القصر البيوت والحدائق وبنى الحمامات الأسواق والمساجد والخانات ويقول الرحالة "بيترو ديلا فالى" إن الشاه عباس أنزل هنا جماعات من مختلف القوميات وفيهم كثيرون من نصارى "جورجيا" الذين نقلهم من المناطق التى اجتاحها جنود الصفويين. واتصلت فرحا باد بسارى بالطريق الذى عبّده شاه عباس وتم سنة 1031 هـ (1621) وقد اعتاد الشاه أن يشتى فى أحد مكانين: فرحا باد أو "أشرف" ولا يعود إلى عاصمته اصفهان إلا بعد النيروز. وتشير بعض المؤلفات الفارسية إلى فرحا باد بعبارة "دار السلطنة" و"دار الملك". مما يدل على أن هذه المدينة صارت فى الواقع عاصمة ثانية للبلاد. ويقول الرحالة "بيترو ديلا فالى" (الذى زار فرحا باد سنة 1618) إلى أن مدار أسوارها مساو (إن لم يزد) لمدار أسوار روما أو القسطنطينية. كما أنه يشير إلى كثرة شوارعها التى يزيد طول بعضها عن فرسخ كذلك يشير الرحالة "شاروان" الذى زارها بعد ذلك بأربعين عاما إلى كثرة ما بالقصر من أطباق وأحواض من الصينى والخزف والعنبر والمرجان، وأكواب من البلور الصخرى وغير ذلك مما لا يحصيه العد. على أن فرحا باد تعرضت للنهب على يد القوقاز، وقاست ما لا يزيد عليه من التخريب فى عصر الفوضى الذى تلا سقوط الصفويين فى القرن الثامن عشر. ويذكر الرحالة "هانوى" الذى مر بفرحا باد سنة 1744 هـ أنه شاهد قصرا مهجورا إلا من رهط قليل من الفرس والأرمن الذين بقوا هناك. ويشير "فريزر" الذى رآها سنة 1822 م إلى أطلالها التى تفوق أطلال أشرف. أما اليوم فإن فرحا باد لا تعدو أن تكون قرية صغيرة وسمى باسمها حى فى مازنداران.

المصادر

المصادر: (1) J. Hanway: An historical account of the British trade over the Caspian Sea etc., London 7531 - 209. (2) Sir John Chardin: Voyagess . . . en perse (ed Langles), Paris 1811, III, 454 - 9 (3) J.B. Fraser: Travels and adventures etc. on the Southern banks of the Caspian Sea, London 1892, 70 - 4 (4) G.N. Curzon: Persia and the Persian Question, London 1892, I, 378 (5) H.L. Rabino: Mazandaran and Astarbad, London 1928, 49, 63 د. حسن حبشى [سافورى R. M. Savory] فرحات جرمانوس فرحات جرمانوس شاعر وعالم لغوى عربى ومن أوائل رجال النهضة فى الأقطار العربية فى القرن الثامن عشر، وقد ولد فى حلب فى العشرين من نوفمبر 1670 م، ومات بها يوم العاشر من يونيو 1732 م، كان أسقف بلدته المارونى من 1725 م حتى 1732 م، ولن نعنى هنا بنشاطه كمنظم للكنيسة المارونية ولكنه يبرز فى تأريخ الأدب العربى كصاحب معجم لغوى ونحوى وشاعر، ولقد كانت حلب إحدى المدن العربية القليلة التى ظلت مهتمة إلى حد ما -حتى بعد الفتح العثمانى- بالعناية بالأدب العربى والارتقاء به، وشجعها على هذا الأمر التأثيرات الأوربية -لاسيما من جانب المسيحيين الناطقين بالعربية كما ساعدها على ذلك تأسيس الكلية المارونية فى روما سنة 1584 م وجود طائفة كبيرة من التجار الأوربيين فى حلب، ولا يجوز أن ننسى أن كلا من ج. جولياس (1625 - 1626 م) وبنكوك (1630 - 1636 م) قد قضى فترة من الوقت هنا، وازدهر النشاط الأدبى فى جميع المجتمعات المسيحية على أيدى الكثيرين الذين كان أحدهم هو البطرك الارثوذكسى مكاريوس ابن الزعيم الحلبى المتوفى سنة 1672 م. ولقد ولد المطران فرحات فى أسرة مارونية ثرية، أصابت حظًّا كبيرًا من التعليم على أيدى علماء حلب النصارى والمسلمين على السواء أمثال بطرس التولوى أحد تلاميذ كلية روما

المارونية والذى مات بها سنة 1745 م، ويعقوب الدبسى أحد كبار المؤلفين فى علم البلاغة، والعالم المسلم الشهير الشيخ سليمان النحوى الحلبى. وكان فرحات إلى جانب إلمامه باللغات الشرقية من سريانية وعربية قد درس فى صدر شبابه اللغتين اللاتينيية والايطالية. ولما انخرط فى سلك الرهبان سنة 1693 وتسمى باسم جبرائيل سافر إلى القدس ثم استقر أخيرا فى لبنان حيث جلس عند قدمى البطرك المارونى الذائع الصيت اصطفان الدويهى (1630 - 1704 م) ثم رُسِّم قسيسا عام 1697 م وصار رئيس دير ثم حدثت اضطرابات فى عامى 1711 و 1712 م رحل بعدها إلى روما رحلة كان لها أبعد الأثر فى نفسه (راجع ديوانه ص 87, 131, 146, 494) ثم سافر إلى أسبانيا فصقلته كما يعترف هو بذلك فى الديوان (ص 220, 404) ومضى منها إلى مالطة، راجع الديوان ص 220, 404) صار رئيس أساقفة "حلب" منذ سنة 1725 جمع مجموعة من الخطيات لا تزال موجودة (انظر جورجى زيدان تاريخ آداب اللغة العربية، ص 135)، كما جمع حوله طائفة من الشعراء والأدباء وعندما نطالع ديوانه نجد فيه أسماء أصدقائه الذين كان منهم نقولا الصائغ اليونانى الأصل (راجع الديوان ص 150) وانظر شيخوفى كل من مجلة المشرق 1903، ص 97 - 111 وكتالوج المؤلفين النصرانية العرب منذ ظهور الإسلام، ص 131، وكتاب شعراء النصرانية بعد الإسلام لكراتشكوفسكى 503 - 511,) كما نطالع أنه كان من أصدقاء فرحات كل من مكرديج الكسيح الأرمنى المولد وعبد اللَّه زاخر (1680 - 1748) (انظر الديوان 239, 466) الذى صرف همته فى حماسة متقدة للطباعة ونجح فى هذا المضمار (راجع الديوان 158، والكتالوج 108 - 109) والياس بن الفخر المتوفى حوالى سنة 1740 م (انظر الديوان 214, والكتالوج 39 - 40) غيرهم. لقد أدرك فرحات -باعتباره عالما لغويا- أن الحاجة ماسة إلى أن يقرب إلى مواطنيه المراجع التى تسهل عليهم دراسة العربية فانكب على وضع

مؤلفات تعتبر مصادر تعين على كيفية وضع المعاجم اللغوية والنحو والبلاغة، وقد ظلت هذه المؤلفات متداولة إلى وقت قريب بين المسيحيين السريان وعلى الرغم من أن هذه المؤلفات تعتمد أساسا على الأصل العربى لاسيما فى النحو إلا أننا نلمح فيها الأثر الأوربى لاسيما عند المارونيين وأدباء مدرسة "ارييوس" ومن بين ما ألفه فرحات فى موضوع المعاجم "المثلثات الدرية" الذى وضعه عام 1705 م. كما ذيله بعد حين بملحق نجد منه عدة مخطوطات منها واحدة محفوظة فى المتحف الآسيوى فى لنينجراد ثم قاموسه "أحكام باب الإعراب" الذى أتمه سنة 1718 م وهو بالغ الأهمية فى بابه وقائم فى معظمه على قاموس الفيروزبادى وإن كان يتضمن كثيرا من الكلمات والتعابير المستحدثة الشائعة الاستعمال بين النصارى العرب. ولقد قام مشجع العلم المارونى المهاجر رشيد الدحداح (1883 - 1889 م) بمقارنة خمس مخطوطات من هذا المعجم بالقاموس وطبع ذلك فى كتاب سماه: Dictionnaire arabe par Germanos Farhat, maronite, eveque d'Alep. Revu, corrig'e et considerablement augmente sur le manuscrit de L'autcur par Rochaid de Dahdah. scheick maronite. Marseilles وقد طبع فى مرسيليا سنة 1849 م وألحقه بصورة فوتوغرافية لفرحات، ثم جعل له عنوانا بالعربية هو "أحكام باب الاعراب" وزود القاموس برسالة عنوانها "الفصل المعقود فى عوامل الاعراب" ثم اختصره سنة 1707 م، وقد صدرت من هذا المختصر طبعات عدة وعليها تعليقات بقلم فارس الشدياق (وطبع فى مالطة سنة 1836 م) ثم طبعه بطرس البستانى فى بيروت عام 1854 م، ثم سعيد الشرتونى عدة طبعات ظهرت على التوالى سنة 1865 و 1883, 1891, 1896, 1899 و 1913 م. . الخ. ولما كان فرحا كتلميذ متحمسا لياقوت الدبسى فقد وضع كتبا عن البلاغة وفى فنون الشعر بعنوان "بلوغ الأرب فى علم الأدب "وهو ما زال رهن الخطيات (راجع الديوان 89، وكتالوج شيخو 151) أما فى مجال علمى العروض

والقوافى فالمعروف أن لفرحات رسالتين صغيرتين إحداهما "التذكرة فى القوافى" (وقد طبعت مع الديوان (ص 13 - 22) والأخرى رسالة "الفوائد فى العروض الكتالوج 161). ولم تقتصر شهرة فرحات على أنه أديب بل تعدتها إلى أنه شاعر، ولقد قام هو بذاته فجمع ما نظمه فى ديوان سماه "التذكرة" وطبع باسم الديوان ثلاث مرات (بيروت 1850، 1866 - 1894 م) وعلق عليه سعيد الشرتونى وقد قوبلت هذه النسخة على ثلاث خطيات. أما فيما يتعلق بالطبعة الأخيرة منه فراجع litterarishe zeutraboltt 1895 م. على أن هذه المجموعة لا تتضمن جميع أعمال فرحات الشعرية، بل إن له منظومات أخرى غيرها طبعت على حدة ولم يتضمنها الديوان (راجع على سبيل المثال شيخو: شعراء النصرانية 463 - 468, والمشرق (1904) 7/ 288، و 1926) 24/ 397, وعمله هذا مفيد من وجهة النظر الأوربية فى أنه يكشف عن محاولة تطبيق أشكال الشعر العربى على بعض الأفكار المسيحية فقد انشد قصائد المديح فى السيدة مريم العذراء، وجعل خمريات فى القربان المقدس الخ. . .، ولاشك أن فرحات لم يكن أول من نهج هذا النهج فلدينا فى مطلع القرن الثامن الهجرى (الرابع عشر الميلادى) ديوان شعر لواحد اسمه سليمان الغزى (انظر شيخو: الشعراء 404 - 424) جعله كله وقفا على نفس الموضوعات الدينية ولكن يكاد الناس يكونون قد نسوه ونسوا مؤلفاته ولم يترك مدرسة له. ونلاحظ غلبة الروح المسيحية فى ديوان فرحات يتضمن كثيرا من الملامح التى تشير إلى تأثره بابن الرومى وابن الفارض والسهروردى وتقليد لقصيدة ابن سينا الشهيرة عن "النفس" إلى غير ذلك كما نلاحظ تغلب الطابع التقليدى على أشعاره، ولكنه استعمل أيضا نماذج مخالفة للموشح والتخميس، وقد احتفلوا فى حلب سنة 1932 بمرور مائتى عام على ذكراه، وأقاموا له بعد عامين من تلك السنة ومن ذلك الاحتفال نصبا تذكاريا فى قصر الأسقفية المارونية (المشرق 1931 م) 29/ 946,

المصادر

و 1934 م ص 300 وكذلك مقال البستانى فى المشرق، المجلد 30، ص 49 - 53 وما كتبه فى المجلد الذى خصصى لاحياء ذكراه فى نفس المجلة 31/ 789 - 790 وراجع مقال مناشى، المشرق 1907, 7/ 49 - 53، 105 - 111, 210 - 219 وما كتبه عن أعمال الأسقف فرحات فى نفس المجلة ص 354 - 361 حيث أورد قائمة بها مائة وأربعة كتاب صح منها لفرحات فروض سبعٌ وثلاثون فقط، أما البقية فعناوين كتب لمؤلفين آخرين اقتبس منها أو ترجمها أو حققها بنفسه، وانظر أيضا كتاب المستطرفات فى حياة السيد جرمانوس فرحات المطبوع سنة 1904 م والكتاب التذكارى عن حياة المطران جرمانوس فرحات (يونية 1934 م) ومارون عبود: رواد النهضة الحديثة (بيروت 1952 ودائرة معارف البستانى (بيروت 1882 وتاريخ آداب اللغة العربية لجورجى زيدان (القاهرة 1914 م) 4/ 13 - 14. المصادر: (1) G. Manache: Historical note on The bishop Djarmanas Farhat (in Arabic), in Machriq, Vii 1904, 49 - 65, 105 - 11, 210 - 9 With Portrait (2) ب - مسعد: الذكرى فى حياة المطران جرمانوس فرحات، يونية 1934 م. (3) مارون عبود: رواد النهضة الحديثة، بيروت 1952 م. (4) بطرس البستانى: دائرة المعارف، بيروت 1882, جزء 6، ص 437 - 438. د. حسن حبشى [كراتشكوفسكى Kratschkowsky] الفردوس مفرد شاذ لكلمة فرادس التى أخذها العرب من الكلمة الإغريقية "بارادايسوس" واستخدموها -أى فراديس- كجمع. وربما اختير هذا الوزن النادر (فعلول) لتمييز هذه الكلمة عن كلمة أخرى (قد تكون فردوس مشتقة من المصدر العربى الأصيل

المصادر

فردس. وقد ذكرت كلمة فردوس فى الشعر العربى القديم للدلالة على واد خصيب كما وردت بهذا المعنى مرتين فى القرآن الكريم {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا} الكهف آية 107 {الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} المؤمنون آية 11 ويعرف الفردوس فى المعاجم على أنه حديقة فيها أعناب ونخيل. ويظن الطبرى أنها كلمة روحية تعنى حديقة وارفة الظلال، وفيما عدا ذلك، يقولون أنها أفخم وأروع وأوسع وأرفع جزء فى الجنة وهى مقام الذين كانوا -فى حياتهم- يعملون الصالحات ويتجنبوت السيئات ويخبر محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] أنها أعلى درجة فى الجنة، وأنه يخرج منها أنهار الجنة الأربعة. . . الخ. ولمزيد من التفاصيل عن هذه الأنهار انظر مختصر الشعرانى لتذكرة القرطبى (القاهرة طبعة 1324)، صفحة 83، وعن الفردوس بصفة عامة السيد مرتضى يقول فى تعليقه على الاحياء Ihya إن الفردوس هو الدرجة الثانية فى الجنة تحت عرش اللَّه، وإن فوقه جنة عدن. وهناك آخرون يقولون أن (علَّيون) هى أرفع الدرجات. المصادر: وردت فى متن المادة حسين أحمد عيسى [د. ب. ماكدونالد D. B. Macdonald] الفردوسى أبو القاسم شاعر فارسى، مختلف فى اسمه (منصور أو أحمد أو حسن)، ولد على الأرجح عام 320 هـ (932 م) فى طابران (Tabaran), أحد أحياء مدينة طوس فى (خراسان)، وقد ترك له والده ضيعة صغيرة عاش على ريعها عيشة متواضعة. وتلقى تعليمه على يد الأسدى الذى كان يعيش فى نفس المدينة وقد أعطاه دهقان (مالك أرض) من أصدقائه كتاب الملوك لينظمه شعرا، فكان هذا سببا فى نظمه للشاهنامة (كتاب الملوك)، وهو ملحمة فى 6000 بيت، ضمنها الجزء الذى نظمه الدقيقى. وقد استغرق تأليف هذا العمل العملاق خمسة وثلاثين عاما وتم فى 25 فبراير عام 1010 م (400 هـ) وقد بلغ عمر الفردوسى حوالى الثمانين من العمر.

عند إتمام هذا العمل وأهدى هذا الشعر للسلطان محمود الغزنوى الذى فتح خراسان عام 389 هـ (999 م)، وقدمه إليه وزيره حسن بن أحمد وكافأه السلطان بعشرين ألف درهم ولكن الشاعر الذى كان ينتظر مكافأة أكبر من ذلك بكثير، أعطى نصف هذا المبلغ لخادم فى حمام والنصف الآخر لبائع فقاع (نوع من الجعة). وعندما هدد السلطان بأن يسحقه تحت أقدام الفيلة هجاه هجاء مريرا ولجأ إلى الاسباهباذ شهريار بن شاروين the Ispahbadh Shahriyar b. sharwin، حاكم طبرستان بعد أن ظل مختبئا ستة شهور فى هرات واشترى هذا الأمير الهجاء بمبلغ مائة ألف درهم، بمعدل 1000 درهم لكل بيت، وأعدمه ومع ذلك عاش هذا النص وعادة ما يطبع مع الشاهنامة. وبعد أن كتب قصيدة يوسف وزليخا Bayid Baha al-Dawla أو ابنه سلطان الدولة، عاد إلى مسقط رأسه حيث توفى ودفن فى أرض له بالقرب من طوس، وذلك لأنه كان ينظر إليه على أنه مُهَرطق، فرفض المسلمون أن يدفن فى مدافنهم. ويقال أنه عندما مرت جنازته ببوابة رزان Razan (اسم قرية مجاورة) جاءت قافلة معها مبلغ 60000 دينار الذى كان الشاعر يأمل فيها وعندما رفضت ابنته استلام المبلغ، خصصه السلطان لأعمال الخير، (رباط الشاه The ribat of xaha) ويؤرخ دولت شاه لوفاته عام 411 هـ (1020 - 1021 م). ولقد كان للفردوسى الإحساس الملحمى إلى درجة كبيرة, ففى وصفه للمعارك نرى حركة وعنفا غير عاديين، فقد كان يشعر بنبض قلب أمته. وفى قصيدته يوسف وزليخا أراد أن يظهر للمسلمين الذين كانوا يشكون فى نواياه أن بلاد فارس القديمة لم تكن حبه الوحيد، ولم تكن هذه القصيدة بأى مقياس أقل من سابقتها بالرغم من أنه ألفها فى سن متقدمة. وقد طبعت الشاهنامة عدة طبعات منها الناقصة ومنها الكاملة، كما ترجم إلى عدة لغات منها العربية والتركية وبعض اللغات الأوربية.

المصادر

المصادر: للاستزادة يمكن الرجوع إلى الطبعات المختلفة لكتاب "الشاهنامه" حسين أحمد عيسى [ف. ل. ميناج V. L. Menage] الفراء لقب نحوى من الكوفة، هو أبو زكريا يحيى بن زياد (144 هـ/ 761 م - 207 هـ/ 822 م)، والفراء هو من يخيط الفراء أو يبيعها، ولكن جاء فى أنساب السمعانى أنه لقب بهذا "لأنه كان يفرى الكلام" أى يمحصه تمحيصًا. وهو من أصل ديلمى، وكان من موالى بنى أسد أو منقر من تميم، وذاع صيته فى النحو حتى عد من مؤسسى مدرسة الكوفة النحوية، وإن تأثر فيما يعتقد بعض الشئ بعدد من نحاة البصرة مثل يونس الثقفى والأصمعى وأبى زيد الأنصارى، واعتمد إلى حد بعيد فى دراساته اللغوية، كمعاصريه، على التقصى المباشر من فصحاء البادية. وقربه الرشيد منه، واختاره المأمون ليكون مؤدبًا لولديه ويتسم علمه بطابع موسوعى فإلى جانب النحو كان خبيرًا بالطب والفلك وأيام العرب. واتسعت شهرته وامتد تأثيره على النحاة حتى الأندلس، وله مؤلفات عدة وأهمها الحدود، الذى عالج فيه التعريفات النحوية، ومعانى القرآن، انظر الفهرست لابن النديم). المصادر: 1 - ابن النديم: الفهرست، ليبنرج 1871 - 1872 م, ص 30, 34, 36, 41, 63, 66 - 67, 70, 71, 74, 75, 88, 107. 2 - الخطيب البغدادى: تاريخ بغداد، القاهرة 1349, 1931 م, الجزء 14، ص 149 - 155. 3 - ابن خلكان: وفيات الأعيان، القاهرة 1310 هـ، الجزء الثانى, 223 - 230. أحمد صليحة [د. بلاشير R. Blachere]

الفرزدق

الفرزدق هو أبو تمام بن غالب من أشهر شعراء العرب فى الهجاء والمديح. توفى فى البصرة حوالى 110 م / 7201 م أو 112 هـ/ 730 م. [والفرزدق لغة تعنى قِطَع العجين]. ولد فى اليمامة (شرق الجزيرة العربية) فى تاريخ لم يعرف على وجه التحديد (والراجح أنه بعد عام 20 هـ/ 640 م وهو ينحدر من فرع قبيلة مجاشع من جماعة دارم من غيم. ويقال أن غالبا شارك فى الصراع الذى نشب بين على ومعاوية، مما يفسر ما شاع عن شاعرنا من تَشَيّعه لعلى وإن كان هذا لا يظهر بوضوح فى أعماله ولم تكن موهبة الشعر شائعة فى أفراد عائلته إلا أنه وهب منذ الصغر ذاكرة قوية وسرعان ما شاعت شهرته فى القبيلة لما كان ينظمه من شعر المديح والهجاء اللاذع على طريقة البدو. والمعروف أنه هرب من العراق ولجأ إلى المدينة فرارا من تهديد زياد حاكم البصرة بالقضاء عليه (فى عام 49 هـ/ 669 م) وكان محل ترحيب حار فى المدينة وظل بها حتى عام 56 هـ (675 - 676 م) عاد إلى العراق بعد موت زياد مباشرة لكى يكون فى معية ابنه عبيد اللَّه بن زياد وفى عام 67 هـ/ 686 أصبح من المؤكد أنه متعلق بالمروانيين يدل على ذلك مدائحه أمية التى كانت فى السلطة فقد احتفى بالأمير بشر الذى كان قد أتى للعراق وبأخيه عبد العزيز الذى مدحه عام 85 هـ/ 704 م فى إحدى مرثياته. كان نضاله منافسيه يشغل حيزا هاما فى حياته. إذ سقط فى دوامة الصراعات بين عشائر اليمينّية والقيسية، فعانى الكثير من حكام العراق حين كان أحدهم ينتمى لإحدى هذه العشائر وألقى به فى السجن لهذا السبب. وقد تسببت مواقفه السياسية -وبصفة خاصة تعلقه بقبيلة قيسية أو بقبيلة يمنية فى إثارة الكثير من العداوات أو عمقت من حدتها. وبوسع المرء أن يدرك أن ثمة عنصرا من عناصر المنافسة القبلية يقف وراء هذا العداء وهذا هو سبب العداء الذى كان يكنه الفرزدق لجرير، وهو تميمى ولكن من فرع آخر. ولا شك أن التنافس بين هذين الفرعين

كان مصدرا لإثراء الأدب بالنوادر والحكايات (انظر من كتاب الأغانى الجزء الثانى 32 - 37) كما أن هذه المنافسة ألهمت الفرزدق -وغريمه نظم قصائد تحمل بصمة كل منهما وهذا الهجاء أو النقد الساخر بين الفرعين لا ينبغى أن ينسينا أن ثمة علاقات أخرى -من نوع آخر- كانت قائمة بينهما وبين الأحوص فى المدينة، والنحوى القارئ "أبى عمر بن العلاء" أو "الحسن البصرى". وكان كتَّاب سيرته يميلون إلى المبالغة فى وصف ما تنطوى عليه شخصيته من غرائب. والتأكيد على جبنه، وفجوره وإسرافه فى شرب الخمر ومجونه ولكن المهم لنا هو الكشف فى شخصية الفرزدق عن صفات وثيقة الصلة بشعره فى المديح والهجاء والتى تجعل منه نموذجا لجيل ممزق بين الثقافة البدوية والأخلاقيات الجديدة. فى هذا الإطار يمكن تفسير بعض اللمحات التى تتسم بها شخصيته كاعترافه بالخطأ ثم عودته إلى الخطأ فى النهاية، كل ذلك نجد صداه فى شعره. وقد وصلنا الجزء الأكبر من شعره نظرا لخصوصية يتمتع بها بنو تميم من ناحية ونظرا لحظوة الفرزدق التى كان يتمتع بها داخل دوائر المثقفين فى البصرة. فقد لقى شعره فى الكوفة قبولًا حسنا بعد أن انتقل إليها شفاها بطريقة لا نعرفها على وجه الدقة ولاشك أنه منذ ذلك الوقت أصبح الفرزدق يشكل مع جرير والأخطل ثلاثيا يتناوله المثقفون بالمناقشة والدراسة لعدة أجيال -ولم يكن الفرزدق يتردد فى أثناء حياته فى انتحال أشعار معاصريه (انظر ابن سلام، والأغانى). وهناك ما يبرر الشك فى صحة بعض القصائد المنسوبة إليه التى ظهرت فى تحقيقات السكرى فى القرن الثالث الهجرى/ التاسع الميلادى ويضم الديوان حوالى 7.630 بيتا وهو أكبر ديوان عرف فى نطاق الشعر العربى بأكمله -ويضم قطعا شعرية أو قصائد كاملة تتراوح القصيدة منها ما بين 20 و 30 بيتا- ونادرا ما تزيد على ذلك والشعر الغالب فى الديوان هو ما عرف بالقصيدة التى اتخذت على يد

الفرزدق بناء ثلاثى الأجزاء إذ تبدأ بمقدمة نسيب قصيرة ولكن -وهذا امر ملحوظ- كان من المعتاد حذف هذه المقدمة وكثيرا ما اقتصرت القصيدة على المديح فحسب وكان النقاد القدامى يرون أن النسيب يفرض نفسه كمقدمة للقصيدة ويصعب جدًا أن نعثر على قصائد رثاء عند هذا الشاعر، ولكننا نجد نموذجا لهذا النوع قصيدة نظمها عن بشر. وتختلف درجات تمثيل ضروب الشعر عند الفرزدق ففى مقدمة هذه الضروب يأتى المديح فى صورته المعهودة كأن يشير إلى عظمة الخليفة وقيمته الدينية بوصفه الخليفة الإمام. ومن الطبيعى أن يتكرر ظهور قصائد الفخر -الفخر بشخصه أو بقبيلة على السواء- وقد عالج الفرزدق الحكمة الساخرة أو الملحة الذكية شأنه فى ذلك شأن معاصريه. وذلك على شكل مقطوعات قصيرة أو كجزء من قصيدة -وحين يجعلها جزءًا من قصيدة يصبح عنصر التباين قائما بين عناصر المديح التى تثنى على أمجاد "دارم" وتبين مخازى كُلَيب قبيلة جرير. وشعر الهجاء الساخر عند الفرزدق يتسم بالعنف والفحش بصورة نادرة على عكس الهجاء عند معاصريه (مثال ذلك القصيدة التى يهجو فيها الطَّرمَّاح). أما الحكمة فى صورتها التقليدية فلا تمثل جزءا يذكر -فهى مبتذلة لأبعد حد. كما أن الأخلاق الإسلامية لم تنجح فى التغلغل فى أعماق روح الشاعر أو إثرائها وهى التى انطبعت تماما بالثقافة البدوية. ومع ذلك يبدو أحيانا أن للشاعر القدرة على عزف نغمة مؤثرة حين ينعى -مثلا- موت طفل -وجدير بالملاحظة أن الفرزدق رغم ما عرف عنه من مجون لم يعرج على الخمريات أيا كان الغرض الذى يقرض فيه، بل أن نَزْعة الأبيقورية -أى نزعته للذة- لم تجد نفسها بحاجة إلى التغنى بقصص حبه. وتتميز الأعمال المنسوبة إلى الفرزدق بلغة وأسلوب متجانسين للغاية -ونادرا ما نجد تأثيرا نتج عن استخدام لفظ نادر. وكان الشائع لديه ولدى معاصريه استخدام البحور الخمسة المتداولة فى العراق أما الرجز فكان نادرا، وفى هذا الإطار يستحق

المصادر

شعره منا العناية -بمعنى أنه يمكننا من تقييم أى البحور كان متاحا فى ذلك العصر لشاعر يعتمد على تراث بنى تميم -وهو يمثل تمثيلا كاملا- إلى جانب شعر جرير - شعر الرعاة العظام فى شرق الجزيرة العربية فى قمته، وفى اللحظة التى اتصل فيها بمدن العراق حين تحتم عليه أن يخضع لمؤثرات جديدة. المصادر: (1) ابن سلام: طبقات، فهرست. (2) ابن قتيبة: الشعر والشعراء، فهرست، ليدن 1900. (3) مرزبانى: معجم طبعة Kernkov ص 272, 477, 486 - 487. (4) ابن خلكان: وفيات الأعيان، القاهرة 1310 هـ, جـ 2, ص 196 - 202. سعيد عبد المحسن [ر. بلاشير A. Blachere] الفرس فَرَسْ (جمعها أفراس، وفُرُس، فرسان، لتدل على الحصان ومعناها جواد الركوب وقد قصر فقهاء اللغة معنى الكلمة على "المهر العربى الذى يستخدم للركوب" وهذا الاسم يطلق على كلا الجنسين دون تمييز بين الذكر والأنثى إلّا أن الأنثى على أية حال تبدو الأكثر شهرة لدى العرب القدامى. كلمة فرس تتفق مع المعنى "الحصان الأصيل" الذى كان موجودا فى البدو على حواف الصحراء. لقد اهتم العرب كثيرا بالخيل الصغيرة (المهر) قبل الإسلام وبعده، وهذا الحيوان الذى لعب دورا كبيرا فى التوسع الإسلامى قد كان محل تعظيم. ظهر ذلك فى كثير من العبارات الجميلة. ويمكن التعرف على الحصان من حيث نقاء السلالة ومعرفة العمر عن طريق تطور الأسنان، فعند مولده يسمى مهرا، وفى عمر عام فَلْوا، وفى عمر عامين حولى، وثلاث سنوات ثانى thani ابن اربع ربّاع ابن خمس قارح وبعدها يصبح مُذَكّى حتى نهاية عمره. عندما نعود إلى عصر اسماعيل عليه السلام نجد أنه استطاع ترويض الحصان ونمر سريعا على العصور الجاهلية ونقترب من سد مأرب فى

المصادر

اليمن فى منتصف القرن السادس حيث نجد شرحا لأنساب الحصان العربى فقيل إن العديد من الأقطار أطلقوا الحصان فى الصحراء حيث توحش وأن خمسة من أسراب (قطعان) أنثى الحصان رآها أهل نجد وأمسكوها بطريقة عجيبة وانتقل خمسة أنواع من هذه الأسراب إلى سوريا حيث بدأ فى انتاج عناصر ممتازة فى أقطار الشرق الأدنى نستطيع أن نجد -حتى هذه الأيام- الحجج المحررة والموثقة فى سوق بيع الخيول ومعها شهادة أن الحيوان يتمتع بكرم الأصل وطبقا للأبحاث فى مضمار السباق فإن العلماء كانوا مشغولين بتصنيف الخيول طبقا لصفاء النسل إلى درجات: أ- العربى أو العتيق وهو الأصيل المعد إعدادا جيدا وهو متوسط الحجم، جبهته منبسطة، من أبوين نبيلين وهم يعتقدون بأن الشيطان لم يقترب من مالكه. ب- الهجين أو الشِّهرى (بتشديد الشين وكسرها) وهو مختلط النسل وأبوه أكثر أصالة عن أمه. جـ - المقرف وتكون أمه أحسن نسلا من أبيه. ولما كان الحصان إحدى الحقائق الأساسية فى تأمين انتصارات الإسلام فقد كان مصدر إلهام لكثير من الأعمال الأدبية فى العربية فى الشعر والنثر وخاصة فى القرون الخمسة الأولى للهجرة ولكنها لا تشكل موضوعا حقيقيا قائما بذاته. المصادر: 1 - ابن سيده: المخصص، الإسكندرية 1904 م جـ 6 ص 135 - 198 2 - ابن العوام: الفلاحى ترجمة كليمنت مولت le livre de agriculture, Paris 1864 - 7 3 - نجيب خورى: الخيال والفروسية، بعبدا - لبنان 1916 م 4 - الدميرى: حياة الحيوان، القاهرة 1356 هـ، جـ 1/ 309، جـ 2/ 209 5 - سعيدى: الافصاح فى فقه اللغة، القاهرة 1929, ص 322 - 344

المصادر

6 - القزوينى: القاهرة 1356 هـ جـ 2/ 190 7 - المسعودى: مروج الذهب جـ 3، 59, جـ 4/ 23, جـ 8/ 359 8 - رسائل اخوان الصفا، بومباى جـ 2/ 145 9 - جون لويس بوركهارت: رحلات فى الجزيرة العربية، 1829 م د. إبراهيم شعلان (ف - فيرى F. Vire) فرسان هى مجموعة من الجزر فى الجنوب الغربى من رأس جيزان فى مواجهة ميناء "أبو عريش" فى "تهامة" -وأكبر هذه الجزر هى "فرسان الكبرى وميناؤها" "خور فرسان"، وفرسان الصغرى و"المحرق" و"سييد" syed من الأماكن التى تستحق الذكر بجانب "خورنا فرسان" والسكان يصطادون اللؤلؤ، وأيضا السلاحف وهو عمل يدر عليهم ثروة كبيرة. وقد رأى "اهرنبرج" -الذى اكتشف هذه الجزر- الكثير من بساتين البلح، وحقولا تزرع الذرة والشمام، كما شاهد هناك أيضا الظباء العربية والغزلان والماعز. وقد اطلع "الحمدانى" على أحوال هذه الجزر -وهو يقول إن سكانها الذين يتخذون اسمهم من اسم الجزيرة، قد انحدروا من قبيلة تغلب الكبيرة فى شمال الجزيرة، وقد كانوا فى يوم من الأيام -مثلما كانت تغلب- مسيحيين وكانت لهم كنائس فى هذه الجزر، وقد تحطمت فى عهد "الحمدانى". . وكانوا يشتغلون بالتجارة مع الأحباش. ويقول المتخصصون فى علم الأنساب لجنوب الجزيرة العربية إتهم من بنى حِمْير. المصادر: الحمدانى: الجزيرة بهجت عبد الفتاح [ج. شليفر J. Schleifer] فرسخ فرسخ: كلمة عربية "دخيلة" أو "مستعارة" من مصطلح من شمال إيران باللغة الأرمنية رسخ باللغة الفارسية الحديثة.

مصادر

وهو مقياس طولى "فارسى" يعادل مسافة يقطعها الحصان مشيا فى ساعة. . وهو ستة آلاف ذراع. . والزراع 1.0387 مترا. . ومعنى ذلك أن هذا الفرسخ يساوى 2/ 6232 مترا. . والفرسخ العربى يساوى ثلاثة أميال عربية أو 12000 ذراع أى 5762.8 مترا. مصادر: (1) W. Hinz: Islamische Masse and Gewichte, Heiclen 1955, 62 - 3 (2) F. Segl: Vom Kentrites bis Trapezus, Erlangeh 1925, 12 (3) H. Roemer: Shams al-Husn, Wieshaden 1956, 126 بهجت عبد الفتاح [و. هنز W. Hing] فرض وهو ما يؤمر بأدائه بشكل كامل تام، أو ما هو ملزم للفرد -وترك الفرض يستوجب العقاب، وأداؤه يستحق المكأفاة والثواب- ويرى المذهب الحنفى أن الفرض يعنى ما يعتبر واجبا على أساس من الجدل المقنع (الحجج المقنعة)؛ أما الواجب فهو ما يعتبره الفقهاء "مهمة" على أساس الاحتمال فقط أما الشافعية والمذاهب الفقهية الأخرى فتقول إن الفرض والواجب مرادفان والشريعة تفرق بين فرض العين الذى يلتزم به كل فرد؛ وفرض الكفاية الذى يتطلب فقط أن يؤدى عدد كاف من المسلمين الواجبات الدينية التى يهتمون بها (مثل شن الحرب المقدسة). المصادر: (1) Tohanawi: Dictionary of technical terms, 11246, 1444 - 8 (2) N. P. Aghnides: Mohammedan theories of finance, New York 1916. 112 ff بهجت عبد الفتاح [جونيبول Th. W. Juynboll] فرضة فِرْضة (Firde) (من فرض، هكذا تنطق فى اللهجة العامية المصرية، وفى العصور الوسطى كانت عادة تنطق فَرْض أو فريضة).

المصادر

ضريبة استثنائية تفرض عادة لغرض محدد. ويقول لين فى كتابه عن عادات المصريين المعاصرين Manners and Customs أن محمد على باشا (انظر المادة) فرض فى النصف الأول من القرن التاسع عشر فرضة قدرها جزء من اثنى عشر جزءًا من دخل كل فرد من الرعايا بغض النظر عن الدين بحد أقصى 500 قرش لمواجهة نفقات زيادة الجيش والأسطول. وعندما تحقق هذا الهدف، رفعت هذه الضريبة. المصادر: (1) Dozy: Supplement aux Dictionare arab، مادة فرض وفريضة. (2) E. V. Lane: An Account of the manners and customs of the modern Egyptians، الطبعة الخامسة، 1871 الجزء الأول صفحة 165 والثانى صفحة 91 و 289 م. حسين أحمد عيسى [سوبرنهايم M. Sobernheim] فرعون فرعون: (ج: فراعنة)، وقد تناول المفسرون هذه الكلمة بالشرح عند تفسيرهم للآية 49 من سورة البقرة على أنها لقب أو علم على ملوك العماليق (*)، على نحو ما استخدم لقب كسرى للدلالة على ملوك الفرس وقيصر للدلالة على ملوك الرومان. ويعنى الفعل تفرعن "صار متعجرفا ومستبدا" ولهذا أطلق اليعقوبى لقب "الجبار" على الفرعون الذى ذكر فى القرآن الكريم وقد ذكر عدد من الفراعنة فى التراث العربى، ويختلف عددهم اختلافا بينا فى الكتابات المختلفة. ولكن إذا ذكرت كلمة فرعون فى القرآن فإنها تعنى الملك الذى أرسل اللَّه إليه موسى وهارون، وبهذا تُفهم الكلمة بوضوح كما لو كانت اسما. والمعلومات القرآنية عن فرعون أكثر تفصيلا فى بعض النقاط مما ورد فى العهد القديم، فقد أشار إلى زوجته آسيا باسم (امرأة العزيز). كما ذكر هامان (القصص آية 38 وغافر آية 36 وما بعدها) الذى كلفه ¬

_ (*) أكثر من اقترن بهم لقب فرعون هم حكام مصر حتى نهاية عصر الأسرات من تاريخ مصر القديم. وأصل اللقب بالمصرية "يرعو" بغير نون ومعناه البيت العظيم. المحرر

فرعون ببناء صرح لعله يطلع إلى إله موسى. {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَاأَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَاهَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ} {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَاهَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (36) أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ}. كما ذكر أحد رجال حاشية فرعون فى القرآن من غير أن يذكر اسمه، وذلك عندما أراد فرعون أن يقتل موسى {وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ} (غافر آية 28 وما بعدها). وقد أطلق على فرعون لقب "ذو الأوتاد" فى القرآن مرتين (سورة ص آية 12 والفجر آية 10). وقد اختلف المفسرون فى معنى هذا التعبير فقال بعضهم إن حكمه كان متينا كما لو كان مثبتا بعشرة أوتاد، وقال آخرون إن المقصود بالأوتاد هى جيوشه، وقال فريق ثالث إنه كان يربط أيدى من يريد عقابهم وأرجلهم فى أوتاد مثبتة فى الأرض. ومما ذكر زيادة على ما ورد فى العهد القديم أن فرعون هدد السحرة بعذاب أليم عندما آمنوا (الأعراف آية 111 وما بعدها والشعراء آية 45 وما بعدها)، كما ذكر أن فرعون قد آمن عندما أدركه الغَرَق ولكن اللَّه لم يقبل إيمانه وألقى بجسده على ساحل البحر ليكون عبرة لغيره (يونس آية 90 وما بعدها). وقد ذكر أنه ألَّه نفسه (القصص آية 38)، وسوف يقدم قومه يوم القيامة إلى جهنم (هود آية 101). ولقد ذكر الفراعنة فى قصص إبراهيم ويوسف عليهما السلام، ويقول البعض إن فرعون يوسف كان يدعى الرّيان بن الوليد كما كان اسم خليفته قابوس بن مصعب ويقول آخرون إن

يوسف كان وزير الوليد (أو دارم Darim) بن الريان. وليس هناك إجماع فى التراث الإسلامى بالنسبة لعدد الفراعنة بين يوسف وموسى، وتقول المصادر الأقل تأثرا بالإسرائيليات إن قابوس بن مصعب كان الزوج الأول للسيدة آسيا وأبو موسى بالتبنى وعندما تلقى موسى عليه السلام الرسالة، كان قابوس قد توفى وتولى بعده أخوه الوليد بن مصعب (تفسير الطبرى والبيضاوى، سورة البقرة). أما ابن إسحق فكما يذكر الطبرى فيما ذكره يقترب كثيرا مما ورد فى سفر الخروج، الإصحاح الأول 8، فعندما مات يوسف وفرعون زمانه، الريان بن الوليد، إعتلى العرش فراعنة من العماليق حتى إعتلاه الوليد بن مصعب الذى أرسل موسى عليه السلام إليه، وكان أكثرهم عجرفة وقسوة، كما كان عهده أطول العهود ولعلنا نذكر هنا رمسيس الثانى الذى حكم طوال ثلاثة أرباع القرن الثالث عشر قبل الميلاد. وطبقا لما ذكره اليعقوبى والمسعود كان هناك ملكان (فرعونان) بين فرعون يوسف عليه السلام والذى ربى موسى عليه السلام. ويقول الزمخشرى فى كتابه الكشاف عند تفسيره لسورة الأعراف، إن الزمن بين وصول يوسف عليه السلام إلى مصر وعودة موسى عليه السلام من مدين كان 400 عام، وهذا يتفق إلى كبير مع ما ورد فى سفر الخروج، إصحاح 12 - 40. وفى التراث، يطلق على الملوك المصريين الذين ذكروا فى معرض الحديث عن ملوك إسرائيل لقب الفراعنة أيضا، ولكن غالبا ما يضاف إليهم صفة مثل الأعرج. وحسبما ورد فى القرآن الكريم إن فرعون استعبد بنى إسرائيل وسخرهم فى العمل، وعندما أخبره المنجمون أو الكهنة أو كما يقول آخرون رأى فى المنام أن طفلا من بنى إسرائيل سيولد ويكون زوال ملكه على يديه، أمر بقتل كل طفل يولد فى بنى إسرائيل، ولكن عندما بدأت الحاجة إلى الخدم تظهر، أمر بقلر أطفال بنى إسرائيل عاما وتركهم أحياء عاما آخر. وهذا يفسر بقاء هارون، أخو موسى الأكبر، على قيد الحياة.

أما المؤمن من آل فرعون الذى ذكره القرآن، فيقال إن اسمه كان خِرْقِلْ Khir (kil) أو شِمْعان أو حبيب ويقول البعض إنه كان آبن أخى (أو أخت) فرعون، بينما يقول آخرون إنه كان خازن فرعون، ويقول فريق ثالث إنه كان النجار اليهودى الذى صنع الصندوق الذى وضعت فيه أم موسى وليدها. ويقال إنه قتل مع السحرة هو وزوجته التى كانت وصيفة الأميرة، والتى شاركت زوجها فى معتقداته، ولكن يقال أيضًا إنه كان ممن عبروا البحر الأحمر. ويذكر التراث الإسلامى أيضا تفاصيل عن بناء الصرح. وكان الهدف منه تقوية مركز فرعون لأنه خشى أن يتبع رعاياه موسى، بالإضافة إلى أنه كان يريد أن يصل إلى إله موسى. وقد كان هذا الصرح أعلى ما أنشئ من أبنية، فعندما كانت الشمس تشرق كان ظله يظلم الغرب، وعندما كانت تغرب كان يظلم الشرق. وعندما تم بناؤه، صعد عليه فرعون وأطلق سهما فى السماء ليصيب إله موسى، فأعاد اللَّه السهم اليه ملطخًا بالدماء، فظن فرعون أنه قد حقق هدفه، ولكن جاء جبريل وحطم الصرح بأجنحته إلى ثلاث قطع، سقطت إحداها فى الهند وسقطت الثانية فى المحيط، أما الثالثة فسقطت فى المغرب، مما يبين عظم ارتفاع الصرح. ويقول الزمخشرى فى تفسير سورة القصص آية 38 إن قطعة من الصرح سقطت على جيش فرعون وقتلت العديد من جنوده. وعند عبور البحر الأحمر، كان هامان يقود طليعة جيش فرعون، وعندما لم يجرؤ أحد على دخول البحر، جاء جبريل (عليه السلام) على فرس فدخل بها إليه، فجذب ذكور خيول المصريين الذين لم يستطيعوا المقاومة وبذلك دخل الجيش بأكمله فى البحر وغرقوا، وعندما حاول فرعون النطق بالكلمات التى تدل على أنه آمن والتى ذكرها القرآن الكريم، حشا جبريل فمه بقطعة من الطين حتى لا يقولها فتدركه رحمة اللَّه. ثم ألقى اللَّه جسده على شاطئ البحر ليصدق بنو إسرائيل أنه قد مات حقا. وقد ذكر فستنفلد (Wustenfeld) الكثير من التفاصيل الغريبة عن

المصادر

شخصية فرعون وحكمه فى rient und Occindent. كما ذكر المقريزى أيضا الكثير من المعلومات التى لا تتفق مع ما ورد فى القرآن الكريم والتراث الإسلامى. انظر أيضًا مادة موسى. المصادر: (1) القرآن الكريم، ترجمة المعانى لـ R. Blachere. (2) الطبرى: التفسير للآيات المتعلقة للموضوع. (3) المسعودى: مروج الذهب، جـ 1 ص 92 - 93, باريس 1861 - 1877. (4) الثعلبى: عرائس المجالس، القاهرة 1370 هـ 1951 م/ ص 102 - 120. (5) ابن كثير: البداية والنهاية جـ 1 ص 202, 237 - 274. (6) A. Jeffery: The vocabulary of the Quran, 225 (7) Ch. G. Torrey: The Jewish Foundce of Islam, New York, 1933, 109 ff., 117 ff (8) M. Gaudefroy - Demowbynes: Mahomet, Paris 1957, 393 - 7 حسين أحمد عيسى [أ. ج. فنسنك (A.J.Wensink (G. Vajda] فرغانة فرغانة واد عند منتصف "نهر سيْحون" وهو يقرب من ثلاثمائة كيلومتر طولا وسبعين عرضا وتحوطه بعض أجزاء من جبال "تيان شأن Tian Shan"، وتقدر مساحة وادى فرغانة بثلاثة وعشرين ألف كيلومتر مربع تقريبًا. وقد زادت مساحة الأراضى المزروعة خلال العقود الأخيرة، والمنطقة الوسطى من فرغانة صحراوية. ولقد كان وادى فرغانة مكتظا بالسكان منذ دخول الإسلام بل وحتى قبله كما تقول المصادر الصينية. ولقد ترتب على ذلك أن تمكن السكان الأصليون من مقاومة الترك الذين كثرت هجماتهم على الأهالى منذ ظهور الإسلام. ولقد استقر الروس أيضا منذ نهاية القرن التاسع عشر فى المدن تاركين الأراضى الزراعية لأهل البلاد الأصليين.

ولقد أصبحت فرغانة معروفة للصينيين منذ سنة 128 ق. م، ثم تعرضت لهجمات تركية ثم دخلت فى نطاق الأملاك التركية بعد حروب استمرت من سنة 627 م حتى 649 م حين اتخذ احد الأمراء الأتراك مقره فى "كاسان" المعروفة عند أهل الصين باسم "كوساى". وقد آل الإقليم كله إلى يد حاكم صينى بعد أن تمكن الصينيون من الاطاحة بالحكم التركى، ثم تداولت الحكم أسرات إيرانية فتركية، حتى إذا استؤصل الحكم الصينى حوالى سنة 680 م قام بحكم فرغانة "أرسلان خان" وذلك حوالى سنة 739 م. والمتفق عليه أن تقدّم العرب المسلمين فى فرغانة بدأ زمن الخليفة عثمان بن عفان بقيادة محمد بن جرير، والواقع أن الغزو الإسلامى لفرغانة مرتبط باحتلال قتيبة بن مسلم لما وراء النهر (تركستان) إذ وطأ أرضها لأول مرة عام 94 هـ لكنه قتل على يد عسكره، ولا يزال قبره حتى اليوم مزارا يزوره الناس ويقع على مشارف قرية "جَلال قُدق" قرب انديجان. ولقد وقعت فى أعقاب ذلك اضطرابات وفتن كثيرة منعت من تدعيم الحكم الإسلامى فى فرغانة بعض الوقت، وتلى هذه الاضطرابات معارك فى فارس أدت إلى سقوط الأمويين سنة 749 - 950 م، وأصبح لزاما على المسلمين مغادرة الأقليم فغادروه، ولما كان عام (103 هـ = 721 م) استطاع أمير منطقة صغد أن يلم شتات أبناء جلدته الذين كانوا قد فروا إلى الجهات الشرقية وطلب إليهم أَن لا يستجيبوا لمن يدعوهم إلى الإسلام. ولقد لعبت الطبقة العليا من أصحاب السلطة من أهل البلاد ممن يعرفون بالدهاقين دورا قياديا فى فرغانة وكذلك فى بقية نواحى بلاد ما وراء النهر (تركستان) وذلك بزعامة أحد الدهاقين الذى لقب أيضا بالإخشيد، إلا أنه فى سنة 121 هـ (= 739 م) كما يقرر الطبرى (جـ 2/ 1694) استطاع العرب استعادة سلطانهم حيث أرسلوا واليا من قبلهم على فرغانة لكن ذلك لم يمنع من استمرار روح المعارضة، وقد ساعد على ذلك تقدم الجيوش الصينية

فى القسم الغربى من آسيا الوسطى حتى بلغوا بلاد ما راء النهر (تركستان) فيما بين عامى 745 و 751 م، وحدث أن أمسك المنصور رسولا بعثه إلى الوالى المحلى الذى كان قد فر إلى كاشغر واستبقاه فى حبسه مدة طويلة لرفضه الدخول فى الإسلام (انظر اليعقوبى جـ 2/ 645)، واضطر المهدى وهارون الرشيد ثم من بعدهما المأمون إلى ارسال العسكر إلى فرغانة للقضاء على روح المقاومة (راجع اليعقوبى جـ 2/ 465, 478) على أن دخول فرغانة فى نطاق أملاك السامانيين حوالى سنة 205 هـ (= 820 م) زمن نوح بن أسد المتوفى 277 هـ فتح آخر الأبواب التى كانت موصدة فى وجه الإسلام فى كل من "كاسان" و"أوراست" حتى لقد عمل الفرغانيون فى حرس الخليفة المعتصم (البلاذرى 431) مما أدى من ناحية أخرى إلى زيادة العنصر الفارسى فى ما بين النهرين زيادة مستمرة. وتدلنا كتب الجغرافيين العرب على حدوث تغير اقتصادى فى فرغانة زمن السامانيين فاستجدت طرق تجارية بين مختلف الأماكن حتى وصلت إلى "خجندة" التى تسمى الآن "لينين آباد" والى قوبا و"اوزجند" وأصبح وادى فرغانة هو الخط الفاصل فى وجه الترك الذين كانوا لا يزالون على جاهليتهم بل وأمكن ردهم إلى النواحى الشمالية الشرقية فى كثير من البقاع، كما زودت القلاع بحامية قوية لتتمكن من صدهم. ولما جاء القرن العاشر الميلادى انقسمت فرغانة إلى ثلاث ولايات، وانقسمت كل ولاية إلى عديد من الادارات المحلية، وانتشر المذهب الحنفى وصارت له الصدارة، وإذا كان المقدسى يشير إلى كثرة خنقاوات الكرامية فإننا لا نجد شيئا عن المسيحيين ولا عن المانويين أو الزرادشتيين، وإن كان قد تم العثور على نقش يرجع تاريخه إلى سنة 433 هـ (= 1041 م) يحمل التاريخين الساسانى والرومى إلى جانب التاريخ الإسلامى. ويوجد فى الجبال المحيطة بالوادى الذهب والفضة والفحم الذى كان استعماله مقصورا على لتدفئة كما

يقول الاصطخرى، كذلك يوجد البترول والحديد والنحاس والرصاص والفيروزج وملح الأمونيوم، وكانت فرغانة و"اسفيجاب" تصدران إلى الخارج العبيد الأتراك والحديد والنحاس والسيوف والسلاح وكذلك المنسوجات ويستفاد من كثرة ما دخل بيت المال من مال على الرخاء العظيم المتزايد أيام الساسانيين، ويقول ابن خرداذبة إن هذا الدخل ارتفع حتى بلغ مائتين وثمانين ألف درهم، أما ابن حوقل الذى كتب ما كتب بعد ذلك بمائة وخمسين عاما (أعنى سنة 977 م) فيذكر أن دخل بيت المال بلغ ألف ألف درهم. وبعد سقوط السامانيين عام 389 هـ (= 999 م) دخلت فرغانة فى حكم أسرة "قره يلق" وايلخانات القراخانيين وأصبحت "ازكند" مركز الحكم، وفيها ضربت معظم العملات وإن حملت فى الغالب اسم ولاية فرغانة كمكان لسكها. وكانت جميع شئون بلاد ما وراء النهر تدار من "ازكند" التى استقر فيها أمراء فرغانة بعد ما حدث من تقسيمات فى الأسرة الفراخانية. وقد صد هؤلاء الأمراء هجوما سلجوقيا عام 482/ 3 هـ (= 1089/ 1090 م) ثم دخلت فرغانة ضمن أملاك قراخطاى وإن ظلت الأسرة المحلية باقية وهى الأسرة التى امتد حكمها على سمرقند، ثم أصبحت فرغانة موضع نزاع بين محمد الثانى خوارزم شاه وبين المغول من سنة 1212 حتى 1218 م. وقد حمل بركة خان الوالى المغولى (ومن قبله قراخطاى) على إبقاء بيت المال هناك، وصارت المدينة الجديدة "انديجان" المعروفة عند الجغرافيين العرب وحدهم باسم قرية "اندوقان" عاصمة وادى فرغانة. وذلك فى نهاية القرن الثالث عشر الميلادى. وحدث بعد انقسام جماعة شغطاى إلى قسمين متناحرين فى القرن الرابع عشر الميلادى أن أخذت كل من المملكة الشرقية المعروفة باسم تركستان والمملكة الغربية المسماة بمغولستان

تنازع الأخرى فرغانة نزاعا استمر حتى زمن تيمور الذى ظلت فرغانة طول عهده ومعظم زمن خلفائه تابعة لخراسان ولشاه رخ وولده "الغ بك"، ثم صار لها حاكمها الخاص بها ممثلا فى "عمر شيخ" (وهو من أولاد حفدة تيمور لنك). وقد خلفه ولده "بابر" الذى اتخذ فرغانة مقاما له للهجوم على الشيبانيين وظل يتقدم حتى بلغ سمرقند لكنه وجد نفسه أخيرا عام 909 هـ (= 1504) مضطرًا عن للتنازل فرغانة والفرار إلى الهند. ولقد أحدث سقوط التيموريين وقيام الصفويين الشيعة فى فارس تغييرا جذريا فى علاقات القوى السياسية الموجودة فى آسيا الصغرى، وكان فى فرغانة فى هذه الآونة تسع مدن كبرى أضاف اليها بابر مدينة خجند وخقند التى لم تكن تزيد عن قرية صغيرة حينذاك، وكانت العاصمة "انديجان" التى كان قد تم صبغها بالصبغة التركية تماما على حين كانت "مرغنان" لا تزال ايرانية، وكان بفرغانة زمن بابر كثير من الحقول والبساتين وأنواع شتى من الأخشاب تستعمل فى صناعة السهام وأقفاص الطيور وما شابه ذلك، وكان يوجد بها نوع من الأحجار يستعمل فى صناعة مقابض السكاكين. كما كان هناك الحديد والفيروزج يستخرجان من باطن الأرض. وبعد طرد التيموريين نهائيا أصبحت فرغانة تابعة لدولة بنى شيبان الأزبكية وصارت "انديجان" عاصمة أسرة محلية وخلعت اسمها على كل منطقة الوادى. وبعد سقوط الشيبانيين 1598 م تقاسمت البلاد عدة أسر كانت تتبع بخارى اسميا، ولكنهم كانوا يخضعون للقزخ والكرجيز الذين كانوا يغيرون بين آنة وأخرى على أودية الجبال المحيطة بفرغانة. ولما كانت سنة 1121 هـ (= 1709 م) أصبح وادى فرغانة خانية ازيجية برياسة "شاه رخ بى" ثم تحولت منذ ذلك الوقت حتى 1876 م فصارت مركز خانية خقند التى ضمها الروس إلى بلادهم وصارت مركز ولاية فرغانة

المصادر

وكانت مساحتها إذ ذاك 160141 كيلومترا مربعا، وسكانها 15604 نسمة وأنشأ الروس عاصمة جديدة سموها سكوبيلف Skobelov. وقد زاد الروس فى انتاج القطن بفرغانة زيادة ضخمة وادخلوا منه أنواعا امريكية جديدة واشتهروا بانتاج القطن والحرير. ويقع أهم مصدر لليورانيوم لما كان يسمى بالاتحاد السوفييتى فى وادى فرغانة. كذلك يستخرج من هناك البترول والفحم. وأدخلوا تحسينات فى وسائل الرى. ولقد أحدث التقدم الاقتصادى الفجائى الكبير تضخما ماليا كبيرا أدى إلى حدوث ثورة 1898 وظلت فرغانة من سنة 1916 حتى 1922 فى بوتقة القتال الدائر بين جماعات معينة من الترك وبين الروس الذين عرفوا بعد ذلك بالبلاشفة. على أنه بعد ثورة اكتوبر لم تعد فرغانة وحدة إدارية مستقلة بذاتها والسبب فى ذلك أن المناطق الوسطى والشرقية سلمت إلى جمهوية أوزبكستان، أما العربية فصارت من نصيب "تاجيكستان". أما الجبال المحيطة بوادى فرغانة فقد ضم معظمها إلى "كجيزستان" على أن هذا التنظيم السياسى لم يكن له أثر فى تقدم اقتصاد الوادى. أو نظام الاتصالات التى زادت من معرفة الأهالى المحليين بالروس بصورة كبيرة فى العقود الأخيرة دون أن يؤدى ذلك إلى القضاء على اللغات المحلية. المصادر: (1) Edouard Chavannes: Documents Sur Les Tou - Kiue (Turks) Occidenaux, St. Petersbarg 1903, especially (2) Barthold: Turkestan, 155 - 65,186 - 202 and Index (3) Th. Shabad: Geography of the U. S. S. R, New-York 1951, 388 - 99 and index د. حسن حبشى [بارتهوله - ب. سبولر W.Barthohd - B. Suller] الفرغانى الفلكى هو الفلكى المسلم المعروف فى أوروبا فى العصور الوسطى، واسمه الكامل فهو أبو العباس أحمد بن

المصادر

محمد بن كثير الفرغانى، نسبة إلى فرغانة من بلاد الخرز وليس هناك من إجماع على حقيقة اسمه إذ ينفرد الفهرست بالكلام عن محمد بن كثير، ويتكلم أبو الفرج عن أحمد بن كثير، على حين أن ابن القفطى يفرق بين شخصين أحدهما محمد والآخر أحمد بن محمد الفرغانى، أى الوالد والولد، والأرجح أن هذه الإشارة إلى شخص واحد كان منجما وكان يعيش زمن المأمون حتى المتوكل، إذ يشير أبو المحاسن وابن أبى أصيبعة إلى شخص اسمه أحمد بن كثير الفرغانى الذى يقال إن المتوكل أرسله سنة 247 هـ (861 م) إلى الفسطاط ليشرف على بناء مقياس النيل. وللفرغانى كتاب بالعربية توجد منه نسخ فى مكتبات أكسفورد وباريس والقاهرة ومكتبة جامعة برنستون، وتختلف العناوين بعضها عن بعض فهى جوامع النجوم والمدخل إلى علم هيئة الأفلاك وكتاب الفصول الثلاثين. وقد ترجم إلى اللاتينية، وتوجد له ترجمة عبرية منها نسخة فى برلين وأخرى فى ميونيخ وفيينا وأكسفورد. أما الترجمة اللاتينية فقد طبعت فى فرارا، 1493 م، وأخرى فى نورمبرج سنة 1537 م، وثالثة فى باريس 1546 م، وفى بركلى سنة 1943 وقام يعقوب كريستمان بنشر ترجمة لاتينية له اعتمد فيها على الترجمة العبرية وقد ظهرت عام 1590 م فى فرانكفورت، كما قام يعقوب جوليوس بنشر النص العربى فى امستردام سنة 1669 م وترجمه له مع تعليقات كثيرة. وإلى جانب هذا الكتاب الذى كان واسع الانتشار فى الغرب أكثر من أى كتاب فى موضوعه لعالم فلكى عربى فإن الفرغانى كتب أيضا كتابين آخرين عن الاسطرلاب هما الكامل والاسطرلاب، وكتاب فى صنعة الاسطرلاب (وتوجد نسخة عربية منه فى كل من مكتبة برلين وباريس) كما أورد بروكلمان وكارموديى قائمتين بمؤلفاته الأخرى. المصادر: (1) الفهرست: جزء 1 ص 279 ابن النديم، ليبزج 1871 - 1872.

المصادر

(2) ابن القفطى: طبعة Lipprt، ص 78 و 286. (3) F. J. Cormody: Arabic astronomical and astrological Sciences inhatin translation, Berkeley 1956, 113 - 6 د. حسن حبشى [هـ. سوتر - جـ فيرنت H. Sater - J. Vernet] الفرغانى "المؤرخ" يُطلق اسم الفرغانى على إثنين من مؤرخى القرن العاشر الميلادى (الثالث الهجرى) أما أحدهما فهو أبو محمد عبد اللَّه بن أحمد بن جعفر (المولود سنة 282 هـ = 895 م، والمتوفى عام 362 هـ = 972 م) وأما الثانى فولده أبو منصور أحمد بن عبد اللَّه (327 - 398 هـ = 939 - 1007 م) وقد وفد جدهم الأعلى إلى العراق من فرغانة وأسلم زمن الخليفة المعتصم، أما عبد اللَّه نفسه فقد تتلمذ على العالم الكبير الطبرى ونسخ كتبه وتقدم فى الجيش حتى بلغ مرتبة سامية ثم انتقل إلى مصر حيث ولد له بها ابنه كما يقال، واتخذت الأسرة مصر دار إقامة، وقد وضع ذيلا على تاريخ الطبرى عرف بالصلة أو بالمذيل، كما وضع ولده أيضا ذيلا آخر سماه صلة الصلة وليس بين أيدينا من هذين الكتابين سوى نُتف منهما وردت مبعثرة فى مؤلفات سواهما من المؤرخين رغم ما يرجحه البعض من أن هناك ورقة بردى تتضمن أخبار معركة جرت فى زمن الخليفة المقتدر وأنها من كتاب الصلة. وقد وضع الفرغانى الصغير ترجمة لكافور الإخشيدى وأخرى للخليفة الفاطمى لكنهما ضاعتا -للأسف منذ زمن بعيد مع معظم ما ضاع من كتب التاريخ التى وضعت زمن الفاطميين. المصادر: (1) الخطيب البغدادى: تاريخ بغداد، القاهرة 1931/ 1349 جـ 9، ص 389. (2) ابن عساكر: تاريخ دمشق، جـ 7، ص 277، دمشق 1329 - 1351/ 1911 - 1931. (3) ياقوت: معجم الأدباء، جـ 1، ص 161، ليدن 1907 - 1931. د. حسن حبشى [ف. روزنتال F. Rosenthal]

فرقان

فرقان كلمة تعنى التمييز والوحى والإلهام والخلاص، ويشار للكلمة فى الكتابات العربية على أنها كلمة عربية أصيلة وعلى أنها كلمة مأخوذة من الآرامية. ولا يمكن تحديد المعنى المقصود بهذه الكلمة فى المواضع المختلفة من القرآن الكريم تحديدا تاما، وفى جميع الحالات نجد أنها استخدمت بمعان كثيرة: 1 - تعنى الكلمة العربية الفصل والتمييز والبرهان، ومع ذلك فربما لانجد هذا المعنى فى القرآن الكريم بالرغم من أن المفسرين يشرحونها دائما على أنها تحمل ظلا لبعض معانى علم التوحيد "التمييز بين الحق والباطل". 2 - الوحى؛ وحيث إن هذا المعنى لهذه الكلمة ليس فى اللغة الآرامية لهذا فإنها تستخدم فى القرآن الكريم للدلالة على الخلاص قبل ظهور الإسلام، مثال ذلك {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ} (سورة الأنبياء آية 48) وفى سورة آل عمران آية 3، 4 {نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (3) مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ} حيث أطلقت -كما يقول الزمخشرى- على جميع الكتب السماوية السابقة، ولكنها استخدمت أيضا لدلالة على القرآن الكريم فى سورة الفرقان: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} وأصبحت مرادفا لكلمة "القرآن الكريم" عند المفسرين المتأخرين. 3 - من المؤكد أنها فى استخدامها بمعنى الخلاص مستعارة من الآرامية حيث قال تعالى فى سورة الأنفال: {وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ} ومن هنا تسمى معركة بدر "يوم الفرقان" ويعطيها بعض المفسرين فى هذه الآية معنى النصر. المصادر: (1) A. Geiger: Was hat Mohammed aus dem Judentum aufxehommen, 1902. 55 f (2) H. Hirschfeld: New researches into the composition and exegesis of the Qoran, 1902, 68

فرهاد وشيرين

(3) A. Jeffery: The Foreign Vocabulary of the Qur'an, Baroda, 1938, 225 - 9 (4) W. Montgomery Watt: Mohammed at Medina, 1956, 16 (5) R. Bell: Introduction to the Quran, 1953, 136 - 8 حسين أحمد عيسى [ر. باريه R. Paret] تعليق من الواضح أن المستشرق كاتب هذا المقال قد جانبه الصواب كثيرا لكننا أثبتنا جانبا كبيرا من مقاله هنا ليعرف القارئ العربى بعض طرق المستشرقين فى التفكير، فكوْن الكلمة العربية (فرقان) قريبة الشبه من الكلمة الآرامية فركانا أمر غير مستغرب فكلاهما (العربية والآرامية) من فروع أسرة اللغات السامية، أما كون كلمة فرقان غير واضحة المعنى بالنسبة لهذا المستشرق، فهذا هو القول الغريب، ونورد هنا ما ورد عنها فى أوسع المعاجم العربية وهو لسان العرب لابن منظور: "الفرقان: القرآن، وكل ما فُرّق به بين الحق والباطل فهو فُرقان، ولهذا قال اللَّه تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ}. ومن أسماء القرآن الفرقان لأنه فارق بين الحق والباطل والحلال والحرام. . والفرقان الحجة، والفرقان النصر، وفى التنزيل: {وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ} وهو يوم بدر. . . والفاروق ما فرق بين شيئين، ورجل فاروق يعنى يفرق بين الحق والباطل. . . " فسواء استخدم القرآن الكريم هذه الكلمة لوصف القرآن ذاته أو لوصف التوراة، فالمعنى واحد وهى أن التوراة ساعة نزولها كانت فرقانا بين الحق والباطل. [هيئة التحرير] فرهاد وشيرين اثنان من المحبين المشهورين فى فارس -وقد كتب كثير من الشعراء قصائد تحت هذا العنوان- فقد كان "فرهاد" المهندس المعمارى المنافس القليل الحظ لخسرو (وهناك أيضا قصائد عديدة تحت اسم خسرو وشيرين- وكان "نظامى" أول من كتب عن هذا الموضوع الأخير) والذى كاد أن يشق طريقه بجهد شديد من خلال جبل "بيسوتون" Bisutun ليفوز بيد محبوبته

المصادر

حتى سقط ميتا عندما سمع -كذبا- أن شيرين قد ماتت. وقد عالج الشعراء الأتراك أيضا، وعلى الأخص مير على شيرن، الموضوع ذاته. المصادر: (1) Gibb: Ottoman Poetry, i, 321 FF (2) A. Zajaczkowski: La traduction turque Osmanile du Husrav u Sitin de Seykhi, Warsaw 1963 بهجت عبد الفتاح [زياتشكوستى A. Zajaczkowsci] فروان (أو بروان) مدينة صغيرة على نهر "بانجشير" شمالى كابول، وجنوبى ممر يحمل الاسم نفسه يخترق سلسلة "هندوكوش" إلى أفغان تركستان على ارتفاع اثنى عشر ألف وثلاثمائة قدم. وقد كانت فروان دار الضرب (حيث تسك العملة) للغزنويين -وقد أمر بسك العملات هناك "ألبيجن" Alpfigin " وسبوكتجين" Snbukgm وإسماعيل ومحمود. ويبدو أنها كانت فى حوزة البييجين فى أوائل عام 365 هـ عندما سك العملات باسم "منصور بن نوح" سلطانه السامانى، وقد ذكرها الإدريسى (باسم كروان) والاصطخرى، وأبو الفداء. ويطلق عليها "بابور" اسمها الحديث وهو "بروان" الذى يستخدمه كل الرحالة فى الفترة الأخيرة مثل لورد وماسون وهولديتش. وفى عام 618 أوقع جلال الدين مانجبارنى خوارزم شاه هزيمة فى بروان أو فروان بالقوات المغولية. المصادر: (1) Lane Poole: Cat.,ii 128 (2) وطبقات H. Raverty: traus ناصرى Culcutta, 1881, 288 (3) W. Erskine: Memoirs of Babur, London 1826, 139 بهجت عبد الفتاح [ر. ن. فراى R. N. Frye] فروخان فروخان -جيلان شاه- من حكام طبرستان (709 هـ/ 722 هـ) أطلق

المصادر

عليه لفظ العظيم و"أبو المناقب"، ابن "دوبويا" Dubuya, هزم "مازندران" وأعاد السلام إلى حدود مملكته -وعندما هُزم الثوار "الديلميون" هرب إلى أمول " Amul"، وحصّن نفسه فى "فيروز أباد"، وأخيرا تخلص من محاصريه بأن جعلهم يعتقدون أن لديه مؤنا كبيرة من الخبز. وقد منح حق اللجوء للخوارج الذين اضطهدهم الحجاج، ولكنه أعلن الحرب عليهم بعد ذلك وأعدم زعماءهم، عندما توجه إليه سفيان ابن أبى الأبرد الكلبى بجيشه. وقد حاول يزيد بن المهلب -حاكم خراسان فى ظل سليمان بن عبد الملك (96 - 99 هـ/ 715 - 717 م) أن يغزو طبرستان ولكنه لم يوفق، واعتبر نفسه محظوظا إذ استطاع أن يخرج من البلاد بعد دفع التعويضات عن الدمار الذى تسبب فيه، وقد مات فروخان فى عام 722 هـ، وهو الجد -من جهة الأم- للمنصور ابن الخليفة المهدى، وكانت عاصمته سارى Sari، التى أعاد بناءها وتحسينها- وقد خلفه ابنه "داد بيرز مهر" Dad Barz Mihr. المصادر: - ابن اصفنديار: تاريخ طبرستان. - زاهر الدين: تاريخ طبرستان. بهجت عبد الفتاح (هوارت C. Huart) فروخى فرّوخى- أبو الحسن على بن جلوخ، شاعر فارسى ولد فى "سستان"، وهو تلميذ "الأنصورى" UnSuri، وقد شبّهه "رشيد وطواط" بالشاعر العربى "المتنبى" بسبب بساطة أسلوبه الذى يمتزج بأصالة عبقريته. وقد كان المادح للسلطان محمود سلطان غزنة، وللأمير أبو المظفّر طاهر بن نصر كغاى Caghai، حاكم بلخ وقد كتب بحثا عن فن الشعر بعنوان "جمان البلاغة"، وقد حظى ديوان شعره بشهرة محدودة فى بلاد ما وراء النهر، ولكنه لم يحظ بأية شهرة فى خراسان. وقد مات عام 429 هـ (1038 م). وقد طبع ديوانه على الحجر فى طهران عام 1301 - 1302 م. المصادر: - دولتشاه: تذكرة الشعراء. - محمد عوفى: لباب الألباب

الفروسية

- رضا كولى خان: مجمع الفصحاء. بهجت عبد الفتاح (هوارت C. Huart) الفروسية يشتمل مصطلح الفروسية على كل ما يتعلق بالخيل من معلومات نظرية وعملية بما فى ذلك مبحث خلق الخيل وتربيتها والبيطرة وسياسة الخيل، وكل ما ينطوى عليه المصطلح الأوربى Eqltation الذى يعنى فن تدريب الخيول وركوبها، وكلمتا فراسة وفروسة قلما تستخدمان لهذه الأفكار نفسها، وإذا رجعنا لكشافات الفهارس المرتبة موضوعيا مثل فهرست ابن النديم أو القوائم الخاصة بهذا الموضوع والتى وصفها -فى القرن التاسع عشر- هامر برجستا Hammer - purgstell فسوف يتكون لدينا انطباع غير صحيح بأن العدد الكبير من هذه الأعمال ما زال موجودا، ومن ذلك الدراسة التفصيلية لطريقة الركوب. ويمكن تقسيم المصادر العربية المتعلقة بالفروسية حسب مجالات التناول (الموضوعات) كالتالى: الأعمال المعجمية والأدبية، والكتابات المتخصصة عن الفروسية. ولا تفيدنا الأعمال ذات الطابع اللغوى كثيرا لأن مؤلفيها ليسوا فرسانا ولا اختصاصيين فى الفروسية، ولقد ظهرت البحوث عن الفروسية فى الأدب العربى فى عصور متأخرة. والذين دونوا هذه البحوث كانوا من الفرسان، وقد درجوا على إعادة صياغة العبارات القديمة بكاملها مع التأكيد على اتساع معارفهم. ولحسن الحظ فقد أضافوا صفحات عن طريقة الركوب وسجلوا فيها مختلف الوسائل التعليمية أو الأساسيات التى تهم الفارس الجديد. ومن المناسب أن نميز بين أسلوبين للركوب كانا شائعين فى العالم الإسلامى الأول: تلك التى تمرس بها العرب فى الصحراء، والثانى: المدرسة المتطورة فى الركوب. ولم يُحرِّم النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] سباق الخيل فقد أوجد تنافسا بين الصغار كما شجع على أن يكون هناك احتياطى من الخيل عندما كانت أعدادها تقل فى ساحة القتال، وخصص النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] جوائز

الفروسية فى الدولة المملوكية

لهذه المنافسات بما يتفق مع تعاليم الإسلام. وفى عصر الخلفاء الأول، وضعت الحروب التى خاضوها العربَ أمام تحد مع التقاليد الفروسية الأجنبية ودفعتهم إلى تنظيم خطط جديدة لشئون الحرب وهم يمتطون الخيول. وهناك ثلاثة تقاليد معتبرة هى الفارسية والتركية واليونانية. د. إبراهيم شعلان (ج. دوليت G. Douillet) الفروسية فى الدولة المملوكية: مصادر التاريخ المملوكى تشتمل على معطيات كثيرة عن ممارسات الفروسية وأهم المصادر أبو المحاسن يوسف بن تغرى بردى الذى كان ابنا لأمير مملوكى عظيم وكان على اتصال وثيق مع بعض أساتذة الفروسية الكبار فى عصره. وطبقا لما يقول ابن تغرى بردى فإن الفروسية تختلف عن الشجاعة والإقدام فالرجل الشجاع يطيح بخصمه بالشجاعة المطلقة بينما نجد أن الفارس هو الشخص الذى يقود فرسه بكفاءة عند الكر والفر وهو الشخص الذى يستوعب كل ما يحتاجه من معارف عن فرسه وأسلحته وعن كيفية استخدام كل هذا طبقا للضوابط المعروفة (المتعارف عليها) بين أساتذة هذا الفن (النجوم الزاهرة جـ 6/ 445) وهذا -بلا شك- هو التعريف التقنى لمصطلح الفروسية. وأحيانا نجد أن الفروسية قد استخدمت بمعنى "الشخص ذو النزعة الأخلاقية الراقية" أو "الفارس" وتتضمن الفروسية العناصر التالية: أ - استخدام الرمح. ب - لعب الكرة، الضرب بالكرة، لعب الصولجان. جـ - الجبج (لعبة الأرض). د - رمى النشاب. هـ - الضرب بالسيف. و- لعبة البرجاس (سوق البرجاس) ز - فن الدبوس. ح - الصراع. ط - الألعاب المصحوبة بالمحمل (سوق المحمل).

المصادر

ى - الصيد. ك - الرمى بالبندق. ل - سباق الخيل. وأستاذ الفروسية يُدعى (معلم) وإذا كان خبيرا فى استخدام الرمح يدعى معلم الرمح أو الرماح، وإذا كان خبيرا فى استخدام القوس أو الرمح يدعى معلم النشاب. واسم أستاذ بنفس المعنى قد ذكر أيضا -من حين لآخر- فى المصادر المملوكية ولكن بأدبياتها العسكرية. المصادر: من أهمها D.Ayalon - مذكرات فى تمارين الفروسية والألعاب فى عصر سلاطين المماليك. فى نص Herosolymitana، جـ 9 (lx) (دراسات فى التاريخ الإسلامى والحضارة). القدسى 1961 م - ص 31 - 62. د. إبراهيم شعلان (د. أيالون D. Ayalon) فريشتا زاده فريشتا زاده Firishte-zade عبد المجيد عز الدين، ويدعى بالتركية فريشتا أوغلو، وفى العربية ابن فريشتا. أحد كبار مريدى فضل اللَّه مؤسس طائفة الحروفى Hurufit توفى عام 874 هـ (1430 م) كتب كتابا فى مذهب الطائفة بالتركية سماه عشق نام Ishk. name، (كتاب الحب الغامض)، يضعه الخبراء فى نفس مرتبة كتاب جاويدان Djawidaan لفضل اللَّه حتى أنهم يطلقون هذا الاسم عليه أيضًا. وله أيضًا كتاب هدايت نامه Hidayet-name (كتاب الهداية) بالتركية وكتاب آخرة نامة (كتاب الآخرة) Arrhifet name . وقد طبع كتاب عشق نامة فى القسطنطينية عام 1288 هـ = 1871 م. المصادر: (1) إسحق أفندى، كاشف الأسرار صفحة 31 و 156. (2) Cl. Haurt: Texte horoufis 2. xx, xix (3) G.Jacob: Derwisch-Orden. der Bertaschis 33 و 41 الملاحظة 2. حسين أحمد عيسى [هوارت C. Haurt]

فريشتا محمد قاسم

فريشتا محمد قاسم فريشتا Firishta، محمد قاسم هندوشاه، المعروف بفريشتا (ولد عام 960 هـ = 1552 م وتوفى بعد عام 1033 هـ = 1623 م). من أستار اباد Astara bad شمال فارس. أخذ إلى أحمد ناجار Ahmad nagar وهو طفل وذلك فى عهد حسين نظام شاه الأول، ودخل، وهو لا يزال شابا، فى خدمة مرتظى نظام شاه الأول. ودفعه اضطهاد الأجانب عقب اغتيال حسين الثانى إلى بيجابور Bidapur حيث دخل فى خدمة إبراهيم عادل شاه الثانى فى يناير 1590 م. وبعد ذلك بقليل كتب اختياراتى قاسمى Ikhtigarat-iKasimi وهو كتاب فى الطب. وقد أعجب إبراهيم بهذا العمل وشجع فريشتا، الذى عرف بولعه بالدراسات التاريخية، على كتابة تاريخ شامل للحكم الإسلامى فى الهند. وفى البداية رفض فريشتا هذا العمل على أساس أنه أكبر من طاقته، ولكنه فى النهاية وافق على كتابة بعض الفصول بقدر استطاعته. وفى أثناء كتابة الفقرات الأولى من هذا العمل، تناول الظروف المؤسفة لوفاة على عادل شاه الأول والد إبراهيم، وفهم إبراهيم أن اختيار هذا الموضوع بالذات طلب من المؤرخ بالإذن له بحرية غير مقيدة فى تسجيل الحقائق. وأذن له بالاستمرار. وفى مقدمة تاريخه، ذكر فريشتا ما لا يقل عن اثنين وثلاثين كتابا أخذ عنها، كما أشار إلى غيرها فى سياق كتابه. ولكنه كان يقتبس أقوال قوم كان يصفهم بأنهم مجرد نساخ، كما كان محروما من ملكة النقد، وارتكب عدة أخطاء فادحة حتى فى حوليات الدكهان Dakhan وجوجارات Gudjarat وملوى Malwa وخاندش Khandesh والبانجال Bangal (بما فيها جابنور Diawnpur) ومولتان وزند وكاشمير ومالبار، وكذلك تناول الأولياء الهنود، وخاتمة، ويحتوى على التاريخ الكامل للحكم الإسلامى فى الهند، فيما عدا الغزاة العرب لزند، حتى بداية القرن السابع عشر، وكان فريشتا يشكو صادقا من أنه حتى زمانه لم يكن هناك عمل يبدو أنه يتناول هذا الموضوع تناولا شاملا سوى طبقاتى أكبر Tahakati Acbari لنظام الدين أحمد، ولكنه كان مختصرًا

المصادر

ومركزا بشكل لا يجعله ذا قيمة لدارسى التاريخ، وكان يفخر بأنه أنتج عملا لم ينتج مثيله فى الهند من قبل. وبالرغم هما فيه من عيوب إلا أنه عمل قيّم ليس فقط من حيث مجموعة المراجع المذكورة فيه وإنما لاحتوائه على مقتطفات من أعمال فقدت أصولها. والحاجة كبيرة الآن لترجمة دقيقة لهذا العمل أو على الأقل طبعة منقحة منه (أفضل الترجمات الإنجليزية الحالية هى التى قام بها بريجز Briggs عام 1829 م). المصادر: بالإضافة إلى المصادر الواردة فى المادة يمكن الرجوع إلى: (1) Storey: Persian literature, bib). survey, London. 1927 (2) Baini Prashad: Preface to vol. iii of Braiendranath De's translation of Tab akat - i Akbari, Culcutta 1939. xxxii-xxxiii (3) S. H. Hodivala: Studies in Indo Muslim History, 2 Vols., Bombay 1939,1957 حسين أحمد عيسى [ب. هاردى P.Hardy] فريق وتعنى بالعربية مجموعة كبيرة من الرجال، أو من "التنظيمات" فى تركيا. بدأت الكلمة تطلق على قائد فرقة فى الجيش (جنرال) ونائب الأدميرال فى الأسطول. وهذه الرتبة تعادل "استانبول قادسى" فى تسلسل العلماء و"صنف الأوّلى" فى الخدمة المدنية -وهناك مصطلح برنجى فريق (أى من الطبقة الأولى) ورتبته تعادل Bala فى الهيئة المدنية- ويطلق على هذا الأخير "عطوفلى"، أما الأول فيطلق عليه "سيادنلى" ويتبع اللقبين تعبير "حظرتلرى" التى تترجم إلى صاحب السعادة فى الهيئة الدبلوماسية التركية. بهجت عبد الفتاح [هوارت C.Huar] فزارة فزارة هى إحدى قبائل شمال شبه الجزيرة العربية، وهى فرع من ذبيان التى تنتمى بدورها إلى غطفان. كانت مراعيهم الأساسية فى وادى الرُمَّة بإقليم نجد، ولا زالت أسماء كثير من

المصادر

الأماكن التى ارتبطت بها موجودة. ولقد اشتعلت حرب داحس المشهورة فى الجاهلية بين قبيلتى عبس وذبيان بسبب مشاحنة بين شيخ عبس "قيس ابن زهير" وشيخ فزارة "حذيفة بن بدر" على فرسيهما داحس وغبراء. وكان النصر لفزارة بسبب حيل احتالها بعض رجالها فقتل أخ لحذيفة. ولقد قاد حذيفة قبيلة ذبيان فى الحرب الطويلة التى تلت ذلك ثم خلفه ابنه "حصن" وبعد أن وضعت الحرب أوزارها بين عبس وفزارة خاضت الأخيرة معارك كثيرة ضد بنى عامر بن صعصعة وجُشم وقبائل أخرى تحت قيادة عيينة ابن حصن بن حذيفة الذى شارك فى حصار المدينة (فى غزوة الخندق) عام 5 هـ/ 657 م فى ألف رجل. وبعد عدة شهور نصبت جماعة من فزارة كمينا لقافلة إسلامية كانت بقيادة زيد بن حارثة فكان انتقام زيد فى عام 6 هـ/ 628 م من فزارة شديدا، ولقد حاول الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] مرتين استمالة عيينة، أولاهما كانت خلال حصار المدينة ليعتزل الأحزاب، وأما الثانية ففى غزوة خيبر عام 7 هـ/ 628 م حين كان عيينة على رأس جيش جرار من غطفان مظاهرين لليهود، وعلى الرغم من تأثره لفشل هاتين المحاولتين إلا أن الصلح تم بين محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وبين عيينة الذى شارك فى فتح مكة وغزوة حنين. ونفله الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] مع المؤلفة قلوبهم مائة من الإبل فى الجعرانة وكان هذا نصيب الرؤساء من غير المسلمين، بالرغم من أنه لم يذكر أنه كان معه أتباع. ثم قاد بعد ذلك بقليل سرية إلى بنى تميم ولكنه لم يكن ضمن وفد فزارة إلى النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وارتد أغلب فزارة بعد وفاة محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] بقيادة طليحة ولكنهم عادوا إلى الإسلام. وكان آخر العهد بهم فى شمال إفريقيا. المصادر: ورد الكثير عن فزارة فى المصادر العربية ومنها المعجم للبكرى، وتاريخ الطبرى وانظر كاتب هذا المقال فى كتابه Mohammed at Medlina. حسين أحمد عيسى [مونتوجمرى وات W. Montgomery Watt]

الفسطاط

الفسطاط أول مدينة إسلامية فى مصر، أسسها عمرو بن العاص بعد الفتح على الشاطئ الشرقى للنيل قبالة مدينة بابليون الرومانية التى ما زالت آثار حصنها باقية حتى اليوم فى منطقة مصر عتيقة، وهو الحصن المعروف بقصر الشمع. وكان متصلًا بالضفة الأخرى للنهر عبر جسر من القوارب تقطعه جزيرة الروضة. وبالقرب من تلك المنطقة كان المصريون القدماء قد حفروا قناة بين النيل والبحر الأحمر، ثم جددها عمرو بن العاص وعرفت بخليج أمير المؤمنين. وهناك تفسيرات عدة لاسم المدينة، ومنها أنها تعنى الخيمة لأنها أسست على البقعة التى نصب فيها عمرو بن العاص فسطاطه أو خيمته أثناء حصار الحصن الرومانى. ولكن الأرجح أن تكون تعريبًا لكلمة فوساتون اليونانية التى تعنى المعسكر، والتى وردت فى البرديات المكتوبة بالعربية واليونانية كاسم للمدينة. وبنى عمرو بن العاص جامعًا فى المدينة، وهو أقدم جوامع مصر، ولذا يعرف بالجامع العتيق أو جامع عمرو، وكان صغيرًا ضيقًا فى بادئ الأمر، ثم وسع عدة مرات حتى وصل إلى مساحته الحالية فى 212 هـ/ 827 م، وزيدت عليه المآذن، وأدخل فيه المحراب المجوف فى عام 92 هـ/ 711 م لأول مرة. وكان يستخدم إلى جانب الصلاة فى أغراض عدة مدنية وقضائية، بل وكان يستخدم لإيواء المسافرين وأبناء السبيل وبالقرب منه أقام عمرو منزله. ومنح كل قبيلة قطعة أرض أو خطة لتقيم بها، ومن هنا عرفت الأحياء باسم الخطط، وكان بعضها يضم أبناء قبائل مختلفة، ومنها خطة أهل الظاهر التى خصصت للوافدين الجدد وكانت لكل خطة مسجدها الخاص. ولم يكن سكان المدينة كلهم من المسلمين، إذ صحب جيش الفتح عدد كبير من المسيحيين واليهود من سكان سوريا الذين أنزلوا فى الأحياء القريبة من النهر (الحمروات الدنيا والوسطى

والقصوى)، كما عاش بين ظهرانيهم عدد كبير من المصريين المسيحيين، وكان بالمدينة كذلك عدد من الكنائس. ولم تكن المدينة محصنة بسور فى بادئ الأمر، واكتفى بحفر خندق حولها لحمايتها من جيش الأمويين أثناء ثورتها فى 64 - 65 هـ/ 684 م. وكانت الخطط فى بادئ الأمر منفصلة عن بعضها بأرض فضاء وما لبثت المدينة أن اتسعت وازدهرت، ولكنها تعرضت للحريق على يد آخر خلفاء بنى أميه مروان الثانى (132 هـ/750 م) فى فراره أمام جيوش العباسيين. وأنشأ العباسيون ضاحية جديدة لهم باسم العسكر على أرض الحمراء القصوى حيث بنيت دار الإمارة (مقر الحاكم) وإلى جوارها بنى جامع ضخم، وحولهما نمت مدينة حقيقية بها بيوت ومتاجر وأسواق ولكن لم يبق منها شئ اليوم. وفى القرن الثالث الهجرى/ التاسع الميلادى بنى أحمد بن طولون عاصمة خاصة به هى القطائع على المنطقة المعروفة باسم جبل يشكر حيث يوجد جامعه الآن (265 هـ/ 879 م). واقتبس المعمارى طرازه من منشآت سامراء فى العراق. ولكن مع سقوط الأسرة الطولونية دمر العباسيون المدينة ولم يتبق منها سوى جامعها الذى رممه فيما بعد السلطان لاجين (696 هـ/ 1297 م). ولم يضع تأسيس القاهرة نهاية للفسطاط، بل ازدهرت تحت حكمهم حتى أن ناصر خسرو الرحالة الفارسى روى فى رحلته أن بها بيوتا يصل ارتفاعها إلى سبعة طوابق، بل أربعة عشر طابقًا كما يتحدث عن أسواقها العامرة المكتظة بالمتاجر. وكانت القاهرة آنذاك مدينة ملكية قاصرة على الخليفة وأتباعه وجنده، أما الفسطاط فكانت مركز الحياة الصناعية والتجارية واشتهرت المدينة بصناعة الحديد والنحاس والصابون والزجاج والورق (ابن الدقماق) وكذلك السكر والمنسوجات. وبلغ من براعة صناعها أنهم صبوا حلقة نحاسية قطرها عشرة أذرع وتزن عدة أطنان فى 513 هـ/ 1119 م لصنع

المصادر

آلة فلكية. ولكن بداية الاضمحلال جاءت فى عصر المستنصر حيث عانت من مجاعة هائلة استمرت 16 عامًا وتلتها الأوبئة حتى أقفر الكثير من أحيائها من سكانه. واستخدم الوزير بدر الدين الجمالى خرائبها فى بناء سور القاهرة وفى عام 564 هـ/ 1168 - 1169 م دخل الصليبيون مصر وعسكروا جنوب جبل الرصد عند بركة الحبش، فأمر الوزير الفاطمى شاور بحرقها حتى لا يتخذونها معقلًا يتحصنون به، ويقال إن النار ظلت مشتعلة بها 54 يومًا. وفى عهد صلاح الدين الأيوبى أدمجت مع القاهرة فى السور الذى بناه حولهما وما زالت بقاياه قائمة إلى اليوم فى بعض المناطق. المصادر: انظر خطط المقريزى وكتاب الانتصار لابن دقماق، وخطط على مبارك وكذلك: (1) S. Lane Poole: Story of Cairo London 1906 (2) Idemn, A.History of Egypt in the Middle Ages, London 1914 (3) M. Clerget, Le Caire., Etude de geographie urbaine et de l'histoire economique, 2 vols. le Caire, 1934 (4) Aly Bahgat Bey et A. Gabriel Fouilles de - Fustat. Paris 1921 ت. أحمد صليحة [ج. جوميه J. Jomier] مراجعة د. محمد أبو العمائم الفضة تعتبر الفضة من المواد التى يزداد الإقبال على طلبها فى المجتمع الإسلامى، وذلك لتعدد استخداماتها، وقد نهى القرآن الكريم عن اكتنازها فى قوله تعالى {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} وكانت الفضة لا تقل قيمة عن الذهب وترجع أهميتها الاقتصادية إلى أنها هى والذهب كانتا أساس العملة الإسلامية الرسمية، وكانت تقدر نسبتها إلى الذهب فى الظروف الاقتصادية العادية كنسبة 1: 10، وكانت أسواق الشرق الأدنى فى العصور الوسطى فى حاجة إلى العديد من المناطق التى تحتوى على

المصادر

مناجم للفضة وإن كانت خراسان وتركستان أكثر المناطق إنتاجا للفضة الخام، كما أن الشرق الأوسط كان غنيا بمناجمها وكان ناتجها من الكثرة بالدرجة التى أمكن بها تصدير هذا المعدن إلى أوربا، وهذا الأمر أصدق ما يكون فى القرن الرابع للهجرة (العاشر الميلادى) حيث كانت الأسواق التجارية فى مناطق الشرق الأوسط وأوربا الشمالية تستهلك كميات ضخمة من الفضة فى شكل دراهم إسلامية. واستخدمت الفضة -كما كان الحال فى عصر ما قبل الإسلام- فى صناعة الحلى والأدوات المعدنية والتفضيض وكانت الأدوات الفضية التالية تلقى إقبالا عظيما لا سيما أيام بنى بويه، هذا على الرغم من استنكار الإسلام لاستعمالها كأدوات للأكل. وقد استرعت الفضة اهتمام الكيمائيين المسلمين الذين كانوا يشيرون إليها بأسماء مختلفة كثيرة، كقولهم فى لغتها: القمر، والام، والخادم، كما قاموا بكثير من العمليات الكيمائية لاستخلاصها. وأخيرًا فقد استعملت الفضة فى الطب الإسلامى، فكانت تضاف إلى أشياء أخرى للتداوى من الجنون وأمراض القلب وأمثالها من الأمراض الخطيرة. المصادر: وردت فى المتن. أمل رواش [أ. س. أهرتكروتيز A.S.Ehrenkbeutz] فضلويه، بنو أسرة كردية حكمت إقليم "شبان كاره" من 448 - 718 هـ (1056 - 1319 م)، ولا نعرف إلا القليل عنها وعن رجالها أيام عصر الايلخانات، وأن كنا نعرف قدرا لا بأس به عن مؤسسها (الكامل لابن الأثير 10/ 48). كان فضلويه بن الشيخ على بن الحسن بن أيوب من قبيلة "رامانى" الكردية فى "شبان كاره" كما كان قائدا (أو بمنطوقهم سباه سالار) زمنى بنى بويه، وكان وثيق الصلة بوزيرهم "صاحب عادل" الذى ما إن قتل بعد سقوط الحكومة حتى قام فضلويه فاستصفى بنى بويه حتى آخر رجل

المصادر

منهم سنة 447 هـ (1055 م) وأعلن تبعيته للسلاجقة لكنه ما لبث أن خرج على ألب أرسلان فهزمه نظام الملك ثم وقع أخيرا فى الأسر وأعدم سنة 464 هـ (1071 م). والأخبار المتعلقة ببنى فضلويه حتى مطلع القرن السابع الهجرى (الثالث عشر الميلادى) يكتنفها الغموض فقد قام مظفر الدين محمد بن المبارز بعد سنة 626 هـ (1227 م) بمد رقعة حكمه فى اتجاه فارس والشاطئ المواجه لهرمز، ونافس آتابكة فارس لكنه توفى فى حصار هولاكو لعاصمته "عج" سنة 568 هـ (1260 م) وتوالى على الحكومة ثلاثة حكام فى فترة قصيرة هم: قطب الدين أخو مظفر الدين لكنه اغتيل يوم العاشر من ذى الحجة 659 هـ (5 نوفمبر 1261 م) فخلفه نظام الدين حسنويه الذى سقط هو الآخر فى ربيع الثانى 662 هـ (فبراير 1264 م) فجاء بعد ثلاثة إخوة نصرة الدين الذى خلع فى ربيع الاخر 664 هـ. بعد أن حصل على شروط طيبة. وجاء جلال الدين طيبشاه فاستقام له الحكم ستة عشر عاما نائبا عن المغول حتى قتل يوم فى جمادى الأولى 681 هـ (61 أغسطس 1282 م). أما أخوه بهاء الدين اسماعيل فقد مات ميتة طبيعية (لم يقتل) سنة 688 هـ (1289) م. أما خليفتاه غياث الدين بن جلال الدين ونظام الدين بن بهاء الدين فكانا مسلوبى السلطة ثم قامت ثورة فى سنة 712 هـ (1213 م) ولكنها أخمدت وتولى الأمر بعد ذلك رجل اسمه "أرد شير" لا يعرف الناس نسبه لكن المعروف عنه أنه هلك على يد "مبارز الدين محمد" مؤسس الأسرة المظفرية. وهو الذى قضى على بنى فضلويه. المصادر: (1) ابن البلخى: فارس نامه وطبعة، لندن 1921، ص 164. (2) مستوفى قزوينى: تاريخ جزيرة جـ 1، ص 613. د. حسن حبشى [ب. سبلر B. Spuler]

الفضيل بن عياض

الفضيل بن عياض أبو على الفندينى الطالقانى أحد مشاهير قدامى الصوفية، كان معاصرًا لهارون الرشيد، توفى عام 187 هـ/ 803 م يبين نسبه أنه ولد فى خراسان، وهذا يتفق مع ما يروى من أنه بدأ حياته ضمن عصابة كانت تقطع الطرق بين أبيوَرْد وسَرْخس وذات يوم سمع قارئا يتلو من سورة الحديد {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ} آية 16 وعلى الفور أعلن توبته. وبعد ذلك ذهب إلى الكوفة حيث درس الحديث ثم إلى مكة ومكث هناك إلى أن توفى. ويظهر بوضوح من الروايات التى تروى عنه أنه كان من الزهاد الأتقياء الذين لا تساوى عندهم الدنيا وملاذها شيئا. لم يعرف عنه آراء أصيلة أو وجهات نظر، ولكنه يعتبر من أوثق رواة الحديث. المصادر: (1) ابن سعد: الطبقات. (2) أبن خلكان: الوفيات. (3) العطار: تذكرة الأولياء. (4) القشيرى: الرسالة (القاهرة 1318 هـ)، صفحة 10 وما بعدها. (5) الهجويرى Hadji Wivt، كشف المحجوب. حسين أحمد عيسى [هيئة التحرير] فطنت شاعرة تركية، اسمها الحقيقى زبيدة، ابنة شيخ الإسلام محمد إسعاد أفندى المتوفى عام 1194 هـ. (1780 م). لا نعرف عن حياتها الخاصة إلا أنها تزوجت زواجا تعيسا من درويش أفندى قاضى عسكر من الروميللى أثناء حكم سليم الثالث. ويتضمن ديوانها (المطبوع فى استانبول عام 1286 هـ = 1869 م) أساسًا قصائد غنائية وغزليات وشرقيات وقليل من الألغاز، كما يظهر فى بعض أشعارها نوع من الفلسفة يعزوه الباحث جب Gibb إلى تأثير صديقها راغب باشا. ليست لها أعمال كثيرة. المصادر: Gibb: A history of Ottoman poetry جزء 4 صفحة 151 وما بعدها

الفظولى بن سليمان

(ويحتوى هذا المرجع أيضًا على المصادر التركية). حسين أحمد عيسى [هيئة التحرير] الفظولى بن سليمان الفظولى محمد بن سليمان شاعر تركى من أصول كردية ولد فى بغداد ولا نعرف تاريخ ميلاده وتوفى 963 هـ/ 1556 م أو 970 هـ/ 1562 م وبعد أن استولى إبراهيم باشا الصدر الأعظم فى عهد السلطان سليمان هنأهما الشاعر بقصيدة فأكرمه السلطان سليمان بمنحة سنوية. كتب الشاعر ديوانه باللغة التركية الأذربيجانية ويتميز شعره بأسلوب مبتكر بعيد عن التكلف حيث كان الأدب التركى فى الفترة السابقة يميل إلى تقليد الأدب الفارسى فى المقاطع والفقرات، كما نلاحط التأثيرات الخطابية الفارسية التى لا تخطئها العين وأيضا التعبيرات العاطفية والحماسية وللشاعر قدرة على توليد المعانى والابتكار. وكتب أيضا ديوان فارسى (Lith Tabriz). وقد طبع ديوانه التركى فى بولاق (1254 هـ/ 1838 م) وطبع ديوانه "ليلى والمجنون" فى القسطنطينية (1264 هـ/ 1848 م) وطبعت أعماله كلها فى القسطنطينية (1291 هـ/ 1874 م)، وأيضا جمع الشاهنامة بالفارسية وأيضا بنج أوباد Homp and Wine) Beng u.bade) غير موجودة فى القواميس وبستر المورد الكنز) بالتركية الذى صدره باهداء إلى اسماعيل شاه. وألف بين 907 هـ/ 1501 م، 930 هـ/ 1524 م كتاب "حديقة السعداء" وترجم عن الفارسية حسين على الواعظ الكاشف فى "روضة الشهداء" وصنعا خرافيا عن استشهاد على وأسرته ولدينا من كتاباته النثرية باللغة التركية كتاب شكاية نامه (Shikayet-namo) الذى يحتوى على شكوى مقدمه للباب العالى عن اضطهاد السلطات المدنية. د. إبراهيم شعلان [هيوارت C. Huart] الفقه مصطلح فنى يطلق على "علم الشريعة الإسلامية"، وكان فى الأصل

يعنى "الفهم والمعرفة والذكاء" ويستخدم كذلك مع فروع المعرفة الأخرى، فيقال مثلًا فقه اللغة. والفقه بمعناه الواسع يشمل جميع جوانب الحياة الدينية والسياسية والمدنية، فإلى جانب العبادات وما تحدده من أوامر ونواه وندب وتحريم وتحليل، يعالج هذا العلم قوانين الأحوال الشخصية والمواريث والملكية والعقود والعهود والالتزامات، أى باختصار يغطى جميع جوانب المعاملات فى الحياة، بما فيها القانون الجنائى، وقانون الإجراءات، وأخيرًا القوانين الخاصة بإدارة شئون الدولة والحرب. لكن مصطلح الفقه لم يكن له هذا المعنى الشامل فى بادئ الأمر، إذ كان يستخدم كمقابل لمصطلح "العلم" الذى يقصد به المعرفة الكاملة بالأحكام الشرعية التى قضى بها النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وصحابته إلى جانب حفظ القرآن وإتقان تفسيره. وكانت كلمة "الروايات" تستخدم مرادفًا للعلم أحيانًا، أما الفقه فكان المقصود به الاعتماد المستقل على البت فيما لم يرد فيه نص صريح من القرآن أو السنة من أمور، ويكون الناتج فى هذه الحالة "رأيًا"، لذا صار "الرأى" فى بعض الأحيان يستخدم مرادفًا "للفقه". وكان على القضاة والأئمة فى فجر الإسلام أن يعتمدوا على "الرأى" نظرًا لقلة المادة التشريعية فى نصوص القرآن الكريم وقلة عدد السوابق القضائية [السابقة القضائية هى قضية يقضى فيها بحكم فيصبح مرجعًا فى القضايا المماثلة التى تجدّ فى المستقبل] وهى التى تعرف بـ "الأثر". وعندما كان عطاء بن ربيع (114 هـ/ 732 م) يقضى كان يُسأل إن كان حكمه هذا عن علم أو رأى، فإن كان يستند إلى "أثر" (سابقة) اعتبر علمًا، وإلا كان رأيًا (ابن سعد، الجزء الخامس، ص 345). ومع هذا الفارق بين "الرأى" و"العلم"، كان من المقدر أن تغدو هذه الآراء فى المستقبل عنصرًا من عناصر "العلم" يستعان بها عندما يخفق "العلم" فى حلها. وكانت عدة الفقيه فى القطع بالرأى هى الاستنباط من الحالات المماثلة

(الأشباه والنظائر) أى استخدام القياس. ولم ير المسلمون جناحًا فى استخدام هذا المبدأ فى تقصى "علة الشرع" أى الدافع وراء سن القانون، وفى اختزال الحالات التى يكتنفها الشك إلى وجهة نظر عقلانية. وفى نفس الوقت دخل مفهوم العرف العام للمجتمع (سنة المجتمع) ضمن مصادر الاستنباط، مما أضاف لها مسحة شعبية، وهذا العرف يحدده اتفاق جماعة المؤمنين على أمر ما فى غير ما نزل به القرآن الكريم أو ما أقرته العادات والتقاليد أو القوانين المستنبطة، وشمل هذا عددًا كبيرًا من الأعراف الأجنبية، إذ أبقى الفاتحون العرب على الأعراف القانونية والتجارية والإدارية الشائعة فى البلدان المفتوحة التى لا تتعارض مع الدين مثلما أبقوا على الأعراف القانونية والتجارية العربية السابقة على الإسلام التى لم تتعارض مع ما جاء به هذا الدين من أفكار جديدة، ومما يدل على هذا ما جاء فى فتوح البلدان للبلاذرى حيث يقول: "وقال أبو يوسف إذا كانت فى البلاد سنّة أعجمية قديمة لم يغيرها الإسلام ولم يبطلها فشكاها قوم إلى الإمام لما ينالهم من مضرتها فليس له أن يغيرها، وقال مالك والشافعى يغيرها وإن قدمت لأن عليه نفى كل سنة جائرة سنها أحد من المسلمين فضلًا عما سن أهل الكفر" (البلاذرى، فتوح البلدان، القسم الخاص بالخراج). ومن ثم وجدت طريقها إلى الشريعة الإسلامية فى طور تكوينها عناصر من الشرائع الرومانية البيزنطية والنواميس التلمودية والكنسية الشرقية والقوانين الساسانية الفارسية، وإن كان الأمر ما زال بحاجة إلى البحث والتحقيق لتحديد مدى هذا التأثر، الذى لم يقتصر على أحكام القانون الوضعى ومؤسساته، بل امتد إلى المفاهيم والقواعد القانونية والمناهج الفكرية (القياس والاستنتاج a maiore ad minus a و minore ad maius) بل حتى الأفكار الأساسية لعلم القانون مثل فكرة إجماع العلماء كما حددتها كتب الفقه الأولى. ومع الاعتراف التدريجى بالقرآن والسنة والإجماع والقياس "أصولًا" أو

المصادر

مصادر رسمية للمعرفة القانونية، أى مبادئ منهجية يصح من خلالها استقاء القواعد الشرعية، لم يعد مصطلح فقه وفقهاء قاصرًا على استنتاج الأحكام فى الحالات التى لم يرد بشأنها حكم من القرآن أو السنة، وأصبح هذا المصطلح يعنى العلم الذى ينسق بين جميع فروع المعرفة المستمدة من هذه الأصول الأربعة والتى يشملها جميعًا، وبالمثل لقب أرباب هذا العلم بالفقهاء. [للتعرف على المدارس الفقهية المختلفة انظر أبا حنيفة ومالك والشافعى وابن حنبل]. المصادر: (1) محمد بن الحسن الحجوى، الفكر السامى فى تاريخ الفقه الإسلامى، 4 مجلدات، الرباط، فاس، تونس، 1345 - 1349/ 1926 - 1931. (2) محمد يوسف موسى، محاضرات فى تاريخ الفقه الإسلامى، 3 مجلدات، القاهرة 1954 - 1956. (3) Goldziher: Die Zahiriten, Leipzig 1884 (4) L. Bercher: Etudes Sur la tradition Islamique, Paris 1952 (5) Margoliouth: The Early Develop ment of Mohammedanism, London 1914 أحمد صليحة [ج. شاخت - كولدتسيهر I. Goldziher - J. Schacht] فقير لكلمة فقير أربعة معان مختلفة معنى اشتقاقى، ومعنى قرآنى، ومعنى صوفى، ومعنى دارج. وهى تعنى فى دراسة أصل الألفاظ وتاريخها (أ) من كان عموده الفقرى مكسورًا (انظر القرآن، سورة القيامة، الآية 25)؛ (ب) المسكين أو المعوز؛ (جـ) القناة، وقناة جر المياه، أو مصب القناة؛ (د) التجويف المحفور لغرس أو لرى أشجار النخيل. وحين تستخدم بمعنى المعوز تكون صيغة جمعها هى "فقراء"، وعند استخدامها بمعنى قناة تكون صيغة جمعها هى "فُقُرْ". وقد وردت كلمة فقير (أو فقراء) 12 مرة فى القرآن الكريم، وتستخدم

المصادر

أحيانا نقيضًا لكلمة (غنى) "الشخص الذى يتوفر له اكتفاء ذاتى، واستقلال حياتى (انظر سورة فاطر، الآية 15) وتشترك كلمة فقير أحيانا مع مصطلح "مسكين" لتشير إلى نوعين من الأشخاص المحتاجين (سورة التوبة، الآية 60). وعند الإمام الشافعى، الفقير هو الذى لا يملك شيئا، ولا يشتغل بأية مهنة؛ والمسكين على عكس ذلك، عنده، أى الذى يملك شيئا حتى ولو كان يقيم أوده بالكاد. ويستشهد لتأييد رأيه بما جرى على لسان الخضر وسيدنا موسى عليهما السلام من أن السفينة كانت لمساكين يعملون فى البحر. . . (سورة الكهف، الآية 79). ويرى الإمام أبو حنيفة رأيا آخر. وعنده أن الفقير هو الشخص الذى يملك شيئا ما، والمسكين هو الذى لا يملك شيئا ألبتة، ويقول المؤيدون لهذا الرأى إن العاملين فى البحر فيما ورد على لسان الخضر لم يكونوا مالكى السفينة، بل كانوا أجراء عليها. ويقول ابن العربى تسوية لكل هذه الاختلافات، إن هذه المصطلحات قابلة للتبادل، بل هى مترادفات. وعند بعض المفسرين أن كلمة فقراء فى سورة البقرة، الآية 273، تشير إلى أهل الصفة الذين عاشوا فى مسجد الرسول صلى اللَّه عليه وسلم، وكرسوا وقتهم للصلاة والعبادة، والتفكر فى ملكوت اللَّه. وفى المصطلح الصوفى تعنى كلمة "فقير" الشخص الذى "يعيش للَّه وحده". وكما يقول الشبلى: "الفقير من لا يستغنى بشئ دون اللَّه". كما أن الرفض التام للملكية الخاصة (عدم تملك)، والاعتماد على مشيئة اللَّه (توكل) كانا أمرين لازمين للفقير الذى يصبو إلى (المعرفة). وفى اللغة الدارجة يستخدم مصطلح "فقير" ليدل على الشخص المحتاج، والمعوز أو الشحاذ ويرجع تاريخ استخدامه فى اللغة الإنجليزية إلى سنة 1608. المصادر: (1) الزمخشرى: كتاب الفائق، حيدرآباد، جـ 2، ص 143 - 144.

المصادر

(2) شمس الدين أحمد: اصطلاحات الصوفية، طبعة Lucknow، 1904 ص 32 - 33. (3) عبد الباقى: المنح المدنية فى مختارات الصوفية، مدينة 1330 ص 37 - 38. (4) عز الدين محمود: مصباح الهداية ومفتاح الكفاية طبعة جلال الدين همائى، 1365 ص 375 - 379 حسن شكرى [ك. أ. نظامى K.A. Nizami] فقيه (صفة) والجمع فقهاء، يدل معنى اللفظ غير الفنى على أى شخص عنده معرفة (فقه) بشئ ما (المرادف، عالم، والجمع، علماء؛ وبعدئذ، لما انتقل مصطلح فقه من الدلالة على أى فرع من المعرفة، وأصبح مصطلحًا فنيا لعلم "الشريعة" وبوجه خاص للعلم بأحكامها من أدلتها التفصيلية (الفروع). ويوازى هذا التطور ما صار إليه مصطلح " iuris" المعرفة عن عمد فى القانون الرومانى (Prudens). ولكن فى علم المصطلحات الفنية الأقدم زمنًا فإن مصطلح فقيه تدل على التخصص البارع فى الشريعة Lawyer القادر على التأمل والاجتهاد نظريا ومنهجيا، بينما مصطلح (العالم) لا يعنى أكثر من التخصص فى الأحكام التقليدية للشريعة (*). وثمة مرادف بسيط لمصطلح "فقيه" هو "متفقه" أى "طالب لعلم الفقه"، بينما يسمى من يبلغ ذروة الكفاءة فى الفقه "مجتهد". وفى لهجات عربية كثيرة، صارت الكلمة تعنى فى صيغ مثل "فقى" المدرس فى "كتاب" أو المحفظ المحترف للقرآن الكريم. المصادر: (1) Lane: Modern Egyptians, Chap (2) Tahanawi: Dictionary of Technical Terms, 30 - 3, 198 ff (3) W.Marcais: Textes arabes Tanger,415 حسن شكرى [د. ب. ماكدونالد D. B. Macdonald] ¬

_ (*) دون قدرة على الاستنباط والاستنتاج، لمعرفة كل هذه النقاط انظر مادة "فقه". [المترجم]

الفلاتة

الفلاتة الفلَّاتة هم الفولانى، ومع هذا فإن كلمة الفلَّاتة تستخدم فى السودان الشرقى (سودان وادى النيل) للدلالة على المهاجرين المسلمين من السودان الغربى خاصة القادمين من شمال نيجيريا. وقد حل مصطلح الفلَّاتة إلى حد كبير محل المصطلح الأقدم وهو (تكرور) أو (تكارنة)، وكان هذا المصطلح الأخير -بدوره- فضفاضا، ومن المحتمل أن يكون ذلك بعد الفتوحات التى قام بها الفولانى فى ظل دعوة عثمان دان فوديو. فالمهاجرون التكارنة أو الفلَّاتة كانوا -فى الأساس- يتخذون طريقهم للحج إلى (مكة المكرمة) وكانوا يصلون فى السودان النيلى (سودان وادى النيل أو السودان الشرقى) قبيل تأسيس السلطنة الإسلامية فى دارفور وودّاى Waddai (¬1) خلال القرن الحادى عشر للهجرة (السابع عشر للميلاد)، لكن عددًا كبيرا منهم كان يفضل الإقامة فى سودان وادى النيل، مفضلا ذلك على العودة للسودان الغربى وأحيانا عن مواصلة الرحلة للحج، وقد أسس التكرور (التكارنة) دولة عند منطقة الحدود السودانية الحبشية (منطقة القلَّابات) فى القرن الثامن عشر للميلاد، وكان على رأسها الشيخ ميرى الذى كان تابعا للحاكم التركى المصرى فى سنّار منذ 1245 هـ/ 1829 م. ووجدت مستوطنات للفلَّاتة عند الطرف الجنوبى لجبل مرّة فى دارفور. وقد تزاوج بعض الفلاتة فى دارفور وكردفان مع قبائل البقّارة المحليين، وتعرّبوا وأصبحوا يشكلون الآن جزءا من التركيبة القبلية. ويشكل المهاجرون الفلَّاتة فى فترة معينة أحدث عنصرا مهما فى القوى العاملة فى جمهورية السودان، ويعملون كخدم وعمال زراعيين لدى ملَّاك الأراضى فى منطقة الجزيرة فى مشروع زراعة القطن، وقد تناول هذا الموضوع سعد الدين فوزى فى كتابه الصادر فى لندن سنة 1957 بعنوان: The Labour movement in the Sudan, pp 5 - 8 (1) J.L.Burck Hardt: Travels in Nubia London 1819, 906 - 14 د. عبد الرحمن الشيخ [أ. أرنالديز A. Aranldez] ¬

_ (¬1) تكتبها المراجع العربية أحيانًا واداى. [المترجم]

فلاحة

فلاحة كلمة فلح -وهى عملية "الشق" و"القطع أو القطف"- تعنى عندما تستخدم للتربة شقها وتقليبها من أجل الزراعة -أى حراثتها. والفلاح هو "الحرّاث"، والفلاحة هى الحراثة. ولكن كلمة فلاحة اتخذت -منذ فترات ما قبل الإسلام- معنى أوسع يشير إلى حرفة الزراعة التى يفضل عليها القدماء كلمة فلاحة (وقد أطلق جميع الكتاب الأوائل على أعمالهم حول الزراعة "كتاب الفلاحة"، وهذه الكلمة الأخيرة تستخدم فى وقتنا الحاضر على نطاق واسع فى شمال أفريقيا، فى اللغة الرسمية وفى لغة الحديث اليومى، ولذلك فإن وزارة الزراعة فى المغرب تسمى وزارة الفلاحة، على حين تسمى وزارة الزراعة فى مصر وسوريا ولبنان والأردن والعراق. . ومنذ القرن الماضى فقط أصبح لكلمة الزراعة الأسبقية فى الدوائر الرسمية والأدبية فى الشرق العربى، ولكن كلمة الفلاحة لا تزال تستخدم على نطاق واسع فى لغة العمال الزراعيين. والمقالات التالية سوف تبحث أساسا طرق الزراعة وأساليبها. أ- الشرق الأوسط 1 - نظرة عامة: فنية وتاريخية تخضع الزراعة فى الدول العربية لتأثير نوعين من المناخ: ففى جنوب شبه الجزيرة العربية (اليمن وحضر موت وعمان) وكذلك فى السودان، تأتى الرياح الموسمية القادمة من الهند بالأمطار الغزيرة فى الصيف، والتى تساعد على زراعة النباتات الاستوائية المتعددة (مثل أشجار البن، والنخيل، والقشدة والمانجو والبوبو (دُباء الهند) Paw paw والموز والتمر هندى) أما فى بقية العالم العربى فيسود مناخ البحر المتوسط، وهذا المناخ يتميز بفصل شتاء رطب بارد، يعقبه فترة صيف طويلة تكون حارة وبلا أمطار. وكلما ابتعدنا عن ساحل البحر المتوسط، قلت الأمطار حتى تنعدم كلية فى صحراوات حارة معينة فى الجزيرة العربية، وفى الصحراء الافريقية، من ثم فإن هذا المناخ يقسم مناطق الدول العربية إلى قسمين يتميز كل منهما عن الآخر: ففى

القسم الأول يتيح حجم الأمطار وتوزيعها حراثة العديد من المحصولات على نحو اقتصادى. أما فى القسم الثانى فبالرغم من أن أمطار الشتاء لا تكفى لتسهيل عملية الحراثة على نحو اقتصادى، فإنها تسمح بالنمو الطبيعى لحشائش معينة وعدد كبير من النباتات البصلية الشكل والنباتات التى تنمو فى تربة ملحة، وتلك التى تكثر فيها العصارة، وهذه كلها تشكل مراعى سهب الصحراء. . وحتى يفيد العرب من كل من الأراضى الزراعية والسهب (الاستبس)، فقد عاشوا فى كل العصور نوعين من الحياة: كسكان مقيمين فى الريف أو الحضر، وكبدو يشتغلون بالرعى. والبداوة -أو حياة الترحل- ضرورة فى استبس الصحراء حيث يختلف حجم الأمطار ما بين خمسين وبين مائة وخمسين ملليمترا، ولكن قبائل البدو لا تعارض العيش المستقر. وبهذه الطريقة أقامت القبائل اليمنية -قبل الإسلام بفترة طويلة- حضارتها على الرى، والحراثة المكثفة للأرض. وبعد غزوات الإسلام، سرعان ما اندمجت القبائل العربية وامتزجت مع الآراميين من سوريا والعراق والقبط من مصر والبربر من شمال أفريقيا واللاتين الأيبريين (نسبة إلى أيبريا) من شبه جزيرة أسبانيا، وذلك حتى يستغلوا معا الأراضى الواسعة للدول العربية الحالية، والأندلس الإسلامية سابقا. وإذ يتشابه مناخ البحر المتوسط فى كل مكان، فإننا نجد على امتداد هذه المناطق والأراضى الواسعة ثلاثة مناخات زراعية: أولا، فى معظم السهول الساحلية (سواحل سوريا ولبنان وفلسطين وتونس والجزائر والمغرب)، وبسبب درجات الحرارة المعتدلة فى الشتاء، والأمطار السنوية التى يصل حجمها فيما بين خمسمائة وألف وخمسمائة ملليمتر، يكون من الممكن -وبدون رى- حراثة نباتات الحبوب، والنباتات البقلية السنوية، والخضروات المتنوعة والطوباق، والزيتون على وجه الخصوص، بل والقطن أيضا- أما بالرى، فإنه يمكن

وبنجاح إثبات عدد كبير جدا من المحصولات الزراعية السنوية مثل الموالح، والفاكهة والموز والرمان والبشملة، والخضروات المبكرة والنباتات العطرية ونباتات الزينة الخ. ثانيا- وفى السهول والتلال والهضاب الداخلية فى سوريا وأعلى ما بين النهرين وشمال أفريقيا حيث تختلف كثافة المطر فتتراوح بين مائتين وخمسين وخمسمائة ملليمتر، تكون الفلاحة الجافة "قليلة المطر" هى النظام السائد فى الحراثة بالنسبة لمساحات شاسعة من الأراضى التى لا تتمتع بالرى. . ونذكر هنا من النباتات الرئيسية السنوية التى تزرع فى هذه المناطق: القمح والشعير والسرخوم (نباتات كالذرة) والعدس والحمص، و"البقية" (نبات علفى) والخيار (الصغير الحجم) والشمام والبطيخ والسمسم، أما الأشجار والشجيرات المثمرة فهى الزيتون والكروم والتين والبندق والفستق. وفى هذه المناطق لا يمكن الاستغناء عن الرى لحراثة معظم أشجار الفاكهة وأشجار الزينة والخضروات والنباتات البقلية والصناعية مثل التفاح والكمثرى والمشمش والخوخ والباذنجان والطماطم والبامية والخرشوف والبطاطس والفصفصة والبرسيم والقطن والعنب والفول السودانى والخشخاش والورود والياسمين الخ. . ثالثا- أما فى المناطق ذات المناخ الصحراوى (ما بين النهرين الأدنى، ووسط الجزيرة العربية، ومصر، والمناطق الداخلية فى ليبيا وشمال أفريقيا) حيث يندر المطر ويصل متوسط درجة الحرارة إلى إحدى وعشرين درجة أو تجاوزها قليلا، فإنه بالرى وحده يمكن لنباتات مثل النخيل والمانجو وأشجار البرتقال، والقطن والأرز وقصب السكر ونباتات أخرى أن تتم حراثتها بنجاح. وقد كان العرب فى العصور الوسطى يعرفون معظم هذه النباتات "الزراعية" التى يعرفها العالم العربى الآن ويزرعونها، فهم الذين أدخلوا برتقال أشبيلية Seville والليمون من الهند إلى عمان ومنها إلى البصرة

2 - كتب عن الزراعة

ومصر وساحل سوريا وفلسطين (المسعودى فى المروج)، كما أنهم من الأندلس وصقلية نشروا فى حوض البحر المتوسط كله حراثة القطن وقصب السكر والمشمش والخوخ والأرز والخروب والبطيخ والباذنجان إلخ. أضف إلى ذلك أن الكلمات الأوربية لكثير من النباتات من أصل عربى، بمعنى أنها استعيرت مباشرة أو بطريق غير مباشر من كلمات عربية بحتة، أو جرى تعريبها منذ فترة طويلة. 2 - كتب عن الزراعة: إن أقدم ما نعرفه من كتب عن الزراعة باللغة العربية هو كتاب "الفلاحة النباتية" لابن وحشية، وقد تمت كتابته (أو ترجمته من لغة نباتيا) فى عام 291 هـ/ 904 م -وبعد ذلك بفترة طويلة ظهر عمل بعنوان الفلاحة الرومية (الزراعة اليونانية أو البيزنطية) وقد نشر هذا الكتاب فى القاهرة فى 1293 هـ/ 1876 م، ويحمل أسماء كوستس الرومى مؤلفا و"سرجس بن هيليا الرومى" مترجمًا له من اليونانية إلى العربية. ويقول "حاجى خليفة" (فى كشف الظنون) إن الاسم الكامل للمؤلف هو كوستس بن اسكورسكينا Askuraskina، ونعتقد أن هذا هو اسم كاسيانوس باسوس Cassianus Basus الذى تعزى إليه الأعمال التى كتبت عن علوم الزراعة والتى تم جمعها من مؤلفين يونانيين ولاتين. وعلى أية حال ففى كتاب الفلاحة النباتية والفلاحة الرومية سنجد معلومات طيبة معقولة عن أعمال الزراعة جنبا إلى جنب مع إرشادات تتسم بالخرافات. أما فى مصر فإن أفضل عرض للمسائل الزراعية فى عصر الأيوبيين يوجد فى عمل "لابن مماتى" (المتوفى 606 هـ/ 1209 م) تحت عنوان قوانين الدواوين، وقد نشرته فى القاهرة فى عام 1943 الجمعية الزراعية الملكية. وفى القرن التالى كتب "جمال الدين الوطواط" (المتوفى 718 هـ/ 1318 م) فى القاهرة كتابا (لم ينشر) تحت عنوان "مباهج الفكر ومناهج العبر"، خصص الجزء الرابع منه للنباتات والزراعة. وفى القرن العاشر الهجرى (السادس عشر الميلادى) ألف عالم من

دمشق يدعى "رياض الدين الغازى الأميرى" (935 هـ/ 1592 م) كتابا كبيرًا عن الزراعة لم تبق منه أية نسخة، ولكن حدث بعد فترة أن قدم "عبد الغنى النابلسى" (المتوفى فى 1143 هـ/ 1731 م) مختصرًا له فى عمل بعنوان "علم الملاحة فى علم الفلاحة"، وقد نشر فى دمشق فى 1299 هـ/ 1882 م. وعلى العموم فإن مؤلفى الأعمال القديمة التى كتبت بالعربية عن الزراعة قد عالجوا الموضوعات التالية: أنواع الأراضى الزراعية واختيار التربة -الأسمدة الطبيعية والكيميائية - أدوات الحراثة وعملها - الآبار - الينابيع وقنوات الرى - النباتات والمشاتل - النبات وتقليم وتطعيم أشجار الفاكهة - حراثة الحبوب والبقول والخضروات والزهور والبصلات والدرنات ونباتات العطور - النباتات الضارة والحيوانات - حفظ الثمار - وفى بعض الأحيان تربية الدواجن والحيوانات. وتجدر الإشارة إلى أن مؤلفى هذه الأعمال قد استخدموا مصطلحات زراعية عديدة غير تقليدية (أى مُوَلّدة)، كما أوضحوا التفرقة بين النباتات التى تساعد على خصوبة الأرض أو التربة (مثل البقول)، والنباتات التى تجهد التربة (مثل الحبوب ونباتات أخرى). ولكن المبادئ الأساسية للزراعة الجافة لم تكن معروفة لهم، وبالمثل مبادئ تنوع الحاصيل ودورتها- وهنا نشير إلى أن بعض العارفين العرب بعلوم الزراعة فى الأندلس كان لديهم بساتين نباتية، وأراض للتجارب حيث أجروا تجاربهم على النباتات المحلية والنباتات التى كانوا يأتون بها من الخارج، كما مارسوا أساليب التطعيم، وحاولوا إيجاد نوعيات جديدة من الثمار أو الفاكهة والزهور، كما يجب أن نلاحظ أن عديدًا من المعاجم العربية القديمة والأعمال الموسوعية والبحوث العربية حول الزراعة وعلم النبات تتضمن أسماء عديد من أنواع الفاكهة والحبوب والزهور والنباتات المحروثة الأخرى، لذلك نجد "البدرى"، (القرن التاسع الهجرى - الخامس عشر الميلادى) فى كتابه "نزهة الأنام فى

3 - المصطلحات الزراعية والأدب

محاسن الشام" يقدم أسماء واحد وعشرين نوعا من المشمش وخمسين نوعًا من الكروم وستة أنواع من الورود فى سوريا. وكل الأعمال المبكرة العربية (وغير العربية) عن الزراعة -والتى تقوم على الملاحظة وحدها- تعتبر فقط ذات قيمة مصطلحية وتاريخية. ولكن فى القرن التاسع عشر فحسب، وفى مصر، ظهر أول عمل عن الزراعة بالعربية يقوم على أساس العلوم الحديثة؛ وقد ألف هذا العمل "أحمد ندا" -بعد أن ذهب فى بعثة تعليمية إلى فرنسا- وأسماه "حسن الصناعة فى علم الزراعة" وهو من مجلدين، وقد نشر فى القاهرة فى عام 1291 هـ/ 1874 م. واليوم توجد الكتب المدرسية باللغة العربية فى كل فروع علم الزراعة، ويضعها مدرسون فى الكليات أو فى المدارس الزراعية العملية. 3 - المصطلحات الزراعية والأدب: فيما يتعلق بالمصطلحات العربية للعلوم الزراعية، يوجد معجم قام بجمعه كاتب هذا المقال (المعجم الفرنسى العربى للمصطلحات الزراعية دمشق 1943 - القاهرة 1957 م) يضم نحو عشرة آلاف مصطلح محددة بدقة بالعربية. واللغة العربية غنية "بالمصطلحات الزراعية" وعلى الأخص فيما يتعلق بالنخيل والكروم والحبوب ونباتات الصحراء (المخصّص لابن سيده) بل إن خيال الشعراء القدامى قد أسبغ عليها الكثير من فنونه الأصيلة حول طبيعة النباتات وعلاقاتها ببنى البشر، فلم يذكروا فى شعرهم أو يصفوا فقط الزهور (مثل الورود والنرجس والياسمين والبنفسج والقرنفل والسوسن وشقائق النعمان إلخ) والفاكهة (مثل البلح والمشمش والتفاح والكمثرى والرمان والمشملة النابوليتانية -نسبة إلى نابولى، والسفرجل وبرتقال "أشبيليه" والليمون إلخ) بل وصفوا وذكروا أيضًا عددًا كبيرًا من الحبوب والبقول والخضروات والنباتات البرية فى الحقول، والمراعى والبرارى. 4 - التشريعات المتعلقة بالأرض: يستند قانون الأراضى (قانون ملكية

الأراضى)، والقانون المدنى (المجلة)، والتى كان معمولا بها فى الدول العربية التى انفصلت عن الامبراطورية العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى (1914 - 1918 م)، إلى الشريعة الإسلامية والفقه الإسلامى، ويقسم القانون المدنى (المجلة) الأراضى إلى خمسة أقسام: (أ) الأرض المملوكة: وهى الأرض التى لدى صاحبها حق ملكيتها. (ب) الأرض الأميرية: وهى الأرض التى تخضع لرقابة الدولة على حين يمكن أن يعطى حق التصرف فيها للأفراد (وهذه هى الحال بالنسبة لمعظم الأرض الزراعية). (جـ) الأرض الموقوفة: وهى الأرض التى توضع جانبا من أجل المنح والهبات الدينية. (د) الأرض المتروكة: وهى التى توضع تحت تصرف الاتحادات والنقابات. (هـ) الأرض الموات: وهى الأرض البور وتعتبر أرضًا حرة بمعنى أنها لا تخضع لرقابة حكومية وتقع بعيدًا عن المناطق السكانية، وعن مرمى البصر للمنازل. كما أن القانون المدنى (المجلة) يحدد وينظم المسائل التى تتعلق بالمزارعة، وإيجارات إنبات بساتين الفاكهة (أو المساقاة)، وإصلاح وتطهير المجارى المائية المشاع التى تستخدم فى الرى، واستصلاح الأراضى البور (إحياء الموات) وسياج (حريم) الآبار والقنوات. ولا تزال قوانين الأراضى فى معظم الدول العربية فى الوقت الحالى -رغم الكثير من التحسينات والتطورات- تؤيد المبادئ التى تأخذ إما بالتفرقة بين أنواع الأرض (والأنواع الفرعية) أو وضعها القانونى والحقوق المترتبة على ذلك. وواجب الدولة -حسب الفقه الإسلامى- أن تنشئ السدود وتصونها، وأن تحفر قنوات الرى الرئيسية وتطهرها. وقد كان هذا العمل يتم فى الأزمنة السابقة إما مباشرة على يد حكام الأقاليم أو عن طريق أصحاب الإقطاعيات. . وتاريخ الأمويين والخلفاء

المصادر

العباسيين الأوائل يقدم لنا أمثلة على تنفيذ عدد كبير من مشروعات الرى على نطاق واسع وإصلاح العديد من السدود القديمة على نهر دجلة والفرات والخابور وبردى. المصادر: بالإضافة إلى المراجع التى ذكرت فى المادة، انظر: (1) Irfan Habib: Agrarian System of Mughal India (2) Moreland: India at the death of Akbar (3) J.A. Voelcker: Report on the improvement of Indian Agriculture (ب) الغرب الإسلامى كانت شبه جزيرة أيبيريا على سبيل القصر وحسب معلوماتنا حتى الآن- وهى موطن عالم الزراعة اللاتينى المعروف "جونيوس كلوميللا" Junius Columella الذى عاش فى قادس، هى التى ظهرت فيها وتطورت الكتابات والمؤلفات حول الزراعة باللغة العربية، وعلى الأخص فى القرنين الخامس والسادس الهجريين (الحادى عشر والثانى عشر الميلاديين) فى الفترة الرائعة من حكم ملوك الطوائف وحكام المرابطين الذين جاءوا بعد ذلك. وقد كانت المراكز الرئيسية لهذا "الأدب" الزراعى قرطبة وطليطلة وأشبيلية وغرناطة وبدرجة أقل "المرية". ففى قرطبة اشتهر الطبيب أبو القاسم الزهراوى الذى توفى فى عام 404 هـ/ 1010 م، والذى عرف فى العصور الوسطى باسم "البوكاسس"، بأنه مؤلف خلاصة وافية عن علم الزراعة تحت اسم "مختصر كتاب الفلاحة"، الذى اكتشفه البروفيسور هـ. بيريز. وفى طليطلة، وفى بلاط "المأمون" المعروف بشغفه الشديد بالحدائق، عاش الطبيب ذائع الصيت "ابن وافد" (المتوفى عام 467 هـ/ 1075 م) والمعروف فى العصور الوسطى باسم "ابنجويفيث" Abengue-fith. وقد عينه المأمون لينشئ له الحديقة النباتية الملكية (جنات السلطان). وقد كتب -ضمن ما كتب- بحثا عن علم الزراعة

(المجموع)، ترجم إلى اللغة القشتالية فى العصور الوسطى. وهناك مواطن آخر من سكان طليطلة هو محمد بن إبراهيم بن بصال، الذى كرس جهود كلها وقصرها على الزراعة (وليس هناك ما يؤكد أن هناك علاقة بين هذا الاسم وبين البصل)، وقد أدى فريضة الحج، مسافرًا عبر صقلية ومصر، وعاد ومعه الكثير من الملاحظات والمعلومات عن نباتات وزراعة الشرق، وقد كان أيضًا فى خدمة المأمون الذى كتب من أجله دراسة عن علم الزراعة أسماها ديوان الفلاحة، وقد تم اختصار هذا العمل فى مجلد واحد به ستة عشر بابا تحت عنوان "كتاب القصد والبيان". وقد نشر هذا الكتاب فى عام 1955 بمقدمة حديثه باللغة القشتالية، وكان قد ترجمه إلى القشتالية فى العصور الوسطى. وهذه الدراسة التى كتبها ابن بصال فريدة فى أنها لا تتضمن أية إشارة إلى علماء الزراعة السابقين؛ ويبدو أنها اقتصرت على تجارب المؤلف الشخصية، الذى يعتبر أكثر المتخصصين العرب الأسبان أصالة وموضوعية. وبعد أن استولى "الفونسو السادس" ملك قشتالة على طليطلة (478 هـ/ 1085 م)، انسحب ابن بصال إلى أشبيلية، إلى بلاط المعتمد حيث أقام له حديقة ملكية جديدة. وفى أشبيلية التقى ابن بصال مرة أخرى مع على الطليطلى، وهو طبيب وتلميذ لابن وافد، وكان مثله مهتما بعلم النبات والزراعة. وقد ترك مدينته قبل الاستيلاء عليها بفترة قصيرة، واستقر فى أشبيلية فى عام 487 هـ/ 1094 م. ومات فى قرطبة فى عام 499 هـ/ 1105 م. والتقى أيضًا مع "أبو عمر أحمد بن محمد بن حجاج الاشبيلى" مؤلف العديد من الأعمال حول الزراعة، من بينها "المُقْنع" الذى كتبه فى عام 466 هـ/ 1073 م. وهذا الكاتب يتميز عن الآخرين فى أنه كان يسخر من القصص غير المقبولة للأجلاف الأغبياء (أهل الغباوة من أهل البرارى وأقوالهم الساقطة) والاستفادة من علماء الزراعة القدماء وعلى الأخص "يونيوس" Yuniyus. ومع ذلك فهو يروى

أيضًا تجاربه الشخصية فى الشرق، فهناك تعرف على عالم الزراعة أبو الخير الاشبيلى الذى كان ابن العوام يقتبس كثيرًا من مؤلفه الذى لا يعرف عنوانه وكل ما نعرفه عنه هو أنه كان فى عام 494 هـ/ 1100 م كان يدرس مع طبيب أشبيليه أبى الحسن شهاب المعيطى. وفى أشبيلية كان ابن بصال وأبو على الطليطلى أساتذة عالم النبات فى اشبيلية الغامض المجهول الذى وضع كتاب "عمدة الطبيب فى معرفة النبات لكل لبيب"، وهو معجم فى علم النبات جدير بالتقدير، ويفوق ما وضعه ابن البيطار، وما لدينا من حقائق عنه لا يتعدى أنه كان عضوا فى البعثة الدبلوماسية التى ذهبت إلى بلاط الموحدين فى مراكش عام 542 هـ/ 1147 م، وإنه كتب "العمدة" بعد هذا التاريخ. أما فى غرناطة فقد كان الكاتب البارز فى مجال الزراعة هو "محمد بن مالك التغنارى" (نسبة إلى قرية تعرف الآن باسم تجنار، على بعد بضعة كيلومترات شمالى غرناطة) وقد عمل على التوالى فى خدمة الأمير الصغير الصنهاجى عبد اللَّه بن بيلوجين (466 - 83 هـ/ 1073 - 90 م)، وبعد ذلك فى خدمة الأمير المرابطى "تميم" نجل يوسف بن تاشفين، فى الوقت الذى كان فيه هذا الأمير حاكما لإقليم غرناطة (501 - 12 هـ/ 1107 - 18 م). ولهذا الأخير كتب دراسية عن علم الزراعة فى اثنتى عشرة مقالة تحت عنوان "زهرة البستان ونزهة الأذهان". وقد ذهب التغنارى أيضًا للحج إلى الشرق. وربما اتصل وهو فى أشبيلية بابن بصال، واستطاع أن يفيد من تجاربه وخبراته. . وربما مع التغنارى يمكن أن نحدد الشخصية المجهولة فى علم الزراعة والتى كان يقتبس منها ابن العوام تحت اسم الحاج الغرناطى. ويجب أن نشير إلى أن بعض نسخ "زهرة البستان" قد نسبت إلى من يدعى "حمدون" وهو ليس معروفا بغير ذلك. وفى نهاية القرن السادس الهجرى -الثانى عشر الميلادى- أو فى النصف

الأول من القرن السابع الهجرى - الثالث عشر الميلادى (وقد استولى المسيحيون على أشبيلية فى عام 646 هـ/ 1248 م) كتب "أبو زكريا يحيى بن محمد بن العوام" من أشبيلية مخطوطه المطول "كتاب الفلاحة" فى خمسة وثلاثين بابا". ونحن لا نعرف شيئا عن حياته. ومع ذلك فهو معروف عند المستشرقين لأنه أول من نشرت كتبه وترجمتها إلى الاسبانية ج. ا. بانكويرى فى مدريد فى عام 1802 وبعد ذلك ترجمها إلى الفرنسية كلمينت موليه فى باريس فيما بين 1864 و 1867، وأخيرا تمت ترجمتها إلى اللغة الأردية. وهو أيضًا العالم الزراعى الوحيد الذى أخذ عنه ابن خلدون (النصف الثانى من القرن الثامن الهجرى الرابع عشر الميلادى) فى مقدمته. ومهما يكن من أمر فقد كان ابن العوام أبعد من أن يكون أهم علماء الزراعة من الأسبان العرب، فكتابه فى حقيقته تجميع شامل مفيد لمقتطفات من كتاب قدماء وممن سبقوه مثل ابن بصال، وابن حجاجى، وأبى الخير والحاج الغرناطى. . وكان أحيانا، وفى نهاية كل فصل يكتب ملاحظاته الشخصية. وأخيرًا، وفى منتصف القرن الثامن الهجرى (الرابع عشر الميلادى) تقريبًا وضع باحث من المرية هو "أبو عثمان سعد بن أبى جعفر أحمد بن ليون التوجيبى" (المتوفى 750 هـ/ 1349 م) مخطوطة "كتاب إبداء الملاحة وإنهاء الرجاحة فى أصول صناعة الفلاحة" وهو عمل باحث هاو، وهو مكتوب على شكل الأرجوزه، ويعتمد أساسا على ابن بصال والتغنارى، ولكنه يتضمن كذلك معلومات قيمة سجلها المؤلف بعباراتها المحلية. وهذه المؤلفات كلها حول الفلاحة تتضمن أكثر مما تشير إليه عناوينها، فهى موسوعات عن الاقتصاد الريفى تستند إلى خطة تتماشى تماما مع تلك التى اتبعها "كولوميللا" Columella فى كتابه De re ruslica. وطبيعى أن يكون الجانب المهم هو علم الزراعة (فلاحة الأرضين)، وتشمل دراسة التربة والماء والسماد الطبيعى، وحراثة الحقول بالحبوب والبقول؛ ثم إنها عالجت أيضا

وفى استفاضة زراعة الأشجار (وخصوصا الكروم والزيتون والتين) مع إضافة معلومات عن التقليم والتطعيم وترقيد النبات. . كما أن زراعة الأشجار المثمرة والنباتات المزهرة وتربية الحيوانات احتلت مكانا بارزا فى هذه الدراسات" وكذلك تربية الدواجن وحيوانات الحمل والطيور والنحل وأيضا البيطرة. . وقد اكتملت كل هذه الموضوعات الجوهرية بفصول عن الاقتصاد الريفى المحلى مثل إدارة المزرعة واختيار عمال الزراعة وتخزين المنتجات بعد الحصاد الخ. ويقدم بعض الكتاب معلومات عن قياس الأرض (تكسير وتقويم الفصول الزراعية. وقد نتصور أن متخصصين من نوعيات كثيرة قد أسهموا فى مثل هذه الأعمال الموسوعية. فهناك الممارسون والعاملون المحترفون مثل الفلاحين ومنتجى الفاكهة (الشجّارين) والخبراء فى علم البساتين (الجنانون -نسبة إلى الجنان- جمع جنينة أو بستان)، وهناك العاملون العلميون مثل خبراء الأعشاب (العشابون) وخبراء النبات (النباتيون) والأطباء المهتمون بالنباتات الطبية والأدوية والغذاء. . وهناك أصحاب النظريات البحتة (الحكماء أو المتكلمون). ومن جهة أخرى فإن الكتابات الأسبانية العربية حول الفلاحة كانت فى أغلب الأحيان من تأليف أناس متعددى المواهب (مشاركين - متفننين)، فإلى جانب ابن بصال الذى كان فى حقيقته عالما بالزراعة، كان ابن وافد طبيبا فى الأصل؛ أما ابن حجاجى، وابن العوام فقد وصفا كل منهما بأنه إمام وخطيب. وكان التغنارى، وابن ليون من الشعراء المعروفين. وأخيرًا فإن عالم النبات الأشبيلى الغامض ابن عبدون، يمكن أن يكون مثل معاصره ابن عبدون (وهو من أشبيلية أيضا) الذى ألف كتابا عن الحسبة؛ نشره وترجمه إ. ليفى بروفنسال " E. levi-Provencal" . وقد كان علماء الزراعة العرب الأسبان على معرفة بما كتبه الأقدمون، بل وأفادوا منه كثيرا. . ولكنهم لم يقصروا أنفسهم على ترديد ما كتبه أسلافهم، بل أضافوا ملاحظاتهم

المصادر

وتجاربهم حتى تتطابق أعمالهم مع واقع التربة والمناخ فى أسبانيا. . ثم إنهم أدخلوا فصولا جديدة عن حراثة نباتات جديدة مثل الأرز وقصب السكر والنخيل والموالح والقطن والكتان والفوّه (نبات صبغى) والمشمش والخوخ والكمثرى والبطيخ والباذنجان والفستق والزعفران. . الخ. وفى النهاية يجب أن نذكر أنه فى أسبانيا الإسلامية، فى القرن الخامس الهجرى - الحادى عشر الميلادى -فى طليطلة، وبعد ذلك فى أشبيلية أنشئت لأول مرة حدائق النباتات الملكية فى أوربا، للمتعة والبهجة، وأيضا لإجراء التجارب على أقلمة النباتات التى كانوا يأتون بها من الشرق الأدنى والشرق الأوسط. وكان على العالم المسيحى أن ينتظر حتى منتصف القرن السادس عشر ليشاهد إنشاء حدائق من هذا النوع فى مدن الجامعات فى إيطاليا. . المصادر: يمكن أن تجد الأمور الجوهرية الأساسية فى مقدمة كتاب الفلاحة لابن بصال - ميلاس فاليكروزا Millas vallicrosa: علم الفلاحة عند المؤلفين العرب بالأندلس ترجمة عبد اللطيف الخطيب. - ابن القاضى "درة الحجال" - ابن خلدون - المقدمة. - س. م إمام الدين: الفلاحة فى أسبانيا الإسلامية (فى دراسات إسلامية) بهجت عبد الفتاح [ج. س كولن G.S. Colin] جـ - فى فارس كانت الزراعة منذ أقدم العصور تعتبر فى فارس الأساس الراسخ لرخاء البلاد، ومنذ أقدم العصور أيضا كان هناك انقسام بين العناصر الزراعية. والرعوية فى السكان. وقد كان هذا الرخاء الزراعى الذى كان يعتبر أيضا فى العصور الإسلامية أيضا الأساس الذى ترتكز عليه الحكومات المستقرة، يرتبط ارتباطا وثيقا بالرى والأمن والضرائب. وقد حث أصحاب المذاهب الإسلامية فى العصور الوسطى حكام البلاد على دعم الزراعة والاهتمام بها لضمان خزانة ممتلئة، ومن ثم تحول دون

تفسخ المملكة. ولهذا الهدف تم تنفيذ الأعمال التى تتعلق بالرى، واستقر الأمن، كما حيل دون ابتزاز الفلاحين، بل إن الفلاسفة وأصحاب الموسوعات يرون فى الزراعة الصناعة الأساسية التى يقوم عليها النظام العالمى الجيد، والتى يعتمد عليها استمرار الجنس البشرى. وقد كانت الغزوات والصراع بين الأسر الحاكمة من الأسباب التى تعوق التنمية الزراعية، كما كان المسئولون فى الحكومة -مدنيين وعسكريين- يفرضون رسوما مرتفعة تضر كثيرا بالزراعة، وهناك أمثلة كثيرة فى فترات مختلفة من تاريخ فارس على أن المسئولين المحليين كانوا يفرضون مثل هذه الضرائب القاسية على المزارعين مما يدفعهم إلى ترك الأرض، وما يستتبع ذلك من خرابها. وكانت الحروب القبلية والغارات من الأسباب الكبيرة لاضمحلال الزراعة، وكانت هذه الغارات تشيع مع ضعف الحكومة المركزية، أو عندما كانت هذه القبائل وقطعانها يتزايدون إلى ما فوق المستوى الذى يمكن أن يحفظه لهم مرعى محدود أما بسبب الجفاف، أو بسبب الزيادة الطبيعية، وعندئذ يتحركون بعنف أو بغير ذلك، إلى المناطق المستقرة. والتوازن غير مستقر بين العناصر المستقرة وشبه المستقرة من السكان الأمر الذى أثر بالسلب على الزراعة وخصوصا على حدود المناطق القبلية، وقد استطاعت عدة جماعات قبلية، وعلى الأخص فى فارس فى آخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، أن يستقروا ويمارسوا الزراعة. وقد قام رضا شاه بمحاولة فاشلة لتوطين البدو فى البلاد، وخصوصا فى فارس وبختيارى وأجزاء من كردستان. ومنذ عام 1956 تقريبًا قامت حركة يتزعمها "التركمان" وآخرون لاستصلاح مناطق الاستبس فى "جرجان". وثمة عامل آخر يعوق التنمية الزراعية وهو عدم ضمان الملكية سواء للفلاح أو لمالك الأرض، يضاف إلى ذلك تقلبات المناخ والتى توثر كثيرا فى الزراعة، فالجفاف بسبب عدم كفاية

المصادر

الينابيع وأمطار الشتاء يسبب الهبوط الكلى أو الجزئى فى إنتاج المحاصيل والفيضانات، مع ما يترتب عليها من تدمير قنوات الرى، كثيرة الحدوث. والزلازل عامل آخر يثير الاضطرابات والقلاقل ثم التخريب والإتلاف بسبب الحشرات المؤذية والجراد ثم الرياح الشديدة فى مناطق كثيرة والعواصف العنيفة المصحوبة بالبرد. . ثم إن تدهور التربة بسبب التغيير فى "جدول" المياه والذى يرجع إلى الإسراف فى مياه الرى أو الصرف غير الكافى أو كليهما، مشكلة كبيرة فى بعض أجزاء البلاد وخصوصا خوزستان وسستان. كذلك فإن التربة فى بعض الأماكن فى الهضبة الوسطى تكون ملحية، والمياه مالحة فلا تصلح للرى. وعلى العموم فالتقديرات تقول إن ما بين 10 % و 14 % من المساحة الكلية للبلاد تجرى زراعته، ومن 30 % إلى 53 % صحراء وأرضا بور، والباقى أرض للرعى وغابات. وهناك زراعات كثيرة أهمها القمح والشعير والأرز وقصب السكر وبنجر السكر والقطن والتبغ والخشخاش والشاى. هذا بالإضافة إلى الأنواع المختلفة من الفاكهة مثل الكروم والموالح والبرقوق والمشمش والخوخ والرمان والكرز والكمثرى والتفاح الخ، إذ إن فارس تشتهر منذ أقدم العصور بزراعة الفاكهة. المصادر: (1) W.B.Fisher: The Middle East, A Political and Economic Survey (2) ما جاء عند الزراعة فى أعمال الجغرافيين العرب والفرس بهجت عبد الفتاح [ا. ك. لابدون A.K.S. Lambdon] د- الامبراطورية العثمانية كانت السمة الأساسية لنظام الأراضى عند العثمانيين هى سيطرة الدولة المباشرة على الفلاح والأرض، وهو نظام جارى العمل به لمواجهة الاحتياجات العسكرية والمالية لنظام إدارى استبدادى، والذى كان اهتمام الدولة الأساسى فيه هو ضمان عائدات الأرض، وقد انهار هذا النظام فى فترة الفوضى السياسية التى بدأت فى نهاية القرن العاشر الهجرى، السادس عشر

المصادر

الميلادى. فافتقاد الأحوال المستقرة والضرائب الفادحة دفع الفلاحين إلى ترك الأرض فى حشود كبيرة، الأمر الذى وصل إلى ذروته الخطيرة فى النصف الأول من القرن الحادى عشر الهجرى (السابع عشر الميلادى)، حتى لقد أطلق على هذه العملية "الهروب الكبير"، ومن ثم حول الإنكشارية والشخصيات الكبيرة المحلية فى كثير من المناطق الأرض المهجورة التى تركها الفلاحون إلى مراع لقطعانهم من الماشية، وقد كانت القوانين الجديدة التى تتعلق باستخدام الأرض و"الرعايا"، والتى صدرت فى أوائل القرن الحادى عشر الهجرى - السابع عشر الميلادى - نتيجة الجهود التى بذلت لحل هذه المشكلة. وفى القرنين الحادى عشر والثانى عشر الهجريين (السابع عشر والثامن عشر الميلاديين) حدث التغير المهم فى الأحوال الزراعية بانتشار نظم المقاطعة والالتزام؛ وظهرت طبقة جديدة من الأغوات والأعيان فى الروميللى والأناضول والذين أصبحوا فى الواقع من الملاك الكبار للأراضى بعد أن تملكوها مدى الحياة. وبالرغم من أن محمود الثانى نجح بعد عام 1227 هـ/ 1812 م فى قمع الاعيان الكبار و"البكوات"، إلا أن أغوات aghas القرى والأعيان الأقل أصبحوا الطبقة الحاكمة فى النطاق الاجتماعى. وأصبح الفلاح يعمل مستأجرا أو مقابل حصة من المحصول، وفى ظل هذه الظروف يكمن السبب فى انتقاضات الفلاحين فى البلقان فى القرن التاسع عشر. وقد عرف العثمانيون الأعمال التى وضعها المسلمون عن علم الفلاحة، فقد ترجم كتاب الفلاحة للشيخ أبى زكريا ابن العوام إلى التركية فى عام 998 هـ/ 1599 م. . وترجمه مصطفى بن لطف اللَّه. وهناك عملان مشهوران لاثنين من المؤلفين العثمانيين هما "رونق البستان" للحاج إبراهيم بن محمد وكتاب "غرس نامة لمؤلفه" "كيمانى Kemani ani" المصادر: (1) F. E. Bailey: British Policy and the Turksh Reform movement (2) A. Yaudry: Re cherches Scientifiques en Orient (3) على حيدر مدحت: مدحت باشا، حياتى السياسية. بهجت عبد الفتاح (هـ. إينالك H. Enalcik)

هـ- الهند (منذ وصول المسلمين حتى الغزو البريطانى)

هـ- الهند (منذ وصول المسلمين حتى الغزو البريطانى): 1 - الزراعة: يتميز الوضع الطبيعى للزراعة فى الهند بالتماثل -بالرغم من بعض الاختلافات المهمة، وهذا أمر يدعو للدهشة فالجزء الأكبر من البلاد يتكون من سهول السهول العظيمة للسند Indus والجانح فى الشمال وأودية الأنهار فى الجنوب وباستثناء الطرف البعيد من شبه الجزيرة الجنوبى، حيث توجد رياح موسمية شتوية كذلك، فإن الأمطار التى تتمتع بها البلاد تأتى أساسا من الرياح الموسمية الصيفية، وهذه الأمطار غزيرة. لذلك نجد العذر لبعض كتاب العصور الوسطى مثل أبى الفضل عندما يقولون إن أراضى الهند كلها قابلة للزراعة، أو كما قال بابر (بابورنامه) إن محاصيلها لا تحتاج إلى رى صناعى. وقد قدمت الطبيعة ظاهرة أخرى اعتبروها فى القرون الوسطى السمة الخاصة للزراعة فى الهند وهى زراعة وجنى محصولين فى العام، واحد (خريفى) يجمع بعد انتهاء الأمطار والثانى (ربيعى) فى نهاية الشتاء. وإن أية مقارنة لإحصائيات المنطقة فى القرن الحادى عشر الهجرى - السابع عشر الميلادى المحفوظة فى عين أكبرى Akbori وفى وثائق معينة من عصر أورانجزيب Awrang zeb بعائدات اليوم لتشير إلى أن المساحة المزروعة فى بداية هذا القرن فى مناطق كبيرة مثل بيهار، وشرق ووسط أوتار براديش، وبيرار وغربى باكستان. أما فى غرب أوتار براديش وشرق البنجاب وجوجارات، فإن المساحة المنزرعة أصغر بنسبة تترواح بين الثلث والخمس. وفيما يتعلق بالغابات فقد كانت توجد فى هذه المنطقة فى القرنين الثالث عشر والرابع عشر غابات شاسعة، ولكن تم إزالتها فى القرون الثلاثة أو الأربعة التالية. ولا تزال ممارسات الزراعة فى العصور الوسطى تطبق حتى الآن فى القرى الهندية، ولا تزال معظم الأدوات والآلات كما كانت من قبل. ولكن "أمان اللَّه حسينى" (أوائل القرن السابع عشر) يلاحظ استخدام "المحفار" فى

2 - كتابات العصور الوسطى عن الزراعة

زراعة القطن، كما لاحظ "ثيفينوت" Thevenod استخدام سماد السمك فى زراعة قصب السكر فى "جوجارات". كذلك فإن معظم المحاصيل التى تزرع الآن كانت تزرع أيضا فى العصور الوسطى ولكن أدخلت بعض المحاصيل الجديدة فى تلك الفترة ذاتها، فزراعة التبغ استقرت فى أنحاء البلاد فى الجزء الأول من القرن السابع عشر، أما البن فقد بدأت زراعته فى أواخر القرن ذاته، على حين انتشرت زراعة الفلفل بسرعة فى أوائل القرن التالى. ويمكن أن نذكر من بين المحاصيل الحديثة الذرة والبطاطس والشاى والفول السودانى. 2 - كتابات العصور الوسطى عن الزراعة: لم يكتب إلا القليل جدا من الأعمال التى تتعلق بالزراعة فى العصور الوسطى فى الهند. وأشهر الكتابات ما وضعه "أمان اللَّه حسينى" (سبقت الإشارة إليه) ووصف فيه بشكل تفصيلى زراعة الفاكهة فى الهند، وسجل الملاحظات عن المحاصيل المتعددة التى تنمو فى الهند. وكذلك ما كتبه أبو الفصل فى عمله الشهير عن حكومة "أكبر"؛ وهو يقدم الكثير من المعلومات عن الزراعة بل وأسعار المنتجات الزراعية وجداول معدلات الدخل على المحاصيل المتعددة ومعلومات متنوعة عن الزراعة والرى. المصادر: (1) Morelland: India at the death Akbar, London 1920 وبها شرح لنظام الزراعة فى الهند خلال تلك الفترة. (2) C.M. Villicrs Stuart: Gardens of the Great Mughals, London 1963 (3) Ifran Habib: Agrarian system of Mughal india, Bombay 1963 (4) Watt's Dictionary of economic Products of India, 6 volumes (5) J. A. Voelcker: Report on the improvment of Indian agriculture, London 1893 بهجت عبد الفتاح [أفران حبيب Ifran Habib]

فلاسفة

فلاسفة المفرد: فيلسوف، كلمة يونانية الأصل، وهى تعنى فى المقام الأول -وبحكم أصلها- مفكرى اليونان، وقد قدم لنا الشهرستانى قائمة بأسمائهم: سبعة حكماء هم نبع الفلسفة وبداية الحكمة ثم ذكر عدة شخصيات مثل: طاليس وأنكساجوراس، أنكسمانس، امبدوفليس، فيثاغورس، سقراط، أفلاطون، بلوتارخ، اكسانوفان، زينون الأكبر، وديمقريطس، وهم فلاسفة الأكاديمية، وهرقليطس وأبيقور وهوميروس (الشاعر الذى كانت حكمته تلهم اليونان إذ كان الشعر سابقًا على الفلسفة عند هذا الشعب) غير أنه نسب إليهم مذاهب إما أنها غير صحيحة وإما أنها لا تتفق مع الزمن الذى عاشوا فيه. ثم ذكر فلاسفة الإسلام فى قائمة طويلة نختار منها: الكندى، وحنين بن إسحق، وأبا الفرج المفسر، وثابت بن قرة، النيسابورى، وابن مسكويه، والفارابى. . إلخ ولكنه يذكر ابن سينا بوصفه الممثل الحقيقى لهم ومن "علامات القوم"، واقتصر عرضه للفلسفة على فلسفة هذا الفيلسوف، ويقول: ومن هنا كانت الفلسفة الإسلامية تالية للفلسفة اليونانية "فهم قد تابعوا أرسطو فى كل أفكاره. . إلا بالنسبة لبعض التغيرات الثانوية حيث استعاروا وجهة نظر أفلاطون والفلاسفة الأوائل"، وهذا حكم يحتاج إلى مراجعة شاملة. (أ) احتفظت كلمة "فلاسفة" بمعناها المناظر لها فى اليونانية فهى مرادفة للحكماء أو العلماء. وهذا ما تعنيه عند الجاحظ (مقدمة كتاب الحيوان) الذى قارن بين فلاسفة علماء البشر وحذاق رجال الرأى، وذلك فى فقرة تناول فيها العقل الإنسانى والمهارة الإنسانية وهما من آيات الطبيعة التى تكشف عن حكمة اللَّه، وقارن بينها وبين الغريزة عند الحيوان وهى التعبير المباشر عن هذه الحكمة. (ب) إذا كانت الحكمة كفكرة عامة (وهى متحققة فى كل من القرآن وتراث الفلسفة اليونانية) ظلت مرتبطة بلفظ فلسفة، فإن هناك ما يبرر وصف علماء الكلام المسلمين الذين أعلوا من مكانة

العقل البشرى "والرأى" بالفلاسفة. والواقع أنه بوسعنا أن نتبين فى فكر المعتزلة منذ نشأته تأثيرا يونانيا من حيث عرض المشكلات ومنهج التفكير. وهو تأثير انتقل إليهم بطريق غير مباشر عبر الفلاسفة المسيحيين السريان (يوحنا الدمشقى وتيودور أبوقرة). وفى فترة لاحقة حين عرف منطق أرسطو (المعلم الأول فى نظر العرب) وانتقل إليهم بطريق مباشر إذ استخدمه المتكلمون لا بوصفه أداة للتحليل والبناء بل كوسيلة للعرض ودحض الحجج. وأصبح المنطق بهذا الشكل شائع الاستخدام فى الإسلام رغم معارضة التقليديين المحافظين. ومن أمثلة استخدام المنطق بطريقة جدلية خالصة ما جاء فى كتاب الفصل فى الملل والأهواء والنحل لابن حزم الظاهرى (الخامس الهجرى/ الحادى عشر الميلادى) لدحض بعض الأفكار المستوحاة من الفلسفة مثل قدم العالم. بل إن تاثير اليونان أكثر وضوحا فى تفكير الأشعرية مثل ما نجده عند الباقلانى والجوينى وبصفة خاصة الغزالى رغم وقوفه ضد الفلاسفة. ونظرية الباقلانى عن الجواهر البسيطة (الذرات) والأعراض ومذاهب المعتزلة فيما يتعلق بالماهية والوجود أو علم اللَّه بالمخلوقات قبل خلقها وبعده -كل ذلك مستمد من فلسفة خالصة. بل إن الفلاسفة -بالمعنى الضيق لهذه الكلمة- كانوا على صلة بمدارس علم الكلام وكانوا فى بعض الأحيان يرجعون إليهم لتدعيم آرائهم الخاصة. (جـ) يصعب تعريف الفلاسفة بالمعنى الضيق لهذه الكلمة تعريفا جامعا مانعا وإنما هم بوجه عام أشياع الأفلاطونية الجديدة وهى فلسفة تلفيقية تجمع بين آراء أفلاطون وأرسطو والرواقيين وفيتاغورس وآخرين غيرهم. بل إن هذه الأفلاطونية الجديدة كانت من المرونة بحيث ضمت تعاليم المدرسة السكندرية. على أننا نستطيع أن نجد وسط هذه التأثيرات المتعددة تأثير منطق أرسطو، ومن هذه الزاوية نجد أن الفلسفة الإسلامية هى نتاج ترجمة الكتابات اليونانية وأن بعض المترجمين كانوا أنفسهم أول

الفلاسفة. وهناك مستشرقون يتفقون مع رينان على اعتبار الفلاسفة بمثابة فرقة من الفرق الإسلامية، وهذا رأى جمهور المسلمين عامة. ولكن رغم وجود مجموعة من الأفكار ذات العناصر المشتركة والمتشابهة لدى هؤلاء الفلاسفة إلا أنه ينبغى ألا ننكر وجود اتجاهات أخرى تنطوى على خلاف وتنم عن أصالة مفكريها. ومما لاشك فيه أن المصادر الأولى للفلسفة الإسلامية يونانية فى جوهرها، ولكن يلاحظ أيضا تأثير الفكر العلمى وبصفة خاصة تأثير جالينوس العالم والفيلسوف، كما يلاحظ تأثير نوع من الصوفية العقلية مستمدة من أفلوطين، ومزيج من الأفكار اللاوهوتية والكسمولوجية ذات الصبغة الغنوصية وبصفة خاصة تلك المستمدة من مدرسة الإسكندرية، فقد تسربت الثنائية الفارسية إما بطريق مباشر أو غير مباشر من الفرق الشيعية ولاسيما الفرقة الإسماعيلية. ومن العسير نظريا أن نعزل الفلسفة الإسلامية من الصوفية ذات التعاليم الخاصة كما هو الحال لدى السهروردى الذى تحدث عن النور على نحو ما تحدث أرسطو عن الجوهر. لقد كان فكر الفلاسفة المسلمين معقدا للغاية. وخير مثال لذلك ابن سينا وهو تلميذ لجالنيوس ومن أتباع أرسطو فى المنطق ومن أشياع الأفلاطونية الجديدة ومن شارحى التصوف الذى مهد لظهور شخص مثل السهروردى بتصوفه. ولكن هذا الوصف يصدق تماما على الفلسفة الإسلامية فى طورها الأول متمثلة فى فلسفة الكندى والفارابى وابن سينا. فقد كان هؤلاء يؤمنون بالتوفيق بين الحكيمين أفلاطون وأرسطو وأن العقل هو الأداة التى توصلنا إلى الحق، ولكن الغزالى تحت تأثير الجوينى لايرى أن العقل هو الحكم الأعلى، ومن هنا كان الاختلاف بين الفلاسفة والمتكلمين، وبذلك أصبح الغزالى بمثابة البداية لمرحلة أخرى من الفكر تتميز بمعرفة أفضل بمؤلفات أرسطو، ويمثل هذه المرحلة فى الغرب ابن باجة، وابن رشد بصفة أخص الذى نبذ الأفلاطونية الجديدة. أما فى الشرق فقد رجع فخر الدين، ونصير الدين الطوسى إلى

مذهب ابن سينا فى مواضع عدة. ولكن فخر الدين طعم أفكاره بعناصر من علم الكلام، بينما طّعم الطوسى أفكاره بالصوفية. بقى أن نشير إلى تيار آخر سار جنبا إلى جنب مع التيار الرئيسى المتمثل فى (ابن سينا، الغزالى، ثم ابن رشد فى الغرب والرازى فى الشرق) وهو تيار فيثاغورى جديد يتمثل فى إخوان الصفا الذين تميزوا بطابع صوفى واضح. ويرون أن كلا من الفلاسفة والمتكلمين لم يرصدوا إيقاع الكون إلا رصدا جزئيا، فليس من الحكمة أن تنقسم الموجودات إلى ثنائيات مثل (المادة والصورة، والجوهر والعرض. . إلخ) أو إلى ثلاثيات مثل (الأبعاد الثلاثة أى أحوال الوجود الثلاثة: الضرورى والممكن والممتنع). . إلخ، بل رأى الحكماء الفيثاغوريون أن العدد هو الذى يتضمن كل شئ ويفسره. وفيما يلى أهم ما يميز الفلاسفة المسلمين: (أ) إنهم يستخدمون "اصطلاحات" أى كلمات ذات معنى فنى وهى إما عربية أو معربة عن اليونانية. أما علماء الكلام -حين يعبرون عن الحقيقة- فإنهم يستخدمون كلمات مستمدة من القرآن والشريعة، إلا أن هؤلاء المتكلمين قد أدخلوا فى تعبيراتهم قدرًا كبيرًا من "الاصطلاحات" الفلسفية ولذلك كانت الظاهرة الرئيسية المميزة للفلاسفة المسلمين هى استخدامهم لهذه المصطلحات بصورة أكثر منهجية وأكثر استقلالية. (ب) المنطق عندهم كما هو عند أرسطو عبارة عن آلة (أورجاتون) فهو ينطلق بنامن نقطة معلومة ليصل بنا إلى نقطة لم تكن معلومة وذلك عبر خطوات محددة، وأساسه دراسة المفاهيم والمقولات والحكم والقياس والاستقراء. ولم يقبل علماء الكلام هذه الطريقة التى تجمع بين التحليل والتركيب للوصول إلى الحقيقة، إلا أن الغزالى أقر بأن هذه الطريقة لها قيمتها وإن لم تكن قيمة مطلقة. ومن جهة أخرى أخذ الفلاسفة المسلمون فى اعتبارهم وهم يدرسون المفاهيم والأحكام المنطقية المبادئ التى وضعها النحويون العرب. ويتصل بالمنطق

تقسيم العلوم الذى استلهموه من اليونان ولكنه أصبح يختلف باختلاف المؤلفين "إخوان الصفا" الفارابى "إحصاء العلوم"، ابن سينا أقسام العلوم العقلية" وهو ينقسم إلى ثلاثة أقسام: علوم نظرية، وعملية وإبداعية. (جـ) كان الفلاسفة المسلمون باحثين فى العلوم الطبيعية، ولهم فى ذلك دراسات تنم عن أصالة، فقد أدمجوا الفلك والفيزياء والكيمياء والطب فى دراستهم للميتافيزيقا التى كانت مصدرا لمفاهيمهم الأساسية، والروح التجريبية واضحة فى كتاباتهم وهو أمر غير منقطع الصلة بما يوليه المسلمون من قيمة للحواس. (د) فى مجال الميتافيزيقا تظهر أوجه الاختلاف فيما بينهم بصورة أكثر وضوحا، ولكنهم يتفقون جميعا على أن الميتافيزيقا هى علم الوجود، وقوامه التمييز بين الضرورى والممكن والأزلى والحادث، ويفسرون العالم بأنه صدر عن العلة الأولى أو واجب الوجود الذى لا علة لوجوده، وهو عاقل محض ومعقول محض، يتعقل ذاته فيصدر العالم. وترى الأفلاطونية الجديدة -كما يرى الفيثاغوريون العرب- أن الواحد لا ينبثق عنه إلا واحد هو العقل الأول- وابن رشد لا يقبل هذه المسلمة، فالعقل الأول يعقل ذاته أى الوجود الضرورى فينبثق العقل الثانى. فمبدأ الفيض هو المبدأ العام للفلسفة الإسلامية وإن كان يختلف تفسيره من فيلسوف لآخر. (هـ) فى الإلهيات، هنا يتفق الفلاسفة المسلمون مع المتكلمين فى موضوع صفات اللَّه -فهم يتجنبون التعدد فى الذات الإلهية شأنهم فى ذلك شأن المعتزلة. ولكنهم يرون أن الذات الإلهية مصدر الموجودات والماهيات معا، فاللَّه يتعقل ذاته بوصفه علة كل موجود وكل الأنواع وكل الممكنات التى تتحول إلى وجود، أى كل الممكنات التى تصبح ضرورية بفعل العلة التى أوجدتها. والنظام الكونى موجود وقائم بفضل العناية الإلهية. (و) فى علمى النفس والأخلاق: الأخلاق علم عملى، فالطبائع الأخلاقية والفضائل والطبائع موجودة وبوسع

المرء أن يعلم قيمتها بالعقل لكى يقيم نظاما للحياة أساسه الخبرة. وهذه القيم ذات علاقة بالروح الإنسانية وهناك نظريات متنوعة عن طبيعة الروح وهى تعكس اللايقين الذى نجده عند أفلاطون وأرسطو، ولكن العقائد الغنوصية تمتزج بها، فالروح لها طريق محدد تسلكه فى الكون ومراحل تمر بها للتطهر وتعود إلى أصلها ("الربوبية" أو "الأثولوجيا" المنسوب لأرسطو). أما أتباع أرسطو مثل ابن رشد فلم يتقبل هذه الأفكار كما أننا نجد لدى فلاسفة المسلمين نوعا من الأخلاق يعتمد على دراسة النفس لدى الإغريق التى تقسم النفس إلى ثلاث أرواح أو قوى (العقلانية والغضبية والشهوية) كما تعتمد على مذهب الفضيلة. وهكذا نجد فى الفلسفة الإسلامية نوعين من الأخلاق وجدا جنبا إلى جنب وتعايشا معا لبعض الوقت كما هو الحال عند ابن سينا -أما ابن رشد فالأخلاق عنده إنسانية، والسهروردى عنده الأخلاق صوفية، وكلاهما يختلف عن الاتجاه التقليدى الصارم الذى يرى أن القانون الأخلاقى الذى أنزله الوحى هو وحده مصدر معرفة القيم الأخلاقية والدينية. ولكن الفلاسفة المسلمين فى تصنيفهم للفضائل فى إطار الفلسفة الإغريقية أدخلوا عددا كبيرا من الفضائل التى عرف بها العرب المسلمون مثل الحلم (انظر رسالة الأخلاق لابن سينا). لقد تحرر الفلاسفة المسلمون فى كثير من الأحيان من الإسلام التقليدى، ولكنهم يفضل "التأويل" كانوا يعتقدون أن أفكارهم تنسجم مع ما جاء به القرآن حيث كانوا يقتبسون منه باستمرار الشواهد دون إدماجها ضمن براهينهم. ومن هنا يعد علماء الكلام معارضين لهم باعتبار أن هؤلاء يبدأون مسيرتهم انطلاقا من الكتب المنزلة. وهكذا كان الشأن مع إخوان الصفا حيث تحدث عنهم أبو حيان التوحيدى فى "الإتباع والمؤانسة" الليلة السابعة عشرة. فالشريعة فى رأيهم قد دنسها الجهل وشوهها الخطأ، ولابد من الفلسفة لتطهيرها، إنه بالإمكان بلوغ الكمال إذا نسقنا بين الفلسفة اليونانية والشريعة. ويعلن التوحيدى عن مطمح الفلاسفة: ذلك أنهم لا يرغبون فى شفاء الناس من أدوائهم، فهذه مهمة الأنبياء وحدهم،

وإنما يرغب الفلاسفة فى الحفاظ على صحة من يملك الصحة أصلا. إنهم يطمحون إلى السعادة فى أعلى درجاتها ويطمحون إلى الكرامة، بفضل هذه وتلك يصبح الإنسان جديرًا بالحياة الإلهية. ولكن ما الهدف إذن من الوحى؟ يرى الغزالى فى كتابيه (المنقذ) و (المقاصد) أن بعض أقسام الفلسفة لا ضرر منها بالنسبة للعقيدة مثل الرياضيات والمنطق، وأنه مسموح أيضا بدراسة الفيزيقا شريطة ألا يغيب عن بالنا أن العلة الوحيدة هى اللَّه. والعلوم المفيدة مثل الطب هى علوم الدنيا، ولابد من قيام البعض بدراستها نيابة عن المجتمع، أى أنها تعتبر (فرض كفاية)، لأن الحياة فى هذه الدنيا تحمل بذور الحياة الآخرة، ولا ينبغى إهمالها (راجع إحياء علوم الدين عن العلم) وبعض العلوم ضارة مثل السحر والتعاويذ ويجب رفضها، أما عن آراء الفلاسفة فى الإلهيات فهى بصراحة سيئة لأنها تعلمنا أن الأجساد لن تبعث يوم القيامة. بل إن الذى سينال الثواب والعقاب هى الأرواح بغير أجساد وأن الجزاء روحى وليس بدنيا وأن العالم قديم وأن اللَّه يعلم الكليات فحسب، وهذا كفر صريح. إلا أن الغزالى لا يرى فى توحيد الصفات مع الذات الإلهية كفرا لأن المعتزلة قالوا بها، وهم قوم لا يمكن اتهامهم بالبعد عن الإيمان. وأخيرا فإن النظرية السياسية لدى الفلاسفة مأخوذة عن سلف الأنبياء، وفلسفتهم الأخلاقية مستوحاة من المتصوفة. أما الفلاسفة عند الشهرستانى (السادس الهجرى/ الثانى عشر الميلادى) فهم أهل هوى ويجب التمييز بينهم وبين أرباب الديانة، فما بين هؤلاء وأولئك هو ما بين الأضداد من تقابل. وفيما بعد جاء ابن تيمية (السابع - الثامن الهجرى/ الثالث عشر - الرابع عشر الميلادى) ليدين منطق الفلاسفة لأنه غير مفيد ولا طائل منه. وأخيرا نشير إلى ابن خلدون (الثامن الهجرى/ الرابع عشر الميلادى) الذى هاجم الفلسفة فى مقدمته تحت عنوان إبطال الفلسفة، فالفلاسفة يرون أن العقل هو الذى يؤكد صحة الأسس التى يقوم عليها الإيمان وليس الشرع، وهذا رأى فاسد، فالوجود أشمل وأوسع من أن يحيط به عقل إنسان من جميع

فلس، فلوس

جوانبه. غير أن الفلاسفة فى واقع الأمر ظلوا مسلمين مخلصين وما فتئوا قريبى الصلة بالمتكلمين وبعناصر التصوف التى لا تخالف تعاليم القرآن. أما عن التراث اليونانى فقد تأثر به العالم الإسلامى فى عمومه ولم يكن مقصورا على الفلاسفة وحدهم، لذلك كان من المحال اعتبار الفلاسفة فرقة تشذ عن الحركة الثقافية والروحية التى تعد مفخرة للعالم الإسلامى. سعيد عبد المحسن [ر. أرنالديز R. Arnaldez] فلس، فلوس فلس وجمعها فلوس، اسم يطلق على العملة النحاسية أو البرونزية التى كانت شائعة فى القرون الأولى من التاريخ الإسلامى. مصطلح فلس يطلق على العملة النحاسية مثل إطلاق الدينار والدرهم على العملة الذهبية أو الفضية. والأصل فى اللفظ يونانى مأخوذ من اسم للعملة النحاسية البيزنطية. والفلس يدل على كل العملات النحاسية أو البرونزية بصرف النظر عن الحجم أو الوزن. والظاهر أن تحلل فئات العملة (ومنها العملة النحاسية) حدث فى فترة سابقة لزمن الفتوحات العربية. وعندما دخل العرب سوريا لم يكن هناك غير أثر ضئيل باق من تغير نظام وحدة العملة النحاسية، ولعل هذه النقطة تستحق اهتماما خاصا لأنها توضح كيف أن العرب قرروا استعمال عملة نحاسية واحدة لا تتميز عن العملة البيزنطية، لقد قلدوا النظام الذى كان منتشرا فى الأقاليم البيزنطية السابقة، ولقد ظل النموذج الذى كان فى السنوات السابقة من حكمهم موصولا خلال عصر الخلفاء الأمويين والعباسيين. وزن الفلس الزجاجى الذى سك بمصر خلال معظم القرن الثامن يزن ما بين 9 إلى 36 خروبة مع بعض الاستثناء، وعلى أية حال فإن استعمال هذه الأوزان للعملة الزجاجية لا يزال مشكلة تحتاج إلى حل. والعملات النحاسية التى كانت سائدة قبل إصلاحات عبد الملك (سنة 77 هـ) تندرج تحت ثلاث مراحل كبيرة:

العرب - البيزنطيين

العرب - البيزنطيين استمر العرب بعد فتحهم البلاد فى سك عملات نحاسية مماثلة تماما لما وجدوها سواء كان ذلك يحمل شخوصها الدينية أو التاريخ الميلادى، وهذه أقدم عملة إسلامية لدينا. لقد ظل النموذج البيزنطى سائدا حتى أعاد عبد الملك بن مروان سك العملة مضيفا نماذج من الطبيعة العربية من أهمها ذلك الطابع الإسلامى على حواف الشكل ومضمنة دار سك العملة مع إضافة كلمات مثل بركة، طيب. . الخ، مع ذكر اسم الحاكم أو العامل الذى تم سك هذه العملة فى زمنه. إن التحول عن أسلوب البيزنطيين يمكن ملاحظته فيما يتعلق بالخليفة الموجود على وجه العملة من حيث هو فى زيه البدوى الذى حل محل الإمبراطور بصليبه وتاجه وصولجانه بينما صور الخليفة وهو يؤم المصلين. والحقيقة أن الدنانير الخمسة الباقية من هذا الطراز بالإضافة إلى معظم الفلوس ترجع إلى مستهل خاوفة عبد الملك بن مروان. أما العهد العربى الساسانى فإن العملة التى لدينا منه قليلة جدا وقد دخلها بعض التغيير على هيكل النار. أما الفلوس البيزنطية البهلوية فهى من النحاس فقط وأقدم الفلوس التى وصلت إلينا ترجع إلى سنة 87 هـ وقد سكت بدمشق. ولقد كان قبل الفتوح الإسلامية مباشرة اثنا عشر دار ضرب للعملة فى كل أنحاء الإمبراطورية البيزنطية (ثلاثة منها فى الشام ومصر وأفريقية)، فلما كان العصر الأموى بلغت هذه الدور ثلاثا وخمسين دارا لسك العملة النحاسية منها ثلاثة وثلاثون فى الأقاليم التى كانت خاضعة من قبل للبيزنطيين. ثم زاد عدد دور السك فى عهد بنى العباس فبلغ ثلاثة وثمانين دارا، ونظرا للتعامل فى الفلوس بالعد لا بالوزن فقد أصبح وزن الفلس يختلف من مكان لآخر، وقد يصل هذا الاختلاف إلى قدر خمسة جرامات. ومنذ النصف الأول من القرن الثالث للهجرة (التاسع للميلاد) توقف استعمال النحاس فجأة فى كل بلاد

المصادر

العالم الإسلامى واستمر هذا التوقف عدة قرون. إن هذه العملات يجب أن تكون محل اهتمام لأنها تمثل فترة انتقالية من خلال بزوغ الدولة الإسلامية ومحاولة ايجاد تصميم مبتكر ومناسب لسك العملة (جون ووكر/ كتالوج العملات المحمدية فى المتحف البريطانى جـ 2 لندن 1956، جـ 32 - 32 ص 22، 43). وعلى العموم فقد استمر استخدام كلمة فلوس كعلامة مميزة على العملة النحاسية فى الأماكن المحلية فى فارس طوال القرن 18 الميلادى، والقرن 19 الميلادى (بول eg.R.s, العملات فى عهد شاه فارس، لندن، 1887 ص 61 - 212). وفى هذه الأيام فإن الفلس يدل على عمله صغيرة ثانوية فى العراق والأردن، وجميع الفلوس كمصطلح تدل على النقود التى تستخدم كعملة عربية فى الحياة الشعبية اليومية فى مصر ومراكش وأماكن أخرى. المصادر: للرجوع إلى العملات انظر قوائم المجموعات المتنوعة وعلى الأخص: برلين (H. Nutzel) والمتحف البريطانى (S. hane- Poole, J. Walker) واسطنبول (إسماعيل غالب) وباريس (H. Lavoixl) وسان بطرسبرج (W.Tiesehhauseh) وانظر أيضا: (1) المقريزى ترجمة (de sacy) باريس 1797 م، ص 44 - 48. (2) G.C Miles: The early Islamic bronze coinage of Egypt in Centennial Volume of the American Numismatic Society, New York 1958, 47 - 502 د. إبراهيم شعلان [أ. ل. اودوفيش A. L. Udovitch] فلسطين استخدم هيرودوت وكتاب آخرون من اللاتين واليونانيين هذا الاسم لتعيين موقع الأراضى الساحلية الفلسطينية، وفى بعض الأحيان كذلك الأراضى الواقعة شرقيها حتى الصحراء العربية. وبعد إخماد ثورات اليهود فى عام 70 م

1 - فلسطين فى ظل الحكم الإسلامى

وفى الفترة ما بين 132 - 135 م وما نتج عن ذلك من تدهور عدد السكان اليهود، استخدم الرومان فلسطين سوريا (التى أصبحت فلسطين بعد ذلك) بدلا من كلمة يهوذا. وقد امتدت منطقة فلسطين الرومانية بعد أن انضمت إليها مناطق أخرى مجاورة. وبحلول القرن الخامس كانت هناك ثلاثة أقاليم لفلسطين هى فلسطين الأولى وعاصمتها (قيصرية) وتضم يهوذا وأيدوميا، والسامرة، وجزءا من البتراء. ثم فلسطين الثانية وعاصمتها سكيثوبوليس، المعروفة الآن باسم بيسان، وتضم وادى "اسدرالون" والجليل وأجزاء من "ديكابوليس" والجولان. وأخيرا فلسطين الثالثة أو ساليوتاريس وعاصمتها (البتراء) وتضم النقب والنبطية وجزءا من شبه جزيرة سيناء. 1 - فلسطين فى ظل الحكم الإسلامى: استخدم اسم فلسطين لأول مرة للمنطقة الادارية والعسكرية والمعروفة باسم "جند"، وهى التى أقامها العرب الفاتحون على أراضى الإقاليم البيزنطى القديم الذى كان عمل اسم فلسطين الأولى أو Palaestina Praima والتى كانت تضم تقريبًا السامرة ويهوذا مع المنطقة الساحلية الممتدة من جبل الكرمل فى الشمال إلى غزة فى الجنوب. وهذا يتفق مع منطقة واسعة من وجهة النظر الجغرافية مع منطقة يتألف أكبر جزء منها من سلسلة من الجبال ذات ارتفاع متوسط إذ لا تزيد قممها عن ألف متر تشمل جبال العامرة فى الشمال، وجبل جيريزيم، وجبال يهوذا فى الوسط، وجبل الخليل فى الجنوب، ثم تمتد إلى الغرب فى سلسلة من التلال تتاخم السهل الساحلى وإلى الشرق فى مساحات واسعة من السهول الخالية من الأشجار وأهمها صحراء يهوذا. ومن الصعب أن نعيد بدقة قصة فتح العرب لفلسطين، فقد احتلت الحملة التى بعث بها أبو بكر وقادها عمرو بن العاص منطقة غزة وذلك فى الثانى عشر من ذى الحجة أو الثالث عشر من محرم الموافق فبراير أو مارس عام 634 م. وبعد سقوط غزة فى يد عمرو زحف إلى قيصرية الواقعة على البحر،

وبدأ محاصرتها فى جمادى الأولى سنة 13 هـ (يولية 634 م) ولكنه اضطر إلى التقهقر لاقتراب جيش بيزنطى جديد، وكان عمرو على استعداد لمواجهته ولكن بعد ضم قواته لتلك القوات التى جاء بها خالد من بلاد الشام، وقد استطاع عمرو بن العاص بعد الانتصار على البيزنطيين فى أجنادين فى جمادى الأولى أو الثانية (يولية، أغسطس 634 م) احتلال معظم مدن فلسطين مثل سبسطية (السامرة) ونابلس واللد ويُبْنى وعَمْواس وبيت جبرين ويافا وقد استطاع -بعد معركة اليرموك فقط- أن يواصل حصاره لإيليا (بيت المقدس) التى يقال إن أهلها رفضوا الاستسلام لأحد غير الخليفة عمر بن الخطاب الذى ذهب إلى الشام لهذا الغرض (16 هـ/ 637 م). أما بالنسبة لمدينة قيصرية، فقد حاصرها عمرو مرة أخرى، ولكنه تركها بعد ذلك ليذهب إلى مصر مخلِّفًا بها يزيد بن أبى سفيان الذى توفى بعد فترة قصيرة ليخلفه شقيقه معاوية الذى سيطر على المدينة واحتلها بالخديعة والحيلة فى العام التاسع عشر أو العشرين الهجرى 640 أو 641 م)، ثم أكمل فتح فلسطين باحتلال عسقلان. وقد ترك الفاتحون العرب التنظيم الإدارى الموجود كما هو، ولكنهم غيروا اسم فلسطين الأولى إلى "جند فلسطين"، وأقاموا العاصمة فى بادئ الأمر فى اللد، وبعد ذلك فى الرملة، هى مدينة جديدة أسسها سليمان بن عبد الملك عندما كان واليا على فلسطين، والتى واصل الإقامة فيها بعد أن أصبح خليفة فى عام 99 هـ/ 715 م، ولا تزال "جند فلسطين" ترد على هذا النحو عند "ابن شداد"، وقد بقيت كإقليم إدارى حتى الغزو المغولى، ولكن يبدو أن حدودها قد اتسعت إلى ما وراء ذلك منذ القرن الرابع الهجرى (العاشر الميلادى) وامتدت شرقا وجنوبا وناحية الجنوب الشرقى. ويذكر "المقدسى" -الجغرافى المشهور- أريحا، وعَمَّان التى كانت تعرف قديما باسم فيلادلفيا ويدخلهما بين دول هذا الإقاليم، وقد تبعه فى ذلك ياقوت الحموى"، أما الاصطخرى وابن حوقل، فيضمان إلى فلسطين جنوب الغور و"الجبال"

والشرات أى الأراضى التى تقع إلى شمال البحر الميت من جهة، ومن جهة أخرى تلك التى تقع إلى الجنوب من البحر الميت، على الجانب الآخر من شق الوادى الذى يمتد إلى خليج العقبة. وأكثر من ذلك فإن الجزء الأكبر الذى يسمى "بالتيه" الذى يغطى فى الوقت الحاضر، النقب وجبل سيناء، كان مرتبطا فى الواقع بفلسطين. وقد تمتعت فلسطين فى ظل سلاطين المماليك بنظام إدارى جديد؛ وارتبطت فى قليل أو كثير "بنيابة" دمشق؛ وكانت تضم ست مناطق هى غزة واللد والقاقون من جهة (وكانت هذه المناطق تعتبر فى بعض الأحيان مملكة منفصلة) والقدس (أورشليم) والخليل ونابلس من جهة أخرى. وقد كانت فلسطين موضع تقدير فى عصر الأمويين على وجه الخصوص. ويقال إن معاوية أصر على أن يعلن نفسه خليفة فى مدينة "القدس"، كما تلقت ساحة المعبد (التى كان يطلق عليها الحرم) فى عهد أحد خلفائه أهم أثرين وهما قبة الصخرة والمسجد الأقصى وقد أمر ببنائهما الخليفة عبد الملك بن مروان (65 - 86 هـ/ 684 - 705 م) الذى أمر بزخرفة قبة الصخرة من الداخل بالفسيفساء إشارة منه إلى تفوق الإسلام وسيطرة حكام المسلمين على العالم. أما فى العصر العباسى فقد أصبحت فلسطين مع سوريا مجرد ولاية، واستمرت الرملة عاصمتها الرسمية، ولكن آثار القدس احتفظت بشهرة كافية ذلك لأن الخليفة المأمون قد دفعه عداؤه لذكرى الأمويين إلى وضع اسمه بدل اسم عبد الملك على كل النقوش التى تحيى ذكرى ما فعله هذا الأخير. واحتل الفاطميون فلسطين بعد احتلالهم لمصر مباشرة (359 هـ - 969 م)، وبذلك تحررت حينا من الوقت من سلطة خلفاء بغداد، التى أصبحت بالفعل سلطة اسمية فى ظل الطولونيين ثم الإخشيدين. ولكن لم يتسنّ للحكم الفاطمى أن ترسخ قواعده هناك أبدًا، إذ نشأت بسببه ثورات قصيرة الأمد، كانت أبرزها تلك التى

أدت إلى تنصيب خليفة علوى جديد بالرملة على يد أمير بدوى من بنى الجَرّاح. . أما القدس فقد كانت من جهة أخرى ضحية الإجراءات العنيفة التى اتخذها "الحاكم" ضد المسيحيين، ومنها أمره بهدم الضريح المقدس. وفى أواخر القرن الخامس (الهجرى الحادى عشر الميلادى) احتل فلسطين لفترة قصيرة الزعيم التركمانى أتسن بن أوقاك. وبعد ذلك بفترة قصيرة قامت عائلة تركية ليست بذات خطر، أسسها (أرْتُقْ وعرفت بدولة الأراتقة) واحتلت القدس، ولكن سرعان ما تم طردهم منها على يد الفاطميين الذين هاجموهم سنة 497 - 490 هـ (1086 - 1098 م)، ولكن هذا الانتصار الذى أحرزه الفاطميون لم يجد نفعا بسبب وصول الحملة الصليبية الأولى التى أسست مملكة القدس اللاتينية، وأدت إلى احتلال الصليبيين للأماكن المقدسة لما يقرب من قرن (492 - 587 هـ/ 1099 - 1187 م). ويقدم الجغرافيون العرب بعض المعلومات المتناثرة عن الأحوال فى فلسطين فى الفترة ما بين الفتح العربى ومجئ الصليبيين، ففى القرن الثالث الهجرى (التاسع الميلادى) كان يسكن فلسطين أناس كثيرون من أصل عربى (ينتمون إلى قبائل متعددة) ومع ذلك كانت هناك نسبة من غير المسلمين من المسيحيين واليهود والسامريين لا نستطيع أن نقدر حجم كل جماعة منهم ويشير اليعقوبى إلى وجود أناس من غير العرب فى مدينة الرملة. وفى تلك الفترة كان يشق المنطقة طريق الحجيج من دمشق؛ وعند أيلة -بالقرب من خليج العقبة- كان هذا الطريق يلتقى بالطريق الذى تمضى فيه رحلات الحج القادمة بالطريق من مصر والمغرب؛ كما كان أيضا طريقا تجاريا استخدم منذ زمن بعيد للاتصال بمصر والجزيرة العربية، وكان هناك أيضا طريق يربط القدس بعمان عَبْر "أريحا"، وقد كانت فلسطين فى القرن الرابع الهجرى (العاشر الميلادى) واحدة من أخصب المناطق فى إقليم الشام، إذ كانت كثيرة الماء بسبب الأمطار، بل إن منطقة نابلس كانت تزهو بكثرة ما فيها من المجارى المائية، ويخبرنا المقدسى عن منتجاتها

الرئيسية التى كانت المنتجات الزراعية من بينها وفيرة وممتازة مثل الفاكهة من كل الأنواع (الزيتون - والتين - والعنب - والبرقوق - والخوخ - والسفرجل - والتفاح - والتمر والجوز - واللوز - والموز) وكان يجرى تصدير بعضها. وهناك محاصيل كقصب السكر والنيلة "للصباغة" والسماق "للدباغة"، ولكن الموارد المعدنية كانت ذات أهمية كبيرة كذلك مثل الحوّارة والرخام من بيت جبرين والكبريت الذى يستخرج من إقليم الغور، ناهيك بالملح والقار البتومين" من البحر الميت. وكان الحجر -الذى كان شائعا فى البلاد- هو أهم مواد البناء للمدن الهامة. والمقدسى يقدم لنا أيضا بيانات مختصرة عن الاتجاهات الدينية الإسلامية الأساسية، فقد كان هناك بعض الشيعة فى نابلس، ولم يكن هناك معتزلة يعلنون صراحة عن معتقداتهم، وكان هناك أيضا طائفة من القرامطة فى القدس. وفى نهاية القرن الرابع الهجرى (العاشر الميلادى) كان المذهبان الشافعى والفاطمى أكبر المذاهب أتباعًا، ويشير جغرافيو العصور الوسطى باختصار إلى أماكن الحج التى كانت عديدة على وجه الخصوص فى القدس والخليل (التى هى مدينة إبراهيم الخليل). وكانت فلسطين فى أثناء الحروب الصليبية مسرحا للمعارك والهجمات تتخللها مهادنات توقع بين الجانبين من آن لآخر وتؤكدها معاهدات كتلك المعاهدة التى وقعت فى عام 626 هـ/ 1229 م، والتى أعاد بمقتضاها السلطان الكامل "الأيوبى" مدينة القدس المنزوعة السلاح إلى فرنجة عكا لمدة عشر سنوات. وهذا الموقف الذى أصبح أكثر استقرارا بعد استيلاء صلاح الدين من جديد على القدس، لم يمنع من استمرار التبادل التجارى بين مصر والشام، ولم تكن القوافل تدفع رسوم مرور سوى تلك التى فرضها الفرنجة، وكانت فى بعض الظروف تتعرض للغارات العدوانية، لكن ذلك لم يمنع من إقامة تجارة مثمرة -وبالأخص فى ظل من جاءوا بعد صلاح الدين- بين تجار أوربا (الايطاليين والفرنسيين والانجليز) الذين يعيشون فى عكا على

وجه الخصوص وبين المدن الإسلامية الواقعة فى الداخل. وفى ذلك الوقت أيضا احتفل بعض الكتاب المسلمين بفلسطين على أنها أرض الأنبياء وحظيت أماكن الحج بأعظم شهرة نالتها، ولم يقف الأمر عند القول بوجود بقايا مخلفات رسل العهدين فى نابلس أو القدس أو الخليل فقط الذين يوقرهم المسلمون بل أضيف إليهم ضريحا بعسقلان ذاعت شهرته بوجود رأس الحسين بن علىّ به، وما يقال من وجود قبر "هاشم" جد النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فى غزة. وفى نهاية القرن السابع الهجرى - الثالث عشر الميلادى (690 هـ/ 1291 م) تمكن السلطان المملوكى الظاهر ببيرس البندقدارى من الاستيلاء على معقل الفرنجة فى عسقلان فى عام 668 هـ/ 1270 م - كما تم طردهم على يد الأشرف خليل من آخر ممتلكاتهم فى قيصرية وعكا؛ وهكذا عادت فلسطين كلها والأقاليم المجاورة إلى حكم المسلمين مرة أخرى. . واستمرت المناطق التى تقع إلى الغرب من الأردن تلعب دورا مهما فى عصر. المماليك كطريق رئيسى للتجار وللمبعوثين الرسميين الذين كانوا يربطون القاهرة بدمشق وحلب على طول طريق بريدى جرى تحسينه حتى يحقق المزيد من المراسلات والاتصالات. وفى عام 922 هـ/ 1516 م وبعد معركة مرج دابق سقطت المنطقة كلها فى أيدى العثمانيين الذين استمر حكمهم بدون معوقات حتى 1917 - 1918. . وكانت فلسطين فى القرن السادس عشر تتكون من سناجق غزة والقدس ونابلس واللجون وصفد، وكانت كلها تؤلف من بينها جزءا من ايالة دمشق، ولم يكن سنجق لاجون يخضع للوالى العثمانى بل كان يحكمه عشيرة طراباى البدوية المحلية، التى قامت بثورات متعددة فى أكثر من مناسبة، ونلاحظ منذ أواخر القرن السادس عشر انهيارًا ملحوظا بسبب هبوط مستويات الإدارة الحكومية، بسبب تغير الحكام المستمر، ومحاولة شيوخ القبائل المحليين الحصول على الاستقلال وبسبب الحملات التى تقوم

بشنها على أرض فلسطين جماعات من المناطق المجاورة. ومع اقتراب نهاية القرن العاشر الهجرى (السادس عشر الميلادى) حاولت دولة الدروز الصغيرة التى يرأسها فخر الدين -والتى كانت تسيطر على المناطق الممتدة من بيروت إلى جبل الكرمل- أن تستقل عن الباب العالى وكان ذلك فيما بين عام 1595 م وعام 1634 م وبعد هذا الحدث وفى نحو عام 1660 م تكون إقليم جديد يتميز عن الشام أطلق عليه اسم "صيدا" ويضم لواء صفد ولواء اللاجون، ولم يمنع هذا الإجراء النشاطات المستمرة التى يقوم بها شيوخ القبائل المحليون، وكان أبرزهم ظاهر العمر، وهو من أصل بدوى، وقد نصب نفسه حول عكا فيما بين عام 1750 و 1775 م. وبعد ذلك بفترة قصيرة جاء دور أحمد الجزار ليحاول أن يحرر نفسه من وصاية العثمانيين فى المنطقة ذاتها بالرغم من أن هذا لم يتم بدون مقاومة عنيفة من جانبه لهجمات نابليون بونابرت الذى لم يستطع -رغم استيلائه على يافا فى عام 1213 هـ/ 1799 م- أن يستولى على عكا. وفى القرن التاسع عشر كان على إبراهيم باشا ابن محمد على واحدا ممن رغبوا فى استخلاص فلسطين وسوريا من أيدى العثمانيين ليؤكد سيطرته على البلاد العربية فاستولى على عكا ودمشق فى عام 1832 م ولكن فلسطين أعيدت إلى السلطان عبد المجيد فى عام 1840 م نتيجة لتدخل بريطانيا والنمسا. وفى الفترة الأخيرة من حكم العثمانيين أصبحت فلسطين موضع اهتمام متزايد من جانب الدول الأوربية الكبرى لأسباب اقتصادية ودينية، وقد كانت الوصاية على الأماكن المقدسة هناك فى أيدى البطريركية الأورثوذكسية فى القدس فى القرن السادس عشر، وتأكدت من جديد بناء على طلب روسيا بفرمانات عام 1853 م؛ كذلك كان رجال الدين المسيحى "اللاتين" منذ القرن السادس عشر تحت حماية فرنسا، وكان هذا الوضع سببا فى التدخل المستمر من جانب الدول الأوربية فى شئون الإمبراطورية العثمانية. ولكن فلسطين

أيضا كانت بها مصانع تجارية أوربية، وفرنسية فى المقام الأول، مثل تلك التى فى عكا والرملة؛ وهنا -كما فى القدس- كان يقيم قناصل يقومون برعاية مصالح رعاياهم بمقتضى اتفاقيات عرفت بالامتيازات الأجنبية. ومن القرن الثامن عشر فصاعدًا تزايد التدخل الاقتصادى الأوربى فى فلسطين، وكذلك فى مناطق أخرى فى الشرق العربى، وكانت المنتجات الأوربية تباع هناك أما بتجار من أوربا أو بمواطنين من المنطقة من المسيحيين أو اليهود، الذين كانوا بحصولهم على جنسية أوربية يتمتعون بالامتيازات التى نصت عليها الاتفاقيات ومن ثم كانوا يحتكرون التجارة المهمة. وفى القرن التاسع عشر أسهمت الإرساليات المسيحية من كاثوليكية وبروتستانتية، فى رفع المستوى العام للتعليم فى فلسطين ولبنان، على حين بدأت تنتشر التكنولوجيا الحديثة بمساعدة من أوربا. . وهكذا أكملت شركة فرنسية إنشاء أول خط حديدى يربط يافا بالقدس فى عام 1892 م. وفى ظل الحكم الإسلامى كان فى فلسطين بعض اليهود الذين تناقص عددهم كثيرا فى أثناء الحروب الصليبية، وكانت الهجرات اليهودية من البلاد الأخرى بين آونة وأخرى لا سيما فى القرن السادس عشر تزيد من قوتهم. وفى نهاية القرن التاسع عشر بدأ نوع جديد من الهجرة بإقامة أولى مستوطنات زراعية صهيونية منذ ثمانينات القرن الثامن عشر، وبالرغم من محاولات الحكومة العثمانية للحد من هذه الهجرة، إلا أن هذه الحركة قويت واشتدت؛ وقد وجدت أيديولوجيتها فى الصهيونية التى ترجع بدايتها الرسمية عندما عقد المؤتمر الذى دعا إليه تيودور هرتزل فى بازل، وفى بداية القرن العشرين أصبحت أكثر وضوحا حتى أن عدد اليهود المقيمين فى فلسطين ارتفع من خمسة وعشرين ألفا فى عام 1880 م إلى ثمانين ألفا فى عام 1914 م. راجع فى ذلك: ابن خرداذبة وابن الفقيه والبلدان لليعقوبى وابن حوقل والمقدسى وفتوح البلدان للبلاذرى والرحلة لابن جبير.

2 - الانتداب البريطانى

A.S. Marmmerdji: Textes geographiques Arabes sur la Palestine parkes: The emergeace of the Jewish problem (1898 - 1939) Heyde: Ottoman Documents on Palestine بهجت عبد الفتاح [د. سورديل D. Sourdel] 2 - الانتداب البريطانى: انتهى الحكم التركى لفلسطين مع الحرب العالمية الأولى التى أدت إلى تمزيق أوصال الإمبراطورية العثمانية، تمزيقا أقرته معاهدة سيفر فى عام 1920 م، ثم مرة أخرى فى معاهدة لوزان عام 1923 م، وطلبت بريطانيا "العظمى" (التى كانت قد احتلت فلسطين فى أثناء الحرب)، من عصبة الأمم فى عام 1919 م أن تعهد إليها بإدارة هذه الأراضى فى شكل انتداب دولى (فقد دخل جنرال اللينبى القدس فى التاسع من ديسمبر عام 1917 م)، وقد وافق مجلس عصبة الأمم فى يوليه 1922 م على الاقتراح البريطانى الذى جرى تعديله فى عام 1920 م، وأصبح الانتداب سارى المفعول فى سبتمبر عام 1923 م، أى بعد عقد معاهدة لوزان (يوليه 1923 م) وقبل أن يبدأ تنفيذها (فى أغسطس 1924 م)؛ وقد نظمت هذه المعاهدة مستقبل الأراضى التى اقتطعت من الإمبراطورية العثمانية. وعلى الرغم من أن الانتداب البريطانى كان يشتمل على كل الأراضى الواقعة على جانبى الأردن، إلا أن الإدارة البريطانية المباشرة استقرت فقط فى المنطقة التى تقع إلى الغرب من النهر. أما المنطقة التى تقع فى شرقيه فكانت تشكل إمارة ما وراء الأردن (شرق الأردن) التى تتمتع بالحكم الذاتى، وتتحدد سلطاتها بمعاهدة أبرمتها مع بريطانيا. وكانت سياسة حكومة الانتداب البريطانى فى فلسطين متأثرة منذ البداية بالوعد الذى قطعته بريطانيا على نفسها لليهود بإقامة وطن قومى لهم فى فلسطين. وفى أغسطس من عام

1897 م حدد مؤتمر بازل مفهوم الصهيونية فى الصيغة التالية: "إن هدف الصهيونية هو إقامة وطن فى فلسطين للشعب اليهودى يكفله القانون العام" أما تنفيذ هذا البرنامج فقد تعهدت به منظمة صهيونية التزمت بالعمل السياسى بتشجيع خاص من بريطانيا العظمى، والتى حققت نجاحا كبيرا فى عام 1917 م عندما أعلنت بريطانيا رسميا أن "حكومة جلالته تنظر بالعطف والتأييد إلى إقامة وطن قومى للشعب اليهودى فى فلسطين، وسوف تبذل أفضل المحاولات والجهد لتسهيل تحقيق هذا الهدف، ويجب أن يفهم بوضوح أنه لن يحدث شئ قد يضر بالحقوق المدنية والدينية للجماعات غير اليهودية الموجودة فى فلسطين" (إعلان بلفور، الثانى من نوفمبر 1917 م). وقد قبلت فرنسا وإيطاليا والولايات المتحدة فيما بعد السياسة التى تحددت فى الإعلان. وبالتوازى مع الالتزامات التى أخذتها بريطانيا العظمى على نفسها تجاه المنظمة الصهيونية، كانت ملتزمة أيضا بوعود الاستقلال التى قطعتها على نفسها للشريف حسين لتشجيعه على الثورة ضد الأتراك (مراسلات حسين - مكماهون 1915 م) ومن ثم أعلنت الحكومة البريطانية أن فلسطين قد استبعدت من الأراضى التى وعدت بها العرب لدولتهم المستقلة، وأكثر من ذلك فقد ذكرت فى مذكرة تشرشل فى يونيه 1922 م -والتى قبلتها المنظمة الصهيونية- أن شروط الإعلان المشار إليه لا تتوقع أن تتحول فلسطين ككل إلى وطن قومى يهودى، وأن مثل هذا الوطن يجب أن يقام فى فلسطين "فقط". ثم قدمت للعرب توكيدات عديدة بأن حكما ذاتيا سوف يقام فى فلسطين، ولكن العرب الذين خابت آمالهم، وانزعجوا للهجرات اليهودية الحاشدة والتى وصلت فى عام 1939 م إلى أربعمائة ألف شخص، رفضوا أن

يتعاونوا مع إدارة فلسطين. وبإيعاز من اللجنة العليا لفلسطين برئاسة الحاج أمين الحسينى مفتى القدس، رد العرب بكثير من العنف، ففى أعوام 1928، 1929، 1933، 1936، 1939 م اندلعت الاضطرابات الدموية فى القدس ويافا وحيفا. وبالرغم من رد الفعل العربى إلا أن الصهاينة واصلوا جهودهم بنجاح، فدعموا موقفهم الدولى بإنشاء الوكالة اللهودية (مؤتمر زيورخ 1929 م) التى ضمت أيضا ممثلين لليهود غير الصهيونيين. وقد أزعج الموقف فى فلسطين اللجنة الدائمة للانتداب فى عصبة الأمم، التى أدانت بشدة فى عام 1930 م الإدارة البريطانية لفشلها فى أن تلبى احتياجات العرب واليهود وأن توفق بينها. وهنا أكدت الحكومة البريطانية أنه لن توضع أراض أخرى تحت تصرف المهاجرين اليهود ومع ذلك فإن هذا الإجراء قد خفت حدته بتوكيد قدمته بريطانيا للصهيونيين بأنه لن يكون هناك تحريم مطلق على شراء الأراضى بل يكتفى بفرض بعض القيود. ومع ذلك، وبسبب المعارضة القوية الصلبة من العرب، اضطرت بريطانيا التى كانت تعزز حاميتها باستمرار لإخماد أية اضطرابات، إلى تقديم تفسير أكثر تقييدا لإعلان بلفور. وبعد محاولة فاشلة للجمع بين الوفود العربية واليهودية لتسوية خلافاتهم (مؤتمر المائدة المستديرة لندن، فبراير - مارس 1939 م) نشرت الحكومة البريطانية الكتاب الأبيض (مايو 1939 م) الذى وضع حدا لشراء اليهود للأراضى وللهجرة، ووضع تصورا لإقامة دولة فلسطين بعد عشر سنوات يشترك فى حكمها العرب واليهود معًا. وهكذا استبعد الحل الذى افترضته الحكومة البريطانية بإنشاء وطن قومى لليهود، وأعقب نشر الكتاب الأبيض انفجار العنف من جانب اليهود. وازداد الموقف سوءًا فى أثناء الحرب العالمية الثانية. فاليهود الذين عاشوا بعد ما يسمى بالمحرقة تطلعوا بأمل إلى فلسطين وبدأت السلطات البريطانية تجبر المهاجرين على العودة، وقامت المنظمات السرية اليهودية بحملات من العنف ضد البريطانيين الذين أعلنوا الأحكام العرفية فى عام 1946 م. وفشلت جهود بريطانيا العظمى للتوفيق، ولذلك أحالت المسألة إلى الأمم

المتحدة، وقامت الجمعية العامة للأمم المتحدة بتعيين لجنة خاصة من عشرة أعضاء فى عام 1947 م، وبحثت تقريرها لجنة فلسطين فى الجمعية، والتى خرجت بخطة للتقسيم أقرتها الجمعية فى التاسع والعشرين من نوفمبر 1947 م، مع تصور وجود دولتين مستقلتين إحداهما لليهود والأخرى للعرب، ومنطقة دولية تشمل نطاق القدس تحت إشراف الأمم المتحدة. وقبل اليهود خطة التقسيم (مشروع التقسيم) ورفضها العرب، وقام الفدائيون العرب بمهاجمة القوات اليهودية التى كانت تبذل جهودها لاحتلال المناطق التى تحددت لها فى خطة التقسيم، واندلع القتال فى نطاق القدس، وتحقق للقوات اليهودية بعض النجاح، وتأثر الرأى العام العربى بذلك ودعا إلى تدخل الجيوش العربية النظامية، ولكن ظهرت اختلافات فى الرأى فى الجامعة العربية وبين الحكومات العربية. وبعد أن أعلنت بريطانيا انتهاء الانتداب يوم 15 مايو 1948 م، سحبت قواتها من فلسطين، وكان دافيد بن جوريون قد أعلن فى اليوم السابق مولد دولة إسرائيل. وتقدمت الجيوش العربية، ولكن اليهود واجهوها فى كل مكان، وفرض مجلس الأمن هدنة قبلها اليهود والعرب، ولكن جهود الأمم المتحدة للتوفيق باءت بالفشل، وفى ديسمبر 1948 م، بدأت المعركة من جديد ولكن مصر كانت هى الدولة العربية الوحيدة التى كانت تحارب، ذلك لأن العراق وسوريا وشرق الأردن منعوا قواتهم من الاشتراك فى العمليات الحربية، ورغم التفوق العددى للقوات المصرية إلا أنها انسحبت أمام اليهود الذين أوقفهم وقف إطلاق النار الذى فرضه مجلس الأمن بعد حدودهم بعشرين كيلو مترا. . وكانت اتفاقية هدنة بين إسرائيل ومصر التى وقعت فى رودس فى 24 فبراير 1949 م، (*) ¬

_ (*) ولكن تلك الهدنة لم تكن هدنة دائمة فى الحقيقة، ولم تكن تمثل السلام الذى يرضى للعرب، وهم يرون تشريد أكثر من 700000 فلسطينى وتحولهم إلى لاجئين يعيشون فى مخيمات أعدتها لهم هيئة إغاثة وتشغيل اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، إلى جانب الأعداد الكبيرة التى تعيش داخل "الدولة" الجديدة التى اعترف بها العالم ولم يعترف بها العرب، ناهيك بآلاف الفلسطينيين الذين هاجروا إما إلى أوربا وأمريكا واستراليا وإما إلى البلدان العربية المجاورة طلبًا للرزق ريثما -تحل المشكلة. وكانت الحرب التى دارت بين العرب واليهود سببّا فى تحولات سياسية عميقة داخل بعض البلدان العربية نفسها، وأصبح ما يسمى بقضية فلسطين القضية الأولى التى تهم العرب جميعا، =

المصادر

وتلك التى وقعت بعد ذلك على التوالى بين إسرائيل وكل من لبنان والأردن وسوريا وقد وضعت نهاية للقتال بين العرب واليهود ورسخت لتقسيم فلسطين. المصادر: " تحت الحكم الإسلامى" (1) ابن الفقيه: مختصر البلدان، ليدن 1886 ص 92 - 103. (2) اليعقوبى: البلدان، ليدن 1851 - 1876 ص 328 - 330. (3) ابن حوقل: صورة الأرض، طبعة Kyaues، ليدن 1938 - 1939 ص 111 - 113. ¬

_ = فقامت الثورة فى مصر وكان من أولوياتها العمل على تصحيح الأوضاع فى فلسطين، فجعل قادة الثورة ذلك أحد أهدافهم وبدأوا ببناء جيش قوى، وحدثت انتفاضات وطنية فى بلدان عربية أخرى وكانت تستهدف فيما تستهدف جمع شمل الأمة العربية ورفع لواء العروبة فوق أرض فلسطين، وما لبثت إسرائيل أن أحست بالخطر فقامت ببعض المناوشات على الحدود مع غيرها من الدول العربية، وارتكبت اعتداء وحشيًا على مصر فى عام 1954 وشاركت بريطانيا وفرنسا فى اعتداء سافر على مصر 1956، وهو المعروف باسم العدوان الثلاثى، فقامت جيوشها باحتلال سيناء والوصول إلى قناة السويس، ولكن العالم أدان العدوان واضطرت إسرائيل إلى الانسحاب، ثم قامت بالاعداد لغزو سوريا فى مايو عام 1967 مما دفع ثلاث دول عربية إلى الاستعداء للحرب، وأثناء التوتر الذى نشأ عقب سحب الزعيم المصرى جمال عبد الناصر من الأمم المتحدة سحب قواتها من شرم الشيخ، فاجأت إسرائيل العرب بالهجوم عليهم فاحتلت هضبة الجولان السورية، وشبه جزيرة سيناء المصرية، والضفة الغربية لنهر الأردن، التابعة للمملكة الأردنية الهاشمية، والجزء الشرقى من القدس، أى القدس العربية، وأعلنت توحيد المدينة وخضوعها لسيطرة إسرائيل إلى الأبد. وانتهت حرب 1967 بعد ستة أيام، ونتيجة لها أصبح نحو مليون من العرب الفلسطينيين يعيشون فى ظل الاحتلال الإسرائيلى فى الضفة الغربية والقدس. وسرعان ما اعترفت البلدان العربية بحركة تحرير فلسطين باعتبارها ممثلة للشعب الفلسطينى، وقد قطعت تلك الحركة على نفسها عهدًا بتحرير فلسطين وبدأت الجهود السياسية والعسكرية الرامية إلى توعية العالم بالظلم الذى وقع على الشعب الفلسطينى. وقد ظلت قضية فلسطين الشغل الشاغل للبلدان العربية حتى قام الرئيس المصرى محمد أنور السادات، بالاشتراك مع الرئيس السورى حافظ الأسد، بحملة عسكرية لتحرير الأراضى العربية فى أكتوبر عام 1973، وانتصر العرب لأول مرة على إسرائيل على الجبهة المصرية، ولكن إسرائيل كانت ما تزال تحتفظ بالسيادة على أجزاء كبيرة من سيناء المصرية ومرتفعات الجولان السورية، وانخرط العرب وإسرائيل فى محادثات مضنية لفك اشتباك القوات عام 1974، ثم أعاد الرئيس السادات فتح قناة السويس للملاحة فى 5 يونيو 1975. واستعاد =

(4) المقدسى: ص 154 - 155، 175، 180، 184. (5) البلاذرى: الفتوح، ص 138 - 144, طبعة de geoje ليدن 1866. (6) B. Lewis: Studies in the Ottoman archives-I, BSOAS, xv/3 (1934),469 - 501 (7) The survey of Western Palestine London 1884 (8) The survey of Eastern Palestine, London 1889 " تحت الانتداب البريطانى" (9) F.Babinger: Die fru hosmanischen Jahr Bucher des urudsch. Hanover 1925, 21, 110 (10) H. J. Kissling: Beitrdge zur kenntnis Thrakiens im 17. Jh., Wiesbaden 1956, 29 - 33 بهجت عبد الفتاح [شفيتكوفا منجانتى B. Cvetkova P. Minganti] ¬

_ = بذلك حقول النفط المصرية فى خليج السويس، ولكن قضية فلسطين ظلت دون حل. وفى 1978 وقعت مصر وإسرائيل اتفاقية للسلام عرفت باسم اتفاقيات كامب دافيد لأنها جرت فى ذلك المكان بوساطة من الرئيس الأمريكى جيمى كارتر، وبدأت إسرائيل الانسحاب التدريجى من سيناء، ثم اكتمل ذلك الانسحاب فى عام 1982, وكانت الاتفاقية تنص على منح الحكم الذاتى للفلسطينيين المقيمين فى الضفة الغربية وغزة، على مدى خمس سنوات، وكان المقرر فى هذه الاتفاقية أيضًا تمكين الفلسطينيين من تقرير مصيرهم بأنفسهم، ولكن لكك الأحكام الواردة فى الاتفاقية لم يكتب لها التنفيذ. ونفذ صبر الفلسطينيين المقيمين فى ظل الاحتلال، فهَبّ الجميع كبارًا وصغارًا فى وجه السلطات الإسرائيلية فيما يعرف بالانتفاضة عام 1987، واضطرت إسرائيل إلى الاعتراف بحق الفلسطينيين فى الحكم الذاتى، وبدأت محادثات جديدة مع القادة العرب، أدت إلى توقيع اتفاقية تعترف فيها إسرائيل بأن منظمة التحرير الفلسطينية هى الممثل الشرعى الوحيد للشعب الفلسطينى بقيادة ياسر عرفات عام 1993 م ومن ثم وقعت إسرائيل مع المنظمة اتفاقية تتضمن خطة جديدة لمنح الحكم الذاتى للفلسطينيين، وانسحاب القوات الإسرائيلية من الضفة الغربية وقطاع غزة، وفى مايو 1994 انسحبت القوات الإسرائيلية من مدينة أريحا بالضفة الغربية ومن معظم أراضى قطاع غزة. ولكن تنفيذ بقية البنود الواردة فى الاتفاقية قد تعثر، مما جعل الموقف يتأرجح بين التشدد والتصالح بين الجانبين، ولكن إنشاء السلطة الفلسطينية بقيادة ياسر عرفات كان بشيرًا ببداية حصول أبناء فلسطين على الحكم الذاتى، وتتويجًا لجهود القادة العرب، وخصوصًا الرئيس المصرى حسنى مبارك، فى العمل على إيجاد تسوية نهائية للقضية الفلسطينية ومع نهايات القرن العشرين بدأت تلوح بوادر الحل السلمى بسبب تركيز أنظار العالم خصوصًا فى عام 1998 على قضية فلسطين. د. محمد عنانى

فلسفة

فلسفة 1 - أصلها: أصل كلمة فلسفة يونانى وبدأ النشاط الفلسفى فى الحضارة الإسلامية مع الترجمات العربية للنصوص الفلسفية الإغريقية (التى نقلت إما عن هذه اللغة مباشرة أو عن طريق السريانية) ولم يكن الفكر الفلسفى محل ترحيب أبدا من أهل السنة -لذلك خطت الفلسفة الإسلامية أولى خطواتها لدى مفكرين تأثروا بالفرق وبصفة خاصة الشيعة فلقد تشبثت هذه الفرق بالأفكار الغنوصية بعضها هلينى والآخر إيرانى إذ كان لفارس -منذ عصر الإسكندر- تأثير على الجوانب الدينية والفلسفية فى الجزء الشرقى من حوض البحر المتوسط. وقد عرف المسلمون الذين يتحدثون العربية الفلسفة الإغريقية متمثلة فى أرسطو بوصفه الأوج الذى بلغته هذه الفلسفة ولم يأت بعدها سوى شراح أو أعمال كتبت تحت تأثيره المباشر. بل إن الأفلاطونية الجديدة نفسها لم تكن بمنأى عن التأثير الأرسطى بصفة عامة. واتخذت الفلسفة عند العرب شكل التوفيق، وهو شكل ظهرى لدى الرواقيين الذين أتوا بعد أعلام الفلسفة الإغريقية الكبار، وكان لها تأثيرها البالغ على تطور الأفلاطونية الجديدة. ولكن من الصعب أن نفترض أن الفلسفة بشكلها التوفيقى كانت تجهل الفروق بين أفلاطون وأرسطو أو بين الشراح بعضهم البعض أو أنهم كانوا توفيقيين سلبيين، بل كان التوفيق عندهم نوعا من التركيب أو البناء الذى يختلف باختلاف الكاتب. ولم يكن بوسع الفلسفة فى صورتها البدائية أن تتحول إلى فرقة من الفرق إلا إذا استمدت من الفلسفة الهلينستية أو ما بعد الهلينستية الشكل المشترك والمفهوم العام لتصور العالم، واستمدت منها النظرية الشاملة التى تفسر الروح والنفس والإنسان والمعرفة الإنسانية مع استخدام المصطلحات الفنية التى كانت تستخدمها المدارس الفلسفية. أما من حيث التفاصيل فسوف نجد أن كل فيلسوف له خياره الخاص به داخل إطار البنية المشتركة.

2 - الاستفادة من المصادر اليونانية

2 - الاستفادة من المصادر اليونانية: يذكر ابن القفطى (568/ 646 هـ - 1172/ 1248 م) سبع فرق يونانية فى الفلسفة اليونانية، ولكنه يصنفها فى قسمين رئيسيين، أحدهما يشايع فيثاغورس، والآخر يشايع أفلاطون وأرسطو. ويرى أن فريقا يهتم بالفلسفة الطبيعية مثل فيثاغورس وفريقا آخر يهتم بالفلسفة السياسية مثل أفلاطون وأرسطو وأن هذه القسمة ترجع إلى أرسطو، غير أنه لا يجعل منهما شطرين منفصلين عن بعضهما تمام الانفصال ويرى الفلاسفة المسلمون أن الفلسفة قد بلغت أوجها عند أرسطو تلميذ أفلاطون وهى دراسة مركبة تتناول العالم الشامل فى علاقته بالحياة الإنسانية وتتناول الإنسان بوصفه كائنا وسط العالم الشامل وتضع مفهوما لهذا العالم باعتباره الوسيط الذى يحقق الإنسان من خلاله الهدف الأسمى وهو الكشف من جديد عن مبدأ وجوده، على أن تكون أداته فى ذلك المعرفة والفضيلة. ولقد كان الدافع وراء نشوء الفلسفة الإسلامية دافعا دينيا فى طبيعته، حيث رفضت هذه الفلسفة بشدة نموذج الفكر الإغريقى الذى ينكر وجود الخالق، وهو نموذج يتمثل فى المدرسة الطبيعية (أو الدهريين كما يسميهم القفطى) إلا أن الطبيعيين ينقسمون إلى قسمين هما الماديون الخلص وهم مرفوضون، والإلهيون مثل فيثاغورث وأفلاطون. أما أرسطو فى كتابه الميتافيزيقا فلم يكن الإله عنده علة فاعلة بل هو الغاية وليس المبدأ، هذا ما جاء فى الميتافيزيقا الأرسطية، ومن هنا تقدم الأثولوجيا أى كتاب الربوبية المنسوب لأرسطو الحل وإن كان يتحدث عن الصفات الإلهية لا عن عملية الخلق. ومن السهل أن ندرك -فى ضوء هذا- أن الأفلاطونية الجديدة إذ تجسد كل وجهات النظر هذه فى نسق واحد يمكن أن تكون بمثابة الصيغة النهائية لمثل أعلى فلسفى ينسجم مع المثل الأعلى الدينى التقليدى. ومن ناحية أخرى كانت هناك مدرسة أرسطية التزمت بمبادئ أرسطو وحصرت نشاطها فى إطار تصحيح أخطائها وتلافى نقاط ضعفها وإيضاح ما غمض منها وإزالة تناقضاتها وقد

3 - ترسيخ الفلسفة الإسلامية

ظهر أثر هذه المدرسة الأرسطية فى الغرب الإسلامى على فلاسفة مثل ابن باجة وابن رشد، وبعض فلاسفة المشرق مثل فخر الدين الرازى. 3 - ترسيخ الفلسفة الإسلامية: كان إذن للترجمات الأهمية الأولى فى نشأة الفلسفة الإسلامية ولكن مولدها يرجع أيضا إلى أن القائمين على الترجمة كانوا من المفكرين دوى الأصالة. إذ كانوا يذيلون الترجمة بعمل أصيل من تأليفهم إما أنه شرح أو تعليق. ومن هنا التقط قسطا بن لوقا اللغة الاصطلاحية التى وردت فى الترجمات واستفاد منها فى تآليف من وضعه، وابن النديم (ت 386 هـ - 996 م) يقدر قيمته كفيلسوف -فلقد كشف قسطا عن دقة فائقة فى التحليل وروح تركيبية أتاحت له الاستفادة من علوم مختلفة فى معالجة موضوعاته- وجدير بالملاحظة أن مفكرا مثل الكندى الذى يُنظر إليه بعد وفاته نظرة تقدير كفيلسوف وعالم كان مترجما أيضا. فضلا عن أن الفلاسفة المسلمين قد انكبّوا على وضع شروح للنصوص اليونانية. ولذلك فإن الفلسفة الإسلامية لم تحذ حذو الأعمال المترجمة وشروحها بل هى وُجدت فى خضم هذه الأعمال وكانت امتدادا لها. ولم تكن مصطلحاتها تدون على سبيل التدريب اللغوى البحت. لقد اكتسبت الفلسفة الإسلامية نوعا من تحديد الملامح حين اضطلعت بمهمة تجمع بين الترجمة والشرح أو التعليق والتأملات الشخصية والأمثلة التطبيقية. 4 - الطور الأول للفلسفة الإسلامية: يمكن تسمية هذه المرحلة بالطور السينوى نسبة إلى (ابن سينا)، فقد تحددت ملامحها فى الشرق من القرن الثالث هـ/ التاسع م وحتى الخامس هـ/ الحادى عشر م على يد الكندى والفارابى وابن سينا وهى مزيج مركب من الميتافيزيقا المستمدة من الأفلاطونية الجديدة، والعلم الطبيعى والتصوف، أى أفلوطين مضافا اليه جالينوس وأبو قليس. وهذا الطور من الفلسفة الإسلامية يتميز تميزا تاما عن علم الكلام السابق عليها عند المعتزلة. وعلى الرغم من أنها ترحب بإعادة اكتشاف

النصوص أو الأفكار القرآنية إلا أنها لا تجعل منها نقطة انطلاق، بل تقدم نفسها بوصفها منهجا للبحث له استقلاليته عن العقيدة دون أن يعنى ذلك رفضها أو تجاهلها. ومع ذلك فإن مشاكلها لم تنفصم عراها عن مشكلات علم الكلام. ومن أجل الحفاظ على مفارقة الذات الإلهية للمخلوقات ميّز المعتزلة بين الماهية والوجود بالنسبة للكائنات المخلوقة. أما الذات الإلهية فيتوحد فيها الوجود والماهية وفعل الخلق عندهم ذو معنى ايجابى فهو يعنى نقل الماهية من العدم إلى الوجود، أى لم يكن فيكون. والفلسفة الإسلامية فى طورها الأول تقوم على أنطولوجيا تميز نفس التمييز بين الماهية والوجود بالنسبة لكل الموجودات إلا الذات الإلهية. ولكن يمكن القول إن هذه الفلسفة تضم مفهومين متناقضين، فهناك المبدأ الأول الذى تنطوى وحدته على ماهيات ووجود الموجودات معا وبالتالى فثمة استمرارية بين الذات الإلهية والموجودات (نظرية الفيض). ولكن هناك أيضا عدم استمرارية بين ما هو ضرورى وما هو ممكن من الموجودات. والموجودات الممكنة ممكنة إذا نظرنا إليها فى ذاتها ولكنها موجودات ضرورية إذا نظرنا إليها فى علاقتها بالمبدأ الأول. يمكن القول أيضا بأن هناك استمرارية كونية بين العالم ومصدره (نظرية الفيض) وصولا إلى شكل من أشكال الوحدانية. بينما يوجد نوع من الفجوة الوجودية (الأنطولوجية) بين ما هو ضرورى وما هو ممكن أو عارض وصولا إلى تأكيد مفارقة الذات الإلهية للموجودات. تحدثنا عن بعدين للفلسفة الإسلامية فى طورها الأول هما الكوسمولوجيا والانطولوجيا ولكن ثمة بعد ثالث هو البعد الصوفى -وهذا البعد الصوفى يتمثل فى النموذج أو النسق الفلسفى الذى قدمه ابن سينا- إن البعد الوجودى يعلّم الإنسان أن وجود مصدره اللَّه، والبعد الكونى يمده بالمسيرة الروحية، أما التجربة الصوفية فتتيح له التحقق من مواصلة هذه المسيرة الروحية، ولذلك كانت الكلمة الأخيرة رهنا بهذه التجربة. كذلك؛ اهتمت الفلسفة الإسلامية بالمشكلات

5 - رد فعل الغزالى

السياسية والمشكلات الدينية ومشكلات العالم الإسلامى فى ذلك الوقت. فالمدينة بتنظيمها المؤقت لها هدفان أحدهما تحقيق الخير والرفاهية والآخر الإعداد للحياة المستقبلية. 5 - رد فعل الغزالى: البعض يرى فى الغزالى مفكرا رجعيا وضع نهاية لازدهار فكر الفلاسفة العقلانى، وأعلى من شأن علم الكلام الذى يخدم العقيدة. والبعض الآخر يرى فيه شخصا حلّق بجناحى الفكر الصوفى فحارب فرقة الباطنية. وأيا كان تقييمه فلابد من الاعتراف بقيمة أعماله فقد أدخل الفلسفة الإغريقية إلى حلبة الفكر السنى من خلال تطويره لفكر الأشعرية وفى نقده للفلسفة. كما أنه أدان الاتجاهات الغنوصية التى تتعارض مع روح القرآن، غير أنه ظل بدون شك واحدا من المتكلمين. والنقاط الرئيسية التى يدور حولها نقده للفلسفة تتمثل فى (أ) بعث الجسد ومادية الثواب والعقاب فى الآخرة (ب) خلق العالم من العدم وأن وجوده ممكن أى ليس واجبا بذاته. (جـ) معرفة اللَّه بالجزئيات. 6 - الطور الثانى للفلسفة الإسلامية: أو مرحلة ما بعد الغزالى حيث نجد فى المشرق فخر الدين الرازى وفى المغرب ابن باجة وابن طفيل وابن رشد، ويتميز هذا الطور من ناحية بتنوعه إذ لا نجد فيه الحرص على وحدة الأفكار على نحو ما كان فى الطور الأول. ومن ناحية أخرى نجد أن الفلسفة فى هذا الطور أصبحت أكثر اندماجا فى الثقافتين العقلية والروحية اللتين تحققتا للإسلام على مر القرون. فعلوم الكلام والقانون والتفسير والتصوف أضحت تكون نسقا راسخا وثريا من حيث المحتوى ومن حيث التأثير، بينما الفلسفة الإسلامية فى طورها الأول تحدد ملامحها فى وقت كانت فيه باقى الأنشطة العقلية لا تزال تتلمس لنفسها الطريق الصحيح ولم يكن ثمة نشاط عقلى قد احتل مكانة راسخة فى ذلك الوقت سوى فكر المعتزلة -ومن أعلام الفلسفة الإسلامية فى الغرب ابن باجة الذى كان أقلهم اصطباغا بالروح الدينية، ويعد كتابه "تدبير المتوحد" تصويرًا للعزلة المثالية عن جماهير الناس من أجل التأمل الذهنى البحت،

وفى كتابه "رسالات الاعتزال" يرينا كيف يمكن التوحد مع العقل الفعال من خلال دراسة الفرد منذ أن كان جنينًا إلى أن يبلغ حياة التأمل، وتعد هذه سيكلوجية للمعرفة. وهذا البعد التطورى فى فكر ابن باجة يظهر مرة أخرى عند ابن طفيل حيث نستطيع أيضا التعرف على أثر "إخوان الصفا" فى فكره فقد حاول تصوف ابن طفيل أن يمضى خطوة أبعد من مجرد التأمل كما هو الحال فى تصوف ابن باجة وذلك لاستلهامه من كلّ من ابن سينا والغزالى. أما ابن رشد فإنه لم يرد برده على كتاب "تهافت الفلاسفة" أن يدافع عن فلسفة ابن سينا بل كان هدفه أن يضع أفكاره الخاصة والتى استلهمها مباشرة من أرسطو وشراحه المشائين. ولقد تناول الكثيرون الفلسفة الرشدية بالدرس والمناقشة. فبعضهم مثل رينان يرى أنه عقلانى خالص، ويرى جوتييه أن ابن رشد يرفض علم الكلام الذى يحصر نفسه فى نطاق النصوص الدينية وحدها ولكن ابن رشد يسمح بوجود الفهم الحرفى للعقيدة بالنسبة للجمهور غير المتعلم (جمهور العوام) الذى يتأثر بالصور البلاغية، أما الفلاسفة فينبغى عليهم اخضاع كل شئ للبرهان القاطع وقد قسم العقل إلى درجات ثلاث: "برهانى وجدلى وخطابى". وفى المشرق كان فخر الدين الرازى وهو أشعرى مثل الغزالى، إذ اتخذه مرشدا له، ولكنه ظل فى نفس الوقت مولعا بفلسفة ابن سينا وهو ينتقد المعتزلة، ولكنه يستعير منهم ما يمكنه الاستفادة به -كما أنه يهاجم الفرق المتطرفة ولكنه لا يحطم الجسور التى تصل بينه وبينهم. فنظرته مسالمة رغم عنف مجادلته. ووهب مقدرة عظيمة على المزج والتركيب ولعلنا نجد عنده النسق الفلسفى الذى يتسم بأكبر قدر من الثراء واتساع الأفق والانفتاح -فهو يشرح ابن سينا ويصحح أفكاره فى نفس الوقت- واستطاع أن يقيم وحدة تتميز بالعمق بين علم الكلام والفلسفة. وهو مثل الطوسى قد درس فكرة المعتزلة عن "الحال" وعلاقة هذه الفكرة بمشكلة الصفات الإلهية -ويرى أن العقل الفلسفى بوسعه أن يجمع الأفكار لكى تنتظم فى نسق متسق، ولكن الوحى هو الذى يفصح عن

7 - التراث السينوى فى فلسفة الإشراق

حقيقته آخر الأمر- إن النص المقدس من شأنه أن يثير أفكارا فلسفية لذلك يختلف الرازى عن ابن رشد اختلافا بينا من حيث طريقته فى التناول، فهو لا يلتمس العون من العقيدة وعلم الكلام وحدهما فى معالجة بعض المشكلات الصعبة -ومن رأيه أن الفلسفة وعلم الكلام يتعايشان معًا كما أن كلاهما يتداخل مع الآخر. 7 - التراث السينوى فى فلسفة الإشراق: لم تصادف مؤلفات الغزالى قبولا اجماعيا لدى كل المسلمين بل كانت هناك دوائر -وبصفة خاصة ذات الاتجاهات الشيعية- قاومت نقده، وعملت على تطوير الجانب الصوفى فى فكر ابن سينا من أجل الوصول إلى وحدة فلسفية تجمع بين الفلسفة ذات الطابع السينوى وعلم الكلام الذى يستلهم الغنوصية. وأكبر ممثل للفلسفة الإشراقية هو "السهروردى" (ت 578 هـ/ 1191 م) الذى تأثر فلسفيًا بابن سينا ولكنه استفاد من المفاهيم الأرسطية عند عرضه لأفكاره الصوفية وكانت لها مكانة هامة فى هذا العرض. وعلى المستوى الفلسفى كان نصر الدين الطوسى (ت 672 هـ/ 1273 م) الذى اضطلع بمهمة الدفاع عن فكر ابن سينا ضد الرازى وإن كان دفاعه هذا لا ينطوى على ولاء مطلق لابن سينا، فقد أنكر التمييز بين الماهية والوجود، كما أننا نجد فى نهاية المطاف نوعًا من الوحدانية الصريحة لدى السهروردى والطوسى وقدمت وتطورت هذه الفلسفة الوحدانية فى المناطق الإيرانية حيث كانت تكتب باللغة الفارسية وظلت حية ومزدهرة لمدة طويلة. 8 - الفلسفة الإسلامية بوصفها فلسفة مدرسية (اسكولانية): على الرغم من وجود أسماء لامعة تزين سماء الطور الأخير للفلسفة الإسلامية، إلا أنه ينبغى أن ندرك أن المفكرين سيصبحون من الآن فصاعدا مجرد مستقبلين للأفكار ومتمكنين منها فحسب، وإن كانوا يعملون على تطويرها فى اتجاهات متنوعة مما يجعلها مثيرة للاهتمام ولكنها لا تكشف عن إبداع حقيقى. لقد اكتملت

9 - إضافة وخاتمة

الآن مراحل الوحدة التى تجمع الفلسفة مع علم الكلام. ويأتى على رأس كل مرحلة فى هذه العملية. قطب الدين الرازى (ت 765 هـ/ 1264 م) والايجى (ت 756 هـ/ 1355 م)، فعلم الكلام فى رأيهما يتضمن مسائل ميتافيزيقية وعمليات منطقية. ويبدو ظهور الأيجى فى هذا الطور بوصفه قائد مدرسة تخرج مريدين سوف تتفرق بهم السبل بعد التخرج، فبعضهم مولع بالأشعرى وآرائه التقليدية مثل الجرجانى (ت 816 هـ/ 1413 م) وبعضهم الآخر يظل على ولائه لابن سينا مثل سيف الدين الأبهرى (القرن الثامن الهجرى/ الرابع عشر الميلادى) والفنارى (ت 886 هـ/ 1481 م) والسيالكونى (ت 1069 هـ/ 1659 م) وبذلك استؤنفت من جديد المناقشات الباكرة التى كان محورها التضاد بين ابن سينا والغزالى. ونجد فى هذا الطور من أنصار ابن سينا جمال الدين الحلِّى (ت 721 هـ/ 1326 م) وهو من زعماء الإمامية، والقشجى (ت 749 هـ/ 1348 م) أما من تابع خطى الغزالى وهاجم مدرسة ابن سينا بروح المتكلمين الأشاعرة، فمنهم الأصفهانى (ت 749 هـ/ 1348 م) التفتازانى (ت 791 هـ/ 1389 م). إن الطابع المدرسى (الأسكولانى) للفلسفة الإسلامية فى هذا الطور هو الذى يجمع كل هذه الاتجاهات رغم تشعبها وتنوعها. وقد تعددت الشروح التى لم تعد مقصورة على النصوص اليونانية بل تعدتها إلى النصوص العربية والفارسية. فقد كتب الجرجانى شرحًا لـ "المواقف" للأيجى، والدوّانى كتب شرحا للسهروردى و"العقائد"، وكذلك الأيجى بينما كتب الفنارى شرحًا للفارابى. إن الفلسفة الإسلامية فى هذا الطور تعد مدرسية لأنها أيضًا اتخذت منهجًا للعرض من شأنه أن يؤدى إلى أقسام والأقسام إلى فروع. وهو منهج لم يكن جديدًا هنا ولكنه ازداد اهتمامًا بالشكل. 9 - إضافة وخاتمة: لن نعدد أسماء الفلاسفة الذين تبنوا منهج علم الكلام فى الطور الأخير لأن القائمة طويلة ومملة، ويكفى أن نذكر الأعمال التى ألفت فى القرون السابقة

والتى لا تدخل على وجه الدقة ضمن فئة الفلسفة رغم طابعها الفلسفى. فالأشعرى الباقلانى والجوانى والظاهرى ابن حزم كتبوا عن مسائل فلسفية خالصة ولكن من وجهة نظر علم الكلام (مثل نظرية العلية ومذهب الذرية عند الباقلانى). كذلك رسائل إخوان الصفا جديرة بالذكر، فهذه الرسائل قد تناولت بالتطوير أفكارا فيثاغورية، وفيها الكثير مما يدل على الأصالة وتوشك أن تدخل فى رحاب مدرسة ابن سينا رغم بساطة تعبيرها. وابن ميسرة الذى درسه أسين بلاسيوس والذى تأثر بفلسفة امبادقليس والصوفية الباطنية، وجدير بالملاحظة أنه لكى ندرس الأفكار الفلسفية التى راجت فى الإسلام -لا الفلسفة من حيث هى كذلك- فلا بد من دراسة أثر المفاهيم اليونانية على حكماء مثل على الطبرى وأبى بكر الرازى وآخرين غيرهما -وكل من أراد دراسة أثر الفيثاغورية فى المفاهيم الكيميائية عليه ألا يهمل جابر- كذلك دراسة نظريات النحويين ولاسيما ابن جنى سوف تمدنا بمعلومات هامة عن أثر الأفكار اليونانية فى النحو العربى. وفى مجال الأخلاق لابد أن نذكر ابن مسكويه، أما أبو حيان التوحيدى فهو بحق ممثل الثقافة الفلسفية فى المشرق فى القرن الرابع الهجرى (العاشر الميلادى). والخلاصة أن الفلسفة الإسلامية كانت تركز تأملاتها فى تراث اليونان، ولم تكن فى بدايتها من قبيل الدفاع عن العقيدة مع استخدام الفلسفة الهلينية لشرح هذه العقيدة وتبريرها. إن الفلسفة الإسلامية بدأت لدى مسلمين ذوى ميول شيعية تريد ايجاد تناسق بين حياتهم الروحية وحياتهم العقلية دون تناقض أى أنهم كانوا يهدفون إلى ايجاد نوع من النزعة الإنسانية الدينية بكل ما انطوت عليه هذه النزعة الإنسانية من حرية العقل. ثم أخذت فى التطور بداية على مقربة من علم الكلام ثم انتهت آخر الأمر إلى الامتزاج به. وعندئذ فقط بدأت الفلسفة تحمّل نفسها عبء الدفاع عن العقيدة أو قل العكس أخذت العقيدة تنير المعرفة وتدعمها. أما تصوف الإشراق فهو وحده الذى

المصادر

احتفظ بروح الإنسانية البدائية لدى ابن سينا (الإنسان الكامل). ولقد نشرت الفلسفة الإسلامية -عبر تطورها- الأفكار اليونانية فى كل مجال من مجالات الفكر ولكنها انتهت بأن أصبحت نشاطا مدرسيا -ولعل هذا التدهور هو الذى ألهم ابن خلدون ملاحظاته حول الآثار السلبية للتعليم فى العالم الإسلامى. إذ يبدو هذا المفكر العظيم -على الأقل فى "المقدمة"- بوصفه أعمق الفلاسفة المسلمين عقلانية وظهر على يديه الاهتمام من جديد بالفلسفة السياسية ولكنه تخلص تماها من الآثار الأفلاطونية الجديدة -ويمكن القول إنه أنهى الفلسفة الإسلامية بتحقيق مثله الأعلى. المصادر: (1) عبد الرحمن بدوى: أرسطو عند العرب، القاهرة، 1947. (2) المؤلف نفسه: منطق أرسطو، القاهرة 1947 - 52 (3) المؤلف نفسه: الأفلاطونية الجديدة عند العرب القاهرة 1955. (4) المؤلف نفسه: الأصول اليونانية للنظريات السياسية فى الإسلام، 1954. (5) ابن رشد: تهافت التهافت. (6) M. Mahdi: Al Farabis Philosphx of Aristotle, Beirut 1961 (7) W.M. Watt: Islamic Philosophy and theology, London 1962 (8) R. Walzer: Greek into Arabic Essays on Islamic Philopophy, Oxford 1962 سعيد عبد المحسن [د. أرنالديز R. Arnaldez] الفلقة ويقابلها فى التركية كلمة فلاقة، وفلق، أما فى الفارسية فهى فلكة وفلك وأما عند المغاربة فهى قَرْمة وأرمة. إحدى أساليب العقاب التى يؤثرها معلمو الكتاتيب فى تأديب الأطفال، ويكون ذلك بضرب التلميذ بالعصا على باطن قدميه ضربا كثيرا أو قليلا بما

يتفق وما ارتكب من ذنب، ويقوم واحد أو أكثر من المساعدين الذين يعرف واحدهم بالعريف بشل حركة قدمى المذنب باستخدام أداة تسمى بالمقطرة، ولكن الأغلب تسميتها بالفلقة التى يوجد منها ثلاثة أشكال، أولها: ما يكون على شكل لوح خشبى غليظ به ثقبان على هيئة آلة تعذيب، وأما الصورة الثانية للفلقة فعبارة عن عمودين متصل كل منهما بالآخر عند إحدى نهايته، ويمكن بشدهما الواحد إلى الآخر الضغط على رسغى القدم. وأما الشكل الثالث من أشكال الفلقة فعمود ضخم به حبل مثبت عند نهايتيه، حيث توضع القدمان بين الحبل والعمود ثم يدار العمود فيضغط على القدمين. ويرجع تاريخ وجود الفلقة فى العالم العربى إلى القرن الرابع الهجرى (العاشر الميلادى) وهناك حتمال بأنها كانت مستخدمة فى النصف الشرقى من منطقة البحر المتوسط منذ زمن قديم جدا ولكنها كانت تسمى بأسماء أخرى. ومع أنه لا يستبعد أن تكون الفلقة قد استعملت فى الشرق ولاسيما عند الأتراك كوسيلة من وسائل التعذيب عند جميع أصحاب السلطة على اختلاف أنواعهم إلا أن استعمالها فى شمال إفريقية كان قاصرا على مدرسى المدارس، ولا يزال هذا الاستعمال سائدا على صورة كبيرة فى المغرب وليس قاصرا على المسلمين فقط بل أيضا فى مدارس التلمود. وربما كان من الطريف أن نذكر أن البيزنطيين كانوا يستعملون أداة مثلها إلا أن استعمالها بطل منذ سنة 1829 م وظهر أنها كانت مستعملة فى المدارس الابتدائية اليونانية التى تشبه فى مناهجها وطرق تدريسها أمثالها المستعملة فى الكتاتيب. وأصلها اللغوى مشكلة فهى مشتقة من الحروف "ف ل ق" التى يعنى بها "الشق"، والفلق (بكسر الفاء) قضيب يشق نصفين. والمدارس اليونانية ترى أن الأصل اليونانى ليس له وجود لا فى الموضوع ولا بالنسبة للكلمة قبل زمن الفتح التركى.

المصادر

المصادر: (1) ابن سحنون: كتاب آداب المعلمين، تونس 1931. ترجمها إلى الفرنسية لاكوم G. Lecomte تحت عنوان Le Livre des regles de conduite des mautes d,ecole د. إبراهيم شعلان [ج لوكوم G. Lecomte] فلك الاسم المستخدم فى القرآن الكريم عادة للدلالة على السفينة (ورد اسم السفينة أربع مرات فقط فى القرآن الكريم) وقد ذكر تسخير اللَّه للماء ليحمل السفن فى عدة آيات كدليل على فضل اللَّه ورحمته (إبراهيم آية 32؛ النحل آية 14؛ الإسراء آية 66؛ لقمان آية 31؛ فاطر آية 12، يس آية 41. . الخ). وكلمة الفلك تدل بصفة خاصة على سفينة نوح (عليه السلام)، ويعطى القرآن الكريم التفاصيل عنها، ولكننا نجد فى تاريخ الأنبياء جميع التفاصيل الهامة عن بناء سفينة نوح ومعداتها. فبأمر من اللَّه بدا نوح بزراعة الشجر اللازم لبناء السفينة فزرع شجر الساج Sadj, وفى خلال السنوات الأربعين التى مرت على هذه الأشجار لتنمو لم يولد طفل على الأرض. وعندما سأل نوح ربه عن هيئة السفينة، أمره اللَّه أن يصنع الجزء العلوى والخلفى على هيئة الديك، وكذلك يصنع جسم السفينة على هيئة جسم الطائر، وأن يصنعها من ثلاث طبقات. وتختلف المصادر فى أبعاد السفينة، فيقول "أهل الكتاب" إن طولها كان 80 (هكذا) ذراعا وعرضها 50 وارتفاعها 30، وفى رواية أخرى كان طولها 660 وعرضها 330 وارتفاعها 33 ذراعا. وقد ثبتت ألواحها بمسامير بالطريقة المعتادة (ذات ألواح ودسر، سورة القمر آية 13) وطليت بالقار (الزفت) من الداخل والخارج؛ وقد فجر اللَّه عينا من القار لهذا الغرض. وذات يوم سأل الحواريون عيسى (عليه السلام) أن يحيى لهم رجلا من زمن نوح ليصف لهم السفينة، فأحيا لهم سام (أو خام طبقا لما رواه الطبرى، جزء 1 صفحة 107)

المصادر

ابن نوح (عليه السلام) فأخبرهم أن طولها كان 1200 ذراع وعرضها 600 وأنها كانت من ثلاث طبقات، واحدة لذوات الأربع والثانية للطيور والثالثة للناس. وعندما تراكمت الفضلات حتى تأذى منها الناس، أمسك نوح (عليه السلام) بذيل الفيل فخرج منه زوج من الخنازير التهم الفضلات، وعندما تكاثرت الفئران إلى درجة مزعجة، ضرب نوح (عليه السلام) جبهة الأسد فخرج من منخريه زوج من القطط ففتك بالفئران، وطبقا لما ورد فى القرآن (سورة هود، آية 44) فقد رست السفينة على جبل الجودى. المصادر: بالاضافة إلى المصادر التى وردت فى المادة نذكر: أبو يحيى زكريا القزوينى: عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات طبعة F. Wustenfeld (جزءان, Gotingen، 1848/ 1849. انظر على الأخص الجزء الأول) ترجمها إلى الألمانية H. Ethe باسم Die Wunder der Schopfung, heipig 1868 حسين أحمد عيسى [و. هارتنر W. Hartner] فلكى شروانى هو محمد فلكى الشاعر المشهور فى شروان وتلميذ الخاقانى وله ديوان شعر بالفارسية ولكنه مفقود وإن عثر على 1512 بيتا منه وتم طبعها. عاش الفلكى تسعة وأربعين عاما من 501 هجرية/ 1108 ميلادية إلى 550 هجرية/ 1155 ميلادية وشابه أبا العلاء والخاقانى -فكان شاعر بلاط شيروان شاه أبى الهيجاء فخر الدين مينوشهر الثانى (11 Minucihr) الذى خلف أباه فريدون Faridim) الأول على شروان فى سنة 514 هجرية / 1120 ميلادية، وحكم سبعا وثلاثين سنة حتى عام 551 هجرية/ 1156 ميلادية وإن الرواية التى ذكرها معاصره خاقانى من أن فلكى شروان لم يعش طويلا وإن مينوشهر حكم نيفا وثلاثين سنة لهى رواية تعوزها الدقة ذلك أنه يمكن رد إحدى قصائده إلى سنة 521 هـ/ 1127 م وأخرى يعزى فيها مينوشهر الثانى فى وفاة زوج أخته ديمترى ملك

المصادر

جورجيا السابق الذى مات بين عامى 549، 551 هجرية/ 1154، 1156 ميلادية، ولم نعثر فى أى مكان على أن الفلكى ذكر موت مينوشهر الثانى وكان يمكن أن يفعل ذلك لو أنه عاش بعده ولكنه يصف لنا كيف أن مينو شهر هزم قبائل "الآلان والخزر" فى الحقيقة هم البقباق، وكيف أنه بمساعدة ميرطوغان أرسلان (حاكم أرزن وبدْليس 532 هـ/ 1138 م) استولى على قسم من "ادَّان" من تصرت الدين أرسلان بيهى سلطان مراغة من سنة 530 إلى 570 هجرية 1136/ 1175 ميلادية وذكر أيضا أن مينوشهر الثانى بنى مدينتى كردمان وسعدون وأعاد بناء سد الباقلانى بعد أن خربه الطوفان فى سنه 532 هجرية/ 1138 ميلادية. وقد قاسى الفلكى الحبس ولكنه من ناحية أخرى أمضى فترة من حياته مطمئنا إلى الاشتغال بالفلك الذى كان متعته ويقول الخاقانى عنه إنه عرف سر السموات السبع لكفاءته فى عشرة علوم. المصادر: (1) هادى حسن - الفلكى حياته وأعماله 1929 ميلادية. (2) ديوان الفلكى 1930. (3) أبحاث فى الأدب الفارسى ص 12 - 94 حيدرآباد الدكن 1928 ميلادية. (4) م. بروست M.Brosset تاريخ جورجيا، جـ 1 ص 364 طبع بطرسبورج 1849 م. (5) د. أ. د. الن Allen تاريخ أهالى جورجيا ص 101 طبع لندن 1932 ميلادية. د. إبراهيم شعلان [هادى حسن Hadi. Hasan] الفلكى، محمود باشا ولد محمود الفلكى باشا سنة 1230 هجرية (1815 ميلادية) فى قرية الحصة بمحافظة الغربية. تلقى تعليمه الأولى فى الإسكندرية ثم وجه اهتمامه منذ البداية للتخصص بمدرسة الفنون التطبيقية (المهندسين) فى بولاق التى أنشأها محمد على باشا سنة 1850

المصادر

ميلادية، ثم أرسل إلى باريس ليتخصص فى علم الفلك تحت إشراف اراجو Arago وعاد إلى القاهرة سنة 1859 ميلادية، ثم رأس فريقًا كان الخديوى سعيد قد قرره لمسح أرض مصر ورسم خرائط لها، وعاش طويلا حتى رأى هذا العمل وقد أوشك كله على الإنجاز، كما رأى القسم الخاص بالصعيد وقد تم طبعه. وترك محمود باشا الفلكى مجموعة من المؤلفات بالعربية والفرنسية أحصاها من ترجموا له، وقام بتمثيل الحكومة المصرية فى المؤتمر الجغرافى المنعقد فى باريس سنة 1875 ميلادية والبندقية عام 1881 ميلادية وحاز رتبة الماسونية (الأحرار) وصار عضوا بالمجمع المصرى، كما اختير فى النهاية رئيسا للجمعية الجغرافية بالقاهرة، وتقلد وزارة الأشغال العامة لمدة شهرين ثم أبعد من هذا المنصب بسبب أحداث 1882 ميلادية وعين بعد ذلك وكيلا فوزيرًا للتعليم (وزارة المعارف العمومية) ومات 1303 هجرية (نوفمبر 1885 ميلادية). المصادر: (1) خير الدين الزركلى: الأعلام جزء 8، القاهرة 1956، ص 39 - 40. (2) Ganal el Din el Shayyal: Ahistory of Egyptian historioyroply in the mineteenth Century, Alexandria 1962, 54 - 7 (3) Brockelmann: Vol II 642 - 3 (490 - 1) د. إبراهيم شعلان [ج. جوميير J.Jomier] فلوجة فلُّوجة اسم ناحيتين بالعراق، الفلُّوجة العليا والدنيا التى شغلت الزاوية التى كونها ذراعا نهر الفرات الأدنى اللذان يتدفقان آخر الأمر فى البطيحة، ونهر الفرات إلى الغرب مباشرة (أطلق الجغرافيون عدة أسماء على هذا الذراع، ويسمى الآن شط الهندية)، والأخرى، نهر سورا (الآن شَطّ الحلة) إلى الشرق. المصادر: (1) سهراب: كتاب عجائب الأقاليم السبعة، تحقيق: H. Von Mzik, لبيسك سنة 1930، ص 124 - 5.

الفلوجة

(2) البلاذرى: فتوح البلدان، ص 245، 254، 256، 457. (3) المسعودى: مروج الذهب، جـ 5، ص 337. (4) Musil: The middle Euphates A ص 125. (5) Caetani: Annali، جـ 2، ص 942 - 3، جـ 3، ص 259 - 60. حسن شكرى [هيئة التحرير] الفلوجة اسم موقع قديم لا يزال قائما بالعراق يقع على مجرى نهر الفرات الأدنى من الأنبار قرب "رُمُيَّمة" حيث تفرع نهر عيسى متجهًا إلى بغداد. وفى أيامنا هذه، يعبر الطريق الرئيسى من بغداد نهر الفرات عند الفلُّوجة. المصادر: (1) Musil: The Middle Euphrates ص 269 - 71. (2) Le Strange، ص 66، 68 (يميز بين قريتين بالاسم نفسه، تقع الثانية منهما عند النقطة التى يتفرع فيها نهر الملك؛ ولكن ثمة بعض الاضطراب فى هذا الشأن على ما يبدو) (3) M. Camard H: amdanides ص 147. حسن شكرى [هيئة التحرير] فم الحوت فم الحوت. هو النجم ألفا من القدر ما بين الأول والثانى فى برج الحوت الجنوبى، وإن كان بطليموس اعتبره من برج الدلو، وتبعه فى ذلك التبانى، وأضاف أنه يقع أيضا فى فم الحوت الجنوبى. وطبقا لما ذكره القزوينى وأولوغ بج Uldgh Beg، كان يسمى الضفدع الأول، لتمييزه عن نجم آخر فى برج الحوت. وقد أطلق عليه القزوينى أيضا اسم الظالم. المصادر: (1) التبانى: Opus astronomicum (المحرر: ناللينو Nallino) الجزء 2 صفحة 165 و 3 صفحة 264.

فنج

(2) القزوينى Kosmo graphic (المحرر: فستنفلد wustenteld) الجزء 1 صفحة 37 و 41. (3) L. Ideler: Untersuchungen uber den Ursprung, V.din Bedeytung der Stern namen (برلين 1809) صفحة 201 و 284 و 285. فنج قبيلة أو مجموعة قبائل فى السودان العربى، ويقال أن الاسم مشتق من كلمة فى لغة الشلك تعنى "الغريب" وتطلق أصلا على جنس شبيه بالزنجى يمت بصلة لقبائل الشلك فى حوض النيل الأبيض. وقد عرفت هذه القبائل فى نهاية القرن الخامس عشر الميلادى عند فتح جزء كبير من السودان الشرقى حيث أسسوا مملكة سنّار المشهورة وفى اثناء الفتح وبعده، تزاوج ملوكهم ووجهاؤهم مع عرب السودان، وفى النهاية أعلنوا أنهم من أصل عربى أرجعوه هُم أو نسّابوهم إلى بنى أمية، وجدير بالذكر أن نسبة كبيرة من أسماء ملوكهم ليست عربية بل ليست إسلامية. أسس أسرة سنار الحاكمة لقبائل الفنج عمارة دنقس الذى حكم من عام 1505 إلى 1534 م. وغزا بالاشتراك مع عبد اللَّه جماع، رئيس قبيلة العبادلة البلاد بين النيل الأبيض والنيل الأزرق واستقر فى سنار، بينما أسس عبد اللَّه أسرة حاكمة شبه مستقلة فى قرِّى Kerri شمال الخرطوم واستمرت دولة الفنج حتى عام 1789 م عندما انتزعت قبيلة الهمج Hamag الحكم وظلت فيه حتى امتداد الإدارة المصرية للسودان وقد سجل شقير (انظر المراجع) والرحالة الفرنسى كاليود Cailliaud أسماء ملوك الفنج، ويتفق الاثنان فى النقط الأساسية بينما يختلفان فى التفاصيل. وفى عصر ازدهارها فى القرن الثامن عشر امتدت مملكة الفنج من الشلال الثالث شمالًا إلى فازوغلى على النيل الأزرق جنوبا، ومن البحر الأحمر شرقا إلى النيل الأبيض وكردفان غربا ولم يحكم ملوك سنار إلا الأراضى التى بين النيل الأبيض والنيل الأزرق، بينما حكم فازوغلى وشمال السودان حكام قبليون يتبعون الفنج.

المصادر

يبدو أن الفنج اعتنقوا الإسلام فى بداية ظهورهم، ولكن حتى أيام الرحالة بروس (انظر المراجع) كانوا يمارسون طقوسًا وثنية كثيرة، ولم يكن يتكلم العربية إلا الطبقة الراقية منهم. والفنج الحاليون زنوج يعيشون فى إقليم سنار وتمتد المنطقة التى يعيشون فيها وتسمى دار فنج Dar Faug, جنوبا من خط عرض 12 شمالا، عند الحدود الحبشية إلى النيل الأبيض. وزعيمهم (الشيخ) من أحفاد أسرة فنج الحاكمة القديمة. ولكن القبيلة نفسها صغيرة. وحتى فى أزهى عصورهم، لم يحرز الفنج إلا قدرًا قليلا من الحضارة، ولم يهتم ملوكهم بالعلوم الإسلامية إلا بالقدر الذى يجذبون به العلماء العرب إلى بلاطهم. المصادر: (1) R. L. Hill: Bibliography of the Anglo-Egyptian Sudan . . . to 1937, London 1939 (2) H. A. MacMichael: History of the Arabs in the Sudan (3) مكى شبيكة: تأريخ ملوك السودان، الخرطوم 1947. (4) الشاطر بصيلى عبد الجليل: مخطوطات كاتب الشونة فى تأريخ السلطنة السنارية والإدارة المصرية [القاهرة 1961]. حسين أحمد عيسى [ب. م. هولت P. M. Holt] فندق تعنى "بندق"، الفندق ثمرة مستديرة لُبُّها داخل قشرتها مثل الفستق (لسان العرب لابن منظور) وهذه الكلمة تعنى أيضا فى اللهجة المحلية فى سوريا ومراكش منزلا يستريح فيه المسافرون، على جانب الطريق أو داخل المدينة (نُزُل) وكلمة فندق تناظر كلمة خان الفارسية. المصادر: يمكن الوصول للمعلومات المتعلقة بهذه المادة R. Le Tomeau: Fes a vant le protectorat, Casablonka, Paris 1949 وعلى الأخص ص 190 - 191 و 317 - 318. حسين أحمد عيسى [ر. لوتورنو R. Le Tourneau]

فندقلى

فندقلى (بضم الفاء والدال أو كسرهما) اسم عملة ذهبية تركية قديمة، يقال إنه مشتق من شكل اللؤلؤة، الذى يشبه بدوره حبة الأذرة (فندق Funduk) ولم ينتشر استعمال هذا الاسم إلا بعد أن بديء فى ضرب عملتين ذهبيتين مختلفتين، وكانت العملة الذهبية التركية المستخدمة حتى ذلك الوقت وتسمى عادة ألتين Altyn تعتمد فى وزنها على الدوكات ducat حتى فتح القسطنطينية، كانت الدوكاتيات الأوربية، والتى كان مصدرها فى العادة البندقية تستخدم على نطاق واسع فى الممتلكات العثمانية. ثم استخدمت بعد ذلك الدوكاتيات المجرية والهولندية. وحتى يسمح لها بالتداول فى تركيا كانت السلطات تدفعها بكلمة صح ويعود تاريخ أقدم عملة ذهبية وطنية إلى 883 هـ (1478 م) وكانت تضرب فى استانبول. وكانت هذه العملة الذهبية لها نفس قيمة الدوكاتية الأوربية ولهذا كان عيارها 23.5 قيراطًا تقريبًا وتزن 3.49 جرامًا (الدوكاتية المجرية 3.491 جرامًا والهولندية 3.494 جرامًا). ولكن العينات المحفوظة تزن 3.43 جرامًا أو أقل وتحمل هذه العملة أسماء متعددة ألتين Altyn، زكية Zekin (زكينو Zeccino)، فلورين Flaenus أو فيلورى Filuii (فلورينس Flaenus)، وشاهى Shahi وذلك فى المناطق المتأخرة لحدود فارس، أشرف Ashraf (فى مصر)، السلطانى Suani (فى ولايات شمال إفريقيا)، طغرالى Tughraly, زنجيرلى Zengtrli الخ. وفى عهد السلطان أحمد الثالث (1115 - 1143 هـ/ 1703 - 1730 م) استخدمت عملة ذهبية أخرى مع الدوكاتية، وكان وزنها 2.6 جراما، وكانت تسمى زرة محبوب Zer-mahbub بينما أطلق على العملة الذهبية القديمة اسم الفندقلى وتوقف ضرب هذه العملة ابتداء من عهد محمود الثانى. حسين أحمد عيسى (ى. ت. زامباور E. V. Zambeur)

الفهرسة

الفهرسة الفهرسة اسم تمَّ إطلاقه فى اسبانيا الإسلامية على نوع من الفهارس Cataloguge كان الدارسون يحصرون فيها بطريقة أو أخرى أسماء شيوخهم، وما يدرسونه مع هؤلاء الشيوخ من موضوعات ومؤلفات. وكلمة الفهرسة معربة عن الكلمة الفارسية فهرست. وفى الأندلس كانت الكلمة مرادفا دقيقا لكلمة بَرْنامج التى هى بدورها كلمة فارسية أما فى المشرق العربى فقد كانت الكلمات الدَّالة على المعنى هى ثَبَت (بفتح الباء والتاء) ومشيَخة (بفتح الياء والخاء) ومشيخة (بكسر الشين) أو مُعْجَم (وكانت كلمة معجم مستخدمة أيضا فى الغرب الإسلامى). وفى الشرق يعد كتاب المعجم المفهرس لابن حجر العسقلانى (توفى 852 هـ/ 1449 م) والذى ما زال مخطوطا أشهر الأعمال فى هذا المجال، وقد نهج ابن حجر نهج تصنيف ابن حجر نفسه. وفى الغرب الإسلامى ظهرت أعمال فهرسة أكثر عددا (ابن خير والدُّعينى) وقد نشرت بعض هذه الأعمال مثل: - ابن خير الاشبيلى (502 - 570 هـ/ 1108 - 1176 م): فهرسة ما رواه عن شيوخة من الدواوين المصنفة فى ضروب العلم وأنواع المعرفة. - ابن أبى الربيع (599 - 688 هـ/ 1203 - 1289 م): برنامج، تحرير عبد العزيز الأهوانى، 1955. - الدُّعَيْنى الاشبيلى (592 - 666 هـ/ 1195 - 1268 م): برنامج أو إيراد لنبذات المستفاد من الرواية والإسناد بلقاء حملة العلم فى البلاد على طريق الاقتصار والاقتصاد، حرره إبراهيم شبوح ونشر فى دمشق سنة 1361 هـ/ 1962 م. وقد قدم عبد العزيز الأهوانى دراسة جيدة وموثقة عن (كتب برامج العلماء فى الأندلس) ونشرها سنة 1955، ووفقا لما ذكره الأهوانى يمكن تقسيم الفهرسة أو البرنامج إلى أربعة أقسام: 1 - فهارس الكتابات، وهى مصنفة وفقا لفروع الدراسة التى تتناولها. وقد اتبع ابن خير النظام التصنيفى التالى: الدراسات القرآنية - الحديث النبوى -

المصادر

التستر والأنساب - الفقه - النحو - المعاجم - الأدب - الشعرى، ولم يدرج تحت هذه العناوين سوى أسماء الشيوخ. وهناك أيضا برنامج ابن مسعود الخشانى (توفى 544 هـ/ 1149 م) الذى لم يبق منه -وفقا لما ذكره الأهوانى- سوى صفحات قلائل. 2 - قائمة الشيوخ مع ملاحظات على الكتب التى يدرسونها، وتعد غُنية القاضى عياض (476 - 544 هـ/ 1083 - 1149 م) مثالا على هذا النوع وقد رتب الشيوخ ترتيبا هجائيا، وعلى نحوه سار ابن عطية المحاربى (توفى 541 هـ - 1146 م، وقد أدرج الرعينى بتصنيف شيوخه تحت رءوس موضوعات: القرآن - الحديث - النحو - الأدب - الشعر. 3 - المزاوجة بين الطريقتين آنفتى الذكر، كما فعل ابن أبى الربيع فى برنامجه، ومحمد بن جابر الواد ياشى (توفى 749 هـ/ 1348 م) الذى يقدم سيرة حياة كل شيخ من شيوخه ثم قائمة بالموضوعات التى يدرسونها وقائمة بمؤلفاتهم. 4 - إضافة ملاحظات شخصية وحكايات وتعليقات يضيفها المؤلف من عنده بالإضافة لما سبق. وبالرغم من أن هذا النوع من التأليف يبدو مرتبطا بالأندلس إلّا أنه فى الحقيقة مستقى من طريقة المحدِّثين فى الاسناد وطريقة الفقهاء فى الاحتفاظ باسماء شيوخهم ومن أخذوا عنهم. المصادر: وردت فى المتن د. عبد الرحمن الشيخ [ش. بلات CH. Pellat] الفهرى أبو إسحاق إبراهيم بن أبى الحسن على بن أحمد، صنف فى سنة 632 هـ = 1234 م، منتخبًا من أعمال الشعراء الأندلسيين، وأصحاب الأساليب للمائة الخامسة، والمائة السادسة من التاريخ الهجرى، سماه "كنز لكتاب ومنتخب الآداب" (قسم 2، Die Ar., Pers.: Krafft and Tuerk. Hdss. der K.K. Orient Akademie Zu Wien، فيينا سنة 1842، رقم 147). حسن شكرى [بروكلمان C. Brockelmann]

فؤاد باشا

فؤاد باشا (محمد كجج زاده Keredi-Zade) رجل دولة عثمانى، ولد عام 1230 هـ/ 1815 م فى اسطنبول. أبوه هو الشاعر عزت ملا Izzet Malla درس الطب بعد أن أنهى دراسته فى مدرسة جالاتاسراى والتحق بالخدمة الطبية فى الجيش برتبة يوزباشى وأرسل إلى طرابلس فى شمال أفريقيا. وبعد عودته إلى اسطنبول عام 1253 هـ/ 1837 م، عمل مترجما فى الميناء، وأرسل إلى لندن عام 1256 هـ/1840 م فى وظيفة سكرتير أول فى السفارة وفى عام 1261 هـ/ 1845 م حضر تتويج الملكة إيزابيلا ملكة أسبانيا بصفته مبعوثا فوق العادة. وفى عام 1263 هـ/ 1847 م عين ترجمانا للديوان السلطانى، وفى عام 1265 هـ/ 1849 م عين متحدثا باسم الباب العالى ثم أرسل فى مهمة خاصة إلى فاليشيا (الأخلاق والبغدان) وأخيرا عين سفيرا فى سانت بطرسبرج وفى عام 1266 هـ - 1850 م عين سكرتيرا مساعدا للصدر الأعظم (رئيس الوزراء)، وفى عام 1268 هـ/ 1852 م، أرسل فى مهمة إلى مصر، وبعد عودته عين وزيرا للخارجية ولكنه استقال فى العام التالى بسبب مؤامرة منتشيكوف Mentchikoff. وفى عام 1270 هـ/ 1854 م كلف بقمع الاضطرابات التى أثارها قطاع الطرق اليونانيون فى جانينا ينى شهر Janina Yeni-Shehir ونجح فى استعادة النظام أصدر، أثناء عضويته للمجلس الأعلى للإصلاح، مجموعة قوانين وتنظيمات، وعندما عين للمرة الثانية وزيرا للخارجية، صار فى الوقت نفسه رئيسا لهذا المجلس. وفى 1273 هـ/ 1856 م عزل من المنصبين، ثم أعيد إليهما فى العام التالى. وحضر مؤتمر باريس ممثلا لتركيا، وبعد مذبحة المسيحيين فى لبنان (1276 هـ/ 1860 م) أرسل إلى سوريا مفوضا فوق العادة ومنح سلطات مدنية وعسكرية. وبهذه الصفة، أعدم المشير أحمد باشا رميا بالرصاص حتى لا يكون للجنرال بوفور دوتبول Beaufort d, Hautpoul حجة فى الزحف على دمشق بقواته.

المصادر

وفى عام 1278 هـ/ 1861 م، عين بعد موافقة السلطان عبد العزيز رئيسا لمحكمة العدل العليا (مجلس الأحكام العلية) (wedils i ahamm-i adltye) ثم وزيرا للخارجية للمرة الرابعة ثم رئيسا للوزارة وصدرا أعظم فى العام نفسه، ثم أقيل عام 1279 هـ/ 1862 م بعد أن قضى فى هذا المنصب أربعة عشر شهرا، ولكن سرعان ما عين معاونا عاما Adjuant generol ثم استعاد منصب الصدارة العظمى (رئيس الوزراء) للمرة الثانية عام 1283 هـ/ 1867 م وظل فى هذا المنصب حوالى ثلاث سنوات وقام بعدة إصلاحات فى تلك الفترة. وبعد إقالته أقام فى قصره يالى Yali على ضفاف البوسفور. صاحب السلطان فى رحلته إلى معرض باريس عام 1867 م/ 1284 هـ، وظل فى أوروبا لسوء صحته إلى أن توفى فى نيس فى شوال عام 1285 هـ (فبراير 1869 م) وهو فى الخامسة والخمسين من عموه ودفن فى اسطنبول فى ضريح بجوار المسجد الصغير الذى بناه فى مربع جدك باشا Geadh-Pasha. ولقد لعب فؤاد دورا هاما فى تاريخ تركيا الحديثة. ويعتبر هو وعلى باشا من المعدودين الذين كانت لديهم الرغبة الصادقة فى الإصلاح، وقد شارك جودت أفندى (باشا بعد ذلك فى تأليف أول كتاب فى قواعد اللغة التركية العثمانية ظهر فى التاريخ (قواعد عثمانية KawAcidi: Othmantya 1851 م، وقد ترجمه إلى الألمانية هـ. كلجرين H.Kellren، هلزنجفورز Helaingfas 1855)، أما الميثاق السياسى (وصية نامى سياسى) والذى كان موجها للسلطان عبد العزيز والمنسوب إلى فؤاد باشا فهو عمل أدبى ساخر ربما كان بقلم المبعوث الفارسى مالكوم خان malcam Khan. المصادر: (1) Orhan Koprulu in IA, iv, 672 - 81 is the best with many references, often to unpublished meterials (2) Ali Fu'ad: Ridjal-i muhimme-i siyasiye, Istandul 1928, 59, 141 - 74 (3) M. Jouplain: La question duliban Paris 1908, 414 - 82 حسين أحمد عيسى [ديفون R. H. Davison]

فوتا جالون

فوتا جالون منطقة فى غرب إفريقيا، تقع شمال غرب ما كان يعرف بغينيا الفرنسية وتتبعها سياسيا، وتتكون من هضبة جبلية تعتبر أهم المناطق الجبلية فى غرب أفريقيا، ويتراوح ارتفاعها ما بين 3000 و 3500 قدم، وتنتهى هذه الهضبة من الشرق بجبال منطقة ماندنجو Mandingo، وتنحدر فى الجنوب مكونة مجموعة من النتوءات المنحدرة إلى أن تصل إلى مستوى المحيط الأطلنطى، أما فى الشمال فتنحدر إلى بوندو Bondu ليس لدينا فى الوقت الحالى معلومات كثيرة عن جغرافية هذه الأرض ولا عن طبيعة جبالها. ولم نعرف من أحدث الرحلات الاستكشافية أكثر من أن الحدود الجنوبية والغربية تتكون من سهول مرتفعة من الحجر الرملى بينما توجد الأحجار الأقدم مثل الجرانيت والنايس فى المنطقة الوسطى. تركيب الجبال غير منتظم إلى حد ما، والصورة العامة تمثل سهلا مرتفعا فيه قمم ترتفع ما بين 600 و 1000 قدم ومحاطًا بسلسلة من الجبال المكونة من الحجر الرملى بها شقوق عميقة بفعل النحات. تتمتع فوتا بمناخ صحى وأكثر اعتدالا من المناطق الساحلية وذلك بسبب الارتفاع المتوسط لهذه الأرض. فدرجة الحرارة أكثر انخفاضا مما على الشاطئ كما تتغير بدرجة كبيرة على مدار العام. ففى موسم الجفاف (من ديسمبر إلى يونية) قد يصل التغير فى درجة الحرارة خلال اليوم الواحد من 25 إلى 32 م، أما فى فصل الشتاء (من مايو إلى نوفمبر) وهو موسم الأمطار، فيكون الجو بالليل منعشا بصفة دائمة. وتهطل الأمطار بشدة فى الشتاء وتصل أقصاها فى الربيع عندما تهب رياح الجنوب المحملة بالرطوبة من المحيط الأطلنطى. تعتبر فوتاجالوّن من أهم المراكز الهيدروغرافية (تجمع المياه وتوزيعها) فى أفريقيا، فهناك منطقتين كبيرتين تتجمع فيها الأمطار. الأولى فى الجنوب فى منطقة تيمبو Timbo، حيث تنبع أنهار باليو Baleio تين Tene وتينكيسو أو كينكسو Kinkisso وهو أحد روافد

النيجر، وكونكورو الذى يصب فى المحيط الأطلنطى، وتقع منطقة تجمع الأمطار الثانية فى الشمال بجوار لاب Labe ومنها تنبع أنهار غمبيا Gambia، وسالا Salla (كاكريما Kakrima) وكومبا Komba (ريو جراند Rio Grande) أو النهر الكبير، وتخترق الأنهار التى تتجه إلى الجنوب أو الجنوب الغربى، وعند عبورها حدود فوتا، الحائط الجبلى عن طريق عدة شلالات ومجارى منحدرة ووديان عميقة صغيرة ضيقة شديدة الانحدار تتجه عادة من الشمال الشرقى إلى الجنوب الغربى، وبالرغم من أن الأرض تتجه نحو الشمال انحدارا تدريجيا، إلا أن الوديان فى هذه المنطقة ضيقة إلى درجة كبيرة بها جروف عميقة. السمة التى تتكرر كثيرا فى تكوين هذه الأرض هى "البوال"، وهى هضبة صخرية مغطاة بكتل صخرية حديدية ضخمة، تكسوها أحيانا طبقة رقيقة من الأشجار القصيرة، وأحيانا أخرى تكون عارية وصخرية حتى أن بعض الرحالة يشبهونها بالحمادات (جمع حمادة) الموجودة فى الصحراء الأفريقية الكبرى تغطى الأرض فى موسم الأمطار بنوع من النباتات العشبية تختلف فى سمكها حسب طبيعة الأرض كما تختلف أعمارها، وتفتقر هذه الهضاب إلى الأشجار إلا بجوار مجارى المياه مباشرة، ولكن تنمو الأشجار فى الوديان بكثافة، وتتكون جزر صغيرة من الشجر على المنحدرات وفى الفجوات التى تجمع التربة المناسبة، وعندما توجد فى أعداد كبيرة، تبدو كما لو أنها غابة واحدة ضخمة، وتحيط القرى بساتين البرتقال والقارون والكولا والمانجو، كما تنتشر أشجار الكاريت أو اشجار الزبد وأنواع الخيزران فى مساحات شاسعة كما يوجد النخيل أيضا ولكنه صغير وبأعداد قليلة، وأخيرا وفى حالات استثنائية نجد فى بعض المناطق الجرانيتية مروجا وحقولا مزروعة ومزارع الواحدة بجوار الأخرى مما يعطى البلاد صورة تشبه أجزاء من سويسرا. تتمثل الثروة الحيوانية فى فوتاجالّون فى الظباء والغزلان

والحمير، وتوجد الحمير بأعداد هائلة حتى أن السكان يكونون فيما بينهم "حملات" لحماية محاصيلهم من أن تدمرها الحمير. وقد شجعت ندرة آكلات اللحوم على تطوير تربية الماشية حتى وصل عدد أنواع الخراف إلى ثلاثة والماشية إلى أربع منها الجاموس، الذى جاء به الرعاة من الغُلب Fulbe ويستخدم الآن فى الأعمال الشاقة. المدن الرئيسية فى فوتاجالّون هى تيمبو Timba المقر الرئيسى للمامى Al-mamy الإمام ولاب Labe والمدينة Medina وكادى Kade وفوجومبا Fugumba، المدينة التى ينظر لها أهل البلاد بقداسة، وهى المدينة التى يتوج فيها الحكام، ويتكون السكان من عناصر متعددة أهمها الماندى Mande, ويوجد فى فوتاجالّون ممثلون لفروع هذا الجنس المختلفة مثل الدياللونك Diallanke, والسوسو Susu والسوننكى Soninke وسلالات مختلطة مثل الخاسونكى Khassonke والفولة Fula الذين هم نتاج خليط من الماندى Mande والفولبى Fulbe، وفى خلال المائة وخمسين عاما الماضية، تفوق الفولة على باقى المجموعات ويوجد أيضا البيول Peuhl أو الفولبى Fulbe، ولكن بأعداد أقل مما فى المناطق المجاورة ويعيشون على الرعى كأجدادهم وإ ن كان هناك اتجاه واضح لديهم للاستقرار. تختلف الطبقات الاجتماعية حسب أصولها، فتتكون الطبقة العليا من الأرستقراطيين من رجال الدين والعسكرين الذين أغلبهم من الفوله Fula وهم أحفاد المهاجرين المسلمين أو من الزعماء من أبناء البلاد الذين اعتنقوا الإسلام، وينتمى هؤلاء النبلاء الذين تطلق عليهم ألقاب مثل ألفا Alpha أو شيخو Shkrhu . . . إلخ إلى عائلات لها دور فعال فى الحياة السياسية فى البلاد، ولهم مقاعد فى المجالس التشريعية، ومنهم الضباط والموظفون العموميون الذين يعاونون المامى Almamy، ويلى هذه الطبقة الزنوج والغُلب والفولبى Fulbe المسلمون، ويحضر هؤلاء المجالس التشريعية كأتباع للنبلاء

ولكنهم، كقاعدة، لا يشاركون فى اتخاذ القرار، ويعيش هؤلاء فى قرى تسمى الجور gor. وتتكون الطبقة الثالثة من المواطنين الأحرار من غير المسلمين، وعادة ما يكونون من الحرفيين (نساجين أو نجارين أو حذائين) ويعيشون فى جماعات منفصلة فى الجور أو قريبا منها ويتزاوجون فيما بينهم، وهم مستبدون من الحياة السياسية. وأخيرا هناك عبيد بأعداد كبيرة، لأن الغزاة من السودان مثل الحاج عمر وسمورى Samory كانوا يبادلون المساجين بماشية من فوتا. وينقسم هؤلاء العبيد إلى طبقتين، الخدم، ووضعهم أفضل إلى حد ما يتمتعون باستقلالية نسبية، والمزارعون ووضعهم أسوأ بكثير. ويعيش المزارعون فى قرى خاصة (الروند runde) تحت رقابة ويعاقبون بشدة إذا حاولوا الهرب، ولكن منذ فرض الوصاية الفرنسية منع الرقيق بقوة القانون. ينقسم سكان فوتا من حيث الديانة إلى مسلمين ووثنيين كما توجد بعض القبائل الزنجية التى لازالت وثنية، ولكن الديانة السائدة هى الإسلام الذى أدخله الفُلب إلى البلاد والذى يتزامن انتشاره مع النصر السياسى لهذا الجنس. والإسلام فى فوتاجالّون متشدد إلى حد ما وأقل اختراقا بالعادات الوثنية مما حدث مع الماندى Mande، وقد وصف هيكارد Hecquard إسلامهم بأنه مالكى، ويعرفه ليشاتيليه lechatelier بأنه "مذهب قومى نتج من مزيج من مذهبى القَدْرية Kadriya والتيجانية"، وبالرغم من أن فوتا كانت ولا تزال مركزا لنشاطات الدعوة الإسلامية، إلا أن أهلها ليسوا متعصبين بأى حال، ويعذى هذا إلى سيادة القدرية الذين فشل التيجانية، الذين يمثلون التيار المنشور فى السودان فى أن يحلوا محلهم بالرغم من جهودهم فى هذا السبيل وللصوفية مكانة اجتماعية مهمة، ولهم تشكيل هرمى عن المدارس. تمثل الحكومة نوعا من الجمهورية الأرستقراطية لها رئيس منتخب هو المامى، ويتولى المامى almamy (الإمام al

imam) السلطة التنفيذية، ولقد كان المامى فى يوم من الأيام هو قائد الجيش والقاضى والمفتى. وقبل الوصاية الفرنسية كان المامى يختاره مجلس الشيوخ، وبعد أن يوافق عليه مجلس الأحرار يرتدى عمامة الإمامية فى مدينة فوجامبا Fugumba. ويختار المامى من سلالة مؤسس دولة الفوله، وكقاعدة، يتولى الرئيس المنتخب الحكم لمدة عامين ثم يعتزل لمدة عامين ليتولى الحكم ممثل من العائلة الأخرى. وقد ابتكر هذا النظام لمنع التنافس بين العائلتين الذى قد يؤدى إلى الحرب الأهلية، إلا أنه لم يكن يراعى فى جميع الأحوال. ويجوز لمجلس الشيوخ الذى اختار الرئيس أن يعزله إذا لزم الأمر. وفى الأوقات العادية، يقرر هذا المجلس، تحت رئاسة المامى، الأمور الهامة التى تتعلق بالسياسة والقانون والدين. حاول الأوربيون منذ زمن طويل، إقامة علاقات مع فوتا، وفى النصف الأول من القرن التاسع عشر، نجح الرحالة الفرنسيون والإنجليز الذين خرجوا من "المراكز التجارية" فى غمبيا وسيراليون فى التغلغل فيها ومن هؤلاء الرحالة مولين Molilien (1819) ورينيه جالييه Rene Gallie (1827) الفرنسيين وكوبر تومسون Cooper Thomson الانجليزى بالإضافة إلى بعض المبشرين. وفى عام 1850 م، قضى هيكارد Hecquard عاما فى تلك البلاد وجمع معلومات هامة عن تاريخها وحضارتها، وفى عام 1859 م قام لامبرت Lambert باستكشافها، وابتداء من عام 1880 م، بدأت الإرساليات الفرنسية تتزايد، كما حاول أوليفيه دى ساندرفال Olivier de Sanderval وجابوريو Gaboriaud وأنسالدى Ansldi العثور على طرق سهلة إلى فوتا، وأقاموا علاقات تجارية مع سكان البلاد وقاموا بعمل مساحة مبدئية لإنشاء خط حديدى للداخل وفى عام 1881, وقع الدكتور بايول Bayol معاهدة مع المامى تعطى الفرنسيين حقا مطلقا فى إقامة مخازن تجارية فى فوتا والبلاد التابعة لها.

سهلت الاضطرابات التى اندلعت فى ذلك الوقت مهمة العملاء الفرنسيين. فقد كان المامى إبراهيم سورى، الذى كان عليه أن يترك الحكم بعد انتهاء فترة العامين، مرفوضا من الجميع. ولكنه تغلب على خصومه مستعينا بعبيده الذى سلمهم وانفرد بالحكم حتى عام 1887، وبعد وفاته تنازع لقب المامى اثنان من عائلة سورى، ألفا مامادو باتيه Alfo Mamado Pate وبوكر بيرو Boker Biro. وقد تغلب بوكر على خصمه، ولكنه كان يشعر بالحاجة إلى المزيد من التأييد ضد أعدائه، فلجأ إلى الفرنسيين، واحسن استقبال الإرسالية التى كانت برئاسة بلات Plat وفراس Fras وانتهى الأمر معهما إلى توقيع معاهدة وضعت فوتاجالون تحت الحماية الفرنسية. وفى البداية، التزم بوكر باتفاقيته لعدة سنوات، ولكنه بعد ذلك اتخذ موقفا عدائيا من الفرنسيين وحاول منع مرور القوافل فى بلاده وعندما حاول التخلص من مجلس الشيوخ، ثار عليه النبلاء فخلعوه وولوا أخاه عبد اللَّه Abdulaye بدلا منه، ولكن تمكن بوكر من الانتصار على معارضيه وأسر عبد اللَّه وأعدمه؛ واستغاث بعض المشاركون فى التمرد بالفرنسيين الذين كانوا غير راضين عن تصرفات بوكر، فقرر الفرنسيون غزو فوتا. حاول بوكر المقاومة ولكن بدون جدوى فانهزم وأعدم (نوفمبر 1896 م). واختار الفرنسيون الماميا (إماما) جديدا وتركوا له مقاطعات تيمبو Timbo وبوريا Buria وكالين Kalen بينما أعلن استقلال باقى "الديوالات" diwal، وعين مندوبا ساميا فرنسيا أقام فى تيمبو. ومنذ ذلك الحين، قامت عدة حملات استكشافية بمسح البلاد جغرافيا واقتصاديا كان أهمها حملة الدكتور ماكلو Dr. Maclaud (1898 م - 1899 م)، كما أنشئ خط حديدى وصل النيجر العليا بغينيا الفرنسية عن طريق فوتا، وقد وصل هذا الخط الآن إلى تيمبو Timbo. حسين أحمد عيسى [ج. إيفر G.yver]

فيروز

فيروز ويسميه العرب الفيروزج al-firuzadj حجر كريم معروف ذو لون يتراوح بين الأخضر الفاتح أو "الأخضر الجبلى" إلى الأزرق السماوى وله ملمس ناعم مثل الشمع. ويتركب من فوسفات الطَّفلة المتمثة (المتحد مع الماء) مع نسبة صغيرة ولكن ضرورية من النحاس والحديد. ولا تحتفظ كل الأحجار بلونها بصفة دائمة، ويقال إن اللون يتأثر بالتنفس بصفة خاصة، ويقطع الفيروز دائما بحيث يكون سطحه العلوى محدبا، ولا يكون السطح مستويا إلا فى الأحجار التى تنقسم. ويستخرج الفيروز الذى يمكن استخدامه من أماكن معدودة يرجع تاريخها إلى آلاف السنين. فقد استخرج ملوك مصر الفيروز من مناجمه فى شبه جزيرة سيناء وأعاد الميجور ماكدونالد اكتشاف هذه المناجم عام 1845 م فى وادى المغارة والمنطقة المجاورة وقام بتشغيلها مرة ثانية لعدة سنوات وتعود النقوش الهيلوغريفية الموجودة فى هذه المناجم، كما يقول هـ. بروجش H. Brugsch, إلى الفترة من الملك سنفرو من الأسرة الثالثة إلى رمسيس الثانى. وقد أخذ بروجش كلمة مافكات mafkat على أنها اسم الحجر. ولم يرد ذكر للحجر ولا للمناجم بعد العصر الهلينى. ومن ناحية أخرى، حصل بلينى Pliny على تفاصيل رائعة عن طريقة الحصول على الكالايس Callais ذى اللون الأخضر الشاحب من كارمانيا Carmania. وبالإضافة إلى ذلك، حصل أيضا على قدر كبير من المعلومات عن خصائصه التى تطابق خصائص الفيروز الذى نعرفه إذ أن ما قيل من أن الكالايس يفقد لونه عندما يتعرض لزيت أو مرهم مذكور فيما قاله الكندى عن الفيروزج، كما ورد ذلك فى كل ما كتب عن المعادن فيما بعد. ومن شبه المؤكد أن الفيروز كان يستخرج من المناجم حول نيشابور فى زمان الساسانيين أو حتى قبل ذلك. ويقول التيفاشى أن ملوك فارس كانوا يحلون أيديهم وأعناقهم بالفيروز للوقاية من الموت فى البر أو البحر. ولكننا كثيرا ما نقابل التأكيد على أن الفيروز كان

ينقص من جلال الملوك. وذلك لاحتوائه على قدر من النحاس ولوجوده قرب مناجم النحاس. وتختلف قيمة الأنواع المختلفة منه طبقًا لاختلاف ألوانها (أزرق سماوى أو أزرق لبنى أو أخضر أو منقط)؛ ويعتبر البوسحاقى bushaki (أى الأبو اسحاقى) هو أحسن الأنواع، ومن هذا النوع، يعتبر الأزهرى ذو اللون الأزرق السماوى هو الأفضل. ومن النادر الحصول على قطع كبيرة منه وبالتالى فإنها تكون غالية الثمن إذا وجدت أما القطع الصغيرة فهى منتشرة. وتحتفظ أفضل الأنواع بألوانها لمدة طويلة بعيدا عن التأثيرات التى سنذكرها فيما بعد ولكن بعد مرور 10 إلى 12 سنة قد تفقد لونها تمامًا ويقال عن الحجر حينئذ أنه مات. وعمومًا يتغير لون جميع الأنواع بدرجة أو أخرى، فتكون لامعة تحت سماء صافية ومعتمة عندما يغطى السحاب أسماء، كما يتغير لونها تبعًا لصحة مستخدمها وعندما تتعرض للعرق أو لزيت أو للمسك ولكن تعيد الدهون اللون مرة أخرى. والفيروز سام إذا تناوله الإنسان، ولكن إذا استخدم كغسول للعين يزيد من صفاء العين، ويؤدى نفس النتيجة إذ انظر الإنسان إليه لفترة من الزمن. ويذهب الذهب بجماله، ربما لعدم تناسق اللون الأزرق الضارب إلى الخضرة مع اللون الذهبى. ويفسر الأكفانى كلمة فيروز بمعنى "حجر النصر" ولهذا يسمى أيضًا حجر الغلبة وقد وصف السير أ. هوتوم - شيندلر A.Houtom - Schindller الذى كان حاكمًا لمناطق التعدين ومدير العمليات فى المناجم فى الثمانينات من القرن الماضى، مناجم الفيروز الفارسية فى مشهد Meshhed وخراسان وصفًا دقيقًا. وتقطع الأحجار عادة بسطحها المحدب بشكل تقريبى حيث وجدت، ثم يأتى بها شيوخ القرى إلى مشهد، وبعد ذلك تنبث قطع الفيروز فى قصبات بالشمع الأسود، ثم تجمع هذه القصبات وتربط فى حزم وترسل إلى نجنى نوفجورود أو موسكو مع تجار بخارى على الأغلب، ومن هناك توزع فى جميع أنحاء العالم. وتباع كثير من

فيروز أباد

"الأحجار المحظوظة" للحجاج فى مشهد، ونادرًا ما يرى الفيروز فى نيشابور. ويصدر الكثير منه إلى بغداد والقسطنطينية عن طريق يزد yezd. وتتراوح قيمة الصادرات ما بين 10000 و 15000 جنيه استرلينى سنويا، ومن المعتقد أن هذا المبلغ يعادل ما يقرب من ثلث قيمة الإنتاج الكلى. ويقول هـ. بروجش H. Brugsch أنه، طبقا للمعتقدات الحالية، فإن تغير لون حجر الفيروز المهدى من إنسان لآخر يدل على زيادة أو نقصان فى درجة صداقة المُهدى، ولا يدخل فى هذا القول القطع الكبيرة رباعية الأضلاع ذات الأسطح المستوية المصقولة التى كانت فى وقت ما تحلى بنقوش من ذهب وتوضع فى الجزء الأعلى من الذراع. وتصنع الخواتم التى تحمل أحجارًا من الفيروز دائما من الفضة أو القصدير، ولا تصنع من الذهب أبدًا، ويربط بروجش بين ذلك وعقيدة المسلمين فى تحريم الذهب أو فكرة قديمة جدًا عن المعنى الشيطانى للذهب، وأميل شخصيًا إلى الإعتقاد بأن السبب الحقيقى هو الذوق الجيد كما ذكرت من قبل وذلك أن التحريم من الناحية الدينية لم يذكره أحد من الكتاب، ولا ننسى أن الماس أيضًا لا يوضع إلا فى فضة. حسين أحمد عيسى [هيئة التحرير] فيروز أباد اسم شائع فى مناطق مختلفة فى العالم. راجع مادة دهلى Dihli، ولمعرفة الأماكن الأخرى التى تحمل هذا الإسم إرجع إلى ياقوت S.V ولى سترانج Easteru Caliphate: Le Strange, الفهرس. . فيروز أباد (سابقا بيروز أباد Piruz - abad، " مدينة النصر"، المُقَدَّسى صفحة 432)، اسم أطلقه عضد الدولة البويهى على مدينة جور Djur فى فارس ليتجنب الفأل السئ الذى يعنيه الإسم الفارسى (جور يعنى قبر). وقد أنشأها أرد شير الأول فى مكان مستنقع جفف (ياقوت الجزء 3 صفحة 146)، وظلت عاصمة مقاطعة أرد شير خورا وإن لم تكن فى

المصادر

ضخامة شيراز أو سيراف (الإصطخرى صفحة 97)، وقد حصنت بسور وخندق ولم يكن لها ضواحى. وفى العصر الساسانى كان فيها معبد للنار بنى بجوار خزان وكان يسمى بارين وكان لها أربعة أبواب تدعى مهر (ميثرا Mithra أو الشمس) وبهرام Bahrain (المريخ) وهرمز (زحل) وأرد شير، وكان فى مركز المدينة بناء مثل المنصة أطلق عليه المسلمون اسم الطرَّبال tirbal (المعبد) وأطلق عليه الفرس اسم إيوان ويكييا خورا وينسب إنشاؤه لمؤسس المدينة وكان مرتفعًا للدرجة التى تجعله مشرفًا على المدينة كلها، وكانت عليه نافورة تغذى من نبع فى جيل قريب. وفى زمان الإصطخرى وكان هذا المبنى قد دمر تمامًا وكانت العطور تصنع من الورود فى هذه المدينة ثم تصدر إلى جميع مناطق الشرق. وقد كانت مدينتا جور وإصطخر آخر مدينتين استسلمتا فى فارس وقد استولى عليها عبد اللَّه بن عامر بن كريز Kuraiz حاكم البصرة عام 29 (650) بعد مقاومة. المصادر: بالاضافة إلى المصادر المذكورة فى المقال انظر: (1) المقدسى: احسان التقاسيم فى معرفة الأقاليم، طبعة Degeoje, ليدن، 1877. (2) ابن البلخى: فارسنامة (طبعة heStrange Nicholes) ص 137 - 138. (3) ياقوت: جزء 3، ص 146. (4) Noldeke: Araber and Perser,1 I, note 3 (5) R. 6. hirshman: Iran from the earliest time to the islamic conquest, 320 - 21, 333 - 24, 328 حسين أحمد عيسى [ل. لوكهارت L. Lockhart] الفيروز أبادى Al-Firuzabadi، أبو الطاهر محمد بن يعقوب بن محمد بن إبراهيم نجد الدين الشيرازى الشافعى، معجمى عربى، ولد فى ربيع الثانى أو جمادى الآخرة عام 729 هـ (فبراير أو إبريل عام 1329 م) فى كازارون Kazarun بالقرب

من شيراز، لهذا كان مغرمًا من مرحلة متأخرة من حياته بأن يدعى أنه من أحفاد الشافعى أبو إسحق الشيرازى Shafi Abu Ishak al-Shirazi المعروف، فى حين أن هذا مات من غير أن ينجب. وقد بدأ دراسته فى الثامنة من عمره فى شيراز ثم فى واسط وأخيرا فى بغداد ابتداء من عام 745 هـ (1344 م). وفى عام 750 هـ (1349 م) درس فى دمشق على تقى الدين السبكى وصحبه إلى القدس حيث عمل أستاذًا لمدة عشر سنوات ثم قام بعدة رحلات إلى آسيا الصغرى والقاهرة. ويختلف كتاب سيرته فى وصف رحلاته اختلافًا بينا، وطبقا لأوثق الأقوال، وهى تلك التى ذكرها النعمانى Al-N'meni، فقد سافر إلى مكة عام 770 هـ (1368 م) مكث هناك حوالى 14 سنة تحللها رحلة إلى الهند حيث مكث خمس سنوات فى دهلى Dihli، وفى حوالى 794 هـ (1392 م) قبل دعوة من السلطان أحمد بن أويس Uwais للذهاب إلى بغداد، ومنها ذهب إلى فارس واستقبله تيمور Timor بحفاوة عندما استولى على شيراز عام 795 هـ (1393 م)، ولكن نظرا لأن مسقط رأسه كان قد خرب تمامًا على يدى المغول، فإنه لم يستطع المكون هناك واستقل سفينة من هرمز إلى جنوب الجزيرة العربية، حيث وجد المكان الآمن المستقر الذى ينشده العالم لكى يمارس نشاطه، وذلك لبعدها عن مسرح الأحداث التاريخية الكبيرة وبعد أن وصل إلى هناك فى ربيع الأول عام 796 هـ (يناير 1394 م)، دعاه السلطان الملك الأشرف إلى تعز Taizz، حيث مكث 14 شهرًا. وفى الأول من ذى الحجة عام 797 هـ (12 سبتمبر 1395 م)، عين قاضى قضاة اليمن كما زوجه السلطان إحدى بناته، وبعد ذلك أعلن أنه من أحفاد أبى بكر الصديق (رضى اللَّه عنه)، وفى عام 802 هـ (1400 م) أدى فريضة الحج مرة أخرى وأنشأ فى بيته فى مكة مدرسة مالكية وعين فيها ثلاث محاضرين وفى أثناء اقامته فى مكة توفى حموه عام 803 هـ (1401 م). وعاد إلى مكة مرة أخرى عام 805 هـ أبريل (1403 م)، ولكن سرعان

المصادر

ما عاد إلى زابد Zabid. حيث توفى يوم الثلاثاء 12 شوال عام 817 هـ (26 ديسمبر عام 1414 م). ويقول آخرون أنه توفى فى العشرين من شوال. ويعتبر القاموس، أعظم أعماله والذى ضم، كما يظن جراف لاندبرج، كثيرًا من الكلمات المأخوذة من لهجات جنوب شبه الجزيرة العربية، وقد صار هذا الكتاب من التراث بالنسبة للعالم الإسلامى أجمع. وبالرغم من أنه يحتوى على عدد هائل من الكلمات، إلا أن مادته ليست مدروسة بدقة كما أن الشرح مختصر جدًا، وقد طبع هذا المعجم فى كلكتا عام 1817 م (1270 هـ). وبومباى عام 1884 هـ (1272 م)، ولكنو Lucknow عام 1885 وبولاق Bulak عام 1274 و 1289 و 1301 - 1303 والقاهرة عام 1281 هـ و 1319 م، كما ترجم إلى الفارسية والتركية، ومن بين الشروح المختلفة لهذا العمل الكبير، يعتبر تاج العروس للسيد مرتضى الزبيدى المتوفى عام 1205 (1791) والذى يقع فى 10 أجزاء (بولاق 1307 - 1308) كما نشر فارس الشدياق Faris al Shidyak (نقدا للقاموس سماه الجاسوس على القاموس، ومن أعمال الفيروز أبادى الأخرى، قد يكون كتاب البُلغْة فى تأريخ أئمة اللغة أهمها. وقد طبع له أيضًا كتاب تحبير الموشين فيما يقال بالسين والشين" الجزائر 1909، وقصص من سيرة النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، "سفر السعادة" الذى كتبه فى الأصل بالفارسية والذى ترجمه إلى العربية عام 804 هـ (1401 م) أبو الجود محمد بن محمود المخزومى المصرى، القاهرة n.d وعلى هامشه الفوز الكبير مع فتح الخبير فى أصول التفسير لولى اللَّه بن عبد الرحيم. المصادر: (1) Brockelmann: 11 n 181 - 3 (2) J. Kraemer: in Studien Zur altarabischen hexilkogra Phie, in Oriens, Vi (1953) 233 - 4 Particularly on the Subject of Kamus وانظر: (1) حسين نصار المعجم العربى، جزء 2 (القاهرة 1956) ص 540 - 603.

فيروزبور

(2) شرف الدين بن أيوب النعمانى: الروض العطير, Ms. Wetgetein جزء 2 ص 289. (3) على بن الحسن الخزرجى: العقود اللؤلؤية، ترجمة ردهاوس Redhouse، طبعة M.s. 6، 3 ص 2، 248 - 249. (4) عبد الحى بن العماد: شذرات الذهب، جزء 7، ص 126 - 131, القاهرة 1351. حسين أحمد عيسى [هـ. فليتش H. Fleich] فيروزبور Firuzpur منطقة فى البنجاب تسمى باسم أكبر مدنها وهى جزء من مقاطعة جالانظار Djalandhar, وتقع بين خطى عرض 55 - 29 و 26 - 31 شمالا وخطى طول 52 - 73 و 26 - 75 شرقا. مساحتها 4302 ميلا مربعا وعدد سكانها 958072 منهم 447615 من المسلمين. القبائل المسلمة الأساسية هى قبائل الراجبوت Radjputs، الأراين Arains والدوجار Dogars والواتوس wattus؛ كما توجد أيضا قبيلة من المتنسكين تدعى بودلا Bodla, يعتقد أن أفرادها لهم القدرة على الرَّقى. ولقد كان الموقع القديم لجانير Djaner والمعتقد أنه هاجنير Hadjnir فى بيهاكى Baihaki المقر الرئيسى لقبيلة بنوار راجبوت Punwar Radj puts، وسرعان ما اعتنقت قبيلة بها طى راجبوت Bhatti Radjputs الإسلام بعد الفتح الإسلامى وغزت المنطقة من الجنوب، ثم دخلت قبائل الجيل Gil والدهاليول Dhaliwal وباقى قبائل الجاط Djat إليها، أما قبيلة الدوجار Dogar, وهى قبيلة همجية تعيش على النهب، فقد هاجرت إلى المنطقة فى وقت لاحق. وقد أنشئت مدينة فيروزبور فى عهد السلطان فيروز شاه الثالث حاكم دهلى وسميت باسمه. وفى زمان أكبر Akbar صارت تتبع صباه ملتان Subah of Multan وليس سرهند Sirhind, وربما كانت على الضفة اليسرى كما فى الوقت الحاضر. وظهرت قبيلة سيدهوجات Sidhu Djats

قرب نهاية عهد أكبر وسرعان ما اعتنقت ديانة الشيخ وفى هذه المنطقة كانت هزيمة جورو جوفند Gurugovind بعد قتال دام ثلاثة أيام مع جيش أويا بخزت Awiangzeb، ويعتبر هذا المكان الآن مكانا مقدسًا كما صار الخزان (موكاتسار Mukat car = خزان الخلاص) مكانا للحج حيث يقام احتفال لمدة ثلاثة أيام فى ينايو من كل عام. وحول هذه المنطقة نمت مدينة موكاتسار Mukatsar الهامة. وقد استولى السيخ على المدينة بعد اعتزال أحمد شاه دورانى Durrani، وأخذت قبيلة بهانجى ميسل Bhangi Misl تحت قيادة جوجار سنج Giuldjar Singh الجزء الرئيسى. وهدد رانجيت سينج Randjit Sing هذه الدولة ذات الولايات الصغيرة من السيخ، وأدت هذه الحركة (1808) إلى التدخل البريطانى، واحتلت فيروز أباد وضمت إلى التاج البريطانى عام 1835، وفصلت بين مملكة رانجيت سينج Rondjit Sing والولايات الصغيرة التى لازالت موجودة حتى الآن. وكذلك وجدت قبيلة النواب Nawwahs المسلمة ملجئًا فى ولاية مامدوت Mamdot قرب فيروز بور عام 1807 هـ، واعترف بهم كرؤساء حكام وفى عام 1855 م ضم إقليمهم نتيجة للإدارة السيئة، ولكنهم استعادوه بعد ذلك ولا زال تحت سيطرتهم. وهذه الولاية كبيرة وغنية، ولا يزال حاكمها الحالى نواب غلام قطب الدين خان قاصرًا. وقد وقعت حرب السيخ الأولى بين القوات البريطانية والخالسا Khalsa فى هذه البقعة، وعبر جيش السيخ نهر الساتلاج Satladi فى ديسمبر 1845 م، وسرعان ما وقعت معركة مودكى Mudki وفيروشار Shar Pheru (والتى تسمى خطأ فيروز شهر Firuz - Shah أو فيروز شاه Firuz -Shah). وقد اندحرت قوات السيخ ولكنها لم تحطم، وعاودت عبور نهر ساتلاج Satladj لتغزو مرة أخرى الإقليم البريطانى أعلى النهر قرب لوردهيانا Ludhiana ووقعت معركة أليوال Aliwal الحاسمة خارج منطقة فيروز بور، ولكن القتال النهائى

المصادر

اليائس الذى انهى الحرب دار داخل حدودها، فى سوبراوان Subrawain (سوبراون Sobraon). فى العصور القريبة، اتسعت المنطقة بعد ضم تاسحيل، Tashi التابعة لفازيلكا Fasilka فى الجنوب بعد أن أخذت من مقاطعة سيرسا. Sirsa عام 1884. وقد استصلحت المناطق الرملية فى شرق المنطقة وجنوبها عن طريق الرى من قناة سيرهند Sirhind، كما أضافت القنوات التى شقها الكولونيل جراى إلى إنتاجيتها الشئ الكثير. وتعتبر قبيلة الجاط السيخ Sikh Djats فلاحين ممتازين ويستفيدون استفادة كاملة من هذه الإمكانات، أما القبائل المسلمة فى هذه المنطقة فهم أقل مهارة فى الزراعة، وتصدر الآن كميات كبيرة من القمح من منطقة فيروز بور. المصادر: انظر النشرات والتقارير الصادرة من دار نشر حكومة البنجاب بلاهور. (1) Canningham: History of the Sikhs London 1849 (2) Ibbetson: Outlnes of Punjab Ethnography, Culcutta 1883 حسين أحمد عيسى [م. لونجورث دميز M. Longworth Dames] فيروز شاه تغلق ابن مالك رجب، أخو غياث الدين تغلق من ابنه رانا مال بهطّى من أبوهار Abohar. قام ابن عمه محمد بن تغلق بتعليمه ورفعه إلى منزلة عالية، وبعد وفاة محمد بن تغلق قرب مدينة طهطهه فى 20 مارس 1351 م وطلب من فيروز شاه أن يعتلى العرش. وقد تمكن من إخراج الجيش الذى كان يقاتل فى السند من ورطته وقاده عائدا إلى دهلى. وفى تلك الأثناء، صدق أحمد أياز خفاجاجى جاهان Ayaz khvadja gi Dj ahan, الذى كان محمد قد أقامه مسئولا عن العاصمة، نبأ كاذبًا عن مقتل فيروز فى معركة مع المغول Moghols، فسارع إلى إعلاء ابن غير شرعى لمحمد ملكا. ومال فيروز إلى العفو عن أحمد وإبقائه فى منصبه، ولكن غلبه مستشاروه على أمره

المصادر الفارسية

وجعلوه يأمر بإعدام الوزير السيخ. وفى فترة حكمه، أرسل فيروز شاه حملتين إلى البنغال عامى 1353 و 1359 م، وثالثة إلى أوريزا Vrisa عام 1359 م، وأخرى ضد نجركوط Nagarhat عام 1361 وخامسة إلى طهطهه عام 1362 م، وقد حققت هذه الحملات درجة من النجاح، ولكن براعة فيروز العسكرية كانت دون المستوى وبعد استسلام جام Djam حاكم طهطهه اتخذ قرارا حكيمًا بنبذ فكرة البحث عن مجد عسكرى، وقضى باقى مدة حكمه الطويل فى إرضاء هوايته فى العمارة والصيد، باستثناء قمع تمروين قليلى الأهمية. وقد اشتملت أعماله العامة على إنشاء المدن والقصور والأضرحة، ومشروعات الرى والمساجد والمدارس، ولكنه فى مقابل هذا الاتجاه أهمل باقى الأعمال العامة كما تساهل فى مواجهة الفساد وعدم الكفاءة فى مجالات أخرى، ولم تكن لديه الغيرة التى تصاحب عادة الزعامات حتى أنه فى عدة أوقات أشرك اثنين من أبنائه فى العرش الإمبراطورى. وقد أحبه شعبه لإلغائه كثيرا من الضرائب التى كانت تثقلهم وللعمومية التى كانت فى حكمه، بعكس ما كان عليه سلفه وتوفى عن عمر يزيد عن الثمانين فى النصف الثانى من سبتمبر عام 1388 م، وخلفه تغلق الثانى حفيده من ابنه الأكبر المتوفى. فتح خان، Fath Khan، وقد انتهت امبراطوريته بعد ذلك بقليل نتيجة لغزو تيمور، وإن كان سوء إدارته سببًا رئيسيًا فى تمزقها. المصادر الفارسية: (1) عفيف: تاريخ فيروزشاه وفيه تفاصيل وافية لفترة حكم فيروزشاه وفيه مدح كثير له، وقلما يذكر مساوئه. المصادر الأصلية: (1) ضياء الدين برنى: تاريخ فيروزشا هى، كلكتا 1862. (2) فيروز شاه: فتوحات فيروشاه (وهذا ماتركه فيروزشاه عن سيرته رحفى على ضريح لم يعد قائمًا بمسجد فيروزشاهى فى فيروز أباد)

المصادر الحديثة

(3) محمد بيجامد ضانى: التاريخ المحمدى، B. M. Ms ص 1378. المصادر الحديثة: (1) Riazul Islam: The rise of the Sammas in sind, in IC, xxii (1948), 359 - 82 (2) Syed Hasan "Askari: Side Lights on Firuz Shah and his times, in Ind. Hist Cong Proc. xxi (1958), 33 - 37 حسين أحمد عيسى [رسول اسلام Riazul Islam] فيروز شاه خلجى (جلال الدين)، الإمبراطور المسلم الثانى عشر لمدينة دلهى، كان أفغانيا من قبيلة خلجى Khidjt أو غلجى، علا شأنه فى شأنه فى فترة حكم بالبان Balban ثم صار بعد ذلك حاكم سامانا Samana, وعندما مرض معز الدين كايقوباد Kaikubad، استدعى لدلهى ليدير شئون الدولة، ولكنه واجه معارضة شديدة من الأمراء الأتراك. وعندما اشتد ضعف الإمبراطور، نادى هؤلاء الأمراء بابنه الطفل شمس الدين كيومرث Kayumarth ملكا، واعترف فيروز بالملك الطفل ولكنه أبعده عن رعاية الأتراك واستولى على قصر كيلو جهارى Kilughari حيث اغتيل كايقوباد بتشجيع منه، وبعد قليل اختفى الطفل، وفى 13 يونيه 1290 هـ اعتلى فيروز العرش، وكانت الصعوبتان الأساسيتان اللتان واجهته هما نفور أهل دلهى من أن يحكمهم أفغانى، وتمرد قادة مالك جاجول Chadji ابن أخى بالبان، الذى طالب بعرش عمه، أما تحامل أهل المدينة فقد عالجه بالحسنى، وأما التمرد فسحقه. وقد أدت سياسته المتساهلة تجاه المتمردين واللصوص إلى استياء كبير بين أمرائه، الذين رفضوا دعوته لحقن الدماء. وعندما اكتشف أنهم يتآمرون عليه عفا عنهم، ولكنه واجه سيدى مولى، وهو درويس ذو نفوذ اتهم بالتخطيط لاغتيال الإمبراطور، بمزيد من القسوة، فقد أمر بإعدامه. عين فيروز علاء الدين ابن أخيه وزوج ابنته حاكما على كدا،

فيروزكوه

وقاد هذا الأمير المغامر حملة جريئة على مملكة ديفا جيرى Devagiri فى إقليم داخان بعد أن سمع عن ثراء هذه المملكة العظيم، وعاد محملًا بالأسلاب، ولكنه تحاشى زيارة عمه فى دلهى، متظاهرًا بالخوف من العقاب لإرتكاب هذا العمل بغير إذنه، وعندما دفعت أشواق الإمبراطور الشيخ لزيارة ابن أخيه، قرر زيارته بالرغم من معارضة مستشاريه، وفى 19 يوليه عام 1296 م، وعلى ضفاف نهر الجانج، وأمام عين علاء الدين، بل بأمر منه، سددت إليه طعنات أودت بحياته. وعلى الفور أعلن علاء الدين نفسه امبراطورا. حسين أحمد عيسى (ت. و. هايج T.W.Harig) فيروزكوه (فيروزكوه Firuzkoh، قلعة جبلية فى دولة غور Chor، حاليا هضبة هازارا Hazara فى أفغانستان. بدأ بناءها قطب الدين محمد (المعروف بملك الجبال) فى منطقة تسمى ورشاده Warshadah وأكملها أخوه بهاء الدين سام Sam الذى خلفه عام 544 هـ، واستمرت عاصمة غور طوال زمان هذه المملكة، وزينها ود بن سام زينة رائعة أثناء حكمه المنتصر من الغنائم التى أخذها من الهند. وقد وصفت القلعة أو القصر بأنها قمة فى الروعة. استولى عليها علاء الدين خوارزم شاه Khwarizm Shah عام 607 هـ ثم دمرت فى الغزو المغولى تحت قيادة أوجوتاى Ogotai بن جنكيز خان Gengiz Khan عام 619 هـ - 1220 م. وموقع هذه القلعة غير مؤكد. فيقال أنها كانت على شاطئ نهر ربما كان المُرغَب Muraghab الأعلى أو الهارى رود Hari-rud الأعلى أو أحد روافده، ويرجح رافرتى Raverty الرأى الأخير، ولكن هولديتش Holdich، الذى مسح المنطقة بأكملها عامى 1884 - و 1885 م، لم يتمكن من العثور على مكان فى للك الوديان يشبه ما قيل عنها، ولكنه تعرف عليها فى أطلال تايوارا Taiaara الكبيرة التى تقع على رافد من

فيصل الأول

روافد فَرَاه رود Farah-Rud لا زال يعرف محليا بإسم غور. وهناك قبيلة تحمل اسم فيروزكوهى Firuz Kohi تعيش الآن فى وادى مرغب، Muraghab, ولكنها قبيلة بدوية وبالتالى فإن هذا لا يعنى بالضرورة أن قلعة فيروز كوه كانت فى هذا الوادى. وتقع تايوارا فى منطقة قبائل تايمانى Taimani وتتصل بسهولة بهيرات Herat وفراه Farah ووادى هارى رود Hari-Rud الأعلى، ولهذا يمكننا القول ببعض الثقة إنها المكان الحقيقى لفيروزكوه. حسين أحمد عيسى [دامز. لونجورث دامز M. Longworth] فيصل الأول ملك العراق، ولد بالطائف عام 1301 هـ/ 1883 م وهو ثالث أبناء الشريف حسين بن على. وقد أمضى طفولته فى الصحراء والواحات ثم صحب أباه إلى استانبول عام 1309 هـ/ 1891 م حيث قضى فيها 18 عامًا. وفى عام 1323 هـ/ 1905 م تزوج ابنة عمه حزيمة. ولما عاد إلى مكة مع والده شارك فى الحملة التى خرجت لمحاربة الأدريسى صاحب عسير عام 1331 - 1332 هـ/ 1912 - 1913 م ثم انتخب عضوًا فى البرلمان التركى لكنه كره قسوة الأتراك على المنشقين العرب فى سوريا عام 1915 م فانضم فى العام التالى إلى قوات "الثورة العربية" الشريفية التى اتخذت مكة مركزًا لعملياتها، وقاد فيصل هذه الثورة لمدة عامين بذل خلالهما جهدًا كبيرًا لقيام مملكة فى سورية ولكنه فشل فى مسعاه لمعارضة الفرنسيين ثم أخرج من دمشق فى يوليو عام 1920 م ولكنه نجح فى اعتلاء عرش العراق بفضل تأييد البريطانيين له وبخاصة فى الانتخابات العراقية التى جرت فى أغسطس 1921 م (1340 هـ) فقد نجح فى إيجاد نوع من التوازن بين المطالب البريطانية والقيادة الوطنية المحلية. وقد انضم العراق إلى عضوية

المصادر

عصبة الأمم عام 1932 م. ثم توفى فيصل فجأة بسويسرا فى سبتمبر 1933 م وخلفه ابنه غازى. المصادر: الوثائق العربية والأوربية الخاصة بحرب 1914 - 1918 م والانتداب والشئون العربية والعراقية فى الفترة من 1914 إلى 1944 م كثيرة جدًا، لوجهات النظر الأوربية والعربية انظر: (1) ت. إى. لورنس The Seven Pillars of Wisdom: T.E.Lawrence لندن 1935. (2) أمين ريحانى: فيصل الأول، بيروت 1353/ 1934 م (3) ساطع الحصرى: يوم ميسلون. حسين أحمد عيسى [س. هـ. لونجريكى S.H.Longrigg] فيصل الثالث ملك العراق، ابن الملك غازى وحفيد الملك فيصل الأول. ولد ببغداد فى مايو عام 1354 هـ/ 1935 م، واعتلى العرش فى الرابعة من عمره تحت رعاية عمه الأمير عبد الإله بعد وفاة والده المفاجئة عام 1358 هـ/ 1935 م، وتلقى تعليمه على يدى مربية إنجليزية ثم فى كلية هارو بانجلترا، وقضى طفولة هادئة إلا أنه كانت تعتريه أحيانًا نوبات من الربو، وقد تولى سلطاته الملكية فى مايو 1953 م، وفى خلال سنوات حكمه الخمس أظهر قدرة ممتازة على تفهم الأمور، وكان يقبل التوجيه من رجل الدولة المحنك نورى السعيد، ومن عمه. وكانت له شعبية كبيرة وكان كثير الترحال، وقد تزوج من أميرة تركية - مصرية. وانتهى الأمر بقتله هو وعمه ومعظم أفراد أسرته المقربين فى ثورة 14 يوليو 1958 م. حسين أحمد محمد عيسى [س. هـ. لونجريكى S.H.Longngg]

ق

ق

القائم بأمر الله العباسى

القائم بأمر اللَّه العباسى القائم بأمر اللَّه هو أبو جعفر عبد اللَّه الخليفة السادس والعشرون من خلفاء بنى العباس، أمتد حكمه خمسًا وأربعين سنة (422 - 467 هـ) وعاصر نهاية العصر البويهى ومطلع العهد السلجوقى فى العراق، وقد ولد سنة 391 هـ وكانت أمه جارية أرمنية وعهد إليه أبوه الخليفة القادر باللَّه بولاية العهد بعهد منه، وتمت مبايعته بالخلافة من غير معارضة وذلك يوم الثالث عشر من ذى الحجة سنة (422 هـ - 12 ديسمبر 1031 م) وعلى الرغم من أن الخلفاء كانوا فى تلك الأيام مسلوبى السلطة إلا أن القائم هذا استرد بعض الحرية، حتى لقد عهد إليه بالفصل فى المنازعات الناشبة بين أمراء بنى بويه بعضهم وبعض كالذى كان بين أمير الأمراء جلال الدولة بن بهاء الدولة وابن أخيه أبى كاليجار المرزبانى حاكم فارس، فهدأت الأمور بصورة أرضت الخليفة حتى استجاب أخيرًا لأبى كاليجار فأنعم عليه بلقب "الشاهناه" الأعظم ملك الملوك ومحيى الدين مما أغضب العامة وكان عذر الخليفة أنه خلع هذه الألقاب بعد موافقة كبار الفقهاء ثم غضب الخليفة من جلال الدولة حين تطلع لأن تكون له "الجباية" والجوالى، وبلغ من غضب القائم بأمر اللَّه أن هدد بأنه سوف يمنع القضاة من القضاء بين الناس، ومنع الشهود من الشهادة، وأمر الفقهاء بترك الفتوى سنة 434 هـ، واصطدم الخليفة بمشكلة فى العام التالى بعد

اعتراف بنى زيرى بسلطان بنى العباس فى أفريقية وكانوا من قبل موالين للفاطميين وبعد خروج حلب عن طاعة العبيديين فى مصر، أما مشكلته من ناحية السلاجقة فتتمثل فى استيلاء طغرل بك على مدينة الرىّ سنة 435 هـ، وأرسل الخليفة إليه رسوله الفقيه الماوردى، ويختلف المؤرخون اختلافًا كبيرًا حول الغرض من هذه السفارة وقد استطاع طغرل بالاستيلاء على أصفهان وزحف حتى اقترب من حدود العراق، وتعقدت الأمور من جراء القتال الذى شب بين السنة والشيعة. ورأى الخليفة أن تلقيبه لطغرل بك بمولى أمير المؤمنين لا يمنعه من لومه على تخريبه البلد الذى فتحه حديثا، على أن السياسة التى انتهجها الخليفة من التوازن بين الأمير البويهى والأمير السلجوقى قد تعرضت لأحداث مختلفة، فكان صوت جلال الدولة سنة 435 هـ محققًا لمطامع أبى كاليجار. ولما أخذ الأمير البساسيرى فى اتهام وزير الخليفة ابن المسلمة باستدعاء السلاجقة للدفاع عن الخلافة رماه الوزير بأنه عميل للفاطميين، ويقول فريق من المؤرخين إن الخليفة استنجد بطغرل بكا ويقول آخرون بل الذى استنجد به وزيره ابن المسلمة، ولما كان ختام رمضان 447 هـ دخل طغرل بك بغداد وإن ادعى أنه يمر بها فقط، ودعى له فى الخطبة بجامع بغداد، ولم تنقض بضعة أيام إلا واستقر طغرل بك فى القصر ولقبه الخليفة بركن الدين وشاهنشاه، وزوجه الخليفة رغم أنفه بابنته ثم تلقاه الخليفة بعد ذلك بعامين ولقبه بملك المشارق والمغارب وعهد إليه بجميع البلاد التى يحكمها الخلفاء الفاطميون. وثبتت ثورة البساسيرى 450 هـ ونجح الثائر بضعة أشهر فى جعل الخطبة باسم الخليفة الفاطمى فى الوقت الذى كان فيه طغرل بك مشغولا فى إيران بإخماد ثورة أضرمها أخوه، وأخرج الخليفة القائم بأمر اللَّه إلى عانة وظل بها مدة عام تقريبًا وفى أثناء ذلك كان الثائر يحاول مفاوضة طغرل بك الذى حاول البساسيرى استغلال وجود

المصادر

الخليفة فى يده رهينة لمفاوضته وأخيرًا تمكن طغرل بك من الاتصال بالأمير القائم على حراسه القائم؛ بأمر اللَّه فأطلق سراحه كما أن موت البساسيرى بعدئذ بقليل مكنه من ممارسته كسلطان تسلطًا مرة أخرى، وحينئذ لم يعد الخليفة قادرا على ضرب أمير بآخر ووجد نفسه يواجه السلاطين السلاجقة كما كان يواجه من قبل الأمراء البويهيين. واصطبغ حكم السلطان بصفة جديدة إذ كان لزواجه من ابنة الخليفة توجيه آخر، وأراد أن يصطحبها من بغداد رغم معارضة أبيها إلا أن موت طغرل بك يوم 8 رمضان 455 هـ كان بداية عهد ساده الاضطهاد انشغل فيه ألب أرسلان بتصفية منافسه ومحاربة البيزنطيين وسهل القائم الأمور عليه بوقوفه فى وجه أطماع أمراء بنى عقيل ورفضه عرض الأمير الكردى هزار سب حاكم الأهواز وأظهر ألب أرسلان رغبته فى استمالة الخليفة إليه بإعادة ابنته إليه وقتله الكندرى الوزير السابق لطغرل بك الذى اتهم بتدبيره مكيدة زواجها، وحينذاك لقب الخليفة ألب أرسلان بأمير الأمراء السلطان فى ربيع الثانى 456 هـ، ولم يعش قط فى بغداد ولكنه مات فى ربيع الأول بعد عشر سنوات من ذلك التاريخ، وجاء التعضيد من الخليفة لولده ملك شاه بن ألب أرسلان لكنه ما لبث أن مات هو الآخر وتولى ولى عهده حفيده عبيد اللَّه وسُمى بالمقتدى. ولقد وضع أساس المدرسة النظامية سنة 459 هـ ووضعت تحت رعاية السلطان ذاته وكانت مهمتها نشر الفقه الشافعى ونزع عداء الحنابلة، وجدَّت أحداث فى العاصمة من جراء ذلك لم يقدر السلطان على إخمادها. ومجمل القول إن الخليفة القائم لم يستطع أن يعيد سلطان الخليفة أو يفرض المذهب الذى تضمنته الرسالة القادرية، على أن الذى دافع عن فكرة الخليفة إنما هو الماوردى وابن الفراء. المصادر: (1) من أهم المصادر التاريخية حوليات ابن الجوزى: المنتظم.

القائم بأمر الله الفاطمى

(2) سبط بن الجوزى: مرآه الزمان، باريس. (غير مؤرخ). (3) ابن الاثير: أخبار الدولة، السلجوقية، لاهور 1933. (4) ج. مقدسى: ابن عقيل، دمشق 1963. (5) H. Busse: Calif und Grosskonig Beirut 1966 مها سيد معبد [د. سورديل D. Sourdel] القائم بأمر اللَّه الفاطمى ثانى خلفاء الفاطميين ويثير اسمه ذكرى هزائم مريرة وكيف غطى عليه "راكب الحمار" أبو زيد، ولم يكن بالصورة التى تُرسم له فى الأذهان، فلقد مارس منذ صدر شبابه وقبل اعتاوئه عرش الخلافة الأعمال العامة منذ أن عهد إليه أبوه بالمشاركة فى حكومة أفريقية. وقد هاجر مع أبيه المهدى إمام طائفة الإسماعيلية ولقى أهوالًا جسامًا، إذ خرج معه فى عام 289 هـ/ 892 م من "سَلَمِّيه" بالشام إلى سجلماسة عاصمة بربر مدرار فى أقصى جزء من المغرب، ولما بلغ العشرين من عمره عين وليا للعهد فى عام 299 هـ/ 912 م ليتولى الخلافة التى قامت على أنقاض إمارة الأغالبة ووجد نفسه على الفور ملزمًا بالقيام بعدة مهام عسكرية منها قيادة جيوش الفاطميين إلى وسط المغرب وكان الخليفة المهدى قد سارع إلى وضع هذه الجيوش تحت إمرته لتوجيهها -فى حملتين- لمصر فى تتابع متلاحق فى عام 301 - 302 هـ/ 914 - 915 م ثم حملة أخرى فى عام 307 - 309 هـ/ 919 - 921 م، فأكسبته الحملتان بعض الشهرة رغم أن الحصيلة النهائية لهما لم تحقق شيئًا يذكر لسمعته كجندى، ومع هذا فقد أثبت وقت اعتلائه عرش الخلافة أنه قد صمد بالفعل للاختبار وقت أن كان وليًا للعهد ووقت أن قام بقيادة العسكر، ولما أصبح القائم إمامًا ثم خليفة أخذ على نفسه أن يحكم مملكته القوية والمزدهرة والتى ورثها عن أبيه وأخذ يحكمها طبقًا للقواعد التى أرساها والده وسار على نفس النهج فى تطبيق سياسة التصدى

للعباسيين والأمويين فى أسبانيا على السواء وقد نعمت إفريقية بالسلام فى القسط الأكبر من فترة حكمه وإن كان المؤرخون قد لزموا إزءاها الصمت وأبرزوا بصفة خاصة الأحداث الدامية والثورات إلى أن ظهر تهديد الخوارج الذى جعل العامين الأخيرين من فترة حكمه فترة حالكة -ومحال أن نقتفى أثر حياة القائم بإنجازاته إلا إذا تعرضنا بإيجاز لمسألة شائكة تتعلق بأسلافه- لقد قدم لنا برنارد لويس -بناء على دراسة مقارنة للمصادر الإسماعيلية وأهل السنة- تفسيرًا يتسم بالأصالة أساسه فكرة "الأبوة الروحية" ونظرية الإمام المستقر "ومستودع الإمامة" إذ ترى هذه النظرية أنه كان ثمة إمامة حقيقية بعد وفاة إسماعيل وهى تنحدر من الحسين وإمامة انحدرت بوصية من ميمون القداح، أما الأمامة الأولى فينتهى تسلسلها عند القائم، وأما الإمامة الوصية فينتهى تسلسلها عند المهدى أول خليفة فاطمى، ويدلل "ب. لويس" على أن الإمام الموصى هو وحده الأب الروحى للقائم أى الإمام المستقر الذى سلمت له الإمامة التى كان وصيًا عليها، وبذلك كان القائم هو أول خليفة فاطمى حقيقى، ويمكن تتبع النسب الفاطمى بدءًا من القائم وحتى فاطمة عبر ابنها الحسين، ورغم نقد البعض لهذه الفكرة التى قدمها لويس إلا أنها ظلت تحظى بالاهتمام ذلك لأن فكرة الاستدعاء تتطابق مع حقيقة واقعة وهى أن المذابح التى أوقعها العباسيون بكل شخص يشتم منه اعتناق الفكر الفاطمى أجبرتهم على اللجوء إلى اتباع أسلوب العمل السرئ وأن يودعوا الإمامة -فى أثناء فترة الاحتجاب أو "الستر"- فى أوصيائهم أو المستودع "أو الحجة" ولقد خلف المهدى بعد مماته -موقفًا حرجًا فى أقصى المغرب نتج عن تغير كامل ومفاجئ طرأ على موقف حاكم مكناسة موسى بن أبى العافية حيث نقل ولاءه إلى بنى أمية فى أسبانيا -لذلك جرد القائم عقب اعتلائه عرش الخلافة- حملة لاستعادة سلطته فى مراكش واستئصال شأفة نفوذ خصمه الناصر الأموى، وقد عبر الجيش الفاطمى بقيادة ميسور الخادم، المغرب دفعة واحدة ووصل مدينة فاس وفى

الوقت نفسه انقض ضابط آخر من ضباط القائم هو المولى "صندل" على "نكور" واستولى عليها وقتل حاكمها الصالحى فى شوال 324 هـ/ سبتمبر 936 م، ثم انضم إلى ميسور خارج أسوار مدينة فاس التى كانت وقتئذ تحت الحصار واستسلمت المدينة فى نهاية الأمور وأعاد القائد الفاطمى توطيد سلطة بنى محمد الإدريسى قبل رجوعه منتصرًا إلى إفريقية، وقد ظل القائد على ولائه للفاطميين ومن أجل كبح جماح قبائل البربر المعادية والتى كانت قد استقرت فى المناطق الواقعة على حدود مملكته اتخذ القائم عدة خطوات نحو تدعيم سلطة على بن حمدون وهو عربى من أصل جذامى وحاكم مدينة، "مصيلة" لكى تمتد سلطته حتى أراضى كملان الذى انتقل خلال الحملة على أفريقية نحو الجنوب الشرقى من القيروان -يقف فى مواجهة مغراوة وهم فرع ذو نفوذ من قبيلة زناتة تحالف مع صنهاجة قبيلة زيرى بن مناد الذى ساعده على إقامة مدينة "أشير" فى عام 324 هـ/ 936 م فى قلب جبال أطلس الجزائرية وأمكن على وجه السرعة أخضاع هوارة الذين هم من إقليم طرابلس والذين كانوا قد تمردوا بقيادة ابن طالوت القرشي الذى ادعى الأمامة زورًا وما إن استعاد القائم توطيد سلطانه فى المنطقة من مملكته حتى بدأ يفكر فى استئناف حملته ضد العباسيين فى إقليم مصر وتقول وثائق عام 323 هـ/ 935 م إن هذه الحملة الموجهة ضد مصر قد نظمها فيما يبدو المهدى نفسه وذلك قبل وفاته مباشرة. والواقع أن القائم كان قد عزم -بمجرد توليه عرش الخلافة- على استخدام القوات المتمركزة فى قاعدة برقة مع تدعيمها بعناصر من إفريقية للهجوم على مصر حيث سبق له أن ذاق مرارة الهزيمة مرتين متتابعتين ويقرر الكندى بصورة قاطعة أنه فى ظل حكم القائم تمت الإغارة على مصر لثالث مرة ولكن دون نجاح. فقد جاء الهجوم الفاطمى فى هذه المرة فى لحظة غير مواتية، فقد ثار قائد الأسطول "على بن بدر" ضد الحاكم الإخشيدى محمد بن طغج وهرب قائد الحامية إلى برقة وأعلنوا طاعتهم للقائم وانخرطوا فى سلك خدمته، وقد أرسل

القائم -لتدعيمهم- قوات بقيادة مولاه وعتيقه زيدان- وضابط من رجاله يعرف باسم عامر ويلقب بالمجنون، وقد احتل الكتاميون الإسكندرية فى 6 جمادى الأولى 324 هـ/ أبريل 936 م، ولكن رد فعل ابن طغج كان سريعا إذ نجح فى تحرير المدينة وأجبر القوات الفاطمية على الانسحاب نحو برقة، وكان القائم قد عزم فى العام الذى اعتلى فيه عرش الخلافة على أن يستأنف العمليات البحرية ضد المسيحيين ولذلك خرجت قوة بحرية قوية مكونة من عشرين مركبًا تحت قيادة ضابط عربى من جند طرابلس هو يعقوب بن اسحق بن الورد، غادرت المهدية فى 7 رجب 322 هـ - 23 يونية 934 م وأبحرت نحو إيطاليا واعترض يعقوب عددًا من مراكب المسيحيين التجارية وهى فى طريقها من أسبانيا وتعقبها حتى بلغت جنوة فاستولى عليها رجاله بعد حصار عنيف. وبعد أن نهب أمير البحر الفاطمى البلد واستولى على كثير من الغنائم، أبحر نحو المهدية فى 25 رمضان 323 هـ/ 28 أغسطس 935 م وبالإضافة إلى هذا الهجوم حاول القائم تكثيف الجهاد ضد الأراضى البيزنطية الواقعة فى شرق جزيرتى صقلية وقلهورية، وأرسل إلى بالرمو حاكما جديدًا هو خليل بن اسحق شقيق أمير البحر يعقوب وهو شاعر موهوب وكان من أقرب قواده إليه، وقد أخضع الجزيرة لحكم يتسم بالإرهاب اكتسب خليل فى السنوات من 325 هـ/ 937 م إلى 329 هـ/ 941 م أى لمدة أربع سنوات سمعة سيئة بسبب الطغيان الذى مارسه على المسلمين والمسيحيين على السواء وقد اضطرت بعض العناصر العربية التى سبق لها أن استوطنت الجزيرة فى ظل الأغالبة إلى الفرار إلى المنطقة المسيحية واضطر بعضهم إلى اعتناق النصرانية، وقد نزعت الأراضى من المواطنين الصقليين، واضطروا إلى التوطن فى الأماكن الحصينة الواقعة على حدود المناطق المسيحية، وأحرقت السجلات المساحية فأصبح من المستحيل التحقق من الضرائب المفروضة على الأرض فى بعض المناطق مثل أجريجنتو، ولقد أظهر القائم فور اعتلائه السلطة شغفا خاصا بزيادة قوته العسكرية وتدعيم

سلطته داخل مملكته، ولهذا السبب أصبحت السياسة الداخلية الجديدة التى اتبعها الحكام الجدد فى حكم إفريقية أشد قسوة منذ بداية حكمه. إذ يبدو أن هذا البلد -فى ظل حكم القائم- قد عانى من فرض الضرائب الباهظة والاضطهاد الدينى- ولذلك كانت التربة صالحة لظهور تحركات من ناحية الخوارج لإثارة الشعور العام فى الأوراس وقسطيلية إلا أن موقف القائم من هذه الإثارة كان سلبيًا إلى حد يبعث على الدهشة، فقد سمح للتمرد أن تتأصل جذوره وسط القبائل المعادية له فى أوراس والتى لم تستطع كبح جماحها الحامية المتمركزة فى بجاية والتزم بسياسة دفاعية ثابتة إزاء تدفق قبائل البربر عبر وادى عويد ملج تحت قيادة كبيرهم أبى يزيد النكارى واستولوا على كثير من المواقع مثل مرماجَنّه و"لاريبوس" وذلك فى عام 332 هـ/ 944 م، لقد افتقد رد فعله إلى الحركة وبعد النظر على السواء رغم ما كان تحت يده من أعداد كبيرة من العسكر (70.000 رجل كما يقول النعمان) مجهزين بالعتاد تجهيزا جيدا ومنظمين تنظيما عاليًا -وبدلا من شن هجوم شرس ضد العدو مباشرة تبنى فكرة ضارة مفادها توزيع قواته على نقاط استراتيجية مختلفة، فى الوقت الذى ترك فيه حرية الحركة للعدو فيأخذ بزمام المبادأة فى العمليات- وبهذه الطريقة أخذت مجموعة من القوات بقيادة المولى بشرى مواضعها وأخرى فى القيروان تحت قيادة خليل ابن اسحق، وثالثة على الطريق بين قيروان ومهدية بقيادة المولى ميسور -ولم يجد أبو يزيد أية صعوبة فى إلحاق الهزيمة بكل خصم من خصومه الثلاثة كل على حدة- وبدأ فى جمادى الأولى 333 هـ/ يناير 945 م فى حصار العاصمة المهدية إلا أن القائم نجح فى استنهاض مقاومة شرسة لمواجهة أبى فى ذلك المعقل البحرى. وتم صد الهجمات التى شنها المتمردون عند أبواب المهدية التى ظلت صامدة رغم شدة الحصار، وأخيرًا تبخرت حماسة المتمردين وعادت كثير من الكتائب القبلية إلى مواقعها فى الجبال لأنه لم يتبق شئ فى إفريقية يغنمونه وكانت القوات الفاطمية تواظب على القيام

المصادر

بغارات متكررة من خارج تونس وسوسة على وجه الخصوص، كما شنت غارات على مؤخرة جيش أبى يزيد ولم يعد يشكل تهديدا للعاصمة وما إن وافت المنية القائم فى شوال 324 هـ/ مايو 946 م حتى حانت الفرصة لابنه وخليفته إسماعيل الذى لقب بالمنصور فيما بعد لكى يتولى قيادة الحرب وأنفق شهورا عديدة لسحق الثورة. المصادر: المصادر الأساسية لهذه المادة إسماعيلية مثل: (1) القاضى نعمان: المجالس والمسايرات. (2) المؤلف نفسه: افتتاح الدعوة، طبعة وداد القاضى، بيروت 1970. (3) عزيزى أبو على منصور: سيرة الأستاذ جوذر، طبعة كامل حسين وعبد الهادى شعيرة، القاهرة 1924. (4) يمانى محمد بن محمد: سيرة جعفر الحاجب. (5) إدريس عماد الدين: عيون الأخبار. ومن الأعمال التى تحدثت عن الإسماعيلية: (1) B. Lewis: The Origins of Ismailism. A Study of the historial background of the Fatimid caliphate, Cambridge 1940 وهى ترجمة لكتاب أصول الإسماعيلية بالعربية، القاهرة 1947. ومن المصادر السنية انظر: (1) الكندى: ولاة مصر، بيروت 1929. (2) المقريزى: اتعاظ الحنفاء، القاهرة 1948. د. حسن حبشى [دكروى F.Dachrauoui] قابس قابس (أو جابس) مدينة بتونس تطل على الخليج المسمَّى بالإسم نفسه وتبعد عن جنوب تونس بأربعمائة

قابس تاريخيا

وأربعة كيلو مترات، وعن قفسة أو "جفسة" بمائة وخمسين، ويبلغ تعداد سكانها أربعين ألف نسمة منهم ألفان ومائتان من الأوربيين، وقد قسمت مدينة قابس منذ سنة 1957 م إلى أربعة نواح، واجتاحت السيول المدمرة ناحيتى "منزل" و"جارة" منها فى عامى 1959 م و 1962 م لكن أمكن السيطرة على هذه السيول اليوم بشق قناة تأخذ مياهها إلى البحر مباشرة. وتحتوى واحة قابس على 14.000.000 شجرة منها 47 % تنتج تمرًا متوسط النوعية، ويليها تبعًا للأهمية أشجار الرمان وعددها 107000 تثمر أحلى أنواع الرمان الذى يعد المحصول الثانى فى الأهمية. وقد نجحت زراعة الزيتون فى بعض المناطق من قابس كما تزرع بها الغلال ولكن بكميات ضئيلة فى الأراضى الخصبة وكذلك الأعلاف لاسيما البرسيم الحجازى والطباق والحناء والاسبراجوس، وتربى الحيوانات للاستهلاك المحلى وللحصول على مزيد طفيف فى الدخل، أما المياه الساحلية فضحلة وبها وفرة من الاسماك لكن لم تستغل بعد. وقد اتسعت رقعة الواحة بفضل الرى أما المياه الجوفية فقد أوشكت على النفاذ. وقد اختيرت قابس حديثًا كمركز متطور لجنوب تونس وأعد الميناء ليسع السفن ذات الخمسين ألف طن، وتأسست شركة لصناعة المخصبات كما مد خط أنبوب غاز يربط البلد بحقول البرمة. وقد عملت الحرف والسياحة على تشغيل الأيدى العاملة وينتظر لها مزيد من التقدم. قابس تاريخيًا: قابس هى الرسم العربى لمدينة عرفت قديما باسم Tacapas وكانت عامرة بالسكان منذ العصر اليلوتى، ويستدل على ذلك من كثير من آثارها الباقية، ثم جاء بعدها الفينيقيون الذين يحتمل أنهم كانوا أول من أقام بها سوقًا تجاريًا اختص بالمتاجرة مع نوميديا عبر الصحراء، وقد أصبحت هذه السوق ميناء قرطاجينيا قبل أن يتحول إلى مستعمرة رومانية، ويصبح تاريخ قابس منذ ذلك الحين واضح المعالم. ولقد بدأ تطور الإقليم منذ عهد طيبريوس (14 - 37 م)

فارتبط قابس (أو Tacapcs كما كانت تسمى) بقرطاجنة عبر الطريق الساحلى الرئيسى، وتم فتح طريق حربى يربط قابس "بتليت" وحيدرة التى كان يرابط بها الجيش الثالث، وتطورت المدينة إلى الإمام بفضل مجهودات القرطاجينيين التى بذلوها منذ وقت بعيد وبسبب هذه الشبكة من الطرق التى زادت من نشاط الميناء وكثرة المياه المتدفقة وانتشار السلام. كما أصبحت قابس فى العهد المسيحى مركز أسقفية، ومن ذلك فلم يتم تحصينها إلا فى وقت متأخر نسبيًا إذ ظلت -كما يقول المؤرخ شال ديل- حتى منتصف القرن السادس على الأقل "خالية من التحصينات" ولم يكن يقيها شر الهجوم عليها سوى ناحية حصينة تعترض طريق الغزو، أعنى بذلك المضيق الواقع بين الساحل وبين شط الفجيج، والذى يربط المركز البيزنطى الحربى بليبيا، وهو الموضع الذى شاهد الهزيمة الساحقة التى نزلت بالقوات البيزنطية على يد قبيلة "استريس" وليس من شك فى أنه بعد هذه الهزيمة تم تشييد سور حول قابس ظل موجودا حتى القرن السادس عشر على الأقل وقد اندثرت من البلد اليوم كل آثار ماضيها القديم، أو بقول أدق لم يبق إلا أطلال من السد الرومانى وعدة أعمدة ومقرنصات أدخلت فى مسجد سيدى ادريس لو فى مزار سيدى بليابة، وبعض آثار أقل من هذه أهمية استعملت فى المبانى التى شيدت بالأحياء القديمة. ولا يزال الغموض يعتور الظروف التى أدت إلى دخول قابس الإسلام وإن كان الوزير السراج يؤكد فى كتابه الحلل عبد اللَّه بن يعد لم يحاصر البلدة اثناء غزوه للإقليم البيزنطى سنة 27 هـ (647 م) مما يرجح الرأى القائل بأن الاستيلاء عليها تم فى وقت متأخر أثناء حملات معاوية بن حديج أو خليفته عقبة بن نافع (أعنى بين عامى 40 و 50 هجرية (654 - 670 م) ثم جلا المسلمون عنها بعد مقتل عقبة بن نافع عام 64 هـ (= 684 م) فاستعمل الغالب "كسيلة" القيروان قاعدة له ومد سلطانه كما يقول ابن عبد الحكم فى

كتابه الفتوح على جميع النواحى المجاورة بما فيها بوابة قابس التى تمكنت قوات الكاهنة من خلالها سنة 74 هـ من طرد قوات حسن بن النعمان واستردادها، ومع ذلك فإن ابن النعمان استطاع أن يدخل من جديد وبعد بضع سنوات من هذه البوابة ذاتها. وأصبحت قاس منذ دلك الحين -وإلى الأبد- بلدة إسلامية ولكنها لم تسلم من أن تمتد إليها يد الدمار على أيدى الخوارج الذين اجتاحوا كل إفريقية فيما بين عامى 122، 155 هـ (= 740 - 772 م) واستولى عليها سنة 123 هـ عكاشة بن أيوب الفزارى الزناتى (وكان من الصفرية) وهدد القيروان قبل أن تلحق به الهزيمة فيقتل عام 125 هـ، ثم سقطت قابس مرة ثانية فى أيدى الخوارج الأباضية بعد بضع سنوات أيام حكم عبد الرحمن بن حبيب كما تمت سنة 131 هـ هزيمة الثائر إسماعيل بن زياد النفوسى ولقى مصرعه. غير أن اغتيال عبد الرحمن بن حبيب (137 هـ - 755 م) كان إيذانا باندلاع فتن جديدة وثورة قادها الخوارج كانت البلدة أثناءها [. . . .] (*) تتداولها أيدى الفئات المتنازعة، حتى تمكن أبو الخطاب (وكان من الأباضية) من الاستيلاء عليها فى مستهل 141 هـ (= 758 م) ثم حررها منه ابن الأشعث عام 144 هـ = 761 م لتضيع مرة أخرى إلى أن تمكن أخيرًا يزيد بن حاتم المهلبى (مؤسس أسرة بنى المهلب) من دخولها يوم العشرين من جمادى الأولى 155 هـ (= 28 أبريل 772 م) فكان ذلك إيذانًا بتوقف سفك الدماء لمدة ربع قرن الزمان بعد ما عاناه الإقليم من أحداث القتل التى ظلت مستمرة لبضعة عقود. وصارت قابس زمن الأغالبة أهم بلد فى الناحية ومركز الحاكم ويشير الشماخى فى كتابه السير إلى وجود عامل للإمام عبد الوهاب (168 - 208 هـ = 784 - 823 م) مما يشير إلى أن البلدة كانت من المملكة الرسمية، لكن الواقع أن هذا "العامل" لم يكن سوى جابى ضرائب يمد فى الخفاء "صدقات" الأباضيين فى تاهرت لأننا نعرف على وجه التأكيد أن البلدة كانت خلال القرن الثالث الهجرى تعتمد كليا

_ (*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: مسح بالمطبوع

على إدارة القيروان السياسية، وكان ذلك عهد سلام لقابس إلا ما كان من إنزال إبراهيم الثانى الهزيمة بالأباضيين من أهل نفوسة الذين كانوا خطرًا كبيرًا يهدد قابس التى انتقلت فى القرن الرابع الهجرى (العاشر الميلادى) إلى أيدى الفاطميين فعهدوا بحكمها إلى بنى لقمان من أهل كتامة الذين خلد الشعراء ما كانوا عليه من كرم فنظموا فيهم كثير من أشعار المديح لكن يلاحظ أن عهد الزيريين كان أقل هدوءًا فقد بدأ بثورة أضرمها الخوارج سنة 136 هـ (= 972 م) حاصروا فيها البلدة وخربوا ضواحيها وحينذاك حاول الخليفة الفاطمى (386 - 411 هـ = 996 - 1020 م) نزع كل من قابس وطرابلس من أيدى الزيريين، ولكن محاولاته هذه باءت بالفشل، فتولى حكم قابس من الزيريين بنو عامر ثم اخ لباديس (386 - 406 هـ = 996 - 1016 م) اسمه إبراهيم فلما مات إبراهيم خلفه المنصور بن مواس ثم كان ابن "ولمية". على أن آخر وال استعمله المعز لدين اللَّه الفاطمى (407 - 464 هـ = 1016 - 1062 م) كان ابن ولمية، ثم خرجت البلدة بعد ذلك من أيدى الزيريين على أنه وقعت كارثة فى نفس الناحية سنة 443 هـ (= 1052 م) أدت إلى سقوط إفريقية فى أيدى بنى هلال لكن يجب أن نشير إلى أن الأخيرين لم يلحقوا الخراب بالمدينة التى كانت محاطة بسور متين ولا بالواحة رغم أنها لم تكن محصنة. ولا بد أنه قد أمكن الوصول إلى شئ من التفهم بين المهاجمين وبين والى البلد يقضى بتقديم بعض المال إلى الوالى. كما أن بعض أفراد الاسرة الزيرية كانوا معرضين لأشد الأخطار لجأوا جهرا إلى المدينة ويرجع الفضل فى ذلك إلى الحماية التى بسطها عليهم مؤنس بن يحيى الرياحى. ولم تسرع قابس فى لحظتها إلى قطع العلاقات بالمهدية لكن حدث فى سنة 454 هـ (= 1062 م) أن غضب الوالى المعز بن محمد بن ولمية من سوء ما لقيه إخوته إبراهيم والقاضى على يد الأمير الزيرى فأعلن بتدبير مع القاضى استقلاله لكن تحت حماية (مؤنس بن يحيى، وكان هذا العمل كما يقول التيجانى فى رحلته

مقدمة لاحتلال الهلاليين للمدينة، وقد خلف إبراهيم أباه ثم جاء دور القاضى فقتله أهالى قابس لما كان عليه من الاستبداد "قد أدى اغتياله إلى نقل السلطة إلى بنى جامع الذين تحالفوا مع بنى هلال عن طريق الدهمانيين، ونعلم أن الخليفة الفاطمى المستنصر (427 - 487 هـ) جعل طرابلس من نصيب جماعة "زغبة" الذين قبعوا بطربلس، وقام أحد الدهمانيين الرياحين واسمه مكى بن كامل بن جامع فأسس دولته فى قابس بعد أن تخلص من أخ لميير تميم اسمه عمر بن المعز كان ثوار قابس قد جعلوا السلطة فى يده، وخلف مكى ابنه راف ثم رشيد بن كامل بن جامع أولًا (حوالى سنة 515 هـ) ثم جاء بعد فترة قصيرة من حكم المولى يوسف بن رشيد وأخيرًا مدافع بن رشيد ولقد ظل تاريخ قابس منذ منتصف القرن الخامس للهجرة (الحادى عشر الميلادى) إلى منتصف القرن التالى له (وهى فترة الولايات المستقلين وأشراف بنى جامع المباشر) سلسلة متصلة من الاضطرابات نشبت فى الداخل مؤامرات وصرعات لأخذ السلطة لكنها لم تتمخض عن فائدة. أما من الناحية الخارجية فقد عانت قابس من جراء سياسة التوسع التى انتهجها نرمان صقلية الذين كانوا يبذلون قصارى جهدهم للسيطرة على ساحل إفريقية وعلى الرغم من تعدد مرات الحصار التى كابدتها قابس (وانتهت بالفشل كحصار 474 هـ/ 1081 م و 479 هـ/ 1086 - حصار 486 هـ/ 1093 م و 511 هـ/ 1117 م) إلا أن خلفاء المعز استطاعوا استردادها وإن كان هذا الاسترداد لفترات قصيرة كالذى حدث سنة 489 هـ (1095/ 1096 م) و 542 هـ (1147 م) ثم أرادت المدينة مقاومة خلفاء المعز هؤلاء فجاهرت بانتهاج سياسة عدوانية صريحة إذ رحبت بأعدائه وأرسلت جندها إما على حدة أو مع الحلفاء لغزو عاصمتهم كما حدث فى سنوات 476 - و 493، 115 هـ (= 1083 - 1084 و 1099 - 1100، و 1117 - 8 م) وقامت قابس فى معارضتها لخلفاء المعز بالتحالف مع بنى هلال ونرمان روجر الثانى الذى أرسل لحاكم قابس (بناء على التماسه) تقليدا صريحا بحكم قابس

كما أهداه بعض الأوسمة النصرانية وعين خلفا له محمد بن رشيد بعد احتلال المهدية الذى تم سنة 543 هـ (1148 م) واحتلال جميع الساحل وعلى الرغم من كل هذه الصراعات إلا أن البلدة لم تضار كثيرا بل أنها عمرت بقصر جميل عرف بقصر العروسين وكان ابن ولمبة قد شرع فى تشييده ثم اتمه رافع ونسب إليه. على أنه ينبغى أن نذكر فى ذا المجال أن رشيدًا سك عملة باسمه هو ذاته، وكان هذا العمل من جانبه مظهرا من مظاهر تأكيد استقلاله. كان مجئ الموحدين إيذانا بنهاية عصر الاستقلال الذى كانت قابس فى الواقع قد فقده منذ سنة 541 هـ (= 1146 م) حين قبلت أن تدخل تحت سيطرة النرمنديين. ولقد استولى أبو محمد عبد اللَّه بن عبد الرحمن بن على فى عام 554 هـ (= 1158 م) على مدينة قابس عقب قيامها فى السنة الماضية ضد النرمان. ولقد استمر عهد السلام الذى تمتعت به إثر ذلك لمدة عقود قليلة إذ سرعان ما وقعت فريسة صراع بين الموحدين وبين عدوين كانا يتحالفان تارة ويتخاصمان تارة أخرى، أما أحد هذين الحليفين فقراقوش والى طرابلس وأما الآخر فبنو غانية، ومن ثم صار لزاما على المنصور (580 - 596 هـ = 1184 - 1119 م) أن يتدخل شخصيا فى إفريقية منذ أن رأى الخطر يهدده بأنه موشك على فقدها وتمكن بفضل انتصاره سنة 583 هـ (= 1187/ 8 م) من أن يسترد البلد الذى حوله قراقوش (بتحالف مع بنى غانية) إلى قاعدة حصينة كما استطاع قراقوش أن يثبت أقدامه هنا مرة أخرى. غير أنه ما لبث أن شجب تحالفه السابق مع بنى غانية مما أدى إلى ضياع البلد منه وانتقاله إلى أيدى الموحدين الذين استغلوا الظروف الراهنة إذ كان يحيى بن غانية قد نجح فى هزيمة قراقوش وتملك طرابلس ثم مضى فحاصر قابس سنة 159 هـ (1195 م) ودفعته الرغبة فى ارغامها على الاستسلام إلى تخريب الواحة التى يقال إنه قطع كل نخيلها غير واحدة تركها لتكون علامة تدل على المكان، وما كاد يحرز النصر حتى جعل قابس

عاصمة له وبسط نفوذه على كل افريقية بما فى ذلك تونس التى سبق له الاستيلاء عليها سنة 600 هـ (= 1203 م) وبذلك أصبح لزامًا على الناصر الذى حكم من 596 هـ حتى 609 (= 1199 - 1213 م) أن يعيد فتح كل القسم الشرقى من هذه المملكة فحارب يحيى بن غانية وهزمه هزيمة نكراء قرب قابس فى ربيع الأول سنة 602 هـ (أكتوبر 1025 م) واستولى على البلدة مرة ثانية لكنها آلت فى النهاية إلى قبضة الموحدين الذين كان حكمهم لإفريقية مشرفا على نهايته، ذلك أن أبا زكريا يحيى (625 - 647 هـ = 1228 - 1249 م) مؤسس الأسرة الحفصية كان على قابس حين استعمله الخليفة المأمون (624 - 629 هـ = 1227 - 1232 م) واليا على كل إفريقية فنجح بفضل المساعدة التى أمده بها عبد الملك بن مكى (اقوى ملاك الأراضى نفوذًا فى البلد) فى اغتصاب تونس من يد أخيه الذى كان قد خلع من الحكم، وكان هذا علامة فارقة تؤرخ مساعدة الحظ فى ظهور نجم بنى مكى الذين استطاعوا فيما بين سنتى 681 و 796 هـ (= 1282 - 1364 م) أن يجعلوا ما كان من أسرة صغيرة محلية مستقلة: أسرة مستقلة تمام الاستقلال وكان أقوى رجلين بها هما عبد الملك بن مكى وأخوه الذى كان حاكما على "جربة" فاستطاع أن يمد نفوذه منها حتى طرابلس، وكان الأخوان من قبيلة لواته ويهتمان بالعلم حتى نعت كل منهما بالفقيه كما كانا داهيتين إذ نجحا فى كثير من الحالات فى ترك بصماتهما على سياسة بنى حفص التى ساهما فيها مساهمة فعالة استخدماها فيما بعد فيما عاد عليهما بالنفع، وفتح عبد الملك فى رجب 681 هـ (اكتوبر 1282 م) أبواب البلدة للطاغية ابن أبى عمارة (1382 - 1284 م) وساعداه على تولى أمورها وعرشها ويقال إنه أراد الاعتراف بفضلهما عليه فأنعم على عبد الملك بجميع الجوارى اللائى كن فى قصر السلطان السابق واختاره وزيرًا له مع منحه صلاحيات مالية كبيرة لكن حكم ابن أبى عمارة لم يدم طويلا فعاد عبد الملك إلى اقطاعية قابس فرد عليه الامير أبو زكريا بأن حاصرها فى سنة 1286 م وقطع كل ما بها من نخيل على

أن عبد الملك لم يبق طول هذه الفترة من الاضطرابات ساكتا بل مد يده بالمساعدة فى سنة 1287 م - 1288 م إلى الدعى ابن أبى دبوس ضد أبى حفص (683 - 692 هـ = 1284 - 1293 م) لكنه لم ينجح فى مساعدته ثم شجب سيطرة تونس (693 هـ) ليحق له المطالبة بما كان أجدر حفدة أبى زكريا يطالب بميراث أسلافه فيها وكان هذا الحفيد قد حاصر قابس سنة 1286 م على أنه ظهر فى عام 732 هـ (1332 م) مطالب جديد اسمه عبد الواحد اللحيانى فوجد منه عونا ضد أبى بكر (718 - 747 هـ/ 1318 - 1346 م) وشاهدت السنوات التالية ذروة قوة بنى مكى الذين نجحوا أثناء خصومتهم للوزير الماكر ابن تفراجين فى مد رقعة حدودهم ودعم سلطاتهم أكثر من ذى قبل وزالت هيبتهم حتى أنه فى حوالى سنة 1355 م عقدت البندقية معهم (وعلى انفراد) معاهدة نفعتهم، ولما كانوا مستمرين فى عدائهم لتونس فقد ساعدوا أبا عنان المارينى فى حملته الثانية (752 - 757 م = 253 هـ). على أنه بعد عدة عقود قليلة قام حكم أبى العباس (772 - 796 هـ = 1371 - 1374 م) فكان نذيرا بنهاية استقلال جميع مدن الجنوب. وفى ذى القعدة من عام 781 (فبراير - مارس 1380 م) أمكن أخذ المدينة وأقيم بها وال حفصى وهو يوسف بن الأبار، إلا أنه فى السنة التالية تمكن أحد حفدة عبد الملك بن مكى ويدعى عبد الوهاب من الاستيلاء على البلد لنفسه وقتل حاكمها وحاصرها أبو العباس بشخصه سنة 789 هـ (= 1387 م) وأمر بقطع أشجار نخيلها ليرغمها على الاستسلام، ويقول ابن خلدون إن عمله هذا أتاح للبلد جوا أصح عما كان عليه من قبل، فلما استسلم عبد الوهاب سلم واحدا من أولاده إلى الوالى الحفصى ليكون رهينة عنده، ثم زاد فدفع مبلغا من المال لكن حدث بعد أن اغتيل عبد الوهاب بسنة 792 هـ (1390 م) على يدعمه يحيى بن عبد الملك بن مكى الذى أعلن استقلاله غير أن البعض نجح فى تدبير مؤامرة سنة 796 هـ (= 1393 م) وسلموه إلى الوالى أبى حفص

قابس جغرافيا

الحفصى الذى أمر بقتله فكان هذا خاتمة دولة بنى مكى ونهاية استقلال قابس التى لا نعود نسمع عنها إلا القليل منذ ذلك الحين فقد جرى عليها ما جرى على بقية الجنوب من خروجها من تحت سلطان آخر الحفصيين الذين كانوا تحت الحماية الأسبانية قبل أن يدخلوا فى دائرة الأملاك التركية من بقية تونس التى أصبحت "باشليقا" (1574 م) وقام عثمان داى (الذى حكم من 1590 - 1610 م) ببذل جهود جبارة لإعادة السلام إلى البلاد فاقام فى "جاران" مستوطنة للكولوغيين ونعنى بهم الجماعات التى من أصول مختلفة أى من الأبناء الذين هم نتاج زواج الترك بالنساء الوطنيات. ولقد قاست قابس أكثر من سواها من المدن الأخرى من الفوضى التى سبقت الاحتلال الفرنسى وذلك بسبب وقوعها على تخوم الصحراء، كما تزايد الضغط عليها من جانب البابا ومن جانب البدو الذين اعتادوا الاختفاء بالصحراء أو الالتجاء إلى وراء الحدود الليبية حين يحسون باقتراب القوات النظامية منهم وعلى الرغم من عدم وجود قابس فى مركز العاصفة إلا إنها لم تسلم من أن يمسها الضرر من فتنة على بن غذاهم (1864 م) فقد تعرضت فى الواقع للنهب على يد الخازندار سنة 1870. ولما فرضت الحماية حدث شقاق بين جماعتين متنافستين حول ما يمكن اتخاذه حيال هذه الحماية إذ مال أهل "جارا" لقبولها على حين آثر أهل "منزل" مقاومتها، وكان من الصعب احتلال "منزل" فقد استغرق من 24 يوليو 1881 م إلى نهاية نوفمير بعد تحطيم جميع الاستحكامات وفى أثناء الحرب العالمية الثانية أقيم خط دفاع جنوب قابس أدى إلى قصف البلد بالمدافع قصفًا عنيفا فعمها الدمار الشامل، ومع ذلك فلم تنج من احتلال الألمان لها يوم 19 نوفبر 1942 م، ثم عادت القوات البريطانية والفرنسية فاحتلتها يوم 9 مارس 1943 م. قابس جغرافيا: ربما كان أحسن تعريف لقابس هو أنها "واحة بحرية" ذاك أنها نعمت على مدى العصور المختلفة بالرخاء الذى نتج عن وفرة الرخاء بها ونشاط الحركة فى موانيها

التى هى المنفذ الطبيعى لسلع الصحراء، وقد وصفها "سترابون" 58 ق. م - 25 م) بأنها "سوق كبيرة جدًا يتم فيه بيع واستبدال سلع الأقاليم الصحراوية بالبضائع الواردة من "نوميديا". ويتكلم "بلينى" الصغير (23 - 79) عن نصيبها الكبير من مياه الرى التى تقسم بالتساوى بين الأهالى وهو نظام لا يزال سائدا حتى اليوم. كما يتكلم عن وفرة منتجاتها الزراعية من التمر والزيتون والتين والرمان والكروم وأخيرًا الحبوب والخضروات. ولا نجد بعد ذلك تفاصيل جغرافية دقيقة عن قابس المسلمة حتى القرن الثالث الهجرى (التاسع الميلادى) فنرى ابن خرداذبة المتوفى سنة 272 هـ (885 م) يكتفى بالإشارة إليها بقوله أنها مدينة الأفارقة والأعاجم "ويدل هذا التعبير على أن المقصود بلفظ الأفارقة فى عصر أحفاد الجبيكو رومان والبربر الذين اصطبغوا بالصيغة اللاتينية من النصارى والذين لازالوا يؤلفون الغالبية العظمى من السكان ومن المؤكد أن هؤلاء الأفارقة المشار إليهم بلفظا "الأعاجم" فتى اليعقوب المتوفى حوالى 282 - 292 هـ (895 - 905 م) كانوا يتألفون من العرب والبربر على السواء كما يشير نفس الكاتب مرة أخرى إلى أن قابس "بلدة هامة رخية تكثر فيها الزراعات والفواكه. ويذكر لنا ابن حوقل (من رجال منتصف القرن الرابع الهجرى = العاشر الميلادى (أنها كانت آهلة بالبربر، كما أنه يشير لأول مرة إلى طائفة من اليهود كانوا يؤدون ضريبة معينة (جزية) كما يلاحظ أيضًا أن سكانها ليسوا من أهل المال الفائق والنظافة بل أنهم تعقد فيها الأسواق ويشير إلى كثرة ما تنتجه من الزيت والصوف والحرير الفاخر والجلود الناعمة الملمس والمعطرة التى تصدرها إلى جميع أنحاء المغرب. ولكن المناطق الداخلية -للأسف- يسكنها الخوارج "اللصوص" الذين جرت عاداتهم على تخريب الناحية واشعال النيران بها، وكانت نفوسهم تنطوى على حسد لكل ما يملكه التجار والذميون". على أن المقدسى يقول عنها

فى ختام القرن الرابع الهجرى (العاشر الميلادى) أنها بلدة "أصغر من طرابلس" وأنها مشيدة من الحجر والطوب وأنها غنية بأشجار النخيل والتين الكروم والتفاح". ويذكر أن البربر "يقطنون المناطق الداخلية، ولأسوارها ثلاث بوابات". أما الوصف الذى ذكره البكرى وهو الصف الذى طالما ردده الجغرافيون الذين جاءوا بعده فهو أكثر وصف تفصيلى لها ويرجع إلى منتصف القرن الخامس الهجرى (الحادى عشر الميلادى) حتى فى الوقت الذى كانت فيه البلدة تحت حكم "ابن ولمية "وحماية" مؤنس بن يحيى الهلالى، وكان ولا يزال بها حينذاك سورها القديم المشيد من الحجر، كما يوجد خندق حول السور لحمايته حتى إذا ما تعرضت لأى خطر ملؤوه بالمياه ولقد شهدت قابس منذ عهد ابن حوقل اصلاحات جمة منها أنها أصبح تكتنفها فى الجنوب والشرق كثير من الضواحى والأسواق والفنادق مما يشير إلى نشاط تجارى عظيم وقد زانها جامع رائع حفلت بالحمامات العديدة. على أن الشئ الوحيد الذى يشوه هذه الصورة هو أن مناخها لم يعد صحيا ولم يكن كذلك فى أول العهد بها ولكنه جاء نتيجة تحطيم طلسم. كما يقولون- كانوا قد عثروا عليه أثناء البحث عن كنز وليس من شك أن أسطورة الطلسم هذه تشير إلى هدم المبانى القديمة التى كانت موجودة وراء الأسوار على مرتفعات سيدى "بولبة" ذات الهواء الصحى وكان الداعى لإزالة هذه المبانى هو الرغبة فى تشييد الضواحى مكانها. فلما كانت خاتمة القرن الخامس الهجرى (الحادى عشر الميلادى) نقلت الضاحية بعيدا عن الأسوار القديمة إلى حيث منطقة "جارة" الحالية وازدحمت بالسكان. ونستدل على ذلك من الأكثار من المساجد فى هذه الضاحية كمسجد سيدى إدريس وسيدى الحاج عمر ومسجد سيدى ابن عيسى الذى ينسبه المستشرق "ماسيه" إلى "بنى جامع" وقد لاحظنا من قبل أن بعض مخلفات المبانى الأثرية استعملت من جديد فى

هذه العمارة وأمثالها من العمائر المستحدثة منذ أن أخذ الناس (منذ منتصف القرن الخامس الهجرى = الحادى عشر الميلادى) يهجرون المدينة القديمة مما أدى فى النهاية إلى اختفائها تماما لتحل محلها الضواحى. ونستفيد مما يقوله البكرى أنه ما زالت هناك تفرقة فى النظرة نحو السكان أعنى بين العرب والأفارقة مما يدل على أن الاندماج العرقى يكن قد تم، وكان الأهالى عرضة لسخريات كثيرة لا يكف صاحب المسالك عن إيرادها كما أنه يشير إلى أن البيوت لم تكن مجهزة بالمراحيض وأن الغائط كان يستعمل فى تسميد الحقول، وكان البربر يعيشون فى "الأخصاص" لاسيما من كان منهم فى المناطق الداخلية، وكان هؤلاء البربر من قبائل لواتة ولمايا ونفوسة ومزاته وزواغة وزاولة وغيرها من الجماعات الصغيرة. . وتنتج واحة قابس كميات كبيرة من الموز وقصب السكر ومختلف أنواع الفاكهة التى ترسل منها أحمال ضخمة إلى القيروان. وتنفرد قابس من كل أفريقية بغاباتها الكثيرة من أشجار التوت مما أمكن معه انتاج الحرير الفاخر الذى يصدر بوفرة، وتؤكد لنا وثائق "الجنيزه" أن أفريقية كانت مصدرا كبيرا للحرير فى القرن الخامس الهجرى (الحادى عشر الميلادى) وإن لم يعثر "جويتين" على أية إشارة فى هذه الوثائق إلى قابس. ويخبرنا البكرى أن بناء البلد يمتاز بمنارة وصفت بأنها من العجائب، وتقصدها لسفن من كل أرجاء المعمورة. لكن لم يبق اليوم من برجها سوى موضعه على نشز من الأرض ولا يزال الناس يسمون هذا الموضع بالمنارة. ولما كان منتصف القرن السادس الهجرى (الثانى عشر الميلادى) نرى الإدريسى يتكلم عرضا عن "الأفارقة" كلاما لا يشك معه أنهم لم يعودوا يكونون عنصرا هاما ومتميزا بين السكان، ويضيف إلى ذلك قوله "إن الناس هنا ينقصهم حسن الذوق والأناقة، وإن كان هندامهم نظيفا "ويمتدح الإدريسى على وجه

الخصوصُ رطبها وعسل تمرها الذى يشبه عسل النحل ويحفظونه فى جرار ضخمة، كما كانت البلده تنتج فى أيامه الزيت الذى تصدر منه كميات كبيرة منه إلى كل النواحى". على أنه جرت بقابس تغييرات كثيرة فميناؤها الذى كان على حدِّ قول البكرى شديد الإزدحام كاد أن يصبح مهجورا قَلَّ أن تطرقه السفن لضحالة مياهه كما أننا لا نرى أية إشارة إلى المنارة، وتدهورت صناعة الحرير وأصبحت قاصرة على قرية هى قرية "قصر السجة" وأما المصنوعات الجلدية التى امتدحها ابن حوقل والتى أمسك البكرى عن الإشارة إليها فكان حظها عكس ما سبقها إذ أصبحت نافقة السوق وتصدر إلى الخارج كميات ضخمة من إنتاجها. ولما أُستهل القرن السابع الهجرى (الثالث عشر الميلادى) نرى ياقوت لا يضيف جديدا إلى ما قاله البكرى ولكنه ينقل ما سبق حرفا بحرف، كما أن ابن الشباط (618 - 681 هـ = 1221 - 1282 م) يصف قابس بأنها "مدينة كبيرة" ويقرر أن بها ثلاثة عناصر من السكان هم العرب والبربر والعجم أعنى الأفارقة، وكانت هذه آخر مرة ترد فيها الإشارة إلى تقسيم الأهالى من الناحية العرقية إلى ثلاثة أجناس. ولما مر البدرى بقابس فى طريقه إلى الحج فى نهاية القرن السابع الهجرى (الثالث عشر الميلادى) رسم لها صورة قبيحة جدًا، إذ رأها "بلدة قذرة يتصاعد النتن منها ولا يغلبها فى هذه الناحية إلا ما عليه أهلها من الجهالة والكفر". أما ما تركه لنا التيجانى الذى قضى بها أربعة أيام فى منتصف جمادى الأولى 706 هـ (نهاية نوفمبر 1306 م) فيخالف تماما المخالفة ما ذكرناه فنلمح فى كلامه اعجابه بقابس "إذ هى بلدة بحرية جميلة وصحراوية" ويشده منظرها فيقول "أنها فى الحق جنة على الأرض، ومختصر القول فيها أنها دمشق ولكن على مجال أصغر" وكانت تمر بدور انتقال كبير إلى الإمام فإذا كانت أسوارها القديمة لا تزال قائمة إِلَّا أنّ مركز النشاط التجارى قد انتقل فيما وراءها إلى الضواحى التى بلغت مبلغا

كبيرا من الاتساع وكثرة الأسواق، فمنارة الجامع الكبير الموجودة فى قلب المدينة القديمة قد تزعزعت ومالت ميلا كبيرا ينذر بالخطر كما أن القصبة وقصر بنى جامع وقصر العروسين التى كانت من الأعاجيب التى لا مثيل لها فى الدنيا لم تعد أكثر من أطلال دراسة (الرحلة 94 - 95) وهواؤها موبوء أكثر من ذى قبل ووجوه أهلها شاحبة، وتكثر بها الأوبئة بسبب ورد "الدفلا" الذى يفسد مجاريها المائية باستثناء نبعين هما عين الأمير وعين سلام (باللام المفتوحة المخففة). ثم نأتى إلى مطلع القرن السادس عشر لنطالع تفاصيل جديدة واردة فى كلام ليو الافريقى (الحسن بن الوزان) الذى زار تونس عام 1517 م فيقول عنها "إنها لا تزال بلدة كبيرة ولا تزال أسوارها تكتنف المدينة العتيقة، ولكنها تدهورت من جراء النهب الذى أصابها على أيدى العرب كما تفرق أهلها فى الواحات، ثم يصفهم بأنهم "سود البشرة، ويحترفون الزراعة أو صيد الأسماك ويعيشون فى فقر مدقع وفى خوف مستمر من ناحية العرب ومن ملك تونس "ومختصر القول" إن خراب المدينة كان تامًا. ولا نرى أية إشارة فيما كتبه ليو الافريقى (الحسن بن الوزان) إلى كثرة فاكهتها أو صناعاتها أو صادراتها التى كانت تصدها إلى شتى النواحى. كما خلا كتابه تماما من أية إشارة إلى نشاط مينائها أو أسواقها، فقد أدى عدم استتباب الأمن بها إلى توقف تجارتها بما فيها التجارة المارة عبر الصحراء التى تركت آثارها على بشرة سكانها الذين عمهم الفقر نتيجة تزاوجهم بالرقيق الأسود. ولم يستطع جيرين (فى منتصف القرن التاسع عشر) الاستدلال على أى أثر للأسوار القديمة ولم يتبق شئ سوى الأخصاص أو العشش القديمة فى "منزل" و"جارة" وهى كما يقول لافيت وسيرفونيه لا يمكن أن تسمى بالبيوت. وأصبح أهالى "منزل" لا يزيدون عن ثلاثة آلاف وخمسمائة نسمة. أما أهالى "جارة فأربعة آلاف

المصادر

فقط من مجموع السكان الذى كان يبلغ من قبل عشرة آلاف نسمة وقد اقترح كابتن "رودير" فى سنة 1873 (وإن لم يكن اقتراحا عمليا) حفر بحر داخلى وقناة تربطه بخليج قابس. راجع فى ذلك المسالك لابن خرداذبة. والبلدان لابن الفقيه، والبلدان لليعقوبى، وصورة الأرض لابن حوقل، وأحسن التقاسيم للمقدسى، والمسالك للبكرى ونزهة المشتاق للإدريسى، ومعجم البلدان لياقوت، والرحلة للعبدرى، ورحلة التيجانى والحلل للوزير السراج. المصادر: (1) اليعقوبى: بلدان، ترجمة. G.wiet، القاهرة 1937، ص 208. (2) ابن حوقل: صورة الأرض، بيروت ص 72 - 73. (3) المقدسى: إحسان التقاسيم، الجزائر 1950، ص 4 - 5 ترجمة. Ch Pellat باريس 1965. (4) ياقوت: البلدان، بيروت 1957، جزء 4، 289 - 290. د. حسن حبشى [م. تالبى M. Talbi] القادر باللَّه العباسى القادر باللَّه، أبو العباس أحمد بن اسحق، خليفة عباسى. بعد عزل الطائع al-Tae، بويع ابن عمه أبو العباس أحمد خليفة فى رمضان 381 هـ (نوفمبر 991 م) ولقب بالقادر، وهو حفيد المقتدر وأمه أم ولد. كان مدة حكمه الطويل خاضعًا لتأثير أمراء بغداد، ولم يتخذ موقفًا مستقلا إلا مرة واحدة فى حياته، وذلك عندما أراد بهاء الدولة البويهى أن يستبدل قاضى قضاة شيعى بقاضي القضاة السنى ولكن أحبطت معارضة القادر خطته، وبدلا من ذلك عين للشيعة نقيبا، أما أصحاب الاتجاهات الأخرى، والمعتزلة بوجه خاص، فقد عوملوا بمنتهى القسوة. . وفى تلك الفترة، ظهرت الدويلات شبه المستقلة التى حكمها المروانيون والعقيليون Ukailids والمرداسيون Mir

المصادر

dasids, كما بلغت الدولة الغزنوية أوج ازدهارها، فى حين زاد التمزق الداخلى بسبب بنى بويه وانهارت الدولة الحمدانية hamdanid والسامانية Samanids اللتان كانتا لزمن طويل درعا فى وجه الترك. وتوفى القادر فى ذى الحجة عام 422 هـ (نوفمبر - ديسمبر 1031 م) عن عمر يزيد على الثمانين، وله بعض الأبحاث الدينية. المصادر: (1) ابن الأثير (طبعة تورنبرج Tornberg) جـ 9، الفهرس. (2) ابن الطقطقا al-Tiktaka الفخرى (طبعة درنبورح Derwn bonrg)، صفحة 391 وما يليها. (3) ابن خلدون، العبر جـ 3 صفحة 436 وما بعدها. (4) حمد اللَّه مستوفى قزوينى Tarikh-i Gustda (طبعة بروان)، جـ 1 صفحة 351 - 353. (5) جولدتسيهر MuhStud,Goldziher, جـ 2 صفحة 65 وما يليها. حسين أحمد عيسى [ك. ف. تسترشتين K.V. Zetterdteen] + القادر باللَّه العباسى أبو العباس أحمد بن اسحق وهو الخامس والعشرون من خلفاء بنى العباس، وقد امتد حكمه من 381 هـ حتى 422 هـ (= 991 هـ - 1031 م)، وكان مولده سنة 336 هـ (937 م) وجده هو الخليفة الطائع الذى أقصاه بهاء الدولة عن العرش سنة 381 وولى مكانه أبا العباس ولُقب بالقادر باللَّه، وكان بهاء الدولة يطمع أن يجد فى القادر من الاذعان له ما لم يجده من جانب الطائع الذى كان قد فر من العاصمة هربا من أن ينتقم منه عمه إثر نزاع عائلى، والواقع أن الخليفة الجديد أظهر فى بادئ الأمر الموادعة والطاعة للأمير وأنه مساير له فى سياسته، وقد توقف عن مبايعته أمراء الولايات الشرقية حتى سنة 390 هـ (1000 م) حيث قرر السامانيون والغزنويون الاعتراف به. وقد بادر القادر باللَّه فى

مستهل خلافته بالاستجابة لجميع مطالب الأمير الكبير وفى مقدمتها تلقيبه بعضد الدولة، كما وافق على الزواج من ابنة البهاء لكنها ماتت قبل أن تُزَف إليه، كذلك قنع القادر بالمال الذى حدده له ولعل أظهر ما يمتاز به عهده هو بناؤه سنة 383 هـ الجامع الكبير فى بغداد وهو الجامع المعروف بجامع باب حرب، ثم اعلانه أمام جمع من حجاج خراسان فى سنة 390 هـ أن وريثه فى عرش الخلافة إنما هو ولده الذى لقبه بالغالب. وقد أخذ بهاء الدولة منذ سنة 390 هـ (بعد اقامته فى شيراز) معاملة العراق كولاية من ولايات الخلافة، فكان ذلك إيذانًا بتمتع الخليفة بمزيد من الحرية حيث استطاع إعادة الخطبة للعباسيين فى اليمامة والبحرين. كذلك رفض أن يعيين فى منصب قاضى القضاة رجلا أراد الأمير الكبير أن يعينه نقيبًا للعلويين وناظرًا لديوان المظالم وأميرًا للحج، ونعنى به الشريف أبا أحمد الموسوى (394 هـ) وهكذا سدّ القادر الطريق أمام تطبيق تشريع الأمامية إذ منع علويًا من وظيفة القضاء، وكان قد سبق له أن أظهر العزم على الدفاع عن المذهب السنّى الذى يمثله هو ذاته. ولما وكانت سنة 390 هـ وجه رسالة إلى قاضى جيلان الجديد ليحث الناس على الطاعة للخليفة، ثم حدثت بعد بضع سنوات أحداث حملته على التدخل ضد الإمامية، وما نجم من شغب حول تفسير ابن مسعود للقرآن الذى عدّه أهل السنة مرفوضًا وشبت الاضطرابات فى العاصمة فأمر بتكوين جماعة من علماء السنة شجبوا هذا التفسير (وذلك فى رجب 398 هـ)، ثم أمر بقتل شيعى فى كربلاء تجرأ فلعن "من أحرقوا مصحف ابن مسعود" وحينذاك تدخل الأمير الكبير الذى رغب فى تهدئة الأمور، على أن الواقع كان يشير إلى أن هناك خطرًا جديدًا أخذ يهدد كلا من الخليفة والأمير على السواء، فقد أخذت الدعوة الفاطمية تعلن عن نفسها قوية فى أحياء بغداد الشيعية، وزاد الوضع سوءًا ما كان من

جانج "كِرْوَشْ" أمير الموصل الذى كان نفوذه يمتد من الموصل حتى الأنبار إذ جاهر بتأييده للفاطميين وأعلن فى خطبة الجمعة باعتناقه المذهب الاسماعيلى وكان ذلك فى المحرم من سنة 401 هـ (= أغسطس 1010 م)، فبادر الخليفة القادر بإرسال سفارة إلى الأمير الكبير على رأسها الفقيه الباقلانى الذى كانت له مكانة سامية عند أمراء بنى بويه، ونجحت هذه السفارة فى تدخل الأمير تدخلا ظهر أثره فى سرعة إعادة "كروش" الخطبة لبنى العباس وزاد على ذلك بأن أصدر بيانًا ندد فيه بالعقيدة الفاطمية، منكرًا نسب الفاطميين إلى فاطمة، وصرَّح باعتباره الاسماعيليين بين أعداء الإسلام، وأمضى هذا البيان علماء السنة والإمامية. ومات بهاء الدولة سنة 403 هـ (= 1012 م) وحل محله ولده سلطان الدولة فلم يغير ذلك من الوضع السياسى شيئًا. على أنه لا ينبغى أن يغيب عن الأذهان أن شغب كل من العناصر العربية والكردية فى العراق كان له أثره البين فى أضعاف قوة البويهيين يوما بعد يوم، كما أن المنافسة الطويلة بين الديلم والترك قد اشتعلت من جديد فى كل اضطراب داخلى، ومن ثم كان من الممكن أن تعود للتحرك فى آية لحظة جميع مظاهر الشحناء التى بين السنة والشيعة فى بغداد أو غيرها من المدن. كان الذى يشغل بال القادر قبل كل شئ هو الصراع ضد أى مبادئ فاسدة لاسيما تلك التى تعد خطرًا على الخلافة، فطلب فى سنة 408 هـ من الفقهاء الحنفيين (الذين كانوا متعاطفين بعض الشئ مع المعتزلة) أن يعلنوا توبتهم من هذا الأمر، كما أمر فى الوقت ذاته بمنع دراسة تعاليم المذهبين المعتزلى والشيعى، كما أمر بأن تقرأ فى القصر ما عرف بالرسالة القادرية، التى استوحت الفكر الحنبلى والتى لم تكتف بالتنديد بالمذهب الشيعى فى شتى صوره بل وبمذهب المعتزلة أيضًا،

وزادت فضمت إليهما مذهب الأشعرية، وحدث فى نفس الفترة أن ظهر لأول مرة فى بغداد أمير سلطان الدولة ثم عاد إلى إيران وتخلّى عن مكانه لمشرف الدولة الذى ذهب إلى بغداد فى محرم 414 هـ وطالب الخليفة بالحضور إليه لمقابلته. على أن الخصومة والمنازعات التى اندلعت نيرانها بين الأمراء البويهيين بعد موت مشرف الدولة سنة 416 هـ (= 1025 م) أتاحت الفرصة للخليفة أن يلعب دورًا سياسيًا هامًا. ومجمل القول إن الخليفة القادر باللَّه العباسى واجه أخطارًا جمة، لم تمنعه من أن يكرس أيامه الأخيرة فى تقوية الدعاية لبنى العباس، وأقدم على ثلاثة أمور أولها أصداره ثلاثة مراسيم أولها ندد فيه بالمعتزلة من جديد وثانيها مهاجمته على وجه الخصوص فكرة "خلق القرآن" وثالثها تمجيده الخلفاء الأوائل وإعلانه الالتزام بالخير وتجريم الشر. وعلم الخليفة فى الوقت ذاته عن طريق الأخبار التى جاءته بالأحداث التى وقعت فى الولايات الشرقية، حيث هاجم محمود الغزنوى الشيعة وأنزل بهم أضرارًا كبيرة، ثم عمل على زيادة رقعة العالم الإسلامى والقوة الإسلامية، إذ بدأ فى القيام بفتح الهند، فى الوقت الذى شغل نفسه بمحاربة البويهيين فاستولى على الرى سنة 420 هـ (= 1029 م)، ثم هاجم "كرمان" سنة 422 هـ. وفى سنة 421 هـ نادى الخليفة الكهل بولده أبى جعفر وليا للعهد من بعده (وهو الذى ولى الخلافة فى سنة 422 هـ وطالت مدة حكمه حتى بلغت أربعة وأربعين عامًا وشهرًا إلا قليلًا). ولما مات الخليفة القادر باللَّه سنة 422 هـ (1031 م) كانت الخلافة قد اشتدت هيبتها، كما أنه بذل جهودا كبيرة ظهر أثرها فى عملين جليليين أحدهما من تأليف الماوردى الشافعى، والآخر من قلم ابن الفراء الحنبلى وكان الكتابان يحملان عنوانا واحدا، هو "الأحكام السلطانية".

المصادر

المصادر: إن فى مقدمة المصادر التى تؤرخ للقادر كتاب ذيل تجارب الأمم لأبى شجاع والمنتظم ابن الجوزى. (1) أبو شجاع: ذيل تجارب الأمم. (2) ابن الجوزى: المنتظم، أجزاء 7، 8. (3) ابن الأثير: الكامل فى التاريخ. أما من المصادر الأخرى نذكر منها: (1) M. Kabir: The Buwayhid Dynasty of Baghdad, Culcutta 1964 (2) C. E. Bosworth: The Ghaznawids, Edinburgh, 1963 مها سيد معبد [د. سورديل D. Sourdel] القادرية القادرية طريقة صوفية شيخها عبد القادر الجيلانى. 1 - نشأتها: كان عبد القادر (المتوفى عام 561 هـ = 1166 م) إماما لمدرسة المذهب الحنبلى ورباط فى بغداد. وكان يلقى دروسه (المجموعة فى الفتح الربانى) فى المدرسة أحيانًا وأحيانًا أخرى فى الرباط، وكان كلاهما معهدًا له أهميته فى زمان ابن الأثير. وقد ذكر ياقوت فى إرشاد الأريب جـ 5 صفحة 274 أن رجلا ترك عند وفاته عام 572 هـ (1176 - 7 م) تركة من الكتب التى ألفها الإمام الجيلانى، ويبدو أن كلا من المدرسة والرباط قد دمرا فى غزو التتار لبغداد عام 656 هـ (1258 م). وقد ذكر كتاب بهجة الأسرار سجل دقيق لذريته (صفحة 113 - 117)، وقيل فيه أن عبد الوهاب (552 - 593 هـ/ 1157 - 1196 م) ابن عبد القادر خلف أباه فى المدرسة، وخلفه عليها ابنه عبد السلام (توفى عام 611 هـ/ 1214 م)، كما كان عبد الرزاق (528 - 603 هـ/ 1134 - 1206/ 7 م) بن عبد القادر من الزهاد المعروفين، وقد هلك عدد من أفراد عائلته فى غزو بغداد كما دمرت المدرسة والرباط. كانت مجموعة التعاليم التى وضعها عبد القادر باجتهاده كافية لأن تنشئ نظاما (مذهبا)، وطبقا لهذا النظام يعلن

المريد -بقبوله الخرقة من شيخه- أن إرادته قد أصبحت تبعا لإرادة شيخه، وقد ذكرت فى البهجة قائمة طويلة لرجال من طبقات مختلفة ارتدوا الخرقة من يدى عبد القادر، منهم اثنان كانا فى السابعة من العمر وآخر فى عامه الأول. وكان يقال عن هؤلاء إنهم قد انتسبوا أو انتموا لعبد القادر، وكان يمكنهم بعد ذلك أن يُلْبسوا الخرقة لآخرين. وبارتداء الخرقة يعلن المريد أنه قد أخذ العهد على أن يعتبر عبد القادر شيخه ومربيه بعد الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، وفى قول يبدو أنه مشكوك فى صحته، أعلن عبد القادر أنه ليس من الضرورى ارتداء الخرقة للدخول فى طريقته، بل تكفى الصلة الشخصية به، وقد قام الكثيرون بالدعوة إلى طريقته أثناء حياته، منهم على ابن الحداد الذى ضم أتباعًا فى اليمن ومحمد البطائحى al-Bataihi الذى عاش فى ببعلبك وضم أتباعًا فى سوريا، وتقى الدين محمد الذى عاش أيضًا ببعلبك ومحمد بن عبد الصمد الذى عاش فى مصر والذى وهب نفسه لعبد القادر وللسير على الطريق التى أمره به اللَّه ورسوله. ولما كان جميع المنتسبين إلى عبد القادر قد وعدوا بالجنّة، فقد انتشرت الطريقة انتشارا كبيرا، وحتى إلى زمن قريب لم يكن الدعاة اليها فى إفريقيا يجدون صعوبة فى ضم مريدين جدد. يقول السهروردى إن رياضة كل مريد يحددها الشيخ طبقا لاحتياجاته، لهذا فمن المستبعد أن يكون عبد القادر قد وضع نظاما محددا للذكر أو الأوراد أو الأحزاب، والدليل على ذلك أن هذه الرياضات تختلف باختلاف جماعات القادرية، فمر اسم الدخول فى الطريقة فى الفروع التركية كما ذكرها ج. ب. براون J.P.Brown تختلف تماما عن تلك التى ذكره رين Rinn عن فروع شمال إفريقيا. ففى أحد هذه الفروع، نجد اتجاها لوضع على (رضى اللَّه عنه) فى درجة أعلى من محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] والإصرار على أهمية الحسن والحسين، وهذا لا يمثل بأى حال حنبلية عبد القادر، والورد النسوب لعبد القادر فى الفتوحات الربانية منقول عن عبد اللَّه بن محمد العجمى الذى عاش عامًا

2 - تطور الطريقة

(536 - 731) والذى يبدو أنه مجرد أسطورة. 2 - تطور الطريقة: من الواضح أن الطريقة القادرية قد سارت منذ زمن بعيد فى خطوط مختلفة وذلك تبعا لما إذا كان عبد القادر يعتبر مؤسسا لطريقة تتضمن طقوسا ورياضات أم أنه كان صانع معجزات، وهذا الاتجاه الأخير يعنى تأليه عبد القادر (¬1)، حيث يؤمن المتطرفون بأن عبد القادر هو سيد الخلق مطلقًا بعبد اللَّه أما المعتدلون فيقولون كان كذلك أثناء حياته فقط ومن هؤلاء ابن العربى الذى ينظر إليه كمثال للخليفة الذى أظهر نفسه ومارس سلطاته العليا (التصرف). ومثل هذا الخليفة فى نظر ابن العربى لا يخضع للوحى المنزل على محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] ولكن هناك نظرية تقول إن عبد القادر يمارس تصاريفه فى قبره كما كان يمارسها فى حياته، ويذكره ابن تيمية ضمن الأولياء وأنه كان يظهر للناس (¬2) إلى زمانه وأن الشياطين لا تستطيع أن تتمثل فى صورته (¬3) وفى مراسم الدخول فى الطريقة التى سجلها ج. ب. بروان J.P. Brown، كان المريد الذى يرغب فى الدخول فى الطريقة يرى عبد القادر فى المنام، وفى إحدى الحالات كانت الرؤيا واضحة ومتكررة حتى أنه قال إنه يستطيع أن يميزه من بين ألف من غير أن يكون قد شاهده من قبل، وتنتشر الطريقة القادرية بمعنى عبادة عبد القادر فى شمال إفريقيا حيث تسمى الجيلانية وهناك جماعات تسمى الجلالة Djilala. وقد وصفت طريقتهم بأنها تطبيق لمعتقدات من المؤكد أنها سابقة للإسلام بطريقة باطنية صوفية ثم تجسيد هذه الغيبيات عن طريق عبادة قوى تحت أرضية. وفى هذه الطريقة تطلق كلمة الخلوة على كومة من الأحجار تغرس بينها أعواد من القصب تربط فيها النساء قطعًا من القماش وتحرق عليها اللبان الجاوى والميعة فى مباخر. وتوجد مثل هذه الخلوات فى جميع القرى العربية، وكذلك توجد على جميع الطرق وقمم ¬

_ (¬1) خففنا من اللفظ لاحتوائه على معنى الشرك. (¬2) ربما كان المقصود ظهوره فى المنامات. (¬3) نشك فى نسبة هذا الكلام لابن تيمية. [المترجم]

3 - التوزيع الجغرافى

الجبال الرئيسية فى منطقة وهران Oran قباب باسم "عبد القادر الجيلانى" وفى غينيا نجد أن مجتمع الجناوة Gena-wah أو الزندج قد وضع نفسه تماما تحت حماية مولاى عبد القادر هو وجميع الأرواح الحارسة التابعة له ذكورا وإناثا كما وجد م. ميشو - بللير M. Michanx-Bellaire هناك آثارا للقوى التى كانت لسليمان طبقا لما ورد فى القرآن (والوثائق الأقدم). أكثر المتحمسين لعبادة عبد القادر؛ النساء فى الخلوط Khlot وطليق Talik حيث يذهبن إلى الخلوة لجميع الأغراض فيما يحببن ويكرهن فى جميع أمور حياتهن، أما الرجال فلا يذهبون إلى الخلوة إلا إذا كانوا مرضى. من الواضح أن هذا الاتجاه لا يتفق مع التقاليد الإسلامية وقد هاجمه أولو الألباب مثل ابن تيمية وإبراهيم الشاطبى. وبالرغم من أن مؤسس هذه الطريقة حنبلى المذهب إلا أن الدخول فى الطريقة لا يقتصر على أفراد هذا المذهب، فهذه الطريقة من الناحية النظرية متسامحة وخيرة. 3 - التوزيع الجغرافى: نظرًا لأن المؤلفات التاريخية والجغرافية نادرا ما تميز بين الطرق المختلفة من حيث بنيانها المدينى، فإن المعلومات المؤكدة عن تاريخ إنشاء أول زاوية أو خانقاه قادرية فى أى بلد ما عدا العراق قليلة ويقال إن الطريقة دخلت فاس عن طريق ذرية اثنين من أبنائه، إبراهيم المتوفى فى واسط عام (592 هـ/ 1196 م) وعبد العزيز (المتوفى فى جيال Djiyal, قرية فى سنجار Sindjar) هاجر الإثنان إلى أسبانيا، وقبل سقوط غرناطه Granada بقليل (897 هـ/ 1492 م) فر أحفادهما إلى مراكش، وقد ورد ذكر خلوة عبد القادر فى فاس عام 1104 هـ/ 1692 م/ 3 م، ودخلت الطريقة إلى آسيا الصغرى والقسطنطينية على يدى إسماعيل رومى Rumi، مؤسس الخانقاه المعروفة باسم قادرى خانه Kadiri khanah عند توب خانة Top Khanah ويقال أن هذا الرجل (المتوفى عام

4 - تنظيمها: تدين الجماعة القادرية بولاء أسمى لراعى قبر عبد القادر فى بغداد، وتنبع إجراءات الدخول فى الطريقة التى تحدث عنها رين Rinn من هذا المبدأ. ويبدو أن السلطة الحقيقية لهذه الشخصية معترف بها أساسا فى العراق والهند. وترسل الهند هدايا دورية تمثل المصدر الرئيسى لدخل هذا الضريح، لهذا يرى أفراد هذه العائلة أن تعلم اللغة الأردية له ما يبرره. تتبع زوايا الطريقة القادرية فى مكة شيخ الطرق الذى يعين المقدمين فيها. وفى مصر تتبع الطريقة شيخ الطرق أيضا، ويذكر على باشا مبارك الطريقة على أنها واحدة من الطرق الأربعة التى تنتمى إلى الأقطاب، ولكنه يؤكد أنها ليس لها

1041 هـ/ 1631 م) والملقب بيرثانى Pirthani (الشيخ الثانى) قد أسس ما يقرب من 40 تكية فى هذه المناطق. كما ذكر صالح بن مهدى فى القلم الشامخ صفحة 381 رباطًا قادريًا فى مكة، وكان ذلك عام 1180 م، وليس من المستبعد أن يؤسس فرع للطريقة فى مكة فى حياة عبد القادر لأن مكة لها جاذبية طبيعية للصوفية، وكذلك ذكرت الطريقة القادرية فى أئينى أكبرى A'ini-Akbari (حوالى عام 1600 م) كطريقة محترمة إلى درجة كبيرة ولكنها لم تذكر ضمن الطرق المعروفة فى الهند، كما لم يرد ذكرها فى مآثرى كرام Ma'athir-ikiram (1752) ضمن قائمة الطرق الصوفية المذكورة فيه، فى حين ذكرت طرق أخرى كما ذكر عبد القادر نفسه. انتشرت الطريقة انتشارا كبيرا فى العصر الحديث، وربما كان ذلك بسبب سَمى مؤسسها عبد القادر الذى قاوم الاحتلال الفرنسى لشمال إفريقيا لعدة سنوات، وهى بلا شك منتشرة فى جميع البلاد الإسلامية وإن كانت هناك بعض الطرق المتفرعة منها لها شعبية أكثر فى مناطق مختلفة. فمثلا نجد أن قادرية توبا Touha فى غينيا، والتى صارت علامة مميزة لقبيلة دياكانك Diskank، متفرعة عن طريق السيديا Sidia من قادرية الكونتا فى تيمبوكتو Timbuctu. 4 - تنظيمها: تدين الجماعة القادرية بولاء أسمى لراعى قبر عبد القادر فى بغداد، وتنبع إجراءات الدخول فى الطريقة التى تحدث عنها رين Rinn من هذا المبدأ. ويبدو أن السلطة الحقيقية لهذه الشخصية معترف بها أساسا فى العراق والهند. وترسل الهند هدايا دورية تمثل المصدر الرئيسى لدخل هذا الضريح، لهذا يرى أفراد هذه العائلة أن تعلم اللغة الأردية له ما يبرره. تتبع زوايا الطريقة القادرية فى مكة شيخ الطرق الذى يعين المقدمين فيها. وفى مصر تتبع الطريقة شيخ الطرق أيضًا، ويذكر على باشا مبارك الطريقة على أنها واحدة من الطرق الأربعة التى تنتمى إلى الأقطاب، ولكنه يؤكد أنها ليس لها

5 - رموزها وشعائرها

فروع ولا بيوت. وفى أفريقيا، يقول رين Rinn أن على كل مقدم أن يعين خليفته، فإذا حدث أن توفى أحدهم قبل أن يعين خليفته، ينتخب الإخوان المقدم فى حضرة، ثم يطلبون موافقة شيخ الطريقة فى بغداد، ولم يحدث أبدا أن رفض. وقد وصف رين Rinn وديبو De Pont وكوبولانى Coppolani تنظيم الطريقة فى شمال إفريقيا وصفا دقيقًا. ومن الواضح أن النظام هناك لا مركزى، فالزوايا مستقلة، والعلاقة بينها وبين الرئاسة العامة للطريقة فى بغداد ضعيفة جدا، كما أن مشيخة الزوايا وراثية بصفة عامة. 5 - رموزها وشعائرها: يقال إن رمز القادرية التركية وردة خضراء. وقد اتخذ هذا الرمز إسماعيل رومى. وعلى الراغب فى الدخول فى الطريقة أن يأتى -بعد مرور عام- بعراقية arakiya وهى طاقية صغيرة من اللباد، فإذا قُبل وضع الشيخ فى مركزها وردة مقسمة 18 قسما عليها خاتم سليمان، ويسمون هذه الطاقية تاجا. وقد شرح ج. ب. براون J.P. Brown فى كتابه The Dervishes صفحة 98 وما بعدها رمزية هذه الطاقية ويقول إنهم يفضلون اللون الأخضر وإن كانوا لا يمانعون فى استخدام غيره، وفى زمان لين Lane وكانت العمائم والرايات فى مصر بيضاء، ونظرًا لأن غالبية أبناء الطريقة فى مصر كانوا من صيادى السمك فإنهم كانوا يرفعون فى مواكبهم الدينية شبكات صيد مختلفة الألوان على أعمدة. وفى الهند، تجرى احتفالات بذكرى عبد القادر يوم 11 ربيع الثانى، وفى مناطق كثيرة فى الجزائر ومراكش يزور الناس الزوايا ومقامات الولى. وقد وصف ل. مرسييه L. Mercier موسم الجلالة Djilala فى ساليه Sale وصفا مطولا فى Arch. Maroc الجزء 8 صفحة 137 - 139، ويبدأ هذا الموسم فى اليوم السابع من المولد النبوى الشريف ويستمر أربعة أيام من 17 إلى 20 ربيع الأول، وتقدم الهدايا من الخراف والثيران لأحفاد عبد القادر. ويفرق م، ميشو بللير M. Michaux Bellaire بين احتفالات القادرية الذين يقرأون الحزب والجلالة الذين يقيمون حلقات الذكر المصحوبة بالآلات، كما يفرق بين جلالة الريف الذين

يستخدمون البندير والعود Awada، وجلالة المدن الذين يستخدمون الطبلة والخيطة ghatiq، كما وصف فى أول فقرة من المقال المذكور حضرة الملوك، وهى حضرة تصاحبها الآلآت المذكورة وتؤدى إلى حالى من الوجد، وذكر أيضًا طقوسا صينة تتصل بأولاد خليفة فى الغرب. جميع الهلالية فى الغرب من الجيلالة، وفى جميع حضرات الجيلالة لابد من حضور خليفة واحد على الأقل لادارة الحضرة، وإذا لم يوجد، يحمل أحد الحاضرين اللقب للقيام بالواجبات الدينية، وليس فى حضرة الجيلالة فى الريف حزب ولا ذكر ينشده الشيخ، بل ذكر مجرد لكلمات مرتجلة تقال مع الإيقاع الوقور للبنادير (جمع بندير)، وتنتهى هذه الارتجاليات دائما بالجمله: "هذا قول مولاى عبد القادر "أو" يا مولاى عبد القادر". وقد نشرت مجموعات مختلفة من الأدعيه التى يفترض أن عبد القادر وصى بها مريديه فى مصر وتركيا والهند. وقد ذكر فى الفيوضات الربانية أن من أراد أن يدخل الخلوة عليه أن يصوم النهار ويقوم الليل، وتستمر الخلوة أربعين يوما، "وإذا ظهر له من يقول "أنا اللَّه" فإن عليه أن يقول "كلا بل أنت من عند اللَّه nay rather thou art in God" فإن كان اختبارا فإنه سيختفى، وإن ظل موجودًا كان هذا تجليًا حقيقيًا، ويقلل المختلى من طعامه تدريجيًا طوال الأربعين يوما إلى أن يصل إلى الانقطاع التام عن الطعام طوال الأيام الثلاثة الأخيرة وبعد ذلك يعود إلى وجباته السابقة تدريجيًا. ذكر ج. سالمون ممارسات خاصة بجيلالة طنجة Tangier فالذين يقدمون النذور لعبد القادر يضعون عادة ديوكا بيضاء فى الزاوية، ويسمى الديك مُحَرَّرا، وهم لا يقتلونها بل يتركونها تتحرك بحرية حول الزاوية ولكنها لا تعيش طويلا، فإن الشريف الذى يعيش فى تقشف يأخذها لطعامه. يكون المقدم فى الزاوية من الأشراف، ويرأس الختمات التى يقرأ فيها القرآن مرارا من غير أن يتلى حزب عبد القادر ويؤدون فيها رقصات تشبه التى يؤديها العيسوية Isawis. وتجرى عمليات الختان فى الزاوية فى أول أيام المولد

المصادر

كما يعقد اجتماع فى مساء ليلة المولد يسمى الليلة، وفيه يتلى حزب عبد القادر. كانت المرة الأولى التى لعب فيها أبناء الطريقة القادرية دورا سياسيا أثناء الغزو الفرنسى للجزائر، فعندما عرض على محيى الدين زعيم القادرية قيادة الحرب ضد الكفار، أذن لابنه عبد القادر أن يتولاها، ونجح هذا الرجل فى استخدام التنظيم المدينى للطريقة فى تحقيق السيادة التى منحها له الفرنسيون، وعندما هددت هذه السيادة، عاد إلى وضعه الأصلى كمقدم فى الطريقة ليضم المزيد من الاتباع، وبعد سقوط هذا الرجل ونفيه، أعطى ابناء الطريقة القادرية فى أفريقيا تأييدهم للحكومة الفرنسية، ففى عام 1879، عندما حدث التمرد المسلح كى أرزو Aures، أظهر سى محمد بن عباس شيخ الطريقة القادرية فى مناعة Menaca ولاءً لاشك فيه، كما ساعدت الطريقة (الحكومة الفرنسية على بسط نفوذها فى الصحراء الكبرى عند وَرجلا Wargia الواد el-wad، ووقف سى محمد بن الطيب نائب الطريقة إلى جانب الفرنسيين فى معركة شاروين Charouin فى 2 مارس عام 1901. ويقال أنهم تعاطفوا مع الثوار أثناء الثورة العثمانية عام 1908 لكن كان ذلك خوفًا من أن تتفوق عليهم الطريقة الرفاعية المنافسة التى انضمت إليهم فى بغداد فى البرنامج ضد اليهود. المصادر: (1) على بن يوسف الشطا توفى، بهجة الأسرار، القاهرة (مطبعة مايمانيا)، 1304؛ الفتح الربانى، القاهرة (مطبعة ذات التحرير Dhat alTahrir)، 1302. (2) صالح بن مهدى: العلم الشامخ فى إيثار الحق على الآباء والمشايخ، القاهرة (مطبعة المنار) 1328. (3) لكنو (Lucknew): كشف [. . . .] (*) المشايخ، 1881 م؛ خافى خان [. . . .] (*) Khan (4) منتخب اللباب، فهرس المراجع، 1869 - 74؛ بغية المرتاد، القاهرة. (مطبعة كردستان)، 1329. حسين أحمد عيسى [د. س. مارجوليوث D.S. Margoliouth]

_ (*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: مسح بالمطبوع

القادسية

القادسية إسم عدة أماكن فى العراق والجزيرة، وقد سجل ياقوت فى "المشترك" خمسة مواقع تحمل نفس الإسم، أهمها اثنان يقعان بالقرب من "سامها" و"الكوفة"، ومن العسير معرفة تاريخهما. 1 - تقع بلدة القادسية الأولى فى العراق على الضفة الشرقية مسافة ثمانية أميال جنوب شرقى "سامرا" وفيما يبدو أنها كانت وثيقة الاتصال بها خلال فترة ازدهارها، ولكن لا علم لنا بالدور الذى لعبته القادسية خلال تلك الفترة. ويرى هيرتزفلد Hertzfeld (Reise جـ 1 ص 107) أنها قد تكون هى بلدة "قاتول" التى شرع هارون الرشيد أو المعتصم فى تشييدها قبل تأسيس "سامرا" لشدة التمالو بينهما. ويذكر ياقوت وجغرافيون عرب آخرون إشغال القادسية الزجاجية. وقد ورد أنها كانت قرية كبيرة لا يعرف عن تاريخها الكثير، ومن المحتمل أنها فقدت أهميتها بعد فترة قصيرة من التخلى عن "سامرا" فى نهاية القرن التاسع الميلادى، حيث لم يذكرها كل من الاسطخرى وابن حوقل أشهر جغرافى القرن الرابع الهجرى/ العاشر الميلادى. وأشير فى "المقدسى" إلى وجود المبنى المثمن الذى لازال قائما حتى الآن. وخلال القرون الوسطى، حولت قناة "دجيل" الهامة مجرى الدجلة أمام البلدة. وتقع أطلال القادسية عند خط عرض 34 شمالًا بين قناتين لازالتا قائمتين نبعتا من القنوات الثلاث المكونة لدجلة والمسماة "بالقاتول"، وهى على مسيرة قدرها ربع ساعة من شط دجلة. ولازال الاسم القديم يستخدم حتى الآن وينطق "جادسية". وتشكل الأسوار المحيطة بالبلدة والتى تقاس بنحو ستة آلاف خطوة مثمنا تامًا وتوجد فى أركانها أبراج وهى محصنة بستة عشرة معقلًا على مسافات متقاربة، وقد بنيت من أحجار تماثل قصر سامرا فى فنياتها وخططها والتحصينات وترجع هذه الأطلال وفقًا لكافة المعايير إلى العصر العباسى -على حد قول هيرتزفلد. وعلى مسيرة

المصادر

عشر دقائق من القادسية على شط النهر، يقع ركام من الأطلال يسمى "الصنم"، وهى دلالة إلى موقع بلدة عتيقة تآكل نصفها بفعل مياه نهر دجلة ومما يثير الانتباه وجود تماثيل فى هذا الموقع (انظر C.L. Rich: Narrative of a Residence in Koordistan، 1836, جـ 2 ص 152). وفيما يبدو أن الصنم كانت تابعة لمنطقة القادسية وكميناء لها. المصادر: (1) معجم ياقوت (Wustinfeld) (2) C.Ritter: Erdkunde، جـ 10، ص 228 - 229. (3) Lynch فى Journal of Roy Geogr. Soc، العدد 18 (1848) ص 5. 2 - القادسية: تقع جنوب غربى الحيرة وأقصى جنوب السهل الذى شيدت عليه الكوفة فيما بعد. وقد اشتهر هذا الموقع باسم المعركة التى حقق فيها المسلمون الانتصار المدوى على جيوش الملك الساسانى يزدجرد الثالث فيما بين عامى 14 هـ/ 635 و 16 هـ/ 637 م وكان النصر بالنسبة للمسلمين ذا أهمية قصوى، حيث أنه فتح الطريق إلى "المدائن" الحاضرة الشتوية للساسانيين وجعلتهم فى موقف أتاح لهم تحقيق انتصار آخر عظيم عند "جلولاء" وأخيرًا، وبعد فتح العراق بأكملها تمكنوا من عبور جبال "زاجروس وغزو السهل الإيرانى. ووقعت القادسية فى الجزء الغربى من منطقة السهب المرتفعة عن السواد المسماة "بالطف" وهى تتميز بالينابيع مثال "عذيب" وهى المسافة الانتقالية إلى سهل الصحراء العربية المرتفع وكانت "الطف" أيام الساسانيين محصنة بسلسلة من "المسلمات" وخندق عظيم لحمايتها من غارات القبائل العربية. وكانت "عذيب" آخر قرى الطف قبيل الصحراء، وصارت فيما بعد محطة على طريق بغداد -مكة ولم يكن موقع القادسية معروفًا حتى وقت قريب، وقد جرت ثمة محاولات لاكتشافه من خلال أطلال العصر الإسلامى المبكرة "للأخيضر" (25 ميلًا أقصى جنوب الكوفة (انظر على سبيل المثال لا الحصر) Ritter: Erdkunde

المعركة

جـ 11 ص 956 و Travels in Chaldaea Susiahaand لندن 157 وص 64) ويعد أ. موسل A. Musil أول من اكتشف الموقع الحقيقى للقادسية اثناء رحلته الاستكشافية عام 1912 م (انظر تقريره فى Anzeiger der Phil.hist. Klder wien Akad der wiss 1913 جـ 1 ص 11 (ص 12 فى الطبعة الثانية). ويعلق موسل Musil بأن نبع العذيب ينبع فى وادى "مشيزر" Msheyziz على السفح الغربى للوادى وعلى حدود مستنقع "هور". وقد شاهد موسل أطلال القادسية أو دار القاظى (القادسية)، ووفقا للخريطة التى الحقها موسل بمقالته فى الدورية الألمانية fur des Kande Wiener Zeitchrift العدد 29 (916) ص 461). فإن الأطلال المذكورة تقع عند خط عرض 31 شمالًا خط طول 44 شرقًا جنوج "نجف" مباشرة وعلى مسيرة 19 ميلًا من الكوفة. وصف جغرافيو القرن الرابع الهجرى/ العاشر الميلادى (الاصطخرى وابن حوقل والمقدسى) القادسية بإنها بلدة صغيرة بها بوابتان وقلعة من الطوب النئ وسط مزارع وبساتين من النخيل تروى بواسطة قناة مشتقة من الفرات. وفيما يبدو أن الخليج العربى كان يمتد فى العصور الغابرة إلى منطقة القادسية. ويشير المسعودى أن الفرع الرئيسى للفرات فاض تجاه الحيرة بين القادسية والعذيب، حيث كان قاعه قابلًا للرؤية وكان يسمى النهر العتيق، ويوجد جسر عند القادسية اسم الجسر العتيق أو جسر القادسية. المعركة: خصص الطبرى نحو مائة صفحة وصف فيها معركة القادسية، وما يقرب من مائة أخرى لوصف الأحداث السابقة واللاحقة والتى يجب وضعها فى الحسبان لفهم هذا الحديث العظيم. ومع ذلك يعتمد الجانب الأكبر من هذه الحسابات على روايات سيف بن عمر الذى يتهمه بعض الكتاب المسلمين بالمغالطة. وجدير بالملاحظة أن هذه الروايات تشكل الأساس الذى استقى منه غالبية المؤرخين العرب والفرس ما

كتبوه عن المعركة لعدم وجود بديل لهذه الروايات والتى رجعنا إليها مع التصحيح كلما أمكن الاعتماد على روايات أخرى. أصابت جيوش المسلمين فى العراق نكسة فى أعقاب هزيمتهم الثقيلة التى لحقت بهم فى معركة الجسر (شعبان أو رمضان 13 هـ/ اكتوبر أو نوفمبر 634 م) على الرغم من وصول المدد من المدينة، وعلى الرغم من النصر الذى حققوه فى "البويب" (رمضان 13 هـ/ نوفمبر 634 م) أو (صفر 14 هـ/ أبريل 635 م) أو (بعد عام من معركة الجسر) ونجاح عدة غارات مثمرة. اعتقد المثنى -الذى كان يخشى أن يدور الأعداء عليهم، حيث كان يزدجرد الثالث يعد نفسه للقيام بهجمة شرسة- أنه من دواعى الحكمة أن ينسحب إلى أطراف الصحراء ليعيد نشر قوات المسلمين فى بقاع بها ماء وأن يحد من غاراته. لجأ المثنى إلى المدينة لطلب المدد ليستعيد مركز الهجوم من جديد. ففرض الخليفة عمر بن الخطاب تجنيدًا عامًا على البدو (ذو الحجة 13 هـ/ فبراير 635 م) أو (ذو الحجة 14 هـ/ يناير - فبراير 636 م) وحشد جيشًا عند "صرار" بالقرب من المدينة (محرم 14 هـ/ مارس 635 م) أو (محرم 15 هـ/ فبراير - مارس 636 م) تحت قيادة سعد بن أبى وقاص ليتجه به إلى العراق. وانضمت فرق عسكرية أخرى أرسلها الخليفة عمر بن الخطاب عند وصول سعد بن أبى وقاص وقواته "زرود" بنجد (الثعلبية قرب زرود). وعند مطلع الشتاء، توقفت عن المسير لتنادى بالجهاد للقبائل المحيطة، ثم تحرك إلى "شراف" عند الحد الغربى لسهل العرب قرب "الأحساء" حيث حصل على حاجته من الماء من العيون المائية، وعسكر فى انتظار عدة آلاف من البدو للانضمام إليه (واشتملت جيوش المسلمين على بعض الفرق المسيحية) وقسم رجاله إلى مجموعات أخذت القيادة فيها شكلًا هرميًا، وأرسل سعدٌ المغيرة بن شعبة ليحتل عدة مواقع لتأمين قواته ضد أى هجوم محتمل.

التقى سعد بالمثنى عند شراف ولكن الأخير توفى خلال الشتاء متأثرًا بجراحه من معركة الجسر. وأخيرًا، تقدم سعد إلى العُذَيْب الهجانات تاركًا النساء اللاتى تبعن الحملة، وعسكر عند سهل القادسية، وبعد شهر من انتظار العدو، قام بالاستيلاء على "رديس" لتأمين خطوط المؤن. وعلى الجانب الآخر، أعد يزدجرد جيشًا غرارًا وأجبر قائده رستم بالتقدم دون أن يبالى بنفور الأخير من مواجهة العرب عند موقع اعتبره غير مناسب. وعسكر الفرس، فى رُس يفصلهم عن المسلمين قناة تسمى "عتيق" ولم يلجأ الطرفان إلى القتال مباشرة، بل لجئا إلى تفاوض غير مثمر. وخلال شهر محرم، جنى رستم معبرًا من القصب والتراب والقش على القناة ليمكن جيوشه من تخطيها. وفى اليوم التالى اندلع القتال وكان أحد أيام الاثنين من شهر محرم 15 هـ/ 636 م أو 16 هـ/ 637 م كانت القناة تظاهر الفرس بينما كان المسلمون يظاهرهم خندق مائى لحصن يسمى "القديس". وكان سعد المصاب بحبون على فخذه يصدر أوامره وتوجيهاته إلى قائده خالد بن عرطفة من فوق الحصن وهو مستلق لعجزه عن ركوب الخيل أو حتى الوقوف فى وضع مستقيم، ووفقًا لما أورده "سيف بن عمر" فقد استغرقت المعركة ثلاثة أيام وليلة واحدة حيث بدأ الفرس فى الانسحاب، وفى اليوم الرابع كانت هذه القوات قد انهزمت هزيمة منكرة، وسقط رستم فى ميدان المعركة صريعًا على يد أحد المقاتلين العرب غير المعروفين. وقد أطلقت أسماء على أيام المعركة والليلة الثالثة والرابعة فعرف إليوم الأول بيوم أرماث (يرجع فيما يبدو إلى المعبر الذى صنعه الفرس على القناة)، واليوم الثانى بيوم الأغواث (ويرجع فيما يبدو إلى المدد الآتى من سوريا) واليوم الثالث بيوم عماس ليلة الهرير. ليلة القادسية ويوم القادسية (ربما لأن الساعات فى تلك الليلة كانت حاسمة وقد عبرت عنها الأحداث فى اليوم التالى). وقد ذكر "كاتيانى" Caetani فى حولياته ملخصًا تفصيليًا للطبرى. ومن

أحداث لاحقة

أطرف ما جاء فيه أن عتاد المسلمين وعدتهم لم تكن جيدة، استخدم الفرس عددًا من الأفيال ولكن المسلمين اكتشفوا أسلوبا للتغلب عليها ثم وصلت بعض الإمدادات من سوريا فى اليوم الثانى والثالث من المعركة. أظهر الشاعر أبو مهجن والذى كان مسجونًا شجاعة فائقة فى القتال، أثبت طليحة بن خويلد -أحد الذين ادعوا النبوة أيام الردة ثم تاب بعد أن انتصر عليه خالد بن الوليد- الذى انضم إلى صفوف المسلمين، أنه كان من أشد المخلصين فى الدفاع عن الإسلام. كانت الجيوش تلتحم فى اليومين الأول والثانى أثناء النهار أما الليل فكان مخصصًا لدفن القتلى والشهداء وسقى المحتضرين من الطرفين واخلاء ميدان المعركة من الجرحى. فر حوالى ثلاثين ألفًا من الفرس كانوا قد قيدوا أنفسهم بالسلاسل لمقاومة المسلمين حتى الموت عندما أيقنوا الهزيمة، ولكنهم غرقوا فى القناة التى تمكن المسلمون من أبحارها، وانتزع المسلمون راية الفرس الملكية المعروفة باسم درافش - ى كافيان Diraesh - i Kviyan. أحداث لاحقة: أرسل سعد بن أبى وقاص قسمًا من قواته لتعقب فلول الهاربين وظل فى القادسية شهرًا آخر. لقى جالينوس أحد قواد الفرس حتفه أثناء محاولته حماية قواته المنسحبة. لم تتعد محاولات إعادة حشد الفلول الهاربة كما كان الحال فى بابل ووقف زحف المسلمين إلا اشتباكات قليلة لم تغير الوضع فى نهاية الأمر. تقدم سعد إلى المدائن وبعد فتح "بهدسير" إحدى المدن العشر التى كَوَّنَت مجموعة المدائن، تمكن من خوض "دجلة" وعبور الضفة الشرقية للنهر، واحتل المسلمون سائر المدائن التى استسلمت دون قتال من يزد جرد الثالث (ذو الحجة 15 هـ/ و 16 هـ). وهناك معركة أخرى كانت ذا أهمية على الأرض العراقية عند الجلولاء فى (صفر 16 هـ/ 17 هـ).

مشكلات متعلقة بالمعركة

مشكلات متعلقة بالمعركة: توجد مشكلتان ستظلا فيما يبدو بلا حل لهما: 1 - العدد الإجمالى للقوات التى تقابلت والتقت فى القادسية، حيث توجد اختلافات كبيرة فى الأرقام فى المصادر المختلفة تعذر الوصول من خلالها إلى أساس متين يمكن الاعتماد عليه. 2 - الترتيب التاريخى للأحداث السابقة واللاحقة للمعركة وبالتالى حدث اختلاف حول تاريخ المعركة نفسها، وقد تم ترجيح وقوعها فيما بين عامى 14 هـ و 16 هـ. ورجح البعض استبعاد عام 14 هـ لوقوع أحداث تنفى اندلاع المعركة فيها. والكتاب المسلمون المعنون بأمر الترتيب التاريخى أمثال فالهاوزن وكتابى "وس. م يوسف" بحثوا عن حلول من خلال الحقائق ووصلوا إلى افتراضات خاصة بهم لاستحالة الوصول إلى نتيجة يقينية من خلال معطيات المصادر المعتمدة، حيث انهم اعتقدوا باستحالة قيام المسلمين باستعادة قدرتهم مباشرة بعد هزيمتهم عند الجسر وأرخوا معركة البويب عام 14 هـ (وفقًا لكاتيانى Caetani لم تكن قبل رمضان) وألزمهم هذا بتاريخ القادسية بعام 16 هـ (ويضيف فالهاوزن اعتبارات أخرى للأحداث الواقعة فيما بين القادسية ومعركة الجلولاء) بالإضافة إلى أن كتانى وس. م. يوسف يضعان فى الحسبان العلاقة بين الحملة فى سوريا والعراق. ويرون أن الخليفة عمر بن الخطاب ما كانت تعنيه العراق قبل الانتهاء من الأولى أى بعد معركة اليرموك التى حقق فيها المسلمون النصر على البيزنطيين (الروم) فى 12 رجب 15 هـ/ 20 أغسطس 636 م، بحيث يصعب وقوع معركة القادسية قبل الشهور المبكرة من عام 16 هـ ويرى س. م يوسف وقوعها بعد رجب 15 هـ بقليل أى بعد اليرموك بنحو شهر. ويرى كاتب المقال أن التاريخ الأرجح لمعركة القادسية هو شهر محرم عام 15 هـ/ فبراير مارس 636 م وإن انتصار المسلمين فى "البويب" بعد هزيمتهم عند الجسر بقليل ليس بالأمر المستحيل.

المصادر

المصادر: (1) الطبرى جـ 1، ص 222، 2347، 2349 - 59 (بعد ابن اسحق)، 2377 (بعد وافدى)، 2336 - 38 (بعد عوانه) 2211 - 19، 221 - 35، 2244 - 85، 2285، 2341، 2344 - 46، 2361 - 67، 2341 - 43، 2419 - 55، 2456 - 67 - 2470، 2474 - 79 (بعد سيف بن عمر) وفهرس، طبرى طبعة جوتنبرج جـ 3، 386 - 400 (مع قليل من التفاصيل غير المتوفرة فى مصادر أخرى ولكن بصفة عامة تتبع روايات سيف بن عمر). (2) أبو يوسف يعقوب: كتاب الخراج، بولاق 1302 هـ 16 - 17 (ترجمة فانان 45 - 47، 48 - 49) (3) المسعودى، مروج الذهب جـ 4، 201 - 204، 207 - 225. (4) مقدمة ابن خلدون ed. Quafremece جـ 1 ص 15، 230 - 285، جـ 2 ص 692، جـ 3 ص 135 (ترجمة روزنتال Rosenthal جـ 1 ص 17، ص 229، 320 - 321 جـ 2 ص 77 - 78, جـ 3 ص 168 - 169. المصادر القادسية: (5) مرخواند: روضة الصفاء، طبعة بومباى 1825 جـ 2 ص 270 - 278. (6) فوندمير: جيب السيار، طبعة بومبا 4857 ص 14 - ص 20 - 23. مصادر الغرب: (7) Gweil: geschichte der Chaliren، جـ 1 ص 65 - 73، 83. (8) L. Caetani: Annali dell'lslam الأحداث جزء 3 - 14 هـ، ص 5، 119 - 23 - 25 - 45 - 63 - 66 أحداث 16 هـ ص 3 - 35 - 39 - 118 - 134 - 228. وائل البشير [فيجليرى Vaglerli] + القادسية: بالإضافة إلى البلدتين المذكورتين فيما سبق، يشير ياقوت إلى ثلاثة أماكن أخرى تحمل اسم القادسية اثنتان من ناحية الموصل عند نهر الخازر بين الموصل واربد والثالثة بالقرب من جزيرة بن عمر (انظر ياقوت: المستوق) طبعة فستنفلده Wustenfeld ص 337. كما يذكر ابن الأثير بلدة باسم القادسية قرب بغداد (الجزء 12 ص 91).

قارون

وعن العلاقة المحتملة بين هذه الأماكن وبين شعب يسمى (قادشيين) ربما أسسوا هذه الأماكن انظر نولدكه Nuoldeke: ZDMG جزء 33 ص 157، 162. - J.Marquart: Erahsahr hack der geographie des Pseudo-Moses xorehavice (Abhahdluhgeh der gott, Ges. der Wiss) 1901 ص 77 - 78. وائل البشير [سترك - لسنر M.streck - J. Lassner] قارون ورد فى العهد القديم. سفر الأعداد - الإصحاح السادس عشر) وذكر القرآن الكريم ثلاث مرات {إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ. . .} إلى قوله تعالى {. . .لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} (سورة القصص الآيات 76 - 82). وقوله تعالى {وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ. . .} إلى قوله تعالى: {وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [سورة العنكبوت الآيتان 39 - 40] وقوله تعالى: {إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ} (سورة غافر آية 24). وفى آيتى العنكبوت وآية غافر، يذكر قارون مع هامان وزير فرعون وفرعون نفسه وثلاثتهم يتعالون على رسول اللَّه موسى عليه السلام ويصمونه بالسحر والدجل. وفى آيات القصص نجد أن قارون كان من قوم موسى ولكنه كان يعاملهم بأسلوب الغطرسة والتكبر والتعالى من منطلق ثرائه الفاحش الذى جمعه، على حد ظنه واعتقاده من خلاله علمه ". . على علم عندى. . . ". ويخرج قارون يستعرض قوته وثراءه أمام العامة فتبتلعه الأرض بقصره (داره) ليكون عبرة للذين يفضلون كنوز هذه الدنيا ثواب اللَّه فى الآخرة للمؤمنين والخيرين. وتلمح هذه القصة إلى تمرد قارون وعلى نحو بين إلى العقاب الذى سحق به (سفر الأعداد الاصحاح السادس عشر الآيات 31 - 33، الاصحاح السادس والعشرين الآية 10) ومن المحتمل أن تكون صدى لقصة ما

أخلاقية. وقد أضاف المفسرون وكتاب قصص الأنبياء اسطورة طويله يرد أصول أغلبها إلى أدب الربانيين [المترجم: وهى فى الإسلام من الإسرائيليات] (انظر الموسوعة اليهودية Jewishency، جـ 4، ص 556، تعليقات سيلز Sales على ترجمته لمعانى القرآن الكريم، قصص الأنبياء للثعلبى، القاهرة 1314 ص 120). وفى هذه الأسطورة، صُنّفا هامان وقارون معًا لثرائهما الفاحش واكتنازهما للمال وشحهما، ومن هنا يتضح السبب الذى أصبح قارون من خلاله وزيرًا لفرعون. وفى الإسلام، نشأت من إضافات المفسرين إلى قصة القرآن الكريم رؤيتان متباعدتان: 1 - تفسير عن كيفية جمع قارون لثروته، وهنا كان "علمه" الخاص أحد الأسباب التى جعلت المفسرين يذهبون إلى أنه أحد المؤسسين لعلم الخيمياء والسيمياء (الكيمياء القديمة) (¬1). ويظهر هذا الدور مبكرًا (انظر البخلاء للجاحظ، مروج الذهب للمسعودى جزء 8 ص 177. فهرست ابن النديم) حيث هبط الوحى الإلهى على كل من موسى وهارون عليهما السلام بهذا "العلم" (وتم تكليفهما بطلاء تابوت التوراة، الكسائى: قصص ص 299) ووكل قارون بتنفيذ هذا العمل باسمهما. وقام بجمع كميات هائلة من الذهب والفضة، ولكن موسى عليه السلام دعا ربه أن يعاقب قارون لتكبره وتفاخره وسوء سلوكه الذى نبع من ثرائه المكتسب مؤخرًا. ووفقا للطبرى (طبعة روتنبرج جزء 1 ص 382 - 384) كان قارون يعمل فى الأصل صائغًا. ووفقا للكسائى كانت أخت موسى عليه السلام زوجة قارون وأنها هى التى تلقت حلم الخيمياء لتلقنه لزوجها (وعن المفسرين أن قارون كان ابن أخت موسى عليه السلام). ¬

_ (¬1) العلم الذى كان يعنى بتحويل المعادن الرخيصة إلى أخرى نفيسة أو يحول التراب إلى ذهب، كما كان يمنى هذا العلم بمحاولة إطالة الحياة عن طريق إيجاد علاج نهائى وحاسم لجميع الأمراض.

المصادر

2 - وفى مصر، يرتبط اسم قارون بعدة بحيرات، ومن هنا فإن ما تبقى من بحيرة مويرس Moeris فى الفيوم يحمل اسم بركة قارون (انظر: Bleus: Guides Egypte 1956، ص 24، 242 ويوجد تعليل خاطئ شاع لاسم البركة بأن أصلها بركة القرون). كما كانت توجد بركة تحمل اسم قارون بجوار بركة الفيل بجنوب القاهرة وعلى مقربة من جامع ابن طولون. وهذه البركة كانت مرتبطة بالقصة الغيبية، وقد وصفها المقريزى (خطط المقريزى طبعة بولاق 1325 جزء 3 ص 261 - 262) كما روى أن كافور بنى بيتًا بجوار البركة وتردد أن الجن طرده من هذا البيت. كما أشير إلى تلك البركة فى قصة "جزر" السمَّاك -الواردة فى النسخة المصرية لألف ليلة وليلة، ليالى 606 - 624 والتى قام روتنبرج بتنقيحها -بأنها الموقع الذى كانت تلوذ به الأرواح من السحرة. ويرى فون هامر Von Hammer من هنا وجود خلط بين قارون وشارون المصرى المصادر: (1) تفسير الطبرى جزء 20 ص 62. (2) تاريخ الطبرى. (3) تفسير الرازى، طبعة القاهرة 1308 الجزء السادس ص 421. (4) ابن نباتة: صرح العيون، القاهرة 1964 ص 51 - 54. وائل البشير [د. ب. ماكدونالد D.B. Macdonald] قازان قازان -وقد يقال لها قزان- بلد واقع فى حوض الفولجا الأوسط، وهى الآن عاصمة جمهورية تترستان (تتاريا)، وكانت فى القرنين الخامس عشر والسادس عشر عاصمة خانيَّه تحمل نفس الاسم. وتزعم الأخبار التى هى ادخل فى بابا الأساطير أن البلدة أسسها "بتوخان" فى منطقة تركية

إسلامية كانت جزءا فى القديم من مملكة البلغار قبل الغزوات المغولية. ولقد تأسست خانيَّه قازان فى النصف الأول من القرن الخامس عشر على يد أولو محمد بن جلال الدين حفيد طقتمش فى الوقت الذى كان فيه الأورد الذهبى آخذًا فى التضعضع، وساهمت الخانمة مساهمة فعالة فى الحروب المضنية التى كانت مشتعلة بين الامارات الروسية، ففى عام 1438 م حاصر السلطان محمد الثانى موسكو وخرج "كولومنا"، وفى عام 1445 أنزل ابنه محمودك الهزيمة بفاسيلى الثانى Vasili II أمير موسكو وأسره ثم ما لبث أن أطلق سراحه بعد قليل، واستولى محمودك فى نفس السنة على مدينة قازان التى كانت تحت حكم واحد اسمه على بك، ولما قتل فى العام التالى أولو محمد فر اثنان من أولاده إلى روسيا وهما يعقوب بن أولو محمد وأخوه قاسم الذى اقطعه أمير موسكو بلدة "جوردوك" Geordok وسميت بقاسمور تمجيدًا له، وأصبحت عاصمة لخانيّة تابعة لموسكو تدين لها بالطاعة وصار حكامها موالين للسياسة الروسية. ولقد ظل محمودك فى الحكم حتى مات سنة 1426 فخلفه ولداه خليل (1462 - 1467) وإبراهيم (1467 - 1679) الذى شن الحرب على موسكو فى فانتصر فى بادئ الامر انتصارا تمثل فى استيلائه مؤقتا على "فياتكا" إلا أن الروس هاجمو المعتدى وحاصروا قازان وأرغموا إبراهيم على إطلاق سراح جميع الذين كانوا فى قازان من الأسرى الروس دون أن يحاولوا وضع صنيعتهم قاسم على العرش هناك، فلما مات إبراهيم سنة 1479 خلفه ولده على (وإن قالت يعض المصادر بل خلفه الهام) فلما كانت سنة 1487 التجأ محمد أمين أخو خليل إلى روسيا ثم ظهر أمام أبواب قازان على رأس جيش روسى فاستسلم البلد له بعد حصار دام ثلاثة أسابيع، ونفى علىّ إلى "فولوجدا" وأقيم محمد أمين خانا لكنه طرد منها عام 1495 أثر هجوم تتارى من خانية سيبير Sibir بقيادة خان مموق بن اباق الذى حكم البلد عاما

واحد وهزمه بعدها الروس فاستجاب رغم أنفه لرغبة الأهالى وتنازل عن الحكم لعبد اللطيف الأخ الاصغر لمحمد الأمين، الذى استدعته روسيا سنة 1503 هـ وعاد التاج أبى محمد أمين الذى كان فى بداية الأمر مؤيدًا للتحالف مع الروس ولكنه سرعان ما ثار ضد وصاية أمير موسكو وقتل التجار الروس الذين اعتادوا الحضور إلى سوق قازان السنوى وصادر بضائعهم ونجح فى متابعته شن الحرب على موسكو حقى أنه أنزل الهزيمة بجيش روسى قرب "نيزنى نوفجورد" Nizniy Novgord وعقد اتفاق سلمى عام 1507 م تأسست بمقتضاه دولة محايدة بين الإمارتين المتنازعتين. ومات محمد أمين سنة 1518 م وأخذت الدولة التى أسسها أولو محمد تلفظ أنفاسها، وكان عبد اللطيف قد مات قبل ذلك بسنة، وسيطرت الفوضى على الخانيه واستمرت الحروب بين جماعتين تميل إحداهما لمسايرة روسيا والأخرى تنزع نزعة قومية مؤيدة خاينة القرم وأورد نوغاى وظلت الامور مضطربة على مدى ثلاثين سنة، وكان الروس أول من أستغل هذه الظروف فى قازان فعمد الأمير فاسيلى الثالث إلى وضع شاه على سنة 1519 على العرش، لكن طرده كبار التتار وطلبوا من محمد أن يعين على قازان بدلا منه أخاه "صاحب جيراى" وشبت معارك لم يكن النصر فيها حاسما لأحد الجانبين. غير أن أبرز ما حصل هو ما عمد إليه أمير موسكو الكبير من إصداره أمره بمنع التجار الروس من المتاجرة فى العاصمة التتارية، وأمر بعقد سوق سنوية فى دير سنت مكارى الذى سرعان ما أصبح منافسًا لسوق قازان، كما احتل الروس منطقة حوض الفولجا ألاوسط وأدى ذلك إلى اضطراب الأمور فى قازان، وأصبح الحكم بين شد وجذب بين الأمراء المتنازعين حتى تم فى النهاية أختيار ابن "أوتمش" وكان غلاما فى الثانية عشرة من عمره فنقله الروس إلى بلدهم وعمَّدوه وسمى باسكندر، ثم أعيد شاه على ثانية إلى

حكم قازان، لكن أطاحت به من الولاية ثورة شعبية، فولى التتار رجلا من بين خانات استراخان اسمه "ياديجار محمد"، جيد أنه ما لبثت جيوش القيصر ايفان الرابع Ivan IV الروسية أن طرقت أبواب قازان واستولت عليها يوم الثانى من اكتوبر 1552 وضمتها إلى دولة موسكوف، ثم أخذ الروس فى أعقاب ذلك الفتح فى احتلال الإقليم كله شيئًا فشيئا وصادروا أغنى وأحسن الأراضى الواقعة فى أودية الأنهار وحول المدن، ووزعت فكانت من نصيب النبلاء الروس والأديرة، وأقيمت مستوطنات فى أخصب بقاع البلاد نزلها الفلاحون الروس، كما أقيمت سلسلة من الحصون والقلاع الروسية غطت جميع أنحاء البلاد لقيام ثورات شعبية ودرءا لهجمات التتار القرميين، وترتب على هذا أن أصبح سكان الخانية القديمة (ابتداء من القرن السابع عشر) يتألفون من عناصر يختلف بعضها عن البعض الآخر كل الاختلاف، ولم يعد التتار فى هذا المحيط أكثر من 40 % من السكان. واشتد ساعد الحركة الإنجيلية المسيحية حتى صارت قازان بعد عام 1555 قاعدة أسقفية وتحولت إلى مطرانية. حتى إذا كان ختام القرن السادس عشر نجد طائفة مهمة وهى تتألف من أهل البلاد المحليين والتتار وأكثر منهم من الشعوب الفنلندية الكريشيين (كريش - التترية) قد تنصروا، لكن الأخيرين -رغم اعتناقهم المسيحية- ظلوا محافظين على استعمالهم اللغة التترية. ولقد أدى الفتح الروسى لقازان إلى حدوث هزة عنيفة فى المجتمع التتارى، ذلك أن طبقة الأشراف القديمة وجدت نفسها وقد جُردّت من أملاكها وأراضيها، ورأت أن استمرارها فى البقاء حية يتطلب منها أن تتحول إلى طبقة تجارية نتج عنها فى القرن السابع عشر ظهور طبقة برجوازية تجارية، وقد أصبحت هذه الطبقة منذ عهد كاترين الثانية فصاعدا هى الجماعة التى تسترشد بها أمة التتار. كما نلاحظ أنه فى النصف الثانى من القرن التاسع عشر خرج من بين

المصادر

الشعوب الروسية المفكرون والقادة السياسيون الذين أيدوا حركة الوحدة التركية فى روسيا (وحدة العناصر التركية فى روسيا). أما مدينة قازان الحديثة فلم تستبق إلا قليلا مما كان موجودا أيام الخانية القديمة ولا يزال أحد أبراج القلعة القديمة يحمل حتى اليوم اسم الأميرة "سيومبيجى" زوجة "صفاء جيراى" (وكانت فى السابق امرأة جان على ثم من بعده زوجة شاه على) وليس من المعروف متى وكيف أُطلق اسمها على هذا البرج. كذلك فإنه من الصعب أن نحدد ما هو تتارى وما هو روسى فى هذا البرج. ولم تعد لقازان منذ القرن الثامن عشر أهمية حربية، حتى لقد احتلها بسهولة بوجاسيف فى يوليو 1774 ولم يستعص عليه سوى قلعتها حيث كان بالمدينة فى ذلك الوقت 2867 منزلا، ولكنها إبان هذا الحين تفوق "تزنى نوفجورد" فى الأهمية كمركز إدارى وثقافى، وتأسست جامعة قازان سنة 1804 وتفوقت على جميع مثيلاتها بفضل كليتها الشرقية (لاسيما كلية الدراسات التاريخية الفيلوجية). لكن ترتب على افتتاح الكلية الشرقية بجامعة سنت بطرسبرج عام 1855 أن توقف تعليم اللغات الشرقية فى قازان، كما نقلت المكتبة والتجهيزات العلمية الأخرى إلى العاصمة. غير أن دراسة اللغات الشرقية عادت من جديد مرة ثانية سنة 1861 إلى جامعة قازان. وبلغ عدد سكان البلد 131508 نسمة حسب إحصاء 1897، كان منهم 30781 تتاريا، وقد أصبحت قازان اليوم عاصمة جمهورية "تتارستان" فى روسيا وبلغ عدد سكانها 3.131.238 نسمة منهم 1536431 من التتار، و 1328738 من الروس و 153496 من الكوفاش و 30963 من الموردنيين و 24523 من الادموريين Udmurt. أما الحضر فيغلب عليه العنصر الروسى إذ يقدر بعدد 934387 إزاء 593665 من التتار. المصادر: - H. H. Howorth: History of the Mongols ii. 303 - 429 د. حسن حبشى [بارتولد و. أ. بنجسن W. Barthold A. Bennigsen]

قاسم أمين

قاسم أمين قانونى وكاتب اجتماعى عربى، ولد فى مصر، وهو الذى نادى بحقوق المرأة وتحريرها، بالإضافة إلى واجبها فى المشاركة فى بعث حركة النهضة الإسلامية التى بزغ نورها مع أفول القرن التاسع عشر. ولد قاسم أمين بالاسكندرية عام 1863 م (انظر أحمد بهاء الدين، تصدير إلى "تحرير المرأة" طبعة دار المعارف، القاهرة 1970 م ص 10، ويلاحظ عدم اتفاق المصادر على تاريخ ومحل الميلاد) من أم مصرية وأب من أصل توكى. استقرت أسرته فى القاهرة حيث التحق قاسم بعد إتمامه الدراسة الثانوية بمدرسة الحقوق الخديوية (كلية الحقوق)، وحصل على إجازة الحقوق عام 1881 م. وبعد أن قضى فتوة التدريب لدى أحد كبار محامىّ العاصمة المصرية، سافر إلى باريس لاستكمال دراسته فى القانون، حيث تابع بألم واستياء التطورات الجديدة التى طرأت على الظروف السياسية فى مصر منذ أن ظهرت بوادرها الأولى فى القاهرة، أى التدخل البريطانى عام 1882 م والذى أدى آخر الأمر إلى فشل ثورة عرابى باشا واحتلال الإنجليز لمصر. كانت مساهمة قاسم أمين الأولى فى حركة التنوير -والتى كانت قد بدأت بالفعل يشكل جزئى فى مصر، وأغلب البلاد المتقدمة فى العالم العربى والإسلامى- بإعادة الاتصالات والتى سبق أن أقامها مع اثنين من أعظم الرجال الذين قادوا حركة التنوير فى العالم الإسلامى الحديث وهما جمال الدين الأفغانى وتلميذه محمد عبده اللذان لجآ إلى باريس حيث أصدرا باللغة العربية دورية أسبوعية تحمل اسم "العروة الوثقى". وقد صدر منها ثمانية عشرة عددًا، وقد عرض على قاسم أمين مساهمته فيها. توفى قاسم أمين فى سن مبكرة عام 1908 م دون أنه يرى ثموة جهوده ولم يلحق بالتغيرات التى طرأت لصالح المرأة العربية والتى ظل يصارع من

أجلها فى العراق الشاعر جميل صدقى الزهاوى وفى تونس عبد الظاهر الحداد وفى مصر -مما هو جدير بالذكر- امرأة كاتبة هى ملك حفنى، وكانت تنشر كتبها باسم "باحثة البادية". ويرجع الفضل فى رسوخ عقيدة قاسم أمين بحتمية تنبيه الرأى العام فى مصر بصفة خاصة والعالم العربى بصفة عامة إلى واحدة من أكثر القضايا إلحاحًا، ألا وهى رفع المستوى الاجتماعى للمرأة، ويرجع الفضل فى هذا إلى الاتصالات التى أقامها بوسط كان معنيا بالرقى الاجتماعى والثقافى أثناء إقامته فى باريس، وربما يرجع الفضل -وفقا لبعض المصادر- إلى علاقة عاطفية نمت بينه وبين فتاة فرنسية وكانت قد أثرت على فكره تجاه قضية المرأة. ومن الثابت أن أى تحرك نحو الإصلاح فى هذا المجال كان يقتضى ضمنما صراعا متواصلًا مع أنصار التيار التقليدى فى البلاد، أعداء أى تغيير حتى لو كان هذا التغيير له ملامح اجتماعية واضحة، ويرى هذا التياران كل تجديد يُهين ويُسئ إلى التراث وسيرة السلف. وقد أدرك قاسم أمين كافة الصعوبات التى ستواجهه، وعمل على إنجاز أهدافه ليس فقط باستخدام سلاح الجدل القانونى الذى برع فيه بحكم دراسته للقانون وإنما أيضًا من خلال حوار ذى بُعد اجتماعى وأخلاقى يتسم بالحس المرهف. وكان هدف قاسم أمين هو التأكيد على تحسين الوضع الاجتماعى للمرأة فى صورة تعليمات ووصايا وشعارات مثل المساواة فى الحقوق مع الرجل، وخلع الحجاب وإعادة النظر فى قانون إلأحوال الشخصية وخاصة ما يخص تعدد الزوجات والطلاق. وقد قاوم المحافظون هذه الدعوى بقوة حتى أن خلع الحجاب لم يتحقق إلا فى 1922 (أى بعد حوالى ربع قرن من ظهور كتاب "تحرير المرأة"). كما أنشئت أول مدرسة ثانوية للفتيات عام 1925 م على غرار مدارس الفتيان فى مناهجها وبرامجها.

المصادر

وتجلت النزعة الوطنية عند قاسم أمين فى كتاب La Egyptiens، (المصريون) باريس 1894 م الذى كتبه بالفرنسية للرد على "دك داركور" الذى حكم على مصر من خلال رؤية استعمارية مبالغ فيها. ولكن كتابيه "تحرير المرأة" و"المرأة الجديدة" هما اللذان خصصهما للدعوة للرقى الاجتماعى للمرأة. أما الكتاب الأول فقد استثار أكثر المحافظين المصريين غيرة وحماسة، ومن بينهم طلعت حرب وعبد الحميد الغريان. وقد رد على قاسم أمين فى كتابه "فصل الخطاب فى المرأة والحجاب" و"الدفع المتين". أما كتاب "المرأة الجديدة" فعمد فيه قاسم أمين إلى دفع الهجوم عليه والذى لم يترتب عليه فقط استثارة العالم والمفكر السياسى محمد فريد وجدى فى "المرأة المسلمة" (القاهرة (1319 - 1901 م). وبهذين العملين، ارتبط اسم قاسم أمين بوصفه باعث حقوق المرأة بالإضافة إلى كتابه الباريسى السالف ذكره وتأملاته وحكمه المسماه "أسباب ومناهج وأخلاق ومواعظ" القاهرة 1898 م (أعيد طبعها عام 1913 م تحت عنوان "كلمات فى الأخلاق" فى ملحق لطبعة "الرسالة فى مداواة النفوس" لابن حزم. وانظر بروكلمان جـ 1، ص 696 - 697). المصادر: (1) قاسم أمين: تحرير المرأة، القاهرة 1899 م (ترجمة ألمانية O.Rescher، شتوتجارت 1928 م). (2) قاسم أمين: المرأة الجديدة، القاهرة 1901 م. (3) د. محمد حسين هيكل: تراجم مصرية وغربية، القاهرة 1929 م. (4) أحمد خاكى: قاسم أمين، القاهرة 1944. (5) ف. س. فؤاد: تاريخ حياة المرحوم قاسم أمين، القاهرة، غير مؤرخ. وائل البشير [ريزيتانو U. Rizzitano]

قاضى

قاضى القاضى طبقا للشريعة الإسلامية ينظر فى جميع القضايا المتعلقة بالقانون المدنى والجنائى (أمور المعاملات والقصاص وغيرها) ولكن من الناحية العملية، كان فى الشرق الإسلامى منذ زمن بعيد منهجان لتطبيق الشريعة يمكن أن نطلق عليهما -إلى درجة ما من الصحة- المنهج "الدينى" والمنهج "الدنيوى". فالقضايا التى تتصل بالدين (الخلاف فى الأمور التى تتعلق بالأسرة أو الميراث أو المشاكل الشرعية الأخرى. . . الخ) تعرض على القاضى الشرعى ليحكم فيها طبقا لأحكام الشريعة، أما باقى المشاكل -طبقا للنظرة العامة السائدة فى الشرق- فإنها من اختصاص السلطات المدنية التى تحكم فيها عادة طبقا لمعايير أخرى. وطبقا للشريعة الإسلامية يجب أن يكون القاضى من العلماء العدول (لا يرتكب ما يُلام عليه)، ملما إلى درجة كبيرة بأحكام الشريعة. وفى البداية، كانت معظم المذاهب تطلب أن يكون القاضى مجتهدًا، أى قادرًا على استنباط الأحكام من المصادر الدينية مباشرة. ولكن بعد ذلك لم يعد هناك من يعتبر مؤهلا لأن يفسر الشريعة، فأصبح القضاة مقلدين، أى ملتزمين بما أفتى به العلماء السابقون المجتهدون، فأصبح على القاضى أن يلتزم حرفيًا بالنصوص المذكورة فى كتب الفقه الخاصة بمذهبه. وتعتبر إقامة العدل واجب دينى فى المجتمع الإسلامى، وعلى السلطة المختصة أن تعيِّن فى كل منطقة شخصًا مناسبًا ليكون قاضيًا، فإن لم يكن هناك إلا شخص واحد يعتبر صالحًا لمنصب القاضى، كان عليه أن يقبله بل كان عليه أن يطلبه إذا تجاهلته السلطة. وعلى القاضى أن يدير محكمته طبقًا للأسلوب الذى وضعته الشريعة بالضبط، فعليه أن يساوى بين الخصمين فى المعاملة إذا كانا مؤمنين مساواة تامة، فإذا اعترف المدعى عليه أن المدعى على حق، لا يطلب القاضى دليلًا آخر، فإذا أنكر المدعى عليه، فإن

على المدعى أن يؤيد دعواه بالأدلة، ويكون حكم القاضى ملزما للطرفين ولا يُستأنف. ويمنع الشرع القاضى من أخذ هدايا من الخصوم الذين يعرضون قضاياهم أمامه وذلك لضمان حياده كما يمنع من ممارسة التجارة لا بذاته ولا عن طريق أشخاص يعرف عنهم أنهم أعوانه، لأن الناس قد يحاولون كسبه فى صفهم عن طريق تقديم مميزات خاصة فى التجارة. وبالرغم من هذه التنظيمات وغيرها التى يقصد بها ضمان نزاهة القضاء بقدر الإمكان، فإن "قاضى السوء" كان دائما محل شكوى المسلمين، فبعض القضاة لم يكونوا على مستوى المنصب حتى أنه عندما كان يتولى القضاء رجال مستقيمون، فإن بعضهم كان يتحايل على الشريعة بما يناسب رغباته أو رغبات الحكام، لهذا سرعان ما ظهر اتجاه فى الدوائر الدينية لرفض منصب القاضى، وتداول الناس الأحاديث التى تشير إلى الحذر من قبول منصب القاضى، وقد رفض بعض الفقهاء الورعون مثل أبى حنيفة أن يتولوا القضاء. وربما لم يصل قاض مسلم -فى بعض الأحيان- إلى أن يحقق المطالب النظرية لتولى هذا المنصب، لهذا فإن القاضى فى هذه الفترات كان يعتيره العلماء المسلمون "قاضى الضرورة"، الذى يلجأ الناس إليه لعدم وجود من هو أفضل. وكان الحكام المسلمون يرفضون تولى القضاء بأنفسهم، وكذلك كان يفعل الحكام والولاة فى الولايات المختلفة، وكانت السلطات المحلية فى البلاد الإسلامية هى التى تتولى القضاء على نطاق واسع، وبصفة خاصة رجال الشرطة، وكان ذلك يسمى أحيانًا "النظر فى المظالم". وفى عهد عمر وعثمان (رضى اللَّه عنهما) وخلفائهما، كان القاضى يعنيه الخليفة، وكان هؤلاء القضاة دائما من الفقهاء. وفى العهود المتأخرة، لم يحظ هؤلاء القضاة بوضع مستقل فى العالم الإسلامى، وكانوا كثيرا ما يُعزلون بعد

المصادر

تعيينهم بقليل كما كانوا دائما عرضة لنزوات الحكام. ولم يكن القضاة مسئولين فقط عن نظر القضايا وإنما كانوا أيضًا مسئولين عن إدارة الأوقاف وأملاك الأيتام والسفهاء ونوعيات أخرى من الناس كما كانوا يعقدون عقود الزواج للنساء اللاتى ليس لهن أقارب من الرجال. . . إلخ. وكان كبير القضاة فى العاصمة ذا منزلة رفيعة، ويطلق عليه فى المشرق الإسلامى لقب قاضى القضاة، وفى الغرب الإسلامى قاضى الجماعة، وبعد ذلك كان هناك أيضًا قاضى العسكر، وكان بعض هؤلاء القضاة من قادة الجيش. وفى المدن الكبيرة، حيث يعيشى أعداد كبيرة من أتباع المذاهب الفقهية المختلفة، كان -إذا لزم الأمر- يُعين قاض لكل مذهب، فمثلا كان فى القاهرة أربعة قضاة. المصادر: (1) الخصاف: أدب القاضى؛ د. س. مارجوليوث D.S. Margolioth Instructions to the Kadi، Omar's journ. Rog. Asiat. soc 1910)، جـ 1 ص 307 - 326). (2) الشوكانى: نيل الأوطار (بولاق 1297)، جـ 8 ص 495 وما يليها. (3) الدمشقى: رحمة الأمة فى اختلاف الأئمة (بولاق 1300) ص 108 وما يليها. (4) ابن خلدون: المقدمة (طبعة القاهرة 1327 ص 245 وما يليها. (5) Mecca, C. snouck Hurgrinje: جـ 1 ص 182 وما يليها. (6) نفس الكاتب، Anzeige von Sachau's Muhamm Recht، المنشورة فى Zeitschr. d.Deutsch. Morgenl. gesellsch، العدد 53 (1899) ص 138 و 154 وما يليها. حسين أحمد عيسى [ث. و. جويتبول Th. W. Joynboll] قاضى خان فخر الدين الحسن بن منصور الأزجاندى Vzdjandi الفرغانى. عالم شغل منصب المفتى على المذهب الحنفى وله مؤلفات كثيرة قيمة فى بعض المسائل الشرعية وشروح لمؤلفات على المذهب الحنفى،

المصادر

وقد اشتهر من أعماله مجموعة فتاواه (فتاوى قاضى خان فى 4 أجزاء، كالكتا 1835 م مع كتاب الفتاوى السراجية، القاهرة 1282 هـ). المصادر: (1) ابن قُطْلوبُغا Kutlubgha تحقيق فلوجل Flugel Abh. d. DMG, جزء 2 رقم 3)، صفحة 16، رقم 56. (2) ج. فلوجل Die classen der hanefit rechts gelehrten, Flugel Abh. d. kon Sachs. Ges. d. Wiss: Flugel، العدد 8 (1860) صفحة 314. (3) محمد عبد الحى اللكناوى al-Laknawi، الفوائد البهية فى تراجم الحنفية، القاهرة 1324، صفحة 64 وما يليها. حسين أحمد عيسى [ث. و. جوينبول Th.W. Juynboll] القاضى الفاضل أبو على عبد الرحيم بن على بن محمد بن الحسن اللخمى البيسانى العسقلانى محيى الدين، أشهر وزراء صلاح الدين الأيوبى (إذ تولى رياسة ديوان الإنشاء) ولد فى 15 جمادى الآخرة عام 529 (3 أبريل 1135 م)، فى عسقلان حيث كان أبوه القاضى الأشرف -وهو من بيسان- يشغل منصب القاضى. أرسله والده إلى القاهرة ليدرس فى ديوان الإنشاء عام 543/ 544 هـ (1148 - 1149 م). تولى أمانة سر ابن حديد قاضى الإسكندرية عام 548 (1153)، وعندما لفتت تقاريره الممتازة الأنظار فى القاهرة، استدعاه العادل رزيك بن الصالح طلائعى Talaci، آخر وزير فى عائلة بنى رزيك وعينه رئيسا لديوان الجيش، وعندما أطاح شاور وإلى قوص بالعادل رزيك بعد ذلك بقليل، عين القاضى الفاضل أمين سر كامل بن شاور، وبعد مقتل شاور عين أمين سر شيركوه الذى خلف شاور فى الوزارة، وفى عام 563 هـ (1167 - 1168 م) عين مساعدا لابن الخلال رئيس ديوان الإنشاء، حيث بدأ حياته الرسمية، وعندما توفى ابن الخلال فى 23 جمادى الآخرة عام 566 هـ (4 مارس 1171) عين القاضى الفاضل خلفا له، وفى ذلك الوقت كان صلاح الدين

المصادر

الأيوبى قد تولى منصب الوزارة، وفى العام التالى تولى صلاح الدين حكم مصر بعد وفاة آخر الحكام الفاطميين وأصبح القاضى الفاضل يده اليمنى فى الإصلاحات التى قام بها فى الجيش وفى نظام الضرائب. وبعد ذلك صاحب السلطان فى حملاته إلى سوريا، وأقام فى مصر عامى 585 و 586 هـ (1189 و 1190 م) لإدارة الأمور الاقتصادية وإعادة تسليح الجيش والأسطول، ثم عاد إلى سوريا وظل هناك فى صحبة صلاح الدين إلى أن توفى فى 27 صفر 589 (مارس 1193 م)، وعندما عرض الملك الأفضل الذى تولى الحكم فى دمشق بعد صلاح الدين حكمه للخطر نتيجة لتصرفات سفيهة، عاد القاضى الفاضل إلى مصر ليعمل فى خدمة الملك العزيز، وعندما اندلعت الحرب بين الأخوين سعى القاضى الفاضل للصلح بينها مما أدى إلى انتهاء الحرب عام 591 هـ (1195 م)، وبعد ذلك اعتزل الحياة العامة وتوفى فجاة فى 6 أو 7 ربيع الثانى, 596 هـ (26 أو 27 يناير عام 1200 م). وهناك نماذج كثيرة من الوثائق الرسمية التى كتبها القاضى الفاضل بخط يده أثناء توليه ديوان الإنشاء محفوظة، وقد ذكر أبو شامة بعضا منها. كما ذكر هلج Helbig قائمة كاملة لهذه الوثائق (صفة 67 - 75). وبالإضافة إلى ذلك هناك رسائله إلى أسامة بن منقذ بخصوص كتابه "كتاب العصا" كما حرر أثناء حياته العملية صحيفة رسمية اسمها المتجددات ذكر المقريزى فى خططه مقتطفات كثيرة منها، وهذه المقتطفات لا تضم فقط ملاحظات على خطابات رسمية والرد عليها بل تضم أيضًا تقارير عن الأحداث المهمة فى المملكة والخلع التى كان يخلعها السلطان. المصادر: (1) ابن خلكان: وفيات الأعيان طبعة فستنقلد Wustenfeld, رقم 384 و 857. (2) السبكى، طبقات الشافعية الجزء فى صفحة 255. (3) المقريزى، الخطط (بولاق 1270) جزء 2 صفحة 366 وما يليها.

قاف

(4) السيوطى، حسن المحاضرة (القاهرة 1229)، جزء 1 صفحة 325. (5) على باشا مبارك، الخطط الجديدة جزء 6 (بولاق 1305) صفحة 12. حسين أحمد عيسى [س. بروكلمان C. Brockelmann] قاف قاف اسم سلسلة الجبال التى تحيط بالأرض، وتختلف آراء المسلمين المتأخرين حول شكل الأرض كما يتضح ذلك من كتابات القزوينى والدمشقى وأبن الوردى وغيرهم، وقد ظن العرب القدامى أن الأرض قرص مستدير مسطح كما كان يظن العبريون والإغريق فى زمان هوميروس وهيسيود وكما كان يظن الفيزيائيون الأيونيون، ويفصل جبل قاف عن قرص الأرض منطقة لا يستطيع الإنسان أن يجتازها. هناك رأى آخر له علاقة بالآراء الإغريقية والإيرانية يقول إن الأرض محاطة بكتلة من الماء العطن الذى لا يمكن للإنسان أن يبحر فيه اسمه البحر المحيط أو الأوقيانوس يكتنفه كله أو جزء منه ظلام دامس ولا يعرف أحد أين تقع شواطئه، ويحيط الحائط الجبلى قاف بالأرض والمحيط إحاطة الخاتم. يصف ياقوت والقزوينى وابن وردى قاف بأنه من الزمرد الأخضر وأن لون السماء الأخضر (والذى نراه أزرقا) إنما هو انعكاس للون هذا الجبل، وهناك وصف آخر يقول إن الصخرة التى يرتكز عليها الجبل هى فقط التى من نوع من الزمرد وتسمى هذه الصخرة أيضًا الوتد لأن اللَّه خلقها دعامة للأرض، إذ إن هناك من يظن أن الأرض لا تستطيع أن تحمل نفسها، لهذا فإنها تحتاج إلى دعامة مثل هذه، وبدون جبل قاف، تظل الأرض تهتز بصفة دائمة ولا يستطيع مخلوق أن يعيش عليها كما ورد فى الترجمة الفارسية لتفسير الطبرى. هناك أفكار أكثر تعقيدًا تتعلق "بحملة" الأرض، ففى البداية أخذت الأرض تهتز إلى الإمام وإلى الخلف بشكل غير منتظم، فخلق اللَّه عز وجل

ملكًا حملها على كتفيه وأمسك بها بيديه (يذكرنا هذا بأطلس حامل السماء)، ويقف هذا الملك على كتلة رباعية الزوايا من الياسنت الأخضر يحملها ثور عملاق يقف على حوت يعوم فى ماء، ويعطى ابن الوردى وصفا مشابها مؤكدا أن قاف يبوز من كتلة الياسنت المذكورة، ويذكر ابن الوردى وصفا آخر يتضمن عددًا أكبر من حملة الأرض (ولكن بدون الملائكة) مع بعض الاختلاف فى الترتيب، فالصخرة مثلا هى التى تحمل الثور. ويصف الفُرس المسلمون الحيوان الذى يحمل الأرض تاره على أنه ثور وتارة أخرى على أنه حيوان نصفه ثور ونصفه سمكة. وتتحدث الأساطير الشعبية فى بغداد عن الثور والسمكة اللذين يحملان الأرض، أما سكان شاطئ البحر الأحمر فالاعتقاد السائد عندهم أن الأرض تحملها ثيران ضخمة على ظهورها. ويطلق القزوينى على الثور والحوت الأسماء التى وردت فى الكتاب المقدس، ليفياثان Leviathan وبهموث Behemoth، مما يثبت بلا مجال للشك أن الفكرة الإسلامية عن هذا الموضوع مقتبسة مما ورد فى الكتاب المقدس، والتى تصل فى النهاية إلى قكرة اللاتكون Chaos Tradition البابلية. ويؤكد رينو Reinaud على أن فكرة الثور الذى يحمل الأرض موجودة أيضًا فى الهند. ويمكننا أن نربط بين الصخرة التى ذكرناها والتى تعمل كدعامة للأرض والتى هى بداية جبل قاف وبين الصخرة التى تسمى شِتِيّا Shetiyya التى تعتبرها الأسطورة اليهودية مركز الأرض والتى أغرقها اللَّه عز وجل فى أعماق اللاتكون أو المحيط الأول وتعمل كدعامة للأرض. وجدير بالذكر أن هناك حديثًا شريفًا ذكره القزوينى يذكر أن اللَّه عز وجل جعل الأرض تقف وحدها بدون رباط ولا دعامة. وطبقا لفكرة واسعة الانتشار، فإن جبل قاف هو أصل جميع الجبال التى فى العالم، وتتصل هذه الجبال به عن طريق فروع وعروق تحت الأرض، فإذا

أراد اللَّه عز وجل أن يدمر أى منطقة، فإنه ببساطة يأمر أحد هذه الفروع أن يتحرك، وهذا يسبب زلزالًا. وهناك فكرة أخرى منتشرة أيضًا تقول إن الزلزال يحدث عندما يرتعش الثور الذى يحمل الأرض تحت ثقل حمله. يعتبر جبل قاف، الذى لا يستطيع إنسان أن يصل إليه، نهاية العالم، لهذا يستعمل اسمه كرمز لذلك. ويشكل هذا الجبل الأسطورى الحد الفاصل بين العالم المرئى وغير المرئى. ولا يعرف أحد إلا اللَّه المخلوقات التى تعيش بعده، ويقول كثيرون إن المنطقة التى تقع خلف جبل قاف تنتمى للعالم الآخر. وأنها أرض بيضاء مثل الفضة يقطعها المسافر فى 40 يوما وأنها مُقام الملائكة، كما يقال أيضًا أن قاف والمنطقة التى تقع خلفه مُقام الجن، ويعرف قاف بصفة خاصة بأنه مقر الطائر الخرافى سيمورغ Simurgh, وهو نوع من النسور مثل عنقاء العرب، وقد اعتزل هذا الطائر، الذى كان موجودًا منذ بدء الخليقة، عمله كمستشار حكيم لملوك وأبطال الماضى، ويعيش فى جبل قاف عيشة الراهب القانع الراضى، لهذا يطلق على جبل قاف فى الشعر اسم "جبل الحكمة" و"جبل الرضى". ويلعب جبل قاف دورًا فى حكايات الجن العربية، فقد ذكر فى ألف ليلة وليلة عدة مرات، ومن الغريب أن عددًا من مفسرى القرآن فسروا بداية سورة قاف على أنها اسم جبل قاف. هناك مفهوم آخر أضيق وأكثر محلية، يقصد بجبل قاف ذلك الجزء من الهضبة الآسيوية التى تحد العالم الإسلامى من الشمال، وبخاصة القوزاق وجبالها فى شمال فارس. لا شك فى أن المعالم الأساسية للفكرة الإسلامية عن جبل قاف سواء بمفهومها الواسع (الأسطورى) أو الضيق مقتبسة من الفرس. فعندهم نجد أن البرز Alburz (البرج Alburj)، وهو الهارا. برزياتى Hara-Berezaiti (الجبل العالى) الفارسى القديم هو فى الأصل ذلك الجبل الأسطورى الذى فى نهاية العالم والذى تقع فيه تصور

الآلهة مثل جبل أوليمبوس الهيلينى. ومن وصف الأفستان The Avestan، يمكن اعتبار هارا بِرِزياتى العمود الفقرى لنظام الجبال التى على الأرض، لأن جميع الجبال الأخرى نشأت منه عن طريق وصلات تحت الأرض، ويتخيلون هارا بِرزِياتى (الجبل العالى) سلسلة من الجبال لا تطوق الأرض جميعها فحسب، جل أيضًا بحيرة تسمى وروكاشا Wurakasha تقع أيضًا فى نهاية الأرض، ولكنها كما فى بُنْدِهِش Bundehesh, لا تحيط بها، وفى جغرافية هذا العمل البهلوى نجد اسم جبل قاف مذكورا، وبعد ذلك نجد البُرْز على الأرض ويتميز بالحائط الجبلى الذى يطوق عالم الحضارة الإيرانية من الشمال. لهذا نجد اسم البُرْز (البُرْس) يطلق الآن على جبل أو سلسلة من الجبال فى أماكن متعددة على حدود المنطقة المتحدثة بالإيرانية، وبالذات سلسلة الجبال التى تقع قمتها فى دَمَاوند Damawand. وقد ذكر ياقوت صراحة أن جبل قاف كان يطلق عليه قديما البُرْز. ونجد عند الهنود فكرة قريبة الصلة بالكونيات الإيرانية، فقد ذكرت فى أعمالهم الأدبية، وبصفة خاصة البُرَانا Puranas. سلسلة الجبال الخرافية التى تسمى لوكالوكا التى تفصل العالم المرئى عن العالم غير المرئى والتى لا شئ بعدها إلا الظلام. تقترب نظرة الماندانيين Mandaeans إلى حد كبير من نظرة المسلمين، فيعتقد الماندانيون أن المحيط يحيط بقرص الأرض إلا فى الشمال حيث يقطع المحيط جبل عظيم من أنقى أنواع الفيروز، وبعد هذا الجبل مباشرة، والذى يسبب انعكاسه ذلك اللون الأزرق للسماء، يمتد العالم الطاهر نحو الشمال. كانت فكرة وجود سلسلة الجبال النهائية فى الشمال، كما نجدها فى النظرة المحلية لفكرة هارابيرزياتى - البُرْز Haraberezaiti - Alhurz وقاف (وبالذات فى الأسطورة الماندية) منتشرة بين الناس فى آسيا وبالذات بين أهل الشرق القدامى، وربما يعود أصلها إلى الكونيات البابلية التى تضع

المصادر

جبل الآلهة فى الشمال، كما نجد آثارا لفكرة مشابهة عند العبريين القدامى فى كتبهم المقدمة. وعند الهنود، يفسر أحيانًا ميرو Meru، وهو مركز الأرض وسرتها عند البوذيين على أنه جبال هيمالايا التى تحيط بالهند من الشمال، وعند الإغريق، يحدد جبل أوليمبوس فى ثيسالى الحدود الشمالية لبلادهم. المصادر: (1) ياقوت، المعجم (فستنفلد)، جزء 4 صفحة 18. (2) أبو الفداء تقويم البلدان (رينو ودى سلان Reinaud and de Slane) صفحة 19 و 376. (3) القزوينى، عجائب المخلوقات (فستنفلد)، جزء 1 صفحة 170. (4) ابن الوردى، خريدة Kharidat العجائب (طبعة القاهرة 1324) صفحة 13، وما بعدها، 118، وما بعدها. حسين أحمد عيسى [م. شتريك M. Streck] تعليق: ورد فى تفسير ابن كثير لسورة ق ما نورد نصَّه: " (ق) حرف من حروف الهجاء المذكورة فى أوائل السور كقوله تعالى ص - ألم - حم. . إلخ، ونحو ذلك قاله مجاهد وغيره، وقد أسلفنا الكلام عليها فى أول سورة البقرة بما أغنى عن إعادته. وقد روى عن بعض السلف أنهم قالوا (ق) جبل محيط بجميع الأرض يقال له جبل قاف، وهذا واللَّه أعلم من خرافات بنى إسرائيل التى أخذها عنهم بعض الناس لما رأى من جواز الرواية عنهم بما لا يصدق ولا يكذب، وعندى أن هذا وأمثاله وأشباهه من اختلاق بعض زنادقتهم يلبسون به على الناس أمور دينهم كما افترى فى هذه الأمة مع جلالة قدر علمائها وحفاظها وأئمتها أحاديث عن النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وما بالعهد من قدم، فكيف بأمة بنى إسرائيل مع طول المدى وقلة الحفاظ النقاد فيهم وشربهم الخمر وتحريف علمائهم الكَلِمَ عن مواصفه وتبديل كتاب اللَّه وآياته. هيئة التحرير قافية اصطلاح فى علم العروض يعنى الحرف الذى تبنى عليه القصيدة، أو كل

ما لزمت إعادته فى آخر البيت ليماثل ما فى آخر الأبيات الأخرى جولدتسيهر. تبدو الكلمة (فى رأى Goldziher: Abhanai Zur Arab philologie, جـ 1، ص 83 والصفحات التى بعدها) أنها قد عنت أصلًا صياغة شعرية أو أهجوة لاذعة، ثم أطلقها العرب على قصيدة تجاوزا، وأخيرًا روِيّا أو تماثلا صوتيا. وتعد نظرية القافية علمًا خاصًا متباينًا عن العروض. وهى تبين كيف يجب أن تنتهى أبيات الشعر فيما يتعلق بالساكن والمتحرك، إلخ. . . والقافية بالمعنى الأضيق نطاقًا عند الخليل بن أحمد هى: آخر سواكن فى أبيات القصيدة إلى أقرب سواكن سليها مع المتحركات التى قبلها فى أبيات القصيدة ومن وجهة النظر العربية بطبيعة الحال، أن بيت الشعر ينتهى دائمًا بحرف منطوق، سواء كان مكتوبًا أم لم يكن (وغير المكتوب هو الحالة مع واو، وياء الإطلاق حين تكتب على نحو منقوص): يَفْعَلْ، يفعلُ، يفعلِ، يفعلا. تشمل القافية حتى ستة حروف ساكنة: 1 - الحرف الأساسى هو الرَّوِى أو حرف الرّوِىّ الذى تبنى عليه القصيدة، بمعنى أن يلزم أواخر كل أبياتها فتنسب إليه، فيقال لامية امرئ القيس، ودالية طرفة، إلخ. . . وتجرى القصائد العربية بقافية واحدة باستثناء الرجز المزدوج حيث يعوض عنها بالتصريع (التزام قافية واحدة لشطرى البيت الواحد). ويجيز بعض العروضيين التزام التصريع فى الشطرين فى البيت الأول فى القصيدة. 2 - الوصل أو الصِّلة وهو الحرف الذى بعد الروَّى (حرف الروىَّ): هو حرف مَدٍّ، ينشأ عن إشباع الحركة فى آخر الروِىّ المطلق، ويمكن أن يكون حرف إطلاق أو هاء (متحركة أو ساكنة) وقد يكتفى بالروى دون وصل. 3 - الخروج، وهو تكملة إضافية، وهو حرف لين يلى هاء الوصل كالياء المولدة من إشباع الهاء فى (مَساويه) بتسكين الهاء عوضًا عن كسرها. وقد تناول بعض المؤلفين العرب الخروج عند حديثهم عن الوَصْل أو الصَّلة

4 - الردف: كل قافية اجتمع فى آخرها ساكنان، وسمّى كذلك لأن غالب العادة فى أواخر الأبيات أن يكون فيها ساكن واحد، فإذا اجتمع ساكنان كان أحدهما ردف للآخر ولا حق به. 5 - التأسيس: هو ألف تلزم القافية وبينها وبين حرف الروى حرف يجوز كسره ورفعه ونصبه [مثال للتوضيح: ألا طالَ هذا الليلُ واخْضرّ جانبُه. فالباء فى جانبه هى القافية والألف هى التأسيس والهاء هى الصلة]. 6 - الدخيل: هو حرف متحرك فاصل بين التأسيس والرّوىّ كالدال فى (صادق). وتشمل القافية بالمثل ست حرمات: 1 - المجرَى أو المُجْرى: هو حركة الروى المطلق "أى المتحرك الذى يعقبه ألف أو واو. أو ياء" كحركة اللام فى قولك "منزلُ". 2 - النّفاذ: هو حركة هاء الوصل الواقعة بعد الروّى كفتحة الهاء فى ولك منارَها". 3 - التوجيه: هو حركة ما قبل الروى المقيد "أى الساكن" كضمة القاف فى قولك "لم يَقُل". 4 - الحذْوُ: هو حركة ما قبل الرَّدف كحركة الميم فى قولك "مال ومَعنْ". 5 - الإشباع: هو حركة الدخيل ككسرة الواو فى "جداول". 6 - الرس: هو حركة ما قبل ألف التأسيس كحركة الدال فى قولك "جَدَاوِل". ومن ناحية أسماء القافية وحدودها، نجد أن أسماء القافية من حيث حركاتها خمسة -وهى: 1 - المُتكاوس: هو أن يتوالى أربعُ متحركات بين ساكنى القافية: فالواو فى فوق ساكنة وبعدها أربعة حروف متحركة. 2 - المتراكب: هو أن تتوالى ثلاث متحركات بين ساكنيها كما فى: على [جبل]. 3 - المُتدارك: هو أن يتوإلى حرفان متحركان بين ساكنيها كما فى [العنبَر] فى القافية بَر.

4 - المتواتر: هو أن يقع متحرك واحد بين ساكنى القافية كالدال فى "جُودٍ". 5 - المترادف: هو أن يجتمع ساكنان فى القافية، وهو خاص بالقوافى المقيدة، كالألف والدال من "جَوادْ". وأخيرًا، تتناول عيوب القافية وهى على نوعين: أحدهما فيما يتعلق بالرَّوى وحركته المجرى. والآخر فيما يتعلق بما قبل الرَّوى من الحروف والحركات وتسمى السِّناد، وهى ستة. 1 - الإقواء: هو تحريك المجرى بحركتين مختلفتين غير متباعدتين مثل الكسرة والضمة فى قولك "فوارسُ - ومدارسُ". 2 - الإصراف: هو الجمع بين حركتين ختلفتين متباعدتين كالفتحة والضمة فى قولك "قَدْرُ - وعبَرا" والفتحة والكسرة فى قولك "رداءً - وبناءٍ". 3 - الإكفاء: هو أن يؤتى فى البيتين من القصيدة بروى متجانس فى المخرج لا فى اللفظ نحو "شارح - وشارخ" أو "فارسِ - وقارصِ". 4 - الإجازة: هو الجمع بين رويين مختلفين فى المخرج نحو "عبيدُ وعريقُ" أو "شاربُ - أو قاتلُ". 5 - التحريد: هو تغيير الضرب [فى آخر تفعلية فى المصراع الثانى] فى القصيدة الواحدة نفسها. 6 - الايطاء: هو إعادة اللفظة ذاتها بلفظها ومعناها. وإنما يجوز إعادتها بمعنى مختلف نحو "لسان" للرجل، ولناظر العين. وأجازوا إعادة اللفظة ذاتها بمعناها بعد سبعة أبيات. 7 - السِناد: هو النوع الآخر من العيوب الطارئة على القافية لكن قبل رويها - أعنى؛ أ) سناد الحْذو: وهو اختلاف حركة الحرف الذى قبل الرّوِى المقيد كفتحة اللام وضمتها فى قولك "حَلْم - وحُلُم"؛ ب) سناد الإشباع: هو اختلاف حركة الدخيل بحركتين متقاربتين - مثل كسرة الهاء، وفتحة العين فى قولك "مجاهد وتبَاعَد" لكنهم

المصادر

أجازوا الجمع بين الكسرة والضمة؛ ج) سِناد الرِّدف: وهو أن يكون بيتا مُردَفًا - وآخر غير مُردف؛ د) سناد التأسيس: هو أن يكون بيتا مؤسَّسًا - وآخر غير مؤسَّس مثل "يتجَّملُ - ويتجامَلُ". 8 - التضمين: هو تعلق ما فيه قافية بأخرى. وهو قبيح إن كان مما لا يتم الكاوم بدونه -ومقبول- إذا كان فيه بعض المعنى، لكنه يفسر بما بعده. وختامًا، يجب أن يالحظ أن مَد حركة الروى كان هو القاعدة فى إنشاء القصيدة؛ لكن هذا التقليد لا يعمل به بوجه عام. وقد أضاف بنو تميم نونا ساكنة إلى المجرى فى محل الوصل. وكان المجرى يدغم عند بنى أسد. وبخلاف هذا، كان من الجائز حين يسبق الروى المتحرك حرف ساكن أن تنقل إليه حركة الروى التى تصبح هى نفسها ساكنة عندئذ: فَعَلُوا > فَعُل. وأخيرًا، كثيرًا ما يحدث إذا كان حرف الروى ساكنا أن توضع تحته كسرة تتبع بنون ساكنة: فَعَل > فَعَلينْ. المصادر: (1) بالإضافة إلى الأعمال التى استشهد بها فى مادة عروض: انظر ابن رشيق: العمدة (القاهرة سنة 1325 هـ)؛ جـ 2، ص 238 والصفحة التى بعدها. حسن شكرى [محمد بن شنب Moh. Ben Cheneb] القالى القالى هو أبو على إسماعيل بن القاسم بن عيذون بن هارون بن عيسى ابن محمد بن سليمان أو سلمان البغدادى مولى عبد الملك بن مروان أو مولى ولده محمد. كان عالمًا لغويا كبيرا عاش من 228 هـ - حتى 356 هـ (901 - 967 م) وقد ولد سنة 288 هـ فى منازجرد شمالى بحيرة فان ثم غادرها إلى الموصل سنة 303 هـ، وأقام بها ردحا طويلا من الزمن تركها بعده إلى بغداد مع جماعة من أهل قاليقله (أرض دوم) ودرس ببغداد اللغة والأخبار على أيدى أعظم علماء وقته وأشهرهم أمثال ابن دريد وابن الأنبارى ونفطويه وابن

السراج والزجاج والأخفش والمطرز غلام ثعلب وغيرهم، وبتوجيه ابن درستويه درس بعمق كتاب سيبويه بشرح المبرد، وقرأ كتب ابن قتيبة مع ابن المؤلف أبى جعفر كما قرأ كتب يحيى المنجم، ثم صرف همته لدراسة الحديث على أيدى كبار رجاله أمثال أبى بكر عبد اللَّه بن أبى داود السجستانى وعبد اللَّه بن محمد بن عبد العزيز اللغوى، وقرأ القرآن الكريم على إمام القراء ابن المجاهد، ثم غادر بغداد إلى الأندلس بدعوة -كما يقال- من صاحبها الحاكم عبد الرحمن الثالث فوصل إلى قرطبة يوم السابع والعشرين من شعبان سنة 330 هـ (= 17 مايو 942 م)، ومات بها كما يقول الزبيدى مكرمًا فى ربيع الثانى سنة 356 هـ (مارس ابريل 967 م). وقال ابن الفرضى إنه مات يوم السبت سابع جمادى الأولى 356 هـ (ابريل 967 م)، وهذه المعلومة الدقيقة من جعفر بن القالى وقد نقلها عنه ابن الفرضى (انظر ابن بشكوال)، ولقد أصبح القالى الشخصية البارزة فى الغرب الإسلامى، فلما هاجر إلى قرطبة اصطحب معه قسمًا كبيرًا من مكتبته، ويقال إن الكتب التى ضاعت وهو فى القيروان أملاها من ذاكرته فى مقره الجديد أو كتب عليها تعليقات وشروحًا (راجع ابن خير 395، والزبيدى 203 والقفطى = 1/ 205)، ولم يكترث كنحوى بالمنازعات التى كانت بين رجال مدرستى البصرة والكوفة، والتى ترجع إلى أيام المبرد وثعلب واكنه كان يعتمد فى حكمه على ما يراه هو نفسه، على الرغم من أنه كان أميل لمذهب البصريين (راجع القفطى 1/ 205) وقد ضاع الجانب الأكبر من مؤلفاته ولم يبق منها إلا النادر القليل (انظر القفطى 1/ 206، وياقوت: معجم الأدباء 2/ 352) ولعل أعظمها هو كتابه الأمالى الذى يورد فيه كل دقيقة من مشاكل فقه اللغة فيما يتعلق بالعربية، وأحسن طبعة لهذا الكتاب هى التى أصدرتها دار الكتب المصرية سنة 1344 كما يحتوى الجزء الثالث منه

المصادر

على ذيل الأمالى والنوادر مع التنبيه للبكرى أما الذيل على كتابه الذى وصفه البكرى، فهو سمط اللآلى فى شرح آمالى القالى، وقد طبعه عبد العزيز الميمنى فى ثلاثة مجلدات مع فهرست تفصيلى (القاهرة 1354). أما معجمه الكبير فى اللغة فقد وضعه على نمط كتاب العين للخليل بن أحمد، وكان فى قرابة أربعة آلاف وخمسمائة ورقة (راجع رسالة هاشم الطقان للماجستير البارع لأبى على القالى - بغداد 1972 وانظر فهرست الكتب العربية 2/ 1345, وقد أشار بروكلمان إلى أن له كتابا اسمه "كتاب المسائل الشيرازية"، ولكن الواقع أنه لا صلة لهذا الكتاب بالقالى، وانظر أيضًا فى فهرست المخطوطات دار الكتب 6/ 193) حيث نسب له كتاب الأمثال الذى هو فى الواقع لحمزة الأصفهانى. المصادر: (1) الزبيدى: طبقات النحويين واللغويين (القاهرة 1954، ص 132، 202 - 205. (2) ابن الفرضى، تاريخ علماء الأندلس (مدريد 1891، 1/ 65، رقم 222. (3) الحميرى: جذوة المقتبس، القاهرة 1373, ص 154 - 158، والسمعانى ورقة 349 ب. (4) ابن خير: الفهرست (سرقسطة 1893) ص 395 - 397. (5) الضبى: بغية المتلمس 216 - 219. د. حسن حبشى [ر. زيلهيم] قانصوه الغورى جرت العادة -وإن كانت خطأ- أن ينطق بضم الصاد المشبعة، هو سلطان مصر المملوكى قبل الأخير وأصله من الشركس وكان أحد مماليك السلطان قايتباى. كان تلقى تعليمه الحربى فى الطبقة (أى المدرسة الحربية) المسماه "الغور" ومنها جاء تلقيبه بالغورى، وتولى كشف صعيد لصعيد مصر فى/ 889 هـ/ 1481 - 1482 م)، ثم عُين أمير عشرة فى 889 هـ/ 1482 م وشرك فى عمليات عسكرية ضد العثمانيين على الجبهة السورية القيليقة

حين كان نائب طرسوس. وفى ربيع الآخر 894 (مارس - أبريل 1489 م) حاجب حجاب حلب، حيث أخمد ثورة خطيرة أضرمها أهل البلد فى 896 هـ/ 1491 م، ثم صار نائب ملطية فرأس نوبة النَّوَب، ثم انتهى به الأمر أخيرًا أن يصبح الدوادار الكبير 906 هـ/ 1501 م للعادل طومان باى الذى نصب نفسه سلطانًا فى دمشق. وثبت فى نهاية رمضان عام 906 هـ/ 18 - 19 أبريل 1501 م ثورة ضد العادل فى القاهرة، وأرغم جماعة من الأمراء الغورى على أن يصبح سلطانًا فى غرة شوال 906 هـ/ 20 أبريل 1501 م، وفيما يبدو أن تنصيبه كان المقصود من أن يكون ذريعة مؤقتة، حيث أنه كان قد قارب الستين من عمره ولم يسبق له أن لعب دورًا بارزًا فى سياسات البلاط. كان موقف الغورى فى بادئ الأمر مزعزعًا فقد كان اثنان من أسلافه لا زالا على قيد الحياة وأتاه التهديد الأكبر من الأمراء المماليك المحنكين المعروفين بالقرانصة، وقد ضعف مركزهم بعد اعتلاء سلطان جديد كان لابد له أن يجمع مماليكه الخاصة، وقد جلب على نفسه. ومنذ الشهر الأول من حكمه، المتاعب على نفسه وصدر أمر العادل بالتوجه إلى صعيد مصر. وواجه والغورى فى ذى الحجة 906 هـ/ يونية - يوليو 1501 م فتنة أضرمها بعض المماليك، إذ راحوا يطالبونه بالمال التقليدى الذى جرت العادة أن يمنحه كل سلطان جديد لهم عند اعتلائه العرش، ثم واجه خطرًا أشدّ عند توليه الحكم من ناحية الأميرين الغوريين اللذين كان يصفان السلاطين أما أحدهما وهو "مصرباى" فقد ألقى القبض عليه يوم 12 محرم سنة 907 هـ (= 28 يوليو 1501 م) ورغم نجاحه فى الهرب ليدبر مؤامرة للإطاحة بالسلطان إلا أنه فشل وقتل يوم 12 رمضان 907 هـ و 21 مارس 1502 م، وأما الآخر فهو قيت الرحبى وكان يشغل منصب كبير وزراء الغورى، إلا أنه تم القبض عليه يوم 16 رجب

910 هـ/ 24 ديسمبر 1501 م بتهمة التآمر لاغتصاب الحكم ولكى ينادى به سلطانًا فى الشام بالتحالف مع نائب حلب المتمرد سيباى. ومن ثم اعتمد الغورى كلية على اثنين من وزرائه لم يكن يتوقع خطرًا منهما عليه وهما الزينى بركات بن موسى وكان ابنا لرجل عربى وعيّنه محتسبًا للقاهرة (شعبان 910 هـ/ يناير - فبراير 1505 م) وصار كبير موظفى المالية فى البلاد، وقد استمر فى هذا المنصب حتى بعد الفتح العثمانى على مصر. وفى الرابع من جمادى الآخرة 913 هـ/ 11 أكتوبر 1507 م، عين الغورى ابن شقيقة طومان باى دوادارًا كبيرا، ولقد كان ولاء الصفوة المختارة من المماليك موضع شك على الدوام لذلك فكثيرًا ما طالب الغورى الأمراء تأكيد تأييدهم بالقسم على مصحف عثمان، بل إن مماليكه الخاصة المعروفين بالحلبان لم يكونوا موضع ثقة فى نصر وثاروا ضده فى شوال 921 هـ/ ديسمبر 1515 م، على الرغم من أن الحرب ضد العثمانيين فى ذلك الوقت باتت وشيكة. واجه الغورى متاعب مالية هائلة نتيجة التدهور الاقتصادى والإدارى المتراكم لفترة طويلة، وزاد الطين بلة تفاقم الكوارث الطبيعية مثل إنتشار وباء الطاعون فى 910 هـ/ 1505 م و 919 هـ/ 1513 م ونمو القوة البحرية الأوربية فى البحرين المتوسط والأحمر وفى المحيط الهندى. وتأخر صرف رواتب الجند؛ ومعالجة هذا بفرض ضرائب باهظة استثنائية على هذه المرتبات. كما كان الابتزاز والاغتصاب أحد الوسائل المتبعة ضد العمال المغضوب عليهم أو بعد موت الأغنياء لسد ما تقاسيه خزينة الدولة من عجز، وتزايدت متاعب دولة المماليك المالية بسبب مجهودات الغورى فى تقوية جنده وتسليحهم حتى يكونوا قادرين على مواجهة التهديد الخارجى المتزايد من البرتغاليين والشاه إسماعيل الصفوى والسلطان سليم الأول. وأعدَّ الغورى عام

916 هـ/ 1511 م وحدة مسلحة بالبنادق اليدوية. وقد قام الغورى بتكوين ما عرف بالطبقة الخامسة من عناصر غير متجانسة من التركمان والفرس وأولاد الناس والحرفيين المحليين، ولكن كانت هذه الطبقة الخامسة سببًا فى توتر العلاقة بين الغورى وجلبانه، ثم قام الغورى بجهد عنيف فعال لبناء ترسانة مدفعية. فأنشأ مسابك المدافع، وجرت عادته منذ عام 913 هـ/ 1507 م فصاعدا على حضور اختبارات القطع الجديدة. كان سيباى نائبًا على دمشق معظم فترة حكم الغورى. خلال فترة ولايته لحلب، تمرد وخرج على الغورى فى 910 هـ/ 1504 م - 1505 م. ولكنه فى نهاية الأمر عقد السلام مع الغورى. والذى ولاه نيابة دمشق يوم السابع عشر من شوال 911 هـ/ 13 مارس 1506 م، فظل بها حتى لقى مصرعه فى مرج دابق. . وإذا نحينا جانبًا ما قام به الغورى من حملات لتأديب البدو المحليين فإنه قام إلى جانب عملياته العسكرية هذه ضد البدو؛ بحملات ضد محمد بن الحنش "مقدم البقاع" القوى فى محرم 912 هـ/ يونية 1506 م، وقبيلة بنى لام فى منطقة الكرك والشوبك فى صفر 914 هـ/ يونية 1508 م وابن سعيد شيخ حوران فى ربيع الآخر 916 هـ/ يوليو 1510 م، وكان كل من قبيلة بنى لام وابن سعيد يقطع الاتصالات بالحجاز، فلما كانت سنة 917 - 918 هـ (= 1511 - 1512 م) أقام الغورى مع كل من هذين علاقات ودية. وسعى الغورى لضمان استمرار ولاء سيباى له فزوج ولده من بنت سيباى سنة 920 هـ/ 1514 م، وذلك لمواجهة نمو قوة الصفويين والعثمانيين على الحدود الشامية. اندلعت ثورة ضد الشريف بركات أمير مكة عام 907 هـ/ 1507 م وتم إخمادها عام 913 هـ/ 1507 م ثم ظهر خطر جديد ينذر بالشر تمثَّل فى البرتغاليين الذين سعوا لتأسيس قاعدة لهم على ساحل المحيط الهندى وطرد الأسطول الإسلامى من البحر الأحمر. وفى جمادى الآخرة 911 هـ/ نوفمبر

1505 م، أُرسلت قوة حربية حملة لمساندة محمود شاه حاكم جوجران ضد البرتغاليين وكانت هذه القوة مؤلفة من الخاصكية وأولاد الناس ورماة من الزنوج ومعهم التركمان تحت قيادة الأمير حسين مشرف الكردى، الذى قام بتحصين "جدة" من هجوم قد يقوم به البرتغاليون. وانتصر الأمير حسين الكردى بمساعدة أسطول جوجرات على البرتغاليين فى "تشول" فى رمضان 913 هـ/ يناير 1508، إلا أنه ما لبث أن انهزم أمامهم بالقرب من "ديو" فى شوال 914 هـ/ فبراير 1509 م، واضطر للانسحاب من المحيط الهندى. وكان الغورى فى هذا الوقت ذاته يجاهد لبناء سفن حربية فى خليج السويس. واضطر للحصول على المواد اللازمة من العثمانيين لتحقيق غرضه حيث وصلت إلى بولاق هدية خشب من بايزيد الثانى كانت عبارة عن ألواح معدنية (لبناء السفن) وبودرة (للمدافع) وقد وصلت فى شوال 916 هـ/ يناير 1511 م. وعندما هاجم البرتغاليون عدن فى محرم 919 هـ/ مارس - أبريل 1513 م عين الغورى حسين مشرف نائبًا على جدة، بينما أصدر أوامره إلى قوة من الطبقة الخامسة والمماليك الخاصة بالتوجه إلى السويس لحماية الأسطول الذى كان العمل فيه قائما على قدم وساق هناك، وبعد فترة طويلة من الإرجاءات، غادرت الطبقة الخامسة القاهرة فى رجب 921 هـ/ أغسطس 1515 م. نفس لحظة وصول نحو ألفى بحار عثمانى تحت قيادة "سلمان (ريس) رئيس" إلى السويس. ثم أرسلت حملة بقيادة سلمان رئيس وحسين مشرف أرست الحكم العثمانى فى اليمن متزامنة مع سقوط دولة المماليك. لقد هدّد ارتياح شأو الصفويين سيطرة المماليك على شمال بلاد الشام، ووقعت أزمة فى خريف 913 هـ/ 1507 م عندما هاجم الصفويون ولاية ذو القادر، التى كانت فى ذلك الوقت تابعة للسلطنة المملوكية ويحكمها علاء الدولة نائبا عن السلطان المملوكى، وكانت هذه الولاية ذات أهمية

استراتيجية عظمى، وحينذاك أعد سيباى حملة من دمشق ولكن هذه الأعمال العدائية تم تجنبها. وفيما بعد، ومن ثم استمرت العلاقات بين الطرفين سلمية لبضع سنين، على أن اعتلاء سليم الأول عرش السلطنة العثمانية، بدّل الوضع تبديلا سيئًا. وقد حاول الغورى الاستفادة من تفاقم الأزمة بين سليم والشاه إسماعيل الصفوى، إلا أن الغورى وأمراءه أحسوا بالخطر بعد انتصار العثمانيين على الصفويين فى "تشالدران" (2 رجب 920 هـ/ 23 أغسطس 1514 م) كما أن عداء سليم الأول لعلاء الدولة نائب "دلغادر" لرفضه معاونة العثمانيين كانت تهديدًا مباشرًا لمصالح المماليك، فقد انتصر العثمانيون على علاء الدولة وقتلوه فى ربيع الآخر 921 هـ/ يونية 1515 م. وتبلبل خاطر الأمراء بالقاهرة لدخول إمارة ذى القادر فى حوزة الأتراك بالذعر، بينما لام سيباى نائب حلب وخاير بك (الذى كان على اتصال بسليم الأول) الغورى لتأخره فى إرسال التعزيزات، وعلى الرغم من خطورة الوضع المالى فى مصر وضعف روح جيوشها المعنوية إلا أن الغورى أعد حملة خرج بنفسه على رأسها بعد أن أقام يوم 15 ربيع الآخر 922 هـ/ 18 مايو وغادر القاهرة 1516 م، تاركًا طومان باى ليكون نائب الغايبة إلا أن مقاليد الأمور العقلية ظلت فى يد زمن الدين ركان. وفى العاشر من جمادى الآخرة 922 هـ/ يوليو 1516 م، وصل الغورى إلى حلب حيث وفد إليه سفراء سليم حاملين إليه رسالة يسترضيه فيها فبعث إليه الغورى من جانبه هو الآخر بمقترحاته لاستتباب السلام بينهما. إلا أن السلطان سليم الأول الذى كان يعتزم إرسال حملة أخرى لمقاتلة الصفويين رأى أن يتخلص أولًا من الخطر الذى يواجه قواته وأصبح الصراع أمرًا محسوسا فكانت معركة مرج دابق فى شمال حلب يوم 25 رجب 922 هـ/ 24 أغسطس 1516 م. معركة مصيرية حاسمة فقد فر جناح المماليك الأيسر الذى كان بقيادة خاير بك الذى كان فيما يبدو يتعاون سرًا مع العثمانيين) وقد أسفر هذا القرار عن

المصادر

انهيار الموقف المملوكى انهيارا تاما فسقط، الغورى من فوق فرسه ومات متأثرا بالسكتة، ولم يعثر قط على جسده. المصادر: (1) ابن اياس: بدائع الزهور فى وقائع الدهور تحقيق كاله، ومحمد مصطفى ليبزج، استانبول 1931 م. (2) أحمد النهروالى: البرق اليمانى فى الفتح العثمانى، فى غزوات الجراكسة والأتراك فى جنوب الجزيرة، الرياض 1387 هـ/ 1967 م. 16 - 27. (3) D. Ayaloh: Gunpowder and fire arws in the Mamluk Kingdein لندن 1956. (4) R.B. Serjeant: The Portuguese off the south Arabiah coast أوكسفورد 1963. وائل البشير [هولت P. M. Holt] القاهر باللَّه أبو منصور محمد بن المعتضد، خليفة عباسى. نودى به خليفة باسم القاهر بينما كان أخوه المقتدر ما زال يحكم، لكنه خلع خلال بضعة أيام. وعاد منصب الخلافة للمقتدر مرة أخرى. وبعد موت المقتدر اقترح أمير الأمراء مؤنس تولية أحمد بن المقتدر الذى صار الخليفة الراضى فيما بعد، كخلف له بدلًا من القاهر، ولكن نودى بالقاهر أميرًا للمؤمنين، وهو فى الخامسة والثلاثين من عمره (آخر شهر شوال سنة 320 هـ = أول نوفمبر 932 م). ومع أنه أراد أن يكون ورعًا عادلًا، إلا أن طبيعته الغادرة المستبدة سرعان ما كشفت عن نفسها. ففى عهده أجبرت أم المقتدر على تسليم كل ثروتها بالتعذيب، كما ابتز القاهر أموالًا طائلة من أبناء وعمال الخليفة الراحل. وبمشورة الوزير ابن مقلة فرض مؤنس رقابة مشددة على الخليفة الأمر الذى لم يسر القاهر، وحين عقد العزم على طرد ابن مقلة تآمر هذا مع جماعة أخرى على خلع القاهر، وإقامة أبو أحمد بن المكتفى مكانه، ولكن هذه المؤامرة فضح أمرها. وبينما فَرَّ ابن مقلة هاربًا، طرد مؤنس

المصادر

وحين جاء إلى الخليفة قبض عليه، ثم أعدم بعدئذ. وقد بنى جدار فوق أبى أحمد بن المكتفى، وهو حى. لكن محاولات ابن مقلة فى إثارة الجماهير ضد القاهر، لم تتوقف، وفى جمادى الأولى سنة 322 هـ (إبريل 934 م) اجتاحت قصر الخليفة قوة مسلحة. وكان على الخليفة الذى لا يفيق من السكر أن يستسلم، ولكنه حين أبى التنازل عن الخلافة سملوه، وألقوه فى الحبس. وبعد إحدى عشرة سنة أعاد المستكفى له حريته، وعاش يطلب الصدقة من الناس حتى مماته فى جمادى الأولى سنة 339 هـ (أكتوبر 950 م). المصادر: (1) المسعودى: مروج الذهب، طبعة Barbier de Meynard and Pavet de Courteil، جـ 8، ص 286 والصفحات التى بعدها، جـ 9، ص 48، 52 (2) إرشاد الأريب (طبعة ده غويه)، ص 142 - 144، ص 180 - 186 (3) ابن الأثير: (طبعة تورنبرغ)، جـ 8 فى مواضع مختلفة (4) ابن الطقطقى: الفخرى (طبعة درنبورغ)، ص 374 - 376 (5) ابن خلدون: العبر، جـ 3، ص 391 والصفحات التى بعدها (6) Weil: Gesch. der Chalifien, جـ 2، ص 562 - 564، 642 والصفحات التى بعدها (7) Muir: The caliphate, its Rise Decline and Fall الطبقة الثالثة ص 569 والصفحات التى بعدها. حسن شكرى [تسترشتين K.V. Zettersteen] القاهر باللَّه القاهر باللَّه هو الخليفة التاسع عشر من بنى العباس لم تطل مدة حكمه أكثر من سنتين بدأت عام 320 هـ خلفًا لأخيه المقتدر، وكان قد اختير من قبل خليفه إثر ثورة القصر فى المحرم سنة 317 هـ (مارس 929 م) وقد مات المقتدر بعد حملته التى خرج فيها على رأس جنده ضد الأمير مؤنس سنة 320 هـ (932 م) فلما اجتمع كبار رجال الدولة لتعيين خليفه جديد

تجاهلوا تأييد مؤنس لأحمد بن المقتدر ونودى بمحمد بن المعتضد خليفة له وكان ذلك يوم 27 شوال 320 هـ (21 أكتوبر 932 م) ولقد كان لشخصية الخليفة الجديد الشديدة المراس والمحبة لأخذ الثأر أثر فعال على الموقف السياسى البالغ الاضطراب يوم ذاك، ولقد أثبت القاهر شدة بطشه منذ اللحظة الأولى من حكمه من خلال سلوكه المشين حيال أمه بمصادرته أملاكها، بعد أن عاملها أسوء معاملة ومن خلال سياسته مع أبناء الخليفة وكبار موظفيه، فقد أخذ مقاليد أمور الحكومة كل من الوزير ابن مقله والأمير مؤنس رغم المصاعب الخطيرة التى صادفها متمثلة فى معارضة أنصار المقتدر السابقين وظهور أزمة مالية، وقد حاول الخليفة نفسه تدعيم سلطته فنجح فى إحباط مشاريع الحاجب بن يلبق وإلقاء القبض على مؤنس، أما الوزير ابن مقله فقد نجح فى الفرار (شعبان 321 هـ = يوليو 933 م) على حين أيد الوزير الجديد (وهو محمد بن القاسم بن عبد اللَّه) السياسة العدائية ضد الشيعة التى انتهجها الخليفة الذى أمّر أمر عبيد اللَّه بقتل كل من ابن يلبق ومؤنس معلنا نفسه المنتقم كل من ابن يلبق ومؤنس معلنا هذه العبارة على العملة التى سكها، على أن القاهر أمر بالتخلص من وزيره أحمد الخصيبى الذى سرعان ما غرق فى لجة من الصعاب المالية التى لا يمكن التغلب عليها. كما قام فى الوقت ذاته الوزير السالف ابن مقلة بالتآمر ضد الخليفة وعمل على إثارة الحرس الساجى، الذين قاموا بالثورة يوم السادس من جمادى الأولى سنة 322 هـ (24 أبريل 934 م) فألقوا القبض على الخليفة وزجوا به فى السجن، وحينذاك نودى بإن المقتدر خليفة ونعت بالراضى ولكن القاهر رفض التخلى عن العرش رغم الضغوط التى مورست عليه، وإذ ذاك سُملِتَ عيناه على يد الحرس الساجى بمساعدة من الراضى، وبقى القاهر رهين محبسه إحدى عشرة سنة أفرج عنه الخليفة التالى المتكفى ومات فى جمادى الأولى. د. محمد حمزة [د. سورديل D. Sourdel]

القاهرة

القاهرة عاصمة مصر وأحد المراكز الرئيسية للحياة الدينية والثقافية والسياسية فى العالم الإسلامى. شيدت على ضفتى النيل (على خط طول 30.6 و 31.26 عرضًا) فى الموقع الذى يمتد جبل المقطم فيه حتى يبلغ النهر. وقد كان هذا الموقع الاستراتيجى الذى يشرف على مدخل مصر السفلى مأهولًا بالسكان منذ العصر القديم، ولكنه لم يكتسب أهميته العظمى إلا منذ الفتح العربى فى عام 22 هـ (643 م) عندما ضرب عمرو بن العاص معسكره فيما عرف بالفسطاط. أما الاسم الحالى فهو القاهرة وهى مدينة قديمة شيدها عام 359 هـ/ 970 م الخليفة الفاطمى المعز لدين اللَّه والتى ضمت على امتداد القرون المواقع المتاخمة لها. وتوجد اليوم بقايا الفسطاط فى أحد أحياء القاهرة الكبرى المعروف بمصر العتيقة. وقد أسفر الامتداد الهائل للقاهرة الحديثة عن مشاكل تتعلق بتاريخ آثارها، ذلك أن القاهرة على العكس من غالبية مدن الشرق الأدنى تم توسعها بطريقة أفقية. ويقع سور القاهرة الأول إلى الشمال من تجمع الفسطاط والعسكر والقطائع واعتبرت المدينة التى يدور عليها السور فى الأساس مركزًا حكوميًا معزولًا عن المناطق السكنية ويتكون من عدة منشآت تشتمل على قصر الخليفة وثكنات للجيش الفاطمى ومسجد جامع عرف بالأزهر، واحتفظت مدينة الفسطاط (قصر الشمع/ بابليون) لفترة غير قصيرة بأهميتها كمركز صناعى مع المنشآت الضرورية لوضعها كميناء على النيل ولقيام القسم الأغلب من المساكن بها. غير أن الانحسار المتنامى لمجرى النيل تجاه الغرب وقوة جذب القاهرة كمركز للحكومة ساعد على هجرة السكان المستمرة تجاه الشمال بحيث إن السور اللبن شيده جوهر (358 هـ/ 969 م) استدعى إدخال توسعين عليه، الأول هو الذى قام به بدر الجمالى (480 - 485 هـ/ 1087 - 1092 م) والثانى فى الفترة بين سنتى 572 - 589 هـ/ 1176 - 192) وهو الذى تم على يد

بهاء الدين قراقوش فى زمن صلاح الدين. على أن الزيادة فى الاتساع التى تمت فى القرن الخامس الهجرى/ الحادى عشر الميلادى والتى كانت ناجمة عن الخوف من هجوم أتْسِز السلجوقى تعتبر أقل أهمية من التوسع التالى الذى ضم مساحات واسعة مما يقع بين أسوار جوهر والنيل ولم يبق منها الآن سوى أسماء بعض أحياء القاهرة الحديثة مثل باب اللوق وباب الحديد وباب الخلق (الغرق) إلخ. . وقد أفرغت الحركة السكانية تجاه الشمال أقسامًا عريضة من الفسطاط كانت قد تعرضت للخراب الذى ألمّ بها قرابة منتصف القرن الخامس الهجرى/ الحادى عشر الميلادى ثم ضمت جزئيًا فى 572 هـ/ 1176 م إلى المناطق المعمورة بواسطة سور لم يتم إنجازه حتى وفاة صلاح الدين. وبداية من العصر الفاطمى أخذت مناطق القاهرة الواقعة جنوب جامع ابن طولون تتصل تدريجيًا بالقرافة الكبرى. أما قلعة الجبل، التى تعد أول امتداد كبير خارج السور الفاطمى، فقد بدأ صلاح الدين فى بنائها عام 572 هـ/ 1176 م ولم يكن هدفه تقوية المدينة ولكن اتخاذها مكانا يلتجأ إليه. وكانت قلعة الجبل تتزود بمياه النيل عن طريق قناطر ترجع فى حالتها الراهنة إلى زمن سلطنة الناصر محمد بن قلاوون، الذى قام فى عام 712 هـ/ 1213 م ببناء أربع سواقٍ على النيل بغرض رفع المياه إلى مستوى القناطر التى تمدّ القلعة بالمياه، وفى عام 741 هـ/ 1341 م أدمج فيها بقايا سور صلاح الدين الذى صُمِّمَ ليضم "خرائب" الفسطاط، وقد تم ترميم وتمديد هذه القناطر مرات متكررة فى القرن التاسع الهجرى/ الخامس عشر الميلادى وعلى الأخص فى فترة سلطنة قايتباى وقانصوه الغورى، والتى يرجع إليها على الأرجح خزان توزيع المياه المعروف بـ (السبع سواقى) الموجود على النيل. وهناك قلعة أخرى ضاعت كل معالمها اليوم، وكانت قد هدمت ثم أعيد بناؤها أكثر من مرة خلال عصر المماليك وهى المعروفة بقلعة الروضة

التى شيدها الملك الصالح نجم الدين أيوب، ولكن هذه الجزيرة كانت مثل الجيزة منطقة سكنية ولذلك لا يوجد بها سوى آثار قليلة جد، ليس لها أهمية إلا من الناحية المعمارية. وخلال فترة حكم المماليك البحرية استمر الامتداد على الأخص خارج الأسوار الفاطمية، ولم يشيد داخل هذه الأسوار سوى مبان جنائزية وملكية وأحاط الناصر محمد بن قلاوون المنحدرات الجنوبية الغربية للقلعة والتى لم يتم تحصينها فى عهد الأيوبيين -بأسوار استخدمت على وجه الخصوص كموقع لقصور السلطان وأماكن لسكن كبار الأمراء. كما ترجع إلى هذه الفترة الشوارع الرئيسية الكبرى فى العصر المملوكى مثل الدرب الأحمر الذى يؤدى من القلعة إلى باب زويلة، والصليبة الذى يربط القلعة بجامع ابن طولون، وشارع الخليج الذى كان فى الأصل قناة ولكنه صار الآن شارعًا يعرف بشارع بورسعيد. ولكن امتداد القاهرة تجاه شمال الأسوار لم يكن بنفس القدر، والأثران الوحيدان الهامان حاليا هما: جامع الظاهر بيبرس فى ميدان الظاهر وقد بنى فى موقع أحد ميادين "القَبَق"، والقبة الفداوية التى يُرجع كريزويل تاريخ بنائها إلى عام 884 - 886 هـ/ (1479 - 1481 م) واتسم امتداد القاهرة فى زمن العثمانيين بسمة مخالفة لما سبق. إذ أخذ يتجه إلى الناحية الغربية من أسوار القاهرة لاسيما فى منطقة بولاق التى أضحت الميناء الرئيسى للمدينة، ولا يوجد بهذا الحى سوى بناءين شُيِّدا قبل العصر العثمانى هما مسجد القاضى يحيى (852 هـ/ 1448 م) ومسجد أبى العلا الذى بنى نحو سنة 890 هـ/ 1485 م. أما منشآت العصر العثمانى بالقاهرة فمتعددة حيث نجد بها جامع سنان باشا 979 هـ/ 1571 م وعددًا كبيرًا من المنشآت التى ترجع إلى القرنين السابع عشر والثامن عشر، كما نجد العديد من الخانات والوكالات التى دون ما سبق أهمية ولكنا نصادف منازل من الخشب على طراز منازل

المقابر

استانبول، وهذا الحى الذى لم يدرس إلا دراسة سطحية يستحق دراسة أكثر عمقًا. وتستمر سياسة تغيير اتجاه العمران التى بدأها العثمانيون بتنمية الأحياء السكنية فى الجيزة وإمبابة على الشاطئ الأيسر للنيل، وفى شبرا حيث أدى تشييد محمد على سنة 1850 م. لأحد قصوره إلى تكوين ضاحية سكنية، وإلى العباسية وأخيرا إلى جاردن سيتى ومصر الجديدة. ويكشف تاريخ تعمير القاهرة عن حركة متجددة تجاه شمال الفسطاط إلى القطائع. وظلت المدينة، وعلى الأخص التى أحاطها سور صلاح الدين، المركز الهام الذى هيأها لأن تكون مقرًا لدور الحكومة وأصبحت أيضًا منذ القرن التاسع عشر مركز التجارة بفضل التخطيط العمرانى الأوربى الذى فرض على حى الأزبكية. غير أن المقابر التى تحيط حاليا بالمدينة والتى تعد فى نظر الزائر الطابع العمرانى اللافت للنظر للقاهرة، لم تتبع نفس التطور. المقابر: استخدمت القرافة الكبرى، وهى المكان الرئيسى للدفن منذ الفتح العربى استخداما تاما خلال العصر الفاطمى، وأصبحت مركز زيارة هامة لأهل السنة بفضل إنشاء الأيوبيين لمدرسة بالقرب من ضريح الإمام الشافعى (الضريح الحالى أقامه الملك الكامل محمد سنة 608 هـ/ 1211 م). وإلى الجنوب من هذه القرافة تطالعنا مجموعة من المشاهد الفاطمية أهمها مشهد يحيى الشبيهى الذى شيد نحو سنة 545 هـ/ 1511 م) ثم مشهد الإمام الليث الذى أعاد بناءه السلطان الغورى سنة 911 هـ/ 1505 م وتناولته يد الترميم فى سنة 1201 هـ/ 1786 م، ثم خانقاه وضريح شاهين الخلواتى (945 هـ/ 1538 م) وقبة سيدى عقبة التى أعاد بناءها محمد باشا السلحدار فى سنة 1066 هـ/ 1655 م ورممت فى سنة 1099 هـ/ 1688 م والتى تعرف باسم السادة الوفائية. غير أن بقايا آثار العصر المملوكى هى الأكثر وضوحا اليوم، ولكن الدراسة التفصيلية تتيح لنا دون شك تحديد

التاريخ

مواقع عدد كبير من الآثار الجنائزية التى ذكرها المقريزى وآخرون. ويوجد خلف ضريح الإمام الشافعى مقابر الأسرة المالكة السابقة ويعرف هذا الموضع باسم حوش الباشا. ويحتوى الجزء الشمالى من هذه القرافة على مجموعة كبيرة هامة من المشاهد الفاطمية من بينها مشهد السيدة نفيسة (الذى لم يبق من نقوشه سوى ما يرجع إلى عصر الخليفة الحافظ)، ومشهد السيدة رقية (527 هـ/ 1133 م) ومشهد السيدة عاتكة (نحو سنة 1125 هـ/ 1713 م). التاريخ العصر الفاطمى القصر: لقد ضاع اليوم كل أثر للقصر الفاطمى الذى كان المركز السياسى والدينى والإدارى للقاهرة منذ القرن الرابع الهجرى (العاشر الميلادى). وقد حاول رافيس Ravaisse أن يعيد تشكيله من خلال وصف المقريزى فنجح فى ذلك إلى حد كبير، ومن المؤكد أنه كان يتكون من عدد من المبانى المنفصلة، بكل منها قاعة مستطيلة ذات إيوانين وجزء متوسط منخفض ويكون فى العادة مُربع الشكل ويسمى "درقاعة" وبه ملحقات. وقد كشف عن بقايا إحدى هذه القاعات، وهى الدار القطبية، فى خلال حفائر تمت فى صحن مدرسة قلاوون. ويبدو أن القاعة كانت كذلك عنصرًا من عناصر العمارة المنزلية للقاهرة الفاطمية كما تشهد على ذلك "قاعة الدردير" التى تتكون على غير المألوف من "أواوين" مقببة بدلا من السقف المسطح الأكثر انتشارا. التحصينات: كانت الأسوار المبنية من اللبن التى شيدها جوهر قد تلاشت تماما فى عصر المقريزى ولم يكن ذلك بسبب ضعف المواد ولكن بسبب كثافة سكان القاهرة. وعلى الرغم من كل المحاولات التى قامت لإقصاء الأجانب عن حرمها (يوجد مصلى. أو مسجد من الطوب اللَّبِن غير مسجل، فى القرافة الكبرى بالقرب من قاعة السادات الوفائية يكاد يكون من المؤكد أنه يرجع إلى العصر

المساجد

الفاطمى) ومن ثم فإن التحصينات الفاطمية للقاهرة ترجع إلى زمن الخليفة المستنصر باللَّه وأيضا إلى العصر السابق للترميمات الهامة التى قام بها صلاح الدين فى أقسام مختلفة. أما الأجزاء الرئيسية الباقية من السور الشمالى، والتى أدمج فيها الحائط والمدخل الشمالى لجامع الحاكم، فهى باب الفتوح وباب النصر (840 هـ/ 1087 م) كما يوجد فى السور الشرقى باب البرقية الذى يرجع لنفس التاريخ وإلى الجنوب باب زويلة 484 هـ/ 1091 م. المساجد: أقدم مساجد القاهرة هو الجامع الأزهر الذى يقع جنوب القصر الفاطمى ويرجع تاريخ بنائه إلى سنة 359 - 361 هـ/ 970 - 972 م، وقد شيد على طراز قريب كل القرب من طراز جامع ابن طولون، وهو يتألف من صحن تحيط به أروقة تتعدد بوائكها تجاه القبلة. ولم يبق من الجامع الأصلى سوى قسم صغير. ولم يؤسس الجامع فى الأصل ليكون معهدا للتعليم، ولكن بعد الانتهاء من إنشائه بأكثر من عام أصبح مركزا لبث الدعوة الفاطمية. ولا شك أن هذا التغيير فى التوجه، بالإضافة إلى تزايد السكان داخل حدود القاهرة هو الذى يُفَسِّر سبب إنشاء جامع الحاكم بعد ذلك والذى شيده سنة 380 - 381 هـ/ 990 - 991 م العزيز باللَّه وأتمه الحاكم بأمر اللَّه فى عام 403 هـ/ 1012 م خارج أسوار جوهر الشمالية. وقد استنتج كريزويل أن أجزاء الواجهة الجصية لأروقة القبلة فى الأزهر والتى ليست من إضافات القرن التاسع عشر يمكن أن تعود إلى البناء الأصلى للجامع، ولكن واجهات الصحن والجَوْسَق ذى القبة فى مدخل التقاطع المرتفع فى محور المحراب لا يمكن أن تعود إلى ما قبل عهد الحافظ لدين اللَّه (526 - 534 هـ/ 1131 - 1139 م) وبالنسبة للفترة الأيوبية لا نملك سوى شهادة على باشا مبارك الذى يذكر أن الجامع لم يلق أية عناية، وأن الملك الكامل اقتصر على إنشاء "قبلة صغيرة من خشب عليها كتابة" تدل على أنها صُنعت سنة سبع وعشرين وستمائة هجرية بقُرْب رواق الشرقاوية.

وباستثناء هذه الفترة والتى يحوم حولها بعض الشك فإن الأزهر كان موضع إعادة تنظيم وترميم وإضافات من جانب أغلب كبار حكام القاهرة منذ الحافظ حتى قايتباى الذى أضاف إليه محرابًا ومئذنة (لا نعرف تاريخهما) وكذلك بوابة، كما أضاف إليه الغورى مئذنة ثانية لا نعرف تاريخها هى أيضًا. وعندما أضاف قايتباى بوابة المزينين (833 هـ - 1429 م) أصبحت الدرستان الطيبرسية والأقبغاوية المجاورتين للجامع (709 هـ/ 1309 م و 734 - 740 هـ/ 1333 - 1339 م) ضمن مجموع مبانى الجامع، علما بأن البوابة الحالية ترجع إلى العصر العثمانى وتنسب إلى عبد الرحمن كَتْخُدا (1167 هـ/ 1753 م) الذى أضاف الكثير إلى مساحة الجامع فى ذلك العصر. وكان جامع الحاكم أكثر تقليدية وذلك لأنه ينفرد بوجود زيادة فى أحد جوانبه يرجعها كريزويل إلى عام 411 - 427 هـ/ 1021 - 1036 م)، وكما يشتمل على مئذنتين ترتكزان على قاعدتين كبيرتين فى الزاويتين الشمالية الغربية والجنوبية الغربية واتَّبَعَ الجامع مخططا يشتمل على ثلاثة مداخل تذكارية أدمج المدخل الشمالى فيما بعد فى سور بدر الجمالى. وقد أضير هذا الجامع بسبب زلزال عام 702 هـ/ 1303 م , لكنه رُمِّمَ فى الحال بفضل بيبرس الجاشنكير الذى أضاف هيكلين هرميى الشكل لمئذنتيه الحجريّتين ومبخرة فى قمة كل منهما. ورغم الاصلاحات التالية التى ينسبها المقريزى إلى السلطان الناصر حسن، فإن المسجد فى حالته الراهنة فى حالة متهدمة، كما أن الزخارف التى عَدَّها فلورى Flury فى غاية الأهمية تكاد تكون مطمورة فلا تستطيع تمييزها ومعرفتها. [وقد تم إصلاح هذا الجامع وترميمه ترميما كاملا عن طريق طائفة البهرة وافتتح للصلاة عام 1980]. أما المسجدان الفاطميان الآخران اللذان يوجدان فى القاهرة واللذان يقومان على مخطط يعتمد على الصحن ويستحقان اهتمامنا فهما الجامع الأقْمَر

المقابر - المشاهد

(519 هـ/ 1125 م) الذى شيده الوزير المأمون البطائحى، ويحتفظ بأقدم واجهة حجرية مزوقة بالكامل فى القاهرة ومغطاة كذلك بزخارف ونقوش غنية، ويتميز هذا الجامع كذلك بأنه رغم اتجاه محرابه نحو القبلة فإن واجهته الخارجية تتبع خط الطريق الذى لا يوازى تماما حائط القبلة. ونجد هنا أول حالة تقليد سيصبح عاما فى القاهرة بعد ذلك. أما الثانى فهو جامع الوزير الصالح طلائع (550 هـ/ 1160 م) وهو آخر الآثار الفاطمية فى القاهرة) والذى تم ترميمه بطريقة مغايرة فى القرن الحالى، وترجع أهميته إلى عمارته التى تشتمل على واجهة هى عبارة عن مجار بأعمدة وقد بنى فوق صف من الدكاكين، وكذلك يحتوى على زخارف جصية داخلية أصلحها جزئيا الأمير بكتمر الجوكندار سنة 699 هـ/ 1300 م أو 702 هـ/ 1303 م. ويقع هذا الجامع خارج سور بدر الجمالى مباشرة فى مواجهة باب زويلة. وقد أعد هذا الجامع ليكون المشهد الذى ستدفن فيه رأس الحسين. ولكنها دفنت فى قبة خاصة داخل القصر الفاطمى فى الموضع الذى يشغله الآن المشهد الحسينى، وهو يرجع فى شكله الحالى إلى عمل مهندس غير معروف من رجال القرن التاسع عشر؛ تأثر بالعمارة القوطية الجديدة. المقابر - المشاهد: مع نهاية العصر الفاطمى كانت تربة الخلفاء الفاطميين الموجودة داخل القصر فى الموضع المعروف الآن بخان الخليلى قد تخربت [وتوجد قطعة من نقش هو الوحيد الباقى منها نشر فى RCEA رقم 2104]. وقد نشرت شواهد قبور أخرى أغلبها مأخوذة من حوش قاهرى تقليدى عبارة عن سور جنائزى قابل لاحتواء محراب أو أكثر فى حائط القبلة وكذلك قبور مغطاة بأضرحة، وأحيانًا مشهد أو أكثر بقباب متجهة عادة تجاه القبلة ولكن دون أن تتبع تسلسلًا تاريخيًا واضحًا. ويوجد أيضًا بعض مقابر ذات قباب لأفراد من الخاصة منها "السبع بنات" وهى أربع مشاهد لا توجد بها جميعها محاريب

العصر الأيوبى

وهى واقعة إلى الجنوب من أطلال الفسطاط. ويؤكد كريزويل اعتمادًا على خطط المقريزى أنها تختص بأضرحة لأفراد من عائلة الوزير أبى القاسم الحسين بن على المغربى الذين قتلهم الحاكم فى سنة 400 هـ/ 1010 م. أما "المشاهد" التى ترجع إلى نهاية القرنين الحادى عشر والثانى عشر والمقامة على مجموعة متنوعة من القبور التى يُزْعَم أنها لعلويين فى القرافة الجنوبية فتتميز بأسلوب قاهرى. ومن أحسنها نذكر مشهد إخوة يوسف الذى بنى نحو سنة 500 هـ/ 1100 م والسيدة عاتكة نحو سنة 520 هـ/ 1125 م والسيدة رقية 527 هـ/ 1133 م (وهو الوحيد الذى يحمل تاريخا محددًا بين المجموعة) وأم كلثوم إلى الغرب منها ويرجع هذا المشهد إلى ما قبل سنة 550 هـ/ 1155 م وغير مُوَضَّح على خريطة الآثار. وهناك مبان صغيرة تشتمل أحيانًا على صحن تتكون من مشاهد ذات قباب ولها أفاريز من الجص غنية بالزخارف، وبكل منها محراب ثلاثى ونُصُب تذكارى أو أكثر ربما كان محاطًا بمقصورة. وكانت هذه المواقع تعتبر مواضع زيارة. ولكن لم يكن لكل الأضرحة الفاطمية هذه الخاصية، فقبر لؤلؤة بنت المقوقس فى أطلال القرافة الكبرى عبارة عن مبنى من ثلاثة طوابق بكل منها محراب، كما أننا لم نستطع حتى الآن أن نفسر لماذا اتخذ مشهد الجيوشى على المقطم (478 هـ/ 1085 م) وهو مشهد بدر الجمالى ذو الزخارف الجصية الفنية، واتخذت شكل المشهد بدلا من القبة، كما أن الكهف الذى يوجد مباشرة أسفل هذا الأثر وهو المعروف باسم المغاورى أو كهف السودان فإنه يشتمل على أطلال فاطمية. العصر الأيوبى المساجد: لا يوجد بالقاهرة إطلاقا مساجد ترجع إلى العصر الأيوبى كما أننا لا نجد أية كتابات أثرية أيوبية على جامعى ابن طولون وعمرو، وهما الجامعان اللذان أقيمت بهما الخطبة فى العصر الأيوبى بغرض إضعاف مكانة الأزهر كمركز للدعاية الفاطمية. ومن

المدارس

الغريب أيضًا ترميم الوزير الأفضل لجامع ابن طولون الذى أضاف إليه محرابًا فى عام 478 هـ/ 1094 م ولم تُحْذَف من عليه شهادة عَلِىّ ولى اللَّه. المدارس: وعلى العكس من ذلك فقد وضع الأيوبيون ثقتهم فى مؤسسة المدرسة لمحاربة الدعوة الفاطمية، ولكن هذه المنشآت لم يحفظها الزمن. ومن أول هذه المدارس التى أنشأها صلاح الدين بعد استيلائه على السلطة: المدرسة الشافعية المقامة بالقرب من قبة الإمام الشافعى فى القرافة الجنوبية والتى بدأ فى بنائها عام 572 هـ/ 1176 م ولم يتبق منها شئ الآن فيما عدا تابوت رائع من خشب "التك" للإمام الشافعى صنعه النجار عبيد بن معالى سنة 574 هـ/ 1171 م. وقد قام أهل السنة باستغلال المشهد الفاطمى لأغراضهم الخاصة. وقد استمرت عناصر المدرسة تقريبًا حتى القرن 12 هـ/ 18 م، ولكن قبة الشافعى حظيت بتحول هام فى عصر الملك الكامل محمد الذى بنى فى 608 هـ/ 1211 م ضريحًا بقبة خشبية ورمم أكثر من مرة منذ ذلك التاريخ وظل هذا الضريح هو الأكثر تبجيلا فى القاهرة. ويوجد أثر آخر يرجع إلى عهد الكامل محمد فى سوق النحاسين هو بقايا المدرسة الكاملية التى تعود إلى عام 622 هـ/ 1225 م [دار الحديث الكاملية]. ولكن الأثر الأكثر حظا بين الآثار الأيوبية هو المدرسة ذات الإيوانيين الموجودة فى قصبة القاهرة (الشارع الرئيسى فى القاهرة الفاطمية). وتختص هذه المدرسة التى شيدها (سنة 641 هـ/ 1243 م) الملك الصالح نجم الدين أيوب بمئذنة تعلوها مبخرة أعلى القبو الأوسط الذى يفصل الإيوانيين خارجًا عن واجهة مزينة على الممر تتبع تقليد زخرفة الواجهات المطلة على صحن الجامع الأزهر. والمدارس مُتَخَرَّبَة تقريبًا رغم أن تاج قبو الإيوان الغربى للمدرسة الواقعة على اليسار يحتوى على صنجات مُعَشَّقَة فى أصل الحجر، وهى خاصية معمارية لم تلفت إطلاقا انتباه الأثريين الذين عملوا بالقاهرة رغم تكرارها فى القرنين

المقابر

السابع والثامن الهجرى/ الثالث عشر والرابع عشر الميلادى. ولكن العنصر الأكثر تميزا فى المبنى هو ضريح الصالح نجم الدين أيوب الذى توفى عام 647 هـ/ 1249 م) ولكن فرغ من بنائه عام 648 هـ/ 1250 م، وهو أحد آخر المنشآت الجنائزية فى القاهرة ولكنه أيضًا أول أثر جنائزى ملحوظ يحوى ضريحًا متجها جهة القبلة مع التزام واجهته بخط الشارع والذى أصبح خاصية سائدة فى البناء. وأصبح هذا التقليد متبعا فى عمارة القاهرة فى العصر المملوكى حتى أنه حينما كان ينبغى المفاضلة بين التوجه ناحية القبلة وانتظام الواجهة مع الشارع كان يفضل انتظام الواجهة مع الشارع. المقابر: ويمثل مشهد الخلفاء العباسيين بالقرب من مشهد السيدة نفيسة الذى يمكن إرجاعه إلى عام 640 هـ - 1242 م منشأة جنائزية ذات طابع تقليدى غنية بزخارف جصية محفورة وملونة، ويحتوى المشهد على توابيت لعديد من الخلفاء الذين عاشوا فى مصر كدمى لدى المماليك بعد سقوط الخلافة فى بغداد. ويقع هذا المشهد ذو القبة فى حوش واسع ويحوى سبعة محاريب فى حائط القبلة ويحتفظ ببقية مدخل تذكارى. ولا يوجد اليوم سوى عدد قليل من أعمال ذات منفعة عامة ترجع إلى العصر الأيوبى. وقد أدمجت العناصر الأيوبية لقناطر كانت تزود القلعة بمياه الشرب فى الأعمال التى نفذها الناصر محمد، وما زالت هناك أيضًا قنطرتان فى طريق الجيزة تحملان نقوشا باسم قراقوش ترجع إلى عصر صلاح الدين، ونقوشًا تشير إلى أعمال ترميم باسم الناصر محمد (716 هـ/ 1316 م) وقايتباى (884 هـ/ 1479 م) وحسين باشا (1087 هـ/ 1676 م). العصر المملوكى التحصينات: لم يبق الكثير من التحصينات المملوكية ذات القيمة فى القاهرة فقد رمم قصر الروضة فى عصر بيبرس، وتشير نقوش الترميم الخاصة بالناصر

المساجد

محمد والتى هى على القلعة إلى إنشاء سور غير منتظم فى الجنوب وإلى قناطر جديدة تصل القلعة بالنيل. وأدخلت هذه القناطر جزئيا فى سور صلاح الدين الذى قصد به فى الأساس ربط خرائب الفسطاط بالقاهرة ولكنه لم يتم أبدًا، وقد بدئ فى بناء هذه القناطر عام 712 هـ/ 1312 م واشتملت الأعمال التى قام بها الناصر محمد فى القلعة على مسجد جامع على طراز المساجد ذات الصحن مدّون عليه تاريخ تأسيسه وهو سنة 718 هـ/ 1355 م ثم أعيد بناؤه وتجديد أجزاء منه فى رواق القبلة سنة 735 هـ/ 1335 م عن طريق إضافة قبة خشبية فوق المحراب يحملها عشرة أعمدة من جرانيت أسوان؛ وكانت لهذا الجامع أيضًا مئذنتان يقال إنه زخرفهما فنانون من تبريز وهناك أيضًا قصر الناصر محمد المعروف بالقصر الأبلق (أى الذى بنى بالحجر الأسود والأصفر بالتبادل فى قاعاته الرئيسية) ويعرف كذلك ببيت يوسف صلاح الدين الذى تم هدمه عام 1824 م، ولكن يُعتقد إعادة بنائه من خلال وصف شهاب الدين ابن فضل اللَّه العمرى له فى مسالك الأبصار والمقريزى فى الخطط الذى يرجع تاريخ بنائه إلى عام 713 هـ/ 1313 م. وكان هذا القصر يتكون من قاعة رئيسية يحيط بها "أواوين" ذات أسقف مسطحة وقبة تقوم على مثلث قبة خشبى. أما قصور الأمراء التى كانت تغطى فى عصر المقريزى الانحدارات الجنوبية للقلعة فقد فُقد كل أثر لها اليوم، وأما الذى كان ما يزال باقيا منها فلاشك أنه هدم عندما شَيَّد محمد على قصر الجوهرة عام 1229 هـ/ 1814 م. المساجد: أقدم مساجد المماليك التى بنيت فى القاهرة هو جامع الظاهر بيبرس القائم فى ميدان الظاهر والذى بدئ فى تشييده 665 هـ/ 1266 م على ميدان القَبقَ على مسافة غير بعيدة من السور الشمالى الغربى للقاهرة الفاطمية، وافتتح بعد ذلك بعامين. وشيد على مخطط قريب الشبه من مخطط جامع الحاكم ولكن دون الزيادة أو المئذنتين، وللجامع ثلاث بوابات

(مداخل) تذكارية تمثل زخارفها خليطا عجيبا من عناصر مختلفة. وإذا تركنا جانبا الترميمات التى قام بها لاجين فى جامع ابن طولون، فإن عام 715 هـ/ 1315 م يعد المرحلة الأساسية لحركة بناء الجوامع فى القاهرة فى أعقاب بناء الناصر محمد لجامع القلعة للاستفادة -مع بعض التأخير- من إلغاء التدابير التى تمنع إلقاء خطبة الجمعة سوى فى عدد محدود من جوامع القاهرة. وكانت كل هذه المنشآت الهامة منشآت حكومية أقيمت فى الأصل فى الشوارع الرئيسية الكبرى الموجودة جنوب وجنوب شرق الأسوار الفاطمية المؤدية إلى القلعة. وهى تشمل المساجد التالية: آل ملك الجوكندار (719 هـ/ 1319 م)، وأحمد المهمندار (725 هـ/ 1324 م)، وألماس (730 هـ/ 1329 م)، وقوصون (730 هـ/ 1329 م) وبَشْتاك (735 هـ/ 1335 م)، وألطَنْبغا الماردانى (739 - 740 هـ/ 1339 - 1340 م) هو أكبر هذه السلسلة من المساجد وأكثرها أصالة، ويحتوى على عدد ضخم من الأعمدة الجرانيتية ذات تيجان أعمدة بطلمية وشبابيك من الخزف ذى طلاء بَرّاق، ومشربيات من الخشب المنحوت تفصل أروقة القبلة عن صحن الجامع، وواجهته تطل على شارع الدرب الأحمر. وإلى جانب ذلك توجد ثلاثة مساجد ترجع إلى نفس هذه الفترة هى: أسلم البهائى (745 هـ/ 1344 م)، وآق سنقر (747 هـ/ 1346 م) الذى رممه إبراهيم أغا مستحفظان فى سنة 1062 هـ/ 1652 م الذى اشتهر باسم الجامع الأزرق بسبب تغطية جزء من داخل المسجد ببلاطات زرقاء وبيضاء، وأخيرًا مسجد شيْخُو العمرى (750 هـ/ 1349 م). وهذه المنشآت ذات أحجام متفاوتة ولكن واجهاتها تتبع دائمًا تخطيط الطريق الذى أنشأوا عليه مما أدى إلى وجود انحراف فى توجيهه القبلة، واستعيض عن هذا الفرق فى الوضع الداخلى للمسجد. ويلاحظ أن أيًّا من هذه المساجد لم يعتبر أثرا جنائزيا. واعتبارا من سلطنة الملك الناصر حسن أصبحت المساجد أكبر حجما وإن صارت أقل عددًا، وحتى عندما تكون منشأة ملكية كانت دائما قسما من

مجموع أكبر حجما، وينعكس هذا على المصطلحات التى استخدمتها المصادر الأدبية التى أصبحت بشكل غير محسوس أكثر تنوعًا. فيطلق المقريزى على جامع السلطان حسن (757 هـ - 64 هـ/ 1356 - 63 م) الذى تصفه وقفيته بالمسجد الجامع مرة وبالمدرسة مرة أخرى وقد يكتفى فيه بتسميته بالجامع فقط، وبناؤه الرئيسى عبارة عن مدرسة واسعة ذات تخطيط متعامد لتدريس المذاهب الفقهية الأربعة تحيط بصحن مفتوح فى وسطه نافورة ذات قبة، ويحوى الإيوان الرئيسى المخصص لتدريس المذهب الشافعى منبرًا رخاميًا ومحرابًا: الأمر الذى يسمح بتأكيد أن وظائف المدرسة والمسجد الجامع لم تكن متوافقة. ويذكر أن إيوان القبلة يفتح على غرفة دفن ملكية تعلوها فى الأساس قبة خشبية. وتحتل المدارس الزوايا الأربع للصحن الرئيسى وتتكون من أكثر من طابق وغرف تحيط بصحن داخلى صغير. ويوجد إلى جانب المبنى ميضأة (فى العمارة القاهرية يلاحظ أنه فقط قرب نهاية العصر العثمانى تحولت الفوارات الموجودة فى صحن المساجد والمدارس إلى ميضأة. ولم يكن هذا التقليد متبعا قبل ذلك). ويحتل جامع السلطان حسن مكانًا بارزًا ليس فقط فى عمارة القاهرة ولكن فى العمارة الإسلامية عمومًا لشدة ضخامته وأبعاده وارتفاعه الملحوظ. وقد تأثر المؤيد شيخ عند بناء جامعه بواجهة مسجد السلطان حسن وما حولها مع المئذنتين القائمتين على برجى باب زويلة (818 - 23 هـ/ 1415 - 20 م) ونقل مصراعى جامع السلطان حسن البرونزيين ليضعهما على باب جامعه. وقد بنى جامع المؤيد، الذى يعد آخر المساجد المملوكية الهامة فى القاهرة، تبعا لمخطط المساجد ذات الصحن، وتعتبر الأجزاء المتبقية من واجهاته المطلة على الصحن كذلك آخر تقليد لنمط العقود الصماء والتى نقلها عن جامع ابن طولون الخليفة الحافظ لدين اللَّه عند تجديده لصحن الجامع الأزهر. وأصبحت مساجد القاهرة فى القرن التاسع الهجرى/ الخامس عشر الميلادى وحتى تلك التى أنشأها

المدارس

السلاطين مثل جامع جَقْمَق فى درب سعادة (853 هـ/ 1449 م) ذات أحجام متواضعة، واقترب تخطيطها من تخطيط المدرسة وعلى الأخص المدرسة ذات الإيوانين مع صحن صغير، أصبح يغطيه فى النهاية سقف مع شخشيخة خشبية ويرجع سبب ذلك إلى أن الجامع أصبح عنصرًا بسيطًا فى مجموع أكثر أهمية. ولم يشيد قايتباى، الذى يعد أكبر البنائين بين المماليك البرجية، مساجد ولكن آثارا خصصت لأغراض أخرى، أما المنشآت القليلة التى ترجع إلى فترة حكمه ويمكن اعتبارها مساجد فمنها مثلا مسجد قَجْماس الإسحاقى (885 هـ/ 1480 م) ولا تكمن أهميتها الرئيسية فى حجمها أو مساحتها ولكن فى المشاكل المعمارية التى تفرضها. المدارس: باستثناء الأزهر والمدارس التى جمعت إليه مثل المدرسة الطيبرسية (709 هـ/ 1309 م) والأقبغاوية 734 - 40 هـ/ 1333 - 39 م) والجوهرية (844 هـ/ 1440 م) وربما أيضًا الغنامية (774 هـ/ 1372 م)، فإن مدارس القاهرة فى زمن المماليك لا يمكن مقارنتها بالمدارس الموجودة فى العواصم الأخرى مثل استانبول التى تخصصت فى تكوين العلماء المؤهلين للمناصب الإدارية العليا فى الأمبراطورية العثمانية. فقد كانت دائما منشآت جنائزية يلحق بها ضريح للمنشئ وهو تقليد تصدى له العلماء السنيون فى القرون السابع والثامن والتاسع للهجرة. وبالنسبة للمدارس التى أنشاها السلاطين والتى كانت ذات مساحات كبيرة كان من الأهمية أن يطل الضريح على الشارع ليكون قريبًا ويستحسن أن يكون تجاه القبلة الأمر الذى يفسر سبب وجود أغلب هذه الأضرحة على الجانب الغربى للقصبة. وأصبحت المدارس المستقلة والتى لا يوجد بها أضرحة هى الاستثناء الأكبر، الأمر الذى يدل عليه أنه لم يوجد فى زمن المماليك البرجية سوى مدرستين بناهما قايتباى واحدة فى قلعة الكبش (880 هـ/ 1475 م) والثانية فى جزيرة الروضة (وصفها ابن أياس كمسجد) تم بناؤها نحو سنة 896 م

/ 1491 م، وهى الأثر الوحيد القديم الذى ما زال قائما فى هذه الجزيرة. ويمكن أن نلاحظ من وجهة نظر متعلقة بشكل المؤسسة بأن المدرسة والخانقاه لا تتعارضان، فالخانقاه كان منفصلا كمكان للدفن. وقد قدم كريزويل عرضا حول تطور تخطيط المدرسة فى القاهرة وعلى الأخص ذات التخطيط المتعامد. فقد استقدم الأيوبيون المؤسسة من الشام، ولكن لا يوجد فى مصر أو الشام أى مسجد أيوبى ذى تخطيط متعامد، ولا تشتمل قوائم المدارس التى عرفت فى دمشق حتى سنة 695 هـ/ 1295 م وفى القاهرة حتى سنة 639 هـ/ 1242 م وعلى الأخص الشافعية والحنفية إلا على العدد القليل المخصص لمذهبين، ولا تحوى إطلاقا المذاهب الأربعة. كانت المدرسة المستنصرية فى بغداد مخصصة لتدريس المذاهب الأربعة ولكن كريزويل يذكر أنها لم تكن ذات تخطيط متعامد بينما كانت أول مدرسة ذات تخطيط متعامد فى القاهرة هى المدرسة الظاهرية البيبرسية 660 هـ/ 1262 م) ولم تكن مخصصة لتدريس المذاهب الأربعة، كما لم تحتو على ضريح، فقد أقام ببيرس ضريحه فى المدرسة الظاهرية بدمشق. أما أول مدرسة ذات تخطيط متعامد خصصت لتدريس المذاهب الأربعة فهى مدرسة الناصر محمد بن قلاوون 695 - 703 هـ/ 1295 - 1304 م) بالإضافة إلى مدرستى الناصر حسن وجمال الدين الأستادار. وقد استخدم التخطيط المتعامد كثيرا فى بناء المساجد مثل المدارس ولكن مع ميل إلى تكبير الإيوان المحورى على حساب الإيوانات الجانبية، وقد استخدم كذلك بطريقة ملحوظة فى المارستانى المتبقيين فى القاهرة وهما: مارستان قلاوون (683 هـ/ 1284 م) ومارستان المؤيد (821 هـ/ 1418 م) وجميع المدارس المملوكية فى القاهرة تقريبًا هى تحوير لنمط المدارس ذات الإيواتين، حتى إذا استبعدنا ما يرجحه كريزويل بأن هذا المخطط مستمد من العمارة المنزلية للقاهرة

الخوانق

وعلى الأخص تخطيط "القاعة"، ويمكننا مع ذلك أن نقبل بأن العمارة المنزلية وتخطيط المدرسة تطورا بالتوازى خلال الفترة المملوكية. وتوجد مدرستان تحملان نقوشا تثبت أنها كانت دورًا فى الأصل هى: المدرسة الغنامية (774 هـ/ 1372 م) ومدرسة خُشْقَدَم الأحمدى التى كانت من قبل قصر طشتمر الدوادار (768 هـ/ 1367 م) ولكن تاريخ تحويلهما إلى مدرسة هو تاريخ متأخر، فالأولى تقريبًا نحو سنة 827 هـ/ 1423 م، والثانية نحو سنة 891 هـ/ 1486 م. وكان التحويل بالطبع سهلا فاكتفى بفتح محراب فى جهة القبلة وبناء مئذنة وهما أهم خاصيتين للمدرسة القاهرية. الخوانق: تمتلئ القاهرة المملوكية بمنشآت دينية متصلة بحركة الصوفية: زاوية وخانقاه (جـ. خوانق وخانقاوات) ورباط. والزاوية عبارة عن مبنى صغير يعيش فيه شيخ وبه مساحة تسمح بتَحَلُق عدد من الطلبة حوله، ونادرا ما يكون لها قيمة معمارية، ويذكر كريزويل زاويتين فقط زاوية الآبار المعروفة أيضًا بالخانقاه البندقدارية (شيدت نحو سنة 684 هـ/ 1285 م) وزاوية أيْدُهُر البَهْلَوان المختلف على تاريخ إنشائها والتى كانت فى الغالب مدرسة. وترجع أقدم الخوانق فى مصر إلى العصر الأيوبى وهى خانقاه سعيد السعداء والتى كانت جزءًا من القصر الفاطمى ثم حُوِّلَت إلى خانقاه عام 569 هـ/ 1173 م، ويمكن اليوم تحديد موضعها. غير أن المبنى نفسه تَبَدَّل أكثر من مرة بحيث لا يستطيع أن نُكوِّن أى فكرة عن هيئته الأولى. ومن الغريب أنه طوال الفترة الممتدة حتى الفتح العثمانى لا يوجد سوى سبع منشآت نستطيع أن نصفها بوضوح أو ضمنيًا بالخانقاه من خلال اللوح التذكارى لإنشائها وهى: خانقاه بيبرس الجاشنكير (أنشئت سنة 706 - 709 هـ/ 1306 - 1309 م) وخانقاه شيخو العمرى (أنشئت سنة 756 هـ/ 1355 م)، وخانقاه نظام الدين إسحاق

المقابر

أنشئت سنة 757 هـ/ 1356 م)، وخانقاه مُقبل الزمام الداودى (أنشئت سنة 797 هـ/ 1395 م). وتوجد ثلاث خانقاوات فى القرافة الشرقية، خانقاه فرج بن برقوق أنشئت بين سنتى 803 - 813 هـ/ 1400 - 1410 م، وخانقاه الأشرف برسباى سنة 835 هـ/ 1432 م وخانقاه الأشرف إينال بين سنتى 854 - 860 هـ/ 1450 - 1456 م. وقد سجل كل من المقريزى وابن تغرى بردى والسخاوى وابن إياس أن الخانقاه عبارة عن مبنى مستقل ملحق به مطابخ وحمام ومربعات للإقامة سواء حول صحن متوسط أو فى مجموعات منفصلة مثل ما فى خانقاه فرج بن برقوق. ومن خلال القوائم التى قدمها لنا المقريزى والسخاوى نستطيع أن نقرر أن مصطلح خانقاه مثل مصطلح المدرسة أبعد من أن يكون له تعريف موحد فى تاريخ العمارة القاهرية. وفى خلال الفترة البرجية فإن النقوش كانت أحيانًا تخلط اسم الخانقاه بالمدرسة أو الجامع. ويمكن أيضًا أن نجد إشارة إلى مشيخة تصوف أو مشيخة صوفية، أو أيضًا كما فى حالة منشأة الأشرف برسباى حيث تطلق الوقفية على المنشأة اسم مدرسة بينما يصفها اللوح التذكارى لإنشائها بالخانقاه. أما الرباطات فنادرة فى القاهرة والقليل منها الذى تطلق عليه النقوش هذا الاسم يرجع إلى الفترة البرجية وأهمها رباط يحيى زين الدين (856 هـ/ 1452 م) ورباط الأشرف إينال وأحدهما متصل بضريحه فى الصحراء والآخر داخل القاهرة فى الخرنفش. المقابر: أكثر أضرحة الفترة المملوكية فخامة هى بالطبع الأضرحة المتصلة بالمنشآت الجنائزية الكبرى التى شيدها قلاوون والناصر محمد وبرقوق داخل أسوار المدينة، وكذلك التى شيدها فرج بن برقوق وقايتباى فى القرافة الشرقية. ويوجد كذلك عدد من الأضرحة الأصغر التى ترجع إلى نفس الفترة مثل ضريح كجك على سبيل المثال الملحق بجامع

آقسنقر الذى (أنشئ عام 747 هـ/ 1346 م) وهو عكس الأضرحة تجاه القبلة ولا يوجد به محراب، وضريح أزبك اليوسفى الذى يكون ببساطة أحد الغرف الجانبية لمدرسته ذات الايوانيين (أنشئت سنة 900 هـ/ 1494 م) مع وجود مشربية من الخشب تفصله عن الدرقاعة. وتتصل قبة قصور المنشاة بعد سنة 913 هـ/ 1507 م فى القرافة الشرقية بسبيل. وقد حرص الغورى على أن يكون ضريحه الذى فرغ من بنائه على 909 هـ/ 1504 م على القصبة واستبعدت ملحقاته تقريبًا بحيث يصل الضريح من حد الشارع وحتى حائط القبلة. ويتصل ضريح خاير بك بقصره (910 هـ/ 1505 م) ويشغل الفراغ المتوسط مصلى له محراب منحرف عن القبلة بنحو 28 درجة. أما أهم الأضرحة التى يطلق عليها اسم القبة فالقبة المنعزلة المعروفة بالقبة الفداوية فى العباسية، وهى بناء واسع له قبة يرجع بناؤه إلى سنة 886 هـ/ 1478 م وبه جزء مخصص للصلاة، ولا يوجد له مدخل إلى طابق الأرض ولكن له سلم خارجى يسمح بالدخول مباشرة إلى المبنى. العمارة الداخلية -كان هناك عادة سبيل فى جدار أحد الإيوانات يتسرب منه الماء الذى يصب فى حوض يوجد فى مركز الدرقاعة. وكانت التهوية مؤمنة عن طريق ملقف (جمعه ملاقف) يتجه نحو الشمال لتلقى نسيم المساء، ونجد أيضًا نفس النظام مستخدما فى بعض المنشآت الدينية الجاشنكير (مسجد الصالح طلائع وخانقاه، جيبرس الجاشنكير). ويمكن ألا تكون القاعة فى الدور الأرضى وإنما يصعد إليها بواسطة درج خارجى مثلما هو الحال فى قصر بشتاك. وفى الأدوار التى تعلو القاعة توجد الغرف الخاصة التى تطل عادة على القاعة من خلال مشربيات خشبية، وقد أدى هذا إلى أن تكون دور القاهرة الكبرى فى غاية الارتفاع. ومن بين بقايا بعض هذه القصور لا نملك الآن سوى القبو الأثرى المطل على شارع منجك السلحدار وقصر الأمير طاز فى شارع السيوفية

العمارة التجارية

ولكن قصر الأمير يشبك، وهو آخر ملاك هذا القصر كما يدل عليه نقش مؤرخ سنة 880 هـ/ 1475 م حفظ لنا كاملا تقريبًا، وللقصر اسم آخر دارج هو حوش أو إسطبل بَرْدَق الذى يجعلنا نظن أنه ربما كان إسطبلا (أو إسطبلا وسكنا فى وقت واحد) أسسه قوصون لتوسيع قصر سنجر الذى نهب فى 742 هـ/ 1342 م. وبعد وفاة يشبك فى سنة 887 هـ/ 1482 م منح قايتباى القصر إلى أمير آخر هو أقبردى وهو آخر من سكن هذا القصر وقد توفى 904 هـ/ 1498 م. ويتيح لنا تعاقب سكان القصر أن نظن أنه كان سكنا رسميا ولكن يعوزنا الإثبات. كانت هناك عادة بإلحاق مبانى القصور القديمة فى منشآت أحدث أو بإدماجها مع مبان مجاورة وينتهى الأمر لتكوين مجموع غير متجانس من قاعة ومقعد، عبارة عن مقصورة صغيرة موجهة جهة الشمال عادة ما توجد فى مستوى فوق الدور الأرضى الذى يخصص كمستودع (مثل مقعد ماماى المعروف اليوم باسم بيت القاضى). العمارة التجارية: لم تدرس أبدا البيوت السكنية أو الرباع الموجودة فى القاهرة من الناحية المعمارية وأيضا الحمامات العامة المملوكية والتى زال أغلبها الآن. ولا يوجد من البقايا الهامة لهذه الفترة سوى مدخل حمام بشتك الذى يعود تاريخه إلى ما قبل عام 742 هـ/ 1341 م والقاعة الرئيسية لحمام كان جزءا من جامع المؤيد شيخ. أما الخانات التى ترجع إلى هذه الفترة فإنها أحسن حالًا من ناحية الحفظ، ولكن للأسف لم يبق من الفترة البحرية سوى قبو خان قوصون أقدم خانات القاهرة (وهى أماكن مخصصة لإقامة التجار الأجانب) فى حى الجمالية ويرجع تاريخه إلى ما قبل عام 742 هـ/ 1341 م. وتوجد كذلك خانات شيدها السلطان قايتباى كما تدل عليها النقوش الخاصة بها

العصر العثمانى

(بينما تطلق عليها المصادر الأدبية اسم وكالة)، أحدها ملحق بسبيل كتاب فى حى الأزهر تاريخه سنة 885 هـ/ 1481 م. أما الأثر الأجود حفظا بينها فهو وكالة النخلة التى تحمل اسم الغورى (906 - 922 هـ/ 1501 - 1516 م) هى مكونة من حوش ندخل إليه من خلال مدخل أثرى يحيط به طابق أرضى مكون من دكاكين ومخازن يعلوه طابقان -ربما ثلاثة فى الأصل- بها حجرات للسكن والإقامة، ويختلف هذا التكوين ربما عن خانات حلب أو دمشق، ولكنه أكثر ارتفاعا بالنسبة إلى أساساته وواجهته المطلة على الشارع بها نوافذ فى كل طبقاتها. وقد شيد الغورى أيضًا قيسارية لا نعرف تاريخ تشييدها، يطلق عليها اليوم خان الخليلى وهى فى الحقيقة خان يرجع إلى القرن الثامن الهجرى/ الرابع عشر الميلادى وكان يظن أن الغورى رمم الخان فقط، ولكن نقش التأسيس غير الكامل يحمل اسم الغورى. العصر العثمانى إن أغلب التأكيدات التى ترى أن الفتح العثمانى أدى إلى انقطاع الحركة العمرانية فى القاهرة شيد على رأى مسبق أو معرفة سطحية بالآثار. فالتقليد المملوكى بالشكل الذى وصل إليه أيام المماليك البرجية ظل يقاوم بشدة وعلى عكس ما حدث بدمشق فإن التقليد المعمارى فى العاصمة العثمانية لم يظهر إلا بطريقة فردية تماما. وكانت الضريبة المعروفة بالإرسالية والتى فرضت فى ولاية سليمان باشا الخادم) (931 - 941 هـ/ 1524 - 1534 م)، لم تترك للولاة العثمانيين أى فائض نقدى لإنشاء منشآت جديدة، وترك العديد من الموظفين مصر الواقعة تحت الديون الثقيلة. ولكن عندما امتنع باكوات المماليك فى القرن الحادى عشر الهجرى/ السابع عشر الميلادى عن سداد هذه المبالغ إلى استانبول استطاعوا بناء المنشآت الهامة مثل جامع مصطفى شوربجى ميرزا فى بولاق وملحقاته (1110 هـ/

الأسبلة

1698 م)، والترميم والإصلاح الكامل للأزهر فى سنة 1167 هـ/ 1753 م، وكذلك جامع وحوض وسبيل محمد بك أبو الذهب (1187 هـ/ 1774 م). وعندما كان الولاة العثمانيون يصلون إلى القاهرة كانوا يلاحظون أن المدينة شبه مبنية بكاملها وأن هناك صعوبة فى إيجاد الأراضى ويرون أن نزع ملكيتها سيكلف مبالغ طائلة، فلذلك لم يظهروا أية رغبة فى إقامة منشآت هامة ومع ذلك فإن اثنين من أوائل الولاة يستثنيان من ذلك هما: سليمان باشا الخادم الذى شيد جامعا بالقلعة على الطراز العثمانى ولكن بزخرفة مملوكية، واسكندر باشا الذى زال تماما وينسب إلى سليمان باشا الخادم كذلك وكالة فى بولاق والتكية السليمانية. الأسبلة: نسطيع أن نلحظ الفرق بين العمارة المملوكية والعمارة العثمانية من دراسة تاريخ الأسبلة. والتى يعد أقدم ما وصل إلينا منها سبيل الناصر محمد القريب من مجموعة قلاوون. وكان من الصعب أن نحدد هيئته الأولى والعناصر التى نجدها بعد ذلك فى الأسبلة القاهرية: فالسلسبيل أو الشاذوران الذى يجرى منه الماء إلى فسقية داخلة والشباك البرونزى الذى نحصل من خلاله على الماء بواسطة ماعون غير موجودة به. وهناك إشارات إلى إصلاحات أدخلت عليه وإضافة كُتاب أعلاه. ويوجد سبيل آخر معزول يرجع إلى الفترة البرجية هو سبيل شيخو (755 هـ/ 1354 م) يبدو أنه لم يكن به كتاب، ولكن منذ بداية الفترة البرجية أصبح العنصران ضروريين فى عمارة السبيل. وطوال العصر العثمانى أصبح سبيل - الكتاب هو المنشأة التذكارية الأكثر انتشارًا ربما بسبب اقتصاديته، وكان دائما مستقلا حتى ولو ألصق بمبنى أقدم منه: مثل سبيل خسرو باشا (942 هـ/ 1535 م). وأشهر أسبلة القاهرة المعروفة هو سبيل عبد الرحمن كتخدا (1157 هـ/ 1535 م) الواقع فى التقاء طريقين.

التحصينات

التحصينات: لم تكن التحصينات التى أضافها العثمانيون إلى القلعة ذات أهمية كبيرة. فقد رمم محمد على عند احتلاله للقلعة باب العزب الذى أنشئ عام 1168 هـ/ 1754 م ويمثل عودة مبتسرة للعمارة الرومانتيكية الصليبية، كما شيد دار الضرب وقصر الجوهرة وقصر الحريم ودار الأرشيف، وأخيرا جامع محمد على سنة 1265 هـ/ 1828 م، الذى هو عبارة عن تقليد لمبنى جامع فى استانبول. ولم تصبح القلعة حصنا بالمعنى الحرفى لهذه الكلمة، ولكن محمد على شيد على هضبة المقطم حصنا آخر ربطه بالقلعة بواسطة سور ليس له من قيمة إلا من الناحية الزخرفية وما زال هناك العديد من بوابات الحارات التى ترجع إلى العصر العثمانى قائمة مثل: بوابة حارة المبيضة بالجمالية. الجوامع: المنشآت الدينية الرئيسية للعثمانيين فى القاهرة هى المساجد ولم تكن المدارس، ولكن لا يوجد بينها سوى مسجد واحد ملكى هو جامع الملكة صفية المؤرخ فى سنة 1019 هـ/ 1610 م وهو أيضًا ملكى عن طريق الخطأ إذ إن مؤسسه هو عثمان أغا دار سعادات ورغم أن بناءه والقسم الأكبر من زخرفته على النمط القاهرى فإن هذا الجامع أكثرها قربا من نموذج مساجد استانبول عن أى مسجد عثمانى آخر فى القاهرة والمسجد التالى له من حيث الحجم هو جامع سنان باشا فى بولاق (979 هـ/ 1571 م) والذى قلده بعد ذلك محمد بك أبو الذهب فى جامعه الذى أنشأه عام 1187 هـ/ 1774 م، ولكن شكل القبة المتبع هنا هو القبة الفداوية وليس القباب الموجودة فى استانبول. ولكن مسجدا عثمانيا آخر هو مسجد المحمودية بنى عام 915 هـ/ 1568 م على طراز المساجد فى فترة المماليك البرجية ولكن تخطيطه يتبع تخطيط جامع السلطان حسن المواجه له.

المدارس والتكايا

المدارس والتكايا: تكاد تكون المدارس فى القاهرة فى العصر العثمانى غير موجودة. وقد وصفت كل من التكية السليمانية - 590 هـ 1543 م) وتكية وسبيل السلطان محمود (1164 هـ/ 1751 م) فى النص التأسيسى لهما بأنهما مدرستان ولا نعرف غيرهما، وهاتان المنشأتان مطابقتان لتخطيط مدارس استانبول مع وجود حوش مرتفع يحيط به عقود مع ايوان محورى بارز يستخدم كمصلى، وتوجد تكية خاصة بالطريقة الولوية متصلة بمدرسة حسن صدقة (سنقر السعدى) التى ترجع إلى عام 715 - 722 هـ/ 1315 - 1322 م. وآخر تكية موجودة -وترجع إلى العصر العثمانى- هى التكية البكتاشية فى سفح المقطم، وهى ترجع إلى بداية القرن العاشر الهجرى/ السادس عشر الميلادى والتى قد تكون لها أهمية كبيرة وإن لم تتم دراستها. أما العمارة الداخلية والتجارية فلم يحدث فيها أى تغيير يخالف ما كان فى الفترة المملوكية، والتغيير المعمارى الكبير الذى طرأ عليها لم يحدث إلا ابتداء من عصر محمد على. د. أيمن فؤاد سيد [ج. م. بروجوز J. M. Rogers] المدينة الحديثة: بدأت القاهرة الحديثة فى التكون منذ عهد محمد على (1805 - 1849 م) الذى ترجع إلى عصره بدايات التنظيمات الحديثة المتواضعة. وتمثل فترة حكم الخديوى إسماعيل (1863 - 1879 م) نقطة تحول فيما يخص العمران المدنى والصحافة ومولد الوطنية المصرية. وفى خلال هذه السنوات بدأت القاهرة تأخذ مظهر المدينة الحديثة. وقد جذب افتتاح قناة السويس فى نوفمبر 1869 م انتباه العالم كله إلى مصر، وأضحى التحكم فى هذه المنطقة من العالم الورقة الرابحة فى الصراع من أجل الهيمنة العالمية فكانت المرحلة الأولى للتدخل الأجنبى بحجة ديون الخديوى، ثم أدت بعد ذلك إلى الاحتلال البريطانى (1882 م). وفى خلال هذه الأحداث نمت المدينة وبدأت تعرف الخدمات العامة ودخول

عمران المدينة

الغاز والمياه والترام. . الخ. واستقر بالمدينة أجانب ومهاجرون قدموا من الأراضى العثمانية. عمران المدينة: توضح الخريطة التى رسمها علماء الحملة الفرنسية أن المدينة يحدها من الغرب منطقة الأزبكية التى تفصلها الحقول عن بولاق. وقد جَمّل محمد على واجهات المدينة وحررها مما حولها وجفف بركة الأزبكية ولكن دون أن ينشئ تجمعات فى أماكن أخرى خارج القلعة سوى القصر وجامعه الذى أقامه بين سنتى (1830 و 1848 م) فى شبرا حيث أنشأ قصرا ضخما سنة 1808 م وأعيد بناؤه عام 1823 م، كما شق طريقا وسط الحقول حتى يمكن الوصول إليه بطريق مباشر (شارع شبرا). وبدأت بعض المؤسسات تستقر فى المدينة، كما أسست مدرسة الطب فى سنة 1827 م فى أبى زعبل ثم حُوِّلَت سنة 1837 م إلى شارع القصر العينى. وفتحت السكة الجديدة سنة 1842 م لتوسيع حى الأزهر، كما فتحت معامل بولاق. يقول كليرجيه Clerget: ورغم هذا التقدم فقد ظلت القاهرة حتى سنة 1850 م تحتفظ بحدودها ومساحتها ومظهرها العام الذى كان لها فى القرن الثامن عشر"، وقد لاحظ مارتيلو Mrethelot أن مدينة ثانية وجدت فى النصف الثانى من القرن التاسع عشر. وقد أطلق على حى العباسية الذى كان مدينة عسكرية صغيرة وتحوى مساكن للأفراد اسم عباس حفيد محمد على والذى أصبح واليا على البلاد بين سنتى 1849 و 1854 م. وفى عهد ولاية سعيد باشا (1854 - 1863 م) أنشئت محطة باب الحديد سنة 1856 م لتربط القاهرة بالاسكندرية بأول خط حديدى ثم بالسويس فى عام 1863 م. وإلى فترة حكم الوالى إسماعيل (الذى أصبح يلقب فيما بعد بالخديوى) 1863 م، يرجع بناء قصر عابدين الذى بدئ فى تشييده عام 1863 م واستقر فيه الحاكم اعتبارا من

عام 1874 م تاركا نهائيا القلعة مقر الباشاوات الأتراك قبل ذلك. وحفرت الترعة الإسماعيلية بين النيل والخليج مرورا ببولاق والأزبكية ثم باب الحديد حتى تصل إلى غمرة (ردمت بعد ذلك بقليل عام 1897 م). ويرجع تاريخ قصر القبة إلى عام 1863. وفى عام 1867 م شاهد الخديوى إسماعيل باريس التى نَظَّمَها المهندس هوسمان. وقد اختط هو كذلك أحياء جديدة منها حى الاسماعيلية جنوب الطريق المؤدى من الأزبكية إلى بولاق، وحيث شبكة الشوارع التى لم تَتَغَيَّر إلى الآن. وبمناسبة الاحتفالات المصاحبة لافتتاح قناة السويس سنة 1869 م بنيت الأوبرا (التى دمرها حريق عام 1972 م) بالقرب من الأزبكية، وأضيف مبنى إلى قصر الخديوى فى الجزيرة وهو المبنى الذى أصبح فيما بعد فندق عمر الخيام، وتَحَوَّل الموضع بين الجيزة والأهرام إلى طريق بديع. وفى عام 1871 - 72 م عبر النيل كوبرى حديث (كوبرى قصر النيل) المعروف الآن بكوبرى التحرير والذى أعيد بناؤه فى عام 1831 م واستكمل بجسر آخر على فرع النيل الصغير أعيد بناؤه فى عام 1914 م. وفى عام 1872 م فتح طريقان جديدان مزودان ببواكى هما: شارع كلوت بك من المحطة إلى الأزبكية، وشارع محمد على من العتبة الخضراء إلى القلعة. وقد لعب اختراع وسائل المواصلات الحديثة دورا أساسيا فى نمو أحياء الضواحى المتطرفة، وأمكن إعمار أحياء مركزية نسبيا مثل التوفيقية (نسبة إلى الخديو توفيق 1879 - 1892 م) والفجالة الذى بدأ عام 1880 م أو أحياء سكنية مثل جاردن سيتى الذى يرجع إلى عام 1905 م وتكون هذه الأحياء بمعزل عن القطارات والترام. لكن لم تزدهر ضواح مثل الزيتون والمطرية إلا بعد إنشاء خط سكة حديد كوبرى الليمون - المطرية - المرج (1889 - 1890 م). وتكررت نفس الظاهرة مع الترام الذى دخل إلى المدينة عام 1896 م وربط العتبة الخضراء بالعباسية (1896 م) ثم بالفجالة

وشبرا فى عام 1903 م. ويبدو الخليج وقد بدئ فى ردمه على خريطة عام 1897 م ثم رُدِم بكامله عام 1899 م وسار فى موضعه خط ترام الظاهر - السيدة زينب. وبدأ حى الزمالك فى الإعمار نحو سنتى 1905 - 1910 م، فإحدى الخرائط التى ترجع إلى عام 1910 م. توضح أغلب خطوط الشوارع الحالية، ويعود تاريخ كوبرى أبى العلا الذى يصل الجزيرة ببولاق إلى عام 1912 م. وبدأت مصر الجديدة فى الظهور فى الصحراء الشمالية الشرقية للمدينة سنة 1906 م فى أعقاب امتياز منح عام 1905 م إلى شركة بلجيكية، وربط ترام سريع أطلق عليه المترو مصر الجديدة بالقاهرة. وعلى خط الضاحية الجنوبية الهتجه إلى حلوان -27 كم- بدأت أراضى المعادى الحالية فى التقسيم عن طريق إحدى الشركات عام 1907 م. واستمرت حلوان فقط دون تغيير حتى قيام ثورة سنة 1952 م التى جعلت منها مركزا لصناعة الحديد والصلب وللمصانع الحربية. وبخلاف الكبارى السابق الإشارة إليها نذكر كوبرى إمبابة الذى صارت عليه سكة حديد الصعيد (1890 - 1891 م وأعيد 1925 م)، وكوبرى الجيزة (عباس سابقا) الذى أنشئ عام 1907 م وأعيد بين عامى 1966 - 70 م، والكوبرى المتجه من الزمالك إلى الضفة الغربية للنيل 1912 م. ثم أضيف إلى هذه السلسلة من الكبارى كوبرى الجامعة عام 1958 م. وقد ساعد على إنجاح هذا التطور الذى شهدته القاهرة مجموعة من الشركات والمؤسسات وخاصة الأجنبية، منها التى عُهَدِ إليها بهذه الأعمال. وأمَّنت للمدينة مجموعة من الخدمات العامة بواسطة غير المصريين وهكذا نشات البوستة (البريد) عام 1843 م وشركة المياه عام 1856 م وشركة ليبون للكهرباء والغاز من سنة 1873 م إلى سنة 1948 م، والتليفونات عام 1881 م والترام عام

1869 م. . .الخ، وقد سحبت الحكومة المصرية فيما بعد هذه الامتيازات سواء لانتهائها أو شرائها أو بتأميمها (تمصيرها). وقد ظهر دور المعماريين الأجانب فى عدد كبير من الواجهات على الطراز الإيطالى. وبدأ ربط المدينة بالتلغراف مع نشأة السكك الحديدية، أما بالنسبة للكابلات البحرية فقد ارتبطت القاهرة عن طريقها مع بومباى وعدن ومالطة وجبل طارق وبريطانيا العظمى منذ عام 1870 م. وقد لجأت الفئات المختلفة للسكان إلى التجمع معا، وهكذا أقامت الأقلية اليونانية فى الجنوب وجنوب غرب الأزهر، واليهود جنوب الخرنفش وفيما بعد فى السكاكينى، والأوربيون فى درب الجنينة والموسكى حيث ظهرت كذلك كنائس مختلف المذاهب الكاثوليكية، وفى فترة متأخرة انتقلوا إلى جاردن سيتى والزمالك، وأقام الاقباط حول البطريركية ثم بعد ذلك فى شبرا، وسكنت الجالية السورية اللبنانية فى حى الفجالة الجديد حيث وجدت كنائس ومدارس مثل اليسوعية التى افتتحت عام 1885 م، وفى فترة متأخرة انتقل عدد كبير منهم إلى مصر الجديدة والزمالك وحل محلهم الأقباط. أما المسلمون فقد استمروا مقيمين فى قلب المدينة فى القصور أو الدور التقليدية، ولم يصبح الانتقال الجماعى تجاه حى الحلمية أو الأحياء ذات الهواء المتجدد ظاهرة عامة بعد. وبعد الحرب العالمية الأولى (1914 - 1918 م) استمر امتداد المدينة، ففى عام 1930 م شق طريقان كبيران: شارع الأزهر الذى ربط العتبة بالأزهر، والطريق الآخر ربط العتبة بالعباسية. وتقرر توسيع شارع الخليج عام 1937 م ولكن ذلك لم يتحقق إلا مع حكومة الثورة عام 1956 م. وعلى الجانب الغربى للنيل نمت الجيزة بين الحربين بالرغم من أن الضفة المواجهة للزمالك ظلت حتى عام 1945 م حقولا ولكن فى خلال الربع قرن التالى بدأت مدينة حقيقية فى الظهور فى هذا الفضاء مع أحياء كاملة قُسمَت أراضيها على فئات من المهنيين: أساتذة الجامعة والمهندسين. . . إلخ.

المصادر

وعلى الضفة الشرقية للنيل أتاح جلاء الإنجليز 1946 م وهدم معسكرات قصر النيل إنشاء واحد من أكبر وأجمل ميادين القاهرة الذى أطلق عليه بعد ثورة 1952 م ميدان التحرير والذى ضم ميدان الاسماعيلية القديم. وفى هذا الميدان يقف مبنى ضخم للإدارة الحكومية هو مبنى المُجَمَّع الذى أنشئ فيما بعد عام 1950 م، ومبنى جامعة الدول العربية الذى أنشئ عام 1961 م، وحققت الثورة المشروع القديم لكورنيش النيل وبذلك أصبح للمدينة لأول مرة واجهة على النهر. ولتخفيف زحام المدينة الآخذة فى الازدحام أنشئت مدن جديدة منها: مدينة نصر بين العباسية ومصر الجديدة على أراض عسكرية وقد أذن باستخدامها للأغراض المدنية حيث نقل إليها كثير من الخدمات الحكومية وأقيم بها استاد رياضى يسع مائة ألف نسمة. . وأصبح هناك طريق كبير يصل المطار بالقلعة عن طريق مدينة نصر ويتصل بعد ذلك بكورنيش النيل عند الفسطاط. وكانت هناك محاولة لإقامة مدينة شبه سياحية على هضبة المقطم أسفل مسجد الجيوشى بنى عام 1954 - 1956 م ولكن سوء اختيار الوقت المناسب أوقف المشروع. المصادر: بالإضافة إلى المصادر المذكورة فى نفس المادة نذكر أهم مصدرين وهما: (1) M. Clerget: Le Caire, etude de geograpie urbaine et d'histoire economique, zvols. Cairo 1934 (2) Abdel Rahman Zaki: A. bibiography of the literature of the city of Cairo, Cairo (Egyptian Geographical Society), 1964 ومن المصادر الأخرى: (3) The Millenniem of Cairo, 967 - 1969, Ministry of Culture, Cairo 1969 (4) J. W. Mcpherson: The Moulids of Egypt, Cairo 1941 (5) M. Berger: Islam in Egypt today Social and political aspects of popular religion, Cambridge 1970 د. أيمن فؤاد سيد [جوميه J. Jomier]

قايتباى

قايتباى هو الملك الأشرف أبو النصر سيف الدين المحمودى الظاهرى، سلطان مصر والشام من سنة 872 حتى 901 هـ (= 1468 - 1496 م). تملكه السلطان برسباى بالشراء ثم أعتقه السلطان جقمُق وجعله من خاصكيته ثم صار دوادارا صغيرا فى ديوان الدوادار الكبير فأمير عشرة تحت قيادة إينال، فطبلخاناه أيام السلطان خشقدم فمقدم ألف، فلما كانت سنة 872 هـ (= 1467 - 1468 م) صار رأس نوبة النواب، وهو منصب يعنى رئيس الحرس ولما اعتلى تمربغا عرش السلطنة فى جمادى الأولى 872 هـ (= ديسمبر 1467 م) وكان صديقه -اختاره أتابكا له، غير أن السلطان تمربغا لم يكن له فى الواقع حول ولا قوة لقلة أعوانه من المماليك، وليس عنده وفرة من المال تساعده على ضم وشراء مماليك جدد إذ كانت الخزينة خاوية، ولما فشلت الحركة التى قام بها الأستادار خير بك (خايربك)؛ قدم الثوار التاج فى شهر رجب من السنة ذاتها (فبراير 1468 م) إلى قايتباى فقبله بعد تمنع؛ وحينذاك آثر تمربغا الحياة فى دمياط التى سافر إليها من تلقاء نفسه وليس أسيرا ومضى إليها ومعه نفر من أصحابه. وكان قايتباى على العكس من بقية السلاطين المماليك يعامل السلاطين المماليك المخلوعين وأقارب السالفين منهم طول حكمه معاملة تنطوى على الاحترام والتعظيم لهم، وكثيرا ما كان يدعوهم لمشاركته فى لعب الكرة بالقاهرة ولا يمنعهم من الحج إلى مكة بل ويسمح لهم بزيارة العاصمة حتى فى أوقات غيابه عنها دون خوف. على أن مشكلة قايتباى السياسية الكبرى كانت تتركز فى علاقاته بالعثمانيين الذين كانت عداواتهم مع المماليك تتجلى فى المناوشات التى كانت تشب بين أتباع الجانبين فى آسيا الصغرى فلقد كان شاه سوار (حاكم البستان) وهو فى حربه ضد مماليك مصر يتلقى المعونة سرا من العثمانيين فى الوقت الذى كان فيه قايتباى يساعد الأمير أحمد أمير قرمان فى حربه ضد

السلطان محمد الثانى. ولقد منيت الحملتان الأولى والثانية الموجهتان ضد شاه سوار بالهزيمة الساحقة ويرجع السبب فى ذلك إلى إهمال قوادهما المماليك وانعدام النظام فى صفوف قواتهم وإلى ما كان هناك من تنافس بين قوات مماليك مصر ومماليك الشام. على أن قايتباى تمكن من أن يحول بين وصول المساعدة العثمانية إلى شاه سوار وذلك بالاتفاق مع السلطان العثمانى على أن يكف الأخير عن مد يد العون إلى أحمد صاحب كرمان وبذلك ضعف جانب شاه سوار مما أدى إلى هزيمته سنة 876 هـ (= 1471 م) على يد الأتابك أزبك ففر شاه سوار إلى "زمنطو" ولكنه حوصر بها حصارا انتهى باستسلامه على شرط أن يسمح له بالبقاء مالكا لمملكته كتابع للسلطان، ولكنه أخذ أسيرا إلى القاهرة وقتل خلافا لقوانين الحرب. وكان أمير قيونلو (أوزون حسن) حاكم ديار بكر وبعض نواحى فارس خصما لدودا لقايتباى، إلا أن الهزيمة حاقت به أخيرا سنة 876 هـ (= 1471 م) حين أعلن الحرب على السلطان العثمانى محمد الثانى وبذلك أصبح أقل خطرا على قايتباى، ثم مات سنة 880 هـ (= 1475 م) فخلفه يعقوب باى الذى عقد معه قايتباى صلحًا فى النهاية لأنه وجد نفسه مهددا بالقتال من جانب السلطان العثمانى الجديد بايزيد الذى كره من قايتباى أن يرحب بأخيه "جم" ومنافسه على العرش حين فر إليه كما راح قايتباى يشجع "جم" على محاربة أخيه بايزيد، وجاءت سفارة إثر ذلك إلى بايزيد تسعى فى طلب الصلح فلم توفق فيما جاءت من أجله فهاجم العثمانيون طرسوس وأدنة كما حاصرت قوة عثمانية أخرى ملطية، فتصدت لهما القوات المصرية (المملوكية) ونجحت فى التغلب على الجيش لا سيما وقد انتصر قايتباى على علاء الدولة أمير البستان، كذلك أصيب العثمانيون بهزيمة سنة 893 هـ (= 1488 م) حين حاولوا إنزال قوات ضخمة من عسكرهم فى خليج الإسكندرونة لكن محاولتهم هذه باءت بالفشل كما أن الأتابك أزبك أنزل هزيمة

ساحقة بالعثمانيين فى قيصرية بآسيا الصغرى وأسر جماعة من قادتهم، وهنا تجلت حكمة قايتباى العظيمة إذ ظهر ميله الشديد للصلح لإدراكه مدى ضخامة موارد العثمانيين، ومن ثم تمت الموادعة بين الجانبين المملوكى المصرى والعثمانى التركى سنة 896 هـ (= 1491 م) واتسمت بقية عهد قايتباى بالهدوء لكن لم يحدث أى تحسن داخلى، ومن الحق أن نقرر أن قايتباى نجح بنفوذه وحده فى تحاشى القتال بين فرق المماليك المتنافرة لكنه لم يستطع أن يكبح على الدوام جماح تمردهم، هذا إلى جانب أنه لم يوفق فى إيجاد نظام مالى قوى. . إن عهد قايتباى يبز عهود جميع المماليك الجراكسة فى طول أمده وفى فعاليته وحسمه للأمور، وكان قايتباى شديد الميل للتعامل مع الشعوب التجارية، فبينما نرى كثيرا من أسلافه -لا سيما - برسباى- يضعون العراقيل الجمة أمام نشاط التجار الإيطاليين فإننا نجد أن قايتباى يمنحهم امتيازات جديدة، ولم يقم بأى محاولة لاحتكار تجارة البهار. كما زادت المعاملات التجارية بين بلاد السلطان المملوكى وبين أوربة المسيحية زيادة كبيرة، وراعى قايتباى مصالح التجار من أهل البلاد واتخذ إجراءات عادلة بالنسبة لحكومات الأقطار الأخرى، ويتجلى إدراكه لمصالح بلده الاقتصادية من خلال النقوش الكثيرة التى نشرت حديثا، والتى تتعلق بإلغاء ضرائب معينة كانت عبئًا ثقيلًا على كاهل أنواع شتى من البضاعة. وبالإضافة إلى ذلك فإنه صرف الأموال الطائلة فى أعمال البناء كالمبانى التى استحدثها فى قلعة القاهرة ومارستانه وخانقاه الصوفية قرب القاهرة وتجديده جامع المدينة والقنوات التى تمد المساجد فى القدس بالماء. على أن أنشطته الحربية أرهقت موارده المالية واستنفدتها، ويشير ابن إياس إلى أن حروبه كلفته أكثر من سبعة ملايين دينار أشرفى، هذا إلى جانب الهبات والعطايا التى كان يغدقها على عسكره حين عودتهم إلى القاهرة، وكانت هذه المنح تكلفه قدرا كبيرا من

المصادر

المال. كما يجب أن نضيف إلى هذا كله الأموال التى صرفها على التحصينات كتجديده قلعتى الإسكندرية وحلب وغيرهما من قلاع البلاد الأخرى. ولما لم يكن السلاطين المماليك قد استنوا نظاما ثابتا لجمع الضرائب فقد وجد قايتباى نفسه مضطرا لاغتصاب الأموال من الرعية بما عرف بالمصادرات، فكان إذا أعوزه المال وكانت الخزينة خاوية "صادر" أموالًا من كبار الأهالى ووجوه التجار وأهل الذمة، كما أنه لم يحجم عن فرض ضرائب جديدة على شتى صنوف التجارة وأراضى الأوقاف، وقد أدت هذه الإجراءات إلى استفحال الركود الاقتصادى الذى أصبح ظاهرة واضحة تركت آثارها فى التطور الصناعى والتجارى فى مصر والشام على السواء. وعلى الرغم من زيادة معدل التجارة العالمية وجهود السلطان العظيمة فى رحلاته التفتيشية فى جميع ولاياته إلا أن الدولة المملوكية التى كانت تظهر غنية وقوية كانت تسير إلى الخراب حتى أن الدولة المملوكية قبل موته بيوم واحد كانت قد بلغت حًدا كبيرًا من الفقر والضعف ولم تعد قادرة على مواجهة الدولة العثمانية. المصادر: (1) ابن إياس: بدائع الزهور (طبعة كاله) 3/ 2 - 324. (2) ابن الجيعان: القول المتظرف فى سفر مولانا الملك الأشرف (تحقيق لانرون) 1878 م. د. حسن حبشى [سوبرنهيم وأ. اشتور Sobernheim و E. Ashtor] قبرس (*) أكبر جزيرة فى شرق البحر المتوسط (تبلغ مساحتها 9251 كم مربع). وبها سلسلتان جبليتان -أحدهما كرينيا كرباس فى الشمال وارتفاعها 1952 مترا وترودوس فى الجنوب الغربى وارتفاعها 1952 مترا- تحصران بينهما سهل مساوريا الذى يضم معظم المساحة المزروعة بالجزيرة. ¬

_ (*) تنطق فى الأصل "قبرس" Cyprus ولكن "قبرص" هو الشائع فى العربية. [التحرير]

ورغم قلة الأمطار وضيق المساحة المروية، لكن الزراعة ما زالت تمثل عصب اقتصادها الذى يعتمد كذلك على استخراج بعض المعادن وأهمها النحاس، وإن كان الاحتياطى المعروف منها موشك على النضوب. كما تستخرج من أرضها كذلك بعض المعادن اللافلزية بكميات وفيرة تصلح للتصدير، ومن أمثلتها الاسبستوس. كما لازال تكرير الملح من مصادر دخلها، وهو يستخرج من البحيرات المالحة الواقعة فى الأراضى الواطئة (المنخفضة) بالقرب من ليماسول ولارناكا. وكان لموقع الجزيرة على طريق المواصلات البحرية فى شرق البحر المتوسط، وقربها من اليابسة أثره فى أنها لم تنعم بالاستقلال سوى فترات عابرة. قبرص وبيزنطة والإسلام (632 - 1192 م) عندما ظهر الإسلام وأخذ فى التوسع كانت قبرص ولاية بيزنطية عاصمتها قنسطنطيا (سلاميس القديمة). وكان أهلها يدينون بالعقيدة المسيحية الأرثوذكسية منذ أن عقد مجمع أفيسوس سنة 431 م، ولهم كنيسة يرأسها حبر برتبة كبير أساقفة يلى فى السلم الكنسى البطاركة الأربعة الكبار. وقد صهرت الكنيسة شعب الجزيرة وجعلت منه وحدة اجتماعية ودينية وثقافية، كما أن الروابط القديمة القوية بين رجال الدين الأرثوذكس والأهالى خلقت نوعًا من الشعور بالتضامن الاجتماعى ظل سمة قائمة على مدار العصور المتتالية التى خضعت فيها الجزيرة للسيادة الأجنبية. ولقد أخذ العرب فى محاولة فتح قبرص بعد زمن هرقل (610 - 641 م) ويقول أحد الكتاب اليونان أن حملة فى عهد الخليفة أبى بكر جاءت الجزيرة سنة 632 م ولكن هذا الرأى غير مؤكد، لكن حدث فى عام 647 م (أو ربما أو 649 م) أنْ أعد معاوية بن أبى سفيان، والى الشام، أسطولا من 17 ألف صارية، وعهد به إلى عبد اللَّه بن قيس لفتح الجزيرة، وكانت هذه الحملة

أول حملة بحرية ضخمة قام بها العرب فى البحر المتوسط. واجتاح العرب الجزيرة بعد سقوط العاصمة كونستنتيا، وفرضوا على أهلها دفع جزية سنوية مقدارها ما بين 7000 - 7200 قطعة ذهبية يؤدونها لوالى الشام، وهو مبلغ يعادل مقدار الجزية التى كانت الجزيرة تؤديها للبيزنطيين، مما يشير -فيما يبدو- إلى خضوع الجزيرة إلى لون من الحكم المشترك بين إمبراطور الروم وخليفة المسلمين. وقد توفيت فى تلك الآونة أم حرام، زوجة عبادة بن الصامت، الصحابى الجليل، ودفنت بالقرب من لارنكا، وبنى على قبرها أعظم مساجد الجزيرة احتراما عند مسلمى قبرص، وهو مسجد هاله سلطان تكة. وعقدت اتفاقية للسلام بين قنسطنطين الرابع والخليفة عبد الملك بن مروان سنة 685 م ثم تجددت عام 688 م مع جستنيان الثانى، ونصت الاتفاقية على تقسيم دخول أرمينيا وإيبريا وقبرص بين الجانبين، ولقد صمم جستنيان الثانى على نقل سكان قبرص الأرثوذكس إلى ساحل بحر مرمرة الجنوبى وإنزالهم قرب "سيزيكس" القديمة حيث أسس مدينة جسينيانوفا (الجديدة) لرئيس أساقفة قبرص وجماعته (ولا يزال اسم هذه المدينة محفور فى أعلى كنيسة قبرص)، أما هؤلاء المنفيون القبارصة فقد ظلوا فى منفاهم هذا حتى 698 م حين أعيد سكان الجزيرة بسكانها القدماء وبأولئك الذين كانوا قد فروا إلى بلاد الشام الإسلامية، ولقد ظلت الجزيرة قرنين ونصف قرن من الزمان مناصفة بين امبراطور الروم وخليفة المسلمين وأصبح من الطبيعى اتخاذ الجزيرة قاعدة للعمليات البحرية العربية ضد آسيا الصغرى. وفى سنة 747 م دمرت قوة بيزنطية أسطولا جاء من الإسكندرية وتتابعت الغزوات والهجمات واحدة تلو الأخرى بقيادة حميد الوالى العباسى بالشام، ومع ذلك فقد ظلت الجزيرة جزءا من الامبرطورية البيزنطية رغم استمرار دفع قبرص الجزية للامبراطور فازيل الأول (667 م)، وحدث فى سنة

911 م أن احتلت قوة عربية جزيرة كريت أربعة أشهر فقط، على أن قبرص نعمت بسلام بعد سنة 963 م وتمكنت من تقوية اقتصادها وتمثل ذلك فى تشييد بعض المدن الجديدة، ثم قامت ثورة بها ضد ألكسيوس كومين سنة 1092 م. وفى عام 33 هـ/ 635 - 654 م، أعد معاوية حملة ثانية جعل قيادتها بيد أبى الأنوار، فأغارت على لابيتوس، كما دخلت المدينة قوة مؤلفة من اثنى عشر ألف مقاتل ظلوا مقيمين بها حتى أعادهم الخليفة يزيد سنة 680 م، أما الجزية التى كانت تدفعها لخليفة دمشق فقد ظلت تدفع حتى زمن الخليفة العباسى المنصور 754 م. وفى القرن الحادى عشر، تحولت الجزيرة إلى قاعدة عسكرية يشن منها الروم، بالتحالف أحيانًا مع الصليبيين، لاسيما ريموند كونت صنجيل، غاراتهم البرية والبحرية، ولكن فى النصف الأول من القرن الثانى عشر نعمت الجزيرة بفترة من السلام تمثلت فى انتظام حركة الحجاج المارين بها وارتبطت بعلاقات حسنة مع الدول الإسلامية فى المنطقة، حتى أن أمير بيروت والكثير من أهل المدينة لجأوا إليها بعد أن استولى بلدوين ملك القدس الصليبى عليها فى 1110 م. كما كان أول استقرار للمارونيين بها قرب ذلك التاريخ، ثم أن بيزنطة منحت البندقية امتيازات تجارية فى كريت وقبرص، فكان ذلك أول تدخل لاتينى بها. ولكن فى السنوات التالية اجتاح الصليبيون قبرص بقيادة رينو دو شاتيون، الذى خرب الجزيرة وأجبر أهلها على دفع الفدية لإطلاق سراح الرهائن الذين احتجزهم من كبار رجال الدين فيها ومن الأهالى على السواء، ولما كانت سنة 533 هـ/ 1158 م أغار أسطول مصرى على قبرص، ثم أغار عليها القراصنة بمساعدة من ريموند أمير انطاكية وكونت طرابلس. وكانت نهاية السيادة البيزنطية على الجزيرة فى عهد إيزاك دوكاس كومنينوس (1185 - 1191 م) الذى نصب نفسه إمبراطورا لقبرص.

وجاءت نهاية إيزاك على يد ريتشارد قلب الأسد ملك انجلترا. فقد أجبرت الرياح العاتية السفينة التى كانت تقل شقيقته جوانا وعروسه برنجاريا، ابنة ملك نفاره، إلى الأراضى المقدسة على اللجوء إلى ميناء ليماسول القبرصى. وحاول إيزاك أن يحتفظ بالسيدتين رهينتين، فما كان من ريتشارد إلا أنه غزا الجزيرة، وفى ركبه مجموعة من الفرسان الصليبيين فى سوريا، ومنهم جى دو لوزينيان، الذى كان يطالب بعرش مملكة القدس. فلما فشل ريتشارد فى الوصول إلى اتفاق سلمى شن الحرب على إسحاق وهزمه فى مايو 1191 م، فقدم القبارصة نصف ممتلكاتهم إلى ريتشارد الذى أقر الأمور فى نصابها. وحلت حامية فرنجية محل اليونانية وعين اثنان أحدهما صار شريفا للجزيرة والآخر قاضيا لها، وهكذا أصبحت الجزيرة مركز عمليات للفرنجة فى الأراضى المقدسة خلال القرن التالى بعد أن أزال صلاح الدين هيبة اللاتين فى حطين عام 1187 م. 2 - حكم الفرنجة (192 - 1571 م) باع ملك الانجليز فى يوليو 1191 م الجزيرة إلى فرسان المعبد الذين شبت فى عهدهم ثورة تكلفوا الكثير فى إخمادها ثم عاد الملك فباعها من جديد إلى جى دى لوزينيان زوج وريثة تاج بيت المقدس، ثم خلفه أخوه إيمرى حاكما على قبرص (1194 - 1205 م) الذى استمر فى توزيع الإقطاعيات الواسعة لكثير من كبار الأمراء اللاتين، ثم لقب بالملك سنة 1197 م، وساهمت قبرص فى الحروب الصليبية حتى نهايتها واتخذها لويس التاسع قاعدة لحملته على مصر، كما كان ملوك هذه الأسرة قد هادنوا القوة الإسلامية فى الشام حتى الحملة الصليبية الخامسة من قبل. وفى القرن التالى حاول ملوك قبرص بمؤازرة من البابا إحياء الحملات الصليبية من جديد، وكونوا حلفا مع جمهورية البندقية وفرسان المعبد، ونجحوا فى الاستيلاء على مدينة الإسكندرية فى عام 1365 م لبعض

الوقت، ولكن المصالح التجارية لعبت دورها فى إبعاد البندقية وجنوة عن محاولة التحرش بالمماليك حكام مصر والشام آنذاك. وكان من المقدر لهاتين الجمهوريتين الإيطاليتين التجاريتين أن يهيمنا على دفة السياسة القبرصية خلال القرن الأخير من عمر المملكة. وجاءت الضربة التالية من الدولة المملوكية المصرية فى عهد السلطان برسباى الذى أوقع الهزيمة بملك قبرص جانوس فى 7 يوليو 1426 م، وأسره، ولم يطلق سراحه إلا بعد أن افتدى بأن دفع للسلطان 200 ألف فلورين، كما وافق على أن يدفع جزية سنوية للسلطان قدرها ثمانية آلاف فلورين. وقد تنازعت جنوة والبندقية السيادة على الجزيرة (1489 - 1571 م) ونجح الجنويون فى بادئ الأمر فى تثبيت سلطانهم فيها، ولكن الفرصة لاحت للبنادقة حينما انتزع جيمس الثانى عرش قبرص من أخته غير الشقيقة شارلوت بمساعدة قوات المماليك. وأطل شبح التهديد العثمانى فى أواخر أيام حكم البنادقة، وتزايد هذا الخطر لاسيما منذ عقد إتفاق السلام البندقى العثمانى سنة 1540 م، كما أن أمير البحر العثمانى بيالى باشا تابع ممارسة التوسع العثمانى مستهدفا الاستيلاء على الجزر الواقعة فى البحر المتوسط التى فى يد اللاتين، وأعلن السلطان سليم الثانى (1566 - 1574 م) الحرب على قبرص سنة 1568، وأفتى شيخ الإسلام حينذاك بشرعية محاربتها، وصدر الأمر بخروج بيالى باشا على رأس قوة عثمانية للقتال برًا وبحرًا، وظهر الأسطول العثمانى أمام لارناكا فى الثالث من يوليو 1570 م، واكتفى القائد البندقى نيكولو داندولو بالدفاع عن قلاع المدن فقط، ولكن توالت انتصارات العثمانيين، وتوالى معها سقوط المدن الكبرى، كما حاصر العثمانيون قلعة مدينة فأما جوستا، وانتهى الأمر باستسلام مارك انطونيو براجادين يوم الأول من أغسطس 1571 م بشرط

سلامة انسحاب قواته، لكن لالا مصطفى باشا لم يلتزم بنصوص الاتفاقية تمام الالتزام حيث أمر بقتل القائد البندقى والكثير من رجاله. واعترف البنادقة بالسيادة العثمانية على الجزيرة بموجب معاهدة 1573 م، وتحولت قبرص إلى إيالة عثمانية تتألف من ثمانى سنجقيات، وكان أول حاكم تركى لها مظفر باشا، وعين للإيالة قاض ودفتردار، وأدخل الأتراك الكثير من الإصلاحات الإدارية والمالية والدينية فى بادئ حكمهم فقد خففوا عبء الضرائب وألغوا النظام الإقطاعى القديم وحرروا الفلاحين من العبودية وسمحوا لهم بتملك الأرض، وألغوا الهيئة الكهنوتية الكاثوليكية التابعة لروما، وأعادوا للكنيسة الأرثوذكسية اعتبارها، واعتبرت الحكومة العثمانية كبير أساقفتها ممثل للطائفة اليونانية فى الجزيرة. وفى الوقت ذاته بدأ الكثير من الأتراك المسلمين فى النزوح إلى الجزيرة والاستقرار فى أرضها. ولكن التدهور والفساد الذى أصاب الدولة العثمانية فى العصور التالية، أثر بصورة مباشرة على الجزيرة التى تحولت إلى إقطاعية خاصة للصدر الأعظم (وذلك سنة 1703 م)، وعانى الأهالى من المسيحيين والمسلمين من سوء الإدارة والضرائب الباهظة، وكان لثورة اليونان (1820 - 1829 م) واستقلالها أثر مباشر على الجزيرة حيث بدأ سكانها المنحدرين من أصل يونانى ينزعون إلى الاستقلال والاتحاد مع اليونان. كما أن الضرائب الباهظة التى أثقلت كاهل المواطنين وعرقلت أى تحسين جوهرى للاقتصاد دفعت السكان من المسيحيين والمسلمين على حد سواء للثورة فى عام 1883 م. وقد شهدت العقود الخمس التالية تحسنًا كبيرًا فى الإدارة فى ظل حركة الإصلاح العثمانية التى عرفت باسم "التنظيمات"، فأصبحت قبرص سنجقية تابعة لولاية جزر البحر الإيجى، يحكمها متصرف ويساعده ديوان أو مجلس مؤلف من أعضاء من المسيحيين والمسلمين، وأتت حركة الإصلاح بثمار ملحوظة فى السنوات الأخيرة للحكم العثمانى حينما أسست محاكم قضائية.

وقد تنازل السلطان العثمانى عن إدارة قبرص لانجلترا مقابل وعد منها بالوقوف معه ضد أطماع روسيا التوسعية، وعلى أن تدفع له الحكومة البريطانية فائض حصيلة الضرائب هناك، مع احتفاظه بحقوق السيادة على الجزيرة وتعيينه لمفتيها وقضاتها. ولكن فى أثناء الحرب العالمية الأولى ضمت انجلترا قبرص إلى إمبراطوريتها، وبعد الحرب أسست نوعا من النظام النيابى، حيث أنشأت مجلسًا مؤلفًا من 18 عضوا منهم 9 من اليونانيين و 3 من المسلمين و 6 من الموظفين البريطانيين، وقد تضامنت أصوات الممثلين الإنجليز والقبارصة الأتراك فى رفض أى مقترح بالوحدة مع اليونان. وأدى هذا إلى توتر العلاقات بين القبارصة اليونانيين والإدارة الإنجليزية التى اعتبرت عقبة فى طريق الاستقلال، وتزعم القبارصة اليونانيين أسقف شاب يدعى ميخائيل موسكوس الذى انتخب فى عام 1950 م رئيسًا للكنيسة القبرصية باسم الأسقف مكاريوس (1919 - 1977 م). وبعد أربع سنوات كون ضابط من أصل يونانى يدعى جورج جريفاس منظمة مناهضة للاحتلال البريطانى عرفت باسم أيوكا، كما شنت حرب عصابات على انجلترا. ولجأ البريطانيون إلى استخدام ضباط وجنود شرطة منحدرين من أصل تركى للتصدى لتلك المنظمة، وسقط منهم الكثير من الضحايا، واستثار ذلك ثائرة الأتراك الذين أنشأوا منظمة أخرى لحرب العصابات مناوئة للدعوة للوحدة مع اليونان، واعية لتقسيم الجزيرة بين الأتراك واليونانيين، وكانت تلك بداية الفتنة الطائفية بين الأتراك واليونانيين هناك، وجر ذلك بالطبع إلى دائرة التدخل اليونان وتركيا. ورأى الإنجليز أن من الأوفر منح قبرص الاستقلال والاكتفاء بوجود قاعدة عسكرية لهم فى الجزيرة، وفى ذات الوقت رأى حلف الأطلنطى فى

النزاع بين اليونان وتركيا -هما من أعضائه- خطرًا على سلامة الحلف، وقد مهد ذلك لاستقلال قبرص فى 16 أغسطس 1960. وقد قدر عدد السكان فى سنة 1968 م بـ 556715 نسمة منهم 442521 من اليونانيين و 104350 من الأتراك و 3628 من الأرمن و 2708 من المارونيين و 2351 من البريطانيين و 2769 من اللاتين و 18261 من جنسيات أخرى، ووضع نظام معقد للإدارة يراعى التركيبة الطائفية، فكان رئيس الجمهورية يختار من اليونانيين وله نائب يختار من الأتراك، أما مجلس الوزراء فكان يضم سبعة من اليونانيين وثلاثة من الأتراك، وكانت قرارات المجلس تخضع لفيتو (حق النقض) من جانب رئيس الجمهورية/ أو نائبه، أى أنه كان بوسع أى منهما أن يلغى ما لا يروق له من قرارات. وأدى هذا النظام للكثير من الصعوبات العملية عند تطبيقه، ولكن حكومة مكاريوس استطاعت الحفاظ على وحدة البلاد رغم الكثير من الصعاب الداخلية والخارجية حتى أطاح بها انقلاب عسكرى عام 1974 م دبره بعض الضباط الموالين لحكومة اليونان الدكتاتورية العسكرية آنذاك بقيادة نيكوس سامبسون، وهو إرهابى من أعضاء منظمة يونيتا. وانتهزت تركيا الفرصة، فتدخلت بقوتها العسكرية، وفرضت تقسيما فعليا للجزيرة بين الأتراك والقبارصة اليونانيين وتبع ذلك عمليات ترحيل ونزوح ضخمة بين السكان فى كلا القطاعين، وقد فشل الانقلاب وعاد الأسقف مكاريوس ليتولى رئاسة الجمهورية، ولكنه فشل فى إعادة توحيد الجزيرة، وقد رحل عن عالمنا بعد ذلك بثلاث سنوات، فى 3 أغسطس 1977 م، فخلفه كبريانو فى رئاسة الجزيرة واختير خرسوستوموس رئيسا لكنيسه قبرص الأرثوذوكسية، واستؤنفت المحادثات فى يناير 1978 م تحت إشراف الأمين العام للأمم المتحدة بين كبريانو ودنكتاش دون نجاح، وما زالت الجزيرة مقسمة حتى الآن.

المصادر

المصادر: (1) Sir George Hill: A History of Cyprus, 4 vol., Cambridge 1940 - 2, repr. 1972 د. محمد أبو العمائم [أ. هـ دوجروت A. H. Dogrout] قتيبة بن مسلم هو أبو حفص قتيبة بن أبى صالح مسلم بن عمرو الباهلى أحد القادة العرب زمن الخلفاء الأمويين. وقد ولد قتيبة فى سنة 49 هـ/ 669 م وهو ينتمى إلى عائلة ذات نفوذ فى البلاط فضلًا عن أملاك كبيرة فى البصرة. وكان والده مسلم أحد المقربين ليزيد ابن معاوية كما كان هو المسئول عن سجن البصرة وذلك أثناء فتنة المختار، ولكنه انضم فيما بعد إلى صف مصعب ابن الزبير وقتل فى سنة 72 هـ/ 691 - 692 م [فى معركة مسكن] عندما انتهت سيادة مصعب على العراق بعد فشله فى الحصول على عفو الخليفة عبد الملك بن مروان. وقد ظلت عائلته تتمتع بمكانة سامية فى البصرة. وذكر البلاذرى فى الأنساب أنه كان يوجد هناك مسجد قبلى [أى مسجد صغير للصلوات الخمس فقط] لعشيرة باهلة يعرف باسم مسجد بنى قتيبة. وقد استلفت قتيبة انتباه الحجاج بن يوسف والى العراق والمشرق بعد اشتراكه فى الحرب ضد حركة عبد الرحمن بن الأشعث التمردية، وبعد أن نجح قتيبة فى القضاء على تمرد عمر بن أبى الصلت عُين واليًا على الرى فى سنة 83 هـ/ 401 م، ثم لم يلبث أن عينه الخليفة عبد الملك بن مروان واليا على خراسان تحت إمرة الحجاج خلفًا للمفضل بن المهلب، وكان ذلك فى أواخر سنة 85 هـ/ 704 م أو أوائل سنة 86 هـ/ 705 م. وعلى ضوء ذلك يتضح أن الوضع قد انقلب فى خراسان، حيث كان آل المهلب (بن أبى صفرة) اليمنيون هم السادة هناك، وذلك لأن قبيلة باهلة كانت خلال العصر المروانى فى جانب القيسية أو عرب الشمال.

وهكذا بدأ حكم قتيبة الذى استمر هناك لمدة عشر سنوات، وقد ساهم خلالها فى نشر الإسلام فيما يعرف الآن بأفغانستان وآسيا الوسطى (أى الجمهوريات الإسلامية المستقلة التى كانت ضمن الاتحاد السوفيتى السابق) والذى شكّل أحد موجات التوسع العربى الذى كان السمة المميزة لخلافة الوليد بن عبد الملك. ويرجع الفضل إلى مواهب قتيبة الإدارية التى ساندتها سلطة الحجاج فى توطيد حكم العرب فى خراسان. إن الوضع المميز للإيرانيين فى خراسان كان أحد العوامل التى ساعدت على نجاح قتيبة هناك، فضلا عن استغلاله لمواهبهم الإدارية. وقد كان مسجلًا فى الديوان خلال عهده حوالى 7000 من الموالى الذين يتقاضون رواتب منتظمة، وكذلك احتاج قتيبة، بالإضافة إلى هذه القوات النظامية، إلى جمع جنود مرتزقة من مدن خراسان وذلك من أجل حملاته الربيعية والصيفية فى أسيا الوسطى، ولقد أشار الطبرى إلى هذه القوات المؤقتة التى جاءته من أهل بخارى وخوارزم الذين حاصروا سمرقند فى سنة 93 هـ/ 712 م. وقام قتيبة أيضًا بترك مهمة جمع الجزية للدهاقنة الفرس المحليين (أى من سكان البلاد) فضلا عن وضع الحاميات العربية فى بخارى وسمرقند وربما فى كاث بخوارزم أيضًا. أما بالنسبة إلى القبائل العربية فى خراسان فقد قام قتيبة بتنظيمها على غرار ما كان متبعًا فى البصرة حيث قسمهم إلى خمس مجموعات هى الأزد وتميم وأهل العالية وبكر وعبد القيس، ومثل هذا التقسيم قد ذكر لأول مرة خاول فترة حكمه هذه. وقد قام (جب) Gibb بتقسيم الحملات العسكرية التى خاضها قتيبة إلى أربع مراحل: الأولى استعادة بادغيس وطخارستان فى سنة 86 هـ/ 705 م، والثانية فتح بيكند وبخارى وأخذها من الصغد المحليين فيما بين عامى 87 - 90 هـ/ 706 - 709 م، والثالثة توطيد سلطة العرب فى وادى جيحون وتأمين خوارزم وسمرقند فيما بين عامى 91 - 93 هـ/

710 - 712 م، والرابعة الحملات التى أنفذها إلى وادى شحون من شاش ضد اسفيجاب وفرغانه فيما بين عامى 94 - 96 هـ/ 713 - 715 م. وليس من شك فى أن مهارة قتيبة العسكرية وإقدامه ساعدا على إحراز ذلك النجاح، ويضاف إلى ذلك استعداده أيضًا لاستخدام الخديعة إذا ما دعت الحاجة إليها، وكذلك استغلاله للانقسامات المحلية بين أمراء طخارستان والصغد، وما بين المطالبين بعرش خوارزم من الخلافات. وفى سنة 86 هـ/ 705 م تحرك قتيبة ضد أمراء أودية جيحون العليا وهى شومان وأخرون وصغانيان، كما قام أيضًا بإقناع طرخان نيزك حاكم الهياطلة الشماليين فى بادغس بالخضوع للعرب ومصاحبة قتيبة فى حملته القادمة ضد بخارى. وكانت الحملات الموجهة ضد بيكند وبخارى فيما بين عامى 87 - 90 هـ/ 706 - 709 م من الحملات الطويلة والشاقة وأخيرًا تم اجتياح بخارى رغم المقاومة المحلية العنيفة التى كانت تساندها المساعدات التركية. وفرضت على المدينة ضريبة مقدارها 200000 درهمًا كما وضعت حامية عربية بها. وقام قتيبة ببناء مسجد داخل القلعة وذلك فى سنة 94 هـ/ 712 - 713 م كما كان يعطى نقودًا (قدرها درهمان) لكل من يحضر للصلاة (أى صلاة الجمعة) من السكان المحليين. وقد انشغل كل من قتيبة وأخيه عبد الرحمن بن مسلم فى سنة 91 هـ/ 709 - 710 م بإخماد التمرد الأخير لنيزك والذى كان يتواطأ معه فى السر "اليَبْغو" وهو اللقب الذى كان يطلق على الحاكم المحلى لصخارستان، ولما وقع نيزك فى الأسر قام قتيبة بقتله رغم أنه كان قد وعده بالأمان وقد أورد (الطبرى) شعرا للشاعر نهار بن توسعه يمدح فيه تصرف قتيبه ضد نيزك لأنه إنقاذ لمصلحة الإسلام مثلما فعل الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] مع يهود المدينة، كما نجد شعرًا آخر لثابت قطنه يحذر من تسمية الخديعة بالحركة الجريئة.

وعلى أية حال فقد تم توطيد الحكم العربى لأول مرة فى طخارستان السفلى كما أصبحت بلخ مركزا للقوة العربية والحضارة الإسلامية وقد قام حاكم خراسان أسعد بن عبد اللَّه القسرى بنقل العاصمة المحلية مؤقتا من مرو إلى بلخ فى سنة 118 هـ/ 736 م. كان قتيبة فى سنة 92 هـ/ 711 م فى سيستان التى كانت فى ذلك الوقت تحت حكم أخيه عمرو، وفيها واجه العرب نقاطهم الحصينة فى زرنج وبست بقيادة الحاكم القوى للهياطلة الجنوبيين (حكام زابلستان) إن وجود قتيبة هناك قد أخاف والى زابلستان مما دفعه إلى الخضوع للعرب مؤقتا ولكنه كما كان يحدث دائمًا فإن هذه الطاعة سرعان ما كانت تزول بمجرد مغادرة القوات العربية، ويعد فتح خوارزم فى سنة 93 هـ/ 712 م من أروع إنجازات قتيبة فقد كان من نتيجة إنتشار الإسلام هناك على الرغم من أنه قد مرت عدة عقود حتى تم تحويل كل سكان الإقليم أو شاهاتهم إلى الإسلام. وقد ركز قتيبة خلال السنوات الأخيرة من ولايته إهتمامه على الصُّغْد مرة أخرى، كما قام وهو فى طريق عودته من خوارزم بمهاجمة سمرقند وعقد معاهدة سلام جديدة مع حاكمها غورك. ويبدو أنه فى هذا الوقت تدخل الأتراك الغربيون فى ما وراء النهرين بناء على رغبة أمراء الصُّغْد ومع ذلك فقد حاول قتيبة تأمين أقاليم نهر سيحون المتاخمة لصحراء تركستان متجها إلى شاش واشروسنه. كذلك شن قتيبة فيما بين عامى 94 - 95 هـ/ 713 - 714 م سلسلة من الغارات على فرغانة، ولا يعرف على وجه الدقة عما إذا كان هدف قتيبة من هذه الغارات هو تأمين طريق التجارة فى آسيا الوسطى مرورًا بالصين. هذا ولم يوافق (جب Gibb) على ما أشار إليه الطبرى من أن قوات قتيبة قد عبرت جبال "تيان شأن" إلى كاشغر ولم يكتف جب بهذا فقط، وإنما وصف

كل ما قاله الطبرى بأنه غير صحيح بالمرة. وبعد فإن أفول نجم قتيبة فى سنة 96 هـ/ 715 م كان نتيجة حتمية لانتقال الحكم من الوليد إلى سليمان من جهة ووفاة راعية الحجاج من جهة أخرى فضلًا عن تغير الأهواء الذى كان من نتيجته أن فقدت العناصر القيسية فى بلدان الخلافة ما كانت تتمتع به من رضى الحكام. وكان قتيبة يقود إحدى حملاته إلى فرغانه عندما علم بنبأ وفاة الخليفة الوليد بن عبد الملك، وبالرغم من أن الخليفة الجديد [أى سليمان بن عبد الملك] قد أقره فى ولايته إلا أنه (أى قتيبة) قد خشى من التغير الكبير فى الاتجاهات ولذلك أعلن تمرده على سلطة الخليفة وأيده فى ذلك أفراد عائلته وقبيلته باهله وحراسه من الرماة الإيرانيين فحسب، أما أغلبية العرب فقد عصوه فيما أقدم عليه من مخالفته الخليفة ورفضوا مساندته وحذت حذوهم فى ذلك القوات الإيرانية من الموالى بقيادة حيان النبطى وقد كان واحدًا من أخلص معاونى قتيبة السابقين. وعلى ضوء ذلك قام جنود بقتله هو والعديد من أفراد عائلته فى ذى الحجة 96 هـ/ أغسطس 715 م أو فى الخريف فى مستهل سنة 716 م على حد قول بعض المصادر الأخرى. وقد استتبت الأمور فى الشرق عقب وفاة قتيبة لوكيع بن أبى سود التميمى. وقد ترتب على وفاة قتيبة حدوث نوع من الجمود لعدة عقود فضلًا عن تراجع الفتوحات العربية فيما وراء نهر جيحون كما تمكن الصُّغْد وحلفاؤهم الأتراك من تعبئة قواتهم للقيام بهجمات مضادة. ومما لاشك فيه أن قتيبة يعد أحد أبطال عصر الفتوحات العربية وقد أورد الطبرى مآثره البطولية، ولكن الهالة التى أحاطته كانت مصدرًا للتضارب حول الأحداث المتعلقة بوفاته. وقد ظلت ذرية قتيبة متمتعة بنفوذها طوال الفترة الأخيرة من

المصادر

العصر الأموى وأوائل العصر العباسى، ونذكر من بين العديد من أولاده وأحفاده الذين تولوا مناصب هامة كلا من ابنه مسلم (ت 149 هـ/ 766 م) الذى عُين واليًّا على البصرة مرتين وحفيده أبا عمرو سعيد بن سالم (ت 217 هـ/ 832 م) الذى عين واليا على أرمينيا والموصل والجزيرة وسيستان والسند وطبرستان. المصادر: (1) تاريخ اليعقوبى: تحقيق M.Th.Houtsina ليدن 1883 م. (2) البلاذرى: فتوح البلدان، تحقيق M.J.de Gooeje، ليدن 1883. (3) المؤلف نفسه: أنساب الأشراف، تحقيق م. حمد اللَّه، القاهرة 1960. (4) الطبرى: تاريخ الرسل والملوك، تحقيق M. J. de Goeje ليدن 1879 - 1901 م. (5) المسعودى: مروج الذهب، باريس 1861 - 1877 م. (6) كتاب العيون والحدائق لمؤرخ مجهول. (7) أبو الفرج الأصفهانى: الأغانى، بولاق 1285 هـ. (8) ابن خلكان: وفيات الأعيان تحقيق F.Wustenfeld جوتنجن 1835 - 1850 م. (9) ابن الأثير: الكامل، تحقيق C.J. Tornberg ليدن 1851 - 1876 م. د. محمد حمزة [س. أ. بوسورث C. E. Bosworth] قثم بن العباس قُثَم بن العباس بن عبد المطلب الهاشمى، من صحابة رسول اللَّه [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، وهو ابن عمه العباس من أم الفضل لبابة الهلالية أخت زوجة الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-]. وعلى الرغم من أن السيرة تظهر صلته بمحمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] كفرد من بنى هاشم قام بغسل جثمانه [-صلى اللَّه عليه وسلم-] ونزل معه القبر، أيضًا تشابه ملامحه الجثمانية مع ملامح وهيئة الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، إلا أنه أسلم فى وقت متأخر حاذيًا حذو أبيه بعد فتح مكة.

لم يرد ذكره خلال حكم الخلفاء الراشدين الثلاثة الأوائل، ولكن ما إن تولى على بن أبى طالب الخلافة حتى استعمله واليا على المدينة (36 هـ - 656 م). وفى العام التالى عندما اختلف مع طلحة والزبير والسيدة عائشة ولَّاه على مكة والطائف. ويبدو أنه احتفظ بمنصبه هذا طوال خلافة ابن عمه ليحج بالناس عام 38 هـ/ 659 م (انظر ابن هشام: السيرة، جـ 3 ص 1018، 1020 ترجمة جيلوم Guillaume ص 687 - 688؛ ابن سعد الطبقات جـ 2 ص 2، 7، جـ 4 ص 2، 22، جـ 7 ص 2، 100 الأنساب للبلاذرى، تحقيق حميد اللَّه جـ 1 ص 447، 569، 577 - 588؛ الطبرى: تاريخ، جـ 1 ص 1830، 1833، 3092، 3106، ص 17، 46 محمد بن حبيب، المحبَّر ص 17، 46 ابن خلكان: وفيات الأعيان، تحقيق إحسان عباس جـ 6 ص 351، إلخ). بعد ذلك، نال قثم شهرة وإن كانت من خلال الغموض الذى اكتنف موته؛ حيث كان مع الجيش الخراسانى بقيادة سعيد بن عثمان بن عفان أثناء غزوه لبلاد ما وراء النهر فى 56 هـ/ 676 م، ومات شهيدًا (كما يذكر محمد بن حبيب ص 107 والزبيرى فى نسب قريش ص 72) وأما البلاذرى فيذكر فى الفتوح (ص 412) أنه مات أثناء حصار سمرقند فى 57 هـ/ 677 م على حين أغفل الطبرى كل شئ عن موت قثم عند سرده لخبر الحملة. ويؤكد اليعقوبى فى البلدان ص 298، والزشخى فى تأريخ بخارى أنه فى الحقيقة توفى فى مرو. ومهما كانت حقيقة الأمر، فإن قبر قثم المفترض وجوده فى سمرقند أصبح فيما بعد مسجدًا ومزارًا. ويرجح بارتولد أن هذا المسجد إنما بناه العباسيون -أسرته- عند اعتلائهم السلطة. وتشير الكتابات المنقوشة على المبانى المتأخرة زمنيًا والتى تخلط بينه وبين "أفراسياب" إليه بأنه "شاهى زندا" أى "الأمير الحى" أو "شاهى جوانان" "أمير الغثيان".

المصادر

ازدهر المزار والمسجد فى العصرين السلجوقى والخرقانى حتى أنه فى عهد السلطان سنجر خلال العقد الثالث من القرن السادس الهجرى/ "العقد الرابع من القرن الثانى عشر الميلادى" على أقرب الظن تأسست "مدرسة قثمية". وعندما زار ابن بطوطة سمرقند بعد قرنين من الزمان من ذلك التاريخ وفى عهد شغطاى علاء الدين ترمشيرين (726 - 734 هـ/ 1326 - 1334 م) وجد أكثر الزائرين للمسجد من سكان سمرقند المحليين بالإضافة إلى التتار القاطنين فى المنطقة. وقد ألحق بالمسجد زاوية للزائرين والسائحين وتولى نظارة المزار واحد من سلالة العباسيين هو الأمير غياث الدين محمد بن عبد القادر (623 - 640 هـ/ 1226 م - 1240 م) أحد أحفاد المستنصر خليفة بغداد العباسى، وكان غياث الدين هذا قد هاجر من العراق إلى بلاد ما وراء النهر وعمل كناظر للمزار. واستمر المزار موضع عطف ورعاية الحكام بما فيهم التيموريين، وقد بنى ضريح بجوار المزار ينسب إلى قتلغ آقا إحدى زوجات تيمور عام 762 هـ/ 1361 م فلما كان القرن التالى أضيف ضريح آخر إلى ألغ بج. وقد استمرت عمليات التعديل والتبديل والتغيير للمزار مستمرة حتى مطلع القرن التاسع عشر. المصادر: ورددت فى المتن. وائل البشير [بوسورث C. E. Bosworth] قحطبة "الطائى" ابن شبيب الطائى، قائد عربى. ونحن نجد قحطبة الذى كان اسمه الحقيقى "زياد" مذكورًا فى زمن متقدم يرجع إلى سنة 100 هـ (718 - 719 م) بين نقباء الحركة العباسية الاثنا عشر فى خراسان الذين يقال إن مبعوثا من الكوفة هو أبو عِكرمة -السراج قد اختارهم ليمهدوا لحكم العباسيين. وحينما نشبت الانتفاضة التى أعد لها منذ زمن طويل، فى صيف سنة 129 هـ (747 م) كان قحطبة فى مكة التى قصدها ليقابل فى أثناء الحج زعيم

العباسيين شخصيًا، والمعروف أنه إبراهيم بن محمد ولم يرجع قحطبة إلى خراسان إلا فى سنة 130 هـ (747/ 748 م) بعد أن ولاه إبراهيم بن محمد قيادة قواته. وقد قلده أبو مسلم القيادة العليا فى الحرب ضد الأمويين، وقد هزم تميم بن نصر، ابن والى خراسان الأموى نصر بن سيّار، فى طوس وسقط تميم فى المعركة، وكان على نصر أن يجلو عن نيسابور، ويفر هاربًا إلى جرجان. وحين أرسل والى العراق يزيد بن عمر بن هبيرة، جيشًا إلى جرجان تحت إمرة نباته بن حنظلة الكلابى، تصدى له قحطبة فى ساحة الوغى، فى غرة ذى الحجة سنة 130 هـ (أول أغسطس 748 م) وهزم نباته وذبح، وولى نصر وجهه شطر همذان، لكنه مات فى الطريق فى ربيع أول سنة 131 هـ (نوفمبر 748 م). وبعدئذ التفت قحطبة إلى الغرب. وبينما كان ابنه حسن يحاصر نهاوند حيث اتحدت فلول جيش نصر من خراسان مع القوات الشامية لوالى همذان الذى هرب من هناك، شن قحطبة الحرب فى 23 رجب سنة 131 هـ (18 مارس 749 م) فى جابلق قرب أصفهان، على على بن ضبارة المرّى الذى كان قادمًا عامر رأس جيش شامى كبير. وسقط عامر فى أثناء الصراع قتيلا. وبعد أن انضم قحطبة إلى ابنه، واصل حصار نهاوند بقوة، وبعد بضعة أشهر استسلمت الحامية الشامية، وَقُتُلّ رفقاؤهم من خراسان الذين لم يعلموا بالاستسلام واتجه قحطبة من فوره نحو الكوفة عن طريق حلوان خانقين، وكان قد بعث ابنه قبلا بالطريق المباشر. وتقدم ابن هبيرة ليقابله بجيش قوى، ولكن قحطبة نجح فى التملص منه كما نجح فى عبور نهر دجلة دون أن يصيبه أى ضرر، ثم عسكر قرب الأنبار. وحين تبعه ابن هبيرة، وأقام معسكره فى فام بادقلا على الضفة الغربية لنهر الفرات، عبر قحطبة النهر وسار بجانب الضفة الغربية إلى موقع مقابل لمعسكر العدو. وفى ليلة الثامن من المحرم سنة 132 هـ (27 أغسطس

المصادر

749 م) عبر النهر مرة أخرى مع زمرة من الرجال وباغت ابن هبيرة الذى فر بحثا عن النجاة. وفى وطيس المعركة، ووسط هرجها، اختفى قحطبة تمامًا، ولا نستطيع أن نقطع ما إذا كان قد غرق أم قتل فى ساحة القتال. المصادر: (1) تاريخ اليعقوبى: تحقيق M.Th. Houts ليدن 1883 م، جـ 2، ص 392، 98 وما بعدها، ص 410 - 412. (2) الطبرى: تاريخ الرسل والملوك تحقيق de Goeje ليدن 1879 - 1901 م، جـ 2، ص 1358، 1727، 1769، 1916، 1951، 1953، 1962، 1964، 1988 , 2000 - 2006، 2016، جـ 3 ص 1 - 9 , ص 12 - 19. (3) ابن الأثير: الكامل، تحقيق C. J. Tornberg ليدن 1851 - 1876 هذه المادة الفهرس. (4) ابن خلدون: العبر، جـ 3، ص 117، 124 والصفحات التى بعدها. (5) Well: Gesch d. chalifen, جـ 1، ص 698، والصفحة التى بعدها. (6) Wellhausen: Das arabisch Reich ص 315، 319، 325، 35 والصفحات التى بعدها. حسن شكرى [تسترشتين K.V. Zettersteen] قدامة بن جعفر الكاتب البغدادى أبو الفرج، فقيه لغوى ومؤرخ ومن أوائل من أدخل الدراسة المنهجية لصور الكلام البلاغية فى الأدب العربى. ولم يرد ذكر تاريخ ميلاده فى أى مصدر من المصادر، إلا أنه فيما يبدو ولد فى وقت مبكر يرجع إلى عام 260 هـ/ 873 - 874 م، وتوفى فى وقت لم يحدد تاريخه، وإن كان خبر وفاته فى المصادر يأتى عادة مصحوبًا بعبارة "خلال حكم المقتدر" (أى أنه توفى فى وقت لا يتعدى عام 320 هـ/ 923 م، 328 هـ/ 939 - 940 م، 327 هـ/ 948 م, وأما قولهم فى بعض الأحيان بعد عام 300 هـ/ 910 م بوقت

قصير قول تعوذه الدقة. وكل جانب من جوانب السيرة الشخصية لقدامة وعمله وشخصيته بوصفه باحثًا تثير مشكلات دقيقة لا مجال لمناقشتها هنا. والمعلومات المؤكدة عنه تتلخص فى: (أ) أنه كان مسيحيا ثم اعتنق الإسلام خلال حكم "المكتفى". (ب) أنه تولى بعض مناصب ثانوية فى عدة دواوين فى الإدارة المركزية لبغداد إلى أن عُين فى شوال 297 هـ/ 910 م فى "مجلس الزمام" فى "ديوان المشرق" حين عُيِّن أبو الحسن ابن الفرات ولده المحاسن كبير كتاب لذلك المجلس. (جـ) كان على قيد الحياة فى عام 320 هـ/ 932 م. (د) وأنه هو مؤلف كتابه "الخراج" الذى لم يصل إلينا إلا جزء منه، وبالإضافة إلى ذلك فإنه مما لاشك فيه أن كتاب "نقد الشعر" كان من تأليف قدامة حيث ذكر المطرزى فى تعليقه على مقامات الحريرى الذى عاش بعد ذلك بثلاثة قرون هو المصدر الوحيد الذى يشير إلى أن كتاب "نقد الشعر" كان ينسب أحيانًا إلى والده قدامة. لقد خلا تاريخ بغداد من أية ترجمة لقدامة. ولكنه يكتفى بالإشارة إلى واحد اسمه "جعفر بن قدامة بن زياد"، ويصفه الخطيب بالعالم والكاتب الخِنْذِيذ، كما يضيف الخطيب إلى ذلك أن جعفر ألّف عدة كتب تتعلق بالمراسيم وغيرها من المواضيع التى يعتبر فيها حجة كما ذكر أبو الفرج الأصفهانى صاحب الأغانى وأنه كان نفسه تلميذًا لحماد بن إسحق ابن إبراهيم الموصلى، ويشير ابن النديم فى الفهرست أن جعفر والد قدامة لم يكن لديه أى موهبة أدبية وقد ترددت هذه الملاحظة عند ياقوت الذى استعارها عن ابن النديم، ويستدل مما كتبه ياقوت تقويم البلدان جـ 2، ص 412 - 415) أنه لم يكن يميل للأخذ بأن جعفر بن قدامة هذا كان والد مؤلفنا، على أن المطرزى (الذى عاصر الحموى) لا يتردد فى أن يجعل من جعفر بن قدامة المذكور فى تاريخ بغداد

والد قدامة. وليس من السهل تحديد مجال الاهتمامات الدراسية لقدامة على أساس ما ذكر من عناوين أعماله. إذ يبدو مؤكدا أن لديه الكفاءة اللازمة لفيلسوف وشارح لأرسطو، ومؤرخ وباحث فى فقه اللغة، وخبير فى الإدارة. وبوسعنا إضافة كتاب "زهر الربيع فى الأخبار" الذى ذكره المسعودى (فى المروج) وكذلك ياقوت، وكتاب "الحيوانات" (جوابات، جوابان) الذى ذكره أبو حيان التوحيدى فى "البصائر والذخائر". أما قوائم العناوين التى ذكرها مؤلفون لاحقون، فأغلب الظن أنها قوائم لا يعول عليها ولم تصلنا سوى ثلاثة أعمال فحسب: (أ) "كتاب الخراج" ولاشك أن العنوان الكامل لهذا الكتاب هو "كتاب الخراج وصناعة (أو صنعة) الكتاب". أما "صناعة الكتاب" الذى ذكره القلقشندى فى كتابه "صبح الأعشى" الجزء السادس ص 484 وفى أماكن أخرى منه فلابد أن يكون من تأليف "أبو جعفر النحاس". ولم يصلنا من كتاب الخراج سوى الشطر الثانى (بدءًا من المنزلة الخامسة وحتى المنزلة الثامنة) فهذا الشطر لا يتناول فحسب العديد من الأمور ذات الطابع التخصصى مثل الأقسام التى تتكون منها الحكومة المركزية وفرض الضرائب وأسس هذا الفرض التاريخية والجغرافية والقانونية. . إلخ، بل يعنى أيضًا بالاستعمال اللغوى والتراث الأدبى وأنواع الرسائل الرسمية وطريقة كتابتها. أما القسم الأول فنجد فيه قسمًا (المنزلة الثالثة) مخصصًا للبلاغة الأدبية، وقد تناولها على بن عيسى بالتعليق مصحوبًا بملاحظات طريفة (ذكرت فى كتاب الامتاع) ولعل الاستشهادات التى يتم الاستشهاد بها للدلالة على قدرة قدامة مقتبسة من هذا القسم، كما أن ذيوعه هو الذى أكسب قدامة سمعته التى أصبحت مضرب الأمثال بوصفه أستاذ البيان. (ب) وليس هناك من سبب يدعونا للتشكيك فى أن "كتاب الألفاظ" أو "جواهر الألفاظ" هو من تأليف قدامة

حتى ولو كان المطرزى هو وحده الذى تحدث عنه وليس هناك من سبب يدعونا حتى للظن بأنه فى الأصل قد يكون جزءًا من كتاب "الخراج". إن كتاب "جواهر الألفاظ" يضم قوائم لمترادفات وجمل من "السجع" لكى يستعين بها الخطباء وكتاب النثر الفنى، كما يضم مقدمة قصيرة عن الصور البلاغية فى الكلام. (جـ) يهدف كتاب "نقد الشعر" إلى أن يكون مرشدًا للناقد الأدبى. ويقول قدامة: إنه لم يكتب على الإطلاق كتاب ما يجعل فى مقدور الناس التمييز بين الجيد والردئ من الشعر فيما عدا المقال الذى كتبه ابن المعتز، والمقدمة التى كتبها ابن قتيبة لكتاب "الشعر والشعراء". وهو يعرّف الشعر بأنه "كلام موزون ومقفى يعبر عن معنى". وهذا التعريف فى حد ذاته لا يمكن استخدامه للتمييز بين الشعر الجيد والشعر الردئ ولكن من الممكن إقامة معايير يقاس بمقتضاها كل عنصر عن العناصر الأربعة المكونة للشعر والتى ينطوى عليها ضمنا هذا التعريف وهى "المعنى" و"اللفظ" و"الوزن" و"القافية" أو يقاس بمقتضاها الجمع بين هذه العناصر اثنين اثنين. (نلاحظ أن الوزن والقافية يعدان جزءًا من اللفظ وهما بحكم طبيعتها خاضعان للقياس). ويذكر قدامة قراءه أن التمييز بين جيد الشعر ورديئه لا يعتمد على الجودة الأخلاقية للموضوع ولا يعتمد على مدى اتساق الشاعر فى المشاعر التى يعبر عنها، بل يتعمد على مهارته فى استخدام العناصر الأربعة فرادى ومجتمعة. فنجاح القصيدة يعتمد إذن على النسبة بين النعوت والعيوب خصوصًا فى علاقتها بهذه العناصر -ويضع قدامة قوائم بهذه النعوت والعيوب كل فى باب مستقل- ففى الباب الأول يبدأ بمناقشة العناصر الأربعة كل عنصر على حدة. ففى حديثه عن "المعنى" يعترف بأن هناك عددًا لا حد له من المعانى أى المفاهيم والأفكار التى ترد

إلى ذهن الشاعر- ولذلك فهو يلتزم بمبدأ "الأغراض" أى الموضوعات التى لها صلة بالمعانى وتتطابق معها هذه المعانى. أما الصور البلاغية التى تأتى بعد ذلك فهو يرى فيها مجرد زخارف تناسب المعنى أو هى توليفات ناجحة للعناصر الأربعة المكونة للشعر. ويكشف قدامة عن قدر كبير من البراعة فى تصنيفه لهذه الصور البلاغية. أما عن الباب الذى عالج فيه عيوب الشعر فنرى قدامة يدرس الأخطاء الناتجة عن الاستخدام السيئ للعناصر الأربعة فرادى ومجتمعة. وهو بذلك يبين لنا كيف أن الصور البلاغية قد يساء استخدامها. وثمة ملاحظات أساسية نلاحظها على طريقة معالجته، منها: (أ) اهتمامه بالفلسفة اليونانية ويظهر ذلك فى طريقة تحليله لوظائف الفضائل الأربع: العقل، الشجاعة، العدل، العفة فى ألوان الشعر من مديح ورثاء وهجاء، ولكن لا توجد مع ذلك شواهد تدل على أنه تأثر بكتاب "فن الشعر" أو كتاب "فن الخطابة" لأرسطو. (ب) دفاعه عن الغلو، إذ يرى أن أحسن الشعر أكذبه. (جـ) عدم اهتمامه بالشعراء العباسيين الأوائل أو "المحدثين". وكان قدامة يعتمد على سابقيه من المؤلفين على عكس ما يبدو لنا للوهلة الأولى. فقد تابع خطى ابن قتيبة وابن المعتز على التوالى حين ناقش "اللفظ" و"المعنى" بوصفهما عنصرين مستقلين وحين ميز بين الاستخدام السليم والاستخدام الخاطئ للصور البلاغية، فقد اعتمد على ابن المعتز وعلى النقاد الأوائل فى اختياره للمصطلحات والأمثلة. غير أن نظريته فريدة فى نوعها، تلك النظرية التى بنى عليها الاطار العام لفكرته، وكذلك تطوير هذه النظرية فى جوانب عديدة منها، غير أن المنظومة التى أقامها لم تقدم أساسًا صحيحًا لنظرية فى الأدب وسرعان ما طواها النسيان.

المصادر

أما جوانب نظريته التى تتطابق تطابقًا تامًا مع منظومة ابن المعتز ومع أفكار نقاد القرنين الثانى والثالث الهجريين السابقين عليه. فقد كانت موضع قبول من الباحثين وبصفة خاصة تعريفه للمصطلحات الخاصة بالصور البلاغية، وقد تم الجمع بين الصور البلاغية كما قدمها قدامة والصور البلاغية كما قدمها ابن المعتز وأصبح يطلق على مجموعهما اسم "البديع وإن كان من العسير تحديد مدى تأثير قدامة -على وجه الدقة- نظرًا لأن حالات الاقتباس الضمنى أو غير المعترف بها نقلًا عن قدامة تفوق بكثير تلك الحالات التى اقتبست عنه صراحة. وثمة فئة ثالثة من الاقتباسات أخذت عن قدامة دون أن يعرف المؤلفون أنها مقتبسة من نص معين له. وهناك كتاب بعنوان "نقد النثر" نسب خطأ إلى قدامة ولكن أمكن فى عام 1949 م تحديد عنوانه الصحيح وهو "كتاب البرهان فى وجوه البيان" لمؤلفه "أبو الحسين اسحق بن إبراهيم بن سليمان بن وهب" الكاتب وإن كان لا يزال يشار إلى هذا الكتاب باسمه القديم فى بعض الأحيان. المصادر: ورد معظمها فى المتن بالإضافة إلى د. محمد مندور "النقد المنهجى عند العرب" القاهرة (د. ت). سعيد عبد المحسن [س. أ. بونيكر S.A. Bonebakker] قدر قدر Kadar هذه الكلمة مشتقة من الجذر ق د ر، ويبدو أن معناها الأساسى "يقيس أو يقدِّر" ومن ثم فإن اللَّه سبحانه وتعالى إذا قضى وقدّر، فإن المعنى الأساسى يشير إلى أن قضاءه سبحانه وقدره تمَّ بناء على حكمة وتقدير. هناك رؤيتان متطرفتان ورؤيتان معتدلتان فى هذا الموضوع. والأخيرتان هما المقبولتان فى نظر المسلمين التقليديين، وكلها ترجع إلى نصوص قرآنية وأحاديث نبوية. وتوجد هذه الأحاديث فى كتاب القدر وفى جزء من كتاب الطب فى صحيح البخارى، (انظر أيضًا كتاب الإبانة للأشعرى طبعة حيدر أباد صفحة 84 وما بعدها) و (باب الروايات فى القدر) وهناك

الجبرية وهم مؤمنون بالقدر تمامًا. فالإنسان ليس له دور على الإطلاق فى الأفعال التى تصدر عنه، وهذا الرأى يعتبر فى نظر الإسلام بدعة. أما الرأى المتطرف من الناحية الأخرى فهو رأى القدرية Karlarites الذين اندمجوا فى آخر الأمر فى المعتزلة. وفى البداية لم يجازفوا باستخدام كلمة الخلق -فاللَّه وحده هو الخالق- وإنما استخدموا كلمات أخف وقعًا مثل الإيجاد والاختراع، ولكنهم فى النهاية قالوا: إن الإنسان "يخلق" أفعاله. أما المذهبان المتوسطان أو التقليديان فهما مذهبا الأشعرية ومذهب الماتريدية. ويرى الأشعرية أن رأيهم هو الأقرب إلى المنطق، بينما اكتفى الماتريدية بذكر الحقائق الواضحة، ومن الواضح أن الأسس التى بنى عليها المؤيدون للإرادة الحرة رأيهم أسس أخلاقية، فإن عدل اللَّه عز وجل يقتضى أن يكون الإنسان حرًّا، والإسلام التقليدى لا يهتم كثيرًا بهذه القضية، فاللَّه جَلَّ جلاله أن يفعل ما يشاء. وإن كان التفتازانى والرازى قد ناقشا هذا المبدأ، وكانت الصعوبة التى واجهت التقليديين هى إحساس الإنسان بالحرية، وقد حل الماتريدية هذه المشكلة بقولهم إن الإنسان له أفعال اختيارية يثاب عليها أو يعاقب، ومنذ القِدَمْ ميّز الإنسان بين أن يقبض على شئ باختياره وأن يتركه رغمًا عنه، ولكنهم لم يجدوا حلًا للتناقض بين هذا القول وقدرة اللَّه الخلاقة المطلقة. وجاء الأشعرى فقدم مبدأ الاكتساب، فالإنسان يرضى بقضاء اللَّه، وهذا الرضى هو إحساس الإنسان بالحرية، ومن الواضح أن الأشعرى يعنى أن هذا الإحساس بالحرية هو أيضًا من خلق اللَّه، وبهذا التصوير لا يزال الإنسان آليًا وإن كان من آليته أن يظن نفسه حرًا. وما بين الرأيين هناك مجال كبير للمناقشة حتى مع المسلمين التقليديين، وقد كان لهذا الرأى تأثير عميق حتى أن الغزالى فى نهاية التحليل النفسى الرائع "بعجائب القلب" فى كتاب الإحياء ذكر حديث "هؤلاء إلى الجنّة ولا أبالى وهؤلاء إلى النار ولا أبالى".

المصادر

المصادر: (1) Von Kramer: Gesch. d. herrsch Ideem des. Islams، ليبزج 1868 م صفحة 29 وما يليها. (2) Houtsma: De Strijd over het Dogma ليدن 1875 م، صفحة 42 وما يليها. (3) Goldziher: Vorlesungen صفحة 95 وما بعدها. (4) انظر أيضًا وجهة نظر جولدتسيهر Goldziher فى Zeitschr. d. Deutsch. Morggenl. Sesell العدد 57 صفحة 392 وما بعدها. حسين أحمد عيسى [د. ب. ماكدونالد D. B. Macdonald] قدرية تطلق هذه الكلمة عادة كوصف أو لقب للمعتزلة، ولكنها تعود إلى ما قبل المعتزلة عندما بدأ المسلمون يطرحون أسئلة متعلقة بالعقيدة حيث كان هناك متشككون فى الإيمان بالقدر. وقد رفض المعتزلة المتأخرون هذا اللقب وقالوا أنه أقرب إلى الذين يؤمنون بأن قدر اللَّه يسرى على كل شئ الحسن منه والقبيح، ذلك لأنهم يؤمنون بأن للإنسان بعض القدرة على أفعاله، ويقول التقليديون أن هذا الموقف من المعتزلة إنما ليتحاشوا الدخول فى قول الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] "القدرية مجوس هذه الأمة" وذلك لأنهم جعلوا الإنسان خالق للأفعال مما يجعل للَّه شريكًا، كما أن هناك حديثا آخر يقول: "هم المعارضون للَّه فى قدره"، وذلك لأنهم يعلنون أن هناك قدرا منافسا لقدر اللَّه، لهذا يفضل المعتزلة لقب "أهل العدل"، وذلك لأن عدل اللَّه يقتضى أن يكون الإنسان حرًا إذا كان سيثاب أو يعاقب. المصادر: (1) انظر ما ورد فى مادة القدر. (2) الشهرسستانى: الملل والنحل، جزء 1، صفحة 54 وعلى هامش الملل لابن حزم. حسين أحمد عيسى [د. ب ماكدونالد D. B. Macdonald]

القدس

القدس ينقسم تاريخ بيت المقدس الإسلامى إلى ثلاثة عصور يختلف كل واحد منها عن الآخر تمام الاختلاف، ففى خلال القرون الستة الأولى كانت القدس موضع صراع بين الإسلام والمسيحية وبين كثير من الأمراء المسلمين والفرق المتنازعة. ويمتاز تاريخ هذه الفترة ببناء قبة الصخرة الرائعة الشاهدة على الوجود الإسلامى فى تلك المدينة المقدسة والتى بلغت الذروة فى أحداث الصليبيين وانتهت بما شاهده القرن السابع الهجرى (الثالث عشر الميلادى) من تخريب أصاب كل شئ إلّا المبانى المقامة فى منطقة الهيكل والقبر المقدس والتى تركت القدس كومة من الأنقاض. ثم كانت القرون الستة التالية التى لم تكن مليئة -إلى حد ما- بمثل هذه الأحداث، ولقد عاشت القدس فى الأغلب حياة مدينة إقليمية عادية، وامتد إليها النهب على أيدى العمال وكبار الرجال الشرهين وكثيرًا ما وقعت فى أيدى المحرِّضين على الفتنة سواء من الفلاحين أو الأعراب، إلّا أن القدس استفادت فائدة عظمى من طابعها الدينى الذى وجد اتفاقا فى وجهات نظر السياسة الدينية لكل من المماليك والعثمانيين ومن روح العصر العامة، ولا تزال كثير من المبانى المملوكية تزيِّن أرجاء المدينة القديمة، كما يطالع سور السلطان سليمان القانونى المحيط بها زائرها اليوم. ويبدأ تاريخ القدس الحديث بفتحها على يد إبراهيم باشا ابن والى مصر محمد على باشا سنة 1831 م، كما أن الاصلاحات التى بدأها إبراهيم باشا لم يكن فى الامكان تجاهلها من جانب العثمانيين الذين عادت إليهم البلدة عام 1840 م. وتضاءلت القيود التى كانت قد فرضت على غير المسلمين فازدحم داخل القدس القديمة وخارجها بكثير من العمائر والمؤسسات المسيحية المهمّة، كما أن تحسّن ظروف الحياة والمعيشة أغرى كثيرًا من الشخصيات الدينية بالاستقرار فى القدس، فنجد عددًا لا بأس به من سكانها من اليهود منذ

القدس فى القرآن الكريم

سنة 1880 م تقريبًا، وأصبحت القدس عاصمة "متصرفية" يكون واليها مسئولًا مسئولية مباشرة أمام الحكومة فى استانبول، كما صارت فى سنة 1920 م عاصمة فلسطين التى كانت تحت الانتداب، ثم اتخذتها حكومة اسرائيل عاصمة لها ومقرًا لحكومتها فى ديسمبر سنة 1949 م، لكن لم يعترف دوليًّا بما اتخذته اسرائيل فى هذا المجال، ولقد كان من حسن الحظ أن حرب سنة 1967 م والأحداث التالية لها لم تغير من طابع المدينة القديمة، على حين اتسعت المدينة الجديدة فى كل ناحية وفى كل اتجاه اتساعًا ضخمًا. وستظل القدس تعيش على ماضيها. ويسوق مجير الدين العلمي مؤرخ القدس العظيم الذى وضع كتابه "الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل" عام 900 هـ/ 1494 م ملاحظة صادقة هى أنه إلى جانب مادة "فضائل المدينة" و"فتح عمر" والأخبار التى تدور حول قبة الصخرة والعلماء الزائرين لها، فإنه لم يكتب أحد كتابات ذات قيمة كبيرة قبل كتابه هذا، ويعزو جزءًا من هذا النقص فى الأخبار الإسلامية إلى ما جرى من الغزو المسيحى ثم يشير إلى الحقيقة القائلة بأن أبا القاسم المكى الذى ألف كتابًا فى هذا الموضوع قتل على أيدى الصليبيين قبل أن يفرغ من كتابه هذا. على أن السبب الجوهرى لغياب الخبر المنطقى إنما يرجع إلى طابع القدس كمدينة مقدسة عاشت على الاهتمام العظيم الذى لقيته من الخارج والذى كان كبيرًا، وكان أكبر من أى اعتبار سياسى أو إدارى أو ثقافى. القدس فى القرآن الكريم لم ترد كلمة "القدس" بصريح العبارة فى القرآن الكريم، ولكن ليس من شك فى أن عبارة "المدينة المقدسة" كانت معروفة عند النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، ففى القرآن ترد كلمتا "الإسراء، وبنى إسرائيل"، وهنا إشارة واضحة إلى هدم الهيكل الأول والثانى حيث يسميه بالمسجد، إذ جاء قوله تعالى {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ

الفتح

الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى} ويعد هذان الهدمان من الأحداث الحاسمة فى تاريخ بنى اسرائيل، فالرأى الإسلامى السائد هو أن المسجد الأقصى إنما يشير إلى القدس، ونرى عكس هذا فيما يقولونه من أنه لم يكن يوجد ثم بناء يقوم على موقع الهيكل زمن الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-]. وأن "الأرض المقدسة"، تسمى فى القرآن "بالأدنى" فى قوله تعالى {غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ} وليس بالأقصى الذى أريد به المسجد كما جاء فيما اقتبسناه من قبل سورة الإسراء آية 1 (*). ومجمل القول أن الآية تعطى انطباعًا عن خبر عروج ليلى إلى قدس من الأقداس السماوية، ولكن معرفة حال موقع الهيكل فى التعريف الجغرافى لم تكن تدخل فى نطاق اهتمامات النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-]. كذلك يتشابه الموقف هنا بالموقف المتعلق بالقِبلة حيث جاء قوله تعالى: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا}. فهنا لا نجد نصًا صريحًا يذكر فيه كلمة القدس، ولكن الرأى الإسلامى أنها هى المقصودة "القبلة الأولى" وهو أمر صحيح لاشك فيه. الفتح: بعد وقعة أجنادين (فى صيف 13 هـ = 634 م) أصبح جنوب فلسطين متاحًا أمام المسلمين، ولم تكابد القدس أى حصار وقد جاءت أخبار ذلك فى الخطبة التى ألقاها ليلة عيد الميلاد سنة 634 م "سفرونيوس" البطرك العجوز وكانت قد مضت أربع سنوات منذ فتح المسلمين لفلسطين إلى دخول القدس ¬

_ (*) ليس هناك تناقض فى التعبير القرآنى "الأقصى" و"الأدنى" لأن الكلمتين ليستا متضادتين أو متقابلتين، فالأقصى بمعنى البعيد إذا قورن بالكعبة المشرفة. فالكعبة هى الأقرب والقدس هى الأقصى، أما كلمة "الأدنى" فلا تعنى الأقرب وإنما الدُّنيا أى الأكثر انخفاضًا "من الناحية الجغرافية" وبالفعل فقد غلبت الروم فى "أدنى الأرض" أى أكثرها انخفاضًا، وهذا ما تؤكده المصادر الجغرافية والجيولوجية فمنطقة وادى الأردن هى أدنى الأرض أى أكثرها انخفاضًا. انظر على سبيل المثال أطلس العالم الذى أعده شارل جورج، صفحة قبل لوحة (1): "وأدنى نقطة على سطح الأرض هى ضفاف البحر الميت 393 هـ دون سطح البحر" أى تحت سطح البحر، وكل المراجع الجغرافية والجيولوجية التى تناولت البحر الميت ووادى الأردن تؤكد هذا. د. عبد الرحمن الشيخ

الذى وقع فى مطلع عام 638 م (نهاية سنة 16 هـ) أو مستهل التى بعدها، وذلك بعد معركة اليرموك الفاصلة فى (رجب 15 هـ = اغسطس 636 م). ويُمكن تقسيم الأخبار المتعلقة بسقوط القدس إلى ثلاث مجموعات، فأقدم الأخبار وأصدقها تقرر أن الاستلام تم مع خالد بن ثابت الفهمى أحد القادة القليلين الذين لا نعرف عنهم الكثير. وكان من شروط تسليم القدس أن تصبح تابعة للمسلمين على ألَّا تمس المدينة بسوء ما دام أهلها يدفعون الجزية المفروضة عليهم (راجع البلاذرى، ص 139)، ومع ذلك فلا نرى إشارة إلى عقد أى اتفاقية. أما الصورة الثانية فنطالعها فى مرجعين، أحدهما اليعقوبى جـ 1 ص 167، والآخر فى حوليات جـ 1 ص 17، حيث ذكر كل منهما اتفاقية شديدة الإيجاز وإن لم يختلف مضمونها اختلافا كبيرًا عما هو وارد فى رواية البلاذرى. ثم نجد أخيرًا شروطًا مشابهة لهذه أضيفت لما اتفق عليه مع السلطات البيزنطية فى مصر، كما أن هناك بعض المؤلفين المسيحيين (وليس كلهم) يضيفون الشرط التالى "إنه لا يؤذن أن يعيش معهم بالقدس أى يهودى" ونصادف هذا الشرط أيضًا فى الطبرى تاريخ، جـ 1 ص 405، الذى نقل عنه كثير من المسلمين ممن جاءوا بعده، غير أننا نلاحظ أن المصدر الذى استمد منه الطبرى هذا الخبر هو سيف بن عمر الذى ثبت منذ زمن بعيد عدم إمكانية الاعتماد عليه فيما يقول. ومثال ذلك ما يخبرنا به نقلًا عن (الطبرى تاريخ، جـ 1 ص 2404)، عن فتح الرملة وهى المدينة التى أتاها ولى العهد سليمان بن عبد الملك بعد ذلك بثمانى سنوات، وإن نظرة عابرة إلى الاتفاقية التى أوردها سيف بن عمر وإلى تاريخها الخطأ وشهودها العجيبين لتبين لنا أنها لا تستحق الاعتبار، ذلك أنه من الطبيعى فى أزمنة الاضطراب كما حدث فى سنة (879 هـ = 1474 م) حين أمر السلطان المملوكى بإعادة بناء هيكل يهودى فى القدس، أن هذه الاتفاقية كانت تخدم هدفًا معينًا. أما من وجهة النظر المسيحية فمن المفهوم أن بعض الكتّاب أرادوا أن يبقوا

بداية صبغ القدس بالصبغة الإسلامية

على أورشليم كمدينة مسيحية (كما كانت فى العهد البيزنطى) لكن ذلك لم يكن فى صالح المسلمين فى شئ كما أن عملهم برهن على أن مثل هذا الشرط لم يوجد مطلقًا (*) على أنه يمكن إضافة وجهة نظر رابعة إلى هذه الروايات الثلاث القديمة أوردها بعضهم وهى تضيف شروطًا عدة أخرى تضمنها العهد العمرى حيث أخذ المسيحيون على أنفسهم فيما أخذوه ألا يتكلموا العربية، ولعل أكثر من هذا سخرية ما ذكره ابن عساكر (جـ 1 ص 333) من أن الاتفاقية عقدت مع عشرين من اليهود على رأسهم يوسف (وهو خطأ من الناسخ بدلا من يوشع ابن نون)، وهذه رواية ملفقة إذ تحمل نفس الاسم، باعتباره الفاتح اليهودى للأرض المقدسة وهو الذى يقوم بتسليمها إلى أيدى المسلمين. بداية صبغ القدس بالصبغة الإسلامية يشير الطبرى فى تاريخه (جـ 1 ص 408 وما بعدها) وكثير من المصادر الإسلامية والمسيحية المتأخرة إلى زيارة قام بها الخليفة عمر بن الخطاب للقدس، وإن كان كل ما لدينا لايعدو أن يكون مجموعة من الأخبار الموضوعة التى يمكن دحضها بسهولة، إذ تقول إحدى الروايات إن الخليفة اصطحب معه اليهود الذين دلّوه على الموضع الحقيقى للهيكل الذى كان المسيحيون قد طمسوه عن قصد بما هالوه عليه من الأحجار، فلما أزيل ما عليه اقترح كعب الأحبار على عمر أن يصلى خلف الصخرة المقدسة حتى يكون بوضعه هذا مستقبلا القبلتين معا، فرفض الخليفة ما أشار به عليه كعب الأحبار حتى لا يستعمل المسلمون شيئًا سوى الاتجاه إلى الكعبة وحدها؛ وليس من شك فى أن هذا الخبر واحد من الأخبار الكثيرة التى وضعت لدحض "بدعة" المغالاة فى قداسة القدس (انظر ما سيرد ذكره فيما بعد). أما المصادر المسيحية فتقول إن الخليفة ¬

_ (*) رغم بقاء القدس فى أيدى المسلمين إلَّا أن المقدسات المسيحية لم تمس ولم تنقص شيئًا. وكذلك المقدسات اليهودية كما تشير كل المصادر الأجنبية، راجع على سبيل المثال رحلة الأمير النمساوى ردلف رد جـ 3 (نشر الهيئة المصرية العامة للكتاب). د. عبد الرحمن الشيخ

زار الكنائس ولكنه رفض الصلاة فى أى واحدة منها حتى لا يقدم مسلم من بعده فيدّعى حقه فى الصلاة بها، ولقد كان هذا الخبر يعبّر عن رغبة كريمة وُجِدت فى ظروف خاصة، ولما كانت ظروف الاستسلام قد أعطت النصارى عهد أمان فى أداء صلواتهم فى كنائسهم فإنه من المحتمل أن منطقة الهيكل كانت تستعمل كمكان يؤدى فيه المسلمون صلواتهم من البداية ويبدو مما هو وارد فى المصادر القديمة أن المسلمين الأوائل الذين استقروا ببيت المقدس كانوا من المدينة المنورة أمثال أوس ابن أخى حسان بن ثابت شاعر الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، وكان أوس من تلاميذ كعب الأحبار، وكان ورعا تقيا، (انظر ابن سعد 7/ 2، 142) وكان له قبر فى أيام مجير الدين يزوره الناس (راجع الأنس الجليل ص 233)، كما يورد ابن سعد لنا أيضًا ثبتًا تضمّن أسماء الكثير من أهل المدينة ممن استقروا بالقدس (ابن سعد 3/ 3، 57، 7/ 2، 129. . .) ومن بين هؤلاء الصحابى عبادة بن الصامت أول من ولِّى القضاء بالبلد وكما يقرر الذهبى فى دول الإسلام جـ 1 ص 14). ولما كان الأنصار معدودين أصلا من بلاد اليمن فقد كان من الطبيعى أن يكون من أهل اليمن، وهذا ما نستفيده من ابن سعد (7/ 2، 140) ثم استقر هؤلاء اليمنيون هناك. وربما كان الحديث الذى يشير إلى أن "عمران بيت المقدس هو خراب يثرب" لم يكن سوى كلمة "طيبة" تشير إلى هذا الخروج من عاصمة الحجاز إلى القدس، ولتكملة هذا الحديث: راجع مسند أحمد بن حنبل جـ 5 ص 232، 245، والملاحم لأبى داود، ص 3 والبيان والتبيين للجاحظ (طبعة السندوبى) جـ 2 ص 28، والبداية والنهاية لابن كثير جـ 2 ص 79، ووفاء الوفا للسمهودى جـ 1 ص 120، والسراج المنير جـ 1 ص 740 حيث ترد الإشارة إلى مصادر أخرى غير التى ذكرناها. ويقرر المقدسى والكثيرون غيره أن الخليفة عثمان بن عفان الذى ولِّى الخلافة بعد ثمانى سنوات فقط من فتح المسلمين لبيت المقدس -قد أوقف

القدس فى العصر الأموى

خراج بساتين سلّومة الغاصة بالخضراوات على فقراء المدينة، وصارت سلومة حسب شروط الصلح فى أيدى المسلمين. وكانت أم الدرداء (زوجة قاضى دمشق الحكيم) تمضى ستة أشهر كل عام بالقدس "وتجلس بين الفقراء" كما يقول صاحب الأنس الجليل، ص 254، وربما كانت هذه الأخبار موضوعة وملفقة ولكن أوردها من ذكروها استرضاءً للمسيحيين الأوائل لما كان لهم من نفوذ كبير هناك. ولقد أدّى الفتح الإسلامى بالجماعة المسيحية الموجودة بالقدس إلى حال من الاضطراب الشدى يد إذْ ما كاد المسلمون يفرغون من فتح البلد حتى مات البطرك العجوز "سوفرونيوس" وظل مكانه شاغرًا لم يشغله أحد حتى سنة 706 م. ونلحظ أن تاريخ بطاركة القدس فى السنوات الأولى من الحكم الإسلامى كان يعتوره من الغموض ما يعتور السلطة الدينية اليهودية هناك خلال هذه الفترة، لكن القدس ظلت محافظة على طابعها المسيحى، فيشير المقدسى إلى أن أيام العطلات النصرانية كانت مرعية. القدس فى العصر الأموى (*) امتد حكم الأمويين من سنة 19 هـ حتى سنة 132 هـ، ولم يكد ينصرم عامان على فتح بيت المقدس حتى أصبح معاوية بن أبى سفيان الأموى قائد الجيش العامل فى فلسطين والشام، وطال حكمه بهذه البلاد أربعين عاماء ما بين والٍ [للخليفة فى المدينة] وخليفة بعد قيام الدولة الأموية، ولقد شهدت القدس فى أيامه حادثين من الأحداث الفاصلة ذلك أنه فى سنة 38 هـ = 658 م اتفق هو وعمرو بن العاص فاتح مصر اتفاقًا كان فيه تقرير مصير النزاع الذى كان قائمًا حينذاك بين والى الشام ابن أبى سفيان وبين على بن أبى طالب وتضمّن هذا الاتفاق ما فيه صالح معاوية (ابن سعد 4/ 2، ¬

_ * أدخل المؤلف فى هذا التاريخ فترة ولاية معاوية للشام قبل أن يصبح خليفة فى عام الجماعة كما هو معروف. (هيئة التحرير).

22 وما يليها)، ونص هذا الاتفاق -كما يبدو- صحيح غير موضوع ولما كان شهر صفر أو ربيع الأول من عام 40 هـ (= يوليو 660 م) بويع معاوية بالخلافة فى القدس، ولقد أورد هذا التاريخ أحد المصادر السريانية الذى يعود فيقرر أيضًا أن معاوية صلى فى هذه المناسبة فى جبل الجلجتة وعند قبر مريم (راجع فى ذلك Noldeke in 2 ZMG., xxix, 95) ولم يكن هذا غير مظاهرة سياسية. وفى خلال حكم معاوية كان اتخاذ منطقة الهيكل موضعًا لصلاة المسلمين قد أصبح أمر، مقررا، وقد وصف الأسقف اركولفوس Arculfus حوالى سنة 680 م اتخاذ هذه الناحية مكانا للصلاة انظر L.Bieler: Lorpus lhrinerararia, 1965, 1771 كما يقرر مطهر بن طاهر تقرير، لا لبس فيه ولا غموض أن تشييد قبة الصخرة تطلب استعدادات ضخمة وضعت أيام معاوية التى امتازت بالاستقرار، على حين أن النقش المكتوب عليها مؤرخ بسنة (اثنتين وسبعين للهجرة = 691 م). ولقد اتسمت بداية عهد عبد الملك بن مروان بالاضطرابات والقلاقل الخطيرة، وكان لعبد الملك أسبابه القوية التى تحمله على بذل الجهود لتكملة العمارة حتى يستقر فى نفوس الناس أنه بطل الإسلام العظيم. غير أن السنوات الأولى من خلافته -كما قلنا- لم تكن تساعده على القيام بمثل هذا العمل الضخم والاستمرار فيه حتى يتمه خلال فترة قصيرة كهذه الفترة. أما الأمر مع معاوية فكان على النقيض من ذلك إذ تيسر له الثراء الكبير، ولذلك عرف عنه كثرة ما شيد فى مكة من مبان استهدف من ورائها ما يعود بالفائدة على الحجاج والمجاورين لبيت اللَّه الحرام ولم يخلفه من الأمويين من استطاع مجاراته فى هذا الميدان (انظر M.J.Kister: Some reports concerning mercca, in JESHO, xv 1972 p. 84 - 91). على أن جولدتسميهر فى كتابه "دراسات إسلامية، جـ 3 ص 44 - 46" يطيل فى شرح نظرية مؤداها أن عبد الملك فى بنائه قبة الصخرة إنما كان يحاول أن يحمل الحجاج على

الانصراف إلى القدس بدلًا من مكة التى كانت إذ ذاك عاصمة منافسه عبد اللَّه بن الزبير، ليسوق من الأخبار ما يلقى الضوء على هذا النضال السياسى من أجل الخلافة. وقد صادفت هذه النظرية قبولًا عند بعض المغرضين من كتاب التاريخ الإسلامى ولكنها لم تستطع الصمود، إذ ليس هناك أبدًا من كبار المؤرخين المسلمين من رجال القرن الثالث الهجرى (التاسع الميلادى) الذين فصلوا أحداث الصراع بين عبد الملك وابن الزبير تفضيلًا دقيقًا، ولا بين الجغرافيين القدماء (بما فيهم المقدسى وهو من أهل القدس) أقول ليس هناك بين هؤلاء ولا هؤلاء من يشير -ولو إشارة عابرة- إلى مثل هذه النزعة من جانب الخليفة الأموى عبد الملك بن مروان، بل نطالع ما يخالف هذا الرأى حين ننظر فى الطبرى (تاريخ، جـ 2 ص 781 - 783) وغيره من المؤرخين فنراهم يقررون فى جلاء قيام جند عبد الملك بن مروان بالمشاركة فى أداء الحج سنة ثمان وستين للهجرة (= 687/ 688 م)، بل إنهم كانوا حريصين على أداء هذه الشعيرة حتى أثناء حصار مكة، ذلك الحصار الذى أنكره عليهم ابن الزبير، وكان لابد له بطبيعة الحال أن يرفضه (انظر الأنساب للبلاذرى جـ 8 ص 360). وبالإضافة إلى ذلك فمن الواضح أنه لم يكن فى قيام عبد الملك بمثل هذا العمل ما يؤدى إلى دعم موقفه، بل كان لابد لمثل هذا الأمر أن يعرّض مكانته للخطر إن هو حاول القيام بتغيير وجهة الحج من البقاع المقدسة التى نص عليها القرآن الكريم أو تبديل القبلة فى الصلاة، لأنه إن فعل ذلك فإنه يكون قد هدم أحد أركان الإسلام الخمسة، ووضع نفسه فى زمرة "الكفار"، وأصبح "الجهاد" ضده "فرض عين". أما المصدران الآخران القديمان اللذان يشيران إلى الزعم بأن عبد الملك حاول ببنائه قبة الصخرة أن يجذب الحجيج إلى بيت المقدس فهما اليعقوبى جـ 1 ص 311. وانيوخيوس جـ 2 ص 39، وقد تصدى للرد عليهما جماعة من المؤرخين تبينوا ما فى روايتهما من فساد وخلل إذ قالا إن الأمويين نهوا عن الحج إلى مكة مما يناقض تمام

المناقضة ما ظهر من جانب الخلفاء أنفسهم من أنهم قاموا بأداء الحج. ويذكر ناصر خسرو الذى زار القدس سنة 439 هـ (1047 م) أن المسلمين فى فلسطين الذين عجزوا عن الحج تجمَّعوا فى القدس وكأنهم قد انجزوا "الوقوف" بحضرة اللَّه جل جلاله على جبل عرفات المقدس. وإن هذه الرواية التى يُدْلَى بها فى بعض الأحيان لدعم نظرية جولدتسيهر يجب أن تفسر فى ظل مفهوم إسلامى أوسع من هذا المفهوم، ونعنى بذلك أن هذا "الوقوف" كان يحدث فى بعض مدن الولايات الأخرى كالبصرة والفسطاط، ويطلق عليه اسم "التعريف" وهى كلمة مشتقة من كلمة "عرفات". (انظر ابن تغرى بردى، جـ 1 ص 207)، لكن الحافز الحقيقى الكامن وراء بناء قبة الصخرة فى الموقع الذى هى فيه وبالصورة التى هى عليها إنما كان دافعًا دينيًا، بالإضافة إلى تعريف العرب بأن المنشآت العظيمة تعتبر الشاهد الناطق على عظمة الحكام، ونرى أن رجاء بن حيوة من أهل بيسان الذى وكل إليه الإشراف على عمليات البناء كما يقول صاحب الأنس الجليل، ص 241، كان من أبرز محدثى الشام، وكان رجلًا ورعًا تقيًا زاهدًا كما هو وارد فى التهذيب لابن حجر جـ 3 ص 266. وكان هو وأمثاله من المؤيدين لهذا العمل. ثم إن إيثار الإسلام لهذه البقعة بالذات يبين فى وضوح أن الإسلام وحده -دون سواه- هو الوريث الوحيد للديانات التى سبقته. يضاف إلى ذلك أن الرخام الرائع المحلى بفصوص الجواهر والزينات المتنوعة كلها إتمام وتصديق لما جاء فيما بشرت به التوراة عن قدس المستقبل، وهى نبوءات أصبحت معروفة للمسلمين (ابن الفقيه جـ 5 ص 97 فى BGA) حتى إنهم أدخلوها فى الأوصاف الأسطورية التى وصفوا بها هيكل سليمان (شرحه، ص 99) وتتفق المصادر الإسلامية واليهودية على السواء على أن اليهود كانوا يقومون بالخدمة فى هذه الناحية، إذ كانوا يتولون نظافة الهيكل وإسراج قناديله بل وصناعة القناديل الزجاجية،

فإذا كانت هذه المصادر صادقة فيما تقوله فلابد أن ذلك كان فى فترة قصيرة من الزمن وموغلة فى القدم. كما أننا نجد من ناحية أخرى أن الاهتمام بالزيت لإضاءة منطقة الهيكل كان معدودًا من الأعمال الدينية المقدسة عند المسيحيين واليهود على السواء، ويقول الخصّاف المتوفى سنة 261 هـ (= 874 هـ) فى كتابه عن الوقف (ص 341) أنه إذا ما أوقف مسيحى أو يهودى أرضه أو داره ليصرف ريعها على إصلاح بيت المقدس فيقبل ذلك منه، لأن هذا العمل فى نظره من أعمال الخير، هذا على الرغم من أن المؤلف ذاته سبق له أن أشار بأنه لا يجوز أن يُقبل من ذمى وقف يوقفه على أغراض إسلامية معينة، وحدث أن يهوديًا من أهل إيطاليا من رجال القرن العاشر الميلادى كان أسخى الناس كفا ومن جيادهم قد أوقف زيتا على مكان طاهر فى السور الغربى أعنى على المذبح الموجود بالداخل (Ahim'as: Ehrnicle, ed B. Klar. Jerus - abem 1944. P. 47 وإذا خلينا جانبًا بناء قبة الصخرة فإننا نجد أن العصر الأموى حفل بإنشاء إنجازات معمارية ضخمة أقامها بالقدس فى كل من المسجد الأقصى ودار الإمارة، كما استحدث فى هذا العصر بوابات جديدة (ويعيد ابن الأثير الكامل جـ 11 ص 226) الإشارة إلى قصة الباب المزين بنقش أمر به الحجاج وقت أن كان واليًا على فلسطين وكيف أن هذا النقش ظل سليما على حين أن النقش المحفور عليه اسم عبد الملك قد سقط. كذلك استصلح عبد الملك الطريق الواصل إلى القدس (وهذا مذكور أيضًا فى أحد المصادر اليهودية)، ومن الجلى الواضح أنه كان لمثل هذه العمليات العمرانية الشاملة أثر كبير عند سكان القدس. إن أساسات المبانى الأموية الواقعة إلى الجنوب والجنوب الغربى للجامع الأقصى والتى كشفت عنها حفريات "هازار" الحديثة التى تمت فيما بين عامى 1968، 1976 م ترجح أن

القدس زمن بنى العباس

المسلمين خططوا لأن يفعلوا فى فلسطين ما فعلوه من قبل فى إفريقية ومصر والشام، أعنى بذلك أن يقيموا مركزا إداريا بريا يحل محل العاصمة البيزنطية الساحلية (وهى قيصرية)، ونظرًا لعدم وجود مصادر مكتوبة بين أيدينا عن هذا الموضوع فإننا لا نستطيع أن نعرف لماذا لم تَحْظَ القدس فى النهاية بمثل هذا الوضع، وربما كان ذلك بسبب وقوعها على بعد كبير عن خطوط النقل والاتصالات الدولية الرئيسية. لقد كان تأسيس مدينة "الرملة" كعاصمة لولاية فلسطين على يد ولىّ العهد سليمان بن عبد الملك ضربة لمدينة "اللد" المجاورة لها، ولكنها كانت على المدى البعيد عملًا مجحفا كل الإجحاف بالقدس، وتقول الأخبار المتأخرة إن سليمان بن عبد الملك أخذ البيعة لنفسه فى القدس وأنه كان يعتزم الإقامة بها (انظر ابن كند جـ 9 ص 174)، لكنه اتخذ الرملة مقامًا دائما له، ومن ثم أصبحت البلدة هى المركز الإدارى والاقتصادى للإقليم، وكان المقادسة يدركون هذه الحقيقة تمام الإدراك، يتجلى ذلك مما لاحظه أحدهم وهو مطهر بن طاهر (جـ 4 ص 72) إذ يقول إن بيت المقدس "صار من سواد الرملة، بعدما كان دار الملك فى أيام سليمان وداود". القدس زمن بنى العباس: امتدت حكومة العباسيين من 132 حتى 358 هـ (= 750 - 969 م) (*)، وكانت نهاية الحكم الأموى للقدس (ولفلسطين والشام عامة) فترة شهدت مصائب فادحة، فقد حدث فى أعقاب ما جرى من تمرّد ضد مروان الثانى آخر الأمويين أن امتدت يد الهدم والتدمير إلى أسوار بيت المقدس، وعانى سكانها الأهوال والشدائد، وزادت الزلازل الطين بلة. حقيقة أن الأسرة الجديدة (العباسية) عنيت فى مستهل حكمها ¬

_ * انتهى الحكم العباسى كما هو معروف 656 هـ بعد الغزو المغولى ثم كان شكليا بعد انتقال الخلافة للقاهرة، والمؤلف هنا يقصد الحكم العباسى المباشر لا من خلال أسر حاكمة شبه مستقلة. [التحرير]

عناية خاصة بالمحافظة على طابع المدينة المدينى، وتجلّى ذلك فى أول زيارة قام بها المنصور العباسى، الذى ما كاد يعود إلى بغداد سنة 140 هـ (= 758 م) بعد أن فرغ من حجه بمكة حتى بادر بالذهاب إلى القدس (الطبرى تاريخ جـ 3 ص 129) وربما فعل المنصور ذلك ليفى بنذر نذره على نفسه -كما يقول المسعودى جـ 6 ص 212) بمناسبة مرور مائة عام قمرى منذ أن بويع معاوية فى المدينة المقدسة ثم كانت الزيارة الثانية للقدس هى التى قام بها الخليفة العباسى نفسه سنة 154 هـ (= 771 م) بسبب حدوث فتنة كبرى فى المغرب (الطبرى تاريخ، جـ 3 ص 372)، وقد صحبه حتى بيت المقدس العسكر الكثير الذين جمعهم بنفسه للقضاء على هذه الفتنة (راجع الفتوح للبلاذرى ص 233 وابن الأثير جـ 5 ص 467)، كذلك قام ابنه المهدى بزيارة القدس والصلاة بها (الطبرى تاريخ جـ 3 ص 500). أما هارون الرشيد فلم يزرها قط إذْ منعه من ذلك ما اعتاده فى الغالب من الحج إلى مكة بين عام وآخر ومداومته الحضور إلى الشام لمحاربة بيزنطة، وكان ابنه المأمون مثله فى هذا الأمر رغم أنه سافر إلى الشام بل والى مصر وإلى كثير من الأقطار غيرها، وكذلك لم يزرها قط أحد من الخلفاء العباسيين الذين جاءوا بعده. ولقد كان التغيير فى الموقف يعكس الاتجاه الجديد للنزعة الإسلامية التى تكره "البدع" التى أذاعتها الأساطير عن القدس. ويقرر أحدهم (Theophanes: I, 446) أن المنصور فى أثناء زيارته للقدس أمر جميع المسيحيين واليهود بها أن يكتبوا بالوشم أسماءهم على أيديهم حتى لايستطيعوا الهروب من دفع الجزية، لكن ترتب على هذه الإجراءات فرار كثير من النصارى عبر البحر إلى بلاد الروم، ولقد اتخذت هذه الاجراءات وأمثالها قبل ذلك بزمن بعيد، ولكن اتخاذ هذه الإجراءات تجاه القدس فى أثناء هذا الوقت يوضح مبلغ الزيادة الضخمة فى أعداد سكان المدينة المسلمين والذميين، كما ازداد اندماج العناصر المختلفة بعضها ببعض إلى حد كبير. ولابد أن هذه الزيادة كانت ترجع

إلى دوافع دينية تمسكا منهم بالقول الذى يؤكد للمسلمين أن اللَّه كافل الرزق على الدوام لأهل بيت المقدس (انظر ابن الفقيه جـ 5 ص 94) ونطالع فى معظم تراجم الصوفية الأوائل لاسيما الايرانيون منهم أنهم عاشوا فى القدس بين آنٍ وآخر (JAOS, lxx, 107) كما أن المراجع الصادقة تؤكد أن هناك تدفقا كبيرًا إسلاميا جاء من إيران. ولقد ارتفعت معنويات نصارى بيت المقدس ارتفاعًا عظيما بفضل الاهتمام الذى أولاه للقدس حكام أوربة الغربيون وأتقياؤها، ومهما يكن الحق فيما كان من أمر الشعارات المتبادلة بين هارون الرشيد وشارلمان ومما يقال من تسليم هارون مفتاح القدس وعلمها إلى امبراطور الفرنجة وذلك فى رومة سنة 800 م وقت تتويجه امبراطورًا، إلا أن الأمر الذى لا مشاحة فيه أن هناك كثيرا من المبانى استحدثت لتسدّ احتياجات الحجاج [المسيحيين] والوافدين الجدد التى يطلبونها من الناحية الدينية والمادية، ويرجع الفضل فى إقامة هذه المؤسسات بالقدس إلى الإمبراطور شارلمان ومن خلفه (ويوجد ثبت يضم هذه الأعمال وارد فى: Toblerltinera hierozlymitano, I, 314) ونعرف أن لويس بن شارلمان وخليفته فى حكم الامبراطورية أصدر أمرًا يقضى بأن تدفع كل ولاية فى مملكته "دينارًا denarius" لسدّ احتياجات القدس المسيحية. ومن الواضح أن معظم الأموال التى كانوا يحتاجونها لدفع الجزية وغيرها من الالتزامات المفروضة على نصارى المدينة إنما كانت تأتى من خارج البلاد، ونستطيع أن نتبين ما كانت عليه بِنْيَةُ السكان المسيحية من الكلمة التى تحتوى على النساك الذين كانوا يعيشون فى الخلايا والصوامع على جبل الزيتون، فقد كان منهم أحد عشر فردًا مهمتهم قراءة المزامير باليونانية، وستة لقراءتها بالسريانية، وخمسة لتلاوتها باللاتينية، وأربعة ينشدونها بالجرجية واثنان بالأرمنية وواحد بالعربية (راجع Toble I, 302: Op. Cct) وحدث فى حوالى سنة 800 م أن المجلس اليهودى الأعلى المعروف باسم يشيفا Yeshiva والذى يرأسه الحاخام

الأكبر الذى يسمونه بالجاؤن Caon (وهو يعادل البطرك عند النصارى) انتقل من طبرية إلى القدس، لكن سرعان ما نافس سلطانه القراءون، وهم طائفة يهودية منشقة اتخذت القدس مركزًا لها، وكانت فتوى القرَّائين (التى نمت وتطورت فى أرض إيرانية) تشبه كثيرًا ما تدعو إليه الشعوبية فى الإسلام من وجوب العودة إلى الكتاب المقدس وإحياء اللغة العبرية واتخاذ الأرض المقدسة وطنًا والاستقرار بها. والغالب أن هذه الحركة ولدت وترعرعت فى دوائر قريبة من العرب أو موظفى الحكومة اليهود وغيرهم من البارزين فى المجتمع. ولقد ترتب على ذلك أن أصبح من اليسير على "القرائين" المستقرين فى القدس أن تكون لهم اليد العليا، كما صارت القدس فى واقع الأمر مركزهم الروحى الرئيسى. وقد حدث فى أثناء المنازعات الجدلية بين هذه الجماعات اليهودية وفى خلال الفتن التى كانت ظاهرة تميز بها القرن الثالث الهجرى (التاسع الميلادى) أن فَقَد أحد رؤساء اليهود الجاؤن حياته، وكاد أن يلحقه اثنان غيره ويشاركانه مصيره لولا نجاحهما -ولكن بعد مشقة- فى الفرار فكتبت لهما الحياة. (I. Mann: Jews in Egypt and the Fatimids, reps.470, Palestine under p.57 ولقد تعلمت هاتان الطائفتان بمرور الوقت التعايش معًا جنبًا إلى جنب والتعاون فيما بينهما فى مصر، وإن كان ذلك على مجال أقل فى القدس *. ولقد اعترف الفاطميون بجاؤن القدس رئيسًا ليهود القدس الربانيين فى الدولة الفاطمية (انظر Giotein: A Mediterauaeu Socicly, Berhley 2 les Augeles, 97/.5 ff وقد حدث فى أثناء عهد المأمون (918 - 218 هـ = 813 - 833 م) أن ضربت المجاعة القدس وقل عدد مسلميها مما ساعد البطرك على اغتنام الفرصة لإنجاز بعض الترميمات فى مبانى البلد الدينية (Eutychius, 55 - 57) لكن الذى كان أشد هولًا هو فتنة الفلاحين الكبرى التى اندلعت نيرانها قرب نهاية حكم الخليفة المعتصم (218 ¬

_ (*) مقابر اليهود القرائين فى مصر منفصلة عن مقابر غيرهم من الطوائف الأخرى. [التحرير].

- 227 هـ = 833 - 842 م) وكانت بقيادة رجل عرف بأبى حرب المبرقع [اليمانى، فقد كان غائبًا عن داره فلما حضر أنبأته امرأة من آل بيته أن جنديا دخل الدار فدفعته فضربها بسوط أثر فى ذراعها، فلما رأى أبو حرب أثر الضرب اشتمل سيفه ومضى إلى الجندى المعتدى فقتله ثم هرب ووضع على وجهه برقعا، ومضى إلى جبل من جبال الأردن لا يعرف أحد له خبرًا، فإذا كان الوقت نهارًا ظهر وراح يحث الناس على الأمر بالمعروف وشايعه الكثيرون لاسيما من اليمنية] وأحدث فتنة سرعان ما اجتاحت أرجاء بلاد الشام، وادعى أبو حرب بدعوى السفيانى، الذى هو من أصل أموى، وقلل مقدار الجزية وأسرف فى وعوده للناس، ثم دخل القدس ففر من أمامه أكثر سكانها من المسلمين والمسيحيين واليهود، وامتدت أيدى من معه بالنهب والسلب ولم تسلم أماكن العبادة ولم يحل بينه وبين أن يحرق القبر المقدس إلّا ما دفعه له البطرك من الأموال الطائلة، ولقد برهنت هذه الفتنة على أنها حقا "ثورة فلاحين" إلا أنها عجزت عن الصمود فى وجه القوات النظامية التى بعث بها الخليفة المعتصم بقيادة رجاء بن ايوب الحضارى، وانتظر حتى إذا صار أبو حرب المبرقع فى زهاء ألف أو ألفين من رجاله هاجمه ووقع أسيرًا وبعثوا به إلى المعتصم. راجع فى ذلك ابن الأثير الكامل جـ 6 ص 371 - 372. الذى لم يشر إلى القدس. ولما كانت سنة 256 هـ (= 869 م) ولى حكم الشام وفلسطين لأول مرة وال تركى اسمه "امجور" كما يقول ابن الأثير ولكن ذلك لم يؤد إلى تغيير فى أساليب الحكم العباسى الذى طبع منذ زمن بعيد بطابع البيروقراطية التى تعتمد إلى حدّ كبير على المرتزقة الأجانب الماجورين ثم قام "اثيودوسيوس" بطرك القدس وأثنى على المسلمين لسماحهم للنصارى بتشييد الكنائس وممارسة شعائر دينهم دون ضغط أو تضييق عليهم J. D. Mansi: cancibiarum collctio, repr., 1960, xvi, 26 كما أبدى الراهب "برنارد" إعجابه بسلامة الطرق فى البلاد (راجع: Tobler

Itinera, 310. ولقد قام أحمد بن طولون الذى أخذ فى يده مقاليد السلطة سنة 254 هـ (= 868 م) فغزا فلسطين عام 264 هـ (= 878 م) لكنه لما قامت الحرب بين الطولونيين والاخشيديين وبين ولاة مصر وساداتهم العباسيين لم تحرّك القدس ساكنًا ولم تقم بأى دور فى هذا الصراع، غير أن دور القدس دخل منعطفًا جديدًا ذلك أن الاعتقاد السائد بأنها سوف تكون مسرح القيامة والباب المؤدى إلى الجنّة كما يقول ابن الفقيه، أقول كان لهذا الاعتقاد أثره فيما جرى من جانب الأثرياء إذ أعدّوا أنفسهم ليدفنوا بها؛ ويقرر الطبرى (تاريخ جـ 1 ص 486) وغيره من المؤرخين أن اليهود من كافة الأقطار فعلوا ما فعله موسى إذ حمل نعش يوسف معه من مصر، فراحوا يجيئون بموتاهم إلى الأرض المقدسة. وتبرهن كثير من وثائق "الجنيزة" على أن هذه العادة انتشرت بصورة ملحوظة حتى بين ذوى الدخل المحدود وأنها ترجع إلى أيام الرومان حين كان اليهود الحميريون يدفنون موتاهم فى مقبرة "بيث شعرييم" قرب حيفا. ويبدو أن هذه العادة أصبحت عامة مألوفة فى القرن الرابع للهجرة (العاشر للميلاد) بين المسلمين أنفسهم، فنجد أن "عيسى ابن موسى النوشرى" -وهو أول والٍ عباسى على مصر بعد زوال الطولونيين يدفن فى القدس سنة 269 هـ (= 909 م)، كما ضم ثراها رفات مؤسس الدولة الاخشيدية التركى محمد بن طغج الذى مات بدمشق سنة 334 م (946 م) فحملوه إلى القدس ودفنوه بها كما دفنوا رفات غيره من أهل بيته وحواشيهم ومنهم الخصىّ الأسود كافور أحد حكام مصر. ويسوق الطبرى (تاريح: جـ 3 ص 2128) وآخرون غيره فى أحداث عام 891 م أن طائفة القرامطة الباطنية كانوا يتجهون فى صلاتهم نحو بيت المقدس ولم يفت الطبرى أن يلاحظ فى الوقت ذاته أنهم يجعلون يوم الاثنين يوم صلاتهم الاسبوعية بدلا من يوم الجمعة، ويتشبهون باليهود فيجعلونه يوم راحتهم. ولم تكن هذه الأمور الغريبة وأمثالها من الأمور المتبعة فى الإسلام. ولقد واصل القرامطة غاراتهم

المدمرة فلم تسلم منهم فلسطين، لكن لا توجد ثمة إشارة على وصول هذه الغارات إلى بيت المقدس. إن عدم قيام حكومة مركزية قوية أثناء القرن الثالث الهجرى (التاسع الميلادى) إلى جانب ظروف أخرى مثل الاعتداءات البيزنطية على التخوم الإسلامية والتى بلغت ذروتها على يد الإمبراطور "نقفور فوكاس" الثانى فى سنة 964 م حتى راح يتباهى بتهديده بالاستيلاء على القدس وانتزاعها من يد المسلمين، . . . كل ذلك أدّى إلى وقوع مصادمات بين شتى الطوائف الدينية المختلفة، فقد تم الاستيلاء على نصف الساحة الخارجية للقبر المقدس وأنشئ مكانها مسجد عرف فيما بعد بمسجد عمر، وذلك تأكيدًا بأن الخليفة صلَّى هنا. وكان ذلك ردًا على الدعاوى المسيحية، كما أنه جرى بعد قليل من هذا الحادث، وفى يوم حدّ السعف عام 938 هـ, أن هوجم احتفال مسيحى وأضرمت النار فى القبر المقدس، على أن سوء الأوضاع فى هذا العصر بلغ ذروته فى أحداث عام 355 هـ (= 966 م) مما حمل بطرك القدس على أن يلتمس من والى مصر العبد الحبشى كافور الاخشيدى أن يتدخل بنفسه لوقف تجاوزات والى القدس الظالم حين فرض على النصارى مطالب مالية جائرة فبادر كافور الاخشيدى وبعث من ناحيته ضابطا تركيا لحماية النصارى ولكن واليه القاسى لم يتزحزح قيد أنملة عن موقفه الذى تمثل فى تحريكه الرعاع ضد البطرك حين ألزمه -يوم الاحتفال بأحد السَّعف- على أن يدفع أكثر مما جرت العادة بدفعه فى مثل هذا اليوم، وترتب على ذلك أن امتدت يد النهب إلى القبر المقدس وغيره من الكنائس وأشْعِلَتْ فيها النيران حتى لقد اغتيل البطرك ذاته فقتل وأحرق جثمانه. وإذا كان يحيى ابن سعيد الانطاكى هو الذى يروى هذا الخبر فإنه يضيف إليه أن اليهود بزّوا المسلمين فى تدمير المبانى المقدسة، ولكن هذا الأمر يبدو من الأمور المستغربة إذا أخذنا بعين الاعتبار ضعف موقف اليهود فى بيت المقدس لكن ربما وجدنا تفسيرًا لهذا العمل من

الفاطميون والتركمان والسلاجقة

جانب اليهود فى ملاحظة عابرة ذكرها أحد الكتَّاب القرّائين المعاصرين لهذه الأحداث وهى تشير إلى ما كان يدبرُه المسيحيون من مكائد سرّية ضد اليهود بالمدينة (J. Mann: Texts and studies II, 18 - 19). وكذلك كثرة شكاياتهم من اليهود وقد وردت هذه كلها فى ثنايا الرسائل التى وصلت من القدس والبندقية إلى هنرى الأول سنة 922 م. الفاطميون والتركمان والسلاجقة (358 - 492 هـ = 969 - 1099 م). سرعان ما دخلت فلسطين (بما فيها القدس) تحت سيطرة الفاطميين بعد قليل من فتحهم لمصر، لكن دخولهما فى دائرة هذا النفوذ الفاطمى لم يصحبه إلا مشاركة ضئيلة فى الازدهار الاقتصادى الذى حدث فى السنوات المائة الأولى من حكمهم، وكانت فلسطين عرضة على الدوام لغارات القرامطة والبدو الذين تحالفوا معا وصاروا يدًا واحدة لكن سرعان ما جاء كل فريق منهم على حدة منذ سنة 363 هـ (= 974 م) ولقد ظل بنو جَرَّاح لمدة تقرب من سبعين عاما يحاولون الاستيلاء على الإقليم بما فيه القدس (انظر ابن الأثير 10/ 308)، وكان الأباطرة البيزنطيون يعاونونهم فى بعض الأحيان، وقد بلغت هذه الغارات غاية ما يمكن أن تبلغه من ايقاع الأذى والضرر فى العشرينيات من القرن الحادى عشر الميلادى، ولم يكن لها مثل فى الأقطار الإسلامية (انظر رسالة "جنيزة"، فى J.Mann: Jeus in Egypt, II. 181 كما أن التفاصيل الواردة فى رسائل الجنيزة تبعث فى النفس النفور. لكن الاضطرابات المحلية التى كانت لا تنقطع أبدا قد غطت عليها -مؤقتًا- الاضطهادات العامة التى وقعت على المسيحيين واليهود بأمر الخليفة الحاكم (386 - 411 هـ = 996 - 1021 م) والتى بلغت ذروتها فى محاولة هدم القبر المقدس يوم 28 سبتمبر 1009 م ولا يمكن تفسير هذا الإجرام الشاذ على ملابسات خاصة كاضطراب ذهن الخليفة أو غضب المسلمين بحجة انقاذ الحمية الدينية M. Cunard: La destrution

dele Egylise de la Resurrection et la descente du leu socre (Byzantion, xxv, 1965, 16 - 43، واستغرق الاضطهاد وقتا طويلًا ولم يقع الاضطهاد على اليهود إلا بدءًا من سنة 402 هـ (= 1012 م) فى اللحظة التى أخذ فيها مسيحيو القدس (مساعدة فى السر أو تأييدا من جانب الشيخ البدوى مفرج ابن الجراح) ليحاولوا إعادة إصلاح الهيكل المقدس (القبر المقدس)، ومن المحتمل كل الاحتمال أن ما حدث فى سياسة القيادة الإسماعيلية من التحول كان هو السبب الرئيسى فى وقوع هذا الاضطهاد، وعلى أية حال فإن هذا الأمر جعل القدس كومة من الأطلال بعد أن كانت عامرة قبله بالعديد من العمائر المسيحية. يضاف إلى ذلك أن زلزال سنة 407 هـ (1016 م) الذى ترتب عليه سقوط الصخرة زاد الأحوال سوءًا، وقد جاء فى إحدى رسائل (الجنيزة) أن سقوط القبة حدث يوم الخامس والعشرين من يوليو فى الرابعة ظهرًا (Texts: mann and studies i, 313، إذا كان الزلزال قد تناقص فقد تناقص الاضطهاد وزالت حدته، لكن ترتب عليه أن بلغ اليهود والمسيحيون من الفقر والمتربة حدًا لم يعودوا يستطيعون معه التخلص من هذا الدمار إلا بعد مرور ما يقرب من أربعين سنة حين تم إعادة ترميم القبر المقدس فعاد إلى ما كان عليه من قبل. وأخذت القدس (حوالى منتصف القرن الخامس الهجرى - الحادى عشر الميلادى) تحل محل الرملة فى أن تكون المدينة الكبرى بالإقليم ولقد عانت "الرملة" كثيرًا من جراء زلزالى 424 هـ (= 1033 م) و 460 هـ (= 1068 م) وبسبب ما ابتليت به من النهب والسلب والدمار على يد البدو مما أثر فيها أكثر مما أثر بالقدس (راجع يحيى بن سعيد الأنطاكى جـ 2 ص 201). غير أنه جرى أمر على غير ما كان متوقعًا ذلك أنه ازداد تدفق سيل الحجاج القادمين من أوربا إلى بيت المقدس زيادة عما كانت عليه من قبل، حتى لقد شهدت سنة 1065 م قافلة من قوافل الحجاج الأوربيين الذين جاءوا

من جنوب ألمانيا وهولندة بلغ عدد أفرادها اثنى عشر ألف حاج، وقد وصل إلينا وصف شيق لهذه القافلة خلفه لنا لامبرت من أهل هرسفيلد. كذلك يمكن الإشارة إلى ما طرأ من تطور على أساليب الحرب والتحصينات مما جعل الدفاع عن القدس أسهل من الدفاع عن أى مدينة تقع فى منبسط من الأرض مثل "الرملة" ولقد كانت شدة شكيمة بنى جراح وغيرهم من جماعات البدو عاملًا هامًا كان له أثره فى قيام الفاطميين بتقوية أسوار المقدس مرتين، جرت الأولى 424 هـ (= 1033 م) والثانية فى سنة 455 هـ (= 1063 م) وهكذا لم يدخل الثلث الأخير من القرن الخامس الهجرى (= الحادى عشر الميلادى) حتى أصبحت القدس (وليس الرملة) فى بؤرة الأحداث الحربية. لقد أدت الغزوات السلجوقية إلى خروج الكثيرين من رعاع العسكر من شتى الأمم ممن تحركهم الأطماع، وكانوا بقيادة جماعة من المخاطرين الغلاظ الأكباد، كان منهم واحد تركمانى اسمه "اتسز بن أفاك" كانت حكومة الفاطميين قد اضطرت للاستعانة به ضد البدو -دعاة الفوضى- فى فلسطين، وكان الدافع للفاطميين إلى الاستعانة بهذا الرجل هو شدة المجاعة وتفاقمها وتفشى الأوبئة فى مصر وما عمها من الفوضى التى سادتها، ولكن ما لبث "أتسز" أن انقلب على الفاطميين واستولى على بيت المقدس عام 463 هـ (= 1071 م) بعد أن حاصرها حصارًا طويلا، وقد مدته انتصاراته بقوة دفعته إلى مهاجمة مصر ذاتها، غير أن عودة الأمن واستتباب الأمور بها على يد بدر الجمالى الأرمنى الأصل الذى جبّ دينه وأسلم، كل ذلك أرغم "اتسز" على الارتداد سنة 469 هـ (= 1077 م) [دون أن يحقق هدفه وهو الاستيلاء على مصر]. وتوجد قصيدة عبرية طويلة تشيد بالنصر الفاطمى، وقد نظم هذه القصيدة ثرى يهودى من ثراة فلسطين، فصل فيها الخطوب التى حاقت بالقدس لاسيما ما أنزلته جموع "اتسز" من الدمار ببساتينها وكرومها

وأحراج أعنابها، قد نشر هذه القصيدة جرينستون سنة 1906 فى دورية Ajsll (ص 1 - 34). وكان هذا العمل التخريبى حاملًا الأهالى على الثورة والوقوف فى وجه الهمج ومحاولة صدهم. غير أن "أتسز" قام مرة أخرى بمحاولة استهدف من ورائها الاستيلاء على القدس فحكم السيف فى رقاب الأهالى ولم يستثن منهم أحدا حتى من لجئوا إلى الجامع الأقصى. أما الذين فروا إلى قبة الصخرة فكانوا الوحيدين الذين نجوا من المذبحة، لكن سرعان ما لقى "اتسز" نهايته على يد "تتش" أخى السلطان السلجوقى ملكشاه الذى كان حينذاك واليا على دمشق (470 هـ = 1078 م) ومن ثم دخلت القدس فى فلك الدولة السلجوقية الكبرى التى امتدت حدودها "من كاشغر إلى القدس" كما يقول اليافعى فى كتابه مرآة الجنان (جـ 3 ص 130)، ثم أقطع "تتش" بيت المقدس إلى "ارتق" مؤسس الأسرة الأرتقية التى قامت فى أرض الجزيرة من العراق. على أنه ليس من المعروف على وجه الدقة متى كان أخذ ارتق للمدينة، ولكننا نجدها فى يده سنة 479 هـ (1086 م) (انظر ابن الأثير الكامل جـ 10 ص 96) ثم أقطعها لاثنين من أولاده فى سنة 484 هـ (= 1096 م). ولما كان شهر شعبان سنة 491 هـ (= يوليو 1098 م، ابن ميسر طبعة ماسيه، ص 54)، وقد أخذ الصليبيون فى الزحف على القدس، قام الأفضل -وكان نائب الخليفة الفاطمى فى دمشق- وحاصر البلدة ورماها "من أربعين آلة منجنيق لمدة أربعين يوما" (راجع ابن خلدون العبر جـ 5 ص 184) فاستسلم الأخوان، غير أن الأفضل أطلق سراحهما دون أن يمس أحدهما بأذى على أنه ليس أدل على عدم إدراك المسلمين لضخامة التهديد الصليبى وخطره من أن سلجوقيا آخر اسمه "رضوان بن تتش" خرج من دمشق وعرج على نابلس لانتزاع بيت المقدس من أيدى الفاطميين، لكنه لم يكن بالقِرْن الذى يستطيع مجابهة جيش الأفضل وعاد النائب إلى مصر بعد أن خلف حامية صغيرة بالقدس.

الحياة بالقدس فى القرنين الرابع والخامس للهجرة

الحياة بالقدس فى القرنين الرابع والخامس للهجرة إن الإشارات الجمة الواردة فى مؤلفات المؤرخين المسلمين وفى أكثر من مائة رسالة من رسائل "الجنيزة" من القدس والتى كتبت خلال القرن الخامس من الهجرة (= الحادى عشر الميلادى) لتساعدنا على رسم صورة صادقة عن واقع الحياة فى القدس خلال القرنين السابقين لاستيلاء الصليبيين عليها، وينطبق هذا أصدق انطباق -وعلى وجه الخصوص- على الثلث الأخير من القرن الرابع الهجرى (العاشر الميلادى) حين كتب المطهر بن طاهر والمقدسى ما كتباه، وكذلك ينطبق على الثلث الثانى من القرن الخامس الهجرى (= الحادى عشر الميلادى) حين زار ناصر خسرو المدينة، وحين كان الإقليم ينعم بشئ من الهدوء الذى يسود فى الأوقات العادية، وهى الفترة التى كانت فيها بين فظاظة البدو الغلاظ وبين ما ارتكبه التركمان من أعمال التدمير، ويتجفى هذا واضحًا فى رسائل "الجنيزة" التى بين أيدينا. كان من الطبيعى أن يصرف الجغرافيون جل اهتمامهم بالمبانى المقدسة والتحصينات، من بين هؤلاء المقدسى وكان من الرجال الدقيقى الملاحظة، ومما يدل على دقة ملاحظة ما دوّنه عن وجود حمَّام قرب باب الأسباط (المعروف الآن بباب القديس استيفان) الذى بنى أحد نصفيه على النمط المحلى المألوف، ونصفه الآخر على نمط العمارة الفارسية. وأثنى المقدسى على جمال بيت المقدس الفريد فى بابه وأطنب فى ذكر أسواقها النظيفة الحافلة بشتى أنواع السلع، كما أشاد بحماماتها العامة، وهو لا ينسى أن يشير إلى "الكنف" القريبة من المساجد والموجودة أيضًا بالأسواق، ويبدو أن العمارة الإسلامية فى القدس خلال القرن الرابع الهجرى، العاشر الميلادى كانت تتركز فى مساجد الحرم، ونستفيد مما ذكره مجير الدين فى الأنس الجليل ص 64، أنه حدث فى أعقاب اضطهاد الحاكم أن تحولت بعض العمائر المسيحية إلى "زوايا" وحدث أن قامت إحدى الطوائف الدينية الفارسية

المعروفة "بالكرامية" (والتى نزلت أولا بالقدس) بتشييد بعض الخوانق لينتفع بها أتباعها؛ وذلك حوالى منتصف القرن الثالث للهجرة (التاسع للميلاد)، كما أننا نرى -خلال منتصف القرن الخامس (الحادى عشر للميلاد) مثل هذه الزوايا قد أقيمت فى الحى المسيحى بالقسم الشمالى الغربى من المدينة، أى حول القبر المقدس وحول بعض الكنائس التى ترجع إلى عصر قديم، كما أنشئ حى خاص بالأرمن قرب كاتدرائية سنت جيمس فى الناحية القبلية، كذلك أقيمت منطقتان يهوديتان إحداهما قريبة من سور البلد الغربى حيث يصلى الناس والأخرى قرب باب دمشق. وربما كانت "السيناجوجات" (الهياكل اليهودية) التى يشير إليها كل من المطهر وناصر خسرو وابن القلانسى هى "المدراشات" أو دور العلم التى وردت الإشارة إليها فى إحدى رسائل الجنيزة كأماكن تقام بها الصلوات. أما "القراءون" فكان لهم حيّهم الخاص بهم الواقع جنوبى المدينة والمسمى بحارة "المشارقة" نظرًا لأن غالبيتهم العظمى كانت وافدة من الشرق: من فارس والعراق. وقد يكون من العسير أن نقرر كم كان عدد السكان وإن كان ناصر خسرو يقدرهم بعشرين ألفًا ونلاحظ أنه يورد نفس العدد حين يتكلم عن طرابلس الشام وعن الناس الذين تجمعوا ببيت المقدس أثناء الاحتفال "بعيد القربان" أما ابن الأثير فيجعل هذا الصدد لطائفة "الكرامية" الذين يسكنون القدس وحدها. غير أن المقدسى كان أدق حين يقول إن القدس كانت فى عهده أصغر من مكة وأكبر من المدينة (المقدسى، ص 167) أو أكثر إزدحاما بالسكان من كثير من العواصم الإقليمية (شرحه، ص 165)، ولا يمكن الأخذ فى تقدير عدد السكان بما يردده كثيرا القائلون بأن من أبادهم الصليبيون مثلا فى سنة 492 هـ (= 1099 م) كانوا سبعين ألف شخص، وإن كان هناك الكثيرون قد فروا إلى المدينة قبل اقتراب الغزاة الفرنجة وطبيعى أن نرى طابع المبالغة فى تقدير الاعداد فى مثل هذه الظروف، وهى

مبالغة لا ينبغى أن نقيم لها حسابًا كبيرًا. وإذا كانت أجنحة المسجد الأقصى قد صارت سبعة بعد أن كانت أربعة عشر جناحًا بعد زلزال 424 هـ (= 1033 م) فلابد أن يكون عدد السكان قد تضاءل كنتيجة حتمية لما نزل من الأهوال والبلايا على أيدى البدو بالبلد فى العشرينيات من القرن الحادى عشر. إن أبرز ظاهرة للحياة فى القدس كانت تتمثل فى أنه "لا يمر يوم من غير أن يفد على البلد جماعات من الأغراب" (المقدسى ص 166) فتزدحم المدينة بوفودهم وبالحجاج القادمين إليها من جميع الأقطار (المقدسى، ص 167) ويشبههم فى هذه الكثرة جماعات اليهود القادمة من الغرب (المقدسى ص 243) واسبانيا الذين جاءوا لأداء حجتهم بالقدس فى الأيام المخصصة لأداء هذه الفريضة، أو جاءوا زوارًا فى غير ذلك من المناسبات الأخرى. وتحتوى وثائق "الجنيزة" على ما خلفه هؤلاء اليهود. ولم تكن الاحتفالات الدينية للجماعات المختلفة قاصرة على زيارة دور العبادة أو حتى زيارة أسوار المدينة. وتوجد بين أيدينا أوصاف مفصلة عن هذه المواكب والتجمعات، ولابد أن هذه الجموع قد أضْفَتْ على القدس مظهر الاحتفال فى كثير من أيام هذه السنة. أما فيما يتعلق بحكومة المدينة فنرى المقدسى يشكو من أنْ ليس للمضطهد من "نصير" (المقدسى، ص 167) ولكنه يورد شبه هذه الملاحظات حين يتكلم عن أماكن أخرى، وإن كانت وثائق "الجنيزة"، تبين أن الموقف لم يكن يدعو إلى مثل هذه النظرة المتشائمة، فالعدالة تأخذ مجراها طالما وُجد الشخص القوى الذى يهتم بإقرارها ومنذ أن صارت "الرملة" عاصمة للولاية فقد صارت الأمور جميعها تحال إليها، إلا ما كان فيها من قضايا خطيرة كل الخطورة فإنها تحال إلى القاهرة للفصل فيها. كذلك كانت "الرملة" مركز القطر من الناحية الاقتصادية كما تُبرهن على ذلك شواهد تدل على صحة هذا الأمر، "فالسفناجات * " التى لشخص ما فى ¬

_ * وهى أوراق أو مستندات مقبولة الدفع يمكن تشبيهها بالشيكات البنكية. (التحرير)

القدس كانت تدفع نقدًا فى الرملة وترسل هذه السفناجات إلى القدس، أما أكثر العملة التى كانت متداولة فى القدس فى منتصف القرن الخامس الهجرى (= الحادى عشر الميلادى) فكانت هى العملة "الرومية" (أى العملة الايطالية الجنوبية)، وإن كنا نجد أيضًا بالقدس صيرفيا يحمل اسمًا فارسيًا كان يصدر السفناجات للصرف بالقاهرة، وكانت العملة الأكثر تداولًا بالقدس فى منتصف القرن الخامس الهجرى (= الحادى عشر الميلادى) هى العملة الرومية (أى عملة جنوب إيطاليا) أما إذا جئنا إلى الحىّ الإسلامى فوحدة التعامل به كانت هى دينار الغرب وذلك لأن الحجاج الوافدين من تلك النواحى من أوربة الغربية كانوا يؤلفون الأكثرية. ونطالع فى كتب الجغرافيين المسلمين إشارات إلى الزيت والجبن والقطن والفواكه، كما يرد ذكر هذه المواد فى رسائل "الجنيزة" باعتبارها صادرات القدس الرئيسية، ولدينا رسالة من مدينة "صور" تتكلم عن كمية من الغزل مرسلة من القدس تكفى لنسج ألف ثوب مما يباع فى الأسواق ومن نوع الثياب المصنوعة منزليا. ولما كان كل رحالة من رحالة العصور الوسطى يسعى لكسب شئ من المال فإننا نجد فى القدس تجارة "التزانزيت" خاصة مع الفرس الذين يحملون أثقالًا من الحرير المعروف بالحرير "الابريزم" الثقيل المستورد من خراسان ليعاد تصديره ثانية إلى مصر، ثم يعود هؤلاء الرحالة بسلع البحر الأبيض المتوسط كالمرجان. ولما كانت القدس مدينة مقدسة فقد فرضت نوعا من "التشدد" على الملابس التى يرتديها الناس، ويوجد بين أيدينا كتاب كتبه أحد تجار الحرير وقد بعث به إلى الفسطاط يقول له فيه "الناس هنا يرتدون الحرير الأسود والداكن اللون وليس الحرير القرمزى الذى هو شائع بين أهل الرملة وعسقلان". وترد الإشارة إلى "الصوافين" (أى تجار الصوف) والملابس باعتبارهم من الطبقات البارزة بين رجال الأعمال فى القدس، ونستدل على أن هناك من

يجعلون خدماتهم فى تناول تجارة الأقمشة بين القاهرة والقدس على أن الأخيرة بلغت من التقدم الاقتصادى درجة طيبة (lyoitein a mediterranean society, 292 - 294) وكان بعض الوافدين الجدد من القادرين على شراء الدور والمخازن التى يعيشون من دخل ايجاراتها، هذا إلى جانب وجود غيرهم إلى جانبهم ممن كانوا يسعون فى الوقت ذاته إلى المتاجرة والربح، إلا أنهم كانوا يكثرون من الشكوى من "تقطع أسباب الحياة والمعيشة فى القدس ويقولون إنها ازدادت مضايقة"، وقول بعضهم "لقد جاء الكثيرون إلى هنا أغنياء فأضحوا فى زمرة الفقراء وذلك لبعد المدينة بعدًا شاسعًا عن أسواق التجارة العالمية" وكان مما يأخذونه على الوضع فرض الضرائب الباهظة على غير المسلمين، وربما أيضًا على كل الأجانب، وأصبح اليهود مدينين للمسلمين يدفعون لهم فوائد عالية حتى أصبحت المدينة غاصة بالفقراء lyoitein: of cit. 96 - 97 وكانت القدس محط رحال كثير من علماء المسلمين الذين جاء بعضهم للتدريس والبعض الآخر للدراسة (انظر ياقوت جـ 1 ص 516، 859، 887، وابن عساكر جـ 1 ص 397 جـ 2 ص 54، جـ 3 ص جـ 4 ص 153، 154 إلخ.). على أنه من الأمور التى تستلفت النظر هو ورود ذكر "البصرة" فى معجم الأدباء لياقوت مائة وسبعين مرة ومعلها دمشق فقد وردت مائة مرة، على حين أن القدس لم يرد ذكرها إلا مرة واحدة أما الأغانى للأصفهانى فقد خلت خلوًا تامًا من ذكرها، ولذلك تجسّر المقدسى (ص 167) حين يقول إن المسجد الذى يعتبر مدرسة كان فارغًا من الناس وليس فيه من مدرسين ولا خدم. وليس من شك فى أنه كان مبالغًا فى هذا القول، وما تحسب أنه قال ما قال إلا بدافع من حبه الشديد لمدينته التى هى مسقط رأسه. وقد زارها العالم الجليل الغزالى سنة 488 هـ (= 1095 م) حين أراد أن يعتزل الناس وآثر الوحدة فكانت القدس منتجعه، وقد أصبحت المدينة

ذات أهمية فكان ملاذًا يلجأ إليه ذوو العقائد التى لا تستقيم مع السنة أو من يُنفَون إليها. وقد ظهر هذا الأمر أول مرة زمن الأمويين (انظر الطبرى جـ 1 ص 1920, ابن سعد جـ 7 ص 156 - 157) فيطالعنا " ثور بن يزيد" الذى يضطر لترك دمشق من أجل آرائه فى "القَدَر" ويمضى إلى القدس ليقيم بها حتى يوافيه أجله حوالى سنة 153 هـ (= 770 م)، (انظر ابن عساكر جـ 1 ص 68، جـ 3 ص 383 - 384). ونرى "تكين" التركى الذى دفن بالقدس سنة 321 هـ استجابة لرغبته بأمر أيام ولايته على مصر بنفى الصوفى أبى الحسن الدينورى إلى القدس (السيوطى: المحاضرة جـ 1 ص 294). ولما جاء العهد المملوكى أصبحت الإقامة الإجبارية فى القدس أمرا مألوفًا. واشتهرت القدس بأنها مدينة نسّاخى الكتب. فكان يمارس نسخ الكتب عدد كبير من الأتقياء ومن العلماء والفقراء ولا تزال توجد إلى اليوم مخطوطات عربية مسيحية فى دير "ماد سابا" قرب فلسطين وهى ترجع إلى النصف الثانى من القرن الثالث للهجرة ومطلع القرن الرابع، وتوجد أيضًا نسخة أرمنية بخط مؤلفها تعود إلى سنة 870 م. ويمدّنا النساخون اليهود ممن عاشوا بالقدس خلال القرن الخامس الهجرى (الحادى عشر الميلادى) بكثير من التفاصيل عن عملهم. وتبعًا لما يقوله مجير الدين (ص 263 - 265) فقد كان المذهب الشافعى المذهب السائد بالمدينة حتى قبل مجئ الصليبيين، ثم يليه المذهب الحنبلى الذى أدخله أبو الفرج الشيرازى الفارسى فى الوقت الذى كان القاضى إبانه حنفيًا تركيًا. ولقد كان هناك اختلاف ظاهر بين روح القرن الرابع الهجرى والتالى له، إذ امتاز الرابع بثلاثة مقادسة من أصل فارسى كانوا على جانب كبير من الاهتمامات الانسانية، أولهم الرحالة العظيم "المقدسى" الذى يعد واحدًا من أكبر الشخصيات التى تمخضت عنها

الصليبيون والأيوبيون

الحضارة الإسلامية، وأما ثانيهم فهو المطهر بن طاهر، الدارس للدين من غير تحزب أو تحيز، والذى ألّف بعض كتبه وهو فى "بست" شرقى فارس. وأما ثالثهم فهو أبو سليمان مجد بن معشر القدسى البستى الذى يقول "أبو سليمان المنطقى" أنه هو مؤلف رسائل إخوان الصفا. كذلك شاهد القرن التالى (أعنى الخامس الهجرى) اهتمامًا بفروع العلوم والمعرفة الإسلامية، ويمثل هذا العصر أبو الفضل بن طاهر القيسرانى العالم الذى صرف همه لدراسة اللغة العربية والحديث والتصوّف، وقام برحلاته التى غطت مساحات شاسعة مشيًا على قدميه، حاملا كتبه على ظهره حتى استقرَّ به المكان أخيرًا فى "همذان"، واستمر هو فى دعم الرابطة بين القدس وفارس. كذلك عاش فى القرن ذاته "المشَرَّف بن مُرَجَّا"، وله كتاب عن فضائل القدس (انظر فيما بعد "فضائل القدس فى الإسلام") أما شيخ علماء القدس وشيخ الشافعية فى كل بلاد الشام فهو أبو الفتح بن نصر بن إبراهيم الذى يقول اليافعى فى مرآته (جـ 3 ص 152 - 153) إنه غادر البلد إلى مدينة "صور" وفعل مثله "جاؤن" اليهود (وحاخامهم الأكبر) حوالى سنة 1071 م، ويطابق ما قاله ما جاء فى كثير من رسائل الجنيزة من أن الأوضاع فى القدس لم يعد فى طوق أحد احتمالها، وكان ذلك قبل زمن طويل من تعطيل الصليبيين لمعالم الحياة الإسلامية واليهودية بالبلد. الصليبيون والأيوبيون: حاصر الصليبيون القدس يوم السادس من يونيو 1099 م وأخذوها قسرًا يوم 15 يوليو من العام ذاته ودخلوها من ثلاث نقاط مختلفة، ولم يكن سلوك الغزاة المختلفين من فرنسيين وفلمنج وبروفنساليين وبزمان من صقلية سلوكا واحدًا، ومنح "تانكريد" قائد النرمنديين أمانًا لقائد القلعة الفاطمية (أى برج داود) ولرجاله، وجاء فى رسالة من رسائل الجنيزة أن عهد الأمان هذا شمل أيضًا

اليهود الذين كانوا فى حاشية القائد الفاطمى، وليس من شك فى أن الأمان كان قاصرًا على من كانوا بالقلعة من المسلمين أيضًا فنجوا هم كذلك من القتل، وتقول نفس رسالة الجنيزة إن "الملاعين المسمون بالاشكانازيين (وربما قصد بهم النرمنديين) لم يقتلوا النساء وأن المذبحة التى جرت فى المسلمين واليهود الذين بالمدينة إنما صدرت عن اعتبارات حربية ودينية وأن الصليبيين لم يندفعوا اندفاع المسعورين بل أخذوا يسيرون سيرًا رتيبًا، فقضوا بعض الوقت "فى جمع مئات من الكتب التى باعوها فى عسقلان بعد قليل" وحين تتكلم وثائق الجنيزة عن "الكتب" فإنما تقصد بطبيعة الحال الكتب العبرية، وإن لم يكن هناك ما يدعو إلى الظن بأن الكتب الإسلامية كانت بمنجاة مما جرى على الكتب العبرية. أما القول بأن الصليبيين باعوا الأسرى بأقل مما جرى العرف به وهو 33 دينارًا للرأس الواحد فلا يعنى ذلك أنهم كانوا يجهلون الثمن، ذلك أن الحرب لم تكن تسمح بالاحتفاظ طويلًا بكثير من الأسرى، لكن من بين هؤلاء الأسرى رجال استبقاهم الصليبيون فى أيديهم وذلك لأنهم من عائلات مرموقة وكان استبقاؤهم إياهم راجعًا إلى طمعهم فى الحصول على فدية كبيرة لإطلاق سراحهم، ولكنهم أبقوهم فى انطاكية بضع سنين وهم فى رق الأسر. لقد أصبحت القدس مدينة مسيحية ولم يعد مسموحًا فيها بممارسة شعائر العبادة الإسلامية أو اليهودية، كما أن الصليبيين لم يأذنوا لأحد ما غير مسيحى بالبقاء فى المدينة. أمَّا المساجد فقد حولوها إلى كنائس أو مبان مدنية وسميت المملكة الجديدة بمملكة بيت المقدس Regnum Hierusalem, وسرعان ما أخذت المدينة فى الازدهار باعتبارها العاصمة وأقام بها البلاط حكومة إدارية ومنظمات دينية عسكرية وأصبح آلاف الحجاج يزورونها كل سنة. وأقام بها الكثيرون لآماد طويلة، كما اتخذها البعض مقامًا لهم، كانت هناك جماعات مسيحية وشرقية كالسريان

والقبط والأرمن ومن أهل جورجيا، ولكن معظم سكانها كانوا من الأوربيين، وأغلب هؤلاء الأوربيين كانوا من الفرنسيين. أما الجاليات الأوربية التى هى دون هؤلاء عددًا كالاسبان والبروفنساليين والألمان والمجريين فكانوا يعيشون مترابطين حول كنائسهم ومؤسساتهم العامة، واستحدثت مبان جديدة كان أبرزها ساحة "سوق" القبر المقدس الفسيحة التى أقيمت فى مكانٍ إسلامى، ولا زالت هذه الساحة حتى اليوم تسيطر على الحياة اليومية فى المدينة القديمة، ولم تَخْل أية ناحية من آثار نشاط الصليبيين. وحدث بعد حرب 1967 م أن أزيلت أنقاض الحى اليهودى فتكشف ما يُظَنَّ معه أنه بقايا كنيسة القديسة مارى التى كانت للألمان. وهناك رسالة يرجع تاريخها إلى أقل من عقد من الزمان من الغزو الصليبى، وهى رسالة من فلسطين (وليست من القدس تحديدًا) تشير إلى عودة الحياة بالبلاد إلى مسيرتها الطبيعية للجميع بما فيهم سكانها غير المسيحيين ولقد ظلت القدس مدينة مغلقة فى وجه المسلمين واليهود ولكن بمرور الوقت سمح لهم بدخولها لقضاء أعمالهم وأداء صلواتهم، وقد ورد فى كتاب الاعتبار لأسامة بن منقذ ما يشير إلى أنه صلى فى منطقة الهيكل (الاعتبار لأسامة، نشره فيليب حتى، برنستون 1930، ص 134 - 135) كما أن الصباغين اليهود كانوا يعملون فى خزانة ملابس الملك الموجودة فى ساحة القصر. وبعد الانتهاء من وقعة حطين الحاسمة تقدم صلاح الدين شطر القدس وحاصرها، ثم جرت مفاوضات بين الجانبين وكانت مفاوضات طويلة هدد فيها الصليبيون بقتل من فى يدهم من الأسرى المسلمين وجميع من لا يحاربون كما هددوا بحرق كل ما فيها من غالٍ وثمين وهدم مبانى الحرم الشريف. ثم انتهى الأمر أخيرًا بعقد اتفاق فى رمضان 583 هـ (= نوفمبر 1187 م) سمح فيه للسكان بافتداء أنفسهم بعد الاستسلام، ولم يسمح إلّا للمسيحيين الشرقيين بالإقامة بها،

واستعادت القدس طابعها كمدينة إسلامية خالصة وعادت المزاوات الإسلامية إلى ما كانت عليه، وردت الأماكن المسيحية (التى استحدثها الصليبيون) إلى ما كانت عليه من مؤسسات إسلامية، ومن الأمثلة البارزة على ذلك دير راهبات كنيسة "سنت آن" الذى تحول فصار مدرسة الصلاحية الشهيرة، وقد سميت بذلك نسبة إلى مؤسسها صلاح الدين والمارستان الذى كان من قبل كنيسة ملحقة بنزل فرسان القديس يوحنا، أما القبر المقدس فقد ظل باقيًا فى أيدى النصارى، وإن توقف الحج إليه مؤقتًا حتى سنة 1192 م. وهنا ظهرت مشكلة إعادة تعمير الناحية بالسكان، إذ كان ميناء مدينة عسقلان العظيم قد هدم بأمر صلاح الدين حتى يحول بين الصليبيين وبين تحويله إلى قاعدة جديدة لعملياتهم الحربية وأصبح لزامًا على المسئولين توفير مساكن جديدة للسكان، فانزلوهم فى بيوت المقدس الخالية من أهلها، وتتحدث رسائل الجنيزة التى ترجع إلى ذلك العهد عن مجتمع من "العساقلة" فى المدينة المقدسة، ومن المؤكد أن اليهود لم يميزوا فى المعاملة. وكان هناك إلى جانب ذلك "مغربية" وهو أمر نلاحظ ورود الإشارة إليه عند المقدسى قبل هذا الوقت بقرنين من الزمان، كما نرى الأمر تجاه جماعات من اليمن والعراق ومصر، هذا إلى جانب مجئ عديد من علماء اليهود فى الفترة من 1210 حتى 1215 م، وتشهد المؤلفات وكذلك رسائل الجنيزة بما ذاع بين الناس فى ذلك الوقت من وصف الحكم الأيوبى بأنه حكم نظامى قادر على توفير السلامة للأغراب، غير أن الحياة كانت صعبة حتى إننا لنسمع أن هناك كثيرين من القادمين الجدد قد غادروا البلد قبيل انصرام القرن السادس الهجرى إلى مراعى مصر الخضراء وإلى المدن الساحلية المطلة على شرقى البحر الأبيض المتوسط. على أن عهد سلطان دمشق "الملك المعظم" ابن أخى صلاح الدين يعتبر نقطة انتقال أصبحت كارثة فى تاريخ القدس، ذلك أنه على الرغم من

"النقوش" الكثيرة التى تشير إلى احترامه الحرم وتأسيسه مدرسة للحنفية سميت باسمه إلا أن خوفه من كَرّة عدوانية مسيحية جديدة حمله على إصدار أمره فى سنة 616 هـ (= 1219 م) بتخريب المدينة ولا يستثنى من ذلك سوى منطقة الحرم والقبر المقدس والقلعة، إلا أن خوفه مما يترتب عليه هذا القرار حال دون وضعه موضع التنفيذ، ثم جاء أخوه الكامل سلطان مصر فسيطر عليه هو الآخر وأدّى خوفه من أيوبىّ الشام إلى عقد اتفاقية مع الإمبراطور فردريك الثانى فى سنة 626 هـ (= 1229 م) سلّمه بمقتضاها المدينة لمدة عشر سنوات، ولما كان فردريك واقعًا تحت طائلة قرار الحرمان البابوى فقد قام بتتويج نفسه هناك من غير مساعدة اكليريكية، وكان ذلك آخر مرة يتم فيها تتويج حاكم ما -أيا كان هذا الحاكم- فى القدس، وحينذاك -وتحت هذا الوضع الجديد- لم يعد مسموحًا للمرة الثانية للمسلمين بدخول المدينة باستثناء الحرم الشريف الذى ظل فى أيديهم، واتخذ القاضى مكانه خارج القدس وذلك فى "ألبيرة" قرب رام اللَّه (انظر J.P ower Royaum: Latier, paris 1970. II. 1990) ولقد ترتب على المنازعات التالية بين أيوبىّ مصر والشام أنْ أمكن الوصول إلى عقد اتفاق بينهم وبين النصارى يقضى بمغادرة المسلمين كل النواحى حتى منطقة الهيكل، مما جعل رئيس فرسان الداوية يتباهى بأن المدينة لم يعد يقطنها سوى المسيحيين. وقام الملك الصالح نجم الدين أيوب سلطان مصر بالاستعانة بالخوارزميين الجفاة الغلاظ الذين كان المغول قد طردوهم إلى الغرب فاكتسحوا بلاد الشام وفلسطين واستولوا على القدس فى ربيع الأول سنة، 642 هـ (= أغسطس 1244 م) وانطلقوا يدمرون وينهبون ويفتكون بكل من فى البلد، ولم يراعوا حرمة القبر المقدس ولا الكنائس فانتهكوها جميعًا، وحارب العسكر الخوارزميون وجيوش الملك الصالح نجم الدين أيوب أهل الشام ومن كانوا لهم حلفًا كما حاربوا الصليبيين وتغلبوا عليهم فى جمادى

السنوات الثمانمائة الثانية

الأولى سنة 642 هـ (= اكتوبر 1244 م) ومن ثم دخلت القدس تحت حكم سلاطين مصر ثم عادت بعد قليل فى سنة 647 هـ (= 1249 م) إلى سلطان دمشق، وظلت على هذا الوضع حتى جاء الغزو العثمانى سنة 922 - 923 هـ (= 1516 - 1517 م). السنوات الثمانمائة الثانية فضائل القدس فى الإسلام: إن تاريخ القدس خلال هذه الفترة من الزمن كان متأثرًا إلى حدٍّ كبير بالتعظيم الدينى المتزايد الذى اكتسبه عبر الصراع الطويل بين المسلمين والنصارى، والذى مرت القدس أثناءه بتقلبات جمة، ولا نستطيع الاستفاضة فى هذه الناحية طالما أنه لم تخرج بعد إلى حيز الوجود المصادر الهامة المتعلقة بها مثل تفسير "المقاتلى" المتوفى سنة 150 هـ (767 م) وكمصنف عبد الرازق المتوفى سنة 211 هـ (= 827 م)، وكذلك أقدم كتابين عن "فضائل القدس" على أنه وجدت دراسة رائعة عن هذه المؤلفات التى تتناول هذا الموضوع واردة فى كتاب E.Sovin: Le caractere de jerusolen dans l'islm aux xie xiii siecles, idem: The Beginnungs of Fadail = al-Quds Literature, 1971) لقد أمْلت طبيعة الإسلام الأولى أن تدرج القداسة التى يتمتع بها بيت المقدس من المسيحيين واليهود إلى جانب قداسته عند المسلمين فكانت ناحية هيكل اليهود القديم ناحية يتعبّد فيها المسلمون، وهكذا فإن الإسلام -منذ القرن الأول للهجرة- اعتبر القدس دون غيرها من مدن العالم ثالث موضع طاهر مقدس يلى مكة والمدينة واعتقد الجميع فى المقولة القائلة بأن قداسة القدس راجعة إلى أنها منزل الأنبياء والقديسين منذ القديم وزاد فى قداستها أن ارتبطت بقصة الإسراء والمعراج وأشار إلى ذلك صلاح الدين فى رسالة منه إلى ريتشارد قلب الأسد كحقيقة تؤكد حق المسلمين فى بيت المقدس. ويضاف إلى ذلك الاعتقاد بأن القيامة ويوم الحساب سيكونان بالقدس، إلى غير ذلك مما يراد منه جذب الحجاج والزوار إليها، ومع ذلك فلم تحظ القدس إلا بكتابين فى

فضائلها من مؤلفات القرن الخامس أما أحدهما فرسالة لأبى بكر الواسطى أحد خطباء المسجد الأقصى، أما الكتاب الآخر فلأبى المعالى المشرف بن المرجا أحد الفقهاء الذين عاشوا فى القدس وهناك مؤلف ثالث ضخم جمع فيه صاحبه أبو القاسم المكى المقدسى الأحاديث الخاصة بالقدس ولكنه لم يتم كتابه هذا لوقوعه فى أيدى الصليبيين الذين ما لبثوا أن قتلوه. ومما يسترعى الانتباه أن هؤلاء المؤلفين الثلاثة كانوا من سكان القدس. على أن الأمر الذى يثير كثيرًا من الدهشة هو أن فتح الصليبيين للقدس وتحويلها إلى مدينة مسيحية خالصة لم يكن له رد فعل عنيف لعدة قرون. ولقد تغير الوضع حين فتح عماد الدين زنكى الرها سنة 539 هـ (= 1144 م) إذْ دلّ على ظهور حاكم وأعد له طموحات إقليمية يمكن لها أن تتحقق بالدعاية الدينية، ولذلك حمل شعراء وكتاب، بلاط زنكى وابنه نور الدين راية الجهاد من أجل القدس وقد وصلت هذه الدعاية ذروتها زمن صلاح الدين قبل وبعد سنة 583 هـ (= 1187 م) وإذا كان النصف الأول من القرن السادس الهجرى قد خلا من كتب تتحدث عن فضائل القدس إلا أن وفرة من المؤلفات فى هذا الموضوع ظهرت فى النصف الثانى من ذلك القرن وفيما تلاه من القرون. ومما يبين أن القدس أصبحت الشغل الشاغل للمسلمين كثرة الاحتجاجات ضد المعظم من موقفه من القدس سنة 616 هـ وتسليمها على يد الكامل إلى الإمبراطور فردريك الثانى سنة 626 هـ. ومجمل القول هو أن المؤلفات المتعلقة بفضائل القدس ظهرت بكثرة بعدما لم تعد المدينة مشكلة حربية أو سياسية خلال العصر المملوكى، ولقد توفر فى هذا الموضوع وفى هذه الفترة بالذات ما لا يقل عن ثلاثين كتابًا. ثم هناك ما كتبه ابن تيمية فى رسالته عن هذا الموضوع فى مهاجمة البدع التى شوهت مكانة القدس. أما عند المسلمين المحدثين فقد أشار إليها سيد قطب فى مؤلفه الضخم فى ظلال القرآن جـ 15 ص 12.

القدس زمن المماليك (648 - 922 هـ). كان معظم القدس فى هذا العصر أطلالًا وكانت مهجورة، وذلك لأن المسيحيين القلائل الذين ظلوا بها أو عادوا إليها بعد الدمار الذى ألحقه بها الخوارزميون سنة 624 هـ كما أن المسلمين واليهود الذين رجعوا للاستقرار بها فروا منها ثانية سنة 658 هـ قبل مذبحة المغول الذين توغلوا فى البلد وفى الخليل وغزة. ثم دخلت القدس نهائيا فى دولة المماليك بعد انتصارهم فى عين جالوت فى شوال 658 هـ (سبتمبر 1260 م) وأصبح يدبر شؤونها نائب دمشق المملوكى، ثم أصبحت وحدة إدارية مستقلة يديرها نائب السلطنة المسئول مباشرة أمام الحكومة فى القاهرة، وأصبحت الأماكن المقدسة بها تحت إشراف "ناظر الحرمين" من ناحية الصيانة وإدارة الأوقاف، وأعاد السلاطين ترميم المبانى الكبرى ومدها بالماء وأما الأمراء فأسسوا المدارس والزوايا والخانقات والبيمارستانات التى لا يزال الجزء الكبير منها قائما حتى اليوم أو على الأقل يمكن التعرف عليه. وكانت القدس لأسباب عدة موضعًا لإقامة البعض الإجبارية ممن يُشْتَم فيه روح التمرد أو يصرف من الخدمة ويعرف مثل هؤلاء بالبطالين الذين كانت الحكومة تجرى عليهم رواتب ثابتة إلى جانب ما قد يكون لهم من دخل خاص بهم. وازدحمت القدس بالأوقاف التى يُصرف منها على الخطباء والفقهاء والدراويش. وكان الإنتاج الفكرى يتناول شتى نواحى الفكر من حديث وفقه وأصول وفروع وتفسير وعلوم العربية والشعر. كذلك ظهرت أسرات ذات مكانة عالية تتقاسم فيما بينها أكبر الوظائف دخلًا، ومن الأسر التى ظهرت فى أواخر العصر الأيوبى وأوائل العهد العثمانى أسرة "ابن جماعة" الحموّية الأصل ثم نزلت القدس وسكنت دارًا متاخمة للحرم، وشغل رجالها مناصب الخطابة والقضاء وهناك أسرة "بنى غانم" وتولى رجالها مشيخة الخانقاه الصالحية الكبرى وكل من ذكرنا

شافعية. أما أهم أسرة حنفية فأسرة "الديرى" من مواطنى فلسطين، كما تولوا وظائف التدريس بالقاهرة فى المدرسة المعظمة الحنفية. وإلى جانب هؤلاء وجدت أسرات صغيرة من أهل البلد ومن الأغراب عنه وقد تولوا فى العادة الوظائف الشرعية ومن أهم هذه الأسرات عائلة "ابن الهائم" العالم فى الرياضيات والمواريث والمتوفى سنة 412 هـ (= 1021 م) وكمال الدين بن أبى شريف من أهل القدس الحجة الثقة فى علوم الشريعة والفقه. وكانت القدس أكثر الأماكن ملاءمة لوجود الصوفية، ويذكر مجد الدين ما يقرب من عشرين خانقاه للصوفية. على أن النصارى الذين كانوا يعيشون فى القدس المملوكية ارتفعت معنوياتهم النفسية بتأسيس أحد الأديرة الفرنسيسكانية على جبل صهيون الذى كان يتباهى بأن به قبر داود وموضع العشاء الأخير والمرقد، وكان جبل صهيون هذا موضع نزاع لا القدس ينتهى بين المسلمين والمسيحيين بل واليهود، وما يترتب على ذلك من هدم بعض المبانى المقدسة ثم إعادة بنائها، ويوجد لدينا وصف لما جرى على معبد اليهود سنة 879 هـ (= 1474 م) مما فصله مجير الدين وابن اياس، وما خلَفه ابن عُبَيّةَ من هجومه بالكلام على أحد الأماكن اليهودية فأغضب ذلك الحكومة فى مصر فاستدعته وسجنته وجردته من وظيفته وأعادت بناء هذا المكان اليهودى. على أنه لا ينبغى أن نعدّ كثرة المدارس الإسلامية التى قامت بالقدس دليلًا على الرخاء الاقتصادى، فقد تناقصت الأوقاف التى كانت موقوفة عليها. على أن أهم الصناعات بالقدس هى صناعة الصابون من زيت الزيتون لكنها ما لبثت أن تدهورت بسبب سياسة الحكومة التركية الاقتصادية فقد احتكرت هذه الصناعة وزادت حياة الناس شدة من عدم استتباب الأمن حتى لقد توقف ركب الحاج من القدس عشر سنوات فى مطلع القرن السادس

العصر العثمانى (922 - 1247 هـ/ 1516 - 1831 م)

عشر بسبب غارات البدو حتى توقف السفر بين القدس والبحر الأحمر. العصر العثمانى (922 - 1247 هـ/ 1516 - 1831 م) لقد شيد السلطان سليمان القانونى سورا بالقدس كما جدد قبة الصخرة وبنى أربعة سبل للشرب داخل البلد، وسبيلا آخر قرب بركة السلطان عند سفح جبل صهيون، وأوقفت زوجته "حزم" كثيرًا من الأوقاف على القدس مما أدى إلى الرخاء هناك، وأقامت مطعمًا للفقراء وطلاب العلم. وكان عدد سكان القدس فى مستهل العصر العثمانى يبلغ قرابة أربعة آلاف نسمة، وتضاعف ثلاث مرات زمن سليمان القانونى وكان مركز التجمع الحقيقى هو فى مدينة صفد وليس القدس. وكان من مصادر الدخل ما فرض من الضريبة على زوار القبر المقدس وأخذت هذه الضريبة فى الزيادة، وكان إلى جانبها ضريبة الرءوس المفروضة على المسيحيين واليهود، والضرائب المفروضة على تصدير الصابون إلى مصر. على أن الأمن لم يكن مستقرًا، حتى أن الحكومة عهدت إلى أسرة "أبى غوش" بحماية المسافرين بين الرملة والقدس ومعظمهم من الأجانب وترد فى وثائق 991 هـ (= 1583 م) ما يشير إلى قتل البدو للسكان المسلمين وحرقهم نسخًا من كتاب اللَّه وفرضهم الضرائب على الحجاج المسلمين وهم فى طريقهم إلى بيت اللَّه الحرام، ولقد جاء فى رحلة "جوفانى مارينى" المطبوعة سنة 1791 م أن باشا القدس كان يرافق الحجاج المسيحيين تحت حراسته إلى الأردن، ثم يدفع بعد ذلك للبدو مالًا، ويشهد الرحالة "براون" فى كتابه "رحلات فى إفريقية" الذى يصف الأحوال فى القدس سنة 1797 م فيذكر أن "كل منطقة القدس فى قبضة البدو وتحت سيطرتهم"، ويرجع سبب هذه المأساة إلى أن القدس لم تكن تتبع استانبول إداريًا بل كانت ممنوحة إلى والى دمشق تارة وإلى والى صيدا تارة أخرى وكانت قبل ذلك ممنوحة لوالى مصر.

القدس من 1831 حتى 1917 م

ولقد كان القرن التاسع عشر قرنا آذن القدس بشر مستطير فقد التهمت النيران معظم القسم الغربى من القبر المقدس، وحينذاك منح السلطان محمود الثانى اليونان حق إعادة بناء المبنى فغضب الانكشارية لقيام غيرهم بهذا العمل كما أنه فرضت ضرائب باهظة على المدن والفلاحين مما أدى إلى حدوث فتنة فى 1825 م عمت أرجاء البلاد، وبعد أحداث جِسام أمكن التغلب على الفتنة. القدس من 1831 حتى 1917 م: أخذت أعداد سكان القدس المسيحيين فى الزيادة كما زادت أعداد اليهود، ولما تم فتح فلسطين عام 1831 م على يد إبراهيم باشا ابن محمد على والى مصر سعى لتكوين حكومة قوية وكسب صداقة القوى الأوربية وكسر شوكة العائلات المحلية وتكوين جيش نظامى وهيئات استشارية ورفع كثيرًا من الالتزامات التى كانت مفروضة على مسيحيى القدس واليهود، فثار السكان المسلمون وامتشق الفلاحون السلاح وأخرجوا الحامية المصرية من البلد وذلك سنة 1834 م ولكن إبراهيم باشا استطاع التغلب على ما أثير وتابع إصلاحاته وأهدافه فى قوة. وكان لحرب القرم أثرها فى زيادة فعالية التدخل الأوربى كما فتحت بالقدس قنصليات لكل من فرنسا والنمسا وبروسيا وروسيا وسردينيا وأسبانيا والولايات المتحدة الأمريكية، ومع ذلك ارتفعت أعلام الدول المسيحية فى المدينة المقدسة أيام الأعياد والأجازات وأعياد ميلاد ملوكها، وراحت الكنائس تدق أجراسها، وحاول المسلمون وقف هذه المستجدات فلم يفلحوا نظرًا للمساعدات الخارجية التى كان مسيحيو البلد أول المستفيدين منها، وأعيدت بطركية القدس اللاتينى، وانتقل البطرك اليونانى من استانبول إلى القدس وقامت بطركية انجليكانية سنة 1841 م وصدر فرمان بتعيين حاخام للطائفة اليهودية، وأهدى السلطان عبد الحميد المدرسة الصلاحية التى كانت ديرا فى القديم إلى الإمبراطور الفرنسى نابليون الثالث سنة 1856 م، ومن السمات البارزة أن الحكومة

القدس بعد 1917 م

المركزية أصبحت قادرة على تأكيد سلطانها شيئًا فشيئا على المدينة وعلى الريف أيضًا وأدت التنظيمات الإدارية والحكومية وتدخل القنصليات الأوربية وتحسن وسائل المواصلات إلى تقليل شوكة البدو كما أصبحت القدس منذ عام 1865 م متصلة بالعالم الخارجى عن طريق البرق (التلغراف) وتم فى 1868 م إنشاء أول خط سكة حديد بين القدس ويافا، وأدخلت الوكالات النمساوية والفرنسية وغيرها الخدمة البريدية، وأصبحت القدس ابتداء من سنة 1874 م "متصرفية" قائمة بذاتها وتتبع مباشرة استانبول، هذا إلى جانب إدارات خاصة بالمالية والأوقاف والأمن والزراعة والتعليم، ودخل فى الهيئات الاستشارية ممثلون عن المسيحيين واليهود، وانشئ داخل المدينة وخارجها كثير من الكاتدرائيات والكنائس وبعض المساجد والأديرة وقصور البطاركة. وكانت أول مدرسة لبنات اليهود قامت سنة 1864 م وأخرى للعرب وأنشئت المعاهد العلمية والمستشفيات والمصحات ودور الأيتام كما أن سكان المدينة القديمة شرعوا منذ سنة 1860 م فى إنشاء أحياء خارج مدينتهم، وآثر المسلمون الإقامة فى الجنوب. أما اليونان الارثوذكس فكان أكثر تركيزهم فى ضاحية بنت سيمون (باب سمعان)، أما اليهود فأقاموا أكثر من ستين ضاحية معظمها فى القسم الغربى من المدينة وأقيمت مستعمرة لفرسان المعبد الألمانية فى الجنوب الغربى، وأخرى أمريكية فى الشمال وكان أغلب سكانها من السويديين. القدس بعد 1917 م: لما كان يوم أول يوليو 1920 م حلت الادارة المدنية محل الحكومة العسكرية للاحتلال البريطانى. ولقد استفادت (من نتائج الحرب العالمية الأولى) القدس مركز حكومة الانتداب وكذلك الهيئات التنفيذية للمنظمات اليهودية العالمية والمجلس الوطنى ليهود فلسطين والمجلس الإسلامى الأعلى الذى تأسس سنة 1921 م ومسئولى الكنائس المسيحية

المختلفة، كما ارتفع عدد سكان القدس من 90.503 نسمة فى تعداد سنة 1931 إلى مائة وخمسين ألف نسمة عند بداية الحرب العالمية الثانية. وأقيمت بالقدس منشآت عامة وخاصة مثل مركز اللجنة العليا للاشراف على الهدنة الثانية للأمم المتحدة والجامعة العبرية ومستشفى الهداسة وجمعية الشبان المسيحية وعدة كنائس جديدة وعدد ضخم من المدارس وظهرت أحياء سكنية جديدة أصبحت غاصة بالسكان، وكذلك قامت معاهد بريطانية وفرنسية وأمريكية وقامت الكلية العربية الحكومية وعلى رأسها أحمد سامح الخالدى مما أدى إلى ظهور جيل جديد من المثقفين العرب، وظهر كثير من المؤلفين العرب أمثال اسعاف النشاشيبى وخليل السكاكينى وخليل بيدس. وتأثرت القدس أكثر من غيرها بتصارع الروح القومية لكل من العرب واليهود، وجرت أول أحداث دامية بين الجانبين فى إبريل 1920 م وصدر الأمر العسكرى بإعدام الحاج أمين الحسينى مفتى القدس ثم ما لبث أن صدر الأمر بالعفو عنه من قبل المندوب السامى الجديد سير مبوبرت صمويل وأعيد المفتى إلى سابق وظيفته ثم انتخب رئيسا للمجلس الإسلامى الأعلى الذى أنشأته الحكومة سنة 1921 م، ثم حدث صراع بينه وبين راغب النشاشيبى والأمير عبد اللَّه على أن موضوع حائط البراق الغربى أدى إلى حوادث اغسطس 1929 م الدامية، كما شدّ من أزر هيبة الحاج أمين الحسينى وجاءت التبرعات من الهند لإصلاح الحرم، كما دفن فى الرواق الغربى منه الزعيم الهندى المسلم محمد على. وأسفرت هجرة اللاجئين اليهود الكبيرة سنة 1933 م وما بعدها عن ثورة السكان العرب، ثم جاءت سنة 1963 م لجنة بيل Peel لتقصى حقيقة الموقف فأوصت لأول مرة بقيام دولة عربية يهودية وتحويل القدس وبيت لحم إلى وحدة منفصلة فى ظل الاحتلال البريطانى لكن فشلت هذه

المحاولة والتوصيات التالية لها التى تقدمت بها حكومة الانتداب فى إيجاد الحل والوصول إلى نتائج حاسمة حتى إذا كان يوم 29 نوفمبر 1947 م تبنت الجمعية العامة لعصبة الأمم القرار رقم 189 الداعى إلى تقسيم فلسطين إلى دولتين يجمعهما اتحاد اقتصادى واحد، كما أوصت بتدويل القدس مما أدى إلى اشتعال الثورة ونتجت عنها خسائر جمة فى الأرواح والممتلكات ثم انتهى الانتداب الرسمى البريطانى يوم 15 مايو 1948 م، وتمركزت فى منطقة بيت لحم كتيبة مصرية وقام الجيش العربى الأردنى بمهاجمة الحىّ اليهود بالمدينة القديمة وغادره سكانه اليهود وفى 13 ديسمبر 1948 م قرر البرلمان الأردنى ضم مناطق فلسطين التى يحتلها الفريق العربى ونقلت إسرائيل برلمانها إلى القدس فى فبراير 1949 م وأعلنت أنها تعتبر القدس عاصمة لها يوم 13 ديسمبر 1949 م، وكان كل هذا مخالفًا لقرار الأمم المتحدة باعتبار القدس كيانًا منفصلًا، وظلت المشكلة فى أروقة الأمم المتحدة حتى حرب 1967 م التى خلقت موقفًا جديدًا كل الجدة. ولقد ترك الحكم الأردنى بصمة أبدية بقيامه بأعمال الترميم فى الحرم الشريف ولا سيما بالقبة، وكانت زيارة البابا بولس السادس فى يناير 1964 م لكلا شطرى القدس قد أظهرت اهتمامه القوى بأمر المدينة المقدسة. أن حرب 1967 م التى استمرت بالقدس ثلاثة أيام أسفرت عن خسائر فادحة فى الأرواح ولكن عن خراب قليل فى المبانى والمنشآت وأخذت الأحداث تتوالى وتتغير بسرعة. وأكثرت إسرائيل من هدم الأماكن العربية، كما قام استرالى يهودى يوم 21 أغسطس 1969 م بإشعال النار فى المسجد الأقصى مما أثار ثورة العالم الإسلامى وشرع المجلس الإسلامى بعد عام من الحريق فى إصلاح ما أتت عليه النار واستغرق هذا الاصلاح بضع سنوات، واتخذت خطوات أعيد بها بناء كثير من أجزاء المسجد ودخلت فى نطاقها مناطق لم تكن النار قد ألحقت بها دمارًا، واستعين بأموال الأوقاف الإسلامية

فى إصلاح عدة أسبلة قديمة وسوق تجار القطن وشيد جامعان جديدان (*). ويحتوى معهد روكفلر معروضات فريدة وكنوز من الفن الإسلامى وتحتوى مكتبة الخالدية بالقدس القديمة على مخطوطات قيمة لم يرد لها ذكر فى فهرس المكتبة الخالدية المطبوع بالقدس عام 1318 م، ويوجد بقاعة المطالعات الشرقية بالمكتبة العبرية، كتب نادرة تفيد الباحثين فى حقل الدراسات الإسلامية، وتوجد مجموعات من شعر الجاهلية وعصر صدر الإسلام فى معهد الدراسات الآسيوية والأفريقية، تجمعها فى الوقت الحاضر ما يزيد على نصف مليون جذاذة ويضم معهد ماير التذكارى للفن الإسلامى نماذج رائعة من هذا الفن. ولزيادة الإيضاح عن هذا الموضوع راجع كتاب تاريخ بلاد الشام من القرن السادس حتى القرن السابع عشر الذى أصدرته جامعة عثمان سنة 1974 م وكتاب المفصل فى تاريخ القدس لعارف العارف (القدس 1961 م) وأعمال ¬

_ (*) وما أن بدأت مفاوضات السلام بين العرب وإسرائيل عقب انتصار العرب فى حرب 1973 م حتى عادت قضية القدس إلى دائرة الضوء، وكان حادث حريق المسجد الأقصى هو السبب المباشر فى إنشاء منظمة المؤتمر الإسلامى الذى عقد لأول مرة بالمغرب، ثم توالى عقده فى العواصم الإسلامية المرة بعد المرة، وتكونت من خلال المؤتمر لجنة خاصة تسمى "لجنة القدس" يرأسها الملك الحسن الثانى للعمل على تخليص بيت المقدس من سيطرة إسرائيل، ثم كانت زيارة الرئيس أنور السادات إلى القدس فى عام 1977 لصلاة عيد الأضحى فى المسجد الأقصى وهى التى أطلق عليها اسم مبادرة السلام أو المبادرة وحسب، وعلى امتداد عام 1978 جرت المباحثات المكثفة بين الجانبين العربى والاسرائيلى التى توجت بعقد اتفاقيات كامب دافيد، وكانت تنص فيما نصت عليه، على إعادة النظر فى مسألة القدس المحتلة، رغم إصرار اسرائيل على عدم تقسيم المدينة، وكان من البدائل التى طرحت "تدويل" القدس أى جعلها مدينة دولية محايدة مفتوحة أمام جميع الأديان والجنسيات. ولكن إسرائيل أصدرت فى عام 1980 قانونًا يقول إن المدينة الموحدة أصبحت رسميًا عاصمة لاسرائيل، ولم تعترف دول العالم بهذا القانون واعتبرته سابقًا لأوانه ورفضت نقل سفاراتها إلى القدس، وعلى امتداد الثمانينيات شهدت القدس أحداث عنف كثيرة، خصوصًا بعد اندلاع الانتفاضة فى الأراضى المحتلة (الضفة الغربية وغزة والقدس) ثم توصل الفلسطينيون بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية إلى اتفاقية سلام مع إسرائيل فى عام 1994 ولكن العنف لم يتوقف ففى 24 فبراير 1994 قام باروخ جولد شتاين، وهو إسرائيلى متعصب، باطلاق النار على المسلمين أثناء الصلاة فى مدينة الخليل فقتل ثمانية وأربعين شخصًا، وفى 25 أغسطس 1995 وقعت حادثة تفجير انتحارية قامت بها فتاة من منظمة حماس فى مدينة القدس وراح ضحيتها خمسة من القتلى وأصيب فيها 107، وبدا أن القدس قد أصبحت من جديد فى مركز الضوء العالمى، =

المصادر: وردت فى المتن.

المؤتمر الرابع لاكاديمية البحث الإسلامى التابع للأزهر الشريف (القاهرة 1970 م) وأبحاث عن مكانة القدس فى الإسلام لعبد الحميد حسن واسحق موسى الحسينى وعبد الحميد السايح، وقضية فلسطين لعز الدين فودة ومتصرفيات القدس أواخر العهد العثمانى لعبد العزيز عواض: Spezidon: Annals of Palestine 1821 - 41 المصادر: وردت فى المتن. د. حسن حبشى [س. د. جويتين S. D. Goitein] قدم تعنى فى مصطلح الفلسفة الإسلامية، وعلم الكلام: الخلود والبقاء. ولابد أن تُمّيز عن مصطلح "أزل" وعن مصطلح "أبد". ويرى التهانوى: أن الأزل هو الوجود الذى لا أول له، والأبد هو الوجود الذى لا نهاية له والقِدَم مضاد للحدوث، فالقدم يعنى (اللامسبوقية بالغير)، والأزل يفيد (نفى الأولوية)؛ وهو بذلك حالة فى ¬

_ = وقرر اسحق رابين رئيس الوزراء الاسرائيلى آنذاك أن يواجه المشكلة بادراج قضيتى القدس والانسحاب من الجولان السورية فى جدول أعمال محادثات السلام، ولكن متعصبًا إسرائيليًا اسمه إيجال عامير اغتاله يوم 4 نوفمبر 1995. "وكان اغتيال رابين بمثابة النكسة لقضية السلام، إذ إن بنيامين ناتانياهو رئيس الوزراء الاسرائيلى الجديد المنتخب (فى 29 مايو 1996) اتجه إلى التشدد مما أعاد العنف على امتداد عامى 1996 و 1997 إلى المنطقة وفى قلبها القدس. فوقعت أحداث تفجير انتحارية فى 25 فبراير 1996 فى القدس وفى عسقلان وتل أبيب، ثم قتل أعضاء منظمة حماس أحد عشر جنديًا اسرائيليا فى الجنوب اللبنانى الذى تحتله اسرائيل، وقامت اسرائيل بقصف جدى مركز راح ضحيتة عدد كبير من القتلى بلغ 160 من المدنيين اللبنانيين. "وتوقف تنفيذ اتفاقيات السلام التى كانت قد وقعت فى أوسلو، وتوقف انسحاب اسرائيل من الأراضى العربية المحتلة. وتمادى ناتانياهو فى تحدى مشاعر العرب والمسلمين باعلانه فتح نفق يصل أراضى القدس الغربية بالقدس الشرقية بل يصل إلى قلب المدينة الإسلامية. فعاد الصدام بين الفلسطينين والاسرائيلين فى القدس، فانقض الجنود الاسرائيليون على المسلمين بعد صلاة الجمعة فى المسجد الأقصى يوم 27 سبتمبر 1996 م وقتلوا ثلاثة وجرحوا 120 شخصًا، ولكن المصادمات استمرت وبلغ عدد الضحايا آخر الأمر خمسة وسبعين من القتلى و 150 جريح. "واستمر التوتر خلال عام 1997 وبداية عام 1998، ولكن إسرائيل كانت تخرج من وقت لآخر بمشروعات استيطان جديدة تتضمن تغير الهيكل المعمارى والسكانى للمدينة، وكان العرب والمسلمون يعارضونها بشدة، وكان بناء المستوطنات بمثابة إعلان من جانب إسرائيل بأنها سوف تتمادى فى التمسك بالقدس العربية الإسلامية، فى حين يزداد إصرار العرب والمسلمين على تخليص المدينة المقدسة من قبضة الاحتلال". د. محمد عنانى

الطرف الَقْبلى للبقاء والخلود eternity والأبد هو الطرف البعدى لها. وأساسًا، لابد أن يكون الأزل والأبد متماثلين فى اللَّه سبحانه وتعالى حيث (إن أبده عين أزله)، لأنهما يعنيان أن طرفى النقيض النسبيين اللذين هما البداية والنهاية كلاهما "منقطعان" عن اللَّه (انقطاع الطرفين الإضافيين عنه). لأنهما صفات سلبية بالنسبة لذات اللَّه (انظر فخر الدين الرازى، تفسير أسماء اللَّه الحسنى، سورة الأعراف، الآية 180؛ وأزلى وقديم مصنفان بين الصفات الحقيقية والسلبية. إذ تعد صفته "الأول" على أنها صفة حقيقية، مصحوبة بعلاقة ونفى "صفة حقيقية مع الإضافة والسلب". وهو قديم بمعنى أزلى، أى غير مسبوق، وهو فى الوجود قبل أى تصور عقلانى للبداية الأولى (قبل تعقل الأولية)، وبمعنى أبدى أى الدائم (بعد تعقل الآخرية). ويخرج إلى النور من بين هذه التعريفات العديدة مفهومان، ما قبل السرمدية، وما بعد السرمدية. والأول هو البقاء إلى ما لا نهاية (لا نهاية له) ويمتد تجاه الماضى، أو تجاه المستقبل (ويعرف فى أى الحالين على أنه (اللايزال). ويثير هذا الترتيب كثيرًا من الصعوبات أمام حل مشكلة خلق العالم، فهو يطرح تصور الزمان اللانهائى قبل لحظة هذا الخلق، والثانى تصور فلسفى بدرجة أكثر حيث أن هذين اللونين من السرمدية ليسا سوى تصورين سلبيين لجأ إليهما الفكر التأملى ليفهم فكرة السرمدية بالنسبة للزمان، ولكن الذى لا يتوافق مع حقيقة الزمان اللانهائى فى المعنيين الاثنين هو: أنهما نسبيان لأسلوب الفكر المنتمى إلى الروح البشرية التى -كما يشير الرازى- لا يمكن أن تدرك بذاتها خارج نطاق الزمان، والحقيقة المحجوبة خلف هذه التصورات الخيالية هى أن "بقاء اللَّه بذاته" يعنى وجودًا غير متأثر بالزمان، والصفة الزمانية كلية. وبالتالى، إلى ماذا يرمز القِدَم؟ من ناحية الاشتقاق يجب أن يرتبط هذا المصطلح بالأزل، لأنه جذر معبر عن

فكرة الأسبقية، ويقول لسان العرب عنه ما يقوله التهانوى نفسه عن الأزل: "إنه نقيض الحدوث". ويشرحه ابن منظور أيضا من خلال جذور عَتَقَ، وسَبَقَ (أن تتقدم فى سباق). والواقع أنه يجب ملاحظة أن فكرة الأسبقية فى الزمان أو المكان متصلة باستحقاق التفوق، كما قد يظهر من القَدَمِ المادى، ومن استخدامه القرآنى: قَدَم صدق (سورة يونس، الآية 2) التى يفسرها الزمخشرى على أنها سبق وفضل ومنزلة رفيعة، وأولوية، ومنزل عَلَّىٌ، يعده اللَّه للمؤمنين، وفى شرح آخر هى هدية مسبقة قد أعدها اللَّه لهم بفضله وكرمه (قد سبق لهم عند اللَّه خير) الأمر الذى يوحد الفكرتين الاثنتين للأسبقية، وسمو الإتحافات الالهية، وقد يلاحظ بدرجة أكثر بالنسبة لقَدَم (بمعنى "خطوة"، من حيث حقيقة أنها تكون إلى أمام الآخرين، أى أسبقية) حتى أن لسان العرب، وكذلك القرطبى فى تفسيره يقتبس كل منهما بيتًا من شعر ذى الرمة يقول فيه: وَأَنْتَ امْرُؤٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ ذُؤابَةٍ ... لَهُمْ قَدَمٌ مَعْرُوفَةٌ وَمَفَاخِرُ حيث نرى تعبير العقلية البدوية: فالقَدَمُ مرتبطة بالشرف الرفيع، والأعمال المجيدة (المفاخر). وقد يكون الافتراض معقولا بأن جذر ق - د - م، يستخدم ليفيد أسبقية اللَّه. بل ليفيد سموه الوجودى على كل الأشياء، وعلينا أن نوضح أن ذلك ليس أسبقية وسموًا نسبيًا إزاء الآخرين، كما هى حال "المفاخرة" التى تفيد المنافسة، لكنها الصفات الفائقة المطلقة، وبهذا المعنى يقول لسان العرب: فى أسماء اللَّه تعالى المُقِدَّمُ: هو الذى يقدم الأشياء ويضعها فى مواضعها، أى الخلود المطلق، ويكتب القاضى عبد الجبار، فى شرح الأصول الخمسة، أنه وفق مبادئ اللغة يكون مصطلح "قديم" هو "ما تقدم وجوده" ويستشهد بالآية 39 من سورة يس: {وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ} حيث يقارن اللَّه عز وجل، القمر بسعفة نخل قديمة (كالعرجون القديم)، أما كلمة قِدَم،

فإنها لا توجد فى القرآن الكريم ويوصل الكتاب الموحى به فكرة اللانهائية الإلهية من خلال فكرة السمو تلك، فاللَّه هو المتعالِ (سورة الرعد، الآية 9)، وهذا الاسم فى رأى الرازى، يختص به اللَّه سبحانه على أساس أنه (منزه) فى ذاته، وفى صفاته، وفى أفعاله عن كل ما قد لا يفرض على الآخرين الاعتراف به. ونتيجة لذلك. فإنه سبحانه خارج الزمان، وسرمدى، ولهذا السبب، فإن مصطلح قديم يؤخذ بصفة مطلقة على أنه يدل على اللَّه جل جلاله نفسه. 1 - يكمن القدم الحقيقى فى أنه غير مسبوق بشئ آخر وفق الأسبقية التى هى "جوهوية" وليست "زمنية". وهذا ما يعرف بأنه "قدم ذاتى"، ويكمن فى حقيقة عدم الاحتياج لكى يوجد إلى أى شئ على الاطلاق سوى الذات: فاللَّه جل جلاله غير محتاج لموجود كى يوجد. والقديم فى هذا المعنى هو واجب الوجود. وعكس مصطلح (قدم) مصطلح (حدوث) الذى يعنى حقيقة أن شيئا ما قد سبقه فى الوجود وفق أسبقية أساسية، والتى قد تكون فى هذه الحالة، أو قد لا تكون أسبقية زمنية (مثال ذلك، أن العالم هو نتيجة أصل بالضرورة، إنه حدوث، ولكن لا شئ يسبق زمنه، والإنسان يولد أساسًا أيضًا، ولكن والديه وجدا فى زمن سابق لمولده)، بمعنى مؤكد أن الزمان هو نتيجة أصل، أى "حادث"، لأنه إذا كان قد سبق بلا شئ قد وجد قبله بطريقة زمنية، فإن هذه الفرضية تكون عبثية، لأن الوجود المطلق لواجب الوجود لا يتوافر فيه، وهو يجدد ذاته فى كل لحظة، ومن الممكن أن نفهم بالقدم بوجه خاص حقيقة أنه غير مسبوق بعدم الوجود لأسبقية زمانية: ولذلك سوف يسمى هذا "قدم زمانى"، والقديم بلغة الزمان، يكون لهذا السبب هو "ذلك الذى يكون زمان وجوده ليس له بادية أولى" وبالمثل، قد يتحدث المرء عن أصل زمنى، أى (حدوث زمانى) حيث يكون وجود موجود ما مسبوقًا بعدم وجود فى الزمان، وعلى هذا النحو، نحدد ما هو ثمرة "الحدوث الزمانى"، وعلى أنه المسبوق فى الزمان بعدم وجوده، ووفق الصياغة المشهودة:

(لم يكن، ثم كان)، وبهذا المعنى، يكون الزمان غير حادث، لأنه ليس ثمة شئ بوسعه أن يوجد نفسه قبلا. 2 - بالنسبة للقدم النسبى، فإنه يفيد أن الزمان الماضى لوجود موجود يكون أعظم من زمان وجود موجود آخر. ولكن هذا المعنى، لا يمكن أن ينقل بكلمة قِدَم. إنه يخص عتق موجود بالمقارنةَ إلى جِدَّه موجود آخر، وكلمة قديم تعنى عتَيق، وبشكل عكسى، سوف يكون الحدوث جِدَّةَ، والحادث هو الجديد. ويضيف التهانوى أن القِدَمَ الأساسى "أخص" من القدم الزمانى، الذى يكون بدوره أخص بدرجة أكثر من القدم النسبى أو العتاقة، ولهذا السبب، فإن واجب الوجود الذى هو "قديم ذاتى"، يكون قديمًا أيضا وفق وجهة نظر زمانية، حيث أنه مسبق لا بعدم ولا بشئ غير ذاته، ولكن العكس ليس صحيحًا: ولذلك، فإن صفات الموجود القديم التى لم تسبق بعدم لأنها مصاحبة لذاته القديمة، لا تكن قديمة فى حد ذاتها، هكذا، لا يكون لها قِدَم ذاتى. ويمكن أن يقال الشئ نفسه عن العالم الذى هو "قديم زمانى" فى رأى الفلاسفة، ولكنه ليس قديم ذاتى بأية حال، لأنه يعتمد على علته التى هى خلاف ذاته، وبالنسبة للقدم الإضافى، فإنه ليس مشاركًا شاملًا مع القدم الزمانى، والواقع، أن الزمان الماضى لوجود ما قد يكون أعظم بالمقارنة إلى ذلك الذى يوجد بشكل لاحق لأول مرة، وينطبق هذا على الأب الذى هو قديم بالنسبة لابنه، وهو ليس بتلك الوسيلة قديم زمانى، لأن هذا الأب قد أنجبه والدان، هكذا، لو قارنا العالم بإنسان ما، يكون لكليهما تاريخ قوامه أحداث متعاقبة. فإنه بالنسبة لواحد من هذه الأحداث، يمتد ماضى العالم، وماضى هذا الإنسان إلى زمان أعظم من زمان الحدوث الجديد. ولذلك سوف يسمى كل منها قديم بالنسبة له. ويكون كلاهما قديمًا إضافيًا. ولكن العالم ليس قديمًا فحسب فى هذا السياق: إنه كذلك فى حد ذاته، لأنه لم يكن هناك زمان ذات يوم لم يوجد فيه. والإنسان قديم فحسب، على سبيل المثال، بالنسبة

لحادثة أبوته: إنه سبقها دون شك، ولكن على نحو دقيق، وفق سابقة تكون نسبية بالنسبة لها فحسب، وعلى العكس، فإنه فى سياق "الأصول" يكون "حدوثا إضافيًا" الذى هو خاص إلى أقصى حد، ثم يأتى حدوث زمانى، وفى النهاية حدوث ذاتى. هذا لأن كل شئ يغطى وجوده فى الماضى فترة زمانية (أقل، يقال إنه حدوث إضافى) يكون مسبوقًا بعدم، وهو لذلك حدوث زمانى، والأحرى، إنه حدوث ذاتى، ولقد كان هذا التحليل متأثرًا بوضوح بفكر فلاسفة يميلون إلى ربط القِدَم بالضرورة الوجودية لواجب الوجود، وربط الحدوث بالإستمرارية. ويفهم المتكلمون ببساطة مصطلح قديم، على أنه غير المسبوق بعدم، أو وفق مفردات التهانوى، قديم زمانى. فعلى ماذا تنطبق فكرة القدم؟ ينسب القدم أولًا إلى ذات اللَّه. وكل الفلاسفة علماء الدين متفقون على هذه النقطة. وهناك اختلافات فى الرأى بين المتكلمين حول مسألة قدم صفات اللَّه، فاللَّه قديم لأنه ليس خاضعًا لأصل، والموجود لا يمكن أن يكون إلا محدثًا أو قديمًا. وهكذا لو كان اللَّه خاضعًا لأصل لكى يوجد، فإنه قد يحتاج إلى موجود آخر لكى يوجده، أى إلى مُحدث، ولكن المسألة قد تنطبق على "المُحْدِثِ" أيضًا، وهلم جرًا إلى ما لا نهاية. ومن ثم، لابد للمرء أن يؤكد وجود اللَّه على أنه خالق قديم، وكما عبر عبد الجبار، هو "الصانع القديم"، وهذه الحجة التى تحمل رمزًا فلسفيًا، ليست سمة مميزة قاصرة على المعتزلة، إنها توجد فى المصطلحات نفسها أو فى ما يماثلها فى "كتاب التمهيد" للباقلانى، فى الفصل الذى يوضح فيه أن الفاعل الذى ينتج موجودات خاضعة لأصل (فاعل المحدثات) لا يمكن أن يكون هو نفسه ثمرة أصل ما. كما يوجد فى "كتاب الإرشاد" للجوينى الذى يبرهن على أن (وجود القديم غير مفتتح)؛ ويطرح فى الموضوع نفسه ملاحظة مهمة ودقيقة عن تصور وجود ما ليس له بداية: ألا يدل هذا على التوالى اللامتناهى للحظات؟ ويجيب أن اللحظة: للشئ تحدد يحقيقة أنها معاصرة مع أى

أشياء أخرى، وبالتالى، فإن قدم اللَّه يدل عليه تفرده ضمنًا. ويقر الاشاعرة قدم الصفات الإلهية. وعلى العكس، يعبر المعتزلة عن المبدأ الذى صاغه عبد الجبار فى "شرح الأصول الخمسة" وهو (لا قديم مع اللَّه). ومع ذلك، فإنهم يعترفون بأربع صفات على أنها قديمة: صفة الوجود، وصفة الحياة، وصفة العلم، وصفة القدرة. والواقع أن هذه الصفات الأربع، فى رأى الجبائى وأغلبية علماء المدرسة، تنسب إلى ذات اللَّه بالضرورة، ولذلك فإنها هى الأخرى قديمة. إن علمه هو وجوده فى تصرفات للعلم (كونه عليمًا) وينطبق الشئ نفسه على صفات أخرى، أو ما هو أكثر من ذلك، إنه يعلم من علم هو ذاته (أبو الهذيل)، إلخ. . . إنهم لا يقولون إن له علم قديم، ولكنه (لم يزل عليما)، إلخ. . . وقد رفض عَبَّادُ ابن سليمان أن يقول إن للَّه علم أكثر مما له من قِدَم؛ ولكن ربما يقال إنه "قديم". وعلى العكس، اعتقد ابن كُلاب إن اللَّه فى تصرفات من خلال علم يخصه، وهلمَّ جرًا. ولتقول إنه "قديم" هو أن تؤكد أنه (لم يزل بأسمائه) وصفاته؛ المقالات)، وذات اللَّه وحدها هى القديمة، ليس بمعنى أنها تجردت من كل الصفات، بل على العكس، إنها متشحة بكل ما يخص اللَّه. ونبدأ هنا فى التعامل مع دقائق بحتة فى اللغة، كما هو الحال فى التمييز بين التعبيرين "إن اللَّه لم يكف عن أن يكون"، و"إن اللَّه لم يكف عن أن يكون فى صفة قديمة للقدم" وأيا كان الأمر، هناك فقرة من المقالات جديرة بالملاحظة، هى "أن مؤيدى نظرية الصفات (أسباب الصفات) يختلفون فى الرأى المتعلق بصفات الخالق: هل هى قديمة، أم لم يكن لها أصل؟ يقول البعض إنها قديمة، ويصرح آخرون: إذا كنا نقول إن الخالق قديم فى صفاته، فلا داعى إذن للقول إن صفاته قديمة، بل نقول إنها لا قديمة، ولا كان لها أصل. "وقد أضاف أبو هاشم على ما ارتآه التهانوى، صفة قديمة خامسة إلى الصفات الأربع (المتقدم ذكرها) هى (الإلهية)، التى هى متباينة عن الذات، ويذكرنا هذا بما قاله علماء مدينة

Charters شارتز بشمالى فرنسا عن الطبيعة الإلهية divimitas, فى القرن الثانى عشر، ومنهم Gilbert de la porree ليس ثمة شك فى هذه الفرضية التى يلمح إليها عبد الجبار حين يكتب أنه وفق ما يقوله أبو هاشم، إن الصفات تخص اللَّه بالضرورة، وبموجب ذلك، فإنه يثبت ذاته (بما هو عليه فى ذاته)، وعلى هذا النحو، تكون هذه الصفات قديمة فى الصفة الإلهية، لأن سليمان ابن جرير، وغيره من "الصفاتية" يرون أن ما ينسب إلى اللَّه من الصفات يكون بالضرورة عبر أفكار (لمعانى) يمكن أن توصف لا بالوجود، ولا بعدم الوجود، ولا بأصل، ولا بقدم" (شرح الأصول الخمسة). إنه تصور "الصفة المعنوية"، وهو مصطلح قد ترجم على نحو مختلف بأنه "أساسى" و"نوعى"، أو حتى "وجودى"، إنه أمر لا يختلف عن الوصف الذى صار واجبًا بالفكرة التى لدى الإنسان عن اللَّه. والمعنى دائمًا هو فكرة تفيد مع (ما هو جوهرى فى خلفيته Cum Fumdamento - in re). ولذلك، فإن الصفة المعنوية ليست ذاتًا، ولا هى "شئ" فى اللَّه. إن حقيقة اللَّه هى التى تقتضى ما يقوله المرء عن اللَّه. ولكن هنا أيضًا، يكون القديم هو اللَّه، وذاته، وتغيب الصفة المعنوية عن كل البدائل الوجودية. ومع ذلك، ففى رأى عبد الجبار، أن بعض تلاميذ بعينهم لابن كُلَّاب، قد جعلوا المعانى مجردات مادية، وعدوها قديمة، وعندهم أن الصفات الأربع (المتقدم ذكرها) ملائمة للَّه بواسطة المعانى الأزلية. ومن الجذر نفسه مثل قِدَم تشتق الصيغة الخامسة من مصدر تَقدُّم الذى يوجد فى تفسير مثير للاهتمام، للرازى للآية 3، سورة الحديد: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ. . .} ولكلمة تقدم معانٍ كثيرة: (1) التقدم بالتأثير حيث يمارس السابق تأثيرًا على اللاحق، ومثال ذلك، أن حركة الإصبع تستلزم حركة الخاتم؛ (2) التقدم بالحاجة، أى الذى يقوم على الحاجة التى للاحق من السابق، ومن ثم يكون رقم واحد أقدم من رقم اثنين دون أن يكون علته؛ (3) التقدم بالشرف، وفق الأحقية، ومن ثم يكون لأبى بكر السبق على عمر؛ (4) التقدم بالمرتبة، طبقًا لنظام المراتب، هو إما أن

يكون محسوسًا مثل مكان الإمام فى الصلوات أمام المؤمنين الذين يقيمون الصلاة؛ وإما أن يكون عقلانيا، مثل مكان الجنس، بالنسبة للأنواع؛ (5) التقدم بالزمان، أسبقية زمانية أو "قبلية"؛ ويضيف إليها الرازى (6) "ولكنى أظن أن هناك قسم سادس مثل أسبقية فترات معينة من الزمان لفترات أخرى" وهذه الأسبقية ليست زمانية، إِلَّا، يكون لازما للزمان زمانًا آخر حتى يتطور، وهكذا دواليك إلى ما لا نهاية. ومن ثم، قد يكون الحاضر فى نطاق حاضر آخر، ويكون الحاضر الآخر بدوره فى نطاق حاضر ثالث. . وكل هذه الأزمنة الحاضرة حاضرة فى اللحظة الحاضرة (كلها حاضرة فى هذا الآن). ولكن مجموعة هذه اللحظات ربما تكون لاحقة لمجموعة لحظات ماضية، إلى الحد الذى قد يكون فيه زمن آخر لمجموعة الأزمنة. ونتيجة لذلك، ربما يكون كلاهما داخل وخارج هذه المجموعة، وهذا أمر محال. "زد على ذلك، أن هذه الأسبقية لفترات من الزمان بعضها على البعض، ليست أسبقية طبقًا لقانون العلة، ولا طبقًا للحاجة، وإلَّا، فإن هذه الفترات تتعايش معًا، ومن الواضح أيضًا، أن هذه الأسبقية ليست طبقًا للأحقية، ولا للمكان. لذلك، فإنها نوع سادس للتقدم. والآن، يوضح القرآن الكريم أن اللَّه هو "الأول" (Primus)، ويوضح الرازى هنا أن هذه الأهلية تناسب الواجب وحده، موجود أول وفريد، ولأن كل ذلك ليس هو، لأنه "ممكن"، ولا يوجد الممكن إلا عبر أصل: إنه مُحْدَث، ولكن ما هى طبيعة هذه الأسبقية الإلهية؟ إنها لا تدين لفعل من أفعال التأثير، لأن الفاعل والمريض نسبيان أحدهما للآخر، ويتعايشان معا إنها ليست أولوية قائمة على الحاجة، حيث أن الأسبقية هنا أسبقية مطلقة. إنها ليست أسبقية مدينة للأحقية، لأنه لا يمكن أن يقال إن أحق أو "أشرف" من الممكن، لأنه ليس كمثله شئ (مع أن أحد المعانى هو أن الوجود الواجب يفيد تمام الموجود الذى يكون وجود الممكن ناقصًا بالإضافة إليه). وبالنسبة لأسبقيات الزمان والمكان، فليس لها معنى بالنسبة للَّه،

لأن الزمان والمكان أمران ممكنان يعتمدان على أصل. ويكون اللَّه سابقًا لجملة الأزمان، فهو ليس سابقًا بالنسبة للزمان، وإلَّا، قد تدخل الأسبقية الإلهية فى مجموعة الأزمان، لأنها ستكون زمنًا، ولكنها خارجية له، ولأنها سوف تحتوى هذه الأزمان جميعًا، وأن ما تحتويه يكون خلاف ما احتوته. وربما يكون هذا نوعًا من العبث. ويقترح الرازى بوضوح، من المحتمل أن يتعلق باللَّه نوع سادس من الأسبقية التى لا تخلو من قياسات للتمثيل بأسبقيات فترات الزمان لبعضها البعض. ولكن هذه الفترات الزمانية ليست متطابقة، وذلك هو السبب فى أن الرازى حين يقدم هذا القسم السادس، لا يقول إنه، بل يقول إنه يشبه فحسب. . وختامًا، نحن نعلم أن اللَّه "أول" (على سبيل الإجمال)، وليس (على سبيل التفصيل). وبالنسبة لفهم حقيقة هذه (الأولوية) فليس لدى أنواع الذكاء البشرى أى وسيلة توصلها إلى ذلك، لأنها لا تستطيع أن تفلت من نطاق القوالب الزمانية. ويلاحظ أن تقسيمًا مماثلًا للتقدم موجود فى كتاب "مقاصد الفلاسفة" للغزالى، باستثناء التقدم بالحاجة، حيث يسميه التقدم بالطبع، فى حالة لا يكون السابق فيها موقوفًا بقمع اللاحق، ولكن اللاحق فيها يكون موقوفًا بقمع السابق (كما هى الحال مع مجموعة أرقام)، وفيما عدا ذلك، نجد أن التقدم بالتأثير، يحمل اسم "التقدم بالذات" (بالنسبة للعلة والمعلول). لم يساند مذهب قدم العالم فى الإسلام إلا الفلاسفة الواقعون تحت تأثير فلاسفة اليونان: أفلاطون؛ وأرسطو؛ وفيلو الإسكندرى؛ وبروكليس، وجون فيلو بونوس الأصولى. ويتناول كتاب تهافت الفلاسفة للغزالى وتهافت التهافت لابن رشد هذا المذهب بالتفصيل. والحجة الأساسية، هى أن من المحال أن تتصور بداية زمانية للعالم، أى لحظة الزمان التى خلق فيها، حيث يفيد ذلك أنه قد سبق خلقه زمان فارغ. والواقع، إذا كان الزمان مقياسًا رقميا للحركة، كما

يؤكد أرسطو (وهى نظرية يقتنيها الفلاسفة) نجد أن الحركة تتطلب شيئًا متحركًا، وأجساما متحركة، والعالم الطبيعى وبخاصة النجوم، حينئذ يكون من المحال بالنسبة للزمان أن يكون قد وجد قبل وجود العالم. زد على ذلك، أنه إذا وجد، فسوف يكون قديمًا أو مخلوقًا. ولكن القدم لا يتفق مع زمان آخذ فى التغير و"السيلان": كل جزء منه يكون جديدًا بالنسبة للجزء السابق، والزمان يتجدد فى كل لحظة من لحظاته. فإذا كان الزمان حادثًا فى كل أجزائه، يكون له كله سبب فى أن يكون هكذا فى جملته. ومن ثم، فإنه مخلوق: عندئذ تثور مشكلة: هل هو مخلوق فى زمان، وهل وجد زمان قبل زمان؟ وهذا عبث. وهذه هى الحجة، كما تؤخذ فى جانب العالم. وفى جانب اللَّه، مع افتراض خلق زمانى، ماذا فعل الخالق قبل الخلق. هل كان ساكنا؟ وتلك ليست طبيعته، كما جاء فى (سورة البقرة، الآية 255) أنه {. . لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْم. . .}. أضف إلى ذلك، أنه إذا كان ساكنا أولًا، ثم نشيطًا بعد، فلابد أن يكون حدث تغيير فيه، وهذا أمر غير معترف به. وما الذى أغراه بالخلق فى لحظة ما حين تولى خليقته؟ ومن جانب علماء علم الكلام الذين يعتقدون فى خلق العالم فى حينه، فإنهم يعترضون على أسس أن العالم قديم، وليس له بداية، وأنه لم يكف عن الوجود ذات يوم، وبالتالى إنه قد وجد لفترة لا نهائية من الزمان. وهذا تناقض ظاهرى. ويطرح هذا التعليل نفسه فى النظر إلى السلسلة اللامتناهية للعلل: المعلول الذى يوجد فى الحاضر، قد لا يوجد بأية حال. وتنشأ الصعوبة من استيعاب القدم فى زمان لا متناه. ولكن القول، بأن العالم قديم، هو أن نؤكد أنه فى أثناء البقاء فى داخل العالم، وفى الزمان المرتبط بالعالم، لن يجد المرء لحظة يمكن أن تكون بدايته الأولى. وسوف يحتاج المرء إلى أن يعود إلى الوراء على نحو غير محدد، وليس إلى اللاتناهى:

وبعبارة أخرى، إننا نتعامل هنا مع أمر لا محدود، أو بلغة أرسطو، مع اللاتناهى فى القدرة وليس اللاتناهى فى الحركة. وباختصار، يدل الاعتراض على أن التعبير "ليس له بداية فى الزمان" يعنى "أن له بداية فى الزمان اللامتناهى". بالإضافة إلى لا محدودية ما، قد يمكن قطعها، إذا كانت محصورة بين نقطتين على خط مستقيم، فيُقْطَعُ عدد لا متناه من النقاط. ويبدو أن ابن سينا قد أخذ بهذا الرأى بالنسبة لمشكلة العلة الأولى بتمثيلها قياسيًا بمشكلة البداية الأولى. فإذا نظر المرء إلى (جملة) العلل داخل هذا العالم، سيرى بوضوح أن كل علة منها هى علة ومعلول معًا. ولذلك، لا يستطيع المرء أن يقحم فى هذه (الجملة) علة أولى قد تكون بدون علة. "كل جملة تكون كل وحدة منها معلولًا مسببًا يحتاج إلى علة خارجية لهذه الوحدات. "وفى فرضية كهذه لسلسلة العلية" تتكون كل مجموعة من علل ومعلولات سواء كانت متناهية، أو لا متناهية، تظهر نفسها، فلو أنها تحتوى بداخل ذاتها معلولات مسببة ليس إلا، لتحتاج علة تكون خارجية عنها، ولكنها تكون فى استمرارية معها بشكل محدد (تتصل بها طرفًا). "وإذا كانت مكونات هذه الجملة لا متناهية، فإننا نتعامل عندئذ مع جملة لا متناهية محدودة. ذلك لكى نقول إنه فى البحث عن العلة الأولى، سوف ترى ظاهرة بوضوح كحد للامتناهى الذى لا يستطيع الفكر أن يصل إليه أبدا، ويجاهد فى سبيله. ولكن فعله لا يحتاج إلى اجتياز الانقطاع اللامتناهى للعلل والمعلولات، لكى تعمل هنا وحالًا، لأنه كما يوضح ابن سينا، "كل علة لجملة لا تكون واحدة من وحدات تلك الجملة هى فى المقام الأول علة لهذه الوحدات، وبالتالى علة للجملة. "وهذه إحدى وجهات نظر ابن سينا التى من هذا القبيل فى هذه المسألة، طبقًا لكتاب الإشارات. وثمة اعتراض آخر على نظرية قدم العالم تقوم على علم الفلك. ولدينا مثال فى هذا الصدد فى كتاب

الفصل بين البخيل لابن حزم. وبالتصريح بأن الإنسان ليس بوسعه أن يضيف لا شئ إلى الزمان اللامتناهى، فقد أوضح بذلك أن لا تناهى القرون التى ستأتى لن يضيف لا شئ إلى القرون الماضية، ويكتب ابن حزم: "فى مداره الدائرى، يدور زحل دورة واحدة فى ثلاثين سنة، ويدور حوالى 11000 دورة، ولم يكف عن الدوران ذات يوم. ويدور أعظم كوكب فى هذه السنين الثلاثين 11000 دورة تقريبًا، ولم يكف عن الدوران ألبته. والآن، وبما يتجاوز الشك، فإن 11000 دورة أكبر من دورة واحدة وحيدة. وبالتالى، فإن ما هو لا متناه سوف يكون أعظم 11000 مرة من ذلك اللامتناهى، وهذا عبث. بل هو تباين خطير فى الموضوع نفسه: استيعاب القدم فى زمان لا متناه. وتعليل ابن حزم صريح، لكنه يتجاهل قدرات اللامتناهى. وماذا عن نهاية العالم؟ يتمسك أفلاطون من دون الفلاسفة بالرأى القائل بأن ماله بداية يجب أن تكون له نهاية، وتمشيا مع ذلك، فإن ما ليست له بداية لا يمكن أن تكون له نهاية. ومن منظور الخالق المبدع، يكون بوسع المرء أن يعترف بأن اللَّه لن يدمر خلقه بالطريقة التى خلق العالم بها، ولكن القديم هو طرف بعدى أى أنه سيبقى دائما وعند الفلاسفة، لا يمكن أن يفنى الكون، ولكن ربما يختفى جزء منه. وعند علماء اللاوهوت الذين يعتقدون فى نهاية العالم، سوف تبقى هناك جنة ونار قديمان بالمعنى الأبدى؛ ولكن على أساس آية يصف اللَّه نفسه فيها، بأنه الآخر، افترض بهم بن صفوان أن الجنة والنار سوف يكون لهما نهاية كذلك، وقد التمس توكيدًا لنظريته فى الآيتين 107، 108 من سورة هود: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} وهكذا، سوف يجد اللَّه نفسه

المصادر

وحده بشكل مطلق فيما بعد القدم مثلما كان فيما قبل القدم. المصادر: انظر الكتاب المقدس بالنسبة لأبد. والنصوص التى يجب الرجوع إليها بخاصة: (1) الأشعرى: مقالات الإسلاميين. (2) الباقلانى: كتاب التمهيد. (3) الجوينى: كتاب الإرشاد. (4) عبد الجبار: شرح الأصول الخمسة. (5) ابن حزم: الفصل، فصل عن أولئك الذين يقولون إن العالم قديم. (6) عبد القاهر البغدادى: كتاب أصول الدين، رابع مبدأ، المسألة الأولى: شرح عدد الصفات (الأزلية). دراسات ومقالات: (1) M. Allard: Le problerne des attributs divins، بيروت سنة 1965. (2) R. Arnaldez: La pensee religieuse d' Averroes فى si، م 7 (سنة 1957) (3) المؤلف نفسه: المقدمة بالنسبة لموضوع De aeternitate mundi of philo Al exandria مع ترجمة فرنسية بقلم J.pouilloux، باريس سنة 1969 (4) e.behle: die Ewigkeit der welt ميونخ - بادربورن - فيينا سنة 1965. حسن شكرى [ر. آرنالديز R.Arnaldez] قدم شريف (المقصود بها قدم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم). من المعجزات المشهورة المنسوبة لمحمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] أنه كان إذا سار على الصخر غاصت قدمه فيه وترك أثرا (هناك معجزات أخرى تروى بالإضافة إلى هذه، منها أنه لم يكن له ظل وأن النار لم تكن تحرق شعره وأن الذباب لم يكن يقف على ملابسه وأن نعله لم يكن يترك أثرا على الرمل). ولم ترد مثل هذه المعجزات فى الكتب القديمة، ولا ورد عنها حديث يؤيدها، وقد أشار جلال الدين السيوطى إلى ذلك. ولكن

يؤيد هذه المعجزة بالذات وجود عدد كبير من آثار إحدى قدمى الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] أو كلاهما يبجلها المسلمون فى أنحاء العالم الإسلامى. وأشهر هذه الآثار هو الذى فى المسجد الأقصى فى القدس، وهو على الصخرة التى ركب منها محمد (عليه الصلاة والسلام) البراق فى رحلته السماوية (رحلة المعراج). كما أن هناك أثرًا آخر فى مسجد قرب البوابة الجنوبية لمدينة دمشق على الطريق إلى حوران، وقد طبع هذا الأثر لقدم الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] عندما كان على وشك النزول من فوق جمله ووضع إحدى قدميه على الأرض، وعندئذ أخبره جبريل أن اللَّه عز وجل قد خيره بين جنة الدنيا وجنة الآخرة، وعندئذ تخلى عن دخول المدينة. وفى القاهرة أثران، أحدهما فى مسجد يسمى أثر النبى والثانى فى قبر قايتباى الذى اشتراه بمبلغ 20000 دينار كما يقول أحمد دحلان. ويوجد أثر لقدمى الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فى طنطا فى مقام السيد أحمد البدوى، كما يوجد أثر مشابه فى إستانبول، فى المسجد الذى دفن به السلطان عبد الحميد الأول. وتحظى آثار قدمى الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] بأكبر قدر من التبجيل فى الهند حيث تنتشر هذه القطع الحجرية فى أنحاء البلاد، أحيانا فى أبنية منشأة خصيصا لتضمها كما فى مسجد قدم الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فى جاور، أو مع آثار أخرى كما فى جامع مسجد دهلى، أو تترك بلا عناية فى أحد أركان مقبرة كما فى شاه جمال قرب عليكره، أو محفوظة فى منازل بعض الأشخاص. وعادة يكون الأثر لقدم واحدة ولكن فى مبنى "قدم الرسول" فى بلاسور (فى أوريسا)، يحمل الحجر أثر القدمين مع قدمى علىّ. ومن أكثر هذه الآثار احتراما ذلك الأثر الموضوع على قبر فتح خان بن فيروز شاه تغلق، وكان هذا الملك قد أشرك ابنه معه فى الحكم عام 760 هـ، وقد أصابت وفاة فتح خان عام 776 هـ والده بحزن عظيم فأنشأ ضريحا عظيما على قبره يضم مسجدًا ومدرسة، ويقال إن شيخ جماعة

الجشتى Cishti السيد جلال الدين بخارى كان هو الذى أحضر أثر القدم من المدينة. وهذا الأثر مغمور فى ماء يعتقد أن له قدرة على الشفاء، ويقام احتفال دينى فى ذلك المكان فى كل عام يوم 12 ربيع الأول، وهو ذكرى وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام. وفى مدينة أوجه och، حيث توجد مجموعة كبيرة من آثار الرسول عليه الصلاة والسلام، يوجد أثر للقدم الشريف فى مقام باندجى محمد غوث (المتوفى عام 923 هـ) وهو من أحفاد عبد القادر الجيلانى. ويقال إن قطعة الحجر التى عليها أثر قدم النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] المحفوظة فى مسجد قدم الرسول فى جاور أحضرها من المدينة علاء الدين حسين شاه الذى حكم البنجال فى الفترة من 1494 م إلى 1521 م، أما المسجد الرائع الذى تحفظ فيه فقد بناه ابنه وخليفته نصرت شاه عام 1530 م. وبعد ذلك بخمسين عاما أحضر مير أبوتراب، الذى كان السلطان أكبر قد عينه أميرا للحج، قطعة من الحجر عليها أثر القدم اليمنى للرسول عليه الصلاة والسلام، أما الأثر الذى أحضره السيد جلال الدين بخارى المعروف بمخدومى جاهانيان Makhdumi Djahanigan للسلطان فيروز شاه فيقال إنها للقدم اليسرى. وقد خرج السلطان أكبر بنفسه مسافة عدة أميال بعيدا عن أجرا Agra ليستقبل الأثر الشريف وحمله على كتفيه حوالى مائة خطوة، وتبعه فى ذلك النبلاء ورجال الحاشية الذين رافقوا الحجر فى أبهة كبيرة ووقار حتى المدينة. وبعد عام، أذن أكبر لمير أبو تراب فى أخذ أثر القدم معه عند عودته إلى بيته فى جو جارات Gudjarat، فأنشأ له مبنى فى أساوال asawal قرب أحمد أباد ahmad abad كمقام يضم هذه القطعة الحجرية وبعض شعرات من شعر النبى عليه الصلاة والسلام كان قد أحضرها معه أيضا من مكة. وبعد وفاته وضع أثر القدم على قبره الذى ما زال موجودا جنوب

المصادر

مدنية أحمد أباد ولكن أثر القدم لم يعد هناك، فقد نقل (كما يقال) إلى كهامباى Khambay، كما يقال أيضًا إن أثر القدم الذى على قبر السيد محمد مقبول علم Saiyid Muhammad Makbul Alam، المدفون فى فناء مقام سلفه السيد محمد شاه علم فى باطوا Batuwa جنوب مدينة أحمد أباد إنما هو نسخة مصنوعة من الحجر الموجود فى جامع مسجد فى دهلى. وتوجد أحيانا نسخا مشابهة على حجر أو على ورق فى منازل بعض الأفراد. وكما تبجل أثار أقدام محمد عليه الصلاة والسلام، تبجل أيضا نماذج نعاله فيعلقها المتدينون فى منازلهم لدفع أذى الشيطان أو العين الشريرة أو سطو اللصوص. . . إلخ، كما يقال أيضًا إنها تخفف آلام الوضع. وتنتشر هذه الاعتقادات أيضًا فى الجزائر ومصر والهند وسوريا. المصادر: (1) أحمد بن محمد المقارى makkart، فتح المتعالى فى مدح النعال (آلوارد Ahlwardt: Verz. Arab. Handxhr. Berl. No. 2595) (2) إبراهيم بن محمد بن خلف: معجزات الأنبياء. (3) جلال الدين السيوطى: خادم النعل الشريف. (4) شاه محمد عمر: الاستشفاء والتوسل بآثار الصالحين وسيد الرسل (دلهى 1319 هـ). (5) Goldziher: Stuh.Stud جزء 2 صفحة 362 وما يليها. حسين أحمد عيسى (ت. و. أرنولد T. W. Arnold) قذف القذف هو اتهام الشخص المحصن فى شرفه بارتكاب الزنا مع العجز عن تدعيم هذا الاتهام بشهادة أربعة شهود على الواقعة مما يعرض القاذف طبقا للشريعة الإسلامية لتطبيق الحد الذى يصل إلى 80 جلدة وترجع الشريعة الإسلامية فى تحديد هذه العقوبة إلى الآية الرابعة من سورة النور.

المصادر

وحتى تقع جريمة القذف يجب أن يكون المقذوف محصنًا مؤمنًا حرًا وبالغًا عاقلا سواء كان ذكرًا أو أنثى. ويرى معظم الفقهاء أن الشخص المقذوف هو الذى له حق المطالبة بتطبيق حد القذف على القاذف ويطلق على ذلك الحق الآدمى وبالتالى يمكن أن يتنازل باختياره هو أو الورثة عن المطالبة بإقامة الحد على الجانى. فى حين يعتبر المذهب الحنفى أن إقامة حد القذف هو حق اللَّه وبالتالى لا يملك المقذوف هو أو ورثته التنازل عنه. ويمكن للزوج الذى يتهم زوجته بالزنا بدون تقديم الدلائل اللازمة التى تدعم الاتهام اتباع أسلوب اللعان حتى يتجنب التعرض لاقامة حد القذف. لا يطبق أيضا حد القذف على الأب والأم أو غيرهم من أقارب الجانى كما لا يطبق أيضا على القصر وغير العاقلين. أما بالنسبة للعبد فإن الحد يقتصر على 40 جلدة فقط. المصادر: (1) الفصل الخاص بالحدود فى المجموعات الخاصة بالتقاليد وكتب الفقه. (2) صدر الشريعة الثانى: مختصر الوقاية (قازان 1296). (3) الدمشقى: رحمة الأمة فى اختلاف الأئمة (بولاق 1300). تشتمل جميع أعمال الفقه على فصل من مادة "القذف" انظر على سبيل المثال: (1) الكسائى: بدائع الصنائع، القاهرة 327، الجزء 17، ص 40 - 65. (2) خليل بن اسحق: مختصر ترجمة Bouspurl، الجزائر، الجزء 4، 50 - 51. وللمقارنة بين المذاهب انظر: (1) فتحى بهنس: الجرائم فى الفقه الإسلامى، القاهرة 1959، ص 123، وما يتبعه. مها رؤوف أبو السعود [ت. و. جينبول Th. W.Juynboll]

القرآن الكريم

القرآن الكريم القرآن هو كتاب المسلمين المقدس الذى أوحى به اللَّه سبحانه لعبده ونبيه محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وقد دوّن القرآن الكريم وأصبح كتابا يتلوه المسلمون. وينقسم هذا البحث إلى الأقسام التالية: 1 - أصل الكلمة ومترادفاتها: (أ) الاشتقاق والاستخدام القرآنى. (ب) مترادفاتها فى القرآن الكريم. 2 - محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] والقرآن الكريم: 3 - تاريخ القرآن بعد عام 632: (أ) جمع القرآن الكريم. (ب) القراءات المختلفة ومصاحف الصحابة. (جـ) النص المعتمد والقراءات المعتمدة. 4 - البناء القرآنى: (أ) السور وأسماؤها. (ب) الآيات. (جـ) البسملة. (د) الحروف فى أوائل السور. 5 - الترتيب الزمنى لنزول القرآن: أ- الإشارات التاريخية فى القرآن. ب- التواريخ التقليدية التى وضعها المسلمون. جـ - التواريخ الغربية الحديثة. 6 - لغة القرآن وأسلوبه: أ- لغة القرآن. ب- الكلمات الدخيلة. جـ- السجع والتكرار. د- النظام الشكلى وتعدد الروايات. 7 - الأشكال الأدبية والموضوعات الرئيسية: أ- شكل القَسَم والأشكال المرتبطة به. ب- الفقرات التى تشير إلى آيات اللَّه فى الخلق. جـ - الفقرات التى تبدأ بفعل الأمر "قل". د- السرد فى القرآن الكريم. هـ- آيات الأوامر والنواهى. و- آيات الشعائر الدينية.

1 - أصل كلمة "قرآن" ومترادفاتها

غير ذلك من الأشكال. 8 - القرآن الكريم فى حياة المسلمين وفكرهم: قائمة مصادر ومراجع الأقسام من 1 - 8. 9 - ترجمة معانى القرآن الكريم: أ- المذهب الصحيح. ب- ترجمات معانى القرآن إلى بعض اللغات. 1 - أصل كلمة "قرآن" ومترادفاتها (أ) اشتقاق كلمة قرآن والاستخدام القرآنى لها: كان أول استخدام موثق للكلمة (قرآن) فى القرآن الكريم نفسه، فقد وردت سبعين مرة بمعان مختلفة. ويقبل معظم الباحثين الغربيين الآن ما ذهب إليه الباحث ف. شفالى F. Schwally وغيره من أن كلمة قرآن مأخوذة من الكلمة السريانية "قِرْيانا" التى تعنى قراءة الكتاب المقدس أو درسًا من دروسه، وهى بهذا المعنى فى الطقوس الدينية المسيحية (انظر على سبيل المثال مخطوطات القرن السادس الميلادى السريانية فى المتحف البريطانى، فيما جاء فيها على سبيل المثال قِرْيانا د - يوم باعْوَاتا وتعنى مجموعة نصوص تُتْلى فى يوم المغفرة أو الابتهال). هذا عن رأى الباحثين الغربيين، أما رأى المؤلفين المسلمين فينحصر -ببساطة- فى أن كلمة قرآن مشتقة من الفعل قرأ (المترجم: ففى لسان العرب مثلًا: قرأ القرآن الكريم أى التنزيل العزيز. . . قرأه يقرؤه، بفتح الراء ويقرُؤه، بضم الراء والأخيرة من الزجّاج قراءة وقرءا وقرآنًا. .) وكلتا النظرتين تجد بعض الدّعم من القرآن الكريم، حيث إن الفعل (يقرأ) لا يتردد كثيرًا مثل الفعل (يتلو)، فعبارة (تلاوة القرآن) أكثر استخدامًا من قراءة القرآن (¬1). ¬

_ (¬1) (بالرجوع للمعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم الذى أعده محمد فؤاد عبد الباقى نجد أن الآيات التالية قد استخدم فيها لفظ التلاوة وما اشتق منها فى جميع الآيات الدالة على ذلك. {قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ. .} يونس آية 16، {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ. .} الأنعام آية 151، {وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا} الكهف آية 83، {. . وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ =

وفى المخطوطات الكوفية الأولى نجد كلمة قرآن تكتب بدون همزة مما جعل بعض المؤلفين مثل قتادة وأبى عبيدة يقولون بأن كلمة قرآن مشتقة بين قَرَنَ بمعنى جمع الشئ (انظر مبحث ف. شفالى F. Schwally الآنف ذكره عن تاريخ القرآن). (المترجم: ورد فى لسان العرب لابن منظور وهو أوسع المعاجم العربية التقليدية على الاطلاق فى مادة قرن: ". . والقرآن لمن لم يهمزه جعله من الفعل قرن لاقتران آياته. قال ابن سيده: وهو عندى على تخفيف الهمز. . ") إلا أن ما ينقض هذا الرأى الأخير وهو كون القرآن مشتق من الفعل قرن أن حذف ¬

_ = مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ. . .} النمل آية 92، {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا. . .} يونس آية 61، {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ. .} العنكبوت آية 48، {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ. .} البقرة، آية 44 {نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى. .} القصص آية 3، {ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ} آل عمرآن آية 58، {تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ. .} البقرة آية 252، {تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ. .} آل عمران آية 108، {تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ. .} الجاثية آية 6، {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ} البقرة آية 129، {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا} البقرة آية 151، {إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ} آل عمران آية 164، {وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا. .} القصص آية 59، {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ} الجمعة آية 2، {رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ} الطلاق آية 11، {رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً} البينة آية 3، {. . . وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ. . .} البقرة آية 113؛ {مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ. .} آل عمران آية 113، {. .يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا. .} الحج آية 72، {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ} فاطر آية 29، {أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ} الزمر آية 71، {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ. .} البقرة آية 121 {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ. .} المائدة آية 27، {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا. .} الأعراف آية 175، {وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ. .} الكهف آية 27، {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ} الشعراء آية 69، {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ} العنكبوت آية 45، {قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} آل عمران آية 93، {وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا} الأنفال، آية 2 {وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ. .} آل عمران آية 101، {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا. .} الأنفال آية 31، {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ. .} يونس آية 15، {إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا} مريم آية 58، {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا. .} مريم آية 73، {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ. .} الحج آية 72 {قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنْكِصُونَ} المؤمنون آية 66، {أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ} المؤمنون آية 105، {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا. .} لقمان آية 7، {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا =

الهمزة هو أحد خصائص لهجة أهل مكة (المكرمة) كما أنه هو ما دأبت عليه المصاحف الكوفية الأولى المخطوطة، وأن كلمة قرآن مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالفعل (قرأ) فى النص القرآنى نفسه. والنتيجة الراسخة التى نخرج بها هى أن كلمة "قرآن" ترجع إلى القرآن ذاته. إنها كلمة قرآنية. . . قرآنية تمثل الكلمة السريانية قريانا Keryana لكنها اشتقاق على وزن فُعلان من الفعل قرأ (¬1). وقد ورد الفعل (قرأ) فى القرآن الكريم سبع عشرة مرة، وعادة ما يكون بمعنى رتّل لكنه. أحيانًا يكون بمعنى القراءة الجهرية، (أى بصوت مسموع غير مهموس)، وحينما يكون الفعل ¬

_ = رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ. .} سبأ آية 43، {يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا. .} الجاثية آية 8، {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} الجاثية آية 25، {. . أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْمًا مُجْرِمِينَ} الجاثية آية 31، {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ} آية 7 الأحقاف، {إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} القلم آية 15، {إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} المطففين آية 13، {. .قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ} النساء آية 127، {. .أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ. .} المائدة آية 1، {. .إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا} الإسراء آية 107، {. .وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ. .} الحج، آية 30 {وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا. .} القصص آية 53، {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ. .} العنكبوت آية 51، {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} الأحزاب آية 34 {فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ} الصافات آية 3، 4 {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ. .} البقرة آية 121. والمطالع للآيات الكريمة التى أوردناها آنفًا يجد أن لفظ تلاوة ليس قصرًا على القرآن الكريم فقط فقد أشارت الآيات الكريمة إلى تلاوة التوراة أيضًا، وتلاوة آيات اللَّه البينات بشكل عام، وتلاوة الأخبار أو الأنباء {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ} أو نبأ نوح. . إلخ، لذلك نرى أن ما ذهب إليه هنا المستشرق من ارتباط التلاوة بالقرآن الكريم أكثر من ارتباطه بمادة قرأ فيه شئ من المبالغة ليخلص إلى أن كلمة قرآن سريانية وليست عربية من قرأ. وقد ورد فى المقال ما ذكرته المعاجم العربية عن مادة قرأ. من هذه النصوص التى سقناها يتضح أن كلمة "قرآن" كلمة عربية أصيلة، وأن القرآن الكريم ارتبط بالقراءة والتلاوة على سواء، وليس من مبرر لتلمس أصول أجنبية للكلمة سواء سريانية أو غير سريانية، والتشابه بين قرآن العربية، وقريانا السريانية لا يمكن تفسيره سوى بأن اللغتين من أصل واحد فكلاهما سامى "مجموعة اللغات السَّاميّة". (¬1) أشار المؤلف إلى قراءة القرآن وتلاوة القرآن لكنه لم يشر إلى ترتيل القرآن وقد استخدم فعل الترتيل أيضًا فى القرآن الكريم ذاته فى سورة الفرقان آية 32 {كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا} وسورة المزمل آية 4 {أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} ومعنى الترتيل كما ورد فى لسان العرب لابن منظور "الرِّتل =

(قرأ) يعنى بشكل واضح (رتل) فعادة ما يكون المرتل هو محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] كما فى سورة القيامة آية 18. والنحل آية 98 {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} وسورة الإسراء، آية 45 {وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا} وآية 106 {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا}. . إلخ، ولكننا نجد فى بعض الآيات التى نزلت فى الفترة الأولى ما يشير إلى أن اللَّه سبحانه هو الذى يقرأ الوحى (القرآن) بنفسه، كما فى سورة القيامة، آية 18 {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} (¬1). ونسبت القراءة للمسلمين فى آية أخرى متأخرة، كما فى سورة (المزمل) فى قوله تعالى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ {الْقُرْآنِ} وقوله أيضًا {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا}. وارتبطت كلمة (قرأ) فى أربع آيات أو خمس دائمًا بكلمة (كتاب). وفى سورة (الإسراء) آية 93 {. . وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا} وتشير آيات ثلاث إلى الكتب المدوّنة التى تقرأ يوم القيامة (يوم الحساب) كما فى سورة (الإسراء) آية 14 {اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا} وآية 71 {يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا} وآية أخرى فى سورة (الحاقة) هى الآية رقم 19 {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ ¬

_ = حُسْنى تناسق الشئ. . ورتَّل الكلام أحسن إبانته وتمهّل فيه، والترتيل فى القراءة الترسُّل فيها والتبيين من غير بَنحى. . قال ابن عباس: ما أعلم الترتيل إلّا التحقيق والتبيين والتمكين، أراد فى قراءة القرآن وقال مجاهد: الترتيل: الترسّل. . قال ابن عباس: ورتل القرآن ترتيلًا أى بينه تبيينًا، قال أبو اسحق والتبيين ألّا يعجل فى القراءة، والتبيين أن يبيّن جميع الحروف ويوفيها حقها من الإشباع. . وفى صفة قراءة النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] أنه كان يرتل آية آية، والترتيل ضد العجلة. . . إلخ") (¬1) نفضل هنا أن ننقل ما ذكره المفسرون لهذه الآية الكريمة. يقول ابن كثير فى تفسيره: . . ثم قال تعالى {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ} أى فى صدرك وقرآنه أى أن تقرأه، {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ} إذا تلاه عليك المَلَك عن اللَّه تعالى {فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} أى فاستمع له ثم اقرأه كما أقْرأتك. .) [المترجم]

هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ} ووردت كلمة (يقرأ) مرة واحدة مقرونة بالكتاب فى سياق الذين يقرأون الكتاب قبل الإسلام وربما كان المقصود بهم اليهود والنصارى المعاصرين لمحمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، وذلك فى الآية رقم 94 فى سورة (يونس): {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ} وقد رأى بعض الباحثين -على حق- فروقًا دقيقة فى الاستخدام القرآنى للفعل قرأ، لذا فقد ترجم هذا الفعل إلى الألمانية فى السياق القرآنى بكلمات مختلفة مثل: - Vozitieren - Verlesen - Lesen - vortragen ومع هذا فلا توجد فروق كبيرة فى الاستخدام القرآنى لهذا الفعل أكثر من أنه إذا كان بمعنى يتلو فإن ذلك معناه القراءة من صحف مكتوبة، وإذا كان معناه يقرأ فالمقصود هو القراءة بصوت مسموع. ومعظم آيات القرآن الكريم نزلت فى فترة امتدت لسنوات عشر تقريبًا بدأت عندما شرع محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فى أداء الصلاة علنا وانتهت فى زمن مقارب لغزوة بدر سنة 624 م. ومن المحال أن نؤرخ لآيات النص القرآنى بدقة، لكن التطور العام للاستخدام القرآنى لكلمة القرآن واضح الوضوح كله (ويلاحظ أن جميع الملاحظات التى نذكرها عن تاريخه فى هذا المقال هى ما توصل إليه كاتب هذا البحث). وفى معظم الحالات كانت هذه الاستنتاجات والتحليلات متوافقة مع ما ذهب إليه الباحث "رتشارد بل" الذى أرخ لآيات أكثر ما أرخ للسور. 1 - من بين المعانى الأولى للقرآن الكريم أنه "نص للتلاوة أو نص يتلى" وقد ظهر هذا فى آيتين حيث يخاطب اللَّه سبحانه نبيه [-صلى اللَّه عليه وسلم-] محمدا قائلا: {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} سورة القيامة، وتبين الآيات التالية مدى ارتباط القرآن الكريم بالصلاة فقد جاء فى سورة الإسراء {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا}.

2 - ونجد أن القرآن الكريم يعنى فى بعض الآيات أنه نص مفرد يتلوه محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فقد أخبر اللَّه سبحانه وتعالى نبيه فى سورة (الجن) آية (1) أن نفرًا من الجن استمعوا إليه وهو يقرأ القرآن {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا}، وانظر سورة يونس آية 61 وسورة الرعد آية 31 وكذلك يونس آية 15. 3 - وفى الغالبية العظمى من الآيات التى تعود فى غالبها إلى الفترة المكية وبدايات الفترة المدنية يصبح للقرآن معنى متشابكا يشتمل على عدة عناصر. فهو (تنزيل) أنزله اللَّه سبحانه على محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وهذا واضح من سورة طه آية رقم 2 وما بعدها وكذلك الآية رقم 23 من سورة الإنسان {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا}. ومن آيات أخرى نفهم أنه نزل مفرّقا (منجّما) وهذا واضح من سورة الإسراء، آية رقم 106 {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا}، ومن سورة الفرقان، آية 32 {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا} ويبدو من بعض الآيات أن ثمة قرآنا آخر لم ينزله اللَّه سبحانه على نبيه، فالقرآن الكريم قد أنزل اللَّه منه جزءا على نبيه والباقى عنده سبحانه، وهذا يمكن أن نخلص به من الآية 82 من سورة الإسراء {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا} (*). وفى سياقات أخرى يُقصد بالقرآن مجموع ما أوحى به اللَّه إلى محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] ليتلوه، وذلك واضح من سورة (النمل) آية رقم 92 {وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ}، وسورة (النحل) آية 98 {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} وسورة (الإسراء) آية 45 {وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا}. ¬

_ (*) الآية الكريمة التى استشهد بها المؤلف لا تعنى الاستنتاج الذى خلص إليه منها. (المترجم)

(ب) مرادفات القرآن الكريم

أما فيما يتعلق بالآداب الواجب اتباعها عند تلاوة القرآن فإننا نقرأ فى السورة رقم 7 (الأعراف) آية 204 ما يفيد أن محمدًا [-صلى اللَّه عليه وسلم-] إذا تلى القرآن، تحتَّم على الناس الاستماع والانصات {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}، وفى سورة (الانشقاق) آية 20 وما بعدها {فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ} وفى سياقات أخرى إشارات إلى بعض المسلمين وهم يرتلون بعض القرآن الكريم، وكان هذا فى آية أو آيتين مدنيتين، مثلما ورد فى سورة (المزمل) آية 20 {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا. .} 4 - وفى عدد من السياقات التى يبدو أن آياتها نزلت فى المرحلة المدنية الباكرة قبل الآية 20 من سورة (المزمل) الآنف ذكرها، كان يُقال للقرآن الكريم الكتاب، كما جاء فى سورة يوسف آية 1 وسورة السجدة آية رقم 2 وغيرها من الآيات. أما استخدام القرآن نفسه للفظ قرآن للدلالة على كتاب المسلمين المنزل من عند اللَّه بالمفهوم المعروف اليوم فإن ذلك يكون فى الآيات التى اقترن فيها ذكر القرآن الكريم بذكر التوراة والانجيل باعتبار الثلاثة كتبًا سماوية، كما فى سورة (التوبة) وسورة (آل عمران). وفى كل الأحوال علينا أن نلاحظ أن الوحى لم يكتمل نزوله حتى ساعة نزول هذه الآيات، بل إن القرآن لم يجمع إلا بعد وفاة محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-]. (ب) مرادفات القرآن الكريم: لا يمكن أن نفهم فهما كاملا معنى مصطلح (قرآن) دون أن نضع فى اعتبارنا الاستخدامات القرآنية لمصطلحات أخرى مرادفة للقرآن أو لصيقة به مثل "الآية" "والآيات"

و"الكتاب" و"السورة" و"السور" بل أيضًا "الذكر" و"المثانى" و"الحكمة" وغير ذلك. فلكل مصطلح منها حدوده ومعناه الأساسى فى القرآن الكريم، وإن كان استخدام هذه المصطلحات فى السياقات العادية يقترب أحيانا من الاستخدام القرآنى لها. فالمعنى الأساسى لمصطلح (آية) مثله مثل المصطلح العبرى أوث oth والسريانى آثا atha يعنى علاقة بمعنى الرمز لحقيقة غير ظاهرة أو الدليل أو البرهان، أما عن اشتقاقها فغير مؤكد، وربما كان من الطبيعى أن تكون من الجذر (أوه) الشبيه بالكلمة العبرية "آواه" awah لكن هذا الجذر غير موجود فى اللغة العربية، وقد وردت (آية) و (آيات) فى القرآن الكريم حوالى 400 مرة للدلالة على الظاهرات الطبيعية التى تؤكد سلطان اللَّه وعظمته وللدلالة على فقرة من القرآن (آيات القرآن الكريم) وفى بعض السياقات تشير إلى المعجزات والبراهين التى تؤيد الحق، وفى المرحلة المكية المتأخرة. وربما أيضًا فى بواكير المرحلة المدنية اتخذت الآية والآيات معنى الرسالة المنزلة (الرسالة الموحى بها) (*). أما كلمة كتاب فهى تعنى -حرفيا- ما تعنيه الكلمة الانجليزية Book. وقد وردت فى القرآن بصيغة المفرد 255 مرة وبصيغة الجمع ست مرّات، وهذه الكلمة -من بين أصعب الكلمات من حيث تفسيرها ومعرفة دلالتها. فهى أحيانا تعنى خطابا وقد وردت فى القرآن الكريم بهذا المعنى مرة واحدة ¬

_ (*) أشار الكاتب بما يوحى أن كلمة آية غير عربية وأنها عبرية أو سريانية أو محوّرة عن كلمة عبرية أو سريانية والواقع أن المعاجم العربية أوردت الكمة فى مادة [أيا] وذكر عنها ابن منظور فى لسان العرب الآية العلامة وزنها فَعَلة فى قول الخليل وذهب غيره إلى أن أصلها آية فعلة فقلبت الياء ألفًا لانفتاح ما قبلها وهذا قلب شاذ كما قلبوها فى حارى وطائى، إلا أن ذلك قليل غير مقيس عليه، والجمع آيات وآى، وآياء جمع نادر قال: لم يبْق هذا الدّهر من آيائه ... غير أثافيه وأرْمدَائه وأصل "آية" أُوَيْه بفتح الواو، وموضع العين واو، والنسبة إليه أوَوى، وقيل أصلها فاعلة فذهبت منها اللام أو العين تخفيفا، ولو جاءت تامة لكانت آية. وقوله عز وجل {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ} قال الزجاج: معناه نريهم الآيات الدالة على التوحيد، وفى الآفاق أى فى آثار من مضى قبلهم من خلق اللَّه عز وجل فى كل البلاد وفى أنفسهم من أنهم كانوا نطفا ثم علقا. .. وَتَأَيَا الشئ تغمد آيته أى شخصة الخ. المترجم

فى سياق ذكر الرسالة التى أرسلها النبى سليمان عليه السلام إلى ملكة سبأ، كما جاء فى الآية الثامنة والعشرين وما بعدها من سورة النمل وأطلعت الكلمة نفسها على وثيقة العتق، كما فى سورة (النور) آية 33 وهى تشير أحيانًا إلى سجل أعمال الإنسان كما فى سورة (الإسراء) آية 71 {يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا} وسورة (الكهف) آية 49 {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَاوَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا}، وسورة (الزمر) آية 69 {وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ}. . إلخ وتأتى أحيانا بمعنى علم اللَّه كما فى سورة الأنعام آية 59 {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} وسورة يونس آية 61 {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} وسورة هود آية رقم 6 {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ}. . الخ ويميل المفسرون لتفسير كلمة "كتاب" فى هذه الآيات إلى أنها تعنى كل الكتب السماوية، وهو ما يميل إليه الكتاب الغربيون الذين تناولوا القرآن الكريم، أما الباحث جفرى A. Jeffery فى بحثه عن القرآن ككتاب مقدس فيرى أن هذه الإشارات لكتب الشرق الأدنى القديمة، وكتب المراسم والسجلات، بينما يرجح الباحث فيدنجرن فى كتابه "محمد رسول اللَّه ومعراجه للسماء" أن المقصود بالكتاب فى هذه الآيات، كتاب سماوى واحد. وليس هناك دليل حاسم فى القرآن الكريم لأى من هاتين النظريتين كما لا توجد مشكلات عويصة لأى من هذه

الآيات التى يمكن اعتبارها تفسيرا مجازيا يشير إلى علم اللَّه (سبحانه) وقضاءه، على أنه يمكن وجود تفسير مشابه لهذه الآيات التى تفيد فى العادة أنها تشير إلى القرآن باعتباره ذا أصل سماوى كما فى قوله {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} وقوله أيضًا فى سورة الزخرف {حم وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ} والآية رقم 7 فى سورة آل عمران {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} والآية رقم 39 فى سورة الرعد {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} إلا أن معنى الكتاب فى هذه الآيات الأخيرة غامض ولا يشير للقرآن الكريم بشكل حاسم إذ يمكن تفسيره بمعان أخرى. أما لفظ "سورة" فقد ورد فى القرآن الكريم تسع مرات فى صيغة المفرد ومرة واحدة بصيغة الجمع (سور)، ويبدو أن الكلمة مشتقة من اللفظ السريانى صورتا Surta أو سورتا ويقصد بها قراءة الكتاب المقدس أو الكتاب المقدس، والاستخدامات القرآنية "للكلمة" قرآن وآية وكتاب وسورة تجعل منها جانبا يتضمن فى مجملها الأمور التالية: 1 - إن كلا من كلمة القرآن والآية والسورة تستعمل أحيانا للدلالة على كل القرآن الكريم. 2 - إن كلمتى "القرآن والكتاب"، الآية 64 من سورة التوبة. قد تفيدان كتابًا مقدسًا، وقد تكون السورة هى الأخرى {يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ} بهذا المعنى أيضًا. 3 - كثيرا ما ترد كلمتا القرآن والكتاب لوحى من اللَّه. {وَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ} والآية 124 {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} والآية 127 {وَإِذَا مَا

أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ. .}. 4 - وعلى أية حال فمن المعتاد ما يكون هناك حد واضح بين استخدام الكلمتين: كتاب وقرآن، فكلمة كتاب عندما تشير إلى الوحى فإنها تعنى "كتاب اللَّه" سورة يونس والصافات. وثمة كلمات اصطلاحية أخرى استخدمها القرآن الكريم للدلالة على الوحى الذى أوحاه اللَّه سبحانه لنبيه محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، وسنوردها فيما يلى: 1 - ثلاثة أسماء مشتقة من الفعل (ذكر) هى تذكرة، وذكرى، وذِكْر، نورد -على التوالى. الآيات التى وردت بها هذه الكلمات {إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا} المزمل آية 19 والإنسان، آية 29، {. .قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ} الأنعام آية 90 {وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} هود آية 120، {إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ} وسورة ص آية 87. 2 - المثانى، وقد حير هذا المصطلح المفسرين وأدى إلى ظهور نظريات عدة بين الباحثين الغربيين فى شرح القرآن وترجمته. وحتى لو كانت الكلمة من مشناه العبرية mshnah أو من كلمة مثنيتا السريانية أو الآرامية الأصل فلابدأن يكون لكلمة مثانى صلة بالفعل العربى ثنَّى بمعنى ضاعف أو كرر وفى سورة النساء، آية 3 {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى} وفى سورة سبأ، آية 46 {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى. .}، والآية الأولى من سورة فاطر {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ. .} لذا فمن الجائز أن أفضل كلمة انجليزية مقابلة لها هى Repetions. لكن الكلمة تشير إلى الوحى المنزل على محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] ففى سورة الحجر آية 87 {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ} وفى سورة الزمر آية 23 {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ

2 - محمد [-صلى الله عليه وسلم-] والقرآن الكريم.

يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} ويعتبر المفسرون -عادة- أن المقصود بالسبع المثانى هو آيات الفاتحة السبع، وإن كان التفسير الأكثر مواءمة هو أن المقصود بالسبع المثانى هو قصص العقاب التى يرى الباحث بل Bell أنها يمكن أن تشكل معا مجموعة منفصلة عن القرآن. 3 - الحكمة، وقد تكون هذه الكلمة مشتقة من اللفظ الأرامى حِخْما hikhma، وقد استخدمت هذه الكلمة (حكمة) لتعنى الوحى الإلهى أو جانبا منه كما فى سورة البقرة (آية 231) {وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} وسورة النساء آية 113 فى قوله تعالى {. .وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا}. . الخ ونقرأ فى سورة الجمعة، آية 2 أن محمدًا [-صلى اللَّه عليه وسلم-] يرتل الآيات ويعلم الكتاب والحكمة فى قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} كذلك جاء فى الأحزاب (آية 34) أن الآيات والحكمة تتلى فى بيوت المسلمين {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا} على أنه من الواجب تفسير هذه الآيات فى ضوء الآية 105 من سورة النساء {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا}. 2 - محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] والقرآن الكريم. ارتبط القرآن الكريم بنبوَّة محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] بحيث لا يمكننا فهم أى منهما دون فهم الآخر. ونظرة المسلمين السنّة لا تعدو أن يكون اللَّه سبحانه وتعالى هو المتحدث وأن محمدا [-صلى اللَّه عليه وسلم-] هو المتلقى، وأن جبريل هو الوسيط الموكل به توصيل كلام اللَّه (الوحى) إلى محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] بصرف النظر عن المتكلم (جبريل) المتلقى أو المخاطب (محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-) لكن تحليل النص القرآنى يظهر لنا إن المسألة أكثر تعقيدا من ذلك.

إذ لا توجد إشارة قط إلى مصدر الوحى أو صيغة المتكلم فى السور والآيات التى يظهر أنها أقدم ما نزل من القرآن الكريم، ففى بعض الآيات ليست هناك أدنى إشارة إلى أن هناك رسالة من اللَّه سبحانه وتعالى. انظر على سبيل المثال الآيات من 1 إلى 10 من سورة الشمس وكذلك القارعة والتكاثر والعصر. ونورد هنا الآيات الكريمة المشار إليها على التوالى: {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1) وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا (2) وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا (4) وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا (5) وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا (6) وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا. . الخ} وما جاء فى سورة القارعة {الْقَارِعَةُ (1) مَا الْقَارِعَةُ (2) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ. .} وفى سورة: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ. . الخ} وفى سورة العصر {وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ. .} وفى بعض الآيات الأخرى يبدو وكأن محمدا [-صلى اللَّه عليه وسلم-] هو المتحدث، كما فى سورة التكوير آية 15 - 21 وسورة الانشقاق (آية 16 - 19) (*). وفى المرحلة المدنية الباكرة نجد فى الآية 97 من سورة البقرة ما يشير إلى أن جبريل (عليه السلام) هو الموكول إليه الوحى {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ}، واعتمادا على هذه الآية الكريمة وعدد من الأحاديث الشريفة فسّر المفسّرون (الرُّوح) فى الآية السابقة وهى سورة الشعراء الآية 193 على أن المقصود بها هو جبريل عليه السلام. وقد أوصى الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] بكتابة القرآن (تدوينه كتابة) وجمعه، وقد تم جزء من هذا العمل (كتابة النص القرآنى وجمعه) أيام محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] ¬

_ (*) ورد فى تفسير ابن كثير (إنه لقول رسول كريم) يعنى أن هذا القرآن لتبليغ لرسول الكريم أى ملك شريف، فاللَّه سبحانه يزكى عبده ورسوله الملكى جبريل، أما ما أورده المفسرون فى سورة الانشقاق فهى تشير إلى عظمة اللَّه وقدرته، وراجع تفسير ابن كثير وغيره للآيات التى استشهد بها المؤلف لتجد رؤية أكثر وضوحًا وصدقًا. (المترجم)

حديث الغرانيق

وبتوجيه منه. وتشير أحاديث الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] إلى توجيهاته فيما يتعلق بترتيب النص القرآنى وتتابع الآيات (راجع باب فضل القرآن فى صحيح البخارى، وباب الصلاة فى سنن أبى داود، كما تعرض ابن سعد لهذه المسألة). ومن غير المستبعد أن يكون محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فى بعض الأحيان يكتب بنفسه ما يوحى عليه من القرآن الكريم، ويمكن أن يفهم ذلك من الآية الكريمة التالية: - سورة الفرقان، الآيات من 4 إلى 6 {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا (4) وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (5) قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا}، لكن بشكل عام فمن المفهوم أن الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] كان له كتبة خاصة فى المرحلة المدنية يكتبون ما يمليه عليهم من الوحى. وعند تجميع النص القرآنى فى عهد الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] اقتضى الأمر بعض المراجعات والتغييرات، كما يفهم من النص القرآنى ذاته، ففى الآية 106 من سورة البقرة {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}، وفى آية 101، من سورة النحل {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} وتقدم لنا الآيتان 52، 53 فى سورة الحج تفسيرًا آخر للتغيير فى النصوص المقدسة {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (52) لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ}. حديث الغرانيق: يذكر الطبرى عند تفسيره للآية 52 من سورة الحج، وكذلك فى تاريخه المعروف قصة غريبة يزعم رواتها أن محمدًا [-صلى اللَّه عليه وسلم-] قد ركن إلى قريش شيئًا ما وذكر آيات تمتدح آلهتهم فى سورة

3 - تاريخ القرآن بعد سنة 632 م

النجم وأدخل فى السورة آيات غير قرآنية إذ قال بعد {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى} تلك الغرانيق العُلا، وإن شفاعتهن لترتجى، فلما سمع غير المسلمين من قريش ذلك سجدوا مع المسلمين وقلّ الخلاف بينهم وبين محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وعندما سمع المهاجرون المسلمون فى الحبشة الذين هاجروا تخلصًا من إيذاء قريش بأمر هذا التآلف الجديد عادوا إلى مكة لكنهم اكتشفوا أن هذه الفقرات الخاصة بالغرانيق قد دسها الشيطان وأن الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] قد أنكرها. وهذه الحكاية تشير كل الشواهد إلى أنها مكذوبة وتفتقد الأساس التاريخى، فسورة الحج نزلت بعد سورة النجم كما أن إسناد حديث الغرانيق إسناد ضعيف، فالقصة موضوعة وتفسير مفتعل للآية 52 من سورة الحج. ومن المستشرقين الذين أنكروا هذه القصة تماما بيرتون J.Burton فى بحث نشره سنة 1970 م وكيتانى Caetani. وهو الرأى الذى يتفق معه كاتب المقال. 3 - تاريخ القرآن بعد سنة 632 م تاريخ النص القرآنى وتلاوته -بعد وفاة محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] مسألة تحتاج للتوضيح فى كثير من جوانبها، فقد مرَّ النص القرآنى بثلاث مراحل أساسية يصعب ربط كل مرحلة منها بتاريخ محدد: مرحلة الجمع والترتيب سواء من صدور الرجال (المصادر الشفهية) أو من المصادر المكتوبة، ومرحلة اعتماد النص بشكله النهائى، والمرحلة الثالثة هى مرحلة اعتماد القراءات المختلفة للنص القرآنى. ووفقا لما يراه المسلمون السنة فإن القرآن الكريم كان محفوظا حفظا تاما وبشكل كامل فى صدور الرجال منذ بداية نزوله وأنه كُتب فى حياة المصطفى عليه الصلاة والسلام أو بعد موته بقليل حيث قام الصحابة بجمعه وترتيبه للمرة الأولى. ويعتقد أن النص بشكله الكامل كان حاضرًا زمن عثمان بن عفان رضى اللَّه عنه (644 - 656 م) كما أن طرق القراءة (القراءات) قد استقرت بشكل نهائى فى بواكير القرن الرابع الهجرى/ العاشر

(أ) جمع القرآن

الميلادى. ويوافق معظم الباحثين الغربيين على النقاط الرئيسية فى معتقدات أهل السنة عن تاريخ القرآن الكريم، لكن هذا لا يمنع من وجود بعض المسائل الخلافية. فبالإضافة للصعوبات التقليدية فيما يتعلق بتقويم المصادر الإسلامية المعتمدة على الأحاديث فإن آلاف المصادر المخطوطة لم يتح للباحثين الغربيين الاطلاع عليها. وعلى أية حال فثمة كتابات مهمة عن تاريخ القرآن الكريم ظهرت فى القرن الرابع الهجرى/ العاشر الميلادى سنذكرها فيما بعد، ومن الملاحظ أن الباحثين المسلمين المعاصرين لم يُولوا هذا الموضوع العناية الكافية. أما المؤلفات الأوربية الأساسية عن هذا الموضوع فلا زالت تحظى بالاهتمام وقد طبعت أكثر من طبعة: كتاب نولدكة عن تاريخ القرآن Noldeke's Geschichte des Qurans خاصة الجزء الثانى منه، وكتاب جفرى A.Jeffery مواد لدراسة تاريخ النص القرآنى Materials for the history the text of the Quran المنشور سنة 1937 م. (أ) جمع القرآن: ثمة ما يشبه الإجماع على أن أول جمع كامل للقرآن الكريم تم فى عهد الخليفة الأول أبى بكر الصديق رضى اللَّه عنه (632 - 634 م) وقد كتبت هذه النسخة الأولى فى غضون عامين من وفاة النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-]. ووفقا لما ذكره البخارى وما ورد فى فتح البارى لابن حجر العسقلانى فإن عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه خشى من ضياع بعض القرآن بعد مقتل عدد كبير من حفاظه فى معركة اليمامة فاقترح على أبى بكر الصديق جمعه وتدوينه بشكل كامل، فتردد أبو بكر خشية القيام بعمل لم يعمله رسول اللَّه، لكن عمر بن الخطاب أقنعه بضرورة ذلك وجدواه، فأرسل أبو بكر إلى زيد بن ثابت أحد كتاب الوحى وعهد إليه بجمع القرآن الكريم، فتردد زيد بدوره لكن أبا بكر أقنعه بضرورة ذلك، فجمع زيد بن ثابت القرآن الكريم من العسب واللخاف والأكتاف والكرانيف وصدور الحُفاظ وكتبها فى صحف متساوية وقدمها إلى أبى بكر الصديق، فلما مات أبو بكر انتقلت هذه الصحف إلى عمر بتوليه

الخلافة سنة 634 م فلما مات انتقلت إلى ابنته حفصة التى كانت زوجة للنبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-]. وتثير هذه الرواية عن جمع القرآن عدة نقاط تعد بمثابة مفاتيح للبحث سواء من معناها الظاهرى الواضح أو من خلال فحواها وتحليل مضمونها مما يُعيننا على فهم تاريخ القرآن الكريم. وهذه النقاط هى: - أن محمدا [-صلى اللَّه عليه وسلم-] لم يترك -عند موته- نصا مكتوبا بشكل كامل. - وأن شيئا من القرآن الكريم لم يَضِعْ أو يسقط. - وأن القرآن الكريم كان فى البداية محفوظا فى الصدور (بطريقة شفهية). - وأن ما كان مكتوبا من القرآن كان على مواد خام غير الصحف، كاللخاف والجريد. . إلخ. - وأن أول تجميع رسمى هو ذلك الذى تم فى عهد الخليفة الأول أبى بكر الصديق، وهو أول تجميع كامل. وتردد كتابات المسلمين هذه الرواية التاريخية باعتبارها حقائق، كما تردد هذه النقاط (النتائج) باعتبارها مسلمات، ومع هذا فثمة قضايا مهمة أثيرت حول هذه النقاط. فالبخارى يشير إلى أن عمر بن الخطاب هو أول من جمع القرآن، وقد ردد ذلك الباحث فنسنك Wensick وبيرتون Burton (¬1) . وهناك روايات أخرى تفيد أن أبا بكر هو الذى بدأ جمع القرآن لكنه لم ¬

_ (¬1) الرواية التى أوردها البخارى لا تفيد ذلك وإنما تفيد أن عمر بن الخطاب هو أول من أشار بجمع القرآن وفيما يلى النص كما أورده البخارى بإسناده عن زيد ابن ثابت: أرسل إلىَّ أبو بكر عند مقتل أهل اليمامة، فإذا عمر بن الخطاب عنده قال أبو بكر رضى اللَّه عنه: إن عمر أتانى، فقال: إن القتل قد استحرَّ يوم اليمامة بقرَّاء القرآن، وإنى أخشى أن يستحر القتل بالقراء بالمواطن. فيذهب كثير من القرآن، وإنى أرى أن تأمر بجمع القرآن، قلت لعمر: كيف تفعل شيئا لم يفعله رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ قال عمر: هذا واللَّه خير، فلم يزل عمر يراجعنى حتى شرح اللَّه صدرى لذلك ورأيت فى ذلك الذى رأى عمر، قال زيد: قال أبو بكر: إنك رجل شاب عاقل لا تتهمك وقد كنت تكتب الوحى لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فتتبع القرآن فاجمعه، فواللَّه لو كلَّفونى نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علىّ مما امرنى به من جمع القرآن. قلت كيف تفعلون شيئًا لم يفعله رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ قال: هو واللَّه خير، فلم يزل أبو بكر يراجعنى حتى شرح اللَّه صدرى للذى شرح له صدر أبى بكر وعمر رضى اللَّه عنهما، فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال حتى وجدت آخر سورة التوبة مع أبى خزيمة الأنصارى، لم أجدها مع غيره {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ} حتى خاتمة براءة، فكانت الصحف عند أبى بكر حتى توفاه اللَّه، ثم عمر إلى آخر حياته، ثم عند حفصة بنت عمر رضى اللَّه عنها. (المترجم)

يُتِمّه فأتمه عمر فى خلافته (¬1) وهناك من يوفق بين هذه الروايات على أساس أن أبا بكر هو أول من جمع القرآن فى صحف بينما عمر هو أول من ضمه فى مجلد واحد (مصحف) وهناك رواية تقول إن عمر هو الذى أمر بالجمع لكنه مات قبل أن يتم هذا العمل وهذا رأى رواه ابن سعد. . وفى الحقيقة فإن هناك روايات مختلفة تنسب الجمع للمرة الأولى لكل خليفة من الخلفاء الراشدين الأربعة (راجع كتاب المصاحف لعبد اللَّه ابن أبى داود السجستانى وراجع أيضًا الإتقان فى علوم القرآن لجلال الدين السيوطى) وثمة روايات مختلفة يفيد ظاهر معناها أنه لم يوجد تجميع رسمى للقرآن الكريم قبل عثمان بن عفان رضى اللَّه عنه، وقد قام كيتانى Caetani فى مقاله بدورية Annali وكذلك شفالى Schwally فى كتابه عن تاريخ القرآن gesch. des (جـ 2 ص 20) بإثارة قضية حروب اليمامة كمناسبة للجمع الرسمى للقرآن الكريم ذاكرين أن قلة قليلة ممن عرفوا بحفظ القرآن هم الذين قتلوا فى هذه الحروب (ذكر شفالى اثنين منهم) (¬2). ولم توضح رواية جمع القرآن الآنف ذكرها دور النسخ المكتوبة لبعض أجزاء القرآن الكريم فى عهد محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، وقد أشير إلى هذه الأجزاء المكتوبة على عهد النبى -وهى مهمة جدا لتاريخ القرآن- فى سياق أن زيدا بن ثابت كان يكتب الوحى لرسول اللَّه [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، وكان ينبغى تفصيل ذلك (¬3). وتؤكد الروايات التى تتناول جمع ¬

_ (¬1) انظر التعليق السابق. (المترجم). (¬2) وهنا يذكر كاتب المقال أن الأكثر دلالة هو أنه لا يوجد برهان على أن هذا الجمع المزعوم -على حد قوله- الذى تم فى عهد أبى بكر كان مقبولا كنص موثق أو معتمد، والواقع أن أكبر برهان على اعتراف جمهور المسلمين به أنه لا يوجد فى كل مصادر التاريخ الإسلامى، سواء الحوليات المعروفة أو السير ما يشير إلى أى خلاف جاد حول النص القرآنى فى عهد الخلفاء الراشدين جميعا، بل وبعد ذلك. (المترجم) (¬3) وقد اعتبر المؤلف عدم وجود هذه التفاصيل مبررا كافيا لرفض الرواية كلها واعتبارها لا تمثل حقيقة تاريخية There are thus sufficient grounds for rejecting the historicity of this story واعتبر أن الهدف منها هو إلقاء ظلال من الشك على دور محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فى إعداد النسخة القرآنية والتقليل من دور عثمان (رضى اللَّه عنه) فى إظهار النسخ المعتمدة، ومحاولة إثبات =

القرآن فى عهد عثمان بن عفان رضى اللَّه عنه أن مصحف عثمان المجموع قد ظهر فى النصف الثانى من حكمه أى بعد حوالى عشرين سنة من وفاة الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، وكان ذلك بسبب الخلاف بين القوى الإسلامية فى الشام والعراق حول الطريقة الصحيحة لقراءة القرآن فى الصلوات الجهرية أثناء حملة إلى أرمينيا وأذربيجان، فقد كتب قائد الحملة حُذيفة بن اليمان بهذه المشكلة إلى الخليفة عثمان رضى اللَّه عنه طالبا منه أن يحول بين الناس وبين الاختلاف فى القرآن، فطلب عثمان صحف القرآن من حفصة وجمع زيد ابن ثابت ومعه ثلاثة آخرين من حفاظ مكة وطلب منهم نسخ القرآن بلهجة قريش فلما انتهى النسخ احتفظ عثمان رضى اللَّه عنه بنسخة فى المدينة (المنورة) وأرسل نسخة لكل من الكوفة والبصرة ودمشق، كما أرسل نسخة -وفقا لبعض الروايات- إلى مكة المكرمة مع تعليمات بإتلاف كل ما عدا نسخته هذه، وبالفعل تم تنفيذ تعليماته إلا فى الكوفة إذ رفض ابن مسعود وأتباعه تنفيذ ذلك. والروايات مختلفة على أية حال فى عدد من حددهم عثمان رضى اللَّه عنه لنسخ القرآن كما أنها مختلفة فى المدن التى أرسل إليها عثمان مصحفه. وهذه الرواية الثانية عن جمع القرآن (فى عهد عثمان) تثير كالرواية الأولى (جمع القرآن فى عهد أبى بكر) بعض الخلافات التاريخية. ويقبل الدارسون الغربيون الآن ما يقول به شفالى (فى كتابه عن تاريخ القرآن الآنف ذكره ص 57 - 62) وغيره من أن القرآن ليس بلهجة قريش (سنتناول هذا الموضوع فيما بعد) وإذا كان الأمر كذلك انهارت إحدى ركائز الرواية ¬

_ = (تأسيس) أسبقية على المصاحف التى جمعها الخليفتان اللذان سبقاه. وبالإضافة لهذه الأهداف -فيما يقول المؤلف- فإن الهدف الجوهرى لهذه الرواية هو إثبات أن القرآن الكريم قد تم جمعه فى غضون فترة يسيرة بعد وفاة النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، وأن هذا الجمع كان أساسا لما عُرف بعد ذلك بمصحف عثمان، وكل مذا يقصد إثبات أن القرآن الكريم لم يضع منه شئ ولم يتعرض لتغيير أو تزييف، وبطبيعة الحال فإن المسلمين يرفضون مثل هذه الأقوال، ومن المستشرقين الذين رددوا ذلك: نولدكه فى كتابة تاريخ القرآن Gresch des Qor جـ 3 ص 11 - 27 وبلاشير Blachere فى كتابه مقدمة عن القرآن، وبل وات Bell - Watt وبيرتون. (المترجم)

السابقة (عن جمع القرآن ونسخه فى عهد عثمان) وأصبح من الصعب أن نعرف الدور الذى قامت به هذه اللجنة التى عينها عثمان رضى اللَّه عنه -وقد بين شفالى أن الأشخاص المذكورين فى مختلف الروايات على أن عثمان رضى اللَّه عنه قد رشحهم لهذه المهمة كانوا غير مقبولين، كما شكك من خلال أسباب قدمها فى أن يصدر عثمان رضى اللَّه عنه أمرا بإتلاف كل نسخ القرآن عدا النسخ التى اعتمدها. ويبدو من غير المقبول أن نعتبر أن الإتلاف فى طرق "قراءة" القرآن فى الصلوات الجهرية اليومية يمكن أن يسبب نزاعا خطيرا بين القوى الإسلامية أثناء الفتوحات الأولى. إن هذه الأجزاء من الرواية تشير جميعا إلى ظروف تاريخية أدت لوضعها، إذ يبدو أن إدراج اسم حفصة كان ببساطة- وسيلة لربط الروايتين المتعلقتين بجمع القرآن الكريم معا (رواية جمعه فى عهد أبى بكر رضى اللَّه عنه، ورواية جمعه فى عهد عثمان رضى اللَّه عنه، لإثبات سلسلة متتابعة موثقة للنص القرآنى منذ وفاة الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-])، وقد أورد المستشرق بيرتون روايات مختلفة لأسباب مختلفة وظروف مختلفة كانت سببا لأمر عثمان بن عفان رضى اللَّه عنه بتوزيع نسخ معتمدة على الأمصار، أوردها بيرتون J.Burton فى كتابه عن جمع القرآن , The Collection the Kuran, Canbr, 1977 (¬1) . إننا نجد أمامنا رواية أخرى لا يمكن أن تكون مقبولة لكن هذا لا يعنى بالضرورة أنها بدون أساسى تاريخى مهما كان واهيا، فالإجماع على نسبة جمع القرآن فى مصحف إلى عثمان بالإضافة إلى عدم وجود دليل حاسم ¬

_ (¬1) التشكيك فى رواية جمع القرآن على أساس أن القرآن الكريم كان مجموعا بالفعل زمن الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- سببه عدم فهم لكلمة جمع Collection التى لا تعنى تأسيس أو إنشاء estahlishnent وهى الكلمة التى استخدمها المؤلف أحيانا، وعلى هذا فالقول بأن القرآن الكريم كان مجموعا بالفعل زمن الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- أمر لا خلاف عليه، فقد كان مجموعًا فى نسخ محدودة على العسب واللخاف. . إلخ وفى صدور الرجال، وفى عهد عثمان رضى اللَّه عنه جرت مقارنة ما هو مكتوب بما هو فى الصدور وضمت الصحف فى مجلد واحد (مصحف)، وتم إنتاج عدد كبير نسبيا من المصاحف لتوزيعها على الأمصار. . إلى آخر ما هو معروف، المهم أن المؤلف سينتهى فى نتائج بحثه إلى أصالة النص القرآنى الحالى وهو ما سيطالعه القارئ بعد ذلك). (المترجم)

(ب) القراءات المختلفة ومصاحف الصحابة

ينقض هذا الرأى، جعل الباحثين الغربيين يقبلون من هذه الرواية عدة نقاط جوهرية منها أن القرآن الكريم كانعرفه اليوم -على الأقل- وفقا لترتيب سوره وآياته يعود إلى زمن عثمان رضى اللَّه عنه، وهذا لا يعنى بالتأكيد -على أية حال- أنه كان مرتبا على هذا النحو زمن محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، ويقبل معظم الباحثين الغربيين أيضًا أن زيدا لعب دورا ما فى إقامة establishing النص القرآنى العثمانى وإن كان من الصعب تحديد ماهية هذا الدور لكن روايات مختلفة تجعلنا نقدم بعض الاحتمالات (انظر كتاب بيرتون عن جمع القرآن الآنف ذكره) ويؤكد بيرتون أن روايتى جمع القرآن كلتاهما موضوعتان تماما وأن ورود اسم زيد بن ثابت فى كليهما وإسناد دور مهم له راجع إلى كونه كان أحد كتاب الوحى للرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وأنه كان شابا، كما أنه كان واحدًا من أواخر من ماتوا من الصحابة (توفى حوالى 45 هـ/ 665 م) وقد أثار بيرتون شكوكا خطيرة حول دور زيد فى إقامة establishing النص القرآنى وأظهر أن علمى الحديث والفقه ساعدا فى إيجاد روايات كثيرة عن جمع القرآن الكريم ولكنه -أى بيرتون- لم يرجح -على أية حال- أن الروايات المتعلقة بجمع القرآن الكريم وضعها فقهاء متأخرون ليؤكدوا أن النص النهائى للقرآن الكريم لم يظهر فى عهد عثمان بن عفان وإنما فى عهد محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] (¬1). (ب) القراءات المختلفة ومصاحف الصحابة: كان النص القرآنى الذى اعتمده عثمان بن عفان رضى اللَّه عنه مجرد نص واحد بين نصوص أخرى وجدت خلال القرون الأربعة الأول للهجرة. والرأى العام أن عثمان أضفى الشرعية على النص القرآنى المتداول بين أهل المدينة المنورة باعتباره الأشد ارتباطا ¬

_ (¬1) لم يكن زيد ولا غير زيد يمكنه العبث بالنص القرآنى لوجود عدد كبير من الحفاظ فى عهد عثمان، ووجود عدد كبير من الصحابة منهم عثمان نفسه كان من الحفاظ، وأثناء الفتنة الكبرى المعروفة لم يتهم أحد عثمان بوضع القرآن أو إضافة شئ له أو نقص شئ منه على كثرة ما كتب فى موضوع الفتنة الكبرى ومقتله رضى اللَّه عنه، أما أن شيئا من الروايات المتعلقة بجمع القرآن وضعت بعد ذلك فهذه مسألة خلافية). (المترجم)

بالوحى الأصلى الذى نزل على محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، وثمة مصاحف أخرى ارتبطت بعدد من الصحابة يقال إنها انتعشت فى الكوفة والبصرة والشام. وتتحدث المصادر أحيانا عن قراءات مختلفة بل وتتحدث أحيانا عن اختلاف المصاحف وقد عد ابن النديم عناوين أحد عشر عملا فى هذا المجال الأخير (اختلاف المصاحف) منها كتاب اختلاف مصاحف الشام والحجاز والعراق لابن عامر اليحصبى (المتوفى 118 هـ/ 736 م) وكتاب اختلاف مصاحف أهل المدينة وأهل الكوفة وأهل البصرة، للكسائى (توفى 189 هـ/ 805 م) وكتاب اختلاف أهل الكوفة والبصرة والشام فى المصاحف لأبى زكريا الفراء (توفى 207 هـ/ 822 م) وكتاب اختلاف المصاحف وجامع القراءات للمدائنى (توفى حوالى 231 هـ/ 845 م) بالإضافة إلى ثلاثة كتب تحمل جميعا عنوان: المصاحف لابن أبى داود (المتوفى 316 هـ/ 928 م) وابن الأنبارى (المتوفى 328 هـ/ 939 م) وابن أشته الأصفهانى (المتوفى 360 هـ/ 970 م) وقد فقدت معظم هذه الكتب وكان الكتابان الأخيران فيما يبدو هما أكمل هذه الكتب جميعا، وكانا يحظيان بتقدير من العلماء والدارسين أكثر من غيرهما. أما الكتاب الموجز والباكر نسبيا الذى ألفه ابن أبى داود المحدث الشهير (أى أبو داود أحد جامعى الكتب الستة الصحاح) فقد نشره وحققه الباحث المستشرق جفرى A.Jeffery ويضم هذا البحث بضعة آلاف اختلاف جمعها المؤلف من أكثر من ثلاثين مصدرا تضم ما كتبه المفسرون التقليديون كالطبرى والزمخشرى والبيضاوى والرازى وأعمالا مختلفة فى القراءات والشواذ وغريب القرآن ونحو القرآن. . إلخ ويضم المعانى الذى ألفه الفراء (المتوفى 207 هـ/ 822 م) والمختصر الذى ألفه ابن خالويه (المتوفى 370 هـ/ 979 م) والمحتسب لابن جنى (المتوفى 392 هـ/ 1002 م) وتفيد التعليقات التى أوردها الطبرى (المتوفى 311 هـ/ 923 م) عن الاختلافات فى الآية 106 فى سورة المؤمنون {قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا

ضَالِّينَ} أن النص القرآنى لم يكن ثابتا على أيامه (¬1). ومعظم ما تردده المصادر متعلق بالاختلاف فى القراءات ونقصد بذلك الخلافات بين ما يسمى مصحف ابن مسعود الذى كان شائعا فى الكوفة ومصحف أبىّ الذى كان شائعا فى الشام ومصحف أبى موسى الذى كان شائعا فى البصرة، ويقال إن هذه القراءات أو المصاحف بدأت بالفعل زمن النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، فعبد اللَّه بن مسعود (توفى حوالى سنة 33 هـ/ 653 م) الذى كان رفيقا لرسول اللَّه [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فى حله وترحاله والذى كان من أوائل من فسروا القرآن الكريم يقال إنه سمع سبعين سورة -مباشرة- من النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وكان من أوائل من دخلوا فى الإسلام ومن العشرة المبشرين بالجنة وكان من كتاب الوحى وكان إماما فى الفقه والحديث وقد ولى -بعد وفاة النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] بيت مال الكوفة ثم قدم المدينة فى خلافة عثمان بن عفان وتوفى فيها- وقد رفض عبد اللَّه بن مسعود هذا تنفيذ أوامر عثمان بن عفان رضى اللَّه عنه بإتلاف مصحفه (نسخته القرآنية) كما رفض التعليم وفقا لمقتضاها، وذكرت الروايات أيضًا أن عددا كبيرا من مسلمى الكوفة ظلوا يتبعون القراءة وفقا لهذه النسخة (نسخة ابن مسعود) لفترة حتى بعد موته مما أدى إلى انقسام المجتمع هناك (¬2). ¬

_ (¬1) عاش الطبرى فى أواخر القرن الثالث وأوائل القرن الرابع للهجرة، حيث كانت المناقشات مستمرة حول القراءات وليس حول متن القرآن ونصه فهذا أمر مؤثل ومتواتر منذ أيام الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، وقد اتخذت المنافسات بين المراكز الحضرية الإسلامية. الكوفة، البصرة، دمشق، مكة، المدينة وكذلك القوى السياسية المختلفة بالإضافة لتعدد لهجات القبائل من هذا الميدان مجالا للمنافسة وإثبات الذات مما دفع بالعالم أبو بكر ابن مجاهد (توفى 324 هـ) إلى المطالبة باعتماد قراءات سبع فقط هى التى نسمعها اليوم ولا نجد أنها تغير المعنى وبالتالى ليست تغييرا فى النص القرآنى، وقد ذهب المؤلف نفسه هذا المذهب عند حديثه عن مجاهد والقراءات، وانظر أيضًا ما نقله المترجم عن بعض المراجع العربية كملحق لهذا البحث. (المترجم) (¬2) يستخدم المؤلف أحيانا كلمة kurauic text أى النص القرآنى مما قد يفهم منه أن هناك نصا كاملا مستقلا عند ابن مسعود مختلفًا عن نص كامل آخر هو مصحف عثمان، وهذا غير صحيح كما لا يخفى على القارئ وإنما المقصود خلافات إملائية أو خلافات فى الوقف أو فى طريقة القراءة، وسيجد القارئ فى ثنايا هذا البحث ما يفيد أن المستشرقين انتهوا إلى أن هذه الخلافات غير ذات جدوى ولا يمكن باستغلالها تكوين نص قرآنى جديد وهو الأمر الذى حاولوه فعلًا فوجدوه ضربا من العبث -انظر ما ذكره المؤلف فى هذا الصدد بعد حديثه عن مصحف أبى. (المترجم)

أما أُبىّ بن كعب (المتوفى 18 هـ/ 639 م أو 29 هـ 649 م) فقد شهد العقبة الثانية وبايع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وشهد بدرًا وأحدا والغزوات كلها ولما أسلم أصبح من كتاب الوحى وكان أحد فقهاء الصحابة وأقرأهم لكتاب اللَّه وكان يفتى فى عهد الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- واشترك فى جمع القرآن على عهد الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- وشهد مع عمر بن الخطاب يوم الجابية وكتب كتاب الصلح لأهل القدس، وكانت صُحف أُبىّ فى بعض الأحيان تُذكر بدلا من صحف حفصة، وقد ذكرت الروايات أن أبيا هذا قد أتلف مصحفه (نسخته) استجابة لأمر عثمان بن عفان رضى اللَّه عنه بينما رفض ابن مسعود كما سبق أن وضحنا، وهذا مثال يُبين من منظور تاريخى كيف أن أهل الشام تخلوا عن قراءتهم (قراءة أُبىّ) بينما رفض أهل الكوفة التخلى عن قراءتهم (قراءة ابن مسعود) وهذا يفسر تأخير تاريخ وفاة أبىّ فى بعض الأحيان كما يفسر الأقوال المتناقضة فيما يتعلق بدوره فى جمع النص القرآنى الرسمى (فى عهد عثمان رضى اللَّه عنه). أما أبو موسى عبد اللَّه الأشعرى (توفى 42 هـ/ 662 م أو بعد ذلك) فقد كان يمنيا حقق شهرة بسبب ترتيله الفصيح للقرآن الكريم. ويقال إن مصحفه (قراءته) كانت مقبولة فى البصرة حيث ولاه عمر بن الخطاب عليها ويقال إن قراءته ظلت معمولا بها فى البصرة لفترة بعد اعتماد نسخة عثمان بن عفان رضى اللَّه عنه، ووفقا لبعض الروايات فإن أبا موسى طلب من أتباعه عند وصول مندوب عثمان بن عفان حاملا منه النسخة المعتمدة من القرآن الكريم ألا يحذفوا من مصحفه شيئا (أى مصحف أبى موسى) حتى لو لم يجدوه فى مصحف عثمان، أما ما وجدوه فى مصحف عثمان ولم يجدوه فى مصحفه (مصحف أبى موسى) فليضيفوه. لذا فإن بعض الروايات تذكر أن مصحف أبى موسى الأشعرى كان ضخما وأنه كان يحتوى على السورتين الزائدتين فى مصحف أُبىّ، بالإضافة لآيات

أخرى غير موجودة فى المصاحف الأخرى (¬1). وبالإضافة لهذه المصاحف الثلاثة (القراءات الثلاثة) التى ناقشنا اثنين منها بالتفصيل فيما يلى فقد قدم لنا الباحث المستشرق جفرى Jeffery فى كتابه مواد لدراسة النص القرآنى Materiats for the history of the text of the Quran بشكل مبدئى المصاحف المنسوبة إلى اثنى عشر صحابيا: للخليفة الثانى والخليفة الرابع (عمر وعلى) وثلاثة منها لزوجات النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-]: حفصة بنت عمر وعائشة بنت أبى بكر وأم سلمة، وأربعة منها تختلف القراءة فيها عن القراءة التقليدية لأهل المدينة المنورة: زيد بن ثابت، وعبد اللَّه بن عباس وأنس ابن مالك وعبد اللَّه بن الزبير بالإضافة إلى ثلاثة أخرى لكل من: سالم مولى أبى حذيفة وعُبيد بن عمير، وابن عمرو ابن العاص. ويقال إن عليا بن أبى طالب ابن عم الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] كان هو أول من جمع القرآن الكريم بعد وفاة الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] ويقال إنه رتب سوره ترتيبا زمنيا: السورة 96 - العلق، السورة 74 - المدثر، السورة 86 - القلم، السورة 73 - المزمل. . إلخ وقد أحرق نسخته (مصحفه) بعد ظهور نسخة عثمان المعتمدة. أما عبد اللَّه بن عباس وهو أيضًا ابن عم الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] (توفى حوالى 68 هـ/ 688 م) فكان فقيها يلقب بحبر الأمة وقد لازم النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وروى عنه الأحاديث الصحيحة -فيقال إنه أضاف لمصحفه السورتين الزائدتين فى مصحف أُبى ويقال إن عددًا من العلماء الذين أتوا بعده أخذوا بطريقته فى القراءة. أما سالم بن معقب (توفى 12 هـ/ 6336 م) ويسمى أحيانا سالم ابن معقل فقد كان أحد الحفاظ الذين قُتلوا فى معارك اليمامة وكان أحد أربعة أوصى الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] بأن يعلموا أصحابه القرآن. أما عبيد بن عمير (توفى 74 هـ/ 693 م) فكان من الحفاظ الأوائل فى مكة المكرمة وربما كان مصحفه (قراءته) أساسا لتقاليد القراءة المكية التى يبدو أنها لم ¬

_ (¬1) كل هذه روايات غير موثقة بدليل ظهور مصحف عثمان رضى اللَّه عنه فى حياة أُبىّ وأبى موسى وابن مسعود دون اعتراض من أى منهم -انظر إضاقات المترجم الملحقة بالترجمة. (المترجم)

تكن فى درجة قوة القراءة الكوفية والبصرية والشامية، ولم يذكر إلا القليل من الاختلافات فى هذه المصاحف مقارنة بما ذكر عن مصحف ابن مسعود، ومصحف أبىّ. وقد جمع جفرى اختلافات أخرى فى القراءات منسوبة لعدد من مسلمى الجيل الثانى: الأسود ابن يزيد، وعلقمة، وحطان، وسعيد بن جُبير، وطلحة، وعكرمة، ومجاهد، وعطاء بن رباح، والربيع بن الخثيم، والأعمش، وجعفر الصادق، وصالح بن كيسان، والحارث بن سويد. ونسبت اختلافات أكثر لمصاحف أخرى ثانوية وكانت أكثر من الاختلافات المنسوبة للمصاحف الأساسية التى حددها جفرى، وفى بعض الحالات استطاع جفرى أن يحدد المصحف (القراءة) الأساسى الذى نقل عنه المصحف الثانوى. ويقال إن مصحف ابن مسعود يختلف عن النص العثمانى فى عدة نقاط مهمة، إذ يقال إن مصحف ابن مسعود لم يكن يضم سورة الفاتحة والمعوذتين اللتين أصبحتا سورة الفلق وسورة الناس فى مصحف عثمان إلا أن ابن النديم ذكر أنه رأى عددا من مصاحف ابن مسعود وأن إحدى نسخ هذه المصاحف كان يعود لمائتى سنة خلت وأنها -أى نسخة مصحف ابن مسعود- كانت تشتمل على الفاتحة، وقد قرر ابن النديم ذلك سنة 377 هـ/ 987 م، ومن الاختلافات التى وردت فى مصحف ابن مسعود أنه كان يكتب (كل ما) بدلا من (كلما) أى كلمتين بدلا من كلمة واحدة لكن غالب الاختلافات كما أدرجها برجستراسر Bergstrasser وجفرى Jeffry بالنسبة لمصحف ابن مسعود تشتمل على اختلافات فى صميم النص (ليس مجرد اختلاف فى القراءة أو طريقة الكتابة) وهى اختلافات تبدو واضحة، ومن هذه الاختلافات ما يمكن أن يعتبر بمثابة (التعليق) أو (تحشية) أو (شرح) لمصحف عثمان، لكن فى بعض الحالات يبدو أن مصحف عثمان نفسه هو الذى يحتوى على (توسعات) أو (كلمات

شارحة) أو (تحسينات) ويبدو هذا أحيانا لأسباب متعلقة بتوضيح العقيدة (انظر فى هذا كتاب جفرى الذى أشرنا إليه فيما سبق). ومن بين أكثر الاختلافات التى هى محل شك والمنسوبة لابن مسعود هى القراءات التى يأخذ بها الشيعة فى السور التالية على سبيل المثال: - الآية 67 - فى سورة المائدة. - الآية 35 - فى سورة النور. - الآية 215 فى سورة الشعراء. - الآيات 25، 33، 56 فى سورة الأحزاب. - الآية 23 فى سورة الشورى. - الآية 29 فى سورة محمد. - الآية 10 فى سوة الواقعة. - الآية 7 فى سورة الحشر. - الآيات 17، 18، 19 فى سورة القيامة. والأكثر صعوبة فى تقويمه فى موضوع اختلاف المصاحف الاختلاف فى الألفاظ المترادفة Synonyn Variants ومثال ذلك، ما هو موجود فى سورة الفرقان: الآية ... مصحف عثمان ... مصحف ابن مسعود 48 ... {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ} ... هو الذى جعل الريح 49 ... {لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا} ... لننشر 61 ... {تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا} ... قصورا 62 ... {لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ} ... يتفكر 75 ... {يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ} ... الجنة وفى بعض الأحيان لا يكون الاختلاف فى مجرد كلمة مترادفة لها المعنى نفسه، وإنما قد تتغير عبارة كاملة، كما فى سورة آل عمران آية 39، ففى مصحف عثمان {فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ. .} بينما فى مصحف ابن مسعود (يا زكريا إن اللَّه يبشرك. .) وبعض الاختلاف يشير إلى مرحلة باكرة فى تاريخ الإسلام أو تاريخ القرآن، ومثال ذلك الاختلاف فى الآية 19 فى سورة آل عمران، ففى مصحف عثمان {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ. .}

وعند ابن مسعود (إن الدين عند اللَّه الحنيفية. .)، ويقال أن ابن مسعود أضاف البسملة فى أول سورة التوبة (براءة) وهذه السورة لا تبدأ بالبسملة فى مصحف عثمان، ويقال إن طريقة ترتيب السور فى مصحف ابن مسعود كانت مختلفة عن ترتيب السور فى مصحف عثمان، وتوجد قائمتان بالاختلافات بين كلا المصحفين الأولى لابن النديم والثانية للسيوطى ويمكن تدارك النقص فى كل واحدة منهما على حدة بإكمالها من القائمة الأخرى والخروج -فى النهاية- بقائمة واحدة. وقد اتبع مصحف ابن مسعود طريقة ترتيب السور وفقا لطولها أكثر مما اتبعها مصحف عثمان. وإذا ما أخذنا بالافتراض الذى مؤداه أن السور الأطول لم تكن قد جمعت معا حتى ظهور مصحف عثمان الرسمى فلابد أن تكون قوائم المخْتَلِف عند ابن مسعود قد وضعت بعد ظهور مصحف عثمان وبالتالى فإن قيمتها تقل كثيرا (انظر كتاب جفرى الآنف ذكره، ص 23 وما بعدها) لكن إذا كانت معظم السور قد جمعت وأخذت شكلها النهائى من حيث الترتيب فى حياة محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] (وهو الرأى الصحيح) فليس هناك سبب لرفض ما قيل عن مصحف ابن مسعود كلية (¬1). ¬

_ (¬1) إضافات المترجم نقلًا عن بعض المراجع العربية عن الاختلاف فى مصحف ابن مسعود. ما ذكره الباحث من إحلال كلمة أخرى بمعناها فى النص القرآنى فى بعض مصاحف الصحابة، لم يكن فى غالبه قرآنا وإنما ألفاظًا شارحة كتبها. صاحب المصحف لنفسه، بدليل أنه بظهور مصحف عثمان لم يعترض واحد ممن لديهم مصاحف خاصة بهم. والمهم أن هذه الأفكار لم ينفرد بها كاتب المقال وإنما ظهرت فى بعض المباحث العربية التى ننقل منها ما يلى: ". . نماذج من روايات الترادف فى مصحف ابن مسعود * قرا ابن مسعود: 1/ 6 "أرشدنا"، والعامة: "اهدنا". وقرأ: 2/ 20 "مضوا فيه" و"مروا فيه"، والعامة "مشوا فيه". وقرأ: 2/ 68 "سل لنا ربك"، والعامة "ادع لنا ربك". وقرأ: 2/ 79 "يكتبون الكتاب بأيمانهم" والعامة "بأيديهم". وقرأ: 2/ 10 "نقضه فريق منهم"، والعامة "نبذة". وقرأ: 3/ 144 "فولوا وجومكم قبله"، والعامة "شطره". وقرأ: 3/ 20 "أسلمت وجهى للَّه ومن معى"، والعامة "ومن اتبعن". وقرأ: 3/ 64 "إلى كلمة عدل بيننا وبينكم"، والعامة "سواء". وقرأ ابن مسعود: 3/ 92 "حتى تنفقوا بعض ما تحبون" والعامة "مما تحبون". وقرأ: 4/ 40 "لا يظلم مثقال نملة"، والعامة "ذرة" =

أما مصحف أُبىّ فتشير الدلائل إلى أنه كان أقل قيمة من مصحف ابن مسعود، ومع هذا فيبدو أنه كان مصدرا لمصاحف ثانوية أخرى كما أنه لم يتفرد إلا باختلافات قليلة فمعظم اختلافات مصحف أبىّ يشترك فيها مع مصحف ابن مسعود ومصحف ابن عباس، وربما كان أهم ملمح فى مصحف أُبىّ ما يقال إنه كان يضم سورتين قصيرتين لا وجود لهما فى مصحف ابن مسعود أو مصحف عثمان، وهما سورة الخلع يقال إنها من ثلاث آيات، وسورة الحفد وهى فى ست آيات (¬1). ويقال إن ترتيب مصحف أبىّ مختلف عن ترتيب مصحف ابن مسعود ومصحف عثمان. ولدينا بصدد هذا الاختلاف فى الترتيب قائمتان إحداهما لابن النديم والأخرى للسيوطى فى كتاب الإتقان فى علوم القرآن الآنف ذكره، وقد اعتبر الباحث دودج Dodge سورة النبى هى السورة رقم ¬

_ = وقرأ: 5/ 54 "غلظاء على الكافرين"، والعامة "أعزة". وقرأ: 7/ 127 "سنذبح أبناءهم"، والعامة "سنقتل". وقرأ: 7/ 148 "له جؤار". والعامة "خوار". وقرأ: 8/ 2 "فرقت قلوبهم"، والعامة "وجلت". وقرأ: 12/ 36 "إنى أراني أعصر عنبا"، والعامة "خمرا". وقرأ: 14/ 7 "وإذ قال ربكم". والعامة "تأذن". وقرأ: 16/ 80 "حين ظعنكم"، والعامة "يوم". وقرأ: 17/ 93 "بيت من ذهب"، والعامة "من زخرف". ولو أردنا أن نمضى إلى آخر القرآن، وأن نسوق على الترادف مئات الأمثلة لأمكننا ذلك، مما بين أيدينا من الروايات، وغنى عن البيان أنها كلها روايات للتفسير المجرد، وردت على لسان معلم من أوائل معلمى هذه الأمة، ومن أكثرهم أخذا عن رسول اللَّه، ومصحفه يعد نموذجا يقاس عليه بقية ما نسب إلى الصحابة (أبى وعلى وابن عباس) من مصاحف، وينطبق عليها ما ينطبق عليه. وتلك كما أشرنا من قبل كانت بداية نشوء علم تفسير القرآن، بحيث لا يسعنا أن نتصور له نشأة على غير هذا المنهج، وقد وجدنا الأئمة والفقهاء يعتمدون هذه التفسيرات. فيؤسسون عليها أحكاما ونظريات فى الفقه وأصوله. كما حفلت كتب تفسير القرآن بهذه الروايات. على أنها آراء أئمة فى الأخذ والتلقى عن الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، فهم غالبا أعظم الناس استيعابا لمقاصده، وأكثرهم اقتدارا على فهم المراد منه، فى ضوء ما عاينوا من أسباب نزوله، وما عاينوا من تنفيذ أحكامه، أمرا ونهيا، وسيأتى بعض ذلك فى دراستنا لبقية المصاحف. . المصدر: تاريخ القرآن. عبد الصبور شاهين، القاهرة، 1990 ص 162 - 164. (¬1) ننقل عن واحد من المتخصصين فى الدراسات القرآنية ما نصه ". . والدليل على عدم قرآنية هذه العبارات -يقصد ما يقال إنه الحفد والخلع- أقوى من انفراد مصحف أُبىّ بها، وهذا الانفراد لا يثبت قرآنا، فالقرآن كله قد ثبت تواترا. وليس من المعقول أن يتخلى الصحابة الذين حققوا هذا التواتر بإجماعهم على كل آية من كتاب اللَّه -عن القاعدة التى التزموها، فيقرون خبر الواحد لإثبات نص معين، حتى لو كان هذا الواحد أبىّ بن كعب رضى اللَّه عنه، فقد ردوا أيضا عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه حين جاء وحده بآية الرجم فلم تكتب فى المصحف وعدت من المنسوخ تلاوة المعمول به حكما، وردوا كذلك رواية حفصة: والصلاة الوسطى، =

64، (¬1) إلا أن جفرى أخطأ -يقينا- عندما اعتبرها رقم 65 (المقصود فى مصحف أُبىّ) وقد أخطأ دودج Dodge فى قراءة عنوان 107 فى مصحف أبىّ فذكر أنها سورة (الدين) بينما هى سورة (التين)، وذكر ابن النديم أن عدد سور القرآن فى مصحف أبىّ هو 116 (¬2). وذكر ابن النديم أنه قرر ذلك بناء على قول الفضل بن شاذان الذى قال إنه رأى نسخة من مصحف أبى فى قرية قرب البصرة فى منتصف القرن الثالث للهجرة. وليس هناك إجماع بين الباحثين الغربيين على قيمة هذه المصاحف السابقة على مصحف عثمان ومدى إمكانية اعتمادها فى مجال التاريخ للقرآن الكريم إلا أنه فى الثلاثينيات من القرن العشرين كان المستشرقون قد جمعوا بالفعل هذه الاختلافات وحلّلوها وانتهوا إلى أنه لا قيمة لها (انهارت الثقة فيها) (¬3). وبينما ظل برجشتراسر Bergstrasser فى كتابه عن تاريخ القرآن Gesch des Qor يقيم وزنا لهذه الاختلافات، فإننا نجد جفرى فى كتاب: مواد لدراسة تاريخ القرآن (الآنف ذكره) يذكر أنه مع زيادة الروايات عن موضوع الاختلاف هذه فإن المرء يشعر بالميل إلى أنه من المغامرة أن يتجرأ بالحكم عليها. وقد وصل الباحث برتسل Pritzl إلى النتيجة نفسها. ونتيجة هذه البحوث الأوربية هوت مجاولة المستشرقين إصدار نسخة أخرى من ¬

_ = وهى صلاة العصر". . . سألها عمر (أبوها) ألك بهذا بينة. .؟ قالت لا. . قال: فواللَّه لا ندخل فى القرآن ما تشهد به امرأة بلا إقامة بينة" وربما كان وجود هذه العبارات فى مصحف أُبىّ من باب إثبات بعض المأثور من أدعية النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] مخافة أن يُنسى أو يضيع، . . . راجع: تاريخ القرآن لعبد الصبور شاهين، طبعه 1990، ص 174، راجع أيضًا الإتقان فى علوم القرآن للسيوطى جـ 1، ص 58) ". (المترجم). (¬1) رقم سورة محمد فى مصحف الأزهر (47). (¬2) مصحف عثمان 114. (¬3) نظرًا لأهمية هذه الفقرة نؤثر نقلها بنصها الإنجليزى: Confidence in the variants declined during the 1930,s as they ere collected and analysed (المترجم)

القرآن الكريم غير نسخة عثمان، لقد ظهر أن هذه المحاولة عرجاء (Then after the Preject to Prepare a Critical editian of the kuran Came to a halt بل إن فشر Fischer انتهى إلى أن معظم الاختلافات فى المصاحف المنسوبة لصحابة قبل مصحف عثمان رضى اللَّه عنه ما هى إلا اختلافات موضوعة (مكذوبة) صاغها -فى وقت متأخر- علماء اللغة لتنقيح مصحف عثمان (لإثبات صحته) بل لقد وصل الباحث بيرتون فى كتابه عن جمع القرآن الآنف ذكره ص 119 - 212 والباحث ونسبرو Wansbrough فى كتابه دراسات قرآنية Studies Quranic ص 44 - 46، 202 - 207 وغيرهما- إلى أن كل وليس بعض الاختلافات المنسوبة إلى مصاحف الصحابة وغيرهم موضوعة بمعرفة لغويين وفقهاء متأخرين وإن كان الباحثون الغربيون قد اختلفوا فى سبب هذا الخداع والتشويش على النص القرآنى. وقد ناقش بيرتون فكرة أن مصاحف الصحابة بما فيها من اختلافات هى مصاحف موضوعة بقصد تفسير رواية جمع عثمان بن عفان للقرآن الكريم وأمره بإصدار مصحف واحد موحّد، وتقديم مبرر لعثمان رضى اللَّه عنه فى عمله، هذا وقصة جمع عثمان للقرآن هى بدورها قصة مبتدعة (موضوعة) بقصد إخفاء حقيقة أن محمدا [-صلى اللَّه عليه وسلم-] كان قد جمع القرآن بالفعل أثناء حياته وأن القرآن الكريم على عهده كان مصاغا بشكله النهائى (انظر فى هذا الرأى Burton, Collection, (211 f. 2394 ومن ناحية أخرى فإن ونسبرو Wansbrough يؤكد أن الروايات الخاصة بجمع القرآن والروايات المتعلقة بمصاحف الصحابة كلها موضوعة بهدف تقديم دليل توثيقى قديم للنص القرآنى أو إثبات أنه قديم (بمعنى أنه يعود لزمن الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-]) لكن الواقع -فيما يقول هذا المستشرق- أن النص القرآنى لم يكن قد جمع حتى القرن الثالث الهجرى/ التاسع الميلادى وربما بعد ذلك، وقد زعم Claims هذا المستشرق -دون تقديم أى دليل مقنع- أن القرآن (الكريم) ظل غير محدد بسبب الروايات الكثيرة (مثل الاختلاف

(جـ) النص المعتمد والقراءات المعتمدة

فى قصص العقاب) والاختلافات بين المراكز الحضرية الإسلامية المختلفة (الكوفة والبصرة والمدينة. . الخ) ومع هذا فإن كلا من الكاتبين (بيرتون وونسبرو) قد أكدا على نقطة أساسية واضحة لديهما تماما وهى أن محمدا [-صلى اللَّه عليه وسلم-] كان هو نفسه صاحب الدور الأكبر فى جمع القرآن، وإن كان هذا لا يمنع من القول أن كلا الكاتبين قد بالغ كثيرا دون تقديم أسباب مقنعة لإنكار قصة جمع القرآن فى عهد عثمان رضى اللَّه عنه أو فى الزعم بأن القرآن الكريم ظل حتى القرن الثالث الهجرى غير مجموع وغير متفق عليه وهو ما ذهب إليه ونسبرو. (جـ) النص المعتمد والقراءات المعتمدة: من الناحية التاريخية، من الأفضل أن نتحدث عن النص القرآنى المعروف بمصحف عثمان وما ارتبط بطريقة قراءته لفترة استمرت أكثر من ثلاثة قرون، لكن تاريخ القراءات غير واضح كما أن القضايا التى أثارها معقدة بما فى ذلك مسألة طريقة كتابة القرآن وهى مرتبطة بالإملاء أو تهجية الكلمات والعلاقة بين اللفظ المكتوب وطريقة قراءته أو العلاقة بين المكتوب والشفهى، كما أثار نزاعا بين الآخذين بالتقويم النقدى للدليل التاريخى من ناحية وأهل السنّة فى نظرتهم المحدّدة للقرآن الكريم من ناحية أخرى. لقد كانت هناك اختلافات منذ البداية فى نسخ عثمان (اختلافات إملائية) حتى نسخ المدينة المنوّرة (وكان مصحف عثمان بن عفان فى المدينة يعرف بالإمام) التى أرسلت إلى الآفاق (الأمصار) يقال إن طريقة كتابة الكلمات فيها لم تكن واحدة. وقد ناقش المستشرق برجستراسر فى كتابه عن تاريخ القرآن Gesch. des Qor (جـ 3، ص 6 - 19) عددا من الاختلافات (الإملائية) فى مصاحف عثمان رضى اللَّه عنه بالمدينة المنورة ودمشق والبصرة والكوفة ومكة، كما وردت فى كتاب المُقْنِعْ لأبى عمرو الدَّانى (المتوفى 44 هـ/ 1052 م) وكتب أخرى. فعلى سبيل المثال يقال إنه فى نسخة

دمشق كان مكتوبا "وبالزُّبر وبالكتاب" بدلًا من "والزّبر والكتاب" فى الآية 184 من سورة آل عمران {فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ} ويقال أيضا إنه ورد فى مصحف عثمان بدمشق (مِنْكُم) بدلا من (مِنْهم) فى الآية 21، من سورة غافر {أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ} ويقال إن نسخة الكوفة من مصحف عثمان كان بها (عَمِلَتْ) بدلا من (عَملَتْهُ) فى الآية 35 من سورة يس {لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ} و (أَو أن) بدلًا من (وَأن) فى سورة غافر آية 26، ومما يذكر أن (أو أن) هى الواردة فى طبعة المصحف الرسمية {وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ} وهى خلافات صغيرة بطبيعة الحال وقد تكون نتيجة عدم دقة الناسخين. لقد كانت حروف الهجاء العربية بما اعتراها من القصور فى ذلك الوقت هى التى استخدمت فى كتابة نسخ القرآن الأولى مما أدَّى إلى ظهور اختلافات فى القراءات وفى صلب النص، ففى خلال القرن الهجرى الأول كانت العربية تكتب بما يمكن أن نسميه الحروف الناقصة حيث كانت تستخدم الحروف الصامتة دون المتحركة، كما كان الرسم الواحد يستخدم للدلالة على صوتين (حرفين) فالرسم (د) كان ينطق دالا وذالا والرسم (ح) كان ينطق حاء وخاء وجيما والرسم (د) كان ينطق راء وزايا، والرسم (ب) كان ينطق باء وتاء وثاء وياء فلم يكن هناك إعجام على الحروف العربية وقتئذ (الإعجام هى النقط التى تميز بين أصوات الحروف ذات الرَّسم الواحد) وعلى القارئ أن يميز بين هذه الحروف وفقا للسياق، وهذا يعنى أنه حتى فى حالة الاتفاق على نطق الحروف الصامتة، فإن مشكلة أخرى تظل قائمة فبعض الأفعال يمكن أن تُقرأ بصيغة المبنى للمعلوم كما يمكن أن تُقرأ -فى الوقت نفسه-

بصيغة المبنى للمجهول، كما أن بعض الأسماء يمكن أن تُضم نهاياتها أو تُفتح أو تكسر كما أن بعض الأسماء يمكن أن تقرأ على أنها أفعال أو العكس. وقد أورد المستشرق جفرى قوائم فى كتابه مواد لدراسة النص القرآنى الآنف ذكره يحتوى على أمثلة عديدة من الاختلافات التى نشأت عن طريقة الكتابة بما سميناه بالحروف الناقصة (غير المُعجَمة وغير المنقوطة) فى المصاحف الأولى. ففى معظم الحالات كان المعنى يتأثر قليلا (شيئًا ما) كالاختلاف فى (كبير) و (كثير) فى الآية 219 فى سورة البقرة {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا. . .} فقد قرأها (كثير) ابن مسعود وكذلك قرأها حمزة والكسائى. والاختلاف فى (حدب) و (جدث) فى الآية 16 فى سورة الأنبياء {حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ} وقد قرأها (جدث) ابن مسعود وآخرون. وفى بعض الأحيان كان الاختلاف فى إعراب أواخر الكلمات (التشكيل) أو فى أمور بسيطة أخرى لا يُحدِث تغييرا فى المعنى (انظر كتاب زويتَلر zwettler عن القراءات Orat treditian ص 122 وما بعدها). وفى الفترة الأموية (41 - 132 هـ/ 661 - 750 م) زادت الاختلافات فى القراءات فى مصحف عثمان شيئا فشيئا بل وظهرت قراءات جديدة تشتمل على مزاوجة بين المعتمدة لمصحف عثمان والقراءة المنسوبة لآخرين خاصة ابن مسعود وأُبَىّ. وفى بداية العصر العباسى كان هناك مثل هذا الاختلاف فى القراءات بحيث أصبح من المحال التمييز بين القراءة المعتمدة لمصحف عثمان والقراءات الأخرى إلا أنه باستخدام الحروف العربية الواضحة (المُعجَمة والمنقوطة) دخل شئ من الانضباط على هذه القراءات، والروايات الإسلامية عن استخدام الحروف المُعْجمة والمنقوطة Scripto Plena يُعوّل عليها كثيرا لما فيها من تناقض لعدم توافقها مع الشواهد التى يقدمها لنا علم تطور الخط Bla)

chere, Introductian, PP 78 - 90) لكن الرأى الشائع هو أن الحجَاج كان هو المسئول عن إعجام الخط العربى أى وضع النقاط التى تميز بين المخارج الصوتية للحروف المشتركة فى رسم واحد: الدال والذال والراء والزاى والجيم والحاء. . الخ) كما كان مسئولًا عن نَقْط (أى وضع نقاط تبين الفتحة والكسرة والضمة والتنوين. . . إلخ) وذلك عندما كان واليا على العراق (74 - 95 هـ/ 694 - 714 م) لكن النسخ المخطوطة من القرآن الكريم فى القرون الثلاثة الأولى أو حتى الأربعة تبين أن استخدام الحروف المعجمة والمنقوطة لم يُقبل إلّا بالتدريج وببطء شديد. وقد استخدمت نقاط dots بألوان مختلفة أو بلون واحد ولكن فى مواضع مختلفة (فوق الحرف أو تحته أو إلى جانبه) لتعيين الفتحة والضمَّة والكسرة (الحركات الثلاث) فى بعض المخطوطات الباكرة، وقد استخدمت بعد ذلك علامات أخرى كالنقط والشرط (الخطوط القصيرة) للتمييز بين الحروف الصامتة، كما استخدمت علامات أخرى لتحديد مواضع التنوين، والمد، ومن المراجع التى تناولت هذا الموضع مادة خط فى هذه الموسوعة، ونولدكه فى كتابة تاريخ القرآن Geschichte des Qurans وأبوت N. Abbotr فى كتابه عن نشأة الخط العربى الشمالى Rise of the North Arabic Script كما يمكن مطالعة بحث جرومان A. Grohmann عن مشكلة تاريخ المصاحف الأولى The Problem of dating early Qurans فى دورية Der Islam العدد 33 الصادر سنة 1958 م (ص 213 - 231). وفى بداية القرن الرابع الهجرى/ العاشر الميلادى انتشر استخدام الحروف العربية المُعْجمة والمنقوطة رغم إن بعض المشتغلين بنسخ القرآن ودراساته لم يوافقوا على استخدامها. وكانت إحدى نتائج استخدام هذه الحروف المنقوطة والمعجمة على نطاق واسع هو أن الاختلافات فى القراءات أصبحت معلنة واضحة، وأدى هذا إلى نزاعات حادة حول أى القراءات أصح، كما أدى إلى أن أصبح فى إمكان أولى الأمر العمل

على فرض التوحيد، وقد لعب أبو بكر ابن مجاهد (المتوفى 324 هـ/ 936 م) دورا محوريا فى ضبط القراءات، بل لعله أهم الأدوار-فى هذا المجال- منذ عهد عثمان بن عفان رضى اللَّه عنه. فقد كان مجاهد يهدف إلى تحديد عدد القراءات المقبولة وأنكر محاولة بعض الفقهاء فى فرض قراءة واحدة وهو الأمر الذى تحقّق من عدم إمكانية تحقيقه، وتفتّق ذهنه عن فكرة عبقرية فقد قال إن القراء السبعة المشهورين فى القرن الثانى للهجرة/ الثامن للميلاد كل قراءاتهم صحيحة وموثقة، وذلك اعتمادا على حديث مشهور عن النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] يفيد أن القرآن الكريم نزل على سبعة أحرف، وقد ورد هذا الحديث الشريف بصيغ مختلفة وسياقات مختلفة وبمعنى واحد. (عن عمر بن الخطاب؛ قال سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان فى حياة رسول اللَّه [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فاستمعت لقراءته فإذا هو يقرأها على حروف كثيرة لم يُقْرِئنيها رسول اللَّه [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فكنت أسَاوِرُه فى الصلاة فتصبَّرت حتى سلَّم، فلما سلَّم لَبَبْته بردائه، فقلت: من أقرأك هذه السورة التى سمعتك تقرأها؟ قال: أقرأنيها رسول اللَّه [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، فقلتُ كذبت، فواللَّه إن رسول اللَّه [-صلى اللَّه عليه وسلم-] لَهُو أقرأنى هذه السورة التى سمعتك تقرأها، فانطلقت به أقوده إلى رسول اللَّه [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فقلت: يا رسول اللَّه إنى سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على حروف لم تُقْرِئنيها، وأنت أقرأتنى سورة الفرقان. قال: فقال رسول اللَّه [-صلى اللَّه عليه وسلم-]: أرسله يا عُمر، اقرأ يا هشام، فقرأ عليه القراءة التى سمعته يقرأها، فقال رسول اللَّه [-صلى اللَّه عليه وسلم-]: اقرأ يا عمر، فقرأت القراءة التى أقْرأنى رسول اللَّه [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فقال رسول اللَّه [-صلى اللَّه عليه وسلم-]: هكذا نزلت، ثم قال رسول اللَّه [-صلى اللَّه عليه وسلم-]: إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحْرُف فاقرأوا ما تيسر منه) رُوى فى السِّتَّة الصِّحاح. وكلمة أحرُف جمع كلمة حرف ومعناها غير واضح لكن ابن مجاهد فسَّرها بسبع قراءات وألف كتابا يحمل العنوان نفسه القراءات

السبع، وصدر هذا الكتاب فى الوقت المناسب إذ تبنَّاه الوزيران ابن مقلة وعلىّ بن عيسى واعتبر بمثابة كتاب رسمى سنة 322 هـ/ 924 م عندما تمّ إجبار ابن مقسم (أبو بكر البغدادى) على التراجع عن رأيه الذى مؤدّاه بجواز قراءة القرآن الكريم بأى طريقة (قراءة) صحيحة لغويا (نحويا) وفى العام التالى أجبر عالم آخر هو ابن شنبوذ (أبو الحسن البغدادى) على التخلى عن رأيه الذى مؤداه بجواز القراءة بقراءة ابن مسعود وأُبَى. لقد كان انتقاء بعض القراءات من مدارس فى القراءة يصارع بعضها بعضا أو ينافس بعضُها بعضَها وإعلانها كقراءات موَّثقة معتمدة كالقراءات الأخرى -كان ذلك بطبيعة الحال هو الطريقة نفسها التى استخدمها المسلمون فى كل مكان لتجنب ما لا ينتهى من الخلافات، تماما كما حدث بالنسبة لمذاهب السنّة الأربعة. لكن طريقة ابن مجاهد فى اختيار قراءات سبع لم تكن طريقة تعسّفية تماما. لقد نشأت تقاليد فى قراءة القرآن ثابتة ومؤثّلَة فى كل من الكوفة والبصرة والمدينة ودمشق كما كان لمكة تقاليدها أيضًا فى قراءة القرآن، إلّا أن الكوفة قد تميزت عن المراكز الأخرى كمركز قيادى للدراسات القرآنية كما أنها كانت مركز الكثير من المدارس المتنافسة فى مجال القراءات والدراسات القرآنية عامة، لكل هذا اختار ابن مجاهد قراءة لكل من المدينة ومكة والبصرة ودمشق -إنها قراءة نافع (المتوفى 169 هـ/ 785 م) وقراءة ابن كثير (المتوفى 120 هـ/ 737 م) وقراءة أبى عامر (المتوفى 154 هـ/ 770 م) وقراءة ابن عامر (المتوفى 118 هـ/ 736 م) على التوالى، وثلاث قراءات للكوفة وهى قراءة عاصم (المتوفى 127 هـ/ 744 م) وقراءة حمزة (المتوفى 156 هـ/ 772 م) وقراءة الكسائى (المتوفى 189 هـ/ 804 م) ولم تكن محاولة مجاهد لعقد القراءات المعتمدة على سبع قراءات أمرا مقبولًا من كل المهتمين بالقراءات فقد

كان هناك دعم قوى لقراءات أخرى فى المراكز الحضرية الخمس الآنف ذكرها، وبين الحين والحين جرى حديث العلماء عن القراءات العشر بل والقراءات الأربع عشرة، ومن بين هذه القراءات تحظى قراءة أبى جعفر (المتوفى 130 هـ/ 747 م) وقراءة يعقوب الحَضْرمى (المتوفى 205 هـ/ 820 م) وقراءة خلف (المتوفى 229 هـ/ 843 م) وتسمَّى هذه القراءات، "القراءات الثلاث بعد السبع" ومن بين القراءات التى تسمى "القراءات الأربع بعد العشر" تستحق قراءتان منها التنويه وهى قراءة الحسن البصرى (المتوفى 110 هـ/ 728 م) وقراءة الأعمش الكوفى (المتوفى 148 هـ/ 765 م)، وبالنسبة لكل قراءة من القراءات العشر توجد اختلافات بسيطة فى روايتها أصبحت -أى هذه الاختلافات- مقبولة طوال جيل أو جيلين بعد ذلك، مثال ذلك رواية ورش (المتوفى 197 هـ/ 812 م) وقالون (المتوفى 220 هـ/ 835 م) عن نافع، وكرواية حفص (المتوفى 190 هـ/ 805 م) وشعبة (المتوفى 194 هـ/ 809 م) عن عاصم، ورواية خلف وخلاد (المتوفى 220 هـ/ 835 م) عن حمزة، ويمكن مراجعة القوائم الكاملة ومناقشة تطور القراءات فى تاريخ القرآن لنولدكة ومقدمة لدراسة القرآن لبلاشير وقد أشرنا إلى هذين المرجعين مرارا آنفا. وخلال القرن الخامس للهجرة/ الحادى عشر للميلاد بدأت القراءات السبع تسود وظهرت كتب كثيرة عنها مثل كتاب التيسير للدانى (المتوفى 444 هـ/ 1053 م) الذى حل محل كتاب مجاهد، وتم الالتزام بالقراءات السبع خاصة فى القراءات الجهرية العامة ولم يعد يتعرض للقراءات الأخرى غير مفسرى القرآن الكريم وعلماء اللغة والنحو. . . إلخ. وحافظ القراء على تراث القراءة واستمر الاهتمام -على الأقل فى مجال الدراسة- بدراسة القراءات الثلاث بعد العشر، وتم تنقيح كل القراءات العشر،

وظهرت طريقتان للتلاوة فى كل رواية ثم ظهرت لكل طريقة قراءتان، فتلك ثمانى طرق للرواية الواحدة فإذا علمنا أن القراءات عشر، كان المجموع ثمانين طريقة (انظر دراسة لبيب السعيد (السيد) عن ترتيل القرآن The recited Koran, طبع برنستون، 1975 وتضم هذه الدراسة قائمة كاملة بالثمانين طريقة، وانظر أيضا مادة قراءة فى هذه الموسوعة، وكذلك مادة تجويد. وفى الوقت الحاضر لم يعد يستخدم فى قراءة القرآن سوى رواية حفص عن عاصم التى ظل القراء يقرأون بها طوال قرون فى معظم بلاد العالم الإسلامى، وفى سنة 1924 م حظيت هذه الرواية بنوع من الاعتماد الرسمى بظهور المصحف الرسمى المطبوع فى مصر، وكذلك رواية ورش عن نافع التى اتبعت فى أنحاء أفريقيا. وقد استخدم هذه الرواية الأخيرة الشوكانى العالم اليمنى (المتوفى 1250 هـ/ 1834 م) فى تفسيره المخطوط، لكن عند طبعه استخدمت رواية حفص عن عاصم. وتعتبر الطبعة المصرية الرسمية للقرآن الكريم أفضل نص توثيقا وضبطا رغم اعتمادها على قراءات متأخرة. إلا أن تاريخ النص القرآنى لازال هو تاريخ النص المكتوب. وأحد جوانب هذا العمل (دراسة تاريخ النص القرآنى) هو التحليل العميق للعلاقة بين القراءات السبع أو العشر والعلاقة بينها جميعا والقراءات الأخرى بما فى ذلك ما ورد فى مصاحف الصحابة، وحتى يتم هذا التحليل يصبح من المحال تقديم تقويم نهائى للمصادر. فالاختلافات الموجودة حتى فى القراءات "الأربع بعد العشر" غالبا ما تشتمل على اختلافات فى الحروف الصامتة وتختلف عن معظم ما هو موجود فى القراءات العشر بل وتشتمل أحيانا على ألفاظ مختلفة تماما. راجع على سبيل المثال قراءات الحسن البصرى والأعمش فى كتاب جفرى والقوائم الخاصة بابن مسعود وأُبىّ. إن قوائم جفرى هذه تبين أن اختلافات ابن

4 - البناء القرآنى

مسعود تتفق بشكل متتابع مع قراءة اثنتين من القراءات السبع هما قراءة حمزة وقراءة الكسائى من الكوفة، وتتفق أكثر مع قراءة الحسن وقراءة الأعمش وهو كوفى أيضا. وتتفق اختلافات أبىّ -بشكل متتابع مع اثنين آخرين من السبعة هما ابن كثير وأبى عمرو (أولهما من مكة والآخر من البصرة) كما تتفق مع الحسن والأعمش وإن كانت لا تتفق مع ابن عامر وهو القارئ الدمشقى الوحيد من بين القراء الأربعة عشر، وهذا أمر يدعو -شيئا ما- للدهشة، إن هذا الجانب المهم فى دراسة تاريخ القرآن (أى العلاقات بين القراءات المختلفة) يستحق دراسة علمية عميقة. ويفضل استخدام الحاسب الآلى فى هذه الدراسة نظرا لدقتها وكثرة تفاصيلها. وقد تناول بل - وات Bell - Watt بالبحث مسألة كمال القرآن ودقته، وقد تعرض الباحث لبيب السعيد (السيد؟ ) فى كتابه الآنف ذكره للدفاع عن وجهة نظر المسلمين السنة فى كمال القرآن ودقته وتمام حفظه. ترجمة د. عبد الرحمن الشيخ 4 - البناء القرآنى (أ) السور وأسماؤها يتكون القرآن الكريم من 114 قسمًا تتفاوت فى طولها وشكلها تسمى سُوَرًا، وتنقسم هذه إلى آيات يتراوح عددها بين ثلاثة وبين 286 أو 287. وأحيانا ما يترجم المترجمون كلمة سورة بما يقابل كلمة "فصل" فى اللغات الأوربية، ولكن هذه تسمية مضللة. فالفاتحة ليست فصلًا بل أقرب إلى الدعاء، والسورتان الأخيرتان (المعوذتان) أقرب إلى طلب الغوث من اللَّه فى الشعائر الإسلامية. وباستثناء عدد قليل من قصار السور، يندر أن تقتصر سورة على موضوع واحد، وتعتبر سورة يوسف وسورة نوح مما يستثنى من ذلك. فكل سورة أخرى تتعرض لموضوعات كثيرة يتصل بعضها بموضوعات مماثلة فى السور الأخرى. وبعد الفاتحة نرى ترتيب السور يتفق بصفة عامة مع طولها، فسورة البقرة يزيد طولها عن 700 سطر (60 صفحة) فى الطبعة المصرية الحديثة المعتمدة للمصحف، بينما لا يزيد

طول السور الأخيرة على سطرين أو ثلاثة. ولكن طول السور لم يكن إلا عاملًا واحدًا من العوامل التى حددت ترتيبها فى المصحف، ومن العوامل الأخرى تاريخ نزولها، وموضوعاتها الرئيسية ومقدماتها. وعادة ما يشير كتاب المسلمين إلى السور بأسمائها لا بأرقامها، ولما كانت تلك الأسماء لم تكن قد ثبتت فى أثناء حياة الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- ولم تكن تعتبر جزءًا من النص القرآنى، فإن بعض السور أصبحت تعرف بأكثر من اسم واحد. ولما كانت الطبعة المصرية المعتمدة للمصحف من العوامل الرئيسية التى وَحَّدت أسماء السور، بحيث اختفت معظم الأسماء القديمة الأخرى. والاستثناء من ذلك أن كُتَّاب الهند وباكستان (وكذلك ترجمة بيكتول لمعانى القرآن) ما يزالون يطلقون اسم سورة بنى إسرائيل على سورة الإسراء، واسم سورة الملائكة على سورة فاطر، واسم سورة المؤمن على سورة غافر، واسم سورة التطفيف على سورة المطففين، واسم سورة الانشراح على سورة الشرح، واسم سورة الزلزال على سورة الزلزلة، كما يطلق معظمهم اسم سورة حاميم على سورة فصلت، واسم سورة الدهر على سورة المدثر، واسم سورة اللهب على سورة المسد. وهذه الأسماء لا تشير إلى موضوع السورة ولكنها تساعد فى التعرف عليها، خصوصًا لمن يحفظون القرآن، مما يدل على أن الأسماء قد نشأت فى إطار التراث الشفاهى لا المكتوب. وأسماء السور المستعملة فى الطبعة المصرية المعتمدة يمكن تصنيفها على النحو التالى: (1) فى ما يزيد قليلًا عن نصف عدد السور، يمثل الاسم كلمة أساسية واردة فى مطلع السورة. (2) فى ثلث السور تقريبًا يمثل الاسم كلمة مهمة فى غير مطلع السور. (3) ولا تمثل أسماء 14 سورة ألفاظًا وردت فى السورة نفسها، ومعظمها لا يرد فى القرآن الكريم على الاطلاق، بل إن معظم هذه الأسماء مشتق من أفعال فى مطلع السورة مثل

(ب) الآيات

الإسراء، والسجدة، والمجادلة، والممتحنة، والجمعة، والطلاق، والتحريم، والتكوير، والانفطار، والانشقاق، والشرح. أما أسماء السور الثلاثة الباقية فقد اختيرت للدلالة على مهمة السورة مثل الفاتحة أو موضوعها الأساسى، مثل الأنبياء، والإخلاص. (ب) الآيات: تتفاوت الآيات فى أطوالها وأسلوبها تفاوتًا كبيرًا، شأنها فى ذلك شأن السور، وفى بعض السور القصيرة والتى نزلت مبكرًا على الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- نجد أن الآيات قصيرة وذات جرس إيقاعى. وأحيانا ما يبدو أن بها بناءً موسيقيًا يشبه النظم، كما فى الآيات الأولى من سورة المدثر، وسورة الضحى، ولكن ذلك مرده إلى تكرار أشكال نحوية معينة لا إلى النظم الشعرى سواء كان كميا أم نبريًا. وهذه الآيات القصيرة ذات الإيقاع المعجز من العسير ترجمتها أو تفسيرها بسبب استخدامها للرموز والاستعارات وغير ذلك من سمات اللغة "الشعرية". ومعظم السور الطويلة، وبعض السور المدنية القصيرة، أقرب إلى النثر. وقد وضع فقهاء المسلمين نظمًا مختلفة لتقسيم الآيات وترقيمها. وقد اتبع بيكتول فى ترجمته لمعانى القرآن تقاليد النص المطبوع فى الهند وهو النص الذى يقسم الآية 73 من سورة الأنعام إلى آيتين، والآية 18 من سورة الكهف إلى آيتين، ويجمع الآيتين 34 و 35 من سورة يس فى آية واحدة. أما ناشرو طبعة فستيفال عام 1976 فقد اتبعوا النظام المصرى بحذافيره فى تقسيم الآيات وترقيمها. وقد ترجع اختلافات الترقيم إلى اعتبار البسملة آية ومنحها رقمًا، وكذلك حروف فواتيح السور، والطبعة المصرية لا تعتبر البسملة آية إلا فى الفاتحة، ولكنها لا تتبع نظامًا متسقًا فيما يتعلق بحروف الفواتيح. وبعض الطبعات العربية والترجمات فى الهند وباكستان -مثل ترجمات بير صلاح الدين، ومحمد ظفر اللَّه خان، وم. ج. فريد- تعتبر البسملة آية وتمنحها رقمًا. والنص العربى للقرآن الكريم الذى كان يتمتع بأوسع انتشار فى الغرب حتى عهد قريب هو الذى أشرف على

(ج) البسملة

طبعه غوستاف فلوجيل (1834 م) وهو لا يتبع تقاليد نص شرقى واحد. إذ حاول تقديم النص فى صورة ميسرة فقام بتغييرات كثيرة فى تقسيم الآيات، وغير أرقامها فيما يزيد قليلًا عن نصف السور. وكانت تقسيمات الآيات وأرقامها تختلف عن الطبعة المصرية إلا فى السور التالية: الحجر، الفتح، الحجرات، الذاريات، الطور، القمر، الحشر، الممتحنة، الصف، الجمعة، المنافقون، التغابن، الطلاق، التحريم، الملك، القلم، الحاقة، المعارج، المزمل، القيامة، الإنسان، المرسلات، النازعات، التكوير، الانفطار، المطففين، الانشقاق، البروج، الطارق، الأعلى، الغاشية، البلد. الشمس، الليل، الضحى، الشرح، التين، العلق، القدر، الزلزلة، العاديات، التكاثر، العصر، الهمزة، الفيل، الماعون، الكوثر، الكافرون، النصر، المسد، الاخلاص، الفلق، الناس. وكانت طبعة فلوجيل لا تحسب البسملة آية، ولا الحروف التى تفتتح بها بعض السور، ولكن تدرجها فى الآية الأولى، والترجمتان الإنجليزيتان اللتان أخرجهما ر. بل R. Bell وأ. ج. آربرى A.J. Arberry تتبعان الترقيم الوارد فى هذه الطبعة. بينما كانت الترجمة الايطالية التى وضعها باوسانى (A. Bausani) والترجمة الإنجليزية التى أعدها أ. هـ. صديقى (A.H. Siddiqui) تتبعان الترقيم المصرى، مثلما يفعل يوسف على فى العادة، وإن كان لا يلتزم بها دائمًا. ويورد ر. باريت فى ترجمته الألمانية (R. Parek) ور. بلاشير فى ترجمته الفرنسية (R. Blachere) الترقيمين جنبًا إلى جنب. أما المرجع المعتمد لشتى نظم الترقيم الإسلامية فهو كتاب أ. سبيتالير A. Spitaler الذى وضعه بالألمانية وصدر فى ميونيخ عام 1935 وعنوانه: Die Verszahlung des koran nach islamischer uberliberung (ج) البسملة: تبدأ كل سورة من سور القرآن الكريم، عدا سورة التوبة، بالبسملة أى بعبارة "بسم اللَّه الرحمن الرحيم". وقد وردت فى النص القرآنى نفسه فى سورة النمل (الآية 30) فى مفتتح

كتاب سليمان عليه السلام إلى ملكة سبأ {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} كما وردت مكونات العبارة متفرقة فى مواضع أخرى، فوردت بسم اللَّه فى سورة هود (الآية 41) {وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} وورد تعبير "الرحمن الرحيم" أربع مرات أخرى، مرة فى سورة الفاتحة (الآية 3) وسورة البقرة (الآية 163) وسورة فصلت (الآية 2) وسورة الحشر (الآية 22). وقد ورد لفظ "الرحمن" معرفًا بالألف واللام 57 مرة فى نص القرآن، إذا استثنينا البسملة التى تفتتح بها كل السور عدا سورة الفاتحة. ويرد لفظ الرحيم 33 مرة معرفًا بالألف واللام، ودون تعريف. وقد اختلفت الآراء حول أصل البسملة ووضعها فى مفتتح السور، إذ يعتقد بعض المسلمين أن البسملة جزء من التنزيل وأنها كانت تمثل جزءًا من كل سورة منذ البداية. ولكن الأدلة القائمة على النص القرآنى نفسه تقول بغير هذا، فلفظ الجلالة هو الاسم الذى يختص به سبحانه وتعالى بينما نرى أن "الرحمن الرحيم" من الأسماء الحسنى أو الصفات الخاصة بالذات الالهية، وفقًا لاستعمال اللفظين فى القرآن الكريم. وإلى جانب هذا نلحظ أن القرآن يشير إلى البارئ جل وعلا بلفظ "رب"، إذ يرد تعبير "باسم ربك" فى سورة الواقعة -فى الآيتين 74 و 96 - {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} وفى سورة الحاقة حيث تختتم السورة بالآية نفسها، بينما تبدأ سورة العلق بالآية الكريمة {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}. ومن المحتمل أن الخالق قد أوحى بهذا الاسم من أسمائه الحسنى، أى "الرحمن"، الذى يتكرر فى الآيات التى نزلت بعد عامين من بداية البعثة، ثم أباح فى مرحلة لاحقة للمسلمين أن يستعملوا لفظ الجلالة أو الرحمن دون حرج، والشاهد هو الآية 110 من سورة الإسراء التى تقول {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى}. وبعد نزول هذه الآية نجد أن لفظ "الرحمن" يندر أن يوجد وحده فى القرآن، بل عادة ما يرتبط "بالرحيم"، ويشترك اللفظان

(د) فواتح السور

فى مادة "رحم" ذات الدلالة المهمة فى المعجم العربى. ويبدو من هذه الأدلة أن استعمال البسملة قد شاع بعد نزول الآية المشار إليها فى سورة الإسراء، وقد تكون البسملة مبنية من جزءين هما "بسم اللَّه" وهى العبارة التى ترد وحدها (الآية 41 من سورة هود) و"الرحمن الرحيم" وهى الآية الثالثة من الفاتحة، ولكن الأرجح أن الفاتحة نفسها وجميع صيغ البسملة قد نزلت بعد الآية المشار إليها فى سورة الإسراء. ويبدو من المحتمل كذلك أن البسملة لم تكن أصلًا من آيات الفاتحة، فعلماء المدينة والبصرة وسوريا لم يكونوا يعدونها كذلك، كما أن الفاتحة دون البسملة كانت تسمى سورة الحمد، وربما كان ذلك اسمها فعلًا قبل نزول البسملة. ولكن الذى لا شك فيه هو أن الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يتلوها فى مستهل قراءته لأى آيات قرآنية بعد أن نزلت، ولما كانت الكثير من هذه الآيات ترد فى سور نزلت فى أوقات متفاوتة، فلابد أن الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يتلو البسملة قبل تلاوته آيات أوحى بها فى أوقات متفرقة. ومن ثم فإن البسملة لم تقتصر على فواتح السور إلا بعد أن اتخذت هذه السور رسمها النهائى فى المصحف. (د) فواتح السور: فى بداية تسع وعشرين سورة من سور القرآن الكريم يوجد بعد البسملة حرف أو مجموعة من الحروف تسمى فواتح السور أو أوائل السور أو الحروف المقطعات، ويشار إليها فى اللغات الأوربية بتعبير "الحروف ذات الأسرار" وتنطق هذه الحروف على نحو ما تنطق حروف الأبجدية العربية، ولقد ظلت على مدى أربعة عشر قرنًا من الزمان مثار جدل وحيرة بين علماء المسلمين، فقد رأى بعضهم أنها اختصارات لكلمات أو عبارات، فقالوا إن "ألر" اختصار للفظ "الرحمن" و"حم" اختصار "للرحيم"، و"يس" اختصار لعبارة "يا سيد المرسلين" إلى آخر ما قالوا. ويروى عكرمة وآخرون عن ابن عباس قوله إن "الر" و"حم" و"نون" معًا تكوّن "الرحمن" (الاتقان،

جـ 3، ص 9) وقال البعض الآخر إن الحروف ليست اختصارات، وحاولوا تفسيرها بطرق مختلفة، فقالوا إنها أصوات يقصد منها تنبيه النبى -صلى اللَّه عليه وسلم- أو اجتذاب أسماع من يستمعون إلى القرآن حتى ينصتوا ويحسنوا الإصغاء، وقال غيرهم إنها أسرار خفية ذات معان رمزية تقوم على القيمة العددية (بحساب الجُمل) للحروف العربية، وقال آخرون إنها فواصل بين السور، وذهب عدد من العلماء إلى أنها حروف عربية وحسب، تشهد أن التنزيل قد أوحى به بلغة القوم التى يعرفونها وهلم جرّا. ويروى السيوطى عن ابن عباس (عن طريق ابن اسحاق) أن جماعة من اليهود قالوا لمحمد -صلى اللَّه عليه وسلم- إن الحروف تشير إلى عدد السنوات التى سيظل فيها المجتمع الإسلامى قائمًا، فعندما سمعوه يتلو "ألم" (1 + 30 + 40 = 71) قالوا إن العدد لن يتجاوز 71 سنة. وعندما سمعوه يتلو "ألمص" (1 + 30 + 40 + 60) قالوا إن المدة هى 131 سنة، وعندما سمعوا "ألر" (1 + 30 + 200) قالوا بل هى 231 سنة، ثم سمعوا "ألمر" فقالوا بل هى 271 سنة. وانتهى بهم الأمر إلى إنكار ذلك كله وإلى أن ثمة سرًا يكتنف هذه الحروف. وقد ناقش السيوطى هذه المسائل جميعًا إلى جانب غيرها من الاحتمالات وانتهى إلى أن فواتح السور رموز أو أسرار لا يعرف تأويلها إلا اللَّه. وقد أظهر علماء المسلمين المتأخرين ميلًا إلى تقبل هذا الرأى، ولو أن عددًا منهم (مثل هاشم أمير على) يقول إن جميع مجموعات الحروف لا بعضها فقط هى حروف نداء للنبى -صلى اللَّه عليه وسلم- ويقول على ناصوح الطاهر إن القيمة العددية للحروف تمثل عدد الآيات فى "التقسيم الأصلى" للسور التى تتصدرها ومعظمها سور مكّية. وهو يستشهد بما استشهد السيوطى به، فيقول إن سورة الأعراف التى تتكون الآن من 305 آية والتى تبدأ بالحروف المص (1 + 30 + 40 + 90 = 161) كانت تتضمن 161 آية فقط، ثم يطبق هذا الأسلوب على مجموعات من السور حتى يتسنى له التوفيق بين أعداد آياتها والأرقام الموحى بها فى حروف الفواتح. ولكن هذا القول مردود عليه بأننا لا نجد سورة واحدة يبلغ عدد

آياتها العدد الذى توحى به أرقام الفواتح، ولا يتفق قول الطاهر مع الأساس الذى أقيمت عليه الطبعة المصرية المعتمدة. وتعتبر هذه النظرية نموذجًا ساطعًا للتخرصات التعسفية بشأن هذه الحروف أو الفواتح. وقد تصدى عدد من الباحثين الغربيين للتحدى الذى تمثله تلك الفواتح فقدموا بعض الآراء التى تنم على التخبط والحيرة، إذ زعم الباحث الألمانى نولديكى Noldeke فى كتابه قصة القرآن (1860) إلى أن هذه الفواتح هى اختصارات لأسماء مدونى القرآن (ألم = الزبير، ألم = المغيرة، وحم = عبد الرحمن) ولكنه عدل عن هذا الرأى عندما قرأ دراسة عميقة، على إيجازها، للموضوع كتبها أ. لوث O.Lith بعنوان تفسير الطبرى بالألمانية عام 1881 م، وقال فيها إن الحروف رموز قدسية خاصة تشير إلى بعض الموضوعات التى تتناولها السور. وهكذا عدل نولديكى عن رأيه وعاد إلى القول بأن الحروف جزءٌ لا يتجزأ من التنزيل وإنها إشارات قدسية إلى كتاب اللَّه العظيم. وعندما وضع شفالى استعراضه للدراسات القرآنية حتى عام 1919 م أعرب عن رفضه لما قال به لوث، ورفضه أيضًا لنظرية نولديكى. وحاول عدد آخر إحياء النظرية القائلة بأن الحروف تمثل اختصارات لكلمات أو عبارات, كان أهمهم هانز باور Hans Bauer الذى أضاف إلى ذلك قوله (1921 م) بأن الحروف ذات علاقة بترتيب سور القرآن دون أن يفصل القول فى ذلك. وأما حجته القائلة بأنها اختصارات فهى غير مقنعة، وقد تبعه أ. جوسنز E. Goossens فى عام 1923 حين قال إن الاختصارات قد تشير إلى بعض الأسماء القديمة للسور، ولكن أدلته كانت هى الأخرى واهية. وجاء من بعدهما موريس سيل Mirris Seale الذى ذهب إلى أن الفواتح ترمى إلى تذكير القارئ بمضمون السورة، وقال إنه يقبل تفسيرها بأنها اختصارات وإن كان يختلف فى الكلمات التى تشير إليها، والتفاوت بين هذه الآراء وتنوعها، بل والتضارب بينها، يدل على أنه من

العبث محاولة السير فى هذا الطريق، بسبب ما يتسم به من تعسف. وقد حاول جيمس أ. بيلامى James A. Bellamy فى مقال نشره فى مجلة الدراسات العربية والشرقية عام 1973 م تقديم نظرية للاختصارات تحاول تفادى الطابع التعسفى الذى اتسمت به محاولات من سبقوه. وقد بدأ بيلامى بترديد ما قاله المفسرون الأوائل من أن الحروف التالية: ألر، ألم، ألمر، حم، ن [وهى التى توجد فى فواتح جميع السور ذات الحروف المقطعة باستثناء عشر فقط] تمثل اختصارًا للرحمن أو للرحيم أو لكليهما، ثم انتهى إلى القول بأن هذه الحروف تمثل اختصارًا للبسملة، وأن الحروف الأخرى تمثل اختصارًا لها كذلك. وقد اقتضاه ذلك القول بأن الحروف الأخرى هى صورة من صور حروف البسملة، وهو قول متعسف ولا يستند إلى حقائق نصية أو تاريخية. إن أى حل للغز حروف الأسرار لابد أن يستند إلى نظرية معقولة تتفق مع الأدلة النصية جميعًا، ومن ثم فيجب أن تكون نقطة الانطلاق هى السياق الفعلى للحروف، وهو سياق يقدم إلينا مفاتيح مهمة لحل ذلك اللغز. وتقدم القائمة التالية رقم السورة، وموقعها لو تم ترتيب جميع السور (باستثناء الفاتحة) وفقًا لأطوالها فقط، والفواتح، والعبارة أو الجملة الأولى: 2 (2) {الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ} (البقرة) 3 (4) {الم. . . نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ} (آل عمران) 7 (5) {المص كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ} (الأعراف) 10 (11) {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ} (يونس) 11 (10) {الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ} (هود) 12 (12) {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} (يوسف) 13 (34) {المر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ} (الرعد)

14 (33) {الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ} (إبراهيم) 15 (41) {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ} (الحجر) 19 (29) {كهيعص ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا} (مريم) 20 (17) {طه مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ} (طه) 26 (15) {طسم تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ} (الشعراء) 27 (25) {طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ} (النمل) 28 (16) {طسم تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ} (القصص) 29 (27) {الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ} (العنكبوت) 30 (36) {الم غُلِبَتِ الرُّومُ} (الروم) 31 (46) {الم تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ} (لقمان) 32 (54) {الم تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ} السجدة) 36 (40) {يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ. . . تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ} (يس) 38 (39) {ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ} (ص) 40 (23) {حم تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} (غافر) 41 (37) {حم تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} (فُصِّلت) 42 (35) {حم عسق كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (الشورى) 43 (31) {حم وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} (الزخرف) 44 (55) {حم وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ} (الدخان) 45 (47) {حم تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} (الجاثية)

46 (42) {حم تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} (الأحقاف) 50 (42) {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} (ق) 68 (62) {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ} (القلم) وتبرز فى هذه القائمة مسألتان على جانب من الأهمية، وقد أكدهما كل من شفالى وباور ولوث، وإن لم يلتفت إليهما أصحاب نظريات "الاختصارات"، الأولى هى علاقة فواتح السور بالترتيب النهائى لها فى القرآن، والثانية هى علاقتها الوثيقة بالآيات الافتتاحية وبكتاب اللَّه العزيز. فالملاحظ أن السور التى تشترك فى نفس الفواتح قريبة من بعضها البعض، رغم تفاوت أطوالها، ورغم أن ذلك يعنى عدم الالتزام بالترتيب حسب طول السورة. وقد يعنى ذلك أن السور التى تشترك فى الفواتح كانت قريبة من بعضها البعض فى وقت جمع القرآن، وأن النساخ أبدوا التردد فى فصلها بعضها عن البعض، وأرجح سبب لهذا التردد هو اعتبارهم أن الفواتح جزء من التنزيل، وأن ترتيبها على هذا النحو مأثور عن النبى -صلى اللَّه عليه وسلم-. والملاحظ أيضًا أن الفواتح يتبعها على الفور، وفى جميع الأحوال تقريبًا، ما يشير بصورة ما إلى كتاب اللَّه المُنَزَّل، وذلك فى العادة صيغة تنزيل مميزة تذكر الكتاب أو القرآن (باستثناء سورتى العنكبوت والروم كما هو واضح). وإلى جانب ذلك كله، فإنه يوجد توافق إلى حد ما بين الصيغة المذكورة فى كل سورة تبدأ بالحروف نفسها، فالسور التى تبدأ بالفواتح (طسم) تشترك فى الصيغة نفسها، وثلاث سور من التى تبدأ بالفواتح (حم) تشترك كذلك فى نفس الصيغة، وأربع سور من التى تبدأ بحروف مفردة بالقسم (يس، وص، وق، ون). وسواء كان لوث محقًا أم لا فى القول بأن العديد من الصيغ الافتتاحية تتضمن إشارات للفواتح، فهناك أدلة أخرى على أن هذه الفواتح جزء لا يتجزأ من التنزيل وأنها كانت تقرأ باعتبارها حروفا مفردة من البداية. وأحد هذه الأدلة هو أن معظم الفواتح حين تقرأ كحروف مفردة تمهد للسجع فى الآية الأولى، ورغم أن التوافق ليس

كاملًا فإن العلاقة الوثيقة بين أصوات الفواتح وكلمات السجع فى الآيات التالية لها لا يمكن أن يكون من قبيل المصادفة. ومن الحقائق البارزة الأخرى، والتى لابد ألا نعتبرها من قبيل المصادفة، هو أن حروف الفواتح تمثل كل شكل من أشكال الكتابة للحروف الساكنة بالعربية، ولا يتكرر ذلك الشكل لأكثر من حرف واحد فقط. فلدينا حرف الياء الذى يكتب (يـ) بينما لا توجد الباء أو التاء أو الثاء. ولدينا الحاء (ح) بينما الجيم (ج) ولا الخاء (خ)، ولدينا الراء (ر) لا الزاى (ز)، ولدينا العين (ع) لا الغين (غ) ولدينا القاف (قـ) لا الفاء (ف) ولا الواو (و) ولدينا الكاف (كـ) لا الدال (د) ولا الذال (ذ) -إلى جانب الأشكال التى يمثل كل منها واحد فقط مثل الهمزة، واللام، والميم، والنون، والهاء. (ويجب أن نذكر أن حرف الواو بالخط الكوفى العربى كانت ترسم بنفس صورة القاف والفاء هكذا: فـ، وأن الدال كانا يرسمان مثل الكاف -هكذا: كـ، والاستثناء هو أن الحروف لم تكن تشبك فى أواخر الواو والدال والذال)، وأقرب التفاسير إلى المنطق، أى أقرب تفسير لاستعمال هذه الحروف الأربعة عشر فقط، ودون غيرها، هو أنها قد قصد بها تمثيل الأبجدية العربية. فإذا صح هذا الاستنتاج، ازدادت دلالة وأهمية معنى الآيات الافتتاحية التى تقول إن القرآن العظيم قد أنزل باعتباره "كتابًا مبينًا" بالعربية. وتشير آيات أخرى (النحل/ 103، والشعراء/ 195) إلى أن القرآن قد أنزل {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ}. ويبدو أن عدم الإشارة فى الشروح والتفاسير الخاصة بالقراءات المختلفة إلى الصورة التى كانت تنطق بها أشكال الحروف الساكنة الأربعة عشر، دليل على وجود تراث شفاهى قوى يؤكد مكانة فواتح السور. وما تزال هناك بعض الأسئلة التى لم تحظ بعد بإجابات شافية، ولكن الأدلة القائمة تدعم ما ذهب إليه لوث ونولديكى فى آرائه المتأخرة، وشفالى، وبِلْ، وألان جونز، من أن الفواتح جزء لا يتجزأ من النص القرآنى. وللفواتح

5 - الترتيب الزمنى لنزول القرآن

أهميتها فى فهم تاريخ النص، ولتواريخ النزول أهميتها فى تفهم الفواتح. 5 - الترتيب الزمنى لنزول القرآن: لم ينزل القرآن على محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- دفعة واحدة، بل نزل مفرقًا، فهو يتجاوب فى كل حالة مع الظرف التاريخى، وقد يكون التعبير عن هذا التجاوب مباشرًا فى أحيان كثيرة، فكان الوحى ينزل عليه بما يشجعه فى أوقات الاضطهاد، وبالإجابة عما يسأله عنه أتباعه وخصومه، وبالتعليق على الأحداث الجارية وما إلى ذلك بسبيل. وقد نزل الوحى بالمبادئ الأساسية والقواعد اللازمة لتنظيم المجتمع الإسلامى تدريجيًا، وعلى مراحل، وأحيانًا ما تتطلب التفسير والشرح. وتلوح للعين تناقضات ظاهرية فى عرض العقائد وتقديم القواعد التى تبدو غير متسقة إذ أحيانًا ما تتغير، ولذلك فمن الضرورى الإحاطة بالظروف التاريخية لبعض الآيات، والترتيب الزمنى على الأقل لنزول البعض الآخر حتى نتمكن من فهمها فهمًا كاملًا. وقد أدرك علماء المسلمين الأوائل هذه المشكلة واهتموا بها اهتمامًا كبيرًا فى القرون الأولى للهجرة، حتى وضعوا نظامًا للتاريخ يتسم بالصلابة إلى حد كبير، واكتسب هذا النظام "رخصة" المذهب الصحيح. أما فى العصور الحديثة فقد اقتصرت دراسة الترتيب الزمنى لنزول القرآن تقريبًا على علماء الغرب الذين عجزوا عن التوصل إلى اتفاق حول نظام للتأريخ، أو حتى إلى إمكانية وضع مثل هذا النظام. أ- الاشارات التاريخية فى القرآن: يشير القرآن إشارات محددة إلى عدد من الأحداث التاريخية فى حياة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- ومعاصريه، ولكنه لا يحدد التواريخ ولا يشير أى إشارة محددة إلى الوقت الذى وقعت فيه. ومن المحال فى معظم الحالات. تحديد الظروف الخاصة المشار إليها وتواريخ الآيات التى نزلت فيها، ويصدق ذلك بصفة خاصة على الفترة السابقة للهجرة عام 622 وهى التى تتضمن عددًا محددًا من الأحداث التاريخية التى يمكن تحديد زمن وقوعها، وحتى حين يمكن تحديد تلك الأحداث، فهى لا تفيد كثيرًا فى

تحديد تاريخ الآيات التى تشير إليها. إذ تشير الآيات من 2 - 5 من سورة الروم على سبيل المثال، إلى هزيمة البيزنطيين العسكرية، وقد تكون تلك الإشارة إلى سقوط القدس فى أيدى الفرس فى عام 614 (كما يعتقد أن سورة الفيل تشير إلى حملة عسكرية على مكة فى منتصف القرن السادس). وهناك إشارات كثيرة إلى أحوال الرسول الكريم فى مكة (مثل الاضطهاد الذى تعرض له، واتهامات خصومه له، وحياته المبكرة، ويُتمه) وإلى بعض الممارسات المحددة لأهل مكة، ولكن الآيات التى تتضمن هذه الإشارات لا يمكن تحديدها بأى قدر من الدقة. والفترة المدنية هى التى تتيح لنا التحديد الدقيق لتواريخ نزول الآيات، إلى حد معقول، على أساس الإشارة إلى أحداث تاريخية يمكن تحديد وقت نزولها استنادًا إلى مصادر أخرى، مثل غزوة بدر (ربيع عام 624) وغزوة حنين (أوائل عام 630) اللتين وردتا فى سورة آل عمران فى الآية 123 وفى سورة التوبة فى الآية 25 على الترتيب. ويشير القرآن إلى تغيير القبلة من القدس إلى مكة إما فى أواخر عام 623 أو أوائل 624 إذ يرد ذلك فى سورة البقرة، فى الآيات من 148 - 150. كما يشير القرآن إلى إقرار الشعائر القديمة لفريضة الحج فى وقت وقوع غزوة بدر تقريبًا، فى سورة البقرة، فى الآيتين 158 و 198 وفى سورة المائدة فى الآية 95 وما بعدها، حيث تُذكر الكعبة، والصفا والمروة، وجبل عرفات، ومشعر الحرم (فى مزدلفة) ذكرًا صريحًا. ويذكر القرآن زيد (بن حارثة) الذى كان الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- قد تبناه، باسمه الصريح، فى سورة الأحزاب، فى الآية 37 فى إطار الإشارة إلى حادثة وقعت فى ربيع عام 627 كما يشير القرآن إلى أحداث تاريخية دون ذكر اسمها صراحة مثل غزوة أُحد (التى وقعت عام 625) فى الآيات 155 - 174 من سورة آل عمران، وطرد يهود بنى النضير (625) فى سورة الحشر، فى الآيات من 2 - 5, وغزوة الخندق (627) فى سورة الأحزاب (الآيات 9 - 27) وغزوة خيبر (628) فى سورة الفتح، فى الآية 15، وغزوة تبوك (630) فى سورة التوبة

(ب) التواريخ التقليدية التى وضعها المسلمون

(الآيات 29 - 35) وهلم جرّا. وتعتمد جميع نظم التاريخ، الإسلامية وغير الإسلامية، على هذه الإشارات التاريخية فى السياقات المدنية، وتعتبرها نقطة انطلاقها. (ب) التواريخ التقليدية التى وضعها المسلمون: فى القرون الأولى للهجرة ارتبطت بعض آيات القرآن بالروايات التى ترددت فى غضون محاولات كتابة سيرة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- خصوصًا فى الفترة المكية السابقة للهجرة. مثل الآيات 1 - 18 من سورة النجم، والآيات 15 - 29 من سورة عبس، والتى فسرها المفسرون بأنها "رؤى الدعوة" المحمدية، كما فسروا سورة الشرح بما روى عن معجزة شق الصدر وتطهير القلب، وسورة العلق بدعوة النبى إلى الإفصاح عن نبوته، وسورة الإسراء (الآية الأولى) بالإسراء به -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى بيت المقدس وما إلى ذلك بسبيل (والمرجع فى هذا هو الطبرى والزمخشرى، وفى الدراسات الأوربية كتاب التفسير الذى وصفه باريت Paret). وارتبطت آيات أخرى بأحداث معينة فى حياة المجتمع الإسلامى، إذ قيل إن سورة مريم قد تليت على النجاشى ملك الحبشة، وأن الذى تلاها أتباع محمد الذين اضطروا إلى الهجرة من مكة فرارًا من الاضطهاد فى عام 615، وروى أن نسخة مكتوبة من سورة طه قد ساعدت على هداية عمر بن الخطاب إلى الإسلام فى نحو ذلك الوقت. وحاول علماء القرآن الأوائل تحديد وشرح الإشارات الغامضة فى القرآن، فقالوا إن الرجل الأعمى المشار إليه فى سورة عبس شخص اسمه عبد اللَّه بن أم مكتوم، وأن الرجل المشار إليه فى قضية الطلاق فى سورة المجادلة هو أوس بن الصامت. وعلى نفس المنوال فسر المفسرون الأحداث المشار إليها فى سورة التوبة، فى الآية 40، وسورة النور، الآيات 11 - 20, وسورة القصص، الآيات 37 - 40, وسورة التغابن، الآيات 3 - 5، وسورة المسد، فى الآيات من 1 - 5، وكثير غيرها. وعلى أسس هذه الروايات والشروح نشأ نوع منفصل من الدراسات الإسلامية يسمى "أسباب النزول"، وأهم نموذج له هو الكتاب الذى ألفه الواحدى ويحمل العنوان

نفسه (ت 468 هـ - 1075/ 1076 م) ولا تحاول هذه الدراسات وضع نظام كامل لتحديد تواريخ شتى أجزاء القرآن، بل إنها لا تتطرق إلى جزء يسير من النص القرآنى. ويختلف العلماء مثلًا حول ما إذا كانت أول السور التى نزل الوحى هى سورة العلق أو سورة المدثر (انظر الاتقان، الجزء الأول، صفحة 23 وما بعدها). والواضح أن بعض الروايات المنسوبة فى شروح القرآن لبعض الرواة لا أصل لها، ويستطيع الباحث أن يعرف الأسلوب الذى ربطها به المفردون ببعض الآيات القرآنية، على نحو ما فعل بيركيلاند فى كتابه (The Legend of the Opening of Muhannad's Breast) الصادر فى أسلو عام 1955، وفى كتاب آخر له هو (The Lord Guideth, Oslo, 1956, 39 - 55) ويحتمل أن عددًا آخر من الروايات تتمتع بالصدق التاريخى، ولكن احتمال الزيادة فيها وارد. وقد أصبحت هذه الروايات، من تاريخية وغير تاريخية بل وأسطورية، مقبولة باعتبارها أساسًا للنظام الذى وضعه المسلمون لتحديد تواريخ نزول القرآن، وكثيرًا ما كان ذلك دون تمييز بينها. وكان اعتبار القرآن مصدرًا أوليًا للقانون الإسلامى (الشريعة) من العوامل المهمة التى أدت إلى وضع ترتيب زمنى للنص. فلم يحاول علماء المسلمين إزالة نقاط الخلاف بين الآيات التى تضع نظم المجتمع الإسلامى عن طريق شرحها أو التوفيق بينها، بل قبل العلماء والفقهاء هذه الاختلافات، قائلين إن آخر آية نزلت فى موضوع ما "تنسخ" ما قبلها أو تلغيه، ومن الأمثلة المتواترة التعاليم القرآنية الخاصة بشرب الخمر، ففى سورة المائدة، تنهى الآية رقم 90 عن شرب الخمر، مما فسّر بأنه تحريم صريح، ومن ثم فهو ينسخ الآية الواردة فى سورة البقرة (219) والآية الواردة فى سورة النساء (43) واللتين لا تتضمنان، فيما يبدو، مثل هذا التحريم. ولا تستند قاعدة النسخ، أو نظرية النسخ، إلى دعم كبير من النص القرآنى نفسه، إذ إن الآيات التى تقوم عليها، خصوصًا الآية 106

من سورة البقرة تشير إلى ما لم يعد موجودًا فى القرآن. ولكن عددًا من الأبحاث التى كتبت فى هذا الموضوع كان لها تأثيرها على تطوير المنهج التقليدى لتاريخ القرآن، إذ أدت إلى انتشار الاعتقاد بصحة الترتيب الزمنى لمجموعات معينة من الآيات الفردية. وانتهى الأمر بوضع قوائم طويلة من الناسخ والمنسوخ من الآيات، بعد أن قام العلماء والفقهاء بمحاولات مضنية لحصر جميع التناقضات الظاهرة، وحاول كل منهم الدفاع عن وجهة نظره، وانتهوا إلى أنه إذا وقع اختلاف بين آيتين أو أكثر، فإن الآية "السابقة" فى النزول تنسخها الآيات التالية لها فى النزول (انظر الاتقان، جـ 2، ص 20 - 27). وما زاد من تعقيد مهمة تحديد تواريخ أجزاء القرآن والبت فى الترتيب الزمنى لنزولها افتراض أن السور الحالية كانت الوحدات الأصلية للتنزيل، أى إن كل سورة قد نزلت كاملة أو فى خلال فترة زمنية قصيرة، باستثناء بعض آياتها، قبل بداية السورة التالية. وقد أدى هذا الافتراض إلى إطلاق وصف "المكية" أو "المدنية" على كل سورة من السور، وإلى محاولات تحديد الترتيب الزمنى الدقيق لكل سورة باعتبارها وحدة كاملة -بدلًا من دراسة كل قسم على حدة على نحو ما فعل علماء أسباب النزول وعلماء الناسخ والمنسوخ. ولكن القوائم التى أوردها السيوطى للسور، والتى ينسبها إلى ابن عباس (ت 68 هـ - 688 م تقريبًا) وإلى قتادة بن دعامة (ت- 112 هـ - 730 تقريبًا) وغيرها تدل على أن مدارس هؤلاء العلماء القرآنيين الأوائل لم تتفق على تحديد السور المكية والمدنية، ناهيك بتحديد الترتيب الزمنى الدقيق لها (الاتقان - 1/ ص 10 وما بعدها). وتصنيف البيضاوى (ت 716 هـ - 1316) يتضمن التقسيم إلى المكى والمدنى والمختلف عليه، وهو يضع 17 سورة فى القسم المختلف عليه وهى الرعد، ومحمد، والرحمن، والحديد، والصف، والتغابن، والمطففين، والتين، والقدر، والبينة، والزلزلة، والعاديات، والتكاثر، والماعون، والاخلاص، والفلق، والناس. وتدل

القوائم التى أوردها السيوطى على وجود خلاف كذلك حول ست سور أخريات هى الحجرات، والجمعة، والمنافقون، والمرسلات، والفجر، والليل. وقد انتهى الأمر بشيوع تقبل الترتيب الزمنى الذى وضعه ابن عباس (فى الكتاب المشار إليه آنفا) وقد استند إليه ناشرو الطبعة المصرية المعتمدة للقرآن، باستثناء تغييرات طفيفة (1322 هـ/ 1924 م) وذكروا تحت اسم كل سورة اسم السورة التى نزلت قبلها مباشرة، والآيات التى قد تكون قد نزلت فى وقت آخر. وهكذا فإنهم يذكرون تحت اسم سورة إبراهيم أنها مكية، باستثناء الآيتين 28 و 29. المدنيتين وأن عدد آياتها 32 آية، وأنها نزلت بعد سورة نوح. وتورد الطبعة المصرية المعتمدة الترتيب الزمنى التالى للسور، (مع الإشارة إلى الآيات التى قيل إنها نزلت فى وقت مختلف بين أقواس) 96 العلق، 68 القلم (17 - 33 و 48 - 50 مدنية)، 73 المزمل (الآية 10 وما بعدها والآية 20 مدنية)، 74 المدثر، 1 الفاتحة، 111 المسد، 81 التكوير، 87 الأعلى، 92 الليل، 89 الفجر، 93 الضحى، 94 الشرح، 103 العصر، 100 العاديات، 108 الكوثر، 102 التكاثر، 107 الماعون، 109 الكافرون، 105 الفيل، 113 الفلق، 114 الناس، 112 الإخلاص، 53 النجم، 80 عبس، 97 القدر، 91 الشمس، 85 البروج، 106 قريش، 101 القارعة، 75 القيامة، 104 الهمزة، 77 المرسلات (فيما عدا الآية 48 فهى مدنية)، 50 (فيما عدا الآية 38 فهى مدنية)، 90 البلد، 86 الطارق، 54 القمر (فيما عدا الآيات 54 - 56 فهى مدنية)، 38 ص، 7 الأعراف (فيما عدا الآيات 163 - 170 فهى مدنية)، 72 الجن، 36 يس (فيما عدا الآية 45 فهى مدنية)، 25 الفرقان (فيما عدا الآيات 68 - 70 فهى مدنية)، 35 فاطر، 19 مريم (فيما عدا الآيتين 58 و 71 المدنيتين)، 20 طه (فيما عدا الآية 130 وما بعدها فهى مدنية) 56 الواقعة (فيما عدا الآية 71 وما بعدها فهى مدنية)، 26 الشعراء (فيما عدا الآية 197, والآيات 224 - 227 المدنية (27 النمل، 28 القصص (فيما

عدا الآيات 52 - 55 المدنية، والآية 85 التى نزلت أثناء الهجرة)، 17 الإسراء (فيما عدا الآيات 26، و 32 وما بعدها، و 57 والآيات من 73 - 80 فهى مدنية)، 10 يونس (فيما عدا الآيات 40، ومن 94 - 96 المدنية (11 هود (فيما عدا الآيات 12, 17, 114 فهى مدنية)، 12 يوسف (فيما عدا من 1 - 3 و 7 فهى مدنية) 15 الحجر، 6 الأنعام (فيما عدا 20, 23, 91, 114, 141, 151 - 153 المدنية)، 37 الصافات. 31 لقمان (فيما عدا 27 - 29 مدنية)، 34 سبأ (فيما عدا الآية 6 المدنية)، 39 الزمر (فيما عدا 52 - 54 المدنية) 40 غافر (فيما عدا 56 وما بعدها فهى مدنية)، 41 فصلت، 42 الشورى (فيما عدا 23 - 25 و 27 فهى مدنية)، 43 الزخرف (فيما عدا الآية 54 المدنية) 44 الدخان، 45 الجاثية (فيما عدا الآية 14 المدنية) 46 الأحقاف (فيما عدا الآيات 10 و 15 و 35 المدنية) 51 الذاريات، 88 الغاشية، 18 الكهف (فيما عدا الآيات 28, و 83 - 101 المدنية)، 16 النحل (فيما عدا 126 - 128 المدنية) 71 نوح، 14 إبراهيم (الآية 28 وما بعدها مدنية) 21 الأنبياء، 23 المؤمنون، 32 السجدة (فيما عدا 16 - 20 مدنية) 52 الطور، 67 الملك، 70 المعارج، 78 النبأ، 79 النازعات، 82 الانفطار، 84 الانشقاق، 30 الروم (فيما عدا الآية 17 فهى مدنية)، 29 العنكبوت (1 - 11 مدنية)، 83 المطففين نزلت فى الهجرة، 2 البقرة (281 نزلت فيما بعد)، 8 الأنفال (فيما عدا الآيات 30 - 36 المكية)، 3 آل عمران، 33 الأحزاب, 60 الممتحنة، 4 النساء , 99 الزلزلة، 57 الحديد، 47 محمد (فيما عدا الآية 13 التى نزلت أثناء الهجرة) 13 الرعد، 55 الرحمن، 76 الإنسان، 65 الطلاق، 98 البينة، 59 الحشر، 24 النور، 22 الحج، 63 المنافقون، 58 المجادلة، 59 الحشر، 66 التحريم، 64 التغابن، 61 الصف، 62 الجمعة، 48 الفتح، 5 المائدة، 9 التوبة (فيما عدا الآية 128 وما بعدها فهى مكية)، 90 البلد. وسورة البقرة هى السورة الوحيدة التى قيل إن بها إضافة لاحقة فى الفترة

(ج) التواريخ الغربية الحديثة

نفسها. أما سورة الأنفال، وسورة التوبة وسورة محمد، وهى جميعًا مدنية، فهى الحالات الوحيدة التى أدرجت فيها آيات سابقة فى سور لاحقة. ويبلغ عدد السور المكية 86 سورة، قيل إن 33 منها تضمن آيات مدنية. والتحديد التقليدى لتاريخ النزول هنا يستند إلى ثلاثة افتراضات: (1) أن السور الحالية هى الوحدات الأصلية للتنزيل، و (2) أنه من الممكن تحديد ترتيبها الزمنى، و (3) أن "الأثر" (ويتضمن الحديث، والسيرة، وأسباب النزول، والناسخ والمنسوخ، والتفسير بالمأثور) يعتبر أساسًا متينًا لتحديد تاريخ نزول السور. (ج) التواريخ الغربية الحديثة بدأ العلماء الغربيون منذ منتصف القرن التاسع عشر فى تطبيق المناهج النقدية على القرآن بدرجات متفاوتة واقتراح نظم تآريخ منوعة. أما النظام الذى حظى بأكبر قسط من القبول فهو ما يمكن أن يسمى بمنهج الفترات الأربع الذى وضعه جوستاف فايل Gustau Weil فى كتابه Historisch - Kritische Einleitung in der Koran 1844, 1878 والذى أعاد فيه تقييم تاريخ نزول القرآن واقترح ترتيبًا زمنيًا. جديدًا للسور يستند إلى ثلاثة معايير (1) الاشارات إلى الأحداث التاريخية المعروفة من المصادر الأخرى، و (2) تغير طابع التنزيل وفقًا لتغير أحوال الدعوة، و (3) الشكل أو المظهر الخارجى للتنزيل (الطبعة الأولى، صفحة 54 وما بعدها) وكان أهم ما أسهم به تقسيمه "للسور المكية" إلى ثلاث فئات، بحيث أصبحت فترة نزول القرآن تنقسم فى نظره إلى أربع مراحل، وتقع الخطوط الفاصلة لديه فى الفترات التالية: فى وقت الهجرة إلى الحبشة تقريبًا (نحو عام 615) وعودة محمد من الطائف (نحو عام 620) والهجرة نفسها (سبتمبر 622). ومن ثم بدأ تطبيق نظام التأريخ القائم على الفترات الأربع، والمعايير الثلاثة التى وضعها، مع بعض التغييرات فى ترتيب السور، وكان أول من طبقه نولديكى (1860) ثم شفالى فى عام 1909، ثم بلاشير Blachere فى مقدمته للقرآن الكريم (1947 و 1959) وترجمته له (1949 - 1950 و 1966)

وإيضاحًا لأوجه التشابه والاختلاف بين الصور الثلاث لهذا المنهج القائم على الفترات الأربع، ولتسهيل مقارنة هذا المنهج بالنظام، التقليدى للتأريخ، نورد فيما يلى الصور الأوربية الثلاث، دون إشارة إلى الآيات القليلة التى قيل إنها لفترة زمنية سابقة، إلا حيث قام بلاشير بتقسيم سورتين فى الطبعة الأولى لترجمته. وسور الفترة المكية الأولى أو المبكرة تميل إلى القصر، وتمتاز آياتها بالقصر والجرس الايقاعى. وعادة ما تبدأ بسلسلة من أساليب التقسيم، وتوصف لغتها بأنها حافلة "بالصور الشعرية والقوة". وقد افترض فايل أن هذه الخصيصة الأسلوبية تتوارى بالتدريج، ومن ثم فإنه ينسب إلى الفترة الأولى السور التى رأى أنها تتسم بأرفع وأسمى الأساليب الشعرية، إلى جانب السور الأخرى التى تشترك فى الموضوعات نفسها والأسلوب نفسه بصفة عامة. والترتيب الزمنى لسور الفترة الأولى فى الصور الثلاث المشار إليها هو: فايل: العلق، المدثر، المزمل، قريش، المسد، النجم، التكوير، القلم، الأعلى، الليل، الفجر، الضحى، الشرح، العصر، العاديات، الكوثر، التكاثر، الماعون، الكافرون، الفيل، الفلق، الناس، الإخلاص، عبس، القدر، الشمس، البروج، البلد، التين، القارعة، القيامة، الهمزة، المرسلات، الطارق، المعارج، النبأ، النازعات, الانفطار، الانشقاق، الواقعة، الغاشية، الطور، الحاقة، المطففين، الزلزلة. نولديكى: العلق، المدثر، المسد، قريش، الكوثر، الهمزة، الماعون، التكاثر، الفيل، الليل، البلد، الشرح، الضحى، القدر، الطارق، الشمس، عبس، القلم، الأعلى، التين، العصر، البروج، المزمل، القارعة، الزلزلة، الانفطار، التكوير، النجم، الانشقاق، العاديات، النازعات، المرسلات، النبأ، الغاشية، الفجر، القيامة، المطففين، الحاقة، الذاريات، الطور، الواقعة، المعارج، الرحمن، الاخلاص، الكافرون، الفلق، الناس، الفاتحة.

بلاشير: العلق (1 - 5)، المدثر (1 - 7)، قريش، الضحى، الشرح، العصر، الشمس، الماعون، الطارق، التين، الزلزلة، القارعة، العاديات، الليل، الانفطار، الأعلى، عبس، التكوير، الانشقاق، النازعات، الغاشية، الطور، الواقعة، الحاقة، المرسلات، النبأ، القيامة، الرحمن، القدر، النجم، التكاثر، العلق (6 - 19)، المعارج، المزمل، الإنسان، المطففين، المدثر (7 - 55)، المسد، الكوثر، الهمزة، البلد، الفيل، الفجر، الإخلاص، الكافرون، الفاتحة، الفلق، الناس. أما السور التى ئزلت فى الفترة المكية الثانية أو الوسطى فهى أطول وأسلوبها "أقرب إلى النثر" وإن كانت تتسم أيضًا ببعض الصفات "الشعرية"، بمعنى أن أسلوبها يمثل مرحلة انتقالية. بين المرحلة الأولى والمرحلة الثالثة. وهى تؤكد آيات اللَّه فى الطبيعة، وصفات الخالق مثل الرحمة، وكثيرًا ما يشار فى هذه الآيات إلى البارئ باسم الرحمن. وتتضمن هذه الآيات وصفًا للجنة، والنار، وتروى أيضًا قصص العقاب" وهذه السور هى: فايل: الفاتحة، الذاريات، يس، ق، القمر، الدخان، مريم، طه، الأنبياء، المؤمنون، الفرقان، الشعراء، الملك، الصافات، ص، الزخرف، نوح، الرحمن، الحجر، الإنسان. نولديكى وبلاشير: (الذاريات)، القمر، القلم، الصافات، نوح، الإنسان، الدخان، ق، طه، الشعراء، الحجر، مريم، ص، يس، الزخرف، الجن، الملك، المؤمنون، الأنبياء، الفرقان، الإسراء، النمل، الكهف. وتتميز سور الفترة المكية التالثة أو الأخيرة بالمزيد من الطول وزيادة الاقتراب عن الطابع النثرى، يقول فايل إن "الخصيصة الشعرية" قد توارت تمامًا. وأسلوب التنزيل فى هذه الفترة كثيرًا ما يتخذ شكل المواعظ أو الخطب، وتعيد الآيات رواية قصص الأنبياء وقصص العقاب بالمزيد من التفصيلات.

ويؤكد نولديكى التغييرات التى طرأت على الألفاظ، رغم التشابه الشكلى بين السور المكية الأخيرة والسور المدنية. وسور الفترة الثالثة هى: فايل: الأعراف، الجن، فاطر، النمل، القصص، الإسراء، يونس، هود، يوسف، الأنعام، لقمان، سبأ، الزمر، غافر، السجدة، الشورى، الجاثية، الأحقاف، الكهف، النمل، إبراهيم، فصلت، الروم، العنكبوت، الرعد، التغابن. نولديكى وبلاشير: السجدة، فصلت الجاثية، الإسراء، النمل، الروم، هود، إبراهيم، يوسف، غافر، القصص، الزمر، العنكبوت، لقمان، الشورى، يونس، سبأ، فاطر، الأعراف، الأحقاف، الأنعام، الرعد. أما العوامل التى تحدد السور المدنية وترتيبها الزمنى فتتضمن موضوعات السور، التى تبين مدى نمو السلطة السياسية للرسول الكريم، والتطور العام للأحداث فى المدينة بعد الهجرة. وقد قيل إن بعض الموضوعات الجديدة والمصطلحات الأساسية تساعد على تمييز هذه السور من بعض السور التى أنزلت فى الفترة المكية الأخيرة. والسور المدنية هى: فايل: البقرة، البينة، الجمعة، الطلاق، الحج، النساء، الأنفال، محمد، الحديد، آل عمران، الحشر، النور، المنافقون، الأحزاب، الفتح، النصر، الصف، الممتحنة، المجادلة، الحجرات، التحريم، التوبة، المائدة. نولديكى وبلاشير: البقرة، البينة، التغابن، الجمعة، الأنفال، محمد، آل عمران، الصف، الحديد، النساء، الطلاق، الحشر، الأحزاب، المنافقون، النور، المجادلة، الحج، الفتح، التحريم، الممتحنة، النصر، الحجرات، التوبة، المائدة. ونرى فى هذا كله اعتمادًا مفرطًا على نظام التأريخ الإسلامى التقليدى، وعلى المسائل المتعلقة بالشكل والأسلوب. فعلى سبيل المثال نجد أن

فايل يضع السور الأربع والثلاثين الأولى فى المرحلة المكية الأولى فى نفس الترتيب الذى وضعه علماء المسلمين، باستثنناءات قليلة جدًا (انظر القائمة المصرية أعلاه) ثم قال فايل إن هذه الفترة تنتهى بإحدى عشرة سورة تتسم "بالأسلوب الشعرى" وإن كان علماء المسلمين يقولون إنها نزلت بعد ذلك بفترة طويلة. والواقع أن كلا من فايل ونولديكى وبلاشير قد قبلوا الافتراضات الثلاثة التى يقوم عليها نظام التأريخ الإسلامى التقليدى المشار إليها آنفًا. ولا يعدو منهج الفترات الأربع أن يكون صورة أوربية معدلة للنظام التقليدى. أما فيما يتعلق بالأسلوب، فلا شك أن هناك تغييرات أسلوبية على مر السنين فى كتاب اللَّه ولكن ذلك ليس سببًا لافتراض أن جميع السور التى تشترك فى الأسلوب نفسه تنتمى إلى الفترة الزمنية نفسها. ولقد عجز منهج الفترات الأربع عن إثبات صحة الإطار التاريخى أو تطور الأفكار والمصطلحات الأساسية التى يفترض وجودها، ولقد تقبل الغرب هنا المنهج على نطاق واسع وبثقة أكبر مما تستدعيه نتائجه. وعلينا أن نؤكد أيضًا أن الآخرين كثيرًا ما يطبقون هذا المنهج تطبيقًا يفتقر إلى المرونة التى كان واضعاه يرميان إليها، وهما فايل ونولديكى، بحيث انتهوا إلى تحديد الترتيب الزمنى الصارم للعديد من الآيات، أو العدد المحدد لمرات ورود مصطلح أساسى فى كل فترة من الفترات. وقد أكد شتالى، بوجه خاص، أن النظام الذى اقترحه نولديكى تقريبى وحسب. وقد اقترح الأوربيون ثلاثة مناهج لتحديد تواريخ نزول الوحى بالآيات والسور، وذلك فى غضون سنوات عشر فى مطلع القرن العشرين تقريبًا، فكان منهج هـ. جريم H. Grimme يتضمن المزيد من التأكيد على المراحل التى مرت بها موضوعات التنزيل، ولو أن منهجه كان فى الواقع يستند على أساس منهج نولديكى مع تعديلات طفيفة فيه. إذ قام فى كتابه محمد (1892 - 1895) بتحليل مجموعات الأفكار التى يأتى بها القرآن مجتمعة،

وهو تحليل مفيد، ولكن نظرته تفترض ترتيبًا شاملًا للأفكار (التوحيد والبعث واليوم الآخر وما إلى ذلك بسبيل) لم يحظ بالقبول على نطاق واسع بل لقد هاجمه العلماء وأثبتوا خطأه. أما السير ويليام ميور Sir william Muire فقد اقترح فى كتابه القرآن: تنزيله وتعاليمه (1896) ترتيب السور فى ست مراحل، خمس منها مكية وواحدة مدنية. أما التجديد المهم الذى أتى به فهو رأيه أن الفترة الأولى لنزول القرآن تضمنت نزول الوحى بثمانى عشرة سورة، وتبدأ من قبل أن تبدأ بعثة الرسول، وهى السور التالية: العصر، والعاديات، والزلزلة، والشمس، وقريش، والفاتحة، والقارعة، والتين، والتكاثر، والهمزة، والانفطار، والليل، والفيل، والفجر، والبلد، والضحى، والشرح، والكوثر. وأوضح ميور أن هذه السور لا تتخذ شكل الرسالة المرسلة من اللَّه سبحانه وتعالى، أما الفترة الثانية فتضم أربع سور (هى العلق، والفلق، والمدثر، والمسد) وهى تتناول بداية بعثة محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وذلك فى نحو عام 610 تقريبًا. أما الخطوط الفاصلة الأخرى فهى بداية جهر محمد [صلى اللَّه عليه وسلم] بالدعوة (فى عام 613 تقريبًا) والهجرة إلى الحبشة (نحو عام 615) وعام الحزن (619 تقريبًا) والهجرة. ولاشك أن ميور مصيب فى القول بأن ثمة سورًا سبقت نزول سورة "العلق" و"المدثر" ولكن "الفاتحة" وغيرها مما يضعه فى الفترة الأولى لم ينزل بها الوحى إلا فى وقت لاحق، وذلك يكاد يكون أمرًا مؤكدًا. وبصفة عامة فإن الانتقادات التى وجهت إلى نظرية الفترات الأربع تصدق على منهج السير ويليام ميور أيضًا. وفى عام 1902 أصدر هـ. هيرشفيلد H. Hirschfeld كتابًا بعنوان "أبحاث جديدة" يقترح فيه ترتيب سور القرآن زمنيًا استنادًا إلى طبيعة الآيات والمهام المنوطة بها، كلًا على حدة. ويقول هيرشفيلد إن "الدعوة الأولى" فى سورة العلق (الآيات من 1 - 5) تتلوها ست فترات يمكن تصنيف التنزيل فيها إلى آيات ذات نبرات "تاكيدية" (مثل سورة الأعلى، والآيات 1 - 33 من سورة القلم، وسورة الليل، والآيات 40 - 52 من سورة

الحاقة، أو نبرات "إشهارية" (مثل سور التكوير، والانفطار، والانشقاق وغيرها) أو "سردية" كالآيات 34 - 52 من سورة القلم، أو مثل سورة الذاريات، والآيات (1 - 220 من سورة الشعراء وسورة القمر وغيرها) أو "وصفية" (مثل الآيات 26 - 27 من سورة النازعات، وسورة نوح، والرحمن وغيرها) أو "تشريعية" مثل سورة الأنعام والآيات من 9 - 11 من سورة الضحى والآيات 63 - 72 من سورة الفرقان) ثم تتلو ذلك السور المدنية التى يضعها معًا ولكنه يناقش كلا منها على حدة، بعد تقسيمها إلى السور التى سبقت غزوة بدر، وما يسمى بالقول أو الخطاب السياسى، والآيات المنزلة الخاصة بالحياة الشخصية للرسول، والاستعدادات للحج إلى مكة. وتشوب هذا المنهج عيوب واضحة، ولكن جهود هيرشفيلد تدين بقيمتها إلى تحليله المبدئى للأنماط الأدبية فى القرآن الكريم، وإدراكه أننا يجب أن ننظر إلى القرآن عند محاولة تحديد تاريخ نزوله باعتباره آيات أو مجموعات من الآيات لا باعتباره سورًا كاملة ينفصل بعضها عن بعض. وكانت هذه النظرة هى التى اهتدى بها ريتشارد بيل Richard Be فى محاولته الاستقصائية المستفيضة لتحديد "وحدات التنزيل" الأصلية وتحديد تواريخ نزولها. وقد سجل تلك المحاولة فى كتابه الذى يحمل عنوان: ترجمة القرآن، مع إعادة تنظيم السور على أسس نقدية (1937 - 1939) وكان قد اقتنع قبل ذلك بما يزيد على عشر سنوات بأن نظام نولديكى يتسم بالقصور. وقد أدى التحليل الذى قام به بيل للقرآن آية آية إلى التوصل إلى نتيجة مهمة وهو أن السور أشد تعقيدًا وتركيبًا مما افترضته النظم الإسلامية والأوربية الأولى لتحديد تواريخ نزولها. ولم يقدم بيل نظامًا صارمًا لتحديد التواريخ بل انتهى "بصورة مؤقتة" إلى أن فترة نزول القرآن يمكن تقسيمها إلى ثلاث فترات رئيسية، الأولى هى فترة نزول آيات التدليل على وجود اللَّه والحث على

6 - لغة القرآن وأسلوبه

عبادته، تتلوها ما يسميه "بالفترة القرآنية" والتى تشمل الفترة المكية الأخيرة وعاما أو عامين من الفترة المدنية و"فترة الكتاب" وهى التى تبدأ فى نحو السنة الثانية من الهجرة حتى وفاة الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-]. وحاول بيل فى ذلك الكتاب تحديد تاريخ نزول كل آية، مهما كان موقعها من السور. وقد اختلف الكثيرون مع منهج بيل، بل ربما أساءوا فهمه أو تجاهلوا جهوده لأن المذكرات المستفيضة التى كتبها لم تنشر حتى الآن. وقد تحفظ الكثيرون على ملاحظاته الخاصة بما يبدو من انعدام الترابط بين الآيات بعضها والبعض، بل هاجمه واط W. M. Watt وأنكر افتراضاته وما تخيله من أساليب نسخ النساخ للنص القرآنى، ويبدو لنا أن بيل قد تسرع فى إصدار أحكامه، ولم يكن ملمًا الإلمام الكافى بالصيغ الأدبية العربية، وخصوصًا البلاغة العربية التى ما يزال النص القرآنى مثلها الأعلى، ولذلك لم يكن من تجاهلوه أو هاجموه متجنين عليه. وما تزال قضية تحديد تواريخ نزول الآيات مثار خلاف، إذ يبدو أن التقسيم التقليدى إلى المكى والمدنى لا يكفى، ريبدو أن الهجرة لم تكن الخط الفاصل الذى يمكننا الاعتماد عليه فى تحديد التواريخ، بل يبدو أن الحد التاريخى الفاصل كان مجموعة من الأحداث المحيطة بغزوة بدر، وما حدث بعد ذلك من خيانة اليهود للعهد وما يسمى "بالخصومة مع اليهود" نتيجة لذلك. والواقع أنه من أصعب الأمور التفريق بين الآيات التى نزلت فى الفترة المكية الأخيرة وأوائل الفترة المدنية، ولدينا آيات كثيرة يمكن أن ترجع إلى العام الأخير للرسول [صلى اللَّه عليه وسلم] فى مكة أو عامه الأول فى المدينة. 6 - لغة القرآن وأسلوبه (أ) لغة القرآن كان معظم علماء المسلمين فى العصور الوسطى يعتقدون أن القرآن نزل بلغة قريش، أى باللغة التى كان النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] يتكلمها، وأنها كانت أيضًا اللغة المستعملة فى شعر "العربية

الفصحى" فى عهد محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-]. وكان يُفترض أن قريشًا وشعراء الفصحى كانوا ما يزالون يستخدمون اللغة النقية للبدو أى للأعراب. وقد وجد العلماء دعمًا لهذه النظرية فى القرآن الكريم نفسه الذى يقول فى سورة النحل {وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ} (الآية 103) وفى سورة الشعراء إنه أنزل {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} (195) وفى سورة فصلت إنه قرآن "عربى" (الآية 44) وهى الآيات التى فسرها المفسرون بأن لغة القرآن هى العربية النقية، وهو تفسير أقرب للنظرة الدينية منه إلى النظرة اللغوية. وقد تعرضت نظرية لغة قريش المذكورة للانتقاد من جانب كارل فولرز Farl Vollers فى سلسلة من المقالات الموثقة، بدأ نشرها عام 1894 بعنوان Volkssprache und schriftsprache in alten Arabien (أى لغة الكلام واللغة المكتوبة فى بلاد العرب القديمة) وانتهى من نشرها عام 1906، وهو يقول فيها إن محمدًا -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يقرأ القرآن فى أول الأمر بلهجة عامية (أى بلغة الكلام) دون إعراب (مما يميز بينها وبين الفصحى التى يستخدمها الشعراء العرب) وإن لغة القرآن كما نعرفها الآن قد ضبطها علماء اللغة المتأخرون الذين حاولوا إضفاء الطابع الكلاسيكى عليها، وأن لغة القرآن (المنطوقة) الأصلية لا تظهر إلا فى بعض الخصائص المميزة لرسم المصحف، (مثل حذف الألف فى بعض الكلمات) وفى بعض القراءات غير المعتمدة. وقد أثارت نظرية فولرز مناقشات كثيرة للغة القرآن، ولكنها لم تحظ بالتأييد خارج ألمانيا، باستثناء عدة مقالات نشرها بول كالى Paul Kahle عام 1949 تتضمن أدلة على أن القرآن كان يقرأ، على الأقل خلال القرن الثانى للهجرة، دون إعراب، وهى خصيصة من خصائص العامية. وقد عجز كالى أيضًا عن إقناع الآخرين. بحجته، وانتهى العلماء إلى تقبل الأدلة التى تثبت خطأ نظرية فولرز وكالى، والتى عرضت عرضًا مسهبًا فى العرض الذى قام به ر. غاير R.Geyer (عام 1909) ونولديكى. وأقام نولديكى وشفالى الحجة على عكس ما ذهب إليه فولرز، إذا أثبتا أن لغة القرآن لم تكن لغة

(ب) الكلمات الدخيلة

الحديث المنطوقة لأى قبيلة من القبائل، بل لغة رفيعة Hachsprache تفهمها جميع قبائل الحجاز. واتفق العلماء، من ناحية أخرى، وبصفة عامة على أن اللغة الفصحى المستخدمة فى الشعر الذى كتب فى عصر محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- لم تكن اللغة المنطوقة للشعراء، ولا لهجة خاصة بأى قبيلة من القبائل، بل لغة أدبية تفهمها جميع القبائل، وقد أصبح يطلق على هذه اللغة "الصيغة الشعرية المشتركة" أو العربية. وقد انتهى ثلاثة من الكتاب الأوربيين فى أواخر الأربعينيات من هذا القرن، بعد بحوث قام بها كل منهم على حدة فيما يبدو، وهم هـ. فلايش H. Fleisch ور. بلاشير R. Biaachere وس. رابين Rabin إلى أن لغة القرآن كانت أبعد ما تكون عن اللهجة المنطوقة لقريش، أو اللغة الرفيعة للحجاز كله، بل كانت "صيغة شعرية مشتركة" للشعر العربى الفصيح، مع تحويرات طفيفة لتلائم اللغة المكية مثل حذف الهمزة من بعض الكلمات. وقد حظى هذا الرأى بقبول معظم الباحثين الغربيين المتخصصين فى اللغة العربية. وأهم استثناء هو ج. وانزبره J. wansborough الذى يعارض هذا الرأى دون تقديم بدائل واضحة. فهو يزعم أنه من المحال معرفة كل شئ عن النص القرآنى أو العربية الفصحى قبل "الاستقرار الأدبى" الذى شهده القرن الثالث الهجرى. ولا يوجد فى استعمال القرآن لصفة "العربى" ومشتقاتها ما يؤكد ما اقترحه ج. فيك J. Fuck من أن كلمة "العربى" فى عبارة {لِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} تشير إلى مصطلح "العربية" أو اللغة الأدبية للأعراب (البدو). (ب) الكلمات الدخيلة: لم يجد المفسرون الأوائل حرجًا فى الإقرار بوجود عدد كبير من الكلمات الدخيلة فى القرآن أو فى مناقشتها، وقد جاء فى الأثر أن ابن عباس ومن لَفّ لفَّه كانوا يبدون اهتمامًا خاصًا برصد أصولها وتحديد معانيها. لكنه بعد ظهور المبدأ القائل بأن القرآن قديم ويتسم بالكمال، اتجه عدد من الفقهاء وعلماء الإلهيات، مثل الإمام الشافعى رضى اللَّه عنه، (ت 205 هـ/ 820 م)

إلى الاعتقاد بأن لغة القرآن عربية "نقية" ومن ثم إلى إنكار وجود أية كلمات معارة من لغات أخرى. ولكن عددًا من كبار علماء اللغة مثل أبى عبيد (ت 224 هـ/ 838 م) لم يكفوا عن القول بوجود كلمات دخيلة فى القرآن. وقد حاول الطبرى (ت 3 هـ/ 923 م.) وغيره التوفيق بين المذهبين، فقال إن العناصر الأجنبية المزعومة فى القرآن لا تزيد على كونها كلمات تشترك العربية فيها مع لغات أخرى. أما عبد الرحمن الثعالبى (ت 873 هـ/ 1468 م) فقد أوضح فى كتاب الجواهر (المنشور فى الجزائر عام 1905، الجزء الأول، ص 17) أن هذه الكلمات دخلت اللغة العربية عن طريق اتصال العرب باللغات الأجنبية أثناء أسفارهم وتجارتهم، ولكن هذه الكلمات كان قد اكتمل تعريبها تمامًا فى وقت بعثة النبى -صلى اللَّه عليه وسلم-. ويبدو أن عددًا من الباحثين قد تحرروا تمامًا من الاعتبارات الدينية فى بحث هذا الموضوع مثل السيوطى (ت 911 هـ/ 1505 م) الذى أبدى اهتمامًا خاصًا بالكلمات الدخيلة فى القرآن، إذ يخصص فصلًا فى كتابه الإتقان للكلمات التى ليست بلغة الحجاز (الجزء الأول - ص 133 - 135) وفصلًا للكلمات التى ليست بلغة العرب. (1435 - 141) وفى دراسة مستقلة (المتوكلى) التى حررها وترجمها وليام ى. بيل (1924 Wm.y. Bell, cairs) يقدم تصنيفا لعدد كبير من الألفاظ باعتبارها كلمات مستعارة من اللغة الإثيوبية والفارسية. واليونانية، والهندية، والسريانية، والعبرية، والنبطية، والقبطية، والتركية، والزنجية، والبربرية. ويبدى جيفرى Jeffery دهشته لقيام السيوطى بتجميع عدد كبير من الكلمات، استنادًا إلى المراجع القديمة من الثقات، وهى "كلمات أصولها العربية واضحة لنا، ولو أنهم كانوا يعتبرونها أجنبية" ويقول إن بعض هذه الكلمات تعتبر فحسب من الكلمات العربية النادرة، والبعض الآخر لا يزيد عن كونه مشتقات يستخدمها القرآن للحفاظ على السجع. وينتهى من ذلك إلى القول بأن العناصر الدخيلة فى ألفاظ القرآن تنقسم إلى ثلاثة أقسام متباعدة. الأول هو الكلمات

(ج) السجع والتكرار

التى تعتبر غير عربية على الإطلاق ومن المحال ردها إلى جذور عربية مثل استبرق (الديباج الغليظ) والزنجبيل والفردوس. والثانى يضم كلمات سامية، جذورها الثلاثية عربية، ولكنها تستخدم فى القرآن بالمعنى الذى تدل عليه فى لغات أخرى غير عربية مثل "فاطر" (خالق) وصوامع (بيوت العبادة النصرانية)، ودرس (تفقه الكتب المقدسة). والثالثه الكلمات الأصيلة فى العوبية والشائعة فيها، ولكنها تستخدم فى القرآن لتدل على معانٍ فنية أو لاهوتية تأثرًا باللغات الأخرى مثل نور (ضوء) الكلمة المستخدمة بمعنى الدين، والروح، خصوصا روح القُدُس والكلمة (عندما يشير ذلك اللفظ إلى المسيح عليه السلام) صفحة 39 وما بعدها). وينتقل جيفرى إلى مناقشة نحو 275 كلمة، بخلاف أسماء الأعلام، التى اعتبرها العلماء كلمات أجنبية، ويورد ملخصا لآراء الباحثين الأوربيين عن أصولها، معربًا أحيانًا عن آرائه الشخصية فى الموضوع -وقد صدرت بعد ذلك دراسات أخرى منها دراستان مهمتان الأولى هى التى قام بها ل. كوبف L. KOPF وعنوانها المؤثرات الدينية فى فقه اللغة العربية فى العصور الوسطى والمنشورة فى مجلة الدراسات الإسلامية، الجزء الخامس عام 1956 والأخرى دراسته المسماة النظرة إلى الكلمات الأجنبية فى المعاجم العربية فى العصور الوسطى. (1961) وقد أعاد كوبف نشر الدراستين فى كتاب أصدره عام 1976 بعنوان دراسات فى المعاجم العربية والعبرية: studies in ardin and hebren lexicogrephy, jerusalen, 1976 (ج) السجع والتكرار من الملامح المميزة للأسلوب القرآنى، والتى ترتبط ارتباطًا بالتراث الشفاهى للغة العربية، وبالدور المنوط بالقرآن الكريم فى الشعائر الدينية، هو أنه مكتوب بالنثر المسجوع أو الذى تمتاز أصوات ألفاظه بالتوافق الصوتى. ولا يحاول القرآن مطلقًا إخراج قواف

محكمة مثل قوافى الشعر العربى، ولو أن بعض قصار السور، وبعض أجزاء السور الطويلة، تتحلى بقافية متسقة إلى حد بعيد، إذا وقف القارئ بالتسكين عند نهاية كل منها أى إذا تجاهل حركات الإعراب القصيرة فى نهاية الآيات. فنجد مثلًا أن الآيات الثلاث التى تتكون منها سورة الكوثر تنتهى بحرف الراء الذى يمكن اعتباره الروىّ إذا وضعنا السكون عليه، وقس على ذلك الآيات الأربع لسورة الإخلاص التى تنتهى بالدال، وسورة الفيل التى تنتهى باللام المسبوقة بياء فى أربع من آياتها والمسبوقة بواو فى الخامسة، وسورة المسد التى تنتهى بالباء، باستثناء الآية الأخيرة التى تنتهى بالدال، وسورة القمر التى تنتهى آياتها الخمس بالراء أو الراء المشدودة، التى تسبقها حركة قصيرة. ولكن معظم السور تتميز بلون غير صارم من السجع أو التوافق الصوتى للألفاظ. وأكثر صور هذا التوافق على الإطلاق هو الياء والنون أو الواو والنون، وهما وحدتان صوتيتان يعتبرهما العلماء من الوحدات التى يجوز استعمالها بالتبادل، والوحدتان تنشآن من نهايات الجمع للأسماء والأفعال. ولكننا نجد أن هذه النهايات نفسها، وهى كثيرة الشيوع فى العربية، كثيرًا ما يدخل عليها التعديل حين تسبقها حروف ساكنة منوعة. وقس على ذلك ضروب أخرى من نهايات الكلمات التى استوفاها الباحثون وحددها السيوطى فى كتابه الإتقان (جـ 2 - 96 - 105) بأشكال صرفية معينة لألفاظ اللغة العربية، وأحدث بحث فى تأثير السجع على البناء القرآنى العظيم هو الذى كتبه ف. ر. مولر f.r. muller بالألمانية عام 1969 بعنوان بحث فى النثر المسجوع فى القرآن وعنوانه بالألمانية هو: wntersuchungen zur reimprasa in koran وقد ذهب البعض إلى المغالاة فى تقدير قيمة الدور الذى يضطلع به السجع فى القرآن، ولكن الذين يقولون إن القرآن ليس كتابا مسجوعا يقيمون حجتهم على أسس أشد صلابة. فلا شك أن بعض قصار السور تتضمن آيات قصيرة، ذات جرس إيقاعى، وذات

سجع جميل، وعادة ما تبدأ بلون من ألوان القسم (مثل سورة البلد والشمس والليل) كما أن بعض أجزاء السور الأطول قليلًا، مثل بدايات سورة القيامة، وسورة الانفطار، وسورة المطففين، وسورة الانشقاق، وسورة البروج، يمكن وصفها بأنها "تشبه السجع" ولكن معظم السور تتضمن آيات طويلة منثورة لا يشغل السجع فيها إلا مكانًا ثانويًا، ويصدق ذلك أيضًا على التوافق الصوتى بين أصوات الألفاظ. وأحيانًا ما ينبع السجع بصورة طبيعية من الكلمات التى لا غنى عنها للمعنى وتعتبر جزءًا لا يتجزأ منه، وهى تشهد على إحكام التنزيل وعظمته، مثل السجع فى سورة الكهف، وسورة مريم، وسورة طه. ولكن بعض السور الأخرى، خصوصًا السور المدنية، نجد أن السجع فيها يرجع إلى صيغ ثابتة ملحقة بأواخر الآيات. فالسجع فى سورة البقرة مثلًا، وهى أطول سور القرآن، يميز نحو ثلاثة أرباع آياتها التى تبلغ 286 آية، وهو يرجع إلى أسماء اللَّه الحسنى والحكم وما إلى ذلك بسبيل. ففى الآيات من 127 - 268 ينشأ السجع من اسمين مقترنين من أسماء اللَّه الحسنى فى ثلاثين آية وذلك مثل: سميع عليم (سبع مرات) وعزيز حكيم (ست مرات) وغفور رحيم (ست مرات) وهلم جرّا. وتتردد الحكم الإلهية على نطاق أوسع، وكثيرًا ما تتكرر عدة مرات: مثل {وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} (الآيات 74 , و 40, 144, و 149 وغيرها) ومثل {إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (الآيات 110 و 233, 237, و 265 وغيرها) ومثل {وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (الآيات 29، و 231, 282) ومثل {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (الآيات 20, 106, 259, و 284 غيرها). ومن الأنواع الخاصة لصيغ السجع التى تصادفنا فى كثير من السور هو ما يسمى "بالقرار" أى تكرار آية كاملة أو أكثر من آية، دون أى تعديل، والملاحظ أن الفواصل التى تفصل بينها متساوية فى الطول تقريبًا. وأروع مثل على ذلك هو تكرار السؤال الإنكارى (البلاغى) {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} فى سورة الرحمن أولًا فى الآيات 13،

د- النظام الشكلى وتعدد الروايات

و 16 و 18، و 21 ثم تقريبًا بعد كل آية حتى نهاية السورة بالآية 78، ومثل الآية {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} التى تتكرر فى سورة المرسلات فى الآيات 15، و 19, و 24, و 28, و 34, و 37, و 40, و 45، و 47، و 49. وقد اختلف المفسرون فى "وظيفة" القرار إذ يقول بيل إنه يعتبر مقدمة للآية التالية، بينما يذهب آربرى إلى أنه ختام للآية السابقة، خصوصًا فيما يسمى بقصص العقاب السبع الواردة فى سورة الشعراء إذ تنتهى كل منها بالآية {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ} (8, و 67, و 103, و 121, و 139, و 158, و 174, و 190) وكذلك الآية {وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} (9, 68، و 104, و 122, و 140, و 159, و 175, و 191) ويبدو أن كُلا منها يمثل قرارًا منفصلًا، وإن كانت الآية الأخيرة تأتى دائمًا عقب الأولى. ويكثر ورود صيغ مماثلة فى القرآن، وإن لم تكن عادة على شكل قرار، وقد تعرض البعض مثل بيل وواط لمناقشة احتمال وجود مقطوعات متكاملة تتسم بوجود القوافى الداخلية فى القرآن، ولكن تلك أحكام أدبية لا تستند إلى الأدلة العلمية الصلبة. د- النظام الشكلى وتعدد الروايات والنموذجان الأخيران من "القرار" تتميز بهما القصص التى تشترك فى خصيصة أخرى من خصائص الأسلوب القرآنى، وهى النظام الشكلى، ومعناه تكرار آيات معينة أو صيغ محددة تُنسج نسجًا فى القصة بحيث تخرج لنا نمطًا منتظمًا يتكرر فى قصص مختلفة يقدمها لنا القرآن الكريم باعتبارها مجموعة متسقة. ويوجد نموذج صادق لأحد أنواع النظم الشكلية فى سورة الشعراء، حيث تتسم خمس قصص من "قصص العقاب" بمقدمة من خمس آيات، إلى جانب القرار المذكور آنفًا، والآيات المكررة الأخرى. وتقول مقدمة القصة الأولى: {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ (105) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ (106) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (107) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (108) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (109)} (105 - 109) أما الفارق الوحيد بين هذه

المقدمة وبين الآيات التى تقدم الروايات الأربع التالية فهو اختلاف اسم الشعب (عاد، وثمود الخ) واسم النبى (هود، وصالح، ولوط. . الخ). ونجد نوعًا آخر من النظام الشكلى فى سورة الأعراف، إذ نجد فيها صورًا أخرى لقصص العذاب الخمس نفسها، حيث يتكرر نحو ثلثى قصة نوح التى وردت فى غضون قصة هود (وتتكرر نسبة قليلة منها فى القصص الأخرى) ولكن الأجزاء المكررة تتخللها جُمل وعبارات وكلمات مفردة تتميز بها كل قصة عن الأخرى. وإيضاحًا لذلك نورد قصة نوح، على نحو ما وردت فى سورة الأعراف أولًا. {لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (59) قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (60) قَالَ يَاقَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (61) أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (62) أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (63) فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا عَمِينَ (64)}. وها هى ثانيًا بداية القصة فى سورة هود: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (25) أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ (26) فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ (27) قَالَ يَاقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ (28) وَيَاقَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ (29)}. وتتكرر بعض آيات من قصة نوح وقصة هود فى غضون قصص صالح ولوط وشعيب. وتتميز هذه الروايات المتوازية فى القرآن بنوع واحد من أنواع هذا النظام الشكلى، وتترتب على مدى التكرار فى هذه الروايات المتوازية

نتيجة مهمة ولازمة لتفهم طبيعتها والغرض منها، ومن ذلك على سبيل المثال أن يقصد منها ليس تقديم روايات تاريخية وحسب. ويتجلى فى هذه المجموعات من "قصص العقاب" فى القرآن أحد الملامح القرآنية البارزة، وهو العلاقات المركبة (بل والمعقدة) فيما بين الروايات المتعددة للقصة نفسها، وفيما بين القصص بعضها والبعض. فكثير من القصص تتكرر بصور مختلفة فى سورتين أو أكثر، وتتفاوت هذه الروايات المتعددة للقصة نفسها لا فى الطول والتفاصيل فحسب بل أيضًا فى الهدف منها وعلاقتها بالقصص الأخرى. فعلى سبيل المثال توجد روايات مختلفة لقصص العذاب أو إشارات موجزة إليها فى 16 سورة مختلفة، فتوجد روايات أطول لقصص نوح وهود وصالح ولوط فى سورة القمر، وسورة الشعراء وسورة الأعراف وسورة هود، والقصص الثلاث الأولى تروى كذلك فى سورة الفرقان، وفى سورة الذاريات، وسورة النجم، ويشار إليها فى سورة التوبة، وسورة إبراهيم، وسورة العنكبوت، وتروى كل منها على حدة فى سور أخرى فى هذه. وتوجد روايتان لقصة لوط وعقاب قومه، الأولى فى سورة القمر وسورة الشعراء وسورة الأعراف (وهى الرواية المشار إليها آنفًا) وفى سورة النمل وسورة ص، والثانية التى تتضمن زيارة رسل السماء فى سورة الحجر. ثم يعود القرآن المجيد إلى رواية القصة نفسها، فيقدم الرواية الأولى والرواية الثانية معًا بحيث لا يفصل بينهما إلا صورة مختصرة لقصة إبراهيم الخليل، وهى التى سبق أن وردت بصورة أطول فى سورة الذاريات، وفى سورة الحجر، وفى سورة هود. ويصدق ذلك أيضًا على قصص الخلق، فقصة سقوط إبليس تروى كقصة مستقلة كاملة فى سورة الحجر، وفى سورة ص، ثم تتكرر يإيجاز فى سورة النمل وسورة الكهف، ثم تروى مع ذكر غواية آدم وسقوطه فى سورة الأعراف، وفى سورة طه، وأخيرًا فى

7 - الأشكال الأدبية والموضوعات الرئيسية

سورة البقرة. والملاحظ أن القصة قد أوجزت فى السورتين الأخيرتين واختصرت إلى آية واحدة. وفى سورة البقرة يسبق قسمى القصة ذكرٌ لا يتكرر فى القرآن للَّه سبحانه وتعالى وهو يستشير الملائكة قبل خلق آدم. وهناك مثال ثالث، يختلف نوعه شيئًا ما، ويتضمن روايتين متوازيتين لمعجزة مولد وطفولة يحيى عليه السلام والمسيح عليه السلام فى سورة مريم (الآيات 2 - 34) وسورة آل عمران (الآيات 38 - 51). أما فى سورة مريم فقصة النبيين تسبق سلسلة من الروايات المستقلة، وأما فى سورة آل عمران فإنهما تنسجان معًا فى نسيج واحد أو فى رواية واحدة طويلة تبدأ بمولد مريم البتول وحياتها الأولى. ومن الأنماط ذات الدلالة الكبيرة فى هذه الروايات المتعددة وغيرها فى القرآن، هو أن المجموعات الأولى من القصص لا تتقيد تقريبًا بالتسلسل التاريخى، ففى سورة الشعراء نقرأ عن موسى وإبراهيم ونوح وهود وصالح ولوط ثم عن شعيب (الذى يسميه الكتاب المقدس يثرون، وهو حمو موسى) ولكن الروايات الأخيرة تتميز بأنها تقع جميعًا فى "النظام التاريخى" الدقيق، إذ نقرأ فى سورة هود عن نوح أولًا ثم عن هود، ثم عن صالح، ثم عن إبراهيم، ثم عن لوط، ثم عن شعيب وأخيرًا عن موسى. والروايات غير المتقيدة بالتاريخ هى التى يسميها "بيل" قصص فترة القرآن، فى حين تمثل الروايات المتقيدة بالتاريخ فترة "الكتاب" إذ تشتبك القصص معًا لتشكل روايات طويلة متعددة القصص وتصبح بداية للتاريخ المقدس لدى المسلمين والذى يبدأ بخلق آدم عليه السلام. 7 - الأشكال الأدبية والموضوعات الرئيسية من العسير تصنيف الأشكال الأدبية أو وضع نظام محكم للموضوعات الرئيسية للقرآن، بسبب طبيعته الخاصة وتنظيمه الخاص. وسرعان ما فشل الذين حاولوا تصنيف أجزاء القرآن وفقًا للأنواع الأدبية المعتمدة مثل القصة القصيرة، أو الحكاية الرمزية، أو الأمثال وما إلى

أ- شكل القسم والأشكال المرتبطة به

ذلك، فالنماذج التى وجدوها من كل نوع محدودة وهى لا تشكل إلا نسبة ضئيلة من النص القرآنى. كما أن التعديلات التى أدخلت عليها حتى تتواءم مع أسلوب القرآن ورسالته كبيرة إلى الحد الذى يفقدها دلالتها باعتبارها أنواعًا أدبية متميزة. ويقول "بيل" إن القرآن ينكر أن محمدًا كان شاعرًا، ويؤكد أن مهمة النبى كانت إبلاغ رسالة اللَّه إلى معاصريه، ويخلص "بيل" من ذلك إلى القول بأن علينا استنادًا إلى هذا ألا نبحث عن الأشكال الأدبية فى القرآن بل عن الأشكال التعليمية. لكن الهدف التعليمى لا يصدق إلا على أجزاء معينة فحسب من القرآن، وهو يتضمن الكثير من الأجزاء التحضيضية والبلاغية والتشريعية وغيرها، ولذلك فالأفضل مناقشة الأشكال الأدبية للقرآن فى حدود المادة القرآنية المتميزة. وفيما يلى وصف موجز إلا تصنيف كامل أو منظم) للأشكال الأدبية الرئيسية الموجودة فى القرآن، يتضمن ملخصًا أيضًا لبعض موضوعاته الرئيسية. أ- شكل القَسَم والأشكال المرتبطة به تتميز قصار السور بضروب منوعة من القسم والأشكال المرتبطة به، عادة فى بدايتها. ويبدو أن معظم هذه الأشكال (لا جميعها) من أوائل ما نزل من آى الذكر الحكيم. وبعض هذه "الأيمان" غامضة يصعب تفسيرها وتصعب ترجمتها، والمعتقد أن جذورها تضرب فى اللغة العربية القديمة. وفى الحالات الأخرى يُستخدم القَسَم لتقديم الموضوعات القرآنية، وأشد أشكاله شيوعًا هو القَسَم الذى يتكون فى أغلب الحالات من آية أو آيتين، تبدأ بواو القسم، وينتهى بآية واحدة أو أكثر تبدأ بأداة فصل (أو أداة استفتاحية) وهى فى العادة "إن" وأحيانًا "قد" ويتضمن كل منهما معنى التوكيد. ولدينا نموذج صادق لذلك النوع فى أول سورة الليل: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى (2) وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (3) إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (4)} (1 - 4) فالآيات الثلاث الأولى تبدأ بواو القسم، وتبدأ العبارة التى يختتم بها القسم بالأداة "إن" التى تفيد التوكيد. وأحيانًا نجد أن الآيات التالية

لمفتتح القسم تبدأ بالفاء لا الواو، على نحو ما نرى فى سورة الصافات {وَالصَّافَّاتِ صَفًّا (1) فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا (2) فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا (3) إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ (4)} (1 - 4) وتفسير الفاء هنا بأنها فاء العطف، على نحو ما يفعل آربرى فى ترجمته لمعانى القرآن، يؤدى فيما يبدو إلى إضعاف القسم، والأرجح أن الفاء بديل عن الواو على نحو ما يفسرها "بيل", دعمًا للقسم. وأحيانًا يتكون القسم من عبارتين فقط الأولى هى القسم نفسه والثانية هى "الخبر" مثل فاتحة سورة يس، وسورة العصر. وأحيانًا يتكون الخبر من عدة عبارات تبدأ كل منها بالأداة "إنّ " على نحو ما نرى فى سورة الذاريات: {وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا (1) فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا (2) فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا (3) فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا (4) إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ (5) وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ (6) وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ (7) إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ (8)}. (1 - 8) وكذلك سورة العاديات: {وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا (1) فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا (2) فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا (3) فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا (4) فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا (5) إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (6) وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ (7) وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (8)}، (1 - 8). وتوجد إلى جانب ذلك أشكال أخرى فى سورة الزخرف {وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3) وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ (4)} (2 - 4) وسورة الدخان {وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (3)} (2 - 3) وسورة الطور {وَالطُّورِ (1) وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ (2) فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ (3) وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ (4) وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ (5) وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ (6) إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ (7)} (1 - 7) وسورة النجم {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4)} (1 - 4) وغيرها، أما نموذج القسم المتبوع بعبارة تبدأ بالأداة "قد" فهو سورة التين {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1) وَطُورِ سِينِينَ (2) وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (3) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4)} (1 - 4). أما أطول قسم فى القرآن فهو الوارد فى سورة الشمس: {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1) وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا (2) وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا (4) وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا (5) وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا (6) وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7)

ب- الفقرات التى تشير إلى آيات الله فى الخلق

فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10)} (1 - 10). وترتبط بصيغة القسم فى القرآن الكريم عدة صيغ أخرى منها الصيغة التى تبدأ بالأداة "إذا"، التى تعنى "عندما"، وتتميز بنفس قوة القَسَم وإن كان معناها يختلف عنه. ومن خير نماذجها بداية سورة الانفطار: {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ (1) وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ (2) وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ (3) وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ (4) عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ (5)} (1 - 5). أما أطول نموذج فهو مطلع سورة التكوير الذى يبدأ بالآية الكريمة {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1)} وينتهى بالآية {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ (14)}. أى أن الصيغة تتكون من أربع عشرة آية. وانظر أيضًا سورة الصف وسورة الأنشقاق، وسورة الزلزلة وغيرها. ومن الصيغ الأخري صيغة السؤال البلاغى الذى تبدأ به بعض السور، خصوصًا القصار منها، مثل {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1)} [الماعون] وانظر أيضًا سورة الشرح، وسورة الفيل وغيرهما، وصيغة الإنذار والتهديد مثل {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (1) الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ (2)} (الهمزة) وانظر أيضًا سورة المطففين الآية الأولى والآية العاشرة وما بعدهما، وسورة الماعون (الآية الرابعة وما بعدها) إلى جانب نوع مختلف فى سورة المسد. وهذا النموذج الأخير من الفقرة التى تبدأ بتعبير "ويل ل. . . " يستمر إلى جانب صيغة قرآنية مميزة تتكون على الأقل من ثلاث آيات، تبدأ الثانية منها بالسؤال البلاغى "وما أدراك ما. . . " مثل سورة القدر، وسورة القارعة، وسورة الشرح (الآية 4 وما بعدها) وسورة الطارق التى تبدأ بقسم. ب- الفقرات التى تشير إلى آيات اللَّه فى الخلق كثيرًا ما تتحدث السور المكية وأوائل السور المدنية فى القرآن عن بعض الظواهر فى الطبيعة وحياة الإنسان باعتبارها "آيات" تدل على وجود اللَّه فى كل مكان والخير الذى يفيض به على الإنسان، وتدعو البشر إلى الاقرار بفضله ونعمه وعبادته وحده سبحانه وتعالى. وأكثر تلك "الآيات" تواترًا آيات

(ج) الفقرات التى تبدأ بفعل الأمر "قل"

خلق السماوات والأرض، وخلق الإنسان وتكاثره، وسطوع الشمس والقمر والنجوم، واختلاف الليل والنهار، ونزول الغيث، ودوام الطبيعة واستقرارها ويشير القرآن أيضًا إلى الرعد والبرق والنار وغير ذلك من ظواهر الطبيعة، شأنها فى ذلك شأن عقل الإنسان والعلاقات البشرية، واختلاف اللغات والألوان والسمع والبصر وما إلى ذلك. وليست لهذه شكل معين ولكنها تمتاز بمضمونها ومعناها. ومن الأمثلة البديعة على هذه الفقرات، الآيات 24 - 32 من سورة عبس: {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (24) أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا (25) ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا (26) فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا (27) وَعِنَبًا وَقَضْبًا (28) وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا (29) وَحَدَائِقَ غُلْبًا (30) وَفَاكِهَةً وَأَبًّا (31) مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (32)}، وانظر أيضًا سورة المؤمنون (الآيات 17 - 22 و 78 - 80) والنبأ (6 - 16). ومن النماذج فى السور التى نزلت فى وقت متأخر ما ورد فى سورة الروم، ابتداء من الآية 20: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ (20) وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21) وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ (22)} (20 - 22) أما الآيات الثلاث التالية فتبدأ أيضًا بالصيغة: "ومن آياته. . . " وتنتهى الآيتان الأوليان بالصيغة "إن فى ذلك لآيات لقوم" ("يسمعون" فى الآية 23، و"يعقلون" فى الآية 24). وتوجد صيغة مماثلة فى سورة النحل، فى الآيات من 10 - 18 وهى تبدأ هكذا {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ (10) يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (11)} (10 - 11) وتوجد صيغة مماثلة فى ختام الآيتين التاليتين. (ج) الفقرات التى تبدأ بفعل الأمر "قل" تنتثر فى القرآن الكريم فقرات أهم عنصر فيها هو عبارة موجزة أو سؤال

يسبقه فعل الأمر "قل" (فى المفرد عادة) وأحيانًا فى الجمع "قولوا" ومعظم هذه الفقرات التى تتضمن "قل" تتكون من جزئين رئيسيين (1) عبارة أو سؤال يشير إلى الحال، و (2) عبارة "قل" التى أحيانًا ما يعقبها تعليق أو تعليقان على العبارة أو السؤال الأول أو على عبارة "قل" نفسها وأحيانًا ما تكون عبارة الحال متعلقة بأتباع محمد (-صلى اللَّه عليه وسلم-) ولكنها عادة ما تكون بيانا عن شئ قاله الكفار أو فعلوه. . ومن الأشكال المتواترة ما يلى: "يقولون. . . قل" ومثالها الآية 20 من سورة يونس {وَيَقُولُونَ لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ} (وانظر أيضًا سورة البقرة الآيات 80 و 91 و 93، وسورة آل عمران الآية 135 وغيرهما، وأحيانًا تكون عبارة الحال مكونة من جزئين، وعبارة "قل" إما مكونة من جزئين أو أكثر، وإما متبوعة بتعليق واحد أو أكثر وخير مثال على هذا الشكل المركب هو الآية 18 من سورة يونس {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (18)} فنحن نلاحظ هنا أن عبارة الحال تتكون من جزئين يتعلقان بما يفعله المشركون وبما يقولونه، أما عبارة "قل" فهو سؤال إنكارى (بلاغى) متبوع بصيغة مديح انظر أيضًا الآيات 80 - 82 من سورة البقرة: {وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (80) بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (81)} والذى نشاهد على أن النافية: {آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (82)}. أما فى الآية 68 من سورة يونس وما بعدها فإن صيغة المديح "سبحانه" تتوسط (مع تعليق على عبارة الحال) الفعل "قالوا" والفعل "قل": {قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (68) قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ (69) مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا

كَانُوا يَكْفُرُونَ (70)} (67 - 70) ومن الأشكال الشائعة الأخرى صيغة "ويسألونك. . . قل" على نحو ما ورد فى سورة البقرة، الآية 220, {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ} وأحيانًا تقوم عبارة "قل" بتقديم سؤال، ثم تتلوها عبارة "قل" أخرى تتضمن الجواب: {قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ. . .} (الأنعام - 12) وكذلك: {قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (63) قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ (64) قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (65) وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (66)} (الأنعام 63 - 66). وتتخذ بعض عبارات "قل" صيغة الحكم أو الشعارات، بسبب إيجازها الرائع مثل {قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ} (البقرة/ 142) ومثل {قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى} (البقرة/ 120) و {قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ} (آل عمران/ 73) و {قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ} (آل عمران/ 73 أيضًا) و {قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى} (الأنعام/ 71) و {قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ} (يونس/ 35) و {قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ} (يونس/ 69) وكذلك {قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا} (الزمر/ 44) وبعض هذه الحكم البديعة يكررها القرآن العظيم فى سور أخرى (مثل الأولى والثانية وبعضها الآخر عبارات عقدية مثل {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} (البقرة/ 136) ومثل {وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} (العنكبوت/ 46). ولكن بعض عبارات "قل" تتخذ صورة الدعاء الخالص، مثل الآيتيين الكريمتين من سورة آل عمران (26 -

27): {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26) تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (27)} وتختلف الصيغة الأخيرة عن الصيغ الأخرى فى أنها غير مسبوقة بعبارة حال تتصدرها "قل"، ولذلك فهى تنتمى إلى طائفة أخرى من الآيات التى يعتبر الفاعل فيها هو ضمير المتكلم ويبدو أنها موجهة إلى الرسول الكريم، وأعظم مثال عليها أربع آيات فى سورة الجن هى: {قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا (20) قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا (21) قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا. . . قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا (25)} (20 و 21 و 22 و 25) ومما يؤكد ذلك الصيغ المشابهة فى سورة سبأ مثلا: {قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ} (36) {قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ} (39) ثم الآيات التالية من السورة نفسها: {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (46) قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (47) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (48) قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ (49) قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ (50)} (46 - 50) والمثل الواضح الآخر هو سورة "الكافرون". وتوجد أمثلة متفرقة من عبارات "قل" فى سور أخرى تماثل الفقرات التى تدعو إلى تامل آيات اللَّه فى الكون، مثل الآيات التى نقرؤها فى سورة الملك {قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ} (23) والآيات التالية لها، ثم الآيات الأخيرة فى السورة وهى:

د- السرد فى القرآن الكريم

{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنَا فَمَنْ يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (28) قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (29) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ (30)} (28 - 30) د- السرد فى القرآن الكريم إذا توسع الإنسان فى معنى السرد فجعله يشير إلى رواية أى قصة من القصص، أو وصف أى حادثة كانت (واقعية أو خيالية) فسوف يستطيع إطلاق صفة السرد على كثير من أجزاء القرآن. ولكن القرآن لا يقصد إلى رواية أحداث تاريخية معينة، رغم كثرة إشاراته إلى الأحداث التاريخية، على نحو ما سبق ذكره فى القسم 5 - أآنفا. فمعظم قصص القرآن يروى القصص التقليدية المألوفة فى الثقافات الأخرى للشرق الأدنى، مع التركيز على المعانى التى يريد القرآن إبلاغها للناس. فنحن نقرأ فى القرآن عدة مرات عن خلق اللَّه العالم فى ستة أيام، وعن عرشه سبحانه وتعالى، على نحو ما جاء فى سورة الأعراف {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ. . .} (54) وكذلك آية الكرسى الشهيرة: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} [البقرة 255] وانظر أيضًا الآية الثالثة من سورة يونس، والآية 59 من سورة الفرقان، والرابعة من سورة السجدة، وانظر ذكر العرش فى سورة التوبة (الآية الأخيرة - رقم 129) وسورة الرعد (الآية الثانية) وسورة طه (الآية الخامسة) وسورة الأنبياء (الآية الثانية والعشرين) وغيرها. ولكن القرآن لا يقص بالتفصيل قصة خلق الكون فى ستة أيام، ولا يذكر ما خلقه اللَّه فى كل يوم (ويورد القرآن فى سورة فصلت شرحًا موجزًا فى الآيات من 9 - 12). ويذكر القرآن

السماوات السبع، واليوم الآخر الذى يسبقه نفخ فى الصور، ولكن هذه الإشارات لا تنشئ قصصًا أو وصفًا تفصيليًا. كما يتضمن القرآن ذكر سقوط إبليس، وتعليم الأسماء لآدم، دون تحديد لها أو تفصيل القول فيها، وإحراق الشهب للشياطين، وروايات متعددة لقصة نوح عليه السلام وقصة الطوفان. أما أكبر فئة من قصص القرآن فهى قصص الأنبياء، وبعضها كذلك "قصص عقاب"، وأطول قصة فى كتاب اللَّه الَكريم هى قصة يوسف عليه السلام، وهى التى يمكن أن تعتبر "قصة قصيرة"، إذ تستغرق روايتها معظم سورة يوسف التى تبلغ عدد آياتها 111 آية، وهى أقرب إلى الرواية الواردة فى الكتاب المقدسى من معظم القصص القرآنية الأخرى، وتوجد روايتان متوازيتان لمولد النبى يحيى والنبى عيسى عليهما السلام فى سورة آل عمران (33 - 51) وسورة مريم (1 - 36) وهما تتفاوتان فى بعض التفاصيل. وتولى قصص القرآن اهتمامًا كبيرًا بالأنبياء الأوائل إبراهيم وموسى وسليمان عليهم السلام، إذ يروى عنهم قصصًا كثيرة وروايات مختلفة لبعض القصص. ويروى القرآن ما لم يروه الكتاب المقدس عن إبراهيم مثل قيامه بتحطيم أصنام قومه (الأنبياء 51 - 72 وغيرها) وبناء الكعبة فى مكة (البقرة 122 - 129 وغيرها) ورحلة موسى مع خادمه (فتاه) فى سورة الكهف (60 - 82) وقيام سليمان ببناء الهيكل بمساعدة الجن والعفاريت (سبأ 12 - 14، ص 36 - 40) وأحواله مع جيشه من الجان والناس والطير (النمل 15 - 21) ويروى القرآن أيضًا قصصًا عن آدم ونوح عليهما السلام (على نحو ما سبق ذكره ولوط، وإسماعيل، وداود، وإلياس، ويونس وأيوب، كما يذكر كثيرين آخرين مثل إسحق ويعقوب واليسع وهارون (فى غضون بعض قصص موسى) وكذلك طالوت، وعزيز،

وهامان (وإن كان الأخير من رجال فرعون). ويشار إلى هؤلاء باسم الرسل (جمع رسول) أو باسم المرسلين (جمع مرسل) أو "النبيين" ويبدو أن الصفة الأخيرة لا ترد إلا فى الآيات المدنية وهى تشير بصفة خاصة إلى محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وقليل من الرسل الواردة أسماؤهم آنفًا فى سياق التقاليد العبرانية والمسيحية، أما الصفتان الأوليان فتردان فى الآيات الأولى ومعانيها أوسع. ولكن القرآن يرادف فى الأجزاء المتأخرة بين الرسول والنبى، وإن كان لا يساوى فى المعنى بينهما تمامًا. ونحن نلاحظ مثلًا أن القرآن يستخدم دائمًا تعبير "اللَّه ورسوله" ويقصد معنى "النبى" على محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فى سورة الأحزاب. ولاشك أن هذا يوضح سبب ورود لفظ "الرسل" فى عبارات العقيدة فى سورة البقرة (285) وسورة النساء (136) أى العبارات التى تنص على ضرورة الإيمان باللَّه "وملائكته وكتبه ورسله"، على حين يأتى لفظ "النبيين" فى الآية 177 من سورة البقرة التى تنص على الإيمان باللَّه واليوم الآخر و"الملائكة والكتاب والنبيين". ويشير القرآن إلى بعض من لم يرد ذكرهم فى الكتاب المقدس مثل هود، وصالح، وشعيب (انظر ما سبق) ويتضمن قصصًا كذلك عن لقمان، وهو حكيم عربى (سورة لقمان 12 - 19) وعن ذى القرنين الذى يقول المفسرون بصفة عامة إنه الإسكندر الأكبر (الكهف 83 - 98) ويشير القرآن بإيجاز إلى ذى الكفل وإدريس (مريم 56 والأنبياء 85 وص 38) ويروى القرآن كذلك قصة أصحاب الكهف (الكهف 10 - 26) ويذهب جمهور الفقهاء إلى أنه كهف "إفسوس". وتتفاوت أساليب رواية قصص الأنبياء وبعض من لم يرد ذكرهم فى الكتاب المقدس، فقد تبدأ بعبارة {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ. .} (المائدة 27, الأنعام 175, يونس 71، الشعراء 69؛ وانظر أيضًا الكهف 27، والعنكبوت 45)؛ وقد تبدأ بعبارة {نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ. . .}

(القصص 3، وانظر آل عمران 58)؛ أو بعبارة {وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ. . .} (طه 9، الذاريات 24، النازعات 15 وغيرها) أو {أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ. . .} (التوبة 70) {أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ. .} (إبراهيم 8) {وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ. .} (ص 20)، أو، {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ. .} (مريم 16, 41, 51, 54, 56) وجميع ذلك موجّه إلى محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-]. ومن البدايات الأكثر شيوعًا عبارة {وَإِذْ قَالَ. .} التى تبدأ قصة موسى (فى المائدة 20، والرعد 6، والكهف 60، والنمل 7 وغيرها) وتبدأ قصة إبراهيم (الأنعام 74، وإبراهيم 35 وغيرها) وقصة يوسف (يوسف 4) وتبدأ حديث اللَّه سبحانه وتعالى إلى عيسى ابن مريم -عليه السلام- (المائدة 110, 116) وحديثه إلى الملائكة (الحجر 28، والإسراء 61، والكهف 50 وغيرها). وقد تبدأ القصة بعبارة {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا. .} التى تشير إلى نوح (هود 25، المؤمنون 23، العنكبوت 14 وغيرها، وانظر أيضًا الأعراف 59). أو تشير إلى موسى (هود 96، إبراهيم 5 وغيرها، وانظر أيضًا المؤمنون 45) وغير ذلك من الصيغ. وانظر فى هذا الصدد عبارة {وَلَقَدْ آتَيْنَا} (التى ترد مثلًا فى الآية {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ}) فى سورة الإسراء 101، الأنبياء 48 و 51، ولقمان 12، وسبأ 10 وغيرها. ومن الأنماط الخاصة للقصص القرآنى الذى نزل به الوحى فى الفترة المكية نمط "قصة العقاب" الذى سبقت الإشارة إليه. فى إطار استخدام التكرار (القرار) والنظام الشكلى فى بعض روايات هذه القصص. وتبرز من بين هذه القصص جميعا خمس قصص للعقاب، وهى قصة نوح، وهود وقبيلة عاد، وصالح وقبيلة ثمود، ولوط، وشعيب وأهل مدين. وتبرز قصتان أخريان فى بعض السور، مثل قصة موسى وغرق جيش فرعون، وقصة إبراهيم ورفضه الأصنام التى كان يعبدها قومه. وترد هذه القصص السبع جميعا فى سورة الشعراء 10 - 191, ويشير القرآن إليها جميعًا فى سورة الحج 42 - 44، ويروى القرآن روايات شبه كاملة لبعض هذه القصص فى سورة الأعراف

59 - 93 (كلها باستثناء قصة إبراهيم وموسى) وفى سورة هود 25 - 95 (كلها باستثناء قصة موسى) وفى سورة الصافات 75 - 148 (القصص الواردة فى الكتاب المقدس وحدها) وفى سورة القمر 9 - 42 (كلها باستثناء إبراهيم وشعيب). ويروى القرآن روايات أقصر لبعض هذه القصص السبع ويشير إليها وإلى غيرها (يونس، وقوم سبأ وأصحاب الرَّسّ، وقوم تُبّع) فى التوبة 70، وإبراهيم 9، والأنبياء 48 - 77 والمؤمنون 23 - 48, والفرقان 35 - 40، والنمل 7 - 58، وق 12 - 14, والذاريات 24 - 46، والنجم 50 - 55، والحاقة 4 - 10، والفجر 6 - 14، ومن المحتمل أن يكون "أصحاب الحجر" (الحجر 80 - 84) هم أنفسهم قبيلة ثمود، ويبدو أن "أصحاب الأيكة" (الحجر 78 وما بعدها، والشعراء 176 - 191 وغيرها) هم أنفسهم قوم مدين. أما "المؤتفكات" [أى المدن التى اقترفت الإفك والفسوق] فيحتمل أن يكون المقصود بها سدوم وعمورية، وهما مدينتا لوط عليه السلام. وهكذا فالأرجح أن هذه القصص الثلاث روايات مختلفة لبعض القصص السبع الأساسية. ولقد قبل معظم العلماء الغربيين رأى أ. سبرنجر A.sprenger وهوروفيتز Horovitz بأن المثانى المذكورة فى سورة الحجر (الآية 87) وسورة الزمر (الآية 23) تشير إلى أهم قصص العقاب، فالآية الأولى تقول {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ} والثانية تصف الكتاب الذى أنزل على محمد بأن به {مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ}. ويتضمن القرآن كذلك بعض الأمثال أو القصص الرمزية، أطولها وأوضحها قصة "الجنة المبتلاة" التى تبدأ بالآية 17 فى سورة القلم {إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ}، ومن الأمثال الأخرى قصة الرجل الذى كانت له جنتان (الكهف 32 - 44) ومثل الشجرة الطيبة والشجرة الخبيثة (إبراهيم 24 - 27) والقرية المكُذِّبة (يس 13 - 32) وكثير من الأمثال القصيرة الأخرى لا تزيد عن كونها تشبيهات مديدة، مثل الآية 17 فى سورة البقرة {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي

هـ - آيات الأوامر والنواهى

اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ}، ومثل الآية 19 فى السورة نفسها {أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ. . .}، ومثل الآية 75 من سورة النحل {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا. .} إلى آخر الآية، ومثل الأبكم فى الآية التالية لها فى السورة نفسها، ومثل آية النور (سورة النور 35) {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ} إلى آخر الآية، ومثل الرجل وعبيده فى سورة الروم (الآية 28) {ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ. . .} إلى آخر الآية، ومثل الرجل {فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ. . .} (الزمر 29). ولا تشترك هذه الأمثال فى صيغة أسلوبية واحدة، فبعضها يبدأ بخطاب موجه إلى محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا} (الكهف 32، و 45، وسورة يس 13) أو بعبارة {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا} (إبراهيم 24، النحل 75, 76, 112, الزمر 29، والتغابن 10). هـ - آيات الأوامر والنواهى: يتضمن القرآن تعليمات مفصلة بشأن بعض مظاهر السلوك المجتمع الإسلامى، وتعليمات عامة بشأن بعضها الآخر. ولكنه لا يقدم شرعة سلوك كلية أو قائمة بالواجبات اللازمة، بل يعالج كل قضية على حدة، وعادة ما يكون ذلك فى عدة مواقع مختلفة من النص. أما الواجبات الدينية الرئيسية فهو يقدمها على مراحل، وفيما يلى نماذج تمثل طابع وشكل شتى التعليمات القرآنية، ابتداءً بأربعة أركان من أركان الإسلام الخمسة. فيما يتعلق بشعيرة الصلاة يقول القرآن {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ} (هود 114، وانظر الإسراء 78 {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا}). ويقول {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} (البقرة 238) ويقول {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ [القرآن] وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا

حَسَنًا} (المزمل 20) ويقول {. . . إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} (النساء 103). وفيما يتعلق بالزكاة والصدقات يقول القرآن: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ. . .} (البقرة 271). ويقول {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ. . .} (النور 56)، ويقول: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ. . .} (التوبة 60) وعن الصيام يقول القرآن {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ. . .} و {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ. . .} و {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ. . .} و {. . وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ. . .} (البقرة 183 - 187). وعن الحج يقول القرآن {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ. . .} (البقرة 196) ويقول {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا. . .} (البقرة 158) وقد نزل النص على هذه الواجبات الدينية الأربعة بفعل الأمر الجمع، وهى الملزمة لجميع المسلمين، فى الآيات المدنية التى يرجع تاريخها إلى وقت غزوة بدر أو بعد ذلك، وقد ورد النص على إقامة الصلاة بفعل الأمر مفردًا فى الآيات المكية والآيات المدنية الأولى (هود 114, الإسراء 78، العنكبوت 45، الروم 31 غيرها) ومن معانى الزكاة الواردة فى الآيات المكية (الكهف 81، مريم 13) معنى التطهير أو الطهارة. وتقول الآيات التى نزلت فى الفترة المكية المتأخرة أو فى أوائل الفترة المدنية إن الأنبياء الأوائل فرضوا الصلاة والزكاة على المؤمنين. (يونس 87، إبراهيم 40، مريم 30 وما بعدها، وطه 14, والأنبياء 73 وغيرها) وقد تضيفه الآيات أن على المسلمين مراعاة هذه

الفروض ابتغاء التقوى. (البقرة 77، النمل 1 - 4 وغيرها) ويلاحظ أن فعل الأمر يأتى بصيغة الجمع فى الآيات اللاحقة {أَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} (البقرة 43، النساء 77, 103، التوبة 11، الحج 78، النور 56، المجادلة 13، المزمل 20 وغيرها). وأكثر الأشكال اللغوية شيوعًا فى تقديم وتوكيد النظم الخاصة بالمجتمع الإسلامى هو فعل الأمر بصيغة الجمع، وهو الذى تكرر فى الأمثلة السابقة، ونقرؤه أيضا فى الأوامر الخاصة بالعديد من الممارسات مثل {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ. .} (المائدة 6) و {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (البقرة 278). و{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ. . .} (البقرة 282) {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا. . .} (البقرة 190) ومثل {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا. . .} (البقرة 195). أما النواهى فهى تأتى بصيغة فعل الأمر فى صيغة الجمع أيضًا مثل {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا. . .} {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ. . .} {وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ. . .} {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} (الأنعام 151) وانظر سورة الإسراء 22 - 39. ويتكرر فعل {كُتِبَ عَلَيْكُمُ} الذى ورد فى سورة البقرة 183 بشأن الصيام فى آيات أخرى مثل {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ. . .} (البقرة 178) ومثل {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} (البقرة 180). ويستخدم القرآن فى النهى تعبيرًا يفيد عكس ذلك المعنى وهو فعل الأمر بصيغة الجمع {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ} مثل

(و) آيات الشعائر الدينية

الفعل الوارد فى الآية 23 من سورة النساء {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ. . .} إلى آخر الآية، ومثل {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ. . .} (المائدة 3). وتوجد أشكال أخرى وتعليمات كثيرة غير ذلك خصوصًا فى السور المدنية، ويمكن تصنيف ذلك كله باعتباره أوامر إلهية أو تشريعات إلهية، ولكن بعض الأوامر والنواهى تتخذ شكل الوصايا أو الإرشادات الدينية. (و) آيات الشعائر الدينية: يُقرأ القرآن كله فى إطار العبادات والشعائر الدينية، أى أن كل آية تنتمى تحديدًا لذلك الإطار، ولكن شكل الشعيرة مقصور على بعض الآيات دون غيرها. ولاشك أن أهم سورة تتميز بهذا الشكل هى الفاتحة التى يقرؤها المسلمون فى الصلاة عدة مرات. وهناك آيات تتخذ هذا الشكل ومن أشهرها سورة البقرة {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}، كما أن بعض الدعوات، أو الآيات الموجهة إلى البارئ، لا تخلو منها بعض سور القرآن وهى أساسية فى العبادات والشعائر الدينية، مثل دعاء إبراهيم عليه السلام فى سورة إبراهيم الآيات 35 - 41، وأكثر توترًا من ذلك ما يسمى بالتسبيح وبحمد اللَّه سبحانه، وأشهرها آية الكرسى (البقرة 255). وتوجد آيات التسبيح بعدة أشكال منها الشكل المباشر على نحو ما نرى فى الصيغة {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} التى تفتتح بها خمس سور فى القرآن هى: الحديد، والحشر، والصف، والجمعة، والتغابن، وهى السور التى نزل بها الوحى فى منتصف الفترة المدنية، بعد اكتمال السور التى تبدأ بصيغ التنزيل والحروف المقطعة. ويظن أن هذه السور الخمس كانت تقرأ أولا فى صلاة الجمعة. ومن بين الصيغ الخاصة بالعبادة

صيغة التحميد أى قول {الْحَمْدُ لِلَّهِ}، وهى الصيغة الواردة فى مطلع سورة الفاتحة، وسورة الأنعام، وسورة الكهف، وسورة سبأ، وسورة فاطر، وفى الآية 43 من سورة الأعراف، والآية 10 من سورة يونس، والآية 111 من سورة الاسراء وغيرها. ومن صيغ التسبيح تعبير {سُبْحَانَ اللَّهِ} الذى يتخذ عدة أشكال فى سورة الإسراء فى الآيات 1, 93, 108، وسورة القصص (68) وسورة يس (36) وسورة الصافات 180 - 182, وسورة الزخرف 82 وغيرها، وصيغة {تَبَارَكَ اللَّهُ} التى تتخذ أشكالا متعددة فى سورة الأعراف (54) والمؤمنون (14) والفرقان (الآيات 1، 10, 61) وغافر (64) والزخرف (85) والرحمن (78) والملك (الآية الأولى). غير ذلك من الأشكال الأدبية يتضمن القرآن أشكالا أدبية وموضوعات أخرى تميزه وينفرد بها وهى جديرة بإشارة موجزة وحسب، فمما له أهمية خاصة فى الأجزاء المكية من القرآن عدد كبير من المشاهد الدرامية، عادة ما تتعرض للموت وليوم الحساب، ومتع الجنة وعذاب النار، وتعتبر المشاهد الدرامية الشكل القرآنى الرئيسى لتناول هذه الموضوعات، وهى لا تحظى بالشروح أو الإيضاحات الكاملة، كما يدرج القرآن هذه المشاهد فى غضون القصص وتعالج معظم الأجزاء المكية من القرآن موضوعات لاهوتية مثل آيات اللَّه فى الخلق، والرسالات التى أتى بها الرسل الأوائل وما إلى ذلك. وتوجه الأجزاء المدنية المتأخرة الحديث إلى المؤمنين أو إلى بنى آدم وهى تعالج موضوعات تشريعية أو سياسية أو حربية محددة إلى جانب الموضوعات الدينية أو الأخلاقية أو الاجتماعية العامة. وبعض الآيات تخاطب محمدًا (-صلى اللَّه عليه وسلم-) فتقدم له السلوى والعزاء فى وقت المحنة والاضطهاد، أو بعض التعليمات الخاصة بالممارسات الدينية. وبعض الآيات يخاطب زوجات النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] أو المشكلات الأسرية (انظر السور التالية: النور، والأحزاب، والتغابن). ترجمة د. محمد عنانى

القرآن الكريم فى حياة المسلمين وفكرهم

القرآن الكريم فى حياة المسلمين وفكرهم: ليس القرآن الكريم بالنسبة للمسلمين مجرد كتاب مقدس عادى، فليست نظرتهم له كنظرة الأوربيين للتوراة والإنجيل، فهو فى الأساس كتاب للتلاوة، ظل محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] يقرؤه لأتباعه طوال حياته ولمدة تربو على العشرين عاما، وكان بعض الصحابة يحفظونه عن ظهر قلب، وظل القرآن الكريم يُتلى ويحفظ جيلا بعد جيل وحتى الآن، وكان بعض من لا يعرفون القراءة والكتابة يحفظون النص القرآنى ويتلونه، وكان الحفّاظ هم الحكم على النص المكتوب عندما كان القرآن الكريم يُكتب بالحروف الناقصة (الحروف غير المنقوطة وغير المعجمة) وحتى عندما طبع المصحف المصرى الرسمى سنة 1920 م كانت القراءات الشفهية هى أساس المراجعة والضبط، وكذلك أحكام القراءات، إذ كان الاعتماد على ذلك أكثر من الاعتماد على المخطوطات الأولى للقرآن الكريم وظلت طائفة الحفاظ والقراء حتى الآن تحظى بأهمية كبرى فى نقل التراث القرآنى جيلا بعد جيل، وظل المسلمون يرددون آيات القرآن الكريم جيلا بعد جيل أثناء الصلوات التى يؤدونها خمس مرات فى اليوم، أو أكثر إذا أضفنا النوافل، فالقرآن الكريم ليس مجرد كلمات محفوظة فى كتاب، ومن هنا يمكننا القول إن أهل الغرب قلما يدركون تماما مدى عمق تأثير القرآن الكريم فى حياة المسلم. ولعب القرآن الكريم دورا جوهريا فى المناقشات بين المسلمين خلال القرون الأولى وجرى الاستشهاد به والاحتجاج به، وكان أساسا لعقيدة المسلم لفهم فكرة التوحيد، ولما كان اللَّه سبحانه وتعالى قد (أرسل) جبريل عليه السلام بالقرآن الكريم لمحمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فقد كان من الطبيعى أن يعتبر المسلمون القرآن الكريم (كلام اللَّه) لكن فى عهد هارون الرشيد ثارت مشكلة خلق القرآن من عدمه وأيدّ المعتزلة فكرة خلقه زمن المأمون مما نشأ عنه ما عرف فى التاريخ الإسلامى بمحنة خلق القرآن وكان لأخذ المأمون فى 218 هـ/ 833 م بوجهة نظر المعتزلة أبعاد

المصادر

سياسية، وعمل المأمون على إجبار كل علماء المسلمين على الأخذ برأى المعتزلة الذى رفضه أحمد بن حنبل (المتوفى 241 هـ/ 855 م). والقرآن الكريم -بالنسبة للمسلمين- كتاب مُعْجز وإذا كان لكل نبى معجزة، فإن معجزة محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] هى القرآن الكريم فقد تحدّى اللَّه سبحانه غير المؤمنين بأن يأتوا بمثله أو بجزء منه فعجزوا، وتعتبر رسالة على بن عيسى (المتوفى 384 هـ/ 944 م) من أوائل الكتب التى خصصها مؤلفها لإعجاز القرآن الكريم حيث أقام الدليل على بلاغة القرآن وفصاحته، وإخباره بما سيقع وبروعة بيانه وصياغته غير المسبوقة. وقد ركز أحمد بن محمد الخطابى (المتوفى 388 هـ/ 998 م) فى كتابه البيان فى إعجاز القرآن على الجوانب البلاغية فى الإعجاز القرآنى، وقد برهن الباقلانى (المتوفى 403 هـ/ 1013 م) على إعجاز القرآن الكريم من زاوية إخباره بأحداث الماضى والمستقبل، فهو بذلك من عند اللَّه، وركز على أمية محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وجعل من نزول القرآن العظيم على أمِّى معجزة من المعجزات. وقد أدت فكرة إعجاز القرآن الكريم وكماله إلى أن أصبح هو الأصل فى كل تشريع إسلامى، ومن ثم اتسم التشريع الإسلامى بالخلود، وأصبحت لغة القرآن مثلا يحتذى على الصعيد الأسلوبى واللغوى، وقد أدى النظر لكلمات القرآن الكريم وعباراته باعتبارها كلمات وعبارات معجزة إلى انتشار اللغة العربية فى الشرق الأدنى وشمال أفريقيا ليس بين المسلمين فحسب وإنما بين أصحاب الديانات الأخرى من مسيحيين ويهود، وبسبب القرآن الكريم اعتبرت الحروف العربية ذات قداسة فكتبت بها التركية والفارسية والأردية ولغات أخرى وأصبحت آيات القرآن الكريم مجالًا لعمل الخطاطين يكتبونها بخط متقن جميل، كل هذا التراث من القداسة جعل الكتابات النقدية عن القرآن الكريم غير مقبولة فى المجتمع الإسلامى المعاصر. المصادر: 1 - القرآن الكريم. القاهرة، 1344 هـ/ 1924 م.

2 - محمد فؤاد عبد الباقى: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، القاهرة، 1364 هـ/ 1945 م. 3 - محمد عبده ورشيد رضا: تفسير القرآن الحكيم 2 ج القاهرة، 1325 - 1353 هـ/ 1907 - 1934 م. 4 - الألوسى: روح المعانى فى تفسير القرآن العظيم 9 جـ بولاق، 1301 - 1310 هـ/ 1883 - 1892 م. 5 - البيضاوى: أنوار التنزيل وأسرار التأويل 2 ج تحقيق H.O. Fleisher ليبزج، 1846 - 1848 م. 6 - ابن كثير، تفسير القرآن العظيم 7 جـ، بيروت، 1386 هـ/ 1966 م. 7 - الكاشانى: الصافى فى تفسير كلام اللَّه الوافى، طهران، 1266 هـ/ 1850 م. 8 - القُمِّى: تفسير القُمِى 2 ج، النجف، 1386/ 1387 هـ - 1967 م. 9 - القرطبى: الجامع لأحكام القرآن 20 ج، القاهرة، 1352 - 1369 هـ/ 1933 - 1950 م. 10 - سيد قطب: فى ظلال القرآن 30 ج، القاهرة، 1959 م. 11 - المحلى والسيوطى: تفسير الجلالين، القاهرة، 1390 هـ/ 1970. 12 - مجاهد بن جابر: تفسير مجاهد، قطر، 1369 هـ/ 1976 م. 13 - مقاتل بن سليمان: الأشباه والنظائر، 1395 هـ/ 1975 م. 14 - الرازى: مفاتح الغيب المشتهر بالتفسير الكبير 8 ج، القاهرة واستانبول , 1038 هـ/ 1891 م. 15 - الشوكانى: فتح القادر الجامع 5 مج، القاهرة، 1384 - 1385 هـ/ 1964 - 1965 م. 16 - سفيان الثورى: تفسير القرآن الكريم، رمبور، 7675385/ 1965. 17 - السيوطى: الدر المنثور فى التفسير بالمأثور 6 مج. طهران، 1377/ 1957. 18 - الطبرى: جامع البيان فى تفسير القرآن، 30 ج فى 10 مج القاهرة , 1323 - 1329 هـ/ 1900 - 1911 م. 19 - الطوسى: التبيان فى تفسير القرآن، 10 مج، النجف 1377 - 1382 هـ/ 1957 - 1963 م.

مؤلفات عربية أخرى

20 - الزمخشرى: تفسير الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل، 4 مج، القاهرة , 1373 هـ/ 1953 م. مؤلفات عربية أخرى: 1 - أبو عبيدة: مجاز القرآن، القاهرة، 1371 هـ/ 1954 م. 2 - الباقلانى: إعجاز القرآن، 1963 م. 3 - الدانى: كتاب التفسير فى القراءات السبع، استانبول 1930 م. 4 - الدانى: المقنع فى معرفة مرسوم مصحف أهل الأمصار استانبول، 1917 م. 5 - الفراء: معانى القرآن، القاهرة، 1955 - 1975 م. 6 - هبة اللَّه، الناسخ والمنسوخ، القاهرة، 1960 7 - ابن أبى داود: كتاب المصاحف، حققه جفرى. 8 - ابن الجزرى: النشر فى القراءات العشر، القاهرة، بدون تاريخ. 9 - ابن جنّى: المحتسب فى تبيان وجوه القراءات، 2 مج، القاهرة، 1966 - 1969 م 10 - ابن خالوى: المختصر فى شواذ القراءات، تحقيق برجشترشر، القاهرة، 1934 م. 11 - ابن قتيبة: تأويل مشكل القرآن، القاهرة، 1954 م. 12 - الخطابى: البيان فى إعجاز القرآن، 1953 م. 13 - مصطفى زيد: النسخ فى القرآن الكريم، القاهرة، 1963. 14 - النّحاس: كتاب الناسخ والمنسوخ، القاهرة 1938 م. 15 - الرافعى: إعجاز القرآن والبلاغة النبوية. القاهرة 1965 م ط 8. 16 - الراغب الأصفهانى: المفردات فى غريب القرآن القاهرة، 1900 م. 17 - لبيب السعيد: الجامع الصَّوتى الأول للقرآن الكريم أو المصحف المرتَّل، بواعثه ومخططاته. القاهرة، 1967 م. 18 - صبحى الصالح: مباحث فى علوم القرآن، دمشق, 1962 م. 19 - السيوطى: الإتقان فى علوم القرآن. 20 - الواحدى: أسباب النزول. القاهرة، 1897 م.

مراجع بلغات أجنبية

21 - الزَّجاج: إعراب القرآن. القاهرة، 1965 م. 22 - الزنجانى: تاريخ القرآن، بيروت، 1969 م. 23 - الزركشى: البرهان فى علوم القرآن، 1957 م. 24 - الزرقانى: مناهل العرفان فى علوم القرآن. القاهرة، 1942 م. مراجع بلغات أجنبية: (1) N. Abbott: The rise of the North Arabic script and its Kur'anic development, Chicaho 1939 (2) Eadem: Studies in Arabic literary papyri. ii. Qur'amic Commentary and tradition, Chicago 1967 (3) M. Abul Qasem: The recitation and interpretation of the Qur'an: al Ghazali's theory (with a tr. of Book VIII of the Ihya), Kuala Lumpur 1979 (4) M. Allard: une methode nouvelle Pour L'etude du Coran, in Stud. I sl. xv (1961), 5 - 21 (5) Idem et ali: Analyse Conceptuelleo du Coran sur CartesPerforees ls, and Cards, The Hague 1963 (6) J. M. S Balion: Modern Muslim Koran interpretation (1880 - 1960), Leiden 1961 (7) E. Beck: Studien Zur Geschichte der Kufischen Koranlesung in den beiden ersten Jahr - hunderten, (1948), (1950), (1953), 59 - 78 (8) H. Birkeland: Old Muslim opposition against interpretation of the Koran. Olso 1955 (9) R. Blachere: Introduction au Coran, Paris 1947, 1959, 1977 (10) J. Burton: The Collection of the Qur'an, Cambridge 1977 (11) K. Cragg: The event of the Qur'an, London 1971; English ed د. عبد الرحمن الشيخ [أ. ت. ولش A. T. Welch] ترجمة القرآن "الكريم" (أ) السُّنة وترجمة القرآن الكريم: لم يكن أحد فى عهد الرسول صلى اللَّه عليه وسلم يتصور أن يترجم كل القرآن أو بعضه إلى لغة اجنبية، فقد نزل القرآن الكريم على الرسول صلى اللَّه

عليه وسلم بالعربية ونصت آياته على ذلك (الآية 2 من سورة يوسف، 3 من سورة الزخرف، والآية 103 من سورة النحل والآية 195 من سورة الشعراء، والآية 12 من سورة الأحقاف. وقد نزل هذا القرآن العربى ليهدى به الرسول صلى اللَّه عليه وسلم أم القرى ومن حولها، كما أشارت الآية 92 من سورة الأنعام {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ} والآية 7 من سورة الشورى {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} ونتيجة اتساع الفتوح العربية الإسلامية امتد الأثر القرآنى خارج نطاق العالم الناطق باللغة العربية (المترجم: ويورد المؤلف هنا عبارة مؤداها أن القرآن الكريم لم يكن موجها فى البداية لغير العرب، واستشهد بالآيتين اللتين أوردناهما آنفا للتدليل على رأيه، ولا يخفى أن هذا استشهاد خاطئ فأم القرى هى مكة المكرمة وما حولها هو العالم كله، وليس مصادفة أن تكون مكة المكرمة هى مركز اليابس فى الكرة الأرضية، وهناك آيات قرآنية كثيرة تفيد بشكل واضح أن الإسلام دين لكل البشر {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ} الأنعام آية 90، {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} الأنبياء آية 107، {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} الفرقان آية 1. . الخ)، فكان على الفرس وغيرهم ممن اعتنقوا الإسلام أن يرتلوا القرآن بالعربية مثل إخوانهم من المسلمين العرب وكان من الطبيعى أن تثور قضية إمكانية قراءتهم القرآن بغير اللغة العربية خاصة بالنسبة للفاتحة وبعض السّور القصار التى لا مناص من استخدامها فى الصلاة. وبالتالى ثارت قضية إمكانية ترجمة القرآن الكريم كله. وقد تصدى علماء المسلمين -بحسم- لأية محاولة لترجمة القرآن (الكريم)، حتى بالنسبة للفاتحة وغيرها من السور القصار التى لابد منها لأداء الصلاة، أصر المالكية والشافعية

والحنابلة على ضرورة قراءتها باللغة العربية وحدها فإذا لم يستطع المصلى قراءة الفاتحة باللغة العربية استعاض عنها بأى آيات قرآنية أخرى أو حتى يردد اسم اللَّه بمقدار ما تستغرقه قراءة الفاتحة من وقت أو حتى يمرر الاسم الكريم (اسم اللَّه) على قلبه دون النطق به، إلّا أنه نسب إلى أبى حنيفة فى بداية الأمر جواز قراءة الفاتحة بالفارسية غير أنه عاد فسحب هذه الرخصة وقصرها على من لا يستطيعون حفظها باللغة العربية. وسحب الأحناف هذا الرأى على سائر اللغات الأخرى. وذهب علماء المسلمين إلى أن ترجمة القرآن الكريم كله أو بعضه إلى إحدى اللغات الأجنبية تعد أمرًا مستحيلا لأن كلمات القرآن الكريم مُعْجِزة لا يستطيع أن يأتى بمثلها بشر، وأن ترجمة النص القرآنى لأية لغة مهما كانت دقيقة لا يمكن أن تنقل المعنى القرآنى بالضبط لذا فهم يطلقون كلمة (تفسير) أو حتى (ترجمة معانٍ) على أية ترجمة للقرآن الكريم، كما جرى العرف بعد ذلك على طبع النص العربى جنبا إلى جنب مع النص المنقول إلى إحدى اللغات الأجنبية التى يطلق عليها (تفسير) أو (ترجمة معانٍ). ولقد طرحت قضية ترجمة القرآن الكريم على بساط البحث وأثارت جدلا عنيفا فى تركيا فى العشرينات من القرن العشرين عندما شرعت السلطات فى تَتْريك الصلوات ونشرت بالفعل نسخًا من القرآن الكريم باللغة التركية غير مصحوبة بالنص العربى وقد اعترض العلماء الأتراك على ذلك وراحوا يكررون الموقف التقليدى للسنة بالرجوع للمصادر الأولى. إلّا أنه بمرور الوقت خفت حدَّة المعارضة، بل إن الشيخ محمد مصطفى المراغى العالم الأزهرى المعروف نشر بحثا مستفيضا سنة 1932 م أفتى بأن استخدام لغة أجنبية فى قراءة السور القرآنية عند أداء الصلوات مسألة (واجبة) لأن المهم هو (المعنى) وليس (الإعجاز) فى هذه الحالة ولصعوبة تعليم العربية لكل المسلمين من غير العرب ووافق على هذا الرأى أيضًا الشيخ شلتوت، ومن الأفكار التى

المصادر

ذكرها الشيخ المراغى أن ترجمات القرآن الكريم ليست بالضرورة -هى (كلام الناس) لأنها تشير إلى معانى (كلام اللَّه). المصادر: 1 - الشافعى، الرسالة فى أصول الفقه (كتاب الأم) بولاق. 1321 هـ. ص 8 وما بعدها. 2 - عبد الرحمن بن القاسم، المدوّنة الكبرى القاهرة , 1324 هـ, جـ 1، ص 68 - 71. 3 - السرخسى، كتاب المبسوط، القاهرة، 1324 هـ ص 36 وما بعدها. 4 - ابن قدامة، المغنى، القاهرة، 1367 هـ، جـ 1، ص 486 وما بعدها. 5 - الشاطبى، الموافقات، القاهرة، 1340 هـ، جـ 2، ص 66 - 68. 6 - الفقه على المذاهب الأربعة، القاهرة، 1931 م. 7 - ابن حجر العسقلانى فتح البارى، القاهرة، 1319 - 1329 هـ. 8 - ابن قتيبة، تأويل مشكل القرآن القاهرة، 1373 هـ ص 15 وما بعدها. 9 - الزمخشرى، الكشاف، تفسيره للسورة 44/ الدخان 10 - السيوطى، كتاب الاتقان، القاهرة، 1317 هـ 11 - محمد شاكر، عن ترجمة القرآن للغات الأجنبية فى دورية عالم الإسلام MW، العدد 16, 1929 م ص 161 - 165. 12 - محمد رشيد رضا تفسير المنار، جـ 9، القاهرة، 1347 هـ، ص 314 - 353. 13 - محمد الخضر حسين، نقل معانى القرآن، فى مجلة نور الإسلام عدد 2، 1350 هـ، ص 122 - 132. 14 - محمد أبو دقيق، كلمة عن ترجمة القرآن، مجلة نور الإسلام، عدد 3، 1351 هـ، ص 57 - 65. 15 - محمد مصطفى المراغى بحث فى ترجمة القرآن الكريم وأحكامها، مجلة الأزهر، عدد 27, 1355 هـ ص 77 - 112. 16 - محمود شلتوت، ترجمة القرآن ونصوص العلماء فيها، مجلة الأزهر،

المصادر

عدد 7، 1355 هـ ص 123 - 134. 18 - A. Querry: Droit musulman Recueil de lois Cancernant les musulas schyiles, L, poris 1871 19 - Brunschvig: Kemal poshazade et le persom in Melanges Henri Masse 1963 20 - M.M. Moreno: E Lecito ai Musulmani lradurre il corano? in OM 5 (1925) 21 - J. Jomier: le commentaire caranique du Marnar, poris, 1954 22 - W. J. Schellabean: can a Moslem translate the Koran in MW, XXI (1931) 23 - A. L.Tibaui: Is the Quranmtranslatabl? in MW,Lii (1962) د. عبد الرحمن الشيخ [ولش A. T. Welch] (ب) ترجمات القرآن إلى اللغات الأخرى: لقد ترجم القرآن الكريم لمعظم اللغات الآسيوية والأوربية ولبعض اللغات الأفريقية، ويقال إن الترجمة الفارسية الأولى قام عليها سلمان الفارسى فى عهد الخلفاء الراشدين، كما أن هناك إشارات إلى ترجمة للغة البربر سنة 127 هـ/ 744 م، وأخرى للسندية سنة 270/ 883 م لكن أيا من هذه الترجمات لم يعد موجودا. المصادر: (1) Index translationum, passim; the catalogues of the British Library, India Office Library, Cambridge University Library and others (2) V. Chauvin: Bibliographic des ouvirages arabes ou relatifs aux arabes. x. le Coran et la tradition, Liege and Leipzig 1910 (3) M. Hamidullah, Quran in every language, Hyderabad Deccan 1939 (4) W.S. Woolworth, A bibliography of Koran texts and translationsin .W, Xvii (1927), 279 - 89 د. عبد الرحمن الشيخ [باريه R. Paret]

1 - الترجمات الفارسية والتركية

1 - الترجمات الفارسية والتركية: إحدى أقدم الترجمات إلى اللغة الفارسية، والتى لا تزال موجودة هى ترجمة تفسير الطبرى (المتوفى فى بغداد 310 هـ/ 923 م. وقد تمت هذه الترجمة تحت رعاية أبى صالح منصور ابن نوح الحاكم السامانى لبلاد خراسان وما وراء النهر. والتاريخ الدقيق لهذه الترجمة غير مسجل لكن المقدمة الفارسية توضح ظروف إنجازها فبعد أن استفتى أبو صالح العلماء فى شرعية هذه الترجمة، أمر علماء مملكته بالقيام عليها. وثمة مخطوطات عديدة لترجمات إلى الفارسية أوردها ستورى Storey, أقدمها فى رامبو يعود تاريخها إلى 600 هـ/ 1203 م. وثمة ترجمة للقرآن الكريم إلى الفارسية بحروف لاتينية فى الفاتيكان. وربما لم يمض وقت طويل حتى قام محمد بن أبى الفتح سنة 628 هـ/ 1231 م بنسخ نص فارسى وشروح مرافقة، وهذه النسخة محفوظة فى كامبردج ووصفها برون E.G.Browne وقد عدد ستورى Storey ثمانيا وأربعين ترجمة وتفسيرا، وعدد لنا بعض الترجمات التى لم يعرف القائمون عليها (مترجموها) معظمها مخطوط وبعضها مطبوع بالحفر على الحجر (طباعة حجرية). وتعد ترجمة تفسير الطبرى للفارسية هى الأساس للترجمة التركية التى جعلها الباحث توجان Togen معاصرة للترجمة الفارسية بينما يجعلها الباحث إنان Inan فى النصف الأول من القرن الخامس الهجرى/ الحادى عشر للميلاد. ويقال إن هناك أكثر من سبعين ترجمة للغة التركية تعود أقدمها على الأقل إلى القرن الرابع الهجرى/ الحادى عشر للميلاد، سواء بتركية الأتراك الغربيين أم بتركية الأتراك الشرقيين بالحروف العربية أو الرومانية، وهناك على الأقل أربع ترجمات بالتركية الحديثة مصحوبة بالنص العربى.

المصادر

المصادر: (1) E. G. Browne: Description of an old persian commentary on the Kuram, in jRAS (1894), 417 - 524 (2) Bodroligeti: The persian translation of the koran in latin letters, in Actaor. Hung. xiii (1961), 261 - 86 (3) Zeki velidi Togan: The earliest translation of the Quran into Turkish, in Islam Tetrirleri Enst. Dergisi, Iv (1964), 1 - 19 (4) Abdulkadir inan: Kuram-i karm in turkce tercumeleri uzerindebir inceleme. Ankara 1961 (5) J. K. Birge; Turkish translations of the Koran, in turkce tercumeleri uzerinde bir inceleme. Anaara 1961 (6) J. K. Birge: Turkish translations of the Koran, in MW xxviii (1938), 369 - 9 (7) Eckmann: Eastern turkic tranlations of the koran, in studia turcica, ed. L. Ligeti, 1971, 149 - 59 (8) Idem: Middle Turkic glosses of the Rylands interlinear Koran translation Budapest 1976 (9) Yasaroglu: in M. Hamidullah kuran- i Kerim tarihi ve turkca tercumeler binliyografyase, istanbul 1965 2 - الترجمات باللغات الهندية والباكستانية: من بين الترجمات الكثيرة بلغة الأوردو، يقال إن الأقدم هى تلك الترجمة التى قام عليها الداعية الشهير محمد إسماعيل شاهد لشاه عبد القادر وشاه رافع. ويضم فهرست التراث الهندوستانى للمتحف البريطانى أمثلة عديدة من بينها ترجمات قام عليها مسيحيون وطبعت بحروف لاتينية. ويمكن الوصول إلى مزيد من التفاصيل فى ببليوجرافيات المكتبات الباكستانية Andjuman- i tarakki- yi urdu pakistan i, karachi, 1961

3 - الترجمات للغات جنوب شرق آسيا

وكذلك الببليوجرافية التى أعدها عبد القادر شوذرى سنة 1924 م وبالنسبة للغات الهندية الآرية الأخرى واللغات الدرافيدية توجد ترجمات بالآسامية والبنغالية (هناك أمثلة عديدة منها الترجمة التى صدرت سنة 1908 م التى قام عليها وليم جولدساك واللغة الحجراتية والكشميرية والماراثية والبنجابية الأريانية وغالبا ما تكون هذه الترجمات مصحوبة بالنص العربى للقرآن الكريم، والباشتوية والسنسكريتية والسندهية Sindhi، وكذلك باللغات الدرافيدية: التاميلية والتليجوية والمالايالامية Malayalam. 3 - الترجمات للغات جنوب شرق آسيا: ثمة ترجمات كثيرة للمالاوية الأندونيسية وردت فى الفهارس والببليوجرافيات، بالإضافة لترجمات للغات الأندونيسية الأخرى (السنديزية، والجاوية، البوجينية Buginese ومكسّريه Macassarese) والترجمة البورمية Burmese المصحوبة بالنص العربى التى قام عليها الحاج نور الدين المعروف بالحاج لو Lu والتى نشرت سنة 1938 موجودة بالمتحف البريطانى. وتوجد ترجمتان للغة الثاى Thai احداهما مصحوبة بالنص العربى، وتعود لسنة 1968, والأخرى تعود لسنة 1971 والنسختان موجودتان فى مكتبة جامعة كورنل وازن Cornell Wason. المصادر: (1) Catalogus Van de Bibl. V. het Kon. Inst. V. Taal (2) Land - en Volkenk. and suppls (3) Ockelonen: Catalogus van boekenen tijdschriften uit - gegeven in NedOost - Indie, 1870 - 1953 4 - الترجمات للصينية واليابانية: شهد القرنان التاسع عشر والعشرين حوالى عشرين عملًا تضم مختارات من القرآن الكريم مترجمة للصينية مشفوعة -فى بعض الأحيان- بتفسيرات. وتوجد مخطوطة يعتقد أنها تعود لسنة 1800 م فى معهد

المصادر

الدراسات الشرقية والأفريقية فى جامع لندن تضم آيات من القرآن الكريم وبعض الدعوات بالأصوات (الحروف) الصينية، وقد عمل ساكوما Sahums التاجر اليابانى الذى تحوّل للإسلام على ترجمة القرآن الكريم إلى اللغة الصينية، وأسس ساكوما صحيفة متطورة سنة 1925 م -لكنها لم تستمر طويلا- سماها ما - كيانج Ma - Kiang ويذكر مصدر آخر أنه فى ذلك العام (1925) كانت الترجمة الكاملة للقرآن الكريم قد صدرت عن الجمعية العالمية الإسلامية International Muslim Association وتوجد فى المتحف البريطانى ترجمة للقرآن الكريم kuo - yu Ku - Ianching من الإنجليزية قام عليها تسوشو Tzu - Cha وآخرون, تايباى Taipei، 1958. وقد نشرت الترجمة اليابانية للقرآن الكريم التى قام عليها توشيهيكو إيزوتسو Toshihiko Isutsu وتاناكاشيرو Tanaka Shiro فى طبعات عديدة ابتداء من خمسينات القرن التاسع عشر. المصادر: (1) Un commentaire chinois du Coran, RMM, iv (1908), 540 - 7 (2) I. Mason: Notes on Chinese Mohammadan literature, in J. North China Branch RAS, lvi (1925), 172 - 215 (3) R. A. Syral: Christ in the Chinese Koran, in MW, xxvii (1937), 72 - 83 5 - الترجمات للعبرية والسريانية والكرجية: توجد ثلاث مخطوطات لترجمات عبرية للقرآن الكريم فى اكسفورد وكمبردج ومكتبة الكونجرس، والترجمتان الأوليان مترجمة من الإيطالية، والثالثة مترجمة من الهولندية. وكل هذه الترجمات سابقة على ترجمة هيرنمان (حاييم) ريكندورف Hayyim Rechendorf التى رجع فيها للنص العربى مباشرة، وتمت سنة 1857 م فى ليبزج، وظهرت بعد ذلك ترجمتان إحداهما قام عليها

المصادر

يوسف يوئل ريملن Joseph Joel Rivlin وصدرت فى تل أبيب 1936 م - 1941 م, و 1963 م، والأخرى قام عليها أهرون بن شمش Ahron Ben-Shemsh وصدرت فى رمث جان Ramath Gan سنة 1971 م. وظهرت بضع آيات مترجمة للسريانية فى عمل يهاجم اليهود والنساطرة والمسلمين، ألّفه بار صليبى Bar Salibi السريانى الغربى (المتوفى 1171 م) ويوجد هذا العمل الآن فى مكتبة جامعة جون ربلاندز فى منشستر. ومن المشكوك فيه أن تكون هناك ترجمة سريانية كاملة للقرآن (الكريم). وفى مكتبة ولاية بهوبال نسخة من القرآن بالأرمنية نقلها عن ترجمة لاتينية ستيفانوس Stephanos كاهن اشميازن Eschwiadzin وتعود هذه المخطوطة إلى النصف الأول من القرن السابع عشر وثمة ترجمة جورجية (كرجية) تم إنجازها فى تفليس سنة 1906 م وهى موجودة فى مجموعة وردروب Wardrop فى مكتبة بودلين Bodleian. المصادر: (1) M. M. Weinstein: A Hebrew Qur,an manuscript, in Studies in bibliography and booklore (Cincinnati), x (1971 - 2), 19 - 43 (2) A. Mingans: An ancient Syriac translation of the Kur'an in Bull. John Rylands Libr., ix (1925), 188 - 235, and repr (3) J. Rendel Harris: The new text of the Kur'an, ibid., x (1936), 219 - 22 (4) Mesrob J. Seth: A manuscript Koran in Classical Armenian, in J A S B, N.S. xix (1929), 291 - 4 6 - الترجمات للغات الأفريقية: توجد ثلاث ترجمات للقرآن الكريم إلى اللغة السواحلية الأولى قام عليها

المصادر

مسيحى، والثانية قام عليها أحمدى والثالثة لسنىّ شافعى. وأقدم هذه الترجمات هى التى قام عليها جودفرى ديل المُبشِّر فى وسط أفريقيا وقد نشرت فى لندن سنة 1923 م. وتضم هذه الطبعة ما يزيد على 700 تعليق وشرح بقلم المترجم وزميله برومفيلد. أما الترجمة الأحمدية فقد صدرت فى نيروبى سنة 1953 و 1971 م وموقام عليها الشيخ مبارك أحمدى رئيس البعثة التبشيرية الأحمدية فى شرق أفريقيا. أما الترجمة التى قام بها سنى فهى ترجمة الشيخ عبد اللَّه صالح الفارسى ونشرت فى زنجبار بين سنتى 1956 و 1962 م وصدرت فى مجلد واحد فى بنجالور Bangalore سنة 1949 م كما أصدرتها المؤسسة الإسلامية فى نيروبى سنة 1956 م. وصدرت أيضًا ترجمات للقرآن الكريم بلغات أفريقية أخرى كلغات اليوربا (فى لاجوس 1924 م) والجاندا (نشرتها الإرسالية الأحمدية التبشيرية فى أوغندا سنة 1965 م) والأمهرية (فى أديس أبابا 1961 م، ومن الممكن أن تكون هناك ترجمة بربرية وقد ناقش هنرى باست Basset ذلك. المصادر: (1) H. Basset, Essai sur la litterature des Berberes, Algiers 1920, 63 - 4 (2) G. Dale: A Swahili translation of the Koran, in MW, xiv (1924), 5 - 9 (3) V. Monteil: Un Coran ahmadi en Swahili, in Bull. IFAN, xxix, B (1967), 479 - 95 (4) J. D. Holway: The Qur'an in Swahili; three translations. in MW, lxi (1971), 102 - 10 7 - الترجمات للغات الأوروبية: قام روبرت كتون Robert Ketton بنقل معانى القرآن الكريم للغة اللاتينية لكنه لم يكن أمينًا فى النقل وتم هذا العمل سنة 1143 م. وقد أجمع

الباحثون الغربيون على عدم أمانته (N. Daniel, Islam and the West. Edinbrugh, 1960) وكان هذا العمل غير الأمين هو الأساس الذى اعتمدت عليه ترجمات أخرى فى العصور الوسطى لم يلتفتوا لترجمة أخرى قام عليها مرقص الطليطلى Marks Toledo وفى القرن السابع عشر قام الدومنيكانى جرمانوس بإعادة نسخ عرض كتون المغلوظ آنف الذكر، وانتشر هذا العمل فى مونتبلييه Montplier والاسكوريال وفى أماكن أخرى ونشر فى Cluniac Corpus مضافًا إليه كتابات دعائية مسيحية بقلم تيودور ببلياندر Theodor Bibliander فى ثلاث طبعات فى بازل سنة 1543 م، بالإضافة لطبعة أخرى فى زيورخ سنة 1550 م كتب مقدمتها مارتن لوثر Luther . وكانت أول ترجمة للقرآن الكريم لإحدى اللغات الأوروبية الحديثة هى الترجمة الإيطالية التى أنجزها أندريا أريفابين Andrea Arrivabene والمنشورة سنة 1547 م، ورغم أن المترجم زعم أنه ترجمه مباشرة من النص العربى للقرآن الكريم إلا أنه من الواضح أنه اعتمد على العرض الذى قدمه روبرت كتون الآنف ذكره. وقام الألمانى سولومون شفيجر Soloman Schweigger بالاعتماد على النص الإيطالى (المغلوط) الآنف ذكره فى إصدار أول ترجمة ألمانية، وهذه الترجمة الألمانية بدورها كانت أساسًا للترجمة الهولندية التى صدرت سنة 1641 دون ذكر اسم القائم بالترجمة. وكانت أول ترجمة فرنسية هى التى قدمها أندرى دى رير Andre da Ryer وتوالت طبعاتها سنة 1647 و 1775، وكانت كل الطبعات تحتوى على ما يطلق عليه "موجز لدين الأتراك"، وكانت الترجمة الفرنسية أساسًا للترجمة الإنجليزية التى أنجزها الإسكندر رموس Alexander Ross كما كانت أساسًا لبعض الترجمات الهولندية (التى أعدها جلازميكر Glazemaker)

عرض لترجمات القرآن الكريم إلى اللغات الأوروبية

والألمانية (التى أعدها لانج Lange) والروسية (التى أعدها بوستنيكوف وفريوفكين Veryovkin). والترجمة اللاتينية الثانية اعتمدت -مباشرة- على النص العربى، وأعدها لويس (لودوفيكو) مراكى Ludouicc Marraci ونشرت سنة 1698 م، وأعاد نشرها بعد إضافة تعليقات وشروح رينيكيوس Reinccius سنة 1721 م، وترجم عنها للألمانية نريتر Nerrelier. وشهد القرن الثامن عشر ترجمات اعتمدت مباشرة على النص العربى منها ترجمة سيل Sale للإنجليزية (نشرت 1734 م) وترجمة سافارى Savary للفرنسية (نشرت 1751 م) وترجمة بويزن Boysen للألمانية (نشرت 1773 م). وكانت ترجمة سيل آنفه الذكر رائجة فى البلاد الناطقة بالإنجليزية قرابة قرنين، وقد ترجم بحثه عن القرآن الكريم -الذى اعتمد فيه وفقًا لما يقول نالينو Nallino- على كتابات مرّاكى Marracci وإدوارد بوكوك Pococke إلى عدة لغات أوروبية، بل لقد ترجمته الإرساليات البروتستنطية فى مصر إلى اللغة العربية. وفى القرن العشرين ظهرت الترجمات الإنجليزية الأولى التى قام عليها مسلمون، وبدأت الحركة الأحمدية تنشر القرآن الكريم باللغات الأوروبية وحتى الأفريقية. وفى التاريخ المعاصر ظهرت ترجمات بمختلف اللغات الأوروبية قام عليها علماء متخصصون فى العربية وآدابها ومتخصصون فى الدراسات الإسلامية رغم رأى فشر A.Fischer الذى مؤداه أن أحدًا لن يجرؤ على هذا العمل إلا بعد جيلين أو ثلاثة من الدارسين المتخصصين فى العربية والإسلام. عرض لترجمات القرآن الكريم إلى اللغات الأوروبية: - لغة الأفريكانرز (هولندية جنوب أفريقيا): ترجمة 1950 م لم يذكر عليها اسم المترجم، وترجمة م. أ. بكر سنة 1961 م.

- اللغة البلغارية، ترجمة ليكا Lica، 1902 - 1905 م وترجمة توموف وسكولوف حوالى سنة 1930 م. - التشيكية، ترجمة فيزلى Vaselly، 1913 - 1925 م وترجمة نيكل Nykl، 1934 م وهيربك Herbek 1972 م. - الدنمركية: ترجمة مادسن Madsen، 1967 م، ومختارات مرتبة زمنيًا ومترجمة للدنمركية، بوهل Buhl، 1921, 1954 م. - الهولندية: ترجمة لا يعرف مترجمها، 1641, ترجمة جلازميكر Glazemeiker، 1658, 1696, 1698, 1707, 1721, 1734. وترجمة تولنز Tollens، 1859، ترجمة ريزر Reyzer, 1860 و 1879، وترجمة بشير الدين أحمد (من طائفة الأحمدية) 1953 م، وترجمة كرامرز Kramers، 1956 م، 1965, 1969 م. - الإنجليزية: ترجمات قام بها مسيحيون: ترجمة روس Ross, 1649 م, 1688, 1719, 1806 م. ترجمة سيل sale، 1734, 1892 م، وترجمات أمريكية فى الفترة من 1833 إلى 1923 م, رودويل Rodwell، 1861, 1876, 1909 م (أعيد إصدارها حتى 1965)، بل Bell، 1937 - 1939 م, أربرى Arberry، 1955 م (أعيد طبعها 1963, 1964, 1969, 1971 م)، وهناك ترجمات كثيرة أخرى قام بها مسلمون سنَّة منها ترجمة بكتال Pickthall، 1930 م. . الخ، وهناك طبعات بها النصان العربى والإنجليزى، 1938 م، 1976 م، يوسف على, 1934 م, وداود, 1956 م، وترجمات أحمدية. - الفنلندية: آسن بور Ahsen Bore، 1942 م, وآرو Aro، 1957 م. - الفرنسية: ترجمة دى رييه Du Ryer، صدرت فى عدة طبعات فى الفترة من 1647 إلى 1775 م. وترجمة سافارى Savary من 1751 إلى 1960 م. وترجمة كازيميرسكى Kasimirski، 1840 - 1970 م؛ وترجمة

فاطمة زيادة، 1861 م، وترجمة مونتت Montet، 1929 م، وترجمة ليمش Laimeche، 1931 م. ترجمة بيزل وتجانى Pesle and Tidijani، 1936 وترجمة بلاشير Blachere، 1949 - 1950 م, 1957, 1966 م وترجمة رجبالى (موريشيوس) 1949 م، وترجمة مرسييه Mercier، 1956 م، وترجمة Ghedire، 1957 م، وترجمة حميد اللَّه، 1959, 1966 م، وترجمة ماسون Masson، وترجمة سى بوبكر حمزة 1972 م. - الألمانية: ترجمة شفيجر Schweigger, 1616, 1623, 1659 م. وترجمة لانج Lange، 1688 م، وترجمة نرتر Nerreter، 1703 م، وترجمة أرنولد Arnold 1746 م، وترجمة مجرلن Megerlin، 1772 م، وبويزن Boysen, 1773, 1775 م. ووهل Wahl، 1828 م، وألمان Ulmann، 1840 - 1959 م (عشر طبعات) وجريجل Grigull، 1901 م، 1960 - 1968 م، وجولد شمت Gold Schmidt، 1916 م، وأوبير Aubier 1957، وصدر الدين، 1939 م، وترجمات لطائفة الأحمدية 1954 م، 1959، بارت Baret، 1966, 1977 م, وطبعة رخيصة 1979 م وطبعة أخرى منه 1980. - اليونانية: بنتيك Pentake، 1878, 1886 م. إلخ، زوجرافو ميرانيو Zographou Meraniou، 1959. - المجرية: زدماجر Szdmajer, 1831 م MW (1927، زوكولى Szokolay 1854 م. - الإيطالية: ترجمة أريفابن Arrivabene، 1547، 1548, 1912 م، وترجمة كالزا Calza, 1847 م، وترجمات لم يكتب عليها أسماء مترجميها, 1882, 1912، 1913 م. فراكاسى Fracossi، 1914 م,

بونيلى Bonelli، 1929, 1940 م (وأعيد طبعها 1948, 1956 م)، بوسانى Bausani، 1955, 1961 ومورينو Morena، 1967, 1969 م, وفيولانت Violante (بدون تاريخ). - اللاتينية: ترجمة روبرت كتون Ketton، 1543, 1550 م ومراسى Marracci, 1698, 1721 م. - البولندية: سوبولفسكى Soholewski, الطبعة الأولى لم يحدد تاريخها، 1828 م، بوتشاكى Buczochi 1858 م. - البرتغالية: ترجمة لم يحدد القائم عليها، 1882 م, وترجمة كاسترو Castro، 1949 م. - الرومانية: ترجمة إيزوبسكل Isopscul، 1912 م - الروسية: ترجمة بوستنيكوف Postnikou، 1716 م. ونيكوليف Nikolaev، 1864 - 1912 م (خمس طبعات)، بوجسلافسكى Boguslauski, 1871, سابلكوف Sahinkov، 1877 - 1879 - 1894 - 1898, 1907 م, كريمسكى Krimskiy، 1902, 1905, 1916 م, كراتشكوفسكى KrocltovesKiy، 1963 م. - الصربية - الكرواتية: لجو بيراتيتش Ljubibratic، 1895 م، بنزا Panza وتشوسيفتش، 1936، 1969 م. كرابيح karabeg، 1937 م الأسبانية: جربر دى دوبلز Gerber de Robles 1844 م, أورتيز Ortiz، 1872 م, ومورجونذو Murguiondo، 1875 م، وترجمة لا نعرف القائم عليها، 1931 م, وبرجوا Bergua، 1931 م (تسع طبعات حتى 1970 م). وكاسينوس أسينز Casinos 1951 م، (خمس طبعات حتى 1963)، فيرنت جينز Vernet Gines 1953, 1963 م، وترجمة أخرى

المصادر

لا يعرف القائم عليها، 1960 م, كاردونا كاسترو، 1965 م، وأخرى مجهولة المترجم 1965 م وترجمة هرناندز كاتا Cata (بدون تاريخ)، جارشيا برافو Bravo (بدون تاريخ). - السويدية: كروسنستولب Crusenstolpe، 1843 م، وتورنبرج Tornberg، 1874 م ورترشتين zettersleen 1917 م، وأولماركس Ohlmarks، 1961 م. وتوجد أيضا ترجمات لبعض أجزاء من القرآن الكريم للألبانية والنرويجية بالإضافة لترجمة مخطوطة للأوكرانية قام عليها فولودمير ليزيفيش Volodymyr Lezevyc المصادر: (1) J. Kritzeck: Robert of Ketton's translation of the Qur'an, in IQ. ii (1955), 309 - 12 (2) M. Th. d'Alverny: Deux traductions Latines du Coran au Moyen Age xxii - xxiv (1947 - 8), 69 - 131 (3) M. Th. d'Alverny: G. Vajda Marc de Tolede, traducteur d'Ibn Tumart (4) C. de Frede: La prime traduzione italiana del Corano . . . Naples 1967 (5) Denison Ross: Ludovico Marraci, in Bsos, ii (1921 - 3), 117 - 23 (6) A. Bausani: On some recent translations of the Qur'an, Bijilefeld Same recent Contributions to Qur'anic studies, in MW, Ixiv, Ixiv (1974), 79 - 102, 172 - 9, 259 (7) Hamidullah: Le Coran, traduction integrale, avec une bibliographie de toutes les traductions . . . en langues europeennes, Paris 1966 (8) J. D. Pearson: Bibliography of Translation of the Koran into European languages, in Cambridge history of Arabic literature (forthcoming) د. عبد الرحمن الشيخ [ج. د. بيروسون J.D. Pearson]

قراقوش، بهاء الدين

قراقوش، بهاء الدين قراقوش، هو بهاء الدين بن عبد اللَّه (ابن لأب مجهول) الأسدى (نسبة إلى أنه كان مملوكا لأسد الدين شيركوه) كان من ضباط الملك الناصر يوسف (صلاح الدين) أعتقه شيركوه وعينه أميرًا. وعند موت شيركوه عام 564 هـ/ 1169 م كان قراقوش قد أصبح له دور بارز فى مجريات الأمور، وقيل إنه يرجع إليه الفضل وكذلك إلى القاضى عيسى الهكارى فى حمل الخليفة العاضد الفاطمى على تعيين صلاح الدين وزيرًا. وبعد إخماد حركة التمرد التى وقعت فى أعقاب وفاة العاضد بقيادة صاحبه الخصى مؤتمن الخلافة، عين قراقوش حاجبا فمكنته وظيفة الحجابة هذه من أن يصبح رقيبًا على أسرة الخليفة الراحل، وقيل إنه أدى مهمته بصرامة وحزم شديدين، وقد عهد إليه صلاح الدين ببناء قلعة القاهرة، كما قام بتوسيع أسوار المدينة لتشمل القاهرة والفسطاط معًا كما تم تكليفه فيما بعد بتحصين وسائل الدفاع عن مدينة عكا فلما سقطت المدينة عام 587 هـ/ 1191 م بعد استبسال دام ثمانية عشر شهرًا وقع هو فى الأسر، وفداه صلاح الدين بعد بضعة أشهر بعشرين ألف دينار. وبعد وفاة صلاح الدين فى 589 هـ/ 1193 م، دخل قراقوش فى خدمة الملك العزيز عثمان بن صلاح الدين، وعين نائبًا للسلطان عند غيابه عن مصر. ولما أحس السلطان دنو أجله (595 هـ/ 1199 م)، عين ابنه الملك المنصور كخليفة له فى الحكم وجعل قراقوش وصيًا عليه. فالتزم السلطان الصغير علىّ بوصية أبيه وعين قراقوش أتابكًا رغم كبر سنه فلم يبق قراقوش فى منصبه إلا فترة قصيرة أشد القصر كما هو الشأن مع أغلب الأمراء، إذ أعلن كبير كتاب الديوان ابن مماتى عدم صلاحية قراقوش للحكم بحجة أنه رجل طاعن فى السن أما مؤيدو قراقوش الذين رأوه أحق الناس بالوصاية فقد سألوا القاضى الفاضل مستشار صلاح الدين أن يمنحهم النصيحة، وكان القاضى الفاضل قد اعتزل الحياة السياسية إلا أنه لم يجبهم إلى ما سألوه وانتهى الأمر بالأمراء أن

سألوا الملك الأفضل عم المنصور أن يتولى هو الوصاية على الملك المنصور، ولانجد ذكرًا لقراقوش بعد الأحداث السابقة إلا مرة واحدة عندما أرسل السلطان العادل -الذى كان قد استولى على الحكم فى 596 هـ/ 1200 م- اثنين من أبناء أخيه للسجن فى بيت قراقوش الذى مات فى العام التالى. ويلقى قراقوش كل الثناء من المؤرخين المعاصرين له مثل عماد الدين الكاتب الأصفهانى وكذلك من المؤرخين المتأخرين أمثال المقريزى وابن تغرى بردى ويصفونه بأنه كان أقدر رجل فى عصره. وكان محل تقدير هؤلاء المؤرخين بفضل جهوده البناءة فبالإضافة إلى العمائر التى ذكرت، يوجد أيضًا منزله ومضمار الخيل والكوبرى الذى أنشأه فى الجيزة، ويذكر أنه بناه من صخور بعض الأهرامات بممفيس، وخلال نفس الفترة اشتهر قراقوش بأن أصبح اسمه قرين البلاهة، فقد تضمّن كتاب "الفاشوش فى أحكام قراقوش" مجموعة من الآراء والأحكام السخيفة، وهذا الكتاب كما يقرر حاجى خليفة من عمل ابن مماتى السالف ذكره واعتمد كازانوفا فى دراسته القيمة على ثلاث مخطوطات هى: 1 - مخطوطة بالقاهرة وهى تحوى مختارات مختصرة من كتاب الفاشوش ومذكور فيها أن مؤلفه هو ابن مماتى. 2 - مخطوطة باريسية وهى منسوبة خطأ إلى السيوطى، إذ أشير فى المقدمة إلى ابن تغرى بردى مع وجود خطأين فى اسمه الأول. وبالتالى فمن الصعب أن يكون السيوطى هو المؤلف. 3 - مخطوطة بالقاهرة أحدث من الأولى وفيها يُنْعت قراقوش "بالسلطان" وقد زاد فيها عدد الأحكام وهذه الأحكام لا علاقة لها بشئون الدولة، ولكنها عبارة عن أحكام قضائية تقليدية وحكايات شائعة ومتداولة فى البلاد الأخرى. لم يقم أحد بتحقيق جاد حول هذه القضية. وحاول كازانوفا أن يثبت أن العمل المذكور لم يكن إلا كتيبا هدفه الإساءة إلى قراقوش، كما يرى أن ابن

المصادر

مماتى كان يكره فى قرقوش صرامته الشديدة. وليس من المعروف إن كان ابن مماتى قد قام بجمع ونشر هذه الحكايات والنوادر خلال حياة قراقوش. ويشير ابن خلكان -وهو محق فيما يقول- إنه من المستحيل أن يحتل رجل بالأوصاف المذكورة فى هذه النوادر أعلى المناصب فى الدولة، كما أننا لا نعلم عن وجود ضغينة أو عداء بين ابن مماتى وقراقوش اللهم إلا اعتراض ابن مماتى على وصاية قراقوش على العرش عام 595 هـ/ 1199 م بوصفه رجلًا مسنًا. ويصف كتاب الحوليات من الفرنج قراقوش أنه كان رجلا متقدمًا فى السن، أثناء حصار عكا فى عام 585/ 1189 م. وتوجد ملحوظة لابن خلكان وهى أن نوادر ابن مماتى كان يقصد منها قراقوش الذى نكتب عنه. المصادر: وردت فى المتن. وائل البشير [م. سوبرنهيم M. Sobernheim] قراقوش، شرف الدين هو شرف الدين قراقوش الأرمنى المظفرى الناصرى المملوك الأرمنى. كان مملوكًا للمظفر تقى الدين ابن أخى صلاح الدين، وقد خرج على رأس حملات عسكرية على طرابلس وجنوب تونس، واحتل طرابلس وقابس وبلدان أخرى لفترات معينة. وكان الملك المظفر قد حملته مطامعه الشخصية على نبذ فكرة غزو أفريقية التى لم يكن الموحدون قد أحكموا قبضتهم عليها تماما، ولذلك أوكل هذه المهمة إلى مملوكه شرف الدين قراقوش، ومن الراجح جدًا أن وجدت هذه الفكرة تشجيعًا من جانب صلاح الدين، واستمرت هذه العمليات بدءًا من عام 568 هـ/ 1172 م. وفى أول الأمر، شن قراقوش عدة غارات (انظر أبو شامة، الروضتين، القاهرة 1956 - 1962 م, ص 548) على برقة وطرابلس وأوجله ثم عاد إلى القاهرة حيث ألقى به فى السجن، ولكنه سرعان ما بدأ نشاطه مرة أخرى (572 هـ/ 1176 - 1177 م)، فعاد

مرة أخرى إلى طرابلس (انظر: أبو شامه، المرجع السابق جزء 1 ص 2, 692) على رأس قوة من الغز، واحتل الأجزاء الجنوبية الشرقية من الإقليم حتى بلغ فزان واستطاع بمعاونة بدو بنى هلال وسليم أن ينتزع طرابلس. وفى هذه اللحظة بالذات، انضم إليه سلحدار تقى الدين، وهو شخص يكتنف الغموض دوره واسمه (ويرجح جودفيرى دى موسين فى مقاله Une hettel de .Saladin au Calif a lmahade أن ناصر الدين إبراهيم وإبراهيم بن فراتكين وأبا زابة إنما هى أسماء ثلاثة لشخص واحد). وبعد أن تحالف قراقوش مع على ابن إسحق بن غانية، الذى أعلن طاعته للخليفة العباسى والذى حارب الموحدين فى جنوبى تونس، مضى قراقوش فأخذ فى التوسع فى احتلال الأراضى تجاه جبل نفوسه وقابس، ومع ذلك لم يصل إلى تونس. ولما وجد قراقوش نفسه فى قفسة فى نفس الوقت الذى أنزل فيه بنوغانية هزيمة منكرة بجيش الموحدين قرب تلك البلدة (15 ربيع الآخر 583 هـ/ 24 يونيه 1187 م) قام قراقوش بذبح اللاجئين إليه طلبًا لحمايته لهم فانتقم لهم أبو يوسف يعقوب المنصور الحوصرى إذ قام من فوره بعمليات عسكرية وكتب له النصر فى معركة "الهامة" وذلك يوم 10 شعبان 513 هـ/ 15 أكتوبر 1187 م مما ترتب عليه طرد قراقوش من قابس، فانطلق قراقوش على وجهه فى الصحراء مع على بن غانية، أما أملاكه وقواته فقد آلت إلى المنصور الذى أرسل عسكره الغز إلى مراكش، وبعد فترة قصيرة سقطت قفسة ولقى الغز بها نفس المصير. ومن الممكن أن يكون قراقوش قد عرض على الموحدين فكرة الاستسلام حتى قبل سقوط قفسة وفعل فعله سلحدار (انظر: Levi.: Provencal Tren lettres alwohades tespt ص 198) ويمكن أن تكون هذه المبادرة قد تمت فى وقت لاحق. ومهما يكن الأمر، فإن صلاح الدين الذى ابتهج بانتصارات قراقوش (انظر "أبو شامة"، الروضتين، الطبعة الثانية ص 547) كان فى ذلك

الوقت بحاجة إلى مساندة أسطول الموحدين له ضد الفرنجة. وتوجد لدينا رسالة تحمل اسم صلاح الدين كتبها القاضى الفاضل مؤرخة بتاريخ 585 هـ/ 1189 م وموجهة إلى المنصور يسأله فيها أن يتدخل بنفسه (القلقشندى، صبح الأعشى، الجزء 6 ص 526). اضطر قراقوش حينئذ أن يتعاون مع المنصور تنفيذا لأوامر صلاح الدين الذى أرسل فى العام التالى (28 شعبان 583 هـ/ 30 سبتمبر 1190 م) سفارة إلى المنصور (انظر أبو شامة، الروضتين، جزء 4، ص 497 - 505) يستنكر التصرفات غير المسئولة التى صدرت من جانب كل من السلحدار والمملوك (وفقًا لأبى شامة جزء 2 ص 508، تم تسليم المملوك إلى تونس عن طريق قراقوش. أما الاستبصار جزء 3، فيذكر أن هذا المملوك واسمه فى هذا المقام أبو الزبا الفارسى قد نفى من طرابلس إلى مراكش) وبعد أن أقام قراقوش فترة من الزمن مع والى تونس، عاد لمتابعة القتال ثم وثب على قابس وطرابلس ونجح فى استردادهما بمساعدة بعض القبائل المتمردة (586 هـ/ 1190 م). على أنه بعد وفاة على بن غانية سنة 584 هـ/ 1188 م، تدهورت العلاقات بين قراقوش ويحيى بن غانية شقيق علىّ وخليفته، فقد قام فى عام 591 هـ/ 1195 م يحيى بن غانية حاكم "الجديد" بالاستيلاء على قابس وطرابلس، فلم يكن من قراقوش إلا أن ترك لطرابلس نائبه "ياقوت" وفرّ إلى "ودّان" ناشدًا الأمان. فلما أخرج يحيى ابن غانية بدوره من أفريقيا، لجأ هو الآخر إلى "ودان" فى نفس السنة (606 هـ/ 1209 م) وحاصر حليف بنى غانية السابق الذى لم يكن فى استطاعته مقاومته، فأخذه يحيى هو وأحد أبنائه وقتلهما فى 609 هـ/ 1212 م. وهكذا انتهت حياة واحد من المغامرين الذى خاض غمار الحروب أربعين عامًا، كان أغلبها لصالح صلاح الدين الأيوبى بقدر ما هى لفائدته. ويوجد مزيد من التفاصيل عن واحد من أولاده كان قد فر إلى ودان بعد أن

المصادر

خان المنصور الحفصى (647 - 675 هـ/ 1249 - 1277 م) وانتهى الأمر أخيرًا بإعدامه على يد ملك كانم. وائل البشير [ش. بيلات Ch. Pellat] قربان هو الأضحية أو الشئ يضحى به. وتشترك العربية والعبرية والآرامية فى كلمة قربان، وقد وردت فى القرآن الكريم ثلاث مرات، واستخدمت فيه بمعنيين مختلفين. ففى سورتى آل عمران الآية 183 والمائدة الآية 27 تعنى الكلمة بوضوح أضحية، أما فى سورة الأحقاف الآية 28 فنقرأ: {فَلَوْلَا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْبَانًا آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ. . .}. ولا مفر هنا من أن نعتبرها مرادفًا قريبًا من كلمة "أرباب"، وربما كان لها معنى متصل بمادة "ق. ر. ب"، وهو ما ارتآه المفسرون حيث فسروا الكلمة بمعنى ما يتقرب به إلى اللَّه. ولا يبدو أن الكلمة قد وردت فى صحاح الأحاديث، وإن كان "لسان العرب" يورد حديثين ملفتين للنظر بحق: "صفة هذه الأمة فى التوراة قربانهم دماؤهم"، أى أنهم لا يتقربون إلى اللَّه بتقديم الذبائح بل ببذل دماء الشهداء، والآخر "الصلاة قربان كل تقى". ولنا أن نرى فى هذا الاستخدام دعوة لحض المؤمنين على الجهاد والصلاة. ثم استخدم المسلمون هذا المصطلح لشعيرة ذبح الأضاحى فى العاشر من ذى الحجة وأيام التشريق، ونعتوا العيد الذى يحتفلون به فى ذلك اليوم والأيام التالية له باسم عيد القربان، وتطلق عليه الأقطار الناطقة بالتركية "قربان بايرامى". أما المسيحيون العرب، فيستخدمون هذه اللفظة للإشارة لطقس توزيع الكاهن للخبز المبارك على المصلين أثناء القداس مما يعرف بالتناول. ويبدو أن كلمة قربان والجمع قرابين تستخدم فى العربية كذلك بمعنى رجال الحاشية والمستشارين المقربين من الملك، وربما اشتقت مباشرة من كلمة "قرب" بمعنى "دنا". المصادر: (1) Minga: Syriac influences on the

قراء

style of the Kur'on, in Bulletin of the John Rylands Library, Xi (1927), 85 (2) S. Fraenkel: De vocabulis in. . .Corano peregrinis, 20 محمد أبو العمائم [أ. ج. فنسنك A. J. Wensinck] قراء جماعة سياسية. أطلق لفظ القراء (مفرده قارئ) فى التاريخ الإسلامى على جماعة من العراقيين ثاروا على الخليفة عثمان رضى اللَّه عنه ثم بعد ذلك على علىّ رضى اللَّه عنه بعد أن قبل التحكيم، وفى الدراسات الأوروبية، تعنى كلمة قرّاء عادة من يتلون القرآن. كان برونو Brunnow أول من حاول معرفة دور القراء كجماعة مستقلة تعمل ضمن حركة الخوارج. ولكن فلهاوزن Wellhausen رفض بعض نتائج أبحاث برونّو وادعى أن القراء كانوا على صلة أكبر بالفقهاء المتعلمين مكونين دائرة أوسع من الرجال المتدينين حول هولاء الفقهاء الذين يفترض أنهم قلب طائفة رجال العلم الدينى. ويرى فلهوزن أن حماس القراء الدينى الذى افتقر إلى الفكر المتروى كان السبب فى خروجهم على سلطة إسلامية أخفقت، من وجهة نظرهم، فى تنفيذ أوامر القرآن الكريم. وقد ظهر حماسهم للإسلام أول ما ظهر فى حروب الردة، وانضموا لعلى فى حربه ضد طلحة والزبير وكذلك فى حربه مع معاوية. وعندما عرض معسكر معاوية الاحتكام للقرآن، كانوا مع علىّ عندما وافق على هذا الاقتراح، ولكن عندما ظهرت النتائج السيئة للتحكيم، انقلبوا على علىّ ولاموه بقسوة على تفضيله حكم الإنسان على حكم اللَّه، ويقال إنهم كانوا أشد طوائف الخوارج تعصبًا ضد علىّ ثم بعد ذلك ضد الأمويين. هذه الدراسة التى قدمها فلهوزن لطائفة القراء، وإن كانت مفيدة، إلا أنها لا تساعد على فهم الصراعات الاجتماعية التى لازمت المنازعات الدينية. لهذا ظلت شخصية القراء إلى عهد قريب غير واضحة. فإذا كان القراء طائفة من الناس لها أسلوب معين فى قراءة القرآن أو لهم وجهة نظر معينة فى تطبيق أحكام القرآن، فلماذا لا نجد لذكرهم أثر، فى المقالات التى تتحدث

عن أصحاب البدع أو مباحث تلاوة القرآن كما أن هناك شكًّا فى صحة افتراض فلهوزن أن هؤلاء القراء أصبحوا هم وحدهم المدافعين المتحمسين عن القرآن بعد هزيمة على السياسية. إنهم، -طبقا لما ورد فى المصادر التاريخية- لم يكونوا أبدا الأتباع المخلصين لعلى، وبالتالى ليس لديهم أى سبب لأن يعتبروا أنفسهم خونة لأنهم حثوا عليا على قبول تعيين الحكمين. وتتجه الأبحاث الحديثة حول هذا الموضوع لإدخال الطوائف الاجتماعية فى الاعتبار، ففى دراسة تفصيلية للاتجاهات السياسية فى الكوفة، رسم ج. م. هيندز G. M. Hinds صورة جديدة تماما للقراء. فقال إن جماعة تسمى القراء كانت ضد سعيد بن العاص الذى كان عامل عثمان على الكوفة حتى عام 33 هـ/ 653 م. وتثبت الأدلة التى قدمها هيندز Hinds أن أغلب القراء كانوا ممن استقروا فى جنوب العراق فى بداية الفتح الإسلامى ولهذا اكتسبوا بعض الامتيازات، ولكنهم فقدوا نفوذهم تدريجيا مع ازدياد عدد النازحين إلى هذه المنطقة فى عهد عثمان. وكان الأشتر واليزيد بن قيس -واللذان كان لهما دور بارز فى الأحداث فيما بعد- من هؤلاء الأوائل الذين خافوا أن يفقدوا وضعهم. وتفاقم الأمر عندما سمح عثمان للذين شاركوا فى معركة القادسية واستقروا فيما بعد فى المدينة أن يتبادلوا نصيبهم فى أرض العراق بأرض فى شبه الجزيرة العربية، وكان هذا يعنى تمييزا دقيقا بين أرض الصواخى وأرض الذمة، وظن الأوائل أنهم سيكونون الخاسرين نتيجة هذه الإجراءات الإدارية فعملوا على إقصاء سعيد بن العاص عن منصبه وبايعوا أبا موسى الأشعرى عاملا على الكوفة. ولم يكن للقراء دور أساسى فى الأحداث التى أدت إلى مقتل عثمان وإن كان الأشتر ضمن الذين شاركوا فى اغتياله. وعندما جاء على إلى المنطقة القريبة من الكوفة لم ينضم إليه رؤساء القبائل وإنما فضلوا الحياد لأنه كان أفضل لمصالحهم، ولم يحاول على -الذى كان يتبنى سياسة إسلامية تقوم على المساواة- أن يصل إلى تسوية معهم، لهذا لم يكن أمامهم إلا التحالف

المصادر

معه، وهكذا صار الأشتر وحجر بن عدى وعدى بن حاتم الذين كانوا يسمون القراء من زعماء الشيعة، وفى معركة صفين، ذكر القراء كطائفة شبه قبلية مستقلة تقاتل فى صف على، وعندما اقترح معاوية التحكيم، حث القراء عليا على قبول هذا الاقتراح، لأنهم رغبوا فى سلام يمكن عليا من اتباع سياسة تكبح سطوة المهاجرين الجدد، وعندما رأوا أن احلامهم لن تتحقق انقلبوا على علىّ عندما رفض الانسحاب من الاتفاق. وحاول علىّ أن يهدئ هذه المعارضة الداخلية الخطيرة فمنح كبراء القراء مناصب رفيعة، ولكن هذا لم يمنع غالبية القراء من أن يتحولوا إلى أعداء ألداء له، وكانوا أكثر جماعات الخوارج نشاطا فى القرن الأول. فى ضوء هذه النتائج الجديدة، لا يبدو من المعقول أن نفهم كلمة "القراء" بمعنى "الذين يتلون القرآن". ويرى شابان أن "قراء" تعنى "أهل القرى"، وهم الذين شاركوا فى الحروب الأولى (أهل الأيام) ضد الإمبراطورية الساسانية وأقاموا فى الأراضى الخالية فى جنوب العراق، وهددت امتيازاتهم فى عهد عثمان. وقدم كل من شابان Shahan وج. هـ. م. جوينبل H. A. Juynboll، 6 أدلة على نظريتهم هذه، ولكنها نظرية لازالت محل نظر، ويبدو أن تفسير "القراء" بمعنى "قارئى القرآن" يرجع إلى أن محمدًا [-صلى اللَّه عليه وسلم-] كان يستعين بقارئى القرآن فى إثارة حماس المقاتلين المسلمين، بالإضافة إلى أن القراء العراقيين احتكموا إلى القرآن، وإن كانوا لم يفعلوا ذلك بناء على عقيدة خاصة لديهم، بل أرادوا أن يعززوا مبدأ الحكم بالقرآن فى هذه القضية بالذات حيث أن الاتفاق الذى تم فى صفين بناء على حديث ضعيف كان خطرا على مصالحهم. المصادر: (1) R.Brunnow: Die chariolechiten unter den ersten Omayyaden (2) J. Wellhausen: Die reliajios - politiechen Oppositione parteien im alten Istam, برلين 1901 م. حسين أحمد عيسى [ت. ناجل T. Nagel]

قرة بن شريك

قرة بن شريك هو قرة بن شريك بن مَرْثَد بن حازم العبسى الغطفانى والى مصر من قبل الخليفة الأموى الوليد بن عبد الملك فيما بين عامى 90 - 96 هـ/ 709 - 714 م. هذا وينتمى قرة إلى مجموعة قبائل عرب الشمال التى استقرت فى شمال سورية والجزيرة والتى كانت على خط الجبهة الأمامى لجبال طوروس المواجهة للبيزنطيين. وقد قدم قرة نفسه من منطقة قنسرين جنوب حلب، وهكذا كان أحد أفراد الكوادر العربية السورية الخبيرة والقديرة والتى كان خلفاء بنى أمية يفضلون إسناد المهام المدنية والعسكرية العليا إليها، ومن المحتمل أن تكون والدة الوليد ولادة بنت العباس قد أثرت فى حياة قرة العملية حيث إنها كانت تنتمى أيضا إلى قبيلة عبس. إن الغموض الكبير ليحيط بالفترة المبكرة من حياة قرة، وقد استنتج (لامنس اعتمادا على ما جاء فى تاريخ ميخائيل السريانى) أنه من المحتمل أن يكون قرة قد عُين واليا على قنسرين أو أرمينيا، ومن الواضح أنه لا يمكن أن يعين فى منصب رفيع كوالٍ لمصر دون أن تكون لديه خبرة إدارية سابقة، وقد عين قرة على الصلاة والخراج أى كأمير وعامل بدلا من أخى الخليفة نفسه وهو عبد اللَّه بن عبد الملك الذى تعرضت البلاد خلال عهده لشدائد اقتصادية نتيجة انخفاض النيل، وقدم قرة إلى الفسطاط عاصمة مصر فى 3 أو 13 ربيع الأول سنة 90 هـ/ الموافق 10 أو 20 يناير سنة 709 م، أو بعد ذلك بقليل وبدأ فى ممارسة مهام منصبه. ومن المؤسف أن أحسن الحوليات العربية العامة [كالطبرى وابن الأثير] لم يذكر فيها سوى القليل عن فترة ولاية قرة، فالطبرى أشار فقط إلى تاريخ تعيينه واستمراره فى ولايته ثم تاريخ وفاته وتبعه فى ذلك ابن الأثير.

هذا وتعتبر المصادر المصرية المحلية بطبيعة الحال أفضل المصادر التى زودتنا بمعلومات تاريخية عن ولاية قرة وإن كانت غير كافية، ومن هذه المصادر كتاب الولاة للكندى والخطط للمقريزى، النجوم الزاهرة لابن تغرى بردى. وأدى العثور على بعض أوراق البردى المعاصرة. -التى اكتشفت فى قرية كوم أشقاو منذ عام 1901 م- إلى كشف النقاب عن الأحوال الإدارية والمالية فى مصر خلال ولاية قرة بن شريك كما صححت صورة قرة الذى طالما اعتُبر كأحد ولاة الأمويين الطغاة، وهى الصورة التى رسخت فى الأذهان خلال العصر العباسى وما تلاه كنتيجة لأفعال الحجاج التى أدانتها المصادر الإسلامية والمسيحية القبطية [مثل ساويرس بن المقفع]، ومما نسب إلى الخليفة عمر بن عبد العزيز قوله "الوليد فى الشام، والحجاج فى العراق، وعثمان المُزنى فى المدينة، وخالد القسرى فى مكة وقرة فى مصر، اللهم قد امتلأت الدنيا ظلما وجورا فأرح الناس". ومما ذكر عن ولاية قرة فشل المؤامرة التى حيكت ضده بالاسكندرية وكان الغرض منها الفتك بحياته من قبل مجموعة من الخوارج -كانت عدتهم نحوا من مائة- بقيادة المهاجر ابن أبى المثنى التجيبى. وكذلك أعيد بناء جامع عمرو بن العاص فى ولاية قرة بن شريك حيث أمره الخليفة [أى الوليد بن عبد الملك] فى مستهل سنة 92 هـ/ 710 م أن يهدم ما كان قد بناه عبد اللَّه بن عبد الملك (¬1). وأن يعيد بناء الجامع بكامله وقد جعل يحيى بن حنظلة العامرى مشرفا على البناء، كما تمت توسعة الجامع من الجانب الشمالى الشرقى ومن جهة القبلة [أى الجانب الجنوبى الشرقى]. ¬

_ (¬1) والصواب عبد العزيز بن مروان كما ذكر الكندى فى كتابه الولاة. (المترجم)

وكانت صلاة الجمعة تقام خلال فترة العمل فى إعادة بناء الجامع فى قيسارية العسل حتى اكتمل بناؤه رمضان 93 هـ/ يونية - يولية 712 م. وقد زودتنا أوراق البردى بمعلومات قيمة عن انشغال قرة خلال فترة ولايته بالتنظيم المالى لمصر وكذا الإصلاحات الاقتصادية والزراعية للإقليم. ولقد خلفت المجاعة الشديدة التى ألمت بمصر خلال ولاية سلفه عبد اللَّه ابن عبد الملك بن مروان (فى 86 - 87 هـ/ 705 - 706 م) الكثير من المصاعب، ولذلك اهتم قرة بزيادة الإنتاج الزراعى وإحياء أرض الموات ومن ذلك ما تذكره الحوليات الأصلية من أنه أصلح بركة الحبش أى أحياها وغرسها قصبا ولذلك عرفت بإصطبل قرة. ومن الأمور المثيرة للجدل فرض الجزية (ضريبة الرأس) على الأقباط الذين تحولوا إلى الإسلام، وتوضح أوراق البردى أن قرة كان حريصا على جمع الجزية كاملة من هؤلاء الموالى وكذلك تحصيل المتأخر منها وذلك ليحافظ على الحقوق المالية للخليفة. ولقد عانت مصر، مثل العراق وغيرها من الأقطار، من ظاهرة هروب الفلاحين إلى المدن فرارًا من دفع الضرائب المفروضة عليهم وهى ظاهرة كانت معروفة فى مصر البيزنطية، وخلال ولاية قرة بن شريك تم مطاردة هؤلاء الفارّين وإعادتهم إلى قراهم كلما سنحت الفرصة. وكان قرة حريصا كذلك على معاقبة الموظفين الطغاة كما فرض سيطرته التامة على مختلف الأقاليم [أى الكور]. المصرية عن طريق نظام البريد الدقيق. وتشير أوراق البردى، التى كتبت باللغتين اليونانية والعربية، إلى فرض ضرائب خاصة (تعرف بالليتورجيا أى الالتزامات الاجتماعية التى عرفت فى العالم القديم) لبناء سفن لمواجهة البيزنطيين فى شرق البحر المتوسط.

المصادر

وأخيرًا فقد أشار الكندى إلى أن قرة قام بإعادة تنظيم الدواوين فى مصر وذلك سنة 95 هـ/ 713 - 714 م وهو بذلك يعد ثالث والٍ قام بهذه المهمة بعد كل من عمرو بن العاص وعبد العزيز بن مروان. وكما لاحظ (بيكر) أن هذا كان من شأنه زيادة العناصر العربية فى هذه الدواوين، وقد تحولت اللغة الرسمية فى البلاد من اليونانية والقبطية إلى اللغة العربية وإن كان هذا قد حدث قبل ولاية قرة بن شريك. وقد توفى قرة بالطاعون وهو لا يزال على ولايته وكان ذلك فى شهر صفر 96 هـ/ أكتوبر - نوفمبر 714 م أو فى 23 ربيع الأول 96 هـ/ 1 ديسمبر 714 م وخلفه (كأمير للصلاة فقط) عبد الملك بن رفاعه الفهمى، وهو الذى كان صاحب الشرطة فى عهد قرة، وأسامه بن زيد الذى أصبح متولى الخراج. المصادر: وردت فى المتن. د. محمد حمزة [بوسورث C. Bosworth] قرطاس تعنى ورق البردى، أو لفافة البردى وكذلك قطعة رَق ثم الصحيفة (يكتب فيها). وقد نقلها العرب عن اليونان عبر اللغة الآرامية، وهى تُقرأ قرطاس، قَرطاس، قُرطاس، قِرْطس، قَرْطس. ونقلتها الاسبانية عَن العربية بمعنى "حقيبة" والبرتغالية بمعنى "ورقة"، "سماح" "لافتة". وقد ذكرت فى القرآن بصيغة المفرد (سورة الأنعام الآية 7) وبصيغة الجمع "قراطيس" بمعنى صحائف مكتوبة (سورة الأنعام الآية 91)، وثمة كلمة عربية الأصل تستخدم فى هذا الشأن وهى "ورق القصب"، أى الورق المصنوع من القصب وورق البَرْدى أو الأبردى أى الورق المصنوع من نبات البردى. وينسب العرب اختراع القرطاس إلى يوسف كما قال ابن قتيبة فى كتابه المعارف، 1860 م، ص 274. ولكن شيئًا لم يذكر عن طريقة إنتاجه ولا توجد سوى عبارتين فى "الفهرست" لابن النديم (توفى 380 هـ/ 990 م) 21، و"تحقيق ما للهند" للبيرونى 421 هـ/ 1030 -

1081 م مفادهما: أنه تم الحصول على القرطاس من "قصب البردى" أو "لب البردى". وفى القرن السابع الهجرى/ الثالث عشر الميلادى بعد الانتهاء، من إنتاج البردى فى القرن الخامس الهجرى/ الحادى عشر الميلادى، وقد روى ابن البيطار (ت 646 هـ/ 1248 م) فى كتابه الجامع لمفردات الأدوية والأغذية القاهرة 1291 هـ/ 1874 م/ 1875 م جزء أول 87 نقلا عن أستاذه "أبى العباس النباتى" (ت 637 هـ/ 1236 م) أن المصريين فى أزمان سابقة كانوا يشقون عيدان نبات البردى إلى نصفين ويقطعون الشقين إلى شرائط رقاق (وبذلك يحصلون على اللب) ثم يضعون الرقائق (فى شكل طبقتين متعامدتين) على وسادة مستوية من الخشب ثم تجفف. بوضعها المركّب) ثم يضرب عليها بمدق للحصول على قطعة ذات سطح مستو، ولم تجر العادة على بيع القِرطاس على شكل قطع منفصلة بل على شكل لفافات من قطع أو صحائف يلتصق بعضها ببعض. ومن هذه اللفافات يمكن قص الصحائف من أى موضوع بصرف النظر عن مواضع الالتصاق بين كل قطعة وأخرى وهى فواصل تكون عادة غير مرئية أو ملحوظة -وتبلغ مساحة أصغر قطعة متداولة للتجارة سدس اللفافة وتسمى بالطومار أو "طومار قِرطاس" التى ترجع إلى أصل يونانى اشتقت منه وكانت شرائط السطح الأعلى مرصوصة رصا أفقيا. وبالتالى فهى فى وضع يتفق وسير الكتابة، أما السطح المقابل له فالشرائط فيه مرصوصة رأسيا. وفى العصر العباسى الأول كان فى بعض الأحيان يتم ربط مجموعة من الصحائف فى كراسة. ونظرا لارتفاع ثمنها كانت تستخدم عادة للكتابة على الوجهين أو غسل ما كان مكتوبا والبدء فى الكتابة عليها مرة أخرى. وكان حجم الصحائف مماثلا لذلك الحجم الذى كان مستخدما فى العالم القديم. إذ تبلغ مساحة القطعة عادة 30 - 40 سم طولا و 20 - 30 سم عرضا ولكن اتسع العرض فيما بعد. وكانت صناعة الورق بمختلف أنواعه تدار تحت رقابة الحكومة. ويبدو أنه كانت هناك شهادة رسمية موضحة على ظهر الصحيفة

المصادر

الأولى من اللفافة تشهد برقابة الحكومة لإنتاجها. وامتد استخدام كلمة "قرطاس" لكى تعنى "حقيبة" أو -فى العلوم الطبية- "شاش" أو "ضمادة". وكانت هناك مواد أخرى تستخدم للكتابة مثل الرَّق والجلد. المصادر: وردت فى المتن. سعيد عبد المحسن [د. شلهايم R. Shellheim] القرطبى هو أبو عبد اللَّه محمد بن أحمد بن أبى بكر فرج الأنصارى الخزرجى الأندلسى المالكى، اشتهر كمحدث ومفسر للقرآن الكريم. ترجم له ابن فرحون فى كتابه الديباج عن تراجم فقهاء المالكية فى أسبانيا والمغرب حتى القرن الثامن الهجرى/ الرابع عشر الميلادى. كما ترجم له المقرى فى كتابه نفح الطيب فى غصن الأندلس الرطيب. ونحن لا نعرف الكثير عن حياة القرطبى، فقد ولد فى أسبانيا، وكان كثير الترحال خارج بلاده (المقرى). وقد أشار الذهبى إلى أن القرطبى كان كثير الرحلات، مؤلفا تلقى العلم على شيوخ أجلاء. وقد توجه القرطبى إلى الشرق واستقر به المقام فى منية أبى الخصيب بصعيد مصر (وقد وردت عن ابن العماد فى "شذرات" الجزء 5 ص 335 باسم منية بنى خصيب) ومات ودفن هناك عام 672 هـ/ 1272 م. ويقول الذهبى فى كتابه "تاريخ الإسلام" إنه كان إماما وعالما فى شتى فروع المعرفة وبحرا فى معرفة أعمال الآخرين وهو ما ساهم فى إبراز علمه وعمق ذكائه ومكانته المرموقة. ويشير الكتبى إليه بنفس الصفات فى كتابه "عيون التواريخ". ومن أشهر الذين أخذ عنهم القرطبى: أبو العباس بن أحمد بن عمر القرطبى، وقد درس عنه تعليقاته على مسلم فى كتابه "المفهم فى شرح مسلم". وكان أبو العباس القرطبى فقيها مالكيا، ولد فى قرطبة عام 578 هـ/ 1173 م، وتوفى بالإسكندرية عام 656 هـ/ 1259 م، (كان معلما للتراث، وفقيها لا يبارى فى اللغة العربية، وقام برحلات عديدة إلى الشرق، حيث نال شهرة عريضة. وقد

المصادر

استشهد النووى بكتابه "المفهم" فى مواضع مختلفة من عمله). وقد ذُكر اثنان ممن حدّث عنهما القرطبى: الحافظ أبو الحسن بن محمد بن محمد البكرى والحافظ أبو الحسن على بن محمد بن على بن حفص اليحصوبى. ومن بين أعمال القرطبى التى ذكرت فى سيرته: أولا: تفسيره للقرآن الكريم بعنوان "الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآيات الفرقان". وبعد ذلك أشير إلى العناوين التالية: "الأسنى" وهو تفسير لأسماء اللَّه الحسنى و"التذكار فى أفضال الأذكار" وفيه سار القرطبى على نهج "التبيان" للنووى وإن كان قد قدم عملا أكمل وأغزر علما فى "التذكرة بأمور الآخرة" و"شرح التقصِّى" وكتاب "قمع الحرص بالزهد والقناعة ورد ذل السؤال" والتى يعدها ابن فرحون أفضل ما كتب فى هذا المجال. كما وضع "أرجوزة" جمع فيها أسماء النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-]. وتُبرز هذه الأعمال استغراق القرطبى فى الدين. ويتسم تفسير القرطبى بالثراء الوافر والنفع الكبير. وقد سلّم كافة الكتاب الذين تحدثوا عن القرطبى بهذا التفسير وأكدوا على الفائدة التى يمكن الحصول عليها منه. والقرطبى -خلاف فخر الدين الرازى- لا يحاول أن يستنتج مفاهيم فلسفية من الآيات القرآنية، وبالتالى فعند تفسير كلمة "قيوم" (البقرة، آية 255) الواردة فى آية الكرسى، نجد أن الرازى يفسرها "القائم بذاته" كما عرفها ابن سينا فى "الإشارات"، ثم يستنبط منها كل النتائج الميتافيزيقية. أما القرطبى فإنه يفسرها تفسيرا بسيطا وفقا لابن قتادة القائل بأنه "القائم بتدبير ما خلق"، أو وفقا للحسن البصرى فيما يعنى بأنه "القائم على كل نفس بما كسبت". كان القرطبى مقلًا بدرجة كبيرة وإن لم يكن بشكل كلى فى الاعتماد على الإسرائيليات. المصادر: وردت فى المتن. وائل البشير [ر. أرنالديز R. Arnaldez]

القرعة

القرعة هى مصطلح قريب الشبه بالعرافة، أما فى الاستعمال السائد فاللفظ يشير إلى سحب القرعة، لا يعنى فيه بأية صورة يتم هذا السحب. وقد استخدم مباشرة بعد تحريم القرآن للاستقسام والميسر اللذين كانا شائعين شيوعا تاما فى شبه الجزيرة العربية قبل الإسلام. أ - والمعنى المألوف للقرعة هو ما يقصد بإطلاق اللفظ فى الأصل على زقّ عريض القاعدة ضيّق العنق كان يستعمل لهزّ السهام ولا يزال يستخدم فى الوقت الحاضر فى الاختيار أو الانتخاب بالقرعة أو التصويت فنرى الرهبان -حين يريدون اختيار واحد ليكون الكاهن- فإنهم يقترعون ويكون ذلك باستعمال حبات الحنطة، إن خرجت كان معنى ذلك "نعم" وإن خرجت حبات الشعير كان معنى ذلك "لا". ويسمى مكان عقد القرعة بمكتب الاقتراع. ويتم التجنيد الإلزامى فى الدوائر العثمانية التركية بالقرعة، ومنها جاء تعبير "قرعية جرمك" ويعنى بلوغ المرء سنّ الخدمة العسكرية ويذكر. أ. موسل أن بعض النواحى فى جنوب سورية تطلق كلمة "قرعة" على كرة تقوم بوظيفة تذكره باليانصيب، وتكون مصنوعة من شرائح ورقية على كل واحدة اسم مشترك من المشتركين، وتوضع فى وعاء من الصلصال أو الشمع، ثم يقوم بسحبها أشخاص لم يكونوا حاضرى كتابة الأسماء ووضعها فى الوعاء. ومما يدل على شيوع القرعة، ما يذكره الطبرى من أن الرسول عليه الصلاة والسلام اعتاد أن "يقرع" بين زوجاته عمن تصحبه منهن فى سفره، وكذلك عمل القرعة حين تقسيمه الغنائم (راجع ابن سعد الطبقات: جـ 2 ص 78, 82 و 83)، وكان شيخ القبيلة الذى يختار لسحب القرعة يسمى "بالمقرِع" الطبرى، شرحه 1/ 8). وقد يلجأ القاضى فى حالات معينة إلى القرعة، إذا كانت النتيجة ليست فى صالح هذا الفريق أو ذاك.

ولا يميل المؤلفون المسلمون للاستفتاح بالقرآن (الكريم) فى محاولة معرفة الغيب عن طريقه. والاستفتاح هو تكهن فى تفسير آيات أو أجزاء من الآيات أو كلمات نبوية جاءت بالصدفة المحضة عند فتح المصحف أو صحيح البخارى. وترجع أقدم صور هذه الممارسة إلى أيام الأمويين، ومستهل عصر بنى العباسى. وإن كانت هناك اجتهادات فى التفسير الغيبى للقرآن الكريم ومن ذلك: قراءة الإمام جعفر بن أبى طالب أو "الجعفرية" (وهى نسخة خطية فى مكتبة صوفيا) تحتوى على تفسيرات تنبؤية لآيات القرآن، ويرجع العطف على هذا الفن الذى شجع عليه الشيعة إلى جعفر الذى استشهد فى موقعة مؤته سنة 8 هـ (= 629 م) لأنه حدث وقت خروج الحملة أن قام الصحابى عبد اللَّه بن رواحة، وفسّر الآية القرآنية (من سورة مريم الآية: 71) التى رواها الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وتشير إلى موت جعفر وهى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا}. وكتاب القراءة المأمونية، المنسوب إلى يعقوب بن اسحق الكندى والمتوفى بعد 256 هـ = 870 م، والمتضمن جداول تشتمل على 144 سؤالا. وهناك كتابان فى القرعة منسوبان للمأمون المتوفى سنة 218 هـ (= 833 م) أحدهما باسم "قرعة لإخراج الفأل" و"الضامر" وهو مخطوط بالقاهرة رقمه 7612 مؤرخ لسنة 1058 هـ (= 1648 م)، والآخر كتاب "قرعة للمأمون" مخطوط، القاهرة رقم 7613. وهما يختلفان عما سبق ويضمان فى خاتمتيهما قصائد غيبية منسوبة لمؤلفين مختلفين. وتشير القرعة الجوهرية (مخطوط سراى أحمد) إلى تطور فى ممارسة التنبؤ بالغيب. والواقع أن استعمال الآيات القرآنية يفسر تبعا لطريقة "التأويل"، وقد حل محلها ما يعرف بحساب الجمل أو حساب النّيم الذى له دور فى "الجفر" وفى "علم الحروف" والأسماء، وتتكون من دمج أربعة مقاطع للكلمة "جوهر" (جوّ، جهّ، جرّ، جره. . .) وكل فقرة تشمل تفسيرا نثريا

المصادر

للدمج متبوعا بآخر من آية مسبوقا بجملة "قال الرّاجز" وترتب الحروف فى قراءة حروف المعجم "تبعًا للأبجدية" فى ثلاثة خطوط أفقية: أب ج د هـ وز ح ط ى ك ل م ن س ع ف ص ق ر ش ت ث خ ذ ض ظـ غ يختار السائل أحد هذه الحروف عشوائيا ثم يرجع إلى الفقرة التى يشرح فيها هذا الحرف فى آية. وفى قراءة دانيال أرقام مصاغة فى جملتين تقوم مقام القرعة وترتب بالطريقة التالية: قارعتُ أنا أحد قارعتَ أنت أحد قارعتُ أنا اثنين قارعتَ أنت اثنين قارعتُ أنا ثلاثا قارعتَ أنت ثلاثا قارعتُ أنا اثنين قارعتَ أنت أحد. . . الخ وقد شُرح معنى هذه العبارات آنفا فى صورة عبارات أدخلها "قال الراجز". وفى "الفهرس" مقالة شبيهة بهذه تعود إلى دانيال واسكندر "ذو القرنين" وبوتاجوراس وابن المرتجل والمسيحيين. وتظهر أعظم درجات التعقيد التى اتخذها هذا النوع من القرعة فى ثلاثة أعمال يدّعى البيرونى أنه ترجمها من الهندستانية وعناوينها كالتالى: "القرعة المصرحة بالعواقب" و"القرعة المثمنة لاستنبات الضمائر المخمّنة" و"شرح مزامير القرعة المثمنة". المصادر: وردت فى المتن. د. محمد أحمد سليمان [ت. فهد T. Fahid] قريش " قريش"، القبيلة التى كانت مستوطنة مكة ومنها محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، وغالبا ما يقال إن كلمة قريش مشتقة من "التَقرّش" أى تجمع القوم معا، ولكنها قد تكون أيضا (انظر الطبرى، جـ 1، ص 1104) تصغير قرش "سمك

القرش"، ولهذا يمكن أن تكون اسمًا طوطميًا. . . الخ (¬1). وقد اعتيد على أن القبيلة تتكون من أسلاف فهر الذى يجرى الحديث عنه أحيانًا على أنه هو نفسه قريش (¬2)، ولكن الاسم يستعمل للقبيلة وحدها تقريبًا، تلك القبيلة التى تعد من قبائل العرب الشماليين وسلسلة نسب فهر تبين أنه: ابن مالك بن النضر بن كنانة ابن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. وشجرة النسب الآتية تبين تفريعات القبيلة وبطونها (ولمعرفة أنموذج أكمل، انظر Watt: Muhammad at Mecca ص 7): وتشير إلى أولئك الذين يقال عنهم بوجه عام، إنهم يملكون "عشائر" فى عهد محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-]. ويقال إن فهر كان قائد أقوام كنانة وخزيمة وغيرهما من القبائل فى القتال دفاعًا عن الكعبة ضد هجوم القبائل اليمنية، ولكن الحرم وبعض المزايا المختلفة المرتبطة به بقيت فى أيدى قبيلة خزاعة. وعاش أحفاد فهر جماعات مبعثرة بين أقربائهم من كنانة. وقد حدث تغيير على أيدى قصى، فى الجيل السادس من فهر. حيث جمع جماعات أقربائه المبعثرة من قريش (ومن المحتمل أن تكون هذه هى مناسبة تلقيبهم باسم قريش)، وبمساعدة من بعض رجال كنانة وقضاعة (يسكنون الشام عادة)، انتزع امتلاك الحرم من خزاعة وأصبح الحاكم الفعلى لمكة. كما يقال إنه خصص أحياء من مكة لجماعات متباينة من قريش، وعرف الذين كانوا بالمنطقة المحيطة بالكعبة على أنهم قريش البطاح، وشملوا كل أحفاد كعب بن لؤى، وربما بعض الآخرين، بينما عرف من كانوا بمشارف مكة بأنهم قريش الظواهر. وبقدر ما حقق تخصيص الأحياء هذا نوعًا من الاستقرار الدائم، فإن نمو التجارة جعله أمرًا واقعًا. وما إن حلت سنة 600 م حتى كان رؤساء قريش بالتأكيد تجار، يتمتحون بالرخاء والازدهار، وأوجدوا أسلوبًا أشبه ¬

_ (¬1) لم تعد نظرية لة الطوطمية لأسماء قبائل العرب مقبولة لدى عدد كبير من [الأنثروبولوجيين]. (¬2) (رجل يسمى قريش بخلاف فهر مذكور فى نسب قريش، قسم 12، ص 7 - 9). [هيئة التحرير]

بالاحتكار للتجارة بين المحيط الهندى وشرق أفريقية من ناحية والبحر المتوسط من ناحية أخرى. ونظموا القوافل التى ذهبت إلى اليمن فى الشتاء، وإلى غزة ودمشق فى الصيف، وكانوا مرتبطين بالتعدين وغيره من الأنشطة بطول الطرق. وقد جعل الانتصار فى حرب "الفجار" ضد هوازن وثقيف طرق نجد تحت إمرة قريش. كما حقق لها السيطرة بوجه خاص على تجارة مدينة الطائف التى كانت منافسًا لتجارة قريش ردحًا من الزمن. ولما كانت الطائف أكثر ارتفاعًا وأبرد هواءً من مكة، فقد اقتنى كثير من رجالات قريش إقطاعات بها. وكان لهم مراكز أيضًا فى مواقع أخرى من شبه جزيرة العرب. وبسبب ما اشتهرت به قريش من صفة الحلم ازدهرت تجارتها ودامت وحدتها رغم ما كان بين بطونها أحيانا من خصومات. وعند موت قصى (فى النصف الأول من القرن السادس الميلادى على ما يرجح)، انتقلت سلطاته وحقوقه إلى عبد الدار، وكان عبد مناف قد تحداه بعد فترة من الزمن، وأدى ذلك إلى انقسام قريش إلى جماعتين متنافستين. وأيدَّ كلُّ من مخزوم، وسهم، وجُمع، وعدى عبد الدار، وكان مؤيدو عبد الدار معروفين بالأحلاف. ويعرف الحزب المعارض بأنهم المطيَّبون (أى ذوو العطر)، وتكون هذا الحزب من عبد مناف، وأسد، وزهرة، وتيم، والحارث ابن فهر. ومن المستحيل أن نعرف طول المدة التى بقيت فيها هذه الجماعات بالفعل. وقد ذكر "المطيبون" فى رسالة من محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] إلى بعض رجالات خزاعة، مكتوبة فى سنة 8 هـ (الواقدى، طبعة Marsden Jones، جـ 2، ص 750). ولكن قبل ذلك بزمن طويل، حوالى سنة 605 م استبدل المطيبون وحلَّ محلهم حلف جديد، هو حلف الفضول (المعنى الدقيق غير مؤكد)، الذى تكون من هاشم، والمطلب، وأسد، وزهرة، وتيم، وربما الحارث بن فهر، والتغيير الجوهرى هنا هو أن بنى عبد مناف قد انقسموا أربعة أقسام، اثنان منهم هما: هاشم، والمطلب، وقد بقيا مع حلفائه السابقين، فى حين تخلى عنهم الاثنان الآخران، عبد شمس ونوفل.

وقد يعنى هذا أن عبد شمس ونوفل قد أصبحا أقوياء نتيجة للنجاح التجارى. ومن الواضح، أن بنى عبد شمس على الرغم من أنهم ليسوا متفقين فى الرأى تمامًا مع الأحلاف، إلا أنهم أقاموا معهم علاقات تجارية وطيدة. وإن كان فى كل قصص العصر الجاهلى هذه عنصر أسطورى معترف به، إلا أن الخلاصة الأساسية للأحداث صحيحة على ما يظهر حتى ولو كانت معظم التواريخ غير مؤكدة. ولم يقطع رجل انتسابه إلى عشيرته بعد إسلامه، وفى كثير من أحداث حياة محمد عليه الصلاة والسلام، والفترة حتى سنة 132 هـ/ 750 م، يمكن أن نرى تأثير الخصومات أو التحالفات القديمة. وفى فترة متأخرة أى فى عصر معاوية الأول، وجه الحسين بن على (من بنى هاشم) نداءً ضد الظلم إلى حلف الفضول، واستجاب له رجالات تيم، وزهرة وأسد استجابة قلبية مخلصة (ابن هشام، ص 86 وما بعدها). وكان القادة المهزومون فى موقعة الجمل فى سنة 656 م، من تيم وأسد. وبطبيعة الحال، كان هناك تغييرات فى القوة والثروة بالنسبة للعشائر. فقد ارتفع شأن عشيرة عبد شمس من خلال الأسرة الأموية الحاكمة، حيث إن أمية هو ابن عبد شمس؛ وقد مثل الشيعة الأوائل، والعباسيون بعدئذ، خصوم هذه العشيرة، وفى ظل الخلفاء الراشدين الأربعة، والأمويين قام رجال من قريش بدور بالغ الأهمية فى تنظيم وإدارة الإمبراطورية، ولولا براعتهم فى هذه المجالات ما بقيت غالبا هذه الإمبراطورية. وعند وفاة محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، أراد واحد من الأنصار أن يكون أمير جماعة المسلمين، ولكن عمر رضى اللَّه عنه أقنع الأنصار بقبول أبى بكر رضى اللَّه عنه خليفة، على أساس أن القرشى وحده هو الذى يستطيع السيطرة على الدولة متعددة القبائل. وهناك دلالات على أن الأنصار قد تأثرت مشاعرهم من هذه المسألة لبضعة عقود من السنين (انظر Watt فى مجلة The Moslem World, العدد 42 سنة 1952 م، ص 161، 164). وقد ورد حديث شريف هو "الأئمة من قريش" (على سبيل المثال، ابن حنبل: المسند، جـ 3، ص 129، 183؛ جـ 4،

ص 421؛ وانظر T.W.Arnold: The caliphate، أكسفورد سنة 1924 م، ص 47)، كما استشهد بالآيتين 100 و 101 من سورة التوبة فى تأييد هذا الرأى. وحينما صيغت النظرية السنية للخلافة، أصرت بوجه عام على أن الخليفة أو الإمام يجب أن يكون من قريش (على سبيل المثال، ابن أبى يعلى: طبقات الحنابلة، القاهرة سنة 1952 م، جـ 1، ص 26، 34؛ جـ 2، ص 21؛ والمواردى: الأحكام السلطانية، ص 5؛ وابن خلدون: المقدمة، جـ 1، ص 350 - 4؛ والترجمة الانجليزية، جـ 1، ص 396 - 401). ولكن بضعة من العلماء (على سبيل المثال ضرار بن عمر)، رأت رأيًا آخر، كما رأى معظم الخوارج أن الرجل الورع المستقيم من أى أصل كان يمكن أن يكون إمامًا (الأشعرى، مقالات الإسلاميين، ص 461 وما بعدها؛ والبغداد: أصول الدين، استانبول سنة 1928 م، ص 275). وقد سبب هذا الأمر بعض المصاعب ضئيلة الشأن فى عصور أحدث عهدًا حينما ادعى الخلافة أباطرة المغل، والسلاطين العثمانيون، ولكن معظم العلماء وجدوا سبيلًا للالتفاف حول هذه الصعوبات (T. W.Arnold: Caliphate, ص 162, 175). ويذكر الجغرافى الهمدانى (توفى سنة 334 هـ/ 945 م) جماعات صغيرة من قريش فى أجزاء مختلفة من شبه جزيرة العرب لعلها من بقايا المواقع التجارية (طبعة D.H.Mueller، ص 119, 122, 165, 194, 258)؛ فى حين يبين اليعقوبى (توفى سنة 284 هـ/ 897 م) وجود جماعة من قريش قرب صيدا فى لبنان (تقويم البلدان، طبعة ليدن سنة 1892 م، ص 327). وفى اليوم الحاضر يوجد كثير من قريش يعيشون عيشة البدو فى جوار مكة، بينما فى مكة نفسها يوجد مفتاح الكعبة فى حوزة عشيرة من قريش تسمى بنو شيبة. والنسبة من قريش هى قرشى، لكنها لم تكن تستخدم كثيرًا فى الأماكن الرئيسية للخلافة فى القرون الأولى، ولكن النسبة كانت إلى العشيرة. وبعد فترة من الزمان، يبدو أن بعض الرجال قد افتخروا بأنفسهم بأنهم من سلالة قريش. وفيما يلى بعض الأمثلة: واحد

المصادر

فى العراق، القرن 7 هـ/ 13 م؛ وستة فى مصر والشام القرن 8 هـ/ 14 م، و 9 هـ/ 15 م, 11 هـ/ 17 م, 12 هـ/ 18 م؛ واثنان فى شمال أفريقية القرن 7 هـ/ 13 م، والقرن 9 هـ/ 15 م (GAL، جـ 2، ص 110, 111, 112، 449, و Gals, جـ 1، حاشية رقم 298، ص 537, رقم 20, 609؛ جـ 2، ص 58؛ وابن خلدون، الترجمة الانجليزية، جـ 3، حاشية 126). وفى باكستان الخ. . نجد صيغة قُرشى أمرًا مألوفًا فى الوقت الحالى. المصادر: (1) سيرة ابن هشام: ص 61 - 70، 75 وما بعدها 79 - 87, الخ. . (2) ابن حبيب: كتاب المحبَّر، حيدر آباد سنة 1942 (3) المؤلف نفسه: كتاب المنمق فى أخبار قريش، حيدرآباد سنة 1964 (4) الأزرقى: كتاب أخبار مكة، فى F. Wuestenfeld: Die Chroniken der stadt Mekka، جـ 1، ليبسك سنة 1858 (5) المسعودى: مروج الذهب، جـ 3، ص 91 - 122 الخ. . . (6) W .M. Watt: Muhammad at Mecca، أكسفورد سنة 1953، ص 4 - 16، الخ. . . (7) H. Lammens: La Mecque a la veille de I'Hegire, بيروت سنة 1924. حسن شكرى [مونتجمرى وات W. M. Watt] قريظة، بنو إحدى القبائل اليهودية الثلاث الكبرى فى المدينة المنورة (يثرب)، وكانت ديارها تقع إلى الجنوب الغربى من الواحة. وليس من المعروف -كما هو الحال مع الجماعات اليهودية الأخرى- ما إذا كانت تنحدر من اليهود الذين لجأوا إلى الجزيرة العربية أو من العرب الذين تهودوا، على أنهم كانوا شديدى التمسك بالديانة اليهودية، لكنهم فى نفس الوقت مارسوا الكثير من العادات العربية وتزاوجوا مع العرب. ويقول المؤرخ العربى السمهودى عن أصل تلك القبيلة إن قريظة وهدلًا وعمرًا

كانوا أولاد الخزرج بن الصريح، وهو من نسل هارون، ولكنه لم يورد من أجداده سوى ثمانية. ومارست قريظة زراعة النخيل والحبوب فى المدينة بعد أن نزلتها مع أبناء عمومتهم بنى النضير والجماعات اليهودية الأخرى، وفرضت هيمنتها السياسية على سكانها الأصليين من العرب. ولكن اليهود فقدوا مكانتهم الكبيرة بعد قدوم الأوس والخزرج، وإن ظلوا فيما يبدو ينعمون بقدر من الاستقلال. وقد عاون بنو قريظة والنضير قبيلة الأوس فى معركة بُعاث. وعند الهجرة النبوية، كان أهم رجالات قريظة الزبير بن باطا بن وهب وكعب بن أسد. وكان لكل منهما أطم (قلعة). وقد أدرج ابن هشام هذين الرجلين مع خمسة عشر رجلًا كأعداء للنبى. ويقال إنه كان لقريظة مجلسان أحدهما لبنى كعب بن قريظة والآخر لبنى عمرو بن قريظة. وقد تواتر أن كعب بن أسد قد عقد عهد، مع محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] نيابة عن بنى قريظة بعد الهجرة, ولكنه نقض هذا العهد تحت تأثير حُيى بن أخطب من بنى النضير أثناء حصار المشركين للمدينة (إبان غزوة الخندق)، وأن حُييًا مزق الوثيقة التى سجل عليها العهد. غير أن هذا القول الذى ساقه الواقدى موضع جدل، إذ لم يسم ابن اسحق مصدره الذى أخذ عنه هذا القول، ويبدو أن المسلمين [عندما أحسوا الخيانة] لجأوا إلى الحيلة لمنع قيام تحالف بين اليهود والمشركين، فأوعزوا لليهود أن يطلبوا من المشركين أن يرسلوا لهم بعض رجالهم ليضمنوا ألا يتخلوا عنهم إذا أبطأ النصر، وفى نفس الوقت أشاعوا بين المشركين أن قريظة تعتزم الغدر بهم. وأنها سوف تسلم الرجال المطلوبين إلى المسلمين لكى يقتلوهم -[انظر سيرة ابن هشام]. ورغم أن قريظة لم تقم بعمل حربى صريح ضد المسلمين فيما يبدو، لكنها ربما دخلت فى مفاوضات مع المشركين أثناء الحصار. وبناء على ذلك هاجم المسملون بنى قريظة فور رفع الحصار عن المدينة، وحاصروهم فى آطامهم خمسًا وعشرين ليلة. وبعد مفاوضات وافقوا على الاستسلام دون قيد أو

المصادر

شرط، وحكّموا فيهم سعد بن معاذ، شيخ بنى عبد الأشهل، التى كان بينهم وبينها حلفًا. فحكم سعد بن معاذ بأن يقتل جميع الرجال (وكان عددهم يتراوح بين 600 و 900) وأن تسبى النساء وكذلك الأطفال. ونفذ حكمه فيهم. ولكن بعض الباحثين المحدثين يشككون فى صحة واقعة قتل الرجال جميعهم (انظر Arafat in JRAS . W.N (1976) 100 - 7 وقد تسلل قبل الاستسلام ثلاثة من شباب هدل التى كانت مع بنى قريظة فى آطامهم، واعتنقوا الإسلام، كما نجح رجل آخر أو رجلان فى الفرار [الإشارة هنا إلى عمر بن سعد القرظى، وكان قد رفض أن ينقض العهد مع المسلمين]. وكان ممن أسلم من بنى قريظة وحسن إسلامهم محمد بن كعب القرظى الذى أصبح من كبار الفقهاء. المصادر: (1) سيرة ابن هشام ومغازى الواقدى ووفاء الوفا للسمهودى. (2) W. Montgomery Watt: Muhammad at Medinah, Oxford 1956 د. محمد أبو العمائم [و. مونتجمرى وات W. M. Watt] القزاز أبو عبد اللَّه محمد بن جعفر التميمى، ولد فى قيروان وأمضى جل حياته هناك. وكرّس حياته لتدريس علوم اللغة حتى وفاته فى 412 هـ/ 2 - 1021 م عن عمر يناهز التسعين عاما. وقد لعب القزاز دورا حاسما فى التوجه الخاص لفقه اللغة والدراسات اللغوية التى ميزت "مدرسة القيروان الأدبية" وذلك بفضل طبيعة كتاباته وتدريسه. وبالرغم من أن النقاد يعتبرونه شاعرا ممتازا فإن أعماله الضخمة والعديدة فى النحو والصرف ووضع المعاجم هى التى أكسبته المكانة الرفيعة التى تمتع بها طوال حياته. ومن أهم كتبه: (1) "كتاب الحروف" الذى يضم معنى كل حرف واستخدامه وقيمته ودوره فى الجملة. (2) "كتاب العشرات" وهو عمل معجمى يتناول الكلمات التى لها عشرة معانٍ أو أكثر. (3) "كتاب المثلث" وهو عن نماذج ثلاثية الإعلال.

المصادر

(4) "كتاب الضاد والظاء". (5) "كتاب ما يجوز للشاعر فى الضرورة" عن الرخص الشعرية. (6) "شرح رسالة البلاغة". (7) وألف فى نقد المتنبى "كتاب ما أخذ عن المتنبى من اللحن والغلط". وحظى القزاز باحترام وتقدير الخلفاء الفاطميين الذى ارتبط بهم وكذلك بحب العامة. كما كان تلاميذه يبجلونه وأصبح أغلبهم من أبرز رجال الأدب مثل ابن رشيق وابن شرف وابن عبد البر وغيرهم. المصادر: (1) ابن رشيق: "العمدة"، جـ 1، جـ 2، القاهرة 1955 م. (2) ياقوت: الأدباء، القاهرة 1992 م. لبنى الريدى [ش. بويحيا Ch. Bouyahia] قزوين قزوين، مدينة ومنطقة إلى الشمال الغربى من طهران والجنوب من جيلان, عند خط الطول 50 شرقا وخط العرض 36 شمالا، وعلى ارتفاع 4.165 قدما عن سطح البحر. وهى تبعد 90 ميلا عن طهران، على حافة سهل غرينى، وتحيط بها الجبال على بعد خمسة أميال. والمدينة شيدت فوق مدينة بناها شابور الثانى، والتى تقول الروايات أنها بنيت فوق مدينة بناها شابو بن أردشير. جغرافية المدينة وتاريخها: تتحكم المدينة فى الممر المؤدى خلال طبرستان إلى رشت Rash وبحر قزوين، وفى الطرق من طهران إلى كل من رشت وتبريز، ومن بحر قزوين إلى كل من همدان وقم. وفى القرن التاسع عشر كانت هناك أربعة طرق تربط طهران ببحر قزوين، ثلاثة منها لراكبى البغال، والرابع يستخدمها راكبو الشبريات (التختاروانات) والمدينة جوها معتدل، فدرجة الحرارة لا تزيد صيفا عن 34.5 ولا تقل شتاء عن 5.5. أما معدل المطر فيصل إلى 339.1 مم مع سقوط للجليد فى يناير وفبراير. ورغم الموقع الاستراتيجى المتميز للمدينة، فهى فى القرون الوسطى لم تضاه مدنا مثل الرى أو نيسابور أو أصفهان، ويرجع ذلك جزئيا إلى قلة

المياه، فهى تعتمد فى مياه الشرب على الأمطار، أما الزراعة فمن جداول لم تكن كافية إلى عام 1963 م حين حاولت السلطات حل هذه المشكلة. وتقع قزوين فى حزام الزلازل، ومن ثم فقد تعرضت لها مرات عديدة. كما تشير الروايات إلى انتشار الطاعون بها عامى 1045 هـ و 1635 م - 1636 م والكوليرا عدة مرات. كما دمرت الفيضانات المدينة عامى 1557 م و 1850 م. وقد ذكر حمد اللَّه المستوفى أن المدينة كانت محاطة بالحدائق وبساتين الفواكه والكروم التى تنتج أنواعا فاخرة من الأعناب واللوز والفستق، وأنها كانت تصدر كميات كبيرة من الزبيب، وأن البطيخ والشمام كانا يزرعان بعد فيضان الماء فى المدينة مرة دون حاجة لرى آخر، كما كانت الحبوب تزرع أيضًا. أما الكلأ فقد قال عنه أنه من أفضل ما ينفع الإبل، ولذلك فإن إبل قزوين من أغلى الأنواع. وحاليا تربى الأغنام فى قرية شال Shal وما حولها، إلى الجنوب الغربى من قزوين. وكانت المنسوجات تصنع فى المدينة منذ عصر الإسلام الأول وحتى العصر الحديث، دون أن تضاهى فى ذلك أصفهان أو كشمير أو كرمان. وقد تغيرت حدود المدينة أكثر من مرة خلال التاريخ الإسلامى وقد أضيف إليها خاراقان عام 284 هـ/ 897 م فكانت تضم وقتها 765 قرية. ووسع المعتصم منها على حساب همدان، أما فى القرن الثامن الهجرى/ الرابع عشر الميلادى فلم تكن قزوين تضم سوى 300 قرية، وكانت مقسمة إلى ثمانية (نواح nahias). وذكر أنها فى عام 1602 م كانت تضم عشرين مدينة مسورة وألف قرية، وفى 1884 م كانت تضم أحد عشر " Buluks" بلوكات (حيًا). أما فى العصر الحديث فهى تشكل (شهرستان) يضم ستة أقسام (بخوش - جمع بخش). والغالبية من السكان حاليا تتكلم التركية، حيث وفد للإقليم فى عصر المغول العديد من القبائل التركية. وفى إقليم الزهرا يتكلم الناس (تأتى). هذا وتقطن العديد من القبائل التى كانت إلى

عهد قريب شبه بدوية، كان رضا شاه قد منع الهجرة، ثم استأنفت بعد تنازله عن العرش. وفى عهد الدولة الساسانية كانت قزوين تمثل مدينة حدودية مع الدَّيْلم، وكان على حاميتها هواجهة الهجمات الدَّيلمية وهو وضع تكرر فى عهد الإسلام، وهو أمر أثر على وضع المدينة التجارى والعلمى، وإن كان المقدسى وصفها بأنها "منجم الفقه والحكمة". وقد فتحت فى عهد عمر عام 24 هـ/ 644 م على يد البراء بن عازب وزيد بن الجبل الطائى ومنها انطلق البراء إلى فتح جيلان والديلم. واستولى كذلك على زنجان وقد استقرت قبائل عربية فى المنطقة. وقد بنى سعيد بن العاص والى الكوفة مدينة عند قزوين. وحين أصبح الحجاج حاكما على إقليم فارس والعراق عين ابنه محمد حاكما على الإقليم الحدودى. وممن تولوا حكم المدينة: يزيد بن المهلب وقتيبة بن مسلم ونصر بن سيار. وبنى موسى الهادى مدينة عند قزوين بجوار التى بناها سعيد بن العاص، أسماها مدينة موسى، واشترى رستم أباد المجاورة واوقفها عليها، كما أسس مبارك الترك، احد عتقاء الهادى، مدينة ثالثة عند قزوين عام 176 هـ/ 792 م, أسماها باسمه. وحين مر هارون الرشيد بالمدينة تأثر بما يلاقيه أهلها فى صد الديلم، فأعفاها من الخراج واستعوضه بدفعة سنوية عشرة آلاف درهم، وأمر ببناء سور حول مدينة موسى ومبارك أباد، لم يكتمل إلا بواسطة موسى بن بُغا فى عهد المعتز عام 254 هـ/ 868 م. كما بنى هارون الرشيد مسجدا جامعا فى قزوين وعدة خانات ومبان أخرى. وفى عهد القاسم بن الرشيد حين كان حاكما على قزوين وجرجان وطبرستان وضع الملاك أراضيهم تحت حماية الحكومة لقاء دفع العشر للمالية العامة والعشر للحاكم، وبذلك أصبح للملاك حق الانتقام والحيازة بينما اقتصر حق الملكية على الدولة. وقد ذكر فى "مجمل التواريخ" مجهول المؤلف أن ثورة قامت فى عهد المعتز بقيادة أحد العلويين يدعى الكوكبى أخمدها موسى بن بُغا.

ويبدو أن أغلب السكان فى هذا الوقت كانوا من العرب، وقد تزايد عددهم بعد إكمال السور. وكان أغلبهم من الأصول العربية الأولى التى قطنت المدينة، ذكر المستوفى منهم "السادات" ووصفهم بالتقوى والعلم، وأنهم يكسبون عيشهم من كد أيديهم وليس اعتمادا على آية معونة، الأمر الذى يبين أنهم تمتعوا بشئ من الاستقلال فى مواجهة السلطة. كما وصف خواندمير أهل قزوين بالمروءة والإنسانية. واستردت قزوين وضعها كمدينة مواجهة خلال صراع الخلفاء مع العلويين. ففى عهد المعتصم الذى قرر أن يخضع الديلم لسيطرته دخل فخر الدولة (بحسب رواية المستوفى) أبو منصور كوفى حاكم قزوين من قبل الخليفة فى صراع مع الديلم لعشرين عاما. ويبدو أن فخر الدولة قد حكم المدينة لمدة أربعين عاما من قبل الخلفاء، عدا سنتين حكمهما من قبل حسن الباقر، العلوى الذى استولى عليها فى 251 هـ/ 865 - 866 م، إلا أنه فى عام 301 هـ/ 913 م عين على بن المقتدر حاكما عاما للمدينة مع الرى وزانجان وألهار وطاروم. وفى عام 304 هـ/ 916 م حاول يوسف بن أبى الساج الاستيلاء على قزوين ولكنه اضطر للفرار أمام الأصفر بن شيرويا، الذى نصب نفسه حاكما لمساحة تضم مع قزوين طبرستان وجورجان حتى قم وهمدان. وفى 315 هـ/ 927 م طرد الأصفر جيشا للمقتدر لاسترداد المدينة، واستولى بعد ذلك على القلعة وقتل الكثير من السكان وفرض غرامة كبيرة على السكان، ولكن الأمر انتهى فى النهاية بقتله. وآلت المدينة بعد ذلك إلى ركن الدولة، وظل الأقليم تحت سيطرة بنى بوية للمائة عام التالية. وفى عام 358 هـ/ 968 م هبت ثورة ثم أخمدت وفرضت على أثرها غرامة 1.200.000 درهم. وفى 421 هـ/ 1030 م انتقلت المدينة إلى الدولة الغزنوية. ويبدو أن أول احتكاك بين المدينة والغز كان فى 430 هـ/ 1038 م

حين افتدى أهل المدينة أنفسهم من الغز وفانو خسرو، الديلمى، الذى استولى على الرى عام 428 هـ وأشبع أهلها تقتيلا، وذلك لقاء مبلغ سبعة آلاف دينار. ورغم قرب قزوين من قلعة الموت الاسماعيلية فإن السلاجقة لم يهتموا بأن يوكلوها لأمير أو ملك قوى. وبعد استقرار الاسماعيليين فى قلعة الموت بوقت قصير، أقنع أبو محسن الروينى أهل قزوين بإصدار مرسوم بإعدام كل من يأتى من اتجاه المدينة المذكورة، خشية أن يؤدى الاختلاط بأصحاب المذهب الاسماعيلى إلى إنتشار القلاقل بينهم. وقد استطاع الاسماعيلية أن يقيموا تحصينات قوية فى مرتفعات رودبار أيضًا، ومنها أزعجوا أهل المدينة، كما حدث عام 523 هـ/ 1129 م حين قتلوا منها 400 نفس انتقاما لمقتل مبعوثهم إلى مدينة أصفهان. وظلت المناوشات بين الجانبين، حتى إن الاسماعيلية استطاعوا إقامة قلعة خارج قزوين، ومنها تمكنوا من ضرب الحصار عليها. وفى أواخر عهد السلاجقة، تنقلت المدينة بين أكثر من حاكم، منهم طغرل ابن محمد المعين من قبل سنجار. وتحت حكم شاهات خوارزم تجدد هجوم أهل قزوين على الاسماعيلية. وحين انتقلت رئاسة الاسماعيلية إلى جلال الدين حسن عام 607 هـ/ 1210 م أعلن تخليه عن عقائد الاسماعيلية وتسمى باسم جلال الدين ناو - مسلمان، ولكن أهل قزوين لم يثقوا به لمعرفتهم بما يمارسه الاسماعيلية من حيل. وكسبا لثقتهم وصل الأمر أن يطلب منهم إرسال شهود من قبلهم ليشاهدوه وهو يحرق أعمال الاسماعيلية فى قلعة الموت. وخلال الصراع بين شاهات خوارزم والمغول تبدل امتلاك المدينة إلى أن انتهى الأمر بهزيمة شاهات خوارزم. وتذكر الروايات مذبحة ارتكبها المغول فى المدينة عام 617 هـ/ 1220 م. وقد عين مانجو قاءان فى 651 هـ/ 1253 م - 1245 م افتخار الدين البخارى حاكما لها وظل فى الحكم هو وأخوه حتى 677 هـ/ 1278 - 1279 م.

وفى الاضطرابات التى تلت حكم غازان خان (694 - 703 هـ/ 1295 - 1304 م) عانت قزوين كغيرها من أنحاء الامبراطورية الإلخانيّة فهجر المدينة خلق كثيرون لدرجة أنه يقال أن الجمعة لم تكن تقام. وفى نهاية حكم أولجايوتو (703 - 716 هـ/ 1304 - 1316 م) انتقل حكم قزوين لحسام الدين أمير عمر الشيرازى والحاج فخر الدين أحمد المستوفى وقد خصص أبو سعيد بهادر فى بداية حكمه (716 - 736 هـ/ 1316 - 1335 م) قزوين لتدبير نفقات (إخراجات) لإنشاء عقارات أمه، وفقا لما ورد فى تاريخ غزنة، وقد كان تدفق القبائل التركية إلى قزوين فى عهد المغول أكثر منه فى عهد السلاجقة على أنه فى عصر كتابة المستوفى لتأريخه كانت هناك قبائل ذات أصول عربية غاية فى الثراء. وبعد انتهاء الامبراطورية الإلخانية دخلت قزوين التى كانت قد فقدت قيمتها كمدينة مواجهة منذ أمد، فترة خاملة من تاريخها، حتى عهد الصفويين. فما إن تولى إسماعيل الصفوى الحكم (907 - 30 هـ/ 1502 م -24 م) والذى كان يواجه مشكلة الدفاع عن حدوده ضد كل من العثمانيين والأوزبك، حتى احتلت المدينة أهمية جديدة. وحين فقدت تبريز فى عهد طهماسب (930 - 84 هـ/ 1524 - 76 م)، جعلت قزوين عاصمة عام 962 هـ/ 1555 م لحيوية موقعها بين أذربيجان وخراسان، وأصبح اسمها دار السلطنة، وظل الوضع قائما حتى بنى الشاه عباس عاصمة فى أصفهان. ورغم ذلك فلم تكن تعتبر محافظة مستقلة، ولكنها كانت تحكم بواسطة وزير ومستوفى يعين من الحكومة المركزية. وقرب نهاية عهد الشاه سلطان حسين جُعلت محافظة عين حاكما لها أحد مماليك السلطان يدعى طهماسب خان. وفى عهد الصفويين انقسمت المدينة كالعديد من المدن وقتها بين فئتين متنازعتين، الحيادرى والنعماتى، قد دارت بين الفريقين الكثير من المذابح. وكانت قزوين على عهد المغول وقبل ذلك صعقلا للسنّة، ورغم قربها من

الديلم وقلعة الموت بعد ذلك. وفى عهد السلاجقة كان هناك حى للشيعة فى المدينة. إلا أن عمليات التحول إلى المذهب الشيعى لم تنتشر إلا فى عهد الصفويين. وانتشرت القلاقل بعد موت طهماسب ثم استولى التركمان على المدينة لفترة وجيزة ووضعوا عليها حاكما صوريا هو طهماسب ميرزا. ثم استولى عليها حمزة ميرزا حاكم تبريز التى كانت آنذاك فى يد العثمانيين، وأخمد ما كان فيها من قلاقل. ولم تكن أهمية قزوين فى عهد الصفويين لكونها اتخذت عاصمة لفترة ما، بل أيضا للتجارة مع أوربا من خلال جنوب روسيا. كما انتشرت بها صناعات السجاد والأحذية والمشغولات المذهبة. وأدت القلاقل التى حدثت قرب نهاية عهد الصفويين إلى توقف مؤقت للرخاء فى المدينة، وإلى نقص كبير فى سكانها، خاصة مع نقص الأنشطة التجارية. وفى عام 1722 م وقعت فى يد محمود الأفغانى، ولكن سرعان ما دبت ثورة أدت إلى انسحاب الأفغان. وفى 1726 م وقعت فى يد العثمانيين، ثم طردوا بعدها بوقت قصير. وبعد ذلك كانت لأشرف ويسجل الرواة أن المدينة تناقص سكانها من 1200 أسرة إلى 1100 فقط فى سنة 1744 م. وفى مطلع القرن التاسع عشر كانت قزوين لا تزال تنتج السجاد، والمنسوجات وعادت مرة أخرى للانتعاش. وفى 1213 هـ/ 1798 م عين لها فتح على شاه حاكما فى الثانية عشرة من عمره هو محمد على ميزار، وقد ظل فى منصبه حتى 1221 هـ/ 1805 م. ثم استعادت قزوين أهميتها الاستراتيجية والتجارية لوقوعها فى مفترق الطرق بين العاصمة الجديدة طهران وبين تبريز، المدينة الثانية فى الإمبراطورية، وإنزلى على بحر قزوين. هذا وتمثلت أهمية المدينة التجارية فى فتح فرع للبنك الإمبراطورى الفارسى jmperial Bank of persia فيها. كما تحسنت بها فى أواخر القرن الماضى وسائل الاتصالات من برق وسكك حديدية بينها وبين طهران والمدن الكبرى.

الأماكن الأثرية

ولقد لعبت قزوين دورا مؤثرا فى الحركة السياسية ودعم الدستور، فمثلت فى أول مجلس وطنى. وحين حل محمد على المجلس فى 1908 م اتصلت قزوين بعناصر المقاومة فى جيلان، وقد تم الاستيلاء على المدينة فى 1909 م ومنها كان التقدم لطهران. وقد تدخلت روسيا ضد الحركة الوطنية فأرسلت قواتها للمدينة، واستمرت الاضرابات فى الأعوام التالية وأثناء الحرب الأولى. وفى عهد رضا شاه تدهور وضع المدينة التجارى وغادرها أكثر التجار والكثير من السكان إلى طهران. الأماكن الأثرية: اختفت أغلب مساجد المدينة المقامة فى العصر الوسيط. وكانت قزوين فى القرن الرابع عبارة عن مدينة داخلية وأخرى خارجية وكان لها مسجدين جامعين. وباستكمال بناء السور الذى أمر به الرشيد كان يحتوى على 206 برجا و 12 بوابة. وقد أعيد بناؤه فى عهد الوزير صدر الدين المراغى عام 575 هـ/ 1176 م. وأقدم أثر إسلامى باق ومميز للمدينة هو قبة المسجد الجامع، والذى من المحتمل أن يكون مقامًا على أثر سابق على الإسلام. وتشير الكتابات الخاصة بالأوقاف المتعلقة به إلى تاريخ 500 هـ/ 1106 م باسم الأمير أبو منصور خمارتاش بن عبد اللَّه العمادى. وهذه القبة متصلة بمدرسة بنيت فى القرن الرابع وهذه القبة طبقا لما ذكره زكريا القزوينى لم تكن تضاهيها قبة فى أى مكان آخر. ولمسجد الحيدرية علاقة وثيقة بمسجد خمارتاش. وقد يعود إلى تاريخ لاحق قريب به. ويعود ما يسمى بضريح حمد اللَّه المستوفى لعصر المغول. وقد تم ترميمه حديثا. أما الأثر الوحيد الباقى من عصر الصفويين فهو قصر شاه طهماسب، وهو الآن متحف. وبالنسبة للقرنين الأخيرين فيمثلهما مسجد الشاه الشاهز أدى حسين وشبكة هائلة من الأسواق ذات الأقبية يجرى إزالتها حاليا. المصادر: R.Mottahedeh: Administration in Buyid Qazain على يوسف على [أ. ك. س. لامبتون A. h. S. Lambton]

القزوينى، زكريا

القزوينى، زكريا زكريا بن محمد بن محمود أبو يحيى، جغرافى عربى شهير وعالم بحث فى أصل الكون ونشأته وترجع جذوره إلى أسرة عربية استقرت بقزوين بفارس. ولد فى قزوين فى حوالى عام 600 هـ/ 1203 م, ويبدو أنه تلقى هناك تعليمه الفقهى. ترك القزوينى مسقط رأسه فى تاريخ يصعب تحديده وذهب إلى بغداد كما استقر بعض الوقت فى دمشق حيث قابل الفيلسوف والصوفى الشهير ابن العربى وذلك فى حوالى عام 630 هـ/ 1233 م. ويبدو أنه زار الموصل فى هذه الفترة نفسها حيث قابل ضياء الدين ابن الأثير وربما يكون قد زار مدينة سنجار أيضًا وسافر القزوينى أيضًا، إلى بلاد فارس وأقام مدة طويلة فى واسط والحلَّة حيث تولى القضاء فى عهد الخليفة المستعصم آخر الخلفاء العباسيين. ولا نعرف أين تقابل الجغرافى والعالم بفقيه اللغة ابن سعيد الغرناطى الذى زار المشرق الإسلامى فى عام 648 هـ/ 1250 م. وبعد سقوط بغداد فى أيدى المغول (656 هـ/ 1258 م) اعتزل القزوينى الحياة العامة وتفرغ للأنشطة العلمية. وكان الجوينى، المؤرخ الفارسى، حاكما لبغداد بالنيابة عن هولاكو وخليفته أبافا. ويعتقد أن القزوينى وجد فى الجوينى الراعى لأعماله العلمية، وربما بسبب هذه الحماية المفترضة أهدى له كتابه عن أصل الكون وتكوينه. وقد مات القزوينى فى عام 682 هـ/ 1283 م. وكتب القزوينى عملين أحدهما فى مجال الكون والمخلوقات والآخر فى مجال الجغرافيا. وينقسم كتابه "عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات" إلى جزءين: الجزء الأول يعالج الأشياء السماوية فى حين يعالج الجزء الثانى الأشياء الأرضية. يصف القزوينى فى الجزء الأول الظواهر السماوية، أى القمر والشمس والنجوم ويتكلم عن سكان السماء، والملائكة.

وفى نهاية هذا الجزء يشرح مشاكل التاريخ للكون ومعرفة تكوينه والتقويم العربى والسريانى. ويستهل الجزء الثانى ببحث عن العناصر الأربعة، والظواهر الجوية والرياح، ثم يصف تقسيم الأرض إلى سبعة أقاليم مناخية، ويعطى وصفا لكل البحار والأنهار المعروفة. وبعد أن شرح أسباب الزلازل وتكوين الجبال والآبار استعرض ممالك الطبيعة الثلاث: المعدن والنبات والحيوان. ويسبق وصف المملكة الحيوانية وصف مملكة الإنسان، وصفاته وتشريحه وكذلك وصف الصفات المميزة للقبائل الإنسانية. وقبل مناقشة الكائنات الحية الأخرى تناول الجن والغيلان. وحظى كتاب "عجائب المخلوقات" للقزوينى بشعبية كبيرة فى كل العالم الإسلامى، وهو يعتبر أول عرض منهجى للكوزموغرافيا فى الأدب الإسلامى. وزينت مخطوطات الكوزموغرافيا، سواء العربية أو الفارسية أو التركية، بجداول هندسية وصور مصغرة تمثل نباتات وحيوانات وأنواع المسوخ المختلفة، وبعض هذه الرسومات لها قيمة فنية عالية. لكن مصادر "عجائب المخلوقات" لم تنل بعد نصيبها من الدراسة. ففى نسخة Wustenfeld يمكن اكتشاف حوالى 21 كاتبا استخدم القزوينى أعمالهم ابتداء من الجاحظ وابن الفقيه إلى ابن الأثير، ومن أكثر الأعمال التى استشهد بها أعمال أبو حامد الأندلسى وبحث مجهول المؤلف بعنوان "تحفة الغرائب". العمل الثانى للقزوينى جغرافى عرف من عدة مخطوطات ترجع إلى نسختين مخللفتين، النسخة الأقدم بعنوان "عجائب البلدان" كتبت فى عام 661 هـ/ 1262 - 1263 م. أما النسخة الثانية وقد نقحت بالكامل فترجع إلى عام 664 هـ/ 1265/ 1266 م. وهى تحمل عنوان "آثار البلاد وأخبار العباد". قسم القزوينى الأرض فى "آثار البلاد" إلى سبعة أقاليم مناخية واتبع فى ذلك التقسيم البطلميوسى. ووصف

المدن والبلدان والجبال والأنهار التى تقع فى كل من هذه الأقاليم طبقا لترتيب هجائى. ويتضمن وصف كل مدينة أو بلد وقائع وحقائق جغرافية وتاريخية ونبذات عن أشهر الشخصيات التى يرجع أصلها إلى هذه المدن أو البلدان. ومن ثم يوجد تشابه بين كتابه هذا و"معجم البلدان" لياقوت من حيث ترتيب المادة. (باستثناء أن القزوينى وزع مادته على سبعة معاجم مختلفة تبعا لتقسيم الأقاليم المناخية). وبعض الموضوعات التى تضمنها كتاب "القزوينى والخاصة مثلا بمختلف الجبال والأنهار الخ. . جاءت كما فى كتاب "عجائب المخلوقات" وغالبا بذات المضمون تماما. وبالإضافة إلى المخطوطات العربية هناك عدة نسخ فارسية منقحة وأخرى تركية موجزة لكتاب عن البلدان وعلى نقيض كتاب عجائب المخلوقات فإن مصادر "آثار البلاد" كانت موضوعًا لعدة دراسات. لقد جمع Wustenfeld قائمة -وإن كانت ناقصة جدا- للمصادر التى استخدمها القزوينى. وعاد إلى هذه القضية فى الطبعة التى أصدرها عن "معجم البلدان" لياقوت حيث قال إن القزوينى استخدم بشكل كبير هذا العمل دون الإشارة إلى ذلك. وفى عام 1967 م نشرت M.Kowolska أول دراسة جادة عن مصادر كتابه الجغرافى فى مقال بعنوان "مصادر آثار البلاد للقزوينى"، حيث قدمت تحليلًا مفصلًا لهذه المصادر. ويتضح من هذه الدراسة أن كتاب ياقوت "معجم البلدان" يمثل المصدر الرئيسى "لآثار الباود" للقزوينى كما وضعت قائمة كاملة تقريبًا للأجزاء التى استخلصها القزوينى من مصادر عربية أخرى نذكر منها هنا أعمال إبراهيم بن أحمد الطرطوشى والبيرونى والعذرى وأبو حامد الأندلسى وبحث فى تكوين الكون ونشأته مجهول المؤلف يرجع إلى القرن الثانى عشر ببنوان "تحفة الغرائب". وأخيرا جمعت قائمة بالرواة الذين سمع منهم القزوينى. فلقد استقى مؤلف "آثار البلاد" بعض معلوماته عن عرب غرب افريقيا.

المصادر

كان القزوينى بالإضافة لذلك عالم فلك وجغرافيًا وجيولوجيًا وعالم نبات وحيوان ومتخصصًا فى علم المعادن وعالم انثروبولوجيا وصفية. ونظرا لعلمه الغزير وثقافته الواسعة نجح فى توليف كل الحقائق المعروفة فى عصره عن العلوم سالفة الذكر وإن كان لم يأت بنظرية جديدة أو يرسى حقيقة جديدة. إن أكثر ما يميز القزوينى هو قدرته على رفع الكوزموغرافيا إلى نوع أدبى رفيع المستوى. وكذلك موهبته فى مجال التبسيط وجعل الشئ فى متناول مدارك الجمهور العريض، فضلا عن إدراكه أن المعرفة الواسعة يجب ألا تتعدى حدودا معينة حتى لا تثبط هذا الجمهور. ويحظى القزوينى بتقدير عال من جانب بعض المستعربين المحدثين الذين يقارنونه فى بعض الأحيان بهيرودوت وبلينى، وإن كان البعض الآخر من العلماء يحكمون عليه بقسوة شديدة. لقد مارس القزوينى تأثيرا كبيرا على الجغرافيين وعلماء الكوزموغرافيا فى الفترات اللاحقة له، وأصبح كتابه من بين أهم مصادر مؤلفين أتوا بعده مثل شمس الدين الدمشقى (المتوفى عام 727 هـ/ 1332 م) وأحمد بن حمدان الحراز وحمد اللَّه قزوينى (المتوفى حوالى 750 هـ/ 1349 م) الدميرى (المتوفى عام 808 هـ/ 1405 م) وابن الوردى (المتوفى فى 861 هـ/ 1457 م) وآخرين حتى محمود بن سعيد السفاقوزى (المتوفى بعد عام 1233 هـ/ 1818 م). المصادر: (1) Al-Koywini: "Kosmogmaphie" I, ed. Wustenfelo, III - XII (2) M. Kowolska: "theSowices of al-Qagwini's Athar al-Bilad, in Folia Orientals (1966), 41 - 88 لبنى الريدى [ت. لوسكى T. Lewicki] القزوينى، نجم الدين نجم الدين عبد الغفار بن عبد الكريم، فقيه شافعى ومتصوف توفى فى محرم 665 هـ/ اكتوبر 1266 م. من أهم مؤلفاته كتابه (الحاوى فى الفروع)

المصادر

ويعرف أيضا بعنوان "الحاوى فى الفتاوى" الذى استخدم على نطاق واسع كمرجع لدارسى الفقه الشافعى، وكان موضوعا لعدد كبير من التعليقات والشروح. كما كتب القزوينى "اللباب فى الفقه" وهو عمل أكثر إيجازا من "الحاوى" وقام بالتعليق عليه فى عمل بعنوان "العجاب فى شرح اللباب". وبالإضافة إلى إنجازاته كفقيه اشتهر القزوينى كصوفى يمتلك قوى خارقة. فبينما كان يسافر إلى مكة للحج شوهد وهو يعمل فى كتابه "الحاوى" فى عمق الليل وقد أضاء الورقة ضوء غامض ينبعث من أصابعه. أمضى القزوينى أغلب حياته فى قزوين حيث اشتهر بأصابعه المضيئة كما اشتهر بكرامات أخرى. المصادر: (1) حاجى خليفة: كشف الظنون، طبعة Yaltkaya and Bilge, I, cols, 625 - 4, II, col 1043 (2) يوسف بن اسماعيل النبهانى: "جامع كرامات الأولياء"، القاهرة 1381 هـ/ 1962 م, ii، 194 (3) تاج الدين السبكى: طبقات الشافعية، القاهرة 1324 هـ/ 1906 م، 118, V لبنى الريدى [هـ. ألجار H. Algar] القسطنطينية فى 11 مايو سنة 330 م أصبحت القسطنطينية عاصمة للإمبراطورية الرومانية الشرقية بقرار من الإمبراطور قسطنطين، فأصبح لها أهمية كبيرة منذ ذلك الحين، وكانت القسطنطينية معروفة للعرب، وأشاروا إليها أحيانا باسم قسنطينية، وكانت هذه المدينة تسمى قبل ذلك بيزنطة أو بيزنطية، وتكتب بطرق إملائية مختلفة، بل وكان العرب -مثلهم فى ذلك مثل الإغريق- قد اعتادوا على تسميتها بالمدينة، فإذا قيل المدينة انصرف الذهن إلى القسطنطينية لفرط أهميتها وازدهارها.

الحملات العسكرية العربية على القسطنطينية

الحملات العسكرية العربية على القسطنطينية: يقال إن النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] قد تنبأ بفتح القسطنطينية على يد المسلمين، ويورد المؤرخون العثمانيون أحاديث عن الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] تفيد أنه دعا للجيش الفاتح وقائده. وقد سعى الأمويون نحو هذا المشروع بجهد وبسالة، ففى أول سبتمبر 653 م تم تجهيز أسطول فى طرابلس توجه للقسطنطينية بقيادة بصر بن أبى أرطات أوقع الهزيمة بالأسطول البيزنطى فى فونيكس على ساحل ليسيا. والمراجع العربية تفيد وصوله إليها، وفى الوقت نفسه أرسل معاوية لغزو الأراضى البيزنطية. وفى سنة 44 هـ/ 664 م تقدم عبد الرحمن بن خالد إلى حدود برجامون، وفى السنوات التالية تقدم فضالة بن عبيد حتى وصل شالدون Chaleedor وقاد يزيد بن معاوية جيشا وقف أمام أسوار المدينة العتيدة 51 هـ/ 672 م بينما كان يدعمه أسطول إسلامى فى بحر مرمرة. لقد حاصر المسلمون القسطنطينية مدة سبع سنين، وقد سقط أبو أيوب الأنصارى شهيدا أثناء هذا الحصار، ويختلف المؤرخون فى تاريخ وفاته ويتراوح هذا الخلاف بين سنة 50 هـ وسنة 55 هـ، وقد حقق هذا الحصار شهرة كبيرة خاصة فى العالم العربى، وقد سقط أبو أيوب الأنصارى شهيدا ودفن عند أسوار المدينة، وكان اكتشاف مقبرته إبان الحصار الأخير الذى قاده محمد الفاتح حادثة مهمة تقارن باكتشاف الرمح المقدس على يد الصليبيين الأوائل عند حصار أنطاكية (ذكر قبر أبى أيوب الأنصارى أول ما ذكر فى كتابات ابن قتيبة) وقد عقد المسلمون والبيزنطيون هدنة حتى سنة 97 هـ عندما تولى الخلافة سليمان بن عبد الملك، وكان ثمة حديث نبوى يجرى على الألسن فى ذلك الوقت مؤداه أن خليفة يحمل اسم نبى مُقَيَّضٌ له أن يفتح القسطنطينية، وقد اعتبر سليمان هذه النبوءة تشير إليه فجهز حملة عظيمة ضد القسطنطينية وقاد أخوه مسلمة بن عبد الملك هذا الجيش خلال آسيا

الصغرى عبر الدردنيل عند أبيدوس Abydos وأحاط بالقسطنطينية وقد رسى الأسطول العربى جزئيا قرب الأسوار على ساحل بحر مرمرة هو على جانب منه فى البسفور، وكان القرن الذهبى محجوزا بسلسلة، وبدأ الحصار فى 25 أغسطس 716 م واستمر سنة كاملة، ثم وجد مسلمة نفسه مضطرا إلى الانسحاب بسبب هجمات البلغار وندرة الإمدادات، وهناك مراجع عديدة تشير لسير حملة مسلمة المحفوفة بالخطر بين المؤرخين، وحتى بعد قرون عدة كان هناك من يشير إلى بئر مسلمة فى أبيدوس حيث عسكر، بل وهناك إشارات لمسجد بناه هناك، وكان عبد اللَّه بن طيب أحد رفاق مسلمة أول مسلم يشن هجوما على بوابة القسطنطينية بل ويقال إن مسلمة قد بنى بيتا قريبا من القصر الامبراطورى لمساجين الحرب العرب وكان ذلك شرطا من شروط معاهدة السلام، وأنه بنى أول مسجد فى القسطنطينية، وأخيرا نسب إليه بناء برج جالاتا وجامع العرب فى جالاتا. وفى مناسبة أخرى يظهر حشد عربى على مرأى من القسطنطينية، وذلك سنة 165 هـ/ 782 م عندما قام هارون بن الخليفة المهدى بالتوغل فى آسيا الصغرى دون أن يواجه مقاومة وعسكر فى كريسبولس Chrispolis (سكوتارى Scutari)، ولكن الامبراطورة إيرين الوصية على ابنها قسطنطين أسرعت تطلب عقد سلام ووافقت على دفع الجزية، وقد حوصرت القسطنطينية أربع مرات فى عهدى المهدى والرشيد. وتبدأ حكايات العرب عن القسطنطينية منذ القرن الثالث الهجرى/ التاسع الميلادى، وقد اعتبر العرب الدردنيل وبحر مرمرة والبسفور مجرد قناة واحدة تربط البحر المتوسط بالأسود، ويذكر الاصطخرى وآخرون السلسلة الكبرى التى منعت دخول السفن العربية، ومن المحتمل أن يكون المقصود بهذه السلسلة تلك التى مدت بين جالاتا Galata والقسطنطينية زمن الحرب كما أشار الاصطخرى إلى

قسطيلية

الأسوار المزدوجة العالية للمدينة بأبراجها وبواباتها، بما فيها البوابة الذهبية وميدان سباق الخيل والتماثيل النحاسية للخيول الأربعة، وكل ذلك وصفه الكُتاب العرب بتفصيل أو إيجاز فابن حوقل والمقدسى كرسا اهتماما خاصا للبراتوريم Praetorinm (بيت القاضى الكبير)، كما كتب عن المجد المنسوب لمسلمة. وبغض النظر عن أسرى الحرب فإن كثيرا من التجار المسلمين ومبعوثين من الخلفاء وسلاطين أقاموا فى القسطنطينية فقد كان السلاطين المماليك ينفون بعيدا الأشخاص المزعجين بعائلاتهم، وكان السلاطين السلاجقة ومدعو السلطنة يقضون أحيانا فترات طويلة فى القسطنطينية، وترد تفاصيل عن حياتهم هناك فى الكتابات البيزنطية وتحيط الفخامة بقصص المبانى العربية -خاصة المساجد- التى تم تشييدها فى القسطنطينية. وداد عبد اللَّه [ج. هـ. مورتمان J. H. Mordtmann] قسطيلية قسطيلية (وقد يقال لها قسطيلة) اسم يطلق على مكان فى تونس كان المقصود به أحيانا فى العصور الوسطى مدينة تورز (باشباع التاء المضمومة وفتح الزاى) أو توزر (بفتح التاء المثناة من فوق)، ولكنه يطلق على الأكثر على الإقليم الذى كانت هذه البلدة مركزه، والذى يعرف حديثا بإقليم الجريد الذى هو الآن جزء من ولاية قفصة، ويبلغ عدد سكان قسطيلية 321000 نسمة، والكثافة السكانية 1745 فى الكيلومتر المربع وذلك حسب إحصاء 1966, ومحصولها الأساسى فى الوقت الحاضر هو نفس محصولها فى الماضى وأعنى به منتجات النخيل إذ يوجد بها مليون نخلة، منها 31 % تنتج أحسن أنواع التمر المعروفة بدجلة حسب استقصاء 1962. قد أدت العناية بارتفاع مستوى الفنادق ارتفاعا يبلغ فى بعض الأحيان أقصى مراتب الترف إلى تقدم السياحة التى أصبحت موردا جديدا.

تاريخها

تاريخها: كان عقبة بن نافع أول من دخل قسطيلية، ثم تَمَّ فتحها "صلحا" وبدون مقاومة على يد حسن ابن النعمان الذى صالح أهلها النصارى على شروط حسنة مجزية، ولما تقدمت الأيام أصابها بطبيعة الحال رذاذ من الأهوال التى أضرت ببقية افريقية لاسيما بسبب فتن الخوارج التى أضرت ببقية افريقية لاسيما بسبب فتن الخوارج التى اندلعت فى القرن الثانى للهجرة (الثامن الميلادى) ومن جراء ثورات الجند الأغالبة والحروب ضد الخارج الفاطمى وظهور أبى يزيد النكارى، وترتب على هذه الاضطرابات أن أكثر أتباع الأباضية هناك ونجح الشيعة بعض النجاح لاسيما فى "نَقْطة". يضاف إلى ذلك أن هجمات بنى هلال فى منتصف القرن الخامس الهجرى (الحادى عشر الميلادى) ساعدت على قيام إمارة صغيرة مستقلة سرعان ما اغتصبها "بنو الرند" أصحاب قفسة كما صارت قسطيلية بذلك أرضا متنازعا عليها وعرضة لهجمات قراقوش وبنى غانية، فلما كان زمن الحفصيين (أعنى مستهل القرن الثامن الهجرى) (الرابع عشر الميلادى) ظهرت دويلة صغيرة يحكمها بنو يملول ونفر من المشيخة، واتسم وجودها بالمتاعب الشديدة حتى زالت على يد أبى فارس سنة 802 هـ (= 1400 م). ولقد زادت فوضى القرن التاسع عشر من بؤس الإقليم الذى كابد شدة من الضرائب المرهقة التى لاحقته بها الحكومة فى عنف بالإضافة إلى جانب عدم وجود من يتصدى لهجمات البدو ليردعهم. الجغرافية التاريخية: لا يقتصر اسم قسطيلية على وروده كبلد فى تونس وحدها إذ يذكر ياقوت الحموى فى معجمه "قسطلّة" (بتشديد اللام المفتوحة) فى الأندلس، وكذلك "قسطيلية" فى إقليم البيرة، كما يشير إلى موضع بين حلب ودمشق يسميه بقسطل، كما أن إحدى القلاع القديمة كانت تعرف بقسطيلية. وعلى أية حال فالكلمة مشتقة من اللفظ اللاتينى Castells أى القلعة أو الحصن، وقد

استعملها العرب الذين دخلوا البلاد وقصدوا بها "توزر" ثم عمموها فأطلقوها على كل الإقليم المتصل بها وتبعا لما يقوله اليعقوبى المتوفى ما بين 282 و 292 فإن هذا الإقليم كان يتألف من أربع واحات "أكبرها توزر" مقر الولاة، وثانيها الحامة، ثم "تقيوس والرابعة نفطة". فأما تقيوس فقد زالت ولم يعد لها وجود اليوم. وقد ذكر هذا القسم معظم الجغرافيين المتأخرين لاسيما البكرى وياقوت. أما ابن حوقل والمقدسى والإدريسى فقد اكتفوا بإيراد صفات هذه المدن دون أن يفصلوا سعة الإقليم وحَدُودَه. ونجد أن قسطيلية التى تعرف الآن ببلاد الجريد واردة عند المؤلفين المتأخرين ويقصدون بها "قفسه" فى الشمال وبلاد "نفزاوة" فى الجنوب، بل وأيضا قابس وجزيرة جربة. ولقد ظهر اسم "بلاد الجريد" أو "الجريد" فقط لأول مرة بعد منتصف القرن الثامن الهجرى (الرابع عشر الميلادى) فى كتابات ابن خلدون، وأخذ اسم "قسطيلية" القديمة فى التلاشى بالتدريج حتى لم يعد أحد من المحدثين يعرفها سوى المتخصصين وإذا كان التيجانى المتوفى قد ذكرها فإنما كان ذكرهم إياها فى معرض اقتباسهم نصا من المؤلفين القدامى، حتى أن ليو الافريقى الذى زار تونس سنة 1517 لم يكن يعرف شيئا قط عن قسطيلية، كما أنه لم يكن بها إلى القرن الثالث الهجرى (= التاسع الميلادى) عنصر عربى يعتد به لذلك يقول اليعقوبى إن سكانها ليسوا عربا ولكنهم من ذرية الرومان القدماء والبربر والأفارقة من نسل اللاتين والبربر المنتصرين. ولما تكلم ابن خلدون عن اضطرابات 224 هـ (839 م) نراه يذكر زواغة ولواته وبربر فكناسة (انظر العبر 4/ 428) لم يحدث أى تغيير كبير فى الخريطة السكانية حتى منتصف القرن الخامس الهجرى (الحادى عشر الميلادى) إلى أن جاءت الهجمات الهلالية فجاءت معها إلى قسطيلية ببنى سليم خاصة، وتغيرت الخريطة السكانية منذ ذلك التاريخ تغيرا ملحوظا وسارت المسيحية فى طريق التلاشى بعد أن كانت راسخة الأقدام بها، ولم

تفت هذه الملاحظة التيجانى صاحب الرحلة بل استلفتت نظره فى عام 706 هـ (= 1306 م) كثرة وجود الكنائس التى صار بعضها أطلالا وبعضها مهجورا، كما أشار فى فزع إلى تفشى ظاهرة أكل لحوم الكلاب. ويجمع الكتاب العرب فى العُصور الوسطى على وصف قسطيلية بأنها بلد غنى عظيم الازدهار، كما يقدر البكرى جبايتها بمائتى ألف دينار وذلك فى منتصف القرن الخامس الهجرى (الحادى عشر الميلادى)، على جين بلغت جباية قفسه خمسين ألف دينار فقط. وقد تعجّب ابن خلدون (وهو من أهل القرن الثامن الهجرى = الرابع عشر الميلادى) من كثرة سكان قسطيلية كما كان بها نظام دقيق للرى استلفت أنظار جميع من شاهدوه. هذا إلى جانب وفرة انتاجها من التمر، ويشير اليعقوبى إلى زراعة هامة هى زراعة الزيتون التى اندثرت بعد ذلك. ويشير ابن حوقل فى القرن الرابع الهجرى (العاشر الميلادى) إلى أن زراعة قصب السكر بقسطيلية كانت من أعظم الزراعات انتاجا، لكنها ما لبثت أن تضاءلت (على حد قول البكرى) فى القرن التالى وحدث مثل ذلك لزراعة الموز. ومن ناحية أخرى نجد أن هذا الإقليم كان ينتج من الفاكهة والحمضيات والأترج كميات لا يجاريه فيها أى إقليم آخر، كما كان يزرع به الكتان والحناء والكمون، ويصاد به ثعلب الفنك لفرائه الغالى، ويذكر ابن حوقل أن قسطيلية كانت فى عصره مركزا تجاريا هاما حافلا بالتجار من شتى الأقطار، وكان أهم ما تصدره القمح الذى يسعى المُشْترون إليه ويدفعون فيه أثمانا غالية كما أن قسطيلية كانت تصدر التمر فكان كل حمل بعيد بدرهمين كما يقول المقدسى. كما يكثر بها الصوف لكثرة ما بها من الأغنام التى يعنى الأهالى بتربيتها، ومن ثم كانت قسطيلية مركزا لتصدير المنسوجات الصوفية. وليس من شك فى أن التجارة التى كانت تمر عبر

المصادر

الصحراء فى طريقها إلى إفريقية السوداء كانت من غير شك أحد الأسباب التى أدت إلى رخاء الناحية فى العصور الوسطى. ومن المعروف أن والد أبى يزيد النكارى التقيوسى الأصل قد ساهم فى هذا المجال. ومن المراجع التى تناولت هذا الموضوع ابن خلدون: العبر 4/ 84, والفتوح لابن عبد الحكم، والمالك لابن خرداذبة وكتاب البلدان لابن الفقيه، وصورة الأرض لابن حوقل وأحسن التقاسيم للمقدسى والمالك والممالك للبكرى ونزهة المشتاق للأدريسى، ومعجم البلدان لياقوت والرحلة للتيجانى والمؤنس لابن أبى دينار والحلل للوزير السراج. المصادر: وردت فى المتن. د. حسن حبشى [م. طالبى M. Talbi] قسى، بنو بنو قَسِى أسرة من الأسر الخطيرة الشأن فى تاريخ الأندلس تقاسمت هى وبنو الطويل والتجيبيين فيما بينهم القوة والنفوذ الفعال فى إقليم oragin الذى لم يصبح تاريخه واضحًا إلا إذا درس فى ضوء الصراعات التى اتسمت بالجذب والطرد وأصبحت سمة يمتاز بها التاريخ الأسبانى، ولقد اتبع بنو قسى سياسة اغتنام الفرص للاحتفاظ باستقلالهم الفعلى، ولكنهم كانوا فى الوقت ذاته مخلصين للأمويين مؤيدين لهم بطريقة فعالة حتى لقد كانوا لهم درعًا ضد الضغوط المتزايدة عليهم من جانب نصارى الشمال فى فترة مستهل حركة الاسترداد ومن جانب الدولة الكاردلنجية، هذه الضغوط التى بلغت ذروتها فى القرنين الثالث والرابع للهجرة (التاسع والعاشر للميلاد). ولقد كان قسى (كما يقول ابن حزم فى كتابه جمهرة أنساب العرب) سيد منطقة الثغور زمن القوط، وكان هو القوطى فلما فتح المسلمون الأندلس مضى إلى الشام وأسلم على يدى الوليد بن عبد الملك، وكان ذلك رباطًا وثيقا من الولاء كان هو شديد الفخر به، وهذا هو السبب الذى من أجله وقف

بنو قسى على الدوام إلى جانب مضر فى حربهم ضد اليمن، وقد أنجب قسى هذا فرتون وكان أول شخص معروف تمام المعرفة من أعضاء هذه الأسرة هو موسى بن فرتون الذى تمكن من هزيمة سعيد بن الحسين الأنصارى الذى كان قد ثار ضد هشام الأول فى إقليم طرطوسه Tartosa وسرقسطة saragssca سنة 172 هـ (= 788 - 789 م)، فلما مات تزوجت أرملته من جديد "اننيجو أرستا" أول حاكم لبمبلونة ومن ثم يستطيع المرء أن يدرك فى يسر وسهولة ما يترتب على هذا الترابط من دور الوساطة الذى لعبه موسى بن موسى الذى له عرق عند الباسكيين والذى كان يصرح بأنه "ثالث ملوك أسبانيا". على أنه فى سنة 226 هـ (= 840 م) أسيئت معاملة موسى بن موسى على يدى واليَىْ سرقطة وطليطلة فثار وأمسك بالقائد الحارث بن بزيع، فبعث عبد الرحمن الثانى حملة أرغمته على الخضوع ولكنه ظل محتفظا بأرنيدو، ونص الأمير فى اتفاق الصلح على تثبيت أخيه "ينافو بن ينيفو، Inigao Iniguez" على ما فى يده من البلاد لقاء دفعة ضريبة قدرها سبعمائة دينار كل سنة، وكان هذا الحادث يؤرخ مولد مملكة "بامبلونة" مولدًا شرعيا، ويلاحظ أن الهجمات التى تلت ذلك الحادث بقصد رده إلى الطاعة كانت موجهة فى الواقع ضد حلفائه الباسك مما دل على أهمية مساعدتهم له. ولما كانت سنة 230 هـ (= 844 م) زحف موسى على رأس قواته حتى بلغ أشبيلية لصد هجوم شنه النرمنديون، سنة 236 هـ (= 851 م) على امنون كونت بيرجورد ودوق جسكونيا بعد قتال عنيف ضار، وإن هذا الانتصار الهام ليفسر لنا إلى أى حد كان تولى محمد الأول سنة 238 هـ (= 852 م) يعد نقطة انتقال ومرحلة جديدة فى العلاقات مع الحكومة المركزية ولماذا أصبح موسى واليا على ولشة Huesca وطليطلة وسرقسطة، ففى سنة 242 هـ

أغار على إقليم برسكونج بناء على أوامر الأمير وغزا Tarrasa، وأخذ فى هذا الوقت ينعت نفسه بثالث ملك فى أسبانيا Tertium regem in spania، وتذكر حوليات الفونس الثالث أنه فيما بين 243, 245 م (= 857 و 859 م) استنجد ثوار طليطلة بموسى وطلبوا منه المساعدة فأرسل إليهم ولده "لُبْ" واليا عليهم ولكنه هُزِم هزيمة نكراء سنة 245 هـ أمام الردونيو الأول ملك ليون وضاعت من يده قلعة Alhelda التى كان قد فرغ حالا من بنائها، فقام الأمير بخلعه من ولاية الثغر الأعلى فى سنة 246 هـ (= 860 م)، ولقد ترك لنا ابن القوطية وصفا مطولا لنهاية موسى الذى أصابه زوج ابنته "أزرق بن منتيل" بجرح قاتل. ولقد ركن بنو قسى إلى الهدوء التام لعشر سنوات بعد سنة 248 هـ (= 862 م) فلما كانت سنة 257 هـ (870 م) احتل "لُبّ بن موسى" سرجوزة وطليطلة وولشة، فلما وافاه أجله عام 258 هـ احتل أخوه إسماعيل ابن موسى البلد، بينما احتل فرتون بن محمد مدينة tudela, ولم تنجح الحملات التى أرسلها إليه الأمير محمد، غير أنه أمكن إلغاء القبض على المتمرد سنة 270 هـ (= 883 م) فقد أمسكه محمد بن لب حين حلّ مكانه وإن اضطر لبيع المدينة فى العام التالى إلى الأمويين لعدم استطاعته تحمل ضغوط التجيبيين عليه وكان يدفعهم الأمير لهذا الضغط، وقد أخذ مقابل هذا حكومة ارينديو وطرازون وجريش ثم مدينة Tudela بعد ذلك. وقد قتل وهو قائم على حصار سرقسطة سنة 276 هـ (= 890 م) ولقد قيل أنه كان متواطئا فى السر مع عمر بن حفصون وأن أمسك العذرى عن الكلام فى هذا الموضوع، أما ابنه لب بن محمد والى Tarazena و Tudela فقد مات وهو يقاتل "النفاريين" سنة 294 هـ (= 907 م) وتبين أن تدهور بنى قسى بات وشيكا فقد احتل محمد بن لب "الردة" ولكن طرده أهلها منها سنة 315 هـ (927 م)، ثم مات بعد عامين من ذلك

المصادر

التاريخ غيلة بتدبير قريبه ريموند صاحب "بالار". ومن المراجع التى تناولت ذلك "افتتاح الأندلس" لابن القوطية و"البيان المغرب" لابن عذارى و"المقتبس" لابن حيان و"نصوص المسالك" للعذرى. المصادر: وردت فى المتن. بدرية الدخاخنى [ب. شالميتا B. Schalmita] القصاص القصاص مرادف للقود، بمعنى المساواة فى العقاب، وليس تسوية بالقطع أو الاتهام وينطبق فى الشرع الإسلامى على حالات القتل، والجروح التى لا تفضى إلى الموت، وتعرف الحالة الأولى فى الاصطلاح الشرعى "بالقصاص فى النفس وفى الحالة الثانية بالقصاص فيما دون النفس". وقد كان القصاص السائد لدى عرب الجاهلية، هو الانتقام، فهو ينطوى على إراقة الدم بلا حدود، دون أن يقف الثأر على شخص القاتل نفسه، على خلاف القصاص المنضبط وهو السمة الأساسية للقصاص. فقد بين التشريع الإسلامى بجلاء فى النصوص القرآنية تقييد القصاص بتطبيقه على الجانى نفسه، كما فى سورة الإسراء الآية 33، والفرقان الآية 68 والأنعام الآية 151 فمن هذه الآيات نفهم أن القصاص يكون بقتل الجانى نفسه، وليس بقتل أى شخص آخر، فإنه محظور. وفى رمضان من العام الثانى الهجرى، نزلت الآية 178 من سورة البقرة: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} وقوله: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ. .} الآية 179. فالآية الأولى تبين أن الحر يقتل بالحر، والعبد بالعبد، والمرأة بالمرأة. (لكن قد يفهم بشئ من إعمال العقل أن الحر يقتل بالعبد أو المرأة دون أن يدل عليه النص صراحة). ومن الطبيعى أن يدفع, الجانى وحده الدية فى جميع الحالات الأخرى.

إن علاقة الحر بالعبد وبالمرأة، هو شأن طبيعى لوجهة النظر العربية القديمة، بالنسبة لكل منهم بحسب وضعه الاجتماعى، ويجد بعض المفسرون صعوبة فى التوفيق بين هذه الآيات فى ضوء التطورات الجارية. .، وقد بين التشريع أن القصاص تخفيف ورحمة وحفاظ على حق الحياة، على خلاف ما كان حاصلا من إراقة الدم عند عرب الجاهلية، لأن القصاص يطبق على القاتل، بينما نفوس الآخرين معصومة. وبعد أول مواجهة مع يهود المدينة، وقبل نشوب العداء الصريح معهم نزل قوله تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ (أى اليهود) فِيهَا (فى التوراة) أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ. . .} الآية 45 من سورة المائدة. وهذه الآية لم تنسخ بالطبع الآية 178 من سورة البقرة. وقد ورد التمييز بين القتل العمد والقتل الخطأ مع نزول الآيات 92 وما بعدها من سورة النساء فى السنوات من 3 - 5 للهجرة وبمقتضاه استبعد القصاص بالمعنى المجازى فى الثأر والمعاملة بالمثل فى حالة الاعتداء على الأرض فى الأشهر الحرام وذلك فى الآيتين 190, 191 من سورة البقرة. (¬1) 3 - وتتفق الوقائع المستخلصة من السيرة النبوية على هذا المعنى، ففى دستور (¬2) دولة المدينة، الذى يتعلق بالفترة المدنية المبكرة، نص فيه: على إنه إذا قتل أى شخص مؤمنا وأدين المتهم، فيجرى عليه القصاص، حتى لو أعلن ولى الدم رضاه عما تم. وأن على كل المؤمنين أن يكونوا يدا واحدة على القاتل، وأن يقوموا بدور فعال ضده. ومن هنا انتقل القصاص من نطاق الحياة القبلية إلى المجتمع السياسى ¬

_ (¬1) يقول تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190) وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ} [المراجع] (¬2) يطلق على هذا الدستور فى كتب السيرة والتاريخ الإسلامى: صحيفة المدينة. [المراجع]

الدينى (الأمة) وانعكس ذلك فى التشريع. ولا ينبغى على أية حال، أن يؤخذ المعنى الحرفى، بأن المسلمين وحدهم متكافلون فيما بينهم فيما يتعلق بالدماء التى أريقت فى سبيل اللَّه، فإنه قد تقرر أيضا بالنسبة ليهود المدينة حيث لا أحد يحال بينه وبين طلب الثأر لما نزل به. وهناك قيد منطقى يرد على القصاص، من منطلق التزام الأمة، فإن المؤمن يمتنع عليه قتل المسلم طبقا لقانون المجتمع المحلى، وفى مناسبتين، عندما قتل مسلمان وثنيين، ارتبطا بمعاهدة مع النبى محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] لأنهما وثنيان وفى مناسبتين أخريين ولأسباب سياسية، حصل النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] على موافقة بقبول الدية، فى حالة كان لولى الدم حق طلب القصاص. وفى المقابل، فقد استبقى النبى محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] نظم المجتمع المحلى، بعد فتحه لمكة عن طريق تنازله عن طلب الدية لقتل ابن أخيه زمن الجاهلية أرسى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] مبدأ، أن أى دم سفك لمسلم فى زمن الجاهلية، ينبغى التجاوز عنه. إن اعتبار الدليل الذى يفصح عنه القرآن وشواهد السيرة النبوية، يدل على أن محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] لم يقر الانتقام، لكنه سمح بالقصاص ليكون بديلا عن الأخذ بالثأر والانتقام الشخصى. علاوة على ذلك، فإنه أخضع تطبيقه لقيود معينة، وسعى لتحريره من الأعراف القبلية لعرب الجاهلية كل هذه التعديلات والتطويرات الهامة، جعلت منه نظاما أقرب إلى العقوبة. 4 - ومن بين الأحاديث الصحيحة، تلك التى رويت أن محمدا [-صلى اللَّه عليه وسلم-] قتل يهوديا رض جارية بحجر فقتلها، لأنه لم يوجد ولى للدم فى هذه القضية. وفى المرحلة الأخيرة، فسرت الآية 178 من سورة البقرة بطريقة جديدة، ومؤداها أن الرجل يمكن أن يقتل بالمرأة قصاصا (¬1). ¬

_ (¬1) ربما كان الأولى الاستشهاد على جواز قتل الرجل بالمراة، والحر بالعبد، بالآية 45 من سورة المائدة: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ}، فالنفس تقتل بالنفس مطلقا بغض النظر عن الجنس أو الصفة. [المراجع]

وفى الحقيقة، فإن تفسير عمر بن عبد العزيز والحسن البصرى وعطاء وعكرمة كمعبرين عن وجهة النظر القرآنية، أن الرجل لا يقتل بالمرأة (تفسير الزمخشرى) لكن سعيد بن المسيب والشعبى وإبراهيم النخعى وقتادة ذهب إلى الرأى المخالف. وهذا الرأى الأخير هو السائد فى المذاهب الفقهية دون معارضة (¬1). ومن وجهة النظر الإسلامية، فإنه يقتص من الجماعة للواحد، إذا ارتكبوا الجريمة بالاشتراك فيما بينهم، على الرغم من أنه لا يوجد حديث صريح فى هذا الخصوص. وهؤلاء الذين يذهبون إلى هذا الرأى، اعتمدوا على حديث لا يثبت ما قالوه، وكان فى استطاعتهم فقط أن يؤيدوا رأيهم بما ورد عن بعض الخلفاء. ويثور التساؤل عن كيفية تنفيذ القصاص، وهو أيضا موضع خلاف. فأنصار الرأى القائل بأنه يقتص من الجانى على الصورة التى جنى بها، على المجنى عليه مستدلين بالحديث السابق، بينما الذين يصرون على تنفيذ القصاص بالسيف فى كل الأحوال، يعتمدون على حديث للنبى محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] (¬2). وهناك كذلك خلاف فى الرأى، حول ما إذا كان القصاص يتم عن طريق وسيلة القسامة، التى كان يعمل بها فى الجاهلية. وربما تبرهن الحقيقة التاريخية، على أن محمدا [-صلى اللَّه عليه وسلم-] رغب فى تنفيذ القصاص اعتمادا عليها، وعندما لم يتمكن من ذلك فإنه أدى الدية بنفسه، وربما قيل أنه أكد على القسامة التى كانت موجودة عند عرب الجاهلية (لكن المؤكد أن هذا خطأ). ومن بين الأحاديث الأخرى، التى يجدد ذكرها قصة بنى إسرائيل الذين كانت شريعتهم القصاص، ولم يكن هناك إمكان لدفع الدية. ولقد مكن محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] ولى الدم التخلى عن طلب القصاص، وحث بشدة على طلب العفو، ¬

_ (¬1) هذا القول غير صحيح، لأن الجمهور لا يرون ذلك. [المراجع] (¬2) لعل هذا الرأى يعتمد على السنة الفعلية، فقد كان إجراء القصاص يتم بالسيف فى معظم الحالات. [المراجع]

وحتى أنه سأله أن يسلك سبيله، وأخيرا فقد أخبرنا بأن من يثير دعوى القصاص دون سبب يركن إليه، هو أحد الذين يبغضهم اللَّه. وثمة أحاديث أخرى تتفق مع القواعد التى ذكرها ولا تزال تذكر، ولا حاجة بنا إلى الاستشهاد بها، خاصة تلك الأحاديث التى تتناول الموضوع، وقد جمعها غليوم فى كتابه الأحاديث الإسلامية. The Traditions of Islam 107 ff ومن واقع استخلاص النتائج من الأحاديث المعبرة عن وجهة نظر الدوائر المسئولة فى الإسلام فى الفترة المبكرة، فإننا ينبغى أن نلاحظ أنه على خلاف المرحلة المحمدية، حدثت تطورات هامة فى معاملة المرأة، وهو يشكل تقدما لا ينكر تماما مثل طلب العفو الذى ينهض شاهدا على سمو وجهة النظر الإسلامية. 5 - القصاص فى النفس طبقا للشريعة، لوحظت الفقرة الخاصة بالقتل فى حالات القتل غير المشروع. وهنا يأتى القصاص إلى حيز التنفيذ بواسطة أقرب عاصب إلى المجنى عليه، الذى يطلق عليه ولى الدم. والذى له الحق أن يقتل الجانى وفقا لشروط معينة. ومما سبق أن قلناه، يتضح أن هذه العقوبة لازال يشكل الجانب الأكبر منها طابع الانتقام الشخصى. ويبرز ذلك أيضًا فى القواعد الموضوعه لها، والتى تجسدت فى تلك الحالة التى يكون لولى الدم فيها بتر القاتل بأى طريق كان، كذلك بالنسبة للعقوبة عن طريق السلطة العامة لاعتبارات تأصيل العدالة وإعلاء شأنها. وهكذا ففى كل حالات القتل غير المشروع المؤلم والذى لا يمكن تطبيق القصاص فيه، فإن السلطة المختصة تتولاها عن طريق عقوبة التعزير، ولهذا تقوم مقام الولى بالنسبة لمن لا ولى له. وتأسيسا على ذلك فإن شخص قتل ذميا أو معاهدا (وهو غير المسلم المرتبط بمعاهدة مع الدولة الإسلامية) أو المستأمن (وهو غير المسلم الذى حصل على الأمان لدخول دار الإسلام) يجب أن يقتل طبقا لمذهب الإمام

مالك (¬1) وليس من حق الولى أن يتنازل عن طلب القصاص. ولتطبيق عقوبة القصاص، يجب أن تتوافر الشروط الآتية: 1 - يجب أن تكون حياة الشخص المجنى عليه، معصومة مطلقا مسلما كان أو ذميا أو معاهدا أو مستأمنا طبقا للشريعة. على الأقل طالما أنه موجود فى دار الإسلام ودار الصلح (العهد) وفى حالة المسلم القاتل المسجون فى دار الحرب، فبالإجماع ليس عليه قصاص. 2 - يجب ألا يكون المجنى عليه من ذرية الجانى، وألا يكون الجانى من ذرية المجنى عليه، ويجب كذلك ألا يكون الجانى من بين ورثة المجنى عليه. 3 - من المسلم به أن الشخص يجب أن يكون لديه الأهلية عندما يرتكب جريمته، وأن يكون فى كامل قواه العقلية. 4 - وهناك شروط أخرى، موضع نزاع بين الفقهاء. ولا خلاف حول أن أى تغيير فى صفات الفاعل لا يؤثر على كونه مرتكبا لجريمة دم من قبل (ومهما كان الأمر فإن اعتناق الحربى الإسلام يجبّ ما قبله من جرائم) باستثناء حالة الجنون. وإذا ارتكب شخص جريمته بالاشتراك مع الآخرين على شخص آخر وتعذر تنفيذ القصاص عليه لسبب من الأسباب، فلا يطبق القصاص على شركائه. وكذلك الحكم إذا كان القتل منشؤه فعل القاتل. ولا قصاص إذا مات القاتل قبل التنفيذ. وتوقف دعوى القصاص من قبل ولى الدم فى رأى أبى حنيفة ومالك، وعند الشافعى وأحمد بن حنبل يظل له الحق فى المطالبة بالدية. ويذهب مالك والشافعى وأحمد، إلى اشتراط شرط آخر فى القصاص وهو أن يكون المجنى عليه مساويا للجانى ¬

_ (¬1) ما ذكره المؤلف من أنه من قتل ذميا ومعاهدا أو مستأمنا، يجب أن يقتل طبقا لمذهب مالك خطأ والصحيح أن هذا مذهب أبى حنيفة، ذلك أن ما ورد فى كتب المذهب المالكى، أنه لا يقتل المسلم بالكافر غير المسلم، مستدلا بحديث: لا يقتل مؤمن بكافر. انظر: ابن رشد، بداية المجتهد. [المراجع]

فى الإسلام والحرية، بينما يذهب الحنفية إلى غير ذلك، ولا يأخذون فى الاعتبار المساواة فيهما، وهو ما يجعل لرأيهم قيمة فى هذا الخصوص. ويرى الإمام مالك أنه يقتص من القاتل، إذا قتل فرعه عمدا (ابنه متعمدا)، ويوجد مثل هذا الرأى فى المذهب الشافعى. ويقتل الجماعة بالواحد فى رأى أبى حنيفة ومالك والشافعى، إذا نفذوا الجريمة بالاشتراك، متى كان دور كل واحد منهم يؤدى إلى القتل لو كان بمفرده. وقد أجمع الفقهاء على أن الشخص إذا قتل عدة أفراد يكون مستحقا للقصاص، أما مسألة ما إذا كان واجبا عليه أن يدفع الدية، فإن المسألة خلافية بين الفقهاء. ويطبق القصاص فقط إذا كان هناك برهان قاطع على الجريمة. وإقامة الدليل فى المحاكمات الجنائية أساسى مثله مثل القضايا الأخرى. وبالنسبة للقصاص فى النفس هناك دليل القسامة، الذى أبقاه الإسلام من العصر الجاهلى وطبقا لرأى الأئمة مالك وأحمد والشافعى فى المذهب القديم يمكن الحكم بالقصاص على أساس القسامة، متى استوفيت الشروط الأخرى. أما عند الإمام أبى حنيفة والشافعى فى المذهب الجديد والراجح فى المذهب، فإن الجانى عليه أن يدفع الدية. ويذهب بعض الشافعية إلى قتل الجانى إذا أقسم عند المحاكمة مرتين بخمسين يمينا كل مرة أنه ارتكب جريمته. وإذا استحق الشخص القصاص، ولم يثبت ضده ذلك بدليل قضائى مسبق، فإنه يستحق التعزير. واستيفاء القصاص متروك لولى الدم (¬1) ويكون القصاص عند أبى حنيفة بضرب عنق القاتل بالسيف أو أى سلاح مشابه. وإذا قتل ولى الدم الجانى بوسيلة أخرى فإنه يعاقب بعقوبة التعزير، لكن بغير السجن. وفى رأى الإمام مالك والشافعى، فإن المجرم يقتل بنفس الطريقة أو الكيفية التى قتل ¬

_ (¬1) هذا خطأ. لأن استيفاء القصاص يكون لولى الأمر وليس لولى الدم، وثمة فرق بين طلب القصاص وتنفيذه، فالأول من حق ولى الدم, والثانى من حق ولى الأمر طبقا للراجع عند الفقهاء. [المراجع]

بها المجنى عليه، مع مراعاة قيود معينة ويوجد الرأيان فى المذهب الحنبلى. ويستوفى القصاص -مع توافر الشروط الأخرى- فقط إذا طالب به ولى المجنى عليه، أو السيد بالنسبة للعبد المقتول. وإذا تعدد أولياء الدم (أى كانوا أكثر من واحد) فإنه لإجراء القصاص ينبغى أن يظهر كل منهم رغبته فى استيفائه، وإذا تخلى أى منهم عن طلبه، سقط القصاص. وقد انقسمت آراء الفقهاء حول ما إذا كان ولى الدم (أو أحدهم لو كانوا أكثر من واحد) لم يعبر عن رأيه على سبيل التحديد. ومن حق الولى أو المجنى عليه حالة الاحتضار أن يتنازل عن القصاص، بل قد يحث على العفو أو قبول الدية أو أى مقابل آخر. وهنالك العديد من القواعد المتعلقة بالنقاط التفصيلية، كما يوجد العديد من الاختلافات الفقهية بين مذاهب الفقهاء. 6 - القصاص فيما دون النفس طبقا للشريعة، يتحقق إذا ما اعتدى شخص على آخر عمدا ودون وجه مشروع. (ويستثنى من ذلك الجرح الذى يسببه الشخص على من حاول قتله أو جرحه أو سرقته، إذا لم يستطع دفعه بوسيلة أخرى (¬1) (فيسمح الشرع على سبيل المثال للشخص أن يضرب المعتدى فى عينه أو يفقأها إذا حاول أن يقتحم منزله دون إذنه) فأحدث به جرحا غير مهلك، والذى يمكن أن يوقع مثله تماما على المعتدى (وهو ما تناولته كتب الفقهاء بالتفصيل الدقيق) ففى هذه الحالة يستحق القصاص من جانب الشخص المجروح (ما عدا الإمام مالك الذى يشترط أن يتم ذلك بواسطة خبير) إذا ما توافرت شروط القصاص فى النفس، مع بعض التعديلات الآتية: وجهة نظر أبى حنيفة أن القصاص فيما دون النفس لا يتم بين الرجل والمرأة ولا بين العبيد فيما بينهم، ولكنه يجوز وفقا لرأى مالك والشافعى وأحمد. علاوة على ذلك، فإن الإمام أبا حنيفة ومالك لا يقران القصاص بين الأحرار والعبيد فيما دون النفس. وطبقا لرأى مالك والشافعى وأحمد يوقع القصاص على الجماعة لصالح الفرد، وينازع أبو حنيفة فى ذلك. ولا يقطع ¬

_ (¬1) هذا ما يسمى فى الفقه بدفع الصائل أو الدفاع الشرعى. [المراجع]

المصادر

العضو السليم بالعضو المعيب. وإذا كان الجانى فاقدا للعضو فلا قصاص. أما إذا فقد الجانى العضو بعد ارتكابه للفعل، فهناك خلاف بين الفقهاء، كما فى حالة موت الجانى قبل تنفيذ القصاص فيه على النفس. 7 - إذا كان القصاص غير ممكن أو تنازل المجنى عليه طواعية عن طلب القصاص، فإن له الحق فى طلب الدية، وتدفع الدية كاملة فى حالة القتل غير المشروع, لكن ليس فى الجرح غير المميت. وفى حالات القصاص دون النفس، فإنه قد تدفع الدية كلها أو جزء من الدية، أو أرش مقدر من الشارع، أو نسبة معينة من الدية يحددها القاضى، كل هذا بالطبع على افتراض أن المقتول أو المجروح حر. أما إذا كان عبدا، فيجب أن تقدر قيمته على نحو جيد، وإذا كان الجانى عبدا، فإن على سيده أن يدفع ما يجب عليه من غرم مالى. ويمكن أن يعفى نفسه من ذلك بتسليم العبد إلى المجنى عليه. 8 - بالنسبة للقواعد المنظمة للقصاص الواردة فى كتب الشيعة، فليس بنا حاجة إلى عرضها هنا لأنها فى الأساس نفس القواعد عند أهل السنة، فقط نريد أن نذكر أنه من بين الأئمة الاثنى عشر، على سبيل المثال، من يذهب إلى أن الرجل إذا قتل امرأة فيمكن أن يقتص من الرجل، إذا دفع ولى المرأة فرق الدية على كل طرف. 9 - لتطبيق القصاص عمليا، فإننا نلاحظ أن الباقى من قواعده، قد سجلها صحابة النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-]. المصادر: (1) Hughes: A dictionary of Islam (2) Schacht: The origins of muhammadan Jurisprudeace Schacht, An introducation to Islamic law, Oxford, IA 64 (3) Andersone: Himicide in Islamic law. Bsoas (4) أحمد محمد إبراهيم: القصاص فى الشريعة الإسلامية، القاهرة 1944. (5) أحمد فتحى بهنسى: القصاص فى الفقه الإسلامى، القاهرة 1964 م. (6) محمد أبو زهرة: الجريمة والعقوبة فى الفقه الإسلامى، القاهرة، 1968. د. عطية القوصى [شاخت J. Schacht] مراجعة د. محمد الشحات الجندى

قصر هبيرة

قصر هبيرة قصر ابن هبيرة اسم بلدة بالعراق واقعة فى منتصف الطريق بين الكوفة وبغداد، والنسبة فيها راجعة إلى مؤسسها يزيد بن عمر بن هبيرة آخر حاكم ولى العراق لبنى أمية، البلاذرى فتوح البلدان والمقدسى والاصطخرى، وانظر أيضًا ابن حوقل ومعجم البلدان لياقوت. على أنه ينبغى ألا نخلط بين قصر ابن هبيرة للكوفة والتى شرع يزيد بن عمر نفسه فى بنائها ثم لم يكمل بناؤها بأمر الخليفة مروان الثانى. ويقرر ياقوت الحموى أن الخليفة العباسى أبى العباسى السفاح أنشأ عاصمته عند قصر ابن هبيرة، وأتم البناء الذى كان قد شرع فيه يزيد بن عمر هبيرة وسماها بالهاشمية. غير أنه اضطر لترك هذا المكان أمام اصرار السكان على تسميته باسمه الأصلى وانتقل إلى مكان آخر على مقربة منه، ويبدو أن هذه الرواية تخلط بين ما قاله البلاذرى من أن السفاح استقر فى مدينة ابن هبيرة (راجع ياقوت والبلاذرى) وبين ما يذكره جغرافيو القرنين الرابع والخامس الهجريين (العاشر والحادى عشر الميلاديين) من أن بلدة قصر هبيرة أكبر بلدة بين بغداد والكوفة وأنها كانت مجاورة للفرات وتمر بها المجارى المائية التى تجلب البائع إلى أسواقها الكثيرة. غير إنه بتضعضع مكانتها قبيل القرن السادس الهجرى (الثانى عشر الميلادى) أصبحت "الحلة" هى المدينة الكبرى فى هذه الناحية. حسن حبشى [ج. لاسنر J. Lassner] قصص الأنبياء " أخبار أنبياء ما قبل الإسلام"، هى عنوان لأعمال عديدة تتصل بحياة أنبياء العهد القديم، وقصة المسيح (عليه السلام)، وبعض الأحداث الأخرى التى تضمنت الحديث عن الأبطال الأتقياء الصالحين أو عن أعداء اللَّه (فى قالب قصصى). وأكثر الكتب شهرة وانتشارًا فى هذا الموضوع هو كتاب "عرائس المجالس" لأبى إسحق أحمد الثعالبى

(ت 427 هـ/ 1036 م) وبعض روايات القصصى المختلفة التى دُونت تحت اسم محمد بن عبد اللَّه الكسائى. ويجب تتبع أصول هذا التراث وإرجاعها إلى الجزيرة العربية قبل الإسلام. وكانت أخبار هذه القصص قد نُقلت للعرب أثناء تواجد اليهود فى يثرب، ومن خلال تواجد المسيحيين -فى الجزيرة العربية، ومن الممكن أن نتأكد من وجود هذه المعلومات ليس فى المناطق المجاورة للإمبراطوريتين البيزنطية والساسانية فحسب، ولكن أيضًا على سواحل البحر الأحمر. وفى جنوب شبه الجزيرة العربية. ولقد استفاد أمية بن أبى الصلت، شاعر الطائف والمعاصر لمحمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، من هذه الروايات المنقولة؛ وهنالك بعض الأبيات الشعرية المنسبة إليه تشير إلى إبراهيم الخليل واسحق عليهما السلام، والطوفان، وغير ذلك. رغم أن نسبة هذه الأبيات إليه غير مؤكدة. ولقد كان نبى الإسلام هو الذى أعطى لهذه الأخبار معنى جديدًا بالمرة، وأحداث حياته منعكسة فيهم؛ دعوته نبيًا، مقاومة قومه له، تهديده بالعقاب، الذى قد يكون دمار قومه. ولقد دُرست، كل هذه المضامين النفسية والأخبار القديمة التى أشار إليها القرآن الكريم بأشكالها التهذيبية، باستفاضة، درسها خلف اللَّه فى كتابه "الفن القصصى فى القرآن" ومن وجهة النظر الإسلامية، فإن حياة أنبياء ما قبل الإسلام جاءت فى القرآن كعبر تحذر الناس من المصير السيئ لأولئك العاصين للَّه ورسله. ولذلك فإن قصص الأنبياء أصبح جزءًا من تاريخ العالم، كما أن التاريخ عمومًا يُعتبر سلسلة من العِبر. ولقد أصبح أسلوب الكتابة التعليمى لأخبار الأنبياء السابقين على الإسلام. ذا أهمية كبيرة فيما انفصلت عن حليتها، تلك التى عرفناها منذ أمد، أولًا عند الثعالبى،

_ (1) اصطلح على تسمية رواة هذه الأخبار فى التاريخ الإسلامى باسم الإخباريين والقصّاص. [المترجم]

المصادر

ولقد أشارت المصادر التاريخية إلى أنشطة القصاص منذ القرن الأول للإسلام وفى ظروف معينة، تكتسب أهمية سياسية؛ فمثلا تجد أن قصة موسى وفرعون قد استخدمت فى الدعايةية ضد الأمويين وأدرك الشيعة الأوائل بأن تاريخ المجتمع الإسلامى مشابه لتاريخ بنى إسرائيل فى حياة موسى، لكون الشيعة مماثلين لتلك القلة التى لم ترتد عن العقيدة الصحيحة حين كان موسى على جبل سيناء. المصادر: (1) الثعالبى: عرائس المجالس فى قصص الأنبياء. القاهرة 1315 هـ/ 1897 - 1898. (2) الكسائى: قصص الأنبياء. (3) الطبرى: تاريخ الرسل والمملوك، جـ 1. (4) عبد الوهاب النجار: قصص الأنبياء، القاهرة 1935. د. عطية القوصى [ناجل T. Nagel] القصيدة وجمعها قصائد. والكلمة مشتقة من الفعل قصد بمعنى هدف إلى شئ بعينه، لأن القصيدة كان يقصد بها تقريظ قبيلة الشاعر والتشهير بالقبائل المعادية، أو تقريظ شخصية أو أسرة يلتمس منها الشاعر العون أو يطلب منها الأعطيات، ومع أن المرثية لم تكن -فيما يبدو- قد أدرجت تحت التسمية نفسها (قصيدة) فإن شكلها يجعل من الممكن اعتبارها من بين القصائد، أما الهجاء الذى لا يذهب إلى أبعد من الإهانة بالشعر فقد أدرجه القدماء بين القصائد. وتعتبر قصائد ما قبل الإسلام خاصة المعلقات هى القصائد المثلى التى احتذى الشعراء حذوها فى القرون الأولى للإسلام. وتبدأ القصيدة بأبيات يذرف فيها الشاعر الدموع على ما كان يوما فى مضارب محبوبته (البكاء على الأطلال) ثم يصف مفاتن محبوبته (الغزل أو النسيب) ثم يدخل فى صلب الموضوع سواء كان مديحا أم هجاء أم

قصى

رثاء أم مدحا، وينتهز هذه الفرصة ليستعرض فى سياق بلاغى رصين جمال الصحراء ورحابتها ووصف حيواناتها، وبراعته فى الصيد. . الخ. والقصيدة العربية -مهما طالت- فإنها تلتزم بوزن واحد وقافية واحدة، وكان هذا الالتزام الصارم سببا "للطابع التجزيئى" للقصيدة وعدم اتسامها بالوحدة العضوية. ولم يكن من المتوقع أن يظل الالتزام بهذا الشكل الصارم إلى ما لا نهاية، فقد ظهر شعراء بعد فترة تخلوا عن هذه الكلاسيكية، فظهرت الكلاسيكية الجديدة ثم تطورت أشكال الشعر العربى مما يخرج عن مجال موضوعنا. وداد عبد اللَّه [التحرير] قصى هو الجد الخامس للنبى محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وتجمع المصادر على أن نسبه هو قُصَىّ ابن كِلاب بن مُرّة بن كعب بن لُؤَىّ بن فِهْر أَو قريش بن غالب (ابن الكلبى - كاسكل، الجمهرة) وقد سجلت المصادر التى بين أيدينا حياته ومآثره فى ثلاث روايات لا تختلف بعضها عن بعض إلا فى تفصيلات طفيفة وهى روايات محمد الكلبى (توفى 146 هـ/ 763 م) وابن اسحق (توفى 150 هـ/ 767 م) وعبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكى (توفى 150 هـ/ 767 م). تقدم الروايات قصيا فى النمط المعتاد للبطل الأسطورى الذى يؤسس مدينة. فقد أمضى صباه وفتوته خامل الذكر بعيدا عن دياره، وهو الابن الأصغر لكلاب بن مرة من قريش التى انتقلت سيادتها على مكة من أيديها إلى أيدى الخزاعيين وقد مات أبو قصى عقب ولادة ابنه فأخذته أمه فاطمة بنت سعد بن شَيال التى اتخذت لها زوجا ثانيا من بنى عذرة إلى موطن قبيلة زوجها فى شمال الجزيرة العربية قرب سرغ طبقا لما يذكره ابن الكلبى (ابن سعد جـ 1، 36، 26) وهى واقعة على الحدود السورية الحجازية على مقربة من تبوك (ياقوت

جـ 3 ص 77) وهنا تغير اسمه من زيد إلى قصى من القُصُوّ أو القَصْو بمعنى النأى والبعد. وإذ عرف من أمه أصوله عاد إلى مكة حيث تزوج حُبَة بنت خُلَيْل ابن حُبْشيّة سيد خزاعة الذى كان إليه الإشراف على ترتيبات العبادة فى الكعبة والحج إليها. وسرعان ما علا شأن قصى فى مكة، ونجح بعد وفاة حميه فى أن يخلفه فى مهامه، إما بعد صراع طويل مع خزاعة، وإما -طبقًا لرواية أضعف من هذه- عن طريق مساومة قائمة على الحيلة عاونة فيها (أبو) غُبْشان مع ابن حليل أو قريب آخر له أبعد نسبا (قارن ابن دريد، الاشتقاق 277, 7 مع 282, 2) أصبح قصى سيد مكة وحارس الكعبة فأعاد بناء الأخيرة ونظم العبادة فيها ووحد العشائر القرشية المتناثرة فى كيان صلب أكد سيادتهم على البلدة مستقبلا. بل يقال إن اسم قريش (من الفعل تَقَرَّش بمعنى "جمع") حل محل الاسم القديم بنى النضر، ويقال إن قصيا لُقب بـ "المُجَمِّع". وبعد وفاته ورث أبناؤه عبد الدار وعبد مناف وعبد العزى وعبد قصى مهامه المقدسة. وإلى ثانى هؤلاء الأبناء ينتهى نسب النبى محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] إذ هو (محمد بن عبد اللَّه بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف). وقد أصبح بيت قصى الذى بناه بنفسه قريبا من الكعبة مركزا لكل المهام المدنية والدينية وأطلق عليه "دار الندوة". وإلى قصى أيضًا يرجع اكتشاف وحفر بئر العَجُول (البلاذرى، فتوح البلدان 48؛ ياقوت: معجم البلدان، 3، ص 19 - 20). مما سبق يتضح أن قريشا كانت ترى فى قصى مؤسسها الحقيقى ومؤسس الكعبة. ويشهد لقدم هذا الاعتقاد شعر للأعشى (البكرى 849) وأشعار لحسان بن ثابت. وفى وقت لاحق حاول المؤرخون الرسميون التوفيق بين هذا الاعتقاد المحلى القديم ونظام الأنساب الذى تأسس لاحقا، ويقضى بأن قريشا هو فهر بن مالك

ابن النضر، وكذلك بينه وبين الاعتقاد المختلف تماما عن أصل عبادة إبراهيم الخليل عليه السلام وطبيعة هذه العبادة وما دخل عليها من تحريف على أيدى جرهم وخزاعة. وهكذا فإن قصيا يمثل لمكة "ما يمثله تيسيوس لأثينا ورومولوس لروما" كما يقول "كيتانى" ومن المستحيل طبقا لمعارفنا الراهنة أن نقول هل هو شخصية تاريخية تحولت إلى بطل أم هو تجسيد أسطورى لفكرة البطل. إن اسمه موجود فى نظام الأعلام العربى، فقد أشار ابن الأثير (جـ 6, ص 14 - 15) وابن حجر فى الإصابة (جـ 6، ص 227) إلى نَهِيك بن قصى السلولى الذى كان معاصرًا للنبى محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وأشار ابن الكلبى فى الجمهرة إلى قصى بن عوف (جدول 114) وقصى بن مالك (جدول 115) ورغم أن الاسم نفسه يمكن التعرف عليه فى المخطوطات النبطية وفى رقاق دورا الواقعة على الفرات فإن ذلك لا يبرر لنا استنتاج أن للاسم أصلا شماليا، فهو موجود كما رأينا فى مختلف القبائل. ولكن تواتر الاعتقاد بأن قصيا أمضى طفولته فى الشام يؤيد الفرض القائل إن عبادة الكعبة أو على الأقل تجديد هذه العبادة كان نتيجة لتأثير وارد من الشمال. ونجد فى بعض المرويات (ابن سعد نقلا عن الكلبى جـ 1، ص 39، 11 - 1) صدى لحقيقة ذلك، وتحديدا فيما يقال عن عبادة هُبَل "صنم خزاعة" القديمة حيث كانت أعلى شأنًا من عبادة العزى ومناف - مناة. وهو ما نجد شواهد قاطعة عليه فى شمالى الجزيرة العربية على وجه الخصوص. وعلى أية حال فقد أصبحت شخصية قصى كما رأينا تحمل الملامح المميزة لأساطير الأبطال الذين يؤسسون عصورا أو مدنا. . الخ. وأبناؤه الذين ينسبون إليه ليسوا إلا رموزا على الدور الذى قام به قصى فى بناء الديانة المكية. وإذا يكن من الحق

المصادر

أنه كان موضوعا للعبادة كإله (اسم عبد قصى الذى حمله أحد أبنائه لا يعنى بالضرورة الطابع الإلهى للأب) فإنه كان بلاشك محل توقير وتبجيل طبقا لعبادة الأسلاف التى كانت بالتأكيد موجودة فى الجزيرة العربية قبل الإسلام وإن كنا لا نعرف إلا قليلا جدا عنها. وقصى هنا شأنه شأن ثقيف البطل الذى منح أهل الطائف اسمه، وقد ظلت ذكرى قصى مرتبطة بصورة خاصة بداره وأعنى بها دار الندوة. وأيًا كانت الأصول فمن المؤكد أن السيطرة على الكعبة والحج فى بداية القرن السادس الميلادى كانت فى أيدى عشيرة تنتسب إلى قصى، وأن قريشا كانت متفقة على أن قصيا هذا هو مؤسس وحدتها القبلية. وتجدر الإشارة إلى أن هذه العشيرة -بنى قصى- وإن كان بعض أفرادها من الرؤساء المعترف بهم لقريش فإنها إزاء آخرين -بنى أمية- كانت بعيدة عن أن تجمع فى أيديها كامل السيطرة السياسية والمالية. وعلى سبيل المثال فإن بنى مخزوم إحدى أقوى الأسر فى مكة لم تكن تنحدر من قريش. ويبدو إذن من المحتمل أن "الجمهورية" المكية تكونت بمبادرة وتوجيه من بنى قصى، ولكن هؤلاء كانوا مضطرين إلى أن يعترفوا فى نظامهم الاجتماعى للعشائر الأخرى بنفس الحقوق والمزايا نفسها التى لهم وذلك على الرغم من أن نبالة الدم والسيادة هى الشئون الدينية ظلت دائما امتيازًا مقصورًا على بنى قصى. المصادر: بالإضافة إلى ما ورد فى المتن: (1) ابن هشام: السيرة تحقيق جوتنجن 1859 - 1860 م Wustenfeld، 75 - 84. (2) ابن سعد: الطبقات الكبرى، تحقيق H. Sachau وآخرون ليدن 1905 - 1940. (3) الطبرى: تاريخ الرسل والملوك، تحقيق De Goeje ليدن 1879 - 1901 م 1092 - 1110. محمود ماجد عمر [ليفى دى لافيدا Levy Della Veida]

قضاعة

قضاعة مجموعة من القبائل العربية تتضارب آراء النسابين فى أصلها، فمنهم من يؤكد أنهم من نسل معد، وآخرون يقولون إنهم ينحدرون من حِمْيَر. وتحاول بعض الروايات التوفيق بين هذه الآراء فتقول إن أم قضاعة كانت زوجة لمالك بن عمرو بن مُرّة بن مالك بن حمير، ثم تزوجت بعده معدّا الذى نشأ فى كنفه ابنها قضاعة من زواجها الأول، ولذلك أطلق عليه قضاعة ابن معد. وتزعم رواية أخرى مناقضة أن قضاعة كان ابن معد، ثم تزوجت أمه فيما بعد مالك بن عمرو الحميرى الذى تبنى الطفل، وهكذا أصبح يطلق على قضاعة اسم قضاعة الحميرى (انظر ملاحظات ج. كيستر وم. بلسنر على تحقيق كاسكل لجمهرة النسب فى دورية orients 25 - 26 [1976], ص 56 - 57، والإشارات الواردة فى الهوامش 43 - 51، وانظر أيضًا نور الدين الهيثمى: مجمع الزوائد والأغانى جـ 7 ص 77 والإكليل للهمذانى). وتذكر بعض الروايات صراحة على أن قبائل قضاعة كانت تنسب نفسها إلى معد، ثم تحولت إلى النسب الحميرى تحت ضغط معاوية وبتأثير الرُّشى (انظر على سبيل المثال كيستر وبلسنر، نفس المرجع، هوامش 51 - 57). والقبائل المندرجة فى قضاعة هى: كلب وجهينة، وبَلِى، وبهراء، وخولان، ومهرة وخُشين، وجَرْم، وعُذرة، وبَلقَين (انظر القين) وتنوخ، وسليح. وكان انتماء بعض هذه القبائل (مثل تنوخ ومهرة وخولان) إلى قضاعة محل خلاف بين النسابة. وقد انضمت بضع عشائر من قضاعة إلى قبائل أخرى، وألحقت نفسها بأنسابها، وغيرت هويتها القبلية. بين الأقسام البارزة من قضاعة يمكن للمرء أن يشير بصفة خاصة إلى جهينة وبلى: 1 - كانت أرض جهينة الشاسعة تتحكم فى الطريق الساحلى الذى تسلكه القوافل ما بين سوريا ومكة، ويمر بمواقع صفراء وصُفَيْنة والمروة

والحوراء وينبع وجبال رضوى. ويبدو أنه كان لدى جهينة تزعة قبلية واضحة، ونستطيع أن نحكم على ذلك من مجموعة من شعر الحروب القيلية "أيام جهينة"، وقد سجلت شذرات من هذا الشعر فى وقت متأخر خلال القرن الرابع الهجرى (العاشر الميلادى) (انظر الطيالسى، المكاثرة عند المذاكرة. ط الطنجى، أنقره 1956 م). تذكر رواية أوردها ابن الكلبى أن عبد الدار بن حُدَيب (أو هُذَيل فى قول آخر) عزم على بناء مزار فى قَوْدَم أحد مراكز جهينة لينافس به كعبة مكة إلا أن قومه عارضوه (ابن الكلبى، الأصنام، نشر أحمد زكى باشا، القاهرة 1343 هـ/ 1924 م ص 45). ويبدو أن علاقات جهينة بالأوس والخزرج كانت وثيقة، وقد ذكر أن بعض الجهينيين كانوا حلفاء لأسر وعشائر من أهل المدينة (انظر على سبيل المثال ابن حزم، جمهرة انساب العرب، تحقيق عبد السلام هارون، القاهرة 1962 ص 444). كان من الطبيعى عندما استقر النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فى المدينة أن يهتم بعقد علاقات سلام مع جيرانه الجهينيين. وإذ استشعرت جهينة التغيير الأساسى فى الوضع فى المدينة مع قدوم النبى كانت حريصة على أن تؤمّن لنفسها موقعا فى بناء القوة الجديد. وتذكر بعض الروايات أن وفدا من جهينة قدم على النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فى المدينة فأشار إلى أن النبى قد أقام "بين أظهرهم" (أى فى المنطقة التى يسيطرون عليها) وطلبوا منه عقد انفاق للأمن المتعادل وقالوا له: "أوثق لنا حتى نأمنك وتأمننا"، وفى الواقع فقد تم الاتفاق على هذا العهد بين النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وبين جهينة. ومن الجوانب اللافتة للنظر فى هذا العهد أن النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] قد التقى بوفد جهينة قبل إسلامهم وهذا واضح مما يروى عن هذا العهد إذ جاء فيه "ولم يُسْلموا". وبدأ تنفيذ العهد بعد قليل من إبرامه؛ حين أرسل النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] مائة من المقاتلين للإغارة على طائفة من كنانة. وعندما أدراك المسلمون أن الكنانيين

يفوقونهم عددا تراجعوا وطلبوا اللجوء عند جهينة. ولما سألهم الجهينيون لماذا قاتلوا فى شهر رجب الحرام، برر المسلمون ذلك بالإشارة إلى أنهم طُرِدوا من الحرم (مكة) فى الشهر الحرام. تبدو الأقوال عن مشاركة جهينة فى مواجهات النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] الأولى مع قريش صحيحة، وتؤكدها رواية أوردها الطبرانى، تذكر أن أولى القبائل التى قاتلت مع النبى كانت جهينة. تشير بعض الأحاديث المنسوبة إلى النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] إلى تحول بضع جماعات من جهينة ومن أَسْلَم (وهى مجموعة أخرى من قضاعة) إلى الإسلام فى فترة مبكرة، وتقدم هذه الأحاديث هؤلاء فى الفضل على قبائل أسد وغطفان وتميم وعامر بن صعصعة وهى قبائل كبيرة (انظر مثلا الحميدى، المسند، ط. حبيب الرحمن العظمى، بيروت - القاهرة 1318 هـ جـ 2، رقم 1048). شاركت جهينة بقوة كبيرة قوامها 800 راجل و 50 راكبا (أو 1400 مقاتل طبقا للطبرى، التاريخ، جـ 3 ص 65) فى فتح مكة. وظلت جهينة على ولائها للإسلام بعد وفاة النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] (انظر الواقدى 1122). كما شاركت جهينة مع مجموعات أخرى من قضاعة فى فتح مصر. واستقر بعضهم فى الفسطاط (راجع ابن عبد الحكم، فتوح مصر، ط تورى، نيو هافن، 1922, الفهرس). وقد عاش الجهينيون فى منفلوط وأسيوط، وبعد اشتباكات مع مجموعات قبلية أخرى هاجروا إلى أخميم فى عهد الفاطميين، وأصبحوا إحدى القبائل العربية فى مصر (انظر المقريزى، البيان والإعراب عما فى أرض مصر من الأعراب، طبعة عبد المجيد عابدين، القاهرة 1961. وانظر أيضًا أبحاث عابدين فى نفس المرجع ص 77 - 78). وفى القرن الثامن الهجرى (الرابع عشر الميلادى) تغلغلت مجموعات من جهينة فى مملكة النوبة المسيحية وسيطروا عليها ثم واصلوا زحفهم جنوبا إلى السودان حيث امتزجوا

بالقبائل المحلية (انظر C.H. Becker: Zur Geschre des ostlich en Sudan, in Isl-i 77 - 153). أما أراضى جهينة فى الجزيرة العربية فقد سيطر عليها أولاد على الذين نجحوا فى اكتساب ملكية مساحات كبيرة من الأراضى. ومع ذلك فقد نجحت مختلف فروع جهينة على مر القرون فى الحفاظ على هويتها. وعلى الرغم من بعض التذبذب فى بداية الحرب العالمية الأولى فإن غالبيتهم اتبعت أولا الشريف حسين، ولكنهم بعد ذلك غيروا موقعهم وأصبحوا مخلصين للأسرة السعودية (انظر أوبنهايم جـ 2 ص 360)، وهم يجتهدون فى السنوات الأخيرة فى تطوير منطقتهم (انظر حمد الجاسر، بلاد ينبع). 2 - وكانت إلى الشمال من أرض جهينة أرض بَلِى، وهى فرع آخر من جهينة، وكانت مساكنهم المعتادة تبدأ من وادى إضَم وتمتد شمالا لتضم شَغَب وبَدَا وتيماء (ابن خلدون، العبر جـ 2، ص 516). وتقول الأخبار إن قبائل بلى وجهينة وعذرة من قضاعة هاجرت إلى وادى القرى حيث كان المستوطنون اليهود يفلحون الأرض ويحفرون الآبار ويزرعون النخيل. وتعهد المستوطنون اليهود فى اتفاق بينهم وبين هذه المجموعات من قضاعة على أن يدفعوا لهم جُعلا معينا لقاء التزام بلى وجهينة وعذرة بحماية المستوطنات اليهودية من القبائل البدوية الأخرى بما فيهم الجماعات الأخرى من قضاعة (ياقوت، معجم البلدان، جـ 1، ص 43). وقد ظلت نصوص هذا الاتفاق سارية حتى مقدم الإسلام حين وفد جمرة بن النعمان العذرى على النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فاقطعه الرسول أرضا وأقر المستوطنين اليهود من أسرة عُرَيْض (أو عَرِيض) فى أماكنهم (ابن سعد جـ 1 ص 279 والبكرى جـ 1 ص 44)، وقد انهمكت بعض عشائر بلى فى صراع داخلى اضطرت احداها وهى بنو حِشْنة إلى اللجوء للمستوطنين اليهود فى تيماء حيث تحولوا إلى اليهودية. ثم

ذهب بعض هؤلاء اللاجئين من بعد ذلك إلى المدينة عند مقدم الرسول عليه الصلاة والسلام واعتنقوا الإسلام (البكرى جـ 1 ص 596) وتشير بعض الروايات إلى أن المهاجرين البلويين إلى المدينة أصبحوا حلفاء للأوس والخزرج (البكرى جـ 1 ص 28، وانظر الإنباه على قبائل الرواه لابن عبد البر، النجف، ص 128). ويمكن استنتاج وضع بلى فى المدينة من الروايات الواردة عن لقاء العقبة وأن سبعة من السبعين أنصاريا الذين بايعوا النبى فى هذا اللقاء كانوا بلويين، وهم عُوَيم بن ساعدة ومعن بن عدى وخَديج بن أوَيس وأبو الهيثم بن التيِّهان وأبو بردة بن نِيار والنعمان بن عمرو (أو ابن عِصْر) ويزيد بن ثعلبة. وتشك بعض الروايات فى انتساب بعض هؤلاء إلى بلى. ولقد حارب رجال من بلى إلى جانب النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فى معاركه مع قريش واستشهد بعضهم. وهناك رسالة غريبة تقول بعض الروايات إن النبى بعث بها إلى قوم من بلى هم بنو جُعَيل يتعهد لهم فيها بأنهم (لا يُحْشَر ولا يُعْشَرون) وفسر ابن سعد ذلك بأنه يعنى أن الصدقات لا تجمع منهم إلا مرة واحدة فى العام وأنهم لا يُجْمعون هم وقطعانهم فى أماكن جمع الصدقات، ولكن هذا التفسير لا يبدو مستساغا، وربما كان المقصود منه هو إعفاؤهم من العشور ومن الالتزام بواجب القتال إلى جانب المسلمين. وقد كلفهم النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] بجمع الصدقات من بعض القبائل الأخرى، وأعطاهم وضع قريش لأنهم كانوا حلفاء لعبد مناف (ابن سعد جـ 1 ص 270 - 271). ولعل القصد من هذه المزايا التى أُعطيت لبنو جعيل كانت لاكتساب ولاء مجموعة قبلية حليفة لقريش وتأمين سيطرتها على مجموعات قبلية أخرى لصالح المجتمع الإسلامى الوليد. كان هدف الحملة التى أرسلت إلى بِلَى فى العام الثامن الهجرى اكتساب ولاء هذه القبيلة وعونها للمجتمع الإسلامى، وكان من الضرورى لهذا المجتمع تامين تعاون بِلَى الذين يسكنون المناطق الشمالية من شبه الجزيرة العربية ويسيطرون على

الطريق إلى المدينة ومكة والذين كان بعضهم فى خدمة الجيش البيزنطى. ويذكر أن قائد القوات التى حاربت المسلمين فى مؤتة كان بلويا (الواقدى 760). وكان قرارا حصيفا من النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] أن يجعل قائد المسلمين فى هذه المعركة هو عمرو بن العاص الذى كانت أمه بلوية (نفس المرجع, 770) وكانت الحملة موجهة أيضًا إلى مهرة وبلقين وهما أيضًا قبيلتان من قضاعة كانتا تنزلان فى منطقة بلى. وأخيرا استقبل النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فى العام التاسع الهجرى وفد بلى الذين أعلنوا اعتناقهم الإسلام (ابن سعد جـ 1 ص 330، وشرح المواهب للزرقانى جـ 4 ص 57 - 58، وابن قيم الجوزية: زاد المعاد جـ 3 ص 49). شاركت قوات بلى بدور هام فى فتح مصر، وقد حارب عمرو بن العاص تحت راية بلى (ابن عبد الحكم جـ 1 ص 62). وجعل عُمر عطاء مقاتلى بلى كعطاء مُضَر وكلب وطيّئ وهو أقل من عطاء القبائل اليمنية لأن الأولين كانوا أقرب إلى أماكن هجرتهم (الجاحظ، العثمانية، تحقيق عبد السلام هارون، القاهرة 1374 هـ/ 1955 م ص 212). وعندما علم عمر أن رجالا من بلى استصرخوا قومهم بنداء الحرب "يالقضاعة" أمر بإنزال ثلث القضاعيين مصر، ولما كانت بلى تمثل ثلث قضاعة فقد كان من نصيبها أن تنزل مصر (ابن عبد الحكم ص 116). وكان عبد الرحمن بن عديس البلوى من صحابة النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] على رأس قوة من الفرسان فى الثورة على عثمان. وقد سجنه معاوية بعد ذلك ثم قتل أثناء فراره من السجن (السمعانى، الأنساب، حيدرآباد 1963 جـ 2 ص 324 وأسد الغابة لابن الأثير جـ 3 ص 309، والإصابة لابن حجر جـ 4 ص 334). استوطن البلويون فى أخميم وأسيوط وأشمون من أرض مصر ثم اضطرتهم قوات الفاطميين إلى النزوح جنوبا وفى القرن الثامن الهجرى (الرابع عشر الميلادى) دخلوا مع جهينة السودان وأسهموا بشكل ملحوظ فى

قطب

نشر الإسلام والعربية بين قبائل البجّة والبقّارة، وما زالت البجة حتى اليوم تسمى اللغة العربية باللغة البلوية. أما فى شبه الجزيرة العربية فقد قامت بلى بدور هام أثناء الحرب العالمية الأولى فى الصراع بين الشريف حسين والسلطات التركية، وفى نهاية الأمر (فى 1918) تبعوا قيادة الشريف حسين. كما انضمت بعض مجموعات من بلى إلى النظام الجديد فى الحجاز فى 1925 وأصبحوا رعايا مخلصين للسعودية، ولكن بعض المتمردين البلويين لجأوا إلى إمارة شرق الأردن ثم اجتازوا الحدود عند العقبة فى 1932 وأغاروا مع متمردين آخرين على شمالى السعودية ولكن القوات السعودية لم تلبث أن هزمتهم (فون أوبنهايم جـ 2 ص 354). وعاش المنحدرون من أصلاب بلى فى منطقة قرطبة بالأندلس، ويقول ابن حزم إنهم تميزوا بكرم الضيافة ولم يكونوا يتكلمون الرومية (اللاتينية) بل كان حديثهم بالعربية فقط؛ كما يقول ابن حزم فى كتابه الجمهره. محمود ماجد عمر [م. ج. كيستر M. J. Kister] قطب 1 - فى الفلك: كلمة قطب فى العربية تعنى طرف المحور (وبصفة خاصة المحور القائم المثبَّت فى الطبق الأسفل من الرَّحى يدور عليها الطبق الأعلى) والصفة منها "قُطبى". واتسع مدلولها ليشمل قُطْبَى الأرض. والنجم القطبى الشمالى كان معروفا لدى العرب فى فترة ما قبل العلم أى قبل اتصالهم بالكتابات العلمية الإغريقية. وفى حوالى عام 1500 م أصبح للقطبين الشمالى والجنوبى قيمة عملية لدى الملاحين المسلمين فى المحيط الهندى، حيث استخدموا كليهما لقياس الارتفاع ولتحديد مواضعهم فى البحر والطرق التى يسلكونها. وكان القطب الشمالى يسمى "الجاه"، وهى كلمة فارسية تطلق على النجم القطبى وعلى القطب ذاته، كما تكونت لديهم معرفة

المصادر

كاملة بالقطب الجنوبى من خلال رحلاتهم جنوب خط الاستواء، وأطلقوا عليه اسم "سُهَيْل" أو "القطب" فحسب فى مقابل "الجاه". ويميزونه بأنه -على عكس الحال بالنسبة للقطب الشمالى- لا يوجد إلى جانبه نجم ساطع، بل توجد -على مسافة تمثل- مجموعة السحب الماجلانية (أحمد بن ماجد وسليمان المَهْرى). ويبدو أيضًا أن القطبين قد استثارا خيال المنجمين حيث وضع ابن منظور والقزوينى قائمتين بالخواص السحرية لكل من القطبين. المصادر: (1) ابن قتيبة: "كتاب الأنواء". حيدرآباد 1956. (2) ابن منظور: "كتاب منار الأزهار" استانبول 1298. سعيد عبد المحسن [ب. كونيتش P. Kunitzsch] 2 - فى التصوف: كلمة قطب فى التصوف الإسلامى تعنى إما "الإنسان الكامل" أو "القطب الحسى" أو "الحقيقة المحمدية"، ويشار إليها أحيانا بوصفها القطب المعنوى. ويشير بعض المؤلفين إلى قطب الوقت، أو صاحب الوقت أو صاحب الزمان على أنه "الغوْث" الذى يوجد بفضل "قطب الأقطاب" ويتجلى فيه -وأصول هذا المفهوم ترجع إلى الحلاج. ونجد مفهوم "القطب" بوصفه رأس جماعة من الأتقياء الورعين لهم نظام رئاسى متدرج، فى تعاليم الحكيم الترمذى وقد لخصها على بن عثمان الهجويرى فى كتاب "كشف المحجوب" والذى يعد أقدم دراسة فارسية عن الصوفية. وكل مرتبة من مراتب هذا التنظيم يرأسها قطب. ومن هؤلاء الأقطاب يتلقى المريدون العلم الذى يدينون به -فى نهاية الأمر- للقطب الأكبر. ويرى محيى الدين بن العربى أن روح محمد أو "الحقيقة المحمدية" هى التى تنقل العلم الإلهى لكل الأنبياء والأولياء، وهى تتجلى وتتحقق بأكمل صورة فى القطب الذى يعد الإنسان الكامل، وهو معصوم. . ولكل زمان قطب، هو القطب الواحد والخليفة الحقيقى للَّه. وقد طور هذه الأفكار عبد الكريم الجيلى، ثم أعاد صياغتها

المصادر

وتبسيطها مؤلفون آخرون لتصبح جزءا من التيار الرئيسى للفكر الصوفى منذ ذلك الوقت. وثمة مفهوم آخر يطابق -إلى حد لافت للنظر- مفهوم القطب بوصفه المبدأ الفعال (أو الباطن) لكل إلهام وشبيه بالعقل "النُّوسْ" عند الأفلاطونية الجديدة. هذا المفهوم تجده عند عمر بن الفارض وهو يشبه العقيدة الإسماعيلية القائلة بتجسيد العقل الأول (الإمام) فى الناطق. وهناك باحثون آخرون التفتوا إلى التشابه القائم بين مفهوم الشيعة عن الإمام بوصفه تجليا للكلمة الإلهية ومفهوم القطب الأكبر فى التصوف الإسلامى. كما لاحظ باحثون عديدون ذلك التوازى بين التدرج الرئاسى للقائمين على الدعوة الإسماعيلية (الفاطمية) والتدرج الرئاسى فى التصوف برئاسة القطب، بل إن بعضهم يرى أن التدرج فى التصوف مستمد عن نظام الإسماعيلية. ويقرر بعض علماء الشيعة صراحة أن القطب والإمام مصطلحان لهما نفس المعنى وينطبقان على نفس الشخص. وقد أدان ابن خلدون نظام الأقطاب ولا يزال هذا النظام هدفا للهجوم عليه ممن ينادون بمفاهيم غير صوفية للإسلام. وقد نسب إلى القطب القدرة على أداء "كرامات" تكشف عن المقام الذى تَرقَّى إليه. وكان هناك -قبل أحمد التيجانى وبعده- من الصوفية من يدعى أنه من الأقطاب أو يعده الأتباع كذلك. ومن أعلام التصوف فى عصوره المتأخرة: أبو سعيد بن أبى الخير، عبد الرحيم القناوى، أبو العباس المرسى، عبد القادر الجيلانى، أحمد الرفاعى، أحمد البدوى، إبراهيم الدسوقى، والأربعة الأخيرون يطلق عليهم لقب "الأقطاب الأربعة". المصادر: (1) عبد الرزاق الكاشانى السمرقندى: "كتاب اصطلاحات الصوفية" لندن - كلكتا 1845 م. (2) محى الدين بن العربى: "الفتوحات المكية" بولاق 274 سنة سعيد عبد المحسن [ف. دى سونج F. De Song]

قطب الدين شيرازى

قطب الدين شيرازى محمود بن مسعود بن مُصْلح. فلكى فارسى وطبيب ولد فى صفر عام 634 هـ/ أكتوبر 1236 م فى شيراز وتوفى فى تبريز فى 17 رمضان عام 710 هـ/ فبراير 1311 م. ينتمى قطب الدين شأنه شأن كثير من الأطباء المسلمين إلى أسرة ظهر فيها نخبة من المطببين البارزين ولكنه -حسب ما تكشف عنه كتاباته- كان فى نفس الوقت علمًا فى علم الفلك والفلسفة ومعالجة المشكلات الدينية. واستحق لهذا التعدد فى الأنشطة أن يطلق عليه لقب "المتفنن" -وقد تدرب على الطب على يدى والده ضياء الدين مسعود الكازرونى (من كازرون غربى شيراز) فى مستشفى شيراز وذاق مرارة اليتم وهو فى الرابعة عشرة من عمره ثم تتلمذ على أيدى أعمامه كمال الدين خير الكازرين وشرف الدين الزكى الرشكانى وشمس الدين الكتبى. ثم انتقل إلى نصير الدين الطوسى حيث درس على يديه وتفوق على كل أقرانه -وأغلب الظن أن نصير الدين هو الذى حفزه إلى دراسة الفلك. وكانت تراوده فى شبابه فكرة إعادة نشر كتاب "الكليات" وهو الجزء الأول النظرى من كتاب "القانون" لابن سينا ثم طلب العلم بعد ذلك على يد الأطباء فى شيراز ثم تعمق فى النظر فى أعمال الأوائل من أهل العلم. ورحل إلى خراسان والعراق وفارس والأناضول وسوريا. ولقد أخبرنا فى المقدمة التى كتبها تعليقا على كتاب "الكليات" أنه كان دائب السعى للتعرف على أهل العلم فى كل مكان يذهب إليه ومن المحتمل أن يكون قد داخل أبلخانات فارس بعد هذه الرحلات وإن كنا لا نعرف فى أى سنة ولا فى عهد من؟ وأيا كان الأمر فقد كان قاضيا فى عام 681 هـ/ 1282 م فى سيواس وفى ملطية بالأناضول إبان حكم أحمد نيكودا - عام 680 - 683 هـ/ 1281 - 1284 م) وظل هناك منكبًا على دراسة كتاب "الكليات" ولابد أن يكون قد لعب دورا فى السياسة حين أرسله أحمد مع عمه كمال الدين إلى مصر أيام المملوك السلطان المنصور سيف الدين قلاوون فى عام 678 - 689 هـ (1279 -

1290 م). وتسنى له أن يجمع فى مصر بعض المواد العلمية لكتاب "الكليات" وأهدى هذا العمل إلى محمد سعد الدين وكان وزيرًا لأحمد خان وسماه "التحفة السعدية" أو "نزهة الحكماء وروضة الأطباء". وقد اعتزل قطب الدين الناس فى أواخر أيام حياته فى تبريز كما درس فى أخريات عمره "الحديث النبوى" دراسة متأنية ودون مذكرات نقدية فى هذا الموضوع مثل "جمع الأصول" و"شرح السنة" وقد أعطانا كل من ابن شُهْبة والسُبْكى صورة سريعة عن شخصيته، فهو حاد الذكاء نافذ البصيرة، وكان فى نفس الوقت ذا دعابة بريئة، واشتهر بلقب "عالم الفُرس" ومن الواضح أنه كان حريصا على استقلال الرأى رغم مكانته لدى الأمراء وعند مريديه وقد عاش بعيدا عن الاختلاط بالبلاط. كما عاش حياة الصوفى. وقد أكد الجميع أنه كان له تلاميذ عديدون، منهم كمال الدين الفارسى وقد حث التحتانى المتوفى سنة 766 هـ = 1364 م لعمل "محاكمات" (نظرات ناقدة) لكتاب "الإشارات" لابن سينا وذلك فى نقاط كانت موضع جدل بين نصر الدين وفخر الدين الرازى (انظر حاجى خليفة، رقم 473)، وقد تراخى فى أداء فرائضه الدينية ومع ذلك فإن السيوطى يذكر أنه كان يؤدى صلاة الجماعة فى تبريز. وكان بارعا فى لعب الشطرنج فكان لا ينقطع عن ممارسته، كما مارس ألعاب السحر وكان يعزف على الربابة. وتعليقاته على كتاب "حكمة الإشراق" للسهروردى ذات صلة ولا شك بموقفه الدينى. غير أن حاجى خليفة يرى أن قطب الدين قد أظهر تميزا فى علم الكلام فقد كتب شرحا وافيا للقرآن حاز التقدير وهو فتح المنان فى تفسير القرآن، وكتب حاشية لكتاب "عن حقائق التنزيل" للزمخشرى وقد لعب قطب الدين دورا خاصا فى تاريخ علم البصريات لأنه لفت نظر تلميذه كمال الدين الفارسى (ت 720 هـ/ 1320 م) لكتاب "علم البصريات" لابن الهيثم حيث اطلع عليه فى سفرياته وأحضر له نسخة منه. وقد كتب الفارسى تعليقا عليه وأضاف إليه ملاحظاته التى توصل هو إليها. ولقد قدم لنا قطب الدين فى كتابيه "نهاية

المصادر

الإدراك فى دراية الأفلاك "والتحفة الشاهية فى الهيئة" وكلاهما يشبه الآخر إلى حد بعيد -ما يعد أفضل وصف عربى لعلم الفلك مع استخدام الصيغ الرياضية. وينهج هذا الوصف نهج رسالة "تَذْكرة النصيرية" التى ألفها استاذه نصير الدين الطوسى ولكن رسالة قطب الدين أكثر تفصيلا وتعالج مسائل لم يتطرق لها نصير الدين. ومن هنا يعد الكتابان السالفان أكثر من مجرد تعليق أو شرح فى علم الفلك. فعلى سبيل المثال نجد أن كتاب "النهاية" يناقش تفاصيل فلكية وردت عند الخِرَكى أو ابن الهيثم وهى تفاصيل سوف نعثر عليها مرة أخرى عند روجر بيكون. وألف قطب الدين كتابا بعنوان "شرح التذكرة النصيرية" وملحقا لكتاب "النهاية" بعنوان فى حركات الدحرجة والنسبة بين المستوى والمنحنى. كما ألف كتبا أخرى مثل "التبصرة فى الهيئة" وكتابا بعنوان غريب هو "كتاب فعلت فلا تَلُمْ فى الهيئة" وإلى جانب هذه الكتب ثمة مقالة عن أمراض العين وحاشية على "أرجوزة" ابن سينا. وكتاب فى آداب مهنة الطب سماه "كتاب بيان الحاجة إلى الطب وآداب الأطباء ووصاياهم". وكتاب فى النحو كان تعليقا على السكاكى وابن الحاجب، ودائرة معارف للفلسفة "درة التاج" وهى تتضمن فصلا هاما عن الموسيقى. وبعد وفاته كتب زين الدين بن الوردى شعرا عن قطب الدين يعبر فيه عن دهشته من أن رَحَى المعرفة لازالت تدور بعد أن فقدت قُطْبها. المصادر: (1) تقى الدين بن شُهْبة: طبقات الشافعية، جوتا 1763. (2) السبكى: الطبقات، جزء 6 - 248. (3) خواند مير: حبيب الشّيعَة، بومباى 1837 جزء 3 - 1, 67 - 112. (4) السيوطى: بغية الوعاة، 389. سعيد عبد المحسن [أ. فيدمان E. Wiedemann] قطرى بن الفجاءة من زعماء الخوارج الأزارقة، وقد اشتهر كشاعر وخطيب، ويرجع نسبه

إلى بطن من بطون تميم وهى القبيلة التى أنجبت واحدا من أبرز وأشهر الرجال الذين أمدوا هؤلاء الثوار. وإذا كان أبوه هو ابن الفجاءة فإنه يقال إن هذا الاسم ليس سوى نعت ممانما اسمه الحقيقى هو "جَعْوانه"، وكان لقطرى بن الفجاءة كنيتان شأنه فى ذلك شأن الكثيرين من زعماء العرب: فكان يكنى فى أيام السلم بأبى محمد، وإن كان الوقت وقت حرب سموه بأبى مَعامه (انظر فى ذلك البيان والتبيين للجاحظ تحقيق هارون)، وإن كل ما نعرفه عنه أيام شبابه لا يزيد عن أنه حارب تحت قيادة عبد الرحمن بن سَمُره مع كثير من غيره من الزعماء كان من بينهم المهلب بن أبى صفرة الأزدى الذى شاء القدر أن يصبح بعد ذلك خصمه اللدود، وكانت محاربته تحت قيادة سمرة فى سبيل إخضاع سجستان 42 هـ (= 662 م) وذلك ما يقرره كل من البلاذرى فى فتوحه وابن عبد البر فى الاستيعاب وابن حجر فى الإصابة ولابد أنه كان قد بلغ من النضج والبلوغ إذ ناداه أصحابه فى سنة 69 هـ (= 689 م) "بخليفة" الأزارقة حين كانوا يمرون بأزمة شديدة الصعوبة لما نالهم على يد المهلب ورجاله من هزيمة نكراء، ونظرا لما كان قطرى مطبوعا عليه من النشاط الجم وعدم الاكتراث بالأخطار فقد استطاع أن يثير نخوة رجاله كما استطاع أن يرد بقايا جيشه ويسير بهم إلى جبال كرمان وأخد فى ترتيب صفوفهم للقتال، فلما فرغ مما فى يده من هذه الأمور ذهب ثانية إلى العراق واحتل الأهواز وهدد البصرة، ومع أن المهلب استطاع أن يقيد من حركاته إلا أنه نجح فى تدعيم موقفه على الشاطئ الدجيل الأسير حتى بعد أن سقط العراق فى يد عبد الملك وذلك نتيجة هزيمة مصعب ابن الزبير عند مَسْكن (72 هـ = 691 م) فلما ولى الحجاج بن يوسف الثقفى العراق عزم على إعادة تعيين المهلب ليقود الجيوش ضد الأزارقة، وما كاد المهلب يتولى القيادة حتى زحف ضد المتمردين وطاردهم حتى كرمان التى كانت مركز قوتهم، ومع ذلك فقد استطاع قطبرى أن يصمد طويلا فى مواضعه، ولدينا عملة فضية ترجع إلى

هذا الوقت مسكوكة عام 75 هـ (= 694 م) تحمل اسم قطرى وعليها نعته بأمير المؤمنين (راجع فى ذلك مجلة Zdmg 12/ 2 هـ لسنة 1858 م) ولقد أدى الشقاق الذى دب فى صفوف عسكر الأزارقة بين العرب والموالى إلى تمزق وحدة الصف وكان مظهر ذلك مغادرة قطرى بن الفجاءة مدينة "جيرفت" التى كانت مركز عمليات الأزارقة الحربية، والتجاؤه مع من معه من العرب إلى طبرستان، أما الموالى فقد استمروا فى أخذهم جيرفت فى أيديهم بقيادة كبيرهم "عبد رب" أو "عبد ربه" (وهناك شخصان يسمى كل منهما هذا بعبد ربه، أما أحدهما فينعت بالكبير وأما الآخر فبالصغير، ويرد ذكر هذا تارة وذاك تارة أخرى منعوتا بالقائد فى المصادر التى بين أيدينا، وأحيانا نجد تفرقة بين طائفتين من الموالى انفصلتا عن قطرى ونعت أمير أحدهما بعبد ربه الكبير وأمير الأخرى بعبد ربه الصغير)، ولقد كان هذا الحدث من الشقاق وخيم العاقبة لما أدى إليه من أن المهلب بن أبى صفرة لم يجد أدنى مشقة فى استئصال الموالى وقتل شيخهم، أما الحجاج فقد قام حينذاك بإرسال المحارب الكلبى سفيان بن الأبرد لقتال قطرى، وتمكنت جيوش سفيان أن تفاجئ الأزارقة وتحصرهم فى أحد الممرات الجبلية وأنزلت بالأزارقة هزيمة نكراء حاسمة فقد سقط قطرى من فوق صهوة جواده، وفرّ عنه أتباعه فلما اكتشف الأهالى أمره وعرفوه وثبوا عليه وفتكوا به، وقطعوا رأسه وأخذت رمزا للانتصار على الأزارقة وحملوها إلى الكوفة ثم إلى دمشق ليراها الخليفة. أما بقية الأزارقة الذين كانوا بقيادة "عبيد بن هلال اليشكرى" فقد فروا على وجوههم ولجأوا إلى "سذوار" وهى موقع حصين قرب "كوميس"، وضموا صفوفهم المبعثرة فحاصرهم سفيان حصارا طويلا لكنهم احتملوه بصبر، حتى إذا نضبت مؤنهم لجأوا إلى القتل وقد استبد بهم اليأس ولكنهم غلبوا على أمرهم. إن أخبار هذه الأحداث بعيدة عن اليقين، إذ لا يمكن الركون إلى المصادر التى تقول إن ابن الفجاءة تولى القيادة

المصادر

ثلاث عشرة سنة بل وعشرين سنة، ذلك أن انتخاب قطرى ليكون خليفة إنما حدث قرب نهاية سنة تسع وستين هجرية، وكان موته سنة ثمان أو تسع وسبعين. والخلاصة أن قطرى بن الفجاءة كان يجمع فى صدق فى بردته بين الخارجى الصلب العود و"السيد" العربى ولقد ترتب على حماسته التى تبلغ مرتبة التعصب أن كان شأنه شأن بقية الأزارقة، هذا بالإضافة إلى أنه كان شديد الزهو بما يجرى فى عروقه من دم عربى وما شب عليه من خلق بدوى، وكان كغيره من كثير من الخوارج الكبار مبرزا فى الشعر والخطابة طبيعة ركبت فيه، ولقد أورد له الجاحظ فى كتابه البيان والتبيين واحدة من خطبه، وزكاه فى ذكرها ابن عبد ربه فى العقد وابن النديم فى الفهرست غير أن بلاشير فى مؤلفه تاريخ الأدب العربى (بالفرنسية جـ 3 ص 734) يرجح أن هذه الخطبة إنما كتبت فى القرن الثالث الهجرى (التاسع الميلادى)، كما وصلت إلينا بعض قطع قلائل يمجد فيها امرأته "أم حكيم" التى كانت هى الأخرى امرأة شجاعة من الخوارج، غير أن أشهر قصائده ذيوعًا هى التى أوردتها حماسة أبى تمام، وإن جاءت بصور مختلفة، وأن قصائده ذات الطابع الذى يمزج بين السياسة والدين تمتاز بأسلوبها العالى وما تتضح به من ازدراء الموت، وهى قصائد تجعل صاحبها يتبوأ عن حق موضع الصدارة بين الشعراء الخوارج. ويمكن مراجعة الأخبار الطوال للدينورى فى هذا الموضوع وأنساب الاشراف للبلاذرى والحماسة للبحترى والاشتقاق لابن دريد والفرق بين الفرق لعبد القادر البغدادى. المصادر: وردت فى المتن. أيمن حسن حبشى [ج. ليفى دى فيدا Levy Della Vida] قطز هو الملك المظفر سيف الدين المعزى ثالث سلطان مملوكى فى دولة المماليك البحرية، وهو ابن أخت السلطان جلال الدين الخوارزمى قبض المغول على قطز (اسمه الأصلى محمود بن ممدود)

وسُجن ثم بيع فى دمشق لتاجر قام بدوره ببيعه إلى الأمير المملوكى أيبك فى القاهرة. ولقب أيبك بوصفه زوجًا لشجرة الدر بالملك المعز عام 648 هـ/ 1250 م ومن هذ اللقب نسب إلى قطز بالمعزى. ادعى قطز وهو فى شبابه بناء على عدة تنبؤات أنه سيحكم مصر ويثأر لخاله من المغول. تقدم قطز خطوة كبيرة نحو تحقيق طموحاته عام 650 هـ/ 1252 م عندما عُين قطز نائبًا للسلطنة من قبل أيبك الذى كان قد خلع السلطان الأيوبى الملك الأشرف موسى. وفى العام التالى شارك قطز مع مجموعة من المماليك فى اغتيال أقطاى منافس أيبك على العرش وأحد قادة المماليك البحرية. احتفظ قطز بمنصبه كنائب للسلطنة وأدار شئون البلاد حتى بعد اغتيال أيبك نفسه عام 655 هـ/ 1257 م بإيعاز من شجرة الدر. وخلفه على العرش ابنه الصغير المنصور على. وقاد قطز خلال عامى 655 هـ - 656 هـ/ 1257 - 1258 م حملات ضد الأمراء البحرية وحلفائهم الأيوبيين السوريين. ومع ذلك عقد قطز الصلح معهم فى العام التالى 657 هـ/ 1259 م، واتحدت قواتهما معًا لمواجهة غزو مغولى على سوريا. وقام قطز بخلع المنصور على حجة أنه صغير السن وغير قادر على الدفاع عن أراضى المسلمين ونصب نفسه سلطانًا، وهكذا يصبح قطز أول مملوك يخلع ابن أستاذه ليحل محله كسلطان، وبالتالى أحدث قطز -كما يرى ابن تغرى برد (القاهرة الجزء السابع ص 56) حادثة شريرة أدت إلى تدهور الأحوال فى مصر وعد قطز الأمراء الذين عارضوا واحتجوا على اغتصابه للعرش، بالتنازل عن السلطنة عقب هزيمة المغول. عرض قطز ولاءه للملك الناصر صاحب دمشق وحلب وتطوع للدفاع عنه ضد المغول ليضمن تعاون الأيوبيين فى سوريا معه. أعلن قطز تحديه لهولاكو واستخفافه به عام 658 هـ/ 1260 م بقتله الرسل الذين بعثهم هولاكو لطلب الإذعان والخضوع له. استنفر قطز المسلمين للجهاد وقاد جيشًا خرج من مصر إلى فلسطين، ورغم تردد أمراء المماليك فى محاربة المغول، إلا أن قطز

المصادر

نجح فى إقناعهم فى المضى معه، وأرسل بيبرس البندقدارى (الذى صار فيما بعد السلطان بيبرس) على رأس قوة سبقته. تأكد قطز من حياد الفرنج فى عكا وتقابل مع جيش المغول فى "عين جالوت" وهزمهم. صار قطز بعد المعركة إلى دمشق التى كان يستخدمها كقاعدة لتطهير سوريا من قوات المغول عمل على تأسيس حكم المماليك فيها عن طريق تعيين بعض من أمرائه فى مناصب قيادية واستبقاء الأيوبيين فى مناصب أخرى. واغتيل قطز أثناء عودته إلى مصر عند القصير بالقرب من الصالحية. ويرى ابن عبد الظاهر مؤرخ الملوك أن بيبرس هو الذى قتله بيده دون مشاركة من أحد. ومن الواضح من مصادر أخرى أن ابن عبد الظاهر كان يحاول أن يثبت انفراد بيبرس بالمطالبة بالسلطنة. وهناك خلاف حول دوافع الاغتيال، حيث يرى العديد من المؤرخين أن قطز نكث عهده بمنح بيبرس ولاية حلب بعد عين جالوت، ولكن ابن الدوادرى يرى أن قطز كان قد استثار بالفعل غضبة وعداوة بيبرس له بتوبيخه لإخوانه الأمراء ووصفهم بالجبن أثناء المعركة. ويرى ابن عبد الظاهر أن قطز عادى بيبرس لرفضه مشاركة بيبرس أياه فخر الجهاد معه وعلى أى الأحوال فمن الواضح كما يشير بيبرس المنصورى أن العداء بين قطز والمماليك البحرية كان دائما، وأن طموحات الأمراء البحرية تجاه السلطنة كانت بلا شك أحد عوامل هذا العداء. ومن المسائل الجدلية كذلك ما هو متعلق بموضع جثمان قطز، يرى ابن تغرى بردى أن بيبرس نقل جثمان قطز من المقبرة الأصلية عندما تحولت إلى مزارة بينما يكتفى سائر المؤرخين بأن الجثمان دفن فى القاهرة وليكن ما يكون فإن جميع المصادر تجمع وتتفق على تعظيم وتكريم قطز بوصفه بطلًا اسلاميًا لانتصاره فى عين جالوت. المصادر: 1 - المرجع الأساسى الذى تم الاعتماد عليه هو الروض الزاهر فى سيرة الملك الظاهر، لابن عبد الظاهر el.A.A. Khowaitir، الرياض 1976 م. 2 - ابن الدوادرى: كنز الدرر، جزء 8، فى يبرج 1971 م.

قفسة

3 - قطب الدين اليونينى: ذيل مرآة الزمان جزءان، حيدرباد 1954 م. وائل البشير [ج. هـ. اجوينبول G.H.A Juynboll] قفسة فى القطر التونسى وهى تبعد ثلاثمائة كيلو متر وستين إلى الجنوب الغربى من تونس المدينة وعلى بعد مائتى كيلو متر من القيروان ومائة من قابس. ويبلغ عدد سكانها ثلاثين ألف نسمة, وهى المدينة الرئيسية لاقليم إدارى مستقل يبلغ عدد سكانه ثلاثمائة ألف نسمة وأهم منتجاته المعدنية الفوسفات الذى يستخرج من مناجم مديلا ومتلاوى ورديف ومولاريس التى استكشفت عام 1885 م، ويوجد بواحة قفسة ما يقرب من مائة ألف نخلة تمر تنتج تمرا من الدرجة الثانية. وبالإضافة إلى ذلك تجود بها زراعة أشجار البرتقال والليمون والمشمش والكروم والتين وكثر بها منذ قريب مزارع الزيتون, ويحاول الناس هناك زراعة الفستق، ويعتمد الرى فيها على العيون الكثيرة التى تتدفق فى قلب البلد ويهتم الناس بحفر الآبار الارتوازية. ولما كانت قفسة أول واحة على الطريق من القيروان فإنها تجنذب الكثيرين من السياح لمشاهدة آثارها التى ترجع إلى ما قبل التاريخ ولا تزال بعض أطلالها شاهدة على قدم تاريخها ومن ثم أخذت البلدة تولى السياحة عنايتها بإدخال تحسينات حديثة كشق الطرق وإقامة الفنادق المجهزة أحسن تجهيز، وتكثر الحدائق. وهناك اهتمام بترميم الحمامات الرومانية وإعادة بناء السور البيزنطى القديم إلى غير ذلك من الإصلاحات، وأهم الصناعات اليدوية بها صناعة البطاطين الملونة والسجاد ذى الرسوم البارزة. قفسة تاريخيا: الاسم العربى لاسم البلد القديم هو "كبسا Capso وهو يرجع إلى عصر قديم كانت قفسة أثناءه أحد المراكز الحضارية المهمة. وإذا تعرضنا لقفسة فى عصورها التاريخية لا نجد بين أيدينا ما ينير لنا الطريق فليس من المعروف بالدقة من الذى أسس المدينة ومتى كان تأسيسها, ولذلك زعموا أن صانعها واحد من الآلهة، ويرجعها بعضهم إلى أصل

بونى. أما العرب فيقولون بل أسسها "شنتيان" غلام نمرود الملك الأسطورى. لكن الواقع هو أن وقوعها على مفترق الطرق المؤدية إلى كثير من النواحى هو الذى أدى إلى إنشائها، وقد صارت البلدة بعد ذلك جزءا من مملكة أحد الملوك النوميديين الذى أحبها حبا شديدا حتى أنه أعفاها من الضرائب. وقد دفعت قفسة ثمن هذا الحب غاليا، إذ بعثت روما بقائدها "كايوس ماريوس" لاخضاعها فأحرق البلد سنة سبعين قبل الميلاد، ولكن قفسة قامدت من بين الانقاض ونفضت عنها تراب التخريب زمن تراجان (98 - 117 م) ولما جاء زمن دقلديانوس (284 - 305 م) وقدم البربر إليها بطشوا بها بطش جبار مما حمل روما على مغادرة المنطقة بالتدريج وسحبت قواتها زمن الوندال حتى إذا مات "جنسبيك" عام 477 صارت كبسا عاصمة مملكة بربرية ثم عادت إلى قبضة بيزنطة زمن جستنيان (527 - 565 م) الذى أعاد إلى الامبراطورية وحدتها وعظمتها فصارت البلدة عاصمة الأملاك البيزنطية فى أفريقية، وبنيت سنة 540 م مدينة سميت بكابسا جستنيان. وحينذاك احتفظت قفسة ببعض آثار ماضيها الرائع القديم كالحمامات الرومانية وبعض الأعمدة وما كان عليها من تيجان وعقود قديمة إلى جانب آثار أخرى أقل من هذه قيمة أعيد استخدامها فى أشياء غيرها كالجامع الكبير وغيره من مبانى البلد القديمة. ولقد ظلت قفسة حتى القرن السادس الهجرى (الثانى عشر الميلادى) محتفظة بمظهرها كمدينة ذات ماض تاريخى عتيق إلى حد انفرادها دون سائر بلدان أفريقية باستعمال اللغة الرومانية كما ظل قسم كبير من سكانها محافظين على الديانة المسيحية، ولذلك فإن البكرى ذكر فى كتابه المسالك فى منتصف القرن الخامس الهجرى (الحادى عشر الميلادى) ما لاحظه من أن البلدة قائمة على الأساطين والأعمدة والطبقات الرخامية وأن سورها القديم لا زال سليما على هيئته التى بنى عليها حتى ليظن الناظر إليه أنه قد فرغ القوم لتوهم من تشييده ثم جاء الإدريسى بعد ذلك بقرن من الزمان فقال فى نزهة المشتاق

إن كل سكان قفسة من البربر، وإن أغلبهم يتكلمون باللسان اللاتينى الافريقى". واجتاح الفتح الإسلامى الأول أسوار قفسة عام 27 هـ (= 647 م) بعد مصرع القائد جريجورى ثم ما لبث عقبة بن نافع أن استولى عليها ثم عاد الحسن بن النعمان فاستردها عام 78 هـ (= 697 م) بعد أن كانت قد تخلصت هى وكل الشمال الافريقى من حكم العرب، فلما كانت نهاية القرن الثانى للهجرة ومستهل القرن الثالث كثر الخوارج من لواتة وزواغة ومكناسة وشاركوا فى سنة 224 هـ (= 839 م) فى الفتنة التى عمت إقليم قسطيلية، ولكن عاقبهم الأمير الاغلبى أبو عقال أفظع عقاب وأخذهم بالشدة. وتبعا لما يقوله الشماخى فى كتابه "السير" فقد كان للإمام عبد الوهاب (168 - 208 هـ = 784 - 823 م) عامل على قفسة، مما ندرك معه أنه كان جابى الخراج وأنه كان يجمعه حسبما نص عليه القرآن الكريم ويرسله سرا إلى تاهرت لأن المدينة لم تكن أبدا من الناحية السياسية جزءا من الدولة الرستمية. وبعد أن ظلت قفسة أكثر من قرن من الزمان تحت سلطان الفاطميين ثم انتقلت إلى الزيريين. أصبحت عاصمة لدولة صغيرة مستقلة استقلالا حقيقيا تشتمل على كل قسطيلية التى هى اليوم الجريد ولقد غير الغزو الهلالى من التركيبة العنصرية للسكان، كما أخذت سلطة الحكومة المركزية فى الانهيار وعمت الفوضى كل النواحى فاستغل حاكم البلد الزيرى عبد اللَّه بن محمد هذه الظروف ونادى بنفسه أميرا مستقلا عليها وأعلن استقلاله (445 - 465 هـ) واستطاع بدفعه الفرضة لبدو العرب الذين تحالف معهم أن يدعم سلطاته ويؤمن دولته ويجذب إلى بلاطه الشعراء والفقهاء. على أن حكم الموحدين الذين وحدوا كل المغرب قضى على استقلال قفسة إذ استولى عليها عبد المؤمن بن على سنة 554 هـ (= 1159 م) بعد أن حاصرها

حصارا قاسيا ومرت قفسة منذ ذلك الحين بوقت عصيب وقامت بعض المحاولات لاستخلاصها من أيدى الموحدين، منها محاولة مخاطر أرمنى الأصل يدعى قراقوش وكذلك بنو غانية الذين رفضوا الاعتراف بأنها غلبت، لكن ردها المعز استجابة لالتماسات سكانها الذين كانوا مدفوعين فى هذا الرجاء بما كانوا يحسونه من الكراهية تجاه الحاكم الموحدى الذى فتكوا به، فجاء الخليفة أبو يعقوب يوسف من مراكش فحاصر المدينة بنفسه (سنة 575 هـ = 1180 م) ولكن لم يطل خضوعها إذ سرعان ما وقعت فى أيدى بنى غانية وحينذاك حاصرها المنصور بجيش كبير (583 هـ = 1187/ 8 م) وأسرف فى عقابها وهدم حصونها وسواها بالأرض ثم أذن لسكانها بالبقاء وإبقاء أراضيهم فى أيديهم ليقوموا بزراعتها على أن يقاسمهم غلتها. لم تكن المدينة أسعد حظا زمن الحفصيين فقد اغتصبها سنة 681 هـ (681 - 683 هـ = 1282 - 1284 م) لكنها استعادت استقلالها المسلوب زمن أسرة محلية هى أسرة بنى العابد الذين كانوا يؤثرون السيادة العربية ويميلون إلى العرب. أما أبو بكر الحفصى (718 - 747 هـ = 1318 - 1347 م) الذى اتسمت الفترة الأولى من حكمه المضطربة ضياع الولايات الجنوبية من يده فقد حاصر قفسة سنة 735 هـ (11 - 1135 م) واستردها ثم سلمها لولده أبى العباس ليحمها. كما حاول استمالة سكانها إليه فأكثر من منح ذوى الحاجة منهم الأراضى لكن البلدة ما لبثت أن استردت استقلالها الذاتى مرة أخرى زمن أحمد بن عمر بن العابد ولده محمد. وفى زمن السلطان العثمانى سليمان القانونى (1520 - 1566 م) استعمل واليا من قبله على طرابلس نجح فى الاستيلاء على قفسة يوم 17 صفر 964 هـ (= 20 ديسمبر 1556 م) لكن لم تتحسن أحوالها بل أخذت تزداد تدهورا بسبب ما تعانيه من غارات البدو نتيجة ضعف الحكومة المركزية

جغرافيتها التاريخية

وعجزها عن حمايتها، وتضاءلت قفسة حتى أن الفرنسيين لم يجدوا صعوبة فى احتلالها فى 20 نوفمبر 1880 م. جغرافيتها التاريخية: قفسة بلدة جرداء تشرف عليها الجبال من الجنوب الشرقى والشمال والشمال الغربى وكانت تعتمد على مياهها الجوفية ولكنها فى موقع على ملتقى الطرق المؤدية إلى الصحراء وإلى التل مما جعل لها أهمية وقد وصفها "سالوست" الذى عاش فى الفترة من 86 إلى 35 ق. م بأنها "مدينة قوية وكبيرة" كما أشار إلى الصحراوات الموحشة التى تجعل وصول الجيوش الغازية إليها أمرًا صعبا، وقد نفعها هذا الموقع إذ جعلها قادرة على المحافظة على خطورتها ورخائها حتى نهاية العصر الكلاسيكى رغم ضعف بيزنطة. بل لقد زادت أهميتها بعد فتح العرب لها. ولقد كان الجغرافى العربى اليعقوبى الذى عاش فى ختام القرن الثالث الهجرى (التاسع الميلادى) أول من وصفها وصفًا دقيقا ضمنه ملاحظاته الشخصية عنها فقال إنها بلدة حصينة تحوطها الأسوار الحجرية وتكثر فيها الينابيع المائية وتمتاز بشوارعها الممهدة وضواحيها البالغة الروعة وتكثر بها الفاكهة، فلما كان منتصف القرن التالى (الرابع الهجرى) كان ابن حوقل فى القيروان سنة 336 هـ (= 947 م) ووصف قفسة بأنها بلدة "مستقلة" والرخاء فى "غاية الكمال" وكان أبو يزيد قد خربها قبل سنة 330 هـ (942 م) ولابد أنها تخلصت من كل آثار التخريب حتى أن المقدسى المتوفى سنة 378 هـ (= 988 م) اعتبرها واحدة من المراكز المهمة الكبرى بافريقية. كما أن البكرى المتوفى حوالى سنة 461 م (= 1068 م) ترك لنا وصفا دقيقا عنها اعتمد فيه على الوراق الافريقى المتوفى عام 362 هـ (= 973 م) الذى ذكر آثارها القديمة التى كانت لا تزال سليمة وأشار إلى ينابيعها الجياشة بالمياه التى تروى بساتينها التى تنتج الفستق الذى يصدر إلى جميع أنحاء افريقية بل وإلى مصر ذاتها وسجلماسة والأندلس، كما يكثر بها البلح.

وكان يوجد حول قفسة ما لا يقل عن مائتى قرية كلها عامرة وتسمى هذه القرى بقصور قفسة. ومما يدل على شدة ثرائها أن خراجها لا يقل عن خمسين ألف دينار تذهب إلى بيت المال، وليس من شك فى أن هذا الوصف يشير إلى الرخاء الكبير الذى كانت تتمتع به قفسة زمن الوراق، أعنى نهاية القرن الرابع الهجرى العاشر الميلادى) وقد استمر هذا الرخاء موصولا فى القرن التالى رغم غزو بنى هلال. كما استمرت البلدة تتقلب فى مطارف النعمة حتى منتصف القرن السادس الهجرى (الثانى عشر الميلادى) حتى لينعتها الإدريسى بالمدينة الحسنة، ويصف أسوارها بأنها لا تزال سليمة قوية ومياهها غزيرة متدفقة، وأسواقها عامرة بشتى أنواع السلع وبها الكثير من التجار "والصناعة بها قائمة" وبها التمر الجيد "العجيب"، وقراها أهلة بالسكان وبها الحدائق الجميلة والبساتين وتنتج فيما تنتج الحناء والقطن والكمون، على أن هذه الحال تغيرت منذ عصر الموحدين فكثيرا ما ثار أهلها حرصا منهم على استقلالها ولكنها دفعت ثمنا غاليا بسبب حبها الشديد للاستقلال، وامتدت يد التدمير أكثر من مرة إلى تحصيناتها وإلى مزارع نخيلها، ويمكننا إرجاع بداية انهيارها الاقتصادى إلى ذلك الوقت، فلما جاء القرن السابع الهجرى (الثالث الميلادى) نجد ياقوت الحموى يصفها بأنها "بلدة صغيرة واقعة على تخوم افريقية فى منطقة جدباء وأرضها ملحية" وقد تلاشى ما كان حولها من القرى لتعرضها الكثير للتدمير. ولقد كتب عنها ليو الأفريقى (الحسن بن الوزان) فذكر ما أصابها من الدمار على يد المنصور، ثم يتابع كلامه فيقول وقفسة اليوم قد أعيد إعمارها بالسكان. ولكن لا تزال مبانيها قليلة إلا من بضعة مساجد معدودة، وشوارعها واسعة مرصوفة كلهما بالحجر الأسود كما هو الحال فى شوارع نابلى وفلورنسا. وسكانها مغلوبون على أمرهم، ويقع عبء الضرائب التى يقبضها ملك تونس على عاتق فقرائها "انظر Describtion de l'Afrique ll 444

قفط

ويستمر ليو الأفريقى (الحسن الوزان) فى الحديث عنها فيشير إلى أن جوها غير صحى ولكنه يمتدح اقمشتها وصناعاتها الخزفية وأثمارها وكثرة ما بها من أشجار البرتقال والزيتون. وتنقضى فترة لا نجد لقفسة ذكرا إلا فى أثناء القرن التاسع عشر وذلك فيما تركه بعض الرحالة أمثال "جيرين" وزاكون، وماييه. من أهم المراجع فى هذا الشأن مصادر التاريخ الإسلامى للمقدسى واليعقوبى والبكرى والإدريسى. د. حسن حبشى [م. طالبى M. Tailbi] قفط " قِفْطْ"، قُفْطْ، وقفْطْ، واسمها القديم " Coptos" (قبطيو)، وهى مدينة صغيرة بأعالى صعيد مصر، تقع حيث يدنو النيل من أقرب نقاطه إلى البحر الأحمر (على بعد حوالى 40 كم شمالى أطلال طيبة، وحوالى 2 كم شرقى النهر). ارتبطت فى العصور الفرعونية باستغلال المعادن فى التلال الواقعة بين النيل والبحر الأحمر، وبالتجارة عبر الجزء الشرقى لمصر، وقد تمتعت قفط بأعظم درجات الازدهار فى فترتى اليونان والرومان. ويصف الجغرافى والمؤرخ اليونانى سترابو (64 ق. م - 23 ق. م) تنظيم وسائل النقل عبر النيل حتى "قفط"، ثم بالقوافل عبر الصحراء حتى البحر الأحمر، ويسميها "المدينة التى يسكنها المصريون والعرب معًا". والواقع أنها كانت مركز جذب لأهالى الصحراء الغربية القادمين للتجارة بها، وقبل كل شئ، من أجل القبائل البدوية المعروفة باسم "بِجَه" (أو البجاه -بضم الباء) التى اعتنقت النصرانية من هناك دون أدنى شك، وقد أقام مطران البِجَه فى قبطيو "قفط" وصارت قفط بعدئذ نقطة بداية للطرق المؤدية إلى البحر الأحمر (فى سنة 132 هـ/ 750 م، فرَّ بعض أفراد أسرة بنى أمية إلى هناك على نحو مؤقت ربما بقصد الهرب) وفقدت قفط أهميتها حين بدأ التيار الرئيسى للتجارة الشرقية فى استخدام الخليج العربى بدلا منها.

وبدأت قبائل صحراوات النيل - البحر الأحمر، تهاجم وادى النيل، ونهبت قفط نهبًا بدون حصانة فى سنة 204 هـ/ 819 م على أيدى قبائل البِجَه التى كانت لا تزال نصرانية، وحتى سنة 212 هـ/ 828 م, لم يكن قد بنى حولها سور واقٍ ليحميها. وفى النصف الأول من القرن الرابع الهجرى/ العاشر الميلادى، كتب المسعودى مبينا أن قوص كانت أهم من قفط، ويربط أفول نجمها، وانقضاء زمانها، والنفور منها إلى بعد مجرى النيل عنها، والواقع أن تجار قوص المهرة كانوا قادرين على الاستفادة بالنهر، المحور التجارى الوحيد الذى كان لا يزال آخذًا فى الازدهار بسبب التجارة مع بلاد النوبة، بينما هجرت كل الطرق الأخرى؛ وحين استفيد بها مرة ثانية مع إحياء التجارة الشرقية فى ظل الفاطميين إبان القرن الخامس الهجرى الحادى عشر الميلادى، انتعشت قفط من جديد، إلا أن قوص احتلت المركز الأول وقتذاك، وصارت عاصمة إقليمية. وعلى الرغم من ذلك، استوطن "قفط" مزيج متعدد من السكان وبخاصة حين أدت العلاقات مع الحجاز لفترة طويلة إلى إستقرار أسر العلويين فيها. ولم يكن ثمة شك فى تأثيرهم الذى يفسر الانتشار الكبير للمذهب الشيعى هناك، وفى إخلاصهم للفاطميين بعد تولى صلاح الدين للسلطة، فقد دبرت مؤامرة أدت إلى "ثورة" فى سنة 572 هـ/ 1177 م، تم قمعها بوحشية. ونتيجة لذلك، أوكلت قفط إلى قوص مهمة فرض الثورة السنية المضادة على الصعيد. وربما يكون رحيل بعض الأسر منها (على سبيل المثال، أسرة ابن القفطى) مرتبطًا بهذه الأحداث؛ ولا يبدو أن قفط قد كان بها مدرسة أسوة بمدن صعيد مصر الصغيرة الأخرى، وسرعان ما فقدت قاضيها (تحولت إلى السلطان القضائى لممثل قاضى قوص). وبقى إقليم قفط وقفًا يذهب ريعه لمساندة أشراف مكة. ولم تكن قفط فى الفترة المملوكية سوى مركز زراعى صغير فى الريف حيث وفرت زراعة

المصادر

قصب السكر الوسالحو الرئيسية للعيش. المصادر: (1) Strabo: Georgraphy تحقيق Muller جـ 2، ص 664 - 695. (2) الكندى: الولاة، تحقيق Guest، ص 98. (3) المسعودى: مروج الذهب، باريس 1861 - 1877 م, جـ 3, ص 50. (4) ابن حوقل: الطبعة، الثانية، ص 51 - 2، والترجمة ص 49 - 50. (5) Synaxaire arabe Jacobite، فى patrol Orient؛ جـ 3, ص 499 - 504. (6) ياقوت: جـ 4, ص 152. (7) المقريزى: الخطط, تحقيق Wiet، جـ 4، ص 106 - 11. (8) ابن الجيعان: التحقه السنية، القاهرة سنة 1899 م، ص 195. (9) Description descriptions, Antiquites de I' Egypt، جـ 2، ص 63. (10) على باشا مبارك: الخطط الجديدة, جـ 14، ص 104. حسن شكرى [كارسين J. C. Garcin] قفطان كلمة تركية مأخوذة من الفارسية خفطان التى وردت فى الشاهنامه - انظر عبد القادر البغدادى: لغة الشاهنامه، تحقيق سلمان بعنوان: عبد القادرى بجدادينس، معجم الشاهنامينوم، ص 79، وكتاب الأسدى: لغتئ فرس، تحقيق: Horn, ص 99)؛ وفى العربية أيضًا "خفطان" كان سترة فوقية تلبس فى وقت السلم، وهو نوع من "التُنَّك" الطويل ذى الأكمام الذى كان يلبس فى وقت الحرب فوق قميص البريد (من تبرد). وشاعت هذه الكلمة مع مجئ مادة الملبس فى وقت متقدم بين العرب تحت تأثير الأزياء الفارسية (انظر الطبرى, تحقيق: ده غويه، جـ 3،

ص 236, رقم 14 الصقحات التى بعدها؛ وإرشاد الأريب، ص 177؛ والمسعودى طبعة باريس جـ 8، ص 52)، ويصف الرحالة الـ "خطفان" على أنه رداء طويل يصل إلى ما بعد الركبة، وأحيانا إلى بطة الساق، أو إلى أدنى الكاحلين، وهو مفتوح من الصدر، وله كُمَّان مشقوقان طوليًا عند المعصمين، أو حتى أعلى منتصف الذراعين. وقد أدخل هذا اللباس فى دول البربر عند الفتح التركى، وانتشر من حيث أنه "زى" حتى أقصى مراكش (Host: Nachrichten Von Marokos und Fes كوبنهاجن سنة 1781 م، ص 115) حيثه وجد بخاصة بين النساء فى بعض الأحيان، ولكن بدون أكمام (Lempriere: A Tour to Morocco لندن سنة 1791 م، ص 385). وكان أمراء ومشايخ البدو الشاميون فى زمن الرحالة درفييه d'Arvieux يلبسون القفطان كسترة شتوية (d' Arvicux: Voyage dins Ia Palestine, باريس سنة 1717 م، ص 206). -وفى فترة زمنية متقدمة كان القفطان بين الأتراك العثمانيين اسمًا لرداء التشريف الذى هو أقل أهمية من فرو السَمُّور الذى كان ينعم به عند ارتقاء منصب ما. وقد حدث توزيع مثل هذه الأردية بعد العيدين وهما احتفالان يجريان فى حضور الصدر الأعظم بتوجيه من قفطانجى باشى، وهو الموظف المسئول عن حفظ وصيانة أثواب التشريف التى من الفرو. وفى الزمن الحالى لا يلبس هذا الرداء إلا قليلا على ما يبدو وحمدى بيه، ومارى لوناى صاحبا كتاب: Les Costumes Populaires de La Turquie en 1873 (القسطنطينية سنة 1873 م) هما اللذان يذكرانه دون غيرهما (ص 238) حين يصفان قفطان امرأة كردية من ناحية "خربوت": "قفطان من قماش فاخر أخضر قاتم, مفتوح من الأمام، ومقصوص على شكل شعار النبالة عند الصدر (شكل غطاء ثقب المفتاح) بحيث يترك الجزء الأعلى من القيمص مكشوفًا، ولا يغطى النصف الأسفل بأكمله. . وتنتهى أكمام

المصادر

القفطان الطويلة جدًا بقطعة رباعية الزوايا ترفع فوق المعصمين حتى لا تخفى الأساور الفضية أو نحوها. وحواف الأكمام موشاة بمطرزات ومخرمات الذهب المتشعبة. المصادر: (1) نظام الدين محمود قارى: ديوانئ اللبس (الآستانة سنة 1303 هـ)، ص 199. (2) R. Dozy: Dict. des noms des vetements، ص 162, والصفحات التى بعدها. (3) Bardier de Meynard suppl. Aux dict. tures, جـ 2، ص 525 والصفحة التى بعدها. (4) d'Ohsson: Tableu de L'empire othoman، جـ 3، ص 260، جـ 7, ص 199. (5) Lane: Manners and customs of the Modern Egyptians، الطبعة الخامسة، ص 30 والصفحة التى بعدها. (6) Lammens: Rem Sur les mots Framc. derives de L' arabe، ص 66. حسن شكرى [إيوار CL. Huart] قلاوون الملك المنصور سيف الدين قلاوون الألفى الصالحى النجمى العلائى، خامس سلاطين المماليك وحاكم مصر وسوريا من عام (678 هـ/ 1279 م) إلى (689 هـ/ 1290 م). وهو أحد أبرز سلاطين المماليك البحرية. اتبع قلاوون سياسات السلطان بيبرس وبصفة خاصة حملاته ضد المغول والصليبيين. ولد قلاوون فى الترك القبقاق Kipcak Tuiks على السواحل الشمالية للبحر الأسود ولا نعلم شيئًا عن تاريخ مولده، كما أن المصادر لم تذكر شيئًا عن طفولته أو نشأته. . وقد أتى به أحد تجار الرقيق إلى مصر وباعه إلى الأمير علاء الدين آق سنقر العادلى الساقى أحد مماليك السلطان الأيوبى العادل بألف دينار ومن ثم كُنى "بالألفى".

وبعد وفاة علاء الدين آق سنقر عام 647 هـ/ 1249 م، انتقلت ملكية قلاوون مع مماليك آخرين إلى السلطان الأيوبى الصالح نجم الدين أيوب حكم من (637 هـ/ 1240 م - 647 هـ/ 1249 م) الذى أرسله مع مجموعة من المماليك الجدد للتدريب على الفروسية فى المعسكر الذى أنشأه فى جزيرة الروضة على النيل. وبعد أن أتم قلاوون تدريبه وأثبت كفاءته العسكرية، عُتق ومُنح لقب أمير وبعد وفاة الملك الصالح نجم الدين أيوب عام 647 هـ/ 1249 م، تولى ابن السلطان توران شاه خلفًا له فى العام التالى. وأعقبت موت توران شاه -بعد توليه بقليل- فترة من الاضطرابات والفوضى أدت فى نهاية الأمر إلى تأسيس سلطنة المماليك. وخلال فترة حكم عز الدين أيبك أول سلاطين المماليك، ارتفع شأن قلاوون وحصل على مرتبة أعلى ليصبح أحد القيادات الرئيسية. وفى عام 652 هـ/ 1254 م فر قلاوون إلى سوريا مع مجموعة من قيادات المماليك أمثال بيبرس وسنقر وببسرة هربًا من سخط وانتقام أيبك بعد أن حاولوا خلعه. وظل على مدى ثلاث سنوات فى خدمة الملك الناصر صلاح الدين يوسف الثانى حكم من (648 هـ/ 1250 م - 658 هـ/ 1260 م) وفى عام 655 هـ/ 1257 م اصطدم قلاوون وزملاؤه المماليك مع الناصر يوسف وأجبروا على تركه، وعليه دخلوا فى خدمة الملك المغيث فخر الدين عمر صاحب الكرك. وعندئذ أرسل الأمير قطز ممثل السلطان المملوكى نور الدين على بن أيبك جيشًا لملاقاة المماليك الهاربين وهم فى طريقهم إلى الكرك وهزمهم، وأرسل قلاوون إلى السجن فى مصر، ولكن ما لبث أن اختفى وفر إلى الكرك فى نفس العام 655 هـ/ 1257 م. ظل قلاوون فى الكرك نحو عامين وحتى عام 657 هـ/ 1259 م ثم عاد إلى مصر بمصاحبة مجموعة من المماليك المنفيين حيث رحب بهم السلطان قطز وهو خلال تلك الفترة كان يعد العدة لمواجهة الغزو المغولى

حيث هزمهم فى نابلس عام 658 هـ/ 1260 م. ساند قلاوون بيبرس الأول فى قتل السلطان قطز والاستيلاء على العرش فى نفس العام. واكتسب قلاوون ثقة بيبرس فأسند إليه منصب "أمير الألف". وصاحب قلاوون السلطان بيبرس فى حملة ضد المغول عام 671 هـ/ 1272 م، وقد نال شرف أول أمير يعبر الفرات، وبالتالى اكتسب ميزة على أعدائه. وتقرب قلاوون من السلطان بيبرس خلال فترة حكمه بتزويج ابنته من ابن بيبرس الملك السعيد بركة خان، حيث أقام بيبرس حفلًا مهيبًا بهذه المناسبة. وفى 676 هـ/ 1277 م توفى بيبرس وخلفه ابنه فى الحكم، فأصبح قلاوون بوصفه حما السلطان أهم وأبرز الأمراء. وفى نفس العام أرسل السلطان بركة خان قلاوون فى حملة ضد الأرمن. وخلال المدة القصيرة التى حكم فيها بركة خان والتى لم تتعد سنتين ثار ضده كبار الأمراء الذين خدموا أباه لامتعاضهم من تجاهله إياهم وحاصروه فى قلعة القاهرة وأجبروه على التخلى عن الحكم وبايعوا قلاوون بالحكم ولكنه رفض لتوقعه وجود معارضة. وبناء على ذلك، اختير الملك العادل سلامش بيبرس وكان عمره سبع سنوات سلطانًا عام 678 هـ/ 1279 م، وعينوا قلاوون "أتابك" ظل السلطان سلامش فى الحكم ثلاثة أشهر فقط كان خلالها قلاوون "الأتابك" هو الحاكم الفعلى. وقد دعى لقلاوون فى صلاة الجمعة وضرب اسمه على العملات جنبًا إلى جنب مع السلطان سلامش وفى نهاية الأمر تم خلع سلامش فى 678 هـ/ 1279 م ونصب قلاوون سلطانًا ولقب بالملك المنصور. وكان أول قرار اتخذه قلاوون عقب توليه الحكم، القبض على مجموعة من الأمراء الظاهريين -اتباع السلطان بيبرس- وقد حثته دوافع سياسية على إلغاء ضرائب معينة مثل ضريبة الحرب التى كانت تجمع كلما كان يعد السلطان حملة. وخلال العام الأول من حكمه واجه قلاوون معارضة من العديد من أمراء بيبرس الذين كانت لهم مطامعهم لاعتلاء عرش السلطنة. وكان أحدهم الأمير سنقر الأشقر الذى نصب

نفسه سلطانًا فى سوريا باسم الملك الكامل، وحظى سنقر بمساندة مماليك بيبرس وقبائل البدو فى سوريا والأمير الأيوبى فى حماه. أرسل قلاوون جيشًا قويًا بقيادة الأمير بدر الدين بكتاش الفخرى، والتقى الجمعان عند الجسورة قرب دمشق 679 هـ/ 1280 م، ولجأ سنقر إلى القبائل العربية بعد هزيمته وطلب مساعدة المغول. وفى العام التالى وقع الصلح بين سنقر وقلاوون بعد علمهما بمجئ المغول. نجح قلاوون مثل بيبرس فى الدفاع عن سوريا من هجمات المغول الذين استغلوا الاضطرابات التى وقعت فى سوريا نتيجة تمرد سنقر، وتمكنوا مع حلفائهم من الجورجيين Georgiah والفرنجة والأرمن من عبور الفرات ومن غزو سوريا بقيادة "منجوتيمور" وهو أخ للخان "أباقة". وصل قلاوون بجيشه إلى سوريا مدعمًا بقوات إضافية من أجزاء متفرقة من سوريا. والتقى الجيشان فى حمص عام 680 هـ/ 1281 م وانهزم المغول هزيمة منكرة وأجبروا على الانسحاب من سوريا، ولقى كل من "منجوتيمور" وأخوه "أباقة" حتفهما فى العام نفسه وحاول "أحمد تكودار" خليفة "أباقة" -وكان قد أسلم- أن يحسن علاقته مع قلاوون بتبادل المراسلات والسفارات بينهما، ولكن ما لبث أن قتل فى عام 683 هـ/ 1284 م وخلفه أخوه "أرغون" الذى كان مشركًا ومعاديًا للمسلمين وأخفق فى محاولته إقناع البابا وملك فرنسا بمساندته بقيام حملة صليبية ضد المماليك، وبالنسبة للصليبيين اتبع قلاوون خطوات بيبرس الأول فى الجهاد ضدهم فى سوريا وعقد معهم هدنة أثناء صراعه مع سنقر ومع ذلك وقعت بعض العمليات العدائية من الطرفين بين حين وآخر. وبعد انتهاء الصراع مع سنقر، نقض قلاوون هذه الهدنة وقاد سلسلة من الغارات على مواقع الصليبيين. وفى عام 684 هـ/ 1285 م هاجم حصنًا للفرسان الاسبتاريين فى "مرقب" وبعد حصار دام ثمانية وثلاثين يومًا نجح فى الاستيلاء عليها. وجدير بالذكر أن المؤرخ أبو الفدا توفى 732 هـ/ 1331 م حضر هذا الحصار وكان فى صحبة أبيه وعمره آنذاك اثنتى عشر عامًا. انسحب الفرسان الاسبتارية إلى

طرابلس. وأراد بوهيمند السابع ملك طرابلس أن يسترضى قلاوون فسلمه حصن مراقيا الساحلى. وفى العام نفسه فضلت مارجريت ملكة صور السلام مع قلاوون لمدة عشر سنوات مقابل تنازلات مجزية. وكان أكبر مكسب حصل عليه قلاوون هو بلدة وحصن طرابلس بعد أن استغل الصراع حول العرش فى أعقاب وفاة بوهيمند وحاصرها فى 688 هـ/ 1289 م رغم وصول امدادات من قبرس. استخدم قلاوون المنجنيق فى دك أسوارها وكذلك قلعتها وسرعان ما استولى عليها. وقد شارك أبو الفدا مع أبيه وابن عمه فى هذه المعركة. ويخبرنا أبو الفدا بأن بعد الاستيلاء على طرابلس، عبر البحر إلى جزيرة خارج الميناء حيث ضاق صدره من الروائح الكريهة النافذة من الجثث البالية. وفى العام التالى 689 هـ/ 1290 م، نقض سكان عكا الهدنة وقتل بعض التجار المسلمين، فاستنفر قلاوون المسلمين للجهاد، ولكن ما أن أوشك على الهجوم حتى وافته المنية وهو فى خيمته خارج القاهرة. وقد أوكلت هذه المهمة إلى خليفته وابنه الملك الأشرف الخليل الذى استولى على المدينة عام 690 هـ/ 1291 م. وبالإضافة إلى ما سبق، قام قلاوون بالهجوم على النصارى الأرمن، فأغار على أرمينيا الصغرى فى 682 هـ/ 1283 م وبعد عامين أجبر الأرمن على عقد هدنة لمدة عشر سنوات كما وافقوا على دفع الجزية السنوية بمقدار كبير من الفضة الأرمينية وإطلاق سراح الأسرى المسلمين. وشن قلاوون حربًا على النوبة (686 هـ/ 1288 م و 688 هـ/ 1289 م) بغية توسيع نطاق الحكم المملوكى فى الجنوب، وأرسل حملتين بقيادة نخبة من الأمراء الأكفاء لتأديب "شمامون" صاحب النوبة الذى كان يتبع أسلوب الكر والفر مع الجيش المملوكى. وفى نهاية الأمر، أرسل "شمامون" وفدًا محملًا بالهدايا إلى مصر والتمس العفو. وقبل قلاوون هذه العطايا وأكرم الوفد وظلت النوبة تابعة للسلطان المملوكى. حافظ قلاوون على العلاقات الخارجية والتجارية التى دعمها بيبرس الأول مع القوى الأجنبية وزاد من

قوتها كما أبقى على العلاقات الطيبة مع مغول الأورد الذهبى Golden Hotde وامبراطور بيزنطة اندرونكوسى بلالجوسى الثانى وألفونسو ملك قشتالة وجيمس الصقلى ورودلف الأول ملك هبسيرج، علاوة على عقده اتفاقية تجارية مع جمهورية جنوة. كما أصدر قلاوون وثيقة أمان للتجار الأجانب القادمين من الصين والهند واليمن وأمصار أخرى بغرض جذب التجار إلى مصر لتشجيع التجارة المصرية ويمكن الرجوع إلى نص هذه الوثيقة فى "صبح الأعشى" للقلقشندى. ولتشجيع التجارة الداخلية، ألغى قلاوون زكاة فرعية تسمى زكاة الدولية كانت تحصل من أصحاب الحوانيت المسلمين على تجارتهم. خلف قلاوون وراءه أهم آثار العصر المملوكى فقام بترميم قلاع حلب Aleppo وبعلبك ودمشق وفى القاهرة أقام البيرمارستان المنصورى ربما يعد هذا أكثر مبانى العصر المملوكى روعة وهو يتكون من عدة أجنحة لأمراض متنوعة وغرفة للدرس ومعامل ومستوصف وحمامات ومطابخ وغرف تخزين. وقد فتحت هذه المستشفى للرجال والنساء والأغنياء والفقراء والنزلاء والزوار من جميع البلدان والأقاليم دون تمييز فى الحسب أو المنصب. وكان يمنح للمريض مال وملبس عند مغادرته المستشفى. وكانت المستشفى متصلة بمسجد مدرسىّ وضريح مزين بزخارف مشجرة من الأرابيسك غاية فى الروعة، ورخام موزايك صاف. أما المسجد المدرسى فقد صمم لتعليم ستينا من اليتامى، وكان مزودًا بمكتبة تحتوى على مجموعة ممتازة من الكتب الطبية وكتب التوحيد والشريعة. ويقدم "النويرى" الذى كان ناظر لمستشفى قلاوون وأوقافها فى كتابه "نهاية الأرب" معلومات قيمة حول الممتلكات والحوانيت والحمامات العامة والحقول التى شكلت الوقف الذى عينه قلاوون لصيانة المقبرة والمدرسة والمستشفى، ومات قلاوون يوم السبت 7 ذو القعدة 689 هـ/ 11 نوفمبر 1290 م. وقد أثبت طوال حياته أنه كان شجاعًا مقدامًا وصبورًا وكريمًا وعادلًا ومعتدلًا. وقيل إنه لم يكن يجيد العربية وكان يتكلمها بصعوبة. وكان قلاوون هو السلطان المملوكى الوحيد الذى نجح فى تأسيس أسرة استطاعت أن تبقى

المصادر

فى الحكم لعدة أجيال من (689 هـ/ 1290 م إلى 784 هـ/ 1382 م) باستثناء الذين كانوا من مماليكه مثل: كتبغا ولاجين وبيبرس الجاشنكير الثانى، كما وضع قلاوون أساس المماليك البرجية وكان أغلبهم من المماليك الشركس الذين اشتراهم قلاوون وأنزلهم بأبراج القلعة بالقاهرة، وقد حكم المماليك البرجية أو الجركسى - السلسلة الثانية من سلاطين المماليك - مصر وسوريا من عام 784 هـ/ 1382 م وحتى نهاية عهد السلاطين المماليك 922 هـ/ 1517 م المصادر: (1) المصدر الأساسى لحياة قلاوون هى السيرة التى وضعها "محيى الدين ابن عبد الظاهر" (توفى 692 هـ/ 1292 م) بعنوان "تشريف الأيام والعصور فى سيرة الملك المنصور" تحقيق مراد كامل، القاهرة، 1961 م. (2) انظر أيضًا سيرته فى "الكتبى" فى "فوات الوفيات" القاهرة 1951 م الجزء الثانى ص 269 - 270. (3) ابن تغرى بردى (أبو الحماس) "المنهل الصافى" دار الكتب القاهرة، رقم 1209 تاريخ تيمور الجزء الرابع 435 - 443. وائل البشير [حسنين ربيع Hassanien Rabie] القلزم هى مدينة وميناء قديم على البحر الأحمر (بحر القلزم أو بحر الهند أو بحر الحبشة) وتتبع الآن محافظة السويس من الناحية الإدارية. ويبدو أنها كانت ميناء إلى جانب أنها مدينة، وكانت المحطة مدخل القناة. وأطلق عليها هيروكليس Epiphanius Hierocles وإيبغانيوس رسم "كاستروم". وأول من ذكر اسم Clysma " كليسما" هو "لوسيان" Lucian. وقلزم هى تحريف للاسم الإغريقى "كلوسما". (وترد الإشارة إليها فى المراجع العربية والإغريقية باعتبارها "بوابة" واقعة عند مدخل القناة، التى تصل من النيل إلى البحر الأحمر).

وهذه القناة بدأها الفرعون "فكو" وأنهاها نكاو (610 - 595 ق. م) "داريوس" الفارسى. وجددها فيما بعد بطلميوس الثانى و"تراجان". وجرى العمل فيها على فترات متعاقبة فى العصر الإسلامى، حيث نسبوا إنشائها بالخطأ إلى "هدريان". أصلحها عمر بن الخطاب فى سنة (23 م/ 643 م) لتيسير نقل الحبوب من الفسطاط عن طريق البحر الأحمر، وسميت من بعده "خليج أمير المؤمنين" ووفقا لما ذكره "أبو صالح"، يقع فمها عند القلزم، ووفقا لما أورده "المسعودى" وآخرون (وهو الأكثر دقة)، فإن فم القناة يقع عند "ذنب التمساح" على بعد ميل واحد من المدينة، حيث كان حجاج مكة من مصر يعبرون القناة على كوبرى ضخم. وردم الخليفة المنصور جزءا منها فى سنة (158 هـ/ 775 م) تجنبا لمهاجمة عمه محمد بن عبد اللَّه، الذى تمرد ضده فى المدينة، ولذلك فإنها كانت تنتهى فى زمن أبى صالح عند "السدر" على مدخل وادى طميلات. وقام الخليفة هارون الرشيد بمحاولات لم يكتب لها النجاح لإعادة فتحها للملاحة، وقيل أنه تخلى عن محاولته تلك خوفا من الإغريق. ومن وقتها ظلت معظم مياهها تصب فى "بركة الجُب" حتى ردمت بالكامل فى سنة 1899 م لأسباب صحية. واكتسبت مدينة القلزم أهميتها مباشرة من هذه القناة، لأنه طبقا لوصف الجغرافيين العرب، فإن موقع المدينة كان مهجورا ومقفرا، افتقر إلى الماء والزرع، ولم يكن يصلح لزراعة الأشجار ولا الثمار. بيد أن نفعه جاء من كونه مصدرا للملح الذى كان ينقل إلى مختلف أرجاء مصر وسوريا بغرض البيع. ويذكر البغدادى فى تقديره أن محاجر الصوان الأحمر، كانت تدار على مقربة منها. وتركزت أهميتها الأساسية فى العصور القديمة وفى المرحلة الإسلامية المبكرة، فى كونها نقطة مغادرة للسفن فى البحر الأحمر، والذى اشتهر بالتالى بين العرب بأنه بحر القلزم. وكانت السفن

المحملة بالحبوب من الفسطاط تبحر منها بعد أن تعبر القناة إلى "الجار" و"جدة". ويذكر ابن خرداذَبَة -عن التجار اليهود من الذين يطلق عليهم "الراذانيّة" أنهم قدموا من أراضى الفرنجة إلى "الفرماء"، ومنها حملوا بضائعهم على الجمال لمسافة 35 فرسخا إلى القلزم، حيث وضعوها على السفن التى أبحرت إلى الهند والصين. وشكلت "القلزم" مع "الطور" و"إيلا" منطقة واحدة من مصر. وأقام العرب بالضواحى المحيطة بالقلزم منذ تاريخ مبكر. ويرد ذكرهم بالفعل فى كتابات الناسك "سيسوس" Sisoes، وهو أحد الشهداء الأقباط الثلاثة (الآخران هما عطاناس وبيجمى) وتوجد مقابرهم فى القلزم. وعاش الناسك يوحنا القصير لمدة سبعين عاما فى كهف حفره بنفسه بالقرب من جبل أنطوان، ودفن بجوار مقابر الشهداء الثلاثة. وسمى "جبل أنطوان" بهذا الاسم، نسبة إلى القديس "أنتونى" الذى اعتزل الحياة هناك بعيدا عن صخب العالم الدنيوى. وظهرت "قلزم" لأول مرة تحت اسم "كليسما" القديمة. وفى أواخر حكم العباسيين لمصر، تمرد "البجاه" فى النوبة، وقاموا بغزو صعيد مصر، ونشروا الدمار فى العديد من المدن. وأرسل إليهم المتوكل جيشا تحت قيادة محمد بن عبد اللَّه القمى، والذى شق طريقه من "قوص" مباشرة عبر الصحراء إلى مناجم الزمرد، بينما أبحرت سبع سفن بالعتاد من "القلزم" إلى "صنجا" بالقرب من "عيذاب"، حيث زودت الجيش الظافر من هناك بما يلزم من ذخيرة ومؤن. وفى خريف سنة 361 هـ/ 971 م استولى القائد القرمُطى حسن بن أحمد فى حملته ضد جوهر الفاطمى، على مدن القلزم والفرما وتنيس. وعقب هزيمته على مشارف القاهرة، تقهقر تحت جنح الظلام، مارا بالقلزم إلى شبه الجزيرة العربية.

المصادر

وفى شتاء سنة (578 هـ/ 1183 م)، أرسل "رينال القطلونى" فى بداية حملته البحرية ضد المدن المقدسة، سفينتين من عدن لمراقبة قلعة القلزم ليحول دون وصول المياه إلى الموقع, ولكن سرعان ما شيد "الحاجب حسام الدين لؤلؤ" أسطولا بأمر من صلاح الدين شقيق "الملك العادل" فى القلزم، والذى أبحر إلى "عيذاب" ووضع حدا سريعا لهذه المغامرة الفاشلة وحينما ضم "الدمشقى" القلزم ضمن أراضى الكرك، لم تكن سوى مجرد ذكرى لأحداث قرن مضى. فقد كانت القلزم فى زمن الإدريسى وياقوت والدمشقى مدينة مهجورة بالفعل. وعثر المقريزى ضمن الوثائق القديمة فى قصر القاهرة على حسابات تخص النفقات المنصرفة على الإدارة المدنية والعسكرية للمدينة والمنطقة، وخلص منها إلى أنها لابد وأنها كانت فى قمة الإزدهار فى وقت من الأوقات. واستشهد بقول "القضاعى" بأن المدينة كانت بالفعل خربة على أيامه، ويفترض أن قوله هذا ينصب على القلعة أيضًا (قلعة القلزم) التى ورد ذكرها فى العديد من الروايات. وطبقا لرواية الإدريسى، فإن البربر, قد احتلوها ونهبوا ما فيها. وكان مصدر المياه الوحيد المعروف فى المنطقة المحيطة، هو بئر السويس، والذى كان إنتاجه ضئيلا من المياه التى تشوبها الملوحة. وبالفعل يذكر"المقدسى" فى (القرن الهجرى الرابع/ العاشر الميلادى) "السويس" والتى حلت بالتدريج مكان القلزم على بعد ميل واحد منها. وما زال اسم "القلزم" يطلق على بعض المرتفعات فى شمال السويس، مثل "كوم القلزم". المصادر: (1) H. Maspero and G. Wiet: Materiaux pour servir a la Reographie de I'Egypte, in MIF AO, xxxvi, Cairo 1919, 107 - 8

قلعة أيوب

(2) G. Wiet: Les inscriptions arabed de la Qalcah Guindi, in Syria, iii (1922), I 49 - 51 (3) De Lacy O'Leary: The saints of Egypt, London 1937, 171 مصطفى محمود محمد [ا. هونجمان E. Honigmaun] قلعة أيوب تعرف الآن باسم Celatayub وهى مدينة حديثة من مدن الثغر الأعلى جنوب غربى سر قوسة وقد عرفت فى القديم باسم "بلبيليس" ولكنها تعرف عند ياقوت باسم "لبلة". وقد سميت هذه القلعة باسم الوالى أيوب بن حبيب اللخمى الذى خلف عبد العزيز بن موسى بن نصير وتقع على بعد خمسة وعشرين ميلا من طليطلة وخمسين ميلا من مدينة سالم. وأرضها خصبة سهلة الرى حافلة بمزارع التين وأشجار الفاكهة التى تباع بأثمان رخيصة لوفرتها، ويقول البكرى إن جبالها تنتج أحسن أنواع اللبان المر، وكان يصنع بها أنواع جيدة من السيراميك ذى البريق الذهبى وتصدره. ويعتبر الإدريسى بلدة قلعة أيوب من أقاليم "أرنيط". وقد تأثرت الناحية بأحداث نجمت عن سلوك أسرتين كبيرتين لم تكونا خاضعتين على الدوام لقرطبة وهما أسرة بنى قسى المولدين وبنى المهاجر أو التجيبيين (العرب). ويذكر ابن عذارى أن الأمير محمدا جدد قلعة أيوب سنة 248 هـ (= 862 م) واضطرت للخضوع مرات عديدة لقرطبة فى عصر الخلافة وذلك بتأثير التجيبيين، وكانت القلعة فى القرن الخامس الهجرى (الحادى عشر الميلادى) تحت حكم سليمان بن هود الذى عهد بها حين وفاته إلى ولده محمد الذى سرعان ما سلمها إلى أخيه أحمد صاحب سرقسطة. والأرجح أن قلعة أيوب كانت تحت سيطرة المرابطين على الأقل من عام 503 هـ (1109 م) حتى 25 ربيع الأول 514 هـ (= 24 يونيو 1120 م) حين استولى عليها الفونسو الأول ملك أرغونة، وقد ظل المسلمون الذين استمروا بها بعد حركة الاسترداد يعيشون جنبا إلى جنب مع سكانها من المسيحيين واليهود ولابد أن عددهم كان كبيرا جدا، كما أن وادى

المصادر

جالون الذى تقع به قلعة أيوب كان واحدا من أقاليم أرغونة التى يكثر بها المسلمون الأسبان. المصادر: (1) وصف الأندلس فى مجلة الأندلس 18/ 77, 78 (1953 م). (2) العذرى: المسالك إلى جامع الممالك (تحقيق عبد العزيز الأهوانى). (3) البكرى: المسالك والممالك (تحقيق عبد الرحمن الحجى). (4) الحميرى: الروض المعطار تحقيق ليفى بروفنسال. د. حسن حبشى [بوش. فيلا J. Bosch-Vila] قلعة رباح تعرف فى الأسبانية باسم Calatraua وهى مدينة بالأندلس لا تزال أطلالها تشاهد حتى اليوم فى "كلا ترافا لافيجا" Calatraua laviega على الشاطئ الأيسر لنهر الوادى اليانع، والوارد فى الروض المعطار أنها شيدت زمن الأمويين وأنزلوا فيها أهالى "أريط" المندثرة. أما رباح المنسوبة إليه القلعة فليس من أحد يعرف شيئا عنه، والرأى السائد هو أن المكان إنما سمى باسم تابع عَلَى أو عُلَىّ (بضم العين وفتح اللام) أى بصيغة التصغير باسم على ابن رباح وهو رأى زائف. وكانت قلعة رباح عاصمة لإقليم فسيح منقسم إلى أجزاء. والجزء كلمة يقصد بها فى التعبير الأندلسى -كما يقول ياقوت ما يوازى الأقليم، فهناك أجزاء بكر وأجزاء لخم وجذام، أما الناحية الواقعة إلى الشمال الشرقى من قلعة رباح فمعروفة تمام المعرفة عند مؤلفى المسالك بأنها الموضع الذى يسير فيه القسم الأعلى من الوادى اليانع تحت الأرض ثم يعود للظهور مرة أخرى ويتكرر ذلك عدة مرات قبل أن يبلغ النهر أخيرا قلعة رباح، ويقول الدمشقى إنه يوجد هنا ما يعرف برَهْج الغار (بالغين المعجمة). ولقد أدى وقوع قلعة رباح فى إقليم طليطلة وفى الطريق الرئيسى بينها وبين قرطبة وعلى مسافة قليلة من

قلعة الشقيف

الأراضى النصرانية إلى أن يكون لها تاريخ حافل بالأحداث، وكثيرا ما ترد الإشارة إليها فى الأدب ولكنها إشارات مجملة. ولقد سقطت قلعة رباح فى أيدى النصارى لأول مرة سنة 478 هـ (= 1085 م) حينما ضم الفونسو السادس إليه طليطلة ولكن انتهى هذا الاحتلال بدخول المرابطين ووقعة زلاقة سنة 479 هـ (= 1086 م) وإن لم يمكن استرداد طليطلة مرة ثانية فلم يتأت لها قط أن تدخل تحت الحكم الإسلامى، غير أن اندحار قوة المرابطين أدى إلى عودة قلعة رباح مرة ثانية للوقوع تحت الحكم المسيحى وذلك سنة 541 هـ (= يناير 1147 م) وبقيت على هذا الوضع حتى استردها المسلمون أيام المرابطين لأعوام قلائل وذلك سنة 592 هـ (1196 م) حيث خضعت فى النهاية لألفونسو الثامن سنة 609 هـ (= 1212 م) قبل وقعة العقاب مباشرة ثم لم تقم لها بعد ذلك قائمة، بل أصبحت "فيلا ريال" Villa Real فى سنة 1252 م هى عاصمة الإقليم وهى التى أسسها حديثًا الفونسو الحكيم، ثم سميت من جديد فى سنة 1420 م باسم Ciudad Real. ولما كانت سنة 1158 م تأسس ما يعرف بنظام فرسان قلعة رباح فى ظل الاحتلال المسيحى الثانى، وكان الهدف من هذا النظام محاربة المسلمين. ولا يزال الاسم Calatrava يطلق حتى اليوم على نواحى كثيرة من نواحى الإقليم وفى هذا الصدد انظر عبد المؤمن الحميرى: الروض المعطار. ومادة رباح فى ياقوت ونحبة الدهر للدمشقى، ص 242. د. حسن حبشى [ج. ف. هوبكنز J. F. Hopkins] قلعة الشقيف تعنى قلعة الصخرة، وتعرف عند الصليبيين بقلعة "بيفورت Beaufort" وتعرف أيضًا باسم شقيف عرنون. ويجمع المؤرخون العرب ومنهم ياقوت الحموى على أن الاعتقاد السائد هو أن "عرنون" هو التصحيف العربى لكلمة "أرنولد" وهو اسم أحد الصليبيين الفرنجة الذى يقال إنه كان سيد هذه

الناحية، ولكن الواقع هو أن هذا الاسم يرجع إلى مكان مذكور فى التوراة (يوشع 12/ 1) وهو واقع غربى الأردن وهو مطابق لقرية عرنون الحالية التى كانت فى الأزمنة السابقة تحدد أرض مؤاب ولكن يستدل من الأطلال الموغلة فى القدم أنه ربما كان معسكر حربى فى هذه البقعة خلال العصر الرومانى. وتقع هذه القلعة التى كانت تعتبر حصنًا لا يمكن اقتحامه على قمة صخرية عند أقصى الجنوب من سلسلة جبال لبنان ترتفع عن سطح البحر ستمائة وسبعين مترًا وهى تشرف من الشرق على واد عميق ضيق هو سهل نهر الليطانى. وأما من الناحية الغربية فيطل الجبل على سهول فسيحة تؤدى إلى السهل الذى توجد به قرية عرنون، وينحرف نهر الليطانى انحرافًا شديدًا تحت القلعة ويتجه إلى الغرب ويسمى هنا بنهر القاسمية ويكون الخط الفاصل بين جبل لبنان وهضبة الجليلى. وقلعة الشقيف ذات موقع استراتيجى مهم لأنها تشرف على الجسر الذى يجرى تحته الليطانى وجسر الخردلى وكذلك عدة طرق تلتقى عند سفح الوادى بما فيها الطرق الممتدة من بانياس إلى صيدا عبر النبطية والطرق الموصلة من بانياس وبيروت عبر "جزين" ودير القمر وكذلك الطريق من "صور" إلى دمشق. وتتحكم القلعة فى مدخل فلسطين وتحرس الممر الجنوبى من البقاع الواصل إلى سورية من الجنوب والإقليم الساحلى لصور وصيدا. كما أنها تتصل بعدة قلاع أخرى منها قلعة الصبيبة وتبنين وقلعة مارون وصيدا. ولما جاء الصليبيون كانت القلعة تعتبر جزءًا من ولاية دمشق، فلما كانت سنة 533 هـ (1139 م) سلم الأتابك شهاب الدين القلعة لفولك ملك بيت المقدس الذى عهد بها إلى "رينالد صاحب صيدا" نظرًا لأنها تشرف على الطريق المؤدى إلى أرضه، وعلى ذلك فإن أقدم الأبنية الصليبية ترجع إلى ذلك الوقت وتمتاز بما تمتاز به أماكن الدفاع الصليبى فى ذلك الوقت، وكانت

القلاع الصليبية بعد وقعة حطين لا تزال مزودة بالحاميات لكن ما لبث أن قلت إمداداتها من الرجال أو القوات المساعدة ومن ثم أخذت تسقط فى أيدى المسلمين واحدة بعد الأخرى، فحاصرها صلاح الدين يوم 17 ربيع الأول 585 هـ (مايو 1189 م) واستغل رينولد دى ساجيت فرصة الثلاثة الأشهر الهدنة وشرع فى تقوية وسائل الدفاع عن القلعة وبنى مساكن للإقامة بها، ثم حدث بعد ذلك فى رجب من السنة ذاتها أن تجدد الحصار مما أفضى إلى حدوث مجاعة أفضت إلى استسلام القلعة يوم 15 ربيع الأول 586 هـ (12 أبريل 1190 م) وبدأ الاسترداد الإسلامى لها الذى دام نصف قرن من الزمان من 586 - 637 هـ = 1190 - 1240 م، انصرف خلالها الملك العادل الأيوبى إلى تشييد المبانى والأسوار المؤدية إلى متاريس اهقلعة، فلما كان الصراع فى سنة 637 هـ (1240 م) بين الصالح إسماعيل صاحب دمشق وابن أخيه الملك الصالح أيوب سلطان مصر عرض الأول على الفرنجة وفرسان المعبد التنازل لهم عن منطقة صيدا وقلعة الشقيف وطبرية وصفد ليكسبهم إلى جانبه فى صراعه مع ابن أخيه السلطان الصالح أيوب فعصت عليه حامية قلعة الشقيف مما حمله على محاصرتها ليسلمها إلى "بليان" بن رينولد الذى عاجله الموت فتملكها بعده جوليان وظلت بيده حتى سنة 1260 م إلا أنه اضطر لتسليمها إلى فرسان المعبد كما انضم إلى صفوفهم لكثرة ما عليه من الديون وعجزه عن حمايتها أمام تهديدات بيبرس، فعمل فرسان المعبد على تحصينها إلا أنه قدر لها أن تسقط بعد ثمانى سنوات فقط، ففى 19 رجب سنة 666 هـ (4 أبريل 1268 م) ظهر بيبرس أمامها ورماها بالمنجنيق وحاصرها عشرة أيام فاستسلمت له حاميتها، فأرسل السلطان منَّ بها من النساء والأطفال إلى صور وأسر جميع حاميتها وكانوا أربعمائة وثمانين رجلًا واثنين وعشرين فارسًا، وولى عليها الأمير صارم الدين قيماز الكافورى وعهد بها إلى الأمير سيف الدين بلبان الزينى الذى أعاد ترميمها ووضع عليها رنك (الجمع: رنوك) السلطان بيبرس.

قلعة نجم

وبقيت القلعة طوال العهد المملوكى إحدى الأقاليم الاثنى عشر التى تتألف منها نيابة صفد. وفى مطلع القرن الحادى عشر الهجرى (1022 هـ = 1613 م) ثار الأمير فخر الدين المعنى ضد العثمانيين وطرد الحامية العثمانية من القلعة وحاول تقوية دفاعاتها لصد الغارات التى أرسلها ضدها الحافظ أحمد باشا من دمشق، وكانت القلعة مزودة بكل ما يحتاجه المدافعون عنها من مأكل ومشرب إلى جانب ثلاثة مدافع بينما لم يكن لدى المهاجم سوى مدفع واحد انفجر عند الطلقة الثانية وما كان انهيار البرج الخارجى إلا بسبب انفجار مستودع بارود بها، فانسحبت قوات دمشق بعد حصار دام أربعة وثمانين يومًا وعهد الأمير فخر الدين بها إلى حسين الطويل وزوده بطعام يكفى ثلاثة أشهر إلا أن الجند العثمانى غدروا بالأمير فخر الدين وانضموا إلى الحرافيش فجاءت الجند من دمشق وخربوا قلعة بانياس والشقيف فى أربعين يوما. وقد صارت الشقيف فى مطلع القرن الثامن عشر أحد مراكز ثلاثة فى جبل عامل الذى كان سكانه من شيعة اليمن من قبيلة بنى صعب ثم اندمجت القلعة فى ختام هذا القرن فى بلاد الدروز وأصبحت تحت حكم "باشا" صيدا. أما فى مطلع القرن العشرين فقد أصبحت الشقيف جزءا من ولاية صيدا الواقعة على تخوم صور ومرج عيون ثم صارت فى سنة 1970 م قضاء من أقضية النبطية. (انظر المعجم لياقوت)، لى سترانج: فلسطين، ورحلة فولنى. د. حسن حبشى [ف. اليسييف N. Elisseeff] قلعة نجم قلعة واقعة شمالى الشام على الجانب الأيمن للفرات، وكانت فى العصر الوسيط تسيطر على الطريق الواصل من حلب إلى حران فى أرض الجزيرة العليا عبر مَنْبِج (بفتح الميم وكسر الباء) وهى تقوم فى ناحية يكون من اليسير نسبيًا عندها عبور الفرات نظرًا لوجود جزيرتين صغيرتين كان من السهل ربطهما بعضهما ببعض

بجسر من القوارب. ونستدل من أقدم المصادر العربية أن الموضع كان يسمى بجسر منيح، وأن الجسر القائم على الفرات كان موجودًا فى القديم، إذ أمر الخليفة عثمان بن عفان ببنائه فبُنى كما أمر، وقَلّ أن نجد إشارة إلى كلمة "قلعة النعمان" قبل القرن السادس للهجرة (الثانى عشر الميلادى). والظاهر أنه منسوب إلى غلام "كان يدعى نجما" وأنه هو الذى يرجع اليه الفضل فى إعادة بناء القلعة سنة ثلاثمائة هجرية (= 912 م) ومن ثم نلاحظ خطأ فى بعض الخرائط، بل وحتى فى بعض النصوص حين تورد الاسم فتقول "قلعة النجم". ولقد لعب جسر قلعة نجم دورًا بارزًا فى السنوات الأولى من تاريخ الإسلام إذ تم فتح هذه الناحية سنة 18 هجرية (= 639 م). كما وردت إشارة إلى الجسر فى أخبار الصراع بين على ومعاوية، كذلك استطاعت الجيوش الأموية استعماله فى فتحها لأرض الجزيرة، ثم صارت قلعة نجم جزءًا من أملاك الحمدانيين فالمرداسيين فالنميريين قبل أن تؤول إلى يد (عماد الدين) زنكى ثم ولده نور الدين محمود ثم أضحت فى أيدى الأمويين. وقد أعاد نور الدين ترميم القلعة وجهزها بحامية قوية فلما رآها ابن جبير بعد ذلك بعشرين عامًا سماها بالقلعة "الجديدة". ولما جاء هولاكو سنة ثمان وخمسين وستمائة من الهجرة (= 1260 م) بذل جهده الحربى للاستيلاء على هذه القلعة التى تسيطر على الطرق المؤدية إلى الفرات ثم وفد فى هذه السنة بارهبريوس (ابن العبرى) أسقف حلب على الفاتح المغولى يسأله الرحمة بالنصارى فحبسوه فى قلعة نجم. إن قلعة نجم التى وصفها كثير من رحالة القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين تقف على نتوء صخرى يرتفع قرابة خمسين مترا وهى تتألف من طابقين، على أن أجزاء معينة منها قد هدمت حين استولى عليها العثمانيون سنة 1820 م، وقت أن لجأ إليها أحد الثوار العرب معتصمًا بها من العثمانيين فهاجموها فى تلك السنة واستولوا عليها. وتوجد لدينا ثلاثة

المصادر

نقوش تشمل الأعمال التى تمت بها بناءً على أوامر الملك الأيوبى الظاهر بن صلاح الدين فيما بين عامى (605 - 612 هـ/ 1208 - 1215 م). أما عن المدينة الصغيرة التى يقول الجغرافيون العرب إنها تقع على طول شاطئ النهر وعند سفح القلعة فلم يبق أى أثر يمكن أن نستدل به عليها، كما اندثر الجسر القديم أيضًا. المصادر: (1) البلاذرى: فتوح البلدان: ص 150. (2) ابن حوقل، صورة الأرض تحقيق De Goeje، ليدن 1866 م, 1938, 1939 م. ص 120, 125, 138, 154. (3) المسعودى: ومروج الذهب باريس 1861 - 1877 م, جـ 1 ص 215. (4) ياقوت: معجم البلدان تحقيق F.Wustenfeld 478, 3/ 460. (5) أبى الفداء: تقويم البلدان، ص 233. (6) القزوينى: عجائب المخلوقات 2, 1610 م. (7) ابن الشحنة: الدر المنتخب، ص 230. (8) ابن العبرى: تاريخ مختصر الدول، ص 293. د. حسن حبشى [دى. سورديل De Sourdel] قنسرين قِنِّسْرين: بلدة قديمة وناحية عسكرية فى سوريا، وللاسم أصل آرامى، ويكتب قنسرين فى النصوص السريانية، ويتألف من قنا بمعنى "العش أو الوكر" ونسرين بمعنى "النسور". ويشير إليها التلمود البابلى باسم كنِّيشرايا، ويذكرها المؤرخون الأوربيون فى العصور الوسطى باسم كانيسترين، ويجب التمييز بين قنسرين البلدة وقنسرين الجند: 1 - البلدة: لا تعدو قنسرين حاليا عن أن تكون قرية صغيرة تحف بها الأطلال وهى على مسافة رحلة يوم واحد جنوب حلب، وعلى الضفة اليمنى لنهر القويق الذى يتدفق إلى المَتْخ المنخفض السبخى القريب. وقد أدرجها الجغرافيون العرب ضمن الإقليم الرابع. وقال ياقوت إن البلدة عمرت بالسكان عندما لجأ إليها العماليق (*) الذين قدموا ¬

_ (*) العماليق قبيلة بدوية سامية قديمة من أرض أدوم جنوب البحر الميت يقال إنهم من نسل عيسى الابن الأكبر للنبى اسحق عليه السلام [الكتاب المقدس، تكوين 36: 15, 25: 27, 27: 28]. [المترجم]

من الجنوب. وإنها كانت ذات يوم مزدهرة وحصينة، ولكنها فى زمانه (بدءا من القرن السابع الهجرى/ الثالث عشر الميلادى) لم تعد أكثر من قرية، وأرجع ياقوت بقاءها إلى موقعها فى قلب الناحية حيث يلتقى عدد من الطرق الرئيسية. وكانت قنسرين فى القرن الرابع الميلادى مركزا تجاريا وسوقا تجارية مزدهرة. ولوقوعها عند مفترق طرق رئيسية ووجود خان عامر بها احتلت البلدة موقعا هاما فى النظام الدفاعى للجبهة السورية من أنطاكية إلى الفرات ومن الحمد إلى تدمر، وكان لها دور استراتيجى على قدر من الأهمية فى عهد الامبراطورية البيزنطية وقد تعرضت فى نهاية القرن السادس وبداية السابع الميلاديين لهجوم الفرس. بعد انتصار العرب المسلمين فى موقعة اليرموك توجهوا لفتح شمالى سوريا. وفى قنسرين أبدت الحامية المؤلفة من الحرس المحليين بعض المقاومة لقوات أبى عبيدة الجراح. ولكن شعبان سنة 17 هـ/ أغسطس - سبتمبر 638 م. وفى عهد يزيد بن معاوية أزيلت تحصينات البلدة. ولكن الأمويين استفادوا من خبرة البيزنطيين فأقاموا بدورهم قيادة عسكرية فى قنسرين التى سرعان ما أصبحت عاصمة للمنطقة الزراعية الغنية التى تحيط بها. وحتى القرن الرابع الهجرى (العاشر الميلادى) لم يشهد تاريخ البلدة حادثا ذا أهمية. فى عام 331 هـ/ 943 م كانت قنسرين من أكثر مواضع الإقليم تحصينا، وفى الربيع بعد سنتين هزمت قوات الاخشيد حاكم مصر الأمير سيف الدولة الحمدانى هناك وفى النصف الثانى من القرن الـ 4 هـ/ الـ 10 م أصبحت قنسرين محلا للنزاع بين البيزنطيين والحمدانيين، ولدى تقدم البيزنطيين نحوها فى 351 هـ/ 963 م فر سكان المدينة منها فى ذعر. وبعد عهد الحمدانيين أخذت قنسرين فى الانهيار بينما بدأ نجم حلب فى

الصعود. وفى 355 هـ/ 966 م عندما أخذ نقفور فوكاس يتقدم فى اتجاه حلب تراجع سيف الدولة إلى قنسرين، ولكنه عجز عن الدفاع عنها فأخلاها، وجاء البيزنطيون فحرقوا مساجدها, واستقر جزء من سكانها فى شرقى الفرات ولجأ الباقون إلى حلب. وبعد قليل عاد الناس إلى سكنى المدينة ولكنها ما لبثت أن أحرقت فى 389/ 998 م ثم أعيد بناؤها ثانية. وفى 422 هـ/ 1030 م نهبها البيزنطيون مرة أخرى. وأعيد بناؤها على يد سليمان بن قُطُلْمشُ ولكن عدوه تاج الدولة تُتُش أخا السلطان قلِك شاه دمرها وأصبحت البلدة خالية من السكان من الناحية الفعلية. وقد مر ناصرى خسرو بها فى رجب 438 هـ/ يناير 1047 م فلم يجد إلا قرية بائسة. اقتصر دور قنسرين فى عصر الحروب الصليبية على الناحية الاستراتيجية، وفى المحرم 513 هـ/ أبريل - مايو 1119 م أقام فيها إيلغارى دون أن يحتل حلب وجعل منها مخزنا للعتاد العسكرى ومرتكزا لشن الغارات على حارم والروج وجبل سماق. وبعد ذلك بسنوات ضم طغتكين حاكم دمشق قواته إلى قوات اقْسُنْقُر وهاجما حلب. وجعل سَوار أمير حلب الذى عينه زنكى من قنسرين قاعدة لعملياته. وفى 529 هـ/ 1134 - 1135 م حاصرها "بونس" أمير طرابلس، ولكن زنكى الذى وصل على عجل من حمص فك الحصار. ووصف الرحالة ابن جبير (نهاية القرن السادس الهجرى/ الثانى عشر الميلادى) البلدة بأنها كانت أطلالا هجرها أهلوها. لم تعد قنسرين منذ عهد الايوبيين تذكر كبلد، ولكن خانها كان يشار إليه باعتباره محطا تتوقف عنده القوافل القادمة من حلب متجهة إلى الجنوب والتى تجتاز مفترق الأثارب متجهة إلى الغرب. وظل الزوار يتوافدون على تل النبى عيسى (عليه السلام) فى البلدة فى طريقهم إلى مقام النبى صالح (عليه السلام) الذى هو فى الحقيقة مدفن الأمير

2 - قنسرين الجند

صالح بن عبد اللَّه بن العباس. وفى عهد العثمانيين لم تعد قنسرين سوى قرية فقيرة تحمل اسم اسكى حلب، ولكنها اليوم عادت إلى اسمها القديم. 2 - قنسرين الجند: يمتد حول قنسرين سهل متموج شاسع (كورة) هو من أخصب بقاع شمالى سوريا حيث تزرع بنظام الرى الحبوب وأشجار الفاكهة والكروم. وقد زار القديس جيروم فى سنة 375 هـ هذه المقاطعة حين كان يقوم بحركته الاصلاحية لتطوير الرهبنة والنسك وشهد بازدهار الناحية. فى أفق هذا السهل يبدو إلى الجنوب جبل زاوية وإلى الغرب جبل بَرِيشة وإلى الشمال جبل سمعان وسهل مرج دابق الذى تتناثر فيه الأرض المزروعة، أما إلى جهة الشرق فتبدو مستنقعات جَبُّول الملحية التى تلمع تحت ضوء الشمس. وقد وصل العرب منذ وقت مبكر إلى أراضى قنسرين التى تتطابق وأحد الأقسام الادارية البيزنطية "المعروفة باسم شمال الشام" وكانت عاصمته أنطاكيه. وفى القرن السادس الهجرى ضربت القبائل العربية خيامها فى الجزء الشرقى من المنطقة الممتدة ما بين الفرات وقنسرين. ومن بين المعارك التى دارت فى هذه الأرض يمكن الإشارة إلى تلك المعركة التى انتصر فيها الحارث الغسانى على المنذر اللخمى أمير الحيرة والتى جرت فى 554 م قرب نبع عُذَيّة. قسم المسلمون سوريا بعد الفتح إلى أربعة أجناد: هى جند الأردن وجند الشام وجند دمشق وجند حمص. وينسب الطبرى والدمشقى إنشاء جند قنسرين إلى معاوية الذى أقر فيه اللاجئين من البصرة والكوفة، بينما يعزو البلاذرى وياقوت إنشاءه إلى يزيد بن معاوية الذى اقتطع له بعض النواحى من جند حمص. وفى عهد العباسيين، وبعد انتصارات المنصور وخلفائه نما هذا الجند فى اتجاه الشمال ووصل إلى أقصى اتساع له فاستوعب فى الشمال قرُوص ويزين ودُلُوك وفى الشمال الغربى عينتاب على مسيرة يومين وقلعة الروم على مسيرة خمسة أيام من حلب وفى الجنوب ضم نواحى

المعرتين (مَعَرّة النعمان ومعرة مصرين) وحماة وأرض سَرْمين. وفى عهد هارون الرشيد (170 - 192 هـ/ 786 - 809 م) انتُزِع من جند قنسرين الأرض الممتدة من أنطاكيه إلى الساحل غربا والمنطقة ما بين حلب ومَنْبِج شرقا ونواحى الثغور الشمالية التى شكلت منطقة العواصم واقتصر "الجند" حينذاك على المنطقة جنوب حلب، وكانت تلك هى فترة نهاية الأهمية العسكرية لهذا الجند، بيد أن نشاطه الاقتصادى استمر كما يدل على ذلك زيادة أموال الضرائب والجزية المدفوعة للمأمون. وفى القرن الثالث للهجرة (= التاسع الميلادى) دفع جند قنسرين 350.000 دينار بينما لم يدفع جند دمشق سوى 120.000 وفى منتصف القرن الرابع الهجرى/ العاشر الميلادى دفع الجند 400.000 دينار من الخراج (وهو مثل ما دفع جند دمشق) و 370.000 دينار من الحماية وكانت عاصمة الجند آنذاك حلب ومن مدنه الرئيسية أنطاكية وقنسرين ومنبج، وكانت حدوده من الغرب الساحل من اللاذقية إلى بياس ومن الشمال مرعش والعواصم ومن الشرق الفرات ما بين سميساط وبالس ومن الجنوب منطقة حماة وشَيْزَر وَرَفانِيّة وهى منطقة تتنازعها قنسرين وحمص. وفى 349 هـ/ 961 م هاجم نقفور فوكاس منطقة حلب وتفرق سكانها يطلبون الملجأ فى كل مكان. لم يمس ما قام به السلاجقة من تعمير لشمالى سوريا جند قنسرين إلا قليلا. وفى القرن الثانى عشر الميلادى وقع هذا الجند تحت ضغط الفرنجة فى أنطاكية وخاصة فى 495 هـ/ 1102 م عندما طلب بوهيموند دفع جزية. وفى صفر 527 هـ/ ديسمبر 1132 م هاجم فولك ملك بيت القدس وجيوش أنطاكيه أراضى قنسرين، وفرضوا على سوار ممثل أتابك زنكى فى حلب الهدنة ودفع الجزية. وفى نهاية القرن السابع الهجرى (الثالث عشر الميلادى) استطاع الجند الذى احتفظ باسمه وإن ظل خاضعا لسيطرة حلب أن يسترد من الفرنجة أنطاكية وأرض سرمين. وتحت حكم العثمانيين فى منتصف القرن الحادى عشر للهجرة (السابع

المصادر

عشر الميلادى) كان حاجى خليفة ما زال يتحدث عن مقاطعة قنسرين وعاصمتها حلب، ولكن جند قنسرين اختفى بعد ذلك وأصبح جزءا من لواء حلب. المصادر: (1) ابن حوقل: صورة الأرض، ليدن 1938, 1939 م. (2) المقدسى، أحسن التقاويم. (3) ناصرى، خسرو، سفر نامة. (4) ياقوت، معجم البلدان، تحقيق. Wustenfeld ليبزج 1866 - 1873 م. محمود ماجد عمر [ن. اليسيف N. Elisseeff] قهرمان نامه " قهرمان - نامه" (أو داستانى قهرمان) ملحمة فارسية نثرية، تشبه داراب نامه، وقرانى حبشى، وهو شنجنامه، وفغفور نامه، وطموراث نامه إلخ. . . وهى من حيث الموضوع تنتمى إلى الملاحم النثرية التى تدور فى فلك شاهنامة الفردوسى. وقد حظيت هذه الملحمة التى تعود بنا إلى أيام الحاكم الإيرانى القديم هوشنج والتى تصف مآثر البطل قهرمان المسمى "قاتل" ببعض الأهمية فى الأدب الشعبى للأتراك، والنسخة الفارسية ذائعة الانتشار لدى الأتراك وهى تشغل ثمانية كتب فى مجلد واحد، وليست الخلفية التاريخية لهذه الملحمة سوى صورة جلية ومؤثرة للكفاح بين الإسلام والهنادكة المجوس عُبَّاد النار، ولكن العناصر الأسطورية والخيالية تشغل مساحة كبيرة فيها. ويظهر فى أجزاء النسخة التركية التى هى مزيج من النثر والشعر، الأسلوب الفنى المفضل لقصص الفروسية الحافلة بالمغامرات الخيالية والأغنيات الشعبية، وبها أيضا كثير من السمات الهزلية التى تذكرنا بقوة بحكايات المداحين ومواقفهم المثيرة للضحك. ونجد فى كثير من فقراتها الشخصية الثانية للماكر الخبيث المناصر لأحد الأمراء والذى يشتهى ما فى حوزة غيره واسمه كَردن - كشان. الذى يبز البطل الأساسى قهرمان، وتضرب الأمثال بمشاكسته الحمقاء؛ انظر ديوان باقى

(طبعة حجر، الأستانة سنة 1256 هـ)، ص 37 (قصيدة رقم 1). ومادة الملحمة بإيجاز هى: قهرمان ابن الملك الفارسى طهماسب الذى يحمل "عفريت" diw وهو ابن ثلاث سنين ويُعَلم كواحد من أبناء العفاريت، وعلى أيديهم فوق جبل قاف. ويتنازل ابن عمه قهترسب عن مطالبته بعرش إيران طوعا بعد أن مات طهماسب قبل الأوان حزنا على فقد ابنه الوحيد، ويصبح -أى قهترسب- نصيرًا فى خدمة (هوشنج) الذى تمَّ اختياره شاها، وتعبر الملحمة كلها عن فكرة هى أن البطولة أفضل من المملكة، لأن عرش الملك يحميه سيف البطل. وحين يبدأ (هوشنج) فى غزو الهند يقابل قهرمان الذى كبر الآن وصار بطلًا ذا بسالة رهيبة، وكان قهرمان قد هرب من العفريت، وتدجج بسلاحه، ويتجول الآن بحثا عن المأوى والمغامرة. ويتورط بغطرسته وإقدامه فى مجموعة من الصراعات القاسية مع أبطال هوشنج، وانتصر فيها جميعا، حتى توطدت هويته على أيدى قهطران آخر الأمر، وبناء عليه، فإنه يكرم هوشنج، ويذهب معه إلى الهند كواحد من أنصاره. وينجحان هناك بعد معارك قتالية كثيرة، وتقلبات عديدة، ويستوليان على الحاضرة بانقلاب خبيث قتل فيه ملك الهنادك. وامتطى قهرمان الذى استولى على كل الغنائم الأساسية ظهر وحيد قرن بحرى متوحش له ستة أقدام، وأربعة عيون، كان قد روضه، ويكسب ببطولته -كعروس له- ابنة الحاكم الهندى الذى شارك فى القتال، وهو لا يهزم ولا يقهر (توجد فى مواضع أخرى من الملحمة بعض أحداث الأمازونيات)، ولكن كان على قهرمان أن يبدأ توًا فى إنقاذ أم بهرام، وهى واحدة أخرى من أبطال هوشنج من قوة عفاريت جبل البلور الذى يتعذر الوصول إليه، وينجح فى الحصول على طلسم الملك قارون، وفى تحرير عروسه التى كانت قد أخذت منه بالقوة فى هذه الأثناء، وفى إنقاذ أم بهرام. وبعد عودته إلى بلاد فارس يتزوج الأميرة الهندية، ويبقى

المصادر

فى خدمة الشاه طهموراث الذى خلف الشاه هوشنج. المصادر: (1) الفردوسى: الشاهنامة، الترجمة الفرنسية التى قام بها Le Livre des Rois): J. Mohl باريس سنة 1876 م)، ص 87 والصفحة التى بعدها. (2) H. Ethe: Neupersische Litteratur فى Grtundr. der Iran. Phil، جـ 2، ص 318 (3) Gibb: A History OF Ottoman Poetry, جـ 3، ص 149، حاشية 6. (4) Fleischer: Cat Libr. Mamuscr. qui in Bibl, sematoria Civitatis Lips. asservaintur، ص 522 وما بعدها، 280. (5) Cat. Cod. Mamuscr. Bibl. Regiae (باريس سنة 1739 م)، Codices Turcici رقم 320, 321 ,343, 344. (6) Fluegel: Die arab., pers. u. tuprk. Handschr . . . zu wien, جـ 2. (7) Psertsch: Die tuerk. Handschr . . zu Gotha 257 (8) Do. verz. der tuerk. Handschr. zu Berlin، رقم 1039. (9) Rieu: Cat. of the Turkish Mamuscr, فى المتحف البريطانى، ص 220 أ. (10) قهرمان - نامه: الترجمة التركية التى قام بها محمد أمين (طبعة حجر، الآستانة سنة 1285 هـ). حسن شكرى [منزل T. H. Menzel] قهوة كلمة عربية ليس لها أصل لغوى مؤكد وتعنى البن. وكانت الكلمة تطلق أساسا على الخمر wine، يقول ابن منظور: القهوة هى الخمر سميت بذلك لأنها تقهى شاربها عن الطعام أى تذهب بشهوته وقد جاء ذكرها فى الشعر القديم (انظر لندبرج Landbarg جـ 2 طبع 1057 هـ والاغانى جـ 6 ص 110، جـ 8 ص 79، جـ 20 ص 180). وتحول مفهوم هذه الكلمة فى نهاية القرن الثامن الهجرى (الرابع عشر الميلادى) فى اليمن حيث كانت تطلق على شراب

يصنع من ثمرة شجرة البن. لكن افتراض تحول معنى الكلمة على الأقل باعتبارها تعنى بنًا يوافق عليه الذين يعتبرون كلمة قهوة ذات أصل افريقى، وسعوا إلى ربطها بموطن زراعة شجرة القهوة (البن) كافا Kaffa رغم أنهم افترضوا اختلاطها بكلمة قهوة بمعنى خمر. ومن ناحية أخرى يجب ملاحظة أن أصحاب هذه النظرة ليس لديهم ما يثبت أن البن قد تم استيراده من كافا Kaffa فى زمن يعود إلى عام 1400 م كما لم يقدموا دليلا يتمثل فى كلمة مماثلة فى اللغات الحبشية والمناطق المجاورة فالكلمة الدالة على القهوة والمشروب المعد فيها هى بن ولقد انتشر تناول القهوة فى اليمن بعيدا عن حلقات الصوفية Sufi كما انصرف معناها فى الدوائر الخاصة إلى الخمر خاصة اللغة الشعرية الصوفية وتحول معنى الكلمة من الخمر إلى هذا المشروب الجديد المصنوع من الماء والبن أمر غير مستبعد. ولم تكن شجرة البن متوطنة أصيلة فى جنوب الجزيرة العربية وربما تكون قد جاءت من هضاب الحبشة حيث عثر عليها بوفرة بين الأعشاب البرية وخاصة فى كافا Kaffa ولكن ليس هناك ما يؤكد أن شجرة البن كانت موجودة فى اليمن فى الفترة الأولى من حكم الأحباش بعد. وسقوط مملكة حِمْيَرْ فى القرن السابق على الهجرة ولو كانت موجودة ما أغفلتها الآداب والآثار. جاءت الاشارة المبكرة عن البن فى كتابات القرن العاشر الهجرى (السادس عشر الميلادى) طبقا لما يقوله أحمد بن عبد الغفار وفقا لرواية عبد القادر الجزيرى فى مقاله وعرفت القاهرة القهوه كمشروب شعبى -كما كان الحال فى اليمن- مع بداية القرن العاشر الهجرى (السادس عشر الميلادى). فقد كان الصوفيون يتناولونها فى حلقاتهم لانعاشهم ومساعدتهم على ممارسة المجاهدات الروحية الليلية. وقد أدخل هذا المشروب

لعدن القاضى محمد بن سعيد الذبحانى (توفى 875 هـ/ 1470 م) الذى كان قد عرفها أثناء اقامته الجبرية على الساحل الافريقى، وعند عودته كرس نفسه للصوفية ومن ثم فقد أصبحت القهوة مشروبا شائعا. وهناك إشارة أخرى فى كتابات الجزيرى تفيد أن هذا المشروب قد وصل لليمن على يد بن عمر الشاذلى. وقد توفى أبو الحسن على بن عمر من أسرة دعسان Dacsain فى عام 821 هـ (1418 م) كما يقول الشارجى ولقد كان هو الآخر يعرف القهوة عندما كان بالحبشة لأنه بعد أن انضم إلى الطريقة الشاذلية Shadhilya عاش فترة ضمن بطانة الملك سعد الدين (بين عام 788 هـ/ 1386 م، 805 أو 807 هـ/ 1403 أو 1404 م) انظر الإلمام بأخبار مَنْ أرض الحبش من ملوك الإسلام للمقريزى/ رنك ليدن 1790 م ص 24، بوليتسكى Paulitschke هرر Harar ليبزج Leipzig عام 1888 م ص 504) والذى زوجه من أخته وبعد أن أسس زوايته Zawiya فى المخا al-Makha مباشرة استمرت الهدايا والهبات تصله من الأمراء الأحباش. وهناك شخص آخر شجع على تناول القهوة وعمل على نشرها هو أبو بكر عبد اللَّه العيدروس والمقالة الحديثة التى كتبها علوى السقاف تحتوى تقريرا عن تاريخ النجم الغزى (خاصة كتابه الكواكب السائرة بأعيان المائة العاشرة) وطبقا لما يقوله الصوفى الذى يدعى الشاذلى أنه فى إحدى المرات صعد على شجرة قهوة فى إحدى شطحاته وأخذ يأكل من ثمارها المتدلية وأحس وقتئذ بالانتعاش ثم أوصى مريديه بتناولها ولذلك ذاع صيتهم فى الأقطار المختلفة وتوجد أرجوزة Wrdjiza كتبها شرف الدين العمريطى تؤكد أن عام 817 هجرية/ 1414 ميلادية هو العام الذى انتشرت فيه القهوة فى مكة Mecca وطبقا لما فى "عمدة الصفوة" فإن شرب منقوع قشرة بذرة القهوة ظهر فى نهاية القرن التاسع الهجرى/ الخامس عشر الميلادى

وأخيرا فقد فرض هذا المشروب نفسه وأخذ الناس يشربون القهوة وازداد الاهتمام بهما كعنصر منشط فى حلقات الذكر dhikr والموالد mawlid وفتحت المقاهى حيث يجتمع الرجال والنساء على ايقاع الموسيقى أو حيث يلعبون الشطرنج أو الألعاب البسيطة المسلية على سبيل المراهنة. عرفت القهوة فى القاهرة لأول مرة فى الفترة الأولى من القرن العاشر الهجرى/ السادس عشر الميلادى فى رواق صوفية اليمن فى حى الأزهر حيث كانوا يقيمون حلقات الذكر فى المسجد مع رفاقهم من مكة والمدينة بينما كانوا يتبادلون تناول القهوة وبعد أن انتشرت وأصبحت مشروبا شعبيا يباع هناك لفترة من الزمن أعلن أحمد ابن عبد الحق السنباطى الواعظ المشهور منع تناولها وحرم شربها فى عام 939 هجرية/ 1532 ميلادية وبعد عامين وفى أحد دروسه فى الجامع الأزهر حرص تلاميذه على محاربة هذا المشروب الذى كان الناس يتناولونه فى المقاهى وكان يعنف الذين كانوا يتناولونه. إن اختلاف وجهات النظر الحادة قد رفعت القاضى محمد بن الياس الحنفى إلى تبنى وجه نظر تلميذه المشهور. وبناء على الملاحظة الشخصية لتأثير القهوة فقد تأكد رأى هؤلاء الذين يعتبرون أن المشروب يمكن أن يكون مباحا، وبالرغم من أن القهوة كانت من وقت لآخر محرمة فى القاهرة ولفترات وجيزة فإن أعداد المتحمسين لها حتى بين رجال الدين قد تواصل بازدياد. وُجد شجر البن فى أقصى شمال اليمن فى عسير Aser حيث يقال إنه يزدهر بكثرة على جبل شنرى وفى منطقة غامد وزهران (شمال وادى الدوقة Dawka أو الدكا doka على خريطة ستيلر Stieler) (شرف الدين عبد المحسن البركاتى/ الرحلة اليمنية/ القاهرة 1330 هجرية ص 16, ج. ل. بوركهارت/ رحلات فى الجزيرة العربية/ لندن 1829 ميلادية جـ 2 ص 377, وعن أماكن أخرى فى عسير

Asir انظر مختصر عن الجزيرة العربية ص 136, 137, إن معظم المناطق الجنوبية التى تزرع شجر القهوة هى بلاد الحجرية وادى الورزان، وادى بانا. وإلى الشرق نجد شجر القهوة ينمو فى منطقة يافع وفى الجوف وأيضا على جبال حرس، وادى الفارس Al-Farsh الذى يتبع منطقة بنى مطر، وجبل رامه والصحراء المحيطة بعودان Udaim وهذه المنطقة على الخصوص مشهورة بقهوتها الفاخرة (للاستزادة انظر كتاب جروهمان Yrohmann حيث توجد معلومات مفصلة ومتنوعة). إن البن كان وظل محصولا اقتصاديا هاما لليمن وحسب ما يقول حاجى خليفة Haogdis ففى منتصف القرن السابع عشر كان يصدر سنويا ثمانون ألف بالة. وكانت صنعاء وبيت الفقيه مراكز لتجارة البن. أما مخا التى كانت مركز الرخاء التجارى فقد بدأت تتراجع وأخذت تفقد أهميتها فى القرن التاسع عشر. والقهوة تصدر فى هذه الأيام عن طريق الحديدة (للاستزادة انظر فون نيمان جـ 12 ص 397 Von Neimans: Zeitschr. d. Deutsch. Mogenl Yesellsch W.Schmidt and in the Hamdbook of Arabia). 403، هناك عادة فى اليمن تتمثل فى تفضيل شرب منقوع قشرة البذرة وقد وجدت المقاهى العديدة التى تقدم هذا المشروب (مقهية) والقشر مثله مثل القهوة يصنع من الحبوب ويعطى نكهة مميزة عند إضافة حب الهيل؛ أو الجنزبيل أو القرنفل. . الخ وفى الحياة العامة عند العرب فإنه لا تكتمل الاحتفالات بالعيد بدون القهوة، فالقهوة هى المشروب الأول الذى يقدم للزائر. إن الدعوة لتناول القهوة -فى مكة- تعادل الدعوة لتناول الطعام. والعرب يتناولون القهوة بدون سكر وفى جنوب الجزيرة العربية يتناولونها باللبن بين الحين والآخر وعند الاتراك راج استخدام القهوة محلاة بالسكر. والقهوة اسم يطلق على المكان الذى تقدم فيه القهوة ويطلق أيضا على حجرة الاستقبال وعلى المقهى (Coffee house).

المصادر

وحول المقاهى فى الشرق انظر: الدراسات التى قدمها اوليرس Olearius، كاردن Chardir، روسيل Russell، فون هامر Von Hammer، سنوك هارجرونج Snouck Hurhronje وعن أكواب القهوة انظر لين، سنوك هارجرونج، فون اوبنهايم Von Oppenheim، سوكن Socin، اوتنج Euting، لاندبرج Londbreg. المصادر: (1) عبد القادر محمد الانصارى الجزيرى: عمدة الصفوة فى أصل القهوة -والى حد ما فى دى ساسى De Sacy- مقاطع عربية مختارة tomathie arabe (باريس 1826 م جـ 1 ص 138 - 412. (2) عبد القادر بن شيخ بن العيدروس: صفوة الصفوة فى بيان حكم القهوة Ms. Berlin- Ablwardt. Verseichnis. Nr 5 H 79 (Brockelmann 407 - جـ 2 ص 419). (3) أبو الحسن محمد البكرى الصديقى: استيفاء الصفوة لتصفية القهوة/ ليدن 1134 هـ. (4) داود الانطاكى: تذكرة أولى الألباب والجامع للعجب العجاب، القاهرة 1294 هـ. (5) تاج العروس: جـ 9 ص 145، جـ 10 ص 308. (6) الذخائر والتحف: مذكورة فى جولد تسيهر/ ليدن 1899 م. (7) أبو العباس أحمد الشارجى: طبقات الخواص، القاهرة 1321 هـ ص 100. (8) علوى بن أحمد السقاف (كتب 1295 هـ/ 1878 م) رسالة فى قمع الشهوة عن تناول التنباك والكفته والقات والقهوة/ القاهرة 1302 هـ ص 8 - 10. (9) رشيد طارق: اليمن وصنعاء، القسطنطينية 1291 هـ ص 312. (10) محمد حافد بن مصطفى: الدرر المنتقاة المنثورة فى اصلاح الغلطات المنشورة، القسطنطينية 1221 هـ ص 367. (11) قاموس الفيروزآبادى: ترجمة عاصم أفندى/ القسطنطينية 1230 هـ جـ 3 ص 911. د. إبراهيم شعلان [س. فان ارندنك C. Van. Arendonk]

القواسم

القواسم (مفردها قاسم، ويصير بياء النسب قاسمى) وهى الأسرة الحاكمة للشارقة ورأس الخيمة، وهما الإمارتان التابعتان لدولة الإمارات العربية المتحدة. والقواسم أشراف نزحوا من العراق إلى الساحل العربى فى منتصف القرن السادس عشر الميلادى، وأسس القاسم دولته على ذلك الساحل الممتد من الشارقة إلى رأس الخيمة والذى كان يعرف بالصير، واتخذ الشارقة عاصمة له. كانت رأس الخيمة باسمها القديم "جلفار" حينئذ تحت الاحتلال البرتغالى، وعندما حرر شاه عباس ملك فارس سنة 1620 م جزيرة هرمز انتقلت قواته إلى الساحل العربى، فتقابلت مع الملك محمد بن القاسم فى مواقع عدة انتهت بالتحكيم والصلح. فى سنة 1646 م برز زعيم آخر للقواسم وهو الشيخ سيف بن على بن صالح القاسمى، شيخ الصير وهو ابن عم الحاكم السابق. . قام الشيخ سيف فى تلك السنة بالتوسط بين اليعارية والبرتغاليين وعقد بينهما صلحًا ووقعت اتفاقية بذلك خطها الشيخ سيف بن على بن صالح القاسمى بيده. بعد خروج البرتغاليين من المنطقة سنة 1650 م أصبحت جلفار عاصمة للقواسم لما لها من سمعة تجارية وقربها من مدخل الخليج والساحل الفارسى، حيث التجارة رائجة. وفى بداية القرن الثامن عشر الميلادى انتهت الدولة الصفوية وتبع ذلك الاحتلال الأفغانى لإيران، مما أعطى فرصة للقواسم باحتلال أجزاء من ساحل فارس وبعض الجزر واستطاع أحد اقربائهم ويدعى الشيخ راشد, تأسيس قاعدة تجارية فى باسيدوه على جزيرة قشم الأمر الذى أغاظ بريطانيا حيث أخذت تجارتها فى الكساد، فشنت حملة عسكرية على باسيدوه، وحطمت قاعدته. فى تلك الفترة عصفت بعمان حرب أهلية انقسمت فيها البلاد إلى معسكرين الهناوية بقيادة الهنائى والآخر يتبع محمد بن ناصر، ويدعى الغافرية بقيادة الغافرى، فانضم القواسم إلى معسكر

الغافرية وكان قائد جيش القواسم زعيمهم الشيخ رحمة بن مطر بن رحمة ابن محمد بن القاسم وكان تعداد جيشه خمسة آلاف مقاتل وعُدته مدافع بعجلات تجرها الدواب. وكان يعتبر فى تلك الفترة أغنى رجل فى منطقة الخليج. فى بداية سنة 1737 م نزلت القوات الفارسية فى خورفكان واتجهت إلى مسقط لمساعدة الإمام سيف بن سلطان ضد بالعرب الذى كان ينازعه السلطة ونزلت قوات أخرى فى خصب شمالى رأس الخيمة فتصدى لها الشيخ رحمة ابن مطر فهُزم وأخذ أسيرًا هو وأربعمائة من جنوده، ونقل إلى بندر عباس ومن هناك إلى شيراز حيث بقى فى الأسر مدة أربع سنوات، حتى إذا ما انسحبت القوات الفارسية من عمان وجلفارو اعترف نادر شاه بالشيخ رحمة ابن مطر القاسمى حاكما لجلفار مُلك أجداده، ونقل من شيراز إلى جلفار حيث سلمت له البلاد. فى فترة الحروب الأهلية فى إيران (1747 - 1760 م) استغل الشيخ رحمة بن مطر القاسمى تلك الأوضاع فاستطاع أن يسيطر على أجزاء من الساحل الفارسى وكثير من الجزر، وفى نهايتها اختفى الشيخ رحمة بن مطر القاسمى من التاريخ حيث كان رجلًا مسنا وقد تكون وفاته نتيجة الشيخوخة، وقد تابع الشيخ راشد بن مطر القاسمى شقيقه تلك السياسة وهى السيطرة على مضيق هرمز مما دفع العمانيين إلى التحالف مع الإنجليز وبنى معين، وقبل اتخاذ أىّ ترتيبات قام القواسم بالهجوم على بندر عباس وتخريب الوكالة البريطانية هناك، كما نفكنت قوات القواسم من إلحاق الهزيمة بناصر خان حاكم "لار" فى هجومه المضاد ضد "لنجة" أحد معاقل القواسم على ساحل فارس. أعقب تلك الفترة هدوء فى المنطقة نتيجة دعوة التصالح بين تلك القوى المتحاربة وفى سنة 1777 م برز زعيم آخر للقواسم وهو الشيخ صقر بن راشد القاسمى. شعرت شركة الهند الشرقية التابعة للإنجليز بأن تجارتها أخذت تتدهور

نتيجة للنشاط التجارى لتبو سلطان حاكم ميسور فى الهند، فقررت احتلال ميسور، وقد كان ذلك بعد حروب استمرت مدة من الزمن، حيث قتل تبو سلطان وضمت ميسور للممتلكات البريطانية فى الهند. أما فى الخليج فقد استعملت بريطانيا أسلوبًا آخر وهو السيطرة على الخليج بإجبار جميع السفن العاملة فيه بحمل جوازات مرور تُمنح من قبل السلطات البريطانية، الأمر الذى رفضه القواسم فمنعوا من الوصول إلى الهند؛ كان ذلك فى بداية عهد الشيخ سلطان بن صقر القاسمى (1804 - 1866 م). وفى سنة 1806 م قامت بريطانيا بمحاصرة أسطول القواسم حول جزيرة قشم فاستطاع الإفلات من ذلك الحصار, فقامت بريطانيا بقصف مدينة "لفت" على جزيرة قشم أحد معاقل القواسم ثم طلب قائد الحملة ديفيد سيتون من كثير من الشخصيات التوسط له لدى الشيخ سلطان بن صقر القاسمى للقاء به، الأمر الذى رفضه الشيخ سلطان بن صقر القاسمى، وجرت عدة لقاءات تم بعدها توقيع إتفاقية بين الإنجليز والقواسم وهى الإتفاقية الأولى يطلب الإنجليز فيها من القواسم حماية السفن البريطانية من الاعتداءات الوهابية -[التى أخذت تنتشر فى المنطقة وكان القواسم حلفاءهم]- والسماح للقواسم بالمتاجرة مع الهند. كتب ديفيد سيتون المقيم البريطانى فى مسقط سنة 1807 م عن القواسم فقال: "إن القواسم لم يمتلكوا ساحل الصير العربى فقط وإنما امتلكوا أيضَا جزيرتى قشم وقيس قرب الساحل الفارسى، وامتلكوا كذلك تشارك ولنجة وشناص على الجانب الفارسى. وقد أضافت سفن هذه الأماكن كثيرًا لأسطول القواسم الهائل والذى بلغ تعداد سفنه 500 مركب". كما أكد سيتون أن القواسم كانوا يستطيعون بعون حلفائهم فى الداخل أن يحشدوا ما لا يقل عن 20.000 رجل. فى سنة 1809 م قامت بريطانيا بحملة كبيرة على رأس الخيمة,

وقصفتها بمدافع سفنها الحربية ثم احتلتها وحرقت كل سفنها المتواجدة هناك وهدمت مبانيها ونهبت كل ممتلكاتها، وتحت ضغط مقاومة القواسم انسحبت بريطانيا بعد يومين من الاحتلال بعد أن خلفت وراءها كثيرًا من القتلى والجرحى نتيجة القصف الهمجى على المدينة. اتجهت الحملة بعد ذلك إلى معاقل القواسم على ساحل فارس وهى لنجة ولفت وقصفتهما بالمدافع فتهدمتا واحترقتا، ثم اتجهت الحملة إلى شناص على ساحل الباطنة وهى أحد معاقل القواسم فهدمت واحتلت من قِبل القوات البريطانية والعمانية. فى سنة 1820 م قامت بريطانيا بحملة أخرى على القواسم وبدون مبرر حيث احتلت رأس الخيمة والجزيرة الحمراء وأم القيوين وعجمان والشارقة وهدمت كل حصونها وقلاعها وأسوارها، واستولت بريطانيا على كل السفن فى تلك الموانئ والمدافع، وباعتها بثمن بخس ووزعت أثمانها على ضباطها. كما قام ضباطها وعلى زوارقهم الحربية بالتجوال فى البحر بين الساحل العربى والساحل الفارسى بالاعتداء على كل السفن العابرة فى الخليج وضربها بالمدافع وقتل الأبرياء من الرجال والنساء والأطفال. أجبرت بريطانيا كل الشيوخ على الساحل العربى على توقيع اتفاقية أملت فيها كل شروط السيطرة على ذلك الساحل ثم وقعت اتفاقيات عديدة خلال الفترة اللاحقة تمنح بريطانيا مزيدا من السيطرة. ثم ازدادت سيطرة الإنجليز على الإمارات التى تعاهدوا معها بواقع الاتفاقية التى أبرمت مع حكام القواسم فى الشارقة ورأس الخيمة والإمارات الأخرى عام 1309 هـ/ 1892 م والتى فرضت على هذه الإمارات عدم إبرام اتفاقيات مع أى قوى أخرى خلاف بريطانيا وفى عام 1322 هـ/ 1904 م، حاولت فارس ضم جزيرة أبى موسى وإحدى جزيرتى طنب إلى أملاكها كما فعلت من قبل باستيلائها على بعض ممتلكات القواسم إلا أن الإنجليز أحبطوا هذه المحاولة.

منذ بداية القرن العشرين تحولت زعامة الإمارات الخليجية من القواسم إلى "أبو ظبى" و"دبى" وقد صارت دبى الميناء الرئيسى للتجارة. أما أبو ظبى فقد ازدهرت تحت قيادة حاكمها الفعّال زايد بن خليفة (توفى 1326 هـ/ 1908 م) الذى جعل منها قوة سياسية وعسكرية. ثم تراجعت أبو ظبى بعض الشئ إبان تعاقب أبناء زايد الأربعة على الحكم، ولكن فى عهد حفيده "شخبوط" تم اكتشاف البترول بكميات اقتصادية كبيرة عام 1379 هـ/ 1959 م، وكان هذا هو أول اكتشاف للبترول فى أراضى الإمارات الخليجية. ومع تطور الصناعات البترولية سبقت أبو ظبى سائر الإمارات الأخرى فى هذا المجال لتحقق أعلى مستوى دخل للفرد فى العالم. وفى عام 1386 هـ/ 1966 م، اكتشف البترول عند شواطى دبى واحتلت دبى المركز الثانى بين إمارات الخليج وإن ظلّ البون شاسعًا بينها وبين "أبو ظبى" ثم اكتشف الغاز فى مناطق الشارقة البرية عام 1984 م. ومع خلول نهاية عام 1391 هـ/ 1971 م، أنهت بريطانيا نفوذها على الخليج الذى امتد قرابة قرن من الزمان؛ بسحب كافة قواتها وتسليم القاعدة العسكرية بالشارقة، وقبيل مغادرة الإنجليز للخليج، احتلت إيران جزيرة "أبو موسى" وكذلك جزيرتى طنب الصغرى والكبرى" وتم تسوية هذه الجزر باتفاقيات مع الشارقة، ولكن رأس الخيمة حاولت مقاومة الاحتلال الإيرانى لجزيرتى طنب، وفى عام 1972 م تم اكتشاف البترول فى مياه جزيرة "أبو موسى" واتفقت كل من إيران والشارقة على توزيع الأرباح مناصفة. وعقب خروج الإنجليز، اتحدت الإمارات السبع معا لتكون دولة الإمارات العربية المتحدة وطالبت أبو ظبى ودبى أغنى الإمارات بأن يكون الحاكم ونائب الحاكم منهما. أما سلطان ابن محمد بن صقر القاسمى حاكم الشارقة وابن عمه صقر بن محمد بن سالم القاسمى فقد حصلا على مناصب أخرى فى الوزارات المتعاقبة، وأخيرًا

المصادر

ألغت بريطانيا جميع معاهداتها السابقة مع الإمارات الخليجية وأبرمت معاهدة صداقة مع دولة الإمارات العربية المتحدة. المصادر: (1) جيرون نامه (مخطوط بالمتحف البريطانى تحت رقم Add 7801) لندن. (2) جى لوريمر: دليل الخليج، لندن 1986 م. (3) د. سلطان القاسمى: أسطورة القرصنة فى الخليج، لندن 1986 م. (4) بن سلوت: عرب الخليج، دبى 1993. (5) عثمان بن بشر: عنوان المجد، مكة 1349 هـ. (6) Admiralty: Ahandbook of Arabia. London 1916 - 17 (7) D. Hawley: The Trucial States. London 1970 وائل البشير [رينتز G. Reintz] قوله ميناء على ساحل بحر إيجه فى مواجهة جزيرة "تاسوس" وعلى الحدود الفاصلة بين مقدونيا وتراقيا، وكان مكانها فى القديم "تيابوليس"، وعرفت فى العصر البيزنطى باسم خريستو بولبيس ولكن المصادر العثمانية دأبت على تسميتها قوله، وقد فتحها العثمانيون فى وقت لا نستطيع تحديده بالضبط ولكنه كان زمن مراد الأول، وكانت حتى سنة 1373 م لا تزال فى يد الأمير بريميكيوس ألكسيس Alexis الذى تمكن من صد هجمة شنها عليها الأتراك من المحتمل أن تكون قد سقطت فى يد الترك بعد سنة 1383 م بقليل. وكانت قوله زمن مراد الثانى، وحوالى سنة 883 هـ (= 1478 م) تتألف من البلدة ومن إحدى عشرة قرية. وكانت الناحية تعتمد فى مصادر دخلها على زراعة الحبوب وتربية دودة القز، كما كانت تعتمد على وجه الخصوص على استخراج الفضة، وكانت مناجمها تعتبر جزءا من ممتلكات السلطان الخاصة. أما سكانها

من الناحية العرقية فكانوا تركا وأغريقا وصقالبة وصربا، وكان المسلمون فى قرى التعدين صناعا كلهم. وظلت بلدة قوله محاطة بالأسوار حتى وقت متأخر من العصور الوسطى. ولما جاء السلطان سليمان القانونى حصنها وأعاد ترميم القنوات المائية التى فوق القناطر، كما شيد بها الصدر الأعظم إبراهيم باشا مسجدا وأجرى بها أعمالا للبر كما يقول أوليا جلبى فى كتابه "سياحات نامه". وكانت قوله مركز سنجق لإيالة الجزاير وتتألف الناحية من اثنتى عشرة زعامة ومائتين وخمسة وثلاثين تيمارا. وكان السنجق مقسما إلى سبعة أقضية ويقيم فى المدينة "آلاى بيجى" وشيخ للإسلام ونقيب أشراف وأحد القضاة. ويصف أوليا جلبى قلعتها فيقول لنا بها خمس محلات، بها كلها خمسمائة دار كما أنه يعدد ما بها من المؤسسات الدينية. ولما كانت سنة 1095 هـ (= 1684 م) حاصر فرانشكو موروزينى قوله لكنه فشل فى محاولته هذه ولم نعد نسمع عن وجود سلاح فى قضاء (إقليم أو ولاية) قوله أو غيره من الأقضية بعد سنة 1133 هـ (= 1721 م) وقد جرت العادة فى القرن الثانى عشر الهجرى (الثامن عشر الميلادى) وكذلك فى النصف الأول من القرن التاسع عشر على منح سنجق قوله لباشا سالونيك بحيث يكون له أشبه بملك خاص يتمتع بداخله، وينيب عنه فى حكمه واحدا من أتباعه يسمى "بالمسلم" وكان يوجد فى القرن الثانى عشر الهجرى فى قوله نائب قنصل فرنسى، كما صار بها أيضا نائب قنصل جنوى ابتداء من سنة 1159 هـ (1746 م)، فلما كانت سنة 1215 هـ (= 1800 م) أو قبل ذلك بقليل صار عدد سكانها ثلاثة آلاف نسمة. وكانت غلة مصر وأزمير وتاسوس المخصصة للمقاطعات الداخلية تجلب إلى ميناء قوله. أما الحديد والقنابل والمدافع المصنوعة فى براستا وكذلك الطباق المقدونى فتصدر كلها إلى استانبول ومن ثم كان ميناؤها مشغولا على الدوام، ولهذا السبب ولصغر مساحته لم تكن قوله تصلح كمرسى للسفن الحربية.

قوس

وقد أصبحت قوله -بعد إعادة التنظيم الادارى لسنة 1864 م- تتألف من قضاء سنجق تابع لولاية سالونيكا. كما شاهد ختام القرن التاسع عشر زيادة ملحوظة فى عدد سكانها حتى بلغوا عشرة آلاف نسمة كانت أغلبيتهم من المسلمين واليونانيين. أما من ناحية الإدارة الدينية فقد كانت قوله تابعة لأسقف سانتى. وكان محصول القطن والطباق على وجه الخصوص يؤلف المصدر الأساسى الأكبر لثروة الناحية وذلك فى القرنين الثامن عشر والتاسع عشر الميلاديين. وأكثر ما تشتهر به قوله بين الجميع هو أنها كانت البلد الذى ولد به محمد على باشا (والى مصر فيما بعد) والذى بنى بها مدرسة لتخريج المهندسين، كما شيد إلى جوارها مسجدا ومدرسة ومكتبة وبيتا للطبخ وأوقف دخول جزيرة تاسوس للصرف على ما يحفظ منشآته الدينية بها. ولقد أصبحت الدار التى ولد بها اليوم متحفا. ولما عقدت اتفاقية سان فرنسسكو (مارس 1878 م) عند انتهاء الحرب الروسية التركية نصت إحدى مواردها على تسليم قوله إلى البلغار ولكن لم يوضع هذا البند موضع التنفيذ إذ لم تمض أشهر قلائل حتى حلت محل هذه المعاهدة ما عرف باتفاقية برلين (13 يوليو 1878 م) ولما نشبت حرب البلقان الأولى وقعت قوله فى أيدى البلغار وذلك فى نوفمبر 1912 م ولكن ما لبث الأسطول اليونان أن استعادها فى يوليو 1913 م خلال حرب البلقان الثانية وتسلمت اليونات البلدة رسميا بمقتضى معاهدة بوخارست (10 أغسطس 1913 م). ولما تم تبادل السكان بين اليونان وتركيا فإن أتراك أقليم قوله استقروا فى أقليم غربى الأناضول. د. حسن حبشى (ث. و. جوينبول Th. W. Juynboll) قوس اسم لجنس غير محدد، تعددت أنواعه وأسماؤه وصفاته على مدى العصور الإسلامية فيقال: قوس حجازى أو فارسى، وقوس الحسان أو الرجل والكتوم والرهيش والزوراء. . إلخ

1 - عموميات وأصوليات

1 - عموميات وأصوليات: مارست العصور القديمة والغرب المسيحى البسالة بالنزال المباشر واعتبر السيف القصير والمستقيم من الأسلحة النبيلة. واعتبر كل سلاح يشترك فى القذف غادرا حين يستخدمه مرتزقة الجنود (رماة الأقواس والمقاليع فى الجيش الرومانى ورجال القوس والنشاب بفرنسا فى القرن الرابع عشر الميلادى). وفى محيط الفنون المتعارف عليها فى البلاد الإسلامية احتل القوس مقامًا بارزا فى استعراضات الرماية. وفى عام 1853 م ظهر فى فيينا مؤلَّف مصطفى قانى الذى يركز على الاعتبارات الاجتماعية والدينية ويغفل التقنية منها. وفى ليبزج عام 1886 م ظهرت دراسة معجمية عن أسلحة حرب ما قبل الإسلام من خلال تحليل لأشعارهم. وفى جوتنجن عام 1921 م ظهرت دراسة عن جيش بنى أمية مرجعها الطبرى، وفى إسلى عام 1925/ 1926 م ظهرت دراسة عن الرماية عتد العثمانيين اعتمادا على مؤلَّف مصطفى قانى -آنفة الذكر- "تلخيص رأس الرماة" وتتناول "رماية الاتراك" عام 1934 م تطورها مع تفاصيل تقنية أكثر , وفى عام 1945 م ظهر بحث عن الرماية منذ عام 1500 م وفى وارسو عام 1956 م نشرت رسالة عن الطب البيطرى ورعاية الخيول وظهر مبحث عن تعليم الرماية الإسلامية فى دمشق 1969 م ثم مبحث رماية الشراكسة فى لندن عام 1970 م. وتتفق الروايات فى جميع بحوث الرماية أن أصل القوس يرجع إلى هبة السماء التى منحت آدم قوسا مقدسا لحماية المحصولات من تعديات الطيور التى كان لإبراهيم (عليه السلام) "أبو العرب" مهارة فى صيدها. وقليل ما كتب عن الرماة والأقواس قبل الإسلام، وحظيت مهارة سعد بنى تميم بالمديح فى قصائد شعرية عديدة. ويذكر الكثير عن مهارة النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فى الرماية وكيف سيطر على القوس فى معركة أحد وكان له عدة أقواس حفظت أسماؤها من جيل إلى جيل، وأشار الطبرى إلى ثلاثة منها هى الروحاء والشوحط أو البيداء والصفراء

2 - البحوث

والأخيرة من خشب النبق وذكر عبد اللَّه أفندى ثلاثة أخرى هى: سداد، زوراء، كتوم. وأشهر الرماة فى الإسلام هو سعد بن أبى وقاص الملقب بفارس الإسلام. وجاءت كلمة قوس مباشرة فى القرآن الكريم لتحديد المسافة مرة واحدة فى سورة النجم وجاءت مجازا فى سورة الأنفال {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ. . .} أى قوة الأقواس فى الحرب ضد الكفار. وتورد التسميات الإسلامية لقب "القواس" حيث أشار الجاحظ إلى اثنين من صنَّاع القوس هما عصفور الأزْدى ومسيخيه (بالخاء) الذى كان أول من صنعها فاكتسبت الأقواس لقب العصفورية والمسيخية (بالخاء المعجمة) وهناك حقيقة لا جدال فيها أن الرماية كانت حرفة قومية لدى الفرس وأن العرب استخدموا القوس للصيد أكثر منه للقتال. وأن الرماية قليلا ما كانت تمارس من فوق ظهور الخيل ولكن الترك الذين أحضرهم المعتصم من وسط آسيا تعودوا على الحرب من فوق ظهور الخيل. وقد كتف السلاجقة استخدامهم لرماة الخيل بنجاح مما نشأ عنه ارتباط ركوب الخيل باستخدام القوس مما أدى إلى استحداث أشكال رمزية تدل على ذلك. وازدهرت صناعة الأسلحة واستخداماتها فى العصر المملوكى. وبعد هزيمة بيبرس للمغول فى عين جالوت ظهرت تدريبات الميدان لرماة الخيل ولم يؤد ظهور الأسلحة النارية إلى اختفاء مفاجئ للقوس لأن تجهيز الجندى ببندقية كان يعنى نزع القوس منه وحرمانه من حصانه بما يمثل فى نفسه ذلة وازدراء. ومع فجر العصر الحديث أدخلت البندقية مع المماليك فى 895 هـ/ 1490 م تحت حكم السلطان قايتباى بعد أوربا بنحو 125 عاما. 2 - البحوث: للرماية مرجع أساسى يسمى "الواضح" كتبه الطبرى، وقد يكون اسمه "أحمد بن عبد اللَّه محب الدين الطبرى" المتوفى سنة 694 هـ/ 1295 م وقد حَفّزَ تكثيف الجهاد تحت

3 - النماذج المختلفة للأقواس

راية الأيوبيين على تطور الأسلوب الفنى للكتابة فى هذا الموضوع. وأقدم بحث فى ذلك ألفه المُرْضى (بضم الميم وقد تكون بفتح الميم أصح) وهو ابن على بن مرضى المنسوب إلى طرسوس (الطرسوس) وقد ألف الطرسوسى كتابه سنة 570 هـ/ 1174 م بالتعاون مع صانع الأسلحة السكندرى المشهور حسن بن الأبرقى، كطلب صلاح الدين، وأسماه "تبصرة أرباب الألباب فى كيفية النجاة فى الحروب من الأسواء ونشر إعلام الأعلام فى العدد والآلات المعينة على لقاء الأعداء" وتشير السجلات العربية والتركية والفارسية إلى بحوث كثيرة عن الرماية ليس منها ما هو أقدم من رسالة مرضى ولا أغنى فى معلوماتها من رسالة طيبوغا. لذا فمعلوماتنا عن الرماية فى الفترة بين الأيوبيين والعثمانيين غير مكتملة ومحدودة ولا يعرف إلا القليل عن مهرة الرماة، فضلا عن أنسابهم التى ينحدر معظمها عن خراسان وبلاد ما وراء النهر منذ أن بدأ العباسيون إحضار أعداد كبيرة من الجند منهما، ويستشهد دائما بثلاثة أشكال مناظرة لثلاثة أسماء: أبو الهاشم البارودى وظاهر البلخى واسحق الرفّاء. وتظهر البحوث تشابها معينا فى تركيبها حيث تبدأ بمقدمة للموضوع متبوعة أو مسبوقة بحديث عن أصل القوس ثم معلومات معجمية ولب الموضوع عن مبادئ أساسية ومعلومات ثانوية وضعها الرماة الأوائل. 3 - النماذج المختلفة للأقواس: تتباين أنواع الأقواس ومسمياتها التى غالبا ما تتكون من صفة وموصوف أو مضاف ومضاف إليه مثل قوس حجازى/ قوس فارسى وقوس اليد/ قوس الرِّجل/ قوس فلق/ قوس قضيب. فقوس حجازى -هو القوس الذى استخدمه عرب ما قبل الإسلام وكان خشبيا بسيطا قصيرا أو طويلا تبعا لمقطعه. ويعزى هيرودوت للعرب استخدامهم للأقواس المركبة المنعكسة التى عرفت فى المنطقة العربية والإيرانية ثم صارت السلاح الأساسى للرماة فى عهد الدولة الساسانية وينقض ذلك عدم وجود ماشية ذات

قرون طويلة فى شبه الجزيرة العربية. وتقرر المصادر العربية مرارا أن العرب صنعوا أقواسهم من خشب النبق الذى كان مناسبا لذلك وصنع الصوماليون الأوائل أقواسا بطول مترين من النبق الذى كان يُصدّر لشبه الجزيرة العربية عن طريق القوافل الفارسية من الحيرة واليمامة إلى اليمن. - قوس وسطية -ليس نسبًا إلى مدينة واسط على نهر دجلة وإنما لصفاته. وهو قوس العرب المركب. - قوس اليد -مقابل لقوس الرِّجل أو القوس القذوف. - قوس البندق -ويعرف بقوس الكريات أو قوس الجمر وهو بين النوعين السابقين استخدم الطراز البدائى للقوس القذوف لصيد الطيور وعرف فى عصر النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] ومقذوفته كرة صلصال صلبة تقذف بقوس اليد الذى استخدم فى عصر توت عنخ آمون - قوس فلق (أشريح) -قوس مكون من عصَا مفردة مشقوقة طوليا وملصقة. - قوس قاضب -مصنوع من عصا قطعة واحدة. - قوس فرعَ، فجّة، فِجْو، منفجة -تسميات لأقواس شخصية. - قوس كتوم، فارج، فرج -قوس مصنوع من عصا مفردة لذا لا يهتز عند الاطلاق. - قوس جحش -خفيف ضعيف لا يهتز عند الاطلاق - قوس عتيقة -قديم إحمر خشبه. - قوس راعش، مرتعشة -نحيف خفيف يهتز لحظة الاطلاق يهتز حين يضرب وتره جزأه المسمى طائف. - قوس زوراء، منحنية -شديد الإنحناء، مصنوع من خشب النشام. - قوس بيّنة -سهمها طويل بما يقلل الإندفاع فتأتى القذيفة ضعيفة. - قوس عتلة -فارسى قوى شديد الانحناء. - قوس القاذفات -يقف بين قوس الحجر وبين آلات الحصار القوية الالتوائية وقد يسمى قوس الرجل أو

4 - مصطلحات مركبات القوس

القدم ويتميز عن قوس الركاب بوجود ركاب طوله قدم واحد. - قوس الحسبان -يُستخدم لإطلاق السهام القصيرة - قوس الرِّجْل -قوس ونشاب من أى نوع، بركاب أو بدون. - قوس الرِّكاب -قوس ونشاب وركاب توضع فيه القدم به طوق ينتهى بخطافين لجذب الوتر ويستقيم عند وضع القدم فى الركاب. - قوس الجرك -قوس قذوف فرد مسحوب للخلف بعجلة، يطلق السهام الطويلة التى تشبه الرماح ومنه متعدد الطلقات الذى أخذه المسلمون عن المغول. - قوس الزيار -ليس قذوفا، ولكنه آلة حصار فوق هيكل ثابت استعمله صلاح الدين ضد الصليبيين. -آلات الحصار -دورانية مثل قاذفات الحجر أو المنجانيق تحملها قاعدة مثلما للمدافع العثمانية. 4 - مصطلحات مركبات القوس: إن وضع الاطلاق القائم للقوس بمناطقه الأربعة الرئيسية مستمد من أسماء جسم الإنسان رأس، رجل، بطن، ظهر. ومنحنى القوس هو مركزه أو القبض، ويطلق مصطلح دماغ/ "دماك" على رأس القوس، ويتصل جانب المقبض مع الوجه المقابل للرأس، حين ينحنى القوس يستوى طرفيه مع وتره، ويجب أن يكون الانحناء مقوى جدا ليتحمل الاندفاع، ولكل بيت "طارة" عليا للبيت الأعلى وسفلى للبيت الأسفل، يتبع الطارة نهاية مستقيمة صلبة أو رأسية بطرفها عظمة أو طويق عاجى (جيفعر) به حزوز بارزة (ثلم) ليتلاءم وانحناء وتر القوس (عين الوتر). ووظيفة قنطرة الوتر حفظه ثابتا داخل هيكل القوس. 5 - السهم والكنانات: للسهم معان ثلاث: - سهم - (من القاب أو الخشب الصلب) - نبل - (خشب أو سهم عرب) - نشاب - (سهم فارسى) ويقول هيرودوت أن العرب والفرس صنعوا السهام من الغاب وتبعا لابن

6 - القفازات وخواتم الإبهام

التقتاقة سمى الفرس سهم العرب المصنوع من الخشب، وفى تقارير الحرب لشرق امبراطورية أمية، السهم الفارسى هو النشاب. وبالنسبة لعناصر السهم الخشبى فهى كما جاء فى البحوث وثيقة الصلة بالموضوع. حيث يسمى الجزء الأساسى لقصبة الرمح (وقض) صدر ويحتوى على حزوز (رأز) مقوى بأوتار منحنية (جلز، رصاف) الجزء الخلفى متن وبه ريش السهام (ريش) الذى يسمى وسط (حقو). وتسبب قاعدة المتن التى تقع مباشرة فوق الثلم اندفاعا حادا قد يؤدى إلى كسر السهم وتعطى الكنانات أسماء متعددة وأحيانا متناقضة - الجعبة -كنانة جلدية كبيرة نوعا ما لها غطاء مثبت بحبل (مجداف). - تركاش -جعبة من شعر الحصان يستخدمها رماة إقليم جيلان ونملنج. مصنوعة من جلود مختلفة محيكة سويا - الكندل -وهى كنانة أسطوانية فيها رؤوس السهام إلى أسفل -الكنانة- المصنوعة من الجلد، والجامز هى المصنوعة من الخشب ولكن أكبر -القران- المصنوعة من قطعتين ملتحمتين سويا. والقضية -كنانة مصنوعة من خشب النبق -فدا- كنانة مصنوعة من الجلد تماما وكل هذه التسميات مرادف لكلمة كنانة وقد تسمى تبعا لسعتها كأم الثلاثين أو الخمسين مثل كنانة أبى طلحة. 6 - القفازات وخواتم الإبهام: لحماية الأصابع من الضغط أثناء السحب يزود الرامى بقفاز جلدى مقوى لحماية الأصابع من الضغط الشديد أثناء السحب ويحاط المعصم بطوق أو سير ولا يكون القفاز كامل الأصابع ويسمى بكلمة فارسية معربة هى كشتوبان أو كشتيبان ومعناها حارس الإبهام أو خاتم السحب وتتطلب الطريقة المنغولية لأخذ وتر القوس بالإبهام استخدام مربط الابهام "كتيعة".

7 - أطوار ومبادئ التصويب

وهناك خواتم صلبة منحوتة بعناية من العاج أو العظم لتناظر إبهام مهرة الرماة. 7 - أطوار ومبادئ التصويب: بالرجوع إلى قادة الرماة المهرة تنقسم أطوار التدريب إلى ما يلى: - أ- إطار وهو طور شد القوس أو قبضه ويحتاج عناية خاصة لتجنب تحطيمه. ب- قبضة -هو وضع اليد اليسرى على مقبض القوس. جـ- عقد أو قفلة -العقد بالإبهام على الوتر لضمان سحب جيد للوتر خلال العملية كلها. د- تفويق -تتم بقبض ثلم القوس (فتن) على انحناء وتر القوس. هـ- مد -نزع الوتر بإرسال وتر القوس خلفًا تجاه الرامى ويختلف تبعا لاختيار نقطة الارتكاز التى قد تكون: حاجب العين أو شحمة الأذن أو الشارب أو الذقن أو عظم الصدر. و- نظر -تختلف طرقها تبعا لتصحيحات الإرتفاع والإتجاه. ز- إطلاق، إفلات -وهو آخر الأطوار وأهمها ويتطلب من الرامى تركيزا تاما أو "تفريغ القلب وتخليته" وله ثلاث قواعد اطلاق: مُخَتَلسْ -وفيه يسحب الرامى سريعا ويترك فى الحال. ساكن -وفيه يسحب ببطئ ويطلق بهدوء. مفروك -ينهمك الرامى فى سحب جزئى واطلاق فى الحال. ويميزه الباحثون بخمسة أركان: القوس، الوتر، السهم، خاتم الإبهام، الرامى، ويقسمون أطوار الإطلاق السابقة إلى أصول وفرق ولكل رام طريقته. أبو هاشم: 4 أصول -قبضة، عقد، مد، إطلاق. طاهر: يضاف للأصول الأربعة السابقة أصل يسمى اعتماد فيه تقبض اليد اليمنى على مقبض القوس واليسرى تحكم إغلاق الوتر لتبذل اليدان نفس القوة. اسحاق: انتساب، إطار، تفويق، قفلة، قبضة، مد، إفلات، فتحة، فرع

8 - التدريب والاستخدام التكتيكى

والاطلاق من تحت الدرع (الرمى تحت الترس). أبو موسى الكراز: 4 أصول: عقد، قبض، نظر، إفلات و 6 فرق: إطار، تفويق ثم اطلاق من أسفل الدرع ومن مستوى الصدر مع خبرة بالأسلحة وتغيير الخطط تبعا لمجريات المعركة بالإضافة إلى سلوكيين أخلاقيين هما "قصلة" وفيها لا يُرمى أى شخص أو شئ ضد مشيئة اللَّه، ثم "الصبر". - محمد الهراوى -7 أصول: إطار، تفويق، قفلة، قبضة، مد، نظر، إفلات تنقسم هذه الأساليب إلى ثلاثة أنواع رئيسية تبعا لأئمة الرماية. هاشم (طويل) - طاهر (قصير ممتلئ الجسم) - اسحاق (متوسط الارتفاع) 8 - التدريب والاستخدام التكتيكى كل ما تقدم يخص اعتبارات الاطلاق من مستوى أفقى. وللمماليك شكلين من أشكال الاطلاق فى مستوى رأسى أحدهما إلى أعلى (رمى القبق) والثانى إلى أسفل (قفاج) بما يحقق أقصى قيمة ممكنة. رمى القبق -التنشين على قرعة فوق تَبّة ارتفاعها 25 قدما وسط الميدان ويطلق الرامى الممتطى السهم على القرعة حين يمر حصانه المسرع بالتبة وقليل ما هو معروف عن أصول هذا التدريب ولكنه كان مألوفا وبلغ أوَجَهُ فى عهد السلطان بيبرس الأول قلاوون والأشرف خليل 694 هـ/ 1295 م وعند بعض الباحثين يدل المصطلح على اطلاق الرامى بموازاة فخذه الأيسر على هدف أرضى وعند البعض الآخر تدل على القذف خلفا لمجموعة من الفرسان بكامل سرعتهم وفى بلدة مفتوحة حيث الهدف شق طريق من مسافة، يوكل أمر العدو للصف الأمامى الذى يتكون من رجال قوس النشاب وفى الصف الثانى يأتى رجال المشاة مُحتمين خلف دروع مسلحين برماح وسيوف للقطع والطعن مباشرة وفى الصف الثالث توضع كتائب سلاح الفرسان للقذف فى اللحظات الحاسمة، وقد تباهى بذلك الترك والمغول وهم مسلحون بأقواس قصيرة مركبة ذات قوة كبيرة ليغرق العدو فى سيل من السهام.

قوصرة

وينحدر تكتيك الطريقة المنجلية للرمى على الأكتاف عن بدو وسط آسيا وأطلق عليه طلقة غادرة وهو مرادف للتكتيك المنجلى. ويتجنب الرامى فيه الالتحام اللصيق بعمل سلسلة من الهجوم لإفساد خطط العدو. وهناك طريقة أكثر مِنْجلية حين يقذف رجال سلاح الفرسان -وهم يَعْدون من السهل البدوى- السهام خلفهم، وقد وردت فى الروايات الحربية للترك المغولين وواضحة فى منمنمات القرن التاسع عشر الميلادى الشهيرة، قبل أن تَحْرِمَ أسلحة النار القوس من سلطانه حين ظهر تدريب قوزاق القرن التاسع عشر بالمسدسات من فوق ظهور الخيل. د. محمد أحمد سليمان (التحرير) قوصرة قوصرة (بفتح القاف وتسكين الواو) ويقال لها قوسرة (بضم القاف المشعبة وكسر السين بدلا من الصاد) جزيرة إيطالية تعرف الآن باسم Pontelleria وتبعد عن صقلية بأربعة وستين ميلا وعن تونس بخمسة وخمسين ميلا، ومساحتها ثلاثة وثمانون كيلو مترا مربعا، ويبلغ ارتفاع جبالها ألفى قدم، وتربتها بركانية ويقدر عدد سكانها بعشرة آلاف نسمة، ويقول ياقوت فى معجمه إن الأصل فى اسمها عربى ومعناه "سلة التمر"، ولكن الواقع أنه يونانى الأصل ومحرف عن كلمة Cossyra ثم عربت فى المراجع العربية فصارت قيصرة. ولما لم تكن الجزيرة ذات أهمية حربية أو اقتصادية كبرى فقل أن نجد كثيرا من التفصيلات عنها فى المراجع التاريخية، وقد خلت المراجع العربية من ذكرها إلا من بضع إشارات عابرة قليلة ولما غزا عبد اللَّه بن سعد بن أبى سرح أفريقية عام 27 هـ (647 - 648 م) تجمع سكان جزيرة شريق Cape bon) فى كليبية ولجأوا مؤقتا إلى قوصرة، وحدث بعد نصف قرن من ذلك التاريخ (أعنى حوالى 81 هـ/ 700 م) أن غزا الجزيرة عبد الملك بن قطن وعاث فيها نهبا وتدميرا، ثم قامت قوصرة فى

أيدى البيزنطيين حتى عام 221 هـ (836 م) يستعملونها قاعدة يشنون منها هجماتهم على الأغالبة الذين لا يعرف على وجه الدقة متى كان ضمهم الجزيرة، وإن كان الأرجح أن ذلك تم سنة 350 هـ (864 م) حيث أصبحت الجزيرة بعد هذا التاريخ عربية إسلامية تماما وصارت قسما من أفريقية حتى زمن الموحدين. ولقد كان لابد لها من أن تسهم فى القتال الدائر بين نرمنديى صقلية وبين الأيريين، وحدث فى ذى القعدة سنة 416 هـ (يناير 1026 م). أن تحطم فى مياه قوصرة الأسطول الذى كان المعز ابن باديس (407 - 554 هـ/ 1016 - 1062 م) قد جهزه لمساعدة مسلمى صقلية، وكان هذا الأسطول مؤلفا من أربعمائة سفينة، كما تجمعت بالجزيرة ذاتها أساطيل بيزا وجنوة استعدادًا لمهاجمة أفريقية، فبعث مسلمو الجزيرة برسائل على جناح الحمام الزاجل إلى تميم يعرفونه بمدى الخطر الذى يهدده. وحدث فى سنة 517 هـ (1123 م) أن عرج الأسطول النرمندى وهو فى طريقه إلى العهدية - على قوصرة فخربها وأعمل القتل فى أهلها ثم انتهى الأمر أخيرا سنة 543 هـ (1148 م) بأن احتلها الصقلى الذى كان بقيادة جورج الأنطاكى وهو فى طريقه لأخذ العاصمة الزيرية على أن المسلمين استردوا الجزيرة وكان استردادهم إياها على يد الموحدين الذين حرروا أفريقية من الوجود المسيحى ووحدوا المغرب ولكن ذلك لم يدم طويلا فقد نص الاتفاق المبرم يوم 15 جمادى الآخرة سنة 618 هـ (5 أغسطس 1221 م) مع الأمبراطور فردريك الثانى أن يسلم والى تونس وكان من قبل الموحدين الجزيرة إلى صقلية على شرط أن يتمتع مسلمو قوصرة باستقلالهم الذاتى فى معاملاتهم الإدارية والدينية، وأن ترسل الجزيرة نصف جبايتها المفروضة عليها إلى أفريقية، وأصبحت قوصرة منذ ذلك التاريخ تلقى ما تلقاه صقلية فنراها تابعة لتاج اراجون فترة من الوقت, والأرجح أن الكتلان أطلقوا عليها يومئذ القاسم بأنتيليريا Pantelleria لكن ذلك لم يمنع ولاة تونس من تبنى فكرة

استردادها، وعقدت فى عام 1403 م إتفاقية غريبة تحدد الطرق التى تجعل لحاكم أراجون حق امتلاك جربة لقاء أن يسترد والى تونس جزيرة قوصرة. إلا أن ذلك الاتفاق لم يوضع قط موضع التنفيذ. لقد ظل أهل قوصرة على إسلامهم أمدا طويلا إذ يقرر ياقوت المتوفى سنة 626 هـ (1228 م) أنه كان من بين سكانها فى القرن الثالث عشر الميلادى جماعة من الإباضية الوهبيين (وربما كانوا أصلا من جربة) قد كيفوا أسلوب حياتهم الخشنة على نمط يوائم ما كانوا فيه من عزلة مفروضة على الجزيرة وتناسب موارد عيشتهم الطفيفة، وقد بذل حكام الجزيرة الجدد كل ما يستطيعون بذله للحفاظ على حياتهم ولذلك نجد ألفونسو صاحب أرغونة يشكو لسلطان تونس فى سنة 1438 م أن نفرا من المواطنين الحفصيين كانوا يشجعون هؤلاء الأهالى على الهجرة من الجزيرة، وطالب الملك على لسان رسوله بعودة هؤلاء المهاجرين إليها بل وإسكان أفريقيين جدد فى الجزيرة. وليس من المعروف تاريخ انتشار المسيحية فى قوصرة فقد ورد فى تاريخ مسلمى صقلية لامارى أن فاريلو فضل اللَّه؟ ) Fagello يخبرنا أنه فى مستهل القرن السادس عشر الميلادى كانت ملابس المسلمين والنصارى واحدة لا فرق بين الواحد منهم والآخر فيها وكانوا يتكلمون لسانا واحدا، كما أن "يونيه" التاجر البروفسالى الذى وقع فى الأسر بتونس وحاول الهرب يقرر أن هذه اللهجة (اللغة) كانت فى سنة 1970 هى السنة التى سعى فيها للنجاة هى نفس اللغة التى يتكلمها الناس فى مالطة، ومن ثم فلابد أنها كانت إحدى اللهجات العربية التى دخل عليها الكثير من التحوير. أما موارد الجزيرة فقد اتسمت بالقلة على الدوام وإن كانت غاباتها تنتج خشبا ذا نوعية رائعة، ويقال إنه يكثر بها صيد الماعز الوحشى. كذلك يقرر بونيه أن تجارة الجزيرة فى منتصف القرن السابع عشر الميلادى كانت تعتمد كليا على الخمور

القومية

والفحم والخشب الذى يصدره الأهالى إلى صقلية ومالطة. نجلاء فتحى [م. طالبى M. Talbi] القومية مصطلح مشتق من قَوْم وهو لفظ ذو أصل قبلى ويعنى مجموعة من الناس ينحدرون من أصل مشترك، أو من قبيلة تنحدر من جد واحد. أما فى هذا القرن العشرين فهى تعنى حركة القومية التى سرت بين عرب الولايات العثمانية فى الهلال الخصيب التى غزاها الحلفاء فى الحرب العظمى. وقد انتقل المصطلح منذ الحرب العالمية الثانية إلى أجزاء أخرى من البلاد التى تتحدث العربية وقد حاول المثقفون العرب منذ الحرب الأخيرة صياغة أسس نظرية وفلسفية ومقدمات تاريخية وأيديولوجية لهذه القومية. وكان أكثرهم نشاطا السوريون واللبنانيون والعراقيون من سياسيين ومعلمين وصحفيين وكتاب. ومن أبرز هؤلاء حزب "البعث" الذى تأسس عام 1943 م وفى سنة 1955 م حمل جمال عبد الناصر (من مصر) لواءها ونادى بها فى الشرق الأوسط العربى، والقائلون بالقومية العربية ينادون بوجود "أمة عربية" وهى وإن كانت دولا متفرقة إلا أنه يجب أن تكون متحدة فى كيان سياسى عضوى واحد -وإن ما يربط أعضاء الأمة العربية هو العقيدة المشتركة- أى الإسلام، ولغة مشتركة هى العربية وثقافة إسلامية واحدة وتاريخ مشترك أما عن الأسس الاقتصادية والعملية الأخرى فلم تحظ بصياغة ما، ولم يتقدم أحد باقتراح ما بشأنها- وأصبحت المشاعر الدينية والهوية المشتركة هى الملهم للوحدة، السياسية أى أنها كانت الأساس لقيام حركة القومية العربية أو النزعة العربية، أو الجامعة العربية وكلها مظاهر أو تفرعات للقومية فى هذا القرن وفى المذكرة المتعلقة بالحركة العربية التى رفعت إلى وزير الخارجية البريطانى انتونى ايدن. والمؤرخة 27 مايو 1936 م يقرر القنصل البريطانى فى دمشق أنه "لا شك فى وجود حركة عربية ولكن هناك شك كبير فى قدرتها. وحتى فى عام 1936 م كانت أهداف

هذه الحركة تتمثل فى خلق دولة واحدة تضم الدول العربية بأكملها. ولكن دعاة هذه الفكرة كانوا يعنون بها العراق ولبنان وسوريا، وهى جميعا تعد دولا جديدة، تحت الانتداب الإنجليزى أو الفرنسى -وتلك أيضا كانت فترة اهتم فيها دعاة القومية العربية بتحديد معنى الأمة العربية جغرافيا وأيديولوجيا. أما عن مصر فكانت فى ذلك الحين خارج دائرة اهتمامات القومية العربية لإنهاكها فى مشكلة علاقاتها ببريطانيا- ثم طرأ عامل خارجى جديد هو مشكلة فلسطين، ومع ذلك فإننا نجد اليوم -وبعد مرور أربعين عاما- أن آمال الوحدة العربية لم تتحقق فبدلا من أن تكون دولة عربية موحدة إذا بنا نرى عدة دول عربية. ولعل القومية العربية كانت حركة تعويضية لدى العرب وذلك على مستويين: أولا بوصفها حركة رد فعل ضد الهيمنة العثمانية التى طال أمدها ولم يكن من الممكن أن تبزغ فى ظلها مسألة الهوية القومية. ثانيا بوصفها رد فعل ضد الأوضاع الجغرافية والسياسية التى أملتها القوى الأوربية على آخر الامبراطوريات الإسلامية بعد تفككها فى عام 1920 م (المقصود الدولة العثمانية)، فالقومية قد زودت العرب بعامل دَفْع يدفعهم إلى التكامل ضد تفتت الواقع السياسى. ونظرا لأن المجتمعات العربية لم تمر بتجربة إضفاء الطابع العلمانى على الهوية السياسية وعلى الحياة والمفاهيم على نحو ما حدث لأوربا فى بداية العصور الوسطى، فإن مفهوم "الأمة - الدولة" وحركة القومية عند العرب ظلت امتدادا وترجمة لثقافة سياسية هى فى جوهرها ذات أساس دينى - فقد ظل أبناء هذه القومية على وعى دائم بهويتهم الإسلامية. وكانت القومية العربية محاولة لبث الوعى بالهوية العربية وزاد عدد الدول العربية المستقلة ذات السيادة فى الفترة الأخيرة، مما خلق اتجاها قويا وبالتالى اتجهت الايديولوجية القومية نحو نوع من ترشيد العواطف الإسلامية، وأصبحت بذلك بمثابة عاطفة تعمل على جمع الشمل فى مواجهة التهديدات

الأجنبية أو ضد الأعداء. ولقد بزغ من الشروط الأولية لقيام القومية شرط أساسى إبان القرن التاسع عشر الميلادى وهو الوعى التاريخى أو الإقرار بوجود خصوصية للعرب من ناحية ووجود فوارق بينهم وبين الآخرين (أى غير العرب) من ناحية أخرى -حدث ذلك مع التغلغل الأوربى السريع والقوى فى الشرق بصوره المختلفة من عسكرية واقتصادية وسياسية، كما حدث نتيجة لتأثير الأفكار السياسية والمؤسسات التى صاحبت هذا التغلغل. ونتيجة لهذه اليقظة أو النهضة بزغت أفكار تدعو إلى إحياء اللغة العربية كما تدعو إلى الإصلاح الدينى وذلك فى مواجهة الحداثة الأوربية -وكانت هذه النهضة- بمختلف صورها زادًا لقيام معارضة إسلامية أولا ثم عربية فيما بعد -ضد الحكم الأجنبى وكان ذلك بدوره تمهيدا للمطالبة بحق تقرير المصير- كذلك كان الإصلاح الحديث داخل الدولة العثمانية ذاتها، والذى أدى إلى تبنى الطبقات الحاكمة التركية لاتجاهات القومية، مبتعدين بذلك ابتعادا تاما عن مفهوم "الأمة" إلى هذا الإصلاح ذاته- أدى إلى قيام حركات انفصالية فى العالم العربى بلغت أوجها فيما حدث من ثورة الحجاز العربية بتشجيع من بريطانيا ضد الخليفة العثمانى فى الحرب العالمية الأولى والأهم من ذلك ما طرأ من تطور على حكومات لدول ذات طابع حديث نسبيا وذلك فى العديد من الولايات العربية مما شكل أساسا يسمح بقيام استقلال قومى محلى. كما أن نشأة الصفوة الوطنية واهتمامها بتطوير الأنظمة الحكومية وتشريعاتها ونظم التعليم والاقتصاد والسير بها فى اتجاه علمانى: كل ذلك أعطى دفعة قوية لهذا الاتجاه القومى -وأيًّا ما كان الأمر فإن التجربة لم تكن فى عديد من الدول العربية متماثلة بل أدت إلى وجود تفاوت وفروق فيما بينها مما زاد من صعوبة تحقيق آمال وحدة القومية العربية. إن القومية العربية تفترض ضمنا وجود أمة عربية، وتفترض تضامنها وخصوصيتها ووحدتها غير أن كل هذه الافتراضات الضمنية تقوم على أساس دينى فى جوهرها، هو الإسلام واللغة

العربية بوصفها لغة القرآن الكريم، والشريعة بوصفها القانون المقدس الذى نزل به الوحى والتاريخ بانتصاراته المجيدة وامبراطوريته. وهى تغض الطرف عن التنوع العرقى وتنوع الأجناس التى تضمها الجامعة الإسلامية. ومن هنا ظل هناك تعارض قائم بين القومية الحديثة بطابعها الإقليمى والجامعة الإسلامية، ومن هنا اتجهت جهود الداعين للقومية إلى إيجاد توافق بين الفروق المختلفة والبحث عن تكامل بين العروبة (قلب القومية) والدين. وكل ما يمكن تحقيقه هو ترجمة التضامن الإسلامى المتمثل فى "الإسلام" إلى وحدة الأمة العربية ولكن لكى يتحقق ذلك ينبغى أولا إسناد دور للعرب فى مقابل غير العرب داخل الإسلام. وقد كان هذا هو الشغل الشاغل لعبد الرحمن الكواكبى (توفى 1902 م) والشيخ محمد رشيد رضا (توفى 1932 م) فى أوائل هذا القرن، ثم جاء بعدهما عبد الرحمن البزاز (توفى 1971 م) وقد حاولوا جميعا التدليل على أنه لا تناقض بين الإسلام والقومية العربية. فمن الناحية النظرية لا تشكل العلاقة بين الدين والدولة أية مشكلة فى الإسلام -فلقد سبق للإسلام أن أسس دولة وبنى إمبراطورية. فليس غريبا إذن أن يكون ثمة مزج حديث بين الإسلام والعروبة. والقومية بحكم تعريفها مفهوم علمانى أو فكرة علمانية، يقف وراءها -على الأقل فى أوربا- تفكير فلسفى ونزعة علمانية، وسلطة ممنوحة للدولة بدءا من العصور الوسطى ومرورًا بعصور النهضة والإصلاح الدينى والتنوير أما القومية العربية فإن أسسها إسلامية لأنه لا توجد أسس فلسفية أو فكرية تقوم عليها العلمانية العربية مماثلة لتلك التى تملكها العلمانية الأوربية -على أن الحرب العالمية الثانية ونتائجها هى التى عجلت بظهور حركة القومية العربية وكثرة المؤيدين لها. وكانت النتيجة تكوين الجامعة العربية فى عام (1946/ 1947 م) وهى منظمة تضم الدول العربية المستقلة وعلى حين أن الباعث على نشأة "القومية العربية" إبان الحرب العالمية الأولى مصدره

الأسر الحاكمة ولا شأن له بالايديولوجيين فسوف نجد أنها قد تحولت فى أثناء الحرب العالمية الثانية وما بعدها إلى قوة أيديولوجية وعلمانية -وقد أصبح الكاتب الأول فى هذا الموضوع هو ساطع الحصرى الذى قدم مفهوما للقومية العربية ذا نزعة رومانسية ومثالية، وذلك فى محاولة منه لإخراج الدين من الفكرة القومية واستعار من روسو وهيجل وماتزينى مفهوما روحيا للأمة مفاده شخصية الدولة بوصفها ضرورة تاريخية، والقومية بوصفها مبدأ عاما وسابقًا عليها فى الوجود. لقد استعار ساطع الحصرى مفهوما أوربيا وأجنبيا للأمة، وجعل من القومية بمشاعر الرومانسية تجسيدا لقداسة الشخصية القومية، وأصبح الإسلام عنده "ثقافة قومية" للعرب وليس مجرد دين لهم. وكتب آخرون عن القومية العربية بنفس الروح الرومانسية. فالعلايلى أكد الوعى الكامن عند العرب بوجودهم الاجتماعى" والبزاز يرى أنه لا تناقض بين "القومية الحقة والدين الحق" وعبد اللطيف شرارة يصف القومية العربية بأنها عاطفة -فالأمة واقع بشرى وليس واقعا جغرافيا. وهى أوسع مفهوما من الدولة أو الشعب أو الوطن، ولذلك كان الشعور بالعروبة يتجاوز الحدود الجغرافية ويعلو عليها لاسيما وأن الإنسان ليس مجرد بدن بل هو "عقل وروح". ويعلن ميشيل عفلق -وهو مسيحى، وأحد المشاركين فى تأسيس حزب البعث- أن القومية العربية هى "الحب الذى يفوق كل شئ آخر" لذلك فإن الأمة العربية تشكل كيانا سياسيا واقتصاديا وثقافيا بصرف النظر عن التقسيمات القائمة -وبعد عام 1948 م أدى الصراع العربى الإسرائيلى بالقومية العربية إلى مزيد من التعمق، كما أنه فى نفس الوقت أدى إلى وقوع انقسام فى القومية العربية. وبحلول عام 1949 م تمت الإطاحة بأنظمة الحكم العربية القديمة، وظهور حركات جماهيرية ترفع شعارات أيديولوجية مثل حركتى البعث والناصرية وهى تنادى بحتمية

المصادر

"الوحدة" أى وحدة العرب، وحدثت أحداث مشابهة فى كل من العراق والسودان عام 1958 م، وفى اليمن عام 1962 م وجنوب اليمن فى عام 1967 م وفى ليبيا فى عام 1969 م -فدخل بذلك مناصرون جدد إلى حقل القومية العربية وغدت هذه القومية مناهضا بارزا للغرب وخططه ولم يفلح عبد الناصر فى تحقيق وحدة الأمة العربية خلال الدعاية أو الثورة أو القوة، كذلك لم يفلح حزب البعث فى تحقيق الوحدة أو تحقيق الاشتراكية داخل سوريا، العراق، الأردن. غير أن اختفاء عبد الناصر من المسرح السياسى العربى، بالإضافة إلى تسلسل الأحداث التى أدت إلى نشوب حرب أكتوبر فى عام 1973 م ضد اسرائيل وظهور دول عربية ثرية نتيجة للبترول، كل ذلك أتاح فرصة جديدة للقومية العربية لكى تنطلق من جديد ولكن مع التأكيد على أسس أخرى تقوم عليها هى المصالح المتبادلة بين الدول العربية، فكانت هذه أهم ملامح القومية العربية فى صيغتها الجديدة. وبفضل الثروة أو "المال" أصبح المزج الجديد بين العروبة والدين ذا فاعلية أكبر، وأصبح حجر الأساس فى تضامن الأمة العربية مع القومية العربية. المصادر: (1) ميشيل عفلق: "فى سبيل البعث". (2) العلايلى: "دستور العرب القومى". (3) البزاز: "الإسلام والقومية العربية" 1952 م. (4) الحصوى: "آراء وأحاديث فى القومية العربية" 1951 م. (5) سعيد: "الثورة العربية الكبرى"، 1934 م. (6) صانع: "الفكرة العربية فى مصر" 1959 م. (7) شرارة: "فى القومية العربية" 1957 م. سعيد عبد المحسن [ب ج فاتيكيوتس P. J. Vatikiotis]

قونية

قونية تعرف فى التاريخ القديم باسم أيكونيم Iconium، مدينة مهمة تقع على حافة هضبة الأناضول، على خط قطرى يصل بين الدردنيل وممرات طوروس المؤدية إلى سوريا. 1 - التاريخ: كانت المدينة قاعدة بيزنطية أثناء قرون التوسع الإسلامى، ولعل تجنب مهاجمتها هو ما جعلها لا تحتل قدرا كبيرا من التاريخ العسكرى. وقد تكون قونية قد تعرضت كغيرها من المدن لغزو فارسى فى فترة سابقة، ومن الصعب فى غيبة أبحاث أثرية وصف تاريخها بدقة، ولكن إعادة استخدام مخلفات من العصر السلجوقى يبين أن أغلب بنايات المدينة قد تهدمت وأنه قد أعيد بناؤها جزئيا. ولكنها تظهر مرة أخرى فى فترة التوسع التركى فى القرن الخامس الهجرى/ الحادى عشر الميلادى وعبور القوات الصليبية خلالها عام 1097 م. ويبدو أنهم لم يجدوا فيها تحصينات تفيدهم، فاكتفوا بالاستفادة بما حولها من حدائق. ويمثل عصر سلاجقة الروم أقصى ازدهار للمدينة. فموقعها الغزير المياه بالنسبة للصحراء المجاورة كان يتحكم فى الطريق الجنوبى فى الوقت الذى حرمهم السلاجقة الدانيشمانديين Danishmendids من الطريق الشمالى المؤدى للدردنيل، وبالتأكيد وجدت المدينة قبولا عند السادة الجدد كقاعدة سياسية وعسكرية وكمكان تمركز لشعبهم الذى كانت تغلب عليه البداوة. وقد اتخذت عاصمة فى عهد مسعود (512 - 550 هـ/ 1118 - 1155 م)، كما كانت لا تزال مدينة ذات شأن حين عبرها فردريك برباروسا عام 1190 م على رأس جيش من الجنود الألمان. وقد كانت المدينة تزداد رفاهية مع خطوات توحيد آسيا الصغرى على يد سلاجقة الروم فانتشرت بها المدارس والمساجد والخانقاوات، كما انتعشت الأسواق وأعيد بناء الأسوار. وانعكس تزايت قوة السلاطين فى القرن السابع الهجرى/ الثالث عشر الميلادى على المدينة. ويبدو أن التمايز الاجتماعى تمثل فى أهمية وارتفاع الدور وليس فى أحياء متميزة للطوائف المختلفة، ووجد فى قونية

اليونانيون والأرمن وبعض اليهود، ولا توجد إلا إشارات قليلة فى الوثائق للترك وهو مصطلح اقتصر استخدامه فى ذلك الوقت للدلالة على تركمان السهول وإلا فإن السلاجقة أنفسهم أتراك بالمعنى الشامل للكلمة. ولكن الوثائق تشير إلى المسلمين وهو ما يضم الترك. وتجدر الإشارة بالذات لثلاث طوائف اجتماعية: الإدجش والأخيس والصوفيين أو الدراويش. أما الطائفة الأولى فهى من المخلطين من أمهات تركيات وآباء من أهل البلاد الأصليين (البيزنطيين) تحولوا للإسلام وكانوا ينخرطون فى الجندية. أما الطائفة الثانية فهم يمثلون الفتوة التركية، وسيلعبون دورا مهما فى فترة المغول ومن جاء بعدهم. أما الصوفية أو الدراويش فكانوا ينتمون إلى عدة طوائف، ولكن الطريقة المولوية المنسوبة لجلال الدين الرومى أخذت فى الانتشار فى منتصف القرن السابع الهجرى/ الثالث عشر الميلادى، وإن كانت لم تصبح طريقة منظمة إلا فى القرن الثامن الهجرى. وقد حوت قونية بالطبع حامية عسكرية، كانت تضم أسارى من البيزنطيين. وكان السلاطين يقطنون قصورا فى المدينة وما حولها، كما قويت الأسوار فى زمن علاء الدين كيقباد. وتحكى المصادر عن وفرة المدارس والمستشفيات والخانقاوات والخانات وما وصلت إليه المدينة من تطور فى عهد السلاجقة. وكان لوضع الحماية المغولية على الأناضول السلجوقى فى منتصف القرن السابع الهجرى/ الثالث عشر الميلادى أثر سلبى على وضع المدينة، ولكن بصورة بطيئة وجزئية. وتمثل النزاع بين الأخوين عز الدين كيقاءوس وركن الدين قلج أرسلان فى صراع بين المناصرين للمغول ومقرهم شرق آسيا الصغرى وراء كيسرى وبين المقاومين لهم والذين اتخذوا من قونية مقرا لهم واعتمدوا أساسا على التركمان من المناطق الجنوبية والغربية. وكان لانهيار السلطة المركزية أثر فى انتقال الأهمية لإمارات التركمان الحدودية على حساب قونية على وجه الخصوص. وأول إرهاصة لهذا الاتجاه

المصادر

كان احتلال قونية عام 675 هـ/ 1277 م بواسطة القرمان (القرمنلى) من غرب طوروس، والذين عينوا سلجوقيا يدعى جيمرى حاكما صوريا. وظل استقلال حكومتهم مع ذلك إلى عام 713 هـ/ 1313 م، ففى ذلك العام كانت المدينة قد ألحقت بغيرها بالتأكيد، إلا أن القرمان لم يفقدوا عاصمتهم التى أصبحت منذ ذلك الحين لرنْده/ قرمان. ويشهد على أهمية المدينة الثقافية والدينية وأهمية أهلها النسبية عدد المبانى والمساجد وغيرها من المؤسسات ذات الطابع الدينى التى شيدها الأمراء والنبلاء القرمان. وباستيلاء السلطان بايزيد الأول ييلدرم ابن مراد عام 880 هـ/ 1475 م على المدينة ألحقت مع كافة أراضى القرمان بالدولة العثمانية، وتشير الوثائق العثمانية إلى أوقاف ومؤسسات من السلاجقة والقرمان قد احتفظ بها. ومن الطبيعى ألا يكون لمدينة كقونية فى هذه الإمبراطورية الشاسعة سوى أهمية محدودة. وكان اندحار جيش رشيد باشا أمام قوات إبراهيم بن محمد على عام 1832 م فى قونية دليلا على أنها تمتعت بأهمية استراتيجية بين الحين والآخر. وقد زار المدينة العديد من الرحالة الذين وصفوها، أهمهم هنرى دى لابورد الذى قدم لها وصفا قيما عام 1828. وكان تعداد المدينة فى نهاية القرن الماضى 50.000 نسمة، ويخطى 100.000 فى منتصف هذا القرن، ولا يزالون يتزايدون ببطء. المصادر: (1) ياقوت الحموى، معجم البلدان تحقيق F. Wustenfeld ليبرج 1866 - 1873 م. (2) ابن بطوطه، الرحلة، باريس 1853 - 1858 م. (3) حاجى خليفة، جيهان نامه. على يوسف على [ج. جودون G. Goodwin] القياس هو المصدر الرابع للتشريع الإسلامى، وأصل القياس أن يُعلم حُكم فى الشريعة لشئٍ فيُقاس عليه أمرٌ آخر لاتحاد العِلّة فيهما، ويوجد شبه بين

هذه الكلمة العربية والكلمة العبرية هقِّش Hikhish ومصدرها هقش بتشديد القاف أيضا مع تخفيف الكسر، والجذر الآرامى ن - ق - ش -يعنى الفَرْز أو مقارنة شيئين معًا (¬1). وقد اتسع معنى القياس فأصبح يشتمل على النظر والبحث عن الدليل فى حكم مسألة عرضت لم يرد فيها نص، وأصبح يطلق على الاجتهاد فيما ليس فيه نص بل ظل مفهوم القياس يتسع حتى أصبح مرادفا للرأى ويعنون بذلك أن الفقيه أو القاضى إذا عرضت له مشكلة أو قضية ليس فيها نص من القرآن الكريم أو حديث شريف (وهما المصدران الأساسيان للتشريع) فإنه يصل فيها إلى رأى، متأثرًا فى ذلك بجو الشريعة، ولطول مرانه، واستطاعته أن يقيس الأمور ببعضها قياسًا واضحًا يماثل بين القضايا المتشابهة أو المتماثلة، لذا فقد ذم الفقهاء الرأى الذى يصدر عن شخص ليس أهلًا للاجتهاد. ولقد بدأت ممارسة القياس الشرعى، منذ وقت مبكر. ومنذ مطلع القرن الثانى الهجرى، افتتح تطبيقه حماد بن سليمان بن ربيعة، معلم أبى حنيفة وابن أبى ليلى، وقاضى البصرة. ولكن أول من طبقه بانتظام كان الإمام أبو حنيفة (توفى 150 هـ/767 م)، ولهذا السبب عرفت مدرسته بمدرسة أصحاب الرأى لتمييزهم عن مدرسة أصحاب الحديث، ولم يتقبل أصحاب الحديث القياس إلا كملاذ أخير، وفى رأيهم أن "الاستدلال مثل الجيفة، لا تؤكل إلا حين لا يكون هنالك طعام غيرها". ولقد رفض الحنابلة والشيعة القياس، لكن مدارس التشريع الأخرى أخذت به وبخاصة المذهب الحنفى. وفى رسالته عن أصول التشريع، يمدنا الشافعى بالطور الأول فى تصنيف نظرية القياس. ولقد رسخ الشافعى بدقة دور القرآن والحديث فى التشريع، أما عن الإجماع، فقد حدد ¬

_ (¬1) هذا التشابه اللفض بين كلمات تنتمى إلى مجموعة اللغات السامية لا يعنى أن إحدى اللغتين أخذت من الأخرى بقدر ما يعنى أنها جميعا من المشترك السامى، فكلمة قياس كلمة عربية أصيلة، ففى لسان العرب مثلا: قاس الشئ يقيسه قيسا وقياسا واقتاسه وقيسه إذا قدره على مثاله. (المراجع).

قاعدة

بدقة بأنه الاستدلال بالقياس. وإليه يُعزى التمييز الأساسى بين قياس العلة أو المعنى أو قياس الشبه. قاعدة: تنقسم المعارضات العديدة الموجهة لاستعمال القياس المعروفة لنا من خلال معالجات أصول الفقه المختلفة إلى نوعين من الخلاف: خلاف الحقيقة وخلاف التشريع. طبيعة القياس: ووفقا لرأى الإمام الشافعى فإن القياس والاجتهاد مترادفان لاسمين يعبران عن معلومة واحدة؛ حين يكون الحكم الخاص بقضية محددة لم ترد بصددها (دلالة)، هذه الدلالة يجب أن يبحث عنها بالوسائل المطابقة للحقيقة بمساعدة الاجتهاد، والآن فالاجتهاد هو القياس. ومازالت الطبيعة المحددة للقياس لم تُفصَّل، فهى رأى شخصى. ومع توسع وتطور علم أصول الفقه، تحددت المفاهيم وترسخت. عندئذ من الممكن أن يُحدد القياس على أنه المنهج الذى يتألف من استيعاب الفرع للأصل استنادًا إلى تشابههما من خصوص علة الحكم. ويكون القياس بناءً على ذلك شكلًا من أشكال الاستنتاج يواصل على نحو مطرد من خصوصية إلى خصوصية، واصلًا قضية جديدة بقضية قديمة. وحتى يكون القياس فعالًا، هنالك أربعة عناصر ضرورية يجب توافرها: 1 - ظهور قضية جديدة تسبب مشكلة. 2 - وجود أصل صدر فيه حكم حدده نص. 3 - وجود علة دات معنى جامع تبرر استيعاب القضية الفرعية مع القضية الأصلية. هذه (العلامة) التى تجيز المعرفة بأن الحكم من النص من الممكن أن يُطبق فى قضية ليست مُتصوَّرة فى هذه الأطراف. وبمجرد أن يُعرف هذا المبرر، يقوم القاضى، متصرفا بالتشابه الجزئى، بتطبيق القانون الباحث فى القضية التى يرى فيها سببًا مشابها للنطق بالحكم وهذا هو (التعليل). 4 - وأخيرًا، نتيجة تطبق على القضية الفرعية. من وجهة النظر الشكلية، نستطيع أن نميز عدة أشكال للقياس:

المصادر

(أ) قياس العلة أو قياس الدلالة الذى يتألف عند الجمع من القضية الأصلية مع القضية الفرعية بمساعدة العلة والأهليات التى تستلزمها الأخيرة. (ب) قياس الشبه وهو قياس بواسطة "تشابه بسيط"، من غير دلائل جامعة. (جـ) قياس الطرد، وهو متساو فى الامتداد مع قياس العلة وهو يخالف قياس العكس. وهكذا يبدو لنا القياس الشرعى مع الإجماع أنه أصبح مقياسا فعالا جازمًا لتفسير وتأويل التشريع الإسلامى. وهو يتيح إصدار أحكام جديدة. لكن إلى الحد الذى تستبعد فيه عملية الاستدلال إمكانية اللجوء إلى معايير منطقية، فإن القياس الشرعى عمومًا يعتمد أساسًا على الرأى الشخصى، ولهذا السبب فهو محدود فى مجاله. من هذه النتائج نجد أن الحاجة ماسة لأن نلجأ فى حالات معينة إلى طرق أخرى للاستدلال مثل: الاستحسان أو الاستصبلاح -أى ما يعرف بالمصالح المرسلة- أو إلى غيرهما من الطرق. وفى العصر الحديث، فإن نظرية القياس قد طبقت عمليا فى مختلف المذاهب التى تبنتها وفقا للمذهب الحنفى. وبسبب الدور الرئيسى والمجهود الذاتى للمذهب الحنفى فإن المجتهد الحديث شغوف باستخراج النماذج التى تمكنه من استخراج أحكام جديدة، وتاريخيا فإن الأهمية الممنوحة بالإجماع للحنفية تبحث عن حقيقة اتباع العثمانيين لحكام السلاجقة فى جعل هذا المذهب المذهب الرسمى للدولة. ولقد ساد هذا النفوذ قطاعًا كبيرًا من العالم الإسلامى، مما كان له التأثير فى أن يكون المذهب الحنفى هو المذهب الرئيسى فى عدد من الأقطار التى يتبع أفرادها مذاهب أخرى مثل مصر، والسودان، والأردن، وفلسطين، ولبنان وسوريا. المصادر: (1) الأصول، مخطوطة بدار الكتب المصرية، رقم 329. (2) الصيمرى: مسائل الاختلاف فى أصول الفقه.

القياس فى النحو (اللغة)

(3) الدابوسى: نظرية القياس عند الأحناف. (4) L.Milliot: Introductin a LEetude du droit musulman, paris 1953 القياس فى النحو (اللغة): تشير كلمة القياس فى النحو إلى الأداة التى تمكن عالم القواعد بتقصى حالة الشكل للكلمة أو التركيب، حيث يكون ذلك غير وارد ومعروف فى النقل أو السمع، على أساس حالة معروفة لكلمة أخرى، بطريقة ما من طرق الاستدلال، فتكون بذلك مترادفة بالقياس. وكلمة القياس ثابتة تماما فى كتاب سيبويه. ولكن سيبويه لم يحدد القياس ولكنه قال إنه من الممكن أن يكون (رادعًا) وأن يكون (لازمًا). ويشير استخدامه لتعبير "على القياس" إلى "وفقا للقاعدة، وعاديًا". ولقد كان عالم اللغة المعتزلى "الرمانى" (ت 384 هـ/ 994 م) هو الذى زودنا بأول تحديد للاسم فى كتابه "الحدود"، حيث قال: "القياس جامع لشيئين، لذلك تتطلب النتائج اتحادهما فى الحكم". ولقد خصص ابن جنِّى (ت 392 هـ/ 1002 م) للقياس خمسة فصول فى كتابه "الخصائص". وقد أكد على أن العرب أحبوا (التجانس) والتشابه وذلك قادهم إلى استيعاب الأشياء التى يتلاحم بعضها مع البعض الآخر، وحمل الفرع على الأصل، ولقد علق على أن ميل العرب للتشابه يقودهم فى بعض الأحيان لتتبع الشئ الأصلى من الشئ الثانوى، فيصبح بذلك الشئ النادر "قاعدة"، بينما لا يكون الشئ العام كذلك. أما بخصوص الحلقات بين "القاعدة" و"الاستعمال"، فيميز ابن جنِّى أربع حالات: 1 - المعترض. 2 - ذلك المعمم وفقًا للقاعدة. 3 - وذلك المعمم وفقًا للعُرف والعادة. 4 - ذلك المستثنى من القاعدة والعُرف. وفى كتاب "اللمع العادلة فى أصول النحو" لابن الأنبارى (ت 577 هـ/ 1181 م) يخضع ابن الأنبارى القياس لاختبار مطول. وهو يعتبر أنه من

المصادر

المستحيل العمل بدونه فى قواعد اللغة، طالما أن الأخيرة قد حددت بأنها علم (المقاييس) المستنبطة من استقراء اللغة العربية. ولقد وصفه بالعلم الذى يستخرج الجزء من الكل بالعلة التى تتطلب تطبيق مبدأ الكل على الجزء. ولقد ميّز ثلاثة أنواع للقياس، وفقًا لأركانه. 1 - العلة التى ترتبط بالأصل. 2 - الشبه دون العلة. 3 - الطرد. ولقد صنّف السيوطى (ت 911 هـ/ 1505 م) كل المادة المتصلة بالقياس التى أمدنا بها اللغويون السابقون. ولقد قسّم دراسته إلى ثلاثة أجزاء: 1 - الأصل المقيس عليه. 2 - المُقاس الأصل. 3 - العلة الجامعة. وأخيرًا، يجب أن نذكر، أننا فى كتاب "الرد على النحاة" للظاهرى، نجد عالم اللغة ابن مَضاء القرطبى (ت 592 هـ/ 1196 م) قد عارض فى استخدام القياس فى قواعد اللغة وطالب بإبطاله. المصادر: (1) سيبويه: الكتاب. (2) ابن الأنبارى: اللمع العادلة فى أصول النحو. (3) السيوطى: الاختراع فى أصول النحو. د. عطية القوصى [ج. تروبو G. Troupeau] مراجعة: د. محمد الشحات الجندى القيافة هى علم الفراسة واقتفاء الأثر على الأرض. ولقد حذق العرب فى هذا العلم، من خلال اهتمامهم بنقاء الأجناس وصحة الأنساب، وأتاح لهم ذلك التثبت من سلسلة النسب. ولقد تأسست هذه المهارة عندهم فى جزء منها بسبب عامل الخبرة والتجربة وفى جانب آخر من خلال العرافة والرجم بالغيب. وفى العصور البدائية، حذق بعض الأشخاص المميزين هذا الأمر: لكن فى فترات الانحطاط المتوالى، فى الجزيرة العربية قبل الإسلام، أدى وجود أشخاص حاذقين فى أمور التنبؤ إلى تراكم خبرات جعلت منهم كهنة لكن

كان هنالك أيضا العديد من الأشخاص المهرة فى مجال هذا النشاط لم يكونوا بالضرورة كهنة. ولقد غرفت القبائل بممارستها لهذا الفن (بنو مدلج، خثعم وخزاعة). والقيافة، التى هى أصل الفراسة الإسلامية تشتمل على فرعين: 1 - قيافة البشر، هى التى هدفها الكشف عن سلسلة النسب بين الطفل غير المعروف الأب وبين أبيه المفترض بقصد شرعيته. وعلى هذا النحو وبفضل القيافة، أجبر معاوية على أن يعترف، بزياد ين أبيه أخًا له. ويقوم أساس القيافة على ضرورة التشابه بين الابن والأب. وتستخدم بعض أجزاء الجسم كنقاط للرجوع إليها، وبخاصة باطن القدم، لأنه، فى معظم الحالات، يكون للولد نفس قدم والده (المسعودى، مروج الذهب، جـ 3، ص 338). لكن نقاط التشابه هذه لا تكون على الدوام واضحة، والكشف عنها يتطلب مهارة فائقة وذاكرة قوية (الرازى، الفراسة، ص 13). ولقد أسهمت العين الحادة الفاحصة للبدوى فى حذق العرب لهذا الفن. 2 - قيافة الأثر، تعتبر القدرة على الملاحظة الدقيقة التى يبديها العربى للعيان أمرًا بارزًا فى مجرى حياته. ويسمح له تقصى الأثر أن يجد حيوانا شاردا، أو زعيما هاربا، أو طريقا مفقودا، وغير ذلك، فهو يميز أثر أقدام الرجل عن أثر أقدام المرأة، وأقدام الشباب من العجائز، وأثر اقدام الرجل الأبيض من أثر أقدام الزنجى، وأثر أقدام الغرباء من أثر أقدام السكان المقيمين المحليين. وهو يستطيع أيضا أن يخبر إذا ما كانت المرأة عذراء أم غير ذلك. هذه القدرة المدهشة على الملاحظة والاستدلال امتدت إلى سلوك الحيوانات. وتفسر أسطورة أبناء نزار فى كل نقاطها، من آثار الجمل، وهم فى طريقهم، وأصل العسل، واللحم المشوى والنبيذ الذى قدمه مضيفهم لهم (المسعودى، مروج الذهب، جـ 3، ص 228)، كل ذلك تصوير محكم للتدقيق والاهتمام بالتفاصيل التى تستخدم فى

أهم المصادر

القيافة من حيث التدقيق فى الحقائق التافهة للغاية. وكقوة روحية تفوق الذكاء البشرى، فإن القيافة تحتفظ، منذ فترة ما قبل الإسلام، بخاصية مقدسة تؤكد بقاءها، كدليل شرعى، فى الأمور التشريعية المتصلة بإقرار أبوة طفل ولدته جارية (ابن القيم الجوزية، الطرق الحكمية، ص 195 - 213). ولقد كان شريح العاصى الشهير قيافا، ولقد كتب الشافعى رسالة فى علم القيافة (حاجى خليفة، مخطوطة رقم 452، السليمانية، بالتركية). ونتيجة للبداوة وحياة الترحال وبيئة الصحراء التى سادت تحت ظروف مختلفة كثيرة، فقدت قيافة الأثر فى الواقع بعضا من علة وجودها فى المدينة الإسلامية، حيث تغلبت عليها الفراسة التى تطورت بعد ذلك تطورا كبيرا. أهم المصادر: (1) T.Fahd: La divination arabe Leiden 1966,p.370 - 8 (2) Y.Mourad: La physiognomie arabe et le K. al. fiasa de Fakhr ad-Din ar-RBzi. Paris 1939 (3) المسعودى: مروج الذهب، جـ 3، ص 33 - 38. د. عطية القوصى [ت. فهد Fahd] القيامة هى حركة البعث، والنشور. ولقد استعمل الأصل قَ وَمَ بكثرة فى لغة القرآن الكريم. وتكررت كلمة القيامة فيه سبعين مرة، وبخاصة تعبير "يوم القيامة". وتأتى القيامة بعد الفناء المطلق لكل الكائنات والمخلوقات، ويتبعها "يوم الدين". حيث تكون الساعة، والساعة هى يوم القيامة "يوم الدين"، وهى من الاعتقادات الضرورية التى تحدد مضمون عقيدة المسلم. ومن المعروف أن كلمة "النشور" فى القرآن هى كلمة مرادفة للقيامة. وتعالج أعمال علم الكلام والفلسفة كل موضوع الإيمان بالبعث والحساب تحت عنوان عام وهو "الميعاد"، وهى كلمة تظهر لمرة واحدة فى القرآن الكريم (القصص: 85) بالمفهوم العام لكلمة "مكان العودة". ومن هذا المنطلق فإن فكرة البعث والنشور غالبًا ما يعبر عنها، فى

المناقشات العلمية، بالميعاد. ومن الممكن أن نضيف بأنه سوف يكون من غير الملائم أن نتعامل مع يوم الحساب (الدينونة) كما هو وبشكلياته، أو مع الثواب والعقاب فى الآخرة تحت لفظ القيامة. فى هذه الحالة، تحتاج هذه المقالة أن تزود بمواد خاصة عن الحساب، والميعاد، والساعة ويوم الدين. وسوف نحصر أنفسنا هنا بالنظر فى: 1 - تعاقب أحداث البعث والحساب التى تتبع وتصاحب البعث. 2 - البراهين القرآنية التى تثبت احتمال وقوعها. 3 - خلفية وجهات النظر فى المسائل الفلسفية والدينية التى نجمت عنها. 1 - تعاقب أحداث البعث والحساب: (أ) دلائل النبوة: البعث سوف يسبقه نهاية العالم، "بالفناء". والسُور المكية ملحة على ذلك. وهنالك "علامات" وسوف تنبئ عن النهاية؛ فسوف تزلزل الأرض زلزالها وسوف تخرج أثقالها {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا} (الزلزلة: 1 - 2)؛ وسوف تنشق السماء، وسوف تنتثر الكواكب، وسوف تمور البحار، وسوف تتقلب القبور (الانفطار: 1 - 4؛ التكوير، 1 - 14؛ وخاصة سورة الواقعة: 1 - 6؛ وغيرها)، وسوف تطير وتنتثر الجبال وتصبح {كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ} (القارعة: هـ). ويقدم لنا صحيح مسلم (جـ 8، ص 179) قائمة مرتبة لهذه "العلامات". ويورد النسفى، خمسة علامات منها، ويعدد تفسير التفتازانى عشر علامات "عظمى". (ب) الفناء: فى ذلك اليوم {يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ (6) تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ} (النازعات: 6 - 7). هذه "الراجفة" سوف تكون "صوت الناقور" {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ (8) فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ} (المدثر: 8 - 9)، الذى وفقا لرواية الحديث سوف يدق بواسطة الملاك إسرافيل. ثم لا يتبقى بعد دقه أى مخلوق حى - {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ. . .} (العنكبوت: 57) {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} وسوف يكون ذلك الفناء النهائى، حيث يظل ولا يبقى إلا اللَّه الواحد القهار، لأن كل شئ هالك

إلا وجهه {هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} (القصص: 88). ومع مرور الزمن، خفت صورة هذا الفناء الكامل. فمن تفسير لآخر، ازداد عدد الخلائق التى سوف تفلت من الفناء وتنجو منه: وليس ذلك لأنها زودت بخلود طبيعى، ولكن "بحكم البقاء"، الذى سوف يمنحه اللَّه لهم (هنالك قائمة بهؤلاء الأشخاص والكائنات موجودة فى كتاب: L.Gardet: Les Brands problemes de Ia musubnane - Dieu et la destinee theologie de l'ho,nme, paris 1967, p. 264 - 6 (جـ) البعث: عندما تقع الصيحة الثانية، سوف يُبعث الخلق من الفناء الأكبر وتعود الأرواح إلى أجسادهم ويبعثون من جديد فى يوم النشور {يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ} (ق: 42). وهنالك تشديد دائم يقع على بغتة هذه "العودة" للحياة. فالبعث هو القيام، والعبور السريع، دون تحديد لزمن، من العدم إلى الحياة. (د) الحشر: اللَّه تعالى هو الذى سوف يحشر الخلق، {يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ} (ق: 44)، {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ. .} (الحشر: 2). {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ. .} (يونس: 45). {يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا} (مريم: 85). {. . . وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا} (طه: 102) {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ. .} (الفرقان: 17). وسوف يُحشر الناس والجن والشياطين {فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا} (مريم: 68). وسوف يحشر الملائكة (سبأ: 40) وسوف يكون ذلك يوم الجمع للعالم. كذلك يؤخذ فى الاعتبار، أن هنالك من سوف ينجو من الفناء برحمة من اللَّه؛ حتى، وفقا لما يقول النووى، بهيمة الأنعام والحيوانات المتوحشة وسوف يكون ذلك اليوم هو يوم الموقف وانتظار الحساب. وتذكر بعض الأحاديث أن أول من "سيبعث" ويصل للمحشر سوف يكون نبى الإسلام. ووفقا لمعظم الاعتقادات

السائدة، فإن الأنبياء، والملائكة، والأبرار سوف يجنبون أهوال الموقف. لكن البشر عموما "سوف يعرقون ويعذبون" وسوف يغرقون فى عرقهم، الذى "سيلجمهم"، مثل ألجمة الخيل (انظر، الغزالى: إحياء علوم الدين، القاهرة 1352 هـ/ 1933 م، جـ 4، ص 436 - 7). ويجب أن نشير أن معتقدات الشيعة تشير إلى أول "المبعوثين" بعد فناء العالم والبعث والحشر، وتدعى أنهم سوف يكونون أولئك الأبرار الذين اتبعوا "مهدى" آخر الزمان. وهى عندهم "الرجعة"، ولقد أصر الرافضة على ذلك فى القرون الأولى للإسلام. واستمر هذا الاعتقاد قائما ليصبح واحدا من نظريات الإمامة، وارتبط "بعودة" الامام الثانى عشر محمد المهدى "الإمام الغائب"، الذى بعودته ستقوم القيامة. ولقد عارض المعتزلة فى ذلك رأى الرافضة وكذلك الأشاعرة. وهنالك براهين قرآنية تؤكد البعث، من الممكن أن نجمعها فى ثلاثة موضوعات: أ) المقارنة الثابتة للخلق بالبعث، الذى يبدو فى حد ذاته "خلق جديد" {وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا} الإسراء: 49؛ {وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ. . .}، الكهف: 48؛ {. . . كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ} الأنبياء: 104، وغير ذلك. أو يبدو كخلق ثان، فى قوله تعالى: {وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى} النجم: 47. وهو القدرة الخالقة للَّه إجابة لأولئك المشككين فى قدرته تعالى على البعث: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ} الحج: 5. وأن الخلق الثانى أهون عند اللَّه {أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} العنكبوت: 19, {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ. .} الروم: 27. وهو الذى خلق الإنسان فأحسن خلقه (القيامة: 38). {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} القيامة: 40. ب) "العلامة" الثانية للبعث هى تشابهه بإنتاج الخضروات والفاكهة،

وإحياء التربة بالماء {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِ الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} فصلت: 39. {وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ} فاطر: 9. {إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ. .} الأنعام: 95. {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ} الروم: 19. {. . . كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} الأعراف: 57. ولقد شُبه القيام بعد الموت بنشور النهار الذى يعقب الليل: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا} الفرقان: 47. جـ) وأخيرا مقارنته، بأمثلة معجزات إحياء الموتى بإذن اللَّه: {كَذَلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} البقرة: 73. {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ. .} البقرة: 259. وهنالك بعض المسائل التى طرحت بصدد البعث فى علم "العقائد" أثارها بعض الفلاسفة، ليس فى كتاب تهافت الغزالى فحسب، ولكن فى كتاب "المعاد" فى علم الكلام. من هذه المسائل: (أ) مسألة عذاب القبر. وأول هذه الأسئلة فى هذا الخصوص هى: هل هنالك بعث للنفس أو الروح فى القبر؟ وهل سيكون البعث بالجسد فقط، أو بالجسد والروح أو بالروح فحسب، والقرآن لا يتحدث بصراحة عن إحياء الروح أو النفس بعد الموت فى القبر. فالإنسان يموت، وبعد ذلك يعود للحياة يوم القيامة. وهنالك ثلاثة نصوص فى القرآن {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ. . .} غافر: 46، {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} آل عمران: 119، قد قدمها المتكلمون كشاهد على عذاب القبر، كذلك على النعيم الذى سينعم به الأبرار فى القبر. وإضافة لهذه الآيات فهنالك أحاديث

كثيرة صحيحة تؤكد ذلك. وعذاب القبر ذكر فى غالبية كتب الفقه المعتمدة، لكن الأشاعرة يتهمون المعتزلة بإنكاره. لكن عبد الجبار، على العكس يؤكده فى كتابه "شرح الأصول الخمسة". ويرى المؤمنون بعذاب القبر، أنه بعد هذا العذاب يموت الإنسان للمرة الثانية حتى يوم البعث. كذلك يؤمن هؤلاء بأن الأنبياء والشهداء الذين ماتوا مجاهدين فى سبيل اللَّه وقاتلوا وقتلوا معفون من عذاب القبر. (ب) رأى الفلاسفة فى عذاب القبر: لا يقبل الفلاسفة عموما مسألة عذاب القبر إلا قبولا مجازيا. فهم يرون، وفى مقدمتهم ابن سينا، أن عذاب الروح مخالف لعذاب الجسد وهو يكون بحرمان لحاقها بعالم الملائكة الأعلى حيث توجد السعادة الكاملة والرونق الكامل البهاء. والفيلسوف أبو يوسف يعقوب الكندى هو الوحيد من الفلاسفة الذى أقر ببعث الجسد فى القبر وإمكانية تعذيبه، وأقر بذلك كل الشواهد القرآنية فى هذا الخصوص. ولقد أقر الغزالى فى كتابه "تهافت الفلاسفة" أمر بعث الجسد فى القبر ولام على الفلاسفة إنكار ذلك فى كتابه وإنكار تعاليم القرآن الكريم بصدد البعث. (جـ) الردود والهجوم على تفسير المتكلمين: لقد كان "علم الكلام" مؤخرًا يهتم بالحكم على الفلاسفة أكثر بواسطة موقفهم من الأحكام الخفية لابن سينا عن مدى احترامهم للتشريع الدينى. وعندما يورد الجرجانى قائمة بالاتجاهات المختلفة التى طُبقت أو كان من الممكن تطبيقها، فهو يبدو أنه يماثل الفلاسفة الذين يتقبلون فقط "الرجوع"، فى المعنى الموجود فى اعتقاد أرسطو الكاذب. بينما يرى المحققون "مثل الحليمى أو الغزالى، صاحب المعاد"، أن البعث يكون بالجسد والروح. ففى هذا المجال دار علم الكلام ليثبت حقيقة العودة والحشر ودراسة ظروفهما. ولا نستطيع أن نتتبع بالتفصيل كل سلسلة نقاشهم فى هذا الموضوع ولكن لنا بعض التعليقات بخصوصها وهى: 1 - من باب الفضول فحسب، يعلن فخر الدين الرازى (المحصل، ص 170)

المصادر

أن كل الأنبياء السابقين بشروا فقط "بالبعث الروحى"، وأن القرآن الكريم قد نادى ببعث الجسد. ولقد قرر معارضة الإمام الشيعى نصر الدين الطوسى زيادة على ذلك بأن الإنجيل لم يبشر ببعث الجسد، واستشهد فى ذلك بإنجيل متى. ويبدو أن ابن رشد كانت عنده معلومات طيبة عن اليهود والنصارى. 2 - فى تهافت الفلاسفة للغزالى، نجده يسلم برأى معارضيه، لكنه يقول بأن بعث الجسد ممكن مع ذلك، وأنه سوف يحدث طالما أن التشريع أنبأنا بذلك. 3 - هنالك ردود كثيرة أدلى بها المعتزلة فى علم الكلام حول بعث الجسد والروح وعن النشور بعد الفناء، ردوا بها على الفلاسفة. وفى معظم هذه الردود ظهرت حقيقة بعث الجسد والروح. المصادر: (1) القرآن الكريم. (2) صحيح البخارى ومسلم. (3) الجرجانى: شرح الموقف، القاهرة 1325 هـ/ 1907 م. (4) الغزالى: تهافت الفلاسفة، بيروت 1927 م. (5) L.Gardet: Les grands problemes theologie niusulruane - Dieu el la de la deslinee de l'homme. Paris 1967 د. عطية القوصى [د. جارديه L. Gardet] القيثارة آلة موسيقية من عائلة آلات الطرب الشعبية. ظهرت أول ما ظهرت فى الكتابات العربية عن الموسيقى فى القرن الثالث الهجرى/ التاسع الميلادى فى الإشارة إلى آلة يونانية من نفس النوع. وقد صُنعت من صندوق رنان قائم الزوايا فزخرف، مع دعامتين عموديتين مثبتتين معا برباط وأوتار تتحرك بحرية فى أقصى عرض لها. ولقد تحدث ابن خرداذبة فى كتابه "اللهو" والمسعودى فى كتابه "مروج الذهب" عن القيثارة البيزنطية، وهى الربابة، وهى مصنوعة من الخشب وبها خمسة أوتار، كذلك ذكر أن عندهم قيثارة باثنى عشر وترًا. وكتب الخوارزمى فى كتابه "مفاتيح العلوم" أن "الطنبور" هو الصنج (المعزف) عند

المصادر

اليونان، وأن القيثارة أحد آلاتهم، وهى تشبه الطنبور (عود برقبة طويلة). ويتوافق التطابق بين الآلتين فى المصادر مع الحقيقة، لأن الطنبور والقيثارة هما شكلان دارجان لنفس نوع الآلة منذ العصور القديمة حتى القرون الأولى للإسلام. ولقد كان الطنبور آلة صغيرة يعزف عليها المبتدئون والهواة، بينما القيثارة آلة للمحترفين الذين استعملوها فى الفترة الإسلامية للفت الأنظار وإظهار البراعة الفنية. ويبدو، أنه فى فترة متأخرة، أطلق لفظ قيثارة ليشير إلى آلة مختلفة، وهى الجيتار، وقد حدث ذلك فى كتاب (المتع والانتفاع)، حيث ورد اسم الجيتار ضمن 32 آلة وُضعت فى الفصل الثانى من هذا الكتاب. المصادر: (1) ابن خرداذبة: كتاب اللهو. (2) الخوارزمى: مفاتيح العلوم. (3) المسعودى: مروج الذهب ومعادن الجوهر. د. عطية القوصى [أ. شيلوه A. Shiloah] القيروان تقع مدينة القيروان فى الوسط من تونس على بعد 156 كم من العاصمة تونس وعلى بعد 156 كم من سوسة وترتفع عن سطح البحر بنحو 60 م. وتشغل مساحة تقدر بنحو 680.000 هكتار. بلغ عدد سكانها حسب تعداد 1956 م أربعة وثلاثين ألف نسمة ولم يلبث أن زاد فبلغ سبعة وأربعين ألفا حسب التعداد الذى أجرى فى 3 مايو 1966 م ثم أصبح ستا وخمسين ألف نسمة فى عام 1972 م. أما عن درجات الحرارة فتتراوح من بضع درجات تحت الصفر فى فصل الشتاء إلى 40 درجة مئوية وأكثر فى فصل الصيف، كما تختلف كمية الأمطار من سنة إلى أخرى ما بين جفاف وفيضانات مدمرة، ولذا شرعت الحكومة فى بناء سد فى وادى زَرُود حيث سيقوم بتخزين 80.000 متر مكعب من المياه، وكذلك سد آخر فى وادى مِرْجلل وهذا من شأنه أن

يقلل من أخطار الفيضانات من جهة ويزيد الرقعة الزراعية من جهة ثانية والتى تقدر فى الوقت الحالى بما يربو على 14.000 هكتار ولكن لم يستصلح منها فى الواقع سوى 8.000 فحسب. إن مدينة القيروان تعنى عناية فائقة بالنشاط الزراعى الذى تقدم تقدما ملحوظا خلال العقدين الأخيرين نتيجة للجهود الكبيرة التى بُذلت، وعلى الجانب الآخر فإن القطاع الصناعى ما زال فى مرحلة النمو، وهو إن كان يضم حوالى عشر مؤسسات صغيرة حيث يعمل حوالى ألف عامل إلا أنه يبدو أن هذا القطاع لن يتوسع أكثر من ذلك. وعلى النقيض نجد أن القطاع الحرفى لا يزال يحتل مكان الصدارة فى أنشطة المدينة. وتوفر أعمال الخشب والنحاس وصناعة المجوهرات والمصابيح والمصافى فضلا عن صناعة النسيج والصباغة التقليدية [أى الموروثة] فرص عمل لحوالى 1200 صانع، كذلك تشتهر القيروان بصناعة السجاجيد، وقد تم مؤخرا إنشاء المكتب الوطنى للصناعات الحرفية والذى يختص بتاهيل الإناث العاملات فى الورش، وبالرغم من ذلك فإن هذه المؤسسات غير قادرة على توفير فرص العمل على نطاق واسع بسبب ارتفاع معدل المواليد. وتتكون مدينة القيروان من الحى الوطنى [الشعبى] بشوارعه الضيقة المتعرجة وأسواقه التى لازالت تحتفظ بنفس مظاهر القرن الثامن عشر، كما أن هذا الحى لا يزال محاطا بالأسوار المتؤجة بشرافات، وقد بنيت هذه الأسوار بالآجر المتين ويتخللها على مسافات دعامات مستديرة، ويبلغ طولها [أى الأسوار] أكثر من 3 كم بقليل. وتوجد فى الشرق والشمال الشرقى ضاحيتا جِبلية وذلاس، أما المدينة الحديثة فتقع فى الجنوب بين باب الجلادين (الذى سمى بعد الاستقلال بباب الشهداء، وهو المؤدى إلى الحى الشعبى) وبين محطة السكة الحديد، وتوجد هنا [أى فى المدينة الحديثة] الخدمات الإدارية والبنوك والفنادق وغير ذلك.

1 - التأسيس

وقد بنى فى الشرق حى للطبقة العاملة يعرف بحى سيدى سحنون كذلك بنى حى آخر وهو عبارة عن مجموعة من 400 فيللا تخص الطبقات الأعلى ويعرف باسم "المنصورة". وإذا استثنينا الجامع الكبير (أى جامع القيروان الشهير) فإن "جامع الثلاثة بيبان" يعد واحدا من الآثار الرئيسية فى المدينة والذى تعتبر واجهته نمودجا رائعا للعمارة فى عصر الأغالبة، وقد أمر بإنشاء هذا الجامع محمد بن خيرون المعافرى الأندلسى فى سنة 252 هـ/ 866 م, ولكن حدثت به بعض التغييرات فى القرن 9 هـ/ 15 م. ومن الآثار الأخرى الصهريج الأغلبى [خزان أو ماجل وكان يوجد بالقيروان 15 ماجلا على نحو ما ذكر البكرى] وهو قائم عند باب تونس، كما توجد زاوية سيدى عبيد الغريانى من القرن 8 هـ/ 14 م وزاوية سيدى الصاحب التى كانت فى الأصل ضريحا بسيطا شديد القدم يضم رفاة أحد صحابة الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وهو أبو زمعة * البلوى، وفى نفس الموضع أمر حموده بك المرادى ببناء المبنى الحالى فى القرن الحادى عشر الهجرى (17 م) وكذلك زاوية سيدى عمر عبادة التى بنيت فى القرن 19 م. 1 - التأسيس إن الفتوحات العربية، التى بلغت ذروتها فى فتح الأملاك البيزنطية، حرصت فى البداية على تجنب الطريق الساحلى. وقد دخل الفاتحون البلاد عن طريق منطقة قسطيلية ومن هناك حاولوا الوصول إلى منتصف البلاد وشمالها تجنبا منهم للمرور بالساحل الشرقى وذلك لعدم خبرتهم فى فنون البحر كما تجنبوا كذلك الجبال فى الغرب التى يخشى منها دائما من الكمائن ¬

_ (*) أبو زمعة البلوى واسمه عبيد بن أرقم، كان ممن بايعوا بيعة الرضوان ذات الأثر الكبير فى مسيرة الإسلام، وكان مقيما بمصر ثم رحل عنها إلى أفريقية فى غزوة معاوية بن خديج، وكان قد أمر أن يسووا قبره هناك فدفن فى ما عرف بالبلوية فى القيروان، انظر الإصابة لابن محمد، وأسد الغابة لابن الأثير. [د. حسن حبشى]

والهجمات المفاجئة ولذلك فإنه لم يكن هناك أى بديل سوى هذا الممر، أى ممر القيروان، الذى ينتهى فى منطقة قمونية. وهذه المدينة [أى القيروان]، كانت فى الأصل قاعدة حربية، وكان الغرض من إنشائها أن تكون مركز دفاع عن البلد وسدا فى وجه المناورات القتالية التى يقوم بها الفاتحون. ويعزى تأسيس هذه المدينة إلى عقبة ابن نافع، ولكن الواقع هو أن تأسيسها سار فى عدة مراحل وساهم فيه العديد من القادة العسكريين. وبادئ ذى بدء نذكر أن واقعة سبيطلة (27 هـ/ 647 - 648 م) كانت سببا فى وقوع الأملاك البيزنطية فى يد عبد اللَّه بن سعد بن أبى السرح حيث تقهقر الروم إلى خط دفاعهم الثانى للدفاع عن مركز قيادتهم، وليس من المستحيل أو من غير المحتمل أن يقوم الفاتحون فى هذه المناسبة بشن غارات فى منطقة القيروان حين فرضوا ضرائب باهظة يجبونها من الأهالى [يقدرها البعض بألفى ألف وخمسمائة دينار فى حين يقدره البعض الآخر بثلاثمائة قنطار من الذهب]. ويشير ابن ناجى [معالم الإيمان فى معرفة أهل القيروان، والصحيح أن هذا الكتاب للدباغ المتوفى 696 هـ مع تعليقات لابن ناجى المتوفى 837 هـ] إلى أن هناك مسجدًا بالقيروان يعرف بمسجد ابن أبى السرح يبدو أنه بناه تخليدًا لرحلته البحرية. وبدأت الأحداث بعد ذلك تتبلور عندما قام معاوية بن خديج بثلاث حملات متتالية على إفريقية فى أعوام 34 هـ/ 654 - 655 م، 41 هـ/ 661 - 662 م، 45 هـ/ 665 م. وقد سلك ابن خديج فى حملاته الثلاث نفس الطريق الذى سلكه قبل ابن أبى السرح وهو الطريق الذى ينتهى عند قمونية أو القيروان حيث ضرب معسكره هناك. ويذكر ابن عبد الحكم (فتوح مصر والمغرب) أن ابن خديج قد استولى على حصون عديدة وغنم مغانم كثيرة كما أقام قيروانا قرب "القرن"، ويشير ابن عذارى (فى البيان المغرب) إلى أن هذا التأسيس كان فى

سنة 41 هـ/ 661 - 662 م. ويضيف المالكى (فى رياض النفوس) فيذكر أن ابن خديج قد "اختط مدينة عند القرن قبل تأسيس عقبة للقيروان وأقام بها مدة إقامته بإفريقيه. . . ". ويقرر (ابن ناجى) أن ابن خديج قام ببناء دور فى منطقة القرن وذلك عند عودته إلى قمونية وأطلق عليها اسم القيروان فى موضع كان غير مسكون ولا معمور (معالم الإيمان). وترجع تسمية هذا المكان بالقرن إلى تضاريسه، ومن المحتمل أن تلك التسمية تشير إلى التل الذى يبلغا ارتفاعه 171 م والذى يعرف الآن باسم بطن القرن والذى يقع فى منطقة سياحية على بعد 12 كم شمال شرقى مدينة القيروان على الطريق المؤدى إلى جلولاء. ويرجع السبب الرئيسى لتأسيس مدينة القيروان إلى ارتفاع موقعها مما يوفر لها الحماية من الهجمات المفاجئة وأخطار الفيضانات. ولم يُقَدَّر للقيروان التى أسسها ابن خديج أن تلعب دورها كعاصمة لإفريقية ولكنها لم تدمر مرة أخرى، ومع ذلك فإنه عندما قدر لها أن تصبح عاصمة لم تعد تسمى باسم القرن. وفى عام 124 هـ/ 742 م قام حنظلة بن صفوان والى إفريقية بضرب عكاشة الخارجى هناك، وقد ذكرت القرن مرة أخرى فى نهاية القرن الثانى للهجرة (بداية القرن 8 م) وبعد ذلك اختفت كل معالمها ولم يذكرها كل من البكرى والإدريسى، أما ياقوت الحموى (معجم البلدان) فأشار إلى القرن على أنها مجرد جبل فى إفريقية. وفى عام 50 هـ/ 670 م قام معاوية مؤسس الدولة الأموية بإقرار ابن خديج فى ولايته لمصر ولكنه انتزع منه ولاية إفريقية وأقرها لعقبة بن نافع. ولم يكن عقبة راضيا عن القيروان التى اختطها سلفه معاوية بن خديج وتتفق أغلب المصادر التاريخية (ومنها فتوح مصر والمغرب لابن عبد الحكم ورياض النفوس للمالكى والبيان المغرب لابن عذارى ومعالم الإيمان لابن ناجى) على أن عقبة خرج ومعه جمع من

الناس من بينهم عدد كبير من الصحابة [رضوان اللَّه عليهم] للبحث عن موقع جديد للمدينة حتى أتى موضع القيروان الحالية وكان واديا كثير الشجر، كثير القطف، تأوى إليه الوحوش والسباع والهوام. . . وركز رمحه وقال: "هذا قيروانكم. . . ". وهكذا تم اختيار موقع المدينة الجديدة، وبادر عقبة على الفور ببناء الجامع ودار الإمارة، وقد قضى عقبة السنوات الخمس من ولايته الأولى فى الإشراف على البناء. وجاء بعد عقبة أبو المهاجر دينار [55 - 62 هـ/ 674 - 681 م] الذى "نزل خارجا عن المدينة وكره أن يترك الموضع الذى اختطه عقبة ومضى حتى خلفه بميلين، مما يلى طريق تونس، فاختط بها مدينة وأراد أن يكون له ذكرها وأخذ فى عمرانها وأمر الناس أن تحرق القيروان ويعمروا مدينته. . . " وأطلق على هذه المدينة الجديدة اسم "تَكِرْوان"، وقد كان اختيار هذا الموقع الجديد وإطلاق هذا الاسم البربرى عليها جزءًا من سياسة الدولة التى بدأها أبو المهاجر دينار للتقرب من زعماء البربر. ولم يرض الخليفة عن تلك السياسة ولذلك رد عقبة إلى ولايته مرة ثانية فى عام 62 هـ/ 681 م وكان أول عمل قام به هو إعادة العاصمة إلى الموقع الذى سبق أن اختاره، ومنذ ذلك الوقت لم يتغير موقعها بأى حال من الأحوال. ومن المؤكد أن موقع القيروان كانت تشغله من قبل مدينة رومانية أو بيزنطية إلا أنها قد اختفت، مثلها فى ذلك مثل العديد من المدن الأخرى، عقب الفتح الإسلامى، وقد أعاد العرب استخدام مواد البناء التى تخلفت عن تلك المدينة وكانت لا تزال بالموقع، ويمكن أن نشاهد أمثال هذه المواد المتنوعة فى الآثار الباقية فضلا عن المنازل الحديثة، وقد اكتشف بعض منها فى الجامع الكبير [جامع القيروان] خلال الترميم الحديثة التى أجريت بالجامع فيما بين عامى 1969 - 1972 م. ويوجد فى شمال القيروان مكان يعرف بالأصنام وذلك لوجود العديد من

التماثيل التى رآها الفاتحون، بل إن (البكرى) يقرر أن مكان سوق الدرب كانت تشغله كنيسة، كذلك تتفق أغلب المصادر (ابن عبد الحكم، المالكى، البكرى، ابن ناجى، ياقوت الحموى) على أنه كان يشغل موضع القيروان مدينة قديمة تعرف باسم قونية أو قمونية. وكان اختيار هذا الموقع لتقوم به القيروان مثارًا للجدل حيث يرى البعض أنه لم يكن هو الموقع الملائم للعاصمة ومن ثم فقد أسئ اختياره، ويأتى على رأس هؤلاء ابن خلدون ويشاركه نفس الرأى بعض العلماء المحدثين. والواقع أن هذا الموقع لم يساء اختياره كما يعتقد، فكما سبق القول فإنه كان يشغل هذا الموقع مدينة قديمة ولذلك فإنه عندما أسست المدينة لم تصبح كسهل واسع خال من الشجر، وعلى الرغم من عدم وجود تغير مفاجئ فى المناخ فإن المستوطنين قد تحولوا إليها بصورة جديرة بالاعتبار. ويقرر (ابن عذارى) أنه عند تأسيس المدينة أمر عقبة بإزالة الأشجار فى حين أنه فى القرن 4 هـ/ 10 م يقول (البكرى) "ومن عجائب القيروان إنهم يحتطبون الدهر من زيتونها ليس لهم محتطب غيره وأن ذلك لا يؤثر فى زيتونها ولا ينقص منه" كما أن التربة كانت غنية جدًا بسبب الطمى [الغرين] الخصب لكل من واديى زَرُود ومِرْجلل. ويكفى للتدليل عن حسن اختيار موقع المدينة من الإشاره إلى ما ذكره [كودل] بقوله "وكان اختيار المكان موفقا بل بلغ من التوفيق فى اختياره أن ولاة المغرب ومن خَلَفهم من الحكام المستقلين أقاموا بها زمانا طويلا، ولم ينتقلوا عنها إلا حينما اضطرتهم ظروف سياسية جديدة إلى ذلك، كما كان موقعها الحربى معروفا ملحوظ الأهمية: إذ كان الحاكم الذى يتخذ هذا الموضع مركزًا لأعماله يستطيع أن يرى العدو من بعيد ويتحرز من الغارات المفاجئة الكثيرة الحدوث عند البربر، وإذا أراد أن يطاردهم إلى هضابهم وجد الطريق مفتوحة أمامه إذ كان يستطيع بعد مسير بضع ساعات أن يصل إلى أعالى الهضاب عن طريق وادى زرود ووادى مِرْجِلل ومسالك

2 - التاريخ

جبل يارجو، ومن أعالى الهضاب كان يستطيع الإشراف على ما يجاورها فيتيسر له حكمها إذا كانت لديه القوة الكافية لذلك، كذلك كان فرسانه الخفاف قديرين على أن يقوموا بهذا النوع من أعمال الاستطلاع وبالغارات السريعة والحراسة الدائمة". وكانت المشكلة الرئيسية التى واجهت المدينة هى مشكلة إمدادها بالمياه، وقد تمكن الرومان من حلها قبل ذلك ومن بعدهم العرب، حيث يوجد على بعد بضعة أميال جنوب القيروان نظام لرفع المياه أطلق عليه اسم قصر الماء، وكان هذا النظام يعتمد على نقل المياه عبر قناطر [مجرى للماء مثل مجرى العيون الشهير بالقاهرة] تمتد لمسافة 33 كم وتعرف اليوم باسم دواميس. وتعتبر الآبار والصهاريج [المواجل] التى كانت تغذى كافة المساجد والبيوت من بين الإنجازات الهامة الكبرى لعصر الأغالبه. وقد أشاد كل الجغرافيين بخصوبة المنطقة حتى منتصف القرن الخامس هـ/ الحادى عشر الميلادى. وعموما فإن المنطقة التى اختيرت لبناء القيروان كانت -علاوة على أهميتها الاستراتيجية- عرضة للتطور لتوفير أساس اقتصادى كان يمكن أن يكون كافيا لتتحول المنطقة إلى مدينة كبيرة ولكن الخطأ البشرى وحده قد لعب دوره فى تحويل هذه المنطقة إلى صحراء. 2 - التاريخ لم تكد القيروان تؤسس حتى هجرت، إن كارثة "تَهُوذة" الواقعة جنوب بسكرة قد أودت بحياة عقبة بن نافع مؤسسها الأصلى وجميع أتباعه الذين قتلوا عن آخرهم. ومنذ ذلك الوقت بدأت الهجرة نحو الشرق، وقد أقام بها الغازى البربرى كسيلة واتخذها مقرا له، -لا سيما بعد أن هجرها جميع سكانها من العرب المسلمين- واتخذها عاصمة لمملكته التى لم تدم طويلا (64 - 69 هـ/ 684 - 689 م) وقام كل من زهير بن قيس البلوى وحسان بن النعمان بصفة خاصة باستعادة المدينة من جديد. وبدأ البربر فى تهديد عاصمة المغرب بعد مرور أربعة عقود من السلام، وفى عام

124 هـ/ 742 م كادت موجات الخوارج أن تجتاح المدينة ولكنها سرعان ما أنقذت بالنصرين غير المتوقعين وهما: نصر القرن والأصنام. وقامت وَرْفجومة [وهم من الخوارج الصفرية المتطرفة] فى عام 140 هـ/ 757 - 758 م بالاستيلاء على المدينة لمدة عام كما قاموا باغتيال العناصر القرشية بصفة خاصة. وقام أبو الخطاب الإباضى [عبد الأعلى بن السمح المعافرى] فى صفر من العام التالى (أى فى عام 141 هـ/ يوليه 758 م) بتحرير المدينة وأقر عبد الرحمن ابن رستم [الذى سيصبح مؤسس الدولة الرستمية فى تاهرت] واليا عليها ولكن ذلك لم يدم طويلا حيث قدم محمد بن الأشعث فى شهر جمادى الأولى 144 هـ أغسطس ونجح فى أن يعيد المدينة إلى حظيرة الشرق مرة أخرى [أى للخلافة العباسية] كما قام بتحصين المدينة بإشارة من الخليفة العباسى أبى جعفر المنصور، فسور المدينة لأول مرة بسور يحيط بها بدأ بناءه فى ذى القعدة 144 هـ/ فبراير 762 م وفرغ منه فى رجب 146 هـ/ سبتمبر - أكتوبر 673 م. ورغم كل هذه التدابير إلا أنها لم تنقذ المدينة من الاضطرابات، وفى عام 154 هـ/ 771 م اتحد كل من بربر الصفرية والإباضية وقاموا بحصار المدينة، فلما طال الحصار وقلت الأقوات وانعدمت المؤن قام أهل القيروان وأكلوا دوابهم وكلابهم وقططهم [وعند ابن عذارى: "وسنانيرهم"]. وتم اجتياح المدينة وأحرقت أبوابها وهدم سورها، ولم يلبث أن أرسل يزيد ابن حاتم المهلبى من الشرق على رأس قوات كبيرة للقضاء على وجود الخوارج بإفريقية، ولكن ظهر خطر آخر ألا وهو الجند حيث أصبحت القيروان مسرحا لمغامرات القادة العسكريين المتمردين. وقام إبراهيم الأول الأغلبى (184 - 196 هـ/ 800 - 812 م) فى عام 194 هـ/ 810 م بدك أسوار المدينة وإزالة بواباتها وذلك لمعاقبة أهل المدينة لتحالفهم مع متمردى الجيش ولكنه سرعان ما أعاد تحصينها من جديد.

كذلك قام أهل المدينة فى عام 209 هـ/ 824 م بفتح بواباتها لمنصور الطنبذى، وفى هذه المرة قام زيادة اللَّه الأول (201 - 223 هـ/ 817 - 838 م) بهدم أسوار المدينة وتسويتها بالأرض، وقد استطاع خلفاؤه من بعده أن يحكموا المدينة بسلام كامل حتى وصول الدعاية الشيعية التى أطلت برأسها فى إفريقية. وقام آخر أمراء الأغالبة [زيادة اللَّه الثالث 290 - 296 هـ] بترك عاصمته سرا بالليل. وساعد الحكم الفاطمى على ازدياد الشقة بين مدينة سيدى عقبة والقوى المحلية حيث فرض الهراطقة عليها سلطانهم دون منازع. وقام العامة بتأليب كتامة ضد التجار الساخطين فألقوا القبض على الكثيرين منهم وزجوا بهم فى السجون، ورغم أن عبيد اللَّه المهدى كان قادرًا على أن يهدئ من روع الرجال إلا أن ذلك لم يمنع أهل القيروان من الاستمرار فى دعم ومساندة التمرد الذى أعلنه أبو يزيد النكورى الخارجى (332 - 336 هـ/ 943 - 947 م) وعلى الرغم من أنهم قد تخلوا عنه فى النهاية إلا أن ذلك لم يعفهم من العقاب حيث قام الخليفة المنصور الفاطمى بالقبض على مجموعة من المتمردين وأمر بتعذيبهم وقتلهم. وعندما قام المعز بن باديس أمير بنى زيرى (407 - 454 هـ/ 1016 - 1062 م) بزيارته الرسمية الأولى للقيروان تمت محاولة للقضاء على حياته فى 15 المحرم 407 هـ/ 24 يونيه 1016 م)، كما شهدت المدينة أعمال عنف شديدة وقام أهل القيروان بذبح أى فرد يخامرهم الشك فى أنه شيعى. وامتدت الاضطرابات حتى مدينة المنصورية، وعلى الرغم من الجهود التى بذلتها السلطات لاستعادة الهدوء إلا أن الاضطرابات بدأت مرة أخرى خلال الاحتفال بعيد الفطر، وكان رد السلطات هذه المرة وحشيا حيث استولت قوات المنصورية على القيروان بحيث لم يبق حانوت دون أن ينهب كما أشعلوا النيران فى الأسواق الكبيرة ولم يكن ذلك سوى بداية الأحزان.

وقد وقعت القيروان تحت سيطرة بنى هلال الذين قضوا على كل ما تبقى لها من مجد، ومنذ عام 446 هـ/ 1054 م فصاعدا تم حصار المدينة وهجرها المعز وتقهقر إلى المهدية فى 449 هـ/ 1057 م وبعد ذلك لم نعد نسمع الكثير عنها. وفى نفس الوقت لعب العرب الرحل [البدو] فى المنطقة دور، على المسرح السياسى حيث حاولوا الوقوف فى وجه عبد المؤمن بن على مؤسس الدولة الموحدية التى أصبحت بالفعل صاحبة السيادة على إفريقية بأجمعها ولكنهم جنحوا إلى السلم وهزم قائدهم محرز ابن زياد الرياحى [بنو رياح] فى سنة 556 هـ/ 1161 م. وفى سنة 582 هـ/ 1186 - 1187 م قدم الخليفة المنصور الموحدى من مراكش للقضاء على ثورة بنى غانية، وتحرك من تونس قاصدا القيروان حيث أقام معسكره قبل أن يولى وجهه شطر الحامة [حامة دقيوش] واستطاع أن يهزم ابن غانيه، ولكن يحيى بن غانيه استطاع بعد بضعة سنوات أن يستولى ليس على القيروان فحسب ولكن على كل إفريقية وذلك لفترة قصيرة إذ سرعان ما عادت القيروان إلى الموحدين ومن بعدهم إلى الحفصيين. وقد عانت البلاد فى سنة 669 هـ/ 1270 م معاناة شديدة نتيجة نزول لويس التاسع فى قرطاج وأعلنت المدينة المقدسة التى أسسها سيدى عقبة [أى القيروان] الجهاد، وبعد ذلك بسنوات عديدة كتب لهذه المدينة أن تلعب دورا سياسيا محددًا حيث أيدت اعتلاء المدعى ابن أبى عمارة للعرش وبايعته، فبايعته باقى المدن مثل صفاقص وسوسة والمهدية. ومن الأحداث الهامة أنه فى المحرم 749 هـ/ أبريل 1348 م نجح العرب الرحل [البدو] فى هزيمة أبى الحسن المرينى -الذى كان قد استولى على إفريقية- قرب القيروان. واستطاع خير الدين بربروسا والى الجزائر أن يستولى على تونس فى 18 أغسطس 1534 م ووضع حامية فى القيروان وأعلن سقوط الأسرة الحفصية ولكن فى السنة التالية (أى 14 يوليه

1535 م) استطاع شارل الخامس أن يعيد مولاى الحسن إلى عرشه تحت الحماية الأسبانية ولكنه لم يستطع السيطرة على جنوب البلاد، وأصبحت القيروان فى ذلك الوقت عاصمة لإمارة مستقلة يحكمها المرابط سيدى عرفة، وظلت على ذلك حتى قدم الريس درغوت من طرابلس الغرب واحتل المدينة فى 3 يناير 1558 م وعين حيدر باشا حاكما عليها. وفى سنة 1574 م انضمت قوات حيدر باشا إلى القوات الموجودة فى طرابلس لمؤازرة سنان باشا الذى قدم على رأس أسطول ليقضى تماما على الأسرة الحفصية والوجود الأسبانى، ومنذ ذلك الوقت أصبحت تونس باشوية عثمانية يحكمها حيدر باشا حاكم القيروان السابق. ولقد عجل حكم المراديين بتدهور القيروان رغم أن حمودة باشا قد أظهر بعض الاهتمام بالمدينة ووضع بها فى سنة 1631 م أوجاقا [حامية]. ولكن سرعان ما دب الشقاق بين على بك وأخيه محمد فاندلعت بينهما حرب أهلية ووقفت القيروان بجانب الأخير [أى محمد]، وبعد التسوية التى تمت بين الاثنين فى سنة 1678 م والتى تم بمقتضاها تقسيم البلاد فيما بينهما أصبحت القيروان مقرًا لحكومته، وقام خليل بك من طرابلس فنهب المدينة نتيجة لتحالفه ضد الجزائر. وقد صدرت الأوامر فى عام 1701 م للأهالى بهدم مدينتهم فيما عدا المساجد والزوايا، وبعد قتل الطاغية قام خليفته إبراهيم الشريف بإصلاح الضرر وسمح لأهالى القيروان فى سنة 1703 م بالعودة إلى مدينتهم وإعادة بنائها. وبعد ذلك استفاد أهل القيروان من التسامح الذى اتسم به حسين بن على مؤسس الأسرة الحسينية (1705 - 1735 م) الذى اهتم اهتماما كبيرًا بترميم المساجد، وقد أخلص له أهل القيروان حتى النهاية، كما قام ابن شقيقه على باشا بحصاره لمدة خمس سنوات ثم أسره وشنقه فى 13 مايو 1740 م. وبعد ذلك وصل إلى المدينة محمد الرشيد بن حسين بن على واستولى

3 - الجغرافيا التاريخية

على مقاليد الأمور وأعاد بناء أسوار المدينة وألغى الضرائب ولذلك تحسنت أوضاع الأهالى المعيشية. وتدهورت أحوال أهل القيروان فى عهد حسين الثانى بسبب فرض الضرائب الباهضة. وفى سنة 1881 م وبعد إعلان الحماية الفرنسية على تونس مباشرة أحرزت القيروان مكانة رفيعة حيث أصبحت معقل المقاومة، ومع ذلك فقد سقطت المدينة واحتلت فى نهاية الأمر فى 36 أكتوبر 1881 م. 3 - الجغرافيا التاريخية حسبما نذر مؤسسها [أى عقبة بن نافع] فإنه أراد أن تكون القيروان "عزا للإسلام إلى آخر الدهر" (ابن عذارى: البيان المغرب، جـ 1، ص 19) هذا وما تزال القيروان تعتبر مدينة مقدسة على الرغم من أنها قد فقدت على مر القرون أهميتها كمدينة كبرى. وعندما شرع عقبة فى تخطيط المدينة قام فى بادئ الأمر بتحديد موضع الجامع الكبير ودار الإمارة. وذكر ابن عذارى أن دورها فى ذلك الحين [أى عندما اكتملت عمارتها] بلغ 13600 ذراع أى حوالى 7.5 كم [7500 م] وقد وزعت خططها على القبائل مثلما حدث فى كل من البصرة والكوفة اللتين تم تأسيسهما فى نفس الظروف ولكننا لا نملك معلومات مؤكدة حول هذا الموضوع باستثناء بعض الإشارات القليلة ومنها ما أورد (البكرى) من أن قبيلة "فهر" القرشية التى ينتمى إليها مؤسس المدينة -قد استقرت فى شمالى الجامع الكبير [أى جامع سيدى عقبة] فى زمن هشام بن عبد الملك (105 - 125 هـ/ 724 - 743 م)، وفى القرن 3 هـ/ 9 م استقرت كل طائفة فى أحد الأحياء ويتضح ذلك من حارة يحصب ورحبة القرشيين وسوق اليهود. وقد بنيت القيروان بالحجارة ويرجع الفضل فى ذلك إلى إعادة استخدام مواد البناء القديمة التى كانت موجودة فى مكان تشييدها، وقد تم تخطيطها لتكون مدينة كبيرة صممت لاستيعاب جميع عرب إفريقية وخاصة

المحاربين الذين طالما صحبتهم عائلاتهم. وكما هو الحال فى البصرة والكوفة ظلت المدينة [أى القيروان] بدون أى أسوار تحميها وبقيت مدينة مفتوحة قرابة قرن من الزمان. وحصنت المدينة لأول مرة فى عام 144 هـ/ 762 م بأسوار بلغ سمكها عشرة أذرع على نحو ما ذكر (البكرى). وكان عهد يزيد ابن حاتم المهلبى (155 - 171 هـ/ 771 - 787 م) عظيم القيمة فى حياة المدينة فقد قام بتنظيم الأسواق [حيث جعل لكل حرفة سوقا خاصا بها] وتحديد أنشطة كل منها، كما كان رجلا ذا مكانة سامية حتى استطاع أن يجذب إليه الشعراء والعلماء حتى أصبحت القيروان نفسها واحدة من أعظم مراكز الحضارة الإسلامية. كما بلغت الغاية فى القرن 3 هـ/ 9 م عندما أصبحت حاضرة لإمارة مستقلة [أى الأغالبة] وقد أسست مدينة جديدة محصنة كمستقر للأمير الأغلبى عرفت بالعباسية [القصر القديم وتقع على بعد 3 أميال جنوبى القيروان] فى سنة 184 هـ/ 800 م تقريبًا، ومن بعدها أسست مدينة أخرى أكثر ثراءً وخصوصية وهى مدينة رقادة فى سنة 263 هـ/ 877 م. وقد أصبحت المدينة فى غاية الأهمية وبدأت تقلق السلطات ولم تعد هناك حاجة إلى أن تكون محصنة ولذلك تم تدمير أسوارها السابق الإشارة إليها. ويذكر البكرى أن الشارع الرئيسى (السماط) كان "طوله من باب أبى الربيع إلى الجامع ميلين غير ثلث ومن الجامع إلى باب تونس ثلثى ميل". ويضيف البكرى أن بالقيروان "ثمانية وأربعين حماما، وأحصى ما ذبح بالقيروان فى بعض أيام عاشوراء من البقر خاصة بتسعمائة وخمسين رأسا. . " أما اليعقوبى (من أهل النصف الثانى من القرن 3 هـ/ 9 م) فيذكر أن أهل القيروان مزيج من السكان ما بين عرب من قريش ومضر وربيعة وقحطان وقبائل أخرى والفرس من خراسان [آسيا الوسطى] وأخيرًا البربر من الروم وغير ذلك.

وبسبب كثرة أهل القيروان لم يعد نظام الماء الذى نظم منذ عهد هشام بن عبد الملك (105 - 125 هـ/ 734 - 743 م) كافيا لسد احتياجات المدينة ولذلك تم بناء خزانات عديدة للمياه [المواجل] فى عهد الأغالبة، ولا تزال بقايا الماجل العظيم الذى أسسه أبو إبراهيم أحمد (242 - 249 هـ / 856 - 863 م) عند باب تونس تبعث على الاعجاب، وكان هذا الماجل أعظم المواجل الخمسة عشر شأنا وأفخمها منصبا على حد قول البكرى [المغرب، ص 26]. وقد تمت زيادة وتوسعة الجامع الكبير -الذى يعد أقدم وأعظم العمائر الدينية فى الغرب الإسلامى- فى فترات كثيرة حتى وصل إلى ما هو عليه الآن. واكتسب شكله الحالى ونسبه المعمارية فى القرن 3 هـ/ 9 م [أى فى عهد الأغالبة] باستثناء بعض التفاصيل ومنها مئذنته [الصومعة] التى من المحتمل أن تكون قد بقيت فى عهد هشام بن عبد الملك. وقد قام زيادة اللَّه الأول فى سنة 221 هـ/ 836 م بهدم الجامع بكامله وإعادة بنائه من جديد باستثناء المئذنة التى بقيت على حالها فضلا عن الاحتفاظ بنفس حدوده الخارجية التى كان عليها منذ عهد عقبة ابن نافع، كذلك قام أبو إبراهيم أحمد بالزيادة فيه وبزخرفته فى سنة 248 هـ/ 862 - 863 م ومنذ ذلك الوقت لم تغير أعمال الترميم والزخرفة شيئا من مظهره الأصلى. وقام المعز بن باديس الزيرى بإهداء الجامع المقصورة الحالية [وتعد أقدم مقصورة باقية فى العمارة الإسلامية]. ومن الترميمات والزخارف الأخرى للجامع ما حدث فى عهد الحفصيين وكذلك خلال القرون 17 - 18 - 19 م. أما أحدث الترميمات التى أجريت مؤخرا فترجع إلى ما بين عامى 1970 - 1972 م. وأصبحت القيروان فى القرن 3 هـ/ 9 م أحد المراكز الرئيسية للثقافة الإسلامية، كما كانت تمثل هى والكوفة والمدينة الحواضر الثلاثة الكبرى للعلوم

الإسلامية، وبرزت بها أسماء شخصيات لامعة منها يحيى بن سلامة البصرى (124 - 200 هـ/ 741 - 815 م) صاحب التفسير المعروف الذى يعد أول أثر هام للتفاسير الإسلامية، وأسد بن الفرات (حوالى 142 - 213 هـ/ 759 - 828 م)، والفقيه سحنون (حوالى 160 - 240 هـ = 777 - 854 م) الذى كان بلا شك أعظم رجال ذلك العصر والذى أصبح كتابه الموسوم بالمدونة مرجعا دينيا لرجال القيروان، وقد حضر دروسه العديد من الطلاب ومن بينهم طلاب من الأندلس، ونعرف ما لا يقل عن 57 طالبا قاموا بنشر تعاليمه. هذا ولم يبق لدينا أى من الأعمال الكبيرة فى مجال فقه اللغة وإن كان أبو بكر الزبيرى قد أفرد لها أحد فصول كتابه المسمى طبقات النحويين واللغويين. كذلك برزت فى مجال الطب أسماء لامعة مثل زياد بن خلفون وإسحاق بن عمران وإسحاق بن سليمان وقد ترجمت أعمالهم إلى اللاتينية على يد قنسطنطين الإفريقى فى القرن 5 هـ/ 11 م ودرست فى سالرنو. ولم يكن عهد الفاطميين الشيعة مفضلا بكل تأكيد لهذه القلعة السنية، وقد ادعت قبيلة كتامة المنتصرة أن من حقها سلب تلك المدينة الغنية كمكافأة لجهودهم. [وعلى الرغم من إنشاء مدينة منافسة لها، وهى صبرة - المنصورية (336 هـ/ 947 - 948 م) والتى كان مقدرًا أن ينتقل النشاط التجارى إليها إلا أن القيروان حافظت على ازدهارها واستطاعت أن تتغلب على بعض الكوارث الطبيعية مثل الزلازل (كزلزال سنة 299 هـ/ 911 - 912 م) وحريق الأسواق (فى ذى الحجة 306 هـ/ 17 مايو 919 م) والمجاعة (التى حدثت فى 308 هـ/ 920 - 921 م) ووباء (317 هـ/ 929 م). وقد ساهم الخليفة الفاطمى المعز فى مشكلة إمداد المدينة بالمياه وذلك عن طريق نظام القنوات المشيدة التى تصل إليها المياه من الجبل وتصب فى الخزانات بعد مرورها بقصره فى

صبرة. وازدادت مساحة المدينة فى ذلك الوقت وأصبح يقطعها 15 دربا كما ازداد عدد سكانها. ثم أصيبت القيروان بعد ذلك (مثلها مثل باقى إفريقية) بحالة من الجمود وهو الأمر الذى أدى فى النهاية إلى تدهورها. إن انتقال الخلافة الفاطمية إلى القاهرة (فى سنة 361 هـ/ 972 م) كان ضربة قاضية لإفريقية حيث حمل الفاطميون معهم كنوزهم المعدنية الثمينة إلى مصر كما فقدت القيروان للأبد دورها كعاصمة وتعرضت القيروان بعد ذلك ببضعة عقود وبالتحديد فى سنة 395 هـ/ 1004 - 1005 م إلى المجاعة والوباء المدمر وما ترتب على ذلك من هجر السكان للمدينة وإصابتها بالشلل واتجه البعض منهم إلى صقلية. وأجبر التجار بعد ذلك ببضعة سنوات وبالتحديد فى سنة 405 هـ/ 1014 - 1015 م على نقل تجارتهم إلى صبرة كما تقلصت مساحة المدينة ورجعت إلى ما كانت عليه فى زمن عقبة ابن نافع. وإذا كانت المعلومات المتوفرة بمصادرنا صحيحة فإن مساحة المدينة قد انكمشت إلى ثلث ما كانت عليه وقت ازدهارها، وإن كان ذلك لم يمنع ظهور بعض الأسماء اللامعة فى شتى المجالات مثل ابن أبى زيد القيروانى (توفى 386 هـ/ 996 م) والقابسى (توفى 403 هـ/ 1012 م) فى مجال الفقه المالكى والطبيب ابن الجزار (توفى حوالى 395 هـ/ 1004 م) والمؤرخ ابن الرقيق (توفى بعد 418 هـ/ 1028 م) والفلكى ابن أبى الرجال (توفى حوالى 426 هـ/ 1034 - 1035 م) والذى ترجم كتابه "أحكام النجوم" إلى اللاتينية والعبرية وغير ذلك. كما ظهر من الشعراء ابن رشيق القيروانى (توفى 456 هـ/ 1064 م) وابن الشريف (توفى 460 هـ/ 1067 م) وآخرون غيرهم، ولكنهم كانوا آخر الشموع المضيئة فى مدينة تحتضر. وكانت آخر الضربات التى وجهت للمدينة من قبل الهلاليين الذين استقروا

فى المهدية وقاهوا بنهب القيروان وذلك فى غرة رمضان 449 هـ/ أول نوفمبر 1057 م أى بعد يومين من مغادرة المعز لمدينة صبرة. ويمثل منتصف القرن الخامس الهجرى/ الحادى عشر الميلادى نقطة تحول فى تاريخ ليس فقط القيروان ولكن كل إفريقية أيضا حيث يحدد هذا التاريخ نهاية فترة مزدهرة تماما من جهة وبداية فترة أقل ازدهارًا من جهة أخرى، فقد سيطر البدو على مقاليد الأمور فى البلاد حتى القرن التاسع عشر الميلادى وتحولت القيروان فى ظل هذا المناخ العام من مدينة رئيسية كبرى إلى مدينة فقيرة، كما استمرت هجرة أهلها وأخذت مساحتها فى التقلص والانكماش، ويذكر الإدريسى (من منتصف القرن السادس الهجرى) أنه لم يتبق من القيروان سوى أطلال عبارة عن أسوار غير كاملة من الطوب تحيط بها، كما قام البدو (العرب الرحل) بفرض ضرائب باهظة على الأهالى الذين لم يكن لهم حول ولا قوة، كذلك اختفت كل من رقادة وصبرة تماما، وعموما فقد أصبحت المدينة فى أسوأ حالاتها. وسرعان ما تمتعت المدينة بفترة السلام النسبى خلال عهد الموحدين وبصفة خاصة خلال عهد خلفائهم من الحفصيين مما أتاح للمدينة أن تنتعش قليلا. ودعمت بأسوار أفضل فى القرن السابع الهجرى/ الثالث عشر الميلادى. ومع بزوغ حركة المرابطين بدأت المدينة تمتلئ بالزوايا، وقد شكلت العناصر البدوية النسبة الكبرى من سكان المدينة ولكنهم لم يكونوا على درجة كبيرة من التحضر. والحق أنه بدأت فى القيروان حياة جديدة وإن اتصفت بمستوى شديد التواضع إذا ما قورن بعظمتها السابقة. وأصبحت القيروان سوقا ومركزا تجاريا للبدو، وبالرغم من تواضع أسواقها إلا أنها استمرت فى عرض المنتجات الهامة مثل الجلود والملابس والمعادن.

وقد وصفها (ليو الإفريقى) الذى زارها فى يناير 1516 م، أى فى أواخر العصر الحفصى، واحتلت القيروان فى بداية عهد الحسنيين المكانة الثانية فى البلاد، وكتب الوزير السراج (توفى 1149 هـ/ 1736 - 1737 م) فى بداية القرن 18 م أنها من أكبر المدن المعروفة فى إفريقية بعد تونس، وزار المدينة ديسفوتيان فى يناير 1784 م وذكر "أنها ثانى أكبر مدن المملكة بعد تونس كما أنها أنظف منها ومبنية بطريقة أفضل، وتعتبر تجارة جلود الحيوانات هى التجارة الرئيسية بها كما يقوم السكان بعمل الأقمشة الصوفية، والناس هناك أسعد حالا من غيرهم حيث تم إعفائهم من الضرائب نظير الخدمات التى قدموها لجد البك الحالى". وقد ذكر الجميع أن المدينة التى أسسها سيدى عقبة، بالرغم من الخراب الذى حل بها، إلا أنها حتى وقت إعلان الحماية الفرنسية كانت أكثر انتعاشا من المدن الأخرى التى كانت تتمتع بمواقع أفضل. وظلت القيروان حتى منتصف القرن التاسع عشر الميلادى العاصمة الروحية للبلاد كما حافظت على مكانتها الدينية، حيث اعتبرت حتى ذلك الوقت مدينة مقدسة وحرم على غير المسلمين دخولها، وهى الآن لا تتمتع بهذه المكانة المقدسة وللسياح حرية التنقل بين معالمها الدينية. وأما من حيث عدد سكانها فهى تحتل المرتبة الخامسة على مستوى البلاد، وما تزال القيروان قادرة على جذب صفوة الزائرين. وعند التحدث عن توحيد دول المغرب، فإن هناك من يرى أن القيروان يجب أن تكون عاصمة هذا الاتجاه الفيدرالى للدول المستقلة لكونها العاصمة الروحية للمسلمين منذ عدة قرون وبذلك تكون رمزًا مناسبا لاستعادة عظمة العالم الإسلامى الماضية. د. محمد حمزة الحداد [م. طالبى M. Talbi]

قيس

قيس قيس جزيرة صغيرة فى الخليج العربى فى ذلك الجزء الذى يسميه الجغرافيون العرب فى العصور الوسطى (بحر عمان) عند خط طول 54 شرقا، وعند خط عرض 30 و 56 شمالا، وقيس التى تلى قشم يمكن أن تعتبر من أهم جزر الخليج العربى، وتبلغ حوالى عشرة أميال طولا وخمسة عرضا، ويفصلها عن البر الرئيسى مضيق عرضه حوالى 12 ميلا وهو ممر آمن، وبغض النظر عن بعض المواضع الصخرية، فالجزيرة -عموما- مستوية تماما وتربتها قابلة للزراعة أكثر من تربة أية جزيرة خليجية أخرى، وقد ذكرها الجغرافيون الفرس والعرب فى العصور الوسطى مشيرين لوفرة نخيلها وحدائقها وخزانات المياه بها، وإلى جانب ثروتها الزراعية ونشاطها التجارى والملاحى كان سكان الجزيرة الكثير عددهم يعملون فى صيد اللؤلؤ، تلك الحرفة الشاقة (انظر ما كتبه ابن خرداذبة وياقوت والدمشقى وابن بطوطة). واسم قيس مقرب من الاسم الفارسى قس أو كيش (والكلمة قاس موجودة أيضا، وقد أوردها الدمشقى) ونجد أن المؤلفين البرتغاليين والهولنديين فى القرن الخامس عشر والسادس عشر للميلاد يطلقون على الجزيرة أسماء أخرى مثل كويكس Quixi وكويز Queis وكيز Kaez وكويش Queche وكاس Qas وجيس Guess . . . الخ، ويذكر ياقوت الحموى أن أميرا عربيا يسمى قيس بن عميرة امتلك جزيرة كيش هذه، ومنذ امتلاكه لها سميت جزيرة قيس بن عميرة أو جزيرة بنى عميرة، وهذا الاسم يرجع لما قبل الإسلام لأننا نجد كيش مذكورة فعلا فى الفترة الساسانية كواحدة من الأبرشيات السبع باقليم بيرسيس Persis، وهناك إشارات إلى كيش حوالى منتصف القرن السادس فى الأدب السريانية. وقد ورد ذكر هذه الجزيرة مرتين فقط فى التراث الأدبى والهندى باسم كارين Karain كما وردت فى كتابات بلينى باسم أفروديسيا Aphrodisia وربما

كانت كارين هى الشكل الأول الذى انقلبت عنه كاش أو كيش. وبعد الإسلام كانت قيس تابعة لولاية أردشير خورا فى فارس، وفى أواخر القرون الوسطى -فقط- أصبح للجزيرة أهمية كبرى عندما -كما ذكرنا آنفا- استولى عليها أمير يعود أصله إلى جنوب شبه الجزيرة العربية، وبدأ هذا الأمير فى بناء أسطول وراح يمد نفوذه بالتدريج فاستولى على سيراف التى كانت تتمتع برخاء عظيم باعتبارها المركز الرئيسى للتجارة الهندية والصينية، أصبحت قيس مركزا إداريا مهما، وفى عهد بنى بويه ارتفع شأن أسرة قيس العربية كقوة تسيطر على الخليج العربى كله أما سيراف التى كانت غالبا ما تعتبر -خطأ- مدينة على الساحل قرب جزيرة قيس فقد أصبحت تدريجيا مهجورة لأن أمراء قيس حولوا التجارة إلى الجزيرة نفسها، كما مدوا سلطانهم إلى عدة مناطق فى البر الرئيسى المواجه لجزيرة قيس، وكان أسلافهم قد نجحوا فى السيطرة على هذا الشريط البرى المواجه لجزيرة قبيلة عربية جنوبية أيضا هم بنو عمارة، لذا فقد كان هذا الشريط يسمى سيف عمارة أو ساحل عمارة، وكما امتد حكم أسرة قيس إلى الساحل الشرقى للخليج امتد أيضا إلى الساحل الغربى (اقليم عمان) لذلك يسمى ياقوت والدمشقى أمراء قيس اسم شيوخ عمان. وكانت رحلة بنيامين الرِّبى الطليطلى أثناء فترة رخاء قيس (النصف الثانى من القرن الثانى عشر) ولاحظ بإعجاب أن سوق المدينة كان عامرا، وأن تجارتها الرئيسية كانت فى المصنوعات الهندية والفارسية. وكان غالبية السكان كانوا عربا وليسوا فرسا وكذلك كان الحال فى معظم الجزر، وقد أشار ماركوبولو إلى هذه الجزيرة باسم كيرسى (قيسى) كما كان ترسو فيه السفن المتجهه إلى الهند، أما سبب انهيار قيس فهو الازدهار التجارى لمملكة هرمن الصغيرة التى كانت تحت حكم أسرة

قيس عيلان

عربية أيضا، وقد حاول حاكم قيس فى أواخر القرن السادس الهجرى أن يستولى على هرمن دون جدوى، وحوالى سنة 700 هـ/ 1300 م اشترى ملك هرمز وقتئذ من نعيم قيس جزيرة جرون التى تقع فى مواجهة عاصمته، وبعد ذلك بسنوات قليلة نقل عاصمته إلى هذه الجزيرة التى قدمت له حماية أكثر وأصبحت بمثابة هرمز الجديدة وازدادت أهميتها بحكم موقعها الملائم قرب أضيق جزء من الخليج، ونافست جزيرة قيس وجذبت شيئا فشيئا تجارة الهند، وقد أدى هذا إلى حروب طويلة وصراع بين المملكتين فى وقت من الأوقات أصبحت قيس -بالفعل- تحت سيطرة هرمز، وفى النهاية فقدت قيس أهميتها كأهم سوق فى الخليج وبدءًا من القرن العاشر الميلادى لم يعد لها إلا قيمة ثانوية إلى أن استولى شاه عباس الأول عليها سنة 1622 م فارتبطت مكانتها ببندر عباس ثم ارتفع شأن بوشهر بعد منتصف القرن الثامن عشر الميلادى. وداد عبد اللَّه [التحرير] قيس عيلان واحدة من أقوى الجماعات القبلية فى شمال شبه الجزيرة العربية فى العصور القديمة، ويرد الاسم مرة قيس عيلان ومرة قيس بن عيلان وفى الغالب قيس وحدها، ونجد فى الشعر أحيانا إشارة لها باسم عيلان بدون قيس، وقد ظهر الاسم قيس كذلك عيلانى نسبة إليها. ومن الصعب أن نفهم المقصود بعيلان فبعض علماء الأنساب يرون فيه أبا لقيس بل ويذكرون أنه ابن لمضر ومن ثم فهو أخ لإلياس بن مضر، وأمهما هى خندف، ويقولون إن اسمه الحقيقى كان هو الناس فاسمه إذن هو قيس الناس، ويتفق ابن خلدون مع هذه الآراء، وهناك من يعتبر عيلان اسم لحصان شهير لقيس فسمى باسم حصان، وجرت محاولة للتمييز بين قيس عيلان وقيس بن الغوث الذى كان -بدوره- يمتلك حصانا مشهورا يسمى كبّه، ومن

ثم فقد كان يسمى قيس كبه، وقد تعنى عيلان اسم قوس وقد يعنى اسم عبد، وكان قيس عيلان فى الأصل يستقرون فى الأرض الواطئة تهامة، ويقال إن عيلان اسم جبل يقال إن قيسًا وُلد فوقه، ويقال إن عيلان صفة بمعنى المحتاج، وأميل إلى أن عيلان اسم حقيقى لا يحتاج إلى تفسير، وقد كون قيس عيلان وزوجته خندف (وإن كان علماء الأنساب يجعلون من خندف زوجة لإلياس) كل مُضر، وكان بين الجماعتين نزاع قديم، ومن القبائل التى صح نسبها لقيس عيلان غطفان التى انحدر منها عبس وذبيان وقد تفرع عنهما فروع أهمها فزارة ومرّة وأشجع هوزان مع ثقيف (¬1). وقيس عيلان -طبقًا للروايات- كانوا مستقرين فى الأصل فى الأراضى الواطئة من تهامة، وفى زمن محمد صلى اللَّه عليه وسلم وقبيله انتشروا على مساحات واسعة من شبه الجزيرة العربية الوسطى والشمالية. وإلى الشمال الشرقى والجنوب الشرقى من مكة وفى المدينة وفى أماكن أخرى من الحجاز، وكان لقيس عيلان أيامهم المشهورة قبل الإسلام، وقد دخلت قيس عيلان الإسلام بعد مقاومة لكن بعد موت الرسول صلى اللَّه عليه وسلم وجدنا أنهم جميعا قد أصبحوا على الإسلام رغم أنهم اشتركوا ضده فى حروب الردّه، لكن ردتهم لم تطل، فقد عادوا للاسلام بمجرد هزيمتهم، وقد ساهموا فى حركة الفتوح بوضوح، وقد لعب النزاع أو المنافسة بين القبائل القيسية واليمنية دورا واضحا فى الخلافتين الأموية والعباسية، ومن الشعراء القيسيين المشهورين: النابغة ولبيد وعامر بن طفيل والشماخ والخنساء وعروة بن الورد. مها سيد سعيد [أ. فيشر A. Fisher] ¬

_ (¬1) تختلف شجرة الأنساب كما أوردها المؤلف لقيس عيلان عما ورد فى الراجع الحديثة: (انظر أطلس تاريخ الإسلام للدكتور حسين مؤنس). [المترجم]

القيسارية

القيسارية قيسارية وقد يقال لها أيضا "قيصارية"، وجمعها قياسر وهو لفظ يطلق على ضرب من المبانى العامة تكون على شكل أروقة حولها حوانيت ومصانع ومستودعات وكذلك حجرات معيشة، ويقرر دى ساسى فى كتابه Relations de l,Egypte pan Abde cillatif الذى نشر فى سنة 1810 م (ص 303 - 304) أن القيسارية كانت تختلف فى الأصل عن السوق باتساعها الشاسع وكثرة ما بها من الدهاليز المسقفة التى تؤدى إلى ساحة مكشوفة. أما فى وقتنا الحاضر فلفظ، "قيسارية" لا يطابق تمام المطابقة فى معناه ولا مبناه الكلمة الفارسية "كاروان سراى" التى استعملت لأول مرة فى غربى آسيا فى القرن السادس عشر الميلادى وتداولتها الألسن كما أنها لا تماثل الأسماء الحدبتة المشابهة لها فى المعنى كالخان والوكالة والفندق والبزستان. وليس من شك فى أن أصل كلمة " القيسارية" إغريقى وهو مختصر للكلمة الدالة على السوق الإمبراطورى، ولقد أوضح "تيرش" أن الفناء المربع القديم الذى قد تحوطه -أو لا تحوطه- حجيرات هو الذى أدى إلى وجود القيسارية التى كانت تستعمل من ناحية لتخزين البضائع، ومن ناحية أخرى تكون غرفا للسكن، وأن التعبير اليونانى القديم يؤكد لنا الحقيقة القائلة إن أقدم هذه المبانى العامة كانت مبانى إمبراطورية والمقصود بذلك أنها كانت مؤسسات ملكا للدولة بينما كانت فى العصر الإسلامى من الممتلكات الخاصة أى كانت ملكا لتجار أثرياء أو أفراد من الأسر المالكة أو لكبار الموظفين، ويظن تيرش فى كتابه Pharon: Antike Islam und occident, (leipzig, 1909) p. 233 أن الاسكندرية كانت المكان الذى ظهرت فيه هذه المبانى أول ما ظهرت شأنها فى ذلك شأن غيرها من المؤسسات فى العصر الإسلامى الجديد فقد كانت الاسكندرية مشهورة بكثرة أماكنها وقاعاتها المسقوفة. على أنه ليس لنا أن

نأخذ بما ذهب إليه "فولرز" من أن الأصل لما يسمى بالقيسارية هو الكلمة اليونانية المعروفة بالـ Caesareurn أى هيكل قيصر بالإسكندرية الذى كان ملحقا به موضع للسوق والمخازن وإن كان دى ساسى يحاول أن يؤكد أن لفظ قيسارية مشتق من المدينة الفلسطينية "قيصارية" وهذا رأى لا يستطيع الصمود أمام الحجج الدامغة لنقضه، ذلك أن الكلمة على أية حال كانت مقصورة فى الاستعمال أصلا على البلاد التى كانت تحت حكم بيزنطة مثل بلاد الشام وفلسطين وبعض أجزاء من أفريقية ثم انتقلت الفكرة إلى أماكن أخرى لا سيما أسبانيا والشرق فنطالع فى الأسبانية كلمة "الكيسارية" Ceayceria, Caesceria وفى البرتغالية alcacarias ولكنها كلها كلمات دخيلة فى هاتين اللغتين، راجع Ilasscure de mots Dozy- Englanann et Portugais: espagnol derive de L, Arade, Leiden. 1869 أما فيما يتعلق باستعمال الكلمة فى العالم الإسلامى فيمكن الإشارة إلى أنه بين أيدينا دليلا ثابتا لا يرقى إليه الشك فى أن الكلمة استعملت كثيرا بمصر بدليل ما يورده "المقريزى" من وجود أعداد كثيرة من القيساريات بالقاهرة فى معرض وصفه لها (راجع الخطط للمقريزى، طبعة بولاق 1270) جـ 2 ص 91 - 99). ثم أخذت كلمة "وكالة" تحل بالتدريج محل كلمة "قيسارية" التى لم تعد أيام "نيبور" سنة 1761 م) تدل إلا على موضع واحد هو السوق القائم فى ناحية بولاق حيث كان يسمى بلفظ Kissarie. أما فى فاس فكان إذا قيل "قيسارية" انصرف ذهن سامعها إلى السوق المركزى الذى تباع فيه الأقمشة والسجاجيد والجواهر. . إلخ وتكون له بوابات إذا أغلقت قطعت كل ما بينه وبين جميع نواحى المدينة الأخرى، وإذا جن الليل لم يبق بها أحد سوى الحارس انظر: V Tourneau: op. cit. II. 432, R. Le Fes 374 - 5 وزيادة على ذلك فقد جرت العادة فى المغرب على أنه إذا قيلت كلمة "قيسارية" فقد

قصد قائلها بها الباحات (سواء كانت مسقوفة أم غير مسقوفة) التى تحيط بها الحوانيت التى تكون السلعة الرئيسية فيها هى الأقمشة. أما فى الأندلس فنجد الحال عندهم -كما هو بالمغرب- إذ يطلقون كلمة "قيسارية على المركز الذى يتاجر فى مواد الترف الغالية والأقمشة (انظر فهرست ليفى بروفنسال فى تاريخه عن أسبانيا الإسلامية). أما فى سورية ولبنان فلدينا البينة على أنهم يطلقون كلمة "قيسارية" على حوانيت تجار الجملة كما هو الحال فى بيروت ودمشق (انظر رحلة ابن جبير، و Niebihr II, 469 وياقوت معجم البلدان، جـ 2، ص 307، وابن بطوطة الرحلة جـ 1، ص 151 و Sauvaget: alep. pp.79 - 80 أما فى إمارة الاحساء الواقعة فى القسم الشرقى من بلاد العرب فإنهم يطلقون كلمة "جيصارية" على حى البلد الموجود به الحوانيت (انظر Der Islam IIII, 32) أما فى العراق فنجد ميدانا يعرف بالقيسارية فى كل من الموصل (ابن جبير 235) والسليمانية التى على مقربة منها، (ياقوت معجم البلدان، جـ 3، ص 111) وأربيل (ياقوت جـ 1، ص 187) وبغداد كما يقول ماسنيون. غير أن موضع السوق المركزى قد انتقل إلى كربلاء كما يقول ماسينيون. ونجد مثل ذلك فى أصفهان بفارس وتبريز وخوارزم (راجع ابن بطوطة الرحلة جـ 3، جـ 4). ونلاحظ زيادة عما سبق بناء على عبارة واردة فى "نيبور" أنه قامت فى منتصف القرن الثانى عشر الميلادى مبان عامة فى بلاد البربر يطلق عليها اسم "كاسيرى" ونسمع فى الجزائر كلمة "قيسارية" ولكن يقصد بها ثكنات الجيش (انظر دوزى، شرحه) ثم أصبح اللفظ بعد النصف الأول من القرن السابع عشر الميلادى يقصد به ثكنات الإنكشارية، راجع Pere Dane. Hist. de Barbari et ses eorsairs أما اليوم فإن الناس فى مدن حوران التى صارت أطلالا يطلقون

فى العصور الإسلامية الأولى

كلمة "قيسارية" على القصور التى كان ينزلها الولاة الرومان أو البيزنطيين. ومجمل القول إنه يظهر لنا أن كلمة "قيسارية" فى العصور الحديثة قد تخلت إلى حد بعيد عما كانت تعنيه من أنها مكان للسوق لتحل محلها كلمات جديدة مثل الخان والوكالة والفندق والبزستان. راجع فى ذلك بلدان الخلافة الشرقية إلى سترانج. د. حسن حبشى [م. شتريك M. Shtreck] قيصر فى العصور الإسلامية الأولى: قيصر هو الاسم العربى المتعارف عليه الذى يطلقه العرب على الإمبراطور البيزنطى، وأصل الكلمة آرامى ولابد أن العرب استعملوها منذ زمن بعيد حيث تظهر الكلمة فى السريانية برسم "قصر" (بكسر القاف وفتح الصاد)، وكانت للعرب قبل الإسلام بقرون طويلة علاقات كثيرة بالرومان ثم زادت هذه العلاقات زمن الأباطرة البيزنطيين، وحتى أنه فى سنة 244 ق. م. تولى الحكم عربى من حوران لمدة خمس سنوات باسم "داريوس يوليوس فيليتيوس"، وكذلك نرى فيه الشام (فى مستهل القرن السادس للميلاد) أن الغساسنة حلوا محل بنى صالح كحلفاء عرب وأحيط الأمير الغسانى بكل مظاهر الاحترام والتعظيم ولقب بالبطريق إجلالا له، وأذن بوضع تاج على رأسه كملك تابع للأمبراطور البيزنطى الذى كان الغساسنة وجميع سكان شمالى الجزيرة العربية يعتبرونه أعظم الحكام قاطبة، وكان يماثله الغساسنة فى هذه النظرة (اللخميون وجمع سكان شمال غربى بلاد العرب وقد وردت الإدارة أكثر من مرة فى شعر امرئ القيس إلى قيصر الذى لعب دورا خطيرا فى حياة هذا الشاعر) الذى راح اليه ملتمسا أن يعينه للثأر ممن قتلوا أباه وكان فى نظرته إليه يعتبر نفسه صاحب حق فى ملك فقده، أبوه ظلما إذ يقول له: ولو أننى أسعى لأدنى معيشة ... كفانى ولم أطلب قليلا من المال

ولكننى أسعى لمجد مؤثل ... وقد يدرك المجد المؤثل أمثالى كذلك يرد اسم "قيصر الروم" وكسرى فارس فى شعر الشعراء الذين جاءوا بعد هذا وكان ورود هذين الاسمين يوحى بالسطوة والغنى. على أنه لم ترد كلمة "قيصر" فى القرآن الكريم ولكنها كثيرة الورود فى السيرة النبوية وفى الأحاديث النبوية والتفاسير الكثيرة للقرآن الكريم وفى ثنايا المؤلفات التاريخية عامة. وتستعمل الكلمة من غير زيادة التعريف كاسم علم فأبو بكر وعمر بن الخطاب يسميان الامبراطور هرقل البيزنطى الشهير فى زمن محمد صلى اللَّه عليه وسلم بهرقل أو قيصر: عظيم الروم أو ملكهم، وجرى العرف عادة على إسقاط كلمة قيصر فى معرض الحديث عن ملوك الرومان والبيزنطيين فيكتفى بتسمية الواحد منهم بملك الروم ذلك ابتداء من "زوجتوس" وانتهاء بهرقل. انظر الطبرى تاريخ. .، جـ 1 ص 1741 - 1744)، ومثال ذلك أنه لما استولى العرب على عمورية عام 838 م ينعت الطبرى "ثيوفيل بن ميخائيل بصاحب الهرم" وحينئذ يعلق ابن الأثير على وقعة ملاذكرد منزيكرت عام 1071 م فيقول: "أرامانوس ملك الروم" قاصدا بذلك رومانوس نيوجين ويقرر ابن سعد أن هشاما بن عبد مناف الجد الأكبر للنبى صلى اللَّه عليه وسلم تلقى من قيصر خطاب أمان للتجار الوافدين إلى الشام من مكة، وهناك عدد كبير من النصوص تشير إلى الرسالة التى يقال إن محمدا عليه الصلاة والسلام أرسلها على يد لحية الكلبى إلى حاكم بصرى كى يوصلها إلى الإمبراطور هرقل. وتتوارد أخبار جمة تشير إلى سؤال الإمبراطور لأبى سفيان عن النبى الجديد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] ويبدو منه أن "قيصر" كان على العكس من "كسرى" فارس ميالا إلى الإسلام وأنه لا يمنعه من التصريح بهذا سوى خوفه من رعيته، كما يبين عمر بن الخطاب الفارق بين حياة الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] المتقشفة ويين

قيصر التاريخ الإسلامى

حياة كسرى وقيصر المترفتين، ونرى عروة بن مسعود أثناء الحديبية (وقد زار النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فى معسكره) يتحدث إلى رفاقه المكيين فيقول إنه رغم كثرة زياراته للملوك ولقيصر وكسرى والنجاشى إلا أنه لم ير أحدا يحبه أصحابه حب أصحاب محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] له، ولقد أخبر الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] بزوال ملك كسرى وأنه إن مات قيصر فلن يكون هناك قيصر بعده، (راجع فى ذلك صحيح البخارى والواقدى والسيرة لابن هشام والطبقات الكبرى لابن سعد وتاريخ الطبرى وكتاب الأموال لأبى عبيد القاسم بن سلام واليعقوبى والكامل لابن الأثير والمختصر فى تاريخ البشر لأبى الفداء). د. حسن حبشى [ر. باريث R. Barith] قيصر التاريخ الإسلامى كان تعاطف محمد عليه الصلاة والسلام فى الفترة المكية مع هرقل ضد كسرى فى الصراع الذى كان بين الطرفين وورد ذكره فى القرآن الكريم {الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ {مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4)}، غير أن هذا الميل انقلب إلى ضده فى الفترة المدنية، ويرجع هذا التغيير إلى أسباب دينية، إذ أنه لما كان الإسلام هو الدين الحق والصراط المستقيم وأن دعواه عالمية فإن كلا من بيزنطة وقيصرها خصم للإسلام وللدولة الإسلامية التى لابد لها من الانتصار والاستيلاء على القسطنطينية ذاتها ومن ثم تغير المفهوم الاسلامى لقيصر فبلاده "دار حرب" وهو كافر، ومحاربته ضرب من "الجهاد". وشجع على ذلك الاتجاه انتصارات العرب على البيزنطيين. وهكذا اختفت فى القرن الأول للهجرة الأسس الحربية والدينية التى كان يقوم عليها -قبل الإسلام- احترام العرب لقيصر، وأصبح "قيصر" طاغية حتى لينعت بكلمة الروم "وهو تعبير استعمله قيصر هارون الرشيد فى مخاطبته نقفور فوكلس" الواقع أن الرشيد لم يكن البادئ فى الهجوم بل كان نقفور ذاته إذ ولى العرش البيزنطى بعد إيرين

التى هادنت الخليفة العباسى المسلم لقاء جزية تدفعها للمسلمين ليكفوا عن محاربة الروم فلما تولى نقفور بعد خلع إيرين أراد الرجوع عما أبرمته الامبراطورة البيزنطية السالفة مع الرشيد ومن ثم كتب إلى الرشيد كتابا يقول فيه إن إيرين أقامت الخليفة مقام الرخ وأقامت نفسها مكان البيدق، وأنها حملت من المال ما كان الرشيد قمينا بحمله إليها، ثم ختمه بقوله: قرأت كتابى فأردد ما حصل من قبلك من أموالها، وافتد نفسك بما يقع به المصادرة لك وإلا فالسيف بيننا وبينك فغضب الرشيد أن يخاطبه نقفور بلهجة فيها استعلاء وعنجهية، وفيها ازدراء بهيبة الخلافة وإهانه لها، فرد عليه ردا مختصرا نعته فيه بالعبارة السالفة). إن صورة قيصر عند العرب فى القرون الأربعة التالية لمعركة اليرموك التى وقعت سنة 15 هـ (636 م) كانت تتأثر سلبا وإيجابا بما تصيبه كل من الدولتين الرومية والإسلامية ففى الفترة الأولى (أعنى زمن الأمويين وأوائل أيام العباسيين) كان النصر أكثر ما يكون للعرب، غير أن الوضع تبدل فصار ميزان القوى ضد العرب بتولى الأسرة المقدونية عرش بيزنطة. فلما جاء العصر التركى بدأ فصل جديد فى العلاقات بين الروم والإسلام، واستمر هذا الفصل أربعة قرون منذ انتصار المسلمين فى كلازكرة سنة 463 هـ (1071 م) حتى استيلائهم: على القسطنطينية عام (875 هـ) 453 م (وأدت انتصارات الترك الحربية إلى رجوع صورة قيصر بيزنطة إلى ما كانت عليه قبل الدولة المقدونية، وكان العامل الأساسى هو فتح الأراضى البيزنطية فى الأناضول وصبغها بالصبغة التركية وتضاؤل أملاك القياصرة، فقد أنزل "ألب أرسلان" الهزيمة الساحقة بالامبراطور رومانس نيوجين فى منزيكرت وأسره فى سنة 363 هـ (1071 م) مما أدى إلى نظرة الإزدراء بقياصرة آل كومنين وأنجيل و (مالذكرد). ثم جاء العثمانيون فبلغوا الذروة فى إذلال "قيصر" وعادت النظرة القديمة التى ساعد عليها انتصاراتهم الرائعة

قيصرية الأناضول

فى البلقان، وقد قدر للسلطان محمد الفاتح (بفتحه القسطنطينية وانتصاره على آخر سلالة بين باليولوجس وهو قسطنطين الحادى عشر) أن يكتب آخر فصل فى مأساة الصراع البيزنطى الإسلامى استمر فى التاريخ ثمانية قرون، وأدى فتح عاصمة الروم إلى أن يضيف محمد الفاتح إلى لقبيه الغازى والخان لأنه لم يكن خليفة بل سلطانًا فقط. ولقد منحه اللقب نفعا فى تحقيق مشاريعه فى استرداد الأراضى البيزنطية التى كانت قد ضاعت من أيدى القياصرة فى كل من أوربا وآسيا. راجع فى ذلك السيرة لابن هشام، والمسالك لابن خرداذبة. د. حسن حبشى (هيئة التحرير) قيصرية الأناضول " قيصرية الأناضول" بلدة فى وسط إقليم الأناضول ترتفع عن البحر ثلاثة آلاف وثلاثمائة قدم، أما عن تاريخها فهى فى منطقة كانت قبل قيام الامبراطورية الحيثية مركزا تجاريا لجالية أشورية تسمى "كانيش" وأثرت من وراء التجارة، ثم صارت قيصرية الأسقفية الكبرى بين أسقفيات آسيا الصغرى المسيحية، وقد اجتاحها الساسانيون وعاثوا فيها تخريبا وتدميرا إلى أن أنقذها منهم الإمبراطور الرومانى البيزنطى هرقل عام 611 م فعادت إلى سالف بهائها وغناها، وقد هاجمها المسلمون بقيادة مسلمة زمن الوليد بن عبد الملك الذى احتلها أمدا قصيرا، فلما كان القرن الخامس الميلادى هاجر إليها الأرمن والجريجوريون، وقد خربها التركمان عام 459 هـ (1067 م) وأصبح البلد بعد وقعه ملا زكرت (أو منزيكرت) جزءا من دولة الدانشمنديين ثم اغتصبها منهم قلج أرسلان الثانى سنة 563 هـ (1167 م) وطالما اتخذها السلاجقة منتجعا ملوكيا لهم وعادت قيصرية مرة أخرى لتكون مركز التجارة والثقافة، فلما طرقتها جيوش المغول سنة 641 هـ (1243 م) ونهبوا بيت المال وكثيرا من الدور والعمائر

الفخمة، كما استولى عليها بيبرس عام 675 هـ (دون أى مقاومة) لكنه انسحب إلى جنوب جبال طوروس حين أدرك أنه لم ينجح فى إثارة التركيان ضد حكامهم المغول الذين صبوا جام نقمتهم على المدينة ثم دخلت "قيصرية الأناضول" تحت حكم أسرة "أرتنا" وصارت قصبة ملكهم، ويقول ابن بطوطة عنها إنها كانت واحدة من أكبر المدن فى الأناضول غير أن واحدا من أبناء قيصرية الأناضول اسمه القاضى بهاء الدين أطاح بالأسرة الحاكمة واتخذ سيواس قاعدة لحكمه، فلما كانت سنة 800 هـ (1398 م) استولى عليها السلطان العثمانى "بايزيد" إلا أن هزيمته أمام تيمور لنك أدت إلى سقوط قيصرية فى يد القرمانيين، وظلت قيصرية مدى قرن من الزمان موضعا يتنازعه حربيا كل من تركمان القومان وأسرة ذى القادر فساعدا المماليك القادريين حتى استردوها لكن ذلك الاسترداد لم يغير من حالها كموضع نزاع بين القرمانيين وذى القادر حتى ردها إليهم السلطان محمد الثانى واستطاع العثمانيون أن يأخذوها أخيرا بعد استيلائهم على قره حصار سنة 879 هـ (1474 م) وظلت البلدة مطمع أنظار الممالبثا والصفويين حتى جاء السلطان سليم الأول فقضى على مطامع الجانببين معا. ولما كان مستهل القرن الحادى عشر الهجرى (السابع عشر الميلادى) اجتاح الثوار الجلاليون منطقة قيصرية وانتصر"قره يزبجى" على جيش عثمانى فى سهل قيصرية عام 1008 هـ (1600 م) وأصبحت نهبا للعصابات وقاسى السكان الأمرين حتى أن القرويين راحوا ما بين قتيل وهارب على وجهه، واضطرب نظام جباية الخراج، ويشير سيمون البولندى فى سنة 1027 هـ (1618 م) إلى أنه وجد البلدة خرابا نظرا لما تسرب من الخوف إلى نفوس الجلاليين فحال بينهم وبين إعادة ما تهدم من مبانيها، غير أن أوليا جلبى لما زارها سنة 1059 هـ. أى بعد ثلث قرن من تقرير (سيمون البولندى) وجدها عامرة ثم

التجارة والصناعة والزراعة

عادت قيصرية إلى النفوذ العثمانى المباشر عام 1814 م. ولقد صارت قيصرية فى ظل الخلافة العثمانية لواء أو سنجقا تابعا لايالة قرمان، وظلت كذلك حتى عام 1864 م حيث أصبحت تابعة لولاية أنقرة وصارت تركيا جمهورية وصارت مدينة "قيصرية الأناضول" ولاية. التجارة والصناعة والزراعة: تستمد قيصرية أهميتها كمركز تجارى من موقعها عند ملتقى طرق تجارية هامة تربط بين الشرق والغرب والشمال والجنوب، وأهم من هذا أنها تقع فى ناحية مزدحمة بالسكان، حسنة الرى وخصبة، وتعتمد قيصرية فى رخائها الزراعى على القمح والشعير كما تتوفر بها زراعة الفاكهة والخضروات لحسن توزيع مياه الرى فتجود هذه الزراعات كلها على سفوح الجبال، ولقد كانت سيواس وقونية وقيصرية أيام سلاجقة الروم الزاهرة مراكز التجارة فى الأناضول وتشير دفاتر الضرائب المعروفة باسم الماشية والأغنام ومصانع لصنع البوظة والخمور والشموع وقَلَّ أن كانت ناحية من النواحى فى البلد تخلو من بساتين الكروم والعنب والفاكهة والحدائق المتناثرة هنا وهناك، كما كانت الحنطة والشعير يزرعان على أطرافها، هذا بالإضافة إلى أن القرى المجاورة لها كانت تنتج الحبوب وكثيرا من أنواع الفاكهة والخضروات لاسيما العنب بالذات الذى يستعمل فيه صناعة النبيذ كما يشمل منه الزبيب، كذلك يحتل القطن وعسل النحل مكانا مهما فى انتاجها وتكثر بها اشجار الجوز وتجود بها زراعة الأرز، ونرى أن كلا من سيمون البولندى وأوليا جلبى يثنى على بساتينها وقمحها وشعيرها وفاكهتها المتنوعة التى لا تضارعها أية فاكهة فى أى ناحية من نواحى الأناضول فى الوفرة وغزارة الإنتاج ويمتدح ذلك كله من باركلى وأنيزوورث وموردتمان. وكان القطن والأقمشة القطنية من أهم منتجاتها منذ العصر السلجوقى

فصاعدا، ويشير "كينر" إلى أنه وجد بها تجارا من جميع أرجاء الشام والأناضول ممن جاءوا فى طلب المنسوجات والقطن الخام، كما اشتهرت قيصرية بخيلها، واهتمت هى بتربية الماشية والأغنام والجاموس لصناعة البسطرمة التى ذاعت شهرتها بها ويشير أوليا جلبى إلى أنه شاهد فى أستانبول إقبالا كثيفا على هذه اللحوم ومصنعاتها حتى لم تعد قيصرية تجد كفايتها منها، وكان للجلود سوق فى شتى أرجاء الأمبراطورية لاسيما فى صناعة الأحذية، كما أن قيصرية لا تزال حتى اليوم تنتج كميات هائلة من أجمل وأحسن أنواع السجاد والأكلمة. ويشير سيمون البولندى لكثرة الخانات والنزل والحوانيت والأسواق والصاغة والجوازجية، ويذكر الرحالة "أنسيات" ما فى أسواقها من سلع أستانبول والهند، ويسميها، "كينر" بسوق الأناضول والشام التجارى ويقرر "هاملتون" ما عليه أسواقها من الضخامة وأنها خاصة بالواردات التى تباع بأرخص الأثمان، ويشير "نردتمان" إلى أن التجارة بحوالى سنة 1850 م كانت بأكملها فى أيدى المسيحيين الكابوتيين من أهل البلد، إلا أن ذلك لا يمنع من أن التجار المسلمين بها كانوا من أنشط الجماعات التجارية. وكان للملح اهمية عظمى إذ توجد بها بحيرة مليحة إلى جانب مناجمه فى "حاجى بكتاش"، ويكثر بها الجص ونترات البوتاسيوم (ملح البارود) والكلس مما جعل مواد البناء رخيصة. ولقد مد خط سكة حديد من أنقرة إلى قيصرية سنة 1927 م وخرجت منه فروع إلى سامسون وغيرها من البلاد مما جعل قيصرية البلد مركز خطوط سكك حديدية، وتأسس بها عام 1935 م مصنع حكومى للغزل والنسيج يعمل فيه ما يقرب من ألفين وخمسمائة عامل، وقد ساعد فى إنشائه قرض سوفييتى، كما أنها أصبحت ملتقى خطوط الطيران وأصبح بها فى سنة 1965 م ستة عشر مصنعا (منها

خمسة حكومية وأحد عشر برؤوس أموال خاصة). ومن الصناعات الهامة بها نسج الصوف والمصنوعات الجلدية والمعدنية وتكثر بها الأفران ومصانع بسترة الألبان، ولقد ترتب على ذلك كله ارتفاع مستوى معيشة الفرد بها ارتفاعا لم تبلغه معظم المدن التركية من الناحية الديموجرافية للسكان يستفاد من مراجعة سجلات نفوسها أنه كان بها 2287 شخصا (أو نفرا كما هو وارد فى مصطلحهم) من الذكور ممن يدفعون الضرائب منهم 86 % مسلمون 14 % ذميون، وقد ارتفع عدد غير المسلمين عام 1500 من 14 % إلى 22 % ارتفع عدد الأرمن من 82 % إلى 89 % سنة 1583 م، وكانت الزيادة فى أعدادهم أكبر من الزيادة فى عدد أهلها من اليونان الذين يعيشون بها، ولا ترد الإشارة فى هذه السجلات الضرائبية المعروفة باسم دفترى خاقانى إلى أحد من اليهود وإن كان "أولياجلبى" يشير فى سنة 1059 م إلى وجود معبد لليهود ولقد أدى زلزال 1835 م الفظيع إلى تدمير كثير من الدور وبلغ عدد ضحايا 665 نسمة، كما أفنت الكوليرا فى سنة 1848 م ما يقرب من ثلاثة آلاف من أهل قيصرية، فلما كانت السنة التالية (1849 م ذكر مورد تمان أن عدد سكانها هو 18413 ذكرا (منهم 12344 من المسلمين و 5002 من المسيحيين التابعين للكنيسة الأرمنية، و 11067 من المسيحيين التابعين للكنيسة اليونانية ولقد عقد بقيصرية فى سنة 1922 مؤتمر لمسيحيى الأناضول الأرثوذكس أكدوا فيه أنهم مسيحيون أناضوليون وترك فى قوميتهم ورفضوا كل صلة مذهبية باليونان وأسسوا لهم بطريكية تركية. وحدث بعد المذبحة الأرمنية وتبادل السكان اليونان أن تضاءل عدد سكان قيصرية كما يتضح ذلك من أول إحصاء جمهورى فقد بلغوا 39544 نسمة ولم يبق بالبلد سوى ألف ومائتين وسبع وسبعين أرمنيا على المذهب الكاثوليكى وستة فقط من الأغريق الأرثوذكس.

الثقافة

الثقافة: وتزخر قيصرية بالآثار المعمارية ولازال بها من آثار تلك العهود القلعة الداخلية وقسم كبير من السور الذى كان يحيط بها وكذلك عدة مدارس ومساجد ومقابر وخانات يرجع بعضها إلى العصر السلجوقى، ومن الآثار التى تشتهر بها قيصرية قبر "بطال غازى" وكذلك قبر سيدى برهان الدين شيخ جلال الدين الرومى، كما توجد بقيصرية سبع مدارس ترجع إلى زمن السلاجقة، وكان يوجد بالمدينة زمن السلطان سليمان القانونى ثلاثة مساجد كبيرة تقام بها صلاة الجمعة، إلى جانب عشرين مسجدا صغيرا، وعشر مدارس وسبع عشرة زاوية وثلاثة حمامات ومائة وسبعة حوانيت على أن بعض رحالة القرن التاسع عشر الميلادى يصفون مدينة قيصرية فى أيامهم بالقذارة لوجود السلخانة بها ومصنع تصنيع اللحوم وصناعة دبغ الجلود والصباغة. واشتهر أهل قيصرية الأناضول بشدة تمسكهم بالإسلام السنى، ويزعم الرحالة "كابى نورى نيكولاس" أنه لا يمكن ليهودى أن يعيش أبدا فى قيصرية وتفسير ذلك عنده أن ما عليه أهلها من المهارة والجد لا يسمح بالتواجد والقول الشائع فى تركيا أن لأهل قيصرية ميلا قويا للعمل وأنهم أهل جد ودأب. د. حسن حبشى [ر. ريننجس R. Rennings] قيصرية فلسطين قيصرية (وقد يقال عنها قيسارية) وباللغات الأجنبية Caesarea وهو اسم كان يطلق أيام الأمبراطورين الرومانيين أوجستوس وطيبريوس على أكثر من هذه المواضع سوى مكانين فقط يحملان هذا الاسم (انظر ياقوت فى معجمه تحت كلمة قيسارية). أما الموضع الأول فبلدة على الساحل الفلسطينى كانت معروفة فى القديم باسم قيصرية البحرية Ma-Caesare ritima وهى تبعد عن حيفا من ناحية الجنوب قرابة خمسة وعشرين ميلا، وقد أنشاها جماعة من أهل صيدا فى

القرن الرابع قبل الميلاد وسموها "برج سترابو". ثم جاء هيرودوس الكبير فبناها سنة 13 أو 10 ق. م. وسماها بقيصرية تمجيدا لمولاه أوجستوس [قيصر]، وسرعان ما اندثر الاسم القديم ونسيه الناس، وازدهرت هذه المدينة الجديدة ازدهارًا يرجع الفضل فى بعضه إلى ما تتمتع به من مرفأ لطيف يعتبر الميناء الأساسى لسبسطية وكانت معقلا للقوة الهيلينية الرومانية رغم -سكانها اليهود وما كانت تتمتع به من تعليم يهودى حتى أن جزءا من التلمود الفلسطينى كتب بها، وظلت حتى دخول العرب فيها تعتبر عاصمة ولاية فلسطين الرومانية ثم البيزنطية وعُدت مركزا هاما من مراكز تعليم التعاليم المسيحية بفضل أسقفيتها واعتبارها معقل الأسقفية كلها، فلما كان القرن الرابع الميلادى تولى أسقفيتها "بوسيبوس". إن أخبار فتح قيصرية الواردة فى المصادر الإسلامية متأثرة بالحقيقة الثابتة إلا وهى أن هذه المدينة المنيعة الحصانة والتى تتمتع بقوة دفاع عظيمة كانت تعتبر فى عيون المسلمين جماع القوة المسيحية والبيزنطية فى فلسطين، وأنها آخر ما قد يمكن أن يقع من الأماكن فى أيدى العرب ولما سقطت فى أيديهم كان هذا السقوط ذروة النجاح الإسلامى فى فلسطين لذلك فإن ما ورد عنها من الأخبار فى هذه المصادر يفوق فى كمه وتفصيله الأخبار المتعلقة بالقدس، ولقد بولغ فى تقدير عدد المدافعين عنها تمجيدا لهذا الفتح، وحتى ليذهب خبر من الأخبار للقول بأن من حوصروا بها كانوا 930000 مقاتل إزاء سبعة عشر ألف مسلم (فتوح البلدان للبلاذرى 31، ولكن انظر بارهبريوس حيث يقدر عدد المدافعين عنها بسبعة ألاف رجل فقط) وقد ظل عمرو بن العاص قائما على حصارها حتى غادرها إلى مصر، وكان معه فى الحصار عياض بن غُنم. وقد جاء فى أسد الغابة أنه هو الذى فتح الجزيرة وصالحه أهلها وهو أول من اجتاز الدروب، وقد مات سنة عشرين للهجرة وكان إسلامه قبل الحديبية وشهدها، وكان يسمى؛ زاد الركب.

وقد تم الاستيلاء على المدينة فى شوال سنة 19 هـ (سبتمبر/ أكتوبر 640 م) بعد حصار يبدو أنه دام سبعة أشهر، ولكن بولغ فيه فى كثير من المصادر العربية فجعلته سبع سنوات، ووقع فى أشر المسلمين يومذاك أربعة آلاف محارب (راجع الفتوح للبلاذرى 140 - 141, 212 فتوح مصر لابن عبد الحكم 57 - 58، وتاريخ اليعقوبى 172 - 173 والعقد لابن عبد ربه جـ 1 ص 124, ومعجم البكرى 757، وتاريخ ابن عساكر جـ 4 ص 395). ولقد اعتبر قيصرية الشام هذه مركز دفاع رئيسى تحول بين نزول البيزنطيين إلى الساحل، كما اغتنم الروم ثورة عبد اللَّه ابن الزبير وقاموا بمهاجمة كل من قيصرية وعسقلان وخربوهما، ولكن ما كاد عبد الملك بن مروان يجمع السلطة فى يده حتى رمم الموضعين وأعاد تحصينهما وتحصين مناطق أخرى ساحلية مثل عكا وصور (البلاذرى ص 142) غير أن عزوف العرب عن ركوب البحر [آنئذ] جعل من الصعوبة بمكان على الخلفاء الأمويين حمل المقاتلين العرب على الاستقرار فى المدن الساحلية. ومرت قيصرية الشام بطور من التدهور زمن العباسيين الذين صرفوا عنايتهم إلى ولاياتهم الشرقية لعدم اهتمامهم الاهتمام الواجب ببلاد الشام وقام أحمد بن طولون (254 - 270 هـ/867 - 883 م) بتحصين الساحل الفلسطينى مرة ثانية، لكننا لا نجد أية إشارة إلى هذا الموضوع يتعلق بقيصرية التى كانت الرمال قد ملأت ساحلها يومذاك. ويلاحظ أن جغرافيى العرب من أهل القرنين الثالث والرابع الهجريين (التاسع والعاشر الميلاديين) وناصر خسرو (رحالة القرن الخامس الهجرى) يعبرون إلى خصوبة إقليم قيصرية الشام ووفرة منتجاتها الزراعية وإن كانوا قد أمسكوا عن الإشارة إلى مينائها (انظر المقدسى 35، 154، وناصر خسرو فى سفر نامة 18، والإدريسى ولى سترانج فى فلسطين فى ظل الحكم الإسلامى)، غير أنه فى سنة 36 هـ (975 م) قام الأمبراطور

البيزنطى حنا الشميشيق فاعتدى على الأراضى الإسلامية وتوغل جنوبا حتى بلغ مشارف قيصرية، ولكن ما لبث أن وافاه أجله، إلا أن الخطر القديم الذى كان يهدد رخاء المدينة إنما جاء هذه المرة من ناحية بدو بنى جراح وهم من قبائل طئ وكانوا بقيادة شيخهم "مفرج ابن دغفل" الذى اغتنم فرصة ما اتسمت به خاتمة حكم الإخشيديين من الاضطرابات فتمكن فى سنة 360 هـ (971 م) فى دعم مركزه فى السهل الساحلى لاسيما حول الرملة. واستغل نفوذ هؤلاء البدو فى خلال نصف القرن الأول من حكم الفاطميين حتى لقد استطاع مفرج بن دغفل من محاصرة المدن الساحلية فيما بين عامى (397 و 404 هـ حاكما تابعا له 1014 و 1012 م) ثم ذهب أبعد من ذلك حين أقام من مدن فى فلسطين (راجع يحيى بن سعيد الأنطاكى، طبعة شيخو ص 160، 201)، فلما كانت سنة 414 هـ (1024 م) عين الخليفة الظاهر والى قيصرية وهو منتخب الدولة عاملا على فلسطين وفوضه السلطة الكاملة فى القضاء على بلاد حسن بن مفرج الذى كان قد خلف أباه فى قيادة بنى جراح (انظر خطط المقريزى، طبعة القاهرة 1270، جـ 1 ص 354). وعلى الرغم من أن قيصرية لم تشتهر بأنها مركز إسلامى للعلم إلا أننا نطالع فى المصادر أسماء بعض علمائها ممن عاشوا بها ودرسوا فيها (معجم البلدان لياقوت جـ 4 ص 124، 778, وابن تغرى بردى النجوم الزاهرة جـ 2 ص 204، وابن عساكر جـ 4 ص 185، 232، 460). لم تهدد الحرب الصليبية الأولى قيصرية تهديدا خطيرا إلا أنه فى عام 494 هـ (= 1101 م) قام الصليبيون بعد اعتلاء بلدوين الأول عرش القدس بمهاجمة المدينة يعاونهم فى هذا الهجوم أسطول جنوة، وبعد أن سقطت أرسوفيوم 27 جمادى الثانية (29 أبريل) حاصروا قيصرية وسقطت فى أيديهم يوم 17 مايو، ولقد كوفئ الجنوية لقاء مساهمتهم فى الغزو بأن

صار لهم ثلث المدينة وأذن لهم بتسمية الكاتدرائية الثانية الموجودة فى المدينة بكاتدرائية راعية سان لورننزو (فيما يتعلق بالفتح راجع المبتدأ، ابن خلدون جـ 5 ص 186)، وبعد أن تم فتح قيصرية استقلت بها أسرة "جارنييه" فكانت من الأسر الأولى التى تاسست فى هذا الإقليم، (انظر رنسمان الحروب الصليبية) وبنى الصليبيون فى قيصرية مرفأ صغيرا داخل حدود المدينة القديم الكبير، وزاد عدد سكانه اللاتين حتى بلغوا ما يقرب من خمسة آلاف نسمة، وهو عدد ضخم فيما يتعلق بسكان المدن الصليبية، وفى سنة 583 هـ (1187 م) بعد وقعة حطين واحتلال عكا تيسر فتح قيصرية فلسطين على يد قائدين من قواد صلاح الدين هما بدر الدين دالدرم وغراس الدين خلج (انظر الروضتين لابن هامة 2 ص 356، وابن الأثير الكامل جـ 11 ص 356، والفتح القسى للكاتب الأصفهانى ص 33). ولما أخذت طلائع جيوش الحرب الصليبية الثالثة فى الظهور وأدرك صلاح الدين ضعفه فى البحر، ولما كان شديد الحرص على ألا يتمكن الصليبيون من النزول إلى الساحل فقد أمر فى سنة 586 هـ (1190 م) بهدم تحصينات قيصرية (انظر السلوك 1/ 10، 104 والأنس الجليل لمجير الدين 324) ثم عاد ريتشارد قلب الأسد فاحتل قيصرية مرة ثانية فى العام التالى وأقيمت بها حامية قوية، ولقد ظلت تحصينات البلد مهدمة حتى جاءت سنة 615 هـ (1218 م) فأجمعوا العزم على إعادة بناء القلعة على المرفأ الجنوبى من الميناء، ولما كانت سنة 617 هـ (1220 م) استعد الملك الأيوبى المعظم عيسى لاحتلال قيصرية فى الوقت الذى كانت فيه قوات الصليبيين الرئيسية تحاصر دمياط ولكن وجدها خالية تماما فقد أخلت البحرية الجنوبية القلعة من السكان (ابن تغرى بردى جـ 6 ص 239). وبقيت المدينة من الناحية الاسمية أو الشكلية فى أيدى المسلمين سنة 656 هـ (1228 م) حين

سلمها الملك الكامل سلطان مصر إلى الإمبراطور فردريك الثانى هى والقدس وغيرهما من البلاد الفلسطينية، وبعد قدوم الملك لويس التاسع إلى الأراضى المقدسة سنة 648 هـ (1250 م) شرع فى إقامة تحصينات جديدة وتم له الفراغ منها فى إبريل أو مايو 1252 م، وكان الترحيب بما أنجز عظيما باعتباره أعظم وأجمل مبنى فى فلسطين (انظر جوانفيل: القديس لويس) وكان العمل الذى تم فى هذا الوقت يتضمن بناء كل المدينة وإقامة حصن يحمى البلد من البر والبحر على السواء وكشفوا عن خندقها القديم وأزالوا ما به من تعديات وعمقوه، وبذلك أعطوا سور المدينة أقصى ما يمكن من الارتفاع إذ بلغ حوالى سبعين قدما (واثنين وعشرين مترا)، ولكن لم تستطع كل هذه التحصينات المنيعة إنقاذ قيصرية حين أجمع المماليك العزم على هدم كل ما بقى من المعاقل الصليبية على طول الساحل الشامى وذلك حين أمكنهم دحر الغزو المغولى سنة 658 هـ (1260 م) فلما كان بعد أربع سنوات من هذا التاريخ (622 هـ - 1264 م) كان أول هجوم للمماليك على نواحى قيصرية وعثليث بقيادة الأمير ناصر الدين القيصرى، إلا أن الحملة الأخيرة بقيادة بيبرس جرت عام 663 هـ (1265 م) حين شن المماليك هجوما ضاريا أرغم المدافعين على الارتداد إلى القلعة المسماة فى المصادر العربية باسم "الخضراء" كما اضطر الصليبيون تحت وطأة قصف منجنيق بيبرس إلى طلب التفاوض وتم رحيلهم يوم الخامس من مارس 1265 م على ظهر السفن وأمر السلطان يومئذ بهدم الحصن، وكان احتلال المماليك لقيصرية مساعدا لهم على حرية التحرك كيفما شاؤوا فعرجوا جنوبا على يافا وأرسوف، وشمالا على عثليث وعكا (مرآة الزمان لليافعى جـ 4 ص 161، والسلوك جـ 1 ص 526 - 528 صبح الأعشى للقلقشندى جـ 3 ص 434، مفضل بن أبى الفضائل فى Patrolagia جـ 12 ص 132 - 133).

القين

لقد صمم بيبرس على إقامة خط دفاع جديد على امتداد سفوح الجبال فى الإقليم ذاته تقوم بالدفاع فيه قوات إسلامية وذلك من سلسلة التحصينات الساحلية التى تم تدميرها عن آخرها، ومن ثم أعيد بناء قلعة "قاقون" لتحل محل قيصرية وأرسوف (انظر السلوك جـ 1 ص 557). ولقد ظل موقع قيصرية مهجورا فترة من الزمن قاربت أربعة قرون (صبح الأعشى جـ 3 ص 237) حتى إذا كان القرن الحادى عشر الهجرى (السابع عشر الميلادى) حاول جماعة من صيادى الأسماك الاستقرار هناك واستعملوا أنقاض البلد فى البناء لاسيما حين شيد الجزار باشا مسجده فى عكا فى نهاية القرن الثانى عشر الهجرى (الثامن عشر الميلادى) وفى سنة 1884 م استقدمت الحكومة التركية من هناك الفارين وأسكنتهم قيصرية ولكن تفشى وباء الملاريا فيهم جعلهم فى أشد حالات البؤس. ولقد كان أول مسح آثارى للموضع فى سنة 1873 م وقد تم على يد Palestine expination Fund ولكن الحفريات المنتظمة كانت خلال الخمسينيات والستينيات بواسطة علماء الآثار الإسرائيليين والايطاليين، وأعيد بناء أجزاء من البلدة وتم ترميم جزء من السور الذى كان الصليبيون قد شيدوه، كما رمموا المسرح الرومانى الذى كان يستعمل للعروض الموسيقية. د. حسن حبشى [م. شارون M. Sharon] القين القين مشتقة من "ق. ى. ن" التى تعنى فى الأصل الحداد، ثم اتسع معناها فأصبح يشمل "الصانع" هذا على الرغم من أن العادة قد جرت على أن يقصد به "الحداد"، انظر فى ذلك لسان العرب مادة "قين"، ولم ترد هذه الكلمة فى القرآن الكريم، ولكنها وردت -من ناحية أخرى- فى كثير من الأحاديث النبوية، ومؤنث "قين": "قينة" ويقصد بها "المغنية"، ولما كان العاملون فى مهنة الحدادة من أدنى طبقات

المجتمع فقد أصبح لفظ "قين" تعبيرًا مستهجنا يطلق على "العبيد"، ونرى جريرا الشاعر فى قصائده التى يهجو فيها خصمه الفرزدق ينعته بعض الأحيان بابن القين، وكان هذا اللفظ ينظر إليه فى المجتمع الصحراوى كسبة بالغة حتى أن الأخطل -وقد أراد أن يرثى سماكا الأسدى- هجاه عن غير قصد -إذ أشار إلى أن واحدا من أسلافه كان حدادا. ولقد استمرت هذه النظرة المستهجنة للصانع سارية بين البدو ونعرف ذلك مما ورد فى كتاب جزيرة العرب فى القرن العشرين لحافظ وهبة وفى قاموس العادات الأردنية للعزيزى، ذلك أنهم يعتبرون الصانع دخيلًا حتى ولو كان هو وأسرته قد عاشوا بينهم من أعقاب موغلة فى القدم، فالصانع لا يمكن قط أن يندمج فى القبيلة، ومحال لأى بدوى عربى -مهما كانت ضعة أصله ومولده- أن يرتبط بالصانع بروابط زواج، وقد أوضحت هذه الظاهرة الدراسة التى قام بها مونتان فى Vie Sacilre et Pabitique de l, Qralre du Nord (1932), p 74 أما الحدادون (جمع حداد)، فكانوا فى الأصل سكان الواحات وهذا ما يقرره مونتان مرة أخرى فى دراسته السابقة، وكان الحدادون ينتمون فى بعض الأحيان إلى تلك القبائل المنبوذة المشردة مثل جماعات النور أو الصلبة، والذين كانوا يؤلفون فيما بينهم طبقة منفصلة قائمة بذاتها ويعتبرون أنفسهم "بنى عم" (راجع فى ذلك Joussen latumes des Or abes au Pays du moab; Qaugbty: aralra Qeserta; musil mamers lgust ams of Rwala Bedouis وكان وصفهم الوضيع حاميا لهم من عواقب الغارات، ومن ثم فإنهم كانوا يتمتعون بحصانة تامة حيث يوجدون، فكانوا إذا أغارت قبيلة على القبيلة التى آثروا القين فى ظلها ووقفوا بمعزل عن القتال، لا يفعلون شيئا للدفاع عن أنفسهم أو عما يملكون اعتمادا على ما لهم من حق الحماية التى يتمتعون بها، فإن أخذت بضاعتهم وما يملكون

بطريق الخطأ كانوا على تمام الثقة من استردادهم إياها سريعا. فكان لكل حداد فى قبيلة "أخ" فى القبيلة الأخرى يكون لزاما عليه أن يرد كل ما نهب خطأ. ومن الأمور الجديرة بالملاحظة هو أن "القين" فى المجتمع السبئى حدَّ من أى انتقاص من قدره كما هو الحال فى شمال شبه الجزيرة العربية، ويظهر أنه كان من المتفق عليه أن معناه هنا هو "الشخص الذى يرتب شيئا" مما يتفق ومعناه الأصلى فى اللغة العربية، ومن هذا يظهر أن اللفظ كان يطلق على موظف كبير أو مشرف رفيع القدر أو مسئول تتعلق واجباته بالدين وكل ما هو مقدس، ويوجد ما يشير إلى هذا الإحساس بالعظمة فى آية من القرآن الكريم. كما ينسب القرآن الكريم اختراع الزرد من الحديد وصناعتها إلى داود عليه السلام، ويُذكر الحديد فى كثير من الأحاديث النبوية، فقد ذكر ابن عمر أنه قال "إن اللَّه نزل للناس أربعة عناصر هى الحديد والنار والماء والملح"، (انظر فى ذلك الطبرى: مجمع البيان فى تفسير القرآن) ويزيد ابن عباس فى الشرح فيما يورده إذ يقول "إنه جاء مع آدم المطرقة والسندان والكير"، وأخيرا ففى الحديث الشريف الذى ينهى فيه الرسول عليه الصلاة والسلام عن قطع الزرع الموجود فى حرم مكة يستثنى من ذلك "الاذخر" وهو نبات ذو رائحة عطرة يزينون به الدور والقبور ولكن يستعمله أيضا الحدادون، وقد ورد ذلك فى صحيح البخارى كتاب الجنائز، (وانظر لسان العرب مادة: قين) gaudefeay gem amlynes. le helerinage a la merre وهكذا يبدو وضع "القين" متضاربا، فبينما هو موضع الازدراء والاحتقار إذا بنا نراه فى الوقت ذاته يتمتع بميزات هامة حيث يرتبط بالشخصيات ذات السمو الدينى، وتذهب معتقدات قبيلة "رَوَله" إلى القول بأن اللَّه خلق أول حداد فى الوقت الذى خلق فيه أول بدوى، وأن الأمور التى تبعد الناس عنه والتى تحوطه لا

المصادر

تفسر فحسب على ضوء الازدراء الذى يظهره الناس للنشاط اليدوى الحرفى، بل هناك أمر آخر يجب أن يؤخذ فى التقدير وبعين الاعتبار ونعنى به الفزع الخرافى الذى لا مبرر له من أن قد يصيبهم مس من نجاسة الساحر الصانع -وأن له اتصالًا بهذه القوة الطاغية التى جعلت القين السبئى وسيطا بين الرجل وبين القوى الخفية. ولنا أن نتساءل: هل كان عرب الجنوب هم الذين علموا عرب الشمال فن الحدادة حسبما يرى بعض المؤرخين كما يقول البلاذرى فى كتابه أنساب الأشراف؟ إن هذا التساؤل وذلك الافتراض ربما كان مقبولا وله ما يؤيده من أن الحداد اليوم لم يعد يعتبر كما كان الحال سابقا منبوذا أو مكروها بأى حال من الأحوال، بل إن الذين تُنظر إليهم هذه النظرة هم تلك الطبقة التى تسمى بطبقة العناديل (وتضم الحلاق والجزار والحجام). المصادر: يمكن أن نضيف إلى ما ورد منها فى المتن ما كتبه Cbelhad: le Mande mytlique arabe; l'ar ganis ati an sociale au Yemen بدرية الدخاخنى [ج. شلهود G. Shellhood] القين (قبيلة) القين أو بنو القين اسم يطلق على أكثر من قبيلة عربية، وهم فرع من "قضاعة"، والقين هنا كنية النعمان بن جسر ومن ثم تعرف القبيلة بالقين بن جسر، أما القين فمعناها فى اللغة "الرجل الذى يعمل بالحديد، ويعمل بالكير، ولا يقال للصائغ ولا للنجار قين"، وقد يراد به السخرية بالمرء والازدراء به كما جاء فى نقائض جرير والفرزدق، ولا صلة أبدًا بين "بلقين بن جَسْر" و"الحداد". ولقد كان من بين القبائل التى حاربها بنو القين قبائل كلب أو الكلبيين وغطفان. وأراضى بنى القين كثيرة، فواحدة منها (واسمها تجْر) واقعة بين وادى القرى وتيماء، أما الأماكن الأخرى فأكثرها فى الشمال، ولعل من أدنى

قينقاع، بنو

القبائل إليهم فى الجوار قبائل كلب وبَلى وعذرة، وقد كان فريق من بنى القين حلفاء للنبى (عليه الصلاة والسلام) حيث التمس المسلمون منهم العون فى غزوة ذات السلاسل التى كانت فى السنة الثامنة للهجرة، ويقرر هذه الحقيقة الواقدى. على أن هناك رهطا من بنى بلقين قاتلوا المسلمين فى "مُؤتة" حوالى هذا الوقت، كما قاتلوهم فى اليرموك وربما فى "فحْل" أيضًا، وليس هناك بين الأخبار الإسلامية ما يشير إلى أنهم أرسلوا وفادة لمحالفة الرسول عليه الصلاة والسلام. ولما كانت حرب ابن الزبير وقفوا إلى جانب مروان، وهذا ما نستفيده مما هو وارد فى كتاب التنبيه والإشراف للمسعودى، غير أنه لم يمض وقت طويل حتى وقف منهم عبد الملك بن مروان موقف العداء فى أثناء نزاع كان بينهم وبين الكلبيين حول مكان يسمى "بقراقر". ولما بعث الأمويون فى سنة 119 هـ (= 737 م) جيشا لمحاربة الخارجى بهلول انخرط من بنى القين فى هذا الجيش ستمائة رجل، وهذا ما يُجْمع عليه ويؤكده كل من الطبرى وابن الأثير، على أن آخر ما نسمعه عنهم هو مساهمتهم فى القتال القبائلى بدمشق سنة 176 هـ (= 792 م) ويقال إن أخوين من بنى القين هما مالك وعقيل كانا يعرفان بندمانى جذيمة بن الأبرش ملك الحيرة ولم يكونا يفارقانه أبدًا، يؤكد ذلك ما ورد فى المفضليات لابن الضبى، غير أن أشهر رجل من هذه القبيلة كان هو الشاعر "أبو الطمحان" الذى كان فى الجاهلية صديقا للزبير بن عبد المطلب ولعبد اللَّه بن جُدْعان. مها سيد معبد [و. مونتجمرى وات W. M. Watt] قينقاع، بنو إحدى قبائل اليهود الثلاثة الكبيرة فى يثرب، وليس فى الاسم صلة ما بالعبرية، وليس ثم شئ مؤكد حول هجرتهم إلى يثرب، ولم يكن لهم أرض يملكونها ولكنهم كانوا يعيشون على التجارة والمتاجرة، وليس هناك من

أسباب قوية للشك فى ما قد يكون لهم من أصل يهودى. وكانوا يعيشون فى الجزء الجنوبى الغربى من يثرب، قرب "المصلى" وملاصقين فى مساكنهم للجسر الذى على وادى بطحان، حيث كان فى أيديهم اثنان من الأطم التى تختص بها هذه البلدة، وكان من بين الأعمال التى يشتغلون بها الصاغة فكانوا صاغة ذهب، وقد أشار إليهم البخارى مرتين فى موضعين من كتابه أحدهما فى باب الخمس والآخر فى المغازى، فنعتهم بأنهم "صاغة قينقاع"، ولما أخرجوا من المدينة تركوا وراءهم السلاح وأدوات الزراعة فقسمها النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] بين المسلمين بعد أن استبقى الخمس، ويختلف الناس فى تقدير عدد محاربيهم فمنهم من يجعلونهم أربعمائة رجل ومنهم من يغالى فيقول بل كانوا سبعمائة وخمسين. ولما انتقلت السلطة العليا فى مدينة يثرب القديمة من يد اليهود إلى بنى فَيلة تحالف بنو قينقاع مع الخزرج، ولما أعطى النبى محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] العهد فى صورة العلاقات التى تكون بين المؤمنين وبين غيرهم من الطوائف التى تعيش فى المدينة لا نجد ذكرا بعدئذ لبنى قينقاع أكثر مما ورد ذكره عن بنى النضير وقريظة، ومن هنا جاز لنا أن نرجح -كما رجح وات فى كتابه: محمد فى المدينة -أن هذا العهد- فى صورته الحالية إنما كتب فى الفترة التى أعقبت التخلص من بنى قريظة وذلك فى نهاية السنة الخامسة للهجرة (= أبريل 627 م). ولقد اضطربت العلاقات بين النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] واليهود بعد وقعة بدر التى جرت فى رمضان من السنة الثانية للهجرة (مارس 624 م)، إذ اتخذ اليهود كجماعة اتجاها لا ينطوى على الود نحو الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] ذلك أنهم أصبحوا من وجهة النظر الدينية مصدر إزعاج للمسلمين، كما أنهم من الناحية السياسية صاروا خطرا شديدا باعتبارهم حينذاك طائفة أجنبية قوية داخل المدينة التى اهتدت منذ قريب،

ولابد أن النبى محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] قد أجمع العزم على إخراج أعدائه بعد أن أدرك ما بلغه موقفه من القوة والثبات بعد وقعة بدر، وإذ كان بنو قينقاع يعيشون فى المدينة ذاتها فقد كانوا أول طائفة تتطلع للتخلص منها، وعلى ضوء هذا الرأى يمكن تفسير هجومه [-صلى اللَّه عليه وسلم-] على بنى قينقاع ذلك الهجوم الذى وقع على الأرجح فى مستهل شوال من السنة الثانية للهجرة (= أبريل 624 م)، وإن ما يسوقه الكتاب المسلمون من أسباب معينة للهجوم إنما هى أدخل فى باب الأخبار، وضمن ما قيل إن بنى قينقاع سلكوا سلوكا مستهجنا، كما يقال إن ما ورد فى سورة آل عمران الآية 12 فى قوله تعالى {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ} إنما فيه إشارة إلى هذه الأحداث. ونستفيد من الواقدى وابن سعد أن الآية 58، 59 من سورة الأنفال تشير إلى هذا الموضوع فى قوله تعالى: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ (58) وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ} كما أن الآية الثالثة عشرة من آل عمران {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (12) قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ} إنما تشير إلى نصر المسلمين ببدر لتكون لهم عبرة وتحذيرا، كما أن الآية الثامنة والخمسين من الأنفال (الواردة أعلاه) تتكلم عن الثأر من قوم يخشى غدرهم وخيانتهم. أقام المسلمون على حصار بنى قينقاع أربعة عشر يوما استسلم بعدها بنو قينقاع دون أن يضربوا ضربة واحدة، وقيد الرجال إذ خافوا أن يقع بهم ما أشد وأنكى من ذلك، ولقد كان للتدخل الكبير من جانب عبد اللَّه بن أبىّ (كبير الخزرج وقائد المنافقين) من أجل بنى قينقاع أثر فى تحسين مصيرهم، واكتفى فى هذا الموقف

المصادر

بخروجهم أولا إلى الأماكن اليهودية فى وادى القرى بشمالى المدينة ثم مضوا منها شطر "أذرعات" ببلاد الشام. إلا أنه لم يكن معنى ذلك هجرة بنى قينقاع عن آخرهم، فقد اعتنق رهط قليل منهم الإسلام، وربما كان ذلك بدافع من انتهاز الفرصة أكثر من أن يكون إسلاما عن نية صادقة، ومن ثم بقى هذا الرهط يعيش فى المدينة، ويشير ابن اسحاق فى سيرة ابن هشام إلى ثلاثين قينقاعيا من خصوم النبى (-صلى اللَّه عليه وسلم-)، وربما كان هذا قبل إخراجهم، على أن أسماء خمسة أوستة من الأسماء التى ذكرها ابن هشام تظهر مرة ثانية فيما يذكره الواقدى من أنهم مشوا فى جنازة ابن أبىّ (وذلك فى السنة التاسعة للهجرة = 631 م) ويقول إنهم "من بنى قينقاع وآخرون" ممن تدافعوا إلى النعش وساروا به، وهناك قينقاعى آخر هو عبد اللَّه (الذى كان يسمى بالحصين) بن سلام (باللام المخففة) والموصوف بأنه "كبيرهم وأعلمهم" والذى يختم به ابن إسحاق قائمة هؤلاء القينقاعيين فإنه قد أسلم واهتدى فى أعقاب دخول محمد (-صلى اللَّه عليه وسلم-) المدينة مباشرة وذلك حسبما ترويه الأخبار، وإن كان "هوروفتس" يرى أن الأصح والأقرب إلى الواقع أن عبد اللَّه ابن سلام إنما كان إسلامه فى السنة الثامنة للهجرة، أى قبل عامين من وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام، وذلك حسب ما يذكره ابن حجر فى الإصابة. ولزيادة فى الوقوف على أخبار بنى قينقاع، انظر أيضا أنساب الأشراف للبلاذرى. المصادر: (1) للديار بكرى: تاريخ الخميس (طبعة القاهرة) 128، ص 408 وما بعدها. (2) الحلبى: والسيرة (القاهرة) 1384/ 2، 474 - 478. (3) سيرة ابن هشام (تحقيق Wustenfeld جوتنجن 1859 - 1860) ص 383، 545 - 547. (4) Watt: muhammad at me W.Mdine (oxford, 1956), 181, 192 - 8, 208 - 210, 216, 219 مروان حسن حبشى [فنسنك - باريه A.J. Wensinck, R. Pares]

ك

ك

الكارمية

الكارمية الكارمية اسم يطلق على مجموعة من التجار المسلمين ظهروا فى أيام الدولتين الأيوبية والمملوكية يشتغلون بتجارة التوابل بشتى أنواعها, ولم يوجد حتى الآن تعريف مقنع بالأصل الذى اشتقت منه كلمة "كارمى" أو "كارم" أو "أكارم"، ويميل "كاترمير" بناء على ما يذكره القلقشندى إلى أن الاسم مشتق من كلمة "كانم" وهو بلد فى السودان الغربى ثم تحوَّل إلى "كارم"، أما القلقشندى نفسه فيذكر أن الكلمة وردت بهذه الصورة فى وثائق "الديوان" وليس لها من معنى فى العربية، على حين أن ابن ماجد يشير إلى طريق تجارة الفلفل الأسود القديم من بلاد الكانم (فى السودان الغربى). ويذهب "ليتمان" إلى أنها مشتقة من أصل أمهرى وأنها من الكلمة "كرر ريمة" ويقصد بها نوع من التوابل أدخله "الكارمى" إلى الحبشة. على أن الثابت المؤكد هو أن "الكارمية" بالدرجة الأولى كانوا تجارًا من المحيط الهندى والبحر الأحمر، ومن ثم تكون الفكرة صحيحة وهى التى أعلنها "ليتمان" من أن كلمة "الكارمى" قد تكون مرتبطة باسم نوع من التجارة، ويتضح من وصف المقريزى لأسواق القاهرة أن سوق العنبر (الكارم أو القهرمان) كانت سوقا رائجة، ولا يزال العنبر الأصفر يعرف فى مصر حتى اليوم باسم "الكارم"، وعلى هذا الأساس يمكن تفسير أصل لفظ "الكارمى"، ويؤيد "بلوشيه" هذا

الاشتقاق، أما "جاستون فييت" فيقول إن مصدر العنبر الأصفر إنما هو فى إقليم البلطيق وليس فى بضائع وسلع المحيط الهندى. وينقل "فيدمان" عن النويرى إشاراته إلى أن العنبر كان يستورد من الامبراطورية البيزنطية ويقصد بذلك من أسواق بيزنطة التجارية، على حين نرى أن "فيشيل" و"جوتيين" و"أشتور"، و"تورا" و"ميليو" و"دراج" و"سوبليه" وكاهن من ناحية أخرى يركزون اهتمامهم على تقدم جماعات الكارمية أكثر من اهتمامهم بأصل الكلمة الذى اشتقت منه. ويتضح لنا من الوثائق العربية أن كلمة "الكارم" كانت تستعمل ويقصد بها "الأسطول" ولا سيما الأسطول التجارى، وتشير وثائق الجنيزة إلى ما يشبه هذا المعنى. ومهما يكن الأمر فإن لفظ "الكارم" ورد لأول مرة فى نص نقله القلقشندى حيث يذكر أن الفاطميين أنشأوا أسطولا خاصًا (كان مؤلفا فى البداية من خمس سفن ثم صار ثلاثًا) وكانت مهمة هذا الأسطول حماية سفن الكارمية (فى رحلاتها ما بين عيذاب وسواكن) من هجوم قراصنة الجزائر المجاورة ولا سيما قراصنة "دَهْلَك" وكانوا يعهدون بقيادة الأسطول إلى والى قوص وأحيانًا إلى أمير يكون اتصاله مباشرة بالحكومة فى القاهرة، وقد أظهر صلاح الدين اهتمامًا متزايدًا بتجارة الكارم التى كانت الضرائب المفروضة عليها قدر دخلًا كبيرًا لبيت المال، ويذكر المقريزى أن صلاح الدين طالب تجار الكارم فى سنة 577 هـ (= 1181 م) بأن يدفعوا إليه ضرائب أربع سنوات مقدمًا وذلك حين قدموا فى ذلك العام، ومما يستحق الانتباه أن المقريزى يتكلم عن "التجار" وليس عن "الكارم". ولقد صادف تجار الكارم بعد ذلك بسنة واحدة فقط (أعنى سنة 578 هـ) أشد صعوبة لاقوها تمثلت فى محاولة الصليبيين تثبيت أقدامهم فى البحر الأحمر، وكان ذلك العمل من جانبهم ينطوى على خطر بالغ على الإسلام, لأن معناه هو تهديدهم للأماكن المقدسة بالحجاز، غير أن أعظم ما كان يشغل بال

صلاح الدين هو أن تظل مصر محتكرة حركة الملاحة فى البحر الأحمر، على أن انتصار صلاح الدين على رينودى شاتيون (ارناط) ساعده على أن تظل القوي الفرنجية والتجار الفرنجيون بعيدين عن طريق هذه التجارة الهامة الحيوية بين الغرب والشرق الأقصى وعمل فى الوقت ذاته على زيادة التوسع فى نشاط التجار الكارمية. وقام تقى الدين عمر (ابن أخى صلاح الدين ونائبه بمصر) فى سنة 579 هـ (= 1183 م) ببناء "فندق الكارم" الشهير فى الفسطاط التى هى ميناء القاهرة التجارى وتخلّى فى هذا الوقت كل من التجار اليهود والأقباط عن نشاطاتهم فى البحر الأحمر وحل محلهم التجار المسلمون ولا سيما "الكارمية". قد يكون من الصعب كتابة تاريخ الكارمية خلال العصر الأيوبى بعد موت صلاح الدين وذلك بسبب عدم وجود مصادر فى أيدينا بهذا الصدد، أما السلاطين المماليك فيمكن القول إنهم مارسوا نفس سياسة اسلافهم التجارية ومن ثم عملوا على نشاط وتوسيع تجارة الكارم. ولقد صحب انتقال الحكم من الأيوبيين إلى المماليك مشكلات كبيرة فى الداخل والخارج من ذلك حملة القديس لويس وتقدم المغول من ناحية، وثورات القبائل العربية المستقرة فى مصر من ناحية أخرى، وفى خلال هذه الأزمة رأى الكارمية وغيرهم من تجار الحملة أن من الخير لهم أن يقللوا حجم ما يجلبونه إلى مصر، وظهر ذلك على وجه الخصوص حين قام الملك المظفر قطز بفرض الضرائب الباهظة على تجار مصر حتى لقد فقدوا فى هذه الأثناء ثلث ثروتهم وكان الدافع لقطز على هذا العمل سداد نفقات حملاته، فلما تولى بيبرس السلطة ألغى هذه الأجراءات وأمر واليه فى قوص وفى عيذاب بحسن معاملة التجار وبذلك لم يتوقف ورود السفن من الموانئ اليمنية إلى عيذاب، ويشير ابن واصل إلى أنه لم يقع على أحد منهم ما يضايقه ولم يتعرضوا هم ولا ممتلكاتهم لآية خسارة. ولقد فتح نشاط الكارمية فصل جديدًا فى تاريخ تقدم رأس المال

المصرى والموارد المالية من التجارة، وإذا كان رأس مال الكارمى المسلم أو الذمى فى مصر كان قبل الكارمية يتراوح بين عشرة آلاف وثلاثين ألف دينار فإنه ارتفع حتى بلغ مليون دينار أو أكثر، ولقد أدى هذا بالتاجر الكارمى نصر الدين محمد بن مسلم البالسى (المتوفى سنة 766 هـ) إلى أن يمد نشاطه التجارى إلى ما وراء حدود التعامل المصرى التجارى، فتعامل معه تجار مسلمون من الهند ممن يتاجرون فى مصر, وتجار من مكة وعدن، كما أن التاجر الكارمى تاج الدين المعروف بالدماميتى (المتوفى سنة 731 هـ = 1331 م) خلف بعد موته مائة ألف دينار وهو مبلغ كان يزيد فى قدره عما خلفه البالسى، أما فيما يتعلق بثروات تجار الهند من أهل "دولتاباد" فيذكر ابن بطوطة "أنهم كانوا يشبهون تجار الكارمية فى مصر". كانت أرباح تجار الكارم أكثر من الثلث المسموح به فى الإسلام (*) وكانوا يدمنون الرشاوى بنقود سائلة أو على صورة صكوك، والواقع أنه من خلال شبكة أسواقهم وتبادلاتهم المالية كانوا يؤلفون ما يكاد يشبه منظمات مصرفية كان أكبر عملائها السلاطين والأمراء حيث يمدهم الكارمية بالأموال ويزوّدونهم بالجند والسلاح، ولم يقتصر الأمر على السلطان المملوكى فى استدانته من الكارمية، بل إن صاحب اليمن مدّ إليهم يده حين وجد نفسه وقد أحاطت به الأزمات المالية، بل إن "مَنْسا موسى" ملك مالى صاحب مناجم الذهب فى غريب السودان استعار الأموال من أحد تجار الكارم قبل مغادرته مكة عائدًا إلى بلاده. وكانت بيوت الكارمية التجارية شبه شركات تمتلكها أسراتهم، يتوارثها ذرياتهم والذين يتعلمون فيها كل ما يتعلق بالتجارة، حتى قيل إن أحد تجار الكارم أرسل "عبيده" ممثلين له إلى أسواق المحيط الهندى وأسواق السودان الغربى للتعامل باسمه، ويقال إنه لم يمت قط أحد من عبيد الكارمى نصر الدين محمد بن مسلم فى الغربة أثناء ¬

_ (*) تحديد الربح التجارى بما لا يزيد عن الثلث مسألة جيدة لكن الفقهاء المسلمين لم يتفقوا عليها. (هيئة التحرير)

متاجرتهم باسمه فى الهند أو اليمن أو اثيوبيا أو مالى أو بلاد التكرور، وبذلك لم تصب تجارته بأية خسارة. وقد بلغ عدد تجار الكارم زمن السلطان الناصر محمد بن قلاوون مائتى تاجر وعندهم ما لا يقل عن مائتى عبد موكلين بالقيام بعملياتهم التجارية الهامة. ولم يكن ابن قاضى شهبة الأسدى مبالغًا حين قال إن نشاط تجار الكارم امتد من المغرب إلى الصين، وكان بعضهم فى ثرائهم كالملوك بما يملكون من القوافل المسلحة والحراس والوكلاء والشركات والعبيد والخدم، وكان يدق على أبوابهم "بالكوسات" التى جرت العادة ألّا تدق إلّا على أبواب كبار رجال الدولة. كانت هناك كميات كبيرة من البضائع يجلبها التجار الكارمية وغيرهم من الشرق وتنقل من اليمن إلى الحجاز والشام، وإن كان الجانب الأعظم منها يصل إلى القاهرة وإلى الإسكندرية ودمياط وهما أكبر وأهم الموانئ المصرية المطلة على البحر المتوسط حيث يأتى إليها تجار الفرنجة لاسيما البنادقة، وكان التاجر المصرى يعتبر هؤلاء الايطاليين خصومًا له كرجال أعمال أو أصحاب رؤوس أموال، والواقع أن البنادقة حاولوا بسط نشاطهم التجارى وقدراتهم المالية على أوربا والامبراطورية البيزنطية، ولكنهم تركوا آسيا وافريقية للكارمية، ومع ذلك فإن العلاقات الودية بين الامبراطورية المغولية والشرق ساعدت الإيطاليين لما يقرب من قرن من الزمان (1250 - 1350 م) على أن يتوغلوا آمنين فى آسيا ويذهبوا بعيدًا حتى الصين، ولكن كان يوجد فى هذه النواحى التجار الكارمية فالتقى الجانبان بعضهما ببعض فى تلك النواحى. وكان هناك تجارة القوافل سواء منها البرية أو البحرية عبر المحيط الهندى والبحر الأحمر التى لم تفقد أهميتها أو مكانتها خلال عصر "السلام

المغولى". وأصبح ملقى على عاتق التجار الفرنجة والكارمية حلّ مشكلة القرصنة، وصار على الأولين معالجتها فى البحر والمحيط الهندى وكذلك مواجهتهم مثل هذه الصعوبات فى الطرق الصحراوية فى إفريقية وآسيا، ثم كانت مشكلات المدن، فمدن الغرب المسيحى فى هذه العصور الوسطى كانت تناضل من أجل تحرير نفسها من اللوردات الإقطاعيين على حين أن المدن الإسلامية فى الشرق كانت خلال هذه الفترة ذاتها واقعة تحت سيطرة السلطات المركزية وفى قبضة حكامها، ومن هنا فإنه من الصعب مقارنة دور التاجر الكارمى السياسى بدور منافسه الأوروبى. وكان التجار الكارمية خلال العصر الصليبى أعظم تجار الجملة، وكان أبرزهم فى النواحى السياسية والاقتصادية والدينية يطلق عليه لقب "كبير" أو "رئيس تجار الكارم" ويعامل باحترام كبير فى جميع الأقطار التابعة لمصر وكذلك فى مجلس السلطان، وعلى الرغم من أن المصادر المعاصرة لا تساعدنا على تقرير الطريقة التى يختار "الرئيس" أو "كبير الكارمية" على أساسها ولا تمدنا بكيفية ممارسته لسلطانه إلا أننا نستطيع تكوين فكرة عامة من قصة ذكرها ابن حجر العسقلانى فى كتابه "إنباء الغمر" من أن التاجر الكارمى الكبير زكى الدين الحزّوبى -فى عودته من الحجاز إلى مصر سنة 786 هـ (= 1384 م) أهدى هدايا كثيرة، فيقول ابن حجر: قدم زكى الدين الحزّوبى من المجاورة فأهدى للسلطان هدايا جليلة ولغيره من الأمراء، ووقع بينه وبين شهاب الدين الفارقى -أحد أعيان التجار اليمنيين- وهو أخو شرف الدين وزير صاحب اليمن- فترافعا إلى السلطان، فنسب الفارقىّ زكى الدين إلى أمور معضلة، فأخرج الحزّوبى كتاب الأشراف صاحب اليمن إليه وضمنه كتاب من الفارقى يقول فيه: "إن مصر آل أمرها

إلى الفساد، وليس بها صاحب له قيمة، فلا ترسل بعد هذه السنة هدية فإن صاحبها اليوم أقل المماليك وأرذلهم" فأمر السلطان برقوق بالقبض على الفارقى وبقطع لسانه وبمصادرة أملاكه [ثم شفع فى لسانه فأطلق] وخلع على زكى الدين خلعة معظّمة واستقر كبير التجار. [إنباء الغمر 1/ 228 تحقيق حسن حبشى] وتدلنا هذه القطعة عن الشروط التى يحتاج إليها ليلقب الواحد بهذا اللقب. وكانت سياسة الحكومة تشجع التجار الكارميين، فكان "ناظر البهار والكارم"، مسئولًا عن الحفاظ على مصالح الكارمية فى البحر الأحمر ومصر، وعن جمع الجمارك والضرائب منهم، وقد بلغ من أهمية هذا المنصب أن كان يعهد به فى بعض الأحيان إلى الوزير أو ناظر الخاصة وكان الرأى الأخير للسلطان طالما أن الأموال المجباة من تجارة الكارم كانت تؤول إلى خزانة السلطان المؤيد شيخ محمود وأصبحت هذه الوظيفة تصدر بقرار من السلطان حفظه لنا ابن حِجّى الحموى وفيه وكلت هذه الوظيفة إلى الفقيه الشَّافعى كمال الدين البارزى. ولما كان الصعيد قد ظل لأمد طويل هو الطريق المألوف لهذه التجارة الشرقية فهناك خطاب آخر يؤكد على والى مصر العليا "والى ولاة الصعيد" بذل الجهد والعناية الخاصة إلى ما تفرضه عليه وظيفته من الاهتمام بالجوانب الاقتصادية باعتبار الصعيد "بوابة اليمن والحجاز"، كما أن هناك مرسومًا ثالثًا يبين أهمية الأنشطة الكارمية فى مصر العليا وأن مهمة الوالي الكبرى هى حسن معاملة هؤلاء التجار ومراعاة مصالحهم. ولما كانت سنة 832 هـ (= 1429 م) احتكر السلطان برسباى تجارة الفلفل والتوابل وفرض رقابة صارمة على سوقه فكان يشترى الفلفل الأسود وأنواع التوابل فى "جدة" لحسابه الخاص، ويمنع جميع التجار من

التصرف فيها قبل أن يأخذ منها لنفسه ما يشاء، كما أنه حدّ من سلطان الفرنجة فى الإسكندرية فى تجارة الكارم بشتى أنواعه بتقرير ثمن لها وأصيب تجار الفرنجة بضربة شديدة حين قرروا أن يشتروه بما يقرب من خمسين دينارًا زيادة عن سعره المعتاد مما أرغمهم على الحدّ من مشترياتهم منه، وكثيرًا ما كانوا يعودون إلى ديارهم من غير بيع أو شراء، كذلك أصيب التجار المصريون بخسائر فادحة، ذلك أنه حين أراد الكارمية منهم التعامل مع الفرنجة فى السر هددهم سنة 833 هـ (= 1430 م) بمنعهم نهائيًا من المتاجرة فى التوابل، ثم أمرهم بعد عامين من ذلك التاريخ بألا يتعاملوا فى آية سلعة مع الغرب إلا بإذن منه هو شخصيا، ثم قام فى سنة 838 هـ (= 1435 م) باحتكار تجارة الكارم فى جدة وحدّد سعرًا معينًا لبيعه للغرب، ولقد زاد من شدة دفع هذه الصعاب بين مصر والتجار الغربيين ما كان يقوم به قراصنة الكتلان والترك. ثم جاء السلطان جقمق (841 - 856 هـ = 1438 - 1453 م) فحَدّد مدة إقامة تجار الفرنجة فى الموانئ المصرية فلم تكن تزيد عن ستة أشهر على الأكثر. ويلاحظ أن تدهور موقف التجار الكارمية خلال القرن التاسع الهجرى (= الخامس عشر الميلادى) لم يكن راجعا فحسب إلى سياسة السلاطين المماليك بل وإلى تفاقم الأزمة الاقتصادية فى مصر أيضًا وإلى سياسة صاحب اليمن الملك الناصر أحمد الذى أراد أن يبسط نفوذه على الحجاز وأن يحرم مصر من مكانتها الممتازة هناك، هذا إلى جانب ما اتسم به عهده من نشر الرعب مما حمل تجار الكارم على الهروب إلى الهند أو إلى جدَّة تاركين بعض تجارتهم فى عدن. كذلك أصيب تجار الصين ونواخذة السفن الصينية بخسائر فادحة، فقد حدث فى سنة 823 هـ (= 1421 م) أن

أرسل ملك الصين هدية فتعرض لها اليمنيون فأرسل الملك احتجاجًا عنيفًا إلى صاحب اليمن وكان من الرسوليين، كما أن الحكومة فى مصر حاولت صرف التجارة وربابنة سفن الكارم عن عدن إلى جدَّة. وإذا نظرنا إلى الحدود الشمالية للأملاك السلطانية المملوكية نجد أن الموقف هناك كان شديد التوتر خلال القرن التاسع الهجرى (الخامس عشر الميلادى) مما استدعى إرسال حملات مصرية على الدوام مما أدَّى إلى إرهاق ميزانية السلطنة المملوكية. ولما جاء عهد قايتباى وقد زادت أسعار السلع المحتكرة قام السلطان وجهز ست عشرة حملة حربية كلفته ثمانية ملايين دينار إلى جانب نفقة العسكر، ولما كانت مالية القطر واقتصاده لا يستطيعان سداد هذه النفقات فقد تطلب الوضع فرض ضرائب على التجارة مما أرهق كاهل التجار الكارمية فأخذوا منذ ذلك الحين يفقدون تجارتهم المربحة ودخل الكثيرون منهم فى خدمة السلطان وأصبحوا تجار مصر وحدهم، كما هاجر البعض الآخر منهم إلى الهند وخاصة إلى "كاليكوت" و"كمبايا"، وانصرف غير هؤلاء وهؤلاء إلى المضاربات المالية وهى وإن لم تكن تعود عليهم بالربح الجزيل إلا أنه ترتب عليها صعوبات كثيرة للدولة، فأخذوا فى تصدير كثير من العملة النحاسية مما حمل السلطان فى سنة 832 هـ (= 1429 م) على أن يمنع تصديرها إلى جدة منعًا باتًا، ثم صدر الأمر بالمنع مرة ثانية سنة 839 هـ (= 1437 م)، ومما يدل على سوء حال التجار زمن السلطان برسباى هو أن أحد التجار أراد اقتراض مبلغ من المال لتغطية نفقاته فى الوقت الذى كان له فيه من البضائع المخزونة ما يقدر بعشرة آلاف دينار. أما تجار البحر الأحمر فقد أرادوا تأكيد حقوقهم عند السلطان وكانوا بذلك مخالفين لرفاقهم تجار القاهرة كل

المخالفة، حتى أن شاه رخ نفسه السلطان التيمورى ساهم فى هذا الصراع، فندد بفرض الضرائب فى جدّة بحجة أنها مخالفة للشريعة، ونادى الفقهاء وأهل الفتوى فى القاهرة للمعارضة، كما حاول شاه رخ زيادة التوتر بين السلطان المملوكى وبين التجار الشرقيين ولكنه لم ينجح فى حمل السلطان على التخلى عن سياسته الاحتكارية أو إرغامه على اتباع أوامر القرآن فيما يتعلق بجمع الضرائب، ولم يستطع دخول السفن الصينية إلى سواحل إفريقية الشرقية ووصولها إلى عدن فى العقود الأولى من القرن الخامس عشر الميلادى أن يساعد الكارمية فى التخلص من أحكام السلطان الإجبارية، كما لم يستطع قيام العلاقات القوية بين إثيوبيا وأوربا من أن تغير سياسة سلطان مصر المملوكية تجاه التجار الكارميين، بل لقد أُلقِى القبض على نور الدين على التوريزى (ابن أحد تجار الكارم) وكان من أصل فارسي بتهمة الخيانة العظمى وأنه يبيع السلاح والأقمشة الأوربية فى الحبشة، كما أُتهم بالذهاب إلى أوربا عبر المغرب بأمر من النَّجاشى لتحريض الفونسو ملك أرغونه ضد المسلمين، وحوكم وأعدم بالقاهرة سنة 832 هـ (1429 م) ودافع ابن حجر العسقلانى وتلميذه السخاوى عنه وندّدا بشرعية محاكمته: وكان من رأيهما أن التوريزى كان يسعى لإعلاء كلمة الإسلام فى الحبشة. [أما موقف ابن حجر من هذه فقد ترجم عنه بقلمه]. على أية حال جاء سفراء من النجاشى إسحاق ملك الحبشة إلى بلاط الفونسو الخامس (راجع de la Rouciere La decouverte de l'afrique ou moyen age 11, P. 116 ووافق الفونسو على عقد تحالف مع الحبشة، التى أراد نجاشيها الشروع فى المتاجرة فى البحر الأحمر حتى تحل سواكن محل جدة، ومع ذلك فقد حاول برسباى أن يحتكر الموقف كله فأمر السفن القادمة (من الهند وعدن أن تتجه مباشرة إلى ميناء عيذاب، وأخمد فتنة

أضرمتها القبائل المحلية التى تحول أهلها إلى قراصنة، وخرّب البلد سنة 829 هـ, ويقدر الحسن الوزان (ليو الافريقى) عدد الهلكى من الأهالى بأربعة آلاف من أهلها، مما حمل البقية على الهروب إلى دنقلة وسواكن التى هى ميناء الحبشة ومدّ السلاطين المماليك نفوذهم على مصوّع وبسطوا سلطانهم على سواكن التى أصبح صاحبها تابعًا للسلطان وتسلم براءة التعيين من بلاط القاهرة. ونستفيد مما ذكره ابن تغرى بردى أنه لم يعد أثر فى سنة 859 هـ (= 1455 م) للتجار الكارميين فى الأسواق المصرية، فلم نعد نرى ذكرًا لهم فى المصادر المعاصرة منذ سنة 889 هـ (= 1484 م)، ولا نعرف من الكارمية سوى اثنين كانا آخر من نسمع عنهم هما على بن محمد بن يوسف القليوبى وعلى بن بدر الدين حسن بن عليبة المتوفى سنة 897 هـ (= 1491/ 1492 م). ولم يكن التجار الكارمية هم وحدهم, الذين فقدوا مكانتهم بل شاركهم أيضًا جميع التجار، حتى أننا لنرى اثنين من الجزارين فى مصر يعملان كممثلين لطبقة التجار قبل استيلاء العثمانيين على مصر، كما فقد تجار الجملة المصريون علاقاتهم الدولية واتصالاتهم بالخارج ولم يستردوها إلا أخيرًا فى القرن التاسع عشر. إنه من الثابت المؤكد أن كثيرًا من المماليك منذ القرن الثامن الهجرى (الرابع عشر الميلادى) وما بعده راحوا يبيعون "اقطاعاتهم" وبذلك مكنوا التجار من الاستحواذ على الأراضى رغم المعارضة من جانب الفقهاء والحكومة لمثل هذا العمل، حتى إنه ليقال إن التاجر الكارمى ناصر الدين ابن مسلم أصبح يملك 3438 فدانا كان يدفع ضريبة عليها تقدر بعشرة آلاف دينار، ولقد أثر هذا الوضع فى نظام الاقطاع المصرى، ولكن لم يكن فى الامكان أن يقال عنه حسب تعبير الكارمية Willeyire maeht، ذلك أن التاجر الكارمى وغيره من الناس الذين أصبحوا يملكون الإقطاعات لم يتمكنوا

المصادر

أبدًا من التدخل فى دائرة قوة المماليك السياسية أو الحربية بل خضعوا لهم وإن أدّى هذا الخضوع فى النهاية إلى نهايتهم هم أنفسهم. المصادر: توجد كتب ومؤلفات وأبحاث كثيرة فى هذا الموضوع، ونكتفى بالاشارة منها إلى: (1) ابن حجر: أنباء الغمر (تحقيق حسن حبشى). (2) صبحى لبيب: التجار الكارمية فى مجلة الجمعية التاريخية المصرية 1952 م. (3) E. Ashtor: The Karimi merelichaits 1952 (4) Fischel: The Spice Trade en mamluk Egypt (1958); Sgoitein New light on the beginnings of korim mserehavts (5) Lane: Mediterranean Spice Trader د. حسن حبشى [د. صبحى لبيب Sobhi Labib] كافور كافور هو أبو المسك كافور الإخشيدى، الذى نعته المتنبى باللابى إشارة إلى أن أصله من "لاب"، فى بلاد النوبة وقد أصبح الشخصية المسيطرة فى الدولة الاخشيدية بمصر، وكان قد بيع لمؤسس هذه الدولة محمد بن طُغْج الإخشيد الذى بلغ من إعجابه به أن والاه بتأييده ورعايته حتى بلغ أسمى المراتب الكبرى ذات الأثر فى مجريات الأمور السياسية والحربية، ولقد شارك كافور فى الحملة المصرية على بلاد الشام عام 333 هـ (945 م)، كما كان له ضلع فى المفاوضات الدبلوماسية مع خليفة بغداد العباسى، وكان اختياره للإشراف على تعليم ولدى الإخشيد ذا أهمية عظمى. ولما مات ابن طُغْج قام كافور برعاية مصالح أسرة مولاه وسعى حتى حصل على تأييد رسمى [من الخليفة العباسى] بأن تكون ولاية مصر للأمير أبى القاسم أنوجور (سنة 334 هـ = 946 م) ثم من بعده لعلى بن الإخشيد.

وعلى الرغم من أن كافور كان فى هذه الآونة يجمع فى يده كل السلطة التنفيذية إلا أنه وجد أن الأجدى عليه هو أن يتخذ من البيت الإخشيدى واجهة يعمل من خلفها، وظل على هذا المنوال حتى كانت سنة 335 هـ (966 م) حين مات على، فجاهر كافور بأنه هو وحده صاحب الأمر والنهى فى مصر، وقد زكاه فى هذا البيان أن الشخص الذى كان متوقعا أن يلى الحكم وهو أحمد بن علىّ كان طفلًا حَدثًا، كما أنه حصل على عهد بولاية مصر من خليفة بغداد، وقد حل اسم كافور منذ ذلك الحين محل أسماء الأخشيديين فى خُطْبة الجمعة بمصر أى منذ الحادى والعشرين من جمادى الأولى 357 هـ (23 إبريل 968 م). وكان لقبه الرسمى هو "الأستاذ" ولكن ليس هناك شاهد على أن وضعه السياسى الرفيع قد أباح له أن يضرب اسمه على العملة. على أن أهمية كافور الكبرى فى التاريخ الإسلامى تتركز فى نجاحه فى أنه استطاع -خلال الأعوام الثانية والعشرين من حكمه- أن يحافظ على وجود البيت الإخشيدى فى مواجهة الأخطار الخارجية (ممثلة فى الفاطميين والقرامطة والنوبة والحمدانيين)، وأمكنه التغلب على كل هذه الأخطار رغم الاضطرابات السياسية الداخلية (مثل فتنة غلبون سنة 335 - 336 هـ (947 - 948 م) وكحركة أنوجور الانقلابية الفاشلة سنة 343 هـ (954 م) وانتشار الدعوة الإسماعيلية الهدامة، هذا إلى جانب الانتكاسات الحادة التى أثرت فى الحياة الاقتصادية بالفسطاط مثل الحريق الذى التهم حى العمل سنة 343 هـ والزلزال العنيف الذى ضرب مصر فى العام التالى (344 هـ) والمجاعات المتكررة التى أصابت البلاد، وارتفاع أثمان الطعام ارتفاعًا فاحشًا، والفتن الأهلية التى أخذ بعضها بِعُجُز البعض الآخر فى سنوات 338, 341, 343, 352, 357 (949, 952, 955, 963, 968)، على أن إجراءاته الحربية والدبلوماسية الفعالة

المصادر

ساعدت على وصوله إلى اتفاق مع الحمدانيين سنة 335 هـ فيما يتعلق، بسيطرة الاخشيديين على دمشق، كما استطاع فوق ذلك كله أن يؤجل دخول الفاطميين إلى مصر، حتى لقد قال دعاة الإسماعيلية الفاشلة فى مصر للخليفة الفاطمى فى المغرب -وقد حبطت مساعيهم- (إن الحجر الأسود وكان يقصد به كافورًا الإخشيدى) هو الذى بيننا وبينك (راجع الحنفا، ص 147). وعلى الرغم من المشكلات الاقتصادية ونفقات الحكومة الباهظة إلا أن إدارة كافور لم تعمد قط إلى ابتزاز الأموال بالمصادرة، فقد أظهرت عملتها الذهبية -رغم تذبذب وزنها- ثباتًا ملحوظًا إذا ما قسمت إلى نسبة الذهب الحر فيها، ويجب أن ننسب إنجازاته الداخلية إلى كفاءته فى استعمال الأكفاء، أمثال يعقوب بن كلّس. كذلك ذاعت شهرة كافور فى العالم الإسلامى لرعايته الأدباء والكتاب، وأشهر هؤلاء الشاعر الكبير المتنبى الذى خلد اسم الحاكم "الأسود" فى عدد من قصائده التى نظمها ما بين مدح وقدح فيه، غير أنه يجب أن نقر بفضله فى إنشاء عدد كبير من القصور الفخمة الرائعة، وتشييده الجامعين الكبيرين فى الجيزة والمقطم، وإقامته البيمارستان وزرعه البساتين التى عرفت بالكافورية فى العاصمة، لكن لم يُكتشف حتى الآن ما يدل على إنجازاته العمرانية. المصادر: (1) ابن سعيد: كتاب المغرب فى حلى المغرب. (2) ابن خلكان: كتاب وفيات الأعيان، ترجمته De Slane باريس 1842 - 1871 م. 2/ 524 - 528. (3) ابن تغرى بردى: النجوم الزاهرة جـ 3 ص 219، جـ 4 ص 1 - 18. (4) المقريزى: الخطط. (5) د. حسن إبراهيم حسن: حوليات جامعة فؤاد (1942) 23 - 46.

كبريت

(6) د. سيدة إسماعيل كاشف ود. حسن محمود: مصر فى عصر الطولونيين والإخشيديين. مروان حسن حبشى [اهرنكرويتز A. S. Ehrenkreutz] كبريت مصطلح عربى مأخوذ من كلمة كبريتو الأكادية عن طريق اللفظ الآرامى كوابهرينا، وقد عُرف كل من الكبريت الرسوبى والبركانى. وفى كتاب المرشد لمحمد بن أحمد التميمى الذى لا يزال مخطوطا بالمكتبة الوطنية بباريس إشارة إلى موضع يوجد به النوع الرسوبى الأبيض، وهو واقع على ساحل البحر الميت بجوار القدس (انظر أيضًا المقدسى، ص 184) والواقع أن كميات من النوع الرسوبى موجودة فى الصلصال مختلطة بالجبس وكبريت الكالسيوم على الشاطئ الأيمن لنهر الأردن على بعد ميل من البحر الميت -ويشير أبو دلف الخزرجى فى كتابه الرسالة الثانية التى طبعها مينورسكى بالقاهرة سنة 1955 م إلى وجود نبع كبريت على جبل "دماوند" وقد تبلورت حوله الرسوبيات، ونستفيد مما ذكره ياقوت: معجم البلدان، جـ 2 ص 619 أن نفس المؤلف يعرف منابع سلفر (كبريت دورق) فى خورستان. وعلى العموم فهناك أربعة أنواع من النوع الرسوبى يختلف كل منها عن الآخر فى اللون ما بين أصفر وأبيض وأسود وأحمر، بل إن محمد بن زكريا الرازى يفرق فى كتابه الأسرار فيعدد منها أنواعا، النوع الأول الرسوبى النقى الضخم، والنوع الثانى هو الرسوبى النقى المحبب (أى على شكل حبيبات)، والنوع الثالث هو الأبيض العاجى اللون، والنوع الرابع الرسوبى المختلط بالتراب، والنوع الخامس الرسوبى الأسود الموجود بالأحجار، والنوع السادس الرسوبى الأحمر، وكذلك تختلف الأسماء من حيث صفته، فهناك الكبريت القانى والكبريت الذهبى وكبريت الذكر

وكبريت بحرى وكبريت نهرى. . . الخ مسمياته وأوصافه. والكبريت الأحمر (كما يقول أرسطو وابن البيطار فى كتاب الجامع) يضيئ ليلًا ويرى ضوؤه على بعد فراسخ عدة طالما ظل فى موضعه، ويذهب آخرون للقول بأن الكبريت الأحمر إنما هو معدن يوجد فى وادى النمل الذى سار فيه سليمان عليه السلام (راجع ابن البيطار فى شرحه)، وقد عرف الرازى (كتاب الأسرار) أن الكبريت الأحمر لا يوجد على شكل معدن، ويقرر الجاحظ فى كتابه "رسالة فى الجد والهزل" ندرة هذا النوع من الكبريت حتى أنه ليقول إن الخليفة المعتضد (279 - 289 هـ) قال إن هناك شيئين لا يوجدان إلا بالاسم، أما أحدهما فعنقاء المغرب وأما الآخر فالكبريت الأحمر، وبهذا المعنى فهم ما ورد فى كتاب الأمثال" للميدانى من قول القائل "أغلى من الكبريت الأحمر". وجاء فى كتاب "فردوس الحكمة" لعلى بن ربان الطبرى وفى كتاب "الأدوية الموجودة فى كل مكان" لابن البيطار، وفى كتاب "الوصفات الطبية" ليعقوب بن إسحاق الكندى وابن سينا والعلوى أن الكبريت كعلاج يشفى من الكحة والتقيحات، ويلصق بالصدر لعلاج الربو، وإذا بُخرّت المرأة بالكبريت يتم اجهاضها، ويعالج الجذام وأمراض الجلد بالكبريت، ولو خلط بالنطرون أفاد فى علاج الجرب، ويستعمل ضد لسعة الحيوانات السامة، وضد اليرقان، والبرد والعرق والنقرس وآلام الأذن والصمم والتيتانوس. وفى كتاب "الحاوى" للرازى أن الكبريت يشفى الفالج وداء الفيل. وقد امتدح خاصية الشفاء بالتداوى بالمياه الكبريتية أبو دلف الخزرجى الذى أشار إلى العيون الكبريتية وكيف أنها تشفى كثيرًا من الأمراض (انظر ياقوت الحموى معجم البلدان جـ 2 ص 317). ولعب الكبريت دورا هاما فى الكيمياء، وكان يظن أنه جزء أساسى فى كل المعادن وأن المواد تتكون من الزئبق والكبريت واستعاروا له اسمًا.

المصادر

وقد اكتشف الكيمائيون أنواعا كثيرة منه واطلقوا عليها مسميات جمّة مثل العروس الصفراء، والسر الإلهى والزعفران والخناق وقيد العابق. المصادر: وردت بالمتن. د. محمد أحمد سليمان [م. أولمن M. Ulmen] كثير عزة هو كثير بن عبد الرحمن الشهير بكثير عزة، وأحيانًا يدعى بإسم الملاحى نسبة إلى مليح من بطون خزاعة أو ابن جمعة على اسم جده لأمه. وهو شاعر ينتمى إلى مدرسة الشعر العذرى زمن الأمويين. وكسائر الشعراء العذريين، كانت حياة كثير مجالًا خصبا لخيال القصاصين. وفى مثل هذه الحالات، تلعب الأسطورة دورا فى تشويه التاريخ إلى الحد الذى يصبح فى الغالب من المستحيل للدراسات النقدية اللاحقة أن تفصل الأسطورة عن التاريخ الحقيقى وقد صيغت الأساطير للدلالة على القصائد المخالفة للتاريخ، وبعض الأشعار نظمت لتناسب طبيعة العاشق المثالى. وهناك عوامل أخرى سياسية ومذهبية يسرت للرواة أن يحجبوا شخصية كُثير بطبقات سميكة من الأساطير ولا يوجد تناقض بين الشعر وبين شخصية كاتب هذا الشعر كما هو الحال مع كثير. ينتمى والدا كثير إلى خزاعة، وعاشا فى المدينة أو ربما فى التلال المجاورة من الشرق وإذا ما أخذنا بما قاله المرزبانى بأن الشاعر عاش ما يقرب من 81 أو 82 عامًا، ويرى البعض أنه ولد عام 23 أو 24 هـ/ 641 أو 643 م (وما لا يدعو مجالًا للشك أنه مات عام 105 هـ/ 723 م). ويبدو هذا التاريخ مبكر إذا ما أخذنا فى الاعتبار أنه لا يوجد أى رصد لنشاطه الشعرى قبل سنة 60 هـ/ 679 م). وهذه الحقيقة تجعلنا نجزم باستحالة مولده قبل عام 40 هـ/ 660 م ورغم موت والد كثير وهو لازال بحاجة إلى ولى أمر إلا أنه متهم بالعقوق (ويحتمل أن تكون

هذه التهمة انعكاسا للتحامل المذهبى على كثير). وعندما أصيب والد كثير فى إصبعه، رأى كثير ذلك عقابًا من اللَّه سبحانه وتعالى لوالده الذى اعتاد رفع نفس هذا الإِصبع عند الشهادة الزور. ويلاحظ هنا تجاهل التفسير الدينى ويتم التركيز على دلالة جحود الابن. وأصبح عم كثير وصيًا عليه وأرسله إلى أطراف المدينة ليرعى قطيعا من الإبل بهدف إبعاده عن آثام الحياة الحضرية. وفى هذه المرحلة كما تقول الأسطورة، ظهر لكثير شكل معدنى أمره بقرض الشعر. وبالتالى ظهر له شيطان الإلهام فى فترة مبكرة من حياته، ونحن نرى أنه ليس شيطان الإلهام ولكن مؤلف الأسطورة هو الذى حول الإبل إلى أغنام، أخذ كثير إلى "الجار" على البحر الأحمر ليقابل كوكبة من النساء ومن بينهن اقتربت فتاة صغيرة لتشترى شاة، أعطاها إياها، هذا الفتى الذى اشتهر فى فترة كهولته بعدم اكتراثه بالمال (الجاحظ، البخلاء، القاهرة، 1948 م، ص 165) ورفض أن يقبض الثمن. كانت هذه الفتاة هى عزة ابنة جميل من قبيلة ذمرة، وقد استحوذ جمالها على عقل كثير. وكانت عزة جميلة عذبة الحديث. وفيما يبدو أن أسرتها زوجتها لأول رجل طلب يدها بعد أن أزعجتهم أشعار كثير فيها. وقد وصف كثير هذا الزوج فى شعره بأنه كهل وغيور وأنه استخدم سلطته كزوج لإجبار زوجته على توبيخ حبيبها وتجريحه ويحتمل أن هجرة عزة وزوجها لمصر لم تكن بسبب القحط الذى أصاب الحجاز فحسب ولكن لتجنب الحرج. إلا أن كثير لم يهتم كثيرًا بمشاعر غريمه، ووجد فى السفر إلى مصر فرصته ليرى عزة وصديقه عبد العزيز بن مروان، والى مصر الذى ساهم فى توطيد علاقة كثير بخلفاء وأمراء بنى أمية وهى العلاقة التى امتدت حتى وفاته. وتردد أنه فى وقت سابق لهذه السفريات التقى كثير برجل أقنعه بمعتقدات الكيسانى وفى مراحلها المبكرة، كانت الكيسانية تدعو لحق محمد بن الحنفية ولد على بن أبى طالب فى الإمامة خلفًا لأخيه الحسين. وتعد علاقة الشاعر بابن الحنفية حقيقة

تاريخية تبرهن عليها أشعار كثير نفسه. وسجن ابن الحنفية على يد عبد اللَّه بن الزبير الذى ثار على الخلافة الأموية، وقد استنكر كثير سجن ابن الحنفية بشدة (ديوان، بيروت 1971 م، ص 224). أما فيما يتعلق بمعتقدات الكيسانية الأخرى مثل احتجاب ابن الحنفية بجبل الرضوى بالقرب من المدينة ورجعته الأخيرة أو تناسخٍ الأرواح فلم يأت لها ذكر فى شعر كثير صراحة أو ضمنا. إلا أنه فيما بعد تم الخلط بين شاعرنا وبين الشاعر الكيسانى المتطرف السيد الحميرى (ت: 179 هـ/ 789 م) حيث نسبت بعض قصائد الحميرى لكثير. وما روى عن معتقدات كثير الكيسانية بالكاد لا تتفق مع تعاليم الكيسانية المعروفة. وقد يسرت بعض الصفات الشخصية لكثير أن تنسب إليه سلوكيات سخيفة كأن قامته قصيرة ومظهره قبيح ووجهه مشرئب بالحمرة، وكانت رقبته طويلة، ورأسه كبير، كما كان نحيفًا وذهب البعض إلى محاولة استنتاج ذلك من شعره ففى إحدى قصائده يتهكم كثير على تعليق عزة الساخر بأنه أصبح شاحبًا ونحيلا، ويتهمها بأنها تسخر منه فقط إرضاءًا لزوجها (ديوان، ص 379) ومع ذلك، فى نفس القصيدة يعترف صراحة بأنه أصبح ظل رجل مثل بقايا حبل. وقد وصف بالجنون، وهذا أمر لا يتفق مع الواقع، إذ إنه لا يمكن لشخص مجنون أن يحظى ولأمد طويل بالاحترام والتقدير من قبل خلفاء وأمراء بنى أمية أو يكتسب حب أهل المدينة. واتهم كثّير بعدم الإخلاص فى حبه على اعتبار أنه عاشق عذرى عندما انجذب إلى امرأة أخرى تدعى ظلامة والقصص المنسوبة إليه التى تذكر عدم وفائه مجرد مبالغات لأنه يميل إلى الاتزان فى تعبيره عن الهجر. والحب عند كثير يرتبط بالصداقة ويختلف لديه عن سائر الشعراء العذريين أمثال مجنون ليلى أو حتى منافسه جميل فى أنه لم يحصر نفسه فى أشعار الحب والغزل ويتجلى ذلك فى مرثياته

المصادر

وهجائيته لقبيلة محبوبته وهى أشعار لا تقل فى قوتها عن أشعاره الغزلية. كان كثير غزير الانتاج، وخلال عمره المديد لم يتوقف عن قرض الشعر وكتابته إلا لفترة معينة بعد موت عزة وعبد العزيز (86 - 99 هـ/ 705 - 717 م) وأسلوب شعره المباشر والبسيط ساعده على كثرة الانتاج. وعن كتابته للغزل أو المدح والجمع بينهما فإن وصفه الحى للمشاهد فى الحجاز أو تلك التى على طريق مصر أو سوريا يطيل من القصيدة. وقيل إن كثير كتب 30 قصيدة من اللاميات تتسم بالطول الشديد، وللأسف، فكل ما وصل إلينا منه وتناثر فى المصادر المتاحة لم يزد عن ألفى سطر. المصادر: 1 - ابن سلام: الطبقات, القاهرة 1952 م، ص 457. 2 - ابن قتيبة: الشعر والشعراء، بيروت 1964 م، ص 410 وائل البشير [إحسان عباس Ihsan Abas] الكرابيسى الكرابيسى (معناه تاجر الملابس) ولكنه اسم عرف به عدة أشخاص من أبرزهم من يلى: 1 - أحمد بن عمر عالم الرياضيات وليس من أحد يعرف متى ولد، ومن مؤلفاته -وإن كان مفقودًا- تعليق له على ترجمة إقليدس، وكان هذا الكتاب من الكتب الذائعة الصيت فى يومه. أما كتابه الوحيد الذى لا يزال موجودًا فهو كتاب "مساحة الحلق" (بفتح الحاء واللام) وتوجد نسخة منه فى أكسفورد، مكتبة بودليان رقم 913, كما توجد أخرى منه فى مكتبة القاهرة (انظر فهرست الكتب العربية فى الكتبخانه الخديوية، جـ 5 ص 204) وانظر عنه أيضًا الفهرست 265, 282, وابن القفطى: تاريخ الحكماء، القاهرة 1326 هـ، ص 257). 2 - أبو علىّ الحسين بن علىّ بن يزيد المهلبى الفقيه المحدث، وكان فى بداية أمره معدودا من "أهل الرأى" ثم انضم إلى حلقة الشافعية بعد وصول الشافعى إلى بغداد، وعلى الرغم من

المصادر

ذلك فقد كان من أكبر المجاهرين بتأييده لفكرة "الجبر". على أنه لا يوجد بين أيدينا كتاب له سواء كتبه فى النقد أو الفقه. وقد مات سنة 245 هـ = (859 م) وإن قال البعض إنه مات سنة 248 هـ (= 862 م) راجع فى ذلك الفهرست لفلوجل 181. والسمعانى والأنساب تحقيق مرجليوث، 476 وابن خلكان وفيات الأعيان، (طبعة فوستنفلد) رقم 180 وطبعة القاهرة 1299, جـ 1 ص 181، والملل والنحل للشهرستانى ص 96، والتهذيب للنووى (طبعة فستنفلد) 774 والطبقات للسبكى (القاهرة 1334) ص 251 - 256، والكامل لابن الأثير 3103 جـ 7 ص 29 وتاريخ أبى الفداء (إستانبول 1287) جـ 2 ص 439 وابن تغرى بردى (طبعة جينبول) جـ 1 ص 753, 763. 3 - أسعد بن محمد الكرابيسى الفقيه الحنفى المتوفى سنة 750 هـ (1174 م)، وله كتاب الفروق فى الفروع وتوجد نسخته بالقاهرة (الفهرست، جـ 3 ص 96) وإن كان حاجى خليفة قد خلط بينه وبين كتاب تلقيح العقول للمحبى، وانظر بروكلمان 1/ 473 رقم 34. المصادر: وردت فى المتن. د. حسن حبشى [بروكلمان Brocklemann] كربغا كربغا (وهو أصح من قولهم كربقة)، ومعناه "الثور أو الفحل القوى العنيف" وقد تسمى به أبو سعيد قوام الدولة صاحب الموصل أحد القادة الأتراك فى العصر السلجوقى، وفى أثناء الحرب التى شنها تتش بن ألب أرسلان (عم بركياروق) ضد الواليين المتمردين عليه، أق سنقر وبوزان والتى انتهت بإلقاء القبض عليهما وقتلهما، أرسل بركياروق الأمير كربغا لمساعدتهما فوقع هو الآخر فى الأسر ولم يطلق سراحه إلا بعد سقوط "تتش" فى صفر سنة 488 هـ (= فبراير 1095 م) فتم تحرير كربغا على يد ولده رضوان، ومن ثم فإنه قام مع أخيه "التنتاش" بجمع طائفة من الجند المرتزقة واحتل بهم حران،

المصادر

وحينذاك التمس منه محمد بن مسلم بن قريش والى نصيبين أن يعينه على أخيه الذى كان تتش قد استعمله على الموصل وحينذاك تحالف كربغا مع محمد ولكنه ما لبث أن اغتاله بعد قليل بعد احتلاله نصيبين، ونهض لقتال الموصل التى تمكن على من اخضاعها بعد فرضه الحصار عليها مدة طويلة من الزمن (ذو القعدة 489 هـ = اكتوبر نوفمبر 1096 م) ولما تم له الاستيلاء على الموصل خلع أخاه المشاكس "التنتاش" واحتل "الرحلة" فلما كانت سنة 491 هـ (= 1098 م) أرسله بركيا روق على رأس عسكر كثيف لاسترداد أنطاكية التى كان المسيحيون قد احتلوها منذ فترة قريبة. وفى خلال زحفه هذا قام بمحاصرة الرها التى كان النصارى قد اغتصبوها من أيدى المسلمين، لكنه اضطر لرفع الحصار عنها ثم ظهر بعد قليل أمام انطاكية. ولما قام المسيحيون بهجوم عنيف على محاصريهم أنزل بهم كربغا هزيمة نكراء على الرغم من تفوقهم العددى فى العسكر على من معه من الجند. ويقال إن مسلك كربغا أسهم فى الخسارة التى لحقت به، فقد كرَّه قواده فيه تعاليه وغطرسته وراحوا يتطلعون إلى فرصة للتخلى عنه. وحدث فى أثناء المعركة بين بركياروق وأخيه محمد التى وقعت فى رجب 492 هـ (= مايو/ يونيو 1100 م) والتى انتهت بهزيمة الأول أن كان كربغا على ميسرة بركياروق. فلما كانت السنة التالية ذهب إلى آذربيجان حيث تم له فتح معظم نواحيها, لكن حدث على مشارف مدينة خُوى Khoi أن مرض مرضا حال بينه وبين متابعة القتال، فمات فى ذى القعدة سنة 492 (اغسطس/ سبتمبر 1102 م) بعد أن اختار "سنقرجه" خليفة له من بعده. المصادر: (1) تاريخ أبى الفداء. (2) M. F. Sanaullah: The Decline of the Saljugid empire (Calcutta, 1948), Basworth (in) Cab. Hist. of Iran د. حسن حبشى [ى. ف. تسترشتين K. V. Zettersteen]

الكرج

الكرج كوجستان (أو بجيم غير معطشة بديلا عن الكاف أو بكاف فارسية)، وبلاد الكرج، هما مسميان لمقاطعة جورجيا فى غربى القوقاز فى المصادر الإسلامية. وتتضمن جورجيا أربعة أقاليم مختلفة: منجريليا Mingrelia وإميريتى Imerlti فى الشمال الغربى؛ وسمتسخا Samtaskhe فى الجنوب الغربى (متضمنة منطقة لازيستان Lazistan على ساحل البحر الأسود التى يقطنها أناس ينتسبون للجورجيين)؛ وكارتلى Kartli فى الشمال، مع العاصمة تفليس (سلبيسى) وكاختى Kakheti الشرق. ومن الناحية الطوبوغرافية، فإن غالب جورجيا جبال وتلال وهضاب ولا توجد السهول إلا على السهل الساحلى للبحر الأسود وفى أودية نهر ريونى Rioni وروافده، التى تنحدر غربا لتصب فى البحر الأسود، ونهر كورا (الكور) وروافده، التى تنحدر شرقًا وتصب فى بحر قزوين. وشعب الجرجان (يسمون أنفسهم كارتفل أبى Kartvel-ebi ويسمون بلادهم سا - كارتفل- أو Sa-Kartvelo، وجدهم الأعلى- وفقا لأساطيرهم هو كارتلوس المقدس، إرتبط مع سفان شمال مِنجريليا والمنجزيلو - لاز فيما يسمى بونتو زاجروس "مجموعة من شعوب القوقاز، برغم اختلاط دمائهم منذ أكثر من ألف عام بالشعوب التى غزت إقليمهم أو مرت عليها. ومن الناحية اللغوية، فإن لغة الجورجان تكون مع لغة السافانيين والمنجريلولازيين Mingvelo-las Svanetians لغات المجموعة الايبرو قوقازية أو القوقازية الجنوبية. وتكتب لغتهم بأبجدية صوتية محكمة تُعتبر من واقع تراثهم من إنشاء القديس ميسروب Mesrop, منشئ الأبجدية الآرمنية. الفتح الإسلامى: ولقد اكتسح العرب أرمينيا وجورجيا, ونفذت الحملات العربية داخل القوقاز فى حكم الخلفاء المسلمين الأول. ووفقا لقول الطبرى (جـ 1، ص 266). فإن "سراقة" عقد صلحًا" سنة 22 هـ/ 643 م مع شهربراز (ملك

العباسيون وجورجيا

باب الأبواب)، وأرسل حبيب بن مسلمة لفتح تفليس. وأورد الطبرى صلحًا مع أهل هذه البلدة يرجع تاريخه إلى نفس العام، لكن الصلح الفعلى تم سنة 25 هـ/ 645 م فى عهد خلافة عثمان بن عفان، وبعد أن فتح حبيب بن مسلمة أرمينيا وجَّه نظره إلى جورجيا, ولقد امتثل أمامة المبعوث الجورجانى وأخبره بأن بطريق الجرزان وشعبه قد دخلوا فى الطاعة. ولقد وجه حبيب رسالة إلى سكان تفليس فى رستاق منجاليس فى الجرزان يؤمنهم على دينهم، ولكنه أرسل إلى تفليس العالم عبد الرحمن بن جازع لشرح شرع الإسلام، وبالطبع فقد تحول أهالى المدينة سريعًا إلى الإسلام. وبعد فتح تفليس مد حبيب حملاته ومعاهداته مع مناطق أخرى يسكنها الجورجان وجيرانهم. ومن عهد حملة حبيب إلى عهد المتوكل (25 - 232 هـ/ 645 - 846 م) دفع الجورزان والأفخاذ (الجورجان الشرقيون والغربيون) الجزية والخراج للقائد العسكرى المسلم فى تفليس. ومنذ عهد يزيد الثانى (101 - 105 هـ/ 720 - 724 م) لدينا خطاب يؤكد فيه جراح بن عبد اللَّه للجرزان الضمانات التى أعطاها لهم حبيب بن مسلمة، وهنالك درهم لعبد الملك بن مروان اشتُهر بأنه ضُرب فى تفليس سنة 85/ 704 م. العباسيون وجورجيا: فى سنة 141 هـ/ 758 م قام الخزر تحت قيادة رأس طرخان بغزو أرمينيا، ويقول الطبرى (جـ 3، ص 328) متحدثًا عن نفس الواقعة فى حوادث سنة 147 هـ/ 764 م، إنه خلال غزو أستارخان الخوارزمى، وقع فى الأسر كثير من المسلمين والذميين ودخل الأتراك تفليس. ووقعت غزوة ثانية للخزر فى سنة 183 هـ/ 799 م, لكن المؤرخين العرب لم يذكروا أنه استولى على تفليس. ومن الحكام الذين أرسلهم هارون الرشيد إلى أرمينيا: القائد خزيمة بن

الساجيون والسلاريون وآل شداد

خازم، وكان الجورجان والصنارية قد ثاروا ضد الحكم العباسى آنذاك فهزمهم خزيمة وقضى على ثورتهم، واستعاد تفليس. وفى خلافة المأمون (198 - 218 هـ/ 813 - 833 م) وطدَّ محمد بن عتَّاب أقدامه فى أرمينيا، وفى سنة 214 هـ/ 829 م فتح أرض الجرزان وانضم إليه الصنارية. ونسمع فى أرمينيا فى عهد خلافة المأمون عن الأمير إسحاق بن إسماعيل وكان قد استقر بها منذ خلافة الأمين، وقد قام إسحاق بدحر القوات البيزنطية التى هاجمت أرمينيا آنذاك بقيادة يثوفيل (829 - 842 م) عند "واناند". وبسبب هذا الانتصار الذى أحرزه إسحاق اعترف به الخليفة الواثق حاكمًا على أرمينيا. لكن ذلك لم يدم طويلًا لأن محمد بن خالد قام بهزيمة إسحاق وطرده من صناريا. وأرسل المتوكل القائد التركى بُغا الكبير إلى أرمينيا، فأمر النفّاطين بإحراق تفليس، ومات 50.000 من سكانها بسبب هذا الحريق، وأحرق قصر إسحاق وأسر ابنه عامر على يد العسكر الترك والمنجارية (فى القوة العباسية) وسبب هذه الحملة أن ولاة هذه المناطق كانوا لا يزالون على ولائهم للأمويين. وفى سنة 331 هـ/ 942 م كان فى تفليس دار لسك الدراهم العباسية. الساجيون والسلاريون وآل شداد: وفى الوقت نفسه ظهرت قوى أخرى إلى جانب قوة بارجت Barget الأرمنى الذى ساعد الخليفة العباسى فى القضاء على بقايا حلفاء الأمويين (اسحاق) ومن هذه القوى بنولسَّاج إذ كانوا من أوائل الأسر الحاكمة الإسلامية التى حصلت على الاعتراف بسيادتها من بغداد (276 - 317 هـ/ 889 - 929 م). ولقد قام أبو القاسم يوسف بمساعدة المسلمين المنعزلين فى الشمال. وفى سنة 299 هـ/ 912 م جاء إلى تفليس، وكان أميرها انذاك يُدعى جعفر بن علىّ، واستولى على قلعة أوجارمو وبوكومرا. وتذكر المصادر حملة أخرى (ما بين 305/ 918 م و 311/ 923 م)

السلاجقة وجورجيا

"لعربى مسلم يُدعى الساج"، فى الوقت الذى أخذت فيه متسخيتا. وغفلت المصادر العربية عن ذكر هذه الحملات. وبعد ذلك مباشرة تذكر المصادر ظهور آل المظفر أو السلاريون عند بردعة وفى آذربيجان. السلاجقة وجورجيا: فى سنة 439 هـ/ 1048 م ظهرت لأول مرة قوات إبراهيم ينال عند باسيام (فى أعالى نهر أركسيس). وفى سنة 445 هـ/ 1053 م أرسل السلاجقة حملة ضد جانديا، لكن حركة التفاف من قبل البيزنطيين، الذين كانوا حلفاء لباجرات الرابع، أنقذت المدينة. عندئذ دعى أهل تفليس باجرات مرة ثانية، ولكن نتيجة لدسائس "ليباديت" احتفظ البيزنطيون بباجرات سجينًا فى القسطنطينية لمدة ثلاث سنوات. ثم استعاد باجرات الجزء الأكبر من قلعته، حين غزا ألب أرسلان (455 - 465/ 1063 - 72 م) جورجيا فجأة، وفى العاشر من ديسمبر 1068 م، سار ألب أرسلان مصطحبًا معه ملوك أرمينيا وكاخيتى وأمير تفليس إلى باجارات. واحتُلت كارتلى جميعها وقتل العديد من النصارى أو أُخِذوا أسارى وأعطيت "تفليس ورستاو" لفضلون الجنادى، "وآتى" لمنيصير بن أبى الأسوار. وفى ربيع 461 هـ/ 1069 م عاد باجرات إلى "كارتلى". وعسكر فضلون عند "إيسان" وهاجم الإقليم بحوالى 33000 رجل. وهزم باجرات فضلون، الذى فر إلى كاخيتى، ولكنه وقع أسيرًا فى يد أغسارتعان. وثمنا للتنازل عن بعض القلاع على الأيورا، افتدى باجرات فضلون وتسلم منه تفليس. وفشل ألب أرسلان فى تحرير فضلون وفك أسره. وعاش جورجى الثانى، ابن باجرات، فى "كوتيس". وفى "كاخيت" استعاد أغاسارتعان ممتلكاته بعد اعتناقه الإسلام. ولقد حدث الانتعاش تحت حكم داويد الثانى (المصلح) الذى أخذ لقب ملك "كارتلى وأفخازيا" (1089 - 1125 م). ولقد جلب داويد لجورجيا

إبادة الجيش السلجوقى فى تفليس سنة 515 هـ/ 1121 م

عبر ممر ألانز (دارايال) 40.000 بوليفتسى و 5000 مملوك اعتنقوا المسيحية وبرغم عنادهم، فإن هذه العناصر المولعة بالحرب مكنت داويد من التخلص من السيطرة السلجوقية. وتوقف عن دفع الخراج وأوقف هجرات الترك الموسمية إلى جورجيا. وزوَّج ابنته "تعامار" لشروان شاه الذى عامله كتابع له. إبادة الجيش السلجوقى فى تفليس سنة 515 هـ/ 1121 م بسبب شكوى مسلمى تفليس، أرسل الملك السلجوقى محمود بن محمد (511 - 525 هـ/ 1118 - 1131 م) حملة إلى جورجيا -شارك فيها الأرتق نجم الدين غازى، والمزيدى دُبيس بن صدقة وأخو السلطان طغرل مع أتابكه كون توغديل. وفى 18 أغسطس 1121 م دخل هذا الجيش تريالتى ومنجليس، لكن هذا الجيش أبيد على يد داويد ومماليكه، وبعد هذا النصر الذى حققه داويد (فى 515 هـ/ 1121 - 1122 م). اقتحم تفليس، وتثبت بها حتى تكون المدينة "ترسانة وعاصمة لأبنائه إلى الأبد". واعترف "العينى" المؤرخ العربى، بأن تفليس أحرقت ونُهبت، وأكدت المصادر الأخرى الفظاعة والوحشية التى ارتكبها داويد، لكن العينى يقول إن الملك احترم مشاعر المسلمين. وقد قيل أيضًا إن داويد قد وعد بسك عملة بكتابات اسلامية عليها وتعرضت البلاد لسلسلة من الاضطرابات إلى أن حكمها باجرات الثالث Bagrat III (980 - 1014 م) وفى عهده غزا بنو شداد وبنو فضلان أرمينيا وعاود السلاجقة شن الهجوم على البلاد. بنو جعفر وحكم جورجيا: ولقد خلف داويد بنى جعفر فى حكم تفليس، الذين لا نعرف إذا ما كانوا عربا أو من أصل جورجانى خالص. وفى الوقت الذى تُحدد فيه المصادر الجورجية الحكم الإسلامى لجورجيا بأربعمائة عام فإن العيْنى يقدر حكم بنى جعفر وحدهم بمائتى عام. ولقد عرفنا أن أمير تفليس الذى حكم سنة

عصر الملوك الأقوياء فى جورجيا

300 هـ/ 912 م كان يسمى جعفر بن على. وسك خليفته عملة فى تفليس؛ وهو درهم، عليه اسم منصور بن جعفر ومؤرخ بعام 342 و 343 هـ (مع اسم الخليفة المطيع للَّه)، ودرهم عليه اسم جعفر بن منصور تاريخه 364، 366 هـ (مع اسم الخليفة الطائع للَّه). وفى عهد باجرات الرابع (1027 - 1072 م) كان أمير تفليس يُدعى جعفر. وخلال الأربعين سنة قبل غزو داويد لتفليس، حكم المدينة أفراد صغار من بنى جعفر، حكم كل منهم لمدة شهر. عصر الملوك الأقوياء فى جورجيا: أثناء حكم ديمترى (1125 - 1154 م) انشغلت البلاد فى حرب أهلية مع عائلة أوربليانى. وكان الحكام المسلمون المعاصرون لهم: فى آذربيجان، الأتابك إلدنيز أو إلدجوز، وفى آنى، سلائل بنى شداد، وفى خيلات؛ ظاهر الدين شاهى أرمان (523 - 579 هـ/ 1228 - 1283 م)؛ وفى إرزروم (أرض روم) الأمير سلتوك بن علىّ، الذى هزمه الجورجيون قرب آنى سنة 548 هـ/ 1153 م (انظر ابن الآثير: الكامل، جـ 11، ص 126 أحداث سنة 548 هـ). لقد وصف الوضع فى تفليس مؤرخ ميافارقين ابن الأزرق، الذى زار تفليس سنة 548 هـ/ 1153 م. فلقد قال بأن المسلمين كانوا موضع رعاية. وكل يوم جمعة كان ديمترى يأتى إلى المسجد ويجلس على دكة قبالة الخطيب. وتحت حكم جورجى الثالث (1156 - 1184 م)، ظلت الممالك الإسلامية حول جورجيا على حالها، وقاد هذا الملك حملات نشطة ضد إرزروم (ارضروم)، وآنى، ودوين، وتاخيسوان، وجانديا، وبردعة وبيلقان. حكم تامار: ولقد بلغ عهد حكم تامار (1184 - 1211 م)، الذى يعد "شمس كارتلى" ذروته فى تاريخ جورجيا. ولعب تامار دورًا مهما فى خلق إمبراطورية كومنينوى فى طرابيزون. ولقد حكم بعد تامار ابنه جورجى الثالث، الذى حكم من 1212 حتى

جلال الدين خوارزمشاه

1223 م وقد جبى الخراج من جانديا وناخيسوان وإرزروم (أرضروم) خلاط المغول الذين ظهروا على مسرح الأحداث آنذاك وأوقعوا هزائم عديدة بجيوش جورجيا. وتوفى جورجيس فجأة وانتقل العرش من بعده إلى أخته روسودان (1223 - 1247 م)، وكانت أميرة جميلة انغمست فى اللهو، وقد تقدم لخطبتها جيرانها المسلمون. وفى النهاية اختارت حاكم إرزروم، مغيث الدين طغرل السلجوقى والذى اعتنق المسيحية بناءً على أوامر والده. ولقد أشار ابن الأثير إلى ذلك الأمر فى كتابه (جـ 12، ص 270) تحت عنوان "حادثة غريبة لم يحدث مثلها". وفى خطاب من روسودان إلى البابا إنوسنت الثالث، تحدثت فيه الملكة عن الغزو المغولى على أنه أمر ليس ذا بال، لكن كان هنالك عدو جديد على الأبواب، وهم الخوارزميون. جلال الدين خوارزمشاه: وكان خوارزمشاه جلال الدين قد هزم الجورجان عند "جارنى" فى شهر شعبان 622 هـ/ أغسطس 1225 م. وقد أخذ القائد الجورجانى "شلوا" أسيرًا. وأحتلت تفليس يوم 9 مارس 1226 م، ووفقًا لما رواه الجوينى، فإن جلال الدين أطلق سراح سكان المدينة وسمح لهم بالانسحاب إلى أفخازيا, ولكنه هدَّم كل أماكن العبادة المسيحية. وقد قال ابن الأثير بأن المدينة (أخذت عنوةً وقهرًا من غير أمان) وأن كل من لم يعتنق الإسلام قد قتل كذلك فإن النسوى قد أكد مذبحة الجورجان والأرمن فى تفليس. ولقد اختير الوزير شرف الملك حاكمًا على المدينة. وحين تركها ليقضى الشتاء فى جانديا، عاد الجورجان إلى تفليس وأحرقوا المدينة، بعد أن أدركوا أنه من الصعب عليهم الاحتفاظ، بها وقد قام جلال الدين باحتلال مكان آخر، ولم يعد إلى جورجيا حتى سنة 625 هـ/ 1228 م حين قام عند مندور، بالقرب من لورى، بتمزيق قوات القائد إيفانى، المشكلة من عناصر مختلفة: من الجورجان والآلان والأرمن وشعب السرير (آفارداغستان) واللاكز والقبجاق والشقان والأبخاز،

ورجال من سوريا وآسيا الصغرى ويذكر كتاب تاريخ جورجيا أن جلال الدين ارتكب أعمالًا وحشية جديدة فى تفليس بعد إنتصاره عند بوليذس. واختفى جلال الدين خوارزمشاه من مسرح الأحداث فى شوال 628 هـ/ أغسطس 1231 م، ولكن بقايا الخوارزميين أقلقوا الجزء الشرقى من جورجيا وجعلوا أمراء الاقطاع يلزمون قلاعهم. على أن تفليس ظلت فى يد روسودان، حين دخل مغول جُرماغان جورجيا عن طريق جانديا وحدث ذلك سنة 1236 م. فغادرت روسودان تفليس إلى كوتيس، وأحرق حاكم تفليس المدينة "وهكذا كان خراب مدينة تفليس". ولقد قام المغول بتحطيم التنظيم السياسى للإقليم: وأُجبر الجورجيون على خدمة المغول (فشاركوا فى حملاتهم ضد سلاجقة الروم، وضد غياث الدين، وضد الإسماعيلية فى قلعة ألموت وضد بغداد، وغيرها). ولقد قسم القطر إلى ستة (تومان)، وأبعد عن البلاد وريث عرش داويد. وقد قام حكام المغول بعد ذلك بتولية وعزل عدد من ملوك جورجيا من بيت داويد. وواصل الجورجان المشاركة فى حملات المغول ضد أعدائهم. وقد قام الملك جيورجى الخامس، بعد موت ملك المغول أولجاتيو (717 هـ/ 1317 م)، وبعد توليه العرش (1316 - 1146 م)، مستفيدًا من الاضطرابات التى وقعت فى السنوات الأخيرة من حكم المغول الإيليخانية، قام بطرد المغول من بلاده. وتوجه بجيشه إلى إميريتى، ووحد تحت حكمه كل أراضى الجورجان حتى سبير (آلان إسبير) وكل أراضى نيكوفسيا (15 ميلًا من سوخوم على البحر الأسود) حتى دارباند. وظهر تيمورلنك على مسرح الأحداث أثناء حكم الملك باجرات الخامس (1360 - 1395 م) ملك جورجيا -واعتبر مؤرخه الرسمى حملاته على جورجيا أنها جهاد. وأغلق باجرات على نفسه قلعة تفليس، ثم استولت قوات تيمور على المدينة وتمكنت من أسر الملك والملكة.

فترة ما بعد تيمور

فى سنة 804 هـ/ نهاية سنة 1401 م عاد تيمور إلى القوقاز عن طريق سيفاس -بغداد- تبريز. وذهب الجباه لجمع الخراج والجزية من جورجى، الذى أرسل أخاه مع الضريبة. وأعطى تيمور لجورجى أمانًا شريطة أن يزود بقوات من عنده وأن يعامل المسلمين معاملة حسنة. وفى صيف سنة 804 هـ/ 1402 م ذهب تيمور من قراباغ إلى منغوليا وأخذ قلعة تورتوم. وحين عاد تيمور سنة 805 هـ/ 1403 م إلى إرزروم، قرر أن يعاقب جيورجى لعدم حضوره لتهنئته على نصره على بايزيد العثمانى. فأرسل جيورجى هدايا جديدة، لكن تيمور رفضها وأصر على حضور جيورجى بنفسه إليه، وفى المحرم سنة 806 هـ/ أغسطس 1403 م قام تيمور بنفسه بمحاصرة قلاع كورنين الحصينة التى كان يدافع عنها نازال وأخذها فى تسعة أيام. وقد قامت قوات تيمور بتخريب الإقليم عند أطراف جورجيا حتى حدود أبخازيا: "وكانت النهاية لهذا الإقليم". فلقد دُمرت سبعمائة مدينة وقرية، وتحدث مؤرخ تيمور بإطناب عن تلك المذابح وهذا الامار. ولم يوقف تيمور ذلك إلا بإرسال العلماء الجورجان ألف دينار ذهب ضُربت باسم تيمور، وألف فرس، وياقوت أحمر يزن 18 مثقالًا، وغير ذلك. وأثناء مرور تيمور بتفليس قام بهدم كل الكنائس والأديرة التى كانت بها ثم ذهب إلى بَيْلَقَان (شتاء 806 هـ/ 1403 - 1404 م). ولقد اعطى كل الإقليم من بيلقان إلى طرابيزون كإقطاع للأمير خليل ميرزا. فترة ما بعد تيمور: انعكس الخراب والدمار الذى أحدثه تيمور فى جورجيا فى مصادر تاريخها، التى أعطتنا روايات مقتضبة عن فترة ما بعد تيمور. ولقد تحدثت المصادر الإسلامية عن حملة قام بها الشيخ إبراهيم الشروانى، صديق للأسرة الجلايرية ضد قرة يوسف، ساهم فيها قستانديل، ملك جورجستان. ولكن هذه القوات هُزمت

تقسيم جورجيا

شمال نهر آراس (815 هـ/ 1412 - 1413 م)، وقتل فى هذه المعركة عدد من نبلاء الجورجان والأرمن. ولقد حكم جورجيا الملك اسكندر (1413 - 1443 م). وحين قام الملك المغولى شاه رخ بزيارة جورجيا قام اسكندر بتقديم الهدايا له سنة 841 هـ/ 1437 م. تقسيم جورجيا: ولقد تقسمت جورجيا بعد ذلك، ومنذ عهد حكم قسطنطين الثالث (1469 - 1505 م) إلى ثلاث ممالك رئيسية. مملكة كارتلى، وعاصمتها تفليس؛ ومملكة إميريتى، وعاصمتها كوتيس، ومملكة كاخيتى، وعاصمتها جريمى ثم بعد ذلك: تعيلاف. بالإضافة إلى ذلك، ثار أتابك سامتسخى وأسس إمارة سانتاباجو المستقلة، التى منذ حكم المنصور الثالث اعتنق حكامها الإسلام. كذلك فإن عددًا من الأمراء المحليين قد استقلوا عن مملكة إميريتى. وفى كارتلى أيضًا، اضطرب حكم قنسطنطين الثالث بسبب غزو باجرات الثانى ملك إميريتى. الآق فويونلو: فى هذه الفترة ظهر أُذُن حسن على مسرح الأحداث. ولقد ذهب إلى جورجيا لأول مرة سنة 871 هـ/ 1466 م, حين قام بتخليص المساجين المسلمين من حبسهم واستولى على قلعة شيماقار. ولقد منعته بعض التعقيدات المدنية من أخذ أخال - تسيخى، ولكنه عاود الهجوم سنة 877 هـ/ 1472 م. وقد قهر الملك باكراتى وأخذ 30.000 سجين من جورجيا. ولقد استسلمت تفليس لأذن حسن وسلمها له قنسطنطين، وذلك ليمنع باجرات من الاستيلاء عليها. وترك أُذُن حسن حامية فى تفليس لكنه ترك حكومتها لقنسطنطين. لكن الجورجان استعادوا المدينة سنة 882 هـ/ 1478 م. وقام السلطان يعقوب آق - فويونلو بغزو سامتسخى فى خريف 891 هـ/ 1486 م ليعاقب الأتابك قفارقفير. وفى العام التالى، أرسل يعقوب صوفى خليل بيج لفتح

الصفويون وجورجيا

جورجيا. فانسحب قستانديل (قنسطنطين الثالث) من تفليس، وبدأ صوفى خليل الحصار بمساعدة التعزيزات التى وصلته فى الشتاء؛ فاستولى أولًا على قلعة كودير (كوديورى، جنوب تفليس). وقد قاسى المسلمون كثيرًا فى القتال حول تفليس ولكن فى النهاية استولى والى أغا على المدينة. الصفويون وجورجيا: فى سنة 907 هـ/ 1501 م قامت فصيلة عسكرية من قوات الاسماعيلية تحت قيادة خادم - بيج بغزو جورجيا. ولقد توقفت غزوة ديو سلطان سنة 926 هـ/ 1520 م بسبب سفارة راماز، ابن داويد الثالث، إلى إسماعيل الأول. وفى سنة 929 هـ/ 1522 - 1523 م استولى مؤسس الأسرة الصفوية على "أغديا قلعة" وببذله بعض الوعود استسلمت له قلعة تفليس. وقد بنى مسجدًا "على ناصية الجسر" (ولا يزال المسجد قائمًا على الضفة اليمنى للنهر). ويذكر أسكندر مُنشى أربع حملات عسكرية كبرى أُرسلت ضد جورجيا من قبل شاه طهماسب. وفى سنة 947 هـ/ 1540 م استولى طهماسب على تفليس، ثم على قلعة بارتيس. والمرة الثانية فى سنة 953 هـ/ 1546 م حين جاء أمير جورجيا ليقدم ولاءه وطاعته لطهماسب عند شُراجيل. والحملة الثالثة فى سنة 958 هـ/ 1551 م أُرسلت من شاكى بناء على طلب الأتابك كى خسرو، ابن قُرقره الذى اشتكى من الضرر الذى وقع عليه من قبل لوارساب. والحملة الرابعة كانت ضد لوارساب الذى كان يواصل التضييق على تفليس. وقد احتلت قوات طهماسب مدن جورى وأتنى وقُتل الملك لوارساب نفسه فى المعركة. وحكم بعد لوراساب فى جورجيا ابنه الملك سويمون الأول (1558 - 1600 م)، الذى شهد عهده اضطرابات كثيرة. وقد هزمه الفرس وأحلوا مكانه أخاه داويد (داودخان)، الذى تحول للإسلام لكن سويمون سُجن فى قلعة ألموت، وقد أطلق إسماعيل الثانى سراحه من هناك

السيادة العثمانية (986 - 1011 هـ/ 1578 - 1603 م)

(984 هـ/ 1576 - 1577 م) ليحد من نشاط العثمانيين. السيادة العثمانية (986 - 1011 هـ/ 1578 - 1603 م): فى سنة 986 هـ/ 1578 م، خلال حكم الشاه الضعيف خُدابندا، توغل العثمانيون تحت قيادة مصطفى لالا باشا فى جورجيا عن طريق سامتسخى، وفى شهر أغسطس استولوا على تفليس، التى كان داودخان قد هرب منها. وقد وضع الأترك فى تفليس حامية تتكون من 200 رجل مع 100 بندقية. ولقد مُنح محمد بن فرهاد باشا سنجقية (أو باشوية) تفليس. وحُولت كنيستان إلى مسجدين. وفى أكتوبر، استقبلت جورى حامية تركية. ومُنح سويمون هذه المدينة كسنجقية له، وعندما عاد مصطفى باشا إلى (أرض روم) قام إمام قولى خان ابن شمخال باعدام أزدمر باشا فحاصر سويمون تفليس. ولكن إمدادات جاءت للحامية التركية فى تفليس بقيادة حسن قولى خان ابن شمخال لكن الصراع حول المدينة استمر. وفى سنة 1580 م وصل السر عسكر الجديد سنان باشا إلى تفليس واختار ابن لوراساب الذى اعتنق الإسلام وتسمى باسم يوسف حاكما لتفليس. وقدَّم سويمون تنازلات للأتراك لكنها لم تُقبل. وفى رجب 990 هـ/ أغسطس 1582 م غادر محمد بك إرزروم (أرض روم) ليحضر إمدادات لتفليس، ولكنه هُزم عند جورى على يد الفرس والجورجان. ووضع فرهاد باشا نفسه على رأس حملة جديدة (ذو القعدة 990 هـ/ ديسمبر 1582 م) بقصد تقوية المدن التى فى يد العثمانيين. وفى سنة 992 هـ/ 1584 م، تحرك رضوان باشا إلى تفليس. وقد هاجم سويمون رضوان لكن دون تحقيق نجاح يُذكر. وبعد حملة سنة 993 هـ/ 1585 م على تبريز، تنازل الفرس للعثمانيين عن آذربيجان والقوقاز بما فيها جورجيا (معاهدة 25 جمادى الأولى 999 هـ/ 21 مارس

الشاه عباس الأول والملوك المسلمون فى جورجيا

1590 م). وبعد أن تبوأ محمد الثالث حكم الدولة العثمانية (1003 هـ - 1595 م) قبض على سويمون فى مناوشة وأُرسل إلى إستانبول حيث توفى هنالك سنة 1600 م. وقد استمر حكم العثمانيين لجورجيا، دون اضطراب، تقريبًا من 999 هـ/ 1591 م حتى 15 جمادى الأولى 1012 هـ/ اكتوبر 1603 م حين استولى الشاه عباس الأول على تفليس. وقد أقرت معاهدة سنة 1021 هـ/ 1612 م التركية الفارسية الوضع فى جورجيا كما كان الحال عليه تحت حكم السلطان سليم (918 - 926 هـ/ 1512 - 1520 م). الشاه عباس الأول والملوك المسلمون فى جورجيا: لقد وقعت أسوأ النوائب على جورجيا (خصوصًا على كاخيتى) فى عهد الشاه عباس الأول. وبرغم أن جورجى ملك كارتلى وأسكندر ملك كاخيتى قد حاربوا تحت لوائه عند حصار إريوان سنة 1602 م، فإن عباس بعد إنتصاره استولى على لورى Lore من جورجيا. ولقد تزوج عباس من أخت لواراساب الثانى (1605 - 1616 م) ولكنه أحضر الأخير إلى فارس وقتله فى قلعة جولاب. وفى سنة 1025 هـ/ 1616 م وصل عباس بنفسه إلى جورجيا ومنح كارتلى لباجرات السادس المسلم (1616 - 1619 م). ثم قام بعد ذلك بمعاقبة كاخيتى. ويُقدر عدد من قُتل فى هذه المدينة، وفقا للتقارير الرسمية، على يديه من 60 إلى 70 نفس كما يقدر عدد السجناء من شباب كلا الجنسين بلغ من 100.000 إلى 130.000 شاب وشابة. "ومنذ بداية الإسلام لم تقع حوادث مثل هذه فى عهد حكم أى ملك". وفى سنة 1033/ 1623 م، استدعى كارسيقا خان لواءً يتكون من 10.000 رجل من كاخيتى وبدلًا من أن يرسلهم ويقودهم ضد إميريتى أمر

غزو الأفغان لفارس

بذبحهم. وبرغم هذه الكوارث، أصبح الدور الذى لعبه الجورجان فى حياة فارس زائد الأهمية، ويدين الشاه صافى، خليفة عباس الأول، بعرشه لتأييد خسرو ميرزا، أخو الملك باجرات. وحين مات سويمون الثانى فى حرب أهلية (1629 م) جاء تعيوراز الأول حاكم كاخيتى إلى كارتلى، حيث حكم من سنة 1629 إلى 1664 م، وبعد ذلك وصل كى خسو من فارس وأقام نفسه حاكمًا فى تفليس تحت اسم رستم (1634 - 1658 م). وفى سنة 1045 هـ/ 1639 م أخذ مراد الرابع إروان، وبمعاهدة 1049/ 1639 م عاودت فارس مطالبها فى قارس وأخال - تسيخى. فتسلم السلطان أميريتى وساتاباجو واحتفظ الشاه بكارتلى وكاخيتى. غزو الأفغان لفارس: حين بدأ البلوش والأفغان يهددون فارس، عهد الشاه حسين إلى الملك جيورجى الجرجانى بإقرار النظام فى المناطق الشرقية ونجح جيورجى فى إعادة النظام فى قندهار، ولكنه فى سنة 1121 هـ/ 1709 م اغتيل غدرًا بتدبير من ميرويز، الذى قام بهزيمة القوات الجروجانية الجديدة التى جاءت بقيادة خليفة جيورجى، كى خسرو. وقد مهدت هذه الأحداث الطريق للغزو الأفغانى لفارس. وبعد الانتصار الحاسم للأفغان على الفرس عند جُناباد، بالقرب من أصفهان (1134 هـ/ 1722 م)، طلب الشاه حسين المساعدة من فاختانج حاكم كارتلى، لكن فى نوفمبر 1721 م عرض الأخير خدماته لروسيا. لكن بطرس الأكبر، الذى كان قد وصل إلى دارباند فى 23 أغسطس 1722 م كان عليه أن يعود فجأة إلى روسيا. وعلى الجانب الآخر، أخذ الملك محمد قلى خان ملك كاخيتى جانب لزجيس فى الحرب الثانية مع فاختانح وفى سنة 1723 م استولى على تفليس، التى أبيحت ثلاثة أيام.

الاستيلاء العثمانى الثانى على جورجيا (1135 - 1147 هـ/ 1723 - 1734 م)

الاستيلاء العثمانى الثانى على جورجيا (1135 - 1147 هـ/ 1723 - 1734 م): حسَّنت المشاكل فى فارس وعند الروس الحال فى تركيا المضطربة. وفى رمضان 1135 هـ/ يونيو 1723 م نصَّب السر عسكر إبراهيم باشا، الذى تفاوض مع فاختانح, فنصَّب باكار ابن الأخير حاكما على تفليس. فى نفس الوقت فإن المعاهدة الروسية - الفارسية التى تمت فى 12 سبتمبر 1723 م، آلت بمقتضاها المقاطعات الواقعة على بحر قزوين لروسيا. ومن ناحية أخرى فإن هنالك معاهدة روسية - تركية وقعت فى 12 يونيو 1724 م: احتفظت فيها روسيا بداغستان، وأخذت تركيا القوقاز بما فيها جورجيا. وذهب الملك المخلوع فاختانج إلى روسيا مع حاشية من 1400 رجل (أغسطس 1724 م). وحين ضم الأتراك كارتلى لهم، قاموا بإحصاء رسمى للسكان وفرضوا ضرائب عليهم. ولقد اختير اسحق باشا سنة 1727 م حاكمًا لكل جورجيا. وفى سنة 1728 م قام بتقسيم كارتلى بين الأمراء الإقطاعيين. نادرشاه وجورجيا: فى سنة 1143 هـ/ 1730 م، أحرز الشاه طهماسب نصرًا محدودًا اعترف بنهر الرس (الآراس) كخط حدودى بين فارس وتركيا لكن نادرشاه, لم يكن مقتنعا بذلك، فخلع طهماسب واستأنف غزو القوقاز. وحين كان يقوم بعملياته العسكرية ضد داغستان (1147 هـ/ 1734 م) خرج إسحاق باشا بجيش لمساعدة جاذجا التى هاجمتها القوات الفارسية وقد قام تعيموراز، ابن نزار على خان، وابن أخيه على ميرزا بمهاجمة إسحاق باشا وأجبروه على الهرب بنفسه فى قلعة تفليس وكافأ نادرشاه هذين الأميرين على شجاعتهما. وعند حصار الفرس

باجريت كاخيتى

لجانديا، أمر نادر صافى خان بأن يحاصر تفليس بمساعدة النبلاء الجورجان (الكرج). وحين هُزم عبد اللَّه باشا عند (باغاوارد) بالقرب من إروان، تنازل إسحاق باشا عن قلعة تفليس فى 12 ربيع الأول 1147 هـ/ 17 سبتمبر 1734 م. واستدعى نادر نبلاء كارتلى وكاخيتى ومن بينهم طاهموراث الذى كانت له المكانة الكبرى فى بلاده وقد عين نادرشاه على ميرزا واليًا على كارتلى وكاخيتى مكافأة له لأنه كان مسلمًا كما أن أخاه سقط قتيلا فى معركة ضد عثمان باشا، وسمح طاهموراث بالذهاب إلى كاخيتى لإحضار أسرته إلى تفليس. وأصبح آنذاك: "رجل السيف والقرار السريع"؛ لكنه فر إلى جبال قراقا لخان (غرب جورى). وأرسل نادر قواته فى أعقابه بل لقد وصل نادرشاه نفسه تفليس فى 29 جمادى الأولى، فعاقب من يستحق العقاب وكافأ من يستحق المكافأة وأرسلت 6.000 عائلة جورجانية ورحلت إلى خراسان. وفى سنة 1149 هـ/ 1736 م قام صافى خان بالقبض على تيموراز وأرسله لفارس. وفى سنة 1158 هـ/ 1745 م فرض نادر 50.000 تومان على جورجيا وذهب تيموراز ليطلب تخفيض المبلغ، ولكن عند وصوله تبريز سمع بوفاة نادر وخلف نادر فى الحكم على قُلى خان، زوج ختيفان، ابنة تيموراز. باجريت كاخيتى: ولقد ضمنت فترة الاضطرابات بعد موت نادر (1162 هـ/ 1749 م) وحكم كريم خان، فترة راحة لجورجيا. وهى فرصة استثمرها بمهارة كل من تيموراز (ملك كارتلى 1744 - 1761 م) وابنه إريكل أو إيراكلى الثانى (ملك كاخيتى 1844 - 1861 م)؛ ولقد كان حكم هذين الملكين المسيحيين فترة من أسعد الفترات فى تاريخ جورجيا ولقد قاموا بحملات عديدة على ما وراء القوقاز، كذلك صدوا بنجاح ما تعرضت

القاجار

له بلادهم من حملات وهجمات. لكن برغم هذا النجاح، فإن الوضع فى جورجيا كان غير مستقر، وفى سنة 1760 م ذهب تيموراز إلى روسيا يطلب المساعدة. ولكن وصوله لروسيا كان بعد أيام قليلة من وفاة الأمبراطورة اليزابيث، كما أنه هو نفسه توفى فى بطرسبرج فى الثامن من يناير 1762 م. وعندما أصبح إريكل ملكًا للمملكة المتحدة، واصل سياسة التقارب مع روسيا. وفى بداية الحرب الروسية - التركية، وصلت قوة روسية تحت قيادة الجنرال توتليبين إلى جورجيا (فى سنة 1769 م) وسارت مع إريكل تجاه أخال - تسيخى. لكن هذا التحالف لم يستمر وعادت القوات الروسية إلى روسيا سنة 1772 م. لكن إريكل، بعد أن صار بمفرده، حقق نجاحا ملحوظا عند أسبيندزا، وقام مع سولمون حاكم أميريتى، بحصار أخال - كالاكى، لكن سليمان باشا حاكم هذه المدينة سرعان ما رد الإهانة. ولم تُحدث المعاهدة الروسية - التركية سنة 1774 م أى تغييرات حدودية فى أرض جورجيا. وتعهدت روسيا لإريكل بحماية أراضيه وتركت له الحرية الكاملة فى إدارة سياسته الداخلية، لكن السياسة الخارجية كانت تحكمها توجيهات روسيا التى أرسلت قوة إلى تفليس، لكنها استدعتها سنة 1787 م. القاجار: خلال هذه الفترة حل القاجار محل الزَّند. ففى سنة 1795 م حاصر الأغا محمد قاجار شوشة فى القرباغ، ثم اتجه إلى تفليس، التى استولى عليها فى 11 سبتمبر 1795 م ونهبها بشكل مخيف. وقد تبع الغزو الفارسى غزو من قبل الداغستانيين. وفى سنة 1795 م وصلت كتيبتان روسيتان إلى جورجيا، وفى مارس 1796 م، أعلنت روسيا الحرب على فارس. لكن فى نوفمبر ماتت كاترين الثانية وسحب خليفتها ابنها بول الأول فجأة قواته

جورجيا تحت الحكم الروسى

الروسية من جورجيا. وشرع الأغا محمد قاجار ثانية فى غزو ما وراء القوقاز، لكنه أُغتيل بالقرب من شوشه (15 يونيو 1797 م). والملك المُسِن إريكل فى 12 يناير 1798 م. وخلفه ابنه جيورجى الثانى عشر. وكان فتح على قاجار مشغولًا مع منافسيه على الحكم. ومن كارس، أرسل جيورجى قوة قوامها 2000 رجل تحت قيادة ابنيه؛ لكن المكائد ومشاكل الحكم فى العائلة المالكة جعلت موقفه غاية فى الصعوبة. وفى سنة 1799 م أرسل سفارة إلى سان بطرسبرج وكان هدفها كالتالى: أن جورجيا سوف لا توضع تحت الحماية، ولكن تحت سيطرة الإمبراطور الكاملة مثل باقى المقاطعات الروسية. فى مقابل أن يكون العرش منحة للعائلة المالكة. وفى 18 ديسمبر 1800 م، وقع الأمبراطور بول الأول البيان الرسمى بضم جورجيا، والذى أُعلن يوم 18 يناير 1801 م بعد وفاة جيورجى وتوفى بول الأول يوم 11 مارس. وفى أبريل أرسل الجورجان استعطافًا للإمبراطور الكسندر الأول ليختار لهم أميرًا حاكمًا بلقب قائم المقام الامبراطورى وملك جورجيا. وفى يوم 12 سبتمبر 1801 م صدَّق بول الأول على أن كارتلى - كاخيتى أصبحت منذ ذالك فصاعدًا جزءًا مكملًا للأراضى الإمبراطورية الروسية. أما بقايا افراد البيوتات الجورجية الحاكمة فقد تم إبعادهم إلى روسيا. جورجيا تحت الحكم الروسى: لقد سهَّل تملك روسيا لجورجيا توسع قواتها العسكرية فيما وراء القوقاز. وكان على قائد الفرق العسكرية الروسية فى القوقاز آنذاك الأمير تسيتسيانوف Tsitsianov, أن يحتفظ بالمكاسب الروسية الأخيرة ضد عدة أعداء صرحاء، بما فيهم قبائل داغستان المسلمة والخانات المسلمين لكل من باكو وشاكى وجانجا فى آذربيجان الذين كانوا يتبعون فارس

من الناحية الاسمية، فقام بإعلان الحرب على أعدائه ففى يناير 1804 م استولى على جانجا، وقتل حاكمها جواد خان الذى كان قد ساعد قاجار أغا محمد على غزو جورجيا وسلب تفليس سنة 1795 م. وتحول جانجا إلى اليزافتبول نسبة لزوجة القيصر اسكندر الأول إليزابث لكن تسيتسيانوف حين ذهب إلى باكو فى يناير 1806 م، قُتل فى معركة خاضها ضد القوات الفارسية المحلية، إلا أن حملة أخرى أُرسلت بعد ذلك فى نفس العام أدت إلى الاستيلاء على كل من باكو ودارباند Darband. وقد مارس الروس أيضًا ضغطًا على العثمانيين، فاحتلوا بوتى على البحر الأسود سنة 1809 م، كما احتلوا مدينة سوخوم قلعة فى أبخازيا (أفخازيا) سنة 1810 م كما احتلوا المركز الاستراتيجى لأبخازيا (أفخازيا) جنوب شرقى جورجيا سنة 1811 م، ولم يستسلم أمير أميريتى للروس إلا فى سنة 1810 م بعد قتال عنيف. وفى غضون ذلك، أصبح حكم الروس فى جورجيا بسرعة مكروهًا، ووقعت ثورات جورجانية كثيرة ضده فى سنة 1812 م، حين أُعلن الأمير الباجراتى ملكًا على جورجيا، قبل قمع الثائرين تمامًا عليها. على أنه تم توقيع صلح عام بين الأطراف المتحاربة فيما وراء القوقاز وأعادت معاهدة بوخارست فى سنة 1812 م بوتى وأخالتلاكى Akhaltalki للعثمانيين. ولم يعد للمعاهدة التى عقدت سنة 1807 فى فينكينشتين، والتى اعترف فيها الإمبراطور نابليون بونابورت بحقوق فارس على جورجيا، أى تأثير عملى، وفى معاهدة جوليستان سنة 1813 م أكدت روسيا ملكيتها لجورجيا، مع داغستان وخانيات المسلمين: قراباخ وجانجا وشاكى وشروان ودارباند وباكو وقوبا. وبالطبع لم يكن الفرس راضين عن هذه الخسائر الكبيرة التى فقدوها فى مقاطعات شرق القوقاز التى كانت تابعة لهم منذ زمن طويل، وفى سنة 1826 م، انتهزوا فرصة وفاة الكسندر الأول ومؤامرة ديسمبر فى

سان بطرسبرج، وقاموا بغزو جورجيا وقراباخ. ورغم ذلك استطاع الجنرال باسكيفتش Paskevich درء أخطار هذا الهجوم وبمعاهدة تركمانسى سنة 1828 م، وتثبيت الحدود الروسية مكانها واستُبعد النفوذ الفارسى عن القوقاز نهائيًا. ومن النتائج المهمة لذلك أن فارس قد حُرمت تمامًا من الاتصال المباشر مع مسلمى داغستان. ووجه باسكيفيتش بعد ذلك اهتمامه للجبهة التركية فى الغرب، آملًا فى الاستحواذ على المقاطعة الجورجانية السابقة سامتسخى، وتوغلت القوات الروسية حتى إرزروم (أرض روم)؛ ولقد قدَّمت معاهدة أدريانوبل سنة 1829 م سامتسخى لروسيا كذلك موانئ البحر الأسود بوتى وأنابا، وبذلك انقطع على العثمانيين خط عملياتهم المباشرة مع قرقيسيا Circassiq وشمال غرب القوقاز. ولقد إنزعج المسلمون من توغل روسيا فى القوقاز، وتجلى ذلك فى الثورة التى قامت سنة 1829 م فى شرق القوقاز التى عُرفت بحركة "المريد" بقيادة القاضى الإمام المُلا شامل الذى أصبح بعد ذلك الإمام "شامل"، الذى نجح فى احتجاز أعداد كبيرة من قوات الروس تحت يده لمدة ربع قرن. كذلك اندلعت ثورات أخرى ضد روسيا فى غرب القوقاز، فى قرقيسيا، بتشجيع تركى وإنجليزى. وخلال حرب القرم (1854 - 1856 م)، كانت جورجيا اعدة الهجمات على تركيا، وقد نجحت القوات التركية فى احتلال قارص سنة 1855 م؛ وفى نفس الوقت تقدم جيش تركى تحت قيادة عمر باشا ونزل فى أبخازيا وغزى منجريليا. وقد أصاب الركود جورجيا فى العقود الأولى للحكم الروسى، وقد كان السبب الرئيسى للاستياء منع استقلال الكنيسة الجورجية سنة 1811 م كمركز إشعاع الولاء للقومية الجورجانية، وتحدى ضمانات المعاهدة الروسية. الجورجية لسنة 1783 م، التى نصت على دمج الكنيسة الجورجية بالقوة مع الكنيسة الأرثوذكسية الروسية، مع إبعاد البطريرك الكاثوليكى أنطونى

الثانى إلى سان بطرسبرج. وقوّضت الإدارة الروسية الحقوق الإقطاعية لنبلاء جورجيا، واستاء أهل جورجيا من كثرة الضرائب. وفى سنة 1830 - 1832 م تجمع الجورجان، حول بعض الأشخاص المهمين مثل الأمير الكسندر باجراش، المُبعد إلى فارس، وقاموا أخيرًا بمحاولة دحر الحكم الروسى فى جورجيا؛ ولكن حين فشلت هذه المحاولة، انتهت كل آمال أسرة باجرات فى العودة إلى الحكم، وغرقت جورجيا فيما أطلق عليه د. م. لانج "حالة إذعان مخدَّرة" وخلال فترة تولى الكونت ميشيل فورونتشوف نيابة الملك فى جورجيا (1845 - 1854 م) تمتعت جورجيا أخيرًا لعقدين أو ثلاثة بقدر من الرخاء، مع تشجيع تعليمى وثقافى وتوسع تجارى، مع بدايات التصنيع فى إقليم تفليس كجزء من الثورة الصناعية البارزة فى روسيا ككل خلال حكم الإمبراطور نيقولا الأول (1825 - 1855 م). وفى عهد حكم فورنتسوف زار جورجيا عميد الدراسات الجورجية فى الغرب "بروسيت" (1802 - 1880 م) واشتغل هنالك تحت رعايته وتشجيعه. ولقد عانت طبقة النبلاء الجرجانية القديمة من حالة تدهور عام فى هذه الفترة الانتقالية، وصاحبتها حالة نفور متزايد من جانب الفلاحين. وأصبحت أطراف جورجيا النائية، التى كانت قد استبقت لنفسها بعض الحكم الذاتى، الآن تحت الحكم الإمبراطورى المباشر. وفى سنة 1857 م، أُستبعدت نائبة الملك، كاترين داديانى وعُزلت، وفى سنة 1867 م أجبرت وريثها الشاب، نيقولا دادايانى أن يتنازل عن حقوقه فى الحكم لروسيا. وفى أبخازيا (أفخازيا)، المنطقة التى نصف سكانها مسلمون والنصف الآخر مسيحيون، حيث يتطلع المسلمون فيها لمساعدة العثمانيين، أُجبر أميرها ميشيل شارقا شيدز أن يتنازل عن الحكم بقوة السلاح سنة 1864 م، مما قاد سريعًا

للاستعباد الأخير القائم حتى اليوم للجراكسة (الشراكس) وهجرة حوالى 600.000 شركسى مسلم إلى الأراضى العثمانية بدلًا من العيش تحت الحكم الروسى. وفى سنة 1864 و 1865 م حُرر الرقيق فى جورجيا، وفى منجريليا وأبخازيا وسفانيتى. وهنالك فترة أخرى لحكم مستنير هى فترة حكم الدوق الأعظم ميشيل، أخو الكسندر الثانى، حاكم القوقاز (1862 - 1882 م)، الذى استطاعت روسيا بفضل قوة إقطاعه أن تستعيد خلال الحرب مع تركيا 1877 - 1878 م مناطق جوهرية لمقاطعة جورجيا القديمة التى كانت تحت السيطرة العثمانية منذ القرن السادس عشر. وبمقتضى إتفاق سان ستيفانو العقيم ومؤتمر برلين (1878 م)، حصلت روسيا على ميناء باطوم، وواصلت حملاتها على قلعة قارص المهمة وأردهان، مُشرفة على الطرق فى شرق الأناضول، (لم تستعد تركيا هذين الإقليمين الأخيرين تمامًا حتى سنوات 1920 و 1921 م). ولقد تميزت سنوات الحكم الأخيرة للدوق برسوخ الشعور بالرابطة السلافية التى ميزت السياسة الإمبراطورية فى ذلك الوقت والتى كانت نذير شؤم للأقليات غير الروسية فى الإمبراطورية، والتى شوهدت على سبيل المثال فى الخطر المفروض على استخدام الجورجيين للتدريس فى معهد تفليس اللاهوتى، المركز الرئيسى لتدريب الجورجيين على الكهنوت ومركز الإشعاع للقومية الجورجانية والمعاداة للروسية (وقد كان جوزيف جقاشقيلى ممن درس فيه فيما بعد وهو المعروف فيما بعد بستالين). ولقد كان ظهور حركات الفوضوية والشعبية فى جورجيا شكلًا من أشكال رد الفعل الثقافى والصحوة فى تلك الأيام من سنة 1870 م فصاعدًا كذلك مع حركة الماركسية، المعروفة باسم "المجموعة الثالثة"، التى كان أحد قادتها

نوى زوردانيا، رئيس جمهورية جورجيا المستقلة (1918 - 1921 م) ولقد كانت نهاية الرق وقيام الملكيات الإقطاعية فى جورجيا، وتوسعة الطرق وصناعات إنتاج الزيت فيما وراء القوقاز أماكن مثل باكو وباطوم وتفليس وكوتيسى، مما خلق ظروفا موافقة لانتشار هذه الحركات، التى استهدفت فى المقام الأول الحكومة الروسية الملكية. ولقد تلت ثورة 1905 م الثورة الكبرى التى سبقتها سنة 1902 م وقام بها المزارعون الكادحون فى جوريا فى جنوب جورجيا، وفى سنة 1905 م نفسها، نظم الجورجيون الماركسيون إضرابات ولجان ثورية. ولقد لفت القمع الروسى وقوات الكوساك نظر الغرب لمطالب الجورجان كأمة، وشوهد ذلك مثلًا فى بريطانيا بتأسيس لجمعيات من خلال مجهودات العلماء الجورجان أوليفر ومارجورى واردروب لجمعية أصدقاء جورجيا التى عملت فى خط موازٍ لجمعيات ى. ج. بروان الدستورية الفارسية. وخلال الحرب العالمية الأولى، تمركز الجورجيون المهاجرون فى وسط أوربا، تحت رعاية الألمان، وفى سنة 1915 م تكوَّن الفيلق الجورجانى ليحارب على الجبهة الساحلية للبحر الأسود. وفى الحرب الروسية - التركية فى غرب القوقاز، حارب المسلمون الجورجان إلى جانب العثمانيين، فى حين انضم الأرمن للروس. وبسقوط حكومة تساريست فى أبريل 1917 م، اكتسب المنشفيك القوة، ولكن تحطم الجيش الملكى سمح لتركيا بأن تستعيد مستعمراتها فى شرق الأناضول وأن تتقدم إلى ما وراء القوقاز، منتقمة من الأرمن مقابل سبق قتل الأرمن للمسلمين. ولقد رفض المسلمون فى آذربيجان أن يواصلوا القتال ضد تركيا وبعد أن انفصلوا عن روسيا نفسها أعلن مسلمو آذربيجان مع بلاد ما وراء القوقاز من 12 أبريل 1918 م أعلنوا أنفسهم جمهورية فيدرالية مستقلة، شاملة جورجيا المسيحية وأرمينيا وآذربيجان الإسلامية. ولقد ضغط العثمانيون لرد مقاطعة فى

جورجيا كانت قد فقدتها لصالح روسيا، وانتقمت لذلك باحتلال باطوم. ولقد تسببت قوى خارجة آنذاك فى تقسيم جمهورية ما وراء القوقاز إلى ثلاثة أقسام أساسية، وفى 26 مايو 1918 م قامت جمهورية جورجيا المستقلة، تحت الحماية الألمانية؛ ووقع الصلح بين جورجيا وتركيا فى يونيو، مع استرداد تركيا لباطوم وقارص وأدرهان وأخالتسيخى وأخالكالاكى. ومنذ عام 1918 م حتى 1921 م كان الحكم فى جورجيا اشتراكى ديمقراطى ورأس الحكومة زوردانيا، وفى هذه الفترة زاد بتلور القومية الجورجية، (وفُتحت أول جامعة جورجية فى تفليس سنة 1918 م). وفى هذه السنة، حلت القوات البريطانية فى جورجيا محل القوات الألمانية، على أن يُصبح أوليفر واردروب المندوب البريطانى فى جمهوريات ما وراء القوقاز الثلاث، على أن تكون قاعدته تفليس. وفى 27 يناير 1921 م، اعترفت فرنسا وبريطانيا بجورجيا دبلوماسيًا كدولة مستقلة. على أن الدولة الجديدة كانت مهددة، فكان عليها أن تحارب ادعاءات الأرمن فى أراضى جورجيا، وأن تحارب القوات التركية فى الجنوب، وفوق كل ذلك، أن تحارب البلشفيك (الروس الشيوعيين). وفى سنة 1921 كان البلشفيك يهددون تفليس نفسها, ولقد سقطت بعد مقاومة بطولية فى 25 فبراير وتعرضت لنهب مخيف على يد الجيش الأحمر، ولقد هرب زوردانيا مع حكومته بالبحر إلى استانبول. ولقد قاست جورجيا تحت حكم السوفيت الحتمى من تجدد النعرة القومية لروسيا العظمى وللامبريالية. وللعقدين التاليين أو أكثر، وحتى سنة 1953 م، رزحت جورجيا تحت قهرستالين وتابعه بيريا، الذى كان نفسه من منجريليا والذى مارس سلطات دكتاتورية فيما وراء القوقاز سنة 1932 - 38. وحتى سنة 1936 م، كانت جورجيا محرومة من استقلالها

المصادر

وأصبحت جزءًا من اتحاد ما وراء القوقاز الفيدرالى فى داخل الاتحاد السوفيتى، الذى كانت تفليس عاصمته، ثم صارت جورجيا جزءًا من الجمهوريات السوفيتية التى يتكون منها الاتحاد السوفيتى (المنحل). ووفقًا لإحصائيات 1970 م، فإن مجموع سكان جورجيا 4.686.000, 48 % منهم يسكنون المدن، و 52 % منهم فلًاحون، والمدن الرئيسية بها هى: تفليس (عدد سكانها 907.000) وأصغر مراكزها فى كويتسى، وروستافى، وسوخوم وياطوم. وعرقيًا، يتكون 67 % من السكان من الجورجان الأصليين، لكن هنالك أقليات أرمينية، وروسية، وآذربيجانية، وأوستيانية وأبخازية (أفخازية) ونسبة المسلمين من جميع هؤلاء غير واضحة لكن فى سنة 1921 م كان فى العاصمة تفليس عدد لا بأس به من الأتراك، وفى سنة 1922 م تحت الحكم السوفيتى، كانت تصدر هنالك جريدة تركية محلية؛ لكن الإحصاء السكانى لسنة 1922 م أحصى فقط 3.255 آذربيجانى تركى فى جورجيا، و 3.987 إيرانى، وبالطبع كلهم مسلمون. أما الأتراك الآذربيجانيون فى جورجيا فإننا نجدهم بالطبع أساسًا فى امتداد سهل آذربيجان إلى الشرق والجنوب الشرقى لتفليس. المصادر: (1) Brosset: Histoire de la Geirgie, st. Petr. 1849 - 57 (2) D. M. Lang: Catalogue of Georgian and other Caucasian, London 1962 (3) D. Barrett: Catalogue of the Wardrop collection, Oxford 1973 (4) W.E.D. Allen: A history of Georgian pepole, London 1932 (5) A. Manvelichvili: Histoire de Georgie, Paris 1951 (6) Encyclopaedia of Jslam, V

الكرخ

الكرخ الكرخ كلمة أرامية الأصل مشتقة من "كركة" الأرمنية ومعناها "المدينة" أو (المدينة الحصينة) ولكنها أطلقت على عدة مدن فى مختلف العصور الإسلامية، وكانت موجودة فى مناطق ذات ثقافة آرامية قبل الفتح الإسلامى، وتتميز كل بلد منها عن الأخرى بإضافة أسمها إليها كقولهم "كرخ" بغداد وكرخ سامراء (انظر المشترك لياقوت 368, 370 المعجم جـ 4 ص 254 - 257). أما فى بغداد فكانت تشير إلى ناحية معينة هى المعروفة بباب الكرخ، ثم عممت فأطلقت على الجانب، الغربى بأكمله وهو الواقع حول ما يعرف بالمدينة المدورة: مدينة الخليفة المنصور مؤسس بغداد (انظر الإصطخرى 84، وإبن حوقل طبعة كرايمرز (241 - 242) وإذا رجعنا إلى اليعقوبى الذى يصور لنا أحوال القرن الثانى للهجرة (الثامن الميلادى) فإن حدود الكرخ فى الطول كانت قصر وضاح من الناحية الشمالية وسوق الثلاث من الجنوب، أما حدودها من ناحية العرض فكانت أرض الربيع (غربًا) ودجلة (راجع البلدان 246 وبغداد، والخرائط الواردة فى بغداد للمسترانج رقم 3, 4, 7). ويستدل من الاسم الآرامى أن منطقة الكرخ كانت موجودة حتى قبل تأسيس المنصور لبغداد سنة 145 هـ (= 764 م) ولكن على هيئة كورة مستقلة يقال إنها من إنشاء شاهبور الثانى الساسانى (309 - 379 م)، وليس من شك فى أن شأنها كان شأن المحلات الصغيرة التى كانت موجودة فى البقعة التى صارت فى المستقبل عاصمة الخلفاء حيث كان أغلب سكانها من الآراميين المسيحيين. وكان السوق القديم للشطر الغربى (الذى عرف بسوق بغداد) يقع فى الكرخ، وهناك كثير من الأدلة التى تحمل على الاعتقاد أن أسواق الكرخ إستمرت تؤدى خدماتها لسكان تلك الناحية الكثيرين وذلك حين بنيت المدينة

المدوَّرة (انظر الطبرى تاريخ الرسل والملوك جـ 2 ص 910, 914) واعتزم المنصور قرب نهاية عهده أن يطوّر المناطق التجارية الواقعة جنوبى المدينة المدوَّرة وأن ينقل بعضًا من الأسواق التى كانت موجودة هناك، ومن أجل تحقيق هذه النية ساعدت الدولة بأموالها المقاولين المختلفين تدفعها ليبنوا محلاتهم فى الكرخ، كما قامت الحكومة من جانبها بتوسيع شبكة أعمال الطرق والمسالك المؤدية إلى داخل المنطقة أو الخارجة منها (راجع الخطيب البغدادى "طبعة القاهرة" جـ 1 ص 79 - 82، تاريخ الطبرى جـ 3 ص 323 - 324, ومعجم البلدان لليعقوبى 241). وكانت أرض الكرخ تُرْوى بالمياه التى يمدها بها نهر عيسى الذى يعتبر رافدًا كبيرًا للفرات حيث يقع فى أقصى شماله وعلى فرعيه "الصرات" و"الكرخايه" التى تعرف أيضًا باسم قناة الكرخية التى تخرج من نهر عيسى أسفل بلدة المحول الصغيرة الواقعة على مقربة من قرية "البراثا" (انظر ياقوت معجم البلدان جـ 1 ص 665) والتى تمدّ الجزء الجنوبى من النصف الغربى من بغداد أعنى بذلك الحى التجارى وما حوله بما يحتاجه من الماء الوارد إلى هناك من القنوات المائية التى تجرى تحت الأرض فى بعض النواحى، ومن فوقها كثير من الجسور المزدحمة بحركة المرور، أما فيما يتعلق "بالكرخاية" ونظام قنواتها فراجع ما كتبه لى سترانج فى جريدة الجمعية الملكية الآسيوية لسنة 1895/ ص 17 - 26, 286, 288, 292 - 293. والعجائب لسهراب، والخطيب البغدادى جـ 1 ص 79 - 82 وياقوت: المعجم جـ 2 ص 252، ولى سترانج بغداد 52 - 56, 63 - 80، ويرجع الفضل فى ازدهار منطقة الكرخ تجاريا إلى هذه الشبكة المتعددة الفروع من القنوات التى كان أهمها قناة الصرات التى تمتاز بسعتها سعة كبيرة تسمح بمرور القوارب الكبيرة بها والتى تربط الفرات بدجلة أكبر أنهار العراق. أما الضاحية التى كان مسجدها الخاص هو مسجد الجمعة فكان لها كيانها الخاص، ولدينا أوصاف مفصلة

لشتى نواحى الكرخ خلَّفها لنا الخطيب البغدادى واليعقوبى وابن الفقيه ومخطوطة المشهد التى لم تطبع بعد، على أن أعظم عرض لهذا الجانب إنما هو لسهراب فى كتاب العجائب الذى جمع فيه كل القنوات والمجارى المائية. وكان الشيعة يؤلفون الغالبية العظمى من سكان الكرخ، فلما كان مطلع القرن الرابع الهجرى (العاشر الميلادى) كثرت المناوشات بين الشيعة والسنة لاسيما فى المنطقة الممتدة من الأحياء المجاورة لباب البصرة وباب المحوّل، وكان الخراب والدمار اللذان ألَمّا بالناحية شديدين شدة مفزعة وذلك خلال فترة تدهور سلطان البويهيين وزمن السلاجقة الذين جاءوا بعدهم ولم تجد الحكومة عندها ميلا لفتح الأسواق كما لم تتوفر عندها الأموال اللازمة لذلك. ولقد زادت الصراعات والمصادمات حدة بين شيعة العاصمة وأهل السنة زمن البويهيين أصحاب الميول العلوية ثم تفاقم خطر هذه الصراعات فتحول إلى قتال دموى فى الشوارع بين الطائفتين المتنازعتين وأصبح ذلك أمرا مألوفا غير مستغرب عند أحد، وصار القتل سمة تتسم بها الحياة اليومية هناك، مع ما يصحب ذلك من النهب والسلب والحريق، وكانت الكرخ فى بؤرة هذا النضال الشديد ولا ترى سكانها إلا وهم مشرعون خناجرهم ضد السنة من أهل الأحياء المجاورة (مثل باب البصرة وغيره) حتى أن جلال الدولة (416 - 435 هـ = 1024 - 1044 م) الذى بلغ الوضع فى أيامه ذروة الخطورة اضطر فى إحدى المرات (فى سنة 422 هـ = 1031 م) للفرار إلى الكرخ مع رفاق له من الشيعة، ثم إنه فى سنة 445 هـ = 1053 م) أدت هذه الفتن إلى تحويل جزء كبير من الكرخ إلى هشيم كما حدث من قبل زمن الخليفة الواثق (227 - 233 هـ = 842 - 847 م) حيث شب حريق هائل بالكرخ دمرّها وخرب عامرها فصارت يبابًا، لكن سرعان ما أمكن التغلب على آثار هذا الدمار، وقد لاحظ الخطيب البغدادى (وهو من أهل القرن الخامس الهجرى/ الحادى عشر الميلادى) أن معظم قنوات الرى فى

يومه قد طغى عليها الطمى وطُمست معالمها، ولقد تضاءلت هذه الضاحية فى العصر الحديث حتى صارت ضاحية جدباء غامرة على شاطئ النهر بعد أن كانت فى يوم من الأيام السالفة منطقة كبيرة عامرة. على أنه بمرور السنين ازدحمت الكرخ بكثير من المساجد والمزارات واتسعت رقعتها حتى أصبحت تشمل كل النصف الجنوبى الواقع غربى نهر دجلة، وكان من أشهر مزاراتها مزار شيخها وابن محلتها معروف القيزران الكرخى المتوفى سنة 200 هـ (= 816 م) كما يوجد بها قبر يزعمون أنه قبر زبيدة زوجة هارون الرشيد ولا يبعد عن سابقه أكثر من ثلاثمائة ياردة وهو إلى الجنوب منه، ولقد جدّد القبرَ والضريحَ الخليفةُ الناصر (575 - 622 هـ/ 1180 - 1225) ثم كثرت عمليات الترميم فيهما منذ ذلك الحين. وكان قبر الكرخى منذ مطلع القرن الثالث الهجرى (التاسع الميلادى) واحدا من أشهر أماكن الحج فى بغداد وهو يقع وسط جبانة رائعة كما كان الشأن زمن بنى العباس، أما فيما يتعلق بالقبر الذى يقال له قبر زبيدة (راجع لى سترانج وماسينون وهيرتسفلد، وأما عن غير هذين من المشاهد الموجودة فى الجانب الغربى من بغداد فانظر ماسينون، شرحه 64 وما بعدها، 94 وما بعدها). لم تكن الكرخ أكبر أحياء النصف الغربى من بغداد فقط بل كانت أيضا أطولها حياة. وذلك أنه لما أخذ الخراب يعم كافة النواحى يوما بعد يوم بقيت الكرخ وحدها بمعزل عن ذلك الدمار، بل أنها حتى زمن ياقوت (بدءًا من القرن السابع الهجرى = الثالث عشر الميلادى)، كانت أشبه ما تكون ببلدة قائمة بذاتها مثل ما كانت عليه فى السنوات الأولى التالية لبناء بغداد، وكانت على بعد ميل تقريبًا من منطقة باب البصرة التى كانت لا تزال آهلة بالسكان (وهذه المنطقة الأخيرة أعنى منطقة باب البصرة تقع فى الجنوب الشرقى من مدينة المنصور القديمة المعروفة بالمدينة المدوَّرة) ولما تقدمت السنون وجاءت العصور الوسطى

المتأخرة أصبح من النادر إطلاق اسم "حىّ باب البصرة" على جميع أحياء بغداد الغربية (نستفيد هذا -على سبيل المثال- مما ذكره ابن بطوطة -وهو من رجال القرن الثامن الهجرى الرابع عشر الميلادى)، على أنه يجب ملاحظة أن طبوغرافية الكرخ وما جاورها كما هى واردة فى ياقوت ليست مطابقة تمام المطابقة لوصفها الوارد فى غيره من المصادر، ويبدو أن معلومات صاحب معجم البلدان فى الوقت الذى ألف فيه معجمه الجغرافى لم تكن من المعلومات التى يمكن الاعتماد عليها، فقد زال كثير من المواضع ولم يبق من معالمها أثر يدل عليها، وقد استمر هذا الوضع فى العصور الحديثة بالكرخ التى لم يبق منها سوى قليل من كرخ العصور الوسطى. وهناك كرخ أخرى هامة هى المعروفة بكرخ سامرا نسبة إلى مدينة سامراء (أو سر من رأى) وهى التى صارت العاصمة الثانية بعد بغداد والتى شيدها الخليفة المعتصم سنة 836 م على بعد ستين ميلا تقريبًا من عاصمة المنصور، وإذا كانت قد عرفت بكرخ "سامرا" فإنها عرفت أيضًا بكرخ جُدّان (انظر: ياقوت الحموى معجم البلدان، جـ 4 ص 255 - 256) التى هى أقدم من سامرا وهى لا تبعد عن منطقة القصر كثيرا، غير أنه لما أخذت المدينة فى الاتساع نحو المتوكلية امتدت ما يقرب من عشرين ميلا على طول جبهة النهر، وأصبحت كرخ سامراء معسكرًا حربيا ليس فيه سوى غلمان الخليفة الأتراك بقيادة أشناس (انظر البلدان لليعقوبى 258 - 259 والمعجم لياقوت جـ 4 ص - 256) وصارت كرخ سامراء بذلك تختلف عن الكرخ الأصلية وعن بغداد ذاتها التى كانت بأكملها ناحية تجارية خالية تماما من أى أثر للجند، وزيادة على ذلك فإن الجند الأتراك كانوا يعيشون بمعزل تماما عن الأهالى ولم يكونوا أحرارا فى الزواج بمن يريدون ولكنهم يتزوجون اللائى يُخْتَرْن لهم، كما لم يكن يسمح بوجود

المصادر

محلات تجارية إلا لتلك التى تخصص لمنفذ توزيع مواد الإعاشة والأكل، على أنه لما تدهورت "سامراء" هاجر الناس كثيرا من النواحى فى الوقت الذى استمرت فيه الكرخ آهلة بالسكان. المصادر: وردت فى المتن. بدرية الدخناخنى [م شترن، ج لاستر S. M. Stern, Laster] كردستان (الأكراد) الأكراد، شعب من شعوب الشرق الأدنى، وهو يعايش الشيعة عند منطقة التقاء تركيا العلمانية وإيران الشيعية، والعراق العربى السُنى وشمال سوريا العربية السنية أيضًا، وما وراء القوقاز السوفيتى. ولكردستان أهمية اقتصادية واستراتيجية لا يمكن إنكارها. ومنذ نهاية الحرب العالمية الأولى، عانى الشعب الكردى، مثل باقى جيرانه، من تحول ملحوظ فى النظام السياسى والاقتصادى والاجتماعى والثقافى. ولقد نُشرت أعمال كثيرة عن الأكراد فى كل الأقطار. ولفظة "كرد" العرقية لفظة قديمة الاستعمال، فهى معروفة منذ الفتح العربى إذا لم نرغب الرجوع لفترات أقدم من ذلك، ويبدو أن اسم كردستان أو "أرض الأكراد" يرجع تاريخه إلى عصر السلطان سنجر (ت 552 هـ/ 1157 م)، آخر سلاطين السلاجقة العظام، الذى أقام مقاطعة تدعى "بهار" إلى الشمال الشرقى من همدان. وكانت هذه المقاطعة، بين أذربيجان ولورستان، وكانت تضم مناطق همدان، والدينور، وكرمانشاه وسِنّا، إلى الشرق من جبال زاجروس وإلى الغرب من شهرزور وخفتيان، على نهر الزاب. ولقد أحصى حمد اللَّه المستوفى (ت 750 هـ/ 1349 م) هذه الأقسام الستة عشر فى كتابه "نزهة القلوب". على أن الامتداد البدوى لكردستان قد تغير خلال القرون. ولم يتردد "شرف الدين" فى كتابه "شرفنامه" من ضم إقليم اللور (الجبال) لكردستان، كما فعل كل المؤرخين العرب. ولقد عدَّد الرحالة التركى "أولياء شلبى" فى كتابه "سياسة نامه" تسع ولايات فى أيامه

كانت تتكون كردستان منها هى: إرزروم (أرض روم)، فان، هكارى، دياربكر، الجزيرة، العمارية، الموصل، شهرزور، وأردلان والتى تحتاج 17 يوما لعبورها. لكن المنافسة بين سلاطين العثمانيين وشاهات فارس حطمت هذه الوحدة. ولم تغط الإدارة التركية أكثر من ثلاثة لواءات (لإيالة) كردستان وهى: دار سليم، وموش، ودياربكر. وبنفس الطريقة، ففى إيران فى القرن 16، اقتطعت همدان لورستان من كردستان واقتصر اسم كردستان على إقليم أردلان مع سنّا كعاصمة لها. واليوم فإن إيران تعترف بمقاطعة باسم كردستان. وفى أى مكان آخر فإن لفظة "كردستان" قد استبعدت من لغة الإدارة ومن الأطالس الجغرافية. ففى تركيا يعرف الجزء الكردستانى بشرق الأناضول، وفى العراق يعرف بأقاليم الشمال؛ وفى سوريا باسم إقليم الجزيرة. وتختلف أعداد الأكراد من إحصاء لآخر، ولقد أجريت إحصاءات تقديرية للأكراد فى الدول المختلفة وتمثل أعدادها تناقصًا مختلفًا، أجرى الأول نيكيتين سنة 1956، والثانى بروك سنة 1958، والثالث قاسملو سنة 1965 والرابع فانلى سنة 1970, والخامس إدموندز سنة 1971، وها هو جدول يبين أعداد الأكراد وفقا لهذه الاحصاءات، والأرقام الواردة تشير إلى عددهم بالآلاف. 1 تقدير نيكيتين ... 2 تقدير بروك ... 3 تقدير قاسملو ... 4 تقدير فانلى ... 5 تقدير إدموندز تركيا ... 4.500 ... 2.500 ... 4.900 ... 6.600 ... 3.200 إيران ... 1.500 ... 1.800 ... 3.300 ... 4.250 ... 1.800 العراق ... 500 ... 900 ... 1.550 ... 2000 ... 1.550 سوريا ... 500 ... 300 ... 250 ... 500 ... 320 ما وراء القوقاز ... 250 ... - ... 160 ... 150 ... 80 المجموع ... 7.250 ... 5.500 ... 10.160 ... 13.500 ... 6.950 سنة التقدير الإحصائى ... 1956 ... 1958 ... 1965 ... 1970 ... 1971 ولم تساعدنا المصادر الإسلامية والروايات الكردية فى حل مشكلة معرفة أصل الأكراد. فالمسعودى، ينقل عن رواية وردت فى "الشاهنامه"، أنهم ينتسبون إلى الفرس الذين هربوا من بطش الضحاك. وفى سنة 1812 م يذكر موريير Morier (فى رحلته

تاريخ الفترة الإسلامية حتى عام 1920 م

الثانية) احتفالًا وقع فى مدينة (داماواند) "يوم 31 أغسطس" بمناسبة خلاص الفرس من بطش الضحاك، وقد عرف هذا العيد "بالعيد الكردى" وعلى الجانب الآخر، ينسب الأكراد أنفسهم إلى أنساب عربية. فبعضهم يدعى أنهم من نسل ربيعة بن نزار بن معد وتسمت باسمهم ديار ربيعة (الموصل)، والآخرون يدّعون أنهم من نسل مضر ابن نزار وقد تسمت باسمهم ديار فضر (الرقة). وقد قالوا بأن الأكراد قد انفصلوا عن الأصل العربى نتيجة للعداء بينهم وبين عرب الغساسنة وأنهم انسحبوا إلى الجبال، واختلطوا هنالك مع الأغراب واندمجوا معهم وفقدوا نتيجة ذلك لغتهم العربية الأصيلة، اللغة الأم. ومن المثير حقا أن نجد فى سلسلة نسب أسلافهم أسماء عربية مثل: "كرد بن مرد بن صعصعة ابن حرب بن هوازن" (المسعودى: التنبيه والإشراف، ص 88 - 9، "وكرد ابن اسفنديار بن منوشهر بن حوقل" ص 185 - 187)، و"كرد بن مرد بن عمرو". وربما كانت الحقائق فى سلسلة النسب العربية هذه قليلة. تاريخ الفترة الإسلامية حتى عام 1920 م لدينا معلومات تفصيلية عن الأكراد من أيام الفتح العربى فصاعدًا وخلال القرون الهجرية الخمسة الأولى لشعب الأكراد فى أكثر الأحيان دورًا ملحوظًا فى الأحداث وأخذوا روح المبادرة فيها. ولقد قامت بعض الأسرات الكردية الحاكمة فى هذه الفترة. ويبدو أن أمواجًا من الترك والمغول قد غمروا الأكراد بغزوات متلاحقة من القرن السادس الميلادى إلى القرن العاشر. لكن فترة الحروب بين سلاطين العثمانيين وشاهات الصفويين قد أتاحت للأكراد فرصة صالحة لنمو النظام الاقطاعى، الذى أعطت (الشرفنامه) عنه صورة صادقة (1003 هـ - 1596 م). ولقد استقرت الحدود التركية - الفارسية تدريجيًا، وتراجع الفرس خلف جبال زاجروس وشعابها

كردستان بعد الفتح العربى

الشمالية. ثم بدأت تركيا فى تدعيم سيطرتها داخل الأقاليم الشرقية. وعند نهاية القرن التاسع عشر الميلادى ضُمت الإمارات الكردية (هكارى، وبدليس، والسليمانية) إلى الأراضى التركية بينما ضمت أردلان إلى فارس. لكن القبائل الكردية الكبيرة ظلت باقية. محافظة على العنصر الكردى بخصوصياته الاجتماعية والعرقية. ولقد قام الأكراد بثورات عديدة فى القرن التاسع عشر، ومع بداية القرن العشرين أضافت حركة كردية عنصرًا جديدًا لعناصر الإثارات القومية فى الإمبراطورية التركية. ولقد جرّت ثورة 1908 م الأكراد لعالم السياسة؛ وبدأت الصحف والمجلات والجمعيات الكردية فى التكاثر والازدياد. وخلال الحرب العالمية الأولى 1914 - 1918 م أثيرت فكرة حكومة استقلالية لكردستان من جانب القوى الغربية، لكن الخطة تحققت إلى الآن بشكل جزئى وذلك بإلحاق الولاية القديمة للموصل بدولة العراق. كردستان بعد الفتح العربى: سنجد أنه من المفيد أن نبدأ بجمع المعلومات التى قدمَّها لنا المؤرخون العرب بصدد توزيع القبائل الكردية. ولم يكن لفظ كردستان معروفًا فى المصادر العربية قبل عصر حكم السلاجقة، وعادةً ما نجد المعلومات عن الأكراد عند المؤرخين العرب تحت عناوين مثل: زوزان، خلاط، أرمينيا، آذربيجان، الجبال، فارس، وغيرها. و"المسعودى" "حوالى" 332 هـ/ 943 م) و"الاصطخرى" (340 هـ/ 951 م) هما أول المؤرخين الذين أعطونا معلومات مرتبة عن الأكراد. وفى "مروج الذهب" (جـ 3، ص 253) يُعدد المسعودى القبائل التالية: قبيلة الشوهجان فى الدينور وهمدان؛ والماجوردان فى كانجاوور؛ والهاجبانى والسادرات فى آذربيجان؛ والشادانجان فى إقليم الجبال، وغيرها. وقد فعل الإصطخرى الشئ نفسه.

الأكراد تحت حكم الخلفاء والبويهيين

الأكراد تحت حكم الخلفاء والبويهيين: لقد جاء اتصال العرب المسلمين بالأكراد بعد فتح العرب تكريت وحلوان سنة 16 هـ/ 637 م. ولقد سار سعد ابن أبى وقاص إلى الموصل، وفتح المناطق الكردية فى هذه الأنحاء. ثم أتم عياض بن غَنم وعتبة فتح الإقليم، وتم إقرار بطريق الزوزان سنة 19 هـ/ 640 م فى منصبه على أن يدفع الخراج. وفى سُسيانا حارب العرب الأكراد الذين غضبوا لمقتل الهرمزان، حاكم الأهواز الفارسى. ولقد أرسل الخليفة عمر عدة حملات إلى أكراد الأهواز. ونجح العرب الفاتحون سنة 22 هـ/ 643 م، بعد قتال عنيف -فى الاستيلاء على شهر زور، ودربانج والصمغان، وفى الجنوب كان على والى البصرة "أبو موسى الأشعرى" أن يقضى على ثورات الأكراد فى بيروض وبلسجان سنة 25 هـ/ 645 م، لكن الأكراد تحولوا آنذاك إلى الإسلام. وفى خلافة على شارك الأكراد الفرس والمسيحيين فى الثورة التى نشبت فى الخريت al-khirrit بالقرب من الأهواز وفى فارس. ولقد عُين المختار بن أبى عبيد (الثقفى)، الذى كان قد حاصر أرمينيا وآذربيجان فى عهد حكم الخليفة الأموى عبد الملك بن مروان، حاكما على حلوان سنة 66 هـ/ 685 م، الذى كان عليه أن يحارب الأكراد، ولكن موته أى المختار حال دون تنفيذ ذلك. وتحالف الثائر عبد الرحمن بن الأشعث فى عهد هذا الخليفة الأموى سنة 83 هـ/ 702 م مع أكراد سابور فى فارس. وفى سنة 90 هـ/ 708 م قام الأكراد بنهب فارس وعاقبهم الحجاج (الثقفى) على ذلك. وفى سنة 129 هـ/ 746 م قاوم خوارج سابور تحالف سليمان الخارجى الذى ثار ضد الخليفة مروان الثانى وحاصر سابور. ولقد كان الخليفة مروان نفسه ابنا لجارية كردية ورث عنها العيون الزرقاء والمظهر العام الوسيم. وفى عهد الخليفة العباسى "المنصور"، أسفر غزو الخزر لأرمينيا سنة 147 هـ/ 764 م عن العديد من

الثورات. وبعد سنوات قليلة ذكر انتشار الأكراد متصلًا بالثورة فى الموصل وبأصدائها فى همدان. ولقد كان جعفر بن المنصور، ابنا لجارية كردية (الطبرى). وفى عهد المستعصم، تحدثت المصادر عن قيام ثورة كردية فى الموصل بقيادة جعفر بن فهارجيز وهو سليل عائلة كردية أصيلة. ولما هزم جعفر بن فهادجيز، لجأ إلى جبال دازين، وتحصن بها وتمكن من هزيمة قوات الخليفة. ولقد أرسل جيش آخر بقيادة القائد التركى "إيتاخ" نجح فى وضع حد لهذه الثورة والقضاء عليها. واندلعت ثورة كردية أخرى سنة 231 هـ/ 845 م فى أقاليم أصفهان، والجبل وفارس، ولكن سرعان ما قضى عليها القائد التركى "وصيف". ولقد انضم أكراد الموصل للخارجى "مساور" الذى استولى على الموصل. وفى سنة 262 هـ/ 875 م لشعب الأكراد دورًا مهما فى ثورة الزنج، التى قادها على بن محمد، الذى عرف بعلى الخبيث، وفى ثورة يعقوب الصَّفار مؤسس الدولة الصفارية. وفى الأهواز، اختار يعقوب بنفسه قائدًا كرديًا، هو محمد عبيد اللَّه بن هازارمارد، الذى أجرى سرًا اتصالات مع على الخبيث. وبتعزيزات أرسلها له الخبيث، سار محمد إلى سوس، ولكنه هزم على يد أحمد بن الليثويا، وهو كردى أيضًا وقائدًا للحامية الكردية كان الخليفة قد أرسله للقضاء على ثورة يعقوب. ولقد أنهى موت يعقوب والخبيث هذه الأعمال. وحوالى سنة 281 هـ/ 894 م كان الأكراد من بين الموالين لحمدان بن حمدون حين ثبت نفسه فى حكم الموصل. وقد قام الأكراد بثورة سنة 284 هـ/ 897 م بقيادة أبو ليلى لكن هذه الثورة لم تستمر طويلًا. وفى سنة 293 هـ/ 906 م قام أكراد هذبانى بثورة بقيادة رئيسهم محمد بن بلال فى نينوى. وقد تبعهم عبد اللَّه بن حمدان، حاكم الموصل الجديد، وبفضل الإمدادات التى أرسلها الخليفة له استعاد فى العام التالى ولاء خمسة

آلاف عائلة كردية هذبانية، واضطر أكراد هذبان للاستسلام. وفى عهد الخليفة المقتدر، قام الأكراد بنهب ضواحى الموصل لكن عبد اللَّه بن حمدان عاقبهم على ذلك. وفى سنة 337 هـ/ 948 م، حدثنا ابن مسكويه فى كتابه "تجارب الأمم" عن حملة حسين الحمدانى على آذربيجان. وحوالى ذلك الوقت ظهر على مسرح الأحداث "ديْسم بن إبراهيم" ارتبطت حياته المتسمة بالمغامرة بالتاريخ الكردى. وقد كان ابنًا لرجل عربى من جارية كردية. وكان أتباعه من الأكراد باستثناء قلة قليلة من الديلم. ولقد كان ديسم خارجيًا. استولى على آذربيجان بعد يوسف بن أبى الساج وفى سنة 327 هـ/ 938 م استخدم الأكراد التابعين له لإبعاد لشكارى بن مردى، وهو أحد قواد وشمكير. لكن المرزبان، وهو شيعى شهير، نجح فى الاستيلاء على آذربيجان من ديْسم الذى التجأ عند صديقه حاجك بن الديرانى. وفى سنة 337 هـ/ 948 - 949 م أسر ركن الدولة البويهى المرزبان. ولقد فكّر واهسودان، أخو المرزبان فى الاستعانة بديْسم الذى ظل رجاله الأكراد مخلصين له، وأرسله إلى نائب ركن الدولة. ولكن ديْسم هُزم، فالتجأ إلى أرمينيا ثم إلى بغداد، حيث عامله هنالك مُعز الدولة البويهى معاملة كريمة. ولمَّا ألح عليه أصدقاؤه فى العودة إلى آذربيجان، ذهب إلى الحمدانيين فى الموصل وسوريا لطلب المساعدة. وفى غياب المرزبان، عاد ديْسم إلى سالماس سنة 344 هـ/ 955 م، حيث قرأ الخطبة لسيف الدولة الحمدانى. وبعد أن طرد المرزبان للمرة الثانية فكر ديْسم فى اللجوء إلى أصدقائه الأرمن، لكن ابن الديرانى قام بتسليمه إلى المرزبان. ولقد أصيب ديْسم بالعمى ومات فى السجن سنة 345 هـ/ 956 - 957 م. خلال أسر المرزبان، فى الرى، نصَّب بعض الحكام المستقلين أنفسهم حكاما فى شمال غرب فارس. وقد كان محمد شداد بن قرطو من قبيلة روادى أحد هؤلاء الحكام، وقبيلة روَّادى هى القبيلة التى انبثقت منها الأسرة الأيوبية.

وكانت الإقطاعات الرئيسية لبنى شدَّاد فى الديبل وجانجًا. وقد كان بنو شداد محالفين للبيزنطيين وللسلاجقة. وفى سنة 465 هـ/ 1072 م اشترى أبو سوار "آنى" لابنه الأصغر منُوس. ومنذ ذلك الوقت فصاعدًا، انقسمت الأسرة إلى فرعين: فرع جانب وفرع آنى. وفى سنة 1124 م استولى الجورجان على آنى ولكن ما بين سنتى 520 هـ/ 1126 م و 557 هـ/ 1161 م وسنتى 1165 و 1174 م، احتفظ بنو شداد بآنى ولقد كان بنو شداد أمراء مستنيرين وخلَّفُوا وراءهم أبنية شهيرة. وفى حوالى سنة 348/ 959 م، قام بيت كردى حاكم ثانٍ فى إقليم الجبال أسسه "حسنويه بن حسان"، شيخ قبيلة البارز كانى (البزانى)، الذى كان قد ساعد ركن الدولة البويهى فى حملته على خراسان. ولقد أبدى ركن الدولة تسامحًا كبيرًا مع الأكراد، فقد اعتاد الرد على كل من يشكو له من إفراط الكرد بالقول "حتى الأكراد لابد أن يعيشوا". ولقد امتدح ابن الأثير شخصية حسنويه الجليلة، ، وامتدح سياسته الحكيمة وأخلاقه الحميدة. وحين توفى حسنويه سنة 369 هـ/ 979 م، فى عاصمة سارماج استولى عضد الدولة على ممتلكاته (همدان, والدينور، ونهاوند) وأخضعها لسلطته، ولكن فى النهاية منح تقليدًا لبدر بن حسنويه (369 - 405 هـ/ 979 - 1014 م)، الذى ظل مخلصا لعضد الدولة وحارب ضد إخوته الذين أخذوا جانب ثورة فخر الدولة. ولقد منح الخليفة بدر، لقب ناصر الدين والدولة. وحكم زاهر (طاهر؟ ) خليفة بدر لمدة عام واحد وفى سنة 406 هـ/ 1015 م أطاح به شمس الدولة البويهى. ولقد تُوفى ونداد عم حسنويه سنة 349 هـ/ 960 م وتُوفى أخوه أبو الغنائم سنة 350 هـ/ 961 م، وبعد ذلك بقليل جُرد أبو سليم ديسام، آخر أفراد هذا الفرع من قلاعه (قسنان وغانم أباد, وغيرها). ولقد تعامل عضد الدولة البويهى مع الأكراد فى مناسبات عديدة، ولكنه كان أشد قسوة معهم من أبيه ركن الدولة. وفى سنة 368 هـ/ 978 م أصبح ابن بادويا الكردى بمساعدة "أبو تغلب

أسرة الأكراد المروانيين الحاكمة

الحمدانى" حاكمًا مستقلًا فى أرامُشت (بالقرب من جبل الجودى)، ولكنه انخدع بوعود عضد الدولة. ففى سنة 369 هـ/ 979 م أرسل عضد الدولة حملة ضد أكراد "شهر زور" الذين كانوا يرغبون فى الانفصال عن بنى شيبان البدو، الذين كانت لهم معهم معاملات وروابط مصاهرة. واحتُلت مدينة شهر زور، وارتحل العرب عنها إلى الصحراء. وأرسلت حملة أخرى فى سنة 370 هـ/ 980 م ضد هكارى الكردية، التى حوصرت واستسلمت، اعتمادًا على وعد بحفظ أرواح أهلها. لكن قائد الحملة قام بصلبهم على طول الطريق (مسافة خمسة فراسخ) بين ملطية والموصل (ابن الأثير: الكامل، جـ 8، ص 521). وفى سنة 380 - 390 هـ/ 990 - 1000 م، قام صمصام الدولة بمحاولة لتحسين موقفه ولهذا السبب عقد تحالفًا مع فولاد بن منذر، الذى كان يستند على قوة فرسان الأكراد المحتشدة فى شيراز. وبعد فشل المشروع طلب اللجوء للأكراد، لكن الأكراد خانوه فالتجأ إلى فخر الدولة، الذى كان يشتهر بكراهيته للأكراد. أسرة الأكراد المروانيين الحاكمة: ارتبطت هذه الأسرة بباذ، وتنتسب لابن مروان أبى على بن دستاق ابن أخت باذ الذى مكّن لنفسه فى دياربكر بعد سلسلة من الأحداث، ولقد حكم المروانيون فى ديار بكر من 380 - 489 هـ/ 990 - 1096 م وامتدت سلطتهم إلى آرمد، وأرزان، وميافارقين وحصن كيفا، بل ولخلاط وملاذكرد (الاسم الحديث: منزيكرت وهو محرف عن ماوذ كرد) وأرجيش والولاية شمال شرقى بحيرة فان فى تركيا الحالية. وفى الغرب تملكوا أورفة لبعض الوقت. ولقد غزا أبو على حسن سوريا سنة 381 هـ/ 991 م واستردها من الإمبراطور البيزنطى بازل الثانى basil II ولقد قتل أبو على حسن فى ثورة قام بها ضده أهل دياربكر سنة 387 هـ/ 997 م. وحكم من بعده أخوه أبو منصور مُمَهد الدولة حتى سنة

402 هـ/ 1011 م. وخلفه من بعده أخوه أبو نصر أحمد من سنة 402 هـ/ 1011 م إلى 453 هـ/ 1061 م. ولقد اكتسب أبو نصر شهرةً بأنه حاكم عادل ومستنير ومقتدر رغم ميله للملذات. وفى سنة 442 هـ/ 1050 م كان أبو على نصر يدين بالولاء للسلطان السلجوقى طغرلبك. ولقد قاسم ابنه وخليفته فى الحكم، أبو القاسم نصر (نظام الدولة) (453 - 472 هـ/ 1061 - 1079 م) أخاه سعيد (توفى 457 هـ/ 1065 م) السلطة -وأضاف لممتلكاته مدن: حران، والسويداء، وغيرهما. وكان خليفته منصور بن سعيد الذى حكم تقريبًا. من سنة 472 هـ حتى 489 هـ (1079 - 1096 م) لكن القائد السلجوقى فخر الدولة بن جهير استولى على كل بلاده، التى ضمُت بالتالى لأتابكية الموصل. وفى حقبة الغزوات التركية، نجد إشارات عديدة لأعمال وتجريدات عسكرية كردية. وفى خلافة القادر (381 - 424 هـ/ 1031 م)، يُسجل المؤرخون قيام أحمد بن الضحاك الكردى بقتل قائد الامبراطور البيزنطى العام باسيل الثانى، ونتيجة لذلك أوقف هجمات البيزنطيين. وما بين سنوات 366 هـ/ 976 م و 388 هـ/ 998 م لعب الأكراد دورًا هامًا إذ شاركوا فى الصراع بين البويهيين والزياديين لتملك جرجان. وبعد ذلك بسنين قليلة نجد محمود الغزنوى يستخدم الأكراد ضد القرخانيين. ولقد شارك الأكراد فى الحروب الأهلية للبويهيين، فى صراعهم مع بنى عُقيل للسيطرة على الموصل وغيرها. وفى سنة 411 هـ/ 1020 م حاربوا ضد القوات التركية التى تمردت فى همدان. وفى سنة 415 - 420 هـ/ 1024 - 1029 م نجدهم يحاربون فى فارس وخوزستان ضد "أبو كاليجار البويهى". وهكذا فقد أرهق العنصر الكردى نفسه فى حرب دائمة حين وصلت الجموع التركية التى قُدر لها أن تغير الشكل العرقى للشرق الأدنى تغييرًا جوهريًا.

الفتح التركى

الفتح التركى: فى سنة 420 هـ/ 1029 م حين وصلت طلائع الغز السلاجقة مدينة الرى ذهب قائد الغزنويين تاش فرعاش (فرّاش) التركى للقائهم مع 3000 فارس من بينهم عدد من الأكراد. ولمَّا قام الغُز بأسر قائد الأكراد، أرسل رسالة إلى رجاله بأن يوقفوا الحرب. ولقد سبب ذلك شغبًا انتهى بقتل تاش. وفى نفس العام وصل الغز إلى المراغة وقتلوا الكثير من الأكراد الهذبانية. وعقد الأكراد حلفًا مع حاكم آذربيجان واضطُر الغز للانسحاب. وعادت جماعة أخرى من الغز، بعد إغارتهم على أرمينيا، إلى أرُميا وأراضى أبو الهيجاء الهذبانى؛ وهاجم الأكراد الغز لكنهم منوا بالهزيمة. وفى سنة 432 هـ/ 1041 م قام واشودان الثانى بقتل عدد كبير من الغز فى تبريز، فذهب غُز أرميا إلى هكارى، التابعة للموصل، واكتسحوا الإقليم ولكن بينما كان الغُز متورطين فى الجبال هاجمهم الأكراد، وقتلوا 1500 من رجالهم وأخذوا اعدادًا كبيرة منهم أسرى مع كثير من الأسلاب. وعند اقتراب قوات طغرل بك أخذ الغُز زمام القتال وتقدموا إلى الأمام. ولقد قادهم الأدلاء الأكراد عبر الزوزان إلى الجزيرة. وظلت مجموعة من الغُز تحت قيادة منصور بن غزوغلى إلى الشرق من الجزيرة بينما سار الآخرون تحت قيادة بُغا إلى ديار بكر، مواصلين سلب ونهب أقاليم قاردو، وبازابدا، والحسينية (وهى مدينة بين الموصل والجزيرة)، وفيشابور. ولقد أقنع سليمان بن ناصر الدولة المروانى، حاكم الجزيرة الغز بأن ينتظروا حتى الربيع قبل اختراقهم أرض بلاده ليلحقوا بالغز الآخرين الذين أقاموا فى سوريا، وبعد ذلك -بالخديعة- قبض على منصور، وبمساعدة الباشناويين، أكراد فينيك، تعقب الغز. لكن الغز لم يوقفوا سلبهم ونهبهم، فقاموا بنهب إقليم دياربكر واستولوا على الموصل. فى نفس الوقت كان بيت حسنويه قد تلاشى وانتقلت السلطة فى الجبال

إلى بيت جديد هو بنو عنّاز الذى غالبا ما كان يسمى ببين أبو الشوك. ومؤسس هذا البيت الكردى الحاكم هو أبو الفتح محمد بن عنّاز الذى حكم فى حلوان من سنة 380 إلى 401 هـ/ 990 - 1011 م. ولقد قام ابنه أبو الشوك بالقضاء على آخر أفراد بيت حسنويه الحاكم، زاهر (طاهر) 406 هـ/ 1015 - 1016 م. وشملت ممتلكات بنو عنَّاز بلاد: شهر زور، وكرمانشاه، وبلاوار، وداقوقا وخوفتيذ كان. وفى سنة 437 هـ، أرسل طغرل بك أخاه إبراهيم ينال لإعادة الأمن فى الجبال. ونجح إبراهيم فى طرد جارشاب الكردى من همدان فالتجأ إلى أكراد الجوزكان. ولقد كانت فى كرمانشاه حامية لأبى الشوك مؤلفة من الديالمة وأكراد الشاهنجان. واحتُلت كرمانشاه ومات أبو الشوك سنة 438 هـ/ 1046 م عند سروان. وأخذ إبراهيم السامران وأخضع جُزقان. واستسلم سعيد بن أبى الشوك للسلاجقة. ولقد استمر بقاء الأسرة حتى سنة 520 هـ/ 1116 م. ولقد سلمت هزيمة الإمبراطور البيزنطى رومانوس الرابع فى معركة ملاذكرد (رمنذيكرت). ومؤخرًا، بعد موت صلاح الدين (589 هـ/ 1193 م)، عزَّز الذنكيون وضعهم فى وسط كردستان. وفى سنة 607 هـ/ 1211 م تسلم عماد الدين، الابن الأصغر لأرسلان شاه زنكى مدينتى عُقر وشوش إقطاعًا له. وفى سنة 615 هـ/ 1218 م تسلم نفس الأمير العمادية و"بقايا قلاع هكارى وزوزن" التى سلمها له مظفر الدين كوكبورى حاكم أربيل. ويبدو أن هذه الأحداث هى التى تسببت فى طرد الهكاريين تجاه الأراضى التى عند منابع نهر الزاب الأكبر. ولقد وقع تصادم بين الأراتقة وأتابكة دياربكر مرات عديدة وبين الأكراد. وقد تحرر الخلفاء العباسيون من حماية حماتهم وتفاوضوا مع الأكراد وقصدوا إضعاف الأتراك. وفى سنة 581 هـ/ 1185 م، تحت حكم الخليفة الناصر، تسببت حادثة صغيرة

فى حرب بين الأكراد والتركمان امتدت وشملت مساحة متسعة (سوريا، دياربكر، الجزيرة، الموصل، شهريزور، خلاط، وآذربيجان). وبعد عامين أوقف المتصارعون الحرب ليتحدوا أمام مسيحيى أرمينيا والعراق والشام، وكباديسيا Cappadocia ولكن عداوات جديدة سرعان ما اندلعت بين الأكراد والتركمان. وبعد معارك شرسة كثيرة، استعادوا مكانتهم فى قليقية. لكن الأتراك استأصلوا الأكراد بالفعل من قليقية وسوريا. ولما كان على الأكراد مغادرة مواطنهم (463 هـ/ 1071 م آلت كل أرمينيا إلى أيدى السلطان السلجوقى ألب أرسلان. وفى عصر سلاطين السلاجقة العظام نهضت فى فارس أسرة الشبانكارا المشاغبة، ولكن هنالك شك كبير فى أن تكون هذه الأسرة أسرة كردية. وعلى الجانب الآخر. فإن الأسرات الكردية الصغيرة قد أزيلت بلا رحمة بأمر الأتراك. وفى سنة 493 هـ/ 1100 م اختفى آخر المروانيين فى إقليم خلاط، حيث أسس سقمان الكتبى التركى بيت شاه أرمانز الحاكم الذى استمر يحكم هنالك لمدة قرن من الزمان حتى مجئ الأيوبيين. وفى أحداث سنة 495 هـ/ 1101 م يذكر ابن الأثير قتل ألفين من أكراد سرخاب بن بدر، من سلالة بنى عناز، على يد تركمان سلغور قارابولى. واستولى تركمان آخرون على كل أراضى سرخاب، عدا شهر زور، وداقوقا وخوقتيذكان. وبرغم هذه الضربات الساحقة، فغالبًا ما يُذكر الأكراد فى القرنين الخامس والسادس الهجريين/ الحادى عشر والثانى عشر الميلاديين كقوة لها وجود. وفى صراعه مع قاوُرد كرمان، استخدم السلطان السلجوقى ملكشاه القوات الكردية والعربية، التى كافأها بمنحها إقطاعات فى كرمان، حيث كانت هنالك -لا تزال- مستعمرات كردية. ولقد وقعت هجمات كردية على دُجيل وماردين وغيرهما فى سنوات 496 و 498 هـ/ 1103 - 1105 م، كذلك فى سنة 503 هـ/ 1109 - 1110 م فى عهد حكم محمد ابن ملكشاه أرسلت حملة على سوريا

أتابكيات الموصل

(504 هـ/ 1110 م) وشارك فيها حاكم المراغة أحمديل بن واشوذان الكردى من قبيلة روادى وشاه أرمينيا سُكمان. وخلال هذه الفترة غالبًا ما نجد ذكر الأكراد فى سوريا، الذين كانوا فى احتكاك مع الفرنج. وتحت حكم سنجار شكَّل إقليم كردستان الجزء الغربى من جبيل. ولقد أصبح سليمان ابن أخ سنجار حاكما له. وفى عهد سنجار أيضًا لعب الأكراد دورًا فى اضطرابات سنة 513 هـ/ 1119 م. أتابكيات الموصل: لعبت الأتابكيات، الجارات المجاورات لوسط كردستان دورًا هاما هناك. فقد غزا عماد الدين زنكى مرات عديدة إقليم الأكراد. وفى سنة 528 هـ/ 1134 م أخذ طنزا (على الضفة اليسرى للبختان). وفى سنة 534 هـ/ 1139 م أخذ زنكى شهرزور من قفجانى بن أرسلان تاش التركمان. وفى سنة 537 هـ/ 1142 م أرسل حملة جديدة إلى هكارى واستولى على قلعة شعبانى، التى أعاد بناءها. وفى سنة 538 هـ/ 1143 م أخذت مدن إرون وخيزان. آخر حملات زنكى على إقليم الأكراد كانت على البشنويين فى فينيك، لكن الحصار على هذه المدينة رُفع عند وفاة الأتابك فى 541 هـ/ 1146 م. الأصلية فإنهم أمنوا جانب جيرانهم المسيحيين.، ولمَّا قام المسيحيون بالسماح لبعض الأكراد باللجوء إليهم، انقض الأتراك فى النهاية على المسيحيين فى تلموزين وأرابثيل (أرابجير). الأيوبيون: الأصول الكردية لهذه السلالة الحاكمة الشهيرة ثابتة تماما. والجد الأكبر لصلاح الدين شاذى بن مروان كردى من قبيلة روادى (أو راودى أو روندا) وهى بدورها فرع من كرد الهذبانى فى منطقة دوين Dwin كُرد الدوينى. والحقيقة الهامة أن أسرة شدَّاد قد جاءت من دوين، التى ما زالت ذكراها حية أيام شاذى أيوب وشيركوه ابن شاذى، اللذين ولدا فى الموطن

القديم (قرية أجدنكال). ولقد وُلد صلاح الدين فى تكريت، لكن التراث الكردى انتقل له من خلال والده وعمه وإن ثبات الأسماء الايرانية فى العائلة الأيوبية أمر واضح. وبرغم ذلك فإن مسرح الأحداث لأنشطة البيت الأيوبى الرئيسى كان فى مصر وسوريا. ولقد واصلت أسر أتابكة السلاجقة القديمة حكمها فى ديار بكر والموصل وأربيل حتى بعد أن أصبحوا تابعين للأيوبيين. وبمعاهدة 585 هـ/ 1187 م مع عز الدين زنكى، استولى على حلب وشهرزور فقط. ولقد كان حكم الأيوبيين فى خلاط هو النطاق الوحيد المستقل الذى يُظهر تغلغلهم فى كردستان. ولقد فتح تقى الدين هذا الإقليم سنة 587 هـ/ 1191 م ولكن بعد وفاة صلاح الدين تقلد الحكم هنالك ابن أخيه الملك الأوحد نجم الدين أيوب سنة 604 هـ/ 1207 م. وبعد ذلك، آلت خلاط إلى أخيه الأشرف، الذى اتخذ لقب "شاه أرمان"، وأخيرًا آلت للأخ الثالث المظفر الذى حكم هناك حتى سنة 642 هـ/ 1244 م. لكن الغزو المغولى وغزوات شاهات خوارزم، وغزوات الجرجان قد هددت من هذه أرماة وغيرها فى هذه المنطقة. وتتكون القوات الأيوبية أساسًا من الأتراك، لكن العنصر الكردى لم يكن بالقطع شيئًا مهملًا فيها. وفى سنة 583 هـ/ 1187 م استنفر صلاح الدين أكراد أعالى دجلة للجهاد. وسرحت قوات الجزيرة فى العراق سنة 584 هـ/ 1188 م، لكن كتائب دياربكر وقبائلها كانت فى الغالب ذات أهمية. وكان هؤلاء الأكراد فى بعض الأحايين على عداء مع التركمانيين. وكما كانت خدمات الأكراد المدنية والعسكرية وافرة للأيوبيين، لكنهم كثير، ما كانوا يعملون ضد مصالح بيتهم الحاكم. فحين توفى شيركوه كان هنالك من الأكراد من عارض اختيار صلاح الدين خليفة له. ولقد قامت أسرة أبى الهيجاء بدور مهم وقد كان أبو الهيجاء الكردى رئيس أربيل بالوراثة، وقد قاد مقاومة حصار الصليبيين لعكا وأختير إسْفَهْسالار (قائدًا عامًا) للجيش وحاكما لبيت المقدس. وفى سنة 592 هـ/ 1196 م

جلال الدين خوارزمشاه

نقل إلى بغداد. وقاد حملة ضد الحمدانيين وتُوفى فى دقوقة. ولقد بنى ابن عمه قطب الدين المدرسة القطبية فى القاهرة. ولقد خلف أبا الهيجاء فى حكم عكا، كردى آخر من قبيلة الهكَّارية، وهو سيف الدين بن أحمد المشطوب. ولقد كانت لسلالته سيرة مثيرة، وقد أنهى ابنه أحمد حياته فى سجن حران، وقد تآمر حفيده القاضى عماد الدين ضد الملك الكامل الأمر الذى أدى إلى نفيه. جلال الدين خوارزمشاه: فى سنة 614 هـ/ 1217 م أوقع أكراد جبال زاجروس هزيمة بقوات خوارزمية كان شاه خوارزم قد أرسلها من همدان إلى بغداد. وكانت حملات جلال الدين على خلاط قد أوقعت الاضطراب بهذا الإقليم، وعرضت سكانها الأكراد بسبب ذلك للمجاعة. ولمَّا هزم المغول جلال الدين وقاموا بتتبعه، التجأ جلال الدين مختبئا بين أكراد ديار بكر، لكنه قتل سنة 628 هـ/ 1231 م، ومن المحتمل أن يكون قاتله من بينهم. وبعد موت جلال الدين، خرب المغول أراضى ديار بكر وخلاط. ونزل حشدٌ آخر مغولى من المراغة إلى أربيل تملك المنطقة التى تم غزوها ثلاث مرات. وفى سنة 645 هـ/ 1245 م خُربت شهرزور، وديار بكر فى سنة 650 هـ/ 1252 م. الإيلخانيات المغولية: كان من النادر ذكر الأكراد تحت حكم إيلخانيات المغول. ولمَّا كان هؤلاء الحكام المغول -أول الأمر وثنيين وصاروا مؤخرًا مسلمين- فقد كانوا لذلك على وفاق مع المسيحيين، وقد كان لدى المسيحيين دواع كافية للشكوى من جيرانهم المسلمين وكان على الأكراد الذين تورطوا فى المشاركة فى حروب الأيوبيين أن يظلوا ملازمين لجبالهم آملين فى انتصار أعداء المغول. وبعد أن ترك هولاكو همدان سنة 655 هـ/ 1256 م، توجه إلى بغداد. وعند كرمانشاه بدأ المغول فى القتل والتخريب. وقبل الاستيلاء على بغداد، أرسل هولاكو قوات لأخذ أربيل. فاستسلم حاكم هذه المدينة الحصينة تاج الدين صلابة، لكن الحامية الكردية

رفضت أن تحذو حذوه. وإن أدت تحالفات أتابك الموصل بدر الدين لؤلؤ مع المغول إلى سقوط أربيل. ولقد أدى سقوط بغداد إلى تشريد سكان شهرزور، وغادر سكانها الأكراد، وفقا لقول ابن فضل اللَّه العمرى، إلى سوريا ومصر. ونجد صدى لهذه الأحداث فى ظهور قبيلتين كرديتين فى الجزائر، وهما قبيلتى لاوين وبابين. وعند عودته إلى آذربيجان، ارتحل هولاكو إلى سوريا سنة 657 هـ/ 1259 م. وفى إقليم الهكاريين، وضع المغول السيف فى كل من وجدوه هناك من الأكراد. ولقد استولى المغول بالتوالى على مدن: الجزيرة، وديار بكر، وميافارقين، وماردين. وبعد موت الأتابك بدر الدين لؤلؤ، الذى ظل مخلصا لهولاكو، ذهب ابنه صالح إلى جانب بيبرس، سلطان مصر، وتسلم موافقة منه بولايته. وانقض الأكراد حول الموصل فى الحال على المسيحيين. وكانت حامية الموصل تتألف من الأكراد والتركمان، الذين قاوموا المغول ببسالة. وفى سوريا أيضًا ألقى الأكراد بثقلهم مع المماليك. وفى خطاب لبيبرس أرسله للخان بيرك، نجده يفاخر بعدد قواته التى تتألف من الأترك والأكراد والعرب. وفى عهد أبقا، يخبرنا المؤرخ هايتون الأرمنى كيف أن الأكراد قد استولوا على 5000 بيت من بيوت أكراد شمال سوريا بعد دخول القوات المصرية. لكن بعد هزيمة المغول سنة 680 هـ/ 1281 م، قامت مجموعة من القوات المسلمة المحاربة، مؤلفة من تركمانيين وأكراد بتخريب إقليم قليقية. ومن الحالات النادرة التى وجد الأكراد فيها يتحالفون مع المغول تلك التى كانت فى فارس. وتحت قيادة أولجايتو كان هنالك عدد من الأكراد بين القوات التى غزت جيلان سنة 706 هـ/ 1306 م. وبعد ذلك بقليل، قتل أولجايتو موسى الكودى الذى أعلن نفسه مهدى الشيعة المنتظر. وفى سنة 712 هـ/ 1312 م قاوم بدر الدين حاكم الرحبة المغول.

تيمور والبيوتات التركمانية

ولقد حكمت المقاطعات الكردية من جانب أمراء المغول. ولقد كان الأقليم بين المراغة وأربيل بمثابة طريق عام للجيوش المغولية؛ وفى ذلك الوقت كان لازال الإقليم جنوب بحيرة أرومية أكثر المناطق التى تشغلها القوات المغولية. ولقد تحولت عاصمة إقليم "كردستان" فى عهد أولجايتو من بهار إلى سلطان أباد. ومن الممكن الحكم على صغر حجم المساحة التى صار عليها الإقليم آنذاك بما ورد على لسان حميد اللَّه المستوفى فى كتابه "نزهة القلوب"، من أن المساحة تقلصت إلى عشر ما كانت عليه أيام السلاجقة. وحين اختفت الإيلخانيات المغولية، تنافس على السلطة بيتان من بيوتات المغول الكبرى وهما من قبيلتى سُلدوز وجلابير، ولقد كان نصيب خوزستان وكردستان الفارسية لأبناء الأمير اكرانج (أكراشى). تيمور والبيوتات التركمانية: بعد المغول، بسطت البيوتات التركمانية المتنافسة سيطرتها على كردستان. ولقد كانت هذه الفترة التى لا يعرف عنها بدقة إلا القليل كانت فترة مهمة للأكراد. فقد نفذت عائلات القرة قوينلو، المغالية فى تشيعها، إلى قلب كردستان، وأغرقت القبائل الكردية فى نزاعات سياسية ودينية، وأثارت هيجانًا كبيرًا بين السكان. وكثير من أحداث تاريخ حصن كيفا والجزيرة فى الفترة ما بين سنوات 796 - 897 هـ/ 1393 - 1491 م، قد سجلت فى "تاريخ سوريا"، ونشره بهنش Behnsch سنة 1838 م. ولقد تعامل تيمور مع الأكراد فى حملاته التى قادها ضدهم سنة 796 هـ/ 1394 م وسنة 803 هـ/ 1400 - 1401 م. وبعد اجتياحه بغداد وديار بكر، هاجم تيمور إقليم الجزيرة وقام بتدميره. ثم عبر تيمور بعد ذلك الجبال فاصلًا ديار بكر عن موشى. وفى سنة 803 هـ/ 1400 - 1401 م

شاهات الصفويين وسلاطين العثمانيين

عاد تيمور من بغداد إلى آذربيجان ولقد هاجمه الأكراد وهو فى طريقه إليها. بعد وفاة تيمور، عاد قره يوسف إلى كردستان، واستعاد سلطته هناك بمساعدة شمس الدين حاكم بدليس. وحين وصل شاه رخ، ابن تيمور سنة 824 هـ/ 1421 م لاجئا إلى أرمينيا، اعترف الأكراد بحكمه ودانوا له بالولاء. شاهات الصفويين وسلاطين العثمانيين: بعد معركة شرور (907 هـ/ 1502 م) استحوذ الشاه إسماعيل الصفوى على كل الإقليم ما بين بغداد ومرعش، ولم تتغير سياسة الشاه إسماعيل مع الأكراد إلا أنه تشدد مع الأكراد السنيين لكونه شيعيًا متطرفا. وحين جاءه أحد عشر شيخ قبيلة منهم ليقدموا ولاءهم له عند خوىْ، قام إسماعيل باعتقالهم وحبسهم واختار مكانهم حكاما من قبائل القزيلباش. ومنذ ذلك الوقت فصاعدًا، أصبحت كردستان منطقة صراع بين سلاطين العثمانيين وشاهات فارس. ولقد كانت هزيمة معركة تشالديران (جالديران) (920 هـ/ 1514 م) ضربة قاسية للأسرة الفارسية الجديدة الحاكمة. وبرغم النجاحات المؤقتة لخلفاء الشاه إسماعيل، فإن حملاتهم لم تصل أبدًا إلى أهمية انتصاراته الأولى. ولقد أثرت معركة تشالديران (جلديران) تأثيرًا عميقا فى كردستان. فلقد استحوذ الملك خليل، المغتصب لحصن كيف على ورد وحاول استعادة إقطاعه الموروث. وحارب محمد بك الصاصونى ضد الفرس. وأعلن كل من أحمد بك ميافارقين، وقاسم بك حاكم عقيل، وجمشيد بك حاكم بالو ولاءهم للعثمانيين. ونجح حاكم إقليم الجزيرة فى رد الفرس عن الموصل. وأخذ سعيد بك سوهران أربيل وكركوك. ولقد استقدم إدريس إلى حلْفه الجنود الأكراد وهزم كُردبك، الحاكم السابق لكردستان. وقاوم أكراد ديار بكر الهجوم الفارسى حتى وصلهم العون بيقلى محمد باشا. والتقى بيقلى وإدريس فى حصن كيفا وهزما الفرس.

ثم بمساعدة 5000 كردى مسلح (من العمادية)، نجح الأكراد فى استخلاص ديار بكر وأخذوا ماردين، ما عدا قلعتها التى ظلت فى أيدى الفرس، وقد قام عندئذ القائد الفارسى بتحول ناجح من بغداد وكركوك؛ وقام أهل ماردين بطرد الأكراد ودعوة الفرس لإعادة احتلال المدينة. والتقى الجيشان على طريق نصيبين - أورفه، وهزم الجيش الفارسى، وأجبر بيقلى سليمان خان، الذى كان ما زال فى ماردين، على الاستسلام. وتبع ذلك إحتلال نصيبين، ودارا، وميافارقين، وديار بكر وسنجار، وأكمل إدريس ترتيب (السنجق). وقد وضعت فى ديار بكر 11 سنجقًا تحت الإدارة التركية وثمانية سناجق تحت الإدارة الكردية. وطبق نظام ماثل مؤخرًا فى كردستان من ملطية إلى بايزيد وشهرزور. ولم يتبق للفرس سوى إقليم كرماشاه. ولقد كوفئ إدريس بسخاء من قبل الخليفة وأرسلت له فرمانات التقليد. فى سنة 936 هـ/ 1530 م استعاد الشاه "طهماسب" بغداد من (ذو الفقار)، الكردى من قبيلة موصولو. وبدأت سلسلة طويلة من الحروب مرة ثانية. وقال السلطان سليمان جيوشه ضد فارس سنوات 1533, 1534, 1548، 1553, 1554 م. وفى هذه السنة الأخيرة هزمت قوات بغداد كراد بلقاس وشهرزور بينما كان الفرس مشغولين فى جورجيا. ووفقا لصلح سنة 999 هـ/ 1590 م أعاد عباس الأول للأتراك المقاطعات الغربية، شاملة آذربيجان وشهررزور ولورستان، لكن الحرب استؤنفت ثانية بينهما سنة 1010 هـ/ 1601 م، وبصلح سنه 1021 هـ/ 1612 م استعادت فارس ممتلكاتها التى فقدتها عدا شهرزور. وقرب نهاية حكم الشاه عباس، تركزت الجهود التركية على بغداد. ولقد احتوات حملة حافظ باشا الأولى (1013 هـ/ 1623 م) على قوات كردية، وحارب الأكراد ببسالة، ولما هزم

كردستان من سنة 1650 إلى 1730 م

الفرس المهاجمين أرسلوا فرقا تأديبية إلى ماردين. وبعد موت الشاه عباس، اتجه الصدر الأعظم خسرو باشا إلى بغداد سنة 1093 هـ/ 1629 م. ولقد انضم إلى جانب خسرو باشا كل من سيد خان حاكم العمادية، وميرابك سوهران وقبيلة باجيلان الكردية العربية، بينما هدد أحمد خان أردلان الجيش التركى. وظلت بغداد صامدة حتى استولى عليها فى النهاية مراد الرابع سنة 1048 هـ/ 1638 م، وفى العام التالى وقعت معاهدة الصلح مع فارس التى حددت الحدود التركية الفارسية حتى القرن التاسع عشر. وأصبحت فارس، بمقتضى هذه المعاهدة خلف جبال زاجروس تمامًا. ولقد جعلت الحرب بين الصفويين والعثمانيين الأكراد واعين ومدركين لأهميتهم السياسية. ولقد احتفظت لنا "الشرفنامه". بصورة دقيقة لحياة قبائل الأكراد الإقطاعية وإماراتها فى أقصى ارتقاء لها حوالى عام 1005 هـ/ 1596 م. كردستان من سنة 1650 إلى 1730 م: تقلصت "كردستان الكبرى"، كما وصفها شرف الدين، إلى ما هى عليه الآن لتصبح سلسلة من المشيخات القبلية ذات الحكم الذاتى، بتدخل الحكم التركى فى سنجقيات دياركر وفان. ولم تقتصر معاهدة سنة 1049 هـ/ 1639 م على إنهاء التوسع الفارسى غربا، لكن الأتراك نجحوا أيضًا فى إعادة احتلال المقاطعات الغربية فى فارس الصفوية وكذلك مقاطعات ما وراء القوقاز، وعمليًا، فإن كل الأكراد بهذه الطريقة قد توحدوا تحت الحكم العثمانى. ولما لم يعد هنالك سبب للخوف من الفرس، فقد تعهد الترك بفرض التمركز على الأكراد بطريقة منتظمة. ومع بداية عهد حكم السلطان مراد الرابع وقع الاختيار على مالك أحمد باشا، ليكون حاكما عاما لديار بكر فى سنة 1048 هـ/ 1638 م، ويقوم بحملة ضد اليزيديين فى سنجار. ومؤخرًا (1065 هـ/ 1655 م) نجد هذا الباشا

الأفغان

بعد إنتقاله إلى فان يتغلب على كل الأكراد فى هذه المنطقة. وفى عهد حكم الشاه حسين، حاصر أكراد العراق همدان سنة 1131 هـ/ 1719 م وامتدت غزواتهم إلى العاصمة نفسها. وفى سنة 1134 هـ/ 1722 م وبأمر من الشاه طهماسب الثانى جرت محاولة لاستعادة أصفهان، والتى كان الأفغان قد احتلوها وقد قاد هذه المحاولة الرئيس الكرد "فاندون"، ولكنها فى النهاية اقتصرت على مهاجمة أحد أقسام أرمينيا. ولقد طرد الأفغان فاندون فعاد إلى بلاده وخضع للأتراك. ولقد حذا حذوه مشايخ جوانرود، ودرنه، وجاف وهاوسين وأخيرًا (السبهسلار) على ماردان البختيارى. الأفغان: وخلال فترة حكم الأفغان الدموية والانتقالية لأصفهان، هزم أشرف الأتراك (فى معركة أنجيدان سنة 1138 هـ/ 1726 م)، الذين كان يحارب فى صفوفهم 20.000 كردى تحت قيادة بيبك سليمان أوغلو (سليمان بابان). ولقد ألقى الأتراك تبعية هزيمتهم على سلوك الأكراد؛ ذلك لأن عددًا من قواتهم انسحب من الجيش التركى ذاهبًا للأفغان، مقابل وعود وعهدهم أشرف بها. وبرغم انتصاره الأول، فإن أشرف فى العام التالى 1140 هـ/ 1727 م بدأ يساوم الأتراك على بقائه فى الحكم مقابل تنازله للترك عن كل غرب فارس بما فيها أقاليم اللور والأكراد. نادر شاه: بدأت الأمور تتغير تقريبًا. عند نهاية عهد السلطان أحمد الثالث. فبمقتضى معاهدة سنة 1144 هـ/ 1732 م استعاد الفرس المقاطعات الغربية، وسرعان ما غزا نادر الأراضى العثمانية وتقدمت قواته إلى أبواب بغداد. وحاول الأتراك دون جدوى وقف تقدمه بقوات كردية حتى سنة 1146 هـ/ 1733 م حيث ظهر على المسرح تويال عثمان باشا مع تعزيزات كردية أقام بها فى الموصل. وهزم نادر وفى سنة 1147 هـ/ 1734 م، قام بعملية حربية فى القوقاز واستولى على

البيت الزندى

تفليس، التى كان بها حامية مؤلفة من 6000 كردى. وبصلح عام 1149 هـ/ 1736 م استيعدت حدود عام 1049 هـ/ 1639 م القديمة. وفى سنة 1734 م، غزا نادر الأراضى التركية ثانية، ولكن برغم المساعدة الكردية والعربية فقد تقهقر إلى سينا حيث هزم بعد ذلك. ولم يكن نادر محبوبا من الأكراد، وقد اغتيل سنة 1160 هـ/ 1747 م، وهو فى طريقه لقمع ثورة كردية قاموا بها فى خراسان. ولقد لعب الأكراد دورًا فى الفوضى التى أعقبت وفاة نادر. البيت الزندى: بعد موت نادر شاه، حكم كريم خان زند، وهو أحد أفضل حكام فارس، القسم الأكبر من البلاد، ولقد كان الزند قبيلة كردية قليلة الخطورة، تسكن ما بين همدان وملاير فى إقليم كان يعرف فيما مضى باسم إغار. وتحت حكم نادر نُقلوا إلى خراسان، ولكن بعد موته عادوا ثانية إلى موطنهم الأصلى. وبموت لُطف على خان فى سنة 1209 هـ/ 1794 م، انتهى البيت الزندى. ولقد كانت قبيلة الزند ضعيفة للغاية مما لا يسمح لها بمساندة بيتها الحاكم، لكن كريم خان، مثل سابقيه، كان قد أحضر عدة قبائل كردية استقدمها من كردستان لتقيم فى شيراز. القاجار: عند موت الأغا محمد شاه قجار (1211 هـ/ 1797 م)، استولى صادق خان على التاج المرصع وحاول لبعض الوقت أن يعتلى العرش. وفى سنة 1221 هـ/ 1805 م تدخل الفرس بالقوة لحساب عبد الرحمن باشا حاكم السليمانية. وفى سنة 1236 هـ/ 1821 م، نتيجة للاضطرابات التى سببتها قبائل أكراد حيدرانلو وسيبكان، غزا الفرس الأراضى التركية حتى بدليس وموش، وفى نفس الوقت تقدموا حتى شرابان بالقرب من بغداد عن طريق كرمانشاه ولقد أعاد صلح سنة 1238 هـ/ 1823 م الذى وقع فى إزروم (أرض روم) حدود سنة 1049 هـ/ 1639 م, لكن الفرس رفضوا

تركيا فى القرن التاسع عشر

أن يخلوا إقليم زوهاب المسكون بالأكراد. وقد ظل مصير السليمانية مُعلقًا. وحرب جديدة كانت على وشك الاندلاع فى سنة 1842 م حين تدخلت بريطانيا وروسيا للصلح، وفى سنة 1246 هـ/ 1847 م وقعت معاهدة جديدة فى إرزروم (أرض روم) قسمت زوهاب بمقتضاها إلى قسمين، بينما توقفت فرس عن كل ادعاءاتها فى السليمانية لصالح الأتراك. تركيا فى القرن التاسع عشر: فى سنة 1826 م، كلف رشيد محمد باشا بمهمة إشباع رغبة الأكراد وتعيين حكاما أتراكًا فى كردستان. وحوالى سنة 1830 م انفجرت ثورة كردية كبرى فى مناطق عدة. وكان قادة هذه الثورة: بدرخان وسعيد بك، وإسماعيل بك، محمد باشا الراوندى. وحوالى سنة 1820 م أعلن استقلاله وهاجم قبائل الخُشنو والرانية. وفى السنوات التالية مد سيطرته نحو الموصل؛ وعند القوش قام بقتل 172 مسيحيًا. ثم أخذت بعد ذلك عكره وزبار والعمادية. وفى سنة 1833 م انتشرت القوات الراوندية حتى زاخو والجزيرة لإعادة تمكين قوة بدرخان هناك. ولقد عوقب اليزيديون بقسوة فى مناسبات عديدة. وقد أبُعد رئيسهم على الذى رفض اعتناق الإسلام، كذلك قتل العديد من اليزيديين على تل قوينجيك. وفى سنة 1835 م أرسلت قوات عثمانية ضد رشيد محمد باشا من بغداد والموصل وسيواس وفى سنة 1843 م بدأت ثورة نور اللَّه بك الهكارى وبدرخان فى الجزيرة. ولقد جأر نساطرة الهكارية بشكواهم فى الموصل من عسف نور اللَّه بك. وردًا على ذلك، قام نور اللَّه بتدمير ولاية النساطرة فى بروارى. واستمرت المذابح لعدة سنين وقد قيل إن عدد الضحايا بلغ 10.000 وفى سنة 1847 م هاجم جيش كبير الأكراد بقيادة عثمان باشا. ولقد هزم بدرخان ونور اللَّه فى عدة معارك فاستسلموا وأبعدوا عن كردستان. الحروب الروسية - التركية: فى عام 1804 - 1805 م، إحتك الروس بالأكراد وسرعان ما فرض هذا

القوات الحميدية

العامل الجديد نفسه ولقد كان للحروب التركية - الروسية التى وقعت سنوات 1828 - 29, 1853 - 1858 م تأثيرها البعيد على كردستان. ومع بدايات عام 1829 م أنشا الروس آلايًا كرديًا (فرقة عسكرية). ونتيجة لاغتراب المسيحيين، بدأ الأكراد بعد الحرب فى الانتشار بشكل كبير إلى أقصى الشمال والغرب. وخلال حرب القرم، أنشأ الروس حاميتين كرديتين. وعلى الجانب الآخر، وحين اتجهت القوات التركية نحو الشمال- حدثت ثورة كبيرة فى بوهتان بقيادة يزدان شير، ابن أخ الثائر السابق بدرخان. واستتبعت حرب سنة 1877 - 1878 م ثورة بين أكراد باهدينان وبوهتان الهكارية بقيادة أبناء بدرخان ثم ثورة بقيادة الشيخ عبيد اللَّه شيخ الطريقة النقشبندية. ولقد اكتسحت غزوات الأكراد سنة 1880 م الأقاليم الفارسية لأرومية، وسوج بولاق، ومياندواب والمراغة وهددت تبريز نفسها. ولقد كان الشيعة هم الضحايا الرئيسيين فى هذه الغزوات. ولقد أرسلت روسيا كتيبة من قواتها لحماية حدودها. وحشدت فارس قوات مماثلة على حدودها. وبذلت تركيا، التى كانت بالكاد وقد أنهت حربها مع روسيا، جهودًا لتجنب مضاعفات التدخل. وفى النهاية عاد الشيخ إلى شامدينان، حيث أرسل إلى إستانبول. وسرعان ما هرب من العاصمة وعاد إلى شامدينان عن طريق القوقاز، ولكنه قبض عليه للمرة الثانية وتوفى سنة 1883 م فى مكة (المكرمة). القوات الحميدية: لقد ضمن ضعف تركيا بعد سنة 1878 م، الإصلاحات الأرمينية وتأمين الأرمن من خطر الأكراد والشركس. وقد تسبب رد فعل الحكومة العثمانية العنيف ضد الإصلاحات، وتطور حركات الثورات الأرمينية منذ سنة 1885 م وتشعباتها فى روسيا وسويسرا ولندن، فى تعقيدات العلاقة الكردية الأرمينية التى كانت لا تزال آمنة حتى ذلك الوقت والتى تمثلت فى

العلاقات الأرمينية - الكردية

خضوع الأرض لسلطات رؤساء الإقطاع الأكراد. وحوالى سنة 1891 م، عهد شاكر باشا مؤخرًا على نفسه بتطبيق الإصلاح فى الأناضول، واستوحى فكرة تكوين فرق عسكرية كردية غير نظامية، مثل فرق القوزاق الروسية. وكان الهدف من الإصلاح ترويض الأكراد وربطهم بالحكومة العثمانية. ولم تكن المحاولة مقنعة؛ لأن القوات الحميدية المجندة قد تغير شكلها مؤخرًا إلى قوات نظامية مدربة (خفيف سوارى). فتكوين فرق الحميدية، قد أدى إلى جانب الدور الذى أعطى للأكراد والطموحات التى تطلعوا إليها، بأى حال من الأحوال إلى إثارة كبرى كما أدت إلى وقوع مذابح بين القبائل. العلاقات الأرمينية - الكردية: وفى نفس الوقت، تغيرت العلاقات بين الأرمن والأكراد إلى الأسوأ. ولقد يتميز صيف 1894 م بمعارك دموية بينهما عند صاصون انتهت بتدمير خمس قرى وكل إقليم تالورى (دالفورينخ) الذى يسكنه الأرمن. ولقد كانت أحداث صاصون أول حلقات سلسلة طويلة من استعراض القوة العسكرية والقمع الدموى، الذى ساهم الأكراد فيه بنصيب فعال. وفى سنة 1895 م جرت محاولة للقيام بثورة بين الأكراد الهكارية، ولكنها سريعا ما أخمدت؛ ولم تكن هذه الثورة موجهة ضد المسيحيين. وبداية من القرن العشرين حتى الحرب العالمية الأولى، بدت العلاقة بين الأرمن والأكراد كما لو كانت إلى حد ما هادئة. القرن العشرون: مع بداية القرن العشرين ظهرت فى أفق الأكراد شخصية بارزة خارج المراكز المعتادة للحركات الكردية. وهى شخصية إبراهيم باشا بن محمود بن تيماوى بن أيوب، رئيس قبيلة ميللى فى ولاية شاريوران (ما بين ديار بكر وحلب). وقد جعل إبراهيم باشا لنفسه تقريبًا. مركزًا مستقلًا. وحين أعلن دستور 1908 م، أعلن الثورة وانسحب إلى جبال عبد العزيز حيث قتل هناك. ولقد ثأر الأكراد بعنف حين أعيد فتح مسألة الحدود التركية - الفارسية.

الحرب العالمية الأولى 1914 - 1918 م

وبعد تراجع الروس فى الشرق الأقصى (فى الحرب الروسية اليابانية)، احتلت تركيا سنة 1905 م المناطق المتنازع عليها فى أرميا وسواج بولاق التى يسكنها الأكراد. ولقد استدرج الأكراد إلى لعبة سياسية معقدة للغاية. فقد توقف الاحتلال التركى مع بداية حرب البلقان (فى أكتوبر 1912 م)، ليفسح المكان للقوات الروسية التى أرسلت إلى أقاليم خوى وأرميا. وسافرت سلالات من عائلات كردية أصيلة إلى روسيا. وفى 17 نوفمبر 1913 م وقع بروتوكول تخطيط الحدود فى استانبول، وقبل اندلاع الحرب العالمية مباشرة، نجحت لجنة القوى الأربع الكبرى (تركيا، فارس، بريطانيا وروسيا) فى إقرار الحدود المتنازع عليها. الحرب العالمية الأولى 1914 - 1918 م: لقد كان الأكراد خلال الحرب من 1914 حتى 1918 م بين نارين. لكن الموقف تغير تغيرًا جوهريًا بعد سنوات 1917 - 1918 م، فلقد تكونت الجمعيات الكردية فى كل مكان وقد تقلد شرف باشا دور ممثل الأكراد فى باريس، وقد أبرز فى مؤتمر السلام فى باريس يوم 22 مارس 1919 م والأول من مارس سنة 1920 م مذكرتين بمطالب الأكراد مع خريطة "الكردستان المكتملة" فى نفس الوقت، فى 20 ديسمبر 1919 م، حدثت ترتيبات بين شريف باشا والممثلين الأرمن، وأعلن الطرفان الاتفاق فيما بينهما. ولقد نصت معاهدة "سيفرسن" فى العاشر من أغسطس 1920 م على فصل أرمينيا - عن الأربع ولايات الكردية (ترابيزون، إرزروم (أرض روم)، فان وبدليس)، وإعطاء حكم ذاتى للأراضى التى يسود فيها العنصر الكردى، والتى تقع شرقى الفرات، إلى الجنوب من حدود أرمينيا وإلى الشام من حدود تركيا مع سوريا وأرض الرافدين. وقد أبدى الممثلون الأتراك للمؤتمر رأيهم من أن "الأكراد لا يختلفون عن الأتراك فى شئ وبرغم التكلم بلغات مختلفة، فهذان الشعبان يكونان كتلة

من سنة 1920 م حتى الوقت الحاضر

واحدة بخصوص الجنس والعقيدة والعادات (مؤتمر لوزان، خطبة إسماعيل باشا فى اجتماع يوم 23 يناير 1923 م). وبمقتضى قرار مجلس عصبة الأمم فى 16 ديسمبر 1925 م، خصصت ولاية الموصل للعراق، لكن بالاتفاق على الاحتفاظ للأكراد بتحقيق رغباتهم، وبخاصة من يختار الموظفين من الجنس الكردى لحكومة بلدهم فى إدارة العدالة والتعليم فى المدارس وأن تكون اللغة الكردية لغة رسمية فى هذه المصالح". وخلال المداولات الطويلة بخصوص الموصل، انفجرت مشاكل خطيرة فى إقليم خربوط وديار بكر نتيجة لتمرد الشيخ سعيد النقشبندى. ولقد قبض على الشيخ سعيد فى 16 أبريل سنة 1925 م وأعدم فى ديار بكر. من سنة 1920 م حتى الوقت الحاضر: أن الحرب العالمية الأولى (1914/ 1918 م) إلى حدوث فورانات سياسية فى الشرقين الأدنى والأوسط. فقد انفصلت الأقطار العربية (سوريا، لبنان، فلسطين، الأردن والعراق) عن الامبراطورية العثمانية، وألغيت السلطنة سنة 1922 م، وأعلنت الجمهورية فى تركيا يوم 23 أكتوبر وألغيت الخلافة يوم 3 مارس 1924. وأخيرًا، خصص مجلس عصبة الأمم للعراق ولاية الموصل فى 26 ديسمبر 1925 م. من جانبه، فإن الجنرال رضا خان أطاح فى إيران بالعائلة القاجارية الحاكمة وأسس العائلة البهلوية الحاكمة فى 23 أكتوبر 1925 م. وبالحكم على هذه التصميمات الحدودية التى نتجت نجد أنها جعلت موقف الأكراد يظل أكثر تعقيدًا، فهم بدلًا من أن يعيشوا مثلما كانوا فى ظل حكومتين فقط وهما الإمبراطورية العثمانية والإمبراطورية الفارسية، وجدوا أنفسهم مقسمين بين خمسة دول مختلفة هى: تركيا، وإيران، والعراق، مع وقوع بعض الأقليات الهامة فى سوريا ووقوع عدة مستوطنات لهم فى أرض ما وراء القوقاز السوفيتية: فى أرمينيا

وجورجيا وآذربيحان. ومنذ ذلك الوقت فصاعدًا، فإن مصير الأكراد سوف يكون مصيرًا متباينا، وذلك وفقا لتباين الدول المختلفة التى أظلتهم بظلها. وفى تركيا، بعد الحرب العالمية الأولى وخلال المداولات الطويلة بخصوص الموصل، أثار الاضطرابات بعض الوطنيين الأكراد الذين أزاحوا الوهم عنهم واستيقظوا لحقيقة ما حدث لما رأوا تلاشى آمالهم فى استقلال كردستان بعد أن ألغت معاهدة لوزان (24 يونيو 1923 م) ما أقرته معاهدة سيفس لكردستان (10 أغسطس 1920 م). وقد قاد الشيخ سعيد النّقشبندى البيرانى الثورة فى أقاليم أورفا وسيفريك وديار بكر، إما تعصبًا واحترامًا للخلافة وغيرة عليها أو (كما ادعى مصطفى كمال) بتحريض مزعوم من بريطانيا. وسرعان ما قبض على الشيخ وزج به فى السجن، وحوكم (فى أبريل - يونيو 1925 م) وحكم عليه بالاعدام وأعدم فى ديار بكر مع 53 ثائرًا آخر. ولقد تابعت جريدة (فاكيت) التركية كل وقائع المحاكمة، من 20 إبريل 1925 م إلى 28 يونيو، مشددة على الطابع الوطنى للحركة. ولقد أجير فشل هذه الثورة القواد الذين هربوا إلى البحث لهم عن ملجأ فى الخارج. وفى 3 أكتوبر 1927 م، تأسست عصبة الأكراد الوطنية "هويبون" (الاستقلال) التى اندمجت فيها كل الجمعيات والاتحادات القديمة. ولقد اختير حسان نورى باشا حاكم بتليس قائدًا عامًا وتأسست إدارة مدنية. ولقد تمت بعض المحادثات مع ممثلى الحكومة التركية فى سبتمبر 1928 م عند شيخى كوبر ومع وعد بالعفو العام عن أولئك الذين أدينوا. لكن العدد القليل عن الأكراد الذى استجاب لذلك قتلوا. وبعد ذلك، وقعت ثورة أغرى بك فى ربيع سنة 1930 م. ولقد أحرزت القوات الكردية، بعد أن سلمت تسليمًا جيدًا، بعض الانتصارات المذهلة وبفضل مساعدة القبائل فى إقليم ديار بكر، لكن

هذه القوات انتهى أمرها بالاستسلام تحت ضربات الجيش التركى. ولقد قام الأكراد بثورة كبرى سنة 1937 - 1938 م، وكان مركزها منطقة جبال دارسيم، التى يسكنها أكراد زازا. (ظاظا) وقد قاد هذه الثورة سعيد رضا، شيخ الجمعية النقشبندية. ونجح الأتراك فى إخمادها وبعد إعدام الشيخ وعشرة من رفاقه فى بلدة العزيز يوم 15 نوفمبر 1937 م، قام الأتراك بإزالة درسيم وسموها تُنسيلى. وظل الأقليم تحت قانون حالة طوارئ الحرب حتى سنة 1946 م. بعد ذلك، لم تقم هنالك أى ثورة كردية مسلحة فى تركيا، وظلت كردستان هادئة خلال الحرب العالمية الثانية. ثم تلى ذلك بعض التخفيف فى طريقة الحكم للأقاليم الكردية. ولقد صدر فى 27 مايو 1960 م القانون العسكرى بخصوص كردستان وتبعه صدور المزيد من التنظيمات الليبرالية الجديدة. وبرغم صدور بعض التصريحات من كبار الشخصيات الإدارية، فقد ظهرت بعض المقالات عن كردستان وعن الأكراد فى الصحافة التركية. وبين سنوات 1965 و 1968 م ظهرت صحف كردية - تركية. فى إيران، ظل وضع الأكراد على الدوام مختلفًا عما وقع لهم فى تركيا. وبالطبع، فقد أصرف الحكومة الإيرانية فى الغالب على عامل القرابة، كذلك عامل الجنس والتاريخ, الذى يوحد بين الشعبين. لكن ذلك لم يمنع ظهور بعض الإزعاج الاجتماعى من وقت لآخر، كذلك حدوث بعض الثورات التى غالبا ما كانت تُقْمع بطريقة دموية. ولقد سببت حركات الجيوش التركية أو الروسية اضطرابات لإقليم آذربيخان فى السابق خلال الحرب العالمية. ولقد استفاد الشيخ الرئيس إسماعيل أغا سيمكو من هذه الاضطرابات وحاول أن يقتطع لنفسه ولاية كردية صغيرة عزم على تقلد قيادتها, ولقد نجح أيضًا فى توحيد القبائل الكردية بشمال الإقليم تحت قيادته، وبإحرازه عدة انتصارات

على الأتراك وعلى القوات الأشورية والإيرانية، غيَّر محلته حسب الظروف. ولقد أصبح أيضًا السلطة الوحيدة فى المنطقة، إلى الغرب من بحيرة أرومية، ولكن فى النهاية اغتاله الإيرانيون عند أُشنو فى 21 يونيو 1930 م. ولقد ثار سلار الدولة قاجار فى جنوب كردستان لكن ثورته انتهت بالفشل. لكن الحرب العالمية الثانية أثرت تأثيرها الكبير على القومية الكردية فى إيران. وبالطبع، فإن احتلال السوفييت والقوات البريطانية (25 أغسطس 1942 م) للأقاليم الشمالية والغربية للبلاد، وما تبعه من تنازل رضا شاه عن العرش (16 سبتمبر 1941 م) قد ساعد حركات التحرر لعدة شهور، لكن الجيش الإيرانى قمع بشدة هذه الحركات التى قادها هامارشيد خان والذى تلقى مساعدات عديدة ممن جاوره من القبائل، وكان قد أعلن نفسه سيد، على منطقة سرداشت ماريفان سنة 1942 م. ولكن ذلك كان مجرد استهلال لحركة استقلال حقيقية. وفى المقام الأول، استفاد الأكراد من الوضع فى إقامة منظمة "بعث كردستان"، وقد تكونت من مفكرى المدن الكردية وصغار البرجوازيين من مهاباد، وقدامى ساوج - بولاق، ورجال الدين وشيوخ القبائل. وسرعان ما انضم إليها القاضى محمد وهو من عائلة غنية عريقة (أكتوبر 1944 م) وبعد إنتهاء الحرب، حكم كل هؤلاء بأن الفرصة سانحة وأعلنوا فى 22 يناير 1946 م جمهورية مهاباد الكردية، فى قلب حكومة أذربيجان الاستقلالية، التى قامت فى تبريز وفى الحقيقة، فإن القاضى محمد لم يرغب فى أكثر من استقلال داخل إطار الإمبراطورية الإيرانية. هذه الدولة الصغيرة، بمساحتها المحدودة غرب وجنوب بحيرة آرميا، نظُمت تمامًا؛ ففتحت فيها المدارس والمستشفيات، ونشرت الكتب القديمة ومجلات النقد باللغة الكردية، وجرت محاولات التطور الزراعى والتجارى والصناعى والصحى. وتأسس جيش صغير من العناصر القبلية به أربعة قواد، من بينهم المُلا مصطفى البرزانى، الذى جاء من العراق مع فرقة من جنوده المسلحين تسليحًا

جيدًا. لكن حكومة طهران استطاعت أن تستعيد شمل البلاد. واستسلم القاضى محمد، لكن أُعدم شنقا فى فجر يوم 31 مارس 1947 م مع عدد آخر من الرؤساء. وقد ظلت جمهورية مهاباد الكردية لمدة أحد عشر شهرًا. ولكن الحادث كانت له انعكاساته بين كل الأكراد. وبعد ذلك حدث فى سبتمبر 1950 م وفبراير 1956 م، لأسباب اقتصادية، أن قوات المشاة سخرت قبيلة جافانرودى لعمل ما وقمُعت بعنف، بحجة أنها رفضت دفع ما عليها من ضرائب، فجردت من سلاحها فكرست نفسها لزراعة الحشيش. وبعد ذلك حاولت إيران، إصدار إصلاحات اجتماعية فى محاولة لأن تكسب تعاطف ومعونة الشعب الكردى الكبير. فنشرف فى طهران من مايو 1959 م إلى مايو 1963 م، مجلة "كردستان الأسبوعية" التى عالجت موضوعات أدبية ودينية وعلمية وتاريخية وأيضًا موضوعات سياسية. ومؤخرًا فقد اتهمت الحكومة العراقية مساعدة طهران، ماديًا ومعنويًا للأكراد فى حركة التمرد الكردية فى العراق. ولكن هذا الموقف السياسى لم يغير أصلًا من حالة ريبة السلطات الإيرانية حيال أكرادها. وفى العراق، شهدت الفترة من نهاية الحرب العالمية الأولى حتى ثورة 1958 م تأسيس دولة العراق الجديد وقيام الحكم الملكى الهاشمى. ولقد عُهد للبريطانيين، الذين تسلموا من عصبة الأمم، فى سان ريمول (أول مايو 1920 م) صك انتداب على العراق وفلسطين، بتنظيم أموال البلاد التى كان قد سبق أن احتلوها عسكريا. وكان القليل منهم من يعرفون الأكراد ومشاكلهم، مما صعب عليهم مهمتهم. وفى ديسمبر 1918 م، أقام "الميجور نوبيل" Magar Noel محمود البرزانى (1880 - 1956 م) حكمدرًا على الليمانية، وأن تمتد سلطته على القبائل الكردية الواقعة ما بين نهر الزاب الأكبر والديالة. وبعد نهاية ستة أشهر، طالب الشيخ محمود باستقلال كردستان (نهاية مايو 1919 م)، وكان على الجيش البريطانى أن يتدخل بالقوة

للتغلب عليه. وبعد أن جرح محمود فى معركة باذيان (17 يونيو 1919 م)، أخذ للسجن وحكم عليه بالإعدام، لكن الحكم خفف بالنفى إلى الهند، وفى نفس الوقت، تم اغتيال عدد من الضباط البريطانيين فى زاخو والعمادية وعقره. وحكم "الميجور سويين" Magor soaneo محل الشيخ البرزانى، وسرعان ما عاد الهدوء إلى البلاد. وثارت المشاكل بتنصيب الأمير فيصل، الأمير الحجازى كملك على بغداد (23 أغسطس 1921 م)، وكان هذا الأمير قد أبعده الفرنسيون من دمشق، وكان القصد من هذا إلحاق ولاية الموصل بالتاج العراقى، وهو المطلب الذى واصل الأتراك المطالبة به وأراد الأكراد تنظيمه لمصلحتهم. ولقد اعترفت معاهدة سيفرس الحديثة (10 أغسطس 1920 م) السارية المفعول بحق الأكراد فى الاستقلال. وبسبب استمرار المقاومة وشمولها لكل كردستان، أعيد استدعاء الشيخ محمود البرزانى إلى السليمانية (سبتمبر 1922 م) واقتنع بلقب "الحكمدار"، لكنه أعلن نفسه ملكًا على كل كردستان (فى نوفمبر). وأقام له حكومة من ثمانية أعضاء، ونظم البريد وأصدر طوابع بريد، وسن الضرائب على الدخان وأصدر جريدة "روجى كردستان" (شمس كردستان) التى أعطتنا تفصيلات كثيرة عن هذه الأحداث. ولم يساعد العهد الحاكم بعد سنة 1930 م (وهو العام الذى شهد نهاية الانتداب البريطانى فى العراق) وضع أكراد العراق؛ لأن الحكومة العراقية أرادت على الفور سحب الموظفين الأكراد المحليين من المناطق الكردية لتحل محلهم موظفين عربا ووقف تدريس اللغة الكردية فى الإدارات الشمالية. لذلك دفعهم هذا إلى الانزعاج الذى تحول إلى ثورة علنية فى السليمانية حين فتح الجنود العراقيون النار على أهلها المدنيين (6 سبتمبر 1930 م). ولقد قاد الشيخ محمود على الفور هذه الحركة. ولم يستطع الجيش العراقى أن يقضى عليها (سبتمبر 1930 - أبريل 1931 م)، لكن قبض على محمود وحددت إقامته فى بيت من بيوت بغداد. وفى سنة 1931 م، اختلف

الشيخ أحمد البرزانى مع جيرانه من رؤساء الأكراد. ومن أجل إعادة الهدوء، قامت الحكومة بحملة شتوية تطلبت تدخل سلاح الجو الملكى. وقامت ثورة جديدة أخرى سنة 1933 - 1934 م، واضطر الشيخ أحمد وأخوه الأصغر الملا مصطفى البرزانى، الذى ساعده عسكريا، للإقامة فى كركوك ثم فى السليمانية. وفى سنة 1943 م، نجح الملا مصطفى البرزانى فى الهرب إلى بلدته برزان، مصطحبا معه الشيخ لطيف ابن الشيخ محمود، واتخذها قاعدة لثورته. وتدخل ماجد مصطفى الكردى، المعروف بوزير الدولة، لإقرار الأمور بين البرزانى والحكومة العراقية. ووافق البرزانى على شروط الاتفاق ومن بينها تحسين ظروف الأقاليم الكردية وأن لا يرسل إليها سوى الموظفين الأكراد لا العرب، وأن تفتح المدارس والمستشفيات فى كردستان. ولقد قبل هذه الشروط رئيس الوزراء نورى السعيد، الذى تطلع إلى تأسيس لواء كردى كامل، ولما لم يوافقه عليه نائب الملك عبد الإله، انفجرت الثورة الكردية بعنف فى ربيع 1945 م. وكان الأمر جاد، وخطيرًا هذه المرة. فلقد أحرز الأكراد عدة انتصارات واضحة، بينما خسر الجيش العراقى خسائر ثقيلة. وللمرة الثانية تدخل سلاح الجو الملكى ليلعب دوره فى إنقاذ العراق والمملكة الهاشمية. ومع نهاية أغسطس، انتهت العملية وانسحب الملا مصطفى البرزانى إلى إيران مع عدد من قواته وأسلابه. ولقد حوكم أربعة من كبار قواده، وهم: مصطفى خُشنافى، وعزت عبد العزيز، ومحمد محمود، وخير اللَّه عبد الكريم، وأعدموه فى 19 يونيو 1947 م. بعد هذه الأحداث المفروضة بالقوة، لم يتبق لأكراد العراق الوطنيين سوى العمل فى السر والاختباء، وهذا ما حدث. فأسسوا حزب كردستان الديمقراطى باتجاهاته اليسارية، وأصدروا مجلتين: "ازادى" (الحرية) و"رزجارى" (التحرير) وعلى أى حال فقد عاد الهدوء، واستفاد الأكراد من الحرية التى تركتهم يعملون بحرارة زائدة فى المجال الثقافى. وشهدت

مجلاتهم فى العلوم والآداب النور. ونشرت مجموعات أشعار ومقالات عن تاريخ كردستان ومشاهير الأكراد. وأصبحت السليمانية من أكثر المراكز الثقافية نشاطا ومقرًا نشيطًا للأكراد. ولقد شهد أكراد العراق منذ إعلان الجمهورية العراقية (14 يوليو 1958 م) حتى سنة 1970 م تقلبات وتغيرات عديدة. ولقد أثارت هذه الجمهورية حماس الأكراد، الذين شاركوا، مع الأحزاب السياسية الأخرى، فى الإطاحة بالحكم الملكى الهاشمى. وللمرة الأولى فى التاريخ أعلن دستور الدولة واقع أن: "العرب والأكراد شركاء فى هذه الأمة" ولقد أمن الدستور للأكراد حقوقهم القومية داخل قلب الكيان العراقى. ومن جانبه أعاد اللواء عبد الكريم قاسم الموظفين الأكراد المفصولين عام 1947 م إلى مناصبهم وأذن (فى 2 سبتمبر 1958 م) للمُلا مصطفى البرزانى، الذى كان قد التجأ إلى الاتحاد السوفيتى حتى ذلك التاريخ, بالعودة إلى العراق. ولقد قام باستقباله هنالك بالحفاوة يوم السابع من أكتوبر 1958 م بينما عاد رفاقه فى المنفى فى أبريل 1959 م. وخصص قاسم له حرسًا خاصًا وبيتًا خاصًا فى بغداد ولبعض الوقت، جعله مستشاره الخصوصى. ولقد آن للحزب الكردى الديمقراطى، الذى كان يعد نفسه سرًا لليوم العظيم، وقام بإصدار جريدته الأسبوعية "إكزيبات" (النضال)، آن له أن يظهر. ولم تعد المجلات الأدبية والعلمية الكردية والجرائد الناجحة، من ذلك الوقت فصاعدًا قاصرة على الآداب فحسب بل صار لها اتجاها سياسيا. لكن حالة النشاط هذه لم تستمر طويلًا، وتفجر ثانية صراع الأكراد واستمر لعشر سنوات، تخللتها الاعتقالات والمزيد من أعمال القمع الرهيبة. ومن الممكن يتميز أربع فترات هاهنا: ويحتاج حل المشاكل فى الخارج والداخل "للقائد المخلص" ولقد إنتهت سياسة "قاسم" المتأرجحة بإنقلاب الجميع ضده. والأكراد أنفسهم، وقد ضاقوا ذرعًا بالوفاء بوعوده التى وعدها لهم، وانتهوا برفع السلاح ضد

الحكم الدكتاتورى. وطبيعى، أن يترأس الملا مصطفى البرزانى الحركة (9 سبتمبر 1961 م). ولم تكن هذه الانتفاضة باى حال انتفاضة قبلية، ولكنها كانت بحق ثورة كل أكراد العراق، فلاحين وسكان المدن، علماء وإقطاعيين، الذين كونوا كتلة ضد قاسم. ولقد كان الرد الانتقامى مخيفا وبمجرد أن أحست حكومة حزب البعث بقوتها، قامت بسجن المندوبين الأكراد، وأصدرت إنذارًا (10 يونيو 1963 م) وفى فترة التوقف، تقلد حزب البعث السلطة فى دمشق، وقدم السوريون المساعدة لأصدقائهم العراقيين بإرسال طائرات لهم ولواء اليرموك. فطرد عبد السلام عارف حزب البعث وجمع كل السلطات فى يديه (18 نوفمبر 1936 م). وتوقفت الأعمال الحربية. ورغبة فى إنهاء المشكلة الكردية، تفاوض المشير عارف فى وقف القتال (10 فبراير 1964 م) الذى تقبله الملا مصطفى البرزانى دون استشارة المكتب السياسى للحركة الكردية. لكن خلافا وقع ما بين البرزانى والمكتب السياسى، الذى اتهمه بخيانة مبادئ الثورة. ووقعت معارك دموية عند (موات)، يوم 17 يوليو بين الجماعات المتخاصمة. وفى المؤتمر السادس للحزب، أبعد 14 عضوا من 17 عضوا من المكتب السياسى من الحزب، ومن بينهم إبراهيم أحمد وجلال الطالبانى، اللذان التجآ إلى إيران. وسرعان ما تبدد التباس الوضع بين الأكراد والعراقيين. ففى 10 مايو 1964 م، أعلنت الحكومة العراقية دستورًا مؤقتا جديدًا بدون ذكر لحقوق الأكراد وخصوصًا تلك التى وردت فى المادة الثالثة لدستور 1958 م. ولم يوافق ذلك الأكراد، الذين لم يجردوا قواتهم من أسلحتها. ولقد بدأ شن الهجوم فى الربيع 4 مارس 1965 م بواسطة كل الجيش العراقى فى الغالب (المشاة، والمدرعات والطيران) بقيادة اللواء عبد الرحمن عارف، أخو رئيس الجمهورية. وبدأ بإحراز بعض الانتصارات المحلية (مارس - مايو)، ولكن فى الصيف (يونيو - سبتمبر) وقعت بعض معارك دموية فى سلسلة جبال سافين. ولقد

استعاد العراقيون مدينة بنجويين الصغيرة بعد تدميرها. وقد قام عارف بزيارة البرزانى فى (28 أكتوبر) محاولًا الوصول معه على اتفاق. وثانية، تعطلت الأمور لوقت طويل. لكن حرب يونيو 1967 م كان لها تأثيرها على عدة بلاد عربية، كما كان لها تأثيرها على العراق، حيث وقع انقلاب جديد (17 يوليو 1967 م) جاء باللواء أحمد حسن البكر رئيسًا للجمهورية، أعقبه انقلاب آخر (30 يوليو 1968 م) جمع فيه البكر لكل السلطات وأعاد دكتاتورية حكم البعث، خلال ذلك الوقت قام الأكراد بافتتاح 300 مدرسة سنة 1968 م، وقامت الحكومة بافتتاح جامعة السليمانية (التدريس فيها بالعربية). وقد فتح حزب البعث باب التفاوض مع البرزانى والمكتب التنفيذى. وذهب وفد كردى، برئاسة الدكتور محمود عثمان إلى بغداد وفى 11 مارس، وقع اتفاق من 15 بندا فى نوبردان بكردستان، بين الجانبين، وضع نهاية لحرب التسع سنوات. وحصل الأكراد بمقتضى هذا الاتفاق على حكم ذاتى وعلى نيابة رئاسة الجمهورية. وأصبحت اللغة الكردية هى اللغة الرسمية الثانية فى العراق. ولقد اختير خمسة من الأكراد وزراء، وأعلن العفو العام لكلا الطرفين. وأعقبت الحدث احتفالات كبيرة وبرغم ذلك فإن معظم المشاكل لم تحل، فجرت محاولة لاغتيال المُلا مصطفى البرزانى (29 سبتمبر 1971 م)، ووقعت اضطرابات فى سنجار (صيف 1972 م)، ونزاعات حول اختصاص مقاطعات كركوك بعد تأميم شركة البترول العالمية (أول يونيو 1972 م). وفى يونيو 1973 م، صدر عن الأمم المتحدة وإفريقيا السوداء نداء لصالح كردستان العراق بتطبيق اتفاق 11 مارس 1970 م لصالح الأكراد. ولقد احتفظ أكراد سوريا ولبنان، بصرف النظر عن وجود بعض العائلات الكبيرة بينهم وتبعيتهم العربية الكلية،

المجتمع الكردى

مثل عائلة جنبلاط الدرزية، بسمتهم الأصلية، برغم أن منهم من استقر هناك لعدة قرون قبل قيام الانتداب الفرنسى. المجتمع الكردى بنيت الحياة الاجتماعية والاقتصادية لكردستان على أساس قوى ومتين. وإذا كان لا يزال جزء صغير من الشعب الكردى يحيى حياة بدوية، إلا أن غالبيته الآن تستقر فى قرى عديدة ولكن المجتمع الكردى "ظل فى الريف"، كما أنه اليوم فى أساسه مجتمع قبلى"، لكن فى القرى الخاضعة لنظام مجموعة من المجموعات تخضع لنظام الحكومة الإدارى، ولقيادة ملاك الأرض ورجال الدين. وذلك قد أدى إلى عديد من التغييرات البنيوية الأساسية التى ظهرت بوضوح فى المجتمع الكردى؛ فى العائلة والقبيلة وملكية الأرض. التنظيم القبلى القبيلة هى العنصر الأساسى للمجتمع الكردى دون منازع. ونحن لدينا اليوم تسمية لكل القبائل الكردية. ولقد قام ليرش Lerch فى سنة 1826 م بعمل ملخص لأكراد تركيا وأكراد المقاطعات الروسية وأكراد إيران. ولقد قام جابا jaba (1860 م) بتعداد عدد منهم. ولقد نشرت خريطة لتوزيع الأكراد فيما وراء القوقاز فى تفليس سنوات 1896, 1897 م. وفى سنة 1908 م أحصى سيرمارك سايكس Sykes 305 أسماء لقبائل أكراد الدولة العثمانية وأضاف إليها ريفر Driver قبائل جنوب كردستان الكردية (العراق) وأولئك الذين ظلوا خارج كردستان حتى بعد الحرب العالمية الأولى. لكن الأحداث السياسية المختلفة التى وقعت حتى ذلك التاريخ أدت إلى تغيرات كثيرة فى توزيع ووضع القبائل الكردية. وفى الطبعة الكردية لكتاب م. أ. زكى "تاريخ كردستان" أورد جدولًا كاملًا لكل القبائل الكردية. وفى سنة 1930, 1939 م تم إحصاء كامل لقبائل سوريا الكردية. وقد تحالف الأكراد فى بعض الأحيان مع أهل السنة، وتحالفوا فى

بعض أحيان الأخرى مع الخوارج الخارجين على الدولة. وانتهى الأمر بالأكراد بحشد قواهم جملة للدين الجديد. ولما صاروا مسلمين متمسكين بالسنة اتبع الأكراد فى الغالب المذهب الشافعى، كما أفاد كتاب شرفنامه بذلك كذلك المؤرخ أوليا شلبى. وعبر التاريخ أظهر رؤساء المجتمع الكردى غيرة دينية رفيعة دون فرض التدخل فى شئون الآخرين، بداية بصلاح الدين (1137 - 1193 م). ولقد خلدوا ذكراهم ببناء المساجد والمدارس، والمستشفيات والأسبلة. ولقد ضم جامع الأزهر الشهير بالقاهرة عددًا كبيرًا من الأكراد كمدرسين لأصول الدين. وتضم مقبرة أيوب فى إستانبول ومقبرة سكوتارى بين جنباتها قبورا عديدة لأكراد تولوا فى الفترة العثمانية وظيفة شيخ الإسلام. ومن القرن السادس الهجرى/ الثانى عشر الميلادى فصاعدًا دخلت الصوفية كردستان وازدهرت. واليوم فإن الطريقة القادرية هى أقوى وأهم الطرق الصوفية بين الأكراد ويتبع أفرادها الشيخ عبد القادر الجيلانى (1078 هـ - 1166 م)، الذى توفى فى بغداد وكان هو نفسه كرديًا، كذلك الطريقة النقشبندية، التى تنتمى إلى الشيخ بهاء الدين البخارى (1317 - 1389 م)، وهى طريقة واسعة الانتشار فى العالم الإسلامى وبخاصة فى الهند ويمتد تأثيرها حتى الصين. ولقد عرف أكراد العراق هذه الطريقة مع نهاية القرن التاسع عشر على يد مولانا خالد بعد رحلة قام بها إلى دهلى. ومولانا خالد كردى من قبيلة الجعف، ولد فى كاراداغ سنة 1779 م وتوفى فى دمشق سنة 1826 م. وقد واجه معارضة قوية من جانب شيوخ القادرية، لكنها انتهت باستئصال بعضٍ منهم. ويطلق على أتباع الطريقة القادرية فى جنوب كردستان الدراويش بينما يطلق على النقشبنديين لقب الصوفيين. وتعقد اجتماعات إخوة الطريقة فى محل شيخ الطريقة فى الخانقاه أو التكية. وتظهر يد الشيوخ وخبراهم خاصة النقشبنديين فى كثير من الثورات فى

اللغة

تركيا وفى العراق مع ردود فعل الحكومة الدموية التى تتبعها، وعلى سبيل المثال حركة الشيخ عبيد اللَّه النهرى (1880 م) وحركة الشيخ سعيد البيرانى (1925 م)، التى أدت إلى إغلاق كل التكايا فى تركيا كذلك عصيان الشيخ محمود البارز نجاوى المسلح (1919 و 1922 م). لكن، برغم تطرف هذه الطرق الصوفية وكل مشاركاتها السياسية، فإنها تعتبر على الدوام كأجزاء متممة للحكومة والعقيدة الإسلامية. ولم يكن ذلك نفس الحال بالنسبة لبعض أصحاب الفرق الذين تطرفوا فى نظرياتهم إلى الحد الأقصى. وتركوا سُنة الإسلام مثل اليزيديين، المنبثقة من العدوية نسبة للشيخ عدى ابن مسافر (1073 هـ - 1162 م)، وانحرفت روحانيتهم واعتقادهم تماما عنها إلى الحد الذى نسوا فيه أصولهم. كذلك تتواجد بين الأكراد بعض الجماعات الصغيرة، فى العراق، مثل جماعة (السارليين)، وحول الموصل جماعة (الشباكيين)، وجماعة البكتاشيين، الذين كانوا فيما مضى جماعة لها قوتها فى تركيا. اللغة تنقسم اللغة الكردية إلى ثلاث لهجات رئيسية، وتأتى الفروق بين هذه اللهجات نتيجة بعد الأماكن التى يسكنونها عن بعضها وتأثر هذه الأماكن بلغات المناطق التابعين لها. والمجموعة الشمالية من هذه اللهجات يتحدثون بها فى جمهورية تركيا وأرمينيا وآذربيجان والاتحاد السوفيتى ولواء الموصل فى العراق، والمستعمرات الكردية فى خراسان وتركمان الاتحاد السوفيتى وتعرف هذه المجموعة باسم الكرُمانجى (الكرِمانجى) ويعرف المتكلمون بها باسم الكُرمانجيين. والمجموعة الوسطى من هذه اللهجات يتحدثون بها فى أربيل والسليمانية وكركوك فى لواء العراق والمناطق المجاورة لكردستان فارس وهى مهاباد وسنانداج (سنا) وهذه اللهجات تعرف جميعها باسم (السورانى) ومن اسم مؤسسها الأول (سوران). ولقد اكتسبت لهجات السليمانية وسنانداج على وجه الخصوص، تفوقها كلغات

الفولكلور والأدب

أدبية. أما اللهجات الكردية المتبقية، المجموعة المتغايرة العناصر والتى يتكلم بها فى المناطق جنوب وشرق السورانى، وأهمها الكرمانشاهى، فيمكن أن تشكل فى اتحادها المجموعة الجنوبية. وهنالك ما بين المجموعات الوسطى الكردية والمجموعات الجنوبية جزيرة من الكلام غير الكردى، مع خليط من اللهجات على شطآنها كونتها المساحة التى يحتلها الجوران. وهنالك لهجات كردية أخرى تتحدث بها مستعمرات الأكراد المعزولة والمبعثرة داخل إيران. الفولكلور والأدب (أ) الأدب الشعبى: الأدب الشفاهى عند الأكراد أدب غزير، شأنهم فى ذلك شأن الشعوب قليلة الرقى الثقافى. ولقد جمع المستشرقون الأجانب كمًا كبيرًا من الوثائق وقاموا بنشرها عن هذا الفولكلور، ويتمثل غنى هذا الفولكلور، أولًا، فى الأمثال والأقوال الشعبية الألغاز أو الأحجيات ويحب الكردى أن يزين محادثته بجمل مسجوعة وموزونة كما يظهر وعيه الحقيقى وقوة ملاحظته. والأمثال أيضا تزودنا بملخص لاذع لحكمة عملية. ولقد نشر الآلاف من هذه الأمثال. وتتنوع الأغانى فى عددها وأشكالها: فهنالك أغانى الرقص (ديلوك) وأغانى الحب (لاوك)، أو الحرب (سر أو دلال)، كذلك أغانى الحداد (سن أو كويل) ولقد ازدادت القصص والحكايات (النوادر) وامتلأت بالخيال. وتستطيع قصص المعجزات والعجائب أن تجعل المرء ينسى مشاكل الحياة؛ وتمتلئ الحكايات والنوادر بالفكاهة؛ ولا تتردد الحكايات التقريعية عن انتقاد أخطاء الأفراد، والقبائل المتنافسة، ورجال الدين، بروح أساطير العصور الوسطى، وفوق كل ذلك، فإن الأكراد مغرمون بقصص الحيوان التى دائما ما تحتوى على فضيلة أخلاقية. (ب) الأدب الراقى المدون إلى جانب عدد الأميين الكبير يوجد بين الأكراد أيضًا صفوة مثقفة للغاية ولقد ذكر المؤرخ ابن الأثير الكردى

(ت 630 هـ/ 1233 م) هذه الحقيقة فى السابق فى كتابه الكامل وترددت مرات كثيرة فى الشرفنامه وأيضًا ذكرها بعض الشهود من أمثال حاجى خليفة (1658 م)، أو الرحالة أوليا شلبى فى كتاب رحلته (1682 م). ولسوء الحظ فإن هؤلاء الكتاب المثقفين قد كتبوا كتبهم بالعربية لغة العلم فى ذلك الوقت، ولغة القرآن، وإذا كانت هذه الكتابة تتصل بموضوعات التشريع والدين أو التاريخ, كما فعل ابن خلكان صاحب كتاب الوفيات الشهير، أو أبو الفدا المؤرخ الجغرافى، أو بالفارسية كما فعل شريف خان البدليسى فى كتابه تاريخ الأكراد أو شرفنامه (1055 هـ/ 1596 - 97 م)، كما فعل إدريس حاكم بتليس (ت 926 هـ/ 1520 م) الذى كتب أول تاريخ للإمبراطورية العثمانية (هاشت بيهشت) "الجنان الثمانية". ولقد كان الشاعر الكبير فضولى (ت 963 هـ/ 1556 م) شاعر اللغة التركية كرديًا. وهنالك حتى اليوم الكثير من الشعراء الأكراد الذين كتبوا شعرهم بالعربية مثل أمير الشعراء أحمد شوقى (1868, ت 1932 م)، والرصافى (1875, ت 1945 م)، وعالم الاجتماع قاسم أمين (1865, ت 1908 م)، والروائى عباس العقاد (1889, ت 1964 م)، ومحمود تيمور (1892, ت 1921 م) وأخوه محمد، جميعهم من أصل كردى. وهنالك عدد من المؤرخين الأكراد الذين كتبوا بالفارسية مثل: محمد مردوخ الكردستانى، ورشيد ياسيمى وإحسان نورى. أو الذين كتبوا بالتركية أمثال: محمد الدرسيملى وأحمد يمولكى. وإذا كان هؤلاء الكتاب القدامى الكبار قد كتبوا بالعربية والفارسية والتركية عن لغتهم الأم الكردية فإن الكتَّاب الشباب اليوم يكتبون باللغات الأوربية. الانجليزية والفرنسية والألمانية وحتى بالروسية، وخاصة فى أرمينيا، حيث أضافوا إلى هذه اللغات كتاباتهم بالأرمينية. حقيقة فإن الأكراد كانوا فى كل الأوقات يتكلمون لغات عدة، ولقد ظهرت موهبة الموهوبين منهم فى الشعر والتاريخ وفى العلوم الطبيعية والإنسانية والصحافة. د. عطية القوصى [ث. بويس Th. Boith ف. مينورسكى V. Minoresky]

الكرك

الكرك حصن واقع شرقى البحر الميت فى منطقة مؤاب القديمة، على ارتفاع يبلغ قرابة ثلاثة آلاف قدم فوق سطح البحر، والاسم مأخوذ من كلمة "كرخا" الآرامية وتعنى مدينة التى وردت أيضا فى كتابات بطلميوس. ولما كان الحصن واقعا على بروز شديد الانحدار مفصول عن الجبل بخندق ضيق عميق عملت فيه يد الإنسان فزادته عمقا وازداد الحصن مناعة. ومن الأمور الملحوظة أننا لا نسمع عنه شيئا فيما ورد من أخبار الفتوح الإسلامية للباود الواقعة شرقى نهر الأردن ولا فى القرون التالية لها، ولكننا سمعنا به لأول مرة زمن الصليبيين سنة 1142 م حين قام بايين ساقى الملك فولك فحصنه، وأخذ الحصن منذ ذلك الوقت يلعب دورًا بالغ الأهمية فى الأحداث. ولما كانت معلومات فرنجة ذلك الوقت شديدة الضحالة فقد التمسوا أن يجدوا مكان البتراء القديمة هناك وأطلقوا عليه اسم Peha Deserta, وكان هذا الحصن المنيع مصدر متاعب للمسلمين بسبب إشرافه على طريق الحجاج من دمشق وعلى طريق القوافل بين مصر والشام، كما شكل تهديدا خطيرا للبلاد الإسلامية فى أثناء الفترة الممتدة من 1176 م حتى 1187 م حين كان فى يد "رينو دى شاتيون (المعروف فى المراجع العربية باسم ارناط) الذى جهز فى هذا الوقت حملة كان يقصد بها الإغارة جنوبا حيث شبه الجزيرة العربية، وعلى الرغم من فشل هذه الحملة إلا أنها أحدثت قلقا عظيمًا للمسلمين الذين عدوها هجومًا على الأماكن المقدسة فى الحجاز، على حين أنها لم تكن أكثر من عمل له دوافعه الاقتصادية. على أنه بدءًا من سنة 565 هـ (= 1170 م) أخذ الحصن يعانى من حصار نور الدين محمود بن عماد الدين زنكى وصلاح الدين الأيوبى (اللذان كانا يرميان إلى إعادة النفوذ الإسلامى فى منطقة الكرك) لكن لم يقدر النجاح لهذه المحاولة إلا بعد فرض المجاعة وحينذاك استسلمت الحامية وذلك سنة 584 هـ (888 م) للملك

المصادر

العادل أخى صلاح الدين، كما أنه آل للملك العادل مرة أخرى حيث أصبح فى دائرة أملاكه عقب وفاة صلاح الدين، ثم انتقل إلى أيداى كثير من أعضاء البيت الأيوبى، حتى أنه بهذا الاختفاء التدريجى للإمارات الأيوبية المختلفة ظل فى حوزة الأمير مغيث الدين عمر بعد استقراره بالكرك حتى أمسكه بيبرس وقتله غدرًا وذلك سنة 661 هـ (= 1262 م). ولقد وجد السلطان المملوكى الناصر الحماية لنفسه خلف أسوار الحصن المنيعة حين فر إليه سنة 708 هـ (= 1309 م) من القاهرة ليدعم سلطانه فقد كان الكرك حينذاك أحد الأماكن الآمنة فى الممالك التى انقسمت إليها الشام وفلسطين. ونستشف من الأوصاف التى وصفه بها المؤرخون العرب مدى ما كان عليه هذا الحصن من قوة ومناعة فى ذلك الوقت وكان بعض سكانه المحليين لا يزالون على النصرانية. على أن قلعة الكرك فقدت أهميتها أيام الحكم العثمانى فقد احتلها إبراهيم باشا سنة 1840 م وأمر بهدم بعض تحصيناتها ثم عاود العثمانيون احتلالها مرة ثانية وزادوا فيها عام 1893 م ثلاثة مبان مختلفة. ولما كان الكرك مركز إقليم إدارى فقد بلغ تعداد سكانه عام 1973 م ما يقرب من عشرة آلاف نسمة، وأصبح من الصعب فى بعض الأوقات أن نفرق (فى كل من البلد والقلعة المجاورة) بين الآثار الصليبية والعمائر التى شيدت جميعها على أطلال المبانى الملحقة، ومع ذلك فمن المؤكد أن البرج الكبير والسور الخارجى المحيط بالفناء الأسفل إنما هما أثران إسلاميان يرجعان إلى زمن السلطان الظاهر بيبرس. المصادر: (1) ياقوت الحموى: معجم البلدان تحقيق F. Wustenfeld، لينبرج، 1866 - 1873 م. (2) الكامل تحقيق C. J. Tornberg ليدن 1851 - 1876 م. (3) مفرج الكروب لابن واصل. (4) رحلة ابن بطوطة، باريس 1853 - 1858 م. د. حسن حبشى [د. سورديل D. Sourdel]

كرك نوح

كرك نوح كرك نوح قرية من قرى إقليم البقاع اللبنانى، وتقع عند سفح جبل لبنان على مقربة من رحلة على الطريق المؤدى إلى بعلبك ويسميها كتّاب العصر الأموى بالكرك فقط، ثم عاد المؤرخون فى العصر المملوكى فأطلقوا عليها اسم "كرك نوح"، والواقع أنها تعتبر الموضع الذى به قبر نوح الذى لا يزال ظاهرًا والذى ذكره المقدسى جغرافى القرن الرابع الهجرى (العاشر الميلادى) ويتميز المبنى الذى يعتبر أنه يحتوى على الشاهد الحجرى التذكارى لنوح بطوله طولا ليس بالمألوف، ويتصل بمصلى له ثلاثة مداخل، كما توجد على الجدران والأعمدة نقوش مملوكية عدة ترجع إلى نهاية القرن الثامن الهجرى (الرابع عشر الميلادى) وهذه النقوش تشير إلى عمارة أجريت على القبر كما أن عليها مراسيم بإسقاط الضرائب، ويمكن تفسير وجود هذه النقوش الأخيرة بأن "كرك نوح" كان فى العصر المملوكى قاعدة إقليم. المصادر: (1) (D. Sourdel: Inscriotions arabes de kavaknuh (in BED د. حسن حبشى [د. سورديل D. Sourdel] كرمان كرمان اسم قديم يطلق على موضعين أحدهما ولاية "كرمان" الفارسية وثانيهما يطلق على عاصمتها، وقد ورد ذكرها عند "سترابو" باسم "كرمانيا" وذكرها "بطلميوس" فى جغرافيته فسماها "كرمان" وتبعه فى هذه التسمية الكثيرون ممن جاءوا بعده. وتقع الولاية جنوب غربى صحراء "فارس" الوسطى، ويحدها من الشمال إقليم "يَزد" و"خراسان" ومن الشرق "سيستان" و"مكران" (وهى المعروفة باسم "بلوشستان") التى يقدر "حميد اللَّه مستوفى" أنها كانت تدفع الخراج "لكرمان"، ويشير "ابن رُميّته" إلى أن إقليم "فهرج" كان من بين الأقاليم التى تدفع الضرائب "لكرمان"، ونطالع عند "الإصطخرى" أن كلا من "خواش" و"ريجان" كانت تابعة "لكرمان"، أما

"الإدريسى" فيدرج "خواش" فى "سيستان" ونستدل مما هو وارد فى عقد العلا" "لأفضل الدين أبى حامد الكرمانى" أن كلا من "يَزْد" و"طبْس" كانت تابعة "لكرمان" زمن ملكها السجلوقى "أرسلان شاه" (494 - 536 هـ = 1100 - 1141 م) ويقرر "ابن بلخى" أن "رودان" ضمت إلى "كرمان" زمن "ألب أرسلان"، أما "هرمز" فكانت حينا تابعة "لفارس", وحينا تابعة "لكرمان". وتمتد سلسلة من الجبال عبر الولاية التى يغلب عليها التصحر وإن كانت بها عدة نواح عالية الارتفاع ولكنها خصبة وفيها المراعى والأودية التى تكثر بها بساتين الكروم، ويشقها العديد من القنوات المائية، وبها أماكن مثل "سعد أباد" التى ترتفع 5600 قدم عن سطح البحر، و"بارْز" على ارتفاع سبعة آلاف قدم كما توجد بها مناطق جبلية جرداء عديمة المياه، وإن كانت المنطقة الصحراوية تقع فى الشمال وفى الشمال الشرقى على حدود "دشى لوط"، كما توجد المستنقعات والأراضى السبخة الملحية فى النواصى المنخفضة المنعزلة، ويلاحظ أن بعض مدن الولاية تفصل الواحدة منها عن الأخرى أراض جرداء عريضة حسب ما يذكر "الاصطَّخرى" و"ابن حوقل"، أما سلاسل الجبال فتمتد واحدة منها من قرب "يزد" إلى "خبيص" (التى عرفت حديثا باسم "شهداد") وتمتد أخرى من الجنوب الشرقى إلى نسرفستان أما الإقليم الذى يسميه الجغرافيون العرب "بجبال قُفص" فيقع شرقى إقليم "شاكرد" ويشرف على تخوم "مكران" و"رودْبار". ويذكر "ابن رستة" أن "كرمان" فى أيامه كانت مقسمة إلى خمس كور هى "بردسير" و"سيرجان" و"نرماشير" و"جيرفت" و"هومز"، ويتفق "المقدسى" مع "ابن رستة" فى عدد الكور ولكنه يسقط منها "هرمز" ويثبت مكانها "بام" ثم تغير هذا التقسيم بمجئ القرن الثامن الهجرى، وقد حدثت تغيرات كثيرة بتغير القرون، حتى إذا كان عهد "رضا شاه" أصبحت الولاية مقسمة إلى ستة أقسام يسمى كل قسم منها "بشهر ستان".

السكان

السكان: يرجع معظم السكان إلى أصل إيرانى وقد لاحظ "سترابو" أن عادات الأهالى فى كرمان ولغتهم كانت تشبه إلى حد بعيد عادات ولغات الميديين والفرس، ويصف الإدريسى سكان كرمان بسماحة النفس وحسن الطبع وأن تجارهم يمتازون باللطف فى المعاملة والصدق ولين العريكة أكثر من غيرهم، ولما شرع ستاك stack فى الكتابة بعده بعدة قرون استرعى انتباهه هدوء الناس وتمسكهم بالنظام وإن كان "بار فروشى" يندّد بالكرمانيين ويتهمهم بإثارة الفتن. وكان يسكن كرمان حسب ما يذكره, جغرافيو القرنين الثالث والرابع للهجرة (التاسع والعاشر الميلاديين) - قبائل عدة منهم الكوشيون والبلوشستانيون وغيرهم، وحين يتكلم المسعودى عن "كُرد" الولاية فى الأرجح أنه يقصد البدو سكان الخيام أكثر مما يقصد الكرد المعروفين. ويقول مسكويه إن أهل قفص وبلوص و"منوجان" انضموا إلى سلمان بن محمد بن إلياس حين حاول الاستيلاء على كرمان وانتزاعها من أيدى البويهيين ولكن قوة بويهية أنزلت به وبمن معه الهزيمة سنة 630 هـ وكبدتهم خسائر فادحة ومع ذلك فلم يركن البلوصيون للهدوء طويلًا، بل ولّوا عليهم على بن محمد البارزى وراحوا يعيثون فسادًا فهب لتأديبهم عضد الدولة فارتدوا إلى جبال "بارز" ولكنهم هزموا مرة ثانية سنة 361 هـ. ويذكر مسكويه أن عضد الدولة نفى (من الجبال) من لم يكونوا فى عداد القتلى وأنزل مكانهم الفلاحين على أن يتقاسموا هم غلّة الأرض أو كما يقول مسكويه "يقاسمون المزارعين والمستورين من أجناد الرعية" ويلاحظ أنه لا يوجد ذكر لكتيبة من القفصيين فى جيش عضد الدولة سنة 366 هـ. على أن عمليات عضد الدولة لم تؤد إلى انهيار تام لقوة القفصيين والبلوصيين، إذ نراهم فى مستهل العصر السلجوقى يسيطرون على المنطقة من جيرفت إلى خليج عُمان رغم أنهم يسكنون فى الواقع فى جبال بارز، ولا توجد ثمت إشارة إلى القفصيين فى العصور الوسطى المتأخرة وإن تكررت الإشارة إلى البلوشيين الذين استقروا فى مكران

الفتح العربى

منذ القرن الخامس الهجرى ولقد ألقت الحكومة القبض على كبيرهم فتح على خان وصادرت كثيرًا، من أملاكه فى "أسفندقة" و"جيرفت" وتزعم إحدى الروايات أن قبائل المهينى، جاءت أصلًا من خراسان إلى اسفندقة زمن الصفويين. ويذكر الإصطخرى أن أهل جبال البارزى كانوا أشرَّ من لصوص القفصيين وأنهم لم يدخلوا فى الإسلام حتى زمن العباسيين، وأنهم استمروا رغم إسلامهم سادرين فى شرورهم، وقد تغلب على جموحهم يعقوب بن ليث وعمرو بن ليث وكانت لهم كما يقول الإصطخرى لهجة خاصة بهم. وعلى الرغم مما يقرره نولدكه من أن هناك هجرات عربية إلى كرمان قبل الفتح الإسلامى إلا أنه لا يوجد من العرب كثيرون قد استقروا خلال الأيام الأولى للفتوحات الإسلامية ذلك لأن الجيوش العربية استمرت فى زحفها من كرمان إلى سيستان وخراسان أما من استقر من العرب وهم قلة فقد اندمجوا فى أهل البلاد، ويقول ياقوت إن هناك وجودًا لجماعات فى جيرفت يرجعون إلى الأزديين وبنى المهلب. الفتح العربى: لقد بدأ فتح العرب لكرمان حوالى سنة 17 هـ على يد "الربيع بن زياد" الذى أرسله أبو موسى الأشعرى والى البصرة حينذاك فغزا سرجان وعقد معاهدة مع سكان "بام" ثم قامت حملة عربية ثانية بقيادة عثمان بن أبى العاص الثقفى والى البحرين الذى قتل "مرزبان" كرمان لكن ذلك كله لم يؤد إلى فتح كرمان تمامًا، وحدث فى سنة 29 هـ (= 649 م) أن يزدجِرْد آخر ملوك بنى ساسان فرَّ من أصفهان إلى كرمان ثم إلى خراسان فطارده معظم الجيش العربى بقيادة "مجاشع بن مسعود السلمى"، لكن هلك هذا الجيش عن آخره فى الثلوج وكان مجاشع هذا قد استولى على كثير من المدن الكبرى حتى جبال قُفص، ثم كانت أحداث بين الجانبين الفارسى والعربى لا تُعرف على حقيقتها (انظر البلدان لليعقوبى) ولقد أصبحت كرمان زمن الأمويين مسرحا لعمليات الخوارج الحربية فقد فر الأزارقة إليها سنة 68 هـ، ثم تجمعوا بعد خمس سنوات من ذلك

التاريخ تحت قيادة قطرىّ بن الفجاءة واستولوا على فارس وكرمان وانضم إليهم جمع من الأهالى، وامتد خطرهم إلى العراق فهب المهلب بن أبى صفرة لقتالهم وهزمهم وقضى على جموعهم، ومع ذلك فقد ظلت كرمان بؤرة ساخنة تعج بالمتمردين وملجأ يحمى الثوار، فقد فرَّ إليها ابن الأشعث سنة 82 أو 83 هـ، ولما فشلت ثورة يزيد بن المهلب أحكم الأمويون قبضتهم على كرمان عن طريق والى خراسان الذى كان يحكم البلد عن طريق نائب له بها، حتى إذا كانت سنة 130 هـ وقام "محارب ابن موسى"، بعد إخراجه ولاة بنى أمية من كرمان وهاجمها لكن لم يُقَدر له النجاح فى الاستيلاء عليها، وفى سنة 131 هـ خرج جيش أموى من كرمان لمعارضة بعض العباسيين ولكنه هزم قرب أصفهان. وكان العباسيون الأوائل يعينون ولاة كرمان التى ظلت معظم الوقت تحت رقابة خراسان، وسَكّ العباسيون فى كرمان عملة تحمل اسمهم سنة 167 هـ، ولما كان زمن الرشيد احتل حمزة بن عبد اللَّه هرات ووصل نفوذه إلى فارس وكرمان التى كان لا يزال بها عدد غير قليل من الخوارج الذين يبدو أنهم نفضوا عنهم غبار الهزائم التى أصابتهم أواخر عصر بنى أمية. أما من الناحية المالية فقد بلغ خراج كرمان وعُمَان 2.600.000 دينار وكان ولاة كرمان (منذ عهد المعتصم) من الترك حتى إذا كانت خلافة المهتدى ثار محمد بن واصل التميمى سنة 250 هـ واستولى على فارس وكرمان، فبعث المعتمد -حين استخلف- ضد التميمى والتقى الجيشان قرب الأهواز وانتصر الخارجى، كما زحف فى الوقت ذاته يعقوب بن ليث على كرمان واستولى عليها ثم زحف على فارس واستولى عليها هى الأخرى سنة 253 هـ وولى أمور كرمان أخوه عَمْرو الذى لم يكد يُهْزم أمام الموفق فى فارس سنة 274 هـ حتى ارتد إلى سيستان غير أن الصلح تم بينه سنة 280 هـ وبين المعتضد الذى استعمله ثانية على كرمان وفارس وسيستان، ثم خلفه حفيده طاهر الذى ظل فى ولايتها حتى انتزعها منه "السُّبْكرى" الذى هزمه جيش عباسىٌ سنة 298 هـ، ومع كل هذه الاضطرابات نجد أن أبا جعفر أحمد ابن محمد بن خلف بن ليث الصفارى

يجمع الخراج من كرمان لكن على يد عسكر أرسلهم إليها لهذا الغرض كانت الدولة السامانية تعانى فى هذا الوقت متاعب الفتنة فقد قام واحد من أمراء نصر بن أحمد واسمه "أبو على بن محمد الياس" واستولى على نيسابور فلما استردها منه نصر سنة 320 هـ مضى "محمد بن إلياس" إلى كرمان واستولى عليها وتولى حكومتها غير أنه لم تكد تمضى سنتان حتى أخرجه منها "ماكان بن كاكى"، واستولى عليها باسم السامانيين، ثم ترك "ماكان" الولاية سنة 323 هـ ليحارب فى "جُرْجان" واضطربت الأحوال فى مدى عام واحد اضطرابا شديدًا هناك وكان جذب وشد من بين أطراف شتى متنازعة متقاتلة انتهت بعودة محمد بن إلياس إلى كرمان واعترافه فى خطبة الجمعة بالسامانيين الذين بعثوا إليه برايتهم وبخلعة الولاية، وأيد ذلك الخليفة "المطيع"، على أن المنازعات شبت بين محمد بن إلياس وبين أولاده واضطر أخيرًا للتخلى عما بيده "لليسع"، وعاد عضد الدولة فاستولى على عمان وهاجم كرمان وسقطت "بردسير" وهرب اليسع إلى خراسان وأنعم الخليفة بولاية كرمان على عضد الدولة الذى ولاها من قبله لولده أبى الفوارس الذى عرف فيما بعد بشرف الدولة، وعاد عضد الدولة إلى شيراز، وجدّت أحداث ومنازعات بين أولاد ابن إلياس الذين كان عهدهم عهد اضطرابات وقلاقل وكان من نتائجها قَطْع الجباية والخراج عن الحكومة وبعد موت عضد الدولة سنة 372 هـ أخذ أبناؤه يتقاتلون فيما بينهم واضطربت الأمور وتمكن السلاجقة بعد نصف قرن من الزمان من هزيمة مسعود فى وقعة "دندا نقان"، كما أرسل طغرل بك جيشًا لغزو كرمان ولكن رده على أعقابه "أبو كاليجار" سنة 434 هـ ولقد اشتهر سلاجقة كرمان بالعدل والاهتمام بالرعية، كما عنى بعضهم بتأمين الطرق وسلامة المسافرين وإقامة صهاريج المياه، ويعد كل من "توران شاه بن قاوورد" وأرسلان شاه بن كرمان شاه وزوجته "زيتون خان" ومحمد بن أرسلان شاه من أعظم من اهتموا بالعمارة فقد أسس محمد بن أرسلان شاه مكتبة بجامع

توران شاه كان بها خمسة آلاف كتاب فى شتى فنون المعرفة، كما كان بعض الحكام السلاجقة رعاة للعلوم الدينية حتى أن العلماء كانوا يأتون من شتى الأرجاء إلى كرمان فى عهد ارسلان شاه بن كرمان، وأجرى ولده محمد النفقة على الفقهاء حتى أن أرباب الحرف كانوا يرسلون أبناءهم إلى كرمان لدراسة الفقه، ولم يقصر بعض كبار رجال السلاجقة. فى تشجيع العلوم الدينية، فأنشأ الأتابك مؤيد الدين ريحان كثيرًا من المؤسسات لهذا الغرض وأوقف الأوقاف للصرف منها عليها، غير أنه يلاحظ أن سلاجقة كرمان كانوا يؤثرون الحياة إلى جانب قطعانهم الحيوانية خارج المدينة فيقضون سبعة أشهر من السنة معها فى مراعيها، وكان مركزهم المالى طيبًا حتى نهاية حكمهم، ولم تضطرب قيمة العملة، وربما ساعد على ذلك ازدهار التجارة وكانت "قمارين" حتى نهاية عهدهم موضعا يقصده الناس من الأناضول، وكان لبعض الوزراء والأمراء إقطاعيات واسعة وكان مؤيد الدين ريحان يمد التجار بأموال من عنده يتاجرون له بها، وكان معاش الجند و"حشم" الوالى يتبادلون رواتبهم من الحكومة المركزية كما يقول المؤرخ أفضل الدين فى تاريخه، وكان الجيش يتألف أساسًا من الترك وإلى جانبهم بعض الديلم. ولم يكن عدد جند الحكام والأمراء كبيرا. ولما تولى توران شاه أمر كرمان سنة 477 هـ، قام بشن حملة على فارس ثم خلفه ولده "إيران شاه" سنة 490 هـ الذى أظهر الميل للإسماعيلية فأفتى شيخ الإسلام القاضى جمال الدين أبو المعالى بموته ففرّ ولكنهم أمسكوه وأعدموه وحل محله على العرش أرسلان شاه بن كرمان شاه سنة 495 هـ مُؤيَّدًا من قبل الأمراء والقضاة، وامتد حكمه اثنتين وأربعين سنة، ووصلت الدولة فى عهده إلى حالة بلغت فيها الدولة أوج قوتها، وقد عين "شحنة" لحفظ عثمان وحاول مدّ نفوذه على فارس وشهدت أخريات حكم أرسلان شاه نزاعًا بينه وبين علاء الدولة والى يزد وتعقدت الأمور وانتهى الأمر أخيرًا بقيام محمد بن أرسلان شاه فى سنة 537 هـ بتنحية أبيه

متعللا بشيخوخته وحل هو مكانه رغم أنه كان هناك "ولى عهد" وهو أخوه "كرمان شاه" ومن ثم حاول الأخ الثالث سلجوق شاه الاستيلاء على المملكة فلم ينجح ففر إلى عُمان حيث ظل شوكة تقض جنب أخيه محمد. وعلى أية حال فقد ازدهرت كرمان تحت حكم محمد بن أرسلان شاه الذى مدّ سلطانه خارج كرمان، وقد خلفه بعد موته ولده طغرل شاه الذى تدهورت الأخلاق فى عهده بيان ظلت كرمان تنعم بالأمان والرفاهية على أن مقاليد الأمور كانت فى الواقع فى أخريات عهد طغرل شاه فى أيدى الاتابك مؤيد الدين ريحان الذى ولىّ على العرش بهرام شاه عند موت أبيه طغرل شاه فعارضه أخوه أرسلان بتأييد من الأتابك قطب الدين "محمد بن بزكش"، واضطربت الأمور ومرت بكرمان فترة منازعات بين الأخوة شهدت بعضهم يقاتل بعضا ويلتمس التأييد من خارج البلد وظل الحال على هذا المنوال حتى سنة 574 هـ حين أخرج سلطان شاه الغُز من سرخس وشبت الفتن بين الكثيرين وكان ظهور "الغز" على مسرح الأحداث مؤديا إلى مزيد من الأحداث الدامية والحروب الداخلية حتى لقد حاول بعضهم أن يقرأ فى خطبة الجمعة اسم الأميرة السلجوقية "خاتون كرمانى" ابنة طغرل، ولكن الأمير "ملك دينار" استطاع أن يؤكد الأمر لنفسه فى إقليم جيرُفت ويذكر اسمه فى الخطبة، وتحارب مع السلاجقة. وتميز عهد "الغز" بالتدهور والبؤس الذى أصاب أهل كرمان وظلت الأمور تزداد سوءًا يوما بعد يوم حتى استطاع الأميران قطب الدين مبارز ونظام الدين محمود أن يهزما "الغز" سنة 579 هـ لكن ذلك لم يضع خاتمة للاضطرابات حتى ظهر آل زنكى (وهم غير بيت عماد الدين وابنه نور الدين محمود) فلم يكن عهدهم أحسن مِن عهد مَن سبقوهم وحاربهم بل كان تمهيدا لعصر المغول، وشهد النصف الثانى من القرن السابع الهجرى جلوس الأميرة "تِيرْكين خاتون" زوجة قطب الدين على عرش كرمان وكانت ترجع فى أمورها إلى هولاكو وطال حكمها مدة ربع قرن من الزمان نعمت فيها كرمان بالرخاء وعاد إلى كرمان كثير ممن كان قد رحل عنها من علمائها وتجارها واطمأنت النفوس

لكن نافسها أحدهم وحسدها فتعقدت الأمور من جديد وزادت هى من اتصالاتها بالبلاط المغولى وأرسلت من أجل ذلك ابن زوجها جلال الدين صرغتمش بن قطب الدين إلى معسكر "أبقا" التتارى الذى وضع اسمه بعد عودته من هذه الرسلية فى الخطبة إلى جانب اسمها وآل الأمر إلى تشكى كل منهما إلى البلاط المغولى مما أدّى إلى تدخله تدخلا راعى فيه مصلحته الذاتية، وأيّد صرغتمش فعاد إلى كرمان سنة 681 هـ ودخلها دون مقاومة، وترتب على ذلك اضطراب أحوال كرمان الداخلية بصورة مزعجة وبعد أحداث كثيرة لم يكن منها شئ فى صالح كرمان انتهى الأمر بدخول كرمان تحت حكم ولاة من المغول حتى سنة 740 هـ حين استردها مبارز الدين محمد مظفر الذى كان متزوجًا من "قطلغ خان" ابنة شاه جهان بن صرغتمش، وحينذاك قام قطب الدين بن جلال الدين بن قطب بمحاولة فاشلة لانتزاعها من يد مبارز الدين وظلت "بام" فى هذا الصراع ثابتة بفضل واليها أبى سعيد مدة أربع سنوات خضعت بعدها، وكانت إمبراطورية الأيلخانات فى هذا الوقت قد مزقتها الحروب والصراعات الداخلية، وقام أبو اسحق بن محمود شاه والى أصفهان بمهاجمة مدينة سيرجان وتدميرها ولم يبق منها سوى قلعتها وبعد أن واصل زحفه على كرمان عاد إلى شيراز دون أن يشتبك فى القتال مع مبارز الدين وارتد إلى فاس، وحدث فى هذا الوقت أن عاث فسادًا فى جنوب الولاية جماعات من أصل مغولى، فخرج مبارز الدين يصدهم، فلم يوفق التوفيق الذى يرجوه، ولكنه نجح مما بسط نفوذه على فارس وعهد بولاية كرمان إلى ولده شجاع الدين على الرغم من أنه لم يكن دائم الإقامة فى الولاية بسبب مشاركته فى الحملات الحربية على فارس وعراق العجم، ثم عاد أبوه مظفر الدين إلى كرمان لفترة بسيطة لتأديب جماعات ممن يثيرون الاضطرابات فيها إلا أن وفاته سنة 765 هـ (1364 م) تلتها فترة صراع مرير فقد ثار فى كرمان الوالى "بهلوات أسد" الذى ارتد إلى داخل المدينة بعد قتال عنيف بينه وبين شاه

شجاع الذى ظل مقيما على محاصرته له بضعة أشهر حتى أرغمه على الاستسلام (وذلك فى سنة 776 هـ) ولما مات شاه شجاع سنة 786 هـ ذهب ولده سلطان أحمد إلى كرمان واليا عليها فقرأ خطبة الجمعة باسم تيمور، كما وفد إلى معسكر سنة 789 هـ فأكرم تيمور أخيرا فى التغلب على المظفرين فى كرمان وطردهم من البلاد وذلك سنة 795 هـ (1393 م) وولى واحدا من قبله على كرمان، لكن ذلك أدّى إلى انتشار الاضطرابات بها، ونجح أحدهم واسمه "ادجو بهادر برلاس" فى حكمها واعترف بشاه رخ بعد موت أبيه تيمورلنك سنة 807 هـ (= 1405 م) إلا أن الفوضى سادت كرمان بسبب المنازعات الناشبة بين الأمراء خلفاء تيمور مثل سعيد سلطان ابن ادجو وسلطان أديس وتدهورت الزراعة، ويشير كتابه زيرة التواريخ أنه ما من مكان مرَّ به جيش ميرزا اسكندر (المتوفى سنة 818 هـ) إلا وأصاب الدمار ما به من عمارة أو زرع، كما أن كتاب "الجغرافية" يذكر أن اسكندر ميرزا كان يخرب كل شئ فى طريقه فيهدم المبانى ويجتث الأشجار ويبعث بعسكره إلى شتى النواحى حتى لم يبق مكان ما فى كرمان وفيه حجر على حجر، ولما كانت سنة 819 هـ (= 1416 م) حاصر الجيش التيمورى أولبسا وشهدت السنة التالية مجاعة ضارية فى كرمان وأزهقت أرواح كثيرة وحينذاك أرسل شاه رخ واحدًا من عنده هو "سيد زين العابدين" لاصلاح الزراعة وبذل جهدا كبيرًا حتى أن غلة القمح فى السنة الأولى من وجوده أنتجت 250.000 طن، وخفّض كثيرًا من الضرائب وأسقط ما على الفلاحين من الديون، إلا أن الفوضى ما لبثت أن عمت ولاية كرمان عقب وفاة شاه رخ سنة 850 هـ (= 1447 م) مما حمل جهان شاه بن قره يوسف القرا قوينلى على إرسال ولده أبى الحسن قاسم ميرزا للاستيلاء على الولاية، لكن لم يؤد ذلك إلى تحسن كبير (انظر فى ذلك كتاب الديار البكرية لأبى بكر التهرانى)، وزاد الأمر سوءا فرض الضرائب الثقيلة على الغلات الصيفية والشتوية كما جبيت من الفلاحين ضرائب لا مبرر لها، واغتصبت الحكومة

كثيرًا من الممتلكات كما استولت على دخول الأوقاف لدفع رواتب العسكر، وكان أبو القاسم ميرزا قد أتاح لجنده أن يرتكبوا كل ما شاؤوه من الآثام، ولقد ظلت الفوضى ضاربة بأجرانها فى كرمان حتى نجح أق قوينلو فى حكم البلاد، ثم تولى حكم كرمان فترة من الوقت "زينل" ثالث أولاد "اوزون حسن" وآلت الولاية فى سنة 909 هـ (= 1503 م) إلى يد شاه إسماعيل، ثم غزاها بعد ست سنين من ذلك الأبكيون وكابدت البلاد منهم متاعب شتى، وإذا أخذنا بما يذكره المؤرخ "وزيرى" فإن أول وال لكرمان من الصفويين هو محمد خان استاجْلو، كما أن الولاية ظلت من سنة 930 حتى 1000 هـ (= 1524 - 1592 م) يحكمها ولاة من قبيلة "الأفشر"، وأصبحت كرمان تعد الولاية الثالثة عشرة من ولايات الصفوين وهذا ما يقرره كتاب تذكرة الملوك وكتاب دستور الملوك، وبقيت كرمان من 1005 حتى 1031 هـ (= 1596 - 1621 م) تحت حكومة "جنج على خان" رغم أنه كان كثير التغيب عن الولاية لوجوده على رأس جيش كرمان فى حملاته إلى جانب الشاه، على أنه تمكن فى خلال ولايته من بناء عدد كبير من الخانات والأسواق فى مدينة كرمان ذاتها وفى غيرها من الأماكن. ولقد كابد الكرمانيون خلال حكم شاه سلطان حسين كثيرًا من الهجمات التى شنها عليهم "البلوشيون"، مما حمل الكرمانيين على طلب النجدة من محمود الأفغانى فلبى استغاثتهم وجاء إلى المدينة وأقام بها تسعة أشهر وذلك سنة 1133 هـ ولم يحمله على العودة إلى "قندهار" إلا اضطراب الأمور بها، لكنه عاد فى العام التالى غير أن الأهالى لم يرحبوا بمجيئه هذه المرة وتمثل ذلك فى رفضهم السماح له بدخول البلد فحاصر قلعتها فسقطت فى يده، فاسرف فى النهب ثم واصل زحفه إلى أصفهان، وتمكن ميرزا سيد أحمد (الذى كان من ذرية كبرى بنات شاه سليمان) من الاستيلاء على كرمان ولقب نفسه. بالشاه، ثم ذهب إلى فارس ولكنه أصيب بالهزيمة فعاد إلى كرمان وتابع زحفه إلى بندر عباس فاحتلها احتلالًا مؤقتًا، وانتهى به الأمر

أخيرا إلى الوقوع فى أيدى الأفغان فقتلوه سنة 1140 هـ (= 1728 م)، ثم غادر الأفغان كرمان بعد أن هزم نادر شاه الأشرف سنة 1141 هـ عند اصفهان ثم استولى خدا مراد خان زند سنة 1172 هـ على كرمان التى نعمت فى أيام حكمه ببعض الراحة وتخلصت من بعض المتاعب التى كانت تلقاها زمن الأشرفيين، ولم تتأثر كرمان بالمنازعات التى حدثت بين أسرة زند والفاجاريين حتى إذا كانت سنة 1205 هـ زحف "لطف على" آخر أسرة زند على كرمان التى قبل وإليها الرضوخ له لكنه رفض الذهاب إليه فى معسكره مما دفعه لحصار البلد إلا أن قلة الإمدادات وقلة ما بين يديه من المئونة أرغمه على رفع الحصار عنها، غير أن المعاونات التى أمدّه بها بعض خانات "نَدْماشير" أغرته بالعودة إلى كرمان فهاجمها واستولى عليها سنة 1208 هـ، كما زحف عليها فى الوقت نفسه "آقا محمد" وحاصرها، وأرغمت المجاعة سكانها على الاستسلام له بعد بضعة شهور من محاصرته لها وفتحت له أبوابها يوم 29 ربيع الأول 1209 هـ (= 24 أكتوبر 1794 م) وتلى ذلك حدوث مذبحة مروّعة، وهرب "لطف على" لكن تمكن البعض من إمساكه وسلموه إلى "آقا محمد، على خان" ثم تولى حكومة كرمان "آقا محمد تقى بن آقا على" وظل فى ولايتها حتى وفاة "آقا محمد خان". وجدّت أمور خاف منها الناس فولى أمر البلد حينذاك إبراهيم خان ظهير الدولة سنة 1218 هـ (1802 م) وظل فى الحكم حتى مات سنة 1240 هـ (1824 م)، وكان إبراهيم هذا هو أول أمير من الفاجاريين يعيّن حاكمًا لكرمان ونعمت الولاية فى أيامه ولأول مرة بفترة من الأمان والطمانينة، وأصلح القنوات وشجع التجارة والزراعة، وعمل إلى إحياء حركة العلوم فاستقدم العلماء من البحرين وخراسان وفارس وغيرها من البلاد، كما شنَّ حملة ناجحة على "بلوشستان" إلا أنه لم يقدر لهذا الوضع الطيب أن يستمر طويلا فقد آن له أن ينتهى بموته، وتولى ولده عباس قُلى خان فشهدت

المصادر

البلاد كثيرا من الاضطرابات والمناوشات من جانب البلوشيين، ومن ثم جاء فى ديسمبر 1831 م عباس ميرزا إلى الولاية لإعادة الاستقرار وكان نجاحه نجاحًا مجزوءًا إذْ لم يكد يعود من حيث أتى حتى عادت الاضطرابات من جديد وكان السبب فيها راجعًا إلى الولاة ذاتهم، كما هاجم البلوشيون البلد، ثم تولى حكم قرمان "آقاخان محلّاتى" قائد الإسماعيليين فمنع إرسال الجباية إلى الحكومة التى بعثت إليه العسكر فلم يستطع المقاومة ولا الصمود وفر إلى "بام" سنة 1837 م فحاصره فيروز ميرزا نصرت الدولة فاستسلم له فأرسله إلى طهران ثم أدنوا له بالعودة إلى كرمان سنة 1840 م، وجدّد ثوراته ثم دارت الدائرة عليه ففرَّ إلى أفغانستان ثم إلى الهند حيث يقال إنه اتصل سرًا بأنصاره فى فارس الشرقية، وهاجم أخوه محمد باقر بلاد بلوشستان سنة 1844 م التى أخذ ولاة كرمان فى إضعافها بالتدريج ولم يأت منتصف القرن التاسع عشر حتى كان لفارس السيطرة على النواحى الممتدة من "بمبور" إلى كرمان. ونعمت كرمان بفترة من الهدوء والإدارة الحكومية الحكيمة منذ سنة 1858 م وذلك منذ عهد "محمد إسماعيل خان نورى وكيل الملك" حيث كان نائبا للوالى ثم صار واليا على كرمان من 1860 م حتى موته 1867 م أما فى عهد ولده وخليفته "مُرتضى قِلى خان وكيل الملك" فقد سيطرت فارس على "شاه بَهاد"، وحدثت اضطرابات انتهت بتخلى "مرتضى قلى خان" عن الحكم وجاءت قوة من طهران لإعادة النظام، وتلى ذلك ظهور طلائع حركة إصلاحية بدأت منذ نهاية القرن التاسع وظهرت واضحة فى أوائل القرن التالى له وظهر رهط من المثقفين الكرمانيين ولاسيما "ميرزا آقا خان كرمانى" الذى أصبح رئيس تحرير صحيفة "اخطار" الفارسية التى تطبع فى إستانبول، و"ناظم الإسلام" الذى قام بدور خطير فى حركة الانفتاح. المصادر: وردت فى المتن. مروان حسن حبشى [أ. ك. س. لامبتون A. K. S. Lampton]

كرمان شاه

كرمان شاه كرمان شاه اسم يطلق على موضعين أحدهما بلدة وثانيهما ولاية فى الغرب من فارس، أما الولاية فإنها توجد فى شرق وشمال العراق ومنطقة لورستان كوجك، وأيضا إلى الجنوب وغرب كردستان وأسداباد. وقد قسمت الولاية فى مستهل القرن العشرين الميلادى إلى تسعة عشر ناحية. أما مدينة كرمان شاه التى قد يقال لها أيضًا "كرمان شاهان" (وهو الاسم الذى كان شائع الاستعمال فى القرن الرابع الهجرى (العاشر الميلادى) فتقع عند خط عرض 34.19 شمالًا وخط طول 47.5 شرقًا، وترتفع 1322 مترا عن نهر "قره سوه" الذى يجرى شمال شرقى البلد فى اتجاه يميل إلى الجنوب الغربى حتى يتصل بنهر "جاما سياب" الذى يعرف أيضًا بنهر صَيْمره ويصب فى نهر "كرْخه" وهناك سلسلة من الجبال تمتد من الشمال الغربى إلى الجنوب الشرقى مخترقة الولاية، تتخللها سهول ووديان منها ما هو للرعى ومنها ما يصلح للزراعة. وأغلب سكان الولاية من الأكراد من البدو سواء منهم الرحل أو المستقرون على السواء ويعرفون فى مصطلحهم "باللور" ولمعظم القبائل منتجاتها الصيفية والشتوية أما عدد السكان فكانوا قرابة ستين ألف أسرة ويقدر تعداد أفرادها بثلاثمائة ألف نسمة منهم جماعة "الكلهور" وعددهم اثنا عشر ألف أسرة ما بين حضر مستقرين وبدو رحل، وتمتاز هذه المناطق بكثرة سهولها الخصبة الموجودة على الخصوص فى "ماهيداشت" وجيلان وقلعة شاهين، وقد اشترى شيوخ الكلهور هذين المكانين الأخيرين من ملاكهما الأتراك عند مطلع القرن التاسع عشر الميلادى (انظر تقرير وزارة الخارجية البريطانية سنة 1903 م) كما أن هناك من القبائل التى توجد فى "كرمان شاه" جماعات "الجوران" وبعضهم مستقرون كما أن بعضهم الآخر بدو رحل، ويتراوح عددهم ما بين أربعة آلاف وخمسة آلاف أسرة، ثم "السنخابيون" وعددهم أربعة ألاف أسرة "والكلاعى" وأغلبهم

مستقرون فى سنقر، إلى جانب أربعة آلاف آخرين من جماعات "الزنجانة" وهم يقيمون فى الغالب فى "ماهيداشت" (انظر Gazetteer of persia, P 339) إذا نحينا جانبا بعض القبائل السنية التى تعيش على مقربة من تخوم العراق فإن معظم قبائل كرمان شاه من الشيعة، وفيهم أعداد ضخمة من الجماعات العلولوهية (انظر بستان السياحة لزين العابدين شيرواة، Gazetteer of persia 356) وتنطق مدينة كرمان شاه "بصور شتى منها (كرماشن، وقَرِماسين وقرَمَشين) أما الجغرافيون العرب الأوائل فقد سموها بقرميسين ويقولون إنها بنيت فى عهد الساسانيين وينسب حَمْد اللَّه مستوفى تشييدها إلى بهرام الرابع (388 - 399 م) الذى لقب، "بكرمان شاه" باعتباره حاكمًا لولاية كرمان، والأرجح أن هذه البلدة التى هى من إنشاء بهرام كانت هى ذاتها بلدة كرمان شاه الصغيرة الواقعة بين يزدوكرمان (انظر الطبرى فى Noeldeke: Gesch. des perses Arabes 71) وهناك رواية أخرى تعزو تأسيس كرمان شاه إلى "كواذ بن فيروز" (488 - 351 م) (راجع المقدسى ص 257 وما بعدها) واتخذها ملوك بنى ساسان فى أغلب أوقاتهم المكان الذى يقيمون به، ونسج على منوالهم بين آونة وأخرى من جاء بعدهم من الحكام ولاسيما الخليفة هارون الرشيد والسلطان البويهى عضد الدولة الذى شيد بها قصرًا لنفسه (المقدسى)، ويلاحظ أن الولاية حافلة بالآثار التى ترجع إلى زمن الأخاميين والساسانيين مثل تماثيل "تقى بستان" التى تبعد ثلاثة أميال شرقى كرمان شاه ومثل نقوش "بيستون" الحجرية وغير هذه وتلك من الآثار التى لا تزال أطلالها باقية فى "كنجوار" ولم يحدث قتل ولا قتال عند استيلاء العرب على كرمان شاه وكان هذا الاستيلاء عليها بعد فتحهم "حلوان" سنة 21 هـ (640 م) (انظر فتوح البلدان للبلاذرى ص 301، ولما تم للعرب فتحها أصبحت جزءًا من اقليم الجبل وصارت تعرف هى و"ديناور" باسم "ماه الكوفة".

على أن كرمان شاه صارت فيما بعد هى وهمدان والرى واصفهان من أعظم مدن إقليم الجبال، على الرغم من أنها لم تَرْقَ فى الأهمية إلى المكانة التى تكون فيها منافسة للثلاث الأخريات. ولقد زادت أهمية كرمان شاه من الناحيتين التجارية والاستراتيجية فى القرن التاسع عشر الميلادى، وأصبحت عاصمة كردستان الفارسية التى كانت ولاية منفصلة عن "أردلان" (التى كانت تعرف أيضًا باسم كردستان) وعاصمتها "سنا"، ولقد لاحظ سيرجون مالكولم فى سنة 1800 م أهمية كرمان شاه كسوق تجارى يربط كلًا من فارس وتركيا بالأخرى (انظر Issawi: The economic hist. of Iran, 1800 - 1914 كما يقرر "سير جون ماكدونالد كنير" أنها كانت بلدة عامرة مزدهرة سنة 1801 م وفيها ما يقرب من اثنى عشر ألف بيت (انظر Geographical memoir of the Persian Empire, London., 1813, p. 131 وقدر عدد سكانها بستين ألف نسمة. عين فتح على شاه أكبر أولاده محمد على ميرزا حاكما على كردستان ولورستان حوالى سنة 1806 م وأصبحت كردستان واحدة من أزهى ولايات فارس، وكان تحت يد على شاه جيش ضخم معظمه من الفرسان وقوامه الكرد وقام بتدريبه ضباط فرنسيون وصارت كرمان شاه خط دفاع قوى يقف حائلًا دون تقدم العثمانيين، وبسبب المنافسة التى كانت بينه وبين أخيه عباس ميرزا ولى العهد والحاكم العام لأذريبجان وما يتوقعه من صراع بينه فإذا ما مات "فتح على شاه" فإنه شعر بحاجته الملحة لجذب الأهالى إلى جانبه وتأييدهم له، ويقرر فيرييه Ferrier أنه ساس أمور حكومته سياسة كريمة حتى أن عطاياه أثرت البلد والناس الذين أصبحوا يتقلبون فى رغد من العيش (انظر Garavan Jaurney, 24)، وكذلك يعلق زين العابدين على توسع البلد زمن محمد على ميرزا فيقرر أن عدد عمائرها جاوز عدد عمائر معظم المدن فى فارس (راجع بستان

السياحة، ص 492) ولقد أحاط محمد على ميرزا البلد بالأسوار، وزودها بالأبراج ذات الفتحات للرمى منها وحفر حولها خندقا يدور حولها طول ثلاثة أميال. وكانت حدود كرمان شاه الجنوبية الغربية (فيما قبل حرب 1821 م التركية الفارسية) تبعد حوالى سبعة أميال إلى الغرب من "سرى ميل" فشرع محمد على فى القيام بعمليات ضد العثمانيين تكللت بالنجاح إذ ضم "زهاب" وزحف على بغداد ولكن تفشى وباء الكوليرا أرغمه على ترك هذا الزحف بل إنه هو نفسه مات فى هذا الوباء، ولكن الحرب استمرت موصولة بين الطرفين حتى سنة 1823 م حين عقدت معاهدة اتفق بمقتضاها على أن يرد كل جانب إلى الآخر جميع الأراضى التى كان قد استولى عليها أثناء حربهما بعضهما لبعض، وأن تعود الحدود الفاصلة بينهما إلى ما كانت عليه زمن الصفويين، وعلى الرغم من تمسك الباب العالى "بزهاب" إلا أنها ظلت جزءًا من ولاية كرمان شاه، وبعد موت محمد على ميرزا أخذت مدينة كرمان شاه فى التدهور نتيجة لابتزاز الولاه الذين جاءوا من بعده وشدة عسفهم بالأهالى واسرافهم فى الظلم، ويكتب زين العابدين فى سنة 1832 م فيذكر أنه لم يعد فى كرمان شاه أكثر من عشرة آلاف بيت، على حين يكتب "فرييه" سنة 1845 م فيذكر أن أسواقها العظيمة أصبحت مهجورة وأغلقت تسعة أعشار حوانيتها أبوابها، وهاجر منها ثلاثة أرباع سكانها، فأما من كان منهم من الحضر ففروا إلى أذربيجان، وأما البدو فقد فروا إلى تركيا، حتى إذا أطل القرن العشرون كانت جميع التحصينات التى أقامها محمد على قد زالت ولم يعد لها ثم وجود وزاد من بلاء البلد ما اجتاحه من الكوليرا والمجاعة والطاعون لاسيما وباء 1830 م الذى يقال إنه أهلك جميع سكانها إلا اثنتى عشرة ألف نسمة كما اكتسحت فيضانات 1832 م ما يقرب من خمس النواحى الآهلة بالسكان

وكانت الخسائر فى الأرواح فادحة وقد أدت هذه النكبات مع جشع الحكام إلى دفع الولاية للسقوط فى هوة سحيقة، وقد جاء فى مذكرات القنصل أبوت Clbbott التى دونها سنة 1849 - 1850 م أنه لم يعد هناك أكثر من خمسة آلاف دار مسكونة، ومعنى هذا أن سكان البلد أصبحوا لا يجاوزون خمسة وعشرين ألف نسمة ثم هناك تقرير آخر مؤرخ بسنة 1868 م يحدد عدد السكان بثلاثين ألف نسمة، ويشبه هذا الرقم الرقم الذى أورده سير مكدنالد منذ أكثر من قرن. وبعد وفاة محمد على ميرزا تولى حكومة كرمان شاه أمراء مختلفون من البيت "القاجارى" أولهم ولده "محمد حسين ميرزا حشمت الدولة" الذى حكم مدة تناهز عشر سنوات، وهناك واحد آخر من أولاده اسمه "إمام قلى ميرزا عماد الدولة" طالت مدة حكمه حتى بلغت احدى وعشرين سنة فى عهدى محمد شاه وناصر الدين شاه، ثم تازمت العلاقات مع تركيا سنة 1842 م وتألفت لجنة مشتركة من الجانبين لرسم الحدود بين الدولتين ولكن هذه المشكلة استمرت دون الوصول إلى حل حتى سنة 1914 م (انظر C.J.Edmonds: Kurds, Turks and Arabs, London 1957 وحدث فى أثناء مرور "ناصر الدين شاه" بالولاية وهو فى طريقه إلى كربلاء أن رفع الناس إليه التماسًا ضخما يشكون إليه من ظلم الحاكم واستبداده بهم. ولقد دخلت الولاية فى نطاق حكم "زبل السلطان" من 1881 م حتى وهو حاكم أصفهان ولما انتزعت منه كل حكوماته ما عدا أصفهان تم فصل جميع عماله فى كرمان شاه وكردستان واستمرت حكومة كرمان شاه عدة سنوات وهى تساق لمن يدفع أكبر مبلغ من المال مما ترتب عليه فداحة الظلم الذى قاساه الأهالى. ولقد زاد معدل التجارة المارة بكرمان شاه فى الربع الأخير من القرن التاسع عشر الميلادى، فلما فتحت قناة السويس سنة 1869 م وتم استعمال البواخر البخارية فى دجلة أصبحت كرمان ميناء تتدفق عليه جميع البضائع الواصلة إلى فارس من بغداد والقادمة

من إنجلترا والهند عبر الخليج ودجلة، حتى إذا كان ختام القرن التاسع عشر الميلادى أصبحت الولاية تضاهى -أن لم تفق- أى ولاية أخرى فى وضعها العام، ولذلك نرى الكولونيل بريس Preece يكتب سنة 1899 م فيقول "لا يوجد غير قلة من المدن فى فارس تظهر عليها امارات الرخاء من وجهة نظر التجارة مثلما تظهر فى كرمان شاه على الرغم من تعسف الحاكم المحلى وسوء حال الطرق الخارجة منها وعدم استتباب الأمن بها". وكان يوجد بكرمان شاه محطة رسوم جمركية، وبلغ الدخل المدفوع من الرسوم فى سنة 1881 م هو 20.000 كران؛ ثم ارتفع المبلغ فى السنة المنتهية يوم 20 مارس 1897 م إلى 480.000 وفى سنة 1899 م صار 760.000، وفى الحادى والعشرين من مارس 1899 م تسلم البلجيكيون الجمارك. كذلك انتفعت كرمان شاه انتفاعا كبيرًا من مواسم الحج وذلك نظرا لوقوعها على الطريق المؤدى إلى النجف وكربلاء ويتراوح عدد حجاج هذه البقاع وغيرها من المعالم الإسلامية فى نهاية القرن التاسع عشر الميلادى ومستهل القرن العشرين الميلادى ما بين مائة وخمسين ومائتى ألف حاج كانوا يمرون سنويًا عبر كرمان شاه، وكانوا يجلبون الأموال أو يحاولون تيسير طريقهم ببيع بعض أشيائهم التى يجلبونها معهم مما أدى إلى زيادة رخاء البلد. ولما كانت سنة 1914 م هناك ما يقرب من مائتى تاجر فى كرمان شاه يتعاملون أكثر ما يتعاملون فى بضائع مانشستر التى يحصلون عليها مباشرة من مانشستر عن طريق بغداد، كما يتعاملون فى السكر المجلوب من مارسيليا وفى الخشخاش واللبان وجلود الماعز والبط والسجاجيد والصوف، ويصدرون كل ذلك إلى بغداد وانجلترا، وكان من أبرز هؤلاء التجار حاجى عبد الرحيم وكيل الدولة الذى احترف المتاجرة والصيرفة واركاب المسافرين السفن وكان هناك ما يقرب من عشرين يهوديا عثمانيا يملكون الجانب الأكبر من التجارة الخارجية وتجارة الصادر وكان التجار

الكاشانيون يحملون من كاشان الطباق والبضائع الحريرية الوطنية والآلات النحاسية وكان تقدير ذلك يقرب من مائة ألف تومان كما اشتغل تجار "يزد بجلب الحناء وحرير يزد بما يقدر بعشرين ألف تومان ويصدرون إلى يزد من البضائع الأجنبية ما يساوى هذا القدر من المال. أما تجار أصفهان فيجلبون الأقمشة الوطنية الملونة والقطنية مثل الألحفة والعبى إلخ. . وكانوا يُوَرِدون إلى اصفهان الأقمشة المجلوبة من مانشستر وكذلك الحديد والشاى والجلد الخام والتوابل والرصاص وزجاج النوافذ، وكانت الصادرات تفوق الواردات، واشتغل بعض تجار همدان كسماسرة لإخراج البضائع من مخازن أصحابها وتوصيلها إلى همدان، هذا إلى جانب نفر قليل من اليهود الفرس الذين كانوا يعيشون على التجارة البسيطة وتجارة الصقور إلى جانبهم أيضًا عدد قليل جدا من نصارى خلقدونية الذين يتخذ بعضهم التجارة حرفة يتعيشون من ورائها ويقوم البعض الآخر بالعمل فى صناعة نبيذ التمر المعروف بالعرق. ولقد كان دور كرمان شاه فى الثورة الدستورية صغيرا جدًّا، على إنه فى سنة 1911 م دخل "سالار الدولة" كرمان شاه باسم الشاه السابق محمد على، ثم زحف فى السنة التالية على طهران على رأس عسكر من القلهاريبين السنجانيين وغيرهم من العشائر الكردية ولكنه كُسِر قرج همدان وعادت قوات الحكومة فاستردت كرمان شاه وظلت العمليات الحربية مستمرة حتى الخريف، ولما قامت الحرب العالمية الأولى كانت كرمان شاه مركزًا من مراكز حركة "المهاجرة" وتكونت لجنة محلية للدفاع الوطنى عرفت باسم "كميته دفاعى مللى" أى "جماعة الدفاع عن الملة" وفى ديسمبر 1915 م قامت اللجنة المركزية التى كانت قد عادت من طهران إلى "قُمْ" وأصفهان ثم انسحبت إلى كرمان شاه ولم تكد تقوم حكومة اقليمية حتى أخلى "المهاجرون" فى كرمان شاه وذلك فى مارس 1916 م أمام

المصادر

الزحف الروسى ثم احتلت القوات التوكية البلد بعدئذ ولكنها اضطرت للجلاء عنها سنة 1917 م. المصادر: وردت بالمتن. مها سيد معبد [لامبتون A. K. S. Lambton] الكرمانى الكرمانى: أوحد الدين حامد بن أبى الفخر) كان من أبرز الصوفية الفارسيين، ويجب عدم الخلط بينه وبين ركن الدين أوحد المراغى الذى هو من أهل أذربيجان والذى كان هو الآخر يدعى بأوحد الدين الأصفهانى المتوفى سنة 738 هـ = 1337 م). كان أوحد الدين حامد بن أبى الفخر تلميذا لركن الدين السيجاسى (أو السنجانى) أحد مريدى قطب الدين الابهرى وأبى نجيب السهروردى، ولقد قام الكرمانى بعدة أسفار جاء فى احداها إلى دمشق حيت تعرف بمحيى الدين بن العربى الذى ذكره فى كتابه "الفتوحات المكية" وتأثر بأفكاره تأثرًا كبيرًا، كما أن أوحد الدين تعرف بشمس الدين تبريزى وربما قابل أيضًا جلال الدين الرومى وعثمان رومى وصدر الدين القونوى وفخر الدين العراقى، ولقد أمضى الفترة الأخيرة من حياته فى حى مجاور لبغداد حيث عرفه الناس صوفيا يعلم الصوفية وأكرمه الخليفة العباسى المستنصر سنة 632 هـ (= 1234 م)، ومات يوم الثالث من شعبان سنة 635 هـ = (21 مارس 1238 م). وتدور فلسفته الصوفية حول محورين هما المظهر الخارجى ويسميه بالصورة، والمحتوى الداخلى ويسميه "المعنى" وهو ما يعادل "الظاهر" و"الباطن" عند ابن عربى. وقد تنسب إليه القصيدة الشهيرة المسماة بمصباح الأرواح والتى يرجح أن ناظمها هو شمس الدين محمد البودسيرى الكرمانى. أما تراثه الشعرى فيتمثل فى مقطوعات قصيرة وقليل من أشعار الغزل، ومجموعة من "الرباعيات" تبلغ اثنتى عشرة رباعية وهى ذات طابع صوفى كلها فى تمجيد اللَّه والتعريف

المصادر

بوحدانيته. على أن الرباعيات (التى ربما كان بعضها متأثرا فى روحه برباعيات عمر الخيام) ليست على الدوام مما يمكن نعت أسلوبها بالأسلوب الأدبى الرفيع، ولكنها على وجه العموم ذات تفكير صوفى عميق وتجربة عميقة، ومثل هذا الاتجاه نجده فى أشعار جلال الدين الرومى، وأحمد الغزالى، وعين القضاة الهمذانى وفخر الدين العراقى. المصادر: انظر عن الكرمانى كتاب مناقب أوحد الدين حامد بن أبى الفخر الكرمانى (طهران 1347). مها سيد معبد [ب. م. فايشر B. M. Fischer] الكسائى "الشاعر" الكسائى مجد الدين أبو الحسن [على] شاعر وفيلسوف من رجال النصف الثانى من القرن الرابع الهجرى (العاشر الميلادى) وتكتبه بعض المصادر المتأخرة باسم إسحاق وتشير إليه دمية القصر للباخرزى بالمجتهد أبى الحسن على بن محمد الكسائى من أهل مرو (راجع كتاب ترجمان البلاغة ص 97 وما بعدها)، أما نعته بالكسائى فهو كما يقول العوفى نسبة إلى حياة الزهد التى اتبعها هذا الشاعر وإن كان يمكن نسبته إلى الاشتغال بصناعة الكساء، وقد وصفوه منذ وقت بعيد "بالحكيم" وهى صفة ارتبطت باسمه، وتؤكد لنا المصادر القديمة أن أصله من مرو وأنه قضى فيها فترة من حياته منكبا على نظم الشعر، ونراه فى قصيدة يبكى فيها شبابه الذى ولى ويعتب على شيخوخته، ويحدّد فيها تاريخ مولده بالأربعاء السادس والعشرين من شوال (341 هـ/ 16 مارس 963 م) وقد عاش حتى بلغ الخمسين من عمره، وأما وفاته فكانت فى سنة 391 هـ أو بعدها بقليل. كان ديوان الكسائى لا يزال موجودًا فى القرن السادس الهجرى (الثانى عشر الميلادى) ثم يبدو أنه فقد، فلم نعد نعثر له على أثر بعد

هذا التاريخ كما أننا لم نعد نعثر له على قصيدة تامة، أما المقطعات من نظمه التى بين أيدينا والتى أمكن (لمّ شتاتها) فقد جمعت من مصادر شديدة التنوع وكثيرة ولا تتجاوز الواحدة منها بضعة أسطر، ومن ثم فإنه من الصعب أن نصل إلى تقدير صحيح للحقائق المتعلقة بطبيعة عمله، وإن كان هذا الأمر قد حاوله الكتاب القدماء ويحاوله المحدثون أيضًا، على أنه من الثابت المؤكد أن الكسائى كان يتمتع فى حياته وخلال القرنين التاليين لوفاته بشهرة مدوية باعتباره شاعرًا دينيًا، ويصفه "عوفى" بأن أكثر ما نظم إنما كان فى الزهد والوعظ، كما أنه يقتبس أمثلة -وإن كانت قليلة- من مراثيه فى آل بيت النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] كما يشيد بمناقبهم، وإن كتاب النقض "للشيعة" الإمامية الذى كتبه صاحبه فى منتصف القرن السادس الهجرى والثانى عشر الميلادى يذهب إلى أن الكسائى كان من شعراء الشيعة. ونرى أن الشاعر الإسماعيلى ناصرى خسرو المتوفى حوالى سنة 465 هـ - 1072 م يقر بما فى عنقه من دين لسلفه الكسائى. وإن ندرة المصادر الأساسية التى يمكن الحصول عليها الآن لا تسمح لنا بأن نقدر إلى أى مدى أمكن للكسائى أن يصرف عنايته للشعر الدينى، كما يستحيل علينا أيضًا أن نحدد الطبقات الاجتماعية التى كانت محور اهتمامه فى هذه القصائد كما أنه من ناحية أخرى نراه لم يقف بمعزل تام عن ممارسة الشعر العادى الذى يتناول جوانب الحياة العامة، ولقد وجد الكسائى تشجيعًا وعطفًا من جانب أحد الوزراء السامانيين وهو الأمير نوح بن منصور، كما أنه كتب فى أخريات أيام حياته أكثر من قصيدة فى مدح السلطان محمود الغزنوى والثناء عليه، كما أن العوفى يشيد بصفات الكسائى ويقتبس عديدًا من الأشعار التى تبين أن

المصادر

الكسائى نظم فى جميع فنون الشعر التى كانت جارية فى عصره. وهناك مجموعة نشرت سنة 1874 م تضمنت لأول مرة مقطعات من شعر الكسائى وهذه المجموعة مستمدة من مخطوطات أصبح معظمها اليوم قديما، وهناك مادة أكبر من هذه ظهرت للضوء وهى مأخودة من مصادر أخرى مثل المعاجم والمجموعات الخطية كما طبعت مجموعات جديدة ولاسيما تلك التى طبعت فى طهران سنة 1972 م. على أن أهم المصادر الخاصة بحياة الكسائى وعمله هى لناصر الدين القزوينى ممثلة فى كتاب الثقفى [تحقيق جلال الدين محمد المطبوع فى طهران سنة 1952 م وكتاب ترجمان البلاغة لمحمد بن عمر المطبوع فى استانبول 1949 هـ وكتاب اللباب الذى طبعه براون ومجمع الفصحاء لرضا قول خان المطبوع بطهران سنة 1295 م]. المصادر: وردت فى المتن. بدرية الدخاخنى [كريمر، دى بروين J.H.Kramer & J.T.P.De Bruijn] كسرى هو الرسم العربى للكلمة الفارسية "خسراو"، المشتقة من الكلمة السريانية "كسرو" أو "كرسرو" إبان القرن السادس الميلادى. وقد تغيرت مواضع الحروف الساكنة والمتحركة لأن الحرف (ج) كان رمزا لكل من (الكاف والخاء) فى اللغة السريانية واستخدم هنا رمزا (للخاء) الفارسية التى تحولت إلى (كاف) فى العربية ويقول مؤلفو المعاجم العربية إنه لا توجد كلمة عربية تنتهى بالواو المضمومة بعد أول حرف ساكن ولذلك رسمت "خسرو" على وزن فعْلة والخاء أصبحت كافا للدلالة على تعريبها وعلى الرغم من وجود الاسم خسرو فى العربية إلا أن "كِسْرَى" كانت تستخدم كاسم علم ويطلق بصفة خاصة على اثنين من الحكام الساسانيين هما كسرى أنوشروان

(531 هـ - 579 م) كسرى أبرويز (591 هـ - 628 م) ونظرًا لأن هذين الحاكمين قد هيمنا على الأسرة الساسانية فى الحقبة الأخيرة وفاضت بهما ذكريات العرب لذلك ظل اسماهما علما على الأسرة بأسرها. وكان العرب يعدون اسم كسرى عنوانا لمذهب فى الحكم ولقبا لملوك فارس، وأطلقوا على الأسرة الساسانية وصف آل كسر وعلى بلاد التاج فى العراق وصف "أرض كسرى" أما النساء فى العائلة المالكة فيطلق عليهن وصف "بنات كسرى" وبحلول القرن الثانى الهجرى/ الثامن الميلادى ظهرت كلمة "الأكاسرة" وهى جمع تكسير من المفرد "كسرى" وذلك للدلالة على الحكام الساسانيين. وهناك صور أخرى لهذا الجمع ولكنها أقل شيوعًا مثل "كساسرة"، "أكاسر"، "كسور" لكنها على غير قياس. لقد كان العرب ينظرون إلى كسرى بوصفه الشخص الذى تجسدت فيه أسرة آل ساسان الملكية، كما رأوا فيه تجسيدًا لخليط من مشاعر الحسد والرهبة والخوف، وكانوا يتحدثون عن "مدائن كسرى" و"إيوان كسرى"، و"خندق كسرى" و"تاج كسرى" وخزائنه وأبسطته وسيفه ودرعه، وكان مرتبطًا فى أذهانهم بآداب السلوك الراقى وكرم الضيافة وألوان الطعام الراقية، وأدوات المائدة الذهبية، والسلطة الغاشمة. إلا أنه مما يتنافى مع قيم الإسلام الروحية ما نجده عند كسرى من تمسك بزخرف الحياة الدنيا، فأحاديث النبى محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] تؤكد عدم تمسكه بالمظاهر، وتجنبه ارتداء الأزياء الملكية -وكان كسرى قد مزق كتاب النبى محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] الذى يدعوه فيه للإسلام. وجاء فى حديث الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] ما يبشر بزوال مُلْك كسرى وقيصر ومآل كنوزهم للمسلمين للإنفاق منها. وفى القرن الثالث الهجرى/ التاسع الميلادى برز اسم كسرى (بوصفه شخصية من شخصيات

المصادر

الحكايات التى وضعت بهدف التعليم والتثقيف) شخصية تجرى على لسانها الأمثال، ويمكن إطلاق لقب "كسرى" على أى شخص يجيد رواية هذه الحكايات. وهناك مشتقات من هذا الاسم مثل "كِسْرَوى" "كِسْرِى"، "كِسْرَوانى"، أما "خَسَروانى" فهى مشتقة من الفارسية مباشرة. المصادر: (1) القزوينى: معجم مقاييس اللغة القاهرة 1389 هـ/ 1969 م - 72 جـ 4/ 171. (2) الجوهرى: تاج اللغة وصحاح العربية، بولاق 1282/ 1865، جـ 1، ص 394. (3) ابن الجواليقى: كتاب المعرب. (4) ابن الأثير: "النهاية فى غريب الحديث والأثر" - القاهرة 1311 هـ/ 1893 - 1894 م، جـ 4 ص 20. (5) ابن منظور: "لسان العرب". (6) الفيروزآبادى: القاموس المحيط، كلكتا 1817 م، جـ 1، 512، 648. (7) المرتضى الزبيدى: تاج العروس، الكويت 1385/ 1965 الجزء الثالث 167، 479، 522 - أ. سعيد عبد المحسن [م. مورونى M. Morony] كعب الأحبار كعب الأحبار هو أبو اسحق كعب بن مانع بن ذى هجن الحميرى اليمانى، كان يهوديًا من أهل اليمن ثم أسلم وربما كان إسلامه سنة 17 هـ يقول الطبرى 1/ 2514، ويُعتبر كعب الأحبار أقدم مصدر إخبارى من رواة الاسرائيليات، أما نعته بالحبر (بفتح الحاء وكسرها) فمشتق من كلمة "حابر" اليهودية، وهو النعت العلمى التالى مباشرة لكلمة "ربى" الشائع الاستعمال بين العلماء اليهود البابليين، ويرادفه فى العربية لفظ "عالم" (انظر الخوارزمى، مفاتيح العلوم ص 35) وورد هذا النعت بصيغة الجمع فى تسميته بكعب "الأحبار" إشارة إلى تعظيم قدره. ويرى "ليذر بارسكى" أن

كعب الأحبار كان يسمى فى الأصل بَعْقِيبا أو يعقوب، ولا يعرف عنه سوى النذر القليل من الأخبار، وإِلَّا أنه قدم المدينة زمن خلافة عمر بن الخطاب وأنه صاحَبَه إلى بيت المقدس سنة 15 هـ (= 636 م) وقد توثقت المودة بينهما بعدما أسلم، كما إنه تنبأ بوفاة الفاروق قبل موته بثلاثة أيام، وقد سعى معاوية إلى جذبه إلى دمشق يستمع إلى رأيه، لكن الأمر الأكثر احتمالا أنه انسحب إلى حمص حيث مات بها سنة 32 هـ (11 - 652 م) وإن أخّر الطبرى وفاته إلى سنة 34 هـ. أما ابن العماد الحنبلى فقد أورده فى الشذرات بأنه مات سنة 35 هـ. ويقرر الهروى فى كتابه الزيارات إنه مدفون بهذا البلد وإن بها مقامه، وإن قال ياقوت وابن بطوطة إن مشهده فى دمشق حيث يوجد بها حتى الآن لوحة تحمل اسمه. أما ابن جبير والمقريزى فيريان أن قبره بجيزة مصر. على حين يقرر الهروى أن بعض الناس يعتقدون بأنه مدفون فى المدينة. وأما القبر الذى بالجيزة فلواحد من أولاده. وعلى الرغم من الغموض الشديد الذى يطمس شخصيته الحقيقية ويجعله شبه أسطورة إلا أنه كان واسع الالمام بالكتاب المقدس وأخبار بلاد العرب الجنوبية كما كان يملك من الحكمة قدرًا عظيمًا لا يستطيع أحد أن يجحده. هذا إلى جانب روايته لكثير من الأحاديث الصحيحة الحسنة نقلًا عن عمر بن الخطاب ويعتبره الجاحظ فى كتابه الحيوان "حجة ثقة" ويدافع عنه فيذكر فى معرض كلامه عن الأسفار الخمسة فى العهد القديم إنه لا يقول "جاء فى التوراة" ولكنه يقول "يوجد ذلك فى كتب الأنبياء". وقد وردت معلومات فى كعب الأحبار فى الطبقات لابن سعد. الفهرست لابن النديم. الكامل لابن الأثير. الإصابة لابن حجر. المعارف لابن قتيبة. تهذيب التهذيب لابن حجر. وغيرهم مصادر التاريخ الاسلامى. د. حسن حبشى [م. سميتز M. Schmitz]

كعب بن الأشرف

كعب بن الأشرف كعب بن الأشرف أحد خصوم النبى محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] بالمدينة، وهو ينسب من ناحية أمه إلى بنى النضير، وإن كان أبوه عربيًا من نبهان أحد فروع طيئ، وقد تهود كعب تبعا لعادة يهودية ورثها من أمه من اعتناق الابن ملة والدته. وتنعته بعض القصائد بسيد الأحبار. وقد غضب أشد الغضب حين علم بهلاك الكثيرين من أشراف مكة وكبار شيوخها وأولى الأمر فيها فى وقعة بدر فنزح إلى مكة واستغل مواهبه الشعرية (وكان ينعت بالفحل الفصيح) فى تحريض قريش على قتال المسلمين، ولما عاد إلى المدينة نظم أبياتا فاضحة تغزل فيها ببعض النساء المسلمات، فلما سأل النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] من يخلصه من هذا الرجل كعب بن الأشرف تقدم محمد بن مسلمة فجمع أربعة آخرين معه كان منهم أبو نائلة (سلكان) بن مسلمة -أخو كعب فى الرضاعة، وجاءوا إلى كعب وادعوا عنده أنهم قدموا مخاصمين محمدا [-صلى اللَّه عليه وسلم-] واستدرجوا ابن الأشرف خارج أطمة فى ليلة مقمرة وفتكوا به رغم مقاومته الشديدة لهم. ويؤرخ الواقدى مصرعه بالرابع والعشرين من ربيع الأول سنة ثلاث للهجرة (4 سبتمبر 624 م). ولا تزال أطلال أطم كعب باقية حتى اليوم بالمدينة (راجع حميد اللَّه، غزوات النبى محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-]). المصادر: (1) ابن هشام: السيرة تحقيق Wustenfeld جوتنجن 1859 - 1860 م. (2) الطبرى: تاريخ الرسل والملوك تحقيق de Goeje ليدن 1879 - 1901 م جـ 1. د. حسن حبشى [مونتجمرى وات M. Watt] كعب بن زهير شاعر عربى معاصر للنبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وهو ابن زهير بن أبى سلمى يبدو أنه أثبت موهبته الشعرية فى مرحلة مبكرة من عمره؛ ولو أنه ينتمى إلى مزينة. وكان يعيش مع الزبيان وانغمس فى حروب قبيلته ضد طيئ وقريش والخزرج. وقد تحول أخوه بجير عن دينه قبل السنة السابقة من الهجرة،

كعب بن مالك

ولكنه رفض بحماس أن يحذو حذوه وكتب بعض الأشعار يهاجم فيها محمدا [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فأهدر الرسول دمه. ومنذ ذلك اليوم، ضاقت الأرض به فاعتزم التوبة. وقدم نفسه دون إنذار، فى السنة التاسعة، فى مسجد المدينة حيث كان محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] حاضرا وتلا عليه قطعته الشهيرة المعروفة باسم بانت سعاد وأعجب به الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] عند سماع المدائح فطرح النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] على كتفى الشاعر عباءته المقلمة من اليمن، "بردته"، التى جاء منها اسم البردة، وليس لبانت سعاد أى من المميزات للقصيدة الدينية؛ فهى تستمد إلهامها من مشاعر الشعر الوثنى، وهى تبدأ بملاحظة مألوفة تستخدم كثيرًا جدًا حتى أن حماد الراوية كان يفاخر بأنه يعرف 700 قصيدة أخرى بنفس الافتتاحية. والمعلقون عليها كثيرون: أشهرهم ثعلب وابن دريد والتبريزى وابن هشام وابن حجة والسيوطى والباجورى (V. Brochelmann) وقد نشر لأول مرة بواسطة Leiden 1748 Lette) ثم أنتج فيما بعد فى طبقات متعددة، وبخاصة بواسطة G. fraytag (مع ترجمة لاتينية 1823) و T.Noldeke, Delectus Berlin 110 - 4/ 1890، وقد استخرجت بالنسبة (الجزائر 1910) طبعة مصحوبة بترجمة فرنسية وتعليقين غير منشورين. وأخيرًا، تظهر فى ديوان لكعب الذى نشره ت. كوالسكى (كراكاو 1950) محتويا على 33 قصيدة وشذرات. وتاريخ وفاة كعب غير معروف ولكن يبدو أنه عاش إلى سن متقدمة. وداد عبد اللَّه السيد [ر. باسيه R. Basset] كعب بن مالك أبو عبد اللَّه أو أبو عبد الرحمن، أحد الشعراء المؤيدين لمحمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، كان أنصاريا من عشيرة سليمة من قبيلة الخزرج (انظر الأنصار) ولابد أنه ولد فى 600 م، حيث يقال إنه اشترك فى الحرب الداخلية فى المدينة قبل الهجرة، وإنه كان حاضرا فى العقبة الثانية عندما أقسم الولاء لمحمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] ولم يكن موجودا فى بدر ولكنه اشترك فى

كلاب بن ربيعة

معظم الغزوات التالية بقيادة محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-]. وفى أحد تلقى عدة جروح وكان أول من أقر بمحمد بعد إشاعة أنه قتل. ولسبب ليس واضحًا بقى فى المدينة إبان حملة تبوك فى خريف 9 هـ/ 630 م ويبدو أنه كانت تربطه علاقات بغسّان، وقد عرف فيما بعد بأنه مشايع لعثمان [-رضى اللَّه عنه-] يؤيده كخليفة ورثاه بعد موته. وطبقا لهذا الاتجاه رفض أن يبدى الولاء لعلى. وأصابه العمى وتوفى فى 50 هـ/ 670 م أو 53 هـ/ 673 م. واشتهر كثير من أفراد أسرته بمواهبهم الشعرية. وقد أكد محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] أهمية الشعراء فى تكوين رأى عام، وباتباع الشورى (انظر الطبرى تفسير) واعتبر كعب كأحد الشعراء مع حسان بن ثابت وعبد اللَّه بن رواحة المدافعين عن الإسلام ونبيّه ويوجد معظم شعر كعب فى السيرة لابن هشام. وتعالج قصائده بدرًا وأحدًا وبير مئونة والخندق وخيبر ومؤتة والغزوات الأخرى (انظر ديوان طبعة سامى م. المعانى بغداد 1966 وسيرة ابن هشام). وداد عبد اللَّه [التحرير] كلاب بن ربيعة كلاب بن ربيعة، هى قبيلة عربية تنتمى إلى مجموعة قبائل تسمى عامر بن صعصعة. ولقبيلة كلاب عشرة فروع رئيسية، سادها لفترة فرع جعفر بن كلاب وهو الفرع الذى انحدر عنه قادة عامر بأكملها. وقد اندلعت أخطر حروب "الفجار" قاطبة عند مقتل "عروة الرحال" من كلاب على يد البراد بن قيس الكنانى. وتقلبت البطون داخل القبيلة، ما بين معاداة المسلمين ومصادقتهم. واشترك رجلان من "كلاب" فى مهاجمة المسلمين عند "بئر معونة"، إلا أن الضحاك بن سفيان دخل الإسلام، ودعا هو ورفيقه قبيلته للدخول فيه، وأغارا على الرافضين منها.

كلب بن وبرة

مصطفى محمود محمد [مونتجمرى M. Watt] كلب بن وبرة كلب بن وبرة هو الجدّ الأعلى لبنى كلب أقوى قبائل قضاعة، وتعرف أمه بأمّ الأسبع لتسمية أبنائها جميعا بأسماء السباع الفترسة، ويرجع كلب (كما يرى الكلبى فى كتابه جمهرة الإنسان) إلى أصل يمنى، وإن كان الكلبيون ينسبون أنفسهم فى بعض الأحيان إلى عرب الشمال بل وإلى قريش ذاتها، وهم يفعلون ذلك لدوافع سياسية، كما يشير الأصفهانى فى كتابه الأغانى وابن قتيبة (طبعة دى غويه ص 233) إلى أنهم من ذرية زهير بن جناب الذى كان مطاع الكلمة بين قبائل الشمال، كما يقال إن أبرهة (وهو غير أبرهة صاحب الفيل) أرسله لمراقبة البكريين والتغالبة، وقد أحصى الأغانى (ص 102 وما بعدها) من جاءوا من زهير هذا فكانوا جمعًا غفيرًا عاصر واحد منهم يزيد بن المهلّب، كما اعتبر زهير هذا من المعمرين وقد ترك شعرًا يبكى فيه على شبابه الراحل. وتقع مراعى كلب فى الأرض الواقعة بين الشام والعراق فيما يعرف بسماوة كلب، وكانت مراكزهم هى الواحات الواقعة فى وادى "الخبت" الذى يتألق من الجوف ومن وادى سرحان الذى انطلقوا منه إلى الشام قبل أن يفتحه المسلمون بزمن طويل ومن ثم كان استقرارهم فى سلمية ودمشق (لاسيما فى الغوطة والمزّة) وفى الجولان والسويداء وإقليم حَرَّان، كما وجدت أعداد قليلة منهم فى حمص وحلب وحماة ومنبج، كذلك نزلوا فى فدك ودومة الجندل وتيماء والحيرة، ويذكر القلقشندى فى قلائد العقيان (ص 47) وابن خلدون (فى العبر 2/ 521 هـ) أن كثيرين منهم كانوا فى "الخليج القسطنطينى" وفى شيراز بفارس ومنفلوط بمصر، كما أن البيزنطيين جعلوهم تحت إمرة حلفائهم الغساسنة للدفاع عن الحدود الشامية ضد الساسانيين والحيرة، وبهذا تمرّس الكلبيون بالنظام الحربى واتبعوا

الكلبيون فى الإسلام: أما فى الإسلام فترجع علاقتهم بالأمويين إلى زمن الخليفة عثمان بن عفان وإلى زواج معاوية بن أبى سفيان من ميسون بنت أنيف، وكان معاوية يرمى من وراء هذا الزواج إلى دعم موقفه والاعتماد عليهم فى محاربته للإمام على بن أبى طالب، ومن هنا كان اليمنيون (لاسيما الكلبيون) أكثر القبائل نفوذا فى الشام زمن معاوية وولده يزيد الذى تزوج هو الآخر امرأة من بنى كلب.

القانون وتشبهوا بالغساسنة فاعتنقوا المسيحية على المذهب المونوفستى. وكان أول صدام بين الكلبيين والمسلمين حين أرسل النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] حملة إلى دومة الجندل انتهت بإسلام الأصبغ بن عمر مع عقد معاهدة بين الجانبين (راجع ابن سعد، 1/ 2/ 36) وكان رهط من الكلبيين ممن يعيشون فى مكة قد أسلموا، وكان من هذا الرهط زيد بن حارثة الذى تبناه النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، ومنهم دحية الكلبى، كما جاء وفد منهم إلى النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] عام الوفود يبايعونه على الطاعة (راجع فى ذلك الطبرى والمسعودى وابن الأثير وابن دريد وكتاب (الاشتقاق) والأغانى والعقد لابن عبد ربه والهمدانى والبكرى وياقوت ونقائض جرير والفرزدق والكامل للمبرد وجمهرة النسبى. بدرية الدخاخنى [ج. و. فك J. W. FUCK] الكلبيون فى الإسلام: أما فى الإسلام فترجع علاقتهم بالأمويين إلى زمن الخليفة عثمان بن عفان وإلى زواج معاوية بن أبى سفيان من ميسون بنت أنيف، وكان معاوية يرمى من وراء هذا الزواج إلى دعم موقفه والاعتماد عليهم فى محاربته للإمام على بن أبى طالب، ومن هنا كان اليمنيون (لاسيما الكلبيون) أكثر القبائل نفوذًا فى الشام زمن معاوية وولده يزيد الذى تزوج هو الآخر امرأة من بنى كلب. ولقد وقف الكلبيون إلى جانب الأمويين يؤيدونهم، على حين أخذ القيسيون يشدون أرز بن الزبير، ويشير المسعودى فى كتابه مروج الذهب (جـ 5 ص 200) إلى أن اليمنيين بزعامة حسان بن مالك بن بحدل الكلبى اشترطوا على مروان قبل أن يؤيدوه كل التأييد أن يكون لهم من الامتيازات ما كان لهم زمن معاوية ويزيد ومعاوية الثانى فيجرى على كل واحد منهم سنويا ما كان من قبل من دفع ألفى درهم فإذا مات الواحد منهم حل ولده أو ابن عمه محله فى تناول هذا القدر من المال، واشترطوا أن تكون لهم

الصدارة فى البلاط وأن يستشاروا فى كل أمر من الأمور فقبل مروان شروطهم هذه كلها ومن ثم لم يكن من المستغرب أن ترمى قيس بكل ثقلها فى وقعة مرج راهط (64 هـ) إلى جانب ابن الزبير، على حين وقف الكلبيون وبقية اليمن إلى جانب مروان ومع ذلك فقد انتهت هذه المعركة بهزيمة ساحقة للقيسيين وهى هزيمة لم ينسوا أبدا مرارتها بل زادت حدة الصراع بينهم وبين الكلبيين زمن عبد الملك بن مروان إذ رأى القيسيون فى الاضطرابات السائدة زمن استخلافه فرصة لأخذ ثأرهم، وجاءت هذه الفرصة فى المعركة التى وقعت على نهر الخازر سنة 67 هـ (= 686 م) حين انسحب عمر بن الحباب السلمى بمن معه من القيسيين من ساحة القتال مما أدّى إلى انتصار العراقيين، ولقد أخذ كل من ظُفر وعمير فى شن سلسلة من الهجمات على هؤلاء الكلبيين الذين كانوا يعيشون فى بادية السماوة (الواقعة فى سورية والعراق)، ورد عليها الكلبيون بقيادة حميد بن حريث بن بحدل. كانت هذه المعارك فاتحة سلسلة من الوقائع أشهرها معركة "بنات قين" التى انتصر فيها القيسيون، وإن كانت بنات قين هذه آخر المعارك بين الجانبين بفضل تدخل عبد الملك بن مروان وحكمته، فلما شب الصراع الحربى بين العباسيين والأمويين (سنة 132 هـ - 750 م) جاء من الكلبيين ألفان لمعاونة مسلم بن قتيبة والى البصرة الأموى، ووقفوا إلى جانب العباسيين وربما كان هذا التصرف هو الذى أدّى إلى اعتماد مروان الثانى على القيسيين اعتمادًا كليًا أو لأن الكلبيين أيقنوا أن الأمويين قد خسروا المعركة فأرادوا أن يكسبوا عطف النظام الجديد عليهم، ومع ذلك فقد قام الكلبيون فى نفس السنة مع آخرين من اليمن وشاركوا أبا الورد فى ثورته ضد الجيش العباسى الذى كان بقيادة عبد اللَّه بن على وربما كان تغير موفقهم هذا راجعا إلى عدم استرضاء النظام الجديد لهم، وشهدت دمشق زمن هارون الرشيد اضطرابات عنصرية بين اليمنيين والمضَريين، واستمرت هذه الاضطرابات زمن

المأمون بالنسبة إلى اليمنيين فى مصر وجدت أحداث فى أخريات أيام بنى العباس. وكان السبب الرئيسى لهذا النزاع القبلى هو ما كان من ميل قبائل عرب الشام إلى بنى أمية وساعد على توفر هذا الميل سياسات الحكام العباسيين الذين كانوا يحرضون كل قبيلة ضد الأخرى وظهر هذا التنازع مرة ثانية زمن المأمون (سنة 313 هـ/ 828 م) فيما يتعلق باليمنيين الموجودين فى مصر. فلما كان العصر العباسى المتأخر نجد أن تاريخ كلب أصبح أقل خطورة، واتخذ شكل مناوشات بدوية وهجمات على السلطات المركزية، وهذا بيان عن الأحداث الهامه التى كان أولها مساهمة الكلبيين (بقيادة عطيف بن نعمة) فى الثورة التى اضطرمت بحمص ضد حاكمها "الفضل بن قارن" فوثبوا عليه وقتلوه (سنة 250 هـ/ 884 م) ولكن استطاع موسى بن بغا الكبير قائد المستعين أن يقضى على المتمردين ويستولى على حمص، فلما كانت سنة 294 هـ (906 م) تعاون عرب كلب مع النمر بن قاسط ومع أسد وحاربوا حاكم الموصل الحسين بن همدان وطاردوه حتى أبواب حلب، غير أن ابن همدان هذا نجح فى السنة ذاتها فى التغلب على عرب كلب وطيئ وهزمهم ولكنه وقع أسيرا فى أيديهم فى نهاية الأمر كذلك شارك الكلبيون فى النزاع الذى شب بين والى دمشق وبين دبيس ابن صدقه وإلى حلب. على أنه قد يكون من الطريف أن نشير إلى أن الدعوة للقرامطة وجدت استجابة لها بين بعض الجماعات من بنى كلب لاسيما بين بنى العليص بن ضمضم ومواليهم الذين كانوا يعيشون فى بادية السماوة! بل إنهم أعلنوا معاونتهم وطاعتهم ليحيى بن ذكرويه الداعية القرمطى ونعتوه "بالشيخ"، كما انضم إلى "الشيخ" بنو الإصبغ (وهم فرع آخر من كلب)، وأيدوه تأييدًا قويا حتى لقد نعتوا أنفسهم "بالفاطميين" فلما فاجأوا جيش المعتضد الذى كان يطاردهم ودبروا قتل قائده "سبوك الديلمى" ونجحا فيما دبروه ثم انطلقوا

يخربون جميع القرى التى مروا بها كذلك هاجم ابن زكرويه وأتباعه طغج ابن جف والى دمشق وحاصروه هو ومدينته وظل القرامطة سادرين فى طغيانهم حتى بعثت مصر جيشًا بقيادة بدر الكبير وكان مولى لابن طولون فأنزل القرامطة الهزيمة بهذا الجيش وبشيخهم ابن زكرويه الذى مات قتيلًا على أيدى المصريين. ومن المهم أن نشير إلى أن هناك رأيا يرجع ما لاقاه ابن زكرويه من مصير إلى سياسة المساواة التى تبناها نحو أنصاره الموالى. أدى موت يحيى إلى قيام بنى العليس وبنى الاصبغ للسير فى ركاب أخيه الحسين بن زكرويه الذى تمكن من هزيمة المصريين وعسكر حمص وغيرها من عسكر الشام الذين وقفوا ضده، كذلك فإنه تمكن من فرض سيطرته حتى لقد خطب باسمه يوم الجمعة على المنابر مع تلقيبه بأمير المؤمنين فى جميع مساجد الشام وذلك سنة 289 هـ (901 م) وعلى الرغم من ذلك إلا أن الخليفة المكتفى تمكن من القبض عليه واعدامه سنة 291 هـ (903 م). ولما مات الحسين بن زكرويه قام بنو العلبس وبنو الأصبغ وبنو زياد (وكلهم كلبيون) وانضموا إلى داعية قرمطى آخر يسمى بأبى غانم نصر الذى هاجم بهم بصرى وأذرعات ودمشق وطيدية ولما صار فى طبرية انضمت إليه قوات من دمشق اشتركت معه فى قتال إبراهيم بن "بوغامردى" نائب والى الأردن وهزموه وقتلوه مما اضطر معه الخليفة المكتفى لارسال جيش ضدهم بقيادة الحسين بن حمدان، ثم زحفوا بعد ذلك إلى السماوة وهِيت التى عاثوا فيها فسادًا وتدميرًا. وقدم جيش آخر بقيادة محمد بن اسحق بن "كندا جيك" لقتالهم، فلما رأى الكلبيون أنهم غير قادرين على مواجهة هذا الجيش المشترك غدروا بصاحبهم القائد نصر القرمطى ووثبوا عليه فقتلوه وحملوا رأسه إلى الخليفة دليلا على طاعتهم له، وبذلك تجنبوا كل

الكلبيون فى الأندلس

عمل قد يتخذه ضدهم. كذلك كان الكلبيون أشد الناس حماسة ومعاونة لجميع الثوار السقانيين ومثال ذلك تأييدهم لثورات أبى الورد (132 = 750 م) وفتنة على بن عبد اللَّه بن خالد بن يزيد بن معاوية (195 هـ - 810 م) انظر فى ذلك تاريخ خليفه بن خياط والمحبر والأنساب للبلاذرى وفتوح البلدان له، واليعقوبى والاشتقاق لابن دريد والوزراء والكتاب للجهشيارى ومروج الذهب للمسعودى والأغانى ومعجم الشعراء للمرزبانى وجمهرة أنساب العرب لابن حزم. بدرية الدخاخنى [أ. أ. ديكسون A. A. Dexon] الكلبيون فى الأندلس: ضم جيش موسى بن نصير عناصر كلبية وقيسية ممن كانت ذكرى مرج راهط لا تزال حية متوقدة فى أذهانهم فأثارت حفيظتهم إثارة تجلت فى شمال أفريقية وخاصة فى الأندلس معظم القرن الثانى للهجرة (الثامن الميلادى) وكان الجند الذين أرسلهم هشام بن عبد الملك (لإخماد فتنة البربر التى أثارها ميسرة) يتألفون من الشاميين، وكان على مقدمتهم بلج الشريف القيسي قد لجأ إلى سبتة ينشد مساعدة حكم الأندلس عبد الملك بن قطن وكان من أهل المدينة المنورة الكارهين لأهل الشام فتوقف بن قطن فترة من الوقت عن تلبية استغاثة بلج ثم أذن له بالعبور إلى الأندلس ولكن بعد لأى، وكان البربر فى الأندلس فى ثورة هم أيضًا، وسرعان ما شب النزاع بين الكلبيين والقيسيين ونجح بلج فى زحزحة عبد الملك وعذبه، على أن سياسة بلج الممالئة للقيسيين أثارت الاضطرابات، كما أن خلفه أثار حنق السكان مما حمل الخليفة الأموى بدمشق على أن يرسل إلى قرطبة أبا الخطار الحسام بن ضرار الكلبى الذى حابى بنى جلدته محاباة جلب عليه عداء أحد شيوخ قيس وهو الضميل بن حاتم الذى لاقى كثيرًا من الصعوبات وأعلن خصومته للوالى حتى لقد ذهب فى هذه العداوة إلى حدّ محالفة بعض اليمنيين (من لخم وجذام) وأصبحوا يدًا واحدة

المصادر

ضد الكلبيين، ونجحت الحملة التى قامت سنة (127 هـ - 745 م) ودارت الدائرة فيها على أبى الخطار ووقع فى أسر العدو وحل محله ثعلبة بن سلمة الجذامى المتوفى سنة 129 هـ (= 746 م) واختير يوسف بن عبد الرحمن الفهرى واليًا على الأندلس وفر أبو الخطار. وأما أعوانه الكلبيون فقد هزموا فى وقعة شقنده عام 130 هـ (= 747 م) أمام القيسيين، ثم أخذت العواطف المثيرة فى البرود لاسيما وقد عمت المجاعة التى عملت على إيقاف التحركات العدائية، ثم تحالف اليمنيون مع البربر وهاجموا الصميل والى سرقطه إلا أن القيسيين نجحوا فى تخليصه من أيديهم سنة 137 هـ (= 755 م) لاسيما بمعونة جاءتهم من سفراء عبد الرحمن (الذى سيعرف بالداخل) وقطعت المفاوضات ووقف الكلبيون وغيرهم من اليمنيين إلى جانب عبد الرحمن الأموى وساعدوه ليدخل إسبانيا ويقيم دولة لنفسه بها. ثم أخذت العداوة التى بين القيسيين والكلبيين فى الضعف وأخذت الشخصية الأندلسية مظهرها وإن كانت بعض العصبيات لازالت تتقد من حين لآخر ومثالها تلك الحرب التى بدأت سنة 207 هـ (822 م) والتى استمرت سبع سنوات فى إقليم مرسيه. المصادر: وردت فى المتن. بدرية محمود الدخاخنى [التحرير]. الكلبى الكلبى اسم اشتهرت به أسرة كوفية شارك منها إلى جانب على بن أبى طالب فى وقعة الجمل نفر منهم؛ بشر الذى كان مؤيدًا لمصعب بن الزبير وقتل فى وقعة دير الجاثليق سنة 71 هـ (= 690 م) على يد ورقة النخعى فى القتال الذى دار بين مصعب بن الزبير والمختار ولعب دورًا مهمًا فى ثورة عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث فى دير الجماجم (82 هـ = 701 م) وإن كان الطبرى يجعل وفاته سنة 67 هـ (= 686 م). وأيا كانت حقيقة هذا الأمر فهو لم يقتل بصفين كما يقرر ابن حزم فى جمهرته (طبعة هارون، 1962، ص 459) فمحمد السائب وليس ابن

مالك كما فى الفهرست (طبعة فلوجيل، ص 95) لعب دورًا كبيرًا. وقد ترك هو لنا نفسه صورة فيها كثير من الفخر والمبالغة عن دوره، يتباهى فيها بانتصاره العظيم وعودته إلى أهله فى يوم واحد دون أن يترك وراءه سلاحًا واحدًا من أسلحته (الطبرى 6/ 349، 350، 364) وقد اشتهرت اسرة الكلبى بالعلم إلى جانب ما ذهبت به من الصيت العظيم فى مجال براعتها فى القتال حتى أنه قل أن ننظر فى كتاب من كتب العرب الأول إلا ونطالع إشارة إلى هذه الأسرة. ولعل أهم الكلبيين -وهم كثرة- من نختارهم فيما يلى: 1 - محمد بن السائب الكلبى الملقب بابى النضر المتوفى بالكوفة سنة 146 هـ (763 م) وقد أربى على الثمانين من عمره كما ضرب بسهم وافر فى جميع فنون العلم المعروفة فى زمنه سواء منها ما فى التاريخ العام أو تاريخ الأديان وأيام الجاهلية أو تاريخ اليهودية (انظر الملل والنحل للشهرستانى 1220 - 1264) أو تاريخ المسيحية (العقد الفريد لابن عبد ربه جـ 1 ص 157) وكذلك فى الشعر (ابن خلكان وفيات الأعيان، جـ 3 ص 436) والأدب وفقه اللغة والأنساب والحديث والأساطير القديمة، واستعان بمعرفته الواسعة فى وضع تفسير للقرآن الكريم يعد من أطول التفاسير كما يقول الذهبى (العبر، الكويت جـ 1 ص 106) ولعل هذا هو الذى حمل سليمان بن على أيام ولايته البصرة (من 133 حتى 139 هـ) لاستقدامه إليها ليقرأ للناس فى التفسير. وقد وضع ابن السائب الكلبى تفسيرًا لم يجر فيه على المعتاد مما جلب عليه معارضة سامعيه وإن كان هذا التفسير يعتبر اليوم فى عداد الكتب المفقودة، وقد أثَّرت نزعته الشيعية فى كتاباته ولاسيما فى تفسيره للأحاديث (انظر تفسير الطبرى، القاهرة ف 1374/ 76، 91، 216 - 217) حتى لقد رمى فى بعض الأحيان بالهرطقة والرفض والسبعية والإرجاء، كما اتهم بالتزوير والكذب، بل إنه لم يسلم فى القرن العشرين من خصوم له من علماء الأزهر (انظر أحمد شاكر فى طبعته

الآداب لأسامة بن منقذ، القاهرة 1935 م ص 123 - 124 حاشية رقم 5) ولا يزال هذا الكتاب مرجعا حتى أن مهاجميه قد اعتمدوا عليه وعدوه مصدرًا هامًا. 2 - وأما ثانيهما فأبو المنذر هشام ابن محمد بن السائب الكلبى الذى تفرد من بين الجميع "بابن الكلبى" التى إن قيلت وحدها انصرفت الأذهان إليه هو دون غيره. وأغلب الظن أنه ولد بالكوفة حوالى سنة 204 هـ (= 837 م) ودرس ومات بها سنة 819 أو 821 م زمن خلافة المأمون الذى حزن لموته حزنًا أليمًا (ابن الخطيب البغدادى جـ 14 ص 45 - 46) لأسباب ليست واضحة تمامًا. وأقام ابن الكلبى زمن الخليفة المهدى ببغداد وكان مثل أبيه فى إتقانه فنون المعرفة الشائعة فى عصره، وترك مؤلفات كثيرة تربو على مائة وخمسين مؤلفًا كما يقول ابن النديم فى الفهرست. وقد اقتبس من هذه الكتب كثيرون من تلاميذه فى كتبهم أمثال الطبرى ومحمد بن حبيب وابن دريد وأبى الفرج الأصفهانى ولكنهم قل أن كانوا يشيرون إلى أخذهم منه. على أن من مؤلفاته التى وصلت إلينا جمهرة النسب، وقد نشر له كل من "كاسكل وشترزك" كتابين كبيرين أما أحدهما فدراسة عن كل ما يتصّل عن قرب أو بعد بالأنساب عند العرب ومعروف باسم جمهره أنساب ابن الكلبى (ليدن 1966 م) كتاب آخر الأصنام طبعه لأول مرة أحمد زكى باشا سنة 1912 م. ثم ترجمه للألمانية "روزا روزنبرجر" وطبعته فى ليبزج سنة 1941 م، كما ترجمه إلى الانجليزية نبيه فارس وطبعه فى برنستون، وترجمه إلى الفرنسية مارمرجى سنة 1926 م ونشره فى مجلد جـ 5، 1962 م، ص 397 - 420) ثم طبعه طبعة حديثة عطا اللَّه مع ترجمة وتعليقات عليه بالفرنسية سنة 1969 م. ويعتبر الكلبى مصدرًا أساسيًا لتاريخ عرب الجاهلية وقد اعتمد عليه الكثيرون أمثال ابن دريد والنجيرمى

وياقوت وعبد القادر البغدادى إما بالإشارة إليه أو بالأخذ عنه. وأما الكتاب الثالث له فهو أنساب الخيل (انظر ديلا فيدا، لندن 1928 وقد اختلط بعض ما كتبه ابن الكلبى بما كتبه أبوه، فهو فى كلامه عن معركة دير الجماجم يقتبس من أبيه الذى فى هذه المعركة، ولكنه فى الوقت ذاته يرجع إلى رواة آخرين غير أبيه. وقد رجع ابن الكلبى إلى العارفين بالدراسات الدينية الخاصة بكتب الإنجيل والتوراة وكان عارفًا فى الوقت ذاته بآخر ما وصلوا إليه من اكتشافات أثرية فى اليمن (انظر ابن دريد الاشتقاق، ص 542، طبعة هارون، القاهرة 1958 م). ويظهر أنه كان يستخدم رجلا اسمه "جبلة" كان يمده بما يترجمه له من البهلوية (الفهرست ص 244) كما أنه كان يطالع بنفسه سجلات وألواح الجماعات النصرانية بالحيرة. أما فى مجال التاريخ فكان اعتماده فى الغالب على المصادر الشفهية فقط ويرجع إليه الفضل فى تدوينها ووصولها إلينا. ولم يسلم ابن الكلبى من نقد لاذع من بعض الكتاب العرب، ولكن مرجع هذا النقد الجارح هو الغيرة أو بعض دوافع دينية، كما كان هناك معجبون به، فمن الفريق الأول من المحدثين جولد تسيهر فى نقله ما هوجم به ابن الكلبى قديمًا. وهناك فريق آخر يمثله نولدكه لم يغال أو يسرف فى مهاجمة ابن الكلبى فتضاءلت منذ ذلك الحين حدة الهجوم عليه. ومجمل القول أن ابن الكلبى لم يأخذ ما يستحقه من القدماء ولا من المحدثين ما هو جدير به، وإن كانت الأبحاث اليوم تؤكد أن دور ابن الكلبى كان عظيمًا فى تاريخ الأدب العربى. 3 - أما ثالث الكلبيين فعباس بن هشام (وليس بأخيه كما يقول الكوفى (الفهرست لابن النديم ص 95). أما ابن الكلبى الذى يتكلم عنه ابن الخطيب البغدادى (16/ 46) فالأغلب أنه حفيد محمد الكلبى، وقد ترك عباس بن هشام ذكرياته عن أبيه هشام، ولا نعرف عنه أى شئ أكثر من

المصادر

هذا. انظر الطبقات لابن سعد 6/ 358 - 359، والمعارف لابن قتيبة، ووفيات الأعيان لابن خلكان ومعجم الأدباء لياقوت والميزان للذهبى. المصادر: وردت فى المتن. د. حسن حبشى [ف. عطا اللَّه F. Attallah] كليلة ودمنة هو اسم يطلق على [كتاب هندى به نوادر وحيل الحيوان، ويظهر خيالات الحيوان بصنوف الأصباغ والألوان ليكون أُنْسًا لقلوب الملوك، ويكون حرصهم عليه أشد للنزهة فى تلك الصور]، واشتق الاسم من تحريف لاسمين -باللغة السنسكريتية- لشخصيتين رئيسيتين فى الكتاب -هما ابنا آوى- كَرَطَكَة ودَمَنكَةَ (أما فى الترجمة السريانية القديمة فهما كِليلَج ودَمْنَج) وقد ترجم الكتاب من السنسكريتية إلى البهلوية ومن هذه إلى العربية وحظى بشهرة واسعة فى آداب كل من الإسلام والمسيحية. 1 - العمل الأصلى: الأصل الهندى ألّفه مجهول حوالى عام 300 بعد الميلاد فى كشمير، وهو يتكون من مقدمة وخمسة كتب، كل منها يحمل العنوان "تَنْتَرةَ" أى "حادثة ذات مغزى" وكان الهدف من الكتاب إسداء النصح للأمراء فى مجال الحكم من خلال حكايات تروى على ألسنة الحيوان، ، وقد كتب بلغة سنسكريتية راقية، وانحدرت من هذا الكتاب فيما بعد عدة كتب حملت أسماء أخرى منها: "تَنْتَراخَيَاييكة" -وهو أقدمها- و"أنْيكَتَنْترة" و"بَنْتَستنترة". 2 - الترجمة البهلوية: تمت بناء على أمر صادر من الملك الساسانى خسرو أنو شروان وتم ترجمة أحد هذه الأعمال من السنسكريتية إلى البهلوية وذلك على يد الطبيب برزويه الذى أرسله الملك إلى الهند خصيصًا لهذا الغرض، وزاد عليه ملحقا يضم حكايات مستمدة عن مصادر هندية أخرى. 3 - الترجمة السريانية القديمة: ثم ضاعت ترجمة برزويه إلى البهلوية غير أنه كان قد تم ترجمتها بالفعل إلى اللغة

السريانية حوالى عام 570 م. ولم ينقذ هذه الترجمة سوى مخطوط وحيد كان محفوظًا فى دير مارون ومنه إلى مكتبة بطريركية الموصل انتقل فيما بعد إلى حوذة المونسينود "جرافان" فى باريس. 4 - الترجمة العربية: بعد مرور قرنين تقريبًا ترجم عبد اللَّه بن المقفع إلى العربية ترجمة بروزيه البهلوية، وكتب مقدمة له. وجاءت ترجمة ابن المقفع فى أسلوب رفيع يخاطب به ذوَّاقة الأدب. ولكن نظرا للمضمون الذى ينطوى عليه الكتاب أصبح رائجا للغاية، ومن هنا غدا عرضة للتحريف فى النقل عنه، فحتى ابن قتيبة الذى استشهد بمقتطفات عديدة منه فى كتاب "عيون الأخبار" لم ينقل النص الذى كتبه ابن المقفع كلمة كلمة، كما أن المخطوطات العديدة لهذا الكتاب يرجع نَسْخُها إلى تاريخ متأخر. 5 - النظم شعرًا بالعربية: لقد صيغت ترجمة ابن المقفع شعرًا بالعربية ثلاث مرات. أما النظم الأول فقد تم على يد معاصره "أبان اللاحقى" وقد فقدت هذه النسخة، ثم جاء "ابنَ الهبَّارية" فى حوالى عام 1100 ليضع صياغة شعرية -استنادا إلى نص ابن المقفع مع الاستعانة بالنسخة السابق ذكرها- وذلك فى عشرة أيام وجاءت صياغته فى لغة راقية جزلة وسماها "نتائج الفطنة فى نظم كليلة ودمنة"، ثم صيغت شعرًا للمرة الثالثة بعنوان "دُرُّ الحِكَم فى أمثال الهنود والعجم"، على يد عبد المؤمن بن الحسين الصَّغانى الذى أتمها فى 20 جمادى 640 هـ/ 15 نوفمبر 1242 م بعد 80 يومًا من العمل وهى توجد حاليا فى مخطوطة واحدة فحسب فى فينا. 6 - الترجمة السريانية اللاحقة: تولى رجل من رجال الدين السريانى فى القرن العاشر أو الحادى عشر الميلادى ترجمة نص ابن المقفع إلى اللغة السريانية مرة أخرى، وكانت قد غدت فى ذلك الوقت لغة ميتة لا تتداول إلا فى داخل الكنيسة، وقد حاول جاهدًا أن يضفى على الكتاب صبغة مسيحية، ولذلك عمل على تضخيم أشعار الأصل

الهندى -التى كانت قد حرفت بالفعل فى الترجمة البهلوية تحريفًا شديدًا- بحيث أصبحت الأبيات الشعرية خطبًا أخلاقية مملة -، كما ارتكب سلسلة من الأخطاء فى الترجمة- ولكن نظرًا لأنه استخدم نصًا هو أقرب ما يكون للأصل دون باقى المخطوطات التى بين أيدينا، فإن هذه الترجمة تعد -رغم عيوبها- ذات قيمة كبيرة بالنسبة لدراسة نقد النصوص. 7 - ترجمات فارسية نثرًا وشعرًا: طبقًا لما جاء فى الشاهنامة للفردوسى، فإن كتاب ابن المقفع قد ترجم إلى الفارسية فى عهد السامانى نصر بن أحمد (302 - 331 هـ/ 914 - 943 م) وذلك بأمر الوزير بلعمى، ولكن يبدو أن هذه الترجمة لم تتم أبدا. ثم تولى الشاعر رُذَكى (ت 304 هـ/ 916 م) -بناء على أمر من نفس الحاكم- ترجمة الكتاب إلى الفارسية شعرًا، ولم يصلنا منها سوى 16 بيتًا على شكل شواهد وردت فى "لغتى فرس" للأسَدِى. والمرجح أنه قد تمت ترجمة كتاب ابن المقفع إلى الفارسية نثرًا بعد عام 539 هـ/ 1141 م على يد نظام الدين أبى المعالى نصر اللَّه بن محمد عبد الحميد الذى أهدى هذا العمل إلى "بَهْرام" شاه غزنة. وطبعت هذه الترجمة على الحجر فى طهران فى عام 1282 هـ/ 1864 م. وتم نظم الكتاب شعرًا على يد أحمد ابن محمود الطوسى القانِعى وهو معاصر لجلال الدين الرومى فى قونية. والمرجح أنها تعتمد على ترجمة نصر اللَّه وإن لم يشر إلى ذلك إطلاقا. إلا أن هذه الترجمة توارت فى الظل تماما بعد أن تولى واعظ البلاط حسين واعظ كاشِفى (ت 910 هـ/ 1504 م) مراجعة ترجمة نصر اللَّه وسماها "أنوادى سهيلى". ثم كلف الإمبراطور أكبر (1556 هـ/ 1578 م) وزيره أبا الفضل لإعداد نسخة جديدة من الكتاب وجاءت هذه تحت اسم "عيادى الدانش" فى عام 996 هـ/ 1578 م. ولم تنشر الترجمة. 8 - ترجمات تركية: ترجم كتاب ابن المقفع مرتين إلى التركية الشرقية وذلك نقلا عن ترجمة نصر اللَّه فقد

ترجمت نسخة نصر اللَّه إلى التركية العثمانية القديمة على يد مسعود وبطلب من عمر بك أمير "ايدين" (توفى 748 هـ/ 1347 م). وقد صيغت هذه الترجمة النثرية شعرا على يد مؤلف مجهول أهدى عمله هذا إلى السلطان مراد الأول (761 هـ/ 1359 م - 792 هـ/ 1389 م) ولم يصلنا منها سوى نصفها تقريبًا. وتوجد ترجمة بالنثر العثمانى الحديث فى مخطوطة "بواليان" ولابد أنها أنجزت قبل عام 955 هـ/ 1548 م. ثم تولى على بن صالح الملقب "بعلى" أو "على شلبى" ترجمة "أنوار سهيلى" إلى العثمانية فى نثر موزون وأهدى هذه الترجمة إلى السلطان سليمان الأول (1512 - 1520 م) بعنوان "همايون نامة" وقد طبعت عدة مرات فى بولاق واستانبول. ومن بين الطبعات الأوربية المختلفة لهمايون نامة تعد الترجمة التى وضعها "جالان" أشهرها، وقد نشرت بعد وفاته (باريس 1724) وطبعت عدة مرات. وترجمت إلى الألمانية والدانمركية والمجرية والسويسرية والمالاوية والجاوية (نثرا وشعرا). بل إن هذه الترجمة الجاوية -التى بلغت مستوى رفيعا من البلاغة جعلها تتفوق حتى على الأصل الفارسى- أغرت المفتى يحيى أفندى وعثمان زادة (ت 1139 هـ/ 1720 م حين كان قاضيا بالقاهرة). بإعداد مقتطفات منها. وترجم كتاب ابن المقفع من العربية إلى التركية قَزَن على يد عبد العلَّام قيظ خان أوغلو، وطبع عام 1889 م. 9 - الترجمة المنغولية: لم تصل إلينا الترجمة المنغولية التى أعدها فى قزوين هالك افتخار الدين محمد بن أبى نصر من ذرية محمد بكرى. 10 - الترجمة الأثيوبية: كذلك ضاعت ترجمة أثيوبية كان من المؤكد أنها وضعت لنص عربى بقلم ابن المقفع وذاع فى مصر. 11 - ترجمة عبرية وترجمات أوربية قديمة: فى بداية القرن الثانى عشر الميلادى تولى شخص يدعى

"دابى جوئيل" ترجمة نص ابن المقفع إلى اللغة العبرية، ثم نقل هذه الترجمة من العبرية إلى اللاتينية اليهودى جون كابوا من أجل الكاردينال أورسينوس بين عامى 1293 - 1278 م، وكل الترجمات إلى اللغات الأوربية الغربية التى جاءت فى وقت لاحق صدرت عن النص اللاتينى الذى وضعه جون كابوا، فيما عدا الترجمة إلى اللغة الإسبانية القديمة فقد صدرت عن النص الذى وضعه رابى جوئيل. 12 - الترجمة اليونانية: عندما شارف القرن الحادى عشر على نهايته ترجم سيميون -وهو ابن ست- نص ابن المقفع إلى اليونانية المرسلة ونقلت هذه الترجمة بدورها إلى اللاتينية والألمانية فضلا عن اللغات السلاية. 13 - الترجمة الفارسية: نقلت مرة أخرى إلى الفارسية تلك الترجمة الأخيرة التى ترجمت نص ابن المقفع إلى السنسكريتية، والمرجح أن يكون ذلك قد تم فى عهد "أكبر" على يد شخص يدعى تاج الدين وحملت عنوان "مفرح القلوب". وقد نقل هذا العمل إلى اللغة الهندوستانية على يد "رمير بَهَادور على حسين" المؤلف الهندوستانى المرموق (1217 هـ/ 1802 م). 14 - الترجمة إلى الملاوية القديمة: تقوم هذه الترجمة على نص مختلط يجمع بين نص ابن المقفع والنص الهندوستانى لـ "بَنْتكِتنترا". وقد نقلت هذه الترجمة بعد ذلك إلى اللغة الجاوية والمدودية. 15 - ضروب من المحاكاة لكليلة ودمنة: إذا نحينا جانبا حكايات ألف ليلة وليلة فسوف نجد أن هناك ثلاث محاولات -فى الآداب الإسلامية- لمحاكاة نص ابن المقفع. فقد حذا حذوه فى طريقة النظم كل من ابن الهبارية فى كتابه "الصارح الباغم" (طبع فى القاهرة عام 1294 م). ومحمد بن عبد اللَّه ابن ظَفَر الصقلى (ت 565 هـ/ 1169 م أو 568 هـ/ 1172 م) فى كتابه "سلوان المطاع" الذى كتبه أول الأمر

المصادر

فى 545 هـ/ 1150 م ثم اهدى نسخة جديدة لقائد صقلية أبى عبد اللَّه محمد الكُرَشى بهدف أن يكون [أُنْسا للأمراء] على نحو ما كان كليلة ودمنة. واشتمل الكتاب على حكايات تاريخية إلى جانب الحكايات على ألسنة الحيوان. وقد طبع على الحجر فى القاهرة عام 1278 م، وفى تونس عام 1279، وفى بيروت عام 1300، وترجمه إلى التركية، "قرا خليل زادة" (ت 1168 هـ/ 1754 م) وطبع فى استانبول عام 1285 وترجمه إلى الإيطالية "م. أمادى" حيث طبعت ترجمته عامى 1851، 1882 م. ثمة نص آخر ألفه "إذبَهْبذَ مرزُبات" أمير طبرستان بلغة فارسية عامية فى نهاية القرن الرابع الهجرى/ العاشر الميلادى. ولم يصلنا هذا النص ولكنه ترجم مرتين فى القرنين السادس الهجرى/ الثانى عشر م والسابع الهجرى/ الثالث عشر الميلادى وذلك فى بلاط سلجوق آسيا الصغرى "سليمان شاه" على يد وزيره محمود بن غازى من ملطيه وسماه "روضة العقول" وهو فى مخطوطين فى ليدن وباريس. أما "مرزُبان نامة" لسعد الدين ابن ورادينى فقد وضعت بين عامى 607 هـ/ 1210 م و 622 هـ/ 1225 م. وحظيت بشعبية أكبر. ثم ترجمت إلى التركية العثمانية على يد مؤلف مجهول، وقد نقلت هذه الترجمة إلى العربية مرة أخرى على يد مجهول أيضًا. وثمة ترجمة عربية أخرى صدرت عن هذه الترجمة التركية قام بها ابن عرب شاه وطبعت على الحجر فى القاهرة 1278 وقد أعاد نفس المؤلف كتابة الكتاب بأسلوب نثرى متكلف بعنوان "فاكهة الخلفاء ومفاخرة الظرفاء" وأضاف إليه حكايات جديدة. 16 - كليلة ودمنة فى الفن الإسلامى: كان كتاب كليلة ودمنة من الكتب التى ألهمت الفنانين المسلمين سواء فى المدارس الإيرانية -قبل المغول وبعدهم- أو مدارس بغداد، وهناك رسالة علمية تناولت هذا الموضوع بالدراسة (غير منشورة) كتبها م. محرز - القاهرة عام 1946 م. المصادر: وردت فى المتن. سعيد عبد المحسن [ك. بروكلمان C. Brockelmann]

كنانة

كنانة كنانة بن خزيمة، قبيلة عربية تنتمى إلى أسد بن خزيمة، كانت أرضها فيما حول مكة وتمتد من تهامة فى الجنوب الغربى من مساكن بنى هذيل إلى الشمال الشرقى حيث تشرف على أسد، وهناك ما لا يقل عن ست بطون لكنانة هى النضر (أو قيس) جد قريش التى كانت قبيلة مستقلة بذاتها، وبطن مالك وملكان وعامر وعمرو وعبد مناة، وقد انقسمت البطن الأخيرة إلى أفخاذ، وكان بكر بن عبد مناة من العشائر القديمة ومنها مدلج والدُّئيل وليث وضمرة التى تسمى أحيانًا بغفار بن عبد مناة، ثم هناك الحارث بن عبد مناة التى كانت القسم الرئيسى من الأحابيش الذين يرجح أنهم مجموعة من الأسرات الصغيرة ولكنها لا ترجع إلى جد مشترك (ومنهم عضل والقارة والديش وكلها من بنى الهون بن خزيمة وقد يجتمعون مع المصطلق الخزاعى وأحيانًا مع بنى لحيان الهذيليين. تاريخ كنانة: كان فِهْر الجد الأكبر لكل قريش يعتبر شيخ كنانة حينما تغلبوا على إحدى الجماعات الحميرية، وقد وجد قصى معونة من كنانة له فى صراعه الذى انتهى بأن صار صاحب الأمر فى مكة، ثم تدعم مركزه بالتحكيم الذى أشرف عليه يعمر بن عوف الليثى على الرغم من أن معظم بنى بكر بن عبد مناة عارضوا قيسًا، وما نجم عن حرب الفجار ويوم نخلة الذى يرجع إلى قتل البراء بن قيس رجلًا من كلاب، وعلى أية حال فإن كنانة (ومعها بكر) وقفت إلى جانب قريش ضد هوازن، غير أن نفرًا من بكر استمروا فى معارضتهم لقريش لاسيما بعد مقتل شيخ بنى بكر فى الثأر لفتى من قريش، ولقد وقفت بكر إلى جانب محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] ثم كانت الغارة البكرية على خزاعة وهم أنصار محمد التى أدت إلى فتح مكة سنة 630 م، وكان رجال النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فى هذه المناسبة رجال من غفار وضمرة وليث، ثم لا نعود نسمع شيئًا بعد ذلك عن تحركات من جانب كنانة، إلا أننا نعرف رجلًا من أبرز رجال هذه القبيلة وهو أبو الأسود الدؤلى كان من أصحاب على بن أبى طالب وإن لم يكن من الصواب قولهم

المصادر

إنه واضع أسس النحو العربى، على أن الطبرى يشير فى سنة 630 م إلى رجال من كنانة كانوا لا يزالون يعيشون قرب مكة، ولكن لم يكن لهم بأس ولا قوة. كذلك نرى رجالًا منهم فى حوران. حتى إذا كان القرن السادس الهجرى (الثانى عشر الميلادى) نراهم فى صعيد مصر وفى غربى الدلتا. راجع فى ذلك ابن هشام وصبح الأعشى للقلقشندى، ونهاية الأرب له أيضًا ومعجم البلدان لياقوت. المصادر: وردت فى المتن. مها سيد معبد [و. م. واتخ Watkh] كناية مصطلح فى علم البيان يطلق على لفظ أريد به لازم معناه أى يُستبدل بلفظ آخر تربطه به علاقة منطقية من حيث الاشتقاق، ينطوى اللفظ على ضرب من الستر كما هو الشأن فى لفظ "كُنية" المشتقة من "كناية" فى رأى بعض النحويين ومنهم المبرد (الكامل 677) والكناية ضرب من ضروب الاستعارة ولكنها تتميز عن "المجاز" فى أنه -أى المجاز- لا يفهم إلا من حيث هو تشبيه كقولنا رعينا الغَيْثَ (أى روينا بالمطر) فالغيث هنا لا تعنى سوى الحشائش التى نبتت بعد نزول المطر- ويرى بعض النحويين أن الكناية تشمل ضروبا مختلفة من تعريض وتلويح ورمز وإيماء وإشارة. ولكن هذا ليس صحيحًا لأنه يتعين على السامع حين يكون الجمع بين معنى الحرف الأصلى والمعنى المجازى واردا أن يبذل جهدا بخياله لفهم المعنى الحقيقى سواء أكان حرفيا أصليا أم مجازيا، وإلا أصم أذنيه عنه. وبصفة عامة يرى ابن الأثير أن الكناية عبارة عن لفظ أو مجموعة ألفاظ يمكن تفسير معناها حرفيا أو مجازيا وتحل محل كلمات أخرى لدواعى الأسلوب، إما مراعاة للاحتشام أو لتجنب ما يصدم الشعور أو ينذر بالشؤم. على أن تكون العلاقة لازمة بين المعنى الحرفى والمعنى المجازى أى بين الكناية والمكنى عنه -ونلاحظ أن السكّاكى يميز بين ثلاثة أنواع:

كندة

1 - التمتيل كأن نقول "نقى الثوب" ونعنى نقاء مسلكه وبعده عن العيب. 2 - الارداف أى أن نأتى بلفظ هو رِدْف اللفظ الأصلى وتابع له، كأن نقول طويل النجاد ونعنى بذلك أنه رفيع المقام -أو نقول "كثير الرماد" كثير القِرَى أو كريم الضيافة لأن كثرة الرماد تعنى ضمنا كثرة النار أى الخشب الذى أوقد وبالتالى كثرة عدد الضيوف. 3 - المجاورة أو التداعى كأن نقول كأسا أو زجاجة ونعنى بذلك خمرا. وثمة دراسات وأبواب خصصت للكناية وهى حافلة بالاقتباسات من القرآن والحديث النبوى والتى يمكن تفسيرها على أنها كناية -فيقول القرآن {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} (سورة المدثر - 4) نجد أن كلمة ثياب قد تكون كناية عن النفس أو السلوك. . . الخ ولابد للفقهاء أن يأخذوا فى اعتبارهم تأويل الكناية عند تناوليهم آيات تتعلق بالشريعة، كما هو الحال فى قوله تعالى: {لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ} فنرى الجاحظ فى كتابه البخلاء والحيوان يعتبر النعجة رمزًا للزوجة، أو فى قوله تعالى: {. . . أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ. . .}، فالغائط تعنى المرحاض أو الغائط إذن يلزم الاغتسال. وكلمة لمس قد تعنى المعنى الحرفى لها وهى مس وقد تعنى مجازًا ممارسة الجنس، إن المقصود بالكناية هنا -على حد قول الثعالبى "تحسين القبيح" وهناك أمثلة أخرى تستخدم فيها الكناية بهدف الدقة فى التعبير. راجع فى هذا (قدامة: نقد الشعر، والمبرد الكامل، ابن رشيق: العمدة). سعيد عبد المحسن [ش. بيلات Ch. Pellai] كندة كندة من قبائل جنوب شبه الجزيرة العربية انتشرت هذه القبيلة فى كافة أرجاء بلاد العرب فى القرنين الخامس والسادس الميلاديين، ولعبت دورًا فعّالًا فى تاريخ شبه الجزيرة قبل ظهور الإسلام، وكان لها تأثيرها الحربى والسياسى والثقافى. وفى ذلك العصر برز منها حُجر الملقب بآكل المرار الذى استطاع أن

يفرض نفوذه على قبائل معد فى وسط وشمال بلاد الرب، واستمر أبناؤه وأحفاده يمارسون السيطرة عليهم طيلة قرن من الزمان. وكان من أبرزهم الحارث بن عمرو، فقد تعدت شهرته حدود العرب إلى فارس وبيزنطة وحلفائهما اللخميين والغساسنة، كما قام فى سنة 500 م ولده حُجر ومعديكرب بالهجوم على التخوم البيزنطية، مما حمل الامبراطورية فى سنة، 502 م على أن تعقد هدنة سلام مع الحارث الذى حكم الحيرة لفترة قصيرة واعتنق المزدكية ثم غادر الحيرة واتجه إلى البيزنطيين الذين قلدوه حكم إحدى مقاطعات ولاية فلسطين لكنه تنازع مع واليها "وديوميد" وفرَّ إلى الصحراء فقتل سنة 528 م. واختلف الناس أكان قاتله المنذر اللخمى أم واحد من قبيلة بنى كلب. ولقد قسم الحارث قبائل معد العربية بين أولاده الأربعة: حُجر، وشرحبيل وسلمة ومعديكرب، إلا أنه سرعان ما شبت المنازعات بعد موته بين هؤلاء الأولاد وأدت إلى حرب دامية قُتل فيها شرحبيل فثارت قبيلة أسد على حجر وقتلته، وأخذت بعد ذلك قوة كندة فى الانحلال، وفى ذلك الوقت سعت بيزنطة حوالى سنة 530 م إلى تكوين حلف يضم حمير وأثيوبيا وكندة فى وجه الفرس. ولكن فى النصف الثانى من القرن السادس الميلادى تدهورت تماما قوة كندة فى وسط شبه الجزيرة العربية وشمالها، حتى أنها اضطرت إلى العودة إلى موطنها الأصلى فى حضرموت فى نهاية الأمر، وكانت تجربة كندة أول محاولة لفرض الوحدة على قبائل وسط بلاد العرب وشمالها، كما أنها استمدت من الجنوب الحميرى نوعًا من الحياة المستقرة، فحكمت العرب من بعض المراكز الحضرية مثل غمردى كندة وحجر، كذلك كان اعتناق بيت آكل المرار للمسيحية عاملًا هامًا فى نشرها فى وسط وشمال بلاد العرب. وساهمت كندة فى نشر الكتابة وتعليمها ومحو الأمية بين العرب، حتى ليقال إن واحدًا اسمه بشر بن عبد الملك (من قبيلة سكون) تعلم فن الكتابة بالعربية

المصادر

بالحيرة وعلمه فى مكة التى استقر بها وتزوج أختا لأبى سفيان وينتسب إلى كندة امرؤ القيس، أحد فحول الشعر فى العصر الجاهلى. ونعرف أن الأشعث بن قيس جاء على رأس وفد من كندة إلى رسول اللَّه [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وهو بالمدينة [وذلك عام الوفود] وأعلن إليه اسلام كندة، ولكن كندة ارتدت عن الإسلام بعد وفاته ولم يتأت إخضاعها إلا بشق الأنفس، وبعدها انتشر الإسلام فيها وحسن إسلام رجالها الذين أبلوا بلاء حسنا فى الفتوح وكان منهم الذى شارك فى اليرموك والقادسية ثم فيما بعد فى صفين إلى جانب علىّ وكان منهم أيضًا شرحبيل بن حسنة أحد القادة الذين ولاهم أبو بكر الصديق فتح بلاد الشام، وكانت جبهة شرحبيل هذا فى الأردن ففتحها ثم استعمل عليه وقد شارك بعض الكنديين فى الثورة على الخليفة عثمان بن عفان التى انتهت بمقتله، ورغم أنهم فى العصور التالية والوا الأمويين وكان منهم الحسين بن نمير السكونى الذى ضرب مكة بوابل من الأحجار حين استجاب لأمر الخليفة يزيد بن معاوية بحصار مكة حتى شبت النار فيها إبان ثورتها ثم هناك واحد من كندة اسمه عبد الرحمن لكن أحدهم وهو ابن الأشعث رفع علم الثورة وزحف على الحجاج بالعراق ولكن دارت عليه الدائرة فى معركة "دير الجماجم". ولكن حظهم كان أفضل فى الغرب الإسلامى حيث تمكن بعضهم فى عصر ملوك الطوائف من تكوين إمارات مستقلة فى سرقسطة والمرية. المصادر: (1) ابن دريد: الاشتقاق، القاهرة 1959، ص 362 - 373. (2) ابن حزم: جمهرة أنساب العرب، القاهرة 1962, ص 425 - 432. (3) ابن الكلبى؛ جمهرة الأنساب، طبعة Caskel، الجزء الأول، ص 233 - 234 - والثانى ص 47 - 53. (4) البلاذرى: فتوح البلدان، طبعة صلاح الدين المنجد، القاهرة 1956، الجزء الأول 73 - 75، 120 - 124، 128 - 129، 135 - 140، 155 - 156. مروان حسن حبشى [أ. شهيد I. Shahid]

الكندى

الكندى أبو يوسف يعقوب بن إسحاق "فيلسوف العرب" ولد قبيل نهاية القرن الثانى الهجرى الثامن الميلادى وتوفى فى منتصف القرن الثالث الهجرى/ التاسع الميلادى. هو باحث وفيلسوف شامل وعاش فى فترة تمور بالتيارات الثقافية فى مجال العلوم وفى مجال علم الكلام، وهى فترة زاخرة بالترجمات والمجادلات حول مذهب المعتزلة. كان فى صحبة كل من الخليفة المأمون والخليفة المعتصم وقد أهدى للمعتصم كتاب "الفلسفة الأولى" وأهدى لابنه أحمد، الذى كان أيضًا تلميذًا له عددا من المقالات الأخرى وهناك شكوك توحى بأنه كان يميل لفكر المعتزلة نظرًا لصلاته بهذين الخليفتين، ونظرًا لما لحقه من أذى فى عهد الخليفة المتوكل إلى حد حرمانه من مكتبته الضخمة لفترة من الوقت، وتؤيد هذه الشكوك ما نجده فى فقرات عديدة فى أعماله المعروفة، كما تدعمها عناوين بعض أعماله التى وردت فى قوائم الكتب ولم تصل مخطوطاتها لنا. وهذه القوائم تكشف عن شمول مؤلفات الكندى وتنوعها، فقد ألف نحو 250 عنوانا (انظر الفهرست) تناولت شتى العلوم التى كانت تدرس فى أيامه (ومنها التنجيم) ولكن القائمة تخلو من الكيمياء التى كان يعدها نوعًا من (الخداع) كما أنه عالج موضوعات تطبيقية فنية ذات أهمية خاصة للطبقة الحاكمة التى كان مرتبطا بها مثل صناعة الزجاج والمجوهرات والدروع الواقية والعطور. ومن المحال إعطاء وصف كامل لفكر الكندى نظرًا لأن عدد النصوص التى وصلتنا أو نشرت من مؤلفاته صغير نسبيًا (أقل من 40 عنوانًا بعضها فلسفى والآخر علمى هى التى بين أيدينا). ولكن يمكننا وضع خطوط عامة أو تحديد ملامح ذات دلالة من واقع النصوص المتوافرة بين أيدينا. وإن أفضل ما يعبر عن موقفه الفلسفى العام نجده فى الفصل التمهيدى لكتابه "الفلسفة الأولى" إلى جانب بعض التعريفات وبعض الأقوال ذات الطابع الفنى عن الفلسفة مثل مبادئ الفلسفة،

والعلل الأربع، والمسائل العلمية الأربع وفى هذا المجال نجده من المنادين بالفلسفة والمدافعين عنها. وكان يستلهم كتاب الميتافيزيقا لأرسطو بل إنه اقتبس منه فقرات. ووجه نقدا حادًا لمعارضى الفلسفة الذين هاجموها باسم الدين فى حين أنهم بعيدون عنه. وهو يرى أن المعرفة تأتى من مصادر عدة وهى قابلة للنمو، وهو يحترم رسالة النبوة، ويعقد مقارنة بين العلم الإنسانى والعلم الإلهى، فالأول قوامه جهد متواصل وإعداد منظم طبقا لخطة دقيقة -بينما الأنبياء يأتيهم الوحى من اللَّه عندما يشاء، ويرى ابن الجُلْجل أن الكندى كان أقرب فلاسفة الإسلام إلى أرسطو، وأخبرنا عنه أيضًا أنه قد كتب رسالة فى التوحيد مستخدما فيها مناهج المناطقة. أما القِفْطى فيرى أنه درس بعمق كل فروع الحكمة اليونانية والفارسية والهندية. وقد تبنى الكندى مفاهيم بعينها مستمدة من فلسفة أرسطو هى العلل الأربع، والمقولات والقضايا (المنطقية)، وأخذ من أفلاطون التأمل فى النفس وعلاقته بالبدن -وأسلوبه ومنهجه يتسمان بالدقة البالغة، والتجريد العالى والاقتصاد فى الصياغة منطلقا من بديهيات ليستنبط منها النتائج بطريقة منهجية على نسق التفكير الهندسى، وهو من ناحية أخرى يخالف اليونان حين تكون أفكارهم مخالفة للوحى القرآنى (كما هو الشأن بالنسبة لفكرة الخلق، وخلق العالم) فهو يلجأ عندئذ إلى عمل توفيق أو صياغة توفيقية بين بعض الأفكار الفلسفية وبعض كتابات المسلمين المؤمنين، بل وبعض كتابات المعتزلة. وتنتهى رسالة "الفلسفة الأولى" بعد حديثه عن "الواحد" و"الكثير" إلى نوع من التوحيد الفلسفى مع توجيه النقد للقائلين بصفات اللَّه ونجد تعليقا منه على الآيات من 78 - 82 من سورة يس وذلك فى معرض شرحه لرسالة العدد من تأليف أرسطو. ونلاحظ أن الكندى يستخدم اللغة والمفردات ذات الأصل المشترك مع اللغة والمفردات الدينية، فهو يتحدث عن اللَّه بوصفه "الواحد الحق" وهو وصف قرآنى، كما يستخدم كلمة "ربوبية" وهى كلمة دينية، وذلك فى ترجمة

المصادر

عنوان الرسالة المنحولة لأرسطو "الربوبية أو الأنولوجيا"، وهو يتخذ نفس المنهج فى أعماله العلمية إذ يراجع النتائج التى توصل إليها القدماء ويطورها فى ضوء الاهتمامات الجديدة، فقد كتب مقالات عن إقليدس وأرشميدس وبطليموس وعن طب أبقراط -ولكننا من جهة أخرى نجد لديه أفكارًا أصيلة من ابتكاره، وذلك فى مجال البصريات والصيدلة فرسالته عن المنظور (وهى معروفة باللاتينية فقط) يتابع فيها إقليدس ولكن بنظرة ناقدة- إذ يذكر انتشار الضوء فى خطوط مستقيمة وهو ما سلم به إقليدس، وبرهن عليه الكندى، إنها نظرية فى الرؤية مفادها أن العين تضئ الشئ المرئى، وهى نظرية إقليدسية عدَّلها الكندى حيث أعطى لضوء العين ثلاثة أبعاد (أما أقليدس فكانت خطوط الأشعة -فى رأيه- هندسية (مسطحة) وأخيرا دراسته عن المرايا الحارقة وهى بمثابة مراجعة ما سبق أن كتبه أتيثموس الترلّى فى نفس الموضوع ونقد واستكمال له. ويستخدم الكندى نفس المنهج فى مقالته "الطب المركب" ذلك أن القدماء قد درسوا نسب الكيفيات الأربع (الحار والبارد واليابس والرطب) فى الطب البسيط. وقد رأى هو أن يجعل هذه الطريقة تمتد إلى الطب المركب فأجهد نفسه ليشرح رياضيًا العلاقة بين زيادة عدد الأجزاء المكونة لكل كيفية وما يقابل ذلك من زيادة التأثير الطبى على العضو -لقد خلّف الكندى قلة من التلاميذ (أحمد بن الطيب السرخسى، أبو معشر) ولم يترك وراءه مدرسة بالمعنى الدقيق للكلمة. فهو أقرب ما يكون إلى الباحث الشامل ولقد استشهد به ابن خلدون فى مواضع عدة من "المقدمة" ولكنه لم يدرجه فى عداد الفلاسفة المسلمين. المصادر: (1) ابن جلجل الأندلسى: "طبقات الأطباء والحكماء" 73 - 74. (2) ابن النديم: الفهرست الجزء الأول 255 - 261. (3) البيهقى: تتمة صوان الحكمة" إشراف م. شافع لاهور 1935 م - 25.

الكندى (مؤرخ)

(4) ابن أبى أصيبعة: عيون الأنباء، 2/ ص 206 - 214. (5) رسائل الكندى الفلسفية اشراف وتحقيق م. أ. أبو ريدة - القاهرة 1950 - 1953 م. (6) I'influence dii sloicesine sur la peusee musulmane. Beinur 1968. 198 - 214 (7) M.levy: The medical frmulary of Aqrafadhem of al- Kindi madison wise 1966 (8) C. N. Atiyeh: Al-Rindi the Philrsphu the Arabs, Raualpindi 1966 (9) Al-Kindi's Metaphrpias' tr. with intad. and caum by A. I. lury, Oreintal studus, V (1975), 161 - 88 سعيد عبد المحسن [ج جوليفيه J. Jollivier] الكندى (مؤرخ) الكندى (مؤرخ مصر) هو أبو عمر محمد بن يوسف التجيبى، ولد يوم النحر كما يقولون (أى عاشر ذى الحجة سنة 283 هـ = 18 يناير 897 م) وتوفى يوم الثلاثاء ثالث رمضان عام 350 هـ (= 16 أكتوبر 961 م) وسمع عن النسائى صاحب السنن حين جاء الأخير إلى مصر محاضرا وذلك لإلقاء دروس فى الحديث، وكان من بين شيوخ الكندى ومحدّثيه بالأخبار التاريخية أمين قُدَيد (المتوفى سنة 312 هـ = 924 م) الذى يمكن اعتباره أهم شيخ درس عليه الكندى. هذا كل ما نعرفه عن حياة الكندى مؤرخ مصر الإسلامية. ومعظم الأخبار الأصلية ترجع إلى معاصره المؤرخ الفرغانى الذى يذكره فى صلته لتاريخ الطبرى، ولقد كان من حسن الحظ أن بقى هذا الخبر محفوظا فيما ورد مضافًا إلى الملاحظات عن ترجمة له فى النسخة المحفوظة بالمتحف البريطانى برقم add. 23, 324 أما اسم البلدة التى يمكن أن يقال إنها كانت مهبط رأسه فيقولون "يوم النحر" [وما هذا باسم بلد قط ولكنه مرادف لعيد الأضحى]، ومن هذا يتبين لنا أنه لا يوجد ثمة خبر يترجم له فيما كتبه المقريزى عنه فى كتابه "المقفى".

أن ما كتبه الكندى من تواريخ كان عن ولاة مصر وقضاتها محفوظ فى مخطوطة المتحف البريطانى التى أشرنا إليها فيما سبى، ولعل الطبعة الدقيقة التى صدرت مرفقة بدراسة جادة له تلك التى نشرها ريفن جيست فى مجموعة ليدن/ لندن سنة 1912 ثم أعيد طبعها سنة 1964 م وقام حسين نصار سنة 1959 م بإصدار طبعة للولاة ونشرها ببيروت، وينتهى كتاب الولاة سنة 334 هـ (= 946 م) ثم أكمل الولاة فى إيجاز فى النسخة الخطية المحفوظة، وقضمن ذلك الولاة فى عدة عقود حتى مجئ الفاطميين إلى مصر. أما القضاة فيختمهم سنة 246 هـ (861 م) كما هو وارد بالنص، ثم عملت منهما بداية بالإضافة المدسوسة خلال الثلث الأول من القرن الخامس للهجرة (الحادى عشر الميلادى) على أن كلا من الكتابين يتضممن أخبارا هامة ويمثلان فن كتابة التاريخ الإقليمى، أما فيما يتعلق بالتاريخ السياسى فإنهما يأخذاننا فى نظرة خاطفة إلى الأحداث كما تبدو من خارج مركز الدولة المصرية، وأما تاريخ القضاة فالكتابان يتحدثان بقدر كبير عن التنظيمات القضائية وممارستها. وقد تداول الناس تداولًا كبيرا فى العصور المملوكية أعمال الكندى إلى جانب ما كان لا يزال آنذاك معروفًا من الأدب الذى يبدو أنه قد ضاع الآن. والثالث وربما كان للكندى فضل فى إيراد أمور عن الموالى (تعرف ذلك من اقتباساته الجمة). وأما رابع ما كتب عنه الكندى فكان عن "خطط" مصر وأما خامس ما خلف الكندى فكتابه عن "الخندق" الذى حفره ابن جَحْدم حول مدينة الفسطاط فى سنة 65 هـ (= 684 م). وأما السادس فإنه وإلى جانب هذا ما خطه فى ميدان التاريخ وما ذكره عما اسماه "جامع أهل الراية الكبير" ويقصد به جامع عمرو بن العاص. فالسابع ما كتبه عن الجندى العربى. والثامن الذى كتبه عن مروان بن الجَعْد وربما كان ما كتبه تحت رقمى

المصادر

6.5 كانا أقساما منتهية من مؤلفه رقم 4. أما الزعم الذى يفترض أنه كتب زيادة على ذلك تاريخًا مستقلا فأمر ليس بالمؤكد. وهناك رسالة قصيرة عن "فضائل مصر" يقال إن أبا عمر وضعها فى الربع الثالث من القرن الرابع الهجرى (العاشر الميلاى). وتتجلى أستاذيته فى مستهل كتابه وتبرز وقد دعمها بإيراد ثبت بالمصادر التى استعملها فى تأليفه وتنتهى بأبى عمر الكندى وابن يونس، وكان ابن النحاس هو الذى أوقفنا على ذلك الخبر. وقد طبع هذه الرسالة لأول مرة مع ترجمة لها إلى الدانمركية "اوستروب" 1896 م. كما أن هناك طبعة أخرى ظهرت بالقاهرة سنة 1971 م نشرها العدوى وعلى عمر، وأدرجا فيها صفحتين من مخطوطة عكا يرجح أن تاريخ كتابتهما ترجع إلى القرن الخامس الهجرى، على أن هاتين الطبعتين الأخيرتين غير كاملتين نظرا لعدم استعمال مادة المخطوطات التى لا تزال موجودة. المصادر: وردت فى المتن. د. بدرية الدخاخنى [ق. روزنتال Rosenthal] الكنز، قبيلة الكنز جماعة انحدرت من قبيلة ربيعة ويعرفون ببنى الكنز وأولاد الكنز، وقد هاجروا إلى أسوان فى القرن الثالث الهجرى وتزاوجوا مع قبائل البِجَه (أو البُجاه) وانتهى الأمر بهم أخيرًا إلى السيطرة على مناجم الذهب العلاقى، وكان جده الأعلى الذى انحدروا منه يدعى بأبى المكارم هبة اللَّه قد أنعم عليه الخليفة الفاطمى الحاكم سنة 397 هـ (= 1007 م) بلقب كنز الدولة لإلقائه القبض على المتمرد أبى ركوة، واستمر خلفاؤه يحملون بعده هذا اللقب، واستفحل أمرهم حتى أصبح من العسير على أولى الأمر السيطرة عليهم، فهاجمهم كل من بدر الجمالى والعادل سيف الدين عام 460، و 570 هـ (= 1076 و 1174 م). وقد استطاعت قبيلة أولاد الكنز أن تبسط نفوذها جنوبًا خلال العصرين الأيوبى والمملوكى فتوغلت داخل مملكة "المقرة النوبية" التى آل حكمها لفترة من الزمن لبعد سنة 717 هـ (= 1317 م) لواحد اسمه كنز الدولة. لكن يبدو أن ما آلت

المصادر

إليه "المقرْ" من انحلال جعل أولاد الكنز يعيدون توجيه نشاطهم إلى النواحى الشمالية، فنراهم فى أخريات القرن الثامن الهجرى (الرابع عشر الميلادى) ومطلع القرن التالى له يكثرون من محاربة حكام أسوان المماليك حتى بلغ الأمر بهم أن خربوا البلدة ذاتها وعاثوا فسادا فيما جاورها من النواحى وسدروا فى غيهم فلم يكبح جماحهم سوى قبيلة أخرى هى قبيلة هوارة التى أنزل السلطان برقوق طائفة منها فى الصعيد وذلك حوالى سنة 782 هـ (= 1380 م). أما فى الوقت الحاضر فنجد أن قبيلة كناز النوبية المستعربة التى تعيش فيما بين اسوان وكروسكو (وبعض منهم فى السودان) يدعون إنهم قد انحدروا من بنى الكنز. المصادر: (1) البيان والأعراب عما بأرض مصر من الأعراب للمقريزى، تحقيق عابدين. (2) الخطط للمقريزى تحت كلمة أسوان. د. حسن حبشى [ن. م. هولت N. M. Holt] كوتاكوتا تصحيف عربى للاسم نجوتا نجوتا بلغة التشيهييا وهى بلدة تقع فى شرقى أفريقيا على خط العرض 14 جنوبا وعلى الجانب الغربى من بحيرة مالاوى (بحيرة نياسا). كانت مقرا لأربعة ولاة تابعين لزنجبار فيما بين 1845 و 1895 م أولهم سليم (عبد اللَّه) الذى جاء إلى بحيرة مالاوى عبر مستوطنة تابورا العربية فى تنزانيا الحالية، والذى أقام ولاية لتجارة العاج والنخاسة، وجعل من كوتاكوتا فى الوقت نفسه مركزًا نشطًا لنشر الإسلام، ثم خلفه سواحلى آخر هو موينى مجوزو (أو نجوزو) الذى حكم من بعد 1860 إلى 1875 م. وفى عهد خلفه موينى كيسوتو الذى "ينتمى إلى أسرة زنجبارية طيبة" زار المدينة هـ. ب، كوتريل فى 1876 م. وكان بها كثير من البيوت الجميلة المربعة الشكل والعديد من أشجار نخيل الزيت، وكان علم زنجبار يرفرف على بيت الوالى.

كوتوكو

ورغم أن موينى كيسوتو كان تاجر رقيق حين أصبحت السلطة فى يد البريطانيين عام 1891 م إلا أنه تعاون معهم حتى وفاته فى 1891 م. خلفه موينى خيرى بن سلفه وحكم فى الفترة من 7 سبتمبر إلى مايو 1895 م عندما عزل بسبب تآمره للإطاحة بالإدارة البريطانية، وما تزال كوتاكوتا مركز إسلاميًا فى مالاوى. محمود ماجد عمر [ج. س. ب. فريمان - جرينفيلد G.S.B. Freeman - Greenfiled] كوتوكو شعب من إفريقية السوداء يعيش جنوب بحيرة تشاد أدنى نهرى شارى ولوجونى. معظم أراضيهم الآن فى جمهورية الكاميرون ولهم قرى فى شرق تشاد وغرب نيجيريا. ويُعتبر الكوتوكو (الذين قدر عددهم بخمسين ألفا فى 1950 م) أقلية فى أراضيهم، ويفوقهم فى العدد عرب شووا " Shuwa" الذين تغلغلوا فى تلك الأراضى منذ القرن الثامن عشر الميلادى، وتبعتهم مجموعات أصغر من الكانورى والفولبى والهاوسا. ولكن كلا من هذه المجموعات العرقية تعيش منفصلة فى قرى متجانسة. ويعيش الكوتوكو على صيد الأسماك وصيد الحيوانات وشئ من الزراعة، أما المراعى فمتروكة للرعاة العرب. والأصل اللغوى لكلمة كوتوكو غامض. ويشير إليها بعض الكتاب باسم "ماكارى". وهو فى الواقع اسم لمجموعة شمالية من الكوتوكو قدموا فى البداية كزوار من بورنو. والماكارى هى أهم لهجة بين الكوتوكو الشماليين بينما تنتشر لهجة Lagwane لاجوانى (تنطق غالبا لوجونى) فى الجنوب. ويعكس الاختلاف اللغوى بين الكوتوكو انقسامهم السياسى حيث تتطابق تقريبًا حدود انتشار كل لهجة مع حدود الإقليم السياسى الذى يعيش فيه الناطقون بها منهم. وتتمتع مجموعات الكوتوكو بخصوصية قوية فلا تتغلب لهجة أى منها على المجموعات الأخرى حتى فى ظل الظروف الحديثة، ومعظم الكوتوكو الآن يتحدثون باللهجة العربية

السائدة بين شعب شووا. وتنتمى لهجات الكوتوكو إلى المجموعة الفرعية الوسطى للغات التشادية. وهى ترتبط من بعيد بالهاوسا التى تصنف ضمن المجموعة الفرعية الغربية للغات التشادية (ج. هـ. جرينبرج، دراسات فى التصنيف اللغوى للغات التشادية، نيوهافن 1955 م ص 43 - 62). يعد الكوتوكو السلالة المباشرة لشعب "ساو" أو "سو" الذين تشير إليهم التقاليد التاريخية للكانم وأهل بورنو بوصفهم السكان الأوائل فى المنطقة المحيطة ببحيرة تشاد. وهؤلاء الساو الذين لم يذوبوا فى الكانيمبو أو الكانورى أو يبادوا على أيديهم لجأوا إلى المنطقة الأقل عرضة لفيضانات نهرى شارى ولوجونى حيث أنجبوا سلالتهم من الكوتوكو. ولما كان النصف الثانى من القرن السادس عشر توسع البورنو تحت قيادة ادريس الوما جنوبا، ودخلت المناطق الشمالية للكوتوكو: واكارى وأفادى ضمن الحدود السياسية للبورنو، وتحت النفوذ الثقافى الإسلامى للكانورى، وقرب نهاية القرن الثامن عشر توحد الجنوب تحت سلطة حاكم لوجونى -بيرنى الذى تحول إلى الإسلام فى ذلك الوقت. ولما كانت سنة 1824 م قام الميجور لانهام بزيارة لوجونى كما زارها بارث فى 1852 م، وبين هذين التاريخين، ربما حوالى 1830 م، أصبحت لوجونى إقليما تابعا للبورنو. وكثيرًا ما رأى الكوتوكو أرضهم يغزوها جيرانهم الذين يفوقونهم قوة، وغدت ساحة لحروب "بورنو" مع أعدائهم من الواداى والباجريمى. كما إجتاحها فى الفترة ما بين 1893 م و 1900 م رابح ومقاتلوه. حد من سلطة رؤساء الكوتوكو مجلس من كبار الموظفين وممثل بورنو الذى يطلق عليه "الأليفا" (من الكلمة العربية: الخليفة). وكان رؤساء الكوتوكو مقيدين أيضًا بالمحرمات السابقة على الإسلام وبالالتزام باستشارة "الحيوانات الحامية" من خلال كهنتهم، ورؤساء الكوتوكو الذين كانت تشير إليهم الإدارة الاستعمارية بوصفهم سلاطين هم مسلمون، ولكنهم يجب أن يحترموا التقاليد القديمة. ويعيش الأئمة المسلمون إلى جانب

كوتونو

الكهنة التقليديين، كما تبنى المساجد قريبا من المزارات المقدسة التقليدية، وتمارس الطقوس والعادات السابقة على الإسلام خلال الأعياد الإسلامية. وإن معظم الكوتوكو يعدون الآن مسلمين. ويزداد باطراد عدد الذين يلتزمون التزاما كاملا بالإسلام، وترى الآلاف منهم فى مدن تشاد وفى السودان على طول الطريق إلى مكة. والكوتوكو الذين ظهروا كشعب لاجئ بعيدًا عن الدول المسلمة فى وسط السودان يصبحون بالتدريج جزءًا مندمجًا فى العالم الإسلامى. محمود ماجد عمر [ن. ليفتزيون Lewitzian] كوتونو عاصمة جمهورية بنين الشعبية (داهومى سابقا)، ظلت طويلا العاصمة الاقتصادية والمنافس للعاصمة الإدارية بورتونوفو. ومنذ الاستقلال تأكدت بصورة قاطعة مكانتها كعاصمة للجمهورية على الرغم من أن مصالح معينة ما زالت باقية فى بورتونوفو. كان سكان هذه القرية فى 1905 م يتألفون من خمسة وسبعين أوربيًا، منهم سبع نساء وطفل وألف ومائة افريقى، وقد زادت أهميتها بعد 1928 م. وقد وصل عدد ساكنيها فى العشرينات إلى 8500 نسمة منهم 300 مسلم منهم مائة سنغالى جاءوا لجند شاه وموظفين وإن كان معظمهم عمال سكك حديد ومائة مثلهم أو ما يقرب. من ألف من الهوسا الذين قدموا من شمالى نيجيريا ليعملوا جزارين أو تجار أقمشة أو مربى ماشية وأغنام، ومائة آخرون من (يورويا) وقد قدموا أصلًا من "بورتو نوفو" ويحترفون الخدمة فى البيوت، وهاوسا قادمين من شمالى نيجيريا وناجو (يوروبا) قادمين أصلا من بورتونوفو فى معظمهم. وكان أول إمام لكوتونو يدعى "موسى كول بوبو" المولود حوالى سنة 1845 م والذى انخرط فى الطريقة القادرية على يد "سيدو كولو" النيجيرى. ونظرًا لضعفه الشديد وعجزه عن إلقاء الخطبة بالعربية استبدل به فى اكتوبر 1920 م سايتو

الكوثر

مامادو المولود فى لاجوس حوالى 1870 م والذى كان يعيش فى كوتونو منذ الاحتلال الفرنسى. وبعد هذين الإمامين من اليوروبا جاء إمام من السراكولى هو الحديدى ساكابا المولود فى باكل 1875 م وهو تاجر متعلم ومحبوب حج إلى مكة فى 1906 م عن طريق لاجوس ولاس بالماس ومرسيليا، وكانت له صلات بباعة الكتب العرب فى الجزائر. وخلفه إمام من الهاوسا (الحوصة) هو مالاباكو، وبعد وفاة الأخبر حدث انقسام بين الطائفتين المهيمنتين من المسلمين وهما: طائفة اليوروبا وطائفة الهاوسا، والأخيرة تعيب على الأولى الإبقاء على ممارسة عبادة الأرواح وشرب الخمر والزواج بأكثر من أربع نساء وعدم الصوم فى الوقت الذى يصوم فيه الآخرون. وفى 31 أغسطس 1977 م تكون الاتحاد الإسلامى لداهومى الذى مهد الطريق لظهور الجمعية الإسلامية فى بورتو نوفو. محمود ماجد عمر [ر. كورنفين R. Cornevin] الكوثر كلمة وردت فى القرآن الكريم مرة واحدة فحسب فى قوله تعالى {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} وقد أطلق على السورة القصيرة التى وردت بها هذه الآية اسم "سورة الكوثر". وهى مشتقة من (ك - ث - ر) (بمعنى الكثرة) على وزن فوعل الذى ليس بالنادر أما الكوثر التى وردت فى الشعر القديم والتى ذكرها ابن هشام، فتعنى الكثرة. ويفسر بعض مفسرى القرآن كلمة كوثر الواردة فى السورة المسماة بهذا الاسم بأنها تعنى "الخير الكثير" (انظر ابن هشام، والطبرى فى تفسيره). ومع أن هذا المعنى الاشتقاقى لم يختف تماما إلا أنه أتاح الفرصة لظهور تفسير تقليدى [للآية القرآنية]. فالنبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] يرى أن الكوثر اسم لنهر فى الجنة (راجع سيرة ابن هشام، والطبرى) أو حوض ماء رآه فى أثناء عروجه إلى العرش وكان مخصصا له (الطبرى). وكان "الكوثر" قد غدا -على وجه التقريب- مرادفًا "للحوض" الذى يروى عطش المؤمنين عند دخولهم الجنة -ويؤكد وجوده أهل العلم بالعقيدة- ثم غدا

المصادر

الكوثر نهرا يغذى الحوض- أما فى كتاب "أحوال القيامة" فإن أنهار الجنة جميعها تصب فى "حوض الكوثر" ويسمى أيضًا "نهر محمد" [-صلى اللَّه عليه وسلم-] أما أقدم السور القرآنية التى ورد فيها ذكر "العين" أو "عين جارية" فسورة المرسلات فى قوله تعالى آية 41 {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ} وسورة الغاشية آية 12 فى قوله تعالى {فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ} والسُّوَر المدنية تتناول بمزيد من التفصيل وصف "الأنهار" ففى سورة محمد على سبيل المثال نجد الآية 15 {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى. . .} ونجد أشباه ذلك فى مواطن أخرى فى القرآن. هذا الوصف يعيد إلى الأذهان وصف أنهار الجنة فى التراث اليهودى - المسيحى. فهى تجرى بالزيت واللبن والخمر والعسل -والملاحظ أنه قد استبدل بالزيت ماء غير آسن، ذلك الماء الذى يعد وجوده شيئًا ثمينا للغاية فى الصحراء العربية- وتتوالى الأحاديث النبوية و"التفاسير" التى تمعن فى وصف الكوثر على هذا النحو. ولكن إذا أخذنا فى اعتبارنا أن جذور الكلمة تعنى -الكثرة- فإن "الكوثر" أو "نهر النبى" يعد عنوانا لأنهار الجنة. وورد فى بعض التفاسير مثل تفسير الطبرى أن ماءه أشد بياضًا من الثلج وأعذب من العسل. المصادر: وردت فى المتن. سعيد عبد المحسن [ج هورفتس J. Horovitz] [ل. جارديه L.Gardet] الكورانى هو إبراهيم بن الشهرزودى الحسن شهوانى، المدنى (1023 - 1101 هـ/ 1615 - 1690). عالم وصوفى، ولد فى شهرزور فى جبال كردستان على حدود فارس، درس أولا فى الأناضول ثم فى فارس والعراق وسوريا ومصر ثم استقر فى المدينة المنورة. وقضى ثلاث سنوات فى الأزهر عام (1061 هـ/ 1650 م) حيث درس على الشيخ نور الدين على بن على الشبرامليسى الذى كان إمام الأزهر

حتى عام 1087 هـ/ 1677 م كتاب "التيسير فى القراءات السبع" للقرطبى بأكمله، كما درس على الشيخ عبد الرحمن شحاذة اليمنى كتاب "الطيبات فى القراءات العشر" للجزرى حتى سورة النساء الآية 41، {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ. . .}، وبعد ذلك ارتحل إلى بغداد حيث قضى عاما ونصفا وانضم إلى عدة طرق صوفية أهمها النقشبندية. وتتلمذ فى المدينة المنورة على القشاشى وخلفه بعد وفاته عام 1071 هـ/ 1661 م شيخًا للطريقة. كان مؤلفا غزير الإنتاج فى مختلف العلوم الإسلامية. فكتب فى الفقه والتوحيد والتصوف، وكان واحدا من آخر المفسرين العظام لمدرسة ابن عربى، وله أهمية خاصة لاستخدامه أساليب علم الكلام فى كتابه إتحاف الذكى بشرح التحفة المرسلة إلى النبى فى تفسير وحدة الوجود عند ابن عربى والدفاع عنه. ولكن بالرغم من تعهده لأدب ابن عربى إلا أنه كان يرى أن من الأفضل الجمع بين رأيين متعارضين بدلا من اختيار أحدهما وترك الآخر، ولكن ذلك لم يمنع أتباع السنوسى فى فاس من إدانته بسبب آرائه القدرية فى مسألة الكسب وتأثره بالمعتزلة ورأيه فى إيمان فرعون ومن المغاربة من يقدره ويقدر فيه تواضعه وعلمه، وكانت له قيمته عند التلاميذ المجاورين فى الحجاز كما كان معروفا عند علماء الهند، وكان له تأثير كبير فى نشر الإسلام فى المنطقة المعروفة الآن باسم اندونيسيا بسبب علاقته بحاكم سنجكل والأجيال المتعاقبة من الطلبة الجاويين الذين أشار إليهم مصطفى الحموى فى فوائد الارتحال ونتائج السفر (التأريخ 1093 م صفحة 166 - 167، مخطوطة دار الكتب)، وكانت علاقته بعبد الرؤوف حاكم سنكل، فقد كانا أصدقاء فى المدينة وتبادلا الرسائل ثلاثين عاما عبر المحيط الهندى بعد عود عبد الرؤوف إلى بلاده عام 1071 هـ/ 1661 م، كما قام عبد الرؤوف بترجمة بعض أعماله فى الملايو. يتراوح عدد الأعمال المنسوبة إلى الكورانى ما بين 42 (فى تقدير

المصادر

بروكلمان) إلى ما يزيد عن مائة ولكن لم ينشر منها إلا اثنين فقط هما اللمعة السنية والأمم anam لإيقاظ الهمم، وهو عمل فى غاية الأهمية والإمتاع يقدم فيه بالتفصيل أوراق اعتماده كمدرس (إجازته للتدريس) المصادر: (1) الإفرانى المراكشى: طبقات الصلحاء طبعة بالطريقة الحجرية (فاس) غير مؤرخة، صفحة 210 - 211. (2) ابن الطيب: نشر المثانى، فاس 1310/ 1892 جزء 2 صفحة 130 - 137. (3) محمد خليل المرادى: سلك الدرر فى أعيان القرن الثانى عشر، بولاق 1301/ 1883 جزء 1 صفحة 5 وما بعدها. حسين أحمد عيسى [أ. هـ. جونز A. H. Johns] كوش شخصية توراتية، ورد ذكره فى الإصحاح العاشر من سفر التكوين فى قوائم الأنساب لذرية "نوح" ووفقا للمعلومات التى ترد فى الآيات 6 - 7 من الإصحاح العاشر سفر التكوين، فإن كوش، الابن الأكبر لـ "حام" هو شقيق "مصراييم" و"فوط" و"كنعان". وهو أبو "سبا" و"حويلة" و"سبتة" و"سبتكا" و"شبا" و"ددان" و"مصراييم" هى مصر، و"فوط" هى ليبيا دون شك، أما "كنعان" فهى أرض كنعان (فلسطين وفينيقيا). وترتبط معظم الأسماء التى تنحدر عن "كوش" بالأقاليم المجاورة للبحر الأحمر. وتعرف "سيباء" فرضا على أنها ميناء ساجا الذى يقع فى مدخل "أدوليس" فى الجنوب الغربى من البحر الأحمر والذى ورد فى كتابات سترابو Strabo وارتبطت "حويلة" الواردة فى سفر التكوين التى تقع على الحدود الغربية للمنطقة التى تقطنها ذرية إسماعيل عليه السلام (الاسماعيليون) باسم قبيلة خولن Khwln فى جنوب الجزيرة العربية، فهل هى "سابتة" التى أشار إليها سترابو أو "سابوتا" التى أشار إليها بلينى Pliny وعلى أية حال فإنها تقع فى شبه الجزيرة العربية، كما أن "رعمة" تقع -كما يذكر مختلف المؤلفين

- فى "حضر موت". وتقع "شبا" وهى ليست مملكة سبأ- فى الغرب الشمالى للجزيرة العربية، أما "دَدَان" فهى "واحة العلا" بالقرب من "مدائن صالح" فى شمال شرق الحجاز. وهكذا يبدو جليا ارتباط "كوش" بسلالة أنساب الجزيرة العربية والبحر الأحمر، وتعكس الفقرة الثامنة من الإصحاح العاشر من سفر التكوين اتجاها آخر على ما يبدو، فهى تقدمه على أنه والد "نمرود" الذى ترتبط باسمه منطقة ميزوبوتاميا (العراق القديم) بلاد ما بين النهرين وصحيح أنه فى المعنى الكلى للنص يحدد كلمة "كوش" كمصطلح عرقى غير مرتبط "بالجزيرة العربية" أو "ميزوبو تاميا" وإنما يشير إلى التجمعات السكانية المجاورة لمصر على الحدود الغربية الجنوبية لأراضيها، وعلى وجه التحديد يشير للأقليم الذى يطلق عليه المصريون "كأش" ويعلن أيضًا النبى حزقيال سفر 29 تدمير أرض مصر "من مجدل إلى أسوان إلى تخم كوش" (¬1) ويلقب الفرعون "تيراكو" من السلالة الحاكمة الإثيوبية باسم ملك كوش. إن كل شئ يقودنا إلى افتراض أن "كوشا" هى اسم النوبة القديمة أى ذلك الإقليم الذى يمتد من الشلال الأول إلى الشلال الرابع على النيل. وتفسرها ترجمة التوراة بشكل عام على أنها إثيوبيا. إن القيمة التى اكتسبتها كلمة "إثيوبى" فى العصور القديمة هى مصدر الترجمات الخاطئة لكلمة "كوش" على أنها "أسود" أو "إفريقى". ولم يشر القرآن الكريم إلى "كوش" إلا أن المراجع الإسلامية التى اشتقت من الإسرائيليات والتى تناقلت الإسم، تعطينا مجموعة متفرقة من الدلائل، التى لا تتفق فى معظمها مع بعضها البعض أو مع ما ورد فى التوراة ووفقا لبعض الروايات والتى روى معظمها "الطبرى"، فإن "كوش" بن "حام"، هو أخو "مصراييم" و"قوط" (فوط فى التوراة) وكنعان. بيد أن ¬

_ (¬1) يزخر العهد القديم بنبوءات تُسئ لمصر والعراق وغيرهما من البلاد التى حل فيها اليهود واعتبروها بلادهم، وخطورة هذه الأفكار أنها توجه الأحداث فى إغراض بين لا يتفق حتى مع التاريخ الذى يسبق ظهور اليهود أصلا. التحرير

كوش يظهر فى مواضع أخرى على أنه ابن كنعان وليس أخوه، ويقدم نفسه على أنه الابن الرابع لـ "حام" والذى أخذ ملك العالم فى النهاية عن سلفه كنعان بعد اختفاء أبناء "أفريدون". وفى كل الروايات هو والد "نمرود" الطاغية (المتجبر) فى التوراة، بما يتطابق مع ما جاء فى "سفر التكوين". ولكن إذا كان من الممكن أن ننسب إليه بشكل عام منشأ "الحبشة" وشعوب "السند" و"الهند"، فإن "النوبيين" من ناحية أخرى، لا يمكن أن ينتموا صراحة إليه. وفى سلسلة الأنساب التى يذكرها "الطبرى" نقلا عن "وهب بن منبه"، أن "قرنبيل" زوجة كنعان أخو كوش والحفيدة لـ "يافث" هى التى ينحدر عنها "النوبيون" من سكان "فزّان" و"الزنج" و"الزغاوة" وكل السود (وفى فقرة أخرى السود ذوو الشعر الأجعد). ولا يتحدد فى مواضع أخرى سوى "حام" هو الجد الأعلى لهذه الشعوب. وتندرج تحت اللغات الكوشية -نسبة إلى كوش- مجموعة اللغات "الحامية السامية" (ولكن ليست اللغات السامية) والتى ينطق بها ما يقرب من خمسين مليونا غالبيتهم من المسلمين، يتناثرون فى مساحات شاسعة من الأرض تبلغ حوالى 2 مليون كيلو متر مربع، ويقع فى نطاقها سكان يتكلمون اللغات السامية لإثيوبيا. وتتحدد هذه المنطقة أساسا بالقرن الأفريقى وامتداداته فى الشمال إلى الأراضى السودانية والمصرية، إلى الشلال الأول على النيل، وفى الجنوب إلى "تنزانيا" حتى خط عرض 4. ويتحدث بلغة "البجا" (التوبضوى) المسلمون فى منطقة من الجزء الشمالى من إريتريا، فى المنطقة المحصورة بين النيل والبحر الأحمر (حيث تتداخل اللغتين النوبية والعربية)، والبحر الأحمر (حيث تتداخل مع التجرانية السامية حتى أطراف "القصير" ونجد فى الجزء الشمالى اليوم أن قبائل العبابدة المسلمة تتحدث العربية فى معظمها. ونجد فى نفس الوقت أن جزءا من البدو الرحل من "بنى عمير" هجروا لغة "البجا" إلى "التيجرى" (اللغة التجرانية) وبين هاتين المجموعتين، نستطيع أن نميز بعض اللهجات الخاصة، فى الوسط البشارية ولغة

الهدندوة، وفى الجنوب الهالينجية Halenge الأرتيجية Artegia. وإذا توغلنا أكثر صوب الجنوب على شواطى البحر الأحمر، نجد "ساهو" و"عفار"، وهى لغات كوشية أخرى. و"ساهو" هى لغة معظم السكان المسلمين الذين يعيشون حياة رعوية فى جنوب إقليم ماساوا فى إريتريا. قد هجر المسيحيون (الإروبشاو Irobshoo)، الذين يشكلون منطقة مغلقة فى السهل الحبشى الواسع، لغة "ساهو" إلى اللغة التيجرانية السامية. وتنتشر لغة "عفار" (الدفاكل العربية) فى جنوب إرتيريا وشمال إقليم جيبوتى، وتمتد فى اتجاه الغرب حتى نهر أواش. ودخلت إلى الإسلام أيضًا معظم القبائل الناطقة (الصومالية) والتى تقيم على الشاطئ الأقصى "للقرن" عند مصب نهر تانا. وأهم اللهجات هى تلك التى يتحدث بها أهل "إساق" الذين يقطنون شاطئ خليج عدن، وقبائل "درود" على حافة المحيط الهندى والممتدة حتى شمال "كينيا"، والذين يسكنون أيضًا إقليم "أوجادين" وتنتشر لهجة "عيسى" انتشارًا واسعًا فى الشمال فى أراضى "جيبوتى" وتمتد حتى "دير داوا Dire-Dawa" فى إثيوبيا. إن "الأرومو" (والتى يطلق عليها الأوربيون لغة الجالا Galla" ويتعالى عليها أهل المنطقة باعتبارها لغة حبشية متدنية) تحتل فى الوقت الحاضر مساحات واسعة من الأراضى من وسط السهل الأثيوبى حتى وسط "كينيا" (إلى الشمال من مُمْبَسه وعلى طول نهر تانا) وسكان هذه المناطق معظمهم وثنيون، بيد أن الإسلام دخل إلى جزء من المناطق الشمالية كثيفة السكان وتتشابه لهجات "الأورمو" مع بعضها فيما بين مشا (متشا) فى الغرب، و"تولاما" فى الشرق الشمالى، و"بورانا" فى الشرق الجنوبى. وتتعارض مع مجموعة اللهجات الجنوبية والتى تشكل لغة "البراريتا" و"الكوفيرا" فى كينيا. ولا تحتل لغة "أجاو Agaw" فى شمال إثيوبيا، سوى مناطق محدودة متفرقة، حيث إنها أخلت مكانها فى معظم الأجزاء للغات السامية، مثل

"التجرانية" وضصوصا اللغة "الأمهرية". ويتحدث اللهجة البيلينية Bilin من لغة "أجاو" الشمالية، تجمعات سكانية ضئيلة من المسلمين. ومازالت اللهجات الأخرى المستعملة هى "خامير" و"خامتا" و"قوارا" و"كامنتا" و"أوينجى" أو "أويا". وفى الغرب تغطى مجموعة من اللغات المتشابهة نسبيا، إقليم البحيرات (من زواى Zway إلى شامو Shamo وبحيرة رودولف) وتمتد إلى منطقة الجبال المجاورد (إقليم سيدامو)، وهى لغات "جوديلا" أو "هاديا" و"كامباتا" فى شمال غرب الإقليم، و"ألابا" و"سيدامو"، و"داراسا " و"بورجى" و"كونسو" فى الشرق. وترتبط معهم بشكل عام، ولكن دون علاقة سببية واضحة، لغات "الجيدول" أو "الجراديولا" و"الأربور" و"الجالابا" الخ. . . ومن ناحية أخرى فهناك اتجاه فى الوقت الحاضر نحو اعتبار لغة "رينديللى" فى شمال شرق كينيا على حافة بحيرة رودولف، ولغة "بايسو" فى الجزيرة الواقعة فى شمال بحيرة أبايا، كإسقاطات للغة السومالية. وفى إقليم "أومو" نستطيع أن نميز لغات: أوميتو -"داورو" أو "كولو"- جوبا - ولامو - مارويو - جاتسامبا - باديتو - زايسى - باسكيتو - دوكو - كارا - جانجيرو - كافيكو - انفيللو - "شيناشا" أو "جونجا". . إلخ وتتحدث الشعوب النيلية فى نفس الإقليم بعض اللغات التى يحتمل أن تكون لغات كوشية مثل جيمبرا وماجى وجونزا. ومن الممكن أن يكون امتداد اللغة الكوشية فى تنزانيا متمثلا فى لغة "إراقو" وبدرجة أقل احتمالا فى لغة "مبوجو". ويتضح من هذا العرض المبسط، وعلى الرغم من قصوره، مدى التنوع اللغوى الهائل فى المنطقة الكوشية. فهى لم تستكشف بعد بالقدر الكافى، وهناك العديد من لغاتها لم نعرف به إلا من خلال بعض الوثائق النادرة المهملة، مما نجم عنه مشاكل فى التصنيف، أدت أحيانًا إلى التشكك فى الانتساب الفعلى

المصادر

لمجموعة من بعض أقدم اللغات المتعارف عليها. وهناك اتجاه بفصل مجموعة اللغات الأومية وهى لغات إقليم "أومو" عن طاقم اللغات الكوشية. ومن هنا فإن بعض المؤلفين يعتبرون لغة "بجا" هى قسم خاص من اللغات (الحامية/ السامية) بدون وجود علاقة خاصة مع اللغات الكوشية. وإلى الحد الذى تسمح به الوثائق المتاحة لإصدار الأحكام، فإن حجم مثل هذه التساؤلات يبدو ضخما. ولا يبدو أن انتشار هذه النبتات الغريبة عن جذور ما يمكن أن نسميه اللغات الكوشية، قابل للتفسير فى ضوء ظاهرة الانتشار البسيطة. بيد أنه أصبح من الممكن اليوم أكثر من أى وقت مضى، أن نقبل بتوزيع التقسيم التقليدى إلى مجموعتين: اللغات الكوشية الدنيا، وتندرج تحتها "بجا" و"عفار" و"ساهو" و"سومالى" و"أورومو". واللغات الكوشية العليا، وتتكون من لغات "أجاو" و"بورجى" و"سيدامو" واللغات الغربية. المصادر: (1) M. M Moreno: Manuale di Siaamo, Milan 1940 (2) E. Cerulli: On the Kushitic of the west ll linguaggio dei Giangero ed alcune sidama dell' Omo (basretto, ciara. zaisse)(= Studi Etiopici Etiopici iu), Rome 1951 (3) W. Leslau: A dictionary of Moca (South Western Ethiopia), Berkeley-Los Angeles 1959 (4) M.M. Moreno: Introduzione alla Hingua ometo, Milan 1938; O.L. Reinisch: Die Kafa-Sprache in Nordost-Africa, Vienna 1888 مصطفى محمود محمد [د. كوهن D. Cohen] كوكبان اسم يطلق على عدة أماكن فى جنوب شبه الجزيرة العربية وهى: 1 - اسم هيكل ورد فى نقش نقله "هاليفى" كان على أحد المبانى فى عدن وسماه "محرابان كوكبان".

2 - اسم قلعة بالقرب من ظفار وشمال "ناعِطْ" وكانت تسمى "كوكبان" لأنها كانت مزينة بشرائط فضية من الخارج، وسقفها مغطى ببلاطات حجرية بيضاء، أما الجدران الداخلية فكانت مكسوة بألواح من خشب السرو ومطعمة بالفسيفساء ومرصعة بجواهر مختلفة ما بين عقيق وياقوت تلمع ليلا وكأنها النجوم. وكان طبيعيا أن ينسج هذا المبنى الرائع إلى الجن، وربما ذكرت هذه القلعة أيضًا فى النقش الذى نقله جليزر وسماه (بيتو كوكبان) وقد نقله من بيت غُفْر فى نفس المنطقة، ويقال إن القلعة لا تزال قائمة. 3 - اسم صقرية صغيرة تقع على منحدر كبير فى الجانب الأيمن لوادى سلامة أى شمال شرق "حَجَّة" وتسمى "كوكبان - حَجّة" تمييزا لها عن أماكن أخرى تحمل نفس الاسم. 4 - عاصمة إقليم يحمل نفس الاسم شمال غربى "صنعاء". وتقع مدينة كوكبان على ارتفاع مقداره 8750 قدما فوق مستوى البحر عند خط عرض شمال 15.31.42 فى الجزء الجنوبى من سلسلة الجبال التى تبدأ على بُعد نصف ميل جنوب شرق مدينة "كوكبان" وعلى اليسار فى اتجاه "طويلة" وتمتد من الجنوب الشرقى إلى الشمال الغربى لمسافة تقطعها الرحلة عدة ساعات -وهى جزء من هضبة "مَصَانْعةَ الكبرى" وتسمى "جبل ضُلاعه". وثمة واد شبه مستقيم هو وادى بنهان يفصل الجزء الجنوبى الشرقى من هذه السلسلة -وبصفة خاصة الجزء المنحدر من الكتلة الرئيسية- ويمتد هذا الوادى من شبَام مرورا بالبوابة الوحيدة لمدينة كوكبان (باب الحديد) وينحدر نحو وادى نعيم غرب جبل كوكبان. وهناك طريقان يمران فوق هذا الجبل ولا يقطعهما سوى وادى بنهان. ويمر أحدهما عبر مدينة "شباما"، وثمة ممر بمحاذاة وادى بنهان العميق والذى يعلوه جسر وهو ممر قديم وضيق ولولبى مكون من درجات محفورة فى الصخر -أما الطريق الثانى- أقل وعورة -فيمر بقاعة ضُلاع ويتقاطع مع الجسر الذى يعلو وادى نبهان وذلك قبيل وصوله

إلى باب الحديد. وتمتد مدينة كوكبان من باب الحديد هذا حتى الجنوب الشرقى وتظل بمحاذاة تامة للمنحدر الشرقى للجرف -ويبدو أن هذا الجزء هو الأقدم. وثمة حائط مزدوج لا يبعد كثيرا عن البوابة الكبرى المقامة فى الميدان المفتوح بوسط المدينة (فى الجزء الشمالى منها). وقد أضحى اليوم الجزء الأكبر من هذا الحائط طللا دارسا ويوجد بين الحائطين عدد كبير من التجاويف التى نُحتت فى الأرض وسُورت بمهارة لكى تكون مخازن للغلال كان السكان القدامى يستخدمونها لخزن الغلال كما توجد مخازن أخرى مشابهة لها ولكنها أحدث منها وذلك فى الجزء الجنوبى خارج المدينة. أما المدينة ذاتها فتتكون من عدد كبير من الدور التى بنيت بمهارة من الحجارة الحمراء مما يجعل لها تأثيرا معماريا يبهر الأنظار. وغالبا ما تكون أبواب المنازل مزخرفة بمشغولات الحديد الجميلة -كما أن معظم المنازل التى كان يقطنها الأئمة، والتى أصبحت الآن مهدمة أو تحولت إلى حطام فكان لها واجهات رائعة. ويوجد إلى جانب المسجد الرئيسى ذى المئذنة -المسجد الجامع الوحيد بالمدينة- سبعة مساجد صغيرة -ويتم تزويد المدينة بالماء عن طريق خزانين ضخمين جميلى البناء- يسمى أحدهما بالمصلى وهو واقع فى الجنوب، كما أنه عميق غاية العمق ومحاط من الجانب الغربى بسور يتراوح ارتفاعه بين 60 و 80 قدما. والخزان الثانى إلى الشرق منه ويسمى "بَريك الزِّيَادى". وهناك أيضًا أربعة خزانات أصغر حجما. وتكفى الكمية التى ترد من مياه هذه الخزانات لتزويد مدينة فى حجم كوكبان ثلاث مرات. وكان الحى اليهودى (قديما) يقع إلى الجنوب الشرقى خارج المدينة وجميع منازله من الحجر وهى منخفضة الارتفاع ولها نوافذ وأبواب صغيرة. وكان هناك جسر حجرى تعلوه أقواس ضخمة يمر عبر وادى نبهان حتى باب الحديد ولكن العرب نسفوه فى عام 1872 م. إن "كوكبان" مدينة قديمة يرجع تاريخها إلى عصر الحميريين كما تدل على ذلك النقوش التى تم العثور عليها هناك. ويتحدث الحمدانى عن معقل اسمه "كوكبان" يقع على قمة

جبل "زُخَآر" وهو يتطابق تماما مع المدينة القديمة "لكوكبان" الحديثة. وكانت فى الأوقات العصيبة مكانا يلجأ إليه من يريد الهروب نظرا لقوتها ومَنَعتها. وكان الأتراك قد حاصروا هذا المعقل فى عام 1569 م ولكن دون جدوى. وظلت كوكبان لقرون عديدة بلدًا هاما باعتبارها العاصمة ومقر الأئمة فى الإقليم الإدارى الذى يحمل نفس الاسم الذى كان يضم -إلى جانب "كوكبان"- مدن "شبام" وحَجّة، وطويلة خَبْت مِرْواح، (بين كوكبان وحَرّاز وأراضى مسوَر وسَارِع وحُفَاص ومِلْحان وَأهجير وعَرُوس، وبنو خياط وشهديه لاعَةْ، وجزءا من بنى حُبَيْشُ وبنى ناشِر والأحمر. واستطاعت الأسرة الحاكمة القديمة للبلد -والتى تنحدر أصولها من الإمام "هادى صعْده- أن تحتفظ بالإمامة حتى فى أثناء حكم الأتراك وأن تحفظ استقلالها عن أئمة صنعاء بعد خروج الأتراك فى عام 1630 م. وقد أعطانا ك. نييور مسحا لشجرة أمراء كوكبان -وحين غزا الأتراك اليمن مرة ثانية فى عام 1872 م وأخضعوا البلد لحكمهم، انتقلت كوكبان بدورها إلى يد الاتراك، ولكن بعد حصار شديد دام سبعة أشهر وبعد أن عقدت معهم معاهدة، وكان آخر من حكموا "كوكبان" سيد أحمد بن عبد الرحمن الذى دافع ببسالة عن المدنية ضد الأتراك ثم عاش بعد ذلك فى صنعاء على معاش يمنح له من الباب العالى -وحين قام جليزر فى عام 1883 م بزيارة شقيق سيد يحيى كان هذا الشقيق لا يزال يعيش فى بيت الأجداد القديم فى "كوكبان"، وهو بيت رائع يتميز بزخرفة داخلية من أعمال الجص البديعة مع واجهة ذات زخرفة ثرية. أما النوافذ والأبواب فهى على أشكال وألوان وزخارف متنوعة غاية التنوع. وكانت "كوكبان" فى أوائل القرن العشرين مدينة شبه خالية من السكان، على الرغم من أن المنازل -رغم ما نالها من تهدم شديد- كانت لازالت تثير الإعجاب وتبعث الرهبة فى النفس، وقد وفرت الإقامة والمأوى لحوالى ثلاثين ألفا من الأشخاص، وكان عدد بيوت المدينة لا يجاوز 100

الكويت

منزل. وبوسع المرء إلقاء نظرة على منظر بديع للحقول والوديان الخصيبة المحيطة بها خصوصا تلك الواقعة فى سهل "شبام" الذى يشكل جزءا من سهل صنعاء والتلال المحيطة به. 5 - اسم يطلق على "كوكبان السباعية" وهى توجد فى "محويد" الواقعة إلى الغرب من مدينة "كوكبان" المذكورة أعلاه تحت رقم (4)، ولكنها تنتمى إلى "طويلة" وهى مكان صغير قليل الأهمية. المصادر: (1) الحمدانى: "صفة جزيرة العرب" تحقيق مولر - ليدن 1884. د. حسن حبشى [أ. جروهمان A-Grohmann] الكويت (*) بضم الكاف (أو الكويت، بكسر الكاف كما تعارف على نطقها) المدينة العاصمة تقع بين خطى عرض 29، 20 شمالًا، وخطى طول 47، 59 شرقًا، لإمارة بالاسم نفسه عند رأس الخليج العربى. والبر الرئيسى لدولة الكويت يحده العراق إلى الشمال والغرب، والسعودية العربية إلى الجنوب وإلى الغرب. وتمتلك دولة الكويت أيضًا عددًا من الجزر، والجُزَيْرات، أكبرها وأهمها: بوبيان، وربة، وفيلكا. وإجمالى مساحة الكويت هو 6.900 ميل مربع تقريبًا. 1 - جغرافية واقتصاد ثمة تفسيران على أقل تقدير لأصول اسم الكويت؛ أحدهما أنه تصغير كلمة كوت ("قلعة")، ويشير هذا بدوره إلى وجود مستوطنة برتغالية دفاعية صغيرة هناك فى أواخر القرن السادس عشر. والآخر أنه اشتقاق أقل تداولًا يرى أن الاستعمال المحلى لكلمة "كويت" يعنى عدد، من الآبار الصغيرة، وأن هذه الآبار قائمة قرب حافة الحجر الرملى المنخفضة التى تسمى "رأس عجوزة"، حيث أسست المدينة الحديثة فى مطلع القرن الثامن عشر. وكثيرًا ما تشير المصادر الأوربية إلى هذه المستوطنة ¬

_ (*) عدد السكان: 1.819.000 نفس الكثافة: 264 فى الميل المربع. المناطق الحضرية 95 %. المساحة: 6.880 ميل مربع الحكومة: إمارة دستورية، رئيس الدولة: الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح، المولود فى سنة 1928 وشغل منصبه فى أول يناير سنة 1978 رئيس الوزراء وولى العهد الشيخ سعد عبد اللَّه السالم الصباح الذى شغل منصبه فى 8 فبراير 1978. وتنقسم الكويت إلى خمس محافطات. أثناء الحرب العراقية الإيرانية قعرضت آبار النفط الكويتية لهجمات الطائرات الإيرانية بسبب دعم =

على أنها الجرين Grane أو Graine، وهو تحريف على ما يحتمل لاسم "القرين"، وهى جزيرة صغيرة فى "حوز" على مسافة أربعة أميال غربى مركز المدينة تقريبًا، وكان على مقربة منها مرفأ حسن. وهذا الحوز (هوز) هو أكبر الأحواز (الأهواز) فى الخليج العربى، بطول يبلغ حده الأقصى 20 ميلا (شرق - غرب)، وبعرض يبلغ حده الأقصى 10 أميال (شمال - جنوب). وهو المرفأ الطبيعى الوحيد الصالح لرأس الخليج. وتضاريس المنطقة مسطحة قاحلة أساسًا، مع بعض التلال المنخفضة العارضة، وأعلى نقطة فى أرض الكويت تقل عن 1000 قدم فى الارتفاع، وتقع فى الجنوب الغربى. والأراضى الساحلية منخفضة وتكون سبخة فى بعض الأحيان. والنبات الطبيعى نادر الوجود. وتتسبب أمطار فصل الربيع فى ظهور غطاء نباتى قصير الأصل من العشب. والواحات قليلة أكبرها واحة الجهراء التى تقع على مسافة 18 ميلًا غربى المدينة العاصمة. وليس بالكويت سطح مائى دائم، ولا عيون ماء. وفى الماضى كانت مياه الشرب تسحب من آبار شديدة الملوحة، وتجلب بالقوارب من البصرة. وتأتى بعض مياه الشرب الآن عبر خط أنابيب من شط العرب، كما أقيم معمل كبير لتقطير ماء البحر وتخليصه من الملوحة وهو مصدر مهم لتوفير مياه الشرب. ومناخ الكويت حار؛ ولكنه أقل رطوبة دائما من أماكن أخرى فى الخليج. وكانت الأعمال الرئيسية قبل اكتشاف البترول، هى التجارة، وصيد الأسماك واللؤلؤ وغيرهما، وبناء القوارب. وفى المناطق الداخلية، كان البدو الرحل يرعون الأغنام، والماعز والإبل، ولم تكن هناك زراعة مستقرة وكانت سلع التصدير التقليدية هى: الخيول، والمنتجات الحيوانية، والأسماك واللؤلؤ. أما الواردات، فكانت من المواد الغذائية والأقمشة أساسا. وفى سنة 1904 م، خرج حوالى 640 قاربا من الكويت لصيد اللؤلؤ، ¬

_ = الكويت للعراق، وفى يوليو سنة 1987 بدأت البحرية الأمريكية فى التدخل لحماية آبار النفط الكويتية من الهجمات الإيرانية. وفى 3 غسطس سنة 1992 اجتاحت القوات العراقية دولية الكويت، فكون الأمير حكومة فى المنفى فى المملكة العربية السعودية. واستطاع التحالف الدولى الذى قادته الولايات المتحدة الأمريكية إخراج القوات العراقية من الكويت بعد هجمات على القوات العراقية استمرت عدة أسابيع. د. عبد الرحمن الشيخ

وبلغ عدد أطقم الصيادين بهذه القوارب 9.200 رجل تقريبًا. وفى شتاء هذه السنة نفسها، ذهب ثلث هذا العدد إلى سيلان (سريلانكا، الآن) لموسم صيد اللؤلؤ هناك. وقد قلل الركود الاقتصادى العالمى الذى بدأ فى سنة 1929 م، وإدخال زريعة اللؤلؤ فى اليابان- من الطلب على لآلئ الخليج. وقد عمل فى بناء القوارب المستخدم فيها الخشب والألياف المستوردة من الهند حوالى 300 رجل فى سنة 1904 م، ولكن هذا العدد زاد بوضوح نظرًا لبناء 120 قاربًا لصيد اللؤلؤ فى سنة 1912 - 1913. وقدر سكان مدينة الكويت فى سنة 1904 م، بحوالى 35.000 نسمة. كان من بينهم 1000 نسمة من الإيرانيين، و 200 من اليهود، أما السكان الزنوج، فيقال إنهم كانوا 4000 نسمة تقريبًا. وبحلول سنة 1952 م، ارتفع عدد سكان دولة الكويت إلى ما يقرب من 152.000 نسمة. ومنذ ذلك التاريخ، زاد عدد السكان بسرعة شديدة نتيجة للتغييرات التى نشأت من تطوير صناعة البترول. ووفق التعداد الذى أجرى فى إبريل سنة 1975 م زاد عدد سكان الكويت على 990.000 نسمة. وكانت هذه الزيادة الحادة، تعزى أساسًا إلى الهجرة القادمة من الخارج ولكن معدل المواليد الوطنيين ارتفع إلى حد كبير أيضًا. ويبين التعداد نفسه، أن نسبة المواليد للمقيمين غير الوطنيين بالكويت، بلغت 52.6 % من عدد السكان، وكان كثير منهم فلسطينيين وعربًا من جنسيات أخرى لكن العمال المهاجرين دخلوا الكويت بأعداد كبيرة من إيران وشبه القارة الهندية. وهناك جاليات أوربية وأمريكية لها شأنها. وقد أصبحت الكويت على الرغم من بيئتها القاسية، واحدة من أعظم الدول عمرانا فى العالم. وتعتمد نسبة 90 % أو أكثر من دخل الحكومة على إنتاج البترول. ولم يعد لصيد اللؤلؤ وبناء القوارب أهمية اقتصادية بعد. وتم تحديث وسائل الصيد بالكويت، ويباع حصاد صيد الربيان "الجمبرى" لليابان وأوروبا الغربية والولايات المتحدة الأمريكية بخلاف المبيعات المحلية. وليس للزراعة سوى أهمية ضئيلة، لأن

2 - التاريخ

نسبة أقل من 3 % هو المستخدم بالفعل. وتشمل واردات الكويت الآن: مواد البناء، والسلع الاستهلاكية والمعدات الصناعية، وكذلك المواد الغذائية والمنسوجات. أما الصادرات، بصرف النظر عن البترول والمنتجات المرتبطة به مثل المواد البتروكيماوية، والمخصبات الزراعية، فإنها عديمة القيمة. وتستخدم السفن من كل الأمم البحرية الكبرى ميناء الكويت كما يستقبل مطارها يوميا كثير، من الرحلات الجوية الدولية، وتتوفر هناك الآن أحدث وسائل الاتصالات الدولية على أوسع نطاق. وقد مكنت عوائد البترول حكومة الكويت من أن تقدم مساعدات مالية ضخمة للدول الأفقر منها عربية وغير عربية. 2 - التاريخ لقد كشفت حفريات فى جزيرة فيلكا عن آثار مستوطنات يرجع تاريخها إلى سنة 2500 ق. م، وحتى الآن لا يعرف سوى النزر اليسير عن تاريخ الكويت قبل القرن الثامن عشر. وقد تولى أول أفراد أسرة الصباح الحاكمة حاليًا السلطة حوالى سنة 1170 هـ/ 1756 م. وكان أول أوروبى يذكر الكويت هو إيفز E.Ives، الذى يشير إليها باسم القرين Grane، ولكنه لم يبين اسم الشيخ الحاكم وقت زيارته لها فى سنة 1758 م. ويشير نيبور Niebuhr، إلى أن عدد سكانها كان 10.000 نسمة، ولاحظ أن العدد يقل فى الأشهر الحارة إلى 3.000 نسمة. ويوضح أن ميناءها كان يأوى 800 سفينة وأن السكان كانوا يشتغلون بصيد الأسماك واللؤلؤ، ولم يذكر اسم الشيخ الحاكم مثل إيفز Ives. وقد ازدهرت الكويت بعد أن استولى كريم خان زند على البصرة فى سنة 1190 هـ/ 1776 م، لأنه خلال السنوات الثلاث للاحتلال الفارسى، استخدمت شركة الهند الشرقية الكويت بدلًا من البصرة كنقطة نهاية لخط قوافلها التى تسلك طريق حلب إلى الخليج. ويشهد كابر Capper أن حاكم القرين Graine = الكويت كان ودودًا مع

الموظفين البريطانيين المحليين فى سنة 1193 هـ/ 1779 م وفى سنة 1207 هـ/ 1792 م، وبعد نزاع مع السلطات العثمانية فى البصرة انتقلت وكالة شركة الهند الشرقية من هناك إلى الكويت. ثم عادت الوكالة إلى البصرة فى سنة 1210 هـ/ 1795 م. وفى هذه الفترة كانت الكويت مهددة فى أغلب الأحوال بغارات من الجماعات السلفية من وسط شبة الجزيرة العربية. وقد تشكل تاريخ الكويت فى فترة القرن، وربع القرن التالى من الزمان بثلاث مجموعات من الظروف، وبما بين هذه الظروف من علاقات. كانت تلك الظروف هى: التهديدات من شمالى وقلب شبه جزيرة العرب، والطبيعة المشوبة بالارتياب والتباين للعلاقات بين الكويت والدولة العثمانية والاهتمام الآخذ فى النشوء وقتذاك لبريطانيا العظمى أولا، ولدول أوربية أخرى فيما بعد بذلك الميناء الطبيعى الكبير عند رأس الخليج العربى. كما أن الكسوف المؤقت لسلطة السلفيين فى نجد والإحساء بعد هزيمتهم على أيدى محمد على فى سنة 1232 - 1234 هـ/ 1817 - 1819 م، قلل التهديد للكويت فترة من الزمان وحين زار ضابط بريطانى الكويت فى سنة 1252 هـ/ 1836 م وجد مبعوثين مصريين موجودين فى الكويت، ولكن دخول محمد على مرة أخرى، فى شبه الجزيرة العربية بعد ذلك بفترة وجيزة، عمل على زيادة الشكوك البريطانية حول مدى المطامح المصرية. وقد تذبذت الثروات الاقتصادية للكويت طوال القرن التاسع عشر. وتباينت العلاقة بين حكام الكويت والباب العالى منذ أن وطن آل الصباح أنفسهم فى الكويت، لكن هذه العلاقة كانت غامضة وغائمة إلى حد كبير على الدوام. وفى شهر مايو سنة 1896 م اغتيل حاكم الكويت محمد بن صباح، وخلفه أخوه غير الشقيق مبارك. وثارت شكوك حول تورط مبارك فى موت أخيه، وهددت المنافسات الشديدة بين أفراد الأسرة وضع الشيخ الجديد. وحاول مبارك لكى يوطد أركان حكمه،

الحصول على الاعتراف والتأييد من كل من الحكومتين العثمانية والبريطانية. وقد ظهرت بعض الدلائل على أن الحكومة العثمانية تسعى إلى بسط نفوذها على الكويت. وقد رفضت الحكومة البريطانية دعوات مبارك فى أول الأمر، ولكن حين أصبح معروفًا أن رجل الأعمال الروسى الكونت كلبنست Kapmist، كان يسعى للحصول على حق امتياز من الحكومة العثمانية ليمد خط سكك حديدية من شرقى البحر المتوسط حتى الخليج الفارسى، واقترح أن تكون الكويت هى نهاية هذا الخط. انبعث الاهتمام البريطانى من جديد. وزاد اهتمام الحكومة البريطانية بالاعتقاد بأن الحكومة الروسية تسعى للحصول على مرفأ على خليج الكويت، وفى رمضان سنة 1316 هـ/ يناير 1899 م، تم التوصل إلى اتفاق نال الشيخ مبارك بمقتضاه التأييد البريطانى مقابل وعد بألا يتنازل هو وخلفاؤه عن أى جزء من أراضيهم أو بيعه وإيجاره أو رهنه لأى دولة أجنبية دون أن يحصل على موافقة بريطانيا. وقد بدأ تزايد الاهتمام الدولى بالكويت وأصبح واضحًا بدرجة أكثر فى سنة 1900، حين زار مهندس من السكك الحديدية الألمانية المنطقة بحثا عن موقع مناسب ليكون محطة نهاية عند خط السكة الحديدية المتصور (برلين - بغداد) إلى الخليج العربى. وعارض الشيخ مبارك هذه المشروعات، معتقد، إلى حد ما، أنها قد تؤدى إلى مزيد من السيطرة التركية على الكويت. وبعد فترة طويلة من المفاوضات الدبلوماسية، أتمت السلطات البريطانية والعثمانية فى سنة 1913 م مشروع اتفاقية خاصة بمصالحها فى الخليج العربى. وبمقتضى المادة (1) من هذه الاتفاقية اعترف بتشكيل أراضى الكويت "قضاء" يتمتع بالاستقلال الذاتى فى نطاق الامبراطورية العثمانية. وقد أكدت هذه الوثيقة أيضًا الحدود البرية للكويت. وفى سنة 1914 م، طلبت الحكومة البريطانية مساندة الشيخ

مبارك لها ضد القوات التركية فى جنوبى العراق، وأكدت للشيخ بأنها اعترفت بالكويت كحكومة مستقلة تحت الحماية البريطانية. ولم تكن السلطات العثمانية هى التهديد الوحيد لاستقلال الكويت فى نهاية القرن التاسع عشر. وفى سنة 1913 م نجح عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود فى طرد الأتراك من الإحساء، وفى الحصول على منفذ بالخليج. وقد عنى ذلك أن الكويت صارت مطوقة الآن إلى الغرب وإلى الجنوب بأراضى آل سعود. وفى ديسمبر سنة 1915 م، وقعت السلطات البريطانية معاهدة فى "العقير" مع عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، كان من بين بنودها تعهد بألا يهاجم الكويت. وقبل فترة وجيزة من توقيع هذه الوثيقة، توفى الشيخ مبارك، وتجددت المنافسة الأسرية حول حق تولى الحكم وأصبح جابر أكبر أبناء مبارك شيخًا للكويت. ولكنه توفى فى سنة 1917 م، وخلفه سالم الابن الثانى لمبارك. وكان سالم متبصرًا بالعواقب مثلما كان أبوه فى علاقاته، سواء مع البريطانيين، أو مع آل سعود. وسمح بأن يستخدم ميناء الكويت فى نقل الإمدادات للجيش التركى، ومن فبراير سنة 1918 م، ضربت سفن البحرية البريطانية حصارًا على الميناء. وقد رفع هذا الحصار فى الخريف بعد توقف الأعمال العدوانية بين قوات الحلفاء والدولة العثمانية. وقد أدى الافتقار إلى حدود محددة إلى انعدام السلاسة والانسجام فى العلاقات بين آل الصباح وآل سعود، ولكن أنشطة الإخوان السلفيين المعروفين خطأ باسم الوهابيين، وبخاصة إقامتهم (لهَجَر) فى قرية العلياء، زادت الأمر سوءًا. وفى سنة 1920 م فرض عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود حظرًا على التجارة مع الكويت، واستمر هذا الحظر حتى سنة 1937 م وأنزل هذا الإجراء بازدهار الكويت أضرارًا وخيمة. وقد عجل الخوف من هجوم للإخوان السلفيين ببناء سور دفاعى حول المدينة، وفى أكتوبر سنة 1920 م، هاجمت قوة من الإخوان السلفيين، بقيادة فيصل بن سلطان الدويش زعيم

قبيلة مطير، واحة قريبة من الجهراء. ولم ينجح هذا الهجوم لكن غارات الإخوان ظلت بمثابة تهديد لأمن هذا الجزء من الشمال الشرقى لشبه الجزيرة العربية حتى قمع عبد العزيز ابن عبد الرحمن آل سعود هذه الحركة آخر الأمر فى سنة 1930 م، بعد أن تمردت على سلطته. وتوفى الشيخ سالم فى فبراير سنة 1921 م، وخلفه أحمد بن جابر، الابن الأكبر للحاكم السابق. وقد حاول الشيخ أحمد أن يحسن العلاقات مع آل سعود، وفى ديسمبر سنة 1922 م وقعت اتفاقية فى العقير، رسمت فيها حدود ثابتة بين الدولتين. وكانت أراضى الكويت الجديدة أصغر كثيرًا من تلك التى كانت قد خصصت لها فى مشروع الاتفاقية الانجليزية - العثمانية لسنة 1913 م، واعتقد الشيخ أحمد أن السلطات البريطانية لم تؤيد مطالبه مقابل مطالب عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، بقوة كما كان يجب. وكان هذا الاعتقاد عاملًا مهما فى كراهية الشيخ أحمد لمنح حق امتياز مقصور على الشركة الانجليزية - الإيرانية للبترول دون غيرها وقوى عزمه فيما بعد بالحصول على مشاركة شركة أمريكية فى تنمية مصادر بترول الكويت. وفى سنة 1920 م، حصلت بريطانيا على حق الانتداب على العراق من عصبة الأمم، وفى إبريل سنة 1923 م، اعترف المندوب السامى البريطانى للعراق، بالحدود بين الكويت والعراق، على أنها الحدود التى رسمت فى مشروع الاتفاقية الانجليزية - العثمانية لسنة 1913 م. ولكن، كان هناك نزاعات حول الحدود. وقد وقع أشدها خطرًا فى شهر يونيو سنة 1961 م حين انتهى اتفاق سنة بين بريطانيا والكويت وأصبحت الكويت دولة مستقلة استقلالًا تامًا. وسرعان ما زعمت حكومة العراق أن الكويت من الناحية القانونية، كانت جزءا لا يتجزأ من العراق. وإزاء ذلك، التمس الشيخ عبد اللَّه بن سالم (الذى خلف الشيخ أحمد فى سنة 1950 م) المساعدة العسكرية من بريطانيا التى

المصادر

لبت طلبه. وقد عرض النزاع على مجلس الأمن بمنظمة الأمم المتحدة، ونوقش فيه وفى 20 يوليو، انضمت الكويت إلى جامعة الدول العربية، وصممت هذه الجامعة على المحافظة على استقلال الكويت العضو الجديد بها. وفى سنة 1963 م، أصبحت الكويت عضوًا فى منظمة الأمم المتحدة. وفى نوفمبر سنة 1962 م، صدر دستور جديد، وجرت انتخابات لاختيار 50 عضوًا، للمجلس التشريعى فى شهر يناير سنة 1963 م. وقد عطل الدستور فى أغسطس سنة 1977 م نتيجة لمصاعب سياسية داخلية. المصادر: (أ) أعمال باللغة العربية 1 - أمين الريحانى: ملوك العرب، بيروت سنة 1925 - 1924 م، وما تلاها من طبعات. 2 - عبد العزيز الرُّشيّد: تأريخ الكويت، بغداد سنة 1926 م، وما تلاها من طبعات. 3 - فؤاد حمزة: قلب جزيرة العرب، القاهرة سنة 1933 م. 4 - حافظ وهبة: جزيرة العرب، القاهرة سنة 1935 م. 5 - عيسى القناعى: صفحات من تاريخ الكويت القاهرة سنة 1946 م. 6 - خليفة بن حمد البنهانى: التحفه النبهانية: القاهرة بتواريخ متباينة وبخاصة المجلد رقم 12، سنة 1949 م. 7 - سيف مرزوق الشملان: من تاريخ الكويت القاهرة سنة 1909 م. 8 - أ. أبو حاكيمة: تاريخ الكويت، الكويت سنة 1967 م. (ب) أعمال فى لغات غربية: 1 - C.Niebuht: Beschreibung von Arabien، كوبنهاجن سنة 1772 م، والتراجم التى تمت بعد هذا التاريخ. 2 - E.lves: A Voiyage from England to India in the year MDccliv، لندن سنة 1773 م. 3 - J.Capper: Observations on the passage to India، لندن سنة 1783 م، والطبعات الانجليزية والفرنسية بعد هذا التاريخ.

كيقباد

4 - L.Lockhart: Outline of the History of Kuwait، فى Journal of the Royal central Asian society، المجلد 34 (سنة 1947 م). 5 - H.R.P. Dickson: The Arab of the desert، لندن سنة 1949 م، وما تلاها من طبعات؛ والمؤلف نفسه: Kuwait and her neighbours، لندن سنة 1956 م، وما تلاها من طبعات. 6 - B.C. Busch: Britain and the Persian Gulf 1894 - 1914، بركلى، ولوس انجلوس سنة 1967 م؛ والمؤلف نفسه: Britain and the status of Kuwait فى Middle East Journal، مجلد 21 (سنة 1967 م)؛ وللمؤلف نفسه: Britain India and the Arabs 1914 - 1921، بركلى، ولوس انجلوس، ولندن سنة 1971 م. 7 - V.Dickson: Fourty years in Kuwait لندن سنة 1971 م. ويمكن الحصول على مزيد من المعلومات الببليوجرافية من كتاب S.M. Kabeel: Selected bihliography on Kuwait and the Arabian Gulf, الكويت سنة 1969. حسن شكرى [ر. م. بيريل R.M. Buttell] كيقباد كيقباد اسم يطلق على ثلاثة من سلاطين سلاجقة الروم، أشهرهم علاء الدين وهو كيقباد الأول الذى خلع أخاه "كيكاؤوس"، من سدة الحكم وتولى بدلا منه سنة 618 هـ (= 1220 م)، وقد أفضت سياسته الخارجية إلى أن تجعل من أسرته واحدة من أقوى الأسر فى عصره، إذ ما كاد يتولى الحكم حتى بسط نفوذه على قسم كبير من طوروس الكليليكية Cilican Tauras وأنزل بها جماعات من التركمان، وعمل على مد حدوده الحربية ولاسيما بغزو "كالون أوروس" التى سماها العلائية، وجعلها مشتاه ووضع بها خزائن بيت ماله، ثم بسط الحماية السلجوقية على ميناء "صغداق". أما فى الشرق فقد استغل النزاع القائم بين الأيوبيين، واستطاع عن طريق أحدهم وهو السلطان الأشرف أن يضم إلى نفسه الأملاك الأرطقية الموجودة على الشاطئ الأيمن للفرات،

كما ضم إليه أيضًا إمارة ارزنجان وأقطعها أكبر أولاد كيْخسرو. وكان الخوارزميون قد فتحوا لأميرهم جلال الدين منجوبرتى امبراطورية واهية ضعيفة الحدود داخل إيران وجورجيا لكنهم اتجهوا بأنظارهم شطر الناحية الغربية يلتمسون فيها ملاذا لهم خوفا من ضغط المغول الذى كان يتزايد يوما بعد يوم، وكانوا قد اغتصبوا من يد الأشرف الأيوبى مدينة أخلاط وهى مفتاح الطريق إلى آسيا الصغرى ثم أوشكوا على مهاجمة الإقليم كله. ولم يكتف كيقباد بأن يرى الضعف يدب فى أوصال منافسيه بل استدعى إليه لمساعدته أعداءه السالفين وأصدقاءه على حد سواء، وجاءه الأشرف للنجدة بجنده الشاميين، لكن الدائرة دارت على الخوارزميين فى معركة عرفت بمعركة "ياسى شومين" الواقعة غربى ارزنجان، وضاعت ولاية أرزوروم من يد أميرها جيهان شاه الذى كان قد انضم إلى جانب جلال الدين. وقد استطاع كيقباد بالحيلة أن يأخذ عدة قلاع واقعة على الحدود من أيدى أهل جورجيا الذين خطب كيقباد الأميرة وريثة عرشهم وبذلك احتل "أخلاط" التى لم يعد للأشراف آية رغبة فى امتلاكها، وهكذا أصبحت بلاد الترك تتاخم حدود الامبراطورية البيزنطية فى القرن الحادى عشر. ولما مات جلال الدين وهربت جيوشه أمام جحافل المغول رأى كيقبماد أن الوقت قد حان للدفاع عن ممتلكاته الآخذة فى الاتساع وذلك بإسكانه الخوارزميين فيها غير أن هزيمتهم شجعت الأخيرين على تشديد قبضتهم على القسم الأعلى من أرض الجزيرة، وهكذا أصبحت القوتان المتنافستان تواجه كل منهما الأخرى دون أن يكون بينهما دولة حاجزة. وشجع أهل الشام الملك الكامل الأيوبى على القتال فهاجم أسيا الصغرى ولكن دارت الدائرة على جيشه لتخلى القوات التى كانت تعارض خروج الحملة عنه وكان ذلك فى ممرات طوروس الجبلية وحينذاك رأى كيقباد الفرصة مواتية لأن ينهج سياسة التدخل فى إقليم أعالى الفرات، لكنه مات سنة 634 هـ (= 1237 م) قبل أن

كيقباد (سلطان دهلى)

يرى بعينيه كثيرا من الحملات المغولية تتوغل فى آسيا الصغرى. وليس بين أيدينا قدر كبير عن سياسته الداخلية ولكن يمكن أن نقول فى ثقة إنه استطاع أن حمل أمراء دولته الكبار على طاعته. كما امتاز عهده بتشييد كثير من العمائر وحفر الخنادق وبناء الخانات وتشييد المساجد والمدارس. وقد كشفت الحفريات ولا تزال تكشف عن بعض قصوره فى قياداباد وكيقبادية. ويقال عن السلطان نفسه إنه كان شخصية موهوبة جسمانيًا وعقليا. أما كيقباد الثانى فأحد أولاد كيخسرو الأول. وأما الثالث من الذين سموا بكيقباد فكان أبوه عز الدين كيكاؤوس الثانى الذى حاول سنة 1282 م استعادة عرش أبيه فى آسيا الصغرى فلم يفلح فالتجأ إلى كيليكية ولكنه عاد للظهور ثانية سنة 1297 م حيث استطاع بمساعدة ايلخان غازان له أن يحتل سلطنة الروم حتى جاء المغول سنة 702 هـ (= 1303 م) فقتلوه فى تلك السنة. د. حسن حبشى [كلود كوهين Cl. Cohen] كيقباد (سلطان دهلى) كيقباد معز الدين سلطان دهلى (686 - 689 هـ = 1287 - 1290 م) خلف جده غياث الدين بلبان، أما أبوه فناصر الدين بغراخان بن بلبان الصغير وقد كان متغيبا فى البنجال وقت وفاة والده، أما جده لأمه فهو السلطان ناصر الدين محمود (644 - 665 هـ = 1246 - 1267 م). وقد درس كيقباد تحت إشراف جده بلبان، لكنه حين اعتلى العرش (وكان فى السابعة عشرة أو الثامنة عشرة من عمره)، أطلق لنفسه عنان شهواتها فسلك مسلكًا مشينًا، كما أنه لم يكن فى تصريفه لأمور الدولة. إلا منفذا لما يشير به عليه "ملك نظام الدين أميرى داد" ابن أخى قُطْوال دهلى وزوج ابنته، فلما كانت سنة 687 هـ (= 1288 م) خرج كيقباد من دهلى متجها نحو الشرق ليقابل أباه "ناصر الدين بُغرا خان" الذى كان قد اغتصب السلطة فى البنجال وكان اللقاء بين الأب والابن على شواطى الفَغْرا وكان لقاءً سلميا حفظه لنا بالتفصيل أمير خسرو دهلوى

الكيمياء

فى كتابه مثنوى قدان السعدين، وينسب برانى المؤرخ إلى الأب أنه فى هذه المناسبة أجرى مشاورات مع ولده ونصحه فأطال النصح، لكن لم يؤد ذلك إلى تحسن دائم فى أخلاقيات السلطان الصغير وسلوكه إلا أنها شجعته على التخلص من وزيره نظام الدين بدسّه السم له، وقد حدث هذا بعد بضعة أشهر من رجوعه إلى دهلى. أن نفور السلطان من الحكم أدى إلى ظهور فرق قائمة على عصبيات عرقية تفشت بين أمراء بلاطه وملوكه. وقد حدثت فى مستهل حكمه هجمة ترتب عليها وقوع مذبحة بين صفوف الأمراء المغول الذى أسلموا منذ قريب، وهم المغول المسمون "نَوْ مسلمان" كما أن التنازع على السلطة أصبح بين الجماعة القديمة الأصول التى تسمى بالملوك وبين الطائفة الخلجية التى يتزعمها "تاج الممالك جلال الدين فيروز" (الذى صار سلطانًا من سنة 689 هـ حتى 695 هـ)، ولقد مرض كيقباد وأصيب بالشلل الذى يرجح أنه كان بسبب إسرافه فى شهواته، أو حينذاك نصب الترك ابنه الطفل شمس الدين سلطانًا وأجلسوه على العرش، غير أن جلال الدين فيروز تمكن من السيطرة على كل من السلطان الصغير والعاصمة معًا وما لبث إلا قليلا حتى استحوذ على العرش لنفسه، وكان كيقباد فى هذه الأثناء وهو يصارع الأيام قد هاجمه أولا أمير تركى كان قد أمر بقتل أبيهم فقتل ثأرًا لأبيهم ودثَّروه فى دثار خشن وألقوا به فى مياه نهر جَمُنا فغرق. بدرية الدخاخنى [التحرير] الكيمياء اشتقت الكلمة من الكلمة السريانية "كيميا" والتى ترجع بدورها إلى المصطلح اليونانى "خوميا خيميا" التى تعنى "صب المعادن وسبكها" وثمة كلمات كانت تستخدم كمرادف للكيمياء منها "الصنعة"، "الصنعة الإلهية" و"علم الصناعة". ولقد عرّف العرب الكيمياء عدة تعريفات، فهم يرون أن مهمتها صناعة الذهب والفضة من غير خاماتها كما

يقول ابن النديم. ومهمتها إضفاء الألوان على المعادن التى تخلو منها أصلا كما يرى جابر بن حيان، وأن تعمل على تغيير خواص المعادن بحيث يمكن الحصول على الذهب والفضة من خلال حيل (الغزالى). وبفضل الكيمياء يمكن تجنب الأذى والفقر (إخوان الصفا). ولذلك كان موضوع الكيمياء هو تحويل المعادن الخسيسة إلى معادن ثمينة. ومن هنا لابد من رسم حدود لا تتعداها: فعلم المعادن لا يدخل فى نطاق الكيمياء بمعناها الدقيق وإن كان يتحتم على الكيميائى -بطبيعة الحال- أن يكون على معرفة وثيقة بالمعادن (معرفة أيضًا بالحيوان والنبات)، ولا يدخل فى نطاقها صناعة الزجاج وتزييف الأحجار الكريمة كما لا تدخل فيها الأنشطة التعدينية مثل استخراج الحديد والذهب والفضة من خاماتها على نحو ما وصفه الهمدانى (كتاب الجوهرتين) بدقة تدعو للإعجاب، ولا يدخل فى مجالها المواد الكيماوية التى يستخدمها الصناع والحرفيون فى صناعة الأصباغ والألوان والعطور. أما عنوان "كيمياء العطر" الذى وصفه الكندى لكتاب له عن دحض العطور فهو ذو معنى مجازى شأنه شأن "كيمياء السعادة" التى يطلقها الصوفية على كتاباتهم. وأخيرًا ينبغى ملاحظة أن فكرة "كيمياء المستحضرات الطبية" لم يكن لها وجود فى العصور الوسطى الإسلامية. أما الأدوية المركبة فكان يعدها الطبيب أو الصيدلى طبقا لما جاء فى كتاب جالينوس "تركيب الأدوية" أو طبقًا للأقرباذينيات التى وضعها العرب. ولاشك أنه كانت توجد نقاط التقاء بين المهن المختلفة؛ فخبراء المعادن وصانعو العطور يعملون بنفس الأدوات والأجهزة التى يستخدمها الكيميائيون، بل إن بعض الكيميائيين قد مهر فى العلوم المتعلقة بها مثل محمد بن زكريا الرازى الذى صنف المعادن. ومهما يكن من أمر فإن فن تحويل المعادن يجب إخراجه من دائرة تلك المهن التى تعد أقرب ما تكون إلى الطابع العملى وذلك نظرًا لما تنطوى عليه من أسس نظرية. لقد بدأت الكيمياء عند الإغريق. ولابد من ملاحظة أن الكتاب الرابع من "الآثار العلوية" لأرسطو -المشكوك فى

صحته- لا يعد كتابا عن الكيمياء بمعناها الحديث ولا يعد بداية للكيمياء القديمة. بل هو يتناول الكيفيات الأولى بوصفها عللا لكل تغيير يحدث فى الطبيعة. وفى حوالى عام 220 ق. م عرف بولس المندى بعض الطرائق الفنية للتلوين، ويبدو أن مثل هذه الطرائق إلى جانب أفكار الأفلاطونية الجديدة والغنوصية والسحر قد هيأت للكيمياء القديمة أن تؤكد وجودها فى مصر القديمة. وهناك عدد من الكتابات المتناثرة يرجع تاريخها إلى ما بين القرن الثانى والقرن الثالث الميلاديين وتحمل أسماء هرمس وتوت وغيرهما، وفى بداية القرن الرابع الميلادى انضمت إليها كتابات ذوسيموس [من "بانوبوليس" (أخميم)]، وفى القرن السادس الميلادى كانت للفيلسوف الأفلاطونى الجديد "أليميودوروس" والإمبراطور هيراقليوس كتابات أيضًا عن الكيمياء. . وقد ترجم إلى العربية عدد كبير من هذه الكتابات. ويبدو أن أول ما ترجم منها كان فى نهاية القرن الثانى الهجرى/ الثامن الميلادى. أما الجزء الأكبر فقد تمت ترجمته إلى العربية فى القرن الثالث الهجرى/ التاسع الميلادى. وهناك احتمال أن تكون ثمة ترجمات وسيطة باللغة السريانية ولكن ليس من الواضح ما إذا كان حنين بن اسحق وتلامذته قد شاركوا فى هذه الترجمات. وكثير جدًا من المخطوطات العربية فى الكيمياء قد حفظت لنا من عوادى الزمن. ولكن لم يكشف النقاب إلا عن جزء صغير للغاية من محتوياتها سواء فى صورة فهارس أو قوائم منشورة. وبالتالى فمن غير الممكن حتى الآن وضع تاريخ للكيمياء العربية. فلا زالت بدايات هذا العلم -وبصفة خاصة- فى القرنين الثانى والثالث الهجريين (الثامن والتاسع الميلاديين) يلفها الظلام إلى حد بعيد. إلا أنه يمكن القول إن الفترة ما بين (نهاية القرن الثالث الهجرى/ التاسع الميلادى وبداية القرن الرابع الهجرى/ العاشر الميلادى) -حيث جمعت الكتابات الرئيسية لكل من جابر بن حيان ومحمد بن زكريا الرازى- هذه الفترة لابد أنها شهدت ظهور مكتبة هامة عن الكيمياء قوامها كتابات كتبها يونانيون

ومصريون ويهود ومسيحيون وفرس وهنود وحكماء وفلاسفة. وبذلك أصبح فى حوزتنا عدد كبير من الكتابات العربية والشذرات والاقتباسات تظهر فيها أسماء تلفت نظرنا مثل: فيثاغورس وأرخيلاوس وسقراط وأفلاطون وأرسطو وبورفيريوس وجالينوس وديمقريطس وذوسيموس وآخرون كثيرون. لقد شكلت الكتابات والمذاهب المنسوبة لهذه الشخصيات الأساس الذى تقوم عليه مجموعتان كبيرتان ورئيسيتان من الكتابات الكيميائية ظهرتا فى (نهاية القرن الثالث الهجرى/ التاسع الميلادى وبداية الرابع الهجرى/ العاشر الميلادى)، وهما كتابات كل من جابر بن حيان، والرازى. ويعد جابر بن حيان (ولعله توفى حوالى 196 هـ/ 812 م) صاحب أول مؤلف فى الكيمياء. وفى (القرن الرابع الهجرى/ العاشر الميلادى) كان محمد بن أُمَيْل مبرزا بكتاباته ذات الطابع السحرى المجازى، وتبعه فى ذلك محمد بن عبد الملك الكاثى الملقب بالمجريطى فى (القرن الخامس الهجرى/ الحادى عشر الميلادى) بكتاب "رتبة الحكيم"، ومحمد بن يشْرون. وكان أهم الكيميائيين فى (القرن السادس الهجرى/ الثانى عشر الميلادى) الشاعر ورجل الدولة حسين على الطُّغرائى، وواعظ فاس على بن موسى والملقب بابن أرفع رأس. وحول (منتصف القرن السابع الهجرى/ الثالث عشر الميلادى أبو القاسم السيماوى الذى عمل فى العراق، وفى (القرن الثامن الهجرى/ الرابع عشر الميلادى) ألّف المصرى أيدمر بن على الجِلْدكى عددًا لم يسبق له مثيل من الكتب تناول فيها بالتلخيص أو الشرح كل ما كتب قبله فى الكيمياء والسحر، وفى الفترة التالية على ذلك توالى ظهور عدد من المؤلفين على جانب من الأهمية إما لأنهم جامعو معلومات أو لأنهم ألفوا كتابات موجزة من نتاجهم، وفى النصف الثانى من القرن (الحادى عشر الهجرى/ السابع عشر الميلادى) حاول صالح بن نصر اللَّه بن سلّوم وهو طبيب لدى بلاط السلطان محمد الرابع (1058 - 1099 هـ/ 1648 - 1687 م) أن يُدخل إلى الطب العربى المفاهيم الكيميائية التى وضعها باراسيلسوس وهى

المفاهيم التى منحت الكيميائيين القدامى فرصة الشروع فى نهج أساليب جديدة إلا أنهم لم يستفيدوا من هذه المفاهيم بل على العكس من ذلك واصلوا بحثهم العقيم -وحتى وقت قريب- عن حجر الفلاسفة. لقد تُرْجِمَتْ المؤلفات العربية إلى اللاتينية فى العصور الوسطى. ولم تكن المؤلفات اليونانية -بل هذه المؤلفات العربية- هى التى مهدت الطريق نحو قيام كيمياء غربية -وهكذا أدخلت قدرا من التطور مرَّ عبر "أرنالد الفيلانوفى" -جابر اللاتينى- وبارسلوس إلى أن وصل إلى روبرت بويل (1627 - 1691 م) وجوزيف بلاك (1728 - 1799 م). وجوزيف بريستلى (1743 - 1794 م) ولافوازييه (1743 - 1794 م)، كما أدى فى نهاية المطاف إلى معجزة الكيمياء الحديثة. بل إن هذه المؤلفات العربية أعطت دفعة هامة للتاريخ الثقافى الأوربى، ويكفى أن نذكر "ياكوب بومة" وجمعية الروزيكروش ونوفاليس وجوته. يوضح هذا المسح التاريخى الموجز أن الكيمياء العربية تحتل موقعًا رئيسيًا فى تطور الفكر الكيميائى ككل -إلا أنها- وعلى النقيض الصارخ من أهميتها- ظلت للأسف مهملة من الباحثين. ومعظم ما كتبه مؤرخو العلم عن الكيميائيين العرب يعد من الكتابات التى لا تستند إلى المصادر الأصلية، بل تقوم على كتابات عفى عليها الزمن وشوهتها الأخطاء الفادحة. إن هناك مجالًا ضخمًا أمام البحث وإن كان الولوج إليه ليس بالسهل الميسور. إن الكيمياء ظاهرة معقدة تعقيدًا غير عادى إذ تضم اتجاهات عديدة ومختلفة. كما أدخل المؤلفون العرب فى نسيج فكرهم تأملات فى السحر والحساب والتنجيم والبيولوجيا. وتميزت الكتابات السحرية وكتابات ابن أُمَيل بالغنوصية، بينما تميزت كتابات أخرى بصوفية عميقة. ومن هنا نفهم ما يعنيه ابن العربى (فى الفتوحات) حين يشير إلى الكيمياء بوصفها "علم طبيعى روحانى إلهى" وبصفة عامة لم تكن المهمة الملقاة على عاتق الفلسفة الطبيعية مقصورة على

معرفة كيفية تحويل المعادن الخسيسة إلى معادن ثمينة بل تهدف أيضًا إلى إقامة الصلة الشاملة مع العالم؛ ففى رأى كثير من العلماء أن عملية تنقية المادة لا تنفصل عن تنقية الروح، ولقد كشف الكيميائيون القدامى عن نفاذ بصيرتهم فى المقالات النظرية، والقصص المجازية، والأساطير والرؤى والقصائد. ولكى يحموا أنفسهم ضد اتهامات المتشددين أو المنافسين، كانوا يستخدمون أسماء مستعارة وعملوا على الاستفادة من التعابير الملتبسة والرمزية. وكل هذا جعل كتاباتهم مبهمة ويصعب فهمها، لذلك كان طبيعيا أن يرى "التنويرى" فى تاريخ الكيمياء جزءًا من "تاريخ الحماقة الإنسانية"، بل إن فى الطبعة الأولى من دائرة المعارف الإسلامية أبدى أ. فيدمان ملحوظة مؤداها أنه "لا يمكن تصور أن كائنات عاقلة قد كتبت مثل هذه الأشياء"، ولم يمهد الطريق نحو تفسير ذى دلالة وله ما يبرره للكيمياء القديمة سوى علم دراسة الدين وعلم دراسة أعماق النفس. (إن ج. إيفولا، ك. ج. يونج، م. إلياد) هؤلاء بصفة خاصة، قد أوضحوا -بحق- كيف هيمنت على الكيمياء القديمة طرائق فى التفكير أسطورية وصوفية وغنوصية. وهنا تكمن مهمة فك رموز النصوص العربية من خلال دراسات دقيقة تستعين بالتاريخ وفقه اللغة، وبذلك يتم إرساء الأسس التى تمنع الانزلاق نحو إصدار أحكام متسرعة أو اقتراحات تقريبية. حتى الآن لم يكن بوسعنا قول الكثير عن الأسس النظرية للكيمياء العربية، بل إن هذا القليل الذى قلناه قد جاء عرضًا. فطريقة بناء النظريات تختلف اختلافا بينا من مؤلف لآخر بل إن الأعمال الكاملة التى تحمل اسم "جابر بن حيان" -وبالتالى فثمة افتراض بوجود وحدة فيما بينها- هذه الأعمال تكشف عن مفاهيم تختلف فيما بينها اختلافًا شديدًا، ومن ثم [حسبما يرى البعض] فلن تقدم هنا سوى عدد قليل من المفاهيم الأساسية وهى لا تحمل صفة العمومية فى التطبيق. فتحويل المعادن الخسيسة إلى معادن ثمينة أمر ممكن لأن أنواع

المعادن تشكل جنسًا واحدا، ولا يختلف أحدها عن الآخر سوى فى الأعراض وهذه الأعراض قد تكون ذاتية (جوهرية) أو عرضية. إلا أن الأعراض ليست ثابتة بل متغيرة وهو ما نشاهده فى الطبيعة. والواقع أن المعادن تنمو فى باطن الأرض عبر فترات طويلة. وهى تتغير -من خلال عملية تعد نوعا من الإنضاج- من معادن خسيسة إلى معادن ثمينة ثم إلى ذهب فى نهاية الأمر. وهذا التحول كما يراه بعض العلماء يحدث تحت تأثير النجوم. وفى مقدور الكيميائى القديم أن يسرع بهذه العملية بواسطة أنابيقه، وبوسعه -بفضل مهارته- أن ينجز فى يوم واحد ما تتطلب الطبيعة لإتمامه آلاف السنين. وتقدم لنا الكتابات الكيميائية مئات بل آلاف الوصفات لعمل الذهب، من هذه توجد ثلاث طرق رئيسية: 1 - تقوم الطريقة الأولى على نظرية الزئبق - الكبريت؛ فالزئبق يحتوى على الماء والأرض، والكبريت يحتوى على النار والهواء، وبذلك تكون المادتان معا قد احتوتا على العناصر الأربعة. فإذا تمازجت واختلطت اتحدت أجزاء الكبريت والزئبق، والحرارة دائمة فى نضجها وطبخها فتنعقد عند ذلك ضروب الجواهر المعدنية المختلفة، فإذا كان الزئبق صافيا والكبريت نقيا، وكانت مقاديرهما على النسبة الأفضل، والحرارة فى درجة الاعتدال فعندئذ ينعقد الذهب الإبريز. وإن عَرَض لحرارة المعدن -فى طبخها- البرد قبل النضج انعقدت وصارت فضة بيضاء، وإن عَرَض لها اليبس من فرط الحرارة وزيادة الأجزاء الأرضية، انعقدت فصارت نحاسًا أحمر يابسًا، وإن عرض لها البرد قبل أن تتحد أجزاء الكبريت والزئبق قبل النضج انعقد منها رصاص قَلْعى (أى قصدير شديد البياض) وإن عرض لها البرد قبل النضج وكانت الأجزاء الترابية أكثر، صارت حديدًا أسود، وإن كان الزئبق أكثر والكبريت أقل، والحرارة ضعيفة انعقد منها الأُسْرُب (الرصاص الأسود الردئُ) وإن انفرطت الحرارة فأحرقته صار كُحْلًا، وعلى هذا القياس تختلف الجواهر المعدنية بأسباب عارضة خارجة عن الاعتدال وعن النسبة

الأفضل، وزيادة الكبريت والزئبق ونقصانهما، وإفراط الحرارة أو نقصانها، أو برد المعدن قبل نضجها أو خروجها من الاعتدال، فعلى هذا القياس حُكْم الجواهر المعدنية الترابية. (إخوان الصفاء، جزء ثان، القزوينى: عجائب). كان الكيميائى إذن يحاول أن يحاكى الطبيعة، فهو يحاول أن يكتشف مقدار الكبريت ومقدار الزئبق اللذين يحتويهما الذهب، وأى درجة من الحرارة تلزم لاتمام عملية الإنضاج. فإذا نجح فى توفير هذه الظروف يكون فى مقدوره عندئذ الوصول إلى مركب الذهب. وربما كان علينا أن نضيف إلى ذلك أن "الزئبق" و"الكبريت" لا يعنيان بالضرورة ما يقصده الكيميائيون حاليًا بهذين العنصرين، بل يفهم من هذين المصطلحين المبادئ الأساسية للسيولة والاحتراق (فهم يتحدثون عن "الزئبق الرجراج" و"الكبريت المحترق"). 2 - والطريقة الثانية تقوم على "علم الموازين" الذى نادت به "أعمال جابر بن حيان" فالكيميائى يحاول إقامة علاقة متبادلة بين المعادن حسب الحجم والوزن. وأن يؤسس بناء على هذه المعلومات جسمًا له حجم ووزن متجاوبان. 3 - إلا أن أهم طريقة يوصون باتباعها هى تعريض الاكسير. ويتكون الاكسير من مواد معدنية ونباتية وحيوانية. يوضع هذا الاكسير على معدن خسيس ثم ينقل ليوضع فى ظروف خالية عن آية كيفية، فالاكسير يتخلل هذا المعدن كما تتخلل الخميرة العجين، ويحوله إلى ذهب وهو أعلى قيمة من معدن الذهب. لقد أقيمت كل هذه النظريات بناء على مقدمات لا يمكن البرهنة عليها أو تكذيبها. ومن هنا لم يكن جدال العلماء المسلمين حول إمكانات الكيمياء ليحقق أى تقدم حقيقى. واعترف الكيميائيون بصعوبة مهمتهم ولكنهم يؤكدون أنه لابد وأن يكون فى الإمكان الكشف من جديد عن سر صناعة الذهب التى كان يعرفها ولا شك الحكماء القدامى. لقد كان الجدال يجرى بينهم على المستوى

النظرى أساسا. إذ تُطْرَحْ الأدلة الفلسفية والكلامية ومنها تستنبط -فى أغلب الأحوال- النتائج بناء على مقارنة بين الحالات. وموقف الجاحظ إزاء الكيمياء لم يكن واضحا تمامًا؛ فهو يتشكك فى جدواها، ولكنه يطرح سؤالًا عما إذا كان من الممكن خلال خمسة آلاف عام صنع الذهب عندما تتوافق العوامل المختلفة من نوعية العناصر والفترة الزمنية المناسبة والوضع الصحيح للنجوم. . إلخ (كتاب الحيوان). وكان يرى أنه من المفارقات أن يكون فى الإمكان صنع الزجاج من الرمال. فى حين أنه من غير الممكن تحويل النحاس والزئبق إلى ذهب وفضة على الرغم من أن حالة الشبه بين الزئبق والفضة الذاتية أشد منها بين الرمل والزجاج الفرعونى. وقد ألّف يعقوب بن إسحق الكندى كتاب "إبطال دعوى المدَّعين صناعة الذهب والفضة من غير معادنها". وهو بمثابة تكذيب لأولئك الذين يدّعون قدرتهم على الحصول على الذهب والفضة من غير خاماتهما. إذ يقول إن البشرية غير قادرة على القيام بأعمال هى مقصورة على الطبيعة. وقد رد على هذا الكتاب على الفور محمد بن زكريا الرازى. وكان الفارابى (توفى 339 هـ/ 950 م) يرى أن تحويل المعادن الخسيسة إلى ذهب أو فضة أمر ممكن طبقا لرأى أرسطو عن الأحجار، ذلك أن أنواع المعادن تنتمى إلى جنس واحد. ولكن من الصعب بمكان تحقيق هذا التحويل، إذ أنه يستلزم دراسة شاملة للمنطق والرياضيات والعلوم الطبيعية. وكانت نصوص الكيمياء تتخفى وراء أسماء مستعارة ورموز، لأنه لو لم يكن الأمر كذلك لكان فى مقدور أى شخص أن يكتشف سر صناعة الذهب، وبذلك يصبح الذهب بلا فائدة كوسيلة لتسديد المستحقات. وهذه الحجة الاقتصادية كان يكررها المرة تلو المرة المؤلفون اللاحقون. ولقد عمل الجغرافى الهمدانى (توفى 334 هـ/ 945 م) بطريقة مشابهة ومستمدة من علم المعادن حيث كان

على معرفة تامة بهذا العلم. فكما أن الحديد والصلب يمكن أن يصلا إلى درجات من الجودة والنقاء باستخدام علم المعادن -أى باستخدام مهارة الإنسان، فكذلك فى مقدور المرء أن يصطنع طرقا لصناعة الذهب ذلك المعدن الذى يتم إنضاجه بطريقة طبيعية فى باطن الأرض. غير أن الادعاء بقدرة الإنسان على محاكاة الطبيعة، هذا الادعاء ذاته كان موضع تفنيد شديد من أبى حيان التوحيدى وأبى على بن سينا. فالكيميائيون لا يستطيعون سوى عمل شئ يشبه فى الظاهر المعادن الثمينة، غير أن الحواس لا تدرك الفصول (الفروق النوعية) فى المعادن بعد إجراء العمليات الكيميائية، بل تدرك اللوازم والعوارض فحسب. أما جوهر المعدن الخسيس فيظل كما هو دون تغيير. وظل ابن سينا -بسبب أقواله هذه- هدفًا لمجادلات كل الكيميائيين الذين جاءوا بعده ولا سيما الحسين بن على الطُّغرائى وأيْدَمِرْ بن على الجِلْدَكى. ففى كتاب "حقائق الاستشهاد" الذى ألَّفه الطغرائى عام 505 هـ/ 1112 م كتب أهم دفاع عن الكيمياء؛ فهو يرد على اعتراض ابن سينا بقوله إن العمليات الكيميائية لا تخلق على الإطلاق فصلًا جديدًا (فَرْقا نوعيا) بل إن كل ما تفعله هو إعداد المادة لكى تتلقى هذا الفصل أو الفرق النوعى الذى يمنحه إياها اللَّه الخالق. والطُّغرائى بذلك يضع فى اعتباره جبهة علماء الكلام ونقدياتهم، وقد وجد هذا النقد لسان حال له فى كل من ابن حزم الأندلسى وابن تيمية وتلميذه ابن القيِّم الجوزية (ت 750 هـ/ 1349 م). فقد تضمن كتاب ابن القيِّم الجوزية "مفتاح دار السعادة" هجومًا -استغرق مائتى صفحة- ضد كل العلوم السرية وبوجه خاص التنجيم؛ فهو يرى -شأنه شأن ابن سينا- أن الكيميائيين لا يفلحون إلا فى إضفاء المظهر، ولكنهم غير قادرون على صنع ذهب حقيقى أو فضة حقيقية. وكذلك ابن خلدون كان خصما للكيمياء، ورأيه فيها أنها نوع من السحر. ولقد كانت الشروح النظرية

للكيميائيين وتأملاتهم كاملة فى حد ذاتها من ناحية، ومكتملة بالتجارب المعملية من ناحية أخرى، ذلك أن الخبرة التى اكتسبت عبر هذه التجارب قد أدت بدورها إلى ظهور نوع جديد من الكتابة والنظريات. وأغلب الظن أن للكيمياء دورًا أكبر فى تقدم العلم التجريبى منه فى الطب أو العقاقير أو الفيزياء أو الفلك. ولقد تم إنجاز تجريبى هام يتمثل فى أكسدة الزئبق حيث عرض هذا الزئبق لنيران هادئة جدا لمدة تزيد على أربعين يوما. وقد أورد "المجريطى" -وهذا اسم مستعار- وصفا لهذه العملية فى كتابه "رتبة الحكيم"، وأكد أن وزن المادة ظل كما هو -دون تغيير- قبل التجربة وبعدها. وصور لنا ابن شُهَيْد (382 - 426 هـ/ 922 - 1035 م) تجهيزات المعمل فى صورة تدعو للإعجاب. إذ كانت به أجهزة عديدة: "أُثَال" للتقطير والتصعيد، و"قَرْع" يوضع فوقه الأنبيق، وبوتقة لصهر المعادن وتنور (موقد كبير) لتوليد درجة حرارة عالية، وقنينة وقِدْر أو "طِنْجَر" و"سُكُرُّجة" وهاون. وكثير من الأجهزة أطلقت عليها أسماء من يقال أنهم مخترعوها، مثل "أتون فيثاغورس" و"بئر زوسم" و"حمام ماريا". وكانت التدابير -أى العمليات الكيميائية- تتم بواسطة مثل هذه الأجهزة والأوعية والأفران. وكان إجراء هذه العمليات يسلك طرقا -هى فى جوهرها- نفس الطرق التى استخدمتها الكيمياء اليونانية. ومعظم المصطلحات الفنية العربية مترجم عن مفاهيم يونانية. وكان تحليل أى مادة يتم بالماء أو الأحماض أو القلويات، أما التعفين فهى عملية تفتيت الجزئيات مع الاستعانة بالماء. وهناك عمليات التقطير والتصعيد والتكليس، وهناك أيضًا التجميد والتعقيد لتقوية وتثبيت مادة ما. وعملية التبييض تعنى صنع الفضة، والتحمير صنع الذهب. إلا أن كثيرًا من الكيميائيين لا يستخدمون هذه المصطلحات أو غيرها من التعبيرات إلا استخدامًا رمزيا فحسب، أو بمعان مختلفة تمام الاختلاف خشية أن ينكشف سرهم، ولذلك كان فهم

المصادر

النصوص الكيميائية أمرا شاقًا لأبعد حد. ولما كان الكيميائيون -منذ فجر التاريخ- مضطرين للاحتفاظ سرًا بمعارفهم المقصورة عليهم، استخدموا أسماء مستعارة لا حصر لها، لا لإطلاقها على العمليات الكيميائية فحسب بل لإطلاقها على المواد والأكاسير فكثيرًا ما كان يُشار إلى المادة الواحدة بأسماء عديدة، وبالعكس كان الاسم الواحد يطلق على عدة مواد مختلفة. ولهذه الأسماء المستعارة تراث إغريقى أيضًا، إذ كانت أسماء الكواكب تستخدم لإطلاقها على المعادن؛ فالشمس هى الذهب، والقمر هو الفضة، والمريخ هو الحديد. . إلخ. وبعض الكلمات تنطوى على خواص المادة؛ فالفَرّار هو الزئبق والأشقر هو النحاس. وكثيرًا ما كانت تستخدم أسماء الحيوانات، "فالعُقاب" قد يطلق على ملح النشادر، و"العقرب" و"عنق الحية" على الكبريت و"طاووس البرية" على النحاس. ويختلف معنى مثل هذه الأسماء المستعارة من مؤلف لآخر ومن معمل لآخر فليس لها مدلول عام واحد. والعرب أنفسهم أخذوا على عاتقهم حل مشكلة معجم المصطلحات. فقد وضعوا القواميس أو أضافوا إلى الأعمال النظرية الكبيرة قوائم يشرحون فيها معنى هذه الأسماء المستعارة. ولكن قيمة هذه القوائم ضئيلة، إذ لن نتمكن من الترحال عبر هذا المجال الشائك سوى من خلال الطبعات المحققة بعناية وبروح نقدية مع مراجعة معجمية مقتدرة للمصادر. وإن كان المرجح أننا لن ننجح فى معرفة المعنى الأصلى للوصفات الكيميائية فى عدد غير قليل من النصوص. المصادر: (1) P.Kraus: Jabir ben-Hayyan, Contibutive a l'histoiwe des idees scilntifique dans I'Islam, Le Caire 1942 - 3 (2) الفهرست: ابن النديم. سعيد عبد المحسن [م. أولمان M. Ullman]

كينيا

كينيا (*) كينيا: دولة فى شرق أفريقيا، يحدها من الشرق المحيط الهندى والصومال ومن الشمال إثيوبيا والسودان ومن الجنوب تنزانيا ومن الغرب أوغندا. مساحتها 564 ألف كيلومتر مربع، وعدد سكانها (فى التسعينيات) 24 مليون و 872 ألف نسمة تقريبًا، معظمهم من المسيحيين (66 %)، وأتباع الديانات المحلية (26 %)، أما المسلمون فيشكلون حسب الإحصاءات الرسمية 6 % من السكان، وإن قيل إنهم يمثلون ربع السكان. وتتفاوت نسبة المسلمين من قبيلة إلى أخرى، ففى قبيلة بوكومو يمثلون 85 %، بينما لا تزيد نسبتهم عن 25 % فى الدروما. وتتألف مجتمعات المسلمين من أعراق وقبائل شتى، تضم جميع المذاهب الإسلامية الرئيسية (السنة والشيعة الاثنا عشرية والإسماعيلية والبهرة. .)، وإن كانت الغلبة للمذهب السنى الشافعى. وتمتد صلة المنطقة بالعرب إلى ما قبل الإسلام، حيث كان التجار العرب يفدون من جنوب غرب الجزيرة العربية إلى ساحل كينيا، ولكن من العسير أن نحدد متى وفد أول المسلمين إلى أرض الساحل؟ ومتى استقروا عليه؟ ورغم أن الروايات المحلية المتواترة وبعض كتب الحوليات المتأخرة ترجع هذا الاستقرار إلى عصر الخليفة عمر ابن الخطاب، وإن كانت تعوزنا الأدلة الأثرية أو غير الأثرية التى تؤيد ذلك الرأى. ويقول المسعودى (القرن الرابع الهجرى) وهو أقدم مصدر عربى هام عن تاريخ المنطقة، إن جزيرة ¬

_ (*) المساحة 224.961 ميلا مربعا. المناطق الحضرية: 27 %. يبلغ عدد السكان: 28.176.686 نسمة حسب 1997. الكثافة السكانية 125 نسمة فى الميل المربع. المسلمون حوالى 5 % وهم فى الاحصاءات العالمية مدرجون ضمن العقائد المحلية التى تصل نسبتها إلى 26 %. أما المصادر الإسلامية (المؤتمر الجغرافى الإسلامى، نشر جامعة الامام محمد بن سعود 1979 م). فتقدر عدد السكان المسلمين بما يربو على 35 % من إجمالى السكان ولكنه تقدير تقريبى دون اعتماد على احصاءات رسمية ولكن مما يؤكد صحة هذا الرقم قِدم انتشار المسلمين فى سواحل شرق أفريقيا، وللمسلمين فى كينيا ما يزيد على 52 جمعية. هناك ما يعرف بالمجلس الأعلى لمسلمى كينيا. (التحرير)

كانبالو (بمبا أو زنجبار) كانت تحكمها أسرة مسلمة، وإن شعبها خليط من المسلمين وغير المسلمين. وأظهرت الحفائر التى أجريت فى "جزيرة مندا" آثار مدينة عظيمة ترجع إلى ذلك التاريخ، ورغم أن الكثير من أبنيتها كانت من الطين والأعواد النباتية، لكن جدرانها المطلة على البحر من صخور مرجانية ضخمة، وكان وزن بعض قطعها يزيد على طن وأظهرت الحفائر كميات كبيرة من الفخار الإسلامى وبعض كسر البورسلين الصينى، مما يشير إلى صلاتها المباشرة ببعض الأقاليم الإسلامية. ولم تقتصر صلاتها التجارية على جنوب بلاد العرب فحسب، بل وامتدت إلى الخليج العربى وذلك فى القرن الرابع الهجرى (العاشر الميلادى). ويبدو كذلك أن بعض المهاجرين من فارس (إيران)، وكانوا يعرفون بالبنادر، جاءوا واستقروا فى مدن الساحل الصومالى وتزاوجوا مع السكان الأصليين الذين كانوا يتكلمون لغة البانتو، وأسهموا فى تاسيس مقديشيو التى أصبحت فى القرن السابع الهجرى أهم مدينة إسلامية على الساحل الشرقى لأفريقيا. ثم انتقلت إلى الجنوب هذه الأسر الفارسية الأفريقية أو الشيرازية كما باتت تدعى. وأقامت فى بعض المناطق فى كينيا مثل شنجا ومَندا ومُمبسة وتزاوجت مع الأهالى، وصار أفرادها جزءًا من الأسر الحاكمة فى ماليندى وغيرها. وترتب على ذلك تأسيس عدد من الدويلات أو السلطنات الصغيرة التى تحكمها أسر مسلمة، ومن ثم فلا يجوز وصف تلك الدويلات بأنها مستعمرات عربية، فالملمح الغالب فيها لم يكن العنصر العربى، بل العقيدة الإسلامية، وقد نعمت تلك الدويلات فى الفترة من القرن السابع حتى العاشر الهجرى أى عند وصول البرتغاليين، بازدهار ثقافى ورخاء مادى لم يقدر لها أن تنعم بهما قط فى العصور التالية، وكانت كل دويلة منها مستقلة عن الأخرى، مما ينفى فكرة وجود إمبراطورية الزنج المزعومة. وكثيرًا ما كانت الحروب تنشب بينها، ولكنها مع ذلك كانت تتمتع بقدر كبير من الترابط التجارى والثقافى. وكان أهلها يمارسون زراعة الذرة

العويجة والأرز والموز، وأكثر ما يزرعونه كان لاستعمالهم الجماعى، ولكنهم أثروا من التجارة فى العاج والعنبر والذهب والعبيد. كما كان ببعضها صناعات محلية، ومنها ما اشتهر بصناعة المنسوجات الملونة الفاخرة. ومجمل القول إن الدهشة استبدت بالبرتغاليين حين جاءوا إلى هذه البلاد مما وجدوه من ضروب الحضارة، وقد أدركوا أن أهلها مسلمون Moors * وكانت اتصالاتهم المريبة بالحكام المسلمين فى فمبسة وغيرها جزءًا من سياستهم الرامية إلى الالتفاف حول الإسلام وتطويقه. وكان معظم الأهالى سنيين من أتباع المذهب الشافعى الذى تفشى بينهم تحت تأثير السادة أو الأشراف الحضارمة (حضرموت) الذى استقروا بينهم وتزاوجوا معهم فى القرنين الثامن والتاسع الهجريين. وكان الطلاب يسافرون من شرق أفريقيا إلى الحجاز وحضرموت وأحيانًا مصر ليتعلموا فى مدارسها على أيدى فقهائها المشهورين، ثم يعودون إلى ديارهم ليعلموا الأهالى العربية ويفقهونهم فى الدين والشريعة فى المساجد أو فى دورهم. ومن هؤلاء المعلمين تكونت مجموعة قوية من العلماء كان يُختار من بينهم القضاة. وكان الأطفال المسلمون يتعلمون فى الكتاتيب تلاوة القرآن، وكيف يكتبون بالحروف العربية، ولكنهم قلما كانوا يكتبون بهذه اللغة، وأدى ذلك إلى ظهور أجيال من المسلمين من سكان الساحل الذين يتكلمون اللغة السواحلية لا العربية. وأصبحت هذه اللغة التى استمدت الكثير من مفرداتها من العربية اللغة الأولى المتداولة فى المنطقة. ونشأ أدب سواحلى متأثر إلى حد بعيد بالثقافة واللغة العربية. وقد استمر البرتغاليون سادة على المنطقة خلال القرنين التاليين حتى أزاحهم الأهالى بمعاونة إمام عمان الذى استنجدوا به. وأخفقت جهود البرتغاليين فى القضاء على الإسلام هناك، ورغم أن بعض مصادرهم تشير إلى تحول بعض الأهالى للمسيحية، لكن كل أثر للمسيحية اندثر عندما ¬

_ (*) وبالاسم نفسه اسمى ماجلان أهل جزر شرق آسيا عندما رآهم يصلون (هيئة التحرير)

رحلوا، وكان على المبشرين فى القرن التاسع عشر الميلادى أن يبدءوا المسيرة والدعوة من جديد. وكان وجود البرتغاليين عاملًا هامًا فى التدهور الاقتصادى الذى أصاب تلك الدويلات الزاهرة، فقد أساءوا استغلالها، وأحرقوا مُمبسة على سبيل المثال مرتين. وخلف العرب العُمانيون البرتغاليين فى الهيمنة على أرض الساحل، وتمتع الشيوخ المحليون بقدر كبير من الحكم الذاتى والسلطة الحقيقية على الأراضى الخاضعة لهم، وإن كانت السيادة الاسمية لأسرة بوسعيد، أئمة عُمان. وكان العرب العمانيون من أصحاب مذهب الإباضية، أما أهل الساحل، فكانوا من الشافعية، يمكننا أن نعزو ذلك إلى أثر الأشراف الحضارمة الذين استقروا بأعداد كبيرة بالمناطق الساحلية القرنين الثامن والتاسع الهجريين. ورغم وجود بعض الأدلة التى تشير إلى امتداد الثقافة السواحلية فى الأقاليم الداخلية قبل القرن التاسع عشر الميلادى، لكن الإسلام لم يتوغل إلى عمق كينيا إلا بعد أن نقل أئمة عُمان عاصمتهم إلى جزيرة زنجبار، وحملوا معهم الكثير من مواطنيهم ومن الهنود والحضارمة والبلوخيين (أو البلوشيين) واتخذوا منهم حاميات عسكرية وموظفين إداريين ومحصلين للمكوس. كما وفد آخرون لاستغلال الإمكانات التجارية للمنطقة. وكان الاتجار فى العاج وقرن الخرتيت وغيرهما من منتجات الجزيرة وكذلك العبيد من الأنشطة الرابحة، وفى ظل العهد الجديد وصل النشاط التجارى إلى ذروة جديدة غير مسبوقة. وأخذت القوافل تشق إلى عمق القارة لتقايض الملابس والخرز والسكاكين والفؤوس وغيرها من المصنوعات بعلك السلع المحلية المربحة. واستخدم العبيد كذلك فى الزراعة فى الجزيرة وعلى أرض الساحل المقابلة. وشهدت المنطقة عصرًا جديدًا من الازدهار تجسده مدينة ماليندى، التى

زارها أحد المبشرين فى عام 1846 م فوجدها يبابًا مهجورة، ولكن بعد ثلاثين عامًا تحولت بفضل المستوطنين العرب والتطورات الزراعية التى أدخلوها إلى منطقة وصفت بأنها شونة الغلال التى تغذى الساحل وجزءًا من أرض الجزيرة العربية. وأتى الكثير من الهنود المسلمين من مختلف الطوائف بأسرهم إلى المنطقة وأقاموا فى مُمبسة وماليندى ولامو وغيرها من المدن الكينية، ومارسوا العمل فى التجارة. وأقاموا لهم أحياءً خاصة بهم ومساجد مستقلة لكل طائفة، وجماعات دينية مستقلة. وتمتعت تلك المجتمعات الإسلامية بلون من الحكم الذاتى سمحت به إدارة السلطان أولًا ثم سلطات الاحتلال الغربية فيما بعد. فكان لطائفة الإسماعيلية مثلًا التى تعتبر الأغاخان رئيسها الروحى، موظفون معينون مختصون بالإشراف على شؤونهم الروحية والاقتصادية والاجتماعية. وقد تعرض مجتمعهم لهزة فى منتصف القرن التاسع عشر الميلادى حول مسألة قداسة الأغاخان مما جعل بعض أبناء الطائفة ينشقون عليها وينضمون إلى طوائف الشيعة الأخرى ومنها الاثنا عشرية الذين بدأ وصولهم إلى المنطقة فى ذلك القرن. وكانت ثانى أكبر طائفة من المسلمين المهاجرين إلى أفريقيا طائفة البهرة، وكان رئيسها يعرف بالداعية المطلق، وكان يعين ممثلين عنه للإشراف على شؤون الطائفة وتدبير أمورها. وكان العامل الثانى لتوغل النفود الإسلامى داخل القارة التحركات القبلية، فمنذ القرن الثانى عشر الميلادى أخذت العشائر الصومالية فى منطقة القرن الأفريقى تضغط على القبائل الأفريقية وتزيحها جنوبًا، وفى القرن التاسع عشر وجه الصوماليون ضربة قاضية للجالا بعد أن عبروا نهر جوبا إلى منطقة تانا التى كانوا يسيطرون عليها، وأخضعوها لهم، وأدى الاحتكاك

بين المسلمين وجيرانهم من القبائل الأفريقية إلى اعتناق تلك القبائل للإسلام تدريجيًا بصورة بطيئة، ومنها الرنديل والبوران والجالا نفسها، ويمثل المسلمون اليوم 90 % من أبناء تلك القبائل. وهكذا أصبح قسم كبير من أراضى شرق أفريقيا يؤلف دائرة نفوذ إسلامية ضخمة فى الربع الأخير من القرن التاسع عشر، وكان قطب هذه الدائرة جزيرة زنجبار وقاعدتها التجارية، وأدى هذا إلى شيوع القول: "عندما يزمرون فى زنجبار يرقص الناس على شواطئ البحيرات الكبرى". ولم يبد المسلمون انزعاجًا للنشاط التبشيرى فى المنطقة فى ذلك الحين، وأبدى التجار ترحيبًا بالمبشرين، وساعدوهم فى رحلاتهم إلى الداخل وعاونوهم فى إقامة إرسالياتهم، ولكن الترحيب انقلب إلى عداء عندما بدأ هؤلاء المبشرون يحاولون التدخل فى شؤون التجارة، خاصة تجارة العبيد. ففى يوجندا تفجر الصراع بين المسلمين والمسيحيين عندما بدأ المبشرون الكاثوليك والبروتستنت ينظرون إلى النفوذ الإسلامى فى بلاط الملك (الكاباكا) نظرة عدائية. وكان السعى إلى الهيمنة السياسية هو لب القضية: أى هل يجوز السماح للعرب المسلمين بالتفوق على القوة الأوربية المسيحية؟ فتح هذا الصراع بطبيعة الحال الباب أمام التدخل الأوربى السافر ففى 1884 م وضعت ألمانيا عدة مناطق فى تنزانيا تحت حمايتها. وفى العام التالى، انتهزوا فرصة الصراعات السياسية المحلية والخلافات بين حكام المنطقة وأعلنوا حمايتهم على سلطنة واتو بناءً على طلب سلطانها الذى كان يرفض الاعتراف بسيادة سلطان زنجبار عليه. وفى عام 1886 م عقد الانجليز والألمان اتفاقية لتمزيق أوصال سلطنة زنجبار التى انحصر نفوذها بموجب هذه الاتفاقية على شريط عرضه عشرة

أميال يمتد على الساحل فيما بين حدود موزمبيق وكيبينى فى كينيا، واقتسمت الدولتان الأوربيتان باقى الأراضى فيما بينهما، ويشمل ذلك كينيا وجنوب الصومال وتنزانيا الحالية. وقد أبدى العرب السواحليون مقاومة للنفوذ الأوربى الذى بدأ يهدد بضياع نفوذهم السياسى والتجارى، وأخذ يتدخل فى أعرافهم الإدارية والاجتماعية والثقافية والدينية. وأدت محاولات الألمان "لألمنة" الساحل التنزانى ومعاملته المهينة لممثلى السلطان إلى اشتعال الثورة فى عام 1888 م. ونظر الأهالى إلى الحصار البحرى الذى فرضته القوى الأوربية فى محاولتها للقضاء على الثورة باعتباره تحالفًا مسيحيًا ضدهم. ثم تجددت الثورة حينما تنازلت ألمانيا لانجلترا عن سلطنة واتو الخاضعة لحمايتها، فقد اعتبر سلطانها، فومو بكرى، هذا التنازل خيانة له، وأمر بعض المواطنين الألمان الذين كانوا يثقبون عن المعادن فى أراضيه بمغادرة البلاد، وعندما رفضوا، أرسل قوة لحملهم على الخروج وترتب على ذلك قتل تسعة منهم، وكان على انجلترا، السيد الجديد للمنطقة، أن ترسل حملة تأديبة للسلطان الذى تزعم رغم ذلك ثورتين تاليتين. فى عام 1895 م، اندلعت ثورة فى تاكاونجو بقيادة مبارك المزروعى، وهو من أسرة المزروعى، حكام مُمبسة، وكان الانجليز قد تخطوا حقه فى وراثة منصب الوالى، واختاروا صنيعة لهم، وأعلن مبارك خروجه على السلطة البريطانية وساعده فى ثورته هذه عمه مبارك بن راشد، وانتشرت الثورة على طول الساحل الكينى من ماليندى حتى تنزانيا، واكتسبت تاييد الأفارقة من سكان الساحل وتعاطف الشيوخ السواحليون معها، واعتبرها أحد جهادًا فى سبيل اللَّه ورفع لواء الإسلام. ولكن الثورة قمعت فى النهاية، ولجأ زعماء الثورة إلى الأراضى

الألمانية فى الجنوب. وكان فشل هذه الثورة نهاية لآمال السكان والمسلمين فى الاستقلال، لا فى كينيا وحدها، بل فى منطقة شرق أفريقيا بأسرها. ومع هذا، فقد شارك العرب المسلمون فى إدارة شؤون البلاد فى كينيا وزنجبار وتنزانيا فى ظل الحماية البريطانية والألمانية، إذ كانت السلطات الاستعمارية بحاجة إليهم للعمل كموظفين لتوفر العناصر المتعلمة بينهم، فاختاروا منهم حكام الولايات والمديريات وقضاتها. والواقع أن الإدارة الاستعمارية الجديدة ساعدت بصورة غير مباشرة فى انتشار الإسلام وذلك لجملة عوامل من بينها سهولة المواصاوت بفضل الطرق المعبدة والسكك الحديدية التى أنشئت، وبفضل الموظفين والجنود المسلمين الذين جلبتهم من السودان والصومال للعمل فى الحاميات والمدن البعيدة فى الأراضى الأفريقية، حيث تزاوج هؤلاء الجنود والموظفون مع السكان، ومنهم من اختار المقام فى تلك الأرض بعد انتهاء خدمته، كما أن عمل المسلمين فى الخدمة العسكرية والمدنية أكسبهم احترام الأهالى الذين أحسوا بالرفعة النسبية لمناصبهم، ومن ثم بدأ بعضهم ينظر بإعجاب للإسلام ومنهم من اتجه لاعتناقه. وفى عام 1924 م، دخل تدريس الديانة الإسلامية ضمن مناهج التعليم العام فى مدارس مُمبسة وماليندى، وشهد القرن العشرين بعض المحاولات الإصلاحية الإسلامية، ومنها تاسيس رابطة الإصلاح المحمدية والجمعية الأفروآسيوية التى كانت توجهاتها الأساسية سياسية، وكان أبرز زعماء الإصلاح فى هذا القرن الشيخ الأمين ابن على المزروعى الذى دعا لتأسيس هيئة للدفاع عن مصالح المسلمين. وفى عام 1935 م، حاول بعض الدعاة الهنود الحد من النشاط التبشيرى المسيحى الذى انتشر فى ظل الإدارة

المصادر

الاستعمارية، فأرسلوا بعثة إسلامية لدعوة الكينيين للإسلام، ولكنها لم تحقق نجاحًا كبيرًا. وفيما عدا هذه البعثة ومحاولات أتباع الطريقة الحمدية الشاذلية لنشر الطريقة بين أبناء شرق أفريقيا على يد دعاتها، لم يظهر العالم الإسلامى اهتمافا كبيرًا بشأن المسلمين فى تلك المنطقة الحيوية. ورغم جهود الدعاة والمصلحين، لكن المسلمين ارتضوا العيش كأقلية فى مجتمعات منعزلة دون روابط عضوية بين تجمعاتهم العربية والسواحلية والإفريقية والهندية، ولعل المسلمين الهنود هم أنشط تلك المجتمعات وأكثرها تنظيمًا وثراء. المصادر: (1) Chittick: ch. In Zamani a survey of East African History, ed Ogot, 1973 (2) R. Oliver: The missionary factor in East Africa; Ph. D. thesis, University of Nairobi, 1974 د. محمد أبو العمائم [ف. ل. ميلانج F. L. Milang] الكيا الكِيّا الهراسى، شمس الإسلام عماد الدين أبو الحسن على بن محمد بن على الطبرى، المعروف خصوصا بالكيا، فقيه شافعى المذهب يعتقد اعتقاد الأشاعرة، والعالم بالمنطق والمعروف فى زمانه بإتقان فن المناظرة. (ولقبه الهريسى جاء نسبة إلى الهريسة، وهى طعام من قمح ولحم يخلطان ببعضهما ويطبخان). وهو زميل للغزالى وفى نفس سنة (وولد الاثنان فى 450 هـ/ 1058 م)، وتوفى الهراسى سنة 504 هـ/ 1110 - 1111 م، قبل وفاة الغزالى بعام. درس أولا فى طبرستان، التى تركها فى سن العشرين ليدرس تحت إشراف إمام الحرمين الجوينى فى نيسابور، وكان واحدا من أنجح تلاميذه، وصار واحدا من أشهر مريديه. وتفوق فى ميدان الشريعة والفقه وأصول الفقه. ومن نيسابور ذهب الكيا إلى بيهق حيث درس الفقه الشافعى؛ وذلك بعد وفاة أستاذه الجوينى سنة 478 هـ/

المصادر

1085 م. ولقد ذهب زميله الغزالى إلى طوس إلى بلاط الوزيو السلجوقى نظام الملك. ومن بيهق توجه الكيا إلى بغداد ليتقلد كرسى الفقه الشافعى فى المدرسة النظامية، وهو منصب احتفظ به حتى وفاته سنة 504 هـ/ 1110 - 1111 م. ولقد درّس أيضا الحديث، وكان المحدث الثقة الشهير السلفى (576 هـ/ 1180 - 1181 م). واحدا من تلاميذه فى هذا الحقل. اتُّهم الكيا بتعاطفه مع الإسماعيلية، وكان بسبب ذلك مهددا بفقد حياته، ولكنه أنقذ بسبب التماس عفو تقدم به علماء بغداد وكان من بينهم زميله القديم وشريكه فى المناظرة القاضى وعالم الدين ابن عقيل. من بين أعماله المختصة بالمذهب الشافعى كتابه: المرشدين الذى اعتبره تاج الدين السُبكى واحدا من أعظم أعماله، ونقد مفردات الإمام أحمد، وبه نقاط يختلف فيها مع الإمام أحمد بن حنبل. كذلك فإن الكيا انتُقد بدوره من جانب العالم الحنبلى شمس الدين محمد بن قدامة المقدسى (704 - 44 هـ/ 1304 - 43 م)، فى كتابه الرد على الكيا الهراسى، وكذلك من جانب قاضى القضاة الحسن ابن عبد اللَّه، تلميذ ابن تيمية. كذلك ينسب إليه كتّاب السِّير عملا فى أصول الفقه، عنوانه: "تعليق فى أصول الفقه". المصادر: (1) GAL, I, 390, stndia Islamica, 67 (bibiography cited) (2) G.Makdisi: Ibn Aqil et la resrgence de e'Islam tradirionalisre au xi e siecle (Ve siecle-de l' Hegire), Damascus 1963, 216 and n. I (biliography cited), and index , iden, Muslim insitions of learning in eleventh-century, Baghdad, in Bsoas XXIV (1961), 41 and passim د. عطية القوصى [ج. مقدسى G. Makdisi]

ل

ل

لؤلؤ الجارحى

لؤلؤ الجارحى اسم كان يطلق غالبا على شخص ينتمى إلى أصل متواضع، أو أن يكون من الحرس أو كبير جماعة خاصة من الغلمان فى خدمة الأمير، وممن سمى بهذا الاسم غلام أحمد بن طولون؛ كان لؤلؤ رئيسا للشرطة فى بغداد عام 324 هـ/ 935 - 936 م؛ كما كان هناك آخر يدعى بلؤلؤ، وكان أميرا لحمص نيابة عن كافور الإخشيدى، وهو الذى أسر المتنبى عندما ادعى النبوة وضم إليه جماعة من الموالى فى الصحراء السورية. أما لؤلؤ الكبير الجارحى السيفى، فقد لعب دورا مهما فى بلاط الحمدانيين فى حلب، وتشير نسبة السيفى فى اسمه إلى أنه كان فى خدمة سيف الدولة الحمدانى، وكان قد برز فى أيامه لمشاركته مع غزاة خراسان فى تجريدة خرجت سنة 355 هـ من أنطاكية لمهاجمة المصيصة، كما تدل نسبة الجارحى الواردة فى اسمه، إلى أنه قد خدم أيضا قبل الأمير الحمدانى، واحدا من أسرة الجرَّاح، قبل أن ينخرط فى خدمة الأمير الحمدانى، وإن سكت المؤرخون عن إيراد أى خبر عن هذه الناحية. وعندما كان حاجب الحمدانى، أبو المعالى سعد الدولة على فراش موته 381 هـ/ 991 م، أوصى بأن يكون ابنه أبو الفضائل تحت رعايته، لذا فقد قام لؤلؤ -مع الغلمان- فى حمل الناس على الاعتراف بأبى الفضائل أميرا بعد أبى المعالى. وقد ازداد نفوذه عندما زوج ابنته لأبى الفضائل.

واتبع لؤلؤ سياسة الحذر فى الموقف الصعب الذى واجهه أمير حلب إزاء التهديد الذى صادفه قائد معسكر الفاطميين بَنْجُوتكين (أو منجوتكين) ومن مطامع الفاطميين، إذ استرد الجنود الذين كان قد أرسلهم أبو الفضائل إلى الجنوب، ليتحاشى الصراع مع الفاطميين. وعندما وصل بنجوتكين فى ربيع الثانى 383 هـ, وحاصر حلب، طلب سعيد الدولة ولؤلؤ النجدة من بيزنطة، التى كانت تفرض نوعا من الوصاية على إمارة حلب منذ معاهدة 359 هجرية. وترامى الاثنان على أقدام البيزنطيين كما يقول يحيى ابن سعيد الأنطاكى، فاستجاب لهما الإمبراطور البيزنطى وبعث العسكر بقيادة "بوجى" حاكم أنطاكية، ولكن بنجوتكين ردهم على أعقابهم، واستمر فى محاصرة المدينة، حتى بداية عام 955 م. واستنجد لؤلؤ بالإمبراطور فاسيل مرة ثانية فقدم بنفسه على رأس 13000 رجل من قواته، وأجبر بنجوتكين على رفع الحصار، وأكرم الإمبراطور أبا الفضائل فأعفاه من دفع الجزية التى كانت تقدمها الإمارة للبيزنطيين منذ معاهدة 359 هـ/ 969 م. ولقد برهن لؤلؤ على أنه أشد صلابة من مولاه فى مواجهة بنجوتكين الذى كان أبو الفضائل مستعدا لتسليمه مدينة حلب. ففى عام 386 هـ, أقنع لؤلؤ سيده أبا الفضائل بالشدة فى معاملة والى معرة النعمان المتمرد، الذى سرعان ما انضم للفاطميين. وفى عام 388 هـ، قام بمحاولة للاستيلاء على أفاهية، التى استنقذها دوق أنطاكية دميين دالاسينوس. فى صفر عام 388 هـ، توفى سعيد الدولة أبو الفضائل، وتولى لؤلؤ القيام بكافة مهام السلطة، وقام باستبعاد ابنى سعيد الدولة، ونفيهما إلى مصر، ودمر بعض الحصون فى منطقة حلب لمنع أعدائه من توطيد أنفسهم هناك. وعلاوة على ذلك، أمر بحبس مغامر يدعى الأصفر، لكى يحتفظ بعلاقات طيبة مع بيزنطة، الذى كان يحلم بالجهاد ضدها، وكان هذا الجهاد أشد ما يقضن مضجع بيزنطة. وكان الأصفر هاربا فى أرض الجزيرة، ولكن الوثاب أمير هذه الإمارة، قام بتسليمه إلى لؤلؤ، وبذلك وضع حدا لنشاطاته. واستمر لؤلؤ فى دفع الجزية لبيزنطة وتوفى فى عام 399 هـ ومارس السلطة فى حلب ابنه المنصور،

المصادر

الذى لم يكن يزيد عن كونه حاكما تحت سيطرة الفاطميين. لقد جمعت شخصية لؤلؤبين ما هو مُرْض وما ليس بمرض، فقد استطاع بولائه وشجاعته أن ينقذ حياة سعيد الدولة فى المعركة التى اضطر فيها الأخير لمحاربة بكجور حاجبه المتمرد، الذى كانت لديه طموحات فى الاستيلاء على حلب. ولما حل محل الأمير سعيد الدولة فى حمل الراية وتحمل الضربات بدلا منه، فإنه ضمن النصر له. ولكن حسب رواية كمال الدين، فإن سعيد الدولة قد مات مسموما، عن طريق إحدى محظياته بتحريض من لؤلؤ، الذى قدم صورة الغلام، الذى نجح فى تسويد نفسه، بفضل نشاطه وكفاءته ومساعدة الأحداث الخارجية له، وعلى نحولا يمكن إنكاره. فالإمارة كانت من الإمارات الثانوية، ويمكن أن يقال إنه قام فى القرن الخامس الهجرى (الحادى عشر الميلادى)، بالدور الذى سيلعبه كثير من المماليك فى مصر على نطاق كبير. المصادر: (1) ابن الأثير: الكامل G. J. Tornbrg ليدن uol - 1976 م فى السنوات المبينة (2) كمال الدين بن العديم: تاريخ حلب. (3) Kamal El Din Ibn al Adim: Histoired d'Alep ed. Sami Dahan, Damascus 1953, i هاشم أحمد [كونراد M. Canrad] لؤلؤ (جوهر) كلمة لؤلؤ وجمعها لآلئ ولآلى (بحذف الهمزة الأخيرة) وتستعمل كلمة بؤلؤ فى الغالب مرادفة للدرر، ولا يمكن تحديد الاختلاف فى المعنى بين الاثنين بدقة أما فيما يتصل بالمرجان والكهرمان، فإن اللؤلؤ ينتمى إلى المنتجات العضوية والجواهر، كما يرتبط بالمعادن. إلا أن الاختلاف بين اللؤلؤ والمعادن الحقيقية، كان معروفا تماما: فالأول يتغير لونه بسرعة، لأنه من أصل حيوانى. ويعدّد ابن ماسوية، فى كتابه الجواهر سبعة وعشرين نوعا من الأحجار النفيسة فى مقدمتها اللؤلؤ، ثم الياقوت فالزمرد فالماس، إلخ أما البيرونى فيؤكد أن هناك فى الأصل ثلاثة أحجار نفيسة فقط، هى الياقوت،

المصادر

والزمرد، واللؤلؤ. ثم يعود فى موضع آخر فيقول إن اللؤلؤ يتكون من نوعين أحدهما كبير ويسميه بالدر والآخر أصغر منه ويسميه بالمرجان. وبالمثل فإن التيفاشى الذى أضاف الجواهر، جمان والشذر، كمرادفات للؤلؤ بصفة عامة، فى حين أن الدر "والحب والخريدة" تدل على اللؤلؤ غير المثقوب، أما "اللؤلؤ" من غير همزة فى آخره فهو المثقوب ومع ذلك، فإن المصطلح متذبذب؛ ومن أجل مزيد من التفاصيل، انظر ثبت المراجع ويفصّل الكتّاب السابقون الأنواع المختلفة من اللؤلؤ تبعا للونه فمنه الأبيض والأصفر والرصاصى والعاجى وتبعا لشكله، ولمقاسه، وتركيبه، التضام، التماسك، الوزن والقيمة، وما يطرأ عليه من تغييرات بسبب التأثيرات الخارجية، وأخيرا أماكن اكتشافه وتجارته وللبيرونى فصل طريف عن أسباب وطرق استخلاصه ومدى صفائه ولكل صفة من صفات اللؤلؤ هذه تسمياتها الخاصة بها المبنية على الملاحظة الدقيقة. فحساب الوزن النوعى للؤلؤ، كان غاية فى الدقة وحتى تكوين اللؤلؤ، قد شرح بطريقة صحيحة، أى بواسطة تخلل الأجسام الغريبة الطفيلية، التى تحدث النمو الذى يتصلد فيما بعد إلى لآلئ. ومع ذلك، فى نفس الوقت، تعتقد الخرافة الغريبة الشائعة التى ينشأ تبعا لها اللؤلؤ فى المحارة من المطر: ففى كل سنة، يتأجج المحيط الهندى بعواصف شديدة، تجبر المحارة على أن تطفو فوق سطح الماء فتفتح شِقَّيْها وتستقبل المطر. وبعد ذلك، تطبق المحار نصفيها وتغوص إلى قاع البحر؛ ومن ماء المطر، ينمو حجر كريم نمو الجنين فى الرحم. المصادر: (1) يوحنا بن ماسويه: الجواهر وصفاتها، طبعة عماد عبد السلام رءوف، القاهرة 1977 م، ص 24 - 40. (2) البيرونى: الجماهر فى معرفة الجواهر، حيدرآباد 1355 هـ. (3) الدمشقى: نخبة الدهر: طبعة Mehaen، ص 77 وما يتبعه. هاشم أحمد [أ. ديتريتش A. Dietrich] المنصور لاجين (لاشين) الملك المنصور حسام الدين، المعروف بالشقير أو الأشقر. سلطان تركى من المماليك، كان مملوكا للملك المنصور على ابن أيبك، اشتراه قلاوون عام

658 هـ/ 1259 م وعندما اعتلى قلاوون العرش رقاه إلى رتبة الأمير وأرسله إلى دمشق نائبا عليها، وأثار تعيينه فى ذلك المنصب ذعر نائب الشام سنقر فأعلن نفسه سلطانًا. وقامت حملة من مصر بإخماد هذا التمرد وعين لاجين نائبا على الشام. وقد جعله نجاحه فى هذا المنصب -فى الفترة التى تبعت من حكم السلطان قلاوون- من أقوى الشخصيات فى المملكة عند تولى الملك الأشرف خليل الحكم عام 689 هـ/ 1290 م، مما جعل كل منهما يرتاب فى صاحبه. قاد لاجين جيش دمشق فى حصار عكا، وفى أثناء الحصار قبض عليه وأرسل إلى صفد (جمادى الأولى عام 690 هـ/ مايو 1291 م) ثم أفرج عنه ورد إليه اعتباره. وفى شوال 691 هـ/ سبتمبر 1292 م خوفا من أن يقبض عليه مرة أخرى، فأمسك به بعض الأعراب وأرسل إلى القاهوة حيث سجن ثم أطلق سراحه. تآمر صع بيدرا المنصورى نائب السلطنة وباقى الأمراء الساخطين على السلطان وقتلوه فى رحلة صيد فى المحرم عام 693 هـ/ ديسمبر 1293 م). فشل المتآمرون فى تحقيق رغبتهم فى تولية بيدرا الحكم وقتل وهرب لاجين واختفى. تولى الملك الناصر محمد، أخو الملك خليل السلطنة وهو لازال طفلا، على أن يكون نائب السلطنة كتبغا المنصورى هو الحاكم الفعلى للبلاد. فى رمضان/ أغسطس ظهر لاجين من مخبأه وحض كتبغا على تولى السلطنة (المحرم 694 هـ/ ديسمبر 1294 م) وعين لاجين نائبا للسلطان. وفى مدة حكم كتبغا القصيرة، حدثت مجاعة فى مصر وكثر الموت بها كما استقر فى فلسطين عدد كبير من المحاربين الأويرات Oirat مع عائلاتهم لاجئين من إيلخان غازان Ilkhan Ghazan بعد أن هزم بيدو Baydu، ولما كان كتبغا مغولى، فقد رأى الأمراء الأتراك والشراكسة أن هذه الهجرة تهدد نفوذهم، فقامت جماعة منهم بقيادة لاجين بعزل كتبغا وأقاموا لاجين سلطانًا فى المحرم عام 697 هـ/ نوفمبر 1296 م. واجهت السلطان أزمات متكررة نتيجة للعداء المتأصل بين مماليكه ومماليك سلفه الذى حاول السلطان الجديد أن يحل مماليكه محلهم ليكافئهم وليوطد دعائم ملكه. وفى محاولة

المصادر

لحماية أنفسهم، أخذ زملاؤه فى التمرد عليه عهدا ألا يكون هناك تمييز بين مماليكه وبينهم وألا يعطى مماليكه سلطة عليهم، ولكن سرعان ما صار هذا الاتفاق أثرا بعد عين، وفى ذى القعدة عام 696 هـ/ سبتمبر 1297 م، عزل السلطان زميله فى التمرد قارا سنقر المنصورى من نيابة السلطنة وعين بدلا منه مملوكه مَنْكُوتُمر Mankutamur، وأثار سوء استخدام نائب السلطان الجديد لسطاته سخط الأمراء بالإضافة إلى الإصلاحات المالية التى قام بها السلطان حيث أعاد مسح الأرض كما أعاد توزيع الإقطاعيات فى مصر وذلك فى جمادى الأولى ورجب 697 هـ/ مارس - إبريل 1298 م للمرة الأولى منذ عصر صلاح الدين الأيوبى (572 هـ/ 1176 م)، كما أعاد طوائف المنتفعين السابقة وهم الخاصة والأمراء والحلقة، ولكن فى الوقت الذى لم يتغير فيه التوزيع بالنسبة للخاصة، فقد دمج الفئتين الأخريين وأعطاهم نصيبا أقل، وبذلك حصل السلطان على فائض بعيدًا عن أنصبة الخاصية استخدمة فى زيادة جيشه، مما شكل تهديدا واضحا للأمراء، وفى خلال الأشهر التالية، وصل تذمرهم إلى حد التآمر، وفى ليلة 11 من ربيع الثانى عام 698 هـ/ مساء 16 يناير 1299 م، اغتيل لاجين كما قتل منكوتمر، وبعد عدة أيام من الاضطرابات، أعيد الملك الناصر محمد إلى وضعه كسلطان اسمى. المصادر: (1) أبو الفدات المختصر فى أخبار البشر، القاهرة 1325 هـ/ 1907 م، جزء 4. (2) ابن الدوادارى: كنز الدرر وجامع الغرر، جزء 8، فريبررج Fribarg 1971 م صفحة 365 - 83. (3) المقريزى، السلوك لمعرفة دول الملوك جزء 1/ 3، القاهرة 1971 م. (ب. م. هولت P.M. Holy) (4) ابن تغرى بردى: النجوم الزاهرة، جـ 8، القاهرة. حسين أحمد عيسى [هولت P. M. Holt] لالى ديفرى أو "عصر زهرة التيوليب"؛ ويطلق على واحدة من أكثر الفترات فى

الإمبراطورية العثمانية ثراء بالأحداث والتى تتفق والنصف الثانى من حكم "أحمد الثالث" (1703 - 1730 م)، أو بمعنى أدق، الثلاث عشرة سنة لوزارة "إبراهيم باشا" وزهرة التيوليب الذى خلع اسمها على هذا العصر جرى تصديره من تركيا إلى النمسا عن طريق "وجير جيسلان" Ogier Ghislain سفير "فرديناند الأول" من الهابسبورج (1503 - 1564 م) فى بلاط السلطان ولكن هذه الزهرة تطورت زراعتها فى هولندا بجهود عالم النبات شارلز دى ليكلوز Chanles de L'echuse، الذى كان يشغل كرسى علم النبات فى جامعة ليدن- وانتشرت الرغبة من أجل الحصول على هذه الزهرة سريعا فى أوروبا، ولكن الهوس بها اتخذ أكثر الأشكال فى تركيا. فقد أصبحت هذه الزهرة موضع حماس شديد ولهفة، بعد أن استوردها مرة أخرى من هولندا إلى تركيا فى القرن السابع عشر السفير النمساوى "شميد زوم شفا رزينهورن" Schmid zum Schwarzenhorn فى عصر أحمد الثالث. وتولد عن شكل (طراز) التيوليب فن للعمارة، أصدق مثال له "مسجد لالى" جامع الرائع فى استانبول؛ أما بالنسبة للفن فقد تولد عنه "فن الباروك" العثمانى، المستوحى من "الروكوكو" الفرنسى؛ ويمثل الشاعر "نديم" النمودج المتأثر بجمال التيوليب فيما يتعلق بالجانب الأدبى. وقد تعهد هذا الطراز وروّج له الصدر الأعظم إبراهيم باشا -من "ينفشهر" زوج ابنة السلطان فعندما وصل إلى السلطة فى بداية عام 1718 م، أبدى مهارة دبلوماسية عظيمة أنهت حالة الحرب المستمرة التى قوضت البنية الاقتصادية للإمبراطورية، ودمرت مناطقها الريفية. وبعد المعاهدة، كرس الصدر الأعظم نفسه لهدف السلام، بسبب الحملات المظفرة فى إيران، التى كانت حينئذ فى حالة من الفوضى بسبب غزو الأفغان. وقد كان أحمد الثالث لطيفا ومحبا للسلام بطبعه، ولكنه كان يميل بقوة إلى المتعة وقد كان رجلًا مثقفًا وشاعرًا، وخطاطًا، كما كان نهمًا بشكل مفرط. وكان إبراهيم باشا مهذبًا ومثقفًا، وشخصية منبسطة ومحبًا للسلام والسرور، وهكذا، ومع هذه الأذواق

الاتجاه إلى الغرب

المتماثلة، كان كل منهما يتناسب مع الآخر. وإن كان السلطان قد ترك المسئولية لوزيره الذى أحاط نفسه بالأقرباء المقربين، وأبعد عن بلاطه كل العناصر المناوئة. وحتى عام 1730 م، كانت إدارة الدولة كلها تحت سيطرته، كما أن كل المناصب المهمة كانت فى أيدى من يقوم بتعيينهم؛ وقد أدت هذه المحسوبية إلى الكثير من الحنق والغضب وأكسبته أعداء كثيرين. الاتجاه إلى الغرب: كان الصدر الأعظم رجلًا يميل إلى التنوير، وقد تميزت سنى وزارته بعديد من محاولات التقرب إلى الغرب فلأول مرة فى تاريخ الإمبراطورية العثمانية تبذل المحاولات للإفادة من الهياكل السياسية والاقتصادية والثقافية فى أوروبا؛ فتعززت العلاقات الدبلوماسية وبالأخص مع فرنسا. وتم تعيين سفير فى بلاط لويس الخامس عشر وهو "بيرميسيكيز جلبزاده محمد أفندى، وصدرت إليه التعليمات بدراسة تلك المؤسسات الفرنسية التى يمكن أن تتواءم مع متطلبات البلاد العثمانية (1719 م)؛ ونمت العلاقات التجارية مع فرنسا: وكانت هناك خمسمائة سفينة تجارية تعمل كل عام بين فرنسا وتركيا. سياسات التقدم والبناء والابتكار: وفى عام 1724 م تم تركيب أول مطبعة فى استانبول عن طريق المساعى الحميدة لمجرى اعتنق الإسلام هو إبراهيم موتيفريكا Matiferrika وكان يساعده ابن سفير السلطان فى بلاط لويس الخامس والذى كان يرافق أبيه فى باريس. كما تم استدعاء ضابط فرنسى "من المهندسين" يدعى "دى روشفورت" De Roclefort لإعداد الخطط لإصلاح الجيش على النمط الغربى، على حين كان هناك فرنسى آخر اعتنق الإسلام هو (خمباراجى أحمد Khumbaradji باشا) قام بتنظيم سلاح المدفعية وثمة فرنسى آخر، اعتنق الإسلام، هو "جيرجيك Grcek داود، كان مسئولًا عن تكوين أول فريق للإطفاء. ولأن الوزير الأعظم كان محبًا للفنون والأدب فقد

أحاط نفسه بالشعراء والموسيقيين والفنانين، ومنع تصدير (إخراج) المخطوطات النادرة، وأنشأ جمعية لترجمة النصوص العربية والفارسية. وأقام خمس مكتبات، بالإضافة إلى مكتبة السلطان، كان أمينها الشاعر نديم. كما أعطى دفعة جديدة لصناعة الصينى والخزف، مستعيدًا ورش "ازميد" و"كوتايهة" (كوتاهية)، ومنشئًا لورشة جديدة فى استانبول وهى ورشة" تيفكورسارايى" Tefkir Sarayi، كما أقام مصنعا للنسيج - وأنشا خزانا لجلب المياه من غابة بلجراد إلى العاصمة. وبنى الطرق، وأقام المنشآت الخاصة بالموانى وتجهيزاتها. وكان يشرف بنفسه على الأسواق وينظم بيع الخبز واستيراد البن. وشجع على تقدم الطب والدواء. وتذكر ليدى "مارى وورتلى مونتاجو" زوجة السفير البريطانى فى بلاط السلطان فى "رسائلها" أنه كان هناك بعض الأدواء تعالج فى تركيا بأفضل مما يحدث فى أمكنة أخرى. وكان السلطان متحمسًا كذلك للمشروعات مثل النافورات والمساجد والأضرحة والقصور والحدائق وأماكن الترفيه وأثر القصور هو قصر "سعد أباد" والذى شيد عند قاعدة القرن الذهبى فى "كاغيتان" حسب المشروعات والرسوم التى جاءت من فرنسا وقد أهدى السفير الفرنسى، "ماركيز دى بوناك" السلطان أربعين من أشجار البرتقال كانت تزين واجهة القصر. وقد أقيم أول حفل فى الحادى والثلاثين من يولية 1722 م، ولقد كان عصر التيوليب عصر تقدم واهتمام متزايد بالثقافة والشعر والموسيقى. وفى الشعر كان نديم مبدعا إذ أدخل الموسيقى فى النظم، وخلع الطابع الشرقى على القصائد القصصية. وعندما شعر السلطان أحمد الثالث بالإجهاد والتعب من شئون الحكم، خلد إلى الراحة والترفيه؛ وعلى مدى ثلاث عشرة سنة أحاطه إبراهيم باشا بجو من الحفلات المتواصلة، رمزها زهرة التيوليب التى توفرت منها نوعيات مختلفة تصل إلى 839 نوعا فى عام 1726 م. وأصبحت بصلاتها غالية الثمن حتى اضطرت الحكومة إلى أن تحدد الأسعار منعا للتلاعب (فرمان المحرم 1140 هـ/ سبتمبر 1722 م).

نهاية الاحتفالات

وكانت الحفلات الخاصة بزهرة التيوليب تقام ليلًا ونهارًا. يحضرها الشعراء والموسيقيون وأبناء الشعب، وتقام الموائد التى تقدم فيها أشهى الأطعمة والشراب. وبجانب حفلات التيوليب هذه كانت حفلات لا تنقطع ترتبط بختان وزواج الأمراء والأميرات وعددهم واحد وثلاثون -أبناء أحمد الثالث. ومع مرور الوقت زاد الإسراف والبذخ -وامتلأ قصر السلطان بأزهار التيوليب والقرنفل، وأقفاص العصافير المغردة. وكانت المتعة والسرور غاية العيش وكتب السلطان والوزير، -وكلاهما شاعر وخطاط- قصائد حب كل فى الآخر. وبتأثير ما يحدث فى القصر تغيرت أخلاقيات الشعب. وأصبح حب الرفاهية والسعى إلى المتعة شيئا ملحوظا، مما جعل زوجة السفير البريطانى -التى جاء ذكرها من قبل- تقول إن المرأة التركية أكثر تحررًا من نظيراتها الإنجليزية- وشعر نديم ينبئ عن ذلك كثيرًا، ومضت الطبقة المتوسطة أيضًا فى مشروعات من الإسراف المتهور، مما قوض بيوتا كثيرة. وحتى يوقف هذا السرف أصدر الوزير الأكبر قانونًا ينظم ارتداء الملابس حسب الطبقة الاجتماعية وخصوصا بالنسبة للملابس المزخرفة التى ترتديها النساء. ولكن أساء الانحلال الأخلاقى إلى العامة -فكان السلطان قد أقام "مراجيح" (أراجيح - جمع أرجوحة) لتسلية الشعب وكان منظر النسوة اللاتى يركبنها والشباب يدفعهن، إهانة للرأى العام، بل إن الاتهامات كذلك وجهت إلى عدد من النبلاء إلى الوزير الأعظم نفسه. نهاية الاحتفالات: وقد أدى هذا كله إلى تزايد السخط بين الشعب وخصوصا من علماء الدين- فبالرغم من جهود الوزير الأعظم تجاه نشر الثقافة، إلا أنه لم يفعل شيئا لمواجهة تعصب العلماء وجهل الجماهير كما أن الإنكشارية -الجهلة المتعصبين- والذين كان دخلهم يعتمد على النهب والسلب فى أثناء الحرب، شعروا بان الإصلاحات العسكرية تهددهم. كما أن الوزير الأعظم فرض ضرائب جديدة على التجارة زادت من السخط بين الحرفيين وبين الإنكشارية كذلك، الذين

كانوا يشغلون أنفسهم فى وقت فراغهم بالتجارة على نطاق ضيق وأخذ العلماء على أنفسهم أن يثيروا هذه المظالم والآلام ومع ذلك فقد اندلعت الثورة لأسباب وعوامل سياسية. لقد كانت السياسة الخارجية لإبراهيم باشا تقوم على أساس تجنب الحروب، ومع ذلك، فقد شهد عصر التيوليب امتدادا مؤقتا للسيادة العثمانية على حساب غزو الأفغان لإيران، ففى ظل حالات الفوضى التى سادت، ظهر تنافس جديد دفع بالأتراك والروس إلى المواجهة العسكرية فى أقاليم القوقاز ولكن وساطة السفير الفرنسى -"ماركيز دى يوناك"- أدت إلى تسوية النزاع وعقد معاهدة بين الروس والأتراك فى 23 يونيه 1724 م، قسمت بمقتضاها المغانم الإيرانية بين الجانبين فاحتل الأتراك تفليس و"ايريفان" و"تبريز" والأراضى التى تقع إلى الغرب من خط يصل بين "اردابيل" و"همدان". على حين استولى الروس على "ديربند" و"باكو" و"داغستان". وعادت الاحتفالات وتبودلت الهدايا بين الأتراك والروس والفرنسيين. وكانت مقاليد الأمور قد وضعت فى أيدى ولاة الأقاليم الحدودية. ولكن سرعان ما تطور الوضع فى إيران. فقد نجح "نادر شاه" فى الاستيلاء على السلطة بعد الإحاطة بالأسرة الأفغانية، وفى عام 1730 م أجبر الأتراك على إعادة الأراضى الإيرانية التى احتلوها. وسرت أنباء عن احتلال همدان وذبح حاميتها التركية. وحاول الوزير الأكبر أن يتكتم الأمر ولكن نادر شاه رفض التفاوض. ولكى يخمد القلق العام كان من الضرورى أن يعد حملة. وفى 17 يولية قام الجيش التركى باستعراض فى "اسكودار". ووصل السلطان وسار فى موكب مهيب وانتهى الأمر عند هذا الحد وعاد الجنود إلى بيوتهم بعد العرض. وفى الثانى عشر من أغسطس استولى الإيرانيون على تبريز وذبحوا بوحشية من كان فيها من الأتراك. وحاول إبراهيم باشا تكتم الأمر مرة ثانية ولكن الانكشارية العائدين من الحدود أذاعوا كل الأخبار. وزاد السخط وأثار العلماء والانكشارية تعصب الحرفيين. وفى تقرير للسفير الفرنسى "ماركيز

المصادر

دى فيلينيف" فى السابع عشر من سبتمبر 1730 م يتحدث عن تردد بلاط السلطان فى اتخاذ أى إجراء. وكان هذا التردد حاسما فى نجاح الثورة التى اندلعت فى الثامن والعشرين من سبتمبر. وكان جميع المسئولين فى عطلة، يمارس متعته وتسليته، مما أتاح الحرية الكاملة للمتمردين، الذين كان يتزعمهم "خليل" الألبانى الذى كان يعمل على يخت السلطان، وكان بين الخامسة والثلاثين، والأربعين -والتف حول- الكثيرون من التجار والحرفيين والانكشارية حتى وصل عددهم إلى ألفى شخص؛ وهكذا كانت الثورة من عمل حفنة من الحرفين الجهلاء. ولكن كان يديرها اثنان من طبقة العلماء هما واعظ "أياصوفيا" "اسبرى زاده أحمد أفندى" وقاضى استانبول الألبانى "زولالى حسن أفندى" وكان يكره الوزير الأعظم لأسباب شخصية (وردت قبل ذلك) ولم يعد البلاط إلى استانبول حتى ليلة التاسع والعشرين من سبتمبر (وردت قبل ذلك) ولم يعد البلاط إلى إستانبول حتى ليلة التاسع والعشرين من سبتمبر أى بعد يومين من اندلاع الثورة. . وفى اليوم الثانى -30 سبتمبر- حاول السلطان التفاوض مع الثوار، ولكنهم -من موقع القوة- طالبوا بتسليمهم الوزير الأعظم وصهريه وحاول السلطان إنقاذ "حبيبه" عبثا، وأخيرا، وخوفًا على حياته أمر بشنق الوزير الأعظم وصهريه - ولكن الثوار أصروا على أن يتنازل السلطان عن الحكم. وفى ليلة الثانى من أكتوبر، بعد أن تلقى ضمانًا بالإبقاء على حياته وحياة أبنائه، تنازل لابن أخيه محمود الذى اعتلى العرش على الفور. وبعد ذلك أمر محمود الأول بشنق قادة الثورة. وانتهى عصر الاحتفالات ودمرت بساتين التوليب والقصور وأماكن الترفيه وذبلت أزهار التوليب. وتركت ذكريات وفيرة ولكنها مأسوية. المصادر: (1) أحمد رفيق التوناى: لالى ديفرى - ديوان الشاعر نديم (2) Cronzenac: Histore de la dermniere revolution arriue dans l'Enpire ottoman

لباس

(3) Lady Mary Wortley Montagu: The Complete letters (4) Abdi: 1730 patrana ihilali hakkondabir esir: Abdi tarihi, ed Faik Resit unat, Ankara 1943 (5) Ahmeat Repik Altauny: Lale devri, Isanbul 1932, repr. Aakara 1973 بهجت عبد الفتاح عبده [أ. ميليكوف I.Melikoff] لباس لِبَاسْ (وجمعها لَبوُس وألْبِسَة) وهى مثل نظائرها فى معظم اللغات السامية الأكاديه، والعبرية، والآرامية، والسيريالية، المصطلح العام فى اللغة العربية الذى يعبر عن الملابس وما شابهها. وفى القواميس اللغوية نجد تعريف هذا المصطلح "أنه ما يخفى أو يغطى العورة". وهذا التعريف ورد فى القرآن الكريم فى الآية 26 من سورة الأعراف {يَابَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ. . .}. وفى القاموس ورد تعريف الملابس "أنها للتجميل الشخصى والزينة وحماية من الحر والبرد. وبالإضافة إلى المصطلح "لباس" نجد أيضا كلمات لبس، ملبس، ملبوس، لَبُوس، ولبوسة تدل على نفس المعنى. وتاريخ الملابس الإسلامية ما زال فى حاجة إلى أن يكتب بشكل أكثر تفصيلا، وفيما عدا كتاب R. P. Dozy بعنوان Dictionnaire detaille des noms des vetements الذى نشر فى أمستردام 1845 م. لم ينشر أى كتاب شامل يغطى هذا الموضوع على مستوى العالم العربى. فضلا عن العالم الإسلامى، ولقد اعتمد كتاب دوزى فقط على المصادر الأدبية التى وردت فى المخطوطات. وقام ر. ليفى Rlevy فى بحثه الذى نشره فى مجلة جمعية الدراسات الآسيوية الملكية Jras سنة 1935 م بعنوان Notes on Costumes From Arabic Sources بشرح مصادر دوزى الأدبية. أما البحث الذى كتبه ر. ب. سرجنت R. B. Serjeant بعنوان Islamic textiles, material for a history up to the Mongol Conquest ونشر فى بيروت سنة 1972 م، فعلى الرغم من أنه لا يتعلق بالأزياء بشكل خاص، إلا أنه قدم لنا قدرًا جيدًا من المعلومات

بلدان العالم العربى الوسطى والشرقية

المرتبطة بالموضوع. ونشر ل. أ. ماير. L. A. Mayer كتابه عن الملابس المملوكية فى جنيف 1952 م (*) متضمنًا صورًا للملابس على التحف الإسلامية وأيضًا للأزياء الإسلامية التى تخلفت عن بعض العصور. وفى بحث منشور بجامعة بنسلفانيا بفيلادلفيا سنة 1972 م تناول Y. K. Stillman " ملابس النساء فى مصر فى العصور الوسطى" واستمد مادته من وثائق الجنيزا القاهرية. وسوف نقتصر هنا على دراسة عامة تتناول تاريخ الأزياء العربية فى العصور الوسطى، وتتضمن هذه الرسالة ملاحظات مختصرة عن ملابس عصر ما قبل الإسلام وأيضا عن العصر الحديث. أ- بلدان العالم العربى الوسطى والشرقية: 1 - ملابس العرب قبل الإسلام: على الرغم من المصادر العديدة التاريخية والجغرافية للعرب فى العصور الكلاسيكية، فإننا نعثر فيها على معلومات متناثرة وضئيلة عن ملابسهم. ويذكر المؤرخ اليونانى هيرودوت أن العرب كانوا يرتدون رداءً يُعرف باسم زيرا Zeira وهو رداء طويل فضفاض يربط عليه من الوسط بحزام. وما ذكره هيرودوت هو بالتأكيد الـ إزار، ويُكتب أيضا أزر Azr ومئزر Mi'zar، كما يكتب فى النصوص العربية والدارجة فى العصور الوسطى إزار Izar. والإزار رداء يشبه الملاءة الكبيرة يُلبس كما تلبس العباءة لتغطية الجسم، أو يلف حول الخاصرة. ويؤكد ذلك ما ذكره المؤرخ سترابو عن العرب الأنباط من أنهم كانوا لا يرتدون المعطف، ويربطون الحزام حول الخاصرة، ويرتدون النعال فى أقدامهم. إن طريقة ارتداء الحجاج المسلمين للإزار عند الإحرام توضح لنا جيدًا الطريقة القديمة لارتداء الإزار. إن أقدم دليل للملابس التى كان يرتديها العرب القدماء هى الرسوم الصخرية فى شبه الجزيرة العربية خلال القرنين الثانى والأول قبل الميلاد. وهذه الرسوم تبين الرجال فى ملابس ¬

_ (*) ترجمه إلى العربية الأستاذ صالح الشيتى.

قليلة نسبيًا لا يقتصر لبسها على الرجال وحدهم، كما نرى تنوعا فى أغطية الرأس. وقد جاء ذكر ذلك فى كتاب من تأليف E. Anati عن الرسوم الصخرية فى وسط الجزيرة العربية ونشر فى لوفان سنة 1968 م. وقد ظهرت صور بعض السيدات فى هذه الفترة المبكرة وقد لُفتْ أجسامهن تمامًا بالملابس. ونرى فى هذه الرسوم أنواعا من النعال والصنادل يرتديها الرجال والنساء. وهؤلاء العرب الذين عاشوا فى نطاق المحيط الثقافى لإحدى الحضارات العظمى قد تأثروا فى الواقع بأزياء هذه الحضارات، فالملابس هى مظهر من مظاهر الثقافة وليس فقط الفنون والآداب والعمارة. وهكذا فإننا نرى تماثيل ملوك العرب فى الحَضَر فى بلاد العراق مصورة فى ملابس على الطراز البارثى (¬1). كما تظهر بعض التماثيل فى عباءة باكمام طويلة، تماثيل أخرى فى بنطلون فارسى وحبل الفستون العسكرى. أما العرب الذين عاشوا فى المدن المنتشرة فى صحراء الشام فقد ارتدوا ملابس على الطراز الهيللينستى الشرقى. أما البدو فقد احتفظوا بتقاليدهم الثابتة فى طرز الملابس منذ فترة ما قبل الإسلام حتى الوقت الحالى. وعلى امتداد العالم الإسلامى كله كانت الملابس الفضفاضة هى السمة الشائعة جدًا فى أزياء الرجال والنساء. وذكر ابن خلدون فى المقدمة أن الدثار الذى يلف الجسم كان هو الزى المفضل لدى سكان القرى. وما ذكره ابن خلدون يحتاج إلى بعض التوضيح. فمن الثابت أن سكان المدن كانوا يرتدون الدثار أيضا وكان يزين بالزخارف المنسوجة ويلبس فوق ملابس ضيقة. وكان البدو دائما يفضلون ارتداء الملابس السوداء. وقد ورد فى التلمود البابلى ذِكْر الملابس السوداء العربية بلونها الأزرق ¬

_ (¬1) نسبة إلى البرثيون أو الفرثيون، جماعات إيرانية عاشوا فى القرن الثالث قبل الميلاد، هزموا الرومان شمال الرافدين، وقد تأثروا كثيرًا بالحضارة الهيلينية. [هيئة التحرير]

2 - عصر النبى محمد عليه الصلاة والسلام وفجر الإسلام

الضارب إلى السواد. وفى الشعر الجاهلى ورد ذكر الملابس من آن لآخر وخاصة الأزياء الخارجية مثل البُرْدَة والإزار والرداء والشملة. ويذكر المؤرخ Tertullian أن النساء العربيات كن يظهرن فى الأماكن العامة داخل عباءات تغطى الجسم تماما بحيث تظهر عين واحدة فقط من عينى المرأة، وهذا التقليد استمر فى بعض الأماكن مثل إيران وجنوب الجزائر والمغرب. أما ارتداء النعال لدى العرب فإنه يرجع إلى عصور ما قبل التاريخ، وكان ارتداء النعال ضرورى بسبب طبيعة الأرض القاسية. وظهرت كثير من رسوم الأشخاص فى النقوش الصخرية ترتدى أنواعا متميزة من النعال أو الصنادل تبدو محبوكة حول القدم. 2 - عصر النبى محمد عليه الصلاة والسلام وفجر الإسلام: تعتبر تقاليد ارتداء الملابس فى العصر الإسلامى المبكر عموما امتدادًا للعصر السابق على الإسلام مع حدوث بعض التغييرات التى تناسب أخلاقيات الإسلام. ونلاحظ هنا أن الملابس التى كان يرتديها الرسول عليه الصلاة والسلام ومعاصروه استمرت عدة قرون وكانت هى الملابس الأساسية لسكان الريف والبدو وكانت تتميز بالبساطة والواقعية وتناسب ظروف البيئة. أما أهل الحضر، فعلى الرغم من أنهم ربما كانوا أكثر إدراكا لتعاليم السنة من أهل الريف والبدو، فإنهم كانوا وبشكل مستمر يبدلون فى طرز وأساليب ملابسهم، ولكن الشكل العام الأساسى لأسلوب الأزياء الإسلامية بقى ثابتا بشكل ملحوظ حتى فى المدن. وفى عصر الرسول عليه الصلاة والسلام كانت مفردات الملابس الأساسية للرجال والنساء تتألف من رداء داخلى وقميص، رداء طويل، جبة أو عبايه، لباس للقدم يتألف من حذاء أو صندل، ولباس للرأس. وكان الرجل يستطيع أن يرتدى عددًا من الملابس أو لباسًا واحدًا فقط حسب الظروف المختلفة مثل حالة الجو، والمناسبات، والحالة الاقتصادية. وكانت قطع

الملابس التى يرتديها الرجال والنساء تكاد تكون متشابهة، وفى الواقع فإن الكثير من مفردات الملابس كانت قطعا كبيرة وبسيطة من القماش تغطى جسم الذى يرتديها تماما وتلتف حوله. أما ما كان يميز الرجل عن المرأة فى كثير من الأحيان فهو طريقة ارتداء الملابس ومعدات الزينة مثل الحلى ولباس الرأس والقدم واستخدام النقاب، بالإضافة إلى ألوان الملابس وأنواع الأقمشة وأسلوب زخرفتها. وكان من أهم الملابس الداخلية الإزار، وكان يطلق عليه أحيانا حَقْو Hoqw ويرجع استخدامه فى الأصل إلى عصور ما قبل التاريخ، وبالرغم من وجود خلاف حول نظرة التقاليد الإسلامية نحو استخدام السراويل التحتية القصيرة فإنه من المحتمل جدًا أن تكون السراويل قد استخدمت بالفعل فى هذا الوقت قبل الفتح الإسلامى لبلاد فارس. لقد بدأت التأثيرات الثقافية الفارسية تتسرب إلى الجزيرة العربية عن طريق المملكة اللّخْمية فى الحيرة، وربما تسربت أيضًا عن طريق اليمن. وهناك أحاديث نبوية بعضها يؤيد أن الرسول عليه الصلاة والسلام قد ارتدى السروال وبعضها ينفى ذلك. ونعرف من بعض الأحاديث عن النساء المتسرولات أى اللائى يرتدين السروال فى هذه الفترة المبكرة من العصر الإسلامى. وهناك رواية معروفة مؤداها أن الرسول عليه الصلاة والسلام قد حَوّل بَصَرَه تحرجًا عن امرأة سقطت من على دابتها ولكنها كانت ترتدى السروال. ولا نعرف على وجه اليقين كيف كان شكل السروال فى صدر الإسلام، إلا أنه فى العصور الإسلامية المتأخرة اختلف شكل السروال كثيرا من بلدٍ إلى بلد آخر، فكان على شكل البنطلون، أو بنطلون قصير يصل إلى الركبة، أو شورت طويل أو بنطلون محبوك حول البدن. ولقد رُوِى أن الرجال الذين حملوا هودج السيدة عائشة أم المؤمنين عندما كانت تؤدى فريضة الحج كانوا يرتدون الطبان وهو سروال صغير. وطبقا

للعديد من الأحاديث النبوية فقد حُرّم على الرجال الذين لا يرتدون لباسا تحتانيا أن يجلسوا القرفصاء فى مكان عام، أو أن يُحَزِّموا ملابسهم أثناء العمل. وكان القميص هو الرداء الرئيسى، كان يلبسه الرجال والنساء، ومن المعتقد أن الرسول عليه الصلاة والسلام غطى عمه العباس بقميص عندما وقع فى الأسر عاريا فى غزوة بدر. ويلبس فوق القميص أنواع مختلفة من الملابس منها الثوب الذى هو فى الواقع رداء أو جلباب، وجمع كلمة ثوب ثياب وأثواب من القماش، وكان الكثير من الملابس مجرد قطعة كبيرة من القماش يطلق عليها اسم شِقّة Shiqqa. ومن الملابس التى كانت تُلبس فوق القميص الجبة وهى عباءة من الصوف بأكمام ضيقة إلى حد ما، وكانت تستورد فى عصر الرسول عليه الصلاة والسلام من الشام وربما كانت تستورد من أماكن أخرى فى الإمبراطورية البيزنطية. أما الحُلة فهى معطف فضفاض طويل كان الرسول عليه الصلاة والسلام يرتديها عند خروجه، وقد رُوى أنه كان يرتدى حلة حمراء جميلة فى المناسبات. والقُبَعة رداء فخم بأكمام مفتوح من الأمام بأزرار كان يصنع من الديباج، ومن الواضح أنه رداء فارسى الأصل. والفَرّوج رداء يشبه القبعة ولكنه مفتوح من الخلف، وقد رُوِى أن الرسول عليه الصلاة والسلام تلقى هدية فَرُوج من الحرير فلبسه وأدى فيه الصلاة، ولكنه نزعه عنه كارها له وقال إن هذا الرداء لا يناسب أهل التقوى. إن عادة ارتداء طبقات متعددة من الملابس فوق بعضها البعض استمرت حتى العصور الوسطى، كما بقيت فى بعض البلاد حتى اليوم. ففى بلاد المغرب على سبيل المثال نرى أحيانا بعض الأفراد يرتدون جلبابين أو ثلاث فوق قميصين أو أكثر. أما الشكل العام لملابس الحرب فكان قميصا من الزرد ذكر نولدكه أنه

حبشى المنشأ، فى حين أرجعه بوسورث إلى بلاد فارس. وقد ورد فى المصادر القديمة باسم جُبّة من الحديد أو رداء من الزرد. وكانت عادة ارتداء الملابس العربية تقتضى أن يلبس الرجال والنساء عباءة فوق الملابس التحتانية عند السير فى الأماكن العامة. وفى أبسط الأحوال كانت العباءة فقط أو الرداء الخارجى تلبس فقط فوق التحتانية، ولدينا العديد من الأحاديث النبوية التى تشير إلى الرجال الذين يؤدون الصلاة فى نوع واحد من الملابس. وهنا يبرز الإزار وهو الرداء الأساسى للرجال والنساء. وكانت الشّمْلة من الملابس الأساسية أيضا، وهى مثل الإزار كان الجسم يُلف بها. وكانت الشملة عادة لونها أبيض أو ذات ألوان فاتحة. والخميصة كان لونها أسود ذات حواش مزخرفة تسمى الأعلام. ويُروى فى حديث نبوى أن الرسول عليه الصلاة والسلام وجد أن زخارف الخميصة تكاد تُلهيه عن صلاته فقال اذهبوا بخميصتى إلى أبى جهم -وهو من الصحابة. وطلب أن يأتوا له برداء بسيط من الصوف اسمه إنبجانية. وكانت الانبجانية تلبس أثناء النوم أيضا. وكان الرداء هو ملبس الرجال من ذوى الشأن والشهرة كما ورد فى شعر السموءل فى العصر الجاهلى. ومن أزياء النساء الجلباب والخمار والمِرْط، على الرغم من أنه ورد فى حديث نبوى ذكره الترمذى ومسلم وأبو داود أن الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] ارتدى المِرْط الأسود، فى حين ذكرت جميع المصادر الأخرى أن المرط كان من ملابس النساء فقط (¬1)، وقد ورد ذلك ¬

_ (¬1) بالرجوع للمعجم المفهرس لألفاظ الحديث الشريف يتضح من خلال الأحاديث التى وردت فى صحيح مسلم ومسند أحمد والبخارى والنسائى أن المرط لباس للرجال والنساء وهو يشبه العباءة، وفيما يلى بعض فقرات من هذه الأحاديث. - مْرطجٌ مُرُوط -. . . وعليه مرط [مرحل] من شعر أسود فضائل الصحابة 61. - صلى؛ كان يصلى. . . وعليه مرط. - وأنا حائض على، وعلى مرط. - كان نبى اللَّه [-صلى اللَّه عليه وسلم-] يصلى وإن بعض مرطى عليه. - نودى بالصبح فى يوم بارد وأنا فى مرط =

فى معلقة امرؤ القيس وفى صحيح البخارى. وفى ذلك الزمان، كما هو الآن، كان يوجد العديد من التسميات للدثر والعباءات، وكان أساس تعدد التسميات هو تعدد اللهجات المحلية. ويؤيد تعدد المصطلحات والتسميات ما ورد فى حديث نبوى من أن إحدى النساء أهدت إلى الرسول عليه الصلاة والسلام بردة منسوجة الحواشى وقالت إنها نسجتها بيديها، ثم سألت الناس فى مجلس الرسول ما إذا كانوا يعرفون ما هى البردة فأجابوا أنها الشملة. وروى أن الرسول اتخذها إزارا له ثم أعطاها لرجل كان فى مجلسه طلبها منه لتكون كفنه عند وفاته. وكان العديد من الدثر والعباءات من نوع قماشها وزخرفتها. ولدينا النَمِيرة وهى زى للرجال بخطوط ملونة بشكل جلد النمر ومن هنا جاء هذا الاسم، والملبدة كساء من اللباد. أما البردة أو البرد فكان دثار من قماش الصوف المخطط ينتج فى بلاد اليمن. وقد ارتدى الرسول عليه الصلاة والسلام البرد النجرانى ذو الحاشية العريضة. وقد أعطى بردا من هذا النوع إلى الشاعر الشهير كعب بن زهير. وكانت الـ حَبَرة رداء من قماش مخطط وتشبه البُرد، وقد ذكر أنس أن الحَبَرة كانت لباسا مفضلا عند الرسول. وعن أم المؤمنين عائشة رُوى أن الرسول عليه الصلاة والسلام عند وفاته لُف جثمانه الطاهر فى برد من قماش ¬

_ = امرأتى. - يصلى فى مرط. . . وطرح علىّ طرف المرط. - وأنا معه فى مرط واحد. . . وهو معى فى المرط. - ورسول اللَّه، النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، وهو مع عائشة فى مرطها. - فعثرت [أمّ مسطح] فى مرطها وهو مضطجع معى فى مرطى. - رسول اللَّه [-صلى اللَّه عليه وسلم-] لابس مرطا وهو مضطجع على فراشه لابس مرط عائشة. -. . . شققن مروطهنّ فاختمرن به. - كان يراه فى مرط إحدانا. . ومروطهنّ يومئذ الصوف. - يصلّين، فينصرف، يشهدن، فيمرّ، ينقلبن، يخرجن، يرجعن. فيشهد، انصرفن، . . . متلفعات بمروطهنّ. -. . . أنّ عمر بن الخطاب قسم مروطا بين نساء من نساء أهل المدينة فبقى [منها] مرط. (هيئة التحرير)

الحَبَرة (سُجى فى برد حبرة -بكسر الحاء وفتح الباء) (¬1). أما الـ سيرا فكانت عباءة تنسج من الحرير الهندى أو الصينى أو من القماش. . والسيرا مصطلح مشتق من كلمة Seres اليونانية. ومن هنا نجد فى المصادر: حُلّة سيرا، وبُرْد سيرا، وقميص حرير سيرا. ولا نعرف على وجه الدقه كيف كانت هذه الأزياء والأزياء الأخرى المتعددة التى ورد ذكرها فى الأحاديث المنقولة تلبس، ولكن من الواضح تماما من خلال المصادر التاريخية أن أساليب اللبس كانت متعددة. ويؤكد ذلك حقيقة أن بلاد العالم الإسلامى التى ما زالت تستخدم الدثار والعباءة تباين فيها طرز اللبس من بلد إلى آخر. وقد اجمعت الأحاديث النبوية المتفق عليها على تحريم ارتداء الملابس الفخمة المزركشة التى تطول حتى تصل إلى الأرض لأنها تعبر عن الكبر والخيلاء. وكانت الأزياء التى تصل إلى رسغ القدم شرعية فى صدر الإسلام. وفيما بعد صارت الملابس القصيرة رمزا للتقشف، والملابس التى تطول إلى الأرض رمزا للتحرر والفجور. وفى زمن الرسول عليه الصلاة والسلام أصبحت عادة تغطية الرأس للرجال والنساء رمزا للتواضع والاحترام وهى عادة كانت معروفة فى أقاليم الشرق الأدنى منذ القدم. ولهذا السبب اعتاد المسلمون واليهود أيضا على تغطية رؤوسهم أثناء تادية الصلاة. وقد ورد فى سورة العلق الآيتان 15 - 16 {كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ (15) نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ}. أى أن المكذب بالدين الإسلامى سوف يجر من شعره إلى نار جهنم. وكان من الطبيعى أن يسحب الرجل أو المرأة العباءة الطويلة أو الدثار الفضفاض فوق الرأس. وهذه العادة كانت ومازالت شائعة بين النساء حتى مع ارتداء النقاب. ويُروى أن الرسول عليه الصلاة والسلام زار أبا بكر ¬

_ (¬1) ورد ذلك فى ابن ماجه وفى النسائى: ". . فقيل لعائشة إنهم يزعمون أنه قد كان كُفِنَ فى حِبَرةٍ". ". . فذكر لعائشة قولهم فى ثوبَيْن وبُرْد من حبرة" (هيئة التحرير)

الصديق وكان يضع حاشية البرد فوق رأسه الملفوف بعصابة سوداء. وفى خطبته الأخيرة قبل وفاته كان الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] يرتدى الملحفة فوق رأسه وتشبه الإزار وكانت مثبتة على الرأس بعصابة سوداء. وقد ارتدى العرب العمامة من فترة سابقة على الإسلام. وكلمة Turban وتعنى العمامة مشتقة من الكلمة الفارسية dulband وأصلها تركى من كلمة tulbant. والعمامة فى العصر الجاهلى وصدر الإسلام لم تكن هى لباس الرأس المركب الذى عرف فى العصور الوسطى والعصر الحديث وتتألف من غطاء أو اثنين (طاقية أو عراقية وقلنسوة أو طربوش) ورباط يلف حلو الرأس، ولكنها كانت شريط من القماش فقط يلف حول الرأس. ويعتقد ج. جاكوب أن العمامة فى العصر المتأخر كانت فى الواقع توليفة عربية فارسية. ولم يكن للعمامة فى صدر الإسلام مغزاها الدينى الذى ارتبط بها فيما بعد وهو أنها أصبحت سمة للدين الإسلامى، وعلامة للتقوى والإيمان. وهناك مثال ما زال يتردد حتى الآن فى بلاد المغرب وهو أن العمامة تاج العرب. إن الأحاديث الكثيرة التى أمدتنا بتفاصيل عن عمامة الرسول عليه الصلاة والسلام غير متسلسلة تاريخيا. لقد عرف عن الرسول بين الأجيال التالية أنه صاحب العمامة وكانت عمامته تسمى السحَاب. ويقول الشيعة أنه أوصى بعمامته لعلى بن أبى طالب. ومن الحقائق التى تعرف عن العمامة فى صدر الإسلام أن لبسها كان محرم على المسلم وهو فى حالة الإحرام. . وأنها كانت تتألف من شريط طويل جدا من القماش حيث كانت تلف حول الرأس. أما القبعات التى كان يرتديها المسلمون فى عصر الرسول فكان من بينها الطيلسان وكان يرتديه أيضا يهود خيبر. وارتدى المسلمون القلنسوة، والبرنس وهو نوع مرتفع من أغطية الرأس. ويُروى أن قاتل عمر بن الخطاب قد مُنع من الهرب عندما ألقى

عليه أحد المسلمين برنسه. أما القلنسوة فإنها قد تعنى قبعة أو طرطور أو غطاء للرأس عموما حيث ورد ذكرها جنبا إلى جنب مع العمامة والتى يمكن للرجل المسلم أن يفرشها على الأرض عند الصلاة. أما غطاء الرأس المرتفع والذى يعرف بالطرطور فإن اسمه لم يرد فى المصادر التاريخية المبكرة، فإنه يظهر بالفعل فى بردية من القرن السابع. ويعتقد الرحالة بيلون من القرن السادس عشر الميلادى أن هناك ارتباطا بين الطرطور وغطاء الرأس الفرعونى القديم، وأطلق عليه كتاب اللاتين Turritum Capitis Omamentum، ذكره دوزى فى قاموسه ص 263. ويعتقد س. فرانكل أن كلمة طرطور مشتقة من اللغة الآرامية، وهو اعتقاد يبدو أكثر احتمالا حيث كان الطرطور يستخدم فى المناطق الناطقة بالآرامية فى الفترة التى سبقت ظهور الإسلام. وقد ظهرت الطراطير مصورة فى الرسوم الجدارية التى اكتشفت فى دورا أوربوس فى الشام وفى أماكن أخرى كما ذكر ريتشارد أتنجهاوزن وماير. وفى الحملات العسكرية كان الرجال يلبسون المغفر أو الغفارة وهى غطاء للرأس من الزرد ويلبس فوقه قلنسوة أو خوذة تسمى البيضة، وقد سميت البيضة لأنها تشبه بيضة النعامة. وكان الرسول عليه الصلاة والسلام يرتدى المغفر يوم فتح مكة. وكانت النساء فى العصر الإسلامى المبكر يغطين الرأس والوجه بالنقاب عند ظهورهن فى الأماكن العامة، وبالإضافة إلى ذلك فإنهن كن عادة يغطين أجسامهن تماما بجلباب كبير (متسع) من الرأس حتى الأقدام وكشف عين واحدة فقط للرؤية. وكان النقاب الشائع الذى يغطى الوجه يسمى المنديل وهى كلمة مشتقة من اللفظ اللاتينى mantellun، وكانت كلمة منديل تعنى أيضا فى ذلك الوقت منديل اليد. وقد أورد فراتر روزنتال شرحا مفصلا للمنديل فى كتابه "أربع مقالات فى الفن"، وذكرها ماير فى كتابه "دراسات تذكارية". وقد شاع استخدام نوعين من النقاب لتغطية

الوجه وهما الـ لثام وهو قطعة مستطيلة من القماش تغطى الأنف والجزء الأسفل من الوجه. والثانى هو الـ بُرقع وهو يشبه غطاء وجه الخيل يتألف من قطعة من القماش تعلق فى منتصف عصابة الرأس من الأمام بحيث تغطى الوجه، وكانت الأجناب السفلية من البرقع توصل بأجناب عصابة الرأس بواسطة خيط بحيث كان البرقع يتحول إلى ما يشبه القناع على الوجه. ومازالت سيدات البدو المتزوجات يرتدين البرقع فى شبه جزيرة سيناء. ويروى أن أم المؤمنين السيدة عائشة لم ترتد اللثام ولا البرقع عندما كانت فى حالة الإحرام. وكان هناك نوع آخر من غطاء الوجه تستعمله النساء فى ذلك الوقت وهو النقاب. ولم يرد لنا أى ذكر عن ارتداء النساء لأى نوع من القبعات أو أغطية الرأس فى العصر الإسلامى المبكر. وكان الرجال يتنقبون بتغطية الوجه فى بعض المناسبات بارتداء الإزار أو الرداء أو البرد أو الملحفة بحيث تغطى الوجه والرأس معا، وقد روى أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يتقنع فى أكثر من مناسبة، ولم يكن ذلك يعنى بالضرورة أنه كان يرتدى القناع على وجهه. وكان الشبان شديدو الوسامة يرتدون النقاب على وجوههم أحيانا وبصفة خاصة فى مناسبات الأعياد وفى الأسواق وذلك لكى يمنعون الحسد عن أنفسهم. وكان الطرف الطويل الممتد للعمامة يستخدم أحيانا كغطاء للوجه لحماية الفارس من الأتربة المتصاعدة عند عدوه بفرسه. ويُروى أن الحجاج بن يوسف عندما دخل جامع الكوفة صعد المنبر كشف وجهه وبدأ خطابه الشهير بمقولته المعروفة "أنا ابن جلا وطلاع الثنايا إذا خلعت العمامة تعرفونى". وفيما يتعلق بلباس القدمين للرجال والنساء فإننا نجد نوعين: النعل أو الصندل الذى كان يصنع من ألياف النخيل أو الجلد الناعم، أو الجلد المغطى بشعر الحيوان، والخُف وهو نوع من الأحذية وكان يصنع من الجلد. أما الأنواع المختلفة من الشباشب التى كانت شائعة الاستعمال فى العالم

3 - القوانين والأعراف المتعلقة بالملابس فى صدر الإسلام

الإسلامى فتحمل أسماء مختلفة مثل البَابُوج، والتّاسُومة، والسَّرْموجَة، والبَلْغَة. 3 - القوانين والأعراف المتعلقة بالملابس فى صدر الإسلام: لم تكن طبيعة الحياة الصارمة فى مجتمع المدينة فى صدر الإسلام تسمح بالترف من أى نوع. وقد ورد فى القرآن الكريم أن اللَّه وعد المؤمنين بلباس من حرير فى الجنة، ولكن الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] شعر أن الملابس المترفة لا تناسب الرجال. ولم يكن الأمر كذلك بالنسبة للنساء. وحسب ما ورد فى أحد الأحاديث فقد حرّم الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] على المسلمين استخدام سبعة أشياء: أوانى الفضة، وخواتم الذهب، والملابس المنسوجة من الحرير، والديباج المطرز، والقاسى فهو نوع من القماش المخطط المنسوج بالحرير كان يستورد من مصرة والإستبرق، والمياثر الحمر (وهو الجلد المدبوغ). ومع تعاظم ونمو قوة الدولة الإسلامية، وظهور الطبقة المترفة ذات الثروة. صاحبها إباحة ارتداء ملابس الحرير، والأقمشة الفخمة. والكثير من تقاليد الملبس الإسلامى وأقدمها تتعلق بالإحرام وقضايا عدم الطهارة بسبب أحوال الطمث والعلاقات الجنسية وعلاقتها بإقامة الفرائض. ويروى أن كل زوجة من زوجات الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] كان لها ملابس خاصة ترتديها أثناء فترة الحيض. وكان من المعتاد أن الملابس التى لوثها الحيض تغسل فقط ثم تلبس وتؤدى فيها الصلاة (انظر باب الجنابة، الغسل، الحيض، الوضوء). وليس من المعروف على وجه اليقين أن النساء فى صدر الإسلام كن يرتدين ملابس خاصة للحداد، ولكن من المعروف أن المرأة فى العصر الجاهلى كانت تلبس أردأ ملابسها فى حالة الحداد. وقد حرّم الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] على النساء فى حالة الحداد ارتداء الملابس المصبوغة باستثناء الملابس اليمنية التى كانت خيوطها تصبغ قبل نسجها. واصطلاح ملابس الحداد ظهر فقط فى مسند ابن حنبل وهو يشير إلى الملابس التى تم صبغها باللون الأسود.

4 - الأمويون والعباسيون وأسلوب الطراز

وقد لاحظنا عموما أن الكثير من أنواع الملابس فى صدر الإسلام كان يرتديها الرجال والنساء وخاصة العباءات والدثر. إن الملابس دائما فى منطقة الشرق الأوسط كانت من الأشياء ذات القيمة المادية الهامة. وكانت تعتبر من المنح والعطايا الغالية، وكانت تعتبر من غنائم الحرب الهامة. وكانت الملابس تستخدم أيضا فى دفع قيمة الزكاة. وكان الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] يغدق على رجاله من الصحابة العطايا من الملابس الغالية كنوع من التكريم. إن الكثير من العادات كانت مرتبطة بشكل ونوع الملابس. فتقديم التهانى والتمنيات فى المناسبات الدينية كان مرتبطا بالملابس الجديدة. ويروى أن الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] قدم خميصة من القماش الأسود إلى أم خالد قائلا: "أبليه ثم أبدليه" أى البسيه حتى يبلى ثم غيريه. وكان الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] يلبس رداءه مقلوبا عند قيامه بأداء صلاة الاستسقاء ولكنه لم يكن يقلب رداءه عند أداء هذه الصلاة فى يوم الجمعة -ومن الواضح أن عادة قلب الملابس كان أساسها الرغبة فى تغيير حالة الطقس. وقد ظلت هذه العادة مستخدمة حتى نهاية القرن 19 م فى تونس. وربما ترجع عادة تعرية الرأس عند أداء صلاة الاستسقاء إلى العصر الجاهلى أيضًا. إن الكثير من عادات ارتداء الملابس ترجع جذورها إلى بلدان الشرق الأوسط القديم والتى توجد أيضا فى التلمود واستمرت حتى صدر الإسلام ومنها على سبيل المثال أن المسلمين يجب عليهم ارتداء حذاء القدم اليمنى أولا قبل اليسرى كما يجب عليهم عدم قلب الحذاء بحيث يكون نعله إلى أعلا. 4 - الأمويون والعباسيون وأسلوب الطراز: حسب ما ورد فى المصادر استمر استخدام معظم ملابس فترة صدر الإسلام خلال العصر الأموى بالرغم من أن بعض أنواع الملابس انحسر استخدامها واقتصر على البدو فقط مثل المِرْط.

إن التغير ذو الأهمية العظمى والذى واكب قيام الامبراطورية الإسلامية هو استخدام ملابس مصنوعة من أقمشة فاخرة بواسطة خلفاء الدولة الأموية ورجال البلاط. وقد ذكر المقريزى أن الخليفة الأموى عبد الملك بن مروان كان يرتدى الملابس المطرزة. وورد فى مروج الذهب للمسعودى أن الخليفة الأموى سليمان بن عبد الملك ورجال حاشيته كانوا يرتدون ملابس من الحرير المدبج (الموَشَّى) منها الجبة، الرداء، السروال، والعمامة، والقلنسوة. وقد ورد فى كتاب الأغانى للأصفهانى ذكر "ملابس الخليفة". وكانت ملابس الخليفة بيضاء. وفى العصر العباسى كان الخليفة يرتدى ملابس رسمية خاصة بحواشى مطرزة. وكانت الملابس الرسمية للخلفاء العباسيين عادة لونها أسود. وقد ورد فى تاريخ الأمم والملوك للطبرى أن الخليفة العباسى المنصور هو الذى أستن ارتداء الملابس السوداء فى المناسبات الرسمية، وقد توقفت هذه العادة لفترة قصيرة فى عصر المأمون. إن اثنتين من أهم ظواهر الأزياء الإسلامية نشأت خلال العصر الأموى وهما قوانين الإنفاق المتعلقة بتخصيص ملابس متميزة لرعايا الدولة الإسلامية من غير المسلمين، وإنتاج ملابس ملكية من أقمشة مطرزة. وقوانين التفرقة فى الملابس من المحتمل جدا أنها لا ترجع إلى خلافة عمر بن الخطاب حيث إنه فى تلك الفترة المبكرة من الإسلام كان العرب وأهل الذمة لا يرتدون نفس الملابس. إن هذه القوانين يمكن تناولها بشكل أكثر دقة فى القرون التى تلت صدر الإسلام فهى على الأقل ترجع عموما فى الشكل العام والروح إلى ولاية الخليفة عمر بن عبد العزيز. ففى هذا العصر حُرّم على أهل الذمة ارتداء لباس الرأس العربى ومنها العمامة، العصب، والطيلسان، والملابس العسكرية العربية، والأردية الخاصة مثل القبعة، وكان عليهم أن يرتدوا حزاما متميزًا يسمى المنْطَق وأحيانا الزُنّار. وهذه التشريعات كانت تطبق فى أول الأمر على المسيحيين

فقط. وفى خلافة هارون الرشيد عدلت التشريعات المنظمة لملابس أهل الذمة، كما ورد فى كتاب الخراج لأبى يوسف. ولمزيد من المعلومات عن قوانين ملابس أهل الذمة فى الإسلام يمكن الرجوع إلى كتاب A. S. Tritton بعنوان: الخلفاء والرعايا غير المسلمين. إن إنتاج ملابس خاصة من أقمشة مطرزة فى المناسج الملكية بدأ فى عصر الدولة الأموية، وأصبح ذلك من خصائص الفن الإسلامى فى العصور الوسطى. وأصبحت الأقمشة تُعْرف باسم "الطراز" وهى تعنى فى مفهومها الضيق فن التطريز فى أشرطة زخرفية تحتوى على كتابات، أما فى مفهومها العام فكانت تشير إلى الأثواب المطرزة بأسلوب دقيق والخاصة بالخليفة ورجال بلاطه. وكانت الملابس المطرزة تمنح كعطية من الخليفة كدليل على الحظوة الملكية، وكانت أيضا تمنح للسفارات الأجنبية والحكام الأجانب لتدعيم السياسة الخارجية. وقد ذكر كل من أرنست كونل وبيللينجر فى كتاب بعنوان: Catalogue of Dated tiraz Fabrics أنهم أخذوا هذه الصناعة عن البيزنطيين وطوروها بحيث تلائم احتياجاتهم وأذواقهم. ويعتقد معظم المؤرخين العرب فى العصور الوسطى أن إنتاج ملابس الطراز مستمد فى الأصل من بلاد فارس وأن هناك أدلة على أن الأزياء ذات الرنوك الملكية كانت للبس فى العصر الساسانى. والحقيقة تؤكد أن أصل أسلوب ملابس الطراز يرجع إلى كل من الفن البيزنطى والفن الساسانى. وكما ورد فى كتاب الوزراء والكتاب للجهشيارى فإن أول خليفة أموى أسس مصانع نسيج الطراز هو هشام ابن عبد الملك. وعلى كل حال، فإنه من المؤكد أنه بنهاية العصر الأموى انتشر أسلوب ملابس الطراز وازدهر فى العصر العباسى وتحت حكم البويهيين والسلاجقه. ولقد كان إنتاج هذا النوع من الملابس الفاخرة صناعة مربحة جدًا وكانت خاضعة لرقابة الخليفة بشكل دقيق ومباشر.

لقد كانت ملابس الطراز بالنسبة للطبقة المتوسطة فى الشرق فى العصور الوسطى رمزا للمركز الاجتماعى كما كانت تعد من الممتلكات الثمينة ومن مكونات ثروة كل أسرة يتوارثها الأبناء عن الآباء، كما كان يمكن بيعها والاستفادة من ثمنها النقدى عند الضرورة. وكانت الملابس عنصر هام فى ثروة البلاد. وقد ذكر الجهشيارى فى كتابه الوزراء والكتاب أن آلاف من قطع الملابس كانت تسجل فى قوائم سنوية أيام الخليفة هارون الرشيد. وإلى جانب الأهمية الاجتماعية والاقتصادية لملابس الطراز فقد كان لها أهمية اجتماعية سياسية، وكان خلفاء الدولة العباسية ومن أتى بعدهم من الحكام المسلمين يقومون بمنح ما يعرف "بخلعة الشرف" من الملابس إلى رعاياهم من المسلمين وغير المسلمين من الرجال والنساء الذين يقدمون خدمات هامة للخليفة. ولم تكن الخلعة ثوبا واحدًا وإنما كانت طاقما كاملا من الملابس. وكانت تتألف من حليتين أو أكثر. وذكر هلال الصابى فى كتابه تاريخ الوزراء إن الوزير حامد بن العباس المتوفى سنة 311 هـ/ 923 م تلقى طاقمين من ملابس الطراز كل منهما يتألف من معطف مبطن، ودرّاعة بأكمام، وقميص، وسروال، وعمامة. ومع نمو الطبقة المتوسطة فى العصر العباسى، وظهور طبقة الكتاب الفرس ظهرت أنواع كثيرة من الملابس، واختفت الكراهية لاستخدام قماش الحرير والساتان، وصار الجميع يستخدمونهما باستثناء القليل من المتقشفين والفقراء الذين كانوا يرتدون رداء من الصوف الخشن يعرف باسم الخرقة. وكان الفقراء جدا من الناس يلبسون رداء من الصوف بأكمام طويلة يسمى المدرعة. ومن ناحية أخرى، كان علية القوم من الرجال والنساء يهتمون كثيرا بمظهرهم. وكان الرجل العصرى فى ملابسه يرتدى عدة طبقات من الملابس تبدأ بقميص تحتانى دقيق يسمى الغلالة وفوقه رداء أثقل وهو قميص مبطن. وكل من الغلالة والمبطن يجب أن يكونا من قماش الكتان الرقيق مثل قماش الدبيقى أو الجنّابى وكان

ينسج فى مصر وفارس. وفوق القميصين يلبس رداء يسمى الدراعه أو الجبة من الكتان أو الحرير، أو قماش المُلْحَم وهو نوع من القماش كانت السداة فيه تنسج من الحرير، واللحمة من خيوط أخرى متنوعة، وعند الخروج إلى مكان عام كان الرجل يرتدى فوق الملابس السابقة الرداء أو معطفا يسمى المُطْرف أطراف حواشيه مزخرفة، ويغطى رأسه بالطيلسان الذى كان فى ذلك الوقت يشبه القلنسوة، وكان حسن المظهر يقضى بعدم ارتداء ملابس متنافرة الألوان، أو غير نظيفة، وعدم استخدام عطور من نوع عطور الإماء. أما الأحذية والصنادل فكانت تصنع من أنواع عديدة من الجلود ذات ألوان وأشكال مختلفة، فكان يمكن ارتداء أحذية بالألوان الأسود والأحمر، والأسود والأصفر. وقد عُرف أيضا استخدام الجوارب وهى من أصل فارسى. وليس لدينا تفاصيل كافية عن ملابس النساء فى هذه الفترة، وكانت الملابس الداخلية للمرأة العصرية تتألف من غلالة وسروال. وكانت الملابس البيضاء فيما عدا السروال تعتبر من ملابس الرجال فقط لا ترتديها النساء. وليس من المعروف على وجه الدقة أنواع الملابس التى كانت تلبس فوق الملابس التحتانية فى هذا العصر. وتذكر بعض المصادر أنها قد تكون ملابس بأكمام واسعة (أكمام مفتوحة) وأن ياقة الرقبة كان لها خيط يسحب لغلقها. وكانت امرأة ترتدى لباسا يلف جسدها من النوع الرشيدى أو الطبرى نسبة إلى رشيد وطبرستان. وكانت تلف نفسها تماما فى إزار خراسانى أو مُلْحَم، وتغطى رأسها بغطاء رأس أسود يسمى معجر وهو بالنسبة للمرأة يشبه عمامة الرجل فى الشكل والاستخدام. وكان اللون الأسود من الألوان الأنيقة والعصرية فى ذلك الوقت. وكان المعجر يلبس مع لثام الوجه وكان يعرف باسم المِقْنع. والمعجر أصله فارسى من نيسابور. وفى العصر العباسى ازدادت تأثيرات الثقافة الواردة من فارس،

فبالإضافة إلى الألبسة ذات الأصل الفارسى والتى سبق أن ذكرناها وعلى الأخص السروال والجورب، انتشر استخدام غطاء الرأس الفارسى المتميز بطوله وشكله المخروطى والذى عرف باسم "القلنسوة الطويلة"، أو "الطويلة" فقط. وهذه القلنسوة عرفت أيضا باسم دنيَّة وذلك لأنها تشبه فى شكلها إناء الخمر الدن. وذكر المسعودى فى مروج الذهب أن قمة القلنسوة الطويلة كانت مدببة، وأشير إليها أيضا بأنها "المحدودة". وتتألف هذه القلنسوة من إطار من الأغصان المجدولة أو الخشب المغطى بقماش من الحرير. ويعتقد د. ليفى أنها كانت على شكل مخروط ناقص من أعلى. وهذا الاعتقاد لم يستمده ليفى من المخطوطات المصورة. وفى مقامات الحريرى نجد أن "أبو زيد" يظهر أحيانا مرتديا القلنسوة الطويلة المدببة. ويذكر الطبرى فى تاريخ الأمم والملوك أن الخليفة العباسى هارون الرشيد كان يرتدى مثل هذه القلنسوة وكان مكتوبا على أحد جانبيها كلمة حج وعلى الجانب الآخر كلمة غازٍ دلالة على فرائض الحج التى أداها وحروبه ضد بيزنطة. ومن الأزياء ذات الأصل الفارسى والتى شاع استخدامها جدا فى ذلك العصر فى العالم العربى: القفطان وهو رداء رقيق باكمام وأزرار فى المقدمة من أسفل. ويذكر دوزى فى قاموسه أن الخليفة العباسى المقتدر ارتدى قفطانا من الحرير إلى تُسْتُرى المطرز بالفضة عندما خرج فى حربه المصيرية ضد أحد الخارجين عليه وهو مؤنس سنة 320 هـ/ 932 م. وفى العصور التالية شاع استخدام القفطان فى معظم البلاد العربية على يد الأتراك. وفى العصر العباسى جلبت الأزياء الجميلة إلى بغداد من كل بلدان العالم الإسلامى وأيضا من البلدان الخارجية. فمن الهند جلبت الفوطة وهى مقطع طويل من القماش يشبه السارى الهندى وكان لها استخدامات عديدة، فكانت تلف حول الوسط، وتستخدم على شكل مريله وغطاء يلف به الرأس. ويذكر الثعالبى فى كتابه لطايف المعارف أن

5 - الفاطميون

العباسيين استوردوا من الصين قماش المشمع المضاد للمطر وأطلق عليه الثعالبى اسم الممطرة. وكانت ملابس الرجال فى العراق فى العصر العباسى القرن الثالث الهجرى/ التاسع الميلادى يتراوح ثمنها بين خمسة دنانير وثلاثين دينارًا وأكثر من ذلك. وكما ورد فى كتابات بعض المؤرخين العرب مثل المسعودى فى مروج الذهب وصلت أسعار الأزياء النادرة إلى أسعار خيالية حيث ذكر أن الخيزران دفعت مبلغ (50.000) خمسين ألف دينار لمقطع من قماش الواشى. ومن واقع المصادر الأدبية والوثائقية نرى أن الملابس والأزياء فى العصور الوسطى كانت مكلفة جدا بالمقارنة بمستلزمات الحياة اليومية الأخرى. 5 - الفاطميون: لم يصل عصر من العصور الإسلامية مثلما وصل إليه الفاطميون فى ملابسهم وأزيائهم. وقد فاقت احتفالات الفاطميين ومواكبهم كل شئ كان يحدث فى مناسبات العباسيين فى بغداد. ولعبت ملابس الفاطميين وأزيائهم دورا بارزا فى حياتهم. وقد أسس أول خلفاء الدولة الفاطمية فى مصر المعز لدين اللَّه (المتوفى 365 هـ/ 975 م) منسجا ملكيا خاصا لإنتاج الملابس عرف باسم دار الكسوة أو خزانة الكسوة، وأنفق على إنشائها (600.000) ألف دينار. وكانت دار الكسوة خاضعة لإشراف الديوان الذى يراجع إنتاجها ومخزونها وتوزيع الملابس التى تنتجها. وكان الخليفة وجميع رجال البلاط يلبسون من إنتاج دار الكسوة أو طراز الخاصة. وكان كل فرد من رجال البلاط يمنح حلة تُسمى البدلة الموكبية تلبس فى المواكب والمناسبات العامة. ويذكر المقريزى فى خططه، والذى يعد أحسن المصادر التى تناولت أزياء الفاطميين، أن كل شخص كان يمنح طاقما كاملا من الملابس من العمامة إلى السروال، وكانت خزانة الكسوة تنتج

ملابس الصيف والشتاء. وكانت البدلة الكاملة تتألف من أكثر من اثنى عشرة قطعة من الملابس ذكرنا معظمها فيما سبق. وكان من الطبيعى أن تنسج ملابس التشريفة من الأقمشة الثمينة غالية الثمن. كان أكثر الأقمشة استخداما فى صنع ملابس التشريفة هى الحرير، وأيضا أقمشة السوسى، والدبيقى، والشراب، والدمياطى وهى أقمشة من الكتان. والخسروانى وهو قماش مطرز، والسيجلاتون. وكانت معظم ملابس التشريفة الفاطمية لونها أبيض مطرزة بخيوط الذهب والفضة. وكان اختيار ملابس الخليفة يتم من خلال طقوس احتفالية تتم قبل يوم الموكب. وفى العصر الفاطمى كان لكل طائفة أو وظيفة ملكية ملابس متميزة. وكان من أبرز القطع فى ملابس الخليفة عمامته الضخمة التى كانت تتألف من الشاشية التى يلف حولها المنديل بطريقة فريدة يتميز بها الحاكم على شكل ثمرة الأبلج الهندى. وهذه الطريقة الخاصة فى ربط عمامة الخليفة كانت تسمى "شَدّةُ الوَقَار". وكانت العمامة تزين بالمجوهرات. وعلى منتصف جبهة الخليفة وفوق عصابة من الحرير كانت توضع حلية من جوهرة فريدة تسمى "اليتيمة" وكان يطلق على عمامة الخليفة كاملة "التاج الشريف". أما باقى رجال البلاط الملكى فكانوا يرتدون أنواعا مختلفة من أغطية الرأس أقل فخامة من عمامة الخليفة. وكان رؤساء الطواشية من رجال البلاط وهم فى الواقع أمراء القصر جميعا يلبسون عمائم تلتف حول الذقن بطريقة متميزة وكانت هذه الطريقة تسمى تحنيك العمامة أو التحنيك فقط، وهكذا فقد كان هؤلاء الطواشية من رجال القصر يُسَمّون "الأستاذون المحنكون". وكان الخليفة الفاطمى العزيز أول من ظهر بعمامة الحنك وتبعه الوزير والأمراء. وهذه الطريقة فى إعداد العمام وارتدائها نقلها الفاطميون إلى المشرق العربى من المغرب، حيث ما زال تستخدم خاصة فى جنوب الجزائر والمغرب.

6 - الجنيزا كمصدر للملابس الإسلامية فى العصور الوسطى

وقد ورد فى خطط المقريزى وصبح الأعشى للقلقشندى أن نوعا آخر من أغطية الرأس استخدم فى هذا العصر وهو الكالوتا. وقد أصبحت الكالوتا من أغطية الرأس الشائعة فى العصرين الأيوبى والمملوكى. إن الدراسات الحديثة التى تناولت الاحتفالات الفاطمية اعتمدت بشكل أساسى على خطط المقريزى، وبشكل أقل على صبح الأعشى للقلقشندى، وعلى النجوم الزاهرة لابن تغرى بردى وقد اعتمد الثلاثة بدورهم على مصنف ابن الطوير المفقود. 6 - الجنيزا كمصدر للملابس الإسلامية فى العصور الوسطى: تعد مخطوطات الجنيزا القاهرية وحتى وقت قريب مصدرا هاما لتاريخ الأزياء الفاطمية والأيوبية وإلى درجة أقل بالنسبة للملابس المملوكية. إن قوائم الزواج الخاصة بجهاز العرائس فى شوارهن التى يصل عددها إلى 750 قائمة من مخطوطات الجنيزا تعتبر ثروة من المعلومات عن ملابس النساء اليهوديات فى مصر فى العصور الوسطى، وأيضا ملابس النساء المسلمات. أما الوثائق التجارية فقد امدتنا بمعلومات جيدة عن أزياء الرجال. وهناك حقيقة واحدة مؤداها أن النساء المسلمات واليهوديات كن يستخدمن نفس الملابس فى العصرين الفاطمى والأيوبى. وتشير قوائم الجنيزا الخاصة بالزواج إلى أن القوانين المقيدة لغيار الملابس لم تكن ملزمة. وقد وردت فى قوائم الجنيزا نفس أسماء الملابس التى وردت فى المصادر العربية. ولم يكن فى قوائم الجنيزا تحديد لدرجات ألوان الملابس أنواع الأقمشة. وكانت النساء اليهوديات مثلهن مثل النساء المسلمات والأقباط أيضا يستخدمن النقاب على وجوههن أثناء خروجهن من بيوتهن. وتبين وثائق الجنيزا أن الطبقة الوسطى حاولت بقصد أو بدون قصد تقليد أزياء وألبسة الطبقة الحاكمة. فعلى سبيل المثال، كان التجار يقومون بمنح الخلع وملابس الطراز لأقاربهم وأصدقائهم. وكان الأغنياء من الناس يلبسون الأقمشة الثمينة والتى عرفناها

من المصادر التى وصفت الاحتفالات الفاطمية، وقد ورد بقوائم الجنيزا أكثر من ستين نوعا من الأقمشة، ومن بين هذه الأنواع 46 نوعا عرفناها من خلال المصادر التاريخية التى جمعها Serjeant. وفى خلال العصرين الفاطمى والأيوبى استخدمت طبقة التجار أنواعا كثيرة من الألبسة. وقد ورد بقوائم الزواج بمخطوطات الجنيزا حوالى سبعين نوعا من الملابس للنساء فقط. لقد كشفت وثائق الجنيزا عن أسماء أكثر من 24 رداء لم تكن معروفة من قبل وورد ذكرها فى بعض المصادر الأدبية المتفرقة بدون أوصاف أو شروح. ومن بين هذه الملابس الجوكانية والمختومة وهى من الأردية الرقيقة، والقاجيجة وهو رداء ظهر لأول مرة فى قوائم الزواج فى أواخر العصر الأيوبى وانتشر استخدامه فى العصر المملوكى ثم اختفى بعد ذلك. كما حملت لنا المصادر أسماء العقبية، والعرضى، والمَكلّف والردَّا وهى أنواع من أغطية الرأس أو الشيلان، أما الوَسَط والخاصى فهى أحزمة. وبالإضافة إلى الأسماء الجديدة للملابس والمنسوجات، زودتنا وثائق الجنيزا بمفردات جديدة تماما لزخارف الملابس والمنسوجات. وكثير من زخارف المنسوجات هذه يمكن مقارنتها بالزخارف التى نراها فى المخطوطات المصورة. وقد تناول هذا الموضوع Stillman فى مقالة بعنوان The importance of the Vairo Geniza Manuscripts For The History of Mediaevel Fema Atire ولدينا أيضا معلومات جيدة عن أسماء لملابس منها على سبيل المثال الـ سَفّارى والـ بَركَان وهما من العباءات التى ورد ذكرها فى ملابس أهل المغرب من العصور الوسطى حتى العصر الحديث واستخدمت أيضا فى العصرين الفاطمى والأيوبى فى مصر. وبدون شك فإنهما جُلِبَا إلى مصر مع الفاطميين سنة 969 م. ومن أنواع الملابس التى استخدمت أيضا فى العصور الوسطى البَدَن وهو جلباب بدون أكمام كان يستخدمه الرجال والنساء فى شبه الجزيرة العربية وشاع استخدامه فى مصر كزى نسائى.

7 - الدويلات التركية المبكرة: السلاجقة، الأيوبيون، المماليك.

7 - الدويلات التركية المبكرة: السلاجقة، الأيوبيون، المماليك. جلبت الدويلات التركية العسكرية التى سيطرت على أجزاء من العالم الإسلامى فى الشرق الأوسط منذ أواخر القرن الخامس الهجرى/ الحادى عشر الميلادى وحتى أوائل القرن العاشر الهجرى/ السادس عشر الميلادى- معها كثيرا من طرز الملابس التى كانت مستخدمة فى وسط آسيا وبصفة خاصة الملابس العسكرية والملابس الاحتفالية (ملابس التشريفة). وبالطبع كانت هذه الملابس المتميزة هى ملابس الصفوة من رجال الحرب. وفى بداية الأمر كان تأثر ملابس عامة الناس بطرز الملابس الواردة ضئيلا. ولقد حاول M. V. Gorelik أن يصنف نوعين متراكبين من الأزياء والملابس الشائعة فى الشرق العربى، فذكر أن النوع الأول الغربى نشأ من انصهار طرز الملابس العربية مع الطرز الهيلينستية فى منطقة البحر المتوسط. والنوع الثانى الشرقى المتأثر بالطرز الإيرانية والتركية ووسط آسيا. فكانت سوريا والعراق فى هذه الفترة بصفة عامة [. . . .] (*) طراز النوع الثانى، فى حين أن طرز فى ملابس مصر باستثناء الملابس العسكرية، فى طراز النوع الأول. وفى معظم هذه الفترة كان الرداء النمطى الخارجى لأعضاء الطبقة الحاكمة هو الأقبية. وكان رداء القباء يُلبس فوق طبقة الملابس التحتانية، كان أكثر الملابس التحتانية هو القمجون وهو قميص كان من المعتاد ألا يظهر تحت الرداء الخارجى فيما عدا منطقة جنوب العراق حيث كان يبدو طويلا أسفل المعطف الخارجى. وكان السلاجقة والأيوبيون يفضلون ارتداء المعاطف التركية التى تسمى الأقبية التركية وكانت حاشيتها تمر على الصدر فى شكل مائل من اليمين إلى اليسار. أما أمراء المماليك فكانوا يلبسون الأقبية التترية وكانت حاشيتها تمر على الصدر بشكل مائل من اليسار إلى اليمين، ويرتدون فوق الأقبية حزام من المعدن يسمى الحِيَاصَة يُمنْطق حول الوسط. وقد عَرّف المقريزى فى الجزء الثانى من الخطط بأن الحِيَاصَة تشبه المِنْطَقَة القديمة،

_ (*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: مسح بالمطبوع

ويقرر المقريزى بأنه كان يوجد فى القاهرة سوق خاصة تسمى سوق الحوائصيين تصنع وتباع فيها هذه الأحزمة. وقد ذكر "الحِيَاصَة" أيضا ماير فى كتابه عن الملابس المملوكية. وبالنسبة لأفراد الطبقات العليا فى المجتمع كانت أكمام ملابسهم ترمز إلى مكانتهم ومركزهم الاجتماعى، فكلما كانت الأكمام طويلة واسعة كلما كان ذلك يدل على مركز صاحبها الراقى. إن المخطوطات التى ترجع إلى هذه الفترة مثل المقامات والأغانى والترياق تثبت استخدام طرزا متنوعة لأغطية الرأس والعمائم. وكان لباس الرأس المعتاد لطبقة رجال الحرب طاقية (كاب) منتصب مثلث الشكل من الأمام. وكان فى بعض الأحيان يزين بالفراء ويطلق عليه اسم "الشربوش" وأبطل استخدامه فى عصر المماليك الجراكسة. وفى أحيان أخرى كانت تلف بعصابة من القماش لتصبح على شكل العمامة وكانت تسمى "التخفيفة". أما الطاقية التى كانت أكثر شيوعا فهى الـ كالوتا التى كان لونها أصفر عادة فى العصر الأيوبى (1250 - 1711 م) وكان لونها أصفر مع أحمر فى عصر المماليك البحرية (1250 - 1831 م) ثم تحول لونها إلى الأحمر فقط بعد ذلك. وقد ورد فى تاريخ ابن الأثير أن القباء والشربوش كانا من العلامات المميزه للفرسان المسلمين لدرجة أن فرسان الصيلبيين كانوا يلبسونها كإشارة للصداقة مع صلاح الدين الأيوبى. وفى ظل حكم المماليك انتشر استخدام نوعين من المعاطف بأكمام قصيرة، الأول يسمى إلى "بُغْلوطاق" والثانى هو الـ "سلّلاريّة". وكانا ينسجان من أنواع مختلفة من الأقمشة ويتم تبطينهما بالفراء أحيانا. وكانا يلبسان أحيانا تحت رداء واسع يسمى الـ فَرَجِيَّة. وفيما بعد، نجد أن بعض الملابس التى كانت قاصرة على الطبقة العسكرية الأرستقراطية قلدها وارتداها

8 - العصر العثمانى إلى أوائل العصر الحديث

أفراد الطبقات المتوسطة. فنرى أن البُغْلُوطاق على سبيل المثال يرد عدة مرات فى وثائق الجنيزا القاهرية. ويعتبر كتاب L.A. Mayer عن الأزياء المملوكية هو الدراسة الوحيدة الشاملة عن ملابس هذا العصر وألحق به ببليوجرافية شاملة. 8 - العصر العثمانى إلى أوائل العصر الحديث: يمثل الفتح العثمانى للمشرق العربى فى أوائل القرن السادس عشر الميلادى علامة استمرار لتاريخ الأزياء فى هذه الأقاليم ولم يكن التغيير فى تقاليد الملبس مفاجئا. فقد بقيت ملابس الحرب وملابس التشريفة تركية الطابع. وقد استعمل عِلْيةُ القوم من أفراد الطبقة المتحضرة الأزياء العثمانية، فارتدى الرجال منهم القفطان التركى وارتدت النساء الـ يَلك وهو رداء طويل محبوك. كما شاع استخدام الأزياء التركية جنبا إلى جنب الأزياء المحلية ولكنها لم تحل محلها. فاستخدم الـ شقشير والسروال، واستخدم اليشمك مع البرقع. ولكن على وجه العموم ساد استخدام طرز الملابس العربية ومصطلحاتها. وبعيدا عن مراكز الحكم الحضارية الكبرى، ظهرت طرز إقليمية متميزة، وكانت هذه الطرز الإقليمية مختلفة قليلا فى أسلوب قصها؛ فى الأكمام مثلا، وفتحة الرقبة، والاتساع والطول، ولم تكن الاختلافات ملحوظة فى التفاصيل الزخرفية مثل أسلوب التطريز، واللون، والزركشه، والخياطة، أما أنواع الأردية ذاتها فظلت هى نفسها على وجه العموم. إننا نستطيع أن نرى التفاصيل الزخرفية الدقيقة للأزياء الأساسية فى أقاليم الشرق العثمانى خلال القرن الأخير فى الألبوم المصور الذى وضعه حمدى بك M. de Launay بعنوان Les Costumes Populaires de La Turque en 1873 وطبع فى القسطنطينية سنة 1873 م. وكانت أوجه الاختلاف الإقليمية واضحة وملحوظة فى ملابس النساء.

9 - المائة سنة الأخيرة: تأثير الغرب على الملابس الشرق أوسطية.

أما ملابس الرجال فكانت بشكل أو بأكثر زيا واحدا فى بلدان المشرق العربى خلال العصر العثمانى، وهذا يرجع بشكل جزئى إلى حقيقة أن الرجال كانوا بدنيا واجتماعيا أكثر تحركا من النساء وصارت ملابسهم عامة فى بلدان المشرق. 9 - المائة سنة الأخيرة: تأثير الغرب على الملابس الشرق أوسطية. كان للتزايد المستمر للنفوذ الغربى الاقتصادى والسياسى والثقافى وتغلغله فى الشرق الأوسط فى النصف الثانى من القرن التاسع عشر الميلادى والنصف الأول من القرن العشرين الميلادى تأثيره الواضح فى طرز الملابس الشرقية، فنجد أنه فى خلال المائة سنة الأخيرة بدأ الناس يتَخلَّوْن بالتدريج عن الملابس الواسعة الفضفاضة ويتحولون إلى ارتداء الملابس الغربية جاهزة التفصيل. وكان التحول بطيئا فى أول الأمر ولم يحدث فى كل الأقاليم وبين شعوب المنطقة فى نفس الوقت. إن أول الجاليات فى دول المشرق العربى، التى بدأت وبأعداد كبيرة تتحول عن الملابس الشرقية التقليدية هى الجاليات المسيحية واليهودية. كما أن حالة التحرر الاجتماعى لغير المسلمين خلال فترة التنظيمات، وانتشار المدارس والبعثات الدينية التبشيرية بالإضافة إلى تضخم المصالح الأوربية -كلها عوامل عجلت بالتغيير. ولقد تخلت النساء المسيحيات واليهوديات عن ارتداء النقاب قبل النساء المسلمات بجيل كامل. وكان العامل الذى سهل للمسيحيات واليهوديات التخلى عن النقاب قبل المسلمات بمدة طويلة هو أن عادة احتجاب النساء فى المجتمعات غير المسلمة لم تكن صارمة كما كانت بالنسبة للمسلمين. وبانتهاء القرن التاسع عشر الميلادى، أصبحت قضية سفور المرأة من القضايا الشائكة بالنسبة للإصلاحيين مثل قاسم أمين الذى أصدر كتابه "تحرير

المرأة" فى القاهرة سنة 1901 م، كما أصبحت هذه القضية من القضايا الشائكة أيضا بالنسبة لحركات تحرير المرأة المصرية التى بدأت صغيرة ثم أخذت فى النمو باستمرار. ولقد كانت هدى شعراوى رائدة حركة التحرر النسائى فى مصر أول سيدة تخلت عن النقاب بعد عودتها من مؤتمر نسائى فى روما سنة 1923 م. وكان هذا التصرف من هدى شعراوى رمزا للتحرر حيث تبعتها نساء الطبقة العليا والطبقة فوق المتوسطة من المجتمع المصرى، أما نساء الطبقات الدنيا فقد تمسكن بالنقاب فترة طويلة. وكان رجال الشرق المسلمين أسرع من المرأة فى التخلى عن الملابس التقليدية، وهذا يرجع إلى طبيعة تكوين الرجل وحريته فى الحركة. وكان أول من استخدم الزى الأوربى من الرجال هم أعضاء الطبقة الحاكمة والطبقة العليا الذين كانوا على اتصال مباشر بالغرب، والذين كانوا يزورون أوربا بكثرة. وكان يطلق على هذه الطبقات من الناس اسم "المتفرنجون". وكانوا قلة طوال القرن التاسع عشر الميلادى، ولكن بعد الحرب العالمية الأولى أخذ التحول إلى الزى الغربى يتم بسرعة فائقة. ومن بين ملابس الرجال التقليدية التى قاومت التغيير كان هو لباس الرأس. فكان من المعتاد أن نرى الرجال فى ملابسهم الأوربية يرتدون الطاقية أو الطربوش أو الكافية. وهذا الأمر يرجع إلى الأهمية التقليدية لتغطية الرأس وإلى الحقيقة الراسخة وهى أن غطاء الرأس رمز من رموز الدين الإسلامى. أما الـ كافية، التى كانت خلال القرن الماضى شائعة بين البدو والفلاحين فى كثير من أنحاء الشرق الإسلامى، فكانت لها دلالة قومية بمقارنتها بالطربوش التركى. ومازالت العمامة التقليدية هى لباس الرأس الخاص بعلماء الدين فى المشرق الإسلامى (بالرغم من أنها فى بلدان المغرب الإسلامى وخاصة المغرب يرتديها الرجال العاديون وهم فى لباسهم الأوربى). وبعيدا عن المدن الكبرى، ما زالت الملابس التقليدية شائعة الاستخدام، ولكنها بدأت تتضاءل فى كثير من

الأماكن. وحتى فى المجتمعات البدوية بدأت الملابس الأوربية تحل محل الملابس التقليدية بالتدريج. أما المنطقة الوحيدة التى حافظت على الملابس والأزياء التقليدية وعلى كل المستويات فهى شبه الجزيرة العربية. إن تتبع أنواع الأزياء والملابس فى كل بلد على حدة تلك التى ما زالت تلبس أو التى ظلت تلبس إلى عهد قريب فى المشرق العربى يعتبر خارج مجال هذه الدراسة. ولقد أمدنا الرحالة الغربيون خلال القرنين ونصف القرن الماضيين بأوصاف تفصيلية للملابس والأزياء المحلية، كما ظهرت فى السنوات الأخيرة مقالات وأبحاث كثيرة تناولت هذا الموضوع. وفيما يلى قائمة بأسماء الملابس التى ما زال يستخدمها العرب فى المشرق فى القرن العشرين: - عَبَاءَة: سترة، يرتديها الرجال والنساء فى الجزيرة العربية ومصر والعراق وسوريا وفلسطين. عَقَالْ: حبل مجدول سميك يشبه الحلقة يلبس فوق غطاء الرأس. والعقال يلبسه الرجال فقط فى الحجاز والعراق وسوريا وفلسطين. عَنْتَرى: صديرى مبطن، منه القصير ومنه الطويل الذى يصل حتى الركبة، وهو خاص بالنساء ويلبس فى مصر وسوريا وفلسطين. عَرَاقية: طاقية مطرزة فى الغالب يلبسها الرجال والنساء منفردة أو تحت غطاء الرأس، وتلبس فى الجزيرة العربية ومصر وسوريا وفلسطين -وفى العراق تسمى عراقشين. عَصْبَة: منديل ذو طيات ترتديه النساء فوق الرأس فى مصر وسوريا وفلسطين. بَادُوجى - بَابُوش: شبشب شرقى من الجلد الرقيق يُلبس فى الجزيرة العربية ومصر والعراق وسوريا وفلسطين. بَدَن: ثوب للرجال ينسج من الحرير أو القطن. يلبس فى الجزيرة العربية. بنيش: رداء رجالى بأكمام واسعة. يلبس فى الجزيرة العربية وسوريا وفلسطين.

بِشْتَ: عباءة أو جاكت يرتديه الرجال والنساء فى سوريا وفلسطين. بريم: حبل مجدول على شكل دائرة يلبس فوق منديل الرأس وهو يرادف العقال فى سوريا وفلسطين، ويربط حول الوسط ويرادف الحقو فى الجزيرة العربية. بُردْ - بُردا: ملحف من الصوف الثقيل يرتديه الرجال فقط فى الجزيرة العربية ومصر. بُرْنُسْ: عباءة تغطى البدن والرأس تنسج من الصوف ويرتديها الرجال فقط. وكانت تستورد من بلاد المغرب وتلبس فى مصر. برقع: نقاب لوجه المرأة، يلبس فى الجزيرة العربية ومصر وسوريا وفلسطين. بوش: من أنواع العباءة تصنع فى شمال سوريا وتلبس فى سوريا وفلسطين. بوشى: نقاب أسود لوجه المرأة يلبس فى العراق. شَقْشِيْر: بنطلون على الطراز التركى يرتديه الرجال والنساء فى مصر وسوريا وفلسطين. دَامِر: جاكت نسائى بأكمام قصيرة يرادف التقصيرة ويلبس فى سوريا وفلسطين. دِفِّيَّة: ثوب شتوى ثقيل يرتديه الرجال فقط فى مصر. دِلْق: رداء من رقع من القماش يرتديه الصوفية، كما يرتديه أيضا المهرجون. ويلبس فى مصر والعراق وسوريا وفلسطين. جَلابيَّة: رداء فضفاض يلبسه الرجال وما زال شائع الاستعمال فى مصر. جِلّلايَة: جُبّة مزخرفة بالتطريز، من ألبسة الزفاف وخاصة بالنساء فى سوريا وفلسطين، وترادف قفطان الزواج الخاص بالرجال فى اليمن. جُبّة: رداء خارجى يشبه المعطف يلبسه الرجال والنساء فى الجزيرة العربية ومصر وسوريا وفلسطين.

جوخ: جوخة: معطف بأكمام واسعة يرتديه الرجال فى سوريا وفلسطين. دُرّاعَة: رداء خارجى للسيدات مفتوح من الأمام يشبه الجبة أحيانا يستخدم فى سوريا وفلسطين. فَرَجِيّة: رداء للرجال بأكمام طويلة يلبس فى مصر. فَرْمَلِيّة: رداء نسائى يلبس فى سوريا وفلسطين. فَروديّة: منديل مربع يربط حول رباط الرأس تستعمله السيدات فى مصر. فاس: طربوش تركى يشبه الطربوش الأحمر يُلبس فى الجزيرة العربية ومصر وسوريا وفلسطين. فستان: رداء للسيدات يستعمل فى مصر وسوريا وفلسطين. فوطة: مقطع من القماش المطرز يربط حول وسط الرجال. العراق. غَبّانى - غَبَّانيَّة: منديل للرأس بزخرفة هندسية مطرزة من معينات يرتديه الرجال والنساء فى سوريا وفلسطين. غُودْفَا: شال كبير للرأس خاص بالسيدات اليهوديات فى بعض المناطق فى سوريا وفلسطين. حَبَرة: ملاءة خارجية يُلف بها جسم المرأة من الحرير الأسود تلبس فى الجزيرة العربية ومصر وسوريا وفلسطين. حَقْو: رباط للوسط يستخدمه الرجال والنساء فى الجزيرة العربية. حِيَاصَة: حزام من القماش فى منتصفه حلية من الفضة يرتديه الرجال فى سوريا وفلسطين. حزام: يرتديه الرجال والنساء فى الجزيرة العربية ومصر والعراق والشام. حُلَالْلّيه: ملاية سوداء كبيرة تلف حول الوسط مع سحب أطرافها العليا على الكتفين وتثبت بدبابيس، وتستخدم فى مصر. إقدادة: كافية بيضاء تلبس فى الصيف فى سوريا وفلسطين.

عِصَابة: رباط للرأس خاص بالسيدات فى الجزيرة العربية ومصر وسوريا وفلسطين. إشْدَاد: حزام من الصوف يرتديه الرجال والنساء فى سوريا وفلسطين. إتْب: ثوب واسع للسيدات فى الجزيرة العربية. إزار: ملحفة كبيرة تلتف بها السيدات فى مصر وسوريا وفلسطين. كِافيَّة - كُوفيّة: منديل للرأس يستخدمه الرجال والسيدات فى الجزيرة العربية، والعراق وسوريا وفلسطين. قَفْطان - قُفْطان: رداء طويل واسع بأكمام طويلة وإزرار أسفل المقدمة يرتديه الرجال والنساء فى الجزيرة العربية ومصر والعراق والشام. كَمَر: حزام عريض لونه أحمر فى الغالب يرتديه الرجال فى مصر والشام. قميص - قميصة: يشبه الرداء يرتديه الرجال والنساء فى الجزيرة العربية ومصر والعراق وسوريا وفلسطين. خَلَقَة: ثوب نسائى فى الجزيرة العربية والشام. خَلْوَاتيّة: عباءة تصنع فى حصبايا بسوريا. خِرْقَة: نقاب ومنديل للرأس ترتديه السيدات فى الشام ويشبه الدِلْك الذى يرتديه الصوفيون. خُف: حذاء قصير برقبة أو جورب قصير من الجلد يستخدم فى الجزيرة العربية ومصر وإيران وسوريا وفلسطين. خُمْر: حزام للرجال يستخدم فى العراق. كِبْر: ثوب يستخدم فى سوريا وفلسطين. كُبْران: جاكت بأكمام طويلة واسعة يرتديه الرجال والنساء فى الشام. قُمْباز: رداء خارجى ينسج من الحرير المخطط يرتديه الجنسان فى الشام. قُرْص - قِرص: طاقية أو تاج من المعدن يزين بالمجوهرات يُلبس فوق غطاء الرأس وهو خاص بالسيدات فى مصر والشام.

لَفّه: عمامة من القماش للرجال فى العراق والشام. لفائف: أشرطة طويلة من القماش تُوصَل بلباس الرأس ويلف عليها شعر السيدات وتستخدم فى سوريا وفلسطين. لَاسَة: منديل شبكى لرأس السيدات من الحرير الأبيض أو القطن مزخرف بأشرطة معدنية. سوريا وفلسطين. لِباس: سروال للرجال والسيدات. الجزيرة العربية، مصر، العراق، الشام. لِبْدَه - لِبَّادَة: طاقية من اللباد خاصة بالرجال. مصر، سوريا، فلسطين. مَدْرَقَة: ثوب ترتديه السيدات فى الأردن. مَكْرُونَة: منديل للرأس تلبسه البدويات فى الجزيرة العربية. مَنْديل: منديل للرأس ونقاب للسيدات فى سوريا وفلسطين. ويزخرف بالتطريز ويربطه الرجال حول الوسط فى العراق. مَعْرقَه: يشبه العَرَقيّة. الجزيرة العربية. مَرْكُوب: حذاء رجالى مدبب من الأمام مصنوع من الجلد الأحمر السميك، مصر. مَشْلَة: عباءة تصنع فى بغداد وتلبس فى العراق. مَسْت: شراب طويل من الجلد الناعم الأصفر يرتديه الرجال والنساء فى مصر وسوريا وفلسطين. مَاسُومى: عباءة من الصوف الأبيض للرجال تصنع فى بغداد. مَز - مَزدْ - مِزْ: يشبه المَسْت ويلبس فى مصر والشام. مِلْحَفَة: ملاءة كبيرة تلتف بداخلها النساء. مصر، سوريا، فلسطين. مِنْشَفَه: نقاب أبيض للرأس تلبسه النساء. سوريا وفلسطين. مِنْتِيَان: جاكت يرتديه الرجال والنساء. سوريا وفلسطين. مُدَربيَّة: جاكت للنساء من الفلاحات فى سوريا وفلسطين. مُقْلَة: عمامة كبيرة جدا يلبسها العلماء. مصر. مُلَاءَة: ملحفة كبيرة تلتف فيها النساء.

مُسَيّحة: كافية من الحرير. سوريا وفلسطين. نَعْل: كلمة عامة تعبر عن الحذاء تستخدم فى بلدان الشرق الأوسط. سَبْلة: رداء فضفاض ترتديه السيدات شبيه للثوب. مصر. صَفّة: غطاء صغير لرأس السيدات مزخرف بالتطريز يعلق على جوانبه قطع من العملة المعدنية. سوريا وفلسطين. سَاكُو: معطف للسيدات من الصوف أو القطيفة. سوريا وفلسطين. سَلْطَة: جاكت للرجال والنساء. سوريا وفلسطين. شَبَابْلِكيَّه: عباءة تصنع فى حصبايا سوريا وفلسطين. شَدّة: حزام من الجلد للسيدات. سوريا وفلسطين. شَال: شال للسيدات ينسج عادة من الصوف. الجزيرة العربية، العراق، سوريا، فلسطين. شَلْوَار: شبيه بالسروال. العراق. شَمْبَر: نقاب كبير للسيدات كان يستخدم عادة فى المناطق اليهودية جنوب فلسطين. شَعْرِيّة: نقاب أسود للوجه يصنع من صوف الماعز أو شعر الحصان وهو خاص بالسيدات. العراق، سوريا، فلسطين. شَاش: مقطع من القماش يلف حول الرأس كعمامة. سوريا، فلسطين. شَاشِيَّة: نوع من الطرابيش يُلبس فى مصر. وهو طاقية تُلبَس تحت الطربوش فى سوريا وفلسطين. شَطْوة: قبعة ترتديها النساء المتزوجات. شَوْدَر - شوْذَر: ملاءة خارجية سوداء تلتف بها النساء. الحجاز والعراق. شِنْتِيَان: بنطلون نسائى. مصر. سوريا. فلسطين. شُطْفَة: منديل للرأس ترتديه النساء البدويات. الجزيرة العربية. سوريا. فلسطين. شُوَيْحى - شُوَيْحيَّة: حزام للنساء ينسج من شعر الماعز وهو فى الغالب

مزخرف. يُلبس فى جنوب فلسطين. صِدْرِيَّة: صديرى بدون أكمام يرتديه الرجال والنساء. العراق. سوريا. فلسطين. صِمَادَة: قبعة تشبه البُونيه النسائى معلق على جوانبه قطع عملة معدنية وتستخدمه النساء فى مدينة الرملة فى فلسطين. ويستخدم غطاء رأس رجالى فى العراق. صُدَيْرة: صديرى قصير بدون أكمام يرتديه الرجال فى مصر. طَاقِيّه: هى الطاقية العادية ويرتديها الرجال والنساء وحدها أو تحت لباس رأس آخر. الجزيرة العربية. مصر. العراق. الشام. تَقْصِيَرة: جاكت بأكمام قصيرة للرجال والنساء. سوريا وفلسطين. طَنْطُور - طرطور: غطاء للرأس مخروطى الشكل طويل يشبه تاج الأسقف. يلبسه الصوفيون فى مصر وسوريا وفلسطين. وهو غطاء للرأس مرتفع مدبب للنساء مصنوع من الخشب أو قرن الحيوان أو المعدن كان شائعا بين نساء الدروز فى سوريا وفلسطين. تربيعة: منديل للرأس أو نقاب للنساء فى سوريا وفلسطين. طَرْحَة: نقاب أسود طويل كبير الحجم يتدلى ليغطى الظهر تستخدمه النساء فى مصر. ثوب: رداء رئيسى يرتديه الرجال والنساء فى بلدان الشرق الأوسط. وهو أيضا ثوب للنساء. مصر. سوريا وفلسطين. تِكَّة: خيط لربط السروال حول الوسط شاع استخدامه فى بلدان الشرق الأوسط. وُقَايَة - أوقة: ألبسة رأس للنساء كانت فى العادة تزين بقطع من العملة المعدنية. سوريا وفلسطين. يشْمَك: نقاب تركى المنشأ يشبه البرقع. مصر. سوريا. فلسطين. يِلِك: معطف طويل للنساء محبوك على الجسم يستخدم فى مصر وسوريا. فلسطين. وفى العراق صديرى طويل للجنسين.

الغرب الإسلامى

زُنَّار: حزام من القماش يرتديه الرجال والنساء فى فلسطين. الغرب الإسلامى إن الغرب الإسلامى الذى كان يضم فى العصور الوسطى الأندلس وصقلية بالإضافة إلى شمال أفريقيا ينتمى بصفة عامة فيما يتعلق بطرز الأزياء إلى شعوب منطقة البحر المتوسط، وكانت عناصر الملبس التى تربط بين هذه الشعوب هى الملابس المستطيلة والعباءات الخارجية الفضفاضة. وفى نطاق هذا الأسلوب الموحد كان هناك بالطبع وبشكل دائم قدر كبير من التنوع الإقليمى حسب الأجناس والظروف الاجتماعية الاقتصادية. ولقد عُرف المغرب منذ الفتح العربى فى منتصف القرن الأول الهجرى (السابع الميلادى) بطرزه الخاصة فى الملابس كما هى الحال فى المظاهر الثقافية والمادية الأخرى. وأسباب هذا التفرد يمكن تلخيصها كالآتى: 1 - بُعد المغرب الجغرافى عن قلب العالم العربى المسلم. 2 - عنصر البربر المحلى الذى ظل قويا بشكل دائم. 3 - وفى الأندلس؛ غلبة العنصر الأيبيرى وقربها من المناطق المسيحية. 4 - غياب طبقة الكُتَّاب الفرس. 5 - وصول الأتراك المتأخر إلى تونس والجزائر وعدم دخولهم المغرب. وحيث إن معظم المعلومات المتوفرة عن الأزياء العربية فى العصور الوسطى: تسمياتها، أساليبها، العادات والتقاليد - تنطبق على المراكز الثقافية الحَضَريّة المغربية فى العصور الوسطى فإن بحثنا هذا سوف يتناول هذه الفترة باختصار مع التركيز على مظاهر تاريخ الأزياء المغربية المتفردة. ومعظم هذا البحث سوف يتناول الفترة الممتدة من العصر الوسيط المتأخر إلى العصر الحديث وبالتحديد الـ 700 سنة الأخيرة. 1 - نشأة الأزياء المغربيّة فى فترة ما قبل الإسلام:

عندما فتح العرب شمال أفريقيا كانت التأثيرات البونية والبيزنطية ما زالت قوية فى المدن والبلدان. وكانت توجد بعض العناصر البونية فى الريف مع غلبة العنصر البربرى. لقد كانت شمال أفريقيا حتى فى العصر الكلاسيكى تتميز بطرازها المتميز فى الملابس. ومن وجهة نظر المؤرخين اليونان والرومان فإنهم يعتبرون السكان المحليين من البربر لأنهم يرتدون فقط جلود الحيوانات بحيث تلقى على الكتف الأيسر وتتدلى لتغطى الصدر والظهر. ويذكرنا جلد الملابس الناعم بالـ فيلالى وهو جلد الماعز الذى يُعرف فى اللغات الأوربية باسم morocco أو maroquin (جلد السختيان). وهذا الأسلوب البسيط فى ارتداء واستخدام الملابس الجلدية مارسه البربر حتى العصر الحديث. وفى نظر المؤرخين الرومان كانت أكثر ملامح ملابس شمال أفريقيا جذبا للانتباه هو رداء أو معطف فضفاض بدون حزام. وتذكر المصادر الرومانية والبيزنطية هذه العباءة من آن لآخر كما تذكر أيضا بنطلون البربر فى أوربا وآسيا، وتطابق الأوصاف التى أوردتها هذه المصادر الثياب المغربية الفضفاضة مثل الـ قمجه التونسية، والعباية الجزائرية والـ جندورا المغربية. وبالرغم من أن هذه العباءات كانت واسعة فيبدو أنها فى فترة ما قبل الإسلام كانت قصيرة لا تصل إلى ما تحت الأفخاذ. وفى أوائل القرن العشرين كان من الملابس القصيرة المشابهة المنتشرة فى مناطق البربر هى الـ ريف المغربى، الـ مَذَاب الجزائرى. ومن الملابس المتميزة فى شمال أفريقيا والتى استمرت لتصبح من سمات الطراز المغربى فى العصر الإسلامى رداء بطاقية يسمى "بُرنُس" فى ليبيا وتونس والجزائر، ويسمى سِلْهَم وأَخْنيف وأحيانا قليلة بُرْنس فى المغرب. ويرى جيزل أن أصل البرنس هو السَجُوم وهو رداء بسيط من الصوف يلبسه العسكريون الرومان. ويشير E. F. Gauthier فى كتابه الذى طبع فى باريس سنة 1952 م إلى رداء مشابه ويسمى الـ باينولا ويلبس عند

السفر وله طاقيه تُشبك فيه من أعلى. ومن الناحية الفيلولوجية فربما تكون كلمة بُرنْس مشتقة من الكلمة اليونانية اللاتينية Birrus. وقد وجُد مصطلح برنس منذ الفترة المبكرة للإسلام فى الحجاز حيث كان يدل على لباس الرأس الذى يعرف باسم البونيه. أما البرنس الرداء فى شمال أفريقيا فكان من الواضح أنه مختلف. وعندما فتح العرب بلاد المغرب فإنهم فرقوا بين مجموعتين كبيرتين من البربر وأطلقوا عليهما البرانس والـ بُوتْر. ويعتقد W. Marcais أن هذه الأسماء لا تعكس فقط تسلسل الأنساب والأجناس بل أيضا الشكل البدنى العام. فنرى بربر البرانس يرتدون البرنس ذا الطاقية، والآخرين يلبسون ملابس البوتر وهى بدون طاقية. إن انتشار البرنس فى المغرب ربما يرجع فى الأصل إلى حقيقة أن البربر فى القرون القليلة الأولى للإسلام لم يرتدوا أى ألبسة للرأس أو طواقى. وعلاوة على ذلك فإن بعض البربر كما ذكر ابن خلدون كانوا يحلقون رؤوسهم كلها أو جزءا منها. وهناك خاصية مميزة أخيرة يمكن إرجاعها إلى فترة ما قبل الإسلام وهى ملاءات اللف الكبيرة التى كانت تستخدم كرداء خارجى للرجال والنساء من ليبيا إلى بلاد المغرب. وهذه الملاءة التى كان يطلق عليها أسماء مختلفة وأكثرها شيوعا فى اللغة العربية الـ حايك، الـ كساء، والـ بَرَكَانْ، وفى لغة البربر أعْبان، أخوشى، أنَاجْجُو، تحْيكْت وأسماء أخرى كثيرة. ويعتقد جيزل أن هذا الرداء البدائى ترجع أصوله إلى ملابس كانت مستخدمة فى المغرب تحت الحكم الرومانى فى شمال أفريقيا. ومنها الـ لودكس والـ ستراجولا. ويتحدث الشاعر الرومانى فى أشعاره عن العباءة الخشنة التى يرتديها الأهالى ويلقون بطرفها على الكتف وتغطى الأذرع. ويذكر ابن خلدون أيضا أن الأهالى من البربر يلفون أنفسهم بالكِسَاء وكانوا يلقون بطرفها على الكتف. وذكر الرحالة الأوربيون فيما بعد هذا الرداء غير المريح. وفى العصر الإسلامى استخدمت ملاءة البربر القديمة جنبا إلى جنب مع الإزار العربى والملحفة.

2 - الأزياء المغربية خلال العصور الوسطى المبكرة والمتأخرة

وبقدر استخدامه كنقاب للنساء فان استعماله تداخل مع استعمال الملابس الشرقية الأصل. ويتضح من المصادر والشواهد الحديثة أن رداء الرجل المغربى كان وما زال مختلفا تماما فى طريقة لبسه. 2 - الأزياء المغربية خلال العصور الوسطى المبكرة والمتأخرة: كان العرب يعتبرون المغرب منطقة استعمارية أكثر من نظرتهم إلى المناطق التى فتحوها فى بلاد المشرق. ولم يكن هناك تقريبًا فى تراث شمال أفريقيا أو أسبانيا ما يحكمون السيطرة عليه. ولذلك فإنهم تقريبًا لم يأخذوا شيئا من الأزياء الوطنية خلال القرن الأول بعد الفتح الإسلامى. كان طراز ملابس عِلْية القوم المتحضرين عربيا. ويوجد رداء لطفل يؤرخ بالعصر الإسلامى المبكر محفوظ حاليا فى متحف باردو بتونس يشبه تماما الملابس التى ترجع إلى نفس الفترة والمحفوظة بالمتحف القبطى بالقاهرة. وقد لاحظ المؤرخ الجغرافى المقدسى فى القرن الرابع الهجرى/ العاشر الميلادى أن المغاربة يرتدون رسومهم حسب زى أهل مصر، ويتضح من السياق أن كلمة رسوم هنا تعنى ملابس. أن المصادر الكثيرة من الملابس فى أفريقيا والتى قام بجمعها هـ. ر. ادريس عن الفترة من القرنين الرابع إلى السادس الهجريين/ العاشر إلى الثانى عشر الميلاديين ترتبط بصلة وثيقة بما عُرف عن ملابس الشرق الأوسط خلال تلك الفترة. أما قطع الملابس التى كان لها أصل مغربى واضح فكانت هى الكِسَاءْ (الكُرْزِيَّة) والتى كانت عبارة عن قماش ملفوف يربط حول الرأس، والـ أقْراق (المفرد قُورْق) وهو صندل نعله من الفلين. وحسب ما ذكره المقدسى فإنه حتى الرداء العربى التقليدى كان يُلبس بطريقة تشبه ارتداء الكِسَاء والبرنس. وقد حاول أمراء الأمويين الأوائل فى الأندلس قدر جهدهم المحافظة على التراث والثقافة الشامية، ويمكن أن نفترض بكل اطمئنان أن ملابس علية القوم من العرب ومواليهم من المستعربين بقيت بصفة عامة دمشقية الطراز. وقد أصبحت أساليب الملابس الإسلامية الجديدة الواردة بتأثيراتها

الشرقية هى الطراز السائد بين الطبقات العليا بعد قدوم المطرب العراقى زرياب إلى البلاط الملكى فى قرطبة سنة 207 هـ/ 822 م، والذى اعتبر نفسه مصمم الملابس الأندلسية، وهو لم يكن فقط مصمم أساليب القص والألوان والأقمشة بل إنه أوجد التقليد الخاص بالملابس المناسبة لكل فصل. وهو نفسه الذى جعل من الجُبّة زيا مشتركا للرجال والنساء. والطراز الشرقى الوحيد الذى ضرب جذوره فى الأندلس كان هو ارتداء العمامة، التى ظلت أساسا خاصة بالفقهاء. وكانت عادة ترك الرأس عارية أو ارتداء طاقية تشبه التاج من الصوف الأخضر أو الأحمر وتسمى الغِفَارَة شائعه بين الأندلسيين من كل الطبقات. ونرى أن معظم رسوم الأشخاص التى تظهر على علب العاج المصنوعة فى الأندلس فى العصر الأموى عارية الرأس. ومن أغطية الرأس التى كانت منتشرة الاستخدام بعد وصول زرياب إلى الأندلس القلنسوة والطيلسان. ويذكر ابن عذارى أن عبد الرحمن آخر حجاب العامريين أمر ندماء الملك بارتداء العمامة على طريقة البربر من رجال الحرب ولكن هذه العادة توقفت بعد شهرين من نهاية حكمه الدموية. وكان هناك بمرور الوقت اندماج ملحوظ فى طرز الملابس بين الشمال المسيحى والجنوب الإسلامى. وكان جلباب الفلاحين الأسبانى الذى يُعرف باسم سايو Soyo وفى العربية شايا Shaya شائع الاستخدام فى ريف اسبانيا. وكان الجنود يلبسون القبعة وكانت تشبه القُبّعة التى تلبس فى الأقاليم المسيحية، ومن الواضح أن هذه الكلمة مشتقة من الكلمة الأسبانية Capo أو Capa وليس من الكلمة الفارسية قَبْعَة. وقد انحسرت طرز الملابس الشرقية بالتدريج أمام الطراز الأندلسى الفريد وهو أسلوب التفصيل. وبحلول القرن السابع الهجرى/ الثالث عشر الميلادى أصبحت رؤية الرجل الشرقى مرتديا العمامة وألبسة الشرق يعد شيئا غريبا. ومن المهم أن نلاحظ أنه بالرغم من أن المرأة المسلمة فى الأندلس كانت

3 - إمبراطوريات البربر وما تلاها من دويلات

تستعمل أنواعا مختلفة من النقاب الذى كان مستخدما فى الشرق الأوسط مثل الخمار، والبرقع، والمقنع، والإزار، فإنها لم تلتزم تماما باستخدام النقاب دائما. ويذكر ابن حزم فى كتابه "طوق الحمامة" أن الشاعر الرمادى رأى "خَوْلة" الجميلة فى سوق العطارين وهو مكان عام كانت تتجمع فيه النساء فى قرطبة ووقع فى حبها ولكن بالرغم من أنها كانت بدون نقاب إلا أنه لم يتمكن من معرفة إذا كانت أَمَة أم حُرة. ويروى ابن قزمان أنه تقابل مع امرأة من البربر كانت تضع إكليلا على رأسها. ويشكو رجال الدين من البدع المضللة المنتشرة بين عامة الناس والتى تجعل الرجل يسمح لزوجته أو خطيبته أن تظهر سافرة أمام الرجال من غير محارمها. وربما تعزى هذه الحرية إلى تأثير غير المسلمين أو إلى قوة عنصر البربر أو إليهما معًا. وحتى النساء اللائى تعودن على لبس الحجاب كان عليهن خلعه وإظهار وجوههن فى حالة الحداد. 3 - إمبراطوريات البربر وما تلاها من دويلات: أخذ تأثير بلدان الشرق الأوسط فى الملابس المغربية يتدهور بشدة بداية من أواخر القرن الخامس الهجرى/ الحادى عشر الميلادى وما تلاه. وأصبحت تأثيرات البربر والأندلس المحلية أكثر قوة عن ذى قبل. وكانت العناصر الأساسية فى ذلك نشوء إمبراطوريات واسعة للبربر وخذت بلاد المغرب مع ما تبقى من أراضى الأندلس الإسلامية. وقد حدث هذا فى عصر عزلة المشرق العربى تحت أنظمة الحكم العسكرية التركية ولغة وأزياء وأساليب جديدة فى الملابس، وفى وقت كانت فيه شرايين الاتصال بين المغرب والمشرق غير مفتوحة مثلما كانت فى القرون السابقة على الفتح التركى بسبب الحرب وعدم الاستقرار وتدهور القوة البحرية الإسلامية. وأخيرا جاء تدهور المراكز الحضرية ذات الثقافة الراقية فى أفريقيا والتى كانت قد ازدهرت فيها الطرز الفنية فى كل شئ، وذلك بعد غزو بنى هلال من البدو. وفى المغرب

الأقصى كانت المغرب مركزا للقوة العسكرية وكانت الأندلس مركزا ثقافيا. وطالما أنهما اتحدا فإنهما يصبحان محور الارتكاز لبقية بلاد المغرب. وقد نشأت دولة المرابطين فى مشرق المغرب العربى. وكان المرابطون أصلا من غير العرب كطبقة حاكمة وكان لهم أسلوبهم المتميز فى ارتداء الملابس. وكان لباسهم على طراز بربر الصحراء، ولم يتصلوا بحضارة بلدان البحر المتوسط. وأهم سمة تميز المرابطين كانت نقاب الوجه عندهم وهو اللثام الذى كان يغطى النصف الأسفل من الوجه ومن هنا عرفوا باسمهم الذى اشتهروا به وهم الملثمون. ويذكر ابن خلدون فى كتابه العِبَر أن كثيرا من سكان الصحراء كانوا من الملثمين حتى عصره. وكان أسلوب استخدام اللثام هو نفس أسلوب قبائل الطوارق لآن. ولم تكن ملابس المرابطين يستخدمها الرعايا من عامة الناس. واستخدم المرابطون أيضا العمامة والبرنس. وكان هناك بعض الأندلسيين الذى ارتدوا هذه الملابس من باب استرضاء الحكام الجدد حتى ولو أدى ذلك إلى سخرية الناس منهم. وفى الواقع وجد الأندلسيون القليل من ملابس المرابطين لكى يقلدوها، أما المرابطون أنفسهم فقد وجدوا الكثير من حضارة الأندلس ما هو جدير بالتقليد والمنافسة. وقد انتشرت ثقافة الأندلس تحت حكم المرابطين إلى بلاد المغرب ومن بينها طرز الملابس والأزياء وانتقال أساليب الملابس عبر مضيق جبل طارق من الشمال إلى الجنوب بشكل أساسى استمر حتى حكم الموحدين وبدرجات متفاوته بعد عصرهم. وكان لنشوء دولة الموحدين تأثير مباشر ودائم فى تاريخ الأزياء المغربية. وقد تطرق المهدى بن تومارت إلى بعض الأمور الخاصة بالأزياء والملابس فيذكر عنه أنه عند رجوعه من بلاد المشرق قام بتعنيف أهل بيجايا لأنهم ارتدوا صنادل بأشرطة مذهبة والتى تسمى (إلى أقْراق الزرَّاريّة) وعمائم غير إسلامية (عمائم الجاهلية)، وكان

الرجال يلبسون عباءة تسمى فُتُوحِيَّة والتى من الواضح أنها من عباءات النساء. ومثل كل جنس البربر كان الموحدون يرتدون البُرْنس والكساء وكانوا عادة يرتدون عمامة من النوع المعروف باسم كرزيّة. وفى عصر الحفصيين كانت الأسر الموحدية الأصيلة ترتدى الطيلسان وكانت أطراف الطيلسان تسدل على الصدر بشكل الحرْفَين العربيين لا. ولكن لم يمض وقت طويل على بساطة الملبس التى ميزت الموحدين الأوائل حتى اختفت هذه البساطة وسادت الفخامة ملابس الأندلس. واعتاد الموحدون على منح الخلع من الملابس الثمينة (الخلع السنية) لأتباعهم. ومنذ عصر الموحدين وما بعده أصبح النقاب للسيدات محدودا جدا فى شمال أفريقيا والأندلس. وقد أعاد الموحدون تطبيق قوانين الغيار Ghiyar. فبسبب الشك فى إخلاص الأعداد الكبيرة من اليهود الذين كانوا قد اعتنقوا الدين الإسلامى رغما عنهم، فقد أمر الخليفة أبو يوسف بأن يرتدى كل هؤلاء ملابس لونها أسود مزرق (ثياب كُحْلية) بأكمام واسعة جدا (أكمام مفرطة السعة) تصل إلى الأرض، ويرتدون طواقى مثيرة للسخرية (كَلَوات على أشنع صورة) تشبه السرج (كأنها البرادع) تنزل فوق الأذنين. أما ابنه وخلفه عبد اللَّه فقد أمر بتغيير هذا الزى إلى اللون الأصفر وأغطية للرأس صفراء أيضا. ومن المعروف عن تاريخ الموحدين وتراثهم فى المغرب فى العصور الوسطى المتأخرة أن قوانين ملابس اليهود كانت مطبقة بصرامة أكثر من أى منطقة إسلامية أخرى. ولم تحدث تغييرات كبيرة فى طرز الملابس المغربية فى الفترة الموحدية. وتلاهم الحفصيون فى تونس، والزيانيون (بنو زيان) فى الجزائر، والمرينيون فى المغرب وكانوا فى الواقع خلفاء للموحدين. وظهرت فى تونس أسماء محلية لأنواع خاصة من الملابس ومنها على سبيل المثال الـ بَرَكَان وهو ملحفة ثقيلة خاصة بالرجال، والـ

سفارى وهو ملحفة خفيفة للنساء، وقد استخدما بالفعل فى تونس. ويؤكد الوصف الذى أورده ليوافريكانوس للملابس التى كانت مستخدمة فى فاس فى عصر المارينيين استمرار نفس الطرز بصفة عامة، وقد لاحظ أن طبقة المثقفين يرتدون جاكت بأكمام واسعة مثلما كان يفعل أفراد الطبقات العليا فى فينيسيا. وذكر ليو أيضا أن بنطلون النساء الخاص الذى يلبس خارج البيت كان يغطى الأرجل بالكامل، كما أنهم كن يستخدمن النقاب الذى يغطى الرأس والبدن بالكامل وهو الـ حَايكْ ويرتدين معه نقاب الوجه الـ لِثَام الذى يغطى الوجه ماعدا العينين. وذكر مؤرخ دولة المارينيين ابن أحمر ملابس ترتبط فى اعتقاد المغاربة بالبركة والكرامة لبعض الأفراد. فكان الزناتيون (قبائل زناتة) يعتقدون أن الأمير عبد الحق ابن محيو كان من أهل البركة ومستجاب الدعاء. وكانت قلنسوته وسرواله توضع بجانب المرأة المتعسرة فى الولادة لتسهيل الوضع. وبانتهاء حكم الموحدين هجر مسلمو الأندلس ارتداء العمائم التى كانوا قد ارتدوها فترة قصيرة من الزمن. وانتشر ارتداء الملابس الملونة. ويذكر المقرى أن أثرياء الناس كانوا يرتدون الملابس الحريرية المذهبة (الوشى المذهب) والتى كانت تنتج فى المرْيَه، ومُرْسِيه، ومَلقّه، أو كانوا يرتَدون ملابس خاصة من الحرير (اللباس المُحَرر) وكانت تسمى بـ الـ ملَبد الـ مخَتم كانت تصنع فى غرناطة وبسطه. وذكر R. Arie أن طرز الملابس فى الممالك المسيحية المتاخمة أثرت فى طراز الملابس الأندلسية فى الفترة المبكرة من حكم بنى الأحمر. أما الـ سايو الأندلسى وهو الـ شاية العربية فلم يكن يرتديها أهل الريف فقط بل كان يرتديها حكام بنى الأحمر عندما كانوا يخرجون للصيف. ومن بين طرز الملابس التى استحدثت فى الأندلس الـ مَرْلوتا وبالعربية الـ مَللّوطَة وهو رداء فوقانى بأكمام، وأيضا الـ كابيللار وبالعربية الـ قَابيللار وهو معطف بطاقية أقصر من البُرنس.

4 - من نهاية العصور الوسطى إلى العصر الحديث

4 - من نهاية العصور الوسطى إلى العصر الحديث: ظلت الخطوط الأساسية للأزياء المغربية ثابتة بدون تغيير منذ نهاية العصور الوسطى حتى فترة الاستعمار تقريبًا. وقد دخلت بعض عناصر طرز الملابس الجديدة إلى هذه المنطقة مع دخول الأتراك إلى تونس والجزائر وأيضا بواسطة العرب المتدجنون فى أسبانيا واللاجئون اليهود الذين فروا من أسبانيا إلى تونس والمغرب. وهكذا فإننا نجد، وعلى سبيل المثال، أن الـ جلطيطة (من الاسبانية Giraldetta) وهى جونلة دوّارة كانت تلبسها النساء اليهوديات فى المغرب والأندلس. وكان غطاء الرأس المرتفع بدون حافة المعروف باسم الـ طَرْطُور والـ طَرْطورَا فى الجزائر جزءا من ملابس رجال الحرب الأتراك. وبنهاية القرن الثامن عشر الميلادى تم تحريم ارتداء الـ دولباند التركى على الأهالى فى شمال أفريقيا. ولم يظهر تأثير طرز ازياء الملابس التركية بشكل ملموس فى المراكز الحضرية فى الجزائر وتونس. وكان الـ جَليكو (وهو الـ يَلَك التركى) شائع الاستخدام جدًا فى الجزائر. أما غطاء الرأس المعدنى المخروطى المشقوق والمعروف باسم الـ صَرْمَا فقد استخدمته النساء بكثرة فى الجزائر وتونس. وبالمثل فإن الـ جبضولى أو الـ جبضور وهو معطف قصير جلبه اليهود والأندلسيون فقد انتشر استخدامه فى مدن المغرب والجزائر، وكان يصنع بأعداد كبيرة فى المغرب بواسطة "خياطين" من اليهود. ومن الملحوظ انتشار استخدام الابزيم أو المشبك فى توصيل قطع الملابس إلى بعضها، وكان الابزيم المغربى يسمى بزيمة، أو خلّلالَه أو كِتْفِية، وفى اللغة البربرية تبزيمة أو تايزرزاى. وعلى الرغم مما ذكرناه فإن تقاليد الأزياء والملابس فى المغرب العربى حدث لها ما حدث لمثيلتها فى المشرق العربى فتراجعت أمام التأثيرات الغربية خاصة فى المدن الرئيسية. . إيران تنتمى الأزياء الإيرانية إلى طراز مختلف تماما عن مثيلاتها من الأزياء

1 - العصران الأموى والعباسى

العربية. ومنذ العصر ما قبل الاخمينى ظلت معظم الملامح البارزة للأزياء الإيرانية ثابتة بشكل ملحوظ. فبينما تميزت الأزياء العربية بالثياب المستطيلة والعباءات الفضفاضة، فإن الملابس الإيرانية كانت مفصلة حسب المقاس الفردى وذات ملامح تقليدية ومن بينها المعطف ذو الأكمام الذى يتفاوت فى الطول والسعة (القَباء)، والبنطلونات الطويلة المستقيمة (الـ شَلْوَار)، أو الطوزلق (الـ باى تابه أو الـ رَان)، والأحذية ذات الرقبة المقفولة (الـ موزا، الكَفْش، الـ خفَاف أو الـ شّقْمَه)، وغطاء للرأس طويل أو متوسط الطول (كولاه أو قَلَنْسُوَه) وربما تكون القلنسوة مأخوذة فى الأصل عن الـ كيرباسيه القديمة. وهذا النوع من الملابس هو من النوع النمطى للشعوب من الفرسان راكبى الخيول التى هاجرت من المناطق الداخليه لآسيا مثل شعوب سكيثيا وأيضا شعوب فريجيا، وهذه الملابس تناسب مناخ بلادهم القاسى المتقلب وأيضا حياتهم الرعوية البسيطة. ويظهر فى هذا النوع من الملابس علاقة قوية بملابس الشعوب الهندو - آرية التى هاجرت إلى أقصى الغرب مثل الجنس الجرمانى. كما أن هذه الملابس تناسب ظروف الحياة العسكرية والحروب التى كانت تخوضها تلك الشعوب. ومن الملابس التى استخدمها الإيرانيون أيضا الأردية الفضفاضة المتهدلة ولكنها كانت قاصرة أساسا على الاحتفالات الملكية ورجال الدين. وارتدت النساء مثلهن مثل الرجال المعطف أو الـ جاكت (الـ قَبَاشا أو الـ نيم تَنَا) وارتدت البنطلون والجونله (الـ دامَن) مع قميص (بيراهَن) ورداء (جَامه ومرادفها فى العربية ثوب). 1 - العصران الأموى والعباسى: خلال العصر الأموى تم تعريب بلاد العراق التى ظلت عدة قرون واقعه تحت تأثير الثقافة الفارسية. وقد بقيت طرز الأزياء التقليدية الإيرانية مستخدمة فى قلب إيران وبلاد ما وراء النهر. وبالرغم من الحقيقة المعروفة عن خلفاء الدولة الأموية من أنهم استخدموا عناصر من طرز الأزياء الإيرانية بأنفسهم ولرجال بلاطهم إلا أنهم لم يسمحوا على الإطلاق لرجال جيوشهم الذين

يحاربون على أرض فارس بارتداء الملابس الإيرانية. وكان يتم توقيع أقسى العقاب على الجنود العرب الذى يرتدون قميص الزرد الفارسى (الـ خَفْتَان)، أو الطوزلق (الـ رَان). ولكن فى أواخر عصر الدولة الأموية اندمج العرب الذين استقرت بهم الحياة فى خراسان فى عناصر الثقافة المحلية واستخدموا الكثير من طرز الملابس فى هذا الإقليم. وبقيام الدولة العباسية وتأسيس مدينة بغداد وازدياد أهمية الموالى من جنس الفرس وتغلغلهم فى الحياة المدنية، أصبحت العراق منطقة انصهار الطرز الإيرانية والعربية الهيلِّينستية، ولهذا السبب حدث تداخل فى مصطلحات المفردات الخاصة بطرز الملابس العربية والفارسية، فعلى سبيل المثال تصبح الكلمة العربية لِبَاسْ مرادفة بشكل عام للمصطلح الفارسى بوشاق. وعلاوة على ذلك بقيت الطرز الإيرانية الوطنية متميزة جيدا فى العصر العباسى. ويذكر الجغرافى العربى المقدسى أن من بين طرز الملابس الإيرانية بصفة خاصة التى استخدمها العرب كانت الحذاء ذو الرقبة (الـ خِفَاف) وانتشر استخدام الطَيْلَسَان أو شال خاص بالرأس يُلبس عادة فوق العمامة بواسطة رجال الدين والأعيان فى المناطق الشمالية والشرقية من إيران. واستخدمه عامة الناس فى منطقة فَارْس. وقد عرفت إيران خلال العصر العباسى، ومن قبله وبعده، بالأنواع الجيدة التى تنتجها من الأقمشة. وقد عرف عن إيران أيضا إنتاجها لأنواع متميزة من الملابس. واشتهرت منطقة آمول ومنطقة قوميس بإنتاج الطيلسان الصوف المشهور، كما اشتهرت منطقة جورجان والرى أيضا بإنتاج أنواع رائعة من المعاطف الصوفية الفضفاضة الناعمة. التى تعرف باسم نَرْمَق وهى كلمة مشتقة من الكلمة الفارسية نَرْم وتعنى "ناعم". أما منطقة بام فكانت مشهورة بإنتاج المناديل الرقيقه وقماش العمائم (دستَار بَامى) وهى ترادف حُدُود العَالَم. وكانت اذربيجان، وارمينيا، وأران مشهورة بإنتاج

القيطان الممتاز للبنطلونات (شَلَوارْ باند) (حُدُود العَالَمْ). أما مدينة كَاثْ عاصمة خوارزم فكانت تشتهر بإنتاج أنواع من الجاكت المحشو بالقطن تعرف باسم قَظَاجَند. ومن واقع الأدلة الأثرية يوجد عمل فنى يرجع إلى الفترة من القرنين الخامس إلى السابع الهجريين/ الحادى عشر إلى الثالث عشر الميلاديين مصور عليه رجال ونساء يرتدون القباء ذو الأكمام، وعلى الأذرع أشرطة تسمى بالفارسية بَازُ باند، وهذه الأشرطة على بعضها كتابة بأسلوب الطراز. وعلى لوحة من الجص ترجع إلى القرن السادس الهجرى/ الثانى عشر الميلادى من منطقة الرى بإيران مصور عليها بالحفر البارز منظرًا ملكيًا لنساء ترتدى كل منهن معطفا مُوَشى يسمى بالفارسيه قَبَاى ديبَا وله حاشية مزخرفة حَاشيَه دار. وكل سيدة تعصب رأسها بعصابَة شبكية بيشَانى باند وفى وسط كل عصابة ريشة للرأس. ومعظم السيدات المصورات فى هذه اللوحة ترتدى كل منهن قرطا فى أذنيها جوشوَارَهَا، وقلادة جَرْدَنْ بَنْد. وهذه اللوحة منشوره فى "موسوعة الفن الفارسى Survey of Persian Art, V 05 التى نشرها U. Pope. وإذا انتقلنا إلى العصر السلجوقى فإننا نجد أنه لم يحدت فى إيران أى تجديد أو تحديث فى طرز الأزياء كما حدث فى المشرق العربى. حيث أن السلاجقة أنفسهم كانوا تحت تأثير الثقافات الفارسية. ونجد بالرغم من ذلك أن بعض الطرز الجديدة للملابس قد دخلت فى هذه الفترة إلى إيران وخاصة فى أغطية الرأس، فنجد على الأقل ثلاثة أنواع متميزة من أغطية الرأس طها مجلوبة من مناطق آسيا الداخلية الخاصة بالأتراك ومنها على سبيل المثال القبعات السلجوقية. وكان رجال الطبقة الراقية يلبسون قبعة تشبه التاج حافتها العليا مدببة وتسمى دُوشَاخْ. أما ما يسمى التاج السلجوقى (تَاجْ أو تاجْ كُلاه أو أفْسَرْ) والذى يبدو أن له علاقة بالقبعات المغولية وبالتاج الساسانى القديم فقد بقى لعدة قرون هو غطاء الرأس المفضل لدى الحكام والأمراء الذين رأيناهم فى التصاوير الفارسية.

2 - العصران الايلخانى والتيمورى

وربما أن هذا النوع من أغطية الرأس أو التيجان أشار إليها الشاعر الفارسى الشهير سعدى فى بستان سعدى (كُلاه خُدَاوندى) أو "قبعة السيادة"، وهذه الأنواع المختلفة من القبعات كانت تحمل أسماء اقليمية أو أسماء حسب الأجناس التى ترتديها مثل الـ كُلاه الخوارزمية أو الـ كُلاه التترية. كما ساهم السلاجقة فى إدخال بعض ملابس الحرب إلى إيران. 2 - العصران الايلخانى والتيمورى: جلب المغول معهم فى غزواتهم كثيرا من الطرز الجديدة تماما من الشرق الأقصى. وكانت طرز الملابس الملكية هى الطرز الصينية. وقد نقلت لنا التصاوير ملابس الحاكم الصينى ذات الأكمام التى تصل إلى الكوع. وكانت هذه الملابس تزين بزخارف الشعارات الملكية على الظهر والصدر وكانت هذه الزخارف تمثل السحب الصينية والزخارف النباتية والمتشابكة. وتحت الرداء الفوقانى يلبس ثوب بأكمام طويلة. وكان الرجال يرتدون أنواعًا من القبعات ذات حواف تدور إلى أعلا أو إلى أسفل وكانت أحيانا بحافة مزدوجة. وكانت الملابس العسكرية أيضا من بين الملابس المتنوعة التى جلبت من الشرق الأقصى، وكانت تتألف من معاطف طويلة من الزرد تتكون من أشرطة أفقية تسمى جوشانى قباء أو قمصان من الزرد (زيرا)، وكانت قمصان الزرد تلبس تحت رداء وتسمى زيرا دَر زيرى جاما. وفى فترة العصر الايلخانى فإنه يبدو أن ملابس النساء لم يتناولها تغيير كبير فيما عدا غطاء الرأس. وكان منديل الرأس (سَرْ بَنْد) يستخدم كعصابة للرأس والذقن معًا لغير النساء المغوليات. أما الأميرات المغوليات فكن يضعن غطاءً خاصًا للرأس يتألف من إطار من الخشب الخفيف مكسو بالحرير وعليه من الخلف ريشة طويلة، وكان غطاء الرأس هنا يسمى بُغْتَاق. وكان يمكن أن يُزين الـ بُغْتَاق بالذهب والأحجار الكريمة وأحيانا هدب طويل يشبه الذيل يعلق به من الخلف ويطلق

عليه بالفارسية ذيل - ى بُغْتَاق. ويذكر ابن بطوطه فى الجزء الثانى من كتابه "رحلة ابن بطوطه" أن الفتيات من وصيفات السيدات المغوليات كن يضعن على رؤوسهن "الـ كُلاه" التى كانت تشبه الـ أقْروُن أى الطربوش وعليه شريط من الذهب مرصع بالجواهر حول الجزء العلوى منه وتوضع فوق قمته ريشة طاووس. وبالرغم من تحيز تيمورلنك للأساليب المغولية، فإننا نلاحظ تناقص التأثيرات المغولية على طرز الأزياء الفارسيه تحت الحكم التيمورى. فقد انحسرت الثياب التيمورية ذات الأصل الملكى الصينى أمام الملابس المحبوكة التى تتبع تفاصيل البدن. فنجد الـ قَبَاء الفوقانى يترك مفتوحا بالكامل أو يفتح جزئيا عند الرقبة وتحت الوسط بحيث يكشف عن الرداء الذى تحته والذى يخفى قميصا طويلا ملاصقا للبدن يسمى بالفارسيه بيراهان. أما الحزام الذى يعرف باسم كَمَربَنْد والذى توقف استخدامه أثناء العصر الايلخانى فقد عاد للاستخدام مرة أخرى بين ملابس الرجال، ويلف حول الوسط فوق الرداء التحتانى أو الفوقانى على السواء. أما أغطية الرأس والقبعات التى تميز بها كل من العصر السلجوقى والعصر المغولى فقد اختفت تدريجيا وحلت محلها العمائم التيمورية التى بدأت صغيرة الحجم وبدأ حجمها يكبر بحلول القرن الخامس عشر الميلادى. وكان السبب فى اختفاء أغطية الرأس المغولية أنها اعتبرت رمزا الإلحاد بعكس العمامة التيمورية المعروفة باسم دَسْتَار التى كانت رمزا للدين الإسلامى. وظهر خلال العصر التيمورى غطاء جديد للرأس يعرف باسم قَلْبَاق وهو تركمانى الأصل ويصنع من الفراء. كانت ملابس النساء خلال العصر التيمورى تتألف من عدد من طبقات الملابس الطويلة المحبوكة على الجسم. وكان رداء الـ بيراهَنْ يغطى جسم المرأة بالكامل حتى القدمين وله أكمام طويلة. وكانت السيدات يرتدين أنواعا من الملابس الفوقانية الواسعة. وبالرغم من أن بعض هذه الملابس كانت بأكمام طويله ضيقة إلا أن معظمها كان بأكمام

3 - العصر الصفوى

قصيرة "آستين - ى كوتاه" وكان القليل منها بدون أكمام ونرى أن الـ قبَاء النسائى الذى ظهر فى التصاوير التيمورية كان مفرطا فى الطول أحيانا وأحيانا أخرى يصل إلى منتصف الساق. ومن ناحية أخرى نجد أن أغطية الرأس النسائية فى التصاوير التيمورية بسيطة وتتألف أساسا من سَرْبَنْد. وكانت بعض النساء فى هذه التصاوير ترتدى غطاءً محبوكًا على الرأس لونه أسود يشبه البونيه. وتتدلى من غطاء الرأس أشرطة عريضة أمام الأذنين وفى أعلى غطاء الرأس لوحة صغيرة يعلق بها النقاب الذى يغطى الوجه. ويروى الرحالة الأوربيون أن النساء كن يظهرن فى الأماكن العامة فى هذا العصر وهن ملفوفات تماما فى رداء أبيض يغطى الجسم كله يسمى بالفارسيه شَدَار - ى سَفيدْ، مع إخفاء الوجه خلف شبكة سوداء منسوجة من شعر الخيل تسمى بليشَه. ومن ناحية أخرى كان هناك نوع آخر من نقاب الوجه أبيض اللون صغير الحجم يغطى الفم والذقن فقط ويسمى بالفارسية دَهَانْ بَنْد. 3 - العصر الصّفوى تمثل نشأة الدولة الصفوية ليس فقط خطا فاصلا فى التاريخ السياسى والدينى فى إيران، بل إنها تعتبر نقطة تحول فى تاريخ الأزياء أيضا. وفى هذا العصر الصفوى توقفت تأثيرات أزياء الشرق الأقصى على الأزياء الفارسية وفقدت أهميتها وحدث إحياء للطرز الوطنية الإيرانية. وحدث التغيير السريع أولا فى العمامة التى كان يرتديها الرجال واسمها بالفارسية دُول بَنْد وكانت تُلف حول طاقية بحيث يتكون بروز مدبب مرتفع ممتد بشكل مستقيم فى منتصف غطاء الرأس. وكانت الطاقية التى تلف حولها العمامه تسمى تاج صفوى وكان لون هذه الطاقيه فى المعتاد أحمر، وأحيانا تكون زرقاء اللون. ولأن الطواقى الحمراء كانت تميز الصفويين الشيعة وأتباعهم، فقد كان أهل السنة يطلقون عليها بالفارسية اسم كولاه - ى سُرخ ومعناها "الطواقى

الحمراء". وكانت هذه الطاقية الفارسية تشبه مثيلتها التركية الأصل المعروفه باسم قِيزِيلْ بَاشْ. وقد أصبحت الأزياء الصفوية فخمة جدا فى عصر الشاه الصفوى طهْمَسْب 930 - 984 هـ/ 1524 - 1576 م. وأصبحت الملابس محبوكة على الجسم بشكل أكبر مما كانت فى العصر السابق. وأصبح القَبَاء الذى يرتديه الرجال والنساء أقصر عن ذى قبل، ويزرر من الأمام بصف من الأزرار اللاومعة أو عراوى مذهبة. وكان الوسط يمنطق بحزام ضيق مزخرف بأقراص مستديرة كبيرة من الذهب مثبتة على مسافات متساوية من الحزام. ونستطيع أن نرى ذلك فى تصاوير المنمنمات الصفوية. ومن السمات الهامة لخزائن الملابس الفارسية خلال القرن ونصف القرن التالى ثراء وفخامة الأقمشة والألوان والزخارف. وقد وصلت الأزياء الصفوية إلى أقصى درجات التطور والثراء خلال القرن السابع عشر الميلادى. وبقى القَبَاء محبوكا حول البدن ولكنه متموج تحت الوسط. وكان يُلبس فوق القباء معطف يسمى بالابوش الذى كان يمكن أن يكون قصيرا بدون أكمام. ويسمى كوردى، أو طويل بأكمام ويسمى قَضَبى. وأصبحت العمامة (المنديل أو الـ دول بَنْد) أكبر فى الحجم عن ذى قبل، ولكن لم تعد تلبس بعصا صغيرة فوق قمتها. وقد تناول الرحالة الأوربيون الملابس الصفوية بالوصف المفصل فتناول هيربرت بالوصف ملابس النصف الأول من القرن السابع عشر الميلادى وتناول شاردان ملابس النصف الثانى من هذا القرن. وخلال العصر الصفوى أصبحت ملابس النساء حِسّية الطابع. فكان القميص يزرر أو يقفل أسفل الرقبة ولكنه مشقوق ومفتوح حتى موضع السرة لإظهار البطن. أما قطع الملابس الداخلية الـ تنبان فكانت أكثر استقامة من سراويل الرجال التحتانية. وكانت فى الغالب تزخرف بعناصر زخرفية من الأزهار. وفوق هذه الملابس التحتانية كانت السيدة ترتدى طوزلق مطرز يسمى زَنْجَار الذى يبدأ من عدة

4 - العصر القاجارى

بوصات فوق رسغ القدم إلى ما فوق الركبة بقليل حيث عندما تميل المرأة ينطوى رداؤها وتظهر ملابسها الداخلية. وكان الشال الفضفاض المعروف باسم شَارْقَدْ يثبت على الرأس بواسطة شريط من القماش المطرز أو باستخدام كُلاه مدببة ثم يتهدل على الظهر والأكتاف. وكما كان الحال فى العصر السابق كان النقاب المفضل استخدامه خارج البيت لونه أبيض ويسمى شَادُورْ. وكان من بين الأزياء الجديدة التى استخدمت فى العصر الصفوى هو الـ روبَنْد وهو نقاب أبيض مستطيل كان يثبت فوق الـ شادور ويتدلى فوق الوجه. وكان بهذا الـ روبند فتحة صغيرة عند موضع العينين تغطيها خيوط شبكية تمكنها من الرؤية. ويمكن التعرف على اتجاهين أساسيين فى الأزياء الفارسية خلال القرن السابع عشر الميلادى، أولهما بوهيمى والذى تزايد ظهوره فى ملابس البلاط الملكى فى التصاوير الصفوية والثانى هو اتجاه التأثيرات الغربية فى طرز الملابس. وقد تزايدت تأثيرات الأزياء الغربية بصفة خاصة أزياء التجار الأوربيين ورجال السياسة. 4 - العصر القاجارى: حدث تغير طفيف ملموس أو قَدْرٌ من التطور فى طرز الأزياء الإيرانية خلال نصف القرن الذى تميز بالاستقرار بين نهاية عصر الدولة الصفوية وقيام دولة الأسرة القاجارية فى إيران، وذلك فيما عدا تناقص درجة الأناقة فى ملابس الطبقة العليا، وتزايد الكلمات ذات الأصل التركى المستخدمة فى مفردات الملابس. وقد حاول فتح على شاه ثانى حكام الدولة الفاجارية (1212 - 1250 هـ/ 1797 - 1834 م) إحياء أمجاد الماضى الإيرانى وذلك بإحياء التقاليد الفنية القديمة بما فيها طرز الملابس والأزياء الملكية، فاتخذ لنفسه تيجانا ساسانية مجنحة أدخل عليها بعض التعديل المناسب. وحدثت محاولة لاحياء استخدام طرز الملابس التيمورية ولكن ذلك لم يستمر مدة طويلة. وتوقفت محاولات الإحياء بعد وفاة فتح

شاه وانتهت النهضة الفنية فى عصر خلفائه. وكانت هناك فى الواقع تأثيرات أوربية متنامية فى بلاد فارس أثناء فترة حكم فتح على شاه. وخلال القرن التاسع عشر الميلادى زادت هذه التأثيرات وأصبح لها السيادة فى ملابس البلاط الملكى والجيش. أما بالنسبة لملابس عامة الناس فكان تأثرها بالملابس الأوربية بطيئا. وقد ترك لنا الرحالة الأوربيون فى القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرون أوصافا مفصلة لملابس وأزياء هذه الفترة. فنجد أن ملابس الرجال تتألف من سراويل واسعة تسمى زير جاما أو شلوار لونها أبيض أو أزرق أو أحمر ومنسوجة من القطن، وقميص بدون ياقة يسمى ألْكَلُوكْ أو قميص، ورداء يسمى كَمَرْشين، وصديرى يُسمى كُوليجا أو كُرْدى. وكان من أنواع الأردية الفوقانية الـ بالابوش، والـ بيرونا، والقَبَاء، والجُبّة، والأخيرة كان يفضلها موظفو الدولة، وأخيرا الـ جاكت (الـ نيم تَنَا). وكانت القبعة الرئيسية لكل الطبقات هى الكُلاه المصنوعة من اللباد (نَمَدْ) أو من جلد الغنم (بوستى). وكانت النعال تتألف من حذاء برقبة يسمى سَرْموزا يصنع من الجلد الروسى يسمى بُلْغَار وكان حذاء الطبقة الراقية. وأيضا صنادل من الجلد تسمى شَادُوق، أو أحذية من القطن تسمى جيفا يرتديها عامة الناس. كان الحزام الذى تستخدمه كل الطبقات عبارة عن شال كبير يربط حول الوسط ويسمى شال كَمَر. وكان السادة من الناس يلبسون عمامة خضراء. أما ملابس النساء للطبقات العليا والمتوسطة فكانت تتألف من بيراهَن من الشاش وبنطلونات (شَكْشُور). وفوق هذه الملابس كانت المرأة ترتدى معطف قصير بذيل أو جاكت وجونلة ذات طيات (شاليتا). وكان من المعتاد أن تغطى المرأة رأسها بمنديل مطرز من القطن أو الحرير أو الكشمير (شارجات). أما سيدات الطبقة الراقية اللائى ظهرن فى تصاوير العصر الفاجارى فكن يعصبن رؤوسهن

5 - السنوات القليلة الماضية

بعصابات مرصعة بالجواهر وتسمى نيم تاج. وفى الأماكن العامة كانت النساء يرتدين شادور أبيض أو أسود وأحد الأنواع المختلفة لنقاب الوجه ومنه الـ روبَنْد أو الـ بيشا أو الـ برقع أو الـ نقاب. 5 - السنوات القليلة الماضية: فى هذه السنوات كانت الملابس الحضرية هى الملابس الغربية الحديثة، ومع ذلك فإنه من عهد قريب حدث اتجاه إلى العودة إلى ارتداء الـ شادور بين النساء المتحضرات وذلك لأسباب سياسية ودينية أيضا. وبعيدا عن المدن الكبرى وخاصة فى المناطق القبلية ما زالت تستخدم الملابس التقليدية. تركيا 1 - الأزياء التركية القديمة من القرن السادس الهجرى/ الثانى عشر الميلادى إلى القرن الثالث عشر الهجرى/ التاسع عشر الميلادى. بعد أن استقر الأتراك فى شبه جزيرة الأناضول بقوا على وفائهم لأزيائهم وتقاليدهم الثقافية واحتفظوا بأزيائهم التقليدية. والأزياء التقليدية التركية، وترجع أصولها إلى مناطق وسط آسيا، تطورت منذ القرن الخامس الهجرى/ الحادى عشر الميلادى فى إقليم إيران بعناصر جديدة خاصة. ومن خلال الوثائق المصورة بموضوعات تصويرية والتى ترجع إلى الفترة من القرن الثانى عشر الميلادى إلى القرن الخامس عشر الميلادى نستطيع القول بان الأزياء التركية استلهمت إلى حد كبير العديد من طرز الأزياء الفارسية. كما تظهر فى الأزياء الفارسية تصميمات وطرز جديدة فى حين احتفظت الأزياء التركية بطرزها وسماتها القومية دون تغيير تقريبًا. ونعرف من خلال أوصاف الأزياء التى تركها لنا السفراء الأوربيون وأيضا من خلال وثائق الأرشيف التركى عن وجود نقابات للخياطين ومؤسسات لمصانع خياطة الملابس وقوائم تسجيل الأزياء. وتصنيف الأزياء التركية يمكن أن يتحقق حسب الغرض الذى تستخدم من أجله حتى أننا نستطيع التمييز بين الأزياء الآتية:

لباس الرأس

1 - الأزياء المدنية. 2 - الأزياء العسكرية. 3 - الأزياء الدينية (الخاصة بالعلماء والدراويش). وتنقسم الأزياء المدنية إلى: (أ) أزياء البلاط الملكى وهى أزياء التشريفة والأزياء الرسمية والأزياء المنزلية. (ب) أزياء الطبقة المتوسطة. وكلا النوعين ينقسم استعماله بين الرجال والنساء. والزى الكامل يتألف من بعض العناصر الأساسية على النحو الآتى: (أ) غطاء الرأس. (ب) الرداء الفوقانى. (ج) الملابس التحتانية. (د) الحزام. (هـ) الحذاء. (و) أدوات الزينة. وفى العصر العثمانى كانت توجد سجلات للقوانين التى تنظم قواعد السلوكيات الاجتماعية. وكانت هذه القوانين تنظم أيضا ارتداء الملابس الظاهرة مثل أغطية الرأس وشكل الملابس ولون القماش والأحذية وذلك حسب وضع الشخص فى الهيئة الاجتماعية والرسمية وكذلك حسب ديانته وجنسه. ومعظم هذه القوانين ترجع إلى عصر السلطان سليمان الأول 1520 - 1566 م، والسلطان أحمد الثالث 1703 - 1730 م والسلطان عثمان الثالث 1754 - 1757 م. لباس الرأس: كان لباس الرأس فى الأزياء التركية للرجال والنساء يتميز بالتنوع الشديد وحيوية الأشكال. أ- عمامات الرجال: كان الـ قاووق التركى هو غطاء الرأس، وكان يصنع من اللباد أو الصوف، وكان يلف حول القاووق عمامة عبارة عن شريط طويل من القماش وتسمى هذه العمامة فى اللغة التركية سريق أو دولْبَنْد وتنطق

بالعامية تولبنت. ومن الـ قاووق ومن طريقة لف العمامة حوله ظهرت عدة أنواع وأسماء لغطاء الرأس فى أوربا عرفت بلفظ Turban، وكان القاووق عادة على شكل أسطوانى ضخم أو منبسط أو منتفخ، وكان منها نوع على شكل مخروط ناقص أو على شكل قبة. وأقصى ارتفاع للقاووق يتراوح بين 40 - 60 سم وكان يتم المحافظة على قوامه المرتفع باستخدام قوائم داخلية من المعدن أو تركيب سلة بداخله. أما العمامة المصنوعة من القماش (السريق) فكانت تلف حول القاووق على شكل طيات تسمى بورما. وكانت تصنع من أقمشة رقيقة من القطن أو الشاش أو الموسلين، أو الصوف الرقيق، أو الحرير الموشى. وتحت القاووق كان الرجل يلبس طاقية تعرف فى اللغة التركية باسم تَكِّى وكان يمكن أن تلبس بمفردها، وأحيانا كانت بعض الجدائل الصغيرة (زولوف) أو الدلايات (بوسكول) تعلق بالقاووق بحيث تتدلى أطراف العمامه على الظهر والكتفين مثل الطيلسان. وأحيانا كان الأتراك العثمانيون يستخدمون مظلة تسمى يَغْمورلُقْ لحمايتهم من المطر. ومن أنواع القاووق النوع الخراسانى وكان أسطوانى الشكل تلف عليه عمامة بيضاء. والقاووق السَلِيمى وأول من استخدمه السلطان سليم الأول 1512 - 1520 م وكان ارتفاع هذا القاووق 65 سم وقمته منبسطة للف حوله عمامة بيضاء. والقاووق الـ كاتبى ويسمى أيضا قاووق الـ بَشَلِى، وكان الأكثر انتشارا ويلبسه الموظفون والمدنيون وكان أسطوانى الشكل محشوًا بالقطن وتلبس معه عمامة بيضاء. ثم قاووق الـ موجيويزى وهو خاص بالسلطان ورجاله، وكان أسطوانى الشكل يتسع فى اتجاه قمته ويبلغ ارتفاعه 45 سم قمته من أعلى مستوية ويلبس مع هذا القاووق عمامة بيضاء. وقاووق يسمى قَلّلافى وكان غطاء الرأس المخصص للباشوات من الرجال وكان يلبس فى القرن الثامن عشر وأصبح غطاء الرأس الرسمى.

(ب) الـ كولاه (قبعة. طاقية).

وقاووق الـ عُرْفى وكان يلبسه رجال الدين فى القرن الثامن عشر وكان ضخما يشبه القبة. قاووق الـ قافيسى وكان يلبسه الموظفون من ماسكى الدفاتر فى القرن السابع عشر وكان ضخما يشبه القبة. وأخيرا قاووق يعرف باسم الـ خَرْطاوى ويستخدم منذ القرن السابع عشر وكان مرتفعا مدببا. وكان هناك نوع من القاووق يلبس بدون عمامة يسمى دَلْ قاووق أو دَلْ قَلَافَت. (ب) الـ كُولَاه (قبعة. طاقية). كانت الكولاه منتشرة جدا ويستخدمها الرجال والنساء، كما يلبسها الجنود، والدراويش، والموظفون، والمدنيون. وكان يوجد من أنواع الكولاه العشرات بأشكال مختلفة، وكان يمكن أن تصنع من اللباد أو القماش الصوفى مختلطا بأنواع أخرى من القماش مثل القطن والفراء. ومن حيث الشكل كانت فى معظمها على شكل قبة أو مخروط أو بشكل أسطوانى يتسع فى اتجاه الجزء العلوى، أو على شكل أنبوب أو خوذة أو قبعة بحواف عريضة. ومن بين أنواع الكولاه التى كان يرتديها خدم البلاط الملكى والجنود نوع يعرف باسم ذرَّين تَسْ وكان يرتديها الخدم والوصيفات. وكولاه إلى بُورْك وكانت من ألبسة الرأس الشائعة وكان شكلها مخروطى أو على شكل خوذة مرتفعة من الأمام ومزخرفة بجديلة من الذهب وكان يرتديها ضباط الجيش وأحيانا تركب فوقها ريشة. وكولاه أخرى تعرف باسم إلى أسْقُف (كيشيلى كولاه) كانت خاصة فقط بطبقة الانكشارية. والكولاه الأخيرة الخاصة بخدم البلاط الملكى تعرف باسم الـ بَرَطَه وكانت تصنع من ألصوف على شكل كم الرداء تتدلى مؤخرته على الظهر. أما غطاء الرأس الخاص بالدراويش فكان إما على شكل مخروط أو خوذة أو أسطوانة تتسع فى اتجاه القمه، وكانت الكولاه (غطاء الرأس) الخاص بالدراويش محشوة بالقطن عادة (وكان لكل طريقة أو مذهب الحق فى استخدام عدة أنواع). وكانت توجد أنواع من

(ج) القلبك

الكولاه تصنع لها حواشى من الفراء (موزجانلى). وكان من حق المشايخ فقط استخدام عمامه مع الكولاه. وكانت توجد أنواع أخرى من أغطية الرأس للدراويش مثل السيككى، تاج أو ايليفلى تاج. ومنذ القرن التاسع عشر أصبح الطربوش هو غطاء الرأس السائد، مثلما كان الـ شوبارا فى الجيش. (ج) القَلْبَك: غطاء للرأس يصنع من صوف الغنم أو من قماش الصوف المزخرف بصوف الغنم، ويرتديه الرجال والنساء. (د) أغطية الرأس الخاصة بالسيدات: كانت أغطية الرأس الخاصة بالسيدات متعددة الأشكال فمنها الكولاه متعددة الأشكال ومناديل للرأس ذات حواش، أو نقاب (شرشف)، أو منديل للرأس يُسمى يشمك. وكان أكثر أغطية الرأس شيوعا للسيدات هو الـ خوتوز على شكل كولاه مخروطية، وأيضا طاقية مزينة بمنديل أو شال وريش وأحجار كريمة. الملابس الفوقانية: إن أكثر الملابس الفوقانية تميزا وانتشارا فى تركيا والمعروف منذ وجودهم فى وسط آسيا والشرق الأدنى هو القفطان. وهو رداء طويل بأكمام. وتفصيله يتنوع حسب العصر والمنطقة الجغرافية. وكان القفطان التركى يتنوع فى أشكال متعددة والتى كانت تتميز الواحدة عن الأخرى بطول وعرض الجونلة والأكمام وأسلوب تركيب الأزرار وعمل فتحة وأكمام إضافية زخرفية الطابع. وكانت الخلعة على سبيل المثال هى قفطان التشريفة المصنوع من أقمشة فاخرة وكان كاملا ومعه الجونلات الخاصة به. وكان للقفطان جونلات تتدلى وتطول حتى رسغ القدم وتغطى الركبة وأحيانا تتدلى حتى تلامس الأرض. وكانت القفاطين تصنع من الحرير الموشى بالقصب أو القطيفة، أو الكِمْخَا أو الساتان، أو القطن أو الحرير أو من القطن والساتان والحرير معًا. وكانت تزخرف بالتطريز وتعمل لها عراوٍ للأزرار وحواشٍ مبطنة من الفراء.

أما ألبسة الدراويش

وتتضمن الألبسة الخارجية الأنواع الآتية: دُولومَا: قفطان يرتديه الخدم من الدرجة الدنيا فى القصر الملكى، وكان لهذا القفطان رداء مقفول من الأمام وأكمامه ضيقة. الـ إنتارى: من أنواع القفطان وكان من أكثرها شيوعا وكان يُلبس تحت القفطان الخارجى ويتدلى حتى يصل إلى رسغ القدم أو يغطى الركبة. الـ فيراجى: رداء رجالى طويل كامل بأكمام قصيرة واسعة إلى حد ما وكانت تعمل له أحيانا حواش من فراء السمّور Sable. الـ جُبّة: قفطان كامل. الـ كِرَاك: نوع من أنواع الجبة تصنع من الصوف الرقيق. الـ خِرْقة: قفطان كامل قصير بأكمام. الـ عَبَاء: هو فى الواقع اسم قماش سميك. وهو رداء من الصوف السميك يصل إلى الركبه فقط. الـ سِتْر: رداء عسكرى يغطى الركبة ومقفول من الأمام. الـ شِيْكِنْ: قفطان قصير بأكمام يربط بأبزيم وله حواشى. الـ سَلْطَة: نوع من إلى شبكن يرتديه أفراد الطبقة العاملة. الـ يِلِكْ: صدرية بدون أكمام كانت تلبس كرداء فوقانى فى السابق. الـ جَمَدَان: صديرى قصير بدون أكمام. الـ مِنْتَان: قفطان قصير بدون أكمام يصل إلى منطقة الوسط. الـ بِنيِشْ: قفطان كامل بكل قِطَعِه بأكمام واسعة كان يستخدم فى الغالب كرداء للسفر والصيد وركوب الخيل. أما ألبسة الدراويش: الـ تينور: رداء طويل بدون أكمام. الـ حَيْدَرِى: رداء قصير بدون أكمام يصل إلى منطقة الوسط.

الـ خِرْقَه: قفطان قصير بأكمام تتسع عند فتحتها. الـ إتِك: جونلة. وعند الخروج إلى الأماكن العامة تحت المطر كانوا يلبسون طواقى خاصة تسمى الـ حَرْمَانيّة أو برانى أو قابوط أو يَغْمورْلوقْ. وكانت أنواع الفراء من العناصر الهامة فى صناعة أزياء البلاط الملكى. فاستخدم الأتراك فراء الثعلب والسنجاب، والقاقوم، والسمّور، وحيوان الفهد، وحيوان السنسار. وكانت أنواع الفراء المختلفة تغطى بالحرير الموشى، والصوف، والقطيفة، والحرير، والساتان، والقطن مع الساتان، وكان من أفخم أنواع الفراء هو فراء الـ قَايَنيجَا الخاص بملبس السلطان. وكان رداء الفراء السلطانى له ياقة كبيرة، وأكمام ضيقة أو قصيرة. وأحيانا أكمام إضافية مستقيمة، ومن الأمام عراوٍ. أما فراء السّمور الأبيض فكان يبطن بقماش أخضر من القطن الساتان. وكانت الملابس المصنوعة بالكامل من الفراء تُبطّن حوافها بالفراء أيضا من الأمام ويوضع لها ياقة خاصة وتلبس فى حفلات التشريفة، وحفلات الاستقبال فى الأعياد. أما الملابس الفوقانية التى كانت ترتديها النساء عموما فكانت: الـ فِرَاجى: معطف فضفاض بأكمام وياقه وأحيانا يكون للأكمام حواش. الـ إنْتَارِى: رداء طويل تختلف طريقة تفصيله من رداء لآخر وهو محبوك على منطقة الوسط ثم يأخذ فى الاتساع عند منطقة أعلى الفخذ وله أزرار من الأمام وعلى الوسط مع وجود عراوٍ شبكية. أما الأكمام فهى ضيقة وأحيانا طويلة ويتم ثنيها. وكانت السيدات يرتدين قفاطين قصيرة أو إنتارى قصير يصل إلى أعلى الفخذين مع ارتداء جونلة واسعة. وكانت معاطف الفراء النسائى بأكمام طويلة أو قصيرة أو حتى بدون أكمام. وكن يلبسن رداء تحت الـ إنْتَارى أو فوق بنطلون فضفاض.

الملابس التحتانية

الملابس التحتانية: من بين هذه الملابس يمكن أن نذكر: الـ جوملك، الـ بيراهِن: وهو رداء قصير يُلبس تحت الـ انتارى أو القفطان. الـ دُلَما أو الـ إشلك: نوع من البنطلونات الواسعة الفضفاضة (شَلْوَارْ) تختلف فى الشكل وتصنع من الأقمشة الرقيقة وترتديها النساء. الـ شقشير: بنطلون للرجال يصل حتى رسغ القدم أو إلى أسفل الركبة. الـ بوتور: بنطلون ممتلئ حتى منطقة الركبة ثم يصبح مستقيما من الركبة حتى رسغ القدم. الـ طوزلق: نوع من البنطلونات القصيرة يرتديها الرجال. وجميع أجزاء البنطلون تثبت بحزام خاص يسمى أوشقُرْ. الأحزمة: من العناصر الضرورية فى الأزياء التركية. ومنها نوعان: الأحزمة المصنوعة من القماش وتسمى الـ قُوشَقْ، والأحزمة المصنوعة من الجلد وتسمى كِمِرْ. وتربط باستخدام الأبزيم وكانت فى الغالب تزخرف بالتذهيب وبالأحجار الكريمة. الأحذية: وتنقسم إلى أحذية للإستخدام داخل المنزل وكانت تتميز بالنعل اللين، وأحذية الخروج وهى ذات نعل سميك. الـ شِذمِ: من أكثر الأحذية انتشارا لعدة قرون وكان لها رقبة طويلة تصل حتى الركبة ولها نعل لين. الـ بَشْمَق: حذاء نسائى برقبة. الـ شِدِك: برقبة منخفضة وهو مصنوع فى الغالب من جلد السختيان الأصفر وله نعل سميك. الـ مِسْت: نوع من أنواع الـ شِدِكْ. الـ شِبْشِب: خف (شبشب) بدون كعب ونعله سميك. الـ تِرْلِكْ: من أكثر الأحذية شيوعا بين الرجال والنساء وبدون كعب.

معدات الزينة

أما أحذية السلطان ورجال البلاط والأميرات فكانت تزخرف غالبا بزخارف نباتية بأسلوب الإضافة أو التطريز. معدات الزينة: كانت تستخدم فى زخرفة أغطية الرأس مثل الريش والضفائر والعذبات والأشرطة. وكانت تستخدم أيضا فى زخرفة الملابس الفوقانية. 2 - العصر الحديث. فى خلال القرن التاسع عشر الميلادى وفى فترة تطوير الجيش العثمانى استخدم زى عسكرى جديد وتضمن هذا الزى الجديد عناصر متطورة من الأزياء التركية القديمة المطعمه بعناصر أوربية. وأصبح هذا الزى الجديد شائعا خلال النصف الثانى من القرن التاسع عشر الميلادى وفيما بعد استخدمت الأزياء الأوربية تماما. ولم يكن من أهداف هذه الدراسة تناول الأزياء التركية الإقليمية. المصادر: (1) R. Arle: Notes Sur le Costume en Egypte dans la premiere moltie du 19 Stecle (in Rei,xi 1968) (2) Norhan Atasoy: Shoes in The Toptapi Palace Museum. Tehran: 1969 (3) A. Adam: Le Costume dans quelaues tribles de L'Anti-Atlas (in Hespenis, 39, 1952) (4) L. Brunot: Noms de vetements mascu-lin a Rabat. Paris: 1923 (5) R. P. Dosy: Dictionnaire detaille des noms des Vetements- Amsterdam: 1845 (6) H. Goetz: Persians and Persian Costumes in Dutch Paintings. 1938 (7) M. de Ferriol: Recucil de cent estampes vepresentant differentes naticns du Lvant, Paris 1714 (8) M. Tilke: Oriental Costumes Their designs and colours, Berlin 1922 ترجمة: فاروق صادق عسكر [و. ك. ستيلمان، ن. أ. ستيلمان، ت. مايدا Y. K. Stillman, N.A.Stillman, T.Maida,] مراجعة: د. عبد الرءوف على يوسف

لبنان

لبنان (*) تنتمى لبنان إلى عالم الثقافة العربية والحضارة الإسلامية، ومع هذا فكثير من اللبنانيين يجيدون الفرنسية وبعضهم يدين بالمسيحية. وبمجرد ظهور لبنان كدولة عام 1920 م، أخذت تبحث عن تأصيل هويتها، مثل كل دول الشرق الأدنى المعاصرة، من خلال الغوص فى أعماق التاريخ. ولم يكن رمز شجرة الأرز -بدلالتها فى العهد القديم- على علم لبنان ولا ثراء تجارها ومهارتهم، بل ولا حربها الأهلية التى اندلعت سنة 1975 م، إلا تأصيلا لهذه الهوية. ويعتبر اللبنانيون جزءا من الشعوب، التى أسست حضارتها من البحر المتوسط إلى بلاد الرافدين، والتى كان من خصائصها العائلة الأبوية (الأنتماء الأبوى) والزراعة والمدنية والإيمان باللَّه. لقد أعلن الجنرال جورو Gauraud، المفوض السامى للجمهورية الفرنسية فى بلاد الشرق الأدنى، قيام دولة لبنان الحديثة فى سبتمبر عام 1920 م. ومن خلال الحدود التى خصصت لها، والتى أطلق عليها فى ذلك الوقت اسم "لبنان الكبرى"، فقد شغلت مساحة تقدر اليوم بما يقرب من 10450 كيلو مترا مربعا، ولم يكن امتدادها من الشمال إلى الجنوب يزيد على 210 كيلو مترا، وكان عرضها يتراوح من الشرق إلى الغرب ما بين 40 إلى 75 كيلو مترا. لقد أخذ مفهوم لبنان يتسع باضطراد ليشمل كل سلسلة الجبال التى تمتد من النهر الكبير شمالا إلى نهر الليطانى جنوبا، وهى نفس حدود متصرفية جبل لبنان العثمانية منذ سنة 1861, بل واتسع مفهوم لبنان ليشمل أكثر من هذا: جزءا من الجليل الأعلى فى الجنوب وسهل البقاع الأوسط والسفوح الغربية للجبال المطلة على لبنان بمفهومه السابق وجبل الشيخ. وتنفيذا للمادة 22 من معاهدة فرساى، التى أنشأت نظام الانتداب، ¬

_ (*) يبلغ إجمالى عدد السكان 3.776.517 نسمة حسب إحصاء 1997، المسلمون 70 %، المسيحيون 30 %. الكثافة السكانية 536 نسمة فى الميل المربع، المساحة الجغرافية: 3950 ميلا مربعا. المناطق الحضرية 86 %. الحكومة: جمهورية ويرأسها الياس الهراوى المولود 1926 وشغل منصبه فى 24 نوفمبر 1989، رئيس الوزارة رفيق الحريرى المولود 1944، وشغل منصبه 31 أكتوبر 1992. التحرير

ومعاهدتى سان ريمون (25 أبريل 1920) ولوزان (24 يوليو 1923 م) التى أنهت الإمبراطورية العثمانية من الناحية الرسمية، فإن مجلس عصبة الأمم بقراراته فى 24/ 7/ 1923، و 29/ 9/ 1923، وضع لبنان تحت الانتداب الفرنسى. وفى 26/ 11/ 1941 م، اعترف الجنرال كارو Carreaux بتفويض من فرنسا الحرة، بأن لبنان "دولة مستقلة ذات سيادة" وفى أكتوبر 1943 م، عقب انتخابات بشارة الخورى المسيحى المارونى لرئاسة الجمهورية، وتعيين رياض الصلح السنى المسلم، رئيسا لمجلس الوزراء، ظهر التشكيل الوزارى للحكومة الجديدة، وأصبحت لبنان عضوا بالجامعة العربية بعد تأسيسها عام 1945 م. وكان اسم لبنان الكبرى قد تغير ليصبح الجمهورية اللبنانية عام 1926 م، وأنشأ الدستور نظاما برلمانيا وليبراليًا. وعندما اجتمعت للحكومة اللبنانية مقدراتها، أكدت على هذه النظم من خلال الميثاق الوطنى، وعلى ذلك عهد برئاسة الجمهورية للمسيحيين المارونيين، ورئاسة مجلس الوزراء إلى المسلمين السنيين، ورئاسة مجلس النواب للمسلمين الشيعة. وهنا يكمن لب المشكلة ففى ظل الأخذ بنظام تشريعى، حثت عليه الجمهورية الفرنسية الثالثة، جرى تنظيم الحياة الاجتماعية والسياسية اللبنانية، تبعا للتقسيم الطائفى. وتفرض الثقافة الاجتماعية على لبنان مبادئها، وهى تضرب بجذورها فى الماضى البعيد؛ فالمسيحيون يقدمون مبررات تاريخية كثيرة. أنهم يوظفون التاريخ الفينيقى وغيره لتأصيل الوجه المسيحى للبنان، أما المسلمون فيتحدثون دائما عن حضارة واحدة. كان الساحل اللبنانى الذى احتضن الموانى النشطة، مأهولا بالسكان منذ فجر التاريخ، والذى وردت أسماء موانئه بشكل مضطرب فى نصوص العهد القديم، والتى كشف عنها علم الآثار المعاصر، عن مراحل ومستويات السكنى، كتلك التى امتدت لأكثر من ثلاثة آلاف سنة، من الانتصارات والكوارث، فى موقع جبيل الفريد. وفى ظل السيادة الرومانية، وظهور حركة النقل عبر البحر المتوسط المصاحبة لها، أنشئ المضمار (ميدان السباق الكبير)

فى صور، وكان يتسع لـ 30000 مشاهد، والذى كشفت عنه عمليات التنقيب التى بدأت فى الستينيات. وقد شهدت أيضا جبال لبنان التى تكسوها الغابات، وتمتد صخورها فوق الشريط الساحلى الضيق، ظهور الإنسان فى مرحلة مبكرة جدا، كما تدل عليه أسماؤها الكنعانية والآرامية؛ ويحتمل أن كان سكانه مشتتين حتى نهاية الفترة القديمة، وكان يتمثل نشاطهم فى استغلال الأخشاب ونقلها، واجتذبت مدن الساحل أيضا، التى كانت مثوى للآلهة، حجاجا لزيارة الأضرحة المجاورة لآثار المعابد، التى شيدت فى العصر الرومانى. وقد أدى الفتح العربى -بتغييره لطبيعة القوى وموازينها- إلى ظهور طرائق مختلفة عن ذى قبل -لاستثمار موارد لبنان، ففى حين كانت سهوله الساحلية الضيقة المؤدية للبحر عاملا مسهلا ومشجعا لكل المغامرين القادمين من الغرب مما جعلها -أى هذه السهول- غير ملائمة تماما لحياة الاستقرار والرخاء فإن سلسلة جباله أصبحت ساحات للمواجهات بين البيزنطيين والمسلمين، وربما كانت تتم هذه المواجهات من خلال السكان النزاعين للقتال وعلاوة على ذلك، كان الاستقلال الذاتى الفعلى الذى تمتع به هؤلاء السكان، مشجعا على استمرار ونمو الهرطقة، وعلى ظهور نزعات الأقليات الدينية. وفى المنحدر الغربى من جبل شديد التحذر، بين جرفه الأول الذى تجزئه الاختناقات العميقة وسهوله الجيرية فى الشمال، أو تلاله الجنوبية، كانت الظروف ملائمة للزراعة والاستقرار البشرى فوق المرتفعات الواقعة ما بين 900 و 1500 متر، حيث كشفت عوامل التعرية عن تربة خصبة. وشكلت الأحجار الرملية والرمل والطين وصخر البازلت تضاريس مفتوحة، وتوفر فيها المناخ المعتدل والهواء صحى والمياه الغزيرة. وبلغ معدل سقوط الأمطار السنوى عند هذا الارتفاع ما بين 1000 و 1500 مم، وكانت معظم الأمطار تسقط فى الفترة من نوفمبر إلى مارس، وأثناء فصل الصيف، تحتفظ التربة بالمياه التى تمتصها فى فصل

الشتاء فى صورة ثلوج. وتروى سلسلة الجبال اللبنانية عند ارتفاع تندر فيه المياه، لأنها تمنع تيارات الهواء الرطب القادمة من الغرب، وتكون حاجزا بين البحر والسهل. وخلف الواجهة الشرقية الشديدة الانحدار، يصبح منخفض سهل البقاع الداخلى اكثر جفافا؛ فالتغيرات المناخية واضحة تماما؛ وتحل محل منطقة البحر المتوسط الساحلية، السهول السورية الممتدة وراء الجبال الشرقية. وكان وادى البقاع من مناطق زراعة القمح، وقد قدم إليه مواطنو الجبل من أجل البحث عن احتياجاتهم من الحبوب. وعندما انتهت المخاطر التى فرضها الفرنجة والمغول، كان الغزو العثمانى لسوريا فى عام 1516 م لحظة فاصلة لهذا الإقليم الجبلى فلم يعد منطقة متنازع عليها؛ حيث أصبح مركزا للانطلاق، نظرا لأنه، كان واقعا فى نقطة تلاقى اتصالات الطرق الملاحية والبرية الواسعة فى الدولة العثمانية الشاسعة. واستطاع سكانه أن يطوروا أنشطتهم، ويؤكدوا أصالتهم. وشجع النظام العثمانى على توسيع الشبكة الاقليمية لنقل التجارة للمسافات البعيدة؛ وعلى ذلك أصبح فى مقدور سكان الجبل الحصول على فائدة متميزة من مصاطبهم المزروعة، التى تنتج العنب والزيت وخصوصا الحرير فى المناطق الوسطى، والقطن والتبغ فى الجنوب. وكانت أسواقهم فى البداية، مراكز محلية للصناعة والاستهلاك، وكانت دمشق وحلب من عملائها الرئيسيين. وانتشرت تجارة ضخمة فى أطراف هذه المناطق الداخلية وعلى كل الطرق الداخلية والموانئ الساحلية بطرابلس وبيروت وصيدا، وجعلتهم حلقة اتصال بطرق مرور الملاحة الساحلية، التى تذرع جيئة وذهابا بين فلسطين والأناضول ومع مصر، والمغرب وموانئ أوروبا المسيحية، مرسيليا على وجه الخصوص، التى اتصل تجارها وعملاؤها وقناصلها، لممارسة أنشطتهم التجارية فى ظل نظام الامتيازات. وكتدعيم لنفوذ السلطان الذى تأكد من خلال سيطرته على المدن والسهول،

وضع المجتمع السنى جذوره الأولى، من خلال الإشعاع الدينى، والعدل، والسلطة. وفى المنطقة المدروسة هنا، كان يقيم السنيون أساسا فى الموانئ، والسهول الساحلية ووادى البقاع، وأقام أصحاب المقام الرفيع فى صيدا مع نظرائهم المقيمين بدمشق مبادلات كثيرة فى صورة بضائع، وزيجات وأخوة روحية، بينما كان للمغاربة سجل من الأنساب مع العائلات البيروتية. وشاركت الجماعات المسيحية فى تطوير لبنان العثمانى وبين جبل لبنان فى الشمال وجبل الشوف فى الجنوب، حولت حركة السكان المارونيين نحو جنوب الجبل، هذه المنطقة إلى بؤرة دينية بشكل فعال، وجعلت منها منطقة زراعية منفتحة للتجارة، وأنشأت مقاطعات حكمتها عائلات الشيوخ المارونيين واهتم المسيحيون اللبنانيون باللغة العربية وأصبحت أديرة الرهبان مراكز للتعمق فى علوم العربية تماما كما هى مراكز لدراسة الطقوس الدينية. وارتقى بعض أعيان العرق المارونى القديم، فى درجات التسلسل الهرمى الأكليركى، بينما اكتسب البعض الآخر لقب القنصل الفخرى فى تعاملاتهم مع ممثلى فرنسا، لكنهم استمدوا احتفاظهم بقوتهم من خلال دورهم الفعال فى النظام العثمانى وبعد غزو العثمانيين لسوريا فى عام 1516 م، أبقوا على التقسيمات الإدارية لمنطقة الجبل، متبعين فى ذلك نهج أسلافهم المماليك على أساس التوزيع العرقى حيث خضع الشمال لولاية طرابلس وخضع الوسط والجنوب لدمشق حيث كانت تهيمن على المنطقة حكومة الدروز. وفى عام 1660 م، وعلى أثر الحملات العسكرية التى قام بها الباب العالى، من أجل قمع حركات تمرد الأمراء الدروز من عائلة معن. قاموا بإنشاء بشلق جديد وأقام حاكمه عند صيدا للسيطرة على الدروز والمارونيين. وكان يضم البشلق الذى انفصل عن دمشق، الجزء الأوسط والجنوبى من سلسلة الجبال اللبنانية وشمالى فلسطين؛ ومع ذلك

فقد احتفظ الباشا فى دمشق بالسيادة على طرابلس وصيدا. ولم تبد الأخيرة أية محاولة فى ممارسة السلطة المباشرة على نطاق الجبل، الذى كان من الصعب الوصول إليه، وكانت تقيم فيه جماعات منظمة تنظيما جيدا وعلى غرار الممارسة المعتادة للحكم العثمانى، اعتمد الباشا على الزعماء المحليين فى جباية الضرائب وفرض الأتاوة، وهى من أكثر المظاهر الدالة على قوة السلطان. كانت الضريبة الأساسية، الميرى مرتبطة بأهمية الانتاج الزراعى؛ وعلى ذلك كانت تحصل عند جمع المحصول. وكانت الأراضى تؤجر، وكان المستأجر يقدم إيجارا سنويا، وكان الأمير (أو أحيانا اثنان أو ثلاثة أمراء فى آن واحد) يتعهد بهذا الدور الذى ارتبط بعائلة معن منذ زمن الغزو العثمانى وحتى الربع الأخير من القرن السابع عشر، ثم انتقل بعد ذلك لعائلة شهاب. وكان منح هذه السلطة يؤدى بالتالى إلى تفوق إحدى العائلات على الأخرى، وإلى تفوق أحد الأمراء على أقرانه؛ وكان توريد الأمير لما التزم بجمعه للباب العالى هو طريقه للاحتفاظ بمنصبه وتبعا للمبالغ الكلية التى يحددها الباب العالى والتى يطلبها الباشا، فقد كان لزاما عليه كل سنة أن يقسم المبالغ التى جباها بين المقاطعجية المسئولين عن جمع الضريبة من المقاطعة الخاضعة له. كان الأمير الكبير، يلقب أيضا بالحارم، لتأكيد سلطته على حرم جبل الشوف وكسروان. وعلى غرار العائلة الحاكمة، كان أفراد العائلات الكبيرة التى مارست السلطة على العائلات الأخرى، من ملاك الأراضى المهمين، الذين تعهدوا بمسئولية جمع الايجارات فى المقاطعة، وبذلك كانوا يضمنون سيطرتهم الاجتماعية والاقطاعية، بينما كان المقاطعجية يرهقون أنفسهم بالمنافسات الداخلية، فى محاولة فرضهم واحتفاظهم بسيطرتهم، والتى كان من أحد نتائجها المباشرة، تقسيم المجتمع إلى مجموعات متجاورة ومجموعات معارضة، والتى ساعد على إحياء مكائدها وطموحاتها، ممثلو السلطان ونتيجة لذلك، ففى عام 1711 م، بالقرب

من قرية عين دارا، حطم جماعة الكيسى التابعين للأمير حيدر شهاب جماعة اليمنى؛ ومن أجل تأكيد تفوق الشهابيين، بدأ الأمير حيدر، فى ذلك الوقت فى إجراء تقسيم جديد للمقاطعات بين العائلات القوية، مقويا بعضهم ومضعفا البعض الآخر. وكان الباب العالى قادرا دائما على طرد الأمراء. والكتب المدرسية اللبنانية تتحدث عن تاريخ شخصيتين على قدر كبير من الأهمية وهما الأمير فخر الدين المعن الثانى، والأمير بشير شهاب الثانى، اللذين كانت لهما رؤية موحدة نحو استقلال بلادهم، تسمو على الانقسامات والمصالح الأقليمية فكلاهما -أولهما فى بداية القرن السابع عشر، وثانيها فى بداية القرن التاسع عشر- قد مارسا سلطة واسعة، ففى حين استغلا ضعف وتنافس الحكام الأتراك، فقد بحثا أيضا عن دعم من الدول الواقعة فى حوض البحر المتوسط، واستعانا بالقوى الجديدة فى أوروبا. ولكن فى كل مرة، كان الباب العالى ينجح فى إجهاض طموحاتهما. فعندما أقدم فخر الدين وابنه على خطوات لتوسيع إمارته، واستعادة استقلالها الذاتى، قاومه العثمانيون بنفس الإصرار الذى أظهروه للشيعة عند رفضهم الدخول فى امبراطوريتهم، وفى محاربة الصفويين الفرس فى جبهتهم الشرقية واضطر فخر الدين للجوء إلى بلاط دوق توسكاتيا فى عام 1612 م، ثم عاد فى عام 1618 م، لكنه أسر فى النهاية وأرسل إلى استانبول حيث حكم عليه بالاعدام فى عام 1635 م. وفى ظروف تاريخية أخرى، مات الأمير بشير الثانى شهاب أيضا فى استانبول فى عام 1850 م، بسبب كبر سنه، بعد أن أجبر على التنازل عن سلطته عام 1840 م، عندما قامت الحكومة العثمانية باتباع برنامج للاصلاح السياسى، ودفعت بالقوات المصرية من سوريا، ورفضت تجديد تعيينه. ما الموقف الذى اكتشفه الباب العالى، عندما أعاد تنظيم سلطته بمساعدة التجريدة العسكرية

البريطانية، وأعاد تشكيلها من خلال سياسة التنظيمات؟ منذ بداية الحكم العثمانى، انتقل المركز النشط لسوريا، من الشرق إلى الغرب، ثم انفتح اللبنانيون على أوربا البحر المتوسط، ونجح النمو الديموجرافى الذى ساعد المارونيين على الانتشار من الشمال إلى جنوب الجبل فى تحقيق هذا التوجه وقد استفادوا منه ومع ذلك، فإن الإطار الدينى والبشرى، وزراعة الأشجار، وإنتاج الأخشاب بكميات ضخمة، قد تطور بدرجة كبيرة على حساب إنتاج الحبوب، وفى بداية القرن التاسع عشر، كانت الحبوب التى يزرعها سكان الجبل فى أراضيهم لا تكفيهم لبضعة أشهر فى السنة، وكان عليهم شراء الباقى وعلى ذلك اضطروا إلى الاعتماد على الحكام الأتراك الذين كانوا يسيطرون على السهول الخصبة، وبالرغم من أن الأمراء حاولوا معالجة هذه المشكلة، من خلال توسيع نفوذهم على البقاع، إلا أن جهودهم ذهبت سدى ومن ناحية أخرى، حولت المبادلات التجارية منطقة الجبل إلى منطقة للتدوال النقدى، وقد أثر تطورها الاقتصادى بدرجة إيجابية على نمو سكانها، ولكن فى نهاية القرن الثامن عشر وخلال الأربعة عقود الأولى من القرن التاسع عشر. وفرض الباب العالى نظاما إداريا جديدا، من خلال قوانين, عامى 1842 و 1845 م، حيث منح شروطا تفضيلية للسكان المسيحيين، بينما احتفظ بتقسيم الجبل، وعهد بالجزء الشمالى لقائمقام مسيحى والجزء الجنوبى لقائمقام درزى ووضع كلا الموظفين تحت سلطة الحاكم التركى، الذى كان يقيم فى ذلك الوقت فى بيروت، وكان يساعده فى مهمته مستشار. وكان التجديد الذى فرضته التغيرات فى أوربا، واضحا وراء هذه التعديلات، ووراء الصور الجديدة من تدخل ممثلى القوى الأوربية فى لبنان، خصوصا وراء أنشطة قناصل فرنسا وبريطانيا، الذين تمركزوا فى بيروت وكانت المراكب البخارية تزور هذا الميناء بانتظام بعد عام 1835 م، بالرغم من أن المدن الرئيسية فى الداخل واجهت أزمات فى أنشطتها، إلا أنها كانت المستفيدة الرئيسية من التوسع فى

التجارة، خصوصا بعد عام 1850 م، عندما نهجت شئونها التجارية نمط اتجاهات الاقتصاد الغربى، كما أن التغييرات فى قوانين الملكية التى أدخلت فى الإمبراطورية العثمانية، حفزت على تطوير المشروعات التجارية والمالية. وقد تزايد سكانها وتنوعوا، خصوصا عناصرها المسيحية وقام الفرنسيون فى منطقة الجبل، بمبادرات صناعية، وأنشأوا نظما جديدة لغزل الحرير؛ وامتنعوا عن تسليم الشرانق من أجل مصلحة مؤسساتهم، وبذلك كسروا الحلقات بين صغار الملاك والعائلات الكبيرة، وساهموا بالتالى إلى حد كبير فى تدهورها. فى حين ساعدت هذه التغييرات الاقتصادية على انعاش السكان الذين قاموا بدور الوساطة، وكان من بينهم الكثير من المسلمين، إلا أن هذه السياسة الاقتصادية جاءت بتأثير سيئ على الجماعات المتضررة، وأدت إلى تفاقم التوترات الاجتماعية والدينية. وفى عام 1859 م، كان هناك تمرد متعلق بالأرض الزراعية، وشهد صراع الفلاحين مع الشيوخ فى كسروان المارونية. وعلى الرغم من ذلك، فقد استفاد المسيحيون جميعا من هذه التحولات، بينما حرم المسلمون والدروز جميعهم من أن يلعبوا أية أدوار؛ وعندما طالبوا "بالتساوى" الذى وعدت به الاصلاحات، أدى ذلك إلى تقوية وضع المسيحيين بتأييد من فرنسا وكنيسة روما، واستفادوا من التوسع الأوربى، الذى كان منافسا ومسيطرا على الاقتصاد التقليدى للشرق الأدنى وكان المسلمون يعتبرون كل هذه الأنشطة من جانب المسيحيين، جرائم ارتكبها أناس لم يتوقفوا أبدا عن الاستخفاف بهم، مخالفين بذلك تفوقهم فى الماضى ووجودهم الحالى. وقد وقعت حادثة فى مايو 1860 م، فجرت الصراع بين الدروز والمسيحيين، وتبعتها اضطرابات فى "المناطق المختلطة" وفى دمشق ولتحجيم تدخل القوى الأوربية، أعاد الأتراك النظام بطريقة غاية فى الوحشية؛ وبرغم ذلك، فلم يمنع هذا من وصول قوة عسكرية فرنسية. كانت نتائج هذه الأحداث، ووجود القوات الفرنسية حتى يونيو 1861.

والمفاوضات التى عقدت بين الباب العالى وفرنسا وبريطانيا العظمى والنمسا وبروسيا وروسيا، من أجل خلق إقليم جبل لبنان أن فرضت الوحدة الإدارية بالقانون وأقرت المعاهدة التى وقعت فى بيرة فى التاسع من يونيو عام 1861 م، بأن لبنان سوف يحكمه حاكم مسيحى، يعينه الباب العالى ويكون مسئولا مباشرة عنها وأكد الباب العالى على شرط أن الحاكم المسيحى، يجب أن يختار من بين غير اللبنانيين التابعين للسلطان وكان يتم حفظ النظام بواسطة قوة شرطته الخاصة، وكان المسيحيون هم المستفيدون من نظام أميرى خاص؛ ولم تنضم بيروت ولا طرابلس، ولا صيدا لهذا الإقليم، فى حين تطورت روابطه مع بيروت بشكل مستمر بسبب غناها المتبادل فى الأوضاع الاقتصادية والبشرية وبالرغم من وضع جبل لبنان المستقل ذاتيا نسبيا، فقد كان مضمونا من خلال توقيع خمس دول أوربية وكان الانفتاح الاقتصادى الذى أدخله الغرب بارزا، من خلال تطور إنتاج الحرير الخام تحت إدارة مدينة ليون، الفرنسية وكانت فرنسا تساهم مع الشركات التى تكونت من أجل إنشاء طريق للنقل من بيروت إلى دمشق (1863 م)، والذى أصبح فيما بعد خط سكة حديد (1895 م)، وتوسيع ميناء بيروت، والتحسين المعمارى لهذه المدينة، وتأسيس البنوك وبيوت التجارة وأدت الزيادة السكانية والضغط الاجتماعى، إلى موجات من الهجرة إلى مصر والأمريكتين وعبرت النهضة الأدبية العربية عن نفسها فى هذه الظروف؛ فبجانب التعليم الذى قدمته الكلية البروتستنتية السورية، كانت هناك جامعة يسوع (1881 م)، والأنشطة الأدبية. وقاد العديد من الكتاب الآخرين، والصحفيون والعلماء حركات فكرية تهدف إلى بلورة الوعى وتأكيد الهوية اللبنانية. قدمت الحرب وهزيمة العثمانيين فى عام 1918 م، دافعا للتطور اللبنانى. وحضر ثلاثة من المفاوضين اللبنانيين، أحدهم من قبل البطريرك المارونى، مؤتمر السلام، وطالبوا من خلاله بالحفاظ على أراضيهم وتوسيعها وأدى

تدخل الجيش الفرنسى فى عام 1920 م، ضد الحكومة العربية بقيادة الأمير فيصل، إلى إنشاء دولة لبنان الكبرى، والتى وضعت تحت الانتداب الفرنسى وتأسست هذه الدولة من نواة مسيحية أساسها المارونيين، على الرغم من أن كل المناطق الأخرى ذات الثقافة العربية، كان أغلب سكانها من المسلمين فى حين أن الإقليم السابق لجبل لبنان قد اتسع بالإضافة إلى بيروت وصيدا وطرابلس وعاكار والبقاع ووادى التيم وجبل عميل، حيث وجد المسلمون الشيعة والسنة بأعداد كبيرة. ونشأ من هذا الوضع موقفان أساسيان: من ناحية، لم يكن لدى المسيحيين استعداد لقبول دخلاء فى جمهورية اعتبروا أنفسهم منشئوها؛ ومن ناحية أخرى فكر المسلمون فيما يصير إليه وضعهم فى كيان سياسى لا يتوافق مع طموحاتهم. ولعبت عوامل عديدة دورها فى هذا السياق، على وجه الخصوص: طبيعة المجموعات والعلاقات داخل إطار الجماعة أو الأحزاب السياسية؛ حيث كان المسلمون يتزايدون بشكل أكبر، لذا فقد أحسوا أن حقوقهم مهضومة فحدث تمرد عام 1925 م. ومع ذلك، فقد ابتكرت تسوية، كان أحد مدبريها الأساسيين، رياض الصلح؛ ففى 1936 م، تم الاتفاق بعد المفاوضات الفرنسية السورية اللبنانية على أن لبنان ستستمر فى وجودها داخل حدودها الحالية، وسوف تحتفظ بتمثيل الجماعات، الذى أقره دستورها النيابى. وفى مارس 1945 م، أصبحت لبنان من بين الدول المؤسسة للجامعة العربية. وفى ظل كل رؤساء الجمهوريات الذين تعاقبوا الواحد تلو الآخر، منذ الاستقلال، كانت كل أزمة خطيرة، تجدد من انقسام الجماعات، فى حين أنها كشفت أيضا، عن نمو الوعى اللبنانى بين غالبية السكان، الذين أصبحوا متكيفين فى المعيشة فى إطار الدولة اللبنانية. وفى فبراير 1958 م، رحب العديد من المسلمين بحماس بالغ بأخبار تأسيس الجمهورية العربية المتحدة؛ ولكن أثناء الاضطراب الدموى المدنى، الذى ساد البلاد فى الفترة من مايو إلى سبتمبر من نفس العام، والذى

ساعدت عليه البيئة العربية والدولية، ونزول القوات الأمريكية فى السابع عشر من يوليو، تطبيقا لمبدأ ايزنهاور، فإن برنامج الإصلاحات السياسية الذى أعد تحت رئاسة الجنرال فؤاد شهاب، كان يصاحبه حركة لبنانية إسلامية متفتحة. وفى نفس الوقت، راقت لكمال جنبلاط كدزى ارستقراطى فى منطقة الشوف، له دوره كقائد لحركة اجتماعية، فكرة وطنية لبنانية أساسية فى ظل جهوده لوضع البلاد فى قلب التضامن العربى. وأدى اختلال التركيب الديموجرافى المعروف إلى مزيد من الاضطراب، خاصة فى مجتمع يتكون من جماعات دينية، فقد زاد عدد الشيعة وأحسّوا بالتضرر، بالإضافة إلى الهجرة الداخلية من شرق وجنوب لبنان إلى بيروت للبحث عن عمل. وقد انعكس هذا على تصرفات الأحزاب السياسية اليسارية، التى بحثت أيضا بطريقة مشابهة، فى تصريف استياء فلاحى الشمال، الذين كانوا يوجهون ثورتهم منذ عام 1970 م، ضد ملاك الأراضى الكبار، وأبدوا تشككهم فى سلطة الدولة. واكتسبوا أيضًا من خلال وضعهم القتالى الجديد، "مظهر المسلم" الأقوى. حدث هذا التطور فى فترة من النمو الاقتصادى، الذى لم يكن يحظى الجميع على قدم المساواة بفوائده. فمنذ عام 1967 م، اتبع المنحنى الصاعد للاقتصاد اللبنانى، منحنى الثراء المتزايد للشرق الأدنى بصفة عامة؛ فقد تم استثمار أصول أموال البترول الدولارية "العربية"، التى كانت ملكا للمسلمين، فى البنوك اللبنانية، التى يملكها مسيحيون وفى نفس الوقت، لم تعتمد لبنان على الثروات التى تحصل عليها من "الخدمات" فقط، لكنها اعتمدت أيضا على الثروات التى تحصل عليها من الصناعة، التى شهدت نشاطا كبيرا فى ضواحى بيروت وطرابلس، حيث صدرت 80 % من إنتاجها إلى الأسواق العربية بينما أخذ الفنيون اللبنانيون ورجال الأعمال، الذين يضمون مسيحيين على درجة عالية من التنظيم، فرصتهم فى العمل فى الدول العربية النامية، فإن العمالة المتعاقدة فى صناعة الإنشاءات فى بيروت كانت من

المصادر

أصل سورى؛ وعلى ذلك، أصبحت لبنان من خلال تطورها الاقتصادى الحديث، الدولة الأكثر اندماجا فى حياة ومصير العالم العربى. يقدر أن يصل سكان لبنان إلى قرابة ثلاثة ملايين نسمة، فسواء كانوا مقيمين أو مهاجرين مؤقتين، فهم الذين ضمنوا الوجود لبلادهم. فعلى الرغم من أن كل من فى لبنان، لا يزال يشعر بأنه جزء من الأقلية بالنسبة إلى أبناء بلاده فإن التصاق غالبية اللبنانين بلبنان تتمثل فى الاحتفال بيوم العلم، ولكن على الرغم من أنهم متأكدون من انتمائهم لنفس الكيان ومصممون على الحفاظ عليه، إلا أنهم يشاركون فى نفس الرؤية الوطنية. المصادر: (1) H.Layouts: Remarque sur le expeditons du kasrawan sous les premiers Mamluks, in Bulletin Musee du Beyrouth iv 1940 (2) Herman: Haute Galilee hibanaise. Etude de geographie physique, paris 1954 (3) M.c.Hudson: The precarious republic. political mod ernization in Lebanon,New York 1965 (4) H. Ruppert: Beirut,Eine westlich gepragte State Des Orients, Frankische Georgraphische Gesellschaft, Erlangen 1969 (5) G. Corm: Contribution al'etude des societes multic onfessionnelles, Paris 1971 (6) Edmond: Rabbath, La formation historique du Libyan Politique etconstitutionnel, Bitut 1973 (7) R.Owen (ed): Essays on the crisis, in Lebanon, London 1976 (8) J.P. Spagnol: France and Ottoman Lebanon, 1860 - 1914. London 1977 (9) D.chevallier (ed): L'espacesocial de la ville arabe, Paris 1979 (10) D.chevallier: La Societe du wont Libnan a l'epoque de la revolution industrielle en Europe, l'epoque de la revolutio idustrielle en Europe, Paris 1971 هاشم أحمد محمود [د. شيفاليه D. Chevaller]

لبيد بن ربيعة

لبيد بن ربيعة لبيد بن ربيعة، أبو عقيل، شاعر عربى من المخضرمين، ينسب إلى بنى جعفر، بطن من كلاب ينتمى إلى بنى عامر بن صعصعة. توفى حوالى عام 41 هـ (661 م) بعد أن عمّر طويلا. وضعه إتقانه للغة فى مكانة مرموقة فى قبيلته، وكانت فصاحته سببا فى مساعدة قبيلته فى مناسبات متعددة. اعتنق الإسلام وهاجر إلى الكوفة حيث توفى هناك عن ابنة ورثت مواهبه. للبيد مكانة عظيمة بين شعراء العرب، فيعتبره النابغة أعظم شعراء العرب بسبب معلقته، ويضعه آخرون فى الطبقة الثالثة من شعراء الجاهلية. أتقن لبيد الهجاء والرثاء ولم يكن له شعر فى الغزل بقدر ما كان له فى وصف الأطلال. غلب الطابع الدينى على أشعاره بعد الإسلام كما كان فى الجاهلية، إلا أنه كان يستلهم القرآن الكريم. المصادر: (1) ابن سعد: الطبقات الكبرى، تحقيق Sacheau وآخرون، ليدن 1905 - 1940 م. (2) ابن قتيبة: كتاب الشعر والشعراء، تحقيق Goeje ليدن 1900 م. (3) أبو الفرج الأصفهانى: الأغانى جزء 14 صفحة 90 - 98. (4) ديوان لبيد العامرى برواية الطوسى (تحرير الخالدى جزء 1، فينا 1297/ 1880). حسين أحمد عيسى [س. بروكلمان C. Brockelmann] لثام نقاب لستر الفم (ينطق أحيانا لِفَام) وهو عند البدو قطعة نسيج تستر الجزء السفلى من الوجه والفم وأحيانا الأنف أو أرنبة الأنف وترتديه النساء. وهو يصلح للأغراض العملية أى لحماية أعضاء الجهاز التنفسى من الحرارة والبرد كما يحميها من تسرب التراب إليها وهو يساعد على إخفاء الوجه ويجعله غير معروف للغير، فيحمى صاحبه من أى انتقام دموى -ومن هنا كان بعضهم ممن لم يتعود ارتداء اللثام يلجأ إلى ارتدائه كنوع من القناع.

ولذلك تجد فى "ألف ليلة وليلة" أن الأميرات يرتدين اللثام ويظهرن بمظهر الرجال، وقد يحدد العكس لنفس السبب. وثمة فعل مشتق من هذا اللفظ يعنى وضع اللثام وهو يستخدم مجازيا -وكلمة "تلثيمة" تعنى بصفة عامة "لثام المرأة". أما "تلثيمة البياض" فهو رداء خاص لضابط فى العصر الفاطمى حيث كان قواد الجيش يرتدونه مع "الطيلسان" إلا أنه يبدو أن أهل المدن لم يرتدوا "اللثام". وكانت عادة ارتداء اللثام منتشرة بين قبائل صنهاجة فى الشمال الغربى لإفريقية حيث يوصفون بالملثمين. وقد ذكر اليعقوبى وابن حوقل، وابن بطوطة، وابن خلدون عادة ارتداء اللثام. وقد وجد أن هذه العادة كانت سائدة فى أجزاء أخرى من إفريقية -مثل "كانم" (المقريزى 193، 33) ولا زالت عادة ارتداء اللثام سائدة لدى الطوارق الذين كان لثامهم موضع دراسات خاصة عديدة- والطوارق لا يسمونه "لثام" بل يطلقون عليه اسم "تجلست" أو شاش (موسين) ويبدو أن أْصله يرجع إلى ما قبل الإسلام بل ربما عاد إلى قبل التاريخ- فقد عثر ليوفرو بنيوس على رسوم قديمة وصخور حفرت عليها أشكال بشرية لا فم لها ولا أنف بل لها عينان فقط. ويبدو أن الدافع الأول لارتداء اللثام هو دافع السحر أى لحماية الحياة من قوى الشر. ولقد احتفظ الإفريقيون باللثام حتى فى قيامهم بالرحلات إلى أراضى الإسلام الشرقية حيث لم يكن من الطرز الشائعة، أما نساؤهم فكن يرتحلن معهم بغير لثام. وثمة حكاية ابتدعها التراث فى مراحله المتأخرة تشرح هذه العادة الغريبة فتقول إنه وقع هجوم ذات مرة على إحدى القرى حيث كان بها عدد كبير من النساء وعدد قليل من الرجال فارتدى الرجال اللثام وأمسكت النساء بالأسلحة حتى لا يكتشف العدو عدد الرجال الحقيقى. وحكاية أخرى تقول إنه بعد سقوط الدولة الأموية هرب مائتان من الأسرة الأموية ومعهم بعض أتباعهم إلى إفريقية فى ثياب نساء وأن كل من يرتدى اللثام ينحدر من هؤلاء. ويقول البكرى إن هؤلاء الملثمين لا يخلعون اللثام إطلاقا، وإذا

المصادر

سقط أحدهم قتيلا فى أحد المعارك وفقد اللثام فإن أحدا لا يمكن التعرف عليه حتى من أصدقائه إلا إذا وضع اللثام على وجهه مرة أخرى. والموحدون -وبصفة خاصة التومرتيون- يعارضون ارتداء اللثام وهى عادة يمارسها المرابطون فهم يصرّون دائما على أنه محرم على الرجال أن يتشبهوا بالنساء فى ملابسهن. ولكنهم لم ينجحوا فى إلغاء عادة ارتداء اللثام. وكثيرا ما استخدمت كلمة لثام ومشتقاتها بصورة مجازية فى اللغة ولا سيما لدى الشعراء. مثل أن يقبّل ما تحت اللثام (عند المتنبى) ثم تطور معنى الفعل "لثم" ليصبح معناه قبّل (عمر بن أبى ربيعة). والفعل "تلاثم" أى قبل أحدهما الآخر. ومَلْثَم أى مكان القبلة. وقد قُدِّم لفتاة (لثام من شعرها) (ألف ليلة) والجَمل له "لثام" من الرغاوى حول فمه. والذنب "أحم اللثام" أى منطقة الفم عنده سوداء. والقِدْر بها الخمر لها "لثام" أى قطعة من قماش على فوهتها والشمس تغطيها السحب والتراب فتظلم كما لو كانت ترتدى لثامًا فهى "التثمت" (كما قال المتنبى)، والنهار ينزع لثامه (وصف نجده عند عربشاه بمعنى بزوغ الفجر). وفى المقامات للحريرى (كشف الصبح اللثام). وكثير من الكتب يبدأ عنوانها بعبارة "كشف اللثام"، منها ثمانية كتب تبدأ بهذا العنوان وواحد يبدأ بـ "إماطة اللثام". والملاك إسرافيل له جناح ملثم بلثام كبير يبلغ طوله من السماء حتى الأرض السابعة (القزوينى). وقد يكون الصوت (ملثوما) أى مختفيا (كما فى قول طرفة) وثمة مجازات أخرى عن لفظ لثام. المصادر: (1) انظر قاموس الملابس عند العرب لدوزى. (2) الذيل على القواميس العربية له أيضا. (3) Snouck Hurgronje: Twee Populaire dwalingeu verbeteral, in werspr. Geschr, i, 295 ff (4) J. H. Keeman: The Tuareg veil, in Revue de l'occident musulman, no 17, 1974, 107 - 18 سعيد عبد المحسن [ف. بيوركمان W. Bjorkman]

لحن العامة

لحن العامة ويعنى الأخطاء اللغوية التى يقع فيها العامة، وهو تعبير يطلق على فرع من فروع علم المعاجم يهدف إلى تصحيح ما حدث من خروج على أصول اللغة الفصحى ويمكننا أن نشبه ما يكتب فى هذا الموضوع بـ "لا تقل. . وقل. . " وعادة ما تذكر الصيغة غير الصحيحة مسبوقة بكلمة "تقول" أو "يقولون" ثم تذكر الصيغة الصحيحة مسبوقة بكلمة "والصواب" أو "والقاعدة. . . " وتفيد هذه الأعمال، إلى حد ما، فى تتبع تاريخ اللغة، وخاصة ابتداء من الزمن الذى بذل فيه علماء اللغة مجهوداتهم فى وضع قواعدها. كتب الجاحظ ذاكرا أنه عندما يتحدث عن العوام، فهو لا يعنى بذلك الفلاحين أو الطبقات الدنيا أو الحرفيين أو التجار، ولا الأكراد الذين يعيشون فى الجبال أو سكان الجزر فى البحار، ففى رأيه أن العوام الذين ينتمون إلى أمتنا ومجتمعنا الإسلامى ولهم ثقافتنا وأخلاقياتنا يشكِّلون طبقة عقلها وصفاتها أرقى من الفئات التى ذُكرت من قبل ولكنها لا تصل إلى مستوى الخاصة, ونرى من هذا المعنى أن الجاحظ، بدون الدخول فى تفاصيل تعريف الخاصة والعامة، قد استبعد من العامة، من الناحية اللغوية على الأقل، الطبقات الدنيا للمجتمع والعناصر الأجنبية التى لا تتكلم العربية بالمعنى الحرفى للتعبير لكنه يدخل ضمن العوام طبقة اجتماعية متوسطة كانت تتكلم، فى زمان لم تكن العربية العامية قد انفصلت فيه عن العربية الفصحى، بلغة أقل فصاحة لكن لا زالت قريبة إلى حد ما من لغة الخاصة، أو النخبة المفكرة، أو الطبقة العليا منها، الذين هم، من الناحية النظرية، حراس اللغة الفصيحة الفصاحة الفطرية العفوية. قدم الزبيدى عدة تعريفات فى مقدمة كتابه لحن العوام فذكر أنه قد فحص اللغة المستخدمة فى زمانه فى بلاده (الأندلس) ووجد جملا لم يذكرها أبو حاتم (السجستانى) ولا أى واحد ممن وضعوا القواميس، فهو نوع من التبديل أحدثه العامة فى النطق (بعض

الكلمات) أو فى المعنى ثم سار عليه عدد كبير من الناس حتى أن هذا الاستخدام الخطأ تسرب إلى أعمال الشعراء كما استخدمه الكتاب البارزون والموظفون فى مراسلاتهم كما استخدموا تعبيرات فاسدة فى محادثاتهم، لهذا رأى أنه من الملائم أن يلفت الأنظار إلى هذه الأخطاء، أن يبين الصيغ الصحيحة لها وأن يخصص كتابا للأخطاء التى لاحظها. . . مع ترك الأخطاء التى يقع فيها غالبية الناس. . . والتركيز على تلك التى نتوقع أن نجدها فى لغة الخاصة. مع ذلك فقد سمى كتابه "لحن العوام"، وهذا يعطينا انطباعا واضحا أن تعبير العام فى العنوان إنما هو تلطف فى التعبير، المقصود به إخفاء الحقيقة والمحافظة على مشاعر الخاصة بينما يحملهم مسئولية ما وقع من أخطاء لغوية. وفى الحقيقة، فإن جميع الأعمال التى سنتناولها فيما بعد تخاطب الخاصة الذين يحتاج أداؤهم إلى تصحيح، وكان الحريرى واحدًا من مؤلفين قلائل كانت لديهم الشجاعة لمخالفة التقاليد وذكر الحقيقة عندما سمى كتابه "درة الغواص فى أوهام الخواص". كثيرا ما تستخدم كلمات أوهام أو خطأ أو غلط أو غلطات أو سقطات بدلا من كلمة لحن، وقد قام ج. فك J.Fuck بدراسة لغوية كبيرة لهذه الكلمة فى ملحق كتابه فى تاريخ اللغة العربية المسمى العربية (برلين 1950 صفحة 128 - 135)، فبين أن كلمة لحن تعنى، ضمن عدة معان، "أسلوب الكلام" أو "استخدام كلمة أو نطق مقطع من مقاطع الكلام بطريقة خاصة بشخص أو جماعة" بشكل يمكننا أن نعتبرها تكافئ كلمة "لغة" كما يطلقها النحويون بمعنى "لهجة أو اختلاف محلى". وقد لاحظ بعض العرب هذه الاختلافات وسخروا منها انطلاقا من إحساسهم بأنهم حماة الفصاحة. ومع ذلك فإن كلمة لحن لم تطلق فقط على الانحراف عن القواعد أو على ترك قواعد الإعراب، بدليل أن كلمة ملحون كانت تطلق على نوع من الشعر الشعبى. من هنا نرى أن كلمة لحن أخذت معنى "ارتكاب

أخطاء فى اللغة" ثم أخذت معنى "استخدام فاسد (خطأ نحوى) أو استعمال كلمات غير فصيحة أو إساءه استعمال الألفاظ". وقد ظهرت كلمة لحن مرتين كمرادف لكلمة خطأ فى (الكتاب) لسيبويه (جزء صفحة 262 و 349، أنظر ج تروبو G. Troupeau: Lexique index du kitab de sibawayh، باريس 1976 م، صفحة 188). وفى القرن التالى لسيبويه، انتشر استخدام هذا اللفظ حتى أن الجاحظ نفسه فى تعليقه على بيت من الشعر استخدم لفظ لحن بمعنى "لفظ مزدوج المعنى، أو تلميح غامض" ففسر اللفظ عفويا بمعنى "خطأ"، وكان هذا التفسير نفسه خطأ. وفى غضون المائة عام الأخيرة، قام علماء من الشرق والغرب من المهتمين بهذه النوعية من الدراسات اللغوية بحصر الأعمال التى تناولت لحن العامة ووضعوها فى قوائم وقاموا باستكمالها وتصحيحها. كانت أولى هذه المحاولات هى التى قام بها هـ. ثربك H. Thorbecke الذى ضمن مقدمته لكتاب درة الغواص للحريرى (ليبتزج 1871 صفحه 7 - 12) قائمة مبدئية سرعان ما تضخمت على يدى ى. جولدتسيهر I. Goldziher (فى ZDMG، العدد 27 (1873)، صفحة 155 - 156) ثم كتب مقالا فى هذا الموضوع (فى ZDMG، العدد 35 (1881 م) صفحة 147 - 152). ثم وضع آلوارت Ahlwards قدرا كبيرا من المعلومات المفيدة فى متناول علماء الدراسات العربية فى الكتالوج الذى نشره عن مخطوطات برلين العربية (الجزء 6، 1894 م صفحة 319). وفى الفترة التالية كتب كتابان عن لحن العامة ثم انقضت أربعون عاما قبل أن تظهر كتابات جديدة ولكن باللغة العربية كان أولها اللهجات العربية لعيسى اسكندر المعلوف الذى نشره فى المجلة التى يصدرها مجمع اللغة العربية فى القاهرة العدد 1 (1935 م) صفحة 350 - 368 والعدد 3 صفحة 349 - (7). فى العام التالى كتب عز الدين التنوخى فى مقدمة طبعته للتكملة للجواليقى (مجلة المجمع العلمى العربى، العدد 14 (1936 م)

صفحة 169 - 226) قائمة مختصرة أكملها فيما بعد صلاح الدين المنجد (المرجع السابق، العدد 16 (1946 م) صفحة 87، وكركيس عواد وعبد القادر المغربى. فى عام 1953، نشر IFAO بالقاهرة كتاب اسمه الجمانة لمؤلف مجهول ذكر محققه هـ. هـ. عبد الوهاب فى مقدمته قائمة بالمقالات المغربية، ولكن أكمل السجلات فى هذا الموضوع ذلك الذى صدر بها، ريتسيتانو U.Rizzitano تحليله لكتاب تثقيف اللسان لابن مكى، وسنشير إلى هذا العمل الذى لم يفقد قيمته حتى الآن فى مقالنا هذا. وفى نفس العام، تقدم حسين نصار فى القاهرة برسالة بعنوان المعجم العربى احتوت أيضا على قائمة مشوشة إلى حد ما. وقد تابع ج. كورتكوف G.Krotkoff تاريخ الأبحاث فى لحن العامة حتى عام 1957 م عام، كما صحح أيضا قائمة Rizzitano وأضاف إليها بعض التفاصيل. وتعتبر أعمال عبد العزيز الأهوانى (المنشورة فى RIMA)، ورمضان عبد التواب (لحن العامة، القاهرة 1961 م ولحن العامة والتطور اللغوى، القاهرة 1967) وعبد العزيز مطر (لحن العامة فى ضوء الدراسات اللغوية الحديثة، القاهرة 1967 م) أحدث ما ظهر فى هذا الموضوع. أما أقدم ما كتب فى هذا الموضوع فربما كان كتاب ما تلحن فيه العوام (أو رسالة فى لحن العامة) المنسوبة للكسائى (المتوفى عام 189 هـ/ 805 م)، وقد احتوى على 102 تعبيرا يذكر فيه الصيغة الصحيحة مسبوقة بكلمة "تقول" ثم الصيغة غير الصحيحة مسبوقة بالتعبير "ولا تقُل". واستمرارا فى تناول المؤلفين حسب تواريخ وفاتهم، يقال: أبا عبيد القاسم ابن سلَّام (المتوفى عام 224 هـ/ 838 م) هو مؤلف كتاب ما خالفت فيه العامة لغة العرب. واختار ابن السكيت (المتوفى عام 244 هـ/ 858 م) عنوانا آخر لنفس الموضوع هو إصلاح المنطق (تحقيق شاكر وهارون، القاهرة 1949 م). أما عمر بن شبَّة Shabba (المتوفى عام 262 هـ/ 877 م) فقد اختار أن يهاجم طائفة معينة من الخاصة ونعنى بهم

النحويين، ومن هذا العنوان يمكننا أن نحكم بأن هذا الكتاب لا شك قد تناول موضوعات أقل مما تناولته الكتب التى ذكرناها من قبل حيث إن المؤلف حصر اهتمامه فى أخطاء وقعت سواء فى محادثات أو محاضرات، من نحويين ذكرهم بالاسم ليعاقبهم على المثل السيئ الذى ضربوه بأنفسهم بدلا من الحديث عن تطور اللغة، كما أنه من المؤكد أنه لم يقصد أى تبرير للعامية فى الحديث أو عدم مراعاة الإعراب كما فعل الجاحظ الذى عاصره. وقد قلد ابن قتيبة (المتوفى عام 276 هـ/ 889 م) وهو يمثل الاتجاه المحافظ، الجاحظ فى تأييده لإدخال الأسلوب المستخدم فى الكلام، أو بمعنى أدق التعبيرات السوقية فى لغة الكتابة عندما يستدعى سياق الحديث ذلك لإعطائه مزيدا من الحياة أو لتزيينه، ومع ذلك فقد تبوأ هذا الكاتب مكانه بين المدافعين عن نقاء العربية فى الفصل الذى عنوانه تقويم اللسان فى كتابه أدب الكاتب كذلك يتبع أبو حنيفة الدينورى (المتوفى حوالى عام 281 هـ/ 895 م) التقليد الذى أصبح راسخا فى ذلك الزمن فى كتابه لحن العامة أو ما يلحن فيه العامة وكذلك فى كتابه إصلاح المنطق الذى ذكره السيوطى (والذى قد يكون هو نفسه كتاب لحن العامة). وينسب كتاب يسمى ما تلحن فيه العامة لثعلب المتوفى عام 291 هـ/ 904 م، ويؤكد كروتكوف Krotkoff أن هذا الكتاب هو نفسه كتاب الفصيح المشهور والذى يتضمن الرسالة الأصلية والاختصارات المتتالية التى أجريت عليها، بالإضافة إلى أن السيوطى يستشهد فى كتاباته بشرح الفصيح لنفس المؤلف ويقول عنه إنه على مستوى عال من الجودة. ويأخذ ابن برى المتوفى عام 582 هـ/ 1187 م بدوره موقفا من الفقهاء ولكن بحذر حيث يسمى مقالته كتاب غلط (أو أغلاط) الضعفاء من الفقهاء، أما كتاب غلطات العوام لابن الجوزى (المتوفى عام 597 هـ/ 1200 م) والذى نشره مطر (تقويم اللسان، انظر ما سبق) فيذكر فى الكتابات المختلفة تحت عناوين مختلفة.

وفى القرن 8 هـ/ 14 م ألف أبو على عمر السكونى Al-Sakui الإشبيلى كتاب لحن العوام فيما يتعلق بعلم الكلام، ولكن هذا الكتاب يتناول مذهب الأشعرية ولا يتناول الأخطاء اللغوية التى يتداولها الناس. وتوجد فى دار الكتب مخطوطة لكتاب تصحيح التصحيف وتحرير التحريف للصفدى (المتوفى عام 764 هـ/ 1363 م) وهو نقد وتلخيص لتسعة كتب سابقة (للحريرى والجواليقى وابن مكى، والزبيدى وابن الجوزى بصفة خاصة)، وقد قام عبد القادر المغربى بدراسة تحليلية لهذه المخطوطة (كتاب تصحيح التصحيف للصلاح الصفدى، مجلة المجمع العلمى العربى، دمشق، العدد 25 (1950 م) صفحة 471 - 477). يكتفى ابن خاتمة Khatima (المتوفى فى عام 770 هـ/ 1396 م) فى كتابه بتلخيص ما كتبه ابن هانئ اللخمى عن كتاب تقويم اللسان لابن هشام اللخمى، وقد قام كولين Colin بتحقيق هذا المختصر فى شكل مقال مختصر بدون عنوان نشر فى مجلة Hesperis عام 1931 م. كما ترك أحد علماء الأندلس (مجهول الإسم) فى القرن التاسع أو العاشر الهجرى/ 15 - 16 م رسالة تحت عنوان الجمانة فى إزالة الرطانة قام هـ. هـ. عبد الوهاب بتحقيقه عام 1953 م. ولم يكن السيوطى (المتوفى عام 911 هـ/ 1505 م) ليدع المشاركة فى هذا المجال، ولا زالت فى استانبول مخطوطة كتابه غلطات العوام، وتحمل نفس العنوان الترجمة التركية لكتاب التنبيه على غلطات الخامل (أو الجاهل) والتنبيه لابن كمال باشا (المتوفى عام 940 هـ/ 1533 م)، الذى يتناول بصفة أساسية الكلمات العربية التى ينطقها الأتراك نطقا سيئا وقد قام - ع العبيدى بنشر النص العربى للتنبيه فى المورد. ويأخذ رضى الدين الحنبلى (المتوفى عام 971 هـ/ 1563 م) موقفا يضاد إلى حد ما ما فعله الكتاب السابقون فى كتابه (عقد الخلاص فى نقد كلام الخواص) الذى توجد إحدى مخطوطاته فى استانبول وكتابه (بحر العوَّام فيما

أصاب فيه العوام) وقام خسرو زاده المتوفى عام 998 هـ/ 1590 م) بتلخيص كتب الأصمعى وأبى عبيدة والسجستانى وابن السكيت وابن قتيبة وثعلب والعسكرى. . . الخ فى كتابه غلطات العوام (مخطوطة إستانبول) كما يصحح بعض الأخطاء اللغوية فى كتابه تنبيه العوام فى توجيه الكلام (مخطوطة برلين). وبينما يقيد الجواليقى نفسه فى كتابه المعرب بذكر الكلمات المقتبسة من اللغة العربية، نجد أن الخفاجى (المتوفى عام 1096/ 1659) يذكر فى كتابه (شفاء الخليل فيما فى كلام العرب من الدخيل) أمثلة كثيرة للأخطاء الشائعة. يذكر ريزيتانو Rizzitano كتابا مجهول المؤلف اسمه سقطات العوام والخواص (مخطوطة إستانبول)، كما يذكر أيضا كتاب التنبيه على اللحن الجلى والخفى لأبى الحسن الرازى (مخطوطات مختلفة، لمعرفة الفرق بين اللحن الجلى واللحن الخفى انظر كتاب كشاف اصطلاحات الفنون للتهانوى، جزء 4، 1308). بينما يحرص بعض الكتاب المذكورين على صفاء اللغة ونقاء الأسلوب ويلتزم بالفصحى بكل دقة، نجد أن الأخرين ينهجون منهجا أكثر تساهلا ويقعون بالشكل الذى يرونه أقرب إلى الصحيح من وجهة نظر الفصاحة، ويمثل هذا الاتجاه لصفة خاصه ثعلب فى كتابه الفصيح. وبدراسة الرسائل التى وصلت إلينا يمكن أن نصل إلى بعض الملاحظات العامة. أولًا نجد أن علماء اللغة لا يهتمون بالاستخدام الدارج الذى يرونه تعديلا للغة العربية السليمة، كما لا يهتمون بما حدث من تحول فى أنماط الكلام القديمة الذى حدث نتيجة لاختلاط عناصر عرقية مختلفة أو بتأثير اللغة التى كانوا يتكلمون بها فى منطقة ما والمناطق المحيطة بها، لهذا أرى أن ابن هشام قد أقر استخدامات اعتبرها آخرون خاطئة، وتعبيرات رفضها من سبقه من وجهة نظر الفصاحة ولكنها لا زالت حية وتعتبر جيدة بالنسبة للهجات عربية قديمة. وليس من

المصادر

الضرورى بالنسبة للأغلاط المذكورة فى الكتب أن تكون فى مفردات اللغة، ويمكن تقسيم الإستخدامات التى تخالف قواعد اللغة إلى خمس أقسام رئيسية: 1 - طريقة نطق الحروف، وهى أكثر الأنماط شيوعا. (نطق غير صحيح، إطالة حرف متحرك، تغيير حرف ساكن بإطالة، التأكيد أو عدم التأكيد على مقاطع معينة، . . . الإبدال، الإدغام. . . الخ). 2 - الخطأ فى الصرف الذى قد يؤدى إلى تغيير فى بنية الكلمة، وهذا القسم ليست له أهمية. 3 - الخطأ فى تركيب عبارة. 4 - أخطاء الهجاء خاصة مع الهمزة. 5 - وهو أهم هذه الأقسام عند الكتاب وهو أخطاء المفردات (التغير فى معانى الكلمة، ظهور تعبيرات جديدة والإقتباسات التى تعتبر لا داعى لها لوجود التعبير العربى المناسب، الإستخدام الزائد للتعبيرات العامية. . . الخ). وللكتاب القدامى لرسائل لحن العامة خلفاء معاصرون يستحقون الذكر، وقد ذكر صلاح الدين الزعبلاوى فى مقدمة كتابه أخطاؤنا فى الصحف والدواوين (دمشق 1358 هـ/ 1939 م) قائمة يمكن أن يضاف إليها مما تنشره مجامع اللغة العربية وما ينشر من الموضوعات التى تتعلق باللغة. وقد بذل هؤلاء جهودا كبيرة فى تصحيح الأخطاء الشائعة فى الصحافة والإدارة والأدب، وسنكتفى بذكر لغة الجرائد لإبراهيم اليازجى (1847 - 1906 م)، القاهرة 1319 هـ/ 1901 م)، وتذكرة الكاتب لأسعد خليل داغر (القاهرة 1933 م) والزعبلاوى الذى ذكرناه آنفا ومعروف الرصافى (1875 - 1945 م) الذى وجه الأنظار فى كتابه دفع الهجنة إلى الانحرافات التى حدثت فى اللغة العربية نتيجة الاحتلال التركى. المصادر: مذكورة فى سياق المادة. حسين أحمد عيسى [ش. بيلات Ch. Pillat] لحيان لحيان اسم شعب ويطلق على منطقة من المناطق فى شبه الجزيرة العربية

القديمة، وقد عُثر على بعض النقوش فى شمال الحجاز تتضمن أسماء ستة من ملوك لحيان ودلت على أن مملكتهم كانت قد عاشت لبضعة قرون فى عصور ما قبل الإسلام، وقد وجدت معظم هذه النقوش فى وادى العُلا وفى النواحى المحيطة به لا سيما فيما يجاور "الخرَيبة" التى لا تبعد كثيرًا عن المركز النبطى الكبير للحِجر، الذى يعرف حديثا باسم مدائن صالح، ولم يقتصر الكشف على النقوش النبطية فقط بل امكن العثور أيضا على نقوش (بعضها كثير وبعضها قليل) فى نفس المنطقة، وهى نقوش ديدانية وعِبرية وعربية، وكان العلماء "دوتى" و"شارل هوبر" و"يوتينج" هم أول الرحالة الذى رسموا النقوش اللحيانية، وقد قام "مِيلّلر" هو أول من قدّم لنا ترجمة لهذه النقوش لا سيما نقوش "يوتينج"، ثم قام "ياوسن" و"سافينياك" بطبع أكثر من أربعمائة نقش لحيانى فى كتاب Misrion arcleologique en Arabie, كما ظهر للضوء حديثا نقوش أكثر من هذه نشرت فى اعداد مختلفة من مطبوعات "جام" المعروفة باسم " miscellanees". على أن أهم هذه كلها هو ما اكتشف فى مدخل أحد الجبال بالقرب من "بئر العُذَيب" غربى "الخريبه" وهو مجموعة من النصوص تتعلق بمكان للعبادة يعرف بهيكل "ذى غابة" الذى كان معبود لحيان الكبير فى ذلك الوقت. وقد كتبت النقوش اللحيانية بالحروف الهجائية السامية الجنوبية والتى تختلف اختلافًا كبيرًا عن كل من الحروف الهجائية للعربية الجنوبية، والدِيدانية، والثمودية، وقد أثبت العالم جِرِيم (فى ابحاثه 1930، 1932) أن النقوش الدِّيدانيّة أقدم جدًا من النقوش اللحيانية، وهى نقوش يمكن إرجاعها إلى القرن الثامن قبل الميلاد أو بعده بقليل، ولا يعرف تماما متى حقت اللحيانية محل الدّيدانية وأصبحت لها السيطرة فى تلك النواحى. وإن كان من المؤكد أن مملكة لحيان ازدهرت خلال القرن الثالث قبل الميلاد، على أنه يستدل من أحد النقوش المنيائية التى عثر عليها فى "دِدان" والتى ترجع تقريبًا إلى هذا الفرق على أنه كانت هناك جالية من تجار "منيائين". كذلك

لحيان فى العصر الإسلامى: تعتبر المصادر الإسلامية التاريخية وكتب الأنساب أن قبيلة لحيان العربية فرع من الهذليين، وينسبونها إلى لحيان بن

يستدل من اسماء بعض ملوك لحيان على أن حكامهم كانوا إلى حد ما معاصرين للبطالسة فى مصر، ومن المحتمل أن تقدم النبطيين نحو الجنوب أدّى إلى سقوط مملكة اللحيانيين، ويؤكد هذا وجود ثلاثة نقوش نبطية قصيرة وجدت فى جنوب "تيماء" كتبها واحد اسمه "مسعودو" ويسمى نفسه بملك لحيان، على أنه يختلف اختلافا كبيرا بشأن تواريخ هذه النقوش، فيرى "يا وسِنْ" أنها ترجع إلى القرن الثانى قبل الميلاد، على حين يرى Allright 1953 م أنها تعود إلى القرن الأول قبل الميلاد ولكنه يؤكد أنه لم يتم فتح ديدان "على يد النبطيين، أما كاسكل (فى سنة 1954) فيرى أنها ترجع إلى القرن الأول بعد الميلاد. لم يكن اللحيانيون يقتصرون فى عبادتهم على "ذو غابت" بل كان من ألهتهم التى عبدوها "هَلّال" و"اللَّات" و"هان عُزى" و"هان عقتب" و"هان كوتباى" و"حُمام" و"هامحر" و"خَرج، و"سلمان" و"وَدْ". وقد اكتشف ا. ياوسن و"سافيناك" موضع معبد قد ازدانت جدرانه الداخلية بالتماثيل الكبيرة وقد وجدت بعض بقايا هذه التماثيل ملقاة بين الأطلال والأنقاض، كما يوجد فى وسط المعبد حوض حجرى دائرى الشكل قطره أكثر من أربعة أمتار. ولغة هذه النقوش اللحيانية هى الصورة الأولى للعربية، ومن اليسير ملاحظة بعض الاختلاف فيها عن العربية الكلاسيكية القديمة، وإن التحليل المنظم لهذه النقوش سوف يؤدى بلا شك إلى إظهار كثير من خصائص العربية اللحيانية. وتوجد كثير من المصادر والمراجع التى تناولت هذا الموضوع باللغات الانجليزية والفرنسية والألمانية منها ما يعود إلى سنة 1971. مها سيد معبد [ا. ج. اندروس Andrews] لحيان فى العصر الإسلامى: تعتبر المصادر الإسلامية التاريخية وكتب الأنساب أن قبيلة لحيان العربية فرع من الهذليين، وينسبونها إلى لحيان بن

هذيل بن مُدرك بن ألياس بن مضر، ومعنى هذا أن "لحيان" من عرب الشمال، أما متى وكيف صار "لحيان" إلى ما نعرفهم عليه فى القرن السادس للميلاد، حيث اعتبروا جزءًا من الهذليين واتخذوا موضعًا لهم يقع فى جنوب موطنهم الأصلى، أعنى ما يعرف الآن بالمنطقة الواقعة إلى الشمال الشرقى من مكة. . . أقول أما متى كان ذلك وكيف صار ذلك فأمر لا نستطيع معرفته نظرًا لعدم وجود الوثائق عن هذا الموضوع بين أيدينا. أما الأخبار الإسلامية فترجعهم إلى ثمود والى أنباط الحجر، وإن كان الطبرى (فى كلامه عن جُرْهم يوافق ابن الكلبى) وكذلك تاج العروس (يأخذ عن الهمدانى فى كتابه الأكليل) يردان اللحيانيين إلى "بقايا من جُرْهم" الذين صاروا بعدئذ جزءًا من هُذيل. أما فى العصر السابق مباشرة لظهور الإسلام واللاحق مباشرة له أيضا فلم يكن اللحيانيون يُذكرون كجماعة مستقلة بل كانوا يذكرون حين ترد الإشارة إلى الهذليين، ويستدل على ذلك من إشارة "الحماسة" إلى مواقفهم مع الشاعر المحارب تأبط شّرا (انظر معجم البلدان لياقوت الحموى والحماسة للبحترى، وابن الجراح) كما يستدل على ذلك أيضا من معركتهم مع خزاعة. وقد جرت العادة أن ينسب إلى هذيل شعراء هذه القبيلة أمثال مالك بن خالد الخنَّاعى، والمُتَنخل الخناعى وغيرهما، كما نجد اللحيانيين وقت ظهور الدعوة الإسلامية يكون شأنهم فى المصادر العربية شأن بقية الهذليين يقفون إلى جانب قريش من الناحية السياسية، وهذا يبين موقعهم العدائى من محمد (-صلى اللَّه عليه وسلم-) مما أدّى إلى مصرع كبيرهم سفيان بن خالد، فذبح على يد عبد اللَّه بن عُميس فى السرية التى بعث بها الرسول عليه الصلاة والسلام، وكان الرّد على ذلك اغتيال الكثيرين من المسلمين فى اليوم الذى عرف بيوم الرجيع (فى السنة الرابعة للهجرة). أما عدم العثور على ما يشير إلى أى موقف عدائى لهم للرسول (-صلى اللَّه عليه وسلم-) بعد ذلك فالأرجح أن علة ذلك أن بنى لحيان كانوا قد خضعوا مثل خضوع الهذليين للإسلام.

المصادر

أما بعد أن كتب النصر لمحمد (-صلى اللَّه عليه وسلم-) وفى العصور التالية لهذا النصر فلا يوجد بين أيدينا أية إشارات إلى رجال بارزين من اللحيانيين إلّا لبضعة منهم أمثال اللغوى اللحيانى على بن حازم (أو خازم) أو ابن المبارك المتوفى سنة 222 هـ (837 م)، انظر فى ذلك طبقات النحاة للزبيدى. المصادر: (1) كتاب المعارف، طبعة Wustenfeld، ص 31. (2) ابن دريد: كتاب الاشتقاق، طبعة Wustenfeld، ص 109. (3) ابن هشام: السيرة النبوية طبعة Wustenfeld، ص 638، 642. مها سعيد [ليفى دى لافيدا G.Levi Della Vida] لخم اللخميون أسرة عربية ظهرت قبل الإسلام، فى العراق واتخذت "الحيرة" عاصمة لها وحكمتها لأكثر من ثلاثة قرون - 300 - 600 بعد الميلاد) والأصح أن يقال لهم "النّصْريون" نسبة إلى "نصر لخم" وهى القبيلة التى ينتمون إليها وكان ملوكها شبه مستقلين كأتباع للساسانيين كما كانوا القوة المهمينة فى تاريخ العرب، سياسيًا وعسكريًا وثقافيًا خلال تلك القرون الثلاثة. 1 - التاريخ: كان مؤسس الأسرة التى تعود إلى الربع الأخير من القرن الثالث، هو "عمرو بن عدى" ابن أخت الملك التنوخى "جذيمة" وهو الذى جعل الحيرة عاصمة "اللخمين" واتخذها مركزًا ليتوسع فى كثير من رحاب شبه الجزيرة العربية. وتقول الأخبار العربية إنه انتصر على "زنوبيا" العربية ملكة "تدمر" وخلفه ابنه امرؤ القيس المنعوت بملك العرب قاطبة وكان بدوره ملكًا محاربًا ثم انتقل امرؤ القيس ونزل بين الروم بعد غزوات عديدة فى الجزيرة العربية، وتوفى عام 328 قبل الميلاد وأدى انشقاق امرؤ القيس ولجوؤه إلى الرومان إلى خلو العرش اللخمى للمرة الأولى، ولكن من المؤكد أن فترة (خلو العرش) هذه بدأت قبل ذلك بوقت طويل لأن الغساسنة كان لهم تأثير كبير على مجرى الأمور فى الحيرة خاصة بعد أن

تكشف مؤخر، الكثير عن بواكير تاريخهم. ويعتبر القرن الخامس أفضل توثيقًا، خاصة لكثرة ما يوجد عنه من المصادر اليونانية والسريانية، التى تمدّنا ببيانات هامة عن ثلاثة من ملوك بنى لخم، الأول هو "النعمان" ويلقب بالأعور "السائح" لأنه باين الناس وأخذ يتجول فى الأرض عزوفا منه عن الدنيا، وليس هذا بمستبعد فقد عرف عنه أنه زار سيمون القديس الشامى بين عامى 413، 420 م ويرتبط اسمه بتشييد قصر "الخورنق" الشهير وتكوينه فرقتين حربيتين هما الشهباء والدوسر، وخلفه "ابنه المنذر"، ويقال إنه حكم لأربعة وأربعين عامًا (يحتمل بين 418 - 452 م) وشارك فى الحروب البيزنطية الفارسية عام (421 - 422 م) بل ولعب دورًا أكثر أهمية فى الشئون الداخلية لفارس بتأييده "بهرام جور" فى اعتلاء العرش، ولا تتوفر معلومات كافية عن الملكين اللخميين التاليين له وهما (الأسود والمنذر الثانى) لكنها تتوافر عن الملك المحارب "النعمان الثانى" فقد اشترك فى الحرب البيزنطية الفارسية فى تلك الفترة. وفى عام 498 م هزمه القائد البيزنطى يوجينيوس فى (وقعة بيترالبسوس)، وفى عام 502 م زحف على "حران" حيث هزمه الرومان أول الأمر، ثم عاد فانتصر عليهم، ولكنه مات بعد ذلك بقليل متأثرًا بجراحه خلال المعركة ثم أعقبت ذلك فترة قصيرة خلا منها العرش من جالس عليه. من بين القرون الثلاثة التى حكم خلالها اللخميون "الحيرة" نجد أن القرن الأخير منها هو الأفضل توثيقًا والأكثر أهمية. فقد برز فيه المنذر الثالث الذى حكم خمسين عاما (503 - 554 م) وشهدت الجزيرة العربية، لأول مرة خلال فترة حكمه، إعادة فرض السيطرة الفارسية، وكان المنذر فاعلًا ومؤثر، كملك عربى تابع "لخسرو أنوشروان" الذى اختصه بالإشراف على مجال النفوذ الفارسى. فى الجزيرة العربية، وكان على الدوام فى حرب مع ملوك جنوب الجزيرة، ففى عام 520 م استقبل وفدًا من قبل ملك جنوب

الجزيرة العربية "يوسف ذو نواس" كما أنه عام 540 م أرسل مبعوثًا لملك جنوب الجزيرة الجديد وهو "أبرهة الحبشى" وشهدت فترة حكمه -حتى إذا كانت- العشرينيات من ذلك القرن- خلو العرش للمرة الثالثة وهى كذلك كانت، خلال الصراع البيزنطى - الفارسى، رأس الحربة فى الحملات ضد المقاطعات الحدودية واكتسب خلال عام 520 م شهرة عالمية عندما استقبل وفدًا من قبل الإمبراطور البيزنطى جاستين فلما كان عام 531 م خطط وشارك جزئيًا فى الحملة الفارسية التى انتهت بانتصار كبير على البيزنطيين فى (كالينكوم) على نهر الفرات. ثم جدّ نزاع بينه وبين "الحارث الغسَّانى" وكان ذلك من أسباب اندلاع الحرب البيزنطية - الفارسية فى (539 - 544 م) وحارب الغساسنة فى الأربعينيات من ذلك القرن (الخامس) ولكنه قتل فى اشتباك مع الحارث قرب "قنسرين" وهو المعروف فى الأخبار العربية باسم "يوم الحيار" ثم خلفه ابنه "عمرو" (544 - 569 م) وكانت أمه "هند" (بنت "الحارث" حاكم الحيرة) أميرة - كندية وهى التى يعرَّف بها فى المصادر العربية، برغم أنه ابن أعظم ملوك "بنى لخم" ويرد ذكر اللخميين وخصومهم الغساسنة فى معاهدة عام 561 م بين الفرس والبيزنطيين وينص أحد بنودها صراحة على حظر القتال بين الجانبين. لكن "عمرو" استمر فى شن الهجمات على الحدود البيزنطية خلال الستينيات، وكذلك كان شأن أخيه "قابوس" الذى كان من قواده. وفى عام 569 لقى "عمرو" ميتة بشعة على يد الشاعر "عمرو بن كلثوم" وخلفه أخوه "قابوس" الذى حكم قرابة أربع سنوات (569 - 573 م). وخلال فترة حكمه حقق "المنذر الغسانى" انتصارا فى إحدى المناطق اللخمية بالقرب من "الحيرة" نفسها فى معركة (عين أُباغ) وخلال فترة حكمه أيضًا كان الاحتلال الفارسى لجنوب الجزيرة فى عام 572 م وبهذا تحول الموقف لغير صالح البيزنطيين، ورجحت كفة الفرس مما يمكن تسميته بالصراع حول امتلاك الجزيرة العربية.

تميزت الفترة القصيرة فيما بين وفاة "قابوس" فى عام 573 م وتولى آخر ملوك اللخميين من بعده بفترتين خلا فيهما العرش من جالس عليه، وقد ساد فى الأولى "سوهراب" الفارسى فى الفترة (573 - 574 م). أما الثانية فقد سيطر فيها قبيصة وهو عربى من قبيلة "طى" ودامت لعدة شهور قلائل خلال عام 580 م قبل أن يتولى "النعمان" وفيما بين الفترتين تولى الحكم "المنذر الرابع" وكان مكروها، وخلال ذلك حقق سميه "المنذر الغسانى" انتصارًا حاسمًا على "اللخميين" واستطاع احتلال الحيرة نفسها وأشعلها ضرامًا فى عام 578 م. كان "النعمان بن المنذر الرابع" آخر ملوك اللخميين قد حكم بضعًا وعشرين سنة (من 580 حتى 602 م) وقد ذاع صيته بين العرب بما نظمه فيه "النابغة الذبيانى" وما كان من أحداث له مع عدى بن زيد وهو أكثر ملوك بنى لخم المعروفين للعرب المسلمين. وبعكس فترة "حكم المنذر الثالث" لم يكن عهده كعهد المنذر الثالث إذ لم تكن له علاقات مع عرب الجزيرة وسادة "الساسانيين" وقد لازمه سوء الحظ فى حروبه فى شبه الجزيرة العربية فهزم فى الموقعة المعروفة بيوم تحفة (بالحاء) أمام بنى جربوع من تميم وقد تباينت علاقاته مع الساسانيين، فقد منحه "هرمز" تاجًا رائعًا ولكنه اختلف مع خسرو برويز لمعارضته استقلال اللخميين حتى تشرد بين القبائل العربية بحثًا عن ملجأ ومأوى ثم استسلم فى النهاية لبرويز الذى أمر بقتله عام 602 م وبموته انتهت فترة حكم اللخميين للحيرة. بذلك دمر "برويز" الدرع التى كانت تحمى الجبهة الفارسية فى وجه عرب الجزيرة. وبعد قرابة العامين من وفاة النعمان فى موقعة ذى قار (وهى معركة استطاعت فيها قبيلة "بنى بكر" العربية تحقيق انتصار لها على الفرس، وتلاه العديد من الانتصارات الأكثر أهمية فى الثلاثينيات على أيدى العرب المسلمين. وذو قار لا تقل أهمية عن القادسية فكل منهما كانت عنوانًا على أن اللخميين كانوا فى الحيرة درعًا يحمى الفرس من عرب الجزيرة.

2 - الثقافة

بعد وفاة النعمان أصبحت الحيرة تحت سيطرة عربى من "بنى طى" هو "اياس بن قبيصة" لمدة تسع سنوات 602 - 611 م بمعونة فارسى اسمه نهيرجان، بعدها صارت تابعة مباشرة لحكم فارسى حتى فتحها خالد ابن الوليد عام 633 م، وكان آخر الأمراء المعروفين فى تلك الفترة هو "النعمان" الذى شارك فى حروب الردة فى البحرين وهزمه العلاء بن الحضرمى عام 633 م. 2 - الثقافة: تحدد مسار تاريخ اللخميين بفعل عاملين هما، الموقع الجغرافى لعاصمتهم "الحيرة" وعلاقاتهم بفارس الساسانية، ورغم الاستقلال النسبى الذى كانوا يتمتعون به إلا أنهم كانوا أتباعا للساسانيين يؤدون لهم وظائف معينة هامة، وكانوا درعهم ضد هجمات بدو شبه الجزيرة العربية، وكانوا يؤكدون نفوذهم فى الجزيرة وخاصة فى منطقة البحرين وعمان وقد حكموهما نيابة عن الفرس وكانوا رأس رمحهم حيال البيزنطيين وتوابعهم من الملوك الغساسنة، كما قاموا بحماية مصالحهم التجارية فى شبه الجزيرة خاصة تأمين طرق القوافل التى ربطت "الحيرة" مع جنوب الجزيرة العربية من الناحية التجارية. وينعكس ارتباطهم الايجابى بالفرس فى مختلف أشكال حياتهم العسكرية والسياسية والاجتماعية وكذا فى حضارتهم وثقافتهم المادية التى سيطر عليها النفوذ الفارسى فى مجالات مختلفة كالعمارة والأزياء والطعام والشراب والموسيقى. وكانت فارس الزرادشتية أيضًا هى العامل الحاكم فى موقف اللخميين من المسيحية، فقد كان من الطبيعى أن يكره الساسانيون اللخميين لتبنيهم لديانة تبشيرية لها عالميتها، خاصة بعد تحول عدوهم التقليدى "روما" إلى تلك الديانة أيضا. فقد اعتنقها "امرؤ القيس" ثانى حكام بنى لخم وهى حقيقة تفسر جزئيًا انشقاقه ولجوئه للروم. ثم كان آخر ملوك بنى لخم "النعمان" الذى تبناها صراحة ولأنها كانت على المذهب "النسطورى فى مواجهة المذهب "الخلقدونى" الذى تبنته بيزنطة وقد أصبحت عاصمتهم هى المركز الأكبر

المصادر

للمسيحية العربية ومصدر إشعاعها لعرب الجزيرة، وكانت المدينة تعج بالكنائس والأديرة وكانت مركز كرس اسقفىّ وملجأ يفر إليه المضطهدون دينيًا. ولقد طوّر اللخميون عاصمتهم حتى صارت من أعظم مراكز الحضارة العربية فى عصور ما قبل الإسلام ويعد ذلك الإنجاز الرئيسى والباقى للخميين، فخلال القرن الثالث سقطت مدن الحيرة والرها وتدْمر العربية فى تتابع سريع، وقد حقق صعود الحيرة كعاصمة للخميين، خاصة فى أعقاب سقوط تدْمر مباشرة استمرارية فى الحياة الحضرية للعرب فى الهلال الخصيب. ولقد ظلت الحيرة طيلة ثلاثة قرون فريدة كقطب إشعاع لأنماط راقية من ثقافة عرب شبه الجزيرة العربية. ومن بين عناصر الثقافة كان أهمها ولا شك تطوير المخطوطات العربية واللغة المكتوبة التى فرضتها احتياجات الحياة الحضرية المستقرة فى الحيرة. المصادر: انظر تاريخ الطبرى ومروج الذهب للمسعودى وتاريخ حمزة الأصفانى ومعجم البلدان لياقوت ومعجم البكرى وأنظر أيضًا: (1) ابن دريد: الاشتقاق، ص 225 - 227. (2) ابن عبد ربه: العقد الفريد، جزء 2. (3) همدانى: صفات جزيرة العرب، طبعة Muller, ليدن 184 - 1891. لامنس - عرفان شاهين [H. Lammens - Irfan Shahid] لطفى السيد وهو أحمد لطفى السيد، مفكر وسياسى وكاتب مصرى. ولد فى قرية "برقين" بمحافظة الدقهلية فى 15 يناير 1872 م وتوفى بالقاهرة فى 5 مارس 1963 م. وكانت أسرته من الأعيان، وكان أبوه السيد أبو على عمدة وكذلك جدّه من قبله، وقد تلقى لطفى السيد تعليمه الأساسى فى الكُتّاب والمدرسة الحكومية فى المنصورة ثم المدرسة الخديوية الثانوية بالقاهرة، فمدرسة الحقوق بالقاهرة وفى القاهرة كوّن

اتصالاته الفكرية مع الشيخ محمد عبده والشيخ حسونة النواوى. التحق بعد تخرجه عام 1894 م بالوظائف الحكومية حتى عام 1905 م. وأصبح عام 1907 م رئيسًا لتحرير صحيفة "الجريدة" التى كانت تعبر عن أفكار جماعته من الأعيان المستنيرين والتقدميين، كما كانت ناطقة باسم الحزب الذى تأسس فى وقت لاحق من عام 1907 م وهو "حزب الأمة" وقد تضمنت كتابات لطفى السيد فى "الجريدة" فى الفترة من عام 1907 وحتى 1904 م أهم أعماله وأكثرها تأثيرًا. وتولى فى الفترة من عام 1915 وحتى 1918 م منصب مدير دار الكتب المصرية، ولكنه استقال ليعمل سكرتيرا للوفد 1918 - 1919 الذى رأسه سعد زغلول ولكنه سرعان ما عاد إلى دار الكتب حيث بدأ الخطوة الثانية من الأعمال الهامة ألا وهى ترجمته لأرسطو عن الطبعات الفرنسية لجولز بارتلى - سانت هلير، ثم عين مديرًا للجامعة المصرية (القاهرة فيما بعد) من عام 1925 وحتى 1941 م، وتخلل هذه المدة فترات شغلها كوزير للتعليم (1928 - 1929 م) ووزيرًا للداخلية عام (1929) أصبح عضوًا بالبرلمان فى سنواته الأخيرة. وبعد اعتزاله السياسة أصبح رئيسًا للمجمع اللغوى حتى وفاته. كانت فلسفته التقدمية فى أغلبها نتاج قراءاته لفلاسفة الغرب وعلماء الاجتماع بدءا من أرسطو مرورًا بلوك وبنتام وستيوارت ميل وسبنسر وروسو وكونت ولوبون. وقد رأى لطفى السيد أن القومية المصرية ترجع إلى عوامل تاريخية وبيئية أدت إلى تمصير كل من يقيم فى مصر إقامة دائمة وأصبح يربط مصيره بها، وبالتالى فقد تابع حملاته الهجومية من غير كلل ولا ممل على فكرة القومية الإسلامية والقومية العربية والقومية التركية وذلك فى مقالاته بالجريدة، ولكنه فى نفس الوقت كان يرى ضرورة الاهتمام بقيمة مصر الفرعونية والتراث الإسلامى ورفض لطفى السيد اعتبار الدين أساسا للقومية ولكنه أخذ بفكرة النفعية

المصادر

كأساس للوحدة السياسية والاجتماعية واعتبر الحرية حقا للفرد وللشعب وتابع محمد عبده فى تأييده لفكرة نظام دستورى من خلال التعليم العام. ولقب أحمد لطفى السيد بأستاذ الجيل فى منتصف عمره وعدت كتاباته مساهمة بارزة فى تشكيل الأدب العربى الحديث. وقد نشرت سيرته الذاتية أول مرة فى مجلة المصور القاهرية من سبتمبر إلى ديسمبر 1950 م، صدرت فى صورة كتاب تحت عنوان "قصة حياتى" (القاهرة 1926 م) كما صدرت مجموعة منتقاة من مقالاته فى "الجريدة" قدم لها اسماعيل مظهر باسم "المنتخبات" خرجت فى جزءين بالقاهرة عام 1945 م وصفحات مطوية (القاهرة 1946 م) و"تأملات فى الفلسفة والأدب والسياسة والاجتماع" (القاهرة 1946 م) أما ترجمة أرسطو فشملت: "علم الأخلاق"، القاهرة 1924 م و"الكون والفساد" القاهرة 1932 م و"علم الطبيعة لأرسطوطاليس" القاهرة 1935 م و"السياسة لأرسطوطاليس" القاهرة 1948 م، والمراجع التالية تتعلق أساسا أو فى معظمها بلطفى السيد وأفكاره وهى أدب المقالة الصحفية فى مصر لعبد اللطيف حمزة، ولطفى السيد والشخصية المصرية لحسن فوزى النجار وللمؤلف نفسه: أحمد لطفى السيد: أستاذ الجيل. المصادر: وردت فى المتن. 1 - Egypt&Cromer لابنته عفاف لطفى السيد وائل البشير [وندل C. Wendell] لعقة الدم لعقة الدم. اسم أطلق على بطن من قريش. وكان قصى قد قسم مكة أرباعا بين قريش فأنزل كل بطن منهم منزلهم منها وجعل لبنى عبد الدار دار الندوة واللواء والرفادة والسقاية والحجابة، ورأى بنو عبد مناف أنهم أحق بهذه الامتيازات فانقسمت قريش (ما عدا بنى عامر بن لؤى ومحارب بن فهد) إلى فريقين مختصمين. انضم بنو أسد بن عبد العزى وبنو

زهرة بن كلاب وبنو تيم مرة وبنو الحارث بن فهد إلى جانب بنى عبد مناف وتعاهدوا على ألا يتخاذلوا ولا يسلم بعضهم بعضا ما بلّ بحر صوفة، أى إلى آخر الدهر، ولتأكيد هذا القسم جاءوا بجفنة مملوءة طيبا فوضعوها فى المسجد عند الكعبة ثم غمس الحلفاء أيديهم فيها ومسحوها بجدران الكعبة فسموا المطيبين. وفى الجانب الآخر، انضم إلى بنى عبد الدار بنو مخزوم وبنو سهم، وبنو جمح وبنو عدى بن كعب وتعاهدوا نفس العهد فسموا الأحلاف، وتأهبت القبائل للقتال ثم تداعوا إلى الصلح، وعاد السلام على أن يتنازل بنو عبد الدار عن السقاية والرفادة لبنى عبد مناف. وتذكر المصادر القديمة تشكيل الجماعتين، إلا أن بعضها لا يشير إلى الأحلاف. فيتحدث ابن قتيبة عن المطيبين فقط. ولكن يذكر محمد بن حبيب، فقرة عن الكلبى يطلق فيها اسم لعقة الدَّم على الأحلاف ويذكر هذا المؤلف فى كتابه المخبر أن هؤلاء القوم ذبحوا جملا وغمسوا أيديهم فى دمه ثم لعَق واحد من بنى عدى الدم فقلده الباقون ولهذا سموا لعَقة الدم. ويذكر ابن سعد فى الطبقات قصة مشابهة إلا أنه ذكر جفنة مملوءة بالدم ولم يذكر ذبح الجمل، ويكرر الفيروزأبادى فى القاموس (مادة لعق) هذه القصة، ويطلق لقب لعَقة الدم على الحلفاء الخمسة المذكورين، وقال إنهم لتأكيد عهدهم ذبحوا جملا ولعقوا دمه أو غمسوا أيديهم فيه ولكنه لم يذكر شيئا عن الظروف التى أحاطت بذلك. تبين السيرة الفرق بين المطيبين والأحلاف من حيث الواجبات العامة فى مكة، ولكن لم يرد فيها اسم لعَقة الدم فى تلك المناسبة وإنما أطلق على إحدى الطائفتين من قريش المتصارعتين على وضع الحجر الأسود فى الكعبة عند بنائها. فتذكر السيرة أن بنى عبد الدار أحضروا جفنة ممتلئة بالدم وغمسوا أيديهم فيها وأقسموا هم ومعهم بنو عدى بن كعب على القتال حتى الموت، وهؤلاء هم الذين أطلق عليهم لعَقة الدم، ولكن لم تذكر السيرة ما إذا

المصادر

كان هناك من انضم إلى بنى عبد الدار وبنى عدى كما لم تذكر شيئا عن لعْق الأصابع المغموسة فى الدم. على أى حال، اقترح رجل من بنى مخزوم على الطرفين أن يحكِّموا أول داخل للبيت من باب بنى شيبة، وكما هو معروف، كان أول داخل هو النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-]. ونجد هذه القصة بحذافيرها فى تاريخ الطبرى الجزء الأول صفحة 1138. وبعد زمن قصير، ذكر المسعودى البطون التى تألف منها كل من الأحلاف والمطيبين ولكنه أطلق لقب لعقة الدم على البطون العشرة التى كانت تنتمى، فى رأيه، إلى قريش البطاح والذين كونوا إحدى الطائفتين المتنازعتين فيما عدا بطنين. لم ينضما إلى أى من الفريقين. من الواضح مما ذكرنا أنه ليس هناك خلاف حول المطيبين والأحلاف فى مكة، إنما الخلاف حول قصة لعَقة الدم التى تبدو غير واضحة حتى أننا نتساءل عما إذا كانت قصة غمس الأيدى فى الدم ثم لعقها مختلقة لمجرد التماثل مع حادثة العطور بالنسبة للمطيبين. ثم إنه ليس لدينا إلا ذكر تناول بضع قطرات من الدم، ولم يرد فى لسان العرب أى تلميح لذلك عند ذكر اليمين المغموس حيث قال إن المتحالفين كانوا يدخلون أيديهم فى رماد أو عطر أو دم. المصادر: بالإضافة إلى المصادر التى وردت فى المتن انظر: W.Robertson Smith: Kiriship and marriage in early Arabia, Cambridge 1885, 48 pp حسين أحمد عيسى [ش. بيلات Ch. Pellal] لغز والجمع ألغاز -أى عمَّى مراده وأضمره على خلاف ما أظهره- مُعَمَّى (ج معميات) أى خَفِىَ والتلبس، أُحْجية (ج أحاجٍ)، هذه ثلاثة مصطلحات عربية تستخدم بطريقة مجازية غالبا، ولكنها تشير -بصفة أساسية- إلى ضروب ثلاثة من اللعب بالألفاظ، ولكنها ضروب متقاربة فى النوع إلى حد ما. أما اللغز فيصاغ فى العادة نظما، ويتميز بأنه يُطرح على شكل سؤال. فالفلك أو القبة السماوية يُطرح عنها

المصادر

هذا اللغز "ما عَدَمُ فى الحق، لكن ترى //منه وجودا حيثما استقبلك//. . فإن قطعنا رأسه فهو لك". بينما يتميز "المُعَمَّى" عن اللغز بأن صياغته تخلو من السؤال، وإن كان المعنى العام قد استتر وتوارى باستخدام عدة طرق. فقد يصاغ ليدل على كلمة معينة أو عدة كلمات إذ يورد مفاتيح مختلفة تكشف عن الحروف التى تتكون منها هذه الكلمة أو الكلمات، أو تلمح لها: إما يذكر نطقها أو ترتيبها أو بقراءتها على غير حقيقتها، أو قلبها. وينسب ابتكار "المعمى" إلى الخليل بن أحمد الذى أسس علم العروض، بينما الفرس ينسبونه إلى على بن أبى طالب. ومن أمثلته ذلك المعمى عن الاسم "أحمد": أوله ثالثُ تفاحاتٍ// ورابع التفاحِ ثانيه// وأولُ المسك له ثالثُ// وآخر الورد لبا. ولقد استخدم المعمى كثير من الشعراء وبالأخص أبو نواس. أما الأُحجية فهى لعبة تخمين بسيطة (كأن تقول لأحدهم: خَمَّن ما بيدى) ولكنها قد تشكل نوعا من الألغاز يقترب من اللغز. مثال ذلك أحجية عن السلسبيل [سل- سبيل] أى الخمر: ما ردْف قول المحاجى// إن قال: اطلب (سل) طريقا (سبيلا). المصادر: (1) طاهر بن صالح الجزائرى: تسهيل المجاز فى فن المعمار والألغاز بيروت 1308 هـ. (2) عبد الهادى نجا الأبيارى: سعود المطالع لسعود المطالع، بولاق 1283 هـ. (3) عبد القادر بن محمد الطبرى: عيون المسائل من زْيان المسائل، القاهرة 1316 هـ. سعيد عبد المحسن [م. بن شنب M. Ben Cheneb] لغة لم ترد كلمة لغة فى القرآن الكريم، واستعيض عنها بكلمة لسان {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} (سورة الشعراء آية 195)، {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ} (سورة إبراهيم آية 4). ويقول ج. فوك J. Fuck ونولدكه Noldeke إنه يبدو أن كلمة لغة لم ترد

فى الشعر البدوى القديم، ولكن هذا القول غير مؤكد لعدم وجود سجل شامل لمفردات هذا الشعر القديم. وحتى نهاية القرن الثانى الهجرى/ الثامن الميلادى لم تكن كلمة (لغة) قد أخذت المعنى الذى نعرفه اليوم فسيبويه (ت 180 هـ/ 795 م) والمعاصرون له استخدموا الكلمة بمعنى التباين فى طريقة النطق أو طريقة الاستخدام فلغة الحجاز، ولغة هذيل. . الخ تعنى طريقة الحجازيين أو طريقة قبيلة هذيل. . الخ ومن هنا فليس ثمة ما يدعو للدهشة أن تكون الكلمة مشتقة من (ل غ و) والتى تعنى الانحراف عن الأصل. ويؤكد العالم البارز ابن عربى هذا المفهوم حيث يذكر: أن معنى كلمة لغة هو (الانحراف)، وتستخدم كلمة أخرى هى (اللحن) للدلالة على الخروج عن أسلوب الكلام المعتاد. وبالتالى فهى تعنى "عدم الصحة" و"الخطأ النحوى". ويصرح القالى فى كتابه "الأمالى" أن "كلمة لحن" تعنى أيضا "لغة" كما قال الأصمعى وهذا المعنى هو الذى قصده أمير المؤمنين عمر رضى اللَّه عنه فى قوله "تعلم اللحن كما تتعلم القرآن" ويستخدم ابن أبى داود (المتوفى عام 316 هـ/ 924 م) مؤلف كتاب المصاحف كلمة لحن بهذا المعنى فى باب "اختلاف ألحان العرب فى المصاحف" ويقول فى بداية هذا الباب إن الألحان (جمع لحن) هى اللغات، ولكننا نجد كلمة لغة بمعنى "أسلوب الكلام"، وقد كونت هذه التباينات والأساليب المختلفة فى نطق كلمات اللغة العربية المادة الأساسية التى اتجهت إليها دراسات النحويين فى فترة "الدراسات الميدانية" الكبرى التى قام بها اللغويون العرب خاصة فى القرنين الثانى والثالث الهجريين/ الثامن والتاسع الميلاديين. . ولقد كانت كلمة نحو التى صارت أخيرا تعنى "قواعد اللغة" والتى تقابل كلمة لغة بمعنى "المادة اللغوية" (كما تؤخذ من أفواه المتكلمين بالعربية)، تعنى فى البداية "نوعا من التعبير" (مثل: هذا النحو من الكلام). ومن هنا صار النحويون هم الذين درسوا الأنحاء (أو

نُحُوّ -بضم النون والحاء- جمع نَحْو). بغرض فحص القواعد فحصا شاملا وصياغتها. ومن الواضح أن معنى كلمة نحو فى هذه الاستخدامات لا تتضمن فكرة الانحراف التى تعتبر الطبيعة المميزة لكلمة لغة وكلمة لحن التى تحمل معنى أقوى بكثير والتى أخذت فى النهاية فى القرن الثالث الهجرى/ التاسع الميلادى معنى "عدم الصحة" التى تفرضها وتمليها قواعد النطق الفيسيولوجية، وتسمى بدلًا للضرورة، والمسألة هنا مسألة صنعة، أى عملية منهجية تطبّق على عناصر اللغة. فإذا تعلق الأمر بنطق نص محفوظ (وبالذات القرآن والشعر) فإن هذه الاختلافات يسميهما النحويون وعلماء القراءات "وضوح القراءات أو الأداء". وفى زمان النحويين الأوائل، كانت كلمة لثغة تقابل كلمة لغة. وكلمة لثغة تعنى انحرافا فى نطق بعض الحروف (ليس حرف الغين فقط كما يظن الكثيرون)، وهى حالة انحراف فردية وليست جماعية. لم يفهم بعض المؤلفين المعاصرين موقف أصحاب القواميس والنحويين العرب تجاه القضايا اللغوية، نتيجة عد فهم المدلول الاصطلاحى للكلمات. فعندما تتفق الأغلبية العظمى من المتحدثين باللغة على قول، فإن سيبويه يطلق عليه "قول العامة" (الكتاب، الجزء 1 صفحة 263 والجزء الثانى صفحة 262 أو "قول عامة الناس" أو "قول عامة العرب"، واستخدم ابن جنى التعبير: "قول الكافة"، ويقول ابن جنى "يمكن اعتبار جميع اللغات حجة (من حيث القواعد)، وعندما يكون للغتين انتشار واحد وعلى درجة واحدة من القبول من حيث القياس فلا يجوز تفضيل إحداهما على الأخرى. ونلاحظ أن سيبويه يؤكد دائما على أهمية "السماع" وعلى قبول الحقائق المشهود بصحتها فقط، ويؤكد قبل كل شئ على قبول التعبيرات التى أقرها أهل اللغة العربية والتعامل معها كما تعاملوا هم معها، أو على حد قوله: "استحسن من هذا ما استحسن العرب" ويؤكد ابن جنى أيضا على أن السماع يلغى القياس. وأنه ليس من الضرورى أن كل ما يسمح به القياس يمكن تحقيقه.

ويمتلئ كتاب سيبويه بتعبيرات مثل "هذا عربى كثير". و"هذا أكثر"، و"هذا أكثر وأعرف"، وعند المقارنة بين لغتين أو أكثر، فقد توصف إحداهما بأنها "حسنة" أو "جيدة"، بينما توصف الأخرى بأنها "أحسن" أو "أجود" أو بأنها "قبيحة" أو "رديئة"، والحكم هنا ليس على قيمة التعبير أو الكلمة وإنما على مدى قبول التعبير أو الكلمة وعلى مدى انتشار الاستعمال، وتستعمل التعبيرات التالية للدلالة على مدى الانتشار الجغرافى للغة. مطرد = متواتر أو عام (100 %) وغالب (86 %) وكثير = منتشر أو متكرر (65 %) وقليل = أقل انتشارا وتكرارا (13 %) ونادر (4 %)، وينطبق هذا المقياس أيضا على مدى تكرار كلمة أو تعبير فى فرع معين من فروع العلم، قارن مثلا بين التعبيرين "مطرد فى الاستعمال" و"مطرد فى القياس"، كما جاء فى الخصائص لابن جنى الجزء الأول صفحة 96 وما يليها. على عكس كلمة نحو، فإن كلمة لغة تعنى -بالمعنى القاموسى- الكلام الذى لا يتقيد بقواعد اللغة، فهى أساسا بالسماع، وعلى هذا فإن كل ما نطق به المتكلمون بالعربية هو ما يطلق عليه اللغة (وتشتمل على جميع اللغات المتماثلة). وصف ابن جنى طبيعة اللغة وصفا جيدا فى قوله: تشتمل لغة العرب على نوعين من الكلام. نوع يقبله الإنسان كما هو، على سبيل المثال لا الحصر: حجر ودار، والنوع الثانى يؤخذ بالقياس، فكلمة حجر يمكن تحليلها إلى جذر ح. ج. ر ونسق (فتحة وفتحة وسكون)، ولكن اتحاد هذه الوحدات لتكون كلمة حجر بالمعنى الذى نعرفه إنما هو بالسماع، وكل ما يمكننا عمله هو أن نحفظه. وقد ذهب ابن فارس (المتوفى عام 395/ 1004) المذهب نفسه. صارت كلمة لغة، التى كانت تعنى فى البداية "الأسلوب المحلى فى التعبير"، تعنى الآن ما تتكلم به جماعة عرقية، ولها نفس معنى كلمة لسان، وهذا التطابق فى المعنى بين الكلمتين لم

يعرفه الجيل الأول من النحويين (حتى سيبويه). وقد ظهرت كلمة لغة بشكل متقطع فى نهاية القرن الثانى الهجرى/ الثامن الميلادى (ذكر الإمام الشافعى رحمه اللَّه كلمة لغة بمعنى لسان مرة واحدة فى الرسالة واستعمل كلمة لسان فى باقى كلامه)، وربما ترجع بداية انتشار استخدامها إلى فترة المناقشات الكبيرة فى علم الكلام. وقد استخدم الجاحظ كلمة لغة بمعنى الكلام ولكنه وسع معناها لتشمل جميع اللهجات التى تتكلم بها جماعة عرقية. ومع ذلك فقد ظلت كلمة لغة بمعنى كلمة أو تعبير سائدة إلى وقت متأخر جدا. تطور علم اللغة تطورا مذهلا نتيجة للأبحاث الكبيرة التى بدأها مؤسس هذا العلم أبو عمرو بن العلاء (154 هـ/ 770 م) وتابعه فيها تلاميذه الأصمعى (المتوفى عام 312 هـ/ 838 م) وأبو عبيدة (المتوفى عام 209 هـ/ 826 م) وأبو زيد الأنصارى (المتوفى عام 215 هـ/ 831 م)، وعلماء الكوفة المفضل الضبى وابن العربى وأبو عمرو الشيبانى. . . الخ وقد قام هؤلاء العلماء برحلات شاقة للبحث والدراسة عبر شبه الجزيرة العربية، وأثمرت هذه المجهودات الهائلة فى جمع المعلومات وتصنيفها. لقد قام هؤلاء العلماء بدراسات لا حصر لها للغات القبائل والأمثال والنوادر وأسماء الأماكن والنبات والحيوان وأصول الكلمات وأنواع الأفعال ومصادرها. . الخ. وأضيف إلى هذه الأبحاث ما جمع وصنف فى علوم قراءات القرآن الكريم. وتعتمد جميع معاجم اللغة العربية التى وضعت فى القرون التالية على هذه الدراسات. تعتبر اللغة، بالنسبة للنحويين الأوائل والفلاسفة، نتيجة وضع أو عرف، وينطبق ذلك أيضا على قواعد اللغة نفسها لأنها تختلف من لغة لأخرى، فاللغة -إذن- عملية وضعية، وعند غالبية المعتزلة، تعنى كلمة "وضع" اصطلاحا إنسانيا "بحت" بينما تعنى عند مفكرين آخرين اصطلاحا

إلهيا، أو على الأقل إلهام من اللَّه للإنسان (توقيف)، ولكن لم يُذكر هذان المعنيان صراحة فى أعمال أغلب اللغويين والفلاسفة العرب -بل إن الأشعرى (المتوفى عام 324 هـ/ 935 م) الذى ينسب إليه مبدأ الإلهام الإلهى للغة، له موقف غير حاسم من هذا الموضوع كما نفهم من تلاميذه، ويقال نفس الشئ عن إمام الحرمين والإمام الغزالى، ويأخذ النحويان أبو على الفارسى وابن جنى (الذى تتلمذ على أبى الحسن الأخفش تلميذ سيبويه) نفس الموقف المتحفظ. وقد أثار المعتزلة فى منتصف القرن الثالث الهجرى/ التاسع الميلادى، قضية مهمة، وهى قضية الاختيارية المطلقة للرمز اللغوى بالمقارنة بالثبات المطلق للغة، وقد مثل الرأى الأول أبو الحسين الصالحى كما مثل الرأى الثانى عباد بن سليمان الصيمرى al-Saymari (250 هـ/ 854 م). ويبنى عباد رأيه على أنه "إذا لم تكن هناك علاقة معينة بين لفظ ومعناه، فإن تخصيص هذا اللفظ لهذا المعنى يمثل إمكانية التخصيص بدون أى مبرر، أو على حد قوله "ترجيح بدون مرجح"، وهذا مناف للعقل. ويعترض القاضى المعتزلى عبد الجبار (415 هـ/ 1025 م) على قول عباد فيقول "ليس من الضرورى أن تكون هناك علاقة بين العبارة والمعنى بالشكل الذى يجعل أحدهما ينعدم بدون الآخر. ويرى الصالحى أن هذه الاختيارية لا حدود لها فيقول "فى إمكاننا اليوم أن نغير الأسماء (أسماء الأشياء) واللغة كما نراها الآن". وقد أمكن بعد دلك التوفيق بين الرأيين. فقال القاضى عبد الجبار "أما هذه الأشياء التى صارت اصطلاحية، فمن المؤكد أنه كان من الممكن، وضعها طبقا لأى نظام آخر بنفس الدرجة من الصلاحية، ولكن فى اللحظة التى تتحدد فيها هذه المصطلحات طبقا لنظام اصطلاحى معين، فإن المتكلم يقبلها على أنها لا يمكن أن تكون إلا هكذا". وفى نفس الفترة، عبر ابن سيده عن هذا التوفيق بين الطرفين بقوله "اللغة

المصادر

اضطرارية، بالرغم من أن تعبيراتها الإصطلاحية كانت اختيارية عند وضعها". يقصد بعلم اللغة (أو علوم اللغة) علم أصول الألفاظ ومعانيها، أو بمعنى أدق علم إسناد اللغة، وذلك بعكس التعبير "علم النحو" أو "علم العربية". وقد عرف ابن خلدون "علم اللغة" بأنه علم بيان الموضوعات اللغوية، ويضم ابن خلدون هذا العلم إلى علم النحو وعلم البيان فى مجموعة سماها العلوم اللسانية. وإلى جانب هذا التعبير هناك أيضا "فقه اللغة" وهو مرادف "لعلم اللغة" وإن كان يتناول فرعا أكثر تخصصا وهو دراسة وجه الشبه والخلاف بين مفردات اللغة. أدى الاستخدام الحديث المتكرر لكلمة لغة بالمعنى الذى نعرفه الآن إلى محاولة بعض المعاصرين لاستخدام تعبير "علم اللغة" للدلالة على المفهوم الحديث لعلم اللغات، وهذا ليس صحيحا تماما، فإن علم اللغات بمفهومه الحديث كان ولا يزال يحمل معنى دراسة مفردات اللغة. وهناك تعبير آخر يدل على هذا المفهوم وهو علم اللسان أو اللسانيات). وقد استخدم الفارابى هذا التعبير فى كتاباته وبالذات فى إحصاء العلوم، حيث تصور إمكانية وضع دراسات لغوية تنطبق على جميع اللغات ولا تخفى لغة معينة. المصادر: (1) سيبويه: الكتاب، بولاق جزء 1، 2، القاهرة 1316 - 1317 هـ. (2) القالى: الأمالى جزء 1 - 3، القاهرة 1344 هـ. (3) زجاجى: إيضاح علل النحو، القاهرة 1959 م. (4) نفس المؤلف: مجالس العلماء، الكويت 1962 م. (5) ابن أبى داود: كتاب المصاحف، القاهرة 1955 م. (6) الشافعى: الرسالة، طبعة شاكر، القاهرة 1949 م. (7) ابن خلدون: المقدمة، بيروت 1997 م. حسين أحمد عيسى [أ. حاج صلاح A. Hadj Salah]

لقب

لقب اللَّقب والنَّبْز اسم غير مُسَمَّى به والجمع ألقاب، وقد يعبر عن الإعجاب، وقد يكون محايدا ذا دلالة على صاحبه فحسب وقد يكون مخزيا وفى هذه الحال غالبا ما يسمى نَبْز، وقد استخدم فى التاريخ الإسلامى فى فترة متأخرة نسبيا لإضفاء التشريف على حامله. 1 - الجاهلية والعصور الإسلامية الأولى نجد فى هذه الفترة أمثلة كثيرة لألقاب أطلقت على زعماء البدو والشعراء والخطباء. . . الخ مثل آكل المرار والأبرحى والمتلمس وعائد الكلب ومقبل الريح. . . إلخ. وفى العصر العباسى نجد ديك الجن وصريع الغوانى. . إلخ. وهذه الألقاب قد تعبر عن سمات بدنية أو عيوب قد تكون متصلة بأبيات لاذعة من الشعر أو أحداث فى حياة صاحب اللقب، ولكن غالبا ما تكون هذه الأحداث قد فقدت معناها على مر الزمن. وقد ذهب كتاب السير الأدبية فى تفسيرهم للألقاب الغريبة والشاذة مذاهب غاية فى الغرابة، انظر مثلا الأغانى طبعة بولاق الجزء 18 صفحة 209 فى أصل لقب تأبط شرا، كما يحتوى هذا الكتاب على قائمة مفيدة بهذه الألقاب وشرح لها من مصادر مختلفة. من الواضح إذن أن إطلاق الألقاب كان منتشرا فى المجتمع العربى منذ الجاهلية، ومنه انتقل إلى الفرس والأتراك وباقى العالم الإسلامى. يقول الثعالبى، الذى خصص فصلين من فصول كتابه "لطائف المعارف" العشرة للحديث عن ألقاب الأدباء والشعراء المشهورين، نقلا عن العالم اللغوى المبرد إنه نادرا ما ترى رجلا لا يعبر لقبه عن شخصيته. وقد لاحظ الثعالبى أن أهل بغداد ونيسابور كانوا مشهورين بقدرتهم على صياغة الألقاب المناسبة وذكر أمثلة متعددة من كل مدينة، ولكنه مع الأسف أغفل ذكر أصل هذه الألقاب. تطلق بعض هذه الألقاب تفاؤلا بمستقبل سعيد أو لدفع الضرر لهذا فإنه من المعتاد أن نرى أسماء وألقابا كئيبة ومتنافرة لدفع العين التى قد تصيب الشخص صحيح البدن فى حين تطلق أسماء جميلة وأنيقة مثل أسماء

الزهور والعطور والأحجار الكريمة. . . إلخ على العبيد والأشخاص قليلى الأهمية، ومن أمثلة ذلك ما ورد أن الخليفة المتوكل أطلق على أم ولده المعتز لقب "قبيحة" لأنها كانت مشهورة بجمالها، فى حين نجد الأناقة فى أسماء مثل ياقوت وجيجاك وهى بالتركية تشيشك وتعنى زهرة، وهو اسم أم الخليفة المكتفى وكانت أم ولده)، بينما نجد مثالا واضحا للأسماء التى تعنى عكس ما عليه المسمّى فى اسم كافور الإخشيدى (الكافور أبيض زكى الرائحة بينما كان كافور أسود، خصيا، يضرب به المثل فى الإيذاء كما كان كريه الرائحة). وقد سئل العتبى يومًا، لماذا يطلق العرب على أبنائهم أسماء مستشنعة، بينما يطلقون على عبيدهم وإمائهم أسماء مستحسنة؟ فأجاب بأن العرب يطلقون الأسماء على أبنائهم وهم يفكرون فى أعدائهم، فى حين يطلقون على عبيدهم وإمائهم ما يشاءون من الأسماء (يعنى بدون أى اعتبار آخر) ومن أمثلة الأسماء التى يطلقها العرب على أبنائهم "تفاؤلا على أعدائهم" غالب، ظالم، مقبل، ثابت. . . إلخ. وربما نكون قد تفرعنا إلى الحديث عن الأسماء وليس الألقاب، إلا أن الأسماء التى تطلق على العبيد والإماء يمكن أن تعتبر ألقابا تحل محل الأسماء الأصلية. وقد أدان القرآن الكريم ميل العرب -وبخاصة قريش لإطلاق ألقاب الازدراء فى سورة الحجرات آية: 11، {وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ}. وهذه السورة مدنية نزلت قبل وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام بعام أو عامين، ولم ينج الرسول نفسه من إطلاق الألقاب عليه مثل "الأبتر" أى الذى ليس له أبناء، وكان سبب نزول الآية المذكورة كما ذكر المفسرون، إهانة بعض النساء لأم المؤمنين صفية بنت حُيَىْ لأصلها اليهودى حيث كانت من بنى النضير. وبمضى الزمن، بدأ اللقب يأخذ صورًا أرقى فى المجتمع الإسلامى، مع احتفاظه لبعض الوقت باتجاهاته الازدرائية والاستهزائية، فكان بعض المؤلفين والفنانين يتخذون ألقابا كأسماء مستعارة، وبالذات فى فارس وتركيا والدويلات الهندية الإسلامية

2 - عصر الخلفاء

ولكن الاتجاه الأهم هو تحول اللقب من التعبير عن المديح أو الإعجاب (مثل ملاعب الأسنة الذى أطلق على الشاعر الجاهلى عامر بن مالك الذى عرف ببسالته فى المعارك) إلى لقب يدل على الاحترام والتبجيل لصلته الوثيقة بالحكم أو الدين أو لاستخدامه كمكافأة على أعمال تتسم بالشجاعة أو أدت إلى نفع للدولة؛ لهذا فقد عاشت الألقاب زمنا طويلا فى العالم الإسلامى، وبصفة خاصة المنطقة التى تقع بين مصر والهند. وإن وجدت بدرجة أقل فى الأندلس وشمال أفريقيا، واستمر وجودها حتى بداية القرن العشرين. وقد أورد القلقشندى فى كتابه صبح الأعشى أن ألقاب ونعوت المديح كانت معروفة منذ زمان إبراهيم الخليل وموسى الكليم ويونس ذى النون عليهم السلام. عرف العرب الأوائل ألقاب التبجيل والاحترام من البيزنطيين والرومان، كما وجدت ألقاب الأبهة والفخامة فى عهد الدولة الأكمينية (الهخامنشية) منذ أيام هيرودوت، وكذلك أطلق الساسانيون ألقابا على رجال الدولة المدنيين والعسكريين مثل بُزرج فرامدار (رئيس الحاشية) وهَزَارمَرْد (له قوة 1000 رجل) على القادة العسكريين. وكانت هذه الألقاب يصاحبها عادة لبس رداء الشرف الذى عرف فى الإسلام باسم الخلعة. 2 - عصر الخلفاء: بدأ استخدام الألقاب الشرفية فى العالم الإسلامى من القمة، وذلك باتخاذ الخلفاء الأمويين ألقابا ملكية، ويرجع المؤرخون بداية ذلك إلى عصر الأمويين ويقول المسعودى فى كتاب "التنبيه" إن الأمويين اتخذوا ألقابا دينية صارت بعد قرنين من الزمان أمرا مألوفا فى العصر العباسى مثل الناصر لحق اللَّه لمعاوية، والقاهر بعون اللَّه لمسلمة بن عبد الملك، والمتعزز باللَّه لإبراهيم بن الوليد بن عبد الملك، ولكنه عاد فرفض هذه الأخبار على أساس أنها ضعيفة ولم يؤيدها المؤرخون وكتاب السير. ومن قبل الأمويين عرف أبو بكر بالصديق، وعمر بالفاروق، وعثمان بذى النورين.

تعتبر الألقاب ذات الطبيعة الدينية التى تعبر عن الاعتماد على اللَّه والتوكل عليه والاستعانة به على مهام الحكم بحق بدعة من بدع العصر العباسى الأول. ويؤكد ب. لويس B. Lewis على أهمية الشعور العام الذى ساد فى زمان الحركة العباسية فى انتظار حكم عادل مؤيد من اللَّه، وساعد هذا الشعور على اتخاذ المنصور وخلفائه ألقابا دينية. ولم يتخذ أبو العباس السفاح أول الخلفاء العباسيين أى ألقاب ملكية، ولكن خليفته أبو جعفر اتخذ رسميا لقب المنصور باللَّه، ثم اتخذ خلفاؤه ألقاب المهدى باللَّه والهادى إلى الحق. يلاحظ أن ألقاب الحكام العباسيين حتى أواخر القرن الرابع الهجرى/ العاشر الميلادى وفترة حكم بنى بويه فى بغداد كانت تتكون أساسًا من اسم فاعل أو صفة مؤكدة عظمة اللَّه عز وجل فى حكمه وأهمية ضمان تأييده فى حمل أعباء الحكم طبقا للشريعة ويلاحظ أ. آبل A. Abel أن الفاطميين، وقد كانوا أكبر المنافسين للحكم العباسى فى شمال إفريقيا ومصر، قد استخدموا ألقابا أكثر وضوحا وتأثيرا لتأكيد دعوتهم للخلافة والإمامة مثل الحاكم بأمر اللَّه الذى أطلق على أبى القاسم محمد خليفة المهدى عبيد اللَّه، ومنذ حكم المعز (341 هـ/ 953 م). أخذت ألقاب الفاطميين صورة اسم الفاعل أو صفة تؤكد دور الحاكم الحاسم فى تنفيذ أمر اللَّه مثل الحاكم، الآمر، الظافر. . . يضاف إليه عادة تعبير مثل لدين اللَّه أو بأمر اللَّه. وردا على ذلك، بدأ العباسيون مع نهاية القرن الرابع الهجرى/ العاشر الميلادى، فى اتخاذ ألقاب مشابهة لتأكيد وضعهم كحماة للسنة، مثل الحاكم بأمر اللَّه والناصر لدين اللَّه والظاهر بأمر اللَّه. وكان اللقب يطلق على الخليفة عند توليه الحكم، ولكن بدأ ولى العهد أيضا يتخذ لقبا بمجرد إعلانه وريثا للحكم، وكانت كنيته أو لقبه يظهر على النقود جنبا إلى جنب مع لقب الخليفة أو كنيته. وكان هذا اللقب عادة يظل مع ولى العهد بعد توليه الحكم، ولكن كان يحدث أحيانا أن يستبدل بغيره. أكثر تعظما، فالمتوكل

مثلا، كان لقبه اثناء ولايته للعهد المنتصر، ثم غيره قاضى القضاة أبو داود إلى المتوكل فى اليوم التالى لتوليه الخلافة (232 هـ/ 847 م). وكان الخلفاء العباسيون يطلقون الألقاب على عمالهم ومعاونيهم، فأطلق المأمون على وزيره الفارسى الأصل الفضل بن سهل لقب ذى الرياستين لأنه كان يقوم بأعباء الوزارة وقيادة الجيش، كما أطلق على طاهر بن الحسين مؤسس أسرة الطاهريين فى خراسان والعراق لقب ذى اليمينين وعلى على بن أبى سعد ابن خال الفضل بن سهل لقب ذى القلمين، ربما لأنه كان يكتب بالعربية والفارسية، وفى عام 629 هـ/ 885 م، أطلق الموفق على وزيره سعد بن مخلد لقب ذى الوزارتين. عرف هذا النوع من الألقاب التى تشير لممارسة مهمتين أو التحلى بصفتين قبل ذلك الزمن بكثير، فقد أطلق لقب ذى النورين على الخليفة عثمان رضى اللَّه عنه وذى الشهادتين على خزيمة بن ثابت الأنصارى (لأن الرسول عليه الصلاة والسلام وعده بضعف ثواب الشهيد)، وقد استمر هذا النوع من الألقاب فترة طويلة فى التاريخ الإسلامى كما كان الحال مع الأسماء الثنائية (محمدين والحسنين) حتى أنه لا زال موجودا إلى يومنا هذا، واستمر بنو بويه. وهم نواب العباسيين فى غرب فارس والعراق فى إطلاق الألقاب على وزرائهم، فأطلق ركن الدولة على وزيره العظيم أبو الفتح بن العمير لقب ذى الكنايتين (السيف والقلم). وفى العصر السلجوقى، ظهر تعبير الحضرتين فى الألقاب، ويقصد به بلاط الخلفاء العباسيين وبلاط السلاطين السلاجقة، مثل ثقة الحضرتين ونظام الحضرتين وهو لقب على بن طَرَّاد الزينبى نقيب النقباء فى بغداد فى العقود الأخيرة من القرن الخامس الهجرى/ الحادى عشر الميلادى. عرف الدعاء بعد ذكر الأسماء منذ بداية الإسلام وذلك فى الصلاة على النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] بعد ذكره والتسليم بعد ذكر أسماء الأنبياء السابقين والترضية

بعد ذكر أسماء الخلفاء والأوائل. . . إلخ ومنذ زمان الخليفة الأموى اليزيد ابن عبد الملك (101 - 105 هـ/ 720 - 724 م) و (يزيد الثانى) كان الدعاء مثل أصلحه اللَّه، وأبقاه اللَّه، وأكرمه اللَّه يذكر دائما بعد اسم الخليفة وكبار رجال الدولة والولاة، وكانت الصيغة المختارة تظل مرتبطة باسم الوالى أو المسئول طيلة حياته إلا إذا مُنح صيغة أعلى منزلة. ولهذا يمكن اعتبار هذه الأدعية ألقابا من حيث إنها تعبر عن شرف خاص منحه الحاكم لموظف مخلص. وفى القرن الرابع الهجرى/ العاشر الميلادى، بدأ ظهور ألقاب مركبة، المقطع الثانى منها كلمة "الدين" أو "الدولة" أو "المُلك"، كما استخدمت كلمتا "الأمة" و"الملة" ولكن بدرجة أقل انتشارا. وقد تناول عدد من الباحثين هذه الألقاب بالدراسة الدقيقة وجمعوها فى قوائم مطولة وذلك لأن هذا النوع من الألقاب استمر لما يقرب من ألف عام، وبلغ عدد الألقاب التى تحتوى على كلمة الدين التى جمعها ديتريش Dietrich وكرامر Al Kramer لقبا. وكانت الألقاب التى تنتهى بكلمة الدولة هى الأسبق فى الظهور، ولكنها كانت فى البداية ألقابا عظيمة لا يمنحها إلا الخليفة وفى حالات استثنائية؛ لهذا عندما شرف المكتفى وزيره القاسم بن عبيد اللَّه (تولى الوزارة من عام 289 - 291 هـ/ 902 - 904) بتزويجه إحدى بناته، أطلق عليه أيضا لقب ولى الدولة كدلالة على الصداقة الحميمة التى تربط بينهما. وكذلك منح الخليفة المتقى عام 330 هـ/ 941 - 942 أبا محمد الحسن بن حمدان نائب الموصل لقب ناصر الدولة مكافأة على خدماته فى مواجهة أمير الأمراء محمد بن رائق، كما منح أخاه أبا الحسن على نائب حلب لقب سيف الدولة. وفى عام 334 هـ/ 945 م، دخل ابن بويه الديلمى بغداد وتولى منصب أمير الأمراء ومنح الخليفة الإخوة أحمد وعلى وحسن من بنى بويه ألقاب معز الدولة، وعماد الدولة، وركن الدولة،

وقد حصل جميع أمراء بنى بويه على ألقاب مشابهة مع زيادة فى التعظيم أحيانا مثل عضد الدولة وتاج الملة، أو شرف الدولة وزين الملة، أو بهاء الدولة، وضياء الملة، وغياث الأمة. ويلاحظ، عند ذكر ابن رائق أن منصب أمير الأمراء ظهر بصفة رسمية فى النصف الأول من ذلك القرن نتيجة لتدهور الخلافة، وقد ظهر هذا اللقب أو ما يشبهه مثل كبير الأمراء فى القرن الثالث الهجرى/ التاسع الميلادى كلقب لقائد جيوش الخليفة، ولكن فى زمان الخليفة الراضى (322 - 329 هـ/ 934 - 940 م) اكتسب حامل لقب إمارة الأمراء سلطات فى شئون الدولة، لهذا كان من الطبيعى أن يتقلد بنو بويه المنصب بعد سنوات قليلة. ومن الأمور ذات الأهمية الخاصة، أن فى محاولة بنى بويه إحياء مملكة فارس القديمة فى صورة إسلامية، استخدم عضد الدولة لقب شاهان شاه (إمبراطور الأباطرة) القديم فى التخاطب معه وفى مراسلاته، وقد ارتبط هذا اللقب ببنى بويه حتى أن البيهقى، كان يشير إليهم باسم الشاهان شاهانيين، ولكن من المحتمل أن يرجع أستخدام هذا اللقب إلى بداية حكم بنى بويه فى فارس والعراق. وأن يكون أول من استخدمه عضد الدولة أبو ركن الدولة، أو حتى عمه عماد الدولة من قبلهما. ويدل استخدام اللقب بدون إذن الخليفة على استقلال سلطة بنى بويه استقلالا حقيقيا عن الخليفة بصرف النظر عن التبعيه الأسمّية أو الشكلية ولكن بعد وفاة عضد الدولة، اضطر خلفاؤه الذين كانوا أضعف بالإضافة إلى وقوع النزاع بينهم -إلى السعى للحصول على تأييد الخليفة وبالتالى الحصول على موافقة العباسيين على لقب شاهان شاه. وفى البداية وافق الخليفة القائم عندما طلب جلال الدولة ذلك، ولكن عندما ذكر هذا اللقب فى خطبة الجمعة فى بغداد عام 429 هـ/ 1038 م حدث شغب بين المصلين، فكان لزاما الحصول على موافقة فقهاء الحنفية والحنابلة والشافعية قبل ذكر هذا اللقب الذى يتضمن كفرا (فى نظر المتدينين) على المنابر. وظل هذا اللقب مستخدما إلى قبيل غزو المغول، فمثلا

أطلق على علاء الدين محمد الثالث الإسماعيلى، سيد قلعة الموت (618 - 653 هـ/ 1221 - 1255) فى إحدى الكتابات لقب المولى الأعظم شاهان شاه المعظم. وبعد ذلك تحول من لقب إلى مجرد اسم يطلق على الأمراء الفرس والأتراك الذين كانوا يطلقون على أنفسهم فى ذلك الوقت أسماء فارسية. وكما حمل بنو بويه ألقابا مزدوجة كما رأينا، فقد منحوا بدورهم ألقابا جليلة لوزرائهم وكبار مساعديهم وكان تعبير "كافى" يتردد فيها كثيرا وقد وصف البيرونى الألقاب مثل "كافى الكفاة" أو "الكافى الأوحد" أو "أوحد الكفاة" بأنها لم تكن إلا أكذوبة كبرى. لم يسرف السامانيون فى بلاد ما وراء النهر وخراسان فى استخدام الألقاب مما دعا البيرونى لمدحهم فى ذلك. ويبدو أن صفات السعيد والسديد والحميد والرضا كانت تطلق عليهم بعد وفاتهم، والحالة الوحيدة التى أطلق فيها لقب على أحد السامانيين فى حياته كانت مع آخرهم اسماعيل بن نوح (المتوفى عام 395 هـ/ 1005 م). حيث أطلق على نفسه لقب المنتصر، ربما أملا فى استرداد ثرواته، ولكن ذهب أمله هباء وفى النصف الثانى من القرن الرابع الهجرى/ العاشر الميلادى بدأ السامانيون فى إطلاق ألقاب على قادتهم العظماء، فأطلقوا لقب ناصر الدولة على نوح بن منصور (365 - 387 هـ/ 976 - 997 م) قائد غزاة بخارى، كما أطلقت ألقاب مشابهة على القادة الأتراك للجيوش السامانية فى خراسان فأطلق لقب حسام الدولة على تاش Tash حاجب. اختلف الغزنويون الذين خلفوا السامانيين على شرق فارس وأفغانستان مع أسلافهم السامانيين فى موقفهم من الألقاب، ومنذ أن تولى سبكتكين مؤسس الأسرة الغزنوية الحكم سعى الغزنويون للحصول على ألقاب متعددة من الخلفاء فحصل سبكتكين على ألقاب معين الدولة وناصر الدولة أو ناصر الدين والدولة الذى كان يختصر إلى ناصر الدين. وفى زمان إبراهيم بن مسعود (451 - 492 هـ/ 1059 - 1099 م) كان

السلاطين يحملون مجموعة متألقة من الألقاب، فحمل إبراهيم بن مسعود لقب ظهير الدولة وحوالى 12 لقبًا آخر بالإضافة إلى اللقب الرسمى (الذى تسك العملات به) وهو السلطان المعظم أو الأعظم الذى ربما حمله بتأثير السلاجقة. ظهرت الألقاب المركبة التى فيها "الدين" قبل تلك التى فيها "الدولة" بقليل، لهذا ربما يكون لقب ناصر الدين والدولة الذى منح لسبكتكين أول ما ظهر من ألقاب الدين، كما أنه بالتأكيد اللقب الوحيد من هذا النوع الذى سجله البيرونى تحت عنوان "من منحهم الخليفة ألقابا"، أما باقى الألقاب فتحتوى على الدولة والملَّة والأمة. وفى القرن الخامس الهجرى/ الحادى عشر الميلادى، كانت الألقاب تتردد بين استخدام كلمة "الدولة" أو استخدام كلمة "الدين"، ولكن مع قدوم السلاجقة، انتشر استخدام الألقاب التى بها كلمة "الدين"، وطبقا للمصادر التاريخية السلجوقية، منح الخليفة القائم طغرل السلجوقى Toghril عندما عاد إلى بغداد للمرة الثانية عام 449 هـ/ 1058 م لقب ركن الدولة وملك الشرق والغرب، ولكن كان يشار إلى طغرل فى الفترة القصيرة التى تبقّت من حياته وبعد أن توفى بلقب ركن الدين، ويبدو أن السلاجقة لم يكونوا راضين عن ألقاب "الدولة"، فقد فضل سلاطينهم فى القرن السادس الهجرى/ الثانى عشر الميلادى الألقاب التى فيها "الدين" أو التى فيها "الدين والدنيا"، فحمل ملكشاه لقب جلال الدولة ومعز الدين والدنيا، وحمل ابنه محمد لقب غياث الدين والدنيا، ولكن مع تقلص استخدام كلمة الدولة فى الألقاب، أطلق السلاجقة ألقابا مركبة فيها كلمة (المُلك) على وزرائهم وقادة الجيوش الكبار (مثل لقب عميد المُلك الذى أطلق على أبى نصر كندرى Kunduri ونظام الملك الذى أطلق على أبى على الطوسى)، وقلدهم العباسيون فى حمل ألقاب تعبر عن القوة الدنيوية، فأطلق الخليفة المقتفى لقب سلطان العراق وملك الجيوش على وزيره عون الدين بن هبيرة عام 549 هـ/ 1154 م مكافأة له على طرد التركمان من واسط.

كما سار على منوالهم شاهات خوارزم فى القرن السادس الهجرى/ الثانى عشر الميلادى، أوائل القرن السابع الهجرى/ الثالث عشر الميلادى. لم يعترض الفاطميون الشيعة، أكبر خصوم السلاجقة فى الصراع على النفوذ فى منطقة الصحراء السورية والحجاز، على إطلاق ألقاب فيها كلمة الدولة على الوزراء والموظفين. وكانت الصيغة التقليدية بالنسبة للوزراء هى "الوزير الأجل"، وقد منح الخليفة المعز هذا اللقب لوزيره يعقوب بن كِلّس عام 368 هـ/ 979 م، وفى نفس الفترة منح بعض الوزراء الفاطميين ألقابا مركبة فيها كلمة الدولة وألقابا أخرى مثل أمين الملة الذى أطلق على أبى محمد بن عمار وسيف الدولة الذى أطلق على يوسف بُلُجين عام 361 هـ/ 972 م، كما منح باديس والمعز بن باديس خلفاء يوسف ألقابا مشابهة، (عندما أعلن المعز عام 433 هـ/ 1041 م ولاءه للعباسيين، منح الخليفة الفاطمى المستنصر لقب شرف الدولة الذى كان يحمله المعز لأحد أقربائه، وكذلك منح القائد الحمدانى لؤلؤ بن منصور لقب مرتضى الدولة عام 399 هـ/ 1008 م. وقد انفرد الفاطميون بإطلاق ألقاب مركبة تدخل فيها التعبير "أمير المؤمنين" على وزرائهم، فأطلق لقب صفى أمير المؤمنين وخالصته على أبى القاسم أحمد الجَرْجَرائى، ومصطفى أمير المؤمنين على أبى منصور صدقة إبن يوسف الفلاحى. وسرعان ما صارت ألقاب رجال الدولة الفاطميين منمقة وفخمة إلى درجة كبيرة، ممهدة لألقاب العصر المملوكى متعدد الألفاظ التى ظهرت فى مصر بعد ذلك، فحمل الوزير أبو محمد الحسن اليازورى ألقاب الوزير الأجل الأوحد المكين سيد الوزراء وتاج الأصفياء وقاضى القضاة وداعى الدعاة علم المجد خالصة أمير المؤمنين، ثم أضيف إليها بعد ذلك ناصر الدين وغياث المسلمين، وتدل هذه المجموعة من الألقاب على مدى سعة سلطاته، ليس كوزير فحسب، بل أيضا كقاضى القضاة وداعية كبير.

عموما، كان أسلوب الفاطميين فى منح الألقاب يشبه أسلوب العباسيين، وكتقليد ثابت، كان يصاحب منح اللقب منحة أخرى مثل إهداء لواء أو سيف مع درع فخم، وكان الفاطميون، وكذلك السنيون، يعلنون عن منح الألقاب إما أمام قصر الخليفة فى القاهرة أو على منابر المساجد. وبعد حكم السلاجقة، أى بعد القرن السادس الهجرى/ الثانى عشر الميلادى، تأكدت سيادة الألقاب التى فيها كلمة الدين، ليس فقط بالنسبة للحكام ورجال الدولة، بل أيضا فى الجماعات الدينية والزعماء الروحيين البارزين ومشايخ الصوفية. . . إلخ، مثل نجم الدين كبرا Kubra ومحيى الدين بن العربى وجلال الدين الرومى ومعين الدين تشيشتى، ولم يعد الخليفة فى ذلك الوقت هو المانح الوحيد للألقاب، ونتيجة لذلك صارت الألقاب تمنح بشكل يتلاءم إلى حد ما مع اسم الشخص الأصلى. (وللقلقشندى فصل عن هذه العادة فى كتابه صبح الأعشى جزء 5 صفحة 488 - 490 بعنوان: فى الألقاب المفرعة على الأسماء)، ويعود هذا الأسلوب إلى أيام المماليك الأولى أو حتى قبلها، فنجد عند المماليك الأتراك لقب علم الدين قد ارتبط باسم سَنْجَر وجمال الدين بأق قوش وحسام الدين بحسن أو حسين وعلاء الدين بعلى وتاج الدين بإبراهيم. . . إلخ حتى الخصيان كانت لهم ألقاب مرتبطة بالأسماء مثل شجاع الدين مع عنبر، كذلك كان لرجال الدولة من الأقباط المصريين ألقابا مرتبطة بالأسماء، مثل تقى الدين مع وهبة. انتقل هذا النوع من التلقيب إلى الدولة العثمانية وبالذات مع العلماء والفقهاء، فارتبط لقب بدر الدين باسم محمود بالإضافة إلى الألقاب التى دكرناها مرتبطة بأسماء حسن وحسين وعلى وإبراهيم. وحتى غزو التتار لبغداد عام 656 هـ/ 1258 م، كان منح الألقاب امتيازًا خاصًا بالخلفاء. وكان الولاة ونواب الخليفة فى الأقاليم المحافظون على مفهوم الخلافة بمفهومه الذى يعنى أن جميع السلطات التنفيذية تنبع

أساسًا من الخليفة- يحرصون على الحصول على ألقاب منذ بداية توليهم المناصب، وكانوا يبحثون عن الألقاب التى تدل على القرب من الخليفة أو على علاقة خاصة به مثل مولى أمير المؤمنين وولى أمير المؤمنين وقسيم أمير المؤمنين. وقد يحسم اعتراف الخليفة مصحوبا بوثيقة تقليد منصب (عهد أو منشور) ومظاهر القوة الأخرى مثل لقب أو حصان مطهم أو لواء وقد يحسم اللقب الصراع على السلطة لصالح أحد الخصمين. ففى عام 421 هـ/ 1030 م أسرع الأمير الغزنوى مسعود بن محمود لمواجهة أخيه محمد الذى بايعه الجيش سلطانًا على غزنة، وعندما وصل إلى نيسابور تلقى من الخليفة القادر عهدا بولاية الدولة الغزنوية بالإضافة إلى مجموعة قوية من الألقاب أو "نعوت سلطانية" كما سماها البيهقى هى: ناصر دين اللَّه حافظ عَباد (أو عُبَّاد) اللَّه المنتقم من أعداء اللَّه ظهير خليفة اللَّه أمير المؤمنين، وعلى الفور أمر مسعود بإعلان هذه المنحة ونشرها فى جميع مدن خراسان، وقد ثبت أنها كانت سلاحا دعائيا قيما فى انتزاعه السلطنة من أخيه محمد فى ذلك العام. واحتفظ العباسيون بحقهم فى منح الألقاب فى العالم السنى لزمن طويل، وكان الخليفة شخصيا هو الذى يمنح اللقب، وصاروا يلتزمون بكل دقة بالصيغة التى منحها الخليفة، ويقول الكاتب المملوكى ابن فضل اللَّه العمرى. إن القاعدة التى لم يكن يسمح بمخالفتها فى العصور القديمة أنه لا يجوز أن يخاطب أى ملك بغير الألقاب التى منحها له ديوان الخليفة "بالنص من غير زيادة ولا نقص". ومن هذا المنطق كان اتخاذ أى لقب من غير إجازة الخليفة يعد عيبا فى الذات ويعد كأنه تمرد "ضد الخليفة أو الملك، ونضرب مثلا لذلك ما حدث فى خراسان فى أواخر القرن الرابع الهجرى/ العاشر الميلادى عندما ثار أبو على السيمجورى Simdjuri القائد العسكرى السامانى على مولاه نوح ابن منصور واستولى على خراج خراسان وتلقب بأمير الأمراء المؤيد من السماء.

ولما كانت الألقاب ومظاهر التشريف تعطى حاملها وضعا ومقاما خاصين، فقد كان من الطبيعى أن ينتظر العباسيون مقابلا لها خاصة فى فترة الفقر المدقع التى مرت بهم فى بداية القرن الرابع الهجرى/ العاشر الميلادى، وصارت تلك التجارة فى مظاهر التشريف فى مقابل الهدايا أهم شئ عندهم خاصة فى زمان بنى بويه عندما آل بهم الحال إلى أن صاروا فى عيشة ضنكا عالة على بنى بويه. وبمضى الزمن صار لهذه المنح ما يشبه التسعيرة المحددة، وقد ذكر البيهقى فى كتاب تاريخى مسعودى Torikh-i Masudi صفحة 293 بالتفصيل المناقشة التى دارت فى بلاط مسعود الغزنوى عام 422 هـ/ 1031 م حول الهدايا المطلوب إرسالها إلى الخليفة الجديد القائم بأمر اللَّه الذى كان السلطان ينتظر منه أن يقره على ملكه ويمنحه المزيد من الألقاب ومظاهر النبل، وقد دارت معظم هذه المناقشة حول الرسم المعتاد فى مثل هذه الأحوال. كان لزاما، والأمر هكذا، أن ترتفع أصوات تعترض على هذا التفريط [. . . . .] (*) فى منح الألقاب ومظاهر التشريف الذى أدى إلى انخفاض قيمتها. كما كتب هلال الصابئ (المتوفى عام 448 هـ/ 1056 م) فقرة طويلة فى كتابه "كتاب الوزراء تحقيق عبد الستار فرج، القاهرة 1958 صفحة 166 وما بعدها يندب فيه التغير الذى حدث فى الفترة بين الوزيرين ابن الفرات وعلىّ بن عيسى (الذى رفض منح أحد النواب لقبا أكثر من الدعاء البسيط "شرفه اللَّه" بالرغم من تعرضه للتهديد بسبب عناده)، وكذلك فى الفترة بين الوزيرين عضد الدولة وصمصام الدولة والحالة التى آل إليها الوضع فى أيامه. وكان مدار شكواه استحالة التمييز الاجتماعى والوظيفى إذا فقدت الألقاب معناها الحقيقى وكانت النتيجة التى وصل إليها أن المناصب الرسمية قد فقدت منزلتها عندما أصبحت كلها فى مستوى واحد ورخصت عندما تساوت، ولم تعد تمثل أى مجد يثير الإعجاب أو امتياز يستحق المكافأة، ولقد سمعت

_ (*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: مسح بالمطبوع

3 - الغرب الإسلامى

مولانا الخليفة القائم بأمر اللَّه، أطال اللَّه عهده، يقول إنه لم يعد هناك لقب يمنح لمن يستحق. كما لاحظ البيرونى، الذى عاصر هلالا أنه عندما بدأ العباسيون فى مكافأة خواصهم بألقاب "الدولة" التى لا معنى لها والتى وصلت إلى ثلاثة ألقاب فى بعض الحالات انهارت دولتهم وهكذا صار الأمر منافيا للعقل وثقيل الظل إلى أقصى درجة، فمن أراد ذكر هذه الألقاب يتعب قبل أن يبدأ ومن أراد أن يكتبها يضيع وقته وكتابته، ومن أراد أن يخاطبهم بها ربما ضاعت عليه الصلاة. وفى نهاية القرن الخامس الهجرى/ الحادى عشر الميلادى، كان انخفاض قيمة الألقاب قد سار إلى مدى أبعد فى الشرق الإسلامى، حتى أن الوزير السلجوقى نظام الملك اعترض على ذلك فى الباب الذى كتبه عن الألقاب فى كتابه سياسة نامة حيث قال: لقد كثرت الألقاب، وما زاد عدده نقصت قيمته ومنزلته" ويقول "فى أيامنا، يغضب أصغر رجل من رجال الدولة ويسخط إذا لم يمنح سبعة ألقاب أو عشرة". ويشجب بصفة خاصة الخلط بين ألقاب "الدولة" التى كانت مخصصة للقادة العسكريين والأتراك وألقاب "الملك" والألقاب الأخرى التى كانت تمنح للوزراء والنواب وباقى رجال الدولة المدنيين والدينيين، حتى وصل الحال إلى منح لقب تاج الدين أو معين الدين لضابط تركى أمى طاغية وجاهل بالشريعة جهلا تاما. ويقول أن الفترة التى فتحت فيها المملكة السلجوقية الباب على مصراعيه لمنح الألقاب المتنافرة بغير تمييز كانت بعد وفاة ألب أرسلان (أى بعد عام 465 هـ/ 1072 م). 3 - الغرب الإسلامى: كان ما ذكرناه حتى الآن يتعلق بالبلاد الإسلامية الوسطى والشرقية. أى مصر والبلاد التى تقع شرقها. أما فى الغرب الإسلامى فقد اتخذت الألقاب مسارًا مختلفًا فكان استخدامها أقل حيث كان ينظر إلى استخدام الأسماء والألقاب المعقدة والمنمقة على أنه من المظهريات

الفارسية العقيمة، لهذا كان التعبير "ألقاب مشرقية" يتردد كتعبير عن الازدراء، لهذه الألقاب فى كتابات المؤلفين المغربيين أمثال المقرى والرحالة على بن ميمون الإدريسى الذى زار مصر وسوريا قبل الغزو العثمانى مباشرة، وكان عنيفا فى مقالته: بيان غربة الإسلام بواسطة صنفى المتفقهة والمتفقرة من أهل مصر والشام وما يليها من بلاد العجم، (كتبه عام 916 هـ/ 1510 م) فى هجومه على العلماء لحملهم ألقابا مثل شمس الدين وزين الدين مفضلينها على الأسماء السنية مثل محمد وعمر، ولإصرارهم على استخدامها فى التخاطب معهم، ووصف ذلك بأنه بدعة. أطلق الأشراف الأدارسة من أهل مراكش الذين يدعون أنهم من ذرية على (كرم اللَّه وجهه) على أنفسهم لقب "الإمام"، أما الخوارج الرُّستميين من أهل تاهرت فلم يكتفوا بلقب الإمام على بل أضافوا إليه لقب الخليفة وأمير المؤمنين، ومن الواضح أن هاتين الطائفتين قد رفضتا الاعتراف بالحكم العباسى، أما أغلبية أهل أفريقية، الذى كانوا على صلة ببغداد من الناحية النظرية على الأقل، فإنهم لم يعطوا لأنفسهم هذه الحرية فى أمر الألقاب، إلا أن ظهور الدعوة الفاطمية فى شمال إفريقيا فى بداية القرن الرابع الهجرى/ العاشر الميلادى صاحبها ظهور ألقاب ذات طابع دينى تختلف تمامًا فى تركيبها ومعانيها عن الاتجاه العباسى، ولاشك أن هذا الاتجاه الجديد كان له وقعه فى الأندلس، إذ لم يكن أمام الحكم الأموى فى الأندلس، الذى كان يدافع عن وجوده على المستويين الثقافى والفكرى ضد العباسيين فى بغداد والشيعة الفاطميين الذين يظهرون له العداء، إلا أن يهتم بالقيمة الدعائية السياسية والدينية للألقاب. فأطلق عبد الرحمن الثالث، أعظم ملوك الأمويين الأندلسيين، على نفسه لقب الناصر لدين اللَّه بعد انتصاره على ابن حفصون عام 315 هـ/ 927 م بالإضافة إلى لقبى الخليفة وأمير المؤمنين، وبذلك وضع نفسه فى المسار التقليدى العباسى فى

اتخاذ الخلفاء لألقاب ذات طابع دينى. وسار خلفاؤه على نهجه حتى نهاية الأسرة عام 422 هـ - 1031 م، فأطلق هشام الثانى على نفسه لقب المؤيد وأطلق سليمان على نفسه لقب المستعين. . . إلخ، وكذلك فعل بنو حماد، كما سار أيضًا ملوك الطوائف الذين حكموا فى فترة الاضطراب والتفكك فى منتصف القرن الخامس الهجرى/ الحادى عشر الميلادى على نفس المنوال ولكن مع الفارق الكبير بين واقع حالهم وفخامة ألقابهم مما دعا معاصريهم إلى هجائهم والسخرية منهم، ويذكر ابن خلدون فى موضعين من مقدمته بيتين لابن رشيق يسخر فيهما من هذه الحال. إلا أن ديوان الإنشاء المملوكى فى مصر كان يخاطبهم فى المراسلات الرسمية بلقب "صاحب حمراء غرناطة" إلا أن بعض الحكام من بنى نصر أطلقوا على أنفسهم ألقابًا من النمط الدينى المعتاد، فأطلق محمد الأول مؤسس الأسرة على نفسه لقب الغالب باللَّه، كما أطلق محمد الخامس على نفسه لقب الغنى باللَّه بعد عودته منصور، من حملة على قشتالة. وكان الحكام المسلمون فى الأندلس أكثر حرصًا فى منحهم الألقاب لمعاونيهم ووزرائهم وقادة الجيوش من نظرائهم فى الشرق، فنجد أن ابن أبى عامر منح لقب المنصور بعد عودته من معركته مع ليون Leon عام 371 هـ/ 981 م كما لقب ابنه عبد الملك بالمظفر. كما أن هناك عدة حالات فردية نذكر منها لقب ذى السيفين الذى أطلقه الحكم الثانى عام 363 هـ/ 974 م على القائد غالب بعد عودته من حملته المنصورة فى المغرب، ولقب بذى الوزارتين الذى منح عام 367 هـ/ 978 م لكل من غالب وابن أبى عامر ولم يحمله قبل ذلك إلا القائد الذى تولى الدفاع عن حدود الأندلس ضد المسيحيين. وبعد ثلاثة قرون، تمتع ابن الخطيب. الوزير العظيم لبنى نصر فى غرناطة بحمل لقبى لسان الدين وذى الوزارتين.

ظل شمال إفريقيا لزمن أطول مخلصا لمثاليات المساواة المتشددة التى هى الصورة الأولى للإسلام فى رفضه للألقاب الفخمة، وذلك بعد انتهاء دولة الفاطميين الإسماعيليين وسيطرة المذهب المالكى المعتدل على يد المرابطين، وكان المرابطون، فى البداية يعترفون بالحكم العباسى، ولكنهم تأكيدا لسلطتهم على شمال إفريقيا، أطلقوا على أنفسهم لقب أمير المسلمين، ولا يعرف أحد إن كان من تلقاء أنفسهم أو بموافقة بغداد، وهكذا نشأ من سماه فان برشم Van Berchem " بالخلافة الفرعية"، حيث يعترف حكامها بسلطة أعلى من سلطتهم وبالتالى لم يتخذوا ألقابًا تدل على استقلالهم الكامل وعدم اعترافهم بسلطة أعلى. ثم جاء الموحدون إلى الحكم فى منتصف القرن السادس الهجرى/ الثانى عشر الميلادى على موجة من الحماس الدينى وتحت قيادة قائد عظيم هو المهدى محمد بن تومرت الذى أعاد استخدام الألقاب التى سبق أن استخدمها الفاطميون فى المغرب قبل ذلك بقرنين من الزمان. وفى حياة ابن تومرت، لقّب نائبه عبد المؤمن خليفة المهدى وأمير المؤمنين بمعنى المؤمنين من أتباع المهدى، وعندما توفى ابن تومرت صار عبد المؤمن إمام الجماعة وتلقب بالقائم بأمر اللَّه، ومنذ عهد أبى يوسف يعقوب المنصور (580 - 595 هـ/ 1184 - 1199 م) حمل سلاطين الموحدين ألقابا تحمل الطابع الدينى المألوف. هكذا كان نمط الألقاب فى الدول الثلاث التى خلفت الوحدين فى المغرب والأندلس وهى دولة بنى نصر فى غرناطة والمرينيين فى مراكش والحفصيين فى إفريقيا. وينتسب الحفصيون إلى الشيخ أبى حفص عمر، صديق المهدى بن تومرت ونصيره المشهور، وأطلق الحفصيون على أنفسهم لقب الموحدين (وقد اعترف ديوان الإنشاء المملوكى فى القاهرة بهذا اللقب فكان يخاطبهم بلقب زعيم الوحدين وقدوة الوحدين) وكان إعلان أبى عبد اللَّه محمد (647 - 675 هـ/ 1249 - 1277 م) ثانى حكام الحفصيين للخلافة عام

650 هـ/ 1253 م أهم عامل فى اختيار نمط الألقاب لديهم فى القرن السابع الهجرى/ الثالث عشر الميلادى فقد دعم أنصارهم دعوى الخلافة بنسبتهم إلى عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه (وكنيته أبو حفص) حتى أنهم كانوا يطلقون على أنفسهم أبناء الخلفاء الأمراء الراشدين، بالإضافة إلى اعتراف شريف مكة والمماليك فى مصر بهم وذلك فى الفترة التى انقضت بين القضاء على الخلافة العباسية فى بغداد على أيدى التتار وإحيائها مرة أخرى فى القاهرة. ومن ثم كان اتخاذ الحفصيين للقب أمير المؤمنين الخاص بالخلافة "بالرغم من أن أندادهم المماليك لم يسمحوا لهم إلا بلقب الخلافة الفرعية" أمير المسلمين، وكذلك الألقاب الدينية التى كان العباسيون يستخدمونها، (كان المستنصر والمتوكل بصفة خاصة من الألقاب المحبوبة عندهم) لإثبات دعوى الخلافة لهم واستمرار الألقاب العباسية فيهم. ونلاحظ أيضا أن الحفصيين، الذين كانوا يخوضون صراعات عنيفة مع القوى المسيحية مثل اسبانيا وفرنسا، كما كانوا يبحثون عن موضع قدم فى شمال إفريقيا، اختاروا ألقابا تعكس دورهم كقادة جهاد، مثل المجاهد فى سبيل اللَّه كما سمحوا بمخاطبتهم بألقاب تدل على الاحترام مثل المقام العالى أو الأعلى والحضرة العلية، (ظل هذا اللقب يطلق على باى تونس كبديل لصاحب الجلالة المستخدم فى أوروبا حتى إعلان الجمهورية). ظل المرينيون لزمن طويل معترفين بسيادة دولة الحفصيين التى كانت قد سبقتهم فى الوجود، لهذا اكتفوا (هم وجيرانهم بنو عبد الواد أو الزيانيون فى تلمسان) باستخدام لقب أمير المسلمين بدلا من أمير المؤمنين، وكذلك حمل كثير من السلاطين المرينيين ألقابا دينية مثل الحفصيين، إلا أن هناك سلاطين حملوا اللقب الأعلى أمير المؤمنين لفترات قصيرة، ففى عام 708 هـ/ 1308 م، ولمدة تسعة شهور، سك أبو الربيع سليمان هذا اللقب على العملة التى أصدرها بالإضافة إلى اسم حليفه محمد الثالث كنوع من التحدى

للحفصيين. كذلك استخدم أبو عنان فارس المتوكل (749 - 759 هـ/ 1348 - 1359 م) هذا اللقب كوسيلة لتثبيت عزل والده على الذى كان يلقب نفسه فى الوثائق الرسمية أمير المؤمنين وقائد الموحدين (وأيضا بقية السلف الكريم فى تلميح إلى ادعاء المرينيين البربر لنسب عربى). فى الوقت الذى ضعف فيه المرينيون وأقرباؤهم الوطاسيون، وصل الأشراف السعديون فى جنوب مراكش إلى الحكم فى العقود الأولى من القرن العاشر الهجرى/ السادس عشر الميلادى على موجة من الحماس للتخلص من النفوذ التركى الجزائرى وإشعال الروح الفدائية الإسلامية للجهاد ضد البرتغاليين الذين اعتدوا على الأراضى الساحلية لمراكش، لهذا لم يكن غريبا فى مثل هذا الجو الملئ بالحماس الدينى وانتظار الناس لمن يدافع عن المسلمين أن يتخذ محمد (المتوفى عام 924 هـ/ 1517 - 1518 م) أول حكام الأشراف فى سوس لقبى المهدى والقائم بأمر اللَّه، وكذلك اتخذ عدد من خلفائه ألقابا ذات طابع دينى مشابه مثل محمد المتوكل واحمد المنصور. . الخ. وجدير بالملاحظة أن صيغتى الخطاب المميزتين اللتين استخدمهما السلاطين السعديون وخلفاؤهم العلويون وهما مولاى وسيدى، كما استخدمهما أيضا فى المغرب أكابر القوم من الأمراء والعلماء، وكان بنونصر يستخدمون كلمة مولاى فى القرن الثامن الهجرى/ الرابع عشر الميلادى وكان المسيحيون فى الأندلس يشيرون إلى حاكم غرناطة بكلمة مُولِى Muley فى القرن التاسع الهجرى/ الخامس عشر الميلادى، فى حين استخدم الحفصيون مولانا وسيدنا فى وثائقهم الرسمية. وقد ظهر تعبير مولاى بين الحفصيين خلال القرن الثامن الهجرى/ الرابع عشر الميلادى ولكنه لم يظهر فى المصادر المسيحية إلا فى عام 1391 م فى وثيقة باللاتينية حيث ذكر فيها مولى بولابس Muley Bolabes وهو أبو العباس أحمد الثانى المستنصر.

4 - فترة ما بعد الخلافة.

4 - فترة ما بعد الخلافة. مع إحكام قبضة الحكم التركى والكردى على البلاد الإسلامية الوسطى والشرقية منذ القرن الخامس الهجرى/ الحادى عشر الميلادى فصاعدًا. زادت الألقاب الملكية والحربية والوزارية تعقيدا وتعظيما، وبعد انتهاء الخلافة فى بغداد وإنشاء المماليك لخلافة عباسية وصية فى القاهرة، صار منح الألقاب مسئولية ديوان الإنشاء المملوكى، مما أكسبه خبرة كبيرة فى هذه الأمور، وكان الترتيب الصحيح وعدد المكونات المختلفة فى ألقاب الحكام وكبار رجال الدولة أمرا حيويا فى الرسائل والاستخدامات الرسمية. وكانت الكتابات المختلفة التى يحررها كتاب الإنشاء والموظفون، والتى ترجع إلى عهد الفاطميين، ازدهرت فى عهد المماليك حتى صارت حضارة وثائقية عظيمة، تخصص مساحات كبيرة لصيغ الخطاب والألقاب، وفى أقدم هذه الكتابات وهو كتاب صبح الأعشى للقلقشندى، خصص الباب الأول من المقالة الثالثة للأسماء بجميع أنواعها ولكن مع التركيز على الألقاب التى بدأها المؤلف من بداية الإسلام إلى زمانه وهو القرن التاسع الهجرى/ الخامس عشر الميلادى. وقد ذكر القلقشندى عدة قوائم للألقاب، منها ما سماه ألقاب محدثة مثل النائب والساقى والمشرف والأوجقى وأستاذ الدابى والبندقدار والدوادار. . . الخ. وهذه الألقاب تدل على وظائف وليست ألقابا شرفية بالمعنى الذى نتحدث عنه. ما يهمنا أكثر هو الصفحات العديدة التى كتبها القلقشندى عن بروتوكول المخاطبة الصحيحة ابتداء من مخاطبة الخليفة أو السلطان فنازلا مؤكدا على فروق دقيقة ورقيقة، فمثلا المجلس السامن (بياء مشددة) أعلى من المجلس السامى (بياء غير مشددة)، وكذلك المجلس القضائى أعلى من المجلس القاضى والمجلس القاضى والمجلس القضاوى أعلى منهما، وحتى الحكام والوجهاء من غير المسلمين لم يبخسوا حقهم فى الألقاب وإن كان على مستوى أقل بالطبع من الألقاب التى تمنح لنظرائهم من المسلمين، فقد كان لديوان

الإنشاء دائرة من الاتصالات السياسية تشمل الكثير من القوى غير الإسلامية من الإمبراطورية البيزنطية المسيحية واللاتينيين غرب البحر المتوسط إلى الحكام الأتراك والمغول الذين كانوا لا يزالون وثنيين، ونذكر على سبيل المثال الألقاب التى كانت تستخدم فى مخاطبة دوق البندقية: الدوق الجليل المكزم المبجل الموقر البطل الهمام الضرغام الغضنفر الخطير مجد الملة النصرانية فخر العيسوية عماد بنى المعمودية معز بابا رومية صديق الملوك والسلاطين. وإذا كانت هذه الألقاب تستخدم مع غير المسلمين، فإننا نستطيع أن نتصور فخامة الألقاب الخاصة بالمسلمين. لا نستطيع أن نذكر هنا إلا بعض السمات البارزة لألقاب التشريف الأيوبية والمملوكية حيث إن الوثائق المتاحة غنية بالمعلومات حتى أنه يمكن إجراء دراسة كاملة عن هذا الموضوع. حمل سلاطين، الدولة الأيوبية، والمماليك من بعدهم، ألقابا من نوع الألقاب التى تضم كلمتى "الدنيا والدين"، وكانت هذه الألقاب تكتب فى الكتابات والوثائق الرسمية، وكانت هناك صيغ أقصر فى "الدين" فقط للاستخدام الأقل رسمية. وتميز الأيوبيون باستخدام ألقاب مركبة فيها "الملك" بالإضافة إلى مديح (مثل الملك الكامل، الملك المعظم) وذلك ابتداء من صلاح الدين الذى منحه الخليفة الفاطمى العاضد لقب الملك الناصر عندما عينه وزيرا عام 564 هـ/ 1159 م خلفا لشيركوه. وقد عرفت هذه الألقاب فى الخلافة الفاطمية. وفى عام 531 هـ/ 1137 م حمل رضوان الولكشى وزير الخليفة الحافظ لقبى السيد الأجل والملك الأفضل، كما وصف النقش الذى على خان العقبة جنوب شرق بحيرة طبرية مؤسس الخان عز الدين أيبك، بالملكى المعظمى "أى له صلة بالملك المعظم" وهو شرف الدين عيسى ابن الملك العادل سيف الدين الذى كان نائبا لوالده على دمشق فى ذلك الوقت (610 هـ/ 1213 - 14 م) ولم يعلن أميرا أيوبيا بعد، مما يدل على أن هذه الألقاب لم تكن قاصرة فى العصر الأيوبى على الأمراء الحكام فقط.

انتقلت هذه النوعية من الألقاب من الدولة الأيوبية إلى دولة المماليك حيث استخدمها السلاطين مثل لقب الملك المعز لأيبك والملك القاهر ثم الظاهر لبيبرس. كما أطلقها الأمراء والنواب الثوار على أنفسهم، فقد أطلق علم الدين سنجر الحلبى بعد اغتيال قطز عام 658 هـ/ 1260 م على نفسه لقب الملك المجاهد. وانتقل هذا التقليد إلى الدول المرتبطة بالأيوبيين والمماليك أو المتأثرة بهم حضاريا مثل الرسوليين فى اليمن الذين حمل ملوكهم ابتداء من الملك المنصور نور الدين عمر عام 626 هـ/ 1229 م ألقابا من هذا النوع. كانت ألقاب الحكام المماليك وأمرائهم معقدة بصفة خاصة، فانتشر استخدام لقب السلطان الذى كان معروفا منذ الدولة الأيوبية، كما حمل كل سلطان منهم لقبا من الطراز الأيوبى الذى فيه الملك والدنيا والدين. ولكن لأنهم كانوا فى الأصل مماليك عسكريين، فقد حمل سلاطينهم وأمراؤهم أنسابا خاصة تتعلق بأصلهم العرقى أو المحلى أو تدريبهم المهنى الأول أو أسر السادة الذين كانوا يتبعونهم، فمثلا كانت نسبة السلطان برقوق اليلبغاوى لأنه كان مملوكا للقائد يلبغا العمرى، وكانت نسبة بيبرس الصالحى نسبة إلى سيده الأول الملك الصالح نجم الدين أيوب، وكان القائد حسام الدين أُزْدِمُر يسمى المُجيدى نسبة إلى النخاس الذى باعه، وكان كلٌّ من السلطان قلاوون والأمير شمس الدين سنقر يسمى الألفى لأن كلا منهما دفع فيه ألف دينار، ولم تعتبر هذه الألقاب محطة من قدر صاحبها إطلاقا، بل كانت مبعث فخر لأصحابها بحيث يمكن اعتبارها ألقابا شرفية. يمكن اعتبار بعض الألقاب التى كان يحملها بعض سلاطين المماليك الأوائل "شبه إقليمية" أو "شبه عرقية" وهى الألقاب التى يعبر فيها الحاكم عن سيادته على مناطق معينة أو شعوب معينة أو كليهما، فقد كان لقب الملك الصالح نجم الدين أيوب شهريار الشام

سلطان العرب والعجم صاحب الحرمين الشريفين ملك البرين والبحرين ملك الهند والسند واليمن ملك صنعاء وزبيد وعدن سيد ملوك العرب والعجم سلطان المشرق والمغرب، وفى بعض الكتابات عن بيبرس وقلاوون نجد الزعامة على العرب والعجم تمتد إلى الترك وحتى الديلم. من السمات الواضحة لعصر المماليك الجو السنى المتشدد وذلك بعد انتقال الخلافة العباسية إلى القاهرة وصار حكام المماليك هم المدافعون عن الإسلام. وقد ظهر هذا التشدد فى سياسة المماليك الخارجية ضد المعتدين على دار الإسلام مثل التتار والفرنجة والأرمن المسيحيين، كما ظهر فى سياستهم الداخلية فى قمع طوائف الشيعة مثل النصيرية والاسماعيلية. وفى هذا الجو الدينى الحماسى، علا شأن الجهاد، ومن ثم كانت كثرة الألقاب مثل المجاهد والمثاغر والمرابط والغازى والمغازى. . . الخ. وكانت هذه الألقاب قد ظهرت من قبل فى الدولة السلجوقية والأتابكية والفاطمية كرد فعل للحملات الصليبية (وصف البوريد أتابك طغتكن بالمجاهد فى نقش فى دمشق منذ عام 524 هـ/ 1130 م وكذلك وصف عز الدين أيبك فى نقوش خان العقبة). ربما كان قرب الخلافة والجو الدينى الحماسى السائد سببا فى انتشار نوع من الألقاب كان معروفا من قبل، وهى الألقاب المركبة التى تحتوى على لقب الخليفة أو السلطان وتعبر عن التبعية التامة للحاكم الأعلى أو التمتع بعطفه أو تأييده وإعزاز الدين. ومن أمثلة ذلك ما أطلقه صلاح الدين على نفسه من ألقاب بعد اعتراف الخليفة العباسى به ملكا إذ أطلق على نفسه لقب خليل أمير المؤمنين ومجموعة أخرى من الألقاب من هذا النوع مثل ثقة أمير المؤمنين وعمدة الملوك والسلاطين ونصرة الإسلام والمسلمين. . الخ، وكانت الألقاب التى تتضمن لقب الخليفة أمير المؤمنين تعتبر بالطبع الأعلى. ويعتبر قسيم أمير المؤمنين أعلى الألقاب ولا يحمله إلا أبناء السلطان أو فى

5 - فترة الإمبراطوريات العظمى

المراسلات الموجهة إلى بعض أصحاب المقام العالى من أمراء المسلمين، كما كان عضد أمير المؤمنين أعلى لقب يمنح لنواب السلطان، أما ولى أمير المؤمنين فيمنح لكبار رجال الدولة وعلماء الدين والرتب الأعلى من رتبة صفى أو صفوة أمير المؤمنين. وكانت الألقاب المكانية، كما أطلق عليها البابحث حسن الباشا، تستخدم فى التخاطب مع العظماء أو الإشارة إليهم كنوع من إظهار الاحترام والتواضع، وكانت تستخدم فى العصر الذهبى للعباسيين، ففى وزارة ابن الفرات ظهر أسلوب الإشارة إلى الخليفة بكلمة الخدمة بمعنى الواجب خدمته. ويقول هلال الصابئ إن ما كان فى البداية "قربة" سرعان ما صار "سنة" إجبارية، وفى العصر العباسى المتأخر نجد أن الخلفاء كان يشار إليهم فى الرسائل بألقاب مثل الجانب الشريف، أو المواقف الشريفة أو مقام الرحمة. . . الخ. ومن الواضح أن كلمة الحضرة التى كانت مستخدمة فى الدولتين البويهية والسلجوقية كانت مقدمة لهذه التعبيرات، وإن كان استخدام كلمة الحضرة هبط فى العصر المملوكى من صيغة تناسب الخليفة مثل الحضرة السامية إلى صيغة يخاطب بها رجال الدولة والحكام الأجانب من غير المسلمين وبطريرك الأقباط فى مصر. وقد انتشر استعمال هذه الألقاب التى تدل على "المكانة" انتشارا كبيرا فى العصرين الأيوبى والمملوكى، وفى نفس هذه الفترة هبط استخدام تعبير "المجلس" من مستوى الملك إلى كبار رجال الدولة، وفى زمان القلقشندى كان يعتبر لقبا "الرجال السيف والقلم" ولكن فى مستوى أقل من "جناب" لهذا مال الحكام فى نهاية العصر الأيوبى إلى استخدام صيغا مثل المقام العالى أو المقام الأشرف بدلا من المجلس. واستمر هذا الاستخدام فى عصر المماليك حتى إن ابن شيث، مثلا يقول فى كتابه "معالم الكتابة" إن المقام والمقر هما أعلى الألقاب فى زمانه وأنهما قاصران على الملوك. 5 - فترة الإمبراطوريات العظمى: استمر استخدام ألقاب التشريف فى الإمبراطوريات العظمى التى ظهرت فى

أواخر العصور الوسطى الإسلامية، ونقصد بذلك السلاطين المسلمين الهنود والصفويين والعثمانيين واستمر إلى العصور الحديثة. سار ملوك المماليك الهنود فى دلهى، وهم أول الأسر الحاكمة المسلمة التى استقرت فى سهول الهند الشمالية، وخلفاؤهم على نفس نمط الألقاب الذى وضعه سادتهم الأصليون وهم الغوريون الأفغان والذين كانوا متبعين بدورهم للنظام الذى كان فى الدولة الغزنوية التى قضوا عليها فى أواخر القرن السادس الهجرى/ الثانى عشر الميلادى. وسار مماليك الهنود، وهم أساسا القادة العسكريون الأتراك الذين كانوا فى خدمة السلطان الغورى شهاب الدين أو معز الدين محمد (المتوفى عام 602 هـ/ 1206 م) على نهج سادتهم الأوائل فى تفضيل الألقاب التى فيها كلمة الدين، ومن ثم كان قطب الدين أيبك وشمس الدين التُّتمش. . . الخ، ولكن كانت هناك تنويعات وتعقيدات مختلفة. . فوصف أيبك فى النقوش التى فى مسجد قوات الإسلام فى دلهى بأنه طب الدولة والدين أمير الأمراء، فى حين يذكر الجوزجانى لقب التُّتمش الكامل فيقول شمس الدنيا والدين. . وقد تخيل كثير من ملوك هذه الفترة، منتشين بانتصاراتهم العسكرية الباهرة، أنهم خلفاء الإسكندر الأكبر، فوصف معز الدين محمد الغورى فى نقش على منارة القطب (قطب منار) بأنه الإسكندر الثانى، وهو لقب قلده فيه علاء الدين محمد شاه خلجى ملك دلهى (715 - 965 هـ/ 1296 - 1316 م) مع شئ من التغيير فجعله اسكندر الزمان وسكه على نقوده، ويدل نقش على مسجد هانسى، المدى الجغرافى والعرقى الذى امتدت إليه الإمبراطورية التى حكمها هؤلاء القادة الأتراك، وذلك بوصف الملك التتمش باللقب الذى أطلقه على نفسه فى الفترة الأخيرة من حكمه بأنه مولى ملوك الترك والعجم، فى حين كان يلقب نفسه فى بادئ الأمر بلقب مولى ملوك العرب والعجم (مسجل على مبنى قطب منار).

وكما كان الحال مع الأسر الحاكمة التركية فى الشرق الإسلامى. سعى الحكام الهنود المسلمون إلى تثبيت حكمهم بإظهار الولاء للخلفاء العباسيين (الذين كانوا بعد عام 659 هـ/ 1261 م مجرد دمى تحت سيطرة المماليك فى مصر). فكان التتمش يلقب نفسه بنصير أو ناصر أمير المؤمنين فى العقود الأخيرة فى حياة الدولة العباسية المستقلة فى بغداد، ولكنه أطلق على نفسه، فى مناسبة واحدة على الأقل، لقب قسيم أمير المؤمنين، وهو اللقب الذى كان الغوريون يفضلونه لإعلان ولائهم لبغداد. وفى نهاية القرن لقب غياث الدين بلبن (664 - 686 هـ/ 1266 م - 1287 م) نفسه يمين خليفة اللَّه بالإضافة إلى نصير أمير المؤمنين. نقل المغول، وهم الحكام الأتراك- المغول الذين خلفوا الحكام الهنود المسلمين الأتراك والأفغان، إلى الهند التقاليد التيمورية فى استخدام منح الألقاب ومظاهر التشريف الأخرى فى تقوية ولاء قادتهم الأتراك وللتغلب على الجماعات الأخرى مثل الزعماء الأفغان العظام، ويقول بابر Babur إن الأمراء المقربين فى الهند كانوا يمنحون ألقابا دائمة مثل أعظم همايون وخان جهان وخان خانان. . وقد اتبع همايون بن بابر سياسة حذرة فى منح الألقاب المناسبة للخدمات التى قدمت أو المنتظرة، وتبعا لهذه السياسة، منح لقب أمير الأمراء، وهو أعلى الألقاب لأمير هندو بك Amir Hindu beg، وهو قائد كبير من قادة بابر قاد معركة فى بانيبت Panipat عام 932 هـ/ 1526 م وبالإضافة إلى اللقب منح حق الجلوس مع الإمبراطور فى اجتماعات البلاط الرسمية، وكان ترتيب الألقاب (تنازليا) فى عهد اللوديين Lodis، وهم الذين حكموا الهند قبل بابر مباشرة، ملك ثم أمير ثم خان، وخلال القرن العاشر الهجرى/ السادس عشر الميلادى بطل استخدام لقب ملك كما نقص قدر لقب بك الذى كان محترما فى عهد أول حاكمين من حكام المغول المسلمين وارتفع قدر لقب خان بحيث

صار لقب بجلربج Beglarbegi فى عهد الملك أكبر أقل من لقب خان خانان Khan-i Khanan الذى صار أعلى الألقاب وكان يحمله، مثلا، بيرم خان BagramKhan (المتوفى عام 968 هـ/ 1561 م) الأتالق (الحارس الخاص) الشاب للملك أكبر بالإضافة إلى لقب أمير الأمراء، كما كانت هناك ألقاب أخرى مرتبطة بمهام أو وظائف خاصة، فكان لقب آصف خان يمنح للوزراء أو وكلاء الأسرة الحاكمة وبالتالى للفرس بصفة أساسية، بينما كان أكبر يمنح اللقب الهندى راجا ليس فقط لوارثى الإمارة بل أيضا للموظفين الهنود المخلصين مثل سَبَّهَن Sabbahan قائد المدفعية. مع تقلص القوة السياسية والعسكرية للمغول المسلمين بعد عهد أورنجزيب Awrangzib وتوسع الأباطرة والحكام الاقليميين المسلمين فى منح الألقاب مما أدى إلى انخفاض قيمتها الاجتماعية حتى وصل الحال فى أيامنا إلى أن صارت الألقاب القديمة مثل ميرزا وخان وبك لا تمثل أكثر من كنية. ونظرا للأساس الشيعى القوى للدولة فى فارس الصفوية، والطبيعة الدينية للحكم فى بداية نظام الشاهان، كان هناك غرام بالأسماء والألقاب التى تعبر عن الحب الشديد أو التبعية للشخصيات المقدسة عند الشيعة مثل على أو ابنيه الحسن والحسين (رضى اللَّه عنهم) أو للحاكم على أساس أنه خليفة اللَّه فى أرضه أو للأئمة. وبعد الصفويين، كان حكام فارس يتسمّون أحيانا بأسماء فيها الكلمة الفارسية بند banda وتعنى "عبد أو تابع"، وعلى سبيل المثال الخاند محمد خداباند أو لجيتُ، وعندما انتقل الحكم إلى الصفويين التركمان، استخدمت الكلمة التركية المناظرة قل Kul مثل على قُلى Ali-Kuli وإمام قلى Iman-Kuli وطهماسْب قلى Tahmasp-Kuli وصفى قلى gali Kuli . . . الخ، وبصفة خاصة مع القادة العسكريين وحكام الأقاليم، فى حين احتفظ الشاه بألقاب ملكية بسيطة، واستخدم بعض السلاطين الشيعة: جنوب الهند الذين كانوا متأثرين تأثرا شديدا بالثقافة الصفوية، الألقاب التى

فيها قل Kul مثل محمد - قلى ابن إبراهيم (988 - 1020 هـ/ 1580 - 1612 م) حاكم قطب شاهيس Kutb Shahis فى جلكنده Golkonda بينما ظل الشاهان متواضعين فى ألقابهم الشخصية تمتع أتباعهم بثروة من الألقاب، ففى بداية الحكم الصفوى، قرب نهاية حكم شاه طهماسب الأول Shah Tahmaspi أطلق لقب اعتماد الدولة على الوزير. وفى كتاب تذكرة الملوك (كتب حوالى 1137 هـ/ 1725 م) معلومات تفصيلية عن هذا المنصب وأيضا عن قرسى باشى Kurci-Bashi (الذى كان فى بداية الحكم الصفوى وقبل إنشاء جيش نظامى يعتبر القائد الأعلى للجيش ويحمل أيضا لقب أمير الأمراء) ويلقب فى الكتاب ركن السلطنة القاهرة، كما يذكر الكتاب أيضا عددا من المناصب الأقل درجة. . ويحمل أصحاب المناصب الأربعة عشر الأولى فى الدولة لقب عالى جاه Ali-sjah, كما كانت مجموعة من المناصب تحمل لقب مقرب الخاقان mukarrab al lhakan (المقرب من الحاكم الأعلى) لقربهم الخاص من التاج، ومناصب أخرى تحمل لقب مقرب الحضرة. وتشمل المجموعة الأولى رئيس خصيان القصر وطبيب القصر (حكيم باشى) ومنجم القصر (منجم - باشى) ومراقب المعايرة (معير الممالك) وكاتم سر الدولة الذى كان يكتب الطغرة tughra الملكية (مُنشى الممالك) وحامل الختم (مهر دار) وحامل الدواة (دوات دار)، وتشتمل المجموعة الثانية، الأقل فى الرتبة، على رؤساء خدم الحريم، والمعاونين (يساوُلان yasawulan)، ورؤساء أقسام القصر الملكى وورشة (بيوتات buyutat) المختلفة بما فيهم رئيس دار الضرب (ضرابى باشى darrabi-bashi) . . . إلخ. فى عهد القاجار kadjars، قل إطلاق لقب اعتماد الدولة على الوزراء وحل محله اللقب العثمانى الصدر الأعظم كما زادت الألقاب التى فيها الدولة والمملكة والسلطنة. . إلخ. زيادة كبيرة سواء لأمراء الأسرة القاجارية الكثيرين أو لكبار رجال الدولة. وقد أعلن رضا شاه

بهلوى Rida shah pahlawi الحرب على هذا العدد الكبير من الألقاب الذى امتدت صيغه المعقدة لتصل إلى رؤساء القرى. وعندما كان محمد رضا سردار سِباه sardar sipah فى المجلس الخامس، وقبل إقصائه أسرة قاجار عن العرش، ألغى الألقاب التى تباع لمجرد الإثراء الشجصى للشاه وموظفى البلاط بالرغم من أن هذا الإجراء اعتبر اعتداءً على الامتيازات الملكة. وفى 2 أغسطس عام 1935 م، صدر مرسوم بإلغاء الألقاب وبتحديد التعبيرات التى حلت محلها فى الحياة الاجتماعية، فتغيرت ألقاب الأسرة الحاكمة بحيث أصبح لقب الشاه أعلاى حضرت هُمايون شاهانشاه Ala-yi Hadrat- i Humayun Shahan shahi، وصار كبار الموظفين يخاطبون بكلمة جناب djanab وألغيت الألقاب القديمة مثل أمير وبك وخان وميرزا. . إلخ ولكن بالرغم من احترام هذا المرسوم فى الصحافة والبيانات الرسمية إلا أن الألقاب القديمة ظلت شائعة على الألسن. وعندما دخل نظام اسم الأسرة الغربى إلى إيران، حول البعض الألقاب القديمة التى تعود إلى عهد أسرة قاجار إلى اسم أسرة، وعلى سبيل المثال فإن اسم الدكتور محمد مصدق رئيس وزراء إيران من 1951 إلى 1953 م الأصلى هو لقب مصدق السلطنة، كما كان أصل اسم أحمد قوام رئيس الوزراء عام 1921 م هو قوام السلطنة. طورت الإمبراطورية العثمانية، بما فيها من مركزية وبيروقراطية والتى كان لها، منذ نهاية القرن الثامن الهجرى/ الرابع عشر الميلادى، اتصالات دبلوماسية واسعة سواء مع حكام الأقاليم المسلمين فى الأناضول أو مع القوى التركمانية فى الشرق الإسلامى أو أخيرا مع دول الغرب المسيحية التى تأثرت كثيرا بالتوسع العثمانى، نظاما إداريا معقدا لعبت فيه الألقاب دورا حيويا. وقد خصص فِرِدُن بك Feridun Beg الصفحات الأولى من مجموعة المراسلات الكبيرة التى نشرها لشرح الألقاب المستخدمة فى مخاطبة

الطبقات المختلفة ابتداء السلطان إلى الموظفين المدنيين والعسكريين ورجال الدين فى أنحاء الإمبراطورية وكذلك الألقاب التى تستخدم فى الاتصالات مع الحكام المستقلين مثل أمراء أراضى ما وراء الدانوب والحكام الأجانب مثل دوقات البندقية. وكذلك خصص ل. فكت L. Fekete بابا فى أحد كتبه لشرح الألقاب المذكورة فى الوثائق الإدارية والدبلوماسية فى القرن العاشر الهجرى/ السادس عشر الميلادى، والحادى عشر الهجرى/ السابع عشر الميلادى التى تتعلق بالصلات التى كانت بين الباب والرسميين فى المجر أو بين السلاطين وملوك الدول المسيحية المجاورة. وكانت ألقاب معاونى السلطان بالطبع أقل زخرفة. وكان آخر صدر أعظم هو داماد فريد باشا (حتى أكتوبر 1920 م). وخلفه أحمد توفيق باشا (حتى نوفمبر 1922 م) الذى عمل مع السلطان محمد السادس وحيد الدين وكان للوزير ألقاب أخرى مثل سامى وأصافى وعالى وكان يخاطب بنفس الصيغة التى كان يخاطب بها خديو مصر فى القرن التاسع عشر وهى دِوْلتْلِ فخامِتْل. كانت أولى المحاولات لترشيد وتحديد النمو العشوائى للألقاب فى فترة التنظيمات فى منتصف القرن التاسع عشر كجزء من إعادة بناء البيروقراطية العثمانية على الأسس الغربية، ولكن كانت النتيجة أن الألقاب التقليدية صارت أكثر بيروقراطية، ويقول رد هاوس فى كتابه Turkish and English lexicon, عن لقب "بك" هو لقب يطلق على أبناء الباشوات وبعض شاغلى الوظائف المدنية العليا وضباط الجيش والبحرية من رتبة كولونيل أو لفتنانت كولونيل أولأى ثرى أو صاحب مكانة مرموقة، وعن لقب باشا يقول إنه يمنح لضباط الجيش والبحرية من رتبة لواء أو أدميرال ويقول فى مادة وزير: موظف مدنى يشغل أعلى منصب فى

المصادر

الدولة ويحمل لقب باشا، لهذا نجد فى ترجمة فؤاد باشا أنه كان يشار إليه بلقب أفندى فى جميع الوثائق الرسمية إلى أن تولى الوزارة فى شعبان 1271 هـ/ مايو 1955 م إذ منح لقب باشا بعد ذلك. من الواضح أن هذا الترتيب البيروقراطى للألقاب الذى تم ضمن "التنظيمات" استمر فى عهد تركيا الفتاة فى بداية القرن العشرين، ولكن كما حدث فى إيران تحت حكم رضا باشا بهلوى، لم يسمح كمال أتاتورك ضمن سياسته العلمانية والإصلاحية باستمرار هذه الألقاب على المستوى الرسمى والشعبى، فألغيت ألقاب أفندى وبك وباشا بالقانون رقم 2590 الصادر 26 نوفمبر 1934 م كما منح استخدام الألقاب الدينية مثل حاجى وحافظ وقللا واستخدم لفظا بى Bay وبين Bayan بدلا من بك وهانم للدلالة على "السيد" و"السيدة"، ولكن كما حدث فى إيران. فإن المصطلحات القديمة وعادات الكلام لا تموت بسهولة، ولا زالت الألقاب القديمة على الألسن، باشا للواءات سواء فى الخدمة أو متقاعدين وأفندى للمهنيين وغير المسلمين، أسند للحرفيين والفنانين. . . إلخ، هك Hoca للمدرسين والعلماء ورجال الدين وهكذا. المصادر: وردت فى المتن. حسين أحمد عيسى [س. ى. بوسورث C.E.Bosworth] لقيط الإيادى لقيط الإيادى. شاعر جاهلى. عمل فى بلاط ملك الساسانيين، وعندما كان فى الحيرة، حذر رجال قبيلته من حملة كان الفرس يعدونها فى قصيدة ولكن لم يستمع الأياديون إلى تحذيره واستمروا فى طريقهم فى مواجهة الفرس فهزموا وتشتتوا، فكتب قصيدة طويلة عينية مطلعها: يا دارَ عَمْرة من محتلّها الجَرَعا ... هاجت لى الهمّ والأحزان والوجعا

المصادر

يحضهم على الحذر واختيار زعيم شجاع لمواجهة أعدائهم. تختلف الروايات حول هذا الشاعر بشكل يجعل من الصعب تحديد الفترة التى عاشى فيها وإن كان من المرجح أن تكون فى النصف الثانى من القرن السادس الميلادى. كانت قصيدتاه سببا فى خلود اسمه، وفى القرن السادس الهجرى/ 12 ميلادى وضع ابن الشجرى قصيدته العينية وهى فى 55 بيتا فى بداية مختاراته، وصار المقطع الذى يصف فيه القائد الحربى المثالى مشهورا. ووصفه زياد بن جندب الإيادى فى بعض أشعاره فى نفس مستوى قسى بن ساعدة مما يعتبر فخرا لقبيلة إياد، كما يصفه معيد خان وهو أحد محررى ديوانه بأنه "الشاعر الوطنى الأول فى الجاهلية". لا يحتوى ديوان لقيط إلا على قصيدتيه المذكورتين، وهو محفوظ فى عدة مخطوطات فى ورقات قليلة، وقد ترجم إلى الألمانية والإنجليزية. المصادر: (1) لقيط بن زرازة: مقدمات الطبعات المختلفة لديوانه. (2) ريشر O. Rescher: فهرست المختارات المصورة (1954). حسين أحمد عيسى [ش. بيلاه Ch. Pellat] لقيط بن زرارة لقيط بن زرارة بن زيد بن عبد اللَّه ابن الدَّارمى وكنيته أبو نهشل Nahshal, شاعر وسيد من سادات النصف الثانى من القرن السادس الميلادى. ظهر اسمه الأول مرة فى خبر عن اغتيال أخى زوجته سويد بن ربيعة بن زيد لمالك بن المنذر بن ماء السماء (أو أخيه الأصغر). وفى حديثه عن جبل فى الحجاز تسكنه السباع يسمى جبل ترج، ذكر ياقوت يوما مشهورا سماه يوم ترج أسر فيه كميت بن حنظلة لقيطا، ولكن ارتبط اسمه أكثر بيومى الرحرحان وشِعْب جبلة ففى المعركة الأولى أسر معبد بن زرارة سيد دارم فقدم لقيط، وقد صار سيدها بعده، 200 جملٍ فدية لأخية، وادعى أن أباه نهى أبناءه عن زيادة الفدية عن ذلك حتى لا يطمع فيهم أعداؤهم. وبالرغم من توسلات أخيه

المصادر

الذى عرض فيها أن يقدم فدية 1000 جمل من ماله، فقد رفض لقيط وترك معبدا يموت جوعا وعاشا فى الأسر. قرر لقيط الانتقام لأخيه وجمع جيوشا من عدة قبائل، وبعد مضى عام بالضبط من يوم الرحرحان، كان يوم شِعب جبله، وبعد تبادل الأشعار المعتاد، سقط لقيط تحت ضربات أحد أعدائه، وتوفى فى اليوم التالى بعد أن قال عدة أبيات من الشعر. وبالرغم من أن الجاحظ اعتبر لقيطا طاغية، إلا أن امرأته وصفته وصفا طيبا وأثنت عليه وقالت فيه أقوالا بليغة صارت أمثالا. لم يصلنا من شعر لقيط إلا عدد قليل من الأبيات جمعها أبكاريوس Abkaryus فى روضة الأدب. المصادر: (1) ابن سلام، الطبقات صفحة 138. (2) الجاح: البيان جزء 2. صفحة 170 وجزء 3 صفحة 220. (3) ابن قتيبة، الشعر صفحة 662. حسين عيسى [ش. يبلاه Ch. Pellat] لواء تعنى الراية أو العلم وهى من القماش، وكانت هذه الكلمة "لوا" بحذف الهمزة تعنى فى أيام الامبراطورية العثمانية -الإقليم- وفى بعض الأحيان كانت تجمع عدة ألوية لتكون من بينها إيالة التى أصبحت يطلق عليها فى وقت لاحق "ولاية" -وكلمة لواء العربية مرادفة للكلمة التركية "سَنْجق" التى تستخدم أساسا فى الوثائق الرسمية وعلى ذلك فإن "ميرلوا" (التى هى بالعربية أمير لواء) تعتبر "سنجق بجى" أى الحاكم والقائد العسكرى للواء أو سنجق - وبدءا من منتصف القرن التاسع عشر أصبح المصطلح المستخدم هو المتصرّفلك "المشتق من اللقب" متصرف. وجميع الدول التى خرجت من عباءة الامبراطورية العثمانية لم تحتفظ سوى العراق بمصلح لواء بمعنى "الإقليم". وهذه الكلمة تعنى فى جيش العراق فرقه فى

المصادر

الجيش كما هو الحال فى مصر وأمير اللواء يعنى قائد فرقة [وفى مصر رتبة عسكرية فوق العميد ودون الفريق]. المصادر: Gibb and Bowen: Islamic Society and the west. London 1950, 137 - 73 سعيد عبد المحسن [أ. بيركن A. Birken] لوط هو "لوط" الذى جاء ذكره فى التوراة - سفر التكوين، ووردت قصته فى القرآن فى السُّور المكية بوصفه نبيًا من الأنبياء اختلف مع قومه الذين بُعث إليهم. فقد أصر قوم لوط على ارتكاب المعاصى ونكران كرم الضيافة، فضلا عن كفرهم بما جاء به نعيهم. وعقابا لهم على معاصيهم أرسلت الملائكة -رغم شفاعة سيدنا إبراهيم- فدمرت المدينة العاصية التى لم يذكر القرآن اسمها بل اكتفى بوصفها بالمؤتفكة (ج المؤتفكات) المحرفة عن كلمة عبرية تعنى "السقوط"، وهى كلمة ذكرت فى التوراة فى سياق الحديث عن تدمير سودوم ومثيلاتها المدن الثلاث الأخرى. وقد تهدهت المدينة ودفنت تحت وابل من حجارة من سخيل، وتم إنقاذ لوط وعائلته فيما عدا زوجته التى عصت أوامره. وقد تناقل مفسرو القرآن والمؤرخون وجامعو قصص الوعظ، أخبار لوط استنادًا إلى تفاصيل ورد معظمها فى التوراة وإن كانت تميل إلى الإسرائيليات، فى اختلاق التفاصيل. وكما هو الشأن مع أنبياء آخرين وردت أسماؤهم فى القرآن، أضفى ابن عربى دلالة صوفية على شخصية لوط إذ كان يعده رمزا للقوة الروحية التى تُخضع رغبات الروح الشهوانية وتقهرها. المصادر: الثعالبى: قصص الأنبياء - القاهرة. سعيد عبد المحسن [ب - هلر، ج - فايدا B. Heller, G. Vajda]

لون

لون من السمات المميزة للغة العربية ثراؤها الشديد بالمفردات الدالة على الدرجات اللونية، فكانه قد رؤى أن كل تفصيله مهما دقت، وكل درجة لونية مهما ضؤلت تتطلب اسما هو وقف عليها وحدها. وسوف نتناول بالتحليل فى الجزء الأول من هذا المقال أسماء الألوان من حيث الصرف والدلالة. وبالتالى نستطيع أن نرى كيف تسنى للمفكرين المسلمين من علماء كلام وفلاسفة تحليل الإدراك الحسى للألوان. أما الجزء الأخير من المقال فسوف يخصص للبعد الرمزى الذى تنطوى عليه الألوان. إلا أنه لابد من تقديم بعض الإيضاحات والتعريفات حتى يمكن فهم الموضوع فهما سليما. ذلك أن لون أى شئ -من حيث الإدراك الحسى البحت- إنما نلاحظه أو نرصده بمتغيراته الحسية الثلاثة متمثلة فى درجته (أو قيمته) اللونية، ومدى نصاعته ومدى تشعبه. والأبيض لا يعد لونا، شأنه فى ذلك شأن الأسود. ففى عالم الفيزياء نجد أن الجسم الأبيض يوزع كل الإشعاعات المرئية الساقطة عليه بالتساوى، وكذلك الجسم الأسود يمتص كل الإشعاعات امتصاصا تاما ولا يعكس منها أى شعاع. فالألوان غير اللونية هى على درجة الصفر من التشبع. والألوان المكملة هى تلك الألوان التى تجعل من بعضها البعض ألوانا محايدة، وإذا مزجت أنتجت لونا أبيض: النيلى/ الأصفر، الأزرق/ البرتقالى، البنفسجى/ الأخضر - الأصفر، الأحمر/ الأزرق - الأخضر. وأخيرا فإن ألوان الطيف السبعة منها ثلاثة فقط -الأزرق، الأصفر، الأحمر- هى الأساسية: إذ تخرج منها باقى الألوان. دراسة صَرْفية لأسماء الألوان: تتميز الصفات المشتقة من الألوان بأنها -فى معظمها- على وزن "أفعل" للمذكر و"فعلاء" للمؤنث، وصيغة أفعل هى الصيغة التفضيلية، وظاهر الأمر أن اشتراك الصفة التفضيلية والصفة اللونية ليس وليد صدفة، فثمة افتراض ينظر إلى الصفة اللونية بوصفها صفة تفضيلية فى مرحلة ما من مراحل تطور اللغة: فالذى نصفه بأنه أحمر، لعله فى

الأصل كان يعنى "أشد حمرة من. . . " وقد أدى تطور اللغة إلى حذف الكلمة التى تدل على المقارنة أو التفضيل: فمن حقائق اللغات السامية أن الفرق يتضاءل بين أسماء الألوان وصيغة أفعل التفضيل. ففى اللغة الآرامية تصاغ أسماء الألوان -بوجه خاص- على وزن "فعّل" (فععل) وكذلك الأمر فى العبرية توجد مجموعة من أسماء الألوان صيغت صياغة تفضيلية وذلك بازدواج الجزءين الأخيرين (فعلعل). . . " وإلى جانب صيغة "أفعل - فعلاء" التى لا تصاغ على وزنها معظم أسماء الألوان فحسب بل وتصاغ على وزنها أيضا أسماء كل الألوان الأساسية، توجد صيغ أخرى -وإن كانت نادرة- لم نوجه لها عنايتنا، وإن كان علينا أن نتذكر أن بعض هذه الصفات عبارة عن ازدواج لصيغة أفعل، أو ازدواج لصيغتها هى نفسها. نذكر من هذه الصيغ: على وزن فاعل (حانِط)، على وزن مُفعّل (مُجزع)، فَعْل (جَوْنَ)، فَعيل (فَقِيع)، فَعل أو فَعِل (شَهَب، لَحِق)، مُفعِل (مُقْرِف)، وأقل من هذه شيوعا تلك الصفات اللونية التى تأتى على وزن: فَعلول، فُعال، فُعالى، فُعَيْل، فِعال، فَعَالى، فاعِلى، فعولى، فُعِلّ. ولا شك أن هناك علاقة ما تربط بين بعض هذه الصيغ ودرجة لونية بعينها: فهناك رابطة بين صفة فاعل ودرجة التشبع، ومُفعّل والمزج، وفعيل والخلط. وبعض هذه الصيغ ينتهى بالياء وهى طريقة غير مباشرة تلجأ إليها اللغة العربية فى كثير من الأحيان للدلالة على الاصطباغ بلون ما. وبعض الصفات اللونية (مأخوذة من لغات أخرى غالبا) قد تحددت بناء على علاقة ربطت بينها وبين شئ يمثل هذا اللون، وبالتالى فهو بمثابة ستار لها. فالصفة "وردى" مشتقة من كلمة "ورد" و"بنفسجى" مشتقة من بنفسج و"كحلى" من كُحل. وأغلب الظن أن هناك صلة بين صيغة الصفة اللونية ومعناها. ومن هنا نجد أن الجِذْر ف - ق - ع اشتقت منه الصفات اللونية الآتية: فَقع (أصفر باهت)، فُقَاع (أى

شديد الحمرة، وهو وصف لبشرة الإنسان)، فقيع (أحمر أو أبيض)، أفقع (شديد البياض)، أما اسم اللون فهو مصدر على وزن فُعْلة. وهذا هو العنصر المجرد الوحيد ضمن المصطلحات اللونية. فالعربى حين يقول حُمْرة أو صُفْرة، فهو يعبر عن "حالة كون الشئ أحمر أو أصفر". وأسماء الألوان دمان كانت مصادر، إلا أنه من الجائز أن تستعير صيغا أخرى مثل: فَعَل، فَعْل، فَعَال، وهذا الوزن الأخير -كما يبدو- مقصور على الأبيض والأسود، حيث أن جذر كل منهما أجوف [معتل الوسط]، فِعْل، تفعيل، فِعْلة. ويبدو أن أسماء الألوان التى على وَزن فُعْلة -هذه الفئة بالذات- لا يمكن أن نسميها "أسماء أفعال" لأن الأفعال التى اشتقت منها هذه المصادر هى فى الأصل أسماء. ومن الصيغ المشتقة من الفعل فى اللغة العربية توجد صيغتان -على وزن إفعلّة وإفعالّة- تتسمان بسمة خاصة: ذلك أنهما يعبران عن أحوال (إما حالة لون أو حالة تشويه) ولم يشتقا من الصيغة البسيطة "فَعَل"، بل هما فى الأصل من الأسماء، إذ تم تشكلهما من صفات على وزن أفعل لتعبر عن الحالات المشار إليها آنفا. وينطويان على بُعد تفضيلى يظهر لنا من ازدواج الجذر الأخير. أما صيغة "إفعالة". وهو أقل شيوعا من صيغة "إفْعلة" فيبدو أنه تضعيف له ومن هنا كان لدينا إلى جانب "إبْيَضّ" و"إسْوَدّ" بمعنى أصبح أبيض اللون، وأصبح أسود اللون "إبْياضه" و"أسْوادّة" أى أصبح ناصع البياض، وأصبح شديد (حالك) السواد كالأبنوس. وأخيرا ينبغى أن نولى عناية للصيغ غير الثلاثية والكلمات المستعارة من لغات أخرى. فنحن نصادف أمثلة مثل: فَعْلل، فعلال، فُعْلُل، فَعْلَلى، فِعْلِل. أما عن الكلمات المستعارة فأكثرها شيوعا: أرجوان أى أحمر قان، زِرْياب "أى أصفر"، "زَرْجون" أى أحمر وذهبى، فِرْفير "أى بنفسجى"، سمانغونى "أى أزرق سماوى" نيلَجْ "أى أزرق نيلى"، وهى صفات مشتقة من الفارسية واليونانية.

دراسة الدلالة

دراسة الدلالة: وكلمة لون عند العرب تعنى أيضا "درجة" و"جانب أو بُعد" و"نوع" و"طبق (من الطعام) ". . إلخ. وبالإضافة إلى هذا المصطلح العام، لدينا أيضا هذه الكلمات: "بَوْص" (تؤكد على فكرة النصاعة وصفاء اللون) [بوّص أى صفا لونه]، صبيب (لون سائل أو صبغة، كما تطلق على الشئ الذى يلونه هذا السائل أو تلك الصبغة)، سحنة (تطلق على لون البشرة)، لَيْط، نَجرْ، خطبة (تطلق على اللون غير النقى أى تطلق على مزيج أو خليط من لونين)، خَرَجْ، خَصَفْ، نصيف (وهذه المفردات الثلاث تشير إلى خليط أو مزيج للونين يعدان أحيانا من الأضداد). ويبدو من المفيد أن نكشف عن كيفية إدراك العرب لألوان قوس قزح، وبالتالى كيفية ترجمتهم لهذا الإدراك فى رمز أو كلمة حتى يتسنى لنا دراسة أسمائها من حيث الدلالة. فمن خلال هذه الظاهرة يتبدى طيف تتعدد ألوانه وتتنوع تنوعا شديدا، لذلك كان من الأهمية بمكان عند كل جماعة من الناس أن نحدد الأسماء التى يطلقونها على ما يرون. ونحن نعلم أن اليونان والرومان قد نسبوا إلى قوس قزح ثلاثة ألوان. فارسطو يذكر فى كتابه "الآثار العلوية" قائمة تضم الأحمر، البنى، الأخضر، والأرجوانى حيث يرى أن ثمة خفوتا متدرجا للضوء. أما أفلاطون -فى طيماوس- فيرى أنه بوسعنا إعادة تركيب كل الدرجات اللونية باستخدام أربعة ألوان أولية: أسود وأزرق وأحمر ولون الضوء. والدراسة المقارنة للغات التى تنتمى لمناطق ذات ثقافات جد متنوعة تكشف عن أن تقسيمات الطيف لدى هذه اللغات أبعد ما تكون عن التطابق مع بعضها البعض. فهى تقسيمات عشوائية وتختلف باختلاف المواقف والموارد اللغوية المتاحة. فالقواميس والموسوعات الكبرى العربية الفصحى تكاد تجمع على إيراد الشرح التالى لمعنى قوس قزح: "يتكون قوس قزح من شرائط على شكل قوس بألوان أصفر وأحمر وأخضر"، لقد حل

الأخضر محل الأزرق -لأنهما عرضة للخلط بينهما فى كثير من الأحيان. فنحن هنا نجد أيضا فكرة الألوان الثلاثة الأولية. وكلمة أبيض لها نفس الجذر مع كلمة "بيضة". كما أن الأبيض يعنى لعاب، سيف، مال، كما أنه يعنى فى أفريقيا -ويا لها من مفارقة- الفحم. وفى القرآن تظهر كلمتا "أبيض وأسود" متتابعتين للتعبير عن التضاد بين النور والظلمة لا التضاد بين اللونين الأبيض والأسود. وثمة كلمات أخرى عديدة تعنى أبيض، آدم، ثاغِم، جَوْن (التى تعنى أبيض كما تعنى غامق)، أشيب، صقْلب، ظَلْم، أغَرّ، فَقِيع (تعنى أبيض ناصعا كما تعنى أحمرا صارخا)، أحْمر، قُهابِى، حَضِّى، أحَمَ (تعنى نفس ما تعنيه كلمة جون)، حَوَارى، خالص، أزْهر، لَهَق، أَمْره، ناصع (نصاعة الأبيض والأصفر والأحمر) يَقَقْ. . . إلخ. وكلمة أسود لها جذر [لغوى] ينطوى على فكرة السلطة والقوة. وأسود نقيض أبيض. وكثيرا ما يوصف بها المعتم أو الغامق لا الأسود نفسه (سورة البقرة آية 187, سورة آل عمران 106). وكلمة الأسود قد تشير إلى أشياء ومخلوقات عديدة مثل الحية، العقرب، البلح. . . إلخ. والمصدر "سواد" يشير -بصورة خاصة- إلى منطقة فى العراق عرفت بكثرة نخيلها وبساتينها. وهناك مجموعة كبيرة جدا من الكلمات المستخدمة للدلالة على ما هو أسود، نذكر منها: بَغْس، مُتَحَّم، جَوْن، أحْتم، حُنْبُوب، حنْدَس، حُلّبة، حالك، أَحَم (أى أبيض أَو أسود أو أحمر غاَمق)، أَحْوز، أَحْوى، أَدْيَس (غامق)، أَدْجَن، أَدْعَج، أَدْكن، أَدْلَم، أَدْهَم، أَسْحم، أَسْفع، مُظْلم، غُدَاف، غِرْبِيب (ومن الشائع جدا الربط بين الغراب واللون الأسود، ولنا أن نتذكر أن الجذر ع - ر - ب يعنى أسود فى العبرية والآرامية) أَفْحم، قاتم، قاتن، قاحم، أكحل. . إلخ. والرمادى -أى المزج بين الأسود والأبيض- ليس له لون محدد، وليس له لفظ أساسى فى العربية. ويمكننا أن نشير إلى شاهب، أَشْهب، أَغْثم، أَرْسم، أَرْبد، أَرْمد، أَدْمَك، أَغْبث، أَوْرق، أَطْحَل، قَهْد، أَكْلَس، أَغْس، أَمْلَح، أَمْهق. . إلخ.

ونادرا ما يذكر العرب البنفسجى، فهذا اللفظ الأساسى مأخوذ من الفارسية. وثمة ألفاظ أخرى نصادفها مثل: خُبَّاذى، سَمَانغونى، فِرْفيرى، ومن الواضح أنها ليست ألفاظا عربية، وجميعها صفات تعبر عن النسبة لشئ ما. وهذا ينطبق على النيلى حيث توجد مادته الملونة فى نبات يسمى خِطْر، سَدُوس، مُسَيْطِر، عِظْلم، نُؤُور، نيل، نيلة، نِيلَجْ، وَسّمة. والأزرق لون من الألوان الأساسية فى الطبيعة. والكلمات المعتادة التى تشير إليه هى "أزرق" وتعنى أيضا شاحب، هزيل. أما كلمة "زراقيم" -وهى جمع- فتعنى حيّات. وألفاظ هذا اللون محدودة إلى حد ما. وثمة كلمات مثل سماوى، كَحْل، أَشْهل، عَوْهَق، أَمْقه (وهذه الألفاظ الثلاثة تنطوى على ازدراء) أَمْلَه. وأخضر هو أساس الحياة، والصفة منه ترتبط بفكرة القتامة لأنها تعنى أحيانا أسود، غامق، رمادى. والخضراء لفظ يشير إلى السماء، وهذا يوضح أن ثمة علاقة بين الأزرق والأخضر، وهما محل خلط عند أبناء العصور القديمة. فالإغريق والصينيون والميلانيون وأهل كالدونيا الجديدة وآخرون كانوا يستخدمون نفس اللفظ للدلالة على اللونين. والألفاظ الدالة على الأخضر مجموعة كبيرة إلى حد ما بعد الألفاظ الداله على الأسود والأبيض. ولن نذكر منها سوى حانئ، أَحْوى، أَخْضب، أخْطَب، أَدْلس، دقيق، عَشْرَق، أَغْبَن. ومما يلفت النظر أن اسم اللون الأصفر له علاقة باسم الزعفران (مأخوذ من الفارسية)، ويطلق المؤرخون العرب وصف "بنو الأصفر" على الإغريق والبيزنطيين. بينما يطلقون على أنفسهم وصف "السود" أما غير العرب عموما فهم "الحُمْر". ومجموعة الألفاظ الدالة على الأصفر كبيرة، أهمها: حبْر، ذِرْيَبْ، زَبْرَق، زَبْرَج، زرْياب، زَهْر، أَصْحَم، أَفْقَع، قَلَج، أَمْلَج، ناصَع، وادِس. أما البرتقالى فشأنه شأن البنفسجى والنيلى له اسم يدل على النسبة لشئ يمثل هذا اللون هو "البرتقال"، فمنه جاءت الصفة "برتقالى".

والأحمر يذكرنا بالدم والبشرة والفاكهة والحياة. واللونان الأخضر والأحمر -وهما لونان متضادان ومتكاملان- هما أيضا لونا النبات والحيوان. وكان للون الأحمر دائما مكان ذو أهمية خاصة إذ يكاد يشمل كل قطاع من قطاعات الحياة. ولقد حظى بمكانة متميزة فى معجم الألفاظ -وتكاد كل اللغات تحتوى على ألفاظ تعبر عن كل درجة من درجاته- وتشكل الألوان، الأسود، والأحمر، والأبيض أفضل ثلاثية حظيت بالاعتراف، كما نالت أكبر قدر من معجم الألفاظ والرمزية. وكلمة "أحمر" العربية مشتقة من الجذر "اللغوى" الذى يعنى الحمية والشدة والقوة. وللون الأحمر معجم من الألفاظ العربية هو أكثرها ثراء. وسنكتفى بذكر بعضها: آدم (وقد سبق أن صادفناه ضمن الألفاظ الدالة على الأبيض)، وربما كان يدل على الأحمر فى اللغات السامية القديمة)، بَتَغ، أَبْقم، ثِقيب، جَوْن (وقد سبق أن صادفناه ضمن الألفاظ الدالة على الأبيض) أَحْلس، (وقد سبق أن صادفناه ضمن الألفاظ الدالة على الأبيض)، حائط، أَدْبَس، مدموم، أَدْهس، أَدْهن، أَرْبد، رَادِنى، زَبْرق، زاهر، أزهى، أسْلخ، أسْلغ، أَشْرق، صُباحى، أَصْحر، صَيْعرى، صِقْلاب (ذكر من قبل للدلالة على الأبيض) صَمْعَرى، أَصْهب، أُضْرج، عانِك، عَنَمى، غسيق، غَضْب، مَغْلوق، فَدْم، فَدْن، فِراس، فِرْصد، أَفْضح، فقيع (سبق ذكره للدلالة على الأصفر) قُراص، أَقْرف، قِرْمزى، قَشَر، قانئ (يدل بصفة خاصة على التشبع) أكْثع، كَرك، كلْف، كَمِت، مائع، أَمْعر، منكور، نَكَع، وَرَد، يانع. أما اللونان البنى والأحمر فلهما مفردات محدودة العدد، ومن جهة أخرى يعد من المنطقى لقوم ترجع أصولهم إلى الصحراء أن يرصدوا بدقة لون الحمرة المائلة إلى بياض أو الحمرة إلى غبرة [الأبرص] ويميزونه عن غيره من الألوان. ولنا أن نذكر هذه المفردات: بَهْرم، أَحْسب، حِضَاد، أَشْقح، أَشْقر، أَصْحر، أَصْهب، أَعيس، أكلف، كُمْيت، وَرْد (سبق ذكرها للدلالة على الأحمر). والأرجوانى -فى اللغات

الدرجات اللونية والنصاعة والتشبع

السامية الأساسية- له أسماء مشتقة من جذر واحد، وهو رباعى مكون من "ر - ج - و - ن". ويقول واضعوا المعاجم العربية أن الكلمة العربية "أَرْغوان" كلمة مأخوذة من الفارسية. ومن الواضح أن كلمة "فرفيرى" و"برفيرى" مشتقتان من نفس الأصل الذى اشتقت منه نظيرتهما فى كل من اليونانية واللاتينية. أما الألوان التى تقل فى درجتها عن البنى فلها مسميات تقوم أساسا على تنويعات لكلمات تعنى التراب، الرماد، الأرض. والمفردات التى تطلق على خلط الألوان ومزجها تشكل دائرة واسعة للغاية. وإنا لندهش من تكرار الحرف الساكن "شين" فى تشكيل الألفاظ التى تطلق على نمط من التلوينات هى الرَّقَشة [أو الرَّقَشَن]، والبرقشة [أو الوشى]، والمخططة [أو النقش]، والمنقطة [البُرشة]. أضف إلى ذلك أنه يتم التمييز بين ألوان الخيول تمييزا يصل إلى أدق درجات هذه الألوان، فيطلقون عشرات وعشرات الألفاظ عليها. ومما يلفت النظر فى هذا الشأن عدد الألفاظ التى يرد فى مقطعها الأول حرف الدال وهى: أَدْبس، أَدْجن، أَدْخم، أَدْرع، أَدْعس، أَدْغث، أَدْغم، أَدْلم، أَدْهس، أدهم. . إلخ). ونختتم هذا المسح الموجز عن دلالة الألوان بملاحظة مفادها كثرة الكلمات المتناظرة ومن أصل واحد، وكثرة الكلمات المأخوذة من لغات أخرى فى هذا الشأن. الدرجات اللونية والنصاعة والتشبع: يبدو أن العرب لم يكن لهم كبير اهتمام بالدرجات الخاصة بلون ما، يبدو هذا فى أدبهم حين يعرجون بالحديث عن لون المنظر الطبيعى، أو لون الثياب وأى شئ من متعلقاتهم فى الحياة اليومية. إذ يأتى حديثهم مسا عارضا ليضفى انطباعا عاما -بينما ينطبع فى نفوسهم بوجه خاص توهج اللون، وأشد من ذلك تأثيرا تشبعه. وهذا متوقع من قوم يعيشون فى بيئة مشبعة بالشمس. ويبدو -إلى جانب ذلك- أن هاتين الفكرتين -النصاعة والتشبع- تختلطان -من حيث الدلالة- فى الصفات التى لا حصر لها، والتى يمكن أن نسميها "صفات لونية توكيدية".

اللون فى رأى المعتزلة

فهذه الصفات التوكيدية -أبيض، أسود، أخضر، أحمر- تستخدم للدلالة على أن اللون قد وصل أعلى درجاته من النصاعة والتشبع، بينما الأسماء -"الشبع، التشريب، النحقيق، اليقئ"، تعتى التشبع، أما "البريق، اللصيف، الرعفيف" فتعنى النصاعة. وإن كان صحيحا أنه ورد فى هذا المقال أسماء التفضيل "فقيع، ناصع، خالص، ناضر" وهى جميعها فى صيغة اسم الفاعل، وهذه الأسماء. أ) تعنى ضمنا -إذا ما ارتبطت بصفة لونية- فكرتى التشبع والنصاعة، إذ تعنى عندئذ أن اللون مكثف ولافت للنظر. ب) وهى قابلة للتطبيق -فى الأصل على الأقل- على أى لون. ويبدو أن علماء النحو العرب قد حددوا -فى مرحلة لاحقة- لكل صفة لونية صفة تفضيلية خاصة بها. اللون فى رأى المعتزلة: اهتم المعتزلة -وهم يشكلون مدرسة فى علم الكلام والسياسة تدافع عن العقيدة الدينية ببراهين عقلية- بمشكلة الأجسام المادية وكيف تدركها حواسنا، ولكن اختلفت وجهات نظرهم فى مسألة اللون. فالنظَّام (توفى حوالى 230 هـ/ 845 م) يبدأ من مسلمة مفادها أن الأعراض لا يمكن أن تكون مرئية ولا يمكن إدراج الألوان ضمن الجواهر، أما بشر بن المعتمد (ت حوالى 220 هـ/ 835 م) ومعاصره معمَّر وغالبية مريدى هذه المدرسة فإنهم يعدون الألوان أعراضا من فعل الإنسان وحده، أو هى تحدث بحكم طبيعة الأشياء التى تتأثر بفعل الإنسان. فاللَّه خلق الجواهر (الأجسام والذرات) وهى قادرة على أن تحدث بحكم طبيعتها أعراضا محددة تحديدا تاما، ومن هذه الأعراض اللون. كذلك عكست "مقالات الإسلاميين" (293 - 393 هـ) للأشعرى صدى هذا الجدال الذى نما وتطور فى دوائر هذه المدرسة حول هذه الأسئلة. هل بوسع المرء انطلاقا من إدراكه لشئ ملون أن يجزد اللون مع علمه بأن اللون المجرد لا تدركه الحواس بل يُعرف بالعقل؟ أو هل بوسع المرء أن يدرك إدراكا حسيا البياض والأبيض أو السواد والأسود

اللون فى رأى الفلاسفة

فى وقت واحد؟ هل يستطيع المرء أن يرى اللون وحده لا الشئ الملون به؟ لقد تباينت وجهات النظر بشأن هذه الأسئلة. فالنظَّام يرى أن اللون والشكل والنكهة والطعم. . . إلخ لا تدرك بالحواس إلا من خلال فتحات من نوع ما لكى تتأثر الحواس. والحواس ما هى إلا أجسام مسامية. ويفيض الفيض لجسم المدرك حسيا ليتخلل فتحات الحواس، ويصل بذلك إلى وعى الكائن الذى يحس بها. وقد تحدث العلّاف (توفى بعد 226 هـ/ 840 م) عن وجود تدخل إلهى فى عملية وعى الإنسان بالأشياء المحسوسة. ولكن معمّر يرى أن إدراك الأشياء المحسوسة بمثابة فعل طبيعى من أفعال الحواس وفعل مولّد يخلو من أى مبادأة إلهية. اللون فى رأى الفلاسفة: كان الكندى (توفى حوالى 259 هـ/ 873 م) -فيلسوف العرب- يرى أن اللون "عَرَض عام لأنه يؤثر على أشياء عديدة". إنه عَرَض تدركه حاسة هى أول "الحسَّين الشريفين" البصر والسمع. وكما أن العقل الفعّال يحقق الممكن، فكذلك الضوء الذى يسقط على الأشياء المعتمة يحول الألوان من موجودة بالقوة إلى ألوان موجودة بالفعل. فالجسم الشفاف حقيقة لا لون له لأنه ناقل للون الأشياء التى توضع خلفه. ومن العناصر الأربعة التى يتكون منها العالم نجد أن الأرض وحدها هى العنصر غير الشفاف، وبالتالى فهو حامل اللون فى عالم ما تحت القمر. ولكى يتأثر شئ ما بالضوء، ويصبح بالتالى حاملا للون لابد له أن يعترض الأشعة المرئية. والألوان التى نعتقد أننا ندركها حسيا فى النار هى فى الحقيقة ألوان الجزئيات الأرضية وقد اختلطت بالنار. فالنار -شأنها شأن الهواء والماء- لا لون لها على الإطلاق. وفى نفس الوقت توهمنا حواسنا أن السماء ما هو إلا اصطناع: إنه لون الجزئيات الأرضية والمتطايرة التى يحفل بها الهواء. والفارابى (توفى 339 هـ/ 950 م) كان بدوره مهتما بالألوان. ويقول إن الألوان تحدث على سطح الأجسام تحت

تأثير مصدر متوهج حيث أنها لا توجد فى ذاتها. هى إذن أعراض يحدثها مصدر ضوئى. والاختلافات اللونية تحدث نتيجة لاختلاف مواضع الأجسام المضاءة. والألوان لا تؤثر إلا على عالم الكون والفساد. أما الأجسام السماوية والعناصر الأولية (الاسطقساط) أى الأجسام البسيطة فلا لون لها. ولون الأجسام الأرضية مستمد من مزج العناصر المكونة لكل جسم منها، فوجود عنصر النار يوجد الميل نحو الأبيض، وعنصر الأرض يوجد ميلا نحو الأسود. أما الألوان التى تتوسط هذين اللونين فهى نتيجة مزج هذين العنصرين بنسب مختلفة. وفى تعريف الفارابى للون يكرر الصيغة الأرسطية القائلة بأن اللون "هو سطح الجسم الشفاف بقدر شفافيته". والأبيض ليس سالب الأسود، والأسود ليس سالب الأبيض. فهذان اللونان المتضادان لا ينفى أحدهما الأخر. أما إخوان الصفاء (النصف الثانى من القرن الرابع الهجرى/ العاشر الميلادى) الذين ألّفوا موسوعة جماعية وتأثروا بنظرية الفيض [الصدور] والأفلاطونية الجديدة. فقد اعتبروا اللون من الصفات المتممة للجسم. والنور مرتبط بالنفوس والأرواح التى تدور فى دائرة. أما النور والظلمة فهما لونان روحيان. وعندما يتصلان بالأجسام يتحولان إلى الأبيض والأسود وهما لونان جسميان. وهم يعرفون الألوان بأنها "سطوع أشعة الأجسام" ولذلك فهى لا تظهر إلا على سطوح هذه الأجسام. وتوجد سبعة ألوان بسيطة هى: [البياض والسواد والحُمرة والصفرة والخُضْرة والزُّرْقة والكُدْرة]. أما السواد فهو منع الرطوبة الأرضية وصول النور إلى البصر، أو منع البصر من الوصول إلى النور لأن السواد يجمع البصر. وفى الطرف المقابل البياض وهو ظهور النور بنقائه التام وهو -على النقيض من السواد- يفرّق البصر، وكل الألوان الباقية متوسطة بين هذين الطرفين وفعلها فى البصر بحسب غلبة أحد هذين عليها. أو الأشياء الصُّفر تُرى

صفراء لا أسباب تمنع النور أن يُرى صافيا. أما علة رؤية الأشياء حُمرا فلشيئين: أحدهما الأسباب المعفِّنات والآخر الأسباب المذوِّبات، فالمعفِّنات لكثرة الرطوبة، والمذوِّبات لكثرة الحرارة. وأما الخضرة فهى من أجل غلبة الرطوبة الأرضية على النور، ومنع البصر إياها، أو منع النور أن يصير إلى البصر صرْفا. وقد جعل اللَّه الهواء أزرق والنبات أخضر لكى يكونا فى صالح مخلوقاته. والواقع أن هذين اللونين يتصفان بأنهما صحيان للرؤية، أما ألوان قوس قزح فهى أربعة: أحمر، أصفر، أخضر، أزرق. وكل لون من هذه الألوان يطابق كيفية من الكيفيات الأساسية الأربع وهى: الحرارة والجفاف، والرطوبة، والبرد، كما يطابق عنصرا من العناصر الأربعة وهى: النار، والهواء، والأرض، والماء -وأخيرا رفض أخوان الصفاء نظرية الفيض أو الصدور. عند ابن سينا (توفى 428 هـ/ 1037 م). أدرج ابن سينا -شأنه فى ذلك شأن أرسطو- دراسة الجهاز الحسى ضمن العلوم الطبيعية. وخصص فصلا بأكمله فى كتابه الشفاء لدراسة مشكلات الرؤية واللون. وهو يرى أن الضوء من الكيفيات التى تعمل عملها فى الأجسام الشفافة، بينما اللون فى الأجسام المعتمة. وهذه الأجسام تكون معتمة بالقوة. وقد يوجد اللون دون أن يكون مرئيا، ولكن لا يقوم اللون بالفعل إلا بفضل نصاعته. وواقع الأمر أن الألوان لا وجود لها فى الأجسام. والجسم الأسود القاتم هو جسم ملون بالقوة. والشئ الذى يبدو ملونا حين يسلط عليه الضوء لا يكون ملونا فى الظلام، لقد جرد من لونه المتحقق بالفعل. والهواء والماء والقبة السماوية هى بمثابة وسيط شفاف وفى نفس الوقت ناقل. إن الجسم المضئ يتعامل مع الجسم الملون دون أى تغيير أو تعديل وإنما يؤثر على الوسيط الشفاف. فوجود الضوء -يجعل من الجسم الشفاف بالقوة جسما شفافا بالفعل- وبإزدياد الضوء يزداد ظهور اللون وتجليه. وهو يرفض النظرية القائلة بأن البياض لون والسواد ظلمة، لأن الأسود منير ويضفى نورا على

أشياء أخرى غير ذاته. وبالتالى فاللون لا يتمثل فى الأبيض وحده. واللون المطلق -أو الجنس العام للون- ليس هو النور بل النور هو سبب ظهور اللون وسبب نقله. ومن هنا كان النور من مكونات ذلك الكائن المرئى الذى نسميه "لون". إد أن اللون الموجود بالفعل هو نتيجة لالتقاء النور باللون الموجود بالقوة. أما الألوان المتوسطة فهى نتيجة مزج الأسود والأبيض. أما ابن الهيثم (توفى 430 هـ/ 1039 م) فى كتابه "البصريات" فقد اتخذ موقفا مخالفا لأولئك الذين انكروا وجود اللون وجودا حقيقيا، وأعلنوا أنه مجرد مظهر يتوسط العين ومصدر النور. فهو يرى أن ظهور اللون يتأثر بالفعل بنوع النور الذى يحمله وأن نفس اللون قد يتحول طبقا لدرجة النور المتاح، ومع ذلك يظل للون، وجود المستقل. وقد كشف شارحه كمال الدين الفارسى (توفى 720 هـ/ 1320 م) الصلة الأساسية بين النور واللون -ففى الظلمة توجد الألوان بالقوة فى الأجسام الملونة، وتتحول إلى ألوان بالفعل حين يسلط الضوء على هذه الأجسام. وابن حزم (توفى 456 هـ/ 1064 م) خصص فقرة من كتابه "فِصَل" للحديث عن اللون. ونقرأ فى هذه الفقرة أن الهواء غير مرئى لأنه لا لون له، فى حين أن الماء مرئى لأنه أبيض اللون. كذلك النار لا لون لها فى الكرة السماوية، أما اللون الذى نراه حين نحرق الخشب، أو حين تحترق ذبالة المصباح أو أى جسم آخر إنما هو مستمد من مقدار الرطوبة التى تحتويها هذه الأجسام -فعند عملية الاحتراق تتحول الأجسام إلى هواء نارى والألوان التى تكتسبها هذه الأجسام المحترقة تتحدد بالمواد التى تتكون منها- كما أن جزئيات الرطوبة هى التى تسبب ظهور قوس قزح. وقد شرع فقيه قرطبة فى دحض "ما قاله القدماء" الذين رأوا أن الأبيض هو نتيجة لتفرق البصر بينما الأسود نتيجة اجتماع لهذا البصر. فهو يرى أن الأسود غير مرئى

لأن الإدراك الحسى لا يتحقق إلا عبر امتداد يضاف للبصر. لأن العين لا ترى سوى ما هو ملون، والأسود ليس لونا. إنه مجرد ظلمة أو هو لا وجود أو فقدان اللون ورؤية البصر. وحين نعتقد أننا "نرى" سود، فهذا يعنى أننا خاضعين لخداع بصرى. فحين نصف شخصا ما، أو غرابا أو رداء بأنه أسود فهذا بحكم العادة وعلى سبيل المجاز. وواقع الأمر أن كل جسم من هذه الأجسام له لونه الخاص، وهو لون غير أسود، أما عن الفرق بين الأسود الطافئ والأسود الساطع أو اللامع فهذا لا يرجع إلى الأسود نفسه بل يرجع إلى البريق أو الوهج أو الوميض وهو شئ مختلف ومتميز ويشكل لونا فى حد ذاته، وله تأثيره على كل الدرجات اللونية. ولعلنا نذكر أن أفلاطون قد أدرج "لون النور" ضمن الألوان الأربعة الأساسية. ولنا أن نقول عن ابن حزم إنه أيضا قد عد القتامة لونا خاصا لأن البصر يدركها، كما هو الشأن مع النصاعة والسطوع، ومن الواضح أن الفقيه صاحب المذهب الظاهرى كان واعيا بوجه خاص بتنوع الاحساس باللون. بل إنه أقام سلما متدرجا للألوان وفق مدى قوة الإحساس بها: الأبيض، الأصفر، الأحمر، الأخضر. أما ابن باجة (توفى 533 هـ/ 1139 م) فقد طور مذهبا بأكمله عن اللون فى مقاله عن "النفس" وفيه يظهر تأثير أرسطو واضحا، ويرى أن اللون هو بمثابة العنصر الحسى الأول، فالنفس الباصرة هى ملكة توجد فى العين وتجعلها قادرة على إدراك اللون. وهى مودعة فى الرطوبة الزجاجية بالعين التى كان الفلاسفة العرب يسمونها الرطوبة الجليدية. واللون -فى جوهره- شكل. ولا يمكن إدراكه إلا من خلال وسيط هو الهواء، وحين يوضع شئ ملون أمام العين مباشرة فإن العين تكون غير قادرة على إدراكه. وتقتصر وظيفة الهواء على نقل اللون حين يسلط عليه مصدر مضئ. ومن هنا يمكن صياغة فرضية مفادها. أ) الألوان فى الظلمة موجودة بالقوة فقط وليس لها وجود فعلى.

ب) يمتص الهواء الألوان من خلال صورة بصرية تنطوى على هذه الألوان. ويرى ابن باجة أن وجود اللون بالقوة وسط الظلام أمر لا شك فيه. والدليل على وجود هذا اللون يكمن فى الدرجات المختلفة لنفس اللون، إذ تتنوع درجاته بتنوع كميات الضوء المحيط به بما فى ذلك شبه الظل. أما عن لمعان وبريق بعض الأشياء والحيوانات، فإن هذا لا يرجع إلى اللون بل يرجع إلى التأثيرات الواقعة على العين. وكما أن اللون يمكن إدراكه فى غياب النور فكذلك النور لا يمكن إدراكه إلا إذا كان مرتبطا باللون. كذلك شرع ابن رشد (توفى 595 هـ/ 1198 م) الشارح الأكبر لأعمال أرسطو فى وضع نظرية تفسر النور واللون، بحيث تكون متسقة -بقدر الإمكان- مع روح العلم عند المشائين. فهو يرى أن اللون يوجد على سطح جسم ما. وهو يعد كمال (أو التحقق التام) الشفافية المحدودة، أما النور فهو كمال الشفافية غير المحدودة، وإذا امتزجت النار بالجسم الشفاف، فإن الألوان تجد فى النور جوهرها ووجودها لا مجرد علة لنقلها لعضو الابصار. وقد سبق أن رأينا ابن باجة كان مناصرا للنظرية القائلة بأن الألوان توجد "بالقوة" فى الأجسام سواء سلطت الأنوار على هذه الأجسام أم لا، أما فقيه قرطبة -وزميل ابن باجة فى الوطن "سرقسة"- فإنه يرى أن الألوان توجد "بالفعل" حتى لو لم تكن ضمن إدراكنا الحسى، ولا تكون مرئية إلا بتأثير الضوء. ويرى أن النور واللون يوجدان معا فى الوسط الشفاف. وكلاهما مشتق. فالنور مشتق من جسم لامع واللون من جسم ملون. والنور يخرج اللون من الوجود بالقوة إلى الوجود بالفعل، وبذلك ينقله إلى العين. وهكذا نجد أنه الوجود الموضوعى للألوان وتأثيرها على العين كلاهما يعتمد على النور. ولكن القابلية للرؤية للبيت شرطا لوجود اللون. ويترتب على ذلك أن اللون من حيث هو لون لا ينطوى على نور وهذا عكس ما قاله ابن باجة. فعندما يسلط النور على الجسم الشفاف تنتج ألوان مختلفة وذلك طبقا لشدة النور ودرجة

رؤية صوفية للون

الشفافية. والأبيض يشتق من خلط النار الخالصة (أى النور الشمسى) من حيث هو عنصر لامع، بالهواء (من حيث أنه أشد العناصر شفافية). والأسود يشتق من خلط النار والأرض. أما الألوان الأخرى فهى تقع بين هذين الطرفين. وهى ألوان تتكون بفضل إجرء نسب متغيرة تغيرا لا نهائيا من الثنائى اللونى الأبيض والأسود. وحين يميل أحد الألوان المتوسطة أخضر، أحمر، أصفر. . . إلخ) نحو الأبيض فهذا يعنى أنه فقد نسبة من جزئيات من عنصر الأسود المتضمن فيه والعكس صحيح. وليشترك الشارح العربى الأكبر مع أرسطو فى أن خلط الألوان هو نتيجة لاتحاد كامل للعناصر المكونة للنار والأجسام الشفافة، وليس مجرد تجاورها أو تركيب بعضها فوق بعض. ومن الواضح أن علماء الكلام العرب والفلاسفة لم يهملوا موضوع اللون، إلا أنهم كانوا معنيين أساسا بمعالجة النظريات التى ورثوها عن الإغريق وترجموها عنهم منذ القرن الثالث الهجرى/ التاسع الميلادى على يد رجال أمثال يحيى بن البطريق، حنين، بن اسحق، اسحق بن حنين، بشر بن متى. فإذا شئنا الدقة لم يكن لدى العرب -المسلمين مذهب محدد فى اللون ولا يوجد بحث -على حد علمنا- خصص لهذه المسألة. رؤية صوفية للون: يرى الصوفى الحكيم (الثيوصوفى) الكِرْمانى -الإيرانى- أن اللون لغة الأَرواح -فالعين- وهى نقطة الالتقاء بين النور الخارجى والنور الداخلى. لا تعكس ما يقدم ما يقدم لها بصورة سلبية. إنها تشارك فى إدراك الأشياء وتنتج اللون الخاص بها، ويرى الكرمانى أن الألوان التى تدركها العين هى ألوان الأشياء لا ألوان أشعة النور، وهى توجد فى عالم ما فوق الحس. والنور هو تجريد اللون أو اللون فى صورته المجردة. والنور هو روحانية اللون، واللون هو تجسيد النور، وبدون النور يظل اللون حاضرا، ولكنه يشبه

رمزية اللون

عندئذ جسدا بغير روح. ولذلك كان لكل مركَب لون سواء أكان هذا المركّب ينتمى إلى العالم الحسى أو عالم ما فوق الحسى. ولون العالم المعقول أبيض، أما لون عالم الروح فهو أصفر، ولون عالم النفس أخضر، وعالم الطبيعة احمر، وعالم المادة رمادى، والعالم الخيالى أخضر غامق، وعالم الجسم المادى أسود. وفى هذا السياق الروحى بوسعنا أن نتذكر الصيغة الشهيرة لنوفاليس: "اللون هو محاولة من المادة لكى تصبح نورا"، وكذلك قول رودلف شيتنر "ليس اللون كيفية من الكيفيات التى توضع على سطح الأشياء، بل هو نور يلمع منبثقا من روح الأشياء لتكشف عن نفسها لأرواحنا". رمزية اللون: للألوان قدرة على التأثير فى الكائن البشرى تأثيرا مستقلا عن ذلك الذى تمارسه على جهازه البصرى. كما أن الإحساس باللون هو -فى جوهره- إحساس فردى قبل أن يكون إحساسا جماعيا. وغنى عن البيان أن ثمة رابطة تربط بين الادراك الحسى لدى البشر والقدرة على الاستثارة والحياة النفسية. كذلك اعتاد الناس -منذ زمن سحيق- استخدام الألوان كمنظومة لتوصيل الفكر، وبوصفها "علامات" ورموز للأفكار المجردة. وعلى الرغم من أن كل لون لا يعد رمزا -مسلما به- لصفة تتسم بالعموم، إلا أنه أمكن عزل عدد من الثوابت بفضل الدراسة المقارنة. ولقد لعبت الألوان دورا مهما للغاية فى الطقوس والسحر والخرافة. كما أنه ليس بوسعنا تجاهل تأثيرات اللون النفسية والفسيولوجية والفيزيقية: إذ أن "لغة اللون" هذه -والتى تظهر فى الفن- تكشف عن دور -يصعب وصفه- تلعبه الدرجات اللونية، ولها قدرة على التفاعل لا غناء عنها لفن الرسم. وشاهد واحد من القرآن يكفى للتدليل على أن هذا هو الحال أيضا لدى العرب. فنحن نقرأ فى سورة النحل الآية 13 {وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ}. وقد سبق أن رأينا فى

دراسة القيمة الدلالية لبعض الصفات اللونية وأنه كان بوسعهم أحيانا إدراج معنيين متضادين تماما تحت مسمى الصفة الواحدة. وهو ما لاحظناه بصفة خاصة فى اللونين الأبيض والأسود حيث نشتق منهما صفات مشتركة، واستخدم العرب عدة صفات للدلالة على الخمر، منها "الشراب الصافى" و"الشراب الذهبى". . إلخ. ويبدو أن هذا النهج من التفكير هو نفسه قد أدى بهم -نظرا لاعتقادهم فى الخرافات- إلى تجنب استخدام ألفاظ بعينها، ثم يستثيرونها فى الأذهان إما من خلال صورة بليغة أو باستخدام النقيض، وذلك فى الحالات التى يكون فيها السياق كفيلا بإيضاح المعنى دون لبس. ونحن نجد -حتى فى يومنا هذا- فى بعض أجزاء المشرق والمغرب من يتجنب نطق كلمة "أسود" (فهو لون ملعون) ويلجأ بدلا من ذلك إلى استخدام الصفة المضادة -وفى مراكش قد يكون المقصود بـ "الأبيض" القار والفحم أحيان. كما لوحظ أن نفس الصفة اللونية قد تصف لونين لتكشف لنا عن وجود صلة ما بينهما رغم اختلافهما. إذ يبدو -فى أعماق اللاوعى الجمعى حيث تمتد جذور البشرية- أن أسلافنا لم يشعروا بضرورة ماسة لإقامة تقسيم صارم بين الألوان التى تعد متقاربة لوجود أوجه تشابه فيما بينها من حيث السطوع مثل الأزرق والأخضر أو من حيث الشدة مثل الأصفر والأحمر. ويصدق هذا على العرب. فالقيمة الرمزية للأبيض عندهم لم تكن -فيما يبدو- تختلف كثيرا عما كان لهذا اللون من قيمة عند معظم الناس، فهناك من تداعيات المعانى ما هو كامن ولكنه عام وشائع -فاللون الذى يرمز إلى النصاعة والولاء والمَلكلية وهو الأبيض نجده -فى السيكولوجية الشعبية- يرمز فى غالب الأحيان للنقاء والبهجة والطهر والقدرية -والأبيض- وهو مزيج من كل الألوان -يعد بمثابة وحدة، بل صورة للألوهية. فجسد جبريل رئيس الملائكة أبيض كالثلج. والطائر الأبيض رسالة من السماء تحمل الأخبار الطيبة. والديك الأبيض يعد تجسيدا لمَلَك من الملائكة. ولقد أرسل اللَّه إلى آدم ديكا أبيض اللون ليدله على مواقيت الصلاة.

وتعبير "يد بيضاء" -فى إشارة إلى سيدنا موسى حين أتى بالمعجزات التى عددها القرآن- هذا التعبير إنما يرمز إلى القدرة والقوة والسلطة. وكلمة "قلب أبيض" فى اللهجة العامية تعنى شخصا طيبا لطيف المعشر. و"الراية البيضاء" تعنى سمعة طيبة و"الأخبار البيضاء" تعنى رسالة مفرحة. وفى مصر يشبه اليوم الجميل باللبن أو الوردة البيضاء. ولكن قد يدل اللون الأبيض على الحزن والحداد كما هو الحال فى الشرق الأقصى، وفى أوربا لمدة طويلة، فالموت شاحب واللون الأبيض مضاد لحمرة الحياة. والكفن أبيض، والشعر الأبيض نذير الموت. وفى أسبانيا ومراكش وشرق فارس كان اللون الأبيض يعد أيضا لون حداد. لقد كان اللاوعى الشعبى مدركا أيضا للعلاقة التى تربط بين اللون الأبيض والموت. إذ يعبر عن نهاية الحياة بضروب من المجاز والاستعارة مثل "الموت الأبيض" موت مفاجئ وطبيعى، موت تقف المعرفة البشرية عاجزة إزاء مجهول لا سبيل إلى اكتناه سره. وكلمتا "أسود" و"سيد" يشكلان نموذجا لعلاقة قائمة على اشتقاق من أصل واحد للكلمتين، وهى علاقة مشحونة بالمعانى. فقد أدرك العرب أن اللون الأسود لون ذو هيمنة وله سحره الذى خلب لبّهم مع شعور بالخوف والخشية. فاللون الأسود والظلمة والليل والسر كل هذه أمور تقتضى منهم التوقير لها. وحجر الكعبة الأسود يعد من الأعمدة ذات الأثر الروحى. واللون الأسود هو رداء "الرحلة المجهولة". والحداد، وكل ضروب الحزن. وهو أيضا رمز مشترك للانتقام والتمرد (علم العباسيين الأسود). ويحتل اللون الأسود فى تاريخ الخرافة فى بلاد الإسلام مكانا متميزا. ويستخدم اللون الأسود كتميمة ضد "العين الشريرة". ويخلعون على القطة السوداء قوة سحرية هائلة، فهى من خلق الشيطان وأى شخص يأكل لحمها يتحصن ضد المرض، وإذا وضع طُحالها على جسد امرأة أوقف الطمث.

والغراب الأسود عند المسلمين -وعند شعوب أخرى كثيرة- ذو تأثير مشئوم لأن الالتقاء بطائر نذير شؤم، فالطائر نذير الفراق. وسلاسل جهنم سوداء. والسحابة السوداء علامة على غضب اللَّه. وقابيل قتل هابيل بصخرة سوداء. و"السوداء" هى الصفراء مصدر الأسى والخوف. ويطلق على العدو لقب "الكبد الأسود". و"قلب أسود" تعنى شخصية فظة و"الأخبار السوداء" تعنى كارثة، و"حياة سوداء" تعنى حياة تعيسة و"وجه أسود" هو وجه الكذاب، و"الموت الأسود" وصف مقصور على الموت شنقا. واللون الأزرق يقف على الطرف النقيض من اللون الأحمر، فهو لون بارد وزائل وعميق وروحى. فالسماء والبحر زرقاوان ومن ينغمس فيهما يضيع فى اللانهاية لأن عمقهما لا حدود له، والخوف الميتافيزيقى "خوف أزرق" وكان العرب يعدونه لونا سحريا مشئوما مزعجا ويدعو للقلق. والعيون الزرقاء مصدر الحظ التعس. ويوصف الكفار بأن لهم عيونا زرقاء. وفى مصر يعلقون قطع الشبة حول عنق الأطفال والكبار دفاعا ضد "العين الشريرة". والحجر الأزرق يتمتع بقسط من القوة المقدسة لأن لونه سماوى. إن القوة السحرية للون الأزرق هى بمثابة المنفذ لأوامر القدر، والمدافع عن الإنسان ضده فى نفس الوقت. و"العدو الأزرق" هو العدو العنيد والقاتل وفى حديث السوريين حين يقولون عن شخص ما إن "عظامه زرقاء" فهذا يعنى أنه ماكر وحقود. واللون الأزرق لون شاحبى الوجه ومنهوكى القوى والخائفين. وتوجد آية وحيدة فى القرآن ذكر فيها الجذر ز - ر - ق وهى الآية 102 من سورة طه {يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا} وهى تصف حال المذنبين يوم القيامة. وهذا يفسر لماذا حرص العرب على تجنب ذكر هذا اللون كما هو شأنهم مع اللون الأسود. وفى بعض مناطق مصر يقولون "أخضر" بدلا من "أزرق" ويصفون اليوم النكد أو سيئ الطالع

بأنه "يوم أسود" أو "يوم أزرق". ولنا أن نلاحظ أن لفظ "نيلة" فى اللغة السنسكريتية يستخدم بمعنى أزرق كما يستخدمونه بمعنى أسود، وكلا اللونين مشئومان. وفى مصر يستخدمون كلمة "نيلة" كعلامة على يوم النحس والفشل. ويأتى اللون الأخضر فى منتصف المسافة بين الأحمر الملتهب والأزرق السماوى ليلعب دورا وسيطا، فهو شكل من أشكال الوسطية أو التوازن وهو أمر أثير لدى الإسلام، وهو يرمز -عند العرب وعند شعوب أخرى كثيرة- للحظ السعيد، والخصوبة الطبيعية، والحياة النباتية، والشباب. والراية الخضراء لرسول اللَّه [-صلى اللَّه عليه وسلم-] ورداء سيدنا على الأخضر قد أصبحا عند المسلمين شعار الدين. وأصبح اللون الأخضر -بوصفه لونا خيرًا- جزء من روح العرب إلى حد أن لهجتهم العامية مليئة بالتعبيرات التى يرد فيها اسم هذا اللون كرمز للبهجة والمرح والنجاح -وتعبير "اليد الخضراء" يستخدم فى سوريا لوصف الشخص إذا كان سعيد الحظ، وإذا تمنى أحدهم لشخص ما عاما سعيدا فهو يستخدم تعبير "سنة خضراء". وحين ينتقل المرء ليقيم فى منزل جديد، يعلق أوراق البنجر الخضراء كرمز للحظ السعيد. [والعرب المحدثون يقولون قَدْم خضراء أى تجلب السعد]. والملاك جبريل له جناحان خضراوان. والعرش فى السموات العلى من جواهر خضراء اللون، ورداء سيدنا إبراهيم فى الجنة أخضر اللون. واللوح المحفوظ من الزمرد. وفى مجال الرمزية وعلوم السحر والتنجيم هم ينظرون إلى الزمردة -ذلك الحجر الكريم أخضر اللون- على أنها ذات دلالة لا يدركها سوى الخاصة وأن اللَّه قد منحها قوة مجددة. يقول السّمنانى "إن اللون الأخضر هو أليق الألوان بسر الأسرار" وفى علم الكون الإسلامى نجد أن "القاف" وهو الجبل المحيط بالعالم الأرضى مصنوع من الزمرد الذى تعكس لونه القبة السماوية. وصورة "الموت الأخضر" تشير إلى

ارتداء المرء أسمالا بالية أو جلبابا مرقعا كالدراويش والصوفية. فهذا ألطف ضروب الموت يتقبله المرء طواعية ويكتسب قيمة روحية. أما لون الذهب والشمس، لون الزبدة والعسل، لون الكبريت واللهب الذى يحرق، أى اللون الأصفر، فيمثل مجموعة كبيرة من التناقضات على المستوى الرمزى، وهذا الأمر لا يقتصر على العرب وحدهم. فقد يشير إلى الجبن أو الخيانة أو إلى السلطة الملكية ومجدها. ورؤية آدم لملاك الموت جعلته يتفصد عرقا "بلون الزعفران"، وعند هبوط المسيح فى يوم الحساب سيكون لأهل الجنة وجوه بيضاء، أما أهل النار فوجوههم سوداء. ولما كان الناس محكوم عليهم بعذاب القبر فإن وجوههم ستكون فى لون الزعفران. ومن الشائع فى السيكولوجيا الشعبية الربط بين اللون الأصفر الزاهى والشباب والحب والانتظار والفراق. وعند الشعراء الأندلسيين كان لون النرجس الأصفر هو رمز العاشق الولهان ويرمز اللون الأصفر إلى ألم الفراق والصفراء اسم لمادة يفرزها الكبد. وفى أحاديث المشارقة "ابتسامة صفراء" تعنى ابتسامة مليئة بالحسد. ومن جهة أخرى نلاحظ أن مسلمى المشرق قد أظهروا ولعا خاصا باللون الأصفر فى العصر العباسى، وحتى الطعام كان باللون الأصفر بوضع الزعفران عليه. والأحمر لون النار والدم والعاطفة، والنزوة والخطر. فهو مرتبط أساسا بالقوة الحيوية، وكل صفة حربية. إنه لون متفجر، حار، على عكس الأزرق والأخضر. واسم أول إنسان وهو آدم يعنى "أحمر" فى العبرية. ورمزيته تنطوى على تناقض مثل الأصفر فهو البهى وجهنمى فى وقت واحد. والكبريت الأحمر عند أصحاب العلوم الخفية يعنى الإنسان العالمى. ويقال إن الملائكة التى نزلت لمساعدة المسلمين فى غزوتى بدر وحنين ضد الكفار كانوا يرتدون عمائم أو أحزمة حمراء. ولكن يقال من جهة أخرى أن اللَّه حين أراد تدمير سبا والسد أرسل فئرانا حمراء لتقويض صروحها. وفى

المصادر

الأحاديث الشعبية يسمون السنة المنحوسة بالسنة الحمراء. وفى سوريا تعبير "عينه حمراء" تعنى شخصا قاسيا و"صوفه أحمر" تعنى أنه ملعون. لقد رأينا أن مشكلة الألوان -رسالتها وإدراكها- أمر معقد كل التعقيد. لقد كان ثمة تطور محدد مر به الإدراك اللونى منذ بدايات البشرية. ففى بواكير العصور القديمة كان الإنسان -فيما يبدو- حساسا قبل كل شئ للضوء، أما بالنسبة للون بالمعنى الدقيق فكان إدراكه محدودا، وشيئا فشيئا أخذت الحياة النفسية، وبالتالى علم الدلالة، فى التمييز بين الفروق والدرجات اللونية للتمييز بينها وتحديدها. لقد بزغ ثراء الألوان اللانهائى ببطء عبر القرون. واتخذ التدرب على اللون مكانه وسط البيئة المحيطة بكل شعب. وتداخلت اللغة مع الإدراك الحسى دون أن يتمكنا من تغطية كل أبعاد المشكلة. لقد دخلت الرمزية فى عنصرى الذاتية والتناقض الكامنين فى كل إدراك حسى للون، بينما مد العقل البشرى مجال تأمله ونطاق تفكيره. المصادر: (1) الألوسى: رسالة فى الألوان. (2) الشهابى: ألوان الخيل وشيانها. (3) أحمد أمين: قاموس العادات التقاليد والتعابير المصرية، القاهرة 1953. (4) حنين بن اسحق: فى الضوء وحقيقته، فى Machriq (1899) ص 1151 - 1113. (5) الأشعرى: مقالات الإسلاميين، طبعة Ritter فايسبادن 1963، ص 339 وما بعده. (6) ابن سينا: كتاب الشفاء، طبعة Bako's، بيج 1956 الجزء 1، ص 90 وما يتبعه. (7) أخوان الصفا: الرسائل، بيروت 1957، جزء 2 ص 396 وما يتبعه. سعيد عبد المحسن [أ. مورابيا A. Morabia]

ليبيا

ليبيا عُرِفَتْ ليبيا باسمها هذا فى اللغة اللاتينية والإغريقية القديمة، وهو تحوير لاسمها الذى ورد فى النصوص المصرية القديمة فى صورة "ليبوا" Lebu or Libu. كما ورد اسم ليبيا فى العهد القديم (التوراة) فى صورة "لوبم" Lubim واستخدم الأغريق ومن بعدهم الرومان هذا الاسم، وأشار اليه الجغرافيون الإغريق جنبا إلى جنب مع الاسم "إفريقيا". وفى كتابات أخرى كان يشار إليها على أنها إحدى مناطق شمال إفريقيا والتى تقع إلى الغرب من مصر. وقد برزت ليبيا ككيان سياسى وشخصية مستقلة فى عصر الإمبراطور الرومانى دقليديانوس Diocletian (عن تاريخ ليبيا فى العصر الإسلامى انظر مادتى برقة وطرابلس). ورد الاسم فى صورة "لوبيا" أو "لوبيه" لدى عديد من الجغرافيين العرب الأوائل. وبعد الغزو الإيطالى فى الخامس من نوفمبر سنة 1911 م صدر مرسوم ملكى فى أول يناير سنة 1934 م بضم برقة وطرابلس فى مستعمرة واحدة سميت ليبيا. واحتفظت ليبيا باسمها هذا بعد استقلالها عن إيطاليا (*). النقوش - البربرية: عرف سكان المغرب والصحراء الإفريقية القدماء عددا كبيرا من الخطوط باسم الخط النوميدى Nomidian ثم بعد ذلك سميت بالخط الليبى Libyan وكانت أبجديتها تتكون من ثلاثة وعشرين حرفا أو أربعة وعشرين حرفا. ويرى بعض العلماء أن تأثر الأبجدية الليبية الشرقية باللغة القرطاجية إنما حدث فى القرن الثالث أو بداية القرن الثانى قبل الميلاد. بينما يرجع علماء آخرون عملية التاثر هذه إلى عصر أقدم. ¬

_ (*) تغير ذلك بعد الاستقلال وقيام ثورة الفاتح من سبتمبر 1969 م، إلى الجمهورية ثم إلى الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية العظمى. [التحرير]

التاريخ الحديث

وهناك من يرى أن الأبجدية الليبية قد اشتقت مباشرة من الأبجدية القرطاجية، ويستدلون على ذلك باسم الصورة الحديثة للأبجدية الليبية وهى التيفيناغ المتداولة بين قبائل الطوارق. ويرفض هذا الرأى علماء آخرون كثيرون وذلك على أساس أن الاستنتاج المبنى على علم الصرف والاشتقاق اللغوى لا يمثل الواقع، بل يؤدى عادة إلى نتائج خادعة مضللة. ومع ذلك تشترك الأبجدية الليبية مع الأبجدية القرطاجية فى الكثير من الرموز والتى لها نفس المعنى فى الأبجديتين مثل حروف الجيم والتاء والشين G. T. sh، كما أن الحروف القرطاجية سلسلة الأشكال بينما للحروف الليبية أشكال زاوية وهندسية، كما تختلف معانى الرموز فى كلا الأبجديتين. وأما عن الأصل المحتمل الذى تطورت عنه الأبجدية الليبية فلا يمكن أن يكون أحد الأبجديات المعروفة فى الشرق الأوسط أو الأبجدية الفينيقية الإفريقية المعروفة فى قرطاج، وهناك من يعتقد أن الابجدية الليبية قد تطورت عن لغة قديمة مهجورة ربما تجود التنقيبات الأثرية بما يشير إليها، وربما كانت هذه اللغة القديمة هى إحدى لغات جنوب الجزيرة العربية مثل السبئية والحميرية [بكسر الحاء وتسكين الميم وفتح الياء وكسر الراء]، أو أيضا أبجدية التورديتان Turdetan فى جنوب أسبانيا. ويؤيد هذا الرأى وجود تشابه بين النقوش الليبية ونقوش جنوب الجزيرة العربية ونقوش جنوب أسبانيا. وليس من الضرورى أن تكون عناصر الأبجدية قد نفذت إلى شمال إفريقيا عبر البحر، ولكن الأرجح أنها قد جاءت من داخل القارة ذاتها، وأن النقوش النوميدية الماسيليانية Numidian Massylian (والتى تمثل أحدث صور الأبجدية الليبية القديمة) قد تطورت عن أبجدية قديمة بعد اتصال أهلها بالقرطاجيين. التاريخ الحديث: أعلنت إيطاليا الحرب على تركيا فى 29 سبتمبر سنة 1911 م وبدأت منذ

ذلك التاريخ فى تنفيذ خطة طويلة الأمد لاحتلال الساحل الليبى. ولم تتمكن قوات الاحتلال الإيطالية من التغلغل إلى داخل الأراضى الليبية بعيدا عن الساحل، وذلك بسبب المقاومة المستميتة للقوات الليبية والتركية فى الدفاع عن الأراضى الليبية. وانتهت المفاوضات بين تركيا وإيطاليا إلى توقيع معاهدة صلح بينهما فى أوشى uchy فى 17 أكتوبر سنة 1912 م. ولم تستسلم المقاومة الليبية، وخلال الحرب العالمية الأولى حاصرت المقاومة الليبية القوات الإيطالية فى قواعدها الحصينة على الساحل الليبى وقاد أحمد الشريف قائد القوات السنوسية (1873 - 1933 م) المقاومة الليبية فى العديد من المدن الليبية مثل سرت وفزان وبرقة وغيرها، وكانت تدعمه تركيا وألمانيا. وهاجم أحمد الشريف القوات البريطانية المتمركزة فى غرب مصر فى نوفمبر سنة 1915 م، وبعد هزيمته نقل كل سلطاته العسكرية والسياسية إلى محمد إدريس الشريف (ولد فى سنة 1882 م). وعقد صلح عكرما بين إدريس الشريف والبريطانيين والإيطاليين فى أبريل سنة 1917 م. ثم استبدلت هذه المعاهدة بمعاهدة الرجما Al-Radjma بين الإيطاليين والليبيين فى أكتوبر سنة 1920 م وفيها اعترف الإيطاليون بالإدريسى حاكما مستقلا (أميرا) للواحات الداخلية فى ليبيا. وانقسم الزعماء الليبيون فى طرابلس، ورغم ذلك. فقد اتفق بعض زعماء القبائل مثل رمضان الشيتيووى وزعيم البربر سليمان البارونى وغيرهم، اتفقوا على تأسيس جمهورية طرابلس فى سنة 1919 م. إلا أن الخلافات دبت بين القبائل، وكمحاولة من جانب القبائل لتجنب الفتنة والصراع فيما بينهم واتحادهم فى مواجهة الإيطاليين قرروا تنصيب إدريس السنوسى أميرا لكل ليبيا. وإن كان قد وجد نفسه فى مأزق حرج بسبب ارتباطه بمعاهدة مع الإيطاليين، وفى نفس الوقت فقد كان رفضه لهذا العرض يضعف مركزه أمام أنصاره

وتابعيه والموالين له، وفى النهاية قبل السنوسى، ولكنه سرعان ما هرب إلى القاهرة وذلك فى سنة 1922 م. وفى نفس العام الذى لجأ فيه السنوسى إلى القاهرة (1922 م) تولى موسولينى الحكم فى روما، واشتعلت الحرب على نطاق واسع فى ليبيا. وتولى القيادة الزعيم الليبى عمر المختار ممثلا للسنوسى ونظم صفوف المقاومة فى الإقليم الصحراوى وأشعل المقاومة الشعبية ضد الغزو الإيطالى لليبيا قرابة عشر سنوات. وبعد ذلك جرح المختار فى إحدى المعارك وسجن وحكم عليه الإيطاليون بالإعدام شنقا أمام أنصاره وشعبه وذلك فى 16 سبتمبر 1931 م. وهدأت المقاومة الليبية بعد ذلك. وفى عام 1935 م أتم الإيطاليون إنشاء طريق ساحلى استراتيجى يربط طرابلس ببرقة وقاموا ببعض المشروعات الزراعية فى الأراضى الساحلية ولكن أدى اشتعال الحرب العالمية الثانية إلى إعاقة تنفيذها وبعد صراع مرير بين ألمانيا وقوات الحلفاء، احتلت القوات البريطانية وقوات فرنسا الحرة ليبيا فى يناير 1943 م. وكان إدريس السنوسى يقود المقاومة من القاهرة وفى هذا الإطار قدم العون للمجهود الحربى البريطانى فى صراعه مع القوات الإيطالية التى تحتل ليبيا، واشترك جيش من المنفيين الليبيين فى تحرير برقة تحت قيادة السنوسى. وبعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها طرحت المسألة الليبية أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة لتقرير مصيرها. وفى 21 نوفمبر 1949 م اتخذت قرارا بوجوب استقلال ليبيا قبل أول يناير 1952 م. وعينت الأمم المتحدة مندوبا عنها هو الفنلندى إدريان بيلت ليشرف على نقل السلطات من قوات الاحتلال البريطانية والفرنسية إلى حكومة ليبية. وقد ألهب قرار الأمم المتحدة باستقلال ليبيا المناقشات السياسية حول الصورة التى يجب أن تكون عليها ليبيا المستقلة.

وانقسم الليبيون إلى فريقين، فريق يمثله زعماء القبائل التقليديين والقيادات الدينية، ثم فريق الجيل الأحدث الذى تشبع بأفكار تقدمية تهدف إلى الوحدة العربية والقومية العربية. . الخ. واتفق رجال القبائل وزعمائهم والقيادات السياسية والدينية، والتى تركزت فى فزان وبرقة، على الوحدة تحت التاج السنوسى. وحبذ الجيل الأحدث والمتأثر برياح القومية العربية، قيام جمهورية ليبية. وتركز أنصار هذا الاتجاه فى إقليم طرابلس، ولو تغلب هذا الفريق لأدى بدون شك إلى رجحان كفة الطرابلسيين بسبب كثرتهم العددية واقتصادهم الأكثر تطورا وتقدما بالمقارنة مع المناطق الصحراوية الداخلية، ومن ثم يقلل ذلك من نفوذ الإدريسيين وأنصارهم. وكان الإدريسيون على علاقة ودية قوية مع البريطانيين. وانتهت المجادلات السياسية فى نهاية الأمر بإعلان إدريس السنوسى رئيسا لإمارة برقة المستقلة (Cyrenaica)، بينما ظلت الشئون الخارجية والدفاع فى يد البريطانيين (1949 م). وسعى السنوسى بعد ذلك لضم ليبيا كلها تحت حكمه بعد تحريرها من الاستعمار. وأعلن استقلال ليبيا فى 24 ديسمبر 1951 م -وإن تأخر تنفيذ ذلك بسبب اعتبارات دولية معينة حتى سنة 1955 م. وتشكلت حكومة السنوسى بناء على اعتبارات قبلية وموروثات اجتماعية معينة، وتكونت تلك الحكومة من مجلسين هما مجلس الشيوخ أو الأعيان، ثم مجلس النواب. واحتفظ الملك بسلطات واسعة منها حقه فى اختيار وعزل رئيس الوزراء، وتعيين نصف أعضاء مجلس الشيوخ، وحل البرلمان المنتخب حينما يشاء. . . الخ. وبسبب عدم نضوج الوعى السياسى فى البلاد فقد نجم عن أول انتخاب أُجرى فى 19 فبراير 1952 م فوز مرشحى الحكومة بالإضافة إلى بعض الزعماء المعارضين للحكومة. وتأججت التناقضات بين أنصار الحكومة ومعارضيها، وكانت المظاهرات تنطلق فى الشوارع لتعبر عن رأى المعارضين،

وكانت المظاهرات تشتبك فى صدامات عنيفة مع قوات البوليس، وانتهى ذلك بإلغاء برامج التنمية وقيدت الحريات السياسية ومن تلك اللحظة اتجهت السياسة الليبية إلى نظام حكم العائلة الضيق وشهد العقدان التاليان زيادة الضغوط الداخلية فى المجتمع الليبى. وقد تم اكتشاف حقول البترول اعتبارا من سنة 1955 م، وفى سنة 1926 م انضمت ليبيا إلى منظمة أوبك. وفى سنة 1969 م كانت ليبيا رابع أكبر الدول المنتجة للبترول. ومنذ ذلك الوقت خرجت من دائرة الدول الفقيرة التى تعتمد على المساعدات الاقتصادية، وأصبحت دولة غنية وبدأت تنفذ خططا تنموية مستغلة أموال البترول المتدفقة، وانعكس ذلك على وضعها السياسى فى الخارج. أما فى الداخل فقد بدأت التطورات الحضرية ومن ثم ظهور طبقة التجار والفنيين والعماله المساعدة، وبدأ العاملون فى مجال البترول وأحواض السفن وغيرها فى تكوين نقابات واتحادات عمالية وتجارية. وظهرت وتبلورت تجمعات وطبقات اجتماعية جديدة بمتطلباتها، وطالبت تلك القوى الاجتماعية الجديدة بإصلاحات سياسية واجتماعية عديدة وتأجج الشعور الشعبى فى ليبيا بالقومية العربية وبالأفكار الناصرية السائدة وقتذاك. . .، وكان ذلك هو الاتجاه الشعبى فى ليبيا. أما الحكومة الليبية التى كانت مرتبطة بعلاقات ود قوية مع دول الغرب منذ عام 1953 م فى سياستها الخارجية ووجود قواعد عسكرية بريطانية وأمريكية فى ليبيا، فإنها لم تظهر تشجيعا وتعاطفا مع السياسة الناصرية، وذلك على الرغم من انضمام ليبيا إلى حظر تصدير البترول إلى دول الغرب بعد العدوان الإسرائيلى على مصر وسوريا والأردن فى سنة 1967 م، وإن ليبيا عضو فى الجامعة العربية. . .، وقد أدى ذلك فى النهاية إلى تقويض سلطات الملك، وتم خلع إدريس السنوسى بعد ثورة الفاتح من سبتمبر 1969 م. وعلى الرغم من الحماس

الوضع الأثنوجرافى والديموجرافى

والتأييد الشعبى الجارف لثورة الفاتح من سبتمبر، فإن هذه الثورة ظلت من شئون الجيش. وكان قد خطط لقيام الثورة وتنفيذها عدد من الضباط الأحرار منتهجين أسلوب وفلسفة الثورة الناصرية فى مصر (1952 م). وبعد قيام الثورة تولى شئون البلاد مجلس لقيادة الثورة يضم اثنى عشر ضابطا بقيادة العقيد معمر القذافى. وكمحاولة من قيادة الثورة لتوسيع القاعدة السياسية فقد تم تشكيل تنظيم سياسى عرف باسم الاتحاد الاشتراكى العربى وذلك فى عام 1972 م. وبسبب نقص الكوادر السياسية المدربة وعدم تأييد القيادات التقليدية الليبية لهذا التنظيم، فإنه لم يحقق نجاحا يذكر. وفى عام 1973 م شكلت حكومة الثورة الليبية لجانا سياسية عرفت باللجان الشعبية، ووضع أيديولوجيتها قائد الثورة العقيد معمر القذافى فى الكتاب الأخضر والذى دعا فيه إلى تبنى نظرية سياسية - اقتصادية جديدة أطلق عليها اسم نظرية العالم الثالث. وتدار دفة الحكم فى ليبيا من خلال مجالس شعبية تسمى المؤتمرات الشعبية، ولجان شعبية. وفى 2 مارس 1977 م تم نقل سلطات الحكم إلى الشعب وسميت الدولة باسم الجماهيرية الشعبية الليبية. وفى مجال السياسة البترولية فقد انتهجت ليبيا سياسة وطنية أدت إلى رفع أسعار البترول، ومن ثم زيادة دخل البلاد من جراء ذلك. الوضع الأثنوجرافى والديموجرافى (¬1): بدأ المجتمع الليبى يشهد تغيرات عميقة ومتسارعة فى بنيته الاقتصادية والاجتماعية منذ بدأ استخراج وتصدير البترول الليبى على نطاق عالمى واسع مند بداية ستينيات القرن العشرين (¬2). وقد تأثرت ثقافة المجتمع الليبى ونظمه ومؤسساته السياسية ¬

_ (¬1) [الانثروجرافيا تعنى علم وصف السلالات البشرية أو الشعوب وعاداتها. . الخ، أما الديموجرافيا فهى علم السكان - المترجم]. (¬2) فى المتن الأصلى 1860 s. وهذأ خطأ -المترجم! .

والاقتصادية، والعلاقات الاجتماعية بين أفراده، والإجراءات القانونية والمعتقدات الدينية وغيرها بالاعتبارات الجغرافية والتاريخية للبلاد. أما الأقاليم الثلاثة الرئيسية فى ليبيا فهى طرابلس وبرقة وفزان. ويمتد الشريط الساحلى الخصب إلى نحو 1200 ميل وقد يزيد اتساعه عن خمسين ميلا فى بعض الأحيان، ويكون خليج سرت أهم معالم هذا الشريط الساحلى. وتتمتع المناطق الساحلية بمناخ البحر الأبيض المتوسط وبوفرة المياه نسبيا وتقع فيها المدن الرئيسية فى ليبيا مثل طرابلس الغرب ومصراتة وبنغازى والبيضا وطبرق ودرنة وسرت والزاوية وترهونة والسلطان والعقيلة والبريقة وغميس وغيرها. ويتركز معظم السكان فى هذه المدن والقرى المرتبطة بها. وتعتبر طرابلس وجبل نفوسة أهم المواقع فى النطاق الساحلى الغربى فى ليبيا وتسقط على هذه المناطق كميات كبيرة من الأمطار وتقوم عليها بعض الزراعات مثل الزيتون الذى اشتهرت به هذه المنطقة منذ القدم. وفى هذه المنطقة بعض المدن التى يتحدث أهلها بلغة البربر. ويقع بين الساحل الخصب والتلال سهوب الجفرة الجافة. ويضم القطاع الشرقى من الساحل الليبى ثانية أكبر المدن الليبية وهى بنغازى ثم سلسلة مرتفعات الجبل الأخضر والتى تشكل قوسا يحاذى خط الساحل من درنة حتى جنوب بنغازى. ويصل ارتفاع بعض قمم هذه السلسلة إلى 2000 قدم فوق سطح البحر، وتستقبل مرتفعات الجبل الأخضر والمناطق المحيطة بها كميات وفيرة من الأمطار سنويا. ويقع جنوب النطاق الساحلى نطاق صحراوى جاف حتى أنه كان غير مناسب للإقامة الدائمة فيه فى الماضى (¬1). ويلى هذا النطاق إلى الجنوب نطاق صحراوى أكثر جفافا من النطاق ¬

_ (¬1) من المشروعات المهمة التى استحدثتها قيادة الجماهيرية منذ بضع سنوات "النهر العظيم". [التحرير]

السابق، وتتأثر فى هذا النطاق العديد من الواحات مثل جغبوب وجالو، مراده، الكفره بالإضافة إلى نحو ست واحات أخرى فى منطقة فزان. ويقدر عدد السكان فى هذه المناطق الصحراوية الجافة بنحو 5 % من سكان ليبيا. وقد ساعدت أمور كثيرة على تغلب الليبيين على الأحوال الجغرافية المتباينة فى البلاد. وقبل الغزو الأوروبى لموانى إفريقيا الغربية فى القرن التاسع عشر، كانت معظم تجارة إفريقيا مع أوروبا تمر عبر الأراضى الليبية. وحتى منتصف القرن العشرين كان يعيش أكثر من نصف السكان فى إقليم طرابلس والمناطق المجاورة، على الزراعة وتربية الماشية. وتميز سكان برقة Cyrenaica بطابع خاص غلبت عليه حياة البداوة والترحال ورعى الأغنام مع ممارسة الزراعة الموسمية المحدودة التى تعتمد على الأمطار الموسمية. . .، وطبع كل ذلك بقية المناطق بطابع القبلية والعصبية كما هو الحال فى بقية المناطق الصحراوية فى العالم العربى وشمال إفريقيا وغيرها. وفى القرن الخامس الهجرى/ الحادى عشر الميلادى تعرضت ليبيا ودول شمال غرب إفريقيا والتى كان يقطنها البربر للغزو من قبائل بنى هلال وبنى سليم الآتية من جنوب الجزيزة العربية. واستقرت بطون من قبائل بنى هلال فى منطقة طرابلس، واستقرت أخرى فى برقة. وقد عجلت هذه الهجرات العربية فى تعريب المناطق البربرية فى شمال إفريقيا، ونشر الإسلام وامتزاج الدماء العربية بالدماء الإفريقية من خلال التزاوج. ورغم ذلك فقد حافظت بعض الجيوب البربرية على استقلالها ولم تختلط بالعرب. ويوجد فى إقليم طرابلس وعلى طول الأجزاء الشمالية من جبل نفوسة بين يفرن ونالوت وعلى الساحل فى زوارة مجتمعات زراعية رعوية ويتحدثون باللغة البربرية. ويشكلون حوالى 4 % من مجموع السكان فى إقليم طرابلس، وهم يتبعون فرقة الإباضية (¬1). ¬

_ (¬1) نسبة إلى مؤسس هذه الفرقة وهو عبد اللَّه بن أباض المتوفى عام 85 هـ/ 704 م -وهى إحدى فرق الخوارج المشهورة فى تاريخ الإسلام. [المترجم].

ويوجد فى واحة غدامس [على الحدود الليبية - التونسية - الجزائرية] وواحة غات [فى أقصى الجنوب العربى - قرب مرتفعات تسيلى] قبائل الطوارق الذين يتحدثون اللغة البربرية. وفى فزان وجنوب برقة تعيش قبائل تتحدث اللغة البربرية بالإضافة إلى لغة التيبو Tebu وهى لهجة سودانية. وعاش يهود ليبيا فى إقليم طرابلس بصفة رئيسية وكانوا يتحدثون اللغة العربية ويعملون فى التجارة واتسم مجتمعهم بطابع خاص هو طابع حارة اليهود [الجيتو]. والغالبية العظمى من الليبيين مسلمين ويتبعون أهل السنة على مذهب الإمام مالك رضى اللَّه عنه. وعرف الليبيون الطرق الصوفية والتى تركت بصمة واضحة فى تاريخ ليبيا من خلال حركة الإحياء التى قام بها وقادها السنوسيون، وهى طريقة صوفية أسسها محمد على السنوسى (1787 - 1859 م) وقد انتشرت هذه الطريقة الصوفية فى الواحات من إقليم طرابلس حتى السودان. وكان لأتباع هذه الطريقة دور كبير فى مقاومة الاحتلال الإيطالى. وفى النهاية حكم أتباعها ليبيا تحت قيادة الملك إدريس السنوسى. وهو سليل مؤسس هذه الفرقة الدينية السياسية التى أيقظت الحماس الوطنى الليبى ووحدتهم لمقاومة الاستعمار الإيطالى. وخلال فترة الاحتلال الإيطالى لليبيا أنشأ الإيطاليون عددًا من المشاريع الزراعية وكونوا شركات تتولى إدارة تلك المشاريع وذلك فى عشرينيات القرن العشرين. وتطورت هذه المشاريع لتصبح مستعمرات زراعية يمتلكها الإيطاليون وعائلاتهم. وقد غير الاحتلال الإيطالى كثيرا من الأحوال الاقتصادية والاجتماعية فى المجتمع الليبى، فقد استقر عدد من البدو الرحل للعمل فى المشاريع الزراعية وتفككت الروابط الاجتماعية، وانتشر التعليم، وزادت هجرة أهل الصحراء والقرى إلى المدن الكبيرة ليعملوا كأجراء وأرباب مهن وخاصة بعد الحرب العالمية الثانية. وبعد استقلال ليبيا تكونت طبقة جديدة من الفلاحين الذين وزعت عليهم الحكومة الليبية مساحات من الأراضى

الزراعية التى كان يمتلكها المستعمر الإيطالى، ثم قامت الحكومة بتأميم الأراضى الزراعية فى سنة 1971 م وأنشأت هيئة للإصلاح الزراعى ونظمت عمليات الرى وتوطين البدو. ومنذ ثورة 1969 م وضعت عددا من خطط التنمية فى كل أرجاء ليبيا مثل سهل الجفرة، والجبل الأخضر، والكفرة، والسرير، وفزان. . . الخ وعملت الحكومة على زيادة دور القطاع الزراعى فى تنمية الاقتصاد الليبى. وبدأت ليبيا فى إنتاج وتصدير البترول على نطاق عالمى واسع منذ سنة 1964 م، ومنذ ذلك الوقت تحولت ليبيا من دولة زراعية فقيرة يغلب عليها الطابع الصحراوى إلى دولة بترولية غنية، بل ومن أكبر الدول المصدرة للبترول. وبلغ الدخل السنوى من البترول فى سنة 1978 م ثمانية آلاف مليون دولار أمريكى، وأصبحت ليبيا أغنى دولة فى إفريقيا، والدولة رقم 15 فى قائمة الدول الغنية فى العالم فى سنة 1977 م كما أشار إلى ذلك تقرير البنك الدولى. واعتمد الاقتصاد الليبى على تصدير البترول بصفة رئيسية. وفى سنة 1973 م غيرت الحكومة اسم الدولة إلى الجماهيرية الليبية العربية الشعبية. وركزت الحكومة الليبية فى الخطة الخمسية (1976 - 1980 م) على توفير الكهرباء والمياه والصرف الصحى والإسكان والصناعات من خلال بناء ثلاثة مجمعات صناعية عملاقة. وبدأت الحكومة فى تحديث المجتمع الليبى والرقى به. وفى سنة 1978 م كان يعيش نصف السكان فى ليبيا (البالغ عددهم نحو 3.014.100 نسمة، منهم 2.597.600 ليبى) فى المدن (تضم كل مدينة نحو 20.000 أو أكثر). وزاد سكان المدن بسبب الهجرة الداخلية إليها من القرى والمناطق الزراعية، بالإضافة إلى الوافدين من العمالة الأجنبية إلى تلك المدن. وما بين عامى 1966، 1973 م زادت الهجرة إلى المدن الليبية زيادة كبيرة بلغت نحو 20 %. وهى أعلى معدل زيادة فى تعداد المدن فى العالم (متوسط الزيادة العالمية فى تعداد المدن نحو 4.2 %).

الليث بن سعد

وتضم المناطق الحضرية فى طرابلس وبنغازى (والتى تشكل نحو 10 % من مساحة ليبيا) حوالى 92 % من مجموع الشعب الليبى. ويوجد فى هذه المناطق الحضرية 14 مدينة من 15 مدينة ويبلغ تعداد المدينة عشرة آلاف نسمة على الأقل. وغطت هذه المناطق حوالى 86 % من الانتاج الزراعى فى ليبيا. وزاد تعداد طرابلس من حوالى 30.000 نسمة فى بداية القرن العشرين إلى حوالى 110.000 نسمة فى سنة 1931 م وإلى حوالى 240.000 نسمة فى سنة 1954 م، وبلغ نحو 820.000 نسمة فى سنة 1980 م. أما بنغازى فبلغ تعداد سكانها 400.000 نسمة فى سنة 1980 م ويتوقع أن يصل تعداد الشعب الليبى ما بين 5.5 و 7 مليون نسمة فى نهاية القرن العشرين، يعيش 67 - 74 % منهم فى مدن يصل تعداد المدينة الواحدة منها نحو 20.000 نسمة أو أكثر، مما يعنى أنه يتوقع زيادة تعداد السكان فى المدن الليبية من ثلاث إلى أربعة مرات فى نهاية القرن العشرين. د. مصطفى محمود سليمان [كمبس، بروان G. Camps & KI. Brown] الليث بن سعد ابن عبد الرحمن الفَمهْى، أبو الحارث، مُحَدِثٌ ومُفْتٍ، ينسب إلى طبقة التابعين العظام. ولد وتوفى فى مصر ولد فى قَرْقَشَنْد المعروفة بقرقشنده (قلقشندة) فى محافظة القليوبية فى شهر شعبان سنة 94 هـ/ مايو 713 م -وتوفى فى القاهرة فى 14 شعبان سنة 175 هـ/ 16 ديسمبر 791 م. يقوم قبر "الإمام الليث" فى (إحدى جبانات القاهرة). ويصنف عالم مصر هذا بالإجماع فى طبقة (فقهاء الأمصار) الحجة فى مسائل العلم الدينى، فى السنوات الأولى للدولة الإسلامية، وهم: أبو حنيفة، وسفيان الثورى، وابن أبى ليلى [الكوفة]، وابن جُرَيْح [مكة]، ومالك [لمدينة] والأوزاعى [الشام] وأخيرًا، الليث بن سعد [مصر]. ويعد ابن حزم الظاهرى المعروف بمواقفه الانتقادية المتشددة للمذاهب الفقهية (المالكية بوجه خاص) كل هؤلاء بمثابة خلفاء لمالك عن جدارة من حيث المعرفة الواسعة، والذكاء،

والاستقامة (الأحكام فى أصول الأحكام، جـ 2، ص 138). وقد لقى الليث تقديرًا لا يستهان به من الإمام الشافعى الذى يرى أن دراسة الحديث النبوى الشريف ترتكز أساسا على هؤلاء الأئمة التقاة: مالك، وسفيان الثورى، والليث بن سعد. ولا تتوافر عن أخبار حياة الليث العملية سوى شذرات متناثرة (انظر المقال المخصص له فى كتاب "تاريخ بغداد"، جـ 13، ص 3 - 14). وجمع فى تلقيه علم الحديث بين كل من المكيين (مع ابن شهاب، ونافع، وعطاء ابن رابح من بين آخرين)، والمدنيين (مع مالك). سافر الليث إلى بغداد فى شهر شوال سنة 161 هـ/ يوليو 778 م، وأحرز تدريسه للحديث فيها نجاحًا باهرًا، وحظى برعاية هارون الرشيد. ويقال إن تواضعه قد منعه من طلب التكريم وشغل المناصب فى الدولة. وعند عودته إلى مصر وقف نفسه على التدريس، وعلى إدارة ثروته الكبيرة على ما يبدو. كان دخله فى السنة خمسة وعشرين ألف دينار، وما وجبت فى ماله زكاة لسخائه. وكان الليث طوال حياته لطيف المعشر فاضلًا نبيلًا (بسبب ثروته دون شك). ووفق رواية رجل عرفه حق المعرفة لفترة تزيد على عشرين سنة، أنه لم يره البتة، وهو يتناول غداءه أو عشاءه إلا مع زمرة من أصحابه ومريديه. لقد عاش الليث عيشة فخيمة، وعرف كيف يستمتع بثروته. وإذا كان أسلوب حياة من هذا القبيل قد أتاح له قدرًا معينًا من الفراغ للمشاركة فى الحياة العامة، أو لجلسات الحديث اليومية، إلا أنه كان لا ينسجم مع الفترات الزمنية الطويلة المنضبطة للعمل إلا بشق الأنفس. أضف إلى ذلك، أن عمل الليث المكتوب يبدو أقل كثيرًا (انظر قائمة الكتت والمؤلفات) بالمقارنة إلى قائمة كتب مؤلفات مالك (93 - 179 هـ/ 711 - 795 م) الذى استطاع فى جو المدينة البسيط أن يحيا حياة علمية منتجة بدرجة أكثر إلى حد بعيد.

المصادر

وكتَّاب سيرة الليث يقارنونه بمالك على الدوام، بهدف نسبة التفوق إلى الليث فى مجالات عديدة. ومن المهم فى هذا السياق هو أن المؤلفين العمدة قد ناقشوا مسألة المشروعية فيما إذا كان يجب منح الليث لقب "إمام"، ولم يضعوا فى حسبانهم ورعه وفضائله وحدها، بل وضعوا أيضا أهمية مذهبه وأثره فى الأمة (تاريخ بغداد، جـ 13، ص 13). وما دام حكم الأخلاف سلبيًا فى هذه النقطة، فإن كل ما نحتاج إلى الاستشهاد به هنا هو رأى سجله الخطيب البغدادى (ت فى سنة 463 هـ/ 1071 م) يعنى أنه لو لم يوجد مالك لحظى تفوق الليث باعتراف شامل، (انظر تاريخ بغداد، جـ 13، ص 7). ولأن الليث كان تلميذًا لمالك، فإنه كان فى موقف يؤكد استقلاله بالنسبة لمعاصره المُبَرَّز، مع احتفاظه بعلاقة متسمة بالود معه، والرغبة فى التعاون الفكرى (انظر رسالته إلى مالك بن أنس فى ابن القيم الجوزية، إعلام الموقعين، جـ 3 الطبعة الثانية، ص 94 - 100). وإذا كان تأثير الليث طفيفا بالتأكيد فى مجال "الفقه" إلا أن اسمه سوف يبقى مرتبطًا بعلم الحديث، حيث ينسب إليه العلماء العمدة، الكفاية والاستقامة الراسختين. المصادر: (1) GAS: Sezgin، جـ 1، ص 520، رقم 7، حيث عمل الليث (1 - حديث؛ 2 - مجلس من فوائد الليث؛ 3 - الرسالة المتقدم ذكرها تلحق بكتاب المسائل فى الفقه، واستشهد بها فى الفهرست لابن النديم (199). (2) الخطيب البغدادى: تاريخ بغداد، القاهرة - بغداد سنة 1349 هـ/ 1931 م، جـ 13، ص 3 - 14 (بند رقم 6960). (3) محمد بن عبد اللَّه العمرى التبريزى: مشكاة المصابيح، دمشق سنة 1380 - 2 هـ/ 1961 - 2 م، جـ 3، ص 745. (4) R. G. Khoury: Al-layth ibn sa'd (941713 - 1751791), grand maite de mecene de l'Egypte, vu a travers quelques

الليث بن المظفر

documents islamiques anciens، فى Festschrit abia Abbott, Jourmnal of ear Eastern Studies م 11/ 3 (سنة 1981)، ص 189 - 202. حسن شكرى [أ. مراد A. Merad] الليث بن المظفر فقيه لغوى وقاض عربى، وحفيد والى خراسان الأموى نصر بن سيَّار الكِنَانى الليثى (ت فى سنة 131 هـ/ 748 م، وهو فى الخامسة والثمانين من عمره). يعرف أحيانًا بأنه ابن نصر بن سيَّار، أو حتى بأنه ابن لابن ثالث مزعوم لجده رفيع بن ليث بن نصر بن سيَّار. وأخبار سيرة حياة الليث (أوليث) ضئيلة للغاية. وقد تلقى قواعد اللغة: تأليف المعاجم على أيدى العلامة قاضى الكوفة قاسم بن معن (ت فى سنة 175 هـ/ 791 م)، وكان كاتبًا للبرامكة واكتسب سمعة حسنة. ويبدو أن علاقته بشيخ العربية الخليل بن أحمد (ت فى سنة 175 هـ/ 791 م) الذى لم يكن أكبر منه كثيرًا، فى السن، كانت قائمة على الثقة والود الحميم. ونحن نعلم ذلك من كتب التراث الزاخرة بالنوادر، ونعلم أيضًا أنه نقح وأكمل "كتاب العين" للخليل بعد موته. كما تذكر بعض المصادر. ومن المحتمل أن الليث قد أنهى هذا العمل فى بداية ثمانينات القرن الثانى الهجرى (حوالى سنة 800 م)، وسرعان ما وافته المنية، وبعبارة أخرى، قبل زوال نفوذ البرامكة ونكبتهم على أيدى الرشيد فى سنة 187 هـ/ 803 م. ويعده فقهاء اللغة المتأخرون زمنيًا المؤلف الحقيقى لكتاب العين، وتثبت أبحاث قريبة العهد هذا الرأى، وخصوصًا فيما يتعلق بحجم المادة -وأحيانا يترك مؤلفوها هذه المسألة، ولا يقطعون فيها برأى، ويتحدثون عن صاحب "كتاب العين"؛ بينما ينسب آخرون ألوانًا من سوء الفهم، والأخطاء التى اعتقدوا أنها تكتشف فى أول معجم عربى نتيجة لذلك التنقيح (بشأن الأعمال التى كتبت قبل خلفية مثل هذا النقد، انظر

المصادر

J. Kraemer فى Qriens، م 6 [سنة 1953]، ص 208 وما بعدها). المصادر: بالإضافة إلى المصادر المذكورة فى صلب مادة خليل بن أحمد، انظر: (1) Die grumnnatisclien schulen de Araber: G. Fluegl، ليبسك سنة 1862 (أعاد طبعه Nendeln سنة 1966)، ص 39 - 42. (2) E.Braeunlich فى Islamica، م 2 (سنة 1926)، ص 69؛ وما بعدها، وص 85 ما بعدها. (3) الأب انستاس الكرملى: فى Der Islam م 15 (سنة 1926 م)، ص 296. (4) S. Wild: Das Kitab al-Ain and die arabische exikoraphie, فيسبادن سنة 1965، ص 14، 16. (5) H. Fleiseh: Traite de plrilologie arabe، بيروت سنة 1961، جـ 1، الفهرس. (6) ابن المعتز: طبقات الشعراء، القاهرة سنة 1375 هـ/ 1956 م، ص 97 وما بعدها. (7) أبو الطيب اللغوى، مراتب النحويين، القاهرة سنة 1375 هـ/ 1955 م، ص 31. (8) المرزبانى: المقتبس، بيروت - فيسبادن سنة 1964، ص 59، 279 وما بعدها. (9) الأزهرى: تهذيب اللغة (مقدمة) فى Le Monde Oriental، م 14 (سنة 1920)، ص 27 وما بعدها. (10) ابن حزم: جمهرة أنساب العرب، القاهرة سنة 1382 هـ / 1962 م، ص 183 وما بعدها (انظر D. Moeller: Studient Zur mittellterlichen arabischen Falknereiliteratur, برلين سنة 1965، ص 55 وما بعدها). (11) ياقوت: معجم الأدباء، جـ 6، ص 222 - 227. (12) القفطى: إنباه الرواة على أنباه النحاة، القاهرة سنة 1374 هـ/ 1955 م، جـ 3، ص 42 وما بعدها. (13) الفيروزآبادى: البلغة فى تأريخ أئمة اللغة، دمشق سنة 1392 هـ/ 1972 م.

المصادر

(14) السيوطى: بغية الوعاة، ص 383 (القاهرة سنة 1384 هـ/ 1965 م، جـ 2، ص 270. (15) السيوطى: المزهر فى علوم اللغة، القاهرة سنة 1378 هـ/ 1958 م، جـ 1، ص 77. حسن شكرى [ر. سلهايم R. Sellheim] ليلى الأخيلية شاعرة عربية عاشت فى القرن الأول الهجرى/ السابع الميلادى. من قبيلة عقيل (بطن عامر بن صعصعة)، يرجع لقبها إلى أحد أجدادها أخيل، لها مرثية فى مقتل أمير المؤمنين عثمان وكانت تتردد على معاوية وعبد الملك والحجاج. عرفت بأشعارها العذرية فى حبيبها توبة بن حمير من قبيلة عقيل أيضا، ولقد أحبها توبة، وبالرغم من أنه منع من الزواج منها إلا أنه ظل يكن لها حبا شديدًا، وعندما قتل فى إحدى غاراته، رثته فى عدد من المراثى المؤثرة توجد أجزاء منها فى بعض المصادر الأدبية (لم تجمع هذه المراثى فى ديوان واحد)، تظهر ليلى قريبة الشبه من الخنساء، كما يحمل شعرها ملامح الأشعار الجاهلية فى تمجيد المقاتلين ومدح الأبطال. وبالإضافة إلى المراثى، تبادلت ليلى الهجاء مع النابغة الجعدى وكل ما نعرفه عن حياتها الخاصة أنها تزوجت من سوار بن أوفى القشيرى وتوفيت فى بداية القرن الثامن الميلادى. ويقال إنها توفيت قريبا من قبر توبة، كما يقال إنها توفيت فى فارس أثناء رحلتها مع بريد الحجاج لزيارة ابن عمها قتيبة ابن مسلم الذى كان فى حملة فى خراسان. المصادر: (1) ابن قتيبة: الشعر، صفحة 416 - 20. (2) البحترى: الحماسة صفحة 269 - 71. (3) الأصفهانى: الأغانى، جزء 11 صفحة 204 - 49. حسين أحمد عيسى [ف. جابريبلى F. Gabrielli] ليو الأفريقى الاسم الذى يعرف به عامة صاحب كتاب " The Describtione dell' Africa "

(وصف أفريقية)، وكان اسمه أصلًا: حسن بن محمد الوزان الزياتى (أو الفاسى). ولد فى غرناطة بين سنة 894، 901 هـ/ 1489، 1495 م وهاجر منها بعد سقوطها إلى مراكش وترعرع فى فاس وتلقى بها تعليمًا حسنًا، وسرعان ما التحق بخدمة الحكومة هناك. وقد استخدم وهو طالب لمدة عامين فى بيمارستان بفاس، وصفه بالتفصيل (Description، ترجمة Epaulard، جـ 1، ص 188). وبعدئذ صحب أحد أعمامه إلى تمبوكتو وسافر بأرجاء المغرب الأقصى فى مهام دبلوماسية وتجارية عديدة نيابة عن سلطان فاس محمد البرتغالى [انظر مادة وطَّاسيين] (*)، وقد أظهر نضجه العقلى المبكر فيما قام بجمعه خلال رحلاته وألف منها مجموعة (Descr، جـ، ص 231). ثم رجع إلى تمبوكتو، وعبر الطريق من هناك إلى مصر حيث عاد إلى وطنه بحرًا. وفى سنة 921 هـ/ 1515 م، قام بمهمة أخيرة حملته إلى الشرق عن طريق تلْمِسان، والجزائر، وبجاية، ومسيلة، وتونس (حيث أخبرنا عن الحياة الاقتصادية والاجتماعية هناك، انظر R.Btunschvig، مادة الحفصيون، قسم 35) وكذلك طرابلس ووصل إلى القاهرة سنة 1517 م، وسافر إلى أسوان، واتجه إلى مكة المكرمة، وأدى فريضة الحج، وقد ذكر أنه ذهب إلى استانبول. وفى أثناء رحلته البحرية متجها إلى وطنه أسره قراصنة صقليون فى جزيرة جربة، ونقلوه إلى نابولى، ثم إلى رومة، حيث قدموه إلى البابا ليو العاشر جيوفانى دى ميدتشى. وبحلول نهاية العام، [يذكر البعض أن] البابا قد أقنعه باعتناق المسيحية؛ وعَمَّدهُ فى 6 يناير سنة 1520 م، وسماه جوهانس ليودى ميدتشى (وقلب ليو اسمه فى العربية ¬

_ (*) نسبة إلى الدولة الوطّاسية بالمغرب الأقصى، وأول ملوكها محمد بن يحيى الوطاسى (ت 1504 م). انظر الموسوعة العربية الميسرة، ط 1، القاهرة سنة 1965 م، ص 1954. [المترجم]

ليكون يوحنا الأسد الغرناطى [بينما يرى البعض غير ذلك وأنه أظهر عكس ما يبطن]؛ ويسميه محقق كتابه "المتقدم ذكره" جيوفانى ليونى أفريقانو، ويشير الاستعمال الحالى إليه باللفظ الثانى لهذه الأسماء المسيحية بوجه عام). وبغض النظر عن تفاصيل سيرة حياته التى يمكن أن تدرك شيئًا فشيئًا من كتابه وصف أفريقية، فإننا لا نعلم عن حياته إلا القليل، كل ما هو معروف على وجه الإجمال أنه ذهب إلى تونس قبل سنة 1550 م، وأنه قضى السنوات الأخيرة من حياته على دين أسلافه على ما يرجح. وخلال بقائه فى إيطاليا، تعلم الإيطالية وعَلَّمَ العربية فى بولونا، وبالإضافة إلى كتابه " Africa Description of" (وصف أفريقية) أدرك خطة أبعد شأوًا، بأن يصف ذاك الجزء من آسية الذى يذكر أنه زاره، وكذلك أوربا (انظر Descr، جـ 2، ص 537 - 8). ومن المؤكد أنه جمع فى سنة 930 هـ/ 1524 م، للطبيب يعقوب بن سمعان مجموعة مفردات ومعانيها بالعربية العبرية اللاتينية والجزء العربى منها محفوظ فى مكتبة الأسكوريال (رقم 598؛ انظر: H. Derembourg: Cat des naniuscrits arabes de L'Escurial، باريس سنة 1884، جـ 1، ص 410). وقد خلف أيضا رسالة عن عروض الشعر (انظر A. Codazzi: II trattato dell' arte metrica di, Giovanni Leone Africano، فى Studi Orientalistici in onore de Giorrgo levi della vida، رومة سنة 1956، جـ 1، ص 180 - 98)، وتوجد سيرة منسوبة إليه تمت فى سنة 1527 م، وترجمت إلى اللاتينية بعنوان: Libellus de viris quibusdam illustribus aped Arabes (تحقيق: J. H. Hottinger، سنة 1664 م، ثم J.A. Fabricius، سنة 1817 م). ومع ذلك، ترتكز شهرته الأساسية على كتابه " Describtione dell' Africa" (وصف أفريقية) الذى تم فى

10 مارس سنة 1526 م، وهو مكتوب بلغة إيطالية رديئة نقلا عن مذكرات باللغة العربية، وقد حققه ونشره G. B. Ramusio فى Navigationi e viaggi، البندقية سنة 1550 م، جـ 1، ص 1 - 30 أ (ثم ظهرت طبعات عديدة). كما ترجمه فى زمن مبكر، أى فى سنة 1556 م، إلى الفرنسية Temporal(طبعة Schefer، باريس سنة 1896 - 8)، وترجمة إلى اللاتينية Florian[us]، بعنوان J. Leonis: Africani de totius Africae descriptione انتورب سنة 1556 م. وقد ترجمه إلى الانجليزية من هذه الترجمة اللاتينية الأخيرة John pory (بعنوان Historie of Africa, سنة 1600 م؛ طبعة Browne، لندن سنة 1896 م)، وترجمه Leers إلى الهولندية، Lorsbach إلى الألمانية. وقد اكتشفت المخطوطة الأصلية لكتاب descrittione فى سنة 1931 م، ووضعت فى National Liberary برومة (برقم 953)؛ وقد حققها Sra. A. Codazzi، ولكن يبدو الآن أن هذه المخطوطة جديرة بالنشر، وقد استطاع A. Epaulard أن يقارنها بطبعة Ramusio, وأحدث بعض التحسينات والتصويبات مستفيدًا، بترجمة الفرنسية المعنونة Description de I'Afrique، باريس سنة 1956 م، والتى حققها H. Ihote, مع تعليقات وافرة لكل من A. Epaulard، و Th. Monod، و H. Ihote، و R. Mauny، وتمت مطابقة أغلبية أسماء الأماكن التى شوهت فى النص الإيطالى، كما تلقى التعليقات الدقيقة ضوءًا مفيدًا، على ما يضمه العمل من أخبار بوجه عام. ويحتوى كتاب وصف أفريقية (¬1) على تسعة أقسام: (1) عموميات عن أفريقية؛ (2) جنوب غرب المغرب الأقصى (وبخاصة مراكش، وبه كثير من الأخطاء- انظر Mar-: G. Deverdun ¬

_ (¬1) تم ترجمة هذا العمل المهم "وصف أفريقيا" إلى اللغة العربية فى تونس ومنذ بضع سنوات بواسطة مجموعة من العلماء فى المملكة العربية السعودية. [التحرير]

المصادر

rakech، الرباط سنة 1959، قسم 14، والفهرس)؛ (3) مملكة فاس (معالجة مطولة جدًا، وأكثر دقة وثقة)، (4) مملكة تِلْمسان؛ (5) بجاية وتونس؛ (6) جنوبى المغرب، والأجزاء الجنوبية للجزائر وتونس متبوعة بليبيا؛ (7) أرض السودان؛ (8) مصر و (9) أنهار وحيوانات ونباتات ومعادن أفريقية. وقد بقى كتاب ليو الأفريقى مصدرًا عظيمًا عن العالم الإسلامى على مدى القرون، وما زال يستشهد به مؤرخو، وجغرافيو أفريقية. ومع أنه غير خالٍ من الأخطاء -إلا أنه خارج نطاق القابلية للاستخدام بالتأكيد، إذا ما وضع المرء فى حسبانه الظروف التى جمعت مادته فيها- إنه يوفر مفردات من الأخبار المباشرة عن الموقف فى بداية القرن العاشر الهجرى/ السادس عشر الميلادى فى البلاد التى قام بزيارتها، وعن علم الأعراق البشرية، والمؤسسات التعليمية والاجتماعية لسكانها المختلفين، وعن الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية فى شمال أفريقية بوجه خاص. المصادر: (1) Widmenstad: Evangelia syriaca سنة 1555 م، التصدير. (2) Casiri: Bibliotheca arabico his pana، مدريد سنة 1770 م، جـ 1، ص 172 وما بعدها. (3) L. Massignon: Le maroc dans les premieres du XVle siecle, tableau gograpg iqued'apers: on L'Africain الجزائر سنة 1906 م، ص 4 - 11، ص 32 - 69. (4) A. Codazzi فى Enciclopedia italiana di Scienze, Lettere de arti، رومة سنة 1933، جـ 20، ص 899. (5) A. Mieli: La Science arabe ملحق 1، باريس سنة 1938 م. (6) J. Dresch: Leon L'Africain. Les exploraturs Celebres, فى 1495 - 1550 باريس سنة 1947، ص 100 - 1. (7) ترجمة paulard، المقدمة. هيئة تحرير الموسوعة الأجنبية. حسن شكرى [هيئة التحرير]

م

م

مأرب

مأرب مأرب (بالهمز وكسر الراء) أو مأرب (بالألف الممدودة دون همز) هى مريب أو مرب بالعربية القديمة لجنوب شبه الجزيرة العربية. كانت عاصمة مملكة سبأ فى جنوب غرب شبه الجزيرة العوبية، وهى الآن عاصمة محافظة تحمل الاسم نفسه مأرب فى الجمهورية العربية اليمنية تقع على بعد 35 كم شرق صنعاء. وتقع مأرب القديمة فى سهل يتراوح ارتفاعه عن سطح البحر بين 1160 م و 1200 م، وهى دلتا جافة لوادٍ تنصرف إليه أمطار مرتفعات اليمن الشمالية الشرقية وتربو مساحته على 10000 كم 2. ومنطقة مأرب على طرف الصحراء يسودها الجفاف ويقل فيها متوسط سقوط المطر عن 100 مم فى العام، ولذلك كان نظام رى الحياض الوسيلة الوحيدة لقيام الزراعة هناك، حيث يحمل الوادى المياه مرتين كل عام، مرة لمدة أسبوعين، وأخرى لمدة ستة أسابيع، الأولى فى الربيع والثانية فى أواخر الصيف. ويشق ذلك الوادى طريقه نحو واحة مارب خلال ممر ضيق بين الجبال. وأدى بناء السدود إلى التوسع فى الرى إلى جانب ترسيب الطمى الذى يجلب الخصب، فأتيحت بذلك الظروف المواتية لازدهار الزراعة. وقد قيل إن أرض سبأ حول مأرب كانت من أخصب بقاع اليمن وأفضلها ريًا، فكانت الأرض تبذر ثلاث مرات فى العام. وهى واحة تحفها المرتفعات من جانب والصحراء من الجانب الآخر.

وقد أهَّلها موقعها هذا لأن تصير عاصمة لمملكة سبأ. وكانت مأرب إلى جانب ذلك من أهم أماكن الراحة فى طريق القوافل القديم الذى كان يربط مناطق إنتاج البخور بالبحر المتوسط. وكان ثمة طريقان مختلفان لهذه التجارة يلتقيان فى مأرب ثم يفترقان بعدها ليتجه أحدهما إلى الشمال الغربى عبر الجوف، ويتجه الطريق الآخر نحو الشمال، ليلتقيا من جديد قبل نجران وهى المكان المهم التالى فى ذلك الطريق. وقد كانت مأرب قديمًا مدينة ضخمة ذات أسوار، تصل مساحتها إلى حوالى 110 هكتارات/ 275 فدانًا، ويبلغ محيطها ستة أميال، كما تدل آثارها الماثلة حتى الآن على أنها كانت رباعية الشكل، أقصى طول لها 1400 م وأقصى عرض لها 1070 م. وقد طُمست معالم تلك المدينة أو كادت نتيجة أعمال الحفر التى تمت فى العقود الأخيرة، ولهذا نُعَوِّل كثيرًا على معلومات الرحالة الأوربيين الذين تمكنوا فى القرن التاسع عشر الميلادى من اختراق هذه المناطق وسط ظروف محفوفة بالمخاطر. وقد دلَّت البحوث التى أجراها المعهد الأثرى الألمانى بصنعاء على أن ترسبات الرى فى بعض المواقع يصل ارتفاعها إلى 30 م، فإذا كان معدل الترسيب 1 سم فى العام، بلغت فترة الرى 2700 عام، فإذا كانت نهاية ذلك الرى مع نهاية القرن السادس الميلادى تقريبًا، أو صدر القرن السابع، توقعنا أن تكون بدايته فى الفترة الأخيرة من الألف الثالثة قبل الميلاد. أما النقوش فتطالعنا باسم مأرب فى نص من أقدم النصوص السبئية، فيظهر أحد حكام مأرب يقدم آنية حجرية إلى أحد الآلهة، وقد أرجع (هـ. فون فيسمان) هذا النص إلى عام 755 ق. م. على وجه التقريب، ومع ذلك فربما كانت مأرب عاصمة لسبأ قبل ذلك التاريخ. ولا تفتأ تلك النقوش التى تضم على الأرجح أقدم النصوص السبئية تحدثنا عن المطر الذى تنزله الربة عثتار (عشتار) على سبأ فى فصلى الصيف والربيع. أما اسم سبأ فقد كان فى الأصل اسم إحدى القبائل، ورد فى النقوش أكثر من مرة مقرونا بمأرب. كما نجد فى التراث العربى

ما يشير إلى مأرب باعتبارها مأرب سبأ (الحمدانى الصفا 26، 22) أى مأرب الواقعة فى سبأ. وبعد أن اعتبرت سبأ كُنية لعبد شمس، جد السبئيين، وأدخلها علماء الأنساب فى أنساب العرب، صارت مأرب مدينة سبأ، أى سبأ بن يشجوب بن يعرب بن قحطان الذى يعتقدون أنه مؤسسها. ولما كانت مأرب على السفح الشرقى للجبال، قلَّ حظها من الحماية الطبيعية، فصار لزاما عليها أن تحصِّن نفسها، وهى ترى من حولها الممالك القديمة يشتد ساعدها، ولذلك صارت مأرب القلعة الشرقية لسبأ لا مجرد عاصمة لها. وإزاء الخطر المطل من الجنوب صار من الضرورى تمهيد الطرق المؤدية إلى المرتفعات اليمينية، وقد ورد فى أحد النقوش التى ترجع إلى حوالى 390 ق. م. أن طريقا من مأرب إلى صرواح ثانى مدن سبأ قد شُق حتى يُلاذُ به فى وقت الخطر. وكان ملوك سبأ لا ينفكون يصلحون أسوار عاصمتهم تلك لاسيما كلما دهمهم خطر خارجى. وفى حوالى سنة 24 - 25 ق. م غزا جنوب الجزيرة العربية، جيش رومانى قاده "أليوس جالوس" Aelius Gallus نائب أحد حكام مصر ووصل الجيش مأرب فيما يقول سترابو Strabo واستمر يهاجمها طيلة ستة أيام، ولكنها صمدت للهجوم، واضطر الرومان إلى الانسحاب لندرة الماء وتفش الأمراض بين جنودهم. واهتم أصل مأرب عقب انحسار موجة الغزو الرومانى بإعادة بناء السدود التى دمرها الرومان واستعانوا على ذلك بالكتل الحجرية التى تهاوت من سور المدينة فى أثناء الهجوم عليها. أما إعادة بناء السور فلم ترد نقوش تدلنا على الزمن الذى حدثت فيه. ولكن السور القديم كان لا يزال بحالة طيبة إبان رحلة ا. جلاسر R. Glasor فى مأرب، أما الصور الجوية التى التقطت للمنطقة فى السنوات الأخيرة فلا يظهر بها على الجانب الغربى والشمالى سوى آثار قليلة من بقايا سور المدينة القديم. وخلال الفترة التى أعقبت الغزو الرومانى لجنوب شبه الجزيرة، مرت مأرب بفترة اضمحلال فأسرة ملوك

سبأ فيها تعرضت لضغوط من أربعة أسر حاكمة فى المرتفعات اليمنية ادعت كل منها الأحقية فى لقب (ملوك سبأ). كما دب العداء بين سبأ وحِمْيَر، وزعمت كل منهما حقها فى إمتلاك الأخرى. كما تعرضت المنطقة خلال الفترة نفسها لهجمات البدو من السهوب الصحراوية شمالا وشرقا. ومع ذلك فقد ظلت مأرب تستأثر بأهمية خاصة حتى بعد أن فرضت حمير هيمنتها بصورة تكاد تكون كاملة على جنوب بلاد العرب فى نهاية القرن الثالث الميلادى، وأصبحت المرتفعات اليمنية مركز لمملكة حميرية سبئية. كما يدلنا ورود ذكر (مأرب) ومكانها فى النقوش السبئية على أن المدينة وقد احتفظت بمكانتها ونفوذها ولم يزايلها ما كانت تتميز به من رخاء وإزدهار وبعد الغزو الحبشى لليمن فى عام 525 م. شيدت كنيسة مسيحية فى مأرب كما ورد فى أحد النقوش التى ترجع إلى عهد الملك أبرهة، كما تردد أن إحدى الكنائس الجديدة فى مأرب كانت تحظى بالتقديس فى جنوب بلاد العرب. وكانت قلعة مأرب الملكية تدعى "سلحين"، وهى أكثر المبانى القديمة فى جنوب بلاد العرب ورودًا فى النقوش البيئية. فإذا سلمنا بأن "سلحين" هذه كانت تدعى "سلحوم" من قبل، أمكننا القول بأن تلك القلعة قد ذكرت بالفعل فى النقوش السبئية القديمة الذى يرجع إلى حوالى 685 ق. م. على الأرجح. وتكرر ذكر "سلحين" بصورة خاصة فى نقوش القرنين الثانى والثالث الميلاديين. وهى نقوش كانت فى معبد أوام (Awam) بالقرب من مأرب، وهو موقع أثرى يدعى اليوم (محرم بلقيس)، كما كانت "سلحين"، المكان الذى تسك فيه العملات المحلية بمملكة سبأ. أما أهم معابد مأرب القديمة، فهو أوام (Awam) الذى كان يُعبد فيه الإله المَقْه (Almakal)، وهو مكان يقال له اليوم (حرم بلقيس) أو (محرم بلقيس)، كان يقع على الطرف الشرقى ليس أن الشطر الجنوبى للواحة على الجانب الآخر من الوادى، وعلى مسافة 3.5 كم جنوب شرقى المدينة، وقد قامت بعثة أمريكية ببعض الأعمال الحفر فيه عام

1952 م، فاكتشفت مئات من النقوش عن المدخل ترجع إلى أواسط القرن الأول والقرن الرابع الميلاديين، وتُعد هذه النقوش أهم ما نقول عليه من مصادر بالنسبة لتاريخ تلك الحقبة المضطربة. ويتكون المعبد من بناء بيضاوى ضخم ذى بهو فسيح يحيط به سور سميك مرتفع، ويصل المحور الطولى بين البوابة الشمالية الغربية والضريح إلى حوالى 105 م، بينما يصل المحور العرضى حوالى 75 م، فتصل مساحته إذن إلى 6000 م 2، وربما قصد به أيضًا أن يكون قلعة يُلاذ بها. أما آخر الترميمات التى تمت بالبناء فقد وردت فى نقوش ترجع إلى النصف الثانى من القرن الأول الميلادى. وكان أهل مأرب يقصدون ذلك المكان يبتهلون إلى الإله أن ينزل عليهم المطر إذا امتنع فى غير مواسم الجفاف، وهكذا ظل ذلك المعبد قبلة لمملكة سبأ يأتى إليه الزوار من كل حدب وصوب خلال ألف عام كاملة، وثمة معبد آخر يقال له (البرآن) بالواحة الجنوبية من معابد الإله (المقه) كذلك، ويسمى الآن (بالعمائد)، لأن ثمة خمسة أعمدة ذات تيجان لا تزال ماثلة بين ركام المبنى بالإضافة إلى بقية عمود سادس. وكان ثمة معبد آخر للإله (المقة) فى مأرب ذاتها، كما ثبت من أحد النقوش التى اكتشفت عام 1982 م أن معبد هرونم الذى تكرر ذكره فى العديد من النقوش البيئية كان داخل المدينة القديمة. وأقدم دليل تشير إليه النقوش على وجود أعمال إنشائية متعلقة بالرى هو ذلك الذى يشير إليه النقش رقم 4946 RES إذ يشيد إلى نشا كرئيل وثر بن دمر على، وقد يعود النقش إلى حوا 685 ق. م. إذ يشير السطر الخامس والسادس من هذا النقش أن الحاكم أنشأ فى وادى أدنه عدة إنشاءات لتخزين المياه وتوزيعها. أقدم منشآت فى واحة مأرب قصد بها تخزين المياه وتوزيعها، وربما كانت هى تلك الأشغال الهندسية الخاصة بالرى والتى ورد ذكرها فى النقوش التى ترجع إلى القرن السابع ق. م. وقد مهدت تلك المنشئات لإقامة السد العظيم بين جبلى (بلخ) القبلى والأوسط، إذ لم يكن ذلك السد حتى

ارتفع شطرًا الواحة فوق مستوى الوادى بسبب الترسيب. وكانت أشغال الرى فى كل من (يسران) و (أبيان) شطرى واحة مأرب قائمة بذاتها، إذ لم يتيسر تشييد سد عظيم واحد لشطرى الواحة معًا إلا بعد ذلك بوقت طويل نظرًا لصعوبة البناء عند السد الجنوبى، وقد تحقق تشييد ذلك السد وخزاناته فى عهد (سمهو على ينوف بن ذمار على)، الذى أرجعه فون فيسمان (Von Wissmann) إلى حوالى 528 ق. م. وكان السد الذى يبعد 8 كم إلى الجنوب الغربى من مأرب القديمة عبارة عن ترسبات تراكمت فوق الطبقة الصخرية الصلبة تغطيها طبقة من الأحجار الصغيرة المتماسكة، وكان ارتفاعه 16 م على الأقل بينما بلغ عرض قاعدته 60 م على الأقل وطوله حوالى 620 م. ولم يكن الهدف مجرد بناء خزان للمياه، بل قصد به رفع المياه التى يجلبها السيل مرتين فى العام بحيث يمكن استخدامها فى رى الحقول، فكانت مهمته إذن تحويل مجرى الماء لرى مساحة محددة وبصورة منتظمة. وكان ثمة قناة رئيسية طولها 1120 م تنطلق من الخزان إلى الموزع الرئيسى عند الطرف الغربى للواحة الشمالية حيث تتجه معظم المياه إلى مختلف القنوات للحقول التى يراد ريها. ويرى برونر (U. Brunner) أن المساحة الكلية التى كانت تُروى فى الطرف الأدنى من السد كانت تبلغ 9600 هكتار/ 24000 فدان، فإذا اعتمدنا على نتائج إحصاء 1975 م بأن سكان فضاء مأرب يبلغون 13000 نسمة، استطعنا القول أن سكانها قديما كانوا يتراوحون بين 30000 و 50000 نسمة. وتطالعنا النقوش التى ترجع إلى فترة سبئية لاحقة بأنباء انهيارات ألمّت بتلك السدود، وإصلاحات قام بها الملوك والحكام. وآخر النقوش التى أوردت ذكر سد مأرب العظيم نقش صخرى لابد من ربطة بنقش آخر يرجع إلى عام 668 من الحقبة الحميرية (= 553 م)، ويدل النص على مدى العناء الذى تجشموه فى إزالة ترسبات الطين عند السد. وتدل البحوث التى أجراها برونر (U. Brunner) على أن انهيارا آخر قد تلى الانهيار آنف

الذكر بخمس وثلاثين سنة، ثم أُصلح هو الآخر، أما الكارثة الأخيرة التى ألمت بالسد فلم تقع على ما يبدو إلا فى بداية القرن السابع، وبعدها تحولت مأرب إلى أرض جرداء لا تخرج إلا الأشواك والطرفاء. ونظرا لضرورة إزالة الترسبات التى تخلقها الفيضانات عقب كل انهيار للسد ليعود بعد ذلك الوادى إلى سابق عهده، نجد عملية الإصلاح هذه تزداد صعوبة فأدى ذلك فى نهاية المطاف إلى الظروف عن تشييد السدود. وربما كان ثمة أسباب سياسية واجتماعية وراء ما آل إليه حال منشآت السد من خراب إستمالت معه المثابرة على تجديدها. لقد أسفر النزاع بين الإمارات والأسر الحاكمة فى جنوب بلاد العرب قديمًا عن وَهَن السلطة المركزية وتفكك أوصال المجتمع الذى كان على حظ من حسن التنظيم، وأدى ذلك بدوره إلى تعاظم نفوذ القوى الأجنبية كالحبشة وفارس الساسانية، أضف إلى ذلك أن الاختراق المركز الذى قامت به قبائل شمال بلاد العرب أحدث قدرًا متزايدا من (البداوة)، والإضمحلال فى الحضارة الريفية القائمة على الزراعة والرى. وكان ثمة صلة بين ذلك وبين هبوط عدد السكان. ويرى المؤلفون العرب أن الأحداث التى سبقت إنهيار السد وكذا الانهيار ذاته قد أدت إلى هجر سكان واحة مأرب بها، ولابد أن نربط بين ذلك وبين هجرة القبائل عن بكرة أبيها من جنوب الجزيرة العربية إلى شمالها كبنى غسان على سبيل المثال. وتدلنا النقوش السبئية على أن إرجاع هذا الإنهيار إلى القرن الثالث أو الثانى أو الأول لا يقوم عليه دليل رغم تسليم كثير من المؤلفين بذلك سواء منهم المسلمون أو الأوربيون وأقرب المؤلفين العرب إلى الصواب هو ياقوت إذ أرجع حادثة الانهيار إلى فترة سيطرة الحبشة على تلك البلاد (المعجم 4، 383، 20)، كما لا نجد سوى المسعودى هو الذى يُرجع ذلك الإنهيار إلى أسباب طبيعية وربما تسللت روايات عن إنهيار مماثل حل بذلك السد من قبل إلى أساطير إرتبطت بهجرة أهل مأرب فيها، أن عمرو بن عامر الأزدى وهو أحد حكامها، تَطَيَّرت زوجته (ظريفة) من رؤيا رأتها فحذرته

المصادر

وأرسلته إلى السد فشاهد فأرا عملاقًا يوشك أن يدحرج جلمود القيوض السد، فقدر عمرو الوحيل، واصطنع شجارًا مع ولده الذى صنعه على الملأ فتعلل بذلك عمرو وباع ما يملك ورحل ومعه أتباع كثيرون. المصادر: (1) وهب بن مَنْبَه: كتاب التيمان فى بلوك حمير، صنعاء 1979 م. (2) الهمذانى: صفة جزيرة العرب، طبعة د. إتش ميلر، لايدن 1884 م - 91. (3) الهمذانى: الإكليل، ح، طبعة محمد الأكوع الحوالى، دمشق 1979 م، 95 - 107. (4) ابن رسته: كتاب الأعلاق النفيسة. (5) المسعودى: مروج الذهب، 8، 365 - 93. (6) ياقوت: معجم البلدان. (7) الرازى الصنعانى: تاريخ مدينة صنعاء، دمشق 1974 م. (8) نشوان الحميرى: القصيدة الحميرية؛ بن مجاور: تاريخ المتبصر؛ الاميرى: حياة الحيوان. (10) على بن الحسن الخزرجى: العقود اللؤلؤية فى تاريخ. محمد صبرى الصاوى بدر [و. مولر W. Mulle] المأمون هو أبو العباس عبد اللَّه بن هارون بن الرشيد، الخليفة العباسى السابع، ولد فى 15 ربيع الأول سنة 170 هـ/ 14 سبتمبر 786 م. "ليلة الخلفاء الثلاثة: (وفاة الهادى وتولى الرشيد وميلاد المأمون خليفة المستقبل)، وهو أكبر أبناء الرشيد الأحد عشر. كانت أمه "مراجل" محظية من "باذغيس"، توفيت بعد ميلاده بقليل فربته "زبيدة" حفيدة "المنصور" وزوجة أبيه الرشيد أم محمد (أصبح "الأمين" فيما بعد). تلقى تعليمًا تقليديا باللغة العربية على أيدى الكسائى فى الأدب كما درس الموسيقى والشعر (كان تقليدى النزعة). أما فى العلوم الدينية فقد تعلم "الحديث" (وأصبح من رواته) والفقه (تعلم على

يد الحسن اللؤلؤى) وقد برع فى الفقه الحنفى وتميز بحبه للمعرفة مما جعله أنضج خلفاء الأسرة العباسية فكرا وهو ما يفسر الأسلوب الذى تطورت به خلافته. وفى 177 هـ/ 794 م، ونزولًا على رغبة أسرته سمى "الرشيد" محمد الأمين كولى عهد أول، وهو الخليفة الوحيد لأبوين عباسيين، وكان الإعلان مبدئيا فى"خراسان" من خلال الفضل ابن يحيى البرمكى وتلقى الأمين البيعة فيما بعد فى بغداد. أما عبد اللَّه "المأمون" فكان عليه أن يصبر حتى سن البلوغ ليعلن أنه يتولى بعد الأمين. وكان هذا الأعلان سنة 183 هـ/ 899 م. تحت رعاية "جعفر بن يحيى البرمكى" المقرب للخليفة. ورغم إحياء الرشيد للتقليد "المروانى" بتعيين وريثيين للعرش ضمانًا لاستقرار النظام ومستقبل الأسرة، إلا أنه أدخل تجديدًا بقبوله تعيين وريث ثالث، هو القاسم "المؤتمن"، وهو ابنه من إحدى جواريه، برعاية "عبد الملك بن صالح". أعلن هذا النظام خلال فترة الحج عام 186 هـ/ 802 م فى مكة، وأعيد تأكيد وحدة الدولة بوجود ولى عهد معين واحد، محمد الأمين يعيش فى بغداد مدعوما باثنين سيخلفانه على التوالى وقد منح المأمون والمؤتمن الولاية على أقاليم مهمة: فخراسان الكبرى، قلب النظام العباسى منذ نجاح الدعوة الهاشمية 132 هـ/ 750 م أصبحت من نصيب عبد اللَّه (المأمون) أما جبهة القتال فى الصراع ضد الأمبراطورية البيزنطية (الجزيرة وشمال الشام)، فقد تولى المؤتمن أحد المشاغل الرئيسية لدى "الرشيد" وقد أدى اعتماد كل مجموعة فى الدولة على المجموعة الأخرى إلى نجاح الحكم الذاتى فى أفريقية والإعتراف بسلطة "الأغالبة" فى عام 184 هـ/ 800 م بغرض احتواء الـ "الخوارج"، و"العلويون" و"الأمويون" الذين كانوا قد نجحوا فى تأسيس الإمارات فى المغرب والأندلس فى النصف الثانى من القرن الثانى الهجرى/ الثامن الميلادى. وبعد عودة الرشيد من الحج تخلص من هيمنة "البرامكة" وأمر

بإعدام "جعفر بن يحيى" فى ليلة غرة صفر 187 هـ/ 29 يناير 803 م، وألقى القبض على الفضل واخوانه. ومنذ ذلك التاريخ أصبح الفضل بن سهل السرخسى الوصى على عبد اللَّه "المأمون"، وكان أبو الفضل زرادشيتا من قرية قرب الكوفة عمل فى خدمة البرامكة ثم اعتنق الإسلام فى 190 هـ/ 806 م ولعب دور الكاتب - المعلم وبذلك أصبح مؤهلا لمنصب الوزير عند ولاية المأمون. فى سن الثامنة عشرة، تزوج "المأمون" من ابنة عمه "أم عيسى" ابنه "موسى الهادى" وأنجب منها ولدين (محمد الأصغر وعبد اللَّه) وكان له عدد كبير من المحظيات (الجوارى)، وفى عام 192 هـ/ 808 م -وبعد أن تمكن الرشيد من تهدئة الوضع على الجبهة مع الامبراطورية البيزنطية- تولى "الرشيد" بنفسه مسئولية الوضع فى خراسان وكان مضطربا بفعل تمرد، "رافع بن ليث" حفيد "نصر بن سيار" (آخر الولاه الأهويين فى خراسان)، على السياسة المركزية للوالى "على بن عيسى بن ماهان" الذى كان يمثل فئة "ابناء الدولة" (وهم الخراسانيون المقيمون بالعراق) وخرج لهم الرشيد وبصحبته المأمون والفضل بن سهل وأيضا الحاجب الوزير الفضل بن الربيع الذى خلف البرامكة على قمة الإدارة المركزية، لكن الرشيد توفى فى طوس فى 3 جمادى الأخرة 193 هـ/ 24 مارس 809 م بينما كان "المأمون" قد تقدم إلى "مرو" مع جانب من الجيش. وعلى الفور بدأ الخليفة الجديد فى بغداد (الأمين) فى تعزيز وضع السلطة المركزية فى مواجهة طموحات انصار الحكم الذاتى فى خراسان الكبرى وكان ذلك استمرارًا لسياسة طبقت لخمسين عامًا. فأمر بإعادة الجيش والخزانة إلى بغداد مما حرم المأمون (الأمير - الوالى) من الوسائل الضرورية لتهدئة المناطق المضطربة تماما وبسرعة. ولكن المأمون لم تكن تعوزه الحنكة لتعزيز موقفه فى مواجهة الخليفة، واحتذاء بمثال أبيه أحال مسئولياته "للسهليين" ومنحهم كل السلطات لإدارة الأمور وحفظ حقوقه فى تولى منصب الخلافة بعد الأمين والتى توثقت فى الكعبة. وبالفعل تمكن السهليون من تهدئة

الوضع وتعبئة قوات الأقاليم الشرقية من خلال الإعتراف بالحكم الذاتى لشيوخ القبائل المحليين بدعم من الأثرياء الذين رأوا فى إمكانيات الدولة فرصة لتحقيق مكاسب غير مسبوقة فى الثروة والمكانة وزيادة رواتب الجند، وتخفيض الخراج بمقدار الربع واستعادة كفاءة الإدارة واعادة ديوان المظالم الذى ترأسه المأمون بانتظام. وبذلت جهود خاصة لاحتواء الفقهاء وتقريب المتكلمين (المعتزلة). ليس بالامكان تفسير الخصومة بين الأمين والمأمون بإختلاف موطن الأم (فأم الأمين عربية وأم المأمون ايرانية) وإنما هناك أسباب أعمق فقد حاول الأمين تغيير نظام وراثة الخلافة الذى أقره والده، وإبعاد شقيقيه (المأمون والمؤتمن) بتأييد من فئة موالى الخليفة وفئة "أبناء الدولة" فى العراق والذين تهددت امتيازاتهم بفعل تصاعد الحكم الذاتى الاقليمى الذى بدأ فى المغرب وامتد إلى خراسان الكبرى عماد النظام العباسى. فى مثل هذه الظروف، لم يكن مستغربا أن نجد الأقاليم الشرقية تدعم من يدافع عن طموحاتها وأحلامها. وكانت تلك هى المرة الأولى التى يتحدد فيها وضعها رسميا فى وثائق مكية وأن يمثلها ليس مجرد أمير عباسى ولكنه أيضا وريث للخلافة وبكلمات أخرى فإنهم، إذا انتصروا، يظفر الخراسانيون بالحكم الذاتى مع ضمان مواقع مهمة فى جهاز الدولة. أما بالنسبة للمأمون فكان من حسن طالعه أن يكون خارج دائرة نفوذ الخليفة الحاكم وبذلك تفادى المصير الذى لقيه قبل ذلك "عيسى بن موسى" (أجبر على التنازل لصالح أبناء المهدى)، أو ما عاناه الرشيد قبل ذلك (سجنه أخوه الهادى). وقد بدأ النزاع فى عام 194 هـ/ 810 م. عندما اضيف اسم "موسى" الابن الاصغر للأمين إلى قائمة ورثة الخلافة (المأمون والمؤتمن) وأرسلت بعثة إلى "مرو" لإقناع المأمون بالعودة إلى بغداد ليقوم بدور مستشار الخليفة. وكرد على عدم قبوله العرض حاول الأمين اعادة فرض سيطرته على كامل الدولة، وأمر بأن

يؤتى بفائض الإيرادات من أقاليم معينة (الرَّى وقومس وغرب خراسان) ثم تسمية مسئولين ماليين وفى النهاية تعيين مسئول استخبارات فى "مرو" عاصمة المأمون الذى تمكن بفضل دهاء الفضل بن سهل، وتصميم الخراسانيين على الدفاع عن حكمهم الذاتى الذى اكتسبوه أخيرًا، من رفض أى تعديلات على خطاب "الوثيقة المكية" التى أصدرها والدهما الرشيد وبذلك تفادى أى تورط فى التحرك الجارى على أيدى مستشارى الأمين بهدف تهديد وضعه (كولى عهد) واتسع الخلاف فى 195 هـ/ 811 م بمحو اسم الخليفة من العملة طراز خراسان. واستفادة من قوة موقفه لجأ "الأمين" إلى حسم قضية العلاقات بين السلطة المركزية وخراسان. فأعلن ابنه موسى (من أحدى الجوارى) وريثا أول للخلافة على حساب المأمون، وعبد اللَّه بن محظية أخرى وريثا ثانيا على حساب المؤتمن فى انتهاك صارخ للوثائق المكية وقد رد المأمون بتسمية نفسه (الأمام) جريا على مثال الأمام إبراهيم بن محمد بن على وريث أبى هاشم (ابن محمد بن الحنفية). وتأكدت هذه العودة لمبادئ الدعوة الهاشمية الأولى فى "مرو" بالنداءات التى أرسلت لمختلف الفرقاء القبليين العرب فى خراسان مشيدة بدور "النقباء" إضافة إلى أن لسلطة الإمام طبيعة دينية تفوق ما للقب "أمير المؤمنين" وهى تبين السياسة الإمبراطورية البابوية دولة يرأسها حاكم له سلطات دنيوية ودينية للمأمون. وقطعت الاتصالات بين العراق وخراسان وشددت الحراسة على الحدود لمنع ارسال الاستخبارات إلى بغداد بينما كانت للمأمون عيون داخل قصر الخليفة نفسه. وبذلك انتهت "الوثائق المكية" التى أصدرت برعاية الرشيد ثم تعدلت لصالح الأمين الذى أمر أخاه بأن يعترف بسلطته الكاملة على خراسان. وأصبحت القطيعة نهائية بتعيين على ابن عيسى بن ماهان، حاكم خراسان السابق المخلوع، حاكما للجبال فى ولايات (قم، نهاوند، همدان واصفهان) بهدف استعادة سلطة الخليفة على خراسان (جمادى الأخرة

195 هـ/ مارس 811 م). ووقعت المواجهة مع جيش الخليفة قرب الرى وبدا كما لو أن النتيجة معروفة سلفا ولكن "طاهر بن الحسين" نجح فى قتل علىّ بن عيسى بن ماهان (7 شوال 195 هـ/ 3 يوليو 811 م). وكان لهذا النصر المفاجئ الفضل فى أن يميل الموقف لصالح المأمون، وعبأ الأمين جيشين جديدين ولكن طاهر تمكن من ضربهما عندما نجح فى ضرب كل منهما بالآخر باستغلال الخصومات بينهما. واضطر الأمين لزيادة الجباية فى الشام، برغم ثورة "السفيانيين" فى (195 هـ/ 811 م) ثم أرسل "حسين بن علىّ بن عيسى بن ماهان" فى مهمة فى الشام لكن الإنقسامات بين القيسيين والكلبيين لم تمثل مناخًا توفيقيًا، وعندما تبين استحالة مهمته دبر انقلابا فى بغداد فى رجب 196 هـ/ مارس 812 م وأمر بالقبض على الأمين وأعلن تنصيب المأمون خليفة للمسلمين وكان الانقلاب المضاد الذى اعاد الخلافة للأمين أبلغ تعبير عن الإنقسامات بين "الأبناء". وفى نفس التاريخ أعلن المأمون خليفة رسميا فى "مرو" ومنح الفضل بن سهل لقب "ذو الرئاستين" وتعنى القيادة المدنية والعسكرية واعترفت الولايات الواقعة إلى الغرب من العراق بخلافة المأمون فى 197 هـ/ 813 م: وفى الحجاز كان الحج تحت إشراف العباس بن موسى وهو حليف قديم للمأمون وفى مصر كان الأبناء منقسمين بين الأمين والمأمون وكانت أفريقية تحت الحكم الذاتى للاغالبة أما شمال الشام والجزيرة فقد استغلتا الموقف لإعلان الحكم الذاتى وتبعتهما أذربيجان وأرمينيا. وقد اضطر "المأمون" بعد العديد من القلاقل والأعمال العدائية من جانب العلويين العباسيين، الذين اتهموا بنقض حقوق الخلافة لأبناء "على" و"فاطمة" إلى عقد تسوية بارعة بين فرعى عائلة النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] من خلال العودة إلى المبادئ الآولية للدعوة الهاشمية والتى تمنع بحال اختيار إمام من العلويين. وبذلك أنقذ العلويون الذين اعتبروا اعداء للخلفاء العباسيين، والآهم من

ذلك أن زاد على جده "المهدى" بإختياره أحد أبناء موسى الكاظم خليفه له. وكانت هذه البادره من "المأمون" مناقضه لسياسة دامت قرنا كاملا، وتحديدا منذ بداية دعم أهل خراسان للفرع العباسى. وكان على "السهليين" الذين سيطروا على أجهزة الدولة أن يخضعوا لهذه السياسة الحديثة لتفادى المهانة إلى تعرض لها البرامكة (عندما لم يشاركوا فى سياسة الرشيد المعاديه للعلويين). ولقد أتاح الصراع على السلطة فى بغداد ومحاولات فرض "على الرضا" خليفة فسحه زمنيه لدعاه انفصال (الإستقلال الذاتى) "لاذربيجان" و"ارمنيا" و"العواصم" فى شمال الجزيرة والشام ومصر. وقد أجبرت مقاومة "الابناء" الحسن بن سهل على ترك بغداد وفيها تشكلت سلطة ثلاثية بتعيين المنصور بن المهدى، (من جارية فارسيه)، مبعوثا "للمأمون" منذ 25 جمادى الأخرى 201 هـ/ 18 يناير 817 م. بالإضافة إلى تعاطف الطبقات الدنيا من الحضر مع حركة "سهل بن سلامة الأنصارى" وهو من أهل خراسان فى حى الحربية، وارتبطت قيادة "الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر" بالإستقلال السياسى والحكم الذاتى للأقليات الإجتماعية وفى ذات الوقت كان "أبو الهدايل" و"النظام " (بتشديد النون والظاء وفتحهما الذى أدخل "المعتزلة" إلى بلاط المأمون) يعملان فى اتجاه معاكس من أجل سياسة ممالئه للسلطة العباسية. أى أن عملية استعاده النصف الثانى من ولاية المأمون قد بدأت: فى 2 رمضان 201 هـ/ 24 مارس 817 م حين أعلن الأمون "على بن موسى الكاظم" خليفه له (على حساب اخيه المؤتمن) ولقبه "الرضا من المحمد" وتخلى عن اللون الأسود المميز للعباسين واختار اللون الأخضر (الكتيبه الخضراء لمحمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-]) ومنذ ذلك الحين أصبح يمكن اختيار الخليفة الإمام من بين نسل هاشم السلف المشترك للنبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] واعمامه "العباس" و"أبو طالب". وعندما بلغت هذه الأنباء العراق، بعد أربعه أشهر، كان للعباسيين وأعوانهم رد فعل حيال هذا العدوان على (حقوقهم المكتسبة)،

فرفض والى البصرة "إسماعيل بن جعفر بن سليمان" ارتداء اللون الأخضر، وفى بغداد قاد ابناء "المهدى" المعارضة. وعندما رفض "المنصور" الخلافة قبل أخوه إبراهيم المهدى (من أم أخرى) المنصب فى 28 ذو الحجة 201 هـ/ 17 يوليو 817 م واختار ابن اخته "اسحق بن موسى الهادى" (شقيق زوجه "المأمون") كوريث للخلافة وقد عضده الأمراء العباسيون، وبكلمات أخرى كانت تلك عودة للحرب بين الجانبين والتى ظلت هادئة منذ 198 هـ/ 813 م. أما حقيقة أن الأمين ولد لزوجه عربيه بينما كان إبراهيم بن المهدى من أم محظية فارسية كحال المأمون، فلم تؤثر على مسار الصراع المحتدم فيما يتعلق بالعلاقات بين العراق وعاصمتها "بغداد " وخراسان وعاصمتها "مرو" ونجح الخليفة الجديد "إبراهيم بن المهدى" فى بسط سلطته على العاصمة بوضع حد لنشاط "سهل بن سلامه الأنصارى" فى حى "الحربية" وبعدها سعى لغرض سيطرته على "الكوفة" وطرد منها العباس أخو على الرَّضا" (202 هـ/ 817 م) وأصبحت"واسط" مركز قيادة "الحسن بن سهل" الذى استعاد سيطرته على البصرة. أما والى مصر "عبد العزيز بن عبد الرحمن الازدى" فقد دعا للإعتراف بالخليفة "إبراهيم المهدى" أمّا أمير أفريقية ذات الحكم الذاتى فقد ظل محايدا كما كان من قبل وقد أخفى "الفضل بن سهل" خطورة الوضع عن "المأمون" حتى أخبره "على الرضا" بأن إبراهيم بن المهدى" قد أعلن نفسه خليفة، (وليس أميرًا)، فى بغداد. وعندها قرر "المأمون" -وكان فى الحادية والثلاثين من عمره- أن يتولى الأمر بنفسه شخصيا وقد أدرك خطورة الوضع. وقدم تنازله الأول لطبقة الأثرياء فى العراق بإعلانه العوده إلى "بغداد" وبهذا تأكد دورها كعاصمة للدولة. وفى 10 رجب 202 هـ/ 22 يناير 818 م غادر المأمور "مرو" مصطحبا رجال بلاطه والإداره والجيش. وفى سرخس لقى الفضل بن سهل، الذى كان يحاول إغتصاب سلطة الخليفة، نفس مصير البرامكة عندما تعرض

للاغتيال بايعاز من "المأمون" فى 2 شعبان 202 هـ/ 13 فبراير 818 م وبعكس البرامكة لم يتعرض بقية "السهليين" للمصير نفسه فبالإضافة إلى سيطرتهم على "خراسان" وجنوب العراق فقد تقلدوا مناصب مهمة فى الإدارة المركزية. ولتعزيز موقفه تزوج "المأمون من "بوران" (ابنه "الحسن سهلا") فى رمضان 210 هـ/ ديسمبر 825 م أما إبراهيم المهدى فقد عانى من نقص الموارد المالية وكان مجبرا على قتال الحركات المناوئة. وعندما تنبه للمؤامرات التى تحاك من حوله عاد إلى بغداد فى (14 صفر 203 هـ/ 21 أغسطس 818 م) وفى الوقت نفسه تمكن جيش "الحسن بن سهل" من الاستيلاء على "المدائن"، "ونهر ديالا" بينما لقى "على الرضا" مصرعه فى خراسان فى 29 صفر 203 هـ/ 5 سبتمبر 818 م ويعتقد الشيعة، أنه مات مسمومًا بتديير من "المأمون" وفى بغداد تآمر بعض "الأبناء ضد إبراهيم بن المهدى وكان مخططا أن يلقى "عيسى بن أبى خالد" القبض عليه يوم الجمعة 29 شوال 203 هـ/ 29 إبريل 819 م ولكن خطته انكشفت وسجن. ولإطلاق سراحه تدخلت عائلة "بنو خالد" فى الصراع مع إبراهيم بن المهدى "لصالح" "المأمون" (ذو القعدة 203 هـ/ مايو 819 م) وكان عندئذ فى جرجان" (استغرقت الرحلة من مرو إلى خرجان ستة عشر شهرًا فى عشرين مرحلة) وعندما شعر الحاجب "الفضل بن الربيع" بسوء الموقف هجر خليفته ومنصبه واختفى مجددا أما إبراهيم المهدى فقد وجد نفسه مضطر، لاستخدام منافسة "سهل بن سلامة الأنصارى" فى محاولة لتعبئة الطبقات الشعبية فى بغداد. وبعد أن ظل خليفة لعامين قرر "إبراهيم" أن يترك الساحة السياسة هروبًا فى ذات الوقت من مؤامرة حاكها من حوله بعض قواده العسكريين الذين خططو لتسليمه إلى الحسن بن السهل (16 محرم 204 هـ/ 13 يوليو 819 م) واستعاد "المأمون" سيطرته على بغداد وانسحب "الحسن ابن سهل" من الحياة السياسية بدعوى المرض. واستقبل المأمون استقبال الفاتحين فى 17 صفر 204 هـ/ اغسطس 819 م (بعد غياب دام عشر

سنوات). وبعد شهر واحد أعاد استخدام اللون الأسود واستعاد لقب "الإماما" (حملة كل خلفائه من بعده) بهدف تعظيم دوره كدليل وقائد للأمة جريا على نهج الأئمة العلويين. بذلك أصبحت السيطرة على الدولة وقيادة الأمة المسئولية الشخصية "للمأمون" بمشوره من "المعتزلة" والقاضى "أحمد بن أبى داود" ولتطبيق السياسات الجديدة "للإمام" أعفى كتاب الإدارة السابقة ثم أعيد تعيينهم كمستشارين لأفراد الإدارة الذين استدعوا من "خراسان" وكان "أحمد ابن أبى خالد" (من أقارب "الأبناء فى العراق) السكرتير الشخصى "للمأمون" ومستشاره الرئيسى والوسيط القادر على حشد دعم "الأبناء" فى بغداد حتى توفى (211 هـ/ 826 م). أما كبار مسئولى الديوان، ومعظهم ممن تربوا على أيدى البرامكة، فكانوا تحت الإشراف المباشر للخليفة الذى كان مسئولا بشكل شخصى عن الفصل فى "المظالم" وعهد إلى "الطاهر بن الحسين" بمسئولية حفظ النظام والإشراف على الشرطة. وعفا المأمون عن خصوم الأمس لتعزيز السلام الاجتماعى (شمل حلم المأمون الكثير ولم يعدم سوى المتمرد إبراهيم بن عائشة") وتكون الجيش المركزى من جنود من أصول عديده، من بينهم أعوان المأمون بامتيازات خاصة على حساب الأبناء "الذين هزموا مرتين (فى 198 هـ/ 813 م) وبعدها فى 204 هـ/ 819 م). ولأن الدول كانت خارجة لتوها من حرب أهلية دامت عشر سنوات. فقد اقتصر "المأمون" على دعم ثورة "توماس السلافى" فى أسيا الصغرى (820 - 823 م) انتظارا للفرصة المناسبة لتجديد الحملة ضد الامبراطورية البيزنطية (وهو ما نفذه بالفعل فى 215 هـ/ 830 م وما بعدها). أما فيما يتعلق بحكم الأقاليم فقد عهد بالولاية على المدن المقدسة فى الحجاز لأحد "العلويين" أما فى "الجزيرة" المضطربة فقد ولى المخضرم "يحيى بن مسلم". وقد استغل المأمون فكر المعتزلة كحل وسط يرضى العلويين والموالى،

بل وبعض السنة أيضا، وليضيف للتراث الأدبى والفكرى العربى بالعودة إلى الفلسفة اليونانية بدلا من الخضوع للتراث الفارسى. وفى بغداد (217 هـ/ 832 م) جاء تأسيسه "لبيت الحكمة"، تأكيدا لاهتمامه بتطوير ثقافة جديده عربية التعبير، إسلامية الأمال والطموحات، تجمع وتكامل إسهامات مختلف شعوب الشرق، سواء كانوا شركاء التجارة (الهند)، أو أعداء السياسة (بيزنطة)، أو طلاب علم من كل الديانات (الإسلام، المسيحية، اليهودية، الصائبة) ومن مختلف أقاليم الأمه (خوارزم، فرغانه، خراسان، طبرستان، الجزيرة، والعراق) وتسهم فى تقدم العلم العربى وريث علوم الأقدمين ومكيفا وفقا لمتطلبات الحضارة العربية الإسلامية. والتزم "المأمون" بتشجيع الاختلافات السياسية بين ممثلى الديانات المختلفة من ناحية والأهم من ذلك بين "العلماء على مختلف الاتجاهات فيما شعلق بتفسير الإسلام من ناحية أخرى وكان "المأمون" واعيا بالخلاف بين مفاهيم "المعتزلة" (وكانت حتى حينه من الزندقة) والفقهاء والمحدثين الذين يعارضون فكرة خلق القرآن وعمل المأمون، لسنوات، على نشر أفكار "المعتزلة" بما لها من تداعيات سياسية واضحة: على الإمام أن يسعى لتصحيح أثار النظام الجائر المفروض (خصوصا فيما يتعلق بالضرائب) بأن يستعير من فكر "المعتزلة" كل ما يراه ضروريا لخدمة أغراضه وعلى ذلك يقوم مبدأ خلق القرآن (اللَّه فقط غير المخلوق وأبدى خالد)، وقد أمكنه استخدام ذلك فى تصحيح النظام بنفسه بحكم معارفه (العلم) وقد قربته حده ذهنه من مثال "على بن أبى طالب" أول من أدرك من صحابة محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] ضرورة التفسير العلمى للإسلام فى أعقاب الهزات الناتجة عن نجاح واتساع الفتوحات العربية (634 - 644 هـ) والأكثر من ذلك، وبهدف استماله الأنصار من الشيعة، تم الإعلان عن أن على ابن أبى طالب "أفضل الصحابة بعد النبى" (فى 211 هـ/ 826 م) وأعيد تأكيد ذلك فى (212 هـ/ 827 م).

وكانت هناك أعمال أخرى خاصة فى مجالات الفلك والرياضيات والمخططات الجغرافية تجرى إلى جانب المناقشات الدينية بدءا من العقد الثانى من القرن التاسع للميلاد وتزامنت مع استعادة سلطة الخليفة على الأقاليم المحكومة ذاتيا والمناطق الواقعة إلى شمال العراق. وأمكن سحق حركة التمرد فى الجزيرة وإنهاء الحكم الذاتى لشيوخ القبائل فى المدن الرئيسية ولكنه لم يستطع إخضاع منطقة الجبال وكانت تحت سيطرة بابك ولم تتمكن الحملات المختلفة من إخضاعها وكانت لها حصانتها وفعاليتها بشكل خاص حيال الجيش النظامى وقد كلف ذلك الفشل المتكرر الخلافه غاليًا ولكنه لم يحل دون اتساع سيطرة الخلافة على المناطق الجبلية الأخرى، وعين الخليفة عليها عددا من الأمراء المحليين المواليين له واعتنق جميعهم الإسلام وأنعم عليهم بلقب (موالى أمير المؤمنين) مكافأة على دعمهم لسياساته. أما اليمن، فكانت مسرحًا لاندلاع ثورة علوية سنة 207 هـ/ 822 م جديدة بقيادة "عبد الرحمن بن أحمد" ولكن المأمون أجبره على الاستسلام وبهذا أمكن تحقيق السلام الاجتماعى كذلك قمعت ثورة مواطنى "قم" الذين ثاروا لرفضه تخفيض "الخراج" (فى 210 هـ/ 825 م ثم فى 216 هـ/ 831 م). بمجرد أن تحقق الهدوء والسلام فى الدولة، مع عودة مصر تحت سيطرة الخلافة (210 - 211 هـ/ 825 - 826 م) وتأكيد الوضعية الاستقلالية للأغالبة فى أفريقية، أحس المأمون بقدرته على إعلان "المعتزلة" مذهبا رسميا (فى 212 هـ/ 827 م) وأعلن سياسة يلتزم الإمام بموجبها بإعادة تنظيم الجيش المركزى ليجهز نفسه بقوة ضاربة قوية فعالة تعمل تحت قيادته. وسيطر على القوات المسلحة ف 213 هـ/ 828 م وقسمها إلى ثلاثة جيوش رئيسية (يتكون كل منها من مجموعة من "الأبناء" وقوات من "العواصم" ومجندين من المناطق الشرقية للإمبراطورية): الأولى بقيادة: "إسحق ابن إبراهيم" ومهمته حفظ النظام فى العراق والجبال وفارس المتصلة

بخراسان الكبرى. والثانية تحت إمرة العباس بن "المأمون" وهو مسئول عن جبهه القتال فى الصراع مع الإمبراطورية البيزنطية فى الجزيرة وشمال سوريا والثالثة عهد بقيادتها لأبى إسحق محمد المعتصم خليفة المأمون وكلف بحكم مصر حيث كان الوضع متفجرًا منذ أن قام المسلمون والمسيحيون فى 214 هـ/ 829 م بعصيان ضد نظام الضرائب وأنزلوا الهزيمة بجيش المعتصم. واضطر المأمون حيال تفاقم الوضع فى شمال أذربيجان إلى أن يعهد إلى المخضرم عبد اللَّه بن طاهر بسجله السابق (فى الجزيرة وبعدها مصر) بمهمة قمع حركة العصيان هناك ولكنه لم ينجح فى ذلك ولم يفلح من خلفه فى تلك المهمة فى تغيير الوضع القائم. كانت سياسة استعاد وحدة الدولة لها الأولوية على مواصلة الحرب ضد بيزنطة والتى كانت جارية بالفعل مع استقرار الأندلسيين فى كريت (منذ، 210 هـ/ 826 م) وفتح صقلية على يد "الأغالبه" من أفريقية (حمله 211 هـ/ 827 م) مما أدى إلى تجمع البيزنطيين فى مواقع حدودية. بدأت الحملة الأولى فى 215 هـ/ 830 م تحت قيادة "المأمون" شخصيا وقد أراد بذلك إثبات جدارته بلقب الإمام وفقا للتعريف "الزيدى" بمعنى أنه هو المرشد الذى وهب "العلم" والشجاعة والحنكة السياسة. وفى طريقه اكتشف صابئة فى "حران" وأجبر بعضهم على اعتناق الإسلام وصدرت الفتوى باتفاق رسمى بين الإسلام وهذه الجماعة الدينية التى أفرزت العديد من طلاب العلم والمترجمين الذين نقلوا تراث اليونانية إلى العربية. وكان من نتائج هذه الحملة الاستيلاء على عدد من الحصون فى (Cappadocia) وتعرف فى العربية بالمطامير حيال ذلك هاجم الإمبراطور البيزنطى ثيوفيلوس "حصون" المصيصة و"اطرسوس" مما أدى إلى الحملة الثانية "للمأمون" (216 هـ/ 813 م) وفيها اصطحب ابنه "العسباس" (قاهر "ثيوفيلوس" فيما بعد) وكذلك أخاه وخليفته أبو اسحق (المعتصم).

وبعد سلسلة من الانتصارات فى آسيا الصغرى رفض المأمون اقتراحا بتبادل الأسرى والهدنة لمدة خمس سنوات وانسحب الخليفة إلى دمشق ومنها اضطر للتحرك شخصيا إلى مصر لإخماد ثوره المسلمين والقبط ضد عبء الضرائب الزائده وبعد ما تحقق ذلك أدخل "المأمون" إصلاحا ماليا أحل نظام القباله محل الطريقة السابقة لتحصيل الضرائب وبذلك أظهرت الدولة استعدادها للتعاطف فى الظروف الصعبة وعند الضرورة وإضافة إلى ذلك تحسنت العلاقات مع أهل النوبة مما مكن المسلمين من تعزيز سيطرتهم على أرض النيل. بعد تهدئة الوضع فى مصر، عاد المأمون إلى الجبهة مع "بيزنطة" فى 217 هـ/ 832 م بهدف تحقيق السيطرة فيما وراء "طوروس" انتهى حصار حصن "لؤلؤة باستسلامها وطلب الأمبراطور "ثيوفيلوس" مجددا بوقف القتال وتبادل الأسرى بلا جدوى. ورغم انشغال المأمون بجبهة الحرب مع "بيزنطه" والمصاعب السياسة التى أثارتها حركات العصيان المستمرة: "الرنج" فى جنوب العراق و"حركة بابك الخزمى" فى شمال اذربيجان) إلا أن المأمون "لم يهمل الشئون الثقافية (إنشاء بيت الحكمة فى 217 هـ/ 832 م) ولم يفقد وضوح الرؤية فيما يتعلق بتحقيق سياسته والتى اعترف بها علماء السنة، وخلال الإعداد لحملته الرئيسية فى 218/ 833 (استهدفت "عموريه" مسقط رأس الأسرة الحاكمة البيزنطية وقلب الإمبراطورية) انشغل "المأمون" بنزاع معه فتسبب فيما عرف بمحنة خلق القرآن فى ربيع أول سنة 218 هـ/ 833 م وكان ذلك قبل وفاته بأربعة أشهر ومنذ حينه تبنى كل "العلماء "فكر" المعتزلة" سواء فى خدمة الدولة أو بشكل مستقل عن السلطة العباسية. وقبل وفاته بقليل لم يختر المأمون ابنه المسئول عن "العواصم" خليفه له وإنما اختار لذلك أخاه "المعتصم" وكان مسئولا عن الجند الجدد من (بلاد ما وراء النهر) وأشار فى وصيته السياسية بالسير على نهج أعماله

المصادر

السياسية والدينية التى لم تكتمل حتى وفاته فى رجب 218 هـ/ أغسطس 833 م). والخلاصة فلعله من المناسب أن نعقد مقارنة بين "المأمون" وعبد الملك ابن مروان الأموى" (705 - 685/ 86 - 65) فكلاهما استعاد وحده الأمة فى أعقاب حرب أهلية طويلة وشجع قيام حركة ثقافية مزدهرة. المصادر: (1) راجع كتب الحوليات الإسلامية، تاريخ الطبرى، ابن الأثير، ابن خياط. (2) محمد هدارة: المأمون الخليفة العالم القاهرة، (1966). (3) Cl. Cahen: Introducten a L,histoire du moude musui na medieva, pari's 1982 نبيل محمود صلاح الدين [م. ركايا M. Rekaya] مؤنس المظفر أبو الحسن، أحد قواد الدولة العباسية فى الفترة من 296 هـ/ 908 م إلى 321 هـ/ 933 م. ويذكر لأول مرة كغلام للمعتضد (لم يكن بعد خليفة) مصاحبا له فى حملته ضد الزنج عام 267 هـ/ 880 م ثم كصاحب للشرطة عام 287 هـ/ 900 م وقد عزله المعتضد ثم أعاده المقتدر، ولم يظهر اسمه فى عهد المستكفى. ويكتسب مؤنس شهرته من دفاعه عن الخليفة المقتدر ضد ابن عمه المنازع له على الحكم، الأمر الذى حمده له الخليفة فى بداية عهده، ثم انقلب عليه. كما أن له دورًا فى الدفاع عن بغداد ضد القرامطة، ولم يمن سوى بهزيمة واحدة. وقد وقع خلاف بين مؤنس والوزير ابن الفرات، استطاع الأول فيه التخلص من الثانى، مما أتاح له أن يمارس سلطة دكتاتورية كانت هى السبب فى انقلاب الخليفة عليه، حتى أنه دبر اغتياله فى 315/ 927 وفى 316/ 928 ساهم مؤنس فى عزل المقتدر لحساب أخيه القاهر، ولكنه سرعان ما أعاده ليمارس عليه سلطانًا أكبر من ذى قبل. وحين

المصادر

أراد الخليفة عزله تمرد ودار قتال انتهى بقتل الخليفة. وأعاد مؤنس القاهر للحكم، ولكن سرعان ما دب الخلاف بينهما لنفس السبب، ولكن الخليفة استطاع هذه المرة أن يستدرجه للقصر حيث أعدمه. وأصبحت سيطرته على الخلفاء مثلا يحتذى من بعده مما أدى إلى انهيار الخلافة. المصادر: (1) حوليات التاريخ الإسلامى (ابن الأثير، الطبرى. . إلخ) على يوسف على [هـ. بوين H. Bowen] مؤيد الدولة هو أبو منصور بويه بن ركن الدولة حسن، الحاكم البويهى فى أصفهان والرى ومعظم جبال (866 - 873 هـ/ 976 - 984 م). ولقد قسَّم والده قبل وفاته أراضيه بين مؤيد الدولة (فى أصفهان والرى وتوابعهما) وابنه الآخر فخر الدولة على (فى همدان وجبال الكردية). وفى هذا الحال اعترف مؤيد الدولة. بممتلكات أخيه الآخر عضد الدولة فى فارس، الذى استطاع بفضل معاونته منع فخر الدولة من أن يفرض سيطرته على جزء كبير من ممتلكاته. ولقد ضربت العملة فى الرى خلال الأعوام من 366 هـ إلى 373 هـ وهى تحمل أسماء عضد الدولة ومؤيد الدولة، مما يبين أن الأخير قد سيطر سيطرة تامة على المدينة. ولم يستطع فخر الدولة أن يفرض سلطانه على كل الجزء الشمالى من إمارة البويهيين إلا بعد وفاة مؤيد الدولة فى جرجان أثناء حملته على حلفاء فخر الدولة من الزيديين والسامانيين (شعبان 373 هـ/ يناير 948 م). ولقد كان لمؤيد الدولة كاتبه ثم وزيره الصاحب إسماعيل بن عباد، الذى قيل إنه اكتسب لقبه (الصاحب) من طول صحبته للأمير البويهى. د. عطية القوصى [أ. بوسورث Bosworth]

الماء

الماء يشكل الماء العامل الرئيسى فى الطهارة التى يحرص عليها المسلمون بوازع من عقيدتهم. وقد درس المسلمون بعض الصفات الطبيعية للأنهار والمجارى المائية والعيون والآبار. ومن ذلك تغير لون الماء بفيضان الأنهار أو انحسار الماء الدافق، وعرفوا أن مصادر المياه المختلفة تختلف فى قدراتها على التنظيف (بسبب تركيبها الكيميائى). وكان لشكل سطح الماء الجارى أو الساكن فى البحيرات والبرك والآبار مدلولات وتفسيرات معينة يتفاءلون ببعضها ويتشاءمون من البعض الآخر. وقد أجازت الشريعة الإسلامية سبعة أنواع من المياه للشرب والطهارة والوضوء وهى: مياه الأمطار، والمياه الناتجة عن ذوبان الثلوج، والبرد والجليد، ومياه العيون ومياه الآبار ومياه الأنهار والبحار واشترطت الشريعة لاستخدام هذه المياه أن تكون نظيفة فان خالطها شئ غير نظيف لم تصح). ويشترط فى ملكيتها أن يكون صاحبها مالكا لحرمها، وهناك حديث شريف يحدد البئر بنحو أربعين ذراعا فى معظم الأحيان. وتفرّق الشريعة بين ثلاثة مصادر للماء لاستعمالها أو امتلاكها وهى أن تكون من الأنهار التى قد تكون كبيرة مثل نهر النيل ودجلة والفرات تسد مياهها عادة احتياجات الناس من شرب أو رى. أما فى حالة الأنهار الصغيرة والروافد ذات الكميات المحدودة نسبيا من المياه، فقد حدد المشرع الإسلامى طريقة استخدام هذه المياه بحيث لا يطغى أحد على حق غيره من مستخدمى تلك المصادر. وفى كلتا الحالتين أوجب المشرع الحفاظ على مصادر المياه وصيانتها وحسن استخدامها وعدم العبث بها. ثم الآبار: التى تحفر للصالح العام ويحصل عليها الجميع كيفما شاءوا أما الآبار التى يحفرها رجال لصالحهم

الخاص كالتى كان يحفرها رجال القبائل فلهم الحق الأول فى استخدام مياه هذه الآبار طالما هم يقيمون حول تلك الآبار، على أن يكونوا ملزمين فى أى وقت لتقديم الماء للعطاشى فإذا رحل أصحاب البئر صارت مياه البئر مباحة للجميع. فإن حفرها البعض لتكون بئرا خاصة لهم فخصوصيتها لا تسرى قبل انبجاس الماء فى البئر. فإن احتاجت إلى تبطين فلاحق لهم فى ملكيتها حتى يتم التبطين. وعلى مالك البئر الخاصة تقديم الماء لكل ظامئ أيا كان هذا الظامئ وكان ذلك تقليدا ويوجد خبر يقول أن الخليفة عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه كان قد ألزم أصحاب بئر خاصة بدفع دية رجل مات من العطش بعد أن رفضوا تقديم الماء إليه. العيون: اعتبر المسلمون مياه العيون الطبيعية مثلها مثل مياه الأنهار الكبيرة أى تكون من حق الناس أجمعين. فإذا كانت مياه تلك العيون محدودة، كانت من حق المقيمين حولها على أن يستخدموها على قدم المساواة فيما بينهم. وفى حالة عيون الماء التى تظهر بالحفر عليها فيكون حافر العين مالكا لها بالإضافة إلى جيرانه فى هذا الحَرَم. وهناك عيون ماء يحفرها أشخاص لاستعمالهم الخاص، كانت كما أراد ولكن عليه أن يقدم الماء للعطشانين، فإذا كانت مياه العين تزيد عن حاجته وجب عليه تقديم الماء بدون مقابل لمن يطلبه ليسقى به ماشيته وليس لرى مزروعاته. والماء الذى يملكه شخص ما فى وعاء له فيكون هو مالكه وحده، وليس ملزما بتقديمه لغيره بدون مقابل. ولكن إذا سأله ظامئ بعض الماء لبى سؤاله لقاء شئ يأخذه مقابله؛ انظر الأحكام السطانية للماوردى [م. ج. ل. يونج] الآلات المائية: هناك شواهد من جمة مكتوبة وأثارية لنوع استعمال الآليات المائية الرافعة فى عصر ما قبل الإسلام، فقد كان الشادوف معروفا

أبان ذلك فى تلك الأزمنة، كما استعملت الساقية وكانت معروفة فى أيام الرومان ولا تزالان تستعملان حتى اليوم، وعرفت الناعورة وعجلات الطحين الموضوعة فى القوارب أو على دعائم خشبية. وقد شاع استخدام هذه الطواحين فى ديار الإسلام واستخدمت فى طحن الحبوب وعصر قصب السكر وغيرها. كذلك عرف المسلمون النافورات والساعات المائية وغيرها. وكانت الآلات المائية معروفة فى دول الحضارات القديمة كاليونان والرومان والفرس وغيرهم والتى دخلت فى الإسلام وكونت أجزاء من ديار الإسلام مثل مصر وسوريا والعراق وفارس وأرمينيا والهند وغيرها. والشادوف هو اختراع فرعونى أخذه اليونان آلة بسيطة تتألف من عارضة خشبية ترتكز على محور ارتكاز مرتفع مثبت بدوره على قائمين من الخشب أو من الحجارة حول مصدر الماء (البئر) ويثبت بالطرف القصير من العارضة الخشبية ثقل مناسب عبارة عن كتلة حجرية أو طين جاف، أما الطرف الطويل من تلك العارضة الخشبية فيتدلى منه حبل طويل فى نهايته دلو من الجلد. ويستخدم الشادوف لرفع المياه من حفرة مناسبة أو من المجارى المائية ويديره فلاح واحد بأن يشد الحبل إلى أسفل حتى يغمر الدلو فى الماء ثم يشد الحبل شدة بسيطة إلى أعلى ويقوم الثقل المثبت على الطرف الآخر للعارضة الخشبية برفع الدلو حتى مستوى سطح الأرض فيُفرع الفلاح الدلو فى حوض أو مجرى مناسب، ثم يكرر ما فعله وهكذا. أما الساقية فهى أكثر تعقيدا من الشادوف حيث تتكون من أكثر من 200 قطعة وتتألف من عجلة كبيرة تثبت فى مستوى رأسى على محور أفقى فوق سطح الماء المراد رفعه إلى أعلى، ويثبت فى هذه العجلة عدد من الأسطال ويثبت على الطرف الآخر للمحور الأفقى ترس معشق فى ترس

آخر أفقى مثبت بعارضة التشغيل. أما الطرف الآخر من هذه العارضة فمثبت فى طقم أو عدة حيوان الجر (ثور أو حمار أو جمل أو جاموسة أحيانا) وهو مصدر الطاقة فى هذه الآلة. وعندما يدور حيوان الجر فى مدار دائرى معد لذلك تتحرك التروس والعجلة المثبت بها الماء فتمتلئ تلك السطول بالماء عندما تغمر فى الماء، وبدوران العجلة ترفع هذه الساطل إلى أعلى فينسكب ماؤها فى خزان أو مجرى مائى بعد ذلك، ثم تمتلئ ثانية وهكذا تظل الساقية ترفع الماء من مصدره إلى الحوض طالما ظل حيوان الجر يدور فى مداره. واخترع المسلمون نوعا من السواقى يسمى بالنورة (وقد يخلط الناس بينها وبين الساقية) تعمل بدفع الماء الجارى كما هو الحال فى سواقى الشام فى حماة ودمشق بسوريا وغيرها والتى لازالت تعمل لهذا الغرض حتى الآن. وقد ذكر ذلك النوع من السواقى المؤرخ العربى أحمد بن الطيب فى سنة 271 هـ/ 884 - 885 م. وهى عبارة عن عجلة كبيرة تثبت فى مستوى رأسى على محور أفقى. كما هو الحال فى سواقى الجر) بحيث يلامس طرفها الأسفل سطح الماء المراد رفعه إلى أعلى. ويثبت على محيط عجلة الساقية مجاديف بالإضافة إلى مجموعة من الأسطال أو الأوانى المناسبة. وتتحرك العجلة بسبب اصطدام مجاديفها بتيار الماء الجارى وفى نفس الوقت تمتلئ بالماء عندما تغمر تلك الأسطال فى الماء وترفع تلك الأسطال إلى أعلى مع حركة العجلة بسبب دفع تيار الماء لمجاديفها لتصب فى حوض أو قناة معدة لذلك، وهكذا تظل الساقية تدور وتنقل الماء من أسفل إلى سطح الأرض طالما ظلت مجاديف العجلة ملامسة لسطح الماء الجارى. . واستخدام المسلمون طاقة الماء الجارى فى تشغيل مطاحن لطحن القمح وغيره من الحبوب ولعصر قصب السكر ونشر الأخشاب وتقطيعها، وذلك بنفس فكرة السواقى التى تدور وتعمل بدفع الماء الجارى وتتألف الطاحونة من عجلة كبيرة مثبت على حافتها الخارجية عدد من المجاديف المناسبة ومثبت فوق

سطح الماء الجارى. وتثبيت مجموعة من التروس على المحور الأفقى الذى تدور عليه العجلة لتغير اتجاه الحركة، حيث يمكن تركيب أكثر من مطحن على محور دوران العجلة الرأسية. وكما حول المسلمون إتجاه حركة العجلات من الاتجاه الرأسى إلى الاتجاه الأفقى، فقد تمكنوا أيضا من تحويل الحركة الدورانية إلى حركة ترددية (جيئة وذهابا) وذلك باستخدام مطارق سقاطة. واستخدم المسلمون فى القرن الخامس الهجرى/ الحادى عشر الميلادى سواقى تدور بالدفع العلوى بفعل وزن الماء الساقط من الشلالات، بالإضافة إلى السواقى آنفة الذكر والتى تعمل بدفع تيار الماء الجارى. وفى سواقى الدفع العلوى للماء أو التى تعمل بفعل وزن الماء تثبت العجلة فى مستوى رأسى على محور أفقى. ويسقط تيار الماء من أعلى على مجاديف العجلة فتدور العجلة طالما ظل الماء يسقط على تلك المجاديف. واستخدمت السواقى التى تعمل بفعل وزن الماء فى عدد من الآلات المائية التى اشتهر بها المسلمون فى العصور الوسطى وأهمها الساعات وآلات رفع الماء والنافورات وغيرها. وتتألف هذه السواقى من عجلات مسننة أو ذوات أطراف عديدة ومثبت على كل طرف جاروف خاص، وهى نوع من التوربينات البسيطة. واستخدم ابن الرزاز الجزرى الذى ذاع صيته فى القرن السادس الهجرى (توفى سنة 602 هـ/ 1206 م) ورضوان بن محمد الخراسانى الساعاتى وغيرهما، تلك التوربينات فى صناعة الساعات المائية. واستخدم الجزرى العجلات الجاروفية فى صناعة آلات رفع الماء، ويتألف الجزء الظاهر من هذه الآلة أو الساقية من تمثال لحيوان جر (كالثور أو الحمار) ليوحى بأنه هو مصدر الطاقة المحركة للساقية. أما الطاقة الحقيقية فى الساقية فهى مستمدة من غرفة مغلقة غير ظاهرة وتتألف من عجلة جاروفية مثبت بها ترسان

نظام الرى فى مصر قبل القرن العشرين.

(عجلات مسننات) وهذه العجلات تدير محورا رأسيا يخترق غرفة عليا ثبت عليه ترسان آخران ينقلان الحركة إلى عجلة كبيرة مثبت عليها مجموعة من الاسطال بحيث ترفع الماء فى أثناء دورانها. وكانت هناك سواق من هذا النوع ترفع الماء من نهر يزيد فى دمشق فى القرن السابع الهجرى وحتى منتصف القرن العشرين (1960 م). ويصف الجزرى أربع آلات أخرى لرفع الماء تديرها حيوانات الجر، وتتألف كل آلة من سلسلة من التروس المتصلة مع بعضها. يكون الترسان الأولان منها متصلين بتروس قطاعية (غير منتظمة التسنين فى كل أجزائها). ولم تعرف مثل هذه التروس فى أوربا إلا فى القرن الرابع عشر حينما استخدمها صانع ساعات إيطالى يدعى جيوفانى دى دوندى سنة 1365 م. واخترع المسلمون مضخات ذات مواسير مشقوقة فى مواضع معينة لرفع الماء وتعمل بعدد من التروس المتصلة مع بعضها. نظام الرى فى مصر قبل القرن العشرين. ظلت طرق الرى فى مصر حتى مطلع القرن العشرين كما كانت عليه فى زمن الفراعنة معتمدة على الفيضان السنوى لنهر النيل وغمر الأراضى بالمياه ومصر بالماء والطمى الذى يجدد خصوبة التربة الزراعية وكما كان النيل فى الفيضان الغزير يمنح مصر الخير الوفير إلا أن انخفاضه كان يؤدى إلى الشر وتعم المجاعة البلاد فى للك السنة. ووصف عبد اللطليف البغدادى (المتوفى سنة 629 هـ/ 1213 م) هذه الظاهرة ودور النيل فى الرى والأحوال الزراعية فى مصر والعصور الوسطى، فقال إنه بعد أن يفيض النيل وتغمر مياهه الحقول عددا من الأيام، فإنه يتراجع تاركا الحقول مروية ليبدأ الفلاحون فى حرت الأرض وبذر البذور. ولا تحتاج تلك المحاصيل للرى بعد ذلك حتى حصادها. وإذا زاد ارتفاع الفيضان عن عشرين ذراعا تصبح بعض الأراضى

بركة يغمرها الماء فترة طويلة. وقد يؤثر ذلك على ميعاد بذر التقاوى، أما إذا انخفض الفيضان عن 16 ذراعا وهو الطبيعى فإن كثيرا من الأراضى لا تصلها المياه ويقل المحصول بصفة عامة وقد لا تفى الحبوب باحتياجات الناس طول السنة ومن ثم يشح الغذاء ويعم الغلاء والبلاء. ولم يشعر المصريون قبل القرن العشرين بالأمان قبل أن يصل ارتفاع الماء فى الفيضان إلى 16 ذراعًا، وهو الارتفاع الذى يكفى فيه ماء النيل لرى الأراضى. وكانت أخبار الفيضان تظل محجوبة عن العامة حتى يصل ارتفاع الماء إلى 16 ذراعًا. وربما يعود هذا التقليد إلى عصر الخليفة الفاطمى المعز لدين اللَّه (فى سنة 362 هـ/ 973 م) وقد نهى ذلك الحاكم عن الإعلان عن ارتفاع المستوى الحقيقى للفيضان لأهل القاهرة قبل أن يصل ذلك الارتفاع إلى 16 ذراعًا وكان الهدف من ذلك إبعاد الخوف والقلق عن نفوس المصريين ومنعا لوقوع الأزمات الاقتصادية. وجاء فى خطط المقريزى أنه كان هناك الموكل إليه قياس ارتفاع الفيضان ويدعى بصاحب المقياس الذى كان يذيع الزيادة الحقيقية فى ماء الفيضان بالإصبع وليس بالذراع فان بلغ الارتفاع ستة عشر ذراعا وذلك عادة فى شهر مسرى القبطى يوليو - أغسطس) صاحب المقياس الزيادة للناس فى القاهرة ويكون للسلطان حينئذ حق فرض الخراج على الأرض الزراعية. واهتم المصريون منذ العهود القديمة بتطهير قنوات الرى سنويا وصيانة الجسور والتى تعد بمثابة السدود بالإضافة إلى كونها ممرات وطرق تربط القرى بعضها ببعض ويؤكد النويرى فى نهاية الأرب المقريزى فى الخطط أنه بدون هذه الأعمال تقل الاستفادة من مياه النيل إلى حد كبير. ويشير المقريزى فى خططه إلى أهمية الجسور والقنوات فى ضبط وتنظيم فيضان النيل فى عصر الإسلام وفى العصور السابقة له أيضا وكان

حفر القنوات وصيانة الجسور من أهم اختصاص السلاطين وأصحاب الاقطاعيات فى العصرين الأيوبى والمملوكى. وكان هناك نوعان من الجسور فى مصر العصور الوسطى هى الجسور الكبيرة وتعرف بالجسور السلطانية. أما الجسور الصغيرة فتسمى بالجسور البلدية. وكان للجسور البلدية الدور الرئيسى من توصيل المياه من حقل لآخر. وكان كل مُقطع (بضم الميم وتسكين القاف وفتح الطاء) أو صاحب إقطاعية مسئولا هو وعماله عن صيانة الجسور فى حدود اقطاعيته. وكانت الحكومة المركزية مسئولة عن صيانة الجسور الكبيرة التى تشيد لصالح الولايات والأقاليم وكان أصحاب الاقطاعيات يساعدون السلطان المملوكى فى صيانة تلك الجسور الكبيرة وذلك بمده بالمال والعمال والثيران والمساحى والآلات اللازمة للعمل أما فى العصر الأيوبى والمملوكى فكان السلاطين يختارون الأمراء البارزين والقادرين على صيانة الطرق والجسور. ويروى أن السلطان الملك الكامل الأيوبى كان يرسل كل عام ثلاثة أو أربعة أمراء ومعاونيهم لإقليم الجيزة للإشراف على صيانة الجسور ومراقبة الفيضان وكان السلاطين الأيوبيون يرسلون الموظفين لهذا الغرض إلى كل المقاطعات المصرية. وفى العصر المملوكى كان الموظف المختص برعاية وصيانة الجسور يعرف بكاشف الجسور، ومهمته التفتيش على الجسور وهو موظف كبير يعاونه عدد من المعاونين. وكان المصريون يستعدون لموسم الفيضان بشق القنوات وبناء الجسور وإصلاح التالف منها وإعداد الحقول لاستقبال الفيضان ثم بذر التقاوى بعد انحسار الماء. واستخدم المصريون فى العصر الإسلامى نفس الأدوات والآلات التى كان يستخدمها أسلافهم منذ آلاف السنين. وذكر النويرى والمقريزى أنه فى خلال موسم الفيضان تكون كل الأراضى مغطاة بالمياه وتكون القرى معزولة بعضها عن بعض ولا سبيل للوصول من واحدة إلى أخرى إلا

بربوات صناعية وتلال عالية بواسطة المراكب وأحيانا الجسور فإذا اكتفت الأرض من الماء قام الخولى وشيوخ القرى بقطع الجسور لتصريف المياه إلى مناطق آخرى من خلال فتحات مناسبة (قناطر) فى الجسور ويذكر النويرى والمقريزى والمسعودى وناصر خسرو والقزوينى أن المياه تظل تغمر الأرض أربعين يوما حتى إذا انحسرت بعدها قام المزارعون ببذر التقاوى وفلاحة الأرض. وكانت المحاصيل المنزرعة بعد موسم الفيضان لا تحتاج إلى رى حتى يتم حصادها وأطلق المصريون على طريقة الرى هذه اسم الرى بالسَّيْح كما يقول النابلسى وأن سماه المقريزى الزرع مع الراحة ولا يزال هذا الاسم الأخير مستخدما حتى اليوم فى مصر الوسطى ويعنى أن الأرض تروى بدون استخدام وسائل صناعية كالساقية والشادوف. . . الخ والمحاصيل المنزرعة بعد موسم الفيضان تدعى بالمحاصيل الشتوية وهى المحاصيل التى يبدأ الفلاحون فى زراعتها فى شهر برمهات القبطى (فبراير - مارس). وهى فى غير حاجة للرى بعد ذلك، ويذكر المخزومى أن المحاصيل الشتوية هى القمح والشعير والفول والعدس والبرسيم والكتان والجُلبان ويضيف المقريزى إلى هذه الأنواع الحمص والقرط والبصل والثوم والترمس، أما المحاصيل الصيفية فهى الفقوس والبطيخ واللوبيا والسمسم والقطن وقصب السكر والقلقاس والباذجان والنيلة والفجل واللفت والكرنب والخس. وكانت المحاصيل الصيفية تروى بالطرق التقليدية التى ألفها الفلاح المصرى منذ آلاف السنين ولا يزال يستعملها حتى اليوم وهى نقل المياه على ظهور الدواب لرى الزراعات الصغيرة، أما الزراعات الكبيرة فيسقيها الفلاح المصرى فى العصر الوسيط بوسائل ميكانيكية بسيطة هى النطالة والدالية الساقية بالإضافة إلى رفع الماء من الآبار يدويا باستخدام الحبال والسطل (الدلو) المصنوع من الجلد. . . ولا تزال الطريقة الأخيرة متبعة هى

مصر وفى كثير من الدول الافريقية حيث يقف رجلان وجها لوجه على حافة بئر ويمسكان بحبلين مربوط بهما دلو كبير من الجلد ويلقى الفلاحان الدلو فى البئر فيمتلئ الماء ثم يقومان بسحبه إلى السطح وفراغ الماء فى حوض أو قناة معدة لذلك وقد يقوم بهذا العمل فلاح واحد. أما الدالية أو الشادوف فكان منذ أيام الفراعنة وفى العراق الوسيط وغيرها من البلاد وهو يتألف من عمود خشبى طوله خمس أقدام يرتكز على عمود خشبى أفقى، يرتكز هو الآخر على حاملين رأسيين متقابلين مصنوعين من الأخشاب أو جذوع النخل أو الحجارة. ويثبت فى نهاية العمود الخشبى حجر مناسب أو كتلة من الطين الجاف ويعتبر ذلك الجزء بمثابة الذراع القصيرة للرافعة. ويتدلى من نهاية الطرف الأطول للعمود الخشبى (الذراع الطويلة للرافعة) حبل مثبت فى نهايته دلو من الجلد. ويكون طول الحبل مناسبا لعمق الماء المراد الغرف منه أو رفعه لرى الأرض. ويقف الفلاح على منصة يقيمها بجوار العمودين الرأسيين، ثم يسحب الحبل إلى أسفل حتى يصل الدلو إلى سطح الماء (فى البئر أو شاطئ النهر. . . الخ) ويغوص فيه ويمتلئ بالماء، وبدفعة بسيطة من يد الفلاح للحبل إلى أعلى يرتفع الدلو بواسطة الثقل المثبت من الطرف الآخر من العمود الخشبى، حتى يصل الدلو إلى مستوى سطح الأرض وعندها يقوم الفلاح بإفراغ الدلو فى الحوض أو القناة المعدة لذلك، ويعاود إنزال الدلو إلى الماء فى البئر مرة أخرى وهكذا دواليك. والطنبور اختراع قديم ينسب فى كتب تاريخ العلم إلى الرياضى اليونانى أرشميدس 287 - 212 ق. م -الذى تعلم ودرس فى جامعة الاسكندرية القديمة ويتكون من اسطوانة خشبية طولها نحو 6 - 9 أقدام ومغلفة من الخارج بالصاج. وبداخلها بريمة (حلزونية) مصنوعة من الخشب ترتكز على محور من الحديد طرفه العلوى معقوف ويستخدم كذراع تدوير

(تشغيل) أما الطرف الأسفل للبريمة والمحور فيلتف حول وتد أو ركازة تغمر تحت سطح الماء. ويقوم فلاح أو اثنان بتشغيل الطنبور بأن يجلسا متقابلين عند الطرف العلوى للطنبور على سطح الأرض. ويحركان ذراع التدوير حركة دائرية فينتقل الماء من أسفل إلى أعلى عبر لفات الحلزون (البريمة) ويصب فى قناة رى معدة لذلك عند الطرف العلوى للطنبور. ولا يزال الطنبور مستخدما حتى اليوم لرى الزراعات الصغيرة فى مصر. أما الساقية فهى أكثر تلك الآلات شهرة، ويمكن من خلالها رى مساحات كبيرة من الأرض. وروى المقدسى (القرن الرابع الهجرى، العاشر الميلادى) فى كتابه "أحسن التقاسيم" أنه كانت هناك سواق عديدة فى مصر مقامة على ضفاف النيل لرى الزراعات فى أوقات التحاريق (انخفاض مياه النيل). وذكر ناصر خسرو فى كتابه "السفرنامه" بعد المقدسى بنحو قرن من الزمان أن السواقى كانت واسعة الانتشار فى الديار المصرية بصورة يصعب حصر أعدادها. وتسمى السواقى أيضا الدواليب وهى كلمة فارسية معناها الساقية. وتعرف فى الشام بالناعورة. وروى النويرى فى كتابه "نهاية الأرب" أنه فى العصر المملوكى حفرت الآبار بكثرة للحصول على المياه الجوفية وكانت تثبت على كل بئر ساقية. كانت النواعير تدور بدفع الماء الجارى، أما السواقى فتديرها حيوانات الجر كالثيران. وذكر المقريزى أن كل ساقية (محله) كانت مخصصة لرى ثمانية أفدنة مزروعة بقصب السكر، ويعمل عليها ثمانية رجال. وتقام الساقية بالقرب من النيل، فإذا أقيمت بعيدا عن النيل فوق مصدر ماء عميق (بئر) وبعيد عن شاطئ النيل، فإنها تكفى فقط لزراعة أربعة أو ستة أفدنة.

وتتكون الساقية فى مصر العصور الوسطى من عجلة أفقية تدور فى عكس اتجاه عقارب الساعة بواسطة ثور أو اثنين. وتعشق أسنان (تروس) هذه العجلة الأفقية فى أسنان العجلة الرأسية. ويثبت على العجلة الرأسية عدد من القواديس المصنوعة من الفخار. وعند دوران العجلة الرأسية تغمر القواديس فى قناة الرى بصورة تلقائية فى أثناء رحلتها الدائرية. ويكون دور الفلاح أو ابنه هو حث الحيوان على الحركة فى مداره الدائرى وملاحظة جريان الماء فى قناة الرى الممتدة من الساقية حتى الحقل المراد ريه. أما "التابوت" فالظاهر أنه من ابتداع "ارخميدس" [أرشميدس] الاغريقى أثناء دراسته بمصر وقد ظل التابوت مستعملا فى مصر لاسيما عند انخفاض مستوى الماء، وظل المصريون يزرعون الأرض بالمحاصيل المختلفة التى تكفى السكان بهذا الأسلوب البسيط فى الرى آلاف السنين. أما عن نظام الرى فى العراق فإن العراق تكون من سهل منبسط يجرى فيه نهران عظيمان هما دجلة والفرات. ويجرى الفرات فى مستوى أعلى من نهر دجلة، ومن ثم فإن القنوات التى تصل بين الاثنين كانت تميل بزاوية حادة. وقد تحولت مناطق واسعة من البقاع الواقعة بين النهرين إلى مستنقعات وأحراج من قديم الزمان. وكان نهرا دجلة والفرات والقنوات التى تجرى بينهما من أهم وسائل الاتصال. وكان المواطنون مسئولين عن صيانة القنوات الصغيرة. واتبعوا أعرافا وتقاليد معينة فى طرق الرى وخاصة ما يتعلق بتقسيم المياه التى تصرف لرى الزراعات على جوانب الأنهار والقنوات وكان يتم ذلك تحت إشراف موظفين معينين لهذا الغرض. واستخدم سكان حوض الرافدين (العراق) السواقى والشواديف والغراقات لرفع الماء المزروعات. أما عن نظام الرى فى إيران فقد توقفت الكثافة السكانية وتوزيعها ونمو وإنشاء المستوطنات والمجتمعات الزراعية فى إيران على كمية المياه المتاحة عبر التاريخ.

وتتركز الأمطار، وهى قليلة وموسمية، فى أطراف إيران وكذلك الأنهار الكبيرة الدائمة الجريان. وتقل الأمطار التى تسقط خلال الفترة الممتدة بين أكتوبر ومايو، من الشمال إلى الجنوب، ومن الغرب إلى الشرق، غير أن أمطارا غزيرة تسقط على المرتفعات مثل جبال البورز وزاجروس. وحول ضفاف بحر قزوين والأجزاء الشمالية من جبال البورز يصل إلى 1800 ملليمتر سنويا، ويقل عن 500 ملليمتر سنويا عند جبال صافيد رود وشرقى بحر قزوين، بينما يصل معدل المطر إلى 800 ملليمتر سنويا فوق قمم جبال زاجروس وسفوحها الغربية، ويصل ما بين 250 و 400 ملليمتر سنويا فى المرتفعات الشمالية العربية، ولكنها تقل عن 100 ملليمتر فى وسط إيران بصفة عامة. وتوجد مصادر مياه كبيرة نسبيا فى بعض المواقع المعزولة قرب حدودها، كما توجد مصادر أقل، وفصلية، فى شمال وغرب الإقليم. كما توجد بعض الأنهار الكبيرة مثل نهر قارون والكرخا والتى تصب فى الخليج الفارسى، وفى الجنوب يوجد نهرا "ماند" و"شور" واللذان يصبان فى الخليج الفارسى وخليج عمان على التوالى. كما توجد بعض الأنهار الصغيرة التى تصب فى بحر قزوين. كما توجد بعض المجارى المائية الصغيرة فى وسط إيران والتى تصب فى الأحواض المغلقة وبعض البحيرات فى وسط الإقليم ومعظم المجارى المائية فى المنطقة الوسطى قليلة الماء. ولكثير من المجارى المائية الجبلية مسارات منحدرة شديدة التعريج، وتنفذ مياه تلك الجداول بسرعة بسبب البخر والنشع واستغلالها فى الزراعة. وكانت مياه تلك الجداول تشكل مصدرا هاما للزراعة والرى فى الزمن الماضى، وساعد على نمو وازدهار الحضارات فى أحواضها سواء فى العصر الإسلامى أو فيما قبله. وتستقبل بعض الأحواض (القيعان) الصغيرة فى المناطق الجافة فى وسط إيران وجنوب شرقها، المياه الراشحة من سفوح الجبال التى تجرى فيها

الجداول المائية الصغيرة فى المواسم الممطرة. ودأب سكان تلك المناطق على استغلال تلك المياه من خلال حفر القنوات والتى اشتهرت بها الحضارة الإيرانية وكانت من أهم إنجازاتها وإضافاتها إلى علم الهيدروليكا بصفة عامة. وتحقر هذه القنوات من عند سفوح الجبال وتنحدر إلى أسفل نحو القيعان والمناطق المعدة للزراعة حتى تظهر على سطح الأرض وتصب فى شبكة من القنوات السطحية. وهناك علاقة بين توزيع المستوطنات البشرية ومصادر المياه. فحينما تكون تلك المصادر محدودة، فإن المستوطنات تكون متجاورة ومتلاصقة فإذا كانت المياه وفيرة بنيت المستوطنات والمجتمعات العمرانية على مسافات بعيدة عن بعضها البعض. وفى معظم الحالات تتركر المجتمعات السكنية على ضفاف الأنهار وحول العيون ومخارج القنوات، وبالطبع تكثر الزراعة حول تلك المناطق لتوفير الماء اللازم للرى. . .، وكانت هناك مناطق واسعة تزرع بصفة غير دورية وذلك بسبب عدم انتظام سقوط الأمطار فيها. وأقام الإيرانيون القرى على سفوح الجبال فى المناطق الجبلية وتركت بطون الوديان لجريان الماء والزراعة أيضا. وحفر الإيرانيون القنوات منذ عهد الدولة الأخمينية تحت السطح قنوات تسمى باسم كارز Kariz تحت السطح وتسير فى انفاق النفق أو القناة ثم إلى مخرج سطحى وعرف الإيرانيون نظام الصرف المنتظم للأراضى الزراعية ويدل تطور نظم الرى الصناعية ونظم الصرف على وجود إدارة مركزية دقيقة التنظيم، وعلى استقرار سياسى وسبب تعاقب الأسرات الحاكمة والصراعات السياسية على تقدم وازدهار طرق الرى والزراعة بصفة عامة. وفى زمن الدولة الساسانية استغلت مياه الأنهار الكبيرة استغلالًا منظمًا وأقيم العديد من الخزانات والسدود والقنوات واستخدمت مياهها فى رى وزراعة الحبوب وقصب السكر والأرز ثم تدهورت طرق الرى والزراعة فى

النصف قرن الأخير من الحكم الساسانى. وظلت على هذا الحال إبان عصر الخلفاء الراشدين والعصر الأموى وتدهورت الزراعة أيضا فى العصر العباسى بسبب زيادة ملوحة التربة وقلويتها الخ. وأدى عدم الاهتمام بالرى وطرق الصرف إلى قلة الإنتاج الزراعى وانتشار المستنقعات والملاريا وبالتالى هجر السكان تلك المناطق. وقد أقام الإيرانيون العديد من السدود الكبيرة فى خوزستان أبان العصر الساسانى وظلت هذه السدود قائمة عصورا عديدة وكانت محل رعاية الحكام فى كل العصور التالية ويصل طول بعض السدود إلى 1700 م قدم سد شوستار الذى أقيم على نهر قارون. وقد شيده الأسرى الرومان الذين أسرهم سابور الأول فى حربة مع فاليريان الرومانى فى سنة 260 م. وهو يتألف من قطع حجرية مخلوطة بملاطة هيدروليكية (تتصلب تحت الماء) وتتكون واجهة السد من أحجار ضخمة مثبتة مع بعضها البعض بمشابك من الحديد، وصب عليها الرصاص المصهور ثم ملاطة هيدرولكية. وكان فى جسم السد عدد من بوابات التحكم لصرف المياه فى حالة وقوع فيضانات غير عادية. واستغرق إنشاء هذا السد ثلاثة أعوام، وخلال العمل فى بناء السد تم تحويل مجرى الماء (فى نهر قارون) إلى قناتين جانبيتين وبعد الانتهاء من بناء جسم السد، أقاموا سدا آخر فى إحدى قناتى التحويل يعرف باسم سد قيصر. وقد تعرض سد شوستار للتدمير بفعل الفيضانات العالية مرات عديدة وخاصة فى القرن التاسع عشر، وقام بترميم وإصلاح السد محمد على ميرزا حينما كان يحكم إقليم كيرمان شاه فى بداية القرن التاسع عشر وحينما زار كورزون منطقة شوستار فى سنة 1889 م شاهد فجوة يزيد عرضها عن 70 ياردة فى وسط جسم السد وقد أحدثتها سيول وفيضانات سنة 1885 م. وفشلت محاولات عربستان فى إصلاح وسد هذه الفجوة. ويبلغ طول سد ديزفول 1250 قدما، وهو صورة طبق الأصل من سد

شوستار. وحينما زار كورزون هذا السد كان قد تهدم. وقد أنشأت عدد من السدود الصغيرة بالحجارة والأخشاب وهى سدود موسمية كان يجدد بنائها عقب كل فيضان. . وقد أنشأ الساسانيون العديد من السدود والخزانات على مجارى الأنهار. وعلى الرغم من وفرة السدود الصغيرة إلا أن دورها فى تنظيم الرى كان محدودا بالمقارنة مع دور القنوات التى اشتهرت بها الحضارة الإيرانية. ومن أشهر تلك السدود ما أقيم على نهر كور فى منطقة كوربال. وقد جدد بناء سد كور فى منطقة كوربال وقد جدد بناء سد كور عضد الدولة البويهى فى سنة 349 هـ/ 960 م. حيث استقدم المهندسين والمعماريين لبناء السد الذى أنفق عليه أموالا طائلة ويتألف هذا السد من أحجار وملاطة هيدروليكية (تتصلب تحت الماء). وقد دعم جسم السد بقضبان من الحديد وصب عليه الرصاص المصهور. وعبدت ضفاف مجرى نهر كور فى أعلى السد وأسفله بالحجارة بطول عدة أميال. وبلغ طول قناة الرى فى هذا السد نحو عشرة أميال وكانت تمد أكثر من 300 قرية بالماء. وقد أقيمت عشرة مطاحن مائية عملاقة لطحن الحبوب بالقرب من سد كور. وروى المقدسى، فى أحسن التقاسيم أن الفارسين يمكنهما أن يعبرا جنبا إلى جنب فوق قمة أى من هذه المطاحن. وقام المسلمون بصيانة وتجديد العديد من السدود القديمة المقامة على الأنهار فى شرقى إيران وأقاموا سدودا جديدة أيضا فى تلك المناطق، وخاصة فى العصر العباسى. وقد دمر تيمور لنك معظم السدود والطواحين المائية ومشروعات الرى فى إيران فى سنة 785 هـ/ 1383 م. وتحولت بعد ذلك كثير من المناطق الزراعية حول نهر هيرماند إلى مستنقعات وأحراج. ويقوم على نهر مغاب فى خوراسان عدد من السدود والتى ساعدت على رى مساحات كبيرة من أراضى هذا الإقليم

الآبار وآلات رفع الماء

وفى العصر السلجوقى زاد عدد السدود ومشاريع الرى على نهر مغاب لكن دمر المغول كل هذه المشاريع أثناء غزواتهم وتحولت بساتين مرو الجميلة إلى أحراج ومستنقعات، وتم إعادة أو بناء العديد من السدود فى هذه المنطقة تحت حكم الايلخانات وكان من أهم إنجازات هذا العصر هو بناء السدود المقنطرة (ذات القناطر) وأشهرها سد كيفار الذى يقع إلى الجنوب من قمم بنحو 15 ميلا. ولجسم السد نواة من الحجارة والملاطة الهيدروليكية التى تتكون من الجير ورماد النباتات الصحراوية والتى تتصلب تحت الماء وتصبح شديدة الصلابة وعالية المتانة وتجعل جسم السد منيعا ولا يسمح بتسرب المياه وللسد مجموعة من الفتحات الرأسية المتصلة بالأنفاق التى تمر عبرها المياه. وهناك سدان آخران من ذوى القناطر أقيما بالقرب من تاباس، وشاه عباس. وقد تم إصلاحهما فى العصر الصفوى تحت حكم شاه عباس الثانى بالإضافة إلى سد كوريت جنوب تاباس ويبلغ ارتفاع سد كوريت نحو 120 قدما. واهتم الحكام الصفويون بتجديد وصيانة العديد من السدود القديمة ومشاريع الرى الملحقة بها إبان حكمهم. الآبار وآلات رفع الماء: استخدم سكان إيوان منذ زمن مبكر وسائل متعددة لرفع الماء من الأنهار والآبار، وكانت هذه الوسائل يدوية أو تديرها الحيوانات، وخاصة فى أقليم خوزستان وساحل الخليج الفارسى وفارس بالقرب من أصفهان. وكانت الدواليب من أشهر وسائل رفع الماء من الآبار والأنهار وهى آلات تديرها العجول والبغال وأحيانا الجاموس، وتستخدم فيها الحبال والبكرات والقواديس المصنوعة من الجلد. وشيدت الخزانات والأحواض بالحجارة والطوب لحفظ الماء فى المناطق الصحراوية ذات الأمطار الموسمية كما شيدت تلك الخزانات فى

نهاية القنوات. ووصل بعض هذه الخزانات إلى 100 ذراع طولًا و 50 ذراعًا عرض وكان الرى يتم إما بالغمر فى حالة بعض المحاصيل أو الرى على فترات متقطعة. وكانت المياه توزع على المزارعين بالعدل بحيث لا يجور أحد على حق غيره. ويتم توزيع مياه السدود بين القرى المتجاورة من خلال قناطر معدة لهذا الغرض بحيث تحصل كل قرية على احتياجاتها من الماء دون أن يضار غيرها وذلك تبعا للشريعة الإسلامية التى تقضى بأن الماء حق للناس أجمعين كما ورد فى الحديث الشريف ومعناه أن الناس شركاء فى الماء والنار والكلأ. وعلى هذا الأساس فإن مياه الأنهار والقنوات والآبار متاحة لكل الناس حتى لو كانت مصادر المياه هذه موجودة فى أراض مملوكة لأفراد معينين. وكان كل شخص يمكن أن يشرب ويسقى حيواناته بشرط ألا يستهلك كل الماء ويترك غيره بدون ماء. وترى الشريعة الإسلامية أن قوانين المياه تدخل فى عداد المعاملات وليس فى عداد "العبادات" وتقوم على "العُرف" وفى الحديث أن المسلمين شركاء فى الماء والنار والعشب، كما أن الماء "مباح" للجميع إلا ما كان منه داخل الدور فى الأوعية، وعلى كل من يملك مصدرا للماء فى أرضه أن يقدم هذا الماء لمن يطلبه بدون مقابل كلما أمكن ذلك ما دام للشرب وسقى الحيوانات وليس للزراعة ولا يجوز لصاحب هذا الماء بيعه بدون إذن من الحكومة. إذ كان من حق كل إنسان أن يشرب من الماء ويسقى حيواناته فى أى موقع فى دار الإسلام. وحسب فقه السنة فإن مياه الأنهار الكبيرة فى دار الإسلام هى ملك لكل المسلمين. ويرى فقهاء الشيعة أن تلك المياه هى ملك للإمام. ومن حق كل إنسان أن يستخدم مياه الأنهار فى الرى شريطة ألا يضر غيره. ومن حق كل فرد أن يشق قناة من النهر لرى زراعاته بشرط ألا يضر بغيره من المنتفعين بمياه ذلك النهر فالناس فى حق المياه سواء.

وإذا تعذر استخدام مياه النهر فى الرى بدون إقامة سدود فإن الأراضى العالية فى رأى كل من أئمة السنة والشيعة، تكون لها الأولوية فى السقاية بالنسبة إلى الأراضى الواطئة الواقعة قرب مصبه. أما أتباع الإمام أبى حنيفة فيرون أن الأراضى المنخفضة أولا ثم من بعدها الأراضى العالية. ويرى أتباع الإمام مالك أن الأراضى العالية (الواقعة على مستوى ماء النهر) لها أولوية الرى والسقاية فإذا كان هناك خطر يهدد المحاصيل والزراعات فى الأراضى المنخفضة كان لتلك الأراضى أولوية السقاية قبل الأراضى العالية. وتتوقف كمية المياه التى تصرف لرى الزراعات على نوع تلك الزراعات وحاجتها للماء وطبيعة الأراضى ووقت بذر التقاوى وطبيعة فيضان الماء فى النهر بمعنى هل هو فيضان دائم أم متقطع. . وإذا حفرت جماعة من الناس قناة فإن مياه تلك القناة تكون من حق كل أفراد هذه الجماعة، ولا يجوز لغيرهم استخدام مياه تلك القناة فى الرى بدون موافقة أصحابها. وتتطلب إقامة مطاحن أو كبارى على المجارى المائية موافقة المنتفعين بمياه تلك المجارى المائية، فإذا أقيمت طاحونة فوق مجرى مائى بطريقة قانونية فليس من حق صاحب المجرى المائى منع الماء عن التدفق فى المجرى بدون موافقة صاحب المطحنة. ولصاحب البئر أو حوض الماء حق استخدام مائه، وليس لغيره حق استخدام ذلك الماء إلا فى الشرب، ويقتصر استخدام مياه عين الماء على صاحب الأرض التى تنبع فيها تلك العيون. ولا يوجد إجماع بين الفقهاء حول ملكية عيون الماء والآبار التى تحفر فى الأراضى الميتة والمراد استصلاحها، فبينما يرى البعض أن تلك العيون والآبار تكون من حق أصحاب الأراضى المستصلحة، يرى أخرون عكس ذلك، وهو أن حافرى هذه الآبار لا يملكونها ولكن من حقهم استخدام مياهها فقط

فى أغراضهم الخاصة (الشرب والرى. . .) ويوافق معظم علماء الشريعة على نقل ملكية حق استخدام المياه ومصادرها من صاحبها إذا كانت فى أملاكه الخاصة غير أن نقل هذا الحق قد يوزع مصدر الماء على عدد كبير من الملاك بعد ذلك، ومن ثم كان أصحاب مثل هذه المصادر (قنوات، عيون ماء، آبار، جداول. . . الخ) يوقفونها لأعمال الخير، ومثال ذلك منطقة "يزد" والتى توجد فيها بعض القنوات، والتى تحولت إلى "وقف خيرى" وحال ذلك دون تقسيمها بين العديد من الملاك. . واهتم المسلمون بإحياء الموات (أى الأراضى الميتة) وذلك باستصلاحها وحفر الآبار والعيون وقنوات الرى فيها أو بصرف الماء الزائد فيها من خلال حفر قنوات صرف. وأجازت الشريعة حق تملك الآبار والعيون التى تحفر فى الأراضى الميتة لغرض استصلاحها وزراعتها. وعرف الإيرانيون منذ العصور السابقة للعصر الإسلامى نظام المشاركة فى زراعة الأرض والذى يعرف باسم المزارعة. وتفاوتت الضرائب التى يدفعها المزارعون عن محاصيلهم وزراعاتهم بحسب أسلوب الرى المتبع فى رى تلك الزراعات. ففى حالة الأراضى التى تروى ريا شاقا، بحمل الماء وجلبه من مناطق بعيدة أو برفعه من مصادره بوسائل رفع. . . الخ فإن أصحاب هذه الزراعات يدفعون ضريبة قليلة هى نصف العُشر (عُشر الإنتاج). فإذا رويت الزراعات ريا مريحا من مياه الأنهار أو القنوات أو مياه الأمطار وجب على أصحاب تلك الزراعات دفع عشر الانتاج كضريبة للدولة. وكانت صيانة الأنهار ومصادر المياه الكبيرة من واجبات الحكومة وتنفق عليها من الميزانية العامة، أما صيانة مصادر المياه الصغيرة فكانت من واجبات أصحابها ومالكيها. وكانت مياه الشرب فى المدن الكبيرة تخضع لإدارة شخص يدعى المحتسب ومعاونوه

الرى فى شمال إفريقيا والأندلس.

وعليه صيانة هذه المصادر والحفاظ عليها. الرى فى شمال إفريقيا والأندلس. ترك المسلمون بصمات واضحة على أسلوب الرى وآلاته ومنشآته وفلاحة الأرض فى الأندلس مما جعل من تلك البلاد إبان الحكم العربى جنة الدنيا. وحفر المسلمون الآبار والقنوات لنقل المياه إلى مناطق بعيدة، وهى مجار مائية فوق قناطر ومن أشهرها تلك التى كانت توصل المياه إلى المسجد الجامع بقرطبة أشهر وأعظم أثر إسلامى فى الأندلس وأدخل المسلمون نظام قنوات الرى الإيرانية إلى أسبانيا والمغرب والجزائر، وقبرص وجزر الكنارى، ثم انتقل هذا الفن بعد ذلك على يد الأسبان إلى المكسيك وشيلى فى أمريكا الجنوبية. وفى الجزائر والمغرب وتونس وبنى المسلمون السواقى وحفروا قنوات الرى لتوصيل المياه إلى القرى والمدن فى كل تلك البلاد. وقام المسلمون قنوات رى مفتوحة فى القيروان بتونس، وذلك خلال القرون السابقة لغزو بنى هلال فى منتصف القرن الخامس الهجرى الحادى عشر الميلادى. وتخصصت طائفة من الناس فى نقل ماء الشرب إلى البيوت فى كل دول شمال إفريقيا وعرفوا بالسقائين. وكانوا ينقلون الماء فى قرب (المفرد قربة أو زق) مصنوعة من الجلد تحمل على ظهور الرحال أو الدواب. الرى فى الامبراطورية العثمانية اتبع العثمانيون القوانين الإسلامية الخاصة بمياه الرى. . . إلخ وذلك حسب المذهب الحنفى من حيث إشتراك المسلمين جميعا على قدم المساواة فى الماء والنار والكلأ. وأن لكل إنسان "الحق فى الشرب" وسقى مواشيه ورى زراعاته من مصادر المياه على ألا يضار أحد من جراء ذلك. وكانت هناك مصادر مياه عامة مثل الأنهار الكبيرة والعيون والآبار، وأخرى خاصة يمتلكها أصحاب الأراضى التى توجد فيها هذه المصادر. وكان من حق المسلم أن يحفر الآبار ويشق القنوات لإحياء الأرض الميتة. وكان العثمانيون يعترفون بملكية أو

حيازة الأراضى البور لمن يقوم باستصلاحها. وكانوا يشجعون الناس على هذا العمل لزيادة الرقعة الزراعية وتعمير الأرض وزيادة الحاصلات الزراعية. وكانت مصادر المياه فى الأراضى المستصلحة من حق مستصلح تلك الأراضى. ولا يستطيع أحد استخدام مياه الآبار والقنوات الخاصة بغيره من غير إذن مالكها أما فى حالة مصادر المياه المشتركة كالجداول والقنوات فكانت صيانته والحفاظ عليها من واجب أصحابها. ولا يستطيع أحد أن يشق قناة لتحويل المياه من المصادر المشتركة أو بناء طاحونة أو يغير من اتجاه جريان الماء. .، إلخ بدون موافقة شركائه فى تلك المصادر. وتقسيم المياه بين الشركاء بنسبة مساحة الأرض المنزرعة لكل شريك ولا يستطيع أحد أن يبنى سدا عند منبع النهر حتى لا تضار الأراضى الواطئة عند مصب ذلك النهر. فإذا كانت هناك ضرورة لإقامة السد فإن المياه كانت تقسم بالقسطاس المستقيم على الأراضى المرتفعة (عند المنبع) والأراضى المنخفضة (عند المصب). وإذا كانت هناك مياه جارية تخترق أرض أحد ما فإنه ليس من حقه أن يمنع جريان الماء إلى غيره من ملاك الأراضى. . . وكان مباحا أن يبيع شخص ما الماء لغيره لغرض الرى على ألا يبالغ فى ثمن هذا الماء. وكانت الدولة تمنع المضاربة والمغالاة فى أسعار المياه فى هذه الحالات. وكان ذلك ضمن القانون العثمانى العام الذى ينظم استخدام المياه للأغراض المختلفة. ولم تشترك الدولة مباشرة فى تملك مصادر المياه الكبيرة أو مشاريع استصلاح الأراضى الميتة، ولكنها كانت تشرف على إمدادات المدن الكبيرة بمياه الشرب. وزراعات الأرز الواسعة. وكانت مصادر المياه الخاصة بذلك من ضمن الأوقاف العامة التى يوقفها بعض الأثرياء لهدا الغرض. وكان إنشاء مشاريع مياه الشرب فى المدن الكبيرة مثل استانبول ومكة وغيرهما من اختصاص ناظر يعين لهذا العمل. واهتم العثمانيون بمشروعات رى زراعات الأرز نظرا لزيادة استهلاكة فى

الرى فى الهند الإسلامية قبل القرن العشرين.

الامبراطورية، ولحاجة تلك الزراعات إلى كميات كبيرة من المياه. وكانت الحكومة توزع المياه بالعدل على مزارع الأرز التى انتشرت فى زراعته فى الأناضول والبلقان. وكانت هناك مزارع حكومية وأخرى خاصة يمتلكها الأفراد. ومع ظهور طبقة الأعيان فى القرن الثامن عشر انتشرت مشروعات استصلاح الأراضى البور وزراعتها. وأنشأ العثمانيون مجلسا للشئون الزراعية والصناعية فى سنة 1245 هـ/ 1838 م كانت مهمته تطوير الزراعة وأساليب الرى والنهوض بهما فى مختلف أرجاء الدولة واهتمت الامبراطورية العثمانية بزراعة القطن، وذلك لسد حاجة المصانع الأوروبية بعد أن توقفت واردات القطن من أمريكا أثناء الحرب الأهلية. وتركزت زراعة القطن فى سواحل بحر أيجه ومقدونيا وكان ذلك على حساب زراعات الأرز. واستخدم سكان الأناضول الدواليب لرفع الماء، وحفروا القنوات وبنوا السدود الصغيرة لتنظيم مشاريع الرى. واتبع العثمانيون أسلوبا محكما ودقيقا فى توفير مياه الشرب لسكان المدن الكبيرة وخاصة إستانبول والقدس ومكة. وكانت تكاليف تلك المشاريع تأتى من الأوقاف الفردية أو الجماعية. وكانت الأوقاف الحكومية تختص بشئون المياه اللازمة للمساجد والقصور. وكانت تخضع لرقابة صارمة من قبل موظفين خصوصين لذلك العمل وبالإضافة إلى تلك المشاريع كان هناك السقاءون الذين يبيعون المياه الذى يحملونه فى القرب سواء على ظهورهم أو على ظهور الدواب. واهتم العثمانيون بتوصيل مياه الشرب لسكان مكة وتطوير وسائل نقل وحفظ الماء فى هذه المدينة المقدسة، والتى كان قد نفذها العباسيون قبل ذلك. الرى فى الهند الإسلامية قبل القرن العشرين. أدى قيام سلطنة دلهى فى بداية القرن السابع الهجرى (الثالث عشر الميلادى) إلى تقدم ملحوظ فى طرق ووسائل الرى فى الهند وذلك على يد خبراء فى هذا الفن استقدمهم الحكام المسلمون من وسط آسيا. فقد تم بناء الآبار ذات السواقى على النسق

الإيرانى. وحفرت قوات الرى الكبيرة باستخدام آلات ميكانيكية متقدمة وخبرة هندسية ومعمارية جيدة وذلك من خلال القرنين السابع والثامن الهجريين/ (الثالث عشر والرابع عشر الميلاديين). وقام الأتراك بتقسيم المياه فى مناطق دلتا البنغال الواسعة وشيدوا الحواجز الكبيرة وأنشأوا الطرقات وأقاموا الخزانات واستصلحوا بهذه الأعمال مناطق واسعة من أراضى البنغال الواطئة. ويقول الجوزجانى إنه بفضل الحواجز التى أنشأها الحكام المسلمون أصبح من اليسير أن يتنقل الناس ومواشيهم فى تلك المناطق خلال الفصول الممطرة. ولم يكن ذلك ميسورا من قبل وبفضل تلك الحواجز أمكن التحكم فى المياه الكثيرة والاستفادة منها وتحويلها إلى حقول الأرز الواسعة. وأنشأ السلطان شمس الدين التتمش 607 - 633 هـ/ 1211 - 1236 م أول خزان لحفظ الماء خارج العاصمة دهلى وكان يعرف بحوض السلطان أو حوض الشمسى. وهو يمد العاصمة دهلى باحتياجاتها من ماء الشرب وغيره وكان كبير الحجم يبلغ طوله ميلين/ أما عرضه فميل واحد. وذكر شيخ الرحالين العرب ابن بطوطة (725 - 779 هـ = 1325 - 1377 م) أن الفواكه الموسمية والخضروات كانت تزرع على جوانب حوض الشمسى. مما يعنى أن مياهه كانت وفيره ويستخدم جزء منها فى الرى. وكانت هناك ثلاثة مصادر تمد الحوض بالماء هى: 1 - قناة تصله بنهر جامونا، 2 - ينبوع أو عين ماء تدعى عين الشمسى، ثم 3 - مياه الأمطار. واهتم الحكام الذين أتوا بعد شمس الدين بالرى وتوفير مصادر المياه، وأنشأوا عددًا من الخزانات (الأحواض) والبحيرات وقنوات الرى فى منطقة دلهى مثل بحيرة الضابط مسعود بن أحمد خالجى فى سنة 629 هـ (= 1232 م). ومن الذين اهتموا بالرى وتخزين المياه السلطان علاء الدين خالجى عندما آلت إليه مقاليد الأمور فى إقليم دلهى

فى سنة 695 هـ/ 1296 م. وفى تلك الفترة كان حوض الشمسى قد امتلأ بالطين والغرين فأمر علاء الدين بتنظيف ذلك الحوض وإصلاحه وإعادة إعماره وبناء ما تهدم من جدرانه، وأمر بانشاء حوض جديد أكبر من حوض الشمسى خارج العاصمة سيرى القريبة من دهلى. وعرف هذا الحوض باسم الحوض الخاص. وأنشأ السلطان فيروز شاه (752 - 790 هـ/ 1351 - 1388 م) سدًا كبيرًا فى إقليم دهلى لحجز مياه الأمطار. وكان نتيجة إنشاء الخزانات والبحيرات والقنوات أن ارتفع منسوب الماء الجوفى فى المنطقة ومن ثم أصبح الحصول على الماء الجوفى أمرا ميسورا بحفر آبار غير عميقة تستخدم مياهها فى الشرب والرى وغيرهما. وتميز عصر بنى طغلق بالاهتمام بمشروعات الرى والزراعة وتوفير المياه العذبة من خلال الخزانات والبحيرات ليس فى دهلى وحدها ولكن فى كل القرى والمدن المجاورة لها. وقد أنشأت البحيرات الصناعية فى بهار شريف أى ولاية بهار ومنطقة غازى آباد وشهربنور باسم فيروز صغر أو صقر. ولا تزال آثار المنشآت الهندسية المائية الإسلامية الرائعة باقية حتى اليوم لتحكى قصة التاريخ الإسلامى فى الهند ومدى التقدم فى مجال الهندسة المدنية والمعمارية ونجاح السلاطين فى إنشاء مشاريع الرى والبحيرات الجميلة فى الهند المسلمة. وفى القرن التاسع الهجرى/ (الخامس عشر الميلادى) كان حكام الأقاليم والمماليك الهندية التى قامت بعد غزو تيمورلنك للهند فى سنة 800 هـ/ 1398 م هم الذين يقيمون خزانات المياه ومشاريع الرى فى ممالكهم. وفى القرن الثانى عشر الهجرى/ الثامن عشر الميلادى زاد اهتمام أمراء السند بمشروعات الرى وأقاموا صهاريج جديدة وأصلحوا الخزانات والأحواض القديمة وحفرت الآبار واستخدمت السواقى الإيرانية لاستخراج المياه والتى تديرها الحيوانات وشاع إستخدام هذه السواقى بعد ذلك فى شمال الهند.

الوجهة الاقتصادية للرى الحديث

واستخدمت مياه السواقى فى زراعات قصب السكر والأرز وحدائق الفاكهة وغيرها. وفى فترة لاحقة عمَّ استخدام السواقى فى شتى أرجاء الهند، وبخاصة فى البنجاب هذا بالإضافة إلى قنوات الرى والتى ظلت توصل المياه إلى كل القرى والمدن الهندية حتى القرن التاسع عشر حينما بدأ انشاء قنوات حديثة واستبدلت السواقى الإيرانية بالآبار الأنبوبية (المباشرة). الوجهة الاقتصادية للرى الحديث اهتم المسلمون باستخراج المياه واستخدامها فى مشاريع الرى والزراعة فى كل أرجاء العالم الإسلامى وبخاصة فى المناطق الصحراوية فى شمال إفريقيا والجزيرة العربية وإيران ووسط آسيا والهند وحوض البحر الأبيض المتوسط وغيرها ومن ثم زاد الانتاج الزراعى وعم الرخاء فى ديار الإسلام (¬1). وتزداد اليوم أهمية استخدام وتطبيق نظم الرى الحديثة بغرض زيادة المنتجات الزراعية لسد حاجة السكان المتزايد بمعدلات كبيرة فى كل الدول. وقد لاقت تلك الجهود نجاحا فى كثير من المناطق وزادت بالفعل المنتجات الزراعية كما وكيفا بتطبيق وسائل ميكانيكية متطورة فى الرى واستخدام البذور والتقاوى المحسنة العالية الإنتاج وترصد معظم حكومات الدول ميزانيات كبيرة لمشاريع الرى وبخاصة فى مصر والعراق وإيران وغيرها من دول العالم الإسلامى. وكانت مشاريع التحكم فى مياه النيل فى مصر، والتى انتهت ببناء السد العالى فى أسوأن وقد تم الانتهاء من بناءه فى سنة 1970 م، كانت تلك المشاريع بمثابة الجهد الأكبر لتحديث مشاريع الرى وزيادة الرقعة الزراعية ¬

_ (¬1) [صناعة السكر صناعة هندية قديمة وقد نقل المسلمون زراعة قصب السكر وصناعة السكر والذى سماه المسلمون بالملح الهندى -أما ملح الطعام فكان يعرف بالملح الحلو من الهند ونشروهما فى الدولة الإسلامية من سمرقند فى الصين وحتى الأندلس ونقل الأوربيون زراعة قصب السكر إلى أوربا بعد أن عرفوه فى بلاد المسلمين. ونقل كولمبس قصب السكر إلى أمريكا فى رحلته الثانية فى سنة 1493 م]. [المترجم]

وإنتاج الطعام لسد حاجة السكان المتزايدين. وفى العراق كانت مشاريع ضبط مياه نهرى دجلة والفرات والتحكم فيها والاستفادة منها فى زيادة الانتاج الزراعى وتوليد الكهرباء. كانت أيضا مطلبا أساسيا. كما وضعت إيران خططا طموحة لاستغلال المياه فى مشاريع رى متقدمة لزيادة الانتاج الزراعى والطاقة الكهربائية. ولا يمكن إنجاز مشاريع الرى وتحديث الزراعة بالسرعة والكفاءة المطلوبة دائما إلا من خلال التعاون الدولى أو باستعارة الوسائل التكنولوجية المتقدمة من الدول الغنية. فقد أدت محاولات استغلال مياه نهر الفرات فى الرى وتوليد الطاقة الكهربائية منذ الحرب العالمية الثانية، إلى حدوث نزاعات بين تركيا والعراق وسوريا حول تقسيم المياه بين هذه الدول ونصيب كل دولة فى ذلك. وقد انخفض تدفق مياه نهر الفرات إلى العراق خلال عامى 1974، 1975 م إلى مستوى لم يسبق له مثيل من قبل (9.02 مليار متر مكعب فى سنة 9.42.1974 مليار متر مكعب فى عام 1975) وذلك بسبب إقامة خزانات وسدود على هذا النهر فى دول أعلى النهر. وعلى النقيض من ذلك فقد حالت العلاقات الودية بين مصر والسودان من وقوع نزاعات بينهما إبان وبعد إنشاء السد العالى وتخزين المياه فى بحيرة ناصر، وذلك باتفاق مصر والسودان على تقسيم المياه بينهما تقسيما عادلا. وقد نجحت بعض الدول الإسلامية فى توفير قدر مناسب من مياه الرى وزيادة الرقعة الزراعية فيها مثل المملكة العربية السعودية والكويت وذلك بتحلية مياه البحر أو باستخراج المياه الجوفية العميقة كما هو الحال فى الجمهورية الليبية. وفى العصر الحديث أهملت بعض نظم الرى القديمة وأهمها القنوات "التحت سطحية". وحلت محلها الوسائل الميكانيكية لاستخراج المياه

الإبداعات المعمارية والزخرفية فى المنشأت المائية فى الهند الإسلامية.

الجوفية وقد يكون معدل سحب المياه الجوفية من بعض الخزانات الجوفية العميقة فى بعض الأحيان أعلى من عمليات تعويض تلك الخزانات الجوفية مما يؤثر على عمر تلك الخزانات (¬1). وقد يحدث أن تنجح دولة ما فى زيادة الرقعة الزراعية باتباع وسائل رى متقدمة، وفى الوقت نفسه تتعرض فيها مساحات أخرى لزيادة الملوحة والقلوية بسبب عدم تطبيق وسائل صرف مناسبة. أو عدم اتباع سياسة محصولية مناسبة. [كذلك قد تلتهم المبانى مساحات واسعة من الأراضى الزراعية الممتازة كما هو الحال فى مصر]. الإبداعات المعمارية والزخرفية فى المنشأت المائية فى الهند الإسلامية. اعتاد الناس فى المناطق شبه الجافة التى تعتمد على الأمطار الموسمية والتى تقل فيها مصادر المياه الدائمة كالأنهار، على توفير احتياجاتهم من المياه بوسائل صناعية مثل الخزانات والسدود والقنوات. وقد أبدع المسلمون فى بناء وتنفيذ العديد من تلك الوسائل الصناعية لحفظ الماء وتخزينه فى مختلف أرجاء ديار الإسلام. والنموذج الشائع والبسيط من المنشآت المائية هو الحوض أو الصهريج الكبير الذى يقام فى داخل المدن أو خارجها. وتعددت أشكال الأحواض وأحجامها ولكنها كانت فى الغالب ذات جدران قائمه الزوايا. وزودت بعض الأحواض بسلالم لتسهيل الحصول على الماء من الحوض. وقد شيد المسلمون بعض القصور بجوار أحواض الماء أو فى داخلها مثل قصر ومدرسة فيروز شاه، وقصر محمود شاه، وبنوا أيضا المساجد ومقابر الحكام بالقرب من البحيرات وأحواض الماء حيث يكون الهواء منعشا وباردا فى فصل الصيف. ¬

_ (¬1) [كما هو الحال فى الصحراء الغربية بمصر حيث الخزانات فى هذه الصحراء قديمة جدا ومياهها غير متجددة فى معظمها، وأن ما يسحب منها لا يأتى له بديل]. [المترجم]

وزودت بعض البحيرات الصناعية وأحواض الماء الكبيرة بقنوات لتصريف الماء الزائد من طاقة تخزين تلك الأحواض. وقد زينت تلك الأحواض بنقوش بديعة كما هو الحال فى ججرات ودهلى وغيرهما. وبنى بعض الحكام قصورا بديعة فوق ربوات عالية. واستخدمت السواقى لرفع الماء إلى تلك القصور العالية. وكانت السواقى توضع فى مستويات متدرجه بحيث ترفع كل ساقية الماء إلى الساقية التى تعلوها. . وهكذا حتى تصل المياه إلى قمة الربوة المقام عليها البناء. واهتم المسلمون بانشاء الحدائق والبساتين وبخاصة فى عصر المغول، وزرعوا المحاصيل والخضر والفاكهة والأزهار (¬1). وكانت الحدائق مربعة الشكل تجرى فيها قنوات الماء تتخللها خزانات وأحواض جميلة من الرخام. ووصل إنشاء الحدائق إلى قمته فى عصر المغول فى كشمير. واشتهرت حدائق أخرى بوفرة مياهها التى تجرى فى قنواتها وأحواضها الداخلية كما فى شريتاجار، ونسيم باغ أكبر، ونشاط باغ أصف خان، وشاليمار جاهنجير وغيرها. وزودت بعض قنوات الحدائق بشلالات صناعية بديعة، حيث يتدفق الماء فى مجرى مسطح مائل من الرخام، ويسقط الماء على كتلة حجرية بها نتوءات مثبت فى كل منها مصباح زجاجها ملون بألوان بديعة. وفى بعض الحدائق استخدمت شلالات الماء فى إدارة مطاحن قبل أن تتجمع تلك المياه الجارية فى الخزانات. وزودت بعض الحدائق بنافورات متعددها الأشكال. وكان استخدام مثل هذه النافورات مألوفا فى قصور الحكام والأثرياء وقلاع المغول، ونالت القناطر قسطا وافرا من أعمال الزخرفة والتزويق فى دهلى وغيرها. د. مصطفى محمود سليمان [ج. ب، بيرثون Berthon] ¬

_ (¬1) [وعرفوا طريقة التطعيم فى انتاج فواكه جديدة، وجمعوا بين شجرة الورد وشجرة اللوز، وأوجدوا بذلك التطعيم أزهارا نادرة جميلة المنظر]. [المترجم]

الماتريدى

الماتريدى أبو مُنصور محمد بن محمد بن محمود السَّمَرَقَنْدى، حنفى المذهب، متكلم وفقيه ومفسر للقرآن الكريم، مؤسس مدرسة مذهبية أصبحت فيما بعد إحدى مدرستين سُنِّيتين فى علم الكلام. ويُنسب الاسم إلى بلدة ما تُريد (ماتُريت) من أعمال سمرقند. وترى بعض المصادر المتأخرة -وهى فى هذا مخطتة- أنه ينحدر من نسب شريف بالمدينة وتنعته بالأنصارى. وقد تلقى العلم أساسًا على يدى شيخه أبى نصر أحمد بن العباس العياضى وقد قُتل فى الفترة بين عامى 261، 276 هـ (= 874، 892 م) والتاريخ الثانى هو الأرجح. ولابد أن الماتريدى قد ولد قبل عام 260 هـ/ 873 م لاسيما وقد قيل إنه كان محل احترام من معلمه الذى لم يكن ليدخل فى جدال فكرى مع أحد إلا بحضورة ويقول بعض المؤلفين من أهل المرحلة المتأخرة عنه إنه درس أيضا على يدى معلمى العياضِية: "أبى سليمان الجُزْجَانى" و"نُصير بن يحيى البَلْخِى" (ت 268 هـ/ 881 - 882) و"محمد ابن مقاتل الرازى" (ت 226 هـ/ 841 م). أما الرازى فمن غير الممكن أن يكون معلمه وأغلب الظن أن المصدر فى هذا لا يعول عليه وكذلك بالنسبة لما يقال عن الشيخين الآخرين. ولا نعلم الكثير عن حياته، إذ يقال إنه عاش حياة الزهد وكانت له بعض الكرامات. وتاريخ وفاته الذى تذكره مصادر المرحلة المتأخرة وهو 333 هـ/ 944 م ربما كان أقرب إلى الصحة رغم أن أبا المعين النَّسَفى (ت 508 هـ/ 4111 م) مؤرخ حياته فى فترة باكرة لم يكن على علم به -وثمة تواريخ بديلة (ورد ذكرها فى مصدرين متأخرين) هى 336 هـ/ 947 م و 332 هـ/ 943 م. ويوجد قبر الماتريدى ضمن مدافن جَكَرْديزا فى سمرقند، وكان لا يزال معروفًا فى القرن التاسع الهجرى (الخامس عشر الميلادى). ومن بين تلاميذه أبو أحمد العيَّاضى ابن شيخه أبى نصر، وأبو الحسن الرُّشْتُغْفَنى، وعبد الكريم بن موسى اليزْدوى الجَد الأكبر لأبى اليسر اليزدوى.

ومن بين مؤلفات الماتريدى يعد النص المنشور لكتاب "التوحيد" (الذى حققه خليف) من مؤلفاته التى لا يرقى إليها الشك فى أنها من وضعه. وإن بدا أن الكتاب كانت له نسخ مختلفة لأن الاقتباسات التى اقتبسها منه أبو المعين النَّسَفى فى كتابه "تبصيرات الأدلة" غير موجود -فى النص المحقق والمنشور- أما كتاب الماتريدى الرائع فى تفسير القرآن الكريم "تأويلات القرآن " فهو كما يقول الشارح له علاء الدين أبو بكر محمد بن أحمد السمرقندى (المتوفى حوالى 540 هـ 1145 م) قد جمعه تلاميذه، ومن هنا جاء أقل غموضًا من مؤلفاته الأخرى التى كتبها بنفسه. وينسب إلى الماتريدى أيضا ثلاثة نصوص قصيرة محققه ومنشورة هى "رسالة فى العقائد"، "كتاب التوحيد" (حققهما يورُوكان وطبعهما فى استانبول 1953 م) و"حاشية" على كتاب "الفقه الأكبر" لأبى حنيفة. ويبدو أن هذه المؤلفات قد كتبها فى وقت لاحق ممثلو الحنفية وفقا لمذهبه. ولا يدرج أبو المعين النسفى هذه المؤلفات ضمن قائمة كتبه، ولكنه يدرج الكتب التالية التى يبدو أنها فقدت وهى "كتاب المقالات" و"كتاب بيان وَهْم المعتزلة" وهو يرد فيهما على ما جاء فى ثلاثة كتب للمعتزلى أى القاسم البلخى الكعبى (ت 319 هـ/ 932 م) وكتاب "أوائل الأدلة" وكتاب "تهذيب الجدل" وكتاب "فى وعيد الفسوق" وهى ردود على كتاب "الأصول الخمسة" للمعتزلى أى عمر الباهلى وهو من المقربين إلى أبى على الحُبّائى. ورد على كتاب الإمامة لأحد أئمة الشيعة وردَّان على أفكار القرامطة الاسماعيلية وكتابان عن أصول الفقه هما كتاب "مأخذ الشريعة" و"كتاب الجدل" وقد تقيد الماتريدى بمذهب أبى حنيفة، على نحو ما نقله وطوره فقهاء الحنفية فى بلخ وما وراء النهر، وذلك على عكس الأشعرى مؤسس مذهب السنة فى علم الكلام الذى زواج أفكاره بالمذهب الحنبلى التقليدى. وعمل على تطوير تعاليم المذهب الحنفى التى سبق لها أن ذاعت فى الشرق الإسلامى وذلك بطريقة

منهجية وداحضًا بالأدلة مواقف المعتزلة، لاسيما ممثلهم الرئيسى فى المشرق أبو القاسم البَلْخى، وداحضًا الكرامية (الحشوية) من أهل السنة التقليديين، والشيعة الإمامية، والاسماعيلية ممثلين فى محمد بن أحمد النسفى (ت 322 هـ/ 943 م) فى ما وراء النهر. أما عن الأديان الأخرى فقد رد على آراء المسيحيين واليهود والزرادشتيين والمانوية وغيرها. ومذهبه -فى جوهره- أكثر عقلانية بصفة عامة، وباستثناء تعريفه للإيمان القائم على فكر المرجئة، فهو أقرب إلى المعتزلة منه إلى الأشاعرة، ولكنه فى مفاهيمه ومصطلحاته الفنية كان أقل تأثرًا بالمعتزلة منه بالأشاعرة، وكان معتزليًا متدربًا قبل أن ينشق عليهم. ويذهب الماتريدى -وهو فى ذلك يتخذ موقف المعتزلة- إلى أن الإنسان بوسعه معرفة اللَّه، وهو ملزم بذلك، وملزم بحمد اللَّه وشكره وهو فى التزامه هذا يستند إلى العقل وحده دون الاستعانة بالوحى أو النبوة. وفيما يتعلق بصفات اللَّه فهو يرى (شأنه شأن المعتزلة) أنه من الجائز اللجوء إلى التفسير المجازى للتعبيرات التى تنطوى على تشبيه الذات الإلهية بالإنسان فى القرآن الكريم، وذلك على الرغم من أنه رفض بعض التفسيرات المعتزلية فى هذا الشأن. وفى مواضع أخرى نراه يستند إلى صيغة "بلا كيف" التقليدية، إذ يصر على قبول النص الذى نزل به الوحى دون تساؤل، وهو يرى -على عكس المعتزلة- أن الصفات الإلهية، مثل العلم والقدرة، صفات حقيقية وقائمة بالذات الإلهية وعلى الرغم من قبوله التمييز -من حيث المصطلحات الفنية- بين الصفات الذاتية والصفات الفعلية، إلا أنه يرى -على عكس المعتزلة والأشاعرة- أن الصفات الفعلية أبدية أيضا وقائمة فى الذات الإلهية. ولذلك فهو يؤكد على أن التعبيرات من قبيل "اللَّه هو الخالق أبدا". . وأن اللَّه "لم يزل" خالقا تعبيرات صحيحة رغم أن العالم المخلوق عالم مؤقت. وكان رأيه القائل بأن "التكوين" (أى إيجاد الموجودات) أبدى ويتميز عن "المكوّن" -يعنى الموجودات- إلا أن هذا الرأى كان

محل جدل مع الأشاعرة. وكان الماتريدى يؤكد "رؤية" المؤمن للَّه فى الآخرة، ولكنه يرفض فكرة إمكانية ردراكه، أى إمكان "ادراكه"، بالعين. ويرى أن "الكلام" صفة من صفات اللَّه الأبدية، وإن كنا لا نسمع هذا الكلام. وهو بذلك -شأنه شأن المعتزلة- يؤكد طبقا لما جاء فى القرآن الكريم {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} (سورة النساء آية 164) - أن اللَّه خلق صوتا وجعل موسى يسمعه. أما عن القدر المكتوب وحرية الإرادة فكان موقف الماتريدى وسطًا بين المعتزلة والأشاعرة. فهو يرى أن أفعال الإنسان من خلق اللَّه وخاضعة لإرادة اللَّه ومشيئته. وإذا كانت أفعال الإنسان هى من فعل اللَّه من جهة، فهى من جهة أخرى أفعال صادرة عن الإنسان -على سبيل الحقيقة لا المجاز. ونابعه من "اختياره" الحر. ويؤكد الماتريدى أن اللَّه لا يُضل إلا من يعلم أنهم سيختارون الطريق المعوج ولا يهدى إلا من يعلم أنهم سيختارون الطريق المستقيم. فالاختيار مبدئيا هو اختيار الإنسان لا اختيار اللَّه كما يرى الأشاعرة. والماتريدى بذلك يرفض التفسير القدرى "للميثاق" الذى ورد فى القرآن. وبمقتضاه فرق اللَّه بين المتقين والضالين من قَبْل الخَلْق، وإن الضالين يقرون بربوبية اللَّه كرها، فقد منح اللَّه الإنسان القدرة على فعل الأفعال المضادة. "فالاستطاعة" لدى الإنسان نوعان نوع قبل العقل، ونوع مصاحب للعقل. إن فكرة تكليف اللَّه للإنسان بما لا يطاق فكرة غير مقبولة من حيث المبدأ -إن الماتريدى يعرف "الإيمان" بأنه "تصديق بالقلب" و"إقرار باللسان" أى تعبير عنه بالكلام. والأعمال ليست جزءا من الإيمان. فالأيمان -فى جوهره- لا ينقص ولا يزيد رغم ما يقال من أنه يزداد مع التجديد والتكرار. ويستنكر الماتريدى فكرة "الاستثناء" فيقول "إذا شاء اللَّه فأنا مؤمن" والمذنب المؤمن قد يعاقبه اللَّه ولكنه فى النهاية سيدخل الجنة. ويرفض الماتريدى الفهم التقليدى للعقيدة الذى يسانده الأشاعرة والذى يرى أن الإيمان غير مخلوق.

المصادر

المصادر: يَزدوى "أصول الدين" تحقيق هـ. ب. لينس. ابن أبى الوفاء "الجواهر المضيئة". البياض "إشارات المرام" تحقيق يوسف عبد الرزاق. سعيد عبد المحسن [ف. مادلنج] الماتريدية مدرسة من مدارس علم الكلام اتخذت لنفسها اسم مؤسسها أبى منصور الماتريدى، ذاع صيتها فى العصر المملوكى على نطاق واسع بوصفها المدرسة الثانية من مدارس علم الكلام ذات النزعة السنية التقليدية إلى جانب الأشعرية، ولم يكن اسم الماتريدية متداولًا قبل التفتازانى (ت 792 هـ/ 1390 م) الذى استخدمه لبيان الدور الذى لعبه الماتريدى كمؤسس لمدرسة سنية فى علم الكلام جنبا إلى جنب مع الأشعرى المعاصر له. وفى البداية كانت هذه المدرسة تلقب بأنها مدرسة علماء سمرقند أو ما وراء النهر كانت تدّعى أنها تمثل مذهب أبى حنيفة وفى بعض الأحيان كانت تلقب نفسها بـ "أهل السنة والإجماع" وأنها السواد الأعظم ومهما يكن من أمر فإن تأثير الماتريدى البالغ على فكر وأعمال ممثلى هذه المدرسة فى فترتها المتأخرة واضح، وهم لم يحاولوا أن يحيدوا عن مذهبه كما حاد الأشاعرة المتأخرون عن مذهب الأشعرى. وكان الناس أكثر قبولًا للاعتراف بالأشعرى كمؤسس لمدرسة جديدة نظرًا لأنه كان فى الأصل معتزليًا ولأنه فى نفس الوقت مرفوض من الحنابلة التقليديين، وكان يدَّعى أنه يدافع عن مذهبهم. أما الماتريدى فكان يعد ممثلًا أصدق تمثيل للحنفية التقليدية المنتشرة فيما وراء النهر وطوَّر أفكارها الكلامية. لقد انتشر المذهب الحنفى على يد علمائه فى سمرقند فى القرنين الرابع الهجرى (العاشر الميلادى) والخامس الهجرى (الحادى عشر الميلادى) فى ما وراء النهر شرق خراسان وبلخ، كما انتشر بين الأتراك الذين اعتنقوا الإسلام حديثا

فى أراضى "قَرَخاند" بوسط آسيا. وفى القرن الرابع الهجرى (العاشر الميلاد) كانت هناك بعض الخلافات -حول مسائل كلامية- مع علماء الحنفية فى بخارى الذين كانوا أكثر تأثرًا بالاتجاهات التقليدية واللاعقلانية، وقد وَفَّق بينها -إلى أبعد حد- علماء الماتريدية الذين جاءوا فيما بعد إذ وضعوا لها حلولًا وسطى. وقد ظلت تعاليم الماترديدى غير معروفة -فى الواقع- فى غرب خراسان حيث كان الأحناف يناصرون مدارس كلامية أخرى منها الكثير الذى ينتمى للمعتزلة إلا أن التوسع السلجوقى نحو مركز العالم الإسلامى منذ أواسط القرن الخامس الهجرى (الحادى عشر الميلادى). ترتب عليه حدوث تغير جذرى. إذ بدأ العلماء الأشاعرة يولون اهتمامًا بمذهب الماتريدى فيما يتعلق بصفات اللَّه وعدوه ابتكارًا لم يظهر إلا فى عام 400 هـ (1009 م). وأدى الدعم العسكرى الذى تتلقاه الحنفية المشرقية ومذهبها الكلامى من الأتراك إلى وقوع صدام كبير مع الشافعية التى تطابقت أفكارها مع أفكار الأشعرية. وهذا يكشف عن السبب الذى يقف وراء قيام وعاظ خراسان بصب لعناتهم على الأشاعرة تنفيذًا لأوامر السلطان السلجوقى طغرل بك فى عام 445 هـ/ 1053 م كما يفسر السبب الذى يقف وراء إعدام الأشاعرة وما نشب من منازعات طائفية مسلحة واسعة النطاق بين الحنفية والشافعية فى المدن الكبرى من إيران فى أواخر العصر السلجوقى. وتتسم مؤلفات الماتريدى فى تلك الفترة بالانتقاد الشديد لفكر الأشاعرة إذ تخرجهم من عداد "أهل السنة والجماعة" وتصف بعض مذاهبهم بالكفر. ونتيجة للتوسع التركى أخذت الحنفية المشرقية وأفكار الماتريدى الكلامية فى الانتشار فى غرب فارس، والعراق، والأناضول وسوريا ومصر. وهاجر العديد من علماء الحنفية المشرقيين وأضرابهم فى منطقة ما وراء النهر إلى هذه المناطق ومارسوا التدريس فيها بدءًا من أواخر القرن الخامس الهجرى (الحادى عشر الميلادى) وإلى القرن الثامن الهجرى

(الرابع عشر الميلادى). وبذلك بدأ مذهب الماتريدى فى الذيوع بين جماعات الحنفية فى كل مكان وانتشر فى دمشق وسوريا لأول مرة على يد برهان الدين على بن الحسن السكلكَنْدى البلخى من سمرقند (المتوفى سنة 548 هـ/ 1153 م) حيث أرسل علماء الحنفية فى سمرقند نسخة من كتاب "العقائد" لأبى حفص النسفى مع شروح لهم واصفين إياه بأنه عقيدة "أهل السنة والجماعة" والتى كانت محل اتفاق فيما بينهم. وما إن خَفَّت حدّةُ العداء بين الحنفية والشافعية فى العصر المملوكى حتى نظم الأشعرى الشافعى تاج الدين السُبْكى (ت 771 هـ/ 1370 م) قصيدة نونية عن نقاط الخلاف بين الأشعرى وأبى حنيفة وهو يعنى بذلك مذهب الماتريدى. وقد ذكر فى هذه القصيدة ثلاث عشرة نقطة واصفًا سبعًا منها بأنها نقاط لفظية بحتة وستًّا منها بأنها معنوية أى خاصة بالموضوع وهذه النقاط الست فى رأيه تبلغ من الضآلة حدًا لا يبرر معه تبادل الاتهام بـ "التبديع" أى الكفر والهرطقة. وقد كتب أحد تلاميذ السبكى وهو نور الدين محمد بن أبى الطيب الشيرازى شرحًا لهذه النونية. وشاع نَسْخ هذا الشرح مع الثلاث عشرة نقطة موضع الخلاف وذلك على يد أبى عُذْبه فى الكتاب الذى كتبه (حوالى 1125 هـ/ 1713 م) وهو"الروضة البهية فى ما بين الأشعرية والماتريدية". ومن ممثلى مدرسة الماتريدى النابهين فى أواخر القرن (الخامس الهجرى/ الحادى عشر) الميلادى أبو شكور السَّلْمى الكَشِّى مؤلف كتاب "التمهيد فى بيان التوحيد"، وأبو اليسر البَزْدوى (ت 593 هـ/ 1099 م) قاضى سمرقند ومؤلف كتاب "أصول الدين". وأهم من شرح وطوّر مذهب الماتريدى فهو أبو المُعين النسفى المكحولى (ت 508 هـ/ 1114 م) الذى وضع أضخم وأشمل كتاب عن مذهب الماتريدى الكلامى وهو كتاب "تبصيرات الأدلة" وهو موجز لكتاب "بحر الكلام" وكتاب "التمهيد لقواعد التوحيد".

وأهم الكتب التى نشرت مذهب الماتريدى كتاب "العقائد" لنديم الدين أبى حفص النسفى (ت 537 هـ/ 1142 م) الذى حذا حذو أبى المُعين فى كتابه "تبصيرات الأدلة"، وقد أضيفت له الشروح والحواشى العديدة لأغراض التعليم المدرسى، كما تناوله البعض بالنظم شعرا عدة مرات، وهنالك قصيدة أخرى شائعة تشرح تعاليم الماتريدى شعرا وتعرف باسم "اللامية فى التوحيد" أو "بدء الأمالى" نظمها على بن عثمان الأُوشى (المتوفى منه 569 هـ/ 1173 م) ووضعت لها فيما بعد شروح عديدة، بعضها فارسى والآخر تركى. وفى القرن السادس الهجرى (الثانى عشر الميلادى) كتب نور الدين الصابونى البخارى (ت 580 هـ/ 1184 م) كتاب "البداية من الكفاية" وهو موجز لكتاب أكبر -من تأليفه- وهو "الكفاية فى الهداية" سبق نشره. ومن بين مؤلفى الماتريدية فى الفترة المتأخرة أبو البركات النسفى (ت 710 هـ/ 1310 م) الذى ألف مقالة موجزة ومبسطة هى "عمدة العقيدة لأهل السنة" مع حاشية من وضعه عنوانها "كتاب الاعتماد فى الاعتقاد" كلاهما (المقال والحاشية) -أثر تأثيرًا بالغًا فى أبى المُعين النسفى فى كتابه "تبصيرات الأدلة" وثمة متكلم أكثر بروزا هو "عبيد اللَّه بن مسعود المحبوبى" (ت 747 هـ/ 1346 م) الذى عالج مشكلات كلامية فى سياق كل من "كتاب تعديل المعلوم" و"كتاب التوضيح" وهو كتاب فى أصول النقل -وكتب سعد الدين التفتازانى (ت 792 هـ/ 1310 م) أفضل شرح معروف لكتاب "العقائد أبى حفص النسقى- ويبدو أنه ظل يقترب شيئا فشيئا من مواقف الأشعرية نظرا لأنه تلميذ لعضد الدين الإيجى الذى يمثل علم الكلام الفلسفى لدى الأشعرية فى فترتها المتأخرة. وهذا واضح فى كتابه الأخير "المقاصد" والشرح الذى وضعه له إذ جاء على نسق كتاب "المواقف" للأيجى، وحاشيته التى وضعها الشريف الجرجانى. وأصبح المتكلم الحنفى المصرى كمال الدين بن الهُمان (ت 861 هـ/ 1457 م) مؤلف كتاب

الماذرائى

"المسايرة فى العقائد المنجية فى الآخرة" يقبل الآن الرأى السائد وهو تقليدى سواء أكان أشعريا أم ماتريديا، ولكنه أظهر قدرا من الاستغلال فى مواجهة كل من المدرستين. أما عثمان حنفى كمال الدين البياض (ت 1078 هـ/ 1687 م) فإنه -على العكس من ذلك- أكد بكتابه "إشارات المرام من عبارات الإمام" استغلاله وزيادته لمذهب الماتريدى الكلامى الذى يقوم على أساس عن تعاليم أبى حنيفة فى ضوء الأشعرية. ولقد ظل مذهب الماتريدى فى علم الكلام مرتبطا -على عكس المعتزلة والأشعرية- بمدرسة واحدة فقط فى الفقه هى مدرسة أبى حنيفة -كما أنها كانت تجرجر أذيالها -بصفة عامة- وراء مدرستى علم الكلام الأخريين سواء من حيث التطور المنهجى أو من حيث النسق خصوصا فى مسائل العلوم الطبيعية التى عالجتها هاتان المدرستان، ولم تتأثر كثيرا بما شاع من مصطلحات ومفاهيم الفلسفة كما هو الحال لدى الأشاعرة فى مرحلتهم المتأخرة ولدى الشيعة الإمامية والمعتزلة بعد ذلك. وعلى الرغم من أنه كان واضحا أن الصراع بين الماتريدية والمعتزلة هو الصراع الأساسى. إلا أن الخلافات بينها وبين الأشعرية كان أكثر أهمية، وهو أمر قد لا يتسم به علماء الكلام الذين جاءوا فى وقت لاحق والتزموا التوفيق بين وجهات النظر. فقد انخرط هؤلاء أساسا فى بيان مذهب الماتريدية من حيث تأكيده على أبدية الصفات العقلية للذات الإلهية، ووجود أسس عقلانية للخير والشر، وأن اختيار الإنسان لأفعاله حقيقة، وأن تعريف الماتريدى للإيمان هو أنه نوع عن الموافقة والإتراد دون النظر إلى "الأعمال". ومع ذلك فثمة نقاط خلاف دون هذه أهمية كانت تهيمن أحيانا على الجدل الدائر بين المدرستين. سعيد عبد المحسن [ف. مادلنج] الماذرائى الماذرائى اسم أسرة شغل بعض أفرادها مناصب إدارية عليا وجباية الخراج، نشأت أصلًا بالعراق وشغلت مناصب هامة فى مصر والشام فيما

بين سنة 266 هـ/ 335 هـ، (879 م/ 946 م). والنسبة مشتقة من قرية ماذراية قرب واسط (انظر السمعانى، كتاب الأنساب، ورقة 499 أ؛ وياقوت: معجم البلدان، جـ 4، ص 381). وقد تولى أبو بكر أحمد بن إبراهيم الماذرائى، وكنيته الأطرش (انظر معجم لين) فى عهد أحمد بن طولون والإشراف على الخراج فى مصر والشام فى سنة 266 هـ/ 879 م، وأصبح بذلك المؤسس لنفوذ أسرته. وقد عين ابنه عليًا -الذى لا تعرف كنيته نائبا عنه فى مصر، وبعث ابنًا آخر له، هو أبو على الحسين المعروف بأبى زبنور إلى الشام بالصفة نفسها. وقد توفى أبو بكر ابن إبراهيم فى سنة 270 هـ/ 884 م، وهى نفس السنة التى مات أحمد بن طولون فيها. وتولى على بن أحمد الماذرائى الوزارة لخمارويه بن طولون (سنة 270 - 282 هـ/ 884 - 896 م)، وظل يشغل هذه الوظيفة زمن "جيش بن خمارويه" وقتل فى نفس اليوم الذى قتل فيه حبشى سنة 283 هـ/ 798 م. وخلال السنوات الأخيرة لحكم الطولونيين أقام أبو على الحسين بن أحمد الماذرائى (بصفته مشرفًا على الخراج فى الشام) علاقات طيبة مع العباسيين وحتى أنهم بعد انتصارهم على الطولونيين فى سنة 292 هـ/ 904 م، عهدوا إليه بالإشراف على خراج مصر فحلّ محل ابن أخيه أبى الطيب أحمد بن على الماذرائى (المتوفى سنة 303 هـ/ 915 م). ولقد أدت علاقته الحميمة مع بغداد، لأن يصبح أبو على الحسين وأفراد آخرون من أسرته ضالعين فى القتال على السلطة وهو القتال الذى كان بين الوزير على ابن عيسى وبين بنى الفرات والذى كان الماذرائيون فيه على الدوام مؤيدين لخصوم بنى الفرات على الدوام. ولهذا السبب، فإنه فى خلال الوزارة الثانية لعلىّ بن عيسى (301 - 304 هـ/ 913 - 916 م) تولى أمر خراج الشام، كما تولى أخيه أبو بكر محمد بن على بن أحمد أمر خراج مصر وقد تسبب تغيير الوزارة فى بغداد (سنة 304 هـ/ 916 م)، فى خلع الماذرائيين مرة أخرى وسجنهم وجئ بأبى زنبور إلى بغداد.

وقرب نهاية سنة 306 هـ/ مايو 919 م، تولى بيت المال فى مصر مرة أخرى، ولكنه خلع مرة أخرى ولكن فى سنة 310 هـ/ 922 م، وكان خلعه على يد صديقه علىّ بن عيسى. وفى السنة التالية استدعاه ابن الفرات إلى بغداد، وصادره هو وأسرته على مال قدرُه خمسة ألاف ألف درهم. وفى سنة 313 هـ/ 926 م، كان أبو زنبور فى الفسطاط حيث كان مشرفا على الخراج فى مصر والشام. وتوفى هناك فى سنة 317 هـ/ 929 م. وحضر ابن شقيق أبو على الحسين، أبو بكر محمد بن على بن أحمد الماذرائى (258 - 345 هـ/ 871 - 956 م) إلى مصر وذلك فى سنة 272 هـ/ 885 م، حيث عينه أبوه نائبًا للمشرف على الخراج. وبعد مقتل أبيه فى سنة 283 هـ/ 890 م، أصبح أبو محمد وزيرًا لهارون بن خماروية بن طولون فلما سقط الطولونيون فى سنة 292 هـ/ 905 م، أحضر هو وكثير من أتباعه إلى بغداد. وبقى فيها حتى سنة 301 هـ/ 1913 م، حيث عاد إلى مصر محاطًا بمظاهر التكريم كمشرف على الخراج. ولا تشير المصادر المتوافرة إلى أى سبب لعودته إلى الحياة الخاصة فى سنة 304 هـ/ 916 م. حيث بقى فى الفسطاط، وأوقف نفسه على إدارة وزيادة موارد الثروة الضخمة لأسرته، وفى سنة 318 هـ/ 930 م تولى أبو بكر محمد الأشراف على خراج مصر مرة أخرى، واحتفظ بوظيفته هذه حتى موت صديقه الوالى "تكين" فى سنة 321 هـ/ 933 م. وبقى الماذرائيون فى الجانب المنتصر فى أثناء الصراعات اللاحقة مع محمد بن تكين. وحين عين الخليفة الراضى فى سنة 322 هـ/ 934 م، أبا الفتح الفضل وزيرًا، (وهو أحد أفراد أسرة ابن الفرات)؛ عَيَّن أبو الفتح، محمدًا بن طغج الأخشيد واليًا على مصر. وحاول الأخشيد الوصول إلى اتفاق ودى مع الماذرائيين، لكن أبا بكر محمد رفض هذه المحاولة، وفضل المقاومة، غير أن جيوشه انضمت إلى الأخشيد الذى استطاع دخول الفسطاط فى رمضان سنة 323 هـ/ أغسطس

المصادر

936 م دون قتال. فأختفى أبو بكر محمد حتى حضر أبو الفتح الفضل بن الفرات إلى الفسطاط، وألقى القبض على الماذرائى. وأجبره على التخلى عن قدر كبير من ثروته، ثم سجنه الأخشيد فبقى فى السجن حتى مات ابن الفرات سنة 327 هـ/ 939 م. لكن ما كاد أبو بكر محمد يطلق سراحه حتى استعاد الشرف والنفوذ مرة أخرى، فأصبح الوصى الحقيقى زمن أبى القاسم أنوجور بن الأخشيد، لكنه خلع وألقى به فى السجن فى سنة 355 هـ/ 946 م، خلال ثورة دبرها أبو الفضل جعفر بن الفرات. وبعد سنة واحدة أطلق كافور سراحه وتقاعد ليحيا حياته الخاصة. ومات فى الفسطاط فى 11 شوال سنة 345 هـ/ 16 يناير 957 م، ولأنه كان مسلمًا ورعًا، فقد حجَّ إلى بيت اللَّه الحرام فيما بين سنة 301 هـ/ 913 م، وسنة 322 هـ/ 938 م، وكان مغداقًا فى توزيع الصدقات على سكان المدن المقدسة. وبوفاته مات الماذرائيين كبير شأنه. المصادر: وردت فى المتن. حسن شكرى [التحرير] الـ ماردينى وهو لقب لثلاثة من علماء الرياضيات والفلك، ليس لدينا عن حياتهم وأعمالهم إلا القليل من المعلومات حتى الآن. 1 - أبو الطاهر إسماعيل بن إبراهيم ابن غازى النميرى، شمس الدين المعروف بابن فالوس. وقد جاء من "ماردين" فى الجزيرة. . وولد عام 590 هـ/ 1194 م، وتوفى عام 650 هـ/ 1252 م. وقد أدى فريضة الحج إلى مكة. وهو مؤلف لعدة أعمال فى علم الحساب (انظر سوتر وبروكلمان). 2 - عبد اللَّه بن خليل بن يوسف، جمال الدين (المتوفى عام 809 هـ/ 1406 - 1407 م) وهو تلميذ عام الفلك المشهور أبى الشاطر (المتوفى عام 777 هـ/ 1375 م) فى دمشق على أكثر الاحتمالات. . وقد عمل بوظيفة "مُوَقِّت" (ميقاتى) فى القاهرة. . وله عدة أبحاث من استخدام الأنواع المختلفة للربعيات الفلكية (الربعية آلة تستخدم فى الملاحة والفلك لقياس الارتفاع) وقد ترجم كثيرون من العلماء والأجانب أعماله.

المصادر

3 - محمد بن محمد بن أحمد أبو عبد اللَّه بدر الدين المعروف باسم "سبط الماردينى" (826 - 912 هـ/ 1423 - 1506 م) وهو حفيد جمال الدين (رقم 2) وتلميذ عالم الفلك ابن المجدى (المتوفى 850 هـ/ 1506 م. وعمل بوظيفة "مُوَقِّت" بجامع الأزهر بالقاهرة. وقد كتب -مثل جده- عن الربعيات. . وعن موضوعات فلكية أخرى. . المصادر: (1) Q. A. King: The astronamy of the ollamluks بهجت عبد الفتاح [م. يلسنر - ج. سامو، M. Plessner - J. Samo] مارية القبطية فتاة قبطية ابنة لرجل يسمى شمعون، كان المقوقس قد أرسلها مع أختها سيرين فى عام 6 هـ أو 7 هـ الموافق 627 أو 629 م إلى النبى محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] كهدية، وإن كانت بعض المراجع ترى أنهن كن أربعة، وقد تزوجها النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وزوج سيرين لحسان بن ثابت، وكان الرسول يحب مارية وأعطاها منزلا فى ضواحى المدينة وقد سمى هذا المنزل بعدها "مشربة" أم إبراهيم، ولكم فرح النبى عندما ولدت له ولدًا أسماه إبراهيم ولكنه مات طفلًا، ويقال إن الشمس خُسفت يوم وفاته (¬1). ولقد أجلَّها كل من أبى بكر وعمر ومنحاها مسكنا تمتعت به حتى وفاتها فى المحرم الموافق 16 فبراير عام 637 م، وليس هناك ما يشكك فى صحة هذه الرواية ولا ما يرجحها، كما أنها تحوى الكثير من التفاصيل التى تبعد الشكوك عنها، ولذلك فإنه من المبالغ فيه ما ذهب إليه لامانس من اعتبار مارية القبطية أم إبراهيم يهودية. المصادر: (1) الطبرى جـ 1، 1561 - 1686. (2) ابن سعد: الطبقات الكبرى. (3) Fammes: Fatima et les fills de Mahoment, Rome 1912 ¬

_ (¬1) وتشير الأحاديث الصحيحة فى الكتب الستة الصحاح أن النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] رفض الربط بين خسوف الشمس وموت إبراهيم. (المراجع) د. يواقيم رزق [ف. برهل F. Burhl]

المازنى

(4) Caitani: Annali dell Islam II د. يواقيم رزق [ف. برهل F. Burhl] المازنى إبراهيم عبد القادر (1880 - 1949 م)، كاتب مصرى ومترجم وشاعر وصحفى، ولد لأب من علماء الأزهر والذى أصبح فيما بعد قاضيًا فى المحكمة الشرعية بالقاهرة، وجده لأمه من أصل مكى. التحق "بكلية المعلمين" وعين مدرسًا للغة الإنجليزية فى "المدرسة السعيدية" وظل بها قرابة عشر سنوات. ولم يكتف بالقضايا الأدبية فقد اهتم بالسياسة، لأنه من ناحية أخرى، كان رجلًا صريح العبارة لاذع الأسلوب فقد أصبح بالنتيجة هدفًا للنقد حتى فقد وظيفته. ومما لاشك فيه أن المقال (أو المقالة) هى مثال لنوعية الأدب الذى تميز فيه "المازنى" بشكل خاص. ولكن نشاطه امتد ليشمل مجالات مختلفة وفيها كلها، ترك انطباعًا عن قوة شخصيته. وتزعم مع العقاد حركة إحياء الشعر المصرى، وإن كان المحرك الحقيقى لها الشاعر "عبد الرحمن شكرى" الذى عرَّفهم بالأدب الإنجليزى وخاصة شعراء الرومانسية والنقاد الأدبيين. لكنه وهو المؤمن بالتجديد، لم يقم بثورة فى الأشكال الشعرية وكانت قوته فى التخلى عن وحدة القافية واللجوء للإيقاع المتغير المتبدل. ومع هذا ظل عميق الاتصال بالأدب العربى الكلاسيكى حيث أولع باشعار ابن الرومى والمعرى والشريف الرضى. كذلك اجتذبه "الجاحظ" الذى تركت روحه وأسلوبه آثارهما عليه. لكنه سرعان ما تخلى عن نظم الشعر وفى تفسيره لهذا القرار قال إنه لم يكن فى أى وقت راضيًا تمامًا عن إنتاجه فى ذلك المجال وبلغ به الأسف أن لم يجد الشجاعة لتدمير أشعاره. ومن ناحية أخرى استمر دوره كناقد أدبى يتمتع باحترام كبير. وفى عام 1921 م نشر مع العقاد كتاب الديوان انتقدا فيه الرموز المسيطرة على حركة الأدب مثل أحمد شوقى والمنفلوطى، وانتقد فيه التكلف

المصادر

والتصنع اللذين كانا يسمان الحركة الأدبية ودعيا فيه الشعراء إلى الصدق والتعبير عن الرؤى والتجارب الخاصة. واتجه المازنى كذلك إلى كتابة القصة، وكان من روادها الأوائل حيث نشر روايته إبراهيم الكاتب فى عام 1931 م حظيت بشهرة كبيرة، وطرح فيها تساؤلات حول التقاليد ودور المرأة والزواج وغيرها من القضايا الاجتماعية. وفى عام 1943 م نشر 4 روايات فى نفس العام: "إبراهيم الثانى"، "ثلاثة رجال وامرأة"، "عود على بدء"، "ميدو وشركاه". وتبع ذلك بمسرحية هى "غريزة المرأة أو حكم الطاعة" اقتبسها فيما يبدو عن مسرحية لجون جالزورثى، وناقش فيها قضية حكم الطاعة الذى كان يعطى الرجل الحق فى إجبار زوجته على العيش معه رغم أنفها، وبين أنه يتنافى مع روح العدل. وامتاز أسلوب المازنى بنبرة سخرية لاذعة وأيضًا إحساسًا بالعدمية يتجلى فى بعض عناوين كتبه مثل "حصار الهشيم" و"قبض الريح"، والحق أن روحه الساخرة المعادية للتقاليد الجامدة تجعلنا نقرنه بمارك توين والجاحظ وحتى عندها اختير فى أواخر أيامه لعضوية الجمع اللغوى كانت خطبته فيه بهذه المناسبة صارخة فى تحديها للأعراف، وهو ما كان متوقعًا من ذلك الرجل الذى سمى هذا المحفل الموقر "مقبرة الخالدين". المصادر: إلى جانب أعماله انظر: (1) محمد مندور: الشعر فى مصر بعد شوقى، القاهرة 1994 م. (2) حامد عبد الهوال: السخرية فى أدب المازنى، القاهرة، 1972 م. نبيل صلاح الدين [شارل فيال Ch. Vial] مالك بن أنس وهو "أبو عبد اللَّه مالك بن أنس بن مالك بن أبى عامر بن عمرو بن الحارث ابن غيمان بن خثين بن عمرو بن الحارث الأصبحى". فقيه مسلم - إمام مذهب المالكية، الذى سمى باسمه. وكثيرا ما يطلق عليه -اختصارا- اسم إمام المدينة.

وتاريخ مولده غير معروف. . والتواريخ التى تذكر تتراوح بين 90 و 97 هـ/ 608 - 16 م وربما يكون بعضها قريبا من الصحة. . وجاء فى "كتاب الأغانى" إنه كان يريد فى البدء أن يكون مغنيا، وأنه غير مسار حياته إلى دراسة الفقه بناء على نصيحة أمه، ولا نعرف إلا القليل من المعلومات المؤكدة عن دراساته، وكان من أهم معلميه الفقيه الشهير ربيعه بن فروخ (المتوفى عام 132 أو 133 أو 134 هـ/ 749 م - 60 م) الذى أطلق عليه "ربيعة الرأى" وهناك روايات جاءت بعد ذلك تضاعف من عدد الذين تلقى العلم عنهم. فتصل بهم إلى ما يزيد على التسعمائة، من بينهم ثلاثمائة من التابعين. ويقال إنه تعلم قراءة القرآن عن نافع بن أبى نعيم ونقل الحديث عن الزهرى، ونافع، مولى ابن عمر، وهاشم ابن عروة، ويحيى بن سعيد، وعبد اللَّه ابن دينار، ومحمد بن المتكدر، وأبى الزبير، وغيرهم. . ويذكر السيوطى أنه درس على خمس وتسعين شيخا. . وقد لعب دورًا هاما فى الحياة السياسية فى المدينة وعندما قام محمد بن عبد اللَّه بتمرد فى عام 145 هـ/ 762 م تولى على أثره حكم المدينة، أعلن مالك فى "فتوى" أن البيعة التى أعطيت للمنصور، ليست ملزمة لأنها تمت تحت ضغط وقسر، وعلى أثر هذه الفتوى انضم كثيرون إلى محمد بن عبد اللَّه، وإن لم يشترك مالك نفسه فى الانتفاضة بل مكث فى بيته. وعندما فشل التمرد (147 هـ/ 763 م) عاقبه جعفر بن سليمان -حاكم المدينة- بالجلد ورغم ذلك لم ينقص هذا من قدره بل أدى إلى تدعيم مركزه وزيادة هيبته، وقد تصالح مع الحاكم بعد ذلك. ففى عام 160 هـ/ 777 م. طلب الخليفة المهدى مشورته فى شأن التغيرات (المعمارية) فى الحرم المكى، كما حدث فى العام الذى توفى فيه (179 هـ/ 796 م) أن زار الخليفة الرشيد وهو يؤدى فريضة الحج. وقد مات مالك عن خمسة وثمانين عاما بعد مرض لم يستمر فترة طويلة، وكان ذلك فى عام (179 هـ/ 796 م) فى المدينة -وقد دفن فى البقيع.

وأهم مؤلفاته كتاب الموطأ وهو يعتبر -باستثناء مجموع الأحكام لزيد ابن على- أقدم كتب الفقه الإسلامى الباقية حتى الآن. وهو يستهدف تقديم دراسة للفقه والعدالة: وشعائر الدين وممارستها حسب إجماع المسلمين فى المدينة، وحسب السنة المعمول بها فى المدينة -كما يستهدف إيجاد معيار تنظيرى للأمور التى لم تحسم من وجهة نظر الإجماع والسنة. ففى عصر اتسم بالإقرار بالشريعة وتقديرها فى ظل العباسيين الأوائل، كان هناك اهتمام عملى بتحديد "طريق ممهد" (وهذا هو معنى الموطأ) بين الخلافات البعيدة الأثر فى الرأى، حتى حول أبسط المسائل الأولية. . وكان مالك يريد أن يساعد هذا المنحى من الاهتمام على أساس ما يجرى ممارسته فى الحجاز، وأن يصنف القانون العرفى فى المدينة ويرتبه ترتيبا منهجيا. "فالحديث" الذى يفسره من وجهة نظر الممارسة، ليس -بالنسبة له- غاية، بل وسيلة؛ لذلك فلم يكن مالك يستشهد بالفقهاء الأقدمين إلا كمراجع فحسب. ولأنه كان يهتم فقط بتوثيق السنة، وليس انتقاد شكلها، فقد اهمل "الترتيب" فى تعامله مع الأحاديث. . ومن ثم فإن "الموطأ" يمثل التحول من الفقه البسيط فى العصر الأسبق إلى العلم الخالص "للحديث" فى العصر الأخير. ولم يكن مالك وحده من بين معاصريه فى "تأليف" الموطأ إذ أن العديد من علماء المدينة فى الفترة نفسها قد سجلوا أعمالا على نمط الموطأ، ولكن هذه الأعمال ضاعت ولم يبق فيها شئ. وإن نجاح الموطأ يرجع إلى حقيقة أنه دائما يسلك الطريق الوسط ويأخذ بوجهة النظر الوسط حول النقاط موضع الخلاف. ب- أما فيما يتعلق بما إذا كان مالك قد وضع أعمالا أخرى غير الموطأ فهذا أمر موضع شك. (وما جاء فى الفهرست عن عدد من الأعمال الأخرى التى كتبها مالك غامض وغير مؤكد) والكتب التى نسبت إليه تنقسم إلى مجموعتين: ما يتعلق بالشرع، وما يتعلق بغير ذلك. ومن بين الكتب التى تتعلق بالشرع نقرأ عن "كتاب السنن"

أو "السنة" الذى نقله "ابن وهب" أو "عبد اللَّه بن عبد الحكم المصرى"؛ وكتاب المناسك" (السيوطى)، و"كتاب المجالسات" الذى نقله ابن وهب؛ ثم "رسالة فى الأقضية" نقلها عبد اللَّه بن عبد الجليل؛ "ورسالة فى الفتوى" ونقلها "خالد بن نزار" ومحمد بن مطرف. ومع ذلك فإن أصالة هذه الأعمال جميعا ليست مؤكدة، حتى إذا كانت ترجع إلى تلاميذه المباشرين (وهى تعزى فى بعض الأحيان إلى هؤلاء التلاميذ) وتظل مساهمة مالك فيها غير مؤكدة. وهناك عمل يقال إن عبد اللَّه بن عبد الحكم المصرى قد نقله وسمعه من مالك، وهذا العمل أيضا موضع شك بكل تأكيد بل إنه علاوة على ذلك فإنه لا يدعى أن يقدم أقوالا للإمام مالك نفسه. ومن الكتب الأخرى، نذكر كتاب "التفسير"، و"رسالة فى القدر والرد على القدرية" وكتاب السر "السيوطى" وكلها تدخل ضمن النمط المعتاد للكتابات موضع الشك. كما أن الشك يقوى أيضا فيما يتعلق برسالة "تتضمن نصائح للخليفة الرشيد، وتذكر دائما مع الموطأ. . وهى بمثابة النظير المالكى لكتاب "الخراج" لأبى يوسف. . وتشير هنا إلى أن السيوطى نفسه يشك فى أصالتها، بالرغم من أن الأسباب التى يوردها غير مقنعة لنا. . جـ - وهناك مصدران رئيسيان آخران لتعاليم مالك (مع تنحية الروايات (البيانات) التى ظهرت بعد ذلك حول مذهب مالك. أما الأكثر أهمية فهو "المدونة الكبرى لـ "سحنون" (المتوفى عام 240 هـ/ 854 م) والتى تتضمن ردودا من ابن قاسم (المتوفى عام 191 هـ/ 807 م) طبقا لمدرسة مالك الفقهية، أو طبقا لرأيه فى الأسئلة التى يوجهها إليه "سحنون"، وكذلك تعاليم وآراء ابن وهب (المتوفى عام 697 هـ/ 813 م) ونشير هنا إلى أن الطبرى الذى يحتفظ بأجزاء من رواية الموطأ لابن وهب، كثيرًا ما يستشهد أيضا بآراء مالك فى تعليقاته على الآيات التى تتعلق بالتشريع فى القرآن الكريم.

المصادر

د- مكانة مالك فى تاريخ الفقه: يمثل مالك مرحلة فى تطور الفقه، لم يكن فيها الفكر (الاستدلال) تاما وجوهريا، بل عرضيا ولغرض معين، ولم يصبح فيها التفكير "القانونى" أو الشرعى للإسلام تشريعا بعد؛ وكانت هناك العادات والعرف فى "المدينة" حيث وضعت الأسس الحاسمة للشرع الإسلامى. . من بين الموضوعات الرئيسية فى التفكير التشريعى الذى يتضح فى الموطأ، نفاذ الأفكار الدينية والأخلاقية وتخللها فى الحياة الشرعية برمتها. وعلى حين كانت أسلمة القانون (صبغة بالطابع الإسلامى) قد تم إقرارها بمبادئه الرئيسية قبل مالك، فإن أجيالا كثيرة ظلت تعكف على تصنيفه منهجيا؛ ولذلك فإن إنجاز مالك الوحيد فى مجال التشريع يكمن فى تطويره لصياغة هذا النظام -ولا نستطيع أن نؤكد مدى ضخامة أو عظمة هذه المساحة بسبب افتقاد المادة التى تتيح لنا عقد المقارنة. . ولكن النجاح المذهل الذى حققه الموطأ، من بين عدد من الأعمال المماثلة، ينبثق من أنه سجل إجماع الرأى فى المدينة دون أى تدخل منه، ومن ثم أصبح يعتبر حجة بسبب إعرابه عن المنهج الوسط (مثلما أصبحت) الأعمال حول الأحاديث الشريفة شرعية "أو تشريعية"). ولذلك لا يعتبر الموطأ فى هذه الحالة دليلا على اجتهاد مالك الشخصى بقدر ما هو دليل على المرحلة التى تم الوصول إليها فى التطور العام للقانون (الشريعة) فى عصره. ومن ثم يمكن أن نقول إن "الوسطية" (الصفة الوسط) هى ما كان يستهدفه مالك. المصادر: (1) ابن قتيبة فى كتاب المعارف - السمعانى فى كتاب الأنساب - السيوطى فى تزيين الممالك - ابن القاسم فى "المدونة". (2) عيسى بن سعود الزواوى فى "مناقب سيدنا الإمام مالك". بهجت عبد الفتاح عبده [ج. شاخت J. Schaht]

مالك بن عوف

مالك بن عوف ابن سعد بن ربيعة النصرى - زعيم بدوى، معاصر لمحمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] ينتمى إلى عشيرة بنى نصر بن معاوية من قبيلة "قيسى" ذات النفوذ فى هوازن، والتى تزعمها فى غزوة "حنين" ضد المسلمين. . وبسبب دوره هذا دخل التاريخ. ونحن لا نعرف إلا القليل عن حياته المبكرة، ولكننا قد نزعم أنه وجد -فى فترات مبكرة- فرصا ليظهر شجاعته وإقدامه. وقد كان لا يزال أمرد (لا لحية له) -أى فى سنوات مراهقته المبكرة- عندما قاد كتيبة من هوازن فى حرب "الفجار" (الأغانى). وربما يرجع هذا التميز إلى المكانة التى كانت تتمتع بها عشيرته -بنى نصر بن معاوية- بن بنى هوازن. ولما كانت بنو نصر حلفاء لقبيلة ثقيف (الأغانى) فقد وجدوا أنفسهم فى وضع مماثل بالنسبة لثقيف ومدينة الطائف، و"الأحابيش" بالنسبة لقريش ومكة. وقد بعثوا بالمرتزقة إلى الطائف، وقاموا بمهمة الدفاع عن المدينة، وحماية البساتين الجميلة التى تغطى أراضى ثقيف من أعمال النهب التى يقوم بها المغيرون. وكانت العلاقات بينهما هادئة وودية بشكل عام، ولكن كان يحدث من حين لآخر -وبسبب النزعات الفوضوية لدى البدو عندما تكون لهم اليد العليا- أن ينتهكوا حرمة أراضى حلفائهم، مواطنى مدينة الطائف. . وهذا الموقف يجعلنا نتفهم السبب فى أن ثقيف -فى الصراع الذى كان على وشك أن يتطور ضد الإسلام- كانت على استعداد للزحف تحت لواء قائد بدوى. وفى العام الثامن للهجرة (629 م) كان محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] يستعد على رأس قوة كبيرة لمهاجمة مكة. وقد أقلعت هذه الأنباء هؤلاء الذين يعيشون فى جبال السروات (السراة) وتساءلوا فيما بينهم ألن يحاول الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-]-عندما يصبح سيد مكة- أن يغزو بلادهم. وفى هذه الأثناء نجح مالك بن عوف فى أن يضم -من أجل الدفاع المشترك- أغلبية

قبائل "قيس" الذين يستقرون على حدود نجد والحجاز. وانضمت ثقيف بقواتها إلى حلفائها من هوازن وكانت النتيجة هزيمتهم فى حنين. وكان قائدهم مالك قد خرج بفكرة مشئومة وهى الإتيان بالنساء والأطفال والقطعان مع المحاربين والمقاتلين. وقد وقعت هذه الغنائم الهائلة كلها فى أيدى المسلمين. ولم يستطع الجانب المهزوم أن يعترض بأنه أبلى بلاء حسنا فى ميدان القتال. ولكن تقاليد بنى هوازن تحاول المستحيل فى أن تخفى هذا الفشل وتنقذ سمعة مالك، ويقال إن مالكا بعد هذه الهزيمة المنكرة قد ضحى بنفسه فى شجاعة ليغطى انسحاب رفاقه فى القتال. وهذه الرواية ذاتها تنسب إليه أنه ارتجل أشعارا كثيرة بهذه المناسبة، والتى حاول فيها -على عادة أبطال الأساطير البدوية القديمة- أن يبرر هروبه ويعتذر عنه. وقد حاول مالك أن "يتحصن" فى "ليا"، على بعد ساعات قليلة جنوبى الطائف، حيث كان له حصن هناك، ولم يكن هذا الحصن سوى أسوار من القرميد مثل القلعة الصغيرة فى اليمن والتى وصفها "المقدسى" فى كتابه أحسن التقاسيم. واستطاع الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] أن يدمر قلعة مالك بسهولة ويسر، وعندما علم مالك باقتراب المسلمين، وجد من الحكمة أن يحتمى وراء تحصينات الطائف. وفى هذه الأثناء تجمعت كل الغنائم التى حصل عليها المسلمون فى حنين فى معسكر فى "جعرانة"، ومن بينها عائلة مالك والقطعان. وإلى هوازن ذهب مندوبون للتفاوض حول فدية الأسرى، وقال محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] إنه إذا جاء مالك ليعتنق الإسلام، فإنه سوف يعيد إليه عائلته وممتلكاته بالإضافة إلى مائة من الإبل، ومهما يكن القرار الذى اتخذه مالك، فإن هذا البيان (من جانب الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] لم يجعل من المتعذر أن يتفاهم مع ثقيف. واعترف بحق أن موقفه فى الطائف ضعيف ولا يمكن الدفاع عنه ونجح فى أن يفر من المدينة ويستسلم للرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-]

المصادر

الذى وفّى بوعده حرفيا- ونطق مالك بشهادة المسلمين، وحسن إسلامه، كما يقال فى الصيغة التقليدية. وقد كان لهذا الرجل الذى اهتدى أخيرا للإسلام والإيمان، صلات واسعة، وكان يعرف تماما منطقة (إقليم) ثقيف. . وقد سعد الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] إذ استخدمه ضد الطائف التى لم يستطع أن يأخذها بالقوة. . ووضع مالك على رأس قبائل "قيس" الذين اعتنقوا الإسلام، لذلك نظم مالك خرب عصابات ضد الحلفاء القدامى فى ثقيف. فلم تكن تستطيع أية قافلة أن تترك الطائف دون أن يعترضها رجال مالك. وبعد أن أرهق هذا النضال المتواصل أهل ثقيف، قرروا أن يتوصلوا إلى تفاهم. وأصبح مالك عندئذ مندوب الرسول بين بنى هوازن. وعندما ولى أبو بكر كان أيضا مندوبا له. وقد اشترك فى حروب الفتوحات، وكان موجودا عند الاستيلاء على دمشق، وفى نصر القادسية فى العراق. المصادر: (1) ابن هشام: فى السيرة. (2) ابن قتيبة: فى المعارف. (3) ابن سعد: فى الطبقات. (4) النووى: فى تهذيب الأسماء. (5) ابن الأثير: فى أسد الغابة. (6) H. Lammens: La cite arabe de Th'if A la veille de l'hegire بهجت عبد الفتاح عبده [هـ. لامنس H. Lammens] مالك بن نويرة ابن جمرة بن شداد بن عبيد بن ثعلبة بن يربوع التميمى شقيق الشاعر متمم كان هو أيضا شاعرا، وكان يعتبر زعيم بنى يربوع فى عهد الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-]. ويعد بنو يربوع إحدى أقوى قبائل حلف تميم، وقد شاركوا فى العديد من المعارك فى الجاهلية. ويوصف مالك عادة كمقاتل شجاع نبيل وطموح، غير أن المادة الغزيرة والمفصلة التى تتعلق بـ "أيام" يربوع لا تذكر شيئا عن أعماله البطولية. كما أن أبيات الشعر القليلة المنسوبة إليه عن

بعض المعارك لا تدل بالضرورة على أنه شارك فيها. ومن ثم، يبدو أن شهرة مالك كزعيم ومقاتل فى الجاهلية ليست لها أسس متينة. لكن الأرجح أن مالكا حظى بهذه الشهرة بفضل قصائد أخيه متمم الذى أسبغ عليه الكثير من صفات المجد فى مرتبات أصبحت من الأكثر شهرة فى الأدب العربى. ولا يعرف الكثير عن موقف مالك تجاه الإسلام أثناء حياة الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-]. ويقال إن الرسول كلفه بجمع الزكاة من عشيرته فى السنة التاسعة أو الحادية عشرة من الهجرة. وعلى العكس من المعلومات القليلة عن حياة مالك هناك وفرة وغزارة فى التفاصيل الخاصة بملابسات وظروف وفاته. ذلك أن إعدامه خلال حروب الردة، بأمر من خالد بن الوليد، قد أثار خلافا شديدا بين المسلمين. فقد ادعى البعض أن مالكا كان مرتدا وبالتالى يستحق ما انتهى إليه، فى حين أكد آخرون أنه كان مسلما وأن خالدا أمر بقتله لخلاف بينهما. وتعكس هذه القصة الجدال الشرعى والعقائدى المتعلق بشروط اعتباره شخصا ما مسلما. ويتعين بحث كل تفاصيل روايات إعدام مالك فى ضوء هذا الجدال. وقد اتفقت المصادر على أن مالكا قتل بواسطة المسلمين فى العام الحادى عشر من الهجرة. وهناك -بشكل عام- ثلاث روايات مختلفة للأحداث. تحكى الرواية الأولى: وهى الأكثر ذيوعا- أن مالكا عندما علم بوفاة الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] حبس الزكاة التى كان قد جمعها، وأعادها إلى عشيرته بدلا من أن يرسلها إلى المدينة. وعندما بلغ ذلك أبا بكر غضب غضبا شديدا وجعل خالد بن الوليد يقسم أمامه أن يقتل مالكا إذا أمسك به. وأثناء تقدم خالد فى نجد بعد أن هزم بعض القبائل المتمردة، أسرت مفرزة من جيشه أثنى عشر رجلا من يربوع، كان مالك من بينهم، فاقتادوهم إلى خالد الذى أمر بقتلهم رغم أنهم أعلنوا إسلامهم. ثم تزوج أرملة مالك بعد ذلك.

المصادر

وتربط الرواية الثانية بين مالك وسجاح التى ادعت النبوة عقب وفاة الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-]. فعندما بلغت سجاح وجيشها أرض تميم أقنعها مالك بعدم الزحف إلى المدينة وأن تنضم إليه فى حربه ضد خصومه من بنى تميم. ودارت معركة لقى فيها الحليفان الهزيمة فأمر مالك رجاله أن يتفرقوا ويعلنوا إسلامهم وانسحب إلى مقر إقامته حيث أسره جيش المسلمين وأمر خالد بقتله. أما الرواية الثالثة فتحكى أنه أثناء تقدم خالد فى نجد عسكر بجيشه فى سهل تقيم فيه عشائر يربوع ثم هاجم عشيرة مالك (ثعلبة) لأنه لم يسمع الأذان يدعوهم للصلاة فى مواقيتها. فدافع مالك ومن معه ببسالة حتى استسلموا وأعلنوا إسلامهم، فمنحهم خالد الأمان لكنه أخل بوعده وأمر بقتل مالك لأنه تذكر قسمه لأبى بكر. ويصعب بالطبع الجمع بين الروايات الثلاث للحصول على رواية واحدة مترابطة، وبالتالى يبدو أن الحقيقة وراء سيرة مالك وموته ستظل مدفونة تحت ركام من الروايات المتضاربة. المصادر: (1) ابن حبيش: "كتاب ذكر الغزوات والفتوح"، ms. Leiden, Qu. 343 pp. 13, 28 - 30 (2) ابن الأثير، "أسد الغابة"، S.V.V مالك بن نويرة، ضرار بن الازور. (3) تبريزى "شرح الحماسة"، ed-Fueytag, 3 mo-2 (4) بغدادى، "خزانة"، ed عبد السلام هارون، القاهرة 1387 هـ/ 1967 م، بالنسبة للدراسات الحديثة عن سيرة مالك انظر Noldeke: Hanoueu 1864, 87 - 95, 134 لبنى الريدى [تسريم، لاندن Ella - Landan - Tasseram] المالكية المالكية هم الذين يتبعون تعاليم الإمام مالك بن أنس (المذهب المالكى) الذى توفى فى المدينة عام 179 هـ/ 795 م.

1 - المذهب

فى القرن الثانى للهجرة/ الثامن للميلاد كانت المذاهب الإسلامية متعددة فكان من الضرورى الخروج بنص موحد يلتزم به القضاء، فعرض الخليفة العباسى الثانى أبو جعفر المنصور (المتوفى عام 159 هـ/ 775 م) على قاضى المدينة مالك بن أنس اقتراحا بوضع نظام قضائى يوحد المناهج المختلفة التى كانت مطبقة فى البلاد الإسلامية المختلفة وكان هذا المشروع يخدم سياسة العباسيين، ويرجع اختيار مالك لهذه المهمة أنه يمثل المدينة المنورة التى ترعرعت فيها مبادئ الإسلام، ولأنه من شبه المؤكد أنه عندما عرض عليه هذا الاقتراح كان مذهبه قد انتشر عن طريق تلاميذه فى المغرب وفى الأندلس. 1 - المذهب: المصادر: تنبع أصالة تعاليم مالك من أنه أدخل فى كتابه الموطأ عمل أهل المدينة واعتبره طريقة شرعية معترفا بها. ويعتبر الموطأ أقدم عمل فقهى عاش حتى يومنا، وهو رسالة فى الفقه مؤسسة على الحديث النبوى الشريف الذى يلعب دورا مهما فى الاستشهاد الفقهى والاستدلال القضائى ويتناول موضوعيه: العبادات والمعاملات ويحتوى الموطأ، فى آخر طبقاته، على مائ حديث و 222 مرسل و 613 موقوف و 285 فتوى للتابعين، وجميع المذكورين فى الموطأ إما من أهل المدينة أو من الذين أقاموا فى مكة والمدينة من الذين اقاموا فى مكة والمدينة، وكما أن غالبية الأحاديث المذكورة فيه مروية عن عبد اللَّه بن عمر. ويرجع نجاح الموطأ إلى أنه يمثل الاتجاه المعتدل الذى كان سائدا فى المدينة حينئذ بالإضافة إلى أنه شهادة على المستوى الفقهى الذى بلغه إجماع الرأى فى المدينة. وعلى هذا فإن الموطأ يعتبر دستورا شرعيا وفقا للتفسير العملى للشريعة والعقيدة طبقا لما جاءت به السنة واجمع عليه أهل المدينة بالإضافة إلى آراء مالك الشخصية والمصدر الرئيسى الثانى فى دراسة مذهب الإمام مالك هو كتاب المدونة الكبرى الذى ألفه سحنون القيروانى (160 - 240 هـ/ 776 -

854 م) وهو مجموعة من آراء الإمام مالك الفقهية ويتضمن تصحيحات وإجابات أرسلها ابن القاسم العتاقى (المتوفى عام 191 هـ/ 806 م) تلميذ مالك إلى سحنون طبقا لآراء مالك نفسه وآراء معاصريه وشيوخه فى الحديث ومنهم الزهرى (المتوفى عام 123 هـ/ 740 م) ونافع (المتوفى عام 116 هـ/ 743 م) وربيعة الرأى. ويسمى المدونة أيضا المختلفة لأنه تمت ونقحت وأضيف إليها مختلفة، بالرجوع إلى الأسدية لابن الفرات (المتوفى عام 213 هـ/ 828 م) وهو قام على أساس المذهبين المالكى والحنفى بالعراق وتعود الأهمية العملية للمدونة إلى أنها تصور العلاقة بين الدين والتجارة وأنه يتناول الإجراءات التجارية (التوثيق وإثبات البيع وجميع المعاملات التجارية). للمدونة عدد كبير من الشروح منها ما ترجم إلى لغات أخرى، وأول ما نذكر من هذه الأعمال كتابى اختصار المدونه والنوادر والزيادات على المدونة لابن أبى زيد القيروانى (المتوفى عام 386 هـ/ 996 م) وهو ملخص لمدركات المذهب ألحق به دراسة لحالات لم يتوقعها سحنون. وابن أبى زيد القيروانى هو مؤلف كتاب الرسالة المشهور وهو خلاصة مذهب مالك. ومن الأعمال التى تحظى بالاهتمام فى شمال أفريقيا كتاب تهذيب المدونة لأبى سعيد البرذعى (المتوفى عام 400 هـ/ 1009 م). وبعد زيارته لمصر ضيفا على ابن القاسم، كتب ابن حبيب الأندلسى (المتوفى عام 238 هـ/ 845 م) الواضحة، واختصره أحد تلاميذه وهو العتبى (المتوفى عام 255 هـ/ 845 م) فى كتاب أسماه العتبية، كما دفع كتاب المدونة ابن حاجب (المتوفى عام 646 هـ/ 1248 م) إلى إعادة كتابه مبادئ مدرسة الإمام مالك فى كتابه مختصر فى الفروع، وكتب خليل بن اسحق (المتوفى عام 776 هـ/ 1374 م) مختصرًا لهذا المختصر، وقد ترجم هذا العمل إلى الفرنسية مرتين وإلى الإيطالية، كما ترجمت أجزاء منه. وهذا المختصر الذى

انتشار المذهب.

يعتبر مرجعا أساسيا فى الفقه المالكى، لا يكاد يستعمل بدون شرح، ومن أحسن ما كتب فى شرحه: - الشرح على مختصر خليل للزرقانى (المتوفى عام 1099 هـ/ 1687 م) المنشور فى القاهرة عام 1307 م مع شرح للبنانى (وهى طبعة لها قيمة كبرى فى الشرق الإسلامى). - الشرح الصغير للدردير (المتوفى عام 1201 هـ/ 1786 م). - الشرح الكبير لنفس المؤلف. مع تعليقات للدسوقى. - مختصر خليل للخرشى مع تعليقات للعدوى. - الجزء الأول من كتاب مواهب الجليل لشرح مختصر سيدى خليل المواقى، جزء 3, 4، وأبو الوليد الباجى (المتوفى عام 474 هـ/ 1081 م) مناظر شهير ومؤلف كتاب مختصر فى مسائل المدونة وكتاب منتقى شرح الموطأ. انتشار المذهب. طبقا لما ذكره ابن خلدون، كانت المدرسة المالكية (المذهب المالكى) حتى القرن الخامس الهجرى/ الحادى عشر الميلادى تنقسم إلى ثلاث اتجاهات (طرق)، القيروانية والأندلسية والشرقية وتضم سلاسل النقل العراقية والمصرية والسكندرية، وفيما يلى السلاسل التى انتقل عن طريقها المذهب من الإمام مالك فصاعدا: السند القيروانى: ابن القاسم (المتوفى عام 191 هـ/ 806 م) وسحنون (المتوفى عام 213 هـ/ 828 م) الذى أخذه عن أسد بن الفرات (المتوفى 213 هـ/ 828 م) ومن تلاميذ أبى حنيفة عن هذه الطرق غير المباشرة. وبعد سحنون، هناك شروح أبى زيد القيروانى (المتوفى عام 386 هـ/ 996 م) والبرذعى (المتوفى عام 400 هـ/ 1009 م) وابن يونس (المتوفى عام 451 هـ/ 1059 م) وابن محرز (المتوفى عام 450 هـ -/ 1058 م) والتونسى (المتوفى عام 443 هـ/ 1051 م) واللخمى (المتوفى عام 478 هـ/ 1085 م)، وقد رسخت هذه السلسلة شهرة المدونة وشروحها فى المغرب العربى.

السند الأندلسى

السند الأندلسى: يحيى بن يحيى الليثى (المتوفى عام 234 هـ/ 848 م) والأصبغ (المتوفى عام 224 هـ/ 838 م) وابن ماجشون (المتوفى عام 214 هـ/ 829 م) والمطرف (المتوفى عام 220 هـ/ 806 م) وابن قاسم (المتوفى عام 191 هـ/ 806 م) الرأى نقل إلى ابن الحبيب (المتوفى عام 238 هـ/ 845 م) وهذا بدوره إلى العتبى (المتوفى عام 255 هـ/ 869 م). وتكن السلسلة الأندلسية أعظم تقدير للعتبية وأفضل شرح لها هو البيان لابن رشد (المتوفى عام 520 هـ/ 1126 م). السند العراقى: القاضى اسماعيل (المتوفى عام 246 هـ/ 860 م) وابن خوايز منداد وابن اللبان وابن الأبهرى (المتوفى عام 375 هـ/ 985 م) الذى نقله إلى عبد الوهاب (المتوفى 421 هـ/ 1030 م) الذى أثر بشكل مباشر وعميق فى السند المصرى بعد استقراره فى مصر. السند المصرى: ابن عبد الحكم (المتوفى عام 214 هـ/ 829 م) وابن القاسم (المتوفى عام 191 هـ/ 806 م) وأشهب (المتوفى عا م 204 هـ/ 819) والحارث بن سكين (المتوفى عام 250 هـ/ 864 م) الذى ورثه من ابن القاسم وأشهب. ويعتبر العلماء الآتى أسماؤهم أهم حلقات سلسلة النقل هذه: ابن الرشيق (المتوفى 632 هـ/ 1234 م) وابن الحاجب (المتوفى عام 664 هـ/ 1148 م) الذى أخذ عن السند السكندرى من ابن عنان (المتوفى عام 541 هـ/ 1146 م) وابن عوف (المتوفى عام 581 هـ/ 1185 م) ناقلا إلى القرافى (المتوفى 684 هـ/ 1285 م). وكان أبو بكر الطرطوشى (المتوفى عام 520 هـ/ 1126 م) حلقة الوصل بين النقل الشرقى والأندلسى وذلك فى القرن السادس/ الثانى عشر حيث ارتحل إلى مصر وعمل مدرسا فى الإسكندرية، وكانت نتيجة هذا الإتصال بالمدرسة المصرية، التى كانت قد تأثرت تأثرا كبيرا بالنقل العراقى عن طريق القاضى عبد الوهاب، الإنصراف عن المدونة والعتبية لصالح المختصر فى الفروع لابن الحاجب (المتوفى عام

المبادئ والنظرية الفقهية

646/ 1248) وذلك فى القرن السابع الهجرى/ الثالث عشر الميلادى. واستمر هذان العملان الأساسيان فى المذهب المالكى واللذان أديا إلى إنتاج مجموعة كاملة من الكتابات الفقهية التى استمرت مؤثرة لفترة من الزمن حتى بعد انتهاء دور قرطبة والقيروان كمركزين للعلم، ولكنها فقدت تأثيرها فى نهاية القرن 8 هـ/ 14 م. المبادئ والنظرية الفقهية: أسست المدرسة المالكية المذهب المالكى، مثلها فى ذلك مثل باقى مدارس (مذاهب) الإسلام السنية، تستقى مبادئها من القرآن والسنة والإجماع، ولكن هناك اختلافات بينها وبين باقى المذاهب، ففى حين أن هناك اجماعا على (القرآن) إلا أن هناك فرقا أساسيا فيما يتعلق بالسنة، فالسنة عند مالك هى أحاديث النبى محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وأصحابه ولا يدخل فيها أحاديث على [رضى اللَّه عنه] التى تضمنها بعض المدارس الأخرى إلى السنة. (بالرغم من رفض مالك الإختيار بين على وعثمان، إلا أنه يقر لهما بالخلافة مع تفضيل عثمان، الأمر الذى يبدو أكثر احتمالا باعتبار أن هذه المدرسة ازدهرت فى البصرة فى بيئة عثمانية). بالإضافة إلى الإجماع، بمعنى إجماع أهل المدينة الناتج عن عمل أهل إجماع أهل المدنية الناتج عن عمل أهل المدينة الذى قد يقدمه على الحديث، فقد اعتبر رأى أهل المدينة شاهدا على أعمال النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-]. والحديث عند مالك ليس هو المصدر الأهم بل يضيف إليه الرأى عندما لا يعطى الإجماع الإجابة عن المسألة بشرط ألا يخالف ذلك المصلحة، وكان يعاب على مالك أحيانا اسرافه فى استخدام هذا الأسلوب. ويستخدم المالكية القياس، الذى يعترض عليه كثير من أهل السنة، فى حالات إجماع الأمة. المالكية والمخالفين. كان عدم تسامح مالك تجاه المنشقين سبب النجاح الكبير لمدرسته، وكان عداؤه للقدرية والخوارج لأنه يعتبرهم مثيرى الفتن بين الناس وأدوات للفساد وكان

المالكية والتصوف.

على الخارجى أن يتوب، فإذا رفض وقعت عليه عقوبة قاسية. أما الزنديق فلا تعرض عليه التوبة، وإنما يعدم فورًا جزاءً على ردته. وكان الخلفاء العباسيون عادة يحيلون قضايا الهراطقة ومثيرى الفتن أو من يعتبرونهم كذلك إلى قضاة مالكيين، فكان أبو عمر بن يوسف قاضى قضاة المالكية فى بغداد هو الذى حاكم الحلاج وحكم بإعدامه عام 319 هـ/ 922 م. وبنفس الطريقة أعدم متطرفان من الشيعة فى القرون الوسطى هما حسن ابن محمد السكاكينى الذى اعدم فى دمشق عام 744 هـ/ 1342 م وعلى بن الحسن الحلبى الذى اعدم 755 هـ/ 1342 م. المالكية والتصوف. كمبدأ، لا مكان للتصوف فى مدرسة مالك، فهناك حديث عن النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] ينهى عن الرهبانية بل يعتبرها بدعة، ولكن كان هناك اتجاه نحو الزهد لم يلفت الأنظار حتى القرن الثانى الهجرى/ الثامن الميلادى ولكن نتيجة للنشاط الفكرى الكبير الذى حدث فى الشرق الإسلامى ابتداء من نهاية ذلك القرن، انتشرت الصوفية انتشارا كبيرا وبلغت حجما مزعجا بالنسبة للاعتدال الذى كان سائدا. ففى المغرب، كان للصوفية مكانة فى دولة المرابطين بالرغم من الفتاوى التى صدرت تدين وتلعن أعمال الغزالى (المتوفى عام 505 هـ/ 1111 م)، بل إنها ازدهرت فى دولة الموحدين، أما فى الأندلس، حيث لم يكن هناك تسامح، فقد تمتعت الصوفية بفترة نفوذ قصيرة فى زمان ابن مسرة (المتوفى عام 319 هـ/ 931 م) وتلاميذه. من الصوفية المالكية أبو القاسم الشبلى (توفى فى بغداد عام 334 هـ/ 945 م) وأبو عثمان ابن سلامى المغربى (توفى فى نيسابور عام 373 هـ/ 983 م)، وبعد الغزالى، انتصرت الصوفية على يدى عبد القادر الجيلى الحنبلى (المتوفى عام 561 هـ/ 1166 م) الذى انتشرت مدرسته انتشارا كبيرا فى الشرق والغرب الإسلاميين. ونشر أبو مدين الأندلسى مذهبه فى المغرب وكان من

الطبقات والمصادر الأخرى للمالكية وأتباعها.

تلاميذه عبد السلام بن مشيش (المتوفى عام 624 هـ/ 1227 م) شيخ الشاذلى (المتوفى عام 656 هـ/ 1258 م) الذى تعلم فى إفريقيا ومصر وله مريدون كثيرون فى سوريا والحجاز، ومنذ ذلك الوقت دخل كثير من المالكية فى التصوف، وفى سوريا تأسست جماعة كبيرة حول ابن العربى أعظم صوفيى الأندلس وبنيت الزوايا لأتباعه، ومن الصوفية المالكية أيضا محمد بن أحمد البساطى (المتوفى عام 842 هـ/ 1438 م)، القاضى المالكى وشيخ الصوفية فى القاهرة وعلى بن محمد القرشى (المتوفى بالإسكندرية عام 808 هـ/ 1405 م)، ومنهم ذو النون المصرى الصوفى المصرى الشهير الذى أدخل المعرفة إلى طريقته، وهو محرر نسخة من الموطأ. الطبقات والمصادر الأخرى للمالكية وأتباعها. بالرغم من أن أول كتاب فى طبقات المالكية كان لابن أبى دليم (المتوفى عام 351 هـ/ 962 م) بعنوان كتاب الطبقات فيمن يروى عن مالك وأتباعهم من أهل الأمصار، إلا أنه لا يعتبر العمل الأساسى سواء بالنسبة للطبقات أو تاريخ المذهب، أما العمل الأساسى فهو الثانى فى ترتيب الظهور وهو كتاب ترتيب المدارك وتقريب المسالك للقاضى عياض (المتوفى عام 544 هـ/ 1149 م)، وترجع أهمية هذا المرجع إلى أنه يحتوى على دراسة مطولة لحياة مالك وأعماله ونشوء مذهبه وأسباب انتشاره قبل دراسة الإنتشار نفسه، وذلك بالإضافة إلى سيرة علماء المالكية فى الشرق والغرب الإسلاميين، ويتضمن كتاب ابن فرحون الأندلسى (المتوفى عام 799 هـ/ 1396 م) المسمى الديباج المذهب فى معرفة أعيان علماء المذهب سير علماء المالكية الذين عاشوا بعد عياض حتى نهاية القرن الثامن الهجرى/ الرابع عشر الميلادى. ألف السخاوى الشافعى (المتوفى عام 780 هـ/ 1278 م) كتاب طبقات المالكية ويعتمد فيه على حوالى عشرين مرجعا مذكورين فى الخاتمة. هناك أيضا كتابان فى الطبقات على كتاب

2 - انتشار المذهب

الديباج لابن فرحون هما نيل الابتهاج بتطريز الديباج لأحمد بابا (المتوفى عام 1032 هـ/ 1622 م) المطبوع على حاشية الديباج وكتاب توشيح الديباج للقراضى (المتوفى عام 1008 هـ/ 1600 م). والكتاب الأخير فى طبقات المالكية هو كتاب شجرة النور الزكية فى طبقات المالكية لمحمد مخلوف التونسى الذى عاش فى بداية القرن العشرين، وقد نشر هذا الكتاب فى القاهرة عام 1931 م وهو اكمل المصادر لأنه يتضمن سيرة النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] والصحابة والتابعين والفقهاء البارزين فى الحجاز والعراق ومصر والمغرب والأندلس وينتهى بالشيوخ الذين تلقى المؤلف العلم عليهم عام 1922 م. 2 - انتشار المذهب: فى الشرق الإسلامى: أخذ تلاميذ مالك على عاتقهم مهمة نشر مذهبه فى الشرق والغرب الإسلاميين أثناء حياته ويخبرنا القاضى عياض فى ترتيب المدارك أن المركز الثانى للمالكية بعد المدينة كان فى مصر فى الإسكندرية وذلك عن طريق عثمان بن عبد الحكم (المتوفى عام 163 هـ/ 779 م) وسعيد بن عبد اللَّه المعافرى الذى أدخل المذهب المالكى إلى الإسكندرية وابن القاسم الذى عاش طويلا فى المدينة وكان من المقربين لمالك وعن طريقه اكتسب المذهب المالكى نفوذه فى المغرب والأندلس. وبعد وفاته عام 191 هـ/ 806 م، خلفه عبد اللَّه بن وهب (المتوفى عام 197 هـ/ 812 م) فى رئاسة المذهب فى مصر. وقد نجح هؤلاء الفقهاء فى زرع المذهب المالكى فى مصر بالرغم من الصعوبات التى نشأت من وجود المذهب الشافعى. والآن يسود المذهب الشافعى فى مصر ولكن المذهب المالكى منتشر فى الصعيد. فى كتاب رفع الإصر عن قضاة مصر، طبعة القاهرة 1957 م، يذكر ابن حجر العسقلانى (المتوفى عام 852 هـ/ 1449 م) قائمة لقضاة مصر المالكية منذ إنشاء المنصب إلى منتصف

الغرب الإسلامى

القرن التاسع الهجرى/ الخامس عشر الميلادى، ويذكر القلقشندى فى صبح الأَعشى، الجزء السابع، كيف كان المماليك يخاطبون المالكية. وفى العراق، انتشر المذهب فى منطقة البصرة على يدى عبد الرحمن الكعنبى (المتوفى عام 221/ 835) المدنى الأصل، ومن أهم الشخصيات البارزة فى المدرسة العراقية القاضى اسماعيل بن اسحق الذى لا يضارع فى تمثيل الإجتهاد المالكى فى زمانه من خلال نشاطه الفقهى والسياسى. ومن الشخصيات الشهيرة الأخرى فى المدرسة العراقية أبو بكر الباقلانى أو الأبهرى الذى نشر المذهب فى خراسان وسوريا, ولكن فى بداية القرن الخامس الهجرى/ الحادى عشر، خرج المذهب المالكى من العراق نتيجة للأزمة التى سببتها الحركة الشافعية. وفى خراسان لم يعمد المذهب طويلا أمام منافسة النظريات الجديدة. أما فى سوريا، فبعد بداية واعدة، لم ينجح المذهب المالكى فى أن يحل محل مذهب الأوزاعى ولم يستمر فيها. وفى اليمن صمد لفترة تزيد على القرن، ولكن حل المذهب الشافعى محله. أما فى المدينة، فبعد وفاة التلاميذ الأوائل للإمام مالك، فقد ضاع كل أثر لهذه المدرسة، فيما عدا بعض العلماء المالكية الذين ظهروا قبل العصر الفاطمى نذكر منهم عبد العزيز بن أبى حازم ومحمد بن دينار الجهينى (المتوفى عام 182 هـ/ 798 م) وعبد الملك الماجشون (المتوفى عام 213 هـ/ 828 م)، ولكن عادت المالكية إلى المدينة بعد انتصار المذهب السنى فى القرن الثامن/ الرابع عشر. والآن، للمذهب الشافعى نفوذ فى الحجاز وهذا لا يمنع وجود مراكز مالكية فى المدينة وفى الإمارات العربية المتحدة هناك جماعة مالكية. الغرب الإسلامى: شمال افريقيا. كان أسد بن الفرات هو الذى أدخل المالكية إلى شمال افريقيا، كما كان سحنون هو الذى رسخ قواعده كمذهب رسمى. ومنذ ذلك الوقت سادت المغرب

الأندلس

مالكية شديدة الصرامة، وبخاصة فى إفريقية تحت حكم أسرة الأغالبة. واستمر ذلك حتى وصول الفاطميين (298 هـ/ 910 م) ممثلى المذهب الشيعى مما اثار علماء المالكية فى القيروان فقاوموا المذهب الشيعى ولكن المذهب المالكى لم يستقر بشكل نهائى فى المغرب إلا بعد طرد الفاطميين من إفريقية عام 440 هـ/ 1048 م. وقد أتى هذا المذهب أحيانا فى توقف الإجتهاد فى مقابل الاهتمام بكتب الفروع. وأيد حكام المرابطين هذا الوضع وشجعوا الفقهاء على الإهتمام إلى أقصى درجة بكتب الفروع. وقد أدان الغزالى فى إحياء علوم الدين هذا الإتجاه. وقد ذهب ابن تومرت إلى أبعد مما ذهب إليه الغزالى، فقد أعلن الحرب على المرابطين متأثرا بمبادئ الغزالى، وعين نفسه حكما على الأخلاقيات وأطلق على نفسه لقب المهدى قد بعث المذهب المالكى فى شمال إفريقيا مرة أخرى على يدى الحفصيين فى افريقية ويمكن تفسير نجاح المذهب المالكى فى شمال إفريقيا بالرجوع إلى نظرية ابن خلدون (المتوفى عام 808 هـ/ 1406 م)، فهو يرى أن الثقافة البدوية هى السبب فى غلبة هذه المدرسة فى الغرب الإسلامى، فالمالكية مخلصة للحديث معادية للتفسيرات العقلية ولذلك كانت مناسبة تمامًا لعقلية البربر المغاربة الذين كانوا يرفضون أى فكرة إلا إذا كانت مستمدة من حديث. وهذا أيضًا هو السبب فى أن المالكية المغربية أكثر تشددًا من مالكية الشرق التى لم ترفض الاجتهاد. والآن يسود المذهب المالكى فى مراكش والجزائر وتونس وليبيا بالإضافة إلى التجمعات الإباضية والحنفية فى البلاد الثلاثة الأخيرة. وهو المذهب الوحيد فى موريتانيا التى هيئت، لقرون طويلة، لتقبله. الأندلس: دخل المذهب المالكى الأندلس فى نهاية القرن الثانى الهجرى/ الثامن الميلادى وحل محل مذهب الأوزاعى، وكان الذين نقلوا إلى الأندلس معتقدات إمام المدينة علماء من الأندلس تلقوا العلم عن مالك

أفريقيا وبلاد السودان

نفسه أو تلاميذه، أفضلهم زياد بن عبد الحكم ويحيى بن يحيى الليثى ويحيى بن مضر وعيسى بن دينار، وكانت هذه الطبقة من العلماء نواة لأرستقراطية دينية كانت لها قوتها طوال فترة الحكم الأموى كما جعلت المذهب المالكى هو المذهب الرسمى الوحيد فى الأندلس وقد تزامنت هذه الأوضاع التى استمرت حوالى قرنين مع وجود ناقلى مذهب الإمام مالك والسنة المدنية وشروح الموطأ وتصنيف الأجوبة. لهذا تميزت المالكية الأندلسية بالتشدد العنيد المرتبط بدراسة كتب الفروع وقد أدى سقوط الخلافة الأموية ثم ظهور ملوك الطوائف فى القرن الخامس الهجرى/ الحادى عشر الميلادى ثم سيطرة الموحدين إلى انتهاء سيادة علوم الفروع. كما شجعت اللامركزية السياسية على حدوث تجديد اجتماعى ثقافى على أيدى أمثال ابن عبد البر (المتوفى عام 463 هـ/ 1070 م) والباجى (المتوفى عام 474 هـ/ 1081 م) وابن حزم (المتوفى عام 456 هـ/ 1063 م) الفقيه الظاهرى الذى عارض المذهب المالكى والحديث وأصول الفقه، وصار الهجوم العنيف على المناهج الفقهية (الجدل) هو سمة العصر وقد استمرت طبقة الفقهاء فى وضعها المميز حتى آخر أيام ملوك الطوائف وبالذات فى غرناطة. أفريقيا وبلاد السودان: انتشر الإسلام فى السودان فى مرحلة مبكرة عن طريق النوبة إلا أنه لم يصل إلى دار فور عن طريق القبائل العربية إلا فى القرن العاشر الهجرى/ السادس عشر الميلادى، وأصبح تقدم الإسلام فى السودان واضحًا فى نهاية القرن الثالث عشر الهجرى/ التاسع عشر الميلادى بتأثير محمد أحمد المهدى، والآن يتبع أغلب مسلمى السودان المذهب المالكى ويرجعون إلى مختصر الخليل. وانتشر الإسلام حتى وصل كانم Kanem فى القرن الخامس/ الحادى عشر واستقر حول بحيرة تشاد ابتداء من القرن التاسع الهجرى/ الخامس عشر الميلادى. وفى غريب أفريقيا، دخل المذهب المالكى مع غزو المرابطين لتكرور

المصادر

(فوتاتورو) وعن طريق القبائل التى كانت تتبع غانا، وفى نهاية القرن الخامس/ الحادى عشر، بسط الإسلام نفوذه فى ساحل الذهب، وصارت تمبكتو العاصمة الإسلامية للسودان الغربى (غرب أفريقيا) فى القرن الثامن/ الرابع عشر، واستمر نفوذها إلى أن غزت مراكش مملكة سنغى Songhay عام 1000/ 1591، وفى القرن الثانى عشر الهجرى/ الثامن عشر والثالث عشر الهجرى/ التاسع عشر تأسست حكومات دينية فى فوتا جالون وفوتاتورو وذلك بعد انتصار مسلمو توكولور Toucoleur على البيول Peul. واعلن عثمان وإن فوديو التكرورى الجهاد وأسس امبراطورية سوكوتو عام 1207 هـ/ 1802 م. وأدخل سيكو حمادو بارى Seku Hamadu Bari البيولى Peul الإسلامى إلى مسينا Masina عام 1225 هـ/ 1810 م وفى عام 1236 هـ/ 1820 م أعلن الحاج عمر التوكولورى نفسه خليفة تيجانى للسودان الغربى، وقامت امبراطورية كبيرة دينها الرسمى الإسلام، ويوجد المسلمون المالكيون الآن فى السنغال ومالى والنيجر وتوجو وتشاد ونيجريا. المصادر: (1) مالك بن أنس: كتاب الموطأ، القاهرة 1951 م. (2) سحنون: المدونة الكبرى, القاهرة 1905 م. (3) القرافى: تنقيح الفصول فى الأصول، تونس 1921 م. (4) القرافى: كتاب الفروق، القاهرة 1925 م. (5) أحمد باشا تيمور: نظرة تاريخية فى حدوث المذاهب الأربعة، القاهرة 1844 م. (6) الخشنى: كتاب طبقات علماء افريقيا، القاهرة 1966 م. (7) Levi-Provencal: Le malikisme andalou, RIEEI, et les apports doctrinaux de l'Orient العدد 1 (1953 م). حسين أحمد عيسى [ن. كوتارت N. Cottart]

مالى

مالى هى إحدى ممالك القرون الوسطى الواقعة فى غرب القارة الافريقية وجمهورية مالى الحالية سميت على اسم هذه المملكة الوسيطة، سيطرت مملكة مالى الوسيطة على جميع مقاطعات مالى الحالية فى القرن الثالث عشر والرابع عشر الميلاديين، بل وامتدت لتشمل كل المناطق التى تضمها الآن جمهورية السنغال وجمبيا والنيجر. كانت المالينكى هى الجماعة العرقية الغالبة فى مالى الوسيطة، وعرفت هذه الجماعات أيضًا باسم ماندينكا Mandinka وهى من ضمن مجموعة الشعوب الناطقة بلغة الماندى. عرف تاريخ مملكة مالى الوسيطة من المصادر العربية المدونة ومن المرويات الشفهية حيث يقدم لنا المصدران وجهتى نظر مختلفة، إلا أنهما متممان لبعضهما البعض، إذ تظهر المرويات الشفهية الروح الافريقية بينما تؤكد المصادر العربية على الجوانب الإسلامية. ويصف البكرى عام 1067 م/ 460 هـ دولة مالال Malal ذات الزعامة القبلية وسط محيط من الفوضى والشعوب غير المنظمة، ويرجع التفوق النسبى لشعب المالال إلى اعتناق زعيمه الإسلام بعد قدوم زائر حدث أن صلى صلاة الاستسقاء فنزل المطر فعلا مما أنقذ البلاد من جفاف شديد ولا بد أن مالال التى وصفها البكرى كانت فى وقت من الأوقات مقسمة إلى زعامات محلية (غير موحدة) وأنها وفقا للمرويات الشفهية قد ظهرت بين شعب المالينكى. خلال القرنين الحادى عشر والثانى عشر الميلادى وقد وصل المسلمون لهذه المنطقة من أعالى نهر النيجر وهم فى طريقهم إلى مدينة بورنى Burne حيث مناجم الذهب الذى بدأ اكتشافه فى حوالى ذلك الوقت خلفت مالى (الوسيطة غانه الوسيطة أيضًا) كقوة مسيطرة فى السودان الغربى (غريب افريقيا) ولكن بين بزوغ نجم مالى وضعف غانه فى أواخر القرن الثانى عشر الميلادى، قامت جماعة السوسو

Susu الجنوبية وهم فرع من السوفنكى بغزو مناطق إلى الشمال (غانه) والى الجنوب (دويلات المالينكة). أظهرت جماعة السوسو رد فعل تقليدى تجاه الإسلام الذى أصبح آنذاك عاملا فعالا يؤثر فى بعض الزعامات القبلية, وقد قاد سنجاتا Sunjata حربا لتحرير المالينكى من حكم السوسو، واعترفت كل القوى بسنجاتا كزعيم لشعوب المالينكى ولقب بمنسا Mansa. وتوسعت مملكة مالى الجديدة شمالا نحومنطقة السهول فى النصف الأول من القرن الثالث عشر بعد الانتصار على السوسو وأصبحت التجارة عبر الصحراء الكبرى -حيث ازدهرت مجتمعات المسلمين- تنتهى جنوبا عند مالى وهكذا عمل الماليون كهمزة وصل مع العالم الإسلامى شمال الصحراء، لقد تحولت الزعامة القبلية الصغيرة المالينكى إلى مملكة متعددة الأعراق وتغلغل فيها النفوذ الإسلامى داخليًا وأرتبطت بمصالح مع العالم الإسلامى وروابط إسلامية مع العالم الخارجى فاعتنق حكام مالى الإسلام وتبنوا سياسة إسلامية شرقية. وسع منسا والى Mansa uli أو اولى ابن مؤسس مالى فتوحات أبيه وأمن حدود مالى الشمالية فى الصحراء الكبرى مما أتاح له فرصة الحج إلى مكة مارًا بالقاهرة خلال حكم السلطان الظاهر بيبرس (658 - 676 هـ/ 1260 - 1277 م) كما سجل ابن خلدون الذى ندين له بتدوين رائع لتاريخ ملوك مالى فى القرنين الثالث عشر والرابع عشر رحلة حج الحاكم ساكورا Sakura خلال فترة الحكم الثانية للسلطان الملك الناصر بن قلاوون 698 - 708 هـ/ 1299 - 1309 م ولكن أكثر هؤلاء الحكام شهرة من الحجاج الملكيين هو منسا موسى الذى زار القاهرة عام 1324 م/ 724 هـ ورسخت زيارات هؤلاء الملوك لشمال افريقيا ومصر ومكة شهرة مالى (ويشار لها غالبًا فى التاريخ المصرى باسم تكرور) كمملكة غنية بالذهب وأصبحت الروابط الدينية والحضارية والتجارية بين مصر ومالى

أكثر قوة. وفى داخل مالى كان الجميع -مسلمون وغير مسلمين- ينظرون للحجاج المسلمين بتوقير وقداسة، كما كان الحج من الأمور التى تدعم سلطان حاكم مالى وساعد أداء فريضة الحج وزيارة أراضى الإسلام الرئيسية على تنبيه الحكام إلى يسر الدين الإسلامى، كما سعى منسا موسى إلى مزيد من السياسة الإسلامية النشطة بعد عودته من الحج، فبنى المساجد وأرسل العلماء للدراسة فى الخارج (فى فاس). وفى عام 747 هـ/ 1337 م بدأ منسا موسى تبادل السفراء والمنح مع السلطان المغربى "أبو الحسن على" المرينى واستمرت هذه العلاقات الطيبة فى عهد خلفائهما حتى 762 هـ/ 1360 م. زار مالى عام 753 - 754 هـ/ 1352 - 1353 م الرحالة المغربى ابن بطوطة خلال حكم منسا سليمان أخو منسا موسى وقابل سكانا مغاربة فى العديد من مدن مالى ويظهر وصف ابن بطوطة أن الإسلام غدًا دينًا قويًا فى مالى وذكر أن حضور الملك لصلاة العيدين فى موكب رسمى تجذب غير المسلمين أيضًا. كل هذا مع بقاء عناصر من السكان على الوثنية وقد شجب ابن بطوطة ذلك كما شجب عادات جاهلية أخرى فى بلاط ملك مالى، ولكن كانت له أيضًا كلمات إطراء لخشوع المسلمين الماليين فى الصلاة وخاصة صلاة الجمعة واهتمامهم بحفظ القرآن الكريم عن ظهر قلب. وكانت للشعائر الإسلامية أهمية أكثر من الأمور التشريعية، فلم يتبع تعاليم الشريعة سوى السكان الأجانب وبعض التجار المحليين ورجال الدين. تغلغل الإسلام فى المجتمعات الإفريقية عن طريق بلاط الحكام، وكان الإسلام قويًا ولعلمائه شأن خاصة فى المدن الإسلامية المحضة والمراكز التجارية فى المقام الأول، واحترمت ملوك مالى استقلال هذه المدن التى كانت مدينة تمبكتو أهمها جميعا. وتحولت تمبكتو إلى مدينة تجارية ومركزا حضاريًا إسلاميًا مهما منذ القرن الرابع عشر الميلادى، ونشأت

هذه البلدة كمكان للمعسكرات الصيفية ومركزًا تجاريًا للطوارق. ومع بداية القرن الخامس عشر الميلادى امتلأت تمبكتو بالفقهاء من مختلف أنحاء غريب أفريقيا، ومن علماء تمبكتو البارزين موديبو محمد Modiba Mohammed الذى أتى من مدينة كابور Kabor المطلة على نهر النيجر جنوب تمبكتو. وذكر ابن بطوطة هذه المدينة جنبًا إلى جنب مع مدينة دياغا Diagha التى كان أهلها مسلمين يسهل التعرف عليهم من تقواهم وبحثهم الدائم عن المعرفة. ضعفت مالى أواخر القرن الرابع عشر الميلادى بسبب المتنافسين على خلافة الحكم مما أفقدها السيطرة على المقاطعات فى مناطق السهول وفى عام 837 هـ/ 1433 - 1434 م إنتقلت تمبكتو إلى أيدى الطوارق، فقد شجع الفراغ السياسى الذى نتج عن إنهيار مالى إلى توسع مملكة سنغى (صنغى) Songhay التى ظهرت غرب النيجر. وواكب سيطرة سنغى على المنطقة الشمالية لجمهورية مالى الحالية فى النصف الثانى من القرن الخامس عشر والقرن السادس عشر الميلادى أشهر مراحل التاريخ الفكرى والاقتصادى لمدينة تمبكتو، وأعيد ترتيب تاريخ سنغى من الرسائل الشخصية لأحمد بابا 1036 هـ/ 1627 م, ومن تاريخ تمبكتو فى منتصف القرن السابع عشر، وتاريخ السودان للسعدى وتاريخ الفتاش لابن المختار. كانت جنى Djenne التى ربطها نهر النيجر مع مدينة تمبكتو مركزًا تجاريًا واسلاميًا لبلاد السودان الغربى. وعن مستوى التعليم الإسلامى فى جنى يمكننا معرفة ذلك من خلال السيرة الذاتية لاثنين من أبنائها وهم محمد وأحمد باغيوغو اللذين انتقلا لتمبكتو وأصبحا من علمائها البارزين. وهناك أيضًا التجار المسلمون من الديولا والماركا الذين وسعوا نشاطهم جنوبًا حتى النطاق الغابى ونقلوا معهم تعاليم الدين الإسلامى. وامتدت إمبراطورية سنغى على طول نهر النيجر حتى مدينة جنى فى الجنوب وتقلصت مالى إلى مدن

المالكينكى الرئيسية ولكنها استمرت فى شن الهجمات حتى بداية القرن السابع عشر الميلادى، وكانت نيانى Niani عاصمة مالى تقع على نهر سنكارانى Sankarani أحد روافد أعالى نهر النيجر (فى غينيا حاليًا). مكثت مالى لفترة تعد أطول من القوتين الأخريين بالسودان الغربى (غريب أفريقيا) وهما غانه وسنغى بسبب عمق جذورهما السياسية والعرقية فى إقليم السافانا، فكانت مراكز كليهما تقع فى السهل الشمالى مما جعلها عرضة لأى تدخل خارجى كما حدث أيام المرابطين فى القرن الحادى عشر الميلادى والمغاربة أواخر القرن السادس عشر الميلادى. وفى عام 1591 م أرسلت حملة مغربية مؤلفة من قوة عسكرية بقيادة السلطان أحمد المنصور الذى هزم جيش سنغى لتفوق حملته فى الأسلحة النارية وبمساعدة جاو Gao وتمبكتو وجنى. وأصبحت تمبكتو عاصمة بشلق ولكنها سرعان ما استقلت فعليًا عن المغرب وحكمتها طبقة عسكرية مؤلفة من أبناء الغزاة المغاربة والمعروفين باسم الرماة أو أرما، وقد ظل البشلق موجودا بالفعل حتى بداية القرن التاسع عشر الميلادى، ثم ضعفت مالى لتصبح مملكة محدودة الأهمية خلال القرن الخامس عشر والسادس عشر الميلادى، ولكن البرتغاليين الذين وصلوا إلى غمبيا حينذاك كانوا على دراية تامة بقوة حاكم مالى داخليا والذى امتد نفوذه حتى الساحل الاطلنطى، وساعدت هجرة مقاتلى المالينكى والفلاحين والتجار إلى غمبيا على توسع مالى غربًا. وفى عام 1621 م أبحر الرحالة البريطانى جوبسون Jobson إلى أعالى نهر غمبيا وقابل العديد من التجار المسلمين ورجال الدين الذين كانوا يتحركون بحرية بجميع الأماكن حتى فى وقت الحرب (¬1). وأصبح الإسلام فى مالى وسنغى جزءًا من النسيج العام على المستوى الفكرى والتنظيمى، بل وحتى الملوك العظام (الاساكى والمناسى)، الذين ¬

_ (¬1) ترجم جانب كبير من هذه الرحلة فى أشهر الرحلات إلى غرب أفريقيا -سلسلة الألف كتاب- الهيئة المصرية العامة للكتاب). (المترجم)

تعرضوا لمؤثرات إسلامية خارجية وحكموا فى مراكز التعليم الإسلامى ظلوا متعلقين بالتراث الوثنى، واقتصر الإسلام بوجهه الخالص على تجار المدن والعلماء. واستمر الحال كذلك فى القرنين السابع عشر والثامن عشر سوى أن حكام الدول الصغيرة التى ظهرت كنتيجة لتفتيت الامبراطوريات العظمى لم يكن لهم أى اتصال بالمراكز الإسلامية نظرًا لفرة الإقليمية التقليدية. وكان البمبارا Bambara وهم أحد الجماعات العرقية الأساسية فى مالى حاليًا قد ارتبطوا بقوة مع المالينكى وهم يتحدثون بلهجة مماثلة مطلقين على أنفسهم اسم بانمانا Banmana، ويدل مصطلح بمبارا على معنى الشكوكيين "الكفرة". ففى مالى القديمة كانوا بين الرعية وعامة الفلاحين الذين ليس لهم نصيب فى الحضارة الإمبراطورية التى كان الإسلام أحد دعائمها الهامة. وتلى ضعف مالى دخول البمبارا فى عملية بناء دولة بلغت ذروتها بتأسيس دولة السيجو Segu وكارتا Kaarea البمبارية فى القرن الثامن عشر الميلادى. ومع ظهور العشائر البمبارية على الساحة السياسية تولى زعماؤهم السلطة تحت النفوذ الإسلامى. واخترقت المبادئ الإسلامية حضارة البمبارا. وامتدت الحدود الشمالية لمالى الحديثة فى جنوب الصحراء الكبرى ونتج عن هذا اختلاط بالعناصر البربرية وعلى هذا فسكان مالى -مثل سكان النيجر وتشاد- يتكونون من رعاة جنوب الصحراء الكبرى وفلاحى السهول والسفانا. ولعب التوتر بين هذين القطبين دور، مهما فى الحياة السياسية لهذه الدول رغم تحديد فرنسا الاستعمارية للحدود الحالية، فالتفاعل بين الصحراء والسهل له عمق تاريخى طويل. وكان لجنوب الصحراء الكبرى أهمية استراتيجية بالنسبة لدول غريب افريقيا كمخرج لطرق التجارة الصحراوية، ومن جهة أخرى جذبت المراعى الواعدة للسهل رعاة الصحراء الجنوبية خاصة فى سنوات الجفاف. فحينما تسيطر دولة قوية على السهل (كغانا فى القرن الحادى عشر

الميلادى ومالى فى القرن الرابع عشر وسنغى فى القرن السادس عشر الميلادى) فإن سلطتها تمتد حتى الطوارق فى جنوب الصحراء الكبرى ولكن تخلل تلك العصور تمركز الرعاة جنوبا، ومع ضعف قوة البشلق فى النصف الثانى من القرن السابع عشر الميلادى بدأت أكثر الغزوات حسب للطوارق لمنحنى النيجر. ولم يكن جنوب الصحراء الكبرى مجرد تهديد للسهل فحسب بل مسقط رأس القيادة الروحية والدينية. وكان أكثر العلماء سيطرة فى تمبكتو من قبيلة صنهاجة البربرية مثل أسرة أفيت Akit الشهيرة. وقد هذب من قسوة رعاة الصحراء ظهور رجال صالحين من أسر متدينة كان لمكانتهم الدينية أثر سياسى، وفى القرن الثامن عشر أسست عشيرة الكونتا Kunta وهى من أصل بربرى عربى واحدة من مراكزها فى أزود Azawad الواقعة شمال تمبكتو. وكان زعيمهم سيدى مختار الكونتى (1728 - 1811 م) قد تغلغل مع جماعة من الطوارق المحاربين واستطاع بسط نفوذه على منحنى النيجر ومدينة تمبكتو، وامتدت سلطته الدينية كزعيم لجماعة القادرية الصوفية التى انتشرت لأول مرة بصورة فعلية بين المجتمعات الإسلامية فى إقليم السافانا عن طريق أتباع سيدى المختار الكثيرين. وساهم دخول الصوفية إلى السودان الغربى (غريب أفريقيا) فى إحياء الإسلام وروح النضال التى تمخضت عنها روح الجهاد، فبدأ الشيخ أحمد وأحد أتباع القادرية فى مدينة كنتى الجهاد ضد زعماء عشيرة الفولبى Fulbe, فى ماسينا Massina التى مارست اسلامًا مشوبًا ببعض الخرافات. كما تحدى السلطة الدينية للعلماء الرسميين فى مدينة جنى لإقرارهم وجود نظام اجتماعى سياسى لا يترك إلا دورا هامشيا للإسلام، ونتج عن نجاح الشيخ أحمد عسكريًا إنشاء دولة ثيوقراطية عاصمتها مدينة حمد اللَّه الجديدة، والتى مكثت لأكثر من أربعين عامًا تحت القيادة الناجحة للشيخ أحمد وابنه وحفيده من بعده. وفى عام 1862 م غزا مدينة حمد اللَّه ودمرها أحد المجاهدين المناوئين، وهو

الحاج عمر بن سعيد الذى سد عليه الفرنسيون الطريق إلى وطنه فوتاتور Futa tora الواقعة فى السنغال الأدنى فوجه جهوده شرقًا نحو دولة البمبارا وهجم آنذاك على دولة حمد اللَّه الثيوقراطية التى لعنها لانحيازها لدولة بمبارا التى اعتبرها كافرة. ولكن خلف هذا الستار كمن صراع ضار بين جماعتين من الصوفية وهما القادرية فى مدينة حمد اللَّه والتيجانية التى يتزعمها الحاج عمر. وقدمت التيجانية نموذجا لطريقة أكثر قوة وأصولية وشعبية تتحدى به الطريقة الارستقراطية التى قامت على أساسها الطريقة القادرية، امتعض زعيم القادرية أحمد البكائى Ahmed Al Bakai " حفيد سيدى المختار الكونتى الأكبر" من العدوان الواقع على حمد اللَّه، فهب لمقاومة التهديد التيجانى للحاج عمر الذى قتل فى إحدى المعارك عام 1864 م. حكم "أحمد" ابن الحاج عمر قرابة ثلاثين عاما فى مدينة سيجو Segu عاصمة بمبارا السالفة، وقوى سلطانه بسبب جيشه المؤلف من أتباع توكولور Tokolor ومن المجندين الإلزاميين ضد المقاومة المستمرة للجماعات العرقية الداخلية. فاستغل القواد العسكريون الفرنسيون فى تقدمهم نحو نهر النيجر الخلافات الداخلية فى الإمبراطورية التيجانية بمدينة سيجو وأوقعوا بهم الهزيمة الأخيرة عام 1893 م. وقد رحبت الجماعات العرقية غير المسلمة بتحررها من الحكم التيجانى، وارتد كثير ممن أجبرتهم التيجانية على الدخول فى الإسلام إلى سالف عهدهم. وخلال الفترة الاستعمارية "عندما كانت جمهورية مالى الحالية معروفة باسم السودان الفرنسى" أحرز الإسلام تقدما ملحوظا بين أغلب الجماعات العرقية محققا انتصارًا على الذين نزحوا إلى المدن النامية والذين لحقوا بهجرة العمال الموسمية إلى أكثر المستعمرات ثراءً. ومع الطرق الأفضل والأكثر أمنًا زار المزيد من رجال الدين (الأولياء) القرى لهداية غير المسلمين وتقوية الدين بين المجتمعات الإسلامية

المصادر

القائمة منذ زمن، وساعدوا فى نشر الحركة الصوفية وقد امتدت حركة التيجانية الأكثر نشاطا أسرع وأكثر من القادرية القديمة. ولكن التيجانية لقيت من جانبها تحديًا من حركة جديدة منشقة وهى جماعة الحمالية Hamaliya وسميت هكذا على اسم مؤسسها حماه اللَّه Hamahullah (1883 أو 1884 حتى فتدخلت السلطات الفرنسية الاستعمارية للدفاع عن جماعة التيجانية القديمة فى محاولة منها لتجنب البلبلة. فنفوا حماه اللَّه وأنهكوا اتباعه بالغارات المتكررة وفى محاولات أخرى لتحقيق أغراض استعمارية حرضوا جماعة حماه اللَّه على العنف. وفى الثلاثينيات من هذا القرن استاء بعض العلماء المسلمين العائدين من القاهرة بعد أن درسوا فى الأزهر الشريف من النفوذ المتزايد للحركات الصوفية واستنكروا استغلال الأولياء للمؤمنين. ويشار أحيانًا لهؤلاء المصلحين بالوهابيين الجدد والذين اعتبروا الجهل سببًا لكل الشرور، لذا كرسوا أنفسهم لرقى التعليم الإسلامى مع التأكيد على تعليم اللغة العربية. فكانت باماكوا Bamako عاصمة السودان الفرنسى مركزًا مهمًا لأنشطتهم، وكان للإصلاح والتعصب الدينى مضمون سياسى، ففى الداخل تحدوا سلطة الأولياء القدامى، وفى الخارج أقروا جميع الأفكار الإسلامية واعتبر كلا الاتجاهين تهديدًا للأمن العام، ولم يكن المصلحون بمنأى عن اعين السلطات الفرنسية الاستعمارية، مما قلَّص من أنشطتهم كثيرًا. المصادر: (1) البكرى: المسالك والممالك. (2) ابن المختار: تاريخ الفتاش. (3) السعدى: تاريخ السودان. (4) N. leutzion: Les ampires du mali ch. monteil Ancient Ghana and mali (5) A.H. Ba et J. Daget: L'empire peul du macina أشرف سيد أحمد غنيمى [ن. ليفتزيون N. Levtzion]

المبرد

المبرد (بتشديد الراء وكسرها) وكان فى الأصل المبرَّد (بتشديد الراء وفتحها) أى المثبت للحق ولكن البعض غيّره ومن ثم التصق به وهو أبو العباس محمد بن يزيد بن عبد الأكبر الأزدى (وترجع سلسلة نسبه إلى الجاهلية) وهو فقيه مشهور فى اللغة، ولد فى البصرة فى العاشر من ذى الحجة 210 هـ/ الرابع والعشرين من مارس 826 م. وتقول الروايات إنه بدأ علاقته الوثيقة بكتاب سيبويه فى حلقات "أبى عمر الجرمى" (المتوفى عام 225 هـ/ 839 م) وأبى عثمان المازنى. كما أنه اشترك فى المناقشات العلمية بين "أبى حاتم السجستانى (المتوفى عام 225 هـ/ 869 م) الذى كان تلميذًا للأصمعى، وأبى الفرح الرباشى" (المتوفى عام 257 هـ/ 871 م) حول المسائل اللغوية التى ترتبط بالقرآن والحديث والشعر والأدب. وبسبب سلوكه ومظهره ولغته النقية وحججه القوية فى الجدل، كان يترك انطباعا طيبًا لدى الجميع. وفى هذه الأجواء تقبل لقبه غير الشائع نسبيا. وفى البصرة أيضًا التقى مع الجاحظ. وفى عام 246 هـ/ 860 م استدعى إلى قصر الخليفة المتوكل لسامراء (232 - 247 هـ/ 847 - 861 م) ونتيجة لذلك استقر فى بغداد حيث توطدت شهرته كحجة كبيرة فى أمور اللغة العربية. وهناك ألزم نفسه بالنشاط التعليمى على نطاق واسع، حتى وفاته فى 28 ذى الحجة 286 هـ/ 4 يناير 900 م (رد قبل ذلك بعام) ومن بين تلاميذه نفطويه وابن كيسان، والزجّاج والأخفش الصغير وابن السراج و"الصولى". وكانت له فى بغداد مجالس مع علماء اللغة العربية، وجرت فيها مناظرات بينه وبين ثعلب وأكثر ما كانت هذه المناقشات العلمية تجرى فى المساجد بل وفى الميادين العامة، ويحضرها عدد كبير من التلاميذ والمستمعين -وقد أدت المنافسة بين هذين العالمين الكبيرين (تفوق المبرد على خصمه ثعلب فى الموهبة والأسلوب) إلى تكوين المدرستين

ومن أشهر أعمال المبرد

الشهيرتين فى اللغة وهما مدرسة علماء البصرة ومدرسة علماء الكوفة. ومن أشهر أعمال المبرد: 1 - " كتاب الكامل فى الأدب" ويسمى أيضًا "كتاب الكامل فى اللغة والأدب والنحو والتصريف" الذى انتشر بين الناس من خلال نشاط فى التعليم وإلقاء المحاضرات والإملاء. وليس به إسناد الأمر الذى عابه من جاءوا بعده. 2 - كتاب الفاضل والمفضول -وهو عمل أدبى آخر أصغر حجما ولكنه أكثر إحكامًا فى بنائه. وهو يتضمن أخبارًا عن نهضة علم النحو والصرف العربى، وعددًا من الأقوال، والتلاعب بالألفاظ، ويعالج موضوعات مثل الكرم والحزن والشباب والشيخوخة والامتنان والحسد والفصاحة والجمال. 3 - كتاب التعازى والمراثى وهو مجموعة ضخمة من الأشعار حول التعزية والحداد، مع إضافة قصص تتناسب معها -وشروح تاريخية تتعلق بها. 4 - كتاب المقتضب -وهو عبارة عن مجموعة ضخمة غير منظمة (غير مصنفة) حول أسئلة معينة تتعلق بالصرف والنحو. المصادر: (1) الزركلى: الأعلام (القاهرة 1965 م). (2) شوقى ضيف: المدارس النحوية (القاهرة 1968 م). (3) م. عبد الخالق عضيمة: أبو العباس المبرد وأثره فى علوم العربية (الرياض 1405 هـ/ 1985 م). بهجت عبد الفتاح عبده [ر. سلهايم R. Sellheim] المبرز مدينة "واحة" فى إقليم الحسا فى شرقى الجزيرة العربية وأصل الاسم غير مؤكد ويقول "فيلبى" إن اسمها مشتق من الفعل "برز" أى ظهر، فهى تبعد ثلاثة أميال فقط شمالى "الهفوف"، كما كانت على حد قوله أول مكان تتوقف فيه القوافل التى تغادر هذا المكان (وهذه معلومات غير مؤكدة).

المصادر

وكانت المبرز لقرون كثيرة أهم مركز زراعى فى "الحسا" بعد "الهفوف" نظرًا لوفرة مواردها المائية، وكانت تحميها فى السابق قلعة صغيرة، ويحيطها سور من اللبن تهدم فى نهاية القرن التاسع عشر الميلادى. المصادر: (1) J.B. Philby: The Heart of Arabia (2) F. S. Vidal: The Oasis Al. Hasa بهجت عبد الفتاح عبده. [ر. م. بوريل B. M. Burrell] المبرقع (ذو الحجاب) وهو لقب "أبو حرب اليمانى" (ويقول اليعقوبى إنه تميم اللخمى وشهرته أبو حرب) وعرف بأنه ثائر من أرض فلسطين 227 هـ/ 841 - 842 م خرج، على "المعتصم"، ولعلّ أكثر المصادر تفصيلا لثورته هى تاريخ الطبرى ثم ابن الأثير وابن خلدون (فى العبر وديوان المبتدأ والخبر). ومع ذلك فإن تاريخ اليعقوبى يعرض للأحداث بلا تحيز. . فيقول: إن الثورة ضمت قبائل، "لخم" و"حزام" و"عاملة" وبلقين -فقد حدث نزاع يتعلق بجندى قتله أبو حرب لأسباب شخصية، أدى به إلى الثورة واللجوء إلى جبال الأردن. ولأنه اعتاد ارتداء الحجاب (البرقع) على وجهه فقد اشتهر بالمبرقع. وقد انضم إليه الساخطون من الفلاحين وعندما زعم أنه من نسل الأمويين اعتبره أعوانه "السفيانى". واستطاع حشد عديد من الأتباع. وبعث المعتصم بجيش لملاقاة الثائر، قاده "رجاء بن أيوب" إلا أن قواته كانت أقل من جيش الثائر. غير أن فطنته هدته إلى أن ينتظر الوقت الذى يعود فيه أعوان المبرقع من الفلاحين إلى حقولهم لفلاحة الأرض. وتقول بعض المصادر (ابن خلدون): إن المعتصم مات فى أثناء سير الأحداث وإن خليفته الواثق (ويقول الطبرى إنه المعتصم) أرسل القائد "رجاء" إلى ابن بيهس الذى تزعم فئة فى دمشق وهزم ثوار دمشق ثم عاد إلى فلسطين ليقاتل المبرقع بالقرب من الرملة حيث أُسِر، وجى به إلى سامراء ليودع السجن. . ويبقى مصيره غير معروف.

المنتقى الهندى

ويقول الطبرى: إن الأحداث جميعها وقعت فى عهد المعتصم (توفى فى 18 ربيع الأول 227 هـ/ الخامس من يناير 842 م) ويقول ابن الأثير وابن خلدون واليعقوبى: إن نهاية الثورة كانت فى عهد الواثق -وقد تركت المصادر بعض الأمور بلا تفسير وخصوصًا العلاقة بين ابن بيهس، والمبرقع إذا كان هناك ثمة علاقة. وردت المصادر فى المتن. بهجت عبد الفتاح عبده [هـ. ايسنشتاين H. Eisenstein] المنتقى الهندى هو علاء الدين على بن حسام الدين عبد الملك بن قاضى خان الشاذلى القادرى، المولود فى "برهان بور" فى كجرات من أسرة "جاون بور" الموقرة، وقد كان مريد لعبد الكريم بن شيخ "باجان" فى "برهان بور" ثم مضى بعد ذلك إلى "ملتان" فقرأ على حسام الدين المتقى، ومن ثم لقب بالمتقى، ولقد قضى بقية أيامه التى كانت بالهند فى "أحمد أباد" زمن "بهادر شاه" وإن كان قد غادرها إلى مكة بعد أن أوقع "همايون" الهزيمة ببهادر شاه سنة 941 هـ (= 1534 م) وأمضى أيامه الأخيرة فى مكة. حيث عاش بعدئذ ثلاثين عامًا قرأ فيها على ابن حجر العسقلانى وغيره ثم انخرط فى سلك القادرية والشاذلية، ولقد كانت حياته الروحية والعلمية دافعًا لكثير من الناس لأن يكونوا من "مريديه"، وقد مات بعد أن تقدمت به السن كثيرًا إذ مات فى التسعين من عمره، وله مؤلفات عدة فى العربية تقرب من العشرين كتابًا من بينها: 1 - البرهان فى علامات مهدى آخر الزمان وهو عن أخبار المهدى ومجيئه عند نهاية العالم. 2 - البرهان الحلبى فى معرفة الولى. 3 - تلخيص البيان فى علامات مهدى آخر الزمان. 4 - جوامع الكلم فى المواعظ والحكم. وهو مجموعة أقوال أخلاقية.

المصادر

5 - هداية ربى عند فقد المربى. 6 - الحِكَمْ. 7 - كنز العمال فى سنن الأقوال، وهو ملخص لكتاب السيوطى جامع المسانيد أو جمع الجوامع أو الجامع الأكبر، وقد رتبه ترتيبًا حديثًا حسب الفصول، وطبع فى حيدر أباد سنة 1312 م. 8 - المذاهب العلية فى جمع الحكم القرآنية والحديثية. 9 - منهج العمال فى سند الأقوال والأفعال وهو مختصر لكتاب السيوطى المشهور المرتب حسب الحروف الهجائية وهو الجامع الصغير, ويحتوى على مجموعة من الأحاديث النبوية مستقاة من مصادرها الأصلية، وقد رتبه من جديد حسب الفصول مع ملحق إضافى. 10 - مختصر النهاية وهو موجز لمعجم مجد الدين الأثير فى الأحاديث النبوية المسمى بالنهاية فى غريب الحديث. 11 - نِعَمُ المعيار والمقياس لمعرفة مراتب الناس وهو بحث موجز فى أنواع الخلق الإنسانى, وقد أورد له بروكلمان ثبتًا كاملًا فى الجزء الثانى من كتابه (ص 503 - 504)، وفى الملحق 2/ 518 - 519. المصادر: (1) عبد الحق الدهلوى: أخبار الأخبار, 249. (2) آزار البلجرامى: سبحة المرجان، 43. (3) فقير محمد اللهورى: حدائق الحنفية, 382. (4) صديق حسن الكنوجى: أبجد العلوم، 895. مروان حسن حبشى [م. هدايت حسين M. Hidayet Hosain] متى بن يونس متى بن يونس (يونان) القنائى، أبو بشر، مترجم لأعمال أرسطو وشارح لها، وكان من أوائل من ساعد على نقل فلسفة أرسطو عن طريق الترجمة السيريانية إلى العربية، كان متى بن يونس مسيحيا نسطوريا. درس وتعلم فى دير قنا Dayr Kunna فى مدرسة دير مار مارى Mar mart قبل ذهابه إلى بغداد فى زمان الخليفة الراضى أى بعد عام 322 هـ/ 934 م،

وتوفى يوم السبت الحادى عشر من رمضان عام 328 هـ/ 20 يونيو عام 940 م. كان ضمن مدرسيه بعض المسيحيين السوريين الذين نقلوا تراث المدرسة السكندرية التى كانت قد انتقلت من أنطاكية Antioch وحزان Harran إلى بغداد، كما ذكر الفارابى والمسعودى وهم: أبو يحيى المروزى، وكان طبيبًا يعلم المنطق بالسريانية، وأبو اسحق إبراهى قويرا كما كان بين مدرسيه أبو أحمد الحسين بن إسحق بن كرنيب وهو من المتكلمين المهتمين بالفلسفة الطبيعية، وقد ذهبت ترجمات متى، والتى كانت كلها من النسخ السريانية من القرن الثامن والتاسع الميلادى، إلى أبعد بكثير من دراسة فلسفة أرسطو (المحصورة فى المنطق الصورى) التى قامت بها كل من المدرسة النسطورية حيث كان المنهج السكندرى لأمونيوس Ammonuus وتلاميذه قد نسى تمامًا والمدارس الطبية التى كانت تفضل كتاب جالينوس De demonstratione إذ إن هذه الترجمات تمثل إحياء للدراسات المتعلقة بأرسطو فى اعتمادها على شروح الكسندر. أفرو ديسياسى Alexandoler of Aphrodisias وثمسينوس Themistius الموجودة -قدمت أرسطو إلى القارئ العربى فى صورة أكثر وثوقا وتشتمل أعمال أرسطو التى عرفها ابن النديم من ترجمة متى لكتاب Analytica Posteriora ومعه شرح الكسندر وعرض لثمسينوس، و Sophistici elenchi (تنقيح لنسخة أقدم) و Dcaelo و Poetica (جزء من الكتاب الأول صياغة ثمستوس Degeneatione corruptione مع شرح الكسندر و Meteorologica لألمبيو دورس Olympiodorus مع شرح للمؤلف وكتاب Lambada of the Metaphisica بشرح لألكسندر وعرض لثمسيوس، ولا يوجد من هذه الكتب الآن إلا ثلاثة: (أ) مخطوطة باريس للكتاب Organon بالعربية ويحتوى على Analitica Posteriora ترجمة متى منقولة من النسخة الخاصة بتلميذه يحيى ابن عدى.

(ب) ترجمة متى لحواشى الكسندر على Metaph. A جزء 1 إلى 7 وتتضمن مقتطفات من النص الأصلى لأرسطو، وقد كان هذا الكتاب أساسًا لكتاب تفسير ما بعد الطبيعة لابن رشد. (جـ) ترجمة متى لكتب Poeticq وقد صارت مشهورة بعدم دقتها وليس بتميزها. ولكن يجب أن نضع فى الاعتبار أن Poetics وكذلك Rhetoris وكلاهما جزء من Organon فى المنهج السكندرى كانا يقرآن لدراسة بعض أنواع البراهين المنطقية وليس كأثر أدبى. كانت تعليقات متى ومدرسته، إذا جاز لنا أن نحكم من خلال أعماله القليلة الباقية فى شكل ملاحظات على الهامش أو فى ملاحق (تعاليق) لمقتطفات من النصوص وكانت أحيانًا تضم إلى تعليقات من مدرسين آخرين بنفس الأسلوب الذى اتبعه الآباء المتأخرون مع الكتاب المقدس، وهناك عدد هام من هذه الملاحظات فى نسخة Organon الباريسية، وعلى هوامش مقالة dipperntia spedfica لأكسندر، كما أورد تلميذه يحيى بن عدى بعضًا آخر منها وكذلك فعل ابن مطران (ت 587 هـ/ 1191 م)، وحصل ابن النديم على بعض آخر منها (كما ذكر أيضًا مقالتين تمهيديتين عن Ana lytica) وكذلك عبد اللطيف البغدادى. وقد حفظ بعضًا من تعليقاته المستفيضة إلى حد ما على كتاب Physica الأجزاء II و 3 III و 4 فى مخطوطة ليون 1433 Leiden Or (وتحتوى على الترجمة العربية لإسحق ابن حنا ودراسة فى الفيزياء حددها أبو الحسين البصرى عام 395 هـ/ 1004 م عن محاضرات لأبى على بن السمح، بدوى، أرسطوطاليس الطبيعة، القاهرة 1965 - 1966 م). وقد هاجم ابن سينا وجهة نظره فى اعتبار الطبيعة كائنًا خلاقًا أصيلًا. يجمع الفلاسفة المسيحيون والمسلمون المعاصرون لمتى بن يونس على أنه رئيس مدرسة المنطق فى زمانه. وقد درس الفارابى معه كتاب Organon كما نقل يحيى بن عدى اليعقوبى تعاليمه إلى الجيل التالى من الفلاسفة

المصادر

المسلمين والمسيحيين فى بغداد وبخاصة عيسى بن زُرعة والحسن بن سوار وأبى سليمان السجستانى. ومن ناحية أخرى كان مجادلا عنيفا متحمسا مندفعا فى حركة الرجوع إلى التمسك بالتقاليد التى حدثت فى منتصف القرن التاسع، معارضًا لدعوى المنطق والفلسفة اليونانيين عن الحقيقة المطلقة بدائع من القوانين الدينية التابعة من علوم الشريعة، كما كان معارضًا بصفة خاصة لتأثير المنطق الذى ظهر فى أصول النحو عند معاصريه مثل ابن السراج ويعتبر هجوم أبى سعيد الصيرفى على متى فى مجلس الوزير أبى الفتح بن الفرات عام 326 هـ/ 937 - 938 م. كما رواه الرمانى لأبى حيان التوحيدى (الإمتاع والمؤانسة صفحة 107 - 128 مثالا حيا، فقد بدأ زعيم المنطقيين (الذى صوره الرواة الذين نقلوا عن التوحيدى كسكير طماع يبيع علمه فى سبيل المال). من غير أى مبالغة، عاجزًا عن الدفاع عن دعوى الفلاسفة بأن المنطق أداة ضرورية "للتمييز بين الحقيقة والزيف وبين الصدق والكذب وبين الجيد والردئ، كما عجز عن مناقشة رأى خصومه فى أمر الطريق الوحيد للكلام المنطقى (النطق) هو من خلال قواعد النحو والصرف للغة. ولكن إذا لم يكن عند متى ما يقوله أمام الحاضرين الذين لم يكونوا متعاطفين معه أكثر مما ذكر الرمانى، إلا أن دفاع تلميذيه الفارابى ويحيى بن عدى عن المنطق كقواعد عامة بينما يختص تعبير النحو والصرف بالقواعد الخاصة بألفاظ لغة معينة عوضًا عن سكوته. المصادر: (1) ابن النديم: الفهرست، صفحة 248 - 51 و 463 - 4. (2) أبو حيان التوحيدى: الإمتاع والمؤانسة تحقيق أ. أمين وأ. الزين جزء 1 صفحة 107 وما بعدها. (3) المسعودى: التنبيه والإشراف تحرير de Goeje صفحة 122. (4) البيهقى: تتمة صوان الحكمة، رقم 14. (5) القفطى، تأريخ الحكماء صفحة 323. حسين أحمد عيسى [ج. إندرس G. Endress]

المثل

المثل (جمعها: أمثال) أى قول شائع، وهى قريبة الشبه من الكلمة الآرامية (مثلا)، والعبرية (ماشال)، والجذر السامى يعنى النظير أو المساوى يقال "أرسلها مثلا" أو جعلها مثلا أو فضرب به المثل أى غدا القول مثلا ويقال "ضُرب به المثل أو مثل يضرب فذهب أو جرى مجرى المثل أو فصار مثلًا أى أصبح القول يجرى مجرى الأمثال. أولا: تعريفه تولى فقهاء اللغة العرب منذ أبى عبيد (ت 224 هـ/ 838 م) الذى يعتبر كتابه الأمثال أقدم تجميع لهذا الضرب من القول تعريف مفهوم المثل المرة تلو المرة فميزوا له خصائص جوهرية ثلاثًا هى: المقارنة وبصفة خاصة المقارنة بطريقة مجازية فى التعبير، أى من خلال التشبيه والاستعارة والكناية. . الخ، ثم إيجاز اللفظ، ثم الألفةَ أى أنه يكون مألوفا، وأوضحوا أن فى الأمثال جملة خصائص: أ) تقوم على الخبرة ومن ثم فهى تنطوى على حكمة. ب) إن استخدامها من شأنه أن يجعل الحقائق بارزة وواضحة ولكن بطريقة غير مباشرة من خلال الصور البيانية كالاستعارة والكناية. . الخ. جـ) إن استخدامها من شأنه أن يتيح التفاهم حول أمور يصعب التفاهم بشأنها بطريقة مباشرة. وتتوافر هذه الخصائص فى المثل لأنه بوسعنا استخدامه فى حالة فردية واحدة لكى تكون ممثلة لكل الحالات المشابهة لها حتى ولو كان هذا التشابه ضئيلا. كما أنه -أى المثل- يظل على حالة دون تغيير حتى ولو كان منشورا قد طواه النسيان منذ أمد طويل. ويؤكد أبو عبيد على أن المثل إنما يأتى كشاهد يؤيد خطاب القائل أو الكاتب ويرى الزمخشرى (ت 538 هـ/ 1144 م) بحق أنه ينبغى اعتبار "نظير" هى المعنى الأساسى لـ "المثل" وذلك حسب المعنى الاشتقاقى الحقيقى له. ومجموع هذه الخصائص والسمات لا تنطبق على كل مثل على حدة، فالكثير من الأمثال لا يتوافر فيها إلا خاصتان وهذا يوضح لنا أنه يتحتم

ثانيا: الأمثال العربية

علينا أن نفهم من كلمة "مثل" شيئا أوسع دائرة من: 1 - المثل بمعناه الغربى، فالمثل يشمل أيضًا: 2 - الأقوال السائرة، كما يشمل مجموعة واسعة من المقارنات التى تصاغ على وزن "أفعل من". 3 - الحكم والأقوال التى يمكن أن تصادفها فى "الأحاديث" من قبيل الحكم والأقوال المأثورة بما فى ذلك الشعارات والحكمة الشخصية. 4 - صنع الكلام الجاهز أو الكلمات والمحاورات -فى صيغة التمنى أو التعجب- التى نستخدمها فى مخاطبة الآخرين وتحيتهم، وفى الصلاة، أى التى نستخدمها فى الكلام بصفة عامة. 5 - الحكاية الرمزية ذات المغزى الأخلاقى كما هو الحال فى الشرق القديم. ثانيًا: الأمثال العربية يعد كتاب "الأمثال" لأبى عبيد (ت 224 هـ/ 838 م) أقدم مجموعة أمثال تم تجميعها وهو يضم ما يقرب من 1.400 مثل أو أقل قليلا، ورتبت ترتيبًا منهجيا إذ قسمها إلى تسعة عشر بابا تتفرع إلى 259 فصل فرعيا بالإضافة إلى أحد عشر فصل فى الملحق. ويمكن تقسيم هذه الأمثال إلى ثلاث طبقات: 1 - أمثال ما قبل الإسلام. 2 - أمثال نشأت فى فجر الإسلام ومراكزه الدينية السياسية. 3 - أمثال ترجع إلى فترة حكم الخلفاء العباسيين الأوائل. 1 - أما أمثال الطبقة الأولى (ما قبل الإسلام) فهى رغم نسبتها لفترة ما قبل الإسلام مستمدة فى معظمها من مرويات فى القرن الثانى الهجرى/ الثامن الميلادى. ففى سياق التغنى بماضى العرب المجيد والذى شجعته الميول الباكرة المعادية للشعوبية كانت رواية الأخبار والأشعار وبعض الآثار الخاصة بعصر ما قبل الإسلام، تجرى على أشدها فى مراكز الحضر كما كان الطلب عليها شديدًا سواء فى البلاط أو فى مراكز السلطة المختلفة. وأيًّا ما حوت هذه القصص والأخبار من أفكار

مخالفة للمفاهيم الإسلامية، فهى تبرر نظام الحلال والحرام بأنه كان قائما فى أيام الجاهلية وأنه جدير أن يظل قائما. وتشدد على التضامن بين رجال القبائل مهما كان الثمن فى ظل ظروف الصحراء والصراع من أَجل البقاء "انصر أخاك ظالما أو مظلوما" ولا بد للأب أن يكون قدوة للابن: من شابه أباه فما ظلم، وكل فتاة بأبيها معجبة، والبدوى فى سعيه الدائب من أَجل مراع جديدة لماشيته التى لا تشبع أبدًا، لا بد أن ينزعج إذا عثر على مرعى ولم يجد ناقته إلى جانبه: عشبٌ ولا بعير، وهو يقيس جودة المرعى بوجود عشب "السَّعدان" المفضل لدى الإبل "مرعى ولا كالسّعدان". أما الكلام المجازى أو الرمزى فيقف على أرض صلبة للغاية عند الساميين وبصفة خاصة عند العرب ويلعب دورا مهما فى أرقى أشكال الأدب. ومن اليسير على البدوى أن ترد على خاطره صور مستقاة من عالم الحيوان المحيط به. فهو يعرف العادات السائدة فى عالم الحيوانات البرية وردود أفعالها من واقع خبرته الطويلة وملاحظاته، "ما يجمع بين الأدوى والأنعام" وثمة إشارات تشير إلى الإنسان صراحة فيقال إنه لأخدع من ضبٍّ أو يقال "ليس قطًا مثل قُطىٍّ" أو "الذئب يأدو للغزال". وقد يأتى التعبير فى صياغة بدوية فظة "لقد ذلّ مَنْ بالت عليه الثعالب". ويشيع استخدام المقارنة بصيغة "أفعل من، مثل أنْوم من فهد أو إنه لأحذر أو أدهى أو أبصر من غراب". أ) مثل هذا النوع من الأمثال التى يدور محورها حول الحيوان نجده مرتبطا بالحكايات الخرافية. وقد أنيط -فى هذه الأمثال- بالحيوانات، على اختلافها، القيام بأدوار محددة ومتفق عليها، فالضبع يلعب دور الذكى. ب) ويوجد نوع من القصص أكثر وفرة من هذه الحكايات الخرافية التى تلعب فيها الحيوانات دور الشخصيات وهى أخبار أيام العرب التى عالجها بصورة خاصة المفضّل الضَّبِّى أو ابن الكلبْى ونحن نعرف "أبطال" هذه

القصص إما من التراث أو من أنساب العرب، مثل البسوس التى تسببت ناقتها فى نشوب حرب دامت أربعين عامًا بين بنى بكر بن وائل وأقربائهم بنى تغلب بن وائل، أو المنذر أو النعمان ابن المنذر أمير اللخميين الذى قتل الشاعر عبيد بن الأبرص -الذى لم يرتكب ذنبا- حتى لا يحنث فى يمين سبق أن أقسمه وكثير من هذه القصص -وأغلبها قصير- هو فى الأصل حدث حقيقى غير أن الزمان والمكان ظلا غير محددين فيها بوجه عام فالراوى لا يسأل عن استخدام الممر لأول مرة أو كيف تم صكه على الإطلاق، أى أنه لا يهتم بمشكلة "الأوائل". الكثير من هذه القصص تغلفها الأساطير ومن هنا وجدت بعض الموضوعات الذائعة عالميا طريقها إليها، وأغلب الظن أن هذا قد حدث من خلال بلاط اللخميين بالحيرة الذى لعب دور الوسيط فى هذا الشأن. مثال ذلك: صحيفة المتلمِّس، أسطورة زنوبيا، جزاء سنمار، ومن اللافت للنظر أن هذه الأمثال ارتبطت فى بعض الأحيان "بالعماليق"، ومنهم مثلا عرقوب الذى يعد أخاه بوعود وهمية "مواعيد عرقوب" ولعل هذا يذكرنا بقصة يعقوب عيسو فى سفر التكوين. وكثيرا ما نجد أخبارا عن المثل وتفسيرات يختلف بعضها عن بعض اختلافًا شاسعا لأن أصل المثل وأصل معناه قد طواهما النسيان منذ مدة طويلة. جـ) مما لا شك فيه أن الأمثال التى ثبت أنها وردت فى نقوش أو كتابات ثمود هى أمثال ترجع إلى عصر ما قبل الإسلام. والأمثال التى صاغها شعرا شعراء ما قبل العصر الإسلامى -إذا كانت صحيحة- ترجع إلى نفس الفترة -أما معرفة ما إذا كان الشاعر قد ابتكر هذه الأمثال أو أنها كانت سادية من قبل على الألسن، فهذا أمر يصعب تحديده. مثال ذلك ما ورد فى بيت من الشعر لامرئ القيس من بحر الوافر "وحسبك من غِنًى ودىُّ". أو ما ورد فى شعر للنابغة الذبيانى من بحر الطويل أى الرجال المهذّب أو ما أشبه الليلة

بالبارحة الذى ورد فى شعر لطرفة من بحر السريع. وقد لوحظ أيضًا وجود أمثال معروفة عالميا فى أشعار هذا العصر. مثال ذلك المثل الذى يعنى أن العنز (أو الشاة أو الثور) تحفر فى الأرض بحوافرها بحثا عن سكين ذبحها؛ نجد له أربع أوردها أبو عبيد: لا تكن كالعنز تبحث عن المدية كطالب القرن فجُدعت أذنه وله معادل يونانى ورد فى التلمود (عن الجمل) وله صيغ مختلفة فى كليلة ودمنة (الحمار بدلا من الجمل)، كان زهير بن أبى سلمى ميالا لإدخال الأمثلة فى شعره، وكعب بن سعد الغنوى الذى عاش حتى ظهور الإسلام كان يلقب بكعب الأمثال. ومعظم هذه الأمثال هى من فئة الأقوال المأثورة مثل ما جاء فى شعر زهير. . . ومن لا يظلم الناس يُظلم. د) والمرجح أن الأمثال من هذا النوع قد سبق أن سجلت كتابة فى العصور القديمة بوصفها "حكمة" وذلك على لفافات صغيرة من الجلد أو الرق أو البردى أو سعف النخيل أو العظام أو الألواح الخشبية أو الأحجار. وعادة ما ترد هذه الحكم فى القرآن الكريم على لسان لقمان (سورة لقمان)، كما وردت بعد ذلك فى "سفر الأمثال" لسليمان فى العهد القديم، وكذلك العربى القديم أكثم الصيفى. إذ نجد مجموعة صغيرة من أمثاله فى كتب الأدب مثل كتاب المعمرين لأبى حاتم السِّجستانى، وذلك جنبًا إلى جنب مع أمثال الساسانى وزير يزدجِمْهرِ فى كتاب العِقْد الفريد لابن عبد ربه. ومن أمثال أكثم إنك لا تجنى من الشوك العنب. 2 - ولقد كان تشكل الجماعة الإسلامية الفتية لتصبح مجتمعا جديدا إنما جاء نتيجة للكلمة. وينعكس هذا فى أمثال الطبقة الثانية فى صدر الإسلام فقد تم تطويع التراث الوثنى لهذه الطبقة وإدماجه، وملئت المفاهيم القديمة بمعان جديدة أو أضيف إليها أو تم تغييرها أو أعيد صياغتها بطرق مختلفة. فالأخ فى الجاهلية -على سبيل المثال- أصبح أخا فى الإيمان أى أخا فى الإسلام. فإذا كانت الصيغة الشائعة حتى ذلك الوقت هى "أخوك من

صدقك" فإن النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] الآن يقول "المؤمن مرآة أخية" أى يصارحه بما يرى أو بصورة أخرى صريحة "رحم اللَّه رجلا أهدى إلىّ عيوبى". والتضامن العربى القديم فى القضايا -سواء أكانت صوابا أم خطأ- أصبح تفسيره هو معاونة الأخ حين يكون على صواب ومنعه من الوقوع فى الخطأ. وبهذه الطريقة أمكن للحكمة القديمة التى يوافق عليها الرسول أن تعيش وأن تتطور على يديه. لقد أدرك النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] قوة الكلمات "أن من البيان لسحرا". أ) عدد الأمثال من هذا النوع التى تنسب إلى على بن أبى طالب -ومعظمها حكم وأمثال مأثورة- ضخم كما هو معروف. وثمة مجموعة ذائعة على نطاق واسع تضم مائة حكمة ولها ترجمة فارسية وأخرى تركية "اللغة البهية" (استانبول 13020 هـ/ 1884 م). ب) وإلى هذه الفترة تمتد جذور الأمثال التى هى أقرب ما تكون إلى تعابير الكلام الجاهزة ولا يخلو منها لفظ الجلالة نجدها فى مجموعات الأمثال مسبوقة بكلمة "من دعائهم"، مثال ذلك "بلغ اللَّه بك أكلأ العمر" أى مد اللَّه فى عمرك، ومن الأمثال ذات المعنى السلبى "جدع اللَّه مسامعه" صم اللَّه أذنيه. جـ) والمثل القديم "أنجز حر ما وعد" يصح سريانه فى الإسلام شأنه شأن المثل القائل "آفة المرء خلف الوعد" وإن كان الاستشهاد بهما يأتى فى مقام الكلام العادى فحسب مثل الصيغة الإسلامية لنفس المعنى "الوفاء من اللَّه بمكان" [إنه كان صادق الوعد. . . القرآن الكريم مريم 54] وإذا كان من الجائز حتى ذلك الوقت ترديد المثل "ليس عبد بأخ لك" أى لك أن تعامله كيفما تشاء بأن المسلم الآن يردد المثل القائل "عبدُ غيرك حرُّ مثلك" أو "ساواك عبدُ غيرك" كذلك كان لانتصارات المسلمين على الكفار أثر فى بث الثقة فى نفوسهم، فيقولون "لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين" وهو حديث نبوى. 3) كان من شأن إضفاء الطابع العربى على مناطق الشرق الأدنى ذات

الحضارات القديمة بعد أن فتحها الخلفاء الراشدون -إثراء الأمثال فى هذه المناطق ثراء عظيمًا، وذلك إما بابتداع أمثال جديدة أو باستعارة أمثال قديمة أو تطويرها، وهذا النوع من الأمثال يشكل الطبقة الثالثة للعصر العباسى الأول من الأمثال وتمتد جذورها حتى عصر أبى عبيد أى إلى أوائل العصر العباسى. أ) فقد سمح أبو عبيد لكثير من هذه الأمثال أن ترددها أفواه الناس خلال تبادل الأحاديث. وبدأ يرصد من حين إلى حين ما يطلق عليه "من أمثال العوام أو العامة" أو "ابتذلته العوام أو العامة أو الناس" مثال ذلك "اسمع جعجعة ولا أرى طحنا" أو "إن البغاث بأرضنا يستنسر" أى أن الطائر الصغير يلعب دور النسر. أو "بعتُ جارى ولم أبع دارى أو أكلًا وذمًّا" أو "الناس شجرة بَغْى". ب) وإذا كان من الجائز القول -بوجه عام- إن نظائر الأمثال العربية فى اللغات والثقافات الأخرى القريبة منها تكون أكثر ظهورا كما كانت هذه الثقافات يافعة، فإن التساؤل حول ما إذا كان هذا المثل أو ذاك قد صك صكا جديدًا أو استعير أو صيغ على منوال مثل قائم بالفعل هذا التساؤل يظل -فى كثير من الحالات- بغير جواب. ذلك أنه لا يكاد يوجد فرق بين الخلفية أو المحيط الاجتماعى الذى نشأ عليها مثل ما من الأمثال وذلك الذى نشأ فيه آخر. وفى حالة ما إذا تبادر إلى الذهن -بصورة تلقائية- وجود تشابه أو برز وجه من وجوه المقارنة فلا يعنى هذا أن ثمة نموذجا أجنبيا صيغ على منواله هذا المثل أو ذاك بالضرورة. ولكن إذا ما لاحظنا وجود مجاز نادر فعندئذ علينا أن نفترض -بقدر أكبر من الترجيح- أن تعديلا ما قد أدخل على مثل أو حكمة أجنبية مثال ذلك: "إن كنت ريحا فقد لقيت إعصارا". فهو مثل له ما يشبهه -مع تغير طفيف فى المعنى- فى العهد القديم، بل وربما فى العهد الجديد أيضًا. وثمة احتمال كبير فى أن المثل القائل "صار الأمر إلى النزعة" [أى عاد الأمر إلى أهله] له نظيره فى الآيكنية. ولكن المشكلة تبدو أكثر صعوبة فى حالات أخرى، مثل: "من

استرعى الذئب ظلم" وهو قول شائع فى اللغة اليونانية القديمة، وكذلك فى الانجليزية والفرنسية أما الرومان فلديهم الصقر الذى يعهد إليه بالحمائم. فنحن لا نملك إزاء هذه الأمثلة سوى تسجيل التشابه بين النظائر. ولقد أضاف جامع الأمثال العرب فى القرون الثلاثة التالية أمثالا أخرى على الأمثال التى جمعها أبو عبيد من الطبقات الثلاث بحيث بلغ ما جمعوه خمس أضعاف العدد الأولى أى وصل إلى ما يقرب من 7000 مثل من هذه الأمثال يوجد أكثر من 1.200 مثل بصيغة، "أفعل من" وأكثر من 1.500 مثل يطلق عليها العم "الأمثال المولَّدة" -وأما الفئة الأولى فقد ظهر معظمها فى القرن الثالث الهجرى/ التاسع الميلادى، والفئة الثانية ظهرت فى القرنين التاليين. ومن الواضح أنها تنطوى على أفكار "جوّالة" ومتداولة عالميا. 4 - الأمثال فى صيغة "أفعل من" سوف تتداعى إلى أذهاننا لو أننا اطلعنا على المثل القائل أخْرق من ناكتة غَزْلها وهو تشبيه نجده فى القرآن الكريم (النحل - 92)، كما يتداعى إلى أذهاننا "سيزن" لو أننا اطلعنا على المثل القائل أطمع من قلب لصخرة. وقد تكاثر هذا النوع من الأمثال بصيغة أفعل من حتى يومنا هذا، ونجدها تستخدم النعوت (من ذكاء أو غباء) والأسماء (جحا)، والألعاب والحيوانات والنباتات، مثال ذلك: أمْحل من حديث خرافة" أى حافل بالأخبار المختلفة مثل حكايات خرافة. 5 - أمثال مولَّدة: إذا ذكرت الذئب فالتفت مثل يذكرنا بمثل لا تينى بنفس المعنى، وقد سبق أن ذكره أبو عبيد ولكن فى صيغته التجريدية "أذكر الغائب يقترب" أو "غائبًا تره" وثمة مثل فى الانجليزية شبيه به يقول "اذكر ملاكًا تسمع أجنحته" وهناك أمثلة ذات شهرة دولية منها "إن للحيطان آذنا" فله نظيره فى المدراشى [التفسير اليهودى التقليدى للتوراة] والفارسية، كما أن المثل الانجليزى يقول "للجدران آذان" أو "إذا كنت سندانا فاصبر وإذا كنت مطرقة فأوذع" فله شبيهه

بالانجليزية "المطرقة والسندان" أو "فرّ من المطر وقعد تحت الميزاب" وله نظيره فى الأمانية الانجليزية. أو "الحركة بركة" وشبيهه فى الانجليزية فى الحركة بركة، ويندرج تحت هذه الطائفة أمثلة لا تعد مولَّدة تمامًا مثل: "إن كنت كذوبا فكن ذكورا" وله نظيره فى الانجليزية "على الكاذب أن تكون ذاكرتة قوية" وكذلك فى اللاتينية، أو "كالسّاقط بين الفراشين" وله شبيه فى الانجليزية واللاتيتية. 6 - بوسعنا أن نجد فى مجموعة الأمثال التى جمعها الميدانى أمثال مجهولة المصدر وهى مستقاة من العهد الجديد، وبصفة خاصة من "موعظة على الجبل" منها أمثال وثيقة الصلة بل تكاد تتطابق حرفيا مع نص العهد الجديد، ومنها أمثال لا تنقل سوى المعنى فحسب. فنحن نجد أمثالا قريبة الشبه بما جاء فى إنجيلى متى ولوقا مثل "كيف تُبصر القذَى فى عين أخيك وتدع الجذْع المعترض فى عينك" ومثل (يعد. يعقد) فى مثل الصؤاب [بيض القمل] وفى عينه مثل الجّرة. 7 - والأخبار التى تروى عن الأمثال إما أنها اسطورة دنيوية أو حكاية دينية أو خرافة أو طرفة من الطرائف، أو نادرة عن النوادر والكثير من الأمثال لو تتبعنا أصولها لوجدناها -من حيث فكرتها المحورية- مستقاة من أفكار وموضوعات "جوالة" عبر العالم. ومن الحقائق اللافتة للنظر أن جامعى الأمثال لم يسجلوا حكاية ومثلا له صلة بالأحداث التى وقعت بعد الخليفة المهدى. 8 - وقد لاحظ جامعو الأمثال الوانا من الأمثال يتردد على الألسنة فى بقاع محلية بعينها كأن يتردد فى سوريا أو عمان أو المدينة أو مكة أو البصرة. ومن الطريف أن نعلم أن كلمة يونانية معينة كانت منتشرة فى سوريا فى القرن الثالث الهجرى/ التاسع الميلادى وتشبه تعبير أوكى المتداول فى عصرنا الحاضر. وكان جامعو الأمثال يعترفون -أحيانًا- بأن معنى المثل غامض أو أن رجل الشارع يستخدمه دون أن يفهمه أو أنهم غيروا المثل القديم، مثال ذلك قد يروى أحدهم المثل "تجوع الحُرة ولا

تأكل بثديَيْها" ولكن بتحريف ليصبح "لا تأكل ثديَيْها" وهو مثل لا معنى له. 9 - بما فى ذلك الشكل الداخلى -أى تشكيل الأفكار- والشكل الخارجى الذى يتجسد فى التشكيل اللغوى والأسلوبى وخصائص الوزن وهناك أشعار لها شهرة واسعة وحازت الإعجاب يقتبسها الكثيرون وتسمى "الأبيات السائرة"، وقد جمعت فى مجموعات خاصة منها على سبيل المثال: مجموعة حمزة الأصفهانى "كتاب الأمثال الصادرة عن بيوت الشعر"، وثمة شعراء استخدموا الكثير من هذه الأبيات السائرة فى أشعارهم، منهم صالح بن عبد القدوس أو أبو العتاهية. والأقوال المجازية فى ديوان المتنبى قد سبق أن استخرجها وجمعها الطالقانى فى بلد الشاعر نفسه وقد انتشرت مثل هذه الأبيات السائرة والأمثال انتشارا واسعا فى الأدب العربى بأكمله ونجدها بكثرة بوجه خاص فى أدب الأدباء بدءا من الجاحظ وحتى الثعالبى وبدءا من شعراء المقامات وحتى أصحاب الموسوعات -فى فترة ما بعد المغول- مثل النويرى والسيوطى وبهاء الدين العاملى. 10 - أما عن الأمثال التى وردت فى القرآن الكريم أو فى الحديث النبوى الشريف وتسمى بـ "الأمثال النبوية" فقد تناولتها كتب خاصة بها مثل "المثل من الكتاب والسنة" للحكيم الترمذى. القرن الثالث الهجرى/ القرن التاسع الميلادى و"كتاب المثل" لمحمد الرامهمزى (ت حوالى 360 هـ/ 970 م) وكتاب المثل لأبى الشيخ (ت 369 هـ/ 979 م)، وكتاب "المثل فى القرآن الكريم" لابن القيم الجوزية (ت 751 هـ/ 1350 م)، و"أمثال الحديث" لعبد المجيد محمود, و"الأمثال النبوية" لمحمد الغَزَوى. أ) وقد صدرت حديثًا كتب تناولت "الحكمة" المستقاة من المصادر الكلاسيكية، منها الغربى ومنها العربى مثل "أدب الفلاسفة الحنين بن اسحق - اختصار محمد بن على الأنصارى (ت قبل 594 هـ/ 1198 م) تحقيق

ثالثا: المجموعات العربية

عبد الرحمن بدوى - الكويت 1406 هـ/ 1985 م. وفيما يتعلق بالحكمِة الإسلامية فيمكن الرجوع إلى "الأمثال والحكم" للمواردى (ت 450 هـ/ 1058 م) تحقيق فؤاد عبد المنعم أحمد - قطر 1403 هـ/ 1983، وكتاب الحكم لابن عطاء. ثالثا: المجموعات العربية لا يوجد فرع من فروع الأدب العربى القديم نستطيع أن نحدد بدايته وتطوره ونهايته مثلما نستطيع تحديده فى فرع "الأمثال" ويمكن إيجاز ذلك على النحو التالى: جاءت بداية تسجيل الأمثال وأخبارها بناء على رغبة تولدت لدى الخليفة المهدى (158 - 169 هـ/ 785 - 775 م) حيث كان المفضل الضبى معلما له فى بغداد، وكتب له 30 قصيدة من الشعر العربى القديم وهى المجموعة التى اشتهرت فيما بعد باسم "المفضّليات" وهذه الأشعار لم تصل إلينا بنصها الأصلى بل طبقا لرواياتها فى العهود المتأخرة، وهى روايات يختلف بعضها عن بعض -فى أجزاء منها- اختلافا شديدا. أما نص الأمثال الذى وصل إلينا فيرجع إلى الطُّوسى وهو تلميذ لابن الأعرابى (ت 231 هـ/ 845 م) الذى كان ابن زوجة المؤلف وأحد تلاميذه (حوالى 170 هـ/ 786 م) وهذا دليل على أن المفضل لم يترك لنا نسخة مكتوبة بعينها بل انتقلت إلينا مجموعة أمثاله -هى وأخبارها- شفاهيا وبأشكال مختلفة ولم تسجل كتابة إلا على يد تلاميذه وتلاميذ تلاميذه, لأن النسخة المكتوبة لم تكن متاحة للرواة بل كانت مخصصة لبلاط الخليفة. هذا شبيه بما حدث لكتاب "الأمثال" المنسوب للمؤرِّج (ت 204 هـ/ 819 م) فقد وصلنا من خلال رواية أملاها تلميذه أبو على اليزيدى فى عام 263 هـ/ 876 م. ولا يمكن القول إن ما سجل من إملاء أو رواية يتطابق مع اقتباسات المؤرِّج التى وردت فى أدب الأمثال بدءا من أبى عبيد وحتى الميدانى -هذان المثالان وأمثلة أخرى مستمدة من فروع الأدب الأخرى تجعلنا ننظر بحذر إلى أية افتراضات أو أحكام صدرت فى وقت لاحق.

ولم تصل إلينا الأمثال مجموعة فى كتاب -بل وفى نسخة أصلية كتبها المؤلف نفسه- إلا فى كتاب "الأمثال لأبى عبيد (ت 224 هـ/ 838 م) وهو مدين فى مادته الغزيرة -التى لم يجمعها بنفسه إلى التراث وبصفة خاصة للمعلمين وفقهاء اللغة الذين سبق ذكرهم. والسبب فى ذلك أن ثمة حالات يقول فيها المؤلف "لا أعلم على وجه التحديد ممن سمعت هذا المثل" أو "سمعته من شخص ما غير أبى عبيدة لعله ابن الكلبى" أو ما شابه هذه التعبيرات. ففى كتاب الأمثال الذى نقله الطوسى عن المفضل لا نجد ذكرا لاسم المفضّل بطريقة محددة، وذلك فى بعض أجزاء الكتاب حيث نجد تعبيرات مثل "حكى أن" أو "روى أن" أو "ما بلغنى أنه" أو ما شابه ذلك، وحين ينقل عن المؤرِّج فإنه يذكر المثل بكلمة "قال" وينطبق هذا على باقى فقهاء اللغة، أما رواية اليزيدى لكتاب الأمثال فلم يرد بها أى ذلك موثق من شخص فى منزلة هؤلاء الثقات. وكان الجاحظ يعرف مجموعة أمثال وكذلك الأقوال المأثورة للخليفة المنصور إذ كانت شائعة لدى كتاب بغداد (كتاب البيان) وابن المعتزلة مجموعة ذكرها فى "كتاب الأدب" وكان يطلق على الأقوال الحكيمة من هذا النوع اسم "الأثر". وبعد وفاة أبى عبيد فى مكة استطاع أحد تلاميذه -وهو على بن عبد العزيز البغوى الذى عاش بعد وفاة أستاذه لمدة ستين عامًا- أن يزود كتاب أستاذه بشروح وضعها الثقات فى التاريخ العربى والإسلامى، مثل الزبير بن بكار (ت 256 هـ/ 870 م) أو سلمة بن عاصم. وهو تلميذ للفراء. وبذلك أصبح فى مقدوره أن يقرأ هذا النص بحواشيه ويشرحه للحجاج فى الحلقات التى يعقدها لهم، ومن هنا ذاعت وانتشرت على نطاق واسع مجموعة الأمثال التى جمعها أبو عبيد، مصحوبة بهذه الشروح وشروح أخرى غيرها، حتى بلغت الأندلس غربا وخراسان شرقًا، فلم يقتصر الأمر على طرحها وكتابة حواش عنها بل غدت نقطة انطلاق لكل مجموعة أمثال لاحقة،

إذ تبنى المؤلفون ما حوته هذه المجموعة من أمثال بالإضافة إلى الشروح التى كانت تضاف إلى النسخة الكاملة أو المختار منها، وكانت هناك نسخ ذات نمط موحد لمثل هذه المجموعات فى قرطبة فى القرن الرابع الهجرى/ العاشر الميلادى أعدها القاسم بن سعدان أو مدمجة فى الشرح الذى أعده البكرى فى القرن الخامس الهجرى/ الحادى عشر الميلادى وكانت هناك نسخة من نسخ القاسم ذات النمط الموحد فى نيسابور فى القرن الخامس الهجرى/ الحادى عشر الميلادى حيث جمع الميدانى كتابه "مجمع الأمثال" وهو أشمل مجموعة أمثال عربية. والمجموعات التالية إما أنها مطبوعة أو فى المطبعة أو معدة للطبع. 1 - كتاب الأمثال لأبى عبيد القاسم ابن سلام (ت 224 هـ/ 838 م) -طبع فى دمشق- ق 14 هـ/ 1980 م. اختصره أبو عبيد البكى (ت 487 هـ/ 1094 م) وشرحه بعنوان "فصل المقال فى شرح كتاب الأمثال" أ) أبو الحسن الطوسى تلميذ أبى عبيد الذى دون "كتاب الأمثال" للمفضل ابن محمد الضبى (ت حوالى 170 هـ/ 819 م) أثناء مجالس عقدها فى عام 263 هـ/ 876 م وبذلك قدم لنا نسخة مكتوبة من "كتاب الأمثال" للمؤرّج وينقل لنا هذا النص بما فيه من أخبار الأمثال، ومنها حكايات خرافية وشروح لغوية وأشعار تشرح الأمثال على شكل محاورات، تنقل لنا الجو العام لما كان يدور فى المجالس من إلقاء للأمثال وأخبارها بصورة تلقائية. (الرياض 1390 هـ/ 1970 م). 2 - وثمة شذرة معروفة تحتوى على سبعة أمثال بصيغة أفعل من وتنسب إلى محمد بن حبيب وهى "كتاب الأمثال على أفعل من" (بغداد 1956 م). 3 - أبو عِكْرمة عامر بن عِمْران الضَّبىِّ (ت 250 هـ/ 864 م) له كتاب، الأمثال وبه 111 مثلا معظمها محاورات وبه أشعار عديدة للاستشهاد، ولا يربط المجموعة نسق معين (دمشق 1394 هـ/ 1974 م).

4 - المفضَّل بن سلمة له كتاب "الفاخر" يضم 521 مثلا بعضها محاورات وأغلبها حكايات عن المناسبات التى قيلت فيها الأمثال (تونس 1353 هـ/ 1934 م) و (القاهرة 1380 هـ/ 1960 م). 5 - أبو بكر بن الأنبارى (ت 328 هـ/ 940 م) له كتاب "الزاهر فى معانى كلمات الناس" به 896 مثلًا مع ذكر أسماء الرواة (بغداد بيروت 1399 هـ/ 1979 م) أ) وكتاب "أفعل من كذا" لأبى على القالى (ت 356 هـ/ 967 م) يعد نموجا لتراث المجالس الشفاهى، وبه 363 مثلًا ولا يربطها نسق محدد -ويدل هذا على أن تناقل الأمثال شفاها كان شائعا فى القرن الرابع الهجرى/ العاشر الميلادى، وهى طريقة مرنة وقابلة لإدخال تغييرات شديدة على المادة المنقولة (تونس 1392 هـ/ 1972 م). 6 - حمزة الأصفهانى (ت بين 350 هـ/ 961 م و 360 هـ/ 970 م) له "كتاب الأمثال على أفعل من "أو" الدره الفاخرة فى الأمثال السائرة". القاهرة (1326 م /1908 م). وفيه زاد المؤلف المجموعة التى جمعها من قبل محمد بن حبيب لتصبح أكثر من 1800 مثل بصيغة "أفعل من" منها أكثر من 500 مثل مولّد ومرتب وفق الحرف الأبجدى الأول للمثل، وزاد عليها 500 نادرة لغوية (من النوادر اللغوية المركبة من "أبو، أم، ابن الخ. . والنوادر ذات التركيبة الثنائية)، كما ذكر بعض أخبار الأمثال، وهو من حين إلى حين يميز بين المثل القديم والمثل الإسلامى والمثل المولّد. 7 - أبو هلال العسكرى (ت بعد 395 هـ/ 1005 م) له "جمهرة الأمثال" (بومباى 1307 هـ/ 1889 م) ويحوى حوالى 800 مثل على صيغة "أفعل من" ومرتبة أبجدية ومعظم أمثال مجموعته من النوع "الأدبى" الذى لا تتداوله الألسنة فى الحياة اليومية. 8 - أبو الحسن على بن الفضل المؤيدى الطَلْقانى (أو الطَلَقانى) له كتاب "رسالة الأمثال البغدادية" (القاهرة 1331 هـ/ 1913 م) وهى أقدم مجموعة محلية للأمثال وبها أكثر من 600 مثل مولد ومرتب أبجديا.

9 - أبو الفضل الميكالى (ت 436 هـ/ 1044 م) له كتاب "نُبذ من أمثال الأمير الميكالى" وهى مجموعة صغيرة مرتبة أبجديا ومقسمة إلى فصول وكل فصل يستشهد بآية من القرآن الكريم أو بحديث نبوى. 10 - يوجد "كتاب الأمثال" مجهول المؤلف به عدد حوالى 1400 مثل أو أقل قليلا (طبعة حيدر أباد 1351 هـ/ 1932 م). 11 - الواحدى -وهذا اسم مستعار- له كتاب "الوسيط فى الأمثال" (الكويت 1395 هـ/ 1975 م) 12 - أبو الفضل الميدانى (ت 518 هـ/ 1124 م) له كتاب "مجمع الأمثال" (بولاق 1284 هـ/ 1867 م). يقول المؤلف فى مقدمته إنه تتبع أكثر من خمسين مؤلَّفا للأمثال واقتبس منها بحيث أمكن جمع حوالى 6200 مثل مرتبة ترتيبًا أبجديا، منها حوالى 900 مثل على صيغة "أفعل من"، وحوالى 1000 مثل مولّد وأكثر من 200 مثل عن أيام العرب، وأكثر من 200 مثل من أحاديث النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وآخرين ويعد كتابه "المجمع" أشمل الكتب فى هذا المجال ومن هنا كان ذائعا واسع الانتشار، وظل حتى يومنا هذا مصدرًا لمخطوطات عديدة يرجع أقدمها لعام 533 هـ/ 1136 م، كما تناوله الكثيرون بالاختصار والشرح والطبع. 13 - أبو القاسم الزمخشرى (ت 538 هـ/ 1144 م) له كتاب "المستقصى فى أمثال العرب" (حيدر أباد 1381 هـ/ 1962 م) وبه حوالى 3500 مثل مع هوامش بها ملاحظات جيدة إما لغوية أو تاريخية مختصرة. ومرتبة ترتيبًا أبجديا دقيقا. وعلى الرغم من هذه الميزات إلا أن هذا الكتاب الذى وضعه العالم الكبير لا يمكنه الافلات من ظلال زميله الأكبر الميدانى فى مجموعته التى تعد أكثر شمولا ورجحته منذ اللحظة الأولى. وثمة كتاب آخر لهذا المؤلف لا يعرف إلا بعنوانه "سوائر الأمثال". أما مجموعته الكبرى فى الأدب "ربيع الأبرار ونصوص الأخبار" فهى تحتوى على أقوال مأثورة وكان مصدرًا من مصادر

الإبشيهى (ت 850 هـ/ 1446 م) فى كتابه "المستطرف" الذى طبع عدة مرات طبعات مختصرة، ثم طبعة كاملة محققة (بغداد 1396 - 1402 هـ/ 1976 - 1982 م). أما مجموعته الصغرى للأقوال المأثورة فقد طبعت بالفعل مع ترجمات لها -فى أوربا فى القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. 14 - أبو الحسن البَيْهَقى (ت 565 هـ/ 1169 م) له "غُرر الأمثال ودرر الأقوال" وبه حوالى 2900 مثل بما فى ذلك الأمثال المولَّدة، وبترتيب أبجدى حسب أول حرف فى المثل ولقد احتفظ تلميذ الميدانى بقدر عال من الاستقلال عن معلمه فضلا عن وضوح التصنيف فهو يصنف مادته إلى: مَثَل، لغة، إعراب، معنى، سبب، ضَرْب، حل، حكاية أضف إلى ذلك وجود شروح فى فقه اللغة. وكثير من هذه الأمثال وضع فى سياق "عالم" خاص، قد يكون هذا العالم محليا أو تاريخ أسرة أو تجربة شخصية، وذلك من خلال حكايات وأخبار حية. 15 - رَضِى الدين سعيد (أبو عبد اللَّه) محمد بن على العراقى (ت 561 هـ/ 1166 م) له "نزهة الأنفس وروضة المجالس" وتضم هذه المجموعة -التى لم يلتفت إليها أحد حتى الآن- 900 مثل، منها محاورات، ومنها حكايات قديمة -الكثير من هذه الحكايات طويل إلى حد الإملال- تتعلق بمشكلة الأوائل (أى أول من قاله) وتم ترتيب المجموعة ترتيبا أبجديا فى 29 فصلا والمؤلف -وهو تلميذ للفقيه اللغوى المعروف أبى زكريا التبريزى- يستمد زاده من تراث المجالس العراقية. وثمة مخطوطة واحدة فقط -صفحاتها الأولى تالفة- هى الموجودة. وكتاب "الوسيط فى الأمثال" للعراقى عبارة عن ملخص لكتاب "نزهة" ويضم رُبع ما يحتويه المجلد الأصلى. 16 - أبو المحاسن الشَّيْبى (ت 837 هـ/ 1433 م) له "تمثال الأمثال" طبع جزء منه فى النصف الأول من كتاب "تمثال الأمثال" لجمال الدين الشَّيْيبى (لاهور 1961 م). ومعظم

رابعا: مجموعات حديثة

أمثاله التى يبلغ عددها 441 مثلا مرتبة ترتيبًا أبجديا، وقد استخلصها المؤلف من مجموعتى الميدانى والزمخشرى أما باقى الأمثال فقد استمدها من كتب الأدب مثل "كتاب الأغانى" أو عن أبيات الشعر. ولم يغفل المصادر التى أخذها إلا فى حالات قليلة، ويورد أخبار الأمثال بإفاضة أحيانًا ولا يمكن توقع الكثير من مجموعات أخرى للأمثال تصدر فى ذلك العصر أو فى عصور لاحقة بالقياس لمجموعة الأمثال الكلاسيكية، إلا أن كتاب "مجمع الأقوال فى معانى الأمثال" لمحمد بن عبد الرحمن بن أبى البقاء وهو حفيد الفقيه اللغوى أبى البقاء العُكْبرى (ت 616 هـ/ 1219 م) يستحق اهتمام الدارس. والكتاب يقع فى ستة أجزاء بعضها حفظ بخط المؤلف من عام 665 هـ/ 1267 م وقد استفاد من 30 مصدرا وثمة مجموعات جديدة وكاشفة للأمثال -باللهجة العامية- يرجع تاريخها إلى القرن السابع الهجرى/ الثالث عشر الميلادى وما بعده: 17 - أبو يحيى الزجّالى (ت 694 هـ/ 1294 م) له أمثال العوام فى الأندلس وبه 2157 مثلا. 18 - أبو بكر بن العاصم (ت 829 هـ/ 1426 م) له "حدائق الأزهار" وبه 851 مثلا. رابعًا: مجموعات حديثة ثار الاهتمام فى أوربا بالأمثال العربية عند نهاية القرن السادس عشر. وظلت هذه الأمثال الأدبية تنتقل عبر أجيال حتى القرن التاسع عشر وذلك فى كتب القراءة والتدريبات اللغوية خصوصًا فى الملاحق الخاصة بالدراسات العبرية. وكان ا. بوكوك قد وضع خطة فى عام 1671 م لتحقيق مجموعة الميدانى بأكملها ولم تنفذ إلا على يد ح. ف فرايتاج فى الأعوام 1838 - 1843 م. ومنذ ذلك الوقت والرحالة الأوربيون المثقفون اللغويون يسجلون وينشرون عددًا كبيرًا من الأمثال العربية -أغلبها باللهجة العامية- وتبعهم فى ذلك

جامعو الأمثال فى المشرق وبصفة خاصة بعد نهاية الحرب العالمية الثانية. 2 - فى الفارسية ظلت اللغة الفارسية -رغم أدائها الأدبى الرفيع- لغة شعبية، لغة مجتمع بسيط فى جوهره تسوده الأميّة يعتمد على الزراعة والرعى والصناعات اليدوية والتجارة -ومن ثم لا يدهشنا أن نجدها حافلة بالتعبيرات والأمثال- ومعظمها موجز وبليغ، ولكن منها ما هو أكثر إيضاحا فى معناه ومبناه. وأدب الثقافة الرقيقة -وبوجه خاص الكتب التى تحض على مكارم الأخلاق، والكتابات الترفيهية التى تهدف إلى التثقيف وتهذيب الأخلاق مثل "جُلسْتان" لسعدى- هذا الأدب زاخر بالأمثال ومن المستحيل عمليا (كما هو الشأن مع شكسبير مثلًا) تحديد ما إذا كان المؤلف نفسه هو الذى ابتكر القصة التى تقف وراء المثل، أو أنه صك بنفسه مأثورا ثم حظى هذا القول بالذيوع بعد ذلك، أو أنه لا يعدو أن يكون قد انتحل حكايات وأمثال كانت ذائعة بالفعل على الألسن- بل إن الأدب الذى يبدو فى ظاهره بعيد الصلة عن الأمثال نجده يسترسل فى اقتباس الأقوال المأثورة. وتتميز المجوعة الرئيسية المعتمدة للأمثال -إجمالا- بوجود ملامح تنم عن القدم سواء من حيث المفردات أو التراكيب النحوية أو الأسلوب، ولا شك فى أن معظمها أصيل غير منتحل إلا أنه من المحتمل أن يكون بعضها قد اختلف عن عمد -إلى حد ما- لإضفاء طابع القدم والأصالة عليها. هذا ما تتميز به المجموعة -على الأقل قبل أن تتوافر حديثًا بذلك الميل الواضح نحو التحديث. وأغلب الظن أن بعض هذه الأمثال نقل عن العربية (ربما فى فجر الإسلام) وبعضها الآخر له ما يناظره أو يعادله فى اللغة التركية، ولكن هذا لا يعنى أن حركة الأمثال هى على الدوام من الفارسية إلى التركية، وثمة جزء لا بأس به من الأمثال صيغ بلهجة عامية. فإذا وضعنا فى الاعتبار هذه العوامل المتعددة، والتحول السريع الذى طرأ على المجتمع الإيرانى، واضمحلال

التعليم التقليدى طوال الخمسين عاما الأخيرة، أدركنا أن كثيرا من الأمثال لم تعد مفهومة تماما أو مقتبسة بدقة أو طبقت التطبيق الصحيح، وهو نفس ما حدث فى الثقافة الغربية. ولذا كان من المحتم وجود عنصر إنسانى مشترك فى أدب الأمثال فى كل اللغات، فإنه من الصحيح -لدرجة مذهلة- أن أى مثل فارسى له نظيره -وبنفس الاستخدام تقريبًا- فى نطاق اللغات الغربية على اتساعها. المصادر: L.P. Elvell: Periam Proverdes. leiden 1954 سعيد عبد المحسن [ج. م. فيكنر G.M.Wicenr] فى اللغة التركية لفظة "مثل" بالتركية و"مييل" بالتركية الحديثة لها أشكال مختلفة فهى "مثل" و"مَثَل" و"مِثَل" وهى تعنى أيضًا "اللغز"، و"مثل" تعنى أيضًا قصة. والمثل منطوق موجز صُب فى قالب محدد يبرز قاعدة سلوكية أو بديهية من البديهيات أو إقرار حقيقة، وهو ثمرة خبرة طويلة، ويستخدم كوسيلة تجعل الكلام أكثر إقناعا، فهو غير مستقل فى وجوده بل يشكل جزءًا مكملا للكلام. وإلى جانب الاستخدام المتكرر له فى محدثات الحياة اليومية نجده يشكل عنصرا من العناصر التى تستخدم فى تدعيم الإبداع -سواء أكان أدبيا أم ثقافيا أم شعبيا- وزخرفته - ففى التراث الملحمى -على سبيل المثال- نجد سلسلة من الأمثال، تتعلق بقصة الملحمة، تستخدم كنوع من الاستهلال لها مع مراعاة تجانس أول حرف من المثل أو آخر حرف منه بباقى أبيات الملحمة، وأن يكون متفقا مع الوزن الذى صيغت به الملحمة- بهذه الخصائص الوظيفية يتميز المثل عن غيره من أجناس الأدب الشفاهى. إلا أنه لوحظ أن شعب "كَرَيم" فى "كريميا" وكذلك فى التراث الشعبى لشعب "إشيل فى تركيا يستخدم المثل بصورة مستقلة بوصفه عنصرا أساسيا فى أى لعبة يلعبونها بالكلمات، حيث تجرى مسابقة بين فريقين (أو شخصيتين) يواجه أحدهما الآخر وكل منهما -بالتبادل-

يلفظ مثلا من الأمثال يبدأ بنفس الحرف من الأبجدية، والفريق -أو الشخص- الفائز هو الذى ينجح فى ذكر أكبر عدد من الأمثال. وإذا قسمنا الأمثال وفق الأفكار الرئيسية التى يدور حولها المثل، فسوف نجد أن أول فئة من الأمثال هى تلك التى تنطوى على حكم بسيطة، فبعضها يضمن قاعدة أخلاقية أو يوحى بقاعدة سلوكية، والفئة الثانية هى تلك التى تقرر حقيقة ما عن الحياة اليومية، أو الطبيعية البشرية أو الظواهر الطبيعة أو "لأعمال والأيام" وأحيانًا تتضمن نقدا أو نصيحة عملية. وأخيرا فئة ثالثة تتميز بأنها اكتسبت طابعا محليا أو إقليميا خاصا سواء من حيث النشأة أو الاستخدام، وهى تعبر عن رأى الجماعة -عرقية ودينية أو غير ذلك- إزاء الجماعات الأخرى، أما من حيث الصياغة الشكلية أو الأسلوبية فثمة أربع فئات تميزه: 1 - أمثال صيغت فى نثر عاد. 2 - أمثال تحتوى على عناصر من النظم. وهذه الفئة الثانية لها أنماط متعددة: نمط يصاغ فيه المثل على شكل بيت من الشعر أو بيتين من البحور التقليدية (فى حالة البيتين يراعى القافية الواحدة). نمط ثان يصاغ فيه المثل بحيث يراعى تجانس الحرف الأول للأجزاء المكونة له، أو يراعى وجود موسيقى داخلية بينها، وأخيرا نمط ثالث يتم فيه تجميع عدة أمثال ذات أفكار مختلفة مع مراعاة القافية أو تجانس الحروف الأولى منها أو ربطها متتابعا وهو ما تجده فى نصوص الملاحم. 3 - أمثال وأقوال مأثورة ذات تركيبة قصصية. وهى أحيانًا تعد نوعا من "القصص المصغر" دون أن تنطوى على حوار وفى أحيان أخرى يختزل هذا القصّ إلى أقل حد ممكن أو يتلاشى تمامًا، وعنئذ يتخذ شكل الحوار. 4 - وعلينا أن تميز أمثال هذه الفئة الثالثة من تلك التى نشأت من خلال قصة فهذه تلمح إلى حدث تاريخى أو شخصية قصصية، وتلك تعد من قبل الأمثال أو الأقوال المأثورة التى تحملنا إلى قصة من قصص نصر الدين خوجة.

وبدأنا نشاهد منذ القرن الثانى الهجرى/ الثامن الميلادى بعض الأمثال ضمن نقوش "كوك تورك". ثم بدأنا نعثر فى وقت لاحق -بعد القرن الرابع الهجرى/ العاشر الميلادى على عدد أكبر من الأمثال فى نصوص أُويفور- ومن بين 290 مثلًا بقى عدد كبير منها حتى يومنا هذا نجدها فى قاموس محمود كاشْغَرى (الخامس الهجرى/ الحادى عشر الميلادى). وأقدم مجموعتين تركيتين عثمانيتين وهما من وضع مجهولين: "رسالة من كلمات أو غزنامة المشهور بأتلزسوزس" بدون تاريخ وإن كان المرجح أن تاريخه يرجع إلى القرن التاسع الهجرى/ الخامس عشر الميلادى. و"كتاب أى أتلر" جمع فى عام 1885 هـ/ 1480 - 1481 م. أما "نبذ نامة" الذى جمعه الشاعر العثمانى جواهى (العاشر الهجرى/ السادس عشر الميلادى) فهو مجموعة من الأمثال من التراث الشفاهى صيغت فى شعر كلاسيكى تقليدى. وعديد من شعراء العصر العثمانى ومنهم "ثابت" (الحادى عشر الهجرى/ السابع عشر الميلادى) و"حِفْظى" (القرن الثانى عشر الهجرى/ الثامن عشر الميلادى) - اشتهروا بترصيع أشعارهم بالأمثال. بينما هناك آخرون مثل "رُوحى" من بغداد (القرن العاشر الهجرى/ السادس عشر الميلادى) و"نابى" (القرن الحادى عشر الهجرى السابع عشر الميلادى)، "ضياء باشا" و"سيرانى" (القرن الثالث عشر الهجرى/ التاسع عشر الميلادى) هم على النقيض من ذلك إذ كانت أشعارهم ومقطوعاتهم محل إعجاب الناس ثم اكتسبت بمرور الزمن مكانة الأمثال ووظائفها. وما إن حل النصف الثانى من القرن التاسع عشر حتى بدأ مثقفو تركيا التى ارتدت ثوب الغرب يبدون اهتماما بتجميع الأمثال ودراستها دراسة مقارنة. فكانت مجموعة من هذا النوع هى "ضروب أى أمثال عثمانية" (1863) لشيناسى ولقد بلغ عدد الأمثال التى ضمنها هذه المجموعة فى طبعتها الثانية (1870) 2500 مثل وفى طبعتها الثالثة (1885) 4000 مثل ثم مجموعة أحمد وفيق باشا وعنوانها

"منتخبات ضروب أى أمثال تركية" (1871) وتضم 4300 مثل. سعيد عبد المحسن [ب. ن. بوراتاف P.N. Boratow] فى اللغة الأوردية يطلق على الأمثال فى اللغة الأوردية عدة أسماء فكلمة مَثَل (مسل) وتعبير "ضَرْب الأمثل" (زَرْبُ المَسل) أو "كهاوت" وهى مرتبطة بـ "المحاورات" واللغة الأوردية حافلة بها, ولا يقتصر استخدامها على الأحاديث اليومية بل يتعداها إلى اللغة الرسمية وفى الأدب وبصفة خاصة الشعر، والرائد الذى بدأ أمثال هذه اللغة انجليزى يدعى س. و. فالون فى "قاموس الأمثال الهندوستانية" (بنارس - لندن 1886). نشر بعد وفاته حيث حققه وراجعه ر. ك. تميل، وهو يضم 12.500 مثل من الأردية الرومانية مرتبة ترتيبًا أبجديا وفق أول كلمة فى المثل وكان من المحتمل أن يزيد عدد أمثاله لو أن المؤلف عاش لاستكماله نظرًا لأهميته، وكثيرا من الأمثال نجدها معروضة بصورة أفضل فى كتابه المبكر "قاموس جديد هندوسيانى انجليزى". وقد حذا حذوه رجال المعاجم فى قواميسهم باللغة الأوردية المنغولية التى تحتوى على أمثال عديدة. ومن أفضل هذه القواميس "جامع اللغات" للخواجة عبد المجيد (4 مجلدات) طبعة (لكنو 1933 - 1935 م). وتضم المقدمة قسما عن الأمثال (16) أما قائمة الكتب (17 - 18) فتذكر عناوين لمجموعات عديدة للأمثال بالأوردية الهندية وللأسف لا توجد معلومات تفصيلية عن المؤلفين أو النشر. ومن هذه المجموعات "محاورات إى هندى" لسُجان نَجْش (دهلى 1913) و"ضرب الأمثال ومحاورات" لسَيْفى نوجانى (كرانتى 1982). المصادر: وردت فى المتن. سعيد عبد المحسن [ج. ا. هيوود J.A. Haywood] فى اللغة السواحيلية معظم الأمثال المعروفة فى اللغة السواحيلية جمعت من مصادر شفهية، أى من ذاكرة كبار السن من القوم ولا تزال أهم مجموعة منها يضمها كتاب "الأقوال المأثورة الإفريقية" من وضع "و. تبلور" عام 1891 م، ويمكن

المصادر

للمصادر المكتوبة -عند انتقائها- أن تزودنا بزاد أوفر. والشطر الأكبر من الأدب السواحيلى المكتوب هو الشعر، والشعراء مغرمون بإدماج الأمثال فى قصائدهم سواء أكانت دينية أم دنيوية وسواء أكانت غنائية أم ملحمية. بل إن الشعر السياسى فى كينيا وتنزانيا المعاصرين حافل بالأفعال، فهى وسيلة لإخفاء آرائهم الحقيقية إزاء الأوضاع السياسية، حيث لا يتعرف على آرائهم إلا المقربون منهم أو علماء السواحيلية الذين بمقدورهم تتبع إلماحاتها، بل إن أغانى الحب والغنائيات الأخرى نجدها حافلة بالأمثال، وثمة نمط خاص من الأغانى القصيرة (36 مقطعا) يمكن أن نسميه بـ "أغنية المثل"، حيث تنطوى الأمثال فيها على الرسالة المراد إرسالها إلى المحبوب وبذلك لا تبلغ آذان أولئك الذين يُخشى من غضبهم لو عرفوها ونمط الشعر السياسى يتكون من أمثال يرجع تاريخها إلى 300 عام على الأقل وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن هناك العديد من التعبيرات، والعبارات الجاهزة، والمصطلحات، والاستعارات المتعارف عليها فى اللغة السواحيلية -حيث تعد هذه التراكيب بمثابة أحجار البناء للأمثال- لأدركنا أن هذه التعابير ذاتها تتيح للمتحدثين بالسواحيلية -ومن باب أولى الشعراء أن يشيروا إلى هذه الأمثال دون حتى ذكرها (فالدجاجة -على سبيل المثال- ترمز للزوجة الصالحة، و"الطائرة الورقية" ترمز إلى الزائر، ولك أن تعقد مقارنة بين هذا الرمز وبين التعبير الانجليزى على اقتباسات مستمدة من المصادر الإسلامية، وهى غالبًا ما تصاغ فى لغة سواحيلية معربة -والمصدران الرئيسيان لهذه الاقتباسات هما القرآن والحديث. فالعلماء يقتبسون من القرآن بالعربية ثم يفسرون معنى ما يقتبسونه باللغة السواحيلية لعامة الناس. وكل اقتباس من القرآن يعد مثلًا من الأمثال عندهم (وغالبا ما يفهمونه فهما خاطئا) وأكثر المصادر شيوعا لديهم "الأربعون حديثًا" التى يتوافر لها أكثر من ترجمة سواحيلية. المصادر: وردت فى المتن. سعيد عبد المحسن [ج كنابرت J. Kneppert]

مجاهد بن جبر

مجاهد بن جبر ابن جَبْر المكى، أبو الحجاج، تابعى، ولد فى سنة 21 هـ/ 642 م، وتوفى فيما بين سنة 100 هـ/ 718 م، وسنة 104 هـ/ 722 م فى مكة، وهو مولى السائب (أو عبد اللَّه أو قيس) بن أبى السائب المخزومى. ذاع صيته باسم المقرئ، وإمام التفسير، وهو من مدرسة عبد اللَّه بن عباس ويقال إنه سمع عائشة وأبا هريرة وعبد اللَّه بن عمر وغيرهم من الصحابة (الذهبى، طبقات المفسرين، جـ 2، ص 306). وقال مجاهد: "قرأت القرآن الكريم على ابن عباس ثلاث مرات، أقف عند كل آية أسأله: فيم نزلت وكيف كانت؟ ". وقال قتادة: "أعلم من بقى بالتفسير مجاهد". وقال فؤاد سزكين: "وفى تفسيره نجد كثيرًا من التفسيرات المجازية والمشبَّهة، وكان بعض تفسيره يقرأ بتحفظ، ذلك لأنه كان كثيرًا ما يستشير علماء النصارى وأحبار اليهود" (وانظر ابن سعد، طبقات، جـ 5، ص 467). وقد تنقل فى الأسفار، واستقر فى الكوفة، وكان لا يسمع بأعجوبة إلا ذهب لينظر إليها، ذهب إلى "بئر برهوت" فى حضر موت، وذهب إلى "بابل" يبحث عن هاروت وماروت. وهو أحد القائلين بالمذهب العقلى فى تفسير القرآن الكريم. (انظر: Goldziher ص 107 - 110). إذ جعل Richtungen " للرأى" منزلة هامَّة. وقد نقل الطبرى كثيرًا من تفسير مجاهد، فى تفسيره "جامع البيان" (انظر H. Horst: Ueberlieferung im Zur Korankommementars at - Tabarts فى Zeitschtift der Deutschen Morgenlaedischen Gesellschaft، العدد 103، ص 295 - 298)؛ ويوجد أيضًا مخطوط بعنوان "تفسير مجاهد"، القاهرة دار الكتب، تفسير رقم 1075 (نشر بتحقيق: عبد الرحمن السورتى، إسلام آباد سنة 1975 م). وربما يمثل النص جديلة من الجدائل التفسيرية المرتبطة باسم مجاهد. ويقال إن مجاهد "قد مات وهو ساجد". المصادر: بالإضافة إلى ما ورد فى المتن انظر أيضًا عادل نويهص (معجم المفسرين من صدر الإسلام حتى العصر

مجاهد الموفق

الحاضر، جـ 2، ص 462 - 463، هذه المادة). ط 2 بيروت سنة 1986. حسن شكرى [أ، ريبين A.Rippin] مجاهد الموفق الموفق بن عبد اللَّه العمرى، أبو الجيش، (والى دانية) والجزائر الشرقية "البليار" من أوائل سنة 405 هـ/ أواخر 1014 م حتى 436 هـ/ 1044 - 1075 م. كان مجاهد "عبدا" (صفة). صقلبيًا، تم شراؤه، وتحول إلى الإسلام واسمه الأبوى "ابن عبد اللَّه" يمثل شكلًا شبه قانونى، وهو ليس اسم أبيه الحقيقى)، وقد تلقى العلم على أيدى المنصور محمد بن أبى عامر الحاجب الأجل لهشام الثانى الأموى، وهو ثالث الخلفاء الأمويين فى الأندلس فى نهاية القرن الرابع الهجرى/ العاشر الميلادى. دخل فى خدمة بنى عامر، ومن المحتمل أنه قد صار واليًا على دانية فى ظل حكم ابنى ابن أبى عامر الاثنين حوالى نهاية القرن الرابع الهجرى/ أوائل القرن الحادى عشر الميلادى. وعند انهيار الدولة الأموية فى أعقاب موت ثالث العامريين فى سنة 399/ 1009 م، أقام مجاهد نفسه، مثل عدد من الآخرين، حاكما مستقلًا، وشيئًا فشيئًا وطد لنفسه دولة فى دانية، والجزائر الشرقية (البليار) على الساحل الشرقى لأسبانيا. وفى غضون أشهر قليلة من بداية حكمه فيها، أقام خليفة من قِبَلِه، وهو من أقارب البيت الأموى من بعيد (والمطالب الأموى الوحيد بالخلافة فى أسبانيا، مع أنه لم يكن مصادفة من نسل عبد الرحمن الثالث - الناصر)، ويعرف بأنه المعطى مع لقب المنتصر باللَّه. وبعد أن تركه كمسئول صورى عن دانية، انطلق فى سنة 406 هـ/ 1015 - 1016 م، إلى غزو سردينيا، ومع أنه نجح نجاحًا مبدئيًا، إلا أنه سرعان ما طرد من هناك على أيدى أسطول مشترك من بيزا وجنوة؛ بل حتى ترك ابنه (سلفه المحتمل)، عليًا، الذى عرف فيما بعد بإقبال الدولة، سجينا فى أيدى النصارى، حيث بقى هناك سنوات عديدة.

وفى أثناء غياب مجاهد، يبدو أن المعطى قد حاول الاستيلاء على السلطة فى دانية لنفسه (ربما قد تشجع بأخبار ما يواجهه مجاهد من صعوبات فى حملته)؛ وقد نفاه مجاهد إلى مكان قصى فى شمال أفريقية بمجرد عودته. وفى الثلاثين سنة التالية حكم مجاهد بنجاح ظاهر، واحتفظ بدانية (معزولة جغرافيًا نسبيا) بعيدًا عن التيار الرئيسى للسياسات الأيبيرية؛ ويبدو أنه احتل مرسية بصفة مؤقتة فى نهاية حياته؛ ولكن لم يكن له طموحات للتوسع الإقليمى داخل شبه الجزيرة بعد توطيد حكمه. وبالنسبة للفترة الطويلة الوسطى لحكمه، فإننا لا نعرف شيئًا عن الإصلاحات السياسية تقريبًا, ولكننا على دراية نسبية بالحياة الثقافية فى بلاطه. كان مجاهد مثل كثير من ملوك الطوائف تواقًا إلى أن يقدم نفسه نصيرًا سخيًا للأدب والفن، وكان يضع نفسه دائمًا فى مكانة العبد الرقيق المثقف الذى يشجع الأنشطة الثقافية والأدبية بإخلاص: ذاع صيت دانية بأنها مركز للدراسات الفقهية، ويرى Urvoy, أن منطقة الساحل الشرقى كلها، كانت مقرًا لشكل دينى جدى بدرجة أكثر للثقافة فى الأندلس فى ذاك الوقت قل - من: قرطبة أو من اشبيليه (ومن المثير للفضول أن نتكهن ما إذا كان اهتمام مجاهد بهذا الفرع الخاص من المعرفة وتشجيعه له، لم يكن مرتبطا على ما يحتمل باسمه "مجاهد"، وهو أحد الطلاب المعروفين لهذه (المادة = القراءات) ذائع الصيت ابن مجاهد من القرن السابق) ولكن علماء فى مجالات كثيرة أخرى جاءوا ليحظوا برعاية (والى دانية): وكتب ابن غرسيه عمله الشهير بعنوان "شعوبى رسالة" فى بلاط مجاهد، وابن برد الأصغر أهدى إليه رسالته المسماة "رسالة السيف والقلم" (النص فى ابن بسَّام، الذخيرة، تحقيق: إحسان عباس، بيروت سنة 399 هـ/ 1979 م جـ 1، ص 523 - 528)؛ كما ألفت أعمال كثيرة هناك، وفى أماكن أخرى تحت رعايته. ويقال إن مجاهد نفسه قد كتب عملًا فى العروض، ولكن ليس معروفًا أنه قد بقى شئ من هذا العمل. كما قضى ابن حزم، وابن عبد البر زمنًا فى بلاط

المصادر

مجاهد. وقد استمر طابع بلاط مجاهد بعد مماته, كما هو ظاهر من حقيقة أن مناظرة ابن حزم والباجى قد جرت فى بلاط ابنه على إقبال الدولة، فى ميورقة حوالى سنة 439 هـ/ 1047 - 1048 م. المصادر: (1) C. Sarnelli Cerqua: مجاهد العامرى، القاهرة سنة 1961 (باللغة العربية). (2) المؤلف نفسه: La Vita inintellettuale a Denia alla corte di Mugahid Al-Amiri, فى Annali dell'Instituto Universitario Orientale di Napoli, السلسلة الجديدة، العدد 14 (Scritli in onore dilaura veccia vaglieri, جـ 2) (سنة 1964)، ص 597 - 622 (الذى يزودنا بقوائم مفيدة عن علماء وأدباء بلاط دانية، ولكن يجب أن يُستخدم بحذر). (3) D. Urvoy: La via ntellectuelle Spirituell dans les Baleares Musulmane، فى And, (سنة 1972)، ص 87 - 132. (4) M.J.Rubiera Mata: La Taifa de Denia, أليكانتى (سنة 1985) حسن شكرى [فاسرشتين D. J. Wasserstein] مراجعة د. عاطف العراقى مجاور " مجاور"، والمؤنث "مجاورة" (صفة)، اسم فاعل من الفعل الثلاثى "جور" بمعنى الجوار وفى المعنى المحدود، يدل المصطلح، كما يفعل المرادف "جاد اللَّه" على الشخص الذى يستقر مدة قصيرة أو طويلة فى مكان مقدس ليعيش حياة الزهد، والتأمل الدينى، لينعم ببركة ذلك المكان. ومن هذه الأماكن المقدسة، الكعبة فى مكة، والحرم فى القدس، والحرم النبوى الشريف فى المدينة، وكذلك أضرحة الأنبياء السابقين، وصحابة الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، والأئمة وخلفائهم (وبوجه خاص مع الشيعة)، وبوجه عام أضرحة المسلمين أصحاب المقامات الموقرة، والفقهاء والصوفية. وقد نشأت من قبل فى العصور المبكرة الزوايا والمدارس فى جوار مثل هذه الأماكن، التى استقر بها، أو بالقرب

منها مجاورون ليتلقوا علم الدين من الأولياء والعلماء الذين كانوا يعيشون هناك، أو ليكونوا هم أنفسهم معلمين، أو ليكشفوا عن جلية أمر الأماكن المقدسة لزوارها، ويزودوهم بالتعليم الدينى الخاص بمناسكها. وثمة معنى ثانوى للمصطلح، لا يزال يستخدم فى مصر حتى الآن، وتتعلق نشأته بالمدارس: وقد تدل كلمة مجاور فى مصر على أى طالب علم بالأزهر يأتى من الخارج، ويعيش فى أروقة هذا الجامع الشريف [Lane: جـ 1/ 2، ص 483, مادة: ج - و - ر (3)؛ المؤلف نفسه The manners and customs of the modern, لندن سنة 1895, ص 213؛ و ary of modern written H. Wehr: Diction Arabic، وهذه المادة). والنبى نفسه [-صلى اللَّه عليه وسلم-] مثال للمجاور. و"لما دخل [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فى السنة المتممة للأربعين من عمره الشريف، حبب إليه الخلاء والبعد عن الخلق والانقطاع إلى الحق، إذ فى العزلة صفاء القلب، فكان يتعبد بغار حراء الليالى ذوات العدد فتارة عشرًا، وتارة أكثر إلى شهر، وكانت عبادته على دين إبراهيم عليه السلام؛ وقيل بالتأمل فى عجائب صنع اللَّه؛ وقيل بالذكر. . "؛ (كان يجاور؛ ابن هشام: السيرة، جـ 1، ص 152). وتسببت هذه الممارسة -مع أهمية "الحرمين" فى الحجاز- فى ربط مصطلح "مجاور" فى المقام الأول، بأولئك الذين قد شغلوا مكان استقرارهم الورع (مجاور، وأيضًا جوار) فى مكة أو المدينة (Lane: فى المواضع المشار إليها آنفا، و Yeni Soezluek Ingilzce - Tuerkce، مادة mue, و Caveret Muecavir). ويستخدم الشيعة المصطلح بالأسلوب نفسه، باستثناء أن المجاورة، وهى بالنسبة لهم عند أضرحة الأئمة فى العراق. تكون لها أهمية أقل بصعوبة. ويعد كثير من المسلمين الأتقياء، أن المجاورة عند مقام النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فى المدينة، وعند أماكن هجوع كثير من صحابته، أحق بالتقدير من أماكنهم فى مكة. وقد حذر بعض الفقهاء، وبينهم أبو حنيفة من الخطر الذى قد ينجم من البقاء الدائم فى جوار الحرمين (وبخاصة الحرم المكى) لأناس ليسوا راسخى الأقدام فى دينهم. إذ إن

صيرورة الإنسان على ألفة شديدة بالأماكن المقدسة، يمكن أن يؤدى بسهولة إلى الإهمال، بل حتى إلى النفور والغطرسة، وإلى انتهاك حرمة هذه الأماكن آخر الأمر. وقد يكون هناك قلة محصنة من الناس ضد هذا الضعف، ومن الآثام الناجمة عنه، وينبغى أن يوصى بالمجاورة لهذا العدد القليل وحده من المؤمنين، للبقاء بلا حدود بجوار الحرمين، فقد يجلب لهم منافع عظيمة الشأن بحق. ويجب على كل الآخرين أن يتحاشوا المجاورة (رحمة اللَّه بن عبد اللَّه السندى) (توفى سنة 1585 م)، جمع المناسك ونفع الناصر، فى حواشى أحمد بن مصطفى ضياء الدين الكمشخانوى: جامع المناسك على أحسن المسالك، استانبول سنة 1289 هـ/ 1872 م، ص 387 - 388). ويشترك موقف ونمط سلوك المجاور فى العلاقة نفسها مع أعمال الحاج أو الزائر لمكان مقدس آخر، كتلك العلاقة التى بين المرابط والمجاهد، وبالنسبة للمجاور والمرابط يسود عنصر الطمأنينة والتأمل للانتظار والمراقبة، بينما يسود مع الحاج والمجاهد عنصر المشاركة فى أعمال (انظر F. Mzier: فى Die welt des Islam، العدد 21 [سنة 1981]، ص 81، 90 - 91). وليس من النادر أن يكون الحج إلى مكة، المتبوع بمجاورة فيها أو فى المدينة، قد استخدم وسيلة للنفى والإبعاد. ولنأخذ مثالًا واحدًا من أمثلة كثيرة، ألا وهو الوزير أبو شجاع الروزراورى, الذى عاش بعد خلعه مجاورًا فى المدينة، وتوفى بها فى سنة 488 هـ/ 1095 م. (La polilique de Ghuzali, باريس سنة 1970 , ص 56). وبسبب مثل هذه الحالات، على ما يبدو، نجد أن الفعل الفارسى مجاورة داشتن، يمكن أن يعنى "يبعد" (ينفى) أيضًا (مثل نفى - ئى بلد كردن، وانظر Dictionaire Ghaffari persan - Francais, جـ 5، طهران سنة 1957، ص 806). ويستطيع أناس من طبقات مختلفة بدرجة كبيرة، أن يكونوا مجاورين أو مجاورات، أرامل مشهورات، موظفون متقاعدون، أفراد مقتلعون اجتماعيًا من جذورهم، فقراء المتصوفة، تجار، طلاب علم الفقه الشبان، أو كبار السن, من كل

طبقات المجتمع الذين يحبون انتظار الموت فى مكان مقدس. وقد ترك كثير من المجاورين ثروات ضخمة (للمثاب المقدس) الذى ارتبطوا به، أو للمدرسة الملحقة به. وبالمثل، كان العمل الجدير بالتقدير على الدوام، هو إعالة المجاورين بمكان مقدس معين، بعمل "أوقاف"، أو بمنح وحيدة أو بجمع مثل هذه المنح (وفى هذا الصدد، انظر على سبيل المثال: F. Meier: Die vita des scheich Abu Ishaq Al-Kazaruni، لبيسك سنة 1948 Bibliotheca Islamica, العدد 14، ص 49 - 51). وهكذا، كانت الأوقاف المهمة فى الهند مخصصة لأتقياء الشيعة الذين ذهبوا إلى كربلاء أو إلى النجف بهدف المجاورة. وفى الأماكن المقدسة، فإن المجاورين غالبًا, وليس بالضرورة، قد عاشوا معًا فى جهات معينة، مثل المغاربة فى القدس. وكان خلفاؤهم، إن وجد أحد منهم، سرعان ما يندمجون فى السكان المحليين، الذين يحدودن المجاورين تمامًا، وبسرعة، كما هى الحال فى مكة، حيث كان كل من يأتون من آسيا الوسطى، يطلق عليهم اسم "بخاريون"، ويشار إلى من ينتمون إلى شعوب شرق آسيا المختلفة بوجه عام، على أنهم "جاوة" (محمد لبيب البتنونى، الرحلة الحجازية، الطبقة الثانية، القاهرة سنة 1339 هـ/ 1920 م، ص 40 وما بعدها، وانظر Hurgronje Snouck: Mekka، جـ 3، لاهاى سنة 1889, ص 295 وما بعدها، الذى خصص فصلًا بأكمله عن الجاوة). وقد مال أهل مكة إلى أن يشيروا إلى جميع الأشخاص الذين كانوا يعيشون فترة زمنية طويلة فى الحرمين، دون أن يكونوا قد ولدوا هناك، على أنهم مجاورين، حتى لو لم تكن مكانتهم، وطريقة حياتهم متفقة مع المجاورة بالمعنى الضيق (A Pilgrimage to Al-Madina and Mecca: Burton R.F, لندن سنة 1893, جـ 2، ص 7). وفى عصور أكثر قربًا، أصبح مصطلح مجاور شيئًا فشيئًا، يستخدم ليشير إلى العاملين المعينين بصفة دائمة للعمل فى أماكن الحج (الحراس،

المصادر

عمال النظافة، المطوفون، الخ. .) الذين ينتمون إلى السكان المحليين (انظر على سبيل المثال، H. Einzmann: Religioeses volksbrauchtum Afghanistan, فسبادن سنة 177، ص 75 - 77). وقد عاقت الدول الآخذة فى الخروج إلى حيز الوجود فى العالم الإسلامى، وقيود السفر التى تضعها حركة المؤمنين عن الاختيار الحر للمكان الذى يحبون الاستقرار فيه كمجاورين، ويجب أن يضاف إلى هذا أيضًا، تدهور الأوقاف (أو حلها) وافتقاد الإعانات المالية الأخرى التى وفرت للمجاورين إمكانية إعالتهم فى الماضى. المصادر: ذكرت فى المتن. حسن شكرى [و. إندس W.Ends] المجتهد المجتهد هو الشخص الذى يمتلك مقومات إصدار حكم فى مسألة شرعية، مستخدما اجتهاده الشخصى فى استنباط مبادئ الشريعة ويرتبط دوره فى ذلك بتطور مفهوم الاجتهاد عبر الزمان وطبقا لرؤية المذاهب الفقهية المختلفة. والكلمة فى مفهومها الواسع تعنى الاجتهاد فى المجالات المختلفة. ولكن الاستخدام الاصطلاحى لها هو استنباط الأحكام الشرعية. أولًا: - بالنسبة للسنة: تولد شعور بدءا من نهاية القرن الثالث أو بداية القرن الرابع الهجرى أن باب الاجتهاد قد قفل بعد أن فصلت أحكام الشريعة على أساس أن الفقهاء الأربعة، وبعضا من معاصريهم، هم الذين يمكن أن يعتبروا مجتهدين بالمعنى المطلق. وعلى ذلك فدور الفقهاء قد انحصر فى التقليد، أو الاجتهاد فى الإفتاء أو على مذهب معين. وقد عورض هذا الاتجاه القائل بإغلاق باب الاجتهاد من فقهاء آخرين. وتدل دراسة الفترة التالية أن باب الاجتهاد لم يقفل وأن المجتهدين المؤهلين للاجتهاد وجدوا تقريبًا فى كل العصور وأن دور المجتهدين فى استنباط الأحكام ظل ساريا إلى القرن الخامس. وقد استبعدت المذاهب التى ترفض الاجتهاد

كالظاهرية والحشوية، من طائفة السنة، ذلك أنه لا يوجد فى السنة من يعارض الاجتهاد من ناحية المبدأ، كما نقل عن ابن عبد البر. واستمر الاجتهاد فى القرن الخامس بين الفقهاء، تابعين لمذهب أو مستقلين، وأصبح للمجتهدين نفوذ على رجال السياسة والحكم الذين كانوا يلجأون إليهم فى الفتوى. ومن ثم فقد ظهرت دراسات حول طبيعة الاجتهاد وسلطات المجتهدين فى كافة الدراسات المتعلقة بالنظم السياسية، وعلى وجه الخصوص البغدادى (المتوفى 429 هـ/ 1037 م) والموردى (المتوفى 450 هـ/ 1058 م) والجوينى (المتوفى 505 هـ/ 1111 م) والغزالى (المتوفى 505 هـ/ 1111 م) وغيرهم. ويرى الثلاثة الأول أن الإمام يجب أن يكون قادرًا على الاجتهاد. على أن الخلاف حول وجود المجتهدين أخذ نغمة حادة عند بعض الفقهاء، وجدده السبكى (المتوفى 771 هـ/ 1369 م). والحنابلة وبعض الشافعية فقط هم الذين يرفضون فكرة اختفاء المجتهدين حتى من الناحية النظرية. ويرى ابن تيمية أن ثمة دورا لا غنى عنه للمجتهدين كشركاء فى السلطة السياسية. وقد انعكس تطور مفهوم "التجديد"، والذى بمقتضاه يبعث اللَّه على رأس كل مائة عام مجددا للأمة الإسلامية انعكس على مفهوم الاجتهاد، وعلى استمراريته، حيث أن المجدد هو بالقطع مجتهد ذو مرتبة عالية. على أن مفهوم التجديد لم يحظ بنفس الاهتمام الفقهى الذى حظى به الاجتهاد فى الأدبيات الفقهية والمذهبية باعتبار المفهوم الأول أقرب للقب شرفى، لم يلعب دوره فى الفكر الإسلامى فى العصر الوسيط. وحتى نهاية القرن الثامن لم يكن أحد من الفقهاء ينازع فى وجود مجتهد يمارس الاجتهاد من خلال مذهبه، حتى قام السيوطى (المتوفى 911 هـ/ 1505 م) على أساس نشاطه الكبير فى مجال الاجتهاد، بالادعاء لنفسه من المجددين، وقد انقسم العلماء بشأنه إلا أنه بعد رحيل هذا المجتهد الكبير وجد نقص ملحوظ فى الفقهاء القادرين على الاجتهاد من السنة، وقد

أدى ذلك إلى أن يقسم المجتهدون فيما بعد إلى سبع طبقات، لا يعتبر من المجتهدين منها سوى صنف من الطبقتين الأوليتين أو الثلاث طبقات الأول بينما يعتبر الباقون من المقلدين. وهذا التقسيم له دور أكبر لدى فقهاء الحنفية المتأثرين بفكرة اختفاء المجتهدين لدرجة أنهم أنكروا الحق فى الاجتهاد على الفقهاء التاليين. ولكن تطبيق مناهج الاجتهاد لم ينقطع، حتى وإن لم يعرف ممارسوه كمجتهدين، خاصة فى الدولة العثمانية. وفى مطلع القرن الثانى عشر الهجرى/ الثامن عشر الميلادى، ظهرت حملة شعواء فى الدولة العثمانية والمغول فى الهند ضد من يقول بقفل باب الاجتهاد واختفاء المجتهدين ويرجع الفضل فى ذلك للحنابلة، وخاصة ابن تيمية الذى تأثر بفكره الكثير من المصلحين أو المجددين من شمال أفريقيا إلى الهند حتى أنهم أعطوا الاجتهاد مجالا من الحرية أوسع مما عرف عند تكوين المذاهب الفقهية. هذه الصحوة فى مجال الاجتهاد مدينة فى ظهورها لآفكار التجديد والإصلاح. ومن ثم فقد أعطت حركات إصلاحية نفسها الحق فى الاجتهاد كالسنوسية والوهابية وأمثال محمد عبده من المصلحين المعاصرين. وفى الهند أخذت النظرة الجديدة للاجتهاد دفعة أشد. فتحت تأثير فكرة التجديد الدورى للأمة منذ عهد أحمد سرهندى المتوفى فى 1034 هـ/ 1624 م المعتبر مجدد الألف الثانية) قام "أهل الحديث" بالدعوة لإعادة اكتشاف الاجتهاد ليتجاوز حدود المدارس الفقهية التقليدية، متأثرين فى ذلك بأفكار ابن تيمية والشوكانى (المتوفى 1255 هـ/ 1839 م). هذا وقد نادى محمد إقبال إلى نوع من الاجتهاد الجماعى. وقد انعكست المسائل المتعلقة بطبيعة دور المجتهدين ومدى تأثيرهم على المسائل الخلافية كالاجتهاد والتقليد والقياس والإجماع والتجديد، كما تعرضت دراسات مبكرة لمؤهلات المجتهدين وممارساتهم. وقد خفف كثيرا من مسئوليتهم مبدأ أن المجتهد إذا أخطأ فله أجر، وإذا أصاب فله أجران، وأن كل مجتهد مصيب.

ثانيا: - الشيعة الأمامية الاثنا عشرية

ثانيًا: - الشيعة الأمامية الاثنا عشرية: أ- النشأة الفقهية والتاريخية الجغرافية: التكوين والانتشار: تأخذ الشيعة الإمامية، على العكس من الطوائف الشيعية الأخرى كالزيدية والاسماعيلية، بفكرة الإمام الغائب. وقد وضع المذهب صفوة من الفقهاء للتأكيد على الولاء لآل على، والحفاظ على الروح الثورية للشيعة. وبعد الغيبة الصغرى (260 هـ/ 847 م) والكبرى (329 هـ/ 940 م) تركزت السلطة فى إمامة علماء الشيعة، الذين سرعان ما جمعوا من الأحاديث ما يؤيد مبادئهم فى مسائل "أصول الدين" و"أصول الفقه"، بعد ما تكونت المدارس الفقهية السنية، التى نجحت فى إرساء إمامة أهل السنة. وقد عرض فى مادة "مرجع التقليد" بالتفصيل للوضع الفقهى للاجتهاد والتقليد فى الشيعة الامامية، وكذلك الأساس الذى بنى عليه الدور المؤثر للمجتهدين ومداه. ولذا فسيقتصر بحثنا، فى إطار الموضوعات الفقهية والاجتماعية والجغرافية والتاريخية والاقتصادية، على ما أظهرته الدراسات الحديثة من عناصر جديدة فى هذا الموضوع الذى لا تنقطع الخلافات بشأنه. وقد وضعت أول صيغة للمذهب فى عهد الدولة البوهية فى وقت احتدام النزاع بين السنة والمعتزلة وكل فريق يذهب إلى أن اجتهاده يقوم على أساس من العلم لا على الظن، الذى يتأسس عليه مذهب الخصم. وفى هذا المضمار رفض العلماء القياس والاجتهاد، وحديث الواحد. وقد برر الطوسى (المتوفى 460 هـ/ 1067 م)، وهو يهاجم مبدأ السنة بأن كل مجتهد مصيب، أخذه بحديث الآحاد بتطبيق مفهوم الاختلاف، والذى على أساسه نجح الشافعى فى تأسيس سلطة طائفة أهل الحديث. وترتب على الاعتراف بالاختيار فى مسائل الرأى أن ثار الشك فى وضع المبادئ الفقهية، وجعل الشيعة يتقبلون مبدأ الاجتهاد الذى رفض سابقًا. وفى عهد السلاجقة دخل الفقه الشيعى مرحلة من الجمود.

وقامت نهضة شيعية فى نهاية حكم السلاجقة، تميزت بالأخذ بالمبدأ الأصولى. وقد كان ذلك فى مرحلة مبكره من قبل فقهاء الإمامية الموجودين فى الحلة، وهى المدينة التى أصبحت مركزا لهم بعد تخريب بغداد على أيدى التتار. وعلى أيدى العلماء مثل ابن إدريس (المتوفى 596 هـ/ 1201 م) والمحقق (المتوفى 676 هـ/ 1277 م) والعلامة (المتوفى 726 هـ/ 1325 م) تطور فكر الشيعة فيما يتعلق بالاجتهاد وكانت موضع مناقشة مستمرة وظلت المسألة الشائكة المتمثلة فى شرعية الحكم والسلطة فى غيبة الإمام هى جوهر قضية الاجتهاد والتقليد. هذا وينقسم الفقهاء الإماميون من الناحية الزمانية تقليديا إلى متقدمين، ومتأخرين، ويرى ابن إدريس أن المتأخرين هم الأفضل. ومع الاعتراف بانقسام مجتمع المؤمنين إلى مفتيين ومقلدين، أضفيت الصفات الباهرة من قبل المحقق والعلامة الحلى فى كتابتهما على طبقة رجال الدين، هذا وقد استعار الإمام العلامة قدرًا كبيرًا من فقهه من السنة. إلا أن اجتهاد علماء الشيعة قصر على الاجتهاد النصى المبنى على القرآن والسنة والرجال دون العقلى، ويقصد بالأول اللجوء للنصوص، وبالثانى اللجوء للقياس. ولم تزد مؤهلات المجتهد عن ذلك التى قال بها الطوسى بالنسبة للمفتى أو القاضى. وكان التطور الحاسم فى النظرة للمجتهد هو اعتباره نائبا عن الإمام الغائب، باعتباره الأكثر حكمة، فى مجتمع من المقلدين، وما يستتبعه هذا التصور من سلطات وامتيازات. ومن خلال كم الأحاديث والتفاسير، لا يفهم بسهولة أثر العوامل المختلفة (الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والشخصية) على اختيار المجتهد. وعلى العموم، فالصياغة الأكثر توثيقا للاجتهاد هى المتضمنة فى كتاب "معالم الدين" لحسن بن زين الدين (المتوفى 1011 هـ/ 1602 م)، وقد هوجم هذا الكتاب بعنف من محمد أمين أسطر ابادى (المتوفى 1036 هـ/ 1626 م) فى مطلع المواجهة بين الأصولية والإخبارية، هذه المواجهة التى سيطرت فيما بعد على الفقه الشيعى الإمامى.

وفى العهد الصفوى (1501 هـ/ 1722 م) استطاع الأئمة المجتهدون المستقدمون من خارج إيران بهدف تطوير المذهب ووضعه موضع التنفيذ، أن يثبتوا سلطاتهم فى مواجهة الصفوة الدينية الفارسية المسيئة للدين. وكان نفوذهم أوضح ما يكون فى الوضع المتميز الذى تمتع به الكركى (المتوفى 940 هـ/ 1534 م)، الذى حاز لقب "خاتم المجتهدين" [على غرار خاتم الأنبياء] و"مجتهد الزمان" فى عهد السلطان طاهماسب (1524 هـ - 1576 م). ورغم أن لقب "مجتهد الزمان" قد عهد احتفظ به أبناء الكركى من بعده طوال القرن العاشر/ السادس عشر، فإن هذا اللقب لم يكن يخول حامله أية امتيازات دينية فى مواجهة السلطات الدينية أو السلطات السياسية التى كانت مطلقة فى يد "الصدر" الذى كان يتبع الشاه مباشرة. وإذا كان أبناء الكركى قد استعادوا وضعهم فى عهد ميردماد (المتوفى 1041 هـ/ 1631 م) إلا أن أحد منهم لم يحمل ذلك اللقب مجتهد الزمان فى القرن الحادى عشر، ومع اتجاه كثير من الأئمة للصوفية أو الفلسفة، أصبحت السلطة الدينية مشاعة بين شيوخ الإسلام فى المدن الكبرى. وفى عهد عباس الأول (1587 - 1629 م) أصبح شيخ الإسلام لمدينة أصفهان أكبر شخصية دينية فى المملكة، وهو المنصب الذى شغله محمد باقر مجلسى (المتوفى 1111 هـ/ 1699 م)، والذى ثبت بصفة قطعية سلطة المؤسسة الدينية بالتمهيد لإنشاء منصب "ملاباشى Mulla-bashi". ولكن رغم أهمية هذا المنصب، فيمكن اعتباره حلا مقتبسا من النظام الكنسى لإنشاء مؤسسة دينية تمثل السلطات الدينية العليا فى كافة أرجاء الدولة الشيعية. وفى عهد القاجار (1704 هـ - 1925 م) ظهر الشقاق بين الدولة وهذه المؤسسة الدينية نتيجة للسلطات المتزايدة والاستقلالية التى أعطتها لنفسها. هذا ولم يقدر للمبادئ المتعلقة بالنظام الدينى الشيعى أن تطبق بما يتفق مع فقهه الذى يقضى (بعد العديد من المراجعة والتنقيح) بتركيز السلطة فى يد رجال الدين إلا بعد الثورة الإسلامية فى 1979.

وبينما كان الاتجاه الأصولى يثبت أقدامه فى مواجهة الاتجاه الأخبارى، كان التنازع على السلطة بين الدولة والعلماء مثارا فى عهد القاجار. هذا ورغم أن القاجار لم يصلوا فى التوفيق معهم إلى حد قبول المبادئ التى قبلها الصفويون، فقد تمتعوا بشئ من الشرعية على يد قيادة من المجتهدين مثل الشيخ جعفر النجفى كاشف الغطاء (المتوفى 1227 هـ/ 1812 م) وميرزا أبو القاسم القمى (متوفى 1231 هـ/ 1816 م) وسيد جعفر كاشف (متوفى 1267 هـ/ 1850 م)، وأخذت هذه القضية الشرعية وضعا أكثر خطورة بإصدار الشيخ جعفر كاشف -شيخ المجتهدين- إذنا للشاه فتح على (1797 - 1834) بإعلان الجهاد باسم الإمام الغائب ضد روسيا. ورغم ما أعطى للمجتهدين من سلطة، فقد أعيد النظر فى الرأى الذى بمقتضاه ظهر نظام "مرجعية التقليد"، والذى يعنى فى الواقع إنشاء هيئة متدرجة من المجتهدين تحت رئاسة واحدة. ورغم أنه من الوجهة النظرية فإن التدرج يكون على أساس "الأعلمية"، فإن العمل سار على الأخذ بمدى التأثير على المقلدين، أى على أساس "الرياسات", متمثلة فى تقدير العامة وتحصيل الضرائب الدينية، وهو المفهوم الذى تطور مع التغيرات السياسية الاقتصادية والاجتماعية. فخلال القرن التاسع عشر كانت الرياسة مرتبطة بوجه خاص بمدى سيطرة المجتهد على الطبقات الاجتماعية والاقتصادية والمجتمعات العرقية (كالعرب والفارسيين والترك أو الناطقين بالتركية). ويرتبط أيضًا التأخر فى هيكل تدرج الأئمة بالخلاف حول السلطة الذى استمر رغم إنشاء الملا أحمد نراغى (متوفى 1245 هـ/ 1829 م) لمبدأ تفويض السلطة للمجتهدين "الولاية". وقد جمع كل فريق قدرا من الأحاديث، تعارض ما جمعه الفريق الآخر، انتصارا لوجهة نظره حول شرعية السلطة للمجتهدين وبوصول مبدأ "ولاية الفقيه" إلى آخر مراحل تطوره على يد آية اللَّه الخُمينى (المتوفى 4 يونيو

1989 م) اختفى أى تحفظ حول هذا الموضوع كما سيرد لاحقا. وبالنسبة للقوة الاقتصادية فقد تمتع بها أولئك المقيمون فى العتبات [المدن المقدسة الشيعية] بدعم من تجار بغداد والسلطات المحلية فى نهاية القرن 18 وفى عهد الشاه فتح على، اتجهوا إلى فارس حيث تمتعوا بدعمه. ورغم الصعوبات الاقتصادية التى نتجت عن القلاقل، فقد جمع المجتهدون أموالا طائلة من الهند وفارس وأماكن أخرى. ومع عودة مبدأ النيابة أو الولاية، العامة، والذى كان بداية لصالح الشيخ جعفر النجفى، أعطى المجتهدون لأنفسهم حق إدارة الضرائب الدينية، وخاصة "الخمس"، والذى يحجز منه لهم ما يسمى "سهم الإمام". ورغم أن مجتهدى العتبات كانوا من ناحية المبدأ أعلى من مجتهدى فارس مرتبة، فإن الأخيرين وجدوا سلطانهم يقوى بما يحققوه من قوة سياسية واقتصادية. وقد كانت الأوقاف لفترة طويلة مصدرًا لدخلهم، إلى أن سحبها الشاه نادر (1736 - 1747 م) منهم. كما أعطوا لأنفسهم الحق فى تملك ما لا مالك له، علاوة على ما أغدقه عليهم الشاه فتح على من أوقات وعطايا مكنتهم أن يبسطوا سلطانهم روحيا وماديا على سائر المجتمع الشيعى الإمامى. كل ذلك أتاح لهم يدخلوا مجال الاستثمار الاقتصادى، وأن يضعوا أنفسهم على قدم المساواة مع الحكومة والطبقة الارستقراطية، خاصة مع تدهور سلطة القاجار فى نهاية عهد الشاه فتح على الشاه محمد (1834 - 1848 م). ورغم ما عرف عن المجتهدين عمومًا من صلاح وتقوى، فإن الأمر لم يخلو أن يوصم البعض منهم بالجشع وعدم الاستقامة فى جمع الأموال، كالمضاربة على الأسعار وقت المجاعة الأمر الذى ساهم فى إشعال الثورة ضد السيطرة الدينية قبل وبعد الثورة الدستورية عام 1905 - 1911 م. وكان لظهور البابية أثر كبير على اضطرار المؤسسة الدينية الاحتماء بالسلطة الرسمية، كما بدءوا فى تحسين صورتهم الدينية، وكان ذلك من خلال شخصية من أبرز

الشخصيات، وهو الشيخ مرتضى الأنصارى، الذى دان له المجتمع الشيعى كلية بالرئاسة. وبدحر الحركة البابية والتخلص من الوزير الأكبر، ميرزا تاكى خان المعروف بميوله الإصلاحية المعادية للسيطرة الدينية أمكن عودة التعاون بين المؤسسة الدينية والسلطة المدنية، وإعادة التوازن بينهما. وقد وجد خليفة الأنصارى، الشيخ حسن الشيرازى سلطته تنازع فى النجف، فانتقل إلى سامراء، وهى مدينة متابعة للسنة، وقريبة من مكان اختفاء الإمام الغائب. وكان للشيرازى دور بارز فى ثورة مزارعى الدخان عام 1891/ 1892 م، كما اشترك بعض الطلاب الذين تبعوه إلى سامراء فى القيام بدور هام فى الثورة الدستورية 1905 - 1911 م. وظل النزاع بعد قائمًا على قضية الزعامة الامامية للمجتمع الشيعى بعد موت الشيرازى وليس هذا فقط، بل أيضًا على التعامل مع الثورة الدستورية فى 1905 م والذى يعتبرها البعض قمة الأحداث الطويلة النابعة من فكرة عدم شرعية الحكومات القائمة، بينما تقلل دراسات حديثة من دور العلماء فى تلك الثورة، على الأقل فى مراحلها الأولى، التى ترجعها إلى تطورات اجتماعية واقتصادية. وقد انقسم العلماء بالنسبة لهذه الثورة أربع فرق: المحافظون الذين رفضوا الاشتراك فى ثورة ضد نظام الحكم، ولكنهم اتحدوا فى 1907 م مع الشيخ فضل اللَّه نورى (الذى أعدم عام 1909 م)، وأولئك الذين قبلوا مبدئيا بالدستور كحركة إصلاحية ثم رفضوه بعد ما انزعجوا مما به من آراء علمانية، وهم أتباع الشيخ ورى. وأولئك الذين قبلوه قبولا مشروطا، ثم أولئك الذين قبلوه قبولا غير مشروط، من شبان العلماء الذين رأوا فية وسيلة للحفاظ على المذهب الشيعى فى إيران، ولو على حساب شئ من امتيازاتهم. وقد احتفظ رضا خان، (الشاه فيما بعد) (1925 - 1941 م) بعلاقات طيبة فى بداية عهده مع العلماء، الذين وجدوا فى السلطة الحاكمة درعا ضد قيام جمهورية علمانية كالتى قامت فى

تركيا. ولكن سرعان ما دب الخلاف بين العلماء -مع استمرار تفتت قياداتهم- والدولة بسبب الاتجاه للتحديث والمركزية والعلمانية، وفصل الدين عن السياسة. وتشبه مواجهته الصلبة ضد السيد حسن مداريس (الذى نفى ثم قتل عام 1936 م) بالمواجهة التى جرت بين الشاه محمد رضا بتلوى وآية اللَّه كاشانى (متوفى 1962 م) والسيد محمد بهبهانى (ابن الزعيم الدستورى الكبير البهبهانى). وأخيرا مع ظهور مدينة قم كمركز علمى فى 1920 م، التفت المؤسسة الدينية تحت قيادة آية اللَّه بروجيردى (المتوفى 1961 م) والذى أصبح مرجع التقليد الأوحد. وبعد وفاته وتفتت القيادة الدينية، التفت مرة أخرى حول آية اللَّه الخُمينى، بما يتمتع به من نفوذ سياسى، فقد كان خصما قويًا للشاه، واستطاع مواجهة نظام الحكم البهلوى مواجهة حاسمة، اشعلتها سياسة القمع التى انتهجها الشاه ضد العلماء والمراكز التعليمية فى مشهد وقم، إلى أن انتصرت الثورة الإسلامية. وبعدها لم تستمر علاقة الخُمينى بالطبقة المثقفة ثقافة غربية، وبعض الذين عارضوا الاستغراب بل والعلماء الذين عارضوا آراءه عن ولاية الفقيه التى صاغها الخُمينى، وجعلها إحدى مؤسسات جمهورية إيران الإسلامية تمثلت فى عزل شريعة مدارى من منصب آية اللَّه العظمى عام 1982 م، فى أسوأ أزمة تشهدها المؤسسة الدينية الشيعية. ومنذ انتهاء الحرب العراقية الإيرانية، ووفاة الخُمينى، والنزاع حول الزعامة الدينية لم يزل قائمًا. مجتهدى الامامية فى الهند، وكان على أثر إعلان المذهب الشيعى كمذهب رسمى فى إيران، أن أصبحت الأسرة العادل شاهينية فى بيجابور (895 - 1097 هـ/ 1490 - 1686 م) أول أسرة شيعية فى الهند وذلك فى 908/ 1503. ومن أهم الأسر الأخرى الأسرة القطب شاهينية فى جولكوندا (901/ 1496 - 1098/ 1687). وقد قام العلماء الشيعيون الفارون من إيران بنشر المذهب فى الهند. وتحت حماية الشخصيات السياسية القومية، كانت العلاقات بين العلماء الإماميين فى بعض الأحايين متوترة مع السنة

والهندوس والصوفيين. وكان على المجتهدين أن يثبتوا وضعهم فى مواجهة الأخباريين أَيضا. ولقد كان التحول عن الأخبارية هو السبب فى تأسيس مؤسسة دينية إمامية مؤثرة فى لوكناو. وتحت قيادة المجتهد مولانا سيد دلدار على ناصر أبادى (متوفى 1235 هـ/ 1820 م) زاد تأثير الشيعة الإمامية، خاصة مع دعم السلطات الحاكمة لهم. وقد أسست مدرسة من أبناء وأتباع ناصر زبادى امتد تأثيرها إلى العراق وإيران. واستمرت الزعامة الدينية لأبناء ناصر أبادى سارية وقوية, ولم يدخل العلماء والمجتهدون أنفسهم فى نزاعات مع البريطانيين حفاظا على حسن علاقتهم مع السلطات الحاكمة، إلى الأربعينيات والخمسينيات من القرن التاسع عشر. فأثناء تمرد عام 1957 - 1958 م انضم بعض العلماء للثورة، إلا أن رئيس المجتهدين, سيد محمد ناصر زبادى ظل منعزلا عن المشاركة فيها. وحين سعت السلطات البريطانية للمصالحة مع الشخصيات الهامة، دخل عدد من العلماء، من ضمنهم سيد على أكبر، الابن السادس لسيد محمد فى الإدارة البريطانية. ورغم النشاط فى نشر المذهب، فقد أن نشاطات المجتهدين الشيعيين إلى انغلاق الطائفة على نفسها، اجتماعيا خاصة مع تطبيق طقوس خاصة بها (كطقوس الجنازات). كما أن الشيعة كانوا غير موافقين على قيام دولة باكستان السنية. مجتهدى الإمامية فى العالم العربى، التطورات السياسية الدينية: لعب المجتهدون أدوارا متباينة بعد سقوط الإمبراطورية العثمانية, تتراوح من السكون التام إلى الانخراط فى الأحداث السياسية بكل حماس. ففى العراق، قاوم مجتهدو "العتبات" الاستعمار البريطانى وأصدروا الفتاوى ضده. وبعد سقوط الملكية، تدهور وضع الشيعة فى العراق رغم أغلبيتهم، وخاصة بعد وصول حزب البعث للحكم 1963 م، وقد كانت زيارة الخُمينى للعراق فى 1965 م بمثابة باعث لحركة المعارضة الشيعية، التى

أخذت أشكال حركات محافظة متحمسة، أهمها "الدعوة الإسلامية" (تأسست عام 1960 م) و"المجاهدون" (تأسست بتأثير فارسى فى 1979 م). وفى نفس الوقت ظلت الزعامة على "المرجعية" قائمة. وقد زاد قمع الحركة الشيعية لدرجة إعدام القيادات البارزة، بواسطة نظام حسين، خاصة بعد نجاح الثورة الإسلامية فى إيران، وازداد أكثر خلال الحرب العراقية الإيرانية. إما شيعة البحرين فقد اعتبروا البريطانيين حماية لهم ضد السنة. وقد تجدد التوتر بين السنة والشيعة بعد نجاح الثورة الإسلامية، واتخذت السلطات خطوات لمنع تأثير إيران على مواطنيها من الشيعة. ورغم وجود جاليات شيعية لها وضعها فى بلدان خليجية أخرى، كالسعودية (أساسا فى القطيف والإحساء) وقطر والإمارات (خاصة دبى) وعمان، فلم يظهر فى تلك البلدان مجتهد بارز. وينطبق نفس القول على شمال أفريقيا، حيث يصل تعداد الشيعة إلى 4000 ألف نسمة. وقد لعب شيعة لبنان دورا بارزا فى تطور الشيعة الإمامية، خاصة فى جبل العامل الذى أخرج مجتهدين بارزين كانوا وراء نشر المذهب فى إيران فى عهد الصفويين. وقد عانت الشيعة الإمامية، ككل الطوائف الأخرى، من النزاعات الطائفية العنيفة التى اشتعلت خلال حكم الدولة العثمانية، واستمرت بعد الاستقلال عام 1943 م. وقد قامت عام 1957 م نهضة تعليمية بمبادأة من زعيم الطائفة الشيعية الحاج سيد عبد الحسين شرف الدين فى الـ Tyre. وفى عام 1959 م وصل المدينة موسى الصدر، قادما من إيران ليتزعم الطائفة، ويخوض الحياة السياسية مؤسسا حزب "أمل"، ذو الروابط الوثيقة مع إيران، إلى اختفائه الغامض فى ليبيا عام 1978 م. واستمرت الطائفة من بعده تمارس نشاطها السياسى الذى عم جوانب منطقة الشرق الأوسط دون تعيين خليفة من بعده. وقد قاوم مجاهدو وعلماء الشيعة الإمامية فى العراق ولبنان وسوريا طقوس الجنازات التى تمارسها الشيعة

الإيرانية، وذلك قبل أن يقعوا تحت سيطرة الثورة الإيرانية. ثانيًا: مؤهلات ووظائف ومدى تأثير وألقاب المجتهدين فى الشيعة الإمامية: الشروط الأساسية لكون الشخص مجتهدا، وهى البلوغ والذكاء والإيمان والورع والذكورة وطهارة النسب، وهى نفسها المطلوبة لمرجع التقليد. ويمكن للمرأة أن تصل لمنصب "ملا", أما وصولها لدرجة الاجتهاد فأمر استثنائى. وعلى المجتهد أن يدرس كطالب ثلاث مراحل تعليمية عامة لكل الطلاب، مقدمات، دراسة النصوص الأصلية، درس خارجيى، يشمل الأقوال والمنافسات يقدم بعدها لأحد المجتهدين بحثا يحصل به على إجازة الاجتهاد. وقد وضع بعض المجتهدين شروطا أساسية لدراسة علم الكلام وأصول الدين وأصول الفقه والتمكن من اللغة العربية والمنطق والتفسير والحديث وعلم الرجال (علم رواة الحديث) للحصول على الإجازة. بالإضافة إلى الورع والتقوى ولطول مدة الدراسة فلا يتصور الوصول لدرجة الاجتهاد قبل الثلاثين، والبعض يظل طالبًا إلى الأربعين. وتعتمد درجة المجتهد على سمعة المجتهد الذى أجازه، ومن ثم فإن الطلاب الذين يرغبون فى الوصول لمرتبة مرموقة يسعون للحصول على إجازات من عدة مجتهدين ذوى صيت طيب، وبذلك يؤهلون لدرجة "مجتهد مطلق". وسرعان ما يبدأ المجتهد فى تحقيق شهرة له متمثلة فى "المقلدين" له، ومن يخفق فى تحقيق ذلك يسمى "مجتهد محتاط". وما إن يحصل المجتهد على إجازته حتى يكون مخولا بتولى آية وظيفة تقع فى اختصاص العلماء فى إدارة وتوجيه الشئون الدينية. من الناحية التطبيقية يمكن لشخص واحد أن يجمع بين وظائف المجتهد والفقيه والمفتى. كما يوكل إليهم أمور الولاية على أموال القصر ورعاية الأيتام، وتحصيل رسوم الأوقاف الهامة، وجمع الضرائب الدينية (كالخمس والزكاة). كما يقع فى أهم اختصاصاتهم الجلوس للقضاء والإفتاء. أما التدريس فيقوم به عادة من تفرغ لذلك ممن ينأى بنفسه عن المشاركة فى شئون الدولة. وكما سبق بيانه فقد أعطتهم سلطاتهم المالية إمكانية إقامة علاقات

المصادر

مع رجال الأعمال، ومع ذويهم من عائلات العلماء، ومع الصفوة القائمة على مقاليد الحكم، وقد مكنهم ذلك من مواجهة السلطات الحاكمة منذ عهد القاجار، وكما حدث فى الثورة الإسلامية الإيرانية فى 1978 - 1979 م. وهم يمثلون الدعم الأكبر للعلماء المحافظين ولأنصار الثورة، سواء من خلال حزب اللَّه أو بصفتهم حراسا للثورة. ورغم أنهم من ناحية المبدأ يمارسون سلطة رئاسية على من هم دونهم من العلماء إلا أنهم فى عهد القاجار كانوا يتعانون مع "الملاوات (جمع ملا) " الذين كان لهم شعبية كبيرة كوعاظ فى الجنازات الشيعية التى تحولت إلى مظاهرات سياسية. ورغم نقد المجتهدين اللاذع لأسلوب التدين من العوام، فإن أحد مظاهره الرئيسية (شعار كربلاء، أى الاستشهاد) قد استغل على نطاق واسع فى الثورة الإسلامية. وقد جعل الخُمينى المجتهدين يقمون له على الولاء وجعل الكثير منهم ينخرط فى ترويج أفكاره من خلال الخطب هذا وقد أفاد شباب المجتهدين فى المناطق الريفية كثيرًا من عودة المؤسسة الدينية الشيعية. وقد انعكست سيطرة المجتهدين على الدوائر ذات النفوذ، وكذلك على نظرائهم أو أتباعهم فى سلسلة الألقاب الشرفية الرنانة التى أسبغت عليهم، والتى ليست بالضرورة معبرة عن درجة فى التدرج الهرمى. فقد لقب الشيخ كاشف الغطاء بشيخ المجتهدين، ثم لقب محمد باقر شافتى (المتوفى 1260 هـ/ 1844 م) بحجة الإسلام، والأنصارى خاتم المجتهدين. كما دخل لقب "مجدد" لديهم أسوة بالسنة. ولكن أكثر الألقاب مرتبة هو "آية اللَّه" و"مرجع التقليد"، أما "الإمام" فقد أعطى للخُمينى وموسى الصدر على أساس استثنائى صرف. المصادر: (1) Sh Akhavi: Religion and politics Iran, New York in contemporary 1930 (2) H. Batatu: Shici oagnizations in Iraq Al-Dacwah al- Islamiyah and alMajahidin, In Sh, cism and social protest 1986, 197 - 200

المجرة

(3) W.B. Halloq: Was thegafe of Journal of Middle East- iglihad closed? ern studies, XVI 1984 ترجمة: على يوسف على [كالمار J.Calmard] مراجعة: د. محمد الشحات الجندى المجرة المجرة: أو الطريق اللبنى. هذه الظاهرة السماوية الملحوظة كانت معروفة لشعوب العالم الإسلامى حق المعرفة. ويبدو أن تشبيه هذه المجرة بانتشار اللبن تشبيه ذو أصل أُغريقى، ويسمى العرب الطريق اللبنى أيضًا باسم درب التبانة ولفظ المجرة، مشتق من الفعل جرَّ، فيما يذهب مؤلفو المعاجم. ويوجد أحيانا التباس فى بعض النصوص العربية بين الطريق اللبنى أو المجرة وكلمة "مجمرة". وهو اسم يونانى لاحدى المجموعات النجمية. وجاء نفس الالتباس فى نص عربى لمحمد المقرئ بعنوان منازل القمر عند العرب. وعن ترجمة حرفية عن اليونانية جاء فى المجسطى لبطليموس عن الحجاج بن يوسف بن مطر أنها لفلك اللبنى و"الدائرة المشابه لونها بلون اللبن" أو باختصار "الدائرة اللبنية" إسحاق بن حنين. وقد عرف الطريق اللبنى للعرب فى العصور القديمة. وفى النصوص اللغوية وصفت مواقع عديدة من النجوم الثابتة المرتبطة بالطريق اللبنى. وأعطى أبو حنيفة الدِّينَورى (282 هـ/ 895 م) وصفا لمجرى الطريق اللبنى فى السماء كما رآه العرب فى عصور الجاهلية. وفيما بعد رصدها العرب وذكروا أن موقع الطريق اللبنى فى السماء يتغير مع الفصول المختلفة تبعًا للدورة السنوية فى السماء ثم وضعها بعد ذلك ملاح المحيط الهندى المشهور أحمد بن ماجد اعتمادا على خبرته الشخصية عام 1490 م. وذكر ابن قتيبة والقزوينى وأَحمد بن ماجد أن بعض كتاب الجاهلية قد فهم الطريق اللبنى كتجمع كثيف من نجوم خافتة تُرى لعين الراصد كتلة سديمية النظرية التى نشأت من أرصاد منفصلة غير متأثرة بتعاليم فيلسوف اغريقى. وقد وصف بطليموس الطريق اللبنى وصفا علميا فلكيًا فى كتابه المجسطى

المصادر

الذى أصبح معروفًا فى اللغة العربية من خلال سلسلة من الترجمات فى نهاية القرن الثانى الهجرى/ الثامن الميلادى إلى نهاية القرن الثالث الهجرى/ التاسع الميلادى إلا أن وصف أبى حنيفة الدِّينورى يبدو غير متأثر بالمجسطى حيث أنه استخدم عناصر وصفية من أصل عربى خالص فقط. وكذلك يبدأ وصفه بالدائرة البروجية وينتهى بكوكبة العقرب قريبًا من دائرة البروج فى حين يبدأ وصف بطليموس وينتهى عند مجموعة قنطورس فى منطقة أقصى جنوب السماء التى كانت مرئية له فى الإسكندرية. اقتنع العرب بنظريات الطريق اللبنى الكونية من ترجمات وشروح أعمال الفلاسفة الإغريق وتعليقاتهم. فبينما ظن أرسطوطاليس أن الطريق اللبنى ظاهرة دخانية تنتمى لكرة أسفل القمر اعتقد ديموقراط وتابعوه مثل أوليميودور أن الطريق اللبنى بعيد فى الفراغ مثل النجوم الثوابت وقد أيد علماء المسلمين هذه النظريات الأخيرة ضد نظرية ارسطوطاليس. وكانت استنتاجات ابن الهيثم العلمية ذات أهمية خاصة وهو الذى توصل إلى أن الطريق اللبنى لا يكون جزءًا من الهواء (كرة أسفل القمر) ولكنه يجب أن يكون أبعد فى الفراغ. وفى القانون المسعودى الذى ظهر عام 1030 هـ يقول البيرونى. وعلى العكس من تعاليم أرسطو وتابعته، لمجرة نفس الارتفاع (فوق الأرض) مثل النجوم الثوابت, لأن القمر والكواكب لا تتأثر بها حينما تمر أمامها. المصادر: (1) أحمد بن ماجد: كتاب الفوائد فى أصول علم البحر والقواعد Damascus 1971 (2) G.R.T, Bbetts: Arab navigation in the Indian Ocean before the coming of the Portuguese, London 1971 (3) Aristotle, Meteorology, Arabic paraphase Kitab al-Athar al-culwiyya, ed, A-R.Badawi Cairo 1961 (4) البيرونى (1) كتاب التفهيم لأوائل صناعات التنجيم ed. and tr. h-h-wright, london 1934 (5) البيرونى (2) القانون المسعودى - i-iii, حيدرآباد, - 1954. د. محمد أحمد سليمان (ب. كونيتز P. Kunitzsch)

مجنون ليلى

مجنون ليلى أو مجنون بنى عامر- وهو الاسم الذى يطلق على بطل قصة حب رومانسية يرجع تاريخها إلى النصف الثانى من القرن الأول الهجرى (السابع الميلادى) 1 - زودت المراجع العربية القديمة هذه الشخصية بسلسلة كاملة من الأنساب تجرى على هذا النحو: قيس بن الملوح ابن مزاحم بن قيس بن عداس بن ربيعة ابن جعدة بن كعب بن ربيعة بن عامر ابن صعصعة. . وبالرغم من أننا يمكن أن نقبل هذا الفرع من النسب من نقطة البدء عند قيس بن عداس، فإن هذا الأخير -كما تشير الدلائل ليس له وليس بمن يدعى بمزاحم- وأكثر من ذلك فقد أطلقت عليه أسماء أخرى أقل شهرة مثل: "البحترى بن الجعد"، و"مهدى بن الملوح" و"الأقرع"، و"قيس ابن معاذ". ولكن الجاحظ يقسم الشخصية إلى اثنين ويعمد إلى التفرقة بين مجنون بنى عامر، ومجنون بنى جعدة حيث أن "جعدة" ينحدر من عامر أما فيما يتعلق بمحبوبته، فقد جاء نسبها على النحو التالى: ليلى بنت سعد ابن مهدى بن ربيعة بن الحارث بن كعب بن ربيعة بن عامر. ومضمون قصة الحب هذه، بقدر ما استطعنا أن نستخلصه من الروايات القديمة بسيط نسبيا وعادى -ومع ذلك توجد روايتان متعارضتان- تقول الأولى إن الشابين قضيا صباهما معا، يرعيان قطعانهما فى جبل التوباد الذى كان يخص قبيلة محارب (الأصفهانى: بلاد العرب) أما الرواية الأخرى فتقول: إن قيسا كان يقابل ليلى عن غير قصد لا سابق ترتيب عند جمع من النساء، ويكون تأثيرها عليه شديدا، ويذبح جملة إسهاما فى الوليمة. وتشارك ليلى -التى تشارك قيسا عواطفه ومشاعره، توليه الاهتمام كله. وعلى إثر ذلك يطلب يدها، غير أن أباها كان قد أعطى لتوه وعدا بتزويجها إلى من يدعى "ورد بن محمد العقيلى". ويفقد قيس صوابه بعد أن تملكه الحزن والألم المبرح ويهيم على وجهه، رافضا أن يأكل، لائذا بالحيوانات البرية يعيش

بينها. ويأخذه أبوه فى رحلة للحج عساه أن ينسى ليلى، ولكن جنونه يتضاعف ومع ذلك تعاوده لحظات من وضوح الفكر فينظم الأشعار فيها ويشتد حزنه مع عجزه عن رؤيتها ولو مرة واحدة أخرى حتى يوافيه أجله. إن من العسير أن نثبت أصل الحكاية. . وثمة إشارة فى "الأغانى" تقول إن المؤلف الأصلى شاب أموى وأنه كتب هذه الأشعار فى ابنة عمه ولكن هذا الرأى مشكوك فى صحته فذكر بعض الشخصيات التاريخية مثل "نوفل بن مساحق" حاكم المدينة فى عام 82 هـ/ 702 م، فى التراث الذى يتعلق بمغامرات قيس، يشير إلى أن هذا الأخير عاش فى تلك الفترة تقريبًا، وهذا هو كل ما يمكن أن يقال عن الموضوع. وسوف يظل مؤلف أو مؤلفو الأشعار التى تنسب إلى المجنون وما يدور حولها من تفسيرات شيئًا مجهولا دائما -ومن المحتمل أن تكون هذه الإبداعات نابعة من رغبة عرب الشمال- الذين يمثلهم "عامر بن صعصعة" فى أن يظهروا أن قصص الحب غير السعيدة ليست شيئًا مقصورًا على هؤلاء الذين فى الجنوب -قبيلة عذرة مثلا- وإنهم يستطيعون أن يفرزوا ما يتماثل مع من يدعى "جميل العذرى". ومنذ اللحظة التى تحقق فيها للأشعار والأخبار التى تتعلق بالشخصيات الخيالية، هذا الوضع المعيارى، فإنه لا يكون من الصعب أن نتصور الدور الذى لعبه الرواة، والذين يلفقون القصص ذات الخيال المبدع، والذين يتهمهم الأصمعى بأنهم لفقوا هذه القصة، التى تدخل ضمن سلسلة طويلة من الأعمال الخيالية والسير الذاتية التى تصب فى قالب روائى، والتى يقدم لنا "الفهرست" بيانًا مفصلا عنها. . وقصة المجنون وليلى -مثل كل حكايات العصور الوسطى، لم تأخذ أبدًا شكلا محددا؛ والواقع أن ناقلى التراث من أمثال ابن وهب وعمر بن شبة وابن الكلبى والزُّبير بن بكار، قد بدأوا فى مرحلة مبكرة يكتبون العناصر العديدة المتفرقة لهذه القصص، ولكن الأخبار المنفردة بدأت فى التداول والانتشار شفويا، ويضاف إليها حسب أذواق الرواة. وقد جاء الدليل على ذلك فى

دراسة للمصادر من أجل تنقيح الأغانى الذى يعتبر بعد الشعر والشعراء لابن قتيبة- الأقدم والأكثر تطورا. فقد احتاط أبو الفرج حتى يحيى نفسه من النقاد بأن ذكر الآراء المؤيدة والمعارضة التاريخية (لا أسطورية) للشخصية، ثم جمع -دون اعتبار للتسلسل الزمنى مجموعة من المصادر الشفهية والمكتوبة، والتى بينها تفصيلا أ. ى كراتشكوفسكى فى مقال نشره بالروسية فى ليننجراد عام 1946 م. ويبدو أن قصة المجنون وليلى قد احتلت الأسبقية على معظم الأعمال الأخرى من نفس النوع وتصدرتها حتى نهاية القرن الثالث الهجرى (التاسع الميلادى) أو أوائل القرن الرابع الهجرى (العاشر الميلادى). . وأن التغنى بالعديد من أشعارها بالإضافة إلى الأهمية التى أولاها إياه كتاب الأغانى لا يتركان مجالا للشك فى أن هذا الرواج الذى تمتعت به بعد ذلك لم يكن شيئًا جديدا. وفى الأدب العربى اللاحق للأغانى، تتكرر أخبار المجنون فى عدد من الأعمال الأدبية وخصوصًا فى تلك التى تتعلق بقصص الحب الشهيرة "مثل تزيين الأسواق" (لداود الأنطاكى) ولكننا لا نعرف إلا القليل من الدراسات المستقلة بصرف النظر عن "الديوان" واثنين من الأعمال لم يحققا بعد وهما "نزهة المسامر فى ذكر بعض أخبار مجنون بنى عامر" تأليف "يوسف بن الحسن المبرادى" (الذى مات عام 909 هـ/ 1503 م) وكتاب "بسط السامع المسامر فى أخبار مجنون بنى عامر" تأليف "ابن طولون" (المتوفى عام 953 هـ/ 1546 م). . ومما هو جدير بالملاحظة -وإن لم يكن متوقعا أبدًا- ألا تثير قصة المجنون وليلى أى عمل أدبى بالعربية فى العصور الوسطى. . ولم يحدث قبل وقتنا الحاضر أن عالج هذا الموضوع عدد من كتاب المسرح منهم إبراهيم الأحدب وسليم البستانى، وأبو خليل القبانى الذى يبدو أن أعماله لم تمثل بل ولم تطبع. . أما رواية "مجنون ليلى" للكاتب محمد منجى خير اللَّه فقد مثلت فى الإسكندرية ونشرت فى عام 1898 م ولكن أشهر الأعمال فى هذا الصدد هى مسرحية مجنون ليلى لأحمد شوقى.

2 - فى الأدب الفارسى والكردى والباشتو

ولست أعرف إذا كان من المهم أن أضع فى نهاية القرن الثانى الهجرى، الثامن الميلادى (إذ لم يرد ذكره فى الفهرست) من يدعى أبو بكر الوليبى الذى ينسب إليه تنقيح ديوان المجنون الذى توجد منه مخطوطات كثيرة، والذى كان موضوع خمس عشرة طبعة عادية، وطبعة واحدة أكثر دقة بقلم أحمد فراج فى القاهرة (1958 م). والواضح أن محتوى الديوان لا يمكن أن يكون من عمل شاعر واحد وخصوصًا أن هناك ميلا -كما يلاحظ الجاحظ؛ لأن ينسب إلى مجنون ليلى أشعار أى شاعر غير معروف تكون فيها إشارة إلى ليلى- كما أن سميه قيس بن ذريح قد أحدث بعض البلبلة. . وعلى أية حال فإن هذا الديوان -كما يقول "ر بلاشير" R.Blachere- الذى قام بتحليله "لا يمكن النظر إليه على أنه يحتل مكانا ضئيلًا فى دراسة الشعر القديم". . راجع: طه حسين: حديث الأربعاء و. م. كامل فريد: مجنون ليلى، تاريخه، علاقته بليلى، أشعاره. [ش. بيلات Pellat]. 2 - فى الأدب الفارسى والكردى والباشتو أصبحت أشعار المجنون، وحكايات حبه وافتتانه بليلى (وتنطق فى الفارسية بكسر اللام الأخيرة) جزءا من التراث الأدبى الفارسى أيضا، حيث استخدمت هذه الأشعار بطرق كثيرة. فكثيرًا ما ترد مقتطفات من شعره فى الأعمال النثرية فى فارس، وهو يعد واحد، من أعظم شعراء الحب والعشق. ويشتهر بشعره فى الغزل. وترد اشارات كثيرة إليه وإلى ليلى فى أعمال كثير من الشعراء قبل أن ينظم "نظامى" قصيدته حول قصة حبهما؛ وهذه القصيدة مهمة جدًا بحيث تعتبر فتحا جديدًا فى تاريخ الشعر -ومانوشِهْرى يقارن عيون المجنون وخدود ليلى بمجموعتين من النجوم. وتوضح هذه الأمثلة -فى البداية على الأقل- أن القصة لا تتعلق على وجه الخصوص بالتصوف، بالرغم من أن الصوفيين -كما نعرف- قد استخدموها كنموذج منذ القرن الثالث الهجرى (التاسع الميلادى) إلى ما بعد

ذلك. أما بالنسبة لشاعر دينى مثل ناصرى خسرو" (القرن الخامس الهجرى - الحادى عشر الميلادى)، فإن جوهر الموضوع يستحق الشجب لأنه يرمز إلى الحب الدنيوى الفانى وإلى الشعر العابث. أما تطور هذه القصة لتصبح واحدة من أكثر الموضوعات المحببة فى التراث الصوفى، والتى عولجت فى أعمال لا تحصى كتبت بالفارسية وبلغات كثيرة أخرى، فهذا موضوع يستحق البحث والتحقيق, وكذلك كان المجنون وليلى أيضًا بالنسبة للشعراء نموذجا للحبيبين مثل عديد من النماذج الأخرى: محمود و"اياز"؛ فرهد وشيرين؛ أو الحبيبين اليونانيين وامق وعذرا. ويقول جلال الدين الرومى إن المجنون ومعه فرهد وغيره ينتمون إلى النماذج الأصلية للعشاق الذين يلجأون إلى الجبال والصحراء ويهيمون فيها وحولها بسبب الحب. وقد كانت "الأخبار" مصدرا ثريا للحكايات والنوادر "التوضيحية" بالنسبة للكتَّاب والشعراء وقد اعتمد عليها أحمدى غزالى، كما اعتمد الكتَّاب اللاحقون على نظرية الحب ومن بين مؤلفى القصائد المثنوية الصوفية ممن يستحق الاهتمام الخاص فريد الدين عطار وفى عام 584 هـ/ 1188 م ألف "نظامى" جانجا بناء على طلب من شروان شاه اخستيان Shirwan Shah Akhsitam " مثنوية ليلى والمجنون" على وزن "هزجى مقبوض محذوف"، وتضم خمسة آلاف بيت وهذا هو الجزء الثالث من مجموع القصائد المعروفة باسم "الخمسة" وقد اختير الموضوع لأول مرة على أنه مادة لقصيدة قصصية فارسية، ولكن هناك سابقة فى معالجة مثل هذا الموضوع ذى الأصل العربى. وهذه السابقة نجدها فى "ورقا وجلشاة" تأليف "عيوقى". و"ليلى والمجنون" هذه كانت نقطة البداية لسلسلة طويلة من المحاكاة والقصص المماثلة والتى كتبت بكل لغة فى المنطقة ويتضح فيها التأثير الثقافى للأدب الفارسى. وقد اقتبس الشعراء الذين حاولوا محاكاة النموذج الذى وضعه نظامى، معظم محتوياته والوزن كذلك، بل وعناصر من تركيبته مثل

النصيحة التى تقدم إلى ابن الشاعر، والخطاب (الحديث) الذى يوجه إلى الساقى وكل منهما موجود فى مقدمة نظامى ومع ذلك فإن كل من هؤلاء الشعراء قد بذل جهدًا لإنتاج عمل أصلى بإحداث بعض التغييرات فى مشاهد القصص، وبإضافة قصص جديدة أو عن طريق تغيير التركيز من موضوع إلى آخر. . وقليل من هذه الأعمال التى حاكت ما سبقها هى التى تستأهل أن تكون أعمالا أدبية. . ومن بين هذه الأعمال المجنون وليلى تأليف "أمير خسرو دهلوى" والتى كتبها فى عام 698 هـ/ 1299 م، وهى تحاكى "الخمسة" محاكاة تامة. وهى أقصر من النموذج الذى حاكته (2660 بيتًا)، ولا تركز كثيرًا على الجوانب التعليمية. وهناك عناصر جديدة مثل التكهن بمصير المجنون عند مولده، والرغبة التى أعرب عنها الحبيبان بأن تقتلع أعينهما الغربان النهمة التى تفترس أجساد الموتى بعد معارك العشائر. وقد أهدى أمير خسرو هذا العمل إلى مرشده الروحى نظام الدين أولياء وإلى سلطان دهلى. كذلك فإن القصيدة الطويلة التى نظمها "جامى" وأتمها فى عام 889 هـ/ 1484 م، كادت تعالج كل محتويات "الأخبار" الأصلية. . فبداية قصة الحب قريبة جدًا إلى التراث العربى (فلم يكن اللقاء الأول فى مدرسة بل فى معسكر عشيرة ليلى). كما أننا لا نستطيع أن نخطئ المعنى الصوفى اللصيق بالقصة، بالرغم من أن القصة (كما هى) قد نالت كل ما تستحقه وفى الأغنية الموجهة إلى السقى فى المقدمة، يحيى "جامى" ذكرى مشايخ النقشبندية والحكام التيموريين الأوائل. وقد كان معاصر و"جامى" ابنا أخيه "هاتفى الشيرازى". . وكانت قصيدة الأول أثيرة لدى الشعراء العثمانيين وقد ترجمت إلى التركية أما قصيدة ليلى والمجنون التى نظمها هذا الأخير فقد ذاعت وانتشرت قراءتها فى الأزمنة الحديثة وطبعت كثيرًا فى كل من إيران والهند. ومع ذلك فقد قوبلت أعمال الأغلبية العظمى من الشعراء الفرس المقلدين بقليل من النجاح. وقصائدهم موجودة. على أقصى تقدير فى نسخ قليلة أو منفردة. ويبدو أن بعضها قد اختفى تمامًا.

المصادر

وقد كتب بعض شعراء فترة ما بعد الكلاسيكية. وتحت عنوان "شاهى وصال" "مثنويات" قصيرة تصف اجتماع شمل ليلى والمجنون مرة أخرى فى أحد القبور وفى إحدى الرباعيات التى وضعها "ليسانى" Lisani (القرن التاسع الهجرى - الخامس عشر الميلادى) حول أحد رسامى المنمنمات، نجد أن جسم المجنون الهزيل النحيل - كما يصوره الفن الفارسى عامة، يستخدم كموضوع أدبى. وفى الأدب الكردى يوجد عدد من الروايات لهذه القصة، بعضها معالجات جديدة للنماذج الفارسية والتركية، والبعض الآخر أعمال أصلية. . وتنتمى إلى التراث المكتوب أعمال "على بايير أغا" و"عبد الجبار كانى" و"حارث بطليسى" والتى ترجع إلى عام 1171 هـ/ 1758 - 1759 م -كذلك فقد سجلت القصص الشعبية حول ليلى والمكلوم فى مناطق عديدة؛ وهى ذات أشكال مختلفة مثل معالجة القصة على أساس أسطورى وهى. . وقد كتبت بعض الروايات باللهجة الجورانية فى اللغة الفارسية وفى "شكل" عروضى يتميز به الأدب الشعبى. وفى "الباشتو" (اللغة الإيرانية المستخدمة فى أفغانستان الشرقية وبلوخستان الشمالية من باكستان) وضع "باى خان" Bay Khan من أهالى "بونر" رواية فى مقاطع شعرية تحمل شكل الغزليات. المصادر: (1) هلال: ليلى والمجنون فى الأدب العربى والفارسى. (2) أسعد خير اللَّه: الحب والجنون والشعر: شرح لأسطورة المجنون (بيروت 1980). [دى بروجن J.T.P. De Bruijn] 3 - فى الأدب التركى: افتتن الشعراء الأتراك أيضًا بقصة مجنون ليلى؛ ذلك لأنهم فى أول الأمر تأثروا بالصورة الكلاسيكية التى وضعها نظامى؛ ولأنهم بعد ذلك اتخذوا موقفا نقديا من روايات الشعراء الفرس والأتراك الآخرين. ولأن الموضوع ثابت لا يتغير وكذلك الربط بين الأفكار

المتعلقة به، فنرى أن الشعراء الأتراك كانوا يسعون إلى معالجة أكثر إثارة للدافع الخارجى، أو يحاولون استخلاص المعنى المجازى من القصة كما وردت فى المادة الأصلية -ولكن لانزال نفتقد دراسة مقارنة عن الأهداف الشعرية، والتى يجب -بسبب التشابه فى الموضوع- أن تأخذ فى الاعتبار قصة "ورقا"، و"وجلشاه". وقد شرع جولشيهرى و"عاشق باشا" فى معالجة الموضوع فى "منطق الطير" و"غريب نامه". وقد بدأ الاتجاه المستقل للكتابات التركية بالمثنوية الطويلة التى كتبها شاهدى بالنيابة عن الأمير "جم" Jem وانتحلها بعد ذلك من يدعى "قادمى" Kadimi. وفى قصيدة شاهدى، وكذلك فى المجنون وليلى لأمير الشعراء فى شرقى تركيا "مير على شيرنواعى" Mir'Ali Shir Nawa'i, والتى كتبت بعد ذلك بفترد غير قصيرة، يجرى تفسير حب المجنون الضائع (الذى لم يلق أية مكافأة أو تعويض) على أنه طريق مجازى للحقيقة الإلهية. وفى نهاية القرن التاسع الهجرى، (الخامس عشر الميلادى)، كتب "أحمد سنان بهشتى" العثمانى الذى عاش فترة، من الزمن فى هرات رواية ذات مغزى صوفى تأثر فيها بما وضعه "جامى"، وأضاف بعض التغييرات المهمة فى الأفكار الرئيسية. وفى الوقت نفسه تقريبًا وضع "حمد اللَّه حمدى" و"تتنسوز أحمد رضوان مؤلفاتهما النظمية. ومن ثم كان القرن العاشر الهجرى - السادس عشر الميلادى ثريا بروايات ليلى والمجنون وقد كتب "جليلى حميد زاد بورصلى (المتوفى بعد 977 هـ/ 1569 م) روايته فى عام 918 هـ/ 1512 م متزامنة فى قليل أو كثير مع روايته المختصرة جدا عن خسرو وشيرين، وهى تركز على ما يبدو -مثل هذه الرواية الأخيرة- على الجوانب الخارجية للحديث. وبعد "لمامينى" ظهر مؤلف "سوادعى"، الذى أقحم فيه شعرًا كتبه "فضولى" Fuduli . . وفى عام 931 هـ/ 1524 - 1525 م كتب حقيرى الأذربيجانى رواية من وحى "نظامى" و"هاتفى"، والتى نقلها إلى موطنه، والتى لعبت فيها الصدفة دورا مهما والطريقة التى عالج

بها فضولى الموضوع هى نموذج للشعر التركى. وفى هذه الرواية التى انتهى من كتابتها فى عام 942 هـ/ 1535 - 1536 م، يبدو المجنون رمزا للأيديولوجية الدينية للحب، والتى تشتمل مهمته على تحرير نفسه من المحبوب. وبهذه القصيدة الملحمية، التى يشيع فيها الغزل, وترخى مشاعر ليلى التى تظل شخصية دنيوية ممكنة، استطاع فضولى أن يبدع نسخة تركية رائعة تطابق النماذج الفارسية، التى بدأ يضاهيها. . وفى عام 950 هـ/ 1543 - 1544 م كتب حمدى اللارتدى) رواية ذات شهرة ضئيلة أيضًا من وحى نظامى و"جامى" و"نواعى" -وفى عام 962 هـ/ 1554 - 1555 م أنتج صالح جلال رواية تتبع فى محاكاة وتقليد أسلوب هاتفى. وقد نسخ "خليف" (986 هـ/ 1578 - 1579 م) فقرات من العمل الذى أبدعه "فضولى" بعد أن فقده هو و"نواعى" فى مقدمته وقد حول شاعر آذارى Adhari اسمه "عطايى" (القرن الحادى عشر الهجرى/ السابع عشر الميلادى) القصة إلى قصة خرافية أدخل فيها مقتطفات من "ديدى قرقت" Dede Korkut أما رواية "قفزاده فيظى" (المتوفى 1031 هـ/ 1621 م) فلم يكملها. وهناك كتابات وإبداعات كثيرة أخرى تؤكد كيف أن هذا الموضوع ظل أثيرا محببا لدى المبدعين حتى وقتنا الحاضر. 4 - أما فى الأدب الأوردى فقد انتقلت القصة (مجنون ليلى) إلى هذا الأدب عن طريق الأدب الفارسى، وليس مباشرة عن طريق الأدب العربى، وكثيرا ما يطلق عليها "ليلى مجنون" وهى توجد فى ثلاثة أشكال رئيسية الأول فى الإشارة العرضية للحبيبين وخصوصًا فى الشعر، والثانى فى القصائد القصصية التى تحكى القصة وتكون فى "المثنوى" عامة والثالث حبكة للأعمال الدرامية الأوردية المبكرة فى أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، والتى كتبت معظمها للفرق المسرحية المتعددة فى بومباى والتى تتحدث "البارْسية" (وهى اللهجة الإيرانية الخاصة بالأدب البارسى الدينى الذى يكتب به الزراد شتيون

الذين ينحدرون من أصلاب اللاجئين الفرس المقيمين فى بومباى وغيرها). ومع ذلك فإنه يبدو أن الموضوع لم يحفز أحدًا ما إلى أى عمل ذى أهمية أدبية كبيرة، بعد أن فشلنا حتى الآن فى أن نكتشف واقعة قد تكون مجهولة. وقد كان "المثنوى" القصصى شكلا شعريا مفضلا عند "دكانى" وهو نموذج اللغة الأوردية الذى كان سائدا فى جنوب الهند من القرن الخامس عشر حتى القرن الثامن عشر وهناك نماذج عديدة موجودة تتعلق بمجنون ليلى، وكلها كانت تتخذ من الأعمال الفارسية نموذجا تحتذيه وخصوصًا أعمال هانقى ونظامى وجامى وربما ما وضعه فى دهلى الشاعر "أمير خسرو" حوالى 700 هـ/ 1300 م وعلى أية حال فبالرغم من النماذج الفارسية فإن الجو العام فى هذه الأعمال الأوردية هندى بشكل واضح كما يمكن أن يتضح فى فقرات "شارابا" التى تصف البطلة من الرأس إلى القدم. ويذكر "هاشمى" و"بقير" و"جاليبى" المثنويات التى وضعها أحمد الجوجراتى ومحمد عزيز وهما شاعران من عصر "قطب شاهى فى "جولكوندا" وقد كتبت هذه الأعمال فى عام 1040 هـ/ 1630 م وعام 1046 هـ/ 1636 م على التوالى. وهناك مثنوية "دكانية" هى قصة ليلى والمجنون وضعها "عبيد اللَّه واعظ بن إسحاق" فى عام 1196 هـ/ 1782 م. . وهى ضمن مجموعة مؤلفة من اثنتى عشرة من المثنويات الأوردية المبكرة جمعها شخص غير معروف تحت عنوان "بارا قصة". وهذه المجموعة كبيرة الشهرة ذائعة الصيت وقد نشرت عدة مرات قبل وبعد 1857 م، ولكن الطبعات الأخيرة تميل إلى تحديث اللغة. وعلى حين لم يكتب شعراء الأوردية الكبار فى شمال الهند فى القرنين الثامن عشر والتاسع عشر قصائد قصصية عن حكاية المجنون وليلى، فإن الواضح أنها ظلت مألوفة ومحببة إلى النفوس على الأقل فى ستينيات القرن التاسع عشر ويسجل "بلومهارت" Blumhardt ثلاث مثنويات واحدة مجهولة نشرت فى دهلى فى عام 1864 م والثانية كتبها محمد تقى خان هواس لوكناو 1862 م والثالثة فقد نظمها "والى محمد نظير" كونبور 1886 م.

وفى ستينيات القرن الماضى بدأت تنتشر الفرق المسرحية فى بومباى، وقد أخذت كثيرًا من المسرحيات الأولى التى قامت بتمثيلها "حبكتها" من القصص الشائعة المألوفة سواء كانت عربية أو فارسية أو هندية وقد حظيت قصة مجنون ليلى بالذيوع والانتشار طيلة ثلاثين عامًا كموضوع للدراما الشعرية. ولا نعرف من الذى كتب أول مسرحية أو مدى ارتباط هذه المسرحيات التى نشرت بالأصول: ذلك لأن الكاتب المسرحى الذى تستخدمه إحدى الفرق المسرحية قد يكلف بإعادة صياغة المسرحية الموجودة أو اقتباسها، ولم يكن هناك قانون يتعلق بحقوق التأليف والنشر يحول دون أن يحصل المراجع على الفصل كله عن المسرحية وفيما يلى بعض الذين كتبوا مسرحيات لا تزال موجودة عن ليلى والمجنون: - "نضروان جى مهربان جى آرام". - منشى محمود ميان رونق (1825 - 1866 م) وقد كتب مسرحيته عام 1857 - 1858 م. - حسينى ميان ظريف. - حافظ عبد اللَّه رونق - ومسرحيته أفضل المسرحيات وقد نشرت فى بومباى عام 1880 م بنص جوجارانى بعنوان مزدوج: "انجمى الفت" و"عرف ليلى مجنون". وقد أعيد نشرها -مثل المسرحيات الثلاث الأخرى- بنص أوردى فى لاهور. وهذه المسرحيات الأربع تتميز بحرفية مسرحية وجاذبية شعبية أكثر مما تتميز بالفن الأدبى. وقد كتب الروائى الموسوعى الشهير فى "لوكناو" "ميرزا محمد هادى رسوا" (1859 - 1931 م) مؤلفه "مَرَقعى ليلى مجنون" (البوم ليلى مجنون) الذى نشر فى لوكناو عام 1885 م وفى اللَّه آباد 1887 م، وهو يعى كل هذه الأعمال المسرحية. . فقد شاهد المسرحيات التى تؤديها فرق بومباى المتجولة العديدة لوكناو ومن بينها ولا شك مسرحيات ليلى والمجنون. . وقد كتب فى مقدمة مؤلفه أنه لم يكن راضيا عن لغة هذه المسرحيات فهى ليست لغة دهلى أو "لوكناو" ولكنها لغة سوق السمك فى

المصادر

بومباى ومن ثم -وبتشجيع من أصدقائه- كتب هذه المسرحية ليوضح ما ينبغى أن يكون عليه الشعر الدرامى. وقد استخدم أوزانا شعرية مختلفة لتتواءم مع الشخصيات والمواقف، بل تصور إمكانية معالجتها حتى يمكن أن نصف المحصلة بأنها "أوبرا أوردية" ولكن لم تمثلها آية فرقة مسرحية، واعتبرها النقاد فشلا كبيرًا. ويقول "عشرات رحمنى" أنها كتبت كلها بالشعر فى الوقت الذى كان فيه النثر يلعب دورا متزايدا فى الدراما الأوردية. وتفككت الحبكة وفقدت جاذبيتها ولما كان هو شاعرًا من "لوكناو" عاش فترة ازدهار "المرانى"، فقد استطاع أن يكتب فقرات مليئة بالحزن واللوعة والنواح؛ وفى هذا تستحق المسرحية الكثير من الثناء. ولكن "روسوا" لم يكن كاتبا مسرحيا ولم تخضع القصة فى سيرها للمعالجة الدرامية. على أننا نجد هناك كاتبا أورديًا حديثًا وضع مجنون ليلى فى صياغة عصرية فى قصة قصيرة. فمجموعة القصص القصيرة التى كتبها "سيد سجّاد وحيدر" تحت عنوان "خيالستان" تضمنت قصة بعنوان "حكاية ليلى والمجنون" وفيها يولد الحبيبان من جديد فى ظروف حديثة عصرية فالمجنون يتعقب ليلى على دراجة. وتخضع ليلى للعلاج بالصدمة الكهربية، ويصاب المجنون بنوبة فى أثناء هذا العلاج ويؤخذ إلى مكة ليتخفف من هذا الوسواس، ولكنه يدعو إلا تخف عِلَّتُه أو تقل معاناته أبدا. . وهكذا تنتهى هذه القصة الغريبة المكتوبة برشاقة، والتى تشكل نهاية ملائمة لهذا التقرير عن مجنون ليلى فى الأدب "الأوردى". المصادر: (1) جميل جالبى: تاريخ الأدب الأوردى، قديم دور، لاهور 1975، ص 249 - 250. (2) J.F. Blumhardt: Catalogue of Library of the books in the Hindustani British Museums. London 1889 بهجت عبد الفتاح [ج. أ. هيوود J.A.Haywood]

المحاسن والمساوئ

المحاسن والمساوئ جنس أدبى نما فى غضون القرون الأولى من العصور الإسلامية، وقد نشأ فى داخل التراث الثقافى العربى الإسلامى بالرغم من أن بعض العلماء مثل انوسترانزيف (Inostranzev) وج. رشتر Richter فى كتابه دراسة فى تاريخ الأدب العربى والفارسى وكتابه تأثير إيران على الأدب العربى وأ. محمدى فى كتاب الأدب الفارسى فى أهم أدواره وأشهر أعلامه) قد انتهوا -فى غير حكمة- إلى أن هذا الجنس الأدبى العربى قد استلهم النموذج الإيرانى القديم (شايست ناشايست) والتى تعنى (الميمون/ المنحوس) وهذا غير صحيح فقد عرف بين العرب قبل مقدم الإسلام (منافرات ومفاخرات) أى مباراة فى التفاخر. (انظر "الشاريشى" فى شرح مقامات الحريرى - القاهرة 1952 م، شكرى الألوسى فى بلوغ الأرب- أ- الهاشمى فى جواهر الأدب - ت. الحاجرى فى الجاحظ - شوقى ضيف فى العصر العباسى الأول. وفى العصر العباسى الثانى ويمكن أن تميز بين نوعين من الجدل (المجادلة). 1 - المجادلات العقيدية (المناظرات): حيث تفوق "المعتزلة"، ليس فحسب فى مقارعتهم الطوائف والعقائد أو الأديان الأخرى، بل أيضًا فى اتجاههم الجدلى الذاتى الذى حفزه ولا شك إعجابهم بالتفكير العقلى وتأثرهم بالفلاسفة السفسطائيين وفلاسفة اليونان بشكل عام. وقد استخدموا الجدل كوسيلة فعالة جدًا للتحليل، وكوسيلة للتمييز بين الحق المطلق، والحق النسبى. 2 - المجادلات الدنيوية (مفاخرات، مناظرات): وتدور حول نطاق عريض من الموضوعات التى احتلت الصدارة فى حضارة جديدة مشحونة بالعناصر المتناقضة وعلى الأخص فى الصراع بين الشعوبيين وبين هؤلاء الذين يؤمنون بتفوق العرب، ومن أبرز أمثلتهم الجاحظ. . وكان الخصوم كثيرين؛ وقد استغل بعضهم آية فرصة للجدل حتى فيما يتعلق بالمسائل التافهة البسيطة؛ وهذه حقيقة دفعت الجاحظ إلى أن يطلق عليهم (فى كتاب الحيوان)

كتابات الجاحظ

عبارة "أصحاب الخصومات"، معلنًا أنه لا "يتورط" معهم. وكان حتما أن تلقى هذه الحالة من الأمور بظلال الشك على القيمة الحقيقية لكل فكرة، ولكل مفهوم، وخصوصًا فى وسط كانت العقلانية وتأثير اليونان هما القوى المسيطرة فيه. وكان لهذه الحقيقة تأثيرها القوى على الآراء وعلى الأدب فى الشكل وفى المضمون، بين العقلانيين فى معظم الأحوال وعند الجاحظ على وجه الخصوص. كتابات الجاحظ: ويقدم لنا الجاحظ -فى كتاباته- معرفته كخبير بهذا الوسط، بكل جوانبه واتجاهاته المتناقضة -وتصبح خصائص الوسط وسماته مرتبطة بأفكار مقتبسة من الفلسفة اليونانية؛ وهذه الأفكار هى التى أدت بالجاحظ إلى المفهوم الذى جعله قادرًا على أن يرد على كل من المسلمين الذين يؤمنون بالثنائية (خضوع الكون لمبدأين متعارضين هما الخير والشر) والمسلمين الذين يؤمنون بالجبرية (أفعال المرء لا سلطة له عليها. أو الإيمان بالقضاء والقدر). . وقد أصبح هذا المفهوم واحدا من أسس وأصول مذهبه الذى يقول بنسبية الخير والشر فى هذا العالم، وضرورة تعايشهما من أَجل "الأصلح" للخلق وعلى الأخص الحياة العقلانية. وقد دفعته الرغبة فى أن يصور هذا المفهوم النسبى للخير والشر ويجعله فى متناول إدراك الجميع إلى أن يضع -على أساس من المناظرات الشائعة فى عصره- نصا أدبيا طويلا إلى حد ما يناقش فيه محاسن ومساوئ الديك والكلب (محاسن الديك ومساوئه - ومنافع الكلب ومضاره) ويقدم هذا النص للقارئ على شكل "جدل" بين اثنين من كبار المعتزلة؛ أحدهما (وهو النظّام) يؤيد الديك ويدافع عنه (صاحب الديك). أما الآخر (وهو معبد) فيؤيد الكلب ويدافع عنه (صاحب الكلب). ويوجه إليهما النقد بمرارة شخص يطلق عليه الجاحظ اسم "عائب" الذى يستهجن أيضًا الديك والكلب ويعدّد نقائصهما ويسردها.

وتبلور فن المحاسن والمساوئ.

وليس من العسير أن نثبت أن هذه "المجادلة" الابتداعية هى من ابتكار الجاحظ نفسه، فهو ينقب عن محاسن ومساوئ الديك والكلب، وفى الوقت نفسه يضع الردود التى توجه إلى "العائب" (موجه الاتهام). وهو يقدم هذه المناظرة إلى القارئ، فى شكل أدبى ممتع جدا وجذاب. . ولم يقتصر الجاحظ على الحديث عن الديك والكلب. . فهو يكشف عن محاسن ومساوئ الكثير من الأشياء الأخرى المعروفة فى زمانه مثل الخنزير والقرد. وبهذه الأمثلة التى يسوقها الجاحظ، يرمى إلى إقناع القراء بأن كل شئ نسبى. وهو يأمل فى أن يؤدى هذا إلى أن تكون مهمته أيسر عندما يصل إلى شرح وتفسير أطروحته (فرضيته) حول نسبية الخير والشر بالإشارة إلى المخلوقات وضرورة تعايشهما، ومن ثم يبرهن على أنهما خير "فعلى" بالنسبة للخلق، وبقدر ما هما من عمل "اللَّه" (سبحانه). . ويتمكن الجاحظ فى الوقت نفسه من أن يهدم الإطروحة الثنائية ويثبت اثنين من المبادئ الجوهرية للمعتزلة وهما التوحيد - والتعديل (الوحدانية الإلهية والعدل الإلهى)، مع ما ينبثق عن ذلك منطقيًا، ومن أكثره أهمية الإرادة الحرة. ويجب أن نؤكد أن هذه الأطروحة الفلسفية يعرضها الجاحظ على شكل ردود مباشرة منه على الهجمات التى يوجهها "العائب" إلى الاثنين الكبار من المعتزلة لمناقشتها محاسن ومساوئ الكلب والديك. والخلاصة كما يرى الجاحظ أن كل شئ نسبى، وكل شئ مهم وكل خلق له مكانة. . البيهقى وبتلورفن المحاسن والمساوئ. وتبلور فن المحاسن والمساوئ. وهناك من سار على نهج الجاحظ واجتذبته طريقته. . ومن بين هؤلاء إبراهيم بن محمد البيهقى (القرن الثالث والرابع الهجريين - التاسع والعاشر الميلاديين). . ومؤلفه المشهور يحمل عنوان "المحاسن والمساوئ" وهو غير معروف لكتاب السّيَر العرب الأقدمين. . ولكننا يمكن أن نقول إنه كان شيعيا

معتدلًا (من الزيديين)، ووصل فى السلم الاجتماعى إلى أن أصبح من ندماء الملوك، مما جعله عرضة لهجاء الشاعر ابن الرومى؛ والأفكار والموضوعات التى يناقشها هذا الكتاب تتشابه مع تلك الموجودة فى كتاب "عيون الأخبار" لابن قتيبة مع استثناء واحد وهو الاتجاهات السياسية الدينية الموجودة فى الجزء الأول - والذى يجعل للكتاب مكانة فريدة ويميزه عن الأعمال الأخرى فى "الأدب"، هو منهجه الدقيق الذى يعالج به الموضوعات, وكذلك طريقته فى الكشف عن مشاعره تجاهها. فهو يقسم كل باب إلى قسمين متعارضين كأن يقول "محاسن كذا" "ومساوئ كذا"، مثل "محاسن الفقر" و"مساوئ الفقر". . ولا تقتصر مصطلحات المحاسن والمساوئ على مفهوم واحد أو دلالة واحدة فهى تعنى المنافع والأخطاء، والحَسن والقبيح، والثناء والذم، والإيجابى والفاضل والطيب، وكل الصفات التى يمكن امتداحها وأيضًا السلبى والشرير والحقير وهكذا. ويفسر البيهقى الدوافع التى جعلته يعطى كتابه هذا العنوان فيقول لقد سميته بهذا الاسم لأن أقصى اهتمامات العالم، منذ بدايته حتى نهايته يكمن فى تعايش الطيب (الخير) والسئ والمؤذى والمفيد والمحبوب والمكروه. فإذا بقى القبيح (أو الشر) وحده فنيت المخلوقات إذ سيقضى كل منها على الآخر، وإذا لم يكن هناك غير الحسن أو الخير، فسوف يختفى الآلم ولا يكون للتفكير العقلى آية قيمة. وهذا التفسير ليس غير استهلال الرسالة الفلسفية التى قدمها الجاحظ فى كتاب الحيوان ردا على العائب (موجه الاتهام). . وبالرغم من أن البيهقى ينقل فقط السطور القليلة الأولى، وينأى بنفسه عن هدفه (أى كتاب الحيوان) العقدى إلا أنه بذلك يثبت أن ما حفزه وألهمه هما كتاب الحيوان، والتبرير الذى قدمه الجاحظ للجدل. والحق أن كتاب البيهقى يمثل المرحلة التى ظهر فيها أدب المحاسن والمساوئ كلون أدبى مستقل.

ومع ذلك -وكما رأينا- فإن البيهقى لم يطبق فى أغلب الحالات نهج الجاحظ الذى يتضمن مدح أو لوم (ذم) أى شئ أو أى موضوع من نوع ما؛ فهو يحرّفه عندما يبدو أن هذا النهج يضر باتجاهاته العقائدية مستخدما مصطلحات المحاسن والمساوئ كوسيلة للإعلان مقدما -فى عناوين الفصول- عن مشاعره وموقفه تجاه الموضوعات محل المناقشة. ونأتى للمعايير التى تحكم اختياره للموضوعات وتملى عليه المواقف التى يتخذها وهى: مبادئه السياسية الدينية ومبادئه الأخلاقية والميول الاجتماعية الثقافية والأدبية والتى اتخذت شكلًا محددًا على يد الجاحظ وابن قتيبة فى أدب القرن الثالث الهجرى، التاسع الميلادى، والذى تعتبر كتبه مصادره الأولى. ويؤيد مؤلف "المحاسن والمساوئ" فكره وأحكامه -التى يعبر عنها مقدمًا فى العناوين التى يختارها للفصول- بشذرات مختارة من الأدب تتمثل فى مقتطفات من النثر والشعر والنوادر والحكايات الطويلة والتقاليد (محاسن الأخبار وظرائف الآثار -كما يطلق هو نفسه عليها). . وباستثناء العناوين التى هى وحدها الانعكاس لتفكيره، لا يوجد أى تدخل شخصى منه فى النص. وتجدر الإشارة إلى كتاب آخر هو المحاسن والأضداد "الكاتب مجهول غير معروف يبدو أنه كان يعرف الجاحظ. . وهذا الكاتب هو أول من حاكى البيهقى، إذ نقل عنه جزءًا كبيرًا من عمله. والجزء الأول من المحاسن والأضداد موجود فى كتاب البيهقى، ولكن بشكل أكثر اكتمالا ودقة. . ولكن هذا الكاتب المجهول لا ينقل شيئًا من الفصول التى تتعلق بالموضوعات السياسية الدينية التى تعكس ميول البيهقى ونزعاته. أما التعديلات التى أدخلها على الفصول والفقرات المنتحلة فتوضح أنه لم يفهم تمامًا المنهج الذى اتبعه هذا المؤلف، وأن نهج الجاحظ بطرح الثناء وإلقاء اللوم هو الذى أغراه. وقد استبدل "بالمساوئ" كلمة "ضده" (أى العكس) فهو يقول محاسن كذا

الثعالبى وفن المحاسن والأضداد

ضده وهذا يعنى أنه يناقض محاسن كذا بعكسها، دون أن يتيح للقارئ أن يستنتج ما إذا كان سيجد تحت عنوان "ضده" ذما للموضوع الذى امتدحه تحت عنوان "محاسن" أى جوانب الحسن، والقبح فى الموضوع, أم سيجد موضوعًا نقيضًا لذلك الذى امتدحه (مدح الحسن والصحيح/ وذم السئ والخطأ). فمن الصعب فى هذا المثال "محاسن الوفاء/ ضده" أن نقول هل يعنى "مدح الوفاء/ ذم الوفاء" أم "مدح الوفاء/ وذم الخيانة" وهذه بلبلة تنشأ من غموض الضمير (هاء) وإلى أى شئ يعود هذا الضمير -ولا تنسى نسبة هذا الكتاب للجاحظ بهدف إشعار القارئ بأنه أمام منهج الجاحظ الذى يعتمد على مدح وذم كل فكرة، وأنه لا يوجد هنا غير لعبة أدبية بسيطة، ويبدو أن هذا هو مفهوم المؤلف لهذا المنهج. الثعالبى وفن المحاسن والأضداد ومرة أخرى يظهر هذا الاهتمام بهذا الجنس من الأدب فى أعمال واحد من أغزر المؤلفين إنتاجا فى القرن الخامس الهجرى، الحادى عشر الميلادى ألا وهو الثعالبى، الذى عاش فى عصر تشكلت فيه الثقافة العربية بالنثر المسموع وبالبحث المنهجى عن الشكل والبراعة الفنية؛ كما عاش فى وسط كان اهتمامه الوحيد أن يبتدع أشكالًا وصنيعًا متناغمة للتعبير عن كل فكرة. وقد وجد الثعالبى فى منهج الجاحظ أفضل الصيغ لتوفير احتياجات الكاتب والأديب فى عصره. وبهذا الهدف يتناول الثعالبى فى كتابيه المتماثلين "الظرائف واللطائف فى الأضداد" و"يواقيت فى بعض المواقيت فى مدح كل شئ وذمه" (وقد جمعهما من يسمى "أحمد بن عبد الرازق المقدسى" فى طبعة واحدة نشرت عدة مرات فى بغداد والقاهرة. وطبعة القاهرة (1324 هـ/ 1906 - 1907 م) هى التى نعتمد عليها هنا) يتناول كلا من الموضوعات الثمانين التى تناقش فى فصل ينقسم إلى قسمين: مدح. . / ذم. . وفى الجزء الأول يقدم شواهد رائعة فى مدح الموضوع، وفى الثانى يقدم شواهد ذم الموضوع (مثال

المحاسن والأضداد بعد الثعالبى

ذلك مدح/ ذم العقل - مدح/ ذم الغنى) وهكذا. ونضيف هنا أنه نسخ (نقل) جزءا كبيرا من المواد التى عرضها فى هذين الكتابين فى كتاب ثالث سماه "التحسين والتقبيح، عرض فيه "النقيض أو العكس فى شكل جديد فهو يمتدح ما يعتبر سيئًا ويذم ما يعتبر حسنًا؛ سعيًا -على ما يبدو- إلى أن يقدم كتابًا يبدو جديدًا وفريدًا فى جنسه. المحاسن والأضداد بعد الثعالبى: ونحن نلتقى بهذا النهج الذى يشتمل على مدح وذم كل شئ والذى أصبح مرادفا لاستعراض المواهب الأدبية، مع عدد من مؤلفى الأدب الذين جاءوا بعد الثعالبى، والذين يطبقونه بشكل متفرق فى كتبهم. ومن بين هؤلاء "الأزدى" فى "حكايات أبى القاسم والحريرى فى المقامة الحريرية" (طبعة القاهرة عام 1326 هـ/ 1908 - 1909 م) ثم هناك جمال الدين الوطواط (631 - 718 هـ/ 1234 - 1318 م) الذى تأثر كثيرًا بمنهج الثعالبى بشكليه: المدح والذم من جهة، ومن جهة أخرى مدح ما هو سئ وذم ما هو حسن وهو يطبق هذا المنهج بتصنيف جيد فى عمله "غُرر الخصائص الواضحة، وغُرر النقائص الفاضحة" (القاهرة 1318 هـ/ 1900 م) متناولا ستة عشر موضوعًا أخلاقيا: ثمانى خصال (أو فضائل) وعكسها (أى ثمانى نقائص). وتنقسم كل من الفصول الثمانية الأولى إلى ثلاثة أجزاء: 1 - مدح الفضيلة بالاستعانة بنصوص مختارة 2 - نوادر وحكايات وشعر يتعلق بالأشخاص الذين يتمتعون بهذه الفضيلة أو اشتهروا بها 3 - ذم هذه الفضيلة. وبالمثل فإن كل فصل للنقائص ينقسم إلى ثلاثة أجزاء: 1 - ذم النقيصة 2 - نوادر وحكايات وأشعار ترتبط بالأشخاص الذين أصيبوا بهذه النقيصة أو اشتهروا بها 3 - مدح النقيصة. ولا شك أن هذا الجنس الأدبى قد اجتذب كثيرين آخرين ولكن كتاباتهم حتى هذد اللحظة لا تزال غير معروفة لنا. المصادر: وردت فى المتن. بهجت عبد الفتاح [أ. جيريس I. Geries]

محكمة

محكمة 1 - مدخل عام: تولى رسول اللَّه [-صلى اللَّه عليه وسلم-] ولاية القضاء التى أسندتها له صراحة آيات القرآن الكريم. وانتقلت هذه الولاية من بعده إلى الخلفاء الراشدين، حيث مارسوها بأشخاصهم فى المدينة المنورة. وقد سبق أن تطلب الأمر، نتيجة لتوسع الإمبراطورية الإسلامية فى عهد الخليفة عمر، تعيين قضاة للحملات العسكرية فى البداية، امتد اختصاصهم للمناطق المفتوحة أيضًا. وقد بقى هذا النظام لقضاة الجيوش (قاضى الجند) قائمًا حتى أيام العهد العثمانى (قاضى عسكر). وطبقا للشريعة فإن ولاية القضاء تكون للخليفة أصلا، ويمارسه القضاة كمفوضين عنهم، ولهم بدورهم تفويضه لمن يشاءون. ويكون تعيين القضاة بموجب عقد يتم بالإيجاب والقبول بحضور شاهدين على الأقل. ولا تتوقف صحة التعيين على شرعية سلطة التعيين، وبهذا الفكر المنفتح تجاوبت الشريعة مع الظروف الواقعية حتى فى أساسها النظرى. ومن جهة أخرى فإن للسلطة تحديد اختصاص القاضى (الولاية) من حيث المكان أو الزمان أو نوع المنازعة. وقد اقتصر تعيين القضاة فى البداية على المدن الكبرى, وكان الاختصاص المكانى بالتالى كبيرا (كمصر كلها مثلا). وكان تقليص الاختصاص النوعى أساسا لتخفيف العبء عن القضاة، خاصة بالنسبة للموضوعات غير القضائية بطبيعتها. وفى العصر الحديث، فإن التحديد الزمانى أو النوعى للاختصاص يراد به تعديل أو وقف تطبيق الشريعة دون التعرض لنصوصها. وكان تعيين القضاة فى العصر الأموى يتم عن طريق حكام الولايات أساسا، وفى العصر العباسى، فرغم اضطرار الخلفاء إلى تفويض أمراء الولايات المستقلة استقلالًا فعليا فى تعيين القضاة، فإنهم كانوا يتمسكون شكليا بهذا الحق كمظهر لسلطانهم على تلك الولايات. وقد تمخض عن هذه الاعتبارات نظام معقد من التفويضات. وقد كان الخلفاء الفاطميون، والأمويون فى الأندلس، والعثمانيون يعينون القضاة تعيينا

مباشرا أيضا. وكان العثمانيون يمارسون هذا الامتياز حتى بالنسبة للولايات الخاضعة لهم كمصر. وكان بالإمكان عزل القاضى فى أى وقت عن طريق السلطة التى عينته، وهو ما كان يترتب عليه عادة تغيير كل الوظائف القضائية التابعة. ونظريا، طبقا للفقه، فإن القضاة المفوضين فقط، وليس الأصليين، هم القابلون للعزل مع وفاة أو عزل من عينهم وقد ترتب على سلطة التعيين نوع من حق الرقابة، تمثل فى تقبل الشكاوى وإعطاء التوجيهات. وصورة أخرى من الرقابة القضائية كانت تمارس عن طريق جماعة من أهل العلم ممن يجب على القاضى استشارتهم فى الحالات غير القطعية، مما شكل ما يشبه القضاء الاستئنافى. أما الصورة الثالثة من الرقابة القضائية فكانت حق القاضى اللاحق فى إلغاء أحكام القاضى السابق عليه، وهو ما ترتب عليه إطالة مدى التقاضى فى بعض الحالات. وكان من الممكن أن يعين أكثر من قاضٍ يتبعون مذاهب مختلفة فى مدينة واحدة، خاصة فى العواصم. ولم يكن مسموحا للقاضى أن يرجع عن قضائه حتى ولو ظهرت أدلة جديدة أو تبين عدم جدوى الحكم، بل كان لقاض آخر أن يستأنف نظر القضية لعيب جسيم فى تطبيق القانون، بمعنى مخالفة القرآن أو السنة المتواترة أو الإجماع. وعلى القاضى أن يؤسس قضاءه على أساس المذهب التابع له وإلا كان قضاؤه عرضة للتجريح. ولم يكن من المشترط أن يتبع القاضى مذهب من عينه، أو من فوضه، ولكن كان من الممكن توجيهه لإتباع مذهب معين فى قضائه. وكان الفقه الشائع فى الخلافة العباسية هو الفقه الحنفى ثم الشافعى، وفى الخلافة العثمانية الفقه الحنفى، وفى الأندلس المالكى. وكان مذهب القاضى ذا أهمية للمتقاضين أكثر منه للحكام. وقد كان القضاء، خاصة فى العهود الأولى، مقسمة بين أكثر من مذهب، فقد لُجئ إلى تعيين أكثر من قاض، تكون لأحدهم الرئاسة، ولكن الخيار بين القضاة يكون لأطراف النزاع. وقد أطلق على قاضى العاصمة بدءا من العصر العباسى اسم "قاضى القضاة"، وكان أبو يوسف أول من شغل هذا المنصب

فى عهد هارون الرشيد. وكان هذا اللقب يطلق عليه فى البلدان الغربية اسم "قاضى الجماعة". وسرعان ما أصبح لقاضى القضاة حق الإشراف على زملائه، خاصة مع نظام التفويض الذى يعنى أن القاضى المفوَّض هو مجرد وكيل عن القاضى الذى فوضه. وكانت أهم الوظائف القضائية المساعدة هى "الكاتب"، و"الشاهد"، والذين عملوا فى نفس الوقت كموثقين. وكانت هذه الوظائف هى فى الغالب أول الطريق لمهنة القضاء. وكان تمثيل المتقاضين عن طريق متخصصين قانونيين، أى المحاماة، أمرا مرفوضا من الوجهة النظرية، ومستهجنًا عمليا فى العهود الأولى. وعلى النقيض من ذلك، كان دور أهل العلم المتخصصين، كالمفتى، هو إعطاء المشورة المحايدة للقاضى. وكانت الفتوى فى الغالب بطلب كتابى من أحد الطرفين. هذا وقد تطورت عملية إسداء المشورة للخصوم، ثم تمثيلهم "الوكيل"، إلى "المحامى" الذى أصبح معروفًا فى العصور المتأخرة فى المحاكم الشرعية. أما بالنسبة للإجراءات، انظر دعوى. هذا وتعرف الشريعة أيضا، بجوار القضاء، نظام التحكيم. ورغم تركيز القضاء فى يد القضاة فى العصر الأموى، والوقوف فى وجه أى تدخل من الولاة فى شئون القضاء، فإنه بدءا من العصر العباسى ظهرت الحاجة إلى دعم الوظيفة القضائية بنظام "نظر المظالم"، والذى كان يمارسه الخلفاء أو نوابهم من ولاة أو وزراء أو سلاطين، الذين كانوا مهتمين بإقامة العدل حتى مالوا إلى احتكار الوظيفة القضائية، رغم ما يقال من فصل نظرى بين نظامى القضاء ونظر المظالم، خاصة وأن القاضى لم يكن لديه سلطة تنفيذية لتنفيذ أحكامه عدا ما ترى سلطات الدولة وضعه تحت تصرفه. وهكذا تطور فى كل البلدان الإسلامية، بجوار القضاء الدينى، نوع من القضاء المدنى، وهو إن كانت الشريعة تمثل خطوطا عامة له، إلا أنه كان مؤسسا أساسا على قواعد العدالة والأعراف، ويتبع إجراءات مرنة وأكثر تساهلا. وقد كان هذا الاتجاه معززا بتعاليم القرآن الكريم الآمرة بإطاعة

المصادر

أولى الأمر. وفى نطاقه تطور القضاء منذ نهاية القرن الماضى وأوائل القرن الحالى إلى محاكم تحت سيطرة الدولة تأخذ بالنمط الأوربى. وأخيرا تم تنظيم المحاكم الشرعية بالأخذ بتعدد درجات التقاضى وتشكيل محاكم من أكثر من قاض. ولنتابع هذا التطور فى البلدان الإسلامية. المصادر: (1) R.Levy: The social structure of Islam, Cambridge 1957, Chs ii-iv, vi (2) J. Schacht: The origins of Muhammaden Jurisprudence, Oxford 1959 (3) N.J. Coulson: A history of Islamic Law, Edinburgh 1964, parts i-ii [شاخت J. Schacht] 2 - الدولة العثمانية: (أ) ما قبل إصلاح النظام القضائى كانت المحكمة هى المقر الرسمى للقاضى فى نطاق اختصاصه المكانى "القضاء". وكان السلاطين هم الذين يحددون عدد المحاكم فى قضاء معين، أو يقسمون القضاء إلى عدة أقضية، تبعًا للتطور فى حجم السكان، كما كان بإمكان القاضى أن يطلب إنشاء محاكم جديدة عند الحاجة. وكان يراعى فى اختيار مكان المحكمة قربها من الأسواق أو المساجد الجامعة. وكان للمحاكم، على الأقل فى القرن الثامن عشر، بنايات خاصة بها. وكان للمتقاضين الخيار بين المحاكم المختلفة فى نطاق القضاء الواحد. ومع الحق فى اختيار المحكمة، بدأت بعض المحاكم فى التخصص فى أمور معينة، كمنازعات الحق فى المياه وكان القضاء قبل السلطان سليمان على المذهبين الحنفى والشافعى، فقصره على الأول. ورغم ذلك فقد استمر القضاء الشافعى فى الوجود فى البلدان الخاضعة وإنطاكية، كما سمح بالقضاء المالكى فى ليبيا. وكان القاضى، أو "حاكم الشرع"، يستمد سلطته من السلطان، ولا يسأل إلا أمامه، فإن عزل لا يحق له إصدار أية وثيقة. وكان القاضى يحكم طبقا لمبادئ الشرع وكذا لمبادئ "القانون" أى القانون الوضعى. وكان له أن يطبق

"التعازير". على أنه كان يجب على المحاكم المحلية أن تحيل للباب العالى كافة القضايا بالأمور العسكرية، والأمن العام، وأمور الدولة، وكذا التى يزيد نصابها عن حد معين. كما كان يرجع لـ "الديوان الهمايونى" بالنسبة لبعض الأمور المتعلقة بالأجانب والتى تحكمها الامتيازات الأجنبية. كما كان للسلطان أن يأمر القاضى بعدم نظر نوعيات معينة من القضايا. وكانت أحكام القضاء نهائية كأصل عام، حيث لم يوجد فى النظام القضائى العثمانى ما يقابل نظام الاستئناف. على أنه كان يمكن عند التظلم للسلطان مباشرة من حكم ما أن يقوم الديوان الإمبراطورى، والذى لا يحق له إلغاء الحكم، أن يحيله لإعادة المحاكمة أمام نفس القاضى، أو إلى محكمة أخرى، أو أن يتولى الديوان بنفسه الفصل فى النزاع. وكان الحكام ممنوعين قطعيا من التدخل فى أمور القضاء. وقد سارت الفتاوى على اعتبار الحاكم فى هذه الحال مخلا بالأمانة. وفى حالة ضبط القاضى متلبسا بمخالفة قانونية جسيمة، فعلى الحاكم عندئذ وقفه وإخطار السلطان فورا، حيث لا يحاكم القضاة إلا أمام الديوان الإمبراطورى. وكان للسلطان عزل القضاة، وفى البداية لم تكن مدة ولاية القاضى محدودة، ثم حددت بثلاث سنوات، ثم بسنتين، ثم وصلت إلى سنة واحدة عند نهاية القرن السابع عشر. وقد اعتبر هذا التغير المستمر فى هذا المنصب سببًا أساسيا لتدهور النظام القضائى العثمانى وما شابه من فساد. وكان للأفراد الحق فى التظلم لدى السلطان من تصرفات القاضى أو سلوكه، كحق لـ "الرعية" فى التظلم من أى تابع للسلطان. كما كان التفتيش الدورى يمارس بين الحين والآخر للقضاء على أية تجاوزات تنسب للقضاة. كما أخذ السلاطين العثمانيون ما كان يثار حول إساءة السلطة من قبل المحاكم مأخذ الجد، ومن ثم كانت الخطوات التصحيحية بدءا من عهد بايزيد الأول. وكانت الشكاوى تنبع أساسا من أخذ الرسوم، الأمر الذى يعتبر مناقضا للتعاليم الإسلامية ومنبوذا فى الفتاوى. وكانت الدولة تتدخل بين الحين والآخر لتعديل تلك

أثر تدهور الإمبراطورية على المحاكم الشرعية.

الرسوم، والتى كانوا يحصلونها بنظام الالتزام على "النواب". وقد حرم سليمان الأول هذا العمل، كما عدته "العدالة نامه" من صور الفساد القضائى. وكان من أسباب الشكوى من إساءة استغلال السلطة أيضًا فرض القاضى أو نوابه الإقامة الجبرية على الفلاحين خلال الجولات التى كانت تجرى عادة كل ثلاثة أشهر. وكان "مجلس الشرع"، أو "محكمة الشرع" كما يسمى فى بعض الوثائق، مكونا من علماء يساعدون فى التحقق من توافق حكم القاضى مع الشريعة. وكان مع ذلك من النادر أن يذكر المفتى كعضو فى هذه المجالس، رغم أنه كان من المعتاد اللجوء للمفتين المحليين لإصدار الفتاوى فى أمور معينة. كما تشير وثائق المحاكم إلى لجوء القضاة إلى استدعاء من يسمون "شهود الحال"، وهو نظام إسلامى قديم. وهم أفراد مشهود لهم بالعلم والخبرة، وكانوا يقيدون فى سجلات المحكمة، وكانت مهمتهم تتمثل فى نوع من الرقابة القضائية بالتأكد من صدور الحكم فى حضور أفراد يتسمون بالخبرة والحيدة. وكانت "المظالم"، وهى القضايا المتعلقة بالأمن العام أو تجاوزت الحكام المحليين ضد الرعية، تنظر بواسطة القضاة المحليين، أو المفتشين، أو المحاكم الديوانية التى ينشئها الوزراء خلال جولاتهم التفتيشية، أو كملجأ نهائى بواسطة الدواوين الهمايونية. أثر تدهور الإمبراطورية على المحاكم الشرعية. بدأت المحاكم الشرعية تتعرض لنقد حاد منذ أواخر القرن السادس عشر، ومنذ ذلك التاريخ بدأت صفات ووظائف هذه المحاكم فى التغير. فبالإضافة إلى الوظيفة القضائية، كانت تعقد فى المحاكم مجالس يدعو إليها القاضى وتضم الأعيان، ورؤساء الطوائف المهنية، والأئمة كممثلين عن الشعب، لشرح الأوامر السلطانية فيما يتعلق بالرعية عامة. وزادت هذه الاجتماعات بسبب فرض العوائد الديوانية، وذلك لتحديد الأنصبة فى تحمل عبئها. كما كانت تناقش فى هذه

(ب) عصر الإصلاح

الاجتماعات المصاريف الخاصة بالمدن وميزانياتها. وقد برز فى هذه الاجتماعات دور الأعيان القيادى كممثلين عن الشعب، منتزعين سلطة القضاة فى عديد من المجالات. (ب) عصر الإصلاح: مع دخول الإمبراطورية عصر الإصلاح فى القرن التاسع عشر، سار التوازن بين الشريعة والقانون الوضعى فى اتجاه مضاد لما كان سائدا منذ القرن السادس عشر، أى لحساب القانون على حساب الشريعة. فبدءا من عهد سليم الثالث (1789 - 1807 م)، وضع السلاطين سلطاتهم الإدارية لصالح إصدار تنظيمات إصلاحية، واستتبع ذلك ظهور تنظيم قانونى جديد، وبالتالى نظام قضائى جديد. كما بدأ التمييز الواضح بين الاختصاص القضائى لنوعى المحاكم الشرعية والـ "نظامية"، بصورة لم تكن واضحة من قبل، وظهر الاتجاه لإطلاق مصطلح المحاكم الشرعية على المحاكم التى تطبق الشريعة كأصل عام لتجسيد هذا التمييز. وسار التطور لحساب النظام الجديد حتى انتهى إلى إلغاء المحاكم الشرعية نهائيا مع تأسيس الجمهورية التركية كأهم نظام حكم علمانى فى البلدان الإسلامية. المصادر: (1) M. Khadduri and H. J. Liebesny ed: Law in the Middle East, Washington 1955 (2) J. E. Mandaville: The Ottoman court records of Syria and Jordan (3) I. Mouradgea d'Ohsson: Tableau general de I'Empire Othoman, 7 vols, Paris 1788 - 1824 [اينالتشيك وفندلى H. Inalcik and C. V. Findly] 3 - إيران كان القضاء تحت حكم العباسيين خاضعا بشكل مطرد للشريعة الإسلامية، إلا أنه ما لبث بمرور الوقت أن فقد القضاة سيطرتهم على إدارة العدالة الجنائية، مما حدا إلى إنشاء محاكم المظالم، المأخوذ من الممارسة الإدارية للملوك الساسانيين، لمعالجة بعض أوجه القصور الناتجة عن ذلك.

وكانت هذه المحاكم مختصة بالتحقيق والنظر فى الشكاوى المرفوعة ضد عمال الإدارة ذوى النفوذ من المظالم التى تقع منهم فى أمور جباية الضرائب أو عدم صرف أو تخفيض العطايا والمنح للمستحقين لها أو الاستيلاء غير المشروع على الأموال والأملاك، وكذلك عدم مراعاة القيام بالشعائر الدينية الواجبة. وكانت فارس، إلى أن فرض الصفويون مذهب الشيعة الإمامية، سنية المذهب، طبقا للفقه الشافعى والحنفى. ولذا ساد نظام التفويض كأساس لحجية أحكام القاضى، حيث يكون التفويض أصلا من الخليفة، فإن ضعف سلطان القضاء فمن الحاكم أو "صاحب الشوكة". ولم يكن ينظر للقاضى على أنه يعمل باسم من فوضه، بل كنائب عن الخليفة أو الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-]. ومع انهيار الخلافة على يد التتار، أصبح ينظر إليه كنائب عن الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، مما عزز من استقلاله، فلم يكن يعزل بموت من فوضه، بينما كان موت القاضى يترتب عليه خلو كافة الوظائف المعاونة له. إلا أن استقلال القضاة كان قاصرا لسببين، أولهما أن القاضى كان عرضة للعزل من قبل من عينه، والثانى أنه لم تكن تحت إمرته أداة تنفيذية لتنفيذ أحكامه. وقد يكون اختصاص القاضى عامًا أو مقيدًا. وطبقا للمذهب السنى فإن سلطة القاضى مستمدة من الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، أما فى المذهب الشيعى فهى مستمدة من الإمام، بصفته معينا من قبل اللَّه سبحانه وتعالى، وهو الوحيد صاحب الحق الشرعى فى الحكم. وكانوا يفرقون بين أوقات وجود الإمام وغيبته، وفى الحالة الثانية كانوا يلجأون للتعاون مع السلطات غير الشرعية من وجهة نظرهم تطبيقا لمبدأ التقية. أما بالنسبة لتطبيق الحدود، فهى للإمام ولمن يعينه. أما حين يتولى "الطغاة" السلطة، فللأفراد توقيع العقوبات على ذويهم وعبيدهم، ما لم تكن هناك خشية عليهم من السلطان. فإذا كان الإمام الشيعى معينا من قبل

سلطان جائر، فله إقامة الأحكام. أما إذا كان "الفقيه" هو المعين من قبل السلطان الجائر، فعليه أن يضمر فى نفسه أنه يمارس سلطته نيابة عن الإمام الغائب. ولم يكن من غضاضة أن يحصل القاضى على مرتب من الإمام لقاء عمله، أما فى غيبته فله ذلك فقط فى حالات الخوف أو الضرورة. وهكذا وضعت القواعد التى تسمح للقاضى أن يمارس مهمته فى حالات اغتصاب السلطة من الأئمة الشيعيين. وتحت حكم السلاجقة، كان السلطان وحكام الأقاليم كمفوضين عنه يجلسون فى محاكم المظالم كتوازن بين القواعد العرفية والشرعية، وطبقا لما ذهب إليه نظام الملك فقد كان يتم ذلك مرتين فى الأسبوع، وإن كان يرى أن الهدف كان إثبات سطوة السلطان أكثر من الرغبة فى إقامة العدل. وكان قاضى القضاة يعين فى العاصمة وعواصم الأقاليم، ولكن لسبب ما تضاءلت أهمية هذا المنصب. وازداد التميز بين الشريعة والأعراف فى فترة حكم المغول قبل تحولهم للإسلام. وقد جلب المغول معهم قوانينهم وأعرافهم، ولكن لا يوجد دليل أن لديهم قانونًا مكتوبًا منسوبًا لهم. وكانت لديهم محاكم خاصة لا نعرف الكثير عن اختصاصاتها أو إجراءاتها, ولعلها كانت للفصل بين المغول أنفسهم وللجرائم الوظيفية. وبعد تحول المغول للإسلام استمرت، هذه المحاكم كصورة من محاكم المظالم. ويشير أمر للسلطان غوزان خان (1295 - 1304 م) إلى عقد اجتماع مرة كل شهر لمدة يومين لبحث القضايا العويصة، يحضره رجال العلم والقضاء والدولة، وأن تؤسس الأحكام فيه على العدالة والإنصاف ومبادئ الشريعة، وتكون قراراته كتابية حتى يمكن مراجعتها. وقد حظى القضاة فى عهد المغول غير المسلمين بإعفاءات ضريبية. ورغم ما عوملوا به من احترام فلم تكن لهم نفس المنزلة الاجتماعية التى كانت من قبل. ومع دخول المغول الإسلام ارتفعت مكانة القضاة واستمرت الإعفاءات مع مخصصات معيشية

أخرى. كما ارتفعت فى عهد غازان مرتبة قاضى القضاة كرئيس لـ "ديوان القضاة". وكان يتبعه رجال الشريعة ورجال الأوقاف. وثارت اتهامات خطيرة حول تجاوزات القضاة فى فترة حكم المغول غير المسلمين، واستخدام الرشاوى للاستيلاء على أملاك الغير. ولما كان التحقيق فى هذه الأمور أمرا بالغ الصعوبة، فقد طبقت الفتوى الشرعية بعدم سماع الدعاوى بعد مضى ثلاثين سنة، كفترة تقادم. واضمحل دور الشريعة فى القضاء لحساب القواعد العرفية فى عهد تيمورلنك (1404 م). وحيث كانت تنعقد فى معسكره ثلاث محاكم فى ثلاث خيام، كثلاث محاكم، واحدة للمنازعات المتعلقة بالقتل والديات، والثانية للقضايا المتعلقة بالمخالفات المالية التى تؤثر على حصيلة الدولة، والثالثة لقضايا الأقاليم. ولكن القضاء الشرعى استرد مكانته فى عهد شاهروخ (1446 م). وحين أعلن إسماعيل الصفوى (1502 - 1524 م) المذهب الشيعى كمذهب رسمى للدولة، تساهل العلماء الشيعيون بدرجة أكبر فى قبول الوظائف العامة، ومن بينها القضاء، وإن ظل بعضهم على عزوفه عنها كنوع من الورع الدينى. وحل العلماء والقضاة الشيعيون محل السنيين. وقد خسر القاضى شيئًا من مكانته لحساب "الصدر"، والذى تولى منصبا دينيا عاليا، ثم "شيخ الإسلام"، بينما مارس "المجتهدون"، ممن لم يكن يستمدون سلطتهم من منصب دينى، ولكن من علمهم وتقواهم، دورا كبيرا، وإن كان صعب التحديد على المحاكم الشرعية. ولما كان الشيعة لا يقرون المبدأ السنى "كل مجتهد مصيب"، فإن قرارات القضاة كانت دائمة معرضة للمراجعة، مما جعل الكثيرين يحبذون المحاكم الإدارية أو القواعد العرفية. وعين شاه عباس (1610 م) رئيسا للقضاء العرفى. وكان حق الحياة والموت مقصورا على السلطان، ولكنه قد يفوض فيه أحدا من حكام الأقاليم، خاصة إذا كان من الأسرة الحاكمة.

وظل تقليد اللجوء للحاكم شخصيا قويا ويمثل ضمانة قوية ضد ظلم موظفى الدولة، وهو أمر كان منتشرا فى ظل عدم وجود قواعد تنظيمية واضحة ودقيقة. وكان الشاكون يحضرون للقصر الملكى لتقديم تظلماتهم. ثم بدأت المحاولات لتنظيم هذا الأمر، حيث عين إسماعيل الثانى (1576 - 1578 م) من يتولى استلام المظالم. كما أمر شاه عباس أن يتولى "صدر الممالك" ورئيس القضاء العرفى ذلك. كما أنشأ إسماعيل الثانى "ديوان العدالة"، وعين ابن عم له برئاسته وأمره أن يجلس مرتين أسبوعيا مع الوزير الأعظم واثنين من الأمراء لسماع الدعاوى. وكان حكام الأقاليم هم رؤساء القضاء العرفى، وكذا بعض رؤساء المناطق المتمتعة بالاستقلال الذاتى. وكانت وظيفة الصدر قد برزت كوظيفة دينية هامة، تطورت فى عهد الصفويين إلى رئاسة المؤسسة الدينية بأكملها. فكان له تعيين موظفى الشريعة، بينما ظل تعيين بعض الوظائف مثل قاضى القضاة بالأقاليم باسم الشاه وما إن يعين قاضى القضاة حتى يكون له، فى بعض الأحيان على الأقل، تعيين القضاة. هذا وقد كان الهدف من خلق وظيفة الصدر هى التحقق من توحيد القواعد الشرعية المطبقة، فلما تم ذلك انخفضت أهميتها حتى وصلت فى أواخر عهد الصفويين إلى الإشراف على الأوقاف. ثم أنهى الأمر بإلغائها. ولم يكن الاختصاص القضائى للصدر ثابتًا مع الزمن، وأحيانًا كانت الوظيفة توكل لشخصين مع تحديد الاختصاص المكانى لكل منهما. ولم يكن واضحا الفصل بين المنصبين فى شئون الأوقاف كما استمرت مكانة الصدور كشهود فى المحاكم العرفية. ورغم أن منصب الصدر قد قلل من شأن القضاة, إلا أن مكانتهم ظلت سارية فى المدن الصغيرة حيث لا منافس لهم من صدر أو شيخ إسلام. وكان القضاء العرفى يمارس فى عهود القاجار الأولى بواسطة الشاه،

والحكام، والموظفين المحليين. ولم يكن هناك فصل فى الغالب بين الوظائف فكانت الأمور المتعلقة بالأمن والقانون والضرائب توكل لنفس الموظف. وكانت أقل المحاكم درجة توكل لرئيس القرية، الذى كان بسلطته توقيع العقوبات الصغيرة والغرامات البسيطة أما الجرائم الأخطر فتحال لجابى المنطقة، والأكثر خطورة إما لدرجة الجريمة أو لمكانة مرتكبها فتنظر بواسطة حاكم الإقليم. ولم تكن عقوبة الإعدام تفوض من قبل الشاه إلا فى حالات كون الحاكم من الأسرة الحاكمة أو فى أوقات القلاقل. وكانت محاكم العرف تعقد علانية كنوع من ضمان العدالة، وكان تحت يد القاضى أعوان يساعدون فى منع الشغب. ولكن الفصل بين اختصاص محاكم العرف والشرعية لم يكن ثابتا، بل كان عرضة للظروف، ففى الجنايات كان القاضى الشرعى يشترك مع موظفى القضاء العرفى، ويصدر الحكم طبقا لقواعد الشريعة كما كان الموظفون يحيلون لقضاة الشرع ما يرون إحالته لهم لأسباب سياسية أو شخصية. وكان التعذيب ممارسا, ولم يكن للقانون الصادر عام 1844 م بتحريمه بضغط الدول الأوربية أثر يذكر. وكان شيخ الإسلام الذى تزايد دوره فى الدولة الصفوية يمثل القاضى الأعلى للمحاكم الشرعية. وكان يعين عن طريق الشاه فى العاصمة والمدن الكبرى, ويأخذ فى الاعتبار رغبة الأهالى. وفى المدن الأصغر كان القاضى، وفى القرى "الملا", والذى انحصر دوره فى أمور الزواج ومراسم الوفاة والخلافات الواضحة. وكان المفتى كثيرا ما يستعان به فى المحاكم الشرعية. وكان دوره يختلف عنه فى الدولة العثمانية، فكان عليه تحضير الدعوى وإسداء المشورة بشأنها ولم يكن الشاه يمثل رئاسة للمحاكم الشرعية رغم تعيينه لشيخ الإسلام، مما أعطى المحاكم الشرعية نوعا من الاستقلال تدعم بتأثير "المجتهدين". وبدءا من منتصف القرن التاسع عشر تقريبًا جرت محاولات لإصلاح النظام القضائى. زادت مع مطلع القرن

العشرين فأنشأت فى 1906 م وزارة العدل لتنظر فى وضع تشريع للشريعة الإسلامية تطبق فى عموم البلاد حتى يكون الرعايا متساوين أمام القانون. وفى أغسطس من نفس العام صدر مرسوم بإنشاء مجلس الشورى الوطنى، وصدر القانون الأساسى فى ديسمبر، ونصت المادة الثانية منه أنه لا يجوز لمجلس الشورى أن يصدر مواد تخالف مبادئ الشريعة. كما شكل مجلس من المجتهدين والفقهاء لمراقبة ذلك عند اقتراح القوانين كما نص على تقسيم السلطات إلى ثلاث، تشريعية وتنفيذية، وقضائية، وعلى الاختصاص القضائى للمحاكم الشرعية فيما يتعلق بأمور الشريعة، وللمحاكم المدنية فيما يتعلق بالعرف ونص أيضا على مبدأ استقلال القضاة وعدم عزلهم. وفى عهد رضا شاه (1925 - 1942 م) تم القيام ببرنامج طموح للإصلاح القضائى. ومع ازدياد سلطة الدولة ازداد الاتجاه إلى التغلب على المعارضة الدينية. فصيغت عدة تشريعات متعلقة بالقانون المدنى بين 1925 و 1934 م، مؤدية إلى تقليص دور المحاكم الشرعية وأمكن الوصول لاتفاقية لإلغاء الامتيازات الأجنبية فى 10 مايو 1928 م وألغيت المحاكم الخاصة بشئون الأجانب. كما أحيل لوزارة العدل أمر تعديل القانون المؤقت لعام 1911 م، حيث صدرت سلسلة من القوانين المؤقتة تتآزر فى اتجاه تحجيم الاختصاص القضائى للمحاكم الشرعية مع إعادة تنطيمها. ثم صدر أخيرا فى عام 1937 م قانون من 789 مادة لتنظيم الإجراءات القضائية حل محل القوانين المؤقتة. وبهذه الوسيلة تم تحاشى الصدام مع السلطات الدينية بشأن وضع قانون مدنى ولم تكن القواعد المتعلقة بالزواج والطلاق والأرض البور والمواريث والأوقاف سوى للقواعد الشرعية مع تعديلات طفيفة. وبخصوص الطلاق فقد تغير الوضع جذريا مع صدور قانون حماية الأسرة عام 1967 م. ووضع القانون الجزائى فى 1928 م متأثرا بالقوانين الغربية ثم عدل فى 1939 م. كما صدر قانون تجارى عام 1932 م.

المصادر

المصادر: (1) D. Hinchcliffe: The Iranian family protection act, in The Internatioal and comparative law quarterly (April 1968), 516 - 21 [لامبتون A. K. S. Lambton] 4 - فى بعض البلدان العربية فى العصر الحديث. 1 - مصر فى فترة الحكم العثمانى المباشر، كانت المحاكم الشرعية ذات اختصاص واسع المدى، يشمل إلى جانب الأحوال الشخصية للمسلمين والوقف المواضيع المدنية والجنائية والإدارية، والمنازعات بين المسلمين وغير المسلمين، وبين غير المسلمين مختلفى الملة، وكذا متحدى الملة عند الاتفاق على اللجوء لها. وقد أنشأ محمد على جهات قضائية أخذت قدرا كبيرا من اختصاص الحاكم الشرعية واتخذت خطوات جوهرية للإصلاح القضائى فى عهد إسماعيل باشا، فكانت المجالس الحسبية (المحاكم الحسبية فيما بعد) المنشأة فى 1873 م والمعاد تنظيمها فى 1896 هى أول خطوة فى تقليص اختصاص المحاكم الشرعية. . كما أنشأت عدة مجالس قضائية أخرى للأحوال المدنية، ومحاكم مختلطط بقضاة أجانب بجوار القضاة الوطنيين للنظر فى المنازعات ذات العنصر الأجنبى، وكان القضاة الوطنيون فيها متأثرين بالفكر القانونى الغربى. وفى 1880 م قصر اختصاص المحاكم الشرعية على الأحوال الشخصية والمواريث والأوقاف والهبة والقتل والدية. ثم تحولت المجالس النظامية إلى محاكم أهلية فى 1883 م، وأحيل إليها الكثير من اختصاصات المحاكم الشرعية. وبمناسبة إلغاء الامتيازات الأجنبية، وضع فى 1948 م تشريع مدنى جديد كانت الشريعة الإسلامية أحد مصادره، وقد اتخذ هذا القانون نمطا لبلدان عربية أخرى. كما ألغيت المحاكم الشرعية فى 1955 م وأحيل اختصاصها للمحاكم المدنية.

المصادر

المصادر: (1) Lane: Manners and customs of The Modern Egyptians, ch iv (2) F. J. Ziadeh: Lawyers, the rule of law and Liberalism in Modern Egypt Stanford, Calif 1968 [شاخت (لايش J. Schacht - (A. Layish] 2 - سوريا كان القضاء فى سوريا مندمجا فى النظام القانونى العثمانى، وفى 1926 م أعيد تحديد اختصاصات المحاكم الشرعية لتتضمن الأحوال الشخصية والمواريث والوقف، وكذا منازعات غير المسلمين عدا ما يدخل منها فى اختصاص المحاكم الملية. وكانت منازعات الأجانب من المسلمين، والخاضعة فى دولهم للقضاء المدنى تحال للقضاء المدنى. وكانت المحاكم الشرعية تعقد من قاض واحد تستأنف أحكامه أمام الدائرة الشرعية فى محكمة التمييز. وقد أنشأ فى 1961 م خمس وعشرون محكمة شرعية من قاض واحد عدا محكمتى دمشق وحلب فمن ثلاثة قضاة. والشيعة فى سوريا غير معترف لهم بقضاء خاص، فيخضعون للمحاكم السنية، ولكن يبدو أنهم يفصلون فى منازعاتهم بالتحكيم غير الرسمى عن طريق رؤسائهم. وقد أجاز قانون 1926 م إنشاء محاكم لغير المسلمين باختصاص محدود فى مسائل الأحوال الشخصية. وقد حل قانون 1953 م محل قانون الأسرة العثمانى لعام 1917 م، جعلت فيه الولاية العامة للفقه الحنفى. ونص دستور 1950 م على أن الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع. ويسرى القانون المذكور على غير المسلمين (المسيحيين والدروز) عدا ما يدخل فى اختصاص محاكمهم، فهو بذلك محاولة لتوحيد الأحوال الشخصية لكافة السوريين. وقد توحدت الإجراءات فى عام 1947، وأخضعت فى 1961 م بالنسبة لمحاكم المسيحيين والدروز لإجراءات القضاء المدنى.

المصادر

ولم يكن الدروز فى العصر العثمانى معترف بهم كطائفة، فكانوا يفصلون فى منازعاتهم عن طريق قضاة غير رسميين خاصين بهم. وقد اعترف بهم فى عهد الانتداب عام 1936 م. وكان البدو يفصلون فى منازعاتهم عن طريق لجنة تحكيمية من ثلاثة محكمين، حتى أخضعهم قانون 1958 م للقضاء العادى. المصادر: (1) المحمصانى: الأوضاع التشريعية، ص 282 - 297. (2) E. T. Mogannam: The practical application of the law in certain Arab states, in George Washington Law Review, xxii (1953), 142 - 55 [لايش A. Layish] 3 - لبنان النظام القانونى اللبنانى مبنى أساسا على اللائحة التنظيمية لعام 1861 م والتى منحت جبل لبنان استقلالا إداريا وقضائيا ضمنته الدول الكبرى. وقد أرست اللائحة النظام القضائى على أساس طائفى. وبعد انتهاء العصر العثمانى، أخذت المحاكم الشرعية اختصاص الأحوال الشخصية للمسلمين والوقف وبعض منازعات غير المسلمين، كالمواريث إذا شاء أحد الوارثين طلب ذلك. وقد عينت السلطات الفرنسية مفتى بيروت "المفتى الأكبر" وجعلته ممثل الطائفة السنية. وقد أخذ فى عام 1955 م لقب "مفتى الجمهورية"، ويعاونه "المجلس الشرعى الأعلى" المكون من ستة قضاة ورئيس المحكمة الشرعية العليا فى إدارة شئون الطائفة والأوقاف. وكانت الشيعة الجعفرية معترف بها كطائفة لها استقلالها القضائى. وتحدد قوانين 1942, 1946, 1962 م اختصاصات محاكم السنة ومحاكم الشيعة، وهى الأحوال الشخصية والأهلية والبلوغ والهجر مع أمور أخرى. هذا وكان قانون الأسرة العثمانى لعام 1917 م ساريا، ويطبق الرأى السائد فى الفقه الحنفى فى حالة عدم

المصادر

النص فيه على أمر معين. كما تطبق المحاكم أيضا التقنين الذى وضعه قدرى باشا المصرى الجنسية للشريعة الإسلامية على المذهب الحنفى. أما المحاكم الشيعية فتطبق مبادئ المذهب الجعفرى، ومواد القانون العثمانى المتفقة معه. وفى حالة عدم الانتماء لأى من المذهبين، تحدد المحكمة القانون الواجب التطبيق. المصادر: (1) بشير البسلانى: قوانين الأحوال الشخصية فى لبنان، القاهرة 1971. (2) المحمصانى: الأوضاع التشريعية، ص 246 - 273. [لايش A. Layish] 4 - العراق لم يكن للشيعة الجعفرية الاثنى عشرية استقلال قضائى فى العصر العثمانى رغم تكوينهم لنصف أهل البلاد. وقد كان قضاؤهم يتم بصفة رسمية أمام "المجتهدين" دون اللجوء للمحاكم السنية التى كانت مختصة بمنازعاتهم من الوجهة النظرية. وقد نظمت السلطات البريطانية المحاكم الشرعية عام 1818 م، وجعل قضاءها خاضعا للنقض أمام "مجلس التمييز الشرعى". وقد أحيلت منازعات الشيعة والمسيحيين واليهود إلى المحاكم المدنية، والتى كانت تطبق مبادئهم الدينية فيما لا يخالف العدالة أو المساواة أو المنطق. وفى 1921 م أنشئت محاكم للسنة وللشيعة أسوة بالمحاكم السنية. وبعد الاستقلال سارت قوانين التنظيمات القضائية على أساس محاكم للسنة وللشيعة. وحتى 1963 م كان قضاء المحكمتين قابلًا للنقض أمام مجلس تمييز شرعى ذى دائرتين. وكان لوزير العدل تعديل أحكام هذه المحكمة. وقد ألغى هذا المجلس وأحيل اختصاصه إلى "محكمة تمييز العراق". وفى العصر العثمانى كانت المحاكم تطبق الفقه الحنفى. كما كان يطبق أيضا على المسيحيين واليهود فى مسائل المواريث، حتى أحيل ذلك للمحاكم المدنية فى عام 1918 م. وبعد الحرب الأولى، كان القاضى الحنفى يطبق بالنسبة لغير أتباع هذا المذهب من السنة أحكام مذهبهم، أو

المصادر

يطلب رأى عالم فى ذلك المذهب. وفى عام 1923 م حدد القانون فى حالة عدم اتفاق مذهب الأطراف قانون المتوفى فى حالة المواريث والوصية، والزوج فى مسائل الزواج، والواقف فى حالة الوقف، والمدعى عليه فى مسائل النفقة. وفى أماكن عدم وجود قاض من المذهب الشيعى فيحكم القاضى السنى بناء على فتوى من عالم شيعى، والعكس بالعكس. وقد منيت محاولات تقنين الأحوال الشخصية فى القرن الماضى بالفشل. فى عهد عبد الكريم قاسم صدر قانون فى 1959 م لكافة العراقيين تتضمن تعديلات هامة تمثل خليطا من المذهبين السنى والشيعى، كما كانت قواعد المواريث فيه مستوحاة من الفكر الغربى، وفى عهد عبد السلام عارف، وبضغط من العلماء ألغيت القواعد الغير متفقة مع الشريعة، فاستبدلت قواعد المواريث بقواعد المذهب الشيعى. كما أجريت تعديلات هامة على قواعد الزواج والطلاق والحضانة والمواريث عام 1978 م. هذا وبالنسبة للإجراءات فكان القانون المطبق هو القانون العثمانى، والذى عدل فى أعوام 1922, 1929 و 1931 م. وكان البدو يخضعون فى العصر العثمانى لمحاكم عشائرية تطبق أعرافهم. وقد صدر فى 1918 م نظام دعاوى العشائر، والذى عدل فى (1924, 33 و 51) وقد ألغيت هذه المحاكم بعد انقلاب 1958 م، بهدف دمج البدو فى النظام القضائى للدولة. المصادر: (1) المحمصانى: الأوضاع التشريعية، ص 321 - 340. (2) محمد شفيق العانى: كتاب المرافعات والصكوك فى القضاء الشرعى، بغداد 1950. (3) المؤلف نفسه: أحكام الأحوال الشرعية فى العراق، القاهرة 1970. [لايش A. Layish] 5 - فلسطين بعد هزيمة الدولة العثمانية فى الحرب العالمية الأولى وخضوع

فلسطين للانتداب البريطانى، أقامت سلطات الانتداب عام 1921 م "المجلس الإسلامى الأعلى" للقيام بالشئون الإسلامية وعينت مفتى القدس رئيسا وتنص المادة 52 من الأمر الصادر عام 1922 م المحدد لاختصاصات المحاكم الشرعية إلى اليوم على أن هذه المحاكم تعتبر جهة القضاء الوحيدة فى مسائل الأحوال الشخصية والمواريث، أما الأوقاف فوزع الاختصاص بها بين هذه المحاكم والمجلس الإسلامى الأعلى، وفى تعديل 1937 م أحيل الاختصاص الأخير إلى الحكومة. وبالنسبة لغير المسلمين فقد اختصت المحاكم المدنية بمنازعاتهم. أما القانون واجب التطبيق أمام المحاكم الشرعية فهو القانون العثمانى للأسرة لعام 1917 م وللمواريث لعام 1913 م. ويلجأ القضاة أحيانا إلى تقنين قدرى باشا بصفة غير رسمية (انظر مصر). وتتبع هذه القوانين المذهب الحنفى رغم كون أغلبية السكان على المذهب الشافعى. وهكذا أقرت سلطات الانتداب الأمر الواقع للسكان المسلمين. وقد نظمت إجراءات المحاكم الإسلامية فى 1917 م، وما زال هذا القانون قائما مع بعض التعديلات. كما نظمت قوانين فى عامى 1918 و 1919 م. محكمة استئناف للمحاكم الشرعية. وقد خول المجلس الإسلامى الأعلى تعيين القضاة بعد أخذ موافقة الحكومة وعزلهم. وتبلغ المحاكم الشرعية خمس عشرة محكمة من قاض واحد، ومحكمة استئناف فى القدس من ثلاثة قضاة. ويعين رجال الإفتاء فى المجلس الأعلى. هذا وللمفتى (المفتى الأكبر لمفتيى فلسطين) مركز متميز منذ العصر العثمانى، ولكونه يشغل مع منصبه هذا منصب رئيس المجلس الأعلى. ويسمح للمحامين الشرعيين بالترافع أمام المحاكم الشرعية، كما يضم النظام القضائى مأذونى الزواج، ومديرى أموال الأيتام. وكانت الحكومة تدفع مرتبات القضاة وموظفى المحاكم. كما وجد أيضا نظام لمحاكم العشائر للبدو. وقد خصصت الحكومة

فى الفترة من 1919 إلى 1922 م مجلسا خاصا لجرائم القتل، ثم أنشأت فى 1922 م محاكم من ثلاثة قضاة لهذا الغرض، تمثل فيها العشائر الهامة، وفى 1933 م أنشئت محكمة استئنافية عشائرية. وقد أقرت حكومة إسرائيل المحاكم الشرعية كما كانت فى عهد الانتداب مع تغييرات طفيفة. فجعل قانون الزواج لعام 1950 م السماح بزواج الفتاة تحت السابعة عشر للمحكمة، كما جعل قانون المواريث لعام 1965 م اختصاص المحاكم الشرعية وغيرها من المحاكم الدينية غير مطلق كما هو الحال فى اختصاص مسائل الأحوال الشخصية. كما عدل تنظيم 1961 م من اختصاص المحاكم الشرعية بالنسبة للأوقاف. ولا يوجد اختلاف كبير بين القضاء الدينى والمدنى إلا فى مسائل المواريث. وقد أدمجت المحاكم الشرعية فى النظام القضائى فور إقامة الدولة، كما ألغيت المحاكم العشائرية، مع الاحتفاظ بالقواعد المطبقة المستمدة من العرف، فاختصت المحاكم الشرعية بقضاياهم، كما أنشئت محكمة خاصة لهم فى بير سبع. ولم يكن الدروز فى فلسطين معترفا بهم فى العصر العثمانى كطائفة دينية، فكانت المحاكم الشرعية هى المختصة بمنازعاتهم. وقد كانوا يلجأون إليها فى مسائل المواريث، أما فى مسائل الأحوال الشخصية والوصية فقد كانوا يلجأون فيها لأعرافهم. وقد أبقى الانتداب على هذا الوضع مع تحويل الاختصاص بمنازعاتهم إلى المحاكم المدنية. ولكنهم استمروا فى اللجوء للمحاكم الشرعية. وقد اعترفت حكومة إسرائيل بوضعهم فى 1957 م. وأنشأت محاكم لهم. ولم يكن للدروز قبل الاعتراف بهم كطائفة دينية قانون مكتوب للأحوال الشخصية والمواريث. وفى 1961 م أقر القادة الروحيون لهم قانون طائفة الدروز اللبنانية الصادر فى 1948 م مع تعديل بالنسبة لحالات عدم النص فى الأحوال الشخصية فجعلت الولاية فيها، بدلا من الفقه الحنفى, لـ "القانون

المصادر

المقبول لطائفة دروز فلسطين". كما تعدلت الولاية العامة فى غير ذلك إلى القانون الإسرائيلى بدلًا من اللبنانى. وبالنسبة لدروز الجولان فقد كان القانون المطبق قبل الغزو الإسرائيلى هو قانون الأسرة السورى، إلى أن كان التعديل القضائى لهم 1970 م فأصبح التطبيق لقانون جبل الدروز فى لبنان. وتحت الحكم المصرى لقطاع غزة كانت هناك محاكم شرعية على درجتين، يطبق فيها قانون الأسرة العثمانى لعام 1917 م. وقد زادت إسرائيل من محاكم أول درجة محكمتين. المصادر: (1) F. M. Goadby: Inter-religeous private law in Palestine, Jerusalem 1926 (2) E. Vitta: The conflict of laws in matters of personal status in Palestine Tel-Aviv 1947 (3) A.Layish: Muslim Waaf in Israel, in Asian and African Studies, ii 1965, 43 - 51 [لايش A. Layish] 6 - الأردن كان النظام القضائى لضفتى نهر الأردن إبان الحكم العثمانى والانتداب البريطانى خليطا من الأعراف القضائية. فكانت الضفة الشرقية، وهى المملكة فيما بعد، تحت تأثير القانون العثمانى بينما كان القانون الإنجليزى أوضح أثرا فى الضفة الغربية. وبعد ضم الضفة الغربية بدأت خطوات توحيد النظامين القضائيين. وواكب ذلك تعيين أحد الأعوان المخلصين للملك عبد اللَّه كـ (مفتى) للقدس بدلا من أمين الحسينى، وجعل الرئاسة الدينية لمفتى المملكة بدلا من مفتى القدس. كما حل قاضى القضاة فى الأردن محل المجلس الإسلامى الأعلى للضفة الغربية، ومارس اختصاص تعيين القضاة ورجال الإفتاء بالإضافة إلى رعاية كافة الأمور الإسلامية. وكان مركزه مساويا لمنصب وزير، ويتبع بالتالى رئيس الوزراء. وخولت التنظيمات القضائية فى الخمسينات المحاكم الشرعية اختصاصات واسعة فى مسائل الأحوال الشخصية والأوقاف والمواريث والدية،

المصادر

كما قصر اختصاصها فى مسائل الأحوال الشخصية على المسلمين. واختصت المحاكم المدنية بقضاء غير المسلمين إلا إذا اختاروا اللجوء للمحاكم الشرعية. وكان القانون المطبق إلى عام 1951 م هو قانون الأسرة العثمانى لعام 1917 م، ثم تم تعديله حتى استبدل بدوره فى 1967 م. وللبدو فى الأردن محاكم عشائرية منظمة عام 1966 م الذى حل محل قانون 1924 م. وقد جعل قانون 1947 م اختصاص هذه المحاكم لكافة منازعات البدو عدا المتعلقة بالملكية العقارية. ويجوز للمتصرف أو الحاكم العسكرى إحالة النزاع للمحاكم المدنية. وللمحاكم العشائرية محكمة استئنافية. وتطبق المحاكم العشائرية أعراف البدو عدا ما يتنافى فيها مع القانون مثل إعطاء الفتيات مقابل الدية. ولا يزال القانون الأردنى مطبقًا فى الضفة الغربية بعد استيلاء إسرئيل عليها عدا فى القدس الشرقية حيث كان يطبق القانون الإسرائيلى. ولذا فالمحاكم الشرعية محرومة من محكمتها الاستئنافية التى مقرها عمان. ولا يعترف أغلب أهل القدس الشرقية بالمحكمة الشرعية التى أقامتها إسرائيل فى حيفا، ولكن السارى عملا هو أن يكون التعيين من قبل قاضى القضاة وتدفع الحكومة الأردنية مرتبات القضاة. وتعترف السلطات الإسرائيلية بهذا التعيين كأمر واقع. وتطبق المحاكم الشرعية فى الضفة الغربية والقدس الشرقية القانون الأردنى للأحوال الشخصية والإجراءات. وبالإضافة للوظيفة القضائية يقوم أغلب القضاة فى القدس الشرقية بأعمال أخرى متعلقة بالشئون الإسلامية، كالإفتاء. كما أحال المجلس الإسلامى اختصاصات كثير من المؤسسات الإسلامية الأردنية لمحكمة الاستئناف الشرعية. المصادر: (1) أديب الهلسة: أسس التشريع والنظام القضائى فى الأردن، 1971.

7 - المملكة العربية السعودية

(2) المحمصانى: الأوضاع التشريعية، ص 304 - 313. [لايش A. Layish] 7 - المملكة العربية السعودية كانت شبه الجزيرة العربية تحت السيادة الاسمية للدولة العثمانية، ولكن الإصلاحات القضائية فى القرن التاسع عشر لم تكن مطبقة إلا فى المراكز الحضرية الكبرى فى الحجاز، وبقدر محدود. ومع استيلاء الملك عبد العزيز ابن سعود على الحجاز فى أوائل القرن العشرين أقام نظاما قضائيا متقدما بالنسبة للمناطق الأخرى من شبه الجزيرة، وفى نجد كانت النزاعات فيها بواسطة قاض أو أمير يعين من قبله. أما بين البدو فكان التحكيم يمارس بصفة كاملة. ولم يشر "دستور" 1926 م لنظام قضائى، ولكنه أشار إلى أن الملك محكوم بالشريعة وأن التشريع مصدره القرآن والسنة والإجماع. وقد صدرت فتوى من العلماء فى 1927 م تطالب الملك بإلغاء القوانين العثمانية السارية، وأن يعيد وضع المحاكم الشرعية. وقد أنشا القرار الملكى فى 1927 م المحاكم التالية: 1) محاكم مستعجلة للنظر فى الجنح المعاقب عليها بالغرامة أو التعازير، والجنايات المستلزمة لإقامة الحدود عدا القطع والإعدام، وهى من قاض واحد. كما أنشئت فى مكة محكمة من هذا القبيل لمنازعات البدو. أما بين بدو الصحراء فقد كان الأمير يتولى القضاء طبقا للشريعة وللعرف. 2) محاكم شرعية كبرى للفصل فى الجرائم الكبيرة والمنازعات المدنية فيما يخرج عن ولاية المحاكم المستعجلة، والأحوال الشخصية والوصايا والأراضى. ونصاب هذه المحكمة فى مكة ثلاثة قضاة ينظر واحد منهم القضايا الغير جسيمة ولكن الحكم يصدر من المحكمة بأكملها. ويجب التصديق على الأحكام الصادرة من المحاكم المختلفة والمتضمنة عقوبات جسيمة كالإعدام أو القطع أو المصادرة من "هيئة التمييز" أو من رئيس القضاة، أو من الحاكم بحسب درجة المحكمة المصدرة للحكم أو مكان صدوره.

وهناك تجديد قضائى ليس فى النصوص التقليدية بإمكانية استئناف أحكام المحاكم الشرعية أمام إحدى المحاكم العليا. وبجوار المحاكم العليا توجد وظيفة "مأمور بيت المال" من واجباتها توزيع المواريث ومراعاة أموال القصر. 3) "هيئة المراقبة القضائية" ومقرها مكة. وتضم مجلسا مكونا من أربعة أعضاء برئاسة رئيس للتفتيش القضائى "هيئة التدقيق"، ويقوم المجلس بوظيفة محكمة النقض "محكمة التمييز". ويقوم رئيس القضاة بوظيفة رئيس المحكمة العليا ووزير العدل، كما يراقب الأموال العامة "بيت المال"، ويشرف على عملية الإفتاء، وله سلطة تأديبية على القضاة، كما يشرف على "الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر" وعلى مؤسسات التعليم الدينى. ولم تجر تعديلات جوهرية على النظام القضائى حتى السبعينيات. وأنشأت فى 1970 م وزارة للعدل، ثم أعيد تنظيم الشريعة جذريا فى 1974 م. فأنشئت ثلاث درجات للتقاضى على النمط الغربى: محاكم جزئية، ومحاكم عامة ومحكمة تمييز. كما أنشئ "مجلس القضاء الأعلى" للإشراف على أعمال القضاة. كما نص على استقلال القضاء وعدم عزل القضاة. ويقوم الملك بتعيينهم بناء على اقتراح مجلس القضاء. وكان المذهب واجب التطبيق هو الحنبلى. وقد حاول الملك عبد العزيز بتأثير من فكر ابن تيمية صياغة قانون لا يعتمد كلية على هذا المذهب. ولكنه لم ينفذ ذلك تحت ضغط علمائه. وقد سمح فى 1930 م بالخروج على المذهب الحنبلى لأسباب جوهرية أو إذا كان ذلك أكثر تحقيقا "لمصلحة الأمة". وفى عام 1934 م أخذ بمبدأ المذهب السائد بالنسبة لمنازعات النخيل والزراعة. وتخضع الإجراءات للقواعد الشرعية، والتى صدر بشأنها قوانين فى 1931, 36, و 52 م.

المصادر

وقد سمح مؤخرا بالمحاماة. كما يوجد منذ 1927 م نظام لتوثيق الصكوك الشرعية والتوكيلات، أما المتعلقة بالأوقاف فهى من اختصاص المحاكم الشرعية. وبين الحين والآخر، يحيل الملك لبعض الجهات أمورا شبه قضائية لتحقيق مصالح اجتماعية أو اقتصادية أو إدارية. ومن قبيل ذلك إنشاء "ديوان المظالم" فى 1954 م فى جدة للتظلم من أى إجراء قضائى أو إدارى. ورئيس هذا الديوان يحمل درجة وزير. وللمجلس التحقيق فيما يثار من صور للفساد لرجال الدولة أو الجيش. المصادر: (1) المحمصانى: الأوضاع التشريعية، 354 - 375. (2) محمد عبد الجواد محمد: التطور التشريعى فى المملكة العربية السعودية، الاسكندرية 1977. [لايش A. Layish] 8 - اليمن لم تفلح محاولات الدولة العثمانية فى السيطرة على النظام القضائى فى اليمن نتيجة لمقاومة إمام اليمن لها. وظلت له سلطة تعيين القضاة فى مناطق تمركز الشيعة الزيدية (صنعاء والمناطق الجنوبية)، وانحصر دور الوالى العثمانى على تنفيذ الأحكام. وبحصول اليمن على الاستقلال بعد الحرب الأولى، تحولت إلى دولة دينية يسيطر فيها المذهب الزيدى، وهو أقرب المذاهب للسنة وأصبح الإمام هو صاحب لسلطة الروحية، ورئيس السلطتين التنفيذية والقضائية (القاضى الأعلى). وللمحاكم الشرعية سلطة مطلقة، ويدخل فى اختصاصها المسائل الجنائية. وبتوجيه من الإمام فإن المذهب الزيدى هو المطبق. وللمحاكم الشرعية عدة درجات. فمحكمة أول درجة من قاض واحد تستأنف أحكامها، بعد موافقة الحاكم المحلى

المصادر

"العامل" أمام محكمة أعلى، تستأنف أحكامها بدورها امام محكمة الاستئناف العليا فى صنعاء. ويمثل الإمام أعلى سلطة استئنافية، ولكن اللجوء إليه ليس كثيرا. والإمام هو الذى يعين القضاة، ويشرف على المحاكم. وبالإضافة للمحاكم الشرعية، توجد للمسائل المدنية محاكم فى المحافظات تحت سلطة "العامل"، وأحكامها تستأنف أمام امير الولاية ثم الإمام. هذه المحاكم لا تخضع للمحاكم الشرعية سوى فى الأمور التجارية والضرائب. وخارج المدن يوجد القضاء القبلى الذى يحكم بناء على الأعراف والتقاليد. وأحكامه تنظر استئنافيا أمام العامل ثم الأمير، وأخيرا الإمام. وقد حاول الإمام إحلال القضاء محل هذا النظام دون تحقيق نجاح يذكر. وكانت لعدن إبان الحماية البريطانية ازدواج قضائى، الشرعى لمسائل الأحوال الشخصية والجنائية، والعرفى. وقد قَبِل إمام اليمن الوضع شريطة تطبيق القواعد الشرعية، مع توجيه بتطبيق المذهب الشافعى. وكان قضاة لحج يعينون قبل الاحتلال البريطانى من قبل إمام اليمن، ولم تكن أحكامهم تنفذ إلا بالتراضى. وقد نظمت السلطات البريطانية المحاكم فى السلطنة، وأعطت أحكامها القوة التنفيذية. وتسير القواعد العرفية جنبا إلى جنب مع هذا التنظيم. وبعد الحصول على الاستقلال عام 1967 م، وتشكيل الجمهورية الشعبية لليمن الجنوبى، التى ضمت عدن والمحميات الغربية والشرقية، ظل النظام القضائى بلا تغيير. وفى عام 1974 م صدر قانون للأسرة متأثر بالفكر الماركسى. المصادر: (1) المحمصانى: الأوضاع التشريعية ص 380 - 383. (2) M. W. Wenner: Modern Yemen 1918 - 1966 Baltimore 1967 [لايش A. Layish]

9 - دول الخليج.

9 - دول الخليج. لم تكن المحميات البريطانية من مشيخات ودويلات الخليج تعرف نظاما قضائيا بالمعنى المفهوم، بل كان القضاء يمارس عن طريق الحكام أنفسهم "تحت النخيل". وكانت الشريعة الإسلامية تطبق بصورة غير دقيقة أو منضبطة، أو بمساعدة من القضاة. وقد عرفت بعض المشيخات نظاما مزدوجا من الشريعة للأحوال الشخصية والقانون المدنى متأثرا بالقانون الانجليزى للأمور الأخرى. وقد نظم القضاء بعد الاستقلال. وينص دستور دولة الإمارات المؤقت لعام 1971 م، والممتد لخمس سنوات أخرى 1976 م، على أن الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع. ولكن الواقع أن العرف والقوانين الحديثة تطبق مع الشريعة. وقد طبقت بعض الدول قانونا مقتبسًا من القانون المدنى المصرى لعام 1948 م، حيث الشريعة الإسلامية أحد مصادره. وفى الكويت كان الازدواج القانونى قائما بين الشريعة والقانون المدنى إبان الحماية البريطانية. وكان القضاء الشرعى مقصورا على الأحوال الشخصية وقد أنشأ الحاكم محكمتين جديدتين واحدة للأحوال المدنية والأخرى للجنائية. وهى تطبق الشريعة أو الأوامر التنظيمية للحاكم. ولا تطبق فيها الحدود الشرعية. وقد نظم القضاء عام 1960 م، فألغيت المحاكم الشرعية وأحيل اختصاصها إلى المحاكم المدنية تحت إشراف وزارة العدل. وأقيمت محاكم وطنية ذات دوائر للشيعة وللسنة ولغير المسلمين. كما أنشئت محاكم جنائية ومدنية ومحكمة استئنافية. ولم يتغير النظام القضائى بعد الاستقلال فى 1961 م. وتطبق الحاكم نتاج تشريعات وضعية حديثة، فقد صدرت تشريعات

إجرائية وجنائية وتجارية. ولا تزال المسائل المتعلقة بالأحوال الشخصية للمسلمين خاضعة لقواعد الشريعة. أما القانون المدنى فمتأثر بصفة خاصة بالقانون المصرى. وقد شكلت لجنة لمراجعة القوانين لمطابقتها للشريعة الإسلامية. وفى البحرين، كان الازدواج القضائى بين الشريعة والقانون المدنى فى عهد الحماية. وكانت الشريعة مقسمة بين السنية والشيعية الجعفرية. وكان الشيخ يمارس مع أفراد أسرته القضاء المدنى. وكان المطبق هو أوامر الشيخ والعرف. وظل الازدواج ساريًا بعد الاستقلال عام 1971 م. واختصت المحاكم المدنية بالمسائل المدنية والتجارية والجنائية والأحوال الشخصية لغير المسلمين وينص الدستور على أن الشريعة هى المصدر الأساسى للتشريع، وينص تشريع 1971 م أنه فى غيبة نصوص قانونية تطبق مبادئ الشريعة، وإن لم يوجد فيها نص فيلجأ للعرف. وإذا لم يوجد عرف تطبق قواعد العدالة والمنطق. وفى قطر ساد أيضا الازدواج القضائى فى عهد الحماية بين الشريعة طبقا للمذهب الحنبلى والمحاكم المدنية التى طبقت العرف وأوامر الحاكم. وكان للحاكم مستشارون لضمان عدم حيود قضائه عن الشريعة وقد كان القانون الإنجليزى كما كان مطبقا فى السودان والهند ذا تأثير على القانون الجنائى فى قطر. واستبدلت الحدود الشرعية بالسجن. وقد جعل التظيم القضائى عام 1971 م المحاكم الشرعية مختصة بالأحوال الشخصية وأنشئت محاكم مدنية وجنائية للمسلمين وغيرهم. وينص الدستور على كون الشريعة مصدرا أساسيا للتشريع. وقد شهدت السنوات الأخيرة نشاطا كبيرا فى التشريع المدنى والجنائى تطبقه المحاكم المدنية. وصدر القانون المدنى والتجارى عام 1971 م، مؤسس على القانون المصرى لعام 1948 م. كما صدرت قوانين فى مجالات أخرى، كقانون

الشركات عام 1961 م لحسم المنازعات مع شركات البترول. وقد نظم القانون فى "أبو ظبى" عامى 1967 و 1968 م. وقد جعل اختصاص المحاكم الشرعية للأحوال الشخصية والمواريث، وللقضاء المدنى الأمور الأخرى. على أنه يمكن اللجوء للمحاكم الشرعية فى غير اختصاصها بموافقة الأطراف. ويعين الحاكم القضاة للقضائين. وللمحاكم الشرعية فى دبى اختصاص واسع، حيث لا تتمتع المحاكم المدنية إلا باختصاص محدود. ولكن يجوز للأمير أن يحيل موضوعات للقضاء المدنى، وقد أحيل مؤخرا أغلب الموضوعات التجارية. وفى المحاكم الشرعية، باستثناء بعض الموضوعات التى تطبق فيها الأعراف والتقاليد، فقواعد الشريعة هى المطبقة. أما فى المحاكم المدنية، فالمطبق هو العرف السارى، وقواعد القانون الطبيعى، والعدالة، بالإضافة لقوانين الإمارة وللشريعة. ويعين الأمير القضاة بما فيهم القاضى الأعلى. وفى الشارقة، وحتى 1968 م، كانت المحاكم الشرعية على مذهبين، السنى والشيعى. ولم يكن هناك قضاء آخر. وقد نظم القضاء فى ذلك العام فأنشئ القضاء. المدنى مما استتبع تحديد اختصاص المحاكم الشرعية فى الأحوال الشخصية والوقف والمواريث والدية. وتطبق المحاكم الشرعية المذهب السنى أو الشيعى حسب الأحوال، كما تطبق المحاكم المدنية قوانين المشيخة، والشريعة، وآراء الفقهاء المسلمين، والقانون الطبيعى، والعرف، ثم المبادئ الأساسية للقانون الإنجليزى: الحق والعدالة والمساواة. وقد جرت حركة تشريع مكثفة فى مجالات العقود والقانون الجنائى والتجارى جعلت الشارقة أكثر دول الخليج تقدما من الناحية التشريعية. ويعتبر قانون الشارقة هو القانون الأساسى لعجمان وأم القيروان ورأس الخيمة والفجيرة. وتعرف عجمان ورأس الخيمة المحاكم المدنية أيضا. وقد تأسس فى رأس الخيمة نظام مبنى على نموذج نظام دبى عام 1971 م.

المصادر

وفى مسقط، تعتبر الشريعة فى نفس قوتها فى السعودية. فليس هناك دستور مكتوب، وللشريعة اختصاص واسع بما فى ذلك المسائل الجنائية، متضمنة الحدود. وهناك اتجاهات للتخفيف من ذلك، فالقطع قد تم منعه. وتطبق المحاكم الشرعية المذهب العبيدى الذى يتبعه أغلب السكان من تعديلات فى المسائل المدنية والتجارية بناء على قوانين السلطنة التى تصدر لمواجهة متطلبات الحياة الحديثة، كقانون الاستثمار الأجنبى والشركات الأجنبية والبنوك. وأحكام المحاكم ذات القاضى الواحد تستأنف أمام محكمة من عدة قضاة وأمام القاضى الأكبر وأمام السلطان. وهناك محاكم خاصة بالأجانب فى مسقط كما أنشئت محكمة تجارية فى 1974 م. المصادر: (1) Liebesny: The law of the Near and Middle East, 108 - 111 (2) H. M. Albaharna: The Arabian Gulf States legal and political their status and their international problems, Beirut 1975 [لايش A. Layish] 10 - مراكش احتفظت الحكومة بحقها فى تعيين القضاة. وكان للقضاة مساعدون من الشهود "عدل"، وتجمع "عدول". وبينما كان القضاة يتقاضون مرتبات، كان العدول يعتمدون على أريحية المتقاضين. وكان للمتقاضين الحق فى الحصول على فتوى تؤيد دعواهم. كما كان لممثلى السلطان، الباشوات والقواد، مع تنفيذ أحكام المحاكم، الحق فى الفصل فى بعض المنازعات إلى نصاب معين، ليس طبقا لقانون ما، ولكن بحسب المنطق والأعراف. وكانت الأحكام تنفذ فوريا. إلا أن الحكومة كانت تضم "وزيرا" للشكايات التى كانت ترفع للسلطان، فيفصل فيها أو يحيلها للصدر الأعظم. وفى مناطق البربر، حيث كانت سلطة الحكومة ضعيفة، كان الفصل فى

المنازعات يتم عن طريق "الجماعة" الخاصة بالقبيلة طبقا للعرف. وكان من أوائل مهام سلطات الحماية إصلاح النظام القضائى. فشكلت لجنة لفحص أعمال القضاة المشبوهة. وسمح بدءا من 1924 م بتمثيل المتقاضين عن طريق "وكيل". أما المحامون فقد كان لهم الحق فى الترافع أمام المحاكم الاستئنافية. أما المحاكم "المخزنية"، وهى محاكم الباشوات فى المدن والقادة بين القبائل، فقد نظمت بعدة قرارات أهمها الصادر فى 1918 م. وقد كان لمفوضى الدولة، وهم ممثلو سلطة الحماية، الحق فى مراقبة هذا القضاء، فيطلب إحالة النزاع إلى "المحاكم العليا الشريفة". وكانت المحاكم من هذا النوع ذات دائرتين، إحداهما استئنافية، والأخرى للنظر فى قضايا الجرائم الجسيمة، والتى يحققها القضاة من الدرجة الأدنى. وكان للباشوات فى المناطق البعيدة أعوان لهم نفس اختصاصهم القضائى. وكان القضاء فى كل هذه المحاكم بناء على الشريعة، ولكن فى الأغلب. على العرف السائد. أما فى مناطق البربر، فقد استمر اللجوء للقضاء المحلى. ومع تقدم الفرنسيين داخل البلاد كان القضاة يعينون، ولكن استمر اللجوء للقضاء المحلى الذى لم يكن يتقاضى رسوما. وقد نظر فى 1914 م فى العودة للقانون العرفى الذى قامت محاولة لتقنينه. وقد اتهمت فرنسا فى ذلك بمحاولة سلخ المغرب عن الإسلام، بينما لم تكن تحاول سوى تقنين الوضع السائد. وكان لطائفة اليهود محاكمهم الخاصة. وكذا محكمة حاخامية عليا. كما كان الأجانب ومعهم بعض الوطنيين من ذوى الوضع الخاص يتمتعون بالامتيازات فتنظر منازعاتهم أمام المحاكم القنصلية. وقد حل محل هذه المحاكم محاكم خاصة للنظر فى منازعات الأجانب عامة فى كل من القسمين الفرنسى والأسبانى.

المصادر

وبعد الاستقلال، كان أمام السلطات الوطنية ثلاث مهام: الفصل بين السلطات بمنع السلطة التنفيذية من القيام بأعمال قضائية وتأكيد عروبة الدولة عن طريق "المغربة"، ووضع تقنين حديث مؤسس -على الأقل جزئيا- على الشريعة. وفى 1956 م ألغيت المحاكم التى تطبق العرف، وشكل بدلا منها محاكم شرعية. كما شكلت فى نفس الفترة محاكم لليهود ومحكمة عليا لهم. أما المحاكم الفرنسية والأسبانية فقد تغير اسمها إلى "محاكم حصرية". وانهى فى نفس الوقت كافة اختصاصات السلطة التنفيذية القضائية. فألغيت محاكم الباشوات والقادة (المحاكم المخزنية) وأنشأ بدلا منها محاكم أول درجة "محاكم عادية"، ومحاكم "إقليمية" مع المحكمة العليا الشريفة، لتختص بالمنازعات الجنائية والمدنية. كما تحول مجلس الصلح الخاص بالمنازعات العمالية المنشأ فى 1929 م إلى محكمة عمالية "محكمة الشغل" عام 1957 م. وبالنسبة للمحاكم الشرعية، فقد شكلت محاكم جديدة بالإضافة للتى حلت محل المحاكم العرفية، منها محاكم بدرجة استئنافية. كما شكلت لجنة لتقنين الفقه عام 1957 م، فقامت بعملها فى وقت قصير. وفى 1962 م صدر التقنين الجنائى مؤسسا بقدر كبير على القانون الفرنسى. المصادر: (1) عبد الحميد البنشنهو: البيان المطرب لنظام حكومة المغرب، الرباط 1370 هـ/ 1957 م. (2) إدريس الضحاك: العدالة المغربية من خلال ربع قرن (غير منشور). [هيئة التحرير] تعديلات القوانين المطبقة فى المحاكم الشرعية شهد القرن العشرين تعديلات كثيرة، كان بعضها ذا أثر كبير، للقوانين المطبقة فى المحاكم الشرعية فى مسائل الأحوال الشخصية والأوقاف والمواريث. من أهم هذه التعديلات: رفع سن الزواج ووضع قيود على زواج

القصر، ومنع الزواج الإجبارى، ومنع الاعتراض على زواج الراشدين، والقيود على الفرق سن الزوجين، وتقييد قواعد الكفاءة بين الزوجين لدرجة قد تبلغ الإلغاء، ومنع المغالاة فى المهور ومنع التعدد وجعله بموافقة القضاء (اليمن الجنوبى 1974 م)، عقد الزواج عن طريق المحاكم (العراق 1978 م). كما أدخل نظام مسئولية الزوجين عن نفقات الأسرة والأولاد كل على حسب يساره (اليمن الجنوبى 1974 م)، ودفع الدولة النفقات المحكوم بها للزوجة والأبناء ثم تحصيلها من المدعى عليه (مصر 1976, إسرائيل 1972 م). ووضعت قواعد لمنع إساءة استعمال الحق فى الطلاق، مع تطبيق مبدأ عدم وقوعه حالات السكر أو الإكراه أو بقصد التهديد دون نية الطلاق. كما اعتبر الطلاق ثلاثا فى مناسبة واحدة طلقة واحدة. ومنع الطلاق دون إرادة الزوجة (إسرائيل 1959 م) واستلزم الحصول على حكم به (اليمن الجنوبى)، ومضاعفة تعويضات المرأة عن الطلاق (مصر 1979 م، سوريا 1953، الأردن 1979 م) وتقسيم أموال الأسرة بالتساوى بين الزوجين (إسرائيل 1973 م). كما زيدت أسباب اللجوء لصلب الطلاق. وبالنسبة لسن الحضانة مع الأم فقد رفعت تحقيقا لمصلحة الأبناء. وفى المواريث اتخذ مبدأ الرد على الزوجة قبل دوى الأرحام. وطبق نظام المواريث الشيعى الغير مؤسس على التعصيب (العراق 1963 م)، والتساوى بين الجنسين فى المواريث (العراق 1959 م، فلسطين 1923 م). وشهدت قواعد الوقف تعديلات أيضا، كما حدث فى مصر من إلغاء للوقف الأهالى. وأدخلت تعديلات على قواعد الإثبات، حيث يؤخذ حاليا بالمستندات الكتابية أسوة بالشهادة. وقد لجأ الحكام والبرلمانات لوسائل عديدة لإجراء هذه التعديلات. 1) وسائل إجرائية، كمنع سماع الدعوى فى حالات المخالفة لقاعدة منصوص عليها.

11 - إندونيسيا

2) الاختيار من بين الأحكام الشرعية، سواء من داخل الفقه المتبع أو من خارجه. 3) وسائل تنظيمية مؤسسة على مبدأ طاعة ولى الأمر، بحيث لا تتعارض مع أحكام الشريعة. 4) العقوبات الجنائية عند الخروج على تنظيم معين كسن الزواج. 5) الاجتهاد: وذلك بتفسير القرآن والسنة تفسيرا عصريا. 6) إلغاء المحاكم الشرعية ونقل اختصاصها لمحاكم مدنية تطبق قوانين الدولة. المصادر: (1) J. N. D. Anderson: Recent developments in Shari`a law, i-ix (2) idem: Islamic Law in the modern world, London 1959 [لايش A. Layish] 11 - إندونيسيا يبدو تعقد تاريخ المحاكم الشرعية فى إندونيسيا من كثرة ما أطلق عليها من مسميات مشتقة من جذور إسلامية وغير إسلامية. وقد استقرت وزارة الشئون الدينية منذ عام 1980 م على تسمية الدرجة الأولى منها بالمحكمة الدينية، أما محكمة الدرجة الثانية فيطلق عليها المحكمة الدينية العليا. وعلى العكس مما جرى فى أغلب البلدان الإسلامية من تقليص دور المحاكم الشرعية، فإنها فإن التطورات السياسية فى إندونيسيا كانت فى صالح تزايد هذه المحاكم عددا وتأثيرا، رغم المحاولات المضادة المستمرة منذ نهاية القرن الماضى. وهى من الوجهة القانونية تخضع للمحاكم المدنية، وتعتمد عليها فى تنفيذ أحكامها، ولكنها تمتعت على المستوى الاجتماعى بقدر كبير من الاستقلال والسلطة بفعل القوى السياسية والدينية. ويبدأ التاريخ الحديث لهذه المحاكم فى عام 1882 م. فقبل ذلك كانت منتشرة بصور متعددة فى جزيرة جاوة، أما فى غيرها من الجزر الكبيرة فقد كانت تخضع للسلطات

الأرستقراطية فيها، والتى كان تمسكها الدينى محل شك. وكانت فى جاوة ترتبط بالمحاكم المدنية من زاويتين، استلزام الحصول على القوة التنفيذية منها، واشتراك القضاة الشرعيين فى المحاكم المدنية كمستشارين. والمبدأ الأول ما زال ساريا بينما اختفى الثانى منذ أمد. وقد نظمت السلطات الهولندية المحاكم الشرعية فى 1882 م تنظيما بنى على تصور خاطئ لطبيعتها بتأثير الفكر الغربى ولكن الأثر الملموس كان إعطاؤها الاستقلالية فى مواجهة السلطات الأرستقراطية التى تعودت أن تعين قضاتها وتتحكم فيهم. وبتأثير ما وجه للتنظيم المشار إليه من نقد، أعيد تنظيم المحاكم الشرعية فى 1931 م، مع تأجيل التطبيق لأسباب اقتصادية إلى 1937 م، وفى هذا التنظيم قررت مهايا للقضاة، كما أنشأت محكمة عليا لهذا النوع من القضاء، وقد نزع الإخصاص بمسائل الوقف والمواريث من المحاكم الشرعية إلى المدنية، وهو ما أثار موجة عارمة من السخط لدى الجماعات الدينية، الذى كان عليهم فى نفس الوقت مواجهة معركة أخرى متعلقة بحق تعدد الزوجات. وكان التنظيم المشار إليه مقصورا على جاوة وجزيرة مادورا المجاورة لها، وفى خارجها فقد شهدت جزيرة بورنو فقط تنظيما مشابها. ومن الملاحظ أنه استمر اللجوء القضاء الشرعى لنظر الموضوعات المتعلقة بالمواريث رغم التنظيم المشار إليه، ومن جهة بسبب الجهل بالتطورات القانونية، ومن جهة لسهولة الإجراءات عنها بالنسبة للقضاء المدنى، ومن جهة ثالثة لمجرد الشعور الدينى، إلا أن قرارات المحاكم فى هذا الشأن كانت تصدر فى الغالب على صورة فتاوى. وفى عهد الاحتلال اليابانى، وأثناء الثورة ضد الاستعمار الهولندى العائد باءت كافة محاولات إلغاء المحاكم الشرعية بالفشل أمام الاصرار على الحفاظ على الهوية الإسلامية. وكخطوة توفيقية أعيد تنظيم وزارة الشئون الدينية 1964 م، والتى مارست الإشراف على القضاء الدينى من خلال "إدارة العدالة الدينية" وقد بذلت هذه

الوزارة جهدا فى دعم هذه المحاكم ونشرها فى عموم إندونيسيا المستقلة. وأثناء الثورة كان من الموضوعات الرئيسية نشر المحاكم الدينية خارج جاوة، خاصة فى سومطرة حيث كانت هذه المحاكم قليلة ومختلفة. وفى 1946 قام الثوار الإسلاميون فى جنوب هذه الجزيرة بإنشاء محكمة شرعية أخذت مع موجة الحماس قدرا كبيرا من الاختصاص، ثم استجابت حكومة الجمهورية التى أسست فى الجزيرة لهذا الاتجاه بتعميمه فى كل سومطرة عام 1947 م، الأمر الذى واجهته السلطات الهولندية والتى بدورها كانت تنشأ محاكم دينية هنا وهناك. وقد قاصت الحكومة المركزية بعد ذلك بتنظيم اختصاصها مع إنشاء المحاكم المدنية. ومع الاستقلال عام 1950 م، ثار النزاع حول نشر المحاكم الشرعية بين العلمانيين، ومن ورائهم وزارة الداخلية التى كانت متولية أمور الطبقات المتميزة التى كانت تقاوم نشر السلطان الدينى. وبين الإسلاميين ومن ورائهم وزارة الشئون الدينية التى كانت تضغط بجهود لا تكل لتعميم المحاكم الشرعية فى ربوع البلاد، حتى كلل مجهودها بالنجاح وفى عام 1957 م، كما حصلت محاكم سومطرة على الاعتراف بها وفى نفس العام. وتمخض الموقف عن وجود نوعين من المحاكم الشرعية، القديمة منها فى جاود وسومطرة والمؤسسة على أساس قوانين 1882 م و 1931 م السابق ذكرها، والجديدة فى المناطق الذى استحدثت فيه تلك المحاكم، وكان الاختلاف يكمن فى مدى الاختصاص. وكانت مسألة تنظيم هذه المحاكم أكثر صعوبة عن مسألة انتشارها. فمن الوجهة السيكولوجية أدت هذه المحاكم دورها، ولكن على المستوى العملى فقد كانت تفتقر للمال، والعمالة المدربة، والوضع الاجتماعى، والعزلة. أما من الوجهة القانونية فقد كان القضاء بشقيه عرضه للنقد العنيف. وقد بدأت فى السبعينات خطوات إصلاحية مستلهمة بقدر كبير من خارج المحاكم الدينية. وقد سعت إدارة القضاء الدينى خلال الستينات إلى الاستجابة لما يوجه من

المصادر

نقد بإدخال التعديلات التدريجية، حتى صدر التنظيم القضائى عام 1970 م، والذى أقر القضاء الشرعى كجهة قضائية مع الجهات الأخرى، المدنى والعسكرى والإدارى. كما أنشأت محكمة نقض قوبلت بالشك من القضاء الشرعى والمدنى على السواء، ولأسباب متباينة ولكنها استقرت كأعلى سلطة قضائية فى البلاد. إلا أن القضايا المحالة لهذه المحكمة لم تزل قليلة، ومن السابق لأوانه الحكم على تأثيرها على القضاء الشرعى. وجاء التطور الجذرى التالى فجائيا وغير متوقع، إذ كان بمناسبة اقتراح قانون موحد للزواج فى عام 1973 م, أثار موجة عارمة من الغضب لتعارضه مع المبادئ الإسلامية خاصة فى موضوع تعدد الزوجات. وقد تمت لذلك مراجعة الاقتراح للوصول إلى حلول توفيقية. فكان وضع قواعد أكثر صرامة لضمان استقرار الأسر، كاستلزام لجوء الرجال للمحكمة لإجراء الطلاق أسوة بالنساء. كما استمر المبدأ التقليدى باستلزام الحصول على القوة التنفيذية لأحكام القضاء الشرعى من المحاكم المدنية. وهذا وقد زادت اختصاصات المحاكم الشرعية زيادة كبيرة فيما يتعلق بالأحوال الشخصية فشملت الإذن باتخاذ زوجة ثانية والولاية على النفس وحقوق المطلقات وطلب الزواج فى حالة رفض الأولياء وغير ذلك من أمور. ونتيجة لذلك نشطت وزارة الشئون الدينية فى طلب زيادة المحاكم الشرعية وتدعيمها. وهكذا استمرت المحاكم الشرعية كرمز اجتماعى إسلامى، مع نجاح دمجها فى النظام القضائى للدولة بإعطائها ولاية خاصة فى موضوعات الأحوال الشخصية. المصادر: (1) Daniel S. Lev: Islamic courts in Indonesia, 1972 (2) J. Prins: Adet en Islamietische Plichteuleer in Indonesie, 1954 على يوسف على [د. س. لف D. S. Lev] مراجعة: المستشار/ حسين عبد العزيز

محمد [-صلى الله عليه وسلم-] نبى الإسلام

محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] نبى الإسلام من الصعب الإجابة بدقة قاطعة عن أول سؤال يفرض نفسه على كاتب السيرة، وهو: متى ولد محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-]؟ لقد استغرق نشاط محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فى المدينة نحو عشر سنوات (من وقت هجرته عام 622 م إلى عام وفاته وهو 632 م). غير أن معلوماتنا عن الفترة المكية من حياته غير أكيده. ومع ذلك فليس ثمة سبب وجيه يدعونا إلى الشك فيما ذهبت إليه قصيدة ينسبها البعض إلى أبى قيس بن أبى أنس، والبعض الآخر إلى حسان بن ثابت، من أن دعوة محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] إلى الإسلام فى مكة دامت "عشرًا وبضع سنين". ويذهب كتاب السيرة عادة إلى أنه كان عند بدء الدعوة فى الأربعين، بينما يذكر البعض أنه كان فى الثالثة والأربعين. فإن أخذنا هذا وغيره من التواريخ التى ذكرناها فى الحسبان، أمكن القول بأن محمدا [-صلى اللَّه عليه وسلم-] ولد حوالى عام 570 م. ومع ذلك فإنه حين تذكر الروايات أنه ولد عام الفيل، فالواجب اعتبار هذا القول غير مقبول حيث إن هجوم أبرهة على مكة حدث قبل عام 570 م بمدة طويلة. والأفضل القول إنه ولد بعد عام 570 م خلال العقد الثامن من القرن السادس، وأن نترك موضوع تحديد عام مولده مفتوحا (¬1). أما عن الفترة التى سبقت ظهوره، فليس لدينا ما نهتدى به لتحديدها سوى تعبير غير قاطع ورد فى الآية 16 من سورة يونس {فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ}، حيث إن كلمة "عُمرًا" قد تعنى خمسة وثلاثين أو أربعين أو ثلاثة وأربعين عاما. ¬

_ (¬1) الخلاف فى تاريخ ميلاد الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] ورد أيضًا فى المراجع العربية، وذكر د. محمد حسين هيكل فى كتابه المشهور: "حياة محمد" آراء مختلفة من بينها آراء لا تختلف عن رأى كاتب هذا المقال، واعتمادًا على ما أورده ابن هشام، حدد عبد السلام التردانينى، فى (أزمنة التاريخ الإسلامى) مولد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فى 12 ربيع الأول من عام الفيل (= 20 أبريل سنة 571 م)، ولاشك أن الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] إن لم يكن قد ولد فى عام الفيل، فإنه قد ولد فى عام قريب منه، بدليل أن العرب الذين لم يكونوا قد آمنوا بدعوته لم يعترضوا -رغم كثرة اعتراضاتهم- على السورة الكريمة "سورة الفيل" {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ}. . . إلخ مما يؤكد أن كبار السن منهم على الأقل، قد شهدوا غزو أبرهة الحبشى لمكة المكرمة. [التحرير]

أما عن اسم "محمد" [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فقد سُمِّى به عدد من العرب قبله (انظر ابن دريد وابن سعد)، ولذا فإنه لا حاجة إلى اعتباره لقبا لقب به النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فيما بعد. وقد ورد اسم "محمدة" للإناث عدة مرات فى "كتاب الحميريين" السريانى. وأما عن نسبه فإن عدة قصائد قديمة لشعراء مثل حسان بن ثابت والأعشى وكعب بن مالك، قيلت فى النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] أو فى جعفر أو حمزة أو أبى لهب تؤكد ما ذكرته الروايات من أنه من بنى هاشم، أى أنه من أنسب عشائر مكة. ومع ذلك فإن أعداء النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] من أهل مكة يقولون له كما توضح الآية 31 من سورة الزخرف: {وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ}، أى أنهم كانوا أكثر استعدادا لقبول دعوته لو أنه كان من كبار رجال مكة أو الطائف. وعلى أى الأحوال فما كان يمكن مقارنة بنى هاشم بكبار العشائر مثل مخزوم وأمية. ويُوحى ما رُوى عن فقر محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وبعض أقربائه أن بنى هاشم كانوا وقت شبابه فى ضائقة. ومما يذكر أن أبا محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] مات قبل مولده. وهو شخصية تبدو فى المصادر غير واضحة المعالم. ويمكن أن يكون اسمه "عبد اللَّه" قد حلَّ فيما بعد محل اسم وثنى. وجدُّه شَيبة أو عبد المطلب، والعلاقة بين الاسمين غامضة غموض الصلة بين عبد المطلب وبنى المطلب. أما من ناحية أمه آمنة بنت وهب فكانت لها صلة غير واضحة بالمدينة. ولا نكاد نعلم شيئًا آخر مؤكدا عن نسب محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] غير دلك. وقد كان أعمامه هم أول الشخصيات التاريخية الواضحة من أقاربه: أبو طالب (واسمه عبد مناف)، والعباس، وحمزة، وعبد الغُزَّى (أو أبو لهب). ويؤكد القرآن فى سورة الضُّحى أن محمدا [-صلى اللَّه عليه وسلم-] نشأ يتيما، وهو الأمر الوحيد تقريبًا الذى نعرفه عن نشأته الأولى، فقصة تطهير قلبه من العلقة السوداء مثلا قد لا تكون غير تفسير للآية الأولى من سورة الشرح {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ}. كذلك فإنه من الأوفق رفض تصديق ما قيل عن رحلاته للتجارة إلى الشام أثناء

طفولته فى صحبة أبى طالب، ثم كتاجر فيما بعد لحساب خديجة (¬1). فالقالب الذى صيغت فيه هذه الروايات (كما فى قصة الراهب المسيحى بحيرا) يُوحى بأنها روايات هادفة. أما عن قصة دور محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فى إعادة بناء الكعبة فهى أيضا غير جديرة بالتصديق (¬2). وفى سورة الضحى أن اللَّه أغنى محمدا اليتيم. وقد تكون فى ذلك إشارة إلى زواجه من خديجة، الأرملة الثرية. وتذكر المصادر أن خديجة ولدت له أربع بنات لعبن دورا فيما بعد، وعدة أبناء مات جميعهم صغارًا رُضًعا. غير أن هذه المصادر لا تكاد تذكر شيئًا عن حياة محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] من وقت زواجه (وهو فى الخامسة والعشرين) حتى قبيل مبعثه فى الأربعين أو الثالثة والأربعين. أما ما ينبغى أن يعطى أكبر قدر من الاهتمام فالمشاكل المتعلقة بظهور محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] كمصلح دينى، (قبل أن يبعثه اللَّه نبيا ورسولًا) وإن كانت هذه المشاكل تثير للباحث صعوبات بالغة بالنظر إلى طبيعة المصادر والتعقيدات المواكبة لتفسيرها. . . (¬3) ففى سورة ¬

_ (¬1) فيما يتعلق بالتشكيك فى حكاية شق الصدر فإن هناك باحثين مسلمين تشككوا فيها أيضًا، أما ما يتعلق بالرحلة إلى الشام فهى روايات متواترة فى كتب السيرة ولا مجال لإنكارها، ورحلات الشتاء والصيف وردت فى القرآن الكريم {لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ (1) إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ} وتشير كتب التاريخ إلى العلاقات التجارية بين الحجاز والشام، وبين الحجاز واليمن، وبين الحجاز ومصر، لذلك نرى أن إنكار مؤلف المقال رحلة الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فى تجارة إلى الشام غير مبنى عل أساس علمى. (¬2) هذه القصة أيضا متواترة فى كتب السيرة وهى تشير إلى ثقة أهل مكة فى أمانة الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-]. ولم يقدم كاتب المقال أدلة علمية متعلقة بنقد النص أو سلسلة الرواة. . إلخ (¬3) جاء فى المتن "موضع النقط. . . " افتراض المستشرق أن سيدنا محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] كان فى مستهل حياته يشارك قومه معتقداتهم الدينية على ضوء مفهومه للآيتين الكريمتين، والثابت أنه [-صلى اللَّه عليه وسلم-] لم يشارك فى المعتقدات الوثنية قط، ومفهوم الضلالة والهداية الوارد فى الآية الكريمة قد فسرتها قصة أبى الأنبياء إبراهيم (عليه السلام) سورة الأنعام الآية 74 وما بعدها، وهى تجربة يمر بها الأنبياء فى بداياتهم الأولى وفى الشروحات (ووجدك ضالًا) أى عما أنت عليه اليوم (فهدى) أى فهداك إلى توحيده ونبوته. (انظر: مختصر تفسير الخازن المسمى "لباب التأويل فى معانى التنزيل" ص 1230). {وَوَجَدَكَ ضَالًّا} أى عن تفاصيل الشريعة: (انظر: "كلمات القرآن تفسير وبيان" للشيخ محمد حسنين مخلوف. {وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى} أى غافلًا عما يراد بك من أمر النبوة، فهداك: أى أرشدك والضلال هنا بمعنى الغفلة، وقال قوم: "ضالًا" لم تكن تدرى القرآن والشرائع فهداك اللَّه إلى القرآن، وشرائع الإسلام. (عن الضحاك وشهر بن حوشب وغيرهما). وقال قوم آخرون: {وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى}: أى ناسيًا، فذكّرك، أو "ضالًا" بمعنى "متحيزا" لأن الضال متحير، وقيل: "ضالًا". بمعنى طالبا للهادية فهداك اللَّه بتوحيده ومعرفته. (انظر تفسير القرطبى "الجامع لأحكام القرآن" جـ 20 ص 97 الكتب المصرية). [التحرير]

الضحى {وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى}، وفى الآية 52 من سورة الشورى {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ. . .}. وفى كتب السيرة أن ابنتين من بناته تزوجتا من ابنين لأبى لهب، وكان أبو لهب من أكثر المدافعين عن الوثنية حماسة. وكانت مكة بحرمها مكانا مقدسا عند النبى (-صلى اللَّه عليه وسلم-) حتى ربطها بإبراهيم وإسماعيل، {إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} سورة النمل آية 91. كذلك فقد سمح للمسلمين بالاشتراك فى الحج إلى مكة حتى قبل أن يصبح هذا الحج ركنا من أركان الإسلام. ويمكن أن نضيف إلى هذه النتائج المستقاة من دراسة القرآن الكريم عن تطور دعوة محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، ما نستقيه من دراسة الروايات عنه والتى تقول إنه لم يكن هو وحده الذى يبحث عن دين يقول بالتوحيد. فقد حُكى عن عدة أشخاص ذكرت أسماؤهم كانوا غير راضين عن الوثنية القديمة للعرب ويبحثون عن عقيدة أكثر عقلانية. وقد كان منهم ابن عم لخديجة هو ورقة بن نوفل وكان هناك الحنفاء الذين لم تحفظ الروايات عنهم غير صورة باهتة. وكذا أمية بن أبى الصلت الذى تتفق قصائده فى كثير من النقاط مع القرآن؛ وهى قصائد كان يمكن أن تكون ذات أهمية عظيمة لو أن -جزءًا منها على الأقل- ثبتت صحة نسبته إليه. ومن الصعب أن نحدد مدى تأثر محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] بالأفكار والحركات المختلفة القائلة بالتوحيد والتى شهدتها شبه الجزيرة العربية فى أوائل القرن السابع الميلادى. أما المؤكد فهو أن أمرًا غيّر وعيه بأكمله وملأه بقوة روحية قررت مجرى حياته، وإعلان ما يوحى به إليه فبدأت بذلك مرحلة نبوته. وقد ذهب كايتانى إلى أن ظهور محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] كمصلح دينى [قبل أن يبعثه اللَّه نبيًا] إنما كان تدريجيا وعلى مدى فترات طويلة من التفكير والتأمل تصفها كتب السيرة بالتحنّث. وتذهب بعض الروايات إلى أن السورة التى بدأت بها الدعوة هى سورة العلق، بينما تذهب أخرى إلى أنها سورة المدثر. غير أنه ينبغى أن

نأخذ فى الاعتبار احتمال ألا تكون أوليات السور قد دونت أو حُفظت (¬1). وتقول الروايات إن "فترة" مدتها ثلاث سنوات فصلت بين وقت نزول الوحى عليه بالسور الأولى وبين نهوضه بالدعوة. ولا يلمح القرآن الكريم إلا قليلا إلى طريقة حدوث هذا الوحى. وربما كان الدثار الذى أشارت إليه سورة المزمل وسورة المدثر يشير إلى نوع من الاستعداد لتلقى ما يوحى به على نهج كهان العرب الأقدمين (¬2). وثمة ضوء غير مباشر يلقيه على الموضوع اتهام أعدائه بأنه مجنون، أو كاهن، أو ساحر، حيث إن الاتهام يبين أن محمدًا [-صلى اللَّه عليه وسلم-]-فى لحظات تلقيه الوحى- كان يترك لديهم انطباعا كذلك الذى يحدثه المجنون أو الكاهن أو الساحر (¬3)، وهى شخصيات كانت مألوفة فى شبه الجزيرة. وبالإضافة إلى ذلك نجد روايات عدة تصف حالته فى مثل تلك اللحظات وصفا أوفى، ويمكن اعتبارها صحيحة حيث إنه لا يمكن أن يكون المسلمون فى العهود المتأخرة قد اخترعوها، بينما كانت هذه النوبات الغريبة تمثل بالنسبة لمعارفه أصدق دليل على ألوهية مصدر الوحى. وقد كانت الأفكار بسيطة فى تلك السور الأولى المتوهجة عاطفة، ولا تقوم هذه الأفكار على أساس المفهوم ¬

_ (¬1) راجع مادة القرآن الكريم فى الدائرة (الطبعة الأصلية) وقد خلص كاتب هذه المادة إلى أن لجنة من كبار المستشرقين منهم بلاشير حاولوا إعداد نص قرآنى غير النص الذى بين أيدينا، مضيفين إليه ما سقط منه، ورجعوا لمختلف المصاحف كمصحف أبىّ وابن مسعود، كما رجعوا لمختلف الروايات، وانتهوا إلى أن النص القرآنى الذى بين أيدينا هو الوحيد الموثق والصادق، واستبعدوا تماما أى حذف أو إضافة من وجهة النظر العلمية. (¬2) لم تشر كتب السيرة المعروفة: سيرة ابن هشام الذى هذب فيها سيرة ابن إسحق (ت 152 هـ)، وسيرة ابن سيد الناس (ت 734 هـ/ 1334 م)، والسيرة الحلبية لنور الدين الحلبى (ت 1044 هـ/ 1642 م)، ولا كتب التراجم الأخرى أن الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] كان يلبس لباسًا خاصا استعدادا لتلقى الوحى، وما أشير من تزمله وتدثره فى القرآن الكريم لا يعنى ذلك بالضرورة، وإنما كان ذلك فى معرض خوفه -بما مرضه- بعد نزول الوحى عليه لأول مرة. لدرجة جعلت زوجه خديجة تشفق عليه. (¬3) هذه الاتهامات نفاها القرآن الكريم عن سيدنا محمد فى أكثر من سورة. [التحرير]

التقليدى عن التوحيد، وإنما تقوم على انطباع دينى وخلقى قوى، لم يكن ثمة مفر. من أن يؤدى به إلى قطيعة بينه وبين الوثنية. وقد كان ذهنه ممتلئًا بالأخص بفكرة المسئولية الأخلاقية التى ألقاها اللَّه سبحانه وتعالى على الإنسان، وفكرة الحساب يوم القيامة. وقد أضاف القرآن الكريم إلى ذلك أوصافا حية لعذاب الكفرة فى نار جهنم وتنعم المؤمنين بنعيم الجنة. وتمة موضوع رئيسى آخر فى تلك المرحلة الأولى السابقة على بدء المعارضة القوية له من جانب العائلات المكية واسعة النفوذ، ألا وهو آيات اللَّه فى الطبيعة مما ينبغى أن تقنع الناس متى فكروا فيها بأن هناك قوة أعظم من قوة الإنسان. وثمة تأكيد على عجائب الحياة اليومية خاصة ظاهرة الإنسان الرائعة. أما الواجبات الدينية التى فرضها القرآن الكريم على محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وأتباعه خلال الفترة المكية فكانت بسيطة قليلة العدد فعلى المرء أن يؤمن باللَّه، وأن يلتمس منه الصفح عن خطاياه، {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (8) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (9) أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} سورة المؤمنون الآيات 1، 11. وعليه المحافظة على الصلاة حتى بالليل {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ. . .} سورة هود آية 114. وعليه مساعدة الناس خاصة الفقراء منهم، وأن ينزه نفسه من حب الثراء الخادع، وعن كل أشكال الغش، وهو أمر له أهمية فى الحياة التجارية المكية {وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ (182) وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} سورة الشعراء 182 - 183. وعليه الالتزام بالعفة وألا يئد البنات وفق العادة المتوحشة لذلك العصر التى عزاها القرآن الكريم إلى الفقر.

لم يلق محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فى البداية معارضة ذات شأن، بل وصادفت دعوته تربة خصبة فى حالات ليست بالقليلة. وقد نفهم من الآية 62 من سورة هود {قَالُوا يَاصَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ}، إنه أثار فى البداية توقعات كثيرة لدى المكيين. وقد كانت خديجة -باتفاق كافة الروايات- أول من آمن به، كما تذكر المصادر أن من أوائل أشياعه أبا بكر، والعبد المعتق زيد بن حارثة، والزبير بن العوام، وطلحة بن عبيد اللَّه وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبى وقاص، وابن عم محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] عليا بن أبى طالب. غير أن أكثر من اتبعه فى مكة كانوا أحداثا أو ممن لا يتمتعون بمركز اجتماعى مرموق، فى حين رفض اتباعه الأغنياء وذوو النفوذ، {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا} سورة مريم آية 73. {وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا} سورة المزمل آية 11. {فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ} سورة هود آية 27. وقد زاد عزوف الأغنياء وذوى النفوذ عن رسالته حين أضحت العواقب الكاملة لأفكاره واضحة وهاجم صراحة وثنية أهل مكة. أما قبل ذلك فما كان أكثرهم يكترثون باجتماع المسلمين للعبادة أو بنشاط محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-]. وقد جاءت مهاجمة آلهة مكة تدريجيا. فقد ذكر أن الحرم المكى هو للَّه ربه الذى يعترف المكيون أيضا بأنه ربهم الأعلى {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ} سورة الزمر آية 38. وسيحمى اللَّه بيته والحرم ويباركهما لو أذعنوا لإرادته، {إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا. . .} سورة النمل آية 91، {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ

أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ} سورة العنكبوت آية 67، {لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ (1) إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ (2) فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (4)} سورة قريش. حينئذ أدرك تجار مكة أن التحول للإسلام قد يُهدد أسواقهم وتجارتهم. وقد كان هذا فى الواقع النقطة الرئيسية فى معارضتهم لمحمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، ويثبت ذلك محاولات القرآن العديدة تهدئة مخاوف قريش فى هذا الصدد. وكان هناك بالإضافة إلى ذلك موقف التجار المحافظ فى مجال الدين، وعداؤهم للأفكار الجديدة الغريبة عليهم، خاصة فكرة البعث والنشور بعد الموت. وتنبع قوة محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] من إحساسه بأنه يعيش فى عالم ذهنى أسمى لا يرقى إليه المشركون، وأن ما يوحى إليه من عند اللَّه {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا}، سورة الإسراء آية 88. وكثيرا ما يشير القرآن الكريم بحق إلى افتقار أعدائه إلى المنطق إذ يعترفون بأن "اللَّه" هو الإله الحق دون استنباط النتائج المنطقية من هذه الحقيقة. غير أن حتى أكثر حججه إفحامًا لم تفلح فى اختراق السدّ المنيع الذى أقامه تعصبهم على أساس من مصالحهم المادية. وحين كان خصومه يهزأون به إذ لم يتحقق ما أنذرهم له من عقاب اللَّه، {وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ} سورة ص آية 16، ذكر القرآن الكريم أن أقوام الأنبياء قبله كذبوهم فحق عليهم بتكذيبهم أشد عقاب. ولم تكن هذه التهديدات بعقوبة فى الحياة الدنيا جزءا من أوائل السور بدليل أن دعوته لم تثر فى البداية عداء قومه وترتبط فى القرآن الكريم الأفكار الدينية الجديدة التى دعا محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] إليها باهل الكتاب، وهو تعبير يشير إلى طائفتى اليهود والنصارى. وكان هناك وعى بهذا الارتباط بدليل ما تردد تأكيده فى القرآن الكريم من اتفاق تعاليم الإسلام والتعاليم اليهودية والمسيحية. وثمة آية مهمة فى سورة يونس 94 يتحدى القرآن الكريم فيها خصوم محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] أن يشاوروا أهل الكتاب بصدد صدق

رسالته: {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ. . .}. ومن الواضح تماما أن محمدا [-صلى اللَّه عليه وسلم-] لم يفكر خلال الفترة المكية فى تأسيس ديانة جديدة. (¬1) فمهمته؛ كانت مجرد الإنذار والتذكرة {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ} سورة الذاريات آية 50؛ {يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ} سورة المدثر 1، 2، {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا} سورة النازعات آية 45؛ {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ} سورة الغاشية آية 21, 22. فهو ينذر بقرب يوم الحساب قومه الذين لم يرسل إليه رسول من قبل {أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ. . .} سورة الأنعام آية 157 {. . . لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (46) وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}، سورة القصص آية 46, 47. {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ}، سورة السجدة آية 3. وقد أنزل عليه الوحى ليبلغهم إياه فى صورة قرآن عربى مبين، وحتى يقيهم غضب اللَّه. وعلى اليهود والنصارى أيضا أن يشهدوا بصدق ما جاء به حيث إن نفس الوحى كان قد أرسل إليهم من قبل {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} سورة النحل آية 43. {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ} سورة القصص آية 52. وبإمكان هذا السياق أن يقودنا إلى فهم أفضل لكلمة كثيرا ما دار النقاش حَوْلها، وهى كلمة "أُمّى". فحين تشير الآية 157 من سورة الأعراف إلى محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] على أنه النبى الأمى، فالظاهر أنها تعنى "الشخص الذى لم يبلَّغ من قبل بكتاب اللَّه"، أى عكس أهل الكتاب الذين سبق أن تلقوا كتاب اللَّه ¬

_ (¬1) بمعنى أنه كان مهتمًا بتصحيح الأخطاء التى دخلت على الديانات السابقة. [التحرير]

بلسانهم. وقد كان محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] أميا قبل تلقيه الوحى لا بعده، ولايؤثر هذا التفسير فى نتيجة التساؤل عما إذا كان بمقدور محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] أن يقرأ وأن يكتب، اللهم إلا إن كانت كلمة "أمى" تحمل فى طياتها معنى عجزه عن قراءة الكتب المقدسة لليهود والنصارى. ولابد أن اشتغاله بالتجارة كان يستلزم قدرا من الإحاطة بقراءة العربية وكتابتها. وتشير الآيات 4 - 6 من سورة الفرقان إلى اتهام الكفار له بالافتراء {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا (4) وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (5) قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا}. ولم تكتسب كلمه "أمى" معناها الشائع الآن (وهو الجهل بالقراءة والكتابة) إلا فيما بعد (¬1)، وفى الدوائر الدينية، كتدليل على معجزة تلقى محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] الوحى من اللَّه عن طريق جبريل [عليه السلام]. وتقصّ الروايات بتفصيل وافٍ ما لقيه محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وأتباعه من الاضطهاد والأذى على أيدى أهل مكة، وهو ما تصوَره كتب السيرة على أنه من الأحداث المهمة فى حياة محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] إبّان الفترة المكية. غير أنها للأسف روايات غير واضحة قابلة لتفسيرات هى الأخرى غامضة. وثمة اعتبار آخر يجعل من الصعب التحدث فى ثقة عن المراحل الرئيسية فى حياة محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] قبل الهجرة، وهو أن القرآن الكريم الذى كثيرا ما يشير إلى أحداث مهمة فى حياة محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] والأمة الإسلامية فى المدينة بعد الهجرة، وببعض التفصيل، لا يكاد يذكر شيئا عن الوقائع التى تقول كتب السيرة إنها حدثت فى الفترة المكية. ومثال ذلك ما ذكرته روايات عديدة عن هجرة بعض أتباع محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] من مكة إلى الحبشة. ويتحدث ابن سعد عن هجرتين إلى الحبشة، قائلا إن معظم المهاجرين من الجماعة الأولى عادوا إلى مكة قبل الهجرة إلى المدينة، فى حين كان معظم مهاجرى الجماعة الثانية لا يزالون فى الحبشة وقت الهجرة، وحين ¬

_ (¬1) معرفة الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] للقراءة والكتابة اتجاه بدأ يأخذ به عدد كبير من الكتاب مسلمين أنفسهم، ولم يعد أمرًا غريبًا. [هيئة التحرير]

تركوا الحبشة توجهوا مباشرة إلى المدينة. أما ابن هشام والطبرى فلا يتحدثان إلا عن هجرة واحدة للمسلمين من مكة إلى الحبشة. غير أن كافة هذه الروايات تتفق على أن اضطهاد المسلمين فى مكة كان إلى حدّ كبير وراء قرار محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] أجمع إرسال عدد من أتباعه يطلبون المأوى بين مسيحيى الحبشة، أما مونتجومرى وات فيذهب فى كتابه "محمد فى مكة" إلى أن الأمر أكثر تعقيدا مما توحى به الروايات الإسلامية، وأن ثمة ما يوحى بأن نوعا من الخلاف قد دب بين المسلمين ولعب دورًا فى هذه الهجرة، وأن بعض المهاجرين ربما توجه إلى الحبشة لممارسة التجارة، ربما لمنافسة العائلات التجارية الكبيرة فى مكة. ويقول عروة ابن الزبير إن معظم هؤلاء المهاجرين عادوا إلى مسقط رأسهم حين قوى الإسلام بدخول عدد من ذوى النفوذ فيه، مثل عمر بن الخطاب وحمزة. غير أن ثمة قصة مختلفة عن عودتهم إلى مكة كانت محل جدل كبير. فالطبرى يذكر أنه أثناء تلاوة محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] لسورة النجم بحضور عدد من مشركى مكة. وحين وصل فى تلاوته إلى أسماء ثلاثة من آلهتهم المفضلة، وهى اللات والعزى ومناة نطق الشيطان على لسانه جملتين قصيرتين هما: "تلك الغرانيق العلا. وإن شفاعتهن لترتجى" (¬1) وقد فسر المشركون هاتين الجملتين على أن محمدا [-صلى اللَّه عليه وسلم-] اعترف بآلهتهم وبجدوى شفاعتها عند اللَّه الذى يعتبرونه كبير الآلهة، فسجد الحاضرون منهم مع المسلمين بعد انتهاء تلاوة السورة بآية {فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا} وتقول الرواية إن ذلك أدى إلى مصالحة عامة بين محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وأهل مكة وإن المسلمين الذين كانوا قد ¬

_ (¬1) لم ترد قصة الغرانيق هذه فى كتب الحديث المعتمدة عند المسلمين السنة، كما لم ترد فى كتاب الكافى للكلينى وهو الكتاب المعتمد عند الشيعة، ولم ترد فى سيرة ابن إسحاق كما يقول مؤلف المقال نفسه، وقد هذبه ابن هشام، أما من أوردها فهو ابن سعد المتوفى 230 هـ/ والطبرى المتوفى 310 هـ. بينما توفى ابن إسحاق -الذى لم يورد هذه القصة- سنة 152 هـ، والواقع أن القصة فى مجملها، وفى تفاصيلها لا تصمد أمام النقد التاريخى. وقد أورد الأستاذ هيكل فى كتابه حياة محمد ردا تفصيليا على قصة الغرانيق هذه. [التحرير]

هاجروا إلى الحبشة شرعوا فى العود إلى بلادهم غير أنهم حين عادوا تبينوا أن جبريل [عليه السلام] كان قد أخطر محمدا [-صلى اللَّه عليه وسلم-] أن جملتى الغرانيق ليستا جزءا من السورة وإنما هما من تلبيس الشيطان، فاضطر المسلمون العائدون إلى طلب حماية بعض العشائر قبل تمكنهم من دخول مكة من جديد. هذه القصة الغريبة التى نجدها أيضا فى ابن سعد (دون سيرة ابن هشام) يرفضها معظم المسلمين ويرونها اختراعا لاحقا، وإن معظم كتاب السيرة من الأوروبيين يقبلونها على أساس أنه من غير المعقول أن تكون من اختراع المسلمين فى عصور تالية. غير أن هذا السبب غير كاف فى حد ذاته، ولا يمكن قبول القصة كما رواها الطبرى والواقدى وابن سعد كحقيقة تاريخية لأسباب عدة أوردها القرآن الكريم. وإن لم يكن من المستبعد تماما احتمال وجود أصل لها. غير أن هناك قصة أخرى من الفترة المكية يصعب تفسيرها، وهى قصة مقاطعة بنى هاشم. فقد كانت مساندة عشيرة محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] له هى التى وفرت له الحماية أثناء صراعه مع أهل مكة. فمعظم أفراد عشيرته أدوا واجبهم فى شهامة تجاهه، وإن لم يؤمن برسالته إلا القليلون منهم. ويبدو أن عمه عبد العزى (أبا لهب) كان الوحيد ذا النفوذ فى العشيرة الذى عارضه وهى معارضة أضحت من القوة بحيث لعنه القرآن الكريم هو وزوجه فى سورة المسد. ولذا فقد كان من الطبيعى أن يحاول أهل مكة فى النهاية أن يضعفوا بنى هاشم بأسرهم دون أن يجلبوا على أنفسهم عار إراقة الدماء فى هجوم صريح. غير أن القصة التى تروى كيف اضطروا الهاشميين إلى الانسحاب إلى شعبهم فى مكة، وكيف أقسموا ألا يتزاوجوا أو يتاجروا معهم تبدو مبالغا فيها. وقد اعترفت القصة نفسها بفشل محاولة أهل مكة. ومع ذلك فمن المحتمل أن تكون ثروة خديجة تأثرت تأثرًا شديدا نتيجة التزامات محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] تجاه المعوزين من أتباعه، ونتيجة عداء كبار القوم من التجار ذوى النفوذ. ونجد القرآن الكريم هنا أيضا خاليا من

الإشارة إلى هذه الواقعة التى تعتبرها كتب السيرة حدثا مهما فى حياة محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-]. وتتزايد الروايات فى المصادر عن أحداث السنوات الأخيرة التى قضاها محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فى مكة وما حولها من القرى قبل هجرته إلى المدينة، وإن كانت الأغراض والمصالح اللاحقتين قد صبغتا الكثير من هذه الروايات. وقد ذكر عروة بن الزبير أن محمدا [-صلى اللَّه عليه وسلم-] نجح فى استمالة بعض رجال مكة البارزين (ومن بينهم عمر بن الخطاب) إلى رسالته وذلك بعد هجرة عدد من أتباعه إلى الحبشة. ومع ذلك يمكن القول بوجه عام إن محاولته الإصلاح الدينى فى بلدته قد فشلت. وعندما ماتت زوجه خديجة وعمه أبو طالب فى فترة زمنية قصيرة، زاد وضعه حرجًا. وقد كان بإمكانه أن يعزى نفسه بأنه أدى مهمته كنذير، وأن إرادة اللَّه هى التى حالت دون خلاص قومه {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} سورة يونس آية 99، {فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ}، سورة الزخرف آية 89. غير أن إحساسه بأنه هو الذى اختاره اللَّه لنشر الدعوة كان قد زاد تدريجيًا قوة إلى درجة أنه لم يستسلم [-صلى اللَّه عليه وسلم-] ولم يقبل أن يعيش خامل الذكر دون أن يدرك هدفه. وقد حاول نشر دعوته فى الطائف، غير أن الروايات تذكر أن هذه المحاولة فشلت وعرّض نفسه أثناءها للخطر. وبعد رحلته إلى الطائف شمله رجل من مكة، هو مطعم بن عدى بحمايته حتى يأمن عند عودته إلى بلده، وهى قصة تؤكدها قصيدة لحسان بن ثابت. وتذهب بعض كتب السيرة إلى أن قصة الإسراء الشهيرة حدثت خلال هذه الفترة العصيبة من حياة محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-]. ويقص ابن سعد قصة المعراج ثم قصة الإسراء على أنهما حادثتان مستقلتان وقعتا بعد زيارة محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] للطائف. بل إنه يذكر تاريخين محددين لهاتين الحادثتين، قائلا إن معراج النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] إلى السماء من موقع قرب الكعبة (بين مقام إبراهيم وزمزم) حدث

فى ليلة السبت 27 من رمضان قبل الهجرة بثمانية عشر شهرًا، وإن الإسراء به ليلا من المسجد الحرام بمكة إلى المسجد الأقصى ببيت المقدس حدث فى "الليلة السابعة عشرة من شهر ربيع الأول السابق للهجرة. والمعروف أن الروايات المتأخرة تربط بين هاتين القصتين فى سياق واحد. وينبغى أن نذكر أيضا أن روايات أخرى فى كتب السيرة تنسب هذين الحدثين إلى تواريخ متباينة من حياة النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] بعد تكليفه بالرسالة. فابن هشام يذكر الإسراء أولا ثم المعراج ويقول إنهما حدثا قبل وفاة خديجة وأبى طالب. أما الطبرى فلا يورد غير قصة المعراج من المسجد الحرام بمكة إلى السماء الدنيا ثم طواف جبريل به فى كل من السموات السبع، قبل أن يصحبه إلى الجنة. ويذهب الطبرى إلى أن المعراج حدث قبل نهوض محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] بدعوة قومه إلى الإسلام. وبربط القصتين إحداهما بالأخرى قيل إن نهاية رحلة الإسراء كانت عند جبل المعبد بالقدس حيث أمَّ محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] الأنبياء [عليه السلام] قبله فى الصلاة، ثم عرج إلى السماء من عند نتوء صخرى عالٍ نجده اليوم فى قبة الصخرة الشهيرةً، ثم عاد جبريل ومحمد [عليهما السلام] إلى مكة وانتهت بعودتهما تلك الرحلة الليلية. وقد أدى ارتباط سيرة محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] بجبل المعبد فى هذه القصة إلى أن أضحت القدس عند المسلمين ثالث المدن المقدسة بعد مكة والمدينة. وقد ثابر محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فى سعيه إلى العثور على ميدان جديد لنشاطه خارج مكة رغم استقباله السيئ فى الطائف. فقد تكون تجربة الإسراء والمعراج قد رفعت من معنوياته لو أنها كانت قد حدثت فى تلك الفترة حتى لو أنها كانت بالروح لا بالجسد. وقد كانت تفد إلى مكة قبائل عديدة لحضور أسواق الربيع والخريف، وكذا لأداء شعائر الحج عند الكعبة، وهو ما هيأ لمحمد فرصا ممتازة كى يحاول العثور على موطن جديد لنفسه ولأتباعه. وبعد عدة مفاوضات فاشلة، وجد تربة طيبة لمطامحه فى بعض

رجال يثرب (التى سميت فيما بعد بالمدينة). وربما سهل عليه الوصول إلى اتفاق معهم وجود أقارب له فيها. من حسن الحظ أن لدينا معلومات عن الأحوال فى المدينة عشية ظهور الإسلام غير أنها لا تزال معلومات قليلة لا توفر إجابات عن الكثير من الأسئلة المهمة. غير أنه يمكننا أن نفترض أن كثرة عدد اليهود بها ساهمت فى إلمام سكانها العرب بفكرة التوحيد. وما من شك مع ذلك فى أن أهل المدينة ما كانوا بالراغبين فى اجتذاب نبى (*) إليهم بقدر رغبتهم فى أن يكون بينهم زعيم سياسى يعيد تنظيم علاقاتهم السياسية التى حطمتها النزاعات القبلية البالغة ذروتها يوم بعاث والواقع أن المسئولية التى كان على محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] أن يأخذها على عاتقه كانت مسئولية رهيبة. إذ كانت تعنى أنه سيكون مسئولا عن أمن أتباعه وسبل عيشهم وهم الذين سيقطعون صلاتهم بقبائلهم وأسرهم وأنه سيتحمل المسئوليات الجسيمة الملقاة على عاتقه فيما يتعلق بمن سيهاجر معه من أتباعه، كما سيواجه التحدى ألذى تمثله محاولة تسوية النزاعات بين قبائل غير معروفة لديه إلى حد كبير ويحمل بعضها لبعض أحقادا قديمة. وهنا نلمس مشكلة من أعقد المشاكل فى سيرة محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، ألا وهى الازدواج الذى يواجهنا به. ذلك أن هذا المتحمس الملهم الورع الذى تركزت أفكاره أساسا حول يوم الحساب، والذى تحمل الإهانات والهجوم والذى لم يفكر إلا فى تردد ووجل فى احتمال المقاومة مقاومة إيجابية {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ} سورة النحل آية 126, مفضلا أن يترك كل شئ لإرادة اللَّه يصنع ما يشاء، وأنه [-صلى اللَّه عليه وسلم-] دخل بهجرته إلى المدينة مرحلة دنيوية ظهر فيها سياسيًا عبقريًا فذا. غير أن النقطة الفاصلة هنا هى أن أهل المدينة ما كانوا بكل تأكيد ينشدون ¬

_ (*) فى الأصل "مصلح دينى ملهم" وهذا نموذج لمصطلح نرى تأثر كاتب المقال فيه بما ساد عصور الإصلاح الدينى فى أوربا فى العصور الوسطى فى حين أن مفهوم النبوة أعم وأشمل من ذلك. [هيئة التحرير]

الخلاص على يديه من مشاكلهم الاجتماعية والسياسية ما لم تكن قدراته فى هذا المجال قد تركت فى نفوسهم انطباعا عميقا. وبعد أن أقام محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] علاقات مع بعض أهل المدينة القادمين إلى مكة للحج عام 621 م، بدأ هؤلاء فى نشر الإسلام فى المدينة جنبا إلى جنب مع رجال أرسلهم هو إليها. وهكذا تمكن بعد اجتماع تمهيدى فى العقبة من أن يعقد خلال حج العام التالى (سنة 622 م) وفى المكان ذاته، اتفاقا رسميا مع عدد كبير من أهل المدينة، تعهدوا فيه نيابة عن مواطنيهم أن يأخذوه عندهم وأن يحموه حمايتهم لأى منهم، وهو تعهد يسرى أيضا كما أوضح التاريخ اللاحق- على أتباعه المكيين متى هاجروا إلى المدينة. ولا شك فى أن الروايات مصيبة إذ لم تذكر سوى وعد أهل المدينة بحماية محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] دون التزام بأمر سواه. وما كان بالوسع أن تبقى هذه المفاوضات سرا على أهل مكة. فما علموا بها حتى أثارت مرارة شديدة، وبدأت على حد قول عروة- فتنة ثانية تعرض لها المؤمنون، لابد أنها ثبتت عندهم قرار الهجرة إلى المدينة. وقد ذكر أنهم تسللوا فى جماعات كبيرة أو صغيرة حتى لم يبق بمكة سوى محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وأبى بكر وخادم لأبى بكر. وتقول روايات أخرى قد تكون شيعية إن عليا أيضا بقى فى مكة حتى اللحظة الأخيرة. والأرجح أن يكون تخلف محمد عن الآخرين جزءا من خطته أن تبقى الهجرة غير ملحوظة قدر الإمكان. ومن الصعب أن نقدر مدى استطاعة قادة مكة أن ينجحوا لو أنهم شاءوا منع محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وأتباعه من الخروج، والراجح أن أهل مكة وقت الهجرة لم يكونوا يرون فى محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] خطرا عليهم سواء بقى فى مكة أو رحل إلى المدينة. أما عن الرواية التى أضيفت إليها فيما بعد تفاصيل والتى تقول إن محمدًا [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وأبا بكر بقيا فى مكة حتى غادرها غيرهما من المسلمين آمنين، ثم اختبآ فى غار بالطريق، فقد نجد لها سندا فى الآية 40 من سورة التوبة، {إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ

{الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا}. * * * لقد كان المسلمون على حق إذ اتخذوا من سنة هجرة محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وأتباعه من موطنه بمكة إلى يثرب (المدينة، أو مدينة النبى)، بداية لتقويمهم. فقد كانت بداية مرحلة دامت عشر سنوات من حياة محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] أسس خلالها مجتمعا دينيا جديدا نما فى فترة قصيرة للغاية فأضحى نواة إحدى الحضارات الكبرى فى تاريخ العالم. وقد وصل محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] إلى قباء (وهى من ضواحى المدينة) يوم 12 من ربيع الأول من العام الهجرى الأول (24 سبتمبر عام 622 م). وقد فرضت المهام التى كانت تنتظره عبئا عظيما تطلب قدرات دبلوماسية وتنظيمية كبيرة، فأثبت أنه كفء لمجابهة التحدى من جميع الوجوه. لم يكن بوسع محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فى البداية أن يعتمد فى ثقة إلا على أولئك الذين هاجروا معه من مكة (وهم من سموا بالمهاجرين) وقد بات لهؤلاء الأتباع المخلصين -الذين بقوا على ولائهم لمحمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وعلى إيمانهم بقضيته خلال الأعوام المكية العصيبة- مكانة خاصة بين المسلمين. وقد دخل الإسلام بعض أهل المدينة قبل وصول محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] إليها، غير أنهم كانوا يشكلون نسبة صغيرة من سكان يثرب. وقد اعتنق أهل المدينة الإسلام، بطيئا فى بادئ الأمر، ثم فى أعداد أكبر. وقد سمى أولئك الذين أسلموا منهم أثناء حياة محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] بالأنصار وباتت لهم أيضا مكانة خاصة داخل الأمة الإسلامية لا يعلوها غير مكانة المهاجرين. ولم يصادف محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] معارضة مباشرة من قبل القبائل العربية فى المدينة إلا من بضع عشائر مثل أوس اللات. غير أنه كان ثمة عدد من الناس لم يعارضوه صراحة، وإن لم يقبلوا العلاقات الجديدة إلا على مضض. وكان من بين هؤلاء فئة أكثر إزعاجا للمسلمين من غيرها، التفت حول رجل من الخزرج هو عبد اللَّه بن

أبى الذى ما كان يغفل كل فرصة بوسعه انتهازها من أجل إضعاف مركز محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-]. كان ثمة خطر آخر يتمثل فى استمرار جذوة النزاع القديم المرير بين الطائفتين الرئيسيتين بالمدينة، وهما الأوس والخزرج، وكان يمكن للنار أن تشتعل من جديد فى أية مناسبة. وبالإضافة إلى القبائل العربية فى المدينة، كان هناك عدد من الجماعات اليهودية، وأهمها "الكاهنان" أى بنو النضير وبنو قريظة. ومن بين الجماعات اليهودية الأخرى كان بنو قينقاع فيما يبدو أهمها. وقد لعبت هذه القبائل اليهودية الثلاث دورا بارزا فى حياة المدينة بفضل ثرائها وبفضل ما كانت تلقاه من تأييد المستعمرات اليهودية فى خيبر والمستوطنات الأخرى فى الشمال. وقد كرس محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] خلال عامه الأول فى المدينة جهدا كبيرا من أجل أن يقبل هؤلاء السكان اليهود المتكلمون بالعربية دعواه أنه رسول اللَّه. أما عن علاقاته بالمسيحيين فى المدينة فلا يمكن تخمين طبيعتها إلا من الإشارات الواردة فى القرآن الكريم إليهم. وبعد أن أصبح واضحا أن يهود المدينة لن يقبلوا دعواه النبوة، وردت بالقرآن آيات تعطى انطباعا بأن رأيه فى النصارى أضحى بالتدريج أكثر تعاطفا، {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (82) وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} سورة المائدة 82 و 83، {. . . وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً. . .} سورة الحديد آية 27. وكان على محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] أن يكون جماعة متآزرة من هذه العناصر المختلفة. وكانت أولى المشاكل كيفية توفير الوسائل اللازمة لإعاشة المهاجرين الذين كان معظمهم لا يملك شيئا. وقد خفف من حدة هذه المشكلة، بصورة مؤقتة على الأقل، مؤاخاة

محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] بين كل مهاجر ورجل من المدينة، غير أن الآية السادسة من سورة الأحزاب التى نزلت بعد موقعة بدر تفسر عادة على أنها إلغاء للمؤاخاة، على الأقل فيما يتعلق بالمواريث، {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا}. وقد يكون من بين الاعتبارات الأكثر أهمية فى إلغاء هذه الترتيبات الأولى بالمدينة الاتفاق الذى أبرمه محمد مع كافة القبائل والعشائر المهمة. ومن حسن الحظ أن ابن اسحاق حفظ لنا وثيقة بالغة الأهمية خاصة بهذا الاتفاق، تسمى عادة بدستور المدينة. ويبدو أن هذه الوثيقة لا تنتمى إلى عام محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] الأول فى المدينة كما زعم البعض، حيث إنها تعكس التوتر اللاحق الذى طرأ على علاقة النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] بالأطراف اليهودية فى التسوية. وينم الاتفاق عن مواهب محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] الدبلوماسية العظيمة، إذ يضع فيه الاعتبارات العملية فى المقام الأول. صحيح أنه نص على أن الأمر للَّه ولرسوله يفصلان فى كافة الشؤون المهمة، غير أن الأمة كانت تشمل يهودا ووثنيين مما دعا إلى الاحتفاظ إلى حد كبير بالأشكال القانونية عند قبائل العرب القديمة. ولكن المواد التى نصت عليها هذه الوثيقة لم يكن لها مع ذلك أهمية عملية كبيرة ولم يذكرها القرآن البتة رغم قول بعض المفسرين إن الآية 56 من سورة الأنفال تشير إليها {الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ}. وعلى أى الأحوال فقد باتت غير ذات موضوع بسبب التغير السريع الحاسم الذى طرأ على الأحوال فى المدينة. ومن دلائل حكمة محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] السياسية محاولاته الأولى فى المدينة استمالة اليهود هناك إلى دعوته بتأكيده على وجود أمور مشتركة بين العبادات اليهودية والعبادات الإسلامية. فقد فرض مثلا صوم العاشر من محرم على المسلمين، وكان فيما يبدو -صوما

ليوم واحد على مدى أربع وعشرين ساعة، كصوم اليهود فى يوم الكفارة، وهو العاشر من شهر تشرى فى التقويم اليهودى. ويدلنا على أن هذه الشعيرة الإسلامية المؤقتة التى يبدو أنها لم تستمر إلا عاما واحدا مستمدة من عادة يهودية، فمجرد اسمها وهو "عاشوراء" المشتق من اللغة الأرامية والذى يطلقه بعض يهود شبه الجزيرة على يوم الكفارة يدل على ذلك. أما صلاة الجماعة الأسبوعية الإسلامية، وهى التى ربما تكون قد فرضت قبل وصول محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] إلى المدينة فهى تشبه ما يسمى عند اليهود بيوم الاستعداد للسبت وهو يوم يبدأ مساء يوم الجمعة عند غروب الشمس. ولذا فقد كان الجمعة فى المدينة فى زمن محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] هو يوم السوق الأسبوعية الرئيسى، وفيه يتوافد على المدينة أكبر عدد من المسلمين من المناطق المجاورة، فيصبح أنسب الأوقات لاجتماع المسلمين فى صلاة جامعة. وأما عن استقبال القدس الواقعة إلى الشمال أثناء الصلاة (وهو ما توقف بعد العام الأول من إقامة محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] بالمدينة)، فإنه ليس من المؤكد ما إذا كان القصد منه استمالة يهود المدينة إلى الإسلام، حيث إن الروايات تختلف بصدد قبلة المسلمين فى مكة قبل الهجرة، ومن المستبعد أن يكون محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وأتباعه قد اتخذوا الكعبة قبل الهجرة قبلة لهم، وإلا لكان من الصعب تفسير اختلاف الروايات بصدد هذا الموضوع. فإن كان محمد وأصحابه يستقبلون بيت المقدس فى صلواتهم قبل الهجرة فإن هذا لا يعنى بالضرورة اقتداء باليهود حيث إن بيت المقدس كان القبلة فى صلاة جماعات أخرى فى الشرق الأدنى. وربما كان المسلمون يستقبلون الشرق فى صلواتهم بمكة شأن بعض الجماعات المسيحية [قبل تحول القبلة للقدس ثم للكعبة المشرفة]. أو ربما لم تكن لديهم قبلة على الإطلاق. وليس بالقرآن الكريم أى ذكر لهذه النقطة الفاصلة فى حياة النبى وفى نشأة الإسلام. وقد يكون من الأفضل قبول افتراض أن يكون المسلمون اتخذوا من بيت المقدس قبلة لهم خلال عام محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] الأول فى المدينة كممارسة مؤقتة.

فإن كان البعض قد رأى فى مبادرته على الفور بإقامة مكان للعبادة تقليدا لكنيس اليهود، فقد أورد كايتانى أسبابا قوية لاعتقاده أن هذا المكان لم يكن مبنى مخصصا للعبادة وحدها، حيث إن ما يسمى بالمسجد كان يستخدم أيضا فى أغراض دنيوية شتى، وكان فى الواقع مجرد دار يسكنها محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وأسرته، بينما كان الاجتماع للصلاة يتم فى المصلَّى. ومع ذلك فإن ما يسمى بمسجد ضرار فى الآية 107 من سورة التوبة {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ}، يبدو أنه كان كبناء شبيهًا بالكنيس اليهودى. ورغم التشابه بين الإسلام واليهودية -كديانتى توحيد- فى بعض النقاط إلا أنه بدا واضحًا أن رغبة محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فى إسلام يهود المدينة لن تتحقق. فمع أنهم كانوا يتوقعون فى لهفة ظهور المسيح، فما كانوا على استعداد للاعتراف لعربى بأنه المسيح اليهودى الذى ينتظرونه منذ أمد طويل. وما لبث محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] أن نعى على اليهود أنه لم يؤمن برسالته منهم غير نفر قليل، {. . . وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ} سورة آل عمران آية 110. ونذكر بالأخص أن الاختلاف بين ما كان يتلوه من آيات يذهب إلى أنها مطابقة للكتاب الذى أنزل -من قبل- على موسى النبى عليه السلام، وبين ما كان يهود المدينة يعرفونه من كتابهم المقدس، أثار سخرية اليهود، خاصة أنه كان كثيرًا ما استشهد فى الماضى بأولئك الذين أوتوا الكتاب من قبل بحيث لم يستطع الآن أن يتجاهل هذا النقد. فأكد القرآن أن اليهود لم يتلقوا غير جزء من الكتاب {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ} سورة النساء آية 44، {هَاأَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} سورة آل عمران آية 119. وذهب إلى

أنه حتى هذا الجزء الذى تلقوه يحوى عددًا من القوانين الخاصة التى وضعت لتناسب عصرًا ولّى، {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا} سورة النساء آية 160، {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ} سورة الأنعام آية 146, {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} سورة النحل آية 118. وقد تحدّاهم أن يظهروا توراتهم {. . . قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} سورة آل عمران آية 93، {مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ. .} سورة النساء آية 46. ثم اتهم معارضو محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فى المدينة بإخفاء أجزاء من كتابهم المقدس، {وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} سورة البقرة آية 42، {. . . وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} سورة البقرة آية 146, {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ} سورة البقرة آية 159، {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ. . .} سورة البقرة آية 174, إلى آخره. بل واتهمهم بوضع آيات والزعم بأنها فى كتابهم المقدس، {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ. . .} سورة البقرة آية 59، {مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ. . .} سورة النساء آية 41، كذلك فقد اتجه إلى الاعتقاد بأن كتاب النصارى المقدس لم يحفظ الرسالة ولا تعاليم النبى عيسى عليه السلام كما كانت فى الأصل. ومع ذلك فقد ظل محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، كما كان فى الماضى لا يفكر إلا فى إصلاح الديانتين السابقتين وهداية مشركى قريش دين جديد وإنما كان سعيه منصبا على إعادة الديانة الحقة التى نادى بها الأنبياء [عليهم السلام] منذ البداية. ومن الواجب حول هذه النقطة أن نميز بين المعتقدات الدينية والصياغات

الثيولوجية اللاحقة من جانب، وبين النتائج التى تتوصل إليها البحوث التاريخية والاجتماعية من جانب آخر. فالمعتقد الإسلامى مثلا هو أن محمدًا "آخر وأعظم الأنبياء" وهو اعتقاد من الراجح أنه يقوم على تفسير لاحق لتعبير "خاتم النبيين" الذى وصفت النبى به الآية 40 من سورة الأحزاب. كذلك فإنه ينظر إليه لا باعتباره "مؤسسا" بل مصدقا ومعيدا لبناء صرح عقيدة التوحيد القديمة الحقة التى نادى بها النبى إبراهيم. [عليه السلام] وليس من المستغرب أن نجد المؤرخين ينظرون إلى بدء ورود هذه الأفكار فى القرآن خلال السنوات الأولى بعد الهجرة باعتباره بداية لنشأة جماعة دينية جديدة. ويبدو أن معارضة يهود المدينة له كان لها -بالأخص- تأثير كبير فى وضوح صورة الإسلام كدين متميز. ففى تلك المرحلة بالذات، ونتيجة لرفض اليهود الإيمان به، أضحى للجماعة الإسلامية الناشئة طابع خاص واضح. وقد حدث تغير حاسم فى مجرى الإسلام فى السنة الثانية للهجرة (يوليو 623 - يونيو 624 م). وكانت بداية هذا التغير "تحويل قبلة الصلاة" من القدس إلى الكعبة فى مكة، وهو ما تحدث عنه القرآن الكريم فى الآيات 142 - 145 من سورة البقرة: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (142) وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (143) قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (144) وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ

مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ}. وهكذا أضحت مكة موطنه محور الدين الحق، وقبلة الصلوات اليومية، كما أصبحت الوجهة المنشودة للحج السنوى. وقد أدى ربط الإسلام بأمة العرب إلى إضفاء الشرعية على محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وتوسيع سلطانه إذ يظهر بمظهر الداعى إلى إعادة ملة إبراهيم [عليه السلام] التى أفسدها اليهود والنصارى. فقد غدا إبراهيم الآن الذى يزعم اليهود والنصارى معا أنه أصل عقيدتهم، الحنيف الأكبر وأول المسلمين، عكس الوثنيين، بل والآن عكس أهل الكتاب. {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا. . .} سورة آل عمران آية 67، {وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} سورة البقرة آية 135، {قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} سورة آل عمران آية 95، وغير ذلك من الآيات التى يبدو أنها نزلت فى السنوات الأولى بعد الهجرة إلى المدينة. ثم قيل بعد ذلك إن إبراهيم وإسماعيل الذى يعتبر أبًا للعرب، قاما ببناء الكعبة ووضعا الشعائر التى تقام فيها، {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125) وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (126) وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128) رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129) وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (130) إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (131) وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَابَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} سورة البقرة الآيات 125 -

132. وكان على محمد أن يعيد الشعائر القديمة إلى أصلها من التوحيد بعد أن أفسدها المشركون. وليس بوسعنا أن نقطع بصدد ما إذا كان اعتبار إبراهيم أول الموحدين فكرة حين اختلف محمد مع يهود المدينة، أو أنها كانت قائمة بالفعل بين اليهود المستعربين مثلًا. وتقول الآية 65 من سورة آل عمران إن أهل الكتاب عارضوا الفكرة {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ}. وبينما كانت هذه التطورات المهمة تجرى فى شعائر الإسلام، كان مركز محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] الشخصى يتغير تدريجيًا بتغير الظروف. وقد ذكر دستور المدينة الذى أشرنا إليه أن كافة الأمور المهمة ينبغى أن يرجع فيها إلى اللَّه ورسوله. فأصبح الآن لزاما على المؤمنين إطاعة اللَّه والرسول، {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} سورة آل عمران آية 132, {. . . وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13) وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ} سورة النساء 13 و 14، {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ. .} سورة النساء آية 59. كذلك أصبح الآن لزامًا عليهم جنبًا إلى جنب مع الإيمان باللَّه "الإيمان" بالرسول، {لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} سورة الفتح آية 9، {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا. . .} سورة التغابن آية 8. واللَّه هو مولى النبى، وكذا جبريل، والملائكة تؤازره {. . . وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} سورة التحريم آية 4. وقد فرض اعتبار مكة مركز الدين على محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] مهمة جديدة لاشك أنه توقعها. فما دامت زيارة الأماكن المقدسة فى مكة وما حولها واجبًا على المسلمين الذين رفض أهل مكة السماح لهم بدخولها، فقد أضحى محتما البحث عن

وسيلة تجبر المكيين على الإذن لهم بالدخول، {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} سورة الحج آية 25. وقد جاء الدخول إثر صدور أمر إلهى جديد تسميه كتب السيرة "الإذن بقتال المشركين" (*). فأما عن الأنصار فلم يكونوا ملزمين بغير الدفاع عن محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] لو أنه هوجم، ولم يكن كفار مكة على استعداد لإرضائه بالبدء بالهجوم عليه، صحيح أن المهاجرين لم يكونوا مقيدين بهذا الشرط، غير أن مشاعرهم العربية كانت تأبى عليهم أن يحاربوا أبناء قبيلتهم وأقرباءهم. وقد ضايقته اعتراضاتهم إلى حد جعله يعاتب أتباعه عتابًا قويًا -وهنا جاء قول اللَّه تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} سورة البقرة آية 216, {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (38) أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} سورة الحج الآيات 38 - 40. وبعد إرساله لأشخاص مختلفين بجماعات صغيرة مسلّحة لم تفلح فى لقاء العدو، أرسل بعض أتباعه إلى نخلة حيث نجحوا فى الاستيلاء على غنائم قافلةء وقتلوا أحد المكيين، ربما عن غير قصد، رغم أنهم كانوا فى شهر رجب أحد الشهور المقدسة التى حُرّم فيها القتال. وقد أرسلت الغنيمة الوفيرة إلى المدينة حيث هبت عاصفة من الغضب تركها محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] حتى هدأت، ثم طمأنهم بالآية 217 من سورة البقرة {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ ¬

_ (*) لقد ورد الإذن الإلهى بهذا القتال الآيتان 39، 40 من سورة الحج {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ. . .} [التحرير]

قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ. . .}. وكان لنجاح الغزوة من الأثر فى المدينة أن عرض الأنصار -لا المهاجرون وحدهم- خدماتهم حين دعا محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] أتباعه فى رمضان من العام الثانى للهجرة إلى غارة جديدة يقودها بنفسه. ذلك أنه علم أن قافلة مكية وافرة السلع كانت فى طريقها عائدة من الشام فقرر رصد كمين لها عند بدر. غير أن أبا سفيان الحذر الذى كان يقود القافلة علم بخطة محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، وبعث برسله مسرعين إلى مكة يطلب النجدة. وقبل أن يصل جيش مكة ويعسكر عند بدر، كانت القافلة قد وصلت مكة آمنة بعد اتخاذها طريقا جانبيا محاذيا للساحل. وقد أغضب ذلك أهل مكة وعلى رأسهم أبوجهل أحد السادة المكيين البارزين. ويقال: إن جيشهم كان ثلاثة أضعاف عدد جيش محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] الذى قيل: إنه كان من نحو ثلاثمائة رجل. وما كان أهل مكة ليضيعوا هذه الفرصة دون إنزال العقاب بعدوهم. وبعد نزول المكيين بمعسكرهم قرب بدر بقليل، وصل محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وأصحابه متوقعين أن يجدوا قافلة أبى سفيان العزلاء. وحين تبين لهم أن القافلة قد هربت وأنهم بصدد مواجهة حربية وشيكة مع أهل مكة وحلفائهم، انتابهم الفزع، {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ (5) يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (6) وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ (7) لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (8) إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9) وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} سورة الأنفال الآيات 5 - 10. وقد رأى محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فى هذا اللقاء إرادة اللَّه الذى شاء أن يفرض على المشركين حربًا، وقد قتل فى الموقعة عدد من أهل

مكة، من بينهم أبو جهل، بينما أسر عدد آخر منهم العباس عم النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وسيقوا أسرى إلى المدينة حيث أمر محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] بقتل اثنين منهم هما: النضر بن الحارث وعقبة بن أبى معيط، وعرض إطلاق سراح الآخرين مقابل الفدية. وقد أضحى لموقعة بدر هذه التى قد تبدو لأعيننا صغيرة غير ذات شأن، أهمية كبرى فى تاريخ الإسلام. وقد رأى محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فى هذا النصر تأكيدا قويا لإيمانه بوحدانية اللَّه وبرسالته، {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} سورة الأنفال آية 17، {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ} سورة الأنفال آية 65، {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} سورة آل عمران آية 123. وحيث إن مدينة مكة التجارية كانت تتمتع بسمعة عظيمة فى شبه الجزيرة العربية، كان لابد للمنتصر على قواتها فى معركة أن يجذب اهتمام الكافة إليه. ولذا فقد رأى محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] نشاطا أكبر من ذى قبل واستطاع أن يستغل المزايا التى أحرزها. فبعد أن وضع ترتيبات افتداء الأسرى من أهل مكة، بدأ فى محاصرة قبيلة بنى قينقاع اليهودية فى حصونها. ولم يجرؤ المنافقون أن يعارضوه معارضة جادة بإبداء تأييدهم لبنى قينقاع صراحة، فى حين تخلت الجماعات اليهودية الأخرى عن إخوتهم فى الدين، فاضطرت هذه القبيلة اليهودية الأولى إلى ترك المدينة، وهاجروا إلى مستوطنات يهودية أخرى فى الشمال، {لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ} سورة الحشر آية 14. ولكى يحمى نفسه وأتباعه من هجمات عدو آخر فى الجزء الشمالى من الحجاز، انتهج محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فى تلك الفترة خطة هى دليل آخر على قدراته

السياسية العظيمة. فقد أبرم تحالفات مع عدد من قبائل البدو تلزم كلا من الطرفين بمساعدة الطرف الثانى. وفى العام الثالث الهجرى (624 - 635 م) واصل محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] هجومه على قوافل مكة مما رأت قريش معه فى النهاية ضرورة اتخاذ إجراءات أقوى والثأر لأنفسهم من هزيمة بدر. لذلك أعدت جيشا قيل إنه من ثلاثة آلاف رجل خرج فى مظاهرة كبيرة قاصدا المدينة بقيادة أبى سفيان الذى كان واضحًا أنه بات أبرز زعماء مكة بعد وفاة أبى جهل. ورغم أن عددًا من أصحاب محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] نصحوه بأن يقيم دفاعه داخل حدود المدينة، فقد قرر الخروج بقواته التى نقص عدد أفرادها بدرجة كبيرة، وفى اللحظة الأخيرة حين انسلخ عنها المنافقون، والتى استقرت عند سفح تل أُحد. وقد كان النصر فى البداية حليف المسلمين رغم التفوق العددى لجيش مكة، بيد أنه ما إن ترك عدد من الرماة المسلمين الذين كانوا يحمون جناح جيشهم مكانهم على التل -مخالفين بذلك أمرًا مشددًا من محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] لمطاردة بعض مقاتلى مكة، بدوا وكأنهم يتقهقرون، حتى تمكن خالد بن الوليد، ذلك الاستراتيجى العسكرى الحاذق، من أن يحتل موقعا ممتازا عند سفح أحد، عندئذ انقلبت الأوضاع، وشروع الكثير من المسلمين فى الهرب خاصة حين انتشرت إشاعة مقتل النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ. . .}، سورة آل عمران آية 144. والحقيقة أنه جرح فحسب واستطاع النجاة مع عدد من أتباعه المخلصين عن طريق وادٍ عند السفح الجنوبى للتل. كان من حسن حظه أن المكيين لم يصلوا نصرهم بمطاردة المنهزمين، إذ اعتقدوا أنهم عاقبوا محمدا [-صلى اللَّه عليه وسلم-] بما فيه الكفاية وأنقذوا سمعتهم، فانصرفوا عائدين سريعا إلى مكة. وهكذا نجا النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] من مصير رهيب، وإن كان قد فجع فى كثير من أصحابه الذين قتلوا فى المعركة، ومن بينهم عمه حمزة، وقد حاول بكل ما أوتى من فصاحة أن يرفع من معنويات أتباعه سواء بالنصح أو بالتقريع، وقد نزلت فى هذه

المناسبة: الآيات 118 و 120 - 122 من سورة آل عمران وكذلك الآيات 139 - 154 من السورة ذاتها. وقد نجح محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فى أن يحول دون وقوع عواقب سلبية فى المدينة لهزيمة أحد. غير أن بعض يهود المدينة الذين لم يشتركوا فى القتال لم يخفوا فرحهم بما أصاب محمدا. لذلك كان من الضرورى أن يجعل منهم عبرة للآخرين، ووجد قبيلة يهودية ثانية بالمدينة، هى بنو النضير، هدفا مناسبا، إذ أقدموا على تصرف بررّ ما صنعه بهم. ورغم أن الروايات تنسب إليهم ارتكاب جرائم مختلفة، فإنه من الصعب أن نحدد بالضبط ما اقترفوه. فالآية 4 من سورة الحشر تكتفى باتهامهم بأنهم {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} وقد اضطروا بعد حصار عدة أسابيع إلى الهجرة من المدينة إلى خيبر وغيرها من المستوطنات اليهودية فى الشمال، مخلفين وراءهم أسلحتهم وذهبهم وفضتهم غنيمة وفيرة، احتفظ بها النبى (*) فى هذه المناسبة لنفسه ولم يوزعها، {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6) مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7) لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} سورة الحشر الآيات 6 - 8. وبينما كان محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] يحاول استعادة سلطته التى أضعفتها هزيمة أحد، دهمه ودهم المدينة خطر جديد مصدره مكة. فقد أدركت قريش التى ¬

_ (*) حسبما يتضح من سياق الآيات الكريمة 6 - 8 من سورة الحشر والتى أوردها المستشرق ذاته فإن النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] لم يحتفظ بعلك الغنائم لنفسه وإنما وزعت حسب الأمر الإلهى الوارد فى الآيات. [التحرير]

كان لا يزال يهاجم قوافلها والتى كان يهود خيبر يستحثونها أن نصر أحد لم يضعف مركز محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] بالقدر الكافى، وأدركت ضرورة احتلالها للمدينة، وهو ما كان ينبغى عليها القيام به فور انتصارهم فى أحد. وقد أدى شعورهم بضعف كفاءتهم الحربية وهم التجار قليلو الخبرة بالقتال، إلى الجد فى التفاوض مع قبائل شتى من البدو، مما مكنهم من حشد جيش كبير قيل إنه كان مؤلفا من عشرة آلاف مقاتل. وساروا عام 5 هـ/ 626 - 627 إلى المدينة. وقد تعددت الروايات عن الفصل الذى حدثت خلاله الغزوة، إذ يقول بعضها إنها كانت بعد شهر من جمع محصول الشعير، بينما يتحدث البعض عن أن الجو وقتها كان شتويا باردا عاصفا. والقول الثانى تؤيده قصيدة لحسان بن ثابت والآية التاسعة من سورة الأحزاب: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا. .}. ويمكن التوفيق بين هاتين الروايتين بالقول باحتمال أن يكون الحصار قد استمر زمنا طويلا. وقد أثار زحف هذا الجيش الهائل وجلا عظيما فى المدينة، زاد منه موقف المنافقين المتذبذب، واكتشاف تآمر بين اليهود والعدو، أو ربما كان مجرد شك {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا (11) وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا (12) وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَاأَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا} الأحزاب 10 - 13. {وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا (26) وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا} الأحزاب الآيات 26 و 27. ولكى يقوى محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] من دفاعه

أمر بحفر خندق -وخندق كلمة فارسية- حيال المناطق العارية من الدفاع فى المدينة ولا تذكر سيرة ابن هشام أن فكرة الخندق كانت فكرة سلمان الفارسى. غير أن ثمة روايات أخرى تقول إن سلمان اقترح على محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] حفر الخندق الذى يقال إنه من الاستراتيجيات العسكرية الفارسية. ورغم بساطة الخندق تبين أنه كان حائلًا كافيا دون عبور العدو قليل الخبرة بمثل هذه الفنون الحربية، مما أطال تدريجيا من أمر الحصار. وقد استغل محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] الوقت فى إجراء مفاوضات سرية مع قبيلة غطفان، وبذر بذكائه بذور الشقاق والشك بين صفوف أعدائه. وعندما ساءت الأحوال الجوية ألقى فى أيدى العدو المحاصر فشرع تدريجيا فى الانسحاب. وهكذا فشلت آخر محاولة لقريش لهزيمة محمد عن طريق استخدام القوة. غير أن غزوة الخندق هذه التى تكاد تكون خالية من الأحداث المثيرة، كانت مأساة دموية بالنسبة لجماعة من سكان المدينة. ذلك أنه ما انسحب المكيون وحلفاؤهم حتى أعلن النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] الحرب على آخر قبيلة يهودية كبيرة فى المدينة، وهى قبيلة بنى قريظة، وبدأ فى حصار قلاعهم. وإذ أدرك اليهود حرج موقفهم، طمعوا فى النجاة على نحو نجاة بنى النضير وبنى قينقاع خاصة أن حلفاءهم من قبيلة الأوس القوية كانوا يحاولون جاهدين إقناع محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] بانتهاج سبيل الرحمة معهم. غير أنه فى هذه المرة لم يقبل التساهل معهم على نحو ما فعل مع القبيلتين الأخريين. ويقول ابن هشام إن كافة الرجال -وعددهم ما بين ستمائة وتسعمائة ضربت أعناقهم بناء على مشورة سعد بن معاذ، وهو من الأوس، وأن أموالهم قسمت بين المسلمين، وأسر نساؤهم وأطفالهم. اقترب النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] من إرساء دعائم أمة على أساس دينى محض. ومع ذلك فقد أذن لبعض اليهود من عشائر أخرى بالبقاء فى المدينة. وقد كان فشل حصار أهل مكة للمدينة، واستئصال تلك القبيلة من اليهود التى كانت آخر قبائلهم الكبيرة

فيها، إحدى نقاط التحول الرئيسية فى حياة محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فى نشأة الأمة الإسلامية فنحن نعلم أنه بعد نحو ستة أشهر من وصوله إلى المدينة أرسل أول جماعة مغيرة مسلمة بقيادة عمه حمزة لمهاجمة قافلة مكية. وقد واصل منذ ذلك الحين مهاجمة القوافل المكية حتى حدثت غزوة الخندق وحتى استأصل بنى قريطة فتوقفت هذه الهجمات ووجه النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] اهتمامه إلى الشمال. وقد قاد النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] بنفسه غزوتين من تلك الغزوات فى الشمال، إحداهما ضد بنى لحيان فى بداية العام السادس الهجرى (منتصف 627 م) وانتهت دون أى قتال والأخرى وهى الأشهر -ضد بنى المصطلق، وقد حدثت فى طريق العودة منها القصة المشهورة عن عائشة وحديث الإفك الذى هدد بقاءها زوجة للنبى لولا الآيات القرآنية التى برأتها: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} سورة النور آية 4؛ {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} سورة النور آية (11) والأهم من ذلك فيما يتعلق ببدايات تاريخ الإسلام، هو أن قصة عائشة هذه تسببت فى نشوء صراع خطير فى صفوف المهاجرين البارزين كما تسببت فى صراع بين المهاجرين والأنصار استمر حتى ما بعد وفاة محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-]. وقد يفسر لنا هذا الهرج السياسى عقب غزوة بنى المصطلق حقيقة أن هذه الغزوة المهمة التى قادها محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] تختلف المصادر فيما بينها اختلافا كبيرا حول تاريخها فابن هشام يؤكد أن هذه الغزوة حدثت فى الشهر الثامن (شعبان) من العام السادس الهجرى بعد غزوة ذى قرد (المسماة أيضا بغزوة الغابة)، التى يذكر عادة أنها الغزوة التاسعة عشرة التى يقودها النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] بنفسه، فى حين ينقل ابن سعد عن الواقدى أن غزوة بنى المصطلق حدثت فى شعبان من العام الخامس الهجرى بعد غزوة دومة الجندل التى يذكر عادة أنها غزوة محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] الخامسة عشرة. وهذا الاختلاف يثبت صعوبة أو استحالة

الوصول إلى ترتيب زمنى دقيق للأحداث فى حياة محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وحتى فيما يتعلق بالفترة المدنية التى يتوفر لدينا كثير من الأخبار عنها. وقرب نهاية العام السادس الهجرى رأى محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] أن مركزه فى المدينة أصبح من الثبات بحيث يمكنه الإقدام على خطوة أكبر. لقد كان هو وأتباعه لا يزالون ممنوعين من زيارة مكة والأماكن المقدسة بها. غير أنه علم عن طريق عيونه فى مكة -وربما كان عمه العباس من بينهم- أن المشاعر فى مكة بدأت تتحول تدريجيا فى جانبه {عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} سورة الممتحنة آية 7. وفى شهر ذى القعدة من العام السادس (مارس 628 م) أمر أتباعه بأن يهيئوا الذبائح للقيام بعمرة معه فى مكة ذاكرًا أن اللَّه قد وعده فى رؤيا له بنجاح هذا الحلم القديم {لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا} سورة الفتح آية 27. وكان الكثيرون فى مكة يميلون إلى تمكينه من بُغيته غير أن الحزب المتشدد كان لا يزال قويا وأرسل جماعة مسلحة للقائد ومنعه من دخول مكة. لذلك عسكر عند الحديبية حيث شرع فى التفاوض مع بعض كبار أهل مكة. وحين فشلت هذه المفاوضات أرسل عثمان، الذى ضمنت له صلاته العائلية الحماية ممثلا له إلى مكة. فلما غاب عثمان عدة أيام شاع الخبر بين المسلمين أنه قتل، فتوتر الوضع، وقطع محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] المفاوضات. وجمع أتباعه تحت شجرة وطلب منهم أن يبايعوه على القتال فى سبيل اللَّه إلى النهاية، وهو ما فعله كافتهم تقريبًا {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} سورة الفتح آية 10؛ {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} سورة الفتح آية 18.

وبعد ذلك بقليل وصل عدد من رجال مكة ومعهم عثمان يعرضون حلا وسطا، هو أن يعود المسلمون أدراجهم هذه المرة دون عمرة، على أن يسمح لهم بأداء العمرة فى العام التالى. وقد قبل محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] العرض وأبرم مع قريش هدنة مدتها عشر سنوات واعدا بتسلمهما كافة المكيين من الرقيق والموالى الذين يلجأون إلى المدينة. وقد غضب بعض أتباعه عند سماعهم الشروط التى قبلها النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، إذ كانوا مصممين على أداء شعائر العمرة فى مكة ذلك العام. غير أنّ محمدًا [-صلى اللَّه عليه وسلم-] أمر فى هدوء بذبح الهدى الذى أحضروه معهم والذى كان المفروض أن يذبحوه أثناء العمرة فى مكة، ثم حلق رأسه وأجبر أتباعه المتذمرين بأن يحذوا حذوه وما أدركوا إلا بعد مدة أن محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] قام بحركة دبلوماسية باهرة بإبرامه صلح الحديبية، إذ جعل أهل مكة يعترفون به ندا لهم. وعقد معهم صلحا يبشر بالخير فى المستقبل، وكسب إعجاب الكثيرين فى مكة. وثمة ما يدل على أن عددا من قادة مكة كانوا قد غدوا على استعداد لهجر وثنيتهم إلى التوحيد. وفى مستهل العام السابع الهجرى (628 - 629 م) فتح الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] خيبر التى يسكنها اليهود. وكان هذا هو أول فتح حقيقى للمسلمين. وقد استن فى هذه المناسبة سنة صارت تطبق بعد ذلك على اليهود والنصارى القابلين للعيش تحت حكم المسلمين. فهو لم يقتل المهزومين ولم ينفهم وإنما فرض عليهم الجزية كل عام. وقد كانت هذه الغزوة التى تلاها ضم محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] المستعمرات اليهودية فى وادى القرى سببا فى إثراء أمة المسلمين لأول مرة {وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (20) وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا} سورة الفتح الآيات 20، 21. وتقول الروايات إن هذه هى الفترة -رغم الاختلاف حول تحديد التاريخ بدقة- التى أوفد فيها النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] الرسائل إلى المقوقس عظيم القبط فى

مصر ونجاشى الحبشة وهرقل الإمبراطور البيزنطى وملك فارس، وعدد آخر من الحكام يطالبهم باعتناق الإسلام. والرسائل بالصيغة التى وصلت إلينا لا يمكن قبول صحتها حيث إنها تحوى من التفاصيل ما يعكس مرحلة تالية من تاريخ الإسلام، بل إنه حتى لو نحن أغفلنا بعض هذه التفاصيل مما قد يكون أقحم فيما بعد فى الرسائل فإن فحوى الرسائل لا يمكن أن تبرر تقبل معظم الناس لها. ذلك أنه من غير المعقول أن يقبل محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وهو السياسى والدبلوماسى المحنك، على اتخاذ هذه الخطوة قبل فتحه لمكة، وإن كان من غير المستبعد أن يكون قد بعث برسائل إلى ولاة امبراطورى بيزنطة وفارس على الحدود الشمالية من شبه الجزيرة العربية وفى اليمن، كذلك فإنه بوسعنا أن نقبل دون تردد أنه كان يراسل نجاشى الحبشة. قد يكون صحيحا أن ثمة آيات مدنية فى القرآن تتجاوز المفهوم السابق عن أنه بعث نبيا إلى العرب. غير أنه حتى تلك الآيات التى كثيرا ما يشار إليهاء على أنها دليل على أنه كان يؤمن بأن رسالته هى للعالم أجمع لا تدل على ذلك إلا إن نحن تجاوزنا معناها الحرفى إلى تفسير أوسع. فمن المشكوك فيه أن يكون محمد قد اعتبر أمته القائمة على أساس اجتماعى دينى والتى أسسها فى المدينة، نواة دين عالمى كما اعتقد نولدكه وجولدزيهر وتوماس آرنولد مثلا. أما النتائج التى استخلصها سنوك هورجرونجى وهنرى لامانس فأكثر اتفاقا مع دلالات القرآن (*). ¬

_ (*) ساق باحثون مسلمون كثيرون أدلة من القرآن الكريم وحديث الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] على عالمية الإسلام. وإنه موجه للناس كافة. ويهمنا هنا أن نشير إلى أدلة من نوع جديد على عالمية الإسلام، هى أن المجتمع المحيط برسول اللَّه [-صلى اللَّه عليه وسلم-] منذ البداية كان يشكل كل أجناس البشر وليس العرب فقط: صهيب الرومى (العنصر الأبيض) وبلال الحبشى (العنصر الأسود) وسلمان الفارسى العنصر (الأبيض الأندواوربى) ومارية القبطية أم إبراهيم (العنصر الحامى، أو السامى الحامى المخلط). . . الخ وقد لعبوا جميعا أدوارا مهمة فى التاريخ الإسلامى فى عهد النبوة. وبصرف النظر عن البحث عن حقائق تاريخية غابت عنا، فإن انتشار الإسلام كما يبدو من خريطة العالم اليوم يشير أنه لم يعد قصرا على العرب إذ يمتد بين خص عرضه 60 شمالا و =

والحقيقة أن محمدا [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وهو فى ذروة قوته لم يجبر اليهود والنصارى الذين يعيشون فى شبه الجزيرة العربية قط على اعتناق الإسلام، وإنما قنع بخضوعهم السياسى ودفعهم الجزية. والنتيجة السليمة إذن هى رفض الصياغة الراهنة لتلك الروايات التى تؤكد أن محمدا [-صلى اللَّه عليه وسلم-] سعى إلى إقناع إمبراطورَىّ بيزنطة وفارس وغيرهما من كبار الحكام خارج شبه الجزيرة باعتناق الإسلام، وأن نبحث عن الأسس التاريخية الحقيقية فى المفاوضات ذات الطابع السياسى الغالب كتلك التى دارت مثلا مع مقوقس مصر الأكثر تعاطفا مع محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] والذى قيل إنه الشخص الذى أهدى إلى النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] مارية القبطية التى ولدت له إبراهيم، فمات للأسف وهو رضيع قبل أشهر قلائل من وفاة محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] نفسه. ومع ذلك فقد تغيرت فى ذلك الوقت طبيعة رسائل النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] الموثوق بصحتها إلى القبائل العربية، إذ لم يعد قانعا باتفاق سياسى بحت، بل أصبح الآن وقد توطدت دعائم سلطته، يطالبهم أيضا باعتناق الإسلام بما يفرضه من أداء الصلاة وإيتاء الزكاة. بل وقد أعطى محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] قبيلة جذام على ساحل الشام أمانا مدته شهران عليها بعدهما أن تختار لنفسها أمرا. وفى أواخر العام السابع الهجرى (مارس 629 م) أدى محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] العمرة التى نص عليها صلح الحديبية، وأدى مناسكها عند الكعبة وفى الحرم المكى. وقد كان من بواعث رضاه الشديد. وهو الذى طُرد من بلدته قبل سبع سنوات. أن يتمكن الآن من زيارة مكة بصفته سيد المدينة غير المنازع. وقد كان من بين الإنجازات المهمة التى حققها خلال إقامته هذه بمكة مصالحته لعشيرته من بنى هاشم، وهى مصالحة ¬

_ = 6 جنوبا تقريبًا وهذه المنطقة تشمل مسلمين أوربيين (سالونيكا فى اليون، والبوسنه والهرسك. . الخ) ومسلمين صينيين (سيتكيانج). . . الخ كما أن التحول للإسلام لم يكن قصرا على العرب الوثنيين، فقد تحول يهود للإسلام وتحول مسيحيون. . الخ، فلا مجال إذن للنقاش الجدلى أو النظرى: هل جاء الإسلام للعرب فقط أم للناس كافة هذا سؤال من قبيل الترف الفكرى وتضييع الوقت. [التحرير]

توجها زواجه من ميمونة بنت الحارث أخت زوجة عمه العباس الذى كان وقتها سيد العشيرة. وتذهب بعض المصادر إلى أن العباس كان حتى قبل ذلك حليفا سريا لمحمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-]. كذلك فإنه مما كان له أهمية كبرى فى التاريخ اللاحق للإسلام أن بعض أبرز الشخصيات المكية، كخالد بن الوليد القائد الحربى العبقري, وعمرو ابن العاص الذى يكاد يماثل خالدا فى عبقريته والذى فتح مصر فيما بعد أثناء خلافة عمر، تحولوا إلى الإسلام. ولابد أن هؤلاء المكيين أدركوا أن الغلبة ستكون لمحمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فى شبه الجزيرة فانضموا صراحة إلى صفه، بينما حاول العباس عم النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وأبو سفيان أبرز زعماء مكة أن يضمنا عن طريق المفاوضات السرية مع محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] أفضل معاملة لأهل مكة عند استسلامها المؤكد للمسلمين. وواصل محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فى هذه الأثناء غزواته. وقد صادفت قواته هزيمة خطيرة فى أول محاولة كبيرة له لبسط نفوذه على العرب فى الأراضى البيزنطية بالأردن، وذلك فى موقعة مؤتة التى فقد فيها محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] ابنه بالتبنى زيد بن حارثة الذى كان فيها قائد فرقة يقال إنها كانت من ثلاثة الآف رجل. كذلك قتل فى تلك الموقعة ضد البيزنطيين جعفر بن أبى طالب الذى كان هو أيضا ممن تتطلع أمة المسلمين فى البداية إلى زعامته، والذى لم يلحق إلا مؤخرا بالمسلمين فى المدينة بعد سنوات قضاها فى الحبشة مع من هاجر إليها من المسلمين قبل ذلك بنحو خمسة عشر عامًا. وبالرغم من هزيمة مؤتة فقد بدأت عدة قبائل من البدو تدرك بعض المنافع التى ستعود عليها من جراء الانضمام إلى محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-]. بل إن بعض القبائل الكبيرة مثل سليم أسلمت طواعية والتفت حول رايته. ثم كان أن قرر الحزب المتشدد فى مكة -ضد مشورة أبى سفيان- أن يناصر إحدى العشائر الموالية لقريش، وهى بكر، ضد قبيلة خزاعة الموالية لمحمد، وهو ما كان فى عرف العرب وقتذاك يمثل لدى الطرفين نقضا لصلح الحديبية، مما أتاح الفرصة للنبى أن

يتحرر من شروط ذلك الصلح فيهاجم قبائل المكيين بِل ومكة ذاتها. وفى رمضان من العام الثامن الهجرى (ديسمبر 629 م) خرج على رأس جيش من المهاجرين والأنصار والبدو، فأثار خبر خروجه قلقا شديدا فى مكة حيث كان عدد أولئك الراغبين فى القتال يتناقص يوميا وأصبح بإمكان الأكثر حذرا أن يتولوا مقاليد الأمور. وقد أرسل أبو سفيان مع آخرين، من بينهم صديق محمد بُدَيل بن ورقة الخزاعى لمقابلة محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] قرب مكة، معظمين إياه، وحصلوا منه على عفو عن قريش كلها شرط ألا تقاومه بالسلاح. وهكذا تمكن النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] من دخول بلدته دون قتال، واعتنق معظم أهلها الإسلام. وكان موقف النبى منهم كريما للغاية، وحاول تأليف كافة القلوب بالعطايا السخية التى أصبحت تشكل وجها جديدا من وجوه إنفاق الصدقات {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} التوبة 60. ولم يطلب النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] غير تحطيم الأوثان داخل مكة وحولها. وقد جاءت سورة النصر {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا (3)}، معبرة عن سعادته بهذا النصر، وكذا تلك الآيات قوية التأثير {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (1) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (2) وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا} الفتح 1 - 3. ومن الشائق أن نلاحظ فى هاتين السورتين ذكر غفران اللَّه لذنوب محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] بعد ذكر الفتح الذى فتحه اللَّه له، مما يوحى بأن تحقق أحد الأهداف الرئيسية للنبى، وهو استسلام بلدته دون قتال، فيه دليل مباشر على أن اللَّه قد غفر له كافة ذنوبه. وبعد استسلام مكة بزمن قصير بدأت قبائل هوازن فى وسط شبه الجزيرة فى الاستعداد لمعركة حاسمة، وكانت لا تزال هناك مدينة الطائف وثيقة الصلة بمكة لا سلطان له عليها. وقد قاتل النبى (-صلى اللَّه عليه وسلم-) هوازن وحلفاءها عند حنين على الطريق إلى الطائف، وبدا فى

مستهل المعركة أن قوات النبى كادت تواجه كارثة قاضية. وكان السبب الرئيسى فى ذلك تصرفات مريبة من عدد من المسلمين الجدد. غير أن بعض أتباعه نجحوا بعد ذلك فى إرجاع الفارين وإلحاق الهزيمة بالعدو {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (25) ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ} التوبة 25 و 26. غير أن جنده غير المدربين عجزوا عن الاستيلاء على الطائف بسبب دفاعاتها القوية. وبعد ذلك بنحو عام، بعد نجاح غزوة تبوك التى اشترك فيها حوالى ثلاثين ألفًا من أتباع النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، قبل أهل تبوك مصيرهم وأوفدوا الرسل إلى محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] يعلنون استسلامهم للنبى واعتناقهم الإسلام. وبعد رفع الحصار عن مدينة الطائف الحصينة فى بداية عام 630 م عام محمدًا [-صلى اللَّه عليه وسلم-] إلى الجعرانة للإشراف على توزيع غنائم حنين. وقد غضب الأنصار غضبًا شديدا -وهم الذين كانوا قد عبّروا بعد فتح مكة مباشرة عن خوفهم من أن يختار محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] الإقامة فيها- إذ رأوه يعطى العطايا السخية لأعدائه القدامى حتى يؤلف قلوبهم، ولم يعطهم شيئا. غير أنه خاطبهم فى رقة متناهية أدت إلى انخراطهم فى البكاء وإعلانهم رضاءهم. وكانت أهم أحداث العام التاسع الهجرى (630 - 631 م) عند المسلمين تقاطر الوفود العديدة على المدينة من مختلف أنحاء شبه الجزيرة لأداء فروض الطاعة نيابة عن قبائلها لفاتح مكة. وفى خريف ذلك العام، قرر محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] القيام بغزوة واسعة النطاق ضد شمالى شبه الجزيرة، ربما انتقاما لهزيمة مؤتة. وذلك حتى يبقى على ما بات يتمتع به من احترام، ولأن ملك الغساسنة كان يتخذ موقفا عدائيا من محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وأتباعه. وقد دهش النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] أن يرى أتباعه بعد انتصارهم فى حنين، عازفين عن الاستجابة لمناشدته الخروج فى الغزوة الجديدة، ربما خشية تكرر هزيمة مؤتة.

فقد تراضى المهاجرون وبعض البدو، بل وكان هناك من بين أتباعه المخلصين من أبدى اعتراضات شتى مبعثها خوفهم إزاء حملة تذهب بهم بعيدا فى قيظ شديد {لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} التوبة الآية 42. . {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ (43) لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (44) إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ} {فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ (81) فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (82) فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ (83) وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ}. {الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} التوبة 42 - 45، 81 - 84, 97. والظاهر أن محمدا [-صلى اللَّه عليه وسلم-] لقى فى ذلك الوقت معارضة قوية فى المدينة {وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ}. {وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}. {يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ (64) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ

طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ}. {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ (125) أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ (126) وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ} التوبة 58, 61, 64 - 66, 124 - 127. ومن هنا كانت الآيات القرآنية التى نزلت فى هذه الفترة قريبة فى أسلوبها من الآيات الكريمة التى نزلت قبل الهجرة: {أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} التوبة 70؛ {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} التوبة 128 - 129. غير أن محمدا [-صلى اللَّه عليه وسلم-] رغم كل هذه المعارضة مضى قدما فى سبيل نشر الدعوة. لكنه ما إن وصل إلى تبوك هو وثلاثون ألفا من المسلمين وحلفائهم بعد مصاعب طائلة، والتقى بالعدو عند الحدود مع الأراضى الببزنطية، حتى اشتبك معه فى معركة غير حاسمة، بيد أن سمعته كانت قد بلغت من القوة بحيث خضعت له المستعمرات المسيحية واليهودية الصغيرة فى شمال شبه الجزيرة خلال إقامته بتبوك. مثال ذلك الملك المسيحى يوحنا فى أَيلة، وأهل أَذْرُح ويهود ميناء مَكْنَة. وقد قيل إن النبى مكث فى تبوك عشر ليال. كذلك فتح خالد بن الوليد مركزا هاما هو دُومة الجندل خلال غزوة تبوك. ولا نعلم للأسف كيف تطوّرت الأمور فى المدينة وهى التى تأزّمت بسرعة. ولكن بوسعنا أن نفترض أن وفاة عبد اللَّه بن أُبَىّ بعَيْد غزوة تبوك،

ساهمت فى تخفيف التوتر. وقد شهدت تلك السنوات زيادة ضخمة فى انتشار صيت محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فى المناطق المحيطة مباشرة بالمدينة. فقد باتت مكة الآن بيده، وكان هناك بين البدو فى أماكن عدة ميل ملحوظ إلى الإذعان لإرادة فاتح مكة حتى يأمنوا هجماته، وينالوا نصيبا من الغنائم الوفيرة فى غزواته. مثال ذلك مجموعة قبائل عامر بن صَعْصَعَة، وبعض بطون قبيلة نفيم الكبيرة، وقبيلة أسد المجاورة، وقبيلتا بكر وتغلب فى الشمال بل وحتى فى المناطق البعيدة عن المدينة مثل البحرين وعُمان داخل نطاق النفوذ الفارسى، وبين الرؤساء فى جنوب شبه الجزيرة، توغّل الدين والنظام الجديد ولقيا أنصارا متحمسين فى بعض البقاع. وبالإضافة إلى اليهود الذين خبروا بأسه من قبل، كان هناك أيضا عدد كبير من المسيحيين والزرادشتيين (المجوس) فى المناطق الشرقية والجنوبية من شبه الجزيرة العربية. وكانت هناك تسوية طيبة مع أهل الكتاب، هى السماح بالزواج من الكتابيات وبالأكل مما يعدّه أهل الكتاب من طعام. {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ. .} المائدة الآية 5. ويذكر ابن سعد أن محمدا [-صلى اللَّه عليه وسلم-] اعتبر المجوس (الزرادشتيين) من أهل الكتاب وذلك فى رسالة بعث بها إلى جماعة منهم فى هَجر. غير أنه حُظر على المسلمين الزواج من نسائهم أو الأكل من لحوم ما يقتلون من حيوان أو طير. غير أن هذا التوسع فى تفسير عبارة "أهل الكتاب" لا نجده فى القرآن الكريم. ومع هذه الاستثناءات نجد النبى (-صلى اللَّه عليه وسلم-) قد اقترب من الهدف الذى ينشده، ألا وهو تكوين أمة على أساس دينى بحت. فقد ارتبط أهالى عدة أجزاء من شبه الجزيرة العربية برباط من الدين، مما كان كفيلا -فيما يبدو- بإنهاء النزاعات القديمة بين القبائل، ومشاحناتها التى لا تنتهى، وثاراتها الدموية، والهجاء اللاذع المتبادل بينها مما كان يثير دوما منازعات جديدة. وقد أصبح على المؤمنين أن يشعروا بأنهم إخوة {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ

وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10) يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}. {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} الحجرات الآيات 10 - 11 و 13 {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ. . .} التوبة الآية 11. وقد أدى هذا التوسع السريع جدا فى مجال نفوذ محمد (-صلى اللَّه عليه وسلم-) عن طريق مختلف صنوف المعاهدات والاتفاقات الأخرى، إلى أن أصبح ثمة الآن مسلمون جُدد لا يعرفون إلا القليل عن تعاليم الإسلام وشعائره. ذلك أنه إلى جانب أتباع محمد القدامى الذين آمنوا إيمانا عميقا حقيقيا بتعاليمه والذين امتحنوا فى إيمانهم بما عانوه من حرمان وخبروه من مخاطر، أضحى الآن هناك عدد كبير ممن اعتنقوا الإسلام بفضل التحالفات السياسية وعن خوف من تزايد سلطان النبى. ورغم أن محمدا [-صلى اللَّه عليه وسلم-] أوفد إليهم من يفقههم فى الدين، فلاشك أن تحول هؤلاء العرب إلى الإسلام لم يكن عميق الجذور، وأن الروح العربية القديمة ظلت قائمة وقوية بينهم، كاستمرار الفخر والهجاء فى القصائد التى أوردها ابن هشام فى سيرته. وقد سجل القرآن نفسه بكل وضوح كيف أن إيمان الأعراب بعيد كل البعد عن الإيمان الصحيح {. . . قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ. . .} الحجرات 14. ويلاحظ أن الأوامر المتعلقة بالدين والعبادة -وهى التى كانت تشغل محمدًا إلى حد بعيد فى السنوات الأولى من إقامته فى المدينة، بدأت تفسح الطريق، بصورة ملفتة للنظر، للترتيبات الاجتماعية والسياسية الواردة فى أواخر السور القرآنية، نتيجة للتوسع السريع فى مجال نفوذ الدولة الإسلامية. وأخيرا تمت كافة الاستعدادات، وتمكن محمد (-صلى اللَّه عليه وسلم-) فى نهاية العام

العاشر من الهجرة (مارس 732 م) من أداء أول حج إسلامى صحيح (حجة الإسلام) التى أصبحت نموذجا يُحتذى أبد الآبدين. ولم يورد القرآن الكريم إلا إشارات قليلة إلى شعائر الحج السنوى، مما يدفع المسلمين إلى الاعتماد فى حجهم على ما ورد فى كتب الحديث وأئمة المذاهب. ولا شك فى أن المعالم الرئيسية للصورة التى يتم عليها الحج فى العصر الحديث أساسها ما فرضه النبى (-صلى اللَّه عليه وسلم-) فى تلك المناسبة المشهورة. ويقال إن حجة الوداع شملت خطبة ألقاها النبى (-صلى اللَّه عليه وسلم-) وصلتنا عنها روايات بها بعض الاختلاف. وهى خطبة تمثل ذروة نشاطه وكفاحه. وقد تعبر عن مشاعره وقتها الآية الثالثة من سورة المائدة {. . . الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا. . .}. استعد محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] قبل وفاته بشهر واحد لقيادة غزوة كبيرة إلى شرق نهر الأردن بنفسه غير أنه فى النهاية اختار أسامة بن زيد الشاب قائدا للجيش المؤلف كما يقال من نحو ثلاثة آلاف رجل، ربما من أجل تمكين أسامة من الانتقام لمقتل أبيه زيد بن حارثة هناك. وقد شكا عدد من كبار المسلمين من اختيار محمد (-صلى اللَّه عليه وسلم-) لهذا الشاب الحدث قائدا لجيش مكلف بمهمة عسيرة. غير أن النبى (-صلى اللَّه عليه وسلم-) كان مصمما على إتاحة الفرصة لأسامة كى ينتقم من هزيمة المسلمين فى مؤتة، وهى الهزيمة التى أودت أيضا بحياة ابن عم النبى جعفر بن أبى طالب. وفى نحو ذلك الوقت ظهر فى عدة أنحاء من شبه الجزيرة العربية عدة أشخاص يدعون النبوة ويثيرون الاضطرابات بدعاويهم. وهنا مرض محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فجأة، ربما بحمى المدينة المألوفة. ولكن الحمى كانت خطرا على رجل مرهق جسمانيا وذهنيا. وقد تحسنت صحته قليلا بعد ذلك، غير أنه توفى على صدر زوجته الأثيرة عائشة يوم 12 من ربيع الأول عام 11 هجرية (8 يونيو عام 632 م). وهذا هو التاريخ الوحيد لوفاته الذى

يتفق مع ما ذكره حسان بن ثابت فى قصيدة له، وما ذكرته كافة الروايات من أنه توفى يوم الاثنين. ولم يخلف محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وريثا شرعيا له يخلفه فى الحكم، فاضطر كبار الصحابة ممن كانوا لصيقين به إلى اختيار قائد، أما ابنه إبراهيم الذى ولدته له زوجته مارية القبطية ربما فى أوائل عام 630، فكان قد مات قبله فى عام 632 م. ويقال إن النبى (-صلى اللَّه عليه وسلم-) دفن فى مسكن عائشة. إن الصعوبة الكبرى التى تواجه كاتب سيرة محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فى كل صفحة، هى أن المصادر الأولى لم تذكر شيئا -ولم يكن بوسعها أن تذكر شيئا- عن السر الحقيقى لنجاحه وقوة شخصيته المذهلة وقدرته على التأثير فيمن حوله، فكتاب السيرة المسلمون الأوائل كانت نقطة البداية عندهم الإيمان بأن أعماله العظيمة وانتصاراته الباهرة لم تكن من صنع بشر، بل هى براهين إلهية على أن النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] إنما كان يأتى به طاعة للَّه. صحيح أن القرآن الكريم يعرفنا بالسور العظيمة التى أوحى بها إليه فى البداية والتى تؤثر فينا اليوم تأثيرها وقت تلاوة محمد (-صلى اللَّه عليه وسلم-) لها أول مرة. كذلك فإن بوسع المؤرخين المحدثين أن يروا مواهبه السياسية الخارقة التى كثيرا ما أبداها خلال سنوات إقامته فى المدينة. إذ من ذا بوسعه أن ينكر أن القائد فى معركة بدر، أو المفاوض فى الحديبية، هو رجل فائق الذكاء، وذو مهارة دبلوماسية خارقة، غير أن هذه الدلائل على عبقرية محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] التى تظهر بوضوح فى كتب السيرة، هى مجرد لمحات خاطفة متفرقة، وعلينا فى معظم الأحيان أن نستطلع الأمور الجوهرية من بين السطور. لقد كان العامل القوى حقا فى حياة محمد، والمفتاح الأساسى لنجاحاته الخارقة، -إيمانه الذى لا يتزعزع، ومن البداية إلى النهاية، بأنه رسول اللَّه. فإيمان كهذا لا يتطرق إليه أدنى شك بوسعه أن يؤثر تأثيرا لا حدّ له فى

المصادر

الآخرين. وكانت روح الثقة التى برز بها لتنفيذ إرادة اللَّه هى ما أعطى لكلماته وأوامره سلطانًا أجبر الناس فى النهاية على الإذعان لها. وقد رأت الآيات المتأخرة فى القرآن الكريم، كلام اللَّه الذى لا يدانيه شئ، الذى أوحى إلى يتيم عربى قيل إنه لا يعرف القراءة أو الكتابة. معجزته الوحيدة. ويحمل هذا الاعتقاد فى طياته افتراض أن محمدا [-صلى اللَّه عليه وسلم-] كان بشرا كسائر البشر، ليست له قدرات تسمو على قدرات البشر. وكثيرا ما يشير القرآن الكريم إلى أنه إنسان كغيره من الناس وأنه ملاقٍ الموت: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} الزمر 30؛ {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ (34) كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} الأنبياء 34 و 35؛ {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ. . .} آل عمران 144. وهذه بالضبط هى النقط التى شعرت إزاءها الأجيال التالية من أتقياء المسلمين بعدم الرضا ولذلك فسرعان ما نجد المسلمين بعده مدفوعين بلا شك بمجادلاتهم مع المسيحيين -يحيطون شخص النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وحياته بهالة من الأمور الخارقة. المصادر: (1) القرآن الكريم. (2) كتب التفسير. (3) كتب الحديث، خاصة صحيح البخارى وصحيح مسلم ومسند أحمد ابن حنبل. (4) سيرة ابن اسحاق التى هذّبها ابن هشام. (5) تاريخ الرسل والملوك للطبرى. (6) المغازى للواقدى. (7) الطبقات الكبرى لابن سعد. (8) Tom Andrae: Mohamed the man and his faith (9) F. Bull: Das Leben Mummeds (10) W. Montgnery watt: Muhemmed at Mecca&Muhemmed at Medina (11) M. Goudefry intonbynes: Mahomet حسين أحمد أمين [ف. بول. ت. ولت F.Buhl - OA.T. Welet]

محمد بن إبراهيم بن طهماسب

محمد بن إبراهيم بن طهماسب محمد بن إبراهيم بن طهماسب هو سادس حكام أسرة "عادل شاهى" التى كانت لها الولاية فى غربى الدكن، وولى الحكم بعد وفاة أبيه وظل فى سُدَة الحكم فى عاصمته "بيجابور" من 1035 هـ حتى 1066 هـ (1626 - 1656 م)، وحدث إن اجتاحت الدكن سنة 1044 هـ = 1634 م) جحافل الحاكم المغولى "شاه جهان"، ولما رأى محمد بن إبراهيم بن طهماسب ما كان من استسلام قلعة دولت أباد وسواها من الحصون وافق على أن يدفع مبالغ ضخمة إلى امبراطور دهلى، وكان محمد بن إبراهيم بن طهماسب آخر ملك من ملوك "بيجابور" يسك عملة عليها اسمه، ولما كانت الفترة الأخيرة من حكمه استطاع تابعه "سيواجى" ابن القائد "شاهجى بونسلى" أن يجمع كلّ السلطة فى يده بالمكر والخيانة كما دب الضعف فى أوصال مملكة "بيجابور" بسبب كل من المغول والمراثايين. وقد مات محمد بن إبراهيم بن طهماسب سنة 1066 هـ (= 1056 م) وذلك كما جاء بنقش على قبره فى بيجابور. بدرية الدخاخنى [م. هدايت حسين] محمد بن حازم محمد بن حازم بن عمر الباهلى، أبو جعفر الشاعر العربى الهجاء الذى ظهر فى أوائل العصر العباسى قرب ختام القرن الثانى الهجرى (الثامن للميلاد) ومستهل الثالث الهجرى، ولسنا نعرف متى كان أول ذهابه إلى بغداد التى استقر فيها وأمضى حياته بها كذلك لا ندرى تاريخ وفاته. ولقد كان أبرز الشخصيات التى اتصل بها وتعرف عليها إبراهيم المهدى، (المتوفى سنة 224 هـ/ 839 م) والحسن بن سهل المتوفى سنة 236 هـ (= 850 م) كاتب الخليفة المأمون، وقد عرفه الحسن بن سهل وقت أن كان مقيما بواسط والأرجح أن ذلك كان بعد مقتل أخيه الفضل بن سهل. وليس بين أيدينا من سفر ابن حازم سوى ثلاثمائة وثمان وتسعين بيتا، ولسنا نعرف على وجه التأكيد عما إذا

المصادر

كان قد نظم المزيد عليها، وكان الباهلى شاعرًا هجاءً وصاحب دعابة موجعة لم يسلم منها ضحاياه وطالما وجد المعاملة الجافة، من جراء ذلك. على أنه كان إلى جانب ذلك أيضا مؤلف قطع أخلاقية ظهر فيها بمظهر المدافع عن التواضع والاعتدال والقناعة فى مواجهة صعوبات الحياة، وأن هذه السمة لا تتفق ولا تلائم شاعرًا ملحفًا أشد الإلحاف فى مطالبه وفى ردود أفعاله الحادة، لكن الواقع أنه لا يوجد أى تضارب فى هذه الأمور ذلك لأن الباهلى كان رجلًا شديد التشاؤم تنطوى نفسه على نظرة متدنية للطبيعة البشرية، ولم يكن يعنيه مراعاة أصحاب السلطة والقوة بل أنه يصدر ضدهم أحكامًا قاسية ضد تكالبهم على النفوذ، وقد بعد كل البعد عن جميع أصدقائه الذين أرادوا أن يولوه الوظائف السامية، فهو واحد من اثنين أما أنه لا يعرف كيف ينظم فيهم المدائح أوأنه لا يحب هذا الضرب من الكتابة ولم يؤثر عنه إلا بعض أبيات قلائل فى مدح المأمون والحسن بن سهل. وأن ذاكرة العرب الثقافية لتعده شاعرًا جزلًا على حين يقال إن كبار علماء اللغة يقدرون شعره أشد التقدير، وأن قراءة أكثر من ست وثمانين قطعة من شعره وهى التى وصلت إلينا لتؤدى بنا إلى القول بأن اللغة كانت مطواعة له وإنه كان فارسًا حقًا من فرسان النظم وأن كل القليل منه لما يمكن لغته بالفن الشعرى الأصيل. أما عن المصادر فقد قام محمد خير البقاعى بنشر الديوان فى دمشق سنة 1981 م، وانظر مدونة الشعراء المقلين فى العصر العباسى الأول لإبراهيم نجار، وهى رسالة قدمت بباريس سنة 1984 م، وانظر هنا الأغانى ومعجم الشعراء للمرزبانى وطبقات الشعراء للمرزبانى وطبقات الشعراء لابن المعتز والديارات للشابشنى، والورقة لابن الجراح وتاريخ بغداد للخطيب البغدادى ومعجم البلدان لياقوت، وانظر أيضًا الأعلام للزركلى. المصادر: وردت فى المتن. بدرية الدخاخنى [ح. أ. بن شيخ G. A. Ben sheikh]

محمد بن الحسن بن دينار

محمد بن الحسن بن دينار وكنيته أبو العباس ويشتهر بابن دينار الأحول ويعرف براوية بغداد، عاش فى القرن الثالث الهجرى التاسع الميلادى، ومات بعد سنة 250 هـ (= 864 م) واشتغل بحرفة الوراقة وصرف همته إلى النسخ، فكان يأخذ عشرين درهما على كل مائة ورقة يبيضها ومما نسخ بيده ترجمات حنين بن اسحق ومؤلفاته وكذلك كتابات اليزيدى مع متابعته لدروسه ودروس نفطويه وذلك بسبب ما طبع عليه من شغف قوى بعلم اللغة، كما ألّف هو نفسه مجموعة من الكتب حفظ أسماءها لنا مترجموه منها كتاب الأمثال وكتاب الدواهى وكتاب السلاح وكتاب ما اتفق لفظه واختلف معناه وكتاب فعل وافعل ثم كتاب الأشباه، ويظهر أنه لم يبق من كل هذه المؤلفات شئ على الإطلاق. ويرجع إلى الأحول الفضل فى نقل أعمال مائة وعشرين شاعرا غير أنه مما لا شك فيه أن شرحه لديوان ذى الرّمة هو الذى أكسبه ذيوع الصيت والشهرة، ويتمثل ذلك فى أن البغدادى كان حريصا أشد الحرص على الحصول لنفسه على نسخة من هذا الكتاب (انظر الخزانة طبعة بولاق (جـ 1، ص 51، جـ 4، ص 496) إلا أنه من الأمور الملحوظة هو أن هذا الشرح الذى وضعه ابن دينار كان من الكتب التى ذاع خبرها فى الأندلس، وإن قطعة من هذا الكتاب دون سائر مؤلفات هذا العالم اللغوى قد نقلت إلى الغرب وظلت موجودة هناك فلما جاء أبو على القالى أُدرجها فى أماليه وأما هذه القطعة التى هى قسم من مخطوط الحميدبه (استانبول 1408، ورقة 188 - 208) فتشتمل على أربع وعشرين قصيدة منها ما يقرب من ثلثها قصائد من نظم ذى الرمة، ولما كان هذا الشاعر يختار الغريب من الألفاظ إلى جانب ما تتسم به هذه الكلمات من الحوشيِّة فإن أصحاب المعاجم لاسيما صاحب لسان العرب يكثرون من الاستعانة بمقطعات الأحول، وقد اعتمد محقق الديوان (عبد القدوس أبو صالح دمشق 1/ 1392, ص 48 - 51, 81, 124) إلى حد كبير على القطعة الباقية من هذا

محمد بن الحنفية

التعليق فى "تخريج" القطعة التى علّق هو عليها. وفى هذا الصدد: راجع الفهرست لابن النديم ص 117، والطبقات للزبيدى 114, والأنباء للقفطى 3/ 91 - 92، ومعجم البكرى والارشاد لياقوت ومعجم الأدباء له أيضا، والمزهر للسيوطى 1/ 506 - 516، وبقية الدعاه ص 33، والوافى بالوفيات للصفدى، 2/ 344، ودائرة معارف البستانى 3/ 81 - 82) بدرية الدخاخنى [ش. بيلات Ch. Pillat] محمد بن الحنفية محمد بن الحنفية هو محمد بن على ابن أبى طالب وأمه خولة، وكانت امرأة من قبيلة بنى حنيفة بنت جعفر الحنفية وكانت فى السبى الذى جئ به إلى المدينة بعد وقعة عقرباء فصارت ملك يمين علىّ. وعلى الرغم من أن محمد بن الحنفية هذا لم يكن يجرى فى عروقه دم النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] إلّا أنه كان محور تحركات سياسية، كما جعله غلاة الشيعة محورا لمبالغات لا نهاية لها عن حقوقه وقتل الحسين فى كربلاء سنة 61 هـ (680 م) اتجه الكثيرون إلى محمد بن الحنفية واعتبروه كبير الأسرة، مما آثار شكوك ومخاوف عبد اللَّه بن الزبير الذى جاهر علانية بحقه وادعى الخلافة لنفسه لا سيما بعد مقتل الحسين، أما القول بأنه لم يكن لابن الحنفية هوى مع المعارضة بالحجاز فواضح مما يقرره البلاذرى من أن محمدا أعلن عدم صحة الاتهامات التى يرمى أهل المدينة بها الخليفة يزيد بن معاوية، واخذت المسألة شكلا خطيرا حينما قام المختار -بعد بضع محاولات فاشلة لضم محمد إليه- فدعا بدعوة شملت كل العراق سنة 66 هـ (= 685 م) يؤيد فيها حقوق ابن الحنفية، لكن كان الأخير -حتى هذه اللحظة- يعمل فى تحفظ شديد حتى أنه لم يرحب باللقب العظيم "المهدى" الذى أرادوا مناداته به، ومن الواضح أنه لم يكن يكترث قط بالمختار، لكنه لم يشأ أن يخاصمه علانية، نظرا للأخطار الجمة التى كانت تحوط به وربما أيضا لعدم قدرته على اتخاذ القرار النهائى، ومن ثم فلما جاءه نفر من الكوفة

يسألونه موقفه تجاه المختار رد عليهم ردًا دبلوماسيا ليس فيه شئ من الالتزام عليه نحوه، ولكنهم فسروا رده هذا كأنه نوع من الموافقة طالما أنه لم يشجبه شجبا تاما، وترتب على هذا أن انتشرت الحركة الثورية انتشارًا واسعًا، وأريقت دماء كثيرة ثأرًا للحسين ولسواه من العلويين، إلا أن محمد بن الحنفية كان معارضا لهذا الأمر أيضا، غير أنه لما أصبح اتجاه عبد اللَّه بن الزبير المعادى يزداد وضوحًا يوم بعد يومًا (حتى لقد سجن ابن الحنفية ورهطًا من أقاربه من بينهم عبد اللَّه بن عباس وكان حبسها أياهم بمحلة قرب بئر زمزم) لم يجد محمد إلا أن يتجه إلى المختار يسأله العون والنجدة وكان هذا هو ما يسعى إليه المختار ومن ثم أسعفه بطائفة من الفرسان فى الحال بعث بهم إلى مكة وخلصوا ابن الحنفية ومن معه من أسرهم وجاء ذلك العمل فى اللحظة المناسبة، ولكن سرعان ما أمر بن الحنفية بتجنب محاربة عسكر بن الزبير حتى لا يُدنَّس الموضع الطاهر بالدماء المهراقة، ثم فر ابن الحنفية وأهل بيته إلى منى واعتصموا بها، ثم ذهبوا بعدها إلى الطائف، ولم يحاول محمد استغلال المختار، ومن ثم لم يمكن التوصل معه إلى وضع محدد حين فشلت الثورة. وينسب الناس دائما سلبيته الشديدة فى ساحة السياسة إلى دوافع دينية خالصة، فقد كان يرى أنه ما من قوة بشرية إلا مشيئة اللَّه وحده تستطيع أن تعيد لبيت علىّ حقوقهم، لكن يجب أن نضيف إلى ذلك سبب آخر ونعنى به أنه كان ينقصه القدرة على المغامرة والثقة بالنفس. والأمر الذى يبلغ منتهى العجب هو أن الشيعة اعتبروه فى أعقاب ذلك وبعد موته أنه لم يمت ولكنه يعيش فى مملكة جميلة على جبل رضوى غرب المدينة، وأنه سوف يعود كقائد جيش منتصر، وكان هذا هو فكرة الرجعة التى ربطها عبد اللَّه بن سبأ بعلىّ وها هى تنتقل منه إلى ابن الحنفية.

المصادر

راجع فى ذلك الطبرى وابن سعد وأنساب الأشراف للبلاذرى ومروج الذهب للمسعودى والكامل للمبرد. أيمن حسن حبشى [ف. بول F. Paul] محمد بن خلف محمد بن خلف بن المرزران، عالم لغوى من أهل العراق عاش فى محلة باب المحوّل ببغداد ومات عام 309 هـ (= 921 م)، وكان ابن المرزران كما يقول ابن النديم (فى الفهرست، ص 86, 149 - 150) مشهورا بنقله للأخبار التاريخية والشعر والمُلح، إلى جانب أنه كان عارفا بالعلوم القرآنية، وألف فى ذلك كتاب "الحاوى" الذى يقع فى سبع وعشرين مجلدة، ويضيف ياقوت إلى ذلك (فى إرشاد الأريب 7/ 105) إن ابن المرزبان نقل إلى العربية ما يقرب من خمسين كتابا من الفارسية وإنه كتب مما يقرب من اثنى عشر مؤلفا فى "الوصف" على أنه لم يصل إلينا إلا النزر اليسير من إنتاجه الغزير، وقد وصلنا منه كتابه "تفضيل الكلاب على كثير ممن لبس الثياب" الذى فسره لويس شيخو فى المشرق (1912) جـ 15/ 515 - 531, راجع فى ذلك المؤلفون العرب 9/ 348، والزركلى: الإعلام 6, 348, والمسعودى مروج الذهب. المصادر: وردت فى المتن. بدرية الدخاخنى [ج. تروبو G.Troubeau] محمد بن طاهر الحارثى محمد بن طاهر بن إبراهيم الحارثى من قبيلة هى فرع من قبائل همدان من الشخصيات البارزة بين إسماعيلية المستعلى الطيبى فى اليمن، ولما مات استاذه على بن الحسن بن جعفر بن إبراهيم الوليد سنة 554 هـ (= 1159 م) اختاره إبراهيم الحامدى ليكون الداعى "المطلق" الثانى الذى يساعده فى كل ما يتعلق بأمور الدعوة مع حاتم الذى شن حروبا طويلة مع الداعى، فلما تم للأيوبيين فتح المدينة رحب بالسيل الجارف ممن هربوا التماسا لملجأ للدعوة فى الحجاز، ومات بصنعاء فى شوال 584 هـ (= نوفمبر وديسمبر

المصادر

1188 م). ومؤلفه "مجموع التربية" الواقع فى مجلدين هو فى الحقيقة مختارات فى الأب الاسماعيلى اتخذه من جاءوا بعده من المؤلفين مثالا يحذون حذوه فيه، ويرجع الفضل إلى كتابه هذا فى أن كثيرا من المقتطفات من الكتب الأخرى والرسائل القصيرة كادت أن تكون فى عداد المفقودة لولا أن حفظت بين دفتى هذا الكتاب. ولمحمد الحارثى كتاب آخر يسمى بالأنوار اللطيفة ويعتبر مصدرا هاما عن "الحقائق" التى يقرؤها الطلاب الذين بلغوا مستوى عاليا فى دراساتهم. المصادر: (1) إدريس بن الحسن: نزهة الأفكار: (مخطوط بمجموعة الهمدانى). (2) حسن بن نوح البهتروشى: كتاب الأزهار، (نشره عاد العوّا) دمشق سنة 1958. (3) فهرست اسماعيل بن عبد الرسول (طهران 1966). بدرية الدخاخنى [أ. بوناوالا I. Poonawala] محمد عبده رجل دين مصرى، ورائد مدرسة التحديث فى مصر. ولد فى 1849 م لعائلة ريفية من قرية محلة نصر بمديرية البحيرة. وبعد أن أتم حفظ القرآن الكريم، وأرسله والده فى 1862 م إلى المعهد الدينى بطنطا لكنه تركه بعد عام ونصف. وتحت تأثير عم والده الذى حفز فيه الولع بالصوفية، عاد إلى طنطا فى 1865 م، وفى العام التالى انتقل إلى الأزهر. وفى عام 1872 م تعرف على السيد جمال الدين الأفغانى، الذى كان قد وصل لتوه إلى القاهرة، وسرعان ما أصبح من أقرب تلاميذه معتبرا إياه أبا روحيا. فهو الذى قدم له العلم التقليدى برؤية جديدة، ووجه نظره للفكر الغربى، وجذب انتباهه للمشاكل العصرية لمصر وللإسلام. وفى 1876 م اتجه محمد عبده للصحافة متأثرا بصحبته لجمال الدين الأفغانى والحوادث السياسية التى صاحبت عزل الخديوى إسماعيل. وفى عام 1879 م، وبعد حصوله على العالمية، التحق

بالتدريس فى دار العلوم المنشأة حديثا لتطوير التعليم الدينى وبعد تولى الخديوى توفيق فصل محمد عبده ونفى إلى بلدته، وطرد الأفغانى من البلاد. وعند تولى حكومة ليبرالية مقاليد الحكم أسند لمحمد عبده رئاسة تحرير "الوقائع المصرية" التى كانت إلى جوار نشرها للقرارات الإدارية تحاول التأثير فى الرأى العام، بل وأصبحت تحت رئاسة محمد عبده لسان حال الاتجاه التحررى ومع اتفاق محمد عبده مع الأفغانى على المبادئ العامة الهادفة إلى الصحوة الإسلامية وتحرر الشعوب الإسلامية، فقد خالفه فى الوسيلة، فلم يكن محمد عبده من أنصار الثورة كوسيلة لبلوغ هذه الأهداف، بل كان رأيه يميل للإصلاح التدريجى وتركزت اهتماماته حول الإسلام ووضعه فى العالم الحديث ولكن ثورة عرابى وضعت حدا لنشاطه فى هذا الاتجاه. وإذا كان دوره فى هذه التورة لم يتضح بالقدر الكافى للآن، فإن المؤكد هو أنه لم يكن يشارك العسكريين تفاؤلهم ولا يقر استخدامهم للقوة. . لقد وقف فى جانب الوطنيين المتصدين للاستبداد وحاول الحد من شطط قادتهم. وبإخماد تلك الثورة نفى محمد عبده، فسافر إلى بيروت ثم إلى فرنسا حيث قابل الأفغانى فى 1884 م، وأسسا معا جمعية "العروة الوثقى" وأصدرا صحيفة بنفس الاسم، توقفت بعد ثمانية أشهر، ولكنها تركت أثرًا هاما فى العالم الإسلامى. وفى تونس واصل محمد عبده الدعوة للجمعية، ثم انفصل عنها ليعود لبيروت فى 1885 م، حيث قام بالتدريس فى المدارس الدينية وانكب على الدراسات الإسلامية والعربية، فترجم عن الفارسية "رسالة الرد على الدهريين" لجمال الدين الأفغانى، وعملين من أهم الأعمال اللغوية، "شرح نهج البلاغة" و"شرح مقامات بديع الزمان الهمذانى". وحين سمح له بالعودة عام 1889 م عين قاضيا بالمحاكم الأهلية وفى 1899 م تولى أعلى منصب دينى فى مصر، وهو منصب المفتى وظل به حتى وفاته. ومن عمله فى القضاء وضع رسالة عن إصلاح المحاكم الشرعية كان لها أكبر الأثر فيما حدث بعد ذلك من تطور لهذه المحاكم وإنشاء

مدرسة القضاء الشرعى. وفى نفس العام عين فى المجلس النيابى. وأخيرا سمح له بتحقيق رغبته فى العودة للتدريس، فعين عضوا فى جماعة كبار العلماء التى أنشئت بناء على اقتراحه، ومن خلال هذا الموقع أتيح له أن يلعب دورا هاما فى تطوير الأزهر. ومع هذه الأنشطة المتعددة وجد الوقت على مدى خمسة عشر عاما ليكتب العديد من الكتب، من أشهرها "رسالة التوحيد". كما نشر كتابا للدفاع عن الإسلام ضد مدنية الغرب" الإسلام والنصرانية مع العلم والمدنية". أما تفسيره للقرآن فلم يكمله، وقد نشرت مقتطفات منه فى صحيفة تلميذه وصديقه محمد رشيد رضا "المنار" والذى تولى نشره بأكمله فى المنار بعد وفاته. كما قام طلعت حرب بنشر ترجمة لكتابه "الإسلام وأوربا" باللغة الفرنسية. وقد أثارت آراؤه التجديدية والإصلاحية حفيظة التقليديين والمحافظين، والذين لم يكتفوا بتفنيد أفكاره، بل تعدوا ذلك إلى التهجم والتشهير والدسائس. ولكن تعاليمه لاقت قبولا واسعا من المفكرين المسلمين المستنيرين حيث كانت آراؤه تنشر فى الصحيفة الشهرية "المنار". وتوفى محمد عبده فى 1905 م، وإن كانت تعاليمه ما تزال تحتفظ بأثرها مضطردا حتى اليوم. ويضع محمد عبده ثلاثة مبادئ لبرنامجه الإصلاحى: 1 - العودة بالدين لأصوله الصحيحة. 2 - تجديد اللغة العربية. 3 - الدفاع عن حقوق الشعب لدى الحكومة. وينبع كفاحه السياسى من مفهوم الوطنية التى كان بلا شك رائدا لها فى مصر الحديثة. وبينما كان خصما لكل من السيطرة السياسية الأوربية والاستبداد الشرقى فى ديار الإسلام، فإنه كان ينادى بالأخذ بالحضارة الغربية مع التمسك بالدين ومبادئه. فهو رجل دين فى المقام الأول، كرس حياته للدفاع عن الإسلام ضد الهجمة الغربية. وبصرف النظر عن مدى تأثره بالحضارة الغربية، فتعاليمه كانت تنبع أساسا من مبادئ ابن تيمية وتلميذه ابن القيم الجوزية التجديدية، وكذا من الفكر الدينى للغزالى. ومن منطلق اقتناع عميق بسمو الإسلام كان

المصادر

يهدف إلى تخليصه من كل ما يشوهه، وأن يجعله مواكبا للحياة العصرية وتهيئته لكل تقدم حقيقى عن طريق العودة به إلى مبادئه الأصلية. ومن ثم فقد هاجم التقليد والمذاهب مناديا بالعودة للاجتهاد وخلق إجماع حديث يتمشى مع أحوال العصر ويقوم على أساس من القرآن الكريم والسنة الصحيحة. كما كان ينادى بإزالة الفروق المغالى فيها بين المذاهب، ونبذ البدع والتمسح بالأولياء، كما نادى بتعديل الفقه فى صورته التقليدية إلى قوانين حديثة قابلة للتطور، مبنية على المصالح المرسلة، مؤسسة على روح الإسلام، وبتغليب المنطق على حرفية النص، ، مع اقتناع كامل بأن المنطق لا يمكن أن يتناقض مع الدين، إذا ما فهم على وجهه الصحيح. كما سعى إلى التوفيق بين الدين والعلم الحديث. وفى المسائل العقائدية تبنى مفاهيم عقلانية تتوافق تماما مع الأفكار الأصولية. فالوحى عنده علم ربانى يوهب للأنبياء بهدف تعليم الجماهير، ومن ثم فيجب أن تكون الدعوة الدينية موجهة إليهم وليس للصفوة من المثقفين. ونظر بشك لمسألة الكرامات. وقد بذل محمد عبده جهدا خارقا ليخفف من غلواء النظرة التقليدية للدين، وفى تفسير العلم الحديث بما يتفق مع المنطق الدينى الأصيل. وبالنسبة للتكاليف الدينية فقد كان تمسكه بها كقواعد روحية وقيمية أكثر من كونها طقوسا شكلية. ومن هذا المنظور الدينى أصبح التدين لديه يتمثل فى التسليم المطلق للَّه وتوقير الأنبياء والالتزام بالقرآن الكريم، والتمسك بقيم أخلاقية وروحانية تؤدى لتقدم الإنسان وتطوره، بصورة تتفق مع بساطة الإسلام وفطريته. المصادر: (1) Berg Siraosser: Islam and Abendland, in Auslandsstudieu, Konigshery 1929 (2) J.M.Ahmed: The in tellectaal origins of Egyption Nationalism, Oxford 1960, index على يوسف [ج. شاخت J. Schacht]

محمد على باشا

محمد على باشا يعتبر محمد على باشا -والى مصر العثمانى من 1805 حتى 1848 م- واحد، من أعظم الشخصيات التى تثير الجدل فى تاريخ مصر الحديث، ويمكن تقسيم سيرته إلى أربعة أقسام: (1) وصوله إلى مرتبة الحاكم العام وهى تمتد من 1801 حتى 1811 م. (2) أما الفترة الثانية فمن سنة 1812 م حتى 1827 م والتى وضع خلالها الأسس الحربية والقواعد الاقتصادية لما سوف يصبح إمبراطورية إقليمية مركزها مصر. (3) أما الفترة الثالثة فتمت من 1828 حتى 1841 م وهى التى بلغت فيها العظمة المصرية ذروتها والتى شهدت أيضا أوليات انحلال نظامه الاقتصادى (4) أما الفترة الرابعة فمن 1841 حتى 1848 م وقد اصطبغت بصبغة الإنحلال. ولد محمد على فى أخريات الستينيات من القرن الثامن عشر إذ إن تاريخ مولده المؤكد لا يزال موضع جدل، وقد أطل على الوجود فى ثغر قوله المقدونى الصغير، كان أبوه جنديا عثمانيًا ألبانى الأصل والتبعة ارتقى فى سلم القيادة حتى بلغ رئاسة القوة المحلية من الجند غير النظاميين، ولكنه احترف أيضًا مهنة التجارة فى الطباق (الدخان)، أما أمه فكانت من عائلة والى البلدة؛ وسلك محمد على نهج أبيه فى عمله حتى صدر الأمر بتعيينه سنة 1801 م نائب قائد العسكر الذين جُنِدَّوا فى قوله للانضمام إلى القوات العثمانية بمصر، وكانت هذه الكتيبة القولية جزءًا من الفريق العثمانى الألبانى الذى أرسلته تركيا لمقاتلة الفرنسيين فى مصر، وكان هذا بداية ظهور نجمه الذى استرعى الأنظار ووصوله إلى ذروة القوة فى هذه الولاية العثمانية التى كانت إذ ذاك مجال حرب. سرعان ما تمكن محمد على من أن يأخذ بيده أزمةَ التنافس على القوة التى كانت تعم مصر إذ ذاك وإن يسيطر عليها سيطرة مكنّته من أن يوظّف -فى مهارة فائقة- جميع الفئات ويجعلها تعمل لصالحه، كما ظل على مدى أربع سنوات ونصف يناور هنا وهناك ليعيّنه

الباب العالى واليا على مصر، وربما كانت تفاصيل هذه الأمور أقل أهمية من الطريقة التى أمكنه بها تحقيق هذه الغاية تحقيقا فوق العادة، وكانت الإدارة الرئيسية التى حققت آمال الضابط الشاب هى الوحدة العثمانية الألبانية التى ساعدته فى منتصف عام 1803 م من أن يصبح قائدها فكان ذلك حجر الأساس فى قيام سلطته وتبوّئه مكان الصدارة، ولقد كانت الجماعات الأخرى المنافسة له هى طوائف البكوات المماليك والوالى العام العثمانى والفرق العسكرية العثمانية وكبار رجالات البلد المحليين، وكان جوهر اللعبة -يمثل فى حفظ التوازن وقيام محالفات قوية، واللعب بالطوائف المعارضة فى ضرب كل واحدة منها بالأخرى، ومعرفة الطريقة التى يمكنه بها تحويل هذه الطوائف جميعها إلى معاونته، وقد نجح محمد على فى كل هذه الأمور. على أن هناك أحداثا خطيرة أدت إلى ارتفاع شأن محمد على جرت فيما بين عامى 1803 و 1805 م، منها أن المحاربين المماليك كانوا قد انقسموا فيما بينهم إلى طائفتين متنافرتين احداهما بقيادة عثمان بك البرديسى والثانية بزعامة محمد بك الألفى. كما أن المعسكر العثمانى كان هو الأخر منقسم على نفسه بين الوالى خسرو باشا وقائد القوة الألبانية طاهر باشا، وقد أدى هذا إلى صراع عنيف بين الجماعات المختلفة، وحدث فى ابريل 1803 م أن ثار الألبان العثمانيون بالقاهرة لتأخر رواتبهم ففرّ خسرو إلى دمياط، وحينذاك أخذ طاهر القيادة فى يده واستدعى المماليك من الصعيد ولكنه ما لبث أن اغتيل، فكان هذا الحَدَث مساعدًا لمحمد على على أن تكون له قيادة الوحدة الألبانية العثمانية التى يمكن اعتبارها أقوى القوى الفعالة فى مصر حينذاك. ونجح محمد على فى تحالفه مع المماليك وهزم خورشيد باشا فى دمياط وجاء به إلى القاهرة يرسف فى أغلال الأسر، ولما كان محمد الألفى قد اتصل فى هذا الوقت بانجلترا فى طلب العون لفريقه فإن التحالف المؤقت اعتمد على العلاقات السياسية بين البرديسى ومحمد على، فأرسلت استانبول واليا آخر إلّا أن هذا التحالف

قضى عليه فى مستهل 1804 م، وعاد الألفى فلم يجد ترحيبا به، واضطرته كتيبة ألبانية عثمانية على الهروب إلى الصعيد، ومن ثم أصبح الهدف الثانى هو التخلص من البرديسى، وكانت الوسيلة إلى ذلك هى بث الاضطراب فى القاهرة، فثارت قوات محمد على فى طلب رواتبهم المتأخرة مما حمل البرديسى على فرض ضريبة جديدة تُجْبَى من الأهالى فأصبح الموقف على وشك الانفجار والثورة وحينذاك ظهر محمد على كأنه المبعوث لخلاص أهل القاهرة فألغى الضريبة وأخرج البرديسى من المدينة، وبذلك وضع أساس تحالفه مع وجهاء البلد من العلماء والتجار الذين أتاحوا له شرعية أخذ السلطة فى يديه فى السنة التالية. وفى خلال الستة عشر شهرا التالية قبل محمد بتعيين وال عثمانىّ وانشغل هو بالزحف مع جنده على المماليك، وحاول الوالى الجديد دَعْم موقفه المضطرب أمام القاهريين بجلب قوات جديدة غير نظامية شامية فلم يجن من سلوكهم الفوضوىّ سوى زيادة غضب العلماء وكبار الأهالى، وبعد عودة محمد على إلى المدينة استطاع بتعاونه مع أهل المكانة أن ينادى به واليًا على مصر، وبعد قليل أدرك الباب العالى مدى قوة محمد على وثبات مركزه فأخّر تعيينه واليًا، ولم تنجح بعد ذلك المحاولات التى بذلت لتحويله من ولاية إلى غيرها مثل جدة وسالونيكا، ولم يكن هذا الاعتراف من الباب العالى سوى اعتراف بقوة مكانة الباشا فى وجه منافسيه للاستحواذ على السلطة فى مصر، وقد استطاع محمد على فى السنوات الست من 1805 حتى 1811 أن ينجح فى تثبيت حكمه بتصفية جميع معارضيه، وكانت هذه صفحة جديدة فى تاريخ مصر الحربى والسياسى وفى تاريخ محمد على نفسه، إلّا أن أكبر خطر كان يهدد سلطانه على مصر جاءه من ناحية المماليك، الذين وإن كانوا منقسمين فيما بينهم إلا أنهم اعتصموا بالصعيد، فلم يدخر محمد على وسعا فى استعمال كل الأساليب فى مواجهتهم فحاول استمالة أكبر عدد منهم إلى جانبه أما

من لم يُجْد ذلك معهم نفعا فقد رأى مقاتلتهم. ولقد جرت أول نقطة تحوّل فى نضال محمد على ضد المماليك فى أخريات سنة 1806 م ومطلع السنة التالية فقد مات فى خلال أربعة أشهر كل من البرديسى والألفى، وأصبح المعسكر المملوكى خاليا من قيادة تستجيب لها الجماهير فى الوقوف فى وجه الوالى, وعلى الرغم من أن ممثل الحكومة البريطانية وقنصلها العام بذلا جهدا كبيرا فى إعادة النظام المملوكى إلا أن ذلك لم يُجد نفعا، فقد استطاع محمد على أن يشدّد قبضته على البلاد بواسطة بعض المناوشات هنا وهناك, حتى إذا كان مارس عام 1811 وجّه للمماليك ضربة قاتلة باغتياله غدرا قوادهم الذى دعاهم إلى حفل أقامه بالقلعة بمناسبة ترقية ولده طوسون وسفره للحجاز، وتلى ذلك تصفية على مجال أوسع للمماليك فى ولايات مصر وبلغ قتلاهم مئات عدة، وتعتبر مذبحة القلعة هذه نهاية قوة المماليك بمصر وإن دخل الكثيرون منهم فى الطبقة العثمانية المصرية الرفيعة، واستمر هؤلاء فى الخدمة فى الوظائف الحربية والمدنية الكبرى طوال عهد محمد على وما بعده. على أن الباشا صادف تحدّيات داخلية وخارجية فلقد أرست فى ميناء الإسكندرية فى مارس 1807 م قوة بريطانية وكذلك قوة فرنسية بقصد مساعدة المماليك فى الاستيلاء على الحكومة فى مصر، وعجزت القوات البريطانية عن احتلال رشيد وحاصرتها قوات محمد على بالإسكندرية وضيقت عليها الخناق فجلَتْ عن البلاد بعد الاتفاق. وقد أدّت هذه التطورات إلى إعطاء محمد على فرصة كان محتاجا إليها لإلتقاط أنفاسه من التدخل العثمانى والبريطانى على السواء. غير أنه صادف قوة داخلية معارضة له تلك هى جماعة العلماء بالقاهرة. ولقد رتب محمد على خلال الفترة الأولى من حكمه أن يمكّن لنفسه بتجريده كل ذوى الشأن من السلطة والقوة السياسية فى مصر، وكانت طبقة العلماء هى أكثر هذه الجماعات تأثرا بهذه الخطة من جانبه، إذ كان اعتمادهم الرئيسى على ما يدره

عليهم اشرافهم على أملاك الأوقاف من دَخْل كان يساعدهم على أن يكون لهم النفود القيادى فى البلد، كذلك كان للعلماء نفود إجتماعى من خلال الطرق الصوفية الموجودة بمصر فى دلك الوقت، وإذ أخذ سلطانه فى القوة بدأ فى العمل على إضعاف نفوذ العلماء ووضعهم تحت سيطرة الدولة، وكان أول هدف له هو عمر مكرم. الذى كان قد توثق ما بينه وبين محمد على أثناء أزمة 1804/ 1805 م حيث دفع جماهير القاهرة للوقوف إلى جانب الوالى، فلما كان منتصف عام 1809 م أقدم محمد على خطوة شديدة الخطورة على العلماء لم يسبق لها مثيل من قبل تلك هى فرضه الضرائب على أراضى الأوقاف فى محافظة البحيرة. فقام العلماء بقيادة نقيب الأشراف عمر مكرم بالاحتجاج على هذا العمل وبدأ الصراع بين الجانبين، ودفعته حاجته للمال للصرف على تحركاته الحربية الداخلية إلى العمل السريع للتخلص من عمر مكرم، وحاول تفريق وحدة العلماء بالتهديد تارة والإغراء تارة أخرى، حتى ينفضوا من حول عمر مكرم ويتركوه وحيدا، فلما لم يفلح فى ذلك نفاه. ولقد بدأ محمد على خلال فترة دعم مركزه إلى إدخال تنظيم اقتصادى وإحكام قبضته على الأراضى، فعمد فى البداية إلى أن يحل أهل بيته وأعضاء أسرته من حوله محل "الملتزمين"، ثم عمد إلى احتكار الناتج والصادر فى الأراضى التى دخلت تحت سيطرته كلما سنحت له الظروف بهذا الاحتكار، ثم عرف مدى أهمية استقطاب دوى النفود من كبار أهالى البلد والبارزين منهم وبعض شيوخ البدو الأقوياء. لم يكن محمد على يختلف عن المماليك السابقين فى أساليبه فى تحقيق استقلاله بمصر، ولكن سيره بحذر فى هذا الطريق ساعده على النجاح، فاستطاع أن يُرَوّض أضعف معارضيه، كما عمل على استرضاء أعدائه الذين كان من الصعب عليه أن يهزمهم، وأخيرا فإنه وثّق روابطه واطمأن إلى مجموعة صغيرة من رفاقه

وأفراد عائلته وأصحابه القولتيين [أى من قوله] وهذه الطائفة هى التى ستكون فى العقود التالية قوام الحكومة العثمانية المصرية المنتقاة. أما الفترة الثانية من عهد محمد على باشا فقد أمضاها فى وضع أسس إمبراطورية إقليمية وذلك من 1812 حتى 1827 م، ففى خلال هذه الخمس عشرة سنة كرّس الوالى قسما كبيرا من نشاطه فى جمع وتدريب طائفة من الصفوة المخلصة له لتكوين قوات قوية حسنة التدريب فى البر والبحر على السواء، وأقام قاعدة اقتصادية مزدهرة وإدارة حكومية فعالة وشبكة من الخدمات الإجتماعية قادرة على تخريج طبقة رفيعة تعمل فى خدمة الحكومة فيعمل هؤلاء جميعا يدا واحدة؛ ليجعل من مصر داخليا قوة ثانية تعمل على دعم الإمبراطورية التى يسعى الباشا لتأسيسها فى هذه الناحية من العالم خارجة عن سيطرة أملاك مولاه العثمانى الواسعة، وبينما كان محمد على يعمل على بناء هذه الكفايات أرسل أولاده القادرين على رأس حملات حربية إلى الحجاز والسودان وكريت والمورة ولقد أكدّت هذه الحملات مكانة مصر كقوة فعالة إقليميا. وما كاد محمد على يأخذ مقاليد الأمور فى يده بشدة حتى شرع فى تنفيذ مدّ سلطانه على ولايات الشام، وأفضى بهذه الرغبة سرا إلى القنصل البريطانى العام فى سنة 1812 م، ولم يكفّ عن الافصاح عن هذه الرغبة فى العقدين التاليين، كما أنه ما كاد يقضى على القوة المملوكية حتى اتجه للسيطرة على ثروة البلد، فمسح جميع الأراضى الزراعية ووضع نظاما لجمع الضرائب يخدم مالية البلد، وما أطل 1821 م حتى كانت جميع الأراضى فى بحرى مصر وقبليها قد حُصرَت وسجلت فى السجلات وقدرت ضرائبها، وبلغت الأراضى الزراعية والقابلة للزراعة خمسة ملايين ونصف مليون فدان، أما الأراضى التى تستحق عليها الضرائب فقاربت 60 % من هذه الأراضى، وقام محمد على فيما بين عامى 1812, 1815 م بإلغاء جميع "الالتزامات" وعوّض "الملتزمين" تعويضات بسيطة عما فى أيديهم وقدّر

الضرائب التى تجبى على أراضى الأوقاف واعتمد فى ذلك على شيوخ القرى والجباة الأقباط. واتبع محمد على نظام الإحتكار لزيادة الأرباح فى التجارة والتصدير، فراقبت الحكومة كل مظاهر النشاط الزراعى وثبّتت الأسعار والضرائب، ونظمت عمليات المبادلات التجارية والانتاج واهتمت بنظام الرى وجعلت الماء على مدار السنة، وقضت على المنافسة فى غلات البلد الرئيسية من القمح والشعير والفول والأرز والسكر والسمسم والنيلة والقطن القصير التيلة والقنّب، وأدخلت زراعة محصولات جديدة وأخصها القطن الطويل التيلة، مما زاد دخل الحكومة من سنة 1820 م فصاعدًا، واهتم محمد على باشا خلال هذا النصف الثانى من حكمه بالصناعة حتى تستطيع أن تزود الجيش بحاجاته فأقام أول ما أقام مصانع لصنع الذخيرة، وشهدت مصر منذ سنة 1815 م الترسانات فى قلعة القاهرة وبولاق ورشيد والإسكندرية، وأنشأ حول القاهرة مصانع النسيج وامتدت حتى غطت الوجهين البحرى والقبلى سنة 1820 م وأشارت الحكومة بتشغيل معامل تكرير السكر والنيلة ومطاحن الأرز ومدابغ الجلود، على أنه فى النصف الثانى من ثلاثينيات القرن التاسع عشر قامت صعوبات كثيرة فى وجه تجربة محمد على الصناعية التى كانت تعتمد على التكنولوجيا الأوروبية والخبراء الأوربيين مما أدى إلى تدهور هذه الناحية. كذلك تميّز النصف الثانى من حكم محمد على بتغيرات جذرية فى تكوين قوات مصر الحربية وطبيعتها، وبدأت هذه التغيرات خلال حملاته على الأماكن البعيدة، وقد أدت هذه الحملات إلى تعزيز مكانة مصر وارتفاع شأوها واعتبارها القوة العظمى فى المنطقة وحسَّنت علاقاتها بالحكومة العثمانية، وأدرك السلطان أنه يمكن اعتبار محمد على حليفا مُجّديا وقت الحاجة وليس قوة تهديد [وأن كانت قد حدثت مواجهات بينهما فيما بعد]، كذلك أدّى نجاح الوالى إلى زيادة اهتمام الدول الأوربية بالأحوال المصرية، ونافست

كل من إنجلترا وفرنسا الأخرى فى اهتمامها بزيادة نفوذهم السياسى بمصر، ووثق علاقاته بكل منهما كما يتبين ذلك من تقارير قنصل كل منهما العام وإن اهتم محمد على بفرنسا فاستعان بمستشارين فرنسيين وأصبح إيثار فرنسا واضحا منذ ذلك الحين مما جعل بريطانيا تقف ضده فيما بعد وتنصر الدولة العثمانية عليه، ولما كانت سنة 1811 م طلب الباب العالى من محمد على إخماد الثورة الوهابية فى بلاد العرب واحتلال المدينتين المقدستين بالحجاز، واستغل محمد على هذه الفرصة فى إبعاد عسكره عن الأمور السياسية ليكسب من ورائهم شكر دولة تقف منهم موقفا بعيدا عن الصداقة، وأصبح ولده طوسون القائد الأعلى لحملة أعادت السيطرة العثمانية على الحجاز سنة 1830 م، وكان محمد على قد ذهب بنفسه إلى الحجاز لمساعدة ولده طوسون وذلك سنة 1813 م، ونجح فى إقرار السلام بمقتضى معاهدة أبرمها بعد ذلك بعامين. ومات طوسون على غير توقع فخلفه أخوه الأكبر إبراهيم باشا وقاد حملة ناجحة على نجد انتهت بهزيمة الوهابيين سنة 1818 م مما أبهج استانبول كذلك عقد محمد على بعد عامين من ذلك مع إمام اليمن معاهدة مدّت نفوذ الباشا على طول المنطقة الساحلية حتى باب المندب، غير أن الوهابيين استردوا سيطرتهم على نجد سنة 1824 م وإن ظل الحجاز تحت النفوذ العثمانى. وبعد أن فرغ محمد على من مشكلة بلاد العرب اتجه بنظره نحو السودان فاندفع بدوافع حربية واقتصادية إلى احتلال النوبة وسنار وكردفان، كما أنه شغل جنوده بأماكن بعيدة عن مصر واستغلهم فى القضاء على بقايا القوة المملوكية فى دنقلة، وكان هدف الباشا من ذلك أيضا السيطرة على تجارة السودان ومناجم الذهبء ولكن كان هناك ما هو أكبر من ذلك ألا وهو تكوين جيش من السودانيين، كما أراد أن يخلق قوة عسكرية على النمط الأوربى الحديث لتحلّ محل القوات التى تسير على النمط القديم، وقد استغرق فتح

السودان عامين من 1820 حتى 1822 م، ومات فى هذه الأثناء. ولقد تم تدريب الجيش الجديد على يد الكولونيل سيف المعروف بسليمان باشا وكان جنديا فرنسيا استقال من الجيش الفرنسى بعد 1814 م وعين فى مصر ولما رأى محمد على ما عليه جند السودان من ضعف عمد إلى تكوين جيش من المصريين مما كان له نتائجه الكبيرة والبعيدة فى المجتمع المصرى وفى تكوين الطبقة العثمانية العليا المصرية، وأتيحت الفرصة لمحمد على لاختبار كفاءة جيشه الجديد حين التمس منه السلطان العثمانى محمود الثانى إخماد ثورة باليونان، وكان جزاؤه على ذلك أن منحه السلطان كلا من كريت وقبرص ثم المورة، وكان ابنه إبراهيم باشا يقود هذه الجيوش الجديدة من نصر إلى نصر حتى تمكن من الاستيلاء على أثينا فى يونيو 1827 م. ثم قامت روسيا وبريطانيا وفرنسا -على غير ما كان ينتظر محمد على- بأن فرضوا الهدنة فعارضتها الحكومة العثمانية ولكن بلا جدوى، وتحطم الأسطول العثمانى المصرى فى "نفارينو" فى أكتوبر 1827 م، وجلت قوات إبراهيم باشا من المورة بعد ذلك بسنة، وقد برهنت هذه الأحداث على أن محمد على كان المنافس والعدو الأكبر لكل من السلطة العثمانية والمخططات الأوروبية، وانصرف محمد على بعد أحداث اليونان انصرافًا تامًا لاحتلال بلاد الشام، مما حمل البعض على اعتباره استعماريا. ولقد أدّى نظام الاحتكار وإدخال القطن الطويل التيلة وتكوين جيش جديد إلى حدوث تنظيم إدارى لم يكن موجودا من قبل وكان جوهر هذا التظيم هو تحويل حكومة الباشا إلى منظمة بيروقراطية إجتماعية، وقد أخذ هذا الاتجاه الجديد يظهر منذ مستهل الفترة الثانية من حكمه وذلك بتعيين أعضاء من آل بيته لمراقبة ما يجرى، ثم تلى ذلك إدخاله العناصر المحلية القيادية كموظفين تدفع لهم أجور من الإدارة, وإذا كان هذا التنظيم الادارى

محمد على حاكما لامبراطورية اقليمية (1828 - 1841 م)

قد تأثر إلى حد كبير بالتجربة العثمانية فإنه فى الوقت ذاته قام على مثال التنظيم البونابرتى، كذلك قامت باصلاحات إجتماعية من بينها الاهتمام بالتعليم والصحة، فأُرسلت البعثات من التلاميذ إلى أوربا ذلك بدءا من سنة 1809 م على أنها أخذت فى الزيادة حتى بلغت أقصاها منذ منتصف العشرينيات فصاعدًا وأنشئت مدرسة المساحة 1816 م، وتلتها عدة مدارس عسكرية فى صعيد مصر والقاهرة والإسكندرية، وكان القائمون بالتدريب فيها من الأوربيين كذلك كانت برامجها هى الأخرى أوروبية. أما الفترة الثانية من عهد محمد على باشا فلم تكن فترة تتسم بالهدوء فيما يتعلق بالطبقة الدنيا فى المجتمع المصرى فقد حدثت عدة أوبئة فى الصعيد فى عام 1813، 1816 م وراح ضحيتها الكثيرون، وازدادت الأعباء على كاهل السكان، وأدت زيادة الضرائب والشدة فى جمعها والرقابة النافذة إلى ظهور وزيادة السخرة فى مشاريع الرىّ والزراعة كما كثرت المصادرات، وأحس بالعبء كل من الفلاحين والمدنيين، واضطرت النساء تحت هذه الظروف إلى القيام بالخدمة إلى جانب أعباء عملهن ببيوتهن. وتحت هذه الظروف القاسية قامت محاولة للإطاحة بالباشا من داخل الطبقة المختارة، فقد حدث فى أثناء قيام محمد على بالحج أخريات سنة 1813 م ومرافقته للحملة على الحجاز أن أذاع أحد كبار الموظفين إشاعة بأن الوالى مات وحاول أن يأخذ مقاليد الأمور فى مصر فى يده، إلّا أن نائب محمد على بمصر وكان وفيًا له قضى على الثائر وحفظ العرش لمولاه الباشا حتى أنه أطال بقاءه فى الحجاز دون أن يتسرب الخوف إلى نفسه. محمد على حاكما لامبراطورية اقليمية (1828 - 1841 م): لقد كانت هذه الفترة من حياة محمد على فترة بلوغه القمة، بدأت بارتقائه ذروة القوة وانتهت بتحطيم حلمه وكانت الثلاثينيات من القرن التاسع

عشر ملأى بالمتناقضات، فقد شهدت أعظم نجاحات الوالى ولكنها رأت أيضا بداية انهيار بعض مخططاته الطموحة، فقد تمكنت مصر خلال هذه الفترة أن تمكن لحاكمها المستقل فرض سياسته على سكان إقليم واسع كل السعة وزيادة موارده الاقتصادية، كما أدت معارضة أوربا لتوسعه الذى أدّى إلى انهيار امبراطوريته، هذا إلى جانب أن مشكلاته الاقتصادية وصعوباته الادارية عطلت تنظيماته. أما الفترة الثالثة فقد بدأت مع عودة حملة إبراهيم باشا من المورة، إذ انصبت جهوده على تكوين قوة بحرية وبرية استعدادا لتكوين امبراطورية ضخمة، وإذ كان محمد على يعد ولايات الشام واقعة داخل مجاله من الناحيتين الاستراتيجية والتاريخية، فقد وجّه عنايته بتقدمها ومن ثم عقد محالفات مع زعمائها المحليين، حتى إذا وجد أن قواته البرّية والبحرية أصبحت على أتم أهبة للزحف شمالًا راح يتلمس ذريعة تبرر له الهجوم عليها، وكانت هذه الذريعة حين رفض والى عكا عبد اللَّه باشا -وكان حليفا سابقا له- أن يشارك إلى جانب محمد على، فكان من جراء ذلك خروج إبراهيم باشا بحملة سنة 1831 م لمحاصرة عكا، واحتلت هذه الحملة فى منتصف 1832 م وأقاليم فلسطين، كما استطاعت بالمساعدة التى قدمها لها فى لبنان بشير الثانى، أن تستولى على صيدا وبيروت وطرابلس ودمشق، وفى ديسمبر من السنة ذاتها أنزلت القوات المصرية الهزيمة بالجيش العثمانى قرب "قونية" وأسرت الوزير الأعظم، حتى إذا تقدمت الجنود المصرية نحو "كُتاهية" لم تعد المشكلة مشكلة عثمانية داخلية، واتهم السلطان العثمانى محمد على بالعصيان وكان السلطان إذ ذاك هو مراد الثانى الذى طلب تدخل روسيا الحربى، الأمر الذى حرك كلا من بريطانيا وفرنسا لبذل وساطتهما عند القاهرة لكن كان هدفهما وقف تقدم محمد على ووضع حد لتوسعه، وقد تمكن هو وولده إبراهيم من الحصول على تنازلات كبيرة من جانب السلطان

أثناء المفاوضات التى جرت، والتى انتهت بحصول محمد على الاشراف على الشام وكريت وأدنة نظير انسحاب جيوشه وهكذا أصبح محمد على يحكم بلادا شاسعة تمتد من السودان والحجاز إلى القسم الشرقى من الأناضول. ولقد أدت حاجة الجيش والإدارة إلى مجموعة من المهرة المدربين فى مجالات العلوم العسكرية والمهن المدنية إلى الاهتمام بمسألة التعليم والتدريب على جميع المستويات، وكانت الخطوة الأولى إلى التعليم الغربى تتمثل فى إرسال بعثات من التلاميذ المصريين إلى أوربا للتدريب حتى أنه بلغ عدد التلاميذ الذين أرسلوا للخارج ثلاثمائة وخمسين طالبا فيما بين 1809, 1848 م، وأخذ الباشا منذ منتصف العقد الثالث من القرن التاسع عشر يهتم بالتعليم داخل البلاد من القاع إلى القمة حتى يسد حاجات البلد, فشرع فى تأسيس التعليم العالى والمدارس الحرفية ثم انتقل بعد ذلك إلى الاهتمام، بالتعليم الابتدائى فأنشأ مدرسة ابتدائية وأخرى ثانوية، كما كثرت المدارس العليا ونشر شبكة من التعليم على المستويَيْن الأَولى والمتوسطة، وأنشأت الحكومة أيضا المدارس التالية فيما بين 1825, 1836 م. المعاهد البحرية الحربية لتخريج ضباط مدربين وعسكر فى شتى الدرجات العسكرية (من مشاة وخياله وسلاح مدفعية)، وأسس مدرس الطب وأخرى للصيدلة، وغيرهما للحرف والصناعات والهندسة المدنية والإدارة ومدرسة للغات والترجمة، كذلك أسس مدارس أخرى أقل من هذه أهمية لم يقتصر وجودها على القاهرة والإسكندرية بل تعداهما إلى المحافظات، وقامت وزارة المعارف، غير أنه بحلول العقد الخامس تضاءل عدد هذه المدارس بل وأغلقت بعضها أبوابها وإن قامت غيرها ولكن بأعداد صغيرة. وقد اهتم التعليم بالدرجة الأولى بكل ماله صلة بالعسكرية. ونستمد من تعداد جرى سنة 1850 م أن عدد الذين تعلموا القراءة والكتابة

ارتفع فى هذه السنة فبلغ 3 % هن الكبار بعد أن كان 1 % فى سنة 1830 كما تأسست مطبعة بولاق سنة 1820 م وبدأت فى إخراج مطبوعاتها سنة 1822 م، وتلى ذلك فى السنوات القلائل بعد ذلك قيام ثمانى مطابع أخرى، كما صدرت فى سنة 1828 م جريدة رسمية باللغتين التركية والعربية باسم الوقائع المصرية، كذلك فإنه فتح مدرسة للترجمة سنة 1836 م ومكتبا لها سنة 1841 م أدّى إلى أن زخر عهد محمد على بترجمة المئات هن الكتب والمراجع الأوربية إلى العربية وتم معظم ذلك بإشراف رفاعة رافع الطهطاوى أحد أعظم رجال التنوير المصريين فى القرن التاسع عشر. كما طرأ تطور كبير على فن العمارة الذى بلغ ذروته فى العقد الرابع من ذلك القرن حيث حلت الفنون المعمارية اليونانية والإيطالية والإسبانية محل الفنون المملوكية والعثمانية القديمة وكانوا يطلقون على العمارة العثمانية فى العربية اسم "الرومية" وحلت منذ هذا العقد النوافذ (أو الشبابيك) محل "المشربيات". كذلك اهتم محمد على بإقامة السدود ومعسكرات الجند ومرافئ للسفن والمستشفيات والقصور الضخمة لأهل الجاه، وحفرت قناة المحمودية وأنشئت القناطر الخيرية والمسجد الكبير بالقلعة، وزاد الاهتمام بتحسين الطرق لنقل التجارة والمنسوجات، وفتحت بعض الشوارع الكبيرة لاسيما فى القاهرة، ووسع بعض ما كان موجودا من قبل لتتسع لمرور العربات. ولم يقتصر على الاهتمام بتعليم الجيش والموظفين وتدريبهم، بل صرف عنايته أيضا إلى صحة الجميع فعهد إلى الطبيب الفرنسى "كلوت بك" بالإشراف على هيئة صحية عسكرية للاهتمام بصحة جنده العامة ورفع روحهم المعنوية وأنشئ مجلس للصحة وعزل المرضى نتيجة انتشار وباء الكوليرا سنة 1830 - 1832 م، وسن قانونا للصرف الصحى لمدينة الاسكندرية فى أعقاب انتشار الطاعون سنة 1841 م، وأقيم

مركز للتطعيم فى الصعيد، وأنشئت المستشفيات فى كافة المديريات بمصر، وعلى الرغم من كل هذه الإنجازات إلّا أن البلاد لم تخل مما يقلق الهدوء الداخلى، وإذا كانت هذه الإضطرابات قد ظهرت فى الداخل إلا أنها ما لبثت أن ظهرت أيضا فى البلاد الخارجية الخاضعة لحكم محمد على لاسيما فى بلاد الشام، ذلك أنه فى إعداده للحملة على سورية استنفد موارد مصر مما جعل الناس يعيشون فى مغبة بالغة أرهقتهم كل الإرهاق، وضجر الفلاحون من أثار الطواعين والأوبئة التى اجتاحت البلاد عام 1830, 1835 م. وكان محمد على يصر على وجود جهاز حكومى مركزى يكون هو رئيسه الأعلى ولذلك أصدر قانون 1837 م ألغى به جميع المجالس وكوّن إدارات جديدة. على أن اهتمام الوالى بدخول مصر سوق الاقتصاد العالمى عرّض البلد وأسواقها لهزات مثل للك الهزة التى حدثت أولا فى سوق المال الدولى سنة 1836 - 1837 م مما أدى إلى تدهور أسعار القطن تدهورا شديدا فعانى البلد نضب موارده، يضاف إلى ذلك المصاعب التى صادفها فى حكم الشام، إذ تزايدت الكراهية هناك من الحكم المصرى نتيجة لمحاولة تطبيق النظم المصرية بسورية، وكذلك بسبب زيادة الضرائب بل وفرض ضريبة الرؤوس حتى على المسلمين وإدخال نظام الاحتكار وتطبيق السخرة. وكانت متطلبات الصرف على الجيش الضخم عبئا ثقيلا باهظا على الخزانة، وما كاد العقد الرابع يقارب الانتهاء حتى أغلقت عشرات من المؤسسات، كما أن الأهالى راحوا يفرون من قراهم، فلما رأى الباشا ما فيه من أزمة اقتصادية وتزايد تأفف السكان الذين أرهقهم الوضع إذ ذاك أخذ يتراجع عن سياسته الإدارية لاسيما فى الزراعة، وبدأ منذ سنة 1838 م فصاعدا يقطع الاقطاعات الكبرى إلى أفراد من أسرته مما ترتب عليه قيام الاقطاعيين الكبار، كما قام فى الوقت ذاته بإنشاء ما عرف بنظام "العهدة"، وهو أن يعهد إلى رجال من

الطبقات الكبيرة نواحى تتألف من قرى قد تأخرت عن دفع التزاماتها الضرائبية، يقوم أصحابها الجدد بدفع ما على الناحية للخزانة ويكون له مطلق التصرف فى زراعتها واستعمال السخرة فى ذلك ويكون دخل هذه النواحى ملكا لهؤلاء الكبار، وكان معنى هذا رجوع الباشا إلى النظام الذى كان قد ألغاه فى العقد الثانى من ذلك القرن. لكن على الرغم من كل هذه المشكلات الداخلية إلّا أن الوالى لم تبارحه مطامعه فى الاستقلال ففى منتصف عام 1838 م أعلن للدول الأوروبية عزمه على إعلان استقلاله، وعلى الرغم من أن ردّ الدول على هذا العزم كان سلبيا إلّا أنه لم يتراجع عنه وعارضه السلطان محمود الثانى رغم حركاته الاصلاحية واعتبره خائنا ولبث بجيش عثمانى مدرب على الأساليب القديمة فعبر الفرات وزحف حتى إذا صار على الحدود الشمالية لحلب أنزلت به قوات إبراهيم باشا فى يونيو هزيمة ساحقة؛ ومات السلطان باستانبول قبل أن تصله أخبار هذه الفاجعة، فلما اختير خسرو باشا (عدو محمد على اللدود) وزيرا أول، حدث أن سلم الأسطول العثمانى كله الموجود بالإسكندرية للباشا، وقام السلطان الجديد عبد المجيد فأعلن حكم مصر وراثيا فى أسرة محمد على، ولم يكتف محمد على بذلك بل طالب بأن تكون له امتيازات فى الشام وأدنة ولم يمكن الوصول فى المفاوضات إلى حل بل وصلت إلى طريق مسدود بسبب وجود خسرو باشا فى الوزارة العثمانية، لكن ما أن تم خلعه سنة 1840 م حتى عادت الاتصالات من جديد، وكادت أن تنجح لولا تدخل الدول الأوربية لما رأته فى ذلك من ضرر بمصالحها فقامت بريطانيا والنمسا وبروسيا وروسيا بامضاء ما عرف باتفاقية لندن (يوليو 1841 م) وفرضت على الطرفين: السلطان والوالى وضعًا يقضى بأن يكون حكم مصر وراثيا لمحمد على وإن يكون له الحكم فى ولاية عكا طول حياته، وكان هذا الاتفاق جزءًا من موضوع كبير يتعلق بالصراع حول المضايق المائية، وكانت فرنسا فى

بادئ الأمر تؤيد محمد على لكنها -وقد عرفت الاتجاه- انضمت إلى الحلفاء، وقدم هذا الاتفاق إلى محمد على على لم نه انذار نهائى فان لم يقبله ارغمته الدول على قبوله بقواتها الحربية المشتركة، فلما لم يتزحزح الباشا عن موقفه تم الاستيلاء على بيروت بعد عمليات برية وبحرية، وقامت ثورة فى لبنان أدت إلى قيام قوات الحلفاء بالاستيلاء على عدة مدن ساحلية، كما ظهرت وحدات بحرية بريطانية أمام شواطئ الاسكندرية، وترتب على هذه الأمور كلها أن قام إبراهيم باشا بالخروج من سورية وقبول محمد على بشروط اتفاقية لندن والنزول على ارادة الدول الأوربية وأعاد الاسطول العثمانى إلى بلاده وأصدر السلطان فرمانا يوافق فيه ويؤكد حق محمد على فى أن تكون مصر وراثية فى أسرته وكان ذلك فى شهر يونيو 1841, وقد أدى هذا القرار السلطانى إلى تحديد حجم جيش مصر، وأن لا يتم عقد اتفاق لمحمد على مع دولة أجنبية إلا بعد الموافقة العثمانية، على أن الجيش أصبح أكبر قليلا من ثمانية عشر ألف عسكرى. أما الفترة الرابعة من حكم محمد على (1841 - 1848 م) فهى الفترة الأخيرة له وتعتبر أيضا بداية عهد جديد فى تاريخ مصر فى القرن التاسع عشر أى أنها كانت الفترة النقضية بين سقوط الامبراطورية الإقليمية وقيام إسماعيل باشا فى منتصف الستينيات، أما ما كان بينهما من حكم عباس (1848 - 1854 م) وسعيد (1854 - 1863 م) والفترة الأولى من حكم إسماعيل، ففى هذه السنوات كانت مصر تتخلص شيئا فشيئًا من نتائج حروب محمد على التوسعية واصلاحاته التعسفية، وكان الفصل فى "القضية المصرية" مؤديا إلى خروج مصر من "الأجندة" الدولية وعلى أثر ذلك تمكن الباشا من تغيير طبيعة معاملاته مع الدول الأوربية وأن يعيد النظر فى صلاته بالسلطان وتحسن علاقاته باستانبول، حتى

لقد زارها وذلك سنة 1846 م وصار إلى فلك الدولة العثمانية، وراح يتاجر مع الدول الأوربية ويستعين بالقناصل الأوربيين فيما يتعلق بالاحتكارات ويستفيد من التجربة الأوربية فى تقدم البلد، وأذن فى سنة 1841 م لإنجلترا التى كانت من أكبر الدول التى عملت على إضعافه، أن تنشئ خطا منتظما لتجارتها مع الهند، تنقل فيه تجارتها برا. من الإسكندرية إلى السويس، كما رتب زيارة له لإنجلترا ولكن لم يقدر لها أن تتم، ولقد تزامن بلوغ قوة محمد على الحربية والسياسية ذروتها مع انهيار مركزيته الإدارية والاقتصادية. أما من ناحية الأراضى فقد ظل الأمر على ما هو عليه من إقطاع أسرة الوالى أراضى زراعية كبيرة، سميت "بالابعاديات" وذلك منذ العقد الثالث من القرن، وقد بلغ هذا النظام ذروته فى العقد الخامس من قلة المحصول وانتشار وباء الكوليرا وتفشى طاعون الماشية والأغنام مما أدّى إلى تأخير الضرائب وتراكمها، هذا إلى جانب أن ملاك الاقطاعيات رأوا أن الخير لهم فى القضاء على الرقابة الحكومية على الأسواق وفى اتصالهم المباشر بالمشترين، وبهذا قام صراع داخلى فى منتصف الأربعينيات بين ملاك الأراضى ومشايخ القرى حول انتفاع كل جانب منهم بالفلاحين، وقد أدى هذا كله إلى استمرار ضعضعة الاحتكارات وسقوط نظام الرقابة فى الريف الذى ابتدعه الباشا، مما ترتب عليه قلة دخل الحكومة وتدخل التجار الأجانب فى موضوع الزراعة فى الداخل، كما أخذت المصانع فى التوقف وكان هذا نتيجة طبيعية إلى انتهاء العمر الافتراضى للآلات وعدم حسن صيانتها وقلة المهارات الفنية، كما قلت موارد المياه التى تضخها الآلات التى أخذت هى الأخرى فى الضعف لسبب عدم موالاتها بالإصلاح كما يرجع بعض منه إلى نفوق كثير من ثيران إدارة السواقى نتيجة لانتشار الطاعون، كذلك أدى تقليل عدد الجيش إلى اضعاف قوة الشراء من السوق المحلية مما نجم

عنه قلة الاقبال على منتجات مصانع الباشا، ويضاف إلى ذلك كله ما ترتب على اتفاقية "بالطة ليمان" 1838 م، البريطانية العثمانية إلى تحسين أحوال التجار البريطانيين فى الدولة العثمانية، فقد ألغت هذه الاتفاقية نظام الاحتكار ونظمت قواعد جمع الضرائب الجمركية والواقع أنها فتحت الأبواب أمام المنافسات الخارجية، وأضعفت قوة المنتجات المحلية أمام المنتجات الأجنبية، ولقد حاول محمد على الحيلولة دون تطبيق هذه الاتفاقية فى مصر ولكنه اضطر فى النهاية للاستسلام لها. ومهما كان الأمر فقد استطاع محمد على تكوين ادارة مصرية عثمانية عظيمة كانت احدى انجازات عهده الكبرى الجليلة، وقد اختار لتسييرها جماعة من حاشيته وآل بيته، فكان فيهم رفاقه من أهل "قَوَله" وأخرين من الموظفين العثمانيين الذى ارسلتهم استانبول ومن خاصة مماليكه ومماليك من العهد السابق والكتاب اقبط والمترجمين الأرمن وكبار أهل الريف المصريين، هذا إلى جانب مجموعة من المستشارين الأوربيين الذين وكل الباشا إليهم الوظائف الكبرى والذين اعتنق بعضهم الإسلام. وقد تم بلوغ هؤلاء جميعا ذروة التمكن فى خلال العقدين الأخيرين من حكم محمد على، وأصبح الجميع من أشد المخلصين فى أداء خدماتهم له كذلك شغل العملاء والناطقون بالعربية والتجار مكانة مرموقة فى أمور الدولة المصرية السياسية، وبجانب هذا نجد أن الحكومة استطاعت فى سنة 1840 فى جعل مشيخات الطرق الصوفية تحت اشرافها بتنظيمها جميعا تحت "شيخ البكرية" ولقد كان أبرز الشخصيات فى رجال الدولة فى العهد الأخير من حكم الباشا وولده إبراهيم وحفيده عباس، ولما كانت سنة 1847 م وهن الباشا. "العجوز" كما عرف بعدئذ، وانحل بدنه ويقال أن ذلك راجع إما إلى تقدمه فى السن أو لتأثير نترات الفضة التى كانت تدخل فى أدوية معالجته من "الدوسنتاريا", وأصبح الامر فى يد إبرهيم الذى القيت إليه

رسميا مقاليد الحكومة فى سنة 1848 م، لكنه ما لبث أن مات بعد ذلك بأربعة شهور فقط. وحينذاك خلفه عباس باشا (الأول) الذى استطاع تأكيد وراثة مصر فى الأسرة. أما الباشا "العجوز" فقد مات بالاسكندرية يوم الثانى من أغسطس 1849 م وهو لا يدرى بما يجرى حوله ودفن بجامع القلعة الذى كان قد شرع فى بنائه ثم أتم عباس اصلاحات محمد على وامبراطوريته ولم تكن مصر تفرغ من حرب حتى نهاية الفترة الأخيرة من حكمه إلا لتدخل فى حرب، وكانت جهود الباشا فى عهد تدعيم وإرساء الدولة منصبة على محاربة منافسيه وخصومه المحليين واتجه خارجيا فحارب "الوهابيين" فى شبه الجزيرة العربية ثم كان دخوله السودان عقب انتصاره فى الحجاز وتلى ذلك حملاته فى بلاد اليونان وحربه فى الشام وكان هدفه من كل هذه الحروب تأكيد قوة مصر وجعلها دولة إقليمية كبرى مع حرية التحرك داخليا وخارجيا، ولا يعرف على وجه التأكيد أكان يهدف حقا فى أخريات الثلاثينيات إلى الاستقلال التام أم كان ذلك مجرد طلب ليضمن أن يكون الحكم وراثيا فى كل امبراطوريته تحت السيادة العثمانية. ولقد رأى الفلاحون فى التجنيد الاجبارى مضرة بهم، وكان أبناء الأسرات والأقوياء يؤخذون بالسلاسل، وما يكاد الجيش يُجمع حتى تصرف له الملابس والأطعمة ويتم تدريبه ويُمد بالسلاح ويعنى به صحيا وتدفع للجند رواتبهم، وقد تطلب ذلك كله أموالًا كثيرة، فوقع عبء ذلك على وجه الخصوص على الريف، وإذا كان قد قصد بالتجارة فى المحصولات الزراعية تمويل الحملات فإن الصناعة قد خصصت للصرف على ملابس العسكر وتجهيزهم. ولقد عده المؤلفون المصريون بطلا قوميا، كما أن رغبته فى اقتباس المعرفة والتكنولوجيا من الأوربيين لإنشاء جيش حديث وأقامة قاعدة اقتصادية فيه وضعته فى مصاف المستنيرين المتقدمين ولقد نُعِتَ بأنه "مؤسس مصر

المصادر

الحديثة" مما كان له وقع جذاب فى أذهان الأوربيين والشرقيين على السواء، وقد استطاع محمد على باشا -وهو الجندى العثمانى- أن يرقى بفضل مواهبه وأطماعه وقوة عزيمته وبعد نظره، فانتزع من السلطان دولة ظل الحكم فيها وراثيًا لأسرته حتى عام 1952 م، ولم يكن محمد على يعرف العربية ولا الإنجليزية ولا الفرنسية ولكنه كان يتكلم التركية، وجعل مصر غايته وأقام بها حكومته وأتاح لمصر أن تكون دولة قوية منظمة، وإن تكون أداة فعالة لا يمكن الاستغناء عنها فى العالم الحديث. وقد جمع محمد على بين القائد الموهوب والادارى البارع، وكان رجلا عصاميا قل أن يجود الزمان بمثله، ومن ثم فلا عجيب أن كرس الباشا كل جهوده ونشاطه لإنشاء قاعدة حربية قوية وقاعدة اقتصادية ثابتة الدعائم حتى يظل محتفظا باستقلاله فى هذا القسم من العالم ويؤكد المؤرخون المحدثون تأكيدا كبيرا على شخصيته وأفعاله وفتوحاته وإصلاحاته وأفكاره مما عمل على تكوين أمة مصرية حديثة. المصادر: (1) د. رؤوف عباس: النظام الإجتماعى فى مصر فى ظل الملكية الزراعية. (2) د. أحمد عزت عبد الكريم: تاريخ التعليم فى عصر محمد على. (3) د. على الجريتلى: تاريخ الصناعة فى مصر. (4) عبد الرحمن الرافعى: عصر محمد على. (5) د. محمد محمود السروجى: الجيش المصرى فى القرن التاسع عشر. (6) Tucher: Women in 19 th Cent Eygpt (7) G. Wiet: moh. Ali et les beaus arts د. حسن حبشى [أ. ر. توليدانو E.R. Toledano]

محمد بن القاسم

محمد بن القاسم محمد بن القاسم الثقفى من أشهر القادة العسكريين فى الدولة الأموية. وقد غزا الهند. وكان من أشراف ثقيف فى زمانه، وممن كان الحجاج يميل إليهم حتى لقد اعتبره كفؤا لأخته زينب فزوجها له، وترجع شهرته أساسًا إلى حملاته التى قام بها فى ولاية السند فى القسم الغربى من الهند، وقد اختاره الحجاج لقيادة حملة كانت خارجة لغزو السند فيما بين عامى 89, 92 هـ بعد أن فشل اثنان من القواد فلجأ فى تأديب داهر حاكم السند بسبب عدم قدرته (أو بسبب عدم توفر الرغبة عنده) فى الضرب على أيدى القرصان الذين طالما اعترضوا طرق السفن الإسلامية قرب ساحل ولايته، واهتم محمد بن القاسم بتجهيز حملته الحربية هذه اهتماما بالغا، وسلك جيشه الرئيسى الطريق البرى عبر صحراء مكران وكانت الامدادات والتعزيزات الحديثة تصله بحرا، وكانت أول مدينة هندية يتم فتحها على يد ابن القاسم هى مدينة "دَيْبل" الواقعة عند مدخل نهر السند، فلما فرغ محمد من إقامة مستوطنة إسلامية هناك تقدم شطر الشمال الشرقى واشتبك مع داهر فى معركة أسفرت عن مقتل داهر كما تم له فتح عدد من المدن الأخرى كانت أهمها، ملتان التى اشتهرت بمعبدها وكانت مركزًا هامًا من مراكز الحج الهندوسى. على أن حياة محمد بن القاسم انتهت على حين غرة نهاية مؤلمة بموت كل من الوليد بن عبد الملك والحجاج وتولى سليمان بن عبد الملك الخلافة سنة (96 هـ/ 7150 م)؛ فقد أعفى هو وآخرون من أنصار العهد السابق مما فى أيديهم من أعمال، وأعفى هو من القيادة وزج به فى السجن وراحوا يعذبونه حتى أسلم الروح. كان محمد بن القاسم فى السابعة عشرة من عمره (وقيل بل فى الخامسة عشرة) حين سار على رأس حملته لفتح الهند وأصبح واسطة عقد حركة فتح حربى ناجحة فى هذه السنّ المبكرة كما يقول ابن قتيبة فى كتابه عيون الأخبار، وكانت فتوحاته ومعاملاته مع الحكام الذين تغلب عليهم ومع الأهالى

محمد بن محمود أبو شجاع

تمثل فكرة كتابه فى التاريخ الهندى الإسلامى لتعرف باسم "شاش نامة"، وبناء على ما جاء فى هذا الكتاب فلم يكن مقتل محمد بن القاسم راجعًا فقط إلى تغير الحكومة فى دمشق بل لقيام ابنتى داهر فى طلب الثأر لأبيهما فاتهمتا ابن القاسم زورًا وبهتانًا بالاعتداء على عرضهما حينما كانتا فى كفالته قبل ارسالهما إلى بلاط الخليفة بدمشق (وهذا ما جاء فى كتاب شاش نامة لمؤلفه على بن حميد بن أبى بكر الكوفى وترجمته) على أنه قال كما جاء فى فتوح البلاذرى "ما البد إلّا ككنائس النصارى واليهود وبيوت نيران المجوس" وهو قول يؤكد وضع الهندوس منذ القديم فى جماعة أهل الذمة، على حين أن المصادر العربية الأخرى توضح وضوحا تاما أن سياسة محمد بن القاسم تجاه الشعوب المفتوحة كانت تختلف بعضها عن بعض تبعا لاختلاف الأماكن، وأن هذا القول المذكور أعلاه حمل كثيرًا من الكتَّاب المسلمين المحدثين لاعتبار محمد مثالًا للتسامح فى الإسلام فى أوليات عهده. انظر فى هذا كله: تاريخ اليعقوبى والطبرى، تاريخ الرسل والملوك وابن سعد، وابن الأثير الكامل، والعراقى بالوفيات للصفدى، ونزهة الخواطر لعبد الحىّ الحسنى، وتاريخ ما للهند من مقولة مقبولة فى العقل أو مرذولة للبيرونى. Elliot, Dowsow: Hist of India as told ly its own hestorions (1967), Jofor: End of muh. ibn Qasim' Eriedmann. The Temple of multan وانظر أيضا بطل ثقيف محمد القاضى. ومحمد بن القاسم فاتح الهند لعمر أبى النصر. مروان حسن حبشى [ى. فريدمان Y. Fredmann] محمد بن محمود أبو شجاع محمد بن محمود بن ملك شاه، أبو شجاع غياث الدنيا والدين السلطان السلجوقى الذى حكم من 448 هـ حتى 455 هـ (= 1153 - 1159 م)، ولقد أدى موت السلطان مسعود بن محمد سنة 547 هـ (دون أن يترك ولدا

يخلفه) إلى فترة من الفوضى التى انتشرف فى دولة السلاجقة الكبرى, وتمثل ذلك مع العديد من الأمراء السلاجقة حيث طالب كل منهم بالعرش نفسه، وكان من بين هؤلاء الأمراء سليمان شاه أخو مسعود وأخوه محمود وطغرل بك ولكنهم كانوا جميعًا -باستثناء محمد- ضعافًا، يعتمد كل منهم على الأتابكة الأتراك وغيرهم من الأمراء الذين احتفظ بعضهم بالأمراء السلاجقة وعاشوا فى بلاطهم يتخذون ذريعة لتحقيق أطماعهم الشخصية، ولم يتبين عماد الدين على أحد منهم إلّا على محمد فعدّه أعظم السلاجقة وأعلمهم. وقد ولد محمد فى ربيع الثانى سنة 522 هـ (= 1128 م) وتربى مع أخو ملك شاه وتعهده أتابك فارس ليكون منافسًا قويا لمسعود عم محمد، ثم تبناه مسعود وكان يفكر فى أن يجعله خليفته من بعده، وبعد أن أظهر ملك شاه عدم كفاءته بعثوا فى استدعاء محمد من خوزستان سنة 548 هـ وسلطنة الأمير خاص بك، ومع ذلك فسرعان ما قضى على قوة خاص بك فقبله، لكنه ما لبث أن وجد نفسه فى صراع مع عمه سليمان باشا من أجل العرش، وكان عمه هذا قد نجح فى الفرار من أسرة زمن مسعود، ولكنه لم يستطع الصمود أمام عسكر محمد، غفر إلى بغداد سنة 550 هـ (= 1155 م) ولجأ إلى الخليفة المقفى فبسط عليه حماه وأدخله فى كنفه، وكان المقتفى مدفوعا فى ذلك بأن يتخذه سلاحا يشهره فى وجه محمد شاه. كانت هذه الفترة هى الفترة التى اعتبرت فترة بعث للقوة العباسية فى العراق، وقد ساعد على ذلك مهارة عون الدين يحيى بن هُبَيْرة وزير المقتفى، ذلك أنه بعد موت مسعود سنة 547 هـ أخرج شحنة بغداد السلجوقى من المدينة التى لم يعد ثم من أثر بها للنفوذ السلجوقى. كما أن مخاطرات سلمان شاه لم تثمر قط عن أى جدوى بل انتهت بهزيمته [وكان الخليفة المقتفى حين علم بوفاة مسعود طرد شحنة السلجوقية وأخذ داره ودور أصحاب السلطات ببغداد، واستولى على كل ما كان لهم فيها وجمع الرجال العساكر، واستولى جنوده على سائر

المصادر

البلاد العراقية: الحلة وواسط وغيرها] ولما أحس محمد شاه بقوته حاصر بغداد وهاجمها فى ذى القعدة سنة 551 هـ وانضم إليه فى هذا الهجوم الأمير على بن دُبَلْيس بن مزيد، ولكنه رفع الحصار فى السنة التالية حين جاءته الأخبار بظهور أتابك أذربيحان أمام همذان ومعه الأميران ملك شاه ورسلان بن طغرل بن محمد. ولقد أمضى محمد سنواته الأخيرة فى حملات أخذ يشتتها على الدنيز (اتاكب اذربيجان) ومن يساعده ويؤيده ويبسط رعايته عليه ومن هؤلاء سليمان شاه، واستطاع أبو شجاع من التغلب عليهم فى وقعة "تخشفان" وأوشك الزحف على بغداد مرة أخرى لولا أن هاجمه المرض فمات بهمذان فى العشر الآخر من ذى القعدة 554 هـ = ديسمبر 1159 م، فخلفه سليمان شاه. المصادر: بالإضافة إلى ما ورد بالمتن كتاب الزيدة لبندارى، وراحة الصدور للراوندى، وأخبار الدولة السلجوقية للحسنى والمنتظم لابن الجوزى. بدرية الدخاخنى [بوسورث C.E. Bosworth] محمد بن مروان محمد بن مروان بن الحكم، أبو عبد الرحمن، ابن الخليفة مروان. أرسله أبوه سنة 65 هـ (= 684 م) إلى الجزيرة وربما كان ذلك من أجل أن يضم إليه أرمينية مرة أخرى، فلما هزم عبد الملك بن مروان، مصعب بن الزبير سنة 72 هـ كان محمد بن مروان على طليعة الجيش الشامى، ولما كانت السنة الثالثة ولّاه عبد الملك حكومة الجزيرة وأرمينية وكان عليه محاربة البيزنطيين. وفى سنة 73 هـ (= 692 م) دارت الدائرة فى الحرب على جيشنا الثانى وهزم فى وقعة سبسطة فى قيليقية ثم أخذ محمد القيادة بعد سنتين وخرج لقتال الروم وانتصر عليهم فى "مَرْعش"، ثم غزا أرمينية فى العام التالى ودخلها، ثم أرسلوه ومعه ابن أخيه عبد اللَّه بن عبد الملك إلى والى العراق والمشرق الحجاج بن يوسف الثقفى وذلك سنة 82 هـ (= 701 م) لمساعدته ضد الثائر المتمرد عبد الرحمن ابن محمد بن الأسقف، ولما جرت

محمد بن وصيف

المفاوضات مع أهل العراق قبل وقعة دير الجماجم كان محمد بن مروان وعبد اللَّه بن عبد الملك يمثلان الخليفة. وقاد محمد حملة ضد أرمينية التالية أيضا. على أنه يتولى الوليد بن عبد الملك سدة الخلافة فى شوال من سنة 86 هـ (= أكتوبر 705 م) وأخذ نجم محمد بن مروان فى التوارى شيئا بعد شئ، على حين أصبح مسلمة بن عبد الملك (الأخ غير الشقيق لعبد الملك) هو القائد الفعلى، على أن الأول ظل واليًا كما هو فترة من الزمن امتدت حتى سنة 91 هـ (= 709/ 710 م) حين خُلع من الولاية وحل محله هنا مسلمة. وكانت وفاة محمد بن مروان سنة 101 هـ (= 719/ 720 م) بدرية الدخاخنى [ك. ف. تسترشتين Zettersteen] محمد بن وصيف كان محمد بن وصيف من كتاب الدولة الصفارية فى سِبْستان واحد الشعراء الأوائل الذين نظموا الشعر الفارسى الجديد حسب قواعد العروض العربية، ويرد فى تاريخ سبستان المحلى المعروف بتاريخى سبستان أربع قصائد يظهر أنها من نظم محمد بن وصيف (انظر: Lozard: Les Premiers poetes persans awk Ix - siecles ويقرر أحد المؤرخين المجهولين أن أولى هذه القصائد إنما تم نظمها قريبًا من الوقت الذى فرغ فيه يعقوب بن الليث من فتح هراة سنة 253 هـ (= 876 م أو قبل ذلك العامين) أعنى وقت أن قتل عمارًا الخارجى، ويقول هذا المؤرخ أن يعقوب بن الليث لم يتمكن من فهم المدائح العربية التى امتدحه بها شعراء بلاطه، ولقد ظل إنتاج محمد بن وصيف الشعرى موصولا على مدى جاوز نصف قرن من الزمان؛ لأن آخر واحدة من هذه القصائد تتعلق ياسر حفيدى عمر بن الليث وهما طاهر ويعقوب سنة 296 هـ (= 908 م). وليس من اليسير البرهنة عما إذا كانت قصيدة ابن وصيف المنظومة سنة 253 هـ (= 876 م) هى أول قصيدة فارسية على الإطلاق نظمت وفق قواعد العروض العربية، وإذا ما أشرنا إلى

المصادر

الشعراء الآخرين الذين نظموا الشعر الفارسى الجديد فى الحلقات الصفارية والإقليم الخراسانى (أمثال حنظلة البارغيسى وبسامى كرد) فإنه يبدو أن فكرة الشعر الدارج بالعروض الجديدة ظهرت بوضوح خلال النصف الثانى من القرن الثالث الهجرى (التاسع الميلادى) ومع أن "شيترن" يرى أنه من المحتمل أن يكون دور شعر يعقوب المؤثر كان مشجعًا للأدب الشعبى، إلّا أن شيترن كان حذرًا، فقد شكّ فيما يتعلق بدور محمد بن وصيف كرائد من الشعراء والرواد فى الأدب الفارسى الجديد مشيرًا إلى أن صاحب كتاب تأريخى سبستان كان مدركًا لطبيعته المحلية باعتبار أن أولية الشاعر هذه قد تشير إلى المناطق السبستانية فقط. المصادر: وردت فى المتن. بدرية الدخاخنى [بوسورث Bosworth] المحمل المحمل، نوع من المحفات ذات الزخارف المترفة تثبت على جمل، وكان يستخدم فى الماضى لنقل الأشخاص، خاصة نساء النبلاء، إلى مكة (المكرمة). وبمعنى أكثر تحديدا, تشير كلمة محمل إلى محفات من النوع نفسه أصبحت رمزا سياسيا بدءا من القرن السابع الهجرى (الثالث عشر الميلادى)، حيث كان الحكام يرسلونها مع قوافلهم للحج إلى مكة المكرمة إظهارا لهيبتهم ودعما لمكانتهم. وفى العصر الحديث فى مصر، كان لجام الجمل الذى يحمل المحمل يقدم فى احتفال مهيب إلى أمير الحج، وسط مراسم يقطع الجمل خلالها سبع دورات أمام المنصة الرسمية يتبعه بعض الموسيقيين. وكان المحمل بما يحيط به من بهاء ومجد الأراضى المقدسة يحظى من الجماهير بتبجيل شديد أصبح موضع تنديد واستنكار. ويذكر الرحالة الأوربيون أن مسيرات المحمل الرائعة التى كانت تشهدها القاهرة كان يوجد مثيل لها فى دمشق واستانبول فى وقت رحيل وعودة قوافل الحج. ولا توجد سوى القليل من الأدلة على شكل هذه المحامل فى القرون

الوسطى. بينما تم فى العصور الحديثة وصف المحامل وتصويرها وعرضها فى المتاحف. ففى مصر كان آخر نماذج المحمل مصنوعا من الخشب على شكل شبه مكعب يبلغ طوله 1.35 مترا وعرضه 1.75 مترا، يعلوه هرم رباعى الأوجه بالإضافة إلى أربع كرات مذهبة على الزوايا العلوية للمكعب, وعلى قمة الهرم كرة أكبر بكثير يتوجها نجم وهلال، ويكسو كل هذا قماش مشغول. وهناك نوعان من الكسوة: الأولى تستخدم للاستعراض والسير فى المدن وهى مصنوعة من قماش ثمين مطرز ومقصب ومزين بشراريب ويطرز على الواجهة فى مواجهة الهرم وعلى شريط يحيط بقمة المكعب اسم الحاكم وآيات من القرآن الكريم أما الكسوة الثانية فمصنوعة من قماش أبسط أُخضر اللون وتوضع على المحمل أثناء السفر والتوقف فى المحطات الصغيرة. وأقدم كسوة تم الاحتفاظ بها كانت لمحمل السلطان قنصوة الغورى (المتوفى 922 هـ/ 1516 م) وتوجد حاليا فى متحف طبقابى Topkapi فى استانبول. وقد ذكر بعض المؤرخين شراء بعض الكسوات مثل كسوة المحمل العراقى فى 721 هـ/ 1321 م التى كانت مرصعة بالذهب واللؤلؤ والأحجار الكريمة. ويبدو أن المحمل (السياسى) من ابتكار السلطان المملوكى بيبرس الذى أرسله لأول مرة فى عام 664 هـ/ 1266 م وحدث ذلك فى سياق انتقال الخليفة العباسى إلى القاهرة بعد سقوط بغداد فى أيدى المغول، وقد كان هناك تنافس بين اليمن ومصر على من يقدم كسوة الكعبة (وهى هدية ظلت دائما من الامتيازات الشرفية للخليفة) إلى أن تلقى السلطان قلاوون وعدا من شريف مكة أن تعلق الكسوة المصرية فقط على الكعبة (681 هـ/ 1282 م). وتزامن إرسال المحمل مع إعادة فتح طريق الحج عبر السويس والعقبة والساحل الشرقى للبحر الأحمر. وفى مكة، ثم فى عرفات بعد ذلك، كان يتم وضع المحمل فى مكان يسمح برؤيته بسهولة. وسرعان ما أرادت لو دول أخرى منافسة مصر مثل اليمن والعراق، وكان

لكل منهما محمل وكسوة, إلا أن مصر أصرف على أن يكون لها المكان الأول فى تعليق الكسوة. وبعد استيلاء الدولة العثمانية على مصر وسوريا حظيت استانبول بمظاهر النفوذ والهيبة تلك حيث أصبحت مسئولة عن إرسال المحمل. وعندما استولى السلفيون (الوهابيون) على الأماكن المقدسة فى عام 1807 م وقع المحمل المصرى فى أيديهم وحرقوه. ولم يستأنف ارسال المحمل المصرى إلا بعد هزيمة السلفيين (الوهابيين) ووضعت حرب 1914 م نهاية لإرسال المحمل السورى، وظل المحمل المصرى يأخذ طريقه إلى الأماكن المقدسة حتى عام 1926 م عندما وقع صدام بين جنود الموكب والسلفيين أتباع الشيخ محمد بن عبد الوهاب و (الوهابيين) مما أدى إلى إلغاء إرساله نهائيا. وبعد أن أصبح ابن سعود ملكا على الحجاز جرت مفاوضات حول المحمل حيث كان السلفيون يرفضون بعض الممارسات مثل الموسيقى المصاحبة للموكب، ولأن الكسوة والمحمل يرمزان للحماية السياسية للأماكن المقدسة لم يعد لهما مبرر فى نظر السلفيين بعد إلغاء الخلافة ورغبتهم فى الاستقلال. وفى القرون الوسطى كان الاحتفال الشعبى بالمحمل يتم فى مصر من خلال ثلاثة مواكب سنوية. كان الاحتفال الأول يعلن عن قرب موسم الحج فيجوب المحمل وجزء من القافلة المدينة فى موكب ضخم ومهيب تصاحبه قوات مسلحة بالحراب. وقد اعتادت النساء الخروج لرؤية الموكب. وكان الاحتفال الثانى خاصا بموكب الرحيل إلى الأراضى المقدسة، أما الاحتفال الثالث فهو موكب العودة. وفى الصحراء، كان المحمل مركز القافلة الرئيسى. ومنذ عام 1882 لم تعد القافلة المصرية تتخذ طريق لصحراء، وإنما كانت تستقل القطار حتى السويس ويوضع المحمل فى عربة قطار خاصة وينتقل منها إلى الأراضى المقدسة على ظهر السفن. وفى الفترة من عام 1910 م إلى 1913 م سلك المحمل طريقا آخر حيث كان يتوجه إلى الاسكندرية ومنها بحرا

المصادر

إلى حيفا ثم يصل إلى المدينة عن طريق السكك الحديدية. ويعاد تجميع القافلة فى الحجاز ويكون المحمل دائما مركزا لها. وقد تم وصف هذه القافلة ورحلتها السنوية ذهابا وإيابا فى تقارير قيمة كتبها الأطباء المرافقدن للقافلة. ويمكن العثور على هذه المعلومات والصور فى كتاب "الرحلة الحجازية" للبتنونى (القاهرة 1329 هـ). وفى عام 1937 م عاودت قافلة المحمل رحلتها إلى الأراضى المقدسة بعد أن كانت قد توقفت عقب صدام 1926 م، وتم قبول الكسوة المصرية من جديد رغم رفض المحمل على الصعيد الرسمى,. وظلت هذه المواكب تشق طريقها كل عام فى شوارع القاهرة حتى عام 1952 م حيث تم وقفها نهائيا بقرار حكومى. المصادر: (1) السمعانى: كتاب الأنساب، تحت كلمة المحاملى. (2) J.Jomier: le Mahmal et la caravane Egyptenne des pelerins de la Mecque (Xiii - xx siecles), Caire 1953 (3) عبد القادر الأنصارى الجزرى: الدرر الفرائد المنظمة فى أخبار الحج وطريق مكة المعظمة. النسخة الكاملة طبعتها المطبعة السلفية فى القاهرة 1384 م. وشغل الكاتب منصب الكاتب الرسمى لديوان الحج فى القرن العاشر الهجرى (السادس عشر الميلادى). لبنى الريدى [بول ج. جومير J. Jomier و Fr. Buhl] مخا المُخا ميناء على ساحل البحر الأحمر فى تَعِزّ بجمهورية اليمن، ويفسر "لاندبيرج الاسم" بأنه يقصد به "الموضع الذى توزع عنده المياه" ويقول الأهالى إن "المخا" تأسست على يد الشيخ على بن عمر الشاذلى المتوفى سنة 821 هـ والذى يزعم الناس أنه قدم مشروبا (قالوا هو القهوة) كدواء لناخوذة هندى كان مريضا فشفى فذاعت شهرة هذا الشراب فى سرعة عجيبة، [وبلغ من تقدير الناس للشاذلى] أن بنوا فوق قبره مسجدًا فاجتذب إليه الكثيرون، وسُمِى رافد الماء الرئيسى فى المخا، والبوابة الفريدة إلى

الداخل باسمه. على أن بعض المصادر الأخرى -ولعلها أكثر دقة مما سبق- تقول إن "القهوة" دخلت بلاد العرب من الحبشة على يد "ازدمير باشا" فى القرن العاشر الهجرى (السادس عشر الميلادى)، وقد يقال إنها دخلتها من فارس عن طريق عدن، وخلفت "المخا" اسمها على نكهة القهوة. ولما كانت سنة 590 م أصبح الساسانيون بقيادة وهريز أصحاب الأمر فى المخا وظلوا مسيطرين عليها حتى فتح المسلمون اليمن سنة 8 هـ (= 629 م). ولقد ظلت "المخا" حتى مستهل القرن العاشر للهجرة (السادس عشر للميلاد بلدة ليست لها أهمية كبرى، ولم يرد لها ذكر عند أبى الضدا أو ابن بطوطة أو ياقوت، أما عمارة فلم يذكرها إلا مرة واحدة باعتبارها موضع استراحة يتوقف عنده المسافرون وهم فى طريقهم إلى "تهامة" فيما بين عدن ومكة. على أن الهمدانى فى كتابه صفة جزيرة العرب لم يذكرها بين مدن تهامة، وإنما كان كل ما أشار إليه هو أن الوادى المعروف بوادى الغَصِيد ينتهى إلى البحر شاقا "الموزع" وعبر "المُخا"، كما أننا نجد من ناحية أخرى أن المقدسى من أهل القرن الرابع الهجرى (العاشر الميلادى) يتكلم عن مدينة تنتج زيت السمسم، كما يشير إلى أن العنبر كان يوجد على طول الساحل بين عدن والمخا. ونسمع أنه فى سنة 1507 م بعث السلطان المملوكى قنصوه الغورى حملة بقيادة الأمير حسين مشرف الكردى حاكم جده لمساعدة محمود شاه والى ججرات لقتال البرتغاليين وأن هذه الحملة توقفت عند "المخا"، ولم يرد ذكر الميناء إلا مرة واحدة عند "دى باروس" إلّا أنها أخذت تزداد أهمية بعد أن هاجم "البوكيرك" ميناء عدن سنة 1513 م وبعد أن ظهر الترك العثمانيون فى البحر الأحمر، إذ اعتبروا أنفسهم خلفاء المماليك فى المناطق التى كانوا أصحاب النفوذ فيها, ولقد أخذت "المخا" تحتل مكانة عدن لاسيما بعد أن وقعت عدن فى قبضة العثمانيين وتدهورت تجارتها، كما أن "محمد باشا" زاد فى سنة 1538 م فى تحصين قلعة "المخا" التى كانت آخر معقل عثمانى على

التراب اليمنى، على أن "نيبور" الرحالة وصف منذ أكثر من قرنين من الزمان أسوار المدينة والقلعتين اللتين تحميان الميناء، ولقد كانت "المخا" خلال القرن العاشر الهجرى (السادس عشر الميلادى) وقبل وصول الأوروبين موضعا يرتاده التجار من كثير من نواحى الشرق الأوسط والهند التى كان تجارها يتاجرون مع الوافدين بحرا من السويس أيام هبوب الرياح الغربية فى شهر أغسطس ويعودون إلى بلادهم مع الخريف، وكانت "المخا" تصدر القهوة البن وزيت الصبار والبخور والسنابكى والعاج وتستورد عرق اللؤلؤ والذهب وبعض المعادن الخام مثل الحديد والصلب والرصاص والبنادق والمنسوجات. وفى سنة 1013 هـ (= 1604 م) استعملت تركيا الجنرال العثمانى سنان باشا الكخيا واليا على اليمن، فقام ببعض الأعمال الهامة العظيمة وظل هناك حتى مات بالمخا ودفن إلى جوار الشيخ الشاذلى. ولقد ذاع صيت المخا ذيوعًا كبيرا فى شمال وغرب أوربة بظهور الإنجليز والهولنديين، فقد كتب الإنجليزيان جون جوردان ووليام ريفيت تقريرا لحكومتهما ذكرا فيه أن "مبانى المخامهدمة كل التهديم وإنها فى حاجة قصوى للترميم", ومع ذلك فقد ارتفعت دخول الجمارك العثمانية من الميناء حتى بلغت سبعة وثلاثين الف جنيه إنجليزى فى سنة 1611 م، وكان سير هنرى ميدلتون قد البحر قبل ذلك بعام إلى المخا والقى القبض عليه ولكنه فرّ من الحبس، ثم عاد مرة أخرى واستولى على بعض السفن الججرانية وشاركه فى هذا العمل "جون ساريس" الذى حصل على إذن عثمانى بالمتاجرة هناك، كما أن سير "توماس رو" وهو أول سفير انجليزى إلى بلاط أسرة المغول فى الهند طلب إرسال سفينة واحدة من سفن اسطول الهند الشرقية إلى البحر الأحمر كل سنة، كما قام المستكشف "بافين" برسم خرائط للناحية، وعلى الرغم مما قوبل به اقتراح "رو" من الامتعاض فى "سوران" ولدى حكومة المغول، إلّا أنه

قامت تجارة وإن كانت غير منتظمة وساعد على عدم انتظامها قيام حرب اليمن للاستقلال عن الدولة العثمانية. وحدث فى أثناء زيارة التاجر الهولندى "بيتر فان بن بروك" للمخا سنة 1616 م أن وصلت قافلة مؤلفة من ألف جمل، ولما عاد من صنعاء تاجر معهم وكان ربحه كبيرا فى الميناء ثم ترك فى سنة 1620 م بضاعة فى عدن حيث نقلتها إلى المخا السفن الشراعية المعروفة باسم "الدهو"، ثم هاجمت السفن الهولندية بعض القوارب القادمة من الهند، وحينذاك ألقى العثمانيون القبض على ربابنة هذه السفن الهولندية وصادروا بضائعهم الموجودة بالمخا انتقاما وتعويضا عمَّا حدث، ولقد أفاض سارجانب فى كتابه The Portuguere off the santh Orabran Caost فى ذكر هجوم الهولنديين على "المخا". على أنه لا يرد ذكر للفترة فى مبيعات شركة الهند الشرقية البريطانية حتى 1660 م على الرغم من أنها كانت تحتل الصدارة بين السلع التى تصدرها "المخا"، ولقد كانت أول حمولة من البن أرسلت إلى هولنده سنة 1663 م وإذا كانت الوكالات الهولندية تتعامل تارة فى القهوة وتتوقف تارة أخرى إلّا أنها عادت للعمل المستمر سنة 1708 م، وأذن للهولنديين بتصدير 600 بالة من القهوة سنويا وتكون معفاة من الضرائب، على أنه فى هذا الوقت كانت راخا قد أخذت فى زراعة البن. وقامت رحلة فرنسية خاصة زارت الشرق سنة 1529 م، وتلاها بعد قرن إلا قليلا (سنة 1619 - 1620 م) البحار "بيليو" الفرنسى على طول الساحل الجنوبى لبلاد العرب، وحدث بعدئذ أن أراد "كولبيوت" إحياء التجارة فى حوض البحر الأحمر معتمدا على مساعدة العثمانيين له، كما أراد إقامة قناصل فى موانيه ولكن لم يتحقق شئ من مشاريعه، وفى سنة 1708 - 1709 م, 1711 - 1713 م أرسلت شركة "سنت مالوا" الفرنسية سفينتين مسلحتين إلى المخا، وترتب على ذلك قيام التجارة وفتحت وكالة فرنسية هناك، غير أن الفرنسيين غضبوا من بعض الأحداث فأطلقوا نيران بنادقهم

على المخا سنة 1737 م، وعلى الرغم من أن القهوة كانت تباع فى فرنسا بما يقرب من ضعف ثمنها فى بلاد العرب إلّا أن تجارتها لم تكن مربحة. كذلك قام لفترة من الوقت فى المخا فى القرن الحادى عشر الهجرى بيت تجارى هولندى، وأبحرت إليه بضعة سفن من ميناء "أوستنلر". ولما كانت سنة 1620 م هاجم الإمام الزيدى المؤيد باللَّه محمد بن القاسم مدينة المخا التى كان للعثمانيين فيها حامية منذ سنة 1609 م تقدر بمائة رجل، غير أن نيران البنادق العثمانية أخذت تنهار عليهم من الأسطح والسفن الراسية فى الميناء، وجاءت من مصر نجدة عثمانية ففر المهاجمون الزيديون واستطاعت قوة عثمانية مشتركة فى البر والبحر بقيادة "أحمد قانصوه" من استرداد تهامة سنة 1630 م، غير أنه لما عاود الإمام مهاجمتها سنة 1635 م جلا عنها العثمانيون على شروط اتفق عليها بين الجانبين، منها جلاء العثمانيين عن كل من المخا وزبين وكمران للأمام وظل الميناء فى أيدى الزيدية حتى عام 1849 م. وقد أدى فتح حضر موت إلى أن أصبح الزينون يواجهون قوة عثمان البحرية القوية، حتى إذا كان 1079 هـ (= 1669 م) هاجم العثمانيون ساحل عدن والمخا، التى كان واليها فى هذه اللحظة الحسن بن المُطهر الجرموزى مؤلف "السيرة المتوكلية" وقد ترجم له الشوكانى فى كتابه "البدر الطالع". وفى مارس 1661 م أبحرت "بارى صاحبة" ملكة "بيجايور" الأرملة حاجَّة على ظهر سفينة هولندية حتى إذا بلغت السفينة المخا لم يؤذن لها بمتابعة الرحلة إلى أن تتهيأ جميع السفن الإسلامية للمغادرة، فشكى الهولنديون إلى الإمام المتوكل على اللَّه اسماعيل. ونعود مرة أخرى إلى كتاب سيرجنت فنقول إنه فصل العلاقات بين العثمانيين والبرتغاليين والانجليز والهولنديين من ناحية ومن مكان المخا من ناحية أخرى، ولما كانت سنة (1107 هـ = 1695 م) أرسل الإمام الناصر محمد والمعروف بصاحب المواكب إبراهيم باشا إلى ميناء زيلع الأفريقى الذى كان تابعا منذ سنة

1630 م لولاة المخا، وقد بنى هناك ثغر كبير وجامع ومسجد وكان العبيد يرسلون منه إلى الثغر اليمنى، وقام المنصور باللَّه الذى أعلن نفسه إماما سنة 1128 هـ (1716 م)، إلى المخا لينوب عنه فى مراقبة الدخول. وذكر نيبور أن فى أيامه (1763 م) كانت تأتى كل سنتين سفينة من سفن شركة الهند الشرقية البريطانية لتأخذ حمولتها من القهوة، على حين كان الهولنديون قليلا ما يأتون، ولم يحضر الفرنسيون إلى هناك على مدى سبع سنوات، أما البرتغاليون فلم يحضروا زمنا طويلا. كانت الضرائب المفروضة تقدر 10 % وكانت تدفع فى الميناء، ويدفع منها الأوربيون 3 % فقط، ثم أذن لهم فيما بعد بترك بضاعتهم فى مستودعات خاصة بهم، أما 7 % الباقية فكان يقوم بسدادها العرب المشترون، كذلك كان يدفع الأوربيون رسوما قدرها 3 % للبن المبدع، وعلى الرغم من أن الحصار الاقتصادى الذى فرضه البرتغاليون على جنوب شبه الجزيرة العربية فى القرن السابع عشر قد أدى إلى تدهور النشاط فى صناعة الزجاج فى عدن، إلا أننا نجد "نيبور" يتكلم عن إنشاء مؤسسة حديثة جدا لمصنع زجاجى فى المخا، والتى مات بها رفيقه "فون هاجس"، أما هو فقد أبحر من المخا إلى الهند. وجاء فى سنة 1801 م سير "هوم بوفام" زائرا المخا فى محاولة منه لإعادة الحركة التجارية الكبيرة التى كانت بين اليمن وشركة الهند الشرقية الانجليزية، ولما ألقى الفيكونت فالنتيا مراسيه عند المخا سنة 1801 م شاهد المنارات الثلاث العالية وقبة المسجد الرئيسية إلى غيرها من القباب ودار الرئيس وقصر الحريم الكبير الذى كان العثمانيون قد شيدوه، ويستدل من وصفه للمدينة على أنها كانت فى طريقها إلى الانهيار، وكان هناك كثير من اليهود الذين يصنعون عصير التمر ونبيذ البلح ويبيعونها إلى التجار الأوربيين الذين كان أغلبهم يسلك سلوكا شائنًا حتى بعد إسلامهم وأصبحت السفن الأمريكية تزور الميناء،

ولكن تجارة البن أخذت فى التضاؤل، ويرجع تدهور المخا فى القرن التاسع عشر إلى ظهور عدن، وظهر هذا التدهور فى أن أصبح سكانها ألف وخمسمائة بعد أن كانوا عشرين ألفًا. وحدث فى سنة 1832 م أن حّرك السلطان العثمانى محمد أغا الملقب بتركشى بلمز (أى الذى لا يتكلم التركية) وكان من ضباط قوات محمد على باشا، الحجاز- أفول حركة للتمرد على مولاه الباشا فسلط نيران مدفعيته على المخا والحديدة وزبيد وغزاها كلها، وحينذاك قامت قوات عثمانية مصرية بحصار المخا وعاونها فى هذا الحصار الشريف حسين بن على من أبى عريش وكذلك بنو عسير وهاجموا كلهم الميناء برا, ولما كانت السنة الثالثة قام إبراهيم باشا (القائد المصرى العثمانى)؛ وأرغم بنى عسير على تسليم المخا إليه بعد طرده محمد أغا، ومع ذلك فقد انسحب المصريون منها سنة 1840 م واستعادها الإمام المنصور على فى السنة التالية لكن ما لبثت المخا أن سقطت بعد قليل فى يد الشريف حسين الذى حكمها نيابة عن الباب العالى لقاء جزية سنوية قدرها سبعون ألف ريال يدفعها لباشا مصر، ثم عاد الإمام المتوكل محمد بن يحيى بفتح المخا وبيت الفقيه وزبيد، إلا أن العثمانيون تمكنوا فى سنة 1849 من احتلال المخا التى ظلت فى أيديهم حتى قيام الحرب العالمية الأولى. وصارت المخا بعد الحرب العالمية الثانية "قضاءٌ" من أقضية "تعز" التى أصبحت مقسمة إلى. . المخا، والمقبرة". ولقد تعرضت "المددينة" وما حولها إلى كثير من الزلازل فى تاريخها، فيذكر الخزرجى أنها قاست فى يوم واحد من أيام سنة 796 هـ (= 1393 م) أربعين هزة أرضية، وإذا كانت شوارعها ضيقة إلا أن بعض مساجدهما لا تزال تجذب الأنظار بسبب منائرها الشامخة الارتفاع، وضريحى الشاذلى والشيخ العمودى الموجودين خارجها، وأصبح عدد سكانها فى سنة 1970 م يقدر بخمس وعشرين ألف نسمة. مها سيد معبد [أ. فان دونزيل Von Dontzel]

مخزوم، بنو

مخزوم، بنو بطن من بطون قريش حاز مكانة بارزة فى مجتمع ما قبل الإسلام فى مكة، ومعظمهم ينحدر من المغيرة بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم. وتشير الروايات إلى دخولهم فى حلف مع بطون عبد الدار وسهم وعدى فى القرن السادس الميلادى، وفى نهاية هذا القرن أصاب هشام بن المغيرة مكانة بارزة فى الحياة السياسية بمكة حتى وصف بأنه قريشى، وقيل إن قريشًا اتخذت من وفاته بداية لنظام تأريخى لها (انظر الأنساب للبلاذرى والكامل للمبرد)، وقيل كذلك إن وفاة أخيه الوليد بن المغيرة هى بداية هذا التاريخ, ويبدو أنهم أثروا من التجارة مع اليمن والحبشة. وكان زعيمهم عمرو بن هشام بن المغيرة (أبو جهل) على رأس معارضى الدعوة الإسلامية فى مهدها ولعب دورًا كبيرًا فى فرض القاطعة على بنى هاشم (616 - 618 م) كما كان الوليد بن المغيرة ممن نعتهم القرآن الكريم بالمستهزئين. وفى معركة بدر أصيبوا بخسارة فادحة حيث قتل منهم سبع أو ثمانية، من بينهم أبو جهل. ومع ذلك كان منهم ثلاثة قاتلوا فى صفوف المسلمين فى تلك الموقعة من بينهم الأرقم بن عبد مناف. وفى السنوات التالية أسلم بعضهم وهاجروا إلى المدينة، ومنهم خالد بن الوليد، الذى قاد قريش إلى نصرها فى أحد، ومع هذا، ظل زعيمهم عكرمة بن أبى جهل على عدائه للإسلام حتى فتحت مكة، ففر إلى اليمن، ولكن الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] عفا عنه بعد ذلك، فدخل فى الإسلام وشارك فى حروب الردة وحركة الفتوح الإسلامية، كما شارك غيره من بنى المخزوم فيها، ومن أبرزهم خالد بن الوليد والحارث بن هشام، الذى زوج ابنته للخليفة عمر بن الخطاب، ورغم هذا، ورغم أن عمر بن الخطاب نفسه كان ينحدر من جهة أمه من بنى مخزوم (من المغيرة) لكنه فرض له عطاءً قليلًا بسبب تأخره فى دخول الإسلام، مما أحنقه، فتوجه بأهله إلى الشام حيث استشهد بعضهم فى القتال وتوفى بعضهم الآخر بالوباء الذى اجتاح تلك المناطق.

المصادر

ولكن معظم المخزوميين ظلوا مقيمين فى مكة والمدينة بالحجاز، وانحاز بعضهم إلى طلحة والزبير فى صراعهم مع على بن أبى طالب وشاركوا فى موقعة الجمل، ثم أيدوا معاوية ضد على، وكان عبد الرحمن بن خالد بن الوليد حامل راية الجيش الشامى فى موقعة صفين، ومع هذا، لم يعد انتصار بنى أمية عليهم بالكثير، لأن صلات نسبهم كانت أقوى مع الزبيريين وبنى عثمان والحكم منها مع بنى سفيان، ثم توترت العلاقات بين الفريقين بعد أن راجت دسائس حول وفاة عبد الرحمن بن خالد بن الوليد مسمومًا بأمر من معاوية الذى خشى من شعبيته المتزايدة التى اكتسبها من انتصاراته على الروم. وانضم المخزوميون، باستثناء الحارث بن خالد، إلى ثورة ابن الزبير على الأمويين، مما أثر على مكانتهم ونفوذهم كثيرًا بعد قمع تلك الثورة. ورغم أن عبد الملك بن مروان رأى أنه من الحكمة أن يبدى لهم شيئًا من اللين، فقربهم منه وولى الحارث بن الخالد على مكة وهشام بن إسماعيل على المدينة، ثم تزوج من ابنته التى أنجبت له ابنه وخليفته هشامًا، ورغم أن هشامًا هذا برّ بخاليه إبراهيم، ومحمد وولاهما على المدينة، لكن الخلفاء التالين قلبوا لهم ظهر المجن، وقد اعتقل إبراهيم ومحمد وعذبا حتى الموت فى عهد الوليد بن يزيد. ومع اضمحلال دورهم السياسى، تحولوا إلى نوع من الأرستقراطية المحلية، واتجه الكثيرون منهم إلى التفقه فى الدين، حيث يورد لنا الطبرى قائمة بالمحدثين منهم. وفضلًا عن ذلك توجد دلائل تشير إلى توثق الصلة بينهم وبين العلويين فى مطلع العصر العباسى، خاصة وأن أم إدريس بن عبد اللَّه، مؤسس أسرة الأدارسة فى المغرب فى نهاية القرن الثامن الميلادى كانت منهم. المصادر: بالإضافة إلى أمهات الحوليات العربية كتاريخ الطبرى والكامل لابن الأثير وكتب الأنساب كالبلاذرى وابن دريد, انظر:

المصادر

Schwarz: Der Diwan des cumat ibn Abi Raboa 1 - 33, 2 s p. 9 - 12 سامية سالم [م. هندس M.Himds] المخزومى أبو الحسن على بن عثمان القرشى، وهو قاض شافعى مصرى ينحدر من بنى مخزوم، وتولى فى عهد الفاطميين ديوان الخراج، وترك مؤلفًا هامًا عن نظم الإدارة المالية فى مصر فى ذلك العصر ظل مجهولًا حتى اكتشف مؤخرًا فى المتحف البريطانى واسمه "المنهاج فى علم الخراج" وهو شبيه بقوانين الدواوين لابن مماتى، ولكنه يركز على الأنشطة المادية الملموسة لوظفى ديوان الخراج، وتنبع أهميته من وصفه الدقيق للإجراءات المالية والأنشطة الاقتصادية للموانى المصرية فى ذلك العصر، كما أنه خصص فى كتابه فصلًا عن الجيش وآخر عن العملة المصادر: C i. Cahen: Makhzumiyyat, Leiden 1978 سامية سالم [م. هندس M.Himds] المدائنى على بن محمد بن عبد اللَّه بن أبى سيف، أبو الحسن، مؤرخ عربى، ولد عام 135 هـ/ 752 م ولا يعرف عن حياته إلا القليل. كان من أتباع سمرة ابن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف، أى الصحابى عبد الرحمن بن سمرة، وطبقا لما ورد فى الفهرست صفحة 101، فقد كتب المدائنى رسالة عنه. كان المدائنى تلميذا لمعمر بن عباد السلمى (ت 215 هـ/ 830 م) المعتزلى الذى عاش فى بغداد. كما وجد فى الموسيقى العالم اسحق بن إبراهيم الموصلى (ت 235 هـ/ 850 م) صديقا ونصيرا، ويقال إنه توفى فى منزله. وتختلف الأقوال فى تاريخ وفاته فى بغداد، وأرجح الأقوال أنه توفى عام (228 هـ/ 843 م). كتب المدائنى، أكثر من 200 عملًا. وتتناول أهم أعماله موضوعات تاريخُية من بداية الإسلام إلى عصره. ولم يقتصر اهتمامه على مغازى الرسول (عليه الصلاة والسلام) فحسب بل امتد إلى معاهداته وخطبه ومفاوضاته

السلمية وبعوثه ورسائله. كما لم يكن اهتمامه بالأحداث التى حدثت فى زمان الخلفاء الأربعة الراشدين أقل من اهتمامه بتاريخ بنى أمية والعباسيين ومغازى وزواج الأشراف، وقد كتب عن أخبار الشعراء والمغنين، وتناول موضوعات جغرافية مثل المدينة وما حولها من جبال ووديان كما تحدث عن مشاهير الحمقى والخونة وعن سك العملة واستبدال المال، وعن البخل وعن المغيرة، وعن الحيوانات عمومًا والخيل بصفة خاصة. ولم يصلنا من أعماله إلا مخطوطتا كتاب المردفات من قريش وكتاب التعازى (فى جزأين). يعتبر المدائنى، فى نظر العلماء المسلمين، متخصصا عظيما فى الأخبار يعتمد عليه إلى أقصى درجة، فيقول عنه أحمد بن الحارث الخراز إن العلماء يعتبرون المدائنى خبيرًا فى أخبار خراسان والهند وفارس، كما يقول عنه المرزبانى: "من ابتغى أخبار الإسلام فعليه بأعمال المدائنى". ويعتبره أبو زكريا الأزدى حجة فى السيرة النبوية وأخبار العرب، ويضيف الخطيب البغداى: "وأيضًا فى أنساب العرب والفتوح والمغازى ونقل الشعر". ويمكننا أن نشعر بالقيمة الكبيرة لأعمال المدائنى من استشهاد العديد من علماء المسلمين به فى أعمالهم. وغالبا ما كان يذكر فى الفترة الأولى من حياته ضمن إسناد، سواء بكنيته أو نسب أو اسمه أو بابن أبى سيف، ولكنه كان يذكر بعد ذلك مع اسم الكتاب. وكان عبد القادر البغدادى من أواخر من استشهد به فى كتابه خزانة الأدب. ولم يكن اهتمام العلماء والمسلمين قاصرا على أعمال المدائنى التاريخية فحسب بل أيضا بكتبه فى الأدب والجغرافيا وعلم الحيوان والشعر. وإذا كان اهتمام المدائنى الأساسى بالتاريح يضعه فى مصاف المؤرخين، إلا أن طريقته فى العمل كانت طريقة المحدثين، فهو ينتقى من أعمال الآخرين ما يناسبه ثم يؤلف كتابه من هذه اللبنات مختلفة الأحجام، وكان فى بعض الأحيان يذكر إسناد هذه المعلومات إلى أن يصل إلى من شاهد الحدث أو عاصره، وفى أحيان أخرى

المصادر

كان يقتصر فى الإسناد على المصدر المباشر والمرجح أو الناقل. ولا يتغير هذا الأسلوب حتى فى الفقرات التى يلخص فيها أعمال الثقات أو فى أعماله الأدبية مثل كتاب التعازى فيذكر الأحداث بالتفصيل وبدون أى تعليق، ولا يهتم برونق الكلام قدر اهتمامه بالإطار التاريخى الذى تصاغ فيه الكلمات. ويلاحظ فى الفقرات المقتبسة من أعمال المدائنى أن هناك فقرات متشابهة ولكن فى نفس الوقت بينها اختلاف، ويمكن تفسير ذلك بأن المدائنى، فى حياته الطويلة كعالم، لا شك أنه راجع أعماله الأولى واستكملها فى سنوات لاحقة، ونقل كل منها كما هو, لهذا نرى المواد متداخلة وذلك لأنه كتب رسائل عن أشخاص (مثل كتاب أخبار الحجاج ابن يوسف) وكتب فى موضوعات منفصلة (مثل كتاب التعازى) الذى ذكر فيه الحجاج بن يوسف أيضا وكتب مختصرات (مثل كتاب أخبار الخلفاء الكبير). ولم يصل إلينا من أعمال المدائنى الكاملة إلا كتاب المردفات من قريش وكتاب التعازى. وقد استشهد (ت 286 هـ/ 898 م) فى كتابه التعازى بعدد كبير من فقرات كتاب التعازى للمدائنى لدرجة أنه يمكن استعادة الفقرات التى فقدت من مخطوطته من خلال هذه الاستشهادات. ذكر المؤلفون المتأخرون أسماء أعمال للمدائنى منها كتاب (الفرج بعد الشدة) وكتاب (الختم والرسل) وكتاب السمير وكتاب (الجوابات). المصادر: (1) H. A. Gibb: Ta, rikh فى دائرة المعارف الإسلامية الطبعة الأولى صفحة 252. (2) على جواد: موارد تأريخ الطبرى، فى مجلة المجمع العلمى العراقى. حسين حمد عيسى [أورسولا سزجين Ursula Sezgin] مدراس مدينة وميناء رئيسى على الساحل الجنوبى الشرقى للهند، وهى عاصمة ولاية تاميل نادو الهندية منذ الاستقلال.

1 - التسمية

1 - التسمية: أثار أصل اسم "مدراس" جدلا كثيرا، وهناك تفسيران مقبولان لهذه التسمية. يشير أولهما إلى أن "الخرائط الأولى" للمنطقة توضح أن مدراس كانت مستوطنة إسلامية ومن ثم فإن هذا الاسم مشتق من كلمة "مدرسة" العربية. وتوضح خريطة فريّر (Fryer) فى نهاية القرن السابع عشر بيت الحاكم المبنى على الطراز الإسلامى وتعلوه قبة، ويحتمل أن هذا البيت كان المدرسة ذاتها فى الماضى. غير أن الكتيب الخاص بإدارة رئاسة مدراس يقدم تفسيرا بديلا وهو أن اسم "مدراس" باللغة السنسكريتية مشتق من "مَنْدَرادْزو"، وهو اسم حاكم محلى بلغة التيلوجو. 2 - التاريخ: حتى بداية القرن الحادى عشر الهجرى (السابع عشر الميلادى) كانت مدراس مجرد قرية صغيرة يقطنها صيادون، وفى عام 1639 حصل فرنسيس داى من شركة الهند الشرقية على "قطعة أرض طولها خمسة أميال وعرضها ميلا واحدا" فى قرية مدراس الصغيرة ليبنى عليها المدينة وحصن سان جورج ولتصبح نواة لمدينة مدراس الحديثة. ظلت مدراس متابعة لرئيس مستوطنة بتنام فى جاوة حتى عام 1633, حتى أصبحت رئاسة مستقلة. وفى عام 1702 حوصرت مدراس على يد قائد عسكرى يدعى داود خان يعمل فى خدمة الإمبراطور أورانجزيب، حاكم دولة المغول الإسلامية، لكنه فشل فى اقتحامها بعد حصار استمر عدة أسابيع. وفى عام 1743 تم توسيع حصن سان جورج وتقويته، إلا أن ذلك لم يمنع لابوردونيه Labourdonnais من الاستيلاء عليه فى عام 1746. وبعد عامين، وبموجب معاهدة إكس شاييل استعاد البريطانيون مدراس، التى كانت تعد أكبر مدن جنوب الهند فى ذلك الوقت. وفى عام 1758 قام الفرنسيون بمحاولة فاشلة ثانية للاستيلاء على مدراس، حيث تم احتلال المدينة ولكن الحصين لم يسقط، وبعد شهرين، اضطر الفرنسيون إلى الانسحاب. ومنذ ذلك الحين وحتى الاستقلال فى عام 1947 ظلت المدينة بين أيدى البريطانيين.

المصادر

وتعتبر مدراس رابع أكبر المدن وثالث أهم الموانى فى الهند. وطبقا للتعداد الذى أجرى عام 1971 بلغ عدد سكان مدراس 2.469.449 نسمة منهم 210.083 مسلما. ويتكلم أغلب مسلمى مدراس لغة التاميل، ويستوى فى ذلك السنيون الذين يتبعون مذهب أبو حنيفة ولا يدعون أصولا عربية ويتمركزون فى المناطق الداخلية من تاميل نادو، أو أتباع المذهب الشافعى الذين ينتشرون على امتداد ساحل كروماندل ويدعون أن أصولهم عربية. المصادر: (1) J.T.Wheeler: Modras in the olden times. Modras 1861 (2) Monual of the administration of the Modras Presidency, Modras 1885 - 1893 in 3 vols لبنى الريدى [أ. د. و. فوربس A.D.W. Forbes] مدين شعيب مدين شعيب. مدينة فى شمال غريب الجزيرة العربية إلى الداخل من الشاطئ الشرقى لخليج العقبة ذكر الجغرافيون المسلمون فى العصور الوسطى أنها فى طريق الحج بين الحجاز والشام وأن الحجاج كانوا يتجهون عندها إلى الداخل لتجنب الشاطئ الجبلى للخليج. ويرتبط هذا الاسم بقبيلة مدين التى ذكرت فى العهد القديم، وإن كان من الصعب أن نذكر هذا من غير محاولة التعرف على الموطن الأصلى لهذه القبيلة، إذ ربما صارت هذه المدينة مستقرا لمدين فى العصور المتأخرة، بجانب صعوبة تحديد الموطن الحقيقى لهذه القبائل الرجل. على أى حال لم تذكر مدينة مدين فى العهد القديم. ولكن ذكر يوسفوس Josephus أن مدين مدينة على البحر الأرترى (الأحمر) وكذلك قال أيضا يوسبيوس Eusebins، أما بطليموس فقد ذكر مدينة على الساحل تسمى موديانا Modiana أو مودونا Modouna، بينما ذكرها فى فقرة أخرى على أنها مدينة فى الداخل أسمها ماديا ما Madiama, وهذا الاختلاف فى الأسماء يفسره اختلاف المواقع المذكورة للمدينة ولا يوجد فى عهد محمد (عليه

الصلاة والسلام) إلا إشارة واحدة فعلا إلى مدينة مدين (ذكرت فى سيرة ابن اسحق) وذلك عندما أرسل الرسول عليه الصلاة والسلام سرية بقيادة زيد بن حارثة إليها. كما وردت إشارات عارضة إليها فى شعر كُثَيّر حيث ذكر الرهبان الذين يعيشون هناك كما ورد ذكرها فى رحلة محمد بن الحنفية إلى أيله. ويقول ياقوت أن الأمير الأموى عبد الواحد بن سليمان أقام فى مدين فترات متقطعة، وكان الشاعر بن هَرْمة يزوره هناك. وبالنسبة للجغرافيين، فإن مدين مجرد مدينة قرب الساحل على مسافة ستة أيام من تبوك، وكانت المحطة الثانية فى طريق الحجاج من أيلة إلى المدينة المنورة كما كانت تتبع من الناحية الإدارية - المدينة المنورة، وفى القرن الثالث الهجرى/ التاسع الميلادى تحدث اليعقوبى عن موقعها فى منطقة غنية بجداول الماء والقنوات والحدائق والنخيل وسكانها الذين يتألفون من عدة أجناس ووصفها الإصطخرى بأنها أكبر من تبوك، ووصف ضمن مشاهداته النبع الذى سقى منه موسى عليه السلام غنم شعيب والذى كان فى ذلك الوقت فى حوزة بيت بنى عليه. وبعد ذلك أخذت المدينة فى الذبول تدريجيًا، وفى القرن السادس الهجرى/ الثانى عشر الميلادى قال عنها الإدريسى إنها مركز تجارى صغير قليل الأهمية ذو موارد ضئيلة، ووصفها المقريزى فى خططه أنها تقدم لأهلها أسبابًا متواضعة للعيش مع تجارة قليلة، كما قال إنه لازال بها مبان قديمة وأطلال. وقى القرن 19 بدأ الرحالة الغربيون مثل روبيل Ruppell وبيرتون Burton فى زيارة منطقة مدين ووصفها ميوسيل Musil وفيلبى Phiby وصفا دقيقا فى القرن الحالى، كما قام فريق بقيادة ب. ج بار P. G. Parn باستكشافات أولية لآثارها وتقع هذه المدينة فى المناطق الوسطى للوادى الأبيض (أو وادى العفال كما تسمى المناطق السفلى منه) التى كان فيها طريق الحجاج القديم إلى الجنوب، وفى الجانب الغربى من الوادى، على خط طول 28 ْ 30 َ 30 ْ،

وعلى بعد 25 كيلومترًا شمال شرق مقنا Ma kna على شاطئ خليج العقبة، يقع المكان الأثرى المسمى مغائر شعيب، وهى مقبرة كبيرة قبورها منحوته داخل حجر جيرى ناعم جدا وهش مما جعلها فى حالة أسوأ من مقابر البتراء Petra. ويعتقد موسيل وفيلبى أن هذه المقابر نبطية، وهما على حق فى اعتقادهما هذا، فالأسطح الفخارية تحمل الطابع النبطى والرومانى إلى درجة كبيرة، كما وجدت قطعة عليها نقوش أثرية بالاوتينية، كما لاحظت بعثة بار Parr أيضا مساحات كبيرة بها خرائب قريبًا من الجانب الشرقى من الوادى، ويميل أعضاء البعثة إلى الاعتقاد بأن هاتين المنطقتين اللتين تسميان الملقطة والمليحة هما مكان مدين الإسلامية. وقد أشار القرآن إلى مدين كشعب أكثر من مرة، منها ما ورد فى قصة موسى عليه السلام ومقامه معهم (طه آية 40 والقصص آية 22 وما يليها وآية 45) وما ورد فى قصص الأنبياء التى تكررت أكثر من مرة وذكر فيها عقاب أهل مدين لكفرهم نبيهم شعيب (سورة الأعراف آية 85 إلى 91 وهود آية 4 إلى 95 والعنكبوت اية 36). وقد عرف بعد ذلك أن شعيبا هو حمو موسى. وفى السور الأولى (الحجر آية 78 والشعراء آية 176 إلى 191 وحتى آية 13)، لم يذكر اسم مدين وإنما ذكر أصحاب الأيكة الذين كفروا برسالة شعيب. ويرى أ. ف. ل بيستون A. F. L أن أصحاب الأيكة كانوا من عباد الصنم النبطى ديوسارس أو ذى الشرى (وقد لاحظ ميوسيل أن الجزء الأسفل من الوادى الأبيض كان مليئا بشجيرات كثيفة) ولهذا كانوا على اتصال وثيق بمدين، وبغض النظر عن أن المفسرين قد قالوا أن شعيبا أرسل إلى قومين مختلفين، فإن ما ذكر عن رسالة شعيب فى السور المكية يمكن أن نعتبره موجهًا إلى قوم لهم دراية بعبادة ذى الشرى فى شمال غرب الجزيرة العربية من خلال الصلات التجارية، أما ما ورد فى السور المدنية فهو موجه إلى قوم لهم دراية بوجود مدين بصفة عامة.

المصادر

المصادر: (1) اليفى فى REJ العدد 54 صفحة 45 وما يليها. (2) ابن هشام: طبعة فستنفلد صفحة 516 إلى 517. (3) الإصطخرى جزء 12 صفحة 20. (4) اليعقوبى: البلدان صفحة ترجمة وايت صفحة 199 - 200. حسين أحمد عيسى [ف. بول F.Buhl س. ى. بوسورث C. E. Bosworth] المدينة الزاهرة المدينة الزاهرة مدينة أسست عام 336 هـ/ 978 م لتكون مقرًا للمنصور ابن أبى عامر على شاطئ نهر الجواد الكبير قريبًا من قرطبة وإلى الشرق منها. لم تعمر هذه المدينة طويلًا إذ دمرت تماما عام 339 هـ/ 1009 م. فى زمن ثورة محمد الثانى المهدى على عبد الرحمن سانشويلو وتدل بقايا هذه المدينة على أن مبانيها كانت من مواد متوسطة. حسين أحمد عيسى [م. أوكانيا خيمينير M. Ocana Jimenez] المدينة المنورة المدينة المنورة هى مقر الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] بعد الهجرة، وهى واحدة من المدن ذات القداسة عند المسلمين. تقع فى الحجاز بالمملكة العربية السعودية عند خط عرض 28 َ 24 ْ شمالًا وعند خط طول 36 َ 39 ْ شرقًا. وتبعد عن البحر الأحمر حوالى 160 كيلو مترا، وتبعد عن مكة المكرمة حوالى 350 كيلو مترا إلى الشمال. لقد تطورت المدينة من مجرد واحة مستوية بين جبل أحد فى الشمال وجبل عير فى الجنوب. أما إلى الشرق والغرب منها فثمة حرَّان وهو اللفظ العربى الدال على مساحات تغطيها مقذوفات البراكين. وثمة مسيلات (أودية أو أحجار تكونت بفعل جريان الماء) تعبر الواحة من الجنوب إلى الشمال، ولا تكون هذه المسيلات عامرة بالماء إلا عقب هطول الأمطار، وبالمدينة عدد كبير من الآبار والينابيع، وإذا نزل المطر مدرارًا جعل من منطقة المناحة الواقعة فى الوسط -

تاريخ المدينة حتى سنة 1926 م

بحيرة، وتسببت السيول فى هدم بعض الأبنية، وفى عهد عثمان بن عفان رضى اللَّه عنه، تم تشييد سد على أحد هذه المسيلات لحماية المدينة من السيول (فتوح البلدان للبلاذرى) وسجلت كتب التاريخ حدوث فيضانات مدمرة فى أعوام 40 هـ/ 660 م و 116 هـ/ 734 م, و 156 هـ/ 722 م. ومياه بعض العيون والآبار مالحة لا تستساغ، لذا فقد أمر عدد من الولاة والحكام بمد قنوات لمد المدينة بالمياه المستساغة من آبار وعيون تقع إلى الجنوب منها. وتتكون تربة المدينة من رمال مالحة وكلس وطمى طفلى، وهى تربة خصبة خاصة فى الأنحاء الجنوبية، وكانت المدينة معروفة بنخيلها الوافر منذ ما قبل أيام محمد صلى اللَّه عليه وسلم، كما كانت معروفة بزراعة الحبوب، وبعد ذلك عرفت المدينة زراعة البرتقال والليمون والرمان والموز والخوخ (الدرّاق) والمشمش، وشتاء المدينة بارد قليل مطره، وصيفها حار لكنه قلما يكون محرقًا ممعنًا فى قسوته. وكان هواؤها فى أزمنة مضت منعشًا. لكنه -فيما يقول البلاذرى- سبب للحمّى (Wensinch: Mohammed en de Joden, 31 Goldzihen, Muh. stud. II. 234) وكان الأمويون يسمونها (الخبيثة) وهذا اللفظ مقابل (معاكس) للاسم الذى أطلقه الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وهو طيبة (¬1) (Goldziher. op.cit,II). تاريخ المدينة حتى سنة 1926 م: كانت تسمى قبل الإسلام يثرب رغم أن السمهودى يذكر أن (يثرب) كانت تطلق -فقط- على جزء من الواحة. وقد ورد اسم يثرب فى القرآن الكريم مرة واحدة {وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا. . .} سورة الأحزاب الآية 13. وقد أشار بطلميوس وستيفانوس Stephanus إليها باسم يثريبا Iathrippa، كما وردت فى ¬

_ (¬1) ربما كان هذا اللفظ القبيح الذى أطلقه الأمويون -إن صحت الرواية- مرتبطًا بظروف سياسية معينة، وانقهى اللفظ القبيح بعدها, لأن المدينة المنورة طيبة الطيبة تحظى بكل الاحترام والحب من كل المسلمين الذين يُرددون ذكرها بقولهم "على ساكنها أفضل الصلاة والسلام" المترجم

النقوش المعينية بدون تحريك يثرب Ythrb. أما لفظ المدينة فيعنى -عامة- موطن الحكم وهى كلمة ذات صلة بالكلمة الآرامية مدنتا Medinta, ولقد ورد لفظ مدينة فى القرآن الكريم مرات عشر كما ورد جمعها (مدائن) ثلاث مرات. وكان ورودها جميعًا -مفردًا وجمعًا- فى سياق الحديث عن الأنبياء السابقين على محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، وفى آيات متأخرة فى نزولها نسبيًا وردت لتشير إلى الواحة (المدينة المنورة المقصودة هنا) التى أصبح غالب سكانها من المسلمين سورة التوبة الآيات: 101، 102, 120, 121 وسورة الأحزاب الآية: 60 وسورة المنافقون الآية: 8). لكن هناك احتمالا ألا تكون قد أصبحت حتى ذلك الحين اسم علم لا يقصد به إلا المدينة المنورة التى نتناولها فى هذا المقال. وفى بعض مواثيق المدينة التى اوردها ابن هشام (انظر ص 341 - 344 من طبعة ابن هشام التى حققها فستنفلد) ورد اسم يثرب فقط، وهناك افتراض أن (المدينة) مجرد اختصار لعبارة (مدينة النبى) لكن هذا لا يتفق مع الاستخدام القرآنى للكلمة خاصة فى الآية الثامنة من سورة المنافقون {يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ} أما فيما يتعلق بشعراء هذه الواحة (المدينة المقصودة فى مقالنا هذا) فلم يذكرها الشاعر الجاهلى قيس بن الخطيم إلا باسم يثرب، بينما ذكرها الشعراء المعاصرون للرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] مثل حسّان بن ثابت وكعب بن مالك بالاسمين معًا: يثرب والمدينة. ولم تكن المدينة المنورة فى البداية مدينة متصل عمرانها وإنما كانت مجموعة من المستقرات المتناثرة تحيطها بساتين النخيل والحقول، لهذا فقد تم تشييد عدد كبير من القلاع والحصون لدرء الأخطار عنها، وربما يكون عدد هذه القلاع والحصون قد بلغ المائتين وكان اللفظ الدال على واحدها هو أُطُمُ (بضم الألف والطاء) وجمعه آطام أو أجُمُ (بضم الألف والجيم). وربما كانت

فكرة الآطام أو الآجام مأخوذة عن أهل اليمن وفقًا لاستنتاج المستشرق لامنس، ولا يبدو المؤرخون المسلمون المتأخرون زمنًا على دراية موثقة بالتاريخ الباكر للمدينة المنورة (انظر السمهودى، الباب الثالث، الفصل الأول) فمعلوماتهم تتسم بالتخمين غير الموثق، فالسمهودى مثلًا يذكر أن أول من زرعها كانوا هم العماليق، ويبدو منطقيًا أنه كان فى المدينة عدد من العرب قبل وصول أى من اليهود إليها, ولا شك أنه وقت استقرار الأوس والخزرج بالمدينة كان أجداد بعض أجداد هؤلاء العرب السابقين على استقرار الأوس والخزرج، تابعين لليهود، وربما فسرت لنا هذه العلاقة الوثيقة بين هؤلاء العرب واليهود، لِمَ رُفضت بعض العشائر العربية الصغيرة نبوة محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] (خطمه، ووائل، وواقف، وأمية ابن زيد، وقسم من عمرو بن عوف) ويلف الغموض تاريح يهود المدينة الباكر، فربما كان بعضهم اللاجئين القادمين من فلسطين، وربما كانوا من الذين غادروا فلسطين هاربين بعد هزيمة بار كخبه Bar Kokhba, لكن ربما كان بعضهم أيضًا من العرب الذين اعتنقوا اليهودية كدين، خاصة وأن يهود المدينة تزاوجوا مع العرب وكانت عاداتهم -اليهود والعرب- متشابهة. وعلى أية حال فإنه يتضح لنا من القرآن الكريم (على سبيل المثال: سورة البقرة، آية 44 وما بعدها) أنهم كانوا يدعون الانتساب إلى بنى إسرائيل أى أنهم من أصول عبرية، رغم حقيقة أن معظم أسماء يهود المدينة أسماء عربية، وتنسب بعض القصائد العربية الجاهلية إلى شعراء يهود، وهى قصائد يمكن تمييز بنائها الأدبى ومحتواها عن قصائد عرب الصحراء. (Noldeke: Beitrage Zur Kenntnis der poesie der alten Araber, 52 ff) وعند هجرة الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] كان فى المدينة المنورة ثلاث قبائل يهودية رئيسية هى: بنو قريظة، وبنو النضير،

وبنو قينقاع، وكانت أراضى بنى قريظة أخصب أراضى الواحة، وكان بنو قينقاع صانعى أسلحة وصاغة وتجارًا، ويعدد لنا السمهودى بالإضافة لهؤلاء اثنتى عشرة عشيرة يهودية أخرى، ويذكر لنا بعضًا منها ذات سلاسل نسب عربية. وبعد استقرار الأوس والخزرج (أحيانًا يطلق عليهما معًا اسم بنى قيلة) تلاشى النفوذ اليهودى فى المدينة ويقال: إن الأوس والخزرج قد قدما من اليمن بعد انهيار سد مأرب. وظل الأوس والخزرج هما القوى المسيطرة فى المدينة حتى قبل الهجرة بفترة طويلة، وقد تدخل اليهود فى الخلافات التى نشبت بينهما كما كان اليهود يؤازرون بعض القبائل المتحاربة ضد قبائل أخرى. لقد وصلت معلومات عن رسالة [-صلى اللَّه عليه وسلم-] إلى المدينة المنورة فى وقت باكر من ظهور الدعوة، إذ يقال: إن سويد بن الصامت الذى توفى قبل يوم بُعاث قد أسلم وقبل بالقرآن الكريم فيما يقول ابن هشام. أما أول من تحول للإسلام بشكل واضح ومحدد فهم ستة رجال من الخزرج التقوا بمحمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] سنة 620 م تقريبًا، وفى موسم حج سنة 621 م أحضروا معهم مجموعة من اثنى عشر رجلا (منهم اثنان من الأوس) أسلموا جميعًا، وفى سنة 622 م قدم للرسول ثلاثة وسبعون رجلًا وامرأتان وأسلموا جميعًا فى موسم حج هذا العام. وتعاهدوا على حماية الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وصحبه كما يحمون أهليهم. وبناء على هذا بدأ أصحاب الرسول فى الهجرة إلى المدينة فى جماعات صغيرة بلغ عدد أفرادها حوالى سبعين وأخيرًا هاجر الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وصاحبه أبو بكر فوصلا قُباء فى جنوب الواحة (المدينة) فى 12 ربيع الأول (24 سبتمبر سنة 622 م)، وقد رجب مسلمو المدينة بالمهاجرين القادمين من مكة المكرمة، أما الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فترك ناقته تبرك حيث شاءت ثم اشترى الأرض التى بركت فيها وبنى

بها مسجدًا ودارًا، ولم يقبل تبرعًا من أحد حتى لا يسخط عليه واحدة من القبيلتين المتنافستين، وربما للسبب نفسه لم يكن من بين زوجات محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] واحدة من الأوس أو الخزرج. ولاشك أن أثر التكوين الاجتماعى كان واضحًا فى الوثيقة المعروفة بميثاق المدينة (دستور المدينة) الذى ناقشه المستشرق فلهوزن Wellhausen فى مبحثه 83 - 65. Skirzen and Vorabeiten. IV وفنسنك Wenssinck فى مبحثه Mohammed en de Joden, ص 74 - 81 وكيتانى Caetani, ووات Watt فى كتابه عن محمد رسول اللَّه فى المدينة Mohammead at Madina وأفراد سيرجانت R.B. Serjeant مبحثا لهذا الموضوع The Constitution of Madina وغيرهم. ويبدو من الصياغة والتعبيرات المستخدمة أن النص الذى بين أيدينا يرجع إلى تاريخ لاحق لقضية بنى قريظة سنة 5 هـ/ 627 م، وإن كانت بعض البنود عائدة إلى بيعة العقبة الثانية (بيعة الحرب). ووفقًا لبنود هذا الميثاق فإن كل الذين يعيشون فى المدينة يشكلون أمة (جماعة متكاملة) بمعنى أن يكونوا متحالفين وفقًا للمفاهيم العربية التقليدية عن التحالف، وكان هذا التحالف يضم ثمانى عشائر محلية (ثلاث من الأوس وخمس من الخزرج) وجماعة المهاجرين القادمين من مكة المكرمة، ولقد آمنوا جميعًا بنبوءة محمد صلى اللَّه عليه وسلم، ومن هنا اختلف هذا التحالف عن التحالف الجاهلى باصطباغه بصبغة إيمانية. فقد أشار الميثاق لكل هذه العشائر والجماعات باسم المؤمنين، بالإضافة لإشارات لقدرة اللَّه سبحانه وتوحيده وعبادته وحده. وورد ذكر حوالى عشر جماعات يهودية فى بنود منفصلة تقرهم على دينهم وتعطيهم بعض الحقوق وتفرض عليهم بعض الواجبات، بل وبدا أن الوثنيين كانوا مقبولين فى هذا المجتمع الجديد إلا أن حقوقهم لم تكن واسعة، وكانوا مقيدين فى ممارسة نشاطاتهم،

ولم يكن للرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فى هذا الميثاق سوى رسول ونبى يرجعون إليه فى أمور دينهم ودنياهم، وحتى سنة 5 هـ/ 627 م كان الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] لا يصدر أمرًا إلا بعد مناقشة رؤساء العشائر الآنف ذكرهم، لكن بعد فتح مكة 8 هـ/ 630 م كان لانتصار الإسلام بشكل رائع أثره فلم يعد أحد من غير المسلمين بقادر على تحدى قراراته. وسمى أهل المدينة بالأنصار تمييزًا لهم عن القبائل الأخرى التى أسلمت ودخلت فى (الأمة) الإسلامية. وقد شهدت الفترة من هجرة الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] إلى موته سلسلة من الغزوات تزيد على السبعين كان عدد المحاربين المسلمين فيها يتراوح بين بضعة أفراد إلى ثلاثين ألفًا. وكان مقاتلو الغزوات الأولى الصغيرة من المهاجرين فقط، لكن فى غزوة بدر 2 هـ/ 624 م كان مقاتلو المدينة المنورة (الأنصار) يشكلون ثلاثة أرباع قوة المسلمين المقاتلة، وبعد انتصار بدر أصبح أهل المدينة جميعًا متقبلين لسياسة الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فيما عدا قلة من المنافقين. وبعد غزوة تبوك لم يغادر الرسول المدينة إلا ليحج حجة الوداع فى ذى الحجة/ مارس 632 م، وبعد شهرين مرض ولقى ربه فى 8 يونية سنة 632 م، ولم يكن قد أوصى بمن يخلفه إلا أنه فهم من إنابته أبابكر ليصلى بالناس أنه قد استخلفه. وقد أقام أبو بكر ومن بعده عمر وعثمان رضى اللَّه عنهم فى المدينة فأصبح من الواضح أن المدينة -فى عهودهم- كانت هى عاصمة الدولة الإسلامية، وبعد مقتل عثمان لم يحظ على رضى اللَّه عنه بالقبول من بعض الولاة، فقد فضل الشوام أن يحكمهم معاوية، كما عارض طلحة والزبير عليًا رضى اللَّه عنه فى مكة ثم فى البصرة، وغادر على المدينة إلى الكوفة فى أكتوبر سنة 656 م، ولم يعد، وهكذا حلت الكوفة محل المدينة المنورة كعاصمة، وعندما تم الاعتراف بمعاوية

المدينة من 661 م إلى 1929 م

كخليفة سنة 661 م أصبحت العاصمة هى دمشق. المدينة من 661 م إلى 1929 م: قلت الأهمية السياسية للمدينة المنورة بعد أن حلت مدن أخرى كعواصم للدولة وإن كان هذا لا يمنع من شغلها لبؤرة الاهتمام السياسى بين الحين والحين. لقد كان عدد كبير من قادة المدينة غير راضين عن تولى يزيد بن معاوية الخلافة بعد أبيه فى 60 هـ/ 680 م وبدا بعضهم متعاطفًا مع عبد اللَّه بن الزبير الذى كان ينظم المعارضة ضد الأمويين فى مكة المكرمة فأرسل يزيد جيشًا بقيادة مسلم بن عقبة المرى فعسكر فى الحرّة إلى الشمال الشرقى من المدينة وهزم جيش الثوار وأباح المدنية لعسكره الشوام ثلاثة أيام، ويبدو أن هناك مبالغة فى الفظائع التى ارتكبها جيش يزيد بقيادة مسلم بن عقبة من قبل المؤرخين المناوئين لبنى أمية، ولم ينتج عن هذه الثورة ارتفاع لشان المدينة، وإنما تضاءلت قيمتها السياسية أكثر من ذى قبل. وفى 130 هـ/ 747 م. أرسل جماعة من الإباضية المتمركزين فى اليمن جيشًا إلى الحجاز، وبعد أن هزموا جيش والى المدينة واحتلوها لثلاثة أشهر أخرجهم منها جيش قادم من الشام. وبعد قيام الدولة العباسية كانت المدينة مركزًا -لفترة يسيرة- لمعارضة الحسنيين: محمد بن عبد اللَّه النفس الذكية والحسين بن على. ومن الأحداث الكبيرة أيضًا قيام القائد التركى بغا الكبير بتأديب قبائل البدو سنة 169 هـ/ 780 م التى أحدثت اضطرابًا وفوضى فى منطقة المدينة. ومع كل هذا فقد ظلت المدينة مركزًا للثقافة الدينية، لا يمكن التقليل من شأنه. كما كانت مركزًا أقام به كثيرون من العلماء وذوى الحيثية. فحتى فى اثناء الحكم الأموى كانت المدينة محلًا مختارَا لأولئك الراغبين فى البعد عن مشاكل السياسة ومن هؤلاء عبد اللَّه بن

عمر بن الخطاب وفى المدينة أقام الحسن بن على، وزوجات الحسين وابنه محمد بن الحنفية بعد مأساة كربلاء، كما استقر فى المدينة عدد من القرشيين المكيين، واختلف الناس للمسجد النبوى ومساجد المدينة لمناقشة الأمور الدينية، ولعل أول مدرسة دينية مهمة فى المدينة كانت تلك التى أرسيت دعائمها فى المدينة رغم أن الباحث شاخت فى كتابه Origins of Muhammadan Jurisprudance يرى أنها لم تكن إلا امتدادًا للمدارس العراقية. وهناك إشارات كثيرة لفقهاء المدينة السبعة, وهم مجموعة علماء وافتهم منيتهم قبل سنة 106 هـ/ 718 م أو بعدها بقليل كان أهمهم عروة بن الزبير الذى كان أيضًا جامعًا لأحاديث الرسول صلى اللَّه عليه وسلم وكاتبًا لسيرته وكان من بين تلاميذه ابنه هشام ومحمد بن شهاب الزهرى (المتوفى 124 هـ/ 742 م) وهناك أيضًا مالك بن أنس (المتوفى 179 هـ/ 795 م) مؤسس المذهب المالكى، أما فى مجال الدراسات القرآنية فقد شهدت المدينة نافع الليثى (المتوفى 169 هـ/ 785 م) الذى اعتمدت قراءته كواحدة من القراءات السبع. ولم يبن سور حول المدينة إلا بعد أن فتح الفاطميون مصر، إذ شعر عضد الدولة البويهى باهمية ذلك خوفًا من استيلاء الفاطميين عليها. وفى سنة 557 هـ/ 1162 م بنى نور الدين محمود سورًا آخر، له بوابات وبعد الفتح العثمانى أمر سليمان القانونى (1520 - 1566 م) ببناء أسوار بارتفاع حوالى اثنى عشر مترًا من الجرانيت والبازلت كما قام بإنشاء قناة مغطاة لجلب المياه العذبة للمدينة من الجنوب، وقد قام السلطان عبد العزيز (1861 - 1876 م) بزيادة ارتفاع هذه الأسوار بمقدار خمسة وعشرين مترًا. وتعرضت المدينة سنة 654 هـ/ 1256 م لتأثير انفجار بركانى وهزات أرضية لكن المقذوفات البركانية اتجهت شرقًا فشمالًا، وبذلك لم تصب المدينة بسوء، وفى سنة 1804 م. استولى السلفيون الإصلاحيون

المصادر

(الوهابيون) على المدينة فمنعوا زيارة قبر الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] (المترجم: منعوا التوسل إليه باعتبار ذلك شركا) كما جردوا القبر مما عليه من حلى وجواهر (المترجم: باعتبار ذلك بدعًا)، وفى 1813 استعادها طوسون من السلفيين، وفى 1908 م أنشأ العثمانيون سكة حديد الحجاز لتصل المدينة بدمشق لتسهيل الحج رغم استخدامه لأغراض عسكرية وعلى أية حال، فإن قوات فخرى باشا العثمانى ظلت فى المدينة حتى نهاية الحرب العالمية الأولى سنة 1918 م وفتح ابن سعود الحجاز سنة 1924 م وبذلك أصبحت المدينة جزءًا من المملكة العربية السعودية. المصادر: (1) السمهودى: وفاء الوفا. (2) ابن هشام: السيرة، تحقيق Wustenfeld, جوتنجن 1859, 1860 م. (3) الواقدى: المغازى تحقيق مارسدن جونز. (4) البلاذرى: فتوح البلدان، تحقيق De Goeje ليدن 1866 م. (5) المقدسى: أحسن التقاسيم. (6) ياقوت الحموى: معجم البلدان، تحقيق Wustenfeld ليبزج 1866 - 1873 م. (7) Burckhardt: Travels in Arabia. London, 1929 وقد ترجم إلى العربية فى ثلاثة أجزاء: د. عبد العزيز الهلالى ود. عبد الرحمن عبد اللَّه الشيخ. بيروت، دار التعائس (مع تعليقات وشروح). (8) R. F. Barton: Personal Narratian of a pilgrimage . . London, 1857 (9) A. J. Wensinck: Mohammed en de Joden to Medina. Leiden, 1908 (10) J. Sauvaget: la Mosquee de Medine, Paris, 1947 (11) W. M. Watt: Muhammad at Medina, Oxford, 1956 د. عبد الرحمن الشيخ [و. مونتجمرى. وات W. M. Watt]

المرابطون

المرابطون 1 - أصلهم وتاريخهم فى الشمال الإفريقى: حدث فى النصف الأول من القرن الخامس الهجرى (= الحادى عشر الميلادى) أن شيخًا ورعًا من أهل جدالة الذين أقاموا نواحى "الساقية الحمراء" و"توارزا" بموريتانيا، حج إلى مكة وكان يعرف بالجوهر بن سكوم وفى طريق عودته التقى فى القيروان بمدرس الفقه المالكى أبى عمران الغفجومى الفاسى الذى نصح الفقيه بزيارة "وجَّاج بن زَلوى اللَّمْتى" الذى كانت داره "دار المرابطين" فى "سوس" المراكشية، فزاره فأعجب وجاج من الجوهر، ورغبته القوية فى تفقيه قبيلته بالفقه المالكى، كما رأى وجاج فيه حليفًا عسكريًا قويًا وبعث به جنوبا إلى الصحراء وفى صحبته أكبر تلاميذه "عبد اللَّه بن ياسين الجزولى" الذى درس فى قرطبة سبع سنوات. أقام عبد اللَّه بن ياسين بعض الوقت بين "الجداليين"، ويبدو أنه قد توثقت المعرفة بينه وبين عائلات "لمتونة" البرفيعة الذين كان بينهم وبين "جدالة" وشيجة نسب رغم ما كان بين الجماعتين من منازعات قبلية كثيرة، والذين كانوا يتمركزون جغرافيا فى القسم الجنوبى من "أدرار" موريتانيا وفى "تَجانِت" وكان عبد اللَّه بن ياسين مالكيا مغاليًا فى مالكيته، وراح يطبق العقوبات الشرعية تطبيقا شديدا حتى لقد أفتى بجواز قتل الجوهر بن سَكّوم الذى كان أول من صحبه فى هذه الصحراء، ويصف كل من القاضى عياض والبكرى النظام القاسى الذى فُرض على هؤلاء المرابطين الذين دخلوا فى "رباط" ابن ياسين، ويقرّر القاضى عياض فى كتابه المدارك (4/ 781) أن الجميع كانوا يطيعونه ويطيعون العقيدة التى يتبعها والتى يسير أموره هناك بمقتضاها، وأنه دوّن لهم قراراته فحفظوها عن ظهر قلب وعرفوها أحسن معرفة، وأنهم حفظوا فتاويه وردودها (على الأسئلة الفقهية)، ولازموه على الدوام وجعلهم مقيمين للصلوات وعاقب المقصّر فى أدائها فكان يجلده عشر جلدات عن كل ركعة فاتته لم يؤدّها فلم يغادروه أبدًا. هذه الإجراءات التنظيمية جعلت من الضرورى أن يعود عبد اللَّه بن ياسين ليشاور شيخة وجّاج بن زاوى، كما

يقول البكرى. وتتفق جميع المصادر (حتى التى تخالفه) على أن حركة المرابطين كانت تحركها مثالية متأصلة فى نفس ياسين؛ على أنه يستمد مما كتبه القاضى عياض أن الحركة لم تكن قد نشأت أولًا فى دار "وجاج بن زاوى" التى شيدت فى "سوس" من أجل الدراسة ومن أجل الأغراض الدينية، ويركز المؤرخون المتأخرون على نشاط المرابطين فى هذه المرحلة إلى صومعة كانت قاعدة لعبد اللَّه بن ياسين ويحيى بن إبراهيم (أو الجوهر بن سكوم) وأمراء متونة الذين انضموا إلى الحركة، ويصف لنا البكرى مدينة أسسها عبد اللَّه بن ياسين لتكون مركزا لعملياته وكانت جميع مساكنها بقدر واحد من الارتفاع وسماها بأرشننّا. وعلى الرغم مما قد حدث من تغيرات فى قيادة الصحراء إلا أن عبد اللَّه بن ياسين ظل محتفظا لنفسه بأن يكون الموجه الأعلى لكافة الأمور ولإدارة "الإخوان" السياسية والمالية، وعهد إلى مريده المخلص يحيى بن عمر اللمتونى بقيادة الجيش ولقّبه بأمير المسلمين، رغم أنه كان قد أمر ذات مرة بضربه بالسياط، وقد استبسل هذا الجيش بالرماح حتى الموت، وواجه "جدَّاله" فى اقليم "الساقية الحمراء" فى معركة أسفرت عن نصره سياسيا. ولكنها أدّت إلى انصراف "جدّالة" عن مساعدة الحركة واتخاذها موقفا معاديا لأهدافها الصحراوية والسودانية، فقد قامت لمتونة بفتح مدن الحدود الصحراوية مثل "أوْدَاغُسْت" التى كانت تخضع خضوعًا اسميا لغانة، ولقد ظل اللمتونيون حتى قرب نهاية دولة المرابطين محتفظين بالقوة فى أيديهم. ودخل معظم الصحراء -كما يقول القاضى عياض- تحت سيطرة المرابطين وكذلك ما وراء بلاد مصمودة والقبلة والسوس وذلك بعد حروب طوَيلة، استشهد فى إحداها عبد اللَّه بن ياسين سنة 450 هـ/ 1058 م، ولكن كانت حملات المرابطين فى "وادى درعة" وبلاد السوس نصرًا لهم فى المغرب وكل شمال أفريقيا. وخلفه خليفته الروحى "سليمان بن عَدُّو" (ت 452 هـ = 1060 م) وكان فقيها، وهناك فقيه آخر ذكره القاضى عياض اسمه "لمناد (أو لمتان؟ ) بن نضير اللمتونى وكان من المجددين الروحيين وظل أثره باقيا ومحل تقدير فى الصحراء حتى القرن التالى.

وقتل يحيى بن عمر سنة 447 هـ (= 1055 م) فخلفه أخوه أبو بكر بن عمر قائدًا للمرابطين فزحف إلى قلب مراكش وسقطت فى يده "أغمات" وتزوج من زينب أرملة مليكها وكانت من بربر "نفوازة" اشتهرت بجمالها وذكائها وثراها، وقد بلغ أبو بكر فى هذه مكانة القائد الأوحد للمرابطين ولحركتهم وسُكت العملة باسمه وأخضع "برغواطة" ثم ما لبث أن علم بعد قليل أن "بلجين" صاحب قلعة بنى حماد زاحف بجيش كبير ضد البلاد الواقعة فى أقصى المغرب وضد بقايا صنهاجة الموجودين فى الصحراء، فغادر أبو بكر الإقليم الشمالى كإجراء مؤقت حتى يعيد الوفاق بين المرابطين، على أنه قبل رحيله عهد بقيادة العسكر وتسيير دفة الأمور إلى يوسف بن تاشفين، وطلق زينب فزوجها ابن تاشفين سنة 453 هـ (= 1061 م) ووصلت فتوح المرابطين على يد ابن تاشفين إلى ما وراء تلمسان والمغرب الأوسط" ثم جاءت الأخبار إلى أبى بكر بمدى النصر الذى حازه قريبه فعاد إلى الشمال ليعاود قيادته للمرابطين، وحينذاك استجاب يوسف لنصائح زينب فأغدق عليه الهدايا الجمة وأفهمه من طرف خفى أنه غير راغب فى التخلى له عن رئاسة حركة المرابطين، ولم يجد أبو بكر إلا الرضوخ لهذا الأمر فما كان له من طريق سواه، ومن ثم عاد إلى الصحراء الغربية بعد أن أقام بعض الوقت فى "أغمات"، ويقال إن مهمته كانت بعدئذ فتح غانة وهداية أهلها، واختلف فى سنة هذا الفتح إذ يرجعه كتاب الاستبصار إلى عام 462 هـ, ويؤخرها ابن عذارى إلى سنة 468 هـ (= 1075 م)، كذلك يختلف المؤرخون متى كان إسلام غانة، وإن كان من المرجح الآن أنه تم فى مستهل القرن الثانى عشر وقت أن كانت حركة المرابطين تكاد تلفظ أنفاسها فى المغرب. ولما مات يوسف بن تاشفين سنة 500 هـ (= 1106 م) كانت شهرته موضع كبرياء المسلمين فى المشرق حتى أن حامد الغزالى ودّ لو أنه لقيه، وقد عهد يوسف بالسلطة من بعده إلى ولده "على" فكانت له امبراطورية شاسعة تضم كل أقطار المغرب وبعض

أفريقية وأسبانيا المسلمة، وتعاقبت ذرية يوسف بن تاشفين على عرش مراكش واحدا بعد آخر لمدة تقرب من نصف قرن من الزمان، على أنه بموت يحيى ابن غانية المسَتُوفى والى أسبانيا المرابطى، تلاشت قوة المرابطين من شبه الجزيرة. واتسم تدهور المرابطين بالسرعة ويمكن تلخيصه فى أن سقوط دولتهم حين أدركوا ألَّا فِبل لهم بمحاربة جبهتين فى آن واحَد هما: المسيحيون فى الأندلس ومصمودة فى جنوبى مراكش، ولم يستغرق سقوطهم زمنا طويلًا فقد بدأت طلائعه سنة 1121 م ثم ازداد حدة سنة 1141 م، كما أن صراعهم ضد مصمودة استمر من 1125 حتى 1147 م، وانتهى حكمهم إلا فى جزائر البليار وأفريقية وقد أشار يوسف على ولده على ألا يعمل ما يثير عليه ثائرة أهل جبال أطلس ومصمودة ولكن الخطة فشلت فشلًا ذريعا. على أنه يمكن أن يضاف إلى أسباب هذا السقوط ما كان من نزاع أخذ يشتد بين لمتونة ومسّوفة صنهاجة الذين كانوا من المرابطين وكان هذا الأمر يظهر جليا فى شرقى المغرب حيث الطرق التجارية التى تربط الأندلس لاسيما "المِرَيّة". هذا بالنسبة لتاريخ المرابطين فى المغرب وشمال أفريقية، أما فى الأندلس فيصح أن يقال أن حركة المرابطين قد تحولت من حركة أفريقية إلى حركة أندلسية، ويمكن إجمال تاريخها فى أنه بين عامى 470 و 476 هـ تم احتلال طنجة وقامت حملة ضد أشبيليه وكان يوسف بن تاشفين قد تلقى استغاثات كثيرة تدعوه للتدخل فى أعمال ملوك الطوائف والنصارى، على أن سنة 1085 م تعتبر السنة التى تقرر فيها استقرار المرابطين فى أسبانيا وذلك حين سقطت طليطلة فى يد الفونسو السادس ملك قشتالة حيث اتضح بجلاء أنه لا قدرة مطلقا لملوك الطوائف على احتواء ضغط الممالك النصرانية عليهم ومن ثم كان استدعاؤهم للمرابطين، وكان أول المستنجدين بهم ملوك أشبيلية وغرناطة وبطليدس، وبذلك أصبح يوسف ملتزما بالدفاع عنهم وتخليصهم من الضغط المسيحى عليهم،

وبذل الفقهاء والقضاة فى عواصم هذه الممالك جهدا كبيرا فى هذا السبيل مؤملين من وراء ذلك إحياء الإسلام والفضائل الأخلاقية وتخفيف الضرائب. وقد أخذ تاريخ مرابطى الأندلس منذ ذلك الحين يمر بأدوار ثلاثة هى الأزمة الأندلسية ودور الإصلاح ثم الانهيار. أما عن الموضوع الأول وهو يتعلق بظروف استدعاء الموحدين فيتلخص فى أن اختفاء العامريين من على مسرح الأحداث سنة 399 هـ (= 1009 م) أتاح الفرصة للممالك النصرانية الأسبانية للظهور بصورة المساعد الذى لم يكن سوى احتلال وتمثل هذا فى الحملات القشتالية وضياع طليطلة وفتوح "السيد Cid"، وسقوط وشقة Huesca، وسرقسطة، ولاردة وطرطوشة. هذا إلى جانب محاولات تنصير المسلمين التى قام بها من يعرف فى تاريخ هذه الفترة براهب فرنسا، وكذلك كانت هناك دوافع اقتصادية كنفقة المرتزقة وسياسية كإيجاد مناطق نفوذ للنصارى. ولقد أدت هذه العوامل المختلفة لإيجاد موقف أندلسى يطالب بسرعة العمل على وقف المتقدم النصرانى وراء حدود البلاد وإعادة النظام الإسلامى فى الداخل وتخفيض الضرائب والجباية والعودة إلى نظام الخلافة ولكن بصورة محدودة، وكان معنى هذا كله أن هناك أزمة عسكرية وأنه لا يمكن حلها إلّا فى ظل حلّ سياسى اجتماعى اقتصادى، وأدرك الجميع أن هذا الحل يتمثل فى استدعاء المرابطين ليتدبروا الأمر. أما عن الإصلاح فقد رأى الأندلسيون أنه لا يتحقق إلّا على يد المرابطين، ولذلك ما كاد خبر عبور يوسف المضيق يعم حتى بادر الفونسو السادس فرفع الحصار عن سرقسطة. كما أن انتصار "الزلاقة" كان صدمة قوية للتدخلات القشتالية الكبيرة ولقد كان مفهوم الإسلام ممثلا فيما اتبعه هو نفسه ألا وهو "تحريم الخمر، ومنع الاستماع إلى القيان، وعدم التمتع باللهو بالصيد وغير ذلك من ضروب التسلية" وأصبح كل من يوسف بن

2 - سقوط المرابطين

تاشفين وولده على لا يتخذ قرارًا إلّا وتصحبه فتوى بإجازته، وقد أدّت هذه المسائل إلى استفحال شأن الفقهاء وتطلعوا للاستحواذ على السلطة والثروة، وكانت الحركة الإصلاحية فى بادئ الأمر قد جنحت إلى تخفيف عبء الضرائب التى أصبحت تجارى ما يقضى به الشرع. وجاءت فترة -لم تكن بالطويلة- ظهر الوفاق على أتم صوره بين الأندلس والمرابطين، وبين يوسف بن تاشفين وملوك الطوائف، حتى أنه لما ذاع خبر النصر فى الزلاقة قام الأمير الزيرى عبد اللَّه وأمر بدق الطبول وتسيير المواكب احتفاءً بهذه المناسبة. 2 - سقوط المرابطين: كانت كل هذه الانتصارات حقيقة ثابتة لكنها كانت انتصارات مؤقتة، وكان المرابطون حريصين على أن يكونوا فوق المؤاخذة، وإن لهم من القوة والفعالية ما يمكنهم من احتواء الضغط النصرانى الذى أخذ فى الزيادة، وإذ كان يعوزهم المعونة الأندلسية واستخدام قوات جديدة من المرتزقة فقد وجهوا همتهم لإقامة نظام دفاعى قوى، إلا أن ترميم الحصون وإقامة حصون أخرى جديدة وتزويدها بما يساعدها على أداء مهمتها والنفقة على من بها من المدافعين. . . كل ذلك تطلب أموالًا طائلة تفوق ما يمكن أن تجمعه الدولة من الضرائب الشرعية، وقد أدى هذا إلى فقدان الفقهاء لاستقلالهم وزلزل من هيبتهم ونظرة الناس المعنوية إليهم إذ لم يعودوا لسان العامة والمترجمين عن آمالها وأغراضها، ومن ثم نسمع عن "حب المرابطين فى المال" وظهر من جديد شتى أنواع "المعاونين والوظائف واللوازم ومغارم السلطان"، وترتب على ذلك أن عم الفساد وأصبحت معايب السلطة طابعًا عامًا، على أن أشد المعايب كان ما أتصف به القادة من عدم القدرة على تنظيم قواتهم حتى أمكن لقوات دونهم حجما أن تحرز النصر عليهم فى سهولة ويسر ويتكلم المراكشى عن ظهور قطاع الطرق واللصوص والسوقة والسكارى والخلعاء، ووجد الكثيرون من هؤلاء من يحميهم ممثلين فى كبار نساء لمتونة ومسوفة على حين أن "أمير المسلمين عاكف على نسكه

وتصوفه، غير ناظر أبدًا لشئون رعيته". كذلك عانت الحركة الفكرية اضطهادا ولم يعد أمير المسلمين يكترث لأساتذة علم الكلام وأصبح المتكلم فى هذا العلم مرميًا بالكفر. ثم كانت هناك حقائق ثابتة، ذلك أنه حوالى سنة 534 هـ (= 1140 م) عمت روح من التصوف والزهد فى كل من المرية (على يد ابن العريف) وغرناطة (على يد أبى بكر محمد الميورقى) وفى اشبيليه (على يد ابن بَرَّ جان)، كما قام أبو القاسم أحمد بن قَسى بتكوين جماعة عرفت بالمريدين فى شلب، وعمّت الثورات كثيرا من النواحى فثار القاضى ابن حمدين فى قرطبة وسيف الدولة بن هود فى حبان وغرناطة، وابن وزير فى ايفورا Evora وباجة Bega بطليدس، وابن أبى جعفر فى مرسية وابن عبد العزيز فى بلنسية، وحينذاك حاول كل واحد من ملوك الطوائف أن يستقل بإمارة لا يشاركه فيها أحد، فقام ابن حمدين بالتماس العون من الفونسو السابع، والتمسها على بن ميمون فى قادش من الموحدين، وقام الفونسو السابع صاحب قشتاله باحتلال المرية وإن لم يدم احتلاله إياها سوى أشهر قلائل. كما أن ابن قَسِىّ عبر البحر إلى المغرب يلتمس المعونة من عبد المؤمن ويسأله غزو الأندلس، على أن الواقع يبين أن الموحدين قصروا نشاطهم فى سنة 540 - 541 هـ (= 1146 - 1147 م) على احتلال النواحى التى أمكنهم فيها الاعتماد على من بها وزوّدوها بالجند يحميها، أما ميمون بن جدَّار فكان الوحيد الذى أقام فى غرناطة حتى سنة 549 هـ (= 1155 م) على حين أن بنى غانية أقاموا دولة تميل إلى المرابطين وهى الدولة التى نقلت الصراع ضد الموحدّين إلى بلاد "جريد" فى تونس وذلك سنة 580 هـ. هذا موجز لدولة المرابطين فى الشمال الإفريقى وفى الأندلس ونسوق جدولًا بحكامهم: 1 - يحيى بن إبراهيم الجدّالى. 2 - يحيى بن عمر (ت 447 هـ أو 448 هـ).

مراد, بنو

3 - أبو بكر بن عمر (ت 480 هـ = 1087 م وكانت وفاته بالسودان). 4 - يوسف بن تاشفين أمير المسلمين (453 - 500 هـ). 5 - على بن يوسف أمير المسلمين (500 - 37). 6 - تاشفين بن على أمير المسلمين (537 - 539). 7 - إبراهيم بن تاشفين أمير المسلمين (سرعان ما خلع عن العرش) 8 - اسحق بن على أمير المسلمين (قتل عند استيلاء الموحدين على مراكش سنة 546). مروان حسن حبشى [هـ. ت. نوريس، ب شالميتا H.T. Nonis, P. Chalmeta] مراد, بنو بنو مراد قبيلة عربية تعد واحدة من قبائل مَذْحِج الذين يعيشون فى جنوب شبه الجزيرة العربية، وإذا أخذنا بما يقوله ابن الكلبى فى جمهرة الأنساب وتابعه فيه ابن دريد فى كتاب الاشتقاق فإن كلمة "مراد" نعت لهذه القبيلة التى "تمرّدت" قديمًا باليمن، وإن قيل إن اسم "مراد" كان فى الأصل يطلق على يُحَابر ابن مَذْحج وكان) حد أخوة عَنْس وسعد العشيرة ولكن ابن حزم فى جمهرة أنساب العرب (طبعة بروفنسال) يعتبر مراد بن مالك بن عُدَد أخًا ليحابر، وعلى الرغم من أن بنى مراد عاشوا مجاورين للحضارة العربية التى كانت فى الجنوب من شبه الجزيرة إلّا أنهم ظلوا محافظين على طابعهم البدوى، كما أن أرضهم وتعرف عادة بالجوف الواقعة شرقىّ نجران ومأرب كانت أرضا قاحلة جرداء (وقد أشار إليها الأغانى 18/ 135 فوصفها بقوله جبال مراد)، وكانت الناحية التى ينزلونها وينزلها جيرانهم الهمدانيون من أرض طىّ الذين غادروها ليستقروا فى شمال شبه الجزيرة العربية وقد عبد المراديون والهمدانيون صنمًا يسمونه "يغوث" وهناك نقش يرجع إلى سنة 522 يشير إلى أنهم كانوا خلفاء لذى نُواس فى محاربته مدينة نجران، ومن خبرهم أنه فى أخريات أيام الأسرة اللخمية بالحيرة قام الملك عمرو بن المنذر بن ماء السماء بخلع

أخيه غير الشقيق عمرو بن أسامة من مشاركته حكم المملكة ففرّ الأخير إلى قبيلة مراد الذين زعّموه عليهم إلّا أنهم وثبوا عليه فقتلوه حين طغى واستبدّ بهم، ويقال إن مصرعه كان على يد رجل تسميه المراجع بابن الجُعَيدْ كما يقول ابن الكلبى فى الجمهرة، أما ياقوت فيذكر أن مقتله كان على يد هبيرة بن عبد يغوث الملقب بالمكشوح الذى كان له ولد اسمه "قيس" تشير الأخبار إلى أنه كان من أقوى شيوخ مراد وقت ظهور الإسلام ولقد لاقى المراديون هزيمة منكرة فى هذه الحقبة بالذات أضعفتهم إلى حد كبير، وقد أنزلها بهم الهمدانيون إثْر نزاع شبّ بين الجانبين حول من يكون له الأمر فى عبارة "يغوث"، وتعرف هذه الهزيمة بيوم "الرَّزْم" وتقول الأخبار التى وصلت إلينا أنها وقعت فى نفس السنة التى شهدت غزوة بدر التى جعلت المراديين يفكرون تفكيرًا جديًا فى محالفة النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] غير أن "قيس بن المكشوح" رفض مسايرتهم فى هذه الخطة، ومن ثم قام شيخ آخر من شيوخ مراد اسمه "فروة بن مُسَيْك" وشخص إلى المدينة المنورة وكان ذلك فى السنة العاشرة من الهجرة [ويقول ابن إسحاق أن فُروة قدم على رسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] مفارقا لملوك كندة ومباعدًا لهم، واسلم، واستعملة الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] على مراد وزبيد ومذحج كلها واستعمله على الصدقة] لكن إلى أى حدّ بصدق القول بأنه عُهِد إليه بجمع زكاة كل قبائل اليمن. . ذلك ما لا نستطيع التأكّد منه، على أن حركة الردة التى تزعَّمها الأسود العنسى الذى ادَّعى النبوة فى اليمن وجدت معارضة لها من جانب المراديين وإذا كان بعض زعماء اليمن قد ساندوا النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فى مناهضتهم للأسود مما أدّى إلى فشله فإن هؤلاء الشيوخ أنفسهم وفقوا -بعد موت الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-]- زمن أبى بكر موقف العداء، وقام قيس بن مكشوح المرادى بدور رئيسى فى هذه الأحداث حتى وقع فى الأسر لكن الصّديق مَنَّ عليه بالحياة مما ترتّب عليه قيام قيس وقبيلته بمساهمة بطولية فى الفتوح الإسلامية فنراهم تارة فى الشام وأخرى فى العراق كما أن قيسًا ذاته أثبت كفاءته كمحارب فذ فى كثير من

المصادر

المواقع، ولقد فقد إحدى عينيه فى وقعة اليرموك إلّا أن خبر موته فى الحرب التى شبّت بين على ومعاوية فى موقعه صفّين ليس سوى خلط بينه وبين رجل آخر تشابها فى الاسم ولكنه من قبيلة بجيلة، ولقد لاحظ ذلك ابن حجر فى كتابه الإصابة. ونصادق بنى مراد مرة أخرى فى أحداث فتح مصر، غير أن معظمهم استقر فى الكوفة، وخرج من بينهم رجل اسمه عبد الرحمن بن ملجم هو الذى اغتال عليًا بن أبى طالب كما أنه واحد من بنى مراد هو "هانئ بن عروة المرادى" قُتِل بأمر من الوالى عبيد اللَّه بن زياد فقَد رُمِىَ عنده بتآمره مع مسلم بن عقيل للثأر للحسين بن على، وكان من الشعراء القلائل الذين انجبتهم هذه القبيلة، وكما أننا نشير إلى أويس القرنى من بنى قَرن بن ردْمان بن ناجية بن مراد وكان أحد الزهاد، ولما أطلّ القرن الرابع الهجرى (العاشر الميلادى) استقر بقية بن مراد فى "سَرْو مَذْحِجْ" كما يقول الهمدانى. المصادر: (1) ابن الكلبى: جمهرة الأنساب. (2) الأغانى لأبى الفرج الأصفهانى. (3) Rothstein: Die Dynastie. der Lahmiden مروان حسن حبشى [ج. ليفى دى لافيدا G. her Dell Vida] مراسم تعنى الاحتفالات الرسمية سواء مصحوبة بمواكب أم لا، ويتضمن المصطلح نظام التشريفات الدبلوماسية أو العسكرية (البروتوكول) وقواعده (الإتيكيت)، "بالرسوم"؛ وهنالك تسميات أخرى تقابلها كثيرًا ما تتكرر مثل: "مواسم" و"مواكب" وكلمة "مواكب" عادةً ما تحمل أيضًا المعنى العام للإحتفالات. مراسم الخلافة والفاطميين: وشعار الخلافة، وفقا لما أورده القلقشندى (فى كتاب صبح الأعشى، جـ 3، ص 269, 270) هو "الخاتَم"، والمقصود به خاتم النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، "والبُردة" والمقصود بها بردة النبى

التى كان الخليفة يلبسها فى المواكب، و"القضيب"، وهو عود قيل إن النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] كان يأخذه بيده، و"ثياب الخلافة"، و"اللون" فى الأعلام والخلع ونحوها. بالإضافة إلى "الخُطبة" و"السكة". فحين استدعى الوزير ابن الفرات، قبل اعتقاله سنة 306 هـ/ 918 م، بقليل إلى قصر الخليفة المقتدر، سأل هل يحضر بثياب المواكب أم بالدُراعة. أما الخلفاء العباسيون فيرتدون قِباء أسود "ورُصافية" سوداء (قلنسوة عَلى شكل العمامة)، وحذاء أحمر عالى الساق، ويتقلدون سيف النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] ويحتفظ الخليفة فى جانبه الأيسر بسيف آخر، وأمامه مصحف عثمان. ويرتدى الخليفة العباسى البُردة ويمسك بالقضيب. وتفيدنا مصادر التاريخ الفاطمى بمعلومات وافرة عن ملابس الخلفاء فدار الكسوة تزود الخليفة وحاشيته بها فى كل احتفال، كما تزوده بالخلع التى تمنح فى المناسبات ولقد اتخذ الفاطميون اللون الأبيض شعارًا لهم، وملابس الخليفة غالبًا ما كانت تُصنع من "الدبيقى" الأبيض، وهو قماش حريرى ناعم ولفظة "بدلة" هى أكثر الألفاظ شيوعًا للدلالة على كسوة البلاط الفاطمى وهى ثوب خاص يتألف من أحدى عشرة قطعة. ويختار الخلفاء الطيلسان الأبيض للقضاة والمشرعين خلال شهر رمضان والعيدين. ويُعتبر حق إختيار ألوان ملابس الأسرة الحاكمة امتيازًا للخلفاء ونقرأ عن خليفة فاطمى يمنح بدلته الحمراء لوزيره، ولقد كانت مجالس (جلوس) الخلفاء التى تتم فى قصر الخليفة من أكثر الاحتفالات المألوفة. ويورد القلقشندى ثلاثة أنواع للمجالس الفاطمية: المجالس العامة أيام المواكب، وجلوس القاضى والشهود، والجلوس فى مولد النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] والموالد الآخرى. ويُعد امتياز حق الركوب، حتى فى المواكب غير الرسمية، رمزًا هامًا للسلطة ويستحوذ الخلفاء على اصطبلات كبيرة، وخيول غالبًا ما تُوزع كهدايا للقواد والرؤساء من كبار رجال الدولة، وحتى فى داخل قصر الخلافة يركبها الخلفاء من موقع لآخر. ونفس

الشئ، بالنسبة للبوابات وللأبواب فهى رموز للسيادة والسلطة وهى مواقع لأنشطة الاحتفالات الهامة. وعادةً ما يركب الخليفة أو يترجل عن فرسه عند البوابة أو الباب، ويترجل كبار المسئولين فى بعض الأحيان عند بوابة القصر ويقبلونها حتى فى أوقات تواجد الخليفة. وتحت حكم كل من العباسيين والفاطميين، حظى الوزير بامتياز دخوله أسوار القصر راكبًا، وهو امتياز احتفظ به الخلفاء بالطبع لأنفسهم. ويترجل وزير الفاطميين عند أول دهليز للقصر. وعندما مُنح الأمير البويهى "عضد الدولة" لقب "تاج الملة" سنة 367 هـ/ 977 م، طلب الأمير من الخليفة الإذن له بأن يدخل صحن قصر السلام راكبًا جواده، كنوع من أنواع التمييز الذى عُرف به وضعه السامى ولقد استجاب الخليفة لطلبه، ولكنه أخذ حذره بإقامة حائل من البناء عبر باب الدهليز، ليجبر الوزير على الترجل قبل الدخول إليه. وتتركز فرصة التقرب من الخليفة فى يد "الحاجب" فهو الذى يمتلك الإذن بالدخول إلى الخليفة وحجبه عن أولئك الذين لا يعنيه أمرهم. وهو أيضًا يُشرف على ضياع الخليفة وأمانة خزانة الدولة. إلى جانب الحاجب هنالك عدة موظفين آخرين يشرفون على استعدادات وإدارة الاحتفالات ولقد استخدم العباسيون "صاحب الستر"، و"صاحب المراتب" فى هذا الخصوص. وبخصوص الفاطميين، فإن معلوماتنا مستوفاة بعض الشئ عن هذا الأمر. فصاحب الباب، الذى جُند من ضمن "أرباب السيوف" قد شغل وظائف أمين الحُجاب. هو، مع اسفهسلار الجيش، لهما أيضًا الإشراف على احتفالات المواكب. وتُزود خدمة الخليفة الخاصة بـ "الأستاذون المحفكون"، الذين يقومون بانجاز جزء كبير من مهام الاحتفالات. من هذا السلك، جاءت وظيفة صاحب المجلس (أو متولى المجالس)، الذى يضع الناس فى مراتبهم ويُبلَّغ عن الوزير عندما يكون الخليفة فى سريره، ويُدعى أيضا بـ "صاحب الستر". كذلك يقوم صاحب

الرسالة، وصاحب بيت المال، وحامل الدواة وصاحب المائدة، بمهام الاحتفال. وتتشابه مراسم احتفالات خلفاء العباسيين والفاطميين فيكون الخليفة محجوبًا خلف "سِتر" حتى يجلس الحاضرون على طبقاتهم وعلى مراتبهم ثم يُرفع السِتر ليظهر الخليفة، الذى يقوم الوزير بتحيته أولًا ثم بنظام متدرج فى الرتب يحييه كبار رجال الدولة المسئولين. ويكون الأدب فى السلام والأدب فى الخدمة بتحية الخليفة بعبارة: "السلام على (أو عليك) أمير المؤمنين ورحمة اللَّه وبركاته". على أن هذه العبارة كانت حقًا مقصورًا خاصًا لقاضى القضاة وكان العنصر الثانى وهو تقبيل الأرض، قد عُرف مؤخرًا أما فى أول الأمر، فقد اكتفى كبار المسئولين (الوزراء والأمراء) بالتحية فحسب، وكتشريف للمسئولين المقربين من الخليفة، من الممكن أن يمد الخليفة يده، المغطاة بكمه، ليقبلوها. وتقبيل الأرض أمام الخليفة هى عادة ظهرت متأخرة فى العصر العباسى. وقد حدثت انحرافات فى التقبيل، بتقبيل يد الخليفة وقدمه، وتقبيل رِكاب سرجه. واحتفل الفاطميون بستة موالد (فى بعض المصادر أربعة) مختلفة: مولد النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، مولد الحسن والحسين، مولد على وفاطمة، ومولد الخليفة (أو الإمام) الحاضر ويتم الاحتفال بالمولد تحت المنظرة التى تعلو باب الذهب، وتشتمل كثير مما تشتمل عليه ليالى الوقود بالإضافة إلى توزيع الصدقات وكمية طيبة من الطعام تُعد فى دار الفُطرة. ولقد أبطل الأفضل بن أمير الجيوش الاحتفال بهذه الموالد حين صار له النفوذ فى الدولة، لكن الخليفة الآمر أعاد الاحتفال بها حين استعاد السلطة. ولقد أعد كل من الفاطميين والعباسيين استقبالات متقنة للسفراء، وبخاصة للبعثات البيزنطية. فيركب السفراء إلى القصر ويترجلون عند بوابته، ثم يدخلون صالة الاستقبال الرسمى عبر صف من الجنود ويقف صاحب الباب ونائبه إلى جوار الخليفة، الذى يجلس على سريره، محاطًا بوزيره وأصحاب الرتب العالية من بطانته. ويصف المقريزى استقبال

فى أسبانيا الإسلامية

مبعوثين من هذه الاستقبالات فى كتابه الخطط (جـ 1، ص 403, 461)، وكذلك يصف أبو هلال الصابى فى كتابه (رسوم دار الخلافة) بالتفصيل استقبال (وارد) السفير البيزنطى. كذلك يعقد الخلفاء كل ليلة الجلوس للمظالم. ويعقد الخلفاء الفاطميين هذه المجالس فى سقيفة القصر. ولقد ورد فى كتب التاريخ أحاديث كثيرة عن تقاليد لكبار الموظفين مع منحهم خلع وألقاب. هذه التقاليد عادة ما يرد ذكرها فى سياق الحديث عن الحفلات التى يتُبع فيها نفس نظام التشريفة الرسمى. ولبعض احتفالات هذه المناسبات سماط خاص. وتُمد هذه الأسمطة خلال رمضان والعيدين، وفى بداية العام، وفى مولد النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-]. ويمتد سماط الفاطميين على طول صالة الاستقبال الرسمى، وهى تمتلئ بكل أصناف المشهيات، بما فيها تماثيل الحلوى والقلاع المسكرة. وخلال شهر رمضان، يتناوب الأمراء فى الاعتناء بالولائم كل ليلة، برغم أن حضورهم لم يكن مطلوبًا وهم، كالعادة يجلسون وفقًا لمراتبهم. ومن المظاهر المميزة لهذه المآدب أنه مسموح بأخذ الطعام خارج القصر وتوزيع الشخص له لعائلته ولا أصدقائه ووصف هذه المآدب وارد فى كتاب النجوم الزاهرة لابن تغرى بردى، وخطط المقريزى. فى أسبانيا الإسلامية ليس بين أيدينا معلومات وافيه أو مصادر مباشرة على نحو ما كان الحال عليه بالنسبة للشرق الإسلامى (رسوم دار الخلافة للصابى) فعلينا -إذن- تحليل المعلومات القليلة التى أوردتها المصادر عن البيعة أو مناسبات توقيع المعاهدات أو وصف المواكب. وفى سنة 138 هـ/ 756 م، حين حوَّل عبد الرحمن الداخل الأندلس إلى إمارة، كان هو البادئ بوضع قواعد التشريفات القرطبية. ومن هنا كان تنظيمه لحاشيته مفهومًا إلى حد ما. ووفقًا لقول المقرى (نفح الطيب، جـ 2، ص 25): فى غضن الأندلس الرطيب جعل بينه وبين الناس مساحة ولم يعد يظهر للناس علانية. لكن عبد الرحمن الثانى بتأثير زرياب هو الذى نظم قواعد التشريفات

فى إيران

الأندلسية فاتخذ سترا -أى عزل نفسه وراء ستارة- ويفيدنا ابن حيان بأنه هو الذى رتب رسوم الدولة للخدمة وقد أكد هذه المعلومات كل من ابن عذارى وابن سعيد الأندلسى. وكان هو أول من فصل وظيفة الشرطة عن وظيفة السوق وهو ما أشار إليه كل المؤرخين. وعند أخذ البيعة له فى سنة 306 هـ/ 822 م، قدّم كل إخوته وأعمامه، وأقرباؤه، ورجاله، وقضاته، وقواده، وأصحاب المقام الرفيع، والعامة البيعة له وتبعه بقية الحكام والخلفاء فى ذلك. وقد حرص خلفاء الأمويين على إظهار هيبة الخليفة. ولا يعرف شئ عن رسوم المرابطين، لكن رسوم الموحدين اثبتت أنها كانت نفس الرسوم السابقة التى اتبعت فى عهد إمارة وخلافة الأمويين فى الأندلس. فى إيران كانت عهود المجتمع الإيرانى فى معظمها إن لم تكن جميعها مفرطة فى الرسمية: فالمجتمع الايرانى فى سلوكياته، وعاداته، وملابس وأسلوب كلام كل طائفة من طوائفه محكوم تمامًا بالعُرف والعادة. فاحترام السنن والمكانة موجودان فى كل مكان. ولقد تطور فى المجتمع الإيرانى أدب كان القصد من ورائه تنظيم كل مظاهر الحياة والسلوك الاجتماعى. ولقد صممت الطقوس الفارسية لتأكيد الرهبة من الحاكم. ولقد شعر الناس بوطأة هذه الطقوس منذ أيام الأمويين وصارت واضحة تحت حكم العباسيين وتعود تقاليد المراسم الفارسية إلى القرون الأولى. ولقد كانت المظلة التى تظلل رأس الحاكم، عادة قديمة تعود على الأقل إلى أيام الأخمينيين، بينما يعود "اللواء" إلى عهد البارثيين والساسانيين، وكذلك فن ضرب (النوْبة) على شرف الحاكم عادة موغلة فى القدم. ولقد كانت الطبول وآلات أخرى يُعزف بها يوميًا عند غروب الشمس أو شروقها وفى أيام الأعياد، ويوم عيد ميلاد الحاكم والأعياد التى يتخذها. ويصطحب الحاكم معه الآلات الموسيقية فى حالة قيامه برحلة أو إقامته لمعسكر. ولقد استمرت "النقارة خانة" تُستخدم فى طهران حتى سنة 1937 وهنالك أيضًا أمر مهم تعلق بالعرش ففى القرون الأولى كان الملك يجلس على أريكة، أو

منصة عالية، وإلى جانب هذه المراسم القديمة، هنالك أيضًا مراسم إسلامية جديدة، مثل حق الحاكم فى أن يُذكر اسمه فى الخطبة وعلى السكة. أما شرف منح الخلعة، فبرغم أنه لم يكن من المراسم الملكية، ولكنه كان أمرًا متبعا عند الصفويين والقاجار، كما وجدت عادة توزيع الصرر (جمع صرة) التى تضم عملات ذهبية وفضية عند جلوس الحاكم الجديد على العرش فى بلاطه. كذلك تنثر العملات، والجواهر والأشياء الثمينة، بواسطة الحاكم وحاشيته، وفى احتفال بالنيروز (عيد رأس السنة الفارسى) تنثر الجواهر والأموال على الحضور وكان عيدى الأضحى والفطر مناسبتين شرعيتين للاحتفال العام. وكان على الحاكم، مد سماط مفتوح، وخاصةً إذا كان أتباعه ينتسبون إلى مجموعات قبلية. وكانت الاحتفالات بالأعياد شائعة أيام حكم الغزنويين، والإيلخانيين، والتيموريين. فقد اعتاد مسعود بن محمود الغزنوى باتخاذ "خوان" موضوع على المنصة التى يجلس عليها ليشرف على الجماهير، المتواجدين فى حديقة مجاورة أو فى سرادق، ويدعو كبار رجال الدولة ليجلسوا معه عند الخوان ويوزع النبيذ بالمجان خلال هذه الاحتفالات. وقد لعب المنجمون دورًا مهما فى البلاط، وبخاصة تحت حكم الصفويين والقاجاريين، فى تحديد اللحظة السعيدة لتتويج الحاكم أو لبعض تحركاته كموعد دخوله المدينة، أو تحديد "متى يجلس، متى يستيقظ، متى يغادر، متى يأكل، ومتى يأوى إلى فراشه". وحين توّج مردويخ الزيارى (ت 323 هـ/ 935 م) بتاج ذهبى، كان مُقلدًا للعادة الساسانية ولقد كان عضد الدولة البوهى محاطًا بأبهة عظيمة حين يقابل الجماهير. ويصف هلال الصابى استقبال الخليفة الطائع لعضد الدولة فى بغداد سنة 367 هـ/ 977 - 978 م والأوسمة الملكية التى منحها له سنة 368 هـ/ 978 - 979 م. ولقد طوّر السامانيون والغزنويون احتفالًا محكمًا, مستوحى من بلاط الساسانيين والبلاط الخلافى. وكانت

من عادة مسعود بن محمود أن يعقد بلاطه على منصة، فى قصر من قصوره أو فى حديقة من حدائقه. ويبدو أن عرشه كان مصنوعًا أساسًا من الخشب. ولكن هذا العرش أُستبدل فى سنة 429 هـ/ 1038 م بعرش من ذهب استغرق إعداده ثلاث سنوات. ويصف البيهقى روعة المنظر عندما إعتلى مسعود العرش، وهو مرتديًا عباءة من الحرير الأحمر مرصعة بالذهب، لأول مرة فى 21 شعبان 429 هـ/ 8 يوليو 1038 م. بينما وقف عشرة من الغلمان يرتدون أفخر الثياب على يمين المنصة وعشرة آخرون على يسارها يحملون السلاح. وحين دخل رسول الخليفة قام بالسلام على مسعود، وقام رئيس الحُجاب بوناصر، بإجلاسه فى مقعد خُصص له. وبعد ذلك سأل مسعود عن صحة الخليفة القادر، فأخبره المبعوث بموته وبعد أن خاطب أحمد بن حسن المبعوث بكلمات عربية قليلة، أعطاه إشارة بأن يسلم مسعودا خطاب الخليفة فنهض الرسول، وأخذ الخطاب وأعطاه لمسعود ثم عاد إلى مقعده ثم استدعى مسعود بوناصر لتسلم الخطاب وقرأه لمسعود الذى أمر بترجمته إلى الفارسية. وفى اليوم التالى أقيم عزاء للخليفة القادر، وارتدى مسعود وكل رجاله ثيابًا بيضاء. وأغلقت المحال وعطل الديوان مدة ثلاثة أيام. وحينما أعيد فتحها دُقت الطبول وفى الجمعة التالية قرئت الخطبة باسم الخليفة الجديد وجلس مسعود بجوار المنبر المغطى بقماش مذهب. وجلس بالقرب منه رئيس الوزراء وكبار رجال البلاط، وبعد الخطبة خصص بيت المال الملكى 10.000 دينار وخمسة أكياس دراهم حريرية هدية للخليفة. ثم أحضرت بعد ذلك هدايا أبناء مسعود، ورئيس الوزراء وكبير الحجاب وآخرين للخليفة، وغادر مسعود فى الوقت الذى قام به المستوفون بأخذ الهدايا إلى بيت المال الملكى. وبعد عدة أيام، أعُطى المبعوث خلعة، وبغلة وفرسين، أُرسلوا مع الهدايا إلى الخليفة. وفى العام التالى 424 هـ/ 1033 م، جاء مبعوث آخر من قبل الخليفة، ومعه

خادم، وأحضر خلعة من الخليفة لمسعود، الذى كان حينئذ بالرى. وحين دخل مبعوث الخليفة على مسعود قام بتقبيل يده، بينما قبَّل الخادم الأرض. وبعد أن استفسر مسعود عن صحة الخليفة، أخذ بوناصر المبعوث تحت الساوح وأجلسه قرب العرش على المنصة، وكان رئيس الوزراء متغيبًا. ولقد سادت عادةُ اصطحاب المبعوثين تحت السلاح عند مثولهم أمام الحاكم عند بلاط التيموريين والصفويين والأفشاريين ثم تقدم بوناصر وطلب من الرسول أن ينهض ويأخذ الوثيقة الرسمية، ويضعها على العرش وعندما وقف الرسول طلب من مسعود ارتداء خلعة الخليفة وطلب مسعود إحضار المُصلاة. واتجه إلى القبلة، دُقت الطبول فى الحديقة وعند بوابة القصر هرع بعض القواد العسكريين لمساعدة مسعود للنهوض من فوق العرش ليجلس على المصلاة. ثم طلب الرسول صندوق الخلعة الذى يُخرج منه سبعة أثواب وبعض الملبوسات الأخرى. وقام مسعود بتقبيلها وصلى ركعتين ثم عاد واعتلى العرش، ثم أتى بعد ذلك بعقد وأسورة مطعمتين بالجواهر، ووضعا على يمين مسعود، بينما تقدم "القادم" بعمامة قبلها مسعود ووضعها على رأسه وكان المبعوث قد أحضر معه "لواء" تسلمه مسعود بيده اليمنى. ولقد بدا من كتاب التاريخ المسعودى، أن السلطان مسعود كان دائما يمنح الخلع لرعاياه فى المناسبات المختلفة وفقا لرتبهم. وقام السلاجقة، عندما جاءوا إلى خراسان، باقرار أشكال الاحتفالات التى وجدوها قائمة فحينما دخل طغرلبك نيسابور سنة 429 هـ/ 1073 - 1078 م، جلس على عرش مسعود بن محمود، ليتلقى التهانى. وكان مظهره الشخصى متواضعًا مقارنة بما كان عليه مظهر مسعود. وكان بلاط السلاجقة حتى بعد إرتقاء دولتهم، أقل شأنًا من بلاط الغزنويين، للطبيعة القبلية البدوية للسلاجقة فضلا عن انشغالهم بالحروب التى تتطلب كثرة السفر والترحال. ذكر الراوندى أن السلطان ملكشاه لم يكن يحجبه حجاب عن رعيته، وأن أى شخص يجئ إليه بطلب تعويض يكلمه وجهًا لوجه.

ولقد جلب الايليخانيون بعض الاحتفالات الجديدة من أقاصى آسيا، بقى بعضها بعد إسلامهم واندثر الآخر ولقد عرفوا مراسم الحداد عند موت الإيليخان، وكان الأمراء وأميرات المغول يجتمعون لانتخاب الايليخان الجديد وكان يتبع اختيار أحد أمرائهم للعرش إقامة ولائم وإحتفالات. وقد كان لغازان خيمة مذهبة وعرش مُذهب، مثل عرش مسعود الغزنوى استغرق صنعه أيضًا ثلاث سنوات. ولقد نُصب فى "يوجان" فى سنة 701 هـ/ 1301 - 1302 م، ووضع فوقه مقعد مرصع بالجواهر. وبعد ثلاثة أيام، أقيمت خلاله احتفالات دينية، أقام غازان وليمة كبيرة، ارتدى فيها ملابس مطرزة بالذهب، ووضع على رأسه تاجًا مذهبًا وتمنطق بحزام مشابه فى روعته روعة التاج. وتحت حكم الصفويين ضُبطت الاحتفالات بإحكام. ويعطينا "دستور الملك" فى كتابه "ميرزا رفيعة" وصفًا لواجبات موظفى البلاط ولمراتب الموظفين المدنيين والعسكريين وأين يقفون وأين يجلسون فى الاجتماع الملكى وكذلك عن أثواب التشريفة وبعض الشارات التى تُعطى لهم عند اختيارهم للوظائف. ولقد صحب استقبال الرُسل المبعوثين عند الصفويين بمد مآدب الطعام. فحين لجأ همايون إمبراطور المغول، إلى فارس سنة 951 هـ/ 1544 - 1545 م، رجب به الشاه طهماسب بحرارة. وأقيمت له مآدب كثيرة وفى آخر هذه المآدب أغدق طهماسب على همايون بالهدايا. ولقد اكتسبت عادة تقبيل الأرض أمام الحاكم، أمام عرشه وأمام بوابات قصره أهمية كبرى، ولم تكن تلك العادة لمجرد إظهار التبجيل للحاكم فحسب، لكن فى الاعتقاد بأن هذا التبجيل يعود أيضا على الشخص الذى يقوم بهذا العمل. وهنالك احترام مبالغ فيه يجب أن يظهر تجاه أى مكتوب يصل إلى أى شخص من طرف الشاه. فيجب على مستلم الخطاب الملكى أو الفرمان الملكى أن يقبله وأن يضعه على رأسه وبين عينيه. ولقد كان عيد النيروز من أهم الأعياد التى كان يحتفل بها الصفويون. وعادةً ما يتواجد السلطان فى العاصمة فى هذا العيد للاحتفال به. ويقوم

فى الامبراطورية العثمانية

السلطان فى هذا العيد بتوزيع الخلع على كبار رجال دولته وقواده. وتتكون الخلعة من بدلة كاملة مطرزة وفى بعض الأحيان يُضاف معها فرس مسروج مُجهز. وتوضع هذه الخلع عند أرضية العرش، ويحضر السلطان وحكام الإمارات وكبار رجال الدولة الاحتفال بالنيروز، وتنصب للشاه خيمة خاصة فى الفضاء المكشوف يبقى فيها لعدة أيام وتقام سباقات للخيل من بين وسائل التسلية الأخرى التى تُقام فى هذا العيد. وعادةً ما كان الاحتفال بالنيروز يتم فى العاصمة طهران. وهنالك وصف كامل للاحتفال بنيروز عام 1818 فى طهران فى عهد حكم الشاه فتح على وفى عهد الشاه ناصر الدين. كذلك احتفل هؤلاء الملوك باعياد ميلادهم وبعيدى الفطر والأضحى وعيد الغدير ومولد الحسين. فى الامبراطورية العثمانية: يشار لاحتفالات البلاط ونظمها فى الدولة العثمانية باسم "التشريفة" التى تشكل جانبًا متكاملًا لمعظم الاحتفالات التى يقيمها البلاط، فى مقر السلاطين أو التى ينظمها حكام الولايات، ومن المناسبات الرائعة تلك التى يحتشد فيها الجيش المعد للقيام بحملة ما فى ميدان داود باشا أو عندما يرسو اسطول القوبودان باشا أمام مقام خير الدين برباروسة فى بزكتاز قبل الشروع فى دورته السنوية فى البحر المتوسط. كذلك غالبًا ما تتخذ بعض الحفلات الشعبية أسلوب المواكب. وقد كانت احتفالات البلاط السلطانى، مثل احتفالات الزواج وختان الأمراء وأعياد ميلادهم، تصطحب عمومًا باحتفالات شعبية مشرفة توقد الأنوار فيها وتعرض الألعاب المسرحية. ولقد كانت الأعياد الإسلامية، وبخاصة خلال شهر رمضان، مناسبات أفراح عامة. ويقترن بمعالم الاحتفال توزيع السلطان لبعض الملابس والهدايا لرعاياه، وتلقيه الهدايا من الأمراء الأجانب وتختلف احتفالات العثمانيين من تجانب عن الاحتفالات القديمة المتوارثة للبلاد التى حكمها المغول وأباطرة الأتراك فى وسط آسيا والشرق الأوسط.

ويؤكد بعض الباحثين على أن الجانب الأكبر من احتفالات البلاط العثمانى كان تقليدًا مباشرًا لاحتفالات أباطرة القسطنطينية البيزنطيين، لكن البحث الحديث فى التاريخ الإسلامى قد أظهر بأن مثل هذه الافتراضات الجدلية لا يمكن التسليم بها. ولقد ووئمت قواعد الاحتفالات والتشريفات التى اتخذتها الحكومة العثمانية لتوضع فى إطار الشريعة الإسلامية والعرف، ونظمت فيما عرف (بقانون - نامة) وليس لدينا أى مصدر يؤرخ للاحتفالات العثمانية قبل عهد حكم بايزيد الثانى (886 - 918 هـ/ 1481 - 1512 م). ولقد خصصت احتفالات البلاط العثمانى، لتظهر كشاهد على قوة السلطان. ولقد كان من خصائص سلاطين العثمانيين اتخاذ مقار منعزلة محمية لهم يعيشون فيها. ولقد أدى اختفاء السلطان عن الرعية إلى قلة الاحتفالات العامة التى يظهر فيها السلطان للشعب إلا ما ندر. وكان الديوان برئاسة رئيس الوزراء (الصدر الأعظم) هو الذى يتصدى لمطالب الجماهير فقد ظل اجتماع الديوان فى العهد العثمانى اجتماعًا شعبيًا علنيًا. وقد عقد الاجتماع العام للديوان فى عهد السلطان سليم الأول (918 - 926 هـ/ 1512 - 1520 م) أمام باب السعادة فى قصر إستانبول. وعادة ما كان يصحب ظهور الحاكم بالتصفيق الذى يتم تحت اشراف كبير المصفقين (القشقى باشا). ويتضمن العرض تقبيل حافة قفطان السلطان الموضوع على العرش المثبت على منصة خصصت لهذه المناسبة. وفى سنة 1525 م ووُضِعَ كرسى العرش فى حجرة بنيت خَصيصًا للجمهور داخل البوابة فى أرض أوراسى التى ما زالت قائمة حتى اليوم وتشاهد عند سارية تُبكابى. وعرفت مراسم البلاط من تقريرات السفراء الأجانب العديدة الذين استقبلوا آنذاك. وكان من دلالات الحظوة منح "قفاطين" مرتفعة القيمة لأولئك الذين يتسلمون "خلعًا" من السلطان. ومن أكثر المراسم أهمية، للك التى كانت تقام عند الاحتفال الكبير بالجلوس على

فى بلاد الهند الإسلامية

العرش. ويبدأ الحاكم الاحتفال والخليفة (السلطان) راكب فرسه (أو قارب) عند مقام أيوب (الأنصارى) على القرن الذهبى، حيث يتم هناك "تقليد السيف" على طريقة التتويج الغربية. ووفقًا لما ورد فى المصادر، فقد حدث ذلك لأول مرة سنة 824 هـ/ 1421 م فى بورصة. حيث قام الشيخ المبجل الأمير بخارى بتقليد سيف الفروسية لمراد الثانى. ومنذ أيام محمد الثانى (الفاتح) استمر عقد هذا الاحتفال عند ضريح "أيوب" حتى اغتيال آخر سلاطين العثمانيين محمد السادس، فى 3 يوليو 1918 م، حين قام بالتقليد الشيخ سيد أحمد السنوسى. فى بلاد الهند الإسلامية توافقت الاحتفالات فى الهند الإسلامية، مع تقاليد البلاد المحلية وارتبطت إلى حد كبير بما أرساه الغزنويون من تقاليد وكذلك ارتبطت باحتفالات العباسيين، وخاصة وقت حكم التتمش فى دهلى وإختياره فخر الدين العصامى، الذى تقلد الوزارة فى بغداد، وزيرًا فى دهلى على أن هيبة السلطة تداعت بعد موت التتمش، وأصبحت السلطة الحقيقية فى أيدى تحالف أمراء الأتراك "الأربعين" وهنالك شاهد عيان يصف بلاط محمد بن طغلق؛ فيصف المدخل للقصر حيث تقترب منه ثلاث بوابات، كل بوابة منهم يمر منها رجال مسلحون ومزودون بآلات موسيقية وعند البوابة الثانية يكون نقيب النقباء، الذى يتوج غطاء رأسه بريش الطاووس؛ ويقوم هو ومساعدوه بفحص كل من يدخل القصر، وعند البوابة الثالثة، فوق حجرة الانتظار، تُسجل أسماء كل الزوار، ولا يُسمح لأى شخص بالدخول الدربار ليس لديه إذن بالدخول من السلطان. وهنا تكون المراسم بتوجيه من أمير الحجاب الذى كان عادة من أسرة البيت الحاكم ولقد كان من واجباته مع نائب بربك هو ومساعده، أن يقوم بتوصيل أولئك المنتظرين إلى الدربار وفقًا لمراتبهم، لإظهار كل التوسل للسلطان، ولينقل الأوامر الملكية للموظفين التابعين. ولقد كان للحاجب واجب خصوصى هو جرد كل الهدايا التى يتسلمها السلطان ويجلس السلطان فى مجلسه اليومى على مقعد وثير (وعلى

عرشه المرصع بالجواهر أيام الأعياد)، ويقف أمامه الوزير ورجال الحاشية، يتبعهم سائر الحجاب وحوالى مائة من النقباء. كذلك الكتُاب والقضاة والعلماء ومشايخ الطرق الصوفية، وأقارب السلطان وأهم الأمراء والقواد. وحين يتم حضور جميع هؤلاء فى المكان، يحُضر حوالى ستون فرس مطهمين من الاصطبل السلطانى، وخمسون فيلًا من الفيلة المحاربة المزينة. وإذا كان هنالك أحد من المنتظرين عند البوابة الثالثة قد أحضر هدية للسلطان، يقوم الحاجب بإخباره عنها، فإذا وافق السلطان عليها يُحضر صاحب الهدية بهديته ويُسمح له بالدخول وربما يقوم السلطان بتقديم خلعة له وصرة نقود. ويصف ابن بطوطة لنا المزيد من مراسم الاحتفالات المحكمة عند تقديم حكام الأقاليم الهدايا وريع أقاليمهم للسلطان. وعندما تُعقد حفلة الاستقبال الرسمية يوم العيد، يُفرش القصر بالسجاجيد وتُغطى الصالة بمظلات عريضة، وفى أول أيام العيد يجلس السلطان على مقعد وثير فوق عرشه الذهبى، ذى القوائم المرصعة بكثافة، وعليه مظلة خفيفة، ويجب على كل الحضور أن يقوموا بتحية السلطان كلٌ على حدة، حسب مراتب حضورهم، ثم يأتى موظفو الخراج بالهدايا، وتقام للجميع مأدبة كبيرة، وتوقد فى الصالة مجموعة مذهبة تملأ المسألة بشتى ألوان البخور المتعدد، بينما ترش ماء الورد على الحضور. ويقوم نقيب النقباء بمدح السلطان قبل أن تُوزع هذه الهدايا على أصحابها. ويصف ابن بطوطة بعض الأطباق التى قدُمت على المأدبة. ومع مجئ المغول (التتار) فى القرن العاشر الهجرى/ السادس عشر الميلادى، حدثت تجديدات كثيرة فى المراسم والاحتفالات جديرة بالذكر، وردت معلومات كثيرة عنها فى المصادر وكتب الرحالة فلقد اتسعت "النقاره خانة" فى عدد ونوعية آلاتها. وبخصوص ظهور الحاكم للجمهور، ورد فى المصادر أن السلطان أكبر خان كان يظهر فى شرفة على سور قصره حتى يراه العامة؛ ولقد كان ذلك تقليدًا هنديًا. وعن إمتياز حق سك العملة التى تحمل صورة الحاكم، فقد مارس

المصادر

السلطان أكبر هذا الامتياز. كذلك سُكت بعض العملات عليها صورة الحاكم أُهديت لكبار القوم. وكما احتفل رسميًا بالأعياد فى المساجد وفى بلاط السلطان احتفل أيضًا بأعياد أخرى أيام حكم المغول فى بلاطهم ومنها عيد النيروز وعيد الأباشان، التى يحضرها أعداد كبيرة من عامة الشعب فى قصر السلطان. المصادر: (1) الجاحظ: كتاب التاج فى أخلاق الملوك. (2) ابن طباطبا: الفخرى فى الآداب السلطانية. (3) ابن تغرى بردى: النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة. (4) المقريزى: المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار. القاهرة 1348 هـ (5) ابن بطوطة: تحفة النظار فى غرائب الأمصار وعجائب الأسفار. (6) القاضى النعمان: كتاب الهمة فى أدب أتباع الأئمة. (7) آدم متز: الحضارة الإسلامية. (8) زكى محمد حسن: كنوز الفاطميين. (9) I.H. Qureshi,: Administration of the sultanate of Dehli, Karachi 1958, esp. ch. 4 (10) Shams-i Siradj Afif: Ta'rikh-i Firuz Shahi, Bibl. Ind text, Calcutta 1890, 107 - 8 (11) F. Bernier: Travels in the Mogul empire, ed London 1910 (12) Tavemier;s: Travels in India ed V. Ball, London 1889. (J. Burton-Page د. عطية القوسى [ج. بيرتون - بيج J. Burton-Page] مرثية مرثية، أو مرثاة، وتجمع على "مراثى" 1 - فى الأدب العربى: وربما يرجع أصل المرثية إلى ما كان يصاحب الطقوس الجنائزية للمتوفى من سجع النساء من أقارب المتوفى قبل أن تكون حرفة تحترفها الندابات. وحتى حين تحولت المراثى من السجع

إلى الشعر، احتفظت النساء بدورهن فى البكاء على الفقيد والإشادة بمآثره. ومن أشهر شاعرات الجاهلية اللواتى اشتهرن بالرثاء "الخنساء" التى أعطت الرثاء شكلا حسنًا، وتحظى حتى يومنا هذا بإعجاب لا يختلف عليه اثنان. وفى السنوات الأولى من الإسلام أحرزت ليلى الأخيلية شهرة فى شعر الرثاء فى قصائدها التى ترثى فيها توبة بن الحمير. والنساء بسبب حساسيتهن المفرطة يكون بوسعهن التعبير بلا تحفظ عن حزنهن والإشادة بفضائل من فقدنه. وتسرى فى مراثى النساء. نغمة وجدانية تتسم بالقوة والعضوية وكان للرجال أيضا شعرهم الرثائى ولكنه لم يكن بنفس درجة قوة مراثى النساء. ومن الجدير بالملاحظة أن عددا من شعراء الجاهلية يدين بشهرته، كلية تقريبًا لشعر الرثاء على رأسهم متمم بن نويرة. أما القصيدة الشهيرة المنسوبة للبيد فى رثاء أخيه فيعتقد بأنها مدسوسة لما فيها من أثر للقرآن الكريم. وقد برع رجال البادية خاصة فى الرثاء لتميزه بالانفعال العميق والحس الصادق. وقد روى الجاحظ أن بدويا قد رد على السؤال: "ما بال المراثى أجود أشعاركم؟ " قائلا: "لأننا نقولها وأكبادنا تحترق". وتهدف المراثى عامة إلى تمجيد الفقيد وإظهار خسارة العشيرة أو القبيلة بفقده، ومناشدته ألا يبعد أملا فى استمرار التمتع بحمايته، والوعد بالثأر له إن كان قد لقى حتفه قتيلا، والتعبير عن كراهية أعدائه. وبالرغم من تكرار أفكار نمطية، فإنه أحيانا ما توجد صور مبتكرة. ويحتم السياق التعرض للموت، القدر الذى لا يفر منه إنسان. وقد يتخذ الصيد صورة خيالية للتعبير عن فكرة مطاردته للإنسان. وينسب للشاعر المخضرم أبى ذؤيب قصيدة من سبعة وستين بيتا يرثى فيها خمسة من أبنائه تتضمن أمثلة من هذا القبيل. ولنا أن نتوقع تأثيرا جذريا لظهور الإسلام على مفهوم المرثية. فخلال المعارك بين المسلمين وأعدائهم تواترت قصائد الرثاء من كلا الجانبين. من ذلك قصيدة أمية بن الصلت وضرار بن الخطيب بعد غزوة بدر بكاء على قتلى قريش وتحريضا على الانتقام لهم.

ومن معسكر المسلمين برز شعراء مثل كعب بن مالك وابن رواحة، وحسان بن ثابت الذى يضم ديوانه قصائد مستلهمة من مقتل حمزة وشهداء بئر معونة وغزوة مؤتة. ويظهر الاختلاف بين قصائد المسلمين وغيرهم فى عدم تناول فكرة الأخذ بالثأر، بل يستبدلون بها التبشير للشهداء بالنعيم الأخروى, وتهديد الكفار بعذاب جهنم. وقد تسبب مقتل على بن أبى طالب وما ألمّ بآل البيت من أحداث جسام فى ظهور عدد كبير من قصائد الرثاء على مر القرون، حتى أنها اعتبرت غرضا جديدا من أغراض الشعر سمى "التعزية". ومن أشهر من كتب فى هذا الغرض أعشى تهمذان وسليمان بن قطة والسيد الحميرى، ومن المتأخرين عنهم دعبل والشريف الرضى ومهيار الديلمى. كما تتناول قصيدة الصنوبرى (ت: حوالى 334/ 965) رثاء حجاج بيت اللَّه الحرام الذين فتك بهم القرامطة. أما الخوارج فيشيدون بقتلاهم مظهرين الابتهاج بفوزهم بالشهادة، ويضمنون شعرهم معان قرآنية تشهد بحماسهم الدينى، ويذكرنا شعرهم بمرثيات أهل البادية التى ظلت روحها سائدة فى أعمال كبار شعراء العصر الأموى، إذ يضم ديوان الفرزدق حوالى عشرين مرثية أصيلة محكمة البناء. ويشهد القرن الثانى الهجرى مولد غرض جديد من أغراض الشعر يسمى "الزهديات" ينطوى على تأمل فى الموت، أثر بلا شك فى الرثاء، فأبو نواس نفسه له زهديات كثيرة، كما ترك ما لا يقل عن عشرين مرثية. وظهر فى أواخر القرن الثانى شكل أدبى جديد سرعان ما احتل مكانه بين الأشكال الأخرى وهو رسائل التعزية، وغالبا ما تكون نثرا, ولكنها حين تكتب شعرا يصعب التمييز بينها وبين المراثى بالمعنى الحرفى. وقد كتب الجاحظ رسالة مطولة فى موت ابن الصفار ضمنها تفاصيل ومشاعر تحول القيود الشعرية عن التعبير عنها بصدق. ولم يُحدث تفكك الدولة العباسية تأثيرا على شعر الرثاء سوى ما بدا فيها من تقيد فى قصائد كثيرة

فى الأدب الفارسى

بالضرورات الحرفية، فقد أدى تزايد الولايات المستقلة إلى زيادة المراثى ذات الطبيعة الرسمية، والتى تميل إلى تحرى الصنعة والإتقان على حساب العفوية وصدق المشاعر. ويتضح ذلك فى أشعار المتنبى الذى يكيل الثناء للفقيد، ويضيف إليه مدح وريثه الذى يتوقع منه العطايا. أما رثاء المدن فأقدم نموذج له قصيدة أبى يعقوب الخرمى الذى يبكى خراب بغداد أثناء الحرب بين المأمون والأمين. وقد خصص ابن الرومى قصيدة ميمية شهيرة لرثاء البصرة بعد أن نهبها الزنج. كما أثار غزو المغول والحروب الصليبية وسقوط الأندلس أشجان الكثير من الشعراء فى هذا الخصوص. وفى العصر الحديث استمر تقليد الرثاء، فنجد قصائد مصقولة بدرجة كبيرة منشورة فى الصحف والدوريات، أو معدة لتلقى فى المحافل لتأبين الفقيد، فنجد مراثى قيلت بمناسبة زعماء مثل محمد عبده وسعد زغلول وغيرهم. ويبرز فى هذا المجال شعراء أمثال أحمد شوقى وحافظ إبراهيم والزهاوى. ويبرز من هذه الدراسة أن الرثاء يشغل مكانا هاما فى الشعر العربى من ناحية المضمون والكم، وأنه صقل الكثير من الشعراء ومكنهم من أن يعبروا عن أحاسيسهم بصدق, خاصة حين لا يكون الهدف ماديا. ومن هنا كان الانطباع السائد بأن الرثاء يحتوى على الجوهر الأسمى للشعر. حسن شكرى [بيلات Ch Pellat] 2 - فى الأدب الفارسى: إن أقدم قصيدة معروفة فى اللغة الفارسية الحديثة هى قصيدة فى نص مانوى يرجع تاريخها إلى ما قبل النصف الأول من القرن الثالث الهجرى، وهى مزيج من عناصر إسلامية ومانوية على ما يبدو، وربما تكون محتوية على مجاز مانوى خفى. أما القصيدة التى رسخت كثيرا من السمات الأسلوبية الخاصة للمرثية الفارسية فهى قصيدة الفروخى السيستانى فى

رثاء السلطان محمود الغزنوى. وهى تبدأ بتعجب المتحدث لما ألم بالمدينة من مظاهر الحزن، فيسأل رفيقا مجهولا عن السبب، ويتصور الأسباب التى منعت السلطان من الظهور فى ذلك الصباح على غير العادة، ولا يلمح لوفاته حتى البيت الحادى والعشرين، وبعدها يعبر عن حزنه ومناشدته له أن ينهض ويستأنف أعماله المجيدة، ثم يختتم القصيدة بذكر خلفه ويدعو للفقيد بالنعيم الأخروى. ويمكن أن نرى أثر هذه القصيدة حتى القرن الحالى. وبالإضافة للمراثى الشعرية هناك مراثى النثر، ومن أمثلتها مرثية حسن بهلوى لمحمد بن غياث الدين بلبن (ت: 683/ 1284)، وتبدأ بشكوى حكم الطغيان وظروف موت الفقيد، وتصف الطبيعة على أنها تبكى لفقده، وتنتهى بالدعاء له ليحظى بالنعيم فى الجنة، وتستخدم الكثير من الصور التقليدية الشائعة فى الشعر، مع الاستشهاد ببعض الأبيات الشعرية. ومع انتشار المذهب الشيعى فى أوائل العصر الصفوى، ظهرت محافل النواح المرتبطة بشهر المحرم. ومللما رسخ الفوجى كتابة المراثى الدنيوية، ابتدع محتشم كاشانى (ت: 996/ 1587) أنموذج المرثية الدينية بمقطوعاته الإثنى عشر من شكل تركيب -بند عن مقتل الحسين، وتبدأ بالتساؤل عن سبب اضطراب الكون، وتتكرر فيها صور من فيضانات الدمع وأمواج البحار والدم وانتحاب الكون بأسره، وهى صور أصبحت متداولة فى المراثى الدينية حتى القرن العشرين. والأشكال الشعبية للمرثية الشيعية هى: التعزية، الروضة، والنوحة وتأخذ الروضة اسمها من "روضة الشهداء" لكمال الدين حسين بن على كاشفى، واشتقت منها قراءات وإنشادات سميت "روضة خوانى" تشمل ارتجالات شفاهية لا تخضع بالضرورة لشكل أدبى مقرر. أما النوحات فتنشد فى مناسبات ضرب الصدر أو الضرب بالسلاسل، ويختلف الإيقاع فى الحالتين.

فى الأدب التركى

المصادر: (1) Zahra Ikbal (Namdar), Elegy in the Qajar period, in P. Chelkowski ed, Tdzia: ritual and drama drama in Iran. New York 1979, 193 - 209 حسن شكرى [هناوى W.L.Hanaway, JR] فى الأدب التركى: يضم تراث الترك قبل الإسلام مراثى مسجلة فى مخطوطات إيغورية. إلا أنه بعد الإسلام وجد الترك أن شكل القصيدة هو الشكل الملائم للرثاء. وتعتبر مرثية باقى (ت: 1008/ 1600) فى السلطان سليمان من الروائع فى هذا الفن، وإن كان سبقها مأثور طويل من المراثى. وكان شعر الرثاء سببا فى وصول شعراء كثيرين لمراكز مرموقة وحظوة كبيرة. وقد تسبب إلغاء بلاطات الأمراء فى القرن العاشر الهجرى فى إزالة كثير من مراكز الثقافة فى ريف الأناضول، ولم يستطع البلاط المركزى فى استانبول أن يحل محلها تماما. كما عرف الشعر التركى قصائد أكثر صدقا من الشعر الرسمى، ومن ذلك قصيدة عاكف باشا (ت: 1845) المؤثرة عن فقده لطفله. وقد صنفت مرثية عبد الحق حامد ترهان فى وفاة زوجته الشابة بأنها أعظم مرثية صيغت على نسق مرثية باقى. وقد عرف الشعر التركى أيضا المراثى الخاصة بضياع المدن أثناء الحروب مع الدول الأوربية، مثل بلجراد وسراييفو. أما المراثى الدينية لشهداء كربلاء فيطلق عليها اسم "مقتل". وتعيش الكتابات المعبرة عن الأحزان حتى اليوم، وثمة حوالى عشرين قصيدة فى رثاء كمال الدين أتاتورك. حسن شكرى [فلمنج B.Flemming] فى الأدب الأردى: مرثية، وتجمع فى اللغة الأردية على مريثى أو مراثى، من أقدم موضوعات الشعر الأردى. ولها نمطان، دينى ودنيوى، والنمط الدينى هو الأكثر أهمية إلى حد بعيد، خاصة مراثى شهداء كربلاء عامة، والإمام الحسين.

فى الأدب السواحيلى

خاصة. ويصطلح على تسمية القصائد الأقصر "نوحة" أو "سلام". ويفترض بعض النقاد أن المراثى الأردية ترجع بقدر ما للمراثى الفارسية، ولكنها فى الواقع الشكل الشعرى الأردى الرئيسى بحق. ويرجع تطور المرثية المبكر إلى اللهجة "الدكنية". وقد كانت أسرة عال شاه، سلاطين بيجابور، وأسرة قطب شاه، صاحبة غولكوندة (901 - 1047/ 1496 - 1686) من الأسر الشيعية التى حظى الشعر برعايتها، وقد شجعوا إنشاد المراثى فى شهر محرم، وكان لهم ما أطلق عليه "خانات - عاشوراء" التى بنيت خصيصا لهذا الغرض. ولقد اعترف بأهمية المرثية فى تاريخ اللغة الأردية على نطاق واسع، فمرثية أنيس على توصف بأنها "إبداع شكل جديد فى مجال الشعر الأردى، أنهت ركود ونفخت فيه حياة جديدة"، كما يقال أيضا أنها أثبتت صلاحية "المسدس" للقصائد الطويلة. وقد وجدت القصائد الدنيوية بجانب الدينية، ولكنها لاقت اهتماما ضئيلا، ومن الصعب الحصول على أمثلة كثيرة منها. وفى القرن التاسع عشر أحيت حركة عليكرة الاهتمام بالمرثية الدنيوية. وقد أدت النزعة الاستقلالية والقومية إلى تكاثر هذا النوع الأدبى فى الصحف والمجلات. المصادر: (1) RAM BAKU SAKSENA, A History of Urdu literature, Allahabad 1927, 123 - 39 حسن شكرى [هيوود J.A.Haywood] فى الأدب السواحيلى: يعتبر رثاء الزعماء من التقاليد الراسخة فى الأدب السواحلى، وهى عادة متأصلة بين شعوب البانتو حتى البعيدة عن تأثير الإسلام منها. ولم يصلنا سوى القليل من قصائد الرثاء باللغة السواحيلية، باستثناء قصيدة سيد عبد اللَّه بن نصير فى رثاء مدينة "بات" والتى لم يتم التنقيب عنها بعد، وترجع إلى ما قبل عام 1232 هـ/ 1820 م.

مرج دابق

وفى لغة تانجا، نجد قصيدة لحميدى البهرى فى رثاء الرسول (ص). وفى لغة لامو [-صلى اللَّه عليه وسلم-] رثى محمد بن أبيو بكرى كيجوموا البروفيسور أليس ورنر عام 1935 م. ومن الواضح أن أغلب المراثى السواحيلية من الطابع الدنيوى، وربما يرجع امتياز شعر المراثى فى اللغة السواحيلية إلى الحنين إلى الأوطان، وإلى الحالة النفسية بأن كل شئ فى الماضى كان أفضل, حيث كان الأفاضل من الرجال لا يزالون على قيد الحياة، وذلك ليس بين السواحليين فقط، بل بين الشعوب المتكلمة بلغة البانتو أيضًا. حسن شكرى [كنابرت A.J.de Rop, Gesproken woord kunst der Nkundo Tervuren, 1956 J.Knappert] مرج دابق سهل قرب دابق على نهر القويق فى شمالى سوريا. ومما يذكر أن سليمان بن عبد الملك حرك مركز قيادة قواته فى معاركه ضد البيزنطيين من الجابية إلى دابق لتكون فى وضع أفضل. وفى عام 717 م خرج فى جيش بقيادة عبيدة من مرج دابق متجهًا إلى آسيا الصغرى، وعند عودته مات فى مرج دابق فى صفر 99 هـ/ سبتمبر - أكتوبر 717 م. كما عسكر هارون الرشيد فى هذا السهل عام 191 هـ/ 807 م حيث سوى الخلافات بين أساقفة الشام. وعندما استولى الفرنجة على أنطاكية فى عام 491 هـ/ 1098 م جمع كربوغا فى الموصل جيشًا كبيرًا وتوجه إلى مرج دابق لحصار أنطاكية. وفى عام 602 هـ/ 1205 - 1206 م عسكر الملك الظاهر فى مرج دابق حيث خاض معركته ضد ليو الثانى ملك أرمينيا الصغرى. وفى حملة سيف الدين تنجر ضد التتار والتى اتجهت إلى ملطية توقفت الحملة فى طريق عودتها بسهل (مرج) دابق وبقيت هناك فى الفترة من 3 صفر إلى 2 ربيع آخر من عام 715 هـ/ من 9 مايو إلى 6 يوليو 1315 م. وفى 25 رجب 922 هـ/ 24 أغسطس 1516 م دارت فى مرج دابق

المصادر

المعركة التى حقق فيها سليم الأول نصرا حاسما نجم عنه خضوع سوريا للحكم العثمانى طوال القرون الأربعة التالية لهذه المعركة. المصادر: (1) المسعودى: مروج، الذهب، باريس 1861 - 1877 م. (2) يحيى الانطاكى: ed. Kuatch kovyky and Vasiliev, in Potu. ou, 442 (3) La Topoguaphie de la Syuie antique et medievale. Paris, 1324, 424 لبنى الريدى أ. هونجمان [E. Honigmann] مرداس بن أدية كان أحد قادة الخوارج بالبصرة، وقد مات سنة 61 هـ (= 680 م) وهو من قبيلة ربيعة بن حنظلة بن مالك بن زيد منات (المعروفة بالوسطى) وهى فرع من قبيلة تميم التى أنجبت كثيرًا من القواد الخوارج، وكان أبوه يدعى بحُدير بن عمر؛ بن عبد بن كعب، أما أدية فَأُمّه أو ربما كانت جدته من ناحية الأم، وهى تنسب إلى قبيلة محارب خصفه (كما يقول ابن دريد فى كتاب الاشتقاق، وابن قتيبة فى المعارف، وكذلك الطبرى والبلاذرى والمبرد) وغالبا ما يسمى مرداس بأبى بلال وهى كنيته. وكان أخوه عروة بن أدية أحد رءوس حركة الخوارج الذين اعتزلوا القتال يوم صفين، وساهم فى محاربة على يوم النهروان (38 هـ = 858 م)، فلما دارت الدائرة على الخوارج فى ذلك اليوم ابتعد تماما عن ممارسة أى نشاط سياسى لكنه ظل -كأخيه- وفيا لمذهبه، ولكنه صرّح بأنه ضد كل خروج بالسلاح وضد الاغتيال السياسى أو ما يعرف بالاستعراض، وضد اشتراك النساء فى حركة الخوارج، ولقد كانت آراؤه المعتدلة هذه التى ظل متمسكا بها حتى نهاية خلافة معاوية والتى جعلت الخوارج المتطرفين الغلاة يدرجونه بين "قَعَدَة" الخوارج وظهر هذا جليا يوم ندد بإسراف وإلى البصرة عبيد اللَّه بن زياد فى اضطهاد حركة الخوارج، وحدث أنه لما قتل الوالى امرأة تدعى "البلجاء" قتلة عُدَّت معها شهيدة أن اشتد غضب مرداس شدة حملته على أن يخرج فى صحبة

أربعين من أتباعه من البصرة وذهبوا إلى الأهواز الواقعة على التخوم الفارسية وأقاموا هناك فترة غير قصيرة من الوقت لم يقوموا خلالها بشئ من أحداث التعصب المألوفة بين الخوارج، وإنما اكتفى بفرض ضريبة باهظة توازى قدر العطاء الذى كان يستحقه هو ورفاقه شرعًا، فأرسل عُبيد اللَّه بن زياد لمحاربة مرداس بن أدية الزعيم الكلابى أسلم بن زرعة على رأس ألفين من رجاله، والتقى الفريقان عند قرية صغيرة تعرف "بآسك" وإن كانت مذكورة باسم "ميجاس" فى بيت شعر اقتبسه ياقوت فى معجمه 4/ 712 - 713, إلا أن الخوارج استطاعوا -رغم قلة عددهم أن يهزموا عدوهم، فلما كانت السنة التالية بعث إليهم حملة ثانية قوامها أربعة آلاف محارب بقيادة عباد بن أخداد التميمى فوجدت الخوارج قد عسكروا أمام "درابْجِرد" فاتفق الجانبان على أن يفرغا من صلاة الجمعة قبل القتال، إلا أن قوات الحكومة نكثت بعهدها وهاجموا الخوارج وهم فى صلاتهم، وقطعت رأس مرداس وأرسلته إلى ابن زياد. وقد أثارت هذه الواقعة ردّ فعل قوى فى كافة أرجاء العراق، وثار عُبيدة بن هلال لمصرع مرداس، وقد صار عبيدة هذا فيما بعد رأس الثوار الأزارقة، وتغنى الشعراء بشعر نظموه فى رثاء مرداس، وكان من أشهر هؤلاء الشعراء عمران ابن حطان، كما ظلت ذكراه حية مدى طويل بين الخواج لا سيما فى "عمان" مركز الصُّفْريَّة، ويقول المعتزلة إن مرداس بن أدية إنما ثار لدفع المنكر، على حين ينكر الشيعة عليه أن يكون خارجيا حقيقيا. ويبدو أن أخاه عروة بن أدية لم يشارك فى الفتنة إلّا أن ذلك لم ينقذه من انتقام ابن زياد الذى أمر بالقبض عليه ثم قتله بعد قليل من موت أخيه مرداس. ولعل أكثر المراجع تفسيرا لثورة مرداس هو الكامل للمبرد ثم يليه البلاذرى. نجلاء فتحى [ليفى دى لافيدا Levi Della Vida]

مرداس، بنو

مرداس، بنو المرادسيون بيت عربى حاكم يرجع أصله إلى بنى كلاب، وينسبون إلى صالح بن مرداس. وكان صالح وبعض من سلالته أمراءً على حلب فى الفترة ما بين 415 - 473 هـ/ 1024 - 1080 م, وورثوا الحمدانيين فى حكم شمال سوريا. وتصدوا كذلك لأطماع الإمبراطورية البيزنطية، نيابة عن البويهيين فى بغداد والفاطميين فى مصر. ولم يترددوا، فى مناسبات عديدة، من شن هجومهم على البيزنطيين وانتصروا عليهم. وهنالك ثلاثة مصادر تاريخية رئيسية عن المرداسيين، وهى للمسبحىِّ (توفى 420 هـ/ 1029 م)، وليحيى ابن سعيد الأنطاكى، ولإبن العديم الحلبى (توفى 660 هـ/ 1262 م). وقد تعاطف ابن العديم مع المرداسيين ونسب إليهم كل الصفات النبيلة والأخلاق القويمة. وكان أول ظهور لصالح بن مرداس سنة 399 هـ/ 1009 م حين كان أميرًا على الرحبة ثم استولى -بعد ذلك- على الرقة وبالس ومنبج ورفانيا. وخلال صيف 415 هـ/ 1024 م بدأ حروبه فى شمال سوريا واستولى على مدينة حلب، وفى العام التالى استولى على قلعتها. وضم مدن حمص وبعلبك وحصن عكَّار وصيدا. لكن الفاطميين لم يرضوا عن هذا التوسع المرداسى فى وسط سوريا، فأرسلوا "الدزبرى" الفاطمى واليًا على دمشق وسوريا سنة 419 هـ/ 1028 م لمحاربته وهزم الفاطميون قوات صالح بن مرداس فى معركة "الإخوان" سنة 420 هـ/ 1029 م حيث قتل، وقُتل صالح مع ابنه الأصغر ووزيره. ودُفن صالح فى صيدا، بعد أن عُلقت جثته لعدة أيام على أحد أبوابها. ثم خلفه فى حكم حلب ابناه الصغيران، شبل الدولة نصر الذى حكم المدينة ومعز الدولة ثمال الذى ولى القلعة. وحاول الإمبراطور البيزنطى أن ينتهز فرصة ضعف الحكام المرداسيين، فأغار بجيشه على حلب، لكنه لقى الهزيمة عند "قايبار"، خارج حلب سنة

420 هـ/ 1029 م. وعاود الإمبراطور محاولته، ولقى الهزيمة أيضًا للمرة الثانية فى معركة "أعزاز" 421 هـ/ 1030 م، واستولى المرداسيون على كثير من أسلاب الجيش البيزنطى. وبعد معركة أعزاز، ضم نصر بن صالح قلعة حلب له، أثناء غياب أخيه عنها، وصار بذلك الحاكم الأوحد لمدينة حلب وقلعتها. وخاف نصر من احتمال محاربة أخيه ثِمال له، فعقد معاهدة سلام مع البيزنطيين حتى يأمن جانبهم ويتفرغ لمجابهة أى هجوم يقوم به أخوه على بلاده. لكن هذا التقارب بين المرداسيين والبيزنطيين لم يرض عنه الدزبرى الذى تقدم فى شعبان 429 هـ/ 1038 م بقواته إلى شمال سوريا، وقام بمحاربة المرداسيين وانتصر عليهم قرب "لطمين"، وقتل نصر فى المعركة، ودخل الدزبرى حلب، وتقدم بقواته لمحاربة ثِمال، ونجح فى الاستيلاء على بالس ومنبج، ولكنه فشل أمام الرحبة التى قاتل عنها ثِمال ببسالة. وأستولى الدزبرى على قلعة جعبر لحماية حلب حتى يفسد على المرداسيين إية محاولة قد يقومون بها لاستردادها. وتزوج ثِمال بن صالح، من السيدة العلوية النميرية، أرملة أخيه نصر، وكانت تحكم الرقة ووسط الفرات بعد وفاة زوجها، وتنازلت عن حكمها لزوجها ثِمال. وساعدت الظروف آنذاك ثمالًا على استعادة حكم حلب بسبب ما حدث من عداء بين الدزبرى ووزير الفاطميين الجرجرائى. وتكليف الجرجرائى لثمال بمهمة القبض على الدزبرى بعد عزله عن قيادة الجيش الفاطمى فى سوريا لكن الدزبرى تُوفى آنذاك فى حلب 433 هـ/ 1042 م. وفى شهر جمادى الثانية من نفس العام تقدم ثِمال بقواته ليستولى على حلب، التى استولى عليها بعد حصار دام ستة أشهر، بسبب مقاومة (غلمان) الفاطميين ودفاعهم عنها. واعترفت الإمبراطورة "تيودورا" بسيطرة ثِمال على حلب، وجددت معاهدة السلام معه فى سنة 439 هـ/ 1048 م. وحاول ثِمال التفاوض مع الوزير الفاطمى صدقة بن

يوسف الفلاحى لعقد اتفاق سلام بينهما ومعاهدة عدم اعتداء. لكن تطورات الأحداث أدت إلى وقوع التصادم بين المرداسيين والفاطميين. وانتهت الحرب بينهما بهزيمة كبيرة للجيش الفاطمى عند جبل الجوشن، قرب حلب، فى ربيع الأول 442 هـ/ 1050 م. ورغم هذا النصر جدد ثمال طلب المصالحة مع الفاطميين على يد أصغر أبنائه وزوجته السيدة العلوية. فاعترف الخليفة بشرعية حكم ثِمال لحلب ولكل البلاد التى تحت يده بالفعل. وعاش معز الدولة ثِمال آمنًا فى إمارته فى الفترة ما بين 442 هـ/ 1050 م إلى 449 هـ/ 1058 م. وحظيت حلب آنذاك بازدهار كبير تمثل فى رخص الأسعار وعمارة كثير من الدور والقصور التى ظلت قائمة طوال القرنين التاليين. كما ظلت علاقاتها الخارجية طيبة خاصة مع الخليفة المستنصر باللَّه الفاطمى. وساند ثِمال البساسيرى فى بداية ثورته ضد الخلافة العباسية، وتنازل له عن مدينة الرحبة. على أن ثِمالًا، بدأ يواجه منذ سنة 449 هـ/ 1058 م فصاعدًا، غيرةً من جانب قادة الكلابيين الذين كانوا سندًا له، واتهموه بأنه يعاملهم معاملة تقل عن معاملته لحلفائه النميريين. فما كان من ثِمال، إلا أن رتَّب مع الخليفة المستنصر الفاطمى تنازله عن حكم حلب للفاطميين مقابل تعويضه عن ذلك بحكم جبيل وبيروت وعكا فيتجنب بذلك متاعبه مع الكلابيين. وتم ذلك الأمر بينهما بالفعل وصار الحكم فى حلب للفاطميين. إلا أن هزيمة البساسيرى سنة 451 هـ/ 1060 م ومقتله قللت من هيبة الفاطميين فى شرق سوريا، الأمر الذى دفع الكلابيين إلى أن يعهدوا إلى الأمير الشاب محمد ابن شبل الدولة نصر بن صالح بن مرداس وإلى ابن عمه منيع بن مقلد بن كامل بن مرداس بمهمة إعادة حكم حلب إعتمادًا على مساندتهم لهما. وتم نجاح المهمة فى جمادى الثانية 452 هـ/ 1060 م وفتحت حلب أبوابها للمرداسيين. وتحصن الحاكم الفاطمى فى القلعة وأرسل يطلب العون من

القاهرة. وأمرت القاهرة حاكم دمشق الفاطمى بالتوجه لانقاذ حلب، لكن جيشه هُزم هزيمة كبيرة عند "الفنيدق" وأخذ اسيرًا مع بقية قواد الفاطميين، واستولى محمود بن نصر بن صالح على حلب، وبعد ذلك بعشرة أيام سلمت القوات الفاطمية قلعة حلب له وتركت شمال سوريا إلى الأبد. وكان ثِمال يعيش آنذك فى القاهرة، ويفكر فى العودة إلى حلب، ولم عاد إليها رفض ابن أخيه محمود تسليمه المدينة، وجرى قتال بين محمود وعمه على تملك مدينة حلب، وتوصل فى آخره شيوخ الكلابيين إلى الاتفاق على أن يتسلم ثمال حلب وأن يُعوض محمود بالمال والغلال. وفى ربيع الآخر 453 هـ/ 1061 م دخل ثمال حلب فى صحبة محمود وشيوخ النميريين، واعلن عطية بن صالح, أخو ثِمال، إستقلاله فى الرحبة. وتوفى ثِمال فى نهاية 454 هـ/ 1062 م وأوصى قبل وفاته، بأن يخلفه أخوه عطية بن صالح فى حكم حلب. واعترض محمود بن نصر على ذلك ووافقه فى ذلك أشراف الكلابيين. ونتيجة لذلك دخل العم وابن أخيه المرداسيين فى حروب تبادلا النصر فيها. وفى العام التالى تمت مصالحة بين الجانبين على أن يحتفظ العم عطية بحلب والجزء الشرقى من إمارتها، من الرحبة إلى قنسرين واعزاز، وأن يُخصص الجانب الغربى منها لمحمود ابن الأخ. لكن عطية لم يرض بهذا التقسيم وأراد أن تكون كل الإمارة له، واتخذ آنذاك قرارا خطيرا كانت له عواقبه الوخيمة على البلاد، إذ قام باستدعاء عدة آلاف من المحاربين التركمان المقيمين فى ديار بكر للدخول إلى سوريا فدخلتها أول دفعة منهم، كرجال أحرار لا كرقيق، بقيادة قائدهم ابن خاقان. واخذت هذه الطائفة تعيث فسادا فى بلاد الشام، حتى أن عطية ضاق بهم ذرعًا بعد دخولهم بوقت قصير. واضطر إلى أن يطلب من (أحداث) حلب مقاتلتهم وإخراجهم من البلاد. فقُتل بعض منهم وفر الباقون، إلا أن ابن خاقان وضع نفسه فى خدمة محمود. ونجح محمود، بعد انتصاره

على عمه فى معركة مرج دابق فى دخول حلب فى شهر رمضان 457 هـ/ 1065 م. وتم اتفاق آخر بعد ذلك بتقسيم الإمارة بين محمود وعمه عطية، على أن تكون للعم المنطقة الشرقية الواقعة على الفرات، وتكون المنطقة الغربية بما فيها حلب وجُند قنسرين والجانب الأكبر من جُند حمص لمحمود بن نصر. وفى عام 460 هـ/ 1068 م قام التركمان بمهاجمة وتخريب الأراضى البيزنطية الواقعة فيما بين ما وراء النهر إلى الفرات. ولم يستطع البيزنطيون تجاهل أمر هذه الغارات المخربة التى كان التركمان يعودون بغنائمها إلى حلب فقاموا باحتلال منبج والاغارة على إمارة المرداسيين للانتقام من التركمان الذين كان خطرهم قد تزايد أيضا على المرداسيين وصار أشد من الخطر البيزنطى، فكانوا يهاجمون منازل المواطنين ويعتدون عليها، وينهبون أهراء القمح بمدينة حلب ويفرضون الإتاوات على الفلاحين. ولم يكن محمود بن نصر يأمل فى مساعدة الفاطميين له على إعادة الأمن فى شمال سوريا. وكانت قوة السلاجقة هى الوحيدة القادرة على ذلك، وكان لا بد من دفع ثمن لهم مقابل ضمان تدخل هذه القوة فأسفر ذلك عن إلغاء الأذان الشيعى "بحى على خير العمل"، والغاء الدعاء للخليفة الفاطمى من فوق منابر المساجد فى خطبة الجمعة وحل محله الدعاء للخليفة العباسى. وصارح محمود بن نصر المرداسى شيوخ حلب فى الأمر، وأظهر لهم خطورة الموقف، وأنه إن لم يستسلم لسيادة السلاجقة فإن نهايته ستكون على أيديهم. ووافقه الشيوخ على رأيه بعد اقتناعهم به. وفى صلاة يوم الجمعة الأولى من شهر شوال 462 هـ/ يوليو 1070 م، دُعى من فوق منبر مسجد حلب الكبير للخليفة العباسى، الأمر الذى أعلن تحول تبعية حلب إلى المذهب السُنى. وفى نفس العام دُعى أيضًا للخليفة العباسى من فوق منابر مكة والمدينة. وفى ربيع 463 هـ/ 1071 م، عسكر السلطان السلجوقى ألب أرسلان بجزء من جيشه على تل، عُرف منذ ذلك الوقت باسم "تل السلطان". وذهب

المصادر

محمود بن نصر ليطأ بساط السلطان السلجوقى، إعترافا منه بالولاء له، فأقره السلطان على إمارته وعهد إليه بمطاردة الفاطميين فى وسط سوريا، كبداية للمرحلة الأولى لنهاية خلافة الفاطميين الاسماعيلية. وتُوفى عطية بن صالح سنة 465 هـ/ 1073 م دون أن ينجب، فقام محمود بضم الرحبة إليه. وتُوفى محمود بن نصر سنة 468 هـ/ 1075 م، وخلفه فى إمارته إبنه نصر، الذى تُوفى مقتولا بعد حكم دام ثلاثة أشهر فحسب. وفى بداية 470 هـ/ 1077 م، ذهب ثلاثة أمراء مرداسيون إلى السلطان السلجوقى الب أرسلان يعلنون ولاءهم له، وهم: وثَّاب بن محمود بن نصر، ومبارك بن شبل، وحميد بن زغيب. لكن السلطان السلجوقى جعل كل سوريا إقطاعا لأخيه تاج الدولة تُتُش. وحاول تُتُش أكثر من مرة الاستيلاء على حلب وقلعتها فلم ينجح فى محاولاته هذه بسبب استبسال المرداسيين فى الدفاع عنها. وترك تُتُش أمر الاستيلاء على حلب إلى قائده التركى الشهير "الأفشين" الذى قام بتدمير وحرق وقتل كل ما قابله فى القرى الواقعة شرقى معرة النعمان، مما نتج عنه خراب الديار ونشر المجاعات وألجأ الناس إلى الهرب والفرار. وعانت حلب نفسها المجاعة أواخر سنة 472 هـ/ 1080 م، نفاد مياهها. الأمر الذى جعل أمراء المرداسيين يهجرونها ويهجرون قلعتها وتصبح حلب مدينة مفتوحة لمن يريد أن يستولى عليها. وفى العام التالى 473 هـ/ 1081 م استولى مسلم بن قريش العقيلى، صاحب الموصل، على المدينة وقلعتها، ثم أرسل إلى السلطان السلجوقى "ملكشاه" يسأله أن يقرّه على نيابة حلب على أن يؤدى إليه مبلغا معينا من المال فى كل عام، فأجاب السلطان طلبه، وبذلك قُضى على سلطان المرداسيين. المصادر: - أبو هلال الصابى: تاريخه. - يحيى بن سعيد الأنطاكى: تاريخه. - ابن القلانسى: ذيل تاريخ دمشق. - ابن الجوزى: مرآة الزمان. - ابن العديم الحلبى: زبدة الحلب من تاريخ حلب. د. عطية القوصى [ث. بيانكيس The Bianquis]

مرصد

مرصد اسم مكان من الفعل رصد، ويستخدم كمسمى لمكان رصد الأجرام السماوية بوجه عام. يرجع تاريخ أول اقدم عمليات الرصد فى العالم الإسلامى إلى نهاية القرن الثانى هـ/ الثامن م عندما بدأ المسلمون فى استخدام حصيلة المعارف الهندية الفارسية فى دراسة الفلك وترجمت أعمال بطلميوس إلى العربية، وكان من أوائل الفلكيين المسلمين أحمد بن محمد النهاوندى (المتوفى فى 174 هـ) فى جنديسابور. أما أول برنامج منظم للرصد الفلكى فقد جرى فى عصر الخليفة المأمون (198 - 218 هـ) الذى شجع الفلكيين على محاولة حسم التضارب القائم بين المعلومات المستمدة من المدارس الفلكية الثلاث المعروفة لديهم وهى الهندية والفارسية واليونانية. وأمر المأمون باجراء قياس دقيق لميل خط الزوال فى كل من سوريا والعراق، وتفيد المصادر بأن الرصد جرى فى بغداد فى حى الشماسية، غير أنها لا تشير إلى وجود مرصد بالمعنى الصحيح للكلمة، مقام فى مكان مخصص لهذا الغرض، وإن كان تكرار الإشارة إلى دائرة الشماسية يوحى بوجود جهاز كبير فى مبنى قائم، أما فى دمشق فقد جرى الرصد فى دير جبلى بالاستعانة بمزولة شمسية ضخمة يبلغ قطرها حوالى خمسة أمتار. بنيت هناك، كما بنيت مزولة أخرى حائطية أخرى قطرها 10 أذرع. وشملت عمليات الرصد فى عصر المأمون الشمس والقمر والنجوم الثابتة والكواكب السيارة، سُجلت نتائجها فى عدد من الكتب التى تعرف باسم الزيج ومن أشهرها زيج يحيى بن أبى منصور وهى تظهر أن منهج هؤلاء الفلكيين كان أكثر تقدمًا من منهج بطلميوس فى بعض جوانبه. وفى العقود التالية تابع بعض الفلكيين المسلمين لنشاطهم فى مراصد صغيرة خاصة تتلمذ فيها عدد من الفلكيين الشباب ومنها ذلك المرصد الذى أسسه الأخوان محمد وأحمد بن موسى بن شاكر فى بغداد.

ومع مطلع القرن الرابع الهجرى، عاد الحكام المسلمون إلى الاهتمام بعلم الفلك مما ساعد على توسيع نطاق البحث والدراسة، وأجريت مراجعة شاملة لخريطة النجوم البطلمية فى ذلك العصر. وبنى مرصد ضخم فى حديقة قصر الخلافة فى بغداد ضم عددا من الأجهزة الكبيرة فى عهد البويهيين. ولم يقتصر الاهتمام بالفلك على المشرق الإسلامى، بل امتد إلى مغربة فأوّل فلكى الأندلسى هو مسلمة المجريطى ولكن أبرزهم هو الزرقلى الذى عكف بمساعدة آخرين على متابعة الشمس والقمر والنجوم التابعة، لأكثر من 25 عامًا فى كل من طليطة وقرطبة ولكن لا يوجد دليل على وجود مرصد حقيقى. أما المرصد كمؤسسة فهو ابتكار شرقى فى اواخر العصور الوسطى، وأقدم أمثلة المرصد الذى اقامه مالك شاه فى أصفهان نحو عام 467 هـ وظل مستخدما طيلة 18 سنة، وأتم فيه عمر الخيام وفلكيون آخرون زيجا يتضمن تعديلا للتقويم الشمس الفارسى. ومن هذا المرصد انطلقت لأول مرة فكرة أن الحد الزمنى الأدنى لاتمام دورة مشاهدات فلكية هو 30 سنة (وهو زمن دورة الكوكب زحل). لكن أول مرصد اسلامى كبير تتوافر لنا عند معلومات تفصيلية هو مرصد مراغة الذى تأسس فى القرن السابع الهجرى بإيعاز من نصر الدين الطوسى، وكان يشمل مسكن ومسجدا ومكتبة غنية كانت تحتوى على 400 ألف كتاب وأجهزة ضخمة كما جست عليه أوقاف لتمويل نشاطه، وعمل فى هذا المرصد. عدد من أبرز علماء الفلك المسلمين فى ذلك العصر، وقد أدخلوا الكثير من التحسينات على النظام البطلميوسى، وكان فى مقدمتهم محى الدين المغربى وقطب الدين الشيرازى واستمر العمل بمرصد مراغة لمدة تتراوح بين 55 و 60 عاما بعد ذلك. وكان مرصد مراغة نموذجا بنيت على طرازه مراصد فى أماكن أخرى مثل مرصد الشام فى تبريز (أواخر القرن السابع الهجرى) غير أنه لم يشيد

المصادر

مرصد فى مثل حجم مرصد مراغة قبل القرن التاسع هـ/ الخامس عشر م. ففى عام 823 هـ تأسست فى سمرقند مدرسة متخصصة. فى علم الفلك، صارت فيما بعد نواة لدائرة علمية مزدهرة. وفى العام ذاته بنى مرصد ضخم على ربوة بجوار المدنية، وظل المرصد يعمل لمدة 50 سنة أخرى وفيه أعد الزيج الجرجانى. وقد أقيم مرصدان مماثلان لمرصد سمرقند أحدهما استانبول بناه تقى الدين بن معروف فى عام 982 هـ تحت اشراف السلطان مراد الثالث؛ ويقال: إن هذا المرصد كان على نفس مستوى مرصدى مراغه وسمرقند إلا أنه ما أن انتهى حتى بناؤه أمر السلطان فى عام 988 هـ بعد أن تنبأ تقى الدين ذاته بوقوع مذنب عليه فضلا أنه أن كان موضع سخط من جانب القطاعات المتزمنة فى المجتمع. أما أكبر وآخر المراصد الإسلامية الهامة فهى تلك التى أقامها المهراجاجاى سنغ (توفى فى 1156 هـ/ 1743 م) فى الهند، وجهزها بمعدات مصنوعة من الحديد على غرار النماذج الموجود فى مراغة وسمرقند. كما أشرف سينغ على اعداد جداول فلكية بالفارسية وأهداها إلى الإمبراطور محمد شاه فى عام 1141 هـ/ 1758 م. وانتهى العمل بهذه المراصد جميعا بوفاة مؤسسها. المصادر: (1) Sayili: The observatory in Islam and its place in the general history of observatory, Ankara 1960 (2) E. S. Kennedy: Asarvey of Islamio astronomical tables, in trasactions of the American philosopical society, N. S. XIXI (Philadel phia 1956), 123 - 75 ترجمة د. السيد محمد عطا [J. Semso - ج سامسو] المرصفى، حسين مصرى، فقيه ومعلم مصرى (1815/ 1890 م) من المرصفى بالقرب من بنها. كان والده مدرسا فى الأزهر الشريف. فقد بصره فى الثالثة، وحصل على العالمية فى 1840 م. وقد أبدى اهتماما خاصا

المصادر

بالأدب. وقد اختاره على باشا مبارك وزير المغارف للتدريس فى دار العلوم والتى أسست لتخريج مدرسين عصريين للغة العربية، وظل بها إلى 1888 م. يعتبر رائدا من رواد النهضة فى مجال تدريس اللغة العربية وآدابها. وقد نشرت محاضراته فى مجلة "روضة المدارس" ثم فى مؤلفه "الوسيلة الأدبية إلى العلوم العربية". وله مؤلف لم ينشر بعنوان "دليل المسترشد فى فن الإنشاء" عرض له محمد عبد الجواد فى دراسته عن المرصفى. وفكر المرصفى يتفق مع رفاعة الطهطاوى وعلى مبارك من حيث الاتجاه إلى نشر "التنوير" الأوربى وعمل على النهوض بفن الكتابة بعد الحالة المزرية التى آلت إليها فى القرن التاسع عشر الميلادى. وقد أنتهج المرصفى فكر ابن خلدون فى تعليم علوم اللغة كما جاءت فى مقدمته، وعرض فى كتابه "الوسيلة" لمنهجه فى تعليم اللغة والصرف والنحو والبلاغة والعروض، مستخدما فى كتابه أمثلة من أدب العصرين الأموى والعباسى. ويعتبر فكره فى التعليم منهجا سار على نهجه الكثير من المهتمين بقضية اللغة العربية أمثال عبد اللَّه فكرى وحفنى ناصف، بل وسرعان ما انتشر فى البلدان العربية على يد المجددين. وأهتم المرصفى أيضا بالتاريخ السياسى، فنشر فى أكتوبر 1881 م كتيبا شرح فيه ثمانية مصطلحات سياسية كانت مثارا للجدل آنذاك، وهى: الأمة، الوطن، الحكومة، العدل، الظلم، السياسة، الحرية، والتربية، وكان فى شرحه لهذه المصطلحات معتدلا، دائم الإشارة لأمثلة من العصر الزاهر للإسلام. وكان الشغل الشاغل للمرصفى أن ينشر بين الخاصة والعامة تعليما متطورا، خاليا من البدع التى ترسبت خلال عصور الجهالة. المصادر: محمد عبد الجواد: الشيخ الحسين المرصفى القاهرة، 19. [ج. ديلانك G. Delanque]

المرعشيون

المرعشيون أسرة من الأشراف (السادة أو الذين يحمل الواحد منهم لقب سيد أو شريف) من مرعش، وقد حكمت اسرتهم فى "مازانداران" معظم الفترة فيما بين 760 هـ/ 1358 م والنصف الثانى من القرن العاشر الهجرى/ السادس عشر الميلادى. وهناك صلات نسب بينهم وبين الصفويين. 1 - أسرة السادة المرعشيين فى "مازانداران" أ - المرحلة الأولى وقد اسسها السيد "قوام الدين المرعشى" وتكتب بالفارسية ميربزرك أى الأمير الكبير أو بكاف فارسية التى هى عوان بين الجيم والكاف الذى يعرف باسم "ميرى بوزورج" -أما ما اقترنت- ويُرجع "قوام الدين" نسبه إلى الإمام على زين العابدين. . وهذا غير مؤكد. وقد اقامت عائلة "ميرى بوزورج" فى "دابو"، وهى قرية بالقرب من "آمول" حيث درس العلوم الدينية -وقام بزيارة قبر الإمام على بن موسى الرضا فى "مشهد"، واختلف إلى خانقاه السيد عز الدين سوغاندى، وهو أحد ثلاثة من كبار شيوخ الصوفية فى خراسان، وتلميذ الشيخ "حسن جورى" مؤسس "الطريقة الشيخية الجورية" ومشجع حركة "ساربادار" فى خراسان. وبعد أن أجازه "عز الدين"، انشأ قوام الدين خانقاه خاصة به فى "دابو" حيث اجتذب العديد من التلاميذ والمريدين. وفى ذلك الوقت كانت المنافسة حادة بين القوى المحلية للسيطرة على طبرستان - مازانداران بعد الصلح الذى تم بين كيا أى شولاب Kiyai Eulab و"كيا أى جلال" فى عام 750 هـ/ 1349 م، اغتيل فخر الدولة حسن، آخر بمثل للفرع الثالث "للبواندين" Bawandids وقد اغتاله واحد -أو اثنان من ابناء كيا "افراسياب" AFrasiyab زوج اخت فخر الدولة- وبعد أن سيطر "افراسياب" على "آمول" و"مازانداران" حاول أن يدعم شعبيته بأنه تلميذا لميرى أى بوزورج، الذى خلع عليه لقب شيخ. ولكن التلاميذ الآخرين لبوزورج (بوزورق) تحرشوا بأفراسياب واتباعه. وأمر افراسياب بسجن بوزورج ولكن تلاميذه

الغاضبين استطاعوا أن يحرروه. وقد حاول افراسياب طلب العون من "كيا أى جلال" ولكنه فشل -وهزم افراسياب، بالقرب من دابو، على يد ثلاثمائة من الدراويش بقيادة كمال الدين بن قوام الدين (760 هـ/ 1358 - 1359 م) وقتل افراسياب أربعة من أبنائه، وقتل آخر هو محمد قاتل فخر الدين على يد "ملك رستمدار" مات آخر وهو سيف الدولة بعلة فى امعائه وقد نسبت هذه الأعمال إلى القوى الخارقة لدى (ميرى بوزورج) وكان الوحيد الذى بقى على قيد الحياة طفلا يدعى "اسكندراى شيخى". وبعد ذلك هاجم المرعشيون "كيا أى جلال" وفخر الدين وفيشتاسب Vishtasp الذين حكموا على التوالى "سارى" و"توجى" (قلعة بالقرب من بابول) وانتصر قوام الدين وكمال الدين فى المعركة الأولى ودخلوا "بارفروش ده" (بابول) واقدم فيشتاسب، مع بعض اتباع "افراسياب" السابقين، على اغتيال عبد اللَّه بن قوام الدين كما قضى على فخر الدين وأربعة من أبنائه فى معركة بالقرب من "بارفروش ده". . ولجأ "فيشتاسب" مع عائلته ورفاقه المقربين إلى قلعة "توجى" التى اخضعها المرعشيون بعد حصار طويل، قلم فى اثنائه فيشتاسب وسبعة من أبنائه (763 هـ/ 1362 م) وتزوج كمال الدين ابنة "فيشتاسب" عن طريق ابنه "حسن فخر الدولة باوند" حده المؤرخ ظاهر الدين (زاهر الدين) وبعد ذلك أخذ على عاتقه استعادة "سارى" وتوسيعها. وقد اعلن "ميرى بوزورج" منذ البداية عن نيته فى أن يكرس نفسه كلية للنشاطات الدينية -وعندما خرج مع أولاده- الذين عهد إليهم بحكم مازاندران- فى احدى حملاتهم لم يخرج كمحارب. وقد مارس كمال الدين السلطة -بعد رفض أخيه توليها- باسم "ميرى بوزورج", واقتسم المسئوليات مع اخوته. وفى عام 763 هـ/ 1361 - 1362 م، عهد بحكم آمول إلى رضا الدين. وبالسيطرة على آمول و"بارفروش ده" وسارى بسط المرعشيون نفوذهم على "ساوادكه" و"فيروزكه" وكانتا فى أيدى

آخر ممثلى الباوندين -وقد ساعدهم فى حملتهم على قلعة "فيروزكه" والاستيلاء على كنوز فخر الدولة السادة الملاطيين Malati فى جيلان. وكان غزو رستمدار حتى "نايتل رستق" مهمة السيد فخر الدين (872 هـ/ 1380 - 1381 م)، وباحتلاله "كوجور" سيطر المرعشيون على مازاندران كلها. ومن ثم عهد إليه كمال الدين بحكم "رستمدار". . وقد استولى فخر الدين على قزوين -وكانت موضع نزاع بين اذربيجان وبين "عراق العجم" وحكمها فترة قصيرة تخللتها وفاة "ميرى بوزورج"، (781 هـ - 1379 م) بعد أن حكم "مازانداران" لمدة عشرين عاما من خلال أبنائه الذين كان يجمعهم قدر معقول من الوحدة (أربعة من بين أبنائه الأربعة عشر ماتوا أطفالا). . وتولى كمال الدين حكم "سارى" وعهد بآمول إلى رضا الدين، ورستمدار إلى فخر الدين و"قراطوغان" إلى شرف الدين -وامتد نفوذ المرعشيين إلى الغرب حتى حدود قزوين؛ وسيطر السادة الملاطيون بمساعدتهم على جزء كبير من جيلان. ولكن موقفهم كان يتعرض لتهديدات فى الشرق من جانب "مير عماد الدين" مؤسس أسرة صغيرة من السادة المرتضيين Murtada فى "هزرجاريب". . وفى "استراباد" من جانب "اميردالى" الذى حاول اغتيال كمال الدين. ولكن هذا الأخير احتل استاراباد وترك فيها حامية (781 هـ/ 1379 م) ولكنه اعادها إلى "أميردالى" خشية أن يتحالف هذا الأخير مع تيمورلنك كما تخلى عن رستمدار إلى "مالك طوس" (794 هـ/ 1391 - 1392 م) ولكن ما إن استولى "تيمور" على "خراسان" و"هراة" حتى اسرع اسكندرى شيخى -الابن الأصغر لـ "افراسياب" والذى كان يعسكر فى خراسان، بالتحالف مع تيمورلنك. . وقد استولى تيمور مرتين على استراباد. وفى المرة الثانية عيّن "بيراك" حاكما عليها وقد أقام كمال الدين علاقات ودية معه. بل أنه أى كمال الدين- ارسل ابنه غياث الدين إلى تيمور فى مناسبات ثلاث ومعه الهدايا المناسبة على أمل أن يقنعه بحماية المرعشيين من اضطهاد "اسكندر" ولكن العداء للمرعشيين

(الشيعيين الاماميين والرافضين) كان شديدا بين قادة تيمور العسكرين الذين كان معظمهم من السنيين. . وشجع عليه مالك طوس فى رستمدار فى الغرب، وبيراك فى استراباد فى الشرق، وكان يؤيد فى الخفاء "اسكندرى شيخى" وكان تيمور قد أصدر أوامره بأن يفتح الطريق عبر غابات "مازاندران"، وبعث غياث الدين الذى أخذ رهينة مع قوته الطليعة -وكان كمال الدين معسكر حصين على قمة جبل فى هور "ماهاناسار". وبجانب بعض الممتلكات التى أخفيت فى "سارا" كان الجزء الأكبر من ثروة مازنداران والتى تضم أموال التجار والأجانب وكبار الشخصيات وتلك التى تم الاستيلاء عليها، قد تم تخزينه فى "ماهاناسار"- وعندما علم كمال الدين ومؤيدوه بتقدم تيمور ترك ماهاناسار واتخذ له موقعا فى "قاراطوغان" حيث كانت المواجهة مع قوات تيمور فى السادس من ذى القعدة 794 هـ الموافق 24 سبتمبر 1392 م. وبالرغم من أن المرعشين اوقعوا خسائر لدى القوات الأخرى، إلا أنهم هزموا بسبب التعوق العددى، ومن ثم انسحبوا إلى ماهاناسار بعد حصار استمر شهرين وستة أيام. وبعث كمال الدين بالعلماء إلى تيمور طالب الأمان أو مأوى لنفسه ولرفاقه- وتركوا قلعة "ماهاناسار" فى الثانى والعشرين من رمضان 795 هـ، الثانى من اغسطس 1393 م، وافلتوا من الاضطهاد على ايد اسكندرى شيخى بفضل الجهود التى بذلها مالك طوس الذى تشفع لهم عند تيمور. وجرى اعدام كل من كان فى ماهاناسار من غير السادة. ويقال إن تيمور حصل على أهم غنائم فى حياته قدمها إليه ملك. . واستمرت أعمال السلب والنهب فى جميع المراكز الحضرية من ماهاناسار حتى "امول" وسارى حيث حسن بالسادة. وبعد ذلك بعث بهم إلى خوارزم والى Transoxiana بالطرق البحرية والطرق النهرية، وأجبرهم على الإقامة بالتبادل فى هذه الأماكن المنعزلة. وقبل الصعود إلى السفينة،

ب- المرحلة الثانية

استطاع ثلاثة من السادة أن يجدوا ملاذا فى جيلان وهم "عبد المطلب بن رضا الدين" و"عبد العظيم بن زين العابدين، وعز الدين خشنى ركابى". . والتحق اثنان من ابناء كمال الدين (على وغياث الدين) بخدمة تيمور الذى عهد بـ "سارى" إلى "جمشيد قارن غورى" و"آمول" إلى "اسكندرى شيخى" ودمر اسكندر ضريع "ميرى بوزورج" فى آمول التى تركها كثيرون من سكانها إلى سارى؛ وتعقب "عز الدين ركابى" وهو عائد من جيلان وقتله مع ابنائه الخمسة. . وقد صحب اسكندر تيمور فى حملاته. . ولكنه تمرد، وقام بتحصين قلعة "فيروزكه" التى عهد إلى ابنه "حسين كيا". . واشترك على وغياث الدين فى حملات تيمور ضد اسكندر (805 هـ/ 1402 م) وأسر ابنه "على كيا" واخيرا قتل اسكندر فى "شير رود وهازار" وعرضت رأسه المقطوعه على ولديه الأسيرين "على كيا" وحسين كيا" اللذين سلّما قلعة فيروزكه". وقد عفا تيمور عنهما ومنح حكم آمول "على بن كمال الدين"، على أن يكون أخوه غياث الدين نائبا له ووعده بأن يحرر السادة عند ما يعود إلى Transoxiano" أما فى "سارى" فقد مات جمشيد، وحل محله ولده شمس الدين الذى بذل اقصى جهده لتشويه سمعة السيد "على" ب- المرحلة الثانية العودة إلى السلطة ثم الأفول. . عندما مات تيمور (شعبان 803 هـ/ فبراير 1405 م) كان هناك أربعة من أبناء "ميرى بورزوج" يعيشون فى Transoxania بلاد ما وراء النهر (زين العابدين - على - يحيى - شرف الدين) وثلاثة آخرون (رضا الدين - ظاهر الدين - ناصر الدين) يعيشون فى بلاد ما وراء النهر (كان كمال الدين وفخر الدين قد ماتا فى "كاشغر". وقد سافر الأربعة الأحياء مع سادة آخرين إلى هراة للالتقاء مع "شاهروخ" الذى سمح لهم بالعودة إلى "مازانداران". وفى "استراباد" لم يأخذ بشرعية اجازتهم واحتجزهم حتى يحيى شمس الدين قارن غورى. ولكن الدراويش هجموا على شمس الدين وقتلوه، وكانوا قد ابلغوا على بن

كمال الدين عن نيتهم فى الزحف إلى استراباد. . وافرج بيراك عن السادة الذين انضم إليهم الكثير من الأنصار ودخلوا سارى منتصرين ولأن على بن كمال الدين (على سارى) كان قد حكم آمول لثلاث سنوات، فقد تولى حكم "سارى" و"مازانداران" (809 هـ - إلى 812 هـ/ 1406 - 1407 إلى 1409 - 1410 م) واستبقى يحيى وشرف الدين فى سارى وعهد إلى غياث الدين بحكم "بارفروشده". . وكانت سلالة رضا الدين تريد تنصيب عبد المطلب حاكما على أمول، ولكن على سارى فضل عليه قوام الدين بن رضا الدين (قوام الدين الثانى) الذى حل محله عام 810 هـ/ 1407 - 1408 م، على ابن قوام الدين (على امولى) الذى حكمه بالعدل. بذر غياث الدين بذور الشقاق بين على آمول وعلى سارى الذى اضطر إلى الفرار إلى "استراباد" بعد أن هزم على أيدى تحالف عناصر من رستمدار وهازرجاريب (الأمير عز الدين وزوج ابنته سيد مرتضى) وكان حليفه فى هذه العملية شقيقه ناصر الدين الذى بعث به إلى هراة ليبلغ أشاهروخ، بما حدث. وبعد أن انتصر شعب آمول وضعوا "مرتضى" بن كمال الدين حاكما على "سارى" حيث استمر رغم تهديدات "شاهروخ" يسيطر بتسلط على الحكم لمدة سنة (812 - 813 هـ/ 1409 - 10 م)، قبل أن يخلعه الأهالى بسبب ادمانه الشراب. واستعاد على سارى حكم "سارى" "ومازانداران". ونوجز فنقول إنه فى هذه المرحلة الثانية، وبعد موت تيمور، انقسم الأسلاف إلى جماعات متطاحنة تتنافس على الحكم فى سارى وآمول وبارفروش ده ومناطق الحدود (فى الشرق قاراطوغان -وفى رستمدار- وفى الجنوب التلال الواقعة عند سفح الجبال) التى -بالإضافة إلى جيلان- كانت توفر الملاذ للمطالبين بالسلطة (والمحرومين مؤقتا منها) وكان الصراع على أشده دائما حول السيطرة على سارى بما يتضمن السيطرة على "مازانداران". فهى فى الاساس كانت تنتمى إلى سلالة كمال الدين على حين كان رضا الدين

وسلالته يسيطرون على آمول فى الفترة من القرن الثامن الهجرى حتى الرابع عشر الهجرى (التاسع الميلادى حتى الخامس عشر الميلادى) ولكن المطالبين بالسلطة من كلا الفرعين ظلوا فى حالة من التنافس المستمر. وقد كان من السهل -وقد انحصر نفوذ المرعشيين جهة الشرق بسبب سيطرة التيموريين على "استراباد"- أن ينبسط هذا النفوذ على جانب حلفائهم فى جيلان، خصوصا فى "لاهيجان"، حيث ساعدوا "على كيا" على أن يقيم من نفسه حاكما على "بيا بيش Biya Pish, وأن يمد سيطرته حتى "قزوين" و"طاروم" و"شاميران". . وقد تعقدت الصراعات والتنافس بين المطالبين بالسلطة لأن بعضهم كان يحد عونا وتأييدا من القوى المعاصرة (التيموريين، و"قرا قويونلو" و"اقويونلو" و"الصفويين"، على حين كان آخرون يؤكدون بدرجات متفاوته استقلالهم ورفضهم الولاء لأحد. . وبعد أن تزايدت التهديدات التى يتعرضون لعامة القوى المحلية، سعى المرعشيون إلى إقامة تحالفات، بل مصاهرة العائلات ذات النفوذ (كيا أى جلال - كاركيا - بازافارى - رستمدارى الخ) وكان ذلك فى أواخر القرن الثامن الهجرى، الرابع عشر الميلادى. . وفى أوائل القرن العاشر الهجرى السادس عشر الميلادى. وبعد أن تفوق عليهم فى أراضيهم وممتلكاتهم، لم يستطع المرعشيون أن يواجهوا القوة المتزايدة للصفويين وقد كانت قوة شيعية أخرى يرأسها أمير حسين كيا جولاوى Julawi. اضطرت أن تقبض على "شاه إسماعيل" (1501 - 1524 م) حتى تنشئ سلطة مزعزعة غير ثابتة فى "مازانداران" فى عام 909 هـ/ 1504 م وفى 1005 هـ/ 1596 م، عمد شاه عباس -لكى يؤكد حقوقه الوراثية كحفيد لمير عبد اللَّه خان مرعشى (من ناحية الأم) - إلى تولى حكم مازنداران؛ ولكن الزعماء المحليين غير المرعشيين (سيد مظفر مرتضى - الفاند ديف - وبالأخص مالك باهمان

2 - بعض سلالة أسرة السادة المرعشيين فى "مازانداران"

لاريحانى) اضطروا إلى هزيمة قائده "فرهدخان قارامانلو". 2 - بعض سلالة أسرة السادة المرعشيين فى "مازانداران" بالرغم من أنهم كلهم ينتسبون إلى "على المرعش" (أو المرعشى) أو إلى "حسن المرعشى"، فإن السادة المرعشيين ينقسمون إلى فروع مختلفة (فى مازانداران - فى قزوين - فى اصفهان - شوشتار - مشهد - نجف الخ) يصعب معها فى بعض الأحيان تتبع تسلسل نسبهم وقرايتهم. والوحيدون الذين يمكن أن نذكرهم؟ ؟ المشهرون فى الفترة التى اُعقبت تأسيس الاسرة. وبالرغم من مكانتهم كساده، إلا أن القليل جدا هم الذين اكتسبوا شهرة العلماء أو الأدباء. فبجانب كمال الدين بن "ميرى بوزورج -وهو مؤلف وشاعر كثير الإنتاج- يوجد مؤرخان تركا بيانات حية عن عائلتهم: وهما ظاهر الدين بن ناصر الدين، الذى قضى الجزء الأكبر من حياته فى جيلان (حيث لجأ إليها مع أبيه). وقد أصبح واحدا من كبار الضباط لدى ملوك "بيابيش" (لاهيجان) واشترك مع جيش جيلان فى عملياته فى "مازانداران" - (وقد توفى عام 894 هـ/ 1488 - 1489 م). أما المؤرخ الثانى. وهو "ميرتيمور" -والمعروف باسم "م. سوتودا" كأحد أبناء عبد الكريم بن عبد اللَّه، فلا نعرف عنه إلا القليل. أما عمله الوحيد المعروف فهو نوع من الملحق لكتاب "ظاهر الدين بن ناصر الدين" بعنوان "تاريخى طبرستان يان ومازانداران". . والذى انتهى منه فى عام 881 هـ/ 1476 - 1477 م، وهو يحكى تاريخ العائلة حتى 1075 هـ/ 1664 - 1665 م. ومع مطلع القرن التاسع الهجرى، الخامس الميلادى أن هجرة السادة المرعشيين إلى ما وراء "مازانداران" إلى التعجيل بأفولهم. ففى حكم الصفوين استقر كثيرون منهم فى "شوشتار" واصفهان وشيراز وبعد ذلك فى الهند، وفى نجف الخ وفى بعض الأحيان كانت هذه الهجرات تتخذ شكل الترحيل (لغير المرغوب فيهم بالطبع). ومن بين سلالة ممثلى الأسرة، "شاه مير بن مير قوام الدين" حفيد مير على خان، الذى تم ترحيله

إلى اصفهان وتبعه جماعة من السادة المرعشيين الذين تم ترحليهم إلى شيراز 1039 هـ/ 1629 م. وينتسب السادة المرعشيون فى "شوشتار" إلى على مرعش (المرعشى) وإلى سادة "مازانداران". . وعندما خرج "ميرنجم الدين بن أحمد" من آمول فى رحلة حج إلى "العتبات"، استقر فى شوشتار حيث كان نقيبا فى بداية القرن التاسع الهجرى، الخامس عشر الميلادى. وعندما استولى شاه إسماعيل على المدينة (914 هـ/ 1508 م) وضع فى المنصب واحدًا من سلالة الرابعة وهو النقيب "مير نور اللَّه" الذى نشر الشيعية الإمامية. هناك. وبينما اتجه المرعشيون إلى الهجرة إلى شيراز والهند، تقلد العالم الشيعى الإمامى القاضى نور اللَّه بن ميرشريف ابن مير نور اللَّه" (965 هـ/ 1549 م إلى 119 هـ/ 1610 م) -ومؤلف العديد من الأعمال من بينها "المجالس" و"الاحقاق"- منصب القاضى فى "لاهور"، فى ظل حكم "أكبر" ولكنه أعلم بأوامر من "جاهانجير" بإيعاز من العلماء السنيين. وقد خلع عليه الشيعيون الإماميون لقب "الشهيد الثالث" وقد ألف ابنه علاء الملك حسين شوشتارى مرعشى كتاب الفردوس. وقد استقرت. سلالة أخيرا فى نجف. وقد قام كثير من المرعشين الآخرين بأدوار مهمة فى المجال الدينى والسياسى منذ عصر الصفويين -فقد كان العالم" سيد أحمد محمد بن على موسوى مرعشى" رفيقا حميما لـ Fath فتح على شاه قاجار. كما كان من سلالة العلماء "مير محمد حسين شهرستانى حائرى بن مير محمد على ابن محمد حسين حسينى مرعشى، وهو مؤلف العديد من الأعمال، وكذلك ولده حاج شيخ ميرزا على شهرستانى الذى استقر فى "قم" وأبرز عالم من هذه العائلة فى الوقت الحاضر هو "آية اللَّه شهاب الدين محمد حسين بن محمود حسينى مرعش نجفى" (ولد فى نجف فى 1315 هـ/ 1897 م وعندما وصل إلى "قم" فى عام 1924 اشتهر بأنه "متولى" لعديد من المدارس من بينها واحدة (ذات مكتبة ثرية) تحمل اسمه.

المصادر

وقد رسخ السادة المرعشيون -مثل علماء الامامية الآخرين- أنفسهم فى أجزاء كثيرة من العالم الإسلامى (إيران - العراق - سوريا - تركيا - مصر) وفى أطراف المحيط الهندى وشرق افريقيا (زنزبار) وجاوة. المصادر: (1) Moojan Momen: An Introduction to shi'i Islam This history and doctrine of twelver shi'ism (2) S. A. Arjomand: The shadow of God and the hidden Iman (3) Imam From religions: M. J. Fisher dispute to Revolution (4) نور اللَّه شوشتارى: مجالس المؤمنين (جزءان) - "إحقاق الحق". (5) القاضى أحمد قمى (نسبة إلى قم): خلاصة التواريحْ. (6) عبد الرزاق السمرقندى: مطلع السعدين ومجمع البحرين "جزءان". (7) ظاهر الدين مرعشى: تاريخى جيلان وديلمستان. (8) جلال الدين منجّم يازوى: روزنامه. (9) شرف الدين على يازدى ظفرنامه. بهجت عبد الفتاح عبده [ج. كالمارد J. Calmard] مرو الشاهيجان " مرو" هى المدينة التى كانت تقع فى منطقة الواحة الخصبة، وإن عرفت أيضًا بمناخها غير الصحى فى العصور الكلاسيكية والإسلامية الوسطى. وتمتد على الجزء الأسفل من مجرى نهر "مرغاب" على الأطراف الشرقية الشمالية من فارس. ويطلق عليها أيضًا اسم "مرو العظيمة". وتقع تاريخيًا فى نطاق إقليم "خراسان" وكانت قبل الإسلام قاعدة لحماية الحدود، ومركزًا لحكام الأقاليم فى العصور الإسلامية. وهى، أى مرو القديمة، تدخل الآن فى نطاق "تركمانستان". ويعود اسم "مرو الشاهيجان"، ويعنى (مرو الملكية)، إلى الدور الذى لعبته كمقر لممثلى السلطة الملكية، وحصن أمامى يحمى العالم الإيرانى ضد القادمين من السهوب الأسيوية الداخلية، وهى تختلف عن

المدنية الأصغر "مرو الروخى" أو "مرو النهرية" الواقعة أعلى النهر. وتتوافر عن تاريخ "مرو" معلومات أكثر من أى مدينة أخرى فى فارس أو آسيا الوسطى، وإن كانت المصادر لم تفصح عن زمن معين يعود إليه تاريخ وادى "مرغاب"، إلا أن دراسة الآثار فى تلك المنطقة، هى التى يمكن أن يكون لها القول الفصل، ولازالت هذه الدراسة فى مراحلها الأولى. وعلى ضوء المعلومات المتاحة، فإن الأمر قد جرى كما يلى: فى العصر "الأشمندى" (من القرن السادس حتى الرابع قبل الميلاد)، نشاهد مجتمعًا زراعيًا على درجة عالية من التطور فى إقليم "مرغاب" الواقع فى نطاق الدولة الفارسية ويصف لنا الكتاب الإغريق فى العصور القديمة، ويفيضون فى شرح ذلك، وخصوصًا الجغرافيين منهم والمؤرخين فى حملات الاسكندر الأكبر (336 - 323 ق. م). فهم لم يجدوا فقط فى هذا الإقليم مجتمعًا مستقرًا من السكان، وإنما أيضًا مجتمعًا ريفيًا يمارس الزراعة بتقنيات متطورة، وكانوا أيضًا يزرعون الكروم، ويصنعون منها خمورًا جيدة. وتشير المصادر الكلاسيكية إلى "مرغاب" على أنها نهر "مارجوس" وإلى إقليم "مرو" على أنه "مارجيانا" وينسب البعض إنشاء المدينة إلى "الإسكندرا"، بيد أن المرجح أن بناءها أو إعادة بنائها يعود إلى فترة أبعد قليلًا حيث ينسب إلى ملك "السيليوسيين" أنتيكوس الأول سوتر (280 - 261 ق. م)، فى وقت معاصر لبناء السور الذى كان يهدف إلى حماية المنطقة الزراعية من البدو القادمين من السهوب المجاورة ثم استوطنها أسلاف الشعب التركى، ولا يوجد ما يدعونا إلى التشكك فى تاريخ إنشاء "مرو". وبصرف النظر عن التاريخ الذى يعود إليه إنشاء أقدم بناء فى منطقة وهو القلعة بالتحديد، وهذا ما ستكشف عنه نهائيًا دراسة الآثار. فإن الحقيقه المؤكدة، هى وجود زراعة متطورة فى وادى "مرغاب" اشتلمت على نظام للرى، فى وقت يسبق عصرنا هذا بقرون عديدة. ولا يعزى النمو السريع لواحة مرو إلى هذا فحسب، بل إن الفضل فيه يعود أيضًا

إلى أن طريق القوافل التجارية الضخمة، الذى كان يربط آسيا الغربية مع الصين، كان يمر عبر أراضيها فى المرحلة "البارثية"، فقد كانت القوافل القادمة من آسيا الغربية تمر عبر "مرو" إلى "بلخ" ومنها عبر "درواز" والجزء الشمالى "بادخشان" إلى "آلاى كاشجار" ثم أخيرًا إلى الصين. وفى الفترة الساسانية تحرك الطريق التجارى أكثر إلى جهة الشمال، فكانت القوافل تعبر "مرو" إلى "كارجوى" و"سمرقند" و"سميريك" أو أرض الأنهار السبعة. ولم تكن "مرو" مجرد مركز مزدهر على الطريق التجارى، بل كانت مدينة صناعية عظيمة، إلا أن التاريخ لم يفصح عن التفاصيل الكاملة للحياة فى هذه المدينة، إلا بعد الفتح العربى. وبإعادة ترتيب المعلومات التى أضافها المؤرخون والجغرافيون العرب، تكتمل صورة ما كانت عليه "مرو" فى زمانهم وفى التاريخ القديم. ولكى نتفهم الدور الذى لعبته "مرو" فى الحياة الاقتصادية فى غريب آسيا وفى آسيا الوسطى، يجب أن نستعين بما ذكره العرب من الجغرافيين والمؤرخين السياسيين فى القرن (الرابع الهجرى/ العاشر الميلادى) عن نظام الرى، والمستوى العالى من التنسيق والرقابة والصيانة لقنواته تحت إشراف "المتولى" أو "مقسم الماء" وهو المقابل للمصطلح الفارسى "مسئول الرى المحلى" (مير - آب). ويعمل تحت رئاسة هذا المسئول عن الرى، طاقم ضخم للصيانة المستمرة للقنوات يضم مجموعة من الغواصين. وكان هناك سد على "المرغاب" فوق المدينة، ينظم توزيع مخزون المياه، والذى يقاس عن طريق وحدة قياس أطلق عليها "مقياس" قياسًا على القياس النيلى الشهير. ويتكون هذا المقياس أساسًا من لوح خشبى مقسم إلى فواصل مدرجة بعلامات عند كل "شعيرة"، وكان هناك ديوانًا يسمى "الكاستبزود" (النقص والزيادة) -يحتفظ فيه بسجل لهؤلاء الذين يحق لهم المشاركة فى المياه. وكانت الفترة من القرن (الثانى الهجرى/ السابع الميلادى) إلى القرن

(الثامن الهجرى/ الثالث عشر الميلادى)، هى الحقبة التى تحقق فيها لواحة "مرو" رخاء اقتصادى عظيم، عاصرت فيه نظامًا بالغ التطور فى المقايضة والصرف. وتطور فيها العديد من طرق الزراعة وتقنيات الاستزراع، فيما عدا زراعة القمح الذى كانت تستورده من وديان "كاشكا - داريا" و"زاراقشان". وكان الناس يربون دودة الحرير، ووجدت فى "خاراق" جنوب غرب "مرو" قبل قدوم المغول بوقت قصير، مؤسسة تسمى "الديواكوش" لتدريس علم القزازة "تربية دود القز"، وكانت تستورد معظم الحرير الخام لمصانع الحرير الشهيرة بها. واشتهرت الواحة أيضًا بقطنها الناعم الذى كانت تصدره خامًا أو مصنعًا إلى معظم البلاد. وضمت منطقة "مرو" عددًا من المؤسسات الكبيرة التى كانت تدر على ملاكها عائدًا ضخمًا، حتى أنه فى القرن (الثانى الهجرى/ الثامن الميلادى) كانت مجموعة القرى كلها يملكها رجل واحد. ومن المؤكد أن الفلاحين كانوا خاضعين للقيود الإقطاعية لملاك الأرض (الدهاقين)، فكانوا ملزمين بالسداد العينى فى زمن الفتح العربى، ومن القرن (الثانى الهجرى/ الثامن الميلادى) إلى القرن (الرابع الهجرى/ العاشر الميلادى) بالسداد العينى والنقدى، إلا أننا لم نعرف بصورة قاطعة مقدار تلك المبالغ النقدية التى كانوا ملزمين بسدادها. وقدر للمدينة الواقعة فى القلب من منطقة الزراعة الكثيفة. أن يكون لها مستقبلًا مشرقًا. وإذا أضفنا إلى ذلك كونها مركزًا تجاريًا مزدهرًا على طرق القوافل بين غريب ووسط آسيا ومنغوليا والصين، فإننا نتحقق بسهولة من الكيفية التى نمت بها المدينة بسرعة فائقة بمصانعها وأسواقها وزراعاتها ونستطيع أن تميز فى الوقت الحالى داخل نطاق الإقليم القديم لمرو ثلاثة مواقع لمدن قديمة: 1 - قلعة جافور المناظرة لمدينة "مرو" فى المرحلة الساسانية والإِسلامية المبكرة. 2 - قلعة السلطان القريبة جدًا من الموقع السابق على الجانب الغربى، وهذه هى "مرو" القرون من (الثانى/ السابع الهجرى) إلى (الثامن/ الثالث

عشر الميلادى) والتى دمرها المغول فى سنة 1321 م. 3 - قلعة عبد اللَّه خان جنوب مرو قلعة السلطان، وأعاد بناءها "شاهرخ" فى سنة (812 هـ/ 1409 م). وتلك هى كل بقايا المدينة الشهيرة وضواحيها القريبة. ويرجع تاريخ قلعة مرو، والتى عاصرت بناء المدينة فى منطقة "قلعة جافور", إلى تاريخ سابق على المدينة نفسها. وكان من المعتقد أن مدينة قلعة جافور هى الموقع الأقدم (وتسمى شهرستان)، لأنها نشأت حول قصر أحد كبار الإقطاعيين (دهقان)، أى حول القلعة نفسها، وعليه فلا يعقل أن تكون "شهرستان" سابقة فى الوجود على بدايات مدينة "مرو" إلا أن الكشف الأثرى هو الأقدر على حسم هذه القضية. وعند وصول العرب، وجدوا أن الربع الغربى من المدينة قد تطور كثيرًا وأصبح أهم أجزائها وهو الجزء الذى يطلق عليه الجغرافيون العرب اسم "رياضى". وفى البداية كان السوق يقع على حافة "شهرستان" بالقرب من بوابة المدينة، غير بعيد عن السور الغربى، ويمتد أحد أجزائه خلف هذا السور مع امتداد قناة "رازق". وبنى العرب المسجد العظيم فى وسط "شهرستان". وشيئا فشيئًا، مع انتقال النشاط فى المدينة صوب "الرياض" انتقل معه المركز الإدارى والدينى للمدينة إلى هناك أيضًا. وأقيم جامع آخر على ضفة قناة "رازق" والذى خصصة "المأمون" فى بداية القرن (الثالث الهجرى/ التاسع الميلادى) للشافعيين. وفى منتصف القرن (الثانى الهجرى/ الثامن الميلادى)، فى زمن القائد "أبو مسلم"، ظل المركز يتحرك أكثر صوب الغرب من ضفتى قناة "ماجان" وبدأت المدينة منذ ذلك التاريخ تحتل بالتدريج موقع "الربض"، لذلك فإن مدينة "مرو" لم تكن تتجاوز "قلعة جافور" فى القرون من (الثانى الهجرى/ الثامن الميلادى) إلى (السابع الهجرى/ الثالث عشر الميلادى). بيد أن المدينة التى ما زالت أنقاضها موجودة إلى الغرب منها، تعرف الآن على أنها "قلعة السلطان". لكن "شهرستان" لم

تفقد أهميتها مرة واحدة. ويأخذ موقع المدينة القديمة فى قلعة السلطان شكلًا مثلثًا يمتد من الشمال إلى الجنوب بمساحة مساوية لمساحة "قلعة جافور". ويحيط بها سور ضعيف مبنى من الطوب النئ، له عدة أبراج ومبان أخرى ملحقة بالقلعة، التى شيدت بأمر السلطان ملكشاه فى الفترة ما بين سنتى (462 هـ/ 1070 م)، (472 هـ/ 1080 م)، وهى واحدة من أروع المبانى التى شيدت فى تلك الحقبة. وكانت المدينتان -فى زمن الجغرافيين العرب- محاطتين مع ضواحيها بسور ما زالت بقاياه موجودة حتى اليوم. وفيما يتعلق بالسور المبنى فى زمن "أنتيكوس الأول"، فقد ظلت شواهده باقية حتى القرن (الرابع الهجرى/ العاشر الميلادى) وذكره "الاصطخرى" سنة 260 تحت اسم "الراى". وتغير التركيب الاجتماعى لمدينة "مرو" بشكل جذرى فى الفترة التى تمركزت فيها فى قلعة السلطان, مثلما تغيرت الحياة الاجتماعية والاقتصادية فى غرب آسيا ووسطها بشكل عام. إن نمو المدن وتطور الحياة الحضرية وتبادل المنتجات بين المدن والريف وبدو السهوب، وكذلك امتداد مسارات القوافل التجارية، والتى لم تعد مقصورة على تجارة الكماليات وسلع الترف، شجع كل ذلك على نمو طبقات جديدة من المجتمع. فلم يعد هناك وجود "للدهاقنة"، الذين كانوا هم كبار الملاك فى مدينة "مرو" من القرن (الثانى الهجرى/ الثامن الميلادى) حتى القرن (السابع الهجرى/ الثالث عشر الميلادى)، على الرغم من أن "أكشاكهم" فى "قلعة جافور" ظلت متواجدة حتى نهاية القرن (السادس الهجرى/ الثانى عشر الميلادى)، فقد أصبح السادة هم التجار الأثرياء والطبقة العليا الحاكمة. وعلى الرغم من انتساب كليهما إلى الارستقراطية المحلية، إلا أن الزراعة تراجعت وحلت التجارة مكانها، وأصبحت أملاك المدينة هى مصدر الثروة، وتغيرت أوضاع الحرفيين الذين امتنعوا عن العمل كعبيد لدى "الدهاقنة". وحتى القرن (الثالث الهجرى/ التاسع الميلادى) كان ما زال

هناك من يؤدى رسوم الإقطاع إلى الدهاقنة. ويبدو أنهم قد تحرروا منذ ذلك التاريخ وما تلاه. كما تغير أيضًا مظهر المدينة من الناحية الطبوغرافية ومن ناحية المبانى. فبعد أن كان السوق فى شهرستان (قلعة جافور)، يقع عند نهاية المدينة وفى جزء منه خارجها، استهوت الحياة الحضرية "الرباض" لتصبح الأسواق والورش فى قلب المدينة وغدت "مرو" (قلعة السلطان) فى القرن (الخامس الهجرى/ الحادى عشر الميلادى)، مدينة تجارية ذات نمط شرقى منتظم، فهى يخترقها شارعان رئيسيان, يصل أحدهما الشمال بالجنوب، والآخر الشرق بالغرب، وتقع عند تقاطعهما "الكارسو", وهى مركز السوق تظلله قبة وتقع فيه الحوانيت ذات الأسطح المستوية وورش الحرفيين الصغيرة. وكان هناك الصرافيين والصائغين والدباغين، وأيضًا النساجين والنحاسين والخزافين إلى آخره. وهى لم تشتمل على المراكز الإدارية والدينية فحسب، بل ضمت أيضًا القصور والمساجد والمدارس ومنشآت أخرى. فكان يوجد فى الشمال من "الكارسو" على سبيل المثال، الجامع العظيم الذى شيد بالفعل فى عهد "أبو مسلم"، وقيل إنه ظل قائمًا حتى غزو المغول، إلا أنه لا بد وأنه قد أعيد بناؤه أكثر من مرة. وإلى جوار الجامع العظيم، كانت هناك قبة الضريح المبنية على مقبرة السلطان "سنجار" وتفصلها عن الجامع نافذة بقضبان حديدية. ويقال إنه كان من الممكن رؤية قبة الضريح بلونها الأزرق التركواز من على بعد يوم سفر. وداخل الأسوار المحيطة بالمسجد، كان هناك مسجدًا آخرًا، بنى فى نهاية القرن (السادس الهجرى/ الثانى عشر الميلادى) والذى ينسب إلى الشافعيين". ويبدو أن "أبو مسلم" شيد القبة فى عهد "ياقوت" بالطوب المحروق (الأحمر) ويبلغ ارتفاعها 55 ذراعًا، ولها عدة أروقة ذات أعمدة، والتى يقال عنها إنها كانت تستخدم على أنها "دار الإمارة" ولم يتبق أى أثر فى مكانها إلى جوار الجامع العظيم الذى بناه أبو مسلم. وكان لمدينة "مرو" فى هذه الفترة -إلى جانب سورها العظيم- متاريسها

واستحكاماتها الداخلية، والتى كانت تفصل بين أحيائها المختلفة. واشتهرت المدينة بمكتباتها العامرة قبل أن يجتاحها الطوفان المغولى. أما عن تاريخها، فقد كانت "مرو" تحت حكم الساسانيين عاصمة الحدود الشمالية الشرقية لـ "مرزبان" لكونها القاعدة الأمامية، والتى تقع خلفها المدن التى تشكل دولًا بمفردها مثل "سوغدية" ومملكة خوارزم ودول السهوب مثل الأتراك الغربيين، وقد تكون "مرو" هى موطن (موهو) الرحالة البوذى الصينى "هيورين تسانج". وتظهر على الخريطة الصينية فى أوائل القرن الرابع عشر تحت اسم "ما - لى - ووه". وازدهرت فيها المسيحية النسطورية حتى عهد المغول، حيث كان ينادى بأسماء زعمائها الكنيسيين على أنهم حاضرون فى المجالس الكنسية؛ والتى كانت أسقفية قبل سنة 553 هـ، ثم أصبحت فيما بعد مطرانية. وقد كان المطران "إليا" هو الذى قام بدفن جثة "يزدجرد الثالث" الذى قتل فى "باب - بى" (بابان). وكان يوجد بها دير "ماسارجاسان" الذى يقع على الشمال من "قلعة سلطان". وكان "يزدجرد"، آخر الساسانيين، قد هرب قبل غزو العرب لمرو، وقتل هناك فى سنة (31 هـ/ 651 م) على يد المرزبان ماهوى سورى، لذلك فقد ارتبط بالمدينة الاسم الشائن "خونة الملوك" وقد فتحها العرب فى نفس السنة على يد حاكم خراسان، عبد اللَّه ابن عمير بن كوريز، الذى عقد معاهدة مع "ماهوى" تدفع بمقتضاها إتاوة أو جزية تتراوح بين مليون و 2 مليون درهمًا بالإضافة إلى 200.000 جراب من القمح، وأن يكون الدهاقنة المحليون فى الواحة هم المسئولون عن جمع الجزية وتوفير الفتاوى للجنود العرب العاملين بالحامية، فى منازل شعب "مرو". وهكذا فقد كان هناك منذ البداية فرقًا جوهريًا فى نمط الاستيطان عن ذلك النمط الذى ساد فى الأمصار الكبرى العراق وفارس، حيث أقام العرب معسكرات منفصلة كمراكز لنفوذهم. وترك عبد اللَّه بن عمير حامية

قوامها 400 رجل فى "مرو"، ثم أرسل "زياد بن أبيه" فى سنة (51 هـ/ 671 م) حوالى 50.000 أسرة من البصرة والكوفة حيث استوطنوا فى قرى الواحة عن طريق الحاكم الربيعى ابن زياد الحارثى وبدأت فى ذلك الحين عملية امتزاجهم مع السكان الإيرانيين المحليين، وخصوصًا حينما بدأ بعض العرب يتملكون الأرض الخاضعة للضريبة فى الريف، ومن ثم أصبحوا خاضعين من الناحية المالية لسداد الأتاوة للدهاقنة، وقد تكون تلك الأوضاع الاجتماعية الشاذة فى واحة مرو، هى التى أسهمت فى الدور الذى لعبته فى أواخر عصر الأمويين كبؤرة للدعوة العباسية فى الشرق، ذلك أن الدعاية المصاحبة للدعوة الهاشمية قد شقت طريقها مبكرًا بين العناصر العربية المستوطنة. وفى سنة (117 هـ/ 736 م) اكتشف أمر بعض العملاء العباسيين هناك، وأعدموا وسرعان ما تشكلت بعد ذلك لجنة الاثنى عشر من النقباء، يرأسها "سليمان بن كثير الخزاعى". وكان أبو سلمه الخلال موجودًا فى "مرو" سنة (126 هـ/ 746 م) وبعدها بسنتين وصل أبو مسلم كممثل للإمام العباسى إبراهيم بن محمد بن على بن عبد اللَّه بن عباس. واستثمر أبو مسلم النزاع القبلى بين قبيلتى قيس ويمان، وجموع السكان العرب المستوطنين، والواقعين تحت وطاة الظلم المالى، الذى لم تفلح فى معالجته نهائيًا الإصلاحات التى أدخلها الحاكم الأموى نصر بن سيار فى سنة (121 هـ/ 739 م). وبمساعدة "اليمانيين" ضد نصر ومؤيديه من "عرب الشمال" استطاع أبو مسلم فى أوائل سنة (130 هـ/ 748 م) أن يحكم قبضته على "مرو". واستمرت "مرو" عاصمة الشرق فى أوائل حكم العباسيين على الرغم من الرطوبة الخانقة والمناخ القاسى. فقد ظلت هى مقر حكم المأمون عندما كان واليًا على الأقاليم الشرقية وأثناء خلافته حتى سنة (202 هـ/ 817 م)، حينما تركها إلى بغداد. وتوالى عليها الحكام "الطاهريين" من خراسان إلا أن

"الصفاريين" الذين اقتلعوهم منها، فضلوا أن يجعلوا عاصمتهم فى نيشابور، بالرغم من أن "مرو" ظلت هى المركز التجارى الرئيسى لخراسان واستمر ازدهارها تحت حكم "السمانيين". بيد أن الاضطرابات التى جرت فى خراسان خلال العقود الأخيرة من حكم "السمانيين". حينما وقع الصراع بين القادة العسكريين طمعًا فى السلطة، أثرت بالسلب على ازدهار "صرو". وأصاب الخراب ثلث "الربعى" (المدينة الخارجية)، ودُمرت القلعة أيضًا، علاوة على أن الصراع الطائفى والشقاق الحزبى، كان قد استشرى فى المدينة، والذى يبدو أنه تفشى إلى المدن من خراسان فى ذلك الوقت. بيد أن "مرو" عادت إلى الانتعاش من جديد تحت حكم السلاجقة، فقد غيرت ولاءها من الغزنوية إلى التركمانية فى سنة (428 هـ/ 1037 م) وأصبحت عاصمة "كاجرى بيج داوود" حاكم النصف الشرقى للإمبراطورية السلجوقية المؤسسة حديثًا. ومنذ سنة 1110 م والتى أصبح فيها "سنجر" نائب الملك فى الشرق، قام والد الأخير ملكشاه ببناء سور طوله 12300 خطوة حول المدينة، والتى تحملت فى عهد "سنجر" هجمات من مختلف أعداء السلاجقة، مثل "خوارزم شاه أتسيز"، والذى أغار على "مرو" فى سنة (536 هـ/ 1141 م) وحمل معه خزانة الدولة. وبنى سنجر فى "مرو" ضريحه الشهير الذى يبلغ ارتفاعه 27 مترًا على مساحة مربعة، وأسماه "دار الآخرة" وفى خلال حكم "سنجر" أحكم السلاجقة السيطرة على التركمانيين فى السهوب المحيطة "بمرو" عن طريق الشرطة الرسمية، ولكن فى سنة (548 هـ/ 1153 م). تمرد "الغز" ضد هذه السيطرة، وهزموا "سنجر" ووقعت "مرو" فى أيدى البدو الذين تمسكوا بها مع "بلخ" و"السرخس" إلى أن فرض "الخوارزمشاهيون" حكمهم على شمال خراسان. وقاست "مرو" الويلات فى زمن الغزوات المغولية الأولى، حينما أطاحوا بحكم الخوارزميين، فقد نهبها

أتباع "تولوى" فى همجية وتوحش فى بداية (618 هـ/ 1221 م)، ويقال إنهم قتلوا 300 ألفا أو 700 ألفًا من أهلها. وبأخذ عنصر المبالغة فى الاعتبار، فمن المؤكد أن "مرو" تلقت لطمة قاسية زلزلت مكانتها، واستغرقت منها قرنين من الزمان حتى تشفى من آثارها. وفى منتصف القرن (الثامن الهجرى/ الرابع عشر الميلادى)، زحفت الرمال وغطت على الأرض الزراعية للواحة. فماذا تبقى إذن من مدينة القرن (الثانى الهجرى/ الثامن الميلادى) إلى القرن (السابع الهجرى/ الثالث عشر الميلادى) أكثر من السور الذى ذكرناه بالفعل؟ لقد غطى الركام والربى والأكام موقع قلعة السلطان كله وكذلك مواقع المبانى القديمة. وترتفع فى الوسط مثل النصب التذكارى للماضى العظيم قبة ضريح السلطان سنجر، التى تبرز كواحدة من أجل المبانى حتى القرن (السادس الهجرى/ الثانى عشر الميلادى) وهنا يبرز التساؤل عن وجود علاقة بين "دار الإمارة" مع القبة والأروقة الكثيرة ذات الأعمدة السابق ذكرها كانت "مرو" تضم فى تلك الفترة العديد من المبانى داخل منطقة "قلعة سلطان " وكذلك الكثير من المبانى خارج أسوارها، وخصوصا الضاحية الغربية. وفى سنة (108 هـ/ 1406 م) سعى الحاكم التيمورى "شاهروخ" لكى تستعيد تلك المنطقة مكانتها المزدهرة والتى كانت يومًا واحة يانعة. وأعد خطة لذلك سارت على النحو التالى: أعيد بناء السد فى موقعه القديم وجرت المياه مرة أخرى فى قناته القديمة بيد أنه لم يكن رى إلا جزء واحد من الواحة. كما أعيد بناء المدينة، ولكن ليس على الموقع القديم لأنه لم يأت إحضار الماء بكميات وافرة إلى "قلعة السلطان". وتناظر مدينة "مرو" فى هذه الفترة المدنية القديمة "قلعة عبد اللَّه خان" (تنسب الأسطورة الشائعة بناء هذه القلعة إلى الشيبانى عبد اللَّه بن إسكندر)، وكانت مساحتها التى تغطى حوالى ثلاثمائة "بولا" مربعًا، أقل من مساحة "مرو" فى الحقبة المغولية. ولا يمكن مقارنة مدينة "مرو" فى هذه الفترة بتلك التى كانت فى فترة ما قبل

مروان بن الحكم

المغول. ومع مرور الوقت، تراجعت "مرو" وواحتها أكثر فأكثر. وفى فترة المملكة الصفوية كانت عرضة للهجمات المستمرة من جانب الأوزبيجان والتى فاقت من تدهورها. وتلقت ضربة قاضية مع نهاية القرن الثامن عشر، فقد هاجم معصوم خان (لقب فيما بعد مراد شاه) القاجار التركمانى الحاكم المحلى لمرو القديمة، بيرم على خان، وقتله فى سنة 1785 م. ودمر "مراد شاه" أيضًا سد مور غاب 30 ميل/ 48 كم أعلى مرو، ومن ثم تقلصت بشدة الحالة الاقتصادية للإقليم، وحل الخراب على مرو، وعانت المنطقة المحيطة بها من الأهمال الشديد. وفى سنة 1884 م احتل الجيش الروسى واحة "مرو" وتخلصت فى السنة التى تلتها من التهديد الأفغانى، بانتصار الجنرال كوماروف. ومنذ سنة 1887 م وما بعدها، بذلت محاولات تحقق لها قدر كبير من النجاح لإعادة الحياة الزراعية إلى الإقليم الخرب، عن طريق إقامة سدين على "المورغاب" وهما "كوش الهندى" و"باند سلطان" ويمر الخط الحديدى، الممتد من "كراسنوفودسك" إلى بخارى وسمرقند وطشقند من خلال عشق أباد ومرو، وأنشا فرع من مرو، فى اتجاه الجنوب إلى كوشا على الحدود الأفغانية. ودخلت "مرو" منذ سنة 1924 م ضمن تركمانستان فى روسيا. مصطفى محمود محمد [بوسورث C. E. Bosworth] [ياكوبوفسكى A. Yu. Yakubovskii] مروان بن الحكم مروان بن الحكم بن أبى العاص أبو القاسم، ثم أبو عبد الملك، أول خليفة من الفرع المروانى من بنى أمية. لم يطل حكمه أكثر من بضعة شهور قلائل، فيما بين سنتى 64/ 65 هـ (685/ 684 م). وأمه هى آمنة بنت علقمة الكنانية التى تنحدر من نفس عشيرة بنى أمية من قريش، وهو "أبو العاص". وهو ابن عم "عثمان" مباشرة ويختلف الناس

فى تاريخ مولده فمنهم من يجعله فى السنة الثانية للهجرة ومنهم من يؤخرها إلى الرابعة، وإن كان الأرجح إنه ولد قبل الهجرة وأيا كان الحال فإنه لابد وأنه عرف النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، وبذلك يعد من الصحابة وقد أصبح كاتبا لعثمان كما اشتهر بمعرفته العميقة للقرآن الكريم حتى لقد قيل عنه أنه كان من أعمق الناس فهما للقرآن، انظر فى ذلك (الأنساب للبلاذرى جـ 5 ص 125) وقد ساعده هذا دون شك فى تحقيق النصوص القرآنية عندما جمع الكتاب الكريم زمن خلافة عثمان. وساهم فى هذه الفترة أيضا فى الحملة على شمال إفريقيا، والتى يقال أن نصيبه من الغنائم فيها كان كبيرا حتى كان سبب ثروته الفاحشة وكثرة أملاكه بالمدينة، وذكر فيما بعد أنه تولى حكومة فارس حينا من الدهر وجرح فى وقعة يوم الدار وهو يدفع ثوار العسكر المصرى عن بيت عثمان فى سنة (35 هـ/ 656 م). كما حارب فى معركة الجمل إلى جانب "عائشة" وأتباعها، حيث انتهزها فرصة ليذبح "طلحة" الذى اعتبره المسئول الأول عن مقتل عثمان على أن العجيب من أمره إنه والى عليا بعد المعركة. وتولى "مروان" فى أثناء خلافة "معاوية" حكم "البحرين"، ثم تناوب مرتين حكم "المدينة" أولاهما من 41 - 48 هـ = (661 - 668 م) والثانية من 54 - 57 هـ، وكان ذلك مناوبة مع قريبيه سعيد بن العاص والوليد بن عتبة. وقد تكون الشكوك قد ساورت معاوية مؤخرا إزاء تنامى طموحات مروان، وخصوصا مع إدراكه للكثرة العددية لأسرة "أبى العاص" عن نظيرتها عائلة "حرب" جد معاوية، وكان لمروان كما يقول البلاذرى فى كتابه الأنساب عشرة أبناء وابنتان، أما أخوته فكانوا كما يقول الثعالبى فى اللطائف عشرة وزيادة على ذلك فقد كان عما لعشرة. وقد تكون المخاوف من عائلة "أبى العاص" هى التى دفعت بمعاوية إلى "استلحاق" زياد بن سمية المعروف بزياد بن ابيه والى إسراعه على غير المألوف بتعيين ابنه "يزيد" وريثا للخلافة أثناء حياته. وصحيح أن "السفيانيين" كانت تعوزهم الخبرة

وبلوغ السن (باستثناء الوليد بن عتبة ابن شقيق معاوية) لكى يخلف أحدهم معاوية، وأن الأمويين كانوا قد طُردوا من "الحجاز" فكان مروان هو أبرز الشخصيات الأموية، بما له من هيبة ونفوذ وكبر سن. وحينما ظهرت العقبات فى سنة (60 هـ/ 680 م) أمام تولى يزيد بن معاوية إلى جانب رفض مدن الحجاز له قام مروان بن الحكم ينصح "الوليد بن عتبة" حاكم "المدينة" باستخدام القوة ضد المتمردين. وبعد أن انسحبت قوات "مسلم بن عقبة المرى" وعادت إلى بلاد الشام فى (بداية سنة 64 هـ خريف 683 م)، أجبر أنصار ابن الزبير الأمويين وأحلافهم الذين كانوا قد طُردوا من المدينة ثم عادوا إليها مع عسكر يزيد وفيهم على وجه الخصوص أفراد من آل العاص بقيادة مروان، قد ارغمهم أنصار مدعى الخلافة عبد اللَّه بن الزبير أن يتخلوا عن أملاكهم الموجودة بالحجاز والفرار إلى الشام مرة ثانية. وعاد مروان إلى الشام مع بداية سنة 684 م. وتقول بعض المصادر إنه لم يمض مباشرة إلى بلاط قصر معاوية بن يزيد فى دمشق، فلما مات الأخير جابه مروان تأييدًا واسعا (حتى فى فلسطين وشمالى الشام) لقيام خليفة زبيرى فداخل اليأس مروان فى أن تكون ثمَّة خلافة للأمويين واضطر هو ذاته لمبايعة عبد اللَّه بن الزبير، غير أنه قوى ساعده بإلحاح عبيد اللَّه بن زياد بن أبيه بذهاب ممثله إلى اجتماع أهل الشام فى "الجابية"، والمنعقد للدعوة إلى خلافة "معاوية" الثانى. وأن يؤيد استخلاف واحد آخر بتأييد من قائد جذام وهو "روح بن زنباع" أن ينادى به خليفة ويكون ولى عهده كل من "خالد بن يزيد بن معاوية" و"عمرو بن سعيد الأشدق" كخلفاء من بعده. واستطاع مروان، بهذه المبايعة والتأييد من "كلب" بقيادة "ابن بَحْدَل"، أن يهزم "القيسيين " بقيادة "الضحاك بن قيس الفهرى" فى معركة "مرج راهط" التى وقعت فى يوليو أو أوائل أغسطس سنة 684 م. وبعد فترة قصيرة من استقراره كخليفة فى دمشق، تزوج مروان من أم هاشم واسمها الفاخته بنت أبى هاشم بن عتبه، وهى أرملة "زياد الأول" وأم ولديه، فوثقت هذه

المصاهرة الدبلوماسية بينه وبين "السفيانيين". وأصبح مروان قادرا حينئذ على تثبيت دعائم حكمه فى الشام وفلسطين واتسمت فترة حكمه القصيرة بالنشاط العسكرى فبدأ بطرد الحاكم الزبيرى "عبد الرحمن بن عتبة الفهرى"، والملقب "بابن جحدم" من مصر. ويبدو أن مروان قد ضمن هذا الإقليم الأخير فى رجب سنة 65 هـ (فبراير - مارس سنة 685 م) واستعمل عليه ابنه "عبد العزيز" وعلى الرغم من تضارب المصادر فيما بينها تضاربا كبيرا فى هذا الموضوع، إلا أنه يبدو أن قوات مروان قد دحرت أيضا هجوما زبيريا على فلسطين كان يقوده مصعب بن الزبير. ومن الممكن -وإن لم يكن ثم ما يؤكده- أن إحدى كتائب الجيش المروانى غزت "الحجاز" تحت قيادة حبيش بن دُلجة إلا أنه اندحر فى "الربذة" شرقى المدينة وليس من شك فى أن مروان قد اتخذ الإجراءات لتأمين العراق القى أعلنت ولاءها للزبيريين فأرسل إليها جيشا بقيادة "عبيد اللَّه بن زياد" ألذى تفادى المرور من مركز العداء القيسى فى قيرقيسياء فى "الجزيرة"، ووصل "الرقة" حيث وافته الأنباء بوفاة مروان التى كانت فى ربيع سنة (65 هـ/ 685 م)، ويحتمل أن يكون موته بسبب وباء الطاعون الذى انتشر فى الشام فى ذلك الحين، وتتضارب المصادر فى تحديد تاريخ وفاته وتقدر فترة حكمه ما بين ست أشهر إلى عشرة أما عمره وقت وفاته فلا يعرف إذ تقول بعض المصادر أنه مات عن عمر يناهز 63 سنة، وإن كان الأرجح أنه قبض وقد جاوز السبعين. وانتهز مروان فرصة نجاح حملته المصرية ليجعل الخلافة من بعده لولديه عبد الملك وعبد العزيز فتولاها عبد الملك فى دمشق بعد وفاة أبيه بدون معارضة ظاهرية -على الأقل فى دلك اللحظة- وكانت حياة مروان حياة زاخرة بالعمل، وخصوصا فى سنيه الأخيرة إذ كثرت حملاته العسكرية والمفاوضات المتعلقة بتوليه الخلافة. ويبدو أنه عانى أخيرا من أثار الجروح المختلفة التى أصيب بها. ولُقب بسبب طوله وهيئته النحيلة

مروان بن محمد بن الحكم

باللقب الساخر "خيط باطل"، راجع الثعالبى اللطائف 35 - 36، ونظرا لفظاظته وافتقاره للكياسة الاجتماعية، وصُف بأنه "فاحش". وفيما بعد وصمته المصادر المعادية للامويين "بالطريد ابن الطريد"، حيث ربطت بينه وبين أبيه "الحكم" والذى قيل أن النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] قد نفاه إلى الطائف، كما لُقب هو بأبى الجبابرة لأن ابنه وخمسة من أحفاده خلفوه فى سدة الخلافة واحدا إثر واحد. لكن الواضح أنه كان قائدا عسكريا ورجل دولة من الطراز الأول. يتمتع بمهارة فائقة وحسم للأمور ويتصف بسعة الصدر والحلم. وعُرف عنه أنه داهية، وهى الصفة التى ميزت الصفوة البارزة فى العشيرة الأموية، وأن وصوله إلى الخلافة اعتمادا على كفاءته الشخصية دون سند خارجى -حيث لم يكن له قاعدة نفوذ فى الشام، لأنه قضى معظم حياته فى الحجاز-، قد مكن خلفه عبد الملك من أن يثبت أركان الخلافة الأموية. حتى أنها دامت لما يزيد عن 60 عاما من بعده. وللمزيد راجع عنه تاريخ خليفة بن خياط، وتاريخ اليعقوبى، وولاة مصر للكندى، ومروج الذهب للمسعودى، والتنبيه والاشراف للمسعودى، وابن سيد والبلاذرى فى أنساب الأشراف، والمعارف لابن قتيبة، وأسد الغابة لابن الأثير، وابن عبد ربه والأصفهانى. مصطفى محمود محمد [ث. أ. بوسورث Bosworth] مروان بن محمد بن الحكم هو مروان بن محمد بن مروان بن الحكم، آخر الخلفاء الأمويين فى بلاد الشام وقد امتد حكمه من سنة (127 هـ/ 744 م إلى سنة 132 هـ/ 749 - 750 م). وهو حفيد الخليفة مروان الأول من جانب الأب. إلا أن الأقوال تضاربت فيما يتعلق بمولده وبأمه وإن كان الإجماع منعقد على أنها امرأة غير عربية، ويقال أحيانا أنها كردية، وكانت مملوكة لمحمد والد مروان إذ صارت ملك يمينه بعد هزيمة عبد الملك لمصعب ابن الزبير وقائده إبراهيم بن الاشتر فى سنة 72 هـ/

691 م. وتذكر بعض المصادر أن المرأة كانت حاملا بالفعل حينما ملكها وأنها ولدت مروان "فى فراش محمد". ولم تشر سلاسل الأنساب إلى أم مروان، وهى الحقيقة التى ربما تؤكد أنها على الأقل لم تكن معروفة بانتسابها إلى إحدى عائلات العرب المهمة. وإذا كانت أمه حاملا حقيقة عند انتزاعها من الزبيريين، فمن المرجح أنه ولد سنة 73 هـ/ 692 م. ويذكر الطبرى أن ميلاده جاء فى سنة 76 هـ (695 - 696 م)، وقيل إن عمره كان يتراوح بين 58، 69 سنة حين وافته منيته عام 132 هـ (= 570 م) وتقول الأخبار إنه لقب بلقبين هما "الجعدى" و"حمار الجزيرة" (أو يختصر فيقال الحِمَار). ويقال إن الاسم الأول مشتق من اسم "جعد بن درهم" مؤدب مروان، وتختلف الآراء فى تفسير اللقب الثانى إذ أكثر ما يقال فيه فى المؤلفات المتأخرة إنه يشير إلى ما طبع عليه من عناد وشجاعة فى القتال، ومن قائل إنه يشير إلى ولع مروان بورد الحمار. وهناك رواية ذكرها الطبرى عن حبشى أراد النَّيل من مروان بن محمد فمثَّل ما يقبح ذكره بالرسم على جدران حمص. وتتركز المعلومات عن سيرة مروان قبل توليه الخلافة، على أنشطته فى أقاليم أذربيجان وأرمينيا والقوقاز. إذ يبدو أنه إثر هزيمة الجراح بن عبد اللَّه الحكمى على يدر الخرز فى سنة 112 هـ/ 730 م، رافق ابن عمه مسلمة ابن عبد الملك. (الذى عينه الخليفة هشام على الإقليم) فى مهمة لاستعادة مكانة المسلمين فى أرمينيا وجنوب القوقاز. ونظرا لتميزه فى القتال، أصبح حاكما على أذربيجان وأرمينينا من قبل هشام ولا يتضح لنا، إذا كان قد خلف "مسلمة" فى الحال كحاكم فى سنة 114 هـ/ 732 م وهو ما يقرره الطبرى، أم أنه تولى مكانه بعد سعيد بن عمرو الحَرَسى، فإذا كان الأمر الأخير هو الصحيح فإن بدايات حكم مروان لهذه المنطقة ترجع إلى سنة 116 هـ/ 734 م) أو السنة التى تليهما، وأثناء حكمه فى أرمينيا ناصر البجرانيين ضد أعدائهم الماميكونيين.

ولقد تعاون الأرمن مع المسلمين فى مواجهة ما يلقاه الأخرون من الخرز فى الشمال، حين ساهم الأرمن مع عسكر مروان فى هجومهم على القوقاز وكان لهم دور بارز فى تلك الحملة: سنة 119 هـ (737 م) وكما هو جدير بالملاحظة فى سنة 119 هـ/ 737 م. أن القوات الأرمينية ساهمت فيما بعد فى مساعدة مروان من أجل فرض سلطته فى بلاد الشام فى أعقاب موت "يزيد بن الوليد". وهناك فقرتان أوردهما الطبرى فى تاريخه (جـ 2/ 1941، 1944) تشير أن إلى تبنى مروان للتشكيل العسكرى المعروف "بالكردوس" وتخليه عما هو مصطلح عليه باسم "الصف" والكردوس هى مفرزة محكمة من الجنود صغيرة العدد نسبيا وتكون عادة من الفرسان بينما الصفوف هى الخطوط الطويلة التقليدية التى كان العرب ينظمون بها أنفسهم فى المعركة. وهناك من يرى أن مروان هو أول من أدخل تشكيل الكراديس فى جيوش المسلمين، وأن خبرته القتالية على الحدود الشمالية -حيث كان النفوذ البيزنطى قويًا- هى التى دعته إلى انتهاج هذا الاسلوب. وعموما فهذه القضية موضع خلاف، ذلك أن تقارير "الطبرى" لا ترجع إلى الفترة التى كان مروان يحارب فيها على الحدود الشمالية، بل تعود إلى القتال الأخير ضد "الخوارج" فى أرض الحرب بين النهرين بعد أن تولى الخلافة. ويبدو أن مروان كان قد عقد النية على التوجه جنوبا إلى الشام، والتدخل فى الأحداث الجارية هناك، حينما قتل الوليد الثانى إثر الانقلاب الذى أطاح به، وتولى يزيد الثالث الخلافة فى جمادى الآخرة سنة 126 هـ/ 744 م، إلا أن انسحاب الكلبيين من جيشه بقيادة ثابت بن نعيم ثبط من عزمه، ولقد اعتبر مروان بن محمد نفسه الحاكم المطلق فى أرض الجزيرة بالعراق إبان خلافة يزيد الثالث القصيرة واتخذ مقره فى حران، فلما مات يزيد الثالث (فى ذى الحجة 126 هـ = سبتمبر 744 م) رفض التسليم بسلطة خلفه المعين إبراهيم شقيق يزيد

الثالث، وعبر الفرات بجيشه، ويبدو أنه حتى هذه المرحلة. لم يكن دافعه الاستحواذ على الخلافة، لكن باعتبار أنه النصير المدافع عن حق ولدى الوليد الثانى، اللذين كانا مسجونين فى دمشق. وبتأييد من قوات القَيْسِييِّن فى قنسرين فرض سيطرته على حمص وشمال سوريا، ثم هزم طائفة من الكلابيين بقيادة سليمان بن هشام فى "عين الجر" على الطريق الواصل من دمشق إلى بعلبك. وفى أعقاب هذه المعركة، قتل ولدا الوليد الثانى فى دمشق، وفرّ إبراهيم وسليمان أبنا هشام إلى مركز "الكلبية" فى تدمر وتمكن مروان من دخول دمشق. وهناك، يقال أنه بمبادرة من أبى محمد -الذى هو من الفرع السفيانى الأموى، والذى زعم أن ولدى الوليد الثانى قد عينا مروان خليفة لهما- نودى بخلافته وأخذ البيعة فى صفر سنة 127 هـ/ ديسمبر 744 م، وبالتالى فقد قبل إبراهيم وسليمان بن هشام بسلطته ومنحهما الأمان إلا أن مروان لم يؤثر البقاء فى سوريا، بل عاد إلى "حَرّان" فى العراق، حيث يشعر بالأمان أكثر. وتلك هى المرة الأولى التى يحاول فيها أحد الخلفاء الأمويين أن يحكم من خارج بلاد الشام. إلا أنه تعين عليه العودة سريعا لمواجهة حركة تمرّد فى الشام، وهى حركة بدات بين كلبيِّى فلسطين بقيادة ثابت بن نعيم، وسرعان ما امتد شرارها إلى الشمال حين خرجت حمص لاعتراض مروان. وفى شوال 127 هـ/ يوليو 745 م إستطاع مروان بنفسه أن يخضع حمص، ثم أرسل قوة إلى الجنوب لنجدة دمشق من الهجوم الواقع عليها فهزمت النجدة يزيد بن خالد القصرى وقتلته، ومضى جيش مروان لياسر ثابت بن النعيم، الذى كان يهاجم طبرية، واضطرمت النيران فى معسكر الكلبيين فى المزّة القريبة من دمشق، وأخيرا وافق الأبرش الكلبى فى تدمر على التسليم إلى مروان. وبدا أن حكمه فى سوريا قد أصبح مستقرا مرة أخرى، فجمع عند ذلك الأسرة الأموية وأخذ منهم البيعة لولديه الاثنين. بيد أن

المعارضة لمروان فى سوريا لم تكن قد انتهت بعد، فحينما دفع بقوة شامية لكى تلحق بالجيش العراقى تحت قيادة "يزيد بن هبيرة"، فى محاولة لبسط السيادة المروانية فى العراق، تركت مواقعها عند مرورها على "الرصافة" حيث كان يعيش سليمان بن هشام، وانضم الشوام إلى سليمان فى الوقوف ضد مروان. واستولى سليمان على قنسرين وحظى بتأييد من باقى الشام. وسحب مروان معظم قواته العراقية من جيش "ابن هبيرة" وهاجم سليمان وهزمه بالقرب من قنسرين مما أدى إلى هروب القائد الأموى المقهور مع حلول جيشه إلى حمص ومنها إلى الكوفة وذلك بعد أن ترك قواته هناك تحت قيادة أخيه، وقام مروان بمحاصرة حمص للمرة الثانية وحينما استسلمت المدينة فى النهاية بعد عدة شهور، قام بدك أسوارها مع العديد من أسوار المدن السورية الرئيسية. وتمكن مروان مع صيف سنة 128 هـ/ 746 م من إحكام قبضته وبسط سيطرته نهائيا على سوريا. واستغرق منه مد نفوذه على العراق وكل أراضى الجزيرة وقتا أطول. وقد حاول فى البداية أن يضعف حاكم العراق المعين من قبل يزيد الثالث وهو "عبد اللَّه بن عمر بن عبد العزيز" وأن يحل مكانه النّضر بن سعيد الحرشى القيسى -إلا أن كلا الحاكمين المتناحرين- وقد دحر فى سنة 127 هـ/ 745 م بسبب "حركة الخوارج" والتى بدأت فى العراق بين قبيلة "شيبان" والمرتبطة بقيادة الضحاك بن قيس الشيبانى، الذى وطد دعائمه فى الكوفة، لكنه عاد فى ربيع سنة 128 هـ/ 746 م إلى الشمال واستولى على الموصل ساعيا إلى استغلال المصاعب التى تواجه مروان فى الشام. إلا أن عبد اللَّه "ابن مروان" استطاع أن يعطل حركة الخوارج ويكبح جماحهم، حتى يفرغ مروان من إخضاع حمص وتحويل قواته إلى الشرق لمجابهة ما يهدّده من هذه الناحية، وتمكن مروان -فى آخر الصيف- من هزيمة الضحاك وقتله وأرغم الخوارج على ترك الموصل.

ثم طردهم طردا نهائيا فى العام التالى من أرض الجزيرة فى السنة التالية وانتهى خطرهم، حينما استطاع مروان جلب عسكر من العراق واجه بهم قائد الخوارج الجديد أبا دُلف. إن قدرة مروان على احضار الرجال من العراق، كان نتيجة لانتصارات قائده "يزيد بن هبيرة" فى أواخر سنة 129 هـ/ ربيع 747 م، فقد هزم ابن هبيرة وإلى الكوفة الخارجى عبد اللَّه بن معاوية العلوى. وحان للهيمنة التى فرضها مروان فى نهاية سنة 129 هـ/ صيف 747 م، أن تنتهى بعد سنتين بسبب الهاشمية التى كانت قد ظهرت وعلا شأنها فى خراسان منذ رمضان 129 هـ/ يونية 747 م. فلما كان شهر ربيع الثانى 132 هـ/ (نوفمبر 749 م)، قوضت عساكر الهاشمية حكم الأمويين فى فارس والعراق. وأعلنت الخلافة العباسية فى الكوفة. وفى جمادى الثانية 132 هـ (يناير 750 م)، قاد مروان قواته بنفسه فى محاولة أخيرة لهزيمة المنشقين فى معركة "الزاب الكبرى". التى كانت هزيمة قواته بها إيذانا بنهاية الدولة الأموية. وهرب مروان ذاته مع عصبة صغيرة من مؤيديه، وفروا عبر الشام إلى مصر وتعقبتهم القوات العباسية وراحت تطاردهم حتى أمسكته أخيرًا فى ذى القعدة 132 هـ/ يونية 750 م عند "بوصير" فى منطقة الأشمونيين فى صعيد مصر، حيث سقط الخليفة الأموى الأخير بعد صراع قصير. وتوضح سيرة مروان بعضا من أوجه الضعف التى أثرت على الخلافة الأموية فى أواخر أيامها فلقد كانت قوة مروان نتيجة لصلاته الوثيقة بجيش شمالى أرض الجزيرة القيسى الذى كان معاديا لنظام يزيد الثالث الذى يعتمد على الكلبيين ولقد أدى هذا الاتصال الدقيق من جانب الخليفة إلى تقليص الكيان الدينى والأخلاقى الذى قامت على أساسه الخلافة الأموية، وزيادة على ذلك فإن محاولته نقل مركز الخلافة إلى العراق قد زاد من اتساع هوّه الشقاقات الحزبية بين

مريم عليها السلام

العرب والتى طغت على الشام نفسه الذى كانت قاعدة الحكم الأموى حتى ذلك الحين. وقد يبدو أن مروان كان سئ الحظ فى أنه بعد أن عزز سلطته أخيرا على الأقاليم الوسطى، سرعان ما أطاحت به الحركة التى نشأت خارج مناطق نفوذه، إلا أن الدولة الأموية فى الواقع، كانت قد ضعفت بسبب عجزها عن تلبية مطالب الإسلام ولسبب التخربات بين الجنود والعرب، ولولا قوة شخصية مروان وحيويته التى مدت فى وجودها. ما كان لها أن تستمر إلى هذا الحد. انظر فى ذلك صلاح المجند فى معجم بنى أمية، وما جاء عن مروان فى الاصفهانى الذى كان يدعى أنه من نسل مروان، ومروان بن محمد وأسباب سقوط الدولة الأموية لأبى غيب السعدى، بيروت 1972. مصطفى محمود محمد [ج. ر. هوتنج G.R. Hawting] مريم عليها السلام هى مريم ابنة عمران عليها السلام، وأم المسيح عيسى عليه السلام، والاسم عند المسلمين معناه "العابدة" وعادة ما يرد الاسم فى القرآن الكريم مقترنًا بابنها فى شكل "عيسى ابن مريم" حيث إنه ولد بغير أب. وقد وردت مريم عليها السلام فى القرآن الكريم فى السور المكية والمدنية على السواء. أ) نعم اللَّه على مريم عليها السلام ومنزلتها: البشارة وفى سورة المؤمنون المكية آية 50 {وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ} إشارة إلى البشارة وأكدتها آيات أخرى، {قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ} سورة مريم آية: 20، ووردت البشارة فى موضع آخر فى سورة التحريم المدنية، آية 12 {وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ}. كما وردت فى موضع ثالث فى سورة آل عمران آيات 42 - 51.

ب) منزلة مريم (عليها السلام) الدينية

ب) منزلة مريم (عليها السلام) الدينية يؤكد القرآن الكريم رفض الإسلام الاعتقاد بألوهية المسيح وأمه مريم عليهما السلام، كما ورد فى سورة المائدة "آية 75" ويحذر القرآن الكريم أهل الكتاب من الكذب على اللَّه وادعاء غير الحقيقة والقول بالتثليث، كما ورد فى سورة النساء آية 171، وكذلك سورة المائدة آية 116، التى يتبرأ فيها عيسى ابن مريم عليه السلام من الادعاء بأنه ابن اللَّه أو هو اللَّه، وإنما أبلغ الرسالة كما أمره اللَّه تعالى، وعليه، فإن مريم عليها السلام تحتل منزلة كريمة فى الإسلام، ولكنها لا تصل إلى حد التقديس والعبادة. قصة مريم وعيسى عليهما السلام فى القرآن الكريم ترد قصة ميلاد المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام فى سورتى مريم وسورة آل عمران. تفتتح سورة مريم بقصة النبيين زكريا ويحيى عليهما السلام، وتليها قصة مريم وعيسى عليهما السلام. أما سورة آل عمران فتشمل. 1) ميلاد مريم عليها السلام. 2) البشارة بيحيى عليه السلام. 3) البشارة بعيسى عليه السلام. 1 - ميلاد مريم عليها السلام: ومريم هى ابنة عمران وأخت هارون (وعمران وهارون يختلفان عن موسى عليه السلام وأخيه). ولم يذكر اسم امرأة عمران جدة المسيح فى القرآن الكريم، وإن ذكر أن اسمها "حنة" فى المصادر المسيحية عند الاخباريين، وقد أورد الاخباريون فقط نسبها كما يلى: فاقوذ | أشياع (اليصابات) امرأة زكريا عليه السلام ... حنة امرأة عمران | يحيى عليه السلام ... مريم عليها السلام | . . . ... عيسى عليه السلام

2 - بشارة عيسى عليه السلام

كان عمران وحنة عاقرين. وفى أحد الأيام، رأت حنة طائرًا على شجرة يطعم صغاره مما أثار حنينها للولد. ودعت اللَّه إن استجاب لها فلتنذر ما فى بطنها للَّه. وغفلت أن يكون ما فى أحشائها أنثى، والشريعة اليهودية لا تجيز أن تعمل الأنثى فى المعبد، إلا أنها دعت اللَّه أن يتقبلها ويعيذها من الشيطان الرجيم وسمتها مريم أى "العابدة". تربت مريم عليها السلام فى محراب بالمعبد بعناية اللَّه وكفالة زكريا عليه السلام -حيث توفى عمران قبل ميلادها وفقًا للمصادر الإسلامية غير القرآنية- بوصفه زوج خالتها، إلا أن الأحبار لم يعترفوا بهذه الكفالة إلا بعد أن احتكموا للَّه بإلقاء أقلامهم فى النهر حيث غاصت جميعها إلا قلم زكريا عليه السلام الذى طاف على المياه فاستحق كفالتها. وكلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقًا من عند اللَّه. وأوردت المصادر الإسلامية غير القرآنية عن شخص يدعى جريج كان يعمل نجارًا وتقدم لخطبة مريم عليها السلام، وكان أول من انتبه إلى حملها وآمن بالمعجزة الألهية. 2 - بشارة عيسى عليه السلام: تعد القصة التى وردت فى سورة مريم أكثر تفصيلًا من غيرها وفيها أنها انتبذت من أهلها مكانا شرقيًا واتخذت من دونهم حجابًا، والمفسرون لم يحددوا مفهوم المكان الشرقى إن كان المقصود به شرق بيت المقدس أو الجانب الشرقى من بيتها الذى كانت تعتزل فيه الناس لتتعبد، وتشير المصادر الإسلامية إلى أن المخاض جاءها إلى جذع النخلة وأن جبريل عليه السلام ناداها من تحتها ألا تخاف وألا تحزن وأن تهز إليها بجذع النخلة وتأكل الرطب الساقط وأن تصوم عن الكلام نذرًا للَّه تعالى وقد حدث كل ذلك أثناء هجرتهم إلى مصر وفقًا للمصادر المسيحية. ويرى المفسرون المسلمون أن امتناع مريم عليها السلام عن الكلام سببه تجنب الأسئلة الملحة وهو أمر لم يرد عند النصارى، وإن تردد عند البعض منهم أن مريم عليها السلام كانت فى السادسة عشرة من عمرها عندئذ.

المصادر

وأنها اختبأت من بنى إسرائيل فى كهف أربعين يومًا. وتواصل الآيات الكريمة سرد القصة بأن مريم عليها السلام أتت به قومها تحمله وتعجبوا ظنًا أن تكون قد جاءت شيئًا فريا، فأشارت إليه أن يكلمهم فتكلم الطفل لتتحقق المعجزة. كما أورد القرآن الكريم افتراء اليهود على مريم عليها السلام فى سورة النساء آية 156 ولكن لم ترد فى القرآن الكريم الهجرة إلى مصر، ما لم يكن المقصود من الربوة ذات القرار والمعين الواردة فى سورة "المؤمنون" آية 50 أن تكون مصر. ووفقًا للمصادر الإسلامية غير القرآنية فقد عادت الأسرة إلى الناصرة بعد غياب اثنى عشر عامًا وعقب موت هيرودس. وتحتل السيدة مريم عليها السلام مكانة خاصة عند المسلمين باعتبارها المصطفاة على نساء العالمين حسب نص القرآن الكريم سورة آل عمران آية 42. المصادر: (1) الطبرى: تاريخ الأمم والملوك، الجزء الأول. (2) الطبرى: "التفسير" الجزء 3. (3) الكسائى: قصص الأنبياء، طبعة Eisnberg. (4) الثعلبى: عرائس المجالس، القاهرة 1290 هـ. بالإضافة إلى آيات القرآن الكريم والمصادر الإسلامية المختلفة والمصادر النصرانية المختلفة. وائل البشير [فنسنك (وجونستون A.J.Wensinck, Peneloue Johnstone] المزدلفة مكان يقع فى منتصف الطريق تقريبًا بين "منى" وعرفات، حيث يقضى الحجاج العائدون من عرفات الليل ما بين التاسع والعاشر من ذى الحجة بعد أداء صلاتى المغرب والعشاء. وفى الصباح التالى ينهضون قبل شروق الشمس ويصعدون عبر وادى محسِّر إلى "منى" -وهناك أسماء أخرى لهذا المكان هى "المشعر الحرام" (سورة البقرة الآية 198) وأيضا "جمع وهناك رواية أخرى تقول إن جمع تشمل المنطقة الممتدة بين

المصادر

عرفات ومنى"، كلها ومن ثم يكون يوم الجمع هو يوم عرفات، وأيام الجمع هى أيام منى، والشعائر التى تتصل بليلة المزدلفة ترجع إلى الفترة الوثنية القديمة، والتى يعترف بها العرب أنفسهم عندما يجعلون "قُصّى" تشعل النار المقدسة فى هذه الليلة، ويقولون إن إرشاد الحجيج وهم يرحلون إلى منى إنما هو امتياز لأسرة أدوان Adwen (*) والمكان المقدس فى المزدلفة هو تل قزح -وحتى بعد أن أعلن محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-]- مناقضًا عن عمد ما كان يمارسه الوثنيون- أن المزدلفة كلها "موقف ظل هذا التل يحتفظ بقدسيته القديمة ويقول "الأزرقى" إنه كان هناك برج متين مستدير فوق هذا التل، كانت تشتعل عليه نيران المزدلفة، وقد كانت النيران تشعل بالخشب فى عهد هارون الرشيد وبعد ذلك أصبحت تضاء بالشموع - وفى العصر الإسلامى تم تشييد مسجد محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] على بعد أربعمائة متر من البرج، والأزرقى يقدم وصفا تفصيليا له، على حين يتحدث المقدسى عن مكان للصلاة ونافورة عامة ومئذنة ويذكر بيرتون أيضا برجا عاليا منعزلا فى المزدلفة، ولكن الإنارة فى ليلة المزدلفة تتم فوق المسجد. المصادر (1) الطبرى: تاريخ الرسل والملوك تحقيق De Goeje ليدن 1879 - 1901 م. (2) الأزرقى، تاريخ مكة. (3) Burton: Personal Narrahue of a Pilgrimage to el Medinah and Meccah وقد ترجمت هذه الرحلة كاملة للعربية - نشر الهيئة المصرية العامة للكتاب. بهجت عبد الفتاح [ف. بوهل F. Buhl] المساحة، علم علم المساحة: اسم يطلقه العرب على العلم المختص بالقياس وبالهندستين ¬

_ (*) مناسك الحج فى الإسلام كلها موجهة للَّه سبحانه ولم يكن الأمر كذلك فى الجاهلية. [المترجم]

المستوية والفراغية؛ وهو بمعناه الواسع يشمل قياس كل ما يمكن أو يلزم قياسه، وبصفة خاصة الأطوال والمساحات والحجوم والأوزان والأعداد، ومن ثم فهو يختلف عن الجيوديسيا Geodesy (دراسة شكل الأرض وقياس سطحها) التى تناولها العرب فى كتابات مستقلة. والتعاريف التى وضعها المسلمون لعلم المساحة تتباين كثيرا؛ فمنها ما هو واسع مثل تعريف العُماوى "قياس يعتمد على تقدير كمية مجهولة بمقارنتها بكمية معلومة بوحدات معينة"، وإن كانت أغلب التعاريف تحصر معناه فى قياس الأطوال والمساحات والحجوم. ونجد الرسائل المختصة بالهندسة تتوالى طوال الفترة التى قام فيها المسلمون بدور ناقلى الثقافة القديمة (من بداية القرن التاسع إلى أفول نجم الرياضيات العربية حوالى عام 1600 م). وكان الغرض من هذه الأعمال تزويد المعماريين والجنود والمساحين بالوسائل المناسبة والأرضية النظرية لأعمالهم. ويمكن تمييز ثلاث مجموعات من هذه الرسائل تبعا للأساليب التى تتبعها فى المعالجة: - أ- رسائل شبيهة إلى حد كبير بما لدينا من قوانين رياضية، وهى مختصرة بقدر الإمكان، وتوضح طريقة الحساب دون تقديم أمثلة (ومن أمثلتها رسالة ابن البنا). ب- رسائل تشتمل على أمثلة محلولة بالكامل (ومن أمثلتها رسالة البغدادى). جـ- رسائل تشتمل فقط على سلاسل من المسائل المحلولة بالكامل، وهى عبارة عن ضرب من كراسات التمارين (ومن أمثلتها رسالة أبى بكر). وفيما يتعلق بطريقة العرض فى تلك الأعمال لا يسعنا الحديث عن قوانين رياضية بالمعنى المعروف الآن، إذ لم تُعْرَف صياغة القوانين الرياضية بهذا الأسلوب إلا فى عصر متأخر وبين العرب المغاربة، بل وربما كان ذلك فى مجال الجبر فقط، فقواعد حساب المساحات كانت تكتب بالكلمات بما فى ذلك أحيانا الأشكال الواردة بالنص.

وكانت الأعمال المختصة بعلم المساحة -خصوصا الكبيرة منها- تشتمل على ما يلى: - أولا: مدخل الكتاب؛ ويشمل التعريف بالعلم وشرح وتصنيف الأشكال الهندسية والتعريف بالوحدات المستخدمة فى القياس. ثانيا: قواعد الحساب للسطوح المستوية كالأشكال الرباعية (المربع والمستطيل ومتوازى الأضلاع. . إلخ)، والمثلثات بأنواعها وعديدات الأضلاع، والدائرة وأجزائها، وكذلك الأجسام الفراغية (كالمنشور والإسطوانة)، والأجسام الهرمية والمخاريط، والكرة وأجزائها، وغير ذلك من الأجسام المنتظمة وشبه المنتظمة. ثالثا: أمثلة عملية؛ وهذه كانت بصفة عامة نادرة الورود فى الأعمال الخاصة بالمساحة، وكثيرا ما نجد تمارين على تقسيم الحقول مصاغة على نمط أعمال إقليدس وهيرو، ولسفاسوردا (مساح يهودى) تمارين على تقسيم الحقول الواقعة على المنحدرات، وعلى القمم والارتفاعات والأجسام المجوفة، وللحنبلى بعض التمارين الخاصة بالمواضع غير الميسور قياسها كقاع البئر وعرض النهر. ومن المسائل الأخرى المطروقة حساب مقدار الأحجار أو الطوب اللازم لبناء منزل أو سقف وتحديد ارتفاع حائط. ومن هذه الأعمال ما يُعَدُّ مرجعا شاملا كأعمال الحنبلى والكاشى، ومنها ما هو مختصر للغاية حتى أنه غالبا ما يتناول جوانب فقط من الموضوع. وطرق حساب الحجوم هى نفسها ما نجده عند الإغريق والمصريين، وفى الحالات التى لا يكون فيها الأمر كذلك تكون طرق الحساب مستنبطة بطريقة استقرائية وتجريبية؛ فللكرخى مثلا طريقة لحساب حجم الكرة استنبطها من مقارنة وزن مكعب من الشمع بوزن كرة منه صنعت من هذا المكعب وقطرها مساو لطول ضلعه. ومن الجلى أن مثل هذه الطرق لابد وأن تؤدى إلى نتائج تقريبية وقوانين قائمة على التقريب، وتلك هى طبيعة الهندسة العملية.

المصادر

وسبب بقاء هذه القواعد (العملية) طويلا أنها تفى بحاجات المستخدمين العمليين الذين كانوا بحاجة إلى قيم سهلة الحساب لا دقة رياضية فائقة. ولأسباب مشابهة -وتمشيا مع الممارسات التقليدية- لم تكن كل الأعمال المختصة بالمساحة تقريبًا تقدم أية براهين هندسية علمية على درجات دقة القوانين التى تستخدمها. ومن الاتجاهات التى ارتبطت بالمؤلفين العرب أيضا إعطاء مجموعة من الصيغ الرياضية التى تتفق تماما من حيث الجوهر فى صورها الرياضية المختلفة؛ إذ نجد مثلا فى المخطوط رقم 5954 بمتحف برلين طريقة لحساب وتر المثلث قائم الزاوية باربع صيغ مختلفة. ولعل السبب وراء ذلك توفير الخيارات المختلفة لينتقى منها المستخدم العملى ما يناسب الحالة التى تعن له، ويمكن التماس أصول الهندسة العربية فى مؤلفات الأغريق والهنود؛ فالقواعد -من حيث الشكل والجوهر- تكاد تكون إغريقية تماما، خصوصا لدى قدامى المؤلفين. ويبدو أن إنجازات "هيرو" الباهرة -والتى ترجع بدورها لأصول مصرية- كانت النموذج المحتذى للمؤلفات العربية فى علم الهندسة، أما الهنود فتعود إليهم النسبة ط (II) واستخدام الصيغة: م = مضروب أطوال الأضلاع فى حساب مساحة الرباعى المرسوم داخل دائرة. وفضل العرب فى علم الهندسة لا يتمثل فى التوصل إلى حقائق جديدة -برغم ما نجده فى مؤلفات علم المساحة من قواعد مستحدثة- بقدر ما يتمثل فى إثراء هذا العلم بطرق حساب وطرق تدريس جديدة، ويتمثل كذلك وبصفة خاصة فيما قام به العرب من صيانة تراث القدماء وتسليمه إلى العالم الغربى. المصادر: (1) Zahir al-Din Muhammed Babur: Baburnama, Leiden and London 1905 (2) I Fran Habib: The agrarian system of mughal India, Bombay 1963 على يوسف على [بيرتون J. Burton] [بيج وأندروز Page & P. A. Andrews]

مساحة

مساحة مساحة، قياس الأسطح المستوية، وفى اللغة الحديثة تعنى أيضا مسح الأراضى وتقنية مسح الاراضى وفى هذا المقام سنتناول قياس الأطوال والمساحات بالنسبة لوحدات الحجوم والأوزان، انظر مكاييل، موازين. وبالنسبة لتقنية مسح الأراضى، انظر مساحة، علم المساحة. فى البلدان الإسلامية الوسطى كانت وحدات الأطوال والمساحات قبل العصر الحديث متعددة بطريقة مربكة وغالبا ما كانت الوحدة نفسها تستخدم بقيم مختلفة بين مكان وآخر أما الموازين والمكاييل فنظرا لدخولها فى المعاملات التجارية اليومية كانت مقاييسها أكثر دقة وتخضع للرقابة سواء من الحكومة أو المحتسب. أما الأطوال والمساحات فكانت تهم بدرجة أكبر موظفى المساحة الذين يحصرون الأراضى والمحاصيل لتقدير الضرائب والخراج. (أ) وكانت الوحدات الأولية لقياس الأطوال تعتمد، كما فى الكثير من الحضارات الأخرى، على مقاييس جسم الإنسان فهناك الإصبع، وهو عرض العقلة الوسطى فى الاصبع الأوسط ويساوى جزءًا من 24 من الذراع، والقبضة، والشبر، الباع أو القامة، وهو طول الذراعين ممتدين، وقد اعتبرا مساويين لأربعة أذرع. وهناك أيضا القصبة، بقيمة تتراوح بين خمسة أذرع وثمانية، ولكنها فى المتوسط تساوى أربعة أمتار. وفى بلدان فارس، كان الـ جاز معادلا للذراع فى البلدان العربية. وفى القرن السابع عشر وضع الـ جاز الشاهانى ليساوى 95 سم تقريبًا، وفى عام 1926 وبعد تولى الشاه رضا بهلوى الحكم، قربه إلى المتر، ثم ما لبثت إيران أن أخذت بالنظام المترى، وإن ظلت الوحدات القديمة مستخدمة بين العامة. (ب) وكانت الوحدة الأساسية للمساحة فى العصور الإسلامية القديمة هى الـ جارب، ولما كان يعد أيضا وحدة للمكاييل، للحبوب وما شابه تساوى أربعة قفيز، أخذ الجارب مقياسا لمساحة تكفى لبذر جارب من القمح. وقد اختلفت قيمة الجارب،

ورسميا كانت تساوى مائة قصبة، أو 1600 مترا تقريبًا. وفى فارس كانت هذه القيمة تسمى الجارب الصغير، أما الجارب الكبير فكان يساوى 5837 مترا مربعا. وفى القرن الحادى عشر الهجرى/ السابع عشر الميلادى قلت قيمة الجارب إلى 958 مترا مربعا فى إيران ومنذ 1926 أصبح مساويا للهكتار، ولكنه ظل فى المعاملات المحلية يتراوح بين 400 و 1450 مترا مربعا، بحسب الممارسات الزراعية، فالجارب للأراضى المروية يقل عنه للأراضى الجافة. أما الوحدة الأساسية فى مصر فهى الفدان، قدره القلقشندى فى القرن التاسع الهجرى/ الخامس عشر الميلادى بـ 400 قصبة، أى 6368 مترا مربعا. ومنذ 1830 أصبحت قيمته 4200.833 مترا مربعا، بعد أن انخفضت نسبة الفدان إلى الأكر acre الانجليزى. وفى تركيا فى عهد العثمانيين، والعراق وسوريا وفلسطين، كانت الوحدة الأساسية هى الدونم، وكانت فى الأصل هى المساحة التى تحرث فى يوم واحد. وكانت تساوى فى تركيا 939 مترا مربعا (أى زهاء 100 ياردة مربعة) ولكن القيمة الحديثة له منذ القرن التاسع عشر صارت تساوى هكتارا، ثم أدخلت الوحدات المترية فى تركيا رسميا منذ 1934. والدونم فى سوريا وفلسطين يساوى حاليا 1000 مترا مربعا، أى 247، أكرا. أما فى العراق فهو 2500 مترا مربعا، رغم إدخال المقاييس المترية منذ 1931. وفى كافة الأحوال، ظلت المقاييس التقليدية مستخدمة فى هذه البلدان على المستوى الشعبى بجانب المقاييس المترية. على يوسف [بوسورث C. E. Bosworth] 2 - فى بلاد الهند الإسلامية: (أ) وحدات الأطوال: ترد الأيام فى أقاصيص الرحالة كمقياس للمسافة، فيقال أن مدينة كذا تقع على بعد كذا يوم من مدينة كذا، وهو مقياس لا تغفل قيمته العملية للمسافرين، وهو لا يزال مطبقا للآن فى السفر خلال الجبال. وهناك رحالة آخرون، كالبيرونى، يقدرون المسافة بالـ فرسخ، ولكن تقديرات البيرونى فى هذا الصدد لا يعتد

المصادر

بها. ويستخدم أحيانا هو وآخرون وحدة الـ ميل العربى، وهو ما يبعث على البلبلة حيث قد يأتى كمرادنى وقد أصبح الميل فى الهند هو الميل الانجليزى. والوحدة التى ضللت البيرونى هى اليوجانا yodjana, وهى تعادل أربعة أمثال مدى سماع حوار البقرة وهذا المسمى نادرا ما يرد فى كتابات المسلمين الذين استخدموا اسما بديلا هو الـ krosa، الذى تحول إلى kos " كوس" أساسية للاطوال، وتتخذ قيما متباينة فى الأماكن والأزمنة المختلفة، فعرف الباكاكوس (الكوس الكبير) والكاكاكوس (الكوس الصغير). وقد دخلت وحدات أخرى فى عهد المغول، كان تغيرها يجرى بمعدلات سريعة يصعب تتبعها. وجدير بالذكر أن الذراع أحيانا ما يستخدم فى كتابات المسلمين الهنود ولكن بقدر كبير من عدم الدقة، إما للتعبير عن الـ جاز، أو الـ hath، وهو المسافة بين الكوع وطرف الإصبع الأوسط، وأحيانا ما يستخدم كوحدة لقياس الأقمشة، ولكن كان الجاز هو الأكثر شيوعا فى هذا المجال ويأتى على هيئة قضيب مقسم لأربعة أقسام. (ب) وحدات المساحات كانت الوحدة الغالبة لقياس مساحات الأراضى هى الـ bigha وتقسم إلى عشرين جزءا، يسمى كل جزء biswa. وهذه الوحدات أيضا تتفاوت قيمتها بقدر كبير من مكان لمكان. تقدر الـ biswa بـ 131.33 ياردة مربعة أو 109.8 مترا مربعا. وقد وجدت كذلك وحدة تسمى biswhnsa تساوى جزءا من عشرين جزء. 3) وأخيرا، فإن كلمة مساحة استخدمت أيضا كلفظ تقنى يتجاوز مفهوم مسح الاراضى المجرد ليحمل معنى ضريبة الأراضى محسوبة على ما يبدو على النمط البيزنطى، على أساس المسطح المزروع من الأرض أو النمط الساسانى على أساس طبيعة أو نظام الرى وكذا، بصفة عامة ما تدره من محصول. المصادر: (1) J.B. Tavernier: les six voyages Paris, 1982

المصادر

(2) ظهر الدين بابور، بابل نامه، ليدن، 2905. على يوسف [بيرتون - وبيج J.Burton - Page P.A. Andrews] مسقط تقع مدينة مسقط على خط عرض 23.28 شمالًا وخط طول 58.36 شرقًا، وهى ميناء على خليج عمان، وكانت -منذ القرن الثامن عشر- فى الغالب الأعم هى عاصمة سلطنة مسقط وعمان التى سميت منذ 1970 م سلطنة عمان، وتكتبها المصادر العمانية أحيانا مسكة بالتاء المربوطة. وتشغل المدينة مساحة محدودة حيث تمنع الجبال التى تصل حتى مياه الخليج فى كثير من المواضع امتدادها وعند الطرف الغربى لهذه المساحة المحصورة بين البحر والجبل توجد بقايا القلعة التى كان البرتغاليون قد أنشأوها وتعرف بقلعة ميرانى، وثمة حصن كان البرتغاليون قد أنشاوه أيضًا -هو حصن الجلالى- يقع على واحدة من الجزيرتين الصغيرتين القريبتين من الشاطئ، والسهل الضيق الذى تقع عليه المدينة حصوى. وكان الوصول لمسقط حتى الأزمنة الحديثة شاقا من ناحية البر لذا فقد كان الوصول إليها غالبا عن طريق البحر. ومن الناحية العملية فإن مسقط مجرد جيب لسهل باطنة الساحلى، ومن ثم فإن ميناء مَطْرَح القريب من مسقط هو الأكثر استخداما ومع هذا فإن مسقط هى الأكثر أهمية من الناحية الاستراتيجية بسبب موانعها الجبلية وتحصيناتها رغم نسبة الرطوبة العالية بها، وحرارتها الشديدة لتطويق الجبال لها من أكثر من ناحية ومساحتها الضيقة. المصادر: (1) D. G. Hogarth: The penetration of Arabia, New York 1904 (2) W. D. Peyton: Old Oman, 1983 سامية السيد أحمد [ولكنسون J. C. Wilkinson]

مسواك

مسواك المسواك تشير إلى فرشاة الأسنان بالإضافة إلى أنها تستعمل لتخليل الأسنان، والمسواك أداة لتنظيف الأسنان، ويطلق عليه أيضًا "سواك"، ولم ترد أى من الكلمتين فى القرآن الكريم. وهذه الأداة عبارة عن قطعة من الخشب، مهشم أحد أطرافها لتكون أشبه بالفرشاة. ولم تستخدم السنة لفظ المسواك، على خلاف كلمة السواك التى استخدمتها مرارًا. وقد روى فى الحديث أن النبى محمدًا [-صلى اللَّه عليه وسلم-] استقبل أحد زائريه، وهو محتفظ بمسواكه فى فمه. وتبين الأحاديث أهمية السواك، فقد كان أول عمل يفعله رسول اللَّه عند دخوله منزله هو التوجه له. وقد شاع عن ابن مسعود اسم "صاحب السواك" لاهتمامه بمسواك رسول اللَّه [-صلى اللَّه عليه وسلم-]. كما كان الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] يستخدم السواك قبل الغسل، وعند أداء العبادة ومع الصيام. ويستخدم السواك أساسًا قبل الوضوء استعدادًا للصلاة، وقد كان ذلك عادة للنبى محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] الذى أولاه عناية فائقة، حيث قال: لولا أن أشق على أمتى لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة. وكما قد قيل فى حديث آخر، بأن اعتبار السواك ضرورى عند كل صلاة، منشؤه وجوب الوضوء قبل كل صلاة. وفى حديث آخر، فقد جعل السواك واجبًا قبل صلاة الجمعة ومما يعطى السواك قدرًا متميزًا اعتباره من أعمال "الفطرة". أو لسنة الرسول وتوجيهاته. وهناك اتفاق على عدم فرض السواك، بل هو مندوب، وقد ذهب الظاهرية إلى أنه واجب قبل الصلاة، كما تدل عليه ظواهر بعض الأحاديث، لكن جمهور الفقهاء ينازع فى ذلك، ويرى أنه مندوب خاصة فى خمس حالات: عند الصلاة، وعند قراءة القرآن، وبعد النوم، وبعد غلق الفم مدة طويلة، وإذا فقد الفم نظافته لأى سبب. ويرى الشافعى أن استخدام السواك مكروه فى حالة الصيام فى الفترة من الظهر إلى المغرب، حيث إن خلوف فم الصائم أطيب عند اللَّه. ويندب أن يكون السواك من خشب الأراك، ليس بالصلب ولا بالطرى، وأن

المصادر

يشمل السواك اللثة مع الأسنان، بدءًا بالجانب الأيمن، ومن أعلى إلى أسفل، على النحو الذى لا يلحق ضررًا. المصادر: (1) فنسنك: معجم كنوز السنة. (2) كتب الأحاديث الستة الصِّحَاح. على يوسف [فنسك J. Wensinck] مشربية اسم فن خرط الخشب لانتاج سواتر خشبية (قواطيع) مثل الشِبَاك. مثل تلك التى كانت تزين النوافذ فى العمارة الإسلامية فى الماضى. وفى مصر اشتق هذا المصطلح من العربية "شرب" (يشرب)، وقد أيد إدوارد وليام لين العلاقة بين المشربية والشرب فى القرن الماضى. حيث وصف "المشربة" بأنها دخلة من ضمن هذه النوافذ المصنوعة من الخرط تستعمل لحفظ القلل باردة منعشة للشرب. وتأكد هذا المعنى من وثائق الوقف والتى منذ القرن العاشر الهجرى (السادس عشر الميلادى) تشير إلى مثل هذه الدخلات بالمشربة ولفن خشب الخرط بالمشربية. ويقال إن محمد على قد منع استخدام نوافذ "المشربية" لإحلال العمارة الأوروبية محل التقليدية. المشربية فن تنفرد به مدينة القاهرة دون سواها حيث استخدمت عدة أنماط وتجميعات كتلك التى يعرضها المتحف الإسلامى بالقاهرة بالإضافة إلى بقايا بعض المنازل من العصر العثمانى. وكان لكل أسلوب من المشربية اسم خاص مثل "النجومى" (مثل النجوم)، "الساقية" (مثل الساقية) و"المثلث" و"صليبى فاضى"، "صليبى مليان"، "كنايس قبطى"، "كنايس فاضى"، "عين الكتكوت"، "ميمونى مدَّور"، "ميمونى نجومى" و"معكوس". قاطوع أو ساتر أو حجاب المشربية يتكون من قطع صغيرة من الخشب المخروط بأشكال متعددة مثبتة فى بعضها البعض بالتعشيق بدون مسامير أو غراء وهى بذلك تعطى الساتر مرونة تتماشى مع مرونة الخشب عند تغير درجة الحرارة، ويمكن الحصول على

تصميمات هندسية بالغة التعقيد والتنوع من خلال مجموعة من قطع الخشب، والنتيجة حجاب (ساتر) شفاف رائع الزُّخرف بسبب تنوع الأشكال وكثافتها الناتجة عن تجميع قطع عديدة متنوعة الشكل من الخشب مع بعضها. ويسمح الساتر (الحجاب) بمرور الضوء وأشعة الشمس بطريقة رائعة وفى نفس الوقت يسمح لمن بالداخل الاطلاع على الخارج بدون أن يراه الخارج. كان لهذا الفن أثر كبير على نظام الفتحات حيث أعطى الفرصة لتصميم حائط كامل من خشب الخرط يقدم للسكان بانوراما زخرفية وفى نفس الوقت يسمح بدخول الهواء المنعش ويمكن أن تحتوى المشربية على الزجاج مضافًا إليها كذلك الستائر لزيادة فى الحماية. ويمكن صنع نوافذ المشربية من خشب مطلى بألوان عديدة أو بلون الخشب الطبيعى بدون ألوان. وعلى هذا فقد تميزت واجهات مبانى القاهرة فى القرن التاسع عشر بنوافذ المشربيات البارزة والتى كانت تكاد تلامس بعضها البعض من كلا الجانبين فى الحارات الضيقة كما شاهدها الرسامون الشرقيون وفى الصور الفوتوغرافية المبكرة. ومن الناحية التاريخية يبدو أن الخشب الخرط قد استعمل فى وحدات معمارية أخرى قبل استعماله فى الشبابيك وتشير حجج الأوقاف إلى استخدامه فى مواضع أخرى وفى حجج نقل الملكية فى أواخر العصر المملوكى (أول القرن العاشر الهجرى - السادس عشر الميلادى) ورد ذكر الخشب الخرط فى النوافذ بشكل متناثر، ويشار إليها بالخشب الخرط (خشب خرط) وأحيانًا بـ "شُغل الخرّاط" تمييزًا له عن "شُغل النجّار" بينما يخبرنا لين أنه فى أيامه أن بيوت الأغنياء تختلف عن بيوت الفقراء بكبر مساحات أحجبة المشربية (الخرط)، وفى العصر المملوكى كانت بيوت الأغنياء ذات شبابيك بمصبعات حديدية أو برونزية مذهبة تحاكى شبابيك القصور السلطانية بالقلعة؛ بينما الشبابيك العادية الشائعة كانت من الخشب وقد كتب المقريزى يرثى قصر قشتمر قائلًا بأن رخامه قد استبدل

بالحجر وشبابيكه الحديد استبدلت بالخشب. وحجج الاستبدال المملوكية تشير إلى أن طريقة تصميم شبابيك المساكن كانت بنفس طريقة شبابيك المساجد فالشبابيك السفلية كانت مربعة واسعة مزينة بمصبعات حديدية أو برونزية بينما الشبابيك التى تعلوها كانت معقودة ومشغولة بالزجاج الملون المعشق. أما شبابيك البيوت العادية والشبابيك الغير مهمة فكانت من الخشب وبدون خرط. وهذا طبقا لحجج الأوقاف وأينما ذُكر هذا الفن فى حجج الأوقاف فإنه يشير عادة إلى الدرابزينات كتلك التى تزين المقعد (شرفة كبيرة) أو الشخشيخة الخشبية التى تعلو القسم الأوسط للقاعة أو صالة الاستقبال. وأيضا فى المساجد المملوكية المتأخرة. ويذكر خشب الخرط أيضا مقترنًا "بالمغانى" أو "الأغانى" والتى هى عبارة عن شرفتين متقابلتين عادة تطلان على القاعة من كلا الجانبين والذى تدل أسماءها على أنها كانت للمغنين والموسيقيين والذين كانوا يؤدون عملهم عادة خلف ستائر أو أحجبة. وهناك ثلاثة مساجد فى قاهرة العصور الوسطى تمتاز بنماذج رائعة للخشب الخرط (المشربية): مسجد الصالح طلائع المشيد فى العصر الفاطمى (سنة 555 هـ - 1160 م) وقد رمم أكثر من مرة فى العصر المملوكى، له حجاب من الخشب الخرط يوجد الآن فى صُفّة (سقيفة مقدم المسجد) ولكنها كانت أصلًا فى داخل المسجد والحجاب الحالى عُمل حديثًا طبقًا لرسومات من القرن التاسع عشر. ضريح السلطان قلاوون (أنشئ سنة 683 - 684 هـ/ 1284 م - 1285 م) له مقصورة (حجاب من خشب الخرط) حول التركيبة تم ترميمها فى بداية هذا القرن. بالإضافة إلى جامع المردانى (739 - 740 هـ/ 1340 م) له حجاب من خشب الخرط على إيوان القبلة يطل على الصحن. المنهل الاعتيادى للخشب الخرط متصل بنوافذ العمارة السكنية ابتداء من الغزو العثمانى لمصر (923 هـ/ 1517 م) وموجودة أوصافها

المصادر

فى الوقفيات، وبالرغم من أن الخشب الخرط مقترن بالعمارة السكنية إلا أنه يوجد مسجد عثمانى فى القاهرة يحتوى على نافذة كبيرة من الخرط (مشربية) ألا وهو مسجد يوسف أغا (1035 هـ/ 1625 م) الذى أنشئ على شاطئ خليج القاهرة. ويبدو أن الحجاب الخرط قد عُمل ليستمتع المصلون إلى مشاهدة الماء والخضرة. والآن وبعد أن استقرت العمارة الأوروبية الحديثة فى القاهرة منذ النصف الأول من القرن التاسع عشر تحت تمهيد محمد على باشا، قد اختفت نوافذ الخرط (المشربية) من واجهات القاهرة. وفى النصف الثانى من ذلك القرن أدخل المعماريون الأوربيون نوعًا من أسلوب العمارة والديكور الشرقى الذى أحيا بعض الحرف التقليدية، وأصبح الخشب الخرط الآن ذا وظيفة زخرفية بحتة لأناقة العصر مثل استعماله لتزيين الموبيليا (الأثاث) الأوروبى ولعمل قطع صغيرة منه. وأصبح فن خشب الخرط الآن حرفة سياحية تمارس فى البازارات وأصبح مصطلح "مشربية" مرادفًا للحرف التقليدية اليدوية المحلية. المصادر: (1) المقريزى: خطط، طبعة بولاق سنة 1270، جـ 2، ص 68، 71. Lane: Manners and customs of the modern Egypt (2) وثائق الأوقاف (العصر المملوكى والعثمانى) بالقاهرة - وزارة الأوقاف. (الدفترخانة)، ودار الوثائق القومية: (حجج الملوك والأمراء). د. محمد أبو العمايم [دوريس بهرنس أبو سيف Doris Behrens-Abouseif] مصدق مصدق، محمد، سياسى ووطنى إيرانى رئيس الوزراء فى الفترة من 1951 إلى 1953 م. ولد فى طهران عام 1882 (غير مؤكد) وتوفى فى 1967. من أسرة من أصحاب الأراضى الأثرياء، وشغل والده مناصب مالية هامة، ووالدته حفيدة الشاه فتح على.

وبعد وفاة والده حصل على لقب "مصدق السلطنة" وهو بعد صبى، وهو الاسم الذى عرف به بعد ذلك. كان أول دخوله الحياة السياسية عندما انتخب عضوا فى المجلس النيابى عام 1906 م، ثم استبعد لعدم بلوغه الثلاثين. وفى 1909 م رحل لباريس للدراسة، ثم عاد بعد فترة قصيرة لضعف صحته. وفى عام 1914 م حصل على الدكتوراه فى القانون الإسلامى، وعمل بالتدريس فى مدرسة العلوم السياسية بطهران. ونشر عدة مقالات قانونية واقتصادية ضد الامتيازات الأجنبية. وفى 1916 م انتقل إلى سويسرا لسوء حالته الصحية من جهة، والحال المضطربة فى بلاده من جهة أخرى. وكان مصدق كالكثير من أبناء وطنه معارضا للاتفاقية المعقودة بين إيران وبريطانيا فى 1919 م. وفى 1920 م قبل وظيفة وزير العدل، ولكنه بعد عودته شغل بدلا منها منصب حاكم Fars حتى 1921 م، ثم سجن فى مارس من نفس العام بناء على أمر رئيس الوزراء السيد ضياء الدين. وبسقوط رئيس الوزراء عين مصدق وزيرا للمالية، فحاكما لأذربيجان، فوزيرا للخارجية ثم استقال لخلافه مع رضا خان. وفى 1924 م دخل البرلمان نائبا عن طهران. وفى 1930 م أبعد إلى أحمد أباد لقسوة هجومه على النظام الحاكم. وبعد عدة سنوات سمح له بالسفر لبرلين للعلاج، ثم أعيد نفيه إلى برجاند هذه المرة، ثم سمح له بالعودة لأحمد أباد. وبعزل رضا شاه على إثر الغزو البريطانى الروسى لإيران فى 1941 م تولى ابنه محمد الحكم، وأصدر عفوا عاما عن المسجونين السياسيين استفاد منه مصدق. وبسبب معارضته القوية لأسرة بهلوى الحاكمة اكتساح انتخابات المجلس النيابى الرابع عشر عام 1943 م. ونتيجة لما لحق البلاد من تدهور اقتصادى من جراء الاحتلال الأجنبى تزايد شعور العداء ضد القوى الأجنبية، ومن ثم كان الاعتراض القوى

بزعامة مصدق ضد منح الشركات الأجنبية حقوق امتياز البترول. وأعيد انتخاب مصدق للمجلس النيابى الخامس عشر عام 1947، وساهم فى رفض عقد اتفاقية مع الحكومة الروسية بشأن استغلال حقول البترول، فكانت بريطانيا هى البديل فى ذلك. ونادى مصدق أثناء فترة الاحتلال بمبدأ "الحياد السلبى" الذى يعنى اتباع سياسة غير خاضعة للضغوط الأجنبية، ومنع عقود الامتياز الأجنبية. وكانت النظرة العامة تجاه شركة النفط الإيرانية الانجليزية (A. L. O. C) أنها واجهة للتدخل الأجنبى. وفى 1949 م وصلت الحكومة الإيرانية إلى اتفاق جديد مع الشركة، رفضته لجنة البترول الذى يرأسها مصدق. وفى هذا الوقت بدأ مصدق يؤسس "الجبهة الوطنية" وهى رابطة غير متينة من عدد من الاتجاهات السياسية، أعلنت بدورها رفضها للاتفاق الجديد كما رفضه أيضا حزب توده الشيوعى. ولكن الدعم الأكبر لتأميم البترول جاء من الزعيم الروحى آية اللَّه كاشانى، مما ألهب الشعور الوطنى. وفى 1951 م اغتيل رئيس الوزراء الجنرال على رزمارى بواسطة أعوان كاشانى، وفى الشهور التالية صدق المجلس على قانون بتأميم البترول، وفى 29 إبريل عين الشاه مصدق رئيسا للوزراء. وخابت آمال مصدق الذى لم يكن على دراية بشئون البترول أو بوضع الشركة فى استسلامها بسهولة. ودب النزاع حول حقوق الشركة، ووصل إنتاج البترول إلى التوقف الفعلى. ورفض مصدق إحالة الأمر للتحكيم. وباءت محاولات التدخل من الولايات المتحدة ومن البنك الدولى بالفشل. وفى 1952 م قطعت إيران علاقاتها الدبلوماسية مع بريطانيا. كما خابت آمال مصدق فى أن تضغط أمريكا على بريطانيا لصالح إيران، بل إن رئيس الولايات المتحدة أيزنهاور أصدر قرارا فى 1953 م بمنع أية مساعدات عن إيران ما لم تقبل إحالة النزاع لطرف محايد.

المصادر

وبدأ مصدق يتخذ عدة إجراءات لمواجهة وضعه المتدهور، ففى انتخابات المجلس السادس عشر، وحين اتضح أن الكثير من الأصوات ستكون ضده، أوقف التصويت فى عدد من الدوائر، الأمر الذى ترتب عليه أن يكون استمرار رئاسته للوزراء بناء على قرار من مجلس مبتسر. وفى 17 يوليو استقال مصدق لرفض الشاه إعطاءه وزارة الحربية، فأثار حزب توده القلاقل التى اضطر الشاه على أثرها إلى إعادته فى 22 من نفس الشهر. وعن طريق المجلس الموجه منح مصدق سلطات مطلقة فى الشئون الاقتصادية والقضائية والحربية والادارية لستة أشهر جددت بعد ذلك. وفى أكتوبر حل المجلس النيابى، وبدأ مصدق فى تقليص سلطات الشاه بمساعدة حزب توده. وبدأ العديد من الشخصيات البارزة التى كانت حليفة له كأية اللَّه كاشانى فى إبداء شكوكها فى نواياه تجاه الحركة النيابية. وبدأ اتجاه مصدق للدكتاتورية واضحا، وفى محاولة من الشاه لعزله ثارت القلاقل حتى اضطر الشاه للفرار، ولكن القوات المسلحة أخمدت الثورة وأعادت الشاه، وحوكم مصدق بتهمة الخيانة العظمى، وحكم عليه بالسجن لثلاث سنوات. وبعد قضاء مدة العقوبة قضى مصدق بقية عمره فى هدوء فى أحمد أباد. المصادر: (1) E. Abrahamian: Iran between two revolutions, Princeton 1982 على يوسف على [بوريل R. M. Burrell] مصر * (أ) مصر -بكسر الميم- اسم شخص سميت باسمه مصر القطر المعروف. ومصر هذا هو الجد الأعلى للبربر والقبط، وهو -وفق ما ورد فى العهد القديم- ابن حام بن ¬

_ (*) عدد السكان: 63.575.107 حسب احصاء 97 الكثافة السكانية: 165 فى الميل المربع المناطق الحضرية: 44 % - أكثر من 94 % مسلمون، وفقا للتقديرات الدولية (1997 Almanac) رئيس الجمهورية: الرئيس حسنى مبارك المولود فى 4 مايو سنة 1928 وشغل منصبه فى 14 أكتوبر سنة 1981 ورئيس الوزراء هو الدكتور كمال الجنزورى المولود فى سنة 1933 وشغل منصبه فى الرابع من يناير سنة 1996.

المصادر

نوح، ويتخذ اسمه أشكالًا مختلفة فهو مصرائيم أو مصرام، وبالعبرية مصريم، وأحيانًا يذكر أنه مصر بن بيصار بن حام بن نوح، وأحيانا مصرام بن تابيل، أحد الجبابرة، وقد حكم مصر بعد دليوج Deluge. المصادر: (1) الطبرى: تاريخ الأمم والملوك، الجزء الأول. (2) اليعقوبى: التاريخ، الجزء الأول. (3) محمد عبد المعطى المنوفى: كتاب أخبار الدول، القاهرة 1311 هـ/ 1893 - 1894 م. [فنسنك A. J. Wensink] (ب) - مصر - بفتح الميم- والجمع أمصار يعنى فى التاريخ الإسلامى الباكر تجمعات سكنية تنمو خارج معسكرات الجيوش العربية الفاتحة خارج شبه جزيرة العرب، وتلا ذلك إطلاقه على عواصم البلاد المفتوحة. وكلمة مصر -بفتح الميم- من أصل سامٍ قديم، وفى الأكادية، يدل اسم "مصرو" على "الحد الفاصل" وعلى البلد، وفى العبرية والآرامية تدل كلمة مصر ومصرانا على البيت أو الحقل كمكان معين محدد. وعرفت المعاجم العربية التقليدية كلسان العرب لابن منظور، معنى المصر بأنه (الحد)، والشئ الذى يفصل بين منطقتين، مثل البصرة والرقة. ويؤكد الجغرافيون العرب القدماء كالمقدسى وابن الفقيه الهمدانى على استعمالها للدلالة على المركز الحضرى الكبير الذى به مقر الحاكم أو الأمير. وقد استخدم العرب لفظ "مَصر" -بفتح الميم- للمرة الأولى للدلالة على محل إقامة معسكرات المقاتلة أو المحاربين فى أماكن مثل البصرة والكوفة عندما زاد سكانها وانقسمت إلى أحياء خُصص كل حى لقبيلة مختلفة. ثم فى خلال قرن أو اثنين أصبح هذا اللفظ أكثر عمومية وصار يُطلق على المراكز الحضرية الكبرى فى الدولة الإسلامية، واستخدمه "الجاحظ" بهذا المعنى فى كتابه: "الأمصار وعجائب البلدان". كما أورد المقدسى قائمة باسماء هذه الأمصار، نقلًا عن الجاحظ، مثل: بغداد، الكوفة، البصرة وغيرها. وعرفت مدينة الفسطاط، أقدم الحواضر العربية فى

مصر قبل الفتح العربى

مصر، بهذا الاسم أيضًا، الذى أطلق فيما بعد على القاهرة. [بوسورث C. E. Bosworth] مصر قبل الفتح العربى ظلت مصر البيزنطية لفترة طويلة إغريقية، رومانية الطابع فى الثقافة والإدارة، ولكن حدثت لها تغييرات هامة، مع الفتح العربى، غيَّرت بناءها الاجتماعى تغييرًا تامًا. وظلت بعض النظم البيزنطية قائمة فى مصر العربية لحوالى قرن من الزمان. كانت اللغة اليونانية، هى لغة الإدارة فى مصر، خلال التبعية البيزنطية، وكتبت بهذه اللغة كل الوثائق الرسمية، فضلًا عن أنها كانت لغة التخاطب صع اللغة القبطية يتكلم بها علْيَةُ لقوم من المصريين. وعلى الجانب الآخر كان عدد كبير من المصريين لا يعرف الإغريقية ولا يتحدث بها. واستُخدمت النصوص اللغوية اليونانية فى المدارس، وكتب عدد قليل من شعراء المصريين أشعارهم بها على نسق شعراء الإغريق. وارتبطت الهيلينية فى مصر ارتباطًا وثيقا بالوثنية، التى ظلت باقية. فى مصر رغم غلبة المسيحية، خصوصًا فى جنوب مصر حتى الفتح العربى. وكانت الكنيسة المصرية غارقة فى خلاف دينى مستمر، بصدد مسألة العلاقة بين الطبيعة الإلهية والطبيعة البشرية للمسيح، وانفصلت كنيستها اليعقوبية عن كنيسة الدولة البيزنطية الملكانية. وفى الوقت الذى أدان فيه الإمبراطور البيزنطى اليعاقبة (المونوفيزيت) المصريين، أيد جانب الأرثوذكس الملكانيين فى مصر. وفى زمن الفتح العربى لمصر، كان الإمبراطور البيزنطى قد عزل بطريرك الإسكندرية اليعقوبى "بنيامين"، وأحل مكانه قيرس (المقوقس) الأرثوذكسى. ونتج عن ذلك نتائج خطيرة؛ ذلك لأن بنيامين فضلا عن كونه زعيمًا لليعاقبة المصريين، كان من أسرة غنية من ملاك الأراضى أصحاب السلطة فى مصر. وكان ملاك الأرض المصريين أشبه ببارونات العزب الإقطاعيين، فكانوا هم وطبقة التجار، التى اشتغلت بالنشاط التجارى فى البحرين الأحمر والمتوسط، يمثلون الطبقة البرجوازية

فتح العرب لمصر

المؤثرة فى اقتصاد مصر وفى نظامها الاجتماعى. وعانت مصر، من طغيان أباطرة بيزنطة، وبخاصة الإمبراطور فوكاس (202 - 210 م). كذلك عانت من ويلات الحرب بين الفرس والروم وشاركت فى نتائجها، وتعرضت من جراء ذلك لغزو الفرس (619 - 629 م). واحتلالهم لها الذى دام لعشر سنوات، استطاع هرقل بعدها أن يستعيدها منهم لتظل مصر ولاية بيزنطية حتى الفتح العربى. فتح العرب لمصر: يقابل الباحث فى دراسة موضوع فتح العرب لمصر الكثير من الصعاب بسبب الروايات المضطربة والمتضاربة عن هذا الفتح فى مختلف المصادر. ولا يتوفر لدينا حتى الآن مصدر شامل يتعامل مع هذا الموضوع. كذلك فإن المصادر البيزنطية، وخاصة تلك التى لثيوفان ونيسيفورس، مصادر غامضة وغير مكتملة. كذلك فإن معلومات الفتح فى المصادر العربية جاءت متناثرة ومحتوية على روايات كثيرة متضاربة. وابن عبد الحكم، صاحب كتاب "فتوح مصر"، هو المؤرخ العربى الوحيد الموثوق فى رواياته. وأجمعت المصادر على أن فاتح مصر هو "عمرو بن العاص"، الذى وصل إلى مدينة العريش فى العاشر من ذى الحجة 18 هـ/ 12 ديسمبر 639 م، وكان جيشه يتألف من حوالى 4000 مقاتل، كان غالبهم من الفرسان. ومن العريش توجه عمرو إلى ميناء بليزيوم (الفرما)، الذى سقط فى يده بعد حصاره لمدة شهر. وبعد ذلك اتجه عمرو إلى بلبيس، مفتاح الطريق إلى مصر، منذ قديم الأزل، وسقطت فى يده بعد شهر من الحصار. وتوقف عمرو بعد ذلك بقواته عند حصن بابليون المنيع، وطلب مددًا من الخليفة عمر، الذى أرسل له حوالى 4000 رجل تحت قيادة الزبير بن العوام وعند عين شمس، وقعت معركة بين العرب وجيش البيزنطيين فى يوليو 640 م، لقى فيها البيزنطيون هزيمة ساحقة. وكان عمرو بن العاص قد أخذ فى التفاوض مع قيرس (المقوقس) حاكم مصر من قبل الإمبراطور البيزنطى بشأن تسليم حصن بابليون، لكن

النظم الإدارية والمالية والاجتماعية فى مصر منذ الفتح حتى عهد عبد الملك

قيرس توجه إلى القسطنطينية ليطلع الإمبراطور على مفاوضاته مع عمرو، وعاد قيرس دون موافقة الإمبراطور على شروط العرب فشدد المسلمون من حصارهم للحصن وقاموا بفتحه عنوة، فلم يكن أمام القوات البيزنطية بعد ذلك إلا الانسحاب إلى الاسكندرية. وعاد قيرس للتفاوض مع عمرو مرة ثانية. وفى هذه المرة كان يحمل تفويضًا بإقرار الصلح مع عمرو. ولما وصل المقوقس إلى الحصن استقبله عمرو استقبالًا طيبا وتم الاتفاق بينهما على ترك مصر وتسليمها للعرب. وكتابة معاهدة بهذا الخصوص. وأطلق بعض المؤرخين المسلمين على هذه المعاهدة اسم "معاهدة عين شمس" بينما أطلق عليها البعض الآخر "معاهدة الإسكندرية". وللأسف ضاع أصل هذه المعاهدة وبالتالى اختلفت المصادر العربية فى أمر فتح مصر، هل فتحت عنوة أم صلحًا بعهد. وبناءً على هذا التحديد يتحدد مصير أرض مصر وأهلها من حيث أمر الخراج والجزية -إلا أن الأمر الوحيد الذى أكدته كل المصادر أن "عمرو بن العاص" أعطى فى هذه المعاهدة الأمان (لكل آل المصر). وتحت لفظ (المصر)، انضوى كل سكان مصر بغض النظر عن أصلهم ومعتقداتهم. ولم يرد فى هذه المعاهدة أى ذكر ليهود مصر، لكن ورد ذكر النوبة والبجة. فلم تسمح المعاهدة للنوبيين خارج حدود مصر بسكنى مصر أو الإغارة على حدودها الجنوبية، كذلك الحال بالنسبة للبجة الذين كانوا يسكنون الصحراء الشرقية ويغيرون على حدود مصر. أما الروم، فنصت المعاهدة على خروجهم من مصر، وقصدت بهم القوات البيزنطية المحاربة. أما بصدد الجزية التى فُرضت على أهل الذمة فى مصر، مسيحيين ويهود، فكانت أربعة دنانير فى العام للذمى الغنى، ودينارين للذمى المتوسط الحال، ودنيار واحد للذمى الفقير. وأعتُبرت الجزية ضريبة على الرؤوس تسقط عن صاحبها باعتناقه الإسلام. النظم الإدارية والمالية والاجتماعية فى مصر منذ الفتح حتى عهد عبد الملك: ليست هنالك تغييرات مفاجئة ظاهرة للعيان فى الحد الأدنى للإدارة فى مصر من الفتح حتى حلول القرن

الثامن الميلادى. ولقد تزامن فرض نظام ثنائى للإدارة أحدهما للمسلمين والآخر للمسيحيين، مع إحلال نظام إدارى مركزى صارم مكان النظام الادارى البيزنطى غير المترابط. ولقد واصل العرب السياسة البيزنطية فى شحن الغلال وإرسال الخراج إلى خارج البلاد، من الفسطاط إلى جدة والمدينة عبر السويس بدلًا من الطريق السابق الإسكندرية - القسطنطينية. وأصبح حاكم مصر فوق قمة الجهاز الادارى الجديد، وحمل لقب (والى) وكان مسئولًا مباشرة أمام الخليفة؛ وله أيضا سلطة قضائية مطلقة. ووصل العرب فى مصر، وفى غيرها من الولايات، تقليد البيزنطيين فى جعل السلطة الادارية والقضائية فى قبضة يد واحدة. ومع مطلع القرن السابع الميلادى تقسمت مصر إلى وحدتين جغرافيتين، وهو تقسيم استمر لعدة قرون. القسم الأول وهو (الصعيد) والثانى هو (الدلتا). وأوجد عمرو بن العاص ديوان الخراج فى مصر الإسلامية سنة 25 هـ 645 - 646 م ووفقًا لمعاهدة عمرو، كان على المصريين أن يدفع كل منهم دينارين فى العام (باستثناء النساء والأطفال والعبيد، والمعدمين). كذلك، فإن الفاتحين العرب الذين شاركوا فى فتح مصر لم يمنحوا أرضًا ليزرعوها فى الأمصار، وأساسًا فى الفسطاط والإسكندرية، ولكنهم منحوا وعائلاتهم عطاء يصرف لهم من ديوان الجند. وتذكر بعض المصادر أن هناك حالات قليلة مبكرة عن أراض تملكها مسلمون بعد نهاية القرن الأول الهجرى/ السابع الميلادى. والسؤال الذى يطرح نفسه هنا، هو من هم الذين تملكوا الأرض الزراعية التى تركها أهلوها بعد الفتح، وكذلك من هم الذين تملكوا الأرض "الموات" التى لم يكن لها صاحب واستصلحت فى ظل الحكم الإسلامى لمصر؟ وكانت وظيفة صاحب الشرطة من أهم وظائف مصر الإسلامية، بعد وظيفة الوالى. ومنذ عهد عمرو، قامت الشرطة فى مصر لحماية الوالى وحفظ النظام فى المدن. وكانت قوات الشرطة هذه جزءًا من القوات العسكرية، ورئيسها، صاحب الشرطة، يختاره

الوالى حتى أواخر عهد الأمويين، وهو ينوب عن الوالى فى حالة غيابه أو مرضه، وهو يختار من وجوه القوم. وعادة ما كان أصحاب الشرطة يستمرون فى مناصبهم مدة أطول من تلك التى يستمر فيها الولاة فى مناصبهم. ومن الوظائف الإدارية الهامة فى مصر الإسلامية وظيفة "صاحب البريد"، الذى يرأس عمال الأمير الذين كانت مهمتهم سلامة الأفراد العامة. وكان قضاء المسلمين فى أيدى قاضى القضاة، وكانت للقضاة سلطة عليا. أما بالنسبة للمسيحيين، فإن سلطة مقاضاتهم كانت فى يد الأساقفة. وجاء اختيار العرب لعاصمتهم الجديدة فى مصر، الفسطاط، بسبب موقعها الجغرافى، الملائم لهم اكثر من موقع الإسكندرية المدينة الشهيرة: فهى تقع فى منفذ بين الصعيد والدلتا وعلى طريق ملائم يرتبط بالبحر الأحمر. وتأسست الفسطاط خارج أسوار حصن بابليون فى السنوات الأولى لفتح العرب لمصر، وظلت كمعسكر حربى، حيث توزعت القبائل العربية فى أنحائه. وتجمعت خطط أهل الراية فى قلب الفسطاط، بينما استقر 3000 رجل من قبيلة قيس قرب بلبيس فى شرق الدلتا وتم نقل رصدهم من ديوان سوريا إلى ديوان مصر. ومع نهاية حكم الأمويين، تحولت الفسطاط من مدينة عسكرية إلى مدينة زاهرة نشطة. واستوعبت هذه المدينة أعدادًا كثيرة من المغامرين المسيحيين من التجار والحرفيين. وفى سنة 114 هـ/ 732 م استحضر عبيد اللَّه 5000 عربى، ثانية من القيسيين واسكنهم الحوف، شمالى الفسطاط. وبرغم سرعة تعريب مصر فى الربع الأخير من عهد حكم الأمويين، إلا أنه يجب أن نلاحظ أن اللغة القبطية استمرت مستعملة من عدد من المصريين حتى أواخر القرن من الثالث إلى الخامس الهجرى/ 9 - 11 م. وكان الاتجاه الأخير الهام الذى بدأ فى أواخر أيام الأمويين واستمر أيام العباسيين هو إحلال الحكومة أشخاص تختارهم مكان أولئك المشاهير من المصريين الذين كانت فى يدهم مهمة جمع

من العباسيين إلى الفاطميين 750 - 969 م

الضرائب، وكانت تلك ضربة قوية لدور القبط القيادى فى مجتمعاتهم، وتعزيزًا إسلاميا فى هذه الأماكن. من العباسيين إلى الفاطميين 750 - 969 م: كانت مصر وقت قيام دولة العباسيين 132 هـ/ 750 م، قطرًا لا يزال الإسلام والثقافة العربية فيه مقصورين على الطبقة الحاكمة، وكان غالبية سكانه لايزالون أقباطًا مسيحيين. وكانت الفسطاط هى العاصمة وهى مركز السكان العرب، مع جامع عمرو المكان الرئيسى للعبادة. وعُرف قادة العرب باسم "الوجوه". وهم فى معظمهم ينحدرون من عائلات استقرت فى مصر بعد الفتح الإسلامى الرئيسى واحتلوا مكانة ممتازة بها، مكونين الفرق العسكرية الوحيدة فى البلاد المستحقة للعطاء. ويُختار صاحب الشرطة فى العادة من هذه الطبقة. بالإضافة إلى ذلك هنالك القبائل العربية المتواجدة فى مصر، وبخاصة فى صحراء الحوف إلى شرق وغرب دلتا النيل. ومن الممكن أن يُقسم تاريخ مصر فى تلك الفترة إلى عدد من الفترات المميزة. أولها تلك التى استمرت حتى وفاة الخليفة هارون الرشيد، فى سنة 193 هـ/ 809 م، وهى أساسًا امتداد للشكل الأموى، بحكام يرسلون من بغداد لا من دمشق، وبها تغيير قليل فى السكان أو الشكل السياسى، دون استقرار لمشايعى العباسيين من الشرق، وتميز التاريخ السياسى لهذه الفترة بتغييرات متعددة للولاة وثورات متقطعة. ولم يستمر والٍ من الولاة خلال هذه الفترة فى ولايته مدة طويلة سوى يزيد بن حاتم المهلبى (142 - 152 هـ/ 759 - 769 م) الذى استمر واليًا لعدة سنوات قليلة وتولى فى الفترة ما بين سنوات 170 إلى 182 هـ ستة عشرة واليًا متغيرًا. واقتصر الاستمرار على أصحاب الشرطة الذين كانوا الحكام الفعليين للبلاد. وكان من أهم الأحداث فى تلك الفترة، ثورة العلويين التى وقعت سنة 145 هـ/ 763 م، التى قضى عليها يزيد بن حاتم فى بدايتها. كذلك ثورة

168 هـ/ 785 م ضد إمارة مصعب، الذى ذاعت شهرة حكمه السيئ لإقليم الجزيرة وتطور أمر هذه الثورة حين رفض جند الفسطاط الوقوف إلى جانب مصعب وقتل الثوار له. وترك لصاحب الشرطة عمرو المعافرى أمر إقرار النظام فى البلاد. كذلك شهدت هذه الفترة ثورات المزارعين الأقباط المستمرة، احتجاجًا على المعاملات المالية السيئة. وفى أواخر القرن الثانى/ الثامن الميلادى، عانى الإقليم من زيادة الضرائب التى فرضتها بغداد عليه. وبعد وفاة هارون الرشيد سنة 193 هـ/ 809 م، دخلت الولايات فى حالة فوضى بما فيها مصر، وقبل وفاة الرشيد بفترة قصيرة، قامت قوات خراسانية تحت قيادة السرى بن الحكم بالقدوم إلى مصر، وأحرزوا السلطة فى الفسطاط سنة 200 هـ/ 815 م، لكنهم وجهوا بمقاومة من قبل القائد المحلى عبد العزيز الجروى. ومما زاد من تعقيد الأمور، احتلال ثوار الربض الأندلسيين، الذين طردهم الأمير الأموى الحكم من الأندلس لدينة الإسكندرية. ولم يستعد العباسيون الإسكندرية من أيدى هؤلاء المهاجرين، قبل سنة 211 هـ/ 826 م على يد عبد اللَّه بن طاهر، وقد طردوا منها ليستقروا فى جزيرة كريت. وأثرت الحرب الأهلية، بشدة على مصر الإسلامية، إذ حطمت هناك سلطة وجوه القوم المحليين واكتمل ذلك حين أسقط العرب من الديوان سنة 218 هـ/ 832 م وحُرموا من العطاء. وصارت القوة فى مصر فى يد مجموعة من الأشخاص العسكريين، القادمين من الخارج، بعض هؤلاء الرجال كان تركى الأصل والبعض الآخر أرمنى الأصل، خدموا كمساعدين لشخصيات البلاط الهامة فى بلاط سامرا. وأعطى سوء الأحوال فى مصر، وإجراءات ابن المدبر المالية المجحفة الفرصة للحكام الطامعين فى احتفاظهم بخراج مصر ودخلها لأنفسهم لاستخدامها فى بناء قوتهم العسكرية. وبهذه الطريقة نجح أحمد بن طولون، النائب عن عمه، الذى بقى فى سامرا، فى حكم مصر، وفى إحراز السلطة بها.

وكانت فترة حكم أحمد بن طولون (254 - 270 هـ/ 868 - 884 م)، فى عمومها فترة أمان ورخاء لمصر، ويكفى سببًا لذلك أن الأموال التى كانت تحمل للخليفة بقيت لها. وجنَّد ابن طولون جيشًا جديدًا، غالبيته من اليونانيين والزنوج استطاع به أن يوطد قوته. وحتى يتمكن من إسكانهم ابتنى لهم ضاحية إلى الشمال من الفسطاط، سماها "القطائع" وابتنى بها جامعًا خاصًا، عُرف حتى اليوم بجامع ابن طولون، كذلك ابتنى قصرًا له للحكم. وكان حكم ابن طولون بداية تغلغل النفوذ المصرى فى الشئون السورية. وكانت هنالك أسباب عدة وراء استمرار هذا التدخل، من بينها الحاجة لتوفير مختلف الإمدادات الغذائية لمصر فى حالة قصور النيل، وكذلك مسألة الأمن، حيث إن مصر من الممكن أن تُغزى من فلسطين إذا ما وقعت فى أيدى الأعداء. كذلك هناك جاذبية الحدود البيزنطية، خصوصا "لابن طولون" الذى تحمل مسئولية الدفاع عن الخلفاء الضعاف، مما يعطى حكمه مكانة وشرعية. ولم يقم ابن طولون أو خليفته خمارويه أو الاخشيديون بكسر الولاء للخلافة العباسية. فلقد احرزوا استقلالًا إداريًا وماليا فى مصر، ولكنهم ظلوا تابعين لدولة الخلافة ولمذهبها السنّى. وحاول كل من ابن طولون ومحمد طغج الإخشيد أن يطلب من الخليفة القدوم إلى الفسطاط والإقامة بها. وانتهت دولة الطولونيين باحتلال الجيش العباسى للبلاد سنة 292 هـ/ 905 م، وأن تظل البلاد ولاية من ولايات الخلافة حتى سنة 323 هـ/ 935 م وشهدت هذه الفترة بداية تطورين جديدين. الأول هو ازدياد قوة الفاطميين سنة 297 هـ/ 909 م وإحرازهم السلطة فى المغرب، وهذا يعنى أن مصر صارت دولة حدودية لهم. كذلك قيام حكم الأغالبة فى إفريقية كحكام مستقلين، دون أن تكون لديهم نوايا للتوسع ناحية الشرق. وادعى الفاطميون بأنهم الحكام الشرعيون لكل مسلمى العالم ولم يخفوا تصميمهم على أخذ مصر

الفترة الفاطمية 969/ هـ 1171 م

كمرحلة تالية لتقدمهم. ووقعت هجمات فاطمية هامة على مصر سنوات 301 - 302 هـ/ 913 - 915 م و 307 - 309/ 919 - 921 م، مما استوجب إرسال قوات من العراق لدعم والى البلاد. وكان التطور الثانى الهام هو زيادة الهجرة من العراق. إد شهد القرن الرابع الهجرى/ العاشر الميلادى كوارث اقتصادية ومشاكل سياسية وقد شعر الكثيرون بأن الأحوال الهادئة فى مصر تتيح فرصا أكثر لهم. ومن المحتمل أن وصول هؤلاء القوم كان عاملا هامًا فى زيادة اعتناق الإسلام فى هذه الفترة، كذلك كان عاملًا هامًا فى نمو الصناعة فى مصر فى القرن الرابع الهجرى/ العاشر الميلادى. واحتوت هجرات أخرى على كثير من اليهود. ولا يبدو أن مجتمع مصر الإسلامى الأول كان به مجتمع يهودى ذو أهمية كبرى، لكن ذلك الأمر تغير بهجرة عدد كبير من يهود بابل العراقية إلى مصر، مثل عائلة "يعقوب بن كلس" الوزير المستقبلى للفاطميين، وكان ذلك وقت ازدهار عهدهم الذى وجدنا وصفًا كاملًا له فى وثائق الجنيزة. وفى سنة 323 هـ/ 935 م انتقلت السلطة فى مصر إلى يد رجل عسكرى آخر من أصل إيرانى شرقى، وهو محمد بن طغج الإخشيد ومن كل الوجوه تشابه حكم الإخشيد مع حكم ابن طولون، ولكن الإخشيد كان أقل طموحا من ابن طولون. وعند غزو الفاطميين لمصر، كان أهلها المسلمون لا يزالون غير قادرين على النهوض بها كقوة كبرى. وبرغم ازدياد عدد سكان مصر آنذاك إلا أن الغالبية لم تكن منهم. واختفت طبقة وجوه القوم القديمة ليحل مكانهم عناصر أخرى. لكن مصر قد صار لها الحق آنذاك فى تبوّء مكانها الصحيح بين القوى الإسلامية. الفترة الفاطمية 969/ هـ 1171 م: كان الوضع السياسى والاقتصادى فى مصر عقب وفاة كافور مضطربًا للغاية لدرجة أن أعيان البلاد فى الفسطاط قرروا الاعتراف بسيادة خليفة المغرب الفاطمى عليهم، رغم

عقيدته الإسماعيلية. دون مقاومة تذكر، احتل جوهر الصقلى، قائد الفاطميين دلتا النيل فى ربيع 358 هـ/ 969 م؛ وفى شعبان 358 هـ/ يوليو 969 م، احتل الفسطاط. وإلى شمال شرقى الفسطاط، أسس جوهر مدينة عسكرية، سُميت بالمنصورية، ثم سمَّاها المعز بالقاهرة. وأسس جوهر جامع الأزهر، ليكون مركزًا للمذهب الإسماعيلى الشيعى، بينما ظلت الفسطاط، وجامع عمرو العتيق قلعة للمذهب السُنى. وكان غالبية سكان مصر آنذاك لا يزالون مسيحيين ويتحدثون باللغة القبطية، واحتل الكتاب الأقباط أهم مناصب الدولة الادارية، وبخاصة فى عهد الخليفة العزيز باللَّه (365 - 386 هـ/ 975 - 996 م). وجرت محاولة من قبل الخليفة الحاكم بأمر اللَّه لإحلال كتاب مسلمين مكان الكُتاب المسيحيين ولكنها باءت بالفشل، وحاول الحاكم بأمر اللَّه إجراء تمييز لليهود والنصارى فى الملبس والمسكن والركوب، كذلك نُسب إليه هدم بعض الكنائس والأديرة المسيحية وبعض معابد اليهود. هذا ولم يحاول الفاطميون على الإطلاق فرض مذهبهم الإسماعيلى على المصريين، لكنهم دعوا لهذا المذهب بطريقة منتظمة فى كل أقاليم الإمبراطورية. وإلى جانب كل قاضٍ كان هناك داعٍ إسماعيلى. على أن نجاح الدعوة الإسماعيلية بدا سريع الزوال، واختفى المذهب الإسماعيلى سريعًا بعد سقوط دولة الفاطميين. وقوبل ادعاء الخليفة الفاطمى السيادة العالمية بحقيقة الوضع السياسى العالمى، إذ كانت قوة الفاطميين من الضعف بمكان لدحر خلافة بغداد العباسية، فى الوقت الذى فقدت سيطرتها على شمال أفريقيا وصقلية. وبرغم ذلك، فإن مصر تحت حكم كل من العزيز والحاكم والظاهر (411 - 427 هـ/ 1021 - 1036 م) والمستنصر (727 - 487 هـ/ 1036 - 1094 م) لعبت دورها كقوة رئيسية هامة نجحت فى التغلب على الدولة

البيزنطية فى البر وفى البحر، فى جنوب إيطاليا وكذلك فى شمال سوريا. وقاوم الفاطميون المحاولات المتكررة من جانب البيزنطيين لاستعادة سيطرتهم على سوريا (من 354 هـ/ 965 م فصاعدًا) وفى سنة 429 هـ/ 1038 م عُقدت معاهدة سلام لمدة ثلاثين عامًا وجُددت سنة 440 هـ/ 1048 م. وبرغم أن المغرب قد نجح، بداية من سنة 443 هـ/ 1051 م فصاعدًا، فى الخروج عن سيادة الفاطميين تحت حكم بنى زيرى، إلا أن مصر أحكمت سيطرتها على البحر الأحمر، وظلت المدن المقدسة تحت حماية الفاطميين منذ بداية حكمهم، وتعهدت بإرسال الحبوب إليها بصفة منتظمة. ومن سنة 439 هـ/ 1047 م فصاعدًا، حكم الفاطميون اليمن بمساعدة الصليحيين، سلالة الدعاة الإسماعيليين، الذين تحكموا فى طريق التجارة بين المحيط الهندى والبحر المتوسط عن طريق البحر الأحمر. وعلى هذا النحو أصبحت مصر مركز التجارة العالمية. وقد تكوَّن الدخل الأساسى للدولة الفاطمية، إلى جانب الخراج، من رسوم الجمارك المحصلة على التوابل وعلى سائر أصناف الكماليات المستوردة من الهند والشرق الأقصى. إضافة إلى أن مصر كانت قد تحكمت فى جلب ذهب السودان وأنها قامت بتصدير المواد الخام التى ازداد الطلب عليها فى أوروبا، مثل الشب، والمنسوجات الصوفية الفاخرة (التى تنتج فى الصعيد) والمنسوجات الكتانية (من دمياط وتنيس)، والحرير والديباج وأنواع الأوانى الزجاجية الفاخرة التى توجد حاليًا كميات كبيرة منها فى المتاحف وذخائر الكنائس الأوربية، وكان الرحالة الفارسى ناصرى خسرو شاهد عيان لفخامة مصر، عندما زار القاهرة سنة 439 هـ/ 1047 م وترك لنا وصفا للمدينة وهى فى كامل ازدهارها. وأدى مركز مصر السائد فى التجارة العالمية إلى توافد التجار الأوربيين عليها. وفى بداية سنة 828 م اشترى البنادقة (أو بالأحرى سرقوا) مخلفات القديس مرقص المحفوظة فى الإسكندرية. ومنذ مطلع القرن السادس

الهجرى/ الثانى عشر الميلادى، تواجد الجنويون فى الاسكندرية، وورد ذكر فندق البيازنة فى الإسكندرية لأول مرة زمن الخليفة الظافر (544 - 549 هـ/ 1149 - 1154 م) وفى سنة 537 هـ/ 1143 م عقد الخليفة الحافظ معاهدة تجارية مع ملك صقلية النورماندى، روجر الثانى. وبدأ استقرار مصر يتقلقل وازدهارها يتداعى، منذ عام 444 هـ/ 1052 م فصاعدًا وثانية من عام 457 هـ/ 1065 م فصاعدًا، بسبب نقص الفيضان الذى سبب تناقصًا فى الطعام ثم المجاعة التى تلاها اكتساح البلاد بوباء الطاعون. فنهبت قصور الخليفة، وأصاب الناس الهلع وكثر عدد الموتى. ولم ينقذ الفاطميين سوى مجئ بدر الجمالى، الأرمنى المسيحى، الذى استدعاه الخليفة المستنصر من عكا إلى القاهرة شتاء 466 هـ/ 1073 - 1074 م، والذى استطاع إعادة النظام إلى البلاد والتغلب على "الشدة المستنصرية". وبدر الجمالى هو الذى أمَّن القاهرة ببنائه فى سنة 480 هـ/ 1087 م التحصينات الجديدة ذات الثلاثة الأبواب (التى لا تزال قائمة) من باب زويلة إلى الجنوب وباب النصر وباب الفتوح إلى الشمال. ومن سنة 464 هـ إلى سنة 515 هـ/ 1074 - 1121 م، حكم بدر الجمالى (ت 487 هـ/ 1094 م) وابنه وخليفته الأفضل بسلطة فعلية مطلقة، وقد جمع كل منهما بين وظيفة الوزير المدنية ووظيفة أمير الجيوش العسكرية. وقام بدر وابنه بجلب أعداد كبيرة من الأرمن المسيحيين إلى مصر. وأعطى حكم بدر وابنه فرصة فترة استقرار داخلى وازدهار اقتصادى للبلاد. وحرم الغزو السلجوقى لسوريا، من 642 هـ/ 1069 - 1070 م فصاعدًا، وتأسيس الإمارات الصليبية على الساحل السورى وفلسطين (1098 - 1099 م)، مصر من ممتلكاتها فى سوريا وحائط دفاعها الطبيعى. وفى سنة 526 هـ/ 1132 م حدث انقسام دينى فى اليمن أدى إلى عودة الصليحيين إليها، ومن سنة 462 هـ/ 1081 م فصاعدًا (وأخيرًا فى سنة 473 هـ/ 1081 م) خضعت مكة

لنفوذ السلاجقة واعترفت بسيادة الخلافة العباسية. وتقلصت الدولة الفاطمية آنذاك إلى حدودها الطبيعية فى مصر وعانت تقلصًا سريعًا فى قوتها. وباغتيال الأفضل تدهور الوضع فى البلاد وصارت مصر مطمعًا لجيرانها المسلمين والمسيحيين. وعقد الإمبراطور البيزنطى مانويل مع ملك بيت المقدس المسيحى اتفاقًا يقضى بتعاونهما على احتلال مصر، وهو مشروع لم يتم تحقيقه؛ وفى ثلاث مناسبات تدخل أمارليك، ملك بيت المقدس، فى مصر بجيش صليبى ليمنع اغتصاب أمير حلب نور الدين محمود للبلاد (1162، 1164، 1167 م)؛ ولكن عندما ظهر الملك الصليبى فى مصر للمرة الرابعة، بهدف احتلال البلاد، صارت للسوريين اليد العليا؛ وفى سنة 564 هـ/ 1169 م دخل القائد شيركوه القاهرة على رأس جيش سورى ونصب نفسه وزيرًا للخليفة الفاطمى العاضد. وبعد موت شيركوه، الذى وقع يوم 22 جمادى الآخرة 564 هـ/ 23 مارس 1169 م، خلفه ابن أخيه صلاح الدين يوسف بن أيوب فى الوزارة، وهو الذى خلع الخليفة الفاطمى العاضد، آخر خلفاء الفاطميين، من الخلافة، وكان يبلغ من العمر آنذاك تسع سنوات، وجعل الخطبة باسم الخليفة العباسى المستضئ. وتوقف الأذان بالطريقة الإسماعيلية، وأوقفت مجالس الحكمة، وعادت البلاد إلى المذهب السُنى. 4 - الفترة الأيوبية 1171 - 1250 م: كانت دمشق، تحت حكم صلاح الدين، العاصمة الأولى لدولة الأيوبيين وهجرت قاهرة الفاطميين، وحين زار السلطان الأيوبى القاهرة، أقام فى القلعة التى بُنيت بعد سنة 579 هـ/ 1183 - 1184 م. وبعد موت صلاح الدين (589 هـ/ 1193 م)، حكم فرع العائلة الأيوبى مصر. وظلت بقية الممالك الأيوبية المختلفة فى إقليم الجزيرة وسوريا ومصر مرتبطة مع بعضها، بروابط عائلية، وشكلت الإمبراطورية الأيوبية ما يشبه الاتحاد الكونفيدرالى العائلى. ولقد كان نظام الإقطاع العسكرى المطبق فى سوريا منذ حكم السلاجقة هو التجديد

الجوهرى الوحيد الذى أخذ به صلاح الدين. وفى سنة 572 هـ/ 1176 م أمر السلطان بعمل (روْك) جديد، وهو مسح للأراضى، وكان الهدف منه قياس مساحة كل الأراضى فى مصر، ليعئيئ قيمتها بصدد الخراج ولتوزيعها على ضباطه وجنوده (كإقطاع)، كبديل لرواتبهم. ولقد ألُغى نظام (القبالة) الفاطمى، وهى (المقابل) الذى كان الفلاح يدفعه ضريبة عن أرضه بدلا من الخراج. ووُضع روْك صلاح الدين موضع التنفيذ سنة 577 هـ/ 1181 م. ووفقًا لحسابات (متجددات) وزيره القاضى الفاضل فإن قيمة الأرض التى تحولت من أرض خراج إلى أرض إقطاع ارتفعت قيمتها ذلك العام إلى 3.670.500 دينار. وأبقى الأيوبيون على تقسيم مصر الإدارى الفاطمى؛ وأورد ابن مماتى فى كتابه (قوانين الدواوين) قائمة مكتملة بمقاطعات وقرى البلاد، وفى سنة 585 هـ/ 1189 م وضع القاضى الفاضل قائمة لدخل مقاطعات مصر، بلغت القيمة الكلية له 4.643.019 دينار، ولما كان دخل الخراج قد خرج آنذاك من تحت يد بيت المال، فقد اضطرت الحكومة المركزية أن تحتفظ لنفسها بجانب من أرض الإقطاع أعتبرت ملكًا للحاكم. وأورد القاضى الفاضل دخل هذه الأراضى الخاصة فى السنتين الأخيرتين من حكم صلاح الدين (587 - 589 هـ/ 1191 - 1193 م) فوجد أن قيمتها تقريبًا ما بين 354.444 و 354.450 دينار. وتكون سلاح الفرسان الذى قام صلاح الدين بتعبئته من مرتزقة أحرار، كانوا فى غالبيتهم من أصل كردى مثل السلطان نفسه. وبدأ السلطان الملك الصالح فى شراء بعض الأطفال الأتراك وأسكنهم فى جزيرة الروضة ليدُربوا تدريبا عسكريًا وليقوموا بالخدمة كحرس سلطانى. وكان هؤلاء هم المماليك الذين نجحوا فى سنة 650 هـ/ 1252 م فى وضع نهاية حكم بيت سلاطين الأيوبيين. ومثلما فعل الفاطميون، فإن الأيوبيين نظموا التجارة بين المحيط الهندى والبحر المتوسط. على أن ظهور

الصليبيين فى فلسطين والأردن هدد طريق البحر الأحمر البحرى كما هدد طرق الحج. وأدى ذلك إلى ازدهار ثغر عيذاب على ساحل البحر الأحمر (مقابل جدة)، الذى يتصل بمصر عبر طريق صحراوى ينتهى فى وادى النيل، أولًا عند أسوان وأخيرًا عند قوص. وفى سنة 578 هـ/ 1183 م سار الرحالة الأندلسى "ابن جبير" فى طريق حجه فى هذا الطريق وقام بوصفه فى كتاب رحلته. وازدادت العلاقات التجارية بين مصر والغرب فى العصر الأيوبى. وأعطى صلاح الدين تصريحًا لدوق البندقية سباسيتانوزانى (1172 - 78 م) الحق فى إقامة فندق للبنادقة فى الاسكندرية؛ وفى سنة 1177 م، وعقد معاهدة تجارية مع جمهورية جنوه بأن يكون لها تمثيل قنصلى فى الاسكندرية؛ وفى سنة 1207 م أبرم الملك العادل معاهدة مع مدينة بيزا. ولكن فى السنوات ما بين 615 - 618 هـ/ 1218 - 1221 م قامت الجمهوريات الايطالية الثلاث بمساعدة الصليبيين فى دمياط الذين كانوا يستهدفون غزو مصر وفرض سيطرة مباشرة على التجارة ما بين البحر المتوسط والبحر الأحمر؛ ولكن فشل المغامرة وضع نهاية لهذه المشروعات. 5 - الفترة المملوكية 1250 - 1517 م: قام القاضى والمؤرخ المصرى أبو حامد القُدسى (ت 888 هـ/ 1484 م) بتلخيص وضع مصر الذى وصلت إليه وتطورت خلال قرنين من حكم المماليك مقارنة بالعالم المعاصر لها آنذاك بوصفه بأنها بيضة (أى قلب) الإسلام ومقعد الأمامة، وفى هذا التقرير المختصر لخص الكاتب ثلاثة تطورات هامة فى تاريخ البلاد تتصل جميعها بقيام حكم دولة المماليك فى مصر فى منتصف القرن السابع الهجرى/ الثالث عشر الميلادى. وأصبحت مصر مع انضمام الشام لها، قوة مسيطرة ناهية فى الشرق الأدنى ودان لها الحجاز مدة قرنين ونصف من الزمان، كذلك حافظت على حدودها فى الغرب مع برقة وفى الجنوب مع النوبة. وغدت مصر نفسها حصنًا لثقافة المذهب السُنى والمحافظة الدينية وشهد العهد المملوكى انتقال مقر الخلافة من

بغداد إلى القاهرة مما حفظ للخلافة مكانها وأعطى الشرعية لحكم المماليك الذين اعتبروا حماة الرعية فى مصر وسوريا والمدافعين عنهم ضد أعداء الدين وخاصة ضد المغول. كذلك فإن كفاءة المماليك العسكرية سمحت لهم باقتلاع بقايا الوجود الصليبى من بلاد الشام. وعزز هذا الإنجاز العظيم دعواهم بأنهم ورثة الزنكيين والأيوبيين الذين أذكوا روح الجهاد ضد الغزو الصليبى للمنطقة. وكان السلطان الملك الصالح أيوب قد جلب إلى مصر رقيق القبجاق من الأراضى شمال وشرق البحر الأسود بأعداد كبيرة، وأسكنهم فى جزيرة الروضة الحصينة على النيل، حيث أسس قلعته الجديدة هناك، وبذلك كوَّن لنفسه فرقة مسلحة موالية لشخصه وليس للبيت الأيوبى ككل، هذا البيت الذى انقسم على نفسه بعد وفاة صلاح الدين. ونجح المماليك فى سنة 648 هـ/ 1250 م فى تولى زمام أمور السلطة السياسية فى مصر. وعجلت حادثة واحدة بهذا الإجراء، وهى انتصارهم فى المنصورة على قوات الصليبيين بقيادة القديس لويس التاسع فى ربيع 648 هـ/ 1250 م. ووقع هذا النصر فى الفترة التى تُوفى فيها الملك الصالح، وانتظار ابنه وولى عهده المعظم توران شاه ليتولى الحكم بعد قدومه من حصن كيفا على نهر دجلة. وتولت الحكم فى مصر شجرة الدر زوجة الملك الصالح، بعد قتل المماليك لتوران شاه، ثم تنازلت شجرة الدر عن الحكم لزوجها الأتابك أيبك التركمانى، أحد قواد الصالح أيوب. ويعتبر معظم المؤرخين لمصر الإسلامية أن حكم أيبك هو حكم أول سلاطين المماليك للبلاد. وفى العقد الأول لحكم المماليك لمصر، جرت محاولات من جانب حاكم حلب الملك الناصر يوسف الثانى، لغزو مصر. وتعرض قائد البحرية الفارسى أقطاى للقتل على يد سيف الدين قُطز بإيعاز من أيبك. ويُعتبر بيبرس البندقدارى الذى عُرف فيما بعد بالظاهر بيبرس المؤسس الحقيقى لدولة

المماليك، وتسببت الحرب مع المغول فى عقد المصالحة بين قواد المماليك. وسمح قطز لبيبرس وزملائه، الذين كانوا قد هربوا إلى سوريا، بالمشاركة فى قتال المغول وفى معركة عين جالوت الشهيرة (25 رمضان 658 هـ/ 3 سبتمبر 1260 م) التى وقعت فى فلسطين، حقق جيش المماليك الموحَّد بقيادة قطز وبيبرس الانتصار على قوات كتبغا، قائد هولاكو. ونتيجة لهذه المعركة تم تحرير دمشق وحيل بين المغول وغزوهم لمصر تمامًا. ولم يجن قطز ثمار نصره، إذ قام بيبرس بقتله أخذًا بالثأر للقائد أقطاى. ودخل بيبرس القاهرة وهو يضع على رأسه إكليل الغار سلطانًا على مصر. وحكم بيبرس فى الفترة ما بين سنوات 658 - 676 هـ/ 1260 - 1277 م. ونجح بيبرس فى إحياء الخلافة العباسية ونقل مقرها إلى مصر، حيث ظلت هنالك قائمة حتى الفتح العثمانى لمصر سنة 923 هـ/ 1517 م. وفى عهد بيبرس توسعت حدود مصر بالتدريج غربًا وجنوبًا. فحين أبحر الملك الصليبى لويس التاسع، بعد هزيمته فى مصر، إلى تونس 668 - 669 هـ/ 1270 م طلب حاكم تونس الحفصى المساعدة من المماليك، ولقد اتُخذت إجراءات مبدئية نحو إقامة خطط دفاعية للجيش المصرى الذى أرسله المماليك إلى الغرب. وفى مملكة النوبة وقعت مشاكل أسرية أعطت لبيبرس الفرصة للتدخل وإخضاع أراضى الشلال الثانى للنيل للوضع الإقطاعى، ومنذ ذلك الوقت فصاعدًا نقرأ فى المصادر أن مملكة المماليك امتدت من الفرات إلى دنقلة. واستمرت سياسة بيبرس الناجحة بعد وفاته سنة 676 هـ/ 1277 م، دون أى تغيير مميز. وساعد السلطان قلاوون (678 - 689 هـ/ 1279 - 1290 م)، الذى ورث أبناؤه السلطنة عنه، على دمج نظام المماليك السياسى مع نظامهم العسكرى. ومن أهم أعمال هذا السلطان، أنه كان أول من جلب المماليك الجركس إلى مصر سنة 708 - 709 هـ/ 1309 - 1310 م ليؤدوا دورهم القيادى فى

الجيش والدولة. واستولى قلاوون وابنه الأشرف الخليل (689 - 693 هـ/ 1290 - 1293 م) على آخر قلاع الصليبيين، طرابلس وعكا. كذلك تقدمت مواجهته لحدود مملكة إرمينيا المتقلصة وللإمبراطورية الايليخانية على الفرات، خلافًا لذلك، وأدى قلاوون واحبابة كحاكم مسلم ملتزم غاية فى الالتزام. وأنشا البيمارستان المنصورى، فى وسط القاهرة فى موقع قصر من قصور الفاطميين. وخلف الملك الناصرى محمد أخاه الأشرف خليل على عرش السلطنة، وتولى الناصر السلطنة ثلاث مرات، كان آخرها فى الفترة ما بين 709 - 741 هـ/ 1310 - 1341 م. وفى سنة 723 هـ/ 1323 م، وقعت معاهدة سلام بين المماليك وبوسعيد الايليخان المغولى. وقام الناصر محمد بفرض السيادة المصرية على حكام بنى رسول فى اليمن، كما تثبتت المغارز المملوكية فى المواقع الاستراتيجية فى شبه الجزيرة العربية. وقام السلطان الناصر محمد بإلغاء وظيفة نائب السلطان مما يشير إلى سلطته المطلقة فى حكم البلاد. وفى تتابع سريع، تناوب عرش السلطنة ثمانية من أبناء الملك الناصر واثنان من أحفاده واثنان من أبناء أحفاده فى الفترة ما بين سنوات 741 - 792 هـ/ 1341 - 1392 م. وحكم غالبيتهم دون أن يبلغوا سن الرشد، وكان معظمهم مجرد دمى فى أيدى القواد الأقوياء أمثال: قوصون، وأرجون العلائى، وصرغتمش، ويلبغا ومنتاش. وينفرد بين هؤلاء السلاطين الملك الناصر حسن بالشهرة بسبب مدرسته الشهيرة التى ابتناها أسفل القلعة والتى تُعد من أبرز الآثار المعمارية المملوكية. وكان النصف الثانى من القرن الثامن الهجرى/ 14 م فترة هدوء نسبى لمصر عمومًا وللدولة المملوكية خصوصًا فى علاقاتها مع القوى الأجنبية. فقد خفف تزايد الاضطراب فى الدولة المغولية الايليخانية وفى ولاياتها التابعة لها الضغط على حدود دولة المماليك. وجاء التهديد الأكبر لدولة المماليك من ناحية الشرق حين غزا تيمورلنك

بلاد الشام فى سنة 803 هـ/ 1400 م، واستولى على حلب وحماة ودمشق دون مقاومة تذكر. وقام تيمورلنك بتخريب البلاد التى سقطت فى يده وقتل أهلها وتدمير منازلها وترحيل الحرفيين منها إلى عاصمته سمرقند. وكانت هذه الضربات التتارية الجديدة بداية النهاية لدولة المماليك فى الشام ثم فى مصر. وتزامن مع هذا الهجوم المغولى قيام دولة المماليك البرجية فى مصر على يد برقوق الجركسى سنة 792 هـ/ 1390 م، وهى التى عرفت أيضًا بدولة سلاطين المماليك الجراكسة (الأفخاذ). وكان فرج بن برقوق، أحد أهم سلاطين هذه الدولة، وبوفاته لم يعد عرش السلطنة وراثيًا فى دولة المماليك. وكان النظام المتبع فى ولاية عرش السلطنة أن يتولى ابن السلطان المتوفى لفترة مؤقتة حتى يخرج عليه رجل قوى ينتزع السلطة منه. وقد خلف المؤيد شيخ فرج بن برقوق على عرش السلطنة، وكان رجلًا تقيًا عالمًا ورعًا. وكانت له (خانقاه) خاصة به يخلو بنفسه فيها إلى جوار باب زويلة. وشهدت مصر فى عهد سلطنة الأشرف برسباى (825 - 841 هـ/ 1422 - 1438 م) فترة هدوء داخلية وازدهار اقتصادى، وتجددت فى عهده السيطرة على غرب الجزيرة العربية وعادت كما كانت قبل ذلك بقرن من الزمان أيام حكم السلطان الناصر محمد بن قلاوون. وصار بندر جدة، فى عهد هذا السلطان، المركز التجارى الرئيسى لسفن تجارة الهند والشرق الأقصى المحملة ببضائع غالية الثمن والمتجهة إلى مصر بدلًا من ميناء عدن. ووضع برسباى هذا الميناء تحت سيطرة السلطان مباشرة، ورصد هنالك حامية عسكرية لحمايتها وحماية تجارة البحر الأحمر ذات الأرباح الوفيرة. وكان تجار الكارم يسيطرون على تجارة العبود هذه بين الشرق والمغرب منذ عهد الفاطميين والأيوبيين، لكن برسباى احتكر هذه التجارة لصالحه

دون تجارة الكارم. وأجبر برسباى التجار الأوربيين على شراء ما يحتاجونه من سلع الشرق من متجر السلطان فى الإسكندرية وبالأسعار التى يحددها. وفى بداية سنة 825 هـ/ 1423 م، أخضع برسباى صناعة السكر المصرى لسيطرة الدولة، مما أضر بمصالح القائمين بأمر هذه الصناعة من أبناء الشعب. وعقب موت برسباى، تولى جقمق عرش السلطنة، ثم تولاه من بعده اينال (841 - 865 هـ/ 1438 - 1461 م)، ويعدان آخر جيل مماليك برقوق (الخاصكية). وفى عهد حكمهما، عانت البلاد من تدخل قوة الأتراك العثمانيين. وجاءت نهاية دولة المماليك الجراكسة على يد العثمانيين، وذلك حين تقدم السلطان العثمانى سليم الأول لغزو سوريا سنة 922 هـ/ 1516 م، وقام خاير بك، حاكم حلب، بالدفاع عنها لكنه لقى الهزيمة على يد قوات العثمانيين. وتُوفى السلطان قنصوه الغورى، خلال الحرب مع العثمانيين فى معركة مرج دابق. وتتبع السلطان سليم قوات خاير بك المنهزمة إلى مصر، وفى مصر انتخب طومان باى سلطانًا فى أحلك الظروف. وتصدى طومان باى لقوات العثمانيين لكن قواته لاقت هزيمتين إحداهما فى الريدانية والأخرى عند الجيزة، ووقع طومان باى أسيرًا فى يد العثمانيين الذين قاموا بقتله وتعليق جثته على باب زويلة. وبذلك زالت دولة المماليك وانتهى فصل رائع من فصول تاريخ مصر، وانقضى تاريخ هؤلاء الأبطال الذين خلفوا لنا آثارًا خالدة لا زالت تشهد على عظمتهم وشدة بأسهم حتى اليوم. 6 - الفترة العثمانية 1517 - 1798 م: استولى سليم الأول على مصر (29 ذى الحجة 922 هـ/ 23 يناير 1517 م)، وبذلك صارت مصر ولاية عثمانية تُحكم من استانبول. وتولى أمر حكم مصر ولاة عثمانيون يساعدهم مجلس من الأعيان (الديوان). وانقسم المجتمع المصرى، خلال الحكم العثمانى

- المملوكى إلى طبقتين: طبقة حاكمة وطبقة محكومة تضم غالبية الشعب المصرى. وتزاوج بعض رجال الحامية العثمانية (الأوجاك) من المصريات الأمر الذى أدى إلى إنجاب أبناء متمصرين (مصرلية). ومن المحتمل أن يكون تجار القاهرة وحرفيوها قد جندوا بأعداد كبيرة، خاصة فى فرق الإنكشارية والعزبان، وكانت الدولة فى حاجة لجهودهم العسكرية. وظهرت طبقة البكوات فى مصر، التى حلت محل كبار أمراء سلاطين المماليك، ولم تستحوذ على إقطاعات ولكنهم كانوا يتقاضون أجورهم كضباط وجمعوا لأنفسهم مؤخرًا ثروات طائلة من وراء نظام الالتزام. وفى القرنين التاليين صار بكوات المماليك أفراد بيت عسكرى قوى، وبخاصة جماعة الذولفقارية، والقاسمية، والقادوغلية. وقاموا بقيادة القوات المحاربة وأصبحوا "سرداريين"، وحكامًا للولايات، وتولوا مناصب: الدفتردارية وإمارة الحج والقائمقامية. وفى ظل هذا النظام ضعُفت شخصية الوالى العثمانى، الذى عادةً ما يكون غريبًا عن القطر الذى يقوم نيابة عن السلطان. وكان كل همّ الوالى هو جمع الضريبة السنوية (الإرسالية) المفروضة على الولاية وإرسالها إلى خزانة السلطان، وجمع ثروة خاصة له يسدد منها تكاليف حصوله على المنصب الذى يشغله -وكانت تلك مهمة الملتزمين الذين عليهم أن يجمعوا أكبر قدر ممكن من الأموال للوالى من المزارعين. وحدث فى سنة 994 هـ/ 1586 م تمرد عسكرى فى البلاد بسبب اختلاس الوالى العثمانى لأموال الإرسالية وتأخره عن دفع مستحقات الحامية العثمانية. وأدى هذا الحادث إلى سلسلة تمردات أخرى بلغت مداها فى سنة 1013 هـ/ 1605 م بقتل المتمردين للوالى العثمانى. وبرغم اتخاذ السلطات العثمانية عدة تدابير مشددة فى الفترة ما بين سنوات 1016 - 1020 هـ/ 1607 - 1611 م، إلا أن هذه التدابير لم تُعد للوالى

سيطرته على البلاد. ومنذ ذلك التاريخ فصاعدًا أصبح الولاة العثمانيون يعتمدون فى حفاظهم على منصبهم على الإيقاع بين أمراء المماليك بعضهم وبعض. وخلال القرن الثانى عشر الهجرى/ الثامن عشر الميلادى أصبحوا بالفعل سجناء القلعة، يلقون رضاء أمراء المماليك أحيانا ويطردون من القلعة معزولين محتقرين على أيديهم فى بعض الأحيان الأخرى. وأصبح بكوات المماليك فى منتصف عقود القرن الحادى عشر الهجرى/ السابع عشر الميلادى العنصر البارز فى السياسة المصرية. ففى سنة 1040 هـ/ 1631 م قاموا بعزل والٍ عثمانى تسبب فى مقتل واحد من جماعتهم، كذلك تقلد هؤلاء البكوات منصب القائمقام، وتولوا إمارة الحج. وتقاسم بيت الفقارية وبيت القاسمية باكوية المماليك، وكان الأوائل جراكسة والآخرون بوسنيين. وتقلد رضوان بك زعيم الفقارية إمارة الحج بصفة دائمة مدة ربع قرن من الزمان (1041 - 1066 هـ/ 1631 - 1656 م). وتدهور أمر البيت الفقارى بعد وفاته، ووقع صراع بين هذا البيت وبيت القاسمية انتهى بانتصار القاسمية فيما عُرف "بواقعة السناجق". وترأس السنجق أحمد بك بيت القاسمية، وتوقف بكوات المماليك آنذاك عن الاعتراض على سلطة الوالى العثمانى وتفرغوا للسيطرة على مناصب الدولة الهامة ووظائفها الإدارية والعسكرية، فى الوقت الذى بلغت فيه فرق الانكشارية أقصى مكانة لها فى البلاد. وبعد 32 عامًا تزعم فيها بيت القاسمية باكوية المماليك، نجح البيت الفقارى فى انتزاع هذه السيادة له وتولى رجاله معظم وظائف الدولة الهامة، واستمر الحال على ذلك حتى سنة 1123 هـ/ 1711 م حين نجح القاسمية فى إحراز النصر على الفقارية واستعادة سيادتهم وسيطرتهم على البلاد، وصارت فى أيديهم الرئاسة الحقيقية رغم وجود نظام الحكم القديم على ما عليه بوجود الوالى والديوان. وبعد سنة 1168 هـ/

1754 م صار البك المملوكى يجمع بين البكوية ومنصب حاكم القاهرة "شيخ البلد". وشكَّل بكوات المماليك جمعية لهم كانت لها السلطة الفعلية فى حكم البلاد دون الديوان العثمانى. وصار رؤساء الصعيد، برئاسة الشيخ همام ابن يوسف الهوارى، أحلافًا للقاسمية. وكانت السلطة العليا فى الصعيد قد صارت للشيخ همام منذ سنة 1153 هـ/ 1741 م فصاعدًا. ونازع بيت القازوغلية البيت القاسمى على مشيخة البلاد ومناصب الدولة العليا، منذ منتصف القرن 12 هـ/ 18 م، واستحوذوا على السلطة فى البلاد حتى مجئ الحملة الفرنسية إلى مصر. وكان القازوغلية قد دخلوا فيما بينهم فى صراعات عائلية انتهت سنة 1168 هـ/ 1754 م بعد موت زعيمهم إبراهيم بك كخيا إلى ظهور على بك الكبير، الذى حكم مصر حكمًا مطلقا وانفرد بحكمها بعد أن تغلب على قوة همام حاكم الصعيد سنة 1183/ 1769 م. واتجه على بك بأنظاره إلى آفاق التوسع الخارجى ففتح الحجاز سنة 1184 هـ/ 1770 م. وأرسل بعد ذلك قائده المملوكى المخلص محمد أبو الدهب لفتح الشام سنة 1185/ 1771 م. لكن أبا الدهب، بعد أن استولى على دمشق، عاد إلى القاهرة وانقلب على سيده على بك وقام بنفيه إلى الشام فى العام التالى. وحاول على بك أن يستعيد سلطانه لكنه فشل فى ذلك وألقى القبض عليه وتوُفى سنة 1187 هـ/ 1773 م متأثرًا بجراحه. واستمر أبو الدهب فى حكم البلاد، إلا أنه توفى سنة 1189 هـ/ 1775 م أثناء قيامه بحملة ضد ضاهر العمر حاكم فلسطين. وشهد العقد التالى صراعًا للاستحواذ على السلطة فى مصر بين آخر بكوات القازوغلية إسماعيل بك واثنين آخرين من بكوات المماليك وهما إبراهيم بك ومراد بك. وظل الصراع قائمًا بين الطرفين حتى مجئ الحملة الفرنسية إلى مصر بقيادة نابليون

بونابورت واحتلالها لها سنة 1213 هـ/ 1798 م. 7 - فترة التاريخ الحديث الأولى 1798 - 1882 م (أ) الاحتلال الفرنسى 1798 - 1801 م: فى الليلة الأولى من شهر يوليو 1798 م، رسى فيلق حربى فرنسى بقيادة الجنرال نابليون بونابورت فى مياه غرب ميناء الاسكندرية، بهدف احتلال مصر وتهديد طريق الانجليز إلى مستعمراتها فى الهند. وهزمت القوات الفرنسية الجيش المملوكى، الذى كان يقوده مراد بك فى معركة الأهرام (يوم 21 يوليو)، وانتهى بذلك حكم دولة المماليك فى مصر. وأقام الفرنسيون لهم إدارة جديدة لحكم البلاد، فى الوقت الذى بحثوا فيه عن كسب تعاون المصريين معهم من خلال إنشاء ديوان يُشكل من أعيان البلاد فى القاهرة والأقاليم يشاركهم فى الحكم. إلا أن المصريين لم يتقبلوا الاحتلال الفرنسى وثاروا ضده فى القاهرة لأول مرة (يوم 21 أكتوبر 1798 م)، ثم تلا ذلك ثورات أخرى ضدهم فى معظم أرجاء البلاد. ولم تتح أى فرصة للفرنسيين كى يقوموا بتقوية حكمهم فى البلاد، بسبب تربص الأسطول البريطانى لهم وتحطيم أسطولهم فى مياه أبى قير فى معركة أبى قير البحرية. وبعد فشل حملة أرسلها نابليون إلى سوريا، عاد إلى فرنسا، فى 23 أغسطس 1799 م، تاركًا قيادة الحملة لقائده عبد اللَّه مينو، الذى اعتنق الإسلام وتزوج من زبيدة المصرية الرشيدية. وأصبحت مهمة مينو هى إعادة رجال الحملة سالمين إلى فرنسا، وقد تم بالفعل رحليهم النهائى عن الاسكندرية فى 2 سبتمبر 1801 م. ومن أهم إنجازات الحملة الفرنسية على مصر إنجازها كتاب "وصف مصر"، الذى تناول دراسة مختلف نواحى الحياة فى البلاد، وكشف حجر رشيد الذى حل رموز اللغة الهيروغليفية المصرية القديمة. وليس حقيقة ما يُدعى من أن هذه الحملة قد تسبب فى حدوث كل التطورات الحديثة فى مصر، لكنها فى

الحقيقة هى وضعت البلاد فى المواجهة المباشرة مع الحضارة الغربية، وأنها أدخلت مصر فى فلك لعبة السياسة الأوربية والاستعمار الأوربى. (ب) الفترة العثمانية الانتقالية؛ محمد على (1805 - 1848 م): بعد انسحاب الفرنسيين من مصر، حاول العثمانيون من ناحية والمماليك من ناحية أخرى الاستحواذ على الحكم، بينما قررت بريطانيا فرض نفوذها على مصر. وظهرت على السطح فى مصر آنذاك جماعة "علماء" القاهرة الذين أحرزوا مكانة مهمة أثناء الاحتلال الفرنسى وقيادتهم الشعب فى ثوراتهم ضده. والتف العلماء حول محمد على الضابط المقدونى الطموح، الذى وفد على مصر صحبة القوات العثمانية سنة 1801 م. وفى 13 مايو 1805 م، أعلن العلماء بقيادة عمر مكرم نقيب الأشراف وعبد اللَّه الشرقاوى شيخ الجامع الأزهر، عزل الوالى العثمانى خورشيد باشا وتقليد محمد على سلطات الوالى. واضطر الباب العالى أن يرضخ لإرادة الشعب المصرى ورضى عن اختياره لمحمد على واليًا عليهم. وأشرك محمد على العلماء معه فى السلطة بادئ الأمر، لكنه سرعان ما استبد بالحكم وتنكر للشعب الذى اختاره بإرادته، وتخلص محمد على من قيادة الشعب المصرى بإبعاده السيد عمر مكرم سنة 1809 م عن البلاد. ونجح محمد على فى التخلص من نفوذ المماليك فى الصعيد، ثم قام بتدبير مذبحة القلعة الشهيرة فى أول مارس 1811 م التى قضى فيها على معظم أمرائهم. ومنذ ذلك التاريخ أصبح هو السيد الوحيد الحاكم فى مصر مع الاعتراف بتبعيته للباب العالى. وقام محمد على بعدة حملات عسكرية خارج مصر، شنها أولًا باسم السلطان العثمانى، ثم واصل أمرها بهدف توسعة مملكته. فأرسل سنة 1811 م حملة إلى الجزيرة العربية ضد الحركة الوهابية، وهزم قواتها فى الدرعية سنة 1818 م، وفرض السيادة المصرية على شبه الجزيرة العربية حتى بداية الأربعينيات. وفى سنوات 1820 - 1821 م استولت قواته على

السودان حتى خط الاستواء، ثم استولت على موانى سواكن ومصوع، بعد ذلك، سنة 1840 م. ولمَّا بدأت حرب الاستقلال اليونانية سنة 1821 م، وطلب السلطان العون من واليه المصرى، سارت القوات المصرية لقمع التمرد على السلطان فى كريت وقبرص سنوات 1822 - 1823 م. وفى فبراير 1825 م نزلت هذه القوات فى شبه جزيرة المورة واحتلت غالبيتها آخر ذلك العام. واحتلت القوات المصرية ميسلون، شمال خليج كورنثة سنة 1826 م. وبعد أن حطم الإنجليز والفرنسيون والروس الأسطول العثمانى المصرى فى معركة نافارينو (فى 20 أكتوبر 1827 م)، قرر محمد على إنهاء مشاركته فى هذه الحرب وتخلى عن مساعدته للسلطان العثمانى، فعقد فى 6 أغسطس 1828 م اتفاقًا مع بريطانيا بسحب قواته من المورة، لكن كريت ظلت تحت القيادة المصرية حتى سنة 1840 م. وميَّز انسحاب محمد على من الحرب اليونانية بداية مرحلة جديدة فى سياسته توجهت بوضوح ضد الإمبراطورية العثمانية. وبدأ محمد على هذه السياسة بغزو بلاد الشام، إذ أرسل لها جيشًا يقوده ابنه إبراهيم الذى نجح فى احتلال عكا ثم دمشق (16 يونيو 1832 م). وأحرز الجيش المصرى فى 30 يوليو انتصارًا عند بيلان فتح الطريق أمامه إلى أطنة فى داخل الأناضول. كذلك انتصر الجيش عند قونية، وفى فبراير 1833 م وصلت قوات إبراهيم إلى كوتاهية، على بعد 200 كم من استانبول، عندئذ تدخلت القوى الأوربية لإنقاذ الإمبراطورية العثمانية. وفى أوائل مايو، تم الاتفاق على انسحاب المصريين من الأناضول، مع حصول محمد على على إيالات صيدا وطرابلس ودمشق وحلب، مع تعيين ابنه إبراهيم على إيالة أطنة. وخلال السنوات التسع التى قضاها الوجود المصرى فى بلاد الشام، قام المصريون بإدخال بعض التجديدات السياسية والاقتصادية الهامة فى البلاد. ورغم ذلك فقد واجه التواجد المصرى هنالك صعوبات التمرد

والثورات. وفى سنة 1839 م تقدم الجيش العثمانى للقاء المصريين فى بلاد الشام، لكنه هُزم هزيمة كبيرة عند نصيبين، غرب أعالى الفرات (يوم 14 يونيو). وعندما ازداد تهديد محمد على (لرجل أوربا المريض)، تدخلت الدول الأوربية ثانية حتى تمنع تصدع الباب العالى وقيام بديل قوى له فى المنطقة، ولم تقف إلى جانب محمد على سوى فرنسا. ولما رفض محمد على شروط مؤتمر لندن (15 يوليو - 1840 م)، تقدمت القوات الغربية وحطمت قوة محمد على العسكرية وأجبرته على أن يوقع مع بريطانيا معاهدة إنهاء الحرب فى 27 نوفمبر، وقيام قواته بالجلاء نهائيًا عن بلاد الشام فى فبراير 1841 م. ولقد قبل محمد على بعد ذلك اتفاقًا، بعد تحطيم قواته، فى 10 يونيو 1841 م، بترك كل الأراضى التى احتلها ما عدا الأراضى السودانية، والموافقة على تخفيض عدد قواته وأن يدفع ضريبة سنوية للباب العالى. وتعهد بأن تكون ولاية العهد من بعده فى مصر فى أبنائه الذكور حسب السن، بأن يكون أكبر أبناء الأسرة سنا خلفًا له فى الحكم، مثلما هو الحال فى البيت العثمانى. وحين أصبح محمد على غير قادر على الاستمرار فى الحكم، تولى أمر الحكومة بعده ابنه إبراهيم فى ابريل 1848 م، الذى عين واليًا بمقتضى فرمان السلطان العثمانى فى 2 سبتمبر. لكن إبراهيم توفى قبل والده فى 10 نوفمبر 1848 م، فتولى أحد أحفاد محمد على وهو عباس حلمى الأول الوصاية على العرش. وتوفى محمد على يوم 2 اغسطس 1849 م. (جـ) عباس الأول (1848 - 1854 م)، سعيد (1854 - 1863 م) وإسماعيل (1863 - 1879 م): بعد فترة توقف دامت لسنين قليلة، استأنف خلفاء محمد على سياسة التحديث فى البلاد. وتمت هذه السياسة تحت ظروف مختلفة. وفتحت مصر صدرها لكل التأثيرات الأجنبية، ونتج عن ذلك تقدمٌ، لكن هذا التقدم أعقبه خراب اقتصادى ثم احتلال أجنبى. وواصل الخديو عباس سياسة جده محمد على الرامية إلى تخفيض الإنفاق

فى الدولة، لكنه اغتيل فى ظروف غامضة يوم 13 يوليو 1854 م. وخلف عباس فى حكم مصر: محمد سعيد (باشا)، الذى توفى فى 18 يناير 1863 م، ثم إسماعيل (باشا) ابن إبراهيم، وكان كل من سعيد واسماعيل مسئولين عن سياسة انفتاح مصر على الأجانب. كما قام هذان الخديويان بإنجازات هامة منها بناء السكك الحديدية وإنشاء الجسور والموانى وحفر الترع والقنوات والارتقاء بالزراعة والصناعة والعمران. وكان حفر قناة السويس، هو أهم المشروعات التى تستدعى الانتباه فى عهد هذين الحاكمين. وكان الخديو سعيد قد أعطى موافقته على حفر قناة تربط ما بين البحرين المتوسط والأحمر للفرنسى فرديناند دى لسبس فى 30 نوفمبر 1854 م. وبُدئ العمل فى حفر هذه القناة فى 25 أبريل 1859 م، وتم الفراغ من حفرها وافتتاحها للملاحة فى 17 نوفمبر 1869 م، فى احتفال كبير حضرته شخصيات بارزة وضيوف ممثلين لدول كثيرة مختلفة. وتركز التقدم الاقتصادى فى مصر آنذاك فى الزراعة، فتوسعت البلاد فى زراعة القطن، الذى كانت الدولة فى حاجة لانتاجه بعد أن توقف استيراده من الولايات المتحدة الأمريكية بسبب وقوع الحرب الأهلية فيها. وكذلك قامت فى البلاد بعض الصناعات التى كانت تعتمد على المنتجات الزراعية مثل صناعة السكر من القصب وصناعة استخراج الزيت. وفى التعليم، قامت جهود كبيرة بتطويره فحلت المدارس النظامية محل الكتاتيب، وفى سنة 1871 م أُسست كلية دار العلوم بهدف إعداد الدارسين الأزهريين للتدريس فى المدارس، وفى سنوات 1873، 1874 م افتتحت أول مدارس نظامية لتعليم البنات. ولمَّا كانت موارد دخل البلاد لا تغطى مصروفاتها، لجأ حكام مصر إلى الاستدانة من البنوك الأجنبية، ولم تصل هذه الديون إلى مبالغ كبيرة فى عهد عباس، لكنها بلغت ذلك فى عهد كل من سعيد وإسماعيل. وكان يصحب هذه القروض فوائد كبيرة،

وفى نهاية عهد حكم إسماعيل وصلت ديون مصر إلى 100 مليون جنيه استرلينى. وقام إسماعيل، لسداد فوائد هذه الديون، برهن بعض المنشآت الحكومية العامة، كذلك قام ببيع حصة مصر فى قناة السويس مقابل مبلغ زهيد. ومع تزايد الديون ازداد التدخل الأجنبى فى شئون مصر وازدادت سيطرة القوى الأوربية عليها. واضطر الخديو اسماعيل إلى الموافقة على إنشاء "صندوق الدين" من مندوبى فرنسا وبريطانيا وإيطاليا والنمسا، وكانت مهمته تسديد ديون رعايا هذه الدول. ومنذ ذلك الوقت فصاعدًا، ازداد عدد الأوروبيين العاملين فى فروع الإدارة المصرية، وصار وزير المالية إنجليزيًا ووزير الأشغال فرنسيًا فى الحكومة التى شكلت فى سبتمبر 1878 م. وبدأ فى ذلك الوقت تكوين رأى عام قومى، عبر عن نفسه فى صحف مستقلة ظهرت فى البلاد منذ سنة 1876 م، وفى حلقات نقاش، مثل تلك التى أقامها جمال الدين الأفغانى فى القاهرة سنة 1871 م بتشجيع من الحكومة المصرية. وفى أوائل سنة 1879 م قام أكثر من ثلثمائة موظف مدنى وضابط عسكرى وعلماء وأعيان بتوقيع عريضة قومية (لائحة وطنية) أوردوا فيها مطالبهم الوطنية وقدموها للخديو. وفى 7 أبريل قام الخديو إسماعيل بحل الوزارة التى كانت تضم الوزراء الأجانب، وقام فى اليوم التالى بتشكيل حكومة وطنية جديدة. واستتبع ذلك نشاط دبلوماسى فى العواصم الأوربية للتشاور فى الأمر. وفى نهاية الأمر أصدر السلطان العثمانى قرارًا بعزل إسماعيل عن حكم مصر (26 يونيو 1879 م) وتعيين ابنه محمد توفيق مكانه. (د) القسم الأول من عهد حكم توفيق والثورة العرابية (1879 - 1882 م): عادت السيطرة الأجنبية على مالية مصر فى عهد حكم الخديوى الجديد، لكن لم يعد هنالك مكان فى الوزارة الجديدة للوزراء الأجانب. وتم اتفاق نهائى بين الدائنين والحكومة على أن يُوحد الديْن ويُصبح مجموعه 98.378.000 جنيها استرلينى، وأن يخصص نصف دخل موارد البلاد

لسداده وسداد فوائده. وحاولت حكومة رياض باشا القيام بالإصلاح المالى والاقتصادى، لكن الفرصة لم تمنح لها لتحقيق هذا الاصلاح. وصارت البلاد فى حالة فوران، وكان الجيش يغلى، وفى يوم 9 سبتمبر 1881 م، تجمع أمام قصر الخديوى حشد عسكرى كبير بقيادة الضابط أحمد عرابى باشا، وتقدم بعريضة يطلب فيها عزل وزارة رياض باشا، وتشكيل وزارة جديدة برئاسة شريف باشا، ودعوة البرلمان للانعقاد. وبدأت بريطانيا وفرنسا، اللتان كانتا ترقبان قيام الحركة الوطنية فى مصر بريبة وشك، فى 8 يناير 1882 م سياسة تدخل سافر، بإعلانهما فى مذكرتين متماثلتين قدمتا للخديو، من أنهما يريدان حمايته والدفاع عن النظام الحاكم القائم. وفى 15 مايو أعلنتا قرب وصول أسطولهما المشترك إلى الإسكندرية. وفى 25 مايو طالبتا إقالة وزارة البارودى ونفى عرابى من البلاد. وأقال الخديو توفيق الوزارة بالفعل لكنه استبقى عرابى وزيرًا للحربية فى الوزارة الجديدة. وحدثت مشاجرة وأحداث عنف يوم 11 يونيو فى الاسكندرية قُتل فيها نحو أربعين أوربيا، رغم ظهور الأسطول الانجليزى الفرنسى فى مياه الاسكندرية. وتصرفت بريطانيا فى الأمر بمفردها، دون إعطاء فرنسا فرصة التدخل، وأمرت حكومة "جلادستون" بضرب الاسكندرية، وتم الضرب بالفعل يومى 11 - 12 يوليو بحجة منع المصريين من القيام بتحصين الميناء. وقام عرابى بتحدى القوات البريطانية، بعد أن تلقى تأييد، شعبيًا كاملًا من غالبية المصريين، وكان عرابى قد أعلن الجهاد ضد الكفار. وفى أغسطس قام فيلق بريطانى باحتلال قناة السويس، وفى 13 سبتمبر 1882 م وقعت الهزيمة بالجيش المصرى عند التل الكبير، واستسلم عرابى للإنجليز، وحوكم وبعض القواد وعددًا كبيرًا من أتباعه محاكمة عسكرية قضت بإعدام عرابى. لكن الحكومة البريطانية خففت الحكم إلى السجن مدى الحياة (وسمح له سنة 1901 م بالعودة من منفاه إلى مصر).

المصادر

ولم تكن الحركة العرابية فى أساسها ثورة سياسية أو اجتماعية، فبرغم أنها رفضت طاعة الخديو وأعلنت العصيان ضده، إلا أنها لم تضع على الإطلاق خطة لإزاحته عن العرش، وكذلك أكدت باستمرار على ولائها التام للسلطان العثمانى. أما بخصوص التغيير فى بنية المجتمع، فهى لم تطالب بأكثر من تحقيق العدالة والحد من مغالاة الأرستقراطية التركية الجركسية، إلا أنها قدمت تجربة محاولة جادة لبعض الجماعات المصرية التى قررت على مسئوليتها كيف تحل مشكلات مصر. وفى مجلس النواب مهدت الحركة الطريق للوصول إلى هذا الغرض وتحقيقه. وحتى إذا كان الكفاح من أجل الاستقلال قد باء بالفشل، فإن أسس الوعى القومى وُضعت وهى التى استطاعت أجيال المستقبل البناء عليها (*). المصادر: (1) الطبرى: تاريخ الرسل والملوك طبعة De Goele ليدن 1879 - 1901 م، جـ 1، ص 217. (2) اليعقوبى: تاريخ اليعقوبى ليدن 1883 م، جـ 1، ص 210. (3) المسعودى: مروج الذهب باريس 1861 - 1877 م، جـ 2، ص 394، 806. (4) السيوطى: حسن المحاضرة، طبعة بولاق، ص 15. (5) محمد عبد المعطى المنوفى: كتاب أخبار الدول، القاهرة 1311 هـ/ 1893 م، ص 4، 5. (6) الجاحظ: كتاب الأمصار وعجائب البلدان، طبعة Pellat 1966 م، ص 169 - 205. (7) المقريزى: الخطط، طبعة بولاق 1270 هـ/ 1853 م (8) ابن دقماق: كتاب الانتصار بواسطة عقد الأمصار، بولاق 1310 هـ. (9) ساويرس بن المقفع، تاريخ بطاركة الاسكندرية، نشر B. Evetts، 1948 م. د. عطية القوصى

مصطفى "الأول"

مصطفى "الأول" مصطفى الأول، السلطان العثمانى الخامس عشر، (1026 - 1027 هـ/ 1617 - 1618 م) ثم (1031 - 1032 هـ/ 1622 - 1623 م) ولد فى عام 1000 هـ/ 1559 م، وهو ابن السلطان محمود الثالث. وقد تولى الحكم خلفا لأخيه السلطان أحمد الأول ثم عزل بعد عام واحد لاختلال قواه العقلية، وخلفه عثمان نجل السلطان أحمد، ثم أعيد للعرش بعد مصرع الأخير خلال ثورة الإنكشارية ولمدة عام أيضا، ثم عزل ليخلفه السلطان مراد ابن السلطان أحمد، وكانت وفاته فى عام 1638 م. المصادر: (1) A. D. Aldevson: The Slvactave of the Ohowaa dyaasty, Oxtovd 1956, iadex S. V على يوسف [ج. هـ كرامرز J. H. Kramers] مصطفى "الثانى" مصطفى الثانى، السلطان العثمانى الثانى والعشرين، (1106 - 15 هـ/ 1695 - 1703 م)، وهو ابن السلطان محمود الرابع. وقد ولد فى 1664 م وتولى الحكم خلفا لعمه أحمد الثانى حين كانت الحرب مشتعلة مع النمسا وبولندا وروسيا والبندقية، وقد خاض حربا فاشلة انتهت بعقد اتفاقية مع النمسا وبولندا والبندقية عام 1699 م، ثم مع روسيا فى 1700 م. وقد فقدت الإمبراطورية فى هذه الحرب المجر وترانسلفانيا. وبعد الحرب بدأ إعادة النظام للدولة العثمانية التى عانت كثيرا من الاضطراب، فاستردت البصرة من الايرانيين، ودعمت القلاع وتحسن وضع الأسطول. ولكن الإنكشارية عادوا للثورة فى عام 1703 م وأجبروه على التنازل، ومات فى العام نفسه. المصادر: (1) A. D. Aldevson: The Slvactave of the Ohowaa dyaasty, Oxford 1956, iadex S.V على يوسف [ج. هـ. كرامرز J. H. Kramers] مصطفى "الثالث" مصطفى الثالث، السلطان العثمانى السادس والعشرين، (1171 - 87 هـ/ 1757 - 74 م) ابن أحمد الثالث. ولد عام 1717 م وتولى العرش بعد عثمان

المصادر

الثالث، وكانت تركيا تنعم بالسلام بعد معاهدة بلجراد. وكانت الدولة تحت السيطرة الفعلية لراغب باشا الصدر الأعظم حتى 1763 م. وقد وقعت فى عهده معاهدة صداقة مع بروسيا عام 1761 م. وبعد موت راغب باشا بدأ السلطان مصطفى يمارس سلطته الفعلية، وفى 1765 م اندلعت الحرب مع روسيا وفقدت فيها تركيا القرم نهائيا. وفى عهده قامت ثورة على بك الكبير فى مصر. وفى 1774 م تنازل عن الحكم لأخيه عبد الحميد. المصادر: (1) A. D. Aldevson: The Slvactave of the Ohowaa dyaasty, Oxford 1956, index S.V على يوسف [ج. هـ. كرامرز J.H. kvamevs] مصطفى الرابع مصطفى الرابع، السلطان العثمانى التاسع والعشرين (1222 - 1223 هـ/ 1807 - 1808 م)، ابن السلطان عبد الحميد الأول، ولد فى 1778 م وتولى الحكم بعد عزل السلطان سليم الثالث إثر ثورة بقيادة القائم مقام مصطفى باشا ومعاونة المفتى والإنشكارية ضد ميوله الإصلاحية. وكانت تركيا فى حرب مع روسيا وإنجلترا، ولكن مفاوضات الصلح كانت جارية. وقد استمرت الثورة مشتعلة حتى اضطر للتنازل عن العرش لأخيه محمود، وسجن ثم قتل بعد شهور قليلة. المصادر: (1) Djeadet Pasha: Ta'rikh, 2 nd ed, viii, Istanbul 1303, 145 pl على يوسف [ج. هـ كرامرز J.H. Kramers] مصطفى بشتلى مصطفى باشا بشتلى (1797 - 1860 م)، أحد رجال الدولة العثمانيين من أصل ألبانى، تولى الوزارة فى 1812 م واكتسب شهرة حربية خلال إخماده الثورة اليونانية، ولكنه قاد ثورة من الألبانيين ضد السلطان محمود الثانى جعلته بطلًا قوميًا لدى الألبان، وبعد هزيمته أعاده السلطان عبد المجيد الأول لخدمة الدولة.

المصادر

وقد توفى فى المدينة المنورة بعد اعتناقه طريقة الدراويش المولوية. المصادر: على يوسف [أ. بوبوفيك A. Popovic] مصطفى باشا بيرقدار مصطفى باشا بيرقدار، وزير أعظم عثمانى فى 1807 م، ولد لأحد كبار الإنكشارية فى 1750 م. اكتسب شهرة خلال الحرب ضد روسيا تحت إمرة السلطان مصطفى الثالث، ومنها اكتسب اسم "البيرقدار". كان من أكبر أنصار سياسة سليم الثالث الإصلاحية، وحاول بعد توليه الوزارة فى عهد السلطان محمود الثانى أن يتابعها، ولكنه قتل بعد فترة وجيزة من توليه المنصب إثر ثورة الإنكشارية ضده. المصادر: (1) B. Lewis: The encergence of modern Turkey, London 1961 على يوسف [(بوسورث C.E. Bosworth) و (كرامرز R. Kvamers)] مصطفى جلبى اسم بعض الأمراء العثمانيين. 1 - مصطفى جلبى، دوزمى، الابن الأكبر لبايزيد الأول، كان من المتنازعين على السلطة، (؟ - 804 هـ/ 1402 م، 825 هـ/ 1422 أو 1430 م). والموقف غامض بالنسبة لشخصه قبل 1415 م واحتمال الخلط بينه وبين شخصيات أخرى وارد فيقال إنه اشترك مع والده فى معركة أنقرة، وأسرا معا، وفى رواية أنه لم يعد من الأسر إطلاقا، إلا أن روايات أخرى تتحدث عن عودته عام 1415 م كمنازع على السلطة ضد السلطان محمد الأول بدعم من البيزنطيين. وإثر عقد صلح بين السلطان محمد والبيزنطيين تعهدوا بمقتضاه وقف دعمهم لمصطفى، خمد نشاطه إلى أن توفى السلطان محمد. وبعد وفاة السلطان محمد، استغله البيزنطيون مرة أخرى ضد السلطان

المصادر

مراد، وتمكن بالفعل من الاستيلاء على أدرنة وعبور الدردنيل، ولكنه هزم وشنق فى رواية عام 1415 م، وفى رواية أخرى أنه ظل يقاوم حتى 1430 م حين كانت نهايته. 2 - مصطفى جلبى، كوجوك (الأصغر، للتمييز بينه وبين عمه مصطفى دوزمى (الأكبر؟ ) ابن السلطان بايزيد) الابن الثانى للسلطان محمد الأول. وبعد تخلص مراد من تمرد مصطفى الأكبر، استغل البيزنطيون مصطفى الأصغر لمتابعة التمرد، حيث استطاع الاستيلاء على مناطق من الأناضول وإعلان نفسه سلطانًا هناك، ولكنه هزم أخيرا وشنق فى 1423 م. 3 - مصطفى بن سليمان القانونى، (921 - 61 هـ/ 1515 - 53 م). شنقه والده إثر شائعات عن استعداده للثورة بمساعدة الإنكشارية، وقيلت فى موته مراث عديدة، وكان هو نفسه يقرض الشعر. على يوسف [فيشر A. Fisher] مصطفى خازندار مصطفى خازندار، (1817 - 78 م)، موظف تونسى، بدأ كرقيق يونانى، ألحقه حسين بك حاكم تونس ببلاطه وتولى تعليمه مع ابن أخيه الذى توطدت صداقته به، ومن خلال هذا التعليم تعرف على الديانة الإسلامية فاعتنق الإسلام وغير اسمه إلى الاسم المذكور. وبسبب نبوغه تقلد أرقى المناصب منذ أن بلغ العشرين من عمره ولمدة 36 عاما، منها رئاسة الوزارة لثلاثة حكام متوالين، وكان من الممكن أن يستمر نجمه لولا الغزو الفرنسى فى 1873 م. المصادر: (1) ابن أبى الضياف: اتحاف أهل الزمان بأخبار ملوك تونس وعهد الأمان 1861 م. (2) A.Demeerse: Categories Sciales en Tunisie على يوسف [أ. شينوفى A.Chenoufi]

مصطفى خيرى أفندى

مصطفى خيرى أفندى مصطفى خيرى أفندى، (1283 - 1339 هـ/ 1867 - 1921 م)، شيخ الإسلام فى الدولة العثمانية. كان من أسرة من العلماء. حصل على الإجازة كما أكمل دراسة القانون فى 1895 م وشق طريقه فى المناصب القضائية حتى وصل لمنصب قاضى المحكمة الجنائية فى سالونيكا فى 1906 م ثم انضم لجمعية الاتحاد والترقى، كعضو فى لجنتها المركزية، وظهرت ميوله السياسية بدخوله البرلمان وتقلده للعديد من المناصب الوزارية مع عودة الحكومة الدستورية على إثر ثورة الشبان الأتراك. وفى 1914 م تولى منصب شيخ الإسلام، وبهذه الصفة أصدر الفتوى بالجهاد المقدس ضد الحلفاء فى الحرب الأولى. وبعد الحرب قبض عليه مع الاتحاديين ونفى إلى مالطة، ثم أعيد لموطن رأسه فى أورجوبلو لتدهور صحته، وظل بها معتزلا الحياة السياسية -رغم دعوة مصطفى كمال أتاتورك له بتولى منصب فى المجلس الوطنى- إلى أن وافته منيته. المصادر: (1) النهروانى: البرق اليمانى. (2) سالم: الفتح العثمانى الأول لليمن. على يوسف [(بلاكبيرن Blachbern) (أ. هـ دى جروت A.H. De Groot)] مصطفى عبد الرازق مصطفى عبد الرازق، صحفى وعالم مصرى. ولد فى 1882 م فيما يقول أسعد داغر أو 1855 م فيما يقول خير الدين الزركلى وتوفى فى 1946 أو 1947 م، من أسرة ثرية. وهو شقيق على عبد الرازق مؤلف "الإسلام وأصول الحكم" الذى أثار ضجة حوله. درس فى الأزهر الشريف ثم سافر فى 1909 م إلى فرنسا حيث تخصص فى الفلسفة الإسلامية وعاد فى 1915 م. وقد شغل عدة مناصب منها مفتش المحاكم الشرعية وأستاذ الفلسفة

المصادر

الإسلامية ثم وزيرا للأوقاف عام 1938 م وأخيرا شيخ الجامع الأزهر حتى وفاته. كان صديقا للشيخ محمد عبده الذى كان أحد أساتذته فى الأزهر ويعتبر أهم مصدر لسيرة حياته. وقد عمل فى بداية حياته الصحفية فى الجريدة اليومية "الجريدة" التى أنشاها أحمد لطفى السيد فى 1908 م، وفيها صادق أهم الشخصيات المثقفة فى المجتمع مثل الدكتور محمد حسين هيكل وعباس محمود العقاد والدكتور طه حسين. ثم عمل بجريدة "السياسة" التى تولى رئاسة تحريرها الدكتور محمد حسين هيكل. وكانت لسان الحزب المنافس للوفد، الأحرار الدستوريين الذى أسسه عدلى يكن. وقد لقى والده حسن باشا مصرعه إثر هجوم من أنصار الوفد على مقر الجريدة. وكانت "السياسة" مدافعة عن حرية الرأى، فوقفت فى صف الدكتور طه حسين فى كتابه "الشعر الجاهلى" وعلى عبد الرازق فى كتابه "الإسلام وأصول الحكم" وكانت رسالته الدكتوراه عن الإمام الشافعى. ومن مؤلفاته "الصوفية والفرق الإسلامية" ودراسات عن الكندى والفارابى "فيلسوف العرب والمعلم الثانى". المصادر: (1) يوسف أسعد داغر: مصادر الدراسة الأدبية، بيروت، 1956 م. (2) خير الدين الزركلى، الأعلام. مصطفى باشا قره مصطفى باشا قره شاهين، والى اليمن ومصر فى منتصف القرن العاشر الهجرى/ السادس عشر الميلادى. من أصل بوسنى. تولى حكم اليمن فى سنة 1556 م لمدة أربع سنوات ونصف، وقد أثار بعض القلاقل الدينية من قبل الشيعة الزيدية. وفى 1560 م تولى حكم مصر، ولا تذكر المراجع الكثير عن فترة حكمه، عدا "الخلاق" الذى يذكره بالقسوة والطغيان. على يوسف [ج. ر. بلاكبيرن J. R. Kramers]

مصطفى كامل

مصطفى كامل زعيم الحركة الوطنية الثانية فى مصر إذ كانت ثورة عرابى هى الحركة الأولى. ولد مصطفى كامل فى القاهرة فى 1874 م، ودرس القانون ثم أكمل دراسته فى فرنسا. وقد بدأ نشاطه السياسى وهو لا يزال طالبًا، واتصل بالخديو عباس الثانى، وبعد عودته من فرنسا أسس الحزب الوطنى بهدف جلاء بريطانيا عن مصر وعودة السودان لمصر وإعداد المصريين للحياة البرلمانية من خلال التعليم الحديث. وقد كانت له علاقات وطيدة بالكثير من مفكرى أوربا وسياسييها، خاصة فى فرنسا. كما زار العديد من البلدان الأوربية وتركيا، حيث أنعم عليه السلطان عبد الحميد بلقب باشا، ذلك لاعترافه بسيادة الدولة العثمانية على مصر. وفى 1898 م أنشأ مدرسة لنشر تعاليمه، وفى 1899 م أصدر جريدة "اللواء" ولاقت نجاحًا باهرًا، وصدرت فى 1907 م بالانجليزية والفرنسية، وكان يركز على الوضع المتميز للمسلمين كأصحاب الدين الرسمى للدولة، الأمر الذى يجعله من مؤسسى الحركة الإسلامية التى ظهرت فى بداية القرن العشرين. وكان الاتفاق الودى بين فرنسا وبريطانيا صدمة له، الأمر الذى دعاه لمضاعفة جهده لإبراز القضية المصرية. مما أدى إلى توتر العلاقات بينه وبين الخديو عباس الثانى. كما أصبح مصدر قلق للورد كرومر. وكانت حادثة دنشواى عام 1906 م سببًا فى تشديد حملة مصطفى كامل على اللورد كرومر حتى اضطر للاستقالة فى 1907 م. وقد حاول خليفة اللورد كرومر أن يهادن المصريين فحسن علاقته بالخديو، الأمر الذى جعل مصطفى كامل يهاجمه بعنف. وفى 1907 م دعا لمؤتمر وطنى عُين فيه رئيس الحزب لمدى الحياة، ولكن ذلك كان بمثابة أنشودة الوداع له، فقد توفى فى العام التالى يوم 10 فبراير. وكان فى الرابعة والثلاثين من عمره. ورغم أن مصطفى كامل لم يحقق نتائج عملية من كفاحه، إلّا أنه مهد

المصادر

للحركة الوطنية الثالثة الناجحة بزعامة سعد زغلول. وفى المقابل، يتهم البعض مصطفى كامل بالديماجوجية والإنتهازية. وهو يبدو بصورة ما من الأتباع الروحيين لجمال الدين الأفغانى الذى تعرف على أفكاره من عبد اللَّه النديم خطيب الثورة العرابية (على الرغم أنه لم يكن متفقًا مع تلميذ الأفغانى الأشهر محمد عبده). ولكن يبدو أنه رأى فى الإسلام دفعة للوطنية، وكان تفانيه الوطنى لا مراء فيه. وقد كان يركز على وحدة المسلمين والمسيحيين، باعتبارهما عنصرى الأمة، وقد كان ينظر للشوام والأرمن وغيرهم نظرة شك، ويعتبرهم "دخلاء" من أعوان الاستعمار البريطانى. ولكن بالنسبة للرعايا الأوربيين فقد كان يعتبرهم ممثلى القوى الكبرى الذين يجب استرضاؤهم لكى تحصل مصر على دعم دولهم فى تحقيق استقلالها. وأهم كتابات مصطفى كامل نشرت بعد وفاته، منها السيرة الشخصية له التى نشرها، ولم يكملها، أخوه على بك فهمى كامل، و"المسألة الشرقية"، "مصر والاحتلال الإنجليزى"، و"دفاع المصرى عن بلاده". وغير دلك. المصادر: (1) M. Colombe: L'evolution de L'Eypt, Paris 1951, 163 - 6 (2) J. M. Ahmed: The intellectual origins of Egyption nationolism, Oxford, 1960, index (3) عبد الرحمن الرافعى: مصطفى كامل باعث الحركة الوطنية. على يوسف [م. مايرهوف M. Meyehof] مصطفى باشا لالا مصطفى باشا لالا، قائد عثمانى فى القرن العاشر الهجرى/ السادس عشر الميلادى توفى فى 988 هـ/ 1580 م، وتاريخ ميلاده غير معروف. تقلد الكثير من المناصب العسكرية، وترجع شهرته إلى إخماده ثورة قبرص، ثم إلى معاركه الناجحة ضد الفرس وفى جورجيا. ويرجع ثراؤه لكونه كان متزوجا من حفيدة السلطان الغورى، آخر

المصادر

السلاطين المماليك، وقد اشتهر ببناء الكثير من المساجد والمرافق العامة فى الأماكن التى تولى الحكم فيها. المصادر: (1) S. J. Shaw: History of the Ottaman enpre and modern Turkey, I, Cambridge 1976, 180 - 1 على يوسف [ج. هـ كرامرز J. H. Kramers] مصطفى باشا النشار تولى اليمن مرتين فى القرن العاشر الهجرى/ السادس عشر الميلادى. كان أحد قواد الحرب بين العثمانيين والمماليك، والتى انتهت باستيلاء العثمانيين على مصر. تولى فى مصر منصب أمير الحج لعدة مرات، ويقال إن السبب فى اللقب الذى اشتهر به أنه كان ينشر قطاع الطرق نصفين. وتولى حكم اليمن كأول من يشغل هذا المنصب لخمس سنوات فى مطلع 1540 م، واكتسب شهرة فى مساعدة الصوماليين بالسلاح ضد الأحباش المدعمين من قبل البرتغاليين، وفى استيلائه على شمال تهامة، ولكنه فشل فى الاستيلاء على صنعاء، عاصمة الإمام. وكانت ولايته الثانية لليمن فى 1554 م، ولكنها لم تستمر سوى ستة أشهر انتهت بوفاته. المصادر: (1) النهروانى: البرق اليمانى. (2) سالم: الفتح العثمانى الأول لليمن. على يوسف [بلاكبيرن Blahbern] مصعب بن الزبير مصعب بن عبد اللَّه بن مصعب بن ثابت بن عبد اللَّه بن الزبير بن العوام الزبيرى القرشى أبو عبد اللَّه العالم النسابة والذى ترجع شهرته إلى مؤلفين له هما كتاب الأنساب الكبير المعتبر فى عداد الكتب المفقودة، وكتاب "أنساب قريش " الذى نشره ليفى بروفنسال بالقاهرة سنة 1953 م. ولد مصعب القرشى هذا فى المدينة سنة 156 هـ (= 773 م) على الأرجح،

وهو من ذرية الصحابى الزبير بن العوام، وقد تعلم على أيدى كثير من الأساتذة العلماء منهم مالك بن أنس قبل استقراره ببغداد حيث مات بها وهو فى الثمانين من عمره فى اليوم الثانى من شوال سنة 236 هـ (= 8 أبريل 851 م)، ويذهب ابن النديم فى كتابه الفهرست إلى أنه مات سنة 233 هـ، وكان قد بلغ الثالثة والتسعين من العمر، ولم يقتصر فى أثناء وجود بالعاصمة عن الأمور المتعلقة بالأنساب فقط، بل اهتم إلى جانب ذلك أيضًا بالأخبار والأحاديث ذات الطابع التاريخى، لاسيما ما كان منها عن "أيام العرب" والحديث الشريف الذى كان قد سمعه من مالك وغيره من المحدّثين الذين هم دون مالك شهرة وذيوع صيت، ومن أشهر من ذاع اسمه من تلاميذه أبو خَيْثَمة وولده، هذا إلى جانب أنه كان يقرض الشعر ولقد حفظ لنا صاحب الأغانى (جـ 5/ 130 - 131) المرثية الجنائزية التى رثى بها اسحاق الموصلى، كما حفظ بعض أبيات له فى مدح بعض الشخصيات الأخرى. وفى الوقت الذى نجد فيه ابن النديم يتهم عبد اللَّه أبا مصعب بأنه كان من أسوأ الناس سيرة ويؤنبه أشد اللوم لعدائه للعلويين، نجد أبا الفرج الأصفهانى لا يوافقه على رأيه هذا إذ يقول فى كتابه "مقاتل الطالبيين" إنه ساهم بنصيب فى ثورة محمد بن عبد اللَّه بن الحسن المثنّى، ويورد بعض أبيات شعرية له يبكى فيها المصير الذى قدّره المنصور للحسن بن معاوية بن جعفر بن أبى طالب الذى تابع هو الآخر الثائر، ويقص كذلك تورّطه مع يحيى ابن عبد اللَّه بن الحسن دون أن يصرّح بالعداء المكشوف. وانظر فى هذا الموضوع ذاته ما كتبه الطبرى فى تاريخه (جـ 3 ص 620 - 624) وقد يميل المرء لأن ينسب إلى عبد اللَّه بن مصعب ما يحوط عمل ابنه من الغموض، على الرغم من أن البلاذرى والطبرى وغيرهما من المؤرخين لاسيما مؤرخو الأندلس قد استفادوا منه، وإن كان يبدو أن شهرة مصعب قد زحزحها من البؤرة ابن أخيه الزبير بن بكار المتوفى سنة 256 هـ (= 870 م) الذى

استعمل استعمالًا كبيرًا جدًا فى مؤلفه "كتاب نسب قريش وأخبارهم" ما جاء عند الأول من أخبار موثقة، وقد اعتمده من جاءوا بعده من كتاب التراجم فأثنوا على مكانة مصعب ومعرفته وعلمه ونُبله وفصاحته إلى غير ذلك، على أنه يلاحظ أن ابن الكلبى فى جمهرته يذكر واحدًا فقط من أولاد عبد اللَّه وهو بكار ويتجاهل تمامًا مصعبًا أخا الأخير. وكتاب نسب قريش مقسم إلى اثنى عشر جزءًا، ويسبق كل حالة قائمة بالنقلة، وهم على الدوام فى قوله: "ابن أبى خيثمة من أهل بغداد، وابن جميل ومحمد بن معاوية المروانى من الأندلس"، والرأى فى هذه القضية عند ليفى بروفنسال هو أنها "وثيقة بالغة الأهمية والخطورة تتعلق بتاريخ أوليات ظهور الإسلام، خاصة فيما يتعلق بأخبار الخلفاء الأربعة الأوائل". ويمكن للمرء أن يضيف إلى ذلك أنها تمدنا بقدر من الأخبار ذات الطابع الاجتماعى، لاسيما فيما يتعلق بتعدّد الزوجات وعن زواج الأرامل والمطلقات، ويقرر كاتب هذا المقال (يعنى بذلك كاتب هذه المادة شارل بيلان) أنه اعتمد اعتمادا كليًا على كتاب "نسب قريش" فى محاولته إيجاد ردّ على السؤال القائل: هل يمكن للإنسان أن يستخرج معدل الولادة فى زمن الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-]؟ ، كذلك حاول كاتب هذا اقتراح طريقة يمكن اللجوء إليها فى المواضيع المتعلقة بوضع دراسة إحصائية تاريخية للسكان من حيث المواليد والوفيات والزواج إلى غير ذلك. أما فيما يتعلق بالمراجع حول هذا الموضوع فنشير إلى ملاحظة عن مصعب كتبها ليفى بروفنسال بالعربية والفرنسية فى مقدمته لتحقيق كتاب نسب قريش. ويمكن أيضا مراجعة التراجم عنه فى الفهرست لابن النديم وعند الخطيب البغدادى فى كتابه "تاريخ بغداد" وكلها واردة فى المقدمة العربية، وراجع أيضًا تاريخ البخارى، وطبقات ابن سعد وميزان الاعتدال للذهبى وتهذيب التهذيب لابن حجر العسقلانى وشرح نهج البلاغة لابن ابن الحديد وشذرات الذهب لابن العماد

المصادر

الحنبلى، وبروكلمان فى ملحقه 1/ 212، وزسكين فى فهرسته 1/ 271 - 272. المصادر: وردت فى المتن. بدرية الدخاخنى [ش. بيلات Ch. Pellat] المصلحة المصلحة: مفهوم إسلامى للتعبير عن نفع الجميع ومصلحة الجمهور والجمع مصالح هى المصدر الصريح للفعل صلح بفتح اللام أو ضمها بمعنى الإصلاح أو التحسين ويمكن القول بأن "المصلحة"، مثل "المنفعة"، نقيض "المضرة" و"المفسدة"، هذا بالمعنى الضيق، ولكن بالمعنى العام، فالمصلحة مصطلح عن "الخير" يستخدمه الفقهاء بمعنى "الخير العام" و"المنفعة العامة" فكل شئ يدفع ضررا، أو يرد مفسدة، ويسهم فى خير العباد، يمثل مصلحة ويجب أن نميز المصلحة، كمصطلح فقهى، عن "الاستصلاح"، وهو أسلوب للتخريج الفقهى (سوق الأدلة العقلية والنقلية) يتخذ المصلحة أساسا له. ونعرض فى هذه المقاله للمصلحة كمفهوم وكمبدأ فقهى شرعى. وأول حادثة استخدم فيها مفهوم "الخير والنفع" كأساس لحكم شرعى كانت قضية "أرض السواد" بالعراق. فقد أشار فريق من الصحابة على عمر (رضى اللَّه عنه) بأن تقسم على المحاربين، وأشار فريق أخر بأن تظل فى أيدى أصحابها، ويجبى عنها "الخراج". وبعد المشاورة، استقر رأى الخليفة على أن مصلحة المجتمع فى عمومه هو فى تطبيق الرأى الثانى، حيث إنه يحقق "الخير لجماعة المسلمين. . . وعموم النفع لجماعتهم". ورغم أن عمر"رضى اللَّه عنه" لم يستخدم لفظ "المصلحة" فإن معناه متضمن فى كلمات "الخير" و"عموم النفع". ويمكن القول بأن هذا الاتجاه من عمر "رضى اللَّه عنه" قد شجع خلفاء آخرين على اتخاذ قرارات مماثلة مثل "جمع القرآن" فى عهد عثمان بن عفان "رضى اللَّه عنه" ولكن هذه الحالات، رغم سياقها على أنها سوابق، لا يمكن أن تضع "المصلحة" فى درجة مصدر مباشر للتشريع، فالقياس والاستحسان هما المنهجان الأساسيان المتبعان للوصول إلى ما تقتضيه

"المصلحة", والمشهور أن مالك بن أنس (ت 179 هـ) هو أول من لجأ للمصلحة لتخريج أحكام فقهية باستخدام "الاستصلاح" و"المصالح المرسلة". ورغم أن كتاباته لا تتضمن إشارة لمصطلحى المصلحة أو الاستصلاح، فإن أتباعه قد أوردوا حالات كانت فيها "المصلحة" كمفهوم شرعى هى ما لجأ إليه فى حكمه، ويذكر الشافعى فى "الرسالة" وابن سحنون فى "المدونة" حالة إجازة مالك لبيع التمر وهو لم يزل رطبا على أنه يابس، خلافا للأصل العام، كمثال لتطبيق "المصلحة كأساس للحكم الفقهى". ويُذكر أن الجوانى (المتوفى 478 هـ/ 1085 م) هو أول من لفت النظر لها، ولابد أن غيره من الفقهاء قد ساهم فى ذلك، قبل أن تخرج كمفهوم واضح المعالم على يد أبى حامد الغزالى (متوفى 505 هـ/ 1111 م). ويقول الغزالى إن "المصلحة" بالمفهوم الضيق يمكن أن تعرف بأنها استجلاب المنفعة ودفع الضرر، ولكنها تعتبر فى معناها الواسع المقصد الأسمى للشريعة، وتتضمن: حفظ الدين، والنفس، والنسل (أو النسب)، والعقل، والمال، ويبين أنِّ كل ما يؤدى إلى تحقيق ذلك يعتبر "مصلحة"، وكل ما يعوق ذلك يعتبر "مفسدة". والمصلحة عنده ثلاث صور: "الضرورات" و"الحاجات" و"التحسينات". ولتأسيس حكم على الصورتين الأخيرتين يجب اللجوء إلى دليل نقلى يطبق مع القياس. ولكن الصوره الأولى (الضرورات) تمثل أساسا قائما بذاته، باعتبار أن المصلحة بهذا الوصف هى المقصد الأسمى للشريعة. ويرفض الغزالى "الاستصلاح" كمصدر شرعى، قائلا إن القياس يغنى عنه. أما الضرورة فهى مصدر قائم بذاته. باعتبارها تبيح المحظورات ويضرب الغزالى مثلا لذلك، لو تترَّس "احتموا" بهم الكفار بعدد من المسلمين، فرغم أن الأصل هو تحريم قتل المسلم لأخيه المسلم، إلا أن قتل المسلمين مع الكفار فى هذه الحالة محققة لمصلحة المسلمين فى عمومهم، حيث إن الكفار لو كتب لهم الانتصار، سيبيدوا المسلمين، بمن فيهم أسراهم.

ولكن الغزالى يحذر من التوسع فى "استخدام" الضرورة، ويضرب لذلك مثلا لركاب سفينة مشرفة على الغرق، يريدون قتل البعض منهم لنجاة الآخرين. ولكن التوسع فى استخدام المصلحة لم يأت من قبل المالكيين أو الشافعيين، بل من الفقيه الحنبلى "نجم الدين الطوفى" المتوفى 716 هـ/ 1316 م. فهو يتفق مع الغزالى فى كون المصلحة مصدرا مستقلا للتشريع بصرف النظر عن المصادر الأخرى وأن المصادر الأخرى تعترف بالمصلحة كمقصد أسمى للتشريع الإلهى، وبينما يقصرها الغزالى على "الضرورات"، يعممها هو لكافة المنافع العامة، ثم يذهب إلى أنه لو تعارضت مع أصل أن الأصول الأساسية، فإنها تكون الأولى بالتطبيق، باعتبارها المقصد الأسمى للتشريع. ويسوق أدلة نصية على ذلك من القرآن والسنة، أهمها الحديث "لا ضرر ولا ضرار" وعلى ذلك فإن مبدأ رعاية المصلحة هو المبدأ الذى له الغلبة فى "المعاملات" دون "العبادات". وفى فترة انحسار الاجتهاد وغلبة التقليد، لم تجد المصلحة أنصارا لتطبيقها خاصة إذا كانت لا تعتمد على القياس أو على أية وسائل تخريجية (سوى أدلة عقلية أو نقلية أخرى) على أن أهمية مبدأ المصلحة قد تزايد فى العصر الحديث لدى الإصلاحيين من الفقهاء. فالإمام محمد عبده (المتوفى 1905 م) يساوى بين الشريعة و"القانون الطبيعى"، وفتح الباب أمام الفقهاء لاستخدام المنطق فى استخلاص الأحكام [الاجتهاد] على أن تلميذه رشيد رضا (المتوفى 1935 م) يمكن اعتباره أشد أنصار استخدام "المصلحة" كأساس للإصلاح الفقهى والقانونى والسياسى. مميزا أيضا بين "المعاملات" و"العبادات"، ونادى بتطبيق القواعد الشرعية عن طريق لجنة من العلماء على أساس الضرورات والمصالح. وهذا الاتجاه الإصلاحى المؤسس على المصلحة والتى يعبر عنها حاليًا بالمصلحة القومية غالبًا هو ما شجع الفقهاء القانونيين المعاصرين أمثال عبد الرازق السنهورى، على وضع تقنين مدنى مؤسس على مصادر غربية بالإضافة للشريعة الإسلامية.

المصادر

المصادر: (1) أبو يوسف: كتاب "الخراج" القاهرة 1352. (2) ابن شمس: "الضرائب فى الإسلام" ليدن 1958 - 69 م. (3) الغزالى "المستصفى" القاهرة 1965 م. على يوسف على [ماجد خدورى Madjid Khadduri] المطيع للَّه الفضل هو أبو القاسم الفضل بن المقتدر بن المعتضد، الخليفة العباسى الذى تولى الخلافة من 334 حتى 363 هـ (= 946 - 974 م)، وأمه جارية صقلية اسمها مَشْعَله، وكان له من الأخوة الراضى والمُتقى. كان المطيع للَّه من أشد الناس عداء ولددا للمستكفى الذى ما كاد يعتلى الخلافة حتى اختفى -أى المطيع- فلما أصبح معز الدولة الحاكم الفعلى التجأ إليه المطيع كما يقول الناس وراح يحرضه على المستكفى، فلما خلع 334 هـ (= يناير أو مارس 946 م) نودى بالمطيع خليفة، ويعتبر عهده أسوأ فترة وأتعس عهد فى تاريخ بنى العباس، فلم يكن للخليفة نفسه أدنى حظ من السلطة ولا النفوذ، بل كان الأمر كله فى يد معز الدولة أحمد بن بويه وفى عهده بدأ خراب العراق حتى أكل الناس الميتة وكثر المرض بينهم وعجز غيرهم عن دفنهم حتى كانت الكلاب تأكل لحومهم فلما مات معز الدولة عام 356 هـ (= 967 م) انتقلت السلطة كلها إلى ولده "عز الدين بختيار" [فولى العراق بعد وفاة أبيه وظل واليا حتى خلعه ابن عمه عضد الدولة سنة 637 هـ. واشتغل باللهو واللعب وانصاع للحريم]، وكان الفاطميون قد أخذوا يصعدون مدارج القوة يوما بعد يوم، كما أخذ السامانيون فى التدهور حتى لقد اعترفوا بالمطيع سلطانًا شرعيًا عليهم، أما الحمدانيون فقد أضعفتهم حروبهم مع البويهيين والفاطميين. أما فى بغداد فقد كان السنة والشيعة يقاتل بعضهم بعضا وأدخل

مظالم

البويهيون بعض الرسوم والتقاليد الشيعية، وانتهى الأمر أخيرا بالخليفة المريض أن أصابه فالج فأرغمه الترك أن يعتزل ويتخلى عن الخلافة لولده عبد الكريم الطائع وذلك فى الثالث عشر من ذى القعدة فيه 363 (= الخامس من أغسطس 974) [وكان الذى أشار عليه بخلع نفسه هو سكبتكين مقدم الأتراك] فلما كان المحرم من سنة 264 هـ (= سبتمبر/ أكتوبر 974 م) فاضت روحه فى دير العاقول إن الأشارات الهزيلة عن المطيع للَّه التى يوردها مؤرخو عصره كمسكويه قل أن تعطينا صورة كاملة عن طبيعة المطيع، كما أن الأحداث فى بغداد كانت تحركها تحركات معز الدولة وعز الدولة بختيار، وإذا كان معز الدولة قد أجرى على المطيع اللَّه حين اعتلائه سدة الخلافة الفى دره كل يوم نفقه له ومعاشًا لآل بيته، إلا أنه كان هو الذى اختار له موظفيه وعماله، ويعتبر المؤرخون عهد المطيع أشهر عهد انحدرت فيه الخلافة العباسية إلى الحضيض وذلك قبل أن تصحو بعض الشئ زمن خليفتيه القائم والقادر، كما أن منافسى المطيع على الخلافة منذ عهد المستكفى وأخيه عيسى عملوا على اشعال الثورات والفتن فى أذربيجان (سنة 349 هـ) والعراق (357 هـ)، إلّا أن حماية البويهيين للمطيع هى التى مكنته من أن يظل حاكما تسعة عشر عامًا، وهى فترة طويلة إذا ما قيست بفترات أسلافه وحافظت على بقاء الخلافة العباسية مستمرة فى ذرية المقتدر. انظر التنبيه والإشراف للمسعودى، ومروج الذهب له أيضا والحمدانى: تكملة تاريخ الطبرى، والمنتظم لابن الجذرى والفخرى لابن الطقطقا، وفوات الوفيات لابن شاكر الكتبى. أسامة عبد المنعم عمار [بوسورث Bosworth, تسترشتين Zettersteen] مظالم مظالم، والمفرد مظلمة من الفعل ظلم الذى هو مضاد للفعل عدل، والمقصود بديوان المظالم هيئة منوط بها تحقيق العدالة. ويمكن أن نتابع دواوين المظالم فى حضارات سابقة على ظهور

العصر العباسى

الإسلام كالحضارة البيزنطية، كما كانت هذه الدواوين موجودة بشكل أوضح فى الدولة الساسانية كنظام مواز لنظام القضناء. كما يمكن القول بأن نظام اللجوء لرئيس العشيرة فيما قبل الإسلام يمثل تقليدا لما اتبع فى الدولة الإسلامية -بعد ذلك- بهذا الشأن. وفى المدينة المنورة، ومع وضع اللبنات الأولى للحكومة الإسلامية لم يعرف نظام الفصل بين السلطات. وأدى اتساع الدولة إلى فصل وظيفة القضاء وتفويضها للقاضى. ومع تطور النظام القضائى فى القرنين الثانى والثالث للهجرة متمثلا فى تطبيق القواعد الشرعية، أصبح نظام المظالم متميزا بما يسمح بالتعرف عليه. العصر العباسى: من شبه المؤكد أنه فى عهد المهدى والهادى أصبحت جلسات المظالم منتظمة، وكان النظر فيها من مهام الوزير، إلا أن هناك ما يشير إلى تحمل القضاة، والعلماء لها أيضا. وكان قضاة المعتزلة أكثر من اختص بنظر المظالم. وفى عهد الدولة البويهية أسندت المهمة لى "نقيب الأشراف" من المذهب الشيعى الاثنى عشرى. وقد درج الوزراء والقضاة منذ فترة مبكرة على تفويض نائب للقيام بالنظر فى المظالم، يسمى "صاحب" أو "ناظر" المظالم وكان الخليفة هو الذى يعين من يشغل هذا المنصب. ولصاحب ديوان المظالم أو شاغله (أو ناظره) اختصاص واسع، أهمه سماع ما يوجه من اتهامات بإساءة استعمال السلطة، خاصة من موظفى الدولة. ولكن الاختصاص اتسع أيضا ليشمل استئناف أحكام القضاة. كما تداخلت مع ذلك الاختصاص المسائل الخاصة بالإقطاعات الممنوحة للموظفين العسكريين والمدنيين وغيرهم من النبلاء، وكذلك ما يتعلق بمصادرة هذه الإقطاعيات وتغريم أصحابها.

الأساس النظرى

الأساس النظرى: لم يحظ الموضوع باهتمام البحث النظرى قبل الموردى. ففى كتابه "الأحكام السلطانية"، والذى وضعه فى محاولة لتدعيم سلطة الخلافة ضد تهديد السلاجقة، أفرد الموردى فصلا مسهبا عن نظام المظالم، هيكله وإجراءاته واختصاصاته. فنظر المظالم مسئولية الخليفة، والوزراء، والولاة، أو من ينتدبونهم لهذه المسئولية ممن يجب أن تتوفر فيهم صفات الأمانة والسلطة والصلاحية للقضاء وتعتبر جلسة النظر فى المظالم صحيحة حين يوجد للمسئول عن نظرها من يعاونه من حرس وفقهاء وقضاة وحجاب ومسجلين (شهود). وقد عدد عشرة مواضيع كاختصاص لهذا النظام، تقع فى مجموعتين رئيسيتين: إساءة استعمال السلطة من قبل موظفى الدولة وتنفيذ أحكام القضاء. والاختلاف الجوهرى طبقا لما أورده الموردى بين نظام المظالم ونظام القضاء يكمن فى الإجراءات. فسلطة صاحب المظالم أوسع فى توجيه الإجراءات، منها سلطة الإجبار، وقبول وسائل إثبات أيسر من المتطلبة قضائيا، واستدعاء الشهود، وتأجيل سماع الدعوى لحين التحقيق فيها قضائيا. ويرى الموردى أن هذا النظام يقطع سبل التحايل المحتمل لذوى النفوذ على الإجراءات القضائية. ويربط كتاب متأخرون عنه بين هذا النظام وما يسمى "السياسة الشرعية". العصور الوسطى: لم تتحقق آمال الموردى أو رؤسائه، فاستمر نظام المظالم فى تطوره دون تمسك بنظريات معينة. والظاهرة الملفتة للنظر فى هذه الحقبة هى ازدياد تضمينه فى المهام الإدارية الأخرى، خاصة فى عهود السلاجقة، وشاهات خوارزميين فى فارس وأواسط آسيا، والفاطميين والأيوبيين والمماليك فى مصر. والخطوة الأولى هى تقديم المظلمة (الرقعة أو القضية). ورغم أن

تقديمها شفاهة فى جلسة علنية ظل هو الوضع المثالى، فإن المصادر تواترت على أن التعامل معها كان عن طريق الإدارة الحكومية. وقد عددت ست قنوات يتم فيها ذلك التعامل. فمن بين رجال الدولة الذين كانوا يحضرون جلسات نظر المظالم كان السلطان، ونوابه، والولاة، وكبار الضباط (غالبا الأتابك، الدويدار، الحاجب). أما القاسم المشترك لكافة القنوات فكان الجهاز الإدارى المتمثل فى ديوان الانشاء تحت رئاسة الوزير أو صاحب ديوان الإنشاء وكاتب السر منذ القرن السابع الهجرى. كما كان تجاوز الروتينيات يتمثل فى إحالة المظلمة إلى صاحب (موقّع) القلم الدقيق فى عهد الفاطميين، وصاحب (موقع) الدست فى عهد المماليك. وبدءا من عهد الفاطميين حددت القواعد المنضبطة شكل المرسوم الذى يصدر بالقرار فى المظلمة، والذى كان يحمل توقيع السلطان أو أحد أصحاب المناصب الكبرى، بصرف النظر عن الجهة التى تعاملت مع المظلمة. وكانت المظالم تنظر فى جلسة علنية تسمى المجلس، وتكون عادة فى المقر الإدارى لمن سينظر فيها. وتغير ذلك الوضع حين أسس نور الدين زنكى "دار العدل" فى دمشق عام 459 هـ/ 1154 م خصيصا لهذا الغرض. وقد عرفت العواصم فى عهد الأيوبيين أيضا دور العدل. أما فى مصر فقد كانت الجلسات تعقد فى المدرسة الشافعية. وكانت الجلسات تعقد مرتين أسبوعيا، يوص الاثنين والخميس. وكان انتقال السلطان وكبار رجال الدولة إلى دار العدل يتم بموكب رسمى كبير، أضيف إليه فيما بعد وليمة (سماط) وأصبح الإجراء فى مجمله يعرف باسم "الخدمة"، والتى بلغت أوجها فى بداية عهد المماليك. ونقل السلطان بيبرس الأول مقر جلسات المظالم إلى دار العدل تحت القلعة، وكانت أيضا مقر الخدمة. وفى عهده ضم الموكب أعدادا من كبار الضباط ورجال الدولة، كما أضيفت للخدمة مهام أخرى مثل حضور الاحتفالات العامة، واستقبال

المصادر

ممثلى البلاد الأجنبية، والإعلان عن القرارات الهامة، ومنح الهبات والعطايا. وتضاءلت بجوار ذلك مهمة نظر المظالم، والتى كان حضور القاضى وكَاتب السر ومفتى دار العدل، وهى وظيفة مستحدثة، رمزا لها. وقد نقل السلطان قلاوون الخدمة إلى مقره الرسمى، الديوان الكبير، ثم أزيلت دار العدل بعد عدة سنوات، مما أكد وضع نظر المظالم كمهمة متداخلة فى المهام الإدارية الأخرى. واختلاط نظام المظالم بالمهام الإدارية، كنظر الالتماسات بطلب الوظائف أو الإقطاعيات أو إقامة الضبط والربط، يجعل من العسير تحديد اختصاصها. وتشير المصادر إلى أن ننظر التظلمات الرامية لإقامة العدالة وتنفيذ الأحكام القضائية كان يتم من خلال نفس الأنشطة التى تنظر تلك الالتماسات. وكان الخلط بين نظام المظالم وكافة المهام الإدارية الأخرى مميزا فيما قبل الحكم العثمانى عدا حالات استثنائية. وقد جرت خطوات فى سبيل تمييز هذه الوظيفة فى القرن الثامن الهجرى/ الرابع عشر الميلادى، فقد فصلها السلطان برقوق عن الخدمة، وجعل لها مقرا ثابتا كما ميز الاختصاص القضائى لها لتنفصل عن الالتماسات الأخرى. المصادر: (1) الموردى: الأحكام السلطانية، القاهرة، 1298 هـ 64 - 82. (2) أبو يعلى بن الفراء: الأحكام السلطانية، القاهرة، 1966، 58 - 74. (3) E. Tyan: Histoire de l'organisatian Judiciare en pays d'Islam Leiden, 1960, 433 - 520 على يوسف [ج. س. نلسن J. S. Nelson] معافر " معافر" (أو المعافر) اسم قبيلة عربية جنوبية تعزى سلسلة نسبها إلى يعفر بن مالك بن الحارث بن مرة بن أدد بن هميسع بن عمر بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ الذين تشملهم حمير. وقد أطلق الاسم أيضا على المنطقة

التى سكنتها القبيلة، واتفق هذا على وجه التقريب مع قضاء التعِزِيَّة التركى، وإقليم جمهورية اليمن العربية الحالى "قضاء" الحُجَرِيَّة (وتنطق محليا الحَجَرِيَّة)، وهى نفسها جزء من منطقة إدارية (لواء) تعز. وفى العصور الأولى والوسيطة، توصف بأنها "مخلاف". ولذلك، تقع أراضى المعافر بين وادى نخلة، ووادى حرازة، وشملت جزءًا كبيرًا من التَعزيَّة. ولكن المعافر، لم تكون قسما أساسيًا مترابطا، ولكنهم اختلطوا بأفراد قبائل أخرى فى جبل صبو، وذخر. وتمتع المعافر منذ العصور الأولى بشهرة معينة على أنهم نساجون بارعون. وكان أسعد كامل من التبابعة، هو أول من غطى الكعبة، ويقال إنه علق عليها قماشًا معافريًا. كما يقال إن جثمان سيدنا محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] قد لف بقماش معافرى. وللقبيلة شهرة فى صناعة السروج أيضا. ويمكن اقتفاء أثر تاريخ المعافر إلى فترة زمنية بعيدة فى العصر الجاهلى. ويوجد نقش سبئى من صرواح يرجع تاريخه إلى سنة 500 ق. م، يسجل تأسيس مملكة سبأ العظيمة، ويذكر قبيلة المعافر ونحن نعلم كذلك أن سفارة قد أرسلت من مدينة سَوّا إلى ملك سبئى فى تاريخ متأخر ليقدم له فروض الطاعة، وطالبا منه السلام. ولابد أن سوّا قد كانت وقتذاك فى جانب معافر، وأميرها شمر ذو ريدان فى جانب الحبشة أعداء سبأ وفى سنة 96 هـ/ 630 م، دخلت معافر، وذو رعين وهمدان فى الإسلام، وتلقوا رسالة من الرسول عليه الصلاة والسلام بها تعاليم مسهبة بالواجبات والفرائض. وفى فترة متقدمة زمنية تمامًا من تاريخ المعافر الإسلامى هاجر كثير منهم إلى مصر، حيث أدوا مع عرب جنوبيين آخرين دورًا مهمًا فى بناء هذا البلد. ومثال ذلك، أن عمرًا بن العاص قد كلف معافريًا بتخطيط الفسطاط. وربما تفسر هذه الهجرة عدم انتظام ذكر القبيلة والمنطقة التى سكنتها فى كتب التاريخ اليمنى فى العصر الوسيط وكان الزيديون بالتأكيد من أسرة محمد بن زياد المتمركزون فى زبيد، هم الذين حكموا المنطقة فى القرن الثالث الهجرى/ التاسع الميلادى. وقد عد بنو زرعٍ فى القرن السادس الهجرى الثانى عشر الميلادى، المعافر

المصادر

على أنها جزء من أراضيهم، ولكن المهديين انتزعوها منهم. وقد وقعت المعافر فى أيدى الأيوبى فاتح اليمن توران شاه، شقيق صلاح الدين، الذى استمال تهامة إليه كما استمال جنوبى اليمن فى سنوات 569 - 571 هـ/ 1173 - 1176 م. وقد شيد بنو رسول خلفاء الأيوبيين منشآت عسكرية فى المعافر خلال القرون السابع الهجرى/ الثالث عشر الميلادى، والثامن الهجرى/ الرابع عشر الميلادى، ونحن نسمع عن الثورة التى قادها الزعيم المعافرى القبلى ضد القوات التركية فى اليمن فى سنة 1028 هـ/ 1618 م. المصادر: (بالإضافة إلى المصادر المبينة فى دائرة المعارف الإسلامية الطبعة الأولى، هذه المادة) انظر أيضا: (1) H. C. Kay: Yaman, its early medieval history، لندن سنة 1882 م. (2) G.R. Smith: The Ayyubids and early Rasulids in the yemen فى Gibb Memorial series، المجلد 16، لندن سنة 1974 - 8 م (3) الملك الأشرف عمر بن يوسف: طرفة الأصحاب فى معرفة الأنساب، طبعة K.W. Zettersteen دمشق سنة 1949 م. (4) A.S. Tritton: The rise of the Imams of Sannaa أكسفورد سنة 1925 م. حسن شكرى [أ. جروهمان - ج. ر. سميث A. Grohmann - G.R. Smith] المعافرى أبو الحسن على بن محمد بن على ابن جميل بن سعد الدين، عالم مالكى أندلسى، استوطن بيت المقدس، ومات بها فى سنة 506 هـ/ 1028 م. ولد وتعلم فى مالقة، وتركها فى مرحلة باكرة من حياته، وسافر مثل كثير من أبناء جلدته فى ذاك الزمان، إلى الشرق لغرض مزدوج، هو أداء فريضة الحج، وتحصيل العلم. ومع أن المصادر تذكر أن المعافرى له كتابات، لكنها لم تبين اسم أى عمل من مؤلفاته. ونحن نعرف له عملًا واحدًا بالفعل، هو عبارة عن مخطوطة فريدة بخط يده، غير معنونة، توجد حاليا فى مكتبة هستر

بتى Chester Beatty Library فى دبلن وهى مدرجة بقائمة المخطوطات (مخطوطة رقم 3016) تحت عنوان "سير مشاهير النساء". وهى أحد عشر فصلًا، يتناول الفصلان الأولان، والفصلان الأخيران، شخصيات توراتية. أما باقى فصولها (نشرت الآن فى ليبيا - تونس سنة 1978، تحقيق: عايدة طيبى، بعنوان "الحدائق الغناء فى أكابر النساء"، وهى قوام المخطوطة، فتتناول نساء ما بعد الإسلام من العصر الأموى اساسًا. ولو وضعنا فى أذهاننا الندرة العامة لمادة سير حيوات النساء فى الأدب العربى للعصر الوسيط، وبخاصة العدد المحدود من الأعمال المخصصة لهن بلا استثناء، يكون لهذه المخطوطة شأن مهم بما تحويه من أخبار متنوعة، ونوادر شائعة، واستشهادات شعرية غزيرة، دون أدنى شك. والصورة الشاملة التى تقدمها عن طابع ومكانة النساء فى الأيام الأولى للإسلام، هى صورة منعشة للذاكرة على نحو غير متوقع: إنها صورة للنساء الفخورات الجسورات ذوات الحس المرهف بالقيم الأخلاقية، والتقدير رفيع الشأن لجدراتهن، أى صورة للمرأة التى لم تكن قد استسلمت بعد للنتائج الوخيمة من كونها معزولة عن عالم الرجال. ويذكر المعافرى فى مخطوطته أنه قضى سنة 581 هـ/ 1185 - 6 م فى دمشق لجمع مادة كتابه، وكان مصدره الأساسى هو أبو محمد القاسم (ت سنة 600 هـ/ 1203 م) ابن المؤرخ الدمشقى اللامع ابن عساكر، وفى سنة 583 هـ/ 1187 م، حينما كانت بيت المقدس قد استردت من أيدى الصليبيين، لابد أن المعافرى كان بين جحافل المسلمين الذين تحركوا إلى المدينة، وثمة أخبار بأن السلطان صلاح الدين قد عينه إماما مقيمًا للمسجد الأقصى. ويضعه مجير الدين العليمى (الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل، النجف سنة 1968، جـ 2،

المصادر

ص 135) الثانى فى قائمة أئمة المسجد الأقصى بعد الفتح. وقضى المعافرى بقية حياته فى بيت المقدس، حيث صار معروفًا بأنه الحاج المالكى. وحقق الشهرة هناك كعالم ومدرس، وبلغ شأوًا كبيرًا فى الثراء والنفوذ، لكنه بقى ورعا ينفق المال فى أعمال البر والإحسان. ومن المؤكد أنه أوجد فى سكان مدينته المتبناة انطباعًا قويًا، لأنه حين وافته المنيه، شيع جنازته خلق كثيرون. ويحكى ابن عبد الملك المراكشى (الذيل والتكملة، بيروت سنة 1965، جـ 5/ 1، ص 316) أنه لم يتخلف عن تشييع جنازته كل من له حيثية حتى النصارى الذى كانوا فى الكنيسة هناك انضموا إلى الموكب: وألقوا بعض ثيابهم فوق نعشه، وظلوا يتناقلونها، ويمسحون وجوههم بها التماسًا لبركاته ونفحاته. المصادر: (1) ابن الأبَّار: التكملة، مدريد سنة 1886، جـ 2، ص 675. (2) ابن الزبير: صلة الصلة، الرباط سنة 1937، ص 104. (3) الذهبى: العبر فى خبر من غبر، الكويت سنة 1960 - 6, جـ 5، ص 13. (4) ابن تغرى بردى: النجوم الزاهرة، القاهرة سنة 1929 - 72، جـ 6، ص 197. (5) ابن العماد: شذرات الذهب، القاهرة سنة 1350 - 1 هـ، جـ 5، ص 17. حسن شكرى [عايدة طيبى Aida Tibi] معاوية بن أبى سفيان مؤسس الدولة الأموية، حكم الشام كخليفة للمسلمين من سنة 41 هـ/ 661 م حتى سنة 60 هـ/ 680 م. وأبوه هو أبو سفيان (صخر) بن حرب بن أمية (الأكبر) بن عبد شمس، وأمه هند بنت عتبة بن ربيعة وقد يُعرَّف معاوية بها فيقال له: ابن هند وابن آكلة الأكباد وهى التى بقرت بطن حمزة عم النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فى معركة

أحد ولاكت كبده انتقامًا. ولقد كان أبو سفيان شخصية بارزة فى مكة قبل الإسلام، ولما كان زعيمًا لبنى عبد شمس، فقد قاد المكيين فى غزوة أحد سنة 3 هـ/ 625 م، ونظم الأحزاب التى فشلت فى حصار المدينة فى غزوة الخندق سنة 5 هـ/ 627 م. على أنه تجنب، بعد ذلك، زعامة المعارضة القرشية للنبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-]. وفى سنة 7 هـ/ 629 م تزوجت ابنته ام حبيبة (أخت معاوية، وكانت أرملة) من النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-]. وفى سنة 8 هـ/ 630 م ذهب أبو سفيان إلى المدينة للتفاوض مع النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فلم تسفر المفاوضات عن نجاح؛ وعندما فتح محمد مكة فى نفس العام دخل أبو سفيان فى الإسلام. وينقل ابن حجر عن الواقدى قوله إن معاوية أسلم آنذاك، لكنه يُقر بأنه أسلم سرًا زمن صلح الحديبية أواخر سنة 6 هـ/ 628 م. ويُعد معاوية وأبوه من "الطلقاء" و"العتقاء" والذين استسلموا له إما بعد صلح الحديبية أو بعد فتح مكة. ولقد كانا أيضًا ضمن "المؤلفة قلوبهم"، مثلما كان حال يزيد بن أبى سفيان. ولقد صار معاوية أحد كتبة الوحى للنبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-]-لكونه ضمن سبعة عشر قرشى كانوا يعرفون القراءة والكتابة آنذاك. وفى سنة 13 هـ/ 634 م أرسل الخليفة أبو بكر معاوية إلى الشام حيث تولى قيادة طلائع الجيش العربى الذى كانت قيادته العامة لأخيه يزيد، فى عمليات حربية شتى ضد البيزنطيين. وكان معاوية -وفقًا لما أورده سيف بن عمر- مشاركا فى الجيش العربى الذى فتح بيت المقدس سنة 16 هـ/ 637 م. وقد تقلد معاوية بأمر الخليفة عمر مناصب أخيه بعد وفاته فى طاعون عمواس سنة 18 هـ/ 639 م. وفى العام التالى قاد معاوية الجيش العربى الذى فتح قيسارية. ولقد تم (اجتماع) الشام لمعاوية لسنتين من إمارة عثمان، أى فى بداية سنة 26 هـ/ 647 م، مع أن الواقدى يذكر أن ذلك قد تم سنة 31 هـ/ 651 م. وبينما تزايد السخط على عثمان وعلى ولاته فى العراق ومصر والمدينة أوائل الثلاثينيات/ 650 م، ظل حكم

معاوية فى الشام والجزيرة آمنًا هادئًا، ولم يكن يقلقه سوى مجئ "أبو ذر" إلى الشام، لكنه سرعان ما تبدد تخوفه منه حين استجاب الخليفه لطلبه واستدعاه من الشام إلى المدينة ليقيم فيها. ولقد كان على معاوية حماية جبهته وتحصينها أمام عدوان البيزنطيين، فأقام لذلك حاميات وحصونا قوية على طول الساحل السورى، كما بنى أسطولًا قويًا فى البحر المتوسط ولقد كان قيام حكومته القوية فى الشام واستمرار وجوده بها مؤديًا إلى الاستقرار، واستبعد قيام أعمال شغب فيها كتلك التى وقعت فى الكوفة، بسبب اعتماد معاوية على قواته السورية هناك. وحين حوصر الخليفة فى المدينة من قبل ثوار الأمصار سنة 35 هـ/ 656 م لم يكن بين هؤلاء الثوار أحد من رجال الشام. وكان معاوية من بين الولاة الذين استعان بهم الخليفة عثمان وقد جهز بالفعل قواته لذلك، لكن هذه القوات ارتدت عائدة إلى وادى القرى بعد أن وقع العدوان على ذى النورين. ولقد أمضى معاوية جلَّ وقته فى الشام فى الوقت الذى كان الصراع فيه بين على وخصومه المكيين فى معركة الجمل فى البصرة سنة 36 هـ/ أواخر سنة 656 م. ولمَّا قام علىّ بعزل ولاة عثمان مما بيدهم من الولايات بما فيهم معاوية، لم يستسلم معاوية لرغبة على. ولقد وجد مبعوث على إلى معاوية بالشام معارضة من أهلها لحكم على مع اعتباره مسئولًا عن مقتل عثمان. ولقد عاد هذا المبعوث يحمل لعلى معلومات مفادها أن أهل الشام سوف يقاتلونه ويقاتلون من يلتجئ إلى صفوفه من قتلة عثمان على الأرض التى قتل عليها. وقد تلت ذلك المجابهة فى صفين، آواخر سنة 36 وأوائل سنة 37 هـ/ 657 م. أما عن تفاصيل المعركة ذاتها فينبغى أن نشير هنا إلى أن أهل الشام لجأوا إلى حيلة "التحكيم"، برفع المصاحف على أسنة الرماح ونادوا بوقف القتال. ولقد لخص خليفة بن خياط نتيجة التحكيم بصفين فى جملة واحدة وهى أن "المحكمين لم يتفقوا على شئ".

وفى ذى القعدة 37 هـ/ مايو 658 م، "سلَّم عمرو والشاميون على معاوية بالخلافة". على أن معاوية لم يعترف به اعترافًا عامًا كخليفة قبل مرور أربع سنين وقد نجحت قوات معاوية فى ضم مصر فى صفر 38 هـ/ يوليو 658 م، وصار عمرو بن العاص واليا عليها بعد ذلك بشهرين وكان هذا ضربة لهيبة لعلى الذى كان مشغولًا حينذاك بأمر الخوارج فى العراق. وبعد أن انتهى على من أمر الخوارج أعد قواته لمعاودة قتال جيش الشام، إلا أن اغتياله فى 17 رمضان سنة 40 هـ/ يناير 661 م فى الكوفة على يد الخارجى عبد الرحمن ابن ملجم بسيف مسموم، قد أوقف كل خططه، ولقد توفى على بعد ذلك بعدة أيام، وتولى الحسن ابنه الحكم لفترة قصيرة. وتحرك معاوية بجيشه إلى العراق، لكن الحسن حسم الأمر بتنازله عن كل حق له فى الخلافة. ودخل معاوية الكوفة فى ربيع الأول أو جمادى الأولى سنة 41 هـ/ يوليو أو سبتمبر 661 م، وقد عُرف هذا العام بعام الجماعة، وهو العام الذى بدأت فيه خلافة معاوية. ومنذ ذلك الحين فصاعدًا، كان أمام معاوية الكثير ليؤديه من أجل توطيد حكم بنى سفيان. ولقد جعل أمر البيزنطيين فى سياسته الخارجية يسبق كل شئ، وكان معاوية، منذ إمارته على الشام قد شلّ نشاط البحرية البيزنطية، فقد استولى على رودس وصقلية وهاجم قبرص، وفى سنة 34 هـ/ 655 م هزم أسطوله المكون من مائتى سفينة أسطول قنسطانز الثانى المكون ما بين 700 - 1000 سفينة فى معركة "ذات الصوارى" كما قام معاوية، أثناء خلافته، بإعادة ضم رودس وكريت واستغرق ذلك ما بين سنة 52 هـ - 54 هـ (= 672/ 674 م). كذلك حاصرت قواته القسطنطينية لكن حال دون سقوطها فى يده ما كانت عليه المدينة من الحصانة إلى جانب استبسال قواتها فى الدفاع عنها فضلًا عن استخدام النار الإغريقية. ولقد قام معاوية بفرض سيطرة دمشق على إقليم الجزيرة، الذى كان

لبدو بنى سليم ولعناصر قيسية أخرى نفوذ كبير فيه لعقود كثيرة. لذلك قام معاوية بتوطين قبائل مضر وربيعة فى أراضى ذلك الإقليم غير المسكونة وسمح لهم بزراعة هذه الأراضى. ولقد تعقد الوضع فى هذا الإقليم بتدفق أعداد كبيرة من المعادين لعلى من الكوفيين والبصريين عليه خلال الحرب بين على ومعاوية الذى قام بفصل قنسرين الجزيرة عن حمص وجعلها "جندًا" مستقلًا قائمًا بذاته. أما بالنسبة للعراق، فقد سكنت أعداد قليلة من بنى بكر وتميم، التى كانت ضمن قوات الفتح، فى الكوفة والبصرة، وعاد الباقى منهم إلى الجزيرة العربية أو توغلوا فى داخل العراق وفى أقاليم خوزستان وفارس وكرمان وسجستان. ولقد قام زياد بن أبى سفيان بترحيل 50.000 رجل منهم وعوائلهم إلى خراسان سنة 51 هـ/ 671 م فاستقروا فى قرى مرو، وكانوا أداة ساعدت على توسع الفتح العربى فى خراسان. ولقد اختار معاوية ولاة الأقاليم من رجالات البيت الأموى، أو من المقربين إلى بيت الخلافة. فكان ولاة مكة والمدينة من الأمويين ومن بنى مخزوم، وكان عمرو بن العاص واليًا على مصر، ثم خلفه فى ولايتها مسلمة بن مخلد، وهو واحد من كبار رجال الأنصار الذين أيدوا معاوية كما تولى زياد العراق وكان معاوية قد استلحقه بأبيه أبى سفيان فصار أخًا له. وقد ساعد عامل الولاء والقرابة فى "ضمان صمود الدولة فى مواجهة القبائل". وقد كان للولاة الأمويين سلطة سياسية وعسكرية كاملة داخل ولاياتهم الكبيرة: فللأمير أو العامل تنظيم جيش ولايته وتولى قيادته، وله الإمامة فى الصلاة وتعمير المساجد ومهام القضاء. كذلك كان موكولًا إليه استتباب النظام وضبط الأمن والإشراف على جمع خراج الولاية وإرسال الفائض منه إلى دمشق. وكان للوالى راتب ثابت فضلًا عن بعض المنح والهدايا والأعطيات.

ولقد نسب لمعاوية إنشاء ديوان الرسائل وديوان الخاتم وديوان البريد. كما تلقب بلقب خليفة اللَّه مثلما فعل الراشدون من قبله، وقد اتصف معاوية بالحلم الزائد وضبط النفس الشديد فى مواجهة رعيته، وهنالك قول مأثور عنه وهو "لو أن هنالك شعرة بينى وبين الناس ما قطعتها أبدًا فإنهم إذا شدوها أرخيتها وإن هم أرخوها جذبتها". ولقد كان حكم معاوية لبلاد الشام حكما قويًا، مستندًا إلى قواته التى كانت غالبيتها من حلف قضاعة التى كان ولاؤها لقبيلة "كلب". ولقد نزح الكلبيون إلى بلاد الشام أيام الجاهلية، وكانوا فى خدمة الغساسنة، الذين كانوا يشكلون إمارة حاجزة على حدود سوريا، وكانت موالية للبيزنطيين ومعادية لإمارة اللخميين الموالين للفرس الساسانيين وقد كانوا على حدود العراق. وقد اعتنق الكلبيون المسيحية على المذهب اليعقوبى المونوفيستى، ووقفوا على الحياد حين وقع الغزو العربى على سوريا. على أنهم دخلوا بعد ذلك الإسلام واندمجوا داخل البيئة العربية أثناء ولاية معاوية على الشام. وقد صاهر معاوية الكلبيين بزواجه من ميسون بنت بهدل الكلبية، ابنه بهدل بن عُنيف من عشيرة الحارثة بن جندب، التى كانت بيتًا من بيوت الكلبيين. ولقد انجبت ميسون لمعاوية ولدهما يزيد واستطاع معاوية أن يدعم حكومته بالشام بتحالفه مع الكلبيين وقبائل قضاعة التى استقرت فى وسط وجنوب سوريا، وقبائل كندة اليمنية. وفى أواخر أيام حياته أخذ معاوية البيعة بالخلافة لابنه ووريثه يزيد، الذى كان آنذاك فى سن الشباب، وكان سديد الرأى، وفوق ذلك كله أنه كان يمثل استمرار التحالف بين الكلبيين وآل سفيان. ولقد قاوم العلويون الهاشميون هذه البيعة، وتزعم المقاومة داخل الحجاز كل من عبد اللَّه بن الزبير والحسين بن على. ولقد ازدادت مقاومة العلويين ليزيد بعد أن تولى الحكم سنة 60 هـ/ 680 م، وبموت يزيد المبكر سنة 64 هـ/ 683 م اندلعت الحرب الأهلية فى البلاد من جديد. وبتولى معاوية الحكم وتوريثه لابنه من بعده، وانتقال الخلافة من الحجاز

المصادر

إلى الشام، تحولت الخلافة إلى نظام ملكى عضود، وأصبحت تشبه الملكية الفارسية أو البيزنطية وهو أمر لم يتقبله جمهور المسلمين. على أن صورة معاوية لا تزال صورة متوازنة، وهو لا يظهر من خلالها مجرد رجل حوّل الخلافة إلى ملكية، ولكنه يظهر أيضا كحاكم ماهر ناجح، نال إعجاب المؤرخين. وفى رأى ابن رشد، فإن خلافته تمثل تحولًا من المجتمع المثالى إلى مجتمع العظمة والأبهة، وفى رأى ابن خلدون فهى تمثل مرحلة تحول من العصبية القبلية إلى الملك. المصادر: وردت فى المتن. د. عطية القوصى [م. هندس M. Hends] معبد بن وهب أبو عباد، أحد المغنين والملحنين العظام فى العصر الأموى. ولد فى المدينة وتوفى فى دمشق عام 125 هـ/ 743 م أو 126 هـ/ 744 م. كان ابن زنجى، لهذا كان عبدًا ثم صار مولى لإحدى عائلات بنى مخزوم يرعى أغنامهم. يقال إنه اتجه للموسيقى بسبب رؤيا رآها، مثله فى ذلك مثل كثير من الموسيقيين الشرقيين. سرعان ما اشتهر فى المدينة ووجهت له الدعوات للغناء فى مكة حيث وضع ابن سريح قواعد الصنعة وحصل على الجائزة فى مباراة فى الغناء نظمها ابن صفوان الأكبر (توفى عام 73 هـ/ 692 م). وقد غنى معبد أمام الخليفتين الوليد بن عبد الملك ويزيد بن عبد الملك. وبعد وفاة ابن سريح (حوالى عام 108 هـ/ 726 م) بلغ الذروة فى مهنته كأحد أفراد حاشية الأمير الوليد بن يزيد من الأدباء والفنانين. وعندما تولى الوليد الخلافة عام 125 هـ/ 743 م دعا معبدًا، الذى كان قد كبرت سنه وضعفت صحته، إلى دمشق ولكنه مرض وتوفى فى القصر بعد أن عانى من شلل جزئى، ورافق الخليفة جثمانه إلى أسوار القصر. كان معبد، الذى يعتبر أحد "أربعة مغنين عظام" فى صدر الإسلام، كبير الموسيقيين فى مدرسة المدينة الموسيقية وقد كتب يصف أسلوبه فى تلحين الأغانى فقال: "أمتطى دابتى وأضبط

المصادر

الايقاع بالطرق بالقضيب على السرج وأترنم بالبيت حتى ينضبط اللحن". وكان يفضل الضرب الثقيل من الإيقاع ويكثر من الحليات الموسيقية، وقد عرف عدد من أغانيه بأسماء خاصة مثل أغنية المدن والحصون التى يتغنى فيها بالأماكن التى فتحها قتيبة بن مسلم وأغنيات قتَيْلات وهن ثلاث أغنيات من أبيات للأعشى عن فتاة تدعى قتيلات. وقد جمع تلميذه يونس الكاتب أغانيه (أى نصوص الأغانى) فى كتابه "كتاب فى الأغانى" ثم بعد ذلك جمعها إسحاق الموصلى مع بيان النغمات (الطريقة) والإيقاع فى كتابيه "أغانى معبد" و"أخبار معبد وسريج وأغانيهما". وقد أخذ أبو الفرج من هذه المراجع فى كتابه "الأغانى" بالإضافة إلى مجموعات أخرى من المقالات عن أغانى معبد منها رسالة جامع أغانى معبد للهشامى. قام معبد بتعليم عدد من المغنيات والمغنين، ومن أفضل تلاميذه المعروفين ابن عائشة ومالك بن أبى السمح والمغنيتان سلامة وحبابة، كما أثر فى نمط الموسيقى فى بغداد من خلال تلاميذه حكم الوادى ودحمان وأشعب وسياط، وكان اسحاق الموصلى (المتوفى عام 235 هـ/ 850 م) يعتبره "المغنى الكامل" وله "موهبة تفوق أقرانه" وكان يعتبر أغانيه نماذج للأغنية "العربية الخالصة". وكان الحسن بن أحمد الكاتب (بداية القرن الخامس الهجرى/ الحادى عشر الميلادى) يعد أغانيه من الألحان المثالية، وبالتالى لم يكن يسمح بإضافة أى زخرفة لها، وذلك على غير ما جرت عليه العادة ومنذ عصره إلى يومنا هذا، يعد معبدًا الموسيقى العربى الأول بلا منازع. المصادر: (1) الأغانى: جزء 1 صفحة 36 - 59. (2) الجمحى: الطبقات، القاهرة 1952 م صفحة 538 - 40. (3) المسعودى: مروج، الجزء 51 صفحة 447. (4) الطبرى: الجزء 3، صفحة 417 و 541 - 2. حسين أحمد عيسى [هـ. ج. فارمر H. G. Farmer، إى. نوبياور E. Neubauer]

المعتزلة

المعتزلة المعتزلة اسم فرقة من أهم الطوائف الدينية نشات فى البصرة، فى النصف الأول من القرن الثانى الهجرى، على يد واصل بن عطاء (توفى 131 هـ/ 748 م). أصل التسمية: لا يزال يكتنفه الغموض. فطبقا لرواية يعترف بها المعتزلة أنفسهم تتصل التسمية بواصل، أو خليفته عمرو بن عبيد (توفى 144 هـ/ 761 م) حيث اعتزل أيهما مجلس الحسن البصرى (أو قتادة). وبالنسبة للخلاف على صفة المسلم مرتكب الكبيرة، فقد اعتبره واصل "فاسقًا" أى "فى منزلة بين المنزلتين"، الإيمان والكفر، خروجًا على رأى المرجئة الذين يقولون بإيمانه، والخوارج الذين يقولون بتكفيره. وهو بذلك قد "اعتزل" الفريقين. ويؤخذ مفهوم الاعتزال عمومًا على إنه الوقوف على الحياد فى مواجهة الفرق المتنازعة، ويقال فى هذا الصدد إنه يطلق على بعض الصحابة الذين وقفوا على الحياد بين على ومعاوية، كعبد اللَّه بن عمرو بن العاص وسعد ابن أبى وقاص، أنهم "معتزلة". ولكن ليس هناك من صلة بين هؤلاء وحركة الاعتزال التى أسسها واصل بن عطاء لكن هذا التفسير صحيح من حيث المبدأ. . ولا يعرف إلا القليل عن منشأ هذه الحركة، وإن كان الراجح هو أن واصل هو أول من أنشاها، وقد كان تلميذًا للحسن البصرى، وبعد وفاة الحسن أنضم تلميذ آخر من أشهر تلاميذه، وهو عمرو بن عبيد، لواصل، وهو الذى تولى قيادة الجماعة بعده. على أنه لا يمكن أن يكون المذهب قد تطور فى هذه المرحلة المبكرة إلى الدرجة التى صيغ بها فى فترة لاحقة على يد أبى الهذيل. وما من شك أن المسائل التى ثارت هنا هى التى ثارت سابقًا فى وسط "القدرية" التى كان الحسن ينتمى إليها: إنكار مبدأ الجبر، والتأكيد على مسئولية الإنسان عن أفعاله، ولا يمكن نسبة ما يفعله الإنسان من معاص للَّه. إلا أنه فى موضوع وصف مرتكب الكبيرة، فيبدو أن الحسن قد قبل القول بالمنزلة بين المنزلتين ولكنه وصف

التطور التاريخى

المسلم مرتكبها بأنه "منافق" وليس فاسقا. كما أن الحسن قد قال بخلود مرتكب الكبيرة فى النار، أسوة بالكافر، إذا لم يتب قبل موته، وهو نفس المبدأ الذى يعرف عند المعتزلة بمبدأ "الوعد والوعيد". وقد قيل إن الحركة كانت ذات أهداف سياسية على أساس التفسير المنفرد للاعتزال ومبدأ المنزلة بين المنزلتين وبالتحديد الانتصار للدعوة العباسية، وهو قول ثبت خطؤه، ليس فقط لأن المعتزلة لم يثبت تأييدهم للعباسيين، بل إنهم قد انضموا لثورة إبراهيم بن عبد اللَّه عام 145 هـ/ 762 م فإن الاتجاه الذى سلكه واصل كان ذا طبيعة دينية خالصة ولم يكن الأخذ بمذهبهم رسميًا فى عهد المأمون سوى لفترة قصيرة. التطور التاريخى: ليس عصر ازدهار المعتزلة مقصورا، كما يذهب الرأى الغالب، على العصر العباسى الأول. ذلك أن القرار الذى أصدره المتوكل، بشأن إنهاء المحنة [محنة خلق القرآن، ] فى 234 هـ/ 848 م لم يكن سوى إنهاء لعصر تمتع فيه أصحاب المذهب بفترة من الحظوة عند خلفاء بغداد امتدت لقرابة ثلاثين عامًا. وفى هذا الوقت كان المذهب قد انتشر فى أرجاء الأقطار الإسلامية، خاصة فى فارس. وعلى الرغم من أنهم حرموا من رعاية الخلافة العباسية ومن ثم فلم يعدم المعتزلة دعمًا من أمراء ذوى نفوذ، وعلى الأخص البويهيين. بل إن هذا العصر، الذى قد نسميه العصر البطولى، أو عصر الأسلاف العظام، ليس من وجهة نظرنا على الأقل، أهم العصور. فمن وجهة تأصيل المذهب، يمكن القول إن عصره قد امتد من الربع الأخير من القرن الثالث إلى منتصف الخامس، (أى بداية عهد السلاجقة). والفرق بين هذين العصرين ملموس بين أتباع المذهب أنفسهم، حيث يقولون مثلا عن رجال العصر الأول "المتقدمين" أو "القدماء" أو "السلف" وعن رجال العصر الأخير "المتأخرين". والأهم من ذلك، فإن المذهب سرعان ما انقسم إلى طائفتين، معتزلة البصرة

ومعتزلة بغداد (دون أن يعنى ذلك انتماء جغرافيًا حقًا) بل اصطلاحى وبذلك ينقسم المعتزلة إلى أربع فرق فى علم الكلام تتميز كل منها عن الأخرى وهم المتقدمون والمتأخرون من كل من معتزلة البصرة وبغداد. وأهم ما يميز هذه الفترة هو الخلافات الشديدة فى الآراء، وكان الهدف فى هذه المرحلة كان جمع أكبر عدد من الشخصيات البارزة على حساب الانتماء الفكرى، فعلى المستوى الشخصى، فليس هناك اختلاف أكثر مما بين اثنين من أتباع بشر بن المعتمر: ثمامة، المقرب من المأمون، فى نزعته لمذهب المتعة، وأبو موسى، الملقب "راهب المعتزلة"، فى تزهده، وطعنه فى كل من يتقرب من أصحاب السلطة. وعلى المستوى المذهبى، لم يكن الخلاف أقل مستوى فيختلف ضرار بن عمرو عن بقية أصحاب المذهب بالقول بأن الأفعال الإرادية من الإنسان هى من فعل اللَّه، مقتربا بذلك من جهم بن صفوان [صاحب مذهب الجبرية] لدرجة أنه يعتبر عند البعض خارجا على المذهب، ومن ثم فلا يورده القاضى عبد الجبار فى "طبقات المعتزلة". كما أن النظام يرفض قطعيا المذهب الذرى (انظر لاحقا) التى قال بها عمه واستاذه أبو الهذيل، وهو فى ذلك معتزل عن بقية المعتزلة أيضا. والأصم يرفض أيضا نظريات أبى الهذيل الخاصة بالكون، ولكن على أساس آخر، وهو رفضه لمفهوم "الحوادث" المؤسس عليها تلك النظريات. بل إنه لا يتفق مع المعتزلة فى أساسيات أصل المذهب، وسبب ظهوره، وهو المنزلة بين المنزلتين. كذلك منهم من رفض مبدأ خلود المسلم العاصى فى النار، وهم من يسمون "مرجئة المعتزلة"، ومنهم أبو شمر وابن عمران، من أصحاب أبى الهذيل، ومن بعدهم محمد بن شبيب. ومن المعتزلة من تبنى آراء متطرفة، كما فى مذهب الزهد الذى نادى به أبو موسى، وتبعه فيه بعض من كبار المذهب. فهذا الاتجاه يقترب من الصوفية، ومن ثم التسمية "صوفية المعتزلة". وهؤلاء اتهموا من البعض بالهذيان، بل إن القاضى عبد الجبار،

فى طبقاته، لم يتردد فى رمى البعض منهم بالزندقة. وأيضا قال بفكرة "التناسخ" اثنين من أتباع النظّام أحمد ابن خابط أو حابط والفضل الهداثى، وهى الفكرة التى تبناها "غلاة الشيعة". فإذا ما يممنا شطر الفترة الثانية، نجد أن الوضع مختلف جذريًا فهنا نجد الاهتمام بالتاصيل المذهبى فقد تأسست مدارس حقيقية، ذات مبدأ هيكلى متماسك الذى يمكن أن يسمى بنظام حقيقى فمن البصريين (والذين فى الواقع قضى أغلبهم حياتهم فى خوزستان) نجد الجبائى يمثل مدرسة قائمة بذاتها. ومن البغداديين يظهر أبو الحسين الخياط، والذى ينعت بـ "شيخ المتكلمين من البغداديين". وابنه أبو هاشم حيث تتردد اسماؤهم فى أعمال كل المؤلفين. ويتضح الفرق بين المدرستين هنا بشكل أكثر تميزًا مما كان فى الفترة الأولى. وقد ضم مؤلف مشهور هو "المسائل فى الخلاف بين البصريين والبغداديين" لأبى رشيد النيسابورى أشهر مواضع الخلاف بينهم، خاصة فى الكونيات وأصل الإنسان. فنظرية "الأحوال" التى قال بها أبو هاشم هى على وجه الخصوص من أشد ما هوجم من جانب البغداديين. وإن كان البعض من البصريين يرفضها أيضا، منهم على سبيل المثال أبو الحسين البصرى. ولذلك فقد نشأ فى داخل الاتجاه البصرى مدرسة فرعية تسمى "البهشمية"، وهم مؤيدو أبى هاشم (وهى تضم أغلب الجبائيين) الذين ذكرناهم. ويؤرخ لانتهاء الفترة الثانية، وبالتالى العهد الذهبى لمذهب الاعتزال ببدء عهد السلاجقة، (دون ارتباط بين الحدثين)، ولكن المذهب ذاته ظل باقيا. فقد استمر وجود المذهب المعتزلى ردحا طويلًا من الزمان. ذلك أن الكثير من الحنفيين كانوا من معتنقى المذهب المعتزلى، وكان السلاجقة منحازين للمذهب الحنفى، الأمر الذى أدى إلى أن يكون أغلب القضاة فى بغداد والرى على مدى قرنين من الخلافة العباسية من المعتزلة. وفى خوارزم ظل هو المذهب الرسمى بتأييد من الأمراء المحليين، حتى أن لفظ "خوارزمى" كان

الأفكار المذهبية

فى هذا العصر يعنى معتزلى. ولكن يبدو أنه عند هذا الوقت كانت المدرسة البغدادية قد اختفت، ولم يبق من المعتزلة إلا بعض أنصار أبى هاشم وأبى الحسين البصرى. وفقط عند اجتياح المغول للبلدان العربية اختفى المذهب تمامًا. ومن جهة أخرى، فإن المسائل التى أثارها أصحاب المذهب لم تنحصر فيهم. فطوائف كثيرة من المسلمين وغير المسلمين قد تبنوها وخلدوها ومن وجهة النظر هذه يمكن القول بأن المذهب لازال موجودًا لليوم. ففى داخل الإسلام هناك الشيعة الزيدية ثم من بعدها الأمامية. أما خارجه فقد تأثر بفكرهم بعض أحبار اليهود المقيمين فى الدولة الإسلامية. ويمكن القول إن الفكر المعتزلى يعاد اكتشافه فى القرن العشرين، بعد قرون من الخمود، حيث تبذل جهود لإعادة بلورته، خاصة فى مصر. فأحمد أمين (1936 م) يفرد لهم فى مؤلفه "ضحى الإسلام"، فصلا كاملا يبين فيه فضلهم فى الدفاع عن الإسلام، ويقول إن اختفاءهم كان من أكبر نكبات الإسلام. وأنهم ارتكبوا ذنبًا فى حق أنفسهم. كما يدافع عنهم زهدى حسن جار اللَّه (مصر 1947 م) دفاعا مجيدا فى مؤلفه "المعتزلة" فهو يرى أن التخلص منهم، هو انتصار للظلاميين، وسبب من أسباب الانحطاط العربى. ويعتبرهم الكثير من المفكرين المعاصرين، ربما بدرجة مبالغ فيها، أنصار حرية الرأى والتعبير. الأفكار المذهبية: لن نتناول فى هذا البحث سوى الأفكار التى تميز بها المعتزلة بشكل قاطع، والتى تميز مذهبهم، وتبرر الانتساب لهم، والتى كانت نتيجتها الخصومة بينهم وبين مخالفيهم. ولذا فلن نتعرض لآرائهم عن الكون، والمذهب الذرى والتمييز بين المادة والحوادث، والتى هى شائعة بين المتكلمين جميعا من أهل السنة والمعتزلة كما لن نتناول مسألة الإمامة، فآراؤهم فيها متفقة مع السنة. رأى أبو الهذيل تأسيس المذهب على أساس من الأصول الخمسة: 1 - التوحيد. 2 - العدل الإلهى. 3 - الوعد

والوعيد، والذى بمقتضاه يعتقد فى خلود المسلم فى النار إذا لم يتب عن ذنوبه قبل موته. 4 - المنزلة بين المنزلتين، كما سبق بيانه. 5 - الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر. وبمعنى آخر أن يشارك المسلم فى الشئون العامة لتكريس سلطان الشريعة، ومقاومة الانحراف. وبعد قرنين من الزمان يمكن القول بأن هذه الأصول الخمسة ظلت سارية. حيث شكلت الأساس لأفضل بيان للفكر المعتزلى ولكن ذلك لا يؤخذ على إطلاقه. فالمبدا الخامس مثلا لم يعرف عن المعتزلة الاجتهاد فيه (عدا ربما العصر الأول). كما أنه لا يوجد تناسب بين أهمية المبدأين الثالث والرابع، والأول والثانى. فالمبدأين الأول والثانى لهما من الأهمية لدرجة أن أصحاب المذهب ينعتون أحيانًا باسم "أهل العدل والتوحيد"، وهو لقب يسعدون به. بل أن المبدأين الثالث والرابع من الممكن اشتقاقهما من الأول والثانى. كما أن مبدأ التوحيد والعدل غير كافيين وعلى ذلك فسوف يسير بحثنا على أسس أخرى غير هذه الأصول الخمسة. أ- معرفة اللَّه والصفات الإلهية: 1 - إن الخاصية الرئيسية فى هذا الصدد، هو انكار الصفات الأزلية للَّه. فهم ككل المتكلمين يصفون اللَّه بأنه "قادر"، و"عليم" خالق ورازق وغير ذلك من الصفات بالمعنى الاسمى فكلمة "صفة" هنا لا تعنى أكثر من "وصف"، أو حتى "اسم". ولكن السؤال الذى يثور هنا هو على أى أساس تنسب هذه الأوصاف للَّه؟ فبالنسبة لما يكون بسبب أفعاله، أى "صفات الفعل"، مثل خالق ورازق ومحسن وهكذا، فلا صعوبة فى الأمر. أما حين يتعلق الأمر بما يسمى "صفات الذات أو النفس"، أى الصفات الأزلية التى يتصف بها بحكم ألوهيته، مثل عالم وقادر وحى فإن الأمر إذ ذاك يختلف. ذلك أن الاعتراف بأزلية هذه الصفات يعنى، من وجهة نظرهم، تعدد من يوصف بالأزلية، وهذا يعنى المماثلة مع اللَّه فى هذه الصفة، وهذا يتناقض بشدة مع مبدأ التوحيد، فإن اللَّه سبحانه هو الخالق وحده، فلا يشاركه فى ذلك غيره.

والسنة على عكسهم يقبلون هذا المنطق دون غضاضة. ويردون على المعتزلة الذين يحتجون بالمماثلة بأن أزلية هذه الصفات لا تعنى المماثلة مع اللَّه، بالضبط كما أنها لا تعنى المماللة بين بعضها البعض. أما المعتزلة فى تعليلهم بنسبة مثل هذه الصفات للَّه، فهو أنه، مثلا، ليس عالما نتيجة علم يلحق به، وبالتالى يتصف ذلك العلم بالأزلية، وهو ما يحاولون تجنبه، ولكن ذلك العلم ليس سوى ذاته هو. [يقول أبو الحسين الخياط المعتزلى فى كتابه "الانتصار" إن اللَّه لو كان عالما بعلم، فإن هذا العلم إما أن يكون قديمًا أو محدثًا ولا يمكن أن يكون قديمًا لأن هذا يوجب وجود اثنين أقدمين، وهو تعدد، وهو قول فاسد. ولا يمكن كذلك أن يكون محدثًا، لأنه لو كان كذلك فإنه يكون قد أحدثه اللَّه، إما فى نفسه، أو فى غيره، أو فى غير محل. فإن كان أحدثه نفسه أصبح محلا للحوادث، وما كان محلا للحوادث فهو حادث، وهذا محال. وإن كان أحدثه فى غيره كان ذلك الغير عالما بما يجعل منه أن يكون دونه. ولا يعقل أن يكون أحداثه فى لا محل، لأن العلم عرض لا يقوم إلا فى جسم، فلا يبقى إلا حال واحد، وهو أن اللَّه عالم بذاته] * 2 - ومن بين المسائل التى أثارتها مشكلة تعدد الصفات الأزلية مع الذات الإلهية، مسألة كلمة اللَّه وإرادته. وهى المسألة التى دفعتهم للقول بخلق القرآن. فهو بالنسبة لهم، يعتبر "عرضا" بالمعنى الاصطلاحى الذى يستخدمونه لهذه الكلمة، أى حادث من ضمن الحوادث، مكون من "حروف منظمة، وأصوات مقطعة". وقد خلقه اللَّه فى "محل" مجسد. 3 - وبالإضافة للتوحيد المطلق، يركز المعتزلة على السمو المطلق، وهم بذلك يقصدون أن اللَّه ليس بجسم، ولا يوصف بالتالى بما توصف به الأجسام، كالحلول فى مكان، والحركة، والتشكل، إلخ ويترتب على ذلك نتيجتان هامتان: من جهة لا يجوز أن يمثل بأى شكل إنسانى، وما ذكر فى القرآن من كون أن له يدًا أو عينًا فكلها ألفاظ مجازية، ¬

_ * (المترجم)، عن كتاب موسوعة الفرق الإسلامية، تأليف الدكتور عبد المنعم الحفنى، دار الرشاد.

فباليد يقصد القدرة وبالعين العلم وبالوجه ذاته العلية وهكذا ومن جهة أخرى لا يمكن رؤية اللَّه {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ}. أما الآية {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} فيؤلونها بأن ناظرة أى منتظرة، وبأن الانتظار هو لثواب ربها. وأما ما ورد من أحاديث حول رؤية اللَّه يوم القيامة مثل قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- "سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر" بفرض صحتها المشكوك فيها، فتؤخذ بالمعنى المجازى، بمعنى التعرف عليه سبحانه. ثانيا: وصف اللَّه بالعدل، ومبدأ أن اللَّه يشاء، ولا يفعل إلا ما هو خير: إن ما يميز المعتزلة فى هذا الصدد هو تصورهم للعدل الإلهى، فهو معتقد أساسى عندهم، ويتجلى هذا فى أنهم يسمون أنفسهم أهل العدل الذى هو مفترض فى كافة المذاهب بلا استثناء. فبالنسبة للأشعرى، فإن اللَّه عادل فى كل ما يفعله، حتى لو فعل ما هو مناقض لما نتصوره من عدل. فاللَّه سبحانه لا تحده قواعد. أما بالنسبة للمعتزلة (وهنا تطبيق لمبدأ "حمل الغائب على الشاهد" أى حمل المعلوم على المجهول) فإن اللَّه مرتبط بنفس القواعد التى يرتبطا بها الناس، فما يدلنا عليه عقلنا أنه شر، هو كذلك بالنسبة للَّه، وفى هذا المقام يبدو السؤال الذى ليست له إجابه (والذى ليس له محل فى مذهب الأشعرى)، هل يمكن للَّه أن يفعل ما هو شر أو بمعنى أوسع أو ما هو سيئ وردئ فالإجابة بالإيجاب أو النفى تؤدى إلى القول بعدم العدالة أو عدم القدرة. وبادئ ذى بدء فالقول بالعدل يتنافى مع الجبرية، فليس من العدل أن يقدر اللَّه شيئا على الإنسان ثم يحاسبه، أن الأمر متروك للإنسان ليقرر مستقبله، تبعًا لاختياره إما مؤمنا أو كافرًا، طائعًا أو عاصيًا. صحيح أن القرآن يذكر أن اللَّه يهدى من يشاء. ولكن هذا يفسر بعيدًا عن منطق الجبرية بأن كلمة "يهدى" إما أن تؤخذ بمعنى التعريف بطريق الحق، وفى هذه الحالة يجب أن تكون لكل البشرية بلا تمييز، حتى تتحقق العدالة، فإن كانت للمؤمنين خاصة، فإن ذلك يكون بعد قيامهم بالاختيار الحر لطريق الإيمان،

فتكون إما بمعنى يقول ويحكم بأنهم مهتدون أو (وهو التفسير المفضل عند الجبائى) بمعنى أنه يهديهم يوم القيامة إلى الجنة، وتأخذ فى هذه الحالة معنى الثواب، وفى المقابل تأخذ "يضل" إما معنى يقول ويحكم بأنهم ضالون أو معنى العقاب بمعنى عدم تعريفهم بطريق الجنة. وفى تفسير الختم على القلوب، فيأخذه الجبائى بالمعنى الحرفى، أى أن اللَّه "يسم" هذه القلوب بسمة تميزهم يوم القيامة بأنهم من أهل النار. وليست العدالة تقتضى فقط حرية الاختيار بين الإيمان والكفر بل أيضا ضرورة إعطاء كافة البشر الوسائل المحققة للإيمان. ومن الغريب أن المعتزلى بشر بن عباد، هو الذى قال بأن اللَّه يمكن، لو أراد على عكس رأى المذهب، أن يهدى كل البشر، (ولكنه لا يفعل)، وأنه لديه "اللطف" الذى لو وهبه لمن يعلم أنه لم يكن ليهتدى، فإنه سوف يهتدى. وقد رُفض هذا الرأى بشدة من جانب المذاهب الأخرى وذهب الجبائى الذى قال أيضا باللطف لكنه شوه المعنى بأنه يعنى كافة الوسائل التى منحها اللَّه البشرية للهداية، من عقل ودلائل ورسل. ولكن لا يمكن القول بما يوحى به قول ابن عباد فى رأيه بان المصلحة المحضة، قد يستأثر اللَّه بها البعض ويحرم الآخر فإن اللَّه بمقتضى عدله عليه أن ينعم على الجميع بلا تمييز، لأن القول بغير ذلك بالنسبة للآخر يحمل معنى "إرادة الفساد"، وهو ما يتنزه عنه سبحانه. ويقتضى العدل أيضا أن الأفراد يكون لهم حرية اختيار الفعل، أى أنهم هم منشئو الأفعال، على عكس قول "المجبرة" [الجبرية] بأن اللَّه هو الذى خلق هذه الأفعال فى العباد. فالثواب والعقاب يقتضيان أن يكونا لمن له المسئولية عن إحداث الفعل فهو صاحب الفعل ومحدثه والقول بغير ذلك يجعل مبدأ "الكسب" قول فاسد. ولكن اللَّه إذا لم يكن هو الذى يخلق الأفعال فى العباد، فهو الذى يخلق فيهم "القدرة" على الفعل، ولكن ليس كما يذهب من يقول بـ "الكسب"، توضع القدرة فقط حين يوضع الفعل موضع

التنفيذ. فالقدرة عند المعتزلة مرتبطة بحرية الاختيار، والتى أيضا يوجدها اللَّه فى العباد طبقا لمبدأ العدل. فالقدرة تعنى القدرة على الفعل وضده وهى بالتالى يجب أن توجد قبل الفعل، وهذه المسألة محل نزاع بين أهل السنة والمعتزلة، ويبدو أن القرآن ذاته يتضمن من الدلائل ما يؤيد الرأيين. ومن البديهى ألا يكلفنا اللَّه إلا بما لدينا من القدرة على تنفيذه، وإلا كان الأمر "تكليفًا بما لا يطاق" -ما يناقض العدل وهذه القدرات هى جزء من الطاقة المطلوبة منه لكل المكلفين بالفروض. وأخيرًا، فإن العدل يقتضى الثواب لمن يستحق، والعقاب لمن يستحقه فى الآخرة. أما بالنسبة لإمكانية العفو، كما جاء فى الآية {فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ. . .} (البقرة، 284) فالمغفرة عندهم تكون "بشرط التوبة" والتائب هو أيضا الذى يتوقع الغفران عن طريق شفاعة الرسول. بل إن "قبول التوبة واجب" لمن كان مخلصا فى توبته. ومن جهة أخرى فإن اللَّه لا يوقع العذاب إلا لمن كان مكلفا بالفعل، فلا يتصور منه تعذيب أطفال المشركين بذنب آبائهم. أما ما يقع من عذاب فى الدنيا لمن هو غير مكلف كالأطفال والحيوانات فإن اللَّه سوف يعوضهم فى الآخرة. هذا هو مفهوم العدل عند المعتزلة بالمعنى المباشر، ولكن المعتزلة أيضا يفهمون العدل بمعنى أوسع، إلا وهو أنه "منزه عن كل قبيح"، بمعنى أنه لا يريد إلا كل ما هو "حسن". ومفهوم الخير والشر لديهم، كمفهوم العدل، يؤخذ بما يقتضيه العقل. فالخير والشر معان مطلقة، يتعرف عليها كل من وهب المنطق. ومن الأهم ألا يقال إن اللَّه محتاج لأن يفعل الشر، لأنه سبحانه "غنى" عن الاحتياج. وعلى ذلك، فاللَّه لا يتجه إلى فعل الشر، من منطلق أن الشر هو أمر قبيح، وليس فى حاجة إلى فعله. صحيح أن نفس المنطق يؤدى إلى أنه لا يفعل الخير أيضا! لعدم احتياجه له، ولكن الجبائى يتحايل على هذه النقطة بأنه الخير يفعل "لذاته" دون احتياج، وذلك لما فيه من حسن.

وتنزيه اللَّه عن الشر يقتضى أيضا وصفه بالحكمة، بمعنى أن أفعاله يجب أن تكون موجهة لغاية معينة، وإلا كانت نوعا من "العبث". والعبث فى حد ذاته من الأفعال الشريرة، بحسب ما يبينه العقل. فاللَّه إذا كان قد خلق العباد، وأمرهم بالتكاليف، فلابد أن له هدفًا من ذلك. فما هى الحكمة فى الخلق، ثم فى التكليف؟ لا يمكن أن يكون ذلك عن احتياج، فاللَّه منزه عنه. كما لا يتصور أنه خلق العباد للعذاب، وإلا كان ذلك محض ظلم. فالأمر المتصور الوحيد فى هذا الخصوص أن اللَّه خلق البشر لأن فى هذا صلاحهم "لينفعهم". وينطبق نفس القول على التكاليف، فهى لإيصالهم إلى السعادة التى يستحقونها جزاء لما تحملوه من مشقة. بل إن البعض من المعتزلة (أبو الهذيل والنظّام والبغداديون) يرون أن هذا الصلاح متحقق فى الدنيا والآخرة معا، ولكل البشر غنيهم وفقيرهم، صحيحهم وسقيمهم وفى كافة الأحوال. ولكن الجبائى لا يتوسع إلى هذا الحد. غير أن الجميع متفقون على تحقيق ذلك فى الآخرة. بل إن الجبائى يذهب إلى أن اللَّه واجب عليه أن يهب الكافر الحياة، ولو علم الأخير ذلك لاعتنق الايمان (وهذه النقطة هى التى دعت الأشعرى للخروج على الجبائى بعد أن كان من أتباعه). وأخيرا، فلأن اللَّه لا يمكن أن يريد العذاب للبشر، فهو يتصور أنه يريد لهم ما يؤدى إليه من كفر أو خطيئة واللَّه يريد للبشر الخير والعمل الصالح. ثالثا: تعريف الإيمان وعقوبة مرتكب الكبيرة: الإيمان بالنسبة للمعتزلة ليس فقط الانتماء لعقيدة الإسلام، بل هو أيضا، كما هو عند الكثيرين غيرهم، مرتبط بالعمل. ولذا فهم يسمونه "جماع الطاعات". والخلاف الوحيد هو فى وضع "النوافل"، هل تدخل فى ذلك أم لا ومن ثم كان الخلاف حول وصف مرتكب الكبيرة، فهو ليس بكافر لكونه لم ينكر شيئا من مبادئ الإسلام، كان يقول إن اللَّه ثالث ثلاثة، ومن جهة

أخرى فلفظ الإيمان يستخدم فى القرآن للمديح، وهو ما لا يستحقه مرتكب الكبيرة. وليس معنى ذلك عدم استحقاقه الخلود فى النار، وإن كان عذابه فيها أقل من الكافر. وفى الحقيقة فليس كل المعتزلة عند هذا الرأى، الأمر الذى يخول لنا أن تتكلم عن "مرجئة المعتزلة"، وهم الذين لا يرون أن عذاب العصاة من المسلمين أبدى. رابعا: العقلانية لدى المعتزلة: من الصحيح تماما وصف المعتزلة بالعقلانية، ولكن ما المقصود بذلك؟ ليس معنى ذلك بداهة أنهم يعتمدون على العقل وحده، دون اللجوء للتنزيل. فهم، كما أوضح أحمد أمين، ليسوا فلاسفة (رغم أن جدلهم يحمل مسحة من الفلسفة)، بل هم رجال علم الكلام فهم، مثل غيرهم من المسلمين، ينزعون إلى التفسير الصحيح للقرآن، وبيان العقيدة الحقة. ولكن المعتزلة عقلانيون بالمعنى الصحيح للكلمة، بمعنى أنهم يرون أن هناك إدراكات تدرك بالعقل فى غيبة النص أو بالأسبقية عليه دون لجوء لتنزيل. فوجود اللَّه تدرك بالعقل، ولذا هم يعتبرون أن الواجب الأول على الإنسان هو معرفة اللَّه عن طريق العقل من حيث هو حى قادر حكيم سميع بصير، وأنه ليس بجسم، مكتف بذاته (غنى)، عادل، لا يريد شيئا سوى ما فيه الخير، وهكذا. وفقط حينما يثبت، بالعقل أيضا، صدق رسالة محمد عليه الصلاة والسلام، (وهو ما يثبت بمعجزاته)، عندئذ يؤخذ بالقرآن. والقرآن فى الواقع لابد أن يؤكد كل ما ثبت بالعقل، وأى تعارض ظاهرى بين النص والعقل يجب تأويله، كما ذُكر سابقا. وليس معنى ذلك أن القرآن لا يمدنا بشئ خلاف ما أثبته العقل، فمن القرآن علمنا أن اللَّه فرض فروضا على العباد، وأنه سوف يبعثهم يوم القيامة، ويحاسبهم على أفعالهم، ويتبقى أن تتفق هذه الحقائق مع التفسير العقلى، خاصة فيما يتعلق بالعدل.

ولكن الواقع أن المعتزلة لا يختلفون فى هذه النقطة عن معارضيهم. ومن ثم فيجب أن يطلق وصف العقلانية على كل "المتكلمين" فالمعتزلة فقط قد فتحوا الباب لذلك. (أما كونهم واضعى علم الألوهية كما يزعمون، فأمر محل نظر). فالسنة أيضا يرون أن إدراك اللَّه يكون بالعقل، ولا شئ غيره. ولذلك فالمنطق الذى يقال إن أبى الهذيل قد قال به لإثبات وجود اللَّه، وهو منطق "حدوث الجواهر" يأخذ به الأشاعرة وغيرهم. والسنة أيضا يجتهدون فى تفسير القرآن بما يتفق مع معتقداتهم. وإذا كان المعتزلة يبذلون فى ذلك جهدا أكبر ويبدو أنهم يخرجون كثيرا على حرفية القران، كما فى تفسيرهم للهدى والضلال، فما ذلك إلا لأن القرآن فى حرفيته أكثر اتفاقا مع السنة. والشئ الآخر فيما يتعلق بالعقلانية هو وضع المعتزلة لتصورات عن العالم والبشرية ليست مستقاة من القرآن، بل من فلسفة الإغريق، ثم من افتراضاتهم بعد ذلك: تصور الأجسام كتجميعات من ذرات، التمييز بين المادة والعرض تفسير الظواهر الطبيعية، تعريف الإنسان، والحركة، وكيفية السمع والإبصار، ماهية النفس والروح والإرادة والمشاعر، إلخ. وهذا هو الجانب الذى يعتبر الأكثر إثارة للفكر الحديث. ولكنه أيضا ليس قصرا على المعتزلة، فالسنة لهم فيه نصيب، وكذلك علماء الكلام. ولكن المعتزلة قد أعطوا هذا الأمر أهمية أكثر مما يعطيه السنة، فليس فى السنة مؤلف مكرس بالكامل لقضية المادة والعرض مثل "التذكرة فى أحكام الجواهر والأعراض" لابن متاويه. وليس الخلاف هنا بين السنة والمعتزلة كطوائف متجانسة، بل بين من يقبل الخوض فى علم الكلام ومن يرفضه، كالحنابلة والأشاعرة. أما الجانب الخاص بالمعتزلة فى العقلانية فهو قولهم بأن الإنسان بعقله قادر على التمييز بين الخير والشر. وفى هذا الصدد أيضا لا يفعل القرآن

المصادر

سوى تأكيد ما أقره العقل، طبعا لا يكفى العقل لبيان كل ما هو حرام أو واجب، فمن القرآن علمنا فرضية الصلاة بشكلها وحرمة الأكل فى رمضان. وقد يكون هناك شئ من التعارض مع العقل فى ذلك، فترك الطعام أمر ضار، وهو بالتالى شر، ولكن العقل يمكنه أن يعلم أن تحمل ضرر بسيط اتقاء لضرر أكبر، وهو عقاب اللَّه الذى توعد به من يعصيه. وحتى القانون قد يكون أساسه عقلى، من واقع إدراك العقل لما يمكن أن يتحقق أو لا يتحقق بالنسبة لعمل معين واستحقاق مرتكب العمل للخلود فى جهنم، وهو ما يسمى هذا العمل بأنه شر أو ضار هو أيضا من الخير. وفى هذا الموضوع بالذات يبدو المعتزلة فى تعارض بين مع الأشاعرة، الذين يرون أن الأساس لكل شئ هو الوحى وأن الخير هو ما يأمر به اللَّه والشر هو ما ينهى عنه. فما يعتبره اللَّه خير فهو خير، وما يعتبره شر فهو شر، ولا يذهب أهل السنة كلهم إلى هذا الرأى. المصادر: (1) الشهرستانى، الملل والنحل. (2) J. Van Ess: Art Mutazila in Ency of Relagram N. 1987 على يوسف [د. جمرت D. Gimaret] المعتضد باللَّه العباسى المعتضد باللَّه أبو العباس أحمد بن طلحة بن المتوكل، وأمه أم ولد وكانت جارية إغريقية اسمها "ضرار"، ولا يعرف متى كان مولده ولكن من المحتمل أن يكون حوالى سنة 245 هـ = 860 م)، وقد رباه أبوه تربية عسكرية، ونجده منذ سنة 267 هـ (= 880 م) وهو يدير عمليات ضد الثوار الزنج، وقد نزلت به هزيمة نكراء على يد قوات خمارويه بن أحمد ابن طولون، ولم تكن العلاقات بين المعتضد وبين أبيه طيبة على الدوام، حتى أنه فى إحدى المرات فى سنة 275 هـ (= 888 م) يأمر بالقبض عليه. ولما مات أبوه فى صفر عام 278 هـ (= يونيو 891 م) ولى العهد وبويع

بالخلافة ولقب بالمعتضد، [وإن كان الوارد فى بعض المصادر العربية أنه بويع يوم وفاة أبيه المعتمد على اللَّه لإحدى عشرة ليلة بقيت من رجب سنة 279 هـ (= 15 أكتوبر 892 م) ونص خليفة حتى وفاته سنة 289 هـ] وقد أيّده فى تولى الخلافة [بعد خلع أخيه المفوّض بن المعتمد] أكبر أنصار والده لاسيما الوزير عُبيد اللَّه بن سليمان بن وهب [الذى ظل وزير، له حتى وفاته سنة 288 هـ] كما أيده قائد جيشه بدر المعتضدى، ولما كان المحرم من عام 279 هـ (= أبريل 892 م) ثم خلع المفوّض خلعًا مستهجنًا من ولاية العهد التى نقلوها إلى المعتضد، الذى صار بعد ستة أشهر (رجب 279 هـ) الخليفة ولم يجد أى معارضة. لقد كان قوة المعتضد الكبرى تتمثل فى العلاقات الوثيقة مع الجيش تلك العلاقات التى ورثها عن أبيه، هذا إلى جانب الروابط القوية المتناغمة بين كبار رجال الدولة المدنيين والقادة العسكريين وراى المعتضد باللَّه أن يستغلّ مصادر القوة هذه لإعادة تأكيد قوة أسرة بنى العباس، وكان يقود جيوشه بنفسه ومضى معظم أيام خلافته فى الحروب، وإن وجد نفسه مضطر، للاعتراف بضياع خراسان والشام ومصر من أيدى العباسيين أو على الأقل فى وقته إذ ذاك، ولقد بذل وجاهد فى محاولة منه لإعادة بسط السيطرة العباسية على الإقاليم المركزية كالعراق والجزيرة التى كانت هامة جدًا باعتبارها مصدر الحبوب لبغداد وغربى فارس. أما فى الجزيرة فقد اصطدم بوالى "آمد" واسمه أحمد بن عيسى بن شيخ الشيبانى [وتقول المصادر العربية أنه فى أول خلافته سار إلى بنى شيبان بالموضع الذى يجتمعون فيه من أرض الجزيرة، ولما كانت سنة 280 هـ (= 893 م) أخرج أحمد من الموصل واستولى هو على البلد، كما انتزع مدينة "آمد" فى سنة 286 من ولد أحمد بن عيسى وخليفته واسمه محمد، ووقف إلى جانبه فى هذه اللحظة الشيخ حمدان بن حمدون التغلبى، مما أدى عن غير قصد إلى بداية قيام الأسرة الحمدانية.

كان جوهر سياسة المعتضد فى فارس أى فى خراسان دسجتسان] قيام ألية من العلاقات القوية مع عَمرو ابن ليث القائد الصّفّارى، بما كان ذلك محاولة منه لبث نوع من المشاركة كتلك المشاركة التى كانت لأسلافه مع الطاهريين، وكان الإقليم مقسمًا إلى مناطق نفوذ فكان الصفاريون يحتفظون فى أيديهم بخراسان والشرق وفارس، على حين كان العباسيون يسيطرون على الرى وأصفهان والمناطق الغربية، إلّا أن العباسيين لم يستطيعوا أن يؤكدوا وجودهم فى الرّى التى سلموها إلى الصفاريين سنة 284 هـ (= 897 م)، أما فى منطقة أصفهان فإن آخر واحد من بنى "دُلف" واسمه "عُمَر بن أحمد بن عبد العزيز قد طرد فى سنة 283 هـ (= 896 م) ورجعت المدينة لتستظل بظل حكم بنى العباسى، ثم والى المعتضد سنة 285 هـ عَمْرًا ولاية تركستان إلّا أنه هزم هزيمة أذلَّتْه على يد إسماعيل السامانى فارسلوه إلى بغداد حيث مات فى حبسه سنة 289 هـ فى أعقاب. ولقد مات المعتضد فى ربيع الثانى سنة 289 هـ (= أبريل 902 م) بعد أن عهد إلى ولده المكتفى بالحكم من بعده، وكان المكتفى هذا قد تدرب تدريبًا عمليًا أيام ولايته حكومة الرّى والجزيرة، وقد استطاع أن يمد سلطان العباسيين وقوتهم بصورة كبيرة وذلك بفضل نشاطه الحربى وعزمه الكبير، إلّا أن عهده كان شديد القصر فلم يساعده على تحقيق أمله فى إعادة تدعيم السلطة العباسية. راجع فى ذلك الطبرى، ومروج الذهب للمسعودى، والدولة العباسية لمحمد الخضرى. De Goeje: Memoire sur, le Carmathes du Bahrain (1862) ولى سترانج بلدان الخلافة الشرقية. أيمن حسن حبشى [هـ كينيدى H. Kenidi]

المعتمد بن عباد

المعتمد بن عباد هو ثالث حاكم من العبابدة وآخرهم فى أشبيلية فى القرن الخامس الهجرى (الحادى عشر الميلادى)، أما اسمه الحقيقى الكامل فهو محمد بن عباد المعتَضِد بْن محمد بن إسماعيل بن عبّاد. حياته: ولد المعتمد سنة 431 هـ (= 1040 م) وما كاد يبلغ الثالثة عشرة من عمره حتى عهد إليه أبوه من الناحية الشكلية بقيادة حملة خرجت ضد "شلْب" التى كانت فى يمين ابن مُزَين، فوقَعت فى يد هذه الحملة كما وقعت "سانتا ماريا دى الجارف" هى الأخرى بعد قليل، وهى المعروفة فى المراجع العربية باسم شنت مرية الغرب ولكنها تعرف اليوم باسم "فارو" التى كانت فى يد محمد بن سعيد بن هارون (444 هـ = 1052 م)، وحينذاك اختاره أبوه واليًا على هاتين المدينتين، أما أخوه الأكبر "إسماعيل" فقد أُعْدِم عقابًا له على ثورته (455 هـ = 1063 م)، وحينذاك صار محمد المعتمد وليًا للعهد ووريثًا لعرش أشبيلية، وما انقضى بعض الوقت حتى كان الجيش (الذى كان يقود. وخرج به لمساعدة عرب مالقة الذين تمردوا على ظلم باديس بن حبوس حاكم غرناطة البربرى) قد استؤصل على يد باديس، مما أرغم المعتمد على الفرار إلى رُنْدة، فاستشاط أبوه غيظًا منه لما أصابه من الفشل وانتهى به الأمر إلى أن بعث إليه بعفوه عنه، ولما مات حاكم أشبيلية القوى سنة 461 هـ (= 1069 م) خلفه ولده على مملكة بلغ من اتساعها الشديد أن كانت تشتمل على معظم الجزء الجنوبى الغربى من شبه جزيرة أيبيريا. وقد أحاط المعتمد نفسه منذ البداية بالكثير من الأدباء والشعراء وبذلك خلق له مكانا عظيما فى تاريخ الأدب العربى بالأندلس وربما كان ابن زيدون (المتوفى سنة 463 هـ = 1070 م) هو الذى علّمه قواعد الشعر العربى قبل أن يصبح وزيرًا، وهى الوظيفة التى شغلها ابنه أبو بكر بن زيدون من 478 هـ إلى 484 هـ (= 1085 - 1091 م) بعد نكبة ابن عمار المتوفى سنة 479 هـ (= 1086 م)، على أن صلاته بجارية

شابة اسمها "الرميكية" (التى كانت هى الأخرى شاعرة موهوبة) كانت موضوع أبحاث أدبية، وكانت الرميكية تدعى "اعتمادًا" ومن هنا يقال إن المعتمد اختار لنفسه هذا الاسم الذى هو مشتق من الاسم "اعتماد"، وقد صارت الرميكية زوجته الحبيبة وأنجبت له بضعة أولاد. أما فيما يتعلق بابن عمار، فبعد أن نفاه المعتضد استدعى إلى أشبيليه ثم مضى ليكون واليًا على شلب قبل أن يصبح الوزير الأكبر، وقد استطاع المعتمد فى السنة الثانية من حكمه أن يضم إلى مملكته إمارة قرطبة التى كان يحكمها بنو جهور رغم جهود المأمون ملك طليطلة، وأصبح الأمير الشاب "عباد" واليًا على عاصمة الأمويين القديمة، غير أن مغامر، اسمه "عكاشة" تمكن فى سنة 468 هـ (= 1075 م) -بتحريض من ملك طليطلة- أن يباغت قرطبة فيستولى عليها ويفتك بالشاب "عباد" وقائده "محمد بن مارتين" واستولى المأمون على المدينة ومات بها بعد ستة أشهر فقط من ذلك التاريخ. أما المعتمد الذى حركت عاطفته الأبوية وأهينت كرامته فقد ظل على مدى ثلاث سنوات يحاول استرداد قرطبة فذهبت محاولاته أدراج الرياح، ولم يقدر له النجاح إلا سنة (= 1078 م)، فقد اغتيل ابن عكاشة واستولت جيوش أشبيلية على ذلك القسم من مملكة طليطلة الواقع بين الوادى الكبير والوادى اليانع، ومع ذلك فلم يقدر للوزير ابن عمار أن يقصد السلم مع ألفونسو السادس ملك قشتالة واقتضى ذلك منه بذل كل جهوده، ولم يتم الصلح إلّا حين أرسل حملة لمهاجمة أشبيلية. فى هذه الأثناء كان الأمراء، النصارى قد نشطوا واستغلوا فرصة المنازعات الدائرة بين الحكام المسلمين المعروفين بملوك الطوائف وظهرت براعم حركة "الاسترداد المسيحى" التى استطاع آخر الأمويين صدّها ولكنها تابعت تقدمها على جنوب شبه جزيرة إيبيريا. على أنه لا يجوز أن يغيب عن الأذهان أنه فى منتصف القرن الخامس

الهجرى (الحادى عشر الميلادى) اضطر كثير من أشراف ودول أسبانيا المسلمة أن تلتمس وقوف جيرانها النصارى على الحياد مؤقتًا وذلك بدفعها لهم الضرائب الباهضة، حتى أنه قبل قليل من استيلاء ألفونسو السادس على طليطلة سنة 478 هـ (= 1085 م) وجد المعتمد نفسه غارقًا فى لجة من الصعاب الخطيرة، ومن ثم استمع إلى نصيحة وزيره ابن عمار الخائبة وحاول أن يضيف إلى مملكته مملكة مرسية التى كانت تحت حكم أمير عربى الأصل هو محمد بن أحمد بن طاهر، ومن ثم ذهب ابن عمار إلى "رامون برنجوير الثانى" كونت برشلونة والتمس منه أن يمد إليه يد المساعدة لغزو "مرسية"، وتعهد له بدفع مبلغ قدره عشرة آلاف دينار، على أن يظل "الرشيد" ابن المعتمد رهينة فى يد "رامون" حتى يفى والده بدفع المبلغ كاملًا، ودارت مفاوضات مرهقة انتهت بدفع ثلاثة أضعاف المبلغ لكونت برشلونه وحينذاك تابع ابن عمار خطته لفتح "مرسية" وسرعان ما نجح فى تنفيذ هذه الخطة بفضل مساعدة أمير قلعة "بِلْج" له (وهى القلعة المعروفة الآن باسم "فلخز") على أن ابن عمار ما لبث أن سلك مسلكًا كريهًا كل الكراهية تجاه سيده حين ظهر بمظهر الحاكم المستقل، فلما لامه المعتمد على ما كان منه ردّ عليه ردا ملأه بالشتائم والإهانات، فلما غدر به ابن رشيق لم يجد بدا من الالتجاء إلى مرسيه، ثم فرّ إلى ليون وسرقسطة ولاردة، ولما كان فى سرقسطة حاول أن يساعد حاكمها المؤتمن ابن هور فى هجومه على "شقورة" Segura، ولكنه وقع فى الأسر. وسلموه إلى المعتمد، فلم تأخذه فيه رعاية لروابط الصداقة التى ربطت بينهما زمنًا طويلًا فقتله بيده شر قتلة. لم يُخْف ألفونس السادس فى هذه الأثناء خططَه نحو طليطلة ولم يبقها سرًا مكتوبًا بل هب لحصارها فى سنة 473 هـ (= 1080 م) وحدث بعد سنتين من ذلك التاريخ أن أرسل سفارة لأخذ الجزية السنوية التى كان من الواجب أن يدفعها المعتمد إلى ألفونس، فما كان من الأخير أن عامل رجالها معاملة تنطوى على الإهانة وأمر

بقتل "ابن شلين" خازن بيت المال اليهودى الذى كان يصحب هذه السفارة إذ رفض أن يقبل عملة مزيفة، وحينذاك قام ألفونس فغزا مملكة أشبيلية وخرّب مدن "الشرف" aljarafe الأعلى فصارت يبابا بعد أن كانت مزهرة وتقدم عبر إقليم "شذونة" Sidons وجاس خلاله حتى بلغ "طاريف" Tarifa وهنا قال مقالته الشهيرة التى ازدهى فيها بأنه بلغ أقصى حدود أسبانيا. لقد كان استيلاء ألفونس السادس على طليطلة ضربة قاصمة للإسلام فى الأندلس، إذ سرعان ما طلب ملك قشتاله من المعتمد أن يسلم له الأراضى التى فى يده والتى كانت تؤلف فى الماضى جزءًا من مملكة "ذى النون"، والواقع أن مطالبه التى كانت تزداد يومًا بعد يوم وفى أسبانيا وعلى رأسهم المعتمد إلّا أنهم اضطروا إلى التماس النجدة من سلطان المرابطين يوسف بن تاشفين الذى كان قد فرغ منذ وقت قريب من فتح كل المغرب دون أن يجد مقاومة، واتفق رأى ملوك الإسلام فى الأندلس على أن يرسلوا لابن تاشفين سفارة تتألف من الوزير أبى بكر بن زيدون وقضاة بطليوس Badagoz وقرطبة وغرناطة، وأمكن التوصل فى شئ من الصعوبة فعبر يوسف بن تاشفين مضيق جبل طارق وأنزل يوم 12 رجب 479 هـ) (= 23 أكتوبر 1086 م) بالقوات المسيحية هزيمة ساحقة فى وقعة زلاقة الشهيرة التى لا تبعد كثيرًا، عن بطليموس، ولسنا فى حاجة هنا لأن نقول كيف عاد يوسف بن تاشفين إلى أفريقية وكيف أنه لم يتابع نصره على الوجه الذى كان يطمع حكام أسبانيا المسلمون أن يكون عليه، على أنه ما كاد ابن تاشفين يرحل عن الأندلس حتى شرع المسيحيون فى معاودة مضايقاتهم للأراضى الإسلامية إلى الحدّ الذى حتم على المعتمد أن يذهب بنفسه إلى يوسف ابن تاشفين يسأله أن يعبر الندوة مرة ثانية على رأس قواته، فاستجاب له يوسف وأرسى فى الجزيرة الخضراء فى ربيع العام التالى (482 هـ = 1090 م) وحاصر قلعة حصن الليط Liyyit وإن لم يستطع الاستيلاء عليه،

ثم حضه الشعور العام ونصائح الفقهاء إلى أن الخير له أن ينادى بقيادته بالجهاد فى أسبانيا وأن يُسقط الأمراء الذين كانوا قد التمسوا من قبل تدخله ويخلفهم من عروشهم فوضع هذه الغاية نصب عينيه وأنفذ جيشًا لغزو مملكة أشبيليه بقيادة "سير أبى بكر" الذى استطاع فى ختام سنة 1090 م أن يستولى على رأس طريف ثم من بعده على قرطبة التى كان يقوم بحراسة قلعتها أحد أولاد المعتمد واسمه "فتح المأمون" ولكنه قتل لما سقطت كل من قرمونة وإشبيلية الواحدة بعد الأخرى على الرغم من قتال المعتمد البطولى بل إن المعتمد نفسه سقط أسيرًا فى أيدى المرابطين الذين أرسلوه ونساءه وأطفاله فى البداية إلى طنجة ثم بعدئذ إلى "مكناس" التى أقاموا بها بضعة أشهر ثم نقلوهم إلى "أغمات" القريبة من مراكش حيث عاش فيها معيشة ضنكًا لمدة بضع سنوات حتى وافاه أجله سنة 487 هـ (= 1095 م) وهو فى الخامسة والخمسين من عمره. ولقد مست النهاية التى انتهى إليها المعتمد بن عباد شغاف قلوب كل من ترجموا له لاسيما الذين أطنبوا كثيرًا فى ماضيه وأضفوا عليه من المواهب الشعرية، وامتدحوا كرمه البالغ، وفروسيته، والحق أنه واحد من تلك النماذج العظيمة للمسلمين الأسبان المتنورين فى العصور الوسطى، وكان شديد الحرص على الأدب حفيًا برجاله، حر التفكير متسامحًا، ولكنه عاش فى جو من الترف والبلهنية والراحة التى لم تأذن له برعاية مملكة ذات حدود مفتوحة لجيران طماعين يحيطون بها من كل جانب، ولم يكن المعتمد حاكمًا عظيمًا قويًا كأبيه المعتضد إلا أنه كان أكثر منه جذبًا للأنظار وربما كان ذلك راجعًا إلى ما لقيه من نكد الحظ وسوء الطالع، وأنه لأهل أن يوضع فى صف واحد مع كبار الشخصيات الأندلسية العظيمة إلى جانب عبد الرحمن الناصر والحكم الثانى والمنصور بن أبى عامر ثم عندما جاء بعد زمن كلسان الدين بن الخطيب.

وإن المصادر التى كتبت عنه لكثيرة نذكر منها الذخيرة لابن بسام والحلة السيراء لابن الآبار والمعجب لعبد الواحد المراكشى والإحاطة لابن الخطيب وأعلام الإعلام له أيضًا والبيان المغرب لابن عذارى وقلائد العقيان للفتح بن خاقان والعبر لابن خلدون وروض القرطاس لابن أبى زرع، ولقد جمع دوزى أغلب المصادر التى كتبت عن المعتمد وضمّنها كتاب Scrihtarum arabim lai de Abbadidis (ليدن 1846)، والجزء الثالث من كتاب "المسلمون" فى الأندلس الترجمة العربية لحسن حبشى، وكتاب المعتمد بن عباد الخالص (بغداد 1958 م). كما أن أحمد شوقى وضع للمسرح رواية أميرة الأندلس ومثلت بالقاهرة، كذلك فإن هناك العديد من المقالات التى ربما اعتبرت ثانوية والتى ظهرت فى السنوات الأخيرة ومعظمها بمصر وتناولت المعتمد بن عباد، كما تناولت ماضى أسبانيا الإسلامية. أيمن حسن حبشى [أ. ليفى بروفنسال Levi-Provencal] + المعتمد بن عباد "شاعرًا": توجد فى المخطوطات التى لديوان ابن زيدون أشعار للمعتمد ولأبيه، وتزخر مصادر الأدب والتاريخ الأندلسى فى العصور الوسطى بأشعار له، كما توجد مائه وثمان وثمانون قصيدة وموشح له محفوظة ووصلت إلينا حسب ما ذكره سوليتى فى نشرة لديوان المعتمد سنة 1975 م، ومعظم القصائد الموجودة بين أيدينا قصيرة تناولت فنون الشعر كالمديح، وإن ما نظمه لا يمكن مقارنته بما تركه كبار شعراء الأندلس وإن كان قراء العصور الوسطى ينزلونه منزلة سامية ويلاحظ أن جميع قصائده الخفيفة ترجع إلى الفترة التى سبقت خلعه ويدور معظمها حول "الغزل" مع أشعار قليلة مما يسمى بالخمريات والوصف وهى أرق من الرقة كما يقول سويسى فى كتابه "المعتمد وأشعاره" المطبوع فى تونس 1977 م، وغزلياته مميزة عن غيرها فهى موجهة إلى أحبائه من الذكور والإناث على السواء، لاسيما لجيبته اعتماد ومن بينها واحدة إذا جمعت حروف أول كل بيت فيها. يتألف منها اسمها، ولعل أكثر قصائده

المعجزة

التى تدل على شخصيته هى تلك القصائد التى نظمها ووصلها إلى المعتضد لاسيما رائعته والتى هى أطول قصائده "الرائية" التى يعتذر فيها عند خسارته "مالقة"، كذلك قصيدة أخرى له تعرف أيضا بالرائية وهى التى وجهها إلى ابن عمار يذكره فيها بصداقتهما فى "شِلب". أما قصائده الأربعون التى نظمها فى المنفى ففريدة فى بابها، وهى من القصائد "الشخصية" التى تعكس المراحل التى يصوّر فيها عواطفه فى الحبس، والتى يذيب فى بعضها أيامه ويقارن فيها بين ماضيه الزاهى بحاضره التعيس الشقى، وتفيض هذه القصائد بالدموع والبكاء، وقد ينفجر غاضبًا من حظه النكد، ويعلل نفسه فى بعضها الآخر بالصبر، ويصوّر معاندة القدر له، كما أن يهدهد نفسه بالأفكار الدينية، كما أننا نرى قصائد دافئة له يوجهها إلى زائريه، أما قصائده التى يخاطب فيها غربان أغمان السوداء ويتحدث فيها إلى أصفاده، فمثيرة للمشاعر وكذلك القصيدة التى نظمها لتكتب على قبره. ويستعمل المعتمد بن عباد فى شعره الكلمات البسيطة ولكنه يستخدم جميع الصور البلاغية لاسيما الطباق وشتى ضروب الجناس. ويمكن للقارئ بالإضافة إلى ما ذكره ليفى بروفنسال من المصادر فى القسم الأول من فصل "المعتمد" أن يرجع أيضًا إلى زيدان المعتمد الذى طبعه أحمد بدوى وحامد عبد المجيد سنة 1951 م، والى المعتمد بن عباد: دراسة أدبية تاريخية لصالح خالص (بغداد 1958 م). أيمن حسن حبشى [ر. ب. سيندلين R.B.Scheindlin] المعجزة مشتقة من "عجز"، ويقصد بها الوسيلة الإلهية التى بها يفحم الرسول مكذبيه. وهذا اللفظ لم يرد فى القرآن، وقد أصبحت المعجزة مرادفة للآية، يقصد بها الفعل الخارق الذى به يثبت اللَّه سبحانه صدق النبوة أو الرسالة. أما الكرامة فهى تنسب للأولياء. وهى تختلف عن المعجزة فى أنها لا تعنى شيئا أكثر من كونها تميز شخصًا تفضل اللَّه بها عليه.

معد

وقد جاء ذكر المعجزات للرسل والأنبياء، بما فيهم محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، فى كتب السيرة والأحاديث. ولكن لفظ معجزة لم يكن مستخدما، ففى "الفقه الأكبر" ذكر لآيات الأنبياء وكرامات الأولياء. وقد وردت كلمة معجزة فى كتابات النسفى، الذى قال إن اللَّه يؤيد رسله بمعجزات هى من خوارق العادات. ويُعرف التفتازانى المعجزة بأنها أمر على خلاف المألوف، تظهر على يد النبى كتحد لمخالفيه. وبذلك يثبت اللَّه بها صدق رسالته. ويتناول كتاب المواقف للإيجى المعجزة بشكل دقيق وفطن، أما شروط المعجزة فهى: 1 - أن تكون من فعل اللَّه. 2 - أن تخالف المألوف. 3 - من المستحيل دحضها. 4 - أن تكون ممن يقول بالرسالة. حتى تكون دليلا على صدقه. 5 - أن تكون متفقة مع ما يعلنه عنها، وليست للتنصل من دعوته. 6 - أن تكون مقترنة ومعضدة لدعوته. على يوسف على [أ. فنسنك A. J. Wensinck] معد " معد" اسم جمع للقبائل العربية الشمالية (انظر جزيرة العرب (جـ 6) = جـ 1، ورقة 544 ب). ووفق سلسلة النسب المتفق عليها، يكون معد هو ابن عدنان (انظر هذه المادة). وكان لابنه نزار ثلاثة أبناء، هم: مضر، وأياد وربيعة، ويزعم أن معظم العرب الشماليين من سلالة ابنه الأول، وابنه الثالث. ويقال إن معدًا وسلالته قد عاشوا فترة من الزمان فى مجاورة لمكة، وأنهم تزاوجوا مع جرهم. ونجد اسم معد عند شعراء العصر الجاهلى مثال ذلك فى أبيات لامرئ القيس (طبعة Ahlwardt، رقم 41، جـ 1، ص 5) كما أن اسم "معد" مستخدم لبعض رجال القبائل الذين قدموا للاستقرار فى المدينة قرب نهاية حياة النبى محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] (وهم الذين يشار إليهم أيضا بأسماء نزار ومضر)؛ وثمة سلاسل نسب متباينة لأسلاف معد فى ابن قتيبة: المعارف (ص 18/ 34؛ 30 وما بعدها/

المعراج

63 وما بعدها)، وفى ابن هشام: السيرة (ص 5 - 7)، وفى المسعودى: (مروج الذهب، جـ 4، ص 115 - 18). ويقال إن النبى محمدًا [-صلى اللَّه عليه وسلم-] قد نهى عن اقتفاء سلاسل النسب فيما وراء معد (المرجع نفسه، جـ 4، ص 115 - 118 وما بعدها). المصادر: (1) الطبرى: جـ 1، ص 671 وما بعدها. (2) ابن الكلبى جمهرة الأنساب طبعة Caskel. (3) المسعودى: تنبيه الفهرس (شاهد للنزاعات حول سلاسل النسب). حسن شكرى [مونتجمرى وات W. Montgmery Watt] المعراج يقصد به أصلا "سلم"، ولكن أصبح يقصد -اصطلاحا- به "الصعود"، وبالذات صعود الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] للسماء. 1 - فى التفسير الإسلامى والتقاليد الشعبية والصوفية للعالم العربى. تتحدث سورة التكوير، الآيات من 19 إلى 25، وسورة النجم، الآيات من 1 إلى 12 عن رؤية بدت للنبى الكريم، ثم تتحدث الآيات من 12 إلى 25 من سورة النجم عن رؤية أخرى. وفى الحالتين لا تتكلم الآيات عن صعود للرسول بذاته للسماء، بل رؤيته لصورة سماوية تقترب منه. على أن الأمر يختلف بالنسبة للآية الأولى من سورة الإسراء: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ}، فقد ذكرت ثلاثة تفاسير لهذه الآية: (1) التفسير القديم، والذى لم يعد له ذكر تقريبًا فى كتب التفسير الحديثة يرى فى هذه الآية إشارة للمعراج، ويفسر المسجد الأقصى بأنه "أقصى مكان للعبادة" أى السماء، والإسراء طبقا لهذا الرأى يكون مرادفا للمعراج. البخارى، القاهرة، 1927 م، باب كان النبى تنام عينه ولا ينام قلبه).

(2) التفسير الثانى والمأخوذ به فى كل كتب التفسير الأحدث يفسر المسجد الأقصى بأنه بيت المقدس، دون دليل. ويقال إن ذلك كان بتأثير الأمويين لإعطاء قداسة لبيت المقدس اثناء الحرب مع عبد اللَّه بن الزبير. [لاحظ أن قدسية بيت المقدس ترجع لعهد الرسول الكريم، راجع الحديث "لا تشد الرحال. . . " وغيره من الأحاديث]. ويبدو أن الطبرى يرفض ذلك فى تاريخه. بعبارة تفصح عن رأى نهائى للمؤرخ، تشكلت على اعتبار الدليل الماثل أمامه. وفى كلا التفسيرين، يفسر "بعبده" بأنه الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وهذا حق. ويأخذ الإجماع بكلا التفسيرين، فيفسر الإسراء بأنه الرحلة من مكة إلى المسجد الأقصى والمعراج بأنه الصعود للسماء، واعتبر أنه حدث فى تاريخ آخر لاحق على الإسراء. وتجرى قصة الإسراء على الوجه التالى: ذات ليلة والرسول نائم بجوار الكعبة، (أو فى بيت أم هانى) جاءه جبريل فأيقظه وقاده إلى حيوان مجنح يسمى "البراق"، امتطاه وانطلقا به إلى بيت المقدس، حيث مرا فى الطريق بمشاهد لبعض القوى الشريرة والطيبة، وزارا الخليل وبيت لحم، وفى بيت المقدس قابل إبراهيم وعيسى وموسى (عليهم السلام) فصلى بهم إماما. (3) ويعتمد التفسير الثالث على الآية {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ} (الإسراء، 60)، فيفسر الإسراء على أنه رؤيا، وبالتالى لم تكن رحلة حقيقية. فقد كان الرسول واقفا على "الحجر" يصف بيت المقدس للمشركين وهو يراه بالفعل. فأثناء إخبار النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] لقريش برحلته لبيت المقدس ليلا، وما أعقبها من إنكار المشركين عليه ذلك، وارتداد بعض المسلمين، سألوه عن تفاصيل نسيها، فأراه اللَّه بنت المقدس رأى العين. وقد ثار الجدل حول ما إذا كان الإسراء بالروح أم بالجسد، ويذهب الأصوليون من المفسرين إلى أنه كان بالجسد يقظة، ويسوق الطبرى الأدلة

2 - فى الأدبيات العربية

التالية على ذلك: 1 - لو كان النبى قد أسرى به بالروح مناما، لما كان هناك أساس لطلب البرهان على صدق روايته ونعت مخالفيه بالكفر. 2 - تقول الآية الكريمة أن اللَّه أسرى بعبده، وليس بروح عبده. 3 - لو كان الإسراء بالروح لما كان هناك ضرورة للبراق، لأن الركوب عليه يكون للجسد لا للروح. وتسوق الأحاديث تفاصيل أكثر عن المعراج، وهنا نجده مرتبطا بالإسراء، بحيث أن المعراج تم من ذلك المكان المقدس، وإن كنا نجد روايات تقول إن المعراج كان من مكة، ولا تذكر شيئا عن الإسراء. ومن هذه الروايات ما يجعل المعراج تاليا لشق صدر الرسول، وذلك بعد البعثة بقليل كإعداد لمرحلة النبوة، ومنها ما لا يربط بين الحدثين، على أساس أن شق الصدر كان فى مرحلة الطفولة. وتزيد بعض الروايات فى التفصيل لتصف السلم الذى كان به الصعود للسماء، فتتحدث عن بهائه وروعته. ويطلق على هذا السلم اصطلاحا "المعراج". ففى سورة المعارج يصف اللَّه نفسه بأنه "ذو المعارج" الذى {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ}. وقد ثار الجدل حول ما إذا كان المعراج حقيقة أم رؤيا، أى بالروح أم بالجسد. كما رفضت الروايات المتواترة أن يكون الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] قد رأى اللَّه رؤى العين عند مثوله أمام العرش. وعند الصوفيين، فإن المعراج رمز لارتفاع الروح عن نطاق المحسوسات. ولعل قصة المعراج كان لها أثر فى رواية أبى العلاء المعرى "رسالة الغفران"، والتى بدورها كان لها تأثير على رواية دانتى "الكوميديا الإلهية". وطبقا لابن سعد، فقد وقع الإسراء فى السابع من ربيع الأول، والمعراج فى السابع عشر من رمضان. ولكن الاحتفال بليلة المعراج يتم منذ قرون فى ليلة السابع والعشرين من رجب. 2 - فى الأدبيات العربية: تذهب قصص المعجزات المبنية على الرؤى، سواء كانت كتابية أم شفوية،

فى مسيرة التطور إلى أبعاد تتجاوز ما يقبله التحليل الدينى. وعلى ذلك، فإن أدبيات المعراج ينبغى أن تفهم من خلال مجموع ما قدمه مؤلفوها سواء كانوا معروفين أو مجهولين، الذين كرسوا جهودهم لبحث المعراج. ولسنا فى وضع يسمح لنا أن نضع تسلسلا زمنيا لتطور هذا القصص. ولكن دراسة الرحلة المقدسة، بصرف النظر عما يرفضه رجال الدين منه، يسهم فى تحليل الخيال القصصى لدى المسلمين. وتبنى القصص بصفة رئيسية على أساس رواية ابن عباس، ابن عم الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وهو ما يأخذه فى الاعتبار فى قصة المعراج بعض المؤلفين المعروفين إلا أن اغلبها مشكوك فى نسبه لمؤلف معين. أما المعروفون من المهتمين بهذا الموضوع فنذكر منهم: - القشيرى، أبو القاسم عبد الكريم، المتوفى فى 465/ 1073، وقد نشر كتابه "كتاب المعراج" فى القاهرة عام 1964 م. - البكرى، أبو الحسن أحمد بن عبد اللَّه، يعتقد أنه عاش فى النصف الأخير من القرن السابع الهجرى/ الثالث عشر الميلادى، وفى كتابه "كتاب قصص المعراج" يقدم رواية قريبة من المنسوبة لابن عباس. - الغيطى، محمد بن أحمد على المتوفى عام 984 هـ/ 1576 م، مؤلف "الابتهاج بالكلام على الإسراء والمعراج"، مطبوع فى 1970 م. - البرزنجى، المفتى الشافعى للمدينة ومؤلف "قصة المعراج". وكان حفيده جعفر بن إسماعيل المتوفى فى 1217 هـ/ 1899 م من فقهاء الشافعية ومن المتخصصين فى السيرة، وهو مؤلف "تاج الابتهاج على النور الوهاج فى الإسراء والمعراج"، مطبوع فى القاهرة عام 1314 هـ وعلى حاشيته كتاب جده. وتختلف رواية البرزنجى عن المنسوبة لابن عباس من حيث اللغة والرواية، فهى رواية موجزة متحفظة، بما يدل على فقيه مهتم بمصداقية ما يرويه.

إن تطور أدبيات المعراج قد أدى إلى دمجها فى ثلاث قصص تروى كمعجزات للنبى: (أ) قصة شق الصدر، وتذكرها بعض الروايات كتمهيد للمعراج. (ب) قصة الإسراء، وقد ربطت فى بعض الروايات بالمعراج، على الرغم من ذكر تاريخين مختلفين للحدثين. (ج) وأخيرا قصة المعراج ذاته، بما تتضمنه من صعود للسماوات ومثول أمام العرش وحوار مع اللَّه ورؤية الجنة والنار والعودة إلى مكة. وقد تم تصنيف هذه الموضوعات على النحو الآتى: (أ) قصص الأنبياء، والتى تتحدث فى بدايتها عن نشأة الكون. (ب) التاريخ العام والذى يتحدث فى أمور متعلقة بالكون، وتعطى الدراسة المقارنة بينه وبين قصص المعراج دلالات هامة. (ج) قصة الحشر والتى تستشهد بالنصوص المتعلقة بالقيامة والتى تتحدث عن مصير البشر بعد البعث. والعلاقة بين قصص المعراج وقصص القيامة جد وثيقة، فنفس أسلوب تصوير المشاهد، ونفس الصور الخيالية، هو ما أخرج كلا النصين. ولنا أن نلاحظ أيضا اقتباس هذه الصور فى أعمال أخرى، فكتاب "عجائب المخلوقات" للقزوينى يتكلم باستفاضة عن الملائكة، وما تضمنته قصص ألف ليلة وليلة من حوادث كونية، مؤسس فيما يبدو على كتاب "قصص الأنبياء" للثعلبى. وما نتحدث عنه هنا هو ما يصح أن نطلق عليه مجموعات الكتابات غير الموثقة المتعلقة بالجحيم والجنة والملائكة والعرش، والسماوات، والتى تمثل كل مجموعة منها نوعا مستقلا بذاته، تضمن تراثا إسلاميا وغير إسلامى. والتحليل المفصل لهذه الأعماله سوف يمكننا من التوثيق التاريخى لهذه الأدبيات. كما لا يمكننا أن نعزل قصص المعراج عن الأعمال الصوفية لأمثال ابن العربى وابن سينا والسهروردى، فكتاب "ككتاب التوهم" للمحاسبى يتضمن العديد من هذه الموضوعات.

3 - أدبيات المعراج فى شرق وغرب أفريقيا

على أن قصص المعراج يجد له روافد أيضا من الأدب الشفوى، ومن صوره المواعظ، حيث نجد التواصل بين الرغبة والوسيلة، الرغبة فى المعجزة لدى المؤمنين الذين هم بحاجة إلى الإيمان، والوسيلة لتلبية ذلك عن طريق إطلاق الخيال من قبل الوعاظ. ولا يوجد تجميع للقصص الشفوى للمعراج، وقد تضمنت النصوص صورا مزخرفة تشبع رغبات المستمعين وهى الحالة التى أورثت شكوكا فى الدين، الأمر الذى واجه فيه الفقهاء والمتكلمون المبتدعين، فقد شن ابن حنبل والغزالى وابن الجوزى والسيوطى، حربًا شعواء، تنزيها للدين عن الخرافات والأساطير المؤسسة على أحاديث مشكوك فى إسنادها. وقد ثار نفس السؤال حول طبيعة المعراج، من حيث كونه بالروح أم بالجسد، ولدينا هنا تفاسير ثلاثة: (أ) كان الإسراء بالروح، كإشراق روحى يتجاوز حدود الطبيعة البشرية، ويربط النفس الطاهرة باللَّه سبحانه. وانبعاث الإيمان من قلب المؤمن يمكن أن يؤدى لنتيجة مشابهة. (ب) كان الإسراء بالجسد، أما المعراج فبالروح، وذلك حين يربط بين الحادثتين. (ج) كان المعراج بالجسد والروح، والتى كان فيها النبى فى كامل وعيه وهنا تكمن المعجزة التى أصبحت مجالا للجدل الدينى. وبذلك وجدت الرغبة فى إضفاء بعد للرسول يتجاوز التاريخ له، فنسج من قصة شق الصدر والإسراء والمعراج وحدة واحدة تتجاوز المنطقة الهامة فى أعماق الخيال الدينى. هذا التصور ينفى كون المعراج بالروح، دون أن يخل بدرجة الرسول الإيمانية. وبنفى تصور المعراج كدفقة إيمانية روحية، فتح الباب أمام كافة شطحات الخيال. ومن الآن فصاعدا، نجد التناقض بين القصص القرآنى فى إيجازه، وما تفرزه خيالات القصاصين. 3 - أدبيات المعراج فى شرق وغرب أفريقيا: لقد كانت الاحتفالات بذكرى الإسراء والمعراج مناسبة لظهور نوع من الأدب

المصادر

الشعبى واسع الانتشار، من مصر إلى شواطئ شرق أفريقيا، حيث أكثر المؤلفات انتشارا لهذه المناسبة هى كتاب البرزنجى [انظر بعاليه]. وتوجد باللغة السواحلية ترجمتان، مصاغتان شعرا، وبالإضافة لهما يوجد العديد من النسخ المعدلة. كما توجد قصيدة مطولة وضعها الشاعر محمد ابن أبو بكارى كيجوما. ويحتفل بليلة الإسراء والمعراج فى المساجد فى شرق أفريقيا بإنشاد هذه الأشعار بعد ليلة من العبادة، ثم يكون الوعظ للحديث عن هذه المعجزة ومدلولاتها. وفى مناطق الهاوسا فى شمال نيجيريا، تعتبر أشعار الإسراء والمعراج جزءا من أدب "المعجزات"، وهى قصائد كتبت فى مدح الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، يمكن تلاوتها أو إنشادها، وتسمى "مداحو"، من المديح. وهى من الأدب الشعبى واسع الانتشار، وتتلى غالبا فى رمضان حيث تكون النفوس متقبلة للروحانيات. وفى غانا، يمثل موضوع الإسراء والمعراج جزءا من الاحتفال بالمولد النبوى الشريف (كما هو الحال فى شرق أفريقيا)، ويحتفل به فى كوماسى والمناطق الساحلية. كما توجد قصيدة طويلة باللغة الفولانية شائعة بدرجة كبيرة تنشد فى شمال الكاميرون، تسمى "بوسارو" من "البشارة"، بها جزء كبير مخصص لقصة الإسراء والمعراج. المصادر: Abdullahi Bayaro Yahya: The Hausa vese category of Madahu, Univ of Sokotk, Nigeria 1978 4 - المعراج فى الأدب الإندونيسى: الاحتفال بالإسراء والمعراج فى غرب جاوة من الاحتفالات الشعبية، ويتم فى المساجد أو فى المنازل أو فى ما يسمى "لاجر"، وهو مكان للعبادة ملحق بالمنزل. وفى ليلة السابع والعشرين من رجب، وفى بعض الأماكن قبل ذلك بليلة، تتجمع الأسر، وقد يدعى الأصدقاء، ويكون الاحتفال عادة بشكل

منفصل بين النساء والرجال. ولا يدخن الرجال، حيث أن الملائكة لا تحب التدخين. ويبدأ الاحتفال بعد صلاة المغرب، وينتهى فى منتصف الليل بوليمة تسمى "سلاتامان salataman" بعد صلاة العشاء. وتقص القصص على الحضور، وفى الملايو يتلى عادة أجزاء من "الزهر الباسم فى أطوار أبى القاسم" من تأليف سيد عثمان بن عبد اللَّه بن عاقل بن يحيى. ويحرق أثناء التلاوة خشب يعطى أريجا طيبا يسمى "جاهورو". وفى المدن، حيث يوجد من يستطيع التلاوة باللغة العربية، تتلى ما يعرف بـ "الدردير" "حاشية الإمام العارف باللَّه تعالى أبى البركات سيدى أحمد الدردير على قصة المعراج للعلامة الهمام بركات الأنام نجم الدين الغيطى" كما توجد قصيدة عن المعراج بلغة أهل الملايو من تأليف الحاج آدم بن الحاج قاسمان تسمى " Syair Mi'raj Nabi Muhammad ". وفى المسجد يبدأ، الإمام بـ " nasiha" أى الموعظة، يفسر فيها ما يتعلق بالإسراء والمعراج من سورتى الإسراء والنجم، وقد يستشهد بمؤلف البرزنجى. وينتهى الاحتفال بإنشاد للصلاة على النبى، أيضا مقتبس من مؤلف البرزنجى، ينشده الحاضرون وقوفا مع الإمام. كما أنه من المعتاد أن يتحدث الإمام عن المعراج فى خطبة الجمعة السابقة على ليلة السابع والعشرين من رجب. وتزدان المساجد بالأنوار بهذه المناسبة، وقد تطلق الألعاب النارية، وفى المنازل يظل أحد المصابيح مضاء طوال الليل. وقد يظل الاحتفال حتى صلاة الفجر، تذكيرا بلا شك لكون الرسول قد رجع من المعراج فى ذلك الوقت. ويقوم الواعظ بسرد القصة، مضمنا إياها العبر والمواعظ. هذا وقد ظهر اتجاه بين الحربين العالمين بين الشباب من المسلمين، يعارضون هذه الاحتفالات، باعتبارها بدعة تصل إلى عبادة النبى على حساب عبادة اللَّه ويفسر المحدثون هذه الاحتفالية على أنها رمز لتطور روحانى ولكن المحافظين على التقاليد يتمسكون بالعادات فى هذا الأمر، ويأخذون

المصادر

المعراج بمعنى حرفى صرف، فيعتقدون أن النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] قد رأى اللَّه سبحانه بعينى رأسه. المصادر: 1 - G.Th.Pigeaud: The Literature of Java The Hague 1967, 99 5 - المعراج فى الفن الإسلامى: يعرض المسلمون بناء على مفاهيم دينية عن تصوير البشر أو عمل تماثيل لهم أو لغيرهم من المخلوقات، ناهيك عن تصوير الرسول الكريم [-صلى اللَّه عليه وسلم-]. ولكن هذا الحظر لم يعترف به لدى الفرس، وعلى ذلك فعلينا اللجوء للرسومات المنمنمة للفن الفارسى لمشاهدة تصوير حادثة المعراج فنيا. وقد كتب السير توماس أرنولد فى هذا الخصوص: "لقد كان أمرا معتادا للشعراء، أن يضمنوا فى مقدمة أعمالهم، دفقة عاطفية مستوحاة من معراج النبى محمد، ولا توجد حادثة فى التاريخ تماثل هذا الحدث فى التمثيل الفنى". ولقد شهد الفن أعمالا كثيرة مخصصة لقصة المعراج، وما صاحبه من أحداث. وأولها متضمن فى مخطوطة يرجع تاريخها للقرن الثامن الهجرى/ الرابع عشر الميلادى، محفوظة فى ألبوم Topkapi H. 2154، تحتوى على رسومات تنسب إلى أحمد موسى. وثانى هذه الأعمال هو المخطوطة الشهيرة المحفوظة فى باريس، والمزينة بأجمل ما رسم فى فن باريس كله، وتعود لعام 840 هـ/ 1436 م. وهاتان المخطوطتان حالة خاصة، حيث إن الاهتمام يوجه لما يصاحب أعمال الشعراء الكلاسيكيين من تزيين بصور مستوحاة من المعراج. وأقدم هذه الأعمال يرجع لبداية القرن التاسع الهجرى/ الخامس عشر الميلادى، فى مجموعة إسكندر سلطان المحفوظة فى المتحف البريطانى، وفيه تصوير للنبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] راكبا البراق، مصحوبا بجبريل ومحاطا بالملائكة، والكعبة أسفل الركب. وهذا الرسم مكرر فى لوحة من صفحتين محفوظة بمتحف الفنون الجميلة بمكتبة شستر، وتعود لنفس التاريخ. وفى اللوحتين، وكذا فى لوحة محفوظة بباريس تعود

المصادر

لعام 1436 م، يصور النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] مكشوف الوجه ولكن فى اللوحة الأخيرة، أعيد الرسم بحيث محى الوجه. واتجاه تصوير النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] مكشوف الوجه كان هو الخط الفنى فى العهد التيمورى، كما فى اللوحة المحفوظة بالمتحف البريطانى وتعود لعام 910 هـ/ 1515 م، ولعلها من أوائل أعمال السلطان محمود، وتعتبر من أكثر اللوحات أصالة وتعبيرا عن الحدث، ويصور فيه الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] مصحوبا بالعديد من الملائكة، ويراقبه آخرون منهم من خلال كوة فى السماء. والكعبة أسفل اللوحة، وفى خلفيتها صحراء ذات نخيل. وفى عهد الصفويين، حذفت الكعبة من الرسومات، وغطى وجه الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، وأجملها ما ينسب لمجموعة الشاه طهماسب، وهى بالتأكيد من أعمال سلطان محمود، وقد تكون لوحة الوداع له. وتوجد أعمال ذات صفة استثنائية، منها اللوحة من مجموعة Topkapi H 774, قد ترجع إلى غرب الهند، يصور فيها الرسول كقرص من ذهب، مخطوط عليه اسمه، ولوحة أخرى بالمتحف البريطانى، يصور فيه المعراج على خلفية من دوائر متحدة المركز، مع تصوير للكواكب تدور حول الشمس. وفى عهد ما بعد الصفويين، أخذ الموضوع شكلا فجا، فيضاف للبراق ذيل طاووس وتاج بدائى المنظر، ويرمز للنبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] للنبى بكتلة غير واضحة المعالم. ولكن خزانة القوارير المحفوظة فى متحف برلين، والتى تعود لعام 1288 هـ/ 1871 م، مزينة برسم دقيق جميل للحدث، صور فيه بالأسلوب التقليدى. المصادر: 1 - Sir Tomas Arnold: Painting in Islam, Oxford, 1928 2 - Marie-Rose: The miraculous Journey of Mohammed, London, 1977 على يوسف على [روبنسون B.W. Robinson] مراجعة د. محمد الشحات الجندى

معروف الرصافى

معروف الرصافى شاعر من أبرز شعراء العراق الحديثة، وأكثرهم جرأة وصراحة فى التعبير عن آرائه السياسية. ولد فى بغداد سنة 1875 م، أبوه عبد الغنى محمد من أصل كردى من قبيلة الجبارية (بين كركوك والسليمانية فى شمال العراق (وكان رجلا تقيا، عمل كشرطى "درك" خارج بغداد، ولهذا فقد نشأ معروف وتلقى تعليمه على يد أمه فاطمة بنت جاسم، والتى تفرغت له فى منزل أبيها وأصلها من قبيلة عربية، وهى فرع من قبيلة شمر التى استوطنت فى حى قرغول فى بغداد). ذهب معروف إلى "الكُتاب" فى بغداد حيث تعلم القراءة وترتيل القرآن وحفظه، وبعد أن قضى ثلاث سنوات فى المدرسة الابتدائية التحق بالمدرسة الرشدية العسكرية. ورسب فى امتحانات السنة الرابعة، ولم يستمر فى دراسته المدنية المؤهلة للخدمة العسكرية أو الحكومية ومن ثم فقد تحول إلى الدراسات الدينية، وتتلمذ على يد العالم الشهير محمد شكرى الآلوسى (1857 - 1924 م)، وآخرين من أمثال شيخ عباس القصاب وقاسم القيس لمدة اثنتى عشرة سنة. وكان تلميذا متميزا، ثم أصبح صوفيا مخلصا، وعرفانا بذلك أطلق عليه أستاذه اسم معروف الرصافى نسبة إلى العالم الصوفى الشهير معروف الكرخى. ولا تدلنا مصادر السير والتراجم عن الكيفية التى فى دراسته معيشته السنوات فى دراساته الدينية والأدبية، ولا الكيفية التى حقق بها تلك المكانة الشعرية المرموقة. كل ما نعرفه هو أنه كان مضطرا للعمل كمدرس فى مدرستين ابتدائيتين فى بغداد، ثم تركها إلى مدرسة ثالثة فى "المندلى" فى "ديالا" سعيا وراء الأجر الأعلى. وحاول فيما بعد أن يعود ليستقر فى بغداد واجتاز فيها بتفوق اختبارا فى اللغة العربية والأدب، ومن ثم عُين مدرسا فى مدرسة ثانوية، حتى سنة 1908 م. وخلال هذه السنوات نشر قصائد فى المجلات المصرية الدورية الشهيرة مثل المؤيد والمقتطف، مثلما

فعل غيره من الشعراء المشهورين فى العراق، أمثال الزهاوى، نظرًا لأنه لم تكن هناك مجلات دورية متميزة تصدر فى العراق فى ذلك الوقت وأصاب قدرا من الشهرة فى الأقطار العربية الأخرى وكذلك بين المهاجرين العرب فى أمريكا، ولم تبدأ فى شعره حتى هذه المرحلة أى ميول دينية، فقد كان علمانيا خالصا يدعو إلى حرية التفكير فى مواجهة حكم الاستبداد، ويحث شعبه على الأخذ بروح العلم والثقافة والاقتداء بالنمط الأوروبى، واصفا ومادحا الاختراعات الحديثة، مدافعا عن ضحايا الظلم الإجتماعى، ناعيا الأوضاع المتدهورة التى آلت إليها الدولة العثمانية، وخصوصا فى العراق وأيد أيضا شعار الثورة الفرنسية الذى تبناه حزب التجمع والتقدم، وهو "الحرية والعدالة والمساواة"، كما يتجلى ذلك فى قصائده الصادرة فى "ديوان الرصافى". وبعد الثورة التركية الفتية فى 10 يوليو 1908 م ترجم إلى العربية أغنية التجمع لشاعرهم "توفيق فكرت"، والتى أصبحت النشيد المدرسى فى العديد من الأقطار العربية، ويبدو أن تعاطفه مع أيديولوجية حزب الجمع والتقدم، أغرت فرع الحزب فى بغداد، والتى كان يرأسه مراد بك سليمان (شقيق محمود شوكت)، أن يدعوه لرئاسة تحرير القسم العربى فى جريدة الحزب السياسية الثقافية الصادرة بلغتين والناطقة بلسانه. واحتفل الرصافى شعرا وفعلا بإعلان الدستور (دستور 10 يوليو 1908). فقد اقتحم الرصافى مع مجموعة من اصدقاء اليهود والمسيحيين جامع "الوزير" فى يوم من أيام الجمعة، وأزاحوا الخطيب بالقوة من فوق المنبر، وألقوا خطبا دعائية لإيديولوجية حزب التجمع والتقدم. وأثار تصرف الرصافى غضبا عارما بين الدوائر الدينية والمحافظة فى بغداد، وطالبوا بشنقه، وتظاهروا أمام الوالى ناظم باشا، حتى أن الأخير وضعه فى الحجز التحفظى حرصًا على حياته. إلا أنه فى بداية سنة 1909 م وبناء على طلب أحمد جودت محرر جريدة "إقدام"، وصل الرصافى إلى إستانبول

مارا ببيروت، لإصدار النسخة العربية من المجلة، التى كان الأمل معقودا عليها لخلق تفاهم جديد بين الفصيلين الرئيسيين فى الدولة العثمانية، الأتراك والعرب، ولتكون ناطقة بلسان الحزب. وخاب أمل الرصافى، عندما علم بأن المحرر لم يستطع تدبير الدعم المالى اللازم لإصدار الجزء العربى، لذلك فقد رحل إلى "سالونيكا" ومن هناك سار محمود شوكت، قائد الجيش الثالث لمقدونيا بجيشه إلى إستانبول وخلع السلطان عبد الحميد الثانى فى 13 أبريل سنة 1909 م، ومؤيديه برئاسة "درويش وحدتى" الذى كان قد تقلد السلطة فى 31 مارس 1909 م. وفى قصيدته "رقية الصريع" هجا الرصافى الحكومة العثمانية لاستبدادها ووصفها بأنها ضد التقاليد الإسلامية ودعا إلى حكومة جمهورية من أجل تحقيق الحرية كما فى أوروبا. ووصف فى قصيدته (فى سيلانيك) مسيرة الثورة ورحلته مع الجيش إلى إستانبول ضد السلطان. وفى قصيدته "تموز الحرية" حيا الثورة التركية الفتية وعبر عن سعادته بالإطاحة بعبد الحميد. وعند عودته إلى العراق، عبر بيروت استقبله الأدباء بترحيب جم وعلى رأسهم أمين الريحانى. وكان يعانى أيامها من ضائقة مالية ولكن لحسن حظه، فقد ساعده مالك المكتبة الأهلية بشراء ديوانه، وقام محيى الدين خياط بتنقيح قصائده وترتيبها، وكتابة المقدمة وكانت هذه الطبعة مثل تلك التى تلتها مليئة بالأخطاء المطبعية. وتحتوى طبعة دار العودة فى بيروت سنة 1970 م على عدد أقل من الأخطاء، بيد أن الطبعة الجديدة، التى علق على حواشيها مصطفى على الرصافى صديقه الحميم ومريده، والصادرة فى أربعة أجزاء عن الحكومة العراقية فى بغداد سنة 1974 م، وهى فقط الطبعة الكاملة والمرخصة، واستبعدت القصائد الجنسية للرصافى من كل الطبعات -فيما عدا قصيدته "بداعة لا خلاعة"- ولم تسمح السلطات العراقية بنشرها أبدا. ولم تتضمن الطبعات الأسبق العديد من الأبيات والقصائد التى تهاجم الملك فيصل الأول وحاشيته وتعارض وصاية عبد اللَّه ونورى السعيد وآخرين.

واستأنف عمله فى جريدة "بغداد" عند عودته إلى الوطن، ولكنه سرعان ما قبل عرضا جديدا هذه المرة من "جمعية أصدقاء العرب" التى يرأسها "الزهاوى" و"فهمى المدرس" فى إستانبول لتحرير جريدتهم اليومية "سبيل الرشاد" وفى إستانبول كان يلقى محاضرات فى مدرستين عاليتين فى اللغة العربية والأدب. وقام بتعليم "طلعت باشا" -العضو البارز فى حزب التجمع والتقدم- اللغة العربية، وكانت لعلاقته مع طلعت أثرها فى أن يُنتخب فيها سنة 1912 م فى مجلس النواب العثمانى. نائبا عن منطقة العراق، وتزوج أيضا أرملة اسمها "بلقيس" لم ينجب منها. ويذكرها مرتين فى ديوانه: فى القصيدة الأولى عندما تطلب منه "ألا يرحل، بينما ترغمه طموحاته أن يفعل". وفى القصيدة الثانية، ناشد فيها عائلة الجميل طالبا العون للسفر إلى تركيا، ليرى "من يحن قلبه إلى رؤياها". ويبدو أنه طلقها أخيرا فى سنة 1925 م رسميا، لأنه لم يكن قادرا على إعالتها. كان الشغل الشاغل للرصافى هو الحفاظ على وحدة الدولة العثمانية من خلال توحيد كل الأديان والقوميات المختلفة فيها. وكذلك ابقائها وفقا لإيديولوجية لجنة التجمع والتقدم ولهذا السبب هاجم التجمع العربى فى باريس (يونيو 1913 م) وانتقد أعضاءه فى قصيدته الساخرة "ما هكذا" متهما إياهم بتعريض وحدة الدولة للخطر، وتشجيع أطماع الفرنسيين فى سوريا، وزرع العداء بين المسيحيين والمسلمين. كان الرصافى فى الواقع مدافعا عظيما عن إحياء الروح والثقافة العربية داخل إطار الدولة العثمانية. وناقدا عنيفا للقوى الأوروبية التى تسعى لتدميرها وحينما اندلعت الحرب العالمية الأولى، نظم قصيدة "الوطن والجهاد" يدعو فيها المسلمين أن يدافعوا عن الإسلام، وينتقد فيها المصريين لتأييدهم البريطانيين، ويعبر عن أمله فى أن يهزم العراق العدو الزاحف نحوها. إن هذا التضامن مع الدولة العثمانية يفسر لنا أيضا لماذا لم يرث الرصافى فى شعره هؤلاء القوميين العرب الذين شنقهم جمال باشا (1916 م). ويبرر من ناحية أخرى هجومه على

الشريف حسين فى مكة لثورته ضد العثمانيين ولم يحتفل بتأسيس الحكومة العربية فى دمشق برئاسة الأمير فيصل بن الحسين (1918 م)، ولا أسف على طرد الأخير من سوريا (1919 م)، كما أنه لم يذكر كثيرا فى شعره الثورة العراقية ضد بريطانيا فى سنة 1920 م. وبعد نهاية الحرب فى سنة 1918 م ترك الرصافى إستانبول إلى دمشق، حيث شكل الأمير فيصل حكومته العربية، بيد أن الأمير تجاهله بسبب قصائده الساخرة -فيما سبق- من والد فيصل الشريف حسين ومن القوميين العرب، ولم يتوقع الرصافى فى الواقع استقبالا من هذا النوع من الأمير فيصل زميله السابق فى البرلمان العثمانى، وخاب أمله لأنه كان يعتقد أنه اتخذ الموقف الشريف والصحيح لمصلحة الدولة العثمانية. وعلى ذلك فقد قبل وظيفة فتن دار المعلمين فى القدس (1918 - 1921 م)، حيث أصبح هو محرر النشاط الاجتماعى والأدبى هناك مع الكتاب الفلسطينيين، إسعاف نشاشيبى وخليل سكاكينى وعادل جبر. وفى سنة 1921 م نشر مدير الكلية خليل طوطاح مجموعة للرصافى من 17 أغنية مدرسية مع الخلفية الموسيقية لها تحت عنوان "مجموعة الأناشيد المدرسية"، كتب مقدمتها إسعاف النشاشيبى. وتناول "صفا خلوصى" فى مقالته "معروف الرصافى فى القدس" هذه الفترة من حياته ويعتقد "خلوصى" أن القصيدة التى نظمها الرصافى بعد حضوره المحاضرة التى ألقاها البروفيسور "ايه. ش يهودا" عن حضارة العرب. بدعوة من "راغب النشاشيبى" عمدة القدس، والتى حضرها الأستاذ هيربرت صمويل المندوب السامى البريطانى لفلسطين، نجحت فى أن تحول الانتباه عن قرارات المؤتمر العربى الفلسطينى المنعقد فى حيفا فى ديسمبر سنة 1920 م، وأن تُقلص المعارضة لسياسة صمويل. وفى هذه القصيدة (إلا هيربرت صمويل)، أشاد الرصافى بالمحاضرة وحديث هيربرت صمويل، وأشار كذلك إلى

روابط الدم العربية اليهودية، منكرا اتهامهما بالعداء المتبادل، وعبَّر أخيرا فيها عن مخاوف العرب من أن يُطردوا من وطنهم وأثارت القصيدة احتجاجات قوية من الوطنيين العرب ومن الشاعر اللبنانى المارونى وديع البستانى الذى كان يعيش فى حيفا، فألف قصيدة يعنف فيها الرصافى. وأدت هذه الحملة القوية ضده إلى اقتناعه بقبول الدعوة للعودة إلى بغداد ليصبح محررا فى جريدة مؤيدة لطالب باشا النقيب الذى كان يطالب بعرش العراق. ورحل الرصافى إلى العراق، بيد أن قيام بريطانيا "النقيب" إلى الهند لتمهيد طريق الأمير فيصل إلى حكم العراق، أوقف إصدار الجريدة، وعُين الرصافى بدلا من ذلك فى منصب نائب مدير مكتب التراجم، والذى اعتبره أدنى من قدرته وتاريخه السابق المجيد. وشعر بالإهمال والإهانة فى هذا الوقت، بينما كان من دعاهم "بالمنافقين والمجردين من المواهب" يتبوءون أعلى المناصب ذات النفوذ. وفى نهاية سنة 1922 م وسافر إلى بيروت وقرر ألا يعود إلى العراق، ولكن حينما سمع عن الدعوة لانتخابات أول برلمان عراقى، عاد إلى بغداد، وهناك أصدر جريدته اليومية "الأمل" (من أكتوبر - 20 ديسمبر 1923 م) والتى امتدح فى افتتاحياتها السياسة البريطانية فى العراق وحاول أن يمد جسور الود مع الملك فيصل الأول، بيد أنه أصيب بخيبة أمل شديدة، إذ لم يُنتخب كعضو فى البرلمان وفى نهاية سنة 1923 م عين مفتشا للغة العربية فى وزارة التعليم، وقام بإلقاء محاضرات فى كلية دار المعلمين فى بغداد فى الأدب العربى، وهى المحاضرات التى صدرت تحت غنوان "دروس فى تاريخ أدب اللغة العربية" فى بغداد سنة 1928 م. وساءت أحواله المالية فى هذه الفترة، وفيها كتب معظم قصائده التى تهاجم بضراوة الملك فيصل الأول وحكومته -وخصوصا المسئولين فى وزارة التعليم- وكذلك البريطانيين. ولم ينشر بعض هذه القصائد وإن زاعت شفويا وانتشرت نسخها اليدوية. وفى قصيدته "حكومة الانتداب"، هجا

فيها الحكومة العراقية باعتبارها شعارا زائفًا للدستور والبرلمان، وأكد فيها على أن الحكومة مُستبعدة من البريطانيين وفى قصيدة له لم يتضمنها ديوانه، اتهم الملك (فيصل) الأول بأنه لا يفعل شيئا، بل "يعد الأيام ويتلقى راتبه". ولعنه هو وقصره متمنيا لهما الدمار. ومن أجل أن يتغلب على حالة الفقر الملازمة له، كتب قصائد مدح فى عبد المحسن السعدون وآخرين، طلبا للدعم المالى. وعن طريق معاونة سعدون، نجح فى الانتخابات وأصبح عضوا فى مجلس النواب العراقى، بيد أن انتحار سعدون فى 13 نوفمبر سنة 1929 م. كان خسارة فاجعة له. ورثاه فى عدة قصائد. إلا أن الرصافى نجح فيما بعد عدة مرات فى أن ينتخب لفترة دامت ثمانى سنوات. وبين سنتى 1933 - 1934 م عاش الرصافى فى الفالوجا فى ديالا، وهناك كتب "الشخصية المحمدية أو حل اللغز المقدس". ووصفه خلوصى بأنه تحفة أدبية، وأضاف أنه وفقا لما ذكره أصدقاؤه المقربون نصع بألا ينشر قبل سنة 2000 م". وصرح بأن هذا الكتاب وصف على أنه هرطقة، . . . زاخر بالأفكار البغيضة. وتحتفظ الأكاديمية العراقية للعلوم بميكروفيلم له. ومنذ منتصف سنة 1941 م، بعد انقلاب رشيد عالى الكيلانى، عاد إلى بغداد حيث عاش فى فقر. وقد أيد الانقلاب فى شعره هاجيا البريطانيين والوصى على العرش "عبد اللَّه" وكذلك نورى السعيد والمسئولين الآخرين، الذين اتهمهم بالفساد. ومع فشل الانقلاب، والذى أعقبه مذبحة اليهود المعروفة بـ "فرهود" احتلت القوات البريطانية بغداد (2 يونية 1941 م). وفيما بعد ألقى القبض على الجنرالات الأربعة للكيلانى "المربع الذهبى" ونفذ فيهم الإعدام شنقا. ونظم الرصافى مرثاة طويلة فى فشل الانقلاب وشنق قادته، وتوعد فيها بأنه سيأتى اليوم الذى سيقضى فيه الجيش على العائلة الملكية. إلا أنه لم يعتقل وظل بلا موارد حتى اضطر إلى بيع السجائر فى حانوت صغير.

أصدر فى سنة 1944 م كتابه "رسائل التعليقات" والذى تضمن ثلاثة تفنيدات اثنين لكتابى زكى مبارك "التصوف الإسلامى" (1938 م) و"النثر الفنى" (1934 م) والثالث تفنيد، لكتاب "كيتانى" عن حياة محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] إن الآراء التى عبّر عنها الرصافى عن الأحذية فى تفنيده كتاب "التصوف الإسلامى". جلبت عليه موجة من الانتقادات والغضب العارم، واتهم بالتجديف وصدرت الفتاوى بإدانته وتحريم كتابه. ويبدو أن هذه الهجمات دفعته إلى كتابة وصيته، والتى أكد فيها أنه كان مسلمًا آمن باللَّه وبمحمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وأنه آمن بجوهر الدين، ولكنه يترفع به عن توافه الأمور. ومع نهاية سنة 1944 م، خصص له أحد الأغنياء من ذوى النفوذ السياسى "مظهر الشادى" مبلغ 40 دينارًا شهريًا إلى نهاية حياته، والتى جاءت فى 16 مارس سنة 1945 م. وتقوم الشهرة العريضة التى حققها الرصافى على شعره السياسى والاجتماعى. وينقسم ديوان الرصافى إلى 11 قسمًا تختلف أطوالها: (1) فى الكون "8 قصائد" (2) الموضوعات الاجتماعية "36 قصيدة" (3) الفلسفة "9 قصائد" (4) فى الوصف "59 قصيدة" (5) فى الحريق "3 قصائد" (6) فى الرثاء "24 قصيدة" (7) فى المرأة "8 قصائد" (8) التاريخ "11 قصيدة" (9) السياسى "42 قصيدة" (10) الحرب "8 قصائد" (11) قصائد قصيرة، أقصرها من "بيتين" بعضها مرتجل فى الاستقبالات والحفلات، وأطولها "29 بيتًا". وتتضمن هذه الأقسام مع بعضها "346" قصيدة. وتتكون أطول قصيدة بقافية واحدة من 104 بيتًا، وهى قصيدة عن السيرة الذاتية لأبى بكر الرازى، والقصيدة النثرية فيه هى (الفقر والمرض) فى "51" مقطعًا خماسيًا. وعمومًا فإن هذا التقسيم للقصائد هو تقسيم عشوائى. ومعظم قصائده أحادية القافية، ينقسم كل بيت فيها إلى شطرين، ويكون الشطران فى البيت الافتتاحى مصراعين (لهما نفس القافية) وتتخذ القليل من قصائده الشكل المقطعى. والقصيدة النثرية الثانية عن آثار الفقر

فى العراق. ونظم قصائده مقفاة بالقوافى الصعبة التى يتجنبها الشعراء الآخرون مثل ز، ص، ظ، ض، ط، ن، وله ثمانى قصائد. يحدد المقدار العددى للحروف فى الشطرات الأخيرة تاريخ نظمها (على حساب الاجمل) وهى الطريقة التى كانت مستخدمة فى فترة ما بعد الكلاسيكية إلا أن معظم قصائده غير مؤرخة. وله بعض القصائد الأخرى منظومة على الوزن والقافية لأمثلة كلاسيكية شهيرة لقصائد المتنبى والمعرى، وبعض منها مقتبس حتى من الشعر الجاهلى. وفى نهاية حياته تحرر من هذا التأثير الكلاسيكى على أسلوبه الأدبى والاستعارات، واستطاع أن يستخدم شعره السياسى بأسلوب تلقائى مرن. ومن الواضح تأثره بالمتنبى فى سماته الشخصية مثل الكبرياء والصدق وطريقته المحببة فى التعبير عن أفكاره واستخدام الأمثال فى شعره مثل المتنبى، وتباهى بنفسه وشعره فى قصائد المدح التى نظمها يطلب فيها المساعدة، بينما كان تأثير "المعرى" عليه واضحًا فى نظرته الفلسفية وأفكاره عن الدين واللَّه، بما فى ذلك مذهب الشك والأحديه. وعلى العكس من ابن سيناء كان الرصافى يشك فى خلود الروح وصعودها إلى السماء، وفى الدين كوحى من السماء. واعتبر أن الدين من اختراع حكماء لصالح النوع البشرى. لكنه مثل "وليام بلاك" آمن بتناغم الجسد والروح ووحدتهما وأنه حتى وإن افترض خلود الروح، فهو يحيل إلى الاعتقاد بأنها غير مطلعة على الحياة. ومن ناحية أخرى فهو يستحث لدى العرب الحاجة إلى إحياء العلوم والثقافة من أجل الوحدة والحرية. ودافع عن حرية النساء وخصوصًا المسلمات. ودافع أيضًا عن حرية الفكر والسلوك والصحافة. وكان يرى أنه حرى بالرجل الحر أن يخرق العادات والتقاليد إذا شعر أنه من الضرورى أن يفعل. وناصر المقهورين والمضطهدين وضحايا المجتمع من الفقراء والمرضى، ودعا إلى الأمن الاجتماعى والمساواة. وأنحى بالأئمة على العرب لقصورهم وعجزهم، ولتغنيهم بتاريخم ومجدهم القديم. إن القصيدة المتميزة، التى

توضح موقفه تجاه المضطهدين وضد التعصب الدينى، هى قصيدته "أم اليتيم". وهو يربط فى قصة الأرملة الأرمنية وابنها اليتيم بين ضحايا التعصب والكره العنصرى، حيث قتل زوجها فى مذبحة الأرمن فى تركيا فى سنة 1915 م، وأعلن أن الإسلام برئ من مثل هذه القسوة. ووصف أيضًا الاختراعات التقنية الجديدة مثل التلغراف والسكك الحديدية والسيارة والساعة، إلى آخره. وأبدى إعجابه باختراع محرك البخار والكهرباء. وفضل العروض أو الأوزان الطويلة التى تناسب نغماته الحماسية والبلاغية، مثل الطويل والوافر والكامل والبسيط والخفيف. واتسم شعره بالعقلانية دون العواطف. فقد عبر عن أفكاره بأسلوب تعريفى مباشر غير قائم على الاستعارات والرموز، وكان مغرمًا بالمفردات الكلاسيكية. وفى أعماله العلمية دل على معرفته العريضة والعميقة باللغة العربية وآدابها وبالإسلام وتاريخه، إلا أنه اعتمد أكثر على موهبته وعلى ما درسه فى شبابه. وفيما يلى أعماله المنشورة على حسب الترتيب الزمنى لظهورها: 1 - الرقية (رواية) لنامق كمال ترجمها من التركية إلى العربية الرصافى فى سنة 1909 م. 2 - ديوان الرصافى. 3 - مجموعة الأناشيد المدرسية. 4 - دفع الهجنة فى ارتضاخ اللكنة (مفردات عربية مستخدمة باللغة التركية وبالعكس). 5 - نفع الطيب فى الخطابة والخطيب. 6 - تمائم التربية والتعليم. 7 - محاضرات الأدب العربى. 8 - محاضرة فى صلاح اللغة العربية للتدريس. 9 - دروس فى تاريخ اللغة العربية. 10 - رسائل التعليقات. 11 - على باب سجن أبى العلاء. 12 - علام الضباب. 13 - الأدب الرفيع فى ميزان الشعر. وهناك ستة أعمال أخرى غير منشورة ما زالت غامضة، أهمها الشخصية المحمدية.

المصادر

المصادر: 1 - بدوى طياته: معروف الرصافى دراسة أدبية للشعر العراقى وبيئته السياسية والاجتماعية، القاهرة، 1947 م. 2 - مصطفى على: الرصافى، صلتى به، القاهرة، 1948 م. معرة النعمان موضع هام فى أحد أقضية شمال سوريا الذى يضم القسم الجنوبى من جبل الزاوية الذى يتكون من الجزء الجنوبى من مصياف وما يلحق به من القرى. وتشتهر معرة النعمان بأنها مسقط رأس الشاعر الضرير أبى العلاء المعرى. وهى تقع فى نطاق شمالى فينيقيا على مسافة رحلة يومين (سبعين كيلومترا) إلى الجنوب من حلب، كما تقع على الحافة الشرقية من إقليم غنى بالآثار القديمة. وإذا مضينا من الغرب إلى الشرق شاهدنا الأحجار الجيرية التى ترجع إلى العصر الأيوسينى - الحجرى كما يوجد البازلت على بعد اثنى عشر كيلو مترا إلى الشرق وهو يرجع إلى العصر (البليوسينى). وليست هناك مياه جارية فى المناطق المجاورة، ويكون على السكان أن يجمعوا مياه الأمطار فى صهاريج. وقد أتاحت مياه الأمطار وما يستخرج من الآبار الفرصة لزراعة وفيرة منذ العصور القديمة. ويقول "ابن جبير" إن عبور المنطقة التى تغطيها الحدائق والتى تمتد إلى محيط المدينة كلها يستغرق يومين. وقد كانت هذه الأرض، فى العصر الأيوبى، من أخصب الأراضى وأغناها فى العالم. فمنذ العصور الكلاسيكية القديمة كانت الأراضى الواقعة غربى معرة النعمان مشهورة بزراعة أشجار الزيتون والكروم. كما كان يزرع بالقرب من المدينة وفى الحدائق أشجار الفستق واللوز كما تمتد إلى الشرق حقول الحبوب من حنطة وشعير. وهذه المنطقة تنتج ثلاث سلع رئيسية هى القمح والزيتون والزبيب للتصدير المباشر، الأمر الذى يؤدى إلى الجمع المتكرر بكميات كبيرة لهذه المنتجات.

وإذا قَبِلْنا قول القائل إن معرة النعمان هى "أرا" Ara لما بينهما من تشابه فى النطق فإن وجود مستوطنة بشرية فى موقع المدينة الحالى بالقرب جدا من "تل مَنَاس" يرجع إلى الألف الأولى قبل الميلاد. والواقع أن "أرا" قد وردت فى النصوص الأشورية ضمن أراضى الإمبراطورية (الأشورية) فى عام 738 قبل الميلاد. وليس هناك شك فى أنها هى نفس المدينة التى تظهر باسم "أرَا" Arra كواحدة من المدن اليونانية الرومانية التى وردت فى مذكرات الرحالة "أنطونين" والتى يمكن أن تتطابق مع "ميجارا" Megaara (التى تحدث عنها سترايو، والتى ينطقها المؤرخون اللاتين فى العصور الوسطى باسم Marra، على حين يطلق عليها المؤرخون الغربيون للحروب الصليبية "لامار" La Marre أو "لامير" La Maire) . . ولكن معرة النعمان بنطقها الحالى، وحسبما يقول المؤلفون العرب، كانت تشير فى العصر الأموى إلى مدينة وإقليم يقعان فى المنطقة المناخية الرابعة ويدخلان ضمن جند حمص، ومن عهد هارون الرشيد اندمجتا فى قنسرين وهذا هو السبب فى أن مؤرخا مثل "خرداذبة" (المتوفى قبل عام 272 هـ/ 885 م) يعد هذه المنطقة واحدة من "العواصم". أما البلاذرى (المتوفى عام 279 هـ/ 892 م). واليعقوبى (المتوفى عام 278 هـ/ 1355 م) ومن بعدهما ابن بطوطة (756 هـ/ 1355 م) وخليل الظاهرى (872 هـ/ 1468 م) فى "الزبدة"، فيقولون إنه مرّ على المدينة وقت كانت تسمى فيه "بذات القصور" أما الدمشقى فيتحدث عن "ذات القصرين". أما الجزء الثانى من الاسم فإنه -حسبما ذكر البلاذرى الهراوى فيما بعد- مأخوذ من اسم أحد صحابة رسول اللَّه [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وهو النعمان بن بشير الأنصارى الذى كان -فى خلافة معاوية- واليا على الكوفة ومنطقة حمص ثم مات ابنه فى معرة -والتى يقال إن حاكمها عندما مات يزيد- كان نعمان بن بشر، الذى مات فى عام 65 هـ/ 684 م. وهناك قول آخر بأن اسم المدينة مأخوذ من "النعمان بن عدى الساطع" من أسرة بنى تنوخ التى عاشت فى المدينة والمنطقة.

وقد كانت معرة النعمان، منذ إنشائها، ملتقى طرق هاما، ومركزا اقتصاديا نشطا، فالمدينة تقع على محور يمتد من "قورس" عند سفح جبال طوروس، حتى فلسطين، مارا بحلب وحماة وحمص ودمشق وهذا الطريق يمر موازيا بالسفح المنحدر الشرقى لجبل "زاوية"، ويلتف حول السهل الذى يمتد إلى الشرق. . وثمة طريق آخر يمر بها وهو يربط بين حماة وأنطاكية. . وفى منتصف الطريق بين أنطاكية والمعرة توجد "روجيّة" وهى "قشطيل الروح" الواقعة فى إقليم الروح الذى يفصل أنطاكية إلى الجنوب. . وهناك طريق لهم يمضى تجاه الغرب من "معرة" عن طريق الحَسّ والبارة ويمضى فوق "جبل زاوية" ثم يعبر نهر العاصى عند جسر "الثغر" قبل أن يصل إلى اللاذقية. وإلى الجنوب يمر الإنسان بمعرة النعمان إلى كفر طاب، حيث يمكن أن يصل الإنسان إلى أفامية أو شيزر. ويجب أن نلاحظ أن طريق حلب وحمص القديم والذى سلكه اليعقوبى فى القرن الثالث الهجرى أى التاسع الميلادى، لم يكن يمر بمعرة النعمان، ولكن عن طريق "تل ماناس" الواقع على بعد عدة كيلومترات إلى الشرق عن الطريق الحالى، ومع ذلك فإن رحلة "أنطونين" تشير إلى طريق حماة (الذى يعرف باسم طريق "أرا إبيفانيا" لقد كانت هناك شبكة طرق محكمة تربط القرى الزراعية التى إلى الشرق بمعرة النعمان ولم تكن هذه المدينة مكانا للراحة فحسب بل أيضا مركزا للتبادل "التجارى" بين الجبل والسهل؛ كما كانت مركز تجميع كبير للمنتجات الزراعية؛ وكانت فى عام 340 هـ/ 951 م مدينة مزدهرة بالفعل. . ولأنها "مفتاح" حماة، فقد فرض عليها قدرها فى العصور الوسطى، أن تكون الهدف الأول الذى يسعى للحصول عليه أى عدو قادم من الشمال الغربى أو من الشمال أو من الشمال الشرقى، على حين كانت تشكل بالنسبة لأى حاكم لحماة، خط دفاع متقدم. أما فى العصر العثمانى فقد تأكدت الأهمية الاقتصادية للمدينة فى أن سنجق معرة النعمان كان يتولى لوائحها المالية. . وكانت

المعرة تاريخيا

الضرائب تدفع على البضائع فى أثناء مرورها. . كما كانت الحيوانات والمنتجات تنتقل من القرى إلى المدينة. . وفى عام 1913 كان هناك مدرسة فرنسية فى هذه المدينة. وتحتفظ معرة النعمان فى الوقت الحاضر بدورها كمركز للتجارة والحرف تؤكده سيارات النقل الكبيرة الرائحة والغادية، وكذلك الآلات الزراعية والأوتوبيسات وسيارات الأجرة وكذلك شارعها الرئيسى المملوء بالجراجات والورش للإصلاحات الميكانيكية والمقاهى والمطاعم. . وقد تماشى النمو السكانى لهذه المدينة فى القرن العشرين مع النمو السكانى فى البلاد كلها فبعد أن كان عدد السكان فى عام 1932 خمسة آلاف ومائتين وخمسين نسمة، ارتفع فى عام 1945 إلى تسعة آلاف ومائة وأربعين نسمة ليصل فى عام 1970 إلى عشرين ألفا. المعرة تاريخيا: فى عام 16 هـ/ 637 م احتل جيش أبو عبيدة بن الجراح معرة - حمص. . وفرضت الجزية والخراج على من لم يدخل فى الإسلام، ولما مات الخليفة الورع عمر بن عبد فبراير 720 م دفن فى "دير سمعان" بالنقيرة إلى الجنوب الغربلى من قرية المعرة التى عاش بها الصوفى "يحيى المغربى" الذى قام صلاح الدين بزيارته. . وقد كان هذا مكانا يرتحل إليه الكثيرون ويختلفون إليه فى القرن السابع الهجرى - الثالث عشر الميلادى. . . وفى عام 207 هـ/ 822 م قام عبد اللَّه بن طاهر الذى عين بعد أبيه حاكما للشام من قبل الخليفة المأمون، بمحاربة المتمرد نصر بن شبث، ومن ثم قام بتدمير تحصينات معرة وغيرها من القلاع مثل قلاع الكَفْر والحُناق. وفى عام 290 هـ/ 903 م قدم القرامطة، بقيادة "صاحب الخال" فخربوا منطقة حمص وحماة والسلامية ومعرة النعمان وقتلوا الكثيرين وسبوا النساء وأسروا الأطفال. وفى عام 325 هـ/ 936 - 937 م تسلل بعض بدو بنى كلاب إلى سوريا قادمين من نجد.

وعندما اقتربوا من معرة النعمان، خرج "معاذ بن سعيد" قائد هذه المنطقة لصدّهم، ولكنهم أخذوه أسيرا عند "البُرَاغيثى" (ومكانها غير معروف) مع جزء من جيشه. وقد أفرج عنه بعد ذلك أبو العباس أحمد بن سعيد، قائد حلب من بنى كلاب. وفى عام 332 هـ/ 943 - 944 م طرد الحسين بن سعيد، عم سيف الدولة، أبا العباس بن سعيد و"يانس" المؤنسى الكلابى من حلب ومر بمعرة النعمان وهو فى طريقه إلى حمص، على حين هرب "يانس" إلى مصر وفى شوال من عام 333 هـ/ مايو - يونيه 945 م غادر حاكم مصر الإخشيدى دمشق وزحف لقتال سيف الدولة؛ واستولى على معرة النعمان واستعمل "معاذ بن سعيد" واليا عليها للمرة الثانية، ولكنه قتل بعد ذلك بفترة قصيرة على يد سيف الدولة فى معركة "قُنَسرين" وفى عام 348 هـ/ 959 م إزداد القرامطة فى منطقة معرة النعمان، وخرج الوالى العُقَيلى شبيب بن جرير على رأس زمرة من هؤلاء المتمردين وزحف على دمشق، وفى نهاية عام 357 هـ/ 968 م، غزا "نقفور فوكاس" معرة النعمان، وخرّب مسجدها الكبير وهدم جزءا كبيرا من تحصيناتها. وفى بداية عام 358 هـ/ 969 م تم توقيع معاهدة سلام، وأصبحت المدينة من المدن التى فرضت عليها الجزية للبيزنطيين لكن الأخيرين لم تكن لديهم قوات كافية لتنفيذ الاتفاقية. واستطاع أبو المعالى ابن سيف الدولة أن يسترد المعرة. وفى عام 358 هـ/ 960 م وفى الوقت الذى انسحب فيه البيزنطيون من منطقة حلب، جاء أبو المعالى إلى معرة النعمان الذى كان يُخطب له فيها باسمه. وفى أكتوبر من العام نفسه، وعند عودة البيزنطيين، لجأ أبو المعالى إلى معرة النعمان حيث تلقى التعزيزات والمؤن والعلف. وعيّن نائبا له هناك اسمه "زهير" -وهو أحد غلمان أبيه- وذهب إلى حمص -وعند عودته رفض زهير أن يفتح أبواب المدينة للأمير الحمدانى الذى صمم على أن يستخدم القوة وأخيرا طلب زهير الأمان وحصل عليه.

وعندما تولى "قرغويه" السلطة فى حلب فى شهر ذى الحجة 358 هـ/ أكتوبر 969 م، تحالف زهير -حاكم معرة النعمان- مع سيف الدولة الحمدانى واشترك فى الحملة على حلب ولكن ما إن هب "بيتر ستراتو بيداركوس" -الذى يسميه كمال الدين ابن الأثير بالتربازى لنجده قرغويه، حتى رفع أبو المعالى الحصار عن حلب وانسحب مع زهير إلى "الخُناصره" و"معرة النعمان". وفى عام 364 هـ/ 975 م مضى سعد الدولة أبو المعالى -بمساعدة بنى كلاب- لمحاصرة زهير فى مدينته، واقتحمها من "باب احُنَاق"، وعندما ردته قوات المدينة قرر أبو المعالى حرق باب حمص، مما اضطر زهيرًا إلى الاستسلام فأمر أبو المعالى بشنقه. وفى شوال عام 366 هـ/ مايو، يونية 977 جرى النهب والسلب على قلعة معرة النعمان. وبعث الفاطميون فى عام 386 هـ/ 996 م بحملة على حلب ولكنها ارتدت على أعقابها -على حين استطاع المصريون أن يبسطوا نفوذهم حتى معرة النعمان. والحق أن "رُمَّاحا" مملوك سيف الدولة الذى كان يحكم المنطقة، قد ثار على سيده أبى الفضائل سعيد الدولة أمير حلب وناشد مَنْجُو تكين -وهو قائد تركى فى خدمة الفاطميين- أن يريحه من الضغط الذى يتعرض له من قوات حلب. ويبدو أن "لؤلؤ" -أتابك حلب- قد استعاد المعرة عقب اتفاق تم بينه وبين الفاطميين، وفى عام 393 هـ/ 1003 م تعرض إقليم معرة النعمان لهجوم من جانب لؤلؤ الذى كان قد تولى السلطة فى حلب فى العام السابق. . وقد جرد القلاع الموجودة فى هذه المنطقة وفى منطقة "الروج" أيضا من أسلحتها ودفاعاتها حتى لا يستخدمها الأعداء ضده. وفى منتصف القرن الخامس الهجرى (الحادى عشر الميلادى) -وبعد ظهور المرداسيين على المسرح السياسى بالاستيلاء على حلب فى عام 1024 م، تعاقب على معرة النعمان حكام عديدون. ففى عام 434 هـ/ 1042 - 43 م واجه "ناصر الدولة" الحمدانى "ثمال" المرداسى صاحب

حلب، واستولى على معرة النعمان. وفى عام 452 هـ/ 1060 م، وفى أثناء حملة قام بها ثمال ضد ابن أخيه محمود، مكث ثمال فى المدينة التى عانى سكانها الأمرين من احتلال العدو. . وبعد خمس سنوات، وبعد أن دخل محمود المرداسى حلب، بعث بأحد قادته الأتراك واسمه "هرون"، للاستيلاء على معرة -وفى السابع عشر من شوال 458 هـ/ (العاشر من سبتمبر 1066 م)، تسلل هرون إلى المدينة ومعه أكثر من ألف رجل من الأتراك والديلم والأكراد ومن رجال من قبيلة الأوج ولكنهم تركوا المدينة لمساعدة "محمود" فى معاركه مع بنى كلاب. وفى عام 462 هـ/ 1070 م هاجم بعض الأتراك المقيمون فى الأراضى البيزنطية مدينة حلب وكان هؤلاء الأتراك بقيادة "صُنْدَق"، ثم مضوا إلى "الجَزْر" وخربوا أراضى معرة النعمان و"كفر طاب" وحماة وحمص و"رفِنيّة"، وبعد ذلك بفترة قصيرة ظهر السلاجقة فى شمال سوريا. وفى عام 472 هـ/ 1079 - 80 م أجبر "تُلُتُش" شقيق السلطان ملكشاه سكان سَرْمين ومعرة النعمان -اللتين سلبا قراهما الشرقية- على أن يدفعوا مبالغ كثيرة. وفى عام 478 هـ/ 1085 م أصبحت المعرة تالية "العقيليين" ففى بداية ربيع الثانى استطاع سليمان بن "قُتْلْمش" أن ينزعها منهم، وكان قد استولى على انطاكية فى العام السابق. وفى عام 485 هـ/ 1092 م، تسلم "ياغى سيان" من تتش عددا معينا من الأماكن "اقطاعًا" من بينها معرة النعمان -وبعد ثلاث سنوات، أعطى رضوان الأمير السلجوقى لحلب المدينة والأراضى التابعة لها إلى سقمان بن الارتق، وفى العام التالى استولى "جراح الدولة" اتابك رضوان على معرة النعمان بعد نزاع بينه وبين رضوان وقد كان موقع المكان الاستراتيجى ذا أهمية أيضا عند الصليبيين، فبالقرب من المدينة إلى الغرب، يمكن أن تتمركز القوات، فى حماية قلاع "تل ماناس" وكفر "رومة" إلى الشرق وكفر "طاب" إلى الجنوب والتى يمكن فيها الدفاع عن

المدخل من أفامية ومهاجمة "شيرز" على نهر العاصى. . وفى عام 498 هـ/ 1098 م قرر "ريموند" الصقيلى أن يهاجم معرة النعمان وهو يترك انطاكية يؤيده المسيحيون فى المنطقة ولكنه ارتد على أعقابه -وفى نهاية شهر نوفمبر وقع هجوم جديد قاده "روبرت" دى "فلاندرز" وقد استخدم الصليبيون -للاستيلاء على معرة النعمان- قلعة خشبية تتحرك على عجلات يتجاوز ارتفاعها ارتفاع أسوار المدينة حتى يتمكن من مهاجمة العدو بشكل أفضل، وهو العدو الذى عمد -لكى يكسر حدة المقذوفات- إلى تغطية الأسوار بأكياس من القش والقطن. ولكن مهندسى ريموند بيليه نجحوا فى فتح ثغرة فى السور -ولعدم وجود قوات كبيرة معه، تفاوض ريموند من أجل استسلام مشرف حتى ينقذ حياة الرجال واستسلمت المدينة فى الرابع عشر من المحرم 492 هـ/ الحادى عشر من ديسمبر 1098 م. وفى ليلة عيد الميلاد لعام 1098 م ترك ريموند معرة النعمان ليستقر فى قشطيل الروج كما ذهب "بوهيموند" إلى هناك بعد أن وضع السلطة على هذا الموضع فى يد رئيس أساقفة الببرة. وفى بداية يناير عام 1099 م، وبينما الأمراء ينظمون حملة على القدس من قشطيل الروج تمردت العناصر الأكثر فقرا فى جيش الفرنجة، والذين كانوا يريدون الذهاب إلى القدس دون مماطلة؛ وبالرغم من احتجاجات أسقف الببرة قام الجنود بنهب المدينة وتدمير التحصينات وعاد ريموند وجمع رجاله وترك معرة النعمان التى جلا عنها فى السابع عشر من صفر، 492 هـ/ (الثالث عشر من يناير 1099)، حافى القدمين كرئيس للحج. . فى عام 496 هـ/ 1103 م، استرد رضوان حاكم حلب القلاع المفقودة، واحتل فى العام التالى معرة النعمان التى اضطر الفرنجة إلى الجلاء عنها مؤقتا. وفى عام 505 هـ/ 1111 م تحالف "مودود" اتابك الموصل و"طغتكين" اتابك دمشق ضد حلب وزحفا إلى معرة النعمان، التى كان يعيش فى منطقتها فى ذلك الوقت أعداد كبيرة من "الحشاشين". وفى الثالث

والعشرين من ربيع الثانى 509 هـ/ الخامس عشر من سبتمبر 1115، هزم "برسق" الموصلى على يد "روجر" حاكم أنطاكية فى معركة "تل دانت" الواقعة إلى الشمال من معرة النعمان، وعلى الطريق من الفرات إلى البحر المتوسط وبعد ذلك بعامين، وبعد اغتيال "لؤلؤ" فى حلب، سيطر الفرنجة على الطريق التى تربط هذه المدينة بدمشق. وفى عام 513 هـ/ 1119 م زحف بولدوين الثانى على معرة النعمان، وفى العام التالى أبرم رضوان معاهدة مع فرنجة انطاكية استرد الفرنجة بمقتضاها معرة النعمان والجزر التى تقع إلى الشمال من المدينة، وكقرطاب والبارة وجزء من جبل السّماق -ويذكر أنه بعد عدة سنوات (519 هـ/ 1125 م) استطاعت طائفة كبيرة من الأسرى المسلمين أن يهربوا من قلعة "معرة". وفى بداية جمادى الأولى من عام 529 هـ/ أواخر ابريل 1135 م استولى زنكى على معرة النعمان وطرد الفرنجة من القلعة؛ وقد أعاد توطين المسلمين فى أراضيهم شريطة أن يقدموا سندات الملكية، أما إذا كانوا قد فقدوا هذه السندات فإنه كان يرجع إلى السجلات الخاصة بالأراضى ليتأكد من دفعهم الخراج حتى يمكن أن يعيد أراضيهم إليهم -وفى العام التالى اجتاز القيصر جون الثانى كومنينوس" أراضى معرة النعمان -دون أن يهاجمها ومضى سريعا إلى "شيرز" التى حاصرها بلا جدوى. وفى أثناء الزلزال العنيف الذى وقع فى عام 552 هـ/ 1157 م، وكان مركزه حماة، تعرضت معرة النعمان لتدمير خطير. وقد زارها "نور الدين" فى رمضان 552 هـ/ اكتوبر 1157 م. وقد كانت هذه المدينة تقع -فى عهد هذا الأمير- على الحدود الجنوبية لمنطقة حلب، كانت المكوس على البضائع والسلع تدفع هناك. وقد أقام نور الدين برجا للحمام هناك كمكان يستريح فيه البريد الطائر (حمام البريد) بين حماة وحلب، الذى اندمج فى نظام البريد "المحمول جوًا" فى عهد المماليك، قبل أن يتوقف تماما فى بداية القرن الخامس عشر. .

وفى عام 574 هـ/ 1178 م أقطع صلاح الدين بعض قرى معرة إلى الأمير شمس الدين بن المقدم -وقد تعاقب على معرة النعمان فى العصر الأيوبى- بسبب موقعها على حدود حلب وحماة- أكثر من عشرة حكام فى أقل من قرن. . وفى عام 584 هـ/ 1188 م ذهب صلاح الدين من حلب إلى معرة النعمان ليقوم بزيارة الشيخ إلى زكريا المغربى الذى كان يعيش على مقربة من قبر الخليفة عمر بن عبد العزيز -وفى عام 587 هـ/ 1191 م استولى الملك المظفر تقى الدين على معرة النعمان على غير رغبة من مظفر الدين، ومات بعد ذلك بفترة قصيرة. وبعد عامين سلم الملك الظاهر غازى المدينة إلى المنصور/ محمد. وفى عام 596 هـ/ 1200 م، كان ابن المقدم يمتلك "أفامية" وكفر طاب وخمسة وعشرين مكانا فى إقليم معرة النعمان -وفى العام التالى، وفى أثناء حملة على حماة، قام الملك الظاهر غازى بنهب وسلب المنطقة المحيطة والمدينة كذلك، وقد كانت تشكل لفترات متقطعة جزءا من ممتلكاته. وفى عام 598 هـ/ 1202 م تم التوصل إلى اتفاقية بين الملك العادل سلطان مصر، وبين الملك الظاهر حاكم حلب والملك المنصور محمد الذى تسلم معرة النعمان. وهذه المدينة تقع إلى الشمال من شيزار وأفامية "وكفر طاب" وهى ثلاث قرى يمتلكها الملك الظاهر أمير حلب، الذى كانت قواته -بالاشتراك مع بعض حلفائها من البدو- تغير على المعرة من وقت إلى آخر وتنهبها. وفى عام 604 هـ/ 1207 - 8 م كان حاكم المدينة هو مرشد بن سالم ابن المهذب، أحد اتباع الملك الظاهر. وفى عام 620 هـ/ 1223 م هاجم الملك الأعظم عيس، أمير دمشق، معرة النعمان، التى هرب حاكمها، تاركا مهمة التفاوض للشخصيات البارزة، وكان من بينهم والد المؤرخ "ابن واصل" وقد قام الملك المعظم بتعيين من يقوم بأعمال الإدارة. وفى العقد التالى كانت المدينة موضع نزاع بين "الأشرف موسى" فى

دمشق، والمظفر محمود صاحب حماة وقد قام هذا الأخير باعادة بناء قلعة معرة النعمان فى عام 631 هـ/ 1233 م. وفى عام 635 هـ/ 1238 م، وبموت الملك الكامل فى مصر، استولى على معرة القلعة الملك الناصر يوسف فى حلب بعد حصار قصير استخدم فيه المنجنيق بعد أن طرد "جنكيزخان" الخوارزميين، وعبروا الفرات فى عام 638 هـ/ 1240 م ودخلوا بلاد الشام ومضوا إلى جنوب حلب عبر "جَبّول" و"سَرْمين" ونهبوا المنطقة حتى معرة النعمان، التى كان يحكمها فى ذلك الوقت الملك المنصور. وبعد انتصار بيبرس فى عين جالوت تخلى السلطان الملك المظفر قطز فى 658 هـ/ 12959 م عن مدينتى "بعزين" ومعرة النعمان للملك المنصور، وقد اخذهما منه بعد ذلك أمير حلب. ومنذ ذلك الوقت فصاعدا، باستثناء فترات قصيرة، خضعت المدينة والمنطقة بأسرها لأمراء حماة؛ وقد تسلمها أبو الفداء وهو امير أيوبى ومؤرخ جغرافى كإقطاع من السلطان محمد بن قلاوون عام 710 هـ/ 1310 م؛ ولكنه اضطر بعد ثلاث سنوات إلى أن يتخلى عنها لحاكم حلب وهذا هو السبب فى أنه فى عام 716 هـ/ 1316 م تخلى للسلطة. -على سبيل الهبة- المدينة والقلعة، الأمر الذى لم يمنعه من التخلى عن المدينة إلى محمد ابن عيس فى نهاية العام نفسه. وفى العصر المملوكى، وفى بداية عام 742 هـ/ 1341 م، خمد نشاط إمارة حماة. وأصبح الإقليم منذ ذلك الحين فصاعدًا يتبع حاكم مصر وأصبحت معرة النعمان تشكل ولاية فى هذا الأقليم. وبعد معركة مرج دابق (922 هـ/ 1516 م) أصبحت المدينة عثمانية -وفى عام 924 هـ/ 1518 م كانت تقع على الحدود الشمالية لإقليم دمشق. وبعد قرن من الزمان مَرَّ بمعرة النعمان الرحالة بيترو ديلا فالى حيث كان يحكمها أحد أمراء الأسرة العثمانية.

وفى القرن السابع عشر كانت معرة النعمان تقع على الحدود الجنوبية لبشالق حلب، والحدود الشمالية لدمشق، حيث يمر الطريق من "باليس" إلى البحر المتوسط، ويقطع نهر العاصى عند جسر الشعر. ويصف "يثفينو" Thevenot معرة النعمان فى عام 1658 بأنها مدينة فقيرة يحكمها "سنجق" ويقول إنها محاطة بأسوار -أما الرحالة الألمانى فرانز فرديناند فون ترويلو Ferdinand Von Troil فقد وجد فى منتصف القرن السابع عشر فندقين أحدهما مهدم والآخر فى حالة جيدة، ويجدر الإشارة إلى أنه فى تلك الفترة نزلت عائلة عربية منطقة قونية إلى المدينة واستقرت هناك؛ وهذه العائلة هى "أسرة العظم" التى خاضت فى النصف الثانى من القرن السابع عشر معترك الحياة السياسية حتى الأزمنة الحديثة. وفى عام 1650 م وصل اثنان من أفرادها هما قاسم وإبراهيم إلى دمشق، ثم ذهبا إلى حماة ومعرة النعمان وقد خدم إبراهيم -كجندى- فى الجيش العثمانى، واستعرض المعرة وعهد إليه بتنظيم دفاعات المدينة ضد هجمات التركمان. أما ولده إسماعيل باشا بن العظم النعمانى، فقد ولد فى معرة فى عام 1071 هـ/ 1659 - 1660 م حيث شغل نفسه بالزراعة، وأصبح شخصية مهمة فى المدينة التى ولد بها حتى أنه عين حاكمًا لدمشق فى 23 جمادى الثانية 1137 هـ/ 9 مارس 1725 هـ (وأقيل فى نهاية جمادى الأولى 1143 هـ/ ديسمبر 1730 م). ويصف "بوكوك" Pococke الذى زار معرة فى تلك الفترة، المدينة بأنها "فقيرة يتولاها أغا مستغل يدفع الجزية للباب العالى، ويفرض الضرائب على المسافرين. وكان لإسماعيل ولدان: أسعد باشا، وسعد الدين، وقد ولد الأول فى عام 1117 هـ/ 1706 م، وكان أول متسلم فى حماة ومعرة النعمان، ثم حاكمًا لدمشق فى عام 1156 هـ/ 1743 م. وفى القرن الثامن عشر كانت المدينة مثل حمص وحماة واحدة من المناطق الممنوحة مدى الحياة لباشا

دمشق، الذى أجرها من الباطن لأحد الأغوات. وفى رجب عام 1135 هـ/ اكتوبر 1771 م أقيل عثمان باشا الكرجى الذى ولى حكومة دمشق منذ عام 1760 م، وفقد ملكيته للمعرة والتى راحت لمحمد باشا العظم. وفى منتصف القرن التاسع عشر، كانت معرة النعمان أقصى (مجلة) من بشالق شمالى دمشق كانت "سنجقا" يحكمها متصرف، ثم أصبحت "قضاء" فى لواء حلب وفى عام 1873 م أصبحت محل إقامة القائمقام. ويقول "ساخاو" الذى زارها فى عام 1879 م، إن بها أربعمائة منزل، وتحيا حياة سهلة فى وسط منطقة جيدة الفلاحة والزراعة. ومن جهة أخرى -وبعد سنوات قليلة، يعدها فاكس فون بيرخيم قرية كبيرة كئيبة المنظر فى سهل تحسن فيه الزراعة وتجود. وفى عام 1913 ربط أحد المكاتب التلغرافية النادرة فى سوريا بين حماة وحلب ومنذ إقرار الانتداب الفرنسى فى الشرق، أصبحت هذه المدينة مركزًا نشطًا للمقاومة من جانب الوطنيين السوريين. وفى عام 1930 كانت قبائل "موالى" رعاة الأغنام، تحوز الكثير من الأراضى التى كان يمكن من خلالها المرور بين معرة النعمان وحلب. ومنذ عام 1965 استعادت المدينة نهضتها عبر التنمية الاقتصادية والصناعية والزراعية فى منطقة حماة حمص. الآثار: كان للمدينة سور يحميها، وكثيرًا ما تعرض للهجمات والتدمير والترميم. وكان لها سبعة أبواب مثل الكثير من مدن الشرق وهى باب حلب - الباب الكبير - باب شيش - وباب الجنان والحُناق - باب قوناق - باب حمص - باب كذاء. وكان بها برج على نمط العصور الوسطى يسمى "بالقلعة". ثم إن هناك الجامع الكبير الذى يشغل موقع معبد قديم حلت محله كنيسة تحولت إلى جامع بعد وصول المسلمين. وقد بنى على مرتفع فى وسط المدينة وكان الوصول إليه يتطلب ارتقاء ثلاث عشرة درجة. وله مئذنة مربعة وهى واحدة من أجمل المآذن فى

سوريا وعلى واجهتها الغربية توقيع المهندس المعمارى قاهر بن على بن قانت السرحانى، الذى شيد فى عام 595 هـ/ 1199 م المدرسة الشافعية فى المدينة. وهناك بعض الأسواق القديمة جدًا تحيط بالجامع الكبير كما لا يزال بالمدينة بعض آثار شوارع مقنطرة (كالأقبية) ومغطاة مثل تلك التى فى القدس. وقد رأى ناصرى خسرو عند زيارته لمعرة النعمان عمودًا قديمًا ارتفاعه عشرة أذرع منقوشًا عليه بحروف غير عربية ما يعتبر تعويذه أو طلسمًا، مثل ذلك الذى فى حمص وأنطاكية، وذلك لحماية المدينة من العقارب. وإلى الجنوب من الجامع الكبير تقع مدرسة الشافعية التى يعزى وضع أساسها فى بعض الأحيان إلى نور الدين. وقد بنيت فى عام 595 هـ/ 1119 م فى عصر أمير حماة الأيوبى الملك المنصور أبو المعالى محمد. وقام ببنائها أبو الفوارس نجا. كما يلاحظ وجود خان من العصر العثمانى، ويقع إلى الجنوب من الجامع الكبير فى الجزء الشرقى من المدينة وهو خان مربع كبير مبنى بالحجر به اسطبلات -كما أن بوسطه مسجدًا صغيرًا. وهناك نقوش على المدخل الجنوبى الجميل يرجع تاريخها إلى 974 هـ/ 1566 - 1567 م، تقول إن هذا المبنى من "الأعمال الكريمة لدفتردار حلب، مراد جلبى" المتوفى عام (981 هـ/ 1573 - 1574 م) وهناك نقوش أخرى كتبت نظمًا على المدخل الشمالى لعام 1166 هـ/ 1752 - 1753 م، أى فى عهد أسعد باشا العظيم. وهناك أماكن كثيرة يمكن أن يحج إليها الناس ويزورها وكذلك أماكن للصلاة (مصليات) فهناك مقام يوشع ابن نون، الذى يذكر على أنه جامع أو مشهد وهو يقع خارج الأسوار الجنوبية للمدينة والمحتمل أن يكون قبر "يوشع" قد قام على موقع لدير قديم قبل الإسلام. ويقول ياقوت إن هذا ليس قبر يوشع، الذى هو فى الواقع بالقرب من نابلس. وهناك نقوش فوق الباب من

المصادر

عشرة أسطر يرجع تاريخها إلى 604 هـ/ 1207 م تقول إن هذا المكان للصلاة قد أعيد إنشاؤه بناء على أوامر الملك الظاهر الغازى عندما كان مرشد ابن سالم بن المهذب واليًا على معرة النعمان -كذلك يوجد بها الضريح الحديث للشاعر الكفيف الشهير أبى العلاء المعرى. وعلى مقربة من باب شيش، يوجد قبر شيث الابن الثالث لآدم، والذى قضى فترة من حياته فى سوريا ويقول البلاذرى، وبعده ابن بطوطة وياقوت إن قبر "عبد اللَّه بن عمار بن ياسر" حفيد أحد صحابة رسول اللَّه [-صلى اللَّه عليه وسلم-] موجود فى معرة النعمان. وهناك أيضًا مشهد يوسف الذى استعاده الملك الظاهر غازى. وعلى مسافة قصيرة إلى الشرق من معرة النعمان عند دير نقيرة، الذى يتشابه مع "دير سمعان" فى هذا الإقليم، يوجد قبر الخليفة عمر بن عبد العزيز وكان ابن واصل (المتوفى 697 هـ/ 1298 م) أول من ذكر هذا الموقع -وقد ذكرنا آنفا أن صلاح الدين قد زار هذه المنطقة التى كان يختلف إليها الكثيرون فى العصر الأيوبى. وفى عام 1953 قام "تشالينكو" فيما يتعلق بمعرة النعمان: "إن هذا المكان بسبب موقعه وسماته الحضرية وأهمية آثاره التى ترجع إلى العصور الوسطى يستحق دراسة خاصة مثل العديد من المدن الصغيرة الأخرى التى تقع على حافة السيف. المصادر: (1) ابن حوقل فى صورة الأرض. (2) المقدسى فى أحسن التقاسيم. (3) ابن جبير فى الرحلة. (4) أبو الفداء فى المختصر. (5) ابن بطوطة فى الرحلات. (6) ياقوت فى معجم البلدان. (7) ابن الشداد فى الاعلاق الخطيرة. (8) خليل الظاهرى فى زبدة كشف الممالك. R.Dussaud: Topographie historiqne de la syrie بهجت عبد الفتاح [ف. اليسييف N-Elisseeff]

المعرى

المعرى (*) هو أبو العلاء أحمد بن عبد اللَّه بن سليمان، الشاعر والناثر العربى المشهور، عاش فى العصر العباسى الأخير. وكان مولده سنة ثلاث وستين وثلثمائة هجرية 973 م، فى معرة النعمان، وهى مدينة تقع بين حلب وحمص فى الجزء الشمالى من سوريا، وقد توفى فيها أيضًا وكان ذلك فى عام 449 هـ/ 1058 م. وكان جدوده الأوائل من بنى سليمان الذين كانوا من العائلات المرموقة فى "معرة" ولما كانوا من علماء الشافعية، فقد تولوا منصب القضاء وهو منصب تولاه لأول مرة على التوالى جد لأحد أجداد أبى العلاء -وبالإضافة إلى ذلك نجد أن بعضًا من بنى سليمان كانوا شعراء مجيدين. وقد أصيب أبو العلاء المعرى وهو فى الرابعة من عمره بمرض الجدرى مما ترتب عليه فقد بصره. لكن اللَّه عوضة إذ وهبه حافظة واعية غير عادية، وصلت -كما جاء فى سيرته- إلى أبعاد مذهلة، وقد أفرد الحجة الثقة ابن العديم فصلًا فى دراسة عن أبى العلاء) عن إدراكه العميق وقدراته الطبيعية وفكره المشرق المتوهج وبصيرته النافذة، أما أنه بدأ حياته كشاعر فى سن مبكرة تناهز الحادية عشرة أو الثانية عشرة، فهذا لا يدهشنا، أو أن هناك مثالًا مماثلًا فى أبى الطيب المتنبى وشعره المبكر أيضًا وقد أكمل أبو العلاء تعليمه المدينى واللغوى والأدبى، وفى هذا قرأ النصوص المطلوبة تحت إشراف كثير من "المشايخ" وعلى وجه الخصوص هؤلاء الذين كانوا فى المعرة وفى "حلب". ويقول ابن القفطى" فى كتابه "تعريف القدماء" إن من بين شيوخه رفاقا من حلقة "ابن خالويه"، الذى كان واحدا من الذين يشتركون فى اللقاءات الأدبية فى بلاط سيف الدولة فى حلب. كما يجب إن نذكر من بين أساتذته محمد بن عبد اللَّه بن سعد، الذى كان "راوية" لشعر المتنبى. . ويذكر ابن العديم فى الإنصاف كيف أن أبا العلاء -وهو يقرأ ديوان المتنبى تحت إشرافه- قد صحح رواية ابن سعد، وبمقارنة الفقرة ذات الصلة بتلك التى وجدت فى مخطوط ¬

_ (*) رؤى إضافة هذه من الطبعة الأصلية الأحدث، ونشير إلى وجود ترجمة سابقة فى المجلد الثانى من هذه الدائرة بعنوان "أبو العلاء المعرى".

فى العراق تبين أن أبا العلاء كان على حق فى تصويبه. . ويمكن أن نخلص من هذه الحادثة، إلى أن أبا العلاء كان على معرفة فى هذه السن المبكرة، بشعر المتنبى الذى كان يقدره تقديرًا كبيرًا حتى عندما تقدمت به السن. ونعرج على المرحلة التالية فى حياة أبى العلاء، حتى رحلته إلى بغداد. . وهنا يختلف المؤرخون العرب فنرى بعضهم يقول إن، الشاعر سافر إلى بعض المدن الأخرى، بصرف النظر عن رحلته إلى بغداد. . بل ويصرون على أنه قام بزيارة أنطاكية وطرابلس بالشام، حتى يفيد من مكتباتهما المحلية. ويقول ابن القفطى، وآخرون ساروا على نهجه -إن الشاعر توقف وهو فى طريقه إلى طرابلس على مسافة قصيرة من اللاذقية- عند دير الفاروس يحيى سمى بهذا الاسم إحياء لذكرى المسيح. . وهناك استمع إلى راهب يناقش فى الفلسفة الهيلينية [اليونانية القديمة أو الاغريقية] مما أثار فى عقله بعض الشكوك التى انعكست بعد ذلك فى شعره، أما غير هؤلاء من المؤرخين فيقولون بوجهة نظر أخرى، فابن العديم واحد من هؤلاء الذين ينكرون أن يكون الشاعر قد تأثر بأية عقيدة غير الدين الإسلامى. . ففيما يتعلق بأنطاكية يقيم ابن العديم حجته على أساس الوضع السياسى محتجًا بأن أنطاكية كانت زمن أبى العلاء داخل الحدود البيزنطية محرمة على المسلمين ويستدل ابن العديم على ذلك من السلطات البيزنطية للمسلمين فى هذه المدينة أنه لا يمكن تصور أن توجد مكتبة فى هذه المدينة، كما لا يمكن تصور أى شخص يسافر إلى هذه المدينة سعيًا للمعرفة، أما فيما يتعلق بالوجود المزعوم لهذه المكتبة فى طرابلس، والتى يتذرعون بأنها الحافز وراء سفرة أبى العلاء إليها، فإن ابن العديم يشير إلى أن مثل هذه المكتبة قد تأسست فى عام 472 هـ/ 1079 - 1080 م، أى بعد وفاة أبى العلاء بسنوات طويلة، ولكن بالرغم من الحجج القوية لابن العديم، فإن البحوث تميل إلى تقبل احتمال أن يكون أبو العلاء قد قام بزيارة لهذه المدن التى ذكرت، كما قد يستدل على ذلك من بعض الإشارات إليها الواردة فى شعره.

وقد جمعت قصائد النصف الأول من حياة أبى العلاء فى ديوان أطلق عليه اسم "سقط الزند" وفى هذه المجموعة من القصائد تتناثر هنا وهناك انفعالات الشاعر بالتطورات السياسية المعاصرة فى سوريا وردود فعله تجاهها. . وفى تلك الفترة تقريبًا بدأت أسرة الحمدانيين، التى كانت حلب مركز سلطتها، تفقد الكثير من سلطانها، الذى بلغ أقصى ذروته فى عهد سيف الدولة، والذى أخذ ينحدر بالتدريج فى ظل من خلفوه، إلى أن ترك الساحة فى النهاية لسلسلة أخرى من الأمراء هم "الرادسيون" وفى هذه الأثناء، تعرض الاستقلال النسبى للمنطقة الشمالية من سوريا لتهديدات متزايدة من الهجمات المتجددة للقوات العسكرية البيزنطية من الشمال ومن الجنوب ومن ظهور الفاطميين لأول مرة. . وفى الوقت نفسه لم يكن من المتوقع أن يصل أى عون من الأمراء البويهيين وسادتهم الاسميين: خلفاء بنى العباس فى بغداد -ففى عهد خلفاء سيف الدولة، وعلى الأخص سعد الدولة وسعيد الدولة، بدأ "الأئمة" الفاطميون يحاولون بسط نفوذهم من مصر إلى شمال سوريا، وأصبحت حلب -وعلى الأخص فى الوقت الذى بدأ فيها سعيد الدولة حكمه- هدفًا للعديد من عمليات الحصار التى كانت تطول ولكنها جميعا باءت بالفشل انظر ابن العديم: زبدة الطلب من تاريخ حلب (1/ 1851 - 192) -وقد اهتم أبو العلاء كثيرًا بهذه التطورات كما هو واضح من أربع قصائد على الأقل من قصائده فى المديح ضمها ديوانه سقط الزند. ففى هذه القصائد يمتدح أبو العلاء شخصيات مهمة من كلا الطرفين المتحاربين -وهكذا نراه يمتدح فى إحدى القصائد من يدعى "بَنْجوتكين"، الذى كان قائدًا من قواد الفاطميين- وكما أنه يمتدح فى قصيدتين أخريين شخصا اسمه "أبو الحسن على بن الحسين" وهو من "بنى المغربى". . وقد كان "كاتبًا "ووزيرًا" فى خدمة الحمدانيين، ولكنه خان سادته وشغل فى عهد الفاطميين منصب "مدبر الجيش" أى المشرف المالى والإدارى على الجيش وحاول أن يغزو حلب لصالح الفاطميين. ومن جهة أخرى قد يكون من المفيد أن نلاحظ أن "سعيد

الدولة، الذى رسخ أقدامه فى حلب بصعوبة بالغة كان ممن مدحهم أبو العلاء فى شعره إذ يقول: أن الجمال ألحَت عليه بالسؤال ما وجهته فأجابها "سعيد" يعنى بذلك الممدوح كما نعنى أيضًا "المحظوظ". وهكذا يمكن أن يكون اسم الأمير فألا طيبًا ومع ذلك كانت هذه المقاطع "المديحية" جميعا غريبة بعض الشئ، ذلك لأنها لا تتفق والصورة التى رسمها أبو العلاء لنفسه فى مقدمة ديوانه (شروح سقط الزند 1/ 10) عندما يقول "أنه لم يقرع الأبواب لكى يسمعه السادة وهو ينشد شعره، كما أنه لا يسعى بمدحه وراء جائزة ينالها ويمكن أن نفسر هذا التناقض بين الفرية الواضحة المحددة، والواقع الفعلى بأن الشاعر قد تعرض لضغط لينظم هذا الشعر فنظمه مرغمًا (راجع ابن العديم: بغية الطلب). وفى عام 395 هـ/ 1004 - 5 م، كان على أبى العلاء أن يتكبد الصدمة المؤلمة بموت والده "أبى محمد عبد اللَّه بن سليمان" الذى كان أول معلم له، ونحب أن نشير هنا إلى أن هناك روايتين لتاريخ وفاة أبيه: رواية عماد الدين فى "فريدة القصر" وابن "العديم" فى الانصاف ص 493 التى تذكر أن الوفاة كانت فى عام "395 هـ" ثم الرواية الأخرى لياقوت فى معجم الأدباء وتذكر أن الوفاة كانت فى عام 377 هـ/ 987 - 988 م وهى رواية خاطئة وأن أخذ بها معظم من ترجموا له من الغربيين وينفعل الشاعر بهذا الحديث أعنى وفاة أبيه، وينظم مرثية محكمة متقنة امتدح فيها مواهب أبيه الشعرية ومناقبة بعبارات رائعة فيقول: أمولى القوافى كم أراك انقيادها ... لك الفصحاء العرب كالعجم اللكن مضى طاهر الجثمان والنفس والكرى ... وسهد المنى والجيب والذيل والردن ويقال إنه بعد هذا الحديث بثلاث سنوات غادر "المعرة" ليستقر فى بغداد، حيث مكث بها عاما ونصف العام فقط وقد أشار الشاعر نفسه فى رسائله إلى الدافع الذى حفزه على السفر إلى بغداد، وهو أن المكتبات فى ذلك المكان هى التى أثارت اهتمامه ولا شئ أكثر من ذلك. . ونحن نعرف من سقط الزند أن الشاعر كان على اتصال

ببعض الشخصيات التى تعمل فى مكتبات بغداد، ومن بين هؤلاء "أبو منصور محمد بن على" الذى كان يعمل بدار العلم والذى نظم فيه أبو العلاء قصيدة طويلة: وكذلك أبو أحمد عبد السلام البصرى الذى كان يتولى الإشراف على دار الكتب فى بغداد (انظر تاريخ بغداد 11/ 57 - 58)، والذى وجه إليه المعرى بعد عودته إلى المعرة -قصيدة يعرب فيها عن ذكرياته الكئيبة فى بغداد، ويذكر حلقات النقاش الأسبوعية أيام الجمعة- وبالرغم من الفائدة التى كان يمكن أن يجنيها لو أنه أقام طويلًا فى بغداد، إلا أنه آثر الرحيل والعودة إلى بلده ويبدو أنه عانى ضائقة مالية -وهذا لا يدهشنا لأنه كان عازفًا عن نظم المدائح فى كبار القوم وأشرافهم فى بغداد مثلما فعل المتنبى مثلًا. وهناك سبب آخر وقد ذكره فى قصيدة وجهها إلى "أبو القاسم على بن المحسن التنوخى"، ابن مؤلف "نشوار المحاضرة" المعروف يشكو إليه أنه لم يعد قادرا على لقائه. لسببين: أحدهما موت أمه وثانيهما إفلاسه التام. . . وبصرف النظر عن تفسيره لما حمله على الرحيل عن بغداد مبكرا يذكر المؤرخون العرب أحداثًا أخرى قد تكون هى التى دفعته إلى هذا الرحيل -ومن بينها ما حدث فى مجلس أدبى للشريف العلوى "المرتضى" شقيق الرضى الشاعر الشيعى المعروف- فقد انتقد المرتضى الشاعر المتنبى. فردَّ عليه أبو العلاء مدافعًا عن المتنبى دفاعًا حارًا فأمر الشريف المرتضى أن يجروه فجرُّوه وقذفوا به خارج المجلس (وكان قد رد على المرتضى بأن قال لو لم يكن للمتنبى من الشعر إلا قوله "لك يا منازل فى القلوب منازل" لكفاه. . . فقال المرتضى أتودون أى شئ أراد هذا الأعمى بذكر هذه القصيدة فإن للمتنبى ما هو أجود منها لم يذكره -فقال الحضور "النقيب السيد أعرف" فقال أراد قول المتنبى: "وإذا أتتك مذمتى من ناقص ... فهى الشادة لى بأنى كامل ويذكر ابن كثير فى البداية تحت أحداث عام 449 هـ أن فقهاء بغداد هم الذين طردوه لأنه أثار غضبهم ببعض الأسئلة الحرجة عن تطبيق أحكام معينة فى الفقه الإسلامى. .

وفى رمضان من عام 400 هـ/ 1010 م بدأ أبو العلاء رحلة عودته، ولكنه وجد عند رجوعه أن أمه قد ماتت. وكانت ضربة قاسية نظم على أثرها مرثيتين نفث فيهما عن مشاعره الحزينة وكيف أنه كان يتمنى أن يسبقها إلى الموت، وأن عزاءه الوحيد أن يدفن بجوار قبرها، وأعرب عن أمله فى أن يلقاها مرة أخرى بعد البعث الذى ليس ببعيد، وقرر أن يعتزل الناس جميعًا. ويبقى فى بيته إلى الأبد رغم أن الناس كانوا يفرون خوفًا من اليونانيين ومن ثم أصبح يعرف "برهين المحبسين" (أى رهين عماه وداره). ولكن خرج على هذا الحبس الذى فرضه على نفسه مرة واحدة فحسب بسبب حادثة وقعت فى مدينته فى عام 417 هـ/ 1026 - 1027 م. ففى ذلك الوقت كانت حلب وأقاليمها تحت حكم صالح بن مرداس الذى أصبح -بصفته زعيمًا لقبيلة كلاب- مؤسس الأسرة المرداسية وقد أثار وزيره المسيحى تادرس الملقب بوزير (السيف والقلم) بسبب سياسته القوية العنيفة، التوتر بين الطوائف المسيحية والمسلمة فى سكان حلب والمنطقة المحيطة بها ونتج عن هذه التوترات أن اندلعت أعمال العنف فى "معرة" ففى يوم من أيام الجمعة اقتحمت امرأة على جموع المصلين جامع المدينة تشكو من ضيق ألمَّ بها على يدى مسيحى مالك لأحد محلات الخمور، حيث اعتاد بالإضافة إلى بيعه الخمر -أن يقدم النساء أيضًا للمتعة. وعلى الفور هب الحضور جميعًا -باستثناء القاضى ووجهاء القوم- لسلب المحل وتحطيمه. وقد قام صالح -بتحريض من هذا الوزير بسجن بعض الوجهاء وكان من بينهم "أبو المجد" شقيق الشاعر. واضطر أبو العلاء أن يتدخل لدى صالح من أجل أبناء بلدته وقد وفق فى ذلك كثيرًا ونجد الشاعر يتذكر هذه الأحداث فى قصائده العديدة فى ديوانه "لزوم ما لا يلزم". ومن الواضح أن الشاعر كان يقر ما أقدم عليه أهل بلدته، وقد ورد الخبر مفصلا عن هذا الحديث التاريخى فى زبدة الحلب لابن العديم وفى كتابه الآخر الإنصاف وهذا الذى حدث فى معرة ورد فعل الشاعر تجاهه يقال إن أبا العلاء لم ينعزل كلية بل جرى العكس

إذ أصبح بيته مزارا للكثيرين من الوزراء والدارسين والتلاميذ، على حين كان يواصل رسائله ومراسلاته النثرية. أما مراسلاته الشعرية مثل تلك التى جاءت فى مجموعته الأولى من سقط الزند فترجع إلى الفترة السابقة لبغداد وكان ممن اتصل بهم الشاعر الشخصيات التالية: 1 - حاكم حلب أبو شجاع فاتك ابن عبد اللَّه الرومى "عزيز الدولة" والذى عينه الفاطميون وحكم فى الفترة من 407 هـ/ 1016 - 17 م حتى 413 هـ/ 1022 - 23 م (انظر زبدة الحلب 1/ 215 وما يليها) وقد قام بزيارة لأبى العلاء ليعرض عليه دعوة من الإمام الفاطمى "الحاكم" ليذهب إلى مصر ولكن الشاعر لم يوافق على الإقامة فى مصر. 2 - أبو القاسم المغربى -وكان ولدًا لأبى الحسن المغربى كاتب الحمدانيين الذى ذكرناه من قبل، ولما كانت سنة أربعمائة للهجرة (1009 م) وفى الوقت الذى أعدم فيه الحاكم جميع أفراد أسرة المغربى إلا القليل منهم، استطاع أبو القاسم أن يهرب من المذبحة. وبعد كثير من الترحال عين وزيرًا فى ميافارقين وقد وجه أبو العلاء الكثير من الرسائل إليه بل وأنشا قصيدة رثاه فيها عند وفاته. 3 - أبو نصر أحمد بن يوسف المغازى وهو شاعر ووزير عينه حاكم ميافارقين -وقد زار أبا العلاء ويقال أنه وجه إليه أسئلة دقيقة محرجة بعض الشئ عن أسلوبه الزاهد فى الحياة (انظر ابن القفطى: انباه، ص 63). 4 - أبو الفضل محمد بن عبد الواحد البغدادى الذى كان وزيرا للخليفة العباسى القائم بأمر اللَّه، وسفيرًا له أيضًا بعث به إلى الأمير الزيرى "المعز ابن باديس" فى تونس. وقد مر بمعرة النعمان وهو فى طريقه إلى الغرب. وقام بزيارة أبى العلاء ثم واصل رحلته على مراحل حتى استقر نهائيا فى الأندلس (انظر الصفدى الوافى، ص 70 - 71. الإنصاف لابن العديم، ص 563) على أنه يجب أن نشير إلى واحد من تلاميذ مدرسة أبى الفضل الذى كتب تعليق نفيسًا على سقط الزند.

5 - أبو زكريا يحيى بن الخطيب التبريزى الذى كان لعدة سنوات تلميذا لأبى العلاء -ثم عمل أستاذًا فى المدرسة النظامية فى سنواته الأخيرة، وقد وضع هو الآخر شرحًا لسقط الزند. 6 - أبو المكارم عبد الوارث بن محمد الأبهرى. وقد قرأ على يد أستاذه أبى العلاء لمدة أربع سنوات، ولمعرفة مزيد من أسماء بعض من اتصلوا بأبى العلاء انظر الإنصاف لابن العديم ص 517، 565. وفى أواخر أيام حياته اتصل الشاعر بقليل من الدارسين ذوى الميول "الإسماعيلية" وفى عام 438 هـ/ 1047 م مر الشاعر الفارسى والناثر المعروف "ناصرى خسرو" بمعرة النعمان وهو فى طريقه إلى الإمام الفاطمى المستنصر. وهو يقدم فى روايته عن رحلاته انطباعًا غريبًا إلى حد ما عن أبى العلاء فيقول إنه كان بالغ الثراء وإن كل سكان المعرة كانوا خدما له، فى الوقت الذى كان فيه الشاعر يعيش حياة زاهدة فهو دائم الصوم، ويحافظ على صلوات الليل -وهكذا يبدو أنه فرض على نفسه حياة الزهد رغم يسره وغناه. وبعد ذلك بعشر سنوات تقريبًا كان أبو العلاء على اتصال فكرى غير مباشر بمراسلاته مع "داعى الدعاة" الإسماعيلى أبى نصر بن أبى عمران المؤيد فى الدين وفى عام 448 هـ/ 1057 م -بناء على أوامر من الخليفة الفاطمى المستنصر قام "المؤيد" بمهمة إلى شمال سوريا لحشد حكامها المحليين ضد الأتراك السلاجقة الذين أصبحت مقاليد الأمور منذ قريب ببغداد فى أيديهم وبدأ داعى الدعاة -وهو يقوم بهذه المهمة- بمراسلة أبى العلاء متظاهرًا أنه يطلب توجيهاته فيما يتعلق بأسلوب للحياة يحدده أبو العلاء شعرا. وفى ديوانه "لزوم ما لا يلزم" ينصح الشاعر بأسلوب فى الحياة يتسم بالزهد. . فهو يرفض أكل السمك واللحم واللبن والبيض والعسل. ويعلن فى الوقت ذاته أنه على جانب من المعرفة بالغيب لا ينبغى الجهر بها وأدى تناول الرسائل بينهما فى النهاية إلى توقفها إذ رأى فيها المؤيد عملًا لا جدوى منه.

وقد حدث أن مات أبو العلاء بعد هذه الرسالة (449 هـ/ 1058 م). . ومن ثم فلا يدهشنا أن نجد بعض المؤرخين العرب يحاولون إيجاد دليل للربط بين هذه المراسلة وبين موت الشاعر ويقول ابن الهبارية فى كتاب "فلك المعانى" أنه انتحر حتى لا يخرجه قسرًا داعى الدعاة ويعاقبه على هذه الهرطقة -ومع ذلك فإن معظم المؤرخين يتفقون على أنه مات ميتة طبيعية ويستشهدون على ذلك بأن الطبيب "ابن بطلان" كان بجواره عند وفاته، فقد طلب الشاعر وهو فى لحظاته الأخيرة من أفراد أسرته أن يأتيه بورق وقلم ليملى عليه شيئًا، فلما جاءوه بما طلب أخطا بعض الأخطاء -على غير ما كان ينتظر منه- فى إملائه، وهنا أعلن ابن بطلان أن أبا العلاء مات فعلا. ونحب أن نشير إلى أن الشاعر فى كثير من شعره كان يرى أن الإنجاب خطيئة وأن الفناء النهائى هو أمل البشرية ولذلك لم يتزوج وطلب أن يكتب على قبره "هذا جناه أبى على وما جنيت على أحد" والظن أنه قد ضاع الكثير من أعمال أبى العلاء بسبب الحروب الصليبية التى أحدثت الكثير من الخراب فى سوريا، ومنها المعرة بالطبع، وقد وضع مصطفى صالح قائمة بجميع مؤلفات المعرى سواء ما هو موجود منها أو مفقود، ومن بين تلك المؤلفات التى لا تزال موجودة ممكن أن نسرد ما يلى: 1 - سقط الزند. وهو يتضمن فيما يتضمن قصائد فى المدح أشرنا إلى بعضها فيما سبق. وينهج الشاعر فى هذا الديوان النهج الثلاثى التقليدى للقصيدة أى النسيب والرحيل والمديح -ولكنه من حين إلى آخر يرفض النسيب بل ويلغيه تمامًا. وفى هذا الصدد لا يمكن أن يقارن بشاعر مثل أبى نواس الذى هجر النسيب ليتحول إلى وصف الخمر- وفيما يتعلق بأبى العلاء الزاهد فإن تناول الخمر ووصفها مرفوضان عنده أما الماء فهو الذى يفضله. وعندما كان يتعرض للنسيب كان يركز على سمته الحزينة بوصفه لسجع القمريات فغناؤها الهامس يوحى كان بها لوعة على فقد صغارها منذ زمن بعيد، ويقارن ذلك بحنين الشاعر ورثائه لحبيب بعيد المنال، وعندما

يصف الشاعر هذا كله، فانه يكون يفكر فى كيف أن الهديل يثير فيه أفكارًا عميقة. . وفى بعض قصائد النسيب القليلة الأخرى يطلب الشاعر وهو الكفيف أن يتبع مرافقوه فى السفر وميض برق بعيد من أرض معشوقته، ولكنه عندما ينام يراود. طيفها الخادع فيزوره، أما قصائد الرحيل فهى أكثر إحكامًا إذ يصف الجمال قد أعياها السفر الطويل فهزلت، ويشير الشاعر من بين حيوانات الصحراء إلى الظبى والقطاة والنعامة والحرباء. . ثم إن تفضيله وصف الليل واضح جدًا حتى أن بعض الشراح يحاولون أن يربطوا بين هذا الاهتمام بوصف الليل وبين فقدان بصره. وأما شعر الغزل فلم يكن مولعًا بنظمه، فإن نظمه تكلّف (انظر طه حسين تجديد ذكرى أبى العلاء، ص 49 وما بعدها) وفيما يتعلق بالمديح وهو الجزء الأخير من القصيدة، فإنه غالبًا ما يغالى فى إطراء الممدوح، حتى لقد اعتذر عن ذلك فى مقدمة ديوانه لأن كل الأوصاف المغالى فيها والتى تتعلق لأول وهلة بكائن بشرى، فى الوقت الذى تتطابق فيه مع صفات اللَّه جل جلاله، فيجب أن تنسب إلى اللَّه وحده -وقد جمع فى سقط الزند بعض النماذج التى يمكن أن تكون شكلا آخر من أشكال القصيدة وهى المرثيات وفى أبيات مليئة بالحكم والأقوال الجامعة المانعة نلحظ جذور تلك اللهجة المتشائمة التى نراها كثيرًا بعد ذلك فى اللزوميات. ويتميز الشعر فى سقط الزند بكثرة المحسنات اللفظية، كما يمكن أن نتبين الكثير من ألوان البديع من مجاز وتشبيه واستعارة إلى جانب بعض صور الجناس، كما نلحظ أسلوب "التورية" الذى يمثل براعة الشاعر الفنية الفائقة وهناك إحدى وثلاثون قصيدة فى سقط الزند جمعت تحت عنوان "الدرعيات". وهى تتميز بوصف واحد أو أكثر من الدروع المصنوعة من الزرد. . وهنا يتخلى عن الموضوعات المألوفة فى القصيدة من رحيل ومديح ويبقى النسيب موضوعًا ثانويًا فى قليل من الحالات. . 2 - لزوم ما لا يلزم وهو مجموعة أخرى من الأشعار نظمها أبو العلاء فى الفترة التى أعقبت إقامته فى بغداد. ولم تلق هذه المجموعة من الشهرة فى العالم

الإسلامى ما لقيته مجموعته سقط الزند، بسبب شكلها ومحتواها غير التقليديين فقد التزم بطريقة أكثر صعوبة جعلته مبتدعًا فى القواعد المألوفة للقافية -مما جعل الأدباء العرب يسمون نهجه هذا بالالتزام، وقد وصف الشاعر نفسه مضمون هذه المجموعة فى المقدمة بأنها تعظيم للَّه (سبحانه) وتذكير للغافل، وإيقاظ للكسول المتهاون وتحذير للعالم من عدم اتباع تعاليم اللَّه "سبحانه"- ويذكر الشاعر أيضًا أنه لا يريد أن يتبع ما استقر من أفكار، ويقول إن الشعراء "يستهدفون تجميل ألفاظهم بالأكاذيب والمبالغة". وهو يشير بهذا إلى الأوصاف التى يخلعها الشاعر على محبوبته فى الغزل والنسيب، وعلى الجياد والابل فى الرحيل، وعلى الخمر مثلا فى الخمريات أما هو فإنه على النقيض من ذلك يبحث عن الصدق والحقيقة والتقوى. . 3 - زجر النابح. . وفى هذا الكتاب يدفع الشاعر عن نفسه الاتهامات التى أثارتها بعض الأبيات فى شعره فى اللزوميات وقد نشرت مقتطفات من هذا الديوان المفقود فى دراسة نقدية تحت عنوان "زجر النابح مقتطفات نشرة مخصصة بقلم الكاتب أمجد الطرابلسى" (دمشق 1385 هـ) انظر: S.M. Stern: Sane noteworlly manuscripts of the poens of Alre - I ala (in) oriens (1954) 342 fol، وقد دافع ابن العديم عن أبى العلاء فى كتابه "الانصاف والتحرى فى دفع الظلم والتجرى. عن أبى العلاء المعرى". . وهذا بحث منصف فى الدفاع عن الاتهامات الظالمة ضد أبى العلاء. . وابن العديم مؤرخ معروف يدقق فى التحرى عن كل ما يتعلق بأبى العلاء والذى قام به بعد موت المعرى بقرنين، إذ كان يتصل بأسلاف هؤلاء الذين كانوا على اتصال بالمعرى فى بلدته "معرة"، كما أفاد من المصادر التاريخية المحلية وكل ذلك مع تقديم الأسانيد. 4 - الفصول والغايات فى تمجيد اللَّه والمواعظ وقد كتب الشاعر هذا الكتاب بالنثر المسجوع. . وكان ذلك قبل سفره إلى بغداد ثم أكمله بعد عودته منها إلى المعرة (انظر معجم الأدباء لياقوت 1/ 180).

وهو يضم مقاطع كثيرة قصيرة يختمها بنهاية أو غاية ". . ولذلك يكون فى مجمله عبارة عن عدد من الفصول، كل منها يضم مقاطع تنتهى دائمًا بحرف معين من الحروف الهجائية، ولذلك نجد مثلا: فصلًا غايته همزة" "وفصلًا غايته باء" وهكذا حسب ترتيب الحروف الهجائية العربية. وقد ضاع الجزء الأكبر من هذا العمل، ولكن حدث أن اكتشف الجزء الأول منه، فى نسخة غير كاملة، فى عام 1918 - 1919 وحققه بعد ذلك "محمود حسن زناتى" (القاهرة 1356 هـ/ 1938 م) وهذا الكتاب يتضمن من بين موضوعات كثيرة أخرى أفكارًا عن اللَّه (سبحانه): مثل قدرته الكلية وعدله وفضله وخلوده وأبديته، بالإضافة إلى ملاحظة قوية لصروف القدر التى لا مهرب منها والتى تحكم الإنسان فى حياته اليومية العادية. . وكثيرًا ما نرى فكرة "اللَّه سبحانه" ترتبط بالقضاء والقدر المحتوم، وبالثواب والعقاب الأبدى، الأمر الذى يحضن الإنسان بدوره على أن يتبع سبيل الزهد والتقشف -وقد زعم بعض المؤرخين المتأخرين أنّ هذا الكتاب محاكاة للقرآن ولكن المؤلف كان يستهدف من كتابته تعظيم القرآن فى إعجازه. (انظر طه حسين: مع أبى العلاء فى سجنه، الفصل التاسع) 5 - رسائل أبى العلاء وهى الرسائل المختصرة التى كتبها أبو العلاء فى عديد من المناسبات ووجهها إلى الكثيرين من أفراد أسرته ومعارفه -وقد كتب هذه الرسائل بأسلوب شديد الأناقة البلاغية وملأه بالأمثال والنثر المسجوع المزين بأبيات من الشعر- وهناك طبعتان من هذه الرسائل الأولى تحقيق شاهين عطية - بيروت 1894 م - والأخرى مع ترجمة انجليزية تسبقها مقدمة تتضمن سيرة الشاعر، ومناقشة بعض من أعماله بقلم د. س. مارجليوث وهى بعنوان رسائل أبى العلاء (The letters of Abu'l Ala - اوكسفورد سنة 1898 م) - وهناك طبعة تتضمن دراسة نقدية للخطاب رقم 30 (حسب ترقيم مارجليوث) أعدها إحسان عباس، بعد عام 1945 م فى القاهرة تحت عنوان "رسالة فى تعزية أبى على بن أبى الرجال فى ولده أبى الأزهر".

6 - رسالة "الصاهل والشاحج" أى رسالة حصان وبغل والتى من بين أعمال أخرى ضاعت الآن، قد وجهت إلى أبى شجاع فاتك عزيز الدولة حاكم حلب من قبل الأئمة الفاطميين -وهذه الرسالة التى قيل إنها ضاعت، قد اكتشفت أخيرًا فى المغرب، حققتها مع دراسة نقدية ومقدمة، عائشة عبد الرحمن -بنت الشاطئ- (القاهرة 1975 م) وقد أتم أبو العلاء هذه الرسالة الضخمة فى عام 408 هـ/ 1017 - 1018 م تقريبًا وهو العام الذى اختفى فيه الحاكم، عندما تولى العرش فى مصر الإمام الظاهر الذى يتبعه المؤلف بأمير المؤمنين -وهناك حدث مهم آخر ذكرته الرسالة وقع عام 408 هـ/ 1017 - 1018 م، عندما كتب عزيز الدولة إلى صالح بن مرداس، وهو زعيم بدوى، أسس بعد ذلك أسرة المرداسيين، يأمره بإحضار أمه (أم صالح) إلى داخل أسوار حلب -وكانت هذه الخطوة من عزيز الدولة تعنى طمانة سكان حلب، فى مواجهة الشائعات حول تهديد بيزنطة بالهجوم على بلدهم وهذا التوتر الذى سرى بين السكان فى شمال سوريا أحد موضوعات الرسالة، الذى حشد فيه أبو العلاء -تدريجيًا- عددًا من الحيوانات التى -مع تمتعها بموهبة الكلام -تقول من بين أشياء أخرى- رأيها فى الوضع السياسى فى بلاد الشام فى عهد عزيز الدولة -ولكن السبب المباشر لتأليف الرسالة كان مشكلة الضرائب -فقد كانت قطعة أرض يملكها أفراد من عائلة أبى العلاء، وكان لابد -لاستغلالها- أن يدفعوا لبيت المال فى حلب قدرا معينًا من المال كضرائب -فطلبوا من أبى العلاء أن يبعث بكتاب إلى ابن مرداس فاستجاب لهم وكتب هذه الرسالة يسأله فيها إلغاء هذه الضريبة المفروضة لأن هذه الأرض لا ماء فيها ولا تغل إلا القليل -وبعد ذلك يعرض لشاحج (أى بغل) يقوم وهو معصوب العينين- بسحب الماء لكى يملأ الصهريج، دون أن يفيد من ذلك الجهد حتى لنقع غلته وإرواء ظمئه -ويتذمر البغل فى أول الأمر ثم يبدأ يتكلم يلاحظ أن أبا العلاء وهو يقوم أول حيواناته التى تتكلم مع إيراد مقتبسات من القرآن الكريم كما جاء فى سورة النمل/ 18، 23 من حديث نملة

بوادى النمل، والهدهد مع سليمان الذى كان يفهم حديث الطير ومن جهة أخرى وفى موضع آخر من الرسالة، يقارن أبو العلاء بين عزيز الدولة، وبين سليمان فكل منهما يتصف بالحكمة والإدراك والفهم ثم تظهر بعد البغل حيوانات مختلفة على مسرح الأحداث من بينها الحصان والجمل والثعلب. . فالبغل يريد من الحصان أن يحمل شكوى إلى عزيز الدولة عن الحياة الشاقة التى يعيشها لكن الحصان -وهو يشير إلى أسلافه النبلاء، يرفض باستعلاء أن يقوم بهذه المهمة- وفى المنظر الثانى يعلن الجمل أنه على استعداد لنقل شكوى البغل -ولأن البغل واسع المعرفة فقد قرر فى أول الأمر أن يبعث بالشكوى شعرًا، ولكن احترامه للجمل حمله على العدول عن هذه الفكرة لسبب يعكس وجهة نظر أبى العلاء فى الشعر إذ يقول (البغل) أنه لا يريد أن يتصف بما يتصف به بنو البشر إذ يحملون الشعر معهم بهدف شئ من النفع ويريد البغل بدلًا من ذلك أن ينقل الجمل أخبارًا غريبة إن ألقاها لم يكن لها سوى معنى واحد عند من يسمعها، بينما هى تحمل فى الواقع معنى ثانيًا خفيًا (التورية). . وعندما يصل الثعلب أخيرًا إلى مسرح الأحداث، يتغير الموقف، إذ يسمع فجاة صراخ مبهم ينبعث من المدينة القريبة فيقوم الثعلب بناء على طلب البغل، بمهمة الاستطلاع ويتضح بعد ذلك أن الصراخ هو نتيجة ذعر أصاب أهل الشام بسبب حملة عسكرية بيزنطية وشيكة القدوم، ويبدأ أبو العلاء فى التلميح إلى التطورات السياسية العديدة التى حدثت فى تلك الفترة التى عاصرها. 7 - رسالة الغفران وقد ألفها أبو العلاء فى عام 424 هـ/ 1033 م, تقريبًا فى عهد الأمير المرداسى الثانى نصر بن صالح شبل الدولة -وهذا العمل هو رد على رسالة صغيرة وجهها إلى أبى العلاء شخص يدعى على بن منصور بن طالب الحلبى دَوْخله، ويعرف أيضًا با "بن القارح" وكان محدِّثا وعالمًا بالنحو وهو يعرب فى هذه الرسالة عن شكواه من تقدم سنه وما يصاحب ذلك من أسقام وأوجاع، ويذكر لأبى العلاء أن أبى عون يرفده به سوف يلقى ترحيبًا من جانبه

وبالإضافه إلى ذلك فإن ابن الطامع يفصح عن كبر علمه وتسامحه بذكر عدد من الشعراء والأدباء يتهمهم بالزندقة ويرد عليه أبو العلاء فى سخرية فيفترضه وقد تقدمت به السن فمات هذا المراسل العجوز لتوه ثم يتخيله قد حوسب حسابًا عسيرًا يوم البعث ثم يدخل إلى جنات النعيم التى يصف ابن القارح عددًا كثيرًا من الشعراء الأدباء قد غفرت خطاياهم السابقة على غير ما كان متوقعًا (راجع معنى عنوان الرسالة) وبينما يتجول ابن القارح فى الدار الآخرة، يتمكن من زيارة الجحيم، حيث يجرى مناقشات مع إبليس والشيطان، والشاعر بشار بن برد الذى يعتبر هرطقيًا وهناك جوانب عامة فى رسالة الغفران نذكرها هنا، أولا أن متع الفردوس ونعيمه تقوم على التفسير الواقعى والحرفى لما قرره القرآن والسنة. وثمة جانب آخر ملحوظ فى رسالة الغفران وهو التعويض عن أى ضرر عانى منه الإنسان والحيوان فى حياته الدنيوية ومن الحيوان خبر حمار وحشى اصطاده صياد وسلخه ثم استفاد من جلده، ثم جاء الأتقياء فأخذوه بدورهم واستفادوا منه فى الطهارة، وهكذا يبدو أنه يوجد فى الجنة شيئان مختلفان تمامًا الأول مادة الفردوس وتمثلها الأبكار اللائى ورد ذكرهن فى القرآن والثانى الحيوانات يهدف الصيد وكلاهما لزيادة متع المنعمين -ثم هناك فى المقام الثانى بنو البشر والحيوانات الذين قدر لهم أن يسعدوا بالأبدية بناء على معاناتهم فى الحياة الدنيا. . أما بالنسبة لابن القارح فإن رؤية أبى العلاء الساخرة له واضحة جدًا، حيث يصف المشهد الرسمى لتوبة ابن القارح والشهود الرسميين الذين صدقوا عليها فى أحد مساجد حلب ثم ما أعقب ذلك من ابتهاج وفرحة فى السماء. (تجدر الإشارة هنا إلى كتاب عائشة عبد الرحمن "الغفران" القاهرة 1954 م، والذى يناقش الفرق بين رسالة الغفران ورسالات التوابع والزوابع لابن شُهَيْد وهى ذات أهمية عامة كدراسة رائعة لرسالة الغفران) 8 - رسالات الملائكة تتعلق بمسائل خاصة بأصل بعض الكلمات العربية

وهكذا نجد فى مقدمة الرسالة إجابة غير مباشرة على أسئلة تتعلق بتصغير وبعض الكلمات والأسماء الموجودة فى القرآن والحديث. ونسمع أبا العلاء -الذى هو صاحب القصة فى هذه الرسالة- يقدم بعض الأسئلة إلى ملاك الموت تتعلق بكل النظم الشكلية (المورفولوجية) التى يمكن أن تُصَغّر بها كلمات مثل ملاك وعزرائيل. وهناك أسئلة أخرى تتعلق بتصغير وكلمات مثل القبر والآخرة والثواب والعقاب ومباهج الفردوس. ويجب أن نلاحظ أن الجنة فى هذه الرسالة هادئة جدا وتتماشى مع ما يراه المتمسكون بالتقاليد -على حين لا تكون كذلك فى رسالة الغفران مع وجود مقاطع ساخرة، أما هدوء الفردوس فيضطرب بالتجول والمناقشات بل والشجار العنيف بين الشعراء والعلماء. 9 - مُلقى السبيل -وهو عمل قصير جدا ويأتى فى الشهرة بعد شعر أبى العلاء. . وكثيرا ما كان هدفا للمعارضة وخصوصا فى الغرب الإسلامى- ويمكن أن نجد بعض المقتطفات القصيرة من هذه المعارضات فى كتاب "حسن حسنى عبد الوهاب" المسمى "معارضات المغاربة لملقى السبيل" وهذا الكتاب يتضمن فقرات قصيرة من النثر المسجوع، تتبادل مع فقرات أخرى من بعض أبيات الشعر مع التقيد بأن تكون كل فقرة من النثر المسجوع متماسكة فى قليل أو كثير مع فقرة الشعر التالية حسبما يقتضيه المضمون. وهذا المضمون تقليدى جدًا فى طبيعته وليس هناك أى فرق للأخلاقيات التقليدية والتراث الأدبى، ويرى حسن حسنى عبد الوهاب بعض التشابه مع خطباء ما قبل الإسلام مثل قس بن ساعدة الإيادى. . وهناك من يرى تأثير شعر أبى العتاهية فيه. . ويرى البعض أن أبا العلاء كتبه فى أوائل حياته اعتمادًا منهم فى ذلك على بساطة أسلوبه ويرى آخرون أنه كتبه فى أواخر حياته. وأخيرًا نعرض للتعليقات التى ذكرها أبو العلاء حول دواوين الشعراء الآخرين: 1 - معجز أحمد -تعليقات على ديوان المتنبى ويرجح أن أبا العلاء كتبه وهو فى صدر أيام شبابه.

المعز بن باديس

2 - "اللامع العزيزى" أو "الثابتى العزيزى" وهو تعقيب على عدد كبير من مختارات أشعار المتنبى ولم يطبع بعد. 3 - عبث الوليد -وهو شرح لأبيات مختارة من البحترى. 4 - ذكرى حبيب شرح لمختارات من ديوان حديث ابن أوس الطائى (أبو تمام). وبالنسبة للمصادر فقد أوردنا بعضهما فى المتن وللمزيد: راجع عن المعرى تأليفًا ودراسة. تعريف القدماء بأبى العلاء، الإنصاف والتحرى فى رفع الظلم والتحرّى عن أبى العلاء المعرى، وكتاب أوجه التحرّى عن حيثية أبى العلاء المعرى، دمشق 1944 م للبديعى، وانظر الثعالبى تتمة اليتيمة، والباخرزى: ومنة العصر وعصرة أهل العصر، والمنظم لابن الجوزى، جـ 8 وابن القفطى: إنباه الرواة، على انباه النهاة، ومرآة الزمان لسبط ابن الجوزى بهجت عبد الفتاح عبده (ب. سمور P. Smoor) المعز بن باديس أبو تميم شرف الدولة 407 - 454 هـ/ 1016 - 1062 هو رابع ولاة بنى صنهاجة بإفريقية. توالت النكبات واحدة إثر الأخرى خلال فترة حكمه، كاشفة اللثام عن فوضى ضاربة أطنابها واقتصاد منهار. ولا يزال المعز -فى تاريخ إفريقية- صاحب الفضل الأول فى إحياء المذهب المالكى الذى يرتبط بكارثة الغزو الهلالى. توفى والده باديس فجأة عشية الهجوم الأخير الذى كان سيستولى به على "القلعة" التى أنشاها عمه حماد، وكان موته الفجائى فى ذى القعدة من سنة 406 هـ بداية لتقييم مملكة بنى زيرى. كان الأمير الصغير فى المهدية عند وفاة أبيه ولم يكن يومذاك قد بلغ التاسعة من عمره وكان الأمير يتمتع بقدر كبير من الذكاء كما كان على جانب طيب من الثقافة. وفى منتصف شهر محرم من نفس العام، ترك المعز المهدية وذهب إلى المنصورية، مسقط رأسه، التى أسسها الخليفة الفاطمى

المنصور والتى تقع على بعد نصف ميل من القيروان معقل اضطرابات السنية. وقد استقبل الشعب فى بادئ الأمر موكب الأمير بالهتاف والتهليل وفجاة اندلعت نيران الثورة التى كانت تستهدف حياة الأمير ونظام الحكم الذى أراد القضاء عليه وألا تقوم له قائمة فى كافة أرجاء المغرب ويبدو أن أهل السنة وجدوا صعوبة بالغة فى التعامل مع بعض العاملين فى صفوف الجيش حيث لم يبدوا أى تحمس فى التعاون معهم. أما حاكم القيروان، فترجع سلبيته إلى ما ترامى إلى سمعه من أن هناك مؤامرة تستهدف خلعه، وانطلق الجند يقتلون الناس، وأهلك الثوار القوم وكانوا مدفوعين إلى ذلك برغبتهم فى النهب والسلب أكثر من خوفهم من تفاقم خطر الهرطقة، وانتشرت الفوضى وعم الاضطراب وانقلب الناس على الشيعة ونهبوا بيوتهم وبضائعهم. وازداد الوضع سوءًا فانتشر العصيان والتمرد فى أرجاء البلاد. وعلى أثره تعرضت الشيعة لمذبحة راح ضحيتها أعداد ضخمة منهم، بالإضافة إلى مقتل العديد من الأشخاص الذين كانت مذاهبهم محل شك. وأخيرًا، غزا الثوار المنصورية وقاموا بنهبها بعد الاستيلاء عليها. كما قامت عدة مدن أخرى فى إفريقية بتنفيذ المذابح ضد الشيعة. وأثرت الثورة تأثيرًا واضحًا لفترة طويلة الأمد. وفى ذلك الحين، لم يكن للمعز أية سياسة خاصة نظرًا لحداثة سنه. ومن ثم، تولى شئون البلاد القائمون بالعمل فى الديوان الملكى فى عهد والده، وبعد شهر تقريبًا من بداية الثورة، أصبح أبو عبد اللَّه محمد بن الحسن وزيرًا جديدًا فى البلاط. إلا أن السنة لم تلق السلاح وتدبير المؤمرات فتعرض المعز لمحاولة تهدف إلى اغتياله عندما كان فى طريقه إلى المصلى فى القيروان بمناسبة عيد الفطر. لم ينج منها إلا بشق الأنفس فقد قرر السنة أن تكون الضربة قوية بحيث ترديه صريعًا. وهكذا، أصبح المعز يخشى هذه الجماعة وقرر أن يسحق ويحبط ثورتها فقام بنفى زعيمهم. وفى مارس

عام 1017 قتل أبو على بن خلدون، شيخ الدعوة بعد حصاره فى مسجده وكان قد اتخذه مقر التنظيم. واجتاحت القيروان موجة من الفوضى الشديدة. ومن ثم انتقل جنود المنصورية إلى هذه المدينة ونهبوا كل حوانيتها بحيث لم يتركوا شيئًا على حاله إلا أن الأمن ما لبث أن ساد لهم بعد ذلك واستمر طوال عهد المعز. ولم تمض ثلاثة شهور حتى لقبه الخليفة الفاطمى "الحاكم" بشرف الدولة، واستمرت علاقات المعز مع الفاطميين على نحو ممتاز وفى مستهل 411 هـ جدد. الحاكم ثقته بالمعز وهاداه وكان من بين هداياه سيف مرصع بالأحجار الكريمة. أما خليفته الظاهر، فقد أضاف لهذا الشرف شرفًا آخر بحيث لقب المعز "بشرف الدولة وساعدها الأيمن" كما أغدق عليه الهدايا الرائعة. عمل المعز على التخلص من سيطرة وزيره أبى عبد اللَّه محمد بن الحسن واختار وزيرًا آخر كاد السنة أن يقتلوه خلال ثورة أبى البهار بن خلوف ولهذا الاختيار مدلولان سياسيان. أما أحدهما فكان بمثابة تحذير للسنة. وأما الآخر فكان دليلًا على الولاء للفاطميين. وفى نفس العام تزوج المعز وأقام احتفالًا عظيمًا. وتميزت فترة حكم المعز -حتى الغزو الهلالى- بالهدوء والسلام برغم حدوث بعض الثورات الصغيرة خاصة فى جنوب البلاد. بيد أن قوة هذا الصرح كانت تخفى وراءها الانهيار الاقتصادى الذى أدى إلى تكرار حدوث الاضطرابات والمجاعات، بجانب انتشار الأوبئة وانخفاض التعداد السكانى خاصة فى المناطق الريفية لهجرة السكان إلى المدن. وتركزت حملة الغزو الحاسم التى شنها الخليفة المستنصر ضد أفريقية. لمعاقبة أحد أتباعه على التمرد فى منطقة قابس عند حيضران (Tlaydarn) . وبرغم شجاعة الأمير والتفوق العددى الذى كان عليه جيش أفريقية فى العدد، إلا أنه نزلت به هزيمة منكرة لعدم التماسك بين أفراد جيشه ولعدم وجود خطة إستراتيجية يسير على نهجها،

المصادر

فضلًا عن التنافس العرقى الذى كان يهدده. وهكذا تصدع الصرح الصنهاجى. وانتشر الهلاليون فى كل مكان كأسراب الجراد، يسلبون كل ما يصادفهم، وما لبثت القيروان أن سقطت فى أيديهم فقاموا بنهبها بعد هروب الأمير بيومين. كما حاول الهلاليون تحويل هذا الاقتصاد المنهار إلى اقتصاد رعوى بكل المعوقات السياسية والاقتصادية التى توحى بها تلك الطفرة. ومن ثم، سيطرت الرجعية على نطاق واسع من الحياة الحضرية الهادئة لصالح الوجود البدوى المحفوف بالمخاطر. وكان المعز -حتى الغزو الهلالى- يعيش حياة مترفة. وكان معلمه (ابن أبى الرجال) من أعظم الكتاب الأفريقيين وهو أيضًا شاعر وعالم فلكى ترجمت بعض أعماله إلى عدة لغات أوربية بجانب كل من اللغتين اللاتينية والعبرية. وأصبح بعد ذلك المستشار الرئيسى للمعز. وفى عهده، تلالأت المدرسة الأدبية فى القيروان بفضل بعض العظماء أمثال القزاز. أما أبو عمران الفاس، فكان من الشخصيات المتربعة على عرش الفقه المالكى. لقد ورث المعز مملكة ضعيفة اقتصاديًا ومنفصلة سياسيًا عن جزئها الغربى وفشلت محاولته فى جمع شملها فى أعقاب سياسة والده. وبعد حكم استمر سبعًا وأربعين عامًا توفى المعز عن عمر يناهز الخامسة والستين، تاركًا لخليفته تميم مملكة منهارة اقتصاديًا ومنقسمة سياسيًا، تعم أرجائها الفوضى والاضطراب. المصادر: (1) H.R.Idris: la Berbrie Orientale sous les Ziridss, Paris, 111962 (2) M.TAlibi: Drois et economie en Ifrigiya. Tuniis, 1992 أمنية محمد رضا [م. طالبى M. Talbi] المعلقات هى مجموعة من قصائد الشعر العربى فيما قبل الإسلام، عددها المتفق عليه سبعة. وعادة جمع المختارات الشعرية شئ قديم، وقد تركت آثارها

فى كل جوانب النقد الشعرى فيما أعقب ذلك من مراحل. وأشهر المختارات هى المعلقات. وكان للمكانة التى وضعها فيها رجال الأدب العرب تأثيرها على النقد العربى أيضًا. ويبدو أن جمع هذه المعلقات تم فى منتصف القرن الثانى الهجرى/ الثامن الميلادى على يد الراوية "حمّاد" ويبدو أن ابن قتيبة قد تعرف عليها فى القرن الثانى ولكن تحت اسم "السبع" أما عن التسمية فيقال إن الإعجاب الشديد بهذه القصائد أدى بالقدماء إلى أن يكتبوها بحروف من ذهب ويعلقوها على أستار الكعبة. ومن بين من أخذ بهذا التفسير ابن "عبد ربه" (المتوفى 329 هـ - 940 م) وابن رشيق (منتصف القرن الخامس الهجرى/ الحادى عشر الميلادى) وابن خلدون (المتوفى 808 هـ/ 1406 م) والسيوطى (المتوفى 1505 م) وهناك آخرون مثل ابن النحاس (المتوفى 338 هـ/ 950 م) يرفضون هذا التفسير دون تقديم تفسير آخر. ومنذ نشأة هذه القصائد، يتباين عددها كما تتباين شخصية ناظميها. . فالأصمعى (المتوفى 213 هـ/ 828 م) جمع ست قصائد فى "كتاب القصائد الست" وهذا ما يقوله ابن النديم (الفهرست - القاهرة). أما أبو عبيدة (المتوفى 209 هـ/ 824 م) وبعد ذلك ابن قتيبة (المتوفى 276 هـ/ 889 م) فيذكر أن سبع قصائد، مما يتفق وما جاء فى كتاب "الجمهرة" لأبى زيد القرشى (نهاية القرن الثالث الهجرى/ التاسع الميلادى) الذى يضم أسماء: "امرؤ القيس - زهير بن أبى سلمى - النابغة الذبيانى - الأعشى ميمون بن قيس - لبيد بن ربيعة - بن كلثوم - طرفة بن العبد" أما ابن النحاس فيذكر امرؤ القيس - وطرفة وزهير - ولبيد وعمرو - الحارث بن حلزة وعنترة بن شداد - وقد فسر هذا الاختلاف بتطور النقد ولكن الأكثر احتمالًا هو مجموعة الظروف التى يتداخل فيها التنافس القبلى. فكل هؤلاء الأشخاص عاشوا قبل الإسلام وفى ظروف مختلفة كثيرًا وتغييرات تتسم بالعداء والخصومة، فالبيئات المسيحية واليهودية والغسانية، وكذلك الاتحادات القبلية قد تركت أثرها على الأحكام الأدبية فى العصور

المعلوف

الأولى، وربما بعد ذلك بكثير، وفى ذلك الوقت ظهرت مجموعة تضم تسع قصائد بإضافة الأعشى والنابغة إلى الأسماء التى ذكرها ابن النحاس (ابن الزوزنى - القرن الخامس الهجرى/ الحادى عشر الميلادى). وأخيرًا يأتى ناقد آخر فى أوائل القرن السادس الهجرى/ الثالث عشر الميلادى، وهو "التبريزى"، فيضيف إلى الأسماء التسعة اسم "عبيد بن الأبرص" ولكن الأسماء الأكثر شيوعًا هى: امرؤ القيس وطرفة وزهير ولبيد وعمرو. . وإذا كان طه حسين قد ألقى ظلالًا من الشك حول حقيقة الشعر فيما قبل الإسلام، فإن المستشرقين قد اتخذوا موقفًا وسطًا إذ قالوا: إن المعلقات فى الشكل والمضمون يجب أن تعتبر -حتى إذا كانت تحتوى فى جزء منها على عناصر مشكوك فيها- نماذج للتراث الشعرى الذى ازدهر بقوة فى أجزاء مختلفة من شبه الجزيرة العربية قبل الإسلام. بهجت عبد الفتاح عبده [ج. لوكونت G. Leconte] المعلوف اسم أسرة لبنانية اشتهرت بفضل جهود أكثر من عشرة من أفراها فى مجالات الأدب والفكر فى لبنان المهجر خلال المائة وخمسين عامًا الأخيرة. وطبقا لما ذكره "عيسى اسكندر" الذى كتب تاريخ هذه الأسرة ويعد أحد أعلامها، ينتسب آل المعلوف إلى الغساسنة الذين كان مقرهم فى "دامة العليا" فى حوران. وقد أعفاهم الخلفاء الراشدون من دفع الجزية نظرًا لما قدموه لهم من مساندة عسكرية، كما مُنحوا نفس الميزة من الخلفاء الأمويين مما أكسبهم اسم "بنى المعيوف" بسبب هذا الإعفاء، لكن هذه الميزة اسقطت عنهم فى عهد العباسيين أعداء بنى أمية، فتغير الاسم إلى "بنى المعلوف". وفى بداية القرن الخامس عشر الميلادى غادر بعض أفراد عشيرة المعلوف حوران، منهم "إبراهيم المعلوف" الذى استقر فى "سَرْعين" قرب بعلبك؛ ومنها انتشرت سلالته فى سوريا ولبنان، وإن ظلت "زحلة" مدينتهم الرئيسية. وللأسرة فروع مسلمة ذكرها عيسى اسكندر فى مقالة "رحلتى إلى مصر"

الذى وصف فيه زيارته عام 1934 م إلى ضريح الشيخ أحمد المعلوف بشبرا الخيمة. كما أنه اكتشف مخطوطا بدار الكتب المصرية بعنوان "رياض النفوس" صنفه أبو بكر عبد اللَّه المالكى وأورد به ذكر آل المعلوف المسلمين فى صقلية والقيروان وسوسة. 1 - ناصنف المعلوف: ولد فى "زبوغة" بلبنان وتلقى تعليمة الأول فى "بيت الدين"، وقد وجه عنايته لدراسة اللغات، وعمل فى 1845 م معلمًا للغات الشرقية بأزمير بتركيا. ثم توفر منذ ذك الوقت على دراسة اللغات التركية والإيطالية واليونانية، وعمل مترجمًا لدى السلطات البريطانية. ومن أهم أعماله قاموسيه "الفرنسى - التركى" و"التركى - الفرنسى"، وكتبه فى المحادثة بلغات عدة أو بلغتين، وكتابًا فى نحو اللغة التركية. 2 - لويس المعلوف (1867 - 1947 م) فى مدرسة اليسوعيين فى بيروت، وسافر إلى انجلترا لدراسة الفلسفة، ثم إلى فرنسا لدراسة اللاهوت. من أبرز أعماله "المنجد فى اللغة والأدب والعلوم" الذى صدر عام 1908 م، وكتابه مقالات فلسفية قديمة لبعض مشاهيرة فلاسفة العرب مسلمين ونصارى". تولى رئاسة تحرير مجلة "البشير" الأسبوعية الكاثوليكية بين عامى 1906 - 1932 م 3 - يوسف نعمان المعلوف (1870 - 1956 م): هاجر إلى الولايات المتحدة وأسس فى نيويورك صحيفة "الأيام" التى داومت على الصدور بين عامى 1897 - 1907 م، وقد استغل الجريدة فى الدعوة إلى استقلال الدول العربية مما أثار عليه سخط الحكومة العثمانية فحكمت عليه بالإعدام لكنها لم تظفر به وفى 1899 م أصدر فى نيويورك "كتاب خزانة الأيام فى تراجم العظام"، وهو قاموس لسير رجالات العرب والأتراك. ومن مؤلفاته أيضًا "أسرار يلدز أو العقد الثمين فى تاريخ أربعة سلاطين". 4 - أمين فهد المعلوف (1871 - 1943 م): درس الطب فى جامعة بيروت ثم فى استانبول، وخدم كطبيب بالجيش المصرى حيث شارك فى حملة السودان ومعركة الخرطوم، وروى أحداث تلك المعركة فى حلقات نشرها المقتطف فى عامى 1911 و 1912 م كما شارك أمين المعلوف فى حرب البلقان فى معركة الدردنيل فى الحرب العالمية

الأولى، ثم انضم إلى قوات الشريف حسين، وخدم بعد ذلك فى الجيش العراقى فى عهد الملك فيصل، وعاد إلى مصر ليتقاعد بها. من أهم مؤلفاته "معجم الحيوان" الذى نشره أولا على حلقات فى المقتطف ثم طبعة عام 1932 م، و"المعجم الفلكى" عام 1935 م، وله دراسات لم تكتمل عن أسماء النبات، كما كان له أيضًا اهتمام بالمصطلحات الطبية العربية. 5 - قيصر إبراهيم المعلوف (1874 - 1961 م): هاجر إلى البرازيل، حيث رأس تحرير جريدة "البرازيل" وشارك فى النشاط الأدبى للمهاجرين السوريين، وعاد إلى لبنان حيث نشر العديد من الأعمال الأدبية فى الشعر والمسرح والرواية، ومنها "ديوان قيصر المعلوف". 6 - جميل المعلوف (1879 - 1950 م) هاجر إلى الولايات المتحدة وعمل مع عمه يوسف نعمان فى إصدار صحيفة الأيام" وقد تورط فى محاولات خلع السلطان عبد الحميد فحكم عليه الأتراك بالإعدام لكنه أفلت منهم. نشر سلسلة من المقالات بعنوان "كيف تثور الأمم"، وشارك عمه فى تأليف "خزانة الأيام فى تراجم العظام"، وألف وحده كتاب "تركيا الجديدة وحقوق الإنسان". 7 - ميشال المعلوف (1889 - 1942 م) شقيق قيصر وجميل شارك فى تأسيس "العصبة الاندلسية" وتولى رئاستها، وله مسرحية "سجين الظلم" التى طبعت عام 1910 م. 8 - عيسى اسكندر المعلوف (1869 - 1956 م) درس فى مدارس الإرسابيات، وعين مدرسًا بدمشق ثم بزحلة فى لبنان حيت قام بتدريس العربية الإنجليزية والرياضيات. ونشر مقالات صحفية وعمل محررًا صحفيًا، ثم أصدر صحيفة "الهذب" عام 1901 م ثم صحيفة "الشرقية". وفى عام 1911 م أسس دورية "الآثار" التى كرثها لعلم الآثار والتاريخ والأدب وشارك فيها أبرز العلماء العرب. كان عيسى كاتبًا موسوعيًا ساهم بمقالات صحفية كثيرة فى موضوعات شديدة التنوع، وطبع 22 عملا وترك أكثر من 50 عملا آخر فى صورة مخطوطات، ومن أهم مؤلفاته: "الكتابة" وهو مجموعة من الدراسات عن اللغة والخط والكتابة، "دوانى القطوف فى سيرة بنى معلوف" وفيه عرض لتاريخ سوريا ولبنان

المصادر

وفلسطين إلى جانب تاريخ أسرته، "تاريخ لبنان"، "تاريخ الطب عند العرب" تأريخ الطب قبل العرب"، "القلاع والحصون فى سوريا"، "القضاء فى لبنان زمن الأمراء الشهابيين"، "معجم الألفاظ العامية والدخيلة"، "معجم تحليل الأماكن فى البلاد العربية"، "معجم تحليل أسماء الأشخاص"، وهذا بالإضافة لمؤلفاته عن الشعر والأدب. 9 - شفيق المعلوف (1905 - 1976 م) ابن عيسى اسكندر، وهو شاعر له العديد من دواوين الشعر وكتب الأدب، يعد أحد مؤسسى العصبة الأندلسية فى ساو باولو بالبرازيل. 10 - فوزى المعلوف (1899 - 1930) ابن عيسى اسكندر وشقيق شفيق هاجر عام 1921 م إلى البرازيل حيث عمل بالتجارة فى ساو باولو، وفى عام 1922 م، أسس "المنتدى الزحلى" الذى جعله يوسع دائرة نشاطه الاجتماعى والأدبى ويضيف إلى ثقافته العربية الفرنسية الثقافة الإسبانية البرتغالية. نشر فى عام 1926 م قصيدته الشهيرة "على بساط الريح"؛ وهى قصيدة طويلة من 218 بيتا يضمها 14 نشيدا، وإليها ترجع مكانته فى الشعر العربى المعاصر وله أيضًا مسرحية "ابن حميد أو سقوط غرناطة" التى استوحى موضعها من تاريخ الأندلس، وله ديوان شعر بعنوان "الديوان" يضم 46 قصيدة. 11 - جورج حسون معلوف (1893 - 1965 م) درس القانون فى بيروت وعمل محاميًا ثم هاجر للارجنتين فى عام 1911 م. وقد ركز اهتمامه على النثر بالرغم من إحاطته الواسعة بالشعر العربى، وترجم من العربية إلى الفرنسية والإسبانية والبرتغالية، وكان من بين مترجماته القصص القصيرة، وقد كتب القصة القصيرة أيضًا إلى جانب ما توفر عليه من كتابة المقالات. المصادر: (1) س. أ. راغى: المشرق، IX . VIII (2) راغى: المصادر، II، 9 - 727، 15 - 713، 19 - 716، III / 2، 3 - 262/ 2 F 1256 OD - 1246 (3) الزركلى: الأعلام، VII، 350، 7، 247، VII، 255، III، 19، F,V، 209، II، 137، v، 101 (4) عمر الدقاق: شعراء العصبة الأندلسية فى المهجر، بيروت 1973 م. [لبنى الريدى] (هيئة التحرير)

معن بن أوس

معن بن أوس معن بن أوس المزنى الشاعر العربى، كان من قبيلة مزينه التى كانت مساكنها فى الأراضى الخصبة الواقعة بين المدينة ووادى القرى وكان معن بن أوس هذا معدودًا من الشعراء المخضرمين، ومن المحتمل أنه ولد قبل البعثة النبوية بقليل وقضى معظم سنوات عمره فى الإسلام، ولقد كف بصره حين تقدم به العمر وشارفت حياته على الانتهاء ولا يمكن أن تكون وفاته قد حدثت قبل سنة 64 هـ، هذا إذا اعتبرنا الأبيات الشعرية التى يذكر فيها كرم استقبال عبد اللَّه بن الزبير له فى مكة، وعلى الرغم مما يحتمل من اعتناقه هو وقبيلته الإسلام قبل دخول الرسول عليه الصلاة والسلام مكة ولكن يظهر أنه لم يساهم فى الحروب، بالإضافة إلى أن شعره قل أن يعكس الموقف الذى ترتب على قيام هذا الدين الجديد الذى قل أن يذكره إلّا عرضًا، يضاف إلى ذلك أن المادة المستفادة من ترجمته ضئيلة وهى تتعلق أساسًا بحياته الخاصة، ونسائه وبناته اللاتى يعترهن من سقط المتاع، وعلى الرغم من أنه كان يلازم الاقامة فى ضيعة له لا تبعد كثيرا عن المدينة المنورة، وعلى الرغم أيضًا من أنه كان يؤثر أن يعيش العيشة البدوية التى كان عليها فى مهبط رأسه إلا أن ذلك لم يمنعه من أن يزور البصرة بين أن وآخر، والتقى فى البصرة بالفرزدق كما يقال وتزوج امرأة من قبيلته وأخرى من الشام، وكتب شعرا فى مدح لبعض الشخصيات الإسلامية ورثاء البعض الآخر منهم عبيد اللَّه بن العباس وعبد اللَّه بن جعفر وعاصم بن عمر بن الخطاب وسعيد بن العاصى ملتزما فى ذلك بالأسلوب التقليدى العربى، وعلى الرغم مما يظهر من أن ابن سلام وابن قتيبه كانا يجهلانه إلا أنه معدود من الشعراء الموهوبين، واعتبره معاوية فى مرتبة ابن قبيلته زهير بن أبى سلمى والواقع أن شعره يتضمن عبارات ذات مغزى أخلاقى، ولم يبرز اسمه فى قوائم الدواوين التى جمعها الرواة الأقدمون، إلا أن ب. شوارتز اكتشف فى مكتبة الإسكوريال بمدريد مخطوطة غير كاملة وعليها شروح وتعليقات وقد

معن بن زائدة

طبعت مع مقدمة مفصلة عن الشاعر واصدرها فى ليبزج 1903 م، ثم قام كمال مصطفى بإعادة طبع نسخة "شوارتز" بعد أن أضاف إليها بعض الاضافات وأسقط منها أشياء وسماها "معن بن أوس، حياته وشعره وأخباره" وطبعها بالقاهرة سنة 1927 م وتزداد هذه المجموعات ضخامة إذا ما استعنا بالمصادر الحديثة ولقد ترجم "ريشر" ديوان معن بن أوس ونشره فى استانبول سنة 1956 - 1958 م، كما نشر النواوى دراسة عن معن بن أوس المزنى - فى مجلة المجمع العلمى الهندى سنة 1396 هـ (= 1977 م)، كما صدرت حديثًا طبعة جديدة للديوان اعتمدت على طبعة كمال مصطفى مع ملحق أدبى. . إلخ. وقام بنشر ذلك عمر محمد سليمان القطان بجدة سنة 1983 م وسماها شعر معن بن أوس المزنى (وهو يتضمن سبعة وأربعين قصيدة ومقطع). راجع أيضًا البيان والتبيين للجاحظ، والبخلاء له أيضًا طبعة الحاجرى، والحماسة لأبى تمام، وحماسة البحترى، والأغانى للأصفهانى، والنقائض (طبعة بيغان)، والآمالى للقالى، وكتاب الصناعتين للعسكرى، زهر الأداب للمصرى، ومعجم المرزبانى، والإصابة لإبن حجر رقم 8451، والخزانة للبغدادى، ومعجم البلدان لياقوت، ولكن الهميان للصفدى. [م. بليسنر M. Plessner و S. Pellat] معن بن زائدة مَعْن بن زائدة أبو الوليد الشيبانى، أحد القواد الحربيين والولاة الذين ظهروا فى أخريات العصر الأموى ومستهل زمن بنى العباس، ويرجع أصله إلى أشراف قبيلة شيبان ويرجع الفضل فى ظهوره إلى اهتمام يزيد بن عمر بن هبيرة به، وكان ابن هبيرة آخر والٍ أموى للعراق وقد حارب ضد الجيوش العباسية المتقدمة حين بلغت العراق سنة 132 هـ (= 749 م) ويقال إنه كان على يده مصرع قائد عسكر العدو قحطَيَة بن شبيب، وقد انضم إلى مولاه ابن هبيرة فى دفاعه عن "واسط" وكان أحد القواد القلائل الذين نجوا من الإعدام وربما كان ذلك راجعًا إلى أنه

المصادر

كان بالكوفة حينذاك حيث أعلن ولاءه للسفاح، ومن ثم فقد ظل مختفيا حتى كانت ثورة "الراوندية" فى الهاشمية (العاصمة التى تأسست جديدًا) حيث استطاع انقاذ الخليفة من الثوار ومن ثم كان عفوه عنه، ولقد أدرك المنصور قيمة معن بن زاندة كرجل له أتباع كثيرون من قبيلته حتى لقد ولّاه اليمن سنة 142 هـ (= 759 م) وقد استطاع أن يعيد السكينة والهدوء إلى البلاد ولكنه استعمل الشدة فى سبيل تحقيق ذلك، حتى إذا كان عام 151 هـ (= 768 م) استدعته بغداد وأرسلته إلى "سيستان" فى مهمة أخرى صعبة، وهنا كان اصطدامه بالخوارج المحليين الذين أنزل بهم الهزيمة فى ميدان القتال ولكنهم نجحوا فى قتله فى مشتاه فى مدينة "بَسْت" إذ تنكروا فى زىّ فعلة وعمال وذلك سنة 152 (= 769 - 770 م). ولقد خلّف معن وراءه ما لا يقل عن أربعة أبناء، إلا أن وظيفته فى البلاط العباسى ظلت باقية فورثها ابن أخيه يزيد بن مزيد الشيبانى الذى تابع هو الآخر قتاله ضد الخوارج. وقد ذاع صيت معن فى الأدب العربى والأخبار بأنه كان مقاتلًا فظا شديد المراس، وإن اشتهر أيضًا بكرمه البالغ وشدة رعايته للشعراء لاسيما مروان بن أبى حفصة الذين رثاه بمرثية بليغة مشهورة. المصادر: (1) بالإضافة إلى ما ورد لدى: ابن الكلبى: الجمهرة. (2) البلاذرى: فتوح البلدان، تحقيق M.J.de Goeje ليدن 1866 م. (3) المسعودى: مروج الذهب، باريس 1861 - 1877 م. (4) ابن خلكان: وفيات الأعيان، تحقيق F. Wustenfeld جوتنجن 1835 - 1850 م. بدرية الدخاخنى [هـ كيندى H. Kennedy] المعنيون معن (بنو معن) قبيلة عربية من زعماء إقليم الشوف الدرزى الواقع فى الأجزاء الجنوبية من جبل لبنان، وقد كان لهم شهرة سياسية ذائعة

الصيت فى بلاد الشام خلال القرنين العاشر والحادى عشر للهجرة (السادس عشر والسابع عشر الميلاديين). وليس من الواضح أصل بيت معن، وليس لما يذكره المؤرخون اللبنانيون أساس يمكن الاعتماد عليه ولعل أول معنى لا يرقى الشك إلى وجوده التاريخى هو فخر الدين عثمان بن الحاج يونس المتوفى سنة 912 هـ (1511 م)، ولقد أصبح قُرّقماز بن يونس بن معن (الذى قد يكون ابن يونس) مقدمًا فى الشوف سنة 922 هـ (= 1516 م) وذلك حين فتح العثمانيون بلاد الشام ومصر، كذلك اشتهر فى هذه الحقبة اثنان على الأقل من آل معين أحدهما هو علم الدين سليمان والآخر زين الدين (المعروف بلقبه من غير اسمه) وكان هذان الرجلان من كبار وجوه الشوف أو ذاك وبينما كان "المعنيون" فى القرن العاشر والحادى عشر يقصد بهم قرقماز وذريته فإننا نرى أن آل "علم الدين" منافس بيت قرقماز حينذاك كانوا من ذرية المعين من أولاد علم الدين سليمان ولسنا نعرف الكثير عن سيرة "قرقماز بن معن" إلا ما هو جار على الألسن من أنه كان يقيم فى قرية "الباروك" سنة 934 هـ (= 1528 م) وانغمر انغمارًا كليًا فى المنازعات السياسية للفرق المتنافرة بالجبل، وثمَّ قرقماز آخر (ربما كان حفيد الأكبر) مات سنة 993 هـ (= 1585 م) وقت أن كانت القوات العثمانية تهاجم المناطق الدرزية، وقد خلف قرقماز هذا ولدين هما فخر الدين ويونس أما أولهما سنة (1044 هـ/ 1635 م)، والاعتقاد السائد أنه كان أكبر الأخوين وقد أصاب نجاحًا سياسيًا جعله شخصية بارزة فى أحداث الشام السياسية خلال العقود الثلاثة الأولى من القرن السابع عشر. ولقد تدرج فخر الدين فى سلم الوظائف فبدأ من أصغرها كمقدم وملتزم عثمانى فى الشوف حتى بلغ فى سنة 1011 هـ (= 1602 -

1603 م) وظيفة سنجق باى صيداء وبيروت وصفد تحت رياسة "بيلربيه" دمشق وكان قد تملك بيروت مع الأجزاء الجنوبية من إقليم كِسْروان ثم شمالا حتى نهر الكلب وذلك سنة 1006 هـ (= 1958 م)، فلما كانت سنة 1014 هـ عم نفوذه كل كسروان، ومن هنا شارك فى تمرد على جانبولاد باشا المنتصب لحلب وذلك حين قدم لمساعدته بيلر باياى طرابلس ودمشق، ولقد أدى هذا العمل من جانبه إلى إثارة الشكوك فيه من جانب الباب العالى لأول مرة. ولما أصبح فخر الدين صاحب الأمر والنهى فى هذا السنجق فقد جعل صيداء محل إقامته وجند جيشًا من المرتزقة اللافنديين والعثمانيين الذين وكل إليهم حراسة الحصون الصليبية القديمة الموجودة فى إقليمه وأعاد ترميمها لاستعمالها فى أغراضه الحربية، وحدث فى سنة 1608 م (= 1017 هـ) أن توصل إلى عقد اتفاق مع مديتشى صاحب تسكانيا الذى كانت له أطماع فى الشام فى ذلك الوقت مما زاد فى تزايد الشكوك العثمانية ضدَّه حتى أن العثمانيين هاجموه سنة 1022 هـ (= 1613 م) فلم يجد فخر الدين بدا من الفرار ففر إلى تسكانيا لكن أذن له بعد ذلك بالعودة إلى وطنه فعاد سنة 1027 هـ (= 1618 م) ليشغل وظيفته السابقة "سنجق باى صيداء وبيروت وصفد" واستطاع فى خلال السنوات التالية أن يقضى على جميع كبار خصومه فى كل ناحية، وكان ذلك أولًا بعون عثمانى ورضا من العثمانيين، حتى دانت لإشرافه معظم نواحى الريف فى الشام على أن العثمانيين مالبثوا أن خافوا تزايد بأسه فجهزوا حملة ضده سنة 1042 هـ (= 1633 م)، وسرعان ما انهارت قوته أمام الهجوم العثمانى عليه، وقتل ولده البكر على فى ساحة القتال ووقع بقية أولاده فى قبضة العثمانيين فساقوهم أسرى إلى استانبول وكان ذلك سنة 1045 هـ (= 1653 م)، بل إنه هو

ذاته مات مخنوقَا فى تلك السنة مع ولده منصور، أما أصغر أولاده وهو حسين معن زاده فقد عاش بعده ليصير حاجب السلطان والسفير العثمانى له بالهند، وحسين هذا هو المصدر الذى أمد المؤرخ العثمانى "ناعيما" بما أودعه فى تاريخه، كما أنه ألف كتابا فى الأدب سماه "كتاب التمييز". أما فى الداخل فقد خلف فخر الدين أحد أبناء أخوته واسمه مُلحم الذى كانت مطالبه السياسية فى الشوف (أراضى صيدا الزراعية) وغيرها من أقاليم الدروز (الغرب وجُدْد ومتن فى ريف بيروت) قد وجدت منافسًا فى آل علم الدين الذين يرجح أنهم كانوا من ذرية علم الدين سليمان بن معن، وكثيرا ما استولى ملحم هذا على سنجق صفد أو سنجق البطرون الذى كان فى "ايالة" طرابلس، فلما مات سنة 1068 هـ (= 1658 م) خلفه ولد له اسمه "أحمد" الذى نجح فى إخراج آل علم الدين من مناطق الدوز وكسروان سنة 1078 هـ (= 1667 م) وأقام نفسه مكانهم باعتباره ملتزم الناحية بالإضافة إلى بيلر بيه صيداء (التى صارت أياله منذ سنة 1070 هـ (= 1660 م)، وظل فى هذه الوظيفة ثلاثين عامًا مستمرة من 1078 هـ حتى 1108 هـ = (1667 - 1697 م) وأصبح لأحمد معن فى الواقع الفضل فيما صارت الناحية به من الاستقلال الذاتى الذى استمر حتى القرن التاسع عشر ولقد انقطع بموت أحمد معن نسله من المذكور وانتقل الالتزام إلى ابن أخته بشير شهاب (1109 - 1118 هـ = 1697 - 1706 م) ثم إلى حفيده الكبير (ابن اخته) حيدر شهاب، وهم من زعماء المسلمين السنة من وادى التيم فيما وراء لبنان، على أن آل علم الدين رفضوا تولى شهاب هذا واستعملوا فى ذلك التآمر تارة والهجوم العسكرى تارة أخرى حتى دارت عليهم الدائرة فى ميدان الحرب وقتلوا عن آخرهم سنة 1123 هـ (= 1711 م).

لقد أصبح بنو معن فى جمهورية لبنان الحديثة اسطورة وطنية كما أصبح موقفهم كملاك لإقليمهم الجبلى فى الجنوب اللبنانى كملتزمين للدولة العثمانية، ركنا لإقامة دولة لبنان الحديثة، وأصبح الناس ينظرون إلى فخر الدين على وجه الخصوص كبطل قومى لبنانى على الرغم من أن لبنان كانت فى عهده لا تعدو أن تكون تعبيرًا جغرافيًا ولقد كانت انجازات بنى معن الفعلية ذات طابع خاص يختلف عن كل طابع آخر ذلك أن سيطرة فخر الدين وخلفائه المعنيين إقليم كسروان الذى كان من قبل فى قبضة المارون إلى جانب سيطرتهم على الأقاليم الدرزية فى الشوف وغرب ومتن (وهى السيطرة التى جاءت عن طريق الصدفة وليست عن طريق أفول هذه السيطرة) وضعت أساس التعايش السياسى بين المارونيين والدروز فى سنجق بيروت صيداء (الذى أصبح بعد سنة 1660 م شطرا من ابالة صيداء)، هذا التعايش الذى أصبح دوره هو الاستقلال الذاتى الذى صار هذا منه يتمتع به فى الأزمنة العثمانية التالية. لقد أدى تشجيع المعنيين لإنتاج الحرير وحماية التجار الأجانب لأن يتمتع بلدهم برخاء نسبى لم تفرق الأجزاء الريفية الأخرى من بلاد الشام فى العهد العثمانى راجع عن ذلك كله مخطوطة تراجم الأعيان من أبناء الزمان (فى. .) لحسن البيرونى، وتاريخ الأزمنة لاسطفان الدويهى ولطف السمر وقطف الثمر من تراجم الطبقة الأولى من القرن الحادى عشر لنجم الدين محمد الغزى، وتاريخ حمزة بن سبا، مخطوط بمكتبة الجامعة الأمريكية ببيروت، وكتاب سل الصارم على أتباع الحاكم بأمر اللَّه (بالتيمورية رقم 79) لشمس الدين محمد بن طولان وتاريخ الأمير فخر الدين المعنى لأحمد الخالدى (نشره أسد رستم والبستانى 1936 م) وخلاصة الأثر فى أعيان القرن الحادى عشر، وجامع الدول لمنجم باشى (مخطوط بتوب كابى سراى) وروضة الحسين

المصادر: وردت فى المتن.

فى خلاصة أخمار الحافتين لمصطفى نعيمه (استانبول 1282 هـ، معادن الذهب فى الرجل المشرفة بهم حلب (مخطوط بالمتحف البريطانى) George Sandys: A relation of a journey an. Qam. 1610 (Rand, 1615) المصادر: وردت فى المتن. مروان حسن حبشى [ى. صليبى Salibi] معين المسكين معين المسكين هو معين الدين محمد أمين بن حاخى محمد الفراحى الهروى، ولكنه كان يُنعت بالمعينى (ت 907 هـ = 1501/ 1502 م) وكان أحد مشاهير المحدّثين، وقد ظل عاكفًا على دراسة الحديث النبوى الشريف إحدى وثلاثين سنة، وكان خلال هذه الفترة كلها يخطب خطبة الجمعة فى جامع هرات الكبير، وتولى قضاء هرات عامًا واحدًا فقط، ثم تخلى عن هذه الوظيفة بمحض ارادته وبسؤاله الشخصى، ولما كانت سنة 866 هـ = (1461 م) نزل على التماس صديق له وشرع فى تأليف كتاب صغير عن سيرة الرسول محمد (صلى اللَّه عليه وسلم)، وكان هذا الكُتيّب نواة لترجمة ضخمة ذاع صيتها وعمت شهرتها بلاد الشرق ويسمى "معارج النبوَّة فى مدارج الفتوَّة" ولم يكن قد فرغ من كتابته حتى سنة 891 هـ (= 1486 م) ولكنه يحتوى على تقرير كامل وعرض شامل لحياة النبى (صلى اللَّه عليه وسلم) ويتألف من مقدّمة وأربعة كتب وخاتمة، كما أنه طبع مرات عديدة. وإلى جانب هذا الكتاب الضخم نجد "معينى" وضع تفسيرا للقرآن العظيم اسمه "بحر الدرر" ومجموعة من الأحاديث النبوية عددها أربعون حديثًا شريفًا سماه "روضة الواعظين" كما أن دراسته لتاريخ الأنبياء أسفرت عن مؤلف كبير عن موسى "عليه السلام" اسمه "معجزات موسوى"، ويسمى أيضًا "تاريخى موسوى" أو "قصة موسوى" وقد تم تأليفه سنة 904 هـ (= 1498 م) وكذلك وضع كتابا ضمّنه قصة يوسف وزليخا وسماه "أحسن القصص". نجلاء فتحى محروس [برثيل E.Berthels]

المغرب

المغرب * وهو اسم اطلقه الكُتاب العرب على ذلك الجزء من إفريقيا الذى أطلق الأوربيون عليه "بلاد البربر" أو "إفريقيا الصغرى" ثم شمال إفريقيا، وهى البلاد التى تشتمل على: طرابلس الغرب، وتونس، والجزائر ومراكش. وكلمة مغرب اسم مكان تعنى جهة الغرب، وهى، عكس المشرق التى هى بدورها اسم مكان (مشرق الشمس)، ولكن التسمية عمومًا، كما أورد ابن خلدون، تُطلق اصطلاحًا على هذه المنطقة خاصة. وقد اختلف الكتاب فى تحديد حدود المنطقة المعروفة بهذا الاسم. فبعض كُتاب المشرق (مثل المقدسى) لا يكتفى بأن يكون المغرب هو شمال إفريقيا فحسب بل يضم إليه صقلية وأسبانيا (الأندلس)؛ لكن معظم الكُتاب يقصرون (تسمية المغرب على بلاد البربر). ومن ناحية أخرى، فهم يتفقون بصدد حدودها الشمالية والغربية والجنوبية. ومن الشمال يحد بلاد المغرب البحر المتوسط. ومن الغرب فهى تمتد إلى المحيط الأطلنطى، وإلى الجنوب فهى تمتد (ابن خلدون) إلى حدود الرمال المتحركة التى تفصل بلاد البربر عن "أرض الزنج" وحتى منطقة حماده الجبلية. وقد تنضم إلى الحدود الجنوبية بعض مناطق مثل: بودا، تامنتيت، جورارا، غدامس، فزان وودَّان. وبالنسبة لحدودها الشرقية، فبعض الكُتاب يجعلونها تمتد إلى بحر القلزم (البحر الأحمر) شاملة، إضافة لبلاد المغرب الأصلية: إقليم برقة ومصر. وبعض الكُتاب، الذين أخذوا برأى أبى الفدا، رأوْا حدودها تتطابق مع الحدود الحالية لمصر من الواحات حتى العقبة الكبيرة بين برقة والأسكندرية. ولا يقبل ابن خلدون هذا التحديد، لأنه يقول، أن أهل المغرب لا يعتبرون مصر وبرقة تكون جزءًا من بلادهم، وأن بداياتها فيما يرى ابن خلدون -إقليم طرابلس من ناحية الشرق، ويقسم ابن حوقل المغرب ¬

_ (*) عدد السكان: 17.877.927 الكثافه السكانية: 161 فى الميل المربع المناطق الحضرية: 47 % - 99 % مسلمون المساحة: 177.117 ميل مربع الحكم: ملكى دستورى. ملك البلاد: الحسن الثانى، ولد فى 9 يوليو سنة وجلس على العرش فى 3 مارس سنة 1961، رئيس الوزراء: عبد اللطيف الفلالى، شغل منصبه فى 25 مايو سنة 1994.

1 - جغرافية المغرب

إلى جزئين: المغرب الشرقى؛ من حدود مصر حتى زويلة فى طرابلس، والمغرب الغربى من تلك المنطقة إلى السوس الأقصى، لكن التقسيم المقبول عمومًا هو تقسيم المغرب إلى ثلاثة أقسام: أفريقية، والمغرب الأوسط، والمغرب الأقصى. وفى الوقت الحالى، لازال لفظ المغرب يُطلق على مُراكش، أو المغرب الأقصى، ويُطلق على الاتحاد السياسى لدول شمال أفريقيا -اسم المغرب الكبير. المغرب، المملكة المغربية. مملكة فى شمال إفريقيا تسمى بالفرنسية Maroc وبالإنجليزية Morocco وبالأسبانية Marruecos، وجميعها أشكال محوَّرة لاسم مراكش الذى أطلق على الحاضرة الجنوبية للملكة. 1 - جغرافية المغرب تحتل المغرب الجانب الغربى من بلاد البربر؛ وهى تطابق المغرب الأقصى عند الجغرافيين العرب، وهى تقع ما بين خطى طول 5 و 15 غربى جرينتش وبين خطى عرض 28 و 36 شمال خط الاستواء. ومساحتها تتراوح ما بين 500.000 و 550.000 كم 2. ويحدها من الشمال البحر المتوسط، ومن الغرب المحيط الأطلنطى ومن جنوب الصحراء. وتمتد من الجانب الشرقى إلى هضبة وهران. والحدود التى تفصلها عن الجزائر معرفة ومحددة فقط فى جانبها الشمالى. والتكوين الجيولوجى للمغرب تكوين معقد بعض الشئ. فسطحها الشمالى جبلى يتكون من سلاسل جبلية وهضاب. وبالمغرب سلسلتان من الجبال هما جبال الريف وجبال أطلس. . وجبال الريف هى تكملة من الجانب الآخر لمضايق جبل طارق، أما جبال أطلس فهى تكون العمود الفقرى للمغرب. ونتيجة للتوجه المائل لجبال الأطلس الوسطى. وابتعادها تدريجيًا عن الساحل، نجد السهول، التى تحتل فى المغرب مكانة مهمة عن غيرها فى باقى بلاد البربر، تقع أساسًا على جانب الأطلنطى. وهى تتكون من سلسلتين إحداهما تمتد بميل من مصب نهر تنسيفت إلى مصب مولوية، والأخرى

2 - تاريخ المغرب

تمتد إلى سفح الأطلس الأعلى (حوز مراكش) وتنتهى عند قلب الأطلس الأوسط. 2 - تاريخ المغرب المغرب قبل الإسلام: من المحتمل أن تكون بلاد المغرب قد استوطنها أُناس، مثل بقية أجزاء شمال إفريقيا، منذ عهد موغل فى القدم. . وليست لدينا على أية حال معلومات عن أوائل من سكنوها، لكننا نفترض بأن سكانها الأول فى الغالب قد تكونوا من عناصر مهاجرة من جنوب أوربا، ومن الصحراء الكبرى وربما من مصر. ولقد أطلق الكُتاب القدامى على هؤلاء المهاجرين إلى المغرب اسم الليبيين أو البربر moors، وهم أجداد البربر الحاليين. وأول الحقائق المعروفة والمؤكدة، هى ظهور الفينيقيين فى القرن 12 ق. م على سواحل المغرب. ولقد قام البحارة من صور وصيدا ببناء وكالات تجارية هناك، حيث كانوا يتبادلون البضائع ذات الأصل الشرقى بالبضائع المنتجة محليًا (ماشية، أصواف، جلود حيوانات وعبيد). لكن النفوذ الفينقى قد شملها أساسًا خلال حكم قرطاجة حين أصبحت حاضرة إمبراطورية بحرية كبرى. ولقد قام القرطاجيون بإعادة بناء الوكالات التجارية وأضافوا عليها وكالات جديدة. وفى منتصف القرن الخامس، قام هانو Hanna ببناء سبع مستوطنات على ساحل الأطلنطى كانت واحدة منها عند مصب نهر سبو Sebou. ولم يكن يبدو أن قرطاجة كانت ترغب فى مد سلطانها إلى المناطق الداخلية فى المغرب وكانت قانعة بعقد معاهدات مع الرؤساء وبتجنيد مرتزقة من الإقليم. وظلت المغرب مراكش مستقلة عن قرطاجة، لكن القبائل التى سكنتها لم تكن تنتظم فى ولايات، فيما عدا فى الشرق، حيث ذكر المؤرخون القدامى وجود مملكة موريتانيا، أثناء الحروب البونية، والتى كانت تمتد على ضفتى نهر ملوية. ولم يؤدى دمار قرطاجة وإمبراطوريتها إلى تغير فى أحوال

المغرب. فلمدة قرنين من الزمان لم تستحوذ روما إلا على "مقاطعة إفريقية" واحللتها إحتلالًا مباشرًا وتركت باقى الأقاليم البربرية فى أيادى الزعماء المحليين تحت حماية متعسفة إلى حد ما. ولقد شارك شمال المغرب فى ضم مملكة موريتانيا لروما سنة 42 م. ولقد شكلت المنطقة الممتدة من ملويه إلى المحيط جزءًا مما عرف باسم موريتانيا تنجتانا Mauritania tingitana يحكمها وكيل مقاطعة رومانى. ولم تكن المغرب الرومانية تشكل أكثر من جزء بسيط من المغرب (مراكش) الحالية. فهى على ساحل الأطلنطى، تمتد أسفل مصب نهر بورقراق Bu Ragrag، وفى الداخل إلى سلاسل ذرهون. ولم تخضع لسيطرة روما مناطق الهضبة وسهول الأطلنطى العليا وجبال الريف وأطلس الوسطى والعليا. والصحراء. وتظل الحملة التى قام بها "سوتونيوس بولينيوس" Svetonivs Paulinusc سنة 41 م وتوغله إلى وادى جير Gir كحادثة فردية ليس لها نتائج فعلية. وحتى تدافع روما عن نفسها ضد ثورات رعاياها ولحماية القطر من غارات البربر، احتفظت فى طنجة بقوة قوامها 10.000 رجل، وبنت طرفًا إستراتيجية وقلاعًا حصينة على جوانب مثلث: سلا، زرهون، طنجة. ولقد كانت كل المدن التى بناها الرومان فى المغرب مدنَا ساحلية، عدا مدينة "فيلبوبوليس" Volubilis التى كانت مركزًا للثقافة الرومانية فى البلاد؛ فى كانت قاعدة عسكرية. ولقد ارتقت مدن نيكسوس وطنجة، تحت حكم الرومان، ووصلت إلى مرتبة مستعمرة، كذلك ارتقت مدينة سبته. ولقد أحرزت هذه المدن رخاءً وازدهارًا بسبب تجارتها مع أسبانيا، التى كانت تصدر إليها الزيت والقمح، أهم غلتين رئيسيتين ينتجهما الإقليم. وعلى العموم، فقد كان نفوذ الرومان على المغرب نفوذًا سطحيًا وخلف تأثير، قليلًا. لقد انهار الحكم الرومانى للمغرب، فجاة، مع بداية القرن الخامس الميلادى، بسبب عدم سيطرة الرومان على الإقليم

قدوم الإسلام

سيطرة كافية، فضلًا عن توارث المواطنين والصراع القائم بين الدوناتيين، Donatists والأرثوذكس. ولقد قدمت قبائل الوندال (الفندال) الجرمانية من أسبانيا إلى المغرب سنة 429 م واحتلت بدون مقاومة تنجتانا Tingtana لكنهم أعادوها للرومان بعد ذلك بسنوات قلائل. على حكم الرومان به. وبعد ذلك تلاشى حكم الإمبراطورية الرومانية الغربية واستغل أهل البلاد هذه الفرقة فنعموا بالاستقلال. لقد اكتفى البيزنطيون، الذين قضوا على مملكة الوندال فى القرن السادس الميلادى، بالإستيلاء على معقلى سبته وطنجة، وتركوا باقى المغرب فى يد قبائل البربر. وكان البربر قد تقسموا إلى قبائل عديدة، كانت أهمها قبيلة غُمارة، على ساحل البحر المتوسط، وقبيلة برغواطة على ساحل الأطلنطى بين مضيق جبل طارق ومصب نهر سبو، وقبيلة مكناسة، فى الإقليم الأوسط، وقبيلة مصمودة على المنحدرات الغربية لأطلس العليا وعلى الساحل من سبو إلى السوس، وقبيلة هسكورة بين السوس ودرعة، وقبيلة لمطة ولمتونة على الضفة اليسرى لدرعة. وهؤلاء البربر جميعهم من الأصل الصنهاجى، وقد اعتنق بعضهم المسيحية أو اليهودية، لكن الغالبية ظلت تدين بعبادة مظاهر الطبيعة، وأدى الفتح الإسلامى إلى اعتناقهم الإسلام. قدوم الإسلام: ظهر العرب فى المغرب الأقصى عند نهاية القرن الأول الهجرى/ السابع الميلادى. وتحكى الروايات أن سيدى عقبة بن نافع، مؤسس مدينة القيروان سنة 65 هـ/ 684 - 685 م قد قام بحملة على المغرب وصلت به إلى سواحل المحيط الأطلنطى. لكنها كانت غزوة عابرة -وقتها- لم تترك وراءها أثرًا حاسمًا وفى بداية القرن التالى، استولى موسى بن نصير على طنجة بعد أن أنهى غزو إفريقية وأقام حاكمًا هناك وشرع فى فرض السيطرة ودعا الأهالى للإسلام. ونجح فى ذلك دون عناء كبير. وتطوع البربر فى الجيوش الإسلامية

التى قامت بغزو أسبانيا. لا أن البربر لم يكونوا -فى بعض الأحيان- على وفاق مع العرب. فلقد ثاروا على هذا الحكم بسبب غمطهم حقهم فى الأراضى المنتزعة من أيدى المسيحيين فى شبه الجزيرة الأيبيرية، كذلك بسبب سخطهم على الولاة العرب، فشاركوا فى حركة ميسرة 122 هـ/ 740 م. ولقد كانت هذه الثورة ذات طابع سياسى وطابع دينى فقد ادعى الخلافة. وبنفس الاستعداد الذى تقبل البربر به الإسلام تقبلوا أيضًا دعوى الخوارج التى جاءتهم من الشرق، وتعاليمهم التى نادت بحقهم فى تولى الخلافة كالعرب تمامًا. ولقد هُزم الجيش الذى أُرسل من سوريا لقمع هذه الثورة على ضفاف السب فى موقعة بقدورة سنة 124 هـ/ 742 م وفقد المغرب الأقصى بضربة واحدة تبعية للخلافة وانتشر فيه فكر الخوارج. ولقد انتظمت الإمارات البربرية فى إقليم الريف؛ ولكن لم تكن لواحدة من هذه الإمارات القوة التى تمكنها من فرض سيطرتها على باقى الإمارات أو جعل كل القبائل البربرية تخضع لحكمها. ولقد بدأ لبعض الوقت كما لو كانت دولة الأدارسة التى قامت فى المغرب على وشك أن تلعب هذا الدور. فلقد فرض إدريس الأول ومن بعده إدريس الثانى خليفة، حقيقة سيطرتها على الجانب الأكبر من قبائل المغرب الأقصى الشمالية وقد مدت حملاتهم الناجحة نفوذهم ومملكتهم من شواطئ البحر المتوسط إلى أطلس العليا ومن الأطلنطى إلى ما بعد تلمسان. وكأبطال غيورين على الإسلام، استطاع الأدارسة نشر الإسلام بين القبائل التى لم تكن قد اعتنقته. ولقد كان شغلهم الرئيسى هو تحويل المغرب الأقصى جميعه إلى الإسلام وقد كانوا فى ذلك أشد عزمًا من العرب الفاتحيين. ومدافعين عن السنة، رغم أصلهم العلوى، فقد قاموا بمحاربة الخوارج بنفس القوة ولكنهم لم ينجحوا تمامًا فى إستئصال أفكارهم. بسبب ذلك حولت الملاحم الشعبية هؤلاء المقاتلين الأشداء إلى أولياء، فأصبح أدريس الأول هو الولى

المرابطون والموحدون

الحامى للمرب، وإدريس الثانى الولى الحامى لمدينة فاس. ولقد حقق بناء هذه المدينة نتائج طيبة. فقد أعطى لشمال المغرب مركزًا دينيًا وسياسيًا واقتصاديًا كانت تفتقده منذ انتهاء الحكم الرومانى. وبسبب مكانتها إزدهرة فاس سريعًا. وقاومت كل أسباب التدهور، حتى بعد تداعى قوة الأدارسة. وبالفعل، فقد إنهارت دولة الأدارسة سريعا. ولقد انفضت عنها المجموعات التى اعترفت بسلطة مؤسس دولتها ودخل الأدارسة مع بعضهم البعض. ولقد استفاد من هذه المنافسات كل من فاطمى أفريقيا وأمويى أسبانيا، الذين تنازعوا خلال القرن الرابع الهجرى/ العاشر الميلادى على تملك المغرب الأقصى. وبمساعدة مكناسة أمويو الأندلس سيطرتهم لكنهم أخُرجوا منها على يد قبيلة مغراوه، الذين تخلى رئيسهم زيرى بن عطية عن تبعته للأمويين، واستولى على فاس، حيث حكمت سلالته هنالك مدة ثلاثة أرباع قرن من الزمان. المرابطون والموحدون: عندما استولى المرابطون على المغرب الأقصى، كان يتألف من ممالك صغيرة مقسمة. ولقد كان أول ما فعله المرابطون هو توحيد المغرب وضم كل أراضيه فى دولة واحدة جنوب جبال أطلس العليا، وفى المنحدرات الشمالية حيث أسس يوسف بن تاشفين فى سنة 454 هـ/ 1062 م مدينة مراكش، ثم إتجاههم إلى وسط وشمال المغرب. واكتساح كل المدن وسقوطها فى أيديهم: مدن فاس وطنجة والريف وهران ونينيس واختفت ذلك مما لك مفراوه وبرغواطة وبنى يفرن البربرية. وفى أقل من عشرين عامًا، أصبح يوسف بن تاشفين السيد الأوحد للمغرب الأقصى حيت الجزائر. وإلى هذه البلاد الواسعة أضاف المرابطون نصف بلاد أسبانيا. فبعد أن استنجد بهم الأمراء المسلمون الذين كان يتهددهم خطر من قشتاطه، استطاع يوسف بن تاشفين أن يوقف التقدم المسيحى عند الزلاقة 479 هـ

/ 1086 م)، ثم يستميل الأمراء الصغار لمصلحته. ونتيجة لذلك، امتدت دولة المغرب عبر مضيق جبل طارق حتى نهر الأبرو وحتى جزر البليار. ولقد كان نجاح المرابطين سريع الزوال مثلما كان نجاحًا باهرًا ولقد تدهور أهل الصحراء بعد اتصالهم بالحضارة الأندلسية. فقد استرخت قوة أولئك السنيون المتشددون بل وأصبح البعض ينظر إليهم ككفرة ليسوا على العقيدة القويمة واعتبرهم البعض من المجسمين -أى الذين يشبهون اللَّه سبحانه فى صورة آدمية فقام المصامدة بقيادة زعيمهم "ابن تومرت" و"عبد المنعم" بالدخول فى صراع مع المرابطين. ولقد انتهى هذا الصراع بإحلال الموحدين مكان المرابطين. وفى خلال سبع سنوات (533 - 540 هـ/ 1139 - 1146 م)، فتح عبد المنعم كل من المغرب؛ سجلماسة، وهران، تلمسان وسبتة، واحدة بعد الأخرى. وتلى ذلك فتح سالى وفاس، وأخيرًا مراكش، التى فتحت أبوابها له بخديعة مرتزقة مسيحيين. كذلك فُتحت الأندلس ماعدا جزر البليار. حتى فى أفريقية فقد فتحت مملكة بنى حماد سنة 545 - 546 هـ/ 1151 - 52 م. وبعد ذلك بسنوات قليلة (554 - 555 هـ/ 1159 - 1160 م)، قاد عبد المنعم حملة جديدة داخل أفريقية وأمن مركزه فى الداخل والساحل، حيث استولى من النورمان على صقلية الذين كانوا قد احتلوها من قبل. ولقد كانت المغرب الأقصى بالمعنى الصحيح للكلمة إقليما داخل امبراطورية البربر الواسعة. ولقد كان توحيد كل هذه الأراضى تحت حكم حاكم واحد له نتائج مهمة بالنسبة للمغرب، فلقد سهل نشر الحضارة الأسبانية المغربية فى شمال أفريقيا، واستمرارها فى المغرب حتى بعد اختفائها من شبه الجزيرة الأيبيرية نفسها. زيادة على ذلك، فلقد جلب هذا التوحيد إلى المغرب الأقصى عنصرًا عرقيًا جديدًا: وهو عنصر العرب. فلقد قام عبد المنعم بترحيل القبائل الهلالية من وسط المغرب وأفريقية (تونس)، حيث كانوا هنالك يقومون

المرينيون

بأعمال الشغب على الدوام، إلى سهول أعالى الأطلنطى حيث لحقت بهم جموع عربية أخرى هنالك بمحض إختيارهم. ولقد كانت دولة الموحدين متسعة للغاية، فهى تتضمن مناطق مختلفة فى طبيعتها، وقبائل غير موحدة تحتاج وقتًا طويلًا لتوحيدها. ولقد كان خلفاء الموحدين عاجزين عن كبح جماح الميول الانفصالية التى فرضت نفسها على كل الجوانب. وفى النصف الأول من القرن السابع الهجرى/ الثالث عشر الميلادى انهارت دولة الموحدين. وقامت بيوتات حاكمة فى تونس (الحفصيون) وفى تلمسان (بنو عبد الواد). وانتهى المغرب الأقصى بالانسلاخ عن يد سلالة عبد المنعم، الذين حلت مكانهم أسرة بنى مرين فى الحكم. المرينيون: بنو مرين، وهم فرع من بربر زنانة، دفعهم العرب الهلالية غربًا إلى هضبة وهران والى وادى مولويه الأوسط، ودخلوا فى أول الأمر فى خدمة الموحدين، ثم تحولوا ضدهم، حيث بدأت دولتهم فى التدهور والإنحلال. وبإحراز بعض الإنتصارات صاروا سادة على كل شمال المغرب. وبعد موت الخليفة سعيد، نجح قائدهم أبو يحيى (641 - 656 هـ/ 1243 - 1258 م) فى الإستيلاء على فاس ومكناس والرباط وسجلماسة. ولقد مثل الإستيلاء على مراكش (668 هـ/ 1269 م) على يد أبى يوسف، خليفة يحيى، الانتصار الأخير لبنى مرين. ولقد حاول المرينيون، ورثة الموحدين أن يستعيدوا دولتهم سابقيهم. وفى أسبانيا، فرضوا سلطتهم على مسلمى الأندلس. وفى أفريقية، حاولوا الإستيلاء على المغرب الأوسط من بنى عبد الواد. ولقد نجحوا، فى إسقاط تلمسان فى أيديهم، بعد محاصرتهم لست مرات خلال ستين عام، وسقوطها على يد السلطان أبو الحسن (748 هـ/ 1347 م). وبعد ذلك بعشر سنوات، استولى نفس الحاكم على بوجى

وقسطنطينية وتونس، لكن قبضته على هذه المدن كانت غير مأمونة. وبعد عام واحد تقريبًا من ذلك، هزم العرب أبا الحسن، ووجد نفسه مضطرًا لترك أفريقية، وعاد الحفصيون إلى تونس وبنو عبد الواد إلى تلمسان، بينما ثار ابن السلطان "أبو عنان" ضد أبيه (أبو الحسن) فى المغرب، وبعد أن أحرز السلطة، حاول أبو عنان أن يستعيد مجهودات أبيه. فعاود احتلال تلمسان وتونس، ولكنه لم يستطع الاحتفاظ بهما. فلقد إستعاد الحفصيون وبنو عبد الواد مملكتيهما بعد فترة يسيرة. وكان المرنيون أول حكام مغاربة حقيقيين. وبسبب افتقادهم للمكانة الدينية التى كان عليها سابقوهم، فقد بذلوا جهدهم فى إرساء السلطة الأخلاقية باعتبار أنفسهم دعاة الإسلام فى المغرب. ولقد شكلت طريقة مولاى ادريس فى القرن الثامن وبخاصة القرن التاسع الهجرى/ الخامس عشر الميلادى أهمية دينية كبيرة استمرت حتى اليوم. وليس هنالك ما يميز حكم هذه الدولة أكثر من تطور الحياة الثقافية والفنية فى المغرب. ولم تجد الحضارة الأسبانية - المغربية إزدهارًا لها فى المغرب فى فترة أكثر من فترة حكم بنى مرين، فلقت إجتذاب الحكام إلى بلاطهم الشعراء، ورجال الأدب والقانون من شبه الجزيرة الأيبيرية والمغرب، ولقد إجتذبت جامعة القيروان بفاس الدارسين من كل بلاد المغرب الإسلامى، ولقد اختار المرينيون فاس، كعاصمة لهم، وبنوا فيها قصورًا ومساجد ومدارس، ولقد كانت فى نفس الوقت مدينة تجارية حيث يلتقى فيها التجار الأفريقيون مع التجار الأندلسيين بالتجار المسيحيين. على أن النصر الخارجى كان خداعًا، فبنى مرين المغاربة لم يكونوا قادرين أبدًا على تنظيم دولتهم على أساس قوى، ولقد كانت سطلتهم المركزية ضعيفة للغاية ولم تنجح فى فرض سيطرتها فى أى مكان. ولقد كانت فرصة إختيار أى سلطان مجالًا للثورة، وقد كان الثوار يجدون باستمرار

العدوان المسيحى وإحياء الشعور المدينى لدى المسلمين

المؤيدين لهم سواء كانوا من العرب أو من البربر، وبسبب ضعفهم فى الداخل لم ينجح بنو مرين فى صد عدوان جيرانهم من الخارج سواء كانوا من المغرب الأوسط أو ضد ملوك غرناطة، فلم يتحمل حكمهم هذه الضربات الخارجية، واختفى المرينيون من على مسرح الأحداث سنة 869 هـ/ 1465 م بعد إغتيال السلطان على يد أحد الأدارسة الأشراف، وقد حل مكانهم فى الحكم بنو وطاس، الذى شملم رئيسهم السلطة سنة 873 هـ/ 1470 م ولقد تقسمت بلاد المغرب فى عهد حكم بنى وطاس إلى عدد كبير من المجموعات الصغيرة المستقلة، ممالك فى فاس ومراكش، وجمهوريات بربرية فى الأطلس، وإقطاعيين فى الريف والغرب وودعة والسوس، وقد بات السلطان بلا حول ولا قوة لمنع هذا التحلل. العدوان المسيحى وإحياء الشعور المدينى لدى المسلمين: من بين كل الأسباب التى إنحدرت فى إضعاف أولئك الحكام ونزع الثقة والاعتبار منهم، كان السبب الرئيسى، دون شك، وهنهم أمام الهجوم المسيحى على المغرب، ففى سنة 818 هـ/ 1415 م استولى البرتغاليون على سبتة، وفى سنة 869 هـ/ 1465 م "استولوا على القصر الصغير، وفى سنة 875 هـ/ 1471 م استولوا على طنجة، وبذلك ضمنوا لأنفسهم مركزًا لعملياتهم الحربية فى الشمال بينما باحتلالهم أصيلة وأنفا (الدار البيضاء) أوجدوا لهم موضع قدم على ساحل الأطلنطى وفى أوائل سنى القرن (العاشر الهجرى/ السادس عشر الميلادى) بنوا لهم نقاطًا محصنة فى سانتا كروز (أغادير) مازقان وأخذوا صافى وأزمور بقوة السلاح، وبإستيلائهم على كل الأماكن المهمة عدا لاراش، يكونون قد وضعوا تحت رحمتهم كل الأراضى القريبة من الساحل، واجبروا سكانها المحليين على دفع الضريبة لهم وإن يسلموهم النقاط المهمة والاستراتيجية لأطراف مدينة مراكش. ولم يكن لحملاتهم من غرض أكثر من التدمير، ولا من نتيجه سوى

دولة الأشراف السعديين

إسخاط السكان المدينة رأوا مدنهم تدمر، وبيوتهم تحرق، ونساؤهم وأطفالهم يذبحون أو يباعون كرقيق. وكما تعرض المغرب لتهديد من البرتغاليين، تعرض لتهديد أيضًا من المشرق من جانب الأسبان. ولقد كان الأسبان قد انهوا حركة (الاسترداد) بالإستيلاء على غرناطة (1492 م). ولذلك كانت لديهم فسحة فى مزيد من الفتح خارج الأندلس، وهم لا يزالون يشتغلون بالحماسة الدينية، فقاموا بمحاربة المسلمين على الأرض الإفريقية، ولقد كان احتلال المرسى الكبير (1507 م) ووهران (1509 م) وفرض الحماية على مملكة تلمسان قد شكل خطرًا كبيرًا على مسلمى المغرب. ولقد نتج عن التهديد المسيحى إيقاظ الشعور الدينى عند المسلمين وقد كان هذا التهديد، حركة النهضة واليقظة الإسلامية التى حدثت فى المغرب، وظلت قائمة حتى اليوم، وكان للتنظيمات الصوفية فى المغرب دور فى حركة الجهاد هذه. دولة الأشراف السعديين: حظى الأشراف السعديون من نسل السيدة فاطمة، ابنة الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، بالمكانة التى ردتها اليقظة الدينية إليهم. وكان هؤلاء الأشراف قد جاءوا من الجزيرة العربية إلى المغرب عند نهاية القرن الثامن الهجرى/ الرابع عشر الميلادى، واستقروا فى وادى دِرعه، بينما استقر فرع آخر منهم (وهم الأشراف العلويون الحسنيون) فى تافيلالت. ولم يستغرق إحرازهم النفوذ على قبائل الجنوب منهم وقتًا طويلًا. وهكذا تصدروا بشكل طبيعى لمساندة أهل الجنوب، الذين كانوا قد تعرضوا لهجمات البرتغاليين من سانت كروز (أغادير). وفى سنة 917 هـ/ 1511 م وافق تارو دائب على طلب المسلمين بأن يقودهم لمحاربة المسيحيين وتكفل بذلك. وبدأ الشريف فى إحراز النصر على البرتغاليين بفضل مساعدة المتصوفة الفعالة. ولقد كفلت الحرب المقدسة التى شنت على نحو منتظم لابنيه أحمد الأعرج ومحمد المهدى امتلاك كل جنوب المغرب حتى

نهر أم الربيع. ولم ينتج عن تدخل السلطان المرينى بالقوة فى الصراع بين الأخوين سوى التعجيل بسقوطه. واستولى محمد المهدى على فاس سنة 957 هـ/ 1550 م؛ ولقد أحرز الأشراف السعديون نصرًا حاسمًا على المدينيين، بمساعدة أتراك الجزائر حين أحبطوا محاولة المرينيين استعادة حكمهم سنة 961 هـ/ 1554 م. ولقد عنى مجئ السعديين لحكم المغرب بإعادة بنائه وتكوينه. فلقد فرض محمد المهدى وخلفاؤه من بعده سلطتهم على كل البلاد، وقاموا بحمايتها من العدوان الخارجى وقاموا بتوسيع حدودهم بحملات حربية قاصية. ولقد تغلبوا فى النهاية على المصاعب التى اختلقها لهم أتراك الجزائر، وشهدت معركة القصر الكبير سنة 986 هـ/ 1578 م -تعرف أيضًا بمعركة وادى المخازن- وقف هجوم البرتغاليين المضاد على المغرب. ولقد احتل أحمد المنصور (986 - 1019 هـ/ 1578 - 1610 م) تمبكتو وحطم إمبراطورية أسكيا فى جاو. ولمدة نصف قرن، كان المغاربة أسيادًا على السودان الغربى (غرب أفريقيا)، من ضفاف السنغال حتى برنو، ولقد مكنت الأسلاب التى أحرزتها حملات الفتح هذه، السلطان من الاحتفاظ ببلاط رائع، ماثل هيئة البلاط العثمانى، وتزيين عاصمته مراكش بنصب تذكارية فخمة. وينتمى إلى نفس الفترة أيضًا تنظيم (المخزن). ولقد اعتمد السعديون الأول على مساندة قبائل الجنوب العربية. ولقد أضاف المنصور إلى هذه القبائل قبائل عربية أخرى من مناطق تلمسان ووجدة وكان الفتح العثمانى للجزائر قد دفع بها إلى المغرب. ولقد تسلم هؤلاء (الشراقه) المشارقة، كما أُطلق عليهم، أراض حول فاس مقابل تأديتهم الخدمة العسّكرية. وبدعم الجيش النظامى المكوَّن من عناصر الخوارج والمغاربة الأسبان والزنوج، وتدرب على يد المرتزقة الأتراك، زوَّد (المخزن) السلطان بأدوات حفظ النظام وجباية الضرائب؛ وقد كان هذا الجيش أداة حكومة الأشراف الرئيسية الذى أفضى إلى أن يكون هو الحكومة بذاتها.

الأشراف الحسنيون

ولقد أثبتت هذه الأداة كفاءتها فى أيدى الحكام النشطين، ولكنها كانت غير ذات تأثير فى يدى الحكام الضعاف وفى أوقات الكوارث. وسرعان ما اكتشف السعديون ذلك، فلقد اندلعت بعد وفاة المنصور من جديد الميول الشقاقية التى كان المنصور قد أوقفها بجهده ولقد أدى الصراع على العرش إلى إنقلاب أبنائه على بعضهم البعض. وقد نجح أحدهم وهو "زيدان" فى الانتصار على منافسيه لكنه لم يستطع أن يحول دون تفكك الدولة. ولقد احتل الأسبان العرائش Larache، وخرجت فاس عن سلطة الأشراف، ولقد قام الأندلسيون فى الرباط وسالى، الذين كونوا ثروات من أعمال الجهاد البحرى، بتكوين دولة مستقلة. وأخيرًا، فإن السعديين برغم أنهم يدينون فى ارتقائهم الحكم للحركة الدينية، وجدوا المتصوفة آنذاك يثورون ضدهم. وبعد أن تخلصوا من الحواجز التى فرضها ارتياب المهدى وخلفاؤه من بعده عليهم، أخذ رجال الطرق الصوفية يفرضون مزيدًا من سيطرتهم على الناس وأسهموا بجهدهم فى هدم سلطة (الشُرفا) السعديين. ولقد أصبحت السوس فى قبضة أحدهم وهو سيدى على؛ وتافيللت تحت السيطرة الأشراف الحسنيين، والغرب تحت سيطرة العياشى، قائد "المجاهدين فى الدين". وفى الوسط تزايدت سلطة زاوية الولاع. ولقد بدا محمد الحجاجى، قائدهم المنتصر على السعديين وعلى العياشى، شريف سالى وفاس، أنه على وشك تأسيس إمبراطورية بربرية جديدة من الأطلنطى إلى ملويه. ولم يستطع السعديون -برغم المساعدة التى قدمها الإنجليز والهولنديون- التغلب على منافسيهم، ولم يتبق آنذاك للسعديين سوى مراكش وضواحيها القريبة. ولقد تُوفى آخر ممثل للبيت السعدى سنة 1071 هـ/ 1660 م، مقتولًا على يد شيخ قبيلة الشبانات. الأشراف الحسنيون: لقد توقف انحلال المغرب بمجئ الأشراف الحسنيين وتوليهم الحكم. ولقد استفادوا من الفوضى التى كانت

قائمة بالبلاد لفرض سلطتهم فى تافللت، ثم بالحملات التى قادوها لفتح شرق المغرب. ولقد حاول أحدهم وهو مولاى محمد، الاستيلاء على فاس ولكنه لم يوفق فى محاولته. لكن خليفته مولاى الرشيد (1076 - 1082 هـ/ 1664 - 1672 م) كان أكثر توفيقًا. فاستولى على فاس، ودمر زاوية الدِلاع، وأعاد فتح مراكش واتخذها عاصمة. وبعد أن فرض هذا البيت حكمه على المغرب بقوة السلاح، رأى أن يكسب إلى جانبه بقية بيوت الأشراف. فأغدقوا على أشراف وزَّان، الذين كانت حمايتهم ضمانًا للحكام أنفسهم. ولقد بدأ مولاى الرشيد العمل وتابعه بنجاح خليفة إسماعيل (1082 - 1139 هـ/ 1672 - 1727 م). وخلال الخمس عشرة عام الأولى من حكمه، لم يتوقف عن شن حملاته على منافسيه الذين نازعوه الحكم فى نواحى مراكش والسوس وأثناء حربه لأعدائه، انشغل فى بناء جيش يعمل حسب إرادته. ولقد أضاف إلى (المخزن) عنصر عبيد النجارى، وقد كانوا ملكًا للسلطان؛ وقد خدم أبناؤهم خصوصًا فى الخدمة العسكرية. ولقد تزايد عدد هؤلاء فى نهاية عهد حكمه ووصلوا إلى 150.000 رجل. واستطاع السلطان بذلك أن يستعيد طاعة بربر الأطلس وبربر أعالى مولوية له. ولقد بقى هؤلاء بعد أن هُزموا وجردوا من أسلحتهم تحت سيطرة حاميات وُضعت فى (قصبات) بنيت على مخارج الوديان أو مُطلة على خطوط المواصلات. ولقد أخذ السلطان رؤساء القبائل ليعيشوا معه فى بلاطة، الأمر الذى جعل رجال القبائل ينزعون إلى السلم والهدوء. ولقد امتدت بلاد المخزن، أى البلاد التى تدفع الضريبة المنتظمة للسلطان على أهل بلاد المغرب الأقصى. ولم يجعل الهدوء الداخلى مولاى إسماعيل ينسى فرض حكام المسلمين الجهاد على المسلمين لمحاربة الكفار. ولذلك واصل الحرب المقدسة ضد مسيحيى

الساحل. فأعاد الاستيلاء على المهدية، والعرائش، وأصيلة وطنجة، التى جلى الإنجليز عنها سنة 1684 م، لكنه لم يستطع أن يسترد سبتة من الأسبان برغم محاصرتها أو بالأحرى حصارها لمدة سبع عشرة عام متصلة، كذلك لم ينجح فى مغامرته ضد أتراك الجزائر، الذين تقاسموا مع المغاربة تملك سهول شرق المغرب و (قصور) جنوب وهران وقد انتهت حملاته التى وجهها إلى الجزائر بالفشل، وتابع المجرى الأدنى لمولوية ليكون حدًا لإمبراطورية الأشراف. وبرغم عدم توفيق هنا، فإن مولاى إسماعيل يُعد أعظم أمثلة الأسرة الحسنية، وهو المثل الأعلى لكل سلاطين المغرب الذين تولوا حكمه حتى الزمن الحاضر. على أن المغرب ظلت على ما كانت عليه من قبل، أى أنها ظلت تجمعًا لجماعات مختلفة، يعتمد تماسكها على نشاط الحاكم الشخص، الذى يحصّر رعاياه إلى أقصى حد ليحصل على الأموال اللازمة لبناء عاصمته مكناس، وبناء القصور التى شيدها العمال المقهورين من عامة الشعب ومن الأرقاء المسيحيين. ولقد حدث رد فعل عند موت مولاى إسماعيل. فلقد تنازع أبناؤه من بعده فيما بينهم مدة ثلاثين عامًا. ولقد كان السادة الفعليون آنذاك هم عبيد النجارى، الذين كانوا يتحكمون فى اختيار السلاطين وفق هواهم. ولقد أقيم واحد منهم وهو مولاى عبد اللَّه، وأُقيل لست مرات. ولقد نجح فى إحراز النصر على منافسيه باستخدام البربر واستنفارهم ضد العبيد الذين زالت أهميتهم مع الوقت بسبب هزيمتهم فى الحروب. ولم يكن العلاج آنذاك بأحسن حالا من الداء. فلقد كانت هذه الفترة بالنسبة للمغرب فترة بؤس وخراب. ولقد عانت سلطة الأشراف وضعفت بسببها. ولقد نجح مولاى محمد (1170 - 1206 هـ/ 1757 - 1792 م)، فى إستعادة تلك السلطة. وقد ورث نشاط جده إسماعيل وحماسه، واستطاع أن يستعيد إلى جانبه ثوار البربر، وبإستيلائه على مزقان فى سنة 1183 هـ/ 1769 م حطم آخر بقايا القوة البرتغالية على ساحل الأطلنطى.

وبعد اقتناعه -من جانب آخر- بأن ضعف السلطة الرئيسية يعود أساسًا إلى نقص الموارد المالية، بذل جهده لتدبير المال بتشجيع التجارة الخارجية. ولقد استن سياسة تجارية، تشتمل على عقد معاهدات تجارية مع الدانمارك والسويد وإنجلترا وفرنسا، وبذل جهده لجذب التجار الأجانب إلى مملكته بتأسيس مدينة موقادور (السويره) لهم فى سنة 1764 م، على أن الضرائب الثقيلة، التى فرضتها الدولة بصرامة، أعاقت تقدم هذه السياسة. ولقد ظلت المغرب قطرًا فقيرًا ولم تفتح نفسها -كما كان متوقعا، للتغلغل الأوربى. وظلت كذلك فى اضطراب دائم. ولقد عاشت البلاد فى فوضى سياسية أيام حكم مولاى سليمان (1208 - 1239 هـ/ 1794 - 1822 م). وبعد أن إستطاع فى أول الأمر أن يعيد النظام إلى البلاد، كان عليه أن يقضى العشر سنوات الأخيرة من حكمه فى اخماد ثورة البربر فى أطلس الوسطى، وفى إحدى الحملات التى أرسلها وقادها لهذا الغرض وقع فى أيدى الثوار. ولمدة نصف قرن كان التاريخ الوطنى للمغرب سلسلة من الثورات التى بذل الحكام جهدًا كبيرًا فى إخضاعها. ولقد خرجت المناطق النائية وسط البلاد مثل: الريف، تافيللت، فيفيق، وشرق المغرب، عن سلطة وسيطرة المخزن. وفى قلب الإقليم، قطع البربر الإتصالات بين فاس ومراكش، مجبرين السلاطين حين يريدون التحرك من العاصمة إلى مكان آخر أن يقوموا بالتفاف كبير عن طريق الرباط. وزاد تدهور حال الدولة شيئًا فشيئًا وأكثر فأكثر. ولقد أجل مولاى الحسن (1290 - 1311 هـ/ 1873 - 1894 م) انهيارها لسنين قليلة. وقد تشابه حكمه مع حكم مولاى إسماعيل. ولقد استخدم على رأس قوات جيشه سلاح المدفعية، الذى قامت بعثة فرنسية عسكرية بإعادة تنظيمه، فى قصف ثوار القصبة. واستطاع أن يستعيد النظام فى وجدة، وأجبر أهالى السوس على الاعتراف بقواده، وأخضع لطاعته أغادير وزيان، وبذل جهده بإرسال حملاته إلى مناطق البربر

المغرب والقوى المسيحية

المستقلة، وفرض نفوذه فى مناطق الصحراء باستعادة سيطرته على قوات. لكنه مات قبل أن يُنهى عمله. المغرب والقوى المسيحية: لقد أصبح الوضع فى المغرب الأقصى زائد الحرج. ذلك لأن مصيره صار موضع اهتمام القوى الأوربية. فلقد زاد هذا الوضع من طمع القوى الأوربية فيه. وبرغم رغبة سلاطين المغرب فى العزلة، إلا أنهم لم يستطيعوا أن يكسروا كل حلقات الاتصال مع أوربا. كذلك كان عليهم أن يحسبوا حسابًا لقرب أسبانيا منهم، التى أقامت خلال ثلاثة قرون "حصونًا" لها على ساحل البحر المتوسط، وللفرنسيين الذين حلوا محل الأتراك فى الجزائر. ولقد تسبب سقوط الولاية القديمة فى الجزائر فى تحطم آمال الأشراف فى التوسع شرقًا. ولقد وجد عبد القادر أتباعًا له بين أهل المغرب الأقصى مما دفع فرنسا إلى شن حرب على المغرب سنة 1844 م. ولقد إندحر جيش الأشراف فى معركة إيزلى، وقُصفت موانى طنجة وأغادير. ولكن السياسة الفرنسية وجدت من الحكمة عدم الاستمرار فى الحرب على المغرب فى ذلك الوقت. وظلت العلاقة منذ ذلك الوقت فصاعدًا بين فرنسا والمغرب آمنة، ورغم أن عجز الحكومة المغربية عن حماية حدودها قد جعل القوات الفرنسية تستعرض عضلاتها بإرسال حملات حدودية مثل حملة بنى زناسن (1859 م) وحملة وادى قير (1870 م). كذلك فإن أسبانيا قررت أن تلجأ للسلاح بسبب الغارات التى كان المغاربة يشنونها على مراكزها وحصونها. ولقد كشفت حملة 1859 - 1860 م، التى انتهت بانتصار دونيل، عجز العسكرية المغربية. ولقد منحت معاهدة تطوان (1860 م) لأسبانيا الاستيلاء على مزيد من الأراضى المغربية، كما فرضت أسبانيا على حكومة الأشراف دفع مليون ريال سنويا. وقد تطلب دفع هذا المبلغ من

الأزمة المغربية وفرض الحماية الفرنسية

حكومة الأشراف أن تحصل على قرض من لندن بضمان الجمارك المغربية وقبول توجيهات المفوضين الأوروبيين. ولأول مرة، يتدخل الأجانب فى إدارة شئون الدولة الداخلية. ومنذ ذلك الوقت تزايد اتساع ثغرة التدخل الأجنبى. وتعللت القوى الأوربية بفرض الأمن، وإقامة منارة على رأس سبارتل، ذريعة للدخول فى مفاوضات دبلوماسية ولفرض المزيد من التدخل والهيمنة الدولية، فلم تكن الأطماع الأوربية أطماعًا خفية. ولقد صارت المغرب آنذاك هدف صراع حاد لفرض النفوذ عليه، ولقد أرادت إنجلترا أن تحافظ على تفوقها الإقتصادى بالسيطرة على مضيق جبل طارق وأرادت فرنسا أن تؤكد على استحواذها لممتلكاتها فى الجزائر وعلى الطرق المؤدية إلى تذرعت واحات الصحراء التى احتلتها سنة 1901 - 1902 م وتذرعت أسبانيا "بحقوقها التاريخية" وبدأت ألمانيا أخيرًا تستعد لأن تغتنم الفرصة لكسب منافذ لتجارها ومهاجريها. الأزمة المغربية وفرض الحماية الفرنسية: ولم يكن لوضع مثل هذا أن يستمر، وقد عجلَّت حماقات السلطان عبد العزيز بوقوع الأزمة. ولم تعجب أهواء السلطان وانصياعه المفرط لأهواء الأوربيين المسلمين المغاربة. ولقد أقلقت تعديلات السياسة المالية التى أجراها (الترتيب) فى السابق الأهالى دافعى الضرائب إلى أقصى حد. ولقد قامت الثورات فى كل مكان، وثار مطالب بالحكم يُدعى "روجى بو حماره" فى منطقة تازا وهزم جيشًا أرسل لمحاربته. ودون جدوى حاولت فرنسا باتفاقات 1901 و 1902 م أن تنظم أنشطة المخزن ضد الثورات الوطنية. وفى مقابل الاعتراف بالاحتلال البريطانى لمصر، ومنح أسبانيا مجال نفوذ فى شمال المغرب، اعترفت هاتان القوتان بحق فرنسا بالتصرف بما يضمن مصالحها. وسارعت فرنسا بأن عرضت على السلطان خطة إصلاح للإدارة المغربية. ولقد حال تدخل ألمانيا دون تحقيق هذا الإصلاح. وفى يوم

31 مارس 1905 م، نزل الإمبراطور وليم الثانى فى طنجه وفى خطبة محركة للعواطف بدأ كأنه مدافع عن استقلال السلطان. وبناءً على نصيحة المندوب الألمانى استجاب السلطان عبد العزيز لعقد مؤتمر دولى لدراسة الإصلاحات المقدمة للمغرب. ولقد انعقد المؤتمر فى الجزائر (15 يناير - 7 أبريل 1906 م) وأكد الثلاثة مبادئ لمملكة السلطان، بعدم تجزئة أرض المملكة وحرية المغرب الاقتصادية. ولقد استمرت الاضطرابات، وكذلك تزايدت الأعمال العدائية ضد الأوربيين فى المغرب نفسها وأعمال اللصوصية على الحدود. ولمَّا أصبحت فرنسا غير قادرة على السيطرة على الموقف، أمرت الحكومة الفرنسية سنة 1907 م بإحتلال وجدة والدار البيضاء. وفى سنة 1909 م أرسلت أسبانيا حملة احتلت سلوان وبعض النقاط الاستراتيجية. خلال هذه الفترة، اندلعت الحرب بين عبد العزيز وأخيه مولاى عبد الحافظ، الذى عين نفسه سلطانًا على مراكش ثم على فاس. وبسبب تأييد الجانب المعادى للأجانب انتصر عبد الحافظ. ولقد اعترفت كل القوى بحكمه، بما فيها فرنسا وأسبانيا، بعد أن تعهد باحترام إتفاق الجزائر، والمعاهدات الدولية وكل الإلتزامات التى تعهد بالتزامها سابقوه. ولقد أعلنت كل من فرنسا وأسبانيا عزمهما على إطالة احتلالهما لأراضى السلطة الشريفة. ولقد اشترط اتفاق 4 مارس 1910 م الفرنسى المغربى، واتفاق 19 نوفمبر لنفس العام، الأسبانى - المغربى على أن الاحتلال سوف يتوقف بمجرد أن تكون للمخزن قوة كافية لحماية الأرواح والممتلكات. ولقد عجل حرج الموقف بالداخل بحل العقدة. فلم يكن حكم السلطان الجديد أحسن حالًا من حكم سابقيه؛ ولقد أثار سلب الوكلاء المغاربة فى ربيع 1911 م قبائل منطقة فاس العربية والبربرية. وقد التجأ السلطان إلى الفرنسيين طالبًا مساعدتهم بعد أن حوصر فى عاصمته وصار على وشك الاستسلام للثوار. وقرر الفرنسيون أن

يرسلوا قوة عاجلة لمساعدة السلطان، وقد جاءت العمليات بنتائجها المطلوبة بسب القيادة الشجاعة للجنرال "موانيير" فخلص فاس من خطر الثوار فى 21 مايو، وبعد إجراء بعض العمليات الأمنية الضرورية لإقرار الأمن فى المنطقة، عادت الحملة إلى الساحل. ولكن، بينما انزاح الخطر عن الداخل، حدثت تعقيدات غير متوقعة. فقد انتهزت أسبانيا الفرصة واستغلتها لصالحها فى وضع يدها على منطقة النفوذ التى قُررت لها فى إتفاق 1904 م، فأقامت نفسها فى العرائش والقصور. وبعد أن شعرت ألمانيا أن اللخطة باتت مواتية، طالبت بدورها بتعويض وأرسلت فى يوليو 1911 م سفينة حربية إلى أغادير وقد أثارت هذه المظاهرة الحربية إزعاجًا كبيرًا فى فرنسا وفى أوربا عامة. وفى النهاية، توصلت الدول المعنية إلى إتفاق سلمى. وبعد أربعة أشهر من المفاوضات الصعبة، وضع إتفاق 4 نوفمبر 1911 م نهاية لهذا النزاع، وتخلت ألمانيا عن كل أطماع لها فى المغرب واعترفت بالحماية الفرنسية على المغرب. ولقد قبل السلطان المغربى معاهدة 30 مارس 1912 م التى أقر فيها بالحماية الفرنسية على المغرب ولقد قبل السلطان المغربى معاهدة 30 مارس 1912 م التى أقر فيها بالحماية الفرنسية على المغرب. ولقد شملت الحماية الفرنسية كل المغرب عدا منطقة النفوذ الأسبانية التى أقرت الوضع الأسبانى بها إتفاقية 27 نوفمبر 1912 م بينما أصبحت طنجة وضواحيها منطقة دولية. ولقد كان أول نتائج فرض الحماية الفرنسية على المغرب استعادة سلطة الشريف، وسوف يظل اسم الماريشال ليوتى، الذى عُين مفوضًا أعلى وقائدا عاما مقيما، اسمًا ملازمًا لتاريخ المصالحة المغربية. ولقد اصطدم الفرنسيون فى الداخل مع القبائل التى لم تعترف أبدًا بسلطة المخزن فى أى عصر من العصور. كذلك فإن الوضع فى المدن الرئيسية فاس ومكناس ومراكش كان على الدوام مضطربًا. ولقد قام الفرنسيون بإخماد الثورات على كل الجبهات. لكن الهجوم على الريف سنة 1925 م، هدد بنسف كل المحاولات الناجحة لإخماد الثورات التى

وقعت. فلقد ثار زعيم من الريف، هو عبد الكريم الخطابى، الذى جمع حوله عددا كبيرا من قبائل شمال المغرب وأوقع بالأسبان هزائم خطيرة أجبرتهم على إخلاء جزء من الأراضى التى أحتلوها. وبعد أن عبر المنطقة الأسبانية، قام عبد الكريم بغزو وادى ورغة وهدد مدينة فاس. ولقد أوقف زحف عبد الكريم فى الخريف، وقضى عليه فى ربيع 1926 م بفضل تعاون القوات الفرنسية والأسبانية فى عمل موحد ضد قوات عبد الكريم. ولقد انتهت المقاومة المتبقية فى الجبال وفى المناطق الجنوبية سنة 1930 م. وعلى هذا النحو فإن المغرب خلال الأربعين سنة التى كان لا يزال فيها قطرًا من أقطار العصور الوسطى، أصبح مملكة حديثة جُهزت بشبكة طرق واسعة، وسكك حديد بالكهرباء وموانى بأهوسة عميقة. ولقد سهَّل تدفق المهاجرين الأوربين على العاصمة إحراز النتائج التى تحققت فى كل القطاعات. ولقد شارك بنشاط حوالى 35.000 أوربى فى القطاع الفرنسى وحوالى 100.000 فى القطاع الأسبانى فى حياة القطر الإقتصادية وأسهموا على وجه الخصوص فى ازدهار الزراعة، فى الوقت الذى أحرزت فيه المدن تقدمًا سريعًا. وفى نفس الوقت الذى اكتملت فيه التهدئة فى البلاد، بدأ الشباب الذى تعلم فى جامعات العاصمة وفى المنشآت المدنية التى أنشئت فى المغرب نفسها. يناقش قانون 16 - مايو 1930 م. مما أعطى إشارة لمعارضة السياسة الفرنسية والكفاح من أجل الاستقلال، وخلال الحرب الأهلية الأسبانية، حاربت الفرق المغربية تحت قيادة القائد المنتصر فرانكو؛ ونتيجة لذلك. استفاد سكان المنطقة الشمالية الكثير من العهد الليبرالى الجديد. ولم تكن للحوادث التالية التى وقعت خلال الحرب العالمية الثانية، وبخاصة هزيمة فرنسا واحتلالها سنة 1940 م، أى تأثير مباشر خطير، برغم أنها أغرت المجاهدين لتحقيق الاستقلال القومى بمتابعة أنشطتهم بحماس كبير. وشهد عام 1944 م إنشاء حزب الاستقلال، الذى ألقى فيه السلطان محمد الخامس،

الذى اعتلى العرش منذ عام 1927 م، خطابًا معاديًا فى طنجه يوم العاشر من أبريل 1947 م أقلق السلطات الفرنسية. ولقد فشل تعيين الجنرال جون Jain كقائد عام مقيم والاصلاحات التى تلت ذلك فى إعادة الاستقرار للبلاد. وفى سنة 1953 م قررت فرنسا خلع السلطان، ونفيه إلى مدغشقر وإحلال مكانه أمير، أقل تشددًا، وهو مولاى عرفة، وأثار هذا القرار سخط الشعب، وتلته أحداث عنف فى البلاد. ونتيجة لذلك، لم يكن أمام الحكومة الفرنسية سوى إعادة السلطان والقبول بإعلان استقلال المغرب فى نوفمبر 1955 م (إعلان سان كلود)، الذى تمت الموافقة عليه فى اتفاق مارس 1956 م. وقد حذت الحكومة الأسبانية حذو الحكومة الفرنسية فى اتفاق 1956 م، مع استبقائها لاحتلال موانى سبتة ومليلة. وقد وضع إنجاز الاستقلال مصاعب كثيرة أمام السلطات المغربية، التى أُجبرت أول الأمر، بسبب نقص تدريب مواطنيها، إلى استبقاء خدمات آلاف الموظفين الفرنسيين والأسبان، قبل اللجوء لعناصر جديدة لمساعدتها. ولقد استوعب "جيش التحرير" فى القوات الملكية المسلحة، وانسحبت القوات الفرنسية والأسبانية عام 1961 م، بينما أُخليت القواعد الجديدة الأمريكية. ولقد كان من أوائل اهتمامات السلطان (الذى أخذ لقب ملك سنة 1957 م) اختيار مجلس استشارى، حل مكانه سنة 1960 م مجلس دستورى اضطلع. بمهمة إعداد الدستور؛ الذى نظَّم البرلمان الملكى الذى ووفق على تشكيله 7 ديسمبر 1962 م. وخلال نفس الفترة، تأسس حزب الاستقلال الديمقراطى، لكن فى سنة 1959 م انضم عدد من أفراده مع بعض المستقلين وكونوا "اتحاد القوات الشعبية القومى"، وقوى الاتصال بحزب "الاتحاد المغربى للعمل"، كذلك تأسس حزب "الاستقلال" نتيجة انشقاق نقيب العمال الثورى مهدى بن بركة عن حزب الاستقلال الديمقراطى. ولقد تكونت أول حكومة مدنية فى المغرب من أعضاء من حزب الاستقلال

وحزب الاستقلال الديمقراطى، ولكن بعد نوفمبر 1956 م استُبعد أعضاء الحزب الأخير وصارت الحكومة كلها من حزب الاستقلال. وفى سنة 1960 م، أخذ الملك لنفسه رئاسة الوزارة، بمساعدة ابنه الأمير مولاى الحسن، الذى خلفه فى الحكم، بعد ذلك بعام بعد وفاته. وفى الانتخابات النيابية التى جرت عام 1963 م، بعد إعلان الدستور، حصل حزب الاستقلال وحزب الاستقلال الديمقراطى، وهما فى جانب المعارضة، على 41 و 28 مقعدًا فى المجلس النيابى. وفى 16 يوليو من العام نفسه تم القبض على عدد من أعضاء الاتحاد القومى لقوى الشعب العامل بتهمة قيامهم "بحركة هدامة"، ولم تُنشر وقائع الاتهام فى المؤامرة ضد فئات الأفراد، لكن بعد أن أقُصى الحزبان من الانتخابات التالية، فازت الحكومة بأغلبية ساحقة فى المجالس المحلية ومجلس النواب. كذلك وقع نزاع مسلح حدودى سنة 1963 م بين المغرب والجزائر، على موقع حدودى. وفى الفترة ما بين سنوات 1965 و 1967 م ساءت العلاقة مع فرنسا بسبب ظهور المهدى ابن بركة فى باريس وقد قاومت السلطات الفرنسية هذه الأحداث بإقامة دعاوى قضائية ضد المخابرات المغربية وبخاصة ضد وزير الداخلية الجنرال أو فقير الذى حكم عليه غيابيًا. ولقد ذكر اسم هذا القائد ثانية فيما يتصل بمحاولتين فاشلتين لإغتيال الملك الحسن. الأولى وقعت يوم 10 يوليو 1970 م، فى قصر صخيرات الملكى (جنوب الرباط) وقد نجى الملك منها، والثانية فى 16 أغسطس 1972 م حيث هوجمت طائرة الملك الخاصة فوق تطوان من قبل أربع طائرات مقاتلة وقد وجهت تهمه تدبير هذه المؤامرة للجنرال أوفقير الذى أعدم فى الليلة التالية للحادث. ولقد أدى فشل هاتين المحاولتين فى القضاء على حياة الملك إلى تعزيز سلطته، فلم تتعرض حياته بعد ذلك لأى خطر جديد.

3 - السكان

3 - السكان كان من الصعب أن نحدد بدقة، عدد سكان المغرب قبل الاستقلال. وتعطى المحاولات الاحصائية التى تمت فى فترة الحماية تقديرات صحيحة لأهم أجزاء البلاد. وكان من المعتاد تقدير عدد السكان بحوالى 5 مليون، عُشرهم (500.000 نسمة) مقيمون فى منطقة الحماية الأسبانية، ولكن إحصاء 1950 و 1952 م أعطانا الأرقام التالية: المنطقة الأسبانية، 1.010.117 نسمة والمنطقة الفرنسية: 8.003.985 منضافًا إليهم 362.814 أوربيًا و 199.156 من اليهود بمجموع تقريبى 9.368.702. وبعد سنوات قليلة، جرى إحصاء سنة 1960 م، الذى وصل مجموع السكان إلى 11.626.470 (30 % منهم يسكنون المدن)، وعدد الفرنسيين 195.000 والأسبان 125.000. وفى سبتمبر 1982 م، تجاوز عدد سكان المغرب العشرين مليون، منهم نسبة 57.3 % تسكن الريف. وتوزيع هؤلاء السكان يختلف بحسب الظروف الجغرافية. وأشد المناطق كثافة سكانية هى منطقة سهول المغرب الغربية بين سلسلة جبال جبالا فى الشمال وأطلس العليا فى الَجنوب. وتتناسب كثافة السكان طرديا مع خصوبة التربة. وتُمثل سكان هذه المنطقة خمس مجموع السكان الكلى. والمناطق الجبلية فى جبلة والريف وأطلس الوسطى ليست مناطق سكنية مزدحمة. أما عن منطقة الصحراء، خارج أحزمة الواحات فى وادى قير، ووادى زنير ووادى درعه، فهى منطقة قليلة السكان. ب - عناصر السكان: تتكون معظم عناصر سكان المغرب من البربر والعرب، والأول هم العنصر الأقدم والآخرون هم الفاتحون. أما عن البربر، فيبدون من جنس متجانس التكوين ذى أصول غامضة. أما العرب فهم الأقلية، ويصعب تتبع أصل انتمائهم العرقى القبلى، لكن العرب والبربر اختلطوا منذ الفتح الإسلامى، وتمازجوا بطرق سلمية أو حربية. ويسكن من يتكلمون العربية السهول غالبا أما من يتكلمون البربرية يسكنون الجبال غالبا.

1 - البربر

1 - البربر: من الممكن تمييز ثلاث مجموعات رئيسية بين بربر المغرب: مجموعة منهم تسكن فى الريف الشمالى وبنى زناسن، وفى الوسط بربر صنهاجة، الذين يشكلون مجموع سكان أطلس الوسطى، والمجموعة الثالثة هم الشلوع الذين يحتلون الجزء الغربى من أطلس العليا وسهل السوس. ومن الممكن أن نذكر إلى جانب هذه المجموعات البربرية الرئيسية قبائل جبلة البربرية المستعربة، إلى الشمال الغربى من فاس "والحراطين" الذين يكونون أساس السكان المستقرين فى منطقة الواحات الصحراوية. 2 - العرب: لا تبدو غزوات الفتح الأولى للمغرب قد حوَّلت الأعراق البشرية للبلاد. وحتى القرن السابع الهجرى/ 13 م، كانت غالبية أنحاء بلاد المغرب لازالت بربرية "تمامًا" ولقد كان حاكم دولة الموحدين العظيم "عبد المنعم" هو أول من أدخل إلى المغرب قبائل بنى هلال العربية التى استقرت وقتها فى وسط المغرب أو فى أفريقية (تونس)؛ واستمر نزوحها إلى هناك على يد خلفاء هذا الأمير وحكام بنى مرين، وسرعان ما قاموا بطرد العناصر البربرية إلى الجبال أو تشريدها وقاموا بتعريبها. والدلائل على ذلك لازالت قائمة فى حقيقة أن القبائل ذات الأسماء العربية تحتوى على أفرع تُظهر أسماؤها أنهم بربر. وهذه القبائل العربية، التى استقرت فى السهول، من الممكن تقسيمها إلى مجموعتين عرقيتين رئيسيتين: بنو هلال والمعاقيل. ويحتل المعاقيل أعالى مولوية والأراضى جنوب الأطلس، بينما يحتل بنو هلال سهول ساحل الأطلنطى ومناطق إستبس شرق المغرب. 3 - اليهود: يوجد حوالى 200.000 يهودى بالمغرب، ويسكنون أساسًا فى المدن. ويوجد أيضًا عدد كبير منهم بين قبائل أطلس العليا. وهم يكونون عنصرًا رئيسيًا بين عناصر سكان مدينتى

4 - عناصر مختلفة

وبدو ودمنَت. وأصل العناصر القديمة للسكان اليهود فى المغرب مجهول: ومن الصعب الحكم على أنهم يهود هاجروا من فلسطين أو أنهم من يهود البربر. وعنصر اليهود الجديد هم اليهود الذين هربوا من أسبانيا إلى المغرب فى القرن السادس عشر. ولقد أطلق اليهود الأقدمون فى المغرب على أنفسهم اسم الفلسطينيين وأطلق على اليهود المهاجرين من أسبانيا اسم الفورستوريين (الأجانب). وقد استقر اليهود المهاجرين من أسبانيا فى مدن الساحل وسرعان ما أصبحوا متأوربين (أوربيين). ومنذ الاستقلال، هاجرت أعداد كبيرة منهم، خاصة إلى إسرائيل. 4 - عناصر مختلفة: وهم السود، الذين يوجد عدد كبير منهم فى المغرب، رغم أنهم لا يكونون مجموعة بارزة هناك. وفى الشمال نجد الكثير منهم، الذين غالبًا ما يكون أصل معظمهم رقيق. ولقد أدى نزوع سكان مدن المغرب وولعهم بالجوارى السود، المعروفات بميزاتهن المنزلية، إلى جلب عدد كبير منهن، وإلى جنوب الأطلس فى الواحات، أنتج نماذج السود مع البربر قبائل الحراطين. وأخيرًا، فإن سود بلاد السودان الغربى (غرب افريقيا)، كانو يشكلون، منذ العصور الوسطى، المرتزقة الذين تشكل منهم الحرس الملكى الخاص، وخاصة بعد استيلاء سلطان السعديين أحمد المنصور بقواته على تمبكتو. وهنالك أعداد كبيرة من مسلمى الأندلس سواء كانت أصولهم عربية أو سلائل سكان شبه جزيرة أيبيريا المسيحيين، قد كونوا عناصر مهمه من سكان مدن المغرب فى مختلف الأوقات: ومن هؤلاء ثوار الربض الذين طردهم الحكم الأول من الأندلس فى بداية القرن الثالث الهجرى/ التاسع الميلادى، والمسلمين الذين طردتهم محاكم التفتيش من أسبانيا فى القرن السادس عشر. 4 - الحياة الاجتماعية والاقتصادية أ- فى الريف: فى شرق المغرب، وفى مناطق الإستبس (الهوب) التى تقع إلى الشرق

ب- المدن

من مولوية ومن جنوب أطلس العليا تجاه الصحراء، نجد مجموعات البدو الرعاة الرئيسية فى المغرب. وفى شرق المغرب، نذكر بين القبائل الكبيرة التى تحيا حياة بدوية حلف بنى جعل ما بين بيرجونت وفقيق، وعلى الجانب الآخر من الأطلس آيت سدرات، آيت جلال وإدان بلال، وآية يومريبط، وإلى الجنوب من ورعة، نجد قبائل: رجيبة، والشقارنة وأولاد دليم. ونجد قبائل تحيا حياة شبه بدوية خارج أطلس الوسطى، وفى سهول المغرب الكبرى، وفى الشمال الرحامنة والشياضمه. وبرغم ذلك، فإن المغرب، واحدة من أقطار البربر الثلاثة، ويشكل فيها أهل الريف أكبر قدر من السكان المستقرين، الذين لا يعيشون فقط فى الخيام ولكن أيضًا فى منازل. وهؤلاء السكان المزارعون يتجمعون فى القرى ويتقاربون من بعضهم البعض بحسب الكثافة السكانية فى المنطقة. ويتغير شكل السكن حسب المنطقة. ففى الجبال نجد بيوتًا مبنية بالأجر أو الحجر، بأسطح جملوفية أو مسقوفة بقش أو نحوه أو ذات أسطح مسطحة. وفى السهول تناسب الخيمة المنطقة أكثر من غيرها ولو أننا نجد بها أكواخًا كثيرة بأسطح مخروطية تُعرف بالنوالة. وفى الواحات، يتجمع السكان داخل منطقة مسورة تُعرف بالقصور (جمع قصر). ويطلق على القُرى اسم (دوَّار) فى السهول واسم (دِشار) فى الجبال. وفى بعض مناطق التلال نجد بقايا ساكنى الكهوف. ب- المدن: من بين مدن القطر، يميز المغربى عددًا محدد أنها يعتبرها بالقطع مدنًا (حضرا). ومن هذه المدن مدن الحضريَّة. فاس. والرباط - سالى وتطوان، التى كانت تحت النفوذ الأسبانى. ومن بين هذه المدن أيضًا نجد مدنًا قد تأثرت فى إنشائها بالثقافة الأندليسية، وقد أنشأ معظم هذه المدن مسلمون من أسبانيا، وخاصة من القرن التاسع الهجرى/ الخامس عشر الميلادى فصاعدًا. ويتكون سكان المدن غير الحضرية مثل مدن وجده والجديدة وطنجة من عناصر ريفية قليلة التمدن.

ج- الحياة الاقتصادية

وتدين كل من مراكش ومكناس بطابعهما المدنى الخاص لحقيقة أنهما كانتا عاصمتين لبلاط أسرتين من الحكام الأشراف، كلاهما بدوى الأصل لكنهما لم يرتقيا إلى مستوى المدن الحَضَرية الأسبانية. أما موانى طنجة والعرائش ومزقان وصافى وموجارور، فلقد كانت لوقت طويل نقاط اتصال المغرب بالتأثيرات، الأوروبية. سياسيًا وتجاريًا، وأخيرًا فإن مدن الجبال الصغيرة مثل شفشاون وزان وسفرو ودبدو، ودمنات تدين بوجودها لعوامل سياسية. فالأولى والثانية أنشئتا كحاجز امام للتقدم البرتغالى فى شمال المغرب فى القرن العاشر الهجرى/ السادس عشر الميلادى. يهوديتان ودبدو أساسًا مدينتان يهودتيان. أما بالنسبة لسفرو، فمن المحتمل أن تكون بقايا لمدينة بربرية قديمة. ويجب أن نذكر أيضًا مدنًا ذات أهمية ثانوية على ساحل البحر المتوسط، مثل سبته التى تأوربت تمامًا لعدة قرون، وأصيلة على ساحل الأطلنطى، والدار البيضاء، والتى تدين بأهميتها لميناء أنفا الصغير، وأزمير وأغادير. وفى الداخل مدن: القصر الكبير، تازا، وترهونة. وهنالك عدة مدن قديمة قد إندثرت مثل: ناكور وباديس على البحر المتوسط، وطيت جنوب مزغونة، وأغمات وتنملال جنوب مراكش، وعدة مدن أخرى أورد ذكرها الجغرافيون أمثال. البكرى والإدريسى وليو الأفريقى (الحسن بن الوزّان). وعمومًا، فإن المدينة المغربية تتركز حول القلعة أو القصبة التى هى مقر الحكم. وتحت حماية القصبة تقع (الملة) أو حى اليهود. وحول القصبة تنتشر المدينة بمساجدها الكبيرة وأسواقها وقيسارياتها. وتُحاط المدينة بسور يضم أحياء المدينة بشكلها الريفى تقريبًا. وتقسم المدينة ذاتها إلى أحياء (حومات) بها شوارع (زنقات)، وحوارى (دروب) وميادين (رحبات). ج- الحياة الاقتصادية: يعيش سكان الريف، سواء كانوا مقيمين أو مرتحلين، والذين لا يشكلون أكثر من 70 % من السكان فى المغرب، على الأرض، إما مزارعين أو رعاة، وفى معظم الحالات يجمعون بين الحرفتين.

5 - التنظيم السياسى

أما أولئك الذين يسكنون الأراضى المرتفعة فيقومون بزراعة الحبوب، وبخاصة البقوليات. كذلك فهم يستغلون غاباتهم بطريقة بدائية للغاية. ويكرس أهالى السهول أنفسهم أساسًا لزراعة الحبوب وتربية الأغنام والماشية والخيل والجمال والحمير. وفى واحات الجنوب يزرع أهلوها أشجار النخيل ويتفهمون فن رى الأرض. الصناعات الريفية: وهى بدائية للغاية، ومحدودة بإنتاج الحاجة الضرورية للزراعة من أدوات زراعية، كذلك لغزل الصوف ونسجه لصنع الملابس والخيم والسجاجيد. وقد أظهر السوس البربر براعتهم فى الأعمال المعدنية (الأسلحة والحلى). وما برح السوس أن يصدرون سكر القصب والنحاس، اللذين شكلا سلعًا تجارية مهمة أيام حكم الأشراف السعديين. ولقد كان لكل قبيلة أسواقًا خاصة تُعقد فى الأرض الفضاء وتحمل اسم اليوم الذى تُعقد فيه. وفى السوق يبع الفلاحون منتجاتهم ويشترون السلع المصنعة التى يجلبها التجار من المدن. وتحفظ الحبوب فى صوامع (مطامير). وفى المدن يتركز النشاط الصناعى. وكل أصحاب حرف، تكوَّن لأنفسهم طائفة، تجمع فى شارع خاص يحمل اسمها. وفى سوق هذا الشارع تصنع السلع وتباع. ويحفظ فائض البضائع ومخزونه فى الفنادق (مجمع فندق) الذى يشبه الخان ووكالة الشرق. وتُباع بعض المنتجات، مثل الحبوب والزيت والفحم والصوف فى أماكن خاصة تعرف بالرحبة. ولقد أصبح لبعض السلع الأوربية الأهمية الأولى فى المغرب ومثلث سلعها تجارة مرور هامة مثل: المنتجات القطنية، الشاى والسكر والشموع. ولقد لعب اليهود دورًا مهما فى تنشيط بعض المتاجر وكوسطاء تجاريين. 5 - التنظيم السياسى كانت بلاد المغرب لفترات نادرة ومدد قصيرة فحسب خاضعة تمامًا لسلطة السلطان: بسبب ذلك الفصل بين (بلاد المخزن) وهى المناطق التابعة

للحكومة المركزية و (بلاد السَّيبا). وبوجه عام، شملت بلاد المخزن المدن والأودية والسهول. أما الجبال، على الجانب الآخر، فقد ظلت خارج سيطرة الحكام غير الأقوياء. وخارج المدن يتجمع السكان فى قبائل. هذه القبائل تتجمع أحيانًا مع بعضها البعض تحت اسم عام، دون وجود تحالف بينها بمعنى الكلمة؛ وتنطبق هذه الحالة على غُماره فى الشمال، والحاحا، والدُكالا، والشاويه فى الجنوب. وتنقسم القبيلة إلى أفرع (أرباع، أخماس، أفخاذ)، التى تنقسم بدورها إلى جزء من الفرع متضمنًا عددًا معنيًا من قرى الخيام أو المنازل. وتُحكم القبائل التابعة تبعية فعلية السلطان بواسطة (قائد) يختاره المخزن. وواجبات هذا القائد هى أن يحدد الضرائب ويفرضها، وأن ينشر فرق جنوده ويحفظ النظام. وتحت قيادة القائد يوجد شيوخ يرأسون من تحتهم من مقدمين. أما القبائل التى ليست خاضعة للمخزن (قبائل السيبا)، فإن نشاطها السياسى مقتصر على الجماعة، وهى جمع من الرجال القادرين على حمل السلاح والقتال. فالجماعة تتعامل مع كل أعمال شئون القبيلة، المدنية، والجنائية والمالية والسياسية. وهى تتدبر أمر العدالة متبعة العرف. وهى تنتخب شيخًا يقتصر عمله على تنفيذ قراراتها. وإلى جانب جماعة القبيلة هنالك جماعة العشيرة وجماعة الفخذ، لكن سلطة هذه الجماعات سلطة محدودة. وفى المدن، يتمثل سلطة المخزن فى الحاكم الذى يحمل رسميا لقب "قائد"، ولكنه فى بعض المدن الكبيرة يسمى غالبًا (باشا)، وأحيانا يطلق لقب (عميل) على حاكم القاضى فى حالة أى انتهاك للقانون. وللقائد مساعد أو خليفة. وإلى جانبه يوجد المحتسب الذى ينظر فى أمر السوق والأخلاق العامة. وتحت إمرة القائد يوجد مقدمى الأحياء وشرطته (المخازنيه) الذين

القضاء

ينفذون تعليماته. ومن بين الموظفين الذين يُرسلهم المخزن إلى كل مدينة من الممكن أن نذكر (الناظر)، أو ناظر الحبوس، ووكيل الغرباء (أبو المواريث)، وأمين المستفاد، ووظيفته تحصيل الضرائب من الأسواق. وأخيرًا فإن الجمارك على الحدود وفى الموانى يحصلها موظفون يعرفون بالأمناء. القضاء: يتولى القائد القضاء أو يتولاه القاضى، حسبما تكون القضية. ويقضى القاضى فى المسائل التى تخص قانون الأحوال الشخصية، أما التقارير الرسمية للقضايا فيرفعها (العدول). وفى القضايا الفنية يلجأ القاضى إلى الخبراء المختلفين. ملكية الأرض: تأخذ ملكية الأرض عدة أشكال مختلفة. ففى المقام الأول، هنالك ممتلكات الدولة؛ وهى تدار إما مباشرة بواسطة المخزن (أرض التاج الملكى) أو تخصص للقبائل مقابل الخدمة العسكرية المكلفين بها؛ ومن الممكن أن تُمنح بعض هذه الأراضى بصفة مؤقتة أو بملكية نهائية لأفراد بمرسوم ملكى. وأرض الحبوس (الأوقاف) أرض مدنية أو زراعية. ففى المدن، هى تغطى ما لا يقل عن نصف مساحة الأراضى. وهى تترك تحت ظروف خاصة وتعطى للمقيمين فيها امتيازًا خاصًا وجزاء. وفى الريف، تتكون أرض الحبوس أساسًا من حقول وبساتين. وفى كل الحالات، فإن دخل هذه الأراضى موقوف على أعمال بناء المبانى ذات الطابع الدينى (مساجد، جامعات، مدارس، أسبلة) أو لدفع مرتبات العاملين فى هذه المؤسسات. وهناك أراضٍ فى المغرب ليست ملكًا لأحد، وإنما هى (على المشاع)، وهى ملك لكل القبيلة، وتعرف هذه الأراضى باسم (بلاد الجماعة). وأخيرًا، هناك أراض تؤول ملكيتها بالميراث أو الشراء، وتثبت ملكية هذه الأرض بشهادة ملكية تُعرف (بالملوكية). ولقد تحولت الزكاة والعشور إلى ضريبة شخصية يؤديها الشخص

6 - الحياة الدينية

بنفسه وليس عن طريق الدولة، التى كانت تحصل منها مبالغ طائلة. ومن الضرائب التى تجمعها الدولة ضرائب بوابات المدن وضرائب الأسواق وضرائب المبانى وبالإضافة إلى تلك الضرائب هنالك الهدايا التى تقدم للسلطان فى المناسبات الدينية. كذلك الجزية المفروضة على أهل الذمة أو بدل الخدمة العسكرية المفروض على بعض القبائل العربية. 6 - الحياة الدينية أ- البربر قبل الإسلام: بسبب نقص المصادر، من الصعب أن نحصل على فكرة صحيحة عن معتقدات بربر المغرب الدينية وطقوسهم قبل تحولهم إلى الإسلام واعتناقه، وفقط من بقايا مخلفات الآثار الوثنية التى لازالت قائمة فى بعض الأنحاء نستطيع أن نخمن الديانة البدائية الأولى التى كان عليها بربر المغرب. ومن صورتين منحوتتين على الحجر وُجدت فى المغرب تبدوان دليلًا على وجود عبادة الشمس عندهم. ب - الدخول فى الإسلام: فى زمن الفتح، وجد العرب. أن سكان المناطق حول المدن واقعة تقريبًا. تحت نفوذ التعاليم اليهودية والمسيحية؛ لكن هناك بعض الشك فى أنهم اعتنقوا هذه الديانات بشكلها الصحيح. ويبدو أن تأثير هذه الديانات قد مهد البربر حول الجبال لاعتناق مبادئ الإسلام الجديدة، الذى جاء به الفاتحون. وقد نتج عن حملتى الفتح، حملة عقبة بن نافع 50 هـ/ 670 م وحملة موسى بن نصير 92 هـ/ 711 م، اعتناقًا جزئيًا وظاهريًا للإسلام فى المغرب، لأن عناصر عربية - قليلة بقيت بعد الفتح فى البلاد. ولقد اقتصر الإسلام فى المدن على المراكز الكبيرة. ولقد تحول البربر عمومًا إلى الإسلام ولكن حين أراد الفاتحون أن يعاملوهم كموالى وأتباع، لم يترددوا عن الارتداد عن الدين، فى سبعة مناسبات مختلفة، إذا صدقنا فى ذلك المؤرخين العرب. والحقيقة الوحيدة الثابتة، هى أنهم عندما ظلوا على إسلام، فإنهم لم يقبلوا بطاعة وتبعية تعاليم خليفة بغداد الروحية بل تقبلوا تعاليم الخوارج ولقد

جـ- تطور الإسلام فى المغرب

ذهب بربر المغرب إلى مسافة أبعد حينما قامت بينهم ديانات محلية بنيت تقريبًا على الإسلام، فبعد محاولة الثورة التى قام بها ميسرة وبربر طنجة، التى قضى سريعًا عليها، اعترفت قبيلة براغواطة ببنى أبنائها هو صالح بن طريف، الذى جاء لهم بدين وقرآن باللغة البربرية. ولم يقض على هذه الديانات وهذه المحاولات الدينية بين البربر نهائيًا سوى على يد حكام الموحدين فى القرن السابع الهجرى/ الثالث عشر الميلادى. كذلك هناك الحركة التى قام بها "حم" (ت 313 هـ/ 927 - 928 م) بين قبيلة غمارة، قرب تطوان. وبرغم حركات الانشقاق هذه، فإن الإسلام أصبح الدين الرسمى لأقوى البيوتات التى حكمت المغرب، وقد أخذ فى الانتشار تدريجيًا، واكتسب أرضًا له ببطء بين جبال البربر، لكن ذلك لم يقع إلا بعد وفاة عبد المؤمن الذى حطم دين البرغواطيين ووضع نهاية لحكم المرابطين الذين اتهموا بأنهم مجسّمين. ولقد وحد المرابطون الإسلام تمامًا فى المغرب. ومنذ ذلك الوقت صار للإسلام فى المغرب أبطال، كانوا جنودًا أكثر منهم رجال دين، أجبروا الناس بالحرب على قبول تعاليمهم. ولقد تطلب الأمر من ابن تومرت، البربرى من جبال الأطلس، ورجل الدين الذى تعلم فى المشرق، أن يعود إلى البلاد ليحصل على تأييد أتباعه ليؤسس جماعة سياسية ودينية هى جماعة "الموحدين". وإذا كانت حركة الموحدين حركة مؤقتة فى المغرب، فإنها بدون شك كانت حركة موجية بما فيه الكفاية لدرجة أنها وقفت فى البلاد على كل آثار دعاوى الشيعة والخوارج كما استطاعت أن تؤسس وتثبت مذهب الإمام مالك بن أنس الذى ما زال متبعًا حتى اليوم فى الغرب. جـ- تطور الإسلام فى المغرب: منذ نهاية عهد دولة الموحدين، اكتسب إسلام المغرب بسرعة ملامحه الخاصة به. فبعد طرد المسلمين من الأندلس، واصل الأسبان الحرب ضدهم حتى فى المغرب. ولقد أصبح الإسلام

بعد أن هاجمه المسيحية واضُطر للجهاد غريمًا قويًا فعالًا. وتطلب الأمر استخدام كل قوى البلاد المعنوية. وقد كانت تلك هى الفترة التى ثار الإعجاب فيها بالأولياء والصالحين أحياءً وأمواتًا وبخاصة الأشراف منهم الذين وقفوا إلى جانب الإسلام فى المغرب وتولوا قيادة الناس للدفاع عنه، وقد أخذ هؤلاء اعترافًا رسميًا من المخزن بتلك القيادة. وقبل المرينيين احتاج الإسلام لعون القوة الزمنية الدائم للدفاع عنه ولإحراز تقدمه. ومنذ عهد حكم تلك الأسرة المرينية، المنحدرة من قبيلة بربرية بدوية، انعكس الوضع، وصار الحكام آنذاك هم الذين استغلوا الإسلام ليزيدوا من قوتهم أنفسهم، وحاولوا احتكاره بإنشاء مدارس للتعاليم الدينية؛ وكانت (مدرسة الصغاريين) أول هذه المدارس التى أنشئت سنة 679 هـ/ 1280 م على يد السلطان أبو يوسف فى فاس، عاصمة البيت الحاكم، الذى جعل منها أكبر مركز ثقافى إسلامى فى غرب بلاد البربر. ولقد قام البيت الحاكم الذى خلف حكم بنى مرين، وهم بنو وَّطاس، بتأسيس ضريح فخم لمؤسس الأسرة إدريس الثانى، ليدفن فيه وقد كان آنذاك محل مهابة كبيرة. ولقد كوَّن إدريس الثانى طريقة (جماعة) دينية، وأخذت سلالته من بعده لقب (الشريف) وسرعان ما لعب الأشراف دورًا مهمًا فى المجتمع المغربى ذا سطوة سياسية ومعنوية، وسرعان ما إزدادت قوة الأدارسة (الشُرفا) بمؤازرة فرع آخر منهم من نسل الحسن بن على (الحسنيين) فكان الإثنان أصل أشراف المغرب: الأدارسة والعلويين. وإلى الغلويين ينتسب بيتا الأشراف: السعديين والغلاليين، ولا يزال الأشراف الفلاليون فى السلطة. ومن لحظة توليهم الحكم، صار نفوذ الشُرفا على مقدرات البلاد هو الأكثر رجحانًا. ولقد ارتبطت ظاهرة الأشراف بنشأة الطرق الصوفية ورغم أننا وجدنا شواهد على وجودها عند نهاية دولة الموحدين (الحجاجية، المغرينية، الأمغارينية)، فقد تكونت الطريقة الجزولية، التى قاد حملة الجهاد فيها

د - الإسلام فى المغرب الحديث

"الجزولى" (ت 869 هـ/ 1645 م) ضد البرتغاليين، وهى أكبر الطرق الصوفية الموجودة فى المغرب حتى اليوم. د - الإسلام فى المغرب الحديث: يتبع المغاربة الآن المذهب السُنى، ولقد اتبعوا منذ فترة حكم المرابطين مذهب الإمام مالك. ويلتزم المغاربة فى المدن بتعاليم الدين. لكن البدو فى السهول والبربر فى الجبال -فى الواقع- مسلمون تعوذهم الحماسة. على أن منطقة جباله، بين فاس وطنجة، شديدة التمسك بالإسلام والإخلاص له، ويُظهر أهلها تقوى شديدة ودراسة القرآن محببة للغاية لهم؛ ومن بينهم يتخرج عدد كبير من الدعاة الذين ينشرون الدعوة فى السهول. كذلك، بالفعل، فإننا نجد بين سكان تلال الشمال والجنوب على الأقل مسجدًا فى كل قرية. وعلى الرغم من بعد المسافة التى عليهم أن يقطعوها، فإن المغاربة يحبون أن يؤدوا فريضة الحج. وعدد كبير منهم يستقر فى المشرق (وهناك جاليات مغربية فى الإسكندرية والقاهرة)، وقد جعل تزايد عدد هذه الجالية السلطان عبد العزيز أن يعيِّن أمينًا للمغاربة" فى مصر. وإضافة للاحتفال بعيدى الفطر والأضحى فإن المغاربة يحتفلون بالمولد النبوى الشريف وبيوم عاشوراء (العاشر من المحرم). ولقد بدأ المرينيون الاحتفال بالمولد النبوى، ثم أصبح من بعد ذلك عيدًا قوميًا، وفى بعض الأحيان يتفوق الاحتفال بهذا العيد فى المغرب على الإحتفال بالعيدين الآخرين. وتتعدد الطرق الصوفية الموجودة الآن بالمغرب، ومنها: التيجانية، الدرقاوية، الطيِّبية، الكتانية وغيرها. وكل طريقة من هذه الطرق وغيرها تنتسب إلى ولى شهير من الأولياء الصالحين. ولقد تجلى الإعجاب بالأولياء وظهر بأقصى سرعة فى المغرب، وقد كان ظهوره سابقًا للإسلام، لكنه وجد نفسه مضطرًا للتماشى معه. وهناك تصنيفات مختلفة لهؤلاء الأولياء، من ولى العاصمة المبجل الراعى أو ولى الناحية إلى الرجل الصالح العام الذى ضاع

اسمه وفُقد بين الأسياد الذين جاءوا إلى البلاد ودفنوا فيها وصار لهم مقام وقُبة. ويتميز قبر الولى العادى (بحوش) يحيط بقبره. وقد أحرز هؤلاء الأشخاص الموقرن، ذكورًا وإناثًا، قداستهم بطرق مختلفة، بعضهم أثناء حياته، بعلمهم، وتقواهم وورعهم، وبزهدهم ونسكهم، وببركاتهم، وفى بعض الأحيان (بانجذابهم). والبعض الآخر بعد وفاتهم، بمعجزاته وبركاته، إلخ ويُطلق على المجاهد الذى يُقتل فى حرب الكفار اسم مرابط، ثم أصبح بعد ذلك يطلق على الأولياء على المرابط لقب الولى، والسيد، والصالح صاحب البركات. وبين البربر عُرف الولى باسم (أجرَّم). ولقد تحدد لقب "مولاى" و"سيدى" للكبار أولياء المغرب، بينما أطُلق على النساء منهن لقب (اللالا). ولم يكن الولى الذى نُسبت الطرق إليه وليًا مغربيًا، ولكنه كان وليًا من بغداد وهو "عبد القادر الجيلانى"، والذى يعرف "بالجيلالى" بين عامة الشعب. الذى لم يقم بزيارة المغرب على الإطلاق. لكن الولى الذى أحيطت طريقته بأهمية كبيرة فى المغرب هى طريقة مولاى إدريس الشهيرة، مؤسس فاس ووليها الأكبر. ومن بين أولياء المغرب الآخرين نذكر: مولاى عبد السلام بن مشيش، ولى جباله؛ ومولاى أبو سلهام، فى الغرب؛ ومولاى أبو الشتاء الخمَّار، فى شمال فاس؛ وسيدى محمد بن عيسى ولى مكناس ومؤسسى طريقة العيسوية؛ ومولاى أبو شعيب فى أزمور؛ ومولاى بوعزة، فى تادله، وسيدى أبو العباس السبتى، المولود فى سبته وولى مراكش. وهناك فى المغرب أيضًا بعض أولياء اليهود المشهورين الذين لهم أضرحتهم مثل: ضريح الرَّبى عمران فى أزجن، قرب فزان والربى بن زميرو فى صافى. وتُعد المنطقة حول مقام الولى منطقة مقدسة (حرم)، ومن أشهر هذه المناطق الحرم حول مقام مولاى إدريس فى فاس ومولاى عبد السلام بن مشيش فى جبال الشمال الغربى. وهذه المناطق تكون ملكًا للعائلات المنحدرة من نسل

7 - مسح لغوى

الولى. وأرض هذه المناطق معفية من دفع الضرائب الحكومية، وأكثر من ذلك فإنه لأحفاد الولى الحق من فرض بعض الرسوم لصالحهم، بجعل مقرر معترف به من قبل السلطان. كذلك يستفيد هؤلاء الأحفاد من دخل النذور التى يدفعها الزوار إلى الضريح وتُعرف بالزيارة. وفى كل عام يقام مولد لهذا الولى عند مقامه يُعرف باسم (الموسم)، ويجتمع الناس فى هذا الموسم من كل مكان لاحتفال بمولد السيد ولمشاهدة الألعاب النارية التى تطُلق فى الهواء على شرفه. وتُطلق تسمية (الزاوية) على المكان الذى به ضريح الولى. وغالبًا ما تمتلك هذه الزوايا أراضيها الخاصة وتستفيد مما يدخل إليها من دخل وهدايا. ونستطيع أن ندرك مدى المكانة الاجتماعية والسياسية التى تمتعت بها الزوايا وتميزت بها على ما حولها من مراكز علمية وذلك بسبب ما كان لها من شهرة وثروات زائدة. على أن وجود هذه الزوايا كان أمرًا مهما للغاية بالنسبة للمغرب، فهى زيادة على أنها مراكز لإحياء السنة، فهى تُعطى تجددًا ونشاطًا للإسلام فى البلاد. وقد كان بعض هذه الزوايا مراكز للمتصوفة، وقد ظلت على الدوام قواعد علمية ثابتة للتعاليم الدينية. ويفسر لنا ذلك المكانة الممتازة التى كانت عليها سلالة الأولياء والصالحين أو المرابطين فى بلاد المغرب. فإذا أضاف هذا الولى إلى ميزاته الدينية والأخلاقية ميزة انتسابه إلى بيت النبوة الشريف، يصبح شريفًا الأمر الذى يرفع من مكانته ويزيد فى امتيازاته الروحية والمادية. وقد حاول كثير من الأولياء الذين لا ينتسبون إلى بيت النبوة أن يلحقوا أنفسهم بهذا البيت وأن يبحثوا لأنفسهم عن نسب يلحقهم به حتى تزداد مكانتهم بين الناس. وبذلك ازداد عدد الأولياء الذين نسبوا أنفسهم إلى الأشراف فى المغرب. 7 - مسح لغوى يتكلم مغاربة المغرب بلغتين: البربرية والعربية. واللغة البربرية هى الأقدم فى المغرب وليس لدينا دليل على بداية الكلام بها، أما بالنسبة للعربية، فلقد دخلت إلى المغرب مع الفتح

الإسلامى له فى القرنين الأول والثانى الهجريين/ السابع والثامن الميلاديين. ولكن حتى وصول بنى هلال وبنى سليم إلى المغرب (القرن السادس الهجرى/ الثانى عشر الميلادى)، بدأ أن العربية، لغة للثقافة غير الدينية لم تكن متداولة إلا فى المدن أما الريف فقد استمر فى تكلمه بالبربرية، ولم تنتشر العربية بين البربر إلا بعد أن وصلت القبائل العربية إلى سهول بلادهم. وباستثناء منطقة جبالة، فإن مناطق المغرب المرتفعة ظلت متمسكة باللغة البربرية بينما أخذت المدن والأراضى المنخفضة تتحدث بالعربية تدريجيا. ولقد دخلت اللغة العربية المغرب على مرحلتين على الأقل: الأولى فى القرن الثانى/ الثامن الميلادى وقت الفتح الإسلامى، ثم الثانية فى القرن السادس الهجرى/ الثانى عشر الميلادى مع مقدم بنى هلال وبنى سليم إلى المغرب. وحتى مجئ العرب المذكورين إلى المغرب بواسطة سلطان الموحدين يعقوب المنصور، بدا أن العربية لم تكن متداولة سوى فى مدن الشمال الكبيرة، حيث كان يوجد عدد كبير من العرب هناك. ولقد كانت العربية هى لغة الدين ومن المدن انتشرت العربية بين السكان فى الريف المجاور للمدن، وقد لاحظ الإدريسى ذلك بقوله أنه فى القرن السادس الهجرى/ الثانى الميلادى تحدثت قبائل بربر جنوبى فاس (بنو يوسف، فندلاوا، بهلول، زواوه، مقاصة، غيات وسلقوم) العربية. ويشرح النفوذ اللغوى الذى بذلته المدن على الريف المحيط بها سبب تعريب ريف جبال جبالة فى الوقت الذى ظلت فيه بقية مرتفعات المغرب تتحدث بالبربرية. وتمتد أرض منطقة جبالة، بالمعنى الواسع، على شكل هلال من طنجة إلى تازة. وهى محاطة بسياج من المدن، وهى مدن: نكور، باديس، ققيزاز، تطوان، سبته، القصر الصغير، طنجة، أرزيله، القصر الكبير، البصرة، أزجن، بنوتاؤده، واليل، فاس وتازا، التى هى موانى أو أسواق متاحة لقبائل المنطقة،

8 - الحياة الثقافية

إلى جانب أن السلسلة الجبلية نفسها تجتازها طرق شمال المغرب التجارية الهامة. . الطرق من فاس إلى طنجة، إلى سبته، إلى باريس، إلى نكور والى غساسة؛ وبذلك من الطبيعى أن تكون المنطقة عرضة لتأثيرات المدن المباشرة وغير المباشرة، وتكون مرتفعات جباله أو المناطق التى عُربت فى المغرب ولقد تميزت عليها التعريب بعدة عوامل أخرى، وهى: 1 - وجود العديد من القرى الكبيرة، المقاربة للمدن التى أصبحت مراكز ثانوية للثقافة القرآنية. 2 - إقامة بعض الأشراف الأدراسة بين القرن الرابع. العاشر الميلادى بين جباله، وإقامة ممالك لهم بين الجبال بعد أن طردهم موسى بن أبى العافية المكناسى من فاس، أصبحت مراكز للثقافة الإسلامية المدنية. 3 - لقد شكَّلت قبائل جبالة جانبًا مهما فى الجهاد ضد الأسبان، وعودة معظمهم يتحدثون بالعربية بعد اتصالهم بمدن الأندلس الإسلامية الكبيرة. 4 - وأخيرًا، فإن نزوح ثوار الأندلس إلى المغرب واستقرارهم فى هذه المنطقة بداية من "ثورة الربض" فى قرطبة (سنة 202 هـ/ 818 م) حتى القرن العاشر الهجرى/ السادس عشر الميلادى، فى المدن حول الجبال أو من قرى المناطق المرتفعة (تطوان، شغشوان) وقد جاءوا إلى تلك البقاع بلغتهم العربية ونفوذهم الثقافى والمادى الذى كان له تأثيره الكبير على المنطقة. هذا ولقد انتشرت فى بلاد المغرب ثلاث لهجات عربية لهجة المدن، ولهجة المرتفعات واللهجة البدوية، وممكن إضافة لهجة رابعة لها وهى اللهجة اليهودية. وتختلف كل لهجة من هذه اللهجات عن الأخرى بسبب تأثر عربيتها باللهجة المحلية التى كانت تتحدث بها المنطقة قبل التعريب. 8 - الحياة الثقافية احتلت المغرب منذ نهاية العصور الوسطى، مكانًا خاصا فى المجال الثقافى فقد كانت لوقت طويل مميزة عن جاراتها ومنذ استقلالها السياسى فإنها بدأت تُظهر استقلالها أيضًا فى

المجال الثقافى. ولقد كان لنشاط مراكز التعليم الباهر بين عرب الأندلس حتى نهاية القرن السابع الهجرى/ الثالث عشر الميلادى تأثيره، دون شك فى المغرب، ولكن بعد إرتداد شبه الجزيرة الأيبيرة للمسيحية، وهجرة اللاجئين الأسبان إلى المغرب أصبحت بلاد المغرب هى المراكز الإسلامية الوحيدة للدراسات الإسلامية فى الغرب الإسلامى. وعلى أى حال، فبرغم عدد العلماء الكبير نسبيًا الذى خلَّفته هذه البلاد فى سائر العلوم إلا أنها لم تحرز فى نظر باقى العالم الإسلامى الشهيرة والمكانة الثقافية، التى تمتعت بها أسبانيا حين كانت قطرًا إسلاميًا. غير أن المغرب حفل دائمًا بعدد كبير من الأدباء المرتبطين بالتراث العربى القديم ويجب أن نلاحظ أن هذه الثقافة التقليدية التى استمرت على الأقل حتى نهاية القرن التاسع عشر، لم تترك أقل مجال للعلوم الحديثة بها، وقد ظل الشكل المميز لهذه الثقافة، التى بُنيت أساسًا على الدين، دون تغيير. وفى هذا القطر، الذى تنظم التقاليد فيه بصرامة الحياة العامة والخاصة، لا يجعلنا نندهش بأن يظل المفهوم الثقافى على الدوام دون تغيير ويلاحظ حاليًا، أنه حتى الوقت الحالى، يظل الفقيه المغربى سواء كان مدرسًا أو موظفًا فى مكونة الأشراف يحتفظ بنفس المعلومات والمعرفة التى كان عليها فقهاء بنى مرين أو الأشراف السعديين. ولقد تلَّقى التقاليد نفسها وأخذها أيضًا بنفس الطريقة القديمة. فقط حفظ القرآن عن ظهر قلب فى الكتاب، وغالبًا ما أتمه، ودرس بعض النحو. ثم صار بعد ذلك طالبًا، وطلب العلم، الذى ينشده، لا تحكمه قواعد أو يحده برنامج سوى القواعد القديمة -فهو يدرس أولًا "الأُمهات" فى الدين والنحو. ثم بعد ذلك قد يتقدم فى دراسته ويدرس (الشرع) و (الحاشيه) على (المتن). ويكون كل اتجاه دراسته منصبًا على الحصول على معرفة جيدة فى الدين والشريعة. وتكون المحصلة النهائية فى كل حالات تعليم رجال المغرب أن يصبح معظمهم قضاة ومشرعين

مراكز التعليم

يختلفون عن رجال العلوم والفنون. وهذا يجعلنا نفهم أيضًا سبب تفوق المغاربة والدور المهم الذى لعبوه فى الفكر العربى فى الموضوعات التى تتصل بالقرآن والسنة والشريعة و"الأصول". مراكز التعليم: تغيرت مراكز التعليم فى المغرب بتغيير الحقب والظروف التاريخية. ولقد كانت أولى هذه المراكز النقاط القريبة من أسبانيا، وهى سبته وطنجة ولقد سهل تأسيس مدينة فاس وبناء مسجد "القرويين" الكبير بها أن تُصبح مركزًا للثقافة بالداخل. وبعد ذلك بقليل، صارت مراكش، عاصمة المرابطين والموحدين، كما أراد حكامها، مركز جذب للعلماء المغاربة وكذلك لبعض علماء الأندلس. ولكن منذ عهد حكم بنى مرين البربر صارت فارس من القرن الثامن الهجرى الرابع عشر الميلادى مركز المعرفة فى المغرب. ولم يقتصر المرينيون على اتخاذها حاضرة سياسية بل اتخذوها قاعدة لسلسلة من المدارس حول جامع القرويين وجامع فاس الجديد، مما جعلهم يجذبون إليها الدارسين من كل أنحاء البلاد فأعطوها الشهرة العلمية التى اكتسبتها حتى اليوم. وفى عهد بنى مرين ازداد عدد المدارس خارج فاس: فى مكناس، وسالى، ومراكش، مما يُظهر أن التعليم المنتظم كان قائمًا فى هذه المدن. إضافة إلى الدور الذى لعبته المدارس فى الحياة الثقافية فى المغرب، هنالك أيضًا نشاط الزوايا، الذى ارتبط مباشرة بازدياد عدد المرابطين والأشراف من البلاد فى الفترة التى كان الأسبان والبرتغاليون يحاولون إقامة قواعد لهم فى المغرب من القرن العاشر الهجرى/ السادس عشر الميلادى. ولقد صارت الزوايا، وهى مراكز دينية وقواعد للجهاد مراكز للتعليم. وفى الوقت الذى كانت فيه فاس تحافظ بصعوبة على طابعها كمركز رئيسى للتعليم فى البلاد، ازداد عدد الزوايا، التى قام التدريس بها، زيادة ملحوظة، وخاصة على سبيل المثال: زاوية الدِلاع فى وسط الأطلس، وزاوية تامجَرت فى أرض درعة،

مؤرخو المغرب الأقدمين

وزاوية وزان فى الشمال. ولقد كان أشهر المعلمين هم الأشراف شيوخ الطرق. ومن علماء الفترة الأولى فى المغرب تأتى أسماء: دراس بن إسماعيل؛ والمصلح الشهير ابن تومرت، مؤسس حركة الموحدين وصاحب كتاب "العقائد"؛ والقاضى عياض (476 - 544 هـ/ 1083 - 1149 م)، وصاحب المؤلفات الكثيرة وأشهرها كتاب "الشفاء" و"مشارق الأنوار"، وكتاب "المدارك" الذى يحتوى على مجموعة من سير علماء المالكية. وخلال الفترة الحديثة، على الجانب الآخر، أصبح عدد علماء المغرب كبيرًا للغاية وأشهرهم: فى القراءات: ابن بارى (القرن الثامن الهجرى/ الرابع عشر الميلادى)؛ ابن فخر (القرن التاسع الهجرى/ الخامس عشر الميلادى)، عالم مكناس ابن غازى (ت 919 هـ/ 1513 م)؛ عبد الرحمن بن القاضى (ت 1671/ 1082 م)؛ عبد الرحمن بن عبد السلام الفاسى (ت 1809/ 1214 م)؛ فى الحديث: يحيى السراج (ت 808/ 1405 م)؛ سُقين العصيمى (ت 956/ 1549 م)؛ رضوان الجنوى (ت 991/ 1591 م) محمد بن قاسم القصار (ت 1603/ 1012 م)؛ إدريس الصغير؛ الجزولى وأحمد الزروق؛ وابن عشير (ت 1630/ 1040 م). مؤرخو المغرب الأقدمين: من بين مؤرخى الموحدين نجد مؤرخًا كان رفيقًا للمهدى ابن تومرت، وهو "البندق الصنهاجى"، كذلك نجد "ابن القطان" و"عبد الواحد المراكشى". وفى عمر بنى مرين يكثر ذكر المؤرخين فإضافة إلى عبد الرحمن بن خلدون، نذكر ابن عذارى، عالم مراكش صاحب كتاب "المغرب فى ذكر أخبار أفريقية والمغرب"، وابن أبى زرع، صاحب تاريخ فاس والأسر المغربية الحاكمة "روض القرطاس" وابن مرزوق، صاحب كتاب "المسند"؛ وابن الأحمر، مؤرخ بنى الأحمر ملوك غرناطة وصاحب كتاب "روضة النسرين" وتحت حكم السعديين كان أهم المؤرخين الفشتالى والإفرانى،

أدب التراجم

مؤلف كتاب "نزهة الحاوى" وأخيرًا تحت حكم العلويين: المؤرخ الزّيانى وأكانسوس Akansus. الجغرافيا: أهم كتب الجغرافيا المغربية هى كتب الرحلات، وخاصة وصف رحلة الحج ويأتى كل من الإدريسى وابن بطوطة كأهم رحالة من أصل مغربى. أدب التراجم: هنالك مجموعات غزيرة عن مناقب الأشراف، وعن رجال الطرق الصوفية خاصة فى الفترة الحالية. كذلك هنالك مجموعات عن المدن، لها أهميتها من وجهة النظر التاريخية ويُعتبر كتاب ابن عساكر "دوحة الناشر"، وكتاب "درة الحجال" لابن القاضى و"صفوة من انتشر" للمؤرخ الإفرانى، و"نشر المثانى" و"التقاط الدرر" للقادرى أهم كتب التراجم والطبقات المغربية. أما عن الطب والعلوم الطبيعية؛ فإن المغرب بعد القرن الثامن الهجرى/ الرابع عشر الميلادى اعتمدت تمامًا فى الطب على الأندلس. ولقد كان أطباء أمراء المرابطين والموحدين من أسبانيا، مثل ابن ياجة، ابن الطفيل وابن رشد الشهير وابن زُهر، وفى الفترة الحديثة، نجد فى بلاط السلاطين أطباء مغاربة الأصل. قد تركوا العمل بالطب. وكان أهمهم فى فترة الأشراف السعديين: أبو محمد القاسم الوزير الغسانى، وفى فترة حكم العلويين: ابن شقرون، عبد الوهاب أدراق، أحمد الدارعى، عبد اللَّه ابن غروز المراكشى، أحمد بن الحج وعبد السلام العلامى. وأخيرًا، فإن هنالك اثنين شهيرين من المغاربة درسا علومًا دقيقة فى القرن السابع الهجرى/ الثالث عشر الميلادى، وهما: أبو على الحسن بن عمر المراكشى، عالم الفلك، وأحمد بن البناء، عالم الرياضيات والفلك والكيمياء. وعند نهاية القرن التاسع عشر، تميز حكم مولاى الحسن بنوع من النهضة فى الدراسات الإسلامية فى المغرب. وقد حدثت حركة طباعة وتحقيق ناشطة لكثير من المخطوطات. وأخيرًا نُشرت فى فاس ثلاثة مجلدات لكتاب "سلوة الأنفاس" لأحمد بن جعفر القطانى، وهو معجم لمشاهير عاصمة الشمال فى نفس الوقت نُشر فى

المصادر

القاهرة "تاريخ المغرب الكبير" لمؤلفه أحمد بن خالد الناصرى السلاوى، تحت عنوان: "كتاب الاستقصا لأخبار دول الغرب الأقصى". المصادر: (1) ابن خلدون: العبر وديوان المبتدأ والخبر. (2) ابن فضل اللَّه العمرى: مسالك الأبصار فى ممالك الأمصار. (3) أبو الفدا: تقويم البلدان. (4) ابن الأثير: الكامل فى التاريخ. (5) ابن عذارى: البيان الغرب فى أخبار الغرب. (6) الإفرانى: نزهة الحادى. (7) A. Bernard: Le Maroc (8) J. Becker: Historia de marruecos (9) Budgett Meakin: The Moorish Empire (10) Fournel: Les Berberes (11) Levi Provengal: Les Historians des Charfa د. عطية القوصى [ليفى بروفنسال Levi Provencal] المغناطيس المغناطيس (بفتح الميم والنون أو كسر النون) المعدن المعروف بهذا الاسم فى كتب التراث العربى ويطلق على البوصلة أيضا. المغناطيسية: حجر المغناطيس هو خام الحديد المغناطيسى (Fe 3 O 4) وهو معدن واسع الانتشار فى الطبيعة ومعروف منذ القدم ومكون أولى فى الصخور النارية. وقد اهتم به علماء المسلمين وبينوا كثيرا من خواصه وأهمها جذبه لقطعة من الحديد إذا قربت منه. وخصص البيرونى فى كتابه "الجماهر فى معرفة الجواهر" فصلا للمغناطيس، وأشار إلى الصفة المشتركة بين المغناطيس والعنبر (الكهربا) وهى جذبهما للأشياء، وبيّن أن المغناطيس يتفوق على العنبر فى هذه الصفة. وأشار البيرونى إلى أن أكثر خامات المغناطيس موجوده فى بلاد الأناضول وكانت تصنع منها المسامير التى

تستخدم فى صناعة السفن فى تلك البلاد، أما الصينيون فكانوا يصنعون سفنهم بضم وربط ألواح الأخشاب إلى بعضها بحبال من ألياف النباتات، ذلك أن هناك جبال من حجر المغناطيس مغمورة فى مياه بحر الصين كانت تنتزع مسامير الحديد من أجسام السفن فتتفكك وتغرق فى الماء. وأشار البيرونى إلى رواسب المغناطيس فى شرقى أفغانستان وبين أن الأجزاء السطحية من تلك الرواسب ضعيفة المغناطيسية بالمقارنة مع الأجزاء الداخلية منها -والسبب هو تعرض الأجزاء السطحية من تلك الرواسب للشمس. وشبه العلماء المسلمون الحديد وحجر المغناطيس بالعاشق والمعشوق، فالحديد ينجذب إلى المغناطيس كانجذاب العاشق إلى المعشوق -وقال القزوينى فى كتابه "عجائب المخلوقات" أن هناك قوة إلهية فى حجر المغناطيس تمكنه من جذب الحديد إليه. كما أن هناك رغبة وشوق بين الحديد والمغناطيس، فما أن يشم الحديد رائحة حجر المغناطيس حتى ينجذب إليه بقوة ويلتصق به كالتصاق العاشق بالمعشوق. وعبر عن هذا المعنى "شعرا" ابن حزم فى كتابه "طوق الحمامة". وقابل العرب بين خاصية ارتباط الحديد بالمغناطيس وخاصية ارتباط الروح بالبلغم -غير أن البلغم أكثر امتزاجا بالروح وأسرع من امتزاج الحديد بالمغناطيس. وكان جابر ابن حيان قد ذكر أن الأشياء الروحانية التى لا تدركها الحواس أقوى من المحسوسات المادية- ومن تلك الأشياء غير المحسوسة ما هو موجود فى حجر المغناطيس بحيث أنه يجذب قطعة الحديد إذا قربت منه، فالعرب إذن قد عرفوا أن للمغناطيس قوه فعالة ومؤثرة فى غيره من المواد. وبين العرب أن هذه القوة المؤثرة تضعف مع الزمن. وبين العرب أن حجر المغناطيس يجذب براده الحديد حتى لو كان هناك فاصل بينهما، وأنه يجذب إبرة الحديد

إليه، وهذه الإبرة تجذب بدورها إبرة أخرى إذا قربت منها وهكذا حتى لترى إبر الحديد مرتبطة مع بعضها بقوة غير محسوسة. وبجانب القوة الجاذبة للمغناطيس فإن له قوة طاردة أيضًا، فإذا وضع مغناطيس فوق ربوة يسكنها النمل، هجرها النمل على الفور. فإذا بلل المغناطيس بلعاب الصائم أو ذلك بقطعه من الثوم أو البصل فقد المغناطيس قوته الجاذبة -فإذا نظف المغناطيس من رائحة الثوم أو البصل وغمر فى دم ماعز وهو دافئ عادت إليه خاصيته كما يقول القزوينى فى "عجائب المخلوقات"، والدمشقى فى "نخبة الدهر" وغيرهما. وبين العرب أن السكين أو السيف يكتسبان صفه المغناطيس إذا حكا فى حجر المغناطيس. ويحتفظ كل من السيف والسكين بخواصه المغناطيسية لفترة طويلة قد تصل إلى قرن من الزمان. ودرس العرب الخواص المغناطيسية لحجر المغناطيس فى الفراغ مثل الرازى الذى كتب رسالة بعنوان "علة جذب حجر المغناطيس للحديد" وهى رسالة مفقودة، ذكرها بن أبى أصيبعة فى "عيون الأنباء فى طبقات الأطباء". وبين التيفاشى أن سبب انجذاب الحديد للمغناطيس هو اتحادهما فى الجوهر (أى لهما تركيب كيميائى واحد بلغة هذا العصر). واعتقد الطغرائى أن هناك روح فى حجر المغناطيس -وهى المسئولة عن صفته الجاذبة. واعتقد العرب فى وجود أحجار أخرى، غير حجر المغناطيس، لها قوة مغناطيسية جاذبة، مثل مغناطيس الذهب والذى يجذب الذهب إليه، فإذا عولج بالإحماء (بالنار) أصبحت له صفة حجر المغناطيس، ومنها مغناطيس الفضة الذى يجذب الفضة إليه من مسافة كبيرة، ومغناطيس النحاس الذى يستخدم كعلاج للصرع، ومغناطيس الرصاص، ومغناطيس اللحم وهو مغناطيس سئ السمعة فاسد الطبع

حتى أنه إذا وضع على جلد الإنسان التصق به فإذا انتزع اقتلع معه قطعا من ذلك الجلد. وهناك مغناطيس الشعر الذى يجذب الشعر إليه حتى إذا وضع فوق رأس إنسان انتزع شعرها وتركها صلعاء، ومغناطيس الأظافر الذى ينتزع أظافر اليدين إذا قرب منها. وذكر الدمشقى فى نخبة الدهر أن الذهب هو مغناطيس الزئبق (الزيبق)، فإذا اقتربا من بعضهما البعض جذب الذهب الزئبق إليه وامتزج فيه. فإذا خلطت برادة الذهب والحديد والرصاص والنحاس والقصدير وأضيف إليها الزئبق، بحث الزئبق عن الذهب وامتزج به وترك غيره من الأحجار (المعادن) وذلك بسبب وجود الصداقة المغناطيسية بين الذهب والزئبق. ولم يكن غريبا أن ينسج الإنسان فى العصور القديمة بعض الأساطير حول حجر المغناطيس، وكان أطرفها أسطورة التمثال الحديدى المعلق فى الفراغ فى داخل قبة مصنوعة من حجر المغناطيس فى دير الصنم بالهند -سبب تعلق هذا التمثال فى الفضاء هو انجذابه بقوة متساوية من جميع الجوانب لقبة المغناطيس وقد عرف سر ذلك حينما زار السلطان محمود بن سبكتين ذلك المعبد واقتلع أحد مرافقى السلطان حجرا من القبة المغناطيسية فاختل توازن التمثال المعلق وهوى إلى أرض القبة. وجاء فى كتب التراث وصف للجزائر المغناطيسية فى البحر الأحمر والمحيط الهندى والتى كان يخشاها البحارة لأنها كانت تنتزع المسامير المثبتة لألواح السفن وتغرق السفن من جراء ذلك. واشتهرت تلك الجزر فى حكايات السندباد البحرى. . ولم يعرف القدماء العلاقة بين الكهرباء والقوة المغناطيسية. وكان العرب على علم بما قاله جالينوس عن القوة التأثيرية للسمك الكهربائى (بسبب الشعاع الكهربائى المنطلق منه) وحجر المغناطيس. وقد تساءل ابن

بطلان بسبب انجذاب الحديد للمغناطيس. وهل يتم ذلك بسبب اشتياق كل منهما للآخر أم أن هناك قوة خفية فى داخل حجر المغناطيس والتى تجذب الحديد إليها. واستخدم المغناطيس فى الطب القديم لإزالة البلغم ومنع التشنج، وأشار الأطباء العرب إلى أنه إذا أمسك المريض حجر المغناطيس زالت التقلصات العضلية من أطرافه، وكانوا يستخدمون حجر المغناطيس فى تخليص الجسم من قطع الحديد التى تدخل فيه بطريق الخطأ وذلك بإمرار المغناطيس فوق جسم المصاب. وإذا نثر مسحوق حجر المغناطيس فوق الجرح المفتوح انغلق ذلك الجرح والتأم حسب قولهم. وذكروا أن حجر المغناطيس يسكن أوجاع المفاصل والنقرس إذا وضع -بعد دعكه بالخل- فوق مواضع الألم. فإذا استخدم مسحوق حجر المغناطيس كمكياج للعين قوى روابط الود بين المحبين. كما أنه ييسر عملية الوضع وتكون الولادة بدون ألم. وحجر المغناطيس يجلب الحظ السعيد لحامله بصفه عامة. 2 - البوصلة: عرف عرب المشرق الإسلامى البوصلة من الصينين من خلال تعاملهم التجارى معهم. ووصل هذا الاختراع إلى الشام ومنه إلى موانى البحر الأبيض المتوسط الأوروبية. كما وصلت البوصلة إلى شمال أوروبا عن طريق التجار العرب الذين كانوا ينقلون تجارتهم إلى أوروبا عبر الأنهار فى شمال الدولة الإسلامية فى القرن الثامن الميلادى أو القرن التاسع الميلادى. واستخدم المسلمون الإبرة المغناطيسية فى تحديد القبلة وفى البحر. واتخذت هذه الإبرة أشكالا متعددة أشهرها السمكة المغناطيسية والتى توضع فوق قطعة خشب فوق سطح الماء فى إناء خاص دائرى الشكل ومن هذه الإبر المغناطيسية ما

المغيرة بن شعبة

كان يعلق أو يثبت على محور مدبب فى علبة خشبية لها غطاء زجاجى تسمى حُق (علبة) القبلة أو بيت الإبرة -وقد أطلق الأتراك اسم البوصلة على هذه العلبة فيما بعد. وقد صنع العرب بوصلات تشبه البوصلات الحالية وبينوا على دائرتها الجهات الأصلية وقسموها إلى درجات. وقد انتقلت هذه البوصلات العربية إلى أوروبا بعد ذلك. د. مصطفى محمود سليمان [ديترتش، فيدمان E.Wiedemann, A.Dietrich] المغيرة بن شعبة هو المغيرة بن شعبة أبو عبد اللَّه الثقفى، أحد صحابة الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] الذين قاموا بالعديد من المهام فى عهد الخلفاء الراشدين وأوائل الخلافة الأموية. كان "حليفا" لثقيف ومن بنى مُعتب القوامين بالحفاظ على "اللات" فى الطائف، وهو ابن أخت الصحابى الشهير "عروة بن مسعود" وقد اضطر لترك "الطائف" مسقط رأسه بعد ذلك. كان أحد دهاة العرب الأربعة (معاوية وعمرو وزياد والمغيرة) واستعمله الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فى هدم معبود الطائف وهيكله وقد استطاع "المغيرة" فى خلافة "أبى بكر" أن يصل إلى مكانة كبيرة وولاه "عمر" البصرة وفى سنة 21 هـ/ 642 م، عاد مرة أخرى إلى الحياة العامة حين ولاه عمر, "الكوفة" فلم يزل عليها حتى قتل عمر على يد أبى لؤلؤة المجوسى واعتزل الحياة العامة فى خلافة "عثمان". وانسحب فى عهد "على" إلى "الطائف" ليرقب مجرى الأحداث وفى سنة 40 هـ/ 660 م تولى الإشراف على أعمال الحج. بناء على رسالة تكليف من "معاوية" والتى اتهم بتزويرها. لقى التقدير من الخليفة الأموى وكان يعتبر "داهية" زمانه و"الذى يجد لنفسه مخرجا من أحرج المآزق"، فقيل إنه كان قادرًا إذا أغلقت عليه سبعة أبواب -أن يفلها جميعًا بدهائه وقد ولاه معاوية سنة 44 هـ/ 661 م أمر "الكوفة"، الإقليم

الذى يمور بـ "الشيعة" وثورات "الخوارج" المستمرة. ونجح "المغيرة" فى عدم التورط فى الصدام مع "الشيعة" واكتفى بنصحهم بتجنب الانفلات العاطفى. وحرص هذا "الثقفى" المحنك، والذى قارب على الستين، على الاستمرار فى موقعه لينهى فى سلام وشرف حياته الوظيفية المضطربة وقد حرص على استرضاء "معاوية" بحصافته. ولم تنل فتنة المستورد قائد "الخوارج" من رباطة جاشه أو تزعزع من اتزانه، فاستطاع بحذق شديد أن يحرك الشيعة ضد الثوار وتفادى أخطار معظم العناصر التى تهدد النظام فى مقاطعته، بوضعهم فى مواجهة بعضهم البعض، حتى تنفس الصعداء بعد سحق الخوارج. ونجح "المغيرة" بفضل اعتداله ودهائه ومعرفته حتى يغمض عينيه، فى أن يتجنب اتخاذ الإجراءات العنيفة ضد شعب العراق، الذى كان مصدر الاضطرابات المستمرة، ونجح فى الاحتفاظ بمنصبه، حتى إن رعاياه ترحموا على أيامه بعد رحيله. وفكر "معاوية" فى الإطاحة به، لعدم رضائه عن ممارسته لهذه اللعبة المزدوجة، بيد أن "المغيرة" كان دائمًا قادرا، فى اللحظة المناسبة، على أن يثير الاضطرابات، التى تستدعى استمراره فى الخدمة. ومهد بهذه الطريقة عودة "زياد بن أبية"، الذى خلعه، ويقال أيضًا أنه انتزع كل شكوك معاوية، إذ أشار عليه باستخلاف "يزيد" ليكون الخليفة من بعده ومع تحسن الأوضاع العامة فى العراق بشكل كبير واستقرار النظام، ظاهريا على الأقل، تركه الخليفة فى منصبه حتى وفاته والتى لا يتحدد لها تاريخ مؤكد، والمرجح أنها وقعت بين سنتى 48، 51 هجرية (668 - 71 م)، حيث توفى "المغيرة" متأثرا بالطاعون عن عمر يناهز 70 سنة. مصطفى محمود [هـ. لامنس H.Lammens]

المغيرية

المغيرية جماعة من الشيعة المتطرفين، ينسبون إلى مؤسس فرقتهم "المغيرة بن سعيد البجلى" وهو أحد موالى "خالد القسرى" الذى حكم العراق من سنة 105 هـ/ 724 م إلى سنة 120 هـ/ 738 م. وتصف المصادر "المغيرة" بأنه عجوز أعمى يمارس السحر والشعوذة فى الوقت الذى قامت فيه ثورته فى الكوفة فى سنة 119 هـ/ 737 م. وكان أحد أتباع "محمد الباقر"، الذى توفى فى سنة 117 هـ/ 735 م، وأخذ يقوى الاعتقاد بأن محمد بن عبد اللَّه" (النفس الزكية) سوف يعود فى صورة "المهدى". وكان من المعروف فى ذلك الوقت أن والد "محمد"، وهو "عبد اللَّه بن الحسن بن الحسن" يغذى سرا التكهنات القائلة بأن ابنه سيكون المهدى المنتظر، فاسمه واسم أبيه يتفقان مع اسم الرسول" جده الأعلى. وإلى حين ظهوره "كمهدى"، أعلن "المغيرة" أن إمامة العلويين قد ولت، وأنه أى "المغيرة" هو "الإمام". كما أنه ارتفع فى منهجه المتطرف بمقام الإمامة العلوية إلى مرتبة الألوهية، وادعى النبوة، وأعلن أن "محمد بن عبد اللَّه" أسر له بالروح القدس، والتى بوسعه عن طريقها أن يعيد الموتى إلى الحياة، ويسفى الأعمى والمجذوم. وبسبب هذه الآراء تم إعدامه وصلبه. ويضفى المذهب الروحى للمغيرة (والذى ادعى أنه يقوم على معرفته بالاسم الأعظم للَّه، والذى اعتمد فيه على التفسير الباطنى للقرآن)، الصفات البشرية على اللَّه، ويقول بأن له أعضاء بعدد خلق أولا "ظلال" الإنسان مبتدأ بظل "محمد" و"على". وعرض على السماوات والأرض والجبال أن تمنع "عليا" (من أن يسبق محمدا)، إلا أنها أبت وعرض ذلك على الإنسان، فقبل "أبو بكر" و"عمر". المصادر: (1) الجاحظ: الحيوان، القاهرة، 1965 م.

1 - جمع ورواية

(2) ابن قتيبية: عيون الأخبار، القاهرة، 1925 - 1930 م. (3) النوبختى: فرقة الشيعة، تحقيق رتر Ritter استانبول، 1931 م. (4) سعد عبد اللَّه القمى: المقامات والفرق، طهران , 1963 م. مصطفى محمود [د. مدلونج W. Madelung] المفضليات عنوان مجموعة من الأشعار العربية الباكرة، الجاهلية أساسا، جمعها الفقيه اللغوى الكوفى. المفضل بن محمد بن يعلى الضبى (ت سنة 164 هـ/ 680 م أو سنة 170 هـ/ 676 م) وعنوانها الأصلى هو "كتاب الاختيارات" (أو المختارات)، ولكن ابن النديم يشير إليها فى كتاب "الفهرست" باسم "المفضليَّات". وتحظى المفضليَّات بتقدير كبير من كتاب العصر الوسيط، للثقة التى تمتع بها الضبى فى الرواية، ومعرفته بالشعر وموسوعيته اللغوية. وتعزى أهميتها فى المقام الأول إلى أنها تعد مصدرا للشعر العربى القديم، إذ يرجع تاريخ بعض نصوصها إلى بداية القرن السادس. 1 - جمع ورواية: يبين ابن النديم (المرجع المشار إليه) أن المفضليَّات عددها 128 قصيدة، وقد تزيد وتنقص وتتقدم القصائد وتتأخر بحسب الرواية عنه. وأن المفضل قد جمعها للخليفة المهدى الذى استخدمه وقربه. وهناك خبر أقدم وأكثر تفصيلا للانطباع نفسه للقالى البغدادى (ت سنة 356 هـ/ 967 م) عن حجية أبى عكرمة الضبى (ت سنة 250 هـ/ 864 م)، الذى درس المفضليات مع ابن الأعرابى (ت سنة 231 هـ/ 846 م)، ابن زوجة المفضل وراويته. وقد ذكرت "المفضل" كثيرًا من مصادر التراجم والسير، ولكن قلة منها هى التى أشارت إلى المفضليات وأصلها. وهذه القلة منقسمة بالنسبة للروايتين. ويتبع ياقوت (ت سنة 626 هـ/ 1229 م) رواية الفهرست

(معجم الأدباء، جـ 3، ص 173). وهكذا يفعل ابن القفطى (ت سنة 646 هـ/ 1248 م)، الذى يذكر الرواية الثانية مع بعض التعديلات فى موقع مختلف (إنباء الرواة بإنباء النحاة، جـ 3، ص 202، 304) وتطابق قصة إبراهيم ابن عبد اللَّه، نص ابن القفطى حرفيا على وجه التقريب، كما يذكرها الصفدى (ت سنة 764 هـ/ 1363 م) (وانظر Flugel: Die grammatischen schulen der Araber، ليبسك سنة 1862، ص 143 - 4). وعلى ما يبدو، ليس ثمة من سبيل لنثبت على وجه التحقيق أى الخبرين هو الصحيح. ولكن، ربما قد توقع المرء أن ابن النديم الذى كان شيعيا مثل أبى الفرج الأصفهانى، لكى يعرف الرواية الثانية ويذكرها فى كتابه، فلابد أنها بدت مقنعة، وثمة نقطة أخرى فى صالح قصة القالى، هى الإشارة إلى المقلين. إنها معيار محتمل للاختيار، إذا كان الضبى هو المصنف، ولكنها تناسب إبراهيم بن عبد اللَّه بصعوبة، وهو الذى اختار الأشعار لمتعته الخاصة، كما تقول القصة. فما هو سبب تفضيله لصغار الشعراء؟ يقترح أحمد شاكر، وعبد السلام هارون، مزج الروايتين معا، فى مقدمتهما لطبعة القاهرة (ص 13، وانظر قائمة المصادر). وفى رأيهما، أن المفضل قد نفذ طلب الخليفة. مقدما مجموعة إبراهيم بن عبد اللَّه مع بعض الإضافات من عنده هى، وبعدئذ اضاف إليها الأصمعى وتلاميذه. وتتفق أغلبية المصادر على النقطة الخاصة بأنه كانت هناك مجموعة مختارات أولى تشمل 70 أو 80 قصيدة، ثم استكمل عددها فيما بعد. ويبقى سؤال، هو من الذى عمل الإضافات، هل هو المفضل نفسه؟ أم هو الأصمعى؟ وقد ناقش هذه النقطة C.J. Lyall فى مقدمة طبعته (جـ 2، ص 15 - 16، انظر قائمة المصادر)، وهو يؤيد المفضل، ولكن السؤال ليس له جواب محدد يمكن التسليم به. ومن ناحية أخرى، يقبل محققا طبعة القاهرة [ص 14 - 19]، إسهام الأصمعى،

2 - نصوص منقحة وشروح

ويؤيدان علاوة على ذلك، أن مختاراته الخاصة المسماة "الأصمعيات"، قد اخللطت بالمفضليَّات فى مرحلة باكرة للرواية، وكما هو مذكور بحق فى مخطوطة موحدة لكل من المجموعتين (فى المرجع المشار إليه. . .، ص 18؛ وانظر أيضًا Layall، جـ 1، ص 17). وتدعم هذه النقطة بحقيقة أن السياق الترتيبى للقصائد التى رويت فى المجموعتين كان مختلفا بعض الاختلاف. بمعنى أن (المفضليات أرقام 100 - 118 = الأصمعيات أرقام 71 - 89). ولكن، ربما تكون المجموعتان مرتبطين إحداهما بالأخرى بجلاء، ويجب أن يدرسا معا. ولأن الأصمعى كان يحظى بتقدير كبير كعالم، فليس ثمة ظل من الشك فى أصالة الجزء الأساسى لهما، حتى ولو كان الأصمعى هو الذى قد اختار بعض النصوص. 2 - نصوص منقحة وشروح: يجب أن يفترض أن المفضّل قد أملى المفضليات على تلاميذه، وأنه قد وجدت روايات مختلفة من بداية الأمر. وهناك خمسة نصوص منقحة عليها شروح (انظر, Sezgin Gas, جـ 2، ص 54)؛ ثلاثة منها محفوظة. وأول شارح لها حسب التسلسل الزمنى هو محمد بن القاسم الأنبارى (ت سنة 328 هـ/ 940 م)، الذى يعزى الفضل فى تنقيح نصه إلى أبى عكرمة وابن الأعرابى، أى الخط المعول عليه فى الرواية إلى أقصى حد وفق رواية كتاب الفهرست (فى المواضع المشار إليها آنفا). ويستشهد الأنبارى فى شرحه الوافى بعلماء الكوفة أساسًا ولكنه يشير إلى الأصمعى وغيره من البصريين أيضًا. وثمة شروح للمفضل الضبى نفسه، مع أنه لم يكن بالعالم بالنحو، ولا كان يشدو منه شيئًا (أبو الطيب؛ مراتب النحويين، تحقيق: أبو الفضل إبراهيم، القاهرة سنة 1974 م الطبعة الثانية، ص 116)، ويبين الحكم القائم على استشهادات من مصادر العصر الوسيط أن نص ابن الأنبارى، كان هو النص المنقح لهذا العصر. وقد حققه

3 - تحليل المضمون

وترجمه Laya، الذى لا تزال مقدمته وتعليقاته على ترجمته دليلا هاما للشعر، وبخاصة فيما يتعلق بالأخبار التاريخية (انظر أيضًا, W. Caskel: Ein Missverstaendnis in den mufaddaliyyat، فى Oriens، العدد 7، [سنة 1954 م]، ص 290 - 303). والنص الثانى المنقح هو لأحمد بن محمد المرزوقى (ت سنة 421 هـ/ 1030 م) ومع أنه غير مطبوع، بيد أنه يدرس ويوضع فى الاعتبار فى طبعات أخرى. وهو يشمل 109 قصيدة سياقها الترتيبى متباين إلى حد كبير عن النص المنقح للأنبارى (انظر جداول Lyall المقارنة، جـ 1، ص 22 - 25). ويعتمد المرزوقى فى شعره على الأنبارى، وهكذا يفعل الشارح الثالث، أبو يحيا التبريزى (ت سنة 502 هـ/ 1109 م)، الذى يستخدم مادة من سلفيه على السواء. ولكنه أكثر إحكاما فى شرحه، ولا يخرج عن بيت القصيد، ويترك كثيرا من الشواهد التى استشهد بها نص الأنبارى، وله طبعتان إحداهما ناقصة (انظر قائمة المصادر). 3 - تحليل المضمون فى طبعة Lyall، تتكون مجموعة المفضليَّات من 126 قصيدة، 67 منها لشعراء، وواحدة لشاعرة مجهولة؛ وأضيفت أربعة نصوص فى ذيل. وتنتمى الأغلبية (48 قصيدة) إلى الفترة الجاهلية (= 94 قصيدة). و 14 شاعرا (= 24 قصيدة) لمخضرمين، أعنى الشعراء الذين أدركوا عصر الإسلام، و 6 شعراء (= 8 قصائد) عاشوا فى القرن الإسلامى الأول. وبالتالى، فإنها على خلاف المعلقات، وهى مجموعة من الأشعار الغنائية تمتد نصوصها عبر فترة 200 سنة تقريبًا. أضف إلى ذلك، أنها غير مقتصرة على جنس أدبى واحد، بل تقدم مسحا شاملا بحق للأجناس الأدبية والأفكار العربية القديمة. وليس ثمة دليل على أن الأشعار كانت مقتطفة من قصائد أخرى، كما أصبح الشكل الأدبى بعد خمسين سنة، بدءا بالمجموعة المشهورة باسم حماسة أبى تمام (ت سنة 231 هـ/ 845 م). ومن جملة ما نعرفه، فإن أسلم سبيل هو أن نفترض أن

أقصر النصوص (2 - 4 أسطر) كانت منسوجة بالصورة التى قد حفظت بها، وأن تلك الفجوات كانت ترجع إلى الرواية الخاطئة قبل عصر المفضّل. وتحتوى المجموعة على نصوص جاهلية قليلة لشعراء نصرانيين، جابر بن حنيّة (رقم 24) وعبد المسيح (أرقام 72، 73، 83)، دون أية خصائص مميزة، وقصيدة غزلية أموية لشاعر يهودى مجهول (رقم 37)، تعزو الابتلاء بالحب إلى قضاء اللَّه وقدره. ومع أن كثيرا من النصوص ناقصة، ويصعب تصنيفها، بيد أنه يمكن تقسيم المادة تقريبًا إلى ثلاث فئات: (أ) 61 قصيدة غنائية متعددة الموضوع؛ (ب) 7 مرثيات؛ (جـ) 58 قصيدة ذات موضوع واحد. وهناك أجزاء ثابتة قليلة، أعنى أبيات شعر، لابد أنها قد شكلت جزءا من وحدة أكبر. وهى تدخل فى نطاق الفئة الأخيرة. (أ) من ناحية البناء، يمكن أن يميز نمطين أساسيين للقصيدة الغنائية متعددة الموضوع الشكل الثلاثى (22) مع قسم خاص بالناقة يعقب المقدمة الغزلية "نسيب"، وشكل ثنائى (39)، حيث يلى المقدمة الغزلية بدون انتقال لموضوع أو موضوعات، أكثر من اهتمام الشاعر حين نظمه للقصيدة. وهناك عشر قصائد غنائية فحسب تنتهى بالمديح، تسعة منها ثلاثية الشكل، مما يدل على أن القصيدة الغنائية ثلاثية الشكل، كانت مستحسنة لأغراض المديح فى مرحلة مبكرة. وفى أغلبية القصائد الغنائية يخصص الجزء الأخير منها للعداوات القبلية، والثناء على الذات والهجاء. إلى جانب عدد صغير نسبيا، 4 قصائد غنائية ثلاثية الشكل، و 13 قصيدة غنائية ثنائية الشكل، تتناول الشيخوخة والموت ممزوجين غالبا بذكريات مسرات الشباب ومغامراته. وكقاعدة، يتبع تناول الموضوعات والأفكار أنماطا تقليدية، ولكن هناك بعض التنويعات غير المعتادة أيضًا، وعلى سبيل المثال، ثمة شاعر واحد يشكو إلى محبوبته من الكبر، ومن اشتعال رأسه شيبا (رقم 105، الأبيات 1 - 11) التى يصورها عادة على أنها شابة يافعة، ويصف آخر

رحلة المحبوبة الراحلة بدلا من أن يصف رحلته هو (رقم 42، الأبيات 5 - 10). وتستحق القصائد الغنائية للشعراء "الصعاليك" تأبط شرا (رقم؛ 1) والشنفرى (رقم؛ 20) اهتماما خاصا، لأنها لا تتوافق مع الشعر القبلى فى جوانب كثيرة (انظر S. Pinckney Stetkevych فى Journal of the American Oriental Society, العدد 104 [سنة 1984]، ص 661 - 78، وفى Ijmes، العدد 28 [سنة 1986]، ص 361 - 90). (ب) الفئة الثانية "المرثية"، وتمثلها سبعة نصوص فحسب، تظهر متغايرة الخواص بالنسبة للإنشاء والأسلوب. وتوجد مرثية واحدة (رقم؛ 69) تختلف عن باقى المرثيات بأسلوبها البلاغى الذى يعتمد على تكرار اللفظة الواحدة فى أوائل البيتين المتعاقبين. ومرثية قصيرة فى روح مولع بالحرب (رقم؛ 109). (جـ) القصيدة ذات الموضوع الواحد "قطعة" التى تمثل تنوعا عظيما للمضمون حيث تعالج المشكلات الفردية هنا بحرية أكثر مما تعالج فى إطار القصيدة الغنائية الاحتفالية. ومعظم القصائد (43 قصيدة) مرتبطة بالحرب القبلية، ومدح للذات، وتهديد وهجاء للأعداء. وتشمل النصوص الباقية (15 نصا) موضوعات مختلفة، ومثال ذلك، مدح ناقة الشاعر (أرقام؛ 2، 3) وعنزته (رقم؛ 33)، ومنظر الصيد (رقم؛ 73)، والمشاكل المحلية (أرقام؛ 4، 110)، وتوبيخ شارب الخمر (رقم؛ 72)، وأبيات غزلية (أرقام؛ 37، 59) وستة نصوص مترابطة موضوعيا حيث تتناول كلها مسألة الشيخوخة والموت. ويعالج هذا الموضوع ممتزجا باسترجاع ذكريات عصر الشباب (رقم؛ 101)، أو بوصية الشاعر الأخيرة لابنه (أو أبنائه) (أرقام؛ 27، 116). وفى بعض الأحيان، يتصور الشاعر جنازته الخاصة فى حياته (رقم؛ 80؛ وانظر أيضًا رقم؛ 27، الأبيات 23 - 30)، وهناك أبيات خاصة بالإذعان الذى يبعث على الفخر ينطق بها شعراء وهم يواجهون الموت مباشرة أرقام؛ 30، 65). وفى هذا

السياق فقرة من قصيدة غنائية لمتمم ابن نويرة (رقم؛ 9، الأبيات 31 - 36) يجب أن توضع فى الاعتبار حيث يتصور هذا الشاعر اقتراب الضب المشؤوم منه، وهو جريح راقد فى ساحة الوغى. وفى جملة هذه الأبيات توضيح لافت للنظر لموقف الشاعر القبلى حيال القضاء والقدر. وبالإضافة إلى أن المفضليَّات تقدم مادة ثرية لدراسة الأجناس الأدبية العربية القديمة، فإن فى الجزء الأساسى منها أخبار قيمة من وجهة النظر المرتبطة بمرور الزمن. وهى تعكس بالفعل فى قصائد المخضرمين (أرقام؛ 9، 15، 17، 21 - 4، 26، 27، 38 - 40، 43، 67، 68، 84، 85، 102، 103، 113 - 15، 123، 126) الأحوال الاجتماعية المتغيرة من آونة لأخرى. ومن ثم، يلمح عبده بن الطبيب إلى الصراع بين الحياة البدوية والحياة المستقرة (رقم؛ 26، البيت 7)، وأحيانا، يدل تقديم الفكرة التى قد فقدت وظيفتها الأصلية، وعلى سبيل المثال، حين تبدد الحالة المزاجية الانقباضية للشاعر بعد فراقه عن محبوبته باللقاءات المتوقعة فى المستقبل (رقم؛ 114، البيت 2). وتشتمل النصوص الإسلامية القليلة أرقام؛ 14، 16، 24، 33، 37، 63، 64، 92) على تنويعات مهمة للنمط التقليدى، فى النسيب بخاصة، ومثال ذلك، الوصف الخاص لضبين مقاتلين فى غبار "موقع مخيم مهجور" (رقم؛ 64، الأبيات 2 - 4). وفى النسيب الجاهلى، يعوض خراب المكان بوصف للنباتات الفاخرة، والغزلان التى ترعى العشب بأمان. والشاعر الإسلامى، مع أنه ضليع فى المأثور الشعرى، إلا أنه إما قد فقد معناه المتأصل فيه، وإما قد انحرف عنه. وعلى الرغم من التنوع العظيم فى المضمون، وفى الآثار العديدة للإنشاء الفردى والأسلوب، إلا أن المجموعة تعطى انطباعا بالتجانس، الناتج من خلفيتها الاجتماعية المشتركة. وسواء كان الشاعر القبلى يحكى تجربته فى الحب والحرب، أو يتأمل فى الشيخوخة

المصادر

والموت، فإنه يستعرض الروح التى لا تقهر نفسها، و"الموقف البطولى"، كما حدده A.Hamori الذى تقوم مقالته بعنوان: " The Poet as a heron" على المفضليات (On the art of medieval Arabic Literature برنستون سنة 1974، ص 3 - 30). وإهمال الشاعر وفخره معبر عنه بوضوح بالغ فى مدحه لنفسه، لكنهما يظهران بصورة مذهلة، وبقدر متساو فى أشعار عن الحياة العابرة الفانية، حيث يتخلى عن الأمل، ويتقبل القضاء والقدر بدون إذعان أو خضوع. ومن الأمور المهمة على ما يبدو، أن مسألة المصير البشرى تعامل على نحو مسيطر فى نصوص المفضليَّات، أعنى عشية ظهور الإسلام. المصادر: مصادر العصر الوسيط والدراسات الأدبية مذكورة فى صلب المادة, الطبعات: (1) Die Mufaddaliyyat, تحقيق: H. Thorbecke. 1. Heft، ليبسك سنة 1885 (غير متواصلة). (2) المفضليَّات، تحقيق: أبو بكر بن غو. دانمستانى، القاهرة سنة 1324 هـ/ 1906 م. (3) تحقيق: أحمد محمد شاكر، وعبد السلام محمد هارون، القاهرة سنة 1361 هـ/ 1942 م، الطبعة الثالثة سنة 1964. مع شروح الأنبارى: The Mufaddaliyyat: an anthology of ancient Arabic Odes: تحقيق C.J. Lyall، جـ 1، نص عربى، أكسفورد سنة 1921، جـ 2، ترجمة وتعليقات، المرجع نفسه سنة 1918؛ جـ 3، كشافات للنص العربى، صنفها A.A. Bevan, لندن سنة 1924. (4) شرح المفضليّات، تحقيق أ. م. البجاوى، جـ 1 - 3، القاهرة سنة 1977. تاريخ نص المفضليَّات. (1) Brockelmann، قسم 1، ص 36 - 7. (2) Blackere: HLA، جـ 1، ص 148. (3) ناصر الدين الأسد: مصادر

المقالة

الشعر الجاهلى، القاهرة سنة 1956، ص 573 - 7. (4) جواد على: تدوين الشعر الجاهلى، فى مرحلة المجمع العلمى العراقى، العدد 4 (سنة 1956)، ص 536 - 41. (5) Sezgin: GAS, جـ 2، ص 53 - 4. حسن شكرى [رينيتى جاكوبى Renate Jacobi] مراجعة د. عاطف العراقى المقالة مصدر ميمى من قول، وتعنى التعبير عن رأى أو فكرة ما، كما قد تعنى عرضا لقضية أو موضوع ما، ومع هذا فالكلمة لم ترد بهذا المعنى إلّا مرة واحدة فى كتابات الجاحظ، وهى تستخدم كثيرا فى العربية المعاصرة، ولأن النثر العربى الحديث قد تشكل إلى حد كبير فى رحاب الصحافة، فقد أدى هذا إلى تراجع اللغة المتكلفة ذات المحسنات البديعية والألفاظ الصعبة، لصالح لغة سهلة مباشرة مفهومة، وقد صاحب تحرر لغة الصحافة -وبالتالى المقال- تحرر التفكير إلى حد كبير وقد خشى المحافظون من أن يهز أسلوب المقالات السهل المرن صروح العربية التقليدية وخاصة بعد أن بدأ كتاب المقالات، ومحررو الصحف بشكل عام فى التأثر بأسلوب الصحف والدوريات الأوربية، وعلى أية حال فقد كان لارتباط العرب العميق بلغتهم، وبالإضافة لجهود علماء اللغة والأكاديميات أثر فى ألّا تنحرف لغة الصحافة بعيدا عن الفصحى، ومنذ نهاية القرن الماضى. وفى بداية القرن الحالى ظهر صحفيون لغويون كانوا حريصين على إلّا يفلت الزمام وتنحدر عربية الصحف عن المسار الصحيح، ومن هؤلاء إبراهيم اليازجى الذى ألف كتابا عن لغة الجرائد. وإذا كان الأدب العربى الحديث قد تطور فى أحضان الصحافة، فإن فن المقالة كان بمثابة (معمل) تطور فى رحابه النثر كله.

المصادر

وتجدر الإشارة إلى أن المثقفين العرب الذين تأثروا بالثقافة الفرنسية والعربية حاولوا أن يقدموا للجمهور العربى مفهوما جديدا للأدب والتفكير وكان الإطار الذى عبروا فيه عن أنفسهم هو المقال، وعلى هذا المنهج سار جبران ونعيمة فى المهجر، والعقاد وطه حسين والمازنى فى مصر وكشفت المقالة عن أسلوب كل واحد منهم: العبارة الموجزة عند نعيمة، والسخرية اللاذعة عند العقاد، والعبارة ذات البنية المثيرة المحكمة عند طه حسين. وقد كانت هناك رابطة وثيقة بين المقالة والنص القصصى مما مهد لظهور الرواية كجنس أدبى، فقد أدى تحرر اللغة وجنوحها نحو البساطة إلى تمهيد الطريق أمام الروائيين باستخدامهم لغة طيعة تعين على التعبير عن الخلجات النفسية والظروف الاجتماعية وغير ذلك مما يتطلبه فن الكتابة القصصية، ولأسباب كثيرة اختلط فن المقال مع فن القصة خاصة حين يعمد القصاص إلى اتخاذ الشكل القصصى كغطاء لآرائهم السياسية والاجتماعية، ولعل المقالات القصصية الأولى للأديب العراقى ذى النون تمثل مرحلة انتقال بين المقالة والقصة، بل إن المؤلف نفسه هو الذى أطلق على كتاباته مصطلح (المقاصة) وهو يقصد نحت كلمة من الكلمتين: قصة ومقالة، وفى بعض المجموعات القصصية ليحيى حقى نجد (اللوحات) جنبا إلى جنب مع القصص بالمعنى الحقيقى للكلمة. المصادر: (1) محمد يوسف نجم: فن المقالة بيروت، 1957. (2) عبد اللطيف حمزه: أدب المقالة الصحفية، 1965. (3) عبد الجواد داود البصرى: رواد المقاله الأدبية فى الأدب العراقى الحديث. بهجت عبد الفتاح [فيال Vial]

مقام

مقام الجمع مقامات، والمعنى الحرفى للكلمة: وضع، مكان، درجة، وقد بدأ ظهور اللفظ فى الدراسات الموسيقية الإسلامية بنهاية العصر العباسى، وكان يعنى به مقامات ديوانية ذات جذور عربية - إيرانية - تركية تم استيعابها موسيقيًا، ومازالت مستخدمة على نطاق واسع حتى اليوم يهيمن تمامًا على المفاهيم الموسيقية، وأغلب الظن أن ذلك الاستخدام قد نبع من المكان المخصص للموسيقى العازف أو المغنى بغرض أداء مقام موسيقى معين، إلا أننا سنرى فيما بعد أن كل مقام أيضًا له مكان محدد ووضع ما على رقبة العود. وفى الواقع فإن لفظ مقام يتسع لأكثر من مجرد ترجمته حرفيا mode. فالمقام يعرف كلا من: مقام الصيغة formulary mode (ج. تشسيللى J. Chailley)، والمفهوم اليونانى للمقام المنسق الشامل Systemic mode, ونظام السلم الموسيقى Scale system (ج. ك. شابرية J. Cl. Ch.Chabrier) مع الأوكتاف السباعى (سلم، ديوان أساسى) أو، إذا ما خرجنا عن نطاق الأوكتاف، الإنشاء الديوانى المحلل، والذى تمت معايرته أو تصوره على العود من خلال ربط الأجناس Genres الثلاثية، والرباعية، أو الخماسية (جنس، والجمع أجناس)، والخطة، والطريقة أو بروتوكول التنفيذ للارتجال أو الأداء التفسيرى للمقام حسب الأنماط والصيغ، والقفلات الموسيقية، وأخيرا الخاصية المميزة (روح المقام ethos) أو الوجدان المقامى (روح الجنس)، بحيث يرتبط كل ذلك بمفهوم المقام الموسيقى المعين. ومثل ذلك المعنى المتسع نوعًا ما للفظ، والذى يضم النظام، والإنشاء، والصيغة مع هَبْوَه aura المقام، يستلزم ترادفًا نسبيًا للفظ "مقام" مع أسماء عمومية أخرى استخدمها علماء الموسيقى المسلمون فى القرون الوسطى، مثل: لان Lahn، وجام Djam، وطريقة Tarika، ودستان Dastan، ومجرى Madjra وترقيب Tarkib، وجنس Djins، ودور Dawr، وشد Shadd، ومركب Murakkab، وشعبة Shuba، وباردا Barda وآواز Awaz، وجوشا،

وبحر Bahr . . الخ. وحتى لو ظل لفظ المقام فى القرن العشرين هو أكثرها تقليدية ونموذجية، فإن الأسماء الأخرى تشير للمقام فى مناطق متنوعة: نغمة Naghma، نغم Nagham (المشرق العربى)؛ طاب Tab، صنعة Sana (المغرب)؛ أواز Awaz، داستجاه dastgah, نغمه Naghma (إيران). وما زال لفظ مقام مستخدمًا فى تركيا كما هو، ومجام فى أذربيجان وتركمانستان، وماقوم Makom فى آسيا الوسطى. وهناك جدل بين علماء الموسيقى، يضع أنصار النظام المقامى فى مواجهة ضد أنصار الصيغة المقامية Makam-Form. ويظهر التناقض هنا عندما ندرك الحقيقة التالية: عندما يتم إنجاز النظام المقامى بحيث يؤول إلى كيان موسيقى محسوس، سيستلزم ذلك معه تصوير إنشاءاته فى صيغة ارتجال لحنى مقامى منفرد يقوم به (على خير وجه) عازف ماهر (وهو ما يعرف بالتقاسيم)، أو صوت بشرى دون موسيقى مدونة (وهو ما يعرف باسم الليالى)، أو فى صيغة معالجة آلية -سواء من الذاكرة أو مدونة- يؤديها مجموعة من العازفين (تخت أو جوق)، أو أوركسترا كامل مع العازفين المنفردين، والفنيين والأصوات الكورالية. وفى الحالة الأخيرة، نجد أن المستمع يحفظ الموسيقى والشعر والصيغة أكثر من النظام نفسه، وفى بعض البلدان مثل المغرب، أو آسيا الوسطى -إيران وأذربيجان- أو العراق نجد أن المقام يكون مفهومًا بدقة من خلال صيغه أو نماذجه، والتى تنتقل من الأستاذ إلى تلميذه، على الآلة الموسيقية، أو توكل إلى عازفين منفردين لديهم معرفة وثيقة بالريبرتوار التقليدى (نوبة فى المغرب، ماكوم فى آسيا الوسطى، رديف فى إيران، موقام فى أذربيجان أو مقام فى العراق على سبيل المثال). وعلى الرغم من هيمنة وسطوة الغناء (الأصوات البشرية) وتأثير الكلمات والقصائد الشعرية الرصينة على الشعوب الإسلامية، وحتى لو ظلت هى النواة وبيت القصيد فى الثقافة

تشكيل وتطور السلم النظرى للأصوات

الإسلامية، فإن المقام العربى - الإيرانى - التركى يظهر فى تاريخ اللغة الموسيقية ليكون علاقة نمت وتطورت من مقام ديوانى mode قديم، تمت صياغته وأعيد التفكير فيه، ومعايرته على رقبة العود من خلال اقترانه بالأجناس genres. وبهذا لا يمكن أن ينفصل فهم المقام. على مستوى تحليل الإنشاءات المقامية modal structures. عن دراسة لغة العود، وهى آلة عرفت سلم الأصوات واختبرت الأنواع التى تكون المقامات الديوانية modes. وفى الواقع، فقد تطورت اللغة المقامية للإسلام تحت الإصبع، على رقبة الآلات الوترية (مجس الأصابع أو الدستان dastan) وعلى مدى السلم الموسيقى للعود. وقد أتاحت تلك المعالجة لكل مقام، منذ تحديد مفهومه، أن يتمدد خارج نطاق مفهومه التقنى والذهنى، كما أتاحت لكل نظام أن يتحول إلى معالجة وصيغة قد تضع مادة الفكرة فى شكل محسوس -العلاقة مقام- عود. ومن ثم كانت الصعوبة التى كونتها عملية تمثيل المقام أو إنشاءاته المقامية على سلم موسيقى فى القرن العشرين. تشكيل وتطور السلم النظرى للأصوات: يبدو أن أول مشكلة تقنية ومقامية للموسيقى فى النطاق الإسلامى كانت هى الجمع بين الأنظمة التجريبية (والخاصة بالشعوب الأصلية autochonous) المقتبسة من أيام الجاهلية، والأنظمة العلمية التى استعيرت من البيزنطيين، واللخميين Lakhmids (المناذرة)، والساسانيين. Sasanids وكان على الفنانين والمنظرين حتى نهاية العصر العباسى، أن يجدوا على رقبة العود سلالم نظرية قد تكون مسافاتها ودرجات عفقها Finger-degrees أو ما يسمى بالعفق السلمى Scaling-Fingering متوافقة مع كل من الممارسات المحلية، والنظريات اليونانية -والتى كانت تعتبر مثالية. ولما كانت المقامات الديوانية اليونانية قد وضعت على القيثارة (الليرا Lyre)، بينما وضعت المقامات المحلية على آلات العود ذات الرقبة الطويلة Long-necked، فقد أصبح من الضرورى

مضاعفة أعداد درجات العفق، والأوضاع على رقبة العود، وعند ظهور الإسلام ظهر معه العود ذو الرقبة القصيرة كى يقر عملية تجاور مختلف السلالم مع مختلف المسافات الموسيقية ويتيح إمكانية إخراج درجات صوتية تناسب مختلف الأنظمة والتعديلات temperaments. ولقد مرت عملية تكون المقام من الناحية الفنية، ونعنى هنا المقام الذى ورث المقام الديوانى mode القيم، بالمراحل التالية حسب الدراسات التى تمت فى القرون الوسطى: 1 - حساب السلم النظرى، وتحديد الأصوات والمسافات الموسيقية. 2 - دراسة أجناس التيتراكورد على رقبة العود. 3 - معالجة نظام سلم الأوكتاف السباعى. وفى الواقع، فإن المنظرين قد واصلوا العمل فى الاتجاه المضاد؛ بادئين بالمقامات الموسيقية الجارى استخدامها بالفعل، وقاموا بتحليل أحباسها محاولين استنباط سلم موسيقى منطقى نظرى. وما يجب أن نعنيه هنا بسلم نظرى هو عبارة عن سلسلة (طبقة) أو إطار من أصوات موسيقية متاحة تتحرك من الانخفاض إلى العلو فى نطاق أوكتاف وفوق ذلك بعدة أوكتافات أيضًا، وإذا ما أراد كل موسيقى ممن يمتلكون الموهبة والقدرة، الانحراف عن ذلك السلم، فعليه أن يختار المسافات أو يعاير درجات العفق، ومن ثم الأجناس، وأخيرًا المقامات الموسيقية لمقطوعة معينة ذات تعديل معين Temperament. ومن خلال تطور العلوم الموسيقية، فى إطار الإسلام، استقدمت سلالم نظرية مختلفة واستخدمت على نطاق واسع، سواء فى تتابع تاريخى أو فى مراحل متزامنة. ولقد كان أول سلم نظرى للأنغام، موجودًا قبل الإسلام ومعروفًا عند قدماء اليونانيين، موضوعا على أساس تقسيم الوتر إلى أربعين جزءًا تقسيميا aliquot parts, ونتج عن ذلك تقسيم

الأوكتاف الأول إلى عشرين مسافة موسيقية غير متساوية. وقد كتب الفارابى AI-Farabi فى القرن الرابع الهجرى/ العاشر الميلادى، رسالة وصف فيها الطنبور tunbur البغدادى بدلالة تلك المسافات، مميزا درجات العفق الخمس الأولى التى كانت مستخدمة منذ الجاهلية Djahiliyya وخمس أخرى من ابتكاره. ومن الناحية النظرية، فقد عرف ذلك النظام الصوتى العديد من المسافات التى وجدت فى أنظمة سابقة أو لاحقة. وجدير بالذكر أن نحدد منهم: نغمة تحت ربع النغمة -والتى يقال لها ديزيس Diesis (40/ 39) إراتوستينيس Eratosthenes, ونغمة تحت الليما Sublimma (40/ 38 = 20/ 19؛ 89 سنتا Cents)، ونغمة تحت الثانية لمتعادلة Subneutral-Second وهو فى ذلك يسبق ابن سينا Ibn Sina ونغمة هارمونية صغرى minor Rarmanic tone (40/ 36 = 10/ 9، 182 سنتًا Cents) ونغمة عظمى maximal tone (40/ 35 = 8/ 7؛ 231, سنتا cents). وإضافة لذلك، اقترح الفارابى ثالثة تحت الصفيرة sub minor third (40/ 34 = 20/ 17؛ 281 سنتا cents)، وثالثة تحت المتعادلة sub-neutral-third (40/ 33)، وثالثة هارمونية كبيرة (40/ 32 = 5/ 4؛ 386 سنتا cents)، ورابعة ضمنية ناقصة (40/ 31)، ورابعة تامة (40/ 30 = 4/ 3؛ 498 سنتا cents). وإذا كان ذلك النظام، فإن الناتج المنطقى سيكون خامسة تحت الناقصة sub-diminished (40/ 29)، وتريتون tritone هارمونى (40/ 27 = 40/ 26؛ 617 سنتا cent)، وخامسة قصيرة (40/ 27)، وخامسة ذئب Wolf's fifth (40/ 26). إلا أن الفارابى يحد وصفه بالرابعة، ولا توجد شواهد فيما يخص تفاصيل انتشار ذلك النظام فى موسيقى صور الإسلام. وفى بغداد، فى القرن 2 - 3 الهجرى/ 8 - 9 الميلادى، أبدى جهابذة العازفين الصناع على العود، من أمثال اسحاق الموصلى، ميولا واضحة لاستخدام النظام الفيثاغورثى الهيلينى. والنظام الأخير كان يميزه وجود الليما Limma (2187/ 243؛ 90 سنتا)، وأبوتوما apotome ضمنية (2187/ 2048؛ 114 سنتا)

ونغمة كبيرة (9/ 8؛ 204 سنتا)، وثالثة صغيرة (32/ 27؛ 294 سنتا)، وثالثة كبيرة أوديتون ditone (81/ 64؛ 408 سنتا)، ورابعة تامة (4/ 3؛ 498 سنتا)، وتريتون ضمنية وصفها الفارابى فيما بعد مستندا للهارب (729/ 512؛ 612 سنتا)، وخامسة تامة (3/ 2؛ 702 سنتا). وبذا كان النظامان متوافقين فقط على مستوى الليما والرابعة. وفى نفس الوقت، قام منصور زلزل ansur Zalzal، وكان عازفًا صناعا على العود، بالتوفيق بين التقاليد الشائعة والتقاليد الأكاديمية، وذلك بإضفاء وضع رسمى للنظام شبه الفيثاغورثى para-Pythagorean القائم على التقسيمات الطولية المتساوية لوتر العود، حسب درجات العفق الفيثاغورثية. وقد أوصى زلزل باستخدام الدرجات المتكاملة التالية: ثانية محايدة فارسية (162/ 149؛ 145 سنتًا؛ 6.4 قابض Hadders)، ثانية محايدة زلزلزية Zalzalian neutral second (54/ 49؛ 168 سنتًا، 7.4 قابض holclers)، ثالثة صغيرة فارسية (81/ 68، 303 سنتا، 13.4 قابض holders) وثالثة محايدة زلزلية (27/ 22، 355 سنتا؛ 15.7 قابض hoders). وهكذا ظهرت مواجهة على رقبة العوديين الأنظمة الصوتية الهيلينية أو العالمية، والأنظمة التجريبية الموسيقية العربية - الإيرانية- التورانية Turanian. وقد وضعت الدراسات التى قام بها كل من الكندى، والمنجم Al-Munadjdjim (القرن 3 الهجرى/ 9 الميلادى)، والفارابى والإصفهانى، وإخوان الصفا (القرن 4 الهجرى/ 10 الميلادى)، وابن سينا (القرن 5 الهجرى/ 11 الميلادى)، وغيرهم كثيرين نصب أعينهم وضع سلم نظرى على رقبة العود يكون قادرًا على توصيف المسافات الموسيقية للأنظمة المختلفة بطريقة قياسية. ويبدو أن الحل الأمثل قد وجد فى القرن 7 الهجرى/ 13 الميلادى بمعرفة المنظمين Systematists مع صفى الدين الأرموى وقطب الدين الشيرازى، وذلك بفضل السلم الكوماوى Commatic يعضد النظام الفيثاغورثى، ويتمثل

مسافات الجاهلية والمسافات المحايدة، بعد تبريرهم بقياسات طولية وحسابات رياضية. وقد قاد كل ذلك عمليا إلى الكوما النظرية، والليما (4 كومات)، والأبوتوما (5 كومات)، والنغمة الصغيرة (8 كومات)، والنغمة الكبيرة (9 كومات) مقسومة إلى ليمتين وكوما، والمزج بينهما، ومن هذا المزج نجد ثالثة صغيرة (13 كوما)، وثالثة محايدة، والتى أصبحت طبيعية natural (17 كوما)، وثالثة كبيرة (18 كوما) ورابعة تامة (22 كوما). ونتيجة لذلك، ابتعدت إيران، وآسيا الوسطى والمناطق الخارجية عن الاستناد للعود، وعادوا إلى الأنظمة التجريبية. أما الدول العربية فقد مرت بفترة انحسار حتى القرن 18 قبل أن تتبنى مع ميخائيل موشاكا Mikhail Mushaka (القرن 19)، تحت تأثير أوروبا، سلما نظريا يقسم الأوكتاف إلى 24 ربع نغمة. ولم يقدر على متابعة واستمرارية النظام الكوماوى الذى اتبعه المنظمون Systematists سوى العثمانيون وورثة الصفوة العباسية. وفى القرن العشرين، استلزمت دراسة مقارنة عربية - إيرانية - تركية إعادة تكوين سلم نظرى للأصوات يمكنه مواجهة الأنظمة الثلاثة للسلالم العربية، الإيرانية، والتركية المعدلة. ورغم التفريعات، فإنه يمكن تقسيم الأوكتاف إلى أربعة وعشرين مسافة تعرف أربعة وعشرين درجة عفق سلمية (درجة، باردا Barda، وبير Perde)، مع افتراض وجود أربع لكل نغمة كبيرة major tone. وتتغير الأسماء التقليدية لدرجات العفق تلك من لغة إلى أخرى بعض الشئ (وعلى سبيل المثال سيجاه - سيكا، كاهرجاه - جاهركاه). ولا يمثل التقسيم الأولى للأوكتاف إلى 53 كوما هولدرية Holderian commas بين الأتراك، و 24 ربع نغمة بين العرب والإيرانيين، سوى مشاكل بسيطة فى التعديل، تمثلها الخلافات فى ارتفاع درجات العفق "المحايدة"، وعلى سبيل المثال، فالسيكا أعلى فى الثالثة

الزرلينية Zarlinian third (بمقدار 17 كوما، فى تركيا، وحلب، وبغداد)، عنها فى دمشق، والقاهرة (16 كوما، أو أرباع). ومن بين درجات العفق الخمس والعشرين النظرية، فإن الدراسات الإيرانية الحديثة لا تذكر سوى ثمانى عشرة فى الأوكتاف، حيث تقسم الأوكتاف إلى سبع عشرة مسافة غير متساوية، لها نصف نغمة واثنتين من أرباع النغمة فى النغمة الكبيرة. وبذا لا تكون هناك حالة بها سبع عشرة ثلث نغمة. وهذا السلم النظرى يمكن نقله كلية بدلالة الطبقة pitch ثم بدلالة ارتفاع المرجع المختار. كما أنه من الممكن محاذاة علامة الدليل guide marth ونغمة الأساس key tone على تردد، ودرجة ثم نغمة لاتينية مساوية، والتى تتغير حسب المناطق (الدول)، والمدارس، ونغمة الأساس، أو كما هو واضح، لأصوات التى سيتم مصاحبتها. ومن الممكن أن تكون الرست، نغمة الأساس، سى بيمول، أو دو (بحر أبيض)، أو رى (تركيا)، أو فا، أو صول (العراق، إيران)، أو حتى لا وبذا تقود السلم كله كأنه لوحة مفاتيح متنقلة أو مجموعة من النايات oblique flutes. مختلفة الدرجات. ومن الممكن استنباط ذلك السلم النظرى من العود القديم حيث تحقق تصوره، وتمت تعديلاته على العود الحديث الذى يعتبر المقياس الأمثل له. ولهذا السبب، نجده متأثرا بوحدات الرابعات، ويقدم فى القرن العشرين درجات تفضيلية preferntial تناظر الأوتار المفتوحة (الحرة) للعود ذى الضبط الكلاسيكى classical tuning، مع افتراض ترتيبها، من أسفل لأعلى: وتر باص: قرار - رست أو قرار دوجاه، الوتر الأول ريحاه، والوتر الثانى عشيران، والوتر الثالث دوكاه والوتر الرابع نوى، والوتر الخامس كردان. وبذا لا يكون متساويا كسلم بيانو. وهذا السلم النظرى هو مجرد مدى دو خرج ميلودى فورى. والخمسة والعشرون صوتا المتحركة على الأوكتاف لا يتم عزفها مقترنة معا أو

قيم المسافات وتكوين الأجناس

فى آن واحد. والإنشاء المقامى المعين يستخدم فى العادة أربع درجات فقط للرابعة، أو ثمانى درجات للأوكتاف فى نطاق قواعد الدياتونية السباعية heptatonic diatonism. قيم المسافات وتكوين الأجناس لقد أملت معالجة المقامات، سواء من الناحية التاريخية فى الدراسات، أو منطقيا فى التحليلات مع معرفة وحدة القياس وسلم الأصوات النظرى، دراسة المسافات ودرجات العفق، والتى تبحث فى تعريف (وتحديد) الأجناس الثلاثية، والرباعية، أو الخماسية التى تكون المقامات (وذلك أثناء الرابعة Fourth أو الخامسة Fifth). وهكذا يكون الجنس (بحر bahr، إكد ikd، وجنس djins فى العربية، دورتلو - بيشلى dortilu-besli فى تركيا) هو الوحدة الأولية للإنشاءات المقامية فى الدراسات العربية والتركية الحديثة. أما فى الدراسات الإيرانية فنجده غير معرف بوضوح، بل يجب إجراء تحليل مقامى للكشف عنه. واختيار جنس معين يملى اختيارًا لدرجات العفق على سلم الأصوات النظرى، كما يملى سلسلة محددة من المسافات المتجاورة. وتحدد قيم تلك المسافات عن طريق الأنظمة أو التعديلات المستخدمة. وفى الدول العربية وإيران، تقاس المسافات بأرباع النغمات بمعدل 24 ربعا فى الأوكتاف. أما أرباع النغمات الكروماتية فهى استثناء. والمسافات الميلودية الحالية هى نصف النغمة (2 ربع)، وثلاثة أرباع النغمة (3 أرباع)، النغمة الكبيرة (4 أرباع)، النغمة العظمى (التامة) maxim tone (5 أرباع)، والنغمة ثلاثية الأنصاف trchemitone (ثانية زائدة (6 أرباع)). أما الثالثات thirds فهى: صغيرة minor (6 أرباع)، متعادلة (7 أرباع) أو كبيرة major (8 أرباع). والرابعات تكون تامة perfect (10 أرباع)، إلا أن الرابعة المخفضة Shortened (6 أرباع) لجنس الصبا يجب تدوينها مثل الرابعة الزائدة augmented

(تربتون من 12 ربعا) لأجناس النكريز، والنوى أثر، والكوردى أثر. بينما تكون الخامسات التامة (14 ربعا). وفى إيران تكون المسافات أكثر مرونة. وفى تركيا والمعاهد الأكاديمية (حلب، الموصل، بغداد) تقاس المسافات بالكومات الهولدرية Holderian commas بمعدل 53 كوما للأوكتاف. والمسافات الحالية هى الليما Limma (4 كوما)، الأبوتوم Apotome (5 كوما)، النغمة الصغيرة (8 كوما) النغمة الكبيرة (9 كوما)، التريليما trilimma أو نصف النغمة ثلاثية الأنصاف trihemitone (شانيات زائدة من 12 أو 13 كوما)، متعادلات نادرة (15 - 16 كوما)، متعادلات زرلينية Zarlinian nautrals (17 كوما) أو كبيرات فيثاغورثية pythagorixan majors. والرابعات تكون تامة (22 كوما)، أو مخفضة (18 كوما)، أو زائدة (26 كوما)، وذلك للأجناس التى ذكرت آنفا. والخامات التامة تكون 31 كوما. وتعطى الدراسات العربية والتركية والإيرانية للمسافات النوعية أسماء تاريخية، لن نذكر اختلافاتها هنا. ولا تحدد درجات العفق أو الدرجات السلمية دائمًا بأسمائها الشرقية، ولذا، وتحت تأثير نظام التدوين الأوروبى، تستخدم عادة أسماء لاتينية للنوتات بعد إضفاء نوع من التكييف فى الدرجة apted inflections, وأيضا، على وجه أكثر دقة (منذ مؤتمر الموسيقى الذى عقد فى القاهرة - 1932)، يمكن تسمية نوتة مخفضة ربع نغمة (نصف بيمول) نص بيمول، كاربيمول أو كورون. ونوته مرفوعه ربع نغمة (نصف دييز) نص دييز، أوس ورى Sori. والكودات التركية المستخدمة فى التعديل Inflection أكثر تصلبا نتيجة للنظام الكوماوى. وهناك مبادرات جديدة منتظمة منها كود مؤتمر بيروت Colloque de Beyrouth (1972). ومن أحدث المبادرات الكود العربى (1978) وهو. يطبع العلامات وينقل كل التعديلات الكوماوية Commatic inflrctios.

وبالضبط، كما أن سلم الأصوات النظرى هو مجرد مدى Range، فإن ربع النغمة أو الكوما ما هى إلا وحدات قياس وليست مسافات ميلودية أو كروماتية. وتتفادى الديانونية السباعية Heptatonic diatonism من الناحية النظرية، الإكثار من درجات العفق أو العفق السلمى بعد الثامنة للأوكتاف، عندما يكون هناك تحوير مقامى Modulation معين، وعلاوة على ذلك فمفهوم الأجناس على رقبة العود لا يستخدم سوى الوتر الحر والأصابع الأربعة، والتى تقوى الرابطة بين الخامسة وعزف البنتاكورد Pentachor ولا تحرك الموسيقى كى يتخيل مسافات متناهية الصغر أصغر من الليما التى لا توجد فى الأجناس التقليدية. وهنا نجد أن المقام، علاوة على ذلك، يدين أكثر للعود منه للمعمل. وبالرغم من ذلك، فهناك مسافات متناهية الصغر، أصغر من نصف النغمة أو الليما. وفى النظام الدياتونى، قد يمكن اكتشافهم تحت درجة عفق السيكا للأجناس النادرة: أوج أرا awdjara وسازكار sazka، والتى وصفها إرلانجيه Erlanger (ربع نغمة بين رى دييز ومى نصف بيمول). وهناك نغمة حساسة leading note على نفس المستوى فى جنس السيكا، التى تحمل فوق الدياتونية. ورغم ذلك، فقد تبدو كليمات تركية turkish Iimmas, انتقلت إلى نظام الربع نغمة العربى مع خفض قيمتها. وفى النظام الكروماتى، نجد مسافات متناهية الصغر عند تنفيذ جنس المخالف Mukhalif النادر (العراق)؛ إلا أنه فى تلك الحالة، يكون تشافها متذبذبا لجنس الصبا والسيكا على نفس الجزء من السلم. وهنا، يكون حتى من الممكن تحليل مقام المخالف المتكون من تشافه قامات الصبا، والسيكا، والهزام حيث تحرك اثنا عشرة درجة فى الأوكتاف (cf. Arabesques records, luth entraq traditionnel vd Jamil Bachir - راجع المقامات العراقية التقليدية - عود جميل بشير - الموسيقى العربية السجل 5. العود). ولما كان اختيار الجنس يأتى معه باختيارات درجات العفق ويملى

سلاسل محددة من المسافات المتجاورة، فإن الجنس يكون انشاءً أوليا ومقاميا ثابتا يجب تعريفه عند التحليل بدلالة قيم مسافاته، وبصورة مستقلة عن التعديل Temperament المستخدم. وقد تكون الأذن نفسها متيقظة لصيغ ميلودية مميزة للجنس وعن طريق الإدراك الحدسى intivitive perception. إلا أنه، برغم التنويعات فى التعديل بين قطر وآخر، فإن القوانين العالمية للموسيقى هى التى تطبع صلابة المسافات المحددة (النوعية). وبعض درجات العفق للجنس، وخاصة قطبى نهايتى الوتر، وعادة ما يتم إدراجهما على الوتر الحر للعود، تكونان ثابتتين بدقة، فيما عدا، وعلى سبيل المثال، فى المقام الإيرانى -العراقى داشتى- داشت Dashti-Dasht. أما باقى الدرجات المتوسطة، فمن الممكن أن تتحرك. وتلك الحركة عادة ما ترتبط بظاهرة الميول التصاعدية أو التنازلية أو التغير الانهارمونى Enharmonic change، ويبدو ذلك طبيعيا تماما على الآلات ذات الرقبة دون دساتين non-Fretted مثل العود أو الفيولينا، وتبدو أكثر اصطناعا على آلات مثل القانون. كما تستجيب أيضًا لظاهرة الجذب أو التنافر السارية فى الأنواع الأخرى للموسيقى. كما أن مثل درجات العفق هذه سترتفع بصورة أعلى فى الصعود عنها عند الهبوط. بالرغم من الدقة الكوماوية المتصلدة بعض الشئ للنظام المطبق فى تركيا، فدرجة العفق الثالثة، السيكا فى جنس الرست، تحدث عند 17 كوما من النهاية عند الصعود و 16 عند الهبوط، كما تظهر ثالثة زرلينية وثالثة زلزلية Zalzalian. وعلى النقيض، إذا ما أصبحت درجة العفق السيكا نهاية لجنس السيكا، نجدها تؤول إلى قطب مقامى modal pole وتثبت على وجه أكثر خصوصية حيث تتضاعف بنوتة حساسة leading note مع وجود مسافة لعدة كومات. وقد تجدر ملاحظة أن الدرجات المتحركة عادة ما تربط معا، كما تؤكد الدراسات التاريخية أو الممارسات الموسيقية، وذلك باستخدام إصبع

السبابة أو الإصبع الأوسط على رقبة العود القديم أو الحديث. وتسمى تلك الدرجات المتغيرة فى المقامات الإيرانية، والتى لا يضمها المحللون إلى دور العود، بالمتغير mutaghayyir. ووضع تسمية لأجناس موسيقية عربية - إيرانية - تركية لا يؤدى إلا إلى تسوية تعليميه نظرًا لتعقيدات المعايير التى تتيح توصيف الجنس الذى سيتم تحديده. ورغم ذلك، فمن الممكن استخدام نفس المصطلح لتحديد أجناس مختلفة، أو نفس الجنس يتم تحديده فى أشكال مختلفة حسب القطر المستخدم فيه. وفى عرضنا هذا سيتم تسوية اصطلاحات عربية - تركية. ويقدم إيرلانجيه نظاما عربيا تركيا يميزه التقليد الأكاديمى لحلب فى سلم ذى أرباع النغمات، ويسرد سبعة عشر جنسا. وسنقدم هنا نظاما عربيا تركيا تميزه مدرسة العود فى بغداد فى سلم كوماوى. وسيتبع ذلك تعاقب من الإنشاءات بدءا من السلم الهيلينى Hellenic (أنغام وأنصاف نغمات) إلى السلم الإسلامى (والذى يحتوى أيضًا على ثانيات متعادلة وثالثات). وقد يكون من الممكن مناقشة الطريقة العكسية أيضًا. سنوجه عنايتنا إلى ثمان إنشاءات للأجناس الأساسية بإعطاء معلومات دقيقة لمسافاتها المميزة: كاهارجاه أو عجم - عشيران (كبير)؛ بوساليك (صغير)؛ كوردى (ثانية صغيرة وثالثة)؛ حجاز (بثانية زائدة - ثلاثية الأنصاف trihemitone-augmentes 2 nd؛ تيتراكوردات tetrachords بياتى ونوى أو بينتاكوردات pentachtords حسينى وعشاق (ثانية متعادلة وثالثة صغيرة)؛ صبا (ثانية متعادلة، ثالثة صغيرة، ورابعة ناقصة)؛ سيكا وعراق (النهاية على درجة عفق متعادلة مع أبوتوم apotome وثالثة متعادلة قصيرة)، رست، وهو جنس أكاديمى كلاسيكى (ثانية كبيرة وثالثة متعادلة). وسنذكر أيضًا ست إنشاءات مشتقة من الأجناس الرئيسية من خلال إقامة علاقة متبادلة، وتشافه، ومزج، وتصريف inflection: كوردى - أثر (علاقة تبادلية، كوردى/

تكون المقامات الديوانية الموسيقية من الأجناس

حجاز)؛ فيكراز ونوى أثر (علاقة تبادلية بوساليك/ حجاز)؛ مخالف (تشافه - صبا - سيكا)؛ هزام (مزج سيكاه/ حجاز)؛ مستعار تصريف للسيكا)؛ وزيل Zawil (تفاعل بين حجاز/ رست). وتتسق كل تلك الأجناس مع الخامسة، ومن الممكن تمثيلها فى صيغة بينتاكوردات على رسم بيانى يصور العلاقة الحقيقية للمسافات والإدخال بالأسبقية على سلم الأصوات، وهو متحرك يمكن نقله Transposable. إلا أنه، لأغراض تسهيل القراءة، عادة ما يتم اختيار سلم الأصوات بالنغمة الأساسية رست فى دو (بحر أبيض) وقد يلاحظ المرء تكافؤ النوتات اللاتينية فى ارتفاع درجات العفق بإعطائهم التصريف اللازم لهم بدقة. تكون المقامات الديوانية الموسيقية من الأجناس: يتكون المقام (مقام فى العربية، داستجاه، أواز، نغمة فى الفارسية، مقام فى التركية) بالمزج بين الأجناس. ورغم ذلك، فقد قام علماء الموسيقولوجيا الذين لا يعزفون العود، والمؤلفون الإيرانيون، والعديد من الموسيقولوجيين فى الغرب بدراسة المقام ككيان كلى مثل الديوان المقامى القديم mode للإغريق أو الراجا raga عند الهنود. وفى التقاليد الموسيقية الشعبية، وفى تداول الموسيقى غناء وعزفا فى قديم الزمان، كان الجنس المفرد سواء ثلاثى tri، أو رباعى tetra أو خماسى penta يكون مقاما محدود الطموح. وبصفة عامة، فهو جنس أكثر ارتباطا بأهل البلد من الهلينى مثل الحجاز والبياتى، والصبا، أو الرست. وعادة ما يرتجل البدوى عازف الربابة فى حدود التيتراكورد. إلا أن الفنان الدارس فى إمكانه العزف بالأسلوب الشعبى، ليخرج بنتائج مدهشة، وعلى سبيل المثال أداء جميل بشير على العود مقطوعة swihli-nail (قارن Arabesqnes rencor 5 Iuthen iraqtraditionel, ud Jam, L Bachin).

ومن الممكن أن يكون مقامان متصلان من أسفل لأعلى النظام السلمى (الديوان الأساسى، أو السلم فى العربية، وديزى dizi فى التركية) للمقام السباعى التقليدى، بحيث يضم نهاية أساسية tonic finale (أساس، مايى maye، دوراك durak)، ونقطة ارتكاز (جهام gham - ماز maz، شاهد shahid، جوكلو guclu)، عادة ما توضع عند نقطة اتصال الجنسين وتناظر فى الغالب وترا حرا للعود، وهى فى الواقع، بالتعريف الإنشائى والصوتى، درجة تفضيلية preferential. ومن الممكن أن تكون الدرجات الأخرى تفضيلية أو متحركة حسبما تكون الأجناس والمقامات المعزوفة، وبدلالة ما يسميه علماء الأثنوموسيقولوجيا التسلسل الهرمى للدرجات hierorchy of degrees. وتصنف الدراسات الموسيقية المقامات بدلالة الدرجات التى تدخل عليها وتنمو صعودا من أسفل لأعلى. وهنا ستكون محدودة بعدد صغير من أنظمة السلالم السباعية، سواء بسيطة أو مركبة حسب الأجناس المتماثلة (أو المتماثلة نظريا) أو المختلفة التى تتكون منها. وتشير جميع المقامات المذكورة إلى تقاليد أكاديمية عربية تركية، وهناك عود معين من تلك المقامات يبدو أنه ابتكار حديث نسبيا منذ عصر الإمبراطورية العثمانية (القرن 18 - 19). وسنذكر فيما بعد الأجناس المكونة من أسفل لأعلى مع ربطها بحدود الأوكتاف الأساسى (الديوان الأساسى diwan asasi). 1 - تسمى المقامات الأساسية التى تتكون من المزج بين جنسين متماثلين مقامات بسيطة، وعادة ما تحمل نفس التسمية لجنسها المكون أو درجة العفق للإدخال على سلم الأصوات النظرى: كاهارجاه أو عجم - عشيران (أو ماهور Mahur)، كبير؛ بنيتاكورد كبير + تتراكورد كبير. نهاوند بوساليك: صغير؛ تتراكورد بوساليك + بنتاكورد بوساليك.

فارانوما Farahnuma، حجاز - كار - كوردى، كوردى: اثنان من التتراكورد الكوردى المنفصلين (أو تتراكورد كوردى + بنتاكورد بوساليك. لامى lami: اثنان من التتراكورد الكوردى المتصلين وهابطين (صغير دون نهاية). شد - عربان shadd-Arahan. سوزيديل Suzidil، حجاز - كار flidjazkar شاهناز shahnaz، بيتاكورد حجاز + تيتراكورد حجاز (أو الأخير + بنتاكورد نيكراز نوى أثر). حسينى Husayni: بنتاكورد بياتى - عشاق + تتراكورد بياتى (ركيزة على الدرجة الخامسة). رست rast: بنتاكوردرست + تتراكورد رست (ثالثتان متعادلتان) (الدرجتان الثالثة والسابعة متعادلتان). 2 - تكون بعض المقامات المركبة بالوصل بين جنسين مختلفين يكونان مزيجا هبتاتونى heptatonic blend (تركيب، مركب): سلطانى - يجاه SUl tai-yagah, نهاوند - كبير: صغير هارمونى، بنتاكورد بوساليك + تتراكورد حجاز - (أو تترامورد بوساليك + بنتاكورد نكريز). أثر - كوردى: بنتاكورد كوردى. أثر + تتراكورد حجاز. نكريز: بنتاكورد نكريز + تحوير تتراكورد رست. نوى أثر: بنتاكورد نكريز نوى أثر + تتراكورد حجاز. حجاز: تيتراكورد حجاز + تحوير بنتاكورد رست. بياتى، نوى: تيترا كورد بياتى + تحوير بنتاركورد رست (بنتاكورد فى البياتى التركى). كاجهار Kardjighar: تتراكورد باياتى + تحوير بنتاكورد حجاز. شور Shur: تتراكورد بياتى + تحوير بنتاكورد بياتى، رست، أو حجاز (الدرجات الخامسة والسادسة متحركة).

دشت Dasht: بنتاكورد بياتى - عشاق (الدرجة الخامسة شاهد - نقطة ارتكاز) + تحير تتراكورد كوردى. سوزنك Suznak: بنتاكورد رست + تتراكورد حجاز. 3 - تختزل بعض المقامات المركبة إلى ثلاثة أجناس مختلفة بواسطة نظام أوكتافها (نظرية غير موجودة فى تركيا). هزام Huzam: تريكورد سيكا - تيتراكورد حجاز + تريكورد رست. سيكا: تريكورد سيكا + تحوير تيتراكورد رست أو بياتى+ تريكورد رست. عراق: تريكورد سيكا + تيتراكورد بياتى + ترى كورد رست. صبا Saba: تتراكورد صبا + تشافه حجاز (لا يوجد أوكتاف). 4 - تختزل بعض المقامات إلى أجناس متشافهة أو دواوين modes: فرح فازه Farahfaza: نسبية مقامية صغير - كبير مع عدة نوتات حساسة. مخالف Mukhalif: تشافه بين الصبا والهزام (كروماتيه chromaism). وتعريف المقام المحدود بالأوكتاف ما هو إلا رسم بيانى تعليمى فقط، لأن الارتجالات القديمة فقط هى المحدودة بالأوكتاف. ويمكن امتداد النظام خارج نطاق الأوكتاف بعدة طرق مختلفة. فى أكثر الحالات شيوعا، يوصى بالإنشاء السباعى heptatonic structure فى الأوكتافات المنخفضة والعالية المتجاورة. وفى الممارسات المدرسية، تضيف نظريات وعلوم الموسيقيين إنشاءات جديدة إلى الدرجات العالية والمنخفضة فى صيغة أجناس متصلة أو دواوين, modes, كما تقود أيضًا إلى تكون المقامات ذات المدى العريض، والتى وصف الكثير منها فى الدراسات. وتلك المقامات بامتدادها خارج نطاق مدى الصوت البشرى، فهى تطبق على آلات تغطى ثلاث أوكتافات مثل العود ذى الأوتار الستة، والقانون، والسنطور santur، أو الناى. وبهذه الطريقة يتحرر المقام من تقادمه.

وإذا ما استعرضنا الارتجال improvisatiuon (التقاسيم)، نجد أن التقاليد العربية والتركية تعرف لكل مقام نقطة انطلاق (مبدأ، زمين zemin)، وهى عملية تحريك ميلودى (طور tawr، سير seyr)، ونقط توقف (مراكز marakiz، أسما كارالار asma kararlar)، وصيغ ميلودية معينة مثل القفلة kalfa قبل العودة إلى الختام (قرار Karar). وتملى التقاليد الإيرانية إظهار عدد معين من النماذج الميلودية (جوشاز gushas) حسب بروتوكول ثابت فى البرنامج الرسمى (راديف radif)، مع العودة الدورية periodic لصيغة تذييل قاطعة (فورود Forud) مثل البالى كابوتار balkabutar 1 - وبغض النظر عن الاصطحاب الرأسى للأجناس والمقامات من الأسفل إلى الأعلى، فهناك مشاركات أفقية تسرى فى الزمن وتسمح بالارتجال بالتحوير من مقام الإسناد. ويتم تجديد الأجناس والمقامات التى تكون النظام المقامى الأولى، بدلالة قوانين التحوير العربية - التركية (تلوين talwin، جيجكى gecki) وذلك باستعاضة أو تطوير الإنشاءات التى تولد سلسلة متتابعة من الأجناس والمقامات فى مراحل متوسطة (ميانا Miyana, ميان meyan) وتصور موكبا ثريا من عشرة أو عشرين مقاما قبل العودة إلى المقام الابتدائى (أحلام يقظة على مقام فرح فاظا. Farahfaza أرابيسك سجل 6، اللوت فى اليمن القديم، عود جميل غانم). ومقام العراق، الموضوع على نفس العملية، هو بالضبط جنس عراقى يوكل للمغنى المنفرد (مقامجى makamci) أداء قصيدته. أما المصاحبة فيقوم بها رباعى من الآلات الموسيقية (جالغى Calghi) من البداية (تحرير tahrir) حتى النهاية (تسليم taslim) (وعلى سبيل المثال: تأملات على نغمات تقليدية من مقام العراق، فى مقام بندجاه makam Pandjgah، أرابيسك سجل 1، العود فى العراق القديم، عود منير بشير). الحشو والإدخال، الارتفاع فى التردد، النقل، الميل، الإيثوس Ethos (الروح العامة).

لا تكون المقامات ذات ارتفاع ثابت فى التردد بالنسبة للمبادئ الفيزيائية عالمية. إلا أنها تمتلك ادخالا تفضيليا preferential لجنسها الرئيسى، وهى عملية تتم بسهولة على درجات عفق معينة من سلم الأصوات. كما أن أجناس الشد عربان Shadd Araban، واليجاه Yegah يتم إدخالها على اليجاه؛ وبالتالى يدخل السوزيديل Suzidil على العشيران ashiran؛ والعجم - عشيران Adjam-Ashiran على النيم - أجام nim-adjam؛ والعراق على العراق Irak؛ ويتم إدخال النهاوند Nihawand. والنكريز Nikriz، والنوى أثر Nawathar، والحجاز - كار Hidjaz-kar، والرست على الرست؛ وكذا الكردى، والحجاز، والبياتى Bayati، والنوى، والحسينى، والعشاق، والصبا، والشهناز Shahnaz على الدوكا، أما السيكا segah، والهزام huzam, والمستعار Mustaar فتدخل على السيكا، الخ. ولما كان الارتفاع فى تردد درجات العفق بدلالة ارتفاع التردد للسلم النظرى للأصوات، حيث يتغير الأخير من منطقة لأخرى ومن مدرسة لأخرى، فقد يكون من الصعب الكلام عن ارتفاع مطلق، خاصة فى الدرجات الأوروبية، والتى غالبا ما تذكر بإسناد in reference، ظل موجودا منذ القرن 18. وأحيانا ما يستخدم الإسناد للناى nay كدرجة، يمثل ذلك نفس المخاطرة، طالما أن الناى ينقل السلم بدلالة حجمه، مع درجات عفق ثابتة. فى الدول العربية فى منطقة البحر الأبيض، عادة ما يؤول الرست إلى دو 2 do 2 ويعزفه هكذا الموسيقيون المتمرسون. وفى تركيا تم تثبيت السلم. وأطلقت التسمية صول على نغمة الرست الأساسية، والصول المدونة اصطلاحيا هى رى 2 re 2 فى المعاهد الرسمية وفى العراق وإيران، تكون الرست أكثر سهولة فا 2 fa 2 أو صول 2 sol 2. وهذه الارتفاعات تناسب مغنى الباريتون تماما. وفى الممارسة العملية فى جميع العصور، يختار العازفون سلمهم بينما يقوم المغنون بعرض سلالمهم بدلالة مقدرتهم الصوتية.

ويمكن نقل المقامات بطرق مختلفة، إلى جانب النقل بالإزاحة الكلية لدرجة الأوزنة Tuning pitch للآلة الموسيقية أو سلم الأصوات النظرى. فيمكن الحصول على نقل Transposition على الناى بالإبقاء على أماكن العفق وتغيير الناى. وفى القانون والسنطور santur، ينتقل العزف بعد ضبط درجة الدوزنة. أما فى العود، فيمكن نقل كل درجات العفق على أى مجرى course للأوتار إلى المجرى التالى، ويناظر ذلك نقل رابعة دون تعديل فى الاتزان الصوتى الداخلى للمقام. ومن الممكن أيضًا نقل البياتى على الدوكاه (الوتر الثالث حرًا) إلى النوى (الوتر الرابع حرًا) أو على العشر بران (الوتر الثانى حرًا) دون الإخلال بإنشائه، طالما أن النغمة النهائية والارتكاز (الدرجة الرابعة) تظل مدخلة على الأوتار الحرة. وفى بعض الأحوال، يتخذ المقام اسما جديدا عندما ينتقل بتلك الطريقة. وفى حالات أخرى، ينقل الموسيقى النهاية فى نمط طولى على الوتر، مما يؤدى إلى نقل تتغير فيه كل درجات العفق مع تعديل الإنشاء الصوتى للمقام. ومثال ذلك مقام الرست عندما يتم عزفه على نهاية سيكاه، خاصة عندما يكون الأداء صعبا والذى يغير الدور الصوتى للارتكاز (الدرجة الخامسة)، وعادة ما يكون ذلك على وتر حر (نوى)، ويؤديه بعفق عند منتصف الوتر. ولبعض المقامات، من واقع ملاحظتها على السلم، لها أنظمة سلالم أوكتافية تماثل تماما مع مقامات أخرى، والتى يختلف طول إدخالها على السلم النظرى. مثل مقامات: شداد - عربان (على اليجاه)، سوز بديل (على العشيران)، الحجاز كار (على الرست)، والمقامات التركية زنجولى zengule والشاهناز (على الدوكاه). عندما يتم عزفها على القانون فى غياب معايير الارتفاع، ولا يمكن التفريق بينها (تمييز واحد عن الآخر) إلا بالصيغ Formulas، وتفاصيل التحوير أو القفلات. وعلى النقيض من ذلك، فعلى العود يكون لهم الاتزان الصوتى الخاص بهم. فالنهاية اليجاه (الوتر الأول حرًا) من مقام الشد

- عربان على العود تكون درجة تفضيلية وأساسية. ومن ناحية أخرى، لا تكون النهاية الرست (عند عفق ثالثة صغيرة على الوتر الثانى عشيران) لمقام الحجاز- كار، وهى نغمة أساس هامة جدا، درجة تفضيلية صوتيا. وبالتالى، لا يكون مقام الحجاز - كار عبارة عن شد عربان منقول. وقد أثارت مسألة الميل (صعود وهبوط) فى المقامات مناقشات عديدة. فبعض المقامات، عند القيام بتطور ألحانها المرتجلة، تظهر عمدا ميلوديا صاعدة، والبعض الآخر يظهر ميلوديا هابطة. ويعطى علماء الموسيقولوجيا الأتراك معلومات دقيقة فى أعمالهم عن طبيعة الدرجة الموسيقية لإعطائها قيمتها. وفى بعض الأحيان تختلف مقامان فى الميول رغم تماثلهما فى الإنشاء المقامى والإدخال. كما نجد أيضًا أن البياتى التركى يكون هابطا والعشاق التركى صاعدا: ويثير الحجاز التركى تناقضا فى صعوده وهبوطه، بينما يكون العزال Uzzal صاعدا؛ والنيفا Neva التركى يكون صاعدا أيضًا، والتحرير (Tahrir) التركى هابطا. وفى العراق عادة ما يكون المقامان الشائعان، والموضوعان على أساس الإنشاء المقامى للصبا وهما على التوالى: المنصورى Mansuri صاعدا، والنحيل Na'il هابطا. ومن الناحية التاريخية فإنه من المفترض أن يناظر كل جنس وكل مقام ايثوس Ethos (روح ruh) معين أو يقال له وجدان مقامى modal sentiment, والذى يكيف إلهام الفنان، وإدراك أو إحساس المصاحبين له، إلى جانب المستمعين، عندما يؤدى ارتجالاته. وقديما كان لكل مقام أو جنس ساعته المفضلة، فعند الفجر مقام رحاوى Rahawi، وفى المساء مقام زيرافكاند Zirafkand، وذلك إذا ما أشرنا إلى الدراسة مجهولة المؤلف المهداة للسلطان العثمانى محمد الثانى (القرن التاسع الهجرى/ الخامس عشر الميلادى). إلا فى القرن العشرين قلب تأثير الإعلام والحفلات الليلية تلك المفاهيم.

التسمية والمقارنات.

إلا أن الرست سيظل كلاسيكيا وأكاديميا، أما البياتى فله روح ريفية وميول جماعية مما يجعله مناسبا تماما للأغانى الشعبية، ويعبر السيكا عن عواطف سامية ويميل إليه الصوفيون، ويرتبط الصبا بنسيم الفجر المنعش، ويعبر عن الضنى عند نهاية الليل مع ميول واضحة نحو الحزن والاكتئاب. ومن ناحية أخرى يبدو غريبا تماما لفكرة الاستيقاظ وهو ليس مقام استيقاظ. ومقام الحجاز لديه القدرة على إيقاظ الشجن دون اكتئاب وهو يثير الأذن الغربية ويلفت النظر. وإلى حد ما، فإن الأدعية تكفل نوعا من روح المقامات، حيث تغير المقامات مع كل دعاء. التسمية والمقارنات. من الصعب تحديد أعداد المقامات الحقيقية والزائفة فى غياب فكرة وتصور مسبق، وكذا لتعدد التقاليد الموسيقية التى تشيع فى قلب العالم العربى - الإيرانى - التركى المسلم. وفى العصر الساسانى، قام منظر موسيقى فارسى، برباد Barbadh بتطوير نظام موسيقى صوفى له علاقة بنشأة الكون Cosmogonoys وصف فيه سبع خسروانيات khusraeanis (مقامات)، ثلاثين لان Lahns (أجناس) و 360 داستجاه dastgahs (تحويرات). ولم يختف هذا النوع من التسمية الاصطلاحية كأساس للأرقام التنبؤية Fatidical، وما زال بعض الموسيقولوجيين المعاصرين يحفظون سبع نوتات وأربعين مسافة للأوكتاف بحيث يصلوا إلى 360 مقاما. وفى القرن السابع الهجرى/ الثالث عشر الميلادى، وصف صفى الدين الأرموى اثنى عشر شدودا shudud، وستة أوزان awazat، ومركب murakkab واحد ومقامين غير محددين. وبصرف النظر عن الدراسات المستفيضة للعصور الوسطى والتى رست السلالم، والمسافات، والأجناس والمقامات على العود، والتى وضعت تسميات اصطلاحية لتصنيفات المقامات المستخدمة، فلابد لنا من أن نأخذ فى حسابنا دور الرعاية التى كان يؤديها الحكام للفن والفنانين (وهم بدورهم

من ذوى الموهبة السليمة والأصالة) مما شجعهم على إبداع مقامات جديدة يقدمونها لأميرهم وسط حشد من الخبراء والمتذوقين. كما أنه خلال ثلاثة عشرة قرنا، تم وصف مئات المقامات. ورغم ذلك فالممارسة الحالية فى وقتنا الحاضر محدودة بعدة عشرات من المقامات البسيطة والمركبة ومئة مقام منقول. ويصف إيرلا نجيه Erlanger 119 مقاما شرقيا و 29 تونسيا تنتمى إلى التقاليد الأسبانية - العربية. ويصف س المهدى S. Al-Mahdis 40 مقاما. ويلاحظ الكسيس شوتان Alexis Chottin وجود 24 نوبة Nawbat من شمال إفريقيا، تناظر المقامات الأربعة والعشرين. ويصف حسين سعد الدين أريل Arel مائة مقام تركى. وتصف نيللى كارون Nelly Caron وداريوس سافات Dariouche Safvate اثنى عشر مقاما إيرانيا، منهم 7 داستجاه dastgah وخمسة أواز awaz. ويلاحظ يورجن إيلسنر Jurgen Elsner وجود نظام من ستة مقامات Mokomat فى آسيا الوسطى، عادة ما تميزها صيغ خاصة. ويحصر حبيب حسن توما Touma المقام الأذربيجانى فى أكثر من 70 مقاما mugam. وتوجد بلا شك بين تلك الإنشاءات أوجه تماثل وتباين عديدة. وتشرح لنا القوانين الجمالية والطبيعية للموسيقى، مع قوانين الكون، والطابع المحدود للسلم النظرى للأصوات، بكل ما حدث طوال التاريخ من تشويش وتدخلات، كيف حدث التماثل بين العديد من المقامات العربية الإيرانية التركية أو مقامات آسيا الوسطى وبين المقامات الهندية (الراجا Raga)، والمقامات اليونانية أو المقامات التى استمرت فى الكنائس الشرقية أو بين الأقليات. وفى مجال التشابه مع الهند، يمكننا أن نتعرف على هوية الإنشاء بين المقام الهندى بايرواى Bairavi والكردى kurdi كما أنه بالنسبة للتراث اليونانى، لابد من ملاحظة أن الموسيقيين الكلاسيكيين عند نهاية القرن الثانى الهجرى/ الثامن

الميلادى مثل إسحق الموصلى Ishak-al-Mawsili قد استخدموا السلم الفيثاغورثى الهيلينى على وجه الحصر. أما إعادة اصلاح وتأهيل الإنشاءات القومية فى الموسيقى الأكاديمية فيبدو أن منصور زلزل Mansur Zalzal هو الذى قام بذلك مستخدما درجات العفق المتعادلة. ومنذ ذلك التاريخ، تعايشت الإنشاءات اليونانية مع المحلية جنبا إلى جنب. ولا يخطئ بعض علماء الموسيقى المسلمين عندما يؤكدون على التناظر بين الأجناس الإسلامية واليونانية: الأيونى Ionian. البولى Aeblian. الدوريانى Dorian، والفريجى Phrygian. ورغم ذلك تعانى تلك الطريقة من كثرة التصنيفات للأجناس اليونانية. وهكذا يجدر بنا ملاحظة وجود مقامات كبيرة وصغيرة وأوجه تشابه مع المقامات الديوانية للكنيسة اليونانية: الرست - دياتونى طبيعى، البياتى - صغير كروماتى، والحجاز كار - كير كروماتى. وتظهر أوجه التشابه مع المقامات اليونانية بالمثل نتيجة لتأثير أوروبى مساو للقرن 19، وهو تأثير سبب إعادة هلينية hellenisation، تحمل تناقضا ما. بعد سقوط الدولة العباسية -والتى ميزت ازدهار المزج والتوفيق بين العناصر الموسيقية العربية - الإيرانية - التورانية (التركستانية)، تراجعت الصيغ الأكاديمية الموسيقية بين العرب والإيرانيين لتكتشف تألقا جديدا فى البلاط العثمانى. إلا أنه بداية من القرن التاسع عشر، بدأ الذوق السلطانى يتحول إلى أوروبا ومعه بالطبع الذوق العام فى استانبول وقد عاد النهاوند (المينور) للانتشار ثانية)، وظهرت مقامات ذات ميول تعديلية tempered للمناسبات الضخمة كالنوى أثر (نفيسر Neveser)، سلطانى يجاه (صغير هارمونى harmonic minor)، حجاز كاركوردى (كورديلى - حجاز كار kurdili-Hidjaz-kar)، فرح فازا Fa-

rahfaza، وفرح نوما Faeahnuma. وإنها تلك المقامات مع مقامات أخرى ظلت متألقة فى البلاط العثمانى، هى التى استقدمها إلى مصر عبده الحامولى كى يجدد نشاط الموسيقى المصرية، والتى كانت فى ذلك الوقت فى حالة يرثى لها، تحف بها أخطار التدهور إذا ما صدقنا وصف فيللوتو Villoteau لها. وتتشابه المقامات الإسلامية مع مقامات الكنائس الشرقية إلى حد مدهش رغم ما فى الصيغة والأسلوب من تباعد. وقد يعزى ذلك للميراث القديم المشترك لكل من التقاليد الإسلامية والمسيحية، وكثمرة لتعايش مشترك لفترة تربو عن العشر قرون. ومن الممكن طرح نفس السؤال بالنسبة للغناء الكوماوى Commatic chant للكنائس التى كان العثمانيون يشرفون على إدراتها، وعن طريقها استوعبوا التراث الفنى البيزنطى، والنظام الكوماوى. وتكشف لنا مشكلة المقامات الموسيقية التى استمرت مع الأقليات نفس التشابه المنطوى على لبس. بالنسبة للكورد مثلا فمن المعروف تماما فى تركيا، العراق وإيران أن المغنين الأكراد والعازفين يؤدون مقامات الحسينى أو الدشت فى نوع من السرعة حسب صيغهم وأساليبهم الخاصة. وقد تعزى الصيغة والأسلوب إلى البيئة الجبلية بالإضافة إلى المعايير العرقية Ethnic الدقيقة. إلا أنه إذا كان الأمر هو مجرد مصالحة وتوفيق بين المواطنة citizenship أو جنس ما، وبين المقامات، فمن الجدير بالذكر أن نفس مقامات الحسينى أو الدشت قد استمرت بنفس الإنشاءات والصيغ الكلاسيكية أو الأساليب فى اسطنبول وبغداد، أو طهران. وبعض المقامات من ذات الإنشاءات الممكن العثور عليها فى العالم العربى - الإيرانى - التركى، قد ظهرت فى صيغة، وطراز واسم يجعلها مميزة فى

المنطقة. إلا أنها لا ترتبط بدقة مع أمة بذاتها. وأيضا، سنجد أن مقامات شور shur وداشتى Dashti (إنشاء بياتى) أو أفشرى Afshari (إنشاء سيكاه) فى إيران، قد استمرت كما هى فى أذربيجان، متناظرة على التوالى - إذا ما أخذنا الإنشاء فى اعتبارنا - مع مقامات الشورى Shuri، داشت Dasht، وأوشر Awshar فى العراق، وقد تكون قد استقت من ميراث مشترك فى تلك الدول الثلاث. وقد يقدم المقام الكلاسيكى فى صور مختلفة حسب المكان، كما نجد أن مقام السيكا الذى يلفت النظر بنهايته عند درجة عفق متعادلة، يختلف فى أدائه حسب مختلف النماذج: ففى البلاد العربية عند الدرجة الثالثة، على جنس تتراكورد رست/ بوساليك محور، وفى إيران على مقابل جنس البياتى، أو عند الدرجة الخامسة، على تتراكورد حجاز فى تركيا. وهناك مقام آخر يسمى نوه/ داستاجاه - أى نوى/ نيفا مقامى Nawa/ daslgah-i-Nawa/ Neva makami يستمر على النحو التالى: - تيتراكورد بياتى (يتغير بصعوبة) مدخل على درجة عفق دوكاه (الوتر الثالث على العود). - بنتاكورد متغير محور مدخل على درجة عفق نوى (الوتر الرابع الحر فى العود) والذى قد يكون أيضًا على النحو التالى: (أ) بنتاكورد رست فى تركيا (الدرجة الخامسة وتتحرك بصعوبة)، أو: (ب) بنتاكور رست، بوساليك، بياتى أو حجاز فى إيران (الدرجة الخامسة والسادسة المتحركة). وقد تتيح دراسة مقارنة للمقامات العربية والإيرانية والتركية، بتجريد القوميات، والانفصالية أو الادعاء (بالأبوية) إكتشاف عدد كبير من الإنشاءات المتشعبة تحت اسم مشترك أو إنشاءات مشتركة تتخذ أسماء مختلفة. ورغم ذلك فاللبس الذى يحيط بالمصطلحات سيتدخل بصورة ما.

فالمقام المسمى جساهاركاه بين العرب والأتراك ماجور major، بينما الجاهركاه الإيرانى يناظر حجاز كار عربى - تركى. والماجور يسمى ماهور Mahur أو رست - بانجاه rast-Pandjgah فى إيران، بينما لا نجده ماجور major عند العرب. والمقامات المسماة باتجاه وشورى فى العراق قد تسمى سوزناك وكارجيغار Kardjighar فى تركيا وسوريا. وقد أثبتت الجهود التى لم تؤت بثمارها فى مؤتمر الموسيقى العربية الذى عقد بالقاهرة عام 1932 أنه قد سبق السيف العذل لوضع تسميات اصطلاحية nomenclature مستتبة، أو أنه من الوهم تثبيت ارتفاع الدرجات المتعادلة. وهى عالية جدا فى استطنبول ومنخفضة جدا فى القاهرة. وأخيرا أتاح المؤتمران الموسيقيان اللذان عقدا فى بغداد عامى 1975، 1978 م الفرصة لنا لتأكيد استحالة الموافقة على اصطلاح مقام makam فى معناه الموسيقى. وعلاوة على ذلك فكل هاو للموسيقى وكل موسيقولوجى سيستمر فى استلهام المقام بدلالة حساسيته الشخصية أو مدى استيعابه للإنشاء Formation: صيغ ميلودية شائعة، تجميع للهوية الثقافية، التعبير عن موسيقى عرقية ethnic، النظام المقامى، الهيبتاتون على السلم الموسيقى، البروتوكول المقامى، صيغة الارتجال، الآثار الجمالية الباقية من العصور الذهبية، عقبات النمو والتطوير فى اتجاه الهرمنة harmonisation، والتواصل مع روح الأمة، النظام اللغوى للعود واللغة النوعية. . الخ. المصادر: ببليجرافيا: عن المقام كما فهمه الموسيقولوجيون المستشرقون أو علماء الموسيقى العرقية ethnomusicologists عن الموسيقى musiki والعود ud فى مؤلف J.Elsner فى "مشكلة المقامات Zum Problem des Maquam". Acla musicologica XIVii/2 (1975), 208 - 30 ترجمة د. حسام زكريا مطابع الهيئة المصرية العامة للكتاب رقم الإيداع بدار الكتب 2466/ 1997 I.S.B.N - 977 - 01 - 5095 - 9

مقام إبراهيم

مقام إبراهيم مكان للصلاة، طبقا لنص الآية 125 من سورة البقرة. ويذهب بعض المفسرين إلى تفسير كلمة "مصلى" بأنها مكان للتوسل والابتهال. كما تختلف القراءات بشأن الفعل "اتخذوا" فالشائع هو قراءاته بكسر الخاء كفعل أمر. وقد قيل أن الآية نزلت بمناسبة طلب عمر رضى اللَّه عنه من الرسول أن يجعل من مكان مقام إبراهيم مصلى، ويعتبر نزولها على ذلك تصديق من القرآن لعمر. ويجيب ابن الجوزى على التساؤل عن كيف أن عمر يطلب إدخال ملة أخرى على ملة الإسلام (ملة إبراهيم) بالقول بأن إبراهيم عليه السلام يعتبر إماما للمسلمين، وتواترت الآيات على اتباع ملته. أما قراءة الفعل المذكور بفتح الخاء كفعل ماض فيربط بالسياق {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا} (انظر مثلا "التفسير" لمجاهد، تحقيق عبد الرحمن السرطى، إسلام أباد، بدون تاريخ، والشوكانى، فتح القدير، طبعة بيروت). ويذهب رأى فى التفسير إلى أن المخاطبين بفعل الأمر "اتخذوا" هم بنو إسرائيل، ربطا للسياق بالآية 122 من نفس السورة {يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ. . .} ويذهب رأى آخر إلى أن المخاطبين هم اليهود فى عهد الرسول عليه السلام. ورأى ثالث يذهب إلى ربط السياق بالآية: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ}، (انظر الشوكانى). هذا قد اختلفت الآراء حول مدلول "مقام إبراهيم" وفُسر على أن المقصود به كل أماكن الحج، وفى تفسير آخر إلى أن المقصود هو عرفات والمزدلفة وموضع رمى الجمرات، ورأى ثالث إلى أنه عرفات فقط ورأى رابع أنه الحرم المكى أما الشائع فهو أنه الحجر المسمى بهذا الاسم بالقرب من الكعبة المشرفة. وقد زاد من قدسية الحجر أنه يحمل أثر قدم إبراهيم عليه السلام -فيما يقال- وثمة روايات عن معجزة لهذا الحجر، وهى أنه حين ارتفع بناء الكعبة، طفق يرتفع وينخفض حتى يتيح لإسماعيل مناولة والده مواد البناء. كما يقال أن هذه المعجزة حدثت حين اعتلى إبراهيم الحجر ليؤذن فى الناس بالحج. على أن بعض المفسرين ينظر للحجر على أنه مجرد تحديد لموضع الكعبة، ومنهم من يطلب من المصلى أن يجعل الحجر بينه

وبين الكعبة عند الصلاة فى حالة الصلاة فى المسجد الحرام ولكن هناك من لا يشترط ذلك. كما ذكرت روايات عن فضل الحجر، من كون الدعاء مستجاب عنده، ومن الفقهاء من يستنكر عادة تقبيل حجر مقام إبراهيم أو التربيت عليه أو الطواف حوله. هذا ويقال أن قدسية حجر مقام إبراهيم ترجع لكونه قد هبط من السماء، أو بسبب أن عددًا، من الأنبياء يبلغ 99 نبيا مدفونون تحته، منهم نوح وصالح وهود، ولما كان الأنبياء أحياء فى قبورهم فلا غضاضة من الصلاة فى هذا الموضع بل أنها مستحبة فيه. والمقام حجر صغير الأبعاد، يبلغ 60 سم عرضا، و 90 ارتفاعا. وهو الآن محتفظ به فى صندوق زجاجى ذو قضبان فوق قادعة متعددة الأضلاع، وللهيكل بأكمله غطاء من أعلاه، وهو مرتفع عن الأرض بثلاث ياردات. وفى العهود الأولى من الإسلام كان الحجر محفوظا فى صندوق خشبى مرتفع عن الأرض حتى لايكتسحه الطائفون. وقد كان الحجر يُظهر للعامة حين كانت الصلاة يحضرها الحاكم أو أحد نوابة، وبعدها يعود إلى موضعه. وفى عام 160 هـ/ 777 م نُقل المقام إلى مقر الخليفة المهدى أثناء حجَة، وفى العام الثانى وأثناء رفعه بلا عناية وقع وتشققت أسطحة. وقد أمر المهدى بترميمه وتقوية أسطحه بالذهب. كما قام المتوكل فى عام 214 هـ/ 855 م بتحسين القاعدة وتزيين المقام ذاته بالذهب وبناء قبة فوقه. وقد أزاله وصهره حاكم مكة جعفر بن الفضل لكى يسنغل هذا الذهب فى التصدى لثورة إسماعيل بن يوسف بن إبراهيم. وقد جرى ترميم كامل للمقام فى عهد الحاكم على بن الهاشمى عام 256 هـ/ 870 م ويحكى الفاكهى أن الحجر حين نُقل إلى دار الإمارة لوحظ ما عليه من كتابة، أخذ منها نسخة حاول R.Dozy تفسيرها، إلا أن تفسيره، فى رأى البروفيسور J.Naveh غير منطقى. وجرت مناقشات حادة حول موضع القام، فالأقاويل حول ذلك مشتتة، بل ومتعارضة، قسمها السنجارى خمس فئات. فتقول رواية أن عمر هو أول من نقله من موضعه. وتقول رواية أخرى أن موضعه الحالى هو ما كان عليه فى عهد إبراهيم، ثم نقل فى الجاهلية ملتصقا بالكعبة، وظل كذلك فى عهد الرسول وأبى بكر، ثم أعاده عمر لموضعه الأصلى بعد فترة من حكمة. وطبقا لرواية ثالثة فإن

الرسول هو من نقل الحجر من موضعه الأصلى إلى موضعه الحالى. وفى رواية رابعة نقل عمر الحجر ثم أعاده لنفس الموضع إثر سيل جارف. وأخيرًا تقول رواية إن عمر نقل الحجر إثر السيل، ثم أعاده لموضعه الأصلى بعد ذلك. أما ابن كثير فيرى أن الحجر كان داخل الكعبة ثم نقله الرسول إلى جدارها قائلا إن هذا هو اتجاه القبلة، وهى رواية لا تدخل عمر فى الموضوع. وكون عمر قد نقل الحجر من موضعه أمر مبرر يقبله المنطق، فالطبرانى يفسر التناقشات بأن الحجر كان فى عهد الرسول ملتصقًا بالجدار بالفعل، وأن عمر بعد وفاة الرسول استفسر عن الموضع الذى كان فيه الحجر فى عهد إبراهيم، مدركا رغبة الرسول فى اتباع سنته عليهما السلام، ومن ثم أعاده لموضعه الأصلى. ويروى السنجارى عن ابن سراقة أن المسافة بين باب الكعبة وموضع مناجاة آدم لربه مستغفرا كانت تسعة أذرع، وهذا هو موضع "مقام إبراهيم" وهو الذى فيه صلى الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] بعد الطواف ركعتين إثر نزول الآية: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى}، وأن الرسول هو من أبعده عن موضعه إلى الموضع الحالى على بعد عشرين ذراعًا. أما ابن جبير فيذهب إلى أن الحفرة التى عند الباب، والتى يتجمع فيها ماء غسيل الكعبة، هى مقام إبراهيم، وأنه بسبب تكدس الطائفين فى هذا الموضع روئى نقله من مكانه. وكون المقام ليس فى موضعه يثير نقطة مهمة، هل تكون الصلاة المأمور بها فى الآية عمد الموضع الأصلى أم عند الوضع الحالى. والشيعة على علم بقضية نقل المقام، فالشيعة الإمامية ترى أن تكون الصلاة فى الموضع الأصلى، وهو عندهم يقع بين الركن العراقى والباب. ويتلو ذلك فى الفضل الصلاة فى الموضع الحالى. ويرى ابن باباويه قصة نقل الحجر على الوجه التالى: لقد اعتلى إبراهيم الحجر وهو يؤذن الناس بالحج، حيث كان أثر قدمه، وأن الناس فى الجاهلية نقلوه لموضعه الحالى لتسهيل الطواف، ويقال إن الرسول سأل عن موضعه قبل الجاهلية ونقل الحجر إليه. وأن عمر هو من أعادة للموضع الذى كان الحجر فيه فى الجاهلية. وهناك رواية أن عمر نقل الحجر خشية أن تطأه الأقدام عند الطواف، ورواية أخرى

المصادر

أن الرسول صلى مقابل الكعبة، وسار على ذلك أبو بكر ثم عمر، الذى أعلن بعد مدة أن اللَّه جل وعلا أمر باتخاذ مقام إبراهيم مصلى، فنقل المقام بناء على ذلك، وهاتان الروايتان أجدر بالتصديق لما فيهما من موضوعية ومنطق، وبعد عن إعطاء القصة جوانب غيبية. والخلاصة أن عمر قد قام بنقل المقام من موضعه، غالب الظن لأسباب عملية صرفة. أما التغيير الأخير فى موضع المقام فقامت به الحكومة السعودية حيث يوجد الآن، لإفساح المكان للطائفين. المصادر: وردت بالمتن. على يوسف على [م. كستر M. Kister] مقامة تجمع على مقامات، وتعنى بوجه عام "إجتماع أو مجلس"، ولكنها اصطلاحا يقصد بها فن من فنون الأدب العربى. التطور الدلالى للمصطلح: الكلمة مشتقة من الجذر "ق. و. م."، وتعنى "أن تقف" لإحداث فعل ما ثم تطور المعني ليعبر عن فعل من أفعال الابتداء والشروع. وقد ارتبطت كلمة "مقام" مع "ناد" -وهو اجتماع لذوى الشأن من عليه القوم- فى الآية 73 من سورة مريم، وفى شعر زهير بن أبى سلمى. كما أخذت أيضًا معنى "وضع أو حالة" كما ورد فى شعر كعب بن زهير فى موقفه بين يدى الرسول، وهو موقف "هائل" بلا شك، الأمر الذى يحتمل معه أن يكون أساس تطور الكلمة إلى معنى "معركة أو ملحمة"، ثم إلى "معترك، أو ساحة قتال" كما ورد فى شعر جرير وكتابات الجاحظ. ولما كانت الفصاحة هى ما يميز "اجتماع ذوى الشأن"، فقد يكون طبيعيا أن تتطور الكلمة لتعبر عما يدور فى هذه الأندية من موضوعات مطروحة، ثم لما يلقى فيها على أسماع الحضور من خطب تهذيبية. ومما يثبت ذلك تسمية ابن قتيبة لمؤلفه "مقامات الزهاد بين يدى الخلفاء والملوك"، كما كتب الإسكافى المعتزلى مؤلفا أسماه "المقامات فى تفضيل على"، ويتحدث المسعودى عن مواعظ لعلى وعمر بن عبد العزيز ألقيت بمناسبة "مقاماتهم".

نشأة فن المقامات

وربما كانت هذه الخلفية هى ما دار فى ذهن بديع الزمان الهمذانى حين اختار كلمة "مقامة" ليعبر عما تضمنته أعماله من خطب تثقيفية لبطله "أبو الفتح الاسكندرى" والتى يرويها عنه "عيسى بن هشام"، ثم أطلقت فيما بعد على الفن الأدبى بأكمله، والذى اختلط -كما سنرى- بما كان يسمى "الرسالة" و"الحديث". هذا وقد جمعت شواهد لمقامات شعرية ونثرية سابقة على أعمال بديع الزمان. نشأة فن المقامات: فى المقامات التى وضعها ابن قتيبة كان خطيب الجمع بدويا أو شخصا رث الثياب، وإن كان عالى الفصاحة، وهو نفس الدور الذى يقوم به "القاص، أو القصاص" أمام جمهور العامة، والذى اختلط فيما بعد بأعمال المكديين (الشحاذون الجوالون) وأعمال الصعاليك والدجالين. ولعل الجاحظ يكون أول من صور هذه الشخصيات المفعمة بالحيوية فيما تضمنه كتابه "البخلاء" عن "حيل اللصوص" و"حيل المكديين". كما لا يجب أن ننسى دور الممثلين الهزليين، حيث إن المقامة تحتوى على عنصر مسرحى لا ينكر، من إبراز المظهر الملائم للراوى، وتهيئة الحالة النفسية العامة للموقف. كما يشار أيضًا فى هذا الصدد لأدب "الفرج بعد الشدة" للتنوخى، معاصر الهمذانى، وهو يحتوى أيضًا على أشخاص يدعو مظهرهم للشفقة، ولكنهم ذوى مواهب خارقة فى فن الخطابة. والمقابلة بين المظهر الرث وبين الفصاحة أو الحكمة هو أمر معتاد فى أدب الملح والنوادر. ويذهب الحصرى (توفى 413 هـ/ 1022 م) إلى أن الهمذانى قد عارض أربعين حديثا منسوبة لابن دريد فى أربعمائة مقامة حول الكدية والمكديين، ويؤيد الدكتور زكى مبارك هذا الرأى، بينما يفنده صادق الرافعى. كما يشير القلقشندى فى "صبح الأعشى" لمقامة منسوبة إلى أبى القاسم الخوارزمى، ولكن الراجح أنها ترجع لعصر تال لبديع الزمان. وأيا كانت الحالة، فربما يمكننا أن نؤكد أن فكرة "المقامة" كما نعرفها

بنية المقامة الأصلية

كانت لائحة فى الأفق، علم، أن النقاد يجمعون على نسبتها -كفن أدبى مبتكر- لبديع الزمان الهمذانى. ويتساءل البعض حول احتمال تأثر الهمذانى فى ذلك بنماذج إغريقية أو بيزنطية، ولكن هذا أمر مستبعد، فيما لا شك فيه أنه قد نشأ فى جو عربى إسلامى خالص، أما تأثره بمؤثرات سابقة عليه فلا يمنع من الإشادة له بالفضل لنجاحه -من خلال تخليقه الحركى لشخصيتيه، خاصة البطل فيهما، فى أدوار محددة بكل دقة- فى تشخيص كافة فئات المجتمع. بنية المقامة الأصلية: يتسم هذا الفن فى أعمال واضحه من ناحية الشكل باستخدام السجع، وهو النثر الإيقاعى المقفى، والممتزج بالشعر أحيانًا، مع وجود بطل فصيح (أبو الفتح الاسكندرى)، وراو (عيسى بن هشام) يروى الحكاية للمؤلف، الذى يقصها بدوره على القراء. ويشبه ذلك؛ رواية الشعر أو الأحاديث النبوية، غير أن الراوى هنا شخصية تخيلية. ويجرى ترتيب الحوادث على الوجه التالى: وصول الراوى لبلدة ما، مقابلته للفصيح، خطاب الفصيح للجمهور، مكافأته، تعرف الراوى عليه، توبيخ الراوى للفصيح، تبرير الفصيح لعمله، الفراق. وبالطبع لا تسير هذه الخطة بصورة مطردة فى كل أعمال الهمذانى، وبالأحرى فى أعمال خلفائه. وقد غطى هذا الفن منذ بدايته قدرًا كبيرًا من الموضوعات: المشاهير من الشعراء القدامى والمحدثين، وكتاب النثر كابن المقفع والجاحظ، وأئمة المعتزلة، إبراز العبارات الخارجة، ولغة السوقة، استعراض المعرفة المعجمية، الخ. ورغم أنه يروى عن بديع الزمان قوله أنه قد كتب، أربعمائة من تلك المقامات، إلا أن هذا غير محتمل بقدر كبير، والرأى الراجح أنها فى حدود الخمسين، وقد أصبح هذا العدد تقليديا عند الكثير من كتاب المقامات بعد ذلك. أما عن المحتوى، فقد تناول هذا الفن العديد من الأغراض، الموعظة، الوصف، الرسالة، أدب الرحلات، الحوار والمناظرة، إلخ. تطور فن المقامة: لم يمض وقت طويل حتى إنغمس كتاب المقامات فى

تاريخ فن المقامة

التركيز على التلاعب بالألفاظ، وأول من يقابلنا فى هذا الصدد الحريرى (446 - 516/ 1054 - 1122)، أشهر خلفاء الهمذانى. وقد احتفظ الحريرى بالبيئة الأصيلة للمقامة، من بطل وراو، إلا أن الكثير من الكتاب الآخرين قد استغنوا عن الشخصية الأولى، وأحيانا الشخصيتين معا. ويتيح تنوع الموضوعات استغلال هذا الفن الأدبى فى أغراض متباينة إلى أقصى حد، وإذا كان الهدف الأصلى للأدب بصفة عامة هو التهذيب من خلال التسلية بمزيج من الجد والهزل، فإن مقامات كثيرة انحرفت عن هذا الاتجاه، إما باهمال الجد أو نسيان الهزل. وبالإضافة لذلك، فإن أعمالا أخرى تتماشى مع مقتضيات المقامة ولكن تحت مسميات أخرى، مثل "الرسالة" أو "الحديث"، كما أن أعمالا أخرى أطلق عليها مسمى "مقامة" دون أن يظهر فيها أى ملمح من ملامح هذا الفن. وثمة خلط ظاهر بين الرسالة والمقامة، تبدو فى عمل ابن شهيد "رسالة التوابع والزوابع"، فهو يقر بأنه استلهم من المقامة الإبليسية رسالته التى تحمل سمتين من سمات المقامة: السجع، ووجود رفيق للمؤلف وهو "الجنى". وهناك شاهد آخر أسبق تاريخا، هو أعمال ابن شرف، والذى يعطيها أسماء "أحاديث" و"رسائل"، بينما هى تحوى حكيما يبدى آراءه فى الشعراء القدامى والمعاصرين بأسلوب قريب من أسلوب الهمذانى فى مقاماته، ولكن دون وسلطة راو. وفى الأندلس، حيث ينتمى المؤلفان المذكوران، كانت "المقامة" تطلق على أى نص أدبى يتميز بالإيقاع والقافية، سواء تضمن شعرا أم لا، ومهما يكن موضوعه. وكثيرا ما كانت هذه النصوص تثقل بالمحسنات البديعية لدرجة الحذلقة، مع استعراض للمعرفة، مما يجعلها أقرب للطلاسم. تاريخ فن المقامة: باستثناء ما ذكر سابقا عن الخوازمى، فإن معاصرا البديع الزمان، هو ابن نباتة السعدى قد كتب مقامة محفوظة ببرلين، لا يمكن القطع بكونها عملا أصيلا أم تقليدا. كما ألف العراقى، فى القرن الرابع أيضًا،

مقامة عن "البعث". وتشهد أعمال ابن شهيد وابن شرف السابق ذكرهما بمدى انتشار تأثير بديع الزمان فى شمال أفريقية والأندلس، وينطبق نفس القول على الشاعر ابن فتوح الذى كتب مقامة عن شعراء عصره، قدمت أيضًا فى صورة حوار. وفى المشرق نجد خلفا قريب العهد بالهمذانى، هو الطيب بن بطلان (توفى 460 هـ/ 1068 م) يكتب مقامة فى "تدبير الأمراض". إلا أن الحريرى هو أكثر خلفاء بديع الزمان شهرة، وهو الذى وضع هذا الفن فى قالبه الكلاسيكى، كما حوله عن التركيز على المضمون إلى الاهتمام بالشكل، فركز كل التركيز على الأسلوب الذى يتسم بالغموض، والذى كان الهدف منه استعراض المقدرة اللغوية، لدرجة أن عشرين فقيها لغويا تولوا شرح مقاماته التى بلغت من الشهرة درجة تحفيظها للصبيان -بعد القرآن الكريم- عن ظهر قلب، كما أنها حفزت كتّاب المقامات المتأخرين على تقليده فى الحيل اللغوية التى ابتكرها. ومن القرن السادس نذكر مؤلفان لهما شهرة طيبة فى كتابة المقامات، قلدا فيها الحريرى، هما الحسن بن صفى، وكنيته ملك النحاة (489 - 568/ 1095 - 1173) وأحمد بن جميل (توفى 577 هـ/ 1182 م) من بغداد، مؤلف "كتاب المقامات". أما فى الأندلس فقد بلغت شهرة الحريرى أوجها، وكتبت أعظم شروح لمقاماته، وهى ما قام به الشرشيرى (توفى 619 هـ/ 1222 م)، كما قلده الإشتركونى فى "المقامات السرقسطية" التى يبلغ عددها خمسون، وهو العدد التقليدى كما أسلفنا، وهى تعرف أيضا باللزوميات، دلالة على تأثر الكاتب بأبى العلاء. واشتهر بكتابة المقامات أيضًا الوزير أبو عامر بن أرقم والفتح ابن خاقان والوزير أبو الحسن سلامة الباهلى. وفى سورية، تنسب "المقامة الفاسية" لابن محرز الوهرانى (توفى 575/ 1179). وقد تناول بعض الصوفية، كالسهروردى (توفى 586 هـ/ 1191 م) مصطلحات الصوفية فى "مقامات الصوفية".

وفى القرن السابع نجد "المقامة المولوية الصاحبية" للوزير الصاحب صفاء الدين، تناول فيها مسائل شرعية، و"المقامات الزينية" للجزيرى (توفى 701 هـ/ 1301 م)، ومقامات لأسماء أخرى كالشاب الظريف فى "مقامات العشاق". أما القرن الثامن فيشهد إكثارا من تقليد المقامات، تتناول غالبا مواضيع دينية أو مديحية. فنجد ابن المعظم الرازى يطلق على كتاباته "المقامات الإثنى عشرية"، ويمدح ابن سيد الناس التونسى (توفى 734/ 1334) الرسول فى "المقامة العلية فى الكرامات الجلية"، ويستخدم شمس الدين الدمشقى (توفى 727 هـ/ 1321 م) صيغة المقامات فى غرض صوفى فى "المقامات الفلسفية"، أما أحمد بن يحيى التلمسانى فقد اشتهر بشغفه فى كتابة المقامات لدرجة كتابته مقامة عن الشطرنج. ومن غرناطة نذكر "مقامات العيد" لابن المرابع، وبطلها شحاذ من بنى ساسان [قوم ينسب لهم الذل بعد العز] يبحث عن أضحية للعيد، ويعطينا فيها ملامح عن تاريخ غرناطة، و"مقامات السياسة" لابن الخطيب، ذو الإنتاج الغزير فى هذا الفن، وفيها يتخيل عجوزا ينصح الرشيد فيما يتعلق بأمور الحكم، و"المقامة النخيلية" لقاضى الجماعة النبهانى، وتتضمن حوارا متحذلقا لدرجة الغموض بين شجرتى نخيل وتين. وتشهد فترة الانحطاط الأدبى فى القرنين الحادى عشر والثانى عشر/ السابع عشر والثامن عشر استخداما واسع النطاق لفن المقامة فى أغراض متعددة، نذكر منها "المقامات الهندية" لبعبود العلوى التى كتبها فى 1128 هـ فى وصف مغامرات رحالة فى الهند، و"المقامة البكرية" فى رثاء أبى بكر الدلائى لكاتبها محمد المكلانى من مراكش (توفى 1041 هـ/ 1631 م). وإذا ما وصلنا إلى القرن التاسع عشر تبرز لنا أسماء مثل ابن العطار (توفى 1250 هـ/ 1814 م) وأبو الثناء الألوسى (1217 - 1270 هـ/ 1802 - 1853 م)، وله خمس مقامات تتضمن نصائح لأبنائه، وتأملاته فى الموت.

ويتولى أدباء عصر النهضة إحياء هذا الفن طبقا لقواعده الأصلية، اعتقادا منهم بأنه -باعتباره فنا يتفرد به الأدب العربى- أفضل وسيلة لتحفيز اهتمام القراء، وإحياء الثروة اللغوية التى أسئ استخدامها فى القرون السابقة. ومن كتاب المقامات فى هذا العصر ناصف اليازجى اللبنانى (1800 - 1871 م) صاحب "مجمع البحرين" ويحتوى على ستين مقامة (وليس خمسين) كتبها لأغراض تعليمية قلد فيها الحريرى بنجاح، وعبد اللَّه باشا فكرى (توفى 1890) صاحب "المقامات الفكرية فى المملكة الباطنية". كما تبرز أسماء مثل عبد اللَّه الفيضى من العراق، وإبراهيم الأحدب من لبنان، وغيرهم. وتعتبر مقامات المويلحى "حديث عيسى بن هشام" الإنجاز الحقيقى لفن المقامات فى القرن العشرين، وهى أغنية التم (أغنية الوداع) لمؤلفها، وقد كانت محلا لدراسات متعددة، كما نجد مقامات توفيق البكرى "صهاريج اللؤلؤ" المنشورة فى 1907. وقد كتب حافظ إبراهيم "ليالى سطيح" فى نقد المجتمع بأسلوب المقامات الساخر. ونلاحظ أن العنصر المسرحى للمقامات لم يستغل بشكل مرض. ويعتقد الدكتور على الراعى أن "خيال الظل" لابن دانيال مرتبط بالأدب من خلال فن المقامة. كما يبين أن الطيب الصديق من مراكش قد وضع مسرحيات لاقت نجاحا على أساس من أعمال الهمدانى، ولكنها محاولات فردية على أية حال. تقليد فن المقامة فى اللغات الأخرى: كان نجاح هذا الفن الذى ابتدعه الهمذانى ووطد أركانه الحريرى لافتا للنظر عند بعض الكتاب من غير العرب، مما حداهم لتقليده. ففى بلاد فارس ذاع صيت "المقامات الأربع والعشرين" لحميد الدين البلخى (توفى 559 هـ/ 1156 م) والتى تضم محاورات تجمع شابا وعجوزا، سنيا ومسلما، طبيبا ومنجما، ووصفا للصيف والخريف، والحب والحماقة، ومناقشات فقهية وصوفية، وفيها ضحى الكاتب بالإحساس لحساب الشكل. وفى أسبانيا ترجم الحبر يهوذا بن شلمو

المصادر

مقامات الحريرى ثم وضع على نسقها خمسين مقامة تعبر عن الحكمة أسماها "سفر تحكمونى" اقتبس فيها من أقوال التوراة ببراعة فائقة. كما ألف يشوع عبديشو -أسقف نصيبين- خمسين مقامة بالشعر السريانى. ويبدو أنه لا توجد شواهد على تقليد فن المقامة فى اللغة اللاتينية، إلا أنه من الجلى أن بطل رواية Picato يشبه إلى حد كبير أبى الفتح الإسكندرى وأبى زيد السروجى. المصادر: (1) G.E.von Grunebawa, The spirit of Islam as shown in its litirature, in SI (1953), 114 - 19 (2) Di. Sulta: Fanm al-kissa wa'lmokama Damascus 1362/ 1943 المقدسى المقدسى لقب عرف به شمس الدين أبو عبد اللَّه محمد بن أحمد بن أبى بكر البناء الشامى، المعروف أيضًا بالبشارى وقد سماه بهذا الاسم ياقوت فى معجم أدبائه، وهو أعظم جغرافى عربى ظهر فى النصف الثانى من القرن الرابع الهجرى (العاشر الميلادى). أما حياته التى لا نعرفها المعروفة الكاملة فلا نستطيع الوقوف عليها إلا من خلال مؤلفاته، وهو مرتبط ارتباطا كبيرا بفلسطين التى شهدت مولده وإلى المدينة التى يحمل اسمها (فالمقدّس أو المقدسى نسبة إلى البيت المقدس أو بيت المقدس)، والأرجح أنه خرج من أسرة من الطبقة الوسطى، وكان جده أبو بكر بناء، ويرجع ذيوع صيته إلى أنه "بنى" بأمر ابن طولون تحصينات عكا البحرية، أما أسرة والدته فقد جاءت فى الأصل من "بيار" وهى بلدة صغيرة فى خراسان، وقد كان جده لأمه أبو الطيب الشوا رجلا ميسورًا مُوَسّعًا عليه كما كان فى الوقت ذاته خبيرا فى صنعة البناء، وقد هاجر إلى بيت المقدس، ويمكن الرجوع إلى كتابه أحسن التقاسيم للوقوف على الأخبار المتعلقة بأسرته. على أنه يمكن من استقراء أحداث خاصة واردة فى ثنايا كتابه هذا أنه ظل فى الوجود حتى سنة 380 هـ (990 م) أو ما يقربها، وإن كانت هناك أيام قلائل تعتبر معالم بارزة فى حياته نستمد منها أنه

قام بالحج إلى مكة مرتين فى عامى 356، 367 هـ (967، 978) كما رحل إلى حلب فى الفترة من 354 إلى 364 هـ (= 965 - 975 م) وزار خراسان سنة 374 هـ (= 984 م)، أما اعتزامه وضع كتابه فقد اتخذه وهو فى شيراز سنة 375 هـ (= 985 م) وقت أن مر بها كما يقول، ولكن متى كان مروره هذا؟ لا ندرى، ولكنه كان فى الأربعين من عمره. على أنه يمكن أن يقال أنه تثقف بالثقافة التى تناسب طبقته الاجتماعية، فهو يستعمل فى مواضيع مختلفة هنا وهناك النثر المسجوع والشعر مما يشهد له بالدراسة التقليدية فى علوم النحو. أما مجادلاته فقائمة على الفقه ومناقشة آراء المدارس الدينية والتشريعية مقدما فى كل هذا ما يدل على عناية ملحوظة بالنظم الأساسية، وربما كان المقدسى -كما يقول فى مقدمة كتابه- هو أول من دفعته الرغبة فى وضع عمل علمى أصيل يفوق به أسلافه فى الوصول إلى ما يمكن تسميته بحق بالجغرافية الحقيقية، وهو ينتمى إلى المدرسة التى يمكن تسميتها "بأطلس الإسلام" التى كان أول من أوجدها البلخى ثم استمرت ممثلة فى الأصطخرى وأتمها ابن حوقل الذى كان ساحرًا للمقدسى، الذى كان رائدًا لابن حوقل، وليس من شك فى أنه اعتمد على ما ألفه وما ورثه عنه، وكان هذا الضرب الجديد الذى استعمل البلخى من وصف للعالم الإسلامى شأنا جديدا مستحدثا لأول مرة، على أن تصنيف المادة وتنظيم الطريقة تجعلان المقدسى أول ممثل لهذه المادة عن جغرافية. البلدان الإسلامية فى القرن الرابع الهجرى (العاشر الميلادى)، وكان طموحه فى التنظيم وجمع محتوياته يظهر ميل المقدسى لإبداع مادة مفيدة لاسيما للتجار والأدباء، وهذه النقطة الأخيرة من النقاط الهامة، فقد طعّم كتابته بالنثر المسجوع والشعر، أما فيما يتعلق بالمحتوى (وهو يظهر المنهج الذى حدده المؤلف لنفسه والذى يبدو واضحا بدءًا من المقدمة إلى مادته فتبين أن المقدسى كان يهدف لأن يكون الكتاب شاملًا لجميع الفروع التى يمكن بها أن نسميه بمنطوقنا اليوم بالجغرافية من الجوانب الطبيعية والاقتصادية والإنسانية. لقد اقتصر الكتاب نفسه -إذا نظرنا إلى الخريطة- على عالم الإسلام إلا باستثناءات

قليلة نادرة ألمَّ فيها ببلاد أجنبية، ويتضح ذلك من مقدمة كتاب صورة الأرض، فهو يتضمن عالمًا يتألف من قسمين هما: مملكة العرب ومملكة العجم ويربط المقدسى بين بينهما فى مفهوم فريد، فمملكة الإسلام تعنى عنده مملكة إسلامية واحدة، فهناك ست "ممالك" عربية هى المغرب ومصر وبلاد العرب والشام والعراق وأقود (وهى أرضى الجزيرة وشمال ما بين النهرين)، كما نجد من ناحية أخرى ثمانى ممالك أو ولايات غير عربية هى رحاب (وتشمل أذربيجان الأرمنية) والديلم، وإقليم جبال خوزنسان، وفارس، وكرمان والسند والمشرق، وهذا اللفظ الأخير يتضمن جميع الأراضى التى تدخل مباشرة أو عن طريق غير مباشر تحت نفوذ السامانيين (وهى سجستان وأفغانستان وخراسان وبلاد ما وراء النهر المعروفة باسم "ترانسكسانيا" وأما الوحدة التى يمكن أن تكون هناك فتتكون من بلاد تنقسم إلى كتلتين يفصلهما بحر (البحر الأبيض المتوسط وبحر المشرق/ أو صحراء وهو ما يعبر المقدسى عنه بعبارة بادية العرب ومفازة خراسان)، كما أن هناك ولايتين لكل منهما عاصمة هما: الأندلس وعاصمتها قرطبة والمغرب الأصلى وعاصمته القيروان، وأما المشرق الأصلى فهو البلاد الواقفة جنوبى نهر سيحون وشماله (وهى نيسابور وسمرقند). ويؤكد المقدسى الوحدة الجغرافية فيجعل قلب العالم الإسلامى شبه الجزيرة العربية حيث يعتبر أن لها عاصمتين هما مكة وزبيد، وهو يحدد أيضًا "الولاية" تحديدا دقيقا، فيعتبر "الإقليم" وحدة جغرافية ولكنها تختلف فى صقع منها عن الآخر فى صفاته الطبيعية مما يترتب عليه قيام ظروف تاريخية معينة، ويجعل على رأس هذه الأقاليم "مصر" التى تتبعها وتحوطها "قرى" عدة، كما توجد المدن حول "القصبة"، ويتمثل هذا الضرب الجديد من الجغرافية التى ابتدعها المقدسى فيما سماه بمملكة الإسلام، فنوجه باسم جديد هو "أحسن التقاسيم فى معرفة الأقاليم". لقد كانت هذه المادة محتاجة إلى تعبيرات خاصة ذاتية، فنجد المؤلف يستعمل كلمتين هامتين تختلف كل واحدة منهما عن الأخرى هما كلمة "ناحية" وكلمة "رستاق" وكان الرستاق من الصخر إلى الحد الذى يجعله لا يتعدى قرية، وإلى جانب هذا

المصطلح المحدد نجده يستعمل "ألفاظا" ترتبط ارتباطا خاصا بأشياء معينة، إذ يقيمها على أساس المنتجات والغلة، كما يتكلم عن أماكن أخرى فى الأقاليم الأخرى التى زارها، فيرتبها على أساس الحرف والآلات والأوزان والمقاييس والعملة. وهو إلى جانب ذلك يتعمد فى وصفه كل ولاية فيقسمها إلى قرى ومدن ثم يتبع ذلك بوصف لكل منها على حدة، ثم يتلو ذلك بوصف للمناخ والمنتجات وما يخص كل ناحية منها، والمياه، والمناجم والجبال، والمواضع المقدسة بها، والضرائب والمقاييس والمكاييل والعادات، وما بها من العجائب، وتقاويمها، وحكوماتها والفرق المختلفة التى بها والمدارس ومكاتب تحفيظ القرآن ثم يختم ذلك كله بذكر طرقها ومسالكها. وربما كانت مادة ابن حوقل أوفر فى الناحية الإخبارية وذلك نظرا للخطة التى وصفها لكتابه، وبقى أن نقول إن ذلك المشروع فى حجمه الشديد الفخامة هو أقرب إلى الحلم منه إلى الحقيقة، فإن تكوين المملكة على هذه الصورة الكبيرة مسألة يشجبها التاريخ، وتفصل فيها القرون التالية التى سيبنيها الواقع السياسى وغيره من الأمور التى تجد وغيرها التى تظهر ثم تختفى، وعلى الرغم من أنه يواصل مع الآخرين الثناء على بغداد وامتداحها التى هى فى اعتباره الرمز الحىّ الموحد لهذا العالم إلا أنه لا يستطيع أن يؤكد على انهيارها أمام القوتين اللتين كانت تنافسانها وهما قرطبة ومصر الفاطمية على وجه الخصوص التى يعترف بأنها لابد وأن تتغلّب على خصيمتها وتأخذ السلطة منها، ويحمل الكتاب الشهادة الصريحة على هذه التوترات، وتوجد من هذا الكتاب نسختان مخطوطتان إحداهما فى برلين والأخرى فى القسطنطينية ويوجد بينهما تباين كبير، ولا يقتصر هذا الاختلاف على التاريخ فحسب والعنوان، ولكن أيضًا فى المراجع التى تتعلق بالقوتين السائدتين فى الشرق الإسلامى فى نهاية القرن الرابع الهجرى (العاشر الميلادى) وهما الفاطميون والسامانيون. ويمكن مراجعة أحدث وأدق مرجع عن هذا الموضوع وهو كتاب A.Mique: La geographie humaine du monde musulmane jusqu'au miliew du xie sieile

مقرا

والذى يقع فى أربعة مجلدات وطبع فى بارى; ولاهاى ما بين عامى 1967، 1988. بدرية الدخاخنى [أ. ميكيل A. Miquel] مقرا يطلق هذا الاسم على ناحية من النواحى وبعض القرى الواقعة إلى الجنوب من صنعاء، وهى معروفة عند الجغرافيين العرب بسبب وجود منجم للعقيق الأحمر بها، كذلك يطلق لفظ "مقرا" على سلسلة جبال موجودة فى السراة، ولا يرى سبرنجر داعيًا لربط القبيلة الحميرية التى تسمى بهذا الاسم بما يسميه بطليموس "مكسرا" لأنه لفظ أريد به عند بطليموس موضع مجاور لنجران. راجع صفة جزيرة العرب للهمدانى، والمقدسى وابن الفقيه وابن خرداذبه وياقوت: البلدان، وابن سموره الجعبرى: طبقات فقهاء اليمن. أسامة عبد المنعم عمارة [أ. جرومان A. Grohmann] مقياس المقياس هو جهاز بسيط يستخدم فى القياس، وأشهر مقياس فى مصر هو مقياس النيل الذى يبين إرتفاع الفيضان. وروى ابن عبد الحكم أن يوسف عليه السلام هو أول من بنى مقياسا للنيل فى مصر فى منفيس (*). وبنى المصريون مقاييس أخرى فى إخميم وظلت هذه المقاييس قائمة طوال العصر الهلينستى، وحتى الفتح الإسلامى لمصر فى سنة 18 هـ/ 639 م. فى بداية العصر الإسلامى أمر عمرو بن العاص ببناء مقياس للنيل فى أسوان وآخر فى دندره. وأنشأ المسلمون مقاييس أخرى فى عهد معاويه كما بنى الخليفة المتوكل مقياسا كبيرا فى جزيرة الروضة فى الفسطاط ليحل محل مقياس الوليد بن عبد الملك الذى تهدم. ¬

_ * يطلق عليها منف (منفيس أو ممفيس) حاليا فى موضعها حيث رهينة. (المترجم)

وأكمل بناء المقياس الحالى محمد الحاسب فى سنة 247 هـ/ 861 - 862 م كما يشير إلى ذلك نقش بهذا المعنى على فوهه بئر المقياس. وذكر ابن أبى أصيبعه أن محمد الحاسب قد بنى هذا المقياس تحت إشراف ممثل الخليفة أحمد بن كثير الفرغانى. وأسند المتوكل إدارة شئون المقياس إلى أبو الرداد. وظلت أسرة أبو الرداد تتوارث هذا العمل حتى عمر المقريزى المتوفى سنة 846 هـ/ 1442 م. ويتكون مقياس النيل من عمود مدرج طويل مثمن الأضلاع مثبت فى قاع بئر مبطنه بالأحجار، مساحة قاعدتها نحو 6.2 مترا مربعا تقريبًا مزوده بدرج يصل إلى قاعها. وقسم عمود المقياس إلى ستة عشر ذراعا، متوسط طول الذراع نحوه 54.05 سم. وقسم كل ذراع من العشره أذرع العليا إلى أربعة وعشرين إصبعا (قيراطا) ويرتكز هذا العمود على قاعده مساحتها 83 سم 2. وارتفاعها 1.17 مترا، وترتكز هذه القاعدة على كتلة حجرية قطرها نحو متر ونصف تقريبًا، وسمكها 32 سم. وقد ثبتت هذه الكتلة الحجرية بدورها فى قاعده خشبية مدعمة بأربعة قوائم خشبيه سميكه ويبلغ إرتفاع عمود المقياس وقاعدته تسعة عشر ذراعا. ويتصل بئر المقياس بالنيل بواسطة ثلاثة انفاق تقع فى الجهة الشرقية للبئر. وشاهد ابن جبير فى أثناء زيارته لمصر مقياس الروضة ودون فى رحلته بأن مقياس الروضة هو عمود من رخام أبيض مثمن طوله اثنين وعشرين ذراعًا، كل ذراع مقسم إلى أربعة وعشرين قسما تسمى بالاصابع، ويضيف ابن جبير قوله؛ "فإذا انتهى الفيض عندهم إلى أن يستوفى الماء تسعه عشر ذراعًا، فهى الغاية عندهم (عند المصريين). والمتوسط عندهم ما استوفى سبعة عشر ذراعًا، والذى يستحق به السلطان خراجه فى بلاد مصر ستة عشر ذراعًا فصاعدا. فإذا نقص الفيضان عن ستة عشر ذراعًا فلا تجبى للسلطان فى ذلك العام الخراج".

المكتبة

وروى الإدريسى أن المصريين يعتبرون فيضان النيل خطيرًا إذا بلغ ارتفاع الماء عشرين ذراعا. حيث يهدم البيوت ويقتلع الأشجار، فإذا قل الفيضان عن اثنتى عشر ذراعًا أصيبت البلاد بالجدب والتحاريق. وتبين هذه الكتابات أن مقياس النيل. كان فى القرن السادس الهجرى/ الثانى عشر الميلادى أطول مما هو عليه الآن. وروى المقدسى أن صاحب المقياس (الشخص المكلف بمراقبة الفيضان وقياس إرتفاعه) كان يبلغ السلطان بمقدار الزيادة فى فيضان النيل يوميًا، ولا يعلن خبر ذلك لعامة الناس، قبل أن يصل ارتفاع الماء إلى اثنتى عشر ذراعا. وقبل أن يصل ارتفاع الماء إلى ذلك الرقم، كان المنادى يكتفى بالقول بأن اللَّه سبحانه وتعالى قد زاد مياه النيل بمقدار كذا وكذا من الأصابع. ويعم الفرح والسرور عندما يصل منسوب الماء إلى ستة عشر ذراعًا. حيث يكون ذلك بشرى بقدوم عام وفير العطاء. د. مصطفى محمود سليمان المكتبة المكتبة التى تعرف بهذا الاسم فى العربية هى التى يسمونها فى الفارسية بـ "كتاب خانه" أما فى تركيا الحديثة فتعرف باسم "كتبخانه" من أسمائها أيضًا "خزانة الكتب" و"دار الكتب". ولقد شهدت فترة ما بعد الفتوحات الإسلامية حماسا للمهن الأدبية ولتأليف الكتب. ويعتقد أنه كان من عادة الكتاب ايداع نسخ من أعمالهم كمراجع فى مساجد مدنهم أو أحيائهم. وقد حوت مكتبات الأمويين كتبا فى شتى فروع المعرفة الرئيسية المعروفة فى ذلك الوقت، كما تم تعيين مسئولين عن هذه المكتبات. يفترض أن المترجمين عملوا فى هذه المكتبات أو على الأقل أودعوا أعمالهم فيها. وأقام معاوية أول المكتبات العامة وكانت جزءا أساسيا من أول الأكاديميات المعروفة باسم "بيت الحكمة" وكانت تحتوى على مجموعات من الأحاديث النبوية وأعمال لأمثال عبيد بن شرية التى وضعها بأمر

الخليفة وقد ورث ذلك عنه حفيده خالد ابن يزيد الذى صرف عمره فى دراسة العنوم اليونانية ولاسيما الكمياء والطب، ولقد قيل إنه أمر بترجمتها، فلما حدث الطاعون فى أول عهد عمر ابن عبد العزيز أمر بإحضار هذه الكتب لتكون فى متناول الناس. وفى عهد الخليفة العباسى المأمون بلغ بيت الحكمة فى بغداد ذروة تطوره حيث حوت المكتبة كتبا فى كل العلوم التى شجعها العرب بعد أن أمر المأمون بترجمة المخطوطات اليونانية إلى العربية. غير أنه بعد انتقال مقر الخلافة من بغداد إلى سامراء زمن المعتصم، الذى خلف المأمون، فقد بيت الحكمة طابعة العلمى وعرف فقط بخزانة المأمون. وكان يزوره الدارسون حتى نهاية القرن الرابع الهجرى (العاشر الميلادى) ثم لان عود نسمع له خبرا بعد ذلك. وتلت حقبة بيت الحكمة حقبة "دار العلم"، وهى مؤسسة ذات طابع شبه رسمى أقيمت على طراز المكتبة العامة التى لها أمينها الخاص بهدف نشر الدعاية الطائفية وتدريس العلوم الطبيعية. ولقد أقيمت هذه الدور فى كل من بغداد والموصل والبصرة ورآم - هرمز وغيرها من البلاد. وتعد دار العلم التى أقامها "ابن سَوَّار" فى البصرة أول دار تعتمد على الوقف، ونبعت من "دار العلم" ومن ثم فإن هذه الدار هى الأب للجامعة العربية. ومن المكتبات المشهورة الأخرى تلك التى كانت ملحقة بالمدرسة النظامية والمدرسة المستنصرية فى بغداد حيث كان يوجد أيضًا العديد من المكتبات الملحقة بالمدارس والمساجد والأربطة والمدافن، ويصف يوسف العشى أكثر من عشرين مكتبة من هذه المكتبات التى دمر هولاكو أغلبها فى عام 656 هـ/ 1258 م، كما دمر غيرها من مكتبات المدن العراقية الأخرى. وكان قد تم إنشاء مكتبات مماثلة لهذه فى دمشق وحلب ومدن أخرى من مدن الشام ومصر. أما المكتبة التى جمعها الخليفة الفاطمى الحاكم بأمر اللَّه فى القاهرة

فكانت تضم بين جنباتها كنوزا أدبية لا تعد ولا تحصى. وفى عام 435 هـ/ 1043/ 1044 م أمر الوزير أبو القاسم على بن أحمد الجرجرائى بفهرست ما فيها من كتب وترميم ما يحتاج منها إلى ترميم وتجليد وعهد إلى أبى خلف القضاعى وابن خلف الوراق للإشراف على هذا العمل، وقد ظلت هذه المكتبة سليمة دون أن تمس حتى وفاة العاضد آخر الخلفاء الفاطميين، ثم أمر صلاح الدين الأيوبى بإغلاقها وحينذاك أخذ القاضى الفاضل أغلب ما تحويه من كتب وأودعها فى مكتبته التى عرفت بمكتبة المدرسة الفاضلية التى أنشأها، ولكن سرعان ما أهملت هذه الكتب، حتى إذا كان زمن القلقشندى اختفى معظم ما كانت تحتوى عليه ويقال إن المكتبة الفاضلية هذه كانت تضم ستة آلاف وخمسمائة مجلد فى العلوم وحدها التى كانت معروفة يومذاك مثل الرياضيات والفلك، وكان من بين ما كانت تضمه كرة أرضية من النحاس قيل إنها من عمل "بطليموس" وعليها كتابة تشير إلى أنها صارت ملكا لخالد بن يزيد من معاوية، أما الخلفاء الأمويون فى قرطبة، فكانوا يملكون مكتبة ذاع صيتها واشتهر أمرها. وقد كرس الحكم الثانى حياته كلها لها واستخدم عمالا مهمتهم جمع الكتب من جميع الأراضى الإسلامية. ويقال إنها كانت تحتوى على حوالى أربعمائة ألف كتاب وإن فهرس المكتبة شغل 44 مجلدا يضم كل منها 40 ورقة، ولكن للأسف امتدت يد النهب إلى معظم ما فى هذه المكتبة ثم أصاب الدمار معظمها زمن من جاءوا بعد الحكم الثانى. وعندما غزا الملوك الكاثوليك غرناطة صدرت الأوامر إلى جميع المورسكين بتسليم كل الكتب للسلطات [الكاثوليكية] وذلك لتسهيل عملية ردهم للنصرانية وليقوم الخبراء بفحصها بحيث يتم الاحتفاظ بالكتب الفلسفية والطبية المتعلقة بالتاريخ، أما غير ذلك من فنون العلم فيتم تدميرها، غير أن الكاردينال سيسنورس Cisneras أصدر مرسوما يقضى بحرق كل الكتب العربية فى أحد ميادين غرناطة العامة. ولقد عرفنا بعضا من المكتبات الخاصة القيمة التى كانت رهن إشارة

العلماء مثل تراجم الصولى ومجموعته التى كانت مجلدة أحسن تجليد بالجلد الأحمر والأصفر. ويذكر الصفدى فى ترجمته لفرس النعمة الصابى أنه وجد فى بغداد مكتبة بها 300 مجلد مما يرجع إليه الطلبة وإن هذه المكتبة قد سرقها -وياللعار- القيم على المكتبة. أما فى فارس فقد اقيمت فى العصر العباسى مكتبات فى رام - هرمز الرى واصفهان. وكانت المكتبة الشهيرة التى أنشأها عضد الدولة فى شيراز تحتوى على نسخة من كل الكتب التى ظهرت حتى ذلك العين فى جميع فروع المعرفة. عندما اجتاح المغول بلاد فارس فى القرن السابع الهجرى (الثالث عشر الميلادى) دمرا اعدادًا ضخمة من الكتب النفيسة إلى جانب من أفنوه قتلًا. وبالرغم من أن بعض سلاطين دلهى كانوا من المحبين أشد الحب للعلم، وأنهم كانوا يرعون العلماء ويشجعونهم الَا أننا لم نعثر قط على آية إشارة تدل على أى مكتبة كانت فى ذلك العصر، وإن أقدم مكتبة سمعنا عنها هى مكتبة نظام الدين أولياء وهو معاصر للسلاطين الخلجيين ودولة بنى تغلق، وكان كثير من أباطرة المغول ورجال بلاطهم يمتلكون مكتبات خاصة قيمة، إلا أن هذه المكتبات بعد حوادث 1857 م الدامية بالهند، انتقلت بعض مخطوطاتها إلى الخارجية البريطانية وإلى الجمعية الآسيوية الملكية بلندن. وعندما استولى محمد الفاتح على القسطنطينية جمع المخطوطات المكتوبة باليونانية واللاتينية وغيرهما من اللغات واودعها فى المكتبة التى انشأها والتى أصبحت فى الوقت الحالى جزءا من قصره المعروف بسراى طبقا بى، كما أن أحمد الثالث أقام مالًا يقل عن خمس مكتبات فى اسطنبول بما فى ذلك مكتبة أندرون همايون كتبخانة الذى عين الشاعر نديم أمينا لها، كما منع تصدير المخطوطات النادرة. وقد تم الآن نقل أغلب المكتبات التى كانت ملحقة بالمساجد فى العاصمة التركية إلى المكتبة السليمانية العامة. ويقال إنه كان يوجد فى اسطنبول وحدها فى عام 1959 أكثر من 135 الف مخطوط لم يعرف

تنظيم وإدارة واستخدام المكتبات

طلاب العلم العديد منها إلا من خلال "الدفاتر" غير الوافية التى صدرت فى الفترة العثمانية المتأخرة. وتوجد الآن فى أغلب بلدان الشرق الأوسط مكتبات قومية وأخرى عامة وجامعية ومدرسية وخاصة، كما أقيمت معاهد لتخريج أمناء المكتبات وتأسست جمعيات للمكتبة. تنظيم وإدارة واستخدام المكتبات: فى القرن الرابع الهجرى (العاشر الميلادى) كانت هناك مبان تقام خصيصا للمكتبات، وفى عام 381 هـ/ 990 م بنى سابور بن أردشير وزير بهاء الدولة دارا للكتب فى بغداد التى كانت تحتوى على أكثر من عشرة آلاف مجلد كما يقول ابن الأثير وياقوت، وشهد الجغرافى المقدسى مكتبة ضخمة فى شيراز بناها عضد الدولة البويهى. وهذه المكتبة عبارة عن مبنى مستقل وتتكون من بهو ضخم وبناء ذى أقبية مقسم إلى عدد من الحجرات على جوانبه الثلاثة. وعلى امتداد جدران الحجرة الرئيسية والحجرات الجانبية توجد خزانات من الخشب المحفور ارتفاعها وعرضها ثلاثة أذرع ومزودة بأبواب تتدلى من أعلى. وهذه الخزانات مقسمة إلى أرفف توضع عليها الكتب الواحد فوق الآخر. لكن خزانات الكتب التى استخدمها الفاطميون فى مكتبات القاهرة كانت مختلفة بعض الشئ، حيث الأرفف مقسمة إلى أقسام منفصلة كل منها يقفل بمفصلة وقفل، أما الخزانات المفتوحة فكانت مقسمة أيضًا إلى أقسام صغيرة، وتوضح الصورة التى رسمها يحيى بن محمود والواردة فى مخطوط الحريرى فى باريس (634 هـ/ 1237 م) مكتبة فى البصرة. وكان يتم ترتيب وتصنيف الكتب تبعًا لمختلف فروع المعرفة، وحظيت نسخ القرآن بمكان خاص فى هذه المكتبات، ففى المكتبة الفاطمية مثلا كانت نسخ القرآن توضع على أرفف ذات مستوى أعلى من الأرفف الأخرى، وكثيرا ما كانت توجد أكثر من نسخة من الكتاب الواحد مما كان يسمح باعارة الكتب. فالمكتبة الفاطمية فى القاهرة كانت تحوى ثلاثين نسخة من

المصادر

"كتاب العين" للخيل بن أحمد وعشرين نسخه من كتاب "تاريخ الطبرى". أما الفهارس فكان أمناء المكتبات يقومون بجمعها وتصنيفها، وكانت هذه الفهارس تشغل عدة مجلدات فى بعض الأحيان. ففهارس مكتبة الحكم الثانى فى قرطبة شغلت 44 مجلدا يحتوى كل منها على عشرين ورقة. وفى المكتبة الفاطمية كان يثبت على باب كل خزانة كتب: قائمة بما فيها من الكتب. وقد جرت العادة أن يكون لكل مكتبة قيم أوصاحب يقوم بدور أمين المكتبة وخازن أو أكثر حسب حجمها وعدد من الناسخين والخدم وكان أغلب مشاهير العلماء أمناء مكتبات. وكان يتم تزويد المكتبات بالكتب عن طريق الشراء أو نسخ المخطوطات. واحتفظ لنا المقريزى بميزانية إحدى المكتبات، وطبقا لهذه الميزانية كان الخليفة الفاطمى الحاكم بأمر اللَّه ينفق 207 دينارات سنويا على دار العلم التى أسسها. وكانت المكتبات مفتوحة بالمجان للجميع وتمدها السلطات بالورق والمداد والأقلام. وكان يتم إعارة الكتب مقابل تأمين مادى، فابن خلدون مثلا منح كتابه "كتاب العبر" لمكتبة جامع القرويين فى فاس، وطبقا لوثيقة الوقف المحررة بتاريخ 21 صفر 799 هـ/ 24 نوفمبر 1396 م فإن هذا المخطوط لم يكن يعار إلا للثقاة ولمدة شهرين على أكثر تقدير ومقابل تامين مادى كبير، وكان على مدير المكتبة أن يراقب تطبيق هذه القاعدة. ولكن فى الوقت نفسه كانت هناك مكتبات للقراءة والاطلاع فقط، أى لا يسمح فيها بالإعارة الخارجية. ويتضح مما سبق أن المكتبات الإسلامية سبقت بقرون ومن جميع الأوجه المكتبات فى الغرب، لقد كانت هناك حاجة عامة للمكتبات لدى الجمهور فى الأراضى الإسلامية فى عصور أسبق بكثير مما فى الغرب. لبنى الريدى المصادر: (1) أحمد بدر: دليل دور المحفوظات والمكتبات ومراكز التوثيق ومعاهد الببليوجرافيا فى الدول العربية، القاهرة 1965.

مكة المكرمة

(2) O.Pinto,: le bibloteche degli Arabi mell' eta degli Abbasidi, in Biblic lia (1928), 139 - 6 (3) Ru th Mackensen,: Moslenan Libraies and sectauian puropagandla مكة المكرمة هى مكة المكرمة التى تضم أكثر المواضع قداسة لدى المسلمين، ففيها الكعبة المشرفة، وفيها ولد الرسول صلى اللَّه عليه وسلم وفيها عاش زهاء خمسين عاما. مكة فى الجاهلية وفجر الإسلام: الوصف الجغرافى: تقع مكة فى الحجاز على بعد حوالى 72 كيلو متر من ميناء جدة على ساحل البحر الأحمر على خط عرض 27 َ 21 ْ شمالا، وخط طول 49 َ 39 ْ شرقا، وهى الآن عاصمة منطقة مكة الإدارية فى المملكة العربية السعودية ويبلغ سكانها ما بين 200.000 و 300.000 نسمة يزداد عددهم إلى مليون ونصف أو مليونين أثناء موسم الحج السنوى. وتقع مكة فى منخفض ضيق بين سلسلتين من التلال الجرداء المنحدرة وفى وسط هذا المنخفض بقعة أكثر انخفاضا مما حولها. ويطلق على هذا المنخفض وادى مكة أو بطنها، أما الجزء الأكثر انخفاضا فهو البطحاء الذى كان -بلاشك- أول ما استوطن فى مكة وفيه تقع الكعبة (المشرفة). وفى الأصل كانت بعض المساكن قريبة من الكعبة لكن يبدو أنه كانت هناك دوما مساحة شاغرة حولها، وظلت هذه المساحة تتسع بتوالى القرون حتى شكلت المسجد الحرام بوضعه الحالى. ويلتقى فى البطحاء أودية صغيرة جانبية تعرف بشعاب مكة (والمفرد شعب بكسر الشين)، وعادة ما كان يشغل كل شعب عشيرة بعينها لا تشاركها فيه العشائر الأخرى. وكانت المواضع المرتفعة والخارجية فى هذه المنطقة المسكونة تعرف بالظواهر، وموقع مكة يجعل منها ملتقى للطرق التجارية فثمة طرق تؤدى إلى الشام شمالًا، وثمة طرق يتجه شمالًا بشرق مخترقة سلسلة جبال السراة -إلى العراق وثمة طرق تؤدى لليمن، وأخرى

مكة قبل الإسلام

تصل مكة بالبحر الأحمر حيث ميناء الشعيبة (وفى مرحلة لاحقة - جدة) حيث تبحر السفن إلى الحبشة وغيرها. وأمطار مكة غير منتظمة فقد تمضى سنوات أربع دون هطول مطر، لكن إن حدث وهطل فإنه يعدو سيلا تفيض به شعاب مكة ثم يتجه نحو الكعبة المشرفة، وتتواثر الأخبار عن سيول عارمة تغمر الحرم المكى بين العين والحسين، ويعتمد الناس على الآبار فى التزود بالماء، وأكثر هذه الآبار شهرة وقداسة هو بئر زمزم بجوار الكعبة المشرفة. لذا فقد ارتبط عدد من رجالات مكة بالسقاية وهى توفير ماء الشرب للحجيج، ولا حاجة للقول أن مكة وجوارها ليس به زراعة، وصيف مكة شديد الحرارة كما يتضح من عبارة رمضاء مكة، لذا فأثرياء مكة يرسلون أطفالهم إلى الصحراء لفترة من الزمن. مكة قبل الإسلام: كانت مكة موضعًا مقدسًا منذ أزمنة قديمة، ومن الواضح أنها كانت معروفة لبطلميوس الذى أشار إليها باسم مكورابا Macoraba، ذكرها فى القرآن الكريم فى الآية 24 سورة الفتح {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا} كما ورد ذكرها باسم بكة (بالباء) فى الآية 96 من سورة آل عمران {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا} وحدثنا القرآن الكريم عن قيام إبراهيم الخليل وابنه إسماعيل ببناء الكعبة (البقرة، الآيات من 125 إلى 127, ومن 119, إلى 121) ولا يقبل الباحثون الغربيون ذلك ما دام لا يمكن التعرف على إبراهيم آخر غير إبراهيم الخليل (الوارد فى التوراة)، ووفقًا لما يرويه الإخباريون العرب فقد سيطرت قبيلة جرهم على مكة ثم حلت محلها خزاعة رغم تمتع الأسرات القديمة بمزايا بعينها، وفى القرن الخامس للميلاد حلت قريش محل خزاعة، وكان هذا بسبب نشاط قصى الذى عمل على لم شمل قريش، وتلقى عونا من حلفائه. كنانة وقضاعة وربما كان قصى هو أول من أقام فى مكة من قريش إقامة دائمة وترك سكنى الخيام، وفى وقت لاحق جرى التمييز بين

قريش البطاح وقريش الظواهر أى قريش التى تقطن وسط مكة وقريش التى تسكن ظاهرها، وكان مفهوما أنهم جميعًا ليسوا من سلالة قصى فقط، وإنما أيضًا من جده الأعلى كعب. وهذه العشائر هى: عبد الدار، وعبد شمس، ونوفل وهاشم والمطلب وأسد (وكلها من نسل قصى) وزهرة ومخزوم وتيم وسهم وجمح وعدى، وكانت أهم عشائر قريش الظواهر هى: محارب وعامر بن لؤى والحارث بن فهر، وليس من سند يشير إلى أن هذا التقسيم جرى للتمييز بين العامة والنبلاء أو بين من هم أدنى منزلة ومن هم أعلى منزلة. وفى القرن السادس للميلاد ظهر فصل بين قريش البطاح، فقد ورث عبد الدار بعد مزايا (حقوق) والده قصى لكن بمرور الوقت نافسه فيها ابن آخر لقصى، عبد مناف الذى أعانته أسد وزهرة وتيم والحارث بن فهر. وقد عرفت هذه المجموعة بالمُطَيبَّين، أما مجموعة عبد الدار التى عرفت بالأحلاف فكانت تضم مخزوم وسهم وجُمَح وعدى. وجرى اتفاق ودى وتسوية بين المجموعتين دون أن يصل الأمر إلى قتال فعلى، وفى حوالى سنة 605 م جرى ذكر حلف يقال له حلف الفضول (انظر المنمق لابن حبيب) بدا وكأنه استمرار لمجموعة المطيبين، فهو مكون من العشائر نفسها غير أن اثنين فقط من أبناء عبد المناف الأربعة وهما هاشم والمطلب، كانا ممثلين فى حلف الفضول، ولم ينضم إليه نوفل وعبد شمس. وكان السبب الظاهرى لعقد هذا الحلف هو مساعدة تاجر يمنى فى استرداد مال له عند رجل من سهم (مروج الذهب للمسعودى، والمحبّر لابن حبيب والمنمق لابن حبيب أيضًا، كما أورد السبب نفسه ابن هشام فى السيرة، والطبري فى تاريخه). ويرى المستشرق كايتانى Caetani أن هذا الحلف لم يكن مناوئا للظلم أو عدم العدالة بشكل عام وإنما كان حلفا للعشائر الضعيفة التى تمارس التجارة فى محاولة منها لكبح جماح الممارسات الاحتكارية التى تمارسها العشائر الأقوى والأكثر غنى، كما أن عدم رد الديون (كما فى حالة اليمنى الآنف ذكره) قد تجعل غير المكيين يحجمون

عن إرسال قوافلهم إلى مكة مما يؤدى إلى زيادة مكاسب تجار مكة الأثرياء أصحاب القوافل. من الواضح إذن من خلال تفهمنا لحلف الفضول ومن خلال شواهد أخرى أن مكة قد غدت فى ذلك الوقت مركزًا تجاريًا مهمًا. لقد أسهمت قداسة بالإضافة لإقرار نظام الأشهر الحرام -حيث يحرم حتى الأخذ بالثأر- فى ازدهار تجارة مكة لعدة قرون، لقد كانت التجارة فى مكة -إذن- منتعشة انتعاشا كبير، فى النصف الثانى من القرن السادس للميلاد، ويمكن أن نستنتج أيضًا أنه بسبب الحرب الفارسية البيزنطية أصبح الطريق عبر غريب شبه الجزيرة العربية أكثر أمنًا من الطريق من الخليج إلى حلب، وحتى لو لم يكن استنتاجنا صحيحا، فإن تجار مكة كانوا يسيطرون بالفعل على جانب كبير من التجارة بين الشام والبحر المتوسط من ناحية، وجنوب شبه الجزيرة العربية والمحيط الهندى من ناحية أخرى، وقد حدثنا القرآن الكريم عن رحلة الشتاء والصيف، ويقال: إن العادة جرت أن تكون رحلة الشتاء إلى اليمن ورحلة الصيف إلى الشام. وكانت القافلة تحمل بضائع لجماعات ولأفراد نظير جانب من الربح يُدفع لمنظمى القافلة الذين كان عليهم أن يعقدوا الاتفاقات والمعاهدات مع السلطات السياسية فى الشام وجنوب شبه الجزيرة العربية، والحيرة ونجاشى الحبشة للسماح لهم بالبيع والشراء، كما كان على منظمى القوافل عند الاتفاقات مع رؤساء القبائل أو زعماء البدو الذين تمر القافلة فى أراضيهم. وربما كانت حملة أصحاب اللَّيل التى أشار إليها القرآن الكريم كانت لرغبة أبرهة فى تقليص تجارة مكة التى كانت مزدهرة ازدهار، كبير، فأراد هدم الكعبة ذات القداسة التى كانت أحد أسباب توافد العرب عليها. وتعد حرب الفجار علامة مؤكدة على مرحلة من مراحل تعاظم القوة التجارية لمكة إذ يبدو أنها نتجت عن تلاشى دور الطائف كمنافس لمكة ورضوخها فى خاتمة المطاف لتصبح تابعا لنظام مكة التى أصبحت مركزًا ماليا وليس مجرد منطقة تجارية.

والجدير بالملاحظة أن المرأة دخلت ميدان التجارة، فثمة امرأة أو امراتان مارسا التجارة لحسابهن وعمل رجال تحت إدارتهن كخديجة وأسماء ام أبى جهل وهند زوجة أبى سفيان. ويحدثنا المستشرق هنرى لامانس Lammans عن مكة كجمهورية تجارية لكن لا بد أن نضع فى اعتبارنا أن المفاهيم السياسية لم تكن إغريقية أو إيطالية وإن كانت نابعة من ظروف بلاد العرب، فهناك إلى جانب اجتماعات العشيرة Clan assemblies ما يعرف بالملأ Senate وهو بمثابة اجتماع لرؤساء العشائر وذوى الرأى منها إلا أنه لم يكن لهذا الملأ سلطة تنفيذية فلا أحد يستطيع أن يوقع عقابًا إلا زعيم العشيرة أو شيخ القبيلة، ولم يكن لمكة رئيس أو دوق، وإن كان يحدث أحيانًا أن يكون شخص ما يحكم ما له من كفاءات -أولوية أو صدارة (كتلك الصدارة التى تمتع بها أبو سفيان طوال ثلاث سنوات بعد هزيمة قريش فى بدر سنة 624 م)، وعلى أية حال فإن قريشًا كانت معروفة بالحلم، وهو ما يعنى وضعهم لمصالحهم الاقتصادية فى المقام الأول وقبل الاعتبارات الأخرى، لهذا فقد كان (الملأ) -أى اجتماع الملأ- قادرًا فى الغالب على التأليف بين الجماعات المتنازعة بتحكيم العقل. لذا فإن معظم ذوى الرأى من قريش كانوا يرون البقاء على الحياد بالنسبة للحروب الدائرة بين عملاقى هذا الزمان: الإمبراطورية البيزنطية والإمبراطورية الفارسية، وكانت كلا الامبراطوريتين تحاولان مد نفوذهما لشبه الجزيرة العربية، وعندما استولى الفرس حوالى سنة 570 م أو 575 م على اليمن من الأحباش كان من الضرورى أن يظل المكيون على الحياد. وبعد ذلك ببضع سنين، وكان هذا بعد حرب الفجار تفاوض رجل من أسد اسمه عثمان بن الحويرث مع البيزنطيين واخبر المكيين أنه يستطيع أن يحصل لهم على شروط طيبة تحقق أرباحا تجارية مع البيزنطيين إن هم قبلوه زعيما لهم لكن عرضه لم يحظ بالقبول وكان هذا بلاشك لرغبة المكيين فى البقاء على الحياد بين الفرس

مكة وبدايات الإسلام

والبيزنطيين (الروم) وتجنب ما يبدو تحالفا مع إحدى القوتين. وبالإضافة لاجتماع (الملأ) كانت هناك مزايا بعينها أو مهام بعينها ارتبطت بأسر بعينها، فالسقاية أى الإشراف على تدبير مياه الشرب خاصة للحجيج، والرفادة وهى تزويد الحجيج بالمؤن، واللواء وهى حمل العلم أثناء الحرب، والنسئ وهو ميزة تحديد وقت الزيادة فى الشهر لضبط التقويم القمرى ليتمشى مع التقويم الشمس. أما عن عقائد أهل مكة وثقافتهم فلم تكن تختلف عن تلك التى لجيرانهم البدو فقد كانوا يأخذون بالثأر بالطريقة نفسها وعلاقة سيد العشيرة أو زعيمها بأفراد عشيرته مماثلة لما للبدو فهو الأول بين متساويين Primus inter pares أو الأول بين أنداد، وكانوا -مثلهم مثل البدو- يقيمون وزنا كبيرًا للشرف، وإن كان المكيون قد عدّلوا هذا المفهوم وأضافوا إليه تفاصيل بما يتناسب مع فكرتهم عن الثووة والقوة (السلطة)، وكان معظم أهل مكة على الوثنية مثلهم مثل البدو, لكن القرآن الكريم أوضح أنهم كانوا يعرفون اللَّه الواحد، رغم إيمانهم بآلهة متعددة، ويعترفون بأن اللَّه هو الخالق. وهى فكرة كانت معروفة وسائدة بين الشعوب السامية وإن كان هذا لا يمنع من وجود مسيحيين مكيين كعثمان بن الحويرث، بالإضافة للبيزنطيين الذين أقاموا فى مكة إقامة مؤقتة، كما كان هناك من تأثر بالثقافة الفارسية من خلال صلاته مع العراق. مكة وبدايات الإسلام: رغم أن القرآن الكريم كان موجها منذ البداية للناس كافة إلا أنه كان يخاطب أهل مكة (¬1). وقد ولد محمد صلى اللَّه عليه وسلم فى مكة سنة 570 م وهو من بنى هاشم التى لم تكن يوم ميلاده من العشائر الثرية، لكنها كانت قبل مولده أكثر أهمية وثراء وكانت داخلة فى حلف الفضول الذى كان يهدف لمنع الاحتكار، ولأن محمد، صلى اللَّه عليه وسلم قد ولد بعد وفاة أبيه ومات جده وهو فى الثامنة من ¬

_ (¬1) كان يخاطب أيضا غيرهم من النصارى وبنى إسرائيل. . .). (المترجم)

عمره تقريبًا، فإنه وفقًا للعادة العربية لم يرث شيئًا من أى منهما وكان معظم أقاربه يعملون فى التجارة، فصحب محمد عمه أبا طالب فى رحلاته التجارية للشام ثم عمل وكيلًا تجاريا للسيدة خديجة (رضى اللَّه عنها) ثم تزوجها، وكان هذا حوالى سنة 595 م. يبدو أنه تابع الأعمال التجارية معها. . وفى حوالى سنة 610 م بدأ الوحى يهبط عليه. لقد سبب نزول القرآن (الكريم) اضطرابًا كبيرًا فى مكة لأن أهلها كانوا ماديين فكيف يمن بذكرهم باللَّه واليوم الآخر. لقد نبه القرآن الكريم أثرياء مكة بضرورة الاعتناء بالفقراء والذين لم يصيبوا حظا من الدنيا وذكرهم بأنهم إن كانوا أقوياء بما لهم فاللَّه أقوى وأكبر، لقد أحس التجار أن الدين الجديد يهدد وضعهم، وأدرك التجار الشبان بالذات ذلك، وكان أبو جهل خير مثال على ذلك فقد أحس أن كون الوحى يهبط على محمد صلى اللَّه عليه وسلم فإن ذلك قد يعطيه قوة سياسية كبيرة. ومن هنا ظهرت المعارضة للدين الجديد، لقد مارس كبار التجار ضغوطا شديدة على محمد صلى اللَّه عليه وسلم وصحبه لترك الدين الجديد أو على الأقل لجعله يتكيّف مع مصالحهم، وما كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ليخضع لهذا، فهاجر بعض أتباعه إلى الحبشة هربا من أذى قريش، لكن الرسول صلى اللَّه عليه وسلم كان يستطيع الاستمرار فى نشر دعوته اعتمادًا على حماية عشيرته، لكن عمه أبا طالب توفى حوالى سنة 619 م فترأس العشيرة عم آخر لمحمد صلى اللَّه عليه وسلم هو أبو لهب الذى كان تاجرًا كبيرًا، وكان يرى أن من المصلحة رفع حماية العشيرة عن محمد صلى اللَّه عليه وسلم، وعلى أية حال فقد قبل الرسول صلى اللَّه عليه وسلم سنة 622 الدعوة للتوجه للمدينة المنورة فهاجر إليها. ومنذ هجرته حتى مماته وهو غالبًا فى حرب مع تجار مكة الكبار رغم محاولات الرسول كسبهم بالحسنى وأخيرًا تم فتح مكة فأمن الرسول أهلها على أموالهم وحياتهم.

المصادر

المصادر: (1) H. Lammens: La Mecque a La veille de I'hegire in MFOB, ix (1924) (2) Idem: La republique marchande de la Mecque vers I'an 600 de notre ere in BIE (1910) (3) Idem: Les chretiens a la Mecque a la veille de 1'hegire, in BIFAO. xiv (4) Idem: Lesss juifs a la Mecque a la veille de I'hegire, in RSSR. xiv (5) C. Ssnouck Hurgronje: Mekka, i (6) M. Gaudefroy-Demombynes: Le pelerinage a la Mekka. Pariss 1923. L. Caetani, Annahi, i, ii (7) F. Buhl: Das Leben Muhammesds, Leipzig 1930 (8) W. M. Watt: Muhammadat Mecca, Oxford 1953 (9) P. Crone: Meccan trade and the of Islam Princeton, forthcoming [و. منتجمرى وات W. MONTGOMERY WATT] ترجمة وتلخيص: د. عبد الرحمن عبد اللَّه الشيخ ملائكة 1 - الملائكة فى القرآن؛ والسنة صيغة ملائكة هى جمع تكسير فى العربية لكلمة يعود تاريخها إلى اللغة السامية المبكرة فى الشمال الغربى (ليس هناك كلمة متشابهة لها فى اللغة الأكادية) وهى فى الآرامية مَلأُك بتسكين اللام وهمز الألف وفتحها وفى عبرية العهد القديم ملآك بتسكين اللام مع مادة على الألف) بمعنى رسول وفى لسان العرب والمعاجم الكبيرة الأخرى أن ملك تخفيف ملأك (بالهمز) وهناك رأى أن ملك مقلوب من مَأْلك. . ويقول أ. جيفرى A. Jeffery فى كتابة المفردات الأجنبية فى القرآن الكريم The Foreign Vocabulary of the Quran أن المصدر المباشر لهذه الكلمة فى العربية هو كلمة ملآك (بتسكين اللام ومد الألف) الأثيوبية. والجمع ملائكت. ويحتمل أن تكون الكلمة دخلت الأثيوبية الآرامية أو العبرية ولأنها ترد فى القرآن، فقد الفها المسلمون ولابد أنها من الكلمات التى دخلت إلى العربية قبل الإسلام والمفرد هو ملك (بفتح الميم والسلام) بدون همزة

وهى دائما كذلك فى القرآن بالرغم من أن ما يدل على أن كلمة ملاك موجودة ولكن كصيغة شاذة -والمفرد والجمع يردان بمعنى المَلَكْ (الرسول). ولكن الصيغة وردت بالمتنى (ملكين) فى موضعين: عند الحديث عن هاروت وماروت {يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ. . .} البقرة آية، 102، وعند الحديث عن آدم وحواء اللذين اغراهما الشيطان بالاعتقاد فى أنهما سوف يصبحان من الملائكة {. . . وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ. .} الأعراف آية 20 وترد الكلمة كثيرا فى الجمع فى القرآن -أما المفرد فيرد اثنى عشرة مرة فقط وهذه عن هؤلاء الثابت يطلبون أن ينزل الوحى عن طريق مَلَكْ وليس عن طريق بشر (سورة الأنعام الآيات 8، 9، 50 سورة هود الآيات 12، 31 سورة الفرقان الآيات 7) ثم أن النسوة "فى المدينة" يرون فى يوسف مَلَكا -وليس بشرا- بسبب جماله (سورة يوسف الآية 31)، وشفاعة الملاك لا تغنى (سورة النجم الآية 26). ويحمل العرش ثمانية (سورة الحاقة الآية 17)، ثم يأتون صفا صفا (سورة الفجر الآية 22) وفى سورة السجدة الآية الحادية عشرة يرد ذكر ملك الموت ولكن ليس بالاسم. . أما جبريل ملك الوحى فيرد اسمه ثلاث مرات (سورة البقرة الآيات 97, 98 - سورة التحريم الآية 4) كذلك فإن جبريل يطلق عليه فى القرآن الكريم -دون ذكر اسمه- الروح الأمين (سورة الشعراء الآية 193 إلى 195) الذى ينزل بالوحى على قلب محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] بلسان عربى مبين- وهناك صفات كثيرة له -دون أن يذكر اسمه- فى سورة النجم الآيات من 5 إلى 18 وسورة التكوير الآيات من 19 إلى 21، وعلى أنه يظهر بوضوح للرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فى الوحى. وهو أيضًا -كما قال اللَّه عز وجل- "روحنا" الذى أرسلناه إلى مريم (سورة مريم الآية 17) وهو كذلك الروح القدس فى سورة النحل الآية 102 كما أن اللَّه (سبحانه) أيد عيسى (عليه السلام) بهذا الاسم (سورة البقرة الآية 87 والآية 253 سورة المائدة الآية 110). . ويسمى ميكائيل (أو ميكال) سورة البقرة الآية 98 - ملاكا فى مرتبة جبريل. . . (اقرأ

فى "البيضاوى" كيف جاءت هذه التسمية). وفى الحديث يظهر هو وجبريل لمحمد -صلى اللَّه عليه وسلم- ويعلمانه. . وهو لا يضحك. . ويطلق محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- عليهما أنهما "وزيراه" عن الملائكة. . وفيما يتعلق بـ "اسرافيل" الملاك الذى ينفخ فى الصور يوم البعث، فليس ثمة إشارة إلى أن فى القرآن أو فى الأحاديث الصحيحة, ولكن يشار إليه فيما يرويه والإخباريون الذين يحكون عن الأخرويات (مثل الحساب والبعث). وفى القرآن (الكريم) وفى سورة الزخرف الآية 77 ينادى المعذبون فى النار خازن جهنم بقولهم "يا مالك"، وفى سورة العلق الآية 18 يطلق على حراس الجحيم "الزبانية" وهى غير مستخدمة فى غير ذلك -وتعنى الذين يدفعون بقوة وعنف المجرمين إلى النار. . وعدد هؤلاء تسعة عشر (سورة المدثر الآية 30) ويؤكد القرآن أنهم ملائكة حتى لا يعتقد أنهم شياطين، وهم أيضًا غلاظ شداد. . وهناك طبقة أخرى من الملائكة وهم القريبون من اللَّه (سبحانه) أو المقربون (سورة النساء الآية 172)، وهم يسبحون اللَّه (جل جلاله) ليلا ونهارا بلا توقف (سورة الأنبياء الآية 20)، ويطلق عليهم البيضاوى "العلويون". وكلمة "المقرب" تطلق على عيسى عليه السلام (سورة آل عمران الآية 45) لأنه فى صحبة الملائكة القريبين إلى اللَّه (سبحانه). . وفى أول سورة الملائكة (سورة فاطر) يقول اللَّه سبحانه {جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ} صدق اللَّه العظيم وفى الوصف الذى له معناه ومغزاه المهم له أثره على ما جاء بعد، ذلك من أوصاف وصور فهم -أى الملائكة- حراس على البشرية (حافظين) يعرفون ما يفعل الإنسان ويكتبونه (كاتبين) -سورة الانفطار الآيات من 10 إلى 12 - وهذه الكتابة (سورة الأنبياء الآية 94) تنسب إلى اللَّه نفسه (جل جلاله). وفى سورة المعارج الآية 4، وسورة النبأ الآية 38؛ وفى سورة القدر الآية 4 ترد العبارة المحيرة وهى "الملائكة والروح". . ويبدى البيضاوى حيرته وهو يحاول التفرقة بين الكلمتين فهل الروح ملك فوق الأرواح أو هى جنس الأرواح جميعًا أو هى جبريل أو هى

خلق أقوى من الملائكة -يشاركه هذه الحيرة القزوينى فى كتابه "عجائب". وليس هناك فى القرآن الكريم أية إشارة إلى الملكين "منكر ونكير" اللذين يزوران الميت فى قبره فى الليلة التى دفن فيها ويستجوبانه عن عقيدته وإيمانه. وإذا كان الميت غير مؤمن، فإن قبره يصبح بعد ذلك جحيما تمهيدًا للجحيم الأكبر الذى سيدخله، أما إذا كان مؤمنا فإن القبر يصبح مطهرا تمهيديا يخرج منه فى يوم القيامة إلى الفردوس. . وقد يصبح هذا القبر إذا كان الميت "قديسا" أو من الأولياء فردوسا تمهيدا للفردوس الأكبر الذى سيدخله ويطلق على هذا سؤال منكر ونكيرا، وكذلك عذاب القبر وهذا الاعتقاد يتشابه مع "يوم الحساب الأصغر" فى اللاهوت المسيحى وهو واحد من السمعيات، ويتأسس على المعنى الكامن فى آيات القرآن الكريم (سورة إبراهيم الآية 31؛ سورة هود الآية 49؛ سورة نوح الآية 25) والمعنى الواضح فى الأحاديث الشريفة (شرح التفتزانى لكتاب عقائد للنسفى) ولا تزال هناك تقارير أوفى ومناقشة أشمل قام بها الفقيه الحنبلى ابن قيم الجوزية" فى مؤلفه "كتاب الروح". ويطلق على الملائكة أيضا الملأ الأعلى (سورة الصافات الآية 8، سورة ص الآية 69) وهم يحرسون أسوار الجنة حتى لا يتصنت عليها الجن والشياطين. ويركز القرآن الكريم على طاعة الملائكة المطلقه والتسليم للَّه سبحانه {وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ (19) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ} صدق اللَّه العظيم (سورة الآنبياء الآية 27) وعندما خلق اللَّه آدم، نجدهم يختلفون فى هذا الصدد عنه وعن سلالته المقبلة {وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ} صدق اللَّه العظيم (سورة البقرة الآية 30) أما عن النار فإن {عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} صدق اللَّه العظيم. . . ولكن هل تمتد هذه الطاعة المطلقة إلى "العصمة" إن القرآن الكريم حاسم بالنسبة لطاعة الملائكة للَّه أما فيما يتعلق بطبيعة خلقهم وعلاقتهم فى هذا الصدد بالجن وبالشياطين

فالنصوص العديدة فى القرآن تحكى عن خلق الإنسان من طين، وأن اللَّه (سبحانه) أمر الملائكة بأن يسجدوا له وقد أطاعوا جميعًا إلا إبليس (سورة البقرة الآية 34 - سورة الأعراف الآية 11 - سورة الحجر الآية 31 - سورة الكهف الآية 50 - سورة ص الآية 74) ولذلك فإن إبليس كان لا بد أن يكون ملكا -كما يقول البيضاوى- ثم يضيف "وإذا لم يكن ملكا فإن الأمر "الإلهى" لا ينسحب عليه، ومن ثم يكون استثناؤه منهم غير منطقى ولكن القرآن يعود فيفصملها بقوله فى سورة الكهف الآية 50 {إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} صدق اللَّه العظيم, ويقول إبليس فى سورة الأعراف الآية 12 وفى سورة ص الآية 76 أن الإنسان قد خلق من طين أما هو فقد خلق من نار، ومن المسلم به أن الجن قد خلقت من نار: نار السموم، {مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ} (الرحمن - 15) ومعنى "مارج" غير معروف إذن فالجن وإبليس قد خلقوا من نار، ولكن ليس هناك فى القرآن بيان عن المادة التى تشكل منها الملائكة. . ولكن هناك "حديثا عن السيدة عائشة رضى اللَّه عنها هو أساس الموقف المسلم به بأن الملائكة قد تشكلت من النور، إذ ذكرت أن النبى -صلى اللَّه عليه وسلم- قد قال أن الملائكة خلقت من نور، وإن الجن من مارج من نار، وآدم مما قد وصف لكم -وثمة صعوبة أو عائق آخر فى مبدأ معصومة الملائكة وهو ما ذكره القرآن عن هاروت وماروت فهناك ما يفيد أن هذين الملكين قد استسلما لاغراء "جنسى" الأمر الذى يؤدى بهما إلى أن يحبسا فى حفرة بالقرب من بابل، وهناك يعلمان السحر للناس. . وللرد على ذلك نقول: أ - أن القرآن لم يذكر شيئا عن سقطتهما. ب- تعليم السحر ليس معناه ممارسة السحر. جـ- أنهما دائما ما كانا يحذران هؤلاء الذين يأتون إليهما بقولهما أنهما {إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ} (سورة البقرة الآية 102) والبيضاوى يجرى مناقشة طويلة عن طبيعة الملائكة، ولكنها جميعًا تضيع وتنتهى عند القول الذى يدفع إلى اليأس ومن المناقشة وهو أن الحديث عن هذه

النقطة هو من علم اللَّه ومعرفته (العلم عند اللَّه) وربما كان إبليس من الجن بسبب أفعاله، ومن الملائكة بسبب نوعه. . ويقول ابن عباس فى حديث عن النبى -صلى اللَّه عليه وسلم- أن هناك ضربا من الملائكة يتكاثرون نوعيا (بطريقة لا تزاوجية) ويطلق عليهم الجن وإبليس واحد من هؤلاء؛ أو أنه كان واحدا من الجن نشأ بين الملائكة وتشابه معهم؛ أو أن الجن كانوا من بين هؤلاء الذين أمرهم اللَّه بالسجود لآدم؛ أو أن بعض الملائكة ليسوا معصومين، بالرغم من أن هذه هى سمتهم العامة، كما هو الحال بالنسبة لبعض الرجال -مثل الأنبياء- الذين يكونون معصومين من الخطيئة، ولكن معظمهم ليسوا كذلك. وربما يكون هناك مجموعة من الملائكة تختلف فى جوهرها عن الشياطين بل تختلف فقط فى الأفعال، الصفات كما هو الحال فى بنى البشر فمنهم الفاضل ومنهم الشرير، على حين يجمع الجن بين الاثنين وإبليس من هذه المجموعة وما قالته السيدة عائشة رضى اللَّه عنها ليس إجابة لهذا التفسير أو التوضيح. فالنور والنار ليسا محددين بدقة فالنور من طبيعة النار والنار من طبيعة الضوء. وكل يتداخل فى الآخر فيمكن تنقية النار لتصبح ضوءا ونورًا ويمكن أن نجعل النور نارا -وهذا ما قاله البيضاوى. ويجب أن تقارن ذلك بالمناقشة المنهجية فى كتاب "المواقف" لمؤلفه الإيجى بشرح الجرجانى (طبعة بولاق, 1266 ص 576)؛ ففيه يؤسس المعترض على عصمة (معصومية) الملائكة اعتراضه على أمرين: أ - أن طلب الملائكة من اللَّه سبحانه إلا يخلق آدم، معيب فى صفتهم الأخلاقية. ب- أن إبليس كان متمردا. وقد فندت هذه الأسس النصوص القرآنية حول طاعة الملائكة المطلقة للَّه سبحانه ولكن هذه النصوص لا تقول أنهم جميعًا، وفى كل الأوقات، بعيدون عن ارتكاب الخطأ ولذلك لا يمكن أن تحسم هذه النقطة بشكل مطلق فقد تحدث استثناءات فردية فى ظل ظروف متباينة. وقصة هاروت وماروت توحى بأن للملائكة جنسا، بالرغم من أنهم قد لا

ينشرون نوعهم بالتكاثر. ولكن يجب كما يقول النسفى فى العقائد ألا يوصفوا بالذكورة أو بالأنوثة -ويقول التفتازانى والشراح الآخرون لهذا الكتاب، أنه ليس هناك دليل نقلى أو عقلى على ذلك لذلك يجب تركها دون أن تنعم فيهما التفكير وهذا ما سلكه "الايجى" والجرجانى. وقد يكون للملائكة جنس (ذكر أم أنثى) لكنهم لا يتزاوجون وفى هذا الصدد يكون الإنسان -الذى تكمن فى نفسه إمكانيات الخطيئة والذى يجب أن يتحكم فى شهواته وفى غضبة- قدرات أعلى على التفوق والتميز على الملائكة (البيضاوى) ويقودنا هذا إلى السؤال الثانى عن الملائكة والذى بحثه الفقه المنهجى واعنى به التفوق النسبى للملائكة والإنسان وخصوصا الملائكة والأنبياء وقد ذكر النسفى هذا بشكل مختصر فقال: أ - أن الرسل من البشر أكثر تميزا على الرسل من الملائكة ب- أن الرسل من الرسل من الملائكة أكثر تميزا عن عموم البشر جـ - أن عموم البشر أكثر تميزا من عموم الملائكة ولكن التفتازانى يقول أن هناك اتفاقا عاما وضروريا على يتميز رسل الملائكة على البشرية بعامة؛ ولكن الرأيين الآخرين (أ - جـ) يحتاجان إلى مناقشة -ومن ثم ينبه إلى: أ- سجود الملائكة لآدم. ب- أن آدم تعلمه الأسماء كلها. جـ - أن اللَّه اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين (آل عمران - 33). د- أن بنى البشر يحققون التفوق والكمال فى المعرفة والعمل رغم معوقات الشهوة والغضب ولكن المعتزلة والفلاسفة وبعض الأشعرية يقولون بالتفوق الرفيع للملائكة وهم يقولون: أ - أن الملائكة أرواح مجردة من المادية (أرواح مجردة)، كاملة حقا، متحررة حتى من ارهاصات الشرور والعيوب (مثل الشهوة والغضب) ومن ظلمات الشكل والمادة (ظلمات الهيولة "الهيولى" والصورة)، وقادرون على القيام بأشياء رائعة عجيبة، يعرفون الأحداث (الكوائن) ماضيها وما قد يأتى، دونما خطأ.

والرد على ذلك هو أن هذا الوصف يتأسس على مبادئ فلسفية وليست إسلامية. ب- إن الأنبياء يتعلمون من الملائكة (الشعراء 193, 194 - سورة النجم 5) والرد هو أن الأنبياء يتعلمون من اللَّه والملائكة مجرد "وسطاء". جـ - هناك حالات عديدة فى القرآن والسنة يسبق فيها ذكر الملائكة، ذكر الأنبياء. . والرد على ذلك هو أن هذه الأسبقية تعود إلى أسبقية الوجود، أو لأن وجودهم "أخفى" (أى لم أكثر إختفاء)، ولذلك لا بد أن يتأكد الإيمان بهم. د- جاء فى القرآن -سورة النساء الآية 172 - أن المسيح لن يستنكف أن يكون عبد اللَّه وكذلك الملائكة. والرد هو أن المسألة ليست مسألة يتميز بسيط، ولكن لمواجهة موقف المسيحية بأن المسيح ليس عبدًا, ولكنه ابن اللَّه، وهناك فى "المواقف" مناقشة مماثلة -ولكنها أكثر شمولا، تتضمن دراسة فلسفية لنعم اللَّه العقلية والفيزيقية (البدنية) والروحية التى حبا بها كل الكائنات الحية من الأرواح غير المادية إلى أدنى الحيوانات (البهيمة). وفى كتاب "عجائب المخلوقات" للقزوينى وصف موضوعى للملائكة فى جميع طبقاتها ودرجاتها يتواءم فيهما ما ورد فى القرآن والسنة مع العالم الأرسطى والأفلاطونى الجديد بكل أفلاكه، طبقا للهدف العام الذى يرمى إليه القزوينى وهو أن يقدم صورة للعالم "الحادث" (المخلوق) بتفاصيلة وغرائبه وأعاجيبه. ومع ذلك فإذا كانت الملائكة -على ما يبدو تتمتع بصفة الحياة وأنهم سكان السموات. فإنهم لا يعتبرون من بين "الحيوان"، و"الدميرى" يحصر الإنسان والجن، بل والجن. المتشيطنة، مثل الغول، فى كتاب "حياة الحيوان" ولكن لا يحصر الملائكة. . ويتساوى فى الدقة مع ما جاء فى "المواقف، وما هو أكثر روحانية مما كتب القزوينى، الطريقة التى عالج بها الغزالى سر الطبيعة الملائكية، فى بعض دراساته الصغيرة المتخصصة. وهو يرى أن هذا السر جزء من السؤال

المصادر

العام عن طبيعة الروح. وقد خصص لهذا كتاب "المضنون الصغير" (راجع أيضا المضنون الكبير) ثم أن الكتابات التى وضعها المسلمون تأخذ فى الاعتبار الأفكار غير الإسلامية عن الملائكة؛ مثل اراء الفلاسفة والمسيحيين، والذين يؤمنون بالثنائية (وهى أن الكون يخضع لمبدأين متعارضين هما الخير والشر) وعبدة الأوثان. . وسوف تجد ذلك باختصار فيما كتب البيضاوى عن القرآن وبتفصيل أكثر فيما كتب التهاناوى. المصادر: (1) B. Nacdonald: The Religion's attitude and life in Islam (2) L. Jung: Fallen angels in Jewish, christlian and Mohammadan literature (3) J. Macdonald: The creatin of Man and angels in the eschatologicallitelotare (د. ب. ما كدونالد B.Macdonald) 2 - فى المذهب الشيعى ترتبط الملائكة فى الشيعة الإمامية ارتباطا وثيقا بالأئمة. . فالتعاليم الإمامية تعتقد فى اصرار أن الأئمة صر الأنبياء تماما -أكثر تميزا أمام اللَّه من الملائكة الذين يشتركون معهم فى الحماية السماوية من الخطيئة والخطأ (أى العصمة) وقد كتب رجال الدين البارزين منهم مثل الشيخ المفيد بحوثا تؤيد هذا ومع ذلك فإن الملائكة يوجهون الأئمة ويساعدونهم -وتذكر المأثورات الامامية المشهورة أن الأئمة يمكن فقط أن يسمعون أصوات الملائكة ولكنهم لا يرونهم، على النقيض من الأنبياء الرسل الذين يمكن أن يروا الملائكة وهم فى حالة اليقظة، ويتحدثوا معهم، ومن الأنبياء العاديين الذين يمكن أن يسمعوا الملائكة ويروهم فى أثناء النوم، ويقابل هذا تعاليم أخرى تؤكد أن الأئمة أيضًا يرون الملائكة. . ولكن الاختلاف ينحصر فى الوقت الذى يتلقون فيه التعاليم السماوية عن طريق الملائكة. وهناك أقوال تنسب إلى الإمام جعفر تؤكد أن الملائكة يأتون بانتظام

إلى الأئمة، ويطأون أسرتهم. ويجلسون إلى موائدهم، ويسرعون إليهم من كل نبات فى موسمه ويرفرفون باجنحتهم فوق الأطفال الأئمة ويمنعون الوحوش أن تصل إليهم ويشاركونهم فى كل صلاة كما أن الملائكة -حسب المعتقدات الأمامية- سوف تظهر فى السماء عندما قدم الإمام الثانى عشر، وتصرخ باسمه -وسيقوم جبريل وميكائيل بجمع المؤمنين ليقسموا على الولاء والاخلاص له- وتضيف التعاليم الامامية إلى ملَكَى الموت منكر ونكير اللذين يسألان الموتى ويعذبانهم فى قبورهم بينما يرسل مبشر وبشير اللذان يرسلان إلى الموتى الأطهار لمواساتهم ومساعدتهم -ويقول البعض انهما مثل منكر ونكير ولكنهما يغيران وظيفتهما، على حين يقول البعض الآخر أنهما مختلفان. أما عند الطائفة الاسماعيلية فإن تسلسل المراتب (الحدود) فى العالم الروحانى يوصف أحيانا بالملائكة -وعلى وجه الخصوص ثلاثى ثلاث "جد" و"فتح" و"خيال"، والتى تتوسط بين العقل الكونى والروح والأنبياء والأئمة فى العالم المادى (الفيزيقى) تتماثل عمومًا مع الملائكة الكبار: جبرائيل وميكائيل واسرافيل -وقد جاء فى نظرية مبكرة للاسماعيلية عن نشأة الكون أن هناك سبعة ملائكة معينين يوصفون بأنهم خلقوا من النور فيما بين المبدأين الأولين للعالم الروحى. وقد خلق بعدهم جماعة من اثنى عشر كائنا روحيا (روحانية) ليكونوا نظائر للمجموعة الأولى. . وفى الاسماعيلية الطيبة "يطلق على العقول السبعة (من الثالث حتى التاسع) فى العالم الروحانى. الملائكة السبعة ومع ذلك فإن تعاليم الاسماعيلية تعترف أيضا بالملائكة ذوى السمات الأكثر تقليدية، وهؤلاء يوصفون بأنهم جميعًا من مادة واحدة، مع اختلاف اسمائهم طبقا لما يقومون به من مهام وبعضهم يسكن العالم الروحانى وآخرون فى عالم السموات والمجموعة الثالثة يسكنون العالم المادى حتى تصون كل مناطقة والأنبياء هم الذين يرونهم وكذلك هؤلاء الذين يرتفعون روحيا ليصبحوا مثل الأنبياء. .

المصادر

المصادر: الامامية (1) المجلس فى بحار الأنوار. . . (2) عباس القُمى al kummi فى سفينة البحار. (3) N.J. McQermott: The Thelogy of al muiul Shaikh al cm (4) على بن محمد بن الوليد، فى تاج العقائد. (5) H.Corbin: Histoire de le plilosolehie aslamiqne (6) N. Stem: Studies in early Is ama'ilism بهجت عبد الفتاح عبده [و. مادلونج W - Madelung] ملاحم جمع ملحمة. . وهى موضع هذا المقال الذى نخصصه لملحمات دانيال، ونصوصها العديدة التى تبلغ ذروتها فى التيار التنبؤى أو لا بالنسبة لإعلان مقدم "المهدى"، وبعد ذلك تنحو إلى التكهنات والتنبؤات التى تتعلق بمصاير الأسر (العائلات) المختلفة. وقد أدت هذه التنبؤات إلى بلورة ما يسمى بأعمال الملاحم (أو الحدثان). . وسوف نشير هنا إلى استخدام المصطلح بمعنى "التنبؤات ذات السمة التاريخية (انظر المسعودى فى المروج)، وحتى نلقى الضوء على حقيقة أن "ابن خلدون" ذكر عددا من هذه الكتابات فى قسم عن بدايات الدول والأمم، والذى وضعه فى الصفحات الأخيرة من الفصل الثالث من الكتاب الأول فى المقدمة. . وفيما يلى قائمة بالنصوص التى استقى منها معلوماته وخصوصا فى المغرب، وبعضها أيضًا فى الشرق. - قصيدة لابن مورانه Ibn Mumana عن اللمتونة Lamtuna أحد قبائل "المرابطين" الذين استولوا على سبتة (سبتة) فى عام 476 هـ/ 1083 - 4 م. . - قصيدة من خمسمائة بيت أو ألف باسم التُبعية Tubbaiyya وتتعلق بالموحدين. - "ملعبة" والكلمة تعنى (شئ التسلى أو لعبة) فى نحو خمسمائة بيت مكتوبة بالزجل، وهى تنسب إلى أحد اليهود، وتتعلق أيضًا بالموحدين.

المنصور

- قصيدة عن الحفصين فى تونس وهى تنسب إلى ابن الأبار، ولكنها تتصل بشخص يحمل الاسم نفسه ويعمل ترزيا. - ملحمة أخرى عن الحفصين. - ملعبة تنسب إلى من يدعى "هوشانى" Hawshani وهى مكتوبة بالعربية الدارجة المحلية وباسلوب محكم ومجازى حتى أنها تحتاج إلى تفسير وشرح. وفى الشرق حصل ابن خلدون على معلومات عن ملحمة تنسب إلى ابن العربى وهى "صحبة اليوم" وكذلك ملاحم عديدة أخرى تنسب إلى ابن سينا وابن أبى العقب وهناك ملاحم عن الترك إلى الصوفى الباذربقى Badzyurbaki. ويجب أن نلاحظ أن الأعمال التى اعتمد عليها ابن خلدون فى المغرب جميعها بالشعر التقليدى أو على شكل حوار والذى كان منتشرًا وسائدًا فى زمانه وأنه هو نفسه لا يثق فى أى منها. بهجت عبد الفتاح (هيئة التحرير) المنصور أبو جعفر عبد اللَّه بن محمد بن على على ثانى خلفاء الدولة العباسية، حكم فيما بين 136 - 158 هـ/ 754 - 775 م. وقد ولد فيما بين 90 - 94 هـ / 709 - 713 م، فى الحميمة Al Humayma إلى الشرق من الأردن وكانت أمه سلامة أمة من البربر. . وقد اشترك فى الفترة من عام 127 هـ إلى 129 هـ (744 - 746 م) فى الثورة الفاشلة التى قام بها عبد اللَّه بن معاوية (بن عبد اللَّه بن أبى طالب) عن الطالبين (آل طالب) Talihid. ضد الأمويين فى غربى إيران. وبعد ذلك عاد إلى الحميمة ولم يشترك فى المراحل الأولى من ثورة العباسيين -ثم حضر إلى الكوفة مع شقيقه أبو العبا- الذى أصبح أول خليفة عباسى بعد ذلك -فى الوقت الذى كانت فيه جيوش العباسيين تقدم من جهة الشرق. وبعد أن تولى أخوه الخلافة، أرسله ليقود الحصار على "واسد" حيث كان يتحصن يزيد بن عمر بن هبيرة آخر

وال أموى على العراق -وهناك اتصل بالقادة الخراسانيين، ومن بينهم الحسن بن قحطبة، ولكنه لقى معارضة من أبى مسلم الذى طالب بأن يعدم الزعيم الأموى. . وبعد سقوط واسط تم تعيينه حاكما الجزيرة وارمينيا حيث نجح فى أن يكسب ولاء بعض من أهم القادة العسكريين الأمويين ومن بينهم أسحق بن مسلم العقيلى". وعندما مات السفاح فى شهر ذى الحجة عام 136 هـ/ يونيه 754 م كان المنصور قد اكتسب خبرة سياسية كبيرة واجتذب إلى صفه جماعة قوية من المؤيدين وكان شقيقه قد عين أبا جعفر وريثا له، على أن يخلفه ابن أخيه "عيسى بن موسى" حاكم الكوفة. وعلى الفور أسرع أبو جعفر بالعودة من الحج مع أبى مسلم ليتولى السلطة. ومع ذلك فقد واجه الكثير من التحديات لحكمه إلى أن تم القضاء على ثورة العلويين فى عام 145 هـ/ 762 - 763 م. وقد جاءه الخطر الأول من عم عبد اللَّه بن على، الذى كان عند موت السفاح يستعد للهجوم على الإمبراطورية البيزنطية بجيش كبير من الشوام والخرسانيين، ولكنه قرر أن يستخدم هذه القوة فى المطالبة بالخلافة واضطر المنصور أن يطلب العون من أبى مسلم الذى اقتنع بأن يقود جيشا كبيرا من الخرسانيين ضد عبد اللَّه بن على كان جيشه يتألف فى ذلك الوقت من الشوام فقط عند نصيبين فى جمادى الثانية عام 137 هـ/ نوفمبر 754 م -وقضى عبد اللَّه بقية حياته فى العراق؛ ولكن الخليفة كان حريصا على أن يتصالح مع القادة الشوام الذين ساعدوه. . وأدت هبيرة الثوار إلى أن يصبح المنصور حرا فى أن يتعامل مع أبى مسلم فالتوتر كان يتزايد بينهما منذ موت ابن هبيرة، كما أن الزيارة التى قام بها المنصور "لبلاط" أبى مسلم فى مرو قبل أن يصبح خليفة، أقنعته أن أبا مسلم من القوة بحيث يجب ألا يعيش. . ولم يكن الصراع صراع أشخاص، بل كان يتعلق بمستقبل الخلافة. . فقد كان أبو مسلم يريد أن يكون شرقى إيران

مستقلا وفى ظل حكم، وأن تذهب عائداته إلى مؤيديه من الخرسانيين، على حين أصر المنصور على أن يقوم بتعيين الحكام، وجمع الضرائب من المنطقة. . وكان وجود أبى مسلم فى العراق خطرا وقد تم إعدامه -بحضور الخليفة- فى المدائن فى شهر شعبان 437 هـ/ فبراير 755). . وقد أعقب إعدامه حدوث اضطرابات فى إيران، ولكن المنصور استطاع فى النهاية أن يؤكد قبضته وسلطانه على خرسان. أما آخر التحديدات الكثيرة التى واجهها المنصور فكانت التهديد بانتفاضة علوية اندلعت أخيرا فى رجب عام 145 هـ/ سبتمبر 762 م فى المدينة بقيادة محمد بن عبد اللَّه. وقد فشلت المحاولات التى بذلت لمد الثورة إلى سوريا ومصر، على حين كان الخليفة وقواته يراقبون بدقة مدينة الكوفة المركز التقليدى لتأييد العلويين. . وأمر المنصور أن تقطع عنه إيرادات الطعام من مصر، وأصبح محمد بن عبد اللَّه معزولا فى المدينة وكان من السهل أن يتعرض للهزيمة، وأن تقتله قوة عباسية بقيادة عيسى بن موسى فى رمضان 145 هـ/ نوفمبر 762 م. وقبل موت محمد بن عبد اللَّه بفترة قصيرة تزعم شقيقه إبراهيم انتفاضة فى البصرة؛ وبعد أن استولى على المدينة بدأ الزحف على الكوفة، ولكن عيسى بن موسى قابله بجيشه العباسى وهزمه وقتله فى باخمرى (قرب الكوفة) بعد معركته عنيفة شرسة (ذو القعدة 145 هـ/ فبراير 763 م). وبفشل الثورة أصبح المنصور مطلق الأيدى فى أن يدعم حكمه فى سلام وهدوء نسبى. . وقد كان على مهارة فائقة فى التخطيط السياسى، وكان يتمتع بروية واضحة. . وكانت سياسته تقوم على تأسيس دولة مركزية مدنية إلى حد كبير، وعلى جيش قوى يتقاضى رواتب، وعلى جهاز دقيق كفء لتحصيل العائدات. . وكان عبد الملك وهشام، الحاكمان الأمويان الكبيران هما القدوة والنموذج له؛ وقد رفض مطالب جماعات مثل الداوندية الذين

قاموا بفتنة لم تعم طويلا ولكنها كانت خطيرة، فى عام 141 هـ/ 758 م، وكانوا ينادون بفكرة تجسد الإله فى شخص الحاكم. وقد كان يستمد العون الرئيسى من الخراسانية الذين شكلوا الجيش الذى أطاح بالأمويين، والذين أصبحوا الآن جماعة عسكرية ذات امتيازات، وقد كان حكام خراسان دائما يختارون من بينهم، كما كانوا يعنيون فى مناصب مهمة فى أجزاء أخرى من الخلافة -وقد أنشئت فى العراق المدن الحامية (العسكرية) من أجلهم فى بغداد والرقة. كما اعتمد المنصور كثيرا على أفراد من عائلته. وكانوا كثيرا ما يتولون إدارة أعمال مهمة فى العراق، وفى النصف الغربى من الخلافة، دولة العباسية وكاد بعضهم، مثل سليمان بن على فى البصرة، وصالح بن على فى سوريا يؤسسون عائلات فرعية تتمتع بما يشبه الحكم الذاتى. كما أن الزعماء السوريين الذين اتصل بهم الخليفة فى أثناء حكم السفاح، قد أصبحوا أيضًا مصدرا مهما للعون والتأييد وعلى الأخص فى خلال الانتفاضة العلوية فى عام 145 هـ/ 762 - 763 م. ثم أن المنصور قام أيضًا بتجنيد بعض زعماء الطائفة اليمنية فى الدولة الأموية، وخصوصا أسرة المهلبى الذين أعطاهم الخليفة محافظات فى مصر وأفريقيا وأذريبجان، بالإضافة إلى موطنهم البصرة. . وقد كان هذا الائتلاف ذو القاعدة العريضة من المؤيدين يعنى أن الخليفة يتمتع باستقلال سياسى قوى فى داخل النظام. إذ لم يكن يعتمد على جماعة واحدة بعينها؛ كى أن هذا الائتلاف ضمن قاعدة عريضة من التأييد للنظام. وبقيت حكومة خراسان مشكلة، وأدت مطالبها بأن تستقل ذاتيًا إلى عديد من الثورات. وبعد ثورة "عبد الجبار الأزدى" فى عام 140 هـ/ 757 - 580 م حل المنصور مشكلات الأقليم بأن بعث بابنه محمد -الخليفة المهدى فيما بعد- إلى "الرى" نائبًا عنه

-وقد عملت هذه الخطوة على أن تتمتع خراسان بقدر طيب من الاستقلال الذاتى، فى الوقت الذى أكدت فيه سيطرة العباسيين الكاملة- ومع ذلك كان لا يزال هناك اضطرابات متفرقة فى الأجزاء البعيدة من الأقليم وخصوصا فتنة أستاذ سيس الراوندى فى بادغيس Badhghis من عام 147 هـ/ 764 م إلى عام 151 هـ/ 768 م. ولكنها جميعًا لم تكن تشكل خطرا كبيرا على سلطة العباسيين. كما شهدت مناطق أخرى على حدود "الخلافة" الكثير من الاضطرابات المستمرة -ففى عام 147 هـ/ 764 م قام الخزر بهجوم عبر القوقاز واحتلوا تفليس لفترة قصيرة قبل أن يتم طردهم منها. كذلك فإن الحدود البيزنطية كانت مسرحا للاستيطان والتحصينات، بدلا من الحملات. أما فى شمال أفريقيا -فقد تهددت أفريقية انتفاضات متوالية عن الخوارج واستمر ذلك حتى عام 155 هـ/ 772 م عندما رسخ "زيد بن حاتم المهلبى" الحكم العباسى هناك. . وفى الأندلس أمسك بالسلطة أحد أفراد الأسرة الأموية، وهو عبد الرحمن ابن معاوية بن هشام الذى أسس إمارة مستقلة فى عام 138 هـ/ 756 م. وقد كان أكبر إنجاز باق للمنصور هو إنشاء عاصمة جديدة للعباسيين فى بغداد. فقد كان السفاح والمنصور يعيشان فى عديد من الأماكن فى وسط العراق إلى أن قرر الخليفة 145 هـ/ 762 م أن يبنى عاصمة جديدة هى بغداد. ويرجع ذلك إلى الحاجة إلى الأمن, فقد أوضحت ثورات الراوندية كيف أن الخليفة يمكن أن يتعرض للأذى والخطر حتى إذا كانت الاضطرابات على نطاق صغير. كذلك تطورت بغداد كمركز للجنود الخراسانيين الذين جاءوا من الشرق، ولا يمكن أن يستقروا فى المدن القائمة مثل الكوفة دون أن يثيروا العداء من سكان المدينة. وقد كانت بغداد فى بادئ الأمر إدارية وعسكرية، ولكن بناء الحى التجارى فى "الكرخ" إلى الجنوب منذ عام 151 هـ/ 768 م فصاعدا، والاستيطان على الضفة الشرقية لنهر

المصادر

دجلة كان يعنى أن العاصمة الجديدة، مع نهاية حكم المنصور، كانت بالفعل حاضرة مزدهرة. أما على نهر الفرات وفى الجزيرة فقد تطورت "الرقة" أيضًا من عام 155 هـ/ 772 م فصاعدا، كقاعدة خراسانية للإشراف على شئون الشام، والحدود البيزنطية. وفى عام 147 هـ/ 764 م أجبر المنصور، عيسى بن موسى على أن يستقيل من منصبه كوريث شرعى، وقام بتعين ولده محمد المهدى الذى كان يتمتع بتأييد جموع الخراسانية، الذين أجبروا عيسى على أن يكتفى بمنصب الوريث للمهدى. . ومات المنصور وهو فى طريقه إلى مكة فى ذى الحجة عام 158 هـ/ أكتوبر 775 م، وهو فى منتصف الستينات. وقد شهدت السنوات الأحدى والعشرون التى قضاها فى الحكم إقامة الخلافة العباسية كدولة مركزية فى قبضة الخليفة وقد كان سياسيا محنكا حقق أهدافه بعقلية منفردة وإصرار حكيم. ولا يمكن أن نعتبره حاكما محبوبا (أو شعبيا). . وقد اشتهر بجهده العنيف. . وقد اشتهر بأخلاقيات يكاد يضرب بها المثل (وكان لقبه "أبو الدوانق" الأشياء الصغيرة)، ويشعر الكثيرون بأن أسلوبه الاستبدادى فى الحكم قد خان آمال الثورة العباسية. ومع ذلك فبدون هذه القبضة القوية الحازمة، كان يمكن أن يتمزق العالم الإسلامى قبل الأوان فى هذا القرن الثانى الهجرى، الثامن الميلادى. . المصادر: (1) الطبرى: تاريخ الرسل والملوك تحقيق: De Goeje ليدن 1879 - 1901 م. (2) المسعودى: مروج الذهب، باريس 1861 - 1877 م. (3) البلاذرى: أنساب الأشراف تحقيق، م. حمد اللَّه، القاهرة 1960. (4) الثعالبى: لطائف المعارف، تحقيق الأبيارى. القاهرة. E.Daniel: Klurasan uder Abbasid Rule - Lassner: The Shaping of Abbasid Rule - H.Kennedy: The Eorly Abbasi Caliphate - بهجت عبد الفتاح (هـ. كيندى H.Kennedy)

ملت

ملت مصطلح فى اللغة التركية، أصلة عربى من العربية من "ملة"، ويعنى بها ديانه، وأهل ديانه وأمة. (1) بمعنى دين، أو اعتقاد، أو شعيرة: لاستعمالها فى القرآن الكريم، انظر (ملة) وليس فى القرآن ما يفيد أنها تعنى أهل ديانة أو أمه. وبعد نزول القرآن، ظهرت الكلمات "مله/ ملت (بتشديد اللام وكسرها) وهى الكلمة التركية، وملّت (بتشديد اللام وفتحها، وهى الكلمة الفارسية- بمعنى دين. واستمر ذلك كمعنى رسمى للكلمة. وحينما كانت الكلمة تظهر معرفة "الملة" كان يقصد بها المسلمون، ومن ذلك المرسوم المصادر فى عهد الخليفة الفاطمى الفائز "الملة والذمة" بمعنى المسلحين وغير المسلمين واستمر ذلك إلى القرن التاسع عشر، خاصة فى المكاتبات الرسمية للعثمانيين والمماليك والصفويين، وخاصة حين يخاطب أحد أصحاب المقام الرفيع من المسيحيين أو اليهود. (2) بمعنى أهل ديانة أو عقيدة معينة أو مذهب: والسؤال حول ما إذا كان المقصود بذلك الذميين من رعايا الدولة العثمانية لأهميته فى بحث ما يسمى بنظام الملة. ذلك من جهة لأن هذا النظام هو الإطار لمعاملة الذميين الخاضعين للدولة العثمانية، ومن جهة أخرى لأنه قيل أن أحد معانى الكلمة "المسيحيين خارج الدولة العثمانية"، وليس الذميين خاصة حتى القرن التاسع عشر. (3) ولقد قيل بحق أن أحد معانى الكلمة هو "الأمة الإسلامية"، ولكن من الخطأ الاعتقاد بأنها كانت تستخدم بهذا المعنى قبل التنظيمات. فقد استخدم المفهوم أساسًا فى المصادر العثمانية بمعنى أهل ملة الإسلام مجموعة وثائق الدفتردار المهمة المنشورة فى إسطنبول تحمل فى طياتها العكس، حيث أن مصطلح الملّة قد استخدم بمعنى أهل الدين أو العقيدة قد وردت فيها الكلمة خمسين مرة على الأقل فى إحدى عشرة وثيقة، كلها ترجع لما قبل التنظيمات،

الملك

الملك الملك، (بكسر الميم) مصطلح قانونى متعلق بالملكية. لا يمكن للمرء أن يتوقع أن يجد فى كتب الفقه الأولى تعريفا للملكية. وكلمة "ملك" موجودة بالقطع، ولكن فى عبارات مثل "فى ملكه", "فى غير ملكه"، "خرج من ملكه". والفعل "ملك" يستخدم كثيرا، كما تستخدم العبارة "ملك عليه" حين ينتقل الشئ من ملكية شخص لآخر. ويجب التفرقة بين الملكية "ملك"، والحيازة "يد". فالخاصية الأساسية فى الملكية هى الديمومة. فإذا كان الشئ تحت يد مستأجر بصفة مؤقتة، فلا يمكن أن تكون الملكية محلا للـ "إسقاط". والشخص المتمتع بالملكية هو المالك، ولا يستخدم مصطلح مالك كثيرا، واللفظ المستخدم فى هذه الحالة غالبا هو "رب المال" أو "صاحبه". أما محل الملكية فهو الشئ المملوك. مثل الأراضى والمنازل. . . إلخ. أما طرق اكتساب الملكية فهى: الشراء، الهبة، الوصية، والصدقة. الخلط بين حق الملكية والشئ المملوك: يعرف الجرجانى مصطلح الملك كالتالى: هو اتصال شرعى (علاقة قانونية) بين الإنسان والشئ، تخول للشخص سلطة مطلقة بالتصرف فى الشئ على سبيل الاستئثار دون الآخرين. ومع ذلك، فبالنسبة للفقهاء القدامى يختلط مفهوم حق الملكية بالشئ محل الملكية. فبالنسبة لهم لا تعتبر الملكية "حقا", ولكن "مالًا" تحول إلى ملك. وبالإضافة لذلك، فالملك يعتبر تقليديا شيئًا ماديا يدخل فى الذمة المالية للفرد، بحيث يثور التساؤل عما إذا كان من الممكن تضمنه لشئ غير مادى. والمعضلة أنه فى الفقه الإسلامى لا بد أن يكون المال شيئًا ماديا، وما ليس بمال لا يمكن أن يكون محلا للتصرف. ولهذا السبب لا يمكن تحويل حق الدعوى. وبحيلة فقهية أمكن الاعتداد بتجاوز هذا المبدأ فى الممارسة. على يوسف على [دلكامبو A. M. Delcambre]

المصادر

لتشير لرعايا الدولة من غير المسلمين كاليهود والأرمن واليونانيين والمسيحيين وغيرهم، حيث ترد العبارات " Yehudi milled, Katolic melleti, Rumi milleti". والتى تعنى يهودى الملة أو كاثوليكى الملة أو زوى الملّة. . الخ وفى نهاية القرن الثامن عشر استخدم اللفظ فى الدوائر الحكومية فى صيغة الجمع للتعبير عن الملل الثلاث " milel- i thelathe". (3) بمعنى (سيادة) أمة: فى عدة وثائق عثمانية فى الفترة 1652 - 1687 , نجد أن الأمم الثلاث التابعة لما يسمى ترانسلفانيا، وهى Madjar والـ Sigel والـ Saz كان يشار إليها بلفظ "ملة" وقد قصد بها الأمم وقد أطلقت الملة على معنى الشعوب الواقعة تحت الحكم الإسلامى المباشر. كما يظهر من ترجمة اللغات الغربية. وفى نص المعاهدة التى وقعت مع دولتى بريطانيا وفرنسا لاعطائهما امتيازات تجارية عام 1774، أشير لهما بالملة. ومن وجهة نظر الشريعة الإسلامية، فهذه الأمم يطلق عليها "دار الحرب" (وفى رأى فقهى أنها دار عهد لوجود معاهدة بينها وبين المسلمين) ومن ثم فلفظ "ملة" يقصد به "دولة ذات سيادة فى اقليم العدو. وحين ثار الصرب ضد الدولة العثمانية علق الباب العالى على ذلك بالقول "إن الصرب يزعمون أنهم أمة مستقلة (ملة)، وبعد معاهدة بوخارست عام 1812, أصبح يشار إليهم بملّة الصرب (ملت الصرب) " Sirb milleti". . ولنا أن نفسر أن لفظ "ملة" بمعنى جماعة دينية قد نشأ بسبب التهديد المستمر لنشاط الجماعات التبشيرية (كالجزويت واللوثريين والأنجليكان) بخلخلة النظم الدينية فى الدولة، وقيام الباب العالى بواجبه فى التصدى لذلك، حماية للنظام القائم، وحفاظا على مقومات المجتمع الدينى. المصادر: B Braude and B.Lewis: Christian and Jews in the Ottoman Empire, New York - London 1982 على يوسف أورثنيوس (M.O.H. Ursinus)

ملكشاه

ملكشاه هو اسم حمله العديد من الحكام السلاجقة: 1 - ملكشاه الأول بن آلب أرسلان، جلال الدولة معز الدين أبو الفتح، هو سلطان سلجوقى عظيم ولد فى 447 هـ/ 1055 م وحكم من 465 إلى 485 هـ/ 1072 - 1092 م وبلغت الدولة السلجوقية فى عهده أقصى امتداد لها، من سوريا غربا إلى خراسان شرقا، كما بلغت أوج قوتها العسكرية. وقد اختار آلب أرسلان ابنه ملكشاه وليا لعهده فى عام 458 هـ/ 1066 م. وبالرغم من أن آلب أرسلان أصيب بجرح قاتل فى حملته ضد القره خانيين فإنه ظل على قيد الحياة مدة كافية مكنته من ترتيب أمور دولته بعد وفاته وبفضل حنكة الوزير نظام الملك اعتلى ملكشاه العرش وجرى ابلاغ ذلك رسميا على من الفور للخليفة العباسى فى بغداد. كما تم تأمين نيسابور -وهى المدينة الرئيسية فى اقليم خراسان- وكنوزها للأمير الشاب. ولكن قاوَرْد بك عم ملكشاه طالب بالعرش باعتباره أكبر أفراد الأسرة السلجوقية، وفى كرمان التى كان حاكما لها فى عهد أخيه، أعلن الثورة على السلطان الجديد. وتم القضاء على هذا التمرد فى همذان عام 466 هـ/ 1074 م، ولقى قاوَرْد مصرعه فى القتال. وشجع انشغال ملكشاه بالقتال ضد قاوَرد فى غربى فارس القره خانى شمس الملك نصر على غزو بلخ وطخارستان مما اضطر ملكشاه إلى العودة بسرعة إلى الشرق حيث طرد القره خانيين من ترمذ وأملى شروطه على الخان فى عاصمته سمرقند (466 هـ/ 1074). وبعد وفاة أياز (بن آلب أرسلان ولى ملكشاه أخاه تكش حكم بلخ وطخارستان. وحكم تكش هذه الأقاليم بسلام لعدة سنوات، لكن فى عام 473 هـ/ 1080 - 1081 ضم تكش إلى صفوفه 700 ألف من

قوات المرتزقة كان ملكشاه قد صرفهم من الخدمة لضغط الإنفاق. وبمساندة هؤلاء الجنود قام تكش بتمرد ولكنه أخفق فى الاستيلاء على نيشابور واضطر للاستسلام، وعفا عنه السلطان. إلا أنه عاود الكرة بعد أربع سنوات، وفى هذه المرة لم يكن ملكشاه رحيما، فبعد اخضاع التمرد سمل عينى تكش وألقى به فى السجن. وقد أحدثت هذه الاجراءات القاسية أثرها داخل الأسرة السلجوقية التى لم تشهد أى تمرد بعد ذلك حتى نهاية حكم ملكشاه. وتحقق السلام أيضًا على الحدود الشرقية بتسوية مؤقتة مع الدولة الغزنوية فى شرق أفغانستان والهند. فالصراعات على العرش فى بداية حكم ملكشاه أغرت إبراهيم بن مسعود سلطان غزنة بمحاولة استعادة الأراضى الغزنوية فى خراسان التى ضاعت منذ ثلاثين عاما, ولكن ملكشاه أرسل جيشا أعاد الوضع هناك إلى ما كان عليه (465 هـ/ 1073 م) ويبدو أن إبراهيم سلم بضياع تلك الأقاليم الغزنوية واقتنع بأن مستقبل دولته يكمن فى الشرق حيث الهند ومن ثم أصبحت العلاقات السلمية هى القاعدة بين الدولتين. ومن ناحية أخرى ظلت العلاقات بين السلاجقة والقره خانيين سلمية حتى عام 482/ 1089 م عندما استنجد العلماء السُّنّة الساخطون فى بلاد ما وراء النهر بملكشاه مما دفعه إلى غزوها مرة أخرى وخلع أحمد خان صاحب سمرقند بسبب ميوله الإسماعيلية وتوغل ملكشاه حتى بلغ كاشغر وأرسل إلى ملكها هارون خان بن سليمان يدعوه إلى الدخول فى طاعته، رضخ الملك ومثل بين يدى ملكشاه وأعلن ولاءه له. وقد مثل الاعتراف بالسلاجقة فى هذه المنطقة ذروة الهيبة السلجوقية فى الشرق حيث انشغل الأمراء القره خانيون بالانقسامات العائلية التى أخضعتهم. أما فى غرب الدولة السلجوقية فكان الموقف أكثر تعقيدا: فهناك منطقة من الامارات العربية المحلية والكردية الغيورة على استقلالها مختلطة بقادة من المماليك الأتراك الطموحين

والتركمان. بينما ولاؤهم فى غربى الأناضول وغربى القوقاز توجد جورجيا والدولة البيزنطية اللتان تمثلان القوى المسيحية المعادية. ولهذا السبب كان اهتمام السلاجقة الكبير بالدفاع عن الولايات الشمالية الغربية مثل آذربيجان وآران وأرمينيا ضد هجمات جورجينا والحفاظ على هذه الأراضى كمناطق لتمركز القوات التركمانية. وبمجرد أن اعتلى ملكشاه العرش عمل على تقوية حدوده الغربية، فعزل الأمير الكردى فضل (أو فضلون) الثالث بن فضل الثانى أمير جنجه ودفن وولى مكانه المملوك التركى سوتجن قائد قوات آلب أرسلان الذى كان يعرف جيدا الموقف فى منطقة القوقاز. وقال ملكشاه بنفسه قواته فى هذه المنطقة فى عام 471 هـ/ 1078 - 1079 م حيث استعاد مدينة كرس Kars التى استولى عليها ملك جورجينا. كما قاد جيشه مرة أخرى فى المنطقة نفسها عام 478 هـ/ 1085 م ليسحق تمرد فضل الثالث على السلطة السلجوقية بعد أن كان أى ملكشاه- قد أعاده إلى الحكم. وقضى هذه المرة على أغلب أسرة الشدادين فى جنجة. كما قام بتجزئة أغلب الأراضى شرقى القوقاز إلى إقطاعيات ولى عليها قادة قواته وعهد إلى قطب الدين إسماعيل بن ياقوتى، ابن عمه، بمنصب الحاكم المطلق على هذه المناطق. أن اكتساح الأناضول ودفع البيزنطيين إلى الوراء تدريجيا كان من صنع القادة التركمان، ويعد سليمان بن قتلمش بن أرسلان وأخوه منصور من أبرز هؤلاء القادة. ويعتبر قتلمس الذى أسند إليه ملكشاه حكم هذه البلاد هو المؤسس الحقيقى لدولة سلاجقة الروم فى آسيا الصغرى. أما فى الأراضى العربية فى العراق والجزيرة وسوريا فقد استهدفت السياسة السلجوقية احتواء الفاطميين الإسماعيلية فى فلسطين وكبح تأثيرهم فى الامارات العربية الشيعية فى أطراف الصحراء وداخل شبه الجزيرة العربية وتأمين السيطرة السنية على المدن الرئيسية مثل حلب ودمشق. وكذلك السيطرة على جماعات التركمان التى كانت تزاحم السكان العرب فى

مراعيهم بالأراضى السورية وأراضى الجزيرة. وفى عام 478 هـ/ 1058 م أمر ملكشاه وزيره فخر الدولة بن جهير بالاستيلاء على ديار بكر وأخضاع إمارة بنى مروان الكردية تلك. وتم بالفعل ضم هذه الإمارة إلى الدولة السلجوقية. وفى سوريا فرض ملكشاه سلطانه على فيلارتوس القائد الأرمنى السابق للبيزنطيين فى منطقة جبال طوروس وعلى الأمير مسلم بن قريش العقيلى فى الأراضى الواقعة بين الموصل وحلب وعلى سليمان بن فتلمش بواسطة أخيه تتش فى أول الأمر قاد هو الجيش بنفسه عام 477 - 478 هـ/ 1084 - 1085 م وبانتصار ملكشاه على أعدائه امتد سلطانه إلى شواطئ البحر المتوسط. بل وصل التأثير السلجوقى شبه الجزيرة العربية، ففى عام 469 هـ/ 1076 - 1077 م توجه أرتق ابن أكسب قائد جيش ملكشاه إلى الأحساء شرقى الجزيرة العربية للقضاء على القراطمة، كما وصلت قواته إلى اليمن وعدن لفترة من الزمن. وبحكم الضرورة كانت العلاقات مع الخلافة العباسية مهمة للغاية بالنسبة لقوة مثل السلاجقة الذين يدعون أنهم رأس حربة للمذهب السنى وحماة الخلافة ضد التهديدات الشيعية. ورغم ذلك لم يقم ملكشاه بزيارة بغداد إلا فى عام 479 - 480 هـ/ 1086 - 1087 م حيث ولاه الخليفة المقتدى باللَّه السلطنة رسميا وإن كان ملكشاه ووزيره نظام الملك يعتبران السلطنة التى أقامها طغرل بك تستمد شرعيتها من ذاتها وأن لها أهلية كاملة للتداخل حتى فى الأمور الدينية. لكن الخليفة لم يكن يسلم بالطبع بصحة هذا التفسير فيما يتعلق بأمور الإسلام. ومن ثم شهدت العلاقة بين بؤرتى السلطة حالة من التوتر تزداد وتضعف درجتها تبعًا للمتغيرات. وكان جزء مهم من سياسة نظام الملك وزير ملكشاه يعتمد على استغلال ضعف سلطة القوى الشيعية مثل البويهيين والفاطميين لبعث الإسلام السنى وذلك بدعم المؤسسة الدينية

السنية ماليا وبكل طرق الدعم الأخرى، بما فى ذلك تشجيع إنشاء المدارس. وكان ذلك يعنى نظريا التعاون مع الخلفاء العباسيين الزعماء الروحيين للإسلام السنى، ولكن عمليا، تنامى التوتر بين نظام الملك وبنى جهير وزراء الخلفاء العباسيين بدءا من القائم بأمر اللَّه وحتى المقتفى. وبلغت العلاقات أدنى مستوى لها فى عام 471 هـ/ 1079 م عندما نجح فى عزل فخر الدولة بن جهير. وقد أحدثت خطبة إحدى بنات ملكشاه إلى الخليفة المقتدى فى 474 هـ/ 1081 - 1082 م انفراجا فى العلاقات بين الدولتين حيث زار ملكشاه بغداد وتم الزواج فى 480 هـ/ 1087 م.، ولكن سرعان ما تدهورت العلاقات، ففى زيارته الثانية لبغداد قبل وفاته بوقت قصير تجاهل ملكشاه الخليفة العباسى بشكل واضح. فقد قرر ملكشاه إقامة مشروعات إنشائية وعمرانية ضخمة فى بغداد من بينها مسجد كبير جامع السلطان وقصور لكبار رجال الدولة بهدف جعل بغداد عاصمته الشتوية. ويبدو أن ملكشاه كان يخطط لأن ينصب حفيده. جعفر -ثمرة زواج الخليفة العباسى بابنته- خليفة، لكن فى منتصف شهر شوال عام 485 هـ/ نوفمبر 1092 م أصابت ملكشاه حمى أدت إلى وفاته عن 58 عاما، ويشتبه فى أنه مات مسموما. وتم نقل جثمانه إلى أصفهان حيث دفن هناك. وحاولت تركان خاتون -زوجة ملكشاه- والوزير تاج الملك الشيرازى الذى خلف نظام الملك تنصيب ابنها محمود -أربع سنوات- على عرش أبيه. لكن أنصار نظام الملك وأفراد أسرته وطلاب المدرسة النظامية ضمنوا الخلافة لأبى المظفر بركيارق أكبر أبناء ملكشاه من زوجة أخرى. وشهدت الدولة السلجوقية فترة انقسامات وخلافات داخلية فى ظل حكم أبناء ملك شاه. ولقد أجمعت كل المصادر سواء مسيحية أو إسلامية على الثناء على ملكشاه وأشادت بنبله وكرم أخلاقه. ورغم أنه لم يكن أكثر ثقافة من أسلافه من السلاطين السلاجقة إلا أنه اكتسب

المصادر

شهرة كراع للأدب والتعليم. ويبدو أن الشاعر عمر الخيام انجذب إلى خدمة السلاجقة أثناء حرب ملكشاه ضد شمس الملك نصر فيما وراء النهر. ولقد لعب عمر الخيام دورا رائدا فى وضع التقويم الجلالى وبناء مرصد فى أصفهان. وتشير بعض المصادر إلى مجموعة من الرسائل الفقهية تحمل اسم "المسائل الملكشاهية فى القواعد الشرعية" قد يكون عمر الخيام للسلطان قد ألفها للسلطان. المصادر: (1) المصادر الأولية: راجع المصادر العربية والفارسية لذلك الفترة مثل: ظهير الدين نيشابورى وراوندى وصدر الدين الحسينى وابن الأثير وابن الجوزى. (2) G.Makdisi: Les Mappomts entue calife et suetan aeiepoque Solgquide, in I JMES, VI 1975, 228 - 36 (3) Cl. Cahen: Qutlumush et ses fils auant I' Asie Mineuie lse. XXXIX 1964. 26 - 7 س. أ. بوسورث [C.E.BOSWORTH] 2 - ملكشاه الثانى بن بركيارُق بن السلطان بركيارق الذى كان طفلا عند وفاة والده فى 498/ 1105 م، ولقد نودى به سلطانًا فى بغداد غير أن ذلك لم يستمر طويلًا لأنه تنازل عن العرش لمحمد بن ملك شاه. 3 - ملكشاه الثالث بن محمود بن محمد معين الدين، ابن السلطان محمود. لقد أصبح لفترة قصيرة سلطانًا على غربى فارس بعد موت عمه مسعود بن محمد بدون وريث مباشر ولكن سرعان ما أدى عجزه كحاكم إلى خلعه لصالح أخيه محمد الذى ألقى به فى السجن لكنه فر. ثم ولاه أخوه محمد حكم فارس لكنه توفى فى أصفهان عام 55 هـ/ 1160 م. 4 - ملكشاه كان أيضًا اسم اثنين من سلاجقة الروم فى القرن السادس الهجرى (الثانى عشر الميادى): أ - ملكشاه بن قلج أرسلان الأول ابن سليمان بن قتامش. ب- ملكشاه بن قلج أرسلان الثانى ابن مسعود، قطب الدين الذى كان من نصيبه حكم سيواس واقسوى وذلك

المصادر

عندما قام أبوه بتقسيم الأراضى بين أبنائه فى الفترة الأخيرة من حكمه، لكنه تحفظ على أبيه بعد ذلك فى قونية حيث كان أشبه بالأسير. المصادر: Boswouth, in comb. hist. of IRAN, V, II, VI, 169, 175 - 7 لبنى الريدى [س. أ. بوسورث C. E. Bosworth] ملك الشعراء ملك الشعراء، لقب شرفى لشاعر البلاط الملكى الفارسى، وهو أعلى تكريم ممكن أن يحظى به شاعر من قبل مليكه. ويؤكد هذا اللقب مكانة حاملة داخل مهنته ويصبح لصيقا دائما لاسمه، وكان يتم توارثه فى بعض الأحيان. وقد يقترن هذا اللقب ببعض المسئوليات، حدث ذلك على الأقل فى العصور الوسطى، حيث كان ملك الشعراء يشرف على شعراء البلاط ويقوّم القصائد قبل تقديمها لسيد القصر. كما يبت فى قبول المتقدمين لمنصب شاعر بلاط. والأهم من ذلك، أن ملك الشعراء كان يتمتع بثقة سيده، فهو نديمه الحميم. ويحتمل أن مرتبة الفنان المفضل كانت معروفة فى إيران قبل الإسلام. ومما يعزز هذا الاحتمال أن البرامكة -الوزراء الإيرانيون للدولة العباسية- هم أول من أسسوا ديوان الشعر لتوزيع المكافآت على الشعراء وقاموا بتعيين أبان اللاحقى ناقدًا رسميا للقصائد التى يقدمها الشعراء. وفى بداية القرن الخامس الهجرى (الحادى عشر الميلادى) تم تعيين العنصرى ملكا للشعراء من قبل محمود الغزنوى وسجل ذلك دولة شاه فى القرن التاسع الهجرى (الخامس عشر الميلادى). إلا أن ذلك لا يعنى أنه أول شاعر فارسى تم تكريمه بهذه الطريقة إذ يشير باب الشعراء فى كتاب شهار مقالة Caham Makala إلى الوضع الخاص الذى احتله رودكى فى ظل

المصادر

حكم السامانيين فى القرن الرابع الهجرى (العاشر الميلادى). وفى العصور المتأخرة يصعب القول إلى أى مدى أصبح اللقب مجرد منصب شرفى. غير أن القرن التاسع عشر شهد بعثا قويا لتقاليد العصور الوسطى فى إيران فى ظل القاجار، إذ حاول فتح على شاه أن يعيد مسجد بلاط غزنة الأدبى بجذب عدد كبير من الشعراء لبلاطه حيث كونوا جمعية لهم ومنح لقب ملك الشعراء لـ صابا مؤلف الشاهنشاه -نامه والتى مسجد فيها مآثر فتح على شاه بذات أسلوب الشاه- نامه ويعد محمد تقى بهار من بين آخر من لقبوا بملك الشعراء. المصادر: (1) Nizani - yi Amudi: Caham Makala, ed M. Kazwni and M. Muin: Teheuin 1955'6, 49 ff (2) J. Rypks: History of Imonion Literature, Doudrecht 1968, 173, 203, 326, 328 F, 345 لبنى الريدى (ج. ب. ت. بروجن J.T.P. De Bruihin] الملل والنحل الملل والنحل: الأديان والفرق المذهبية أو الطوائف الدينية. أحد التعبيرات الكلية المستخدمة فى الكتابات المتعلقة بالجماعات الدينية، المبتدعة، وأحيانا المذاهب الفلسفية، بالإضافة إلى المذاهب المختلفة، والمدارس التى تنتمى إليها. والأصل فى هذا التعبير غامض، كما أن دلالته غير دقيقة ومتغيرة. ويذهب الشهرستانى إلى التمييز بين الملة والدين، من حيث إن اللفظ الأخير يقصد به العقيدة، فى حين أن الأول يقصد به مجتمع المؤمنين بهذا الدين، أو ما يسميه "صورة الاجتماع"، (الملل والنحل، طبعة بدران، القاهرة، 1951 - 1955 م. على أن الكتابات الكلاسيكية لا تظهر مثل ذلك الفرق، فتستخدم لفظ "الملة" كمرادف "للدين" و"الشريعة"، كما يظهر مثلا من تعبيرات المسعودى، كـ "الشرائع والملة، المذاهب والملل، الآراء والملل" (التنبيه، طبعة de Goeje) . أما أتباع هذا الدين فيطلق عليهم "أهل هذه الملة". أما إذا ذكر هذا اللفظ دون تمييز، فيقصد به أهل ملة الإسلام.

وبينما أن لفظ "ملة" واسع الانتشار، نجد أن القرآن الكريم لم يستخدم لفظ "نحلة" سوى مرة واحدة: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً}، مع اختلاف فى التفسير. واحد التفاسير المقبولة هو أن هذا اللفظ مرادف لـ "دين، وملة، وشريعة". والتمييز الوحيد فى الكتابات المتعلقة بالأديان، كما نرى فى كتاب ابن حزم وغيره، هو أن مدلول النحلة أضيق من الملة، فيقصد به الطوائف داخل الدين الواحد. وتستخدم الأحاديث فى البخارى ومسند أحمد بن حنبل "أهل الملل" لتعبر عن غير المسلمين، وعلى الأخص طبعا، المسيحيين واليهود. ومن بين الكتابات كتاب ضرار بن عمرو المعتزلى فى رده على "أهل الملل" (ابن نديم، الفهرست"). وليس معروفا كيف وجد تعبير "الملل والنحل"، والذى لا نجد له أثرا قبل العام الرابع الهجرى. فنحن نجده فى "مفاتيح العلوم" لأبى عبد اللَّه الخوارزمى (ولا ندرى إن كان قد سبق إليه أم لا)، تحت الفصل الخامس من كتابه "فى أسماء ارباب الملل والنحل المختلفة"، وفيه يتحدث عن أصحاب الديانات الأخرى من غير المسلمين والمسيحيين واليهود، والذين تحدث عنهم فى فصول سابقة، وهم البوذيون والبراهمة والصابئة وغيرهم. وأول كتاب يحمل اسم "الملل والنحل" هو لأبى منصور البغدادى، من متكلمى الأشاعرة والغير موجود حاليا للأسف، وفيه يتحدث عن كافة المذاهب الفكرية بلا استثناء، بما فى ذلك الفرق الإسلامية، وغير الإسلامية كالصابئة والمثنوية والوثنيين والفلاسفة والمنجمين والملاحدة. وليس واضحًا ماذا يعنى البغدادى باللفظين، وكيف يميز بينهما. ولكن استخدام ابن حزم فى كتابه الواسع الانتشار "الفصل فى الملل والأهواء والنحل"، أكثر وضوحا. فالمستفاد من تتبع كتابه يفهم منه أنه يقصد بـ "الملل" ما أورده فى الجزء الأول من كتابه، حيث يختمه بقوله "قد أكملنا. . الكلام فى الملل"، وفيه تحدث

المصادر

عن الأديان والمذاهب غير الإسلامية: المسيحية واليهودية والبراهمة والمثنوية والمزدكية. . إلخ، وأيضًا المذاهب الفلسفية كالدهرية. أما فى الجزء الثانى فقد ختمه بالقول "تم الكلام فى شنع المبتدعة أهل الأهواء والنحل المضلة"، وتناول فيه الفرق الإسلامية الضالة. أما الشهرستانى فمن جانبه يعطى مدلولات خاصة به فى كتابه الشهير "الملل والنحل"، حيث يربط "الديانة" بـ "الملة"، والـ "الأهواء" بـ "النحل"، حيث يعنون كالتالى "أرباب الديانات والملل والأهواء والنحل" باعتبارهما مصطلحين متقابلين. وتحت المصطلح الأول يتكلم عن أصحاب الديانات ذات الكتب، سواء سماوية: الإسلام والمسيحية واليهودية، أو غير سماوية شبه كتاب المزدكية المثنوية، وتحت المصطلح الثانى يتكلم عن المذاهب الفكرية والعقائد المبنية على حرية الفكر غير الناتجة عن "الاستبداد بالرأى" على حد تعبيره، كالفلاسفة والصابئة والعرب قبل الإسلام والهند. وننوه أخيرا إلى كتاب باسم "الملل والنحل" أشار إليه فخر الدين الرازى فى كتابه المنشور باسم "اعتقادات المسلمين والمشركين" (انظر فتح اللَّه خليف، دراسات عن فخر الدين الرازى، بيروت، 1966 م). على أن الرازى يتحدث فى كتابه عن كافة الأديان والمذاهب الفكرية بلا تمييز، كما فعل الشهرستانى، الذى ينتقد بحدة مسلك التعميم والإطلاق وكذلك إلى "كتاب الملل والنحل" للعلامة الزيدى الإمام أحمد بن يحيى بن المرتضى (المتوفى فى 840 هـ/ 1437 م)، والمذكور فى الجزء الثانى من صدر أعماله المعنونة "البحر الزاخر"، وكتاب "المنية والأمل فى شرح كتاب الملل والنحل"، مذكور فى مجموعة أعمال له باسم "غاية الأفكار" كشرح للكتاب الأول، والعملان منشوران بواسطة جواد مشكور (بيروت، دار الفكر 1979). المصادر: مذكورة فى النص. على يوسف على [جيمارت D. Gimaret] مراجعة د. محمد الشحات الجندى

ملا

ملا مُلّا تحريف للفظ العربى مولى بمعنى سيد، وعادة ما يستخدم فى الشرق الإسلامى مقترنا بالعلماء والمتصوفة، ومن التفسيرات الغريبة أن ملا مشتقة من الفعل العربى ملأ باعتبار الملا رجل حكيم ملئ بالعلم، والملالى (جمع ملا) يتميزون بملبسهم الخاص فى إيران، وإذا كان الملّا من السادة (ينتمى للبيت النبوى) كان لباسه أسود، وإن كان لا ينتمى للسادة فلباسه أبيض. والملالى جميعًا سادة وغير. سادة يلبسون النعال الواسعة ليسها، خلعها عند الصلاة والعباءات الفضفضة، ويستخدم اللفظ نفسه فى الهند، وفى تركيا بشكل أقل، أما استخدامه فى دول الشرق الأوسط غير الشيعية فنادر (مُلّا القدس مثلا)، ومن الناحية العملية فإن اللفظ يطلق فى إيران على الذين درسوا دراسة دينية متوسطة لا تؤهلهم للوصول لدرجة (مجتهد)، ومنذ القرن العاشر الهجرى/ السادس عشر الميلادى أصبح لفظ خوجة أو خواجا أكثر اهمية من الملّا ومع هذا ظل لفظ ملا يطلق على الشخص الذى يأنس فيه الناس ورعا وتقوى فى الهند وإيران، ومؤنث الملا ملانى، فزوجة الملّا إذن ملّانية، وفى ظروف معينة يفقد اللفظ دلالاته الطيبة ففى اللغة الأردية يصبح معنى (ابن الملا) السفاح أو المتوحش، وحذر محمد إقبال من الملا الغبى أو ضيق التفكير. وفى عهد الشاه عباس الأول (996 - 1038 هـ/ 1588 - 1629 م) كان بعض اليهود يحملون لقب ملا لكنهم منعوا من ذلك بعد فترة. المصادر: H. Algar: Religion and Slate in gnan - S. A. Arjomandl: The office of Mulla Bashi in Shi'ite Iran - Sh. Bakhash: The reign of Ayatalaks - بهجت عبد الفتاح عبده [ج. كالمارد J.Calmard] ملندى مدينة على ساحل كينيا على خط عرض 4 شمالا. جاء أول ذكر لها فى إحدى كتابات الإدريسى (حوالى عام 1150)، أما مدينة ما - إن Ma-in التى

ذكرها أو - يانج مسيو Ou - Yang فى كتابه مين تانج - شو Hsin Tang-shu حوالى عام 1060 فالمرجح أنها فى الصومال، ويقول الإدريس أنها مدينة صائدى حيوانات وصيادى سمك يمتلك بعض سكانها مناجم حديد ويقومون باستغلالها. وكان الحديد أكبر مصادر ثرواتهم، ولكن هذا الحديد، كما بين أ. أو. ثومبسون A.O. Thompson، لم يكن يستخرج من مناجم وإنما كان يسترد من مخلفات الشواطئ. ويذكر الإدريسى مكندى على أنها مركز للسحر، ويؤكد أبو الفدا (1273 - 1331 م) هذا الإدعاء كما يضيف أنها كانت عاصمة ملك النج، كما يذكر أيضًا استثمار الحديد. وقد زار الأدميرال الصينى تشنج هو Cheny Ho ملندى فى رحلته الديبلوماسية والتجارية الخامسة فى المحيط الهندى، ومع ذلك فالمعروف عن تاريخ هذه المدينة. فى العصور الوسطى قليل. ومن ملندى بدأت رحلة فاسكوداجاما Vasco da Gama إلى الهند تحت إرشاد أحمد بن ماجد ولم يحظ داجاما باهتمام فى محبسه ولكنه استقبل بحفاوة فى ملندى. وتقع مدينة ملندى التى تعنى بالسواحلية "مراسى المياه العميقة" على خليج وتمتد بطول الساحل. وقد وصفها دورات باربوزا Duarte Barbosa وقد وصفا أكثر تفصيلا حوالى عام 1517 - 1518 م، فقال أنها كانت مخططة تخطيطا جيدًا، وكان فيها منازل متعددة الطوابق ذات أسقف مسطحة. وكان الناس يتجرون فى الذهب والعاج والشمع ويستوردون الأرز والدخن والقمح من كباى Cambay وقد زارها القديس فرانسيس زافير St Francis Xqvier عام 1542 م زيارة قصيرة وتحدث مع القاضى الذى يبدو أنه كان شيعيا، وذكر أن ممارسة شعائر الإسلام كانت قد تدهورت إلى حد كبير فى السنين السابقة لزيارته حتى أن أربعة مساجد فقط من سبعة عشر كانت مستخدمة. كما ذكر مبشر آخر هو الأب خواو دوس سانتوس Fr. Joao dos Santos O. P عام 1609 م أن الساحل الإفريقى من موزمبيق إلى لامو كان شيعيا.

وكانت الأسرة الملكية فى ملندى من أصل شيرازى وربما كانت بينها وبين الأسرة الحاكمة فى كلوه Kilwa صلة قرابة، وعندما سقطت الأسرة الحاكمة فى ممبسه حوالى عام 1590 م، منح البرتغال ممبسه للأسرة الحاكمة فى ملندى التى حكمت من ممبسه حتى عام 1632 م. فى القرن الثامن عشر كان كبير التجار الملنديين فى كلوه ضابط يدعى مارلنداى، وكان له عليهم سلطان لم يستطع سلطان كلوة أن يتغلب عليه، وبعد انتقال البيت الحاكم إلى ممبسه، فقدت ملندى أهميتها، وعندما زارها الكابتن أوين Owen عام 1827 وجدها مهجورة. ويحتوى المنتج الساحلى الحديث على عدد قليل من الآثار الإسلامية: مسجدين ومقبرة وقبر عمودى ربما كان قريبًا من القصر الملكى السابق. وتقع منطقة جدى Gedi الإسلامية المهمة على مسافة عشرة أميال جنوب ملندى وتبعد مسافة ميلين عن الشاطئ. وقد كانت هذه المنطقة مأهولة من القرن الحادى عشر الهجرى إلى القرن السابع عشر الميلادى ثم هجرت. ويحيط السور الخارجى بمساحة قدرها حوالى 45 آكر (فدان انجليزى) وربما كان عدد السكان ما يقرب من 10000 نسمة، ويوجد داخل السور الداخلى قصر ومسجد جامع مساجد أخرى صغيرة ومنازل كثيرة مساحة ربما كانت سوقا. هذا القصر غير مذكور لا فى الكتابات العربية ولا البرتغالية. وهناك ما يدل على أن قرب جدى من مالندى وبعدها عن البحر بحوالى ميلين على أنها كانت مقرًا ريفيا لسلاطين مالندى نمت حوله مدينة صغيرة، وذلك بخلاف باقى المدن الساحلية الافريقية التى كانت أساسا مراكز تجارية. ونلاحظ فى المنازل ثلاث سمات أساسية: فكل منزل يقسم إلى قسمين مستقلين، ربما كان كل منهما لزوجة، وفى أحدهما مخزن مصمم خصيصا لحفظ الأصداف الصفراء التى كانت تستخدم كعملة محلية، كما توجد فى القصر والمنازل شبكة متقنة من القنوات المائية تؤد إلى دورات المياه وتمكن من الوضوء داخل المنازل.

المصادر

المصادر: (1) J. Brodrick, S. J.: Saint Francis Xavier (1506 - 52)، لندن 1952 (2) H. H. L. Duyvendak Chinaas discovery of Africa لندن 1949 (3) Grenville G. S. P. Freeman The French at kilwa Island أكسفورد 1965. حسين أحمد عيسى [G. S. P. Freeman - Grenville] ملوك الطوائف اعتاد المؤرخون المسلمون أن يطلقوا "ملوك الطوائف" فى عصر ما قبل الإسلام على حكام الولايات الفارسية ويقولون عنهم "ملوك الأطراف"، ثم أطلقوا ملوك الطوائف فى العصر الأسلامى على الإمارات والدويلات والممالك الصغيرة التى قامت على أنقاض الدولة الأندلسية الأموية. ونعود لسياق إطلاق مصطلح ملوك الطوائف على حكام الولايات الفارسية فتقول أن هناك فترة بدأت منذ هزيمة داراين دارا أمام الأسكندر المقدونى حتى قيام الدولة الساسانية على يد اردشير، فلما مات دارا تقاسم دولته الحكام فاستقل كل منهم بالناحية التى هو فيها وأقرهم الأسكندر على مافى أيديهم، وتقول المصادر القديمة أن عمل الأسكندر هذا إنما كان بناء على نصيحة أرسطو له كى يبقيهم على الدوام منقسمين على أنفسهم، ويقال أنه بعد موت الأسكندر أصبح الأقليم من نهر دجلة إلى سيحون -وفى بعض الروايات- إلى اليمن وبلاد الشام ومصر مقسما بين 70، 100 من الحكام المستقلين فمنهم الفارسى والأرمنى والعربى والرومى واليونانى، ويزيد الثعالبى على هؤلاء هيا طلة طخارسنان وترك خراسان. وجعل كل منهم الحكم وراثيا فى بيته مع محاولته فى الوقت نفسه الدفاع عن كيانه وتوسيع رقعة أرضه، ولم يدفع أحدهم ضريبة للآخر، فإما ملوك العرب فكان منهم "ذو الشنات" ملك عمان القوى والبحرين واليمامة والمناطق

الساحلة وساطر بن الحضر"، أما الروم ووزراؤهم الفرس فكانوا يحكمون فى بابل أى أرض السواد وظل حكمهم هناك أربعة وخمسين عاما بعد موت الأسكندر حتى قام أشك بن أشكان (أو أكفور شاه) حاكم الجبال وهزم أنتيوكس وفتح العراق، وأعترف غيره من الولاة به ولقبوه بالملك وبعثوا إليه بالهدايا يسترضونه بها ولكنهم لم يدفعوا له جزية، فلم يقم هو من جانبه بتعيين أحد منهم، وكان توقيرهم له عظيما لشرف أرومته فقد كان ذا أصل ملوكى يرقى إلى دارا الأكبر أو قياذ أو كى قاوس أو غيرهم من الملوك، هذا إلى جانب أنه رأس الأسرة الأشطانية فى طيسفون (المدائن) فى قلب الدنيا. ولا يشير المؤرخون المسلحون إلا إلى تأسيس الأسرة على يد الاشكانيين ولكنهم يمسكون عن الإشارة إلى أسمائهم وعن طول مدة حكم واحد منهم. وينفى المسعودى عن ملوك الطوائف أن يكونوا مجوسًا ولكنهم من الصائبة الذين يعبدون الشمس والقمر والنار والنجوم السبعة وقال أنهم يتكلمون الآرامية، أما الثعالبى فيذهب للقول بأن "أكفور شاه" استرد كتب الطب والفلك والفلسفة التى كان الإسكندر قد أخذها من إيران، ويقال أنه مما ألف فى هذا العهد كتاب كليلة ودمنه وكتاب السندباد، أما ما ورد من أن ملكا من الملوك اسمه "خردوس" هاجم القدس ليعاقب اليهود لقتلهم يحيى بن زكريا فربما كان ذلك إشارة إلى الاستيلاء على القدس سنة 40 ق. م على يد ابن أوردرس الثانى، وذلك قبل 266 سنة من تولى ارد شير الحكم. كذلك يذهبون للقول بأن تيلتس خرَب بيت المقدس، والأرجح أن إبراز عصر ملوك الطوائف بأنه عصر الفوضى والتدهور الثقافى أنما كان من صنع الدعاية من جانب الساسانيين المتأخرين مما حمل رجلًا مثل صاعد الأندلسى لأن يقول أن الأندلس بعد بنى أمية قسمت بين عدد من الولاة الذين كانت أحوالهم مثل أحوال "ملوك الطوائف" الفرس. راجع فى ذلك الفتوح للبلاذرى والأخبار الطوال للدينورى، وتاريخ اليعقوبى وأخبار الزمان للمسعودى

ومروج الذهب له أيضا وتاريخ سنى ملك الأرض والأنبياء لحمزة الأصفهانى والبدء والتاريخ للمقدسى والشاه نامه للفردوسى وطبقات الأمم لصاعد الأندلسى. [م. مودونى] أما عبارة ملوك الطوائف فى الأندلس فتعنى الفترة الواقعة منذ موت المنصور بن أبى عامر الذى سيطر على هشام الثانى الخليفة الأموى وذلك منذ سنة 399 هـ (= 1009 م) وحتى وقت دخول المرابطين فى نهاية القرن الخامس للهجرة (= الحادى عشر الميلادى)، وكان الذى أدّى إلى هذا الوضع الذى أدى إلى أحداث هزة سياسية نتج عنها تغير جذرى هو خلو المسرح من هذه الشخصية المستبدة المكروهة، وطمع أحد الأمراء الأمويين فى استرداد السلطة لتكون فى أسرته، على أن هناك عاملا أساسيا أدى إلى هذا الضعف الذى اعترى بنية الدولة الأموية فى الأندلس وهو الثورة الجائحة التى خلصت الأندلس من سطوة بيت المنصور بن أبى عامر، وأن احتاجت إلى فترة تقرب من عشرين سنة حتى يتم القضاء على وحدة الدولة ككل وزوال نظام الخلافة. وإن أقدم طائفة من ملوك الطوائف كانت سنة 403 هـ (= 1013 م)، وأثرت فى المرية وبطليوس ودانيه وغرناطة وشلتيش، وربما يرجع أول ظهورها إلى ما قبل ذلك التاريخ فى سرقسطة وظلت مستمرة حتى السنوات الأولى من القرن السادس الهجرى حتى جاء المرابطون فصارت جزءا من مملكتهم ثم استردها الأسبان المسيحيون. كانت دول الطوائف ذات أنواع شتى فقد قام بعضها فى المنطقة الساحلية المطلة على البحر المتوسط وأسسها الصقالية المطرودون من قرطبة فى أعقاب سقوط بنى المنصور بن أبى عامر، وهناك نوع آخر من دول الطوائف، التى يعرف منها ما لا يقل عن أربعين دولة من أهمها طليطلة وسرقسطة وأشبيليه وكان يحكمها حسب هذا الترتيب بنو ذو النون وبنو هود وبنود عباد، وكان لكل من هذه

الدول قاعدة صلبة اقتصادية فى الزراعة، بينما كانت دول الطوائف الأخرى (لاسيما ما كان منها مُطِلًا على الساحل الشرقى) تعتمد أساسًا على التجارة عبر البحار، وكان كثير من هذه الدول قد ظهر للوجود بفضل رجل محلى نشيط ولم تكن هناك مدينة من المدن قد سيطرت عليها واحدة من جيرانها الأقوياء، ولما انتهى ذلك القرن كانت الدول الكبيرة قد ابتلعت الدويلات الصغيرة والتى هى أضعف منها، وكانت أشبيلية هى أنجح الدول فى هذه الناحية وانتهى بها الأمر أخيرا إلى أن تكون هى الدولة التى تطلعت إلى مطمح واقعى وهو توحيد الأراضى فى شبه الجزيرة التى كانت فى السابق خاضعة للأمويين. أما من الناحية العرقية فإن القوم هناك كانوا أنماطا شتى متداخل بعضها فى بعض، لا يستثنى من ذلك سوى قلة مثل غرناطة ومالطة، اللتين كانتا تنفردان بسيادة مجموعة عرقية معينة على غيرها من المجموعات وكانت تشبههما فى هذا المجال اشبيلية من الدول المطلة على البحر فى الناحية الشرقية، ولقد ظل للعامل العرقى أهميته فى سياسات ملوك الطوائف حتى منتصف القرن، وكان فى ظل هذه الدويلات اقليات يهودية ونصرانية، وكان النصارى -كما يبدو- فقد أخدوا فى التضاؤل من حيث العدد والأهمية، عكس ما جرى مع الجماعات اليهودية التى نعمت فى عهد ملوك الطوائف من بنى أمية بالتسامح الدينى وبعض من الذاتية الأقتصادية. أما من الناحية الثقافية فإن عددا كبيرا من دويلات هذا العهد حاولت أن تنسج على منوال البلاط الأموى وبلاط عهد المنصور فأخذوا فى تشجيع الأبداع الأدبى والفنى، وقد وصلت إلينا كميات كبيرة من شعر هذه الفترة، هذا إلى جانب معاجم التراجم التى تقدم مادة تشمل التاريخ الأندلسى منذ أيام الفتح حتى القرن التاسع الهجرى (الخامس عشر الميلادى)، ومن هذه التراجم نستطيع أن نستدل على مدى اندماج المولدين اندماجا كبيرا فى المجتمع الأندلسى بل وإلى أى حد

أصبحت لهم الغلبة فيه، كذلك وجد إلى جانب معاجم التراجم هذه مؤلفات تتضمن مواضيع ونصوصا كانت موضع الدراسة أو فى متناول بلاد الأندلس فى هذا الوقت، وعلى هذا الأساس نستطيع أن نرى أن الأندلس ضربت بسهم فى الأنتاج الثقافى فى مناطق مراكز العالم الإسلامى، وساهمت فيه أيضًا. ورحل الأدباء والعلماء والحجاج والتجار إلى الشرق ثم عادوا بعدئذ وراحوا يعملون على تدعيم وتعميق الصلات التى تربط الحياة الأندلسية وتعمق صلاتها بالشرق الإسلامى. وعلى الرغم مما كانت تعانيه الأندلس من أنقسامات سياسية داخلية إلّا أنها ظلت وحدة من الناحية الثقافية والدينية، وبقيت الصدارة للمذهب المالكى وإن قام إلى جانبه عدد من المدارس الفقية. ولعل أشهر أديب دينى وجَدلّى فى ذلك الوقت كان ابن حزم ولكنه لما كان من فريق الظاهرية (وفاشلا فى حياته السياسية) فإنه لم يكن له إلّا تأثير ضعيف فى أيام حياته، وإن ما حظى بالشهرة بعد موته وجود ذلك فى الأساس إلى كتابه الفصل فى الملل والأهواء والنحل الذى اعتبره الجميع دراسة سابقة لأدابها عن الديانة المقارنة، وكان العلماء والأدباء ينتقلون فى سهولة ويسر بين الدول والحكام المتنازعين فيما بين بعضهم والبعض الآخر، واكتسب العلم من المنافسة التى كانت موجودة بين هؤلاء العطوفيين على الأدب على ما بينهم من خلافات، وإذا نحينا ابن حزم جانبا وجدنا كتابا بارزين فى هذا العصر من بينهم المؤرخون: ابن حيان وسعيد الطليلطى وكذلك صاحب غرناطة الزيرى عبد اللَّه بن بلجين الذى عشر -منذ أكثر من خمسين سنة- ليفى بروفنسال على مذكراته، أما من علماء الدين فكان هناك أبو عمرو الدانى، كما ظهر من العلماء فى الطب أسرة ابن زهر وغير هؤلاء. فلما أهلّ النصف الثانى من القرن الخامس للهجرة بدأ الضعف يتطرق إلى ملوك الطوائف الذين وقعوا بين شقى

الرحى وأعنى بذلك حركة المرابطين فى شمال أفريقية وظهور قوتهم وبين حركة الاسترداد وما بثته من قوة فى أسبانيا النصرانية، ولم تقتصر هذه الحركة على الضغط الحربى والسياسى والأقتصادى الذى مارسته أسبانيا النصرانية على مالك الطوائف هذه، بل تعدت ذلك كله إلى ما اجتاح كل شبه جزيرة أيبريا من روح دينية جارفة أخذت فى التزايد يوما بعد يوم حتى وجدت معظم دول الطوائف نفسها تدفع الضرائب للمسيحيين الذين كان من بينهم ألفونس السادس بل أن بعض دول الطوائف تحالفت مع المسيحيين ضد غيرها من دول الطوائف الأخرى. وأخذت مطالب المسيحيين تتزايد فى عنف حينا بعد حين وتصبح عبئا ثقيلا تنوء تحته اكتاف [المسلمين] منذ أن أدرك هؤلاء النصارى ما عليه المسلمون من الضعف، مما يسر عليهم الاستيلاء على طليطلة سنة 1085 الأمر الذى أدى إلى تقدم النصارى نفسيا وحربيا، إذ كانت تلك المدنية وهى العاصمة القوطية فى القديم ذات أهمية من هذه الناحية، ومن ثم كان لسقوطها دوى أحدث خوفا شديدا فى كل نواحى الأندلس، وإذ ذاك اضطر ملوك الطوائف أن يتجهوا بأبصارهم شطر المخرج الوحيد الموجود أمامهم للخلاص وأعنى بهم جماعة "المرابطين" الذين رأوا فى ملوك الطوائف حكاما مفككين وطغاة فاسدين، ومن ثم فإنهم لم يتوانوا عن أغتنام هذه الفرصة التى لاحت لهم فأقدموا على سلسلة من الهجمات السريعة تخللتها انتصاراتهم على المسيحيين فى الوقفة المعروفة بوقفة "سجراحاس" أو زلاقة سنة 1086 م وراح المرابطون القادمون من افريقية الشمالية يستولون على مالك الطوائف واحدة بعد واحدة، فأنقذوا الإسلام فى شبه الجزيرة. ولقد أعطى دوزى بالتفصيل التاريخ السياسى لهذا النص فى كتابه تاريخ المسلمين فى أسبانيا (ترجمة حسن حبشى، جـ 3)، وفى النسخة الفرنسية التى طبعها ليفى بروفنسال فى ليدن سنة 1932, وما كتبه منتدبة فى كتابه la spans del lid، وقد صبغه المؤلف بروح من عنده، وانظر Pawers: mediewol spoin 1031 - 1250, xxx 1, p. 3 - 15 وهو مفيد على وجه الخصوص فيما

المصادر

يتعلق باسبانيا النصرانية فى هذه الفترة، كما يجد القارئ مزيدا من التفاصيل عن المجتمع الأسبانى فى هذه الفترة فيما جاء فى T. F. Cililick: Islamic spain in the early middle ages أما عن النقوش التى على العمائر فراجع Levi proavencal: inscriptions arabes ans، 1931، وأما عن الناحية الدينية فانظر مكى: التشيع فى الأندلس فى مجلة المعهد المصرى للدراسات الإسلامية بمدريد، جـ 2 (1954) ص 93 - 149, أما فيما يتعلق برسالة موسى بن عزرا عن نظرية الشعر فقد قام بنشرها هالكن فى القدس سنة 1975 باسم "المحاضرة والمذاكرة" على إنه لا توجد حتى اليوم دراسة وافية عن فن كتابة النثر فى هذا العصر. المصادر: فى ثنايا المقال. بدرية الدخاخنى [د. ج. تسترشين D. J. Zesserstein] مملكة تعدها المعاجم العربية مصدرا واسم مكان من الفعل (ملك) الذى يعنى امتلك الشئ أو حازه، وتعنى هيمنة اللَّه -سبحانه- على الخلق، كما تعنى هيمنة البشر على البشر، وهى كاسم مكان تعنى المكان المملوك ابتداءً أو الذى تم الاستيلاء عليه، وأكثر المعانى التى تشير لها كلمة مملكة هى دلالته على قطر أو دولة يُحكم حكمًا ملكيا والجمع مالك التى استخدمها ابن خرداذبة فى عنوان كتابة المشهور المسالك والممالك، وفى إطار الفكر الشعوبى بين الجاحظ بين مملكة العرب "ومملكة المعجم" وبعد ذلك بحوالى سبعين عاما أتى الجغرافى قدامة بن جعفر ليستخدم الكلمة بمعنى اشمل "مملكة الإسلام" أو ببساطة "المملكة" وبعد ذلك كرس الجغرافيون المسلمون (البلخى، المقدسى، ابن حوقل، الاصطخرى. .) كتاباتهم لوصف العالم الإسلامى كله لذا، قال الباحثون عنهم أنهم مدرسة أطلس الإسلام؛ لأنهم تجاوزوا الانقسامات السياسية ليتناولوا العالم الإسلامى كوحدة اقتصادية وحضارية واحدة. المصادر: A. Miquel: La geograghie humaine du monde musulman. Paris 1963 - أ. د. عطية القوصى [A. Miquel]

مملوك، مماليك

مملوك، مماليك كلمة مملوك تعنى حرفيا "شئ ممتلك"، ولقد استخدم الاسم خاصة فى معنى "رقيق العسكر"؛ ولقد سرت هذه التسمية فى مختلف أنحاء العالم الإسلامى، ومن الممكن دراسة تنظيم الرق العسكرى بأشكاله المختلفة من خلال إطار دراسة تاريخ سلطة المماليك فى مصر وسوريا (648 - 922 هـ/ 1250 - 1517 م). 1 - أقطار المنشأ والتكوين العنصرى: الجزء الأكبر من مماليك الأيوبيين كانوا أتراكا، غير أننا لا نعرف على وجه الدقة بلادهم الأصلية التى جلبهم منها سلاطين الأيوبيين بإستثناء عهد حكم الملك الصالح نجم الدين أيوب، الممهد المباشر لفترة حكم المماليك وعهد حكم واحد أو اثنين من الحكام الأيوبيين المعاصرين له أو الذين حكموا مباشرة. ويعطينا ابن فضل اللَّه الغمرى أهم وصف لقبجاق الإستبس ولشعبهم، وهو المصدر الرئيسى لرقيق سلطنة المماليك العسكريين عند بداية تكوينها، حيث يركز الكاتب على الظروف الصعبة التى كان يحياها سكان الإستبس وأسلوب معيشتهم البدائية (بما فى ذلك وثنيتهم)، كذلك على تكوينهم العسكرى، وعلى إخلاصهم وولائهم، وهى خليط من صفات جعلتهم مؤهلين كل التأهيل لأن يصبحوا مادة خاما عسكرية وقد أجمعت المصادر على أن مماليك مصر وسوريا كانوا العامل الحاسم فى إنقاذ الإسلام من تهديدات الفرنج والمغول منذ معارك المنصورة (647 هـ/ 1249 م) وعين جالوت (658 هـ/ 1260 م) حتى المعارك الأخيرة ضد إيلخانات مغول فارس والعراق. هذا ويرجع بيع سكان إستبس القبجاق وحكامهم الرقيق للأسباب التالية: فقر سكانها المدقع، الذى أجبرهم، فى بعض السنوات، على بيع أطفالهم، كما أنهم لجأوا إلى بيع أطفالهم لسداد الضرائب التى ينبغى عليهم دفعها للحاكم وإلى جانب هذا قبض هؤلاء المقام على أطفال رعيتهم

ونسائها وبيعهم ولم يكن هذا الإكراه وتلك الضغوط هى الحافز الوحيد لبيع هؤلاء الأطفال. وفى الحقيقة، أن هجمات المغول على قبجاق الإستبس ملأت أسواق الرقيق بأتراك تلك المنطقة بما سهل على الأيوبيين الحصول عليهم، وأدى ذلك بطريق غير مباشر إلى تأسيس دولة المماليك. ولقد أدى إسلام حكام مغول منطقة القطيع الذهبى وإسلام الكثير من أفراد شعبها، على المدى الطويل، إلى تقليل حجم القوة البشرية العسكرية لبلاد قبجاق الإستبس وخصوصا لسلاطين المماليك. وعلى المدى القصير، فإنه من المشكوك فيه أن إعتناق الإسلام كان له تأثير ملحوظ على تجارة الرقيق من تلك المنطقة ولسنين طويلة، فلقد إستعاد أولئك الذين أصبحوا مسلمين، الكثير من عاداتهم الوثنية، وبقيت كثرة مثلهم على الوثنية، وكان استمرار تجارة الرقيق يعود على كل من الباعة والمشترين بالنفع الكبير. وقبل سرد أصول المماليك، يجب أن نناقش لفظة "تُرك" التى لها معنيان: أحدهما معنى واسع، والثانى ضيق للغاية. ولنبدأ بالمعنى الواسع، تاركين الثانى بإحصاء الأجناس المختلفة. ولفظة تُرك أو أتراك بمعناها الواسع تضم كل أجناس المماليك ولقد أطلق على سلطنة المماليك إسم "دولة الترك أو دولة الأتراك أو الدولة التركية" ولقد كان التعريف الشائع لسلاطين المماليك هو: "ملوك الترك". أما الفرنجة (الإفرنج والفرنج) فلم يذكروا أبد، فى المصادر المملوكية كمجموعة جنسية إلا أن هنالك بعض أشخاص مماليك قيل عنهم أنهم ينتسبون إلى أصل فرنجى ولقد كان هناك بعض من الذين ولدوا مسلمين من خارج أراضى السلطنة المملوكية أو من الأقطار المجاورة لا سيما النواحى التى كان يقطنها التركمان إنضموا من تلقاء ذاتهم إلى الارستقراطية المملوكة الحربية التى وجدوها خيرًا مما هم فيه وقد أطلق على قلة من التركمان الذين إندرجوا فى سلك المماليك إسم "الروميين".

2 - وصول المملوك وتدريبات الأولى

2 - وصول المملوك وتدريبات الأولى: وتظهر فى مقدمة حياة كل مملوك، بكل وضوح، صورة تاجر الرقيق، وخصوصا صورة الشخص الذى أحضره من موطنه الأولى، فهو ولى أمره الأول وحاميه من الصعاب والأخطار أثناء الرحلة إلى الوطن الذى اختير له وهو أيضًا يتعامل معه كحلقة وصل بينه وبين موطنه الأولى، حتى أن المملوك يرتبط عادة بروابط قوية عاطفية ومحترمة بذلك التاجر، ولقد كان كان هؤلاء التجار مواطنين مسلمين. وبينما نعرف القليل التافه عن سوق الرقيق ووظيفته، فإننا نعرف الكثير عن كيفية شراء السلطان لمماليكه فهو يشتريهم فى الحقيقة من بيت المال، وأولئك المماليك الذين لم يكونوا قد أعتقوا قبل موت السلطان أو قبل عزله فإنهم يعودون إلى بيت المال ويشترون من هناك من قبل السلطان الجديد. ويربى مماليك السلطان فى مدرسة عسكرية تقع فى "طباق الأتابك" فى قلعة القاهرة. وطالما هم مقيمون فى القلعة، يظل المماليك فى الطباقات الخاصة بهم، ويعرف كل منهم باسمه وتنقسم الدراسة بالنسبة للمبتدئ إلى قسمين رئيسيين. أولهما: دراسة مبادئ الإسلام ثم فنون الحرب أو الفروسية. 3 - وظيفة الخصيِّان: الخصيان هم العنصر السائد المهيمن فى المدرسة العسكرية، وهم الذين يقومون بتربية التلاميذ (حتى فى المجال الدينى، إلى جوار علماء الدين)، وكذلك فإنهم ملتزمون بتطبيق نظام صارم بينهم، ويرجع السبب الرئيسى فى تزويد المدرسة بالمعلمين الخصيان هو استخدامهم كحائل بين المماليك الأطفال والمماليك البالغين لمنع اللواط. والتلميذ الذى يثبت عليه مضاجعة الصبيان يكون عرضة لتنفيذ الإعدام. وللخصيان تنظيم هرمى يتألف، سفحه من حُذام الطباق (أو طواشية الطباق) وعلى رأس كل طباق يوجد خصى يعرف "بمقدم الطبقة" وتأتمر كل الطبقات بأمر خصى واحد يسمى

4 - تكملة التدريب والعتق

بمقدم المماليك السلطانية"، ويكون له (نائب) خصى مثله أيضًا. ويبدو أنه لم يكن هناك فصل بين أولئك الخصيان الذين يخدمون فى المدارس وبين أولئك العسكريين منهم والكفاءات الإدارية ولا بينهم وبين أولئك الذين يخدمون فى الحريم أو فى المعاهد الدينية. على أنه يبدو أنهم لم يكونوا يقومون بأداء هذه الوظائف المختلفة فى وقت واحد. والخصيان كجماعة كانوا أقوياء للغاية وكانوا أصحاب نفوذ تحت حكم سلاطين المماليك. وأعلى درجة يصل إليها الخصى فى دولة المماليك هى "أمير أربعين" بل أنه لا يصل إلى هذه الدرجة سوى شخص واحد خصى هو "مقدم المماليك السلطانية" على أنه لم يشذ عن هذا الوضع إلا فى فترة الإضطراب التى سادت فى السنوات التى تلت السلطنة الثالثة للناصر محمد ابن قلاوون، فقد استحوذ الخصيان مع جوارى القصر على سلطة لم يكن لها مثيل من قبل لكن هذا النوع من السلطة لم يستمر طويلًا؛ لأنه يُعد ضربة موجهة مضادة لمفاهيم المجتمع الإسلامى، فضلًا على أنه من الممكن أن يؤدى إلى هدم أسس النفوذ المملوكى. 4 - تكملة التدريب والعتق: إذا أتم المملوك المدرسة وأنهى فترة تدريبية جرى عليه العتق ويتم ذلك فى احتفال عام يكون فى حضرة السلطان ويعرف باسم "خرج" يضم ما بين 150 إلى 500 متخرج. ويتسلم كل واحد منهم شهادة إعتاقه وتسمى "عتاقة"، وهى التى تقرر فى نفس الوقت، صيرورته جنديا كامل الأهلية. وحين يعتق المملوك، يكون على درجة جندى صغير. وبذلك تتساوى بداياتهم جميعًا، على أن لهم، فرصة حقيقية للترقى إلى أعلى الدرجات فى حالة إعتاق السلطان لهم وليس فى حالة إعتاق الأمير، خاصة إذا ما انتظم المملوك فى الحرس الخاص للسلطان (الخاصكية). ولم تكن هنالك مدارس لتدريب الضباط، فأولئك يرتقون من مرتبة الجندى العادى دون الحاجة لممارسته نوع خاص من التدريب.

5 - المملوك وولى أمره

5 - المملوك وولى أمره بعد اعتاق المملوك تحسم مسألة نسبة النهائى مدى الحياة. فهو ينتمى بالولاء، من ناحية، لولى أمره (معتقه، وأستاذه)، ومن ناحية أخرى، لزملائه فى الخدمة والعتق والذين يعرفون بالخشداشية وتتجلى مشاعر ولاء المماليك لأولياء أمورهم فى تلك الحالات التى لا تسير فيها الأمور وفق المقدر لها. وذلك حين يحدث أن يموت ولى الأمر وهو السلطان أو يعزل قبل الموعد المحدد لعتق مجموعة من المماليك بوقت قصير. إذ ترفض هذه المجموعة فى بعض الأحيان أن يعتقها السلطان الجديد خوفًا من أن عتقهم على يديه يُشكل ضربة مميتة لفرص ترقيهم بأن يصبحوا جزء، من الطبقة الأرستقراطية العسكرية العليا. ولقد أقام ولى الأمر وعتقاؤه علاقات مماثلة لتلك العلاقات العائلية. فهو يعتبر والدًا لهم وهم أولاده، وهم يعتبرون أنفسهم أخوة فيما بينهم، مع علاقات خاصة بين الإخوة الكبار (الأغوات) والإخوة الصغار (الإنايات). 6 - المجتمع المملوكى: كان المجتمع المملوكى فى عهد سلطنة المماليك مجتمعا منيعا للغاية، قائما بذاته. وإذا ما أراد الشخص أن يصبح عضوًا فيه أحتاج إلى استيفاء متطلبات محددة للغاية. وهى أن يكون أشقر البشرة؛ ومن -معظم الحالات- من سكان المنطقة الممتدة إلى شمال وشمال شرقى أرض الإسلام أن يكون قد ولد وثنيا وأن يكون قد أحضر إلى سلطنة المماليك طفلًا أو صبيًا (فى سن البلوغ)؛ وأن يكون قد أشترى، وأن يكون معتقه الذى تولى تربيته من طبقة الأرستقراطية العسكرية. وقد بدأ هذا التنظيم المملوكى قبل قيام دولة المماليك وكان جميع أفراده، بإستثناء قلة قليلة يحملون، أسماء، تركية بصرف النظر عن أصولهم. وصار هذا هو الوضع أيضًا مع الشراكسة حين جاءوا ليكِّونوا العامل الرئيسى فى الأرستقراطية العسكرية. وحقيقة أن معظم المماليك ممن يعرفون (أولاد الناس) قد حملوا أسماء إسلامية ساعدت كثيرًا فى معرفة إنتسابهم لتلك

المصادر

الأرستقراطية، الأمر الذى سهَّل بقائهم كجيل جديد من أجيال تلك الأرستقراطية وفى مصر العثمانية، إلا أن إختيار غالبية المماليك للأسماء الإسلامية كان عاملًا من أهم عوامل خلق المجتمع الذى إمتزجت فيه الصفات الموروثة بجيل النبلاء. وهنالك مظهر آخر من مظاهر ذلك المجمتع وهى أن أعضاءه يتزوجون أساسًا من جوارى من بلادهم الأصلية أو من بنات المماليك كذلك فإن معظم محظياتهم كّن أيضًا من نفس المنطقة ولم يكن يستثنى، من هذا سوى الأماء السوداوات ولقد كان الزواج بين أمراء المماليك وبنات البلد نادرًا (أساسًا بنات كبار الموظفين، وكبار التجار والعلماء). وذلك يعنى أن الجوارى المستوردات من الأماكن التى كانت تشكل مصدرًا للرقيق العسكرى كن على الأقل كثيرات كثرة تماثل كثرة أعداد المماليك وقد كان الزواج بين أبناء المماليك وبنات البلد كثيرًا للغاية، وذلك يظهر وجهًا من وجوه مضاهاة النسل المملوكى فى التنظيم السكانى المحلى (*). ولقد يتميز المماليك أيضًا بزيهم الخاص، الذى كان يعتبر أكثر إحتشاما من زى أى طبقة أخرى. ومن حق المملوك تملك المماليك وهذا حق مقصور عليه نظريا (وإن كانت هنالك حالات كثيرة لمدنيين يمتلكون مماليك)، كذلك ركوب الخيل. وكانت اللغة التركية هى اللغة المتداولة بينهم لأنه معرفة معظمهم العربية كانت سطحية للغاية، برغم أن المزيد من الدراسة ربما تغير ذلك الإنطباع إلى حد كبير. على أن وعيهم الإسلامى قوى للغاية. ويتضح ذلك من العديد من المبانى الدينية التى شيدوها. ويشكل المماليك السلطانية العمود الفقرى لدولة سلاطين المماليك. المصادر: (1) أبى شامة: مفرج الكروب فى أخبار بنى أيوب. (2) ابن إياس: بدائع الزهور منى وقائع الدهور. ¬

_ (*) ظهر مثل هذا التحليل فى كتاب طريف مجهول المؤلف بعنوان تراث العبيد فى مصر المعاصرة - نشر المكتب العربى للمعارف بالقاهرة.

نشأة السلطنة المملوكية فى مصر والشام (648 - 922 هـ = 1250 - 1517 م).

(3) المقريزى: المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار المقريزى. (4) المقريزى السلوك فى أحوال دول الملوك. (5) ابن تغرى بردى النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة. د. عطية القوصى [د. أبالون D. Aballon] نشأة السلطنة المملوكية فى مصر والشام (648 - 922 هـ = 1250 - 1517 م). بدأ الحكم المملوكى بدولة المماليك البحرية، وهم أهل بيت عسكرى من قبيلة القبجاق (مماليك الأتراك)، وينتمون إلى الحرس الخاص للسلطان الأيوبى الصالح نجم الدين أيوب (637 - 647 هـ/ 1240 - 1249 م). ولقد قامت المماليك البحرية بإزاحة حكم الأيوبيين عن مصر وسوريا واستولت على الحكم تحت ظروف تهديد مصر والشام بكارثتين حربيتين، أولاهما: حملة لويس التاسع الصليبية على مصر (647 - 649 هـ/ 1249 - 1250 م)، وثانيهما: الغزو المغولى للشام (657 - 658 هـ/ 1259 - 1260 م). ولقد تم استيلاء المماليك البحرية للسلطة فى مصر، بعد عودة السلطان الجديد توران شاه مباشرة إلى مصر بدعوة من المماليك البحرية. وقد قامت مجموعة من هؤلاء المماليك بقتل توران شاه يوم 27 من المحرم سنة 648 هـ/ أول مايو 1250 م. ولقد ساعد دور البحرية البارز فى مقاومة الصليبيين على أن أصبحوا أصحاب السيطرة السياسية والسيادة، كذلك ساعدهم على ذلك موت القائد فخر الدين بن شيخ الشيوخ الذى كان يلى شئون الدولة حين توفى الصالح أيوب، ولكنه مات قبل وصول توران شاه إلى البلاد. ولقد استقر رأى البحرية أن يظل الحكم فى البيت الأيوبى ممثلا فى تولية أرملة الصالح أيوب، أم الخليل شجر الدر، وهى من أصل مملوكى تركى، كرسى السلطنة، لكن أمر نقل السلطة تغير بإختيار أتابك العسكر، أيبك التركمانى سلطانًا. ولقد رفض الناصر يوسف حاكم حلب، أن يعترف بسلطنة شجر الدر واستولى على دمشق. عندئذ أطاح المماليك البحرية بشجر الدر، ورفعوا أيبك للسلطنة

وجعلوه سلطانًا ولقبوه "بالملك المُعز" (28 ربيع الثانى 648 هـ/ 11 يوليو 1950 م). وبعد أيام قليلة استعاد قيادته السابقة للبحرية، واعترف بطفل، هو الأشرف موسى، سليل أيومبى اليمن سلطانًا إسميًا. ولقد فشل هذا التدبير فى تهدئة الناصر يوسف، الذى أرسل أكثر من حملة لمصر وعاد أيبك إلى السلطنة فى سنة 652 هـ/ 1254 م. وتزوج لبعض الوقت من شجر الدر، متبعا فى ذلك سنن سابقيه السلاجقة فى زواج الأتابك من أرملة سيده المتوفى. كما ازدادت العداوة فى نفس الوقت، بين البحرية وطائفة أيبك، المعزية. وقام فارس الدين أقطاى الحمدار فأخذ الوصاية الملوكية وعقد زواجه على أميرة أيوبية وكان زواجًا سياسيًا وطلب منها أن تقيم فى قلعة القاهرة. ولقد دبر أيبك إغتيال أقطاى على يد مملوكه قطز المعزى. وأضعف هذا الإنقلاب من قوة البحرية، فهرب الكثيرون منهم إلى الشام ودخلوا فى خدمة الأيوبيين. وكان بين هؤلاء بيبرس البندقدارى. ومما يدعو للسخرية، أن زواجًا سياسيًا ثانيًا أدى إلى قتل أيبك فلقد أثارت رغبته فى الزواج من إبنة الأتابك بدر الدين لؤلؤ أتابك الموصل غيرة شجرة الدر، التى دبرت مقتله يوم 3 ربيع الأول 655 هـ/ 10 أبريل 1257 م. إلا أن تشتت البحرية تركها دون حماية كافية. وقد قام المعزية بقتلها، وبتعيين على بن أيبك، من زوجته الثانية، سلطانًا، وأصبح قطز من أهم الأقطاب. وحين بدأ الغزو المغولى لسوريا فى سنة 657 هـ/ 1259 م، اغتصب قُطز السلطنة لنفسه ووادع بيبرس، الذى عاد إلى مصر وخرجا على رأس حملة وتمت هزيمة المغول على أيديهما فى موقعة عين جالوت فى 25 رمضان 658 هـ/ 3 سبتمبر 1260 م. وسرعان ما انحسر الهجوم المغولى عن الشام ولقد وقع الناصر يوسف أسيرا فى يد المغول، ووقعت الإمارتان الأيوبتان الكبيرتان دمشق وحلب تحت حكم المماليك المباشر رغم احتفاظ إمارات حمص وحماة والكرك الصغيرة باستقلالها وبنهاية هذه الأزمة، عادت المنافسة

- السلطنة الحصينة

المتأصلة بين المماليك وقد قام بيبرس على رأس جماعة من المتآمرين باغتيال قطز. ثم أغتصب السلطنة بعد تعهده بمساعدة البحرية، إخوته فى السلاح. - السلطنة الحصينة: يعد الظاهر بيبرس، دون سابقيه، المؤسس الحقيقى لدولة سلاطين المماليك. فلقد سمحت فترة حكمه الطويل نسبيا (658 - 676 هـ/ 1260 - 1277 م)، والدرجة العالية من الإستقرار الداخلى، مقارنة بتقلبات العقد السابق، بإقامة البنية السياسية للدولة ونظم الحكم. إلا أن الإيلخانات المغول فى الشرق خلال عهده وعهد من حكم من بعده وبقايا الإمارات الفرنجية أخذوا يهددون دولة المماليك الحصينة على سواحل الشام -وكان الخطر المغولى أشد من الخطر الصليبى. ولقد قام الأيوبيون فى حمص وحماة بصد هجمة ثانية شنها المغول على سوريا بعد معركة عين جالوت بشهور قليلة، إلا أن أيوبيِّى حمص وحماة صدوهم أولًا فى الأول من المحرم 659 هـ - ديسمبر 1260 م) ثم هزموهم مرة ثانية فى موقعه حمص الثانية فى سنة 680 هـ/ 1261 م، أثناء حكم قلاوون أما فى الفترة الأخيرة فقد وقعت سنة 712/ 1313 م زمن السلطنة الثالثة للملك الناصر محمد بن قلاوون. ولقد كانت الإمارات الفرنجية عسكريا ضئيلة الأهمية بالمقارنة بقوة المغول ولكن خطرها كان يكمن فى أن تصبح [الشام] قاعدة لصليبيى أوربا، مما يتح فرصة قيام حلف صليبى مغولى ضد المماليك وقد بدأ تحقق هذه المخاوف حين خرج إدوارد، ابن ملك إنجلترا هنرى الثالث على رأس، قوة صليبية إلى عكا سنة 669 هـ/ 1271 م، وحصل على تعاون محدود من قبل الإيليخان "أبقا" ولقد إنتهت هذه العملية المشتركة، الأولى والأخيرة من نوعها إلى لا شئ وكان تأمين مسلمى الشام المواجهين لأراضى العدو، من أهم ما شغل بال بيبرس. وفى سنة 661 - 662 هـ/ 1263 م, سقطت إمارتان أيوبيتان فى أيدى بيبرس هما إمارة الكرك وإمارة حمص كما تم إخضاع الإسماعيلية، وأستولى بيبرس على قلاعهم فى الفترة ما بين 669

و 671 هـ/ 1271 و 1273 م. وقد كان من أهداف بيبرس إنقاص عدد الإمارات الصليبية قدر الإمكان، وقد قام لذلك بحملات سنوية فى سوريا، واستولى على الكثير من بقايا مدن الفرنجة وقلاعهم: فاستولى على قيسارية وحيفا وأرسوف سنة 663 هـ/ 1265 م، وأستولى على يافا وأنطاكية سنة 666 هـ/ 1268 م. كذلك استولى على عدة قلاع داخلية مثل قلعة صفد وقلعة حصن الأكراد. وقد ظل بيبرس على سياسته الدفاعية ضد المغول، باحثا عن إضعافهم بالدبلوماسية دون قوة السلاح. فاستغل العداوة بين الإيليخانيين وبين "بيرك" خان "القبيلة الذهبية" (654 - 664 هـ/ 1256 - 1266 م)، وحاكم قبجاق الإستبس الذى أسلم، ولقد شجع تحالف بيبرس مع بيرك على تدفق محاربى القبائل المغولية (الوافدة) من الأراضى الإيليخانية إلى بيبرس. ولقد كان لبيبرس هدفان فى سياسته الداخلية، أحداهما هو أضفاء الشرعية على حكمه وثانيهما تكوين بيت من أسرته يخلفه من بعده. ولقد نجح فى هدفه الأول بتنصيبه أميرًا عباسيا خليفة فى القاهرة، وتسلمه منه إعترافًا رسميا بسلطاته المطلقة كسلطان على كل العالم الإسلامى (رجب 659 هـ/ يونيو 1261 م). وحين توفى هذا الخليفة الذى تسمى باسم المستنصر باللَّه بعد وقت قصير، أحل بيبرس مكانه خليفة آخر وظلت الخلافة العباسية الصورية فى مصر حتى الفتح العثمانى. ولقد قلد بركة ابن بيبرس سلطانًا شريكا لوالده فى السلطنة فى شوال 662 هـ/ أغسطس 1263 م وهو لا يزال فى الرابعة من عمره. هذا ولم يستمر حكم أسرة بيبرس طويلًا، وكانت العدواة الواقعة بين رجالة "الظاهرية" و"الخاصكية" هى السبب الرئيسى لعدم هذا الاستمرار وقد قاد المعارضة أحد رفاق بيبرس وهو قلاوون الألفى. وبعد أن نجح قلاوون فى خلع بركة خان عن الحكم, أحل الأعيان مكانه أخاه سلامش، الذى كان يبلغ من العمر سبع سنوات، وجعلوه سلطانًا إلا أنه لم تمض أسابيع

قليلة حتى استولى قلاوون على العرش (ربيع الثانى 678 هـ/ أغسطس 1279 م)، ونفى أبناء بيبرس إلى الكرك. ولقد كان المنصور قلاوون مسئولًا عن بدعة عسكرية هامة، وهى: تجنيد الفرق العسكرية المملوكية الجراكسة الذين عرفوا بالمماليك البرجية نسبة لسكناهم أبراج (القلعة). ولقد كانت تلك أول إشارة لتهديد نفوذ أتراك المماليك القبجاق. ومن ناحية أخرى، فقلد واصل قلاوون سياسات بيبرس. ولقد أعلن حاكم دمشق، سنقر الأشقر نفسه سلطانًا مثلما فعل سنجر الحلبى من قبل. وقد هُزم بصعوبة فى صفر 679 هـ/ يونيو 1280 م، لكنه نجح فى تثبيت نفسه فى قلعة صهيون التى كانت من قبل قلعة للصليبين اللاذقية الجبلية. وأخيرًا، شارك قلاوون فى عملياته العسكرية ضد قوات المغول التى أرسلها الإيليخان أباقا وهى القوات التى هزمت فى معركة حمص الثانية (شعبان 680/ نوفمبر 1281 م). وتوفى أباقا فى العام التالى، وقام خليفته "تكودار أحمد" الذى إعتنق الإسلام، بتحسين العلاقات بينه وبين السلطان. عندئذ أصبح قلاوون متفرغا لمتابعة "الجهاد" ضد الإمارات الفرنجية. فسقطت فى يده طرابلس فى ربيع الثانى 688 هـ/ أبريل 1289 م وضربها، وكان قلاوون على وشك أن يقول حملة ضد عكا/ لكن وافاه أجله فى ذى القعدة 689 هـ/ نوفمبر 1290 م). ومثلما فعل بيبرس فقد كرس قلاوون جهده، فى تكوين بيت حاكم، ولكن لم يتم الأمر كما خطط له بأن يخلفه ابنه الصالح على، فقد إنتقل العرش إلى ابن آخر هو الأشراف خليل، الذى ينسب إليه الإستيلاء على عكا (جمادى الأولى 690 هـ/ مايو 1291 م) والقضاء على مملكة اللاتين. وفى العام التالى، إستولى خليل على قلعة الروم، لكنه فى المحرم من سنة 693/ ديسمبر 1293 سقط ضحية لمؤامرة دبرها كبار قواد والده العسكريون (المنصورية)، الذين أحسوا بتهديده لهم، فقاموا بقتله.

- حكم الناصر محمد المطلق

ولقد تسبب مقتل السلطان خليل فى إضطراب سياسى دام سبع عشرة عامًا، تناوب القواد حكم السلطة خلالها. وأخيرًا أختير أحد أبناء قلاوون سلطانًا، وهو الناصر محمد، وكان طفلًا صغير، لا يزيد عمره عن عشر سنوات. ولقد أقصى الناصر مرتين عن الحكم، وأخيرًا عاد للسلطنة للمرة الثالثة سنة 709 هـ/ 1310 م بعد أن إستوى عودة واكتسب الخبرة السياسية، بعد أن إنتقل من الكرك، وبفضل مساندة حكام حلب وحماة وطرابلس له زحف على مصر لينزع عنها حكم المظفر بيبرس وينصب سلطانًا للمرة الثالثة والأخيرة. - حكم الناصر محمد المطلق: لم تعد دولة سلاطين المماليك مهددة من الأعداء الخارجين طوال فترة حكم السلطنة الثالثة الطويل للسلطان الملك الناصر محمد (709 - 741 هـ/ 1310 - 1341 م). فلقد زالت الإمارات الصليبية وزال معها ـكل خطر صليبى قد يقدم من أوربا. كذلك أجهضت آخر غزوة مغولية قام بها الإيليخان أولجاتيو فى شتاء 712 هـ/ 1312 - 1313 م وبذلك لم يكن السلطان فى حاجة لأن يقسم وقته بين مصر والشام، وأصبح الناصر محمد مطلق اليد فى حل المشاكل الداخلية وفى تأسيس حكومة أوتقراطية. ولقد كان عليه أولًا أن يؤمن وضعه فقام بقتل كل من المغتصب بيبرس وزميله سلار، خلال شهور قليلة من عودته. وكان عليه أن يتوجه للقضاء على حكام الشام الثلاثة المتوقع عدوانهم فمات أحدهم ميتة طبيعية، وأما الثانى فقد ألقى القبض عليه، بينما هرب الثالث إلى أولجاتيو. وفى نفس الوقت، نفذ الناصر محمد بمهارة سياسية فائقة إجراءًا، وهو الأستعاضة عن كبار مماليكه المحنكين بغيرهم ونقلهم من مراكزهم الرئيسية ومواقعهم الحصينة. ولقد كان من أبرز خدامه تنكز الحسامى، الذى عينه واليا على دمشق فى سنة 712 هـ/ 1312 م، ثم حاكما عاما على الشام بعد ذلك بعامين. كذلك قام بعزل ارغون الدوادار نائب السلطنة بالديار المصرية كما قام السلطان الناصر بعمل الروك الناصرى،

- سطوة القواد

الذى قوى موقفه أمام القواد. ولقد قام السلطان لاجين بعد ذلك بنفس المحاولة الإصلاحية سنة 697 هـ/ 1298 م، وكانت سببًا رئيسيًا فى إغتياله. وكانت فترة السلطنة الثالثة للناصر محمد فترة الحكم الأوتقراطى وفى بعض الأحيان كان حكمه جائرًا. ولقد ثبت إحرازه للقوة والسطوة من خلال ثلاث مناسبات (فى سنوات 712, 719 , 732 هـ) ثم وتوفى الناصر محمد فى ذى الحجة سنة 741 هـ/ يونيو 1341 م، بعد أن أختار ابن أبا بكر خليفة له - سطوة القواد: رغم أن ثلاثة أجيال من نسل السلطان الناصر محمد قد خلفوه فى الحكم، فالواقع أن إثنى عشر واحدًا منهم قد حكموا فى أقل من نصف قرن مما تشير إلى ضعفهم. ولقد كان أغلبهم صغارا وعديمى الخبرة وكان بعضهم أطفالًا، ينقصهم الأساس الذى قام عليه الحكم المملوكى وكان وراء هؤلاء الحكام شخصيات قيادية تحكمت فى الدولة، وتصارعوا فيما بينهم على السلطة. ولقد حدثت إضطرابات سياسية عقب وفاة الناصر محمد مباشرة. فبعد ثلاثة أسابيع من موته، حصل قوصون على موافقة أبى بكر بالقبض على بْشَتكْ وجرده من أمواله وصفى ثروته الكبيرة ومخصصاته. وأرسل الأمير المخلوع إلى الإسكندرية، حيث أعدم هنالك بعد وقت قصير. وليس هنالك من فائدة تذكر من ذكر تفاصيل التاريخ السياسى لبقية أسرة قلاوون فى هذا المقال على أن الشخص الوحيد من هؤلاء السلاطين الذى خلف والده الناصر محمد وقام ببعض الإصلاحات الناجحة هو السلطان الناصر حسن الذى ولى السلطنة وهو فى الحادية عشرة من عمره بعد قتل أخيه وسلفه لكن هذا السلطان قتل هو الآخر فى (جمادى الأولى 762 هـ/ مارس 1361 م). وفى ربيع الثانى 768 هـ/ ديسمبر 1366 م، توفى يلبغا الذى كان قد أطاح بالناصر حسن لكن حدث بعد ذلك بست عشرة سنة أن أطاح برقوق بن أكس، الجركسى، بآخر حكام بيت قلاوون

دولة سلاطين المماليك الجراكسة

وإغتصب لنفسه الحكم وأسس دولة المماليك الجراكسة. دولة سلاطين المماليك الجراكسة لقد إتبعت دولة سلاطين المماليك الجراكسة، التى بدأت باستيلاء الظاهر برقوق على الحكم فى رمضان 784 هـ/ نوفمبر 1382 م، تدبيرًا منتظما وغير متغير فى معظمه بصدد عملية تولى السلطة والحكم. فنجد قائدًا يغتصب العرش، وخلال سنين قليلة فى معظم الأحوال، يعزل على يد ثائر آخر، وهكذا تتكرر دورة الأحداث. ولكن السلطنة كانت تطمع المتمردين من دوائر محددة، وخاصة من فرق السلاطين العسكرية السابقة. ولقد كان الصراع قد تركز آنذاك أساسا بين أولاد برقوق وأولاد قايتباى، وقد خرج من كل منهما خمسة حكام. وحيث أن قايتباى كان مملوكا لبرسباى، الذى كان نفسه مملوكا لبرقوق، فقد يكون من الممكن أن نعتبر أن سلاطين الجراكسة قد كونوا بيتا حاكمًا. ولقد واجهت دولة سلاطين المماليك الجراكسة فى سنواتها الأولى تهديدًا مماثلا لما واجهه الظاهر بيبرس فى أواخر القرن السابغ الهجرى/ الثالث عشر الميلادى -وهو خطر الإبادة بواسطة قوات تيمورلنك التركية المغولية. ولقد أجاب برقوق على هذه الهجمة المغولية، بعرضه على أحمد بن أوبس الجلائرى فى سنة 496/ 1394, الذى طرده تيمور من بغداد أن يلجأ إليه وتشكيل جبهة عامة مع العثمانيين ومغول القبيلة الذهبية، للرد بحسم على تيمور. ولم تنكسر حدة عاصفة التتار إلا بعد سنة 803 هـ/ 1400 - 1401 م، خلال عهد فرج بن برقوق. ولقد أضطر فرج وقواته إلى إخلاء الشام، التى إحتلها تيمور وخربها. على أن تيمور، لم يحاول أن يغزو مصر. وفى شعبان 803 هـ/ مارس 1400 م، بدأ تيمور فى الإنسحاب من دمشق، بعد أن حمى جانبه للتقدم نحو العثمانيين. وعلى الرغم أن سلطنة المماليك استمرت خلال القرن التاسع للهجرة الخامس عشر الميلادى كقوة عظمى، إلا أنها كانت تعانى من تدهور اقتصادى وعسكرى طويل. ويُعزى تزايد ضعفها

الإقتصادى فى الغالب إلى عوامل سياسية -فلقد تسببت صراعات القواد العسكرية الحزبية فى ضعف الإدارة مما أدى بالتالى إلى تدهور الزراعة. ويرجع السبب الأساسى للتدهور الإقتصادى الذى أصاب البلاد آنذاك إلى تزايد الوفيات التى نجمت عن كثرة إنتشار وجاء الطاعون. ولقد وقع أخطر طاعون وهو المعروف بالطاعون الأسود سنة 749 هـ/ 1348 - 1349 م، خلال أوائل عهد حكم السلطان الناصر حسن، وبسبب إزدياد الوفيات وبخاصة بين المماليك، فقد تطلب ذلك أعباءًا وأموالًا باهظة من جانب السلاطين والقواد للحفاظ على فرقهم العسكرية، وتناقص عدد المماليك السلطانية من 12.000 مملوك فى نهاية سلطانة الناصر محمد الثالثة إلى أقل من نصف هذا العدد تحت حكم سلاطين الجراكسة ولقد كان تأثير الطاعون كبيرًا فى إنقاص أعداد المزارعين والحرفيين. ولقد خلت القرى من سكانها، وأهملت أعمال الرى، وتعرضت الأرض الزراعية للبوار. ولقد تناقص خراج مصر فى القرن الأخير الحاكم السلطنة من أكثر من 9 مليون دنيار إلى أقل من مليونى دنيار. وعانت الإسكندرية مركز صناعة الأقمشة، كثيرًا من الطاعون الأسود، وأستمر تدهورها طوال فترة حكم الجراكسة. ولقد إنعكس فى مصر وسوريا ضعف الإدارة وتقلصت أعداد السكان أزاء تزايد ضغط القبائل البدوية وزحفها على الأراضى الزراعية والطرق وفى تلك الفترة قام برقوقا بتوطين فرع من قبيلة هوارة فى سعيد مصر، وظلوا مسيطرين فى هذه الناحية حتى قيام الحكم العثمانى. وفى الفترة ما بين عهد برقوق عند بداية حكم دولة المماليك الجراكسة، وعهد حكم قانصوه الغورى آخر حكامهم، شغلت دولة المماليك بحرب برية واحدة رئيسية، وهى حربهم مع العثمانيين ما بين سنوات 890 - 896 هـ/ 1485 - 1491 م. ولقد كان السبب المؤكد لهذه الحرب فى عهد قايتباى (872 - 901 هـ/ 1468 - 1496 م) هو تهديد العثمانيين للإمارات الحدودية، ابلستين التى كانت منذ أن

أنشأتها الأسرة الحاكمة فى منتصف القرن الثامن الهجرى/ الرابع عشر الميلادى تحت حكومة المماليك. وقد تفاقم هذا النزاع الذى كان مركزًا على المصالح بتداخل الاعتبارات السياسية العليا فيه وذلك حين غضب السلطان بايزيد الثانى (886 هـ/ 1481 م) على قايتباى لإعطائه حق اللجوء السياسى لأخيه "جم" الثائر عليه فى بلاده. ولقد حاول قانصوه الغورى استعادة قوة دولته العسكرية. فأسس الفرقة العسكرية المزودة بالبنادق) سنة 916 هـ/ 1510 م, لكن الفرقة القديمة ظلت موجودة حتى تم حلها سنة 920 هـ/ 1514 م. وأولى الغورى اهتمامًا بسلاح المدفعية، الذى أخذ المماليك فى استعماله منذ أواخر القرن الثامن الهجرى/ الرابع عشر الميلادى، وبذل جهودًا لإحياء تدريبات الفروسية القديمة. وفى بداية حكمة قانصوه الغورى (906 - 922 هـ/ 1501 - 1516 م)، حوصرت سلطنة المماليك بثلاث قوى كبرى. ففى الشمال كانت هناك دولة العثمانيين، التى جابهت من ناحية الشرق قوة الشاه إسماعيل الصغرى العسكرية. وفى الجنوب، كان الأسطول البرتغالى مسيطرًا على المحيط الهندى ومهددًا البحر الأحمر. ولقد كان المماليك ينقصهم الخبرة بالقتال البحرى وكيفية التعامل مع هذا الخطر. ولقد جاءتهم الامدادات المادية والبشرية استعدادًا لحملة 1514/ 920 العثمانية على أن العداوة العثمانية - الصفوية ورطت المماليك حين قام السلطان سليم الأول العثمانى بغزو الشام, ليؤمن جانبه, وأنزل الهزيمة بالغورى (الذى مات أثناء المعركة) عند مرج دابق (25 رجب 922 هـ/ 24 أغسطس 1516 م). وبعد ذلك تقدم إلى مصر، وأوقع هزيمة ثانية بالمماليك عند الريدانية (29 ذو الحجة 922 هـ/ 23 يناير 1517 م). وسقطت القاهرة، وتلى ذلك القبض على آخر سلاطين المماليك، الأشرف طومان باى وشنقه. وبذلك أصبحت مصر ولاية عثمانية وأنفصلت إداريًا عن الشام.

مماليك الفترة العثمانية الجدد

مماليك الفترة العثمانية الجدد: لم يؤد الغزو العثمانى لمصر إلى إستئصال شأفة المماليك وترجع إحدى وجهات النظر ذلك إلى معاونة بعض المماليك له فى تسهيل بمهمته بفتح مصر، وكان هؤلاء المماليك من المعادين للغورى وطومان باى. ولقد كان قائدا هذه الزمرة هما حاكما حلب ودمشق، خايربك وجانبردى الغزالى، اللذين كوفئا من الفاتح العثمانى فصار خايربك نائبا للفاتح العثمانى فى القاهرة، وجانبردى نائبا له فى دمشق على أن هذه الترتيبات كانت يتميز هذه المرحلة الإنتقالية. وعندما توفى السلطان سليم الأول فى سنة 926 هـ/ 1520 م، حاول جانبردى الإستقلال، لكن محاولته قُمعت، وقتل هو نفسه (927 هـ/ 1521 م). وتُوفى خايربك سنة 928/ 1522 م، وبعدهما أختير عثمانيون لحكم دمشق والقاهرة. ولقد قُضى بعد ذلك بقليل على آخر تمرد مملوكى قام بها جانم وإينال الكشافان ومع ذلك فقد استمر تجنيد البيوتات المملوكية وتكوينها عسكريًا وأستمر تزويد القوات المصرية بجزء منها. لكن من الواضح أنه من بين الفيالق السبع لقوات الحامية العثمانية كانت هنالك فرق الأنكشارية، وهى فرق مملوكية. كذلك فقد حمل قادة المنشأة العسكرية المملوكية وعددهم 24 قائدًا لقب (سنجق بك)، ولكنهم إختلفوا فى وظائفهم عن بقية السناجق فى أى مكان آخر داخل الأمبراطورية العثمانية. وبعد استمرار خمول هذه البيوتات العسكرية المملوكية خلال ما تبقى من القرن العاشر الهجرى/ السادس عشر الميلادى. ظهر البكوات المماليك للعيان بعد ذلك كعامل هام فى السياسة فى منتصف عقود القرن الحادى عشر/ السابع عشر الميلادى (فترة ضعف العثمانيين)، وعاود الشقاق الحربى المملوكى القديم ظهوره بعداواته المتأصلة بين جماعتى الفقارية والقاسمية. ولقد بلغت الأولى ذروتها على يد رضوان بك، الذى كان أميرًا للحج لأكثر من عشرين سنة حتى

المصادر

وفاته سنة 1066 هـ/ 1656 م. وانكسرت شوكة الفقارية فى سنة 1071 هـ/ 1660 م على يد القاسمية بتواطؤهم مع نائب الحاكم العثمانى، وأستمر الفقارية غارقين فى عجزهم بعد إغتيال رئيسهم أحمد بك بشناق فى سنة 1072 هـ/ 1662 م. ومن الممكن ملاحظة حركة إحياء قوة بكوات المماليك السياسية وبداية منافسات حزبية بينهم مع مطلع القرن الثانى عشر الهجرى/ الثامن عشر الميلادى ومنذ ذلك الوقت، ربطت المؤامرات المتشابكة البيوتات المملوكية بقادة قوات الحامية العثمانية وعسكرها وقد شارك فى الصراع الحزبى سكان القاهرة والقبائل العربية، وظهرت إستقطابات جديدة. بدأ ظهور ذلك فى سنة 1123 هـ/ 1711 م، وحاول على بك المعروف بالكبير الاستقلال بمصر ولقد كان على بك قاسيًا شديدًا فى إستئصال شأنه منافسيه ومعارضيه، فلما أطيح به، تمتع مملوكه السابق محمد بك أبو الدهب بسيادة قصيرة حتى وفاته ومنذ ذلك الحين إستمر الصراع الحزبى بين العادة البكوات، وكان أشهرهم إثنان من مماليك أبى الدهب، وهما إبراهيم بك الكبير ومراد بك، لكن هدد وجودهما حملة الجزايرلى غازى حسن باشا سنة 1200/ 1201 هـ/ 1786 - 1787 م, ثم جاء غزو نابليون بونابورت لمصر سنة 1213 هـ/ 1798 م فقضى عليهما، ثم كانت مذبحة القلعة على يد محمد على باشا لرؤساء المماليك سنة 1812 نهاية حكم المماليك فى مصر. المصادر: (1) المقريزى: السلوك لمعرفة دول الملوك. (2) المقريزى: المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار. (3) ابن تغرى بردى: النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة. (4) ابن إياس: بدائع الزهور فى وقائع الدهور. (5) الجبرتى: عجائب الآثار د. عطية القوصى

مناف

مناف مناف اسم صنم عربى قديم، مشتق من الفعل نَوف، وناف الشئ ينوف على أو زاد يقول الطبرى "كان مناف من أكبر الأصناف فى مكة". وهذه الجملة تثير الدهشة إذ تذكرنا ضآلة المعلومات التى نعرفها عن هذا الموضوع، وقد كان ابن الكلبى -فقط- هو الذى تحدث عنه فى سطور قليلة نقلها عنه الطبرى وياقوت، ولكن إذا عدنا إلى النقوش القديمة نجد أن هذا الاسم كان معروفا فى ثمود ولدى اللحيانيين كما كانت له مذابح فى حوران وفى فلبليس Volubilis فى مراكش. كانت عبادة هذا الصنم، الذى ربما كان أصله من جنوب شبه الجزيرة العربية، فى قريش وهذيل وتميم كما تدل الأسماء التى تحتوى على اسمه وأشهرها عبد مناف وهو اسم أحد الأبناء الأربعة لقصى، المصلح الدينى فى مكة، وكانت أمه قد نذرته للَّه ليحميه من العين الشريرة لأنه كان وسيما حتى أنه لقب بالقمر. يلاحظ ياقوت، نقلا عن ابن الكلبى، ملاحظة تنطبق على جميع الأصنام ذكرها ج. ريكانز G. Ryckmans على أنها خاصة بمناف فقط، وهى أن الحيض من النساء لم يكن يلمس الأصنام لأخذ البركة بل كن يبتعدن عنهم، وهناك قصيدتان إحداهما عن مناف لبلعاء بنت قيس والأخرى عن أساف لبشر بن أبى خزيم فيهما تلميح عن ذلك. المصادر: (1) Wellhansen: Reste 2 برلين 1897 صفحة 57. (2) Le Pantheon de l'Arabic Central a la veille de l'hegire، باريس 1968. حسين أحمد عيسى [ت. فهد T. Fahd] المنافقون المنافقون، اصطلاح استخدمه القرآن وهو [جمع المذكر السالم لمنافق التى هى اسم فاعل] من الجذر ن. ف. ق، واسم لسورة من سور القرآن. وقد ورد اللفظ بصورته فى القرن سبعا وعشرين مرة، وورد لفظ المنافقات خمس مرات، كما ورد لفظ نفاق ثلاثًا، أما نافق فوردت مرتين.

فى الفكر الإسلامى

اللفظ فى القرآن الكريم؛ إذا كان اللفظ يفيد إظهار غير الباطن، وعلى ذلك تجرى ترجمته المعتمدة فى اللغات الأخرى، فإن الملاحظ أن القرآن الكريم يستخدمه بمعنى أوسع. ففى الآية 3 من سورة المنافقون يُعتبرون مرتدين عن الدين: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا}. وهم يُجمعون مع الكفار فى خلود العذاب فى الآخرة: سورة التوبة الآيات الكريمة 73 - 87. سورة النساء الآيات الكريمة 140 - 145، سورة الفتح الآية 6، سورة المجادلة الآيات 14 - 15، سورة الحشر الآيات 11 - 15. كما يجب جهادهم وأخذهم بالشدة: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ}: سورة التوبة الآية 73 والتحريم آية 9. ومستحقون القتل: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ}، سورة النساء الآيات 89 و 60 وفى بقية سورة المنافقون ترد أوصافهم كأشد ما تكون الأوصاف السيئة، (فهم كاذبون) صادون عن سبيل اللَّه، (لا يفقهون) هم العدو مستكبرون (لن يغفر اللَّه لهم) مهما استغفر لهم (الرسول) ناكلون عن الصدقة ومحرضون على عدم بذلها: كما تبين سورة التوبة فى الآيات 67 و 90 - 110 رياءهم فى قضية الإيمان. بينما تتحدث آيات أخرى عن إحجامهم عن الجهاد فى سبيل اللَّه، بل وتثبيطهم لغيرهم، وعدم صدق نواياهم وبوجه عام فهم فى الاستعمال القرآنى المنشقون عن الأمة جهرا كان أو سرا فهم لم يشتركوا فى الجهاد، ولم يسهموا فى قضايا الإسلام، على أنه من الملاحظ أن تهديدهم بالعذاب يأخذ صورة غير قاطعة من حيث اقترانه أحيانا باحتمال الغفران، مما يشير إلى عدم استبعاد توبة البعض منهم. فى الفكر الإسلامى: يركز فى كتب التفسير على معنى الرياء، أو إظهار غير الباطن Hypocrisy أكثر من الشقاق أو الردة Dissent. ويربط بعض اللغويين بين اللفظ وبين كلمة "نفقاء" كأصل لغوى، وهو مخرج الهروب لليربوع [يقال "خرج اليربوع من نفقائه" - المعجم الوسيط]، فكما أنه يدخل من فتحة ويهرب من الأخرى، فكذلك المنافق يدخل الإيمان ظاهريا ويخرج منه سرا.

وقد ورد اللفظ "نفق" بمعنى مشابه فى الآية 35 من سورة الأنعام {فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ}. إلا أن البعض الآخر يجعل الكلمة مرادفة للكلمة "نفذ"، فالمنافق يدخل من باب وينفذ من الآخر مثل الفسق، وهو الإعراض، أما الطبرانى فى تفسيره للآيات الكريمة 98 - 101 من سورة التوبة التى تربط بين النفاق والإنفاق: {وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ}، فيجعل بين اللفظين رابطة من الأصل اللغوى فيقول "هؤلاء المنافقون ينفقون رياء". وإذا كان القرآن الكريم يتحدث عن المنافقين دون تحديد لأشخاصهم، فإن كتب التراث الإسلامى مليئة بأسماء لهم، فرئيسهم فى المدينة كان عبد اللَّه ابن أبى، أحد، زعمائها قبل الإسلام. فهو قد وقف فى صف بنى قينقاع، وتخلف عن غزوة أحد أما الآيات من سورة التوبة فتتحدث عن المتخلفين عن غزوة تبوك وعن الذين خلفوا بالنسبة للأعراب الوارد ذكرهم فى نفس السورة فهم جهينة وأسلم وأشجع وغفار. ويعالج الشيعة الإمامية موضوع المنافين من زاوية أن القرآن الكريم أمر بجهاد المنافقين ولكن الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] لم يواجههم بقتال، وتفسيرهم فى ذلك أن الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] حارب الكفار وأن عليا حارب المنافقين، خاصة فى صفين، وينسب للحسن تفسير آخر هو أن الجهاد المقصود هو إقامة الحدود الشرعية، وفى تفسير آخر يتفق مع رأى فى السنة أن جهاد المنافقين يكون بالمنطق وليس بالحرب كجهاد الكفار. أما الخوارج فيعالجون القضية فى سياق العلاقات مع غير الخوارج. فطائفة النجدات يرون أن اللفظ ينطبق على من لم يهاجر من الخوارج إلى معسكرهم. ويرى سليم بن ذكوان أن غير الخوارج يعتبرون من المنافقين، وأنه يجوز مصاهرتهم والتوارث معهم حيث أن هذا ما فعله أصحاب الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] مع منافقى عصرهم. وتدور فكرة النفاق لدى مؤلفى "أحكام القرآن" فى الغالب حول إظهار خلاف الباطن، وتأخذ الآيات 8 - 20 من سورة البقرة على أنها تشير إليهم

المصادر

رغم عدم ذكر لفظ النفاق صراحة وذم القرآن له، ويرى الحراسى الشافعى المذهب أنه لا يجوز قتل المنافقين على الرغم من كونهم أسوأ من الكفار بدليل أنهم فى الدرك الأسفل من النار. ويوافقه الجصاص الحنفى فى ذلك. كما يشير ابن العربى المالكى أن الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] لم يقتل منهم أحدا رغم معرفته بأغلبهم. وتتحدث أحاديث كثيرة عن النفاق والمنافقين، أشهرهم الحديث الذى يحدد ثلاث صفات لهم. فى قول الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان. والنفاق بالنسبة للصوفيين نقيض الوفاق، الأول مبنى على الرياء بينما الثانى مبنى على الرضا. المصادر: (1) A-Guilloume: The Lif of Mohamed Qxford 1955 (2) Hinds Xeros: Cambridge University library, Or. 1902 (cf. Cook,n) المحرر مناقب جمع منقبة، وتظهر المناقب فى كثير من التراجم ويقصد بها التكريم وصارت فى النهاية قسما من أدب سير الأولياء والصالحين فى اللغة العربية والفارسية والتركية. وتعتبر هذه الكلمة مرادفة لكلمة أخلاق بمعنى التصرفات الطبيعية (حسنة أو رديئة) أو الخصائص الفطرية أو السمات، كما أن لها صلة بكلمة نقيبة بمعنى نفس أو خليقة أو طبيعية وكذلك بالتعبير "نفاذ الرأى" بشكل يجعل الصلة بينها وبين المصدر نقب، الذى يعنى بصفة خاصة ثقب أو خرق (حائطا مثلا) أو بصفة عامة "نجح فى إختراق سر"، واضحة تماما. ويرى ابن منظور (لسان العرب مادة نقب) أنها ذات صلة بنقيب أى الزعيم، لأنه مطلع على دخيلة أمر القوم و"مناقبهم"، وباختصار فإن كلمة مناقب تعنى كلا من "ملامح الشخصية" و"الأعمال والأفعال"، وأخيرا، يجدر بنا أن نذكر معنى آخر للفعل نقب وهو "سار فى طريق ضيق"، ومنه نلاحظ الصلة

الدقيقة بين معنيين لكلمة منقبة، أحدهما طريق ضيق بين منزلين أو ممر صعب بين الجبل والآخر و"عمل نبيل" وعكس "منقبة" "مثلبة" وجمعها "مثالب" بمعنى نزالة أو عمل مشين". أحيانا تضاف إلى كلمة مناقب وصف آخر مثل جميلة أو كريمة، وهى عمومًا تعنى الصفات الحسنة، كذلك يمكن تفسير هذه الكلمة تقريبًا بمعنى "طبائع أو فضائل أو مواهب أو أعمال تستحق المدح" وتعرف بسيرة شخص بحيث تركز على حسناته وفضائله والأعمال البارزة التى قام بها. وفى مجال التصوف والإعتقاد فن كرامات الأولياء، كانت الجوانب العجيبة فى حياة الصوفى أو الولى ومعجزاته أو على الأقل كراماته هى الموضوعات المفضلة، وأخيرا اكتسبت كلمة مناقب معنى "المعجزات" أو هذه هى -فى خطوط عريضة- كيفية نشوء هذا المعنى. وإن كان من الصعب تتبعه بدقة، وفى الحقيقة لم يعش من الكتب التى تحمل عنوان "مناقب" إلا القليل، ولم نسمح عنها إلا من كتاب السير والمراجع فى العصور الوسطى، ومن ناحية أخرى من الصعب عزل ما يسمى بأدب المناقب حيث أنه من المستحيل عمليا، نظرا للتشوش الدائم، وضع تصنيف دقيق طبقا لآداب السلوك والفضائل التى يضيفها المؤلفون إلى سجل حياة الأشخاص أو الجماعات. فثمة إذن فروق دقيقة بين بعض المصطلحات يجدر بنا التعرف عليها: - ترجمة: وتكون محايدة تماما ولا تتضمن أى صفات خاصة وتقدم سيرة لأى شخص، وتركز على أعمال المترجم له ومن أمثلتها ترجمة الشافعى للذهبى. - تعريف: كلمة محايدة أيضًا، استخدامها عياض فى الحديث عن الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، كما تظهر فى عناوين سير الأولياء، ربما من قبيل التمييز، فى فترة خصصت فيها كلمة مناقب لسير الصالحين، على سبيل المثال المقصد الأحمد فى التعريف بسيدنا ابن عبد اللَّه لعبد السلام القادرى (توفى 1110 هـ/ 1698 م) عن ابن معن الأندلسى، فى حين كان عنوان الدراسة التى كتبها محمد المهدى الفاسى (توفى

1109 هـ/ 1698 م) عن نفس الولى هى عوارف المُنَّه بمناقب سيدى محمد بن عبد اللَّه محيى السنة. - أخبار: كلمة محايدة أيضا، تطلق على مجموعات التراث التاريخية حتى اللطائف الأدبية البسيطة (مثل أخبار أبى نواس أو أخبار القيان. . الخ)، على سبيل المثال أخبار أم المؤمنين عائشة للذهبى، الذى لا يزيد موضوعية عن مناقب حضرة أم المؤمنين عائشة لمحب الدين الطبرى (توفى 694 هـ/ 1294 م - 1295). - سيرة: لا تقتصر هذه الكلمة على سيرة النبى (-صلى اللَّه عليه وسلم-)، وهناك عدد كبير من التراجم (والقصص أيضًا مثل سيرة عنترة) يحمل هذه الكلمة، على سبيل المثال سيرة الحلاج للذهبى. - فضائل: معناها قريب من مناقب وتصلح كمرادف لها إلا أنها تغطى مدى أوسع بكثير. وإذا كانت كلمة فضائل تخصص إلى حد ما للمدن والبلاد، فقد كتب ابن الجوزى (توفى 597 هـ/ 1200 م) كُتاب مناقب بغداد فى حين استخدم كلمة فضائل عند الحديث عن بشر الحافى (توفى 227 هـ/ 840 م - 842) , وقد استخدم كلمة فضائل كتاب متحمسون لتمجيد الصحابة والخلفاء الراشدون مثل الطبرى (توفى 310 هـ/ 923 م). - مآثر ومفاخر: تظهر هاتان الكلمتان عادة فى أسماء مجموعات التراث التى تكتب فى تقريظ القبائل أو الشعوب أو الجماعات وعكسها مثالب، كما تظهران أحيانا مع محاسن فى الدراسات عن سير الذين قاموا بأدوار سياسية أو دينية أو عسكرية بارزة وعلى سبيل المثال روضة التعريف فى مفاخر مولانا إسماعيل بن الشريف للإفرايينى (توفى 1156 هـ أو 1157 هـ/ 1743 م - 1745 م) ويتناول سيرة سلطان، والمنتقى المقصور على مآثر خلافة المنصور لابن القاضى (توفى 1065 هـ/ 1616 م) عن السلطان المنصور الذهبى وفيه تذكر كلمة محاسن أحيانا بدلا من مآثر، وفى المقابل نجد أن روضة المحاسن الزهية بمآثر الشيخ أبى المحاسن البهية لمحمد المهدى الفاسى سيرة رجل دين، وأطلق

الإفرايينى اسم دُرر الجم الذى مآثر سبعة رجال على ترجمة "الأولياء السبعة" فى مراكش فى حين كان المتوقع أن يستخدم كلمة مناقب. - أخلاق: يؤكد كتاب أخلاق النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] لابن فارس التماثل الذى ذكره ابن منظور بين كلمتى مناقب وأخلاق، كما يبدو أيضًا أن مؤلف كتاب الصاحبى، أراد، فى اختياره لكلمة أخلاق، أن يبين أن هدفه هو تناول شخصية النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وصفاته الخلقية كما فعل الترمذى (توفى حوالى 275 هـ/ 888 م - 889 م) كتابه شمائل النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-]. وتعتبر كلمة شمائل مرادفة لكلمة أخلاق عندما يكون المقصود الأخلاق الحسنة، ولكن هناك فرق أساسى بين أخلاق ومناقب، وقد بين الجاحظ (توفى 255 هـ/ 868 م) هذا الفرق فى كتابيه مدح وذم أخلاق الكتاب حيث تبدو كلمة أخلاق محايدة ورسالة فى مناقب الترك/ الأتراك وعامة جند الخلافة وهو عنوان لا يحتاج إلى برهان لإظهار رغبة المؤلف فى تصوير الخصال الطبيعية للجنود الأتراك وباقى عناصر الجيش وفضائلهم ومزاياهم فى أجمل صورة. ويوضح هذا المثال أنه فى القرن الثالث للهجرة التاسع للميلاد كانت كلمتا أخلاق ومناقب مترادفتان عند كاتب فى مستوى الجاحظ بشرط أن تعرف كلمة أخلاق تعريفا واضحًا بإضافة كلمة مناسبة إلا إذا لم يكن هناك شك فى مقصد الكاتب كان يتعلق الموضوع بالنبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-]. مناقب: إذا درسنا مجموعة كبيرة من أسماء الكتب، لا نكاد نجد فرقًا بين كلمتى مناقب وفضائل سواء من حيث المفهوم أو اسلوب العرض، ويبدو أنه يمكن، إلى درجة كبيرة، استبدال عدة كلمات أخرى بكلمة مناقب، وربما كان ر. سلهايم R. Sellheim على حق فى تصوره أن هناك نوع من الإحتكار لكلمة مناقب فى كتابة تاريخ الصالحين. لا تزيد مناقب على بن أبى طالب لأحمد بن حنبل (توفى 241 هـ/ 885 م) وكذلك التى كتبها الكوفى (توفى 300 هـ/ 931 م) عن مجموعة

من الأحاديث التى تتناول فضائل صهر النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، ولكن هذا لا يسرى على مناقب على بن أبى طالب للخوارزمى توفى 568 هـ/ 1172 م ولا على مناقب على بن أبى طالب لابن شهر اشوب (توفى 588/ 1192) ولا على الأربعين فى مناقب سيدة النساء فاطمة الزهراء للسيوطى (توفت 911/ 1505 م) فإن هذه الكتب أقرب إلى السيرة مثل باقى الكتابات الخاصة بآل البيت. لا نستطيع أن نلحق كتابا مثل الإعلام بمناقب الإسلام للفيلسوف العامرى (توفى 381 هـ/ 992 م) بكتب سير الصالحين لأنه دفاع فلسفى عن الإسلام ولا كتاب مناقب الأئمة للباقلانى (توفى 403 هـ/ 1013 م) لأنه دفاع عن "موقف أهل السنة من الإمامية". وفى الحقيقة هناك عدد من الأسماء التى تدل على عدم دقة التسمية مثل مناقب المعارف لابن عربى وكتاب مناقب الكتاب لابن كثير الأهوازى الذى لا يزيد عن سجود تزكية لكتاب الحكومة. وللأسر الحاكمة والعائلات والأشخاص البارزين مكانهم أيضًا فى مؤلفات المناقب، وهى لا تزيد عن مجرد ذكر أمجادهم أو إنجازاتهم، فهناك مناقب بنى العباس لليازدى النحوى (توفى 313 هـ/ 925 م) كما جمع القيلى (توفى 335 هـ/ 946 - 947) مناقب ابن الفرات (توفى 312 هـ/ 924 م) والمناقب العباسية والمفاخر المستنصرية لبيبرس لصدر الدين البصرى وفيه نرى كلمتى مناقب ومفاخر قد استخدمتا كمترادفين. ويبين كتابا مناقب بنى هاشم ومثالب بنى أمية ومناقب الحكم فى مثالب الأمم لشميم الحلى استخدام مناقب كعكس مثالب ومرادف لفضائل أو مآثر أو مفاخر. ويمكن استخدام كلمتى فضائل ومآثر بدلا من مناقب فى أسماء الكتب التى كتبت فى مديح بنى العباس وأى كتب تمجد الأسر الحاكمة أو الشخصيات السياسية. نلاحظ فى أسماء الأعمال التى ذكرناها تذبذبا دائما فى استخدام

المصطلحات ولكن فى جميع الحالات نرى رغبة واضحة عند المؤلفين للتأكيد على الصفات العظيمة للشخصيات التى يتناولونها والميزات العظيمة للمجتمعات موضوع الدراسة، وبالعكس، هناك عدد كبير من الأعمال يمكن أن تسمى مناقب لأنها مديح لسيرة شخص، بل يمكن أن تعتبر نوعا من أدب سير الأولياء منها حلية الأولياء لأبى نعيم (توفى 430 هـ/ 1039 م). وفى كل، فهناك اتجاهان هامان فى استخدام كلمة مناقب: سير مؤسسى المذاهب. يساعدنا حاجى خليفة (توفى 1067 هـ/ 1657 م) بخبرته فى الأدب العربى على رؤية أوضح من خلال النتائج المهمة التى توصل إليها. فإن الترجمات التى كتبها هذا الكاتب لم تزود الباحث بقائمة طويلة من المناقب فحسب، بل يعلن أيضًا، مستشهدًا بمؤلفى ترجمات آخرين، أنه يجب على تلاميذ المدارس الفقهية المختلفة أن يعرفوا مناقب مؤسسى هذه المدارس وشمائلهم وفضائلهم وسلوكهم (سيرتهم) ومدى صدق أقوالهم بالإضافة إلى معرفة نسبهم وأماكن ميلادهم. . الخ حتى يتمكنوا من الإقتداء بهم اقتداءً صحيحا. وبالرغم من أن كلمة مناقب تعنى فى هذه الفقرة "الخضال والمميزات الطبيعية" إلا أن حاجى خليفة يعطيها معنى متخصصا فى كتابته لترجمات تفصيلية مهذبة ونموذجية للأئمة الكبار. وبالرغم من أن كلمة فضائل كانت تستخدم من وقت لآخر، إلا أن كلمة مناقب كانت هى السائدة فى هذه النوعية من الكتابات عن الإئمة مثل تبيض الصحيفة فى مناقب أبى حنيفة للسيوطى ومحاسن المساعى فى مناقب الأوزاعى (توفى 157 هـ/ 774 م) لابن زيد والتزيين للسيوطى عن سيرة الإمام مالك بن أنس (توفى 178 هـ/ 795 م) وترجمة (أو مناقب) الإمام الشافعى (توفى 204 م/ 820 هـ) لابن كثير ومناقب الإمام ابن حنبل (توفى 241 هـ/ 355 م) والإمام الشافعى للبيهقى.

سير الأولياء

يمكننا أن نضيف إلى هذه الكتابات معاجم السير الخاصة بتلاميذ المدارس الفقهية وتبدأ عادة بذكر مؤسس المدرسة وتحمل غالبا اسم طبقات إلا أن منها ما يحمل اسم مناقب مثل مناقب الشافعى وأصحابه (= طبقات الشافعية) لتقى الدين بن قاضى شهبة. يلاحظ أن النووى الحق البخارى (توفى 256 هـ/ 870 م) بالشافعى بالرغم من أن البخارى لم يتبع أى مذهب، كما نلاحظ أن الذهبى أطلق اسم مناقب على ترجمتى البخارى وسفيان الثورى (توفى 161 هـ/ 778 م) ولكنه أطلق كلمة ترجمة على سير مؤسسى المدارس الفقهية. نظرا للرفض الذى قوبل به مذهب الإعتزال، فإننا لا نتوقع أن نجد مؤلفات فى تكريم المعتزلة إلا أن على بن عساكر (توفى 571 هـ/ 1176 م) كتب مناقب الأشعرية كما كتب اليافعى (توفى 868 هـ/ 1464 م) مناقب المئة من الأئمة الأشعرية. من الحنابلة، فاز ابن تيمية (توفى 728 هـ/ 1328 م) بتكريم ثلاثة من معاصريه منهم البزار الذى كتب الأعلام العلية فى مناقب شيخ الإسلام ابن تيمية. وتدين المالكية التى سادت فى شمال إفريقيا بالكثير لسحنون (توفى 240 هـ/ 854 م) الذى أسس مدرسة فقهية محلية، فخصص الخشانى مؤلفا لمناقبه، وعن علماء المالكية البارزين فى إفريقيا كتب أبو عبد اللَّه محمد المالكى (توفى 438/ 1046 م) كتابا عن القابسى (توفى 403 هـ/ 1012 م). ومن المهم أن نؤكد على أهمية الترجمات التى كتبت عن هذه المدرسة المالكية التى كانت مؤثرة فى المغرب مثل ترتيب المدارك وتقريب المسالك بمعرفة أعلام مذهب مالك للقاضى عياض ويبدأ بترجمة طويلة لمالك وتحتوى المقالات شيئا عن الفقهاء الأوائل فقرة بعنوان فضائله (= مناقبه). سير الأولياء اجتذبت حركة الزهد التى حدثت فى بداية القرن الرابع للهجرة العاشر الميلادى وانتشرت فى إفريقية بعضا من فقهاء القيروان الذين عاشوا أتقياء.

المصادر

وفى هذه الفترة اخذت كتابات المناقب فى المغرب تتجه تدريجيا إلى أدب سير الأولياء. ومن هذه الشخصيات يبرز الربيع بن القطان (توفى 334 هـ/ 946 م) الذى هجر عمله كفقيه وانسحب من الحياة العامة ولكنه كان من المحرضين على الثورة ونال درجة الشهادة بطريقة جعلت الحسين بن عبد اللَّه الأجدابى (توفى 432 هـ/ 1040 م) يجمع مناقبه فى كتاب. منذ ذلك الوقت، شجع التوسل بالأولياء ثم بعد ذلك انتشار الطرق الصوفية على نشوء نوع متخصص من أدب المناقب وإثرائه فى العالم الإسلامى بأكمله حتى أنّه لا يكاد يوجد زاهد مشهور أو ولى مكرم أو مؤسس طريقة أو صوفى بارز إلا وله ترجمة أو على الأقل من الذى أحد المؤلفات التى ليس من الضرورى أن يحتوى اسمها على كلمة مناقب، وقد رأينا مثل هذه المؤلفات من قبل فى حلية الأولياء لأبى نعيم أو التذكرات الهندية أو أخبار الأخيار لعبد الحق الدهلوى بالإضافة إلى عدد كبير من الترجمات التى تتناولها كل منها سيرة ولى أو صوفى أو مؤسس طريقة أو أحد الصالحين، كما أن هناك عدد كبير من الدراسات التى لم تنشر بعد عن الأولياء التونسيين. المصادر: (1) E. Levi-Provencal: Les historiens de Chorfa, باريس 1922. (2) R. Bronschvig: La Berberie oriental Sous Les Hafsides، باريس 1940 - 1947. (3) فؤاد سيد: Sources de L'histoir du yemen I FAO, a L'epoque musulmane القاهرة 1974. ومصادر أخرى وردت بالنص. حسين أحمد عيسى [ش. بلات Ch. Pellat] المنامة هى المدينة العاصمة لإمارة البحرين الواقعة بالخليج، وهى موجودة على الساحل الشمالى الشرقى لجزيرة البحرين التى كانت تعرف قديما باسم "أوال"، ولقد كانت المياة الضحلة بين

المنامة وجزيرة المحرّق المجاورة لها تستعمل منذ زمن بعيد كمأوى صالح للحرف المحلية ولقد قيل فى كلمة "المنامة" أنه اسم له دلالة على عدد من هضاب للدفن ترجع إلى ما قبل التاريخ. إن تاريخ المنامة القديم سيظل مغلفا بالغموض لقلة ما بين أيدينا من المصادر التى يمكن الوثوق بها بالإضافة إلى أن ما لدينا من البيانات مبهم ومضطرب، ولما استولى البرتغاليون على البحرين فى القرن العاشر الهجرى (السادس عشر الميلادى) شيدوا حصنهم على الساحل عند قلعة العجاج التى تبعد عن المنامة غربا مسافة تقرب من أربعة أميال، فلما جاء الفرس واستولوا عليها من البرتغال فى سنة 1011 هـ (= 1602 م) استولوا كذلك على المضيق لمدة قاربت مائة وثمانين سنة كانت غاصة بالاضطرابات، وبنى الفرس فى هذه الفترة موضعا حصينا على الجانب المائى من المنامة، فلما كانت سنة 1197 هـ (= 1783 م) قامت عشيرة آل خليفة من قبيلة "عُتوب" وهاجمت الجزائر من "زُبارة" فى قطر، وبعد حصار دام مدة تقرب من شهرين غادر الفرس القلعة مطرودين. أخذت المنامة فى خلال القرن التالى تتطور بالتدريج حتى أصبحت ميناء هاما للسلع والبضائع وتخدم معظم نواحى شبه الجزيرة العربية الشرقية رغم أن حظها كان فى تذبذب نتيجة للتقلبات السياسية وشدة أو ضعف المنازعات السياسية الإقليمية وعلى الرغم من أن المنامة أصبحت مركز الأرخبيل التجارى إلّا أن آل خليفة اعتادوا الإقامة فى المحرق التى كانت هى الأخرى الميناء الذى يستعمله أسطول الجزيرة الكبير المخصص لصيد اللؤلؤ وقد اعتادت الأسرة الحاكمة أن تقتصر على استعمال الحصن الموجود فى المنامة فى فترة معينة من السنة هى أشد شهور العام حرارة، ولم تصبح البلدة العاصمة الحقيقية للإمارة إلا منذ العقد الثانى من القرن العشرين.

على أن الأنشطة الأوروبية قد تركزت فى المنامة منذ نهاية القرن التاسع عشر. فتمّ تعيين مقيم بريطانى سياسى واستقر هناك منذ سنة 1900 م، ثم رفعت هذه الوظيفة بعد اربع سنوات إلى وكالة سياسية. كان عدد سكان المنامة فى سنة 1905 م يقرب من خمسة وعشرين ألف نسمة. ولقد بدأ تطوّر المدينة وتحديثها بعد الحرب العالمية الأولى، فقامت بها فى سنة 1920 م إدارة محلية، وقدمت تسهيلات تعليمية على مستوى المدارس الابتدائية وتم افتتاح محطات توليد الكهرباء سنة 1930 م، كما أن اكتشاف البترول فى جبل الدخان سنة 1902 م، وما تلى ذلك من تقدم فى مصادر هذا الجانب ساعد على التغلب على المصاعب الاقتصادية الخطيرة كما ترتب على ذلك تدهور فى صناعة صيد اللؤلؤ، ولما كانت سنة 1935 م نشأ البريطانيون قاعدة بحرية فى "رأس الجُفَيْر" التى تقع على بعد ميلين تقريبًا جنوب شرقى المنامة ولقد تطورت هذه القاعدة البحرية حتى أصبحت المركز الرئيسى لنشاط البحرية البريطانية فى الخليج، كما أنه فى سنة 1942 م تم إنشاء طريق معبد يربط المنامة بالمحرق، ثم انتقل المندوب السامى البريطانى من "بوشهر" إلى المنامة بعد ذلك التاريخ السابق بأربع سنوات، وارتفع عدد سكان البلد حتى زاد على أربعين ألف نسمة فى سنة 1950 م كما شاهدت العقود الثلاثة التالية تطورًا وتقدمًا أكثر مما سبق، حتى أنه فى عام 1981 م صار عدد سكانها يربو على مائة وإحدى وعشرين ألف نسمة وأصبحت المنامة مركزًا إقليميا هاما للصيرفة والتجارة والمواصلات. أما من ناحية المصادر فلا توجد مصادر قائمة بذاتها عن المنامة وإنما نشير إلى بعض ما صدر حديثا مثل: Nakhel: Bahrain, pobilical develohment., Rumaihi Ploitical chanze&Bahrain: Social أسامة عبد المنعم عمارة [ر. م. بوريل]

منبر

منبر المنبر هو البناء القائم أو منصة الخطابة التى تلقى المواعظ منها على جماعة المسلمين. 1 - النشأة التاريخية الأولى للمنبر ووضعه فى الإسلام: عُرف المنبر زمن النبى، بخلاف المحراب الذى عُرف قبله. وتنطق كلمة منبر، أحيانًا، "مِمبر"، وهى مشتقة فى العربية من أصل يشير إلى "العُلو"، ومن المحتمل أن تكون الكلمة قد انتقلت إلى العربية من الحبشية مثلما كان الحال مع كلمة "مسجد". والكلمة تعنى أيضًا: "المقعد، والكرسى"، وتستخدم أحيانا بمعنى: السرج، والمحفة. وهى فى ذلك تتطابق مع "المجلس" و"السرير" أو "الكرسى". ويتوافق استعمال كلمة منبر كمنصة لإلقاء الموعظة مع تاريخ المنبر نفسه. وحين كان الخطيب يخاطب العرب عادة كان يخاطبهم واقفا، وكثيرًا ما كان يضرب الأرض بقوسه أو برمحه؛ أو يعظهم وهو على راحلته، كما كان يفعل "قُس بن ساعدة" فى سوق عكاظ. وقد فعل النبى -صلى اللَّه عليه وسلم- الأمرين معا ففى عرفة امتطى النبى ناقته أثناء خطبته، وفى مناسبات أخرى، حين كان يخاطب مجتمعه فى فترة بعثته الأولى، حتى أواخرها فى يوم فتح مكة كان يخطب واقفا. وكما ورد فى روايات اتخاذ النبى -صلى اللَّه عليه وسلم- للمنبر، كان النبى -صلى اللَّه عليه وسلم- يتخذ له مكانًا خاصًا فى مسجد المدينة يخطب منه، وتشير الكثير من المصادر إلى بداية معرفة المسلمين للمنبر وأشهرها رواية ابن سعد. ويقال إن المنبر بنى من "طرفاء" الغابة، أو من شجيرات الآجام المجاورة للمدينة، وكان صانعه رجلًا روميا أو قبطيا يدعى "باقوم" أو "باقول"، وردت أسماء أخرى لصانعه مثل: (إبراهيم، ميمون، صباح، كلاب ومينا) وكان ياقوم هذا نجارا ولكنه مولى لزوجة رجل من الأنصار أو المهاجرين وقال آخرون: إنه كان من موالى العباس. ويُنسب اقتراح صنع المنبر أحيانًا للنبى -صلى اللَّه عليه وسلم- وأحيانًا أخرى لغيره وقيل إن الجذع أنَّ أنينًا يشبه خوار الجمل أو

أنين الطفل حين اعتلى النبى -صلى اللَّه عليه وسلم- مقعده الجديد، "لكن الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- قام من مجلسه حتى انتهى إليه، فقام إليه ومسه فهدأ ثم لم يسمع له حنين بعد ذلك اليوم وتتفق معظم الروايات على أن المنبر قد اتخذ فى بادئ الأمر للخطبة وأضافت بعضها أن الغرض منه كان إبلاغ حشد المصلين صوت النبى -صلى اللَّه عليه وسلم- ويعلم أيضًا بأن النبى -صلى اللَّه عليه وسلم- أقام الصلاة عليه، وأنه عند السجود، نزل عنه وعُنِىَ بأن يرى الناس صلاته وأن يتَّبعوه فيها. على أن هذه الرواية الأخيرة تقتضى ضمنا عادة الوقوف على المنبر. فى هذا السياق، نشير إلى حديث أورده ابن الأثير مفاده أن الصحابة سألوا أن يتخذ له مكانا مرتفعا عند مجئ عدد كبير من الوفود إليه وهناك رواية أخرى مفادها أن النبى -صلى اللَّه عليه وسلم- وقف على كرسى وخاطب رجلًا اسمه "تميم" وفد عليه لزيارته. وفى هذا المقام فنحن لدينا مقعد شرعى يجلس الحاكم عليه. ويتوافق ذلك دون شك مع سمة المنبر؛ ففى حين اعتاد الساميون الشماليون اتخاذ المقعد المرتفع، فإن العرب اعتادوا افتراش الأرض، والاتكاء على المساند ومن ثم صار المقعد المرتفع خاصية للحاكم أو للقاضى. ورد فى الخبر أن "ربيعة بن مخاشن"، كان أول من اتخذ المنبر أو السرير حين عمل قاضيا. وجلس "الحجاج" على كرسى خصص له ونقب له "سرير" حين قام بمحاكمة أعدائه، ثم نفس الأمر "ليزيد بن المهلب" حين أصدر أوامره بالخروج للحرب. ويخالف "بيكر" الروايات التى تشير إلى أن المنبر قد خُصص أساسا للخطبة أول ما أنشئ، وهو يرى أنه خصص كرمز لعرش النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] القوى الذى صار له الحكم (*). ويتفق رأيه فى ذلك مع الروايات التى تقول بأن المنبر قد أنشئ فى السنة السابعة أو الثامنة أو التاسعة للهجرة، وهى السنوات التى ثبت فيها حكم النبى -صلى اللَّه عليه وسلم- ولقد اتخذ النبى -صلى اللَّه عليه وسلم- المنبر أيضًا لإعلان التعليمات ¬

_ * من المحال طبعا أن يكون هذا التحليل صحيحا، فالنبى -صلى اللَّه عليه وسلم- نفسه نفى أن يكون ملكا أو كالملك، وكان يركز على أنه "ابن امرأة كانت تأكل القديد بمكة"، وكانت الأرض مجلة، وكان ينام فوق حصير أو حشية من ليف. . إلى آخر ما هو معروف فى كتب السيرة (هيئة التحرير).

الهامة، ومن بينها على سبيل المثال، إعلان تحريم الخمر. وكثيرًا ما كان يُطلق على منبر النبى -صلى اللَّه عليه وسلم- "الأعواد"، وهى تسمية مشتقة من المادة المصنوع منها. وكان يتكون من درجْين ومجلس. ولقد اتخذ المنبر نفس الشكل بعد عهد الرسول فى خلافة أبى بكر وعمر وعثمان. وتظهر دلالته كعرش من الحقيقة التى تقول إن معاوية أراد فى سنة 50 هـ أن يأخذ معه منبر الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى الشام "فلم يسمح له بذلك، ولكنه قام بزيادة درجه إلى ستة أدراج. وبعد ذلك بعدة سنين، قيل إن عبد الملك والوليد قد رغبا فى أخذ منبر النبى -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى دمشق. وكان للأمويين منبرهم الخاص الذى يجلسون عليه، مثل من سبقوهم. وأخذ معاوية منبره معه عند سفره إلى مكة، ولقد ظل المنبر باقيا هناك بها حتى زمن الرشيد؛ فلما قدمها الرشيد حاجا سنة 170 هـ/ 876 - 787 م أو سنة 174 هـ/ 790 - 791 م قدم له أمير مصر"منبرا منقوشا" له تسع درجات أما المنبر القديم فقد وضع فى عرفة. وبعد ذلك صنع الخليفة "الواثق" منابر لمكة وعرفة ومنى. ولقد كان منبر مكة منبرًا قابلًا للحمل والنقل. وكان موضعه فى العادة إلى جوار المقام، لكنه كان ينقل إلى جانب الكعبة أثناء الخطبة ووفقا لما أورده البتانونى، ظلت هذه العادة قائمة حتى ابتنى السلطان سليمان القانونى (926 - 974 هـ/ 1520 - 1566 م) منبرًا من الرخام شمال المقام. وكان هنالك شك فى إمكانية إقامة منابر فى مساجد الولايات ووفقًا لما أورده "القضاعى"، فإن عمرو بن العاص أقام له منبرًا فى جامعه بالفسطاط، إلا أن الخليفة عمر طلب منه إبعاده. وتشير هذه الحادثة بوضوح إلى أن المنبر كان بمثابة العرش، وهو حق للخليفة وحده لا ينازعه فيه منازع وبعد وفاة عمر، قيل إن عمرو بن العاص أعاد استخدام المنبر، وأن منبره ظل فى مسجده حتى قام الوالى "قُرة بن شريك" بإعادة بناء مسجد عمرو. وقد وُضع المنبر، أثناء عمارة المسجد، فى القيسارية التى كانت تستخدم

كمصلى. وعندما تمت عمارة المسجد سنة 92 هـ/ 711 م, لم يرجع قرة منبر عمرو إلى مكانه ولكنه أقام مكانه منبرًا جديدًا. وظل منبر قُرة قائمًا حتى سنة 379 هـ/ 989 م، حين استبدله الوزير الفاطمى يعقوب بن كلس بمنبر آخر مطلى بالذهب. وفى سنة 405 هـ/ 1014 - 1015 م قام الخليفة الحاكم بأمر اللَّه بوضع منبر جديد كبير فى جامع عمرو بن العاص. ولا نسمع عن أى اعتراضات فى الأماكن الأخرى على إقامة المنابر فى الأمصار ففى المدائن وفى عام 16 هـ/ 637 م أقام سعد بن أبى وقاص منبرًا فى المسجد الذى ابتناه فى إيوان كسرى كما أقام أبو موسى الأشعرى بالبصرة منبرًا فى وسط مسجدها. على أن ذلك الموضع لم يكن ملائما لأنه كان على الإمام أن يعبر من المنبر إلى القبلة "ويتخطى رقاب" الجلوس من المسلمين لذلك حوَّل زياد المنبر إلى الحائط الجنوبى. ومن ناحية أخرى، فقد ورد إلينا أن عبد اللَّه بن العباس (والى البصرة 36 - 40 هـ/ 656 - 660 م) كان أول من ارتقى المنبر فى البصرة وصار المنبر رمزًا للحاكم وفى سنة 64 هـ/ 683 - 684 م) كانت هناك منابر فى كل الولايات وفى ذلك العام، تمت البيعة العامة لمروان بن الحكم ليس فى العاصمة فحسب بل وعلى المنابر الأخرى فى بلاد الحجاز، ومصر، والشام، والجزيرة، والعراق، وخراسان، وسائر الأمصار. وفى القرن الأول الهجرى وبداية الثانى، نجد الوالى فى المدن الصغيرة يلقى الخطبة واقفا، ممسكا فقط بعصا. ولكن فى عهد حكم عبد الملك بن مروان نصبت المنابر فى قرى مصر. وحين أصبحت الخطبة مجرد عظة دينية، ولم يعد الحاكم هو الخطيب، صار المنبر منصة للوعظ الدينى وصار هنالك منبر فى كل مسجد تعقد فيه صلاة الجمعة. وفى نفس الوقت، أعنى، بعد عهد الرشيد، اكتمل التغيير بالتدريج فى وظيفة المنبر، وصار الواعظ يخطب من فوق المنبر واقفًا. ولقد طبقت أحاديث الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- آنذاك بصدد إلقاء الخطيب خطبتين

للجمعة واقفا، "كما هو حاصل اليوم". ويعد المنبر الآن مشابها تماما على هذا النحو المنبر المسيحى. ومن المحتمل تمامًا أن يكون الأخير قد أثر فى شكل المنبر الإسلامى وقد جعل معاوية منبر المدينة أكبر، فى حين احتوى المنبر الذى حمله معه إلى مكة على ثلاثة درجات فقط، وكان بالطبع منبرًا محمولا قابلًا للنقل والتركيب. وسمعنا مرة أخرى عن منابر محمولة صنعت مؤخرا ليست كبيرة الحجم وقيل إن منابر المغرب كانت كلها منابر محمولة ويعتبر "ابن الحاج أن تلك بدعة ابتدعها" الحجاج والمنابر القديمة مصنوعة من الخشب. وعلى أن هناك حديثا يروى أن النبى -صلى اللَّه عليه وسلم- قد صنع له كرسى من الخشب بقوائم حديدية لاستقبال تميم. ولكن منبر الحديد أقيم منذ بداية العهد الأموى؛ وكذلك المنبر من الحجر أيضًا، ثم بنيت المنابر من الأجر وعادة، ما ينصب المنبر وظهره ملاصق لحائط القبلة إلى جوار المحراب. وحاول المهدى رد المنابر إلى حجمها الأصلى الصغير, لكنه لم يستطع أن يوقف التطوير. وأقيمت عدة منابر فى المساجد الكبرى ويشير ابن الفقيه، (حوالى سنة 300 هـ/ 912 - 913 م) إلى وجود خمسة منابر فى مسجد القدس. أما فى جامع السلطان حسن بالقاهرة، كانت هناك خطط لبناء أربعة منابر، ثم تنفيذ ثلاثة منها, ولم يتم تنفيذ الرابع بسبب الانشغال فى إصلاح مئذنته التى تصدعت سنة 762 هـ/ 1361 م وحولت الانتباه عن تشييد هذا المنبر الرابع إلى عمل آخر. وقد أعطت الأهمية التى كانت للمنبر فى السابق زمن الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-، حرمة خاصة له، وتركزت حرمة المسجد حوله وحول المحراب. وقيل أن الخليفة عثمان بن عفان كان أول خليفه يكسو منبر النبى -صلى اللَّه عليه وسلم- بالقطيفة. وقام معاوية بنفس الصنيع ولم تكن تغطية "الحاكم بأمر اللَّه" للمنبر الحديدى بجلد مذهب إلا لما علاه من الصدأ، وزمن العباسيين، جرت عادتهم على أن يرسلوا كل عام كسوة لمنبر النبى من بغداد؛ لكن سلاطين العهود المتأخرة لم يكونوا يجددون هذه العادة بانتظام. ولدينا إشارات فى

2 - الأشكال المعمارية: فى البلاد العربية والفارسية والتركية

المصادر عن تغطية وكسوة المنبر فى المناسبات الخاصة كما أن لدينا مطالب بالإنصراف عن العادة التى جرت بوضع السجاد على المنبر. 2 - الأشكال المعمارية: فى البلاد العربية والفارسية والتركية: كما سبق أن ذكرنا، فإن المنبر كان يستخدم قديما كمقعد للحاكم أو لواليه، يخاطب منه المسلمين فى صلاة الجمعة، ويتوافق ذلك مع استخدام المساجد فى العصر الأموى أيضا كأماكن للتجمعات السياسية. ووفقا لرأى "بيكر"، فإن تغير وظيفة المنبر من كونه مقعدًا للحاكم أو وإليه إلى منصة خطابية تلقى من فوقه خطبة الجمعة، ثم حوالى أواخر العصر الأموى. وصلى ما يبدو أن المنابر إحتاجت لبعض الوقت كى يُعمم استعمالها. وفى سنة 132 هـ/ 749 م زُودت مدن أقاليم مصر بالمنابر بأمر من مروان الثانى، كما عرف القليل عن المنابر خلال العصر العباسى. وورد فى المصادر أن الخليفة المهدى كان قد أمر محمد بن أبى جعفر المنصور فى سنة 161 هـ/ 777 - 778 م أن يُنقص من ارتفاع المنابر ويجعلها فى نفس حجم منبر النبى -صلى اللَّه عليه وسلم- وتشير هذه الواقعة إلى أن المنابر أيامه كانت عالية، ويشهد على ذلك أن ارتفاع منبر مسجد سامرا الكبير كان 3.90 مترًا. والمنبر الوحيد المتبقى من المنابر القديمة التى يرجع عهدها إلى صدر الإسلام هو منبر جامع القيروان الكبير فى تونس ولما كان قد صنع من خشب الساج ويبلغ طوله 3.31 متر وله 11 درجًا اعتبر مثالًا رائعا للمنبر الخشبى المنقوش. وقيل إن الأمير الأغلبى أبا إبراهيم أحمد 242 - 249 هـ/ 856 - 863 م) أحضره من بغداد، وربما انتهى العمل منه فى سنة 248/ 863 م. وهو أقدم مثال باق للمنابر، تتمثل فيه عناصر المنبر الخشبى الأساسية، وهى المنصة ذات الدرج، والمدخل بدون باب عند الصعود على الدرج ويتكون هيكل المنبر من قطع خشبية عمودية ومستعرضة مع ألواح قائمة ومثلثة الزوايا مركبة فى مجار لها وقد زين الهيكل بأغصان كرْم العنب مكوّنة عقدًا دائرية مطوقة وورقة كرمة وعنقود عنب، وهو تركيب نجده فى شدادة قبة الصخرة فى بيت

المقدس. وقد طعُمت معظم الألواح بطريقة هندسية، لكن يوجد على الجانب الشرقى عشرة أعمدة جميلة منقوشة بطريقة الأرابيسك ويُذكرنا أسلوب التصميم الطبيعى على تلك الألواح العشرة، وعلى الخصوص، تصميم الصنوبرة المخروطية المحاطة بالكرمة، بالأعمدة الخشبية الموجودة قرب بغداد. وفى رأى كريزويل، أن ذلك التشابه القوى بينهما يوحى بأن هذه الأعمدة العشرة نقشت هنالك وأشار كينيل إلى أن زخرفتها تتشابه مع تلك التى على قصر "المشتى" الأموى. ولاحظ ديز (E.Diez) أن اختلاف طراز الأعمدة الطبيعى عن طراز العهد العباسى الأول الأكثر تجردًا يتطابق مع زخرفة سامرا على الجنة وعلى الخشب، ويُعتقد أن بعض القطع والأعمدة المنقوشة ربما كانت تخص منبرًا أمويا قبل أن تركَّب فى البناء القائم. وتعرض المنبر للتخريب والتجديد، إلا أنه يجب أن يكون قد رمم بعد أن اكتسح الخليفة الفاطمى المستنصر القيروان سنة 441/ 1050 م. ووفقًا لرأى كريزويل، فإن الأعمدة أسُتبدلت بأخرى جديدة فى عمارة سنة 1907. ومن الصعب معرفة تاريخ صُنع الأعمدة القائمة الزوايا ذات التصميم الهندسى وبينما يبدو بعضها حديث الصنع، إذا بالبعض الآخر يبدو وكأنه صُنع فى فترة متقدمة. وكانت بعض المنابر فى صدر الإسلام محمولة، مما يشير إلى أنها مصنوعة من مواد خفيفة العمل، ومن المحتمل أن تكون مصنوعة من الخشب. ومن واقع شكل وطول حائط القبلة فى جامع سامرا الكبير، يظهر أنه كان له منبر محمول أودع فى حجرة خاصة قريبة من المحراب. وكان لمنبر الكعبة فى مكة عجلات، ومن الطبيعى أنه يودع عند مقام إبراهيم، ولكنه كان يدفع ليقام إلى جوار الكعبة لصلاة الجمعة. ومن المحتمل أن يكون هذا المنبر هو الذى أهداه الخليفة العباسى الواثق (227 - 232 هـ/ 841 - 847 م). واستمرت عادة دفع المنابر داخل وخارج ساحة التجمع للصلاة قائمة حتى الآن فى بعض أنحاء العالم

الإسلامى، وخصوصًا فى شمال إفريقيا. . وظل القليل من هذه المنابر باقيا فى مكانه، لكن التجاويف التى وجُدت على يمين المحراب فى بعض مساجد الجمعة تفت أن المنابر الأصلية لهذه المساجد كانت منابر محمولة. وتبدأ سلسلة المنابر المحمولة بمسجد صفاقس الكبير الذى بنى فى 235/ 849 م، والذى توجد به تجاويف توضع قوائم المنبر فيها واتخذ المسجد الجامع شكلًا هامًا منذ صار المنبر رمزًا للسلطة، حيث يرتقيه الوالى ممثلًا للسلطة الحاكمة، ليبلغ جماعة المسلمين المحتشدين فى ساحته بالبلاغات الرسمية. ويشير "المقدسى" إلى المنبر على أنه شئ له اعتباره الكبير فى المجتمعات الإسلامية. وهو يرى أنه من الممكن إطلاق اسم مدينة على أى ناحية، بها منبير وتعقد فيها صلوات جمعة. وكثيرًا ما تصنف المدن تبعًا لوجود منبر فيها أو عدمه. وتكثر الإشارات فى المقدس إلى أن ازدياد عدد المنابر فى المدينة دليل على إزدياد ازدهارها. ولم يتبق فى إيران أى منبر من منابر صدر الإسلام، لكن وهناك من يذكر أنه رأى منبرًا فى مسجد "عدينا" فى "سبزوار" يرجع تاريخة إلى سنة 266/ 879 م. وأنه كتب عليه اسم والى خراسان أحمد الخوزستانى، الذى حكم أيام خلافة المعتمد العباسى. ويوجد أقدم منابر إيران الباقية فى مسجد ششتر (تُستر) الجامع، ويرجع تاريخه إلى صفر 445 هـ/ (مايو - يونيو 1053 م). وهو مثال قديم للمنبر المزين بالقوائم الصلبة المضلعة، والمشغول بالأرابيسك المضفَّر، والذى تغطى جوانبه عناصره الفنية المتداخلة المتلاحمة مع بعضها البعض، وهو شكل من أشكال الزخرفة أصبح شائعا فى مصر وسوريا وتركيا وأنحاء أخرى من العالم الإسلامى من القرن الخامس الهجرى/ الحادى عشر الميلادى فصاعدًا. ولا يُعرف هنالك منبر يمثل هذه المواصفات من الزخرفة فى إيران فى العصر السلجوقى. وتوجد فى إيران خمسة منابر باقية ترجع إلى فترة الحكم السلجوقى. وكلها تظهر نفس شكل منبر القيروان، أى أن بكل منها: مجموعة متواصلة من الدرج

وأعمدة عند مدخلها تؤدى إلى مقعد الخطيب، وهو يتكون من منصة قائمة على أربعة أعمدة. وهذه المنابر أصغر حجما من منبر القيروان، لكن جوانبها تتكون من ألواح قائمة الزوايا محفورة متشابهة. ويوجد أقدم هذه المنابر الخمسة فى مسجد "أبيانا" الجامع، يرجع تاريخه إلى سنة 466 هـ/ 1077 م. ويوجد الثانى منها، والذى يرجع تاريخه إلى سنة 543 هـ/ 1148 م, فى مسجد إمام زاده إسماعيل فى "أبرز"، والثالث وتاريخه 583 هـ/ 1187، فى مسجد بائن فى "فريزند". وتوجد هذه المنابر الثلاثة جميعها فى إقليم "ناتانز" ولا يُعرف على وجه التحديد تاريخ صنع المنبر الموجود فى مسجد المحمدية الجامع بالقرب من نائين، ولا المنبر المعروف باسم منبر الصاحب الكائن فى مبنى ملحق بالحسينية فى فاريظاند، ولكن من الممكن نسبتها إلى الفترة ما بين القرن الخامس والسادس الهجريين الحادى عشر، الثانى عشر الميلادى، بسبب استخدام أسلوب الحافة المشطوفة فى نقش زخرفة الأرابيسك فى حالة الأول، واستخدام أسلوب النقش الكوفى فى حالة منبر الصاحب. ومن أبرز وأهم ملامح هذه المنابر الإيرانية الخمسة هو تطبيق ما عُرف "بأسلوب استخدام الحافة المشطوفة الأحرف" فى النقش. ويتطابق هذا الأسلوب فى الزخرفة مع ما وجده هرزفيلد فى زخرفة نقوش سامرا الجصية. وتتكون من رسوم ذات انحدار عميق فى الجص تُعطى تباينا فى اللون والظل. وغالبًا ما تتكرر هذه الرسوم وتنفصل بخطوط منحنية وتغطى بالنقاط والخروز والشقوق الطولية وصفوف العقود أو بعض اللآلئ التى كان يتكرر استخدامها كحافة زخرفية وفى حين استخدام هذا الأسلوب وتلك الطريقة بادئ ذى بدء فى سامرا خلال القرن الثالث الهجرى/ التاسع الميلادى، فقد ظل يستخدم فى إيران بشكل معدل بعض الشئ، متخليا عن نسقه التكرارى خلال القرنيين الخامس والسادس للهجرة/ الحادى عشر، الثانى عشر الميلادى. وقد أبطل استخدام هذا الأسلوب فى مصر مع نهاية القرن

الخامس الهجرى/ الحادى عشر الميلادى، لكنا ظللنا نلاحظه فى أجزاء أخرى من بلدان العالم الإسلامى حتى نهاية القرن السادس الهجرى الثانى عشر الميلادى. ولا يزال منبر المسجد الجامع فى "أبيانا" يُعد من أهم الأعمال البارزة لنموذج تقنية الحافة المشطوفة التى لا تزال باقية حتى الآن فى إيران. وبرغم أن منبر "برز" يحتوى على لوحات مشطوفة، إلا أن زخرفته فى أساسها أرابيسك متشابك، وهو يظهر تأثيرات إتجاهات الزخرفة الجديدة واشتهر هذا المنبر أيضًا بدرابزينه المصنوع من مصبعات خشبية مخروطة كالمشربيات فى مصر؛ وذلك أقدم مثال معروف لمثل هذا العمل فى إيران. ومن الممكن أن يلاحظ الحفر المشطوف الحواف أيضًا على منبر مسجد العمادية الكبير فى العراق، يرجع تاريخه إلى سنة 548 هـ/ 1153 م. زينت الألواح المضلعة الداخلة فى الإطار الأملس المستوى بأشكال أشجار نخيل ذات أطراف حلزونية داخل كتابات بخط النسخ ويوجد فى تركيا منبر من ملطيه، وهو محفوظ الآن فى "المتحف الإثنوغرافى" بأنقره. وفى هذا المنبر قطع صغيرة مضلعة داخله فى إطار مسطح منحوتة بطريقة الحواف المشطوفة. وقد نُقشت أرضية الألواح بأرابيسك منحوت بعمق ولها أسطح ذات أحرف مشطوفة ويرجع هذا المنبر إلى القرن السابع الهجرى (= الثالث عشر الميلادى)، بينما يشير "إيتجهاوزن" ettinghousen أن تاريخه يرجع إلى القرن السادس الهجرى/ الثانى عشر الميلادى. تغيرت زخرفة جانبى المنبر حوالى نهاية القرن الخامس/ الحادى عشر الميلادى، حين ظهرت طريقة جديدة فى البناء والتصميم. ولم يحصر التغيير فى تغطية الجوانب بقطع خشبية صغيرة على شكل النجوم والمضلعات. وأقدم الأمثلة المعروفة لهذا النموذج هو منبر المسجد الجامع فى شُستر الذى ورد ذكره أنفا. ويظهر الشكل الجديد للمنبر فى شكله المتكامل فى منبر

ضريح الإمام الحسين الفاطمى فى عسقلان وهو المحفوظ الآن فى متحف الخليل. غُطيت كل جوانب هذا المنبر بأشكال هندسية زخرفت بإتقان وهى تتكون من قطع خشبيه صغيره مضلعة متداخلة فى أشرطة منقوشة. وتتكون عناصر الشكل رئيسية من نجوم مسدسة مضلعة. وقد ملئت كل القطع المضلعة بتصميمات أرابيسك متشابكة. على أن، الحفر على هذا المنبر لم يكن على نظام الحواف المشطوفة، ولكنه كان على نظام القواطع العميقة المستقيمة. وهنالك وجه آخر هام من وجهى هذا المنبر وهو أن "درابزينه" الصلب قد صنع على نظام المشربية، مما يجعله من أقدم الأمثلة على ذلك. ومن المحتمل أن يرجع صُنع قبة وباب المنبر التى ظهرت فيه مؤخرًا إلى العهد المملوكى. استمر نظام الزخرفة قائما، فى مصر خلال العصر الفاطمى، ظاهرًا فى منبرين قديمين، أحدهما فى دير سانت كاترين على جبل سيناء، ويرجع تاريخه إلى سنة 500 هـ = 1106، والثانى فى جامع عمرو بقوص والذى يرجع تاريخه إلى سنة 550 هـ = 1155 م، وللمنبر الأخير إيوان فوق مقعد الخطيب، وتشبه زخرفة مقعدة زخرفة المحراب وتطور شكل المنبر إلى صورته التى هو عليها الآن ضد المحراب. فصاعدًا، وصار له جوسق على شكل قبة فوق مقعد الخطيب، وبوابة وعناصر زخرفية مكونة من نجوم ومضلعات مصنوعة من قطع خشبية منقوشة. وصارت هذه الهيئة هى الهيئة التى يصنع على شكلها المنبر فى سوريا وتركيا وكذلك فى مصر. ويُعتبر منبر المسجد الأقصى فى القدس بفلسطين، هو أحسن الأمثلة لهذا النوع من المنابر، وهو المنبر الذى أهداه نور الدين محمود سنة 564 هـ/ 1168 م لحلب، ثم أخذه صلاح الدين مؤخرًا إلى بيت المقدس. ظهرت على نفس هذا المنبر زخرفة أخرى شاعت من القرن السادس الهجرى/ الثانى عشر الميلادى فصاعدًا, وهى ظاهرة تطعيم المنبر بالعاج والصدف. وبعد ذلك، تميزت المنابر المملوكية بتطعيمها الرائع، والذى لم

يقتصر على العاج فحسب، بل تعداهما إلى الأبنوس والعظم ومثال هذا المنبران الموجود أحدهما فى جامع ابن طولون الاخر فى جامع الصالح طلائع بالقاهرة. ثم نشهد تدهور حال كل من زخرفة النقش وزخرفة التطعيم قرب نهاية العهد المملوكى. ويُعد منبر جامع قايتباى، الموجود الآن فى متحف فيكتوريا والبرت، خير مثال للأعمال المملوكية المتأخرة. أما فى إيران، فكانت زخرفة النجوم والمضلعات أبطأ من أن تكون زخرفة شائعة. ولذلك فإن جانبى منبر المسجد الجامع فى "نائين" الذى يرجع تاريخه إلى 711 هـ/ 1312 م، ما زالت مركبة بألواح متعامدة إلى جانب أنها مزينة بالنجوم والمضلعات. ويتكون جزء من زخرفته المحفورة من سلاسل من شكل المعين أو من أوراق النبات، الممتلئة بفواصل حلزونية الشكل، تعكس أسلوبا صار شائعا فى إيران خلال القرن الثامن الهجرى/ الرابع عشر الميلادى. ولهذا المنبر أيضًا، "درابزين" شبكى صنع من شرائح خشبية بشكل هندسى. ويعد ذلك أقدم مثال لهذا النوع من أعمال التشابيك فى إيران، والتى أستخدمت فى "السواتر والبرفانات"، والنوافذ، والبوابات، ودرابزينات الشرفات. وهنالك منبر آخر شهير يرجع تاريخ صنعه إلى عصر ما بعد فترة الحكم المغولى فى إيران وهو مسجد "سوريان" الجامع فى فارس، وهو محفوظ الآن فى متحف "إيران - باستان" بطهران. ونستمد من النقش الذى عليه أنه تم صنعه سنة 771 هـ/ 1369 م. وتميز بإستعمال طريقة النجم والمضلعات على جوانبه، وهى الطريقة التى صارت مع الوقت مطبقة فى كل الأعمال الخشبية فى إيران. وتوجد خاصية أخرى لهذا المنبر وهى عنصر استخدام الأزهار الواضح فى زخرفته المحفورة، وهو عنصر صار فيما بعدُ مميزًا للعهد التيمورى. ويعد منبر جامع جوهر شاه فى حرم الإمام الرضا فى "مشهد"، المصنوع ما بين عامى 840 و 850 هـ (1436 - 1446 م) قطعة تيمورية جميلة. ويتميز بزخرفته الوافرة بالنجوم والمضلعات مع فروع النباتات المنحوته فى بروز على النمط

التيمورى. وعلى غير عادة المنابر فى إيران، ولهذا المنبر سقيفة، يعلوها تاج ذو الشراريب. وتُصنع المنابر المنحوتة من الخشب المشغول أيضًا فى الأناضول بمستوى رفيع. فالخشب متوافر هناك، ولذلك فإن استخدامه لأساس المساجد أمر من سهل فهمه. ويعد من أقدم منابر الأناضول الخشبية منبر جامع علاء الدين فى قونية، الذى يرجع تاريخه لسنة 550 هـ/ 1155 م. وهو مصنوع من خشب الجوز، وبغض النظر عن زخرفته المعتدة بالنجوم والمضلعات المنحوتة فإن له "درابزين" صلب نقشت على حواجزه آيات قرآنية، كما أن له عقد مقترنا بألواح على المدخل. وهو لا يحمل أى تشابه مميز، لا فى الشكل ولا فى الزخرفة، مع المنابر السلجوقية فى إيران، وهو فى الحقيقة تشكيل سورى - مصرى. وصار نموذج منبر علاء الدين شائعا بشكل متزايد فى الأناضول خلال القرنين السابع والثامن/ الثالث عشر، الرابع عشر الميلادى. وخير مثال على هذا النموذج منبر "ألوكامى" فى "سييرت", وهو المحفوظ الآن فى المتحف الإثنوغرافى فى أنقره. ولا تزال منابر مشابهة له قائمة فى أماكنها الأصلية مثل: منبر ألوكامى فى سفرى حصار ويرجع تاريخه إلى عام 670 هـ (= 1272 م)، ومنبر إصرفوغلو كامى فى "بليشار" وتاريخه 696 - 698 هـ/ 1297 - 1299 م. وبرغم أن معظم المنابر قد صنعت من الخشب، فإن منها ما صُنع من خامات أخرى، مثل الآجر، والسيراميك والحجر. وذكر المقدسى أحد هذه المنابر المصنوعة من الأجر فى عرفة. وتوجد فى وسط إيران، خمسة منابر من السيراميك يرجع تاريخها إلى الفترة ما بين سنوات 1445 - 1525 م. وقد زينت جميعها بشكل مختلف ما بين تصميم من ثمان وإثنى عشر نجما، وسيقان نباتات بأزهار بيضاء، وأرابيسك من نباتات بلون الكهرمان والأزرق الفاتح على أرضية داكنة زرقاء. وعلى بعض هذه المنابر كتابات تحمل اسم منشئها أو نصوص قرآنية

أو عظات دينية. وأجمل هذه المنابر هو منبر "مسجد ميدان" فى كاشان وهو مزخرف بالموزايكو بمستوى فوق المتوسط بكثير. ويعطينا أحد النقوش على الجانب الأيسر من المنبر اسم الجرفى وهو "حيدر"، قاطع الآجر، كما يعرض لنا نقشا آخر صمم وقت البناء وهو فى عهد السلطان بوسعيد الجرجانى. ويُعتبر منبر خانقاه بندر أباد أكبر الخمسة المنابر، ويرجع تاريخه إلى 848 هـ/ 1473 م. وتنتمى هذه المنابر المصنوعة من الآجر إلى الفترة التى تزايد فيها أستعمال الآجر والموزايكو فى العمارة الإيرانية. ولم يدم الميل لهذا النوع من المنابر طويلًا، ومن المحتمل، أن يكون ذلك بسبب الحاجة للاحتفاظ بالإيقاع على القابلية للتحرك والإنتقال من الظروف المعينة. وهنالك مثالان لمنابر الآجر من "خيوة"، أحدهما فى مسجد آرج القديم الصيفى، الذى يرجع إلى سنة 1820 م والآخر ربما يرجع إلى القرن التاسع عشر. وهنالك بعض المنابر الحجرية فى العالم الإسلامى، مثل تلك التى فى مساجد شيخو، وأقسنقر والخطيرى بمصر وربما كان منبر مسجد السلطان حسن، المبنى سنة 757 - 764 هـ/ 1356 - 1363 م أشهر هذه المنابر كما يوجد لمسجد جامع برقوق فى جبانة الخلفاء (المشيد سنة 806 - 813/ 1403 - 1410 م)، منبر حجرى جميل به نحت بنماذج هندسية معتدة، وبجوانبه تصميمات بالنجوم ومضفرة مثل المنابر الخشبية ويشبه هذا المنبر المنبر الحجرى المحفور فى جامع شيخو، وتاريخه 750 هـ/ 1349 م, فى بابه وفى جوسقه. وكان لمسجد هرات الجامع منبر رخامى جميل لكنه غير موجود الآن، قام بنحته والحفر عليه الحجار شمس الدين فى القرن التاسع الهجرى/ (الخامس عشر الميلادى). ويوجد أقدم منبر مصنوع من الحجر فى الأناضول فى جامع علاء الدين "بنيجد" ويرجع تاريخ صنعة إلى

3 - أما فى الهند

سنة 620 هـ/ 1223 م. وهو منبر بسيط بدون زخرفة ماعدا وجود بعض الأرابيسك المحفور على درابزينه الحجرى. وكانت المنابر الرخامية والحجرية شائعة أساسا فى العهد العثمانى. ويوجد بمسجدى بايزيد ومحمد باشا فى المصيصة، اللذين يرجع عهدهما إلى سنة 891 هـ/ 1486 م، منبران رخاميان جميلان صنعا باتقان. ويشهر منبر المسجد الأخير على وجه الخصوص بزخرفته النباتية الفنية. ويعتبر منبر مسجد السليمية فى أدرنة وتاريخه 961 هـ/ 1574 م، من أكثر المنابر اللافتة للنظر، لضخامة بنيانه، وجمال وإتقان صنعته. نحت هذا المنبر من كتلة حجرية واحدة، وساد أحد جوانبه شكل مثلث متساوى الأضلاع فى وسط قرص الشمس وتتكون حافتة المتاكلة ودرابزينه من تصميمات تقليدية مضلعة وزخرفت مظلته جوسقه/ قبته المخروطية بالسيراميك. كذلك فإن لمنبر جامع صوقولو الحجرى فى إستانبول (والذى يرجع تاريخه إلى سنة 980 هـ/ 1572 م) جوسق من الآجر، ودرابزين من الحجر مثل تلك التى فى المنابر الخشبية. 3 - أما فى الهند فتختلف نماذج تصميمات المنابر عن غيرها من حيث تصميمها العام عن تلك التى تتكون من ثلاثة أدراج حجرية بسيطة، إلى تلك المنابر المنحوته والمظللة والتى تحتوى على تسعة أدراج أو أكثر. والحجر هو المادة الخام المفضلة فى بناء منابر الهند حتى فى منطقة البنغال التى يجرى البناء فيها بالآجر، على أن عدم تواجد منابر مصنَّعة فى كثير من مساجد الهند القديمة المعروفة ربما يوحى بأن المنابر الخشبية كانت معروفة عندهم أيضًا. أما فى سلطنة دهلى: فلا يوجد فى أى مسجد قديم من مساجدها منبر واحد قديم أصلى (والمنبر الذى فى مسجد جماعات خانة فى نظام الدين، هو أقدم مسجد لا تزال تقام الصلاة فيه، فهو منبر حديث، حل محل منبر قديم بسيط يتضح من صوره أنه كان يتكون من ثلاث بلاطات حجرية). كما يوجد فى دهلى منبر جامع "اريش" 815 هـ/ 1412 م، وهو

بناء حجرى ضخم يتكون من سبعة درجات، ويمتد درجة السابع إلى منصة مربعة مستندة على أعمدة أما عن منابر الأقاليم فليس هنالك مساجد قديمة قد تبقت فى البنجاب. وتُقدم البنغال أمثلة قديمة رائعة من المنابر ذات المظلات الجواسق؛ وأقدمها، منحوت من حجر البازلت، فى مسجد بارى ويرجع تاريخه إلى أوائل القرن الثامن الهجرى/ الرابع عشر الميلادى، ولهذا المنبر تسعة درجات تؤدى إلى حجرة علوية تعلوها قبة، بفتحات ذات عقود من جوانبها الثلاثة وإلى ما يبدو على أنه محراب مائل قبالة الحائط الغربى لصحن الصلاة. وتكرر هذا التصميم فى مسجد "آدينه" الكبير 776 هـ/ 1375 م، حيث تُظهر صورة "رافينشو الفوتوغرافية" المحراب، مثل الزخرفة على الحائط الغربى المحفورة مع إظهار مصباح معلق، فى حين زين السطح الخارجى برسوم هندسية مشجرة. ويتشابه معه لكن بشكل أبسط منبر مسجد قطب شاهى القريب منه والذى يرجع تاريخه إلى سنة 993 هـ/ 1585 م. وهنالك منابر بسيطة ذات ثلاث بسطات حجرية، أحدها منبر مسجد محمد بن تيبو سلطان 1258 هـ/ 1842 م. وفى المبانى القليلة فى سلطنة "جونبور"، يتخذ المنبر فى المساجد، شكل بناء حجرى مؤلف من تسع درجات تؤدى إلى منصة حجرية مربعة، دون أن تكون هنالك آثار لوجود جواسق عليها. ولعل النموذج المفضل للمنبر فى سلطنة جوجارات هو المنبر الحجرى ذو الدرجات التسع، برغم أن منبر مسجد أحمد شاه القديم فى أحمد أباد (816 هـ/ 1414 م) يُظهر، أن الشرفة العليا كانت مغطاة بجوسق بمظلة, وربما تكون هذه المظلة مأخوذة من معبد ماندابا الهندى. وتوجد منبرة فى كثير من مساجد جوحرات وهى ظهور منصة منخفضة مربعة أمام آخر درج المنبر، ولا يعرف الغرض منها، ولكن من المعتاد أن نراها الآن مغطاة بالحصر وتُستخدم لجلوس الصبيان فيها حين يستخدم المسجد كمدرسة لتحفيظ القرآن. وخلال الفترة المغولية، صار شكل المنبر مدَّرجا وغير مغطى. وفى بعض الأحيان، يكون فى درجه الأحمر المصنوع من الحجر الرملى سواتر صغيرة مثقوبة على حوافها.

المصادر

وتوجد نماذج عديدة مختلفة من المنابر على ساحل شرق إفريقية. وكان لمساجد الجمعة هناك منذ العصور الوسطى وحتى القرن التاسع عشر الميلادى منبر حجرى يتكون من درجين ومقعد أما فى زنجبار فيوجد درج واحد ومقعد، على حين يوجد فى غيرها منابر لها ثلاثة درجات وفى كل هذه الحالات نجد الدرج الأسفل مسطح للغاية، ويُعرف فى اللغة السواحيلية باسم "كيابو"، أو مكان القسم المقدس. والشخصى الذى يريد أن يقسم يقف على هذا الدرج، ويلمس المنبر. ولقد بنى مسجد أنجوانا الجامع فى كينيا، مؤخرًا سنة 1500 - 1550 م، وكان لمنبره سبعة درجات. وفى العصر الحديث بُنيت منابر حجرية فى مساجد لامو. وهنالك منبران خشبيان وحيدان فى شرق إفريقيا، أحدهما منبر مسجد الجمعة فى لامو الذى ترجع نقوش إنشائه إلى سنة 917 هـ/ 1511 م، وهو موجود فى "سوو" 930 هـ/ 1523 م كما يوجد منبر محمول يستخدم فى أيام الأعياد فى قرية صغيرة قرب دار السلام بتنزانيا تسمى "ماجوجونى"، وهو يتكون من مقعد خشبى بسيط قائم على قاعدة مسطحة وفى بعض مساجد الجمعه، يتخذ المنبر شكل منصة بارزة داخل بنيان داخلى خلف حائط القبلة. ومن الممكن الوصول إليه بدرج من الداخل، أو من داخل المحراب. ويشبه المنبر فى هذه الحالة نافذة تقع عند ميمنة المحراب. وتزود هذه المنابر فى بعض الأحيان بدرابزين ليتكئ الواعظ عليه. ويتصل الدرج فى بعض الأحيان بحجرة خُصصت كمكتب للإمام، وتزود هذه الحجرة أيضًا بباب خارجى ومع أن تاريخ هذه المنابر غير معروف، إلا أن الروايات المحلية تشير إلى أنها فى الغالب تنتمى إلى نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. المصادر: (1) البتنونى، الرحلة الحجازية. (2) الأزرقى، أخبار مكة. (3) المقريزى، الخطط. (4) ياقوت، معجم البلدان. د. عطية القوصى [ج. بيدرسن، فريمان جرنفيل Bedersan, F. Grnville]

مندور، محمد

مندور، محمد محمد عبد الحميد موسى (1907 م - 1965 م) شيخ نقاد الأدب المصرى والغربى المعاصرين، ولد فى كفر مندور بالقرب من منيا القمح بمحافظة الشرقية وكان أبوه متدينا متسامحا تلقى قسطا يسيرا من التعليم، وتعلَّم مندور على أيدى والده القرآن الكريم وكانت نشأته الدينية فى بيئة ريفية قد غرست فيه قيمًا اخلاقية ودينية حافظ عليها طوال حياته وفى سن الخامسة أرسل إلى كُتَّاب القرية وفى الخريف التالى ألحق بالمدرسة الابتدائية فى منيا القمح، وفى عام 1921 م انتقل إلى المدرسة الثانوية فى طنطا حيث درس الإنجليزية وحاز شهادة البكالوريا فى 1925 م بعد ذلك قام بتسجيل نفسه فى مدرسة الحقوق فى الجامعة المصرية على أمل أن يصبح نائبًا عامًا كما سجل نفسه أيضا فى قسمى اللغة العربية والاجتماعية وفى عام 1929 م حاز درجة الليسانس فى الأدب العربى وفى سنة 1930 م حاز على درجة الليسانس فى القانون وبعد ذلك مُنح وظيفة نائب عام ولكنه تركها ليقبل منحة حكومية للدراسة فى السوربون. وبعد دراسة استمرت تسعة أعوام حاز مندور درجة علمية فى الآداب واللغات القديمة وكذا فى القانون والاقتصاد السياسى وقد اعاقته الحالة السياسية المضطربة فى فرنسا عن إنهاء رسالة الدكتوراه وعجلت بعودته إلى مصر فى عام 1939 م ثم قضى الأعوام 1940 م، إلى 1941 فى الترجمة الإنجليزية والفرنسية إلى العربية وتدريس قسم الترجمة وفى عام 1942 م أنشئت جامعة الإسكندرية وعين بها كأستاذ للأدب العربى بها وهناك عمل أحمد آمين المفكر البارز على تشجيعه على انهاء رسالة دكتوراه والتى أتمها فى عام 1943 م. وكانت أطروحته لنيلها هى طرق النقد العربى فى القرن الرابع الهجرى وقد نشرت تحت عنوان "النقد المنهجى عند العرب عام 1946 م" ومنذ ذلك الحين وهى تعد العمل المتميز عن النقد العربى فى العصور الوسطى.

وقد ترك منصبه فى جامعة الأسكندرية فى عام 1944 م ليعمل كرئيس تحرير لجريدة المصرى مباشرًا عملا فى مهنة متقلبة فى الصحافة السياسية والأدبية، وفى طليعة المعارضين لحكومة صدقى باشا والإنجليز ثم أعفى من منصبه ولفترة قصيرة اكتفى بنشر القليل من المقالات والتدريس فى معهد الفنون المسرحية المسائى وفى عام 1945 م عُين رئيسًا لتحرير جريدة الوفد المصرى المسائية والتى حولها تدريجيا إلى بيان ثورى ضد الإنجليز وعملائهم المصريين وعلى الرغم من كتاباته الاجتماعية ترأسه للجناح التحررى التقدمى لحزب الوفد فإنه لم يكن أبدًا شيوعيا وكان لانغماسه العميق فى السياسة القومية ومعارضته العنيفة لمعاهدة صدقى - بيفن سببا فى سجنه لعشرين مرة عام 1945 و 1946 م وكلفته غلق صحيفته المسائية "البعث" وبسقوط حكومة صدقى تولى مندور تحرير جريدة الوفد الجديدة (صوت الأمة) حيث تابع نضاله السياسى ضد الاحتلال وقد أدار مكتبًا ناجحًا للمحاماة بين عامى 1948 و 1954 م وواصل فى الوقت نفسه كتابة تحرير مجلة "صوت الأمة" وانتخب للبرلمان المصرى فى عام 1950 م وخدم فى عدة مجالس برلمانية وفى 1953 م عمل بالكتابة والتدريس فى معهد الجامعة العربية للدراسات العربية العليا وحتى وقت قصير قبيل وفاته 1965 م. وتشمل أعماله الكاملة كتبًا عامة ومتخصصة تعالج موضوعًا واحدًا أو عدة موضوعات متصلة أو مذاهب أدبية وتراجم لأعمال متنوعة غالبًا من الفرنسية إلى العربية، مراجعات للكتب والمئات من المقالات النقدية والسياسية وبعض المحاولات البدائية فى الشعر وسيناريو واحدا. وعلى الرغم من شهرته كصحافى سياسى ومترجم فإن سمعته تأتى فى المقام الأول كناقد أدبى بارز وتشمل أعماله الأدبية ثلاث مجالات رئيسية هى النقد النظرى والتطبيقى، والشعر والشعراء، والمسرح بشقيه الشعرى والنثرى وأكثر كتبه النقدية بروزًا هى "فى الميزان الجديد" والذى شرح فيه

نظريته عن الشعر المهموس وكذا "النقد المنهجى عند العرب" 1946 م وكتبًا أخرى مثل "فى الأدب والنقد" 1946 م والأدب ومذاهبه 1958 م والأدب وفنونه 1936 م والأعمال الرئيسية لمندور فى الشعر والشعراء تحوى عملا نظريًا عن الشعر هو "فن الشعر" 1960 م وسلسلة شهيرة لدراسات نقدية والشعراء المعاصرة المصريين وشعراء حركة الشعر الحر وأعماله الرئيسية فى المسرح تشمل "المسرح" 1959 م، و"الكلاسيكية والأصول الفنية للدراما"، ودراسات تطبيقية للمسرحيات الشعرية لأحمد شوقى (توفى 1932 م) والمسرح النثرى لتوفيق الحكيم (ولد 1898 م). وأكثر التراجم تميزا عند مندور هى البحثين المشهورين واللذين أثرا بشدة فى تفكيره النقدى وعلما فى كتاباته النقدية على مدار رحلته المهنية وهما " Defence des letter" " دفاع عن الأحرف" لجورج دومال 1943 م، و"منهاج التاريخ الأدبى" 1946 م لجوستاف لانسون، وتغص التراجم الأخرى نطاقًا كاملًا للأفرع الأدبية من "مدام بوفارى" لفلوبير وحتى "الغراب" لإدجاز آلن بو. وتشمل كتاباته السياسية والفكرية كتابًا رئيسيًا هو "الديموقراطية السياسية" 1952 م ومقالات لا تعد ولا تحصى والبعض منها نشر فى كتابين وتمرس مندور فى مدرسة النقد الفرنسى وخاصة الطريقة السائدة آنذاك "طريقة تحليل النص" قد طُبع فى كتاباته وبالطبع تطور إلى نظرية نقدية مرت بالنسبة له فى ثلاث مراحل مختلفة. 1 - الانطباعية الجمالية حيث الأسبقية للتلائم مع القيم الجمالية وهذه الطريقة متبعة فى عملية المبتكرين والأكثر شهرة "النقد المنهجى عند العرب" و"فى الميزان الجديد" والذى تضمن أيضا نظريته عن "الشعر المهموس" فقد أعلن بأن الشعر ما هو إلا صوت خافت فهو "يهمس" ويتخاطب مع السامعين. شعرًا خاليًا من الخطابة المنمقة والزخارف البلاغية والعاطفة

الواهنة، ويعد شعر المهجر (خاصة شعر نعيمة) والشعر الحر أبلغ الأمثلة للشعر المهموس فى تقديره. 2 - التحليل الوصفى وهنا يأخذ على عاتقه منهاجًا موضوعيًا يتحرى التحليل والتعريف والتعليم أكثر من الدلالة وقام بتطبيق هذه النظرية فى كتبه عن الشعر والمسرح (13) متضمنة السلسلة الشهيرة "الشعر المصرى بعد شوقى" والتى كتبها لمعهد الجامعة العربية للدراسات العربية العليا. 3 - النقد الفكرى والذى يعتبر الأدب ذا وظيفة اجتماعية واتجاهه هذا كان محصلة لمعتقداته الإجتماعية ولإنعماسه فى السياسة القومية ويعزى إليه أنشطته المختلفة فى الصحافة والقانون والبرلمان وإهتمامه الدائم بالحياة الريفية المصرية وعلى الرغم من تشعب طريقته فإن النظرية الجوهرية النقدية عند مندور تناصر قضية ملاحقة الجمال فى أى عمل أدبى والحكم النهائى فى اعتقاده يتوقف على الذوق الشخصى المصقول والمعزز بمعرفة واسعة متنوعة وقد عَرَّف النقد بأنه فن التمييز بين الأسلوب الأدبى ووظيفته كتفسير وتقييم ودلالة النقد بهذا لديه القدرة على المشاركة فى إعادة خلق العمل الأدبى. وكان حضور مندور الأدبى الملحوظ وابداعه الخصب، وأصالته وذكاؤه قد أدى إلى دخول معارك أدبية لا تنتهى مع معاصريه من النقاد خاصة العقاد (توفى 1964 م) ولمعارضى الشعر الحر وكان كل من النقاد وطرائقهم النفسية والدجماتيه ذات الفلسفة الوضعية، موضوعًا لنقده العلمى الماكر. وأسلوب مندور الدقيق الأنيق غير المزخرف يعزز القدرة على الفهم وسهولة التناول لكتاباته الأصيلة فقد قام بتقديم مفاهيم عدة للتقاليد النقدية العربية المعاصرة مثل الشعر المهموس و"الأدب الهادف" فى الرومانسية الموضوعية و"النقد المنهجى" وعلى الرغم من اعتقاداته السياسية والاجتماعية فإن مندور بقى على مدار حياته ناقدًا أدبيًا وليس عقائديًا.

المصادر

المصادر: كتب مندور حوالى 30 كتابًا والمئات من المقالات ومراجعات الكتب والتى بقى معظمها لم يجمع وفى عام 1964 م وافق على إجراء مقابلة تعليمية مفصلة نشرت فى كتاب فؤاد دوارة "عشرة أدباء يتحدثون" القاهرة 1965 م ومقابلة أخرى فى الجريدة الأدبية اللبنانية "الأدب" مع فاروق شوشة وكتب بعد وفاته مقالات لا حصر لها عن حياته وكتاباته النقدية وذلك فى الجرائد الأدبية العربية مثل "الأدب" و"الطليعة" و"الحلة" [منصور عجمى Mansour Ajami] المنذر بن سعيد المنذر بن سعيد بن عبد اللَّه بن عبد الرحمن القرطبى، أبو الحكم، الفقيه المشرع الأندلسى المولود سنة 273 هـ (= 886 م) فى أسرة ترجع إلى أصل بربرى ثم استقرت فى قرطبة. ولقد درس أول ما درس فى الأندلس ثم رحل فى طلب المزيد من المعرفة فى الشرق أثناء قيامه بأداء فريضة الحج سنة 308 هـ (= 921 م) فأقام فى مدن شتى وحضر حلقات دروس عدة شيوخ واشتهر فى مصر حين صحح قراءة شعر لمجنون ليلى انشده أبو جعفر النحاس الذى رفض أن يعيره كتاب الصيد للخليل بن أحمد لينسخ نسخة منه لنفسه، وعلى الرغم من رفض أبى جعفر إعارته هذا الكتاب إلّا أنه استطاع أن يحصل على نصٍّ له، كما نسخ نسخة من كتاب الإشراف فى اختلاف العلماء لمحمد بن المنذر النيسابورى، فلما عاد إلى اسبانيا ذاعت شهرته كرجل من رجال الأدب وكشاعر وفقيه، الظاهر أنه بدأ فى هذه المرحلة يمارس عمله كقاضٍ فى منطقة الحدود الشرقية، فلما كان شهر جمادى الآخرة من سنة 330 هـ (= مارس 942 م) وقد اختير أخوه فضل اللَّه المتوفى 335 هـ (= 947 م) الذى صحبه إلى الشرق قاضيا لفحص البلوط أصبح المنذر نفسه قاضيًا لجميع مناطق الحدود وصار له الإشراف الكلى على جميع القضاة وحياة الضرائب الداخلين فى نطاق منطقة نفوذه

الإدارى، كما عهد إليه بمراقبة الرحالة الوافدين من الخارج، ينفرد ابن خلدون فى مقدمته من بين جميع المؤلفين فيذكره بأنه القاضى الذى أصبحت له قيادة الجيوش التى كانت تخرج كل سنة لقتال النصارى، وليس من المعروف متى كان تاريخ انتقاله ليكون قاضى مدينة الزهراء، ولكن من المعروف أنه كان يشغل هذا المنصب فى سنة 338 هـ (= 949 م) حين حدثت حادثة يعتبرها مترجموه ذات خطورة عظمى ويعلقون عليها أهمية كبرى، فلقد كان حاضرا مجلس بلاط الخليفة الناصر عبد الرحمن أثناء استقباله لسفير الإمبراطور قسطنطين السابع، وفى أثناء هذا الاستقبال الذين كان من المفروض أن يلقى فيه أبو على القالى كلمة فى مديح الخليفة يؤكد فيها على رخاء البلاد تحت حكمه، وكان الحكم ولى العهد قد جاء بالقالى من بغداد وبسط عليه رعايته، فلما شرع أبو على فى الكلام ارتج عليه من الرهبة فلم يستطع أن ينطق بكلمة واحدة، وحينذاك ارتجل المنذر بن سعيد خطبة عصماء حفظها لنا الكثيرون ممن ترجموا له ونقلها عنهم غيرهم ومن بينهم ابن خاقان فى كتابه المطمح وياقوت فى معجم أدبائه، ولقد أكسبه هذا الحادث العارض تقدير عبد الرحمن الثالث الناصر الذى أحسّ إذ ذاك بوجوده لأول مرة ومن ثم اختاره فى السنة التالية فجعله "قاضى الجماعة" وكان معنى ذلك أنه صار أكبر قاضٍ فى المجتمع الإسلامى للإشراف على سير العدالة كما يقول ليفى بروفنسال فى تاريخه عن اسبانيا المسلمة، وعلى الرغم من محاولات المنذر المتكررة للاستقالة وترك منصب قاضى الجماعة إلا أن الحكم الثانى أصر على ابقائه فى هذا المنصب حتى وافاه أجله يوم الثامن عشر من ذى القعدة سنة 355 هـ = 15 نوفمبر 966 م وليس الرابع من ربيع الأول 349 هـ وهو فى السابعة والأربعين من عمره كما يقول السيوطى فى بغيته الذى يخطئ مرة أخرى فيجعل ولايته قضاء الجماعة لغرناطة لا لقرطبة). أما الحكم الثانى فقد ولى الخلافة من سنة 350 هـ حتى 366 هـ.

لقد كانت صراحة المنذر بن سعيد أن تكلفة ضياع مكانته بل وهو أكثر منها، ويلفت مترجموه وكتاب سيرته الأنظار إلى خطبة جافة شديدة اللهجة لام فيها الحاكم لومًا عنيفًا إذ كان على وشك بناء مدينة الزهراء، ثم ما كان منه من نقد لاذع لبنائه مقصورة بالحجر المموق بالذهب والفضة، ورماه بأنه اسلم نفسه لغواية الشيطان فأضله حتى سلك مسلك الكافر، وعلى الرغم من هذا كله إلا أنه لم يصب بأذى، ويرجع السبب فى ذلك إلى أن الخليفة الناصر عبد الرحمن كان يدرك تمام الإدراك مدى جدوى معاونته، ويقول من كتبوا سيرته ومعاصروه إنه كان شديدا كل الشدة ولكن على من يمثلون أمامه للمحاكمة، وكان يعاملهم جميعا على قدم المساواة دون اعتبار للطبقة الاجتماعية التى ينتمون إليها، وقد لاحظ مترجموه فى دهشة أن سلوكه الجاف وتصرفه الكريم لم يمنعاه من أن يكون فكها مع اصدقائه كثير الدعابة معهم وينقلون عنه بعض ملحة ونكاته التى كثيرا ما أضحت أهل قرطبة وسرّتهم. ويفيد نص بوفنسال أول ممثل فى الأندلس لمذهب أهل الظاهر الذى أدخله إلى الأندلس بعد أن تتلمذ فيه ليس على يد داود ابن خلف وحده، بل درسه أيضا على يد أحد تلاميذه (راجع مقال بيلات عن ترجمة ابن حزم فى مجلة الأندلس 1954 م)، ولقد استطاع المنذر بن سعيد أن يمارس "الاجتهاد" فى نفس الوقت الذى كان فيه ملتزما كل الالتزام بالمذهب المالكى واحترامه، وحين يتكلم عنه ابن العمار الحنبلى فى كتابه شذرات الذهب (3/ 17) نراه يعترف باستقامة رأيه وألمعيته وفصاحته ولا ينتقده أكثر مما تجرى أقلام غيره من كتاب التراجم عمن يترجمون لهم. لكن على الرغم من كل ما ذكرناه فلم يبق لدينا شئ من مؤلفاته وهى الناسخ والمنسوخ، الإنباه على استنباط الأحكام من كتاب اللَّه، وكتاب الإبانة عن حقائق أصول الديانة، وإن بقيت بعض أبيات من الشعر تنسب إليه ولا سيما فيما يتعلق بالزهد وترد الإشارة أيضا إلى تبادل الرسائل الشعرية بينه

المصادر

وبين أبى على القالى فى موضوع كتاب أراد استعارته منه، على أن ينبغى أن نشير إلى أن هذا الإنتاج الأدبى قد خفى فى بادئ الأمر عن ياقوت فخلا منه معجم أدبائه حين ترجم فى الجزء الخامس منه. كان للمنذر بن سعيد عدة أبناء منهم واحد أسمه الحكم، واثنان غيره دانا بأفكار الفيلسوف ابن مرّه، أمّا رابعهم واسمه عبد الملك الذى عرف "بصاحب الرد" أو بمعنى آخر القاضى المعين للنظر فى الأمور التى تعتبر شديدة الحساسية ولا يستطيع تناولها غيره من القضاة، وقد اتهم عبد الملك هذا بالتورط فى المؤامرة التى استهدفت الاطاحة بهشام الثانى، وأدين وحكم عليه بالإعدام فأعدم شنقا وذلك سنة 368 هـ (= 879 م) بأمر المنصور بن أبى عامر. المصادر: انظر فى هذا على وجه الخصوص تاريخ مسلمى اسبانيا (بالفرنسية) لليفى بروفنسال وتاريخ علماء الأندلس لابن الفرضى والمقتبس لابن حيان ومطمح الأنفس لابن خاقان وقضاة قرطبة للخشنى وجذوة المقتبس للحميدى وبغية الملتمس للضبى وتاريخ قضاة الأندلس والمعجب للمراكشى والطبقات للزبيدى ومعجم الأدباء لياقوت وأم لابن الخطيب ونفح الطيب للمقرى وأزهار الرياض له أيضًا ومرآة الحماية لليافعى ودائرة المعارف للبستانى مروان حسين حبشى [ش. بيلات Sh.Pellat] المنذر بن محمد المنذر بن محمد، أبو الحكم (229 - 276 هـ = 844 - 888 م) سادس أمراء قرطبة الأمويين، وكان ابن جارية من جوارى محمد بن عبد الرحمن الثانى (المتوفى سنة 273 = 876 م). ولقد شغل فى حياة أبيه بعض الوظائف الحربية فى ظروف مختلفة، ولم يكن فى بعضها موفقا ولم تكن لتخرج عن ناحية تشريفية، وكان أول خروج له سنة 242 هـ (= 856 م) حين مضى لحصار طليطلة التى كانت قد اعنت الثورة من قبل لكنه لم يصادف

من النجاح ما كان منتظرًا، على أنه اتيح له فى السنوات التالية أن يخرج على رأس بعض الطوائف ضد المسحيين ثم زحف فى سنة 263 هـ (877 م) على ماردة لمحاربة صاحب بطليموس Badoyoz عبد الرحمن بن مروان الجليقى وما انقضت خمس سنوات بعد ذلك حتى خرج سنة 268 هـ (= 882 م) فحاصر سرقسطة saragassa واستولى على بعض الأماكن قبل أن يرتد فيقابل ابن مروان ويخرجه من بطليموس وجرى فى هذا الوقت بالذات أن استسلم عمر بن حفصون المتمرد المعروف لمحمد الأول ولكن استسلامه كان ظاهريا إذ ما لبث أن انشق السيف مرة ثانية وأصبح لزامًا على المنذر بن محمد قتاله سنة 273 هـ (= 886 م) فقام ابن الأمير وطوّق الحامية وحاصرها وردّ هجوما قام به المتمردون على غرّة، إلا أنه أضاع الفرصة من يده حين أمعن فى التقدم أكثر مما وصل إليه وما كان ذلك التوقف من جانبه إلّا حين سمع بموت أبيه، ومن ثم عاد إلى قرطبة ونودى به حاكما وذلك يوم الثالث من ربيع الأول سنة 273 هـ (= 9 أغسطس 886 م) فى ظروف اعاد روايتها ابن الآبار بطريقة مأساوية فى الفصل الذى أفرده لوزير محمد الأول وقائده هشام بن عبد العزيز الذى لم يستطع إلّا بعد صعوبة أن يقرأ على الناس كتاب الولاية بالحكم، فلما ولى المنذر الأمور استبقى وزيرى أبيه تماما بن عامر الثقفى وأبا مروان عبد الملك بن جوهر وعين هشامًا حاجبًا وإن لم تطل علاقاته الودية بالأخير إذ سرعان ما استجاب لالحاح ابن جوهر عليه فقبض على هشام وأعدمه وصادر ممتلكات أسرته وفرض عليهم غرامة ثقيلة جباها منهم. إذا كان عهد المنذر بن سعيد قد اتسم بالقصر فقد امضاه فى محاربة ابن حفصون الذى اغتنم فرصة موت محمد الأول ليتابع حركاته وعماله ولكن الأمير الجدب ظل يتابعه بالحرب حتى أنه خرج بنفسه على رأس عسكره فى سنة 274 هـ (= 888 م) لقتاله وكان يهدف من حملته هذه إلى ضرب معاقل المتمرد فى

منزل

يوبشترو"، فبدأ أولا بمحاصرة "شذوتة" ونجح فى القبض على نائب ابن حفصون وسمره إلى صليب ثم القى القبض على الثوار وأرسلهم إلى قرطبة ليسحروا بها، ثم التقت بعدئذ إلى "بوشترو" والفخر فى لحة مفاوضات عقيمة ضارعة مع القائد الثائر الذى تظاهر بالخضوع للأمير وانضم إليه. وكتب له القاضى كتاب امان حتى أن المنذر بعث إلى "بوشترو" بمائة وخمسين نبلًا لحمل كل متاع ابن حفصون والقدوم بها إلى قرطبة، إلّا أن الأخير فرّ وتصيد القافلة واستولى عليها، وحينذاك عزم المنذر بن محمد عزما أكيدا على مهاجمة بوشترو رأسًا ولكنه مرض مرضا ألزمه أن يستدعى أخاه عبد اللَّه ويهد إليه بقيادة العمليات الحربية ومحاصرة ذلك الموقع قبل أن يموت يوم 15 صفر 275 هـ = 29 يونيو 888 م، واتهم الناس أخاه عبد اللَّه بأنه دس له السم، وتريث عبد اللَّه ثلاثة أيام أعلن بعدها وفاة اخيه المنذر وعاد بجثمانه إلى قرطبة، واستأذن من عمر بن حفصون فى الوقت ذاته أن يؤمن طريق موكب الجنازة. ولقد اشتهر المنذر بن محمد بالذكاء والجود ما يتعارض معارضة كبيرة مع ما أخذه من القسوة البالغة فى ظروف كثيرة، ومناسبات متعددة، ويقال أنه كان صديقا الشيوخ الدينيين وكبار رجال الأدب. لعل أهم المصادر التى تناولت المنذر بن محمد كتاب Leir proveucol Hist. Eopm us الذى استفاد كثيرا من المصادر العربية ومن أهمها كتاب افتتاح الأندلس لابن القوطية الذى ترجمه فانيان ونشره وسماه Extraits inedils relotif au maghreb ونشرها بالقاهرة حين يؤنس والجزء الثانى من البيان المغرب لابن عذارى. بدرية الدخاخنى [ش. بيلات Ch.Pellat] منزل منزل: جمعها منازل، وهى اسم مكان وزمان من الجذر "ن ز ل" التى تعبر عن فكرة الاستراتيجية أو المكث المؤقت أثناء الرحلة. 1 - فى وسط وغرب البلاد الإسلامية.

فى القرآن الكريم جاءت الكلمة فى صيغة الجمع فقط لتدل على منازل القمر كما هى فى سورة يونس آية 5 {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ} وقد يكون فى المنزل مرحلة فى رحلة الروح الغيبية كما جاء فى "كتاب منازل السائلين" لعبد اللَّه الأنصارى الهروى. ووفقا لما جاء فى لسان العرب لابن منظور فإن المنزل هو المكان الذى يأوى إليه الإنسان (موضع النزول) حيث يهبط المسافر بعد مسيرة يوم ("مرحلة" وجمعها "مراحل") من 5 إلى 6 فراسخ (أى من 35 إلى 48 كم). وهى مرحلة فى الصحراء قد تصل 60 كم فى زمن قدره 11 ساعة. وعند تشييد المنازل على الطرق، يؤخذ فى الاعتبار تضاريس وفواصل المسافة بين المنازل، ووجود مورد ماء كنبع أو بئر أو "بركة" ووجود الكلأ (مرعى) للأنعام ووجود مكان يعسكر فيه الرجال وفى ألف ليلة وليلة ما يفيد أن منازل القبائل هى المكان الذى يقام فيه الخيام، وعمومًا فإن هذا المصطلح (منزل) يرادف مخيم العرب البدو الذى تنزل فيه القوافل وفى الكتابات الجغرافية وكتب الرحالة فى العصور الوسطى الإسلامية استخدام هذا المصطلح ليعنى موضع القوافل قريبًا من بعض المقيمين أو معهم على جانب الخان على طول الطريق وكان يراعى فى المنزل أن يكون فى موضع آمن وفى مقتبل القرن السابع الهجرى/ الثالث عشر الميلادى بنى الملك المعظم الأيوبى مكانًا للإقامة (مقام) عند كل منزل على طريق الحج (درب الحجيج) وفقًا لما فى كتاب القلائد لأحمد بن طولون. وأشار ابن بطوطة إلى فندق عند كل موقف (منزل) على طول طريق القاهرة دمشق، وقد تكون هذه من تأسيس ناصر الدين الذى كان (دوادار) لتنكيو Tankizs وفى العصر المملوكى، كان هناك مكان للمأوى يقال له (منزلة)، عند كل (منزل) من منازل شبكة بريد وقد يحدث أن يكون المنزل أصل قرية، كما فى خان شيخون فى وسط الشام.

المصادر

و"منزل" اذن يكافئ "دار المنزلة" وهو مكان يأوى إليه الشخص وحيثما تكون الضيافة للمسافرين وعلى طول الطريق الذى يستخدمه الحجيج إلى الجزيرة العربية كان المنزل غالبًا مكانًا للتعبد مع "وقف". وفى نهاية العصر المملوكى عند مراحل معينة كانت هناك قوافل مزودة بمطابخ وملحقات بيطرية لإقامة الكتائب الحربية. وفى العصر العثمانى بنى لالا مصطفى باشا حاكم دمشق عام 971 هـ/ 1562 م خانا وصار المنزل بهذه الطريقة فندقًا للمسافرين بدون أمتعة أو بضائع. وقرر الخيرى (المتوفى 1083 هـ/ 1672 م) الذى سافر عام 1080/ 1669 م من المدينة المنورة إلى اسطنبول أنه كانت هناك "مرحلة" من "القنيطرة" فى "الجولان" ومنزل يستطيع الفرد أن يمكث فى خيام فى الصيف ولكنه يسكن داخل الخان فى الشتاء. وقد عانت مرحلة مدائن صالح سنة 1081 هـ/ 1671 م أحد مراكز تجمع الحجاج على طريق الحج إلى جنوب تبوك، من هجمات البدو الشرسة وقد تسببت مثل هذه الهجمات المتكررة على هذه المنازل فى منتصف القرن الثانى عشر الهجرى/ الثامن عشر الميلادى أن يقيم أسعد باشا حصنا لحماية قوافل الحج، وفى نهاية العصر العثمانى كان هناك نوعان من المضافات هما: المضافة وكانت عامة المنزل وكان خاصًا. ففى الأولى يقدم المأوى والمأكل للمسافرين على نفقة الأعيان بالتناوب وفى الثانى يقدم أصحابها استضافة متشابهة فى بيوت ويستخدمها المسافرون باستمرار نظير أجور مخفضة. والمنزل فى وقتنا هذا يعنى مأوى أو منزلًا أو حتى شقة. وقد يصاحبها أحيانًا مصطلح يعين وظيفته بالضبط مثل "منزل الطالبات" الذى أشرفت عليه فوزية مهران فى القاهرة عام 1961 م. المصادر: (1) أحمد بن طولون: القلائد الجوهرية. دمشق 1949. (2) الهروى: كتاب الزيارات تحقيق، 1957.

منزلة بين المنزلتين

(3) رحلة ابن بطوطة: كامبردج، 1957. (4) محمد بن هندوشة نخشانى: دستور الكاتب فى تعلية المراتب، تحقيق على زادة، موسكو، 1964 - 1976. (5) ابن فضل اللَّه العمرى: مسالك الأبصار فى ممالك الأمصار، 1958. (6) محمد بن منصور مبارك شاه وفخرى مدبر: أدب والحرب الشجاعة. طهران، 1946 - 1967. د. محمد أحمد سليمان [ب. أندروز P.A.Andrews] منزلة بين المنزلتين منزلة بين المنزلتين: مصطلح دينى استعمله واصل بن عطاء وغيره من المعتزلة، للدلالة على درجة الخلاص للآثم القاتل (الفاسق) المسلم. وقد اعتمدت كلمة منزلة وحدها فى المعنى الأصطلاحى "درجة الخلاص" فى "الحديث"، كما جاء فى كنز العمال للمتقى الهندى، وفى كتاب "العالم والمتعلم" الذى من المحتمل أن يكون قد كتبه تلميذ أبى حنيفة أبو مقاتل حفص ابن سالم السمرقندى فى النصف الثانى من القرن الثانى للهجرة. ما يفيد استمرار استخدام المصطلح بعد ذلك. وهناك قصة تدور بين المُرْجئة فى الكوفة حيث سأل نافع بن الأزرق شخصا "أين تُنزُل الكافرين بعد ذلك؟ " وكانت الإجابة "فى الجحيم"، والمثنّى "المنزلتان" تستخدم للجنة وللنار، كما جاء فى الحديث الذى رواه ابن حنبل. وفكرة منزلة بين المنزلتين وردت فى قول للزاهد البصرى يزيد الرقاشى (توفى بين 110 و 120 هـ/ 729 و 738 م) الرقاشى "ليس بين الجنة والنار منزلة، ولكن واصل ابن عطاء ومن تبعه يقولون بالمنزلة بين المنزلتين فهو القائل: "أنا لأقول إن صاحب الكبيرة مؤمن مطلقا، ولا كافر مطلقا، بل هو فى منزلة بين المنزلتين: لا مؤمن ولا كافر. . إن الإيمان عبارة عن خصال خير إذا اجتمعت سمى المرء مؤمنا وهو اسم مدح، والفاسق لم يستجمع خصال الخير ولا أستحق اسم

المصادر

المدح، فلا يسمى مؤمنا وليس هو بكافر مطلقا أيضا لأن الشهادة وسائر أعمال الخير موجودة فيه لا وجه لإنكارها، لكنه إذا خرج من الدنيا على كبيرة من غير توبة، فهو من أهل النار خالد فيها إذ ليس فى الآخرة إلا فريقان: فريق فى الجنة وفريق فى السعير ولكنه يخفف عنه العذاب وتكون منزلته فوق منزلة الكفار المصادر: (1) Madelung: Der Imam al - Qeasim ibn Ibrahim and die Glaubenslehre der Zai diten, Berlin 1965 (2) W. M. Walt: The formative Period of Islamic thought, Edinburgh 1973 (3) J. Van Ess: in REL, xlvii, 1979 (4) M. Cook: Early Muslim dogma, Cambridge 1981 د. محمد أحمد سليمان [فان. س J.Van Ess] المنصور باللَّه القاسم بن على العيانى (المتوفى فى عام 393 هـ/ 1003 م) وهو إمام زيدى يمنى، ومن سلالة "القاسم بن إبراهيم" وليس من سلالة حفيده "الهادى إلى الحق" مؤسس الأمانة الزيدية فى اليمن. وأكثر الاحتمالات أنه ولد فيما بين 330 و 340 هـ (941 - 951 م) وكان قبل أن يصل إلى اليمن يعيش فى "ترج" جنوب "مزارا" فى بلاد "خثعم" وكان بيته مزارا للزيديين من اليمن يحرضونه على الثورة. . وفى عام 383 هـ/ 933 م ثار فى الحجاز مطالبا بالإمامة ولكن سرعان ما أخمدها امير مكة عيسى بن جعفر الحسى، الذى وصل مع الثائر المتمرد إلى القاهرة فى المحرم 384 هـ/ مارس - فبراير 994 م - وقد أحسن الخليفة الفاطمى العزيز معاملته، وبعد عدة شهور سمح له بالعودة إلى الحجاز مع الأمير (المقريزى - اتعاظ الحنفاء) وفى أول غزوة له على اليمن فيما بين 387 -

288 هـ/ 997 - 998 م تقريبًا، احتل صعده، معقل سلالة "الهادى" وأخضع نجران وأراضى "خولان" و"وداعة" و"بكبل" لنفوذه ومع ذلك تصدعت "حكومته" بسرعة بعد رحيله إلى "ترج". . وفى المحرم 389 هـ/ يناير 999 م، عاد بشكل دائم إلى اليمن. وفى العامين التاليين استطاع أن يبسط سيطرته على كثير من نجاد اليمن. وفى أوج سلطته امتد حكمه من بلاد خثعم إلى صنعاء، و"دمار"، كما شمل أراضى "خولان العالية" وعنس و"الهاف". وحمير ولم يكن لمملكته منفذ إلى البحر، وتقوضت آماله فى أن يسيطر على ميناء "عثار" على البحر الأحمر - سواء بالطرق الدبلوماسية أو العسكرية، وكان يحكم هذا الميناء اثنان من الأمراء المماليك من المحتمل أن يكونا من الزيديين. . ولكى يقيم فى اليمن فضل مدينة "عليان" على بعد رحلة يومين جنوب شرقى صعده، فى أراضى بنى سلمان، الذين كانوا من بين أخلص مؤيديه. كما امتلك مزرعة فى وادى "ماداب" بين "عليان" و"صعده" وشيد قلعة هناك. وفى صعده استعماد القلعة المتهدمة للامام أحمد الناصر، ابن الهادى، والتى تقع خارج المدينة واستعملها لنفسه. ومع ذلك فقد كان موقفه فى العاصمة القديمة للدولة الزيدية مزعزعًا، إذ كانت قبائل الحيرة والسكان فى معظمهم يخلصون لسلالة "الهادى" والذين كان ولاؤهم لإمامته متقلبًا -وبعد فشله فى حملتين متتابعتين فى إخضاع بنى الحارث المتمردين فى نجران، ظهرت على السطح بشكل سافر المعارضة الخفية التى كان يتزعمها "إبراهيم المالح بن محمد بن المختار بن أحمد الناصر"، و"يوسف بن يحيى بن أحمد الناصر"، وقد طالب هذا الأخير بالامامة قبل وصول المنصور واتخذ اسم "الداعى إلى الحق"، وقد تخلى عن مطلبه تحت التهديد. وضاعت قضية المنصور عندما انقلب عليه حاكم "دمار التابع له القاسم ابن حسين الزيدى، وألقى القبض على ابنه جعفر وكان ذلك فى ذى الحجة 391 هـ/ اكتوبر 1001 م. . وعندما أفرج الزيدى عن ابنه طواعية وافق على

المصادر

اتفاقية سلام فى صفر 392 هـ/ يناير 1002 م. وقد رفض عرض "الزيدى" بأن يحتفظ بحكم "بكيل" و"داعة" بسبب انتقاد التأييد الذى تلقاه منهم وانسحب إلى حياته الخاصة فى مذاب و"عليان". وأيد الزيدى إمامه "يوسف الداعى" الذى اعترف به الكثيرون. ولأن كثيرين طعنوا فى إمامة المنصور، فقد كتب يرد على نقاده فى مؤلف تحت عنوان "على الرافضة" وبعد مرض خطير مات فى التاسع من رمضان 393 هـ/ 11 يولية 1003 م فى عليان. . ولم يتعرض ضريحه لأى أذى عندما أقدم الإمام المنصور القاسم بن محمد فى ذى القعدة 1021 هـ/ نوفمبر 1617 م بتدمير المدينة تماما. . وبعد ذلك اعترف به الزيديون إماما يتمتع بكل مؤهلات الإمامة، ولا شك أن ذلك بسبب علمه -كما أنكروا الامامة على منافسه يوسف الداعى. وكان يتبع فى تعاليمه مذهب "القاسم بن إبراهيم" و"الهادى"، بالرغم من أن بعض الأتباع المتشددين لمذهب الهادى مثل الفقيه عبد الملك بن غطريف، كانوا يتهمونه بالانحراف، ويثيرون المعارضة ضده. أما كتاباته فلم يبق منها إلا مقتطفات من "كتاب التفريع" وهو مجموعة من الآراء الفقهية بالإضافة إلى بعض الخطابات وبعض القصائد الشعرية. المصادر: (1) الحسينى أحمد بن يعقوب الهمزانى: سيرة الإمام المنصور باللَّه القاسم بن على. (2) يحيى بن الحسين: غايات الأمانى (حققه س. ع عاشور، م. م زيادة - القاهرة 1968 م). (3) ابن الديبع: قرة العيون (حققه محمد الأكوع الخولى - القاهرة). بهجت عبد الفتاح عبده [و. ماديلونج W. Madelung] المنصور باللَّه القاسم بن محمد إمام ومؤسس الدولة القاسمية للأئمة الزيديين، والتى حكمت معظم اليمن منذ أوائل القرن الحادى عشر الهجرى/ السابع عشر الميلادى، حتى قيام الجمهورية 1962 م. وقد

انحدر من الهادى إلى الحق يحيى بن الحسين بن القاسم الرسى" (المتوفى عام 298 هـ/ 911 م) الذى وطد السلطة الزمنية للإمامة الزيدية فى اليمن. ومما يذكره له التاريخ أنه بدأ الثورة -التى طالت بشكل متقطع- ضد الحكم العثمانى فى اليمن، هذا الحكم الذى استمر منذ 945 هـ/ 1538 - 1539 م وانتهى فى عام 1045 هـ/ 1645 م بطرد آخر الاتراك من اليمن على يد ابن القاسم وهو الإمام المؤيد باللَّه محمد. وقد ولد القاسم فى صفر 967 هـ/ نوفمبر 1559 م، فى إقليم الشرف، الزيدى الذى يقع فى الشمال الغربى من البلاد. . استطاع لبعض الوقت أن يمنع أى مطالب بالإمامة، وفى أواخر محرم أو أوائل صفر عام 1006 هـ/ سبتمبر 1597 طالب بالإمامة من حديد (أو جديد)، "جوجور" الشمالى -وقد اقترن هذا الاعلان بمناشدة كل اليمنيين بالثورة على الاتراك العثمانيين. وبدأت الثورة متواضعة من مركز الزيدين شمال غرب صنعاء وانتشرت بسرعة جنوبا حتى مناطق الحيمة alHayma وسنحان sanhan و"أنيس" إذ اشتركت فيها القيادات المحلية بسبب ظلم الاتراك وليس ولاء للإمام الجديد -وبعد عام تقريبًا استطاع الاتراك وحلفاؤهم المحليون بقيادة كتخدا "سنان"، أن تقلب الموائد على القاسم وحاصروه خمسة عشر شهرا قبل أن يهرب إلى "بارات" فى أقصى الشمال تاركا ولده الأكبر محمد ليستسلم ويدخل سجن العثمانيين فى "كوكبان" (محرم 1011 هـ/ يونيه - يوليه 1602 م) وعندما اهتز التأييد المحلى للعثمانيين بسبب الحكم المستبد سنان باشا (1013 - 1016 هـ/ 1604 - 1608 م) استأنف القاسم الهجوم وأعاد احتلال الكثير من الأماكن واستقرت الأمور لفترة بعد 11 ذى الحجة 1016 هـ/ 28 مارس 1608 م عندما طلب جعفر باشا، الذى خلف سنان باشا من القاسم إتفاقية سلام لمدة عشر سنوات وقد وافق القاسم، اعترف فيها العثمانيون بسيطرته على مناطق كثيرة

المصادر

فى شمال اليمن بالإضافة إلى التعهد بالافراج عن ابنه محمد. ولكن الاضطرابات الخطيرة فى صفوف العثمانيين (1022 هـ - 1613 م) دفعت القاسم لخرق المعاهدة واستئناف الهجوم ولكن جعفر باشا استطاع أن يحصل من القاسم على هدنة لمدة سنة اعترف فيها كل جانب بمكاسب الآخر (الأول من رجب 1025 هـ/ 15 يوليه 1616 م). وفى جمادى الأولى 1028 هـ/ ابريل - مايو 1619 م اتفق الاتراك مع القاسم على فترة سلام لمدة عشر سنوات أخرى يعترف فيها كل طرف بممتلكات الآخر مع الافراج عن الأسرى فيما عدا الحسن بن القاسم. وعندما مات الإمام القاسم فى منتصف ربيع الأول 1029 هـ/ فبراير 1620 م، كان يسيطر على أجزاء كثيرة جدا فى كل اتجاه من صنعاء. وعاش بعده خمسة من أبنائه على الأقل. . كان اثنان منهم من الأئمة وهما "المؤيد باللَّه محمد" (1029 - 1054 هـ/ 1620 - 1644 م) والمتوكل على اللَّه اسماعيل (1054 - 1087 هـ/ 1644 - 1676 م) وفى عهد القاسم حصلت السفن الإنجليزية والهولندية على امتيازات تجارية محدودة فى اليمن، بالرغم من أن المفاوضات كانت تجرى مع العثمانيين وليس مع المسئولين فى الإمامة. المصادر: (1) أهم مصدر عن حياته هو سيرة حياته بقلم أحمد بن محمد الشرقى (المتوفى عام 1055 هـ/ 1645 - 1646 م) وكان من أوائل مؤيدى الإمام. (2) الشوكانى: البدر الطالع (القاهرة 1345 هـ/ 1929 م). (3) الجورافى: المقتطف من تاريخ اليمن (القاهرة 1951 م). (4) مصطفى سالم: الفتح العثمانى (القاهرة 1969 م). بهجت عبد الفتاح عبده [ح. ر. بلاكبيرن J.R.Blackburn] منصور النمرى شاعر عربى فى القرن الثانى الهجرى، الثامن الميلادى. . هو أبو الفضل، وأبو القاسم منصور (بن سلامة) بن الزبرقان النمرى، من نمير ابن قاسط وهى واحدة من قبائل "ربيعة بن نزار" -وقد ولد فى رأس العين فى

بداية القرن الثانى الهجرء الثامن الميلادى، ولأن المصادر لا تقدم لنا معلومات دقيقة عن المراحل المختلفة لحياته، لذا يكون من المفيد أن نبحث فى علاقاته مع الشعراء والشخصيات السياسية البارزة فى عصره والحق أنه كان يعرف "مسلم بن الوليد" (المتوفى عام 208 هـ/ 823 م)، والذى التقى به فى ندوة شعرية فى منزل الفضل بن يحيى بن خالد البرمكى (المتوفى عام 182 هـ/ 808 م)، ويعرف أيضا مروان بن أبى حفصه (المتوفى عام 182 هـ/ 797 م)، و"سلم الخاسر" (المتوفى عام 186 هـ/ 802 م) والتقى به فى بلاط الخليفة هارون الرشيد (المتوفى عام 193 هـ/ 809 م) بشعراء آخرين وثمة شاعران آخران يجب الإشارة إليهما الأول ويدعى "منصور ابن باجه" وكان ثريا فلم يكن بحاجة إلى مدح الكبار وتنسب إليه بعض المصادر أنه ناظم القصيدة "العينية" التى وجهها النمرى إلى هارون الرشيد أما الثانى -وهم أهم شخصية فى حياة النمرى- فهو كلثوم بن عمرو العتبى" (المتوفى عام 220 هـ/ 835 م) ويقول "ابن المعتز" فى الطبقات، كما جاء فى الأغانى أيضًا إن العتبى كان معلمه فى نظم الشعر. وكان النمرى يمتدحه لرصانته وتفانيه وعلمه الغزير فى الموضوعات الأدبية. كما أن العتبى هو الذى قدم النمرى للفضل بن يحيى الذى اقنعه بالمجئ من الجزيرة إلى بغداد وقدمه للخليفة هارون الرشيد. . ثم برز التنافس بينهما ولكن المساعى الحميدة من جانب "طاهر بن الحسين" (المتوفى عام 207 هـ/ 822 م) أعادت الوفاق بينهما -وقد عرف النمرى أيضا الفضل ابن الربيع بن يونس (المتوفى عام 208 هـ/ 824 م) وهو عدو للبرامكة ووزير الرشيد. وقد تدخل الفضل بن الربيع لدى الخليفة للإفراج عن النمرى الذى كان قد سجن بسبب ميوله الشيعية -كما تدخل أيضًا "يزيد بن فريد الشيبانى" (المتوفى عام 185 هـ/ 801 م) حاكم أذربيجان- كما عرف النمرى "المأمون" وهو ولى للعهد واختلف إلى بلاطه. ولكن الرشيد كان له أكبر الأثر فى حياة النمرى بل أنه هو الذى وقع أمر وفاته، إذ غضب عليه بسبب ميوله للعلويين وأمر "أبو

المصادر

عصمه" -وهو من الموالين للعباسين- بتعذيبه وقتله ولكن هذا الأخير لم يتمكن -عندما ذهب إلى مكة- إلا من أن يشترك فى جنازة النمرى (190 هـ/ 805 م) المصادر: (1) ت. العشاش: شعر منصور النمرى. (2) القالى: الأمالى. (3) ابن المعتز: الطبقات. (4) الموازنة: الآمدى. (5) العسكرى: كتاب الصناعتين. بهجت عبد الفتاح عبده [ت. الأشيش T.El Acheche] منصور اليمن " أبو القاسم الحسن بن فرج بن حوشب بن زادان النجار الكوفى" المعروف كثيرا بابن حوشب -وهو مؤسس الدعوة الإسماعيلية فى اليمن- وتعتبره الروايات الإسماعيلية من سلالة "مسلم بن عقيل بن أبى طالب". وكان من الشيعة الإمامية فى الكوفة -تلقى العلوم الدينية- وقد اجتذبه للحركة الإسماعيلية داعية يسمى فى المصادر الفاطمية "الداعية الكبير فيروز"، وفى مصادر القرامطة "ابن أبى الفوارس" وهو مساعد "عبد اللَّه"، الداعية الكبير فى العراق. ويقول القاضى النعمان أن الداعية قدمه للإمام الذى أرسله -بعد فترة تدريب- مع اليمنى على بن الفضل الجيشانى" إلى اليمن. ووصلا إلى هناك فى أوائل عام 268 هـ/ أواخر صيف 881 م، ثم انفصلا. وسار ابن حوشب عبر صنعاء و"جند" واستقر بعد الوقت فى عدن، قبل أن يستقر حسب تعليمات الإمام فى إحدى القرى فى أراضى تحت حكم اليعفوريين. وفى عام 270 هـ/ 883 - 844 م بدأ مهمته بإعلانه على الملأ قرب ظهور المهدى واكتسب على الفور أتباعا كثيرين وبعد أن هاجمت أتباعه حامية من "اليعفوريين"، احتل معقل "عبر محرّم التى تقع أدنى من مِسْور "حبل مَسْور". وبعث بالداعية أبو الملاحم حاكما على جبل "تيس" وأخضع بلاد "شاور" و"عيان" و"حملان". . وقد فشلت حملته الأولى على "شيبام" مقر اليعفوريين، ولكنه استطاع بعد ذلك أن

المصادر

يستولى على المدينة. ثم اضطر إلى تركها -وقد وقعت هذه الأحداث قبل عام 290 هـ/ 903 م. وواضح أنه كان قد وطد موقفه قبل عام 278 - 279 هـ (892 - 893 م) قبل أن يأتى إليه أبو عبد اللَّه الشيعى من العراق ليتدرب على يديه تمهيدا لمهمته فى المغرب -كما أرسل دعاة آخرين إلى بلاد أخرى؛ الهيثم -ابن عم زوجته وهى ابنة أحد الشيعيين- إلى السند، وعبد اللَّه بن العباس الشاورى إلى مصر، وأبو زكريا التمامى (أو الزمامى) إلى البحرين وآخرين إلى اليمامة والهند جوجارات). وفى عام 282 هـ/ 905 م استولى على بن الفضل -الذى وطد مكانته فى أقصى الجنوب فى بلاد يانع- عى بلاد جعفر بن إسماعيل المناخى، ومن بينها معقل "المذيخرة" الجبلى ومن ثم أصبح منافسا خطيرا لابن حوشب -وربما تكون الشكوك حول إخلاص على ابن الفضل لحركة الفاطميين هى التى دفعت عبيد اللَّه المهدى إلى الذهاب إلى المغرب، وليس إلى اليمن كما كان محددا له. وعندما استولى على بن الفضل على صنعاء من "أسعد بن أبى يعفور الخولى فى المحرم 293 هـ/ نوفمبر 905 م، أعطى ابن حوشب الفرصة لاحتلال شيبام -ولكن المعارك استمرت بين على بن الفضل وابن حوشب فترة من الزمن إلى أن زحف على بن الفضل واستولى على شيبام وجبل "ذخار" -ثم حاصر ابن حوشب فى جبل مسور لمدة ثمانية شهور وفى رمضان 299 هـ/ ابريل 912 م اضطر بن حوشب لابرام السلام معه بل قدم إليه ابنه كرمز لاستسلامه. ولكن ابن الفضل اعاد إليه ولده بعد عام ومعه قلادة من الذهب. وقد مات ابن حوشب فى 11 من جمادى الثانية 302 هـ/ ديسمبر 914 م. وتنسب إليه الروايات الإسماعيلية كتاب الرشد والهداية و"كتاب العالم والغلام" الذى ينسب إلى ابن جعفر أيضا. المصادر: (1) العباسى العلوى: سيرة الهادى إلى الحق

منف

(2) النعمان بن محمد: أفتاح الدعوة. (3) ابن مالك الحمادى: كشف أسرار الباطنية. (4) المقريزى: اتعاظ الحنفاء. (5) ادريس بن الحسن: عيون الأخبار. (6) C.van Arendonk: Les debwts de l'mameit Zaidite an Temem بهجت عبد الفتاح [و. ماديلونج W. Madelung] منف منف، أو ممفيس، عاصمة مملكة مصر القديمة، تقع على الشاطئ الغربى للنيل فى مواجهة حلوان وتدور حولها كثير من الكتابات الجغرافية والتاريخية العربية فى العصور الوسطى. تحدث القلقشندى عن مناخ منف وإحداثياتها الجغرافية فى صبح الأعشى، كما عرف المسلمون آثارها العظيمة. ويقول عبد اللطيف البغدادى، العالم الكبير وأكثر كتاب العصور الوسطى خبرة بمنف أن عمرها يزيد عن 4000 عام، وهو تقدير دقيق إلى درجة تثير الدهشة. دمرت مدينة منف عندما فتح عمرو بن العاص مصر فكانت خرائب أمام زوارها فى العصور الوسطى. وبالرغم من خرابها، فقد ظلت منف تمثل الكورة (المنطقة أو المقاطعة) الشمالية للصعيد لعدة قرون، ويعتبر كثير من كتاب العصور الوسطى (مثل الدمشقى) أن منطقة منف هى منطقة وسيم (أوسيم). وتذكر ورقة بردى ترجع إلى عام 133 هـ/ 750 م كورة منف صراحة، كما أحصى الدمشقى 54 قرية فى مقاطعة منف، وفى القرن السابع الهجرى/ الثالث عشر الميلادى تحدث أبو جعفر الإدريسى عن قرية اسمها قريب من أبو صير تتبع أعمال مدينة منف. وفى ذلك الوقت كانت الجيزة عاصمة الإقليم (القصبة) قد فاقت منف كمركز إقليمى، وحتى القرن الرابع/ العاشر على الأقل، كانت منف مقرًا لأحد المطارنة (سِفُيرس Sevres مطران الأشمونيين أو أبو صالح الأرمنى) وبعد عدة أجيال اطلق عليها صفة قرية. وكان النيل يمثل تهديدا دائما للحقول والنباتات حول منف قبل

الإسلام وبعده، ويتحدث ابن عبد الحكم فى فتوح مصر وأخبارها عن قناة منف كواحدة من سبعة خلجان فى مصر، أما الواقدى فقال أنها واحدة من ستة، وفى زمان القلقشندى كانت هذه القناة قد اختفت فى حين بقيت الست الآخر، وذكر المؤلف المسيحى أبو صالح الأرمنى (بداية القرن السابع الهجرى/ الثالث عشر الميلادى فى الفصل المشرق الأصيل الذى كتبه عن منف أنه منذ قديم الزمان غير النيل مجراه تدريجيا تجاه المدينة. وفى القرن التاسع الهجرى/ الخامس عشر الميلادى، ازدهرت قرية البدرشين (أم عيشة) وتقع إما فى مكان ممفيس القديمة أو قريبا منه. ومنف (بفتح الميم) هو الإسم المتفق عليه للمدينة وإن كان يكتب أيضا (بكسر الميم وبضمها) أو مُنيف أو منفيس، كما أطلق عليها خطأ منوف العليا، وكان ابن عبد الحكم أول من ربط، على مسئولية من أخبره من الثقات بين الصيغة المعربة منف ومافا القبطية (= ماب أو ماف) التى تعنى "ثلاثين"، وتابعه على ذلك كثير من المؤلفين، فى حين ذكر القلقشندى، نقلا عن الروض المعطار للحميرى، أن لها أصلا سريانيا. وقد وجدنا أيضا اسمى ماف ومنافا. ويقال، تفسيرا لهذا الإشتقاق لاسم المدينة أن أول من سكنها كانوا ثلاثين وصفهم البعض بالجبابرة. ويتردد الرحالة التركى إفليا جلبى (شلبى) Evliya Celebi الذى عاش فى القرن السابع عشر، فى تفسيره لاشتقاق اسم منف، بين الكلمة القبطية منوف (العروس) وكلمة عبرية تعنى "أرض الطهارة". يقول المسلمون: إن منف كانت أول مستوطن فى مصر بعد طوفان نوح عليه السلام والمدينة الرئيسية (المصر أو القاعدة) وظلت هكذا إلى أن دمرها نبو خدنصر. وكان سبب استيلائه على المدينة أن ملكها قومس Kumis آوى اليهود الذين فروا من حكمه المستبد. وليس هناك إجماع حول مؤسس المدينة، فيقال: أنه بيصر بن حام الذى كان أول من دفن فى أرض مصر فى منطقة دير أبى هرميس الذى لا زالت

آثاره موجودة قريبا من منف. ويقال أن بيصر تزوج ابنة فلمون أو بوعون الحكيم، الذى حذر الملك سوريد Sorid من الكارثة الوشيكة ونصحه أن يبنى الأهرامات لتحفظ فيها علوم مصر السرية. ويدعى مؤلفون آخرون (مثل الدمشقى) أن مصر (مصرييم أو مصراييم) بن بيصر كان أول من ترك المقام الآمن فوق جبل المقطم فى صحبة جده حام بن نوح واستوطن السهول التى على الشاطئ الآخر من النيل التى تهب عليها نسائم الشرق. ويذكر أبو صالح أيضا أن ملكا أسطوريا آخر هو منفاؤس بن عديم Manfo'us b. Adim هو مؤسس منف. وفى غاية الحكيم، وهو الكتيب المشهور الذى ألّفه المجريطى Ps. - al - Madjriti، يقال أن كانكا الهندى المنجم مبتكر التميمة الهندية هو مؤسس منف حيث بنى قلاعًا لبناته وزودها بأجهزة عجيبة تصدر صغيرًا وأصواتا أخرى. تعتبر المعلومات التى وردت فى القرآن الكريم وقصص الأنبياء صريحة أو ضمنية عن مصر الفرعونية المصادر الأساسية لروايات المسلمين فى العصور الوسطى عن تاريخ مصر قبل الإسلام، وقد بذلوا جهدًا كبيرًا فى التعرف على الآثار الفرعونية الموجودة من خلال الآيات التى وردت فى النصوص المقدسة وتفسيراتها. وظل ما ورد فى التراث مثل كتابات ابن لهيعة التى نقلها المؤرخون الأوائل مثل ابن عبد الحكم وعمر الكندى، المصدر الرئيسى للمعلومات عن منف حتى العصر الحديث، وحتى القرن 19 لم يكن من السهل أن تتغلب نتائج الأبحاث التجريبية والتاريخية الحديثة على ما ورد من حقائق فى قصص الأنبياء حتى أن على باشا مبارك قدم للفصل الذى كتبه عن منف بنص حرفى طويل منقول من خطط المقريزى، أى بنص إسلامى بحت، ثم ذكر بعده ما توصل إليه علماء الغرب من الحقائق عن تاريخ المدينة. وفى القرآن الكريم ثلاث آيات فسرت على أنها تشير إلى مدينة منف، الأولى فى سورة القصص آية 15: "ودخل (المقصود موسى) المدينة على

حين غفلة من أهلها"، والثانية فى نفس السورة آية 21: {فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ}، والثالثة فى سورة الزخرف آية 51: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ}. وقد سببت الآية الأخيرة مشاكل للمفسرين التاريخيين والجغرافيين، إذ ما هو المقصود بالأنهار. كان طول المدينة 12 ميلا وأسوارها من حديد ونحاس ولها 70 أو 30 بابًا تخرج منها أنهار الأرض الأربعة العظيمة، كما أن هناك أيضًا علاقة مباشرة بين القناطر العديدة والجسور التى كانت فى سهول منف وهذه الآية (ابن عبد الحكم 6، 3؛ الخطط جزء 3 صفحة 27). والصفة الأساسية لمدينة منف إسلاميًا هى أنها مدينة فرعون، وتسمى أيضًا دار المملكة ودار الملك ودار المُلك والعلم ومدينة الإقليم ومصر الإقليم وأخيرًا وليس آخرًا، مصر القديمة. ويقال أن خمسة فراعنة على الأقل عاشوا فيها، وقد لخص المقريزى (الخطط جزء 3 صفحة 25 - 70) تاريخ مصر من عهد موسى عليه السلام إلى نبوخد نصر بأكمله فى الفصل الذى كتبه عن منف، ويقول أبو جعفر الإدريسى أن ثمانية أنبياء من إدريس إلى يوشع رأوها عاصمة لمصر، كما وقعت الأحداث المشهورة فى حياة موسى ويوسف بن يعقوب فى المدينة أو حولها. وهناك عدة مبان أثرية متفرقة يقال عنها أنها مخازن القمح التى أنشأها يوسف والسجن الذى سجن فيه وقبر زليخة ومسجدى يعقوب وموسى، ويقال أن قرية العزيزية شمال منف ترجع إلى عهد بوتيفار potiphar عزيز مصر، وعند منف غسل كفن يوسف فى مياه فيضان النيل. ويقول عبد اللطيف وأبو جعفر الإدريسى، وكلاهما عاش فى العصر الأيوبى، أن موسى لجأ إلى قرية صغيرة قريبة من منف اسمها دُنوه Dunuh أو دُمويا Dumuya أو دَموية Dumuwayb. وقد كانت هذه القرية مقدسة عند اليهود وأنشأوا فيها معبدا. وتعتبر سيادة العنصر النسائى فى مصر بعد غرق فرعون وجنوده فى

البحر الأحمر الأصل "التاريخى" لخضوع الرجل المصرى للمرأة وهو الأمر الذى لاحظه الكتاب غير المصريين منذ هيرودوس حتى زيادة مصطفى على للقاهرة فى نهاية القرن العاشر الهجرى/ السادس عشر الميلادى. وكان لمدينة منف دور مهم فى هذه الفترة أيضا، فقد كان للمعبد الرئيسى فيها (بربا أو بَرْبا) ذى الأبواب الأربعة الذى بنته الملكة الشجاعة دَلوُكه دور فى حياة مصر فى تلك الأيام الحزينة التى حرمت فيها مصر من الرجال وأصبحت غنيمة سهلة للغزاه، وطبقا لما ذكره ابن عبد الحكم ومصادره، فقد جهزت الساحرة تَدُوره صورا لحيوانات الركوب والمركبات التى يمكن لأعداء مصر الكثيرين أن يستعملوها فى غزوها، وباستخدام تعويذه سحرية، إذا دمرت إحدى هذه الصدر يدمر الشئ الذى تمثله، وبانقراض ذرية تدوره فى منف، فقدت هذه العلوم السحرية إلى الأبد. ويذكر أبو حامد القدسى فى كتابه فضائل مصر. نقلا عن مصدر مجهول أن صور الملوك وليست الحيوانات والمركبات هى التى كانت مجهزة فى منف بحيث يمكن إبادتهم وهم فى بلادهم إذا حدثتهم أنفسهم بغزو مصر، ويذكرنا هذا بالقول المأثور عن مصر: من أراد اللَّه أن يفنيه يغريه بغزو مصر (مصر مقبرة الغزاة)، وقد احتال نبوخد نصر على معرفة هذا السر، ثم أمر بإغراق صورته التى فى قبة منف بدم (الخنازير)، وبهذا أبطل السحر وتمكن من غزو مصر والإستيلاء على منف ويدخل المقريزى منف فى دائرة معجزات محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، فقد انهارت المعابد الوثنية الأثرية فى منف فى نفس اللحظة التى دخل فيها الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] مكة فاتحا ومحطما الأصنام ومعلنا ظهور الحق من المشرق إلى المغرب، بل فى العالم أجمع. كما نرى فإن الحقائق التاريخية تختلط بالأساطير الدينية، فنسمع عن معدات معقدة (الدرج المجوفة) التى كانت تستخدم فى رفع الماء إلى المبانى المرتفعة فى منف منذ عصر ما بعد الطوفان، كما يقال أن منف كان بها أول مقياس للنيل، ويقول القلقشندى أنه حتى زمانه فى القرن التاسع/ الخامس

عشر الميلادى، كان فى منف مكان يسمى المقياس ويقول المسعودى وأبو صالح أن يوسف عليه السلام هو الذى أنشأه وهو الذى بنى الأهرامات "وكان أول من استخدم الذراع فى قياس النيل" أما قياس النيل الذى عند أخميم والآخر الذى فى "أقصى الصعيد" الذى لم يذكرهما إلا المسعودى فقد كان ترتيبهما الثانى والثالث بعده وأنشأتهما الملكة زليخة وكذلك يكثر الحديث عن مرقب على المقطم بين منف وعين شمس من غير ذكر أدلة تاريخية محددة، وتقول الأسطورة أن فرعون كان إذا خرج من منف إلى عين شمس، مقره المفضل الثانى، أو بالعكس، كان هذا المرقب يرسل إشارة إلى البلد التى يقصدها فرعون ليستعد الناس لاستقبال ملكهم، وكان هذا المرقب مزودا بمرآة تدور على لولب. ثم عرف هذا المكان بعد ذلك بتنور فرعون وقد بنى ابن طولون مسجده فى مكان هذا المرقب، كذلك يقع قول ابن خلدون أن منف كانت أحد الأماكن التى يقيم فيها المقوقس بين الأسطورة والحقيقة التاريخية وكان لأثار منف الكبيرة والتى تفوق الخيال تأثير كبير على من زارها من كتاب العصور الوسطى حتى أن بعضهم وصفها بأنها إحدى عجائب مصر، واستغرقت جولة عبد اللطيف فيها نصف يوم، وهى قريبة من أهرامات سقارة والجيزة التى تعتبر أعظم عجائب مصر. وكانت زيارة الأهرامات ومنف البرنامج الأساسى لزوار المنطقة المهتمين بالأثار المعمارية الفرعونية (انظر وصف أبى جعفر الإدريسى لرحلة مبعوث فردريك الثانى للملك الكامل) وقد أشار معظم المؤلفين إلى سيادة اللون الأخضر الثابت فى آثار منف الجرانيتية. ليس من السهل تمييز الآثار التى ذكرت فى القصص التاريخية مثل مقر يوسف وقصر فرعون من بين المنشأت المعمارية التى رآها وسجلها الكتاب، لهذا فإن للملاحظات العلمية التفصيلية التى سجلها عبد اللطيف البغدادى أهمية خاصة. وقد ذكر عبد الحميد القدسى مبنى رائعا يسمى كنيسة الأسقف لم يذكره عبد اللطيف ويعتبره عبد الحميد القدسى العجيبة الأولى فى مصر. ولا

ندرى إن كانت هذه الكنيسة وتلك التى وصفها أبو صالح بأنها مفروشة بالحصير ودار فرعون المنحوتة من صخرة واحدة والتى قيل عنها بأنها مليئة بالرهبة مبنى واحدا أم أنها أبنية مختلفة. لا شك أنه كان هناك معبد آخر فى منف، وقد لوحظ أنه صغير الحجم، وقد فسر نقش هيروغليفى ترجمة عثمان بن صالح، "حكيم مصر" وأحد المراجع الرئيسية لابن عبد الحكم، السبب فى ذلك تفسيرا اقتصاديا مقنعًا، وهو أن تكاليف بناء مبنى جرانيتى كبير مرتفعة جدا. ويقال أن هذا المعبد بنى حيث قتل موسى الرجل القبطى (سورة القصص آية 15) ونعود فنسأل هل هذا الأثر هو نفسه المعبد الصغير الأخضر الشهير المنحوت من صخرة واحدة الذى كان فى فناء معبد منف الكبير والذى وصفه عبد اللطيف وصفا تفصيليا كما وصفه القلقشندى والمقريزى، وكان وزنه أسطوريا، وكانت جدرانه مغطاة من الداخل والخارج بنقوش هيروغليفية (الكلام البرباوى birb'awi أو أقلام البرباوية) وصور للشمس والنجوم ورجال فى أوضاع مختلفة وثعابين وحيوانات أخرى مما يؤكد وجهة نظر عبد اللطيف أن قدماء المصريين لم يستخدموا الصور لغرض الزينة فقط وقد ذكر مع الأسى أن أساس هذا المعبد كان مدمرًا فى زمانه بفعل أحد الحمقى من الباحثين عن الكنوز، وقد حاول الأمير شيخو Shykhu قائد جيوش السلطان حسن بن محمد بن قلاون نقل هذا المعبد إلى القاهرة بعد عام 750/ 1350 فتحطم فأخذ شيخو حكامه وصقله واستخدمه فى أسكفات وعتبات الخانقاه التى كان يبنيها وكذلك فى مسجد الجمعه الذى كان يبنيه بجوار مسجد ابن طولون جنوب القاهرة الفاطمية ولا زالا موجودين إلى زماننا. وقد أثارت الرسوم الفلكية البارزة التى كانت على جدار المعبد الأخضر إهتماما خاصا، فذكرها أبو حامد القيسى الغرناطى، ويقول الصابئون أن هذا البناء كان مخصصا لعبادة القمر

المصادر

ضمن سبعة أبنية أخرى كل منها مخصص لأحد الكواكب السبعة، وكذلك يمكن الربط بين ما ذكرة المجريطى عن معبد أنشأه كانكا الهندى لعبادة النجوم والمعبد الأخضر بمنف، وقد وصف عبد اللطيف خرائب منطقة المعبد الكبير الذى كان المعبد الأخضر لا زال فى زمانه، وأظهر خبرة كبيرة فى التقنيات المعقدة والمواد المستخدمة فى المبانى الفرعونية وكذلك فى النسب المتناسقة للتماثيل البشرية الضخمة المصنوعة من الحجر الجيرى أو الجرانيت الأحمر ولا شك فى أن أحدها يملو إيزيس وابنها حورس، ويتحدث القلقشندى عن صنمين غارقين فى الطين طول كل منهما 30 ذراعا وقال أنهما مصنوعان من الجرانيت الأبيض"، ويقول المقريزى أنهما (أو آخران مثلهما) لبوتيفار، وقد يكون أحد التمثالين هو الاثر الذى أطلق عليه أبو صالح إسما مدهشا هو أبو الهول، كما قد يكون التمثال المشهور لرمسيس الثانى الذى نقل من منف إلى ميدان باب الحديد أمام محطة سكة حديد القاهرة فى هذا القرن. المصادر: (1) Else Peitemeyer Beschreibung Agyptens im Mittelalter aus den geographichen WerKen da Araker (2) ليبزج 1903 صفحة 129 - 36؛ L'Egypete de Murtadi، صفحة 90 - 93 (يتضمن كل من العملين ترجمة ألمانية أو فرنسية للفقرات التى تتحدث عن منف فى أعمال أبى حامد القيسى الغرناطى وعبد اللطيف البغدادى والخطط للمقريزى والقلقشندى)، ماسبيرو - ويت Materiux, Manspero Wiet صفحة 200. حسين عيسى [يو. هارمان U.Haarman] المنفلوطى هو مصطفى لطفى المنفلوطى -كاتب وشاعر مصرى عاش فيما بين 1293 - 1343 هـ (1876 - 1924 م). ولد فى منفلوط بصعيد مصر، ثم ذهب ليعيش فى القاهرة. . ولم يختلف أبدًا إلى أى من المؤسسات التعليمية سوى الأزهر. وقد نشر فى الصحف بعضًا من قصائده التى أخذ واحدة منها فى عام

1904 م "فرح انطون". ونشرها فى مجلته "الجامعة" وهو يعتبر -بسبب كتاباته التقليدية- من بين شعراء مصر الكبار فى عصره. وكرس نفسه -مثلما فعلوا- لهذا النوع من الشعر الذى كان لا يزال مزدهرًا وهو شعر المناسبات. (وهو لم يترك أى ديوان له، بل مختارات تحت عنوان "مقتطفات المنفلوطى" ظهرت عام 1912 م ويتضمن بعض النصوص النثرية التى ترفق بعديد من القصائد). وأخيرًا فإن أصالته الحقيقية تنبع من التزامه بالعقيدة، وما يستتبع ذلك من انعكاسات على أدبه -فإيمانه بالإسلام يظهر قويًا فى مواجهة أى تحد أو اختبار فهو يرى أن الإسلام ليس نظامًا قديمًا من القيم يسعى للاحتماء به، ولكنه دين فعّال ذو حيوية مستمرة. تعمل قوته المتجددة دومًا على تقوية المؤمنين مما يتيح لهم أن يروا المستقبل مشرق الجوانب. كما يؤمن بأنه يجب تشجيع كل شئ قادر على أن يساند هذه الفعالية والحيوية، ولذلك وقف إلى جانب المصلح العظيم محمد عبده، بل تعرض للسجن بسبب تأييده إياه ضد الخديوى. . وكثيرًا ما يتضح تأييده لرفيق الأفغانى فى قصائده؛ ولما كان من دعاة الأخلاق، فقد وجد شكلًا أكثر موائمة مع مبادئه استطاع أن يعبر فيه عن نفسه فى مجموعة المقالات التى كتبها على شكل قصص تهذيبية تنويرية؛ وقد نشرت فى مجلة "المؤيد" الأسبوعية تحت عنوان "النظرات" وكان الموت وسوء الحظ والدموع تمثل العناصر الرئيسية فى هذه الحكايات. وفى بعض الأحيان يحدق القدر الناس الظالم بالكائنات النقية التى لا حول لها ولا قوة -ولكن كثيرًا ما يكون تطور المجتمع هو الذى يجلب الكوارث ففى نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، أنكر المصريون المتهورون تقاليدهم المتينة وأعطوا ظهورهم لمفاهيم الإسلام الحكيمة مقلدين فى ذلك النمط الأوروبى تقليدًا أعمى. وهذه هى الرسالة التى نستخلصها من قصص المنفلوطى الخياليّة ويجب أن نقتنع بأن مضمون هذه الكتابات والشكل الذى اتخذته، قد تناغما مع تطلعات الجمهور

فى تلك الفترة، إذ أعيد طبعها فى ثلاثة مجلدات فى عام 1910 و 1912، 1920. ولكن فى عام 1915 م نشر مؤلفنا مجموعة أخرى تحمل عنوانًا مثيرًا للعواطف هو "العبرات" وتظل اللهجة السائدة فيه هى الشفقة والرثاء، ولكن يجب أن نلاحظ أن هذه القصص ذات شقين فثلاث منها من تأليفه هو ذاته، على حين ترجم القصص الثمانى الأخرى عن الفرنسية أو عن الإنجليزية (من الأدب الأمريكى) فى حالة واحدة. ذلك لأنه -بالرغم من تحذيراته من أسلوب الحياة الغربية- كان معجبًا بالأدب الذى ينتجه الغرب. وقد ترجم لكل من شاتوبريان والكسندر ديماس الصغير. ثم ترجم بعد ذلك كتاب "تحت ظلال الزيزفون" (1919 م) وترجم "بول وفرحينى" للكاتب برناردين فى سانت بيير "وفى سبيل التاج" للكاتب "فرانسو كوبيه". . وهذه القصص جميعًا مليئة بالفواجع وسوء الحظ. والقاص لا يعبأ كثيرًا بتفسير ما يحدث لأبطاله. فاهتمامه الأساسى هو أن يضعهم فى موقف يدعو إلى اليأس. يعرف كيف يفيد منه ليحرك مشاعر قرائه -فقد برع فى مخاطبة المشاعر والعواطف- وقد استخدم اللغة العربية بحرفية تصل إلى حد الكمال فقد كان أسلوبه من الروعة والفخامة، والقدرة على التعبير عن أقوى المشاعر، مثالًا احتذاه الكثيرون من معاصريه وبعض من خلفوه وقد أشاد محمود تيمور فى مقدمة مجموعة القصصية الأولى التى صدرت تحت عنوان "الشيخ سيد العبيط" (1926 م) بنقاء لغته وجزالتها. . ومع ذلك يجب أن نشير إلى أن إبراهيم عبد القادر المازنى قد هاجم بافتعال المشاعر واستدرار العواطف وذلك فى كتاب "الديوان" الذى نشره بالاشتراك مع العقاد عام 1921 م. وعلى العموم فلئن كانت أعمال المنفلوطى يعاد طبعها باستمرار، فإنها سوف تصبح من غير شك من الآن فصاعدًا من اهتمام التاريخ. والذى يجب أن نذكره لهذا الرجل هو أنه طوّع الأدب الرومانسى "للتربة" العربية.

المصادر

كما تجدر الإشارة إلى أن مترجماته ليست ترجمة بالمعنى المعروف وإنما هى اقتباس من تلك الروايات التى كانت ترجمت من قبل. . ذلك لأنه لم يكن يعرف شيئًا من اللغات الأجنبية ولذلك فإن هناك صلة وثيقة بين أعمالة الأصلية وبين أعماله "المترجمة". المصادر: (1) على الجندى، أدب المرأة العربية. (2) نفسه، تطور الترجمة. (3) H. Peres: Le Roman Arabe dons dans le premier du XX بهجت عبد الفتاح [Ch. Vial] المنكر المنكر، اصطلاح فى علم الحديث لوصف حديث أو راو لحديث، ويتعلق معناه بالمعانى المستخلصة من الفعل "أنكر" حيث يعنى، من بين معان أخرى، "جهل بشئ" و"استنكر شيئًا"، وعلى ذلك فحيثما يقع هذا الوصف يكونه المقصود أحد المعنيين، إما أن الحديث غير معروف، أو أنه مستنكر. ويساوى البعض بين هذا اللفظ وبين "شاذ"، ويوصف به حديث الأحاد المقبول من ناحية المعنى، لكون الراوى ثقة، ولكن أغلب المتضلعين فى علم الحديث يرون أن "المنكر" ينطوى على دلالة سلبية بينما الشاذ يحمل معنى إيجابيا، يتضمن أن الحديث يمكن قبوله وعدم إطراحه. ووصف الحديث بأنه "منكر" يحمل معنى الشك فى كون الراوى له يد فى صياغة متن الحديث (فإن كان هذا ليس صحيحًا على اطلاقه)، بينما الشك فى اسناد الحديث "ضعيف". ولقد كان تمحيص المتن هو الوسيلة الفنية الأساسية لعلماء الحديث فى القرن الأول، أما وسيلة الإسناد فتعود للقرن الثانى، ولذا فإننا نجد هذا الوصف لبيان صفة الأحاديث عن تقييمه وفحصه فى هذه الفترة المبكرة. وليست شهرة راو برواية المنكر من الحديث سبب لرفض روايته، ولكنها فقط مبرر لأخذها بتحفظ، ذلك أن سمعة الراوى المشكوك فى أنه روى بعض المنكرات، بسبب الكذب هو من معايير نقد الحديث.

المصادر

ومن الرواة الذين اشتهر عنهم المنكرات من الأحاديث التابعى المخضرم قيس بن أبى حازم (متوفى 84 هـ/ 703 م أو 98 هـ/ 716 م)، والمدعو "معمر" الذى يعتقد بأنه شخصية ابتدعها إسماعيل بن أبى خالد (متوفى 146/ 763) على أنه أستاذه مع الأحاديث التى يعتقد أنها من وضعه. وأيضا شهر بن حوشب (متوفى 100 هـ/ 718 م) المتهم بأنه أدخل أحاديث منكرة فى روايات ثقاة من الرواة. والتى تتعلق بالمتن أكثر من تعلقها بالإسناد. وأكثر المنكرات جاءت من خلال ما يسمى بالإسناد العائلى، والذى فيه يروى الراوى عن والده عن جده وهكذا. ومن أمثلة ذلك ما روى عن عبد اللَّه بن بر يده (متوفى 115 هـ/ 733 م)، وهو المصدق فى أحاديث أخرى، حين يروى عن والده الذى يعتقد أنه لم يسمع مطلقًا شيئًا من الأحاديث. وفى مرحة متأخرة، كالنصف الثانى من القرن الثانى، أخذ المنكر من الأحاديث وضع "الحديث الموضوع" سواء من جهة المتن أو من جهة الإسناد. هذا وتورد مؤلفات علم الرجال أسماء الرواة المشكوك فى روايتهم أصحاب المنكرات - الأحاديث المنكرة). المصادر: (1) الخطيب البغدادى: الكفاية فى علم الرواية، حيدر أباد، 1357. على يوسف [ج. هـ. جونبول G.H.A.Juynboll] منكر ونكير منكر ونكير، (قد ترد الصيغة باداة التعريف) اسم لملكين يختبران إيمان المتوفى ويتوليان عذابه فى القبر إن كان مستحقًا لذلك من بين الكفار والمؤمنين، والعصاه والطائعين حيث يسأل المؤمن الطائع عن الإيمان بالرسول ويوفق فى الاجابة، بينما لا يقدم الكافر والعاصى إجابة مرضية، ونتيجة لذلك فسيعذب من قبل الملكين حتى يوم القيامه ما عدا يوم الجمعة. وتفرق بعض الروايات بين العذاب و"الضغط" فى القبر، حيث يُعفى المؤمن من الأول وليس من الثانى، بينما يقاسى الكافر أو المذنب من الاثنين.

المصادر

هذا ولم يُذكر عذاب القبر فى القرآن صراحة، فإن كان الإيحاء به يستقى من بعض الآيات مثل {فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ} (محمد، 27). ويتردد ذكر عذاب القبر فى الأحاديث، دون ذكر للملائكة، بل يذكر فقعا سبب وقوع ذلك، كارتكاب ذنوب معينة أو ولولة الأحياء من أقارب المتوفى [إذا لم يكن نهاهم عن ذلك قبل موته]. ولم يرد اسم منكر ونكير فى القرآن، ولم يُذكر فى الصحيح من كتب الحديث المعتمدة سوى مرة واحدة (الترمذى، باب الجنائز). ولكن يرد فى بعض الكتب الأخرى ذكر لملاك يتولى سؤال المتوفى وتعذيبه (مسلم، أبو داود). وعلى ذلك فأحاديث عذاب القبر تمر بأربع مراحل: الأولى دون ذكر لملائكة، والثانية تذكر ملاكًا واحدًا، والثالثة ملاكين، والرابعة تصرح باسميهما؛ منكر ونكير. وقد ورد فى كتاب الفقه الأكبر الأول الذى يرجع للنصف الثانى من القرن الثانى عذاب القبر مجردًا أما فى وصية أبى حنيفة التى تعود لنفس الفترة فقد ورد فيها ما يفيد التصديق بعذاب القبر ومنكر ونكير. وفى كتاب الفقه الأكبر الثانى الذى يمثل العقيدة فى النصف الثانى من الثالث ورد نفس الموضوع بدرجة أكثر تفضيلًا وكذلك اتحاد الجسم مع الروح فى القبر كحقيقة ونجد نفس الصورة عن عذاب القبر وسؤال منكر ونكير فى المراحل المتأخرة أيضًا. هذا وتعتبر طائفة الكرامية هذين هما اللذان يصاحبان الإنسان حال حياته. أما الغزالى فيقر مسألة الحساب على أساس أنها تتم فى "الملكوت" وليس معروفًا أصل الأسمين، ولكن فكرة عذاب القبر موجودة فى عقائد أخرى، منها اليهودية. المصادر: (1) Wensinck: Handbook of early Muh. tradition

المهجر

(2) E. Sell: The faith of Islam, Cenelen, 1880 (3) أبو جعفر عمر النسفى، عقائد، استانبول، 1312 م. (4) الغزالى: أحياء علوم الدين، القاهرة، 2 - 13 م. على يوسف على [فنسنك Wensinck] المهجر المهجر: (وتجمع أحيانًا على مهاجر) اسم يطلق فى العربية على مناطق امريكا الشمالية والجنوبية وامريكا الوسطى، هاجر إليها اللبنانيون والسوريون والفلسطينيون وعرب آخرون. وأكثر المدن التى يتردد ذكرها فى الأدب العربى الحديث هى نيويورك، ساوباولو، ورديودى جانيرو وبيونس أيرس، ونشأت هناك وتطورت حركة أدبية متميزة فى النصف الأول من القرن الحالى، لم تنكشف آثارها حتى الآن بشكل كامل، ولم تكن تلك هى كل المواقع التى استقر فيها المهاجرون ونشروا انتاجهم من الشرق الأدنى فى القارة الأمريكية باللغة العربية أو باللغات الوطنية (الانجليزية، الأسبانية أو البرتغالية) وصدرت فى نشرات، وصحف ودوريات وكتب بهدف نشر المعرفة بالعرب وتراثهم، أو دعم قضاياهم السياسية المعاصرة. بدأ تدفق المهاجرين تجاه العالم الجديد مما كان يعرف "بالشام (المنطقة التى تضم الآن لبنان، سوريا وفلسطين) منذ نهاية القرن الماضى وبدايات القرن العشرين وبلغت الهجرة ذروتها فى أمريكا الشمالية عام 1913 م، ثم بدأ الانحسار فى أعقاب الحرب العالمية الأولى كنتيجة للقيود التى فرضتها الولايات المتحدة على حركة الهجرة والتشريعات الخاصة بالجنسية التى أقرت فى عام 1924 م، مما كاد أن يضع حدًا لها، رغم استمرار التدفق الكبير إلى أمريكا الجنوبية. وترجع هجرة اللبنانيين فى الأساس إلى أسباب اقتصادية، فقد عانى سكان الجبال من الحرمان من الأراضى الزراعية بعد إنشاء نظام المتصرفية الذى بدأ فى عام 1861 م بالإضافة إلى مزايا الهجرة بما توفره من حوافز قوية

منها فرص تحقيق الثروة. وفرص العمل التى لا حد لها واحترام الحريات العامة وتقبل المجتمع لطموحات الفرد وفقا لأفعاله وقدراته وليس على أساس الموطن أو الطبقة والاهتمام بحقوق وكرامة المواطن بلا تمييز، وسياده النظام والقانون. واستقر هؤلاء المهاجرون (عقب وصولهم) فى الأحياء الفقيرة من المدن التى اختاروها لوجود أقارب لهم بها. وبدأوا فى اكتساب عيشهم من خلال التجارة فى الطرقات والأعمال البسيطة. أما من حقق النجاح منهم وكانوا أقلية فقد افتتحوا محالًا صغيرة وإن أصبح بعضهم من رجال الصناعة أو التجار الناجحين. أما الشعوب التى عاشوا بين ظهرانيها فلم تنظر إليهم باحترام كبير وكانوا يسمونهم بالأتراك نسبة للمناطق التى وفدوا منها وكانت تحت الحكم العثمانى، وفى بعض الحالات كانوا يعاملون كالمغول واعتبروا من الجنس الأصفر. وكان المهاجرون أنفسهم واعين لأهمية تصحيح هذه الصورة التى شكلت أفكار الأمريكيين حيالهم. فى البداية كانوا يعتقدون أن هذه الهجرة مؤقتة ولن تدوم لأكثر من الفترة اللازمة لادخار الأموال الكافية لتأمينهم والانفاق على عائلاتهم فى الوطن آملين فى نفس الوقت أن تتحسن الظروف المعيشية فى بلادهم. لكنهم بمجرد أن استقروا واعتادوا نمط الحياة وازدهرت اعمالهم وشب أبناوهم فى ذلك المحيط الجديد وتعلموا لغته وازدادوا ارتباطًا به، بدأوا يفكرون فى البناء والأستقرار برغم آلام (المنفى) التى كانوا يعانون منها والحنين المرير الذى كانوا يكابدونه للأهل والوطن. ليس هناك شك إنهم استجابة لاحتياجهم للتواصل فيما بينهم فى الغربة، ومن ناحية أخرى لمتابعة الأحداث الجارية فى الوطن، اضطروا لإصدار عدد من الصحف العربية الصغيرة، بدت فى الظهور مع وصول الموجات الأولى من المهاجرين فى السنوات الأخيرة للقرن التاسع عشر فى شمال وجنوب القارَّة.

وقد ظهرت الصحيفة الأولى (كوكب أمريكا) فى نيويورك فى عام 1892 م ثم تلتها صحيفة "العصر" فالأيام فالهدى سنة 1898 م فمرآة الغرب (1899 م). أما فى البرازيل فكان أقدمها (الفيحاء) (1895 م) وتليها أربع صحف أخرى هى الرقيب فالبرازيل (1898 م) فالمناظر (1899 م) فالصواب (1900 م). كذلك احتاج الأمر إلى تشكيل مؤسسات وجمعيات أدبية لخدمة مصالع المهاجرين وتوحيد طاقاتهم ودعم مؤسساتهم الاجتماعية فظهرت (الجمعية السورية المتحدة) فى نيويورك 1907 م وتلاها العديد من الهيئات الأخرى. أما فى البرازيل فقد تأسس عدد هائل من النوادى وكان أهمها النادى "الحمصى" وأعقبها جمعيات أدبية. أما الحياة الأدبية فى أمريكا الشمالية فقد ازدهرت منذ مرحلة سابقة لأسباب منها ما كان للهجرة من تاريخ طويل، وكانت المطابع موجودة منذ تاريخ مبكر نسبيا، وقد ساهم فيها الكتاب الموهوبون منذ نهاية القرن السابق أمثال أمين الريحانى الذى قدم إلى نيويورك فى 1888 م، ثم تبعه (جبران خليل جبران) (فى 1895 م. والشاعرة (ندرة حداد) فى عام 1897 م، وبعدها مع بداية القرن العشرين الشاعران (نسيب عريضة) و (راشد أيوب) فى عام 1905 م، أما شقيق الشاعرة "ندرة"، الصحفى (عباد المسبح حداد) فقد قدم فى عام 1907 م، كما جاء ميخائيل نعيمه وإيليا أبو ماضى فى 1911 م وتزايدت المطابع وأصبحت ستًا بحلول عام 1910 م. وكانت تصدر بالإضافة إلى الصحف بعض النشرات الأدبية الراقية (كالفنون) (1913 م) التى كان يحررها (نسيب عريضه، و (السائح) ويحررها (عبد المسيح حداد). بدأ "أمين الريحانى" فى الكتابة للصحف فى أواخر القرن الماضى، وأظهرت ولعًا ملحوظًا بالتجديد وقد نشر كتبا ثلاثة سبقت كتاب جبران الأول (الموسيقى) الذى نشر عام 1905 م. كما أنه انشغل بهموم قومه فى المهجر والوطن والتزم بالدعوة

للتحرر بأوسع معانيه، سياسيًا واجتماعيًا وحمل على القصور والتعصب والضيق بالرأى الآخر والطائفية الدينية، ولعل أكبر معبر عن هذه الروح أن يكون أول الأعمال المنشورة فى المهجر بعنوان (طريق الثورة الفرنسية). أما جبران، فقد بدأ منذ عام 1903 م وهو ما يزال فى بوسطن التى لم يغادرها إلى نيويورك إلا عام 1912 م فى نشر مقالاته فى صحيفة (المهاجر) (1903 م) و (الهدى) و (مرآة الغرب) ويبدو أنه كان أكبر تأثيرًا من (الريحانى) وأكثر ميلا لرفض التقاليد بشكل مباشر. ولما كان محبًا للرسم فقد سيطرت الصور الخيالية على كتاباته وأورثه تعليمه وتجاربه حماسًا متأججًا وتوقا للكمال. وينم أسلوبه عن روح شاعرية قريبة من مصادر الصوفية الشرقية التى ورثها الغرب من خلال الحركات الرومانسية المختلفة. وبثّ ذلك فى أوائل كتبه: (عرائس المروج) (1906 م) و"الأرواح المتمردة" (1908 م)، والأجنحة المتكسرة (1912 م)، و"دمعه وابتسامه" (1913 م) ومقالاته يأته التى سبق نشرها فى صحف المهجر وهى (الفنون) و (السائح). وكان لميخائيل نعيمة -ما كان للريحانى وجبران من نزعة تجديدية. وقد أكسبته دراسته الدينية (اللاهوتيه) التى تلقاها فى روسيا بين عامى 1906 و 1911 م تدينًا بالغًا وكان يشبه جبران فى ميله للصوفية التى اعتبرها ضرورية للتحليق فيما وراء الاحساس العضوى وصولا لحقيقة الأشياء. لكنه لم يكن على نفس جيشان المشاعر وتوقد الأحاسيس وقد اتجه لدراسة القانون والآداب فى جامعة أمريكية. وقد مكنه هذا التعليم من تحسين دقة تعبيره، وتحقيق توازن أفضل بين عناصر العمل الفنى، وقد انعش إلمامه بالأدب الروسى من قدرته على التحليل النفسى. وبهذه الطريقة، تمكن هؤلاء الرجال الموهوبون، إضافة إلى الكتاب والشعراء الذين انضموا إليهم لاحقا من إثبات قدراتهم الأدبية وبعد قرابة أربعين عامًا

من الموجات الأولى للهجرة إلى نيويورك توصلوا للوسائل التى تمكنهم من إنشاء جمعية بهدف (إنعاش الروح الأدبية) فى أعقاب الحرب العالمية الأولى، وتمكنوا أيضًا من ترسيخ أنماط الكتابه الأدبية، وشكلوا فى عام 1920 م (الرابطة الكلامية)، وعهد برئاستها (للعميد) جبران، والسكرتارية (للمستشار) نعيمه، وكان من بين أعضائها الشعراء إيليا أبو ماضى (1890 - 1957 م) ونسيب عريضه (1887 - 1946 م) وراشد أيوب (1871 - 1941 م)، ندرة حداد (1881 - 1950 م)، وأخوها عبد المسيح (1890 - 1863 م) وبعض الكتاب ممن هم دون هؤلاء أهمية وأظهرهم يليام كاتزفلس (1879 - 1950 م) امين صندوق الرابطة، وقرروا إصدار نشرة (السائح)، التى اتخذوها منبرا يتمكنون من خلاله مخاطبة العامة. وبدأت النشرات الأدبية فى لبنان وأمريكا الجنوبية فى نشر مقتطفات من أعمالهم فى الشعر والنثر وكانت مبشرة بما أظهرته من ميل قوى للتجديد. . حتى تزايدت شهرتهم وتعاظم تأثيرهم فى الحياة الأدبية للعرب بشكل ملموس. ولكن بعد تشكيل الرابطة لم يكتب جبران بالعربية، باستثناء بعض المقالات، بل اتجه للإنجليزية وكتب فيها ثمانية كتب يعتبر أهمها (النبى) الذى يعد أهم اعماله على الإطلاق، وفيه يعطى (نبيه) اسم مصطفى، وبلغة شعرية أسره، يورد على لسانه، بنفس طريقة نيتشه "مع (زرادشت) خلاصة فهمه للوجود والإنسان. استمر بقية أعضاء الرابطة فى الكتابة بالعربية. وجمع (ميخائيل نعيمه) مقالاته فى النقد ونشرها فى كتاب بعنوان (الغربال) 1923 م، ومن هذا العمل يمكن التوصل لكل قواعد النقد التى تمثل الخصائص الرئيسية للكتابة فى (الرابطه) وهى الدعوة للتحديث وإعلاء الحقيقة، وربط الأدب بالحياه ليتمحور على الدوام حول الإنسان ومشاكله الحيوية، وقد كتب نعيمة أيضا عددًا من القصص القصيرة والمقالات والتى تضمنتها فيما بعد

مختاراته القصصية (كان ما كان) 1937 م و (كتاب المراحل) (1936 م) وفى الجزء الأول من روايته الفلسفية (مذكرات الأرقش) (1949 م). وفيما قبل تشكيل الرابطة كان قد نشر عمله الدرامى الوحيد (الآباء والبنون) 1917 م، وفيه انحاز إلى جانب الجيل الأصغر محاولا التوفيق بين أنماط الجدل الكلاسيكى والجدلى. كتب غالبية أعضاء الرابطة الشعر والنثر ولكن الشعراء من بينهم لا يزالون يتمتعون بمكانه بارزه، منهم إيليا أبو ماضى بمجموعته الشعرية التى نظمها فى المهجر ونشرت قبل إنشاء الرابطة وبعدها، (الجزء الثانى من الديوان) والجداول 1927 م، والخمائل (1946 م) وكان شعره شديد الخصوبة يمثل مشاعر جياشه وحساسية نافذة وأسلوبا جذابا مما جعله يتمتع، حتى الآن، بشهرة ذائعة، وتلاه (نسيب عريضه) الذى نشر كل شعره فى ديوانه الوحيد (الأرواح الحائرة) 1946 م ويكشف عن روح مضطربة فائقة الحساسية. أما راشد أيوب مؤلف "الأيوبيات" 1916 م و (أغانى الرومانسية) (1928 م) و (هى الدنيا) 1939 م، وندره حداد وديوانها الوحيد بعنوان (أوراق الخريف) تكشف أشعارهم عن شدة الحنين للماضى والمعاناة وحبهم للإنسانية الذى يميز أدب المهجر فى الأساس، وروعة الأسلوب الذى صيغ به. ولكن الرابطة لم تحتكر كامل الحركة الأدبية للهجرة فى أمريكا الشمالية، وظل خارجها كتاب وصحافيون بارزون من بينهم "أمين الريحانى" رائد أدب المهجر، والشاعر "مسعود سماحة" (1882 - 1946 م) وكان قوى الشاعرية متعدد القدرات والمواهب، والمؤرخ (فيليب حنى) الذى أسهم من خلال كتاباته التاريخية بالإنجليزية فى تعريف الغرب بالعرب وتاريخهم وحضاراتهم والصحافى "نعوم مُكَرْزل" صاحب جريدة "الهدى" وأخوه (سلوم) الذى نشر عددًا كبيرًا من الدوريات وغيرهم من الشعراء والكتاب الكثيرين. دامت (الرابطة) لأكثر من عشر سنوات (1920 - 1931 م)، وبوفاة (عميدها) جبران (1931 م) وعودة

نعيمه إلى الوطن (1932 م) تفرقت، ولكن انتاج بعض أعضائها الأدبى تواصل لفترة من الزمن ويقتضينا وفاء الرابطة حقها، أن نتذكر أن مطبوعاتها الأدبية قدمت للعالم أعظم انتاج (المهجر) ويعود الفضل فى ذلك لثلاثة من أعضائها نسيب عريضة فى كتابة الفنون (1913 م)، وعبد المسيح حداد فى كتاب السائح (1912 م)، وإيليا أبو ماضى فى كتابه السامر (1929 م)، وأنه من خلال العمل المشترك لكل أعضائها ظهرت للوجود أول الحركات الأدبية الحديثة لتقديم نوع من المدارس الأدبية لقراء العربية برغم الاختلافات الفردية وذلك فيما أصدرته من الكتب فى السير الذاتية والقصص القصيرة والرواية الفلسفية التى أصبحت معروفة فى الأدب العربى كنتيجة للأشكال الفنية التى أدخلها هؤلاء الكتاب على تلك الفنون، وأن أحد أعضائها (عبد المسيح حداد) حافظ فى السير الأصلية المنشورة بعنوان (حكايات المهجر) (1931 م) على الوثائق المرتبطة بالمرحلة الأولى من الهجرة وتحوى تفاصيل دقيقة وحَيَّة لا يعنى بها التاريخ عادة، ولدرجة أن آثار حركتهم الإصلاحية على المجتمع العربى ككل استهدفت إعادة بناء الشخصية العربية على أسس اجتماعية جديدة تتميز أساسًا بالحب، وأعطت مجهوداتهم المستمرة من أجل التجديد، دعما قويًا للدعوة التى ظهرت فى الشرق الأوسط (الأدنى) من خلال تأثير ديوان مطران الذى كان رائدا للمدرسة الرومانسية. وبانحسار (الرابطة) انتقل مركز ثقل الأنشطة الأدبية نحو البرازيل، حيث تكونت الجمعية الأولى تحت اسم (رواق المعرى) (1900 م) على يد نعوم لبكى، ولم يعد لها وجود منذ قبيل الحرب العالمية الأولى بوقت طويل عندما عاد مؤسسها إلى وطنه عام 1908 م وعمد أعضاؤها إلى عقد صالونات أدبية فى منازلهم، وبعدها نجح ميشيل المعلوف فى تأسيس جماعة باسم (العصبة الأندلسية) فى عام 1933 م، وقد اختار أعضاء الجماعة هذا الاسم لوعيهم بحقيقة أنهم يعيشون بين قوم أصولهم من شبه جزيرة "أيبريا" التى عاش فى جنوبها أسلافهم واختلطوا بالسكان فى هذه

الأندلس الجديدة. ومن الحقائق الثابتة أن العدد الهائل من المسلمين فى أسبانيا والذين أجبروا على التحول للمسيحية فى أعقاب نهاية الحكم الإسلامى فى 1492 م وقرار فيليب الثالث بطرد العرب ومحاكمتهم أمام محاكم التفتيش، ولذلك فما زالت شعوب أمريكا اللاتينية تحتفظ فى دمائها وحضارتها بآثار من حضارة ودماء عرب الأندلس، وهى واضحة فى اللغة والمظهر والعادات والتقاليد الاجتماعية وهى مألوفة بالنسبة للمهاجرين العرب وتشجعهم على الاعتقاد بأنهم على اتصال بجذورهم. حققت (العصبة) مهمتها اللغوية والأدبية بعون من الجمعيات الهامة التى أسسها المهاجرون. وأنشئت مدارس عديدة لتدريس اللغة العربية فكان هناك على سبيل المثال حوالى عشرة آلاف تلميذ فى مدرسة (المعلم) وديع اليازجى، كما نظمت مختلف المعاهد الاجتماعية احتفالات يلقى خلالها أعضاء "العصبة" الخطب والشعر بالإضافة إلى الاحتفالات التى تقام فى المناسبات الوطنية المختلفة، كذلك دعمتها بالصحف والنشرات وكان من أهمها: "الشرق" ويحررها موسى كريم و (الأندلس الجديدة) لشكر اللَّه الجرّ، والتى نشرت الأعمال الأدبية لأعضاء (العصبة) وفى بعض الأحيان كانت تقوم بحملات نيابة عن الآراء السياسية المعارضة وبذلك وفرت الدوافع الأخرى للخلق الحقيقى للأدباء والكتاب سواء كانوا من الجماعة أو من خارجها. فى البداية اختار الكتاب من خارج الجماعة "الأندلس الجديدة" منبرا لهم وقد نشر أحد أعضائها "شكر اللَّه الحر"، بعد عامين من إنشائها فى 1935 م، مطبوعة جديدة باسم (العصبة) ورأس تحريرها عضو آخر هو حبيب مسعود واستمرت العصبة هى ونشرتها حتى عام 1953 م عندما حل بها الضعف بالموت أو عودة المنفيين للوطن، وبذلك انتهت الحركة الأدبية الثانية فى المهجر وانطفأت شعلة (الأدب المهجرى). ولم يتبق منها سوى بضع شذرات هنا أو هناك فى القارة الأمريكية ما زالت تقاوم فعل الزمن. أما فى أمريكا الشمالية، فقد قامت المكانة التى يتمتع بها المهجر هناك وفى

الشرق الأوسط على النثر أكثر من الشعر برغم التأثير الذى خلفته (مواكب) جبران، و (همس الجفون) لنعيمة والأعمال الشعرية "لإيليا أبى ماضى" و"ونسيب عريضه" فى توجيه الحركة الشعرية الحديثة نحو القلب وروح الإنسان وإصلاح الأشكال اللغوية وموسيقى الشعر بفضل الرواد أمثال الريحانى وجبران فى تطويرهم الشعر المنثور الذى يحظى بإعجاب واحترام كبيرين فى دوائر عربية معينة. وأوجد جبران مدرسته الخاصة، بأسلوبه الدافئ المغلف بالرمزية والصور الحية المعبرة التى تحقق المتعة، وتستعصى على الحواس. ومن ناحية أخرى فإن نثر جبران ونعيمة يتعرض للموضوعات الرئيسية فيما يتعلق بالإنسان والمجتمع والنقد، إضافة إلى أنهما تناولا بالنثر معظم ضروب الأدب. وأمكن لنثرهم من خلال عمقه وعالميته أن يكتسب مكانه، فى الأدب العربى الحديث. أما بالنسبة للعصبة فقد كان الشعر هو الغالب على إنتاج أعضائها بتأثير الذوق الشعرى الموروث للعرب فى وسط ما زال يتذكر باستمرار ماضية فى الأندلس. وبفضل هذا الشعر تحتل الأنشطة الأدبية للمهجر مكانًا فى الأدب العربى الحديث يعود الفضل فى هذا لأكثر شعراء العصبة البارزين موهبة وهم الشاعر القروى (رشيد سليم الخورى) المولود سنة 1887 م، وقد هاجر إلى البرازيل عام 1913 م، وإلياس فرحات (ولد فى 1893 م، وهاجر 1910 م)، وشفيق المعلوف (ولد 1905 م وهاجر 1926 م) وشكر اللَّه الجرّ (ولد 1905 م وهاجر 1919 م). وفى أمريكا الشمالية، فكان غالب اهتمام الكتاب منصبًا على المشاكل العامة للإنسان، وانشغلوا بمصير الإنسان الذى يسعون لإنقاذ روحه من قهر المدنية المادية. وفى بيونس أيرس، حاول الشاعر جورج صيدح (1893 - 1978 م) فى عام 1949 م إنشاء جمعية أدبية جديدة تحت اسم (الرابطة الأدبية) ولكنها انتهت بعد عامين من تأسيسها. وقد ظل الأنتاج الأدبى فى الأرجنتين محدودًا واقتصر على الشاعر والكاتب

المصادر

والناثر (إلياس قنصل) (1914 - 1981 م) الذى خلف شقيقه الأصغر زكى (الذى هاجر للأرجنتين عام 1928 م). وقد سيطرت على أعمال هذين الكاتبين، وأعمال "جورج صيدح" المشاكل الوطنية لأوطانهم وكذلك الرغبة فى مراعاة التعبير ومرونته ورقته. وبشكل عام فإن تأثير (المهجر) على التفكير الأدبى العربى يظل حيًا حيث تبقى أشعاره ونثره حتى الآن، على أن الأخطر من ذلك كله هو ما كان لها من تأثير على الكتاب من ذوى النزعة الرومانسية فى المغرب والمشرق مثل المنفلوطى والشابى على سبيل المثال. وقد تمثل فكرهم النقدى خاصة فى (الغربال) لنعيمة والذى ساهم فى تشكيل أحد أبرز رموز النقد الحديث محمد مندور (1907 - 1964 م). ويمكن استخلاص الخصائص المشتركة لأدب المهجر فى أمريكا الشمالية والجنوبية على النحو التالى: سيطرة النزعة الشاعرية على الكاتب بحكم اغترابه والحنين للوطن، وعشق الطبيعة إلى حد التقديس، ووجدوا فى صور جمالها وصفائها السلوان والعزاء فى منافيهم البعيدة إضافة للتوق والولع بالتأمل فى الأشياء الدنيوية ببصيرة شاعرية وغنائية. بهذه الخصائص، علاوة على الاختلافات الفردية والجماعية التى تتجلى فى أعمالهم، حازت بعض أعمالهم شهرة عالمية خاصة مثل "النبى" (لجبران) التى ترجمت لأكثر من خمسين لغة، وكتاب على بساط الريع لفوزى المعلوف. وكذا حازوا موقعًا فريدًا خاصًا فى الأدب العربى الحديث ويرجع هذا للطبيعة الفردية والخاصة لإنتاجهم الأدبى وإلى تجاربهم الفردية والخاصة. المصادر: (1) أديب الباشا "لبنان بعد الحرب" القاهرة 1919 م. (2) السوريون فى الولايات المتحدة الأمريكية" القاهرة 1922 م. (3) ف. حتى "أمريكا فى نظر شرق" القاهرة 1924 م. نبيل محمود [عبد الكريم الأشتر A. K. Ashtar]

مهداوية

مهداوية طائفة من الطوائف الإسلامية فى الهند، أتباع السيد محمد المهدى (847 - 910 هـ/ 1443 - 1505 م) من جاونبور بالقرب من بنارس، والذى ادعى أنه المهدى المنتظر. واستطاع أن يجمع له أتباعا فى "أحمد أباد" وأماكن أخرى فى ججرات (كجرات)، وقد أجبر على الفرار من الهند وتوفى فى غرب أفغانستان. وقد نسب إليه أتباعه خوارق الأعمال كإحياء الموتى وشفاء الأصم وإبراء الأعمى، ويعتقدون أنه آخر الأئمة وقد اضطروا تحت الملاحقة العنيفة للجوء للتقية. ومن ثم فعددهم غير معروف بدقة. وهم منتشرين فى بعض الأماكن مثل ججرات (كجرات) وبومباى والسند حيث يعرفون باسم [أهل الذكر]. وهم متهمون بعدم التمسك الكامل بأركان الإسلام الخمس، ولهم طقوسهم فى الدفن والزواج. [ت. و. أرنولد] و [ب. لورنس] المهدية السودانية حركة قام بها فى السودان محمد أحمد بن عبد اللَّه (المسمى محمد المهدى) فى عام 1881 من أجل الإصلاح واتخذت منذ البداية طابعا سياسيا وثوريا إذ كانت موجهة ضد النظام التركى - المصرى، وقد نجحت فى الإطاحة به وأقامت دولة على رقعة من الأرض بقيادة خليفة المهدى الخليفة عبد اللَّه. وقد تطور الأمر إلى قيام ملكية إسلامية تقليدية ظلت قائمة حتى قضى عليها الغزو الإنجليزى - المصرى فى الأعوام (1896 - 1898) 1 - المهديون الأسلاف: بوسعنا العثور على البوادر الأولى والمباشرة للمهدية السودانية فى ذلك المناخ النفسى الذى ظهر لأول مرة فى مصر فى أواخر القرن الثامن عشر والقرن التاسع عشر الذى كان يعكس ما يدور بخلد الوعى الشعبى آنذاك من أن المجتمع الإسلامى التقليدى مهدد فى كيانه إما من الكفار المتربصين له بالخارج أو من الحكام المستبدين به فى

2 - الموقف الثورى فى السودان المصرى

الداخل. ومن هنا تعلقت آمال المهدية بالجزايرى غازى حسن باشا عندها قاد حملة ضد "حكم الاثنين" إبراهيم بك ومراد بك، فى حين قاد أحد أنصار المهدية (وكان من أصل مغربى) جماعة من الثوار ضد الفرنسيين فى عام 1799, كذلك قام مهدى آخر بثورة فى صعيد مصر ضد محمد على باشا فى عامى 1822 - 1823 وثمة منشور من المنشورات ضد المهدية السودانية يذكر أحد أسلاف المهدية فى الخرطوم ويدعوه بإبراهيم السودانى ولكننا لا نعرف عنه شيئا أكثر من هذا. ويوحى الاسم بأن صاحبه من أهالى السودان. وإذن فقد كانت المهدية السودانية هى آخر حلقة فى سلسلة الحركات المهدية وأكثرها نجاحا. وهى حركات وأن كانت تقدم نفسها فى صيغة دينية من حيث الشكل إلا أنها ذات أهداف اجتماعية وسياسية واضحة. 2 - الموقف الثورى فى السودان المصرى: فى الستين عاما التى سبقت ظهور الحركة المهدية حدثت تغييرات عميقة كان لها تأثيرها على المجتمع التقليدى وعلى الإسلام فى السودان وبلغ هذا التأثير حد الثورة فقد أدى غزو محمد على باشا (عامى 1820 - 1821) إلى أنهاء ما كانت تتمتع به جماعات عديدة مستقرة وكذلك البدو الرحّل من استقلال، فقد أنشا نظاما ادرايا مركزيا شديدًا يكلف أعباء وإليه غير مألوفة (ولا شك أن الفساد والاغتصاب قد ضاعف من ثقل هذه الأعباء) مما كان له أثر قاس عليهم أضف إلى ذلك أن مطالب التحديث فى مصر كانت تعنى فى الوقت نفسه أن الموظفين فى السودان نادرا ما كانوا ذوى كفاءة أو نزاهة. ومن بين الفئات التى تدهور وضعها السياسى والاجتماعى تحت ظل تركيا الفقهاء من أهل البلد، فقد كانوا عبر القرون الثلاثة السابقة يقومون ببعض الوظائف، فهم إما مدرسون لتدريس القرآن والشريعة أو زعماء صوفيون أو محكمون، أو وسطاء أو شفعاء لدى الحكام، وقد أدى انشاء جهاز "علماء" [الدين] يحكمه تدرج وظيفى تقليدى لخدمة المساجد الحكومية واندماج هؤلاء فى الجهاز

القضائى، أدى كل هذا إلى خلق فئة منافسة من القادة الدينيين. وعلى الرغم من أن الأفراد من عائلات "الفقهاء" القدامى كانت فرصتهم أكبر للإفادة من الدراسة فى الأزهر، والدخول فى السلك الوظيفى الرسمى إلا أن التنافر ظل قائما بصورة أساسية بين "الفقهاء" و"العلماء" الذين تدعمهم الحكومة، والذين كان يلقبهم المهدى بعلماء السوء. 3 - وكان تطور الأحداث فى العقدين السابقين على ظهور المهدية قد زاد من توتر العلاقة بين تركيا وسكان السودان المصرى كما أدى استبداد الخديو اسماعيل الشديد (1863 - 1879 م) زيادة الشعور بسلطان الحكومة بعد أن كانوا قد بدأوا ينعمون بنوع من اللين النسبى فى السنوات الأخيرة من حكم محمد على باشا وخلفائه كما تم ضم سلطنة دارفور سنة 1874 م ومنذ أواسط القرن اقتحم التجار الباحثون عن العاج والرقيق مناطق كانت مجهولة وبلغوا النيل الأبيض وبحر الغزال، أى خارج شمال السودان المسلم والمستعرب، وبعيدا تماما عن رقابة الموظفين الأتراك - المصريين. ولما كانت تجارة الرقيق التى تغذيها هذه المناطق تعدو وصمة عار فى نظر أوربا، كان الهدف الرئيسى للخديو أن يخضع جنوب وغرب السودان لأدارته، وبالتالى يصبح بإمكانه القضاء على تجارة الرقيق -إلا أن تنفيذ مثل هذه السياسة كان من شأنه أن يهدد المصالح الراسخة ومصالح القبائل الرُّحَّل فى شمال السودان لا سيما الدناقلة "والجعليون" الذين انغمسوا فى تجارة الرقيق وتطوروا من تجار صغار (جلّابة) إلى تجار أمراء مثل الزُّبَيْر رَحْمة منصور سيد بحر الغزال الغريبة وقاهر دارفود- وازداد الموقف خطورة حين عين الخديو أوربيين وأمريكيين لتنفيذ سياسته. إذ كان لتعيين مسيحيين فى وظائف عليا وقع كريه فى نفوس السودانين. وكان أحد رؤساء هؤلاء المغتربين هو الضابط البريطانى تشارلز جورج جوردون الذى لعب -بوصفه حاكما للإقليم الاستوائى (1873 - 1876 م) وحاكما عاما للسودان (1877 - 1879 م) - دورا رئيسيا فى تلك المحاولات التى

3 - حياة محمد المهدى الباكرة

بذلت من أجل إقامة إدارة خديوية فى الجنوب وقمع تجارة الرقيق- ولم يحقق جوردون وزملاؤه سوى نجاح محدود نظرا لنقص الوسائل -وبعد عزل الخديو اسماعيل (يونيه 1879 م) انسحب جوردون- أما من جاء بعدهما -سواء فى القاهرة أو الخرطوم- فكانت قبصته ضعيفة نسبيا، مما سهل الاتجاه نحو التمرد والعصيان فى الأقاليم السودانية. 3 - حياة محمد المهدى الباكرة (1844 - 1881 م) ولد محمد المهدى فى عام 1844 م فى إقليم دُنقلة وكان والده يعمل فى صناعة بناء السفن، وحين كان محمد أحمد طفلا انتقل إلى "كرادى" على النيل، على بعد بضعة أميال قليلة شمال الخرطوم، حيث يتوافر خام الفلين. وبعد وفاة والده استمر أخوته فى ممارسة نفس المهنة، أما هو فقد تلقى تعليما دينيا على الطريقة التقليدية فى السودان المصرى. وأظهر ميلا مبكرا نحو الزهد والتصوف، وانضم فى عام 1861 م إلى حلقة مريدى الشيخ "محمد شريف نور الدائم" حفيد مؤسس طريقة "السمانية" فى السودان، وحين انتقل أخوته إلى جزيرة "أبا" فى النيل الأبيض بحثا عن الفلين، صحبهم إليها، وفى عام 1870 م أقام مقر دعوته هناك ولما ذاعت شهرته بما هو عليه من التقوى صار له اتباع عديدون وربما كان هذا سببا فى انفصاله عن الشيخ محمد شريف، ثم انضمامه إلى مريدى شيخ آخر من شيوخ السمانيه هو الشيخ القرشى ود الدين (المتوفى سنه 1878 م) وفى عام 1881 م صادقه رجل سيصبح أقرب مريديه إليه وخليفته فى رئاسة المهدية فيما بعد وهو عبد اللَّه بن محمد الذى جاء من "التعايشة بقادةً" وهم عرب يرعون الماشية فى دارفود. وأغلب الظن أن عبد اللَّه هذا قد لعب دورا حاسما فى تلك الأزمة الروحية التى أدت إلى أن يجاهر محمد أحمد بأنه "المهدى المنتظر" -وكان قد أسرّ بهذا السر لأول مرة لمريدية فى "آبا" (فى مارس 1881 م) ثم أسرّ لأنصاره فى زيارته الثانية لكردفان، أما الظهور العلنى للمهدى

4 - "هجرة" المهدى وجهاده

فكان فى 29 يونية عام 1881 م. وأرسل رسائل إلى كبار القوم يخصهم فيها على الالتفاف حوله، كما أعلن فى برقية أرسلها للحاكم العام أنه مبعوث إلهى. وعلى الرغم من أن للمهدية -فى الأصل- خصائص عديدة تجعل منها حركة اجتماعية وسياسية معارضة إلا أن هذه الأبعاد كانت مضمرة فى الهدف الأساسى لمؤسسها وهو: الإصلاح الدينى بحيث يشمل هذا الإصلاح: الدين والمجتمع معا. إذ كان يرى -شأنه شأن المصلحين السابقين له- وبصفة خاصة ابن عبد الوهاب- ضرورة استعادة الأمة المسلمة كما كانت فى عهودها الأولى أى محكومة بالقرآن والسنة فهو لا ينظر إلى حركته بوصفها صحوة إسلامية فحسب بل هى صورة مصغرة للحياة فى الأمة الإسلامية فى عهودها الأولى وكذلك نظامها. وقدم نفسه على أنه مُعيّن لدى الخلافة الكبرى وأنه خليفة رسول اللَّه. وقد حاول "العلماء" الرسميون دحض دعاوى المهدية كما جاءت على لسان محمد أحمد إذ أقروا بمذهب السنة التقليدى، وبرهنوا على عدم التزامه بالمعايير التى أرساها الحديث النبوى. ودافع محمد أحمد عن نفسه وغير اسمه إلى محمد بن عبد اللَّه ليؤكد أنه من سلالة النبى كما غير اسم المكان الذى يلتقى فيه بالناس فى كردفان من جبل قدير إلى ماسة". 4 - " هجرة" المهدى وجهاده (1881 - 1885 م)، لم تكن السلطات فى بادئ الأمر قد قدرت حركة المهدى وما تشكله من تحد حق قدرها، ولكنها أخذت الأمر مأخذ الجد حين أرسلت حملة عسكرية صغيرة لإلقاء القبض عليه فهزمها هزيمة نكراء (أغسطس 1881 م). وفى نفس الوقت حقق المهدى وأنصاره انسحابا أو "هجرة" إلى جبل قدير وهو من جبال النوبة، وكان المكان من البعد بحيث أصبح تجريد الحملات العسكرية عليه أمرا صعبا فقد جردت حملتان وهزمتا فى ديسمبر 1881 م ومايو 1882 م). ولكنه كان فى نفس الوقت مناسبا لشن هجمات على المواقع الحكومية فى

كردفان. وكان يسمى ذلك جهادًا -وكان سقوط الأُبيض فى يد المهدى فى 19 يناير 1883 م فرصة له لكى يجعل منها مركزا اداريا، وكانت كردفان النواة لدولة المهدى- وفى نفس الوقت وهنت سيطرة الخديو بسبب الاحتلال البريطانى لمصر (سبتمبر 1882 م). ولكن تم إرسال حملة مصرية بإشراف الكولونيل وليام هيكس وهو ضابط متقاعد فى الجيش الهندى -وفى أثناء تقدم الحملة وسط الأرض الوعرة لهذا البلد من النيل الأبيض وحتى كردفان أمكن للأنصار إبادتهم فى شيكان" (5 نوفمبر 1883 م). واصبح المهدى الآن سيد الشطر الغربى. واستسلمت له دارفور وبحر الغزال بحكامهما الأوربيين فى ديسمبر 1883 م وأبريل 1884 م -وفى الوقت نفسه أرسل عثمان دِقْنه وهو من عائلة تعمل بالتجارة فى سواكن- من أجل حشد أهالى "بجة" عند تلال البحر الأحمر وكانت إرسالية ناجحة بفضل معاونة الشيخ الطاهر المجذوب المعروف بقوة نفوذه، وبذلك لم تبق حتى نهاية فبراير 1884 م سوى سواكن التى ظلت فى أيدى المصريين وأصبحت الخرطوم والمناطق النهرية فى الشمال مهددة، فأرسلت الحكومة البريطانية "جوردون" لكتابة تقرير عن الموقف العسكرى فى البداية، ولكن بناء على طلبه عينه الخديو حاكما عاما فيما بعد -غير أن الأنصار كانوا قد أحاطوا بالمدينة- فقد ترتب على نجاح عثمان دقنه إغلاق الطريق الآتى من البحر الأحمر إلى النيل، كما أن سقوط "بربر" فى يد الأنصار (مايو 1884 م) قطع الطريق النهرى الموصل إلى مصر. وازداد الضغط العسكرى على الخرطوم وأرسل المهدى قواته الرئيسية فى الفترة من أبريل إلى أكتوبر 1881 م من الأُبيَّض إلى أم درمان المواجهة للعاصمة. وسقطت العاصمة فى 25 يناير 1885 م بعد أن انهكها الحصار، وقُتل جوردون فى القتال. لقد كان سقوط الخرطوم يمثل من الناحية العملية نهاية جهاد المهدى. فهو الآن حاكم الأقاليم الرئيسية للسودان المصرى من دنقلة إلى بحر الغزال ومن

5 - حكم الخليفة عبد الله

البحر الأحمر إلى دارفود- وأمر باجلاء قواته من الخرطوم وأقام عاصمة خاصة به فى أم درمان، حيث توفى بعد فترة مرض قصيرة فى 22 يونية 1885 م. 5 - حكم الخليفة عبد اللَّه (1885 - 1898 م) واجهت الأنصار بعد موت المهدى مشكلتان إحداهما عملية والأخرى أيديولوجية أما الأولى فهى من ذا الذى يحل محل المهدى كحاكم للدولة الوليدة وأما الثانية فكيف يمكن تفسير موت المهدى حيث أنه أعلن أن رسالته هى الإصلاح الدينى الشامل، فى حين أنه لم يحقق شيئا سوى الغزو داخل حدود السودان المصرى؟ وقد تم حل المشكلة الأولى على وجه السرعة فيما يبدو إذا اجتمع مجلس من كبار عائلة المهدى فور وفاته وأعطوا "البيعة" لعبد اللَّه بن محمد. وما أن وطد سلطته حتى سعى للوفاء ببرنامج الغزو الذى توقف لفترة قصيرة بعد وفاة المهدى -واستمر الجهاد بفاعلية لعدة سنوات وقد كلف ذلك الشعب كثيرا وهو الذى عانى من الآثار المترتبة على الحروب الثورية وحركة السكان- فكانت والهدف الثانى لجهاد المهدية هو مصر وهى الآن تحت الإدارة العسكرية والسياسية البريطانية الصارمة. وكان التخطيط لغزو مصر معدًا قبل وفاة المهدى وكان القائد الذى تتجه النية لاسناد القيادة إليه هو عبد الرحمن النجومى ولكن تنفيذ المشروع تأخر عدة سنوات، وعلى الرغم من أن النجومى اختار مقر قيادته فى "العرض" (دنقلة الجديدة) فى نوفمبر 1886 م، إلا أن الخليفة لم يكن يثق فى "أولاد البلد" مما أدى إلى تجاوزه النجومى مما اضطره إلى أن يشاركه فى القيادة أحد رجال "التعانية" وفى صيف عام 1889 م تقدمت قوة من المهدية نحو مصر، ولكنها أبيدت فى 3 أغسطس عند توشكى شمال وادى حلفا، وقتل النجومى نفسه فى القتال. ولم تبذل محاولة أخرى لغزو مصر رغم وقوع عدة غارات على الأراضى المصرية كان بعضها خطيرا. أما مناطق الجنوب الوثنية والتى أصبحت تحت ادارة الخديو منذ وقت

6 - مؤسسات المهدية

قريب فلم تكن أبدا جزءًا من الدولة المهدية- ويشكل عام 1889 م نهاية المرحلة العسكرية للمهدية. وشهدت المرحلة التالية استقرار لحكم الخليفة المستبد داخل دولة ذات رقعة من الأرض تشمل من الوجهة العملية الأراضى التى يقطنها المسلمون والعرب من شمال السودان. ومن المراحل التى أدت إلى اضمحلال المهدية نضاليا هو المجاعة الكبرى التى تفشت فى الأعوام 1888 - 1890 م. وضاعف من أثر هذه المجاعة هجرة التعاليبة من أم درمان -وفى مارس عام 1896 م سمحت الحكومة البريطانية لقوة من الجيش المصرى بالتقدم نحو إقليم دنقلة الذى يسيطر عليه المهديون. وكانت الحملة برئاسة السير هـ. هـ لكشنر الذى أنشأ خطا للسكك الحديدية كلما تقدم على طول نهر النيل من وادى حلفا. وفى نهاية سبتمبر 1896 م كان الإقليم بأكمله قد تم احتلاله، وفى العام التالى سمح للكشنر بمزيد من التقدم وتم بناء خط حديدى آخر عبر صحراء النوبة ليصل إلى النيل عند أبى حماد ثم مد إلى الجنوب مع تقدم القوة المصرية الإنجليزية -وواصلت القوة تقدمها وتلقت الدولة المهدية ضربة قاضية فى معركة "كرّداى" وتسمى فى كثير من الأحيان معركة أم درمان (2 سبتمبر 1898 م). 6 - مؤسسات المهدية: بعد النجاح الذى حققه الجهاد أصبح من الضرورى وجود جهاز مالى نظرا لأن المهدى كان يجد دائما مشقة فى منع رجال القبائل عن سلب الغنائم. وتم إنشاء بيت المال فى "قدير". وكانت مصادر الدخل فى ذلك الوقت تنحصر فى مصدرين هما الغنائم والزكاة التى تشمل الضريبة على الحبوب والماشية. وعلى الرغم من أن المهدى كان قد رسم لنفسه هدفا هو استعادة أمد الإسلام كما كانت عليه فى عهودها الأولى، إلا أن سرعان ما وجد نفسه مضطرا لاتخاذ قرارت تشريعية ونشر تعليمات إدارية تعد بمثابة تشريعات. والكثير منها نتج عن ظروف الحرب الثورية. وكان المهدى يتوسع فى تفويض كبار موظفيه بعض وظائفه

7 - تطورات لاحقة

القانونية، وعين شخصا يحمل لقب قاضى الإسلام لمثل هذه الوظائف بصفة خاصة. 7 - تطورات لاحقة: على الرغم من أن الغزو الإنجليزى المصرى قد أطاح بدولة المهدية إلا أن المهدية كحركة ظلت قوة ذات نفوذ وخصوصا فى منطقة الغرب -وكانت الحركة محظورة قانونا فى السنوات الأولى من الكوندمينوم، حيث أصدر "الحاكم ونجت" 3 قرارات فى السنوات من 1899 م إلى 1916 م -وأودع زعماؤها الباقون السجن وتم قمع عدة انتقاضات دينية، ولكن ابن المهدى وهو عبد الرحمن (1885 - 1959 م) - بعد وفاة ابنه على إحياء المهدية فى شكل جديد. وكان يحظى بموهبة سياسية كبيرة، ووجد الفرصة سانحة نظرًا لتغير الأحوال السياسية خلال الحرب العالمية الأولى وبعدها، وكان الأنصار يعدونه شخصية تمتع بجاذبية، أما عند أتباعه الذين تأثروا بالغرب فهو قائد وطنى وزعيم حزب الأمة الذى تم تأسيسه فى عام 1945, وظل يلعب دورا أساسيا فى السياسة السودانية -والنظرة الحديثة ترى أن المهدى مجدد، وأن المهدية حركة إصلاحية ولكنها فى جوهرها تقليدية. المصادر (1) محمد إبراهيم أبو سالم: منشورات المهدية 1969 م. (2) محمد إبراهيم أبو سالم ومحمد سعيد القدال (محرران): "الحرب الحبشية السودانية" 1885 - 1888 م. (3) نعوم شقير: "تاريخ السودان القديم والحديث" وجغرافيته جزء ثالث سعيد عبد المحسن [ب. م. هولت B.M.Holt] المهلبيون هم أقرباء وأتباع المهلب بن أبى صُفرة، كان لهم دورهم البارز فى تاريخ صدر الإسلام، وأحرزوا السلطان فى خدمة الأمويين؛ برغم مشايعة المهلب نفسه لابن الزبير. وقضى على نفوذهم سنة 102 هـ/ 720 م، لكنهم استعادوا مكانتهم زمن العباسيين، وظلوا بارزين حتى عهد

المأمون، رغم مساندة الكثيرين منهم للنفس الزكية وأخيه إبراهيم فى ثورتها، وكان منهم كثير من العلماء، إضافة لقائد ثورة الزنج، وأبى محمد الحسن المهلبى، وزير البويهيين الشهير، وكان من بينهم يزيد بن المهلب الذى بدأ حياته أيام والده، مشاركا له فى حملاته ضد الأزارقة، وكذلك فى خراسان التى نجح فى تولى حكمها بعد وفاة والده سنة 83 هـ/ 702 م. وفى سنة 85 هـ/ 704 م عزله الحجاج عن خراسان وسجن، لكنه تمكن من الفرار إلى فلسطين إلى ولى العهد سليمان بن عبد الملك، الذى كفل حمايته هو أسرته من بطش الحجَّاج. وحين تولى سليمان الخلافة 96 هـ/ 715 م ولَّاه على العراق وخراسان، وجاء دور يزيد ليعذّب آل الحجاج ويصادرهم. وقام يزيد بحملة على جرجان، ولما قام عمر بن عبد العزيز بعزله سنة 99 هـ/ 717 م طالبه برد خمس الغنائم التى حصل عليها وسجنه ثانية لكنه تمكن من الفرار وتوجه إلى البصرة لتخليص رهوا من عشيرته وإلى البصرة قد سجنهم، وأرسل يطلب العفو لنفسه من يزيد الثانى؛ وإزاء تعنت والى البصرة معه، أعلن الثورة على الأمويين، وبعض أن يبايع يزيد الثانى ودعا إلى مبايعته حيث "الرضا من بنى هاشم" رغم أن بنى المهلب لم يبدو أى تعاطف من قبل، مع الهاشميين. بل قيل إنه طالب بالخلافة لنفسه. وهُزم يزيد على يد مسلمة بن عبد الملك عند عكا فى صفر 102 هـ/ 720 م؛ وقُتل، وهرب أتباعه إلى السند (حيث كان حبيب المهلب واليًا منذ عهد قريب)، أما من نجوا فقد أرسلوهم للشام حيث وقع عليهم القتل وصودرت ممتلكاتهم. ثم عاد نجم بنى المهلب إلى الصعود ففى الحرب الأهلية الثانية، حيث أحرز المغيرة بن أبى صفرة مكانة سامية بانضمامه للجعفريين المؤيدين للأمويين تصدى وانخرط "صبره بن نخف بن أبى صفرة" فى خدمة يزيد وتولى عبد الملك بن المهلب فى العراق رئاسة شرطة البصرة، وذهب معظم من بقى من بنى المهلب إلى خراسان ليعيدوا نفوذ من المهلب هناك وانضم جميع

المهالبة وأقرباؤهم لثورة يزيد، لكن معظمهم قتل فى هذه الثورة. وبعد ذلك استكان بنو المهلب ولكن لفترة قصيرة حتى ثار وتمرد ابن ليزيد يُدعى مروان كان جنديًا فى جيش الأمويين فى المسند، وشارك ابن آخر، يدعى عبد الرحمن، فى ثورة عبد اللَّه ابن معاوية (127 - 129 هـ/ 744 - 747 م)، ثم انضم بعد ذلك للعباسيين، لكنه قتل فى الموصل سنة 133 هـ وظهر حفيد له، يدعى أبو سعيد بن معاوية بن يزيد وكان جنديا فى جيش أبى مسلم فى خراسان، عند بداية الثورة العباسية، وخدم بعد ذلك فى مصر. ونفَّث سليمان بن حبيب بن المهلب عن شعوره العدائى للأمويين بانضمامه لليمنيين فولوه ولاية الاهواز أثناء الحرب الأهلية الثالثة وانضم بعد ذلك لعبد اللَّه بن معاوية. ولكنه، دون أن يدرى، أفسد على نفسه الأمر حين أضاع فرصة انضمامه للعباسيين بسبب غضب المنصور عليه لعدم تسليمه خراج الأهواز، وهى جريمة قُتل بسببها بعد الثورة. وثار سفيان بن يزيد بن المهلب، مشايعًا للهاشميين، فى البصرة مع محمد بن أبى عينيه بن المهلب وبعض المهالبة، مقابل ولاية هذه المدينة سنة 132 هـ/ 750 م. وبرغم خدمته وولائه لأبى العباس والمنصور فإنه (أو ابنه) قام بتسليم البصرة لإبراهيم بن عبد اللَّه حين ثار مشايعًا لمحمد النفس الزكية سنة 145 هـ/ 763 م. وهو أيضا الذى قتل ابن المقفع. وانضم عبد الواحد بن زياد بن المهلب أيضا إلى إبراهيم مع ابنه عتيق وأحد أبناء عمه. وكانت سلالة قبيصة بن أبى صفرة وقبيصة بن المهلب أشهر بنى مهلب العصر العباسى. ومن المحتمل أن يكون عمر بن حفص بن عثمان بن قبيصة بن أبى صفرة، المعروف "بالهزارمارد"، قد انضم للهاشميين فى خراسان. وحكم البحرين لأبى العباس، والبصرة لأبى العباس (السفاح) وللمنصور. وأصبح فى سنة 142 هـ/ 760 م أول سلسله من بنى المهلب حكموا الهند، وظل

المصادر

هنالك حتى سنة 151 هـ/ 768 م، وقام بحماية ابن محمد النفس الزكية. وبرغم ذلك فقد اختير فى هذا العام لشمال إفريقية، حيث اصطدم سنة 153 هـ/ 770 م مع الإباضية هنالك وخلفه نفر من بنى المهلب وتزوجت إحدى بناته من أحد أمراء العباسيين. وانضم يزيد بن حاتم بن قبيصة بن المهلب للهاشميين فى العراق. وحكم أذربيجان من قبل المنصور، ومصر فى 144 - 52 هـ/ 761 - 769 م، وارتحل إلى شمال إفريقية فى 154 هـ/ 771 م كوريث لقريبه عمر بن حفص؛ ومات هنالك فى عهد الرشيد. وخلفه ابنه داود بن يزيد لفترة قصيرة كحاكم لإفريقيا، لكنه فقد السيطرة عليها وحل مكانه فى حكمها روح بن حاتم. وحكم داود مصر فى 174 - 175 هـ/ 790 - 791 م واختير واليًا على السند فى 184 هـ/ 800 م حيث مات هنالك سنة 205 هـ/ 821 م، تاركًا ابنه بشرًا خلفًا له. ولقد وافق المأمون على ولاية بشر للسند مقابل ألف ألف درهم سنويا فعجز عن الوفاء بما التزم به، إلا أنه ظل واليًا على السند حتى 216 هـ/ 831 م، كذلك كان إبراهيم بن عبد اللَّه بن يزيد بن حاتم واليًا على الهند. وانضم روح بن حاتم بن قبيصة بن المهلب للهاشميين فى البصرة، استجابة لعرض قحطبة عليه وسفيان بن معاوية أثناء مشاركته فى حصار واسط، وزواجه من ابنه الداعى عبد الجبار الأزدى. وقام بحملة على طبرستان فى 142 هـ/ 760 م واختير للكوفة (أو للسند) فى 159 هـ/ 776 م، وللبصرة فى 166 هـ/ 783 م ولشمال إفريقية فى 170 هـ/ 787 م، خلفا ليزيد بن حاتم، وتوفى فى 174 هـ/ 791 م. وحكم ابنه الفضل (أو المفضَّل) شمال إفريقيا لفترة قصيرة، حيث قُتل هنالك فى 178 هـ/ 794 م وعندئذ استُبعد المهالبة من ذلك الإقليم. المصادر: (1) ابن النديم: الفهرست. (2) ابن خلكان: وفيات الأعيان. (3) ياقوت: معجم الأدباء.

موازين

(4) ابن الأعثم: كتاب العيون والحدائق. (5) الجهشيارى: الوزراء والكتاب. (6) المسعودى: مروج الذهب. د. عطية القوصى [P.Corone] موازين موازين، مفرد ميزان. (لمقاييس الأطوال والمساحات) 1 - فى البلدان العربية وفارس وتركيا: لم يترتب على انتشار الإسلام توحيد لنظام الموازين والمكاييل، فكان الاختلاف هو السمة المميزة فى البلدان الإسلامية، وإن قلل من أثر هذا الاختلاف فى البلدان المفتوحة والتأثير المتبادل فيما بينهما. على أن بعض الحكام قد اتجهوا إلى توحيد نظام المقاييس فى المناطق التابعه لهم، كعضد الدولة البويهى، والخلفاء الفاطميين وما قام به حسن التركمانى. ويرجع فى دراسة الموازين فى الدول الإسلامية إلى الكتابات التى تناولت الموضوع، وإلى تحليل الأوزان المعيارية (الصنج الزجاجية) glass welghts، وللمصادر الأوربية مثل "دليل التجار". ورغم وفرة المصادر فإن النتائج غير حاسمة. وتدل أسماء وحدات الأوزان والمكاييل على مصدرها، فالرطل منقول عن اليونانية، والقنطار عن اللاتينية، والقفيز -كمكيال عن الفارسية وحين فتح العرب بلدان الشرق الأدنى كانت كل هذه الأسماء مستخدمة، ولكن بقيم مختلفة. فالمد mudd كان فى العراق حوالى 1.05 لترا، وفى سوريا 3.673 لترا، وفى مصر 2.5 لترا. وكون وحدة معينه تستخدم بقيم مختلفة كان سمة مميزه بين البلدان الإسلامية، بل وداخل البلد الواحد، كأن تكون قيمة الوحدة فى العاصمة غير قيمتها فى الأقاليم. كما أن اختلاف قيمة الوحدة قد يكون بحسب الشئ الموزون أو المكال، فرطل اللحم فى مصر العليا كانت قيمته تختلف عنه لبقية البضائع. وكانت للحبوب مكاييل تختلف عن مكاييل حجوم السوائل، كما كان لبعض السوائل (كزيت الزيتون) وحدات وزن،

كما وجد اتجاه لاستبدال الوحدات بوحدات أكبر ورغم التأثير المتبادل، ظلت بلاد فارس مختلفة عن الدول العربية، (رغم وجود شئ من التداخل). ولقد تمخض عن التأثير المتبادل. وسابقة الخضوع للدولة البيزنطية مع ذلك نظامان فى كافة الأقطار الإسلامية واحد ستونى، والآخر عشرى. وعلى ذلك فلم ينتشر نظام الجزيرة العربية فى البلدان المفتوحة فالمد. والصاع (= 4 مد) والوسق (= 60 مد) ليس لهم وجود فى بلدان أخرى (عدا المغرب العربى حيث لا يزال الصاع مستخدمًا بقيم مختلفة). إلا أن الوزن القياس البغدادى قد لقى قبولا عاما من الواضح بتأثير الحكم العباسى. ورغم كون الاختلاف هو السمة المميزة فقد حاول المسلمون إيجاد أسس نظرية عامة. فمن المفترض أن أى وحدة تنسب للدرهم (غير الدرهم النقدى) قدره علماء الحملة الفرنسية بـ 3.0884 جراما، وقدره آخرون قيما تقترب من ذلك، كما حددته الحكومة المصرية عام 1924 بـ 3.12 جراما كما ذكر أن قيمته كانت تختلف باختلاف البلدان. والوزن المعيارى الآخر كان المثقال (7 مثقال = 10 درهم). وكانت السلطات تدفغ كل وزن بقيمته من الدراهم. كما أنشأوا للدرهم علاقات أخرى، فالدرهم = 60 حبة قمح، كل واحدة (حبة) = 70 حبة خردل. كما أن المثقال = 60 حبة قمح أيضا كل واحدة (حبة) = 100 حبة خردل. وفى عهد الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وخلفائه كانت وحدات العراق معروفة فى الجزيرة العربية، فعرف الرطل فى مكة وعمان واليمن، وهو ما عرف فيما بعد بـ "الرطل البغدادى" وكان = 4.2.348 جراما. وكانت وحدة الحجوم الأساسية فى المدينة هى "المد". وهو يساوى، قيمة رطل من القمح من الأرطال المكية، وكان هو "المد" القياس لكل العالم الإسلامى. والمعلومات عن وحدات الأوزان والحجوم فى مصر والشام أكثر بكثير عن غيرهما من البلدان.

فبالنسبة للأوزان الخفيفة، كان الرطل فى سوريا خلال الحكم الأموى يساوى 337.5 أو 340 جراما، أى يساوى الباوند الرومانى. وفى القرن الرابع/ العاشر. وجد "الرطل الثقيل" وكانت قيمته تتراوح فى حدود، 2 كجم (ما بين 1.483 و 2.68). أما الحبوب فقد كانت تقدر فى الشام بـ "الغراره" حجما، والتى كانت تختلف قيمتها بحسب الأماكن، بين 208.74 كم فى دمشق إلى 626.22 فى القدس إلى 313.1 فى غزة. وفى شمال الشام كانت الحبوب تقدر بـ "المكوك " يحوى 83.5 فى حلب وطرابلس، و 92.77 فى حماه. وفى عهد الحروب الصليبية كانت قيمته أقل، ثم نلاحظ مرة أخرى الاتجاه لموازين ومكاييل أثقل وأكبر. وفى القرن 19 استخدمت فى سوريا الـ "كيل" تقدر بـ 28.18 كجم من الحبوب. وكان الرطل فى مصر فى عهد الأمويين = 440 جراما، والعباسيين 390/ 400. كما عرف فى عهدهم "الرطل الكبير" = 493 جم. وعرفت أرطال متعددة فى عهد الفاطميين، فكان 444 جم بالنسبة للعيش واللحم وبضائع أخرى، و 463 جم للتوابل وللقطن، و 617.96 جم للكتان، و 964 جم للعسل والسكر والجبن والمعادن. وتشير المصادر الأوربية إلى قيم أقل مما تذكره المصادر العربية، كما تؤكد اختلاف فى القيم بين المناطق المختلفة فى القطر المصرى. وكانت الحجوم تقدر فى مصر بـ "التليس" و"الإردب" واختفى المكيال الأول فى منتصف القرن الخامس/ الحادى عشر. والإردب فى الأصل فارسى، استخدم فى مصر لفترة طويلة فى العصرين البطلمى والرومانى، قدره المقديسى بـ 72.3 كجم من القمح فى العاصمة، ويحتوى على ستة "ويبات" وقدر فى الفيوم بـ 103.22 كجم يحتوى على تسعة ويبات، وفى القرنين 18، 19 يبدو أن قيمة الإردب تضاعفت فى كل مكان. وقيمته الآن فى البحيرة 140.8 كجم وفى بورسعيد 148.3 كجم ويوزن الدقيق بالـ "بطه" وتساوى 50 رطلًا، أى 22.245 كجم.

واستخدم لزيت الزيتون فى العصريين الأموى والعباسى وحدة حجوم تسمى "القسط" ذو ثلاث قيم 476 جم، و 1.07 كجم، و 2.14 كجم. وهناك وحدة أخرى هى "مطر" بقيمة 17 كجم لزيت الزيتون فى العصور الوسطى. ومنذ عصر الأيوبيين استخدم الرطل (أو القنطار). وللكميات الأكبر، وجد الـ "حمل" كان = 266 كجم، ولكن للتوابل = 222.45 كجم. وفى العراق، حيث سادت التقاليد الفارسية القديمة، اختلفت الموازين تماما عنها فى مصر وسوريا، فالرطل البغدادى، والذى كان يساوى 401.67 جم (وفى رواية أخرى 397.26 جم) كان يعتبر عامًا لكافة الأقطار الإسلامية، ولكن ذكر له قيم مختلفة فى أماكن مختلفة. وكان للحجوم وحدات ذات نظام ستينى، فالكميات الصغيرة من الحبوب كانت تقدر بـ "القفيز" كانت إحدى قيمه 10 كجم من القمح، وأخرى 48.2 كجم وثالثة 24.1 باختلاف الأماكن. وللكميات الكبيرة كان يستخدم إلى "كر" منه ما كان يسمى "الكر المعدل" يعادل 2892 كجم من القمح فى عهد الدولة البويهية، و"الكر الكامل" نصف هذه القيمة وكان "الكر السليمانى" يزن 771.2 كجم مستخدما فى المنطقة العليا من بلاد العراق. وكان "المكوك" يستخدم للكميات الصغيرة، يساوى 6.025 كجم من القمح، ولكنه فى الحروب الصليبية يساوى 14.91. أما الوحدات للحجوم المستخدمة للسوائل فضئيلة، منها "القسط" لزيت الزيتون، ويساوى 3 أرطال بغدادية. أما فى فارس فقد وقف نظامها ضد التأثر بالنظم البيزنطية التى تأثرت بها بلدان مصر وسوريا، ومن ثم فلم يكن لنظامها الخاص بالمقاييس علاقة بنظم تلك البلدان. وفى المناطق المجاورة للعراق من فارس، استخدم العديد من المدن "الرطل" كوحدة موازين أساسية للكميات الصغيرة لسلع مختلفة. ويشير الإصطخرى لـ "لمن" الذى يساوى ضعف الرطل، وفى ذلك مبالغة لا شك فيها. وكان الرطل فى الرى، يساوى 926.96 جم، ولكنه كان ضعف ذلك

خارجها. وأيضًا تعددت قيمة الرطل باختلاف المدن، واختلاف البضائع. وبانتهاء دولة الخانات فى منتصف القرن الثامن الهجرى، بطل استخدامه. وأدخل أوزون حسن وحدة أخرى، هى "الباتمان" بقيمة 5.67 ظلت الوحدة القياسية لأغلب إقليم فارس طوال عهد الصفويين. وفى القرن الحادى عشر عاد المن بقيمة 2.288 - 2.9 كجم، ثم استقر عند 3 كجم فى بدء القرن التاسع عشر الميلادى. وفى عام 1935 أدخل النظام المترى بحكم القانون، على أن الوحدات القديمة لا تزال مستخدمة. وبالنسبة للمكاييل، فقد كان استخدام وحداتها أقل شيوعا منها فى الدول العربية، وكان القعبر بقيمة 70 منا، أى 56.23 كجم من القمح فى نيسابور، وبقيِّم تتراوح بين 3.2 - 6.4 كجم فى أماكن أخرى، استخدمت وحدة "الجارب" بقيم 10 قطير، أى 64.26 كجم، مع اختلاف بين البلاد والسلع. ووجدت وحدة أخرى انتشرت فى كافة الأقطار الفارسية على كل العصور، هى "خاردار" حددها عضد الدولة فى الدولة البويهية بقيمة 80.29 كجم، ثم استخدمت قيمة أكبر بعد ذلك، هى 288 كجم، وقيمته الحالية 297 كجم (مع استخدام قيم أخرى). وفى آسيا الصغرى، استخدم الرطل بقيم 317.89 جم، ثم تذكر الروايات "الرطل الرومى" بقيمة 270.667 جراما، وتصل به الروايات إلى 7.118 كجم. ووجد فى العصر العثمانى وحدة هى "الأقة" بقيمة 1.383 كجم. كما استخدمت للحبوب وحدة "الإردب". وفى شمال إفريقيا استخدم فى عهد العباسيين الرطل البغدادى، ثم أدخل الفاطميون رطلا أثقل، بقيمة 432.572 جراما، مع اختلاف بين البلدان وبين نوعية البضائع. واستخدم "المد" أيضا للحبوب، واستخدم للسوائل "القلة" و"المَطَر" فكان المد الصغير بحجم 4.311 لترًا، والكبير يتراوح بين 201 لترًا و 243 لترًا. أما القلة فكانت 10.08 لترًا، والمطر ضعف ذلك. وفى الأندلس، كان الرطل 503.68 جرامًا، ولكنه كان للحم أربعة أضعاف

المصادر

ذلك. كما استخدم القفيز بوزن 30.22 كجم. وكان زيت الزيتون يقدر بـ "الثمن" بقيمة 1.12 كجم، و"القلة" وتساوى 12 ثمنًا. المصادر: (1) الأصطخرى: المسالك والممالك، ليدن 1870 م. (2) المقدسى، أحسن التقاسيم فى معرفة الأقاليم، ليدن، 1877 م. 2 - مسلمو الهند الظاهر مما وصلنا من وثائق أن المسلمين الأوائل تعاملوا بالنظم القياسية السائدة فى شمال الهند، إلا أنه من الصعب استخلاص صورة واضحة ودقيقة من تلك الوثائق قبل القرن التاسع عشر. وفى عام 1833 قامت شركة الهند الشرقية بمحاولة لتنميط نظام المقاييس جعلته كالتالى: 9 ratti = 1 masha 12 masha = 1 tola 80 tola = 1 ser 40 ser = 1 mon وكانت التالا مقدرة بـ 11.6638 جم ومنها يمكن تقدير بقية الوحدات، وظل هذا النظام قائمًا إلى أن أدخل النظام المترى بعد الاستقلال. ولم يكن هناك مقاييس منتظمة للحجوم فى الهند، حيث كانت السوائل والحبوب تقدر بأوزانها فقط. وحين لم تكن الدقة مطلوبة، كان يمكن تقدير الماء بحجم القربة، وغيره من السوائل بحجم الزلعة، والحبوب بملء الكفين للمقادير الصغيرة. من المصادر: (1) H. N. Wright: The coinoge and metrology of Sullons of Delhi, Oxford 1936 هيئة التحرير [بيرتون باج J.Burton - Poge] الموالد المولد، وقد يقال له "مولود" والجمع موالد وهو لفظ يطلق على زمان أو مكان أو احتفال بميلاد شخص لا سيما إذا كان هذا الشخص هو النبى محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] أو كان وليًا، (2) أو قد يعبر به عن قصيدة فى تمجيد الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-]

دراسة لرموز المولد وانتشارها على امتداد رقعة العالم الإسلامى فمن اللحظة التى بدأ فيها الإسلام فى تقديم شخصية النبى محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] كشخصية خارقة بدءًا من أحداث مرت بها حياته التى أخذت صورة القداسة لدى المسلمين. ولم يبدأ اعتبار يوم مولده يوما مقدسا إلا فى زمن متأخر، والرأى السائد هو أن مولده كان الاثنين الثانى عشر من ربيع الأول وأن أقدم إشارة لاحتفال شعبى عام عن مولده [-صلى اللَّه عليه وسلم-] مذكور فى ابن جبير (أعنى القرن السادس الهجرى) (= الثانى عشر الميلادى) ويتمثل هذا فيما لاحظه من فتح داره طول يوم مولده لأعداد الزائرين المتزايدين له وما صحب ذلك من طقوس كانت قاصرة من قبل على أيام موالد كبار أولياء المسلمين كالمسح وغيره ولكن بما أن توقير النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] على أيدى المتأخرين كان يجب أن يكون أرفع مما يظهر لهؤلاء الأولياء فقد اقترن الاحتفال بمولده [-صلى اللَّه عليه وسلم-] بأساليب جديدة متميزة والتى على الرغم من الفروق الصغيرة بها فى الزمان والمكان إلا أنه كانت لها نفس الملامح الرئيسية فى كل مكان فكان يقال لها ليلة المولد أو مولد النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] أو المولد النبوى وكان الاحتفال فى القاهرة الفاطمية بمولد النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] يحتفل به البلاط مثله مثل موالد على وفاطمة والخليفة الحاكم وكانت رسومه الأصلية تتمثل فى مواكب أصحاب المقامات الرفيعة إلى قصر الخليفة ويلى ذلك ثلاث عظات دينية واحدة لكل واحد من خطباء القاهرة الثلاثة (عن خطط المقريزى) وعلى أية حال فإن هذه المناسبات لم تكن إحتفالات للعامة ولكن للطبقة الشيعية الحاكمة أساسًا وهذا بلا شك يفسر لماذا لا يكاد يوجد مرجع عن هذه الاحتفالات فى الأدب المهتم بالدوائر الشعبية إلا عند المقريزى والقلقشندى المؤرخين العظام للقاهرة الفاطمية. والظاهر أن ذكرى هذه الموالد الفاطمية أختفت تمامًا قبل الاحتفالات التى نرى فيها المؤلفين المسلمين يجمعون على أن أصل الاحتفال فى

المولد النبوى كان فى مدينة به فى أربل عام 604 هـ (1207 م) على يدى الملك مظفر الدين جكبرى صهر صلاح الدين الأيوبى وقد ورد تفصيل كامل لهذا الأحتفال فيما كتبه المؤرخ العظيم ابن خلكان المتوفى سنة 681 هـ (= 1282 م) إذ كان هو ذاته من أهل "اربل" وقد اعتمد الرواة من بعده على وصفه. أما فى القاهرة فيرجع تاريخ المشاركة الشعبية على أكبر صورة وكذا الطرق الصوفية إلى القرن السابع الهجرى (الثالث عشر الميلادى) ثم لم يلبث أن زاد الإهتمام به على امتداد العالم الإسلامى فنجد روايات عديدة للإحتفال من أجزاء عديدة من العالم الإسلامى على فترات مختلفة. وفى العام 996 هـ (1588 م) قام السلطان العثمانى مراد الثالث وأدخل الاحتفال بالمولد فى بلاطه وكانوا يسمونه "بالمولود"، على أنه أصبح منذ سنة 1910 م يعتبر عيدا قوميا فى الأمبراطورية العثمانية وتتمثل الاحتفال به اليوم فى اعتباره عطلة رسمية ونلاحظ أنه فى الدول العربية وفى معظم البلاد التى يسودها الإسلام يقام إحتفال بأحد المساجد الكبرى فى العاصمة يحضره رئيس الحكومة أما فى غرب أفريقيا فإن الإحتفال السنوى بميلاد النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] يكون مقترنا فى أغلب الأحوال بمظاهر لا تمت إلى الإسلام بصلة بل هى سابقة لظهور الإسلام كما هو الحال عند "النوب" فى نيجيريا وعند الكوتوكولى فى توجو الشمالية حيث يأتى مقترنا باحتفال "السكاكين" وبالنسبة لبعض الطرق الصوفية فى هذه المنطقة وخاصة أفرع التيجانية فى السنغال فإن هذه المناسبة قد أصبحت تجمعًا سنويًا رئيسيًا لأعضائها والقصائد الملقاة بلغة "الهوسا" تصنف تقنيًا تحت باب المديح والسيرة والتى تستخدم كتواشيح وفى "الفولانى" تلقى قصائد مدح فى النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] بأسلوب مميز كثير نسبة بالقصائد الخاصة بالموالد، وفى تشاد والسودان وشمال شرق أفريقيا وشرقها يتم الاحتفال به بصورة إعتيادية وهناك دلائل على أن هذه المناسبة قد أصبحت مرعية بصورة واسعة على أمتداد غرب أفريقيا

والاحتفالات المترتبة على هذه المناسبة تقريبًا متطابقة مع الاحتفالات المعروفة فى الأراضى العربية. وجوهر هذه الاحتفالات هو إلقاء قصيدة المولد وهى قصيدة مدح بطبيعة الحال تتبع ترتيبًا معينًا بداية من المقدمة فى حمد اللَّه ثم الابتهال ثم تتضمن وصفًا لخلق النور المحمدى وتستمر خلال مراحل مختلفة واستطرادات وحتى لحظة الميلاد الفعلى الذى تسبقه إشارات إلى المعجزات التى رأتها أمه السيدة آمنة من أنها تحمل نبيًا وقد أصبح إنشاد قصيدة المولد فى العالم العربى ظاهرة عامة فى القرن التاسع الهجرى - (الخامس عشر الميلادى). ويمكن إرجاع أصول هذه القصائد إلى الخطب الدينية فى القاهرة الفاطمية وقد كان كتاب "التنوير فى مولد السراج المنير" الذى ألفه ابن دخيل أثناء إقامته فى أربل تلبية الإشارة أشارها عليه صاحبها "جكبرى" فى هذه الفترة كقصيدة مولد ولم يمض إلا قليل من الزمن حتى أصبحت قصيدة المولد عنصرًا مهيمنًا فى الاحتفال مثلها فى ذلك مثل كوكب المشاعل والولائم والأسواق التى تقام على قارعة الطريق، ويلاحظ أن عدد القصائد الملقاة فى المولد كان عددًا كبيرًا، إلى جانب قصيدة "بانت سعاد" لكعب بن زهير فى القديم وكانت هناك "البردة" و"الهمزية" للبوصيرى وأمثالهما من القصائد التى نظمت على نمطهما، ووجدت كذلك مجموعة من القصائد التى ارتد بها التعليم والتوجيه كقصيدة ابن حجر الهيثمى، إلى جانب قصائد أخرى اقتصرت على المدح. ومن أشهر قصائد المدح فى المولد وأوسعها انتشارا فى العربية تلك القصيدة التى ألفها جعفر بن حسن البارزنجى (توفى 1179 هـ - 1765 م) وتعرف أيضًا باسم "عقد الجواهر" وقد تم نشرها عدة مرات وأشهر أناشيد المولد فى اللغة التركية هى تلك التى نظمها سليمان جلبى (توفى 825 هـ - 1421 م) وما زالت تلقى فى المساجد على امتداد تركيا وفى مساجد الجماعات السنية الناطقة بالتركية وفى

مساجد غرب وجنوبى شرقى أوروبا كجزء من الاحتفالات بمولد النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وقد ألقيت قصيدة المولد النبوى هذه أثناء إحتفالات البلاط العثمانى الرسمية كما نظمت قصائد مماثلة بالفارسية والبنغالية والسندية وغيرها من لغات شبه القارة الهندية والباكستانية وكذا باللغات الصربية والألبانية ويبدو أن القصيدة فى مولد الإمام على التى نظمها سليمان جلال الدين والمعروفة باسم "مولودى جنابى على" كانت على السن الناس فى الجماعات العلوية فى الأمبراطورية العثمانية فى العقود الأخيرة من القرن التاسع عشر. على أننا إذا خلينا جانبا مناسبة مولد النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فإن إلقاء قصيدة عن المولد كثيرًا ما يتم كجزء من الاحتفالات الدينية الأخرى وعند إلقاء قصيدة مولد أى من هذه المناسبات فمن الطبيعى أن تُتبع بحلقة ذكر وعند بعض الطرق الصوفية (كاالمرغنية وبعض فروع القادرية) تُلقى قصيدة المولد كجزء من ممارسة الشعائر الرئيسية والاحتفال بالمولد كتعبير عن التجليل للنبى محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] ووجد هذا ذيوعًا عاما فى الإسلام إلى حد ما سبب قوة الحركة الصوفية وأن وجدت له معارضة عنيفة فى كل الأوقات فمن يعتبرونه بدعة وبالنسبة لحركة المعارضة فمن الهام أن إعتراضاتها تنصب على النماذج التى تُظهر تأثير التصوف الإسلامى مثل الرقص أو السماع أو ذات طقوس مسيحية كخروج حملة المشاعل. وهناك وثيقة هامة تتعلق لهذا الجانب وهى نوع من الفتوى للسيوطى المتوفى سنة 911 هـ (= 1505 م) أوردها فى كتابه "حُسن المقصد فى أعمال المولد" حيث يورد فيه عرضا موجزا لتاريخ الاحتفال بالمولد ثم يبين ما يلقاه من تأييد وإنكار مع ترجيح أنه "بدعة" ولكنها بدعة حسنة، ويرى هذا الرأى كل من ابن حجر الهيثمى فى كتابه "المولد" وقطب الدين فى تاريخه عن مكة أما "ابن الحاج" المتوفى 737 هـ (= 1336 م) وهو مالكى متشدد فيندد به تنديدا قويا فى كتابه "المدخل"، وعلى الرغم من أن هذه الصراع بلغ أشده فيما بين القرنين الثامن والتاسع للهجرة (الرابع عشر والخامس عشر

الميلادى) لم تخمد حقيقة فى الأعوام التالية. بل اكتسب حياة جديدة مع مجئ الحركة الوهابية فهذه الحركة التى تستمد معارضتها لإحتفالات المولد من ابن تيمية والتى قامت بدور المعارض للتصوف فى الإسلام على إمتداد رقعة العالم الإسلامى والموالد المقامة للأولياء فى أجزاء عديدة من العالم الإسلامى. ومصطلح المولد كإحتفال بذكرى ولى يستخدم فى مصر والسودان على وجه خاص حيث ينعتونه العامة بالمُولد أما فى غير هذين البلدين فقد يقال له المَوسم الخصوصى وبالعامية "المُوسم" كما هو الحال فى المغرب وأجزاء من الشرق الأوسط يقال له "الحولية" (وبالعامية الحُولية) كما فى السودان والقرن الأفريقى، ويسمى بالعُرْس فى شبه القارة الهندية والباكستانية ويقال له الحُل فى ماليزيا وتتشابه الاحتفالات بالمولد فى جميع الأمكنة تقريبًا حيث يلتئم شمل جماعات تجتمع لمدة يوم أو يومين ويقام سوق يختلف حجمه ويصاحب هذه الاحتفالات الدينية حلقات ذكر وحلقات لتلاوة القرآن الكريم داخل وخارج مقام الولى الذى يحتفى بذكراه وتسيير موكب أو موكبان بمشاركة حارس المقام ويكون عادة من سلالته وغالبا ما يشترك فى هذا الموكب، وترفع الكسوة التى تغطى مقام الولى، ويتم استبدالها بأخرى جديدة وخلال الاحتفالات غالبًا ما يتم ترتيب ولائم جماعية وعملية توزيع للصدقات. ولا تقام هذه الأحتفالات فى بعض البلاد السّنية مثل أفغانستان. على الرغم من كثرة عدد الأولياء فى هذه المناطق أما فى وفى البلاد الشيعية فلا تفرق الموالد على النمط الذى ذكرناه. وأما مصر فإن الاحتفال بالعدد الكبير من الموالد (والتى قد تبلغ ثلاثمائة مولد سنويا) فلابد من إذن رسمى لإقامته حسب قرار 1970 م ويتم عادة بالتنسيق له والأشراف عليه من مشيخة الطرق الصوفية والاتفاق مع وزارة الأوقاف وذلك حتى تمنع هذه الاحتفالات من الفوضى وحتى تضمن النظام العام وبعض هذه الموالد كانت

المصادر

أو ما زالت مشهورة بطقوس خاصة أو عادات تتم كجزء من الأحتفالات وخلال معظم الموالد تباع عرائس المولد (عرائس من السكر) والاحتفال بالمولد فى مصر لم يكن منصبًا على أولياء المسلمين فحسب بل يتعداهم إلى القديسيين الأقباط كذلك. وقد هيمنت احتفالات المولد فى مصر على إنتاج غالبية الأدب الجدلى العنيف المعنى بالوضع الدينى لإحتفالات المولد قبل أى شئ وهؤلاء المنتقدون لمثل هذه الاحتفالات يترواحون فى مطالبهم ما بين إصلاحات طفيفة للطقوس مثل تحريم استخدام الآلات الموسيقية فى المواكب ومنع الأشكال المستخدمة للتسلية فى حرم المولد وصولًا إلى الإلغاء الكامل له. ومعظم هؤلاء الذين وقفوا ضد الاحتفال بالمولد بأشكاله التقليدية يبدو أنهم من أتباع المذهب الوهابى وبعض من أشهر ناقدى القرن العشرين الذين يستحقون الذكر هنا الشيخ محمد رشيد رضا ومحمود خطاب السبكى ومحمد حامد الفقى وكما أنه توجد فى أماكن أخرى من العالم الإسلامى جماعات وأفراد يتشابهون فى موقفهم المعارض حيث ما زالوا يعارضون معارضة قوية توقير الأولياء، المصادر: تاريخ الاحتفال بالمولد النبوى للسندوبى، والجواهر لمصطفى الشاذلى وكتاب قاموس العادات والتقاليد والتعابير المصرية لأحمد أمين، والموالد لفاروق أحمد مصطفى والخطط لعلى مبارك، جـ 1. سامية السيد أحمد سالم [ج. نابرت G.Napert] موت يعود مفهوم الموت عند العرب قبل الإسلام إلى المعتقدات الروحانية الموروثة من ماضيهم السحيق. فقد كانوا يعتبرون الموت هو القدر المقدور على كل كائن حى، يتساوى فى ذلك الإنسان والحيوان. وكان يعرف بأنه انطفاء الروح الحيوية التى تهب الحياة للكائنات الحية، أو انفصال الروح عن الجسم. ولما كان من المعروف لديهم أن مقام قرين الإنسان الدم والنفس، فإننا

نستطيع أن نفهم لماذا كان العرب يعتقدون أن القرين يترك الجسد مع إسالة الدم فى حالات الوفاة نتيجة للعنف بينما يخرج من الجسم عن طريق الأنف عند الوفاة الطبيعية، ومن هنا كان التعبير مات حتف أنفه. وبالإضافة إلى ذلك، لم يكن العرب قديمًا يؤمنون بالبعث ولا بالحياة الآخرة كما أكد ذلك القرآن الكريم وإن كانوا يعتقدون فى خلود الموتى، وتشير كلمتا هام وصدى إلى أرواح الموتى. إلا أن العرب، على عكس باقى الشعوب السامية الأخرى، لم يستسيغوا فكرة وجود عالم خاص بالموتى، عالم الأشباح والظلام. وبالإضافة إلى كذلك، كانوا لا يقبلون أن يهان موتاهم، وكانوا يعتقدون أن الموتى الذين لم يدفنوا والدماء التى لم ينتقم لها تظل أرواحهم تهيم فى الصحارى صَدْيَا (عطشى)، وكاكن ترك الموتى لمثل هذا المصير يعتبر أكبر عار يمكن أن يصيب القبيلة، وبالانتقام فى حالة القتل والمراعاة التامة لمراسم الجنازة وبصفة خاصة الدفن، كان العرب يحفظون موتاهم من مثل هذا المصير ومجتمعهم من ذلك العار. وكان هدفهم الأساسى هو تأكيد صدق تكافل القبيلة ودوامه من خلال معاملتهم لموتاهم. ويبدو أن العرب كانوا، فى بعض مراحل تاريخهم يعبدون الموتى (عبادة الأجداد)، ولكن من الواضح أن هذه العبادة اختفت تماما فى الفترة السابقة للإسلام مباشرة تحت التأثير المشترك لاستقرار القبائل وظهور الوثنية ولم يتبق منها إلا الطقوس التى تؤدى للميت بعد الوفاة مباشرة (غسل الجسد والحداد والدفن)، أما الطقوس الأخرى مثل تقديم القرابين وذبح الذبائح فقد خصوا بها الآلهة. ولقد كان لهذا التقديس للموتى الذى يمد واجب التكافل القبلى إلى ما بعد الموت دور فى اهتمام العرب بطهارة النسب مما أدى إلى إرساء قواعد متينة للنظام الاجتماعى عندهم، وأدى ذلك بدوره إلى بقاء المثل الأخلاقية عبر الأجيال كما جعل العربى لا يخاف الموت ويقدم المحافظة على شرفة وشرف جماعته على المحافظة على

حياته. ويبدو ذلك واضحًا فى المراثى الجاهلية. قدم الإسلام للعرب مفهومًا مختلفًا تمامًا للموت، وهذا الاختلاف نتيجة لتعريف جديد للروح والحياة. وكما ذكر القرآن فإن الإنسان يتحرك بشيئين متميزين، أحدهما مفكر وهو النفس والثانى واهب الحياة وهو الروح. وتحمل النفس معنى "الذات" فى أكثر حالاتها إدراكًا دوامًا، أما الروح فهى أصل الحياة وهى هبة من اللَّه وهو الذى يعطيها الحياة والقوة. يؤكد الإسلام أن الميلاد والوفاة قدر إلهى، والأبوان لا يهبان الحياة. كما أن الأحداث ليست هى إلا السبب الظاهرى للموت، فكل ذلك أسباب تتحقق بوساطتها إرادة اللَّه. أحدث هذا التعريف الجديد للحياة ثورة فى المفاهيم الغيبية والأخلاقية عند العرب، فالحياة لم تعد ذاتية، والمقابلة بين الكائنات الحية وغير الحية فقدت كل مقوماتها وحل محلها مفهوم جديد أصبح فيه اللَّه عز وجل هو الخالق ومصدر الحياة وكل شئ عداه مجرد مظهر لقوته ووجوده. ومن ناحية أخرى، فإن تأكيد أن الحياة هبة من اللَّه وليست من الجماعة، {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ. . .} (الأنعام 98). وإضفاء الإسلام أهمية جديدة على حياة الفرد ومنظور جديد لأفعاله، جعل حياة الفرد مقدسة، {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ. . .} (الإسراء 33)، وكان هذا مفهومًا جديدًا عند العرب، فمن الآن فصاعدًا لا يقتل إلا من يرفض الاعتراف بسلطان اللَّه أو ينتهك حرمات اللَّه انتهاكًا خطيرًا، وهكذا، باستبدال وحدة الدين بوحدة الدم، دفع الإسلام العرب إلى تحرير أنفسهم من هيمنة العشيرة والإحساس بوجودهم كأفراد أحرار ومسئولين. وبالرغم من أن المؤمنين إخوة، إلا أن كلا منهم مسئول عن نفسه أمام قضاة الدنيا وأمام اللَّه فى اليوم الآخر. تبين أصداء المناقشات التى أدت إلى ظهور هذه المفاهيم والمكانة التى تحتلها

أصل الحركة

الحياة الأخرى ويوم الحساب فى القرآن إلى أى مدى غيرت هذه الرسالة معتقدات العرب. فالموت لم يعد نهاية الحياة، وإنما هو الأجل الذى حدده اللَّه عز وجل لإنهاء فترة اختبار الإنسان فى الدنيا، كما أن مصيره بعد وفاته لا يتوقف على تماسك الجماعة بل على أعمال الإنسان ورحمة اللَّه. وأصبح السؤال الذى يجب على كل إنسان أن يسأله لنفسه هو ما إذا كان من السعداء فى الآخرة أم من الأشقياء، وفى نفس الوقت لا يستطيع أحد أن يجيب على هذا السؤال بالتحديد، وقد دفع عدم التأكيد هذا العرب إلى الاحساس بشعور لم يعرفوه من قبل وهو الخوف. وقد انعكس ذلك بوضوح فى نوع جديد من الشعر وهو شعر الزهد. لم تحدث رسالة القرآن الكريم ثورة فى معتقدات العرب فحسب، بل أيضًا فى اتجاهاتهم وسلوكهم، وكذلك تغيرت مراسم الجنائز تغيرًا كبيرًا، وقد احتفظ الإسلام ببعض العادات القديمة مثل غسل الميت والتكفين والدفن، ولكنه حرم بعض الطقوس الوثنية مثل النواح وتقديم القرابين، وفوق كل شئ، فرض الإسلام صلاة الجنازة التى تضفى على مراسم الجنازة أهمية مختلفة تمامًا. وليست هذه الصلاة لتمجيد المتوفى بل دعاء إلى اللَّه بالرحمة، فقد علم الإسلام الناس التواضع. حسين أحمد عيسى [م. عبد السلام M. Abdlselem] الموحدون الموحدون اسم أطلق على أتباع حركة نادت بالتجديد والإصلاح الإسلامى، حكموا خلال القرنين السادس والسابع للهجرة (الثانى عشر والثالث عشر الميلادى) فى دولة أقاموها فى شمال أفريقية وفى أسبانيا. أصل الحركة: فيما يتعلق بأصول هذه الحركة فإن ما كتب عنها بعد قليل من عصر الموحدين ومن مطالعة الأحداث التى صحبت بزوغ العقيدة الموحدية ومن الدراسات الحديثة عن هذا الموضوع يتبين لنا أهمية البربر فى نشر هذه الدعوة، وفى تطورها السياسى الذى لم يبدأ بعودة ابن تومرت من الشرق إلى المغرب (510 أو

تأسيس الأمبراطورية

511 هـ = 1116 أو 1117 م) بل بعودته إلى أصوله البربرية بين المصموديين سنة 517 هـ (1123 م)، ولقد تحوّلت رسالة المهدى التى بثها وكأنها محاولة تهدف إلى إصلاح أخلاقى إلى حركة سياسية ترمى إلى الإطاحة بالمرابطين وذلك بعد أن استقر المهدى فى تنمل وهى قرية منعزلة فى جبال أطلس. وبناءً على ما يذكره المراكشى فإن ابن تومرت ما كاد يصل إلى تنمل حتى راح ينشر بين البربر تعاليمه الدينية وألف "لهم" عقيدة "كتبها بلغتهم عرفت بالمرشدة"، ثم أعاد كتابتها لهم مرة ثانية، وتوجد هاتان الرسالتان اليوم بالعربية ويستدل مما يقال من إن ترجمة من الموطأ منسوبة إلى ابن بكير (وقد نقلها ابن تومرت إلى تلميذه عبد المؤمن وأن نسخة منها كتبت سنة 590 هـ (= 1193 م) للخليفة الموحدى الثالث أبى يوسف يعقوب المنصور) أقول يستدل من هذا على أن مؤلفات المهدى قد وضعت أصلًا تحت تأثير البربر ولسدّ حاجاتهم، أما الترجمات العربية لهذه "الكتب" التى توجد بين أيدينا اليوم فالأرجح أنها كتبت بعد فترة من موت عبد المؤمن لتكون بين يدى المنصور الذى أصبح مسئولًا للقيام بحركة إصلاح فى العقيدة. تأسيس الأمبراطورية: إن احتلال الموحدين لشمال أفريقية وأسبانيا لم يبدأ إلا بعد موت ابن تومرت (سنة 524 = 1130 م)، كما أن احتلال المغرب استغرق فترة طويلة من الزمن قاربت العشرين عامًا منذ أول هجوم على مراكش سنة 523 هـ (= 1129 م) حتى تم الاستيلاء عليها سنة 542 هـ (= 1147 م)، ولقد تم تحالف قوامه قبائل مصمودة تحت قيادة ابن تومرت وشرع هذا التحالف فى شن هجمات عسكرية يشرف عليها عبد المؤمن، واختار المهدى فى حياته عبد المؤمن ليكون خليفة له من بعده رغم أنه كان من أصل زناتى، ونودى به خليفة سنة 524 هـ (= 1130 م)، وكان الموحدون فى محاربتهم المرابطين يلجأون دائما إلى الإقامة فى الجبال ويتجنبون على الدوام الاصطدام بهم فى الأماكن المفتوحة، ولقد اتسم فتح

مراكش بالوحشية الضارية حتى أن المذابح والاضطهادات التى وقعت على المدنيين دفعت ابن تيمية لأن يتهم الموحدين بأنهم قتلوا آلاف المسلمين الصالحين، ولا يُبرّر ما أحدثوه ما يقولونه إنهم مالكية، ولقد ترتب على هذا تعدّد قيام القبائل والمدن بكثير من الثورات التى أعقبتها هجمات عسكرية على أن طبيعة الاحتلال الموحّدى التى اتسمت بعدم التسامح أدت إلى قيام حركة تطهير (أو كما يسمونها حركة تمييز) بين الموحدين أنفسهم. بعد أن أقام عبد المؤمن حكومته فى مراكش (542 - 545 هـ/ 1147 - 1150 م) قضى عامين فى ميناء sale وأسس جيشا كبيرا وبدلًا من أن يمضى هذا الجيش رأسا فى اتجاه أسبانيا نراه يزحف شطر المغرب الأوسط وكانت المدن والقرى فى هذا الإقليم فى وضع سياسى محفوف بالخطر شأنها فى ذلك شأن ما فى غيرها فى أفريقية، ذلك أن هجمات قبائل العرب البدوية القادمة من ناحية مصر قد أدّت إلى شلل اعترى الأعمال الاقتصادية والاجتماعية مما سّهل السبيل أمام المسيحيين النرمنديين فى شن هجمات عدوانية ضد المدن الواقعة على ساحل البحر الأبيض المتوسط، ومن ثم اتسم الفتح الذى تم على أيدى الموحدين بالسرعة والسهولة فى كل من الجزائر وقلعة بنى حماد وقنسطنطينة، فتمكنوا من الاستيلاء عليها فى سنة 547 هـ (= 1152 م)، كما انتزعوا من الأفريقيين فى سنة 554 هـ (= 1159 م) مدينة تونس، واستردوا من النرمنديين المهدية وصفاقص وطرابلس التى كانت كلها آخر الفتوحات المؤدية لأول مرة فى أفريقية الشمالية لقيام دولة موحدة يحكمها الموحدون. ولقد أدركت دولة الموحدين ذروة نجاحها المادى والثقافى زمن ثلاثة من الحكام الذين خلفوا عبد المؤمن الذى مات 558 هـ (= 1163 م) وهؤلاء الحكام هم أبو يعقوب يوسف (558 - 580 هـ = 1162 - 1184 م) وأبو يوسف يعقوب المنصور (580 - 595 هـ = 1184 - 1199 م) ومحمد

الناصر (595 - 610 هـ = 1199 - 1213 م) رغم أن هؤلاء الثلاثة قاموا ببذل محاولات عسكرية لا تهدأ فى سبيل الحفاظ على ما تم لهم فتحه فى المغرب، وكان جيش الموحدين جيشا لا يمكن قهره، إذ كان قوامه قوات من بربر مصمودة وزناتة، بالإضافة إلى ما يسنده من أسطول كبير ضخم قوّى لعب دورًا حاسما فى المعارك البحرية التى خاضها، ولذلك شيدت أحواض لصناعة السفن وإصلاحها فى موانى الأطلسى والبحر الأبيض المتوسط، ولقد حاول صلاح الدين الأيوبى أن يقوم هذا الأسطول بمساعدته فى حصاره لعكا سنة 585 هـ (= 1189 م) ولكن المنصور ردّه خائبا (انظر Eyaudefr ay Demanlrynes Une lettre de saladein au Calife almahade, Panis 1925, II,279 - 304). أما ابن خلدون فيقول بهذا الصدّد: إن المنصور ما لبث أن بذل رأيه وأرسل إلى السلطان المصرى مائة وتسعين سفينة. أما فى أسبانيا فإن توقف حركة الاستيراد المؤقت واكب وصول الموحدين واستقلال المدن والأقاليم التى اغتنمت فرصة ضعف قوة المرابطين لتتخلص من نيرهم. لقد بدأ تدخل الموحدين الحربى فى الأندلس زمن عبد المؤمن، ولكن لم يتسن أبدًا لنفوذهم أن يتمركز ويستقر أبدا فى تلك البلاد استقرارًا كاملًا، وإذا كانت مدينتا قاوس و Terez هما أول مدينتين اعترفتا بسلطان الموحدين سنة 541 هـ (= 1146 م) فقد تلى ذلك الاعتراف تدخل عسكر الموحدين واستيلائهم على أشبيلية Serille سنة 542 هـ (= 1147 م). ولما كانت سنة 545 هـ (= 1150 م) جاءت وفادة مؤلفة كلها من الأمراء فى أسبانيا إلى Sole استجابة لدعوة من عبد المؤمن معلنة اعترافها الرسمى بسلطانه عليها غير أن التدخل الحربى الكبير فى أسبانيا من جانب الموحدين إنما كان فى أيام ولده أبى يعقوب يوسف، وقاموا بالهجوم الذى كان الهدف منه احتلال شرقى

أسبانيا (568 هـ = 1172 م) واحتلال مدن بلنسية وجيان ومرسية، ثم كان الانتصار الحاسم سنة 591 هـ (= 1195 م) فى وقعة الأراك Alarces على قشتالة، أما فى الشمال الأفريقى فقد كانت الحاجة ماسة لحملة حربية من جانب الموحدين لغزو "أفريقية"، التى هددها أمراء من أسرة بنى غانية الموحدة، وقد قدر لهم النجاح بفضل أسطولهم وثبتوا أقدامهم فى جزائر البليار التى اتخذوها قاعدة حربية تنطلق منها قواتهم فتبسط سلطانهم على أفريقية والمغرب الأوسط. فى خلال هذه الفترة من اشتداد التوتر الحربى شعر الموحدون بحاجتهم الملحّة إلى دعم قواتهم بإمدادات جديدة، ومن ثم أجمعوا العزم على أن يلجأوا إلى العنف فى نقل القبائل العربية البدوية إلى مراكش، وبذلك دخل البلاد عنصر جديد أخل بالتوازن الهش الذى كان بين السكان البدو وبين الأهالى المقيمين هناك، أعنى بين المدن وبين الريفء ولقد أدت زيادة عدد البدو يوما بعد يوم إلى التدخل فى أسلوب حياة القبائل البدوية وإرغامها على تغيير طرقهم بحثًا عن مراعٍ جديدة، مما أدى إلى انطلاق قوة بنى مرين التى سوف تحل محل الموحدين بعد نصف قرن تقريبًا. وعلى الرغم من أن جيش محمد الناصر رابع الخلفاء الموحدين قد استطاع أن يحرر الناحية الشرقية من المغرب وجزائر البليار من قبضة بنى غانية سنة 602 هـ (= 1205 م) إلا أنه لم يستطع الصمود فى أسبانيا، فقد أدت هزيمة الأراك إلى قيام تحالف قوى من ملوك أسبانيا وفرسانها دعا إليه أسقف طليطلة رودريجو جيمنيز Rodrigo Jimenez de Rada فكانت دعوته حربا صليبية، ولم تكن هزيمة الموحدين فى وقعة العقاب مؤدية فحسب إلى رفع قبضتهم عن المدن الأسبانية والمناطق الريفية وحدها، بل كانت أيضًا إشارة إلى انتهاء الفترة الأولى من عهد سيادة الموحدين وبداية تدهورها. أما الضعف الحربى الذى اتسمت به الفترة الثانية من تاريخ الموحدين

السياسى فقد صحبته الفوضى وثورات المدن وضعف الخليفة والانصراف عن عقيدة الموحدين، كما أخذ الولاة فى هذا العصر يتوالون بعضهم إثر بعض بصورة زادت من ضعف السلطة المركزية وتدهور وضع الأسرة، فكانوا يعرفون "بالخلفاء" فى الأندلس، ولكن شيوخ الموحدين بمراكش لا يعترفون بهم، وكانت تؤيدهم فى بعض الأحيان القبائل العربية ولكن يأبى الاعتراف بهم أهل المدن، حتى ليذكر المؤرخون ثمانية من "الخلفاء" الموحدين كلهم من أسرة بنى مؤمن، وهؤلاء الخلفاء هم: يوسف بن أبى عبد اللَّه المستنصر (610 - 620 هـ)، وأبو محمد بن الواحد المخلوع (621 هـ = 1224 م) وأبو محمد عبد اللَّه العادل (621 - 624 هـ) ويحيى بن ناصر المعتصم باللَّه (624 - 633 هـ) ويعاصرهم أبو العلا إدريس المأمون (624 - 630 هـ/ 1227 - 1232 م) وعبد الواحد الراشد (630 - 640 هـ = 1232 - 1242 م) وأبو الحسن على السعيد (640 - 646 هـ = 1242 - 1248 م) وأبو حفص عمر المرتضى (646 - 665 هـ = 1248 - 1266 م) وأبو دبّوس الواثق باللَّه (665 - 668 هـ = 1266 - 1269 م). وعلى الرغم من عدم الاستقرار السياسى وانهيار البنية السياسية والإدارية إلا أن مدينة مراكش ظلت مركز نشاط فنى وتوقّد فكرى كبير خلال الفترة الثانية من تاريخ الموحدين، كذلك نجد أن الأقاليم الواقعة عند أقصى أطراف الإمبراطورية (وهى التى كانت آخر النواحى التى خضعت للموحدين) كانت هى الأخرى أول الجهات التى خرجت من نطاقهم، وكان مما ساعد وزاد فى هذه الخطوة من التفكك والانفصال هو ما جرت عليه سياسة الموحدين من تعيين واحد من رجال الأسرة وجعله واليًا شبه مستقل فى المدن والأقاليم وإمداده بالقوات العسكرية، وتركه حرًا حرية تكاد تكون كاملة فى التصرف فيما تحت يده من المال، ومن ثم فقد قام حاكم "أفريقية"

تنظيمات دولة الموحدين

الحفصى وأعلن استقلاله بولايته التى هو فيها، وذلك سنة 726 هـ (= 1229 م)، وتلاه فنسج على منواله كبير بنى عبد الواد فأعلن فى سنة 637 هـ (= 1239 م) استقلاله بما يحكمه فى تلمسان والمغرب الأوسط، كما قاد الخليفة المخلوع يحيى بن ناصر حملة استطاع بها أن يفصل الجنوب عن عاصمته سجلماسة وهى مركز هام من مراكز وطرق التجارة الصحراوية. فإذا انتقلنا إلى مراكش وجدنا بنى مرين من قبائل زناتة البدوية التى تعيش فى السهول يسيطرون على المدن الواقعة على مسافة من مركز قوة الموحدين، وانتهى بهم الأمر أخيرًا إلى تصفية وجود الموحدين، وذلك بغزوهم مراكش سنة 668 هـ (= 1269 م) وتملال Timmallal مهد حركة التوحيد والموحدين فى سنة 676 (= 1276 م). تنظيمات دولة الموحدين: لقد ظهر فى الوجود أثناء زمن الموحدين أمور جديدة فى النواحى السياسية والمالية والأدبية والفنية والمعمارية بل والألقاب أيضا وظلت بعدهم إلى حد ما، وكان أول شئ فى هذه الابتداعات المستجدة هو تكوين مجتمع موحدى على أسس تنظيمية ظهرت مع وصول ابن تومرت إلى تملال Timmallal, وجعل هذا النظام الجديد على رأس هذا المجتمع طائفة من الأشخاص ينتسبون إلى المهدى و"بيته"، ويتألف منهم مجلس أعلى. ثم يلى هذا هيئتان إحداهما تتألف من عشرة من أقارب المهدى، والأخرى من خمسين من شيوخ القبائل، بل إن القبائل المصمودية ذاتها رتبت ترتيبًا تنازليا فكانت طبقات بالنسبة إلى الحرف التى تمارسها، فكان منهم المحتسبون والسقاءون والمؤذنون. وكذلك وضعت أوصاف خاصة لوحدات الجيش المختلفة، وكانت هذه الصورة من التنظيم تجعل الصدارة فى التعظيم لأشد الجماعات إخلاصا للمهدى وتأييدًا له، ويندرج فى هؤلاء الأشخاص والقبائل على السواء، وهناك تفسير آخر لهذه الطبقية الموحدية فى أنها تجسيد لمبدأ فلسفى أيده ابن

العملة زمن الموحدين

تومرت، وكان الجهاز الإدارى فى بلاد خليفة الموحدين بمراكش يرأسه "كاتب" ووظيفته هى وظيفة الوزير، على أن لقب "الوزير" (وهى وظيفة اعتبرها ابن خلدون مكافئة لوظيفة الحاجب) لم يظهر زمن الموحدين، بل كانت وظيفة "صاحب الأشغال" من الوظائف الهامة غاية الأهمية فى جهاز بلاط الموحدين، إذ كان المسمى بهذا اللقب مسئولًا عن جمع الضرائب وغيرها من دخول الدولة المالية وأوجه الصرف، وهو أعلى من جميع موظفى وعمال العاصمة والولايات، وكان يشاطره هذه المكانة من يعرف "بالحاكم" وهو رئيس الشرطة، ويكون فى العادة شيخًا من الموحدين، أما سياسة الدولة الدينية الرسمية التى تبدأ بالمهدى وعبد المؤمن فقد حلت محل "المالكية" وكان أكبر ضحايا هذه السياسة هو القاضى عياض قاضى سبتة، وهو مؤلف مالكى كان يستظل بظل المرابطين وموضع رعايتهم، وقد نفى إلى مراكش بعد قيام بلدته بالثورة وأخرج من كل الوظائف التى كانت بيده. على أن المهدى لم يغير فى القانون الفقهى، ولم يصدر ما يقنن ممارسات الحياة اليومية لتطابق العقيدة الجديدة، ومن ثم ظل التشريع المالكى يسيطر على حياة المغاربة، وظل القضاة المالكيون فى المغرب وفى الأندلس على وجه الخصوص يمارسون وظائفهم دون أن يصادفوا ما يعيقهم، كذلك استمر الموحدون يعينون القضاة، وأبقوا على وظيفة قاضى الجماعة، وهى التى جرت العادة أن يتولاها الأندلسيون، ويعرف من قضاة الجماعة على الأقل ثلاثة كانوا مالكيين، ويمكن مراجعة أسماء الوزراء والكتاب والقضاة الموحدين فى القائمة التى أوردها "هوبكنز" فى كتابه عن الحكومة الإسلامية فى العصور الوسطى فى المغرب. العملة زمن الموحدين: غير الموحدون شكل العملة ووزنها، وكان قطر الدينار الموحدى يتراوح ما بين 22.19 مم، ويزن 2.4 جراما، وأصبحت الكتابة عليه بالقلم النسخ،

الحياة الاقتصادية

كما ضربوا نوعًا عرف بالدينار المزدوج أو المضاعف، وظهر فى عهدهم لأول مرة الدرهم "المربع" ولقد شابه الموحدون المرابطين فى عدم استعمالهم العملة النحاسية، والظاهر أنه لم تسك أية عملة زمن المهدى، وإن ظهر اسمه واسم عبد المؤمن وذريته فى النقوش إلّا لفترة قصيرة من عهد المأمون الذى رفض الاعتراف بالعقيدة الموحدية، وقد جرت العادة على ألا توضع التواريخ على السكة، وقل أن كان يظهر عليها اسم دور الضرب التى سكت فيها، وكانت نوعية المعدن التى تستعمل ومستوى الصنعة يبلغان من الروعة مكانة كبيرة، وكانت دور الضرب تقوم فى البلدان الآتية: بجاية، وتدغة وتونس وسلا وفاس ومراكش ومكناس وأشبيلية وجيان وقرطبة ورباط الفتح وتلمسان وسجلماسة، وشهد عصر الموحدين ظهور نوع من العملة الفضية يسمى millares فى شمال افريقية، كان النصارى قد سكّوه وجعلوه على نمط درهم الموحدين وصدّروه إلى البلاد الإسلامية. الحياة الاقتصادية: إن الدراسات التى تعرضت للزراعة فى أسبانيا زمن الموحدين كشفت النقاب عن أن الفلاحين كانوا على معرفة جيدة بأحوال الأرض والأسمدة المخصّبة وطرق الزراعة، وأن انتشار عدد كبير من النباتات إلى جانب وجود نظام دقيق للرىّ كان له أثره الفعال فى قيام رخاء زراعى كبير، ويدل تقويم ابن البناء (الذى وضع فى مراكش قرب نهاية عصر الموحدين) على أن الخبرة بالنواحى الزراعية فى المغرب كانت متقدمة رغم تأخرها نسبيا عن مثيلتها فى أسبانيا، كما أن نظام ملكية الأرض فى أسبانيا لم يكن خاضعًا لأى تدخل من جانب الموحدين عكس ما كان معمولا به فى مراكش إذ كان الهدف منه هنا تيسير جمع الضرائب وتوزيع "الإقطاعات" على العرب وقبائل البربر، وحينذاك ابتدع الموحدون نظاما موحدا خاصا بالأراضى، ويشير صاحب "القرطاس" إلى أن هذا النظام يرجع إلى الوراء إلى سنة 554 هـ (= 1159 م) حيث

وضعه عبد المؤمن الذى فرض الخراج على الأراضى المزروعة، أما فيما يتعلق بالصناعات الريفية والحرف التى كانت شائعة بين المسلمين فقد بقيت كما هى عليه زمن الموحدين، أما حجم الانتاج الصناعى فتبينه قائمة بعدد المنشآت الصناعية والمصانع فى مدينة فاس زمن الخليفة الناصر وهو الحاكم الذى كان له اهتمام كبير بهذه المدينة، وإليك بيانها: 3490 مصنع غزل ونسيج، 27 مصنعا للصابون و 86 مدبغة جلود، 116 مصبغة، 12 دكان حدادة، 11 مصنعا للزجاج، 472 طاحونة، ومائة وخمسة وثلاثون مصنعا لعمل مواد البناء وأربعمائة واثنتان وسبعون طاحونة تدار بالماء، وألف ومائة وسبعون مخبزا، وأربعمائة مصنع للورق ومائة وثمانون مصنعا للفخار، وتسعة آلاف واثنان وثمانون محلا لبيع شتى أنواع البضائع، وداران لسك العملة، وتتضمن نفس القائمة بيانات عن مؤسسات غير هذه التى ذكرناها منها: 8923 وحدة سكنية، و 17040 بيتا خاصا وثلاثة وتسعون حماما عاما، إلى جانب غيرها وعددها 42، وكذلك ثمانون سبيل ماء، و 785 مسجدًا، و 467 خانا. ولقد واكب بداية عصر الموحدين التوسع التجارى الأوربى الكبير تجاه الشمال الأفريقى، وتشير اتفاقيات السلام والتجارة (التى ترجع إلى سنة 1150 م وما بعدها) والمحفوظة فى دور الوثائق الأوربية إلى أن هذه الاتفاقيات أبرمت بين الموحدين من جهة ومدن أوربا المختلفة من ناحية أخرى، وتهدف هذه الاتفاقيات إلى ضمان تأمين التجارة التى أخذت فى الزيادة بصورة كبيرة، وشجبت هذه المعاهدات القرصنة وأكدت رعاية السلطات المسئولة للتجار وما معهم من المتاجر، أما البيازنة الذين كانوا يلقون على الدوام حسن الرعاية فى أفريقية فقد كانوا موجودين فى تونس زمن عبد المؤمن الذى عقد اتفاقيتى سلام وصلح مع بيزا كانت أولاهما سنة 1133 م والثانية عام

1166 م، كما عقد معها أيضا اتفاقية تجارية سنة 1157 م، وفضلا عن ذلك فإن هناك اتفاقيتين مع بيزا (سنة 1186، 1189 م) لتنظيم التجارة بينها وبين سبتة ووهران وتونس وأسبانيا. أما فيما يتعلق بجمهورية خبوا فقد أبرمت كثير من المعاهدات فيما بين عامى 1155 و 1164 م لتنظيم التجارة مع كل من طرابلس وسبتة وتونس وساليه وبوجه Bougie, أما مرسيليا فقد عقدت اتفاقا بشأن تجارة الخمور مع سبتة ووهران وبوجه وتونس وذلك فى سنة 1228 م، أما قبل ذلك أعنى سنة 1181 م فقد مُضيت اتفاقية بين مملكة الصقليين وبين جزر البليار تحت إشراف أمراء بنى غانية، الذين أمضوا بعد ذلك بثلاثة أعوام (1184 م) اتفاقية سلام وتجارة مع بيزا، ثم فى سنة 1188 م اتفاقية أخرى مع خبوة، وأقامت مراكش أول ارتباطات وعلاقات تجارية من ناحية قطالونيا، وكانت الارتباطات قاصرة على موانى البحر الأبيض المتوسط فقط لأن القرصنة كانت سوط عذاب يقض هدوء الساحل الأطلسى مما جعل العلاقات التجارية مع هذه النواحى أشدّ صعوبة منها مع غيرها، ولقد شهد القرن السابع للهجرة (الثالث عشر للميلاد) ظهور الإيطاليين والبروفنساليين والكتلان فى سبتة التى أخذت تفاوض برشلونة فى سنة 1227 م ومونبلييه سنة 1233 م سعيا وراء إقامة علاقات منظمة بينها وبينهم، كما زار التجار بعض الموانى الصغيرة الواقعة شرقى سبتة والموانى الأخرى غربها حيث طنجة إذ كان المرجان يصدر من هناك إلى أوربا، كما زاد التعامل التجارى مع Sole بسبب الذهب الذى يأتى أصلا من السودان الغربى. أما دخول القشتاليين إلى وسط مراكش هقد جاء فى وقت لاحق لذلك الوقت. وهناك عدد من الاتفاقيات أكبر من هذه الأعداد التى ذكرناها يرجع تاريخ عقدها إلى المراحل الأخيرة من عصر الموحدين، وقد أبرمت مع تونس فى الوقت الذى كانت فيه دولة الحفصيين موشكة على أن تعلن استقلالها عن دولة الموحدين.

الحياة الثقافية

أما المنتجات المحلية التى كانت تصدر فى ختام القرن السادس الهجرى (الثانى عشر الميلادى) من مراكش وتجد لها سوقا فى الأراضى الواطئة (بلاد فلاندرز) فكما يلى: الشمع والجلد المدبوغ والفراء من فاس، الكمون والسكر من مراكش، التمر وحجر الشب الأبيض من سجلماسة، الجلد المدبوغ من Boregie, الشمع وكبريتات الرصاص من تونس. الحياة الثقافية: كان ظهور وانتشار الصوفية فى شمال أفريقية وتطور الفلسفة زمن الموحدين يلقى معارضة من جانب الحركة الموحدية الدينية العقلية المتسمة بالتعصب فى أولى مراحلها، وقد وجدت حركة التحرر الجديدة ما يؤيدها فى تطبيق فقه الغزالى، ولقد ظهر فيلسوفان من كبار الفلاسفة فى ذلك العصر هما ابن طفيل (حوالى سنة 499 - 581 هـ = 1105 - 1185 م) وابن رشد (520 - 580 هـ = 1126 - 1184 م) عاشا فى مراكش وألّفا بها تحت رعاية السلطانين أبى يعقوب يوسف وولده أبى يوسف يعقوب، كذلك ظهر رجل أندلسى آخر هو الصوفى الفيلسوف ابن سبعين (المتوفى سنة 668 هـ = 1270 م) الذى عاش فى سبتة وكتب بها رده على الأسئلة الفلسفية التى وجهها فردريك الثانى ملك صقلية لخليفة الموحدين عبد الواحد الرشيد، ولم يعد الخلفاء الموحدون يعارضون انتشار الحركة الصوفية، ولعل الشخصيتين البارزتين فى التصوف المغربى هما أبو مدين وابن مشيش اللذان وجدا عطفًا من جانب الموحدين، كما أن هناك ما لا يقل عن مائة من الصوفية الذين عاشوا ودفنوا بمراكش خلال عهد الموحدين، كما ظهرت كمية هائلة من الإنتاج فى ميادين الشعر والتاريخ والجغرافية والعلوم، وهى تدين فى الأغلب إلى ما لقيته من تشجيع بعض الحكام ومساهماتهم وكان دخول الأندلسيين فى الشمال الأفريقى مؤديا إلى بعث النشاط الأدبى وازدهاره، على حين كان تأثيرهم واضحا على الخصوص فى الوظائف التى شغلوها فى إدارة الموحدين وفى البلاط.

التدهور

كما أن دراسة الآثار والمكتشفات منذ مستهل القرن الحالى ومعظمها فى مراكش وهى التى قام بها تبراس، وباسيه، وميونييه، وديفردون، وكاييه، وهينون قد أظهرت للعيان الخصائص الذاتية البارزة لفن العمارة فى عصر الموحدين. التدهور: إن تجربة الموحدين التاريخية قد أثرت تأثيرا عميقا على الدراسات التى تناولت بها كتابة التاريخ المغربى والفكر المغربى بشقيهما الوسيط والحديث، فنرى ابن خلدون يكشف فى مقدمته عن المدى الذى تأثرت به نظرته إلى حقبة الموحدين، ويقول: إن قسما كبيرا من نظرياته الاجتماعية والسياسية مبنية على أمثلة استمدها من تاريخ الموحدين، أما المؤرخون المحدثون فيرون أن ما أصاب الموحدين من انهيار يحتاج إلى أن نفصل بينه وبين العقيدة، كما يقرر كل من "تورنو" و"مراد" أن خضوع الدولة لأسرة المعتمد كان السبب الرئيسى المؤدى إلى التفكك. الخاتمة: تتوفر لدينا الوثائق المعاصرة للموحدين وكذلك الدراسات العديدة، ولقد قام ليفى بروفنسال بجمع كثير من هذه المصادر المعاصرة لهم كما جمع ما فى مكتبة الإسكوريال من مادة بالعربية، وجمع ما يتعلق بهم فى كتاب الأنساب فى معرفة الأصحاب، مما ساعد "كولن" على أن يدرس تأثير اللغة البربرية على عربية ذلك العصر سواء المكتوبة أو التى تستعمل فى التخاطب، وكذلك قام ليفى بروفنسال بطبع مجموعة من الرسائل التى أرسلتها إدارة الموحدين، ويجب أن نشير إلى أهمية كتاب ابن صاحب الصلاة المعروف باسم تاريخ المنّ بالإمامة فهو مصدر هام عن الأحداث التى جرت فى أسبانيا خلال القرن السادس الهجرى. أما عن شمال إفريقية والسنوات الأولى من تاريخ الموحدين فالمصدر الوحيد الذى بين أيدينا هو للمراكشى والذى ألفه بمصر سنة 621 هـ وسماه بالمعجب فى تلخيص

المصادر

أخبار المغرب والذى طبعه دوزى فى ليدن منذ قرن ونصف قرن ثم ترجمه إلى الفرنسية، ومن بين حوليات القرن السابع الهجرى هو ما اكتشف حديثا ثم طبع من كتاب نظم الجمان لابن القطان الذى شغل وظيفة كاتب البلاط فى السنوات الأخيرة من عهد خليفة الموحدين: المرتضى وهو يمدنا بتفاصيل وافية من الأحداث حتى سنة 533 هـ، وقد طبع ليفى بروفنسال مقتطفات منه بالعربية وسماها Fragnents de lhronique alnohade ananynne وذلك سنة 1925 و 1930, أما مؤلفو القرن الثامن الهجرى (الرابع عشر الميلادى) وهو القرن الذى حفل بالمؤرخين المغاربة الكبار فقد تركوا لنا أعظم ما كتب عن تاريخ الموحدين، وعلى رأس هؤلاء جميعا المؤرخ ابن عذارى صاحب البيان المغرب فى اختصار أخبار ملوك الأندلس والمغرب، وفى جزئه الثالث، يمدنا بمعلومات قيمة عن كل من عهد الموحدين فى أسبانيا وانتقال مقاليد السلطة إلى أيدى بنى مرين، ومن مؤرخى هذا القرن أيضا ابن أبى زرع صاحب كتاب الأنيس المطرب بروض القرطاس، والذى طبع منذ أكثر من مائة وستين عاما، أما مؤلفه فقد مات سنة 726 هـ (= 1326 م) ولدينا من مؤلفى هذا القرن أيضًا ابن خلدون صاحب كتاب الاعتبار، فإذا جئنا إلى القرن التاسع الهجرى (الخامس عشر الميلادى) طالعنا كتاب لمؤلف مجهول هو كتاب الحلل الموشية فى ذكر الأخبار المراكشية، وهو يشتمل على أخبار لم تطبع بعد فى غيره. المصادر: (1) H. Terrasse: Hist. du Morcco (2) A.Julien: Hist. dr l'afrique du Nord (3) A. Laroui: Hist of the Maghrib (4) H.Z. Hirschberg: A. Hist. of the Jeus in North Africa (5) H. Hazard: The Numismatic Hist. of lote medierol North Africa مروان حسن حبشى [م. شتسميلر M.Shotzmler]

موريتانيا

موريتانيا هى ما تعرف الآن باسم الجمهورية الإسلامية الموريتانية، التى تشغل منطقة شاسعة غرب الصحراء الكبرى، وهى الموطن الأصلى للعرب المتبربرين أو البربر المتعربين الذين يتحدثون اللغة العربية باللهجة الحسَّانية، وفى عهود مضت -وفى الوقت الحاضر إلى حد ما- كان يطلق عليهم اسم (المور) Morrs، رغم أن هذا المصطلح نفسه كان يطلق على كل سكان الشمال الأفريقى، ومن ثَمَّ لم يكن يعطى لأهل موريتانيا خصوصيتهم أو لم يكن يشير إليهم على نحو خاص يميزهم عن غيرهم، ويسمّى أهل ما كان يعرف بالصحراء الأسبانية أنفسهم باسم الصحراويين تمييزا لأنفسهم عن غيرهم. وعلى أية حال، ففى الشرق الإسلامى، كان يُشار إليهم باسم الشناقطة أو الشناجطة (بتعطيش الجيم) نسبة إلى مدينة شنقيط فى الآدرار الموريتانية، وكانت البلاد (موريتانيا) تسمى أيضا باسم المدينة؛ بلاد شنقيط (أو شنجيط) أو شنقيط فقط. ولم يكن جغرافيو المشرق وفقهاؤه غير ملمين بما إذا كانت بلاد شنقيط تشكل جزءا من بلاد المغرب أم أنها من بين بلاد الزنوج (السودان)، وينظر المغاربة أهل المغرب الأقصى - مراكش) لموريتانيا باعتبارها كانت دوما تحت حكم سلاطين مراكش خلال الفترات المختلفة من تاريخ الشمال الأفريقى. أما المور أنفسهم (الموريتانيون) الذين يعيش معهم مواطنوهم من أصول زنجية فهم على وعى كامل بأصولهم الموريتانية وانتمائهم الوطنى وهم فخورون بذلك، ويعتبر الموريتانيون أنفسهم عناصر بيضاء ويميزون أنفسهم عن الزنوج، لذا فهم بيضان (المفرد: بيضانى) وليسوا سودان (المفرد: سودانى) (المترجم: لا علاقة للسودان هنا بالكيان السياسى العربى المعروف) ويحس المور (الموريتانيون) أنهم جزء من دائرة أوسع متمثلة فى المتحدثين بالعربية بلهجتها الحسّانية ومصطلح بلاد البيضان أوسع من الجمهورية الإسلامية الموريتانية، فتراب البيضان

1 - الجغرافيا - الحدود

يشمل أيضًا ما كان يعرف بالصحراء الأسبانية (الصحراء الغربية) والمناطق الصحراوية فى مالى. 1 - الجغرافيا - الحدود: مراكش والصحراء الأسبانية السابقة شمالا، والمحيط الأطلنطى غربا، والسنغال جنوبا، والجزائر شرقا، وفى الجنوب مالى. وتمتد موريتانيا لأكثر من 1.685.000 كم 2 من خط طول 5 - 17 غربا وخط 16 - 26 شمالا، منقسمة إلى منطقتين كبيرتين هما: (أ) النطاق الساحلى جنوبًا، ممتدا من نهر السنغال حتى تقريبًا مدن نواكشوط، موجريا، تامشاكت، عيون الأتروس، ونيما، ومتكونان من كثبان رملية ثابتة (ميتة)، وسهول منبسطة. وهو يعرف جنوبا باسم جيلا. وتتميز تلك المنطقة بأمطار سنوية تزيد على 110 مم/ سنة، غيرت حديثا من ظروف الجفاف. وعلى الشاطئ الأيسر من نهر السنغال، يتغطى الوادى برواسب نهرية تروى يفيضان النهر حين يفيض، وبالأمطار المتساقطة فيما بين شهرى يوليه وأكتوبر. وتسمى تلك المنطقة شمامة، وتقع أسواقها الرئيسية ومراكزها الإدارية فى روسو، وبوغى، وكايدى. أهم ملامح المنطقة تتمثل فى غابات الصمغ والنباتات العشبية التى ثبتت الكثبان، وأنبتت مراع خصبة لقطعان السائمة من أبقار وأغنام. (ب) نطاق صحراوى جاف فى الشمال متكونا من الكثبان الحية والسهول الحصوية، وفى أقصى الشمال منه هضاب وجبال. أما الأمطار فيه فأقل من 100 مم/ سنة فى المتوسط، وتنتثر فيه الشجيرات، بينما تحرق أشعة الشمس وقلة المطر الحشائش، ويقارن الموريتانيون بين بلادهم والحجاز حيث قطعان الجمال والأغنام والماعز. أما الشاطئ فعنيف التضرس مما يجعله صعبا حياة وعبورا وليس به سوى خليج واحد مأمن، هو ليفريير وميناؤه ايتيان لانواديبو). ويحتوى وسط الشمال فى موريتانيا على هضبة أدرا (500 م) وهضبة تاجانيت (3300) بجروفهما الحارة، بينما المرتفعات فى استطالة باتجاه الشرق بهضبتيها أسابا وآفولى، حيث

2 - السكان

المياه موفورة بأكثر منها فى بقية المناطق الصحراوية، وحيث تجرى الفدران فى تدفق لتروى أحراج النخيل قديمة التواجد. هناك، توجد بعض المدن الموريتانية القديمة مكل قصور شنقيط وأواوان، وأطار، والعاصمة القديمة فى آزوجى وتيجيكيرى. ثم تنخفض المنطقة شرقا فى زهاريتشيت والحوض حيث طريق القوافل. وتعتبر موريتانيا بلدًا شديد الجفاف حارًا فيما عدا المناطق القريبة من النهر جنوبًا وتستفيد نواكشوط وايتيان من هواء البحر. 2 - السكان: حوالى 1.750.000 نسمة اجمالًا، وبلغ الاستقرار فيها 45 % منذ عام 1977، مما ضاعف من عدد السكان فى المدن والأراضى المروية. وتتميز بعض أقاليم وادى نهر السنغال بكثافة سكانية عالية تزيد اليوم على 35 فرد/ كم 2. وبشكل عام يزيد التكدس فى الإقليم الساحلى شمالى النهر حيث موطن الزنوج، بينما يتناقص ذلك فى النطاق الصحراوى الذى يسوده المغاربة شمالا. ولقد قدر عدد السكان فى أدرار بنحو 50 ألف نسمة فى مساحة 489 ألف كم 2، حتى لقد خلت بعض المناطق مثل المريا والجوف وأرج شاش من قطانها تماما، بل حتى عابريها. وإجمالا، فثمة عنصرين بشريين فى موريتانيا، يشكل لمقاربة نحو 5/ 4 كل السكان، ينتمى البعض منهم إلى الصنهاجة القدامى الذين تزاوجوا مع الزنوج أو غيرهم (البافور) السابقين إلى المنطقة وسيادتها حتى القرن التاسع الهجرى/ الخامس عشر الميلادى الذى أعقبه مجيئ جماعات صغيرة من عرب بنى معكل (أولاد حسن فيما بعد). ومغاربة اليوم هم أخلاط من كل هؤلاء. ثم اشتمل ذاك المجتمع على مجاميع أخرى صغيرة اندمجت فيه، مثل بربر زاناتا وبعض اليهود وخلائط أخرى من سكان المناطق الساحلية. ويتكون المجتمع الزنجى من توكولير (75 ألف)، سوننكى (30 ألف)، لوف (10 - 15 ألف) وغير ذلك فى أرقام تقريبية. وعموما، كان التزاوج فيما بين المغاربة والزنوج بنسبة أقل مما هى عليه بين الطوارق والزنوج فى الأراضى الساحلية شرقى موريتانيا.

3 - التاريخ

3 - التاريخ: (أ) فيما قبل التاريخ: يوجد فى موريتانيا العدد الكبير من المكامن الأثرية التى تشير إلى سكنى الصحراء الغربية منذ العصور الحجرية القديمة. وفى الحديث منها (2000 - 1000 سنة قبل الميلاد) كان بمنطقة زهاريتشيت كثافة سكانية عالية. كانت هناك نحو 250 قرية مخططة ومبنية جيدا، قطّانها من العناصر المتزنجة، ربما كانوا أسلاف الحراطين اليوم، يسكن أغلبهم فى مرتفعات أدرار، وبرعوا فى صناعة أسلحة الصيد والفخار، وفيها اكتشف النحاس مؤخرا، وعرف الحفر عليه. ولقد كان المناخ رطبا مما أدى إلى تعدد صور الحياة الحيوانية الساحلية، وانتشار أعمال الصيد فيها بما يشبه ما كان فى المغرب وجنوبى الصحراء وليس ثمة شواهد رابطة بين حضارة موريتانيا ومدينة البحر المتوسط. ولقد أغار الجفاف كثيرا على موريتانيا بما هدد وجودها، ودفع قطانها الأوائل إلى الهجرة جنوبا، ليحل محلهم أقوام يتكلمون البربرية ويستخدمون الحديد والنحاس، ويصطادون النعام والغزال ويركبون الخيل والعربات، وهم الذين أدخلوا الجمل إلى البلاد فى ذاك الجزء من الصحراء، قبيل العصر المسيحى. وثمة آثار للبربر فى كثير من معابد يتمولى، ونقوشا حجرية تصورهم يمتطون الخيول مدججين بالدروع والرماح. وتشير الأغانى الشعبية إلى ذلك وإلى قمة بلغتها الحضارة الأفريقية التى تعود جذورها إلى العصور الحجرية الحديثة، فى تيشيت. (ب) غانا ولتكرور وممالك البربر الصنهاجية قبل المرابطين: فى بواكير العصور الوسطى كانت موريتانيا تشتمل على: 1 - مملكة وثنية كبرى هى مملكة غانه. 2 - جانب من مجتمع التكرور المسلمين المتنامى على ضفاف السنغال. 3 - مجموعة من الممالك الصنهاجية الصغيرة أهمها تلك المتمركزة فى أوداغست التى استحوذت عليها بعد ذلك مملكة غانة. وقد تمركزت غانه فى

أوكار (الحوض الشرقى) إلى الجنوب من تنبدغه (أو تمبدرا Timbedra)، وقد بقيت غانه مملكة وثنية ثرية مصدرة للذهب طوال فترة العصور الوسطى رغم أنها كانت تضم عددا من المسلمين وكان يتردد عليها تجار مسلمون وقد وصف البكرى الحياة فى غانا. وكان أول ملك تكرورى (معظم مملكته كان يقع جنوب موريتانيا) رغم هذه المملكة على جزء من موريتانيا هو وارديبا Wardyabe (أو وارندياى) الذى توفى سنة 430 هـ/ 1040 م وكان الإسلام قد دخل هذه المناطق قبل هذا التاريخ، فالشيخ أبو محمد بن عبد اللَّه التكرودى. مثلا -الذى عاش زمن الخليفة الفاطمى العزيز بن المعز (365 - 386 هـ/ 975 - 996 م) ومات ودفن فى القاهرة، وكان أبوه قد دفن فى البهنسا فى مصر الوسطى التى كانت ترتبط بطرق الصحراء التى يعرفها المرابطون فى الصحراء الغربية (المراجع: الصحراء الأسبانية - ريو دو ريو سابق) من جداله الذين كانوا متمركزين. الإضافة إلى ريودوريو فى جنوب موريتانيا، ومسوفة الذين كانوا يشغلون المنطقة من دار جنوب مراكش ومنطقة الحوض ومناجم الملح فى تغازا، ولمنوتة الذين كانوا يقطنون صحراء كاكودم من الآدرار حتى الساقية الحمراء شمالا بل ويبدو أن المرابطين كانوا يحكمون أيضا أجزاء من تجانت Taganit, بل وحكموا أودغست أيضا. ويعود فضل نشر الإسلام فى هذه المناطق بل وتعريبها على نحو ما إلى جهود الحاكم العربى عبد اللَّه بن الحبيب وابنه إسماعيل، وكذلك لعبت ممالك أونى لهؤلاء العرب - البربر أدوار مهمة مثل ممالك: تلوتان، وتنياروتان فى أوداغست، ومملكة ترشينى (اسم المملكة والأسرة الحاكمة). . موريتانيا أثناء حركة المرابطين وبعدها: ظهرت حركة المرابطين أساس فى الصحراء الغربية "الأسبانية سابقا" وأجزاء من موريتانيا. ويعتبر المرابطون ذوى شأن فى تاريخ موريتانيا للأسباب الآتية، 1 - التراث الذى خلفه عبد اللَّه بن ياسين مؤسس الدعوة الموريتانية

وأتباعه، والجذور العميقة للفقه المالكى، وما نقل عن القيروان وفتاوى ابن ياسين التى أرست قواعد إدارة المجتمع الصنهاجى، والتأسيس الأول للمجتمعات المدنية. (نورس، شاهد جديد على حياة عبد اللَّه بن يسن، وأصول حركة المرابطين - 1971 م، بحث، الإسلام والتجارة فى بلاد السودان ما بين القرنين 10 - 11، 1983). 2 - والترابط القبلى الذى صار مضرب المثل فى غرب الصحراء ولقرون عددا. والممثل فى قبائل لمتونة الحاكمة ولقد كان ليحيى بن عمر، وأبو بكر عمر ويوسف بن تاشفين ممن أفرزتهم، موريتانيا وكانوا قادة صناديد غيروا تاريخ العالم. ولعل أكثرهم أهمية فيما يتعلق بتشكيل مستقبل موريتانيا كان أبو بكر بن عمر إذ أنه بعد اختلافه مع يوسف، حكم موريتانيا من آزوجى، حتى مات فى تاجانيت وهو يحارب الزنوج الوثنيين. وتشير البحوث المتأخرة والمؤرخة لهزيمة غانه إلى ذلك. (هـ. ج. فيشر، المصادر العربية المبكرة وهزيمة المرابطون لغانه، 1982). 3 - تعيين الإمام أبى بكر محمد بن الحسن المرادى الحضرمى، قاضيا لآزوجى. وفى أزهار الرياض فى أخبار العباد، القاهرة 1942، نجد أن المرادى كان سابقا فى إدخال الإسلام ونشره فى المغرب الأقصى منذ كان فى أغمات. وحينما اعتزل أبو بكر فى الصحراء جعل من نفسه منفذا للشريعة، ثم مات فى أركار (آزوجى) فى صحراء المغرب فى عام 489/ 1096. دخول بنى معقل إلى الصحراء الغربية (الصحراء الأسبانية سابقا) وسيطرتهم على موريتانيا: لم يزل الضباب يغشى عهد أفول المرابطين فى المناطق الصحراوية التى حكموها، ثم الامتداد الجغرافى لمملكة ما لى فيما وراء ولاته Walata وثمة قصيدة للشيخ محمد مبارك اللمتونى تفيد بأن القبيلة انقسمت على نفسها إلى مجاميع أربعة كانت فى وقت من الأوقات مرتبطة برباط ابن ياسين، وكانت كل هذه الفروع تدعى الانتساب إلى أبى بكر بن عمر ويوسف بن تاشفين، بينما قبائل الصناهجة فى

(هـ) حرب شربوبا، وإمارات أولاد حسان

الشمال تحكمت فى منجم الملح فى تغازا، بجانب كونهم عنصر تثقيف فى ولاته وغيرها من مناطق أدرار. ثمة فضائل أخرى دخلت موريتانيا من البربر جنوبى مراكش بما فيهم أسلاف قبيلة مهندامفار. وفيما يبدو أن هؤلاء البربر استوعبوا البقية الباقية من المرابطين. كما كانت هناك أسباط أخرى مثل الكونتا الذين استوطنوا أماكن شاسعة من الصحارى الجزائرية والمالية، ويبدو أنهم انحدروا من الطاجاكانت فى القرن التاسع الهجرى/ الخامس عشر الميلادى (انظر ت. وايتكدمب، شاهد جديد على أصول الكونتا، 1975). ولقد ترك بنو معقل العرب، يمنيو الأصل، مصر، وبلغوا جنوب مراكش فى النصف الأول من القرن السابع الهجرى/ الثالث عشر الميلادى، ودخلوا فى خدمة المرينيديين (بنى مرين) الذين استعملوهم كجامعى ضرائب فى مناطق ما وراء الأطلسى، ثم هم من بعد، زحفوا جنوبا فى الصحراء، تحت ظروف قاهرة، وسموا أنفسهم أولاد (ضوى) حسان، ونال اسم لم يزل يتداول بين كل الفروع التى انحدرت عنهم. ومن القبائل الهامة الأخرى التى شغلت مناطق خارج موريتانيا فى الصحراء الغربية، أولاد دليم، وغيرهم (انظر نوريس، هزيمة العرب للصحراء الغربية، لندن, 1986، 17 - 25). (هـ) حرب شربوبا، وإمارات أولاد حسان: حتى وقت قريب، كان يعتقد بأن حرب شربوبا التى تسمى فى حوليات ولاته وقعة اشرابيا التى استمرت من 1055/ 1945 إلى 1085/ 1675، كانت خطأ أساسيا فى التاريخ الموريتانى. ولعل أبرز معالم المجتمع الصحراوى الغربى، هى التى برزت بعد انتصار حسان العربى فى تلك الحرب. ولعل قزارة تلك الحرب مرجعها إلى أن اثنين من القادة الموريتانيين المعروفين فى القرن الثانى عشر الهجرى/ الثامن عشر الميلادى، هما محمد اليدانى وتلميذه والد بن خالونا، هم مشعلاها أصلًا، للأسباب التالية: 1 - زحف الزنوج من نهر السنغال شمالا، وأثر ذلك على تجارة بنى حسان على جانب النهر. 2 - تصاعد التنافس القبلى فيما بين أولاد حسان والفصائل المتحدثة بلغة الزيناجا، وسوء معاملتهم لأولاد حامد.

(و) المزاحمات الأوروبية على شواطئ موريتانيا

3 - انتعاش الإسلام فيما بين المتحدثين بالزيناجا، وفى المدن التجارية بأدرار، إثر دخول كتب عربية من مراكش والشرق الأوسط إلى موريتانيا، أدت إلى نشأة الطرق المهدية، وغيرها، بإمامة الحضرمى، مما أدى إلى تصدعات محلية فيما بين العشائر والمريدين. 4 - شخصية من كان يعرف باسم ناصر الدين، اللمتونى الذى اشعل الجهاد فى حياته وحياة خلفائه ليخضع حكام الولايات الزنجية المسلمين شمال وجنوب نهر السنغال، وليكبح قوتهم، ويفرض حكمه على أولاد حسان. وبعد هزيمة وموت ناصر الدين فى 1674، فقدت تلك الحركة قوة الدفع، وأصبحت عاصمته (الجبلة - القبلة) لأولاد حسان. وهكذا تعتبر حرب شربوبا، هى الحقبة المفصلية فى مراحل تعريب موريتانيا والمجتمع الموريتانى، والتى بعدها توثقت المناهج اللغوية والاجتماعية والسياسية، وتكونت بعض الولايات الصغيرة. وحكمت أسرة أولاد أحمد بن دامييد فى منطقة ترازا بملوك لهم اعتبارهم مثل على شنزورى (1703 - 1727 م) بدعم عسكرى من سلطان مراكش مولاى إسماعيل. ثم حمل محمد الحبيب (1827 - 60) على عاتقه عبء مقاومة مراكش للغزو الأوروبى وتسلطه. وقد لعب أمراء أولاد عبد اللَّه دورا هاما فيما أعقب حرب شربوبا من زمان، وامتد سلطانهم من تاجانيت حتى الأطلنطى، ثم راحت قوتهم تتناقص فى القرن التاسع عشر بواسطة الفرنسيين، فيما عدا فترة حكم أحمد الأول (1818 - 1841 م) وفى الأدرار، قدم أولاد يحيى بن عثمان العديد من مشاهير الأمراء، من مثل أحمد بن محمد (1871 - 891) الذى جد فى إنعاش التجارة عبر الصحراء، وكذلك أحمد بن سيدى أحمد (1891 - 1899)، وابن كان أعظمهم هو بكار بن سويد أحمد من تاجانيت منحدرا من محمد شيان. (و) المزاحمات الأوروبية على شواطئ موريتانيا: استكشف البرتغاليون الشاطئ الموريتانى فى النصف الأول من القرن 15، وهبطوه لأول مرة، وفى عام

1434 بلغ إيان رأس بوجادور، وفيما بين 1442 - 1445 أو بتحريض من هنرى البحار عرفت بعض مناطق موريتانيا، وخاصة مدينة وادان فى الأدرار لما كانت تتميز به من صلات تجارية مع نيشيت ومع العمق فى السودان الغربى. ولقد ذكر ذلك كثيرا فى كتابات القرن السادس عشر، حيث سُجل وجود منجم للملح فى شمال الأدرار. وفى عام 1448 استوطن البرتغاليون جزيرة أرجوين التى كانت بمثابة نقطة الانطلاق لنشاطاتهم الأفريقية فيما بعد، وخاصة إلى الأدرار، ولقد أقاموا مصانعهم على الشاطئ، مما أدت التجارة بينها وبين أولاد حسان إلى تبادل المنسوجات القطنية والفضة والمرجان والعقيق للعبيد، والذهب وجلود المها والصمغ العربى والعطور وبيض النعام. ولقد استمتع البرتغاليون بعوائد التجارة قرنين من الزمان، ثم آل ذلك إلى الأسبان. وانتشر النشاط الأوروبى آرجون إلى بورتندك. وفى عام 1626 ثبت الفرنسيون وجودهم عند منبع نهر السنغال. وفى 1638 أخذ الألمان آرجون، جائزة لهم على اشتراكهم مع الأسبان فى الحرب، ثم تركوها للإنجليز بعد 27 عاما. وفى ذات الوقت زادت فرنسا من توطيد موقفها التجارى عند منبع النهر، وحتى شاطئ الأطلنطى، فيما بين النهر وراس بلان، التى كان سلطان مراكش يعتبرها حدودا جنوبية لمملكته فى ذاك الوقت. (الخطاب الذى أرسله محمد الأول بن عبد اللَّه إلى حاكم جبل طارق فى 1178/ 1765، هوبكنز، خطابات من بربرى 1576 - 1774. أكسفورد، 1982، 87 - 88 ×. ولفترة ما فى القرن 19 نافس البريطانيون الفرنسيين على نفوذهم فى المنطقة. وفى عام 1817، وبعد ثلاثة أعوام من معاهدة باريس، فقدت آرجون وبورتندك أهميتهما، مع أن البريطانيين استعادوا حقوقهم فى التجارة فى الآونة الأخيرة حتى عام 1857 م. وكان من جراء تلك المناوشات الأوربية أن أطال أمراء من فترات استقلالهم.

(ز) الاحتلال الفرنسى

(ز) الاحتلال الفرنسى: فى عام 1854، ومع تنصيب لويس فايد هرب حاكما للسنغال، زادت وحشية السياسة الفرنسية تجاه القبلة، حتى تم أخيرا طرد المغاربة من شواطئ النهر، واضطر الأمراء فى ترارزا إلى توقيع معاهدة اعتراف بالسيادة المطلقة. لفرنسا على الناس والتجارة. وحقيقة، لم يكن لدى الأمراء سلطة ولا قوة ذاتية، وإنما كان تأثيرهم متوقفا على شخصياتهم ومواقعهم الاجتماعية، وتركيبة الجماعة داخل عشيرة حسان، أو العشائر الأخرى فى المنطقة (الإسلام والنظام الاجتماعى، أكسفورد 1973، 93). ولنحو 50 عاما ظلت تلك المعاهدة موضع الاحترام، مما أتاح لفرنسا عمل اتفاقات تجارية بعيدا حتى تارجانت والأدرار. وبنهاية القرن تراجع الموقف فى القبلة إلى الحد الذى هدد التجارة على ضفتى نهر السنغال، وباتت هزيمة موريتانيا أمرا حتميا. ولم تجد محاولة استغلال نفوذ المرابطين، ولا مشايخ الطرق إلا قليلا، ثم احتلت ترارزا عام 1903 وبراكفا عام 1904 وتاجانيت عام 1905، ثم استسلم شمال موريتانيا فى عام 1913. (ح) الجمهورية الإسلامية الموريتانية: فرضت الحماية الفرنسية على إقليم مقاربة شرق أفريقية الفرنسى فى عام 1903. وفى 17 أكتوبر 1904 حكم الإقليم مدنيا، ثم لم تلبث موريتانيا أن صارت مستعمرة فرنسية طبقا لقانون 4 ديسمبر 1920، وحتى الإرهاصات بالحرب العالمية الثانية. ولقد كان أول عمل للإدارة الفرنسية، هو تثبيت دعائم الحكم سلميا وبأقل كلفة، لتدخل موريتانيا ضمن التحالف الفرنسى الأفريقى الذى أعقب الحرب. وبعد 10 سنوات، أعلنت الجمهورية الإسلامية الموريتانية فى 28 نوفمبر 1958، وتبع ذلك نقل الخدمات من سانت لويس بالسنغال إلى العاصمة الجديدة نواكشوط، وانتخبت جمعية وطنية فى 17 فبراير 1959 بالانتخاب السرى المباشر والفدى. وفى 23 يونية 1959، اختبر المختار ولد دارة رئيسا للوزارة. وبعد التوقيع على انتقال السلطة الشرعية فى باريس فى 19 أكتوبر

4 - الأثنوجرافيا

1960، أعلن استقلال موريتانيا فى 28 نوفمبر 1960. وفى مايو 1961، تبنت الجمعية الوطنية نظاما رئاسيا جديدا. وفى يونية من السنة التالية وقعت معاهدات مع باريس توضح مستقبل التعاون الفرنسى الموريتانى. وفى 20 أغسطس 1961، انتخب المختار ولد دارة المرشح الوحيد للاتحاد الوطنى رئيسا أول للجمهورية الإسلامية الموريتانية، ولقد كان حلم المختار ولد دارة أن يرى بلده نقطة الوصل بين العالم العربى وأفريقيا السوداء من جهة والمغرب وبلاد السودان من جهة أخرى. وفى 7 أغسطس 1966، أعيد انتخاب المختار ولد دارة رئيسا للجمهورية لخمس سنوات أخرى. وفى سبتمبر 1969، حضر القمة الإسلامية فى الرباط وقابل الملك الحسن الثانى، ومن ثم، تغيرت السياسة المغربية تجاه موريتانيا، التى لم يكن يعترف باستقلالها بعد، ثم استئناف العلاقات الدبلوماسية فى يونية 1970. وفى السنة التالية أعيد اختيار المختار ولد دارة رئسيا، وفى 4 ديسمبر 1973، صارت موريتانيا عضوا فى جامعة الدول العربية. وفيما بين عامى 1975 - 1987، قامت حركة البوليساريو واضطرب تصدير خام الحديد. وفى 10 يولية 1978, حدث انقلاب عسكرى وتولى ولد سالك السلطة. 4 - الأثنوجرافيا (وصف الشعوب وعوائدها وأخلاقها) والفصائل الاجتماعية: ينقسم الشعب الموريتانى إلى بربر عرب (بيضان أو مغاربة) وسودان (أقلية زنجية). وتباهى موريتانيا بكونها همزة الوصل بين المغرب والتكرور، واضطلاعها بدور فى غرب أفريقيا يشبه دورا السودان فى الشرق، وإن يكن كل الشعب الموريتانى مسلم. ولقد قسم الشعب الموريتانى يوما إلى طوائف اجتماعية محددة. يشكل العرب فيهم زبدة الأحرار أثرياء أولاد حسان، ويتكلمون لهجة الحسانية، حتى ليقول شاعرهم (نحن بنو حسان، يبرهن نقاء لساننا، أننا أسلاف العرب القدامى (العرابة)، وإذا لم تكن ثمة شواهد شخصية تبرهن على عروبتنا، فبرهان

لساننا يكفى). ذلكم هم الحسانيون، محاربون شجعان، ينحدرون من المرابطين والزوايا، الذين هم من أصل بربرى فى الغالب، جادون فى دراسة العربية والفقه والقرآن، حتى لقد كانت هناك جامعات رواقية (مهادير) لاستكمال الدراسة (انظر الوسيط (478 - 517 - 21). ومصدر المصطلح زوايا هو الزاوية المتضمنة لمركز ثابت لتعليم الصوفية وممارستها، وهى نوعان: زوايا الشمس مثل أولاد إبيارى منبع العديد من رجالات السياسة والقانون والتدريس البارزين، وزوايا الظل التى تكون فى حاجة للحماية، مثل أولاد دايمان فى حماية الحسانيين قبل حركة ناصر الدين وحرب شربوبا. ثم كانت الطياب أو قدامى المحاربون الحسانيون الذين انضموا للحياة الدينية بعد اعتزالهم الحرب. وينفصل الشرفاء عن الزوايا مع استمرارهم فى أداء واجباتهم الدينية دراسة وتجارة، مع ثبوت نسبهم بالأسرة النبوية. ولقد قام بعضهم بتأسيس مدن الأدرار، وحكموا يتشيت ووالاط، ويصاهرون شرفاء مراكش. ولقد كان الزناجا يدفعون الجزية سواء للحسانيين أو للزوايا، ويقومون بالأعمال الدنيا وبالزراعة ويحتمل أنهم من بربر الصنهاجة. ولقد تصاهر الزناجا مع الزنوج. ثم هناك الحراتين الملونين دافعو الضرائب، والعبيد العتقاء، حيث يعيشون فى عشائر منفصلة، وهم عادة زنوج بلا وطن يعملون بالمشاركة فى زراعة المحاصيل. ويصعب الفصل بين الحراتين والعبيد، ويعتبر العبيد وثروات جنوب موريتانيا من أسباب الحروب فى القرون السابقة. وكان المغاربة يقايضون الخيل بالعبيد بمعدل 10 - 18 حصانا لكل عبد. وأخيرا، حضرت حركات تحرير العبيد العالمية، قيام حركة تحررية عبر كل موريتانيا لتحرير الحراتيين. بجانب ذلك، كانت هناك طوائف تقوم بصناعة الأسلحة والآلات مقابل جعل معلوم فى هيئة لحوم أو حيوانات حية أو غلال. ويبدو أن صناع المعادن هؤلاء. كانوا أصلا من اليهود والزنوج (الوسيط (359 - 60)). ولم يزل يوجد الصيادون فى الحوض وعلى شاطئ الأطلنطى كقوم بسطاء انحدروا من

5 - النشاط الاقتصادى

عناصر قديمة فى الساحل الغربى للصحراء. آم الشعراء -رجالا ونساء- بهجوهم وتشبيبهم فقد كانوا من لزوميات حياة الشعب، وخاصة أمراء أولاد حسان. ولقد لعبوا دورا هاما فى الحياة الموريتانية، حتى أن بعضهم بلغ شأوا كبيرا فى الجاه والثراء. . 5 - النشاط الاقتصادى: يدور فلك النشاط الاقتصادى الموريتانى منذ القدم وإلى وقت قريب، حول تجارة الملح عبر الصحراء، بجانب العبيد والتمور والصمغ العربى والجلود. وعلى الشاطئ الشمالى لنهر السنغال كان يزرع الأرز والدخن والنخيل، وعلى ساحل الأطلنطى كانت تقوم صناعة صيد الأسماك. ويوما ما كان لصيد الغزلان والدجاج السودانى والحبارى، شأن أى شأن فى الحياة الصحراوية. . وجاء الجدب المقيم، والعنجهيات العصبية والاجتماعية، وعواطف الحضارة الحديثة، فغيرت جل نشاطات الماضى، وحولتها إلى أعمال تعدينية فى تحرى النحاس والبترول، والحديد والجبس والفوسفات واليورانيوم، كذلك نشطت أعمال صيد الأسماك. ويقدم قطاع التعدين وحده نحو 50 % من الدخل و 80 % عائدات. ولقد أعيد افتتاح مناجم النحاس فى أكجوجت لاستغلالها بواسطة الجمعية العربية للمناجم. أما خامات الحديد فى زويرات فمستقبلها غامض بسبب حرب الصحراء الغربية التى هددت مباشرة خط السكك الحديدية (670 كم طولا) لنقل الخام إلى ميناء نوادهيبو. وتستغل الرواسب المعدنية بواسطة جمعية مشتركة بين عدد من الدول هى موريتانيا وفرنسا والبنك الإسلامى العراقى ومراكش والكويت. وثمة مشروع استكشافى جديد بعيدا عن زويرات منذ نهاية الثمانينات برأس مال 550 مليون دولار جمعتها الدول العربية (السعودية العربية، والكويت، وأبو ظبى، والعراق) واليابان وفرنسا والبنك الدولى، ليقدم وظائف دائمة لنحو ستة آلاف مواطن. ويلى النشاط التعدينى فى الأهمية الاقتصادية، نشاط صيد السمك، إن لن يفق سابقه، إذ لموريتانيا شواطئ تبلغ 800 كم وتعتبر من أغنى المصايد عالميا، حيث تقدم نحو

600 ألف طن سنويا من مختلف أنواع الأسماك، وإن يكن تصنيعه لم يزل قاصرا، وعدد العاملين فى مجاله قليل. ولم يزل الجدب أصاب الساحل الأثر السيئ على موريتانيا، حتى لقد أتلفت سنوات الجفاف سائمتها وزراعاتها. وتتوقف الحياة فى الدولة على نجاح الخطة الإقليمية التى تشمل كذلك دولتى مالى والسنغال. ففى 10 ديسمبر 1979. زار رئيس موريتانيا، العقيد هايد اللَّه، مدينة سانت لويس حيث وضع حجر الأساس لقناطر دياما على نهر السنغال بحضور سنجور (السنغال) وتراورى (مالى). ومنذئذ بدأ العمل الذى أدى إلى فلاحة بعض الأراضى وزراعة بعض المحاصيل. وستعطى قناطر دياما 500 مليون كم 3 قناطر مانارتاى من الماء ما يكفى لرى 500 ألف هكتار، لموريتانيا نصيب منها. ويمنع تصميم تلك القناطر من غزو المياه المالحة للنهر إبان انخفاض مستوى الماء فيه فى وقت الجفاف، وليبقى مستوى الماء عند أفضل المناسيب اللازمة للزراعة، بما يمكن موريتانيا من مضاعفة زراعتها للأرز، وكذلك خلق بحيرات صناعية جنوبى نواكشوط. وكان التخطيط فى موريتانيا هادفا لأن تغطى فى 1988، نحو 40 % من حاجتها للحبوب، 20 % خضروات، 50 % منتجات ألبان ولحوم، كما قدمت موانئ نواكشوط ونواديبو عام 1983 نحو 398 ألف طن بضائع، ثم تضاعفت الصادرات فى السنوات الخمس التالية. وقد خططت الحكومة الموريتانية لجذب رأس المال الأجنبى على أساس تعاونى، وخاصة المال العربى، لتشجيع الصناعات الخفيفة، ومجمع الحديد والصلب فى نواديبو، وصناعة الألبان فى نواكشوط والنسيج فى روسو. وتؤذن البداوة بالانتهاء ليحل محلها الاستقرار الذى كان فى عام 1960, نحو 3.5 % ارتفعت إلى 23 % فى عام 1977، ثم إلى 40 % فيما بعد، إذ كان بنواكشوط 1960 نحو 15 ألف نسمة، زادوا إلى نحو 500 ألف عام 1985 ويقدر بلوغ المليون فى أخر القرن أن زيادة الرقعة الزراعية والرعى جنوبا، يعنى مزيدا من التصحر شمالا، فيما عدا مناطق التعدين

6 - اللهجات.

والواحات القليلة فى أدرار والآخذة فى التناقص عددا. ولمستقبل أفضل لابد من تحسين المواصلات، إذ فى موريتانيا 7543 كم من الطرق ومينائين جويين عالميين بجانب عشرة محلية. ولم تزل الدولة فى حاجة إلى مصادر مياه نقية، حيث 15 % من السكان فقط لديهم تلك المياه، بينما 30 % من القرى محرومة منها تماما. وليس ثمة شك، فى أن التعليم هو الذى سيقرر المستقبل، إذ بلغت نسبته فى عام 1960 نحو 5 %، ارتفعت إلى 30.6 % فى عام 1984 مع التقدم الكبير فى تعلم العربية. 6 - اللهجات. تشكل اللغة العربية السائدة حديثا وكتابة فى موريتانيا، يلى ذلك الفرنسية عند المغاربة جنوب غرب مراكش التى كانت الصحراء الأسبانية، بجانب شمالى مالى وأجزاء من جمهورية النيجر. ولقد أوجدت الحسانية نظمها وقوافيها الخاصة بها متأثرة بالعربية التقليدية، شكلا وموضوعا، منذ القرن الخامس عشر، فى إطارين اثنين: الغزل والغناء على أنغام الجيتار الموريتانى (تيدينيت). ثم يلى ذلك لغة بربر الزناجة (الأزناج) فى القبلة وترارزا جنوبى نواكشوط متضمنة اللهجة الحسانية القديمة. أما الغانيين القدامى فيتكلمون لغة آزيرا، وللزنوج على طول نهر السنغال لغتهم الخاصة. 7 - الحياة الدينية والذهنية: تتعدد أسباب دخول الإسلام إلى موريتانيا (انظر - ستيوارت: الإسلام والنظام الاجتماعى فى موريتانيا 76 - 77) فبعد حركة المرابطين، وصل أولاد حسان إلى البلد وعرفوا بقبائل الزوايا، تربطهم بسابقيهم علاقات روحية ووشائح دموية. ومثل الزوايا كان الطوارق فإن لم ينتسبوا إلى المرابطين، الذين وجد الإسلام قبلهم عند البدو الصنهاجة الغربيون. ولعل الصوفية أن تكون هى القناة الرئيسية لدخول الإسلام إلى الحياة الموريتانية فى الصحراء والحضر، فى المدن والقرى، على ضفاف النهر وفى المدن الجديدة التى أنشأها الفرنسيون، وأضاف إليها الموريتانيون بعد الاستقلال. ولقد ازدهرت الروح الإسلامية فى ديار

تعليم المرأة الموريتانية

الإسلام، فى مقابل ديار الحرب فى أفيرقيا. وكان كل مغربى ينتسب إلى طريقة أو أخرى، ومن الطرق المتمثلة فى الآتى: 1 - الطريقة القادرية، منبع البكارية والفاضلية وغيرهما من طرق إسلامية، لمؤسسها الكونتا وقائدها الشيخ سييا الكبير وأنساله. 2 - الطريقة التيجانية، متأخرة فى دخولها إلى موريتانيا عن سابقاتها، وينتمى إليها إدوا على ومنطقة تاجانيت وغالبية زنوج منطقة النهر. 3 - الطريقة الهاماوية متفرعة من التيجانية وانتشرت فى الحوض، وفيما بين صفوة من أولاد بيلا، والزنوج فى منطقة نيورو (اليوم فى مالى). وثمة طريقتان انبثقتا عن القادرية والشاذلية، وهما: 4 - الطريقة الغُزْنية وقامت أساس فى تاجانيت بقيادة أخلاف الشيخ الغزونى وتتمركز فى بومريد. 5 - طريقة أهل الجرزة فى الأدرار وفى تاجانيت ومركزها الرئيسى فى أوجفت. تعليم المرأة الموريتانية: للمراة الموريتانية -كأختها من الطوارق. لها دور مهم فى مجتمع الصحراء المثل بمشاركة المرأة الصنهاجية واللمثونية فى صد الهجوم عن مراكش (541/ 1147)، حتى أن ابنة المرابط عمر بن ينتان قد حاربت كرجل للانتصار حتى الموت. ويذكر ابن بطوطة سفور نساء صنهاجة، ومجالستهن للأصدقاء فى أفنية الدور. وكان الموطأ لمالك بن أنس يُدَّرس للذكور والإناث على حد سواء فى القرن 1418 وقبل استقرار أولاد حسان، مع دراسة القرآن والسيرة النبوية والفقه والشعر العربى القديم والنحو والصرف. تعليم البنات كان يتم على يدى معلمات هادفات لرفع المستوى الأخلاقى. وفيما يلى بعض شهيرات العالميات فى موريتانيا: تسلام بنت عمر الثانى عشر الهجرى/ الثامن عشر الميلادى وخديجة بنت محمد العاقل الإدابهومية مؤلفة أم البراهين، ومريم بنت الأمين الشاعرة ومادحة الشيخ سيديا الكبير (1773 - 1868). وعايشة بنت سيدى المختار الصوفية قارئة القرآن. . وغيرهن. . .

المصادر

المصادر: 1 - محمد بن مدنى، مراجع مختارة عن موريتانيا (1984). 2 - أ. ك - ستيوارت، الإسلام والنظام الاجتماعى فى موريتانيا، أكسفورد، 1973، 1967 - 95. 3 - ل. ف. سايب، الصحراء الغربية، نيويورك، لندن، 1984. 4 - مقدمة فى موريتانيا، باريس، 1979. 5 - أحمد بن الأمين الشنقيطى، الوسيط فى تراجم أدباء شنقيط، القاهرة, 13329/ 1911، 1378/ 1958. د. محمد فتحى عواض موريشيوس جزيرة فى الجنوب الغربى من المحيط الهندى. وهى إحدى جزر أتحاد مَمْسكرين الثلاث. وتقع على بعد حوالى 2.300 ميل (3.680) شمال غرب مدينة الكاب، وتبعد مسافة مماثلة من جنوب شرقى عدن، و 2.000 ميل (3.200 ك) جنوب غرب كولمبو. وعلى الرغم من معرفة الملاحين العرب بهذه الجزر منذ زمن بعيد يرجع إلى القرن الثانى عشر الميلادى إلا أن المسلمين أو غيرهم من الشعوب لم يستقروها هى ولا جزر سيشيل الأبعد شمالا) أو يستقروا فيها قبل أن يكتشفها الأوربيون فى أوائل القرن السادس عشر الميلادى. وعلى مدى عدة قرون متتابعة ظلت جزيرة موريشيوس -التى أطلق عليها الهولنديون اسم موريس نساو عام 1518 - تتنقل من السيادة الهولندية إلى الفرنسية ومنها إلى البريطانية على التوالى. وكان خضوعها للسيطرة البريطانية قد تم خلال الحروب النابليونية فى 3 ديسمبر عام 1810 م. وعلى الرغم من أن البرتغاليين، عندما اكتشفوا موريشيوس فى أوائل القرن السادس عشر، لم يحاولوا استيطانها أو تنميتها إلا أن المستوطنين الهولنديين بدءوا يستعمرون موريشيوس فى عام 1638 م حين كان العديد من الأوربيين الخارجين على القانون جنبا إلى جنب

مع الرقيق الوافد من أندونيسيا ومدغشقر يستقر بهم المقام فى أرض الجزيرة، والمرجح أن معظم الأندونيسيين وبعض المدغشقريين كانوا مسلمين، إلا أن محاولات الهولنديين استيطان موريشيوس فى عام 1710 م باءت بالفشل، وخلال الإدارة الفرنسية للجزيرة كانت العمالة من الرقيق تستورد -فى معظمها- من مدغشقر والساحل السواحيلى. كان القليلون من هؤلاء المستوطنين. من أصل مسلم، وقد آثر المسلمون الأفارقة الذين أُرغموا على الاستقرار فى الساحل السواحيلى أن يكونوا من طائفة المنظمين لتجارة الرقيق لأمن فئة الرقيق أنفسهم -لذلك لم يأت المسلمون إلى موريشيوس بأعداد كبيرة إلا بعد استيلاء البريطانيين على السلطة فى عام 1810 م وبصفة خاصة بعد إلغاء الرق فى عام 1835 وإدخال العمالة بالعقود على نطاق واسع بإستقدام العمال من شبه القارة الهندية للعمل فى مزارع السكر، وذلك فى نفس الوقت الذى كان المهاجرون الهنود إلى موريشيوس خلال منتصف القرن التاسع عشر قادمين أساسا من الطبقات العاملة الفقيرة فى بيهار والأقاليم المتحدة بالهند وأديسّا والبنغال (منذ جاءوا عن طريق بومباى وكلكتا) أو من جماعات ذات وضع اجتماعى مشابه فى "تاميل نادو" وجنوب الهند (فقد هاجروا عن طريق مدراس). وبهذه الطريقة دخل موريشيوس حوالى 450.000 هندى فى الفترة ما بين 1835 و 1907 م بالإضافة إلى قلة جاءت من جنوب آسيا دخلوا المستعمرة عامى 1922 - 1923 م. وكانت العمالة بالعقود التى تشكل الغالبية العظمى من المهاجرين الهنود ملتزمة بعقود عمل لمدة خمس سنوات، ولم يعد للهند طوال فترة الهجرة بأكملها سوى 16.000 هندى، أما الغالبية العظمى فبقيت بعد انتهاء عقودهم، وبذلك زاد عدد سكان موريشيوس -وبالإضافة إلى هذه الطبقات الفقيرة والعمالة بالعقود، كان ثمة هنود موسرون نسبيًا وعلى الأخص تجار مسلمون من جوجران (ويطلق عليهم خطأ لقب "العرب" فى الدوائر الموريشية

المعاصرة). كما بدأ الشتيار من جنوب الهند فى استيطان الجزيرة وسرعان ما هيمنوا على التجارة فى بورت لويس وفى مراكز الأقاليم النائية. ومن هنا كان عدد الهنود الموريشيين فى عام 1835 م ضئيلًا ولا يشكلون أهمية بين سكان موريشيوس. بينما زاد عددهم فى عام 1845 م بما يقرب من 33 % وفى عام 1861 م أصبحوا يشكلون 64 % من مجموع السكان. وفى عام 1909 م أوقفت هجرة الهنود إلى موريشيوس بصفة رسمية، ولكن التركيبة العرقية للجزيرة كانت قد تغيرت بالفعل تغيرًا جذريًا، إذ أصبح الهنود الموريشيون يشكلون الغالبية العظمى من السكان وهو الوضع القائم اليوم. وثمة قطاعات أخرى هامة من السكان منها والكوريون، والصينيون، وطائفة فرنسية ذات نفوذ قوى. ومن بين الهنود الموريشيين يوجد حوالى 25 % (أو 16 % من مجموع السكان تقريبًا) من أصحاب العقيدة الإسلامية. وعاشوا مشتتين فى أنحاء الجزيرة، ومنهم 43 % تقريبًا مستقرون فى مجتمعات حضرية صغيرة (خصوصًا فى بورت لويس) فى حين أن العمالة بعقود المنحدرين من طبقات فقيرة كانوا يشكلون القوة العاملة. ومعظم المسلمين الموريشيين من أهل السُّنة (83 %)، ومن أتباع المذهب الحنفى بصفة خاصة أما السُّنة الشافعية فتتمثل فى 7 % وهى نسبة لا بأس بها، فى حين توجد طوائف أخرى صغيرة منها الشيعة 0.8 % والبُهرة 0.3 % وطائفة الأحمدية الآخذة فى التزايد والذين اعتبرهم الإحصاء مسلمين ومنهم 9 % ويرى بندكت (1965) -بصفة عامة- أن الموريشيين المسلمين أكثر تنظيمًا على أسس دينية من الموريشيين الهنود الهندوسيين وهذا راجع إلى أنهم أقلية وراجع أيضًا إلى ظهور مسلمين أثرياء فى وقت مبكر من تاريخ موريشيوس حيث دعموا ديانتهم بـ "أوقاف" أوقفوها على الدين الإسلامى ذاته. وفى عام 1965 م كان هناك 65 مسجدًا فى الجزيرة يدير كل منها "متولى" ينتخب عادة من الجماعة. قد أقيمت كل هذه المساجد -إلا واحدًا- اعتبر وقفًا يهدف الدعم والمساندة فالمسجد هو نقطة

المصادر

الارتكاز لمجتمع المسلمين الموريشيين التى يلتف حولها "الجماعة"، وفى عام 1952 بلغ عدد السكان المسلمين فى موريشيوس مسلمًا ثم ارتفع فى عام 1196 إلى 110.322 مسلمًا. ترجمة وتلخيص سعيد عبد المحسن [أ. د. وفوديس] المصادر: (1) R.N. Gassita, L'Ialam a L'Ile Mauvice (2) B.Benedick Mauritius Landan 1965 (3) A.Tausaint, History of Mauvitius, London, 1977 موزمبيق كانت فى الأصل اسم مدينة ثم أصبح الاسم الرسمى لجمهورية موزمبيق الشعبية فى جنوب شرق افريقيا، وتقع جنوب تنزانيا ولها حدود مع كل من ملاوى وزيمبابوى وجمهورية جنوب أفريقيا وسوازيلاند. تحررت من البرتغال فى 1975 وانتهجت خطًا ماركسيًا ولكن دستورها لم يجرم ممارسة العبادات ووصل التعداد السكانى فيها عام 1980 إلى 12.5 مليون نسمة: 13.5 % مسلمون، 15 - 20 % أروام كاثوليك 5 % بروتستانت والنسبة الباقية من الوثنيين. ويتركز المسلمون فى المناطق الساحلية ويتحدثون اللغة السواحلية. أما داخل البلاد، فتتكون مقاطعات كابوديليجادو (Cobo Delgada) ونياسا (Niassa) ونامبولا (Nampula) من أعضاء قبيلتى ماكوه (Makua) وياو (Yao)، وكل منهما له لغته الخاصة. ولم يرد اسم "موزمبيق" المدينة فى الأدب العربى قبل أحمد بن ماجد أاواخر القرن التاسع للهجرة (الخامس عشر للميلاد) وبعد أن أصبحت موزمبيق المستعمرة الأساسية للبرتغال عام 1568، ارتبط اسمها تدريجيًا بالساحل ثم شمل المنطقة كلها. وكان الاسم الأول لها بلاد سوفالا (Sufala). واستخدم المسعودى مصطلح سوفالا بوجه عام ليقصد به حدود بلاد السودان. وسوفالا بلاد منخفضة تقع جنوب بيرا (Beira). وقسم الأدريسى

الساحل الشرقى الإفريقي إلى أربعة قطاعات: بلاد البربر، الساحل الصومالى الحالى، بلاد الزند والسواحل الحالية لكل من كينيا وتنزانيا والجزر المقابلة لهما وعاصمة ممبسة. وتعرف بلاد سوفالا بأرض التبر أو الذهب وأخيرًا بأرض الواق واق. كما وضع قائمة بعدد المدن التى تقع على ساحل موزمبيق، ولكن كانت أسماء تلك المدن معرفة فيما عدا مدينة سفونا (Safuna) عاصمة سفاليون (Sufaliyyun) وهم من قبيلة الزند الوثنية. ويحكى أن التجار الصينيين كانوا يذهبون إلى هناك فى أعداد كبيرة للمقايضة بالذهب مستخدمين فى ذلك لغة الإشارة. وتتحدث الوثائق التاريخية عن استقبال القادمين من هذه المنطقة مع المترجمين الفرس عامى 1571 و 1583، كما تصف أيضًا حيواناتهم ومنتجاتهم المحلية والعملة المتداولة بينهم، إلا أننا لا نعرف كيف تطورت تجارة الذهب فى المنطقة الواقعة خلف ساحل موزمبيق (زيمبابوى حاليًا) فقد كانت مقديشيو تدير دفة هذه التجارة ثم احتكرتها كلوة (Kilwa) بعد ذلك فى القرن الثانى عشر. وكانت مستوطنة البربر الواقعة فى أقصى الجنوب فى جزر بازاروتا (Bazzaruta) تصدر العنبر واللؤلؤ وتحصل فى المقابل على القطن والحرير والحلى من السفن الساحلية من كلوة وممبسة ومليندى والى كانت تحصل فى المقابل على الذهب والعاج والعنبر، ويرتدى سكان هذه المنطقة الملابس الحريرية أو القطنية ويلبس بعضهم عمامات الرأس أو القلنسوات. وفى الداخل، تقع مملكة مونوماتابا (Mwene Mutapa) ومدينته زيمبابوى اللتى تعد المصدر الرئيسى للذهب. ويوجد هناك العديد من المراكز التجارية على نهر كواما (Cuama) وبلدة مانجالو (Mangalo) ويتحدث السكان الأصليون لغة الوثنين وبعضهم يتحدث العربية. وموزمبيق مدينة تطل على ثلاث جزر وبها ميناء من أحسن الموانئ وفى سنة 1505 م بنى دوم مانويل الأول Dom Manuel I الحصون عند سفاله التى

ذاعت شهرتها بثروتها وكلوة ليسيطر على التجارة الساحلية وأنشأ فقط إمداد لها فى الطريق إلى الهند، إلا أن ظروف البرتغاليين كانت تملى عليهم الاقتصار على بسط نفوذهم داخل الحصون القريبة من الساحل. وفى عام 1554 أنشأ البرتغاليون أسواقًا تجارية فى سينا (Sena) وتيتى (tete) وكليمانى (Quelimane) حيث كان المسلمون يزاولون التجارة منذ فترة طويلة. كما كانوا يتقلدون المناصب العليا فى المناطق الساحلية. وكان عدد سكان البرتغال قليلًا بحيث لم تستطع أن تحشد غير ثلاثين مدافعًا فقط عندما هاجمت قبيلة ماكو (Makua) موزمبيق عام 1875 م ولم يكن احتلال البرتغال لموزمبيق احتلالًا فعليًا حتى عام 1895 وأصبح معروفًا "بشرق أفريقية البرتغالية" وهو الاسم الرسمى لموزمبيق حتى عام 1975. وكان من الصعب استيعاب الموقف الدينى فى تلك البلاد لعدم استخدام اللغة العربية أو السواحلية فى كتابة الوثائق التاريخية وليس هناك دليل عن بداية وصول الإسلام إلى المناطق الساحلية، بيد أن فرانسيسكو ريماندو (Francisco Raymundo) ترك صورة وصفية مختصرة عن الحياة الساحلية فى ذلك الوقت عندما قام برحلته من كويبخو (Quibumgo) إلى موزمبيق، حيث اكتشف أن مستعمرات البرتغال الصغيرة كانت أكثر بربرية من الوثنيين أنفسهم، لكنه وجد فى انجولا كتاتيب لتعليم القرآن، مما يقطع بوجود الإسلام فيها. وبعد عام 1839، بدأ الدخول فى الإسلام يزداد وقد سجل أحد الكتاب، هجرة "المتعلمون من الرجال" إلى أنجولا لتعليم اللغة العربية والشريعة الإسلامية. وبحلول عام 1906، كان الإسلام قد وصل إلى الشواطئ الشمالية فى موزمبيق. ويبدو أن اعتناق قبيلة ياو (Yao) الإسلام كان بين 1870 و 1910 ولكننا لا نعلم إن كان للصوفية علاقة بذلك وما هى الدوافع وراء تلك التحولات.

المصادر

إلا أن حالة الاضطراب التى تجتاح البلاد فى الوقت الراهن، إلى جانب عدم امتلاك الحكومة زمام الأمور، يجعل دراسة توزيع الأديان أمرًا مستحيلًا. المصادر: ورددت بالمتن. أمينة محمد رضا [هيئة التحرير] موسى (عليه السلام) هو موسى رسول اللَّه ونبيه (عليه السلام). 1 - فى القرآن الكريم: ورد ذكر موسى عليه السلام فى القرآن الكريم بوصفه المبشر والمنبئ بمحمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] (سورة الأعراف، الآية 157) ربط المؤلف بين الآية الكريمة {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ. . . إلخ} وما قبلها فى سياق واحدء فاتضح أن الآية الكريمة بمثابة نبوءة بمحمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] من موسى عليه السلام)، وأنهما على عقيدة واحدة (سورة الزخرف آية 42 وما بعدها)، وقد وجهت لموسى عليه السلام نفس الاتهامات التى وجهت إلى محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وهى محاولة صرف الناس عما كان عليه آباؤهم وتضليلهم (سورة يونس الآية 78)، وأنه كان يمارس السحر (سورة يونس آية 79 وما بعدها) وقد انصبت رسالة موسى وهارون عليهما السلام على فرعون الطاغية أكثر من تركيزها على المؤمنين من بنى إسرائيل. وأنزلت عليه التوراة أو الفرقان أو الصحف (سورة البقرة، آية 53) و (سورة الأنبياء آية 48) و (سورة الأعلى، آية 19) (هود - 110) (الأحقاف 12). . إلخ. ويتفق القرآن الكريم مع العهد القديم والهجادة فى الصورة العامة لموسى عليه السلام. فقد ألقى بموسى فى البحر، وراقبته أخته، ورفض الرضاعة من غير أمه، وقتل مصريًا ولكنه تاب عن جريمته التى أوقعه فيها الشيطان، وطارده رجال فرعون فهرب إلى مدين، واستسقى غنم ابنتى أحد شيوخ مدين، وتدعوه إحداهما إلى دارهم على استحياء، ويتزوجها ويمكث فى مدين ما بين ثمانى سنوات وعشر. كما جاء ذكر الرسالة فى بعض الأحيان.

تلقى موسى عليه السلام رسالة وهو "بالواد المقدس طوى" (سورة طه، آية 12) و (سورة النازعات، آية 16). وأمره اللَّه بأن يخلع نعليه، ويدعو فرعون لعبادة اللَّه، وآيته هى العصا والحية واليد التى تفسير بيضاء ناصعة، وعقدة لسانه، واتخاذ أخاه هارون عليه السلام وزيرًا له [وقد ورد كل هذا فى سورة طه] وتنكر فرعون للدعوة قائلًا إنه رباه وليدًا (أى موسى) (سورة الشعراء، آية 18). واستدعى فرعون السحرة، ولكن عصا موسى عليه السلام تلقفت ما صنعوا. وأعلن السحرة إيمانهم برب موسى وهارون، ولكن فرعون عاقبهم على ذلك، وأمر فرعون وزيره هامان أن يبنى له برجًا (صرحًا) ليصل به إلى رب موسى وقد أوتى تسع آيات بينات. وهذه الآيات (المعجزات) هى: 1) العصا والحية. 2) اليد البيضاء. 3) الطوفان. 4) الجراد. 5) القمل. 6) الضفادع. 7) الدم. 8) الظلام. 9) شق البحر. (انظر الطبرى جزء 1 ص 485). وواعد اللَّه موسى عليه السلام ثلاثين ليلة فأتمهم أربعين ليلة، وأتاه بتعليمات ووصايا على ألواح، وفى غيابه، صنع السامرى العجل الذهبى وألقى موسى عليه السلام بالألواح لفرط غضبه من فعل السامرى وطلب أن يرى اللَّه جهرة، فدك اللَّه الجبل دكًا دلالة عدم إمكان موسى أن يراه. وخشى بنو إسرائيل الحرب وتاهوا فى البرارى أربعين سنة وهلك أعداء موسى عليه السلام: فرعون وهامان وقارون. وتوجد بعض الاختلافات فى التفاصيل بين القرآن الكريم والعهد القديم ومنها على سبيل المثال: أن امرأة فرعون هى التى أنقذت موسى عليه السلام بطلبها تبنيه فى القرآن الكريم بينما أخت فرعون هى التى

أنقذته فى العهد القديم. وصاحب موسى عليه السلام راعيتان للغنم فى القرآن الكريم بينما صاحب سبعة فى العهد القديم. تحدث القرآن الكريم عن تسع معجزات أو آيات، بينما تحدث العهد القديم عن عشرة أوبئة، وفى القرآن الكريم ضرب موسى بعصاه الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينًا، لكل قبيلة من قبائل بنى إسرائيل عين منها. (سورة البقرة آية 60) (توجد تفاصيل هذه العيون فى سفر الخروج الإصحاح 15 - آية 27). كما يوجد اختلاف بيّن حول هامان عندما أصبح وزيرًا لفرعون. وتوجد فى القرآن الكريم بعض الأمور التى لا توجد فى العهد القديم مثل: 1) توبة موسى عليه السلام لقتله المصرى. 2) رؤية موسى عليه السلام لنار فاقترب ليأتى بقبس منها لأهله. 3) يُؤْثِر سحرة فرعون. ويتفق القرآن الكريم فى بعض ما جاء فى الهجادة من تفاصيل مثل: رفض موسى عليه السلام وهو طفل أن يرضع من غير أمه (سورة القصص، آية 12. رفع اللَّه طور سيناء فوق بنى إسرائيل (سورة البقرة، آية 63، 93 و (سورة الأعراف، آية 171) الهجادة: سبت، 80 أ، عبد زارا 2 ب). تحول أصحاب السبت إلى قردة (سورة البقرة، آية 65، سورة النساء، آية 47، سورة المائدة، آية 60 سورة الأعراف، آية 166) وقد وردت فى الهجادة بوصفهم بناة برج بابل الذين تحولوا إلى قردة (الهجادة سنهدرين، 109 أ). ورد ذكر قارون فى القرآن الكريم بوصفه رجلًا وصل ثراؤه إلى الحد الذى لا يستطيع الأقوياء حمل مفاتيح خزائنه. (سورة القصص آية 76 - 79). أما الهجادة فتقول إن قارون اكتشف كنزًا مصريًا، وقام ثلاثمائة من البغال بحمل مفاتيح الخزائن (الهجادة: بسكيم 119 أ, سنهدرين 110 أ، بال: سنهدرين، 10، 27 د). ومما ورد فى القرآن الكريم ولم يرد فى أى مصادر يهودية، قصة الرجل المؤمن من آل فرعون الذى حاول

2 - موسى عليه السلام عند الإخباريين

مساعدة موسى عليه السلام (سورة غافر، آية 29)، وقصة الرجل الحكيم الذى صاحبه موسى عليه السلام (سورة الكهف، آيات 60 - 82). 2 - موسى عليه السلام عند الإخباريين: أضيفت فى قصص الأنبياء بعض ما ورد فى العهد القديم والهجادة والتراث الشعبى أكثر مما ورد فى القرآن الكريم. وأكثر هذه القصص جاءت من الهجادة وعلى سبيل المثال: شفى بنات فرعون من الجذام بمجرد أن لمسن موسى عليه السلام فى المهد. وخدش موسى ذقن فرعون وأراد فرعون قتله، فشفعت آسيا له، فاختبره فرعون بوضع الذهب فى ناحية وجمرات من نار فى جانب آخر. ومد موسى عليه السلام يده إلى الذهب ولكن جبريل أخذ بيده نحو الجمرات، ووضع موسى عليه السلام يده المنسفعة على لسانه وعليها انعقد لسانه. وقد تشابهت بعض العناصر من القصص الأخرى الواردة فى المصادر الإسرائيلية فى قصة موسى عليه السلام. فعلى سبيل المثال: نرى من عناصر قصة إبراهيم عليه السلام والنمرود إنزعاج فرعون بسبب الرؤى المنامية التى كان يراها فرعون، فيأمر بقتل الأطفال [من بنى إسرائيل]، ويختبئ موسى عليه السلام فى تنور مشتعل ولكن النار تصبح باردة ولا تؤذيه، ويأمر فرعون الناس أن يسجدوا له كما يسجدون للَّه، ويأمر ببناء صرح ويطلق سهمًا فى السماء، ويرتد إليه السهم مخضبًا بالدماء فيفخر فرعون أنه قتل اللَّه (الطبرى جزء 1، ص 469). ومما ورد لدى الإخباريين معجزات الأفاعى والطاعون وأحداث البحر الأحمر، وعلى الأخص عصا موسى عليه السلام التى لعبت دورًا كبيرًا. وقيل إنها نزلت من الجنة، وقد سبق أن استخدمها آدم عليه السلام وهابيل وشيث وإدريس ونوح وهود وصالح وإبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب عليهم جميعًا أفضل الصلاة والسلام (الكسائى، ص 208). وورد عن الطبرى جزء 1 ص 460 - 461) أن

المصادر

ملكًا أتى بالعصا، وأن موسى عليه السلام حصل عليها من زوجته وتنازع مع حميه على امتلاكها! وفى آخر الأمر، يقرر الملك أن يحصل موسى عليها. وهى عصا سحرية، ويعدد الثعلبى (ص 111 - 116) عجائبها: فهى تضئ فى الظلام، وترى عند القحط، وتتحول إلى شجرة مثمرة عن وضعها فى الأرض، وتمنح اللبن والعسل وأريج العطر، وعن مواجهة الأعداء تصبح تنينًا مزدوجًا، وهى تخترق الجبال والصخور وتجوب الأنهار والبحر، كما يتوكَّأ عليها راعى الغنم، وقد أبعدت الوحوش عن قطيع موسى عليه السلام. وفى واقعة ذكرت، أن موسى عليه السلام كان نائمًا، فقتلت عصاه تنينًا، وفى حادثة أخرى أنها قتلت سبعة من سفاحى فرعون. ويمكن القول بأن الأخبار المتنوعة فى العهد القديم والهجادة والحكايات الأخرى الواردة فى القصة الإسلامية لموسى عليه السلام قد امتزجت وأدمجت لتعطى صورة كاملة عن موسى عليه السلام. المصادر: 1) القرآن الكريم: كل الآيات التى ورد فيها موسى عليه السلام وتفسيرها. 2) الثعلبى: قصص الأنبياء، القاهرة 1325 هـ، ص 105 - 156. 3) الكسائى: قصص الأنبياء، طبعة Eisenberg، ص 194 - 240. وائل البشير [ب. هيلر B. Heller] 3 - موسى عليه السلام فى التراث الإسلامى: يطلق المسلمون على موسى عليه السلام "كليم اللَّه" ومعناه الدقيق يجب طرحه للمناقشة. فى الواقع أنه يمكن تفسير كلمة "كليم" على "أنه الشخص الذى يتحدث إلى آخر" أو "الشخص الذى يوجه إليه الكلام" وقد أخذ البيضاوى بالمعنى الأول (طبعة Fleischer، الجزء 1، ص 445، 58، 595) ويرادف بين كليم ومكالم، وقد أقره ابن منظور، ورغم ذلك يضيف أن الأزهرى فى التهذيب يؤثر المعنى الآخر. والعديد من آيات القرآن الكريم أشارت إلى

المصادر

الحوار المباشر بين اللَّه تعالى وموسى عليه السلام. ولعل أكثرها وضوحًا: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} (سورة النساء، آية 164 حيث إن صيغة التأكيد المستخدمة هنا تشير إلى حتمية فهم "الكلام" فهمًا حرفيًا وليس مجازيًا، وهذه الآيات تؤكد دومًا على كلام اللَّه لموسى عليه السلام، ولعل هذا هو ما دفع الأزهرى إلى اختيار المعنى الثانى السابق ذكره. . أما المشتق الثالث كالم، خلا أثر له فى متن القرآن الكريم، إلا أنّه فى سورة البقرة، آية 253 تحتوى على نهج مختلف، يمكن أن تكون مصدرًا للقب وفقًا للبيضاوى (جزء 1، ص 130)، ولكن لا يوجد ذكر لموسى عليه السلام فى هذه الآية، وانظر أيضًا إلى صفة "النجى" المنطبقة على موسى عليه السلام والتى ردها البيضاوى (جزء 1، ص 583) إلى مناجى. المصادر: (1) Goldziher: Die Richuungen der islamischen Korahauslesung 174 (2) Dozy: Supplement, ii وائل البشير [ماكدونالد D.B.Macdonald] الموفق طلحة الموفق طلحة بن جعفر المعروف عادة بكنيته، أبو أحمد بن الخليفة المتوكل، وأمه جارية أم ولد تدعى "أم إسحق" ولقد شاهد -وهو صبى- مصرع أبيه على يد القواد الترك سنة 247 هـ (= 861 م)، ثم اختاره بعد أربع سنوات من ذلك التاريخ (أعنى سنة 251 هـ = 865 م) أخوه المعتز -الذى صار خليفة لسامراء- ليكون قائد جيشه الذى أرسله لقتال المستعين ومحمد بن عبد اللَّه بن طاهر فى بغداد، ومن المحتمل أن يكون قد أخذ فى توثيق الروابط بينه وبين الجند الترك فى ذلك الحين، مما كان أساسًا لما صادفه فيما بعد من النجاح، ولما حاول المعتز كبح جماح القادة الأتراك والحدّ من سلطانهم، باعد أبو أحمد ما بينه وبين الخليفة وذهب إلى المنفى من تلقاء ذاته، لكنه أخذ فى نفس الوقت فى الحفاظ على علاقاته بهؤلاء القواد، ولقد أدّى موت الهندى سنة 256 هـ (= 870 م) إلى أن يسرع أبو أحمد بالعودة من مكة

التى كان قد لجأ إليها وأصبح هو والقائد الكبير موسى بن بُغا أصحاب السطوة الفعلية، هذا على الرغم من أن الخليفة كان أخوه المعتمد، ولكن خلافته كانت اسمية. وأصبح أبو أحمد واليًا على العراق وبلاد العرب ولاية امتدت حتى سنة 261 هـ (= 875 م) حين عهد إليه بإدارة شئون المشرق إلى جانب ولايته العراق، وصار له موضع فى الاستخلاف بعد المفوض بن المعتمد. وأصبح القائد الأعلى العباسى وأخذ فى العمل على استعادة قوة الخلافة، وكان يعتمد فى ذلك على صلاته مع أصحاب القوة الحربية من جماعات الأتراك لاسيما موسى بن بغا حتى إذا مات ابن بغا سنة 264 هـ (= 877 م) كان اعتماده على كل من كيْغَلَغ واسحق بن كنْداج، اللذين ظلا تابعين مخلصين له ولم ينافساه فى سلطانه، كذلك كان له وزراؤه ومنهم سليمان بن وهب وسعيد بن مخلد وإسماعيل بلبل، والواقع أن المعتمد كان حبيس سامراء لا سيما بعد محاولته الهروب إلى مصر سنة 269 هـ (= 882 م)، وكانت مقاليد الأمور فى الواقع فى يد الموفق يصرفها من بغداد [وتذكر المصادر المعاصرة أن الموفق أبا أحمد كان محبًا للسلطان والتغلب، وهو الذى يولى الوزراء إذ لم يكن للمعتمد سوى الخطبة والسكة والإسم]. كان أول تحدّ سافر كبير لأبى أحمد الموفق من ناحية الصفاريين [الذين تأسست دولتهم فى سجستان على يد الأخوين يعقوب بن الليث الصفار وعمرو بن الليث، وكانا معروفين أو يظهران الزهد، وقيل أن يعقوب أقصى لم يكن يريد الانفراد، بالحكم ولكن كان أخص مراده أن يكون أميرًا بعهد من خليفة البغداد]. لقد أخذ يعقوب بن الليث منذ سنة 255 هـ (= 869 م) يحاول ما وسعه الجهد أن يدعم قواه فى فارس ولكنه وجد خصمًا عنيفًا فى (مخاطر) من أهل البلاد اسمه محمد بن التميمى والموفق، ثم كانت المحاولة الأخيرة من جانب

المصادر

يعقوب لاختبار العدة حينما هاجم العراق لكن تصدَّى له الموفق وموسى ابن بغا فأنزلا به الهزيمة النكراء عند دير العاقول وذلك سنة 262 هـ (= 876 م) [ويقال إن سبب هزيمة يعقوب -بعد انتصاره فى بادئ الأمر- يرجع إلى كراهية بعض جنده أن يحاربوا الخليفة فانفصلوا عن جيش يعقوب بن الليث فكانت الهزيمة التى ألَّمت به] ولقد ترتب على انتصار جيش الخليفة أن أصبح الموفق وقواده قادرين على الالتفاف حول الزنج فى جنوب العراق، وكان خروجهم على الدولة لأول مرة سنة 255 هـ (= 869 هـ) بقيادة [دعى انتسب زورًا إلى آل على كما ادعى أنه عباسى ودعا الناس فى هجر لطاعته، وكثر أتباعه فى أكثر من ناحية، واستعان بالصبية ممن يحملون السباخ فى البصرة ومناهم الأمانى المعسولة فتبعوه وظل يتابع صده للزنوج حتى استفحل شره] ولقد ظلت فتنة الزنج مشبوبة الأوار حتى سنة 266 هـ (= 879 م) حين أعد الموفق وولده أبو العباس حملة ضد الزنج، واستمرت الحرب حامية الوطيس بين الجانبين مدة أربع سنوات شهدت نهايتها هزيمة البشائر والقضاء على الفتنة سنة 270 هـ ولما انتهت ثورة الزنج قلت ضده عزام الموفق، وتقاعد عن القتال بنفسه وأخرج ولده فى سنة 271 هـ (= 884 م) لقتال خمارويه بن أحمد بن طولون فى جنوب فلسطين، كما أنه غادر بغداد سنة 276 هـ (= 889 م) إلى "الجبال"، وربما كان الدافع , فى هذا الخروج سعيه للمال، ولم يعد إلا سنة 278 هـ وقد مرض مرضًا ينذر بالموت، وكانت العلاقات بينه وبين ولده أبى العباس قد تدهورت تدهورًا كبيرًا حتى لقد أمر بالقبض عليه فقبض عليه، ولكن سعى البعض بالصلح بينهما فتم البعض مما سعوا فيه وكان ذلك قبل موته فى صفر 278 (= يونيو 891 م). المصادر: (1) الطبرى 3/ 1459 - 1461. (2) تاريخ اليعقوبى 2/ 619 - 624، مروج الذهب للمسعودى 8/ 38 - 112. مروان حسن حبشى [هـ. كيندى H. Kennedy]

مولاى

مولاى MAWLAY مَولَاى، وتعنى "سَيِّدى"، وهو لقب شرفى ارتبط بالسلاطين "فى الأسرات الحاكمة المغربية من الأشراف السعديين والعلويين" الذين ينحدرون من نسل "الحسن بن على"، فيما عدا من كانت أسماؤهم "محمد"، فإنه يطلق عليه لقب "سَيِّدى بفتح السِّين وتشديد الياء وكسرها أو سيدى بكسر السِّين" (إلا أن المرونة التى تَتشكل بها كلمة "محمد" قبل اسم السلطان الذى يحمل هذا الاسم). واحتوت المقالات المخصصة للأسرتين (العلوية والسعدية) على معلومات كافية عن تكوين مجموعة السلاطين، إلا أن بعضها جاء فى مقالات منفصلة على حسب الترتيب الهجائى للأسماء (بدون لقب مولاى أو سيدى). ومن بين هؤلاء من "السعديين"، عبد اللَّه الغالب باللَّه وأحمد المنصور، ومن "العلويين" الرشيد وعبد اللَّه بن إسماعيل ومحمد بن عبد اللَّه وسليمان وعبد الرحمن بن هشام ومحمد بن عبد الرحمن وعبد العزيز وعبد الحفيظ [الحافظ] ويوسف ومحمد الرابع. مصطفى محمود مولاى إدريس زاوية "مولاى إدريس" هى مدينة جبلية بالمغرب ومركز تجمع حضرى. يقطنها 10 آلاف نسمة، وتقع على المنحدر الغربى من جبل "زرهون" بالقرب من موقع المدينة الرومانية القديمة "فولوبيليس Volubilis" والتى عرفت فى العصر الإسلامى باسم "دليلا" أو "وليلى"، وكان يقطنها المسيحيون واليهود وبعض أتباع العقائد الأخرى، وارتبطت تاريخيًا بمدينة "الزاوية". وتقول المراجع العربية، إنه مع دخول الإسلام، وصل "عقبة بن نافع" بنفسه إلى مشارف "وليلى". وهزم هناك جيشًا من "البربر"، إلا أنه من غير المحقق دخوله إلى المدينة التى بدأت تجتذب منذ ذلك التاريخ وما تلاه العديد من الوافدين المسلمين، حيث اكتشفت العديد من العملات الإسلامية المضروبة

مولاى إسماعيل

فى الشرق إلى جانب المسكوكات المغربية المضروبة فى "طودغا" وفى "وليلى" نفسها، والتى كان يوجد بها دار لسك النقود. وعلى العكس من الاعتقاد السائد بأن الذى أنشأ مدينة الزاوية هو إدريس الأول، حينما فر إلى المنطقة هربًا من غضب الخليفة العباسى "هارون الرشيد"، فإن مدينة "مولاى إدريس" نشأت حول التصريح المقدس لمدفن الأدارسة على الحدود الخارجية من "وليلى" خلال القرن العاشر الهجرى/ السادس عشر الميلادى فى الرحلة التى اشتهرت بحركة الأولياء المسلمين فى المغرب. واكتسبت "الزاوية" مكانة إسلامية مقدسة مع بداية الأسرة العلوية فى عهد "مولاى إسماعيل"، فغدت ملاذًا له حرمته ومقصدًا للزيارات الدينية. وكان يتعين على كل سلطان جديد أن يزور "مولاى إدريس"، التى لازالت تحتفظ بمكانتها الدينية حتى اليوم. ويتشكل سكان المدينة الصغيرة من مجموعات تعج "بالأشراف الأدارسة" و"العلويين" بفروعهم الكثيرة المتشعبة. مصطفى محمود [ب. بيرثر P.Berthier] مولاى إسماعيل هو مولاى إسماعيل بن الشريف أبو النصر الحاكم الثانى من أسرة العلويين المغاربة. بعد موت السلطان "مولاى الرشيد"، نودى بمولاى إسماعيل، حاكم "مكناس" وشقيق السلطان المتوفى، سلطانًا فى العاصمة "فارس" فى 11 ذو الحجة سنة 1082 الموافق 14 إبريل سنة 1672، وعمره آنذاك لم يتجاوز 26 سنة. إلا أن ثلاثة منافسين نزلوا حلبة الصراع ضده، الأول هو شقيقه "مولاى الحرانى" فى "قافلالت" والثانى ابن شقيق "أحمد بن محرز" الذى تولى فى "مراكش" وفى "سوس"، والثالث "الخضر غيلان" زعيم العصابات الثورية فى الغرب الشمالى، والتى كانت تلقى الدعم من الأتراك الذين حكموا الجزائر، إلا أنه هزم "غيلان" فى شمال "فاس" وأعدمه. واعترف بابن أخيه "الحرانى" أميرًا على "قافلالت". وقال أحمد بن عبد اللَّه (المتوفى سنة 1091/ 1680) أحد أحفاد الأولياء فى

"ديلاء" ثورة عارمة فى منطقة "تادلا" والأقاليم الغربية بدعم من الأتراك فى الجزائر. بيد أن قواته البربرية لم تصمد طويلًا أمام القوات النظامية لمولاى إسماعيل بمدفعيتها فسقطت "مراكش" فى ربيع الثانى 1088 الموافق يونية 1677. وعمل إسماعيل المنتصر على ترويع السكان ليحافظ على الهدوء، فضرب أعناق أكثر من 10 آلاف، وسخر الآلاف من الأسرى، جنبًا إلى جنب مع العبيد المسيحيين فى المعاونة فى بناء قصر "مكناس" التى جعلها العاصمة العسكرية لدولته. وجاء الطاعون ليحصد أرواح الآلاف من الضحايا (1090/ 1679) فى أقاليم الغرب والريف، وهكذا منح القمع الكاسح للثورات البربرية وانتشار الوباء، "مولاى إسماعيل" فسحة من الوقت، استغلها فى إنشاء جيش محترف، فجند العبيد الزنوج السابقين ومنحهم زوجات، وخصهم بالممتلكات، ودربهم على استخدام الأسلحة، وشكل جيش "الحرس الأسود" الشهير من بين عبيد البخارى، ليؤكد سيادته على كافة أرجاء "المغرب". وأسس فى نفس الوقت فيالق "المجتهدين" بدعوى مساندة الحزب الدينى المتشدد، ولكنه كان يهدف فى الواقع إلى مراقبة معاملات الأتراك مع الأوربيين فى الموانى، ومواجهة نفوذ مجاهدى البحر. وشنت هذه الفيالق، والتى كانت تتشكل فى قوامها من عدة مئات من العبيد المختارين بعناية فائقة، حرب عصابات متواصلة ضد الممتلكات الأوربية. واستولوا من الأسباب على "المعمورة" و"المهدية" الحديثة فى هجوم مباغت. وجمع "مولاى إسماعيل" ما يزيد عن مائة مدفع (15 ربيع الثانى 1092/ 4 مايو 1681). وشنوا غارات متقطعة على الإنجليز من جهة "الصنجاويين"، الذين أخلوا المدينة بعد تفجير المرفأ والتحصينات الموجودة بها (1 جمادى الأولى 1095/ 15 إبريل 1684). وأرغمت "العرائش" فى سنة 1689, و"أصيلة" فى سنة 1691, على التسليم تحت وطأة هجمات "المجتهدين". وسعى "مولاى إسماعيل" إلى التحالف مع لويس الرابع عشر ضد

الأتراك فى الجزائر، الذين كان لهم ضلع فى كل المؤامرات التى حكيت خيوطها فى "أطلس" ضد "الأشراف" فى "فارس". وقام التحالف حينئذ بين فرنسا و"باى" تونس وسلطان "فاس"، وحاول الأخير أن يعضده بالمصاهرة، فطلب يد الأميرة "دى كونتى". وعلى الرغم من فشل مساعيه، فإن هذا التحالف أمن لفرنسا مصالحها التجارية العظمى فى "ساليه" و"تيتوان" و"سافى". ونظم "مولاى إسماعيل" من جانبه العديد من الحملات ضد الأتراك بمساعدة فرنسا، والتى زوده تجارها بالأسلحة والذخائر. وانتقلت امتيازات "الأولياء"، وهم الحلفاء الطبيعيون للأتراك، إلى أيدى "الأشراف"، الذين تبنوا تدريجيًا اتجاه العناصر الدينية، والتى تشكلت على هيئة جماعات الإخوان. واستكمل إسماعيل هيمنة بالمنشآت العسكرية ونظام الحاميات لتأمين المرور والسيطرة على البربر فى "الريف". وجمع الأموال اللازمة بفرض الضرائب الباهظة دون تمييز عن طريق عملائه، وبشن الغارات المتواصلة على القبائل وفرض الرسوم الجمركية، ومن جباية أتاوة السدس على غنائم مجاهدى البحر، ومن الفدية المفروضة على الأسرى، ومن تلقى الهدايا القيمة من السفراء الأجانب. وامتزجت فى شخصيته القوة والدهاء والشجاعة مع القسوة والسادية. واتخذ مظهر المهتم بالأنشطة الفكرية لرعاياه، وأضفى على نفسه سمة الورع والتقوى ونشر الدعوة الإسلامية، إلى الحد الذى دعا معه "لويس الرابع عشر" إلى الدخول فى الإسلام. واحتفظ فى سياسته الخارجية بعلاقات طيبة مع بريطانيا وفرنسا، لم يستغلها فى تحقيق النصر على أتراك الجزائر. واتسمت سياسته الداخلية، بقمع ثورات القبائل، ودعم "المخزن" وتقويتهم ضد تقلبات البربر، وبث الذعر لفرض السلام الذى تحقق عند وفاته، بعد فترة حكم استمرت 55 عامًا، فى 27 رجب 1139/ 20 مارس 1727، عن عمر يناهز 80 عامًا. ومن بين عدة مئات من الأطفال الذين أنجبهم من زوجاته العديدات، خلفه فى الحكم "مولاى أحمد الذهبى" - المؤلف. A. Cour مصطفى محمود محمد [التحرير]

مولاى محمد الشيخ

مولاى محمد الشيخ هو اسم لثلاثة سلاطين مغاربة ينتمون إلى أسرة "السعديين". 1 - الأول هو أبو عبد اللَّه، ولقب أيضًا "بالمهدى" وأحيانًا "بالإمام". ويعد الثانى أو الثالث من أعضاء الأسرة. إلا أنه مؤسسها الحقيقى هو الذى قضى على "بنى موين". ولد فى "تجمدرت"، أحد أحياء "درعة" سنة 896 هـ/ 1490 - 1 م. وهو الابن الأصغر "لمحمد بن عبد الرحمن القائم بأمر اللَّه" والذى نودى به سلطانًا فى سنة 916 هـ/ 1510 م، وتوفى فى سنة 932 هـ/ 1517 م. عين أبوه شقيقه الأكبر "أحمد الأعرج" حاكمًا على "سوس" فى نفس السنة التى تلقى فيها "البيعة" (916 هـ/ 1510 م). ومئتين مع شقيقه الأصغر، الذى عمل مساعدًا له، حربًا مقدسة ضد المسيحيين قاطنى الإقليم وخصوصًا فى "سانتاكروز" المنفذ الساحلى لـ "سوس" والتى صارت مدينة "أغادير". واستعان الشقيقان "الشريفان" "ببنى وطاس" حكام "مراكش". لكن "محمد الشيخ" تحرر من وصاية شقيقه الأكبر ووضع يديه على إدارة السهل والجانب الجنوبى من "أطلس العليا" سنة (919 هـ/ 1513 م). وامتد نفوذه ليشمل شمال "الأطلس" بعد موت "القائم". اتخذ "ترودنت" عاصمة له وحصنها وأطلق عليها اسم "المحمدية". واحتاج إلى التجارة مع المسيحيين للحصول على الأسلحة والذخائر، فعقد الاتفاقيات مع الحكام البرتغاليين فى "سافى" و"أزيمور" فى سنة 930 هـ/ 1524 م، ليحل السلام نسبيًا فى جنوب المغرب. وظل "مولاى محمد" على علاقة طيبة مع الوالى المحلى ذو النفوذ الإسلامى، كما اجتذب التجار المسيحيين إلى "سوس" لتنمية تجارة الجلود والشمع والسكر والتى اشتهرت بها المنطقة. وفى ذى الحجة 930 هـ/ أكتوبر 1524 م، استولى "أحمد الأعرج" على "مراكش" من "الوطاسيين"، وشن الشقيقان المزيد من الهجمات على آخر ملوك هذه الأسرة، الذين حكموا فى "فاس"، واستوليا على إعداد كبيرة من قطع المدفعية، والتى تمكنا بواسطتها من

شن حملة على ميناء "فونتى" (انظر أغادير) مرة أخرى ومحاصرتها والاستيلاء عليها فى 13 ذو القعدة 947 هـ/ 11 مارس 1541 م، وأخذ الأسرى المسيحيين إلى "ترودنت"، وتمكن "مولاى محمد"، عن طريق الأسلحة والذخيرة التى استولى عليها من إخضاع "البربر". ونشب الصراع بين الشقيقين بسبب الاختلاف على اقتسام الغنائم. وهاجم "الأعرج" أخيه "محمد" وهزمه، فأضمر هذا الانتقام لنفسه، وأفلح فى سنة 951 هـ/ 1544 م فى أن يستولى على "مراكش" ويأسر أخيه الأكبر وينفيه إلى "تفيلالت" هو وكل أتباعه، وأصبح السيد الأوحد على الأراضى التى يحكمها "السعديين"، ومن ثم عمل على وضع حد لنفوذ "الوطاسيين" وتوحيد المغرب تحت إمرته. وجاءت نتيجة المواجهة الأولى لمصلحته، وهى التى جرت وقائعها فى "أم الربيع" إلا أن المعاهدة التى أبرمت فى أعقابها، سرعان ما نقضت. ودعا "السعدى" خصمه للتسليم، وحينما أبى ذلك، هاجم "فاس" فى سنة 952 هـ/ 1545 م، وأسر حاكم المدينة "أحمد الوطاس". ثم أطلق سراحه. وبينما تولى ابنه مقاليد الحكم فى العديد من المدن على الساحل الأطلسى، اضطر "مولاى محمد" الذى كان قد فقد "فاس" فى نفس الوقت، إلى أن يضرب حصارًا طويلًا حول المكان، ليستولى عليه فى 2 محرم 956 هـ/ 31 يناير 1549 م. وهو الحدث البارز، الذى يتخذ كبداية لعهد هذه الأسرة الحاكمة. واستعان "أبو حسان"، أحد أعمام "الوطاس" المهزوم "بالانكشاريين" فى الجزائر لمهاجمة "مولاى محمد الشيخ" والاستيلاء على "فاس" التى نهبها الأتراك (961 هـ/ 1554 م)، لكن "الشيخ" سرعان ما استعاد العاصمة فى نفس السنة، وأعدم "أبو حسان" وأرسل برأسه إلى "مراكش". فى سنة 959/ 1552، أرسل السلطان العثمانى "سليمان قانونى" (926 - 74 هـ/ 1520 - 66 م) محررًا فى شأن الحدود الشرقية للمغرب، إلى "مولاى محمد الشيخ"، الذى أساء

معاملة المبعوث العثمانى، وكان فى ذلك قضائه، حيث تعقبه إلى "مراكش"، التى كان ينوى الإقامة النهائية فيها، حفنة من القتلة المأجورين المبعوثين من الجزائر لاغتياله، فاندسوا بسهولة ضمن حاشيته، والتى كانت تتشكل فى معظمها من الأتراك، ونفذوا فعلتهم فى 29 ذو الحجة 964 هـ/ 23 أكتوبر 1557 م، وحملوا رأسه -هكذا قيل- إلى "إستانبول". ويرقد جثمانه فى "مراكش" مع أفراد أسرته، فى الفناء المعروف باسم "لالة مسعود" والذى يحتوى على مقابر مشاهير "السعديين"، حيث نقش اسمه على نصب تذكارى كبير، إلى جانب لوحة رخامية تحمل نقشًا طويلًا يطرى زوجة السلطان البربرية "مسعودة" ويعدد مناقبها، وهى التى أنجبت له "أحمد المنصور" وأطلق اسمها على الفناء. ورغم شهرته بالتقوى والورع، إلا أن هذا لم يمنعه من أن ينزل العقوبات الوحشية على الفقهاء، الذين عملوا فى خدمة الأسرة الحاكمة السابقة، مثل "الونشريزى" الذى أعدمه فى ذى الحجة 955 هـ/ يناير 1549 م و"الزقاق" و"سيدى على حرزوز". وتسبب "مولاى محمد الشيخ" -من الناحية الاقتصادية والمالية- فى بعض المشاكل نتيجة للأعباء الضريبية التى فرضها، إلا أنه سعى إلى زيادة ثروة البلاد وتنمية زراعة القصب وتصنيع السكر. وسعى لامتلاك منجم الملح فى "قفازا" الواقعة فى منتصف الطريق بين مصب "النيجر" ومنحنى "دراع". وفى نفس السنة التى مات فيها السلطان، قللت قواته حاكم "تفازا" وسلبت قافلة من الملح. وقال بنفسه حملة على السودان، بيد أنه أجبر على العودة، ووقع على عاتق حفيده "أحمد المنصور الذهبى" أن يفتح أرض الذهب. 2 - والثانى الذى يحمل اللقب الملكى "المأمون" هو حفيد السابق، وابن "أحمد المنصور" من امرأة زنجية تسمى "خيزران". فبعد معركة "وادى المخازن" (أو معركة الملوك الثلاثة) فى سنة 986 هـ/ 1578 م وإعلان أحمد المنصور كسلطان، عين ابنه "محمد الشيخ الثانى"، الوريث المفترض، حاكمًا على

المصادر

"فاس"، لكنه انغمس فى الملذات الحسية وأهمل واجباته الدينية، وناصب الأهالى العداء، فأرسله السلطان إلى "سجلماسة". وبعد وفاة أبيه (1012 هـ/ 1603 م)، نازعه أشقاؤه فى العرش، فجهز جيشًا تحت قيادة ابنه "عبد اللَّه" وزحف إلى "مراكش" واستولى على المدينة، ونودى به أخيرًا سلطانًا على "فاس" فى سنة (1015 هـ/ 1606 م). وفى 4 رمضان 1019 هـ/ 20 نوفمبر 1610 م أعلن الثائر "أبو محالى" الحرب المقدسة، بعد أن استفزه امتياز "العرائش". وبعدها بثلاثة سنوات، أغتيل "محمد الشيخ الثانى" بالقرب من "تيتوان". 3 - والثالث هو ابن شقيق السابق، وابن "مولاى زيدان" من امرأة أسبانية. سجنه شقيقه "الوليد" سلطان مراكش، الذى اغتيل فى 14 رمضان 1045 هـ/ 21 فبراير 1636 م فأطلق سراحه فى الحال ونودى به سلطانًا، وأخذ لقب "الصغير" أو "الأصغر". وبعدها بفترة، استولى "ولى" "تازورولت" واسمه "سيدى على" على "أغادير"، وكان قد احتل بالفعل "سوس" و"تفيلالت" و"تفازة"، فأصبحت أراضى "السعديين" تمتد إلى ما وراء ضواحى "مراكش". وعقد "مولاى محمد الشيخ الثالث" معاهدة مع الملك تشارلز الأول، ملك إنجلترا، والتى امتنع بموجبها على رعايا الملك المتاجرة مع أعداء السلطان. المصادر: (1) Diego de Torves: Histoire des Cherifs. Vol III (2) hgtajhjd: lkhig hgwth tD Bofhn hglgm; hganth,jprdr [kmk, jxmhk, 4691 (3) ابن عساكر، دوحة الناشر. (4) R. Le Tourneau: La decadence Sa,dienne مصطفى محمود على مولوية مولوية، طريقة صوفية منسوبة لمولانا جلال الدين الرومى ولم تُعْرف بهذا الاسم وقت ظهورها.

1 - منشأ الطريقة وطقوسها

1 - منشأ الطريقة وطقوسها: من الاحتمالات القوية أن تكون المبادئ الأساسية للطريقة، خاصة طقوس جلسات الذكر المصاحب بالموسيقى، والتى يطلق عليها السماع، وهى أهم ما يميز هذه الطريقة عما عداها، قد استقرت فى عهد مولانا جلال الدين الرومى ثم تطورت فيما بعد للصورة التى هى عليها اليوم. إلا أنه لم ترد قبل عام 754 هـ/ 1353 م أية إشارة للطقوس الأخرى أو ما يجرى من تبادل التحية بالصورة التى ميزت حفلات الذكر فيما بعد. وللدخول فى الطريقة طقوس غاية فى التعقيد، تتم تحت إشراف معلمين موكول لهم هذه المهمة، يسمى الواحد منهم "د د ded" ويبدأ الفرد فى الطريقة بدرجة "محب" ثم "مريد"، ثم "درويش" وهو أيضًا "الدد" وبعدها يتدرج بحسب مقدرته ليكون "شيخًا" ثم "خليفة". وللأزياء فى الطريقة أهمية خاصة فلكل مرتبة زيها، فالشيخ مثلًا إذا لم يجز نسبته لآل البيت يرتدى عمامة بيضاء، أما إن كان سيدًا أى من آل البيت) فيرتدى عمامة قرمزية اللون. وهناك غطاء للرأس مخروطى الشكل (طرطور) يسمى السكة Sikke ذو مغزى خاص، يأتى به المحب فى أول لقاء له بالشَّيخ كبداية لدخول الطريقة، فيتلو فيه الشيخ سورة الإخلاص ثلاثًا، ويقبله ثلاثًا، ثم يكبِّر فيه، ولكن المحب لا يرتديه إلا بعد اجتياز فترة الاختبار التى تصل مدتها إلى 1001 يومًا. ويقطن المشايخ فى مقار تسمى بمسميات مختلفة مثل أستانة asatana أو تكة (درجة) tekke (dargah) أو (zaway) (زاوية). وهذه المقار على درجات، فالآستانة أعلى مرتبة من الزاوية، ويتكون التك، من حرم، وسلاملك، والسماع خانة (غرفة جلسات الذكر، أو السماع)، والمسجد والميدان، والمطبخ. وهناك غرفة تسمى "الميدان الشريف" لا يسمح إلا لمن فى درجة محب بارتيادها، وفيها تقام جلسة طقوس خاصة بعد صلاة الفجر. وأهم ما يميز هذه الطريقة هو جلسات الذكر الموسيقية المسماة

"سماع" وهى تنفذ فى غرفة خاصة تسمى "سماع - خانة"، يدخل لها من غرفة خارجية، ويلحق بها أقسام للزوار من الجنسين، والـ "مطرب - خانة" أو مكان العازفين. وحتى عهد سليم الثالث (1789 - 1807 م)، كان التقليد السارى منذ عهد جلال الدين الرومى ساريًا، وبمقتضاه لا تجرى حفلات السماع إلا فى حالات النشوة الخالصة، وإن كانت هناك شواهد أنها كانت قبل هذا التاريخ تجرى بانتظام يومى الثلاثاء والجمعة. ولعل الزيارات المستمرة للسلطان وإقامة السماع على شرفه قد أدى بأن تقام الحفلات يوميًا. أما خارج إستانبول فكانت تعقد بعد صلاة الجمعة من كل أسبوع. أما الآن، [وبعد إلغاء الطريقة فى عهد كمال أتاتورك عام 1925] فهى تقام لأسباب سياحية بحتة فيما بين 11 و 17 ديسمبر من كل عام. ولقد اجتهد المولوية فى إعطاء معان رمزية لكل ما يتصل بها، كتصميم غرف السماع وحركات الذاكرين. فالقوس الأيمن من غرفة السماع -خانة دائرية الشكل يمثل الحياة الدنيا، والأيسر يمثل ما فيها من غيبيات، ورفع يد الذاكر للسماء تمثيل لتناول عطاء اللَّه، وخفض اليد اليسرى إلى الأرض تمثيل لإعطاء ما أخذه من اللَّه للناس، ذلك أن المولوى يرى أنه موجود فقط كصلة بين العباد وخالقهم، فهو موجود فى الظاهر، أما فى الحقيقة فهو غير موجود. وتقام حفلات الذكر فى دورات أربع، الأولى تتمثل فيها صفات اللَّه وأسماؤه الحسنى، وفى نهايتها يتجلى اللَّه برحمته على الذاكرين، حيث يصل المسالك إلى مرحلة "علم اليقين" وفى الدورة الثانية يصل بعلمه إلى درجة الرؤية، أى يصل إلى "عين اليقين" وفى الثالثة يصبح هو بذاته ما رآه، أى "حق اليقين" أما الرابعة فتمثل الوجود الإلهى. أما الشئ الثانى المميز لهذه الطريقة فهو مرحلة الاختبار لطالبى الانضمام فى الطريقة. وهى لا تتضمن كما فى طرق أخرى أمورًا شاقة على النفس

2 - العلاقة بالطرق الأخرى

كحرمان من الطعام أو الشراب أو النوم أو قسوة فى عملية الذكر فى مكان ضيق ولكنها تتم فى 1001 يوم، وهى الحساب العددى لكلمة "رضا" يقضيها المحب فى مطبخ مقر مشايخ الطريقة التكة، يقوم فيها، بالإضافة إلى الطقوس العبادية، بخدمة من يوجهونه فى مرحلة الاختبار من المعلمين ومساعدة من يقومون بخدمة المقر. وعلى وجه العموم، يظهر المولوية حبًا وتقديرًا لكل ما ينفع الناس، من حى وجماد حتى أنهم فى هذا المضمار وضعوا لأنفسهم لغة خاصة، كما أصبح لهم أدب تأثر به أدباء من خارج طريقتهم. وللموسيقى أثر بالغ فى طقوس الطريقة، وكانت الآلات مقصورة فى البداية على الناى والربابة، ثم أضيف لها آلات أخرى مثل العود والكمان والقانون، ومؤخرًا دخل البيانو والفيولينشيللو، ولكنها لم تلق نجاحًا كبيرًا. وكانت الألحان التى تغنى لمؤلفين مجهولين فى عهد جلال الدين الرومى ثم اختيرت قصائد من وضع كل من جلال الدين وسلطان ولد أولو عارف جلبى. 2 - العلاقة بالطرق الأخرى: يروى أن الحاج بكتاش، [التى تنسب له الطريقة البكتاشية]، قد عبر عن تقديره للطريقة المولوية، غير أنه سرعان ما قام تنافس حاد بين أتباع الطريقتين على ما سيرد ذكره. وتبدى الطريقة تسامحًا دينيًا مع الأديان الأخرى، خاصة مع الديانة المسيحية. على أنها كانت دائمًا موضع استهجان الفقهاء لما تتميز به الطريقة من رقص وموسيقى. ويذكر لأتباع الطريقة فى الأوقات الحديثة دورهم فى تقليل ما حدث للأرمن من مذابح. 3 - انتشار الطريقة: يذكر لسلطان ولد الفضل فى انتشار الطريقة خارج قونية، وبالأخص فى آسيا الصغرى، على أن ابن بطوطة يذكر أن الطريقة كانت محدودة بقدر كبير داخل الأناضول، وفى عهد أولو عارف جلبى (شلبى) المتوفى عام

4 - القيمة السياسية للطريقة

720 هـ/ 1320 م انتشرت الطريقة فى أذربيجان، ثم انتشرت بفضل ديوانا محمود جلبى المتوفى فى النصف الثانى من القرن العاشر الهجرى/ السادس عشر الميلادى فى البلدان العربية، فوجدت مقار لها فى اللاذقية وحلب ومصر والجزائر. هذا وقد أصدر كمال آتاتورك عام 1925 م، على أثر ثورة الأكراد فى الأناضول، قرارًا بمنع كافة الطرق الصوفية فى تركيا، فأغلقت مقار الطريقة، وضمت مكتبتها فى قونية لمتحف المدينة. 4 - القيمة السياسية للطريقة: جرى العرف، بعد عام 1058 هـ/ 1648 م أن يقلد شيخ الطريقة السلطان سيفًا عند توليه الحكم، وهو تقليد يبدو أنه قد اعترف به فى القرن التاسع عشر. وهناك ما يشير إلى أن السلاطين الأتراك قد استغلوا المولوية لإحداث توازن مع البكتاشية الذين يميلون بولائهم للانكشارية، ثم لإحداث توازن مع العلماء فى اتجاههم للتقليل من وضع الذميين داخل السلطنة. وفى العهد العثمانى المتأخر، انضم السلطان عبد العزيز والسلطان راشد للطريقة. 5 - اضمحلال الطريقة: بعد إلغاء الطرق الصوفية فى تركيا، استقر آخر شيخ للطريقة، الجلبى محمد باقر، فى آستانة حلب، والتى استمر نشاطها إلى الخمسينيات، حين بدأت الطريقة فى الاختفاء تدريجيًا من أغلب المدن السورية. هذا وقد توقف نشاط أكثر جماعاتها حماسًا، وهى جماعة دمشق بعد وفاة الشيخ فائق المولوى عام 1965 م، ولم تفلح مجهودات ابنه محمود جلال فى إحيائها. أما مقر الطريقة فى القدس فقد أغلق منذ القرن الماضى. أما فى مصر، فقد ضمت تكايا الطريقة لديوان الأوقاف عام 1904 م، ثم أغلقت فى 1954 م، وأوقفت وزارة الأوقاف ما كانت تجريه على الدراويش من مرتبات، فاختفى أفراد الجماعة، وتحولت تكيتهم إلى مدرسة ابتدائية. وفى البلقان بدأ اختفاء الطريقة، والتى كانت منتشرة فى اليونان ويوجوسلافيا، منذ العشرينات من هذا القرن.

المصادر

المصادر: (1) الأفلاكى: مناقب العارفين، أنقرة، 1959. (2) A. Goipinarh: Mevlevi adab Ve evkani Istanbul, 1953 على يوسف [ف - دى جون F.De - Jone] مولى مولى والجمع (موالى)، مصطلح اكتسب معانى مختلفة وفقًا للسياق، ووفقًا للفترة التاريخية والبيئة الاجتماعية، وقد وردت فى المعاجم العربية بمعنى الناصر أو الولى. فى أسماء اللَّه الحسنى تعنى الناصر المتولى لأمور العالم والخلائق والقائم بها، ومن أسماء اللَّه سبحانه أيضًا الوالى وهو مالك الأشياء والمتصرف فيها. والولى أيضًا هوَ ولى اليتيم الذى يقيم أمره، وولى المرأة هو الذى يلى عقد نكاحها، وأضافت المعاجم العربية أيضًا إلى معانى المولى ما تنطوى عليه الكلمة من أبعاد شرعية مستمدة من حديث الرسول صلى اللَّه عليه وسلم "من أسلم على يده رجل فهو مولاه" أى يرثه، وفى الحديث أيضًا أنه سئل عن رجل مشرك يسلم على يد رجل من المسلمين، فقال: "هو أولى الناس بمحياه ومماته" أى أحق به من غيره، وقال ابن الأثير: "ذهب قوم إلى العمل بهذا الحديث واشترط آخرون أن يضيف إلى الإسلام على يده المُعاقدة والمُوالاه، وذهب أكثر الفقهاء إلى خلاف ذلك وجعلوا هذا الحديث بمعنى البر والصلة وريى الذمام ومنهم من ضعف الحديث". والمولى أيضًا تعنى الحليف وهو من انضم إليك فغز بعزك، والمولى المعتق (بفتح التاء) انتسب بنسب من أعتقه، ولذا قيل للمعتقين (بفتح التاء) الموالى، والمولى أيضًا المعتق (بكسر التاء) لأنه مولى النعمة، ويحرم على المسلم أن يدعو سيّده بالمولى بمعنى اللَّه لأن هذا ينطوى على الشرك، وإن كانت كلمة مولى تدخل فى كثير من الأسماء الإسلامية بمعنى المعين أو الناصر أو الحليف أو السيد أو المعتق (بكسر التاء) أو المعتق (بفتح التاء).

فى عهد الخلفاء الراشدين والأمويين

ونظمام (الولاء) أو (الموالاه) الإسلامى امتداد للنظام نفسه الذى عرفته شبه الجزيرة العربية قبل الإسلام على نحو ما. وكان التجار الأجانب والمستوطنون تحت الحماية الأمبراطورية البيزنطية أو الساسانية. وكان السكان غير العرب قبل الإسلام يتكونون من اليهود والعُتقاء من أفريقيا ومن بعض المناطق الأخرى فى الشرق الأوسط، وبعض الجماعات العرقية المنبوذة (شهدت العصور الحديثة شيئًا كهذا فى شبه جزيرة العرب فقد لجأ إليها الصلب أو الصلبة والبيادر والقواولة. . إلخ). وقد عرف هؤلاء جميعًا بأنهم موالى أى أنهم أحرار يتمتعون بالحماية العربية، وكان يهود فدك -على سبيل المثال يدفعون أموال الحماية لقبيلة (كلب) وكان يهود وادى القرى (بكسر القاف) يدفعون لسادة العرب بالخّوة، لكن بعض القبائل اليهودية كانت قوية بحيث استغنت عن الحماية العربية، وتدهور حال يهود يثرب فأصبحوا تابعين للأوس والخزرج. وعرف العرب قبل الإسلام عتق العبيد مع بقائهم مع معتقيهم عددًا معينًا من السنين، وهى العملية التى سماها اليونانيون (باراموني) وهى كلمة تعنى الشرط، لكن هذا لم يكن يعنى عند العرب دخول المعتق (بفتح التاء) ضمن عشيرة أو قبيلة المعتق (بكسر التاء) بل تعنى فقط أنه أصبح عضوًا فى بيت معتقه لمدة محدودة، فقد حرص العرب على عدم تلويث أنسابهم، فقد تناسل المعتقون (بفتح التاء) فيما بينهم وكونوا مجتمعًا دخل فى علاقة تبعية بمعتقيهم (بكسر التاء) وكانوا يلتزمون بتقديم المساعدة العسكرية عند اللزوم أو يدفعون الخوة أو يقدمون كليهما (المساعدة العسكرية ودفع الخوة) فى عهد الخلفاء الراشدين والأمويين: مع بداية حركة الفتوح واستمرارها، وجد العرب أنفسهم مسئولين عن عدد كبير من السكان غير العرب الذين تحولوا للإسلام، فكان يتعيَّن -لذلك- دمجهم فى مجتمع الدولة الجديدة رغم عدم احتفاظهم بسلاسل أنساب كما هو الحال لدى العرب، ورغم تعرضهم للهزيمة العسكرية أو وقوعهم فى الأسر مما يجعلهم غير صالحين لتكوين

أحلاف مقبولة مع الفاتحين العرب، ولم تكن هناك مشكلة بالنسبة للجماعات التى لم تتحول للإسلام فى البلاد المفتوحة فهؤلاء كان عليهم دفع الجزية مقابل تقديم الحماية لهم. وبشكل عام كان يتعين على كل السكان من غير العرب فى البلاد المفتوحة أن يجد الواحد منهم لنفسه راعيًا عربيًا (مولى)، وكان المعتق (بفتح التاء) يكتسب تلقائيًا رعاية (موالاة) من أعتقه ما لم ينكر الأخير هذه الصلة. أما الأحرار -فى البلاد المفتوحة- فكان يتعين عليهم (لاتفاق) مع من يرتبطون به ليتبعوه (تبعية تعاقدية) وبذلك (يوالونه) أو يرتبطون به (بالولاء)، وكل من أسلم على يد آخر فهو (تابع له) تبعية ولاء. وكان هذا فى الواقع هو الحل لمشكلة انتماء غير القبليين لمجتمع قبلى (هو المجتمع العربى)، وبالتالى كان على (الولى) أو (المولى) أن يدفع (الدية) نيابة عن التابع الذى ليس له أقارب من العصب إن عجز هو عن دفعها، كما كان يحق للسادة إن قتل تابعهم أن يطالبوا بديته، أما عن التابع فهو غير ملزم بدفع (الدية) إن قتل سيده، ولا هو يشترك فى قبض الدية أن قتل (بضم القاف) سيده، ولم تكن العلاقة بين السيد وتابعه -بهذا المعنى- علاقة تذلل بالضرورة، فليس من دور للسيد إلا أنه يمثل لتابعه المدخل إلى مجتمع ذى طابع قبلى. ولم يكن هناك ما يشوب معاملة التابع فى المعاملات المدنية فالقول الشائع هو أنه (لهم ما لنا وعليهم ما علينا) ومع هذا فقد لحق الموالى على أرض الواقع بعض الظلم فقد ساوى العرب -ولو نظريًا- بينهم وبين العبيد لكونهم مزارعين غير ميالين لخوض الحرب ولأنه قد لحقتهم -عند الفتح- هزيمة عسكرية. وقد عمل الموالى فى مجال التجارة والأعمال الحرفية وكانوا أيضًا يرأسون الدواوين أو أحد أقسامها، بل وكان الموالى رؤساء لبيت المال، وقد لعب أصحاب بيت المال من غير العرب فى بلاد ما وراء النهر والعراق دورًا بارزًا فى السياسات العربية، وفى مصر تولى ثلاثة من غير العرب مناصب مالية وإدارية مهمة. وسرعان ما سيطر المسلمون من غير العرب على عالم الثقافة والتعليم فشكلوا الوجدان الإسلامى، ولعبوا دورًا مهمًا فى صياغة الشريعة

الإسلامية والسيرة النبوية ولعبوا دورًا بارزًا فى الدراسات القرآنية، وجمعوا الشعر الجاهلى، وعملوا على جمع أحاديث الرسول، وفى أواخر العهد الأموى قاموا بدور المعلم الخصوصى لأبناء الخلفاء. وفى المجال العسكرى، دخل الموالى فى بداية الأمر كخدم خصوصيين لسادتهم، وكحرس لبعض الحكام أحيانًا، لكن فى أواخر العصر الأموى كان منهم من يشكل حاشية للحكام والقادة العسكريين وفى حالات استثنائية كانوا قادة عسكريين فقد وضع معاوية بن أبى سفيان قائدًا من الموالى على رأس حملة ضد البيزنطيين، وسار عبد الملك بن مروان على المنهج نفسه، وفى العهد الأموى أيضًا أنشئت فيالق من الموالى ذوى المواهب العسكرية، والتحق آخرون بالجيش النظامى فى أقسام خاصة بهم. ومن الصعب تقدير نسبة الموالى (غير العرب) إلى العرب فى الجيوش الأموية المتأخرة، وإن كان عدد الموالى الخراسانيين سنة 96 هـ/ 714 م حوالى سبعة آلاف من مجموع أربعة وخمسين ألف مقاتل، وذلك وفقًا لبعض التقديرات ومن المؤكد أن أعدادهم قد زادت بعد ذلك. ولم يحاول الأمويون -على عكس ما يقال- منع الموالى من دخول الجيش، فقد كان قائد قنسيرين سنة 75 هـ/ 694 م أحد موالى عبد الملك بن مروان، وفى 126 هـ/ 743 م كان حاكم بعلبك مولى من موالى بنى أمية، وفى عهد عمر بن عبد العزيز كان لمنطقة الجزيرة واليًا من الموالى، وطارق بن زياد كان مولى لموسى بن نصير الذى كان هو نفسه مولى لبنى أمية. ومع تغلغل الموالى ظل العرب محتفظين بسيطرتهم على السياسة العسكرية حتى نهاية العصر الأموى، بيد أن الصورة الشائعة التى تبيّن الموالى مستضعفين ومزعنين للأهواء العربية صورة كاذبة تمامًا فالغلاف العربى للمجتمع المسلم هو الذى قاوم الضغوط الواقعة عليه وليس العكس وتربط الكتابات غير الموثقة بين الموالى والظلم المالى الواقع عليهم، فيقال -خطأ- إن الأمويين فيما عدا عمر بن عبد العزيز، قد حصلوا الجزية حتى من الداخلين فى الإسلام، ورفضوا فى الوقت نفسه تسجيلهم فى الجيش كمقاتلين حتى إذا رغبوا فى

ذلك. وهذا مخالف للواقع التاريخى، إذ أن للمسألة أبعادًا اقتصادية لم تحظ بالدراسة الكافية، ولم تكن المسألة فرض جزية حتى على من أسلم وإنما يمكن إيجاز هذه القضية المهمة فى أن قرويين كثيرين هربوا من قراهم وأرضهم مؤثرين حياة المدينة، ورأت الدولة الأموية ألا تعفيهم من (الخراج) وليس (الجزية) رغم هجرهم لأراضيهم لابد -إذن- من التفرقة بين (الجزية) المفروضة على (أهل الذمة) والضريبة المفروضة على الأرض (الخراج) والتى لا علاقة لها بالدين وليس لها -بالتالى- علاقة بالتحول للإسلام لقد كانت (الهجرة) من دار الكفر (القرى) إلى دار الإسلام (المدن المحمية) مقترنة بالتحول للإسلام حتى عهد عمر بن عبد العزيز لكن الحكام الأمويين أرادوا الفصل بين الإسلام والهجرة، لأن هجرة الفلاحين لقراهم كانت مدمرة لاقتصاد الدولة، ومن ثم لم يعفوهم من الخراج حتى إن هجروا قراهم، ومن هنا اختلط الأمر على المؤرخين. لقد اتخذ بنو أمية -فى غالبهم- سياسة صارمة مع هؤلاء الفلاحين الذين هجروا قراهم بصرف النظر عن إعلانهم الدخول فى الإسلام، وعاملوهم معاملة الهاربين، وأعادوا توطينهم -قسرًا- فى قراهم، خاصة وأن معظمهم كان غير صالح للخدمة العسكرية. ولا نرى صحيحًا ما كتبه بعض الباحثين عن تحيز الدولة الأموية ضد غير العرب فقد عين الحجاج به يوسف المعروف بالشدة خاصة مع الفلاحين الهاربين أول قاض غير عربى بالعراق بل لقد عين -فى سابقة غير معهودة- أحد الموالى على الشرطة، وإذا كان الموالى -فى الجيش الأموى- يشكلون قسمًا (فيلقًا) بذاته غير مندمج مع العناصر الأخرى فذلك لا يرجع "للتمييز" و"الفصل العنصرى" أو حتى "التفضيل" وإنما لأن ذلك -ببساطة- كان يتسق مع طبيعة التركيب القبلى للجيوش الإسلامية، وعندما تم إلغاء هذا التقسيم بعد ذلك -فقد كان الأمويون أنفسهم هم الذين قاموا بإلغائه وليس أبو مسلم الخراسانى كما يقال. ولم يحدث أبد، أن ثار الموالى (غير العرب) مطالبين بالمساواة فى العهد الأموى بل لقد اتخذ أعداء الأمويين من قضية (المساواة) هذه زريعة للمعارضة السياسية، ولا يوجد

العباسيون

ما يبرر الاعتقاد بأن العباسيين اعتبروا المساواة هى هدفهم الأساسى، بل إن ثورات البربر لم تكن بهدف المساواة الاجتماعية وإنما كانوا يهدفون -بتغلغل فكر الخوارج فيهم- إلى الاستقلال السياسى (إقامة دولة إسلامية ثانية مستقلة عن دولة الخلافة فى دمشق أو بغداد). العباسيون: أدى التطور الطبيعى لمسيرة الأحداث -وليس بفعل جهود عباسية مقصودة- إلى أن تحققت المساواة بين غالبية العرب والموالى، وأصبحوا جميعًا -فى الغالب- رعايا عاديين، ولم يعد المجتمع قائمًا على أساس الأفضلية العربية، فقد أصبح الوصول للمناصب السياسية والثروة والنفوذ يعتمد على أمور ثلاثة: الانتساب لعضوية الجيش الأول المشكل فى خراسان، والانتساب إلى الدواوين فى العراق والانتماء لبيت الحاكم (الخليفة) بالمولاة أو بالعصب، وفى كل الأحوال كان السبق فى كل هذا للمسلمين من غير العرب (الموالى) رغم أن معظم المذاهب لم تقر بسيادة الموالى على العرب، ورغم أن زواج اللحمة بين العنصرين كان لا يحظى بتشجيع العرب. كانت الحركة الشعوبية إذن نتيجة وصول الموالى لدرجة عالية من المساواة بينهم وبين العرب بل وتفوقهم عليهم فى كثير من الميادين، ولم تكن نتيجة ظلم وقع عليهم. فقد كان الوجدان الشعوبى قائمًا منذ العهد الأموى لكنه لم يعبر عن نفسه إلا فى أوائل العصر العباسى حينما أصبح الموالى فى وضع يسمح لهم بتوصيل صوتهم من خلال ما شغلوه من مناصب وبقربهم من الخيفة وتحكمهم أحيانًا فى مراكز الهيمنة الاقتصادية والاجتماعية، فقد جاءت الأفكار الشعوبية أساسًا من الموالى الذين يشغلون مناصب مهمة فى الدواوين ومن رجال البلاط والحاشية، وكان هدف بعض الأفكار الشعوبية هو حل الرابطة بين الإسلام والعروبة لأن هذه الرابطة كانت تقف حجر عشرة أمام تطلعات غير العرب. الأندلس: اختلفت العلاقة بين العرب وغير العرب فى الأندلس عنها فى المشرق

المويلحى

الإسلامى، فمن ناحية لم يكن لنظام (الموالاة) أهمية من الناحية العملية، لسبب بسيط وهو أن الفاتحين كانوا فى معظمهم من البربر فلم يعد شرف الفتح قصرًا على العرب واستقر هؤلاء البربر الفاتحون فى كل البلاد التى فتحوها وليس فى مدن مخصصة لهم، وإذا لم تعد هناك (أمصار) متميزة تجتذب المهاجرين من أهل الذمة، ولم يعد مطلوبًا ممن تحول للإسلام من أهل البلاد أن (يهاجر) إلى دار الإسلام ممثلة فى مدينة إسلامية حصينة، ولم يكن مطلوبًا منه أن يبحث عن مولى له، لذا فمسلمو الأندلس من أهل البلاد لم يكونوا -فى الحقيقة- موالى على الإطلاق. د. عبد الرحمن الشيخ [ب. كرون P. Crone] المويلحى اسم أسرة ثرية يرجع أصلها إلى مدينة مويلح على شاطئ البحر الأحمر الشرقى من الجزيرة العربية. وقد اشتهر منها فى مصر فى نهاية القرن الماضى وأوائل الحالى اثنان، والد وولده. 1 - إبراهيم المويلحى: سياسى وصحفى وكاتب (1844 - 1906). حين توفى والده عام 1865. تولى مع أخيه الأصغر عبد السلام شئون تجارتهم، وفى نفس العام عينه الخديوى إسماعيل فى الغرفة التجارية، وأعطاه منصبًا فى محكمة أول درجة. وفى 1868 أنشأ دارا للنشر، تعد أحد المبادرات التى اشتهر بها. وقد واجه موقفًا ماليًا عصيبا فى 1872 بضياع ثروة أسرته فى مضاربات البورصة، لكن الخديوى تدخل لنجدته وحين غادر الخديوى مصر إلى إيطاليا بعد عزله صحبه إبراهيم مدرسًا لأبنائه، وواصل هناك كتابة المقالات الصحفية فى صحيفته "الاتحاد" التى أثارت عليه الدولة العثمانية لجرأتها. وسافر مع ابنه محمد عام 1884 إلى فرنسا وقاما سويًا بمساعدة جمال الدين الأفغانى ومحمد عبده فى صحيفتهما الشهيرة "العروة الوثقى" مع مواصلة الكتابة فى "الاتحاد" وبإيعاز من الحكومة العثمانية أبعد عن فرنسا، فاتجه إلى لندن حيث تغيرت لهجته إلى مناصرة الدولة العثمانية ضد سياسة

جلادستون البريطانية. ونتيجة لهذا التحول قدمت له دعوة للذهاب إلى تركيا، لباها بعد شئ من التردد. وفى تركيا منح إبراهيم منصبًا فى وزارة التعليم، وهناك أتيح له وابنه الإطلاع على ما فى مكتبة الفاتح الشهيرة من ذخائر، إلا إن إبراهيم ظل مفتونًا بالحياة السياسية الداخلية والدولية. ومن إيحاءاتها أصدر سلسلة من المقالات باسم "المقطم" المصرية تحت اسم "أحد العثمانيين الأفاضل"، تناول فيها -بالإضافة لشرح هيكل الحكومة فى اسطنبول والنظام القضائى هناك- أسرار الشرطة السرية وما يدب فيها من رشوة وفساد. وفى 1895 عاد لمصر حيث حاول نشر مقالاته فى كتاب لكن منع نشره. وفى عام 14 إبريل 1898 أصدر أشهر صحيفة، "مصباح الشرق"، تولى فيها مع ابنه كتابة المقالات عن الحوادث الجارية السياسية والاجتماعية، ومقطوعات أدبية مستخلصة مما اطلعا عليه فى مكتبة الفاتح. وبلغت الصحيفة أوج شهرتها فى نهاية 1899 وبداية 1900 بسلسلة مقالات محمد "فترة من الزمان" التى جمعت فيما بعد فى كتابه "حديث ابن هشام" وسلسلة مقالات إبراهيم "مرآة الأعلام" و"حديث عيسى بن هشام" وحين استأنف إبراهيم خوض الحياة السياسية كمستشار للخديوى، واصل ابنه محمد التأليف والكتابة. ونتيجة لذلك فقدت الصحيفة عنصر الانتقاد الذى كان سبب شهرتها، وانصرفت عن مقالاتها الأصلية إلى سرد مقالات مطولة مقتبسة من كتابات الغرب بالإضافة للإعلانات، مما أدى إلى اضمحلالها حتى توقفت نهائيًا فى أغسطس من عام 1903 وواصل إبراهيم كتابة المقالات فى الصحف الأخرى، بل أصدر صحيفة أخرى "المشكاة" فى 1905 ولكن المرض داهمه بعنف فى ذلك العالم، حتى وافته المنية فى يناير 1906. وقد وصف محمد كرد على إبراهيم المويلحى بأنه "أشهر كتاب عصره، يتميز بالمقدرة على التناول بأسلوب شيق أشد الموضوعات كآبة". وفى

المصادر

معرض اختلافه معه فيما عارض فيه أستاذهم محمد عبده، يرى كرد أن "إبراهيم بك ربما كان تحت تأثير من سلطات أعلى." والصورة المستخلصة مما كتب وروى عن إبراهيم المويلحى تبرزه كناقد لاذع، ذو أسلوب كلاسيكى رائع، وسياسى محنك. المصادر: (1) R.Allen: Writings of members of Nacelle circle, in journal of the American Research center in Egypt, viii (1971): 79 - 84 2 - محمد المويلحى: ابن إبراهيم المويلحى (انظر بعاليه)، صحفى ومؤلف الكتاب الشهير "حديث عيسى ابن هشام" (؟ - 1930). بدأ حياته مرتبطًا بوالده، مما أتاح له التعرف على المشاهير من والشخصيات الهامة فى مصر، والاحتكاك بالأمور السياسية الداخلية والخارجية. وحين غادر والده مصر مصاحبًا للخديوى إسماعيل فى 1979. ترك محمد ليعايش أحداث الثورة العرابية عام 1882 بمفرده، وهى الأحداث التى حكم عليه فيها بالإعدام لتوزيع مقالات لوالده. وبتخفيف الحكم إلى النفى توجه إلى إيطاليا ليلحق بأبيه. وفى إيطاليا اندمج الأب والابن فى معايشة الأحداث السياسية الملتهبة من خلال مقالاتهم الصحفية فى صحيفتهما "الاتحاد". وحين دعى إبراهيم للقدوم إلى تركيا، أرسل ابنه محمد ليستكشف الموقف، وقبل الدعوة حين أكد له ابنه حسن نوايا السلطان. وفى تركيا أتيح لهما الإطلاع على ما فى مكتبة الفاتح من ذخائر، حيث انكب محمد على ترجمة الأعمال الهامة للعربية، خاصة ما يتعلق منها بشاعره المفضل، أبى العلاء المعرى، وقد نشرها فيما بعد فى "مصباح الشرق". وعاد محمد إلى مصر بمفرده فى 1887 ليستأنف نشاطه الصحفى. فكتب فى "المقطم" بأسماء مستعارة مثل "مصرى يعرف بلده" و"البديع" فى المواضيع السياسية الجارية. كما انضم إلى صالون الأميرة نازل ابنة أخ الخديوى إسماعيل، والذى كان يضم أشهر الشخصيات المثقفة والإصلاحية

المصادر

فى المجتمع، أمثال محمد عبده، سعد زغلول، قاسم أمين، حافظ إبراهيم. وفى 1895 عاد والده إلى مصر، وفى العام التالى بدأ نشر "ما هنالك" وفى 14 أبريل 1898 ظهر أول عدد من "مصباح الشرق"، كانت أغلب مقالاتها من وضع الوالد والابن، لتتناول الاحداث الجارية بأسلوب نقدى لاذع وساخر. وفى هذه الصحيفة ظهرت أشهر أعمال محمد المويلحى تحت اسم "فترة من الزمان" التى نشرت فى 1907 تحت اسم "حديث عيسى بن هشام" وفى مصباح الشرق أيضًا ظهر اثنين من أعماله، "نقد ديوان شوقى" و"علاج النفس" وهى سلسلة من المقالات الفلسفية نشرت بعد ذلك فى عام 1932. وتبرز قيمة "حديث عيسى بن هشام" كحلقة اتصال بين الأدب العربى التقليدى والحركة التجديدية فيه. فالعمل مصاغ على نمط أدب المقامات، والذى يتميز بالسجع المتكلف، كوسيلة للسخرية اللاذعة، وقد استعار من مقامة بديع الزمان الهمذانى الشخصية الروائية الأصلية، عيسى بن هشام. وفى المقابل، فموضوع المقامة يحمل الخيال التجديدى الوليد فى الأدب العربى، فهو لقطات نقدية لمظاهر الحياة المصرية آنذاك. وقد مهد هذا العمل لظهور أعمال تمثل بداية التجديد فى أدب الرواية العربية. وظهر آخر عدد لمصباح الشرق فى 15 أغسطس عام 1903، بدأ بعده فى اعتزال الحياة الاجتماعية تدريجيًا، رغم توليه فى الفترة بين 1910 و 1914 منصب مدير للأوقاف. وخلال فترة تقاعده كانت مقالاته تظهر بصفة دورية على صفحات الجرائد لتعبر عن رأيه فى الأحداث الجارية، وكانت آخر مقالة له فى الأهرام مؤرخة 30 ديسمبر 1921 تحمل عنوان "صوت من العزلة" تحدث فيها عن أسباب اعتزاله، كما عبر عن رأيه فى نفى سعد زغلول. وكانت وفاته فى 28 فبراير عام 1930. المصادر: (1) R. Allen, Al- Muwaylihi's Hadith cIsa ibn Hisham.A study of Egypt during occupation, Albany 1974 على يوسف (R. M. A. Allen)

الميدانى

الميدانى الميدانى: هو أبو الفضل أحمد بن محمد بن أحمد بن إبراهيم النيسابورى، لغوى عربى سكن فى نيسابور فى الجزء العلوى من ميدان زياد بن عبد الرحمن. ودفن فى مقبرة فى ركن هذا الميدان بعد وفاته يوم الأربعاء 25 رمضان 518 هـ، 5 نوفمبر 1124 م. ومن ثم عرف بالميدانى وقد درس على يد أبى الحسن الواحدى (توفى فى 468 هـ/ 1076 م) اللغوى والعالم فى علوم القرآن ويعقوب بن أحمد الكردى (470 هـ/ 1076 م) وعلى المجاشعى الفرزدقى (المتوفى فى 479 هـ/ 1086 م) الذى زار كثيرًا من بلاد العالم. وكان الميدانى، كأساتذته- أقل شهرة وألمعية من معاصره الزمخشرى. ومن بين أعماله الباقية أو المعروفة بعناوينها "مجمع الأمثال" وهو مجموعة رائعة. وظل "المجمع" مجموعة أكثر شمولًا وشعبية للأمثال الشعبية العربية حتى أيامنا هذه. ثبت ذلك من عدد كبير من البحوث والمطبوعات؛ و"المجمع" أيضًا هو التجميع الوحيد الذى ترجم إلى اللغات الأوروبية واللاتينية. 2 - شرح المفضليات. 3 - شرح قصيدة النابغة. 4 - شرح قافية رؤبة. 5 - مُنية الراضى برسائل القاضى مجموعة رسائل كتبها قاضى هرات منصور بن محمد الأزدى الهروى. 6 - مأوى الغريب والمرعى الأديب. 7 - السامى فى الأسامى وهو قاموس عربى فارسى لمصطلحات عامة وكلمات وانتهى فى 497 هـ/ 1104 م، وقسمه إلى أربعة أقسام: أ - تعبيرات شرعية وفقهية. ب - تعبيرات خاصة بالحيوانات. جـ - تعبيرات خاصة بالعلويات (سماوى). د - تعبيرات عن السلفيات (أشياء أرضية).

ميراث

8 - قيد الأوابد من الفوائد فى نقد قاموس الجوهرى المعروف "الصحاح" الذى يعتمد أساسًا على كتاب الأزهرى "تهذيب اللغة". 9 - كتاب المصادر، وعلى أساسه ألف تلميذه أبو جعفر البيهقى كتابه "تاج المصادر". 10 - الهادى للشادى، فى الإعراب مع ملاحظات بالفارسية فى ثلاثة أجزاء (أسماء، أفعال، حروف). 11 - نزهة الطرف فى علم الصرف وهى رسالة عن الأشكال النحوية. 12 - الأنموذج فى النحو. 13 - النحو الميدانى. عن مقاله (ر. سلهيم R. Sellheim) . المصادر: 1 - كحاله، معجم المؤلفين 2 - بروكلمان تاريخ آداب العربية (مترجم) (وهو مرجع "كتاب تفصيل النجعتين). ترجمة محمد أحمد سليمان ميراث ميراث، الجمع مواريث، ومنه يشتق وارث، مورث هو الشخص الذى يترك التركة وهذا العلم يسمى "علم الفرائض"، وهو علم الأنصبة المفروضة حيث إن أصعب وأهم موضوعاته هو تحديد أنصبة أصحاب الفروض. أولًا- العصر الجاهلى: 1) فى العصر قبل الإسلام كانت التركة تؤول كلية لأقرب الذكور من أقرباء المتوفى وبمقتضى هذا النظام يرث هؤلاء الأقارب أو من يطلق عليهم "عصبة" له تطبيقًا للنظام العشائرى الذى كان سائدًا وقد قننت الشريعة الإسلامية الميراث، وجعلته فى شكل تنظيمى وكان القصر، وهم من لا قبل لهم بحمل السلاح، يحرمون من الميراث، وكذا النساء لنفس السبب، بل كانت الأرملة تعتبر هى ذاتها جزءًا من الميراث، الأمر الذى حرمه الإسلام فى الآية 19 من سورة النساء [انظر لاحقًا]. ولم يكن هناك أية شواهد على تميز الابن الأكبر كما كان سائدًا فى النظم السامية الأخرى. وقد تغير نظام المواريث فى الإسلام أساسًا لمصلحة النساء (انظر قواعد المواريث) وبالإضافة للورثة

الأصليين، ورثة فرعيون، وهم الورثة أصحاب الأنصبة المسمون بأصحاب القروض ويحصلون على نصيب محدد من التركة، ويذهب الباقى إلى العصبة. كان هناك من يأخذ نصيبًا من التركة، بناء على ما يوصى به المتوفى، أو ما يكون ذلك على نحو ما أوضحته الآية. 18 من سورة البقرة، 33 من النساء. 2) ولقد جاء الإسلام بنظام جديد للمواريث، أهم ما يميزه هو تحسين وضع المرأة، بالإضافة إلى إصلاح قوانين الأسرة بوجه عام وقد عدل نظام المواريث كذلك من نظام "المؤاخاة" الذى كان سائدًا بعد الهجرة، بعد أن جاءت الآية 75 من سورة الأنفال {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ}، وكذلك ما جاء فى الآية 6 من سورة الأحزاب قاطعة فى حكمها على ذلك. وسبب كذلك اعتبرت السنة المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار لونًا من المحالفة. وقد أكد القرآن فى الفترة المدينة الأولى على نظام الورثة الفرعيين، وكل ما يتعلق بالميراث فجعله فرضًا بنص الآية 180 من سورة البقرة [هذه الآية تتحدث عن الوصيَّة] {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ}]. ويؤرخ لهذه الآية برمضان من العام الثانى من الهجرة أما الآية 33 من سورة النساء {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ. . .} والتى لم تتأخر كثيرًا بعدها فى النزول وارتبط بذلك ما قررته الآية 240 من سورة البقرة {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ}. وفى العام الثالث كانت الآية 19 من سورة النساء {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا}. فإن هذه النصوص تبيّن المنحى القرآنى تجاه تحسين وضع المرأة وبعد معركة أحد كان التنظيم النهائى للمواريث بنص الآيات من 7 إلى 12 من سورة النساء، ثم الآية 176 من نفس السورة. إن الهدف من ذكر هذه الأحكام، هو استكمال النظام المتعلق بحقوق العصبة، وليس إعادة تنظيم لكل قوانين الميراث، فكل الأشخاص الذين ذكروا فى الآيات، خصص لهم نصيب محدد، وكقاعدة، فإن النصيب أكبر من التركة يؤول إلى العصبة. ومن

هنا فإن تحديد هذه الأنصبة، نسخ ما كان عليه عرب الجاهلية، من نظام الوصية، الذى جرت عليه عاداتهم. وتأخذ المرأة كقاعدة عامة نصف الذكر الذى يساويها فى المرتبة. وبنزول هذه الآيات يكون نص الآيتين 180 و 240 من سورة البقرة قد نسخا، إذ لا وصية لوارث كما يقول الحديث وهناك بعض الغموض فى تفسير الآية 12 من سورة النساء {وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ}، وهى بلا شك تعنى الأخوة من الأم، وهو ما سار عليه التفسير باطراد، أما الآية 176 من نفس السورة فتشير للأخت الشقيقة، وفى هذه الآية تفسر العبارة {فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ} بمعنى اثنتين أو أكثر، كما يقتضى المقام. 3) ولم تزد الأحاديث فى هذه الفترة عن ترديد ما جاء بالآيات السالفة وتفسيرها. لكن نص بعضها على أحكام خاصة، مثل الحديث الذى يخول لزوجات المهاجرين الحق فى ميراث منزل أزواجهن هذا الحديث الذى لا يبدو أنه يمثل الأساس لأى نظام قانونى إلا أنه يمثل جوهر الحقيقة التاريخية، (الحق أن السنة بينت بعض أحكام ميراث العصبات وذوى الأرحام. 4) ثم فسرت الآيات القرآنية بعد ذلك بما لا يحصى من الأحاديث، بجانب الآثار المروية عن الصحابة أثناء التطبيق العملى. بإضافات فى وضع نظام المواريث الإسلامى على النحو الذى طوره القانون القرآنى للمواريث وتأكد فى هذه الفترة من التطور عدم جواز أن يرث الكافر المؤمن، ولا المؤمن الكافر (مع شئ من الاختلاف فى هذه النقطة). كما اعتبر القتل العمد من موانع الميراث، وأيضًا الرق. هذا ولابد من وجود صلة قرابة مؤكدة لاستحقاق الإرث، فلا يقرر للابن غير الشرعى، ولا المشكوك فى نسبهم نتيجة "اللعان"، ميراث من الأهل والأقارب كما ألحق إلى "مولى" بالعصبات من الوارثين، فأصبح العتق سببًا للميراث بين العاتق والمعتوق. وذهبت بعض الآراء إلى أن الدخول فى الإسلام من هذه الأسباب، بين الداخل فى الإسلام ومن كان السبب فى الإسلام، باعتبار أن الأخير يطلق عليه أيضًا "مولى" ويعارض بعض الفقهاء ذلك لحق ذوى الأرحام وهم أصحاب القرابة من ناحية الأم، كالخال أو قرابة الأنثى كالعمة والخالة، وبنت البنت أوهم الورثة من غير أصحاب الفروض والعصبات فى خالة عدم وجود وارثين مما سبق، من العصبات وأصحاب الفروض ومع بعض التعديلات عومل نصيب ابن البنت كنصيب البنت

والأجداد كالآباء وثارت مشكلة ميراث الجد مع الأخوة، من حيث ترتيبه بين العصبيات، [وذهب الرأى إلى أنه يرث باعتباره أخا، حتى لا يحجب الإخوة، حيث إنه بعد وفاته تؤول تركته لأبنائه، وهم أعمام المتوفى] وقد ساد هذا الرأى مع أنه يخالف الرأى الذى تقضيه القواعد الأولى. ومن قواعد المواريث أنه لا تركة إلا بعد سداد الديون، وتنفيذ الوصية [فى حدود الثلث]. واعتبرت دية المقتول جزءًا من تركته وأصبحت الزوجة بمقتضى الرأى الراجح مستحقة فى دية زوجها، على خلاف ما كان موجودًا عند عرب الجاهلية، والاهتمام بموضوع المواريث، باعتباره أصعب فرع فى الفقه، مؤكدًا بأحاديث نبوية تحت على فهم هذا الموضوع جيدًا، وتعتبره "نصف العلم". وتحث على تعلمه وتعليمه خشية ضياعه من ذاكرة الأمة. 5) وفيما يلى قواعد الميراث بحسب ما استقر عليه الفقه الشافعى [يلاحظ الفروق مع الفقه الحنفى، وهو المطبق فى مصر]: أ) القواعد العامة: تعتبر التركة منفصلة عن الذمة المالية للوارث، فلا يتحمل بديونها. فليس للدائن من دعوى إلا ضد التركة ذاتها. كما يدخل فى ديون ميراث التركة مصاريف الجنازة، والفروض الدينية [ذات القيم المالية؟ ] التى لم تؤد فى حياة المتوفى [مثل الزكاة والحج والصوم، والتى يمكن أداؤها عن طريق وكيل عنه]. وبعد الدين تنفذ وصية المتوفى، ثم يكون الباقى من التركة هو الموزع ميراثًا. ويجب أن يثبت وجود الوارث على قيد الحياة، فإذا ثار شك فى ذلك، كان يتوفى الاثنان الذى يرث كل منهما الآخر فى نفس الوقت، ولا يعرف من مات منهما أولا فلا توارث بينهما. ويستثنى من هذا الشرط الحمل المستكن، والذى يحجز نصيبه [بما هو أصلح له] إلى أن يولد. وتشكل الأمور التالية موانع للميراث: القتل العمد، الردة، اختلاف الدين، واختلاف الدارين والرق. وتؤول التركة بعد أصحاب الفروض لأقرب عاصب ذكر. فإذا لم يوجد عاصب تؤول التركة إلى بيت المال، بشرط أن يكون مدار الصالح الأمة، وإلا طبق مبدأ "الرد"، على غير الزوجين وهو إعادة توزيع الباقى على أصحاب الفرائض طبقًا لأنصبتهم. وفى حالة عدم وجودهم، وكون المالية العامة (بيت المال) غير مدار لصالح الأمة، تؤول التركة لذوى الأرحام. (يلاحظ أن الرأى الراجع فى الفقه هو أن ذوى

الأرحام يقدمون فى الميراث على بيت المال) وفى حالة عدم وجودهم، يمكن لأى مسلم أن يستحوذ على التركة بشرط أن يكون قادرًا على إدارتها لصالح المسلمين. ب) ترتيب العصبيات: يرث العصبة فى التركة طبقًا للنظام الآتى: 1 - فروع المتوفى من الذكور (الأبناء ثم الأحفاد)، مع استبعاد الأقرب للأبعد. 2 - أصول المتوفى، وهم الأب، ثم أصول الأب (الجد أو من يعلوه فى التسلسل) فى حالة عدم وجود الأخوة (حيث يعامل الجد كأخ مع أحفاده كما سبق بيانه). 3 - فروع الأب (الأخوة وأبناؤهم)، مع تقديم القرابة الكاملة على القرابة لأب. 4 - فروع الجد (الأعمام وأبناؤهم)، بنفس الصورة المذكورة فى البند السابق 4 - ويستمر الصعود فى فروع الأصول بنفس الطريقة. 5 - المولى (ذكرًا أو أنثى) ثم عصبته، إذا كان المورث مُعْتَقًا. وفى حالة ميراث الجد مع الأخوة: فإنه يرث بالتساوى معهم، أو يقتسم الثلث معهم أيهما أكثر، وفى حالة وجود أصحاب فروض، لا يقل نصيب الجد عن سدس التركة (وهو نصيبه لو ورث كصاحب فرض)، بمعنى أن له الأفضل من هذه الحالات الثلاث -الأنثى المعصبة بالوارث الذكر: ترث البنت مع أخيها تعصيبًا بنسبة النصف من نصيبه وينطبق القانون على كل أنثى وجدت مع ذكر من يعصبها فى الدرجة المقابلة لها، كالحفيدة مع الحفيد من نفس الدرجة، والأخت الشقيقة مع الأخ الشقيق، والأخت لأب مع الأخ لأب - الأخت المعصبة بالبنت: إذا ما ورثت الأخت الشقيقة مع بنت المتوفى أو بنت الابن فإن البنت أو الحفيدة تأخذ نصيبها، وتأخذ الأخت الباقى من التركة بعد أصحاب الفروض الآخرين (تعصيبًا) مع الغير. ج- أنصبة أصحاب الفروض: حد القرآن البنات والآباء والأزواج والزوجات والأخوة والأخوات كأصحاب فروض، ولكن التطبيق جرى على إلحاق البنات بالابن والجد بالأب، كما يجرى التمييز بين قرابة الأخت الشقيقة وقرابة الأخت لأب، وقرابة الأخت لأم ويعتبر أصحاب الفروض بذلك اثنى عشر: 1 - البنت ترث النصف والأكثر شركاء فى الثلثين، ما لم يعصبن بالأبناء. 2 - تأخذ بنت الابن مكان البنت فى حالة عدم وجود بنات، فرضًا أو تعصيبًا مع ابن الابن، ما لم تحجب بالابن. أما البنات فلا

يحجبن أبيناء البنات، بل يشترك الجميع فى نصيب البنات، وهو الثلثين. ويكون لابن البنت السدس فى حالة وجود بنت واحدة [الباقى بعد النصف]، ولا يرث شيئًا فى حالة وجود أكثر من بنت. 3 - ونصيب الأب فى حالة وجود الفرع الوارث هو السدس. فرضًا، بالإضافة إلى ذلك فإنه يرث الباقى بالتعصيب بعد أصحاب الفروض ما لم يوجد فرع وارث مذكر. 4 - والجد يحل محل الأب فى حالة عدم وجوده ويحجب بالأب فيرث تعصيبًا فى حالة عدم وجود الفرع الوارث، والسدس فى حالة وجوده ويشترك مع الآخوة فى الحالة الأولى كما ذكر سابقًا. 5 - ونصيب الأم هو السدس فى حالة وجود الفرع الوارث المذكر، أو وجود إخوة أو أخوات اثنين أو أكثر. وترث الثلث إذا لم يوجد زى منهم وفى حالة وجودها مع الأب وأحد الزوجين يقسم الباقى بعد نصيب أحد الزوجين بنسبة 2: 1. 6 - وميراث الجدة هو السدس دائمًا، وأم الأم محجوبة بالأم وتحجب أم الأب بالأب وبالأم، وفى حالة عدم وجود الجدة، يحل محلهما الأصل الأنثوى الأبعد للمتوفى طالما لم تتصل به من خلال فرع مذكر غير مستحق الميراث. 7 - وترث الأخوات الشقيقات غير المعصبات بالأخ أو بالجد النصف للواحدة والثلثين للأكثر، وهن يعصبن مع البنت وبنت الابن (كما سبق بيانه). وهن يحجبن بالفرع الوارث المذكر، الابن وابن الابن وكذلك بالأب. 8 - وينطبق على الأخت لأب نفس ما يسرى على الأخت، فهى تعصب بالأخ لأب وبالجد وتعصب مع الغير بالبنت وببنت الابن، وتحجب بالأب وبالفرع المذكر وبالأخوة الأشقاء. وتأخذ الباقى من نصيب البنات (الثلثين) مع الأخوات الشقيقات، فترث السدس فى حالة وجود أخت شقيقة، ولا ترث شيئًا فى حالة أكثر من أخت شقيقة (قارن حالة ابن البنت مع البنت فى 2) 9، 10 - ويرث الأخوة لأم بواقع السدس فى حالة وجود واحد منهم فقط، ويشتركون فى الثلث فى حالة التعدد، وهم محجوبون بالفرع الوارث المذكر، وبالأصل المذكر كالأب والجد. 11 - ونصيب الزوج هو نصف التركة فى حالة عدم وجود الفرع الوارث (ذكر أو انثى)، والربع فى حالة وجوده، سواء كان من صلبه أم لا. 12 - وللزوجة الربع أو الثمن بحسب وجود أو عدم وجود الفرع الوارث. وفى حالة تعدد الزوجات يشتركن فى هذا النصيب، ويعتبر الزواج قائمًا من ناحية الحق فى الميراث بين الزوج والزوجة أثناء سريان العدة من طلاق رجعى.

د) الاستثناءات من القواعد العامة: رغم أن أصحاب الفروض يستحيل أن يرثوا جميعًا معًا، فإن الأقرب يحجب الأبعد تطبيقًا لقواعد الحجب، فإن أنصبة الوارثين قد تتجاوز مقدار التركة فى هذه الحالة تخفض الأنصبة بنسب الاستحقاق، وهو ما يسمى بـ "العول". وفى غير ذلك لا اجتماع عدد من الوارثين على القواعد العامة إلا فى حالات استثنائية يقتضيها تطبيق هذه القواعد يحدث فيها تجاوز لروح التشريع. ومن ذلك مثلًا حالة ميراث الأبوين معًا مع الزوجين، وهى ما تسمى بالمسألة العمرية. فى هذه الحالة ترث الأم، الثلث، ويرث الباقى الثلثين، بعد نصيب أحد الزوجين. وقد حدثت هذه الواقعة فى زمن عمر، فتعرض لحلها على أساس أن يرث الأبوان بنسبة الثلث للثلثين، وذلك بعد خصم نصيب الزوج الوارث [تطبيقًا لنص الآية "وورثه أبواه"]. كما توجد حالة أخرى يرث فيها الأخوة لأم كأصحاب فرض، مع زوج وأم لا يبقى من التركة شئ للإخوة الأشقاء الوارثين تعصيبًا. هنا يشارك الإخوة الأشقاء الإخوة لأم باعتبار الصلة بالمتوفى من قبل الأم. [وتسمى هذه الحالة بالمسألة المشتركة أو الحجرية (حيث احتج الإخوة الأشقاء بقولهم "هب أن أبانا كان حجرًا ملقى فى اليم، أفلا تنفعنا أمنا؟ "]. 6 - وأهم الخلافات بين المذاهب هى ما يلى: لا يتوارث غير المسلمين المنتمين إلى ديانات مختلفة فى مذهب مالك وابن حنبل، ويتوارثون فى مذهب الشافعى وأبى حنيفة. هناك خلاف حول ميراث المرتد. بالنسبة للقتل المانع من الميراث، فالفقهاء عدا مالك لا يشترطون العمد. أيضًا الرد على أصحاب الفروض إذا لم توجد عصبات كما تختلف المذاهب فى أولوية ذوى الأرحام وبيت المال فى حالة عدم وجود وارثين من ذوى الفروض أو العصبات. وبالنسبة لأم الأب، فهى لا تحجب بالأب عند ابن حنبل، بل ترث السدس أما منفردة أو بالمشاركة مع الأم. كما أن هناك اختلافات دقيقة فيما يختص بميراث الأصول البعيدة من الإناث. وبالنسبة للوارث من جهتين، فهو يرث بناء على القرابة الأقوى عند مالك والشافعى، ويرث من الجهتين عند أبى حنيفة وابن حنبل. ففى حالة ابنى عم، أحدهما أخ لأم، فهو يرث السدس فرضًا، ثم يتقاسم الميراث مع الثانى تعصيبًا، بينما يرى أبو ثور أنه يأخذ كل التركة. وفى حالة المسألة الحجرية، يرى ابن حنبل وداوود الظاهرى أن الإخوة الأشقاء لا يرثون شيئًا.

7 - أ) وقواعد الميراث عند الأمامية الاثنى عشرية مؤسسة على نفس مبادئ أهل السنة، ولكن فى التطورات الأخيرة تمخضت عن اختلافات هامة، متأثرة بقدر كبير بمذاهبهم السياسية (فيما يتعلق بعلى وفاطمة كورثة وحيدين للنبى، مع استبعاد ابن عباس)، وتمثل ذلك فى رفض بعض الأحاديث من جانبهم ومن أهم أوجه الخلاف رفضهم لمبدأ التعصيب وأخذهم بترتيب معين للقرابة التى يقسمونها إلى ثلاث فئات: 1 - الأصول من الدرجة الأولى والفروع. 2 - الأصول الأخرى من الدرجة الأولى. 3 - الأعمام والعمات والأخوال والخالات. وكل فئة تحجب الفئة الأدنى منها، وفى داخل الفئتين الأوليين، يحجب الأدنى الأبعد، فمثلًا، تحجب البنت ابن الابن. وداخل الفئة الثالثة، يكون التمييز بين أعمام وأخوال وعمات وخالات المتوفى نفسه، وبين ابنائهم، ثم نفس القرابة لوالد المتوفى، وأبنائهم، وهكذا. وهنا أيضًا يحجب الأدنى الأبعد. وفى حالة التساوى فى الدرجة، تحجب القرابة الشقيقة (ذكرًا أو أنثى) القرابة لأب (وليس للأم)، فتحجب الأخت الشقيقة الأخ غير الشقيق. ويحجب الأقرباء من جهة الأم من نصيب الرد فقط. وبالنسبة للقرابة الذين تربطهم صلة قرابة بالميت من خلال أشخاص متعددين يرثون بالاشتراك، تكون الأنصبة بحسب نسب هؤلاء الأشخاص، بفرض أنهم هم الورثة. فمثلًا، يرث الأخوال مع الأعمام بنسبة الثلث للثلثين. وهذا المبدأ مطبق فى بعض نظريات أهل السنة بالنسبة لذوى الأرحام. ويرث الجد (أو الأصل الأعلى منه) بالتساوى مع الأخوة. وترث الأنثى نصف الذكر المساوى لها فى القرابة، وفى غير ذلك ليس للقرابة من جهة الأب أفضلية على غيرها من القرابات، كما لدى السنة. وهناك أيضًا الميراث لأسباب خاصة، منها: الزواج، المولى بسبب 1 - العتق 2 - الإسلام، أو من تعهد بدفع الدية عن المتوفى (لهذا المبدأ أثر فى بعض الأحاديث، ويقول به بعض أهل السنة). 3 - "الإمام" الذى هو المولى لكل المسلمين، وتؤول إليه التركة فى حالة عدم وجود أحد من الورثة وإذا لم يكف توزيع التركة كل أصحاب الفروض، يتم انتقاص الأنصبة فى جانب القرابة من جهة الأب، وليس مطلقًا من جهة الأم. وما بقى بعد استيفاء أصحاب الفروض لأنصبتهم، يعطى للورثة الأبعد قرابة، تطبيقًا للقواعد السالفة، فإذا لم يوجدوا فإن أصحاب الفروض باستثناء الزوج والزوجة يحصلون على

العصر الحديث

الباقى أيضًا، وهذه القواعد، مع قواعد تفصيلية أخرى، كافية لكى تجعل توزيع المواريث مختلفًا تمامًا بين السنة والشيعة. ب) أما قواعد الشيعة الزيدية فقريبة جدًا من قواعد أهل السنة، حيث تأثرت بها فى أصولها. ج) وبالنسبة للخوارج الاباظية، فأهم الاختلافات لديهم هى: الجد يرث السدس كصاحب فرض. إذا كان هناك فروع للميت وإلا فإنه يرث كعصبة ويحجب الأخوة. ترث الأخت لأم مع الأخت لأب فى حالة عدم وجود الأخت الشقيقة. لا تحجب الجدة إلا بالأم. لا يدخل الأزواج ولا الإناث من الفروع فى الرد. ليس العتق سببًا للميراث. فى حالة عدم وجود وارث على الإطلاق، توجه التركة للصدقة. يؤخذ برأى الشافعى فى المسألة الحجرية. 8 - وقد كان التمسك بقواعد المواريث أمرًا معتبرًا تمامًا، فى الواقع العملى حتى بدأت التركات تتفتت، وهو أمر لم يكن مرغوبًا فيه، فلجأ لوسائل للحيلولة دون ذلك. ومن الوسائل المتعبة "الوقف"، والذى كان فيه المواقف يتصرف بحسب رأيه، وهو بدوره يؤدى إلى تباعد قرابة المستفيدين بدرجة كبيرة مع مرور الزمن. وفى أندونيسيا، يلجأ للتمسك بالعادات فى قدر من التركة، وفيها يعطى صاحب المال جزءًا من ماله حال حياته لمن يشاء، ويطبق ذلك بصفة خاصة على الأموال العقارية. كما تذهب العادات فى بعض البلدان الإسلامية إلى عدم توريث الإناث، من ذلك البربر وبعض أجزاء الهند والصين. (J.Schacht) 2 - فى العصر الحديث: 1 - بدأت بعض الاتجاهات للانحراف عن قواعد الميراث وتتزايد بسبب عدم التواءم بين القواعد القانونية والتكيف العائلى، والظروف الاجتماعية المتغيرة. كما فى التفرقة ضد المرأة فى حقوقها فى التركة، وصرامة النظام السنى فى الميراث، التى لا تسمح للمرء أن يتصرف مطلقًا فى التركة بعد الوفاة. وأهمها تقلص دور القبيلة لتحل محلها الأسر الصغيرة ولعب الاجتهاد فى هذا الشأن الدور الأساسى فى التحديث، وتخير الوسائل والقراءة الجديدة للنصوص، فى ضوء المتغيرات. 2 - وقد جرى تعديل فى مبادئ الرد لصالح الزوج الوارث، بحيث يدخل فى هذه العملية أسوة بالباقين من الورثة (السودان، 1925 م، الهند، سوريا، مصر، تونس).

وفى العراق وتونس، أخذ بمبادئ لصالح البنت الوارثة، تأثرًا بقواعد الشيعة. فهى تحجب القرابة الأبعد كما تأخذ بقية التركة فى حالة الرد، وعدم وجود أخ لها. وتقدم فى دينه على بقية الورثة. 3 - وفى العراق، أخذ بمبادئ الفقه الشيعى كلية منذ عام 1963 م. 4 - ومن أهم القواعد التى أخذ بها فى بلدان كمصر هو جواز الوصية للوارث فى حدود الثلث. ذلك علاوة على رفع من الحق فى الإيضاء. وقد سمح القانون فى تونس للشخص الذى ليس له ورثة بأن يوصى بتركته لمن يشاء، بصرف النظر عن حق بيت المال فى التركة. بينما نص القانون فى العراق على أن الدولة هى الوارث الوحيد فى مثل هذه الحالة. كما أخذ بمبدأ الوصية الواجبة فى مصر وسوريا والمغرب وتونس والأردن، لصالح الأحفاد فى حالة وفاة والدهم، أثناء حياة جدهم بحيث يكون لهم نصيبه أو الثلث أيهما أقل. 5 - وقد طبق فى الهند فى عهد الاحتلال مبدأ أن اختلاف الدين ليس مانعًا من الميراث، وهذا المبدأ مطبق فى بلدان مثل تتجانيقا، ولكن ليس فى بلدان الشرق الأوسط. ولكن ذلك لم يكن أبدًا مانع من الوصية. أما الردة، وهى لم تعد من الجرائم، التى يجب فيها الإعدام فهى مانعة من الميراث عدا فى الهند وباكستان. وفى مصر لم يعد اختلاف الموطن مانعًا من الميراث بين غير المسلمين، وفى سوريا الأمر كذلك، ما لم ينص قانون الدولة غير الإسلامية، على غير ذلك. وقد امتد سريان مبدأ المعاملة بالمثل بالنسبة لاختلاف الدين والموطن فى الوصية بالميراث كما فى مصر وسوريا وتونس والعراق. 6 - ويعتبر نظام الوقف من أهم الوسائل للخروج على مبادئ المواريث كما سبق قوله. وقد تم إلغاء الوقف الأهلى فى بلدان إسلامية منها مصر وسوريا وتونس. 7 - وقد خرجت بعض التشريعات كلية على قواعد المواريث مطلقًا كالمساواة بين الذكر والأنثى أو بين القرابة من جهة الأب بالقرابة من جهة الأم، كما استقت بعض التشريعات قواعدها من مصادر أجنبية، كالقانون العثمانى عام 1913 م، وهو ذو أصل ألمانى، وقانون الصومال ذو توجه ماركسى. د. على يوسف على [أ. لاثى A.Layish] مراجعة د. محمد الشحات الجندى

ميكائيل

ميكائيل الملك ميكائيل- ذُكِر اسمه مرة واحدة فى القرآن الكريم فى قوله تعالى {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ} ورويت قصتان فى تفسير هذه الآية: القصة الأولى: كان اليهود يريدون أن يتأكدوا من صدق رسالة النبى محمد صلى اللَّه عليه وسلم فسألوه عدة أسئلة، فأجاب عليها كلها إجابة وافية وفى النهاية سألوه، من ينزل بالوحى عليه ثم أجاب قائلًا: إنه جبريل، عندئذ أعلن اليهود أن هذا الملك عدوهم وأنه ملك الهلاك والفقر. على عكس ميكائيل الذى قالو إنه حاميهم. القصة الثانية: دخل عمر ذات يوم هيكل اليهود فى المدينة وقام بطرح عدة أسئلة بشأن جبريل فقوموا له وصفًا لجبريل وميكائيل، ومن ثم سأل عمر: ما وضع هذين الملكين عند اللَّه؟ فأجابوه قاملين: جبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره ويوجد بينهما عداوة. قال عمر عندئذ، لو أن لهما هذا الوضع مع اللَّه، فلا عداوة بينهما ولكن غلب عليكم الكفر أكثر من الحمق، من كان عدوًا لأحدهما فهو عدو للَّه. وفى قصة آدم وحواء، ميكائيل هو الذى أمر الشيطان وباقى الملائكة بالسجود لآدم ومع أن القصة ذكرت عده مرات فى القرآن الكريم فلا يوجد دليل فى التراث الإسلامى عنى الدور المنسوب لميكائيل فى قصة آدم وحواء ولم يذكر ميكائيل فى القصص الإسلامية إلا عندما سجد هو وجبريل لآدم على عكس إبليس الذى أبى واستكبر. وقد ذكر اسم ميكائيل بأنه الملك الذى شق صدر النبى محمد صلى اللَّه عليه وسلم وهو من الملائكه التى جاءت لمعاونة المسلمين فى غزوة بدر. المصادر: الكسائى - قصص الأنبياء - السيرة لابن هشام - وستنفيلد 624، 328 البيومى إبراهيم البيومى [ج فنسنك A. J. Wensink]

ميمونة بنت الحارث

ميمونة بنت الحارث آخر زوجات الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، وهى من قبيلة هوازن. وكانت أختها زوجًا للعباس عم الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-]. وبعد طلاق ميمونة من زوجها الأول وكان من ثقيف، ووفاة زوجها الثانى أبو الرقم من قريش (¬1) أقامت فى مكة حتى خطبها الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] لنفسه، [ربما استمالة لقريش] بعد عمرة القضاء فى العام 7 هـ/ 627 م. وأراد الرسول أن يدخل بها فى مكة ولكن طلبه رفض حتى لا يطول مقامه بها [أكثر مما كان متفقًا عليه]. ولذا فقد بنى الرسول بها فى "سرف" وهى قرية شمال مكة. وقد كان العباس وليها فى الزواج. ويقال إن مهرها كان خمسمائة درهم. وكانت فى السابعة والعشرين عند زواجها، ومن ثم فهى آخر من توفى من زوجات الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-]. وكانت وفاتها فى 61 هـ/ 681 م, ودفنت حيث تزوج بها الرسول [كوصيتها]. المصادر: ابن هشام، وابن سعد، والطبرى W. M. Watt, Mohammad at Madina. Oxford, 1956 على يوسف على [فر. بوهل Fr. Buhl] ميتة مؤنث مَيْت، ويقصد بها معنيان، أولهما حيوان مات بأى طريقة غير الذبح الشرعى وبالتالى فإن لحمه محرم، وثانيهما جميع أجزاء الحيوانات المحرم أكلها سواء لأنها لم تذبح ذبحًا شرعيًا أو لأنها محرمة بصفة عامة. بالإضافة إلى سورة يس آية 33 التى وردت فيها كلمة ميتة كنعت، فقد وردت هذه الكلمة بالمعنى الأول فى سورة النحل آية 115: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}، وفى سورة الأنعام آيتى 139 و 145: {وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ. .} الآية، {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}. وكذلك وردت فى سورة البقرة آية 173 وسورة المائدة آية 3 ونستطيع أن نقول أن تحريم الميتة فى القرآن يتضمن تحريمًا ¬

_ (¬1) تشير بعض المراجع العربية إلى أن اسمه أبو الدهم ابن عبد العزى العامرى. (المترجم)

المصادر

مناظرًا قبل الإسلام، وإن كان قد أجرى عليه بعض التعديل أحيانًا فقد أباح الإسلام التذكية بالذبح الشرعى، فإذا تم حتى ولو فى اللحظة الأخيرة. فإن الحيوان لا يكون ميتة ويمكن أكل لحمة. وفصلت الأحاديث هذه الأوامر القرآنية، فحرمت الاتجار فى الميتة، أو بمعنى أدق الأجزاء التى تؤكل منها، وهناك بعض الأحاديث (أغلبها برواية أحمد بن حنبل) تحرم الاستفادة بكل ما يأتى من الميتة، وهناك أحاديث أخرى تبيح صراحة الاستفادة بجلد الميتة. ويستثنى السمك والجراد من تحريم أكل الميتة؛ أى أنهما لا يحتاجان للذبح وتبيح بعض الأحاديث أكل كل مخلوقات البحر من غير ذبح شرعى بما فى ذلك طير البحر (وفى هذه الحالة يقال أن "البحر قد ذكاه")، وهناك أيضًا حديث منسوب إلى أبى بكر (رضى اللَّه عنه) ينص صراحة على أن ما يسبح على سطح البحر حلال أكله. وهناك قصة تروى عن وحسن (دابة) ألقاه البحر (يقال عنها أحيانًا أنها سمكة) أكل منها جيش مسلم بقيادة أبى عبيدة كانوا فى عسر شديد، ويعكس هذا الحديث وتفسيره (بأنهم أكلوا منه بسبب الجوع؛ أى أنهم أخذوا برخصة القرآن فى الضرورة) عدم وضوح مثل هذه المسائل المختلف فيها، وفى الحديث، نجد أن الأجزاء المقطوعة من الحيوانات الحية تعتبر أيضًا ميتة، وثمة ترخيص فى أكل الميتة عند الضرورة وذبح الحيوانات التى على وشك الموت فى اللحظة المناسبة حتى لا تكون ميتة. يمكن تلخيص أهم التشريعات الإسلامية التى تتناول الميتة، والتى تمثل آخر مراحل التطور فيما يلى: هناك إجماع على أن الميتة بالمعنى الشرعى نجسة ومحرمة، كما أن هناك إجماع على استثناء ميتة السمك من هذا التحريم. المصادر: (1) يسن Lexion S. V. Lane؛ كتب الحديث والفقه. (2) فنسنك، Handbook of Wensinck; early Mohammadan Tradition, S. V جوينبول. (3) Handleioling tot de, Juynboll Kennis van de Mohamm edanansche wet 3 [ج. شاخت J. Schacht]

ن

ن

نابلس

نابلس مدينة فى وسط فلسطين، اسمها مشتق من مدينة "فلافيا نيابوليس" Flavia Neapoliso التى شيدت لتكريم "فيسباسيان" Vespasian وكان اسمها فى العهد القديم "شكيم" Schechm التى تقع إلى الشرق فى موقع قرية "بلاطه" الحالية. . ولم يستخدم الكُتّاب العرب هذا الاسم المندثر. وتوجد نابلس فى وادى طويل (يجرى من الشرق إلى الغرب) -والمدينة -بينابيعها الاثنين والعشرين- غنية بالمياه التى يمكن أن تسمعها وهى تجرى فى كل مكان، وتنتج نباتات وافرة النماء. . وعندما ينعطف الطريق من الجنوب تجاه الغرب فى الوادى، يوجد بئر مع آثار كنيسة. وتجمع الروايات منذ القرن الرابع الميلادى على أنه "بئر يعقوب" وعلى بعد ألف ياردة إلى الشمال يوجد مبنى تقول الروايات إنه قبر يوسف (عليه السلام). وفى عصر ما بعد "النفى" كانت "شكيم" تنتمى إلى بلاد شعب "السامرة" المختلط، والذى أصبحت هذه المدينة عاصمة له بعد أن شيد على تل "جرزيم" معبدًا ينافس به معبد القدس. وكانوا دائمًا فى نزاع مع اليهود، وفى النهاية أقدم "جون هيركانوس" فى عام 129 قبل الميلاد على تدمير "شكيم" ومعبدها. وفى فترة متأخرة كان الشعب المتمرد دائمًا يعادى الرومان كذلك، مما دفع "فيسباسيان" لمهاجمتهم على "جرزيم"، حيث قتل

عدد كبير- وانتشرت المسيحية تدريجيًا فى البلاد، وأصبحت "نيابوليس" أسقفية. . . وكانت النتيجة أن انقلب السامريون على المسيحيين وعاملوهم بقسوة شديدة. . وبعد غارة مميتة من جانبهم، أجبرهم الإمبراطور البيزنطى "زنيو" (474 - 491 م) على الخروج من "جرزيم"، وبنى كنيسة هناك. . وقد استمروا فى إحداث الاضطرابات والفوضى فى عهد "جوستنيان" الذى أوقع بهم العقاب بعنف شديد ودمر معابدهم بينما أعاد بناء الكنائس. وقد أدى هذا فى النهاية إلى قنوطهم مما دفع الكثيرين منهم إلى الهروب إلى فارس، على حين اعتنق آخرون المسيحية -وقد انتهى دورهم بعد ما فتح المسلمون نابلس ومدنًا أخرى كثيرة. وتقارير المؤلفين العرب عن المدينة، ضئيلة جدًا -وهم يقولون إن السامريين كانوا يسكنونها. والبعض يضيف أنهم -حسب روايات اليهود- لا يوجدون فى أى مكان آخر. ولكن يجب أن نلاحظ أن "البلاذرى" (فى الفتوح) يتحدث عن السامريين فى فلسطين والأردن، واليعقوبى (فى البلدان) يشير إلى نابلس بأنها مدينة بالقرب من اثنين من التلال المقدسة تضم سكانًا من اليهود والأجانب والسامريين. وهناك مدينة منحوتة من الصخر تحت الأرض أدنى مدينة نابلس؛ ويقول المقدسى "إن نابلس تقع فى واد بين اثنين من التلال. وهى غنية بأشجار الزيتون، وثمة نهير يتدفق عبرها -والبيوت مبنية من الحجر، كما توجد بها الطواحين، وللمسجد الذى يقع فى وسطها فناء جميل ممهد". ويذكر أيضًا أنها كانت أيام الصليبيين بلا حصون. وفى الثامن والعشرين من يناير 1120 م عُقد فيها مجلس من الأساقفة والأعيان المدنيين بهدف تحسين أحوال المسيحيين. ويشير الإدريسى إلى يعقوب حيث جرت المحادثة بين المسيح وامرأة السامرة؛ وقد شيدت كنيسة فى هذا الموقع ويقول الرحالة اليهودى بنيامين الطليطلى (1160 - 1173) إنه لم يكن هناك يهود فى نابلس، ولكن نحو مائة من السامريين (الكوتيان Kntaeans) كانوا يقومون بتقديم

القرابين على المذبح فى "جرزيم" فى عيد الفصح "اليهودى" وفى أيام الأعياد الأخرى. ويقول معاصره على الهراوى إن السامريين كانوا كثيرين. وهو -مثل ياقوت يكتب "جرزيم" باسم "كرزيم". وقد حدث زلزال فى عام 1202 م أوقع بالمدينة مآسى كثيرة بالإضافة إلى الحروب المستمرة بين الفرنجة والمسلمين، ولكنها فى ظل حكم السلطان المملوكى العظيم "بيبرس" أصبحت فى حوزة المسلمين ويشير ياقوت إلى وفرة المياه وخصوبة المنطقة ويقول: إن هناك يقع التل الذى أراد إبراهيم (عليه السلام) -حسب أقوال اليهود- أن يضحى عليه باسحاق (عليه السلام) (وليس بإسماعيل كما يقول المسلمون)، وكان السامريون يتجهون فى الصلاة ناحية "جرزيم" ويقول الدمشقى إن نابلس مثل قصر محاط بالبساتين والحدائق: وهو يذكر رحلات زيارة السامريين إلى جرزيم حيث يضحون بالحملان. وللمسلمين مسجد بديع رائع فى المدينة حيث يتلى القرآن الكريم ليلًا ونهارًا. ويقول خليل الظاهرى (المتوفى عام 872 هـ/ 1467 م) إن المنطقة كانت تضم ثلاثمائة قرية. وفى العصر العثمانى، وحتى ظهور القائد المصرى إبراهيم بن محمد على باشا فى ثلاثينيات القرن الماضى، ظلت نابلس ووادى الأردن إلى الشرق تحت حكم رجال الاقطاع المحليين. . وفى الحرب العالمية الأولى أنشأ الأتراك خطًا حديديًا ضيقًا بطول سبعة وثلاثين كيلو مترًا (ثلاثة وعشرين ميلًا) من طولكوم تجاه الشرق فى التلال عبر "مسعودى" إلى نابلس. وقد كانت نابلس دائمًا مدينة إسلامية، تضم أعدادًا قليلة من اليهود والمسيحيين وجالية صغيرة جدًا من السامريين (161 حسب إحصاء 1931 م)، ومنذ ثلاثينيات هذا القرن فصاعدًا أصبحت مركزًا لمقاومة الهجرة اليهودية إلى فلسطين. وهناك -فى عام 1936 - تأسست اللجنة العربية القومية "فى أعقاب العنف الطائفى فى ذلك الوقت" وحتى عام 1936 م، كانت نابلس مركزًا مزدهرًا لزيت الزيتون وصناعة الصابون من هذا الزيت.

المصادر

المصادر: (1) Strange: Palestine under the Moslems (2) Sir Yeasge Adam smith: Historical geogrophy of the Holy Land بهجت عبد الفتاح [ف. بوهل- س. أ. بوسورث F. Buhl - C.E. Bosworth] نادر شاه افشار حاكم فارس (1147 - 1160 هـ/ 1736 - 1747 م). ولد ندر (أو نادر) قولى بك فى المحرم عام 1100 هـ/ نوفمبر 1688 م فى عائلة غير متميزة من أسرة "قرقلو" أو قرخلو من قبيلة الأفشار التركمانية فى "داستجرد" فى شمال خراسان وعندما بلغ من الشباب، انضم إلى حاشية حاكم "أبيورد" Abiward الذى صاهره بابنتيه على التوالى ثم ورثه عند وفاته فى عام 1723 م. وفى أثناء الفوضى التى عمت فارس عقب غزو "الأفغان الغلزيين"، التحق نادر بخدمة "الملك محمود" فى "سيستان"، الذى سبق أن استولى على "مشهد". . وبعد عدة مكايد مع رؤساء قبائل تركمان "افشر" و"جلانر" كوّن نادر عصابته من المغيرين، ثم تحالف مع "أكراد هامشجازاك" Tamishgazak فى "خبوشتان" كوتشان، ودخل فى صراع مع "الملك محمود" من أجل السيطرة على مشهد. . وقد لفت إليه هذا العمل أنظار "طهماسب ميرزا"، الوريث الشرعى لعرش الصفويين، الذى استطاع بمعاونة فتح على خان قاجار فى عام 1139 هـ/ 1726 م، أن يضم نادر وقواته التى قوامها عشرون ألف رجل إلى صفوفه، وأدى الصراع بين القاجار والأفشار إلى أن سارت الأمور فى النهاية لصالح نادر فأقدم طهماسب على إعدام فتح على لارتيابه فى تآمره عليه، فاستولى نادر على مشهد بالخديعة وسمح للملك محمود أن يعتزل فى صومعة فى مقام الإمام الرضا، ولكنه أعلم بعد ذلك بزعم أنه يحرض على الثورة. الإحياء الصفوى: أصبح "نادر" قائدًا للحرس "قورجى باشى" مع المشرف طهماسب -قولى (وهو رفيق لدى طهماسب). . ومع ذلك ظلت علاقاته مع الأمير الشاب الغامض

المتردد -أو بالأحرى مع وزرائه الغيورين- متوترة وبعد أن قضى على الثورات المحلية المتكررة، استولى نادر على "قائن". . وهى تقع فى الجزء الجنوبى من أرضه -كما استعد لإخضاع أفغان "أبدلى" فى هيراة قبل أن يوافق على رغبة "طهماسب" فى الزحف على أصفهان؛ وفى عام 1729 م أخضع نادر "الأبداليين: Abdalis، ووضع بعض رؤسائهم فى خدمة طهماسب، بالرغم من الاعتراف دبلوماسيًا بقائدهم وزعيمهم "اللَّه - يار خان"، كحاكم على هيراة. وفى ذلك الخريف أوقع هزيمة حاسمة بالغلزيين بقيادة أشرف فى "مهماندست" بالقرب من "دامغان" وجلا أشرف عن أصفهان بعد هزائم كثيرة أخرى، وهرب - عن طريق "شيراز" و"لار"، إلى مقاطعة "قندهار"، حيث يبدو أنه قتل على يد منافسه الغلزى "حسين سلطان". . وتم تنصيب طهماسب "شاها" فى العاصمة الصفوية السابقة، وكان ذلك على كره منه (فقد تزوج نادر إحدى شقيقاته وتدعى "راضيّة بيجوم" دون موافقة سابقة منه). وحينئذ كتب "طهماسب" إلى السلطان العثمانى يطلب منه إعادة الأراضى المحتلة. ودون انتظار للرد، زحف نادر فى عام 1730 م. عام من شيراز ليهزم القوات العثمانية فى "نهاوند" و"مالايير"، ويستولى على همدان من جديد. واستعاد كردستان ودخل تبريز وكان السلطان قد أعلن فى يولية الحرب على فارس، ولكن أعمال التمرد والاضطرابات فى استانبول حالت دون الإقدام على أى عمل وعاد نادر إلى مشهد فى شهر نوفمبر، وفى الربيع الثانى زحف على هيراة لإخضاع الأبداليين الذين أغاروا على أسوار مشهد فى أثناء غيابه. واستطاع نادر فى النهاية أن يحتل هيراة. وفى الأول من شهر رمضان 1144 هـ/ السابع والعشرين من فبراير 1732 م، نفى تابعه المتمرد "اللَّه - يارخان" إلى "مولتان"، كما طرد ستين ألفًا من الأبداليين إلى خراسان. . وفى أثناء غياب نادر اقتنع طهماسب بتحريض من وزرائه- بعودة التقاتل على الجبهة التركية. . وزحف على "ايريفان" فى ربيع عام 1731 م. ولكن

نادر وصيا على العرش

خصومه كانوا أبرع منه فى المناورة مما اضطره إلى الانسحاب. . وبعد ذلك مباشرة أوقع أحمد باشا حاكم بغداد هزيمة منكرة بقوات طهماسب بالقرب من همدان، وذلك بعد أن استولى على "كرمانشاه" -ورجع الشاه إلى أصفهان وفى مفاوضات السلام التى أعقبت ذلك، استعاد تبريز فقط (10 يناير 1932 م). . وبعد ثلاثة أسابيع -وفى "رشت" وقع ممثلو الشاه معاهدة مع روسيا، تخلت الأخيرة بمقتضاها عن "جيلان" مع الاحتفاظ بكل من "باكو" و"بند" حتى تسعيد فارس أراضيها فيما وراء أركسز Araxes من تركيا -ولكن نادرا أدان فى بيان عام المعاهدة مع تركيا، وطرد الكثيرين من حكام طهماسب؛ وفى أغسطس وصل بقواته إلى أصفهان، وعقد مؤتمرًا لقبائل "قزلباش" والقيادات وأقنعهم بخلع طهماسب بسبب سكره، وعدم أهليته، وتنصيب ابنه الوليد "عباس". وأُرسل الشاه السابق فى حراسة مشددة إلى مشهد وأسقط نادر عن نفسه لقب طهماسب قوله أى تابع طهماسب واتخذ لنفسه ألقابا ترتبط بنائب الملك مثل "وكيل الدولة" و"نائب السلطنة". نادر وصيا على العرش: وبعد أن أخمد نادر الثورات التى اندلعت بين قبائل "بختيارى"، اخترق دفاعات الأتراك غربى "كرمانشاه". وفى يناير 1733 م، كان يحاصر بغداد. . وطلب أحمد باشا التفاهم، ولكنه أخذ يناور بينما كانت القوة العثمانية الكبيرة بقيادة "طويال عثمان" باشا تقترب من المدينة. وفى السابع من صفر 1146 هـ/ التاسع عشر من يولية 1733 م، كسب الأتراك معركة ضارية واستعادوا بغداد؛ وانسحب نادر إلى همدان حيث أعاد فى خلال شهرين تجهيز جيشه واعداده وتغيير بعض القيادات. وخدع نادر الجيش التركى وأوقعه فى شعب "أقدربند"، شمالى كركوك. . وفى التاسع من ديسمبر أوقع بالأتراك هزيمة ساخطة؛ وسقط طويال عثمان فى المعركة. ومع ذلك فإن نادر سرعان ما رفع الحصار عن بغداد، بسبب تمرد "محمد خان بلوج" فى "فارس". وزحف عبر خوزستان، وأوقع الهزيمة بالجيش

المتمرد، وفى أول فبراير 1734 م أعاد احتلال شيراز. . وبعد أن عاد إلى أصفهان استقبل مبعوثين من استانبول و"سانت بطرسبورج" فقد كانت كل من هذه القوى تصمم على ألا تتخلى عن مواقعها فى شمال غربى فارس حتى تنسحب الأخرى أولًا. . وقد قيل للمبعوث العثمانى إنه لا سلام حتى ترجع أرمينيا وجورجيا وأذربيجان. . أما المندوب الروسى الأمير س. د. جولستينى، فقد وعده نادر بتحالف مشترك ضد تركيا، وقد صحب نادر فى حملته التالية. وقد بدأ نادر بالهجوم على التابع التركى "سورخاى" حاكم شيراز (من غازى قموق Jhazi - Kumuk) وبعد أن احتل "شاماخى" تعقب نادر "سورخاى" فى معاقله الجبلية، ودمر "قموق"؛ ورحّب بتسليم خاص khass فولادخان الشمخل السابق لتارخان، وأعاده إلى المنصب ذاته. وفى نوفمبر 1734 م حاصر "نادر" "جانجا" بمساعدة المهندسين الروس، والمدفعية الروسية. . وقد صمدت القلعة لأكثر من ثمانية أشهر حتى بعد هزيمة نادر لقوة نجدة جاءت بقيادة "عبد اللَّه باشا كوبرولوزاده" Kopruluzade فى السابع والعشرين من المحرم 1148 هـ/ 19 يونية 1735 م فى "باغوارد" بالقرب من "ايروان". كما استسلمت أيضًا "تفليس" فى الثانى عشر من أغسطس وايروان فى الثالث من أكتوبر بعد أن التمس أحمد باشا (الذى عين خلفًا لعبد اللَّه) الصلح. . وعلى ذلك رفع نادر الحصار عن قلعة "قارص" العثمانية على الحدود. ثم تقدم بشخصه لتسوية الأمور فى تفليس عاصمة مملكة جورجيا المسيحية التى يحكمها كاخيتى كارتلى، والتى كانت أهم تابع لدولة الصفويين بل وأهم منطقة عازلة فى الإقليم كله. . وهنا تخلى عما كان ينتهجه الصفويون بأن قام بتعيين الحاكم المسلم "على ميرزا" ابن شقيق الملك "تيمور ميرزا الثانى". وكان نادر قد عقد فى العاشر من مارس (أو الحادى والعشرين منه) 1735 م، معاهدة "جانجا" مع روسيا، اتفق بمقتضاها على تحالف دفاعى، وتعهدت الإمبراطوره "أنَّا" أن تعيد "دربند" و"باكو" إلى فارس. وبالرغم

نادر ملكا

من أن نادر رفض توقيع معاهدة مع تركيا، ما لم تشترك فيها روسيا كذلك، فقد كان واضحًا الآن أن حملات نادر الأخيرة قد أمّنت روسيا من أى خطر من تقدم الترك إلى قزوين، كما خلصت فارس من كلا الخطرين. وعندئذ انسحب "قابلان جيراى" -خان القرم الذى كان قد تقدم، بناء على أوامر من إستانبول، إلى دربند، وقام بتعيين حكام على مدن "داغستان"، وأمضى نادر شهور الشتاء الأولى فى إعادة ترسيخ سيطرته على هذه المنطقة الإستراتيجية. نادر ملكًا: فى يناير 1736 م، ترأس نادر مجلسًا، دعا إليه قادة الجيش والحكام والنبلاء والعلماء من كل الممالك التابعة له. وقد جرى إبلاغ علية القوم (وكانوا يزيدون على العشرين ألفًا، ومن بينهم المبعوث العثمانى جانجى على باشا) بأن نادر ينتوى الآن بعد أن حرر فارس -أن ينسحب إلى خراسان ويعتزل هناك، وأن عليهم. وفى حرية تامة- أن يختاروا واحدًا من سلالة الصفويين ليحكمهم. . وطبيعى أن يحتج كل الحضور، ويعلنوا أن نادرًا وحده يجب أن يكون الشاه. . وبعد عدة أيام، وفى لفتة كريمة منه (أى من نادر) لان قلبه ورق، شريطة أن يتخذوا جميعًا المذهب السنى بدلًا من المذهب الشيعى، والذى أدخله الشاه إسماعيل (الصفوى) بعدما أراق الكثير من الدماء بين فارس وتركيا. وقد اتفق على هذا فى وثيقة وقعها كل الذين حضروا -وبعد ذلك صيغت شروط المعاهدة مع تركيا، متضمنة أن يعترف بالفرس- بعد أن تركوا المغالاة فى التشيع كأصحاب مذهب خامس وهو المذهب الجعفرى (نسبة إلى الإمام جعفر الصادق؛ والذين اعتقدوا بأن يخصص له مكان للصلاة (ركن) فى الكعبة (فى مكة)، وأن يكون هناك أمير فارسى للحج أسوة برؤساء بعثات الحج من سوريا ومصر، وقد اعتلى نادر شاه العرش رسميًا فى الرابع والعشرين من شوال 1148 هـ/ الثامن من مارس 1736 م. وقد استطاع نادر شاه، وهو يستأنف تقدمه جنوبًا عن طريق قزوين، أن يقمع ثورة موالية للصفويين

الهند وتركستان

بين قبائل "بختيارى"، ثم قضى الشتاء فى أصفهان. وكان طهماسب وأبناؤه قد سجنوا فى سبزوار Sabzawar (وفى عام 1740 م، عندما سرت شائعات من الهند عن موت نادر شاه قام محمد "حسين خان قاجار" -بناء على أوامر من "رضا قولى" بذبحهم وقد انتحرت شقيقة طهماسب -وهى زوجة "رضا قولى" عندما علمت بذلك). الهند وتركستان: وفى الربيع التالى قال نادر شاه جيشًا كبيرًا ضد "قندهار" حيث يوجد حسين سلطان "غلزى" -شقيق "المغير" Invader محمود- آخر ذكرى لمهانة فارس. وقد استسلمت قندهار فى الثالث من ذى الحجة 1150 هـ/ الرابع والعشرين من مارس 1738 م، بعد عام كامل من الحصار؛ ودكت قلعة "الغلزى"، واستوطن سكان المدينة "نادر أباد" هى مدينة جديدة شيدها نادر شاه فى موقع معسكره. ويعدُ هذا النصر نهاية الحملات التحررية الوحدوية المقاومة للتغيير فى جوهرها، والتى قام بها نادر لاستعادة النطاق الحدودى لامبراطورية الصفويين. . وبعد أن عزز جيشه بجنود جدد من "ابدلى" و"غلزى"، بدأ غزوه للهند، وقد سقطت "كابول" و"جلال أباد" و"بيشاور" قبل نهاية العام، و"لاهور" فى الثالث والعشرين من يناير 1740 م. كان امبراطور "موغال" محمد شاه قد جمع جيشًا قيل إن قوامه ثلاثمائة ألف رجل بالإضافة إلى المدفعية وألفين من الأفيال، ولكنه هزم -وبعد غداء رسمى مع المنتصر تمت موافقة محمد شاه إلى دهلى. . وهنا ألقيت الخطبة وضربت العملات باسم نادر. وفى الخامس عشر من ذى الحجة/ السادس والعشرين من مارس انتشرت الشائعات بأن نادر شاه قد اغتيل، وفى انتفاضة شعبية جرى قتل آلاف من الجنود الفرس بوحشية. . وفى اليوم التالى أمر نادر بمذبحة عامة ونهب كل الأماكن التى هوجم فيها جنوده، وقد مات فى هذا العمل تقريبًا عشرون ألفًا من مواطنى دهلى. . وفى أثناء حملات نادر شاه جنوبى "هندوكوش"، استطاع رضا قولى ميرزا أن يبسط مالك أبيه إلى بلخ،

العودة إلى الجبهات الغربية

والسهوب جنوبى جيحون- وقد أدى ذلك إلى إثارة التهديدات من جانب البارس خان Ilbars Khan حاكم خوارزم، الذى قرر نادر أن يعاقبه فى أثناء عودته. وعندما وصل هيراة فى العاشر من يونيه، عبر نهر جيحون عند "جارجوى" Gardjuy فى أواخر أغسطس، بقوارب صنعها له خصيصًا النجارون (نجارو السفن). . وقاوم عبثًا "أبو الفيض خان" حاكم بخارى، وقد أعاده نادر إلى الحكم، على حين ضم كل الأراضى جنوبى جيحون. ومع تعزيزات الأوزبك Ozbegs والتركمان، انطلق نادر فى أكتوبر 1740 م قاصدًا "خيوا" وكان الجيش والأسطول يسيران متوازيين على طول نهر Oxus . . وقد دكت المدافع المدينة وعددًا من القلاع حتى قبلت التسليم وتم إعدام "البارس خان". وقد تحرر من الرق والعبودية ما لا يقل عن اثنى عشر ألفًا من الفرس (وعشرة من الروس) وفى العاشر من ديسمبر غادر نادر خوارزم، ووصل إلى مشهد فى نهاية شوال 1153 هـ/ السابع عشر من يناير 1741 م. العودة إلى الجبهات الغربية: فى أثناء الحملة التى قادها نادر إلى الهند، قتل أخوه إبراهيم فى حملة على داغستان. ومن ثم زحف نادر فى ربيع 1741 م للانتقام من اللزجيين lazgis، الذين كانوا قد جددوا أيضًا غاراتهم على جورجيا. . وعندما وصل إلى شيروان، أسرع حكام المناطق الساحلية فى قزوين (ومن بينهم سورخاى خان) بتقديم فروض الطاعة، ولكن محاولات نادر لإخضاع سكان جبال "افاريا" باءت بالفشل وهنا أسرع الروس، الذين ارتابوا فى أن يكون له أهداف فى شمال القوقاز، بتعزيز قاعدتهم فى "كزليار" Kizlyar (أو قزلر Kizlar) . . وقد عانى الجيش الفارسى طيلة ثمانية عشر عامًا من كمائن اللزجيين ونقص المؤن والوباء والشتاء القارص، ولكن نادر شاه رفض أن ينسحب. . وقد توفر لديه المبرر للتراجع عندما وصلته رسالة من السفير العثمانى تتضمن رفض المقترحات التى تتعلق بالمذهب الجعفرى، ومن ثم زحف جنوبًا للاستعداد لحملة جديدة ضد الترك

وكان ذلك فى الخامس عشر من ذى الحجة 1155 هـ/ العاشر من فبراير 1743 م. وقد حدث فى أثناء مروره فى "مازانداران" فى مايو 1741 م، أن أطلق عليه مجهول سهمًا فأصابه بجروح. . وعندما عشر على الرامى اتهم "رضا قولى ميرزا" (ابن نادر) بأنه المحرض على هذه الفعلة. وجئ بالأمير إلى داغستان، ورغم كل حججه ببراءته (ومعظم الروايات تؤكد صدقها)، فقد فقئت عيناه. وقد أصاب نادر الأسى والحزن العميق. . وبعد ذلك مباشرة علم أن الثوار خلعوا تابعه فى خوارزم وقتلوه. ومع ذلك فقد استؤنفت عندئذ "المعارك" المعلقة مع الإمبراطورية العثمانية. فزحف نادر شاه عن طريق "كرمنشاه" وأخذ يقصف كركوك بالمدافع حتى استسلمت فى جمادى الثانية 1156 هـ/ أغسطس 1743 م. وقاومت الموصل فى شجاعة وعناد؛ وتفاوض نادر حول الهدنة، وقام تحت حراسة خصمه القديم أحمد شاه حاكم بغداد، بزيارة كل من الأضرحة الشيعية والسنية فى العراق. . وفى الرابع والعشرين من شوال الثانى عشر من ديسمبر وفى نجف، عقد مجلسًا للعلماء من العراق وفارس وأفغانستان وتركستان لمناقشة المسألة الدينية. . وفى البيان الذى صدر عن هذا المجلس، أعرب الجميع عن أسفهم للسياسات الشيعية المتطرفة للصفويين، ووافقوا على فكرة المذهب الجعفرى (السفريدى 1906 - 1973 م). . وسواء كان ذلك يعكس نزاهة الفقهاء، أو تشجيع نادر وهدايا زوجته للضريح، فإنها قد باءت بالاخفاق فى مواجهة الواقع الشعبى والسياسى. وفى هذه الأثناء، قامت القوة الفارسية التى تحاصر البصرة بالانسحاب (فى ديسمبر). ومع كل الجهود التى بذلها نادرشاه لتوسيع رقعة فارس فقد كانت الاضطرابات والثورات لا تكاد تنقطع بسبب قصر التشيع على المذهب الجعفرى مما أغضب الشيعة الآخرين، رغم أن كل الشواهد تؤكد أن ذلك لم

المصادر

يكن أكثر من مناورة سياسية لكسب الأتراك السنة، وكذلك بسبب تفضيله للعسكر الأفغان، وإثقال كاهل الأهالى بالضرائب بعد أن كان قد أسقطها عنهم، بالإضافة لاختلاف الأعراق فى مملكته التى اتسعت كثيرًا، ولم يكن تحالفه مع الروس ضد الأتراك مسألة مقبولة من الجميع. وفى الحادى عشر من جمادى الثانية 1160 هـ/ العشرين من يونية 1747 م، قامت مجموعة من ضباط الفرس والافشار وقاجار. . وقد ملأهم الخوف من أن يكون قد أصدر أوامره إلى قواته الأفغانية بالقبض عليهم -بتمزيقه داخل خيمته- وتفكك جيش نادر شاه وتفسخ وسلبت خزانته وقتلت ذريته (باستثناء حفيد له هو شاهروخ) وفى السابع والعشرين من جمادى الثانية، السادس من يولية صعد على قوله إلى العرش باسم "عادل شاه". . المصادر: (1) L. lock hart: Nadir shah: acrihcal: study based on contemporary sources (2) L. lock hart: The Fall of the safaui dynasty and the Afghan occupation of Persia (3) R. W. olson: The Siege of Mosul and Ottoman - Persion relations (4) أبو الحسن بن محمد أمين جولستانا: مجمل التواريخ. (5) محمد خليل مرعش صفوى: مجمع التواريخى بعد نادريه. (6) الشيخ عثمان البصرى: مطالع السعودى. (7) عبد اللَّه بن حسين السويدى: "مؤتمر النجف الذى انتهى بخضوع مجتهدى الشيعة لإمامة أبى بكر وعمر" (القاهرة 1973). بهجت عبد الفتاح [ج. ر. بيرى J. R. Perry] نادرة نادرة، الجمع "نوادر"، والمعنى الحرفى الشئ الغير شائع"، ولكنها تستخدم للتعبير عن كل ما يتضمن سرعة بديهة أو حضور ذهن أو رد

لاذع، كمرادف لـ "نكتة" ملحة، طرفة، فكاهة، إلخ. وقد بدأ تذوق هذا النوع من التسلية مع مطلع القرن الأول الهجرى/ السابع الميلادى فى المدن الكبرى الإسلامية وخاصة المدينة، مواكبًا لظهور مذاهب فى الغناء والموسيقى، ومع بداية العصر العباسى انتقل فن الفكاهة إلى بغداد والبصرة، حيث جمع الخلفاء والوزراء والأثرياء حولهم، من يُذهب عنهم هموم أعبائهم، وفى هذا يقول الأصمعى: "بالعلم جمعت مالا، ولكن بالنوادر جمعت ثروة". وقد حفظت الكتابات الكثير ممن اشتهروا بفن الفكاهة فى صدر الإسلام، من أشهرهم: أشعب، مزبد المدنى، أبو الحارث جمين، الجماز. ولدينا حصيلة من شخصيات خيالية أو حقيقية وردت فى الأعمال المتأخرة -مجهولة المصدر غالبا- نسجت حولها أساطير كُتب لها البقاء، مثل أبو ضمضم، أبو نواس، جحا، وشخصية أخرى فى نفس الخط هو نصر الدين خوجة. أما المصدر الثالث فهو أعمال لمن اشتهروا بالفكاهة، جمعوا فيها من أخبارها ما رأوا أهمية أن يحفظ اللأجيال التالية، ومن أمثالهم المدائنى، إسحاق الموصلى، أبو العباس وأبو العبر. ونتيجة لشيوع التزمت توقفت عملية إعادة نشر هذه الأعمال والكتابات لعدم وفرة القراء، مما أدى إلى عدم حفظها، ولكن محتواها يوجد متناثرًا فى أعمال أدبية أخرى متأخرة. ومن الجدير بالذكر القول بأن الفن المسمى بـ "الأدب"، والذى يهدف إلى التثقيف والتهذيب دون عناء، يتضمن من جهة التخفيف من صرامة أو كآبة الموضوعات المتصفة بذلك عن طريق النكات والملح، ومن جهة أخرى اللجوء لسرعة البديهة والصور الموجزة فى المحاورات كوسيلة لإظهار ما عليه الشخص من ثقافة واسعة متعددة الجوانب، وهذه الحصيلة من الفن الترويحى، والذى هو شفهى فى منشئه، قد جمعت بداية من القرن الثانى الهجرى من أناس شغوفين

المصادر

بحفظها، عملوا جنبًا إلى جنب مع الرواة الشعر القديم وناقلى التقاليد التاريخية - الأدبية، ثم حللت هذه الحصيلة إلى أنواعها واستثمرت فى أعمال أدباء آخرين قبل أن تعود لأصلها الشفهى. وإذا كان بعض هؤلاء الأدباء قد قنع باستخدام هذه الحصيلة كمعين لما قد يحتاجه بين الحين والآخر من ملح يزين بها أعماله، فإن آخرين قد نشطوا لجعلها أساسًا لأعمال متكاملة أضافوا فيها وزادوها ثراء، من ذلك "جماع الجواهر" للحصرى (متوفى 412 هـ/ 1022 م). كما أن فريقًا ثالثًا قد وذكره على طرائف فئات معينة كالبخلاء (البخلاء للجاحظ) أو النساء (أخبار النساء لابن القيم الجوزية) أو المغفلين (أخبار الحمقى والمغفلين للخاقانى) أو الفرج بعد الشدة الذى يقال إن منشئه المدائنى (135 - 228/ 752 - 843). ومما يبين الاهتمام بهذا الفن أن توضع له القواعد التى ينتهجها من أراد أن يوصف بالظرف، ومواصفات الحادثة التى تتصف بالفكاهة، كما ورد فى أعمال الجاحظ والحصرى. المصادر: (1) F. Rosenthal: Humor in Islam and its historical development, Leiden د. عاطف العراقى [Ch. Pellat] الناصر (أبو عبد اللَّه) لقب شرفى للحاكم الرابع من أسرة الموحدين، وهو أبو عبد اللَّه محمود بن يعقوب المنصور بن يوسف بن عبد المؤمن، نودى به بعد موت أبيه فى 22 ربيع الأول من عام 595 هـ الموافق 25 يناير 1199 م، وبدأ حكمه بقمع ثورة فى إقليم غماره الجبلى، واستمر مقيمًا فترة طويلة فى فاس، أعاد إبَّانها بناء سور قصبة المدينة، وعندما سمع بثورة يحيى بن إسحاق بن غانية فى أفريقية اتجه شرقًا حيث حاصر مدينة المهدية التى دخلت تحت سلطانة فى 27 جمادى الأولى من عام 602 هـ الموافق 9 يناير 1206 م، وعاد إلى مراكش فى العام التالى تاركًا نائبًا عنه فى ولاية

الناصر حسن

إفريقية هو الشيخ أبو محمود عبد الواحد بن أبى حفص الهنتانى حفيد الحفصيين، وفى عام 599 هـ الموافق عام 1202 - 1203 أرسل إليه الجزائريون ضد ما يورقه Magorca - التى كانت تحت حكم بنى غانية منذ نهاية عهد المرابطين- أسطولًا استولى على الجزيرة، والتى ظلت فى أيدى المسلمين حتى عام 627 هـ الموافق 1230 م، وفى عام 607 هـ/ 1211 م أرسل الناصر حملة إلى أسبانيا انتهت بمذبحة للقوات المسلمة فى لاس ناقاس دى تولوزا Las Navas de Toloso فى 15 صفر 609 هـ الموافق 26 يوليو 1212 م، وقد أثرت هذه النكسة القاسية فى نفس الناصر الذى عاد إلى مراكش، وجعل أتباعه يقسمون يمين الولاء لابنه يوسف، واعتكف هو فى قصره ومات فى الرباط (رباط الفتح) فى العاشر من شعبان عام 610 هـ الموافق 25 ديسمبر 1213 م، وفى رواية أخرى أنه مات ميتة بشعة فى نفس التاريخ فى مراكش كضحية لمؤامرة وزرائه. ويعتبر حكمه بداية اضمحلال حكم الموحدين ولم يترك شيئًا يذكر فى تاريخ مراكش وقد نسب إليه بناء دار لسك العملة فى فاس. د. يواقيم رزق [ليفى بروفنسال E. Levi Provencal] الناصر حسن (748 - 752 هـ/ 1347 - 1351 م، 755 - 762 هـ/ 1354 - 1361 م) هو ابن الناصر محمد من إحدى محظياته، توج فى سن الحادية عشرة يوم 14 رمضان الموافق 18 ديسمبر 1347 م بعد أخيه المظفر حجاج، الذى أطيح به وقتل فى مؤامرة من الأعيان، وشكل مجلس وصاية ولكن السلطة الحقيقية كانت فى يد أخوين هما الأميران بيبغا أورس ومنجك اليوسفى ومعهما شيخون (شيخو) العمرى، وكان ثلاثتهم من مماليك الناصر محمد المحنكين، وفى 24 شوال من عام 751 هـ الموافق 25 ديسمبر 1350 م استغل حسن غياب بيبغا فى الحج وشيخون فى رحلة صيد ليعلن أنه أتم السنن ويتمتع بكامل

المصادر

سلطاته لكن ذلك لم يدم طويلًا فتم تنصيب أخيه الصالح صالح سلطانًا فى 8 جمادى الآخرة من عام 752 هـ الموافق 2 أغسطس 1351 م، وأثناء حكمه تعرضت دولة المماليك للمتاعب من جراء اجتياح وجاء الطاعون الذى وصل إلى الشام فى جمادى الأولى من عام 748 هـ أغسطس 1347 م وانتشر فى مصر خلال عام 749 هـ/ 1348 - 1349 م وثار الأمراء وأعلنوا خلع صالح وإعادة حسن فى 2 شوال من عام 755 هـ الموافق 20 أكتوبر 1354 م فكان على أية حال تحت سيطرة شيخون وآخر محنك هو صارغا تموش وقد مات الأول فى نهاية عام 758 هـ/ 1357 م) وفى 20 رمضان 759 هـ/ 26 أغسطس 1358 م قبض حسن على صارغا تموش الذى كان يدبر للإطاحة به، وقامت الحرب بسبب ذلك بين مماليك السلطان ومماليك صارغا تموش انتصر فيها الأولون. وبحث حسن كيف يؤمّن وضعه وذلك بتقوية مماليكه بشكل عادى (وكانوا يسمون أولاد الناس) فى مواضع الحكم، وقد زاد الحنق بين السلطان ومماليكه من جهة وبين بيبغا العمرى من جهة أخرى مما أدى إلى صدام مسلح هزم فيه حسن وقبض عليه وأعدم فى 9 جمادى الأولى 762 هـ/ 17 مارس 1361 م بيد بيبغا الذى نصب ابن الحجاج وهو المنصور محمد، وقد ترك الناصر حسن ذكرى طيبة هى مسجده ومدرسته فى القاهرة. المصادر: (1) الصفدى: الوافى بالوفيات جـ 11. (2) المقريزى: السلوك جـ 2. د. يواقيم رزق [ب. م هولت P. M. Holt] ناصر خسرو هو أبو أمين ناصر بن خسرو (بضم الخاء) بن حارث القباذيانى، شاعر وكاتب ورحالة وداعية اسماعيلى فارسى، ولد فى أسرة ثرية عام 394 هـ/ 1004 م فى مدينة قباذيان على الضفة الشرقية لنهر جيحون، عمل لدى الغزنويين كما عمل فى الجهاز الإدارى للسلاجقة فى مرو، اهتم

وأهم أعماله

بالعلوم والفلسفة والشعر منذ وقت باكر، وزاد اهتمامه بالشعر خاصة عندما عمل فى دوائر بلاط السلاجقة، وفى 437 هـ/ 1045 م ترك عمله وقرر الحج إلى مكة المكرمة، ويبدو أنه ارتبط مع الإسماعيليين بالدعوة لهم وأن رحلته هذه لم تكن فقط لأداء الحج، فقد اتجه للقاهرة ومكث بها ستة أشهر قبل ذهابه لمكة المكرمة، وسنة وفاته غير محددة تمامًا لكنها بين 465 هـ/ 1072 م و 471 هـ/ 1078 م. وأهم أعماله: سفرنامة: وهى وصف لرحلاته والتى تدخل ضمن أدب الرحلات للكتاب المسلمين فى العصور الوسطى، فهى تتناول بالوصف الأماكن والأشخاص كتفسير للمجتمع الإسلامى المعاصر وحضارته اثارتها ملاحظاته الشخصية وبصيرته. إن أعمال ناصر الباقية تندرج تحت التقاليد الفاطمية والأدب الإسماعيلى، وتعكس الإطار الأساسى للنظام الدينى وتفسير الفكر الإسلامى وتطبيقه وضمن هذه الأعمال: - الراوشنائى نامه (كتاب التنوير) وهو عمل شعرى يعرض المسائل الإسماعيلية. - واضح الدين: عرض لمعظم القواعد والتطبيقات الإسلامية مع تفسير لما تحويه من معان موضحًا استعمال أسلوب التفسير والتأويل فى الفكر الإسماعيلى. - جوشايش وراهايش (التوقف والتأمل) كتاب فلسفى يضع إطارًا يقوم على السؤال والجواب لشرح الأفكار الإسلامية. - خوان الإخوان: تلخيص للمبادئ الأساسية للإيمان. - زاد المسافرين: عرض للمواقف الفلسفية لبعض القدماء أمثال أفلاطون وأرسطو ومحاورات حول وجهات النظر للفلاسفة المسلمين الأوائل كأبى بكر الرازى (المتوفى عام 312 هـ/ 916 م). - جامع الحكمتين: وفيه يبحث ناصر عن التوليف بين الدين ومصادر الفلسفة، هدفه فى هذا خلق تناغم بين لغة القرآن الكريم والسنة وآليات المنطق فى العلوم العقلية.

المصادر

- شيش فصل: دلخيص لستة فصول للتفسير الإسماعيلى للعقائد الإسلامية وهى تسمى أيضًا راوشناء نامه. هذا بالإضافة إلى عدد من الأعمال التى تنسب إلى ناصر خسرو لكن نسبتها إليه غير مؤكدة. المصادر: - بوناويلا: دائرة معارف الأدب الإسلامى، ماليبو 1977 - ترجمة حديثه لسفر نامة - كتاب رحلات ناصر خسرو، نيويورك 1985 - جولى س ميسامى: العبارات الرمزية فى سفر ناصر خسرو إيران 1993. د. يواقيم رزق [عازم نانجى Azim Naji] ناصر الدولة أبو محمد أبو محمد الحسن بن عبد اللَّه، أمير من الأسرة الحمدانية من عام 308 هـ/ 920 - 921 م وكان بمثابة قائد لقوات أبيه أبو الهيجاء عبد اللَّه فى الموصل، وعند وفاة أبيه فى عام 317 هـ/ 929 م خلفه فى زعامة الأسرة الحمدانية، وبسبب الدور الذى لعبه أبو الهيجاء فى المحاولة الثانية للإطاحة بالخليفة العباسى المقتدر فقد حاول الأخير أن يضع حدًا للأسرة الحمدانية فى الموصل وذلك بتوليته حاكمًا لا يمت لها بصلة، ولكن عندما مات هذا الحاكم فى العام نفسه أحكم أبو محمد الحسن قبضته على كل أملاك أبيه. وقد استفاد الحمدانيون من الضعف المستمر للدولة العباسية، فأعدوا العدة لتوسيع دائرة حكمهم، وبرغم أنهم ظلوا تابعين للخلفاء من الناحية الاسمية إلا أنهم فى عام 332 هـ/ 943 - 944 كانوا قد دعموا سلطتهم فى معظم الجزيرة وشمال الشام، وقد قام أبو محمد الحسن كذلك بمحاولتين فاشلتين فى عام 322 هـ/ 934 م وعام 326 هـ/ 938 م ليضم أذربيجان إلى أملاكه، وأثناء هذه الفترة من التوسع كان الحسن منشغلًا بقمع بعض حركات التمرد الداخلية، وفى عام 323 هـ/ 935 م حاول الخليفة

الراضى أن يزيحه من السلطة فى الموصل لكنه كان مضطرًا للإبقاء عليه. وشهدت فترة حكم الراضى مزيدًا من الضعف وذلك بتعيين ابن رائق أميرًا للأمراء، مما أدى إلى ضعف نفوذ الخليفة وسلطاته، وفى عام 327 هـ/ 938 - 939 م قام أبو محمد الحسن بمحاولة ليثبت مركزه الذى انتزعه منه بجكام الذى خلف ابن رائق، وفى عام 330 هـ/ 941 م قام بمحاولة ثانية عندما هرب الخليفة المتقى وابن رائق (الذى كان قد أعيد لمنصبه) إلى الموصل من بغداد عندما احتلها الإخوة البريدى، فقتل الحسن ابن رائق وأجبر الخليفة على أن يعطيه الإمارة ويلقبه "ناصر الدولة" ثم زوج ابنته لابن الخليفة، ولكن مع أنه هو وأخوه المشهور (على) الذى كان فى نفس الوقت يلقب بسيف الدولة كانا قادرين على إعادة المتقى إلى عاصمته وطرد البريديين ثانية إلى البصرة إلا أنهما كان غالبًا مضطرين بسبب ثورة فرق الأتراك بقيادة توزون لأن ينسحبا ثانية إلى الموصل، وهنا عين المتقى توزون أميرًا بدلًا من ناصر الدولة، ولكن ضعفه الواضح شجع توزون لأن يزيد من قوته. وفى عام 332 هـ/ 943 م لجأ الخليفة ثانية إلى الحمدانيين، وهنا حاول سيف الدولة -ولو أنه لم ينجح- أن يدخل فى معركة ضد توزون، بينما قام الحسن بإبعاد الخليفة إلى مكان أكثر أمنا من الموصل فنقله إلى الرقة، وبعد عدة شهور أقنع الموالون لتوزون المتقى بالعودة إلى بغداد وذلك لكى يقابله الأمير فى الطريق ويعميه ويطيح به، وعلى هذا فقد أوقف ناصر الدولة دفع ما عليه، إلا أن توزون والخليفة الجديد "المستكفى" وقفا ضده وأجبراه على الدفع. وقد مات توزون على أية حال فى عام 334 هـ/ 945 - 946، ومن ثم بذل ناصر الدولة محاولة لاسترداد الإمارة إلا أنه أخيرًا وفى نفس العام احتل أحمد بن بويه معز الدولة بغداد، ومنذ ذلك فصاعدًا توقف سير حياة ناصر الدولة حتى يدعم قواته ضد قوات البويهيين.

وقد بدأ الصراع توا، فبمجرد استقراره فى بغداد قاد معز الدولة حملة ضد الحمدانيين، ومع أن ناصر الدولة أجبره على العودة إلى العاصمة بنفسه محتلًا الصفة الشرقية مغلقًا دائرة المدينة، وفى النهاية طرد قوات الحمدانيين إلى خارجها، اعتكف ناصر بعد ذلك فى عكبرة، ومن هنا التمس السلام إلا أن ثورة قامت بين فرقة تركية أجبرته على الهروب قبل أن يتم له ذلك، وساعده معز الدولة فى إحباط حركة التمرد هذه. وكان هدف معز الدولة من مساعدته هو أن يحتفظ ببعض النظام فى ولايات الحمدانيين إلى أن يحين الوقت للاستيلاء عليها ولهذا أخذ أحد أبناء ناصر الدولة رهينة ليضمن طاعته. وبعد سنتين قاد حملة أخرى ضد الموصل، إلا أن هذا كله لم ينته لشئ، لذلك كان معز الدولة مضطرًا لأن يقيم سلامًا قبل تحقيق هدفه بسبب انفجار المتاعب فى فارس حيث طلب أخوه مساعدته، وهنا وافق ناصر الدولة على أن يدفع مبالغ مالية عن ديار بكر والجزيرة وسوريا وأن يذكر أسماء البويهيين الثلاثة فى خطبة الجمعة. ولم يحل عام 345 هـ/ 956 - 958 م إلا وانفجرت الاضطرابات بين المتنافسين على السلطة، فاستدعى معز الدولة من بغداد فى هذه السنة ليتعامل مع الثورة. ومن ثم أرسل ناصر الدولة اثنين من أبنائه لاحتلال العاصمة وعلى أية حال نجح معز الدولة فى الانتصار على التمرد، ولدى عودته فك الحمدانيون حصارهم إلا أنه بالرغم من هذه المضايقة طمأن معز الدولة نفسه بتعويض مؤكد وتجديد عهد ناصر الدولة لدفع الجزية، وكان فقط عندما أوقف معز الدولة الدفع فى السنة الثانية مما دفعه إلى اتخاذ خطوات ضده، حينئذ تقدم فى إقليمه واستولى على الموصل ونصيبين، وأخيرًا أرسل قوة إلى الرحبة. وفى محاولة لطلب المسلم ذر ناصر إلى ميّافارقين (من أشهر مدن ديار بكر) ثم إلى حلب التى كان قد استقل بها سيف الدولة

المصادر

حينذاك، ولكن معز الدولة قد رفض طلبه، وتوصل إلى اتفاقية فقط عندما تقدم سيف الدولة ليأخذ مكان أخيه كفصل له فى الموصل وديار ربيعة والرحبة. وبعد خمس سنوات وفى عام 353 هـ/ 964 فتح ناصر الدولة باب المفاوضات من أجل أن يستعيد مكانته كفصل فى هذه الأقاليم، إلا أنه ضمن مطالبه الاعتراف بابنه أبى تغلب الغضنفر خليفة له ولم يكن معز الدولة راضيًا عن ذلك. فعاد ليهاجم الحمدانيين محتلًا الموصل ونصيبين، ولكنهم نجحوا فى مقاومته فى هذا وعقد اتفاقية بينهما تعهد فيها أبو تغلب بدفع مبلغ من المال كان قد تعهد يدفعه أبوه من أملاكه. وفى عام 356 هـ/ 967 م مات كل من معز الدولة وسيف الدولة. وكان أهم أثر سجل لناصر الدولة وهو النصيحة التى أسداها آنذاك لأولاده لاتقاء هجوم ابن معز الدولة وخليفته (بختيار) حتى لا يجهد الموارد التى آلت إليه بالإرث لأنه بموت سيف الدولة الذى كان مرتبطًا به كثيرًا فقد ناصر الدولة كل مكاسبه. كان حكم ناصر الدولة محفوفًا بالكوارث فى الإقليم الذى حكمه. المصادر: (1) ابن مسكويه: تجارب الأمم. (2) ابن تغرى بردى: النجوم الزاهرة. د. يواقيم رزق [هـ بوين H. Bowen] ناصر الدين شاه (حكم من 1878 إلى 1896) هو الحاكم الرابع فى أسرة القاجار فى فارس. ولد فى 6 صفر 1247 هـ/ 17 يوليو 1831 فى قرية كُهنَمَار بالقرب من تبريز وكان أبوه وقتئذ الأمير محمد ميرزا (محمد شاه فيما بعد الذى حكم من 1834 - 1848 م) وأمه ملك جهان (فيما بعد مهدية عُليا الملكه الأم التى توفيت سنة 1873 م) وهى ابنة الزعيم القاجارى القوى ناصر

المصادر

الدين ولم يكن وصوله للعرش مؤمنًا إلا إن حظى بمساعدة القنصل البريطانى فى تبريز، وفى عهده تم قمع الحركة البابية وإعدام الباب، وبحثا عن المجد العسكرى استولى على هيرات ولكن القوات الهندية البريطانية أجبرته على الانسحاب وفى الشطر الثانى من حكمه ألغى الصدارة العظمى (رياسة الوزراء) وتولاها هو بنفسه، وبدأ حركة إصلاح وتحديث، كما قام برحلات إلى أوربا سجلها فى يوميات تبين مدى إعجابه بالحضارة الأوربية، وأدى ازدياد النفوذ الأجنبى -خاصة البريطانى فى فارس إلى اضطرابات شعبية فتم اغتياله فى 18 ذو القعدة 1313 هـ الموافق أول مايو 1896 داخل مزار الشاه عبد العظيم. المصادر: (1) F. Adamiyyat: Amir Kabir wa Iran, Tehran 1348 Sh./ 1969; idem Andisha- yi tarakki wa hukumat - i kanun, asr-i Sipahsalar, Tehran 1351 Sh./ 1972 (2) F. Adamiyyat and Huma Natik: Afkar- i idjtima i wa S'iyasi wa iktisadi dar athdr - i muntashir nashuda - yi Kadjar, Tehran 1356 Sh/ 1977 (3) H. Algar: Religion and state in Iran, 1785 - 1906, Berkeley 1969, 122 - 239; idem, Mirza Malkum Khan, Berkeley 1973 د. يواقيم رزق [أ. أمانات A. Amanat] الناصر السلاوى شهاب الدين أبو العباس أحمد بن خالد بن حماد الناصرى مؤرخ مغربى ولد فى ساله فى 22 ذى الحجة 1220 هـ/ 20 أبريل 1835 م، وتوفى فى المدينة نفسها فى 16 جمادى الأولى 1315 هـ/ 13 أكتوبر 1897 م وهو من سلالة أحمد بن ناصر مؤسس الطريقة الناصرية فى مراكش، تناول التيارات الالحادية فى كتابه (تعظيم المنّة بنصرة السنة) وله مبحث عن أسرة الناصرية التى ينتمى إليها أما أهم أعماله وأكبرها فهو كتابه

المصادر

الاستقصا لأخبار دور المغرب الأقصى الذى طبع فى القاهرة سنة 1894 م، وفى الدار البيضاء 1954 م. المصادر: - ابن إبراهيم المراكشى، الأعلام. - بروكلمان "تاريخ أداب". د. يواقيم رزق [ليفى بروفنسال E. Levi- Provencal] الناصر صلاح الدين الملك الناصر صلاح الدين داود بن الملك المعظم ولد فى جمادى الأولى عام 603 هـ الموافق 1205 م فى دمشق، وبعد وفاة أبيه فى نهاية ذى العقدة من عام 624 هـ الموافق نوفمبر من عام 1227 م خلفه داود على عرش دمشق، وأقام المملوك عز الدين أيبك نائبًا له إلا أن عم داود طمع فى الولاية فلم يتركه فى سلام، وبداية، طالب الملك الكامل بقلعة الشوبك ولما رفض طلبه أحتل القدس ونابلس وغيرهما سنة 625 هـ/ 1228 م، وإزاء هذا الموقف الخطر طلب داود العون من عم آخر له هو الملك الأشرف الذى يحكم أملاك الأيوبيين فى العراق، فحضر الأخير إلى دمشق ولكنه أخذ جانب الكامل، وخطط معه لتقسيم المملكة كلها، وبهذا التنظيم بين الأخوين قال الأشرف دمشق وقال داود حران والرقة وحمص، بينما أخذ الكامل جنوب سوريا وفلسطين، وتركت سماه لشقيق داود "الملك المظفر"، ولكن لما لم يوافق داود على هذا بدأ الأشرف يحاصر دمشق، وبعد أن أتم الكامل الصلح مع الملك فردريك الثانى اتصل بالأشرف، وبعد حصار دام ثلاثة أشهر أجبر ابن أخيه على الاستسلام فى شعبان من عام 626 هـ/ يونيه، يوليه 1229 م، ومن ثم عرف الأشرف بحاكم دمشق تحت سيادة الكامل، بينما كان على داود أن يرضى بالكرك والشوبك وعدة أماكن أخرى، وبرغم هذه المعاملة غير الودية ظل داود مواليًا للكامل، وبعد أن أخذ الكامل دمشق بدعم من داود مات فى رجب 635 هـ/ مارس 1238 م. أما داود الذى عينه الكامل حاكمًا على دمشق فقد عاد إلى الكرك، وفى

المصادر

مصر فإن الملك العادل ابن الملك الكامل اعترف به كخلف له وعين ابن عمه الملك الجوّاد يونس حاكمًا على دمشق، بينما حاول داود أن يؤكد حقه فى دمشق إلا أنه هُزم فى نابلس، وفى العام التالى كان يونس الذى لم يشعر بالأمان مع العادل يتبادل دمشق مع ابن عمه الملك الصالح أيوب بسنجار والرقة وعانا، ولم يرض العادل بهذا ولا داود أيضًا ولذلك جمعًا قواتهما لقتال أيوب. وبعد أن فقد داود كل أملاكه ما عدا الكرك عين ابنه الأصغر الملك المعظم عيسى نائبًا عنه وهرب إلى حلب فى عام 647 هـ/ 1249 م - 1250 م حيث استقبل بالترحاب من الملك الناصر يوسف، وعهد بثروته الخاصة التى كانت فى شكل جواهر ثمينة قدرت بحوالى مائة ألف دينار، إلى الخليفة المستعصم الذى أقر بتسليمها، ولكنه لم يستطع استردادها منه، وبعد ذلك لجأ ابنا داود الأكبران اللذان شعرا أنهما أهملا إلى الملك الصالح أيوب، وقدما له الكرك فى مقابل إقطاعات لهما فى مصر، ورحب الأخير بذلك، وزعمت المصادر المخالفة عن داود، أن الملك الناصر يوسف أجبره على الحضور إلى حمص فى بداية شعبان 648 هـ أكتوبر من عام 1250 م وقبض عليه، وفى 651 هـ/ 1253 - 1254 م عفا عنه فعاش ردحًا من الزمن فقيرًا فى الأنبار لكنه أعيد إلى دمشق فى الوقت الذى وصلت إليه أخبار استيلاء هولاكو على بغداد، ومن ثم ترك داود الذى ذهب إلى البويضاء -وهى قرية بالقرب من دمشق- حيث مات بالطاعون فى 27 من جمادى الأولى الموافق 21 مايو 1259 م. المصادر: (1) ابن خلكان: وفيات الأعيان. (2) ابن الأثير الكامل جـ 12. (3) أبو الفدا: الحوليات. د. يواقيم رزق [ك. ف. تسترشتين K. V. Zettersteen] الملك الناصر صلاح الدين يوسف الملك الناصر صلاح الدين يوسف المعروف بالناصر يوسف. آخر الحكام

الأيوبيين فى حلب ودمشق (حكم من 634 هـ - 658 هـ/ 1236 - 1260 م) ولد فى عام (627 هـ/ 1230 م)، وولى العرش طفلًا نظرًا لوفاة أبيه العزيز محمد المفاجئة، وكانت مدة حكمه الطويلة مضطربة وذات طابع مأساوى، ومات فى عام (658 هـ/ 1620 م) أسيرًا لدى المغول، ومرت فترة حكمه بثلاث مراحل: الأولى: فترة وصاية جدته ضيفة خاتون من عام (634 - 640 هـ/ إلى 1236 - 1242 م). الثانية: فترة نفوذ الأمير شمس الدين لؤلؤ المينى من (640 - 8 هـ/ 1242 - 51 م). الثالثة: فترة استقلاله الكامل فى الحكم 648 - 58 هـ/ 1251 - 1260 م. والمرحلتان الأوليان كانتا ناجحتين، وفى نجاحهما اتسعت أملاكه حتى أنه فى عام 648 هـ/ 1250 م حكم معظم سوريا وديار مضر، ولكن هذه الإنجازات ضاعت فى عقده الأخير من الحكم عندها ظهر المغول فى سوريا، فكانت أملاكه على حافة الهاوية. وأثبتت ضيفة خاتون أنها وصية قوية ومؤثرة، وبلغت مبلغًا أكثر مما بلغته شجرة الدر، وكان شغلها الشاغل هو الحفَّاظ على حلب فى فترة الفوضى التى تبعت موت الملك الكامل، فتحالفت قبل وفاة الأخير مع الملك أشرف موسى حاكم دمشق وسلاجقة الروم، كما حاربت توسعات أتابك الموصل بدر الدين لؤلؤ، وقاومت تخريب عصابات فرق الخوارزميين وفلول جيش جلال الدين منجيورنو. ولكن آمال ضيفة خاتون ضاعت بموتها فى عام (640 هـ/ 1242 م) بعد أن صانت إرث أولادها فتحالفات سلاجقة الروم بحلب وتدهورت بسبب المغول الذين كانوا فى كوس داغ Kose Dagh عام (641 هـ/ 1243 م) ووصلت غارات المغول إلى أطراف شمال سوريا، وخلال سبع السنوات التالية توترت العلاقات مع الملك الصالح أيوب حاكم مضر الذى كانت طموحاته لا تصل إلى دمشق فحسب بل الجزيرة فى العراق كذلك، ولهذا تحالف الأمير شمس الدين لؤلؤ مع حكام حمص فدمشق وحتى الفرنجة ولكن تشتت شمل الصليبيين

المصادر

بقيادة الملك لويس التاسع ملك فرنسا حلب من دعم موقفها فى شمال سوريا لدرجة أنه فى عام (648 هـ/ 1255 م) دخل الملك الناصر دمشق التى ظلت عاصمة له بقية سنى حكمه. وبعد أن أسقط المغول بغداد سنة (656 هـ/ 1258 م) هجر الناصر دمشق وهرب إلى غزة حيث تحالف مع المماليك، أما مدن وسط وجنوب سوريا فخضعت للمغول، وبرغم انسحاب هولاكو إلى أذربيجان عند موت منجق فى أغسطس من عام 1259 م فقد فقد الناصر أعصابه واستسلم للقائد المغولى فى سوريا كتبوقا، واقتيد إلى مرغا وهددوه أول الأمر، ولكن بوصول أخبار هزيمة المغول فى عين جالوت أعدم هو وكل ذكر من أولاده وأقاربه ماعدا ابنه العزيز محمد والأمراء الأيوبيين الموجودين آنذاك فى سوريا وحمص وحماه والكرك الذين أصبحوا دُمى فى يد المغول. كان الناصر مشجعًا كبيرًا لفن العمارة الدينية إلا أنه لم يشيد شيئًا باسمه فى حلب، أما دمشق فقد شهدت معظم الانشاءات فى عهده -برغم الوضع المالى المتدهور- بما فيها المدرسة الداخلية فى شمال المسجد الأموى ومجمع ورباط ودار الحديث التى كانت أكبر صرح دينى مميز وجد فى عهد أى أمير أيوبى فى المدينة. المصادر: (1) ابن واصل: مفرج الكروب فى أخبار بنى أيوب جـ 4 و 5 القاهرة 1972. (2) أبو شامة: ذيل الروضتين، القاهرة 1947 م. (3) سبط بن الجوزى: مرآة الزمان فى تاريخ الأعيان، حيدرآباد 1951 م. د. يواقيم رزق [ر. س. همفريس R. S. Humphrys] الناصر بن علناس الناصر بن علناس أو غلناس كما ورد فى كتابات ابن عذارى. وهو الحاكم الخامس فى أسرة بنى حماد، وقد تولى بعد ابن عمه بولوجين (بلكين) بن محمد فى عام 454 هـ/ 1062 م، وفترة حكمه تمثل الأوج لمملكة بنى حماد البربرية

المصادر

الصغيرة وكان ظهور بنى حماد هو النتيجة المباشرة لانهيار دولة بنى جلدتهم وجيرانهم (لدولة الزيرية الصنهاجية) (القيروان) فى أفريقية والذين كانوا أول ضحايا اجتياح بنى هلال وعند وصول الناصر للسلطة عاش فى قلعة بنى حماد وكان بالفعل حاكمًا لمملكة صغيرة أهم مدنها أشير ومليانة والجزائر وهمزه (البيرة) وناجوس Ngaus وقسنطينة، وبعد فترة يسيرة استرد بسكرة التى كان حاكمها قد تمرد على بولوجين (بلكين)، ولكن رجاءه الكبير فى اتساع إقليمه الذى أصابه ما أصاب مملكة القيروان. د. يواقيم رزق [ماركيز J. Marcouis] المصادر: (1) S. J. Shaw: History of the Ottaman enpre and modern Turkey, l, Cambridge 1976, 180 - 1 د. يواقيم رزق [كرامرز J.H. Kvmevs] ناصر على سرهندى ناصر على سرهندى (المتوفى فى دلهى فى 6 رمضان عام 1108 هـ/ مارس 1697 م). وهو أحد كبار الشعراء الفرس فى الهند، وكانوا كثيرين على أيامه، إلا أنهم كانوا أقل منه قيمة، ولا نعلم عن حياته إلا أنه كان كثير الأسفار، ولكنه استقر أخيرًا فى سرهند حيث نعم برضا حاكمها سيف خان بدخش وأمير الأمراء ذو الفقار خان. أهم أعماله هى رواية ترجمها إلى الفارسية هى حب ماد ومالات ومانوهار، وكانت قد كتبت فى الأصل بالهندية بقلم الشيخ جامان، وقد أخذت نفس الفكرة عن ناصر على بواسطة السير عسكر عادل خان رازى المتوفى عام 1107 هـ/ 1696 أحد حكام دلهى أيام أورنجزيب 1659 - 1707 م إلى جانب الشعر كتب ناصر على الماثناوى المختصر الذى عكس منحاه الصوفى وفيه وصف لكشمير وديوانه الغنائى الذى جمعه أصدقاؤه بعد وفاته، وقد ضم الغزل العادى برتكس E. Berthels المصادر: V. Ivanow: Curson Collection Cat د. يواقيم رزق [برثلى E. Berthels]

الناصر لدين الله

الناصر لدين اللَّه وهو لقب شرفى لعديد من الأئمة الزيدية، فمن بين الزيدية فى منطقة بحر قزوين. أولًا: يحمل هذا اللقب الناصر الكبير الأطروش وحفيده العظيم. 2 - الناصر الصغير الحسين بن الحسن بن على، وقد حصل الأخير لنفسه على ولاية تبدأ من هاوسام (فى منطقة بحر قزوين) حيث وجد حلفاء فى الفترة المبكرة من حكم الزيدية وقد أرسى دعائم التأكيد على الشخصية الدينية للزيدية ووزع مالية الدولة وأمواله ليشجع الشعب على حفظ القرآن عن ظهر قلب، وكان أيضًا شاعرًا، وبعد موته فى عام 476 هـ/ 1083 م كان قبره فى هاوسام مزارًا. ثانيًا: كان من بين أئمة اليمن من يحمل هذا اللقب إذ لُقب به الناصر أحمد ابن الهادى يحيى وسمته به ابنة أخيه فاطمة وأبو الفتح الناصر الديلمى الذى سمى كذلك بسبب نشاطه الأول فى قزوين، وبالنسبة لأصوله العائلية فى اليمن، وبالمقارنة لأسلافه فقد بدأ أعماله فى جنوب صنعاء، وسقط ميتًا فى الحرب عام 447 هـ/ 1055 م مع على الصليحى (انظر الصليحيين) ودفن بالقرب من ذمار. ومن حملة اللقب أيضًا الناصر صلاح الدين ففى النصف الأول من القرن الثامن الهجرى/ الرابع عشر الميلادى تنازع على العرش كثير من الأئمة، وفى حوالى منتصف القرن ازداد نفوذ أبيه على بن محمد على، لكن هذا النفوذ قد تضاءل فى الفترة التى سبقت موته فى ذمار فى عام 474 هـ/ 1372 م وأصبح صلاح الدين هو الإمام الوحيد، وتقدم بعيدًا فى تهامة ضد بنى رسول، وما إن حل عام 793 هـ/ 1391 م إلا وكان قد مات فى صنعاء، وأخفى خبر موته لمدة شهرين بسبب سوء الأمن وأُخفِى جسده فى تابوت غطى بالملاط إلى أن دُفِن فى صنعاء. ومنهم أيضًا الناصر الحسن بن على ابن داود فى نهاية القرن العاشر الهجرى السادس عشر الميلادى الذى نظم فى الشمال مراكز للمقاومة ضد

المصادر

الأتراك الذين تغلغلوا فى البلاد منذ عام 927 هـ/ 1521 م، 943 هـ/ 1536 م، ولكن الأتراك أسروه فى عام 1004 هـ/ 1596 - 97 م. ومنهم أيضًا البشائر ضد الفتح التركى الأول وهو الناصر محمد بن إسحق بن المهدى أحمد، وأقام أولًا فى عام 1136 هـ/ 1723 م فى الشمال من تلال صوفيان بين باكل، وفى عام 1139 هـ/ 1726 م ذهب بعيدًا فى الجنوب من ظفار، وفى النهاية كان عليه أن يسلم إلى ابن عمه المنصور الحسين بن القاسم بن الحسين بن المهدى أحمد ومات فى عام 1167 هـ/ 1753 م كأى فرد عادى فى صنعاء. المصادر: وردت فى مادة زيدية. د. يواقيم رزق [د. ستروثمان R. Strothmann] الناصر لدين اللَّه أحمد أبو الحسن الناصر لدين اللَّه أحمد أبو الحسن: ثالث من نصبوا من الإمامة الزيدية شمالى اليمن وهو ابن مؤسسها يحيى الهادى إلى الحق، وتاريخ ميلاده غير محقق فى المراجع، وكان قد صحب أباه وإخوته إلى اليمن قادمًا من الحجاز فى عام 284 هـ/ 897 م، وقد اعتبر أحمد قائدًا عسكريًا لأبيه فى عام 294 هـ/ 907 م. وقد انتخب أحمد الناصر إمامًا لصعرا فى صفر من عام 301 هـ/ سبتمبر 913 م عقب عودته إلى اليمن من رحلة طويلة فى الحجاز وقد حارب المعادين له من الإسماعيليين وانتصر عليهم. د. يواقيم رزق [بلاكبورن J.R.Blachelurn] الناصر محمد بن الأشرف الناصر محمد (901 - 4 هـ/ 1469 - 1498 م) هو ابن الأشرف قايتباى من محظية جركسية تدعى أصلباى، ولد فى شوال من عام 887 هـ/ نوفمبر - ديسمبر 1482، ولما مات أبوه عقدت السلطة فى القاهرة لجماعة قنصوة خمسمائة الذى كان قد طرد

زعيم الجماعة المناوئة أقباردى الدوادار ابن عم قايتباى. وكان قنصوة يتطلع للوصول للسلطنة لكن حدث قبل موت قايتباى فى 26 ذو القعدة 901 هـ/ 6 أغسطس 1496/ م بيوم أن رأى تسهيل اعتلاء الناصر محمد لعرش السلطنة أما هو نفسه فعين أتابك. أما شريكه كورتباى فجمع بين وظيفة الوزير والإستادار ورئيس الكشاف لكن حدث أن أثار وضع أقباردى فى غزة والود المتبادل بينه وبين السلطان الشاب حقد قنصوه الخمسمائة حتى حاول القيام بانقلاب، وفى 28 جمادى الأولى/ أول فبراير 1497 م خلع الناصر بواسطة الخليفة المتوكل وتولى قنصوة خمسمائة السلطة، ولكن الناصر استعصم بالقلعة وساعده خاله، بينما أصر قنصوه على المقاومة الشديدة حيث استعملت المدفعية والأسلحة النارية من كلا الجانبين وتغلب فيها السلطان وهزم قنصوة الخمسمائة، وفى أول جمادى الثانية 4 فبراير وهرب، وفشل قنصوة الخمسمائة فى محاولة انقلاب أخرى فى 18 - 19 جمادى الثانية / 22 فبراير وهرب ثانية، ومع هذا ظلت الأوضاع غير مستقرة، وفى رجب من عام 903 هـ/ فبراير - مارس 1498 م تدخلت أم السلطان وجعلتهم يقسمون على الولاء ولكنهم لم يبروا بقسمهم، ففى 15 ربيع الأول 904 هـ/ 31 أكتوبر 1498 م اغتيل الناصر ربما بتحريض من أمراء والده ومماليكه وعصابة بزعامة قنصوة. وبالرغم من أن الناصر كان شخصية ضعيفة بلا معنى إلا أن فترة حكمه ضمت أحداثًا مهمة، فمما يذكر استعمال المدافع والأسلحة النارية فى الحروب. وأن السلطان نفسه كان يمتلك 500 عبدًا أسودًا يحملون الأسلحة النارية، وكان ذلك اختراعًا بالنسبة لما كان يستعمل من الأسلحة القديمة لفرسان المماليك. وجه آخر لفترة حكمه وهو استعمال العرب القبليين كمحاربين تحت قيادة قادة محترفين.

المصادر

المصادر: (1) ابن إياس: بدائع الزهور فى عجائب الدهور الطبعة الثانية، تحقيق محمد مصطفى: القاهرة 1963. (2) ابن طولون: مفاكهات الخلان، تحقيق محمد مصطفى: القاهرة جـ 1. د. يواقيم رزق [ب. م هولت P. M. Holt] الناصر محمد بن قلاوون (634 - 741 هـ/ 1285 - 1341 م) كانت أمه أشلون خاتون ابنة أحد نبلاء المغول ويدعى "شكتاى" كان قد هاجر من الأناضول إلى مصر فى عام 675 هـ/ 1276 م، وهذا التسلسل يمكن أن يفسر لماذا كان الناصر ومماليكه يطيلون شعورهم على النهج المغولى حتى عام 715 هـ/ 1315 م وعندما اغتيل أخوه الأشرف خليل فى المحرم من عام 693 هـ/ ديسمبر 1293 م كان الناصر يبلغ التاسعة عندما جلس على العرش كسلطان على يد زمرة مخلصة برئاسة كتبغا المنصورى الذى تولى وظيفة نائب السلطنة، إلا أن العرش اغتصب فى محرم من عام 694 هـ/ ديسمبر 1294 م على يد لاجين الذى أطاح بكتبغا فى المحرم من عام 696 هـ/ نوفمبر 1296 م ونفى الناصر إلى الكرك فى صفر من عام 697 هـ الموافق يناير 1298 م وأعيد إلى القاهرة فى جمادى الأولى 698 هـ/ فبراير 1299 م حيث تسلم العرش كسلطان، إما السلطة الفعلية فكانت فى الواقع فى يد أميرين كبيرين هما سلار المنصورى نائب السلطة وبيبرس الجاشنكير الاستادار، واصطحب السلطان الجيش الذى انتصر بقيادة الختان غازان فى وادى الخازندار بسوريا فى ربيع الأول من عام 699 هـ/ ديسمبر 1299 م، وشارك كذلك فى حملة ضد الغزو المغولى الثانى وهزم فى شقحب فى رمضان عام 702 هـ/ أبريل 1303 م وكان موت غازان فى العام التالى حدا للنهاية المؤلمة لتهديد المغول للسلطنة المملوكية، وكان فتح جزيرة رودس فى المحرم 702 هـ/ أغسطس - سبتمبر 1302 م قد جرد الفرنجة من قاعدة كانوا يهددون سوريا وفلسطين منها،

أن فترة حكم الناصر الثانية شهدت إبعاد الأخطار الخارجية التى كانت دافعًا لتقوية المماليك عسكريًا وسياسيًا وفى نفس الوقت كان السلطان الشاب ينمى مجموعته العسكرية المعروفة باسم المماليك الناصرية الذين كانوا يزدادون قوة تحت قيادة الأميرين سلار وبيبرس، ولقد أحبطت محاولة لاستخدام المماليك الناصرية فى إحداث انقلاب وتصالح السلطان مع نوابه فى محرم 708 هـ/ يوليو 1307 م وبدأ حينئذ يستعين بحيلة أخرى، ففى رمضان من عام 708 هـ/ فبراير 1309 م أعلن عزمه على الحج وترك القاهرة فى حراسة المماليك الناصرية، وبوصوله إلى الكرك حصن القلعة بمماليكه، وربما أعلم نوابه باعتزاله العرش، وعلى أية حال كان العرش خاليًا ونودى بيبرس سلطانًا بلقب "الملك المظفر" بينما ظل سالار فى منصبه كنائب للسلطان. وكانت هناك انقسامات تحت السطح وكانت المماليك البرجية أقوى مجموعة فى القاهرة، وتجمعت المماليك الجراكسة تحت قيادة قلاوون وقرروا أحد بنى جلدتهم "بيبرس" كسلطان مكان سلار المغولى، وظهر هذا التعصب الجنسى فى سوريا كذلك حيث تدعم النظام الجديد بواسطة حاكم دمشق الجركسى "اقاش الأفرم" بينما كان قابدجان (كبتشاق) المنصورى وإلى سماه واساندا موركورجى (من جورجيا) وإلى طرابلس وقاراسونقود المنصورى وإلى حلب يتراسلون سرًا مع الناصر الذى ترك الكرك فى أول شعبان من 709 هـ/ 4 يناير 1310 م ودخل دمشق دون مقاومة بعد 11 يومًا فترك بيبرس العرش وهرب. وفى يوم 2 شوال 709 هـ/ 5 مارس 1310 م أعيد الناصر مرة ثانية إلى العرش، وانشغل فى الواحد والثلاثين سنة التالية من ملكه بتأمين حكمه، فبدأ بالتخلص من خصومه، وأحضر بيبرس إلى القاهرة ليلة 14 ذو القعدة من عام 709/ هـ 15 أبريل 1310 م حيث شنق على الفور، وسمح لسالار بالاعتزال فى الشوبك ولكنه استدعى إلى القاهرة حيث قبض عليه وأعدم، وكان الساعون إلى الملك يتنافسون بالرغم من أنه

المصادر

أجازهم على مساعدتهم له، وحتى أقوش قد اعتذر وسرعان ما اختفوا ومات قابدجان فى عام 710 هـ/ 1310 م وقبض على اساندامور وألقى فى السجن فى نفس السنة وهرب كل من عاكوش وقاراسنقور فى بداية عام 712 هـ/ 1312 م إلى الخان أولد يوتو الذى قام بتجربة فاشلة بالنيابة عنهما فى الشام أما الناصر فعمل على زيادة ودعم مماليكه فى شوال من عام 709 الموافق مارس 1310 م حيث كرس 32 أميرًا، كما نفذ عملية صعبة وخطيرة بالنسبة للسلاطين الأوائل باستعاضة مماليكه الخاصة بأمراء محنكين فى الوظائف الكبرى، فوظيفة نائب السلطان فى مصر أعطيت لأرغون الناصرى فى جمادى الأولى من عام 712 هـ سبتمبر 1312 م بينما عين مماليك آخرون كتابخيز الحسامى الناصرى حاكمًا على دمشق فى الأشهر السابقة، وبعد عامين أمر بقية حكام سوريا أن يتصلوا بالسلطان فقط من خلال تانكيز. ولهذا كان هو فى الواقع الحاكم الفعلى للشام ومن أجل أن يدعم الناصر مركزه المالى أمر بإجراء "الروك" لولاياته، وأعاد تنظيم الضرائب عليها، وقادت عملية مسح إقليم سوريا إلى إجراء عملية "روك" عامة لأراضى مصر حيث استكملت فى عام 716 هـ/ 1316 م وأعقبتها عمليات مماثلة فى طرابلس 717 هـ/ 1317 م وجلب فى عام 725 هـ/ 1325 م. وقد حج ثلاث مرات 712 هـ/1313 م، 719 هـ/ 1320 م، 732 هـ/ 1332 م وأثبت وجود الطبقة السلطانية الوارثة بالرغم من منافسة الأمراء الباحثين عن السلطة أيام القلاوونيين الأخيرين. المصادر: (1) ابن الداوادارى: كنز الدرر وجماع الغرر جـ 8. (2) الشجاعى: تاريخ الملك الناصر محمد بن قلاوون الصالح وأولاده، تحقيق بربارا شامز. د. يواقيم رزق [هيئة التحرير]

الناصرة

الناصرة وهى باللغة العبرية الحديثة ناصرات، والناصرة وطن المسيح عليه السلام، وهى مدينة تقع شمالى فلسطين وتشغل ما بين خطى عرض 32.42، 35.17 شمالًا وتقع على ارتفاع: 505 مترًا أو 1600 قدم وهى فى منخفض منحدر إلى الجنوب تحيطه التلال فى منطقة خصبة، بينما التلال الشمالية والشمالية الشرقية ليست مرتفعة وفى الشمال الغربى يوجد جبل الشيخ الذى يرتفع 1600 قدم فوق سطح البحر. واسم المدينة لم يرد فى العهد القديم وإنما ورد فى العهد الجديد، وفى أقوال آباء الكنيسة اليونانية فى أشكال مختلفة، ولكنها طبقا لما أورده جيروم كانت تكتب صاد بالعبرانية بحيث أصبحت تقرأ ناصرات وبالعربية ناصرة، وهى فى التلمود توحرى وجمعها توحريم، بينما هى فى المنطق العربى المسيحى ص. فالناصرة التى كانت فى زمن المسيح مدينة صغيرة بلا أهمية كما ورد فى إنجيل يوحنا "وهل يخرج من الناصرة شئ صالح" ولم يذكرها حتى يوسيفوس، ولم تكن فى أيام المسيحية الأولى واحدة من الأماكن التى ذكرها العهد الجديد ليؤمها الحجيج، وقد أورد ابيفانوس أنها كانت مأهولة باليهود حتى أيام الإمبراطور قسطنطين الكبير، وعلى أية حال فإن عدد المسيحيين قد تزايد فيها بالتدريج، وزاد أكثر بعد الفتح العربى الإسلامى عام 636 م وفى زمن اركولف الذى تولى عام 670 م وكانت فيها كنيستان. وفى عام 332 هـ/ 943 م يذكر المسعودى بكلِّ احترام كنيسة هناك وهى بلاشك كنيسة القديسة مريم، وقبل أن يهزم تانكرد Tancred والصليبيون فى الخليل كان العرب قد دمروا الناصرة، وعادت إلى الوجود تحت الحكم المسيحى وخصوصًا بعد أن انتقلت أسقفية سكينوبوليس إلى هناك. ولقد أعطى الأب دانيال الروسى فى عام 1113 - 1115 م وصفًا جميلًا لصورة كنيسة البشارة وبئر مريم فى

تلك الفترة، وفى عام 583 هـ الموافق 1187 م استولى صلاح الدين الأيوبى على الناصرة، وظلت تحت يده بناء على معاهدة السلام بينه وبين ريتشارد الأول ملك إنجلترا، وقد قام لويس التاسع بالحج من عكا إلى الناصرة أثناء حملته الصليبية الفاشلة فى عام 1251 م، ويذكر ياقوت الحموى (623 هـ الموافق 1225 م) والذى يعتمد على الإنجيل أكثر من قصص المسلمين أن الناصرة قرية تبعد عن طبرية 13 ميلا وأنه فى عام 661 هـ الموافق 1263 م أمر السلطان المملوكى بيبرس الأمير علاء الدين بهدم الناصرة وخصوصًا كنيسة القديسة مريم، ويصفها الدمشقى (عام 1300 هـ) بأنها مدينة يهودية تابعة لقضاء الصفد، ويسكنها اليمنيون، ويعدها خليل الظاهرى (المتوفى عام 872 هـ الموافق 1468 م) ضمن قرى الصفد، إلا أن الزوار المسيحيين يصفون الناصرة بأنها قرية متهدمة يسكنها قليل من المسيحيين ذات كنيسة متهدمة ويشكون من الأسلوب الظالم للسكان المسلمين، ولم تكن أيامها حتى عام 1620 م بأحسن منها عندما فتحها زعيم الدروز فخر الدين للفرنسيسيان، عندما أعيد بناء دير الكاثوليك وكنيسة البشارة، إلا أنهما لم يستكملا حتى قرن من الزمان بعد ذلك، كان يسكنها نفر قليل من المسيحيين بالإضافة إلى الرهبان حتى منتصف القرن الثامن عشر عندما زارها الشيخ ظاهر العمر وتعجب من رخائها الذى استتبعه نمو فى عدد سكانها، وطبقًا لما يذكره جورج شوماخر أنه كان يسكنها 7.419 ألفًا منهم 1825 م من المسلمين، من الروم الكاثوليك والباقى مسيحيون من ملل أخرى، ولم يكن يسمح لليهود أن يسكنوها، فالدير الكبير فيها وكنيسة البشارة التى تقع فى الجنوب الشرقى منها يتبعان الروم الكاثوليك بينما كنيسة البشارة فى الشمال الشرقى تتبع الكنيسة اليونانية، وللمسلمين مسجد بحجم لا بأس به هناك، وبئر القديسة مريم الذى تعلوه قبة له فتحة من أحد جوانبه تأتيه مياهه من نبع أسفل الكنيسة التابعة لليونان.

المصادر

وكانت الناصرة مركزًا للجيش العثمانى إبان الحرب العالمية الأولى واحتلتها القوات البريطانية فى سبتمبر 1918، وأثناء الحرب بين العرب وإسرائيل عام 1948 م كانت الناصرة مركزًا للقوات العربية بقيادة فوزى القاوقجى حتى هزيمتها وتسليمها بدون قتال، إن الناصرة الإسرائيلية الحديثة هى مركز تجارى مهم للسكان العرب فى شمال الجليل وعاصمة للمقاطعة الشمالية من إسرائيل، وهى أيضًا أكبر وأهم مدينة عربية فى إسرائيل، ويبلغ عدد سكانها عام 1970 - 34000 نسمة معظمهم مسيحيون. المصادر: (1) خليل الظاهرى: (زبدة) كشف الممالك ت ر. هارتمان 21907 ياقوت الحموى: معجم البلدان جـ 4 ص 729. (2) سير جورج آدم سميت: الجغرافية التاريخية للأراضى المقدسة. (3) توبلر: الناصرة فى فلسطين، 1868. د. يواقيم رزق [ف. بول، بوسورت F. Bubl - C. E. Bosworth] الناصررية فرع من الطريقة الصوفية الشاذلية، والتى نظمت فى جنوب مراكش فى زاوية تامجروت، والتى وجدت فى عام 983 هـ/ 1575 م، وينسب اسمها إلى أسرة ابن ناصر الذى ترأس الزاوية منذ عهد الشيخ محمد بن محمود بن أحمد بن محمد بن الحسين بن ناصر ابن عمر بن عثمان (1015 - 1085 هـ/ 1603 - 1074 م) هو الذى أوجدها وظل على رأسها حتى عام 1070 هـ/ 1660 م وعلى أية حال فقد أصبح ابنه أحمد بن محمد رئيسًا لهذه الطريقة من عام 1057 - 1129 هـ/ 1697 - 1717 م. المصادر: (1) Coppolani: les Confreries religieuses upusulmanes, Algiers, 1897 (2) E. Levi - Pvovencal, Chorfa د. يواقيم رزق [هيئة التحرير]

الناصرية

الناصرية مدينة فى جنوب العراق الحديث وعاصمة محافظة (ذوقار)، وتقع على الضفة اليسرى لنهر الفرات، أعلى حور الحمّار فى منطقة المستنقعات لمسافة 177 كيلو مترًا أو 110 ميلًا إلى جهة الشمال الغربى من البصرة (خط عرض 31.04 شمالًا وحظ طول 46.17 شرقًا). ولقد أنشئت هذه المدينة عام 1870 أيام سعدان باشا الذى عاون فى إدارة مدحت باشا لنشر النفوذ العثمانى فى هذه المنطقة الواسعة الشيعية ضد مصالح النظام القبلى المحلى. وفى عام 1915 وقعت تحت نير القوات البريطانية والهندية بقيادة اللواء ج. أ. جورنج، وبعد عام 1930 أصبحت لها محطة فى خط سكة حديد بغداد البصرة، ويبلغ تعداد سكانها طبقًا لتقدير عام 1985 - 138842 نسمة المصادر: (1) كتيب البحرية: العراق وخليج فارس، لندن 1944. (2) س. هـ لونجرج؛ العراق من 1900 - 1950 التاريخ السياسى والاجتماعى والاقتصادى، لندن 1953. د. يواقيم رزق [التحرير] ناظم حكمت ناظم حكمت برزكى، شاعر تركى، ولد فى سالونيكا فى 15 يناير 1902، ومات فى موسكو فى 3 يونية 1963 م. حفيد كل من محمد ناظم باشا آخر عمدة تركى فى سالونيكا، ومصطفى جلال باشا (بولندى الأصل). ذهب ناظم إلى "بولو" وعمل مدرسًا لفترة من الزمن، تعرف خلالها على "صادق آخى"، وهو اشتراكى يعتنق المذهب السبارتاكوسى، والذى أثر فيه بأرائه عن الاشتراكية. وسافر ناظم إلى موسكو، بدافع من تشوقه لمعرفة روسيا والثورة، حيث درس الاقتصاد والعلوم السياسية وتأثر خلال سنواته هناك، تأثرًا عميقًا بالشاعر الروسى

"فلاديمير مايكوفسكى"، فانتهج أسلوبه فى الكتابة منذ ذلك الحين. وعدم الشعر الحر فى تركيا. وأصبح النصير المخلص للماركسية، وللتفسير الماركسى للفنون [انظر الماركسية]. وتزوج لأول مرة (من "نزهت") فى هذا الوقت تقريبًا. وعاد ناظم إلى تركيا فى سنة 1924 م. ونشر قصائده ومقالاته فى الصحيفة اليومية "إيدينليق". وفى سنة 1925 م حكم عليه بالسجن لمدة 14 سنة، بسبب نشاطاته السياسية، إلا أنه اختفى لفترة فى أزمير، ثم هرب إلى موسكو. وأصدر أول ديوان شعرى له فى "باكو". وفى سنة 1928 تزوج لثانى مرة، وعاد فى نفس السنة إلى تركيا، منتهزًا فرصة العفو العام. وبدأ العمل كسكرتير فنى فى جريدة "رسيملى آى" (1929 م). وأصدر فيما بين سنتى 1929 م - 1933 م مجموعة كتبه العقائدية. وتزوج للمرة الثالثة (من بيراى). وقُدِمت له مسرحيتان على خشبة المسرح. وفى سنة 1933 م صدر ضده حكم بالسجن لمدة 4 سنوات، إلا أنه إستفاد من العفو العام، الذى أعلن بمناسبة العيد العاشر لإقامة الجمهورية فى سنة 1934 م. وبدأ يكتب فى صحيفتى "أكسام" و"قات" تحت اسم مستعار "أرهان سليم" وعمل بعد ذلك فى استديوهات الأفلام. وفى هذه الأثناء كتب اثنين من أشهر أعماله، (ملحمة الشيخ بدر الدين) والتى أخذت طابع "الديوان"، إلى جانب تراكيب السير الشعبية للقصة التى تجرى وقائعها فى أوائل القرن الخامس عشر، عن طائفة من المهرطقين تعظ وتبشر بالشيوعية والثانية (لقطات لبشر من بلادى) وهى ملحمة تراجيدية بطولية وفى سنة 1938 وجهت إليه تهمة التآمر ونشر الشيوعية بين طلحة الكليات العسكرية، وصدر ضده حكم بالسجن لمدة 28 عامًا وأربعة شهور. وكان السجن والحنين إلى الحرية

ناظور

والحب والأمل، هى الموضوعات التى تدور حولها أعماله, خلال تلك الفترة. وظلت النبوة التفاؤلية هى السمة الغالبة على أعماله. وفى سنة 1949 م تعالت الاحتجاجات واتسع نطاقها ضد الحكومة لحثها على إطلاق سراحه، وهو ما تحقق بموجب العفو المعلن فى سنة 1950 م. وتزوج من "مونيفير أنداك"، والتى أنجب منها ابنه "مهمت" واستشعر التهديد لحياته، فهرب مرة أخرى أولًا إلى رومانيا ثم إلى بلغاريا وبولندا وحصل على حق المواطنة البولندية، واتخذ له اسم "برزكى". وسحبت منه صفة المواطنة التركية فى سنة 1951 م. وفى سنة 1959 م تزوج من فيرا تولكوفا. وتعكس قصائده فى هذه المرحلة الأخيرة حنينه إلى تركيا وشعوره بالمرارة. وتوفى فى 3 يونيه سنة 1963 م فى موسكو متأثرًا بأزمة قلبية. ويتذمر ناظم فى الكثير من أعماله من الظلم الاجتماعى وقهر الجماهير، ويتوق إلى التغيير الثورى بينما تتسم قصائده فى الحب، عمومًا، بالرقة والتفاؤل. واستخدم فى وصف الطبيعة، الجمل القصيرة الموحية والتشبيهات القوية والاستعارات المؤثرة، كما وظف معظم تقنيات المسرح والسينما لتوصيل رسالته. مصطفى محمود [سيدم Cigdem] ناظور اسم كان يطلق فى الأندلس والمغرب العربى فى العصور الوسطى بمعنى برج المراقبة، وفى القرن التاسع عشر بمعنى الفنار، وقد يكون المعنى الأصلى هو القائم بالمراقبة، وتشير المراجع لمكانين يدخل هذا اللفظ فى اسميهما. الأول هو طرف الناظور، حاليًا سانت بولا بجنوب أسبانيا. والثانى هو حصن الناظور فى موقع غير معروف داخل الصحراء المغربية. وحين يصف الأنصارى تحصينات مدينة سبتة المنيعة قبل الغزو البرتغالى (1415 م) يتحدث عن "الطالع الكبير" -أى برج المراقبة- الموجود فوق جبل الميناء، (حاليًا مونت هاكو) والمعروف لدى العوام بالناظور.

المصادر

ومن الجدير بالذكر الإشارة لعدة أسماء داخل فيها ذلك اللفظ إما مباشرة أو بتحوير لفظى، فى أسبانيا والمغرب. ففى المغرب توجد مدينة تسمى "نادور" على خليج مليلة، بالقرب منها مرتفعات تشرف على الخليج تعرف بالأسبانية بـ "تيتاس دى نادور". وعلى المحيط الأطلنطى هناك حى من مدينة العرائش (لاراش) يسمى بالأسبانية "إل باريو دى نادور" يمتد إلى منطقة الفنار. وفى أسبانيا توجد إلى الآن أسماء مثل: آنادور، آناوور وإنادور، آندادور، كلها يدخل فيها اللفظ بصورة واضحة أو خفية. المصادر: (1) J. D. Latham: The stratigic defience of Ceuta in later Muslim period, in iq. xv (1971 - 204 على يوسف على [ج. د. لاثام J. D. Latham] النجاشى كلمة مستعارة من اللغة الأثيوبية يُقْصد بها فى العربية حاكم أثيوبيا (أو الحبشة) زمن الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وفى أوائل عصر الإسلام، والأصل فيها كلمة Nagase أى "يحكم ويكون ملكًا". لم ترد الإشارة إلى النجاشى فى القرآن الكريم ولكنه كثير الورود فى السيرة النبوية، ولقد كان النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] يعرف بعض الشئ عن الحبشة وملكها عن طريق جدَّه عبد المطلب لما كان له من خبر مع أبرهة الحبشى، وتجارته مع الحبشة ذاتها كما يشير إلى ذلك ابن إسحق فى السيرة، ويقرر ابن قتيبة (ت 276 هـ = 889 م) أن حاضنة النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] كانت امرأة حبشية هى أم أيمن كما أن ابن سعد فى كتابه الطبقات يقول إن النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] كان يعرف الحبشية، ويمكن فى ذلك مراجعة كل من السهيلى (ت 581 هـ = 1185 م) والبخارى. وإذا أخذنا بما يقول البلاذرى فى كتابه الأنساب (جـ 1 ص 32) فإن النجاشى طُلب ذات يوم أن يجلس مجلس الحكم فى قضية اتهم فيها حرب بن أمية بأنه قتل يهوديًا كان له جوار وحماية عند عبد المطلب، ولكن النجاشى رفض أن يجلس هذا المجلس، ومهما يكن الأمر فقد ارتبط اسم النجاشى

بالإسلام منذ وقت مبكر يرجع إلى سنة 615 م، فلقد كانت "أكسوم" وملوكها النصارى منذ القرن السادس الميلادى معروفين فى مكة، ولابد أن الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] اعتبر النجاشى محايدًا إن لم يكن حليمًا حين أشار على أتباعه بالهجرة إلى الحبشة. ويرد اسم الملك الحبشى فى المصادر العربية على أشكال شتى منها أضحمة وأصْمَحَة وصحمة إلى غير ذلك من الأسماء، وهناك كتاب تاريخ أثيوبى يقول إنه فى زمن ملك اسمه "ادرياز" ظهر محمد فى الشرق واحتل جميع البلاد، وقتل سحرة مصر وأحرق كتبهم ووصل إلى أرض السودان ولكنه عجز عن إخضاع مملكة الحبشة، ولم يطبع هذا الكتاب بعد. ولما هاجر جماعة من المسلمين إلى الحبشة نزولًا على نصيحة النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] بعثت قريش طائفة من رجالها فى أثر هؤلاء المهاجرين ولكنها وصلت متأخرة عند خليج الشعيبة قرب جدة ومهما تكن مرات مجئ هؤلاء المهاجرين إلّا أن جميع المصادر تتفق على أن النجاشى أحسن لقاء هؤلاء المسلمين المهاجرين إليه، ووقف إلى جانبهم ضد عبد اللَّه ابن أبى ربيعة بن المغيرة ورفيقه عمرو ابن العاص وكانا قد جاءا إلى الملك ليحملاه على رد المسلمين وعقد مجلس أمام النجاشى وقسه وقام جعفر بن أبى طالب ابن عم الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وعرض فى إيجاز إنجازات النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، وتلا آيات من القرآن الكريم لم ير فيها النجاشى ما يشير إلى أن الإسلام عدو للنصرانية [فلما سمع من القرآن ما سمع قال: "واللَّه ما عيسى ابن مريم إلا ما قلت"، ثم قال للمهاجرين: إذهبوا فأنتم آمنون بأرضى، من سبّكم غرم" وعاد عبد اللَّه وعمرو بن العاص إلى مكة. وحدث فى أثناء إقامة المهاجرين بالحبشة أن اتهم أهل الحبشة النجاشى بأنه انصرف عن دينه ولكنه استطاع استرضاءهم بطريقة يقول ابن إسحق إنه يمكن تفسيرها بأنها فى صالح الإسلام، ثم أذن النجاشى لثلاثة وثلاثين من المهاجرين عنده بالعودة

إلى مكة، كما أن النجاشى استجاب لسؤال محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فأصدق أم حبيبة إلى النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] بعد أن كانت قبل ذلك عند عبيد اللَّه بن جحش الأسدى الذى تنصّر فى الحبشة، ومات، وكان وليها فى هذا الزواج خالد بن سعيد بن العاص، وكانت أم حبيبة هذه ابنة أبى سفيان بن حرب ومن المهاجرات الأوائل. ونعرف مما يذكره ابن سعد فى الطبقات أن النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] أرسل فى السنة السابقة للهجرة ستة رُسُل من ناحية إلى حكام وملوك الأقطار المجاورة يدعوهم إلى الإسلام وكان من بينهم النجاشى، أما كتاب الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] إلى النجاشى الذى تسميه المراجع العربية بالأصْحَيم بن أبْجَر فقد حملة إليه عمرو بن أمية الضمرى، وإذا اخذنا بما تقوله الرواية الإسلامية فقد أسلم النجاشى "حتى لقد صلى عليه النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] لما مات وترحم عليه وسأل اللَّه الغفران له" ولما كانت السنة التاسعة للهجرة (630 م) أرسل النبى عليه الصلاة والسلام علقمة بن مُجَرَّز المُدْلجى لإخراج القراصنة الأحباش من إحدى الجزر كما ذكر ابن سعد فى الطبقات لكن هذه الحملة لم تكن موجهة أبدًا ضد النجاشى ولم يكن الأمر على هذه الصورة شأن الحملة البحرية التى يقال إن عمر بن الخطاب أرسلها سنة 19 هـ (= 640 م) ضد الأحباش بقيادة علقمة المدلجى، ولقد كانت نتيجة هذه الحملة ضارة بالمسلمين حتى لقد كفّ عمر بن الخطاب عن التفكير فى الحرب بحرًا. ولا يعرف عما إذا كانت الحملات المنظمة التى قام القراصنة الأحباش (أو قيل إنهم حبشة) بشنها على السواحل العربية كان لها أثر فى اتجاه المسلمين نحو النجاشى إذْ يذكر كتاب "الإسلام فى الحبشة" أن القراصنة الأحباش أغاروا على جدة ونهبوها سنة 83 هـ (= 702 م) وإن لم تكن إشارته إلى ما جاء فى كتاب مكة لفستنفلد وما أورده شبونجر صحيحة لأن الأول إنما كان يشير إلى حملة أبرهة على مكة أما الثانى فيقصد حملة علقمة. على إننا نلتقى بالنجاشى مرة أخرى زمن الخليفة الأموى الوليد بن عبد الملك (86 - 96 هـ) الذى شيد القصر العظيم فى قُصَيْر عمرا بالأردن حيث ترد

المصادر

الإشارة إلى أعداء الإسلام الذين هزمهم بنو أمية حيث يرد اسم النجاشى إلى جانب قيصر (أى الإمبراطور البينزنطى) ورودريك (ملك أسبانيا القوطى وخسر (فارس) وهو يدل على ما اعترى التفكير الإسلامى نحو الأحباش بعد عهد الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-]. ولقد احتل النجاشى مكانة خاصة فى التاريخ الإسلامى فى العصور المتأخرة، نظرًا للدور الذى لعبه فى أوليات ظهور الإسلام، ويتمثل ذلك فى كتاب تنوير الغبش فى فصل السودان والحبش الذى كتبه أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزى (ت 597 هـ)، كما أن إمام أيمن الزيدى المتوكل على اللَّه إسماعيل (ت 1079 هـ) يورد رسالة النبى (عليه الصلاة والسلام) وردّ النجاشى عليها. وثم أمر آخر يرد فى الأخبار الإسلامية من أن بلاد النجاشى معفاة من "الجهاد"، فقد أورد أبو داود (ت 275 هـ) وأحمد بن حنبل (ت 241) أن الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] قال: "اتركوا الحبشة ما تركوكم"، كما يورد أبو داود والنَّسائيُّ (ت 303 هـ = 915 م) الحديث القائل "دعوا الحبشة ما دعوكم واتركوا الترك ما تركوكم" وربما كان هذا الحديث مغموزًا. على أنه يجب التَّنبيه إلى أن الإشارة إلى ابن حوقل خاطئة، ذلك إنه يتكلم فى كتاب صورة الأرض عن "البُجة" ويقول "وليس دارهم بدار حرب" وليس فى هذه العبارة ما يشير أبدًا إلى الجهاد بأىّ حال من الأحوال. أما فيما يتعلق بالسبب الذى من أجله لم يغز المسلمون الحبشة فى القرنين السابع والثامن فيرجع إلى أن بلاد النجاشى لم يكن يمكن الوصول إليها إلا عن طريق الحملات البحرية ولم يكن ذلك بالأمر اليسير لدى المسلمين فى العهود الإسلامية الأولى، ثم أن هناك أمرًا آخر حال بين العرب وبين غزو مملكة الحبشة إلا وهو إنها كانت مملكة فقيرة إن هى قورنت بالإمبراطوريتين البيزنطية والساسانية. المصادر: (1) السهيلى: الروض الأنف. (2) ابن سعد: الطبقات الكبرى. (3) W. Raven: Same Early Islamice Texts on The Negus (4) A.F. Beeston: Sabaic grammar مروان حسن حبشى [أ. فان دونزل E. van Donzel]

النجار الحسين بن محمد

النجار الحسين بن محمد هو الحسين بن محمد أبو عبد اللَّه من علماء الجبرية والمرجئة فى عصر المأمون، ولد ونشأ فى مدينة قُم، وكان حائكًا فى دار الطراز، وقيل كان يعمل بالموازين، ولم تذكر المصادر تاريخ ميلاده ووفاته. ولو سلمنا بحقيقة الرواية القائلة إنه توفى حُزْنًا على مناظراته مع النظام شيخ المعتزلة فمعنى ذلك أنه توفى فى القرن الثالث الهجرى والتاسع الميلادى. كان النجار مريدًا وتلميذًا لبشر المريسى إلا إن هذا لم يمنعه من التأثر بضرار بن عمرو فى مسائل معينة وكتب ضرار عدد، من الكتب يهاجم فيها المرجئة، ولم يتبع النجار ضرارًا على نحو أعمى، فقد عارض عددًا من آرائه ووضع بدلًا منها آراء مناقضة. لم تكن هذه صورة النجار التى رسمها التراث الإسلامى المنشق، فلم يجمع العلماء على الروايات الخاصة بأصول مذهبه، ويضيف الشافعى مذهبه ضمن المرجئة، ويعتبره الشهرستانى من الجبرية ومن ناحية أخرى تعتبره كثير من الروايات من المعتزلة، وعدم الإجماع على مناظرات النجار يرجع إلى أن مسائل المناظرات التى اهتم بها أهل القلم كانت مختلفة فتارة توافق آراؤه آراء أهل السنة فى بعض المسائل وفى البعض الآخر توافق المعتزلة. وعند تناول مناظراته بالشرح الوافى فإنها تجعله مميزًا عن العلماء المعاصرين، ففى رأيه، الإيمان يشمل معرفة اللَّه ورسله وأوامره والاعتراف بهذه الأشياء علانية، والإيمان يشمل عددًا من الخصال كل منها يتضمن الطاعة كما أن الإيمان الكاهل هو إجمالى الطاعة، والإيمان يزيد ولا يقل، ولا يضيع الإيمان إلا بالكفر، فمفهوم الإيمان عند النجار يوافق أهل السنة، ولكن يخالف المرجئة، وبالنسبة لصفات اللَّه فللنجار موقف خاص يختلف عن مؤيدى أهل السنة والمعتدلة، إذ أخذ برأى ضرار. وبالنسبة لآرائه الجبرية، يرى النجار أن كل ما يحدث فى العالم هو

المصادر

من القوة المطلقة والمستمرة للَّه، ولا يستطيع الإنسان تجنب قوة اللَّه ومن الواضح أن النجار كان مفكرًا مشهورًا أثرت آراؤه فى المعتزلة فى فترة التكوين عن طريق معارضته الشديدة لهم، فى حين أن آراءه مهدت الطريق لدفاع علماء السنة عن مذهبهم على أساس المناظرات العقلية التى لم تكن ذات قيمة قبل عصره. المصادر: (1) الخياط: كتاب الانتصار. (2) الأشعرى، مقالات الإسلامين. (3) المقدسى: البدء والتاريخ. (4) أبو حيان: الإمتاع والمؤانسة. البيومى إبراهيم [هـ. س. بيبرج، عثمانو H. S. Nyberg - K. AThanino] نجد اسم يُطلق على الإقليم المشتمل على الهضبة الواقعة شرقى منخفضات البحر الأحمر (إقليم تهامة) وجبال الحجاز فى شبه الجزيرة العربية. الجغرافيا والسكان: يُقدر امتداد أراضى نجد بنحو 2.340.000 كيلو متر مربع وعاصمة الإقليم هى الرياض، وأهم مدنه: بريدة، وعنيزة، وحائل، والقطيف. ومعظم سكان نجد سُنة على مذهب الإمام أحمد بن حنبل ويتبعون التعاليم الوهابية، عدا سكان منطقة الإحساء فغالبيتهم شيعة. وينتمى أهل نجد إلى قبائل: مطير، وحرب، وعتيبة، وسُبيعة، وعجمان، وبنى مرة وقحطان. والقسم من نجد الواقع فى شمال شبه الجزيرة يشكل جزءًا من الهضبة الصحراوية الكبرى، التى تكونت من صخور قديمة ومن الحجر الرملى واللابة البركانية، وتجرى عبره سلسلتان كبيرتان من الجبال عرفتا فى الماضى باسم جبال "طن"، أو "أجا وسلمى" وتعرفان الآن بجبال "شمر"، وهما تتشكلان من أحجار الجرانيت. وإلى الجنوب الشرقى تقوم الهضبة التى تكونت من الحجر الرملى، والتى نشأت بفعل عوامل التعرية، وهى تنحدر نحو الخليج العربى من ناحية ونحو الربع الخالى من الناحية الأخرى.

نجد فى الحقبة البترولية

وهى تبدأ من الجنوب الشرقى بمنطقة العقيم، وتمتد شرقًا من الوشم إلى العريض بمحاذاة مدينة الرياض، ثم تتجه غرب واحة الخرج، وإلى الجنوب الغربى تجاه وادى الدواسر. ويعتبر جبل العمارية أو جبل الجدّ، أهم مرتفعات هذه الهضبة إذ يصل إرتفاعه إلى نحو 2000 متر فوق مستوى سطح البحر. ويقع إقليم نجد فى منطقة سهوب وصحراء، وتحتل صحراء النفوذ والدهناء الجزء الأكبر من قسمه الشمالى، ويتصل بهما الرُبع الخالى فى الجنوب الشرقى. ولا توجد فى نجد أى جداول مياه دائمة طوال العام، ولذلك يعتمد الإقليم فى ريه على قنوات عميقة مغطاة تستمد مياهها من الآبار. وفى واحة الخرج يصل عمق الآبار إلى ما بين 6 إلى 12 مترًا، وفى الأفلاج يصل إلى 18 مترًا، أما فى حائل والرياض فيصل إلى 24 مترًا. وتُعد منطقة "شرق" أغنى مناطق نجد، كذلك اشتهر كل من وادى الجرير ووادى المياه بخصب مرعاهما. وقد كان للخلفاء الأولى "حمى" أى "مراع شاسعة" فى منطقة الدرعية والربذة والفيض وناقع، وكان أشهرها، (حمى الدرعية"، التى خصص الخليفة عمر بن الخطاب فيها مساحة قطرها ستة أميال عربية فرعى لثلثمائة فرس و 30.000 جمل من خيول وجمال جيش المسلمين. وقد زاد الخليفة عثمان نطاق هذه المساحة فبلغت عشرة أميال فى عهده. وظل الحال كذلك إلى أن تخلى الخليفة العباسى "المهدى" عن هذا الحمى. وفى القرن السادس الميلادى كانت نجد ما تزال مغطاة بالأشجار الخشبية، وخاصة فى منطقة الشاروبة ووادى الرمة. بينما لم يعد الآن فى بلاد نجد سوى بقايا قليلة من هذه الغابات. وفى التاريخ الحديث قام الملك عبد العزيز بن سعود فى الربع الأول من القرن العشرين بإقامة مستوطنات فى نجد عُرفت باسم الهجر، بهدف توطين البدو فيها. نجد فى الحقبة البترولية: واستفادت نجد من التوسع السريع فى صناعة البترول فى المملكة

المصادر

السعودية الذى بدأ بحمية فى الخمسينات وسرعان ما تم الانتفاع بالنفظ الخام والغاز الطبيعى ومنتجات النفط فى نجد فى إطار سياسة قومية مدروسة، ومد خط لأنابيب البترول من الدمام إلى معامل التكرير فى الرياض وفى السبعينيات كان البترول يُحمل خامًا من الشرق إلى الساحل الغربى عبر نجد، مما وفر البترول من أجل التطورات الصناعية والتطورات الأخرى المرتبطة بها والتى جرت على نطاق واسع. احتفظت الزراعة بأهميتها فى واحات نجد ومدنها الصغرى، وتزرع فى واحات نجد أنواع جيدة من التمور، كما تزرع محاصيل أخرى من الحبوب من بينها القمح والشعير. والحيوانات الزراعية المقتناة فى المنطقة كبيرة العدد ومتزايدة، وقد قامت فى الخرج صناعة ألبان حديثه تشمل ثلث جميع الماشية الموجودة بالمملكة. وتتسم الرياض بواحد من أعلى معدلات النمو السكانى فى البلاد، حيث بلغ تعداد سكانها سنة 1987، 1.3 مليون نسمة. ونتيجة لتوسع العاصمة صارت القرى المحيطة بها جزءًا منها وحظى إقليم نجد بتطورات حديثه فى وسائل النقل والمواصلات؛ إذ افتتح خط حديدى بين الرياض والدمام سنة 1951، كما أن الرياض هى نقطة التقاطع المركزية للطريق الرئيسى عبر شبه الجزيرة -الذى اكتمل عام 1957 - مع بقية الشبكة القومية للطرق. المصادر: - الاصطخرى: المسالك والممالك. - ابن حوقل: صورة الأرض. - قدامة بن جعفر: كتاب الخراج. - ياقوت: معجم البلدان. Moliver: The economy of Saudi Arabia - Niblock: State, Society and econmy in Saudi Arabia - Clements: Saudi Arabia - نجران مدينة فى شمال اليمن ومركز مدنى هام فى الجزيرة العربية فى الزمن القديم. وهى مركز زراعى وصناعى وتجارى بفضل موقعها الجغرافى،

وكانت مشهورة بحبوبها، وفواكهها وخضرواتها ومصنوعاتها الجلدية ومنسوجاتها، وتقع وسط وادى خصيب، يسمى أيضًا بنجران. وتدين بأهميتها كمحطة للقوافل لوقوعها عند ملتقى طريقين رئيسيين لها، أحدهما ينطلق من حضر موت إلى داخل الحجاز إلى شرق البحر المتوسط والآخر يمتد إلى الشمال عبر اليمامة إلى إقليم الجزيرة العراقى. ويكفى لإظهار أهميتها أنها فى القرن الرابع الميلادى استلفتت انتباه امرئ القيس "ملك كل العرب" (توفى 328 م)، وقبلها بثلاثة قرون احتلها "أيليوس جالوس"، الذى أرسله أغسطس على رأس حملة ضد جنوب شبه جزيرة التقريب. وأحرزت شهرة عالمية فى القرن السادس الميلادى بسبب سلسلة من الأحداث المتعاقبة غير العادية. أبرزها دخول المسيحية إليها فى القرن السابق على يد أحد التجار اليمنيين ويسمى بحيان أو حنان. وعلى الرغم من أن طلائع المسيحية الأولى جاءت من الحيرة، حيث تنصر حيّان هنالك، وتوافدت بعثات مسيحية أخرى من سوريا البيزنطية والحبشية على نجران، مما جعلها مركز المسيحية الرئيسى جنوب شبه الجزيرة. وعاشت طوائف مسيحية مختلفة فى نجران، لكن السيادة بينها كانت لليعاقبة. وحوالى 520 م استولى ملك حمير ذو نواس اليهودى على نجران وخيَّر مسيحييها بين اعتناق اليهودية والموت. مما أدى إلى استشهاد عدد كبير من نصارى نجران. ورد إمبراطور بيزنطة وملك الحبشة بإرسال حملة مشتركة قضت عليه سنة 525 م وأخضعت اليمن لمدة خمسين عامًا للنفوذ الحبشى والبيزنطى. وكانت قبيلة الحارث بن كعب أكبر القبائل العربية فى نجران، وهم من الأزد، الذين ينتسب إليهم الغساسنة حلفاء بيزنطة فى الشرق. وصارت نجران آنذاك مدينة حافلة بالكنائس والأديرة وعلى رأسها ما يعرف بكعبة نجران. وفى سنة 570 م احتل الفرس جنوب شبه الجزيرة بما فيه نجران،

المصادر

وظلت تحت الحكم الفارسى حتى مجئ الإسلام. وفى سنة 630 م/ (عام الوفود) جاء وفد نجران إلى المدينة ليُعلن إسلام أهلها، أما من لم يسلم فكان عليه دفع الجزية. وفى خلافة عمر، هاجر بعض من أهل نجران إلى العراق وأقاموا فى محلة غرفت بالنجرانية قرب الكوفة. وبسبب موقع نجران فى منطقة خصيبة ازدهرت فى ظل الإسلام، وظلت مركزًا هامًا فى حياة المنطقة الاقتصادية. وصار لزعمائها النفوذ فى الدولة فى صدر الإسلام، كأخوال للسفاح أول خلفاء الدولة العباسية وكانت "ريْطة" أم السفاح، من بنى عبد مدان النجرانيين. ولا يزال الأخدود القديم قائمًا على هيئة أطلال خرائب جاثمة فى جنوب نجران الحالية فى منطقة عسير فى العربية السعودية. المصادر: (1) محمد حميد اللَّه: مجموعة الوثائق السياسية. (2) ابن المجاور: تاريخ المستبصر. (3) ياقوت: معجم البلدان. (4) Lammens: Le califat de Yazid ler (5) Irfan Shahid: The Martyrs of Najran د. عطية القوصى [عرفان شهيد Irfan Shid] النحو لغويا "طريق" واصطلاحًا تستخدم الكلمة للدلالة على القواعد اللغوية، وعند الخوارزمى فإن هذا الفن أو الصناعة يطلق عليه فى اليونانية "جراماتيك"، ويلاحظ الأزهرى أن اليونانيين ينعتونه بأنه علم الكلمات ودراسة العلوم. ويعتبر أبو الأسود الدؤلى فى نظر الأغلبية مؤسس هذا العلم بناء على طلب علىّ بن أبى طالب ووالى العراق زياد بن أبيه فقد قام بتأليف أول عمل يتعلق بالقواعد حين شاع اللحن فى قراءة الصحف. وأما سبب التسمية فيقال إن عليًا حين بين لأبى الأسود منهج العمل قال له "انح نحو هذا" أو قال عند إتمام كتابه أنحو نحو هذا.

1 - التعريف

1 - التعريف: من بين التعاريف العديدة، نختار هذا التعريف للزمانى فى "الحدود": الغرض من النحو هو تبيين الصواب من الخطأ فى التعبير، طبقا لمذاهب العرب، عن طريق القياس. وأما القواعد فإنها علم المقاييس المستنبطة من خلال استقراء اللغة العربية. 2 - الأصل: يذهب رأى إلى أن الخطوط العريضة للنحو العربى مقتبسة من أعمال أرسطو، ويرفض رأى مضاد ذلك بشدة مبينًا العلاقة الوثيقة بين النحو والفقه فى المصطلحات والدلالة. وقد لاحظ مؤلف هذا الجزء من الموسوعة، اختلاف المصطلحات التى استخدمها سيبويه تمامًا عن تلك المصطلحات التى استخدمها أرسطو والتى تناول فيها قواعد لغوية، وبدون إنكار لما قد يكون من تأثير لأرسطو على النحويين فى بغداد بدءًا من القرن الرابع، فإن لنا أن نفترض أن علم النحو قد تشكل فى القرن الثانى غير متأثر بأى تأثير أجنبى، شأنه فى ذلك شأن العلوم الإسلامية الأخرى كالتفسير والفقه التى دونت خلال النصف الثانى من القرن الثانى الهجرى، فى معقلين علميين فى العراق وهما البصرة والكوفة. 3 - المدارس النحوية: ينقسم النحو العربى تقليديا إلى مدرستين متنافستين تتميز إحداهما عن الأخرى: مدرسة البصرة ومدرسة الكوفة، وبالتالى فقد ظهرت فى القرن الثالث مدرسة توفيقية فى بغداد. وقد ذهب بعض الباحثين فى اللغة (مثل G. wei) إلى أن الخلاف بين المدارس الثلاث سطحى، ولكنه حتى لو كانت المنهجية واحدة فى مدرستى الكوفة والبصرة، فإن الخلافات بينهما لا يمكن إنكارها. وأول ما يظهر من خلاف هو فى المصطلحات، فـ "الجر" فى مدرسة يقابل "الخفض" فى الأخرى، و"العطف" يقابل "النسق"، و"المكنى" يقابل "المضمر". ثم يبدو الخلاف فى المفاهيم العامة مثل طبيعة الكلمات فالكوفيون يعتبرون "اسم الفاعل" فعلا

4 - التطور

وليس اسما كما يرى البصريون، وأنه يعبر عن المضارع (فعل الحال) كما يرون المصدر مشتقًا من الفعل وليس العكس. ولكن الخلافات أوسع انتشارا فى مسائل النهايات الإعرابية كما بينه الأنبارى فى كتابه "الإنصاف فى مسائل الخلاف" فإنه يتناول مشكلات العمل والعامل. 4 - التطور: بنهاية القرن الثانى كانت كل القواعد المستخلصة من الشعر الجاهلى ومن القرآن الكريم قد تم تدوينها فى عملين، الأول منهما، وهو "كتاب فى النحو" لسيبويه البصرى، هو الذى كتب له البقاء. أما الثانى فهو "حدود النحو" للفراء الكوفى. وفى القرن الثالث، قام المبرّد بتدريس الكتاب الأول، وثعلب بتدريس الثانى. وقد تمكن الأول فى كتابه "المقتضب"، بفضل وضوحه وإيجازه، من نشر المدرسة البصرية فى بغداد التى أصبحت مركز الدراسات اللغوية. وفى النصف الأول من القرن الرابع أكد ابن السراج تلميذ المبرد، السيطرة القاطعة للمدرسة البصرية عن طريق كتابه "الأصول" ومختصره "الموجز"، وإن ظل بعض النحاة يتبعون مدرسة الكوفة، والبعض المدرسة التوفيقية كالزجّاج؛ فى أحد أعماله عن أسباب الظاهرة النحوية. وكان النصف الثانى من القرن الرابع العصر الذهبى للدراسات النحوية فى بغداد، ففيه ظهر الصرفى المشهور بشرحه لكتاب سيبويه، والفارسى مؤلف "الإيضاح والتكملة" والرمانى بمؤلفه فى شرح كتاب سيبويه أيضًا، والذى ينسب إلى المزج بين المنطق والنحو، وإدخال مصطلحات جديدة فى كتابه "الحدود". أما أعظم نَحْوِيّى هذا العصر فهو بلا جدال ابن جنى، الذى وضع كتابًا استرشاديًا "كتاب اللُّمع" وثلاثة كتب أخرى: "المنصف" فى علم الصرف، و"الخصائص" فى المنهجية، و"سر صناعه الإعراب" والذى يتحدث فيه عن الصوتيات، خلاف ما يوحى به عنوانه

5 - أقسام العلم

كما تجدر الإشارة إلى معاصرة ابن فارس لمقالته الرائدة فى علم فقه اللغة المسماة "الصاحبى فى فقه اللغة" (نسبة للصاحب بن عباد، الوزير المهدى إليه هذا العمل). ويتميز القرن الخامس بانحسار فى الكتابات النحوية بعد المد الذى شهده القرن السابق، وليس هناك ما يستحق الإشارة إليه عدا الجرجانى وكتابه "العوامل المائة" والذى ترجم إلى اللاتينية عام 1617 م. وشهد القرن السادس عودة الروح للكتابات النحوية، أولا عن طريق الزمخشرى الفارسى وكتابه الموجز والواضح "المفصل" الذى تناوله بالشرح العالم ابن يعيش، ثم فارسى آخر هو "المطرزى" الذى ألف كتابًا استرشاديًا هو "المصباح" وأخيرا ابن الأنبارى العراقى مؤلف "الإنصاف" السابق الإشارة إليه ومختصر عن الأسئلة والأجوبة و"أسرار العربية" و"كتاب لمع الأدلة". وفى القرن السابع، قام المصرى ابن الحاجب بتلخيص كتاب الزمخشرى فى عملين: "الكافية" فى النحو و"الشافية" فى الصرف قام بشرحهما الفارسى "الأسطرباذى". كما قام ابن مالك بوضع كتابين: "تسهيل الفوائد" وألفيته الشهيرة على غرار ألفية ابن معطى المصرى، كما وضع الأندلسى ابن عصفور كتابين: "المقرب فى النحو" و"الممتع فى الصرف". وأخيرا، قام ابن هشام من مصر بوضع "شذور الذهب" و"قطر الندى"، وكتابا ثالثا أكثر إسهابا هو "مغنى اللبيب" الذى يعتبر المرجع فى تدريس النحو إلى يومنا هذا فى الجامعات فى البلدان العربية. 5 - أقسام العلم: طبقا لمنهج سيبويه، ينقسم العلم إلى "أبواب" متعددة، يمكن تقسيمها منطقيًا إلى قسمين رئيسيين [النحو والصرف]. ويتناول القسم الأول النهايات الإعرابية لأنواع الكلام الثلاثة: الاسم والفعل والحرف. بحسب بنيتها وموقعها الإعرابى، وهو تسعه أقسام:

النذر

1 - المعرب من الأسماء بعلامات الإعراب الأصلية الرفع بالضمة، والنصب بالفتحة، والجر بالكسرة. 2 - الإعراب بالعلامات الفرعية. 3 - التوابع. 4 - الممنوع من الصرف وغير الممنوع من الصرف. 5 - المبنى من الأسماء. 6 - المعرب من الأفعال بالعلامات الأصلية: المرفوع بالضمة والمنصوب بالفتحة والمجزوم بالسكون [وبالعلامات الفرعية]. 7 - المبنى من الأفعال. 8 - المبنى من الحروف. 9 - تغيير نهاية الكلمة بسبب غير الإعراب. أما القسم الثانى فيتناول تصريف أبنية الكلمات أوله فرعان: 1 - التشكيل البنيوى للكلمة كالتصغير والترخيم والاشتقاق من المصدر. 2 - التشكيل الصوتى كالإدغام والإبدال والحذف والتحويل والزيادة. وهذا التقسيم الثنائى المتوارث منذ عهد سيبويه فى كافة الأعمال المتعلقة بالنحو، قد يعتريه بعض التغييرات الطفيفة، خلال هذين التقسيمين الرئيسيين. على يوسف على [ج. (تربيو) G. Troupeau] النذر ترجع عادة النذر إلى ما قبل الإسلام، وتطورت فى عهده. كما أنها معروفة لدى اليهود والآراميين والآشوريين. ويمكن عند العرب أن يكون النذر بالحيوانات، ويعقد بصيغ جادة تبين أن الحيوان قد خرج من دائرة الشئون الحياتية إلى دائرة المقدسات. وقد يكون النذر للحصول على نتائج طيبة فى مجال معين، كأن ينذر حيوانا كلما وصل القطيع مائة رأس. وتقول قصة نذر عبد المطلب إنه نذر أن يذبح أصغر أبنائه عندما يصل عددهم عشرة، ولكن هذا النذر قد افتدى بمائة من الإبل. وقد تنذر امرأة لا تلد وليدها للرهبنة إن هى رزقت به. وكذلك يكون

النذر للشفاء من مرض أو للنجاة من ضائقة أو خطر، وللانتصار فى المعارك، ومن المسافر فى الصحراء إن وصل سالما، ولراكب البحر لنفس السبب. وقد نذر عمر ألا يأكل السمن أو اللبن أو اللحم حتى تنقضى المجاعة. وقد يمس النذر الشخص نفسه، كما نرى فى قص الشعر، ليس فقط فى الحج، بل أيضًا بعد تقديم قربان أو أضحية بعد العودة من رحلة. وقد يربط بين أداء فرائض عادية، كالحج، بنذر ما (سورة الحج، الآية 29، {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ. . .})، قد يكون على صورة التزام ما، كأن يحج المرء ماشيا. والاعتكاف أيضا قد يكون عن نذر فقد نذر عمر أن يجعل الاعتكاف الليلى فى الحرم المكى وقد كان معروفا عند العرب الأقدمين. وقد كان التقشف والزهد ذا هدف محدد هو التطهر الروحى وتقوية الروح وخشية الخالق من الأمور التى تمارس قبل الإقدام على جلائل الأعمال، خاصة الحروب. فقد كان ينذر مثلا عدم التعطر أو الاقتراب من النساء أو شرب الخمر قبل الأخذ بثأر مثلا: وصيغة النذر تكون فى هذه الحالة مثلا "الخمر والنساء على حرام إن لم أفعل كذا". وقد يحدد للنذر مدة معينة يتم فيها الأخذ بالثأر. كما قد يكون النذر بالصوم. وتدخل أعمال الامتناع أو الأداء أو القيام بالعمل فى صيغة النذر، كأن يقال "نذرت على نفسى" أو "نذرت مالى" أو "نذر دم فلان"؟ وبعد تحقيق الرغبة، قد يتم النذر للامتنان. ويأخذ النذر صورة عهد بين الناذر والذات الإلهية (سورة التوبة، الآية 75 {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ. . .}، والأحزاب 23 {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ. . .} والفتح 10 {وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ. . .}). ويعتبر النكوص عن الوفاء -فى هذه الحالة- خطيئة فى حق اللَّه. والنذر بالنفس يكون مرادفا لقضاء النحب، كما فى الآية السابقة من سورة الأحزاب {فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ}. وبالتدريج زادت أهمية العهود الملزمة، وأصبح التركيز على النذر المادى قليلا وقد يأخذ التعهد على

نزار بن المستنصر

النفس صورة عتق عبد أو تطليق زوجة وفقا لشروط معينة، أو ذبح كل إبله لو كان كاذبًا. وفى هذه الصور يكون النذر أقرب لليمين. ويعامل الإسلام النذر واليمين معاملة واحدة، ويجعل القرآن كفارة فيمن يحنث فى اليمين المنعقدة (ولا يؤاخذ على اليمين اللغو) لقوله تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ. .} سورة المائدة آية 89. وبالنسبة للعزم على مقاطعة الزوجة، فيحرم القرآن الإيلاء أكثر من أربعة أشهر، وعلى الشخص بعدها إما العودة لمعاشرة الزوجة ويلزمه عندئذ كفارة أو الطلاق. أما الظهار فهو محرم قطعيا (الأحزاب 4، المجادلة 1 - 5). ومع الإسلام ظهرت فكرة أن النذور ليس لها قيمة، لأن المرء لا يمكنه أن يجبر اللَّه على شئ، ومن ثم فتوجد أحاديث تحث على الوفاء بالنذور، وأخرى تمنعها. ومن تتبع الأحاديث نجد أن هناك فرقا بين النذور بأداء طاعات، الهدف منها التقرب من اللَّه "نذور التبرر" وبين الأيمان المشروطة التى تؤدى هدف الحث أو الامتناع أو التقوية. وهذه تسمى "نذور اللجاجة والغضب". ومثل هذه الأيمان منهى عنها، ولكنها تعامل معاملة الأيمان. ويجب ألا يكون موضوعها أمرا محرما، وإلا كان غير معتبر فى رأى البعض، ومعتبرًا ولكن يجب النكول عن تنفيذه عند البعض الآخر. ولا يصح أن يكون موضوع القسم فرض عين. ويجب أن يكون الناذر مكلفا وحر الإرادة. ترجمة على يوسف على [ج. بدرسن J. Pedersen] نزار بن المستنصر أحد المطالبين بالخلافة الفاطمية، ولد فى العاشر من ربيع الأول 437 هـ/ السادس والعشرين من سبتمبر 1045 م. فبعد موت أبيه الذى خلعه شقيقه الأصغر المستعلى، هرب نزار إلى الاسكندرية، واتخذ لقب "المصطقى لدين اللَّه"، وقام بثورة فى أوائل عام 488 هـ/ 1095 م بمساعدة الحاكم، "نصر الدولة افتاكين"، الذى كان يحقد على "الأفضل"، وأيضا بمساعدة سكان

المصادر

المدينة -ونجح فى أول الأمر فى صد "الأفضل" وتقدم حتى مشارف القاهرة، تؤيده القوات العربية، ولكن الأفضل سرعان ما سيطر على الميدان، وبعد حصار قصير فى الاسكندرية استسلم نزار قرب نهاية العام نفسه، وسيق إلى القاهرة وسجن هناك بأمر من المستعلى. وتنظيم الاسماعيلية فى فارس يعترف بأن نزار هو الخليفة الشرعى للمستنصر. وقد كان هذا التنظيم، مع فروعه، فى سوريا، يشكل جماعة جديدة (الدعوة الجديدة) التى تعارض جماعة "المستعلى" (الجماعة المستعلية) أو الدعوة القديمة، والتى تعرف الآن بالخوجه أو "البهرة" Bsharas على التوالى، وهناك فريق فى النزارية كان يعترف بأن نزار لم يمت، وأنه سوف يعود، باسم "المهدى" أو مصاحبا له، ولكن الأغلبية كانت تعتقد أن تسلسل نسبه مستمر. المصادر: (1) B. Lewis: The a ssassins, avadical sect in Islam London 1967 بهجت عبد الفتاح [هـ. أ. ر. جيب H. A. R. Jibb] نزارية فرع كبير من الإسماعيلية، يمكن أن تعود بدايتها إلى الصراع على الخلافة الذى أعقب موت الخليفة والإمام الفاطمى المستنصر باللَّه (المتوفى عام 478 هـ/ 1094 م) ويطلق على هؤلاء الذين يدينون بالولاء لنزار -الابن الأكبر للمستنصر- ويلقبونه الخليفة والإمام، وهؤلاء الذين يقولون إنهم ينحدرون منه، اسم النزارية. وكانت أول شخصية مهمة تؤيد وتدعم الشخصية النزارية فى مرحلتها الأولى -وخصوصا فى فارس- الداعية المعروف "حسن الصباح" الذى استطاعت النزارية تحت قيادته أن تنشئ اتحادًا من الإمارات فى فارس وسوريا، وترتبط بمقتل "ألوموت" الجبلى (وهو القلعة التى كان يعيش فيها حسن الصباح). وقد استمرت دولة النزارية فى فارس أكثر من مائة وخمسين عاما قبل أن يقضى عليها المغول بوحشية وانتهت فى عام 654 هـ/ 1256 م. وناضلت الجماعات المختلفة فى سوريا وفارس

المصادر

لكى تعيش فى ظل ظروف كانت قاسية فى بعض الأحيان- واستطاعت الدعوة أن تقوم بنشاط تبشيرى أدى إلى ظهور جماعة فى شبه القارة الهندية وخصوصا فى البنجاب والسند وجوجارت، وهى يطلق عليها "الخوجة". Khadjas ويتميز تاريخها فى المرحلة الحديثة بانتقال الإمامة من فارس إلى الهند البريطانية فى القرن التاسع عشر وبعد ذلك إلى أوربا حيث يوجد المقر الحالى للإمام "شاه كريم أغاخان". وتوجد جماعات النزارية الآن فى أكثر من خمس وعشرين دولة فى آسيا وافريقيا وفى بريطانيا وأوربا والولايات المتحدة وكندا. المصادر: (1) F. Daftary: The Isma'ilis: their history and dothines (Cambridge 1990) (2) Poonawala: Biobibliography of Isma'ili literatnre (Malibn 1977) بهجت عبد الفتاح عبده [ازيم نانجى Ayim Nanji] النسائى أبو عبد الرحمن أحمد بن على بن شعيب بن بحر بن سنان مؤلف واحدة من ست مجموعات للحديث؛ ولد عام 215 هـ/ 830 م وتوفى عام 303 هـ/ 915 م. ولا يعرف إلا القليل عنه. ويقال إنه قام برحلات واسعة لسماع الحديث وإنه استقر فى مصر، وبعد ذلك فى دمشق، وإنه مات نتيجة لسوء ما لقى من المعاملة بدمشق ويقال بل مات فى الرملة لميله لعلى بن أبى طالب ووقوفه ضد الأمويين، ولذلك اعتبر شهيدا ودفن بمكة. أما كتابه عن الحديث فينقسم إلى واحد وخمسين فصلا، كل منها ينقسم إلى أبواب -أما الموضوعات فقد أفسح مساحة كبيرة للأحاديث التى تتعلق بالعبادات أما فصوله عن "الإحباس" والنحل و"الرقبى" والعمرة، فلم ترد فى سواها من المجموعات، ومن جهة أخرى فإن الفصول التى تتعلق بالإيمان بالأخرويات (الفتن والقيامة. . الخ) وسرد المناقب.

المراجع

ويذكر بعض المؤرخين تسعة أعمال أخرى للنسائى منها كتاب الخصائص فى فضل على بن أبى طالب (القاهرة 1308 هـ/ 1890 م - و"كتاب الضعفاء والمتروكين (طبع فى أجزاء 1323 هـ/ 1905 - 1906 م. وفى اللَّه أباد 1325 هـ/ 1907 م) والسنن و"تسميات فقهاء الأمصار". المراجع: - الذهبى: طبقات الحفاظ. - ابن حجر العسقلانى: تهذيب التهذيب (حيدر أباد 1325 هـ/ 1907 م). - الزركلى: أعلام. بهجت عبد الفتاح (أ. ج. وينسنك A. J. Wensinek) النسخ أو "الناسخ والمنسوخ"، عنوان عام لعدة نظريات فى ميادين علوم التفسير والحديث وأصول الفقه، من حيث إن المقارنة تكون بين الأحاديث ببعضها، أو الآيات القرآنية ببعضها البعض، أو الآيات القرآنية بالأحاديث عندما يوجد بينها تعارض. وكون الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] قد امتدت بعثته لربع قرن، يثير مسألة التدرج فى التشريع فيما يتعلق بتفصيلات القرآن والسنة. والنسخ يتعلق بهذين المصدرين وبالعلاقة بينهما. والأكثرية تعتقد بإمكانية نسخ الآية بغيرها، والحديث بحديث مثله. أما نسخ القرآن بحديث أو الحديث بالقرآن فيثير جدلا واسعا بين العلماء. ويذكر ابن مسعود أنه قبل هجرته للحبشة كان يحيى الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] أثناء صلاته فيرد عليه التحية، ولكنه بعد عودته بادره بالتحية فلم يرد عليه، وبين له بعد الصلاة أن الأمر نزل من اللَّه بعدم الكلام أثناء الصلاة، وهذا مثال لنسخ قاعدة مصدرها حديث بحديث آخر. ومن نسخ القرآن بالقرآن يشار للآية 180 من سورة البقرة التى تتحدث عن جعل الوصية للوالدين والأقربين على أنها منسوخة بآيات المواريث التى حددت الأنصبة فى سورة

النساء. وأيضًا الآيات المكية التى كانت تحث المؤمنين على الصبر على أذى الكفار، مع الآيات المدنية التى تأمر برد العدوان، كدليل على أن تغير الظروف يقتضى تغير القاعدة. والترتيب الزمنى هو ما يبين حكمة التغيير، حيث إن القرآن الكريم يجب ألا ينطوى على تعارض بنص الآية 82 من النساء {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا}. والعنصر الأساسى فى المفهوم العام للنسخ هو التعديل والاستبدال ولكن أضيف لذلك بالنسبة للقرآن فقط معنى المحو، وذلك تأويلا للآيات 6 - 7 من سورة الأعلى {سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى (6) إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ} والرعد 39 {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ. . .} والإسراء 86 {وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ. . .} والحج 52 {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ. . .}، والبقرة 106 {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا}. والآيتان الأخيرتان تذكران النسخ صراحة. ومن تلك الآيات نستخلص أن نسيان الوحى من الرسول جائز وقوعه، واستحالة وقوع ذلك منه مرده أنه محكوم بقدرة اللَّه الذى له أن يضع كتابه فى صورته النهائية التى يراها له. ووجه الخلاف يقع فى المواضع التى كان فيها النسخ، وتأثيرها فى تشكيل الصورة النهائية لنظرية النسخ. ومما يذكر فى هذا القبيل ما قيل عن محو آيات نزلت بخصوص شهداء بئر مؤتة، وبشأن ابن آدم، وأن سورتى التوبة والأحزاب كانتا فى نفس طول سورة البقرة، حتى "رفع" اللَّه هذه الآيات وغيرها، ليكون المصحف فى النهاية على الصورة التى نراها عليه الآن، بعد أن تم جمع متفرقاته بعد وفاة النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-]. ويعطينا التفسير بالمثل الدوافع والمصطلحات فى موضوع النسخ، أو التعديل التشريعى، فبمقارنة الآيتين 101 من النحل {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ. . .} بالآية 106 من سورة البقرة

المذكورة سابقا، فإن استخدام لفظ "آية" فى الآيتين يبين أن المقصود هو الآيات القرآنية [وليس بمعنى "معجزة"]، ومن ثم فإن جواز التبديل، أو حتى المحو سيحدث أثره على النصوص، من ذلك: الآية 66 التى خفضت العدد الذى يستطيع للمسلم أن يحاربه من عدوه من عشرة، كما ورد فى الآية السابقة عليها، إلى اثنين (يسمى هذا فى الفقه "حد الزحف") والآية 13 من المجادلة التى ترفع عن المسلمين الصدقة التى تقدم بين يدى الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] المذكورة فى الآية 12 السابقة عليها، وآيات تغيير القبلة فى سورة البقرة، والآية 2 من النور بالنسبة للآية 15 من النساء فيما يتعلق بعقوبة الزنا. وقد تناولت دراسات متخصصة عديدة تعد بالمئات، أمثلة على النسخ وأحكامه. فالآية 5 من التوبة، والمسماة "آية السيف"، قيل إنها نسخت مائة وأربعا وعشرين آية. والحقيقة ذات المغزى أن الآية 106 من البقرة، وهى البرهان الأساسى للنسخ، تضع النسيان بجوار النسخ {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا}، مفسرة فى ضوء الآية 101 النحل، بأن ذلك يعنى التبديل، قد أدى إلى أن النسخ يمكن أن يكون لفظا وحكما، أو "تبديل" كما جاء فى آية الحج. وبنفس المنطق يمكن الرد على ما قيل من تعارض بين الآيات أو الأحاديث على أنها نسخ للحكم دون النص. فيشار إلى تغيير القبلة، من حيث إن القرآن لم يشر للقبلة الأولى وهو ما أدى ببعض الأصوليين إلى القول بأنه نسخ للقرآن بالقرآن، بينما ذهب آخرون إلى أنه مثال على نسخ السنة بالقرآن. كما أشير إلى أنه ليس هناك نسخ بين الآية 180 من البقرة وآيات المواريث فى سورة النساء، حيث إن الوصية غير المواريث، وآيات سورة النساء تتناول كلا من الميراث والوصية، ولكن الحديث "لا وصية لوارث" قد يؤخذ على أنه نوع من نسخ القرآن بالسنة. على أن أقوى اعتراض على إمكانية نسخ القرآن بالسنة أو العكس ما ذهب إليه الشافعى الذى يجعل من ذلك السمة المميزة لنظريته فى المصادر التشريعية التى

تمثل ثورة فى علم أصول الفقه. فهو قد كافح بلا كلل ضد المنكرين لتكون السنة المصدر الثانى للتشريع بعد القرآن على أساس ما قد يوجد من تعارض بين الأحاديث، وعدم كفاية الضمانات ضد التزييف والتزوير والخطأ، كما يحدث فى سند الحديث، والذى يجعل الحديث غير صحيح، مستشهدًا بالآيات التى تقرن طاعة الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] بطاعة اللَّه، وبالآيات التى تبين أن الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] قد وهبه اللَّه الحكمة، التى يفسرها بأنها السنة. وهو يستشف من الآيتين 106 البقرة، و 101 النحل ويحتج بهما ضد المالكية والحنفية على أن النسخ اختصاص مطلق للَّه سبحانه. كما يستند إلى النص {نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} بأنه ليس هناك شئ أفضل أو مساو للسنة. كما يستند إلى الآية 15 من يونس {. . . قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ. . .} ليؤكد على أن القرآن والسنة لا يمكن أن يتعارضا، فكلاهما من اللَّه سبحانه. فالسنة تفسر القرآن، ولا تعارضه. فالقرآن لا ينسخ إلا بالقرآن، والسنة لا تنسخ إلا بالسنة. ويستند البعض لمبدأ إعجاز القرآن، وأن آياته لا يمكن أن تتفاوت فى قدرها لكونها جميعًا من لدن اللَّه، لينفوا النسخ بين آياته، ناهيك عن أن ينسخ بالسنة التى هى بشرية المصدر. ويرد القائلون بالنسخ بأن ذلك ينصب على الأحكام وليس على النصوص، وهى التى يمكن أن تتفاوت. وبنفس المنطق يمكن لحكم من السنة أن يكون أعلى من حكم من القرآن، وهو ما يهدم نظرية الشافعى. وقد حوت كتابات المفسرين الأوائل على حالات عديدة مما تعتبر متضمنة قدرأ كبيرًا أو صغيرًا من التناقض، الأمر الذى دفع المتأخرين منهم إلى القول بضرورة التمييز بين ما يعتبر تطبيقا حقيقيا للنسخ وبين عدم فهم حكمة ومغزى التغيير فى التشريع. فالتشريع البشرى هو القابل للتعديل لعدم الصلاحية، وهو ما ليس واردًا فى حق التشريع السماوى فاللَّه بعلمه

اللانهائى يعلم الحوادث وزمانها منذ بدء الخليقة إلى قيام الساعة ومن ثم فلا داعى للنسخ، ويفرق هذا المنطق بين علم اللَّه وإرادته. فالنسخ من اللَّه عمل إرادى محكم، مقدر منذ الأزل، إلى أن تكتمل الشريعة بالصورة التى يريدها اللَّه. فالنسخ يبدو لفهمنا القاصر على أنه تبديل، بينما هو فى الواقع إعلان بنهاية حكم شرعى وبدء حكم شرعى آخر، سواء كان ذلك من نبى آخر أو من نفس النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-]. وقد قيل باعتراض آخر، مفاده أن النهى عنه من المنكر وأن المأمور به من المعروف، ومعنى التعديل فى الأحكام جعل المعروف منكرا والمنكر معروفًا، ويرفض القائلون بالنسخ ترسيخ مبدأ الخير والشر الكامنين فى الأشياء، فاللَّه فى اختباره لعباده من ناحية الطاعة له أن يحرم عليهم ما يشاء ويحلل لهم ما يريد، وهو ما يفسر الخلاف بين الشرائع من مكان لآخر ومن زمان لآخر. فالخير هو ما يأمر اللَّه به، والشر هو ما ينهى عنه. ويستثنى من ذلك القضايا المتعلقة بالإيمان. لكن الأحكام الشرعية فى القرآن، قد نص صراحة على أنها أحكام وقتية (لا يوجد دليل على هذه الدعوى). وقد لجأ الشافعى فى رأيه بالفصل بين القرآن والسنة من ناحية نسخ أيهما للآخر إلى مبدأ أسماه "التخصيص"، وهو الذى يؤخذ خطأ على أنه استبعاد. وضرب لذلك مثلا بالآيتين الخاصتين بعقوبة الزنا فى سورة النساء وسورة النور. ويفرق الفقه بين زنا البكر الذى تحكمه الآية (2) من سورة النور وزنا المتزوج، وهو ما لم يتحدث عنه القرآن. وبالنسبة لعقوبة الرجم، فقد ذهب الفقه إلى رجم المحصن بالحجارة لكن ثار النقاش حول أصلها. فالرجم مرفوض عند بعض الفقهاء على أساس عدم وجود عقوبتين فى كتاب اللَّه. وقد صيغت آية سورة النساء على أنها مؤقتة: {حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا}. ويستخلص الفرق بين زنا البكر وزنا المتزوج من قسوة الأسلوب فى سورة النور واعتداله فى سورة النساء. ويأخذ البعض الحكم المنصوص عليه فى سورة النور بأنه السبيل {أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا} المذكور فى

النساء، ومن ذلك حديث عبادة الذى حدد فيه الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] عقوبة الزنا للنساء بالجلد لغير المحصنة والجلد ثم الرجم للمحصنة. وتشير الأقوال بعد ذلك أن الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] طبق عقوبة الجلد والرجم على النساء والرجال بعد ذلك، وأقوال أخرى تفيد أن الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] قد أسقط الجلد واكتفى بالرجم. وفى رد الشافعى على هذا الموقف قال بأن حديث عبادة هو أول ما روى عن الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] بعد الآية من سورة النساء، فهو نسخ لها. وأما ما قام به الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] من إسقاط الجلد فهو تخصيص للعقوبة الواردة فى حديث عبادة وهو نسخ للسنة بالسنة، رغم أنه اعترف بأن حديث عبادة هو مثال على نسخ القرآن بالسنة. وفى الرد على إنكار الرجم على أساس أنه لا توجد عقوبتين فى كتاب اللَّه، يورد مالك حديثا لعمر بمقتضاه أن آية الرجم كانت موجودة فى القرآن، وأنها كانت تتلى فى الصلاة (ونصها: الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من اللَّه)، وعمل بموجبها الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وأبو بكر وعمر وأن عمر لم يشأ أن يضيفها حتى لا يتهم بأنه غير فى كتاب اللَّه. وجمهور الفقهاء قبل وبعد الشافعى مقتنعون بأن الرجم هو حالة من حالات نسخ القرآن بالسنة، وقد فشل الشافعى فى رفضه لذلك أن يبرر المصدر لعقوبة الرجم فى الفقه، وهو ما حدا بشاخت إلى القول بأن أساس نظرية الشافعى حول هذه القضية قد انهار. وقد قال بعض الفقهاء الذين تأثروا بفكر الشافعى إن حديث عمر يستخلص منه نوع ثالث من النسخ، وهو النسخ للنص مع الإبقاء على الحكم. ويستند الشافعى على هذا النوع الثالث للنسخ فى قضية عدد الرضعات المشبعات فى الرضاعة المحرمة للزواج، فقد ورد عن عائشة قولها إنه كان هناك نص قرآنى بتحديد عدد الرضعات بعشر، ثم نزل نص آخر بجعلها خمسا، وقد رفض مالك هذا القول بصرامة لكونه منافيا لما جرى عليه العمل، أما الشافعى فقد جعل منه أساسًا لفقهه. هذا النوع الثانى من نسخ التلاوة دون الحكم، يمكن أن ينسب إلى الشافعى. والحالة الثالثة من هذه الصورة من

النسطوريون

النسخ، يقول به الأحناف فيما يروى فى تلاوة عن ابن مسعود بإضافة "متتابعات" للآية 89 من المائدة، المتعلقة بصيام كفارة اليمين، وهو حديث آحاد، ولكن أبا حنيفة يعتمد عليه فى حكمه. ولا يمكن للقياس أو الإجماع أن ينسخا نصًا، فهما يعتمدان على النصوص، ومن ثم لا يمكن أن يعدلا فيها. كما أنهما لم يظهرا كمصادر لاستخلاص الأحكام الفقهية إلا بعد وفاة الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، حيث لا يتصور نسخ، لأن النسخ يتم فى وجود الرسول، إذ هو الموحى إليه، ومن خلاله يتم النسخ. على يوسف على النسطوريون أو النساطرة والمفرد "نسطورى" وهم المسيحيون النساطرة والاسم مشتق من نسطوريوس أسقف القسطنطينية الذى أدان مجلس "إيفيسوس" Ephesus فى عام 431 م تعاليمه حول التعليل اللاهوتى لشخص المسيح. . ولكن أسباب انفصال مسيحية شرق سوريا (النسطورية) عن الكنيسة البيزنطية وبطريركية غرب سوريا فى أنطاكية كانت سياسية (الصراع بين الأمبراطوريتين الرومانية والفارسية) أكثر منها مذهبية. . وسوف نعتمد هنا على المعنى التقليدى للتيسير. وقد حدد المجلس الذى عقد فى المدائن فى عام 410 م تنظيم كنيسة شرق سوريا المستقلة فى ستة أقاليم رئيسية تحت سيادة بطريرك الكنيسة الأرمنية الذى يقيم فى عاصمة الأمبراطورية الساسانية وهى: 1 - بابل 2 - سويسيانا (هونديشابور) 3 - شمال ما بين النهرين 4 - ميسين (البصرة) 5 - إديا بينى (أربيل) 6 - جارميا (كركوك). . ثم زيدت إلى 7 - بيرسيس فى القرن الخامس 8 - مرو (فى القرن السادس). ومن "مرو" سلك الرهبان النساطرة التبشيريين طرق التجارة إلى آسيا الوسطى والصين. حيث أنشئت مراكز اكليركية (كنسية) أخرى. وهناك دليل على أحد الأعمال التبشيرية المهمة فى التاريخ، وهو موجود على عمود من الرخام مقام فى "شيانغو" فى إقليم

"شنسى" الصينى. وكان ذلك الاكتشاف فى عام 781 م. وتحكى النقوش المكتوبة باللغتين السوريانية والصينية وصول أول مبشر سوريانى فى عام 635 وكان يدعى "ألوبين" Alopen . . وتقول النقوش إنه بعد ثلاث سنوات، دعا الإمبراطور الصينى رعاياه إلى اعتناق الدين الجديد، وكفل حرية نشر المسيحية فى إمبراطوريته. وقد ظلت النسطورية فى أوجها فى الصين قرنين من الزمان. وفى عام 1200 تقريبًا كادت النسطورية فى الصين أن تختفى. ومنذ فترة مبكرة أيضا كانت هناك طوائف من شرقى سوريا فى الهند -وخصوصا على طول ساحل "مالابار" الذى كان يرتبط بغرب آسيا بالطرق التجارية البحرية. وعلى امتداد طرق التجارة فى الهند استقر التجار النساطرة والمبشرين بين العرب فى الخليج الفارسى (قطر والبحرين) وفى جنوب الجزيرة العربية (نجران - صنعاء - مأرب) وبالرغم من أن التاريخ المبكر للمسيحية فى جنوب الجزيرة العربية قد تأثر -لأسباب سياسية- بالنشاط التبشيرى البيزنطى وبالمذهب المنافس القائل بطبيعة واحدة للمسيح، فإن الغزو الفارسى فى عام 597 رفع من شأن النسطورية -أما فى شمال شبه الجزيرة العربية فقد كان السكان العرب فى الدولة العازلة لمملكة اللخميين -وعاصمتها الحيرة -ينتمون ولقرون طويلة- للكنيسة النسطورية "فى شرق سوريا". ولكن ملكهم الأخير وهو النعمان الثالث (580 - 602) هو الذى تم تعميده رسميا فى الكنيسة النسطورية. ورغم إجازه الأباطرة الساسانيين لهم نسبيا، إلا أنهم كانوا يتعرضون من وقت إلى آخر إلى أعمال اضطهاد قاسية مثلما حدث فى عهد شابور الثانى (309 - 379)، ويزدجرد الأول (399 - 420) وبهرام الخامس (420 - 438) وقد كان خلو منصب بطريرك الكنيسة الأرمنية 608 إلى 628 نتيجة لسلسلة الاضطهادات التى بدأها خسرو الثانى (591 - 628). . لذلك رحبوا بالفاتحين العرب لأنهم حرروهم من اضطهاد الساسانيين، هذا بجانب أن

الدين الإسلامى الجديد كان -من ناحية المبدأ- يتسامح مع المسيحيين (ومن بينهم النساطرة) لأنهم أهل كتاب، ثم إن محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وقع معاهدة مع "سيد" ملك نجران و"أبى الحارث" الأسقف النسطورى لنجران وقد كفلت هذه المعاهدة الحماية للمسيحيين أهل الذمة) فى مقابل أن يدفعوا الجزية، التى أعفى منها القسس والرهبان. وهذه المعاهدة واحدة من سلسلة من المعاهدات التى تنظم العلاقات بين المسحيين وحكامهم المسلمين -وأكثرها شهرة ما يعزى إلى "عمر" (رضى اللَّه عنه). . كما أن النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] كان له موقف إيجابى تجاه النساطرة. وقد التقى بهم فى اليمن، وفى طريق التجارة بين اليمن والعراق ومن بين هؤلاء "قس بن ساعده" من نجران، الذى يقال إن محمدا [-صلى اللَّه عليه وسلم-] سمعه وهو يعظ فى عكاظ. وبالرغم من أن العلاقة بين المسلمين العرب الذين فتحوا العراق، وبين السكان النساطرة كانت إيجابية بشكل متبادل فى أول الأمر، إلا أن اعتناق الإسلام (وقد وجد أشوعياب الثالث بطريرك الكنيسة الأرمنية "649 - 650" أنه من الصعب منع القبائل العربية فى الخليج الفارسى من اعتناق الإسلام) والضغوط السياسية على النساطرة وضعف الكنيسة النسطورية أدى إلى انقسامات داخلية. وإذا كان الأمويون فى سوريا قد شجعوا على تعيين الموظفين المسيحيين (وعادة ما يكون من الأرثوذكس الشرقيين -أو الملكيين) ومن ثم عاملوهم بالحسنى، فإن الاستفزازات أدت إلى اضطرابات فيما بين النهرين، فقد تدخل الحجاج بن يوسف (فى العراق 75 - 95/ 694 - 714 م) فى الشئون الداخلية للكنيسة النسطورية وشجع على الفرقة فى داخل تسلسلها الكهنوتى. واستمر هذا الشقاق حتى فى أثناء العصر العباسى، حتى أنه كان يتم تعيين اثنين من الأساقفة من جانب البطاركة المتنافسين. ولاشك أن هذا الانقسام فى داخل الكنيسة كان سببا فى تزايد أعداد الذين يتحولون إلى الإسلام، يضاف إلى ذلك أن هارون الرشيد (170 - 193 هـ/ 786 - 809 م) والمتوكل (232 - 247 هـ/ 847 - 861 م) قد طبقا بشدة وصرامة القيود التى فرضت على

المسيحيين طبقا لعهد "عمر". وفيما بين فترات الاضطهاد وخصوصا بعد قيام الخلافة العباسية (فى 132 هـ/ 750 م). كانت العلاقات بين مقر البطريرك وبلاط الخليفة وثيقة جدا، وقبيل نهاية القرن الثامن انتقل مركز البطريركية من المدائن إلى بغداد، وكان كثيرون من القيادات الكنسية مثل البطريرك قيموتى الأول (780 - 823) من المقربين من بلاط الخلافة. وأصبح البطريرك النسطورى الممثل الرسمى للمسيحيين داخل الخلافة العباسية. وفى أثناء القرنين الثالث والرابع الهجريين، التاسع والعاشر الميلاديين لعب الموظفون النساطرة دورا مهما فى الإدارة. وانتشر تشغيل الكتبة المسيحيين (السكرتيريين) وخصوصا فى سوريا فى القرن الأول من الإسلام. وكان الفاتحون قد تركوا نظم الإدارة على ما كانت قبل الإسلام، وبعد تعريب هذه النظم الإدارية أصبح المسيحيون يعملون كتبة فى سوريا ومصر والعراق على الأقل بعد قيام الدولة العباسية. وقد أنشئت أديرة للنساطرة زودت الإمبراطورية العباسية بالموظفين الأكفاء، وقد احتل بعضهم مراكز رفيعة وصلت إلى درجة الوزير، الأمر الذى جعلهم يعتنقون الإسلام، ومن هؤلاء علىّ بن عيسى (245 - 334 هـ/ 859 - 946 م) من أسرة بنى الجراح الذى بدأ حياته فى أشهر الأديرة فى العراق وهو "دير قونا"، الذى كان يقوم بالتدريس فيه "إسرائيل" و"أشيوعاب بن حزقيال" اللذان أصبحا من البطاركة بعد ذلك. وكان من بين أعضاء التدريس فى هذا الدير عالم المنطق النسطورى أبو بشر متى بن يونس. ثم هناك الدور الذى لعبه النسطورية فى مجال الطب والعلوم والفلسفة. فقد ترجموا الكثير من الأعمال الفلسفية والطبية لأرسطو وبطليموس وأبقراط وجالينوس إلى السوريانية. وقد ترجمت بعد ذلك إلى العربية. وكانت هذه الترجمات حرفية ولكن ترجمات مدرسة "حنين بن إسحاق" (المتوفى

عام 873) -رئيس أكاديمية "بيت الحكمة" التى أنشأها الخليفة المأمون فى بغداد- كانت أكثر دقة وصقلا، ولم يقتصر دورهم على الترجمة بل إنهم ألّفوا كثيرا فى المجالات الدينية والاكليركية، بالسريانية والعربية، وبالرغم من أنهم كتبوا بالعربية مبكرا إلا أنهم لم يتخلوا عن السريانية كوسيط أدبى. ويمكن مقارنة هذا بما حدث فى مصر حيث دخلت العربية على نطاق واسع فى القرن الرابع الهجرى/ العاشر الميلادى، وحلت محل القبطية التى اقتصرت على النصوص الفلسفية والمجالات المتعلقة بالطقوس. وفى هذه الكتابات توجد أعمال مهمة تتعلق بتاريخ الحوار بين الإسلام والمسيحية وموقف الكنيسة النسطورية فى أثناء الخلافة العباسية. ومما يذكر أن بطريرك الكنيسة الأرمنية تيموثى الأول دخل فى حوار دينى مع الخليفة المهدى (158 - 169 هـ/ 775 - 785 م) حول معظم نقاط الخلاف التقليدية مثل التعليل اللاهوتى لشخص المسيح، والثالوث الأقدس، والاختلافات الأخلاقية والطقسية بين المسيحيين والمسلمين واليهود، ونبوة محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وتحريف الكتاب المقدس، وتبجيل الصليب إلخ. ودفاع تيموثى معروف أكثر فى النصوص العربية رغم أنه كتب أصلا بالسريانية، وهناك آخرون كتبوا عن هذه الموضوعات إما مدافعين أو مفندين. وبالرغم من أن الخلافة العباسية استمرت رسميا حتى 656 هـ/ 1258 م، إلا أن الحكام الفعليين فى الفترة من 334 - 447 هـ/ 945 - 1055 م كانوا من البويهيين الشيعة الذين كانوا أكثر تسامحا مع المسيحيين من السنيين -فعندما حل السلاجقة السنيون فى عام 447 هـ/ 1055 م محل البويهيين دمرت الكثير من الكنائس والأديرة النسطورية. . وكان هذا مصير كل الأقليات الدينية. وعندما وطد السلاجقة أنفسهم تحسن الموقف بالنسبة للنساطرة حيث سهل عليهم بعد سيطرة السلاجقة على سوريا وفلسطين -أن يتوسعوا بكنيستهم فى الغرب- كما ازدهرت أيضا الكنيسة

المصادر

النسطورية فى الشرق فى تلك الفترة. أما فى آسيا الوسطى فقد توطدت النسطورية -التى كانت فى تنافس شديد مع المانوية والزرادشتية منذ وقت مبكر- عن طريق التجار والمبشرين، كذلك فإن المسيحية النسطورية وجدت تسامحا من الحكام المغول، وقد اشترك كثيرون من المسيحيين النسطوريين مع المغول والأتراك فى هجوم على بغداد (656 هـ/ 1258 م). وفى عام 680 هـ/ 1281 م انتخب راهب من أصل مغولى بطريركا وفى عهده شهدت الكنيسة النسطورية آخر فترة تتمتع فيها بالسلام، كما تغير مصيرها بعد أن تبنى الحكام المغول المذهب السنى فى الإسلام وفقد النساطرة كل نفوذ لهم وامتيازات وأصبحوا أكثر عرضة للاضطهاد. وفى ظل هذه الظروف تحول الكثيرون منهم إلى الإسلام. وكانت الضربة الأخيرة من تيمورلنك (771 - 807 هـ/ 1369 - 1405 م) وفر الذين نجوا من الغزو عن طريق شمال العراق فى جبال هاكارى إلى غرب بحيرة "أوريميا". وحتى يتجنبوا التفكك جعلوا البطريركية وراثية فى عام 1450. ولكن دبت الانقسامات بينهم لفترات طويلة. وكانت هناك اتصالات من جانب بعضهم مع روما -ولكن هؤلاء الذين لجأوا إلى جبال هاكارى- فى تركيا الحديثة تمسكوا بالبطريركية الوراثية ولم يقيموا أية علاقات مع روما، وقد أطلق رجال الآثار على هؤلاء النسطوريين الذين سكنوا الجبال اسم الآشوريين وقد ارتاح النساطرة لهذه التسمية. وقد تعرضوا لاضطهادات كثيرة بعد الحرب العالمية الأولى بل وللمذابح أيضًا، وعلى العموم فإن عددهم الآن لا يزيد على المليون. المصادر: (1) es.P. Badgar: The Nesrorians and their ridnals (2) A. S. Tritton: The caliphs and thier non-muslim subjects بهجت عبد الفتاح (ب. هولمبرج B. Holmberg)

النسئ

النسئ نسئ جمع نسيئة، ويطلق على الإضافة، كما فى الشهر المضاف للسنة، أو الشخص الموكول به تقرير ذلك. وقد وردت الكلمة فى القرآن الكريم وفى خطبة الوداع للرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-]. ومن صور الكلمة "نسى" بكسر السين وسكون الياء، و"نسى" بسكون السين، و"نسئ"، وهى مشتقه من "نسأ" بفتح السين، وتعنى الزيادة والتأخير والنسيان. وفى السياق الإسلامى يقصد به ما كان يجرى عليه العرب فى الجاهلية بالنسبة للتقويم، وهو محرم بوصف القرآن الكريم له بأنه زيادة فى الكفر، فى قوله تعالى: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ}. وارتباط النصوص السابقة بكون عدة الشهور اثنى عشر شهرا منها أربعة حرم يكشف عن ارتباط النسئ بالتقويم وتتجه التفاسير إلى ربطه بالأشهر الحرم، وتفسره أحيانا على أنه حقيقة كما فى تاخير الحج وبإضفاء الحرمة على شهر غير الشهور الحرم. كما تضم التفاسير أيضا الأسباب الداعية لذلك التاخير وهذا كله كقاعدة عامة من تصور المفسرين، عرضوا فيها آراء لهم أو ربما ذكريات عن مرويات قديمة سرعان ما امتدت. ولكن التدقيق فى تلك التفاسير يبين معنى معينا لا يعنى اضافة إلى الشهر، أو فى الشهر نفسه وهو أن البدو كانوا يربطون الحج بأسواق لهم، الأمر الذى يجعلهم يرغبون فى أن يكون فى شهر مناسب. ومن ثم فقد كانت الوسيلة لتحقيق ذلك هو بإطالة السنة القمرية ولا شئ فى المرويات القديمة يعارض هذه الزيادة، التى كانت تتم بإطالة الشهر. وعلى ذلك فكان من الهام أن يوجد شخص يحدد إن كان العام القادم بالنسبة للحج اثنى عشر أو ثلاثة عشر شهرا. ويرجع الفلكى أبو معشر البلخى هذه العادة إلى اليهود، ويتبعه فى ذلك البيرونى. ولكن ليس من المؤكد إلى أى مدى تتفق هذه الآراء مع الحقائق التاريخية. ولكن المثير أن البيرونى حين يتحدث عن اليهود فى هذا الأمر يربط

نصائح الملوك

بين كلمة النسئ كما ترد فى العبرية عبّور، وكلمة مُعبّرة، بمعنى امرأة حبلى. كما يربط الطبرى بين كلمة نسئ فى العربية ونسوء، بمعنى الحمل، والتعبير "نسأت المرأة" بمعنى حملت. على أن كلمة نسئ فى العبرية تعنى رئيس "السنهدرين" [المجلس اليهودى الأعلى]، وهو الشخص الذى لا يطبق التغيير فى التقويم إلا بإذنه. وفى العربية أيضا تشير الكلمة كما فى الحديث والذى لا يتفق مع ما ورد عن كلمة نسئ فى القرآن الكريم إلى اسم شخص والشهر المضاف للسنة عند اليهود والعرب كان هو الشهر بين آخر شهر فى السنة وأول شهر فى السنة التالية. ولا يوجد شئ مؤكد فى تطبيق نظام النسئ عند العرب، وقد يكون محاولة غير مطردة مبنية على مجرد ملاحظة الطبيعة، خاصة المزروعات. أما الجانب الفنى فإن الزيادة هى بالتأكيد بسيطة وبدائية. وهو نفس الحال عند اليهود. فلم يكن يقصد به أبدا عند العرب وضع نظام تقويمى ثابت، ولم يكن العرب فى حاجة لذلك. وسارت التقاليد العربية على أن هذا الأمر متروك لبنى كنانة، وكانت الأسواق تقام فى أراضيهم. مراجعة. د. محمود الشحات الجندى [مابرج A. Moberg] نصائح الملوك نصائح الملوك، نوع من الأدب ظهر فى العصور الإسلامية المبكرة يتضمن نصائح للحكام ورجال الدولة فى أمور "السياسة أو تدبير الملك"، من حيث التزام الحاكم أمام اللَّه، وأمام الرعية، الذى عهد اللَّه إليه الأمانة لادارة أمورهم فى الحرب والجاسوسية والدبلوماسية، الخ. وتتداخل هذه الأعمال الإسلامية من الجانب النظرى مع الأخلاق العملية، ومع وصايا الحاكم أو الرئيس. وتكون غالبا على هيئة وصايا من الحاكم لولى عهده (كما فى حالة معاوية والمنصور). ولكن منها أيضًا ما يكون له قيمة عملية براجماتية. وفى هذا الصدد قد تعطى أمثلة من التاريخ. وبذلك فإن هذه

الأعمال مفيدة فى دراسة التاريخ الإسلامى والمبادئ العامة للسياسة الإسلامية ومؤسساتها والإدارة الإسلامية. ولهذه الأعمال قيمة فى إظهار الئقافة الإسلامية إذ فيها تلتقى روافد من الأخلاق والفلسفة والنظرة العملية، البعض منها ذو طابع إسلامى محض، لما تتضمنه من معان مثل استخلاف اللَّه للإمام [هو حاكم للرعية ومسئول عن تنفيذ أحكام الشريعة عند أهل السنة] واستحقاقه الجدارة فقط حين يحكم طبقا للشريعة، والبعض الآخر ليس إسلاميًا: فارسيا على صورة قصص العدالة والحكمة مستوحاة من الأباطرة الساسانيين أو وزرائهم، أو هندى الأصل كقصص الحيوانات التى وردت فى كتب على غرار كليلة ودمنة. أما الأثر الأقوى فقد كان يونانى الأصل متمثلا فيما روى عن أفلاطون وأرسطو، والإسكندر الأكبر الذى كان يعتبر تلميذأ للأخير، والذى كان مثالا للحكم الرشيد. فى الأدب العربى: يمكن أن يرجع هذا النوع من الأدب لنهاية الدولة الأموية، وبالتحديد عهد الخليفة هشام (105 - 25 هـ/ 724 - 43 م)، والذى فيه بدا الاهتمام بالتقاليد الفارسية فى الحكم. ويبدو أن السكرتير "الكاتب" الأول للخليفة، المولى أبو العلاء سالم قد وضع رسائل تتضمن، من بين مواضيع أخرى، نصائح فى سياسة الحكم تضمنت بصفة خاصة نصائح أرسطو إلى الاسكندر وعلى الأخص "كتاب فى السياسة العامية" الذى يبدو فيه الأثر اليونانى مع مسحة من الفارسى من المحتمل أن يكون الغرض منه عمليا فيما يتعلق بسياسة هشام، موجها للحكام الإقليميين فى خراسان حيث كانوا يواجهون الصعوبات. وقد كتب عبد الحميد بن يحيى الكاتب ذو الشهرة الواسعة، خليفة سالم فى ديوان الرسائل، كتابًا مطولا قصد به ولى العهد لآخر خليفة أموى، مروان بن محمد (127 - 32 هـ/ 744 - 50 م)، تضمن المؤهلات السياسية

والأخلاقيه للأمراء ومسئولياتهم، [. . . .] (*) بمقالة عن الاستعدادات الحربية. وعلى ذلك فيمكن إرجاع هذا النوع من الأدب لجيل كامل على الأقل قبل التاريخ الذى يؤرخ به ظهوره، بتتبع كتابات عبد اللَّه ابن المقفع (متوفى حوالى 140 هـ/ 454 م) الذى ينظر إليه من خلال تراجمه المعروفة عن البهلوية كقناة اتصال للتقاليد الساسانية فى الحكم. ويتضمن كتابه "رسالة فى الصحابة" الذى يبدو أن المقصود به كان الخليفة المنصور ثانى الخلفاء العباسيين، وبالتالى يكون قد كتبه فى حدود العامين الأخيرين من حياته وقد ضمنه المواضيع العامة فى السياسة والأمور العسكرية وخاصة العدالة فى ممارسة السلطة. كما يتضمن "كتاب الأدب الكبير" نصائح فى الجزء الثانى منه لابن الخليفة على ما يبدو، والثالث موجه لوزير الخليفة، مضمنًا الأصول العامة لمصاحبة الحكام، أما الرابع فللعاملين فى الدواوين الملكية، وأهمية العلاقات الطيبة فيما بينهم. وحينما كان ابن المقفع يركز على أهمية الحفاظ على تراث الأقدمين كان يعنى غالبا اليونانيين، وكذا التقاليد الفارسية التى ينتمى هو إليها، ومتأثرًا بالحياة السياسية التى اكتسب خبرته منها. واستمر هذا الأدب على مدى قرنين يتضمن هذه العناصر الأخلاقية المتعلقة بالحكم وتصريف شئون الدولة. وإلى عصر الأمون -الذى يعرف هو ذاته بشغفه بالعلم والترجمة- يعود العمل الجامع للقائد الخراسانى طاهر بن الحسين ذى اليمينين الذى يوجهه فى رسالة لابنه عبد اللَّه بمناسبة توليه حكم إقليم فى 206 هـ/ 821 م. والملاحظ هنا سيطرة الطابع الإسلامى المتمثل فى القرآن والسنة. والتقاليد العربية كالمروءة والحلم، ولا يلعب الأثر الفارسى إلا أثرًا ثانويًا، وهو ما يجعل هذا العمل، بالإضافة -لفصاحة بيانه، ذا شهرة وشعبية فى الأجيال التالية. على يوسف على [G.E. Boswouth] مراجعة د. محمود الشحات الجندى

_ (*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: مسح بالمطبوع

النصارى

النصارى " النصارى" أو "النصران" جمع نصرانى إلا أن الأخيرة "نصران" تعد من قبيل الجمع النادر، وقد وردت كلمة نصارى -وهى الكلمة التى يشار بها فى العالم العربى للمسيحيين- فى القرآن الكريم خمس عشرة مرة، ويرى معظم المفسرين والجغرافيين والمعجميين العرب أن الكلمة اسم منسوب لمدينة الناصرة Nazareh وممن تعرضوا لأصل الكلمة المستشرق جفرى Jeffery فى كتاب عن الكلمات الأجنبية فى القرآن الكريم The foreign vocabulary of the Quran (بارودا Barodc .1938، ص 280 - 281) وترجع هذه الكلمة (النصارى) إلى الاسم الذى أطلقه اليهود على المسيح عليه السلام وهو يسوع الناصرى، ومن ثم سمّى اليهود أيضًا العقيدة التى يدعو إليها بالعقيدة الناصرية، وهذا واضح من الفقرة رقم 5 من الاصحاح رقم 24 من أعمال الرُّسل (. . فإننا إذ وجدنا هذا الرجل مفسدا ومهيِّج فتنة بين جميع اليهود الذين فى المسكونة ومِقْدام شيعة الناصريين، وقد شرع أن ينجّس الهيكل. . .) وقد وصف القديس بول فى السياق نفسه بأنه مقدام (أى قائد) الناصريين (المسيحيين). فالنصارى أو الناصريين -إذن- هو أقدم اسم أطلق على المسيحيين، ويشهد بصحة هذا أن اللغة الأرمنية القديمة ما زالت محتفظة به، وما زال هذا الاسم مستخدما فى لهجة المالايالم Malayalam مع تحريف قليل، فالكلمة الدالة على المسيحيين فى هذه اللهجة هى Nazranikal وقد أطلقت على القديس توما الذى بشّر فى جنوب الهند. وقد حافظ القرآن (الكريم) على هذا المصطلح الأصلى (نصارى) والذى يسبق مصطلح (المسيحيين) الذى ظهر -للمرة الأولى- فى أنطاكية فى حوالى سنة 50 بعد الميلاد كما هو واضح من الاصحاح الحادى عشر من أعمال الرسل، فقرة 26 (. . ودُعى التلاميذ مسيحيين فى أنطاكية أولا). حقيقة إننا

نجد فى المصادر اللاحقة للفترة التى يطلق عليها فى التاريخ المسيحى فترة ما بعد الرسل Apostolic era (قبل الإسلام) قد جرى التفرقة بين مصطلحى (النصارى) و (المسيحيين) إذ أن لفظ النصارى كان يطلق -فقط- على اليهود الذين قالوا بأن المسيح عليه السلام هو ابن اللَّه ولكنهم مع ذلك ظلوا متمسكين بمختلف الشرائع اليهودية، وظلوا متمسكين بجوانب العقيدة اليهودية الأخرى. وذلك فيما يقول تيودور بارفونى Theodoro bar kuni فى فترة متأخرة فى حوالى سنة 800 بعد الميلاد. وتؤكد المصادر الإيرانية هذا التمييز بين مصطلحى (النصارى) و (المسيحيين) كما هو واضح فى نقش كارتير Kartir فى بخش رستم الذى يعود لحوالى سنة 286 م. وأكدت -أيضًا- المصادر اليونانية ذلك (انظر على سبيل المثال ما كتبه ماجنن J. M. Magnin فى دورية Proche Orient Chretien القدس، 1973 - 1978)، ولا تنكر المصادر السريانية هذا التمييز (Payne Smith, Thesaurus, cols. 1821 & 2444 & S P. Brock: same aspects of Greek words in Syriac, Gottingen, Sywposium on synkretismus im syrisch - persischen Kulturgebeit, 91 - 95). لكن المصطلح "نصارى" لم يرتبط فى القرآن الكريم -فيما يبدو- بطائفة اليهود المتنصرين الآنف ذكرهم Judaeco christians، وإنما المسألة لا تعدو استخدامًا للفظ قديم ظل حيًا على ألسن اليهود الذين كانوا يطلقون على المسيح عليه السلام اسم الناصرى، وكان اليهود أكثر عددًا من المسيحيين فى منطقة مكة (المكرمة) والمدينة (انظر الموسوعة اليهودية Encyclopedia Judaica، القدس، الطبعة الرابعة , 1978، جزء 12 عمود 1521) وقد حدث أن استخدم لفظ "النصارى" للعن المسيحيين فى الصلوات الرسمية التى يؤديها اليهود فى معابدهم (التفلا Tephilla) وقد عدَّل جمليل الثانى Gamaliel فى صيغ هذه اللعنات فى نهاية القرن الأول للميلاد J. Bonsirven: Le Judaisme palestinien au)

temps de Jesus christ, 11, Beauchesne, 1935, 146) ولقد أدّى تاثير بعض الجماعات التى توصف بأنها "نصارى" (على حياة محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] إلى القول بأن القرآن (الكريم) دعوة نصرانية، والفقرة الأخيرة (القرآن دعوة نصرانية) هو عنوان لكتاب ألفه الأستاذ حداد ونشر سنة 1969 م لكن أيا من النتائج التى وصل إليها لا يمكن الخروج بها من الاستخدام القرآنى لكلمة نصارى، فالكلمة فى القرآن الكريم تعنى المسيحيين بشكل عام الموصوفين فى كتب الملل والنحل باعتبارهم أقسامًا ثلاثة: النساطرة والملكانية واليعاقبة. وبالنسبة لكلمة مسيحى (وجمعها مسيحيون) فهى نسبة إلى المسيح (عليه السلام) وهى ترجمة لكلمة يونانية منسوبة -أيضًا- للمسيح، ويذكر السمعانى فى كتابه الأنساب أن هذه الكلمة لم تستخدم إلّا فى القرن السادس للهجرة/ الثانى عشر للميلاد، وكان استخدامها قصْرًا على المسيحيين أنفسهم. وقد تسمّى بعض المسلمين باسم المسيح أو نسبة إليه فى القرن الرابع الهجرى/ العاشر الميلادى، ومن ذلك أبو على محمد بن ذكريا المسيحى البغدادى، كما تسمت أسرة نسطورية فى بغداد أيضًا بالاسم نفسه "مسيحى". وعلى أية حال فحتى الكتاب المسيحيون يستخدمون كلمتى "النصارى" و"النصرانى" ويقصدون "المسيحيين" و"المسيحى" ويبدو أن سليمان الغزى (القرن السادس للهجرة/ أواخر القرن الحادى عشر للميلاد) هو الكاتب الوحيد -حتى هذه الفترة- الذى استخدم كلمتى "النصرانية" و"المسيحية" ككلمتين مترادفتين. وثمة مصطلحين آخرين هما (الروم) للدلالة على المسيحيين البيزنطيين، والمصطلح الآخر هو "الإفرنْج" وقد شاع بعد الحروب الصليبية للدلالة على المسيحيين الغربيين (فى مقابل المسيحيين الشرقيين أو البيزنطيين) وفيما يتعلق بنظرة المسلمين للنصارى كما وردت فى القرآن الكريم والحديث الشريف -بشكل عام- يمكن

مسيحيو شبه الجزيرة العربية والخليج

مراجعة مادة أهل الكتاب. أما فيما يتعلق بمسلك المسلمين إزاء غير المسلمين سواء فى الحياة اليومية أم من حيث موقف مؤسسات الدولة الإسلامية فيمكن مراجعة مادة أهل الذفة، ولمزيد من الإحاطة لعناصر الموضوع المختلفة يمكن مراجعة مادتى القبط، والملكانيين ومادة الروم، كما تعرضت بعض المقالات الأخرى لموضوع المسيحيين فى الدول الإسلامية مثل مادتى: الفاطميون والحاكم. لكل هذا فستقتصر مقالتنا هذه على تناول أوضاع الجماعات التى لازالت باقية من السريان الذين ينقسمون -كما هو معروف- إلى قسمين: السريان الغربيون أو اليعاقبة المنادون بالطبيعة الواحدة (Monophysitism) والتابعون لبطراركية أنطاكية، وكانوا متمركزين بشكل أساسى فى الشام الرومانية ثم البيزنطية فيما بعد وإن كان وجودهم قد امتد على نحو ما فى مناطق كانت تابعة لما كان يعرف بالإمبراطورية الفارسية. أما بالنسبة للسريان الشرقيين أو النساطرة أو النسطوريين فهم كاثوليكوس Catholicos (المترجم غير الكاثوليك المعروفين أو جاثليق وكان مركزهم المدائن (طيسفون) وكان إنتشارهم بشكل أساسى فيما كان يعرف بالإمبراطورية الفارسية (العراق وايران الحاليتين)، وكانوا أيضًا فى بعض مناطق شبه الجزيرة العربية بل وفى آسيا الوسطى. ووجدت أعداد منهم فى الهند والصين والتبت. مسيحيو شبه الجزيرة العربية والخليج: ظهرت مراجع حديثة تتناول هذا الموضوع، وإن كان هذا لا يمنع من أن المراجع التى سنوردها فيما يلى لازال لها قيمة غير منكورة: J. Ryckmans: le Christianisme en Arabie du Sud preislamique in l'oriente christiane nella storia, A cad. linccei, quaderno no 62 (rome, 1964) 413 - 453 C.Hechiiime, louis cheikho et Son Liure "le christianisme dans La Litterature Chretienne en Arabie avant l'Islam in Recherches, Institut de Lettres orientales de

Beyrouth, 2 nd series, XXXViii (Beirut, 1967) J.spencer Trimingham: Christiainty among the Arabs in pre - Islamic times, Beirut, 1973 (وهو كتاب توثيقى مهم، وإن كان يجب النظر بتحفظ لتفسيراته) Irfan وعرفان شاهد Byzantium Shahid in south Arabia, in Dumbarton Oaks Papers, XXXII, 1979, 25 - 94 وللمؤلف نفسه مبحث آخر بعنوان: Byzautium and the Arabs in the Fourth Century, Washington D.C., 1474 J. Beaucamp and Chr. Robin: le Christianisme dans La Peninsule arabique d'apres L'Epiqraphie et l'archeologie in Traveaux et Memoires. VIII (Paris, 1981) 45 - 61 G - Fiaccadori: Yemen Nosteriano in Studi in Onore di Edde Bresciani, Paris 1985, 195 - 212 إلّا أنه يمكننا أن نحدد منطقتين عُرفت منهما المسيحية فى شبه الجزيرة العربية قبل الإسلام أشار اليهما كل من بوكمب وروبن فى كتابيهما الآنف ذكره. أول هاتين المنطقتين فى الركن الجنوبى الغربى حيث المرتفعات اليمنية التى كانت فى ذلك الوقت تابعة لحِمْير (بكسر الحاء وتسكين الميم) وكان يقطنها فلاحون مستقرون يتحدثون لغة سامية مختلفة عن عربية جنوب شبه الجزيرة العربية بينما كان بقية قاطنى شبه الجزيزة العربية على البداوة ويشكلون قبائل ترتبط فيما بينها بروابط التحالف التى قد تتغير بين الحين والحين. لقد عرفت نجران ومأرب وحضرموت المسيحية خاصة بعد الغزو الأثيوبى البيزنطى للمنطقة فى القرن السادس للميلاد. وفى سنة 518 م -أى قبل الإسلام- تعرض هؤلاء النصارى لإضطهاد عنيف (انظر مواد: أصحاب الأخدود، ذو نواس، نجران، وانظر أيضًا دراسات عرفان شاهد)، وبالنسبة لمناطق شمال الحجاز والسواحل الغربية للخليج، وعمان وجزيرة سوقطرة فقد وصلتها الدعوة للمسيحية من الشمال حيث الحيرة أوْكَلَ الفُرس حكمها للعرب، وكان مسيحيو هذه المنطقة تابعين لأبرشية

(أسقفية) فارس. وقد كونوا منذ القرن الخامس للميلاد عددًا من الأسقفيات (مَشْمهيج، ودَيرْين، ومَازُون (فى عمان)، وهَجَر، ويمامة، وهتَّه "الخط" وسوقطرة) وغالبًا ما كانت هذه الأسقفيات المحلية ذوات نزعات انفصالية، لا تتفق مع رؤية الكرسى الأسقفى النسطورى فى المدائن (انظر فى هذا: J. M. Fiey, Dioceses syriaques Orientaux du Golfe Persique Memorial Mgr G.Khouri فى Sarkis, Louvain. 1969, 177 - 219 وأعيد طبع هذا المبحث فى: Communautes syriaques en Iran et Irak , des origines a 1552, Variorum Re prints, London, 1979 ومن الصعب أن نوجز الوضع المتغير لمجتمعات الساحل الشرقى، فقد تحول عدد كبير من أهل هذا الساحل للدين الإسلامى وكان ذلك -إلى حد ما- بسبب اثقال كاهلهم بالضرائب التى قدرت بنصف ممتلكاتهم فيما يقول البلاذرى وكما يتضح من رسائل البطريارك إيشوعياب، وكان هذا أكثر ما يكون وضوحًا فى البحرين وعمان (¬1)، وأشار المستشرق فيى لأفكار المؤلف نفسها فى مبحث Fiey له بعنوان Isho yaw le Grand (فى دورية المسيحية الشرقية Orientalia iodica Christiana, XXXVI, 2 باريس، 1970، ص 31 - 41) وظلت الاشارات إلى أساقفة هذه الأسقفيات حتى ما بعد سنة 676 م، وعلى أية حال فهناك ما يدل على وجود مسيحيين فى اليمامة والبحرين بين سنتى 893 م و 899 م عندما حكم أبو سعيد القرمطى لفترة وجيزة، وقد حظى المسيحيون فى ظله بمعاملة حسنة وحتى سنة 900 م كان لأسقفية ¬

_ (¬1) راجعنا فتوح البلدان للبلاذرى فلم نجد ما ذكره مؤلف المقال دقيقًا، ومن المعروف أن المسلمين لم يحصلوا من أهل الكتاب سوى الجزية وهى مقابل الحماية وإعفائهم من الخدمة فى الجيش الإسلامى: المترجم.

مسيحيو العراق فى قرون الإسلام الأولى

مَشْمهيج (سماهِجْ) أسقُفها المعروف (انظر فى هذا: J. Bcaucamp & Chr. Robin: Leveche de Mashmahidi dans L'archipel de Bahrayn (ve - lxe siecles)in Dilmun "Berlin 1983" 171 - 96 ويشير نص سريانى بتاريخ 1007 أن التنظيم الاكليريكى (الكنسى) لبلاد فارس ظل حتى هذا التاريخ مكونا من عشر أسقفيات فرعية، إلّا أن النص -لسوء الحظ- لم يذكر أسماءها وآخر أسقفية نسطورية فى سوقطره ورد ذكرها سنة 1283 م. وكان مسيحيو صنعاء ومناطق أخرى باليمن لا زالوا يتلقون الخدمات الكنسية من الأسقف فيما بين عامى 837 و 850 (Thomas of Marga, Liver des superieurs) جـ 4، الفصل 20). مسيحيو العراق فى قرون الإسلام الأولى: شهدت الأعوام التى سبقت -مباشرة- الفتح الإسلامى للعراق تغيرات مهمة فى أوضاع المسيحيين، فمنذ سنة 486 م كانت كنيسة "أرض فارس" قد أصبحت -من الناحية الرسمية- نسطورية. وعلى أية حال فإن بعض المنشقّين أعادوا إحياء مذاهبهم وبلورتها ونظموا أنفسهم فى تنظيمات هيراركيّة كنسية أسوة بدعاة الطبيعة الواحدة، إلّا أن نجاح هرقل فى الاستيلاء على كل شمال العراق سنة 628 - 629 أدى إلى حدوث تغيرات راديكالية فى الموقف، ففى ظل القوة العسكرية البيزنطية وتحت سطوة الوالى البيزنطى المتمركز فى تكريت، استطاع السّريان الغربيون من تأسيس مؤسسة دينية سُميت بعد ذلك مفريان Maphrian فى تكريت نفسها، وثمانى أسقفيات (أصبحت بعد ذلك عشرا) تغطى خدماتها كل القطاع الذى فتحه هرقل. ورغم أن هرقل كان -فى بلاده- متعاطفًا مع الملكانيين مضطهدًا لليعاقبة، إلَّا أنه فى المناطق المفتوحة (التابعة) كان يتبع سياسة مغايرة إذا

كان يشجع اليعاقبة ويتعاطف معهم ضد الكنيسة النسطورية المحلية التى احتفظت بصلاتها بالساسانيّين ومن هنا تمتع اليعاقبة بمزايا جديدة بينما فقد النساطرة ما كان لهم من تميُّز. وفى سنة 635 رحب النساطرة واليعاقبة -على سواء- بالفتح الإسلامى، وراح كل فريق منهما يسعى للحصول على تأييد المسلمين (راجع ما كتبه فيى Fiey فى بحوث المؤتمر العلمى الثانى لتاريخ بلاد الشام، عمان, 1987، ص 96 - 103) وراحت الفرقتان المسيحيتان المتنافستان تتهم كل منهما الأخرى بتحالفها مع السلطة الإسلامية، وثمة روايات قليلة عن إجبار بعض المسيحيين للتحول للإسلام، فالحقيقة أن فرض الجزية كان هو السبب الرئيسى لترك عدد كبير منهم لمسيحيتهم ودخولهم فى الإسلام، وكان عددهم كبيرًا لدرجة أن الحجاج بن يوسف الثقفى الذى كان يحكم العراق باسم الأمويين كان مضطرًا لمنع النبط السريان فى منطقة كسكر -واسط من الدخول فى الإسلام، بل واستغل أحاديث موضوعة لتحقيق هذا الغرض (انظر Fiey, Les Nabat de Kasker - Wasit dans Les Premiers siecles de L' Islam. In Musj 51, 1990, pp.51 - 87). (المترجم: راجع ما كتبه مستشرق أخر هوب. كرون Crone فى مبحثه عن الوالى المنشور فى هذه الدائره إذ ينكر تمامًا. وبأسلوب تحليلى رصين- دعاوى كاتب هذا المقال، فالحقيقة أن الحجاج وغيره من عمال بنى أمية كانوا يقاومون هجرة الفلاحين من أراضيهم لما فى ذلك من ضرر يحيق باقتصاد الدولة، واعتبروا الفلاح الذى يهجر أرضه هاربًا، ولم يعفوه من دفع خراج الأرض حتى لو هجرها، ويؤكد المستشرق نفسه أن التحول للإسلام لم يكن فى الأساس هروبًا من الجزية وإنما لأسباب أخرى بعضها اجتماعى، وبعضها متعلق بوضوح الدين الجديد وبساطته) ونتيجة المنافسات بين الطائفتين المسيحيتين آنفا الذكر، وكذلك نتيجة وساطة الطبيب سرجونا -

فى ظل العباسيين

تدخلت السلطات الإسلامية لتأييد الدَّعِى يوحنا المجذوم ضد البطريرك النسطورى حنانيشوع (685 - 700) ففقدت الأسقفية زعيمها الروحى طوال أربعة عشر عامًا (انظر فى هذا كتاب مارى: أخبار بطارقة المشرق، ص 63 - 64، ولصليبة كتاب يحمل العنوان نفسه، ص 59) ومن ناحية أخرى وجدنا الوالى خليل بن عبد اللَّه القسرى (وكان أبوه مسيحيًا) يؤيد البطريرك بثيون Pethion (731 - 740) (أنظر ما كتبه مارى فى الكتاب آنف الذكر، ص 66). وترسم لنا حوليات السريان الغربيين صورة أكثر قتامة لأحوال الفلاحين فى الشام (مسيحيين وغير مسيحيين) فى ظل خلفاء بنى أمية حيث تتردد -بشكل مستمر- الكلمة السريانية (Census) الدَّالة على فرض ضرائب جديدة لبناء القصور الضِّخام التى لا ينعم بها إلّا الأمراء أو شق القنوات لرى حدائقهم، ويصبح الحال أسوأ عندما يموت الخليفة ولما يكتمل مشروعه، أما الحوليات المسيحية فهى تروى الأحداث من وجهه نظر الشعب -على عكس الحوليات الإسلامية- لذا فهى لا تقدم لنا الصورة وردية دائمًا (انظر: Fiey, The Umayyads in Syriac Sources المنشور فى سجل أبحاث مؤتمر تاريخ بلاد الشام، عمان، 1989 جـ 2، ص 11 - 25). فى ظل العباسيين: لم يكن تقلص عدد المسيحيين فى ظل الدولة العباسية -ناتجًا- فى الأساس- عن أعباء مالية مفروضة عليهم، وإنما كان فى الأساس خاصة بين المتعلمين من أطباء وكتّاب بسبب بعض الضغوط الإجتماعية فقد كان المسيحيون يشغلون وظائف هامشية ولا يمكنهم الاندماج فى المجتمع بشكل كامل إلا إذا تحولوا للإسلام وكان هذا أمر، ضروريًا للاحتفاظ بالمنصب أو للوصول إلى مراتب عليا. وكان المسلمون ينظرون بعين الشك إلى أولئك الذين دفعتهم مصالحهم إلى إعتناق الإسلام كحنين بن إسحق (المتوفى 260 هـ/ 873 م) الطبيب الفيلسوف، وكان نسطوريًا، وابن كمونه اليهودى

المصادر

وكان كحّالًا (طبيب عيون) وفيلسوفًا (توفى 683 هـ/ 1284 م) (انظر: Fiey, Conversions des Juifs et de chre'tiens a L'Islam Sous les Abbassides. dans les Sources arabes et Syriaques فى سجل أبحاث المؤتمر الدولى السابع عشر للعلوم التاريخية، مدريد، 1990 م) وكان الخليفة المأمون نفسه يشك فى إسلام عدد من هؤلاء الذين دفعتهم مصالحهم لإعتناق الدين الجديد، ومهما يكن من أمر فإن نسل هؤلاء المسلمين الجدد تابع الإيمان بالعقيدة الإسلامية واندمجوا فى النهاية فى المجتمع الإسلامى. وفى بعض الأحيان كان العامة يحطمون بعض الكنائس أو ينهبونها نتيجة إشاعات مغرضة أو تقارير كاذبة عن قيام البيزنطيين بذبح الأسرى المسلمين أو عن انتصارات بيزنطية على المسلمين أو عن ممارسات قام بها -فيما بعد- الصليبيون، ومع كل هذا لا يمكن أن نزعم أن المسلمين قاموا بأية مذابح للمسيحيين. وعلى أية حال فقد بدأت أعداد المسيحيين تقل شيئًا فشيئًا وإن كان يجب التنبيه على أن أى دراسة ذات بعد إحصائى تعتمد على التمييز بين المسلم والمسيحى وفقًا للأسماء تعتبر غير مجدية فى هذه الفترة، فأسماء على وحسن وحسين كانت أسماء إسلامية ومسيحية على سواء (انظر: Names وحبيب زيات Habib Zayyat fore names and Surnames of Christians in Islam أسماء المسيحيين وألقابهم فى الإسلام. نشر فى دورية "الخزانة الشرقية" جـ 1، بيروت، 1952، ص 1 - 22). المصادر: وردت بالنص د. عبد الرحمن الشيخ [ج. م. فى J.M.Fiey] نصر، بنو بنو نصر ويعرفون أيضا ببنى الأحمر نسبة إلى محمد بن يوسف بن نصر بن الأحمر مؤسس آخر دولة إسلامية كبرى فى شبه جزيرة إيبريا وحكم مملكة فى أقصى جنوب أسبانيا وكانت عاصمتها مدينة غرناطة، ويقول إنه من نسل سعد بن عبادة الخزرجى

الصحابى، وعلى الرغم من أن هذه الأسرة ظهرت فى الوجود ليلة السادس والعشرين من رمضان 629 هـ (= 18 أبريل 1232 م) إلا أن ارتباطها بغرناطة بدأ فى رمضان سنة 634 هـ حين انتقلت إلى يد مؤسس الدولة الذى عُرف باسم محمد الأول، ولم تصبح غرناطة قاعدة للدولة إلا سنة 644 هـ (= 1246 م)، وبقيت العاصمة الحقيقية حتى انتهى حكم بنى نصر ليلة الثانى من يناير 1492 م. ونظرا لقلة المصادر العربية عنها لاسيما فى الأزمنة المتأخرة فلا بد لنا من الرجوع إلى المصادر النصرانية، ولقد توالى من هذه الأسرة ثلاثة وعشرون حاكمًا هم أبو عبد اللَّه محمد الأول الغالب باللَّه (629 - 671 هـ) وأبو عبد اللَّه محمد الثانى الفقيه (671 - 701) وأبو عبد اللَّه محمد الثالث (708 - 713 هـ) وأبو الجيوش نصر (708 - 713 هـ) وأبو الوليد إسماعيل الأول (713 - 725 هـ) وأبو عبد اللَّه محمد الرابع وأبو الحجاج يوسف المؤيد باللَّه وأبو عبد اللَّه محمد الخامس الغنى باللَّه (755 - 760 هـ) وأبو الوليد إسماعيل الثانى (760 - 761 هـ) وأبو عبد اللَّه محمد السادس الملقب بالغالب باللَّه والمعروف عند القشتاليين باسم el-Bermguo أى الأحمر فيسمونه el Reyt Bermejo أى الملك الأحمر وقد امتد حكمه سنتين فقط (761 - 763 هـ) ثم جاء أبو الحجاج يوسف المعروف بالمستغنى باللَّه (793 - 794 هـ)، وأبو عبد اللَّه محمد السابع ثم أبو الحجاج يوسف الثانى الملقب بالناصر لدين اللَّه (810 - 820 هـ) فأبو عبد اللَّه محمد الثامن المستمسك وتسميه المراجع الأسبانية بـ Pequeno أى الصغير فأبو عبد اللَّه محمد الغالب باللَّه الأيسر والمنعوت باسم el Zurdo فأبو الحجاج يوسف بن المُول فأبو عبد اللَّه محمد الأحنف الذى يرد فى المراجع الأسبانية باسم el Coin أى الأعرج، فيوسف الخامس بن أحمد بن إسماعيل فمحمد الحادى عشر المسمى أى التابع الصغير فأبو نصر سعد المستعين باللَّه ويعرف باسم CIRZA فأبو عبد اللَّه محمد الثانى عشر المعروف باسم BOABoll فمحمد سعد الزَّغل (أى الشجاع).

قيام دولة بنى نصر

قيام دولة بنى نصر: حدث فى أعقاب وفاة أبى يعقوب يوسف المستنصر سنة 620 هـ (= 1224 م) دون أن يخلف ولدًا قيام نزاع أسرى أدى إلى تدهور الإدارة المركزية فى الأندلس، رافقه ظهور بأس بنى مَرْدنيش فى بلنسية وبنى "هود" فى مرسية إلى جانب استحواذ فرديناند الثالث صاحب قشتالة على ناج ليون سنة 1230 م، وقد أخذت جيوشه تتوغل منذ سنة 1231 م فى الولايات الإسلامية حتى أمكنها الإستيلاء على قرطبة (632 هـ = 1236 م) ثم أشبيلية (646 = 1248 م) وأدى ضياع هاتين المدينتين الكبيرتين إلى أنه لم يبق للإسلام قوة فى الوادى الكبير، كما انحسرت السيطرة الإسلامية الفعالة إلا عن جزء صغير من شبه جزيرة أيبريا. فى هذه الظروف تأسست دولة يرجع الفضل فى تبوُّئها دروة القوة إلى مجهودات محمد (الأول) بن يوسف ابن نصر، وقامت هذه الأسرة فى أرجونة التى لم تكن تزيد عن كونها بلدة صغيرة على حدود نهر الوادى الكبير الجنوبية، ولا تبعد عن "جِيّان" أكثر من ثلاثين كيلو مترا، واستطاع محمد بن يوسف هذا أن يمد حدوده حتى بلغت وادى آش" Yuadut كما وصلت إلى تخوم غرناطة وبياسة Baeya على الساحل الشمالى لنهر الوادى الكبير، ولقد وجدت دولة بنى نصر معاونة من جانب أسرة عربية أسبانية هى أسرة بنى "أشْقِيلولة" التجيبية المعروفة فى المراجع القشتالية باسم escayola واستطاع محمد بن يوسف بفضل مساعدة هذه الأسرة له، وبفضل المصاهرات أن يصبح حاكم "أرجُونة" وأن يطلب إليه أشراف غرناطة أن يتولى أمر مدينتهم وذلك سنة 634 هـ (= 1237 م)، وقد اشتهر محمد بن يوسف بن نصر هذا فى مستهل حياته بأنه رجل "دعوة" دينية جذب بها الجماهير إلى جانبه، ونجح فى أن يضم إلى جانبه من أصبح يده اليمنى وهو على بن أشْقيلُولة"، كما استطاع أن يجعل المالكية يقفون إلى جانبه، ثم أراد الاستقلال بالأمور وجعلها فى أسرته بنى نصر فأعلن فى سنة 655 هـ (= 1257 م) أن وَلِيىّ عهده هما ولداه محمد ويوسف، وقد أسفر ذلك عن نزاع بين أسرته وبين

بنى "أشقيولة الذين استقلوا بالحكم فى مالقة وباعدوا ما بينهم وبين إمارة غرناطة، وانتهى الأمر أخيرًا بتمرد مالقة على غرناطة، وأخذ القشتاليون يشجعون كل طرف الآخر، ولقد تضاءل نفوذ بنى "أشقيلولة" بظهور فترة قشتالة، وبعد عشر سنوات من سقوط قرطبة فى يد فرديناند سعى ابن نصر لمسالمة فرديناند إذ أعلن خضوعه له وتعهد بدفع جزية سنوية كبيرة له، بل إنه ساهم فى الهجوم القشتالى الذى انتزع إشبيلية من يد الإسلام، ومات محمد الأول سنة 671 هـ (= 1273 م) دون أن يحرز أى نصر حربى أو يضم أرضا إلى مملكته. فلما خلفه محمد الثانى المعروف بالفقيه (وكان فى أخريات الثلاثين من عمره) سعى لضرب بنى "أشقيولة" وخاف فى الوقت ذاته من قشتالة فعقد معها صلحا تعهد فيه أن يدفع لها ثلاثمائة ألف درهم مروانية سنوية، ثم التفت هو وبنو أشقيلولة إلى طلب المعونة من سلطان بنى مرين أبى يوسف يعقوب، فاستجاب السلطان لكل منهما واستولى على طريف والجزيرة الخضراء بحملة بحرية كبيرة واتسمت حملته بالجهاد وأنزل الهزيمة الساحقة بأعوان الفونسو حتى لقد هلك أحد كبارهم واسمه "نينو جونزالتز" ولم يكتسب محمد الثانى كثيرًا من بنى مرين الذين رآهم يعاملونه معاملة تزرى به فترك الجزيرة الخضراء مجللًا بالعار، أما بنو أشقيلولة فقد أسلموا "مالقة" لحاكم مرينى. ولقد صادفت غرناطة فى أبريل 1285 م مشلكة كبيرة، ذلك أن أبا يوسف تلقى استغاثة من "بنى أشقيلولة" لمعاونتهم ضد شانجة الرابع (الذى تولى بعد موت الفونسو سنة 1284 م) فاستجاب لهم أبو يوسف وعبر العدوة محاربًا شانجة الذى أجهده القتال فسعى للصلح بعد بضعة أشهر من الحرب فتم له ما أراد وقبل أن ينسحب من مناطق غرناطة، أما الحاكم المرينى الجديد أبو يعقوب يوسف فقد واجهته بضعة مشكلات داخلية فى المغرب ومن ثم عقد الصلح مع بنى نصر، وشهد مطلع عام 686 هـ (= 1288 م) نهاية بنى أشقيلولة. ثم أصبح هدف محمد الثانى يتركز فى السيطرة على مضيق جبل طارق

وإضعاف قوة بنى مرين فى أسبانيا ورأى أن تحقيق ذلك يتم بتوسيع هوة الخلاف بين القشتاليين وبين المرينيين فى "طريف"، ومن ثم اتبع سياسة تكوين حلف ضد بنى مرين يضم كلا من غرناطة وقشتالة وأرجونة وتلمسان ولما نجح شانجة فى أكتوبر 1292 م فى الاستيلاء على "طريف" بمعاونة الاتفاق بينهما فيسلمه "طريفا" فلما لم يفعل شانجة ذلك راح محمد يلتمس مساعدة بنى مريين لحصار طريف من جديد، ولكنه فشل فى مسعاه هذا، واضطر أبو يعقوب فى 694 هـ (= 1295 م) أن يسحب كل جيوشة وأسلم لمحمد كل المعاقل المرينية فى شبة الجزيرة العربية وأصبح همَّ محمد الآن أن يملأ الفراغ، ولكن انقلبت الأمور ضده حين شبت ثورة استمرت عامًا كاملًا وقد تزعمها بنو الحكيم من أهل "رُنْدَة" وانتهت بقبوله إلا يبقى أحد من بنى نصر فى تلك المنطقة. ولما مات شانجة فى أبريل 1295 م وتولى ابنه فرديناند الخامس مكانه وكان لا يزال صبيا حدثت منازعات أدت إلى قيام محمد بحملة على النواحى الشمالية استولى فيها على القيجاطة" Ouesada فى ختام 1295 م ثم "القَبْذاق" Alcaudete فى يونيو 1300 م، وإذا كان قد مات فى شعبان 701 (أبريل 1302 م) فقد مات بعد أن عقد معاهدة مع أرجونة اعترفت فيها بحق غرناطة فى امتلاكها لطريف وغيره من الأماكن، وكان يعد العدة لحملة جديدة على قشتالة. ولقد ورث محمد الثالث عهدا ينذر بالخطر، ومن ثم كان يؤثر السلم الذى كان فى صالح غرناطة، وإن أدى به إلى تبعية دامت ثلاث سنوات وأصبح فَصلًا لقشتالة واتفقت الدولتان القشتالية، والأرجونية سنة 1308 م فى معاهدة قلعة "الحنش" على أن يتقاسما فيما بينهما مملكة غرناطة. أما سياسة محمد الثالث تجاه بنى مرين فقد اتسمت بعدم الاكتراث بهم، وتمكنت قواته فى سنة 1306 م من الاستيلاء على "سبته" كما أخرج "بنى العَزَفى" إلى غرناطة ونادى بنفسه الحاكم المطلق على سبتة عام 1307 م وأصبحت له السيطرة على المضيق إلا

أن ذلك أثار بنى مرين الذين كانوا قد تخلصوا من أعباء حربهم مع تلسمان (مايو 1307 م) كما أثار القشتاليين والأراجونيين فتكاتفت هذه القوى الثلاثة ضده، فاضطر محمد للارتداد إلى حصن المنكب، وأُغتيل وزيره ابن الحكيم فى مارس 1309. ثم تولى حكم المملكة أبو الجيوش نصر وكان فى الثانية والعشرين من عمره، ووجدت غرناطة نفسها مضطرة لأن تقاتل للإبقاء على حياتها، ورافقه الحظ إذ أحل السبتيون بنى نصر محل حكم بنى مريين، وأظهرت فاس استعدادها لقبول شروط بنى نصر للسلم والموادعة، وساعد على ذلك غزو قشتالة لجبل طارق فى سبتمبر 1309 م فانتقلت الجزيرة الخضراء ورندة وما ينصبهما إلى بنى مرين، ولما كان منتصف نوفمبر 1309 م غادرت كتيبة قشتالية حصار الجزيرة الخضراء كما أعلن فرديناند الرابع قبوله لشروط نصر فتعهد بدفع الجزية له وأن يرد إليه بعض المعاقل التى على الحدود التى كانت قد أخذت من قشتالة، وعقدت معاهدة فى يناير 1310 م تعهد الأرجونيون بمقتضاها ألا يعودوا قط للأغارة على غرناطة، ولقد انتهى كل عدوان قشتالى فى سبتمبر 1312 م بموت فرديناند. على أن واحدًا من أقارب نصر اسمه إسماعيل قام فى الحادى والعشرين من شوال 713 هـ (= فبراير 1314 م) بخلعه عن العرش وكان إسماعيل هذا ابن حاكم مالقة. وأخذ إسماعيل هذا الذى عرف بالثانى مقاليد الأمور فى يديه ولكن نصر مضى يعد العدة لاسترداد مُلكه حسب اتفاقية قشتالة، ومن ثم جاءت حملة قشتالية إلى وادى أش فى صفر 716 هـ = أبريل 1316 م معترضة العسكر الإسلامى الذى كان بقيادة القائد المرينى عثمان بن أبى العُلاء احتدم القتال بين الجانبين عند وادى فرْتونة وأخذ المسيحيون يقتربون على غرناطة التى أخذت تستعيد سيطرتها على المضيق بفضل التعاون البحرى من جانب حاكم سبته العَزَفى يحيى بن أبى طالب، لكن قشتالة شنت هجومًا على غرناطة، وتمكن "دون بدرو" و"دون جوان" الوصيان على الصغير

ألفونسو الحادى عشر من أن يصلا إلى أسوار المدينة، وشبت معركة دارت الدائرة فيها على قشتالة وقتل فيها الأسبانيان الوصيان فى وقعة "فجة" ويرجع الفضل فى ذلك إلى القائد المرينى عثمان أبى الغلا، وقبلت قشتالة -إذا لم يعد لها من قائد- إمضاء معاهدة لمدة ثمانية أعوام، وما لبث "نصر" أن مات فانعدم كل تهديد من جانبه لإسماعيل الذى مضى يدعم مركزه على الحدود فاستعاد بعض الأماكن هناك مثل بازة ووشقة، ولكنه مالبث أن قتل فى شجار بينه وبين ابن عمه محمد بن إسماعيل وإلى الجزيرة الخضراء. ثم جاء للحكم أبو عبد اللَّه محمد السادس المعروف بالغالب باللَّه وكان أكبر أربعة أولاد لإسماعيل ولكنه كان صغيرًا فحكم تحت وصاية وزير أبيه القوى ابن المحروق الذى سرعان ما اشتبك فى صراع عنيف مع عثمان بن أبى الغلا، وانتهى صراعهما هذا باغتيال الوزير بأمر الملك فى رمضان 729 هـ. ولما بلغ الفونسو الحادى عشر السن فى سنة 1327 م خاف من تفاقم خطر القوات المغربية فى أسبانيا فقامت قشتالة وأرجونة بالاتفاق مع نفارة وبوهيميا وإنجلترا وفرنسا بالإعداد لحملة صليبية ضخمة ضد غرناطة، غير أن ماكان من شقاق بين بعضها والبعض الآخر عمل على ضعف الحملة وأن خرجت فى ربيع 1329 م غير متحمسة للقتال، ووجدت قشتالة نفسها وحيدة فى الحرب وقد استولت على بعض المعاقل الشمالية ومن ثم كان التماس المسلمين المعونة مرة أخرى من بنى مريين وأمكن استرداد جبل طارق من قشتالة فبادر الفونسو الحادى عشر فأمضى إتفاقية فى أغسطس 1330 م مثلما فعلت أرجونة قبل ذلك بشهر واحد ولقد اغتيل محمد فى طريقه عودته من جبل طارق يوم الخامس والعشرين من أغسطس 1333 م، اغتاله أبو ثابت وإبراهيم ولدا عثمان بن أبى العُلا. وإذ ذاك نودى بيوسف الملقب بأبى الحجاج والمعروف بالمؤيد باللَّه وكان أصغر أخوى محمد الرابع، وكان أول عمل قام به هو إخراجه أبا ثابت الذى كان "شيخ الغزاة وأحل محله رجلا مِن بنى مرين اسمه يحيى بن عُمر بن رَحَّو.

ولقد تمت فى أوائل عهد يوسف اتفاقية مع قشتالة مهدت السبيل لإتفاقية ثلاثية بين قشتالة وغرناطة وفاس (1334 م) وكان من الأحداث ما جرى فى أبريل 1340 م من هجوم أدى إلى تحطيم الأسطول الإسلامى فى خليج الجزيرة الخضراء، وقام أبو الحسن بحصار طريف، وكانت وقفة "سلادو" نكبة إسلامية إذ اندحرت خيول المسلمين الخفيفة، فخاف أبو الحسن وفر إلى غرناطة، وجرت مناوشات وحروب، ثم عقدت هدنة مداها عشر سنوات إلا أن الفونسو نقض هذه الاتفاقية سنة 1349 م فى محاولة للاستيلاء على جبل طارق ولكنه مات بالموت الأسود قبل بقية رجاله فى مارس 1350 م، فبادر ولده "بدرو" الأول وتوصل إلى اتفاق مع يوسف إلا أن أيام يوسف كانت معدودة فقد حدث فى أول شوال 755 (= 19 أكتوبر 1354) أن طعنه مجنون فى جامع غرناطة الكبير طعنة أودت بحياته. وتولى مكانه ولده محمد الخامس وكان أكبر أبنائه، وكان فى السادسة عشرة من عمره فقام بالوصاية عليه حاجب أبيه القوى رضوان الذى كان فى خدمته الشاب الموهوب ابن الخطيب، وأصبح هدف غرناطة الأكبر توفير السلام العام لذلك رحب محمد بفكرة رفع الجزية إلى "بدرو" الأول، مما عمل على الإسراع فى إقامة العلاقات الودية بينه وبين قشتالة، إلا أنه لم يصادف مثل هذا التوفيق والنجاح السريع مع أرجونة، والسبب فى ذلك أن "بدرو" الرابع آثر الحرب فاشعلها على حدود بلاده، وعلى الرغم من ذلك فإن إصرار غرناطة فى سيادتها أدى فى سنة 1358 م إلى تحسين العلاقات بين الجانبين مما أفضى إلى إمضاء اتفاقية موادعة بينهما، كذلك غرناطة حريصة كل الحرص على توثيق روابط المودة مع فاس التى كانت تحت حكم أبى غبان المرينى، فأرسل محمد سفارة على رأسها ابن الخطيب إلى سلطان فاس (سنة 755 هـ = 1354 م) وإذا لم تسفر هذه السفارة عن تحقيق مرماه الكامل إلا أنه فى سنة 760 هـ وجه أبو سالم المرينى ملجأ له فى غرناطة وتلا ذلك تحالف بين بنى نصر وبين مرين، غير أن الوفاق مع أرجونة انتهى

سنة 1385 م والسبب فى ذلك أن علاقات محمد الخامس الخاصة مع قشتالة أرغمته على أن يقف إلى جانب "بدرو الأول" لما كانت سنة 1359 وجد الأسطول القشتالى وقد أضيف إليه ثلاثة شوانى غرناطية تسهيلات فى ميناء مالقة، وكان الأمير محمد على وشك التحرك للهجوم على أرجونة برًا ولكنه زُحزح عن العرش بسبب ثورة بالقصر فى رمضان 760 هـ (أغسطس 1359 م) قام بها ضده أخوه غير الشقيق إسماعيل بن مريم أرملة يوسف وكانت مريم امرأة شديدة الشكيمة ووجدت التأييد والعون من زوج ابنتها أبى عبد اللَّه محمد المعروف عند النصارى بال: el Bermejo، ففاجأت مريم القصر بهجوم عنيف وقُتِل فى هذا الحادث رضوان وكُتِبت النجَاة لمحمد الخامس إذا كان فى هذه اللحظة خارج الحمراء ففَّر إلى وادى أش ثم إلى فاس Fea وذلك فى نوفمبر 1359 م ووجد الحماية فى بلاط أبى سالم. وتولى الحكم إسماعيل (أبو الوليد) الثانى الذى لم تطل مدة حكمه غير أشهر قلائل وكان إسماعيل هذا ضعيفًا ليس فيه ما يحمل أحدًا على احترامه، وإذا كانت كراهية ابن الخطيب له لم تضرّه إلّا أن الخطر جاءه من ناحية أخرى فقد بادر "البرميخو" أبو عبد اللَّه محمد فأخذ الأمور فى يده، ثم عمد إلى اغتياله وذلك فى 8 شعبان 761 هـ (= 24 يونيو 1360 م). كان محمد السادس "البرميخو" رجلًا خشنًا فى مظهره وعاداته ولم يكن أحسن من محمد قبولًا فى البلاط، وبدأ بمنع الجزية المتفق على دفعها لقشتالة، لذلك فإنه ما كاد بدرو الأول يهزم الأرجونيين فى "ناحرة" سنة 1360 م ثم يعقد معهم اتفاقية "تيرير" Terrer فى مايو 1361 م حتى التفت إلى محمد الخامس الذى كان ساعده فى الرجوع من فاس وإقامة حكومة فى "رنده" المرينية 763 هـ ولقد بدأ محمد الخامس ولايته الثانية فى جمادى الأولى 763 هـ وامتد حكمه ثلاثين عامًا وجنح فى معظمها إلى الهدوء ونعمت غرناطة بأطول فترة من الهدوء شهدتها فى تاريخها، ولما قام "بدرو

الأول" بمحاربة الثوار الذى كان يقودهم أخوه "أتريك تراستامارا" بعث محمد بطائفة من الفرسان إلى قشتالة لمعاونة "بدرو الأول" فى فتح "نيرويل" سنة 1363 م، إلّا أنه لم يقدر النصر وكانت الغَلبة لأنريك الذى نودى به يوم 16 مارس 1366 م حاكما على قشتالة واضطر بدرو الأول مغادرة بلده وخاف محمد من هجوم النصارى على "المرية" فبعث فى طلب النجدة من أفريقية التى وافته لكنها لم تحقق رغبته ومن ثم شجب محمد محالفته مع "بدرو" وتحول إلى جانب "أتريك" الذى عرف بأنريك الثانى وعقد معاهدة صلح مع أرجونة فى رجب 768 هـ، غير أنه مات فى آخر هذه السنة. عاد بدرو الأول إلى قشتالة يعاونه "الأمير الأسود" الإنجليزى وحينذاك نقض محمد خلفه السابق وساهم مع قوات قشتالة واش تخريبًا فى "جيان" ونهب بعض البلدان الأخرى وأن فشل فى الاستيلاء على قرطبة ومن ثم عاد إلى غرناطة إلا أن بدرو الأول مات فى مارس 1369 م ورجع أنريك الثانى فرأى محمد موارثه وعقد معه يوم 31 مايو 1370 م إتفاقية السنة فى عقد اتفاقيات ومعاهدات أتاحت لغرناطة فرصة طويلة من الهدوء والإستقرار والوفاق مع نجيرانها النصارى لكن ذلك العهد زال بموت أنريك الثانى سنة 1379 م حيث عادت الخصومة بين غرناطة وقشتالة إلّا أن انشغال جوان الأول ابن أنريك الثانى بمحاربته البرتغال وإنجلترا أثر السلم فأبرم مع محمد إتفاقية صلح تجددت سنة 1390 م. ولقد إمتاز عهد محمد بعدئذ بظاهرتين أولاهما تحطيم تحصينات الجزيرة الخضراء القوية والأخرى استعانته بقائد من "الغزاة" المغاربة ولم يبق أمامه سوى العمل على استرداد جبل طارق من أيدى بنى مرين، وقد تحقق له ذلك سنة 1374 م، ولقد تسرّب الخوف إلى نفس وزيره الأكبر إبن الخطيب الذى كان هواه مع بنى مرين فدبر الهروب من البلاد سنة 773 هـ (= 1371 م) واللجوء إلى فاس إلا أن خصمه القديم "إبن زَمْرَك" رماه بالهرطقة فسُجِن ومات فى حبسه 776 هـ.

ومات محمد الخامس سنة 793 هـ وهو فى ذروة قوته، بعد أن أتاح لغرناطة فرصة الإستقرار والطمأنينة ساعدتها على أن تنعم بالرخاء والرفاهية وتقدمت العلوم والفنون فى زمنه. تولى بعده أكبر ولده يوسف الثانى أبو الحجاج المعروف بالمستغنى باللَّه (793 - 794 هـ) الذى سيطر عليه خالد وزير أبيه، وقد أمر خالد بسجن أخوى يوسف ودس لهما السم فماتا بتدبيره، كما ألقى القبض على ابن "زَمْرك" فى المرية، ثم ترامى إلى سمع يوسف الثانى أن خالدًا يعتزم زجه فى السجن فبادر هو فأمر بذبحه فى حضرته، وإذا كانت الممالك النصرانية لم تعد فى يوم مصدر خطر إلا أنه فتح الباب الذى هبت منه على البلد رياح الإضطرابات، ثم ما لبث هو أن مات يوم 16 ذى القعدة 794 هـ. وحينذاك خلفه أصغر أولاده محمد السابع أبو عبد اللَّه (794 - 810 هـ) الذى أراد الإستفادة من المنازعات الموجودة فى بلاط أنريك صاحب قشتالة (1390 - 1406 م) فأغار على مدينة "كرافاكا" فى إقليم "لورقة" سنة 1392 م، وحدث بعد ذلك بعامين أن تم إعداد حملة صليبية شعبية ضد غرناطة بقيادة "مارتن البربودى" ولكنها انتهت بكارثة للنصارى، وأخذ كثير من أتباعه فى أقاليم الحدود ليثنون غارتهم، رأى "أنريك" أن يهاجم غرناطة ومعه أرهونة التى لم تتحمس لمشروعه هذا، فرّد عليه محمد فى سنة 1405 م بالهجوم على الحدود الشرقية ونجح فى الإستيلاء على "أيامونت"، القريبة من "رنده" ثم إنتهى الأمر بإمضاء معاهدة عدم اعتداء بين الجانبين، غير أن تطور الأحداث إلى ما هو أسوأ أدى بانريك لاعداد حملة ضد غرناطة، ورغم موته فى ديسمبر 1406 م إلا أن أخاه سفرناندو" وأرملته "كاترين" الانجليزية الوصيين على ولده الطفل "جوان" الثانى تابعًا خطته، وكان ثمة قتال بين المصافيين إنتهى باتفاقية صلح بينهما فى 1408 م، وما لبث محمد أن مات فتدهورت مكانة غرناطة وقوتها إزاء قشتالة.

ثم جاء بعده يوسف الثالث أبو الحجاج المعروف بالناصر لدين اللَّه (710 - 820 هـ) وحينذاك أجمع فردناندو عزمه على أن يدخل على المسلمين فى عقر دارهم فحاصر بلدة "انتكويرا" حصارًا شديدًا ولم ينجح المسلمون فى محاولتهم المفاوضة معه بشأنها واستمر الحال على ما هو عليه بين الجانبين، ثم اضطر يوسف لإرضاء عدوه بتسليمه البلدة المحاصرة، وأعقب ذلك فترة سلم نسبى بين غرناطة وجيرانها، واستمرت هذه الفترة حتى 1428 م. ولقد مات يوسف الناصر لدين اللَّه يوم التاسع من نوفمبر سنة 1417 م بعد عام من وفاة عدوه فرناندو وقبل سنة من موت الوصية "كاترين اللانكسترية" التى كانت غرناطة تحمل إليها الهدايا بدلًا من الجزية. ونوجز تاريخ مملكة بن نصر من 810 هـ (= 1417 م) حتى سقوطها سنة 897 هـ (= 1492 م)، وقد اتسم هذه التاريخ بانشقاق كبير فى البيت الحاكم نفسه فقد قام محمد التاسع السرّاج بخلع محمد الثامن بن يوسف وكان طفلًا فى الثامنة من عمره، وأصبح الحكم تارة فى يد هذا وتارة أخرى فى يد الآخر حتى انتهى الأمر بعد ثلاث مرات من تناوب الولاية فى يد محمد التاسع وإن تخللته فترات قصيرة كان الحكم فيها فى يد غيره. ولقد استطاعت غرناطة فى الأربعينيات من القرن الخامس عشر الميلادى أن تحرز بعض الانتصارات، إلا أن قوة قشتالة كانت تتزايد فى هذه الفترة، مما أرق خاطر غرناطة التى نجحت فى التوصل إلى هدنة مدتها ثلاث سنوات، غير أن ما أصاب قشتالة من انقسام داخلى قوى ساعد بنى نصر الذين اعتبرت سنوات 1440 م وما بعدها سنوات إنتصار حربى لهم، فقد استردوا معظم ما كان قد سلبه منهم فرناندو فى الشرق كما بلغت جيوشهم أبواب أشبيلية، ولما رأى جوان الثانى ما تم من التحالف بين نفارة" وغرناطة ألتمس من محمد التاسع عقد معاهدة بينهما فأجابه إلى ما ألتمسه حتى ينصرف هو إلى يوسف الخامس الذى

كان لائذًا بمالقة، كما أن جميع القوى المسيحية تعاونت فما بينها وتناست خلافاتها مع بعضها وصدوا تقدم الغرناطيين صدا عنيقا سنة 1452 م فى معركة قريبة من "لورقة". ولما مات محمد التاسع تنازع على العرش أكثر من واحد وراحت القوى النصرانية يناصر كل منها واحدًا من المتنازعين لصالحها الخاص فأما المسلمون فقد امتد سلطان سعد بن أخى يوسف الثالث من أرشذونه حتى حدود رندة غربا، أما محمد الحادى عشر فحكم غرناطة ومالقة والمرية، ولم يكن معنى ذلك استقرار الأمور بل لا زال الاضطراب والفوضى منتشرين، مما أدى إلى استسلام جبل طارق إلى أمراء قشتالة الاقطاعيين. وأخذت الأمور تسوء وتتعقد، حتى إذا كان فبراير 1482 م استولى النصارى على "الحامة" التى تسيطر على الطريق الواصل ما بين غرناطة ومالقة ورندة، وكان ذلك أول خطوة حاسمة فى طريق النصر النهائى المسيحى، ولم تنجح محاولات أبى الحسن فى استرداد الحافة فى المدة ما بين فبراير ويوليو إلا أنه نجح فى منتصف هذا الشهر الأخير إلا أنه وقع ضحية مؤامرة بالقصر دبرها قائد فريق بنى السراج "يوسف بن كماشة" الذى أحل محله ولده عبد اللَّه (الذى عرف بمحمد الثانى فلما لم يستطيع استرداد غرناطة مضى إلى مالقة مع أخيه محمد بن سعد (المعروف بالازَّغَلْ) واتخذ من هذه المدينة عاصمة له، ولهذا انقسمت المملكة إلى قسمين أحدهما تتألف من غرناطة والمرية فى الشرق، والآخر من رنده ومالقة فى الغرب، ولما كان حارس 1483 م دارت الهزيمة على الغزاة القشتاليين فى الناحية الواقعة إلى الشرق بين مالقة، مما جمل أبا عبد اللَّه على الأندفاع من غيبر تفكير اندفاعًا معه الصفوة من كبار ضباطه حتى أنه هو نفسه وقع فى الأسر مما ساعد أبا الحسن على العودة إلى غرناطة إلا أن الأمر لم يستتب له فخلعه القوم عن العرش فى مطلع 1485 م وحل مكانه محمد الزَّغَل، ومضوا به إلى حصن

المنكب فوافاه أجله هنا، وعرف محمد الزغل بمحمد الثالث عشر والذى تولى مكان أخيه أو كما يقول المؤرخون "استولى على المُلك" بَعْدَهُ، لكن مالبث الفقهاء أن أصدروا فتوى بعدم شرعية أبى عبد اللَّه فى حكم البلد، وانتهى الأمر بمحمد الزغل أن باع كل أملاكه سنة 1490 م وأبحر إلى "وهران" فى المغرب، وكان العقد الأخير من حكم بنى نصر قد شاهد اتحاد الملوك الكاثوليك للتغلب على كل المنازعات التى بين بعضهم والبعض الآخر ونجاحهم فى جعل رعاياهم يسعون وراء غاية واحدة على حين أن المنازعات الأسرية كانت على أشدها فى عائلة بنى نصر، كما أن من كانوا خارج نطاق هذه الأسرة كانوا لا يعرفون معنى الإتحاد ونقصد بهم التجار والمزارعين والفقهاء أصحاب النفوذ فى الأمة على أن أشد الأمور خطورة كان الشقاق بين "بوعبدل" أبى عبد اللَّه وبين "الزَّغَل" مما أدى إلى أن تصبح غرناطة ذاتها فى سنة 1486 م ساحة مغطاة بالدماء، وتشهد صراعا مريرًا، وكان أقرب الاثنين إلى قلب قشتالة "بوعبدل" لأنه كان أكثر إستعدادا للتعاون معها عن "الزَّغَل" الذى كان فى الواقع محاربًا وأشد مراسًا فى القتال من الآخر إلى جانب أنه كان المدافع الحقيقى عن الإسلام ومصالحه والخلاصة أن قشتالة استغلت كل الإنقسامات الداخلية فى معسكر بنى نصر ووظفتها لصالحها، فقد ظلت محتفظة بجيش قوى ثابت، وفرسان تتزايد قوتهم وعددهم يوما بعد يوم، هذا إلى جانب ما عمدت إليه من استنزاف مواردها عددها الاقتصادية والنفسية بتخريبها أراضيه الزراعية، وبالإضافة إلى ذلك فإن المغرب لم يعد قادرًا على نجدة بنى نصر بما يعينهم فى محنتهم، وذلك لما اعترى المغرب تدهور وضعف، واستنجدت الأندلس بمصر المملوكية فما استطاعت أن تقدم شيئا من العون أكثر من التدخل الدبلوماسى وإبداء حسن النية ولم يكن الأمر لسقوط مملكة بنى نصر إلا مسألة وقت. بدرية الدخاحنى [ج. د. لاثام H. Dlatham]

نظر

نظر " نظرية تأمل فلسفى" ولم تكن تتسع لمعنى البحث، وحتى القرن التاسع عشر الميلادى، بمفهوم التدقيق العلمى (البحث العلمى) ترجمة للكلمة اليونانية فوتوفيا زمن أرسطو، والمقدمات النقدية اليونانية حتى شروح كتاب "بروفيرى" Prophyry بعنوان "ايساجوج Isagoge، كانت الفلسفات تنقسم إلى نظرية وعملية، وهذه الأخيرة تسعى إلى تحقيق النافع والمفيد للإنسان، أما الأولى فهى تسعى للحصول على الحق البحت فى الطبيعيات والرياضيات وما وراء الطبيعة. والنظر فى أساسه مفهوم معرفى، وقد تناوله العرب على غرار "أمونيوس هيرهيا" Ammonius Hermiae وهو تلميذ "بروكلوس" Proclus فى المقدمة النقدية لكتاب "ايساغوجى" كما تجرى مناقشته كنشاط للعقل البشرى فى علم النفس، ويكون فى هذه الحالة قاعدة تحت مرادفات مثل الفكر والتفكر. ولم يُكْتب بعد تاريخ هذا المصطلح -وفى أقدم نسخة لمنطق أرسطو، توجد خلاصة وافية كتبها عبد اللَّه بن المقفع (أعدم عام 139 هـ/ 756 م) ابن محمد، يذكر فيها أن العلم والعمل فروع للفلسفة (الحكمة)، ولكنه يفسر العلم بأنه تبصّر وتفكر للقلب (أى العقل). وقد كان الفقهاء المسلمون المتأملون الأقدمون يفضلون التفرقة بين العقل والشريعة عن التفرقة بين العملى والنظرى، ويعتبر العقل "أصل" مذهب المعتزلة، وقد ذكره القاسم الزيدى ضمن الأصول التى يعترف بها وهى العقل والقرآن والسنة. أما النظر فهو ابتداع مثل الرأى والقياس فى الفقه. . أما الحنابلة فيعترضون على فكرة "النظر". . وعلى العكس تماما يعترف الفقيه "الظاهرى"

للعقل. والشئ الجوهرى فى الأفلاطونية المحدثة هو الحدس (النظر - البصر)، والنظر بمعنى الإدراك المباشر ينتظم مع "إلى" (أى النظر إلى) وفى حالات أخرى مع فى (أى النظر فى)، وبالنسبة "للنظر فى" -وهو انعكاس للفكر (أو الذكاء) البشرى. يستخدم الفقه عادة كلمة فكر و"رويّة"، أما عالم الحواس، الذى ترتبط به أرواحنا، فيطلق عليه عالم الفكر والرويّة. وعادة ما يستخدم المتصوفة المسلمون "النظر" للتعبير عن الإدراك الروحى "أو نفاذ البصيرة". ومع ذلك ففى "الكلام"، فى المجادلات التى تنشأ بين المذاهب الفقهية، والتى يطلق على أفرادها فى بعض الأحيان، "أهل النظر"، تتسع كلمة نظر للمعنى الديالكتيكى (الجدلى) للتأمل، أو التفكير العقلى (المنطقى) غير الحدسى -وهى التزام على الإنسان، ممكن أن يأتى بالمعرفة (العلم) ويمكن تصنيفه بنظر القلب. والأشعرى فى مقالاته يقدم عرضا لوجهات النظر المختلفة للأطراف الثمانية للروافض فى النظر والقياس". ويقول الجماعات الثلاث الأولى تعتبر المعارف ضرورية (اضطرار)، ومن ثم فإن القياس والنظر لا يمكن أن يضيفا شيئا إليها؛ وهذه الجماعات مع الجماعة الثامنة -التى ترجع كل المعرفة إلى نبى اللَّه والإمام، تختلف مع بقية الجماعات حول هذه النقطة. أما الجماعات الأربع الأخرى فتعترف بنوع من المعرفة المكتسبة (وفى كلتا الحالتين تكون الإشارة إلى فهحم اللَّه جل جلاله) على النحو التالى: 4 - بالنظر والاستدلال (أصحاب هشام ابن الحكم) 5 - بنوع من الكسب الذى لا يمكن أن يحدد بأكثر دقة من ذلك (الحسن بن موسى) وهذا كسب "مع" كسب الأفعال" للمدرسة الأشعرية المتأخرة) 6، 7 - بالنظر والقياس، هع الاحتكام إلى حُجة العقل (مجهولين).

بن حزم وبدون تردد بالعقل كمصدر للمعرفة -فالعقل من خلق اللَّه وقد زوده بإمكانياته. فليس التقليد (الاعتقاد الأعمى) أو الاستنتاج من المجهول (القياس) هما اللذان سيؤديان بالعقل إلى تقبل (القرآن والسنة والإجماع)، بل المعرفة المؤكدة. ولم يكن هناك شئ آخر يصر عليه ابن حزم بهذه القوة، وليس هناك طريق لليقين سوى أن ترجعه للإدراك بالحواس (الحس) وإلى حدس الذكاء (العقل). . وهو يفضل الإدراك الحسى حتى أنه يطلق على القدرة على الفهم بالعقل مصطلح "الإدراك السادس" (كتاب الفصال - القاهرة - 1899) ويذكرنا الموقف الفلسفى لابن حزم بالانتقادية الهيلينية التى تقول إن كل معرفة تنشأ إما من الإدراك الحسى أو الحدس أو تستخلص من هذه المصادر بوسيط البرهان. ومع ذلك فالكثيرون يؤكدون بيّنة (دليل) الإدراك الحسى {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ} صدق اللَّه العظيم - سورة يونس الآية 101، ويعتبرون منهج البرهان صعب وغير مؤكد، ومن ثم كان التركيز على الاتفاق العام (الإجماع والاجتماع) كمعيار ممكن للحقيقة، وعندما لا يكون هناك اتفاق فهنا فقط يكون البحث والاستقصاء ضروريا. وقد أدخلت تعديلات كثيرة جدًا فى الفكر الإسلامى المزدوجة لأصحاب المذهب الانتقائى (الحواس مقابل العقل) وذلك بإدخال الأحدية (الحقيقة كل عضوى واحد) العقلية أو الفكرية فى صوفية "باطنية" الأفلاطونية المحدثة والمنطق الأرسطى. وإذا كانت المراحل المختلفة للمعرفة البشرية قد تميزت كل منها عن الأخرى، فإن المعرفة الحقة كان لابد أن تأتى من الحدس المنطقى والنشاط الوسيط

وقد قيل لنا إن هناك شعبة من "المرجئة" يقولون إن الإيمان بدون النظر ليس ايمانا كاملا. وربما يكون الأشعرى نفسه أفضل دليل على أن تأمل العقل البشرى لم يعتبر مصدرا (أو منهجا) لمعرفة اللَّه (سبحانه) لأول مرة فى مدرسته، بل قبل ذلك فى طوائف عديدة فقد كان النظر (مثل الرأى فى الفقه) ينطبق على نشاط عقل الفقيه المتأمل (وبجانب النظر نرى صطلحات تستخدم كثيرا بدلالات مختلفة مثل بحث وحدس ورأى وفحص، وفكر وفكرة، وحديث النفس والتفكر والتأمل والطلب، وربما مصطلحات أخرى) والمناهج (الأساليب) المنطقية المستخدمة هنا يطلق عليها القياس (الاستنتاج بالتماثل) والاستدلال (وهو البرهان بالبّينة التى تقوم على الظروف). . . ومما نعرفه عن القياس فى الفقه يتحتم علينا أن نفكر فى عملية هى مزيج من الاستقراء والاستنتاج، تستخدم بدقة شديدة، والاستنتاج (الاستدلال) بالنسبة لأرسطو وأتباعه فى الإسلام (الفارابى. . الخ) له معنى واحد فهم يعتقدون فى السببية أو بالأحرى فى النشاط الخلّاق للفكر المجرد. ولم ترق الأغلبية الكبيرة من رجال الدين والقضاة والأطباء إلى هذه الدرجة. فمنهج النظر لم يدخل إلى علم الكلام إلا مع مدرسة الأشعرى. وكان علم الكلام يعرف "بعلم الاستدلال. . وقد رفضت الأغلبية هذا المنهج فى بادئ الأمر ولكنها تقبلته تدريجيا وأصبح أداة لمواجهة الهراطقة والسوفسطائيين؛ وفى النهاية اعترفت المدرسة التقليدية المتشددة بالنظر كالتزام دينى. ولنعد إلى المفهوم العام للعلوم النظرية. وقد نشرها الفارابى (المتوفى عام 339 هـ/ 950 م) من وجهة النظر الفلسفية فى بحث خاص (إحصاء العلوم تحقيق عثمان أمين - القاهرة 1968 م) بطريقة أصبحت نموذجا لما تلا ذلك من عصور فهو أول من عكف على منطق أرسطو من ثم أطلق على مدرسته "المنطقيون"، وهو يسلّم -مع أرسطو- بأن العقل يحتوى فى ذاته على المبادئ الجوهرية لكل المعرفة التى

يجب أن تكون دلائلها مقبولة ولكن سبيل التأمل والإثبات يؤدى إلى اللاواضح الذى يبلغ ذروته فى الدليل الدامغ (أو البرهان) فى كتاب Posterior Analyhes ومن هذا السُموّ يمكن أن نتفحص فروع المعرفة. والمنطق فى حد ذاته بالطبع "نظر" ذو هدف خاص به ويتحدث الفارابى عن علوم الطبيعيات والرياضيات - والميتافيزيقيا بفروعها الرئيسية والثانوية. ويقول إن كلا منها نظرى. فمثلا نلاحظ أن الطب من بين علوم الفيزياء مزيج من النظرى والعملى، وكذا الموسيقى والموضوعات الرياضية. أما الميتافيزيقيا فهى مثل النطق نظرية خالصة. وأخيرا فإن العلوم العملية الثلاثة عند أرسطو وهى الأخلاقيات (الأخلاق) والاقتصاد والسياسة فتتحد تحت مسمى العلوم السياسية، ويضاف إليها الفقه والكلام. ويرى الفارابى أن علم الفقه وصناعة الكلام يجب أن ترتبط فى جزء منها بالآراء وفى الجزء الآخر بالأفعال وفى الختام نعقد مقارنة بين هذا التقسيم الفلسفى وبين ما ذهب إليه الفقيه الأشعرى عبد القاهر بن طاهر البغدادى (المتوفى فى عام 429 هـ/ 1037 - 8 م) فى كتابه أصول الدين (استانبول 1928 م) فيعد التمييز بين المعرفة الإلهية، والمعرفة التى تمتلكها المخلوقات الحية الأخرى، تصنف هذه الأخيرة على النحو التالى: 1 - ضرورى (واضح بشكل مباشر): أ- بديهى (إدراك داخلى) ب- حسى (إدراك خارجى). 2 - مكتسب (علوم نظرية) أ- عقلية شرعية (مكتسبة بالعقل ومكتسبة بالقانون) ثم تنقسم العلوم النظرية بعد ذلك إلى ربعة حسب الطريقة التى اكتسبت بها: 1 - استدلال بالعقل من جهة القياس والنظر (فقه تأملى). 2 - علوم من جهة التجارب والعادات (الطب) 3 - علوم من جهة الشرع (العلوم الشرعية).

المصادر

4 - علوم من جهة الالهام (الأحكام الفنية الجمالية). ويبدو أن هذا التقسيم انتقائى إلى حد ما إذا قدرت بأحديّة العقل عند الفارابى، ولكن من القرن الحادى عشر إلى الثالث عشر الميلاديين كانت الفلسفة والفقه يقتربان -دون أن يتحدا- وكان ابن سينا -الذى يعتمد على الفارابى- هو الوسيط وقد سعى الغزالى إلى الجمع بين "النظر إلى" فى صوفية (باطنية) الأفلاطونية المحدثة، وبين "النظر فى" عند المفكرين العقلانيين. وقد اعتمد فخر الدين الرازى مناهج البرهان (الدليل) فى منطق أرسطو بدرجة أكبر مما فعل سابقوه. المصادر: (1) ابن سينا: أقسام العلوم العقلية، فى "مجموعات الرسائل" القاهرة 1328. (2) الغزالى: إحياء علوم الدين - القاهرة 1322. (3) معيار العلم فى المنطق، منطق تهافت الفلاسفة - تحقيق سليمان دنيا القاهرة 1961. (4) A. J. Wensimck: The Muslim creed بهجت عبد الفتاح [ت. ج. دى بوير - هـ دايبر Tj. DeBoer - H. Daiber] النظام هو أبو إسحق بن إبراهيم بن سيار بن هانئ، من فقهاء المعتزلة، توفى ما بين 220 هـ، 835 م و 230 هـ، 845 م ونشأ فى البصرة متتلمذا على خاله أبى الهذيل، ثم لحق ببلاط المأمون عند عودته من مرو، وقد يكون لشهرته كشاعر وأديب أثر فى ذلك. فقد اشتهر شعره بالعذوبة وسعة الخيال. وقد ساهم -وهو فى البصرة فى مجادلات كثيرة تتجاوز النطاق الدينى جعلت الجاحظ يورده فى كتابه "الحيوان". وكان الجاحظ من تلاميذه فى المذهب الدينى، إلا أن غرابة أفكاره الدينية وشذوذها صرفت عنه الكثير، حتى أن الجاحظ لم يكن يوافقه عليها.

فهو قد بنى آراءه الدينية على أسس من جدليات الفلسفة الطبيعية، مخالفا لآراء أبى الهذيل. فقد كان أبو الهذيل يؤمن بفكرة "التشكيل الذرى" للأجسام، بمعنى أن الأجسام مكونة من ذرات متراصة ومتماسكة بقدرة اللَّه. ولكن النظام ذهب إلى أن العناصر التى تكون الأجسام متداخلة، أى تتخلل بعضها البعض، ويمكن أن تكون إما ظاهرة على السطح أو "كامنة" فى الأعماق. وقد خلق اللَّه العناصر جميعا دفعة واحدة وما يجرى من تحول فيها يكون على صورة دفع الكامن إلى السطح، ويجرى تدريجيا وليس فجائيا. وبالتالى لا يمثل حادثا من الحوادث. والحادث الوحيد الذى يعترف به النظام هو "الحركة" التى تتضمن تغيرًا فجائيا من السكون. بل إن السكون ذاته يعتمد على قوة هى "الاعتماد" ويمكن أن يتحول إلى حركة -وهو يميز بين الحركة movement والتحرك Iocomotion، من حيث إن الأولى يتمثل فيها "كل الأفعال التى تظهر فيها الناحية الإرادية، كالصلاة، والصوم، والعلم والجهل، والكلام والصمت، الخ. ومعنى ذلك أنه يميز بين عالم الإنسان الذى يتميز بالإرادة، وبين عالم الأجسام الطبيعية التى تتحرك طبقا للناموس الذى يحكمها، وأغلب أفكاره مستوحاة من الفلسفة الهيلينستية (الهلينية الأسيوية)، وهى لم تحظ بقبول من الفكر الإسلامى عامة، فقد رفضها المتكلمون والفلاسفة على حد سواء، ونظرية النظام الطبيعية هى جزء من فلسفته الدينية، وهى تشترك فى مسلمات كثيرة مع الفلسفة المثنوية الفارسية التى يعارضها ويهاجمها بعنف. وهو يرى أن مكونات الأجسام لا تمتزج مع بعضها البعض بذاتها، ولكن بقوة خارجية هى قدرة اللَّه. ولذلك فهو يطلق على تلك المكونات "خلقة" وليس "طبيعة" كما أن اللَّه هو الذى يهب الاثار الخيرة والشريرة للأشياء، ولا تقف قدرته اللامحدودة إلا عند إرادة الإنسان الحرة. ولكن اختيار الإنسان بين الخير والشر هو محصلة صراع بين الجسد والروح، التى هى خيرة بطبيعتها. وفكرة التداخل لا تقتصر على عناصر الأجسام التى تتخللها الروح، بل أيضا على

الروح التى تتخللها الحواس. والروح ليست محتواة فى مكان معين كالقلب مثلا. بل هى متداخلة مع كافة الأعضاء. وتحصيل العلم هو أيضا نوع من الحركة، وهو كحادث ليس عرضة للتداخل، وهو يؤدى إلى نوع من السكون. ومن ثم فهو يصور الحقيقة على أنها "سكون القلب" والحقيقة لديه ذات طابع شخصى، تعتمد على اليقين الداخلى، ولكنها فى نفس الوقت مستقلة عن الشخص الذى قال بها. وهو يرى أن حديث الآحاد يمكن أن يكون صحيحًا، فى حين أنه يمكن أن يكون المتواتر خطأً وعلى ذلك فهو يدعو إلى حرية الاجتهاد، ويرى أن فتاوى من الصحابة ليست لها صفة الإلزام، مشيرا إلى أوجه الاختلاف التى حدثت فيما بينهم. وقد لاقى رايه هذا تقديرا من الشيعة فيما بعد. والنظّام لا يتوسع فى مسألة الصفات الإلهية كما ذهب أبو الهذيل بل يقصر الجدل على قضية الإرادة والقدرة، فيما يتعلق بتنزيه اللَّه عن الشر. فاللَّه فى رأيه لا يمكنه أن يفعل الشر، ومع ذلك فهو سبحانه لا يفعل العدل والخير عن ضرورة، بل عن حرية إرادة. وعلى ذلك فهو يرى أن قدرة اللَّه اللانهائية تجد حدودها فيما هو خير للإنسان، وهو ما يعبر عنه بـ "اللطف"، فهو يفعل دائما ما هو "أصلح" للإنسان. وقدرة اللَّه تتفق تماما مع كماله. وهو يؤيد الأنبياء بالمعجزات دليلا على صدق نبوتهم. وفى حالة محمد عليه الصلاة والسلام فمعجزة القرآن فى رأيه هى فيما أتى به من تنبؤات، وليس فى إعجازه اللغوى، حيث إن المشركين لم يأتوا بمثله عن عجز، بل لأن اللَّه سبحانه صرفهم عن ذلك. وأعمال النظّام مفقودة إلّا قلة، أغلبها متضمن فى كتابه "النكث"، كما يحتوى كتاب "المحصول فى علم الأصول" لفخر الدين الرازى على 35 مقتطفا له. وغير ذلك فى كتبه: "الطفرة"، "الجزء" وكذا يحتمل أن له: "الرد على أصحاب الاثنين" ومقالة يهاجم فيها أصحاب الحديث.

المصادر

المصادر: (1) R. Paret: Al-Nozzam als Ecperimen to TOV lo, is isl, xxv (1939), 228 f.f (2) أبو الرضا: إبراهيم سيار النظام وآراؤه الكلامية الفلسفية (القاهرة 1365 م). [ج. فان اس J.Van Ess] نعمان بن بشير الأنصارى من صحابة رسول اللَّه [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وحاكم الكوفة وحمص. . وتقول بعض المصادر إنه أول أنصارى يولد بعد الهجرة. وكان أبوه بشير بن سعد من أبرز الصحابة وكانت أمه عمرة بن رواحة شقيقة عبد اللَّه بن رواحة -وقد رفض النعمان أن يبايع عليا بعد مقتل عثمان. وقد وقف بجانب معاوية فى موقعة صفين- وفى عام 56 هـ/ 679 - 80 م أصبح حاكما للكوفة ولم يكن مناسبا لهذا المنصب بسبب كراهيته المعلنة لعلى -وعندما تولى "يزيد بن معاوية" الحكم فى رجب عام 60 هـ/ أبريل 680 م أبقى النعممان فى منصبه، ولكن النعمان لم يظل طويلا هناك. وعندما ظهر مسلم بن عقيل فى الكوفة للدعوة إلى الحسين وقف النعمان موقفا محايدا، مما دفع يزيد إلى تعيين "عبيد اللَّه بن زياد" حاكما للكوفة بجانب منصبه فى البصرة. وصرع النعمان إلى سوريا وعندما ثار أهل المدينة فى بداية عام 63 هـ/ 682 م، وطردوا الأمويين منها بعث يزيد ببعثه إلى المدينة بقيادة النعمان حتى يهدئ من مشاعر الناس. وصدرت التعليمات إلى البعثة للذهاب إلى مكة لحث عبد اللَّه الزبير على مبايعة يزيد ولكنه فشل فى مهمته مما دفع يزيد إلى استخدام القوة لاخضاع الثوار فى المدينتين المقدستين وبعد موت يزيد فى ربيع الأول عام 64 هـ/ نوفمبر 683 م أعلن النعمان -الذى كان قد أصبح حاكما لحمص- ولاءه علانية للزبير" -وفى ذى الحجة من العام نفسه/ يوليه أغسطس 684 م، والمحرم 95 هـ. أغسطس سبتمبر 684 م هزم الضّحاك بن قيس الفهرى -ومن القيادات التابعة للزبير- فى مرج راهط. وحاول النعمان الهرب ولكن تم اللحاق به وقتل ويقال إن معرة النعمان سميت باسمه.

المصادر

المصادر: (1) ابن سعد الطبقات. (2) الدينورى الاخبار الطوال. بهجت عبد الفتاح [ك. ف. تسترشتين - K V Zettersteen] الـ نعمان "الثالث" بن المنذر آخر ملوك اللخميين فى الحيرة وهو ابن "المنذر الرابع" وسلمى بنت صائغ يهودى من "فاداك" -ويعتبر عصره (580 م - 602 م) من أشهر العصور بعد عصر جده المنذر الثالث (المتوفى عام 554 م) ويدين باعتلائه العرش فى الحيرة إلى عدى بن زيد الشاعر المسيحى الشهير والسياسى فى الحيرة -وقد كان حاكما قويا شهدت الحيرة فى عهده الكثير من التوترات والحروب مع القبائل العربية. ولكن الحيرة استمرت فى عهده أكبر مركز للثقافة العربية قبل بزوغ الإسلام. . فبالإضافة إلى شعر عدى بن زيد، هناك مدائح النابغة الذبيانى التى يقال إنها قيلت فى النعمان، الذى اعتنق المسيحية النسطورية التى كانت مقبولة فى فارس الساسانية وأصبحت الحيرة مركز المسيحية العربية فى فارس الساسانية. وانتهت حياة النعمان نهاية مؤسفة إذ وطأته أقدام الفيلة بعد أن استسلم "لـ بارويز" بعد أن فشل فى الهرب. وبهذه النهاية انتهت أسرة اللخميين التى استمرت فى الحكم ثلاثمائة عام. كانت فيها درع فارس ضد عرب شبه الجزيرة. المصادر: (1) أبو البقاء الحلى: المناقب المزيدية. بهجت عبد الفتاح [عرفان شهيد Irfan Shahid] النفس وهى المقابلة لكلمة Soul والتى تعنى غير المادى للإنسان، وفى عصر ما قبل الإسلام كان يقصد بها "ذات الشئ أو الشخص"، أما "الرُّوح"، [بضم الراء] فيقصد بها النفس وبدءا من القرآن استمر استخدام النفس بمعنى "ذات الشئ"، أما الروح فأخذت معنى رسول خاص من الملائكة وخصيصة ربانية معينة. وبعد القرآن فقط أصبحت الكلمتان مترادفتين وتعنيان الجزء غير

أولا: الاستعمال القرآنى

المادى من الإنسان، والملائكة والجن. ولما كانت الكلمتان متقاربتين بقدر كبير، فسوف نتناولهما معا فى هذا البحث. أولا: الاستعمال القرآنى: (أ) النفس، وتجمع على نفوس وأنفس، لها خمسة معان: - 1 - فى غالب الحالات تكون بمعنى "ذات الشئ أو الشخص"، فمثلا فى سورة آل عمران الآية 61: {فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ}. وكذلك فى يوسف الآية 54 {أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي}، والذاريات 21 {وَفِي أَنْفُسِكُمْ}. 2 - وفى ست آيات تشير الكلمة للذات الإلهية، المائدة 116 {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ}، آل عمران 28 {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ}. الأنعام الآية 54 {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ}، طه 41 {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي}. 3 - ومرة تشير للألهة الأخرى، الفرقان 3 {وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا}. 4 - ووردت مرتين فى سورة الأنعام الآية 130 تشير فى صيغة الجمع للإنس والجن {شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا}، {وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ}. 5 - كما تعنى الروح البشرية، الأنعام 93 {وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ}. وكذلك فى ق 16 {مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ}، والتغابن 16 {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ}، والنازعات 40 {وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى}. وهذه النفس لها ثلاث صفات: أ- النفس الأمارة بالسوء، (يوسف 53)، وهى تقابل الاستخدام لكلمة Flesh فى لغة العهد الجديد الحديثة، أى بمعنى الرغبات الجسدية. فهى توسوس (ق 16)، وهى مرتبطة بالهوى، بمعنى النزعة للشر، ويجب كبحها (النازعات 40) وأن تجبر على الصبر (الكهف 28) {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ} وأن يتقى شر طمعها (الحشر 9 {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ}). ب- النفس اللوامة، (القيامة 2) جـ - النفس المطمئنة، الفجر 27. هذه الصور الثلاث للنفس تمثل الأساس للمسلمين فيما بعد من ناحية القيم الروحية والنفسية. والجدير

بالذكر أن "النفس" ليست مستخدمة للإشارة للملائكة. (ب) الروح، ولها خمسة معان: 1 - نفخ اللَّه من روحه (أ) - فى آدم بمعنى وهبه الحياة، الحجر 29، ص 72، السجدة 9. (ب) فى مريم لكى تحمل بعيسى، الأنبياء 91، التحريم 12. وهنا يقصد بالكلمة بعث الحياة. 2 - وفى أربع آيات ترتبط الروح بأمر اللَّه: وهناك نزاع حول معنى كل من الروح والأمر، الإسراء 85 {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} النحل 2 فى قوله تعالى: {يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ}، غافر 15 {يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ}، الشورى 15 {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا}. وهنا يرتبط السياق لكلمة "الأمر" بالمعانى التالية: أ- العلم، ب- الملائكة للتحذير، جـ- المخلوقات للتحذير، د- محمد للعلم والإيمان والنور والهدى. وعلى ذلك فهذه الروح هى أداة ربانية لخدمة النبوة. 3 - فى النساء 171 يطلق على عيسى أنه روح من اللَّه. 4 - فى النبأ 38 والمعارج 4 ترتبط الروح بالملائكة. 5 - فى الشعراء 193 يذكر {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ}، وفى مريم {. . . فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا}، وفى النحل 102 {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ}، وفى آيات أخر يذكر القرآن أن اللَّه قد أيد عيسى بروح القدس: البقرة 87 والمائدة 110. وهذه الارتباطات بين المهام تعطى انطباعا عن شخصية الرسول الملائكى الذى قد يكون أيضا الروح. وعلى ذلك فكلمة "الروح" فى القرآن لا يقصد بها الملائكة عموما، ولا نفس الإنسان فقط أو شخصه. ولم تأت الكلمة بصيغة الجمع.

ثانيا: فى الشعر الأموى استخدمت "روح" لأول مرة بمعنى روح الإنسان

(جـ) النفس، بفتح الفاء، وهى التنفس أو الريح، والتى ترتبط بكلمة "النفس" فى الجذر وبالروح فى بعضى المعانى، لم ترد فى القرآن، وإنما وردت فى بعض القصائد القديمة، ومن هذه الكلمة يشتق "تنفس" المذكورة فى سورة التكوير 18 {وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ}، بينما الصيغة الوحيدة الأخرى المستخدمة من نفس الجذر فهى {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ}. (سورة المطففين 26). ثانيا: فى الشعر الأموى استخدمت "روح" لأول مرة بمعنى روح الإنسان، وهى ما عبر عنها القرآن بكلمة "النفس" (انظر 5 بعاليه). ثالثا: فى الحديث النبوى يورد مالك فى الموطأ كلمة "نسمة" وهى غير موجودة فى القرآن و"نفس للروح" بينما ابن حنبل فى مسنده يستخدم "نسمة ونفس" و"نفس" وروح" كما أورد كل من البخارى ومسلم فى صحيحيهما "الروح" بمعنى الروح الإنسانية. رابعا: يورد "تاج العروس" خمسة عشر معنى لكلمة "نفس"، ثم أضاف اثنين من لسان العرب، ويقرر أن أغلبها مجازى. ويعطى "لسان العرب" أمثلة لهذه المعانى من القرآن الكريم والشعر. ويكشف اتجاه القواميس فى معالجة كلمة نفس عن الحقائق الآتية: 1 - "نفس" منسوبة للَّه بمعنى روح. 2 - بالنسبة للإنسان، (أ) الروح والنفس مترادفان، أو (ب) النفس تعنى العقل والروح تعنى الحياة، أو (جـ) للإنسان "نفسان"، واحدة حياتية والثانية تمييزية، أو (د) النفس التمييزية نوعان، آمرة وناهية. خامسا: التأثيرات فى عصر ما بعد القرآن على "النفس" و"الروح" يأتى من الأفكار المسيحية والأفكار الأفلاطونية الجديدة عن "الروح" فى استخداماتها الإنسانية والملائكية والربانية، وبصورة أكثر تحديدًا لتحليلات أرسطو النفسية للـ "نفس". وتبدو هذه التأثيرات واضحة فى الخلافات الدينية:

أ- الأشعرى: يشير إلى أفكار الحلولية فى حلول روح اللَّه فى آدم ثم انتقالها للأنبياء وغيرهم [الأولياء الصالحين، الأئمة، خاصة الشيعة] من بعده، وإلى الآراء المتعارضة عن طبيعة الإنسان هل هو جسد فقط أو روح وجسد، أم روح فقط، وهو كمتبع لأهل السنة يرفض أى حديث عن طبيعة الإنسان. ب- البغدادى فى "الفَرق بين الفِرق" يتحدث عن نفس الأفكار السابقة، وينسب نظريات انتقال الروح لأفلاطون واليهود ويشير لفكر الحلولية، ويضم الحلاجية لهم، وهو يذهب إلى أن حياة اللَّه بدون روح ولا مادة مخالفا بذلك فكر المسيحية فى حلول روح اللَّه فى عيسى وخلود الأب والابن والروح القدس. ج- ابن حزم: يستخدم الروح والنفس مرادفين لروح الإنسان، ويخرج من الإسلام كل من قال بالتقمص، ولا يرى رأى الأشعرية فى استمرار خلق الأرواح، بل يرى أن كل أرواح نسل آدم قد خلقت قبل أمر اللَّه للملائكة بالسجود له، وأنها موجودة فى البرزخ فى السماء الدنيا حيث تقوم الملائكة بنفخها فى الأجنة. د- ويبين الشهرستانى فى "الملل والنحل" أن العرب قبل الإسلام لم يستخدموا كلمات النفس والروح للتعبير عن الحياة بعد الموت، وأنهم كانوا يعتقدون فى تحول الدم إلى طائر أشبه بالطيف يزور الميت مرة كل مائة عام. كما يبين الخلاف بين أهل السنة والهراطقة وبين (الحنفاء الحنيفيين والصابئة)، وأن فكر الصابئة يعكس بقدر كبير فكر "إخوان الصفا" الذين ذهبوا إلى أن الإنسان مكون من جسد وروح "النفس" وأن جوهر النفس يهبط من الأفلاك. ويرفض الشهرستانى فكر الأفلاطونية الجديدة فى كون الأرواح تعتمد على أرواح أسمى "النفس الروحانية" والقول بأن النفس بطبيعتها شريرة، وأن الخلاص فى تحرير الروح من الجسد. وهو يطلق اسم "روحانى" على كل الأرواح شريرها وخيرها. وهو يصف الرجل العادى بثلاث أنفس، النباتية والحيوانية والإنسانية، لكل واحدة مصدرها

ومكانها وقوتها، مشابها فى ذلك إخوان الصفا. وفى الواقع فإن تحليل أرسطو للنفس الانسانية كما وردت فى كتابه " De Anima" قد تبناها بشئ من التعديل فلاسفة المسلمين مثل الكندى والفارابى وابن سينا. وقد تعرض الشهرستانى لتفسير الخلاف بين اليونانيين والمسيحيين والقرآن والأحاديث النبوية، ولكن الفلاسفة عجزوا عن فرض الفلسفة اليونانية على الفكر الإسلامى التقليدى. فالمتكلمون وأغلب المسلمين توسعوا فى المصطلحات القرآنية، ولكنهم تمسكوا بالنظرة التقليدية عن طبيعة الروح وكونها مخلوقة مباشرة من اللَّه بقدرات مختلفة. سادسا: على أن مبدأ أرسطو فى الخاصية اللامادية للروح قد وجدت تأثيرها على الفكر الإسلامى عن طريق كبار رجاله مثل الغزالى. وفى قاموس التهانوى عن المصطلح الفنى، فإنه يستخلص مذهب الغزالى عن الإنسان، حيث يعرّف الإنسان كـ "جوهر روحانى"، ليس محبوسا فى الجسد، ولا ملتصقا به، ولا متصلًا به، ولا منفصلا عنه، بالضبط كما أن الإله ليس بدون العالم ولا موجودا فيه وكذا الملائكة. وهو يملك المعرفة والإدراك، ومن ثم فهو ليس حادثا، (انظر "تهافت الفلاسفة"). وهو فى "الرسالة" يشرح الكلمات "نفس، روح قلب" كأسماء لمادته البسيطة التى تمثل قاعدة للعمليات العقلية. وهى تختلف عن "الروح الحيوانية"، والتى هى جوهر لطيف ولكنه جسد فان تكمن فيه الحواس. وهو يعرف "الروح اللامادية" على أنها النفس المطمئنة، و"الروح الأمين"، ثم هو يستخدم مصطلح "النفس" بمعنى الجسد أو الطبيعة الهابطة التى يجب أن تروض لصالح القيم الأخلاقية. سابعا: وموقف الغزالى هو موقف الفلاسفة المؤمنين باللَّه عامة، بالإضافة إلى موقف بعض المعتزلة والشيعة ولكنه لم يسد الفكر الإسلامى أبدا. فيرفضه فخر الدين الرازى باعتباره فكرا باطلا، إذ إن وجهة نظر الفلاسفة أن النفس جوهر، ليست بجسم ولا مادة. ثامنًا: والفكر السائد لدى جمهور المسلمين حول الروح والنفس من حيث

أصلها وطبيعتها ومصيرها هو الذى يعبر عنه ابن القيم الجوزية فى كتابه "كتاب الروح" وهو يقول أن كل العقلاء يعرفون أن الإنسان هو روح وجسد. والروح والنفس متطابقان، وجوهرهما فى حقيقته يخالف الجسد الحسى فى الماهية، فهو له طبيعة النور، خفيف، عال، حى، متحرك، يتخلل الأجساد كالماء داخل الزهرة. والروح مخلوق ولكنه أبدى، وهو يغادر الجسد مؤقتا عند النوم، ويغادر الجسد للحساب الأول عند الموت ثم تعود لحساب منكر ونكير، وفى غير حالة الأنبياء والشهداء يعود للقبر للنعيم أو للعذاب حتى يوم القيامة. وهو ينكر قول ابن حزم فى أن الأرواح محجوزة فى البرزخ. انتظارا لحين نفخ الأجنة. تاسعا: ويتقبل الفلاسفة الأوائل مادية الروح. فالقشيرى (الرسالة) والهجويرى (كشف المحجوب) يصفان "الروح" بأنها عين أى مادة أو "جسم" لطيف موجود فى الجسم ذى الإحساس مثل العصارة فى النبات الأخضر. أما النفس فيصفانها بأنها من الخصائص الجديرة باللوم، ومن كليهما يتكون الإنسان. ويقسم ابن العربى الأشياء إلى ثلاثة أنواع: اللَّه، وهو الوجود المطلق والخالق، والعالم، ثم وجود طارئ ذو طبيعة غير محددة مرتبط بالحقيقة الخالدة وهو أصل المادة والطبيعة الخاصة للعالم. وهو يمثل الحقيقة العامة والكلية لكل الحقائق. والإنسان بالمثل هو خلق يمثل رابطة أو منزلة وسط، ويجمع بين الحقيقة القدسية والعالم المخلوق. أو "برزخ" بين الحقيقة الربانية والعالم، وهو خليفة [اللَّه] والروح الحيوانية له هى من نفحة قدسية وأما روحه العاقلة (النفس الناطقة) فهى من "النفس الكلية". أما الجسد فهو من المادة الأرضية. وموقع الإنسان كخليفة للَّه تأتى من هذه النفس الكلية التى لها أكثر من اسم، منها "الروح القدس" و"عالم الأمر" والخليفة، والمخلوق الكامل. د. محمد الجندى [I.R.Netton]

النفود

النفود وهو لفظ يُستخدم للإشارة إلى منطقة بحار الرمال العربية، وهو مشتق من "نفد" وجمعها "أنفاد" بمعنى "الكثبان الرملية الكبيرة". وتُستخدم النفود لوصف عدد من أصقاع الجزيرة العربية الرملية (مثل: نفود السر، ونفود الثُوَيْرات، ونفود المزْهور)، لكن اللفظ يشير على وجه الخصوص إلى النفود الكبير فى شمال العربية السعودية الكبير وهو أصغر بحرين كبيرين من بحار الرمال فى الجزيرة العربية ويُطلق على البحر الثانى "الربع الخالى" فى الجنوب ويقوَّم النفود بحوالى 72.000 كم 2 وتختلف حدوده من الشرق إلى الغرب إلى ما بين 300 و 400 كم، وحوالى 250 كم من الشمال إلى الجنوب. تتأثر إلى حد ما بتكوينات الحجر الرملى الموجودة فى أقصى الغرب. وتتخذ الرمال أشكالًا مختلفه منها الطولية والنجمية والهلالية، ويميل أقصى ارتفاع للكثيب إلى 100 متر، مع أفلاج، وقد تتعمق إلى باطن الأرض. ويطلقون على هذه الأفلاج فى الموصل اسم (القعارة). والمطر قليل للغاية فى هذه المنطقة وإن كان أكثره فى الشمال ومعدل سقوطه السنوى 41 ملليمتر عند "بدنة" و 35 ملم عند رفحاء. وإلى الجنوب يرتفع المعدل إلى 102 ملم عند حائل. ويتسرب هذا المطر فى الرمال ولا يكوِّن بركًا أو مستنقعات مائية. وفى شمال النفود توجد آبار عند الشقيق كما توجد فى الجنوب عند واحة جوبا آبار وقرية صغيرة. وأصبح تجمع آبار النفود العديدة أمرًا حيويًا للقوافل العابرة للصحراء ما بين جبل أجأ والجوْف. وتقع النفود داخل أراضى بنى كلب الذين تمتد أراضيهم شمالا إلى داخل سوريا، وتقع "رملة عالج" أيضًا فى أراضى البحتريين الطائيين الذين يسيطرون على جبل أجأ وجبل سلمى إلى جنوب النفود. ووفقا لما أورده "السكونى" فإن بنى بُحتر عاشوا فى النفود فى سلام لعدم استطاعة أحد ما الوصول إليهم داخل الرمال. وفى العصر الحديث، سكن "الروالعة" الصحراء الشمالية للنفود، بينما سكنت

المصادر

قبائل "شمَّر" المنطقة الجنوبية منه وابتنى ابن الرشيد سنة 1853 قلعة عند الحيانية على الجانب الشرقى من النفود. ودخلت النفوذ فى حدود المملكة العربية السعودية فى أواخر القرن 18، ثم صارت تحت سيطرة آل سعود سنة 1921 - 1922. ويمر طريق القوافل عبر قرى الجوف فى الشمال إلى حائل مارًا بالشقيق وجُوبا، وتوجد الآبار فقط عبر هذا الطريق فى منطقة الرمال الرئيسية. ويقترب طريق الحج من العراق، المعروف بدرب زبيدة من منطقة التغلبية. وشُقت طرق أسفلت حديثة مبتعدة عن رمال النفود العميقة. على أنه، فى خلال الثمانينيات شقُ طريق عام عبر صحراء النفود من حائل إلى الجوف. المصادر: (1) البكرى: معجم ما استعجم. (2) ابن خوقل: المسالك والممالك. (3) ابن خرداذبة: المسالك والممالك. (4) الإدريسى: صورة الأرض. (5) الاصطخرى: المسالك والممالك. (6) الطبرى: تاريخ الرسل والملوك. (7) ياقوت: معجم البلدان. ترجمة د. عطية القوصى [ج. ر. كينج G. R. King] نفيسة السيدة نفيسة ويقع ضريحها إلى الجنوب من مدينة القاهرة الفاطمية فى الجزء الشمالى من منطقة المدافن، والتى تقع إلى الجنوب من جامع أحمد بن طولون، فى اتجاه المسجد الذى دفن فيه الشافعى. والسيدة نفيسة، تشغل بين النساء الصالحات فى القاهرة -بعد السيدة زينب والسيدة سكينة- مكانة بارزة ويزور ضريحها كل من الرجال والنساء، وخصوصا فى المساء، أما الباب الذى يؤدى إلى التابوت نفسه فيفتح مرة واحدة فقط فى العام بمناسبة المولد. والمكان يضم عددا من المبانى الأخرى بجانب الجامع، من بينها مكتبة وخلوات الصوفية، ويفضل بعض الناس أن يدفنوا فى الأرض القريبة من قبرها.

المصادر

والسيدة نفيسة هى ابنة الحسن بن زيد بن الحسن. وقد جاءت إلى مصر مع زوجها اسحق المؤتمن، وهو أحد أبناء جعفر الصادق، وقد اشتهرت بالتعليم والورع والتقوى. وكثيرا ما كان يزورها الشافعى لجمع "الحديث". وعندما مات جئ بجثمانه إلى بيتها لتصلى عليه "صلاة الميت" وكان لها أطفال ولكنهم توفوا. وقد ماتت فى رمضان 208 هـ/ يناير 824 م وتروى عنها الحكايات كرامات كثيرة. ومثال هذا ما يحكيه عديد من المصريين -وليس المسلمون فقط- من أن صلاتها أدت إلى ارتفاع كبير فى مياه النيل فى ليلة واحدة. . وعلى عكس ما قيل من أن زوجها أراد أن يأخذ جثمانها لمدفن الأسرة فى البقيع -وهو مدفن فى المدينة- ولكن مريديها منعوه من ذلك، فإن الرأى العام يقول إن هذا هو قبرها الذى قامت ببنائه بنفسها والذى قرأت فيه القرآن لفترة طويلة قبل وفاتها. وقد اشترك حكام كثيرون فى تطوير الضريح، حكام عباسيون وفاطميون وعثمانيون. وقد قام الخليفة "الحافظ" بتجديد القبة فوق القبر فى عام 532 هـ/ 1138 م، وقام الناصر محمد ابن قلاوون بتجديد المسجد فى عام 693 - 4 هـ/ 1294 - 5 م. المصادر: (1) ابن خلكان: وفيات الأعيان. (2) ابن تغرى بردى: النجوم الزاهرة. (3) السيوطى: حسن المحاضرة. وحول تاريخ المبنى: - المقريزى - السخاوى - الجبرتى وعلى مبارك فى "الخطط الجديدة التوفيقية". بهجت عبد الفتاح [ر. ستروثمان R. Strothman] النقب النقب وينطقها البدو النجب وهى صحراء واقعة جنوبى فلسطين وتمتد من السهول الساحلية للجدل وتلال الخليل حتى خليج العقبة، والنقب اسم عبرى الأصل ورد فى سفر التكوين 12/ 9، 13/ 1 على أنه المكان الذى نزل به سيدنا إبراهيم ومعه دوابه وقام بحفر بئر سمى ببير سبع، وليس لكلمة

المصادر

النقب ورود فى كتب التاريخ والجغرافية العربية القديمة وقد عرب البدو المقيمون هناك حديثا الاسم فقالوا فيه (النقب) ويقصد بها "النقب الجبلى" وهو شعب يعتقد أنه كانت تسلكه جموع الحجاج المصريين فى طريقهم إلى مكة من وسط سيناء حتى رأس خليج العقبة. وإبان حكم المماليك والعثمانيين كانت غزة مركز الإدارة التى كان يترأسها قائمقام أو حاكم منطقة فرعية وفى 1901 م قام العثمانيون ببناء بير سبع التى صارت بمثابة مركز إدارى للنقب منذ ذلك الحين. وكانت أول قبيلة بدوية نزلت هذه المنطقة تعرف ببالى وقد ساندت الإمبراطور البيزنطى هرقل فى محاربته الجيوش الإسلامية الفاتحة وكان يعيش هناك الجذاميون الذين ساعدوا عمرو بن العاص فى فتح مصر كما يقرر الأعشى فى نهاية الارب، كما عاش هناك أيضا من يعرفون اليوم باسم الجبران (فى القرن الرابع عشر) والوحيدات فى القرن السادس عشر الذين قاموا بطرد عرب العائد الذين سيطروا على القطاع الجنوبى لثلاثمائة عام وعلى مر العصور كانت النقب ملاذًا لجماعات بدوية من شمال غرب الصحراء العربية هربا من الثأر والقحط وقد قاموا بالانضمام إلى القبائل المحلية وتحالفوا معها ثم زاد شأوهم حتى حققوا استقلالا لهم ومثال ذلك قبيلة عقبة. وأكبر التحالفات البدوية المعاصرة فى النقب هم التاهيون والطربين الذين قدموا أصلًا مع جيوش بونابرت الغازية عام 1799 م ثم أخذوا يحاربون بعضهم بعضا. وإبان الحرب العربية الإسرائيلية عام 1948 م هرب معظم السكان من البدو من النقب إلى البلاد المجاورة وتبقى 13 ألفًا من أصل خمسة وستين ألف بدوى ولكن وبحلول عام 1990 م عادت كثافتهم السكانية إلى ما كانت عليه. المصادر: (1) عبد القادر بن الجزيرى: الفرائض المنظمة فى أخبار الصبح وطريق مكة المعظم، القاهرة 1964.

النقشبندية

(2) القلقشندى: البيان والاعراب عما بأرض مصر من الأعراب، القاهرة 1961. (3) E. Marx: Bedouins of the Meoger. 1964 سامية سالم [ك. بايلى Bailay] النقشبندية طريقة صوفية مهمة ظهرت فى بلاد ما وراء النهر والأطراف الشرقية لخراسان، وكانت تابعة لفارس وقتها، ومع أن ظهورها كان فى فارس، ونصوصها الأساسية وأورادها باللغة الفارسية إلّا أن تأثيرها كان محدودا فى بلاد فارس نفسها. وقد حققت النقشبندية ذيوعا وانتشارا فى عهد المعلم (الخواجا) بهاء الدين نقشبند فى بلاد ما وراء النهر رغم مواجهتها لمنافسة قوية فى كبراوية، وكان المعلم (الخواجا) محمد بارسا (المتوفى 822 هـ/ 1419 م) هو المؤيد الوحيد لبهاء الدين نقشبند بين علماء بخارى، وكان العلماء يأخذون على محمد بارسا أمورًا كثيرة ليس أقلها تحمسه لأفكار ابن عربى، وقد ارتبط آل تيمور (التيموريين) بالنقشبندية من خلال صلاتهم بمحمد بارسا فقد ضمن ميرزا شاهرخ عودة بارسا إلى بخارى بعد فترة قضاها فى المنفى، وهكذا ترسخت هذه الطريقة فى معظم بلاد ما وراء النهر واستطاعت النقشبندية بالإضافة للطريقة الزيدية التى ارتبطت معها بعلاقات ود أن تسيطر على الحياة الدينية والثقافية فى هراة فى آواخر فترة حكم التيموريين كما وصلت النقشبندية إلى قزوين وما حولها ويلاحظ أن المذهب الشيعى كان يلقى مقاومة عنيدة فى المناطق التى تمركزت فيها النقشبندية، وقد فر بعض النقشبندية من تبريز بعد استيلاء الصفويين الشيعة على الحكم وبدأ نفوذهم يتقلص كلما ترسخت دعائم الدولة الصفويَّة فى فارس وقد احتمى بعضهم بالعثمانيين، وفى القرن التاسع عشر عادت النقشبندية للظهور فى فارس لكنها كانت مقصورة على المناطق السنية فى أطراف البلاد، ولعب النقشبندية الأكراد دورا مهما فى الانتفاضات ضد الحكم الفارسى خاصة

منذ سنة 1880 م وبعد ثورة الخمينى فى إيران 1978 حاربت الحكومة النقشبندية على الحدود بين إيران والعراق فانسحبوا إلى العراق، ومع ذلك فإن النقشبندية لا زالت قوية بين أكراد إيران. وانتشرت النقشبندية أيضا فى تركيا العثمانية بسبب ميلها للمذهب السنى، ولأن عددا من أتباعها فر هاربا من الاضطهاد الشيعى فى إيران وكان أول نقشبندى كثر أتباعه فى تركيا هو الملا عبد اللَّه (توفى 895 هـ/ 1490 م) وقد أنشا أول مركز للنقشبندية فى جامع زيريك فى استنبول، وتدعم مركز النقشبندية فى تركيا انتقال عدد من النقشبندية الهنود إلى استنبول، وحتى أواخر القرن التاسع عشر كانت مكة المكرمة مركزا لنشر هذه الطريقة، واحتفظت الطريقة بأهميتها وأتباعها الذين زاد عددهم منذ الربع الأول من القرن التاسع عشر فصاعدا حتى بعد إلغاء الطرق الصوفية من الناحية الرسمية. أما فى الهند فقد دخلت النقشبندية على يد خواجا (المعلم) باقى باللَّه (972 - 1012 هـ/ 1564 - 1603 م)، وأصبحت عاملا مؤثرا فى حياة المسلمين فى الهند، بل وظلت طيلة قرنين الطريقة الروحية الرئيسية فى البلاد. . وبالرغم من أن "باقى باللَّه" مات فى سن الأربعين إلا أنه ترك تأثيرًا عميقا على حياة الشعب بسبب أساليبه المتواضعة وروحه الإنسانية العميقة. وقد اجتذب إليه كلا من الشخصيات الدينية والسياسية. . وقد كان يؤمن بوحدة الوجود، وقد عبر عن مشاعره تجاه الكون (الكونية) فى أشعار روحانية تحت عنوان "عرفانياتى باقى". . وقد برز من تلاميذه اثنان هما الشيخ أحمد سرهندى، المعروف "بمجدد الألف الثانى" وقد نشر الطريقة على نطاق واسع حتى أن مريديه وصلوا إلى كل مدينة ومحلة فى الهند. . والشيخ عبد الحق (من دهلى) المتوفى عام 1942 م، والذى عرف بالمحدث نظرًا لإسهاماته فى تبسيط دراسة الحديث فى الهند. انسلخ عن التعاليم الصوفية السابقة فى الهند برفضه لمبدأ واحدة الوجود، واستبدل به نظرية وحدة الشهود (أى

وحدة عالم الظاهرات التى تدرك بالحس). واعترض بشدة على البدع التى أدخلها الصوفيون وعلماء السوء. كما قاوم محاولات أكبر لاستنباط توليفة من الاتجاهات الدينية عند الهندوس والمسلمين، وأعلن الشيخ أحمد أنه "على المسلمين أن يتبعوا دينهم، وعلى غير المسلمين أن ينتهجوا طرائقهم، كما يقول القرآن" {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} ولأن منهج ابن عربى كان يدعم هذه الاتجاهات الدينية فقد انتقد آراءه بحدة وبأسلوب لاذع. . ولم يكن يؤمن بالابتعاد عن الدولة والحاكم. . وقد ناضل بقوة للوصول إلى تغيير فى نظرة الطبقات الحاكمة، وأجرى اتصالات عاجلة مع نبلاء المغول مثل عبد الرحيم خان أى خانان، وميرزا عزيز كوكا وفريد بخارى، وآخرين وكسبهم إلى صفه. وعندما صعد جاها نجير إلى العرش حصل فريد بخارى على وعد منه بألا يقدم على أى عمل ضد الشريعة. . ولكن "جاهانجير" أودعه السجن بناء على تقارير كيدية وصلت إليه ثم عفا عنه بعد عام وأبقاه بجواره. . وكان يتحدث فى بلاط الأمبراطور عن النبوَّة ويوم الحساب واضطراب المنطق. ومما يذكر أن أورانجزيب تأثر بشيوخ النقشبندية وأظهر لهم احتراما عميقا. وقد استطاع شيوخ النقشبندية أن يقوموا بدور مهم فى مرحلة التحول الأيديولوجى فى دولة المغول كما يتضح من السياسات المختلفة لأكبر وأوانزيب. وتختلف الأيديولوجية الصوفية عند الطريقة النقشبندية عن الطرق الأخرى فى جوانب عدة: 1 - أنها انتهجت رؤية ديناميكية نشطة حازمة. 2 - أغلقت طرق الاتصال الأيديولوجى مع الأديان الأخرى برفضها لفكر ابن عربى. 3 - اعتقادها بضرورة تقديم التوحيد والإرشاد للدولة مما ضيق الفجوة بين المتصوفة والدولة من جهة فى الوقت الذى أثار مشاكل جديدة من جهة أخرى.

4 - تنشر تعاليمها وآرءها بالمكتوبات لا بالملفوظات كما تفعل الطرق الأخرى. 5 - إذا كان الشيوخ الأوائل يقولون بفكرة الولايات (مناطق روحانية يخصصها كبير المتصوفة) فإن النقشبندية تقول بفكرة القيُّوميات (نمط من المحور الروحانى يعتمد عليه العالم فى أداء مهمته ووظيفته) وبدلا من أن تدعم هذه الفكرة السلسة، وتقويها، أدت إلى إضعاف نسجها وتشتت جهودها. . وفى القرن الثانى عشر الهجرى التاسع عشر الميلادى برز اثنان من شيوخ النقشبندية أسهما فى إعادة صياغة بعض المواقف الأيديولوجية الأساسية. . وهما "شاه ولى اللَّه" (المتوفى عام 1762 م) الذى حاول أن يوفق بين الاتجاهات المتصارعة لابن عربى والشيخ أحمد، والذى أعلن أن الاختلافات بين منهجيهما تتعلق بالتشبيه والاستعارة، أما الثانى فهو "ميزار مظهر جان دى خيان" (المتوفى عام 1782) الذى انتهج موقفا متحررا وعريضا تجاه الهندوسية وتقبل كتبها الأربعة (الفيدا) على أنها كتاب موحى به. هذا فى الوقت الذى أحيا فيه "شاه ولى اللَّه" العلوم الدينية وخصوصا الحديث، وقام بترجمة القرآن إلى الفارسية، وتطور بعلم الكلام بهدف تفسير تعاليم الإسلام فى ضوء مشكلات العصر الجديدة (محمد إقبال - إعادة بناء الفكر الدينى فى الإسلام Becon structiobn of religious Ronghr in Islom كما قام بدور بارز فى التطورات السياسية فى عصره. وقد ظهرت من خلال هذه الطريقة طريقتان هما "الطريقة المحمدية" التى أسسها خواجا مير ناصر (المتوفى عام (1758)، وطريقة النبوَّات. . والحق أن هناك جانبا مهما فى الطريقة النقشبندية وهو حيوية التفكير والقدرة على الاختلاف مع السابقين. وهكذا فإن أهم سمات النقشبندية فى الهند رفضها للبدع ودخولها فى الصراعات السياسية.

المصادر

المصادر: (1) الشيخ أحمد سيرهندى: إثبات النبوات. (2) محمد بن عبد الرسول برزنجى: قدح الزند وقداح الرند فى رد جهالات أهل الهند. (3) Burhan Ahmad Faruki: The Mujaddid conception of Tawhid (4) Friedmonn: Shaikh Ahmad Sirhindi. on ontlene of his phonght and astudy of his in age the eyes of posterity بهجت عبد الفتاح عبده (ك. أ. نظامى K.A. Nizzami) نقطوية النُقْطَوِيّة فرع من طائفة الحُروفيّة ظهرت بعد قرن من بقائها داخل الطائفة، كحركة سياسية دينية معارضة فى فارس الصفوية، كما لعبت دورا فى نشأة "دينى اللّاهى" الذى نادى به "أكبر" وبسبب تشابهها مع الحروفية، والإسماعيلية النزارية فإنها تعتبر حلقة فى السلسلة الطويلة من الهرطقات الفارسية. ويقال أن اسمها مأخوذ من مبدأ أن الأرض هى نقطة البدء لكل الأشياء. أما العناصر الثلاثة الأخرى فمشتقة منها. وقد تشير التسمية إلى استخدام نقطتين أو ثلاث أو أربع بطرق مختلفة كاختصارات سرية خفية لكتابات الطائفة، وفى هذا المجال نلتقى أيضا بتسمية المحمودية وهى مشتقة من اسم مؤسسها محمود باسيخانى. وقد تبع محمود فضل اللَّه استرابادى المتوفى 796 هـ/ 1384 م مؤسس الحروفية حتى طرد من الحركة ويقال إنه أعلن نفسه "المهدى". وكتابات النقطويين تتميز بالغموض والإبهام وتلجأ كثيرا إلى الاختصارات وهى تتأسس على نمط مادى غريب من التناسخ يقول إن جزئيات الجسم لا تتحلل بالموت، ولكنها تستوعب ككتلة مفردة فى التربة. وتظهر مرة أخرى على شكل خضروات أو شكل جامد يستهلكها الإنسان أو الحيوان ويتأسس مستوى حياته على درجة الفضيلة والمعرفة التى كانت لدى صاحبه السابق. ويشتهر محمود باسيخانى بأنه لم يتزوج كما أنه يدعو للعزوبة ويقول إن

المصادر

الأعزب يصل إلى مرتبة الواحد (وهى كلمة لها القيمة العددية للعدد "19" ويستطيع أن يتقدم ويصل إلى مرتبة "اللَّه" وهذا هو الإنسان فى جوهره النهائى ويطلق عليه "المركب المبين" ومن ثم يمكن أن تتلخص عقيدتهم فى "لا إله إلا المركب المبين" أما النقطويون الذين لا يميلون إلى العزوبة (والذين لسبب ما أطلق عليهم لفظ "أميين") فلا يجامعون أكثر من مرة واحدة فى الأسبوع -وقد تعرضت الطائفة- بسبب كراهيتها للزواج لاتهامات كثيرة مثل سفاح القربى (الاتصال الجنسى بين من تحرم الشريعة الزواج بهم من ذوى القربى)، والاتصال الجنسى غير الشرعى واللواط. وتتضمن عقيدتهم "المفهوم الدورى للزمن"، وهنا يتضح تأثير الإسماعيلية. فالعمر الكلى للعالم أربعة وستون ألف عام مقسمة إلى أربع فترات (كل منها ستة عشر ألف عام) يطلق عليها على التوالى "الظهور" و"البطون" و"السر" و"العلانية" وتنقسم كل من هذه الفترات إلى قسمين (كل قسم ثمانية آلاف عام) الدورة العربية (دورة أى استعراب) يعهد فيها بترشيد الإنسانية وهدايتها إلى مرسل أى مكمل أى عربى (مبعوث عربى كامل) ودورة فارسية (دورة أى استعجام) يترأسها "مُبين أى مكمل أى عجمى" ويتضح عندهم تمجيد النزعة الفارسية حتى أنهم يؤكدون على أن جيلان وفازاندران قد حلت محل مكة والمدينة. وقد تم القضاء على هذه الحركة -وبشكل دموى- فى عام 1041 هـ/ 1631 - 32 م بعد فترات صعود وهبوط كثيرة. المصادر: S. A. Ariomand: The Shadow of God and the Hidden liman (chiage 1984) Farhad Saftary: The Isma His Their hisory and do doctrnies cambridge 1990 بهجت عبد الفتاح [هـ. الجار H. Algar] نكاح النكاح: الزواج (أصلا، الاتصال الجنسى، ولكن فى الاستخدام القرآنى فيعنى بصفة مطلقة عقد الزواج).

أ- فى الشريعة الإسلامية

أ- فى الشريعة الإسلامية: 1 - كان الزواج قبل الإسلام يخضع لمبدأ السيطرة الأبوية، بمعنى أن يعقد بين الزوج وولى الزوجة متمثلا فى والدها أساسًا، أو أقرب ذكر لها. وكان المهر يعطى للزوجة نفسها وليس لوليها. كما كانت الزوجة تحت السيطرة الكاملة لزوجها، وحتى بعد وفاته كان من الممكن أن تنتقل حقوقه عليها إلى مورثه. 2 - ورغم الحفاظ على بعض هذه الخطوط العامة فى الإسلام، إلا أنه أدخل تعديلات جوهرية لحماية حقوق المرأة وكرامتها الإنسانية. وقد جاء القرآن الكريم بالآيات الحاكمة لقواعد نظام الزواج فى: سورة النساء الآيات 3، 4 فى تحليل الزواج بأكثر من واحدة، من الآية 22 إلى 25 فى المحرمات من النساء، وسورة البقرة - الآية 221 فى تحريم المشركين والمشركات، وسورة المائدة - الآية 5 فى تحليل نساء أهل الكتاب. أما الآيات التى تحض على الجوانب الأخلاقية فى رابطة الزواج فمتعددة فى الكتاب. وفى السنة تفاصيل لقواعد الزواج غير مذكورة فى الكتاب، كتحريم خطبة الرجل على أخيه المسلم، ودور الولى، واستلزام المهر. 3 - وأهم قواعد الزواج فى المذهب الشافعى هى كالتالى: 1 - عقد الزواج يعقد بين الزوج وولى الزوجة، الذى يشترط فيه الإسلام والبلوغ والحرية والعدالة وهو المتعهد بالوفاء بحقوق الزوج مقابل وفاء الزوج بواجباته. والولى يكون على الوجه التالى: 1 - أقرب أصل ذكر. 2 - أقرب قريب ذكر من فروع الأب. 3 - أقرب فرع ذكر للجد، وهكذا. 4 - بالنسبة للجارية عند عتقها فسيدها أو أقرباؤه الذكور طبقا لقواعد الميراث (العصبات). 5 - ممثل ولى الأمر (الحاكم)، وفى أغلب البلدان القاضى أو من ينوب عنه. وفى حالة الحاكم يمكن للزوج والزوجة الاتفاق على ولى، ويجب عليهم ذلك فى حالة عدم وجود حاكم. ولا يحق للولى

أن يعقد العقد إلا برضا الزوجة، وسكوت البكر دليل على رضاها. ولكن للأب أو الجد أن يزوج الفتاة البكر على غير رضاها، ويسمى فى هذه الحالة "الولى المجبر". ولكن هذا الحق مقيد تقييدا شديدا لصالح الفتاة. فيقصر على الفتاة القاصر. أما المذهب الحنفى فيذهب إلى إمكانية ولى الدم أن يزوج القاصر إجبارا، مع حقها فى طلب فسخ العقد عند البلوغ. ويمكن أن يزوج الزوج القاصر أيضا بواسطة ولى مجبر. والصداق، أو المهر يعتبر مقابل ما يتمتع به الزوج من حقوق على زوجته، ويمكن أن يكون أى شئ يعتبر مالا من وجهة نظر الشرع، ويحدده الأطراف بكامل حريتهم، فإذا لم يتفق على مهر فهو "مهر المثل" بحسب ما يقرره القاضى طبقا للظروف. وقد يكون المهر عاجلا أو آجلا أو بين هذا وذاك. والمؤجل منه يستحق عند أقرب الأجلين، الطلاق أو الوفاة. فإذا طلقت الزوجة قبل الدخول، فلها نصف المهر (أو نصف مهر المثل)، أو متعة تحدد بالتراضى، (الآية 237 من البقرة، الآية 49 من الأحزاب). ومن ناحية الإجراءات، فالزواج، الذى يسبقه عادة الخطبة، يخضع للقواعد العامة فى العقود فى الشريعة الإسلامية، من إيجاب وقبول، فى حضور شاهدين على الأقل، ودورهما هنا ليس -كما فى العقود الأخرى- وسيلة لإثبات العقد عند التنازع، بل شرط لصحة العقد. وليس تدخل السلطة العامة مطلوب شرعا، أما ما تضعه السلطات العامة من قواعد تنظيمية فهو تصرف إدارى وليس مطلبا شرعيا. وموانع الزواج هى: 1 - قرابة الدم مع الشخص وأصوله وفروعه مع التدرج علوا وانخفاضا. 2 - الرضاعة بنفس قواعد قرابة الدم. 3 - النسب، فتحرم أم الزوجة وابنتها، والجمع بين الأختين وبين الفتاة وعمتها أو خالتها، وهكذا.

المصادر

4 - وجود الزوجة فى فترة العدة، أو زواج الرجل بأربع. 5 - الطلاق لثالث مرة، واللعان. 6 - عدم الكفاءة، فلا يجب أن يقل الرجل من ناحية الميلاد أو المهنة عن الوضع الاجتماعى للزوجة إلا إذا وافقت الزوجة ووليها. 7 - اختلاف الدين، مع استثناء الزواج من الكتابيات. 8 - الموانع المؤقتة كالإحرام. هذا ولا يوجد فى الشريعة حد أدنى لسن الزواج. وإذا لم تتحقق الشروط المطلوبة فى عقد الزواج وقع باطلا، ويميز الحنفية والمالكية بين البطلان والفساد، بحسب كون العيب ينصب على شرط جوهرى أم غير جوهرى، حيث يمكن فى الحالة الثانية أن يصحح العيب، ولا يترتب على الزواج اختلاط الأموال، بل تظل الزوجة متمتعة بذمتها المالية كاملة. والزوج هو المسئول عن الإنفاق، فإن لم يكن الزوج قادرا عليه، فللزوجة حق طلب فسخ الزواج. وللزوج على الزوجة حق الطاعة عموما، فإن تكرر من الزوجة عدم الطاعة اعتبرت ناشزا، وفقدت حقوقها تجاه الزوج، كما يحق للزوج هجرها فى الفراش، دون الحق فى الظهار أو الإيلاء [لأكثر من أربعة أشهر]. وينسب الولد للزوج إذا جاء بعد ستة أشهر من الدخول، ولا يحق للزوج إنكار النسب إلا باللعان. كما يثبت النسب بالإقرار، ولكن التبنى أمر غير جائز. 4 - وليس للأطراف التعديل فى الحقوق والواجبات المترتبة على عقد الزواج، أما بقية الأمور الخاصة فمتروك تنظيمها بين الطرفين دون أن تعتبر جزءا من عقد الزواج. ولكن الوضع العملى للزوجة يختلف باختلاف البلدان. والزواج من الأمور المستحبة فى الإسلام. 5 - والزواج المؤقت، أو زواج المتعة جائز عند الشيعة، بينما يحرم عند السنة أن يكون التأقيت شرطا من شروط العقد. المصادر: 1 - W. Robertsom Smith, Kinship and marriage in early Arabia, new ed., London, 1903

ب - فى البلدان الإسلامية المعاصرة

2 - Schacht, An introduction to Islamic Law, Oxford 1964, 161 - 8 (3) Mohammad Abu Zahra, Al-ahwal Al - shakhsiyya, Cairo 1950 ب - فى البلدان الإسلامية المعاصرة: أولا: فى البلدان العربية وفارس وتركيا: 1 - دوافع التعديل: أجريت تعديلات متعددة على قوانين الأحوال الشخصية فى العصر الحالى لتتماشى مع التحولات الاجتماعية، والتطور فى وضع المرأة، وتغير طبيعة الأسرة من الأسرة الأبوية إلى الأسرة المصغرة. وقد اتخذت عدة وسائل للقيام بهذه التعديلات، منها إعادة فهم الشريعة طبقا لمتطلبات العصر "الاجتهاد الحديث"؛ وزيادة سلطة القضاء، والسماح بوضع شروط فى عقد الزواج، هذا خلاف التعديلات التى خرجت عن القواعد الشرعية. 2 - موانع الزواج: ألغى فى تركيا مانع الرضاعة، كما يمنع القانون الكويتى من يتسبب فى طلاق زوجة من زوجها بسوء نية من أن يتزوج بها. 3 - دور الولى: تقلص دور الولى فى الزواج، خاصة الولى المجبر، بصورة جذرية، وذلك بزيادة ولاية المحاكم وقواعد السن الأدنى للزواج. 4 - شرط الكفاءة: تقلص دور شرط الكفاءة، وكذا حق الولى فى طلب الغاء الزواج لعدم الكفاءة بصورة جذرية. فقد قصرته بعض التشريعات (تركيا والأردن) على كفاءة الزوج، وبعضها (الكويت) على التمسك بالدين، وهذا الشرط فى سوريا متعلق بالاتفاق وليس بالقانون، بينما يتجاهل تماما فى العراق. وقد ظهرت صورة جديدة له هو التكافؤ فى السن. 5 - سن الزواج: تسير أغلب تشريعات بلدان الشرق الأوسط على اعتبار سن الثامنة عشرة

6 - الفرق فى العمر

للذكور والسابعة عشرة للإناث هو عمر الأهلية للزواج، مع إمكان الزواج لأقل من ذلك بشرط إثبات النضج المؤهل للزواج، وحده الأدنى إثنتا عشرة سنة للذكر وتسع للبنت. أما فى مصر فلا توجد هذه التفرقة بين العمرين، فأدنى سن للزواج، بلا استثناء، هو الثامنة عشرة والسادسة عشرة على التوالى. ويسمح فى السودان بتزويج الفتاة من العاشرة إذا خشى عليها من الفتنة. 6 - الفرق فى العمر: تذهب بعض التشريعات -حماية للزوجة، ما لم يستبن منفعة لها من الزواج- إلى وضع حد أقصى لزيادة عمر الزوج عن الزوجة، خاصة إذا كانت أقل من سن معينة عند الزواج، (الأردن، أول هذه التشريعات، ثلاثون عاما إذا كانت الزوجة أقل من ثمانية عشرء اليمن الجنوبى، عشرون للزوجة أقل من خمسة وثلاثين، سوريا، الأمر متروك للقضاء). 7 - الاشتراطات فى العقد: تهدف هذه الاشتراطات إلى الحفاظ على مصالح الزوجة، شريطة ألا تخالف أهداف الزواج، أو تخل بحقوق الآخرين، واتباعا للمذهب الحنفى فإن الإخلال بمثل تلك الشروط يعطى الزوجة الحق فى طلب فسخ الزواج دون إضرار بحقوقها. ومن هذه الاشتراطات: عدم نقل الزوجة من محل إقامتها المحدد فى العقد، عدم الزواج بأخرى، حق الزوجة فى الخروج للعمل، حقها فى إكمال دراستها. 8 - تسجيل الزواج: هذا الأجراء هو من أهم التعديلات فى نظام الزواج، بغرض تنظيمه. وجزاء المخالفة يشمل: عدم اعتبار الزواج نافذا حتى يحدث حمل (اليمن، سوريا، لبنان)، فقد الحماية القانونية بعدم سماع الدعاوى (مصر)، توقيع غرامات (العراق، الأردن). 9 - تعدد الزوجات: لم يلغ تعدد الزوجات حتى الآن إلا فى تركيا، وكان قد ألغى فى العراق (1959 م) ثم استبدل بالوصاية

10 - الزواج الباطل والفاسد

القضائية (1963 م)، وفى البلدان الأخرى تتمثل وسائل الحد من هذا الحق فيما يلى: (1) النص فى العقد على عدم استخدام الزوج لهذا الحق، وإلا فللزوجة الحق فى طلب الطلاق (الأردن). (2) الوصاية القضائية: لا يكون الزواج الثانى نافذا إلا إذا اقتنعت المحكمة بجدية الأسباب. كان تكون الزوجة غير قادرة، أو غير قابلة، للمعاشرة الزوجية (إيران، العراق، اليمن الجنوبى). (3) حق لزوجة الأولى فى طلب الطلاق للضرر، طبقا للمذهب المالكى. (مصر 1985 م، السودان، 1915 م). 10 - الزواج الباطل والفاسد: للتخفيف من آثار إبطال الزواج -الذى يعتبر به الزواج كأن لم يكن، بينما يمكن أن تترتب على العقد الفاسد بعض الآثار المادية- تقصر حالات البطلان ما أمكن، فهى فى الأردن مقصورة على الزواج من غير الكتابية، والزواج بين المحارم، وزواج المسلمة من غير المسلم. وتعطى سوريا للزوجة فى زواج فاسد، بشرط عدم علمها بذلك، وتحقق الدخول بها، الحق فى النفقة. وفى العراق، حيث ألغى زواج المتعة، يعتبر الابن من هذا الزواج ابنا شرعيا له كافة الحقوق. 11 - الصداق: لا تنص التشريعات فى الأردن وسوريا على حد أدنى. وكان التشريع فى اليمن الجنوبى -على عكس المتبع- ينص على حد أقصى. وتجعل أغلب التشريعات عبء الاثبات فى النزاع حول الصداق على عاتق الزوجة. وفى الأردن، على عكس البلدان الأخرى، تكون الزوجة مسئولة عن تجهيز بيت الزوجية من صداقها. وفى الأردن أيضا، إذا لم ينص على الصداق المؤجل كتابة، اعتبر الصداق كله عاجلا، وعدم الوفاء به يعتبر مبررا لفسخ العقد، على خلاف المذهب الحنفى.

12 - النفقة

12 - النفقة: يميل تنظيم هذا الموضوع فى التشريعات المختلفة إلى جانب أحد الطرفين: (1) تحديد المقصود بالنفقة: فى مصر والأردن وسوريا والعراق والكويت، امتد تعريف النفقة ليشمل الرعاية الطبية، كما أضيف لها فى التشريع المصرى ما يقضى به "العرف". (2) يتحدد مقدار النفقة بظروف الزوج، ولا يدخل ثراء الزوجة فى هذا التقدير. وقد وضع حد أدنى لهذه القيمة. وتنص بعض التشريعات على مدة لا يسمع خلالها دعوى التعديل لمقدار النفقة (ستة أشهر فى سوريا والأردن، وسنة فى الكويت). (3) دين النفقة، يتحدد فى مصر والعراق منذ وقت التوقف عن الإنفاق، وليس من وقت رفع الدعوى كما يذهب الحنفى. وفى السودان يسقط الدين بوفاة أحد الطرفين، بينما فى التشريعات الأخرى لا يسقط إلا بالوفاء أو الإعفاء. هذا ولا تسمع الدعوى عن مدة أطول من سنة فى القانون المصرى، وأربعة أشهر فى سوريا. (4) النفقة العاجلة، يقضى بها فى مصر والكويت والعراق إلى أن يفصل فى النزاع نهائيا. (5) تحصيل دين النفقة، يتم فى مصر والسودان عن طريق الحجز على أية ممتلكات للزوج، أما فى لبنان والأردن فيمكن ذلك فقط فى حالة غيبة الزوج. ويمكن أن يدفع دين النفقة فى بعض التشريعات (مصر) عن طريق الدولة التى تتولى تحصيل الدين بعد ذلك. (6) وعدم الإنفاق يعد سببا لطلب الطلاق فى بعض التشريعات (مصر، الأردن، سوريا). (7) نفقة المرأة العاملة: فى سوريا والعراق تسقط النفقة إذا عملت المرأة دون موافقة زوجها. وفى مصر والكويت، لا تتطلب هذه الموافقة، ما لم يكن عمل المرأة ضد مصلحة الأسرة، أو لم يكن الزوج رافضا عملها.

13 - التوارث بين الزوجين،

13 - التوارث بين الزوجين، انظر "مواريث". 14 - الطاعة: أدخلت التعديلات على استخدام هذا الحق لحماية المرأة ضد التعسف فى استعماله. وقد ألغى فى مصر منذ 1967 م (وفى السودان منذ 1969 م)، نظام تنفيذ حكم الطاعة جبريا بواسطة الشرطة، والذى ليس له أساس من الشرع، فإذا اعترضت المرأة كتابة على تنفيذ الحكم خلال ثلاثين يوما أحالت المحكمة الأمر للتحكيم بين الزوجين، فإن فشل، تولت المحكمة حسم النزاع. المصادر: (1) J.N.D Anderson, Law reform in the Muslim world, London 1976 K with important bibl (2) idem, Islamic Law in Africa London 1954 (A. Layish and R. Shaham) ثانيًا: - الهند بعد 1930 م: يعتبر النكاح فى الهند عقدا بين أسرتى الطرفين، مع حدوث بعض التغيرات نتيجة انتشار التعليم فى حرية الطرفين فى الاختيار. ويتفق السنة هناك مع الشيعة على عدم الاحتفال بالزواج فى محرم والأيام الثلاثة عشر الأوائل من صفر، احتراما لذكرى استشهاد الحسين. وفى حفل الزواج تسأل العروس ثلاثا عن طريق وكيلها وبوجود الشاهدين عن موافقتها بصوت مرتفع، مسميا العريس ومقدار المهر، وتكون موافقتها بصوت يملؤه الخفر، وبعد إخبار القاضى بالموافقة، وإجراء حفلة دينية صغيرة، يعقد القاضى العقد بين الطرفين. المصادر: (1) G.A. Herklots, Islam in India Oxford 1921 (Ghaus Ansari) ثالثًا: - إندونيسيا: مصادر قانون الزواج فى إندونيسيا هى: القانون الوطنى، الشريعة، العرف والقانون الذى كان سائدا فى عصر الاستعمار. ومنذ الاستقلال قامت

المصادر

محاولات لوضع قانون عام لكل المواطنين، هو القانون الصادر فى 1974 م. وينص القانون المذكور أن الزواج لكى يكون صحيحا يجب أن يكون طبقا للدين والعقيدة، وهو ما يعنى الشريعة الإسلامية عند الأغلبية. ويعقد العقد أمام موظف تابع لوزارة الدين، وفى الغالب طبقا لنماذج محددة. وبالإضافة لهذا الإجراء تتم المراسيم الشعبية للزواج. وينص القانون على الزواج بزوجة واحدة، إلا أن المحاكم الشرعية قد تأذن للزوج بالزواج بأخرى لاعتبارات معينة. على أن القانون الوطنى ينص صراحة على منع التعدد إذا كان أحد الطرفين عاملا بالجيش أو الوظائف المدنية. المصادر: (1) D.S. Lev: Islamic cuorts in In donesia, Los Angeles 1972 (J.M. Otto and S. Pompe) رابعًا: - شرق أفريقيا: الغالبية من المسلمين فى شرق أفريقيا من أتباع المذهب الشافعى، عدا الهنود وهم يتبعون المذهب الحنفى أو الشيعى. ويتطلب الزواج فى العادة عدة انتقالات من كبير عائلة طالب الزواج لأسرة العروس إلى أن يتفق على ما يسمى mahari، وهو عادة قديمة، ويعتبره البعض خلاف الصداق الإسلامى. ونظرا لكون العائلات تعيش معا، فالزواج المفضل هو ما كان بين الأعمام، ويقوم كبير الأسرة باختيار الزوج أو الزوجة. والتحريم الإسلامى ليس مراعى تماما، فقد يجمع الزوج بين أختين، أو يتزوج أرملة أبيه، ونفس الشئ بالنسبة للتحريم بسبب الرضاعة، كما قد يتزوج الزعيم بأكثر من أربعة. المصادر: (1) J. Knappert: Islam in Mombasa in Acta Orintalia Neerlandica, ed. by P. W. Pestman, Leiden 1971,75 - 81 (J. Knappert)

خامسا: - فى نيجيريا

خامسًا: - فى نيجيريا: نظرا لتفشى العادات غير المراعية لقواعد الدين عامة، وفى الزواج خاصة، والتى جعلت منه امرا مرهقا، فقد عقد سلطان السوكوتو، أبو بكر الثالث عدة مؤتمرات فى 1967 و 1969 و 1973 م بهدف وضع قواعد قانونية لمواجهة مشاكل الكحوليات والبغاء والزواج. وتقوم حاليا الجمعية الفيدرالية للمرأة المسلمة فى نيجيريا، Fomwan بمحاولات لإصلاح وضع المرأة هناك، ولكن مشكلة وضع قانون موحد فى بلد متعدد الثقافات أمر غير ميسر. المصادر: (1) A. Phillips and H.F. Moons, Morriage laws in Africa, 1971 (Jean Boyd) نمرود أو نِمرود أو نِمرُد (بدون مد الواو) التوراة وهو يرتبط عند الإخْباريين المسلمين -كما فى الهجّادة (الجزء الأسطورى فى التلمود)، بقصة طفولة "إبراهام" والحق أن القرآن الكريم لم يذكره بالاسم، أما أن خبر النمرود معروف لدى المسلمين فهذا يتضح فى هذه الآية القرآنية الكريمة: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (البقرة 258) ومفسرو القرآن على حق عندما يرون النمرود هنا يجادل إبراهيم، وأيضا عندما يعزون إلى النمرود قوله {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} (العنكبوت - 25) والقصة مليئة بالتفاصيل فى الطبرئ ولكنها أكثر تفصيلا ومتعة فى بداية قصة "عنتر" الرومانسية فى موراش ابراهام (الموراش هو التفسير اليهودى التقليدى للتوراة). والطبرى يضع نمرود بين الملوك الثلاثة أو

الأربعة (إذا أضيف بختنصر) الذين حكموا العالم كله مثل سليمان بن داود، وذى القرنين، وقد أخبره المنجمون أن طفلا سوف يولد يطيح بعرشه ويحطم أصنامه. وهكذا يصبح إبراهيم من لحظة مولده واحدًا من الأبطال الذين يتعرضون للتعذيب على يد أحد الطغاة، والذين كتب عليهم أن يثبتوا أنهم محطمو هؤلاء الطغاة وهو فى ذلك مثل موسى وعيسى وجيلجامش وآخرين. وتتمكن "أوشا" زوجة "آزر" من خداع نمرود وجواسيسه. وولد إبراهيم فى الخفاء، واكتمل نضجه بسرعة. . ويدخل مع نمرود فى مناظرة دينية أشرنا إليها فى الآية القرآنية من سورة البقرة. وبعد ذلك يأمر نمرود بإلقاء إبراهيم فى النار التى تصبح بردًا وسلاما عليه فلا يصيبه أذى ويتعجب نمرود -مثلما حدث مع بختنصر عندما احتفظ بثلاثة من الشباب فى فرن مشتعل. ويقرر نمرود أن يهاجم اللَّه -الذى يؤمن به إبراهيم- فى سمائه فيطعم أربعة من النسور حتى تصبح كبيرة جدا ثم يربطها إلى الأركان الأربعة لصندوق كبير، ويثبت رمحا عند كل ركن وفى طرف الرمح قطعة من اللحم ثم يجلس فى الصندوق، وتطير النسور بالصندوق إلى أعلى وأعلى وهى تحاول أن تصل إلى اللحم -وتبدو الجبال مثل أكوام النمل- والعالم كله مثل سفينة فى الماء. . وتذهب محاولته عبثا ويسقط على الأرض. . وبعد ذلك يشيد برجا حتى يصل إلى إله إبراهيم. . وحينئذ تختلط اللغات (الألسنة) فبدلا من لسان سريانى واحد تظهر ثلاثة وسبعون من الألسنة. . وتحذره ملائكة اللَّه. . ولكنه يحشد جيوشه ضد اللَّه وحينئذ يرسل عليه اللَّه جحفلا من البعوض يأكل لحم رجاله ويمص دماءهم. وتدخل بعوضة إلى دماغ النمرود من أنفه. وقد ظل أربعمائة عام يمارس حكمه الاستبدادى، والآن ولمدة أربعمائة عام ظل يتعذب بسبب هذه البعوضة حتى مات. ويرجع المسلمون اسم نمرود إلى فعل تمرّد. ولكن هناك اشتقاق آخر من نمرة (انثى النمر) والسبب -كما تقول الأساطير- هو أنه رضع من نمرة. .

المصادر

وهذا النص يشبه قصة "رمولوس وريموس" ويبلغ الذروة فى قصة أوديب، ذلك لأن نمرود الذى تربى بطريقة مجهولة يقتل أباه ويتزوج أمه -وقد حافظ الكسائى على هذا النص ولكن مقدمة سيرة عنترة تقدم تفصيلات أكثر. فالأب -كنعان بن كوش يرى حلمًا يزعجه- تفسيره أن ولده سوف يقتله ويولد الطفل، ويدخل ثعبان فى أنفه مما يعتبر علامة نحس ويرى كنعان أن يقتل الطفل ولكن أمه "سولخاء" تعهد بالطفل سرا إلى أحد الرعاة، وكانت القطعان تتفرق عند رؤية هذا الطفل الأسود المفلطح الأنف -وتلقى به زوجة الراعى فى الماء وتدفعه الأمواج إلى شاطئ حيث ترضعه أنثى نمر. ويصبح غلاما خطرًا ويتزعم عصابة للسرقة عندما يكبر، ويهجم على أبيه مع عصابته ويقتله، (وهو لا يعرف أنه أبوه) ويتزوج أمه ويصبح ملك البلاد ثم سيد العالم ويشيد له آزر (أبو إبراهيم) قصرا رائعًا يتدفق فيه اللبن والزيت والعسل مع طيور تغنى آليا. ويكتسب معرفة التنجيم بالقوة من تلاميذ ادريس أما ابليس فيعلمه السحر -ويلقى بمن يؤمن باللَّه إلى الوحوش المفترسة ولكن هذه الوحوش لم تكن تؤذيهم. . بالإضافة إلى أعمال أخرى لم تكن جميعا تجدى كما وضح فى "قصة إبراهيم" المصادر: (1) الطبرى، تاريخ الرسل والملوك. (2) The tales of the propets of al - KiSai: W. M Thacestam (3) (بالعربية والعبرية) B. Chapira: Libliqnes attribuee akab al Ahber بهجت عبد الفتاح عبده (ب. هيللر B. Heller) نمير بن عامر بن صعصعة قبيلة عربية تسكن المرتفعات الغربية لليمامة. وهى قبيلة فقيرة بلا ثروات طبيعية، وكانت دائما من قطاع الطرق. وكان دورها متواضعا فى حروب ما قبل الإسلام. وفى عهد الرسول (صلى اللَّه عليه وسلم) وبداية الخلافة لم تكن تناصر أو تعادى الإسلام ولكن الاسم بدأ يظهر منذ عصر الأمويين ليسجل عدم خضوعهم للسلطة المركزية مما أجبر عبد الملك -بعد

المصادر

رفضهم دفع الجزية- أن يبعث إليهم بحملة لتاديبهم (البلاذرى - الفتوح) وثمة حملة أخرى أكبر بعث بها المتوكل بقيادة قائده الشهير "بوغا الكبير" فى عام 232 هـ/ 846 م ليضع حدا لأعمال النهب والسلب التى كانوا يقومون بها وأدت هذه الحملة إلى تشتيت القبيلة -ولكنهم سرعان ما عادوا إلى عاداتهم القديمة فكانت حملة سيف الدولة الحمدانى فى القرن الرابع الهجرى العاشر الميلادى. ومما دفع إلى شهرتها هجاء جرير لها بقوله "فغض الطرف انك من نمير. . فلا كعبا بلغت ولا كلابا" وينتمى إليها عدد من الشعراء البارزين منهم "الراعى" وولده "جندل". . و"أبو حيان" (أوائل العصر العباسى) و"جيران العود" الذى نشر ديوانه فى القاهرة 1350 هـ/ 1931 م (مطبوعات المكتبة المصرية). المصادر: (1) ابن دريد: كتاب الاشتقاق. (2) ابن قتيبة: كتاب المعارف. بهجت عبد الفتاح عبده [ج. ليفى ديلافيدا Y. Levi della Vida] نهاوند مدينة فى جبال زاجروس الواقعة غربى فارس فى إقليم "جيبال" الإسلامى فى العصور الوسطى وهى تقع على الطريق الجنوبى الذى يأتى من "كرمنشاه" ويؤدى إلى وسط فارس (اصفهان) متحاشيا مسيف "الواند" الذى يرتفع إلى الغرب من "همدان" ومن هنا كانت أهمية المدينة فى حروب فارس مع جيرانها فى الغرب. ويبدو أن موقع نهاوند كان مأهولا منذ عصور ما قبل التاريخ -ويقول ابن الفقيه (مختصر كتاب البلدان) إن المدينة كانت موجودة قبل الطوفان. وفى عصر الساسانيين كان إقليم نهاوند يشكل إقطاعية لأسرة كارن (كما يقول الدينورى) وكان هناك معبد للنار. وفى عصر المغول كانت نهاوند تضم ثلاث مناطق "ملاير" (التى تعرف الآن باسم دولتا باد) واسفيذان (اسبيداهان) وجهوق. وبالقرب من نهاوند وقعت أشهر معركة قررت مصير هضبة ايران، حيث هزم القائد الكوفى النعمان بن مقارن

المصادر

قادة الساسانيين. . وأطلق على القائد العام عدة أسماء من بينها، "ذو الحاجبين مارد انشاه"، (البلاذرى)، وكان معسكر العرب فى "اسبيداهان" ومعسكر الفرس فى "وايخورد" وقد اختلفت المصادر حول تاريخ المعركة ويقول الطبرى (تاريخ الرسل والملوك) أن "سيف بن عمر" انهى المعركة فى نهاية عام 18 هـ/ 639 م أو فى بداية العام التالى على حين يقول ابن اسحاق وأبو معشر والواقدى أن المعركة وقعت (عام 21 هـ/ 642 م) وأخيرا دخل إقليم نهاوند (ماه - بهراذان أو ماه - دنيار سابقا) ضمن النواحى التى تضمها البصرة وأطلق عليه ماه بصرة. وكثيرا ما تذكر نهاوند فى فترة الحروب بين الصفويين والعثمانيين. وفى عام 998 هـ/ 1589 م فى بداية عهد عباس الأول، شيد الوزير العثمانى -شيغالى زاده قلعة فى نهاوند. وبعد وفاة مراد الرابع حدث تمرد بين حامية نهاوند وطرد السكان الشيعيين العثمانيين. ونتيجة لذلك اندلع القتال فى عام 1012 هـ/ 1603 م مرة أخرى مع تركيا وفى ربيع عام 1142 هـ/ 1730 م استرد نادر شاه نهاوند من الترك. المصادر: Le Strange Caliphate: Lands of thre Eastern W. Barthold: an historical geography of Iran بهجت عبد الفتاح عبده [ف. مينورسكى V. Minorsky] النهاوندى النهاوندى لقب يلقب به المؤرخ الهندى المسلم عبد الباقى بن أبى بكر كُرْد، وقد أرخ للعصر المغولى الممتد من سنة 978 حتى 1046 هـ (= 1570 - 1637 م) وهو كردى الأصل من بلدة جُولك الواقعة قرب نهاوند حيث عمل عند الصفويين جابيا للضرائب ثم أصبح فى نهاية الأمر وزيرًا فى الدولة الصفوية، لكنه ما لبث أن حُرم من عطفهم وحلّت عليه نقمتهم فرأى السلامة فيما يراه كثير من الفرس فى وقته وهو أن يهاجر إلى الهند، فلما بلغها أسعده الحظ بأن تعرف على أحد

المصادر

قواد "أكبر" واسمه خانى خاقان ميرزا عبد الرحيم، فعطف عليه واحتضنه ودخل فى سلك حكومته وشغل بعض الوظائف فى الدِّكَنْ ديهار، ثم سأله خانى خاقان -وقد أدرك فيه قدرته على التأليف أن يكتب ترجمة له فانصاع لأمره وعكف على كتابه المعروف باسم "مآثر رحيم" ولكنه لم يتمه فأتمه عبد الباقى سنة 1025 (= 1616 م) وهو يعد من المصادر الهامة الرئيسية التى أرخت لهذه الفترة، كما اشتمل الكتاب على تاريخ الهند الإسلامية فى زمنه وبعض الأزمنة السابقة بدءا من عهد الغزنويين. المصادر: نجلاء فتحى [ك. بوزوورث C. E. Bsieuorth] نهاية مصطلح فلسفى إسلامى يتقيد -مع العبارة النافية له وهى "فلا نهاية له"- بمعناه المعجمى. ويعرفه ابن منظور فى "لسان العرب" على النحو التالى: "الغاية والآخر لشئ ما؛ وذلك لأن آخره "ينهاه عن التمادى" فيرتدئ (فيتوقف) وهذا التعريف لكلمة نهاية يتأسس على أصلها، إذ إن الفعل "نهى" يعنى أن يمنع ومن ثم تكون "النهاية" هى ما يمنع الوصول إلى شئ بما يتجاوز حدًا معينا. . ويفسر ابن منظور عبارة "سدرة المنتهى" التى وردت فى القرآن الكريم بقوله: "غاية الراحة التى ينالها الفرد بالوصول إليها ولا يتجاوزها". ويمكن أن نطبق مفهوم "اللاتجاوز" على حقائق مثل الزمن والمكان، وتقسيم "الأجسام" فهل للزمن حد فى الماضى (أى زمن أصلى "ثابت") أو فى المستقبل (زمن نهائى)، أى حدود لا يكون قبلها أو بعدها مزيد من "الزمن" أم أن هناك امتدادًا للزمن فى اللامتناهى، بمعنى سرمدية زمن لم يتوقف عن الوجود فى الماضى و"الـ لا يزال" الذى لن ينتهى أبدا فى المستقبل. ويمكن أن نوجه السؤال ذاته فيما يتعلق بالمكان: هل هناك مكان لا محدود أم أن المكان الموجود محدود؟ وبالمثل هل يوجد أو لا يوجد تقسيم للأجسام؛ هل الجسم مكوّن من عدد غير محدود من الأجزاء،

ام أنه مكوّن من مجموعة محدودة من الذرات غير القابلة للتقسيم؟ ولكن مفهوم "اللاتجاوز" ينطبق أيضًا على عمليات التفكير (الفكر) فهل يصل الفكر إلى درجة أن يحقق نتائج نهائية قاطعة، بمعنى هل يمكن أن يحدد الحقائق النهائية "الكاملة التامة" دون أن يضطر إلى الرجوع باستمرار وبلا توقف وبلا نهاية إلى استنتاجاته "فلا تكون هناك نهاية" الأمر الذى يراه المناطقة عيبا فى البرهان أو الدليل. ومن هنا نستطيع أن نتبين أن مصطلح "نهاية" يستخدم فى كل شئ يتعلق بمشكلات مثل ما هو النهائى، وما هو اللانهائى وما هو غير المحدود (غير المحدّد). وقد كانت مسالة الزمن والمكان من الموضوعات التى تناولتها المناقشات حول مختلف الآراء وتعدّد وجهات النظر المتعارضة للغزالى وابن رشد (فى كتابيهما تهافت الفلاسفة للغزالى وتهافت التهافت لابن رشد). فهل هناك تشابه (أو توازٍ) بين المكان والزمن فيما يتعلق بحدودهما؟ أن الغزالى -وهو مولع بالجدل ومعارضة الفلاسفة- يؤيد ذلك. ويقول: أن المستقبل والماضى يتصل كل منهما بالآخر، إذ إن كل المستقبل يصبح ماضيا، وكل الماضى كذلك بقدر ما يسبق المستقبل. ولكنهما يتصلان على حد سواء بالروح البشرية التى تمطر -بشكلها الحالى- هذين البعدين للزمن بفضل قدرة هذه الروح على التخيل (الوهم - التوهُّم). الذى لا يمكنه هو نفسه -أن يتوقف، لا لفترة اولية ولا لفترة نهائية ومن ثم فليس له نهاية. ويصدق الشئ نفسه على المكان، فخيالنا لا يمكن أن يتوقف عند حد أعلى أو أدنى، حتى يمكن للفرد أن يتصور نموّا غير محدود للعالم فى "المكان" (أو على العكس تقلصًا غير محدود) الأمر الذى يثير مسألة معرفتنا بالعالم وهل كان يمكن أن ينشأ أكبر أو أقل مما هو عليه فى الواقع، كما يمكن أن نسأل أنفسنا هل كان يمكن أن ينشأ فى وقت مبكر عن ذلك أو فى وقت متأخر عن ذلك، وإذا كان البعد المكانى فى الواقع -يصاحب الجسم، فإن البعد الزمنى يصاحب الحركة وإذا اعترفنا على هذا الأساس -بالرغم من الخيال- أن جسم العالم محدود وأنه لا يتجاوز العالم

الذى هو موجود فى الحقيقة (فى الواقع) فليس هناك مكان مفتوح ولا مكان خالٍ كما يقول الفلاسفة الذين يتبعون نظرية أرسطو عن المكان، فيحنئذ سيضطرون إلى الاعتراف بأنه لا يوجد فيما وراء حركة العالم، زمن فارغ أو زمن ممتلئ، وأن العالم -نتيجة لذلك- له نهاية زمنية كما أنّ له نهاية مكانية، وإذا رفض الفلاسفة أن يسلموا بأن العالم له بداية أولى يجب أن يتوقف عندها الإنسان عندما يرجع إلى تتابع الحركات التى هى خاصية -بالرغم من أنه قد ينطلق به الخيال- فحينئذ لا تكون فى تواؤم وتوافق مع معتقداتهم طالما أنهم يعترفون بنهاية للمكان ولا يعترفون بنهاية للزمن بينما حالة الزمن تتشابه مع خالة المكان. ويرد ابن رشد فيقول: إذا كان المستقبل والماضى يتصلان بخيالنا، فحينئذ لا يكونان أشياء توجد فى ذاتها فليس لهما وجود خارج الروح (النفس) ويكونان فقط عن خلق الروح (شئ تفعله النفس) والقول بأن الخيال يتجاوز كل حدود المكان، وكل حدود الزمن لا يتضمن فى الحقيقة. إن حالة الزمن هى ذاتها حالة المكان. . أو -إن شئت الدقة- فإنه يوجد -من وجهة نظر الوجود الفعلى- اختلاف كبير: وهو أن كل جسم -فى حد ذاته- يشكل كلًّا أى مجموعة من الأجزاء يمكن أن تتجمع فى وحدة كاملة، الأمر الذى لا ينطبق على الحركة التى على العكس من ذلك، وبحكم طبيعتها، تتدافع باستمرار ولا يمكن أن تتوقف بشكل تام. وهذا هو السبب -بمقتضى العقل، وليس بمقتضى الخيال هذه المرة. فى أن الإنسان يمكن أن يرى حدًا مكانيا للعالم، على حين لا يستطيع أن يرى حدا للحركة ومن ثم للزمن، إذ يتكون الزمن من عدد لا حصر له من الحركات، التى يعتمد عليها، وهذا هو تفسير السبب فى أنه عندما تظهر إلى الوجود حقيقة ما (المُحدث) بعد أن كانت فى العدم (اللاوجود) فلا يجب أن نتتبع قبلية اللاوجود (أى ما قبله) ونرجعه إلى عمل من أعمال الخيال، فلو فعلنا ذلك لكنا نطمس حقيقة ما يأتى إلى الوجود (انظر تهافت التهافت).

وثمة مسألة أخرى تتعلق بالخلق "اللا. . أبدى" تستحضر "مفهوم نهاية. . " وكتابا التهافت يتعارضان فى وضوح حول هذه النقطة فكيف يمكن للإنسان أن يتصور خلقا أبديا، حيث سرمدية العالم مستحيلة؟ إن هذا ما يقوله الغزالى والواقع أن دوران الشمس يستغرق عاما أو أكثر قليلا، ودوران النجم "ساتورن" يستغرق أكثر من ثلاثين عاما. وهكذا يكون دوران الشمس بنسبة واحد إلى ثلاثين لدوران ساتورن. أى أن دورة واحدة من ساتورن تقابلها ثلاثون دورة من الشمس. .. وإذا أخذنا عددا محددا من دوران ساتورن، ولنرمز اليه بالحرف "ن" فلابد أن يكون لدينا عدد محدد من دوران الشمس يساوى 30 ن؛ وتظل العلاقة بين مجموع دوران ساتورن ومجموع دوران الشمس واحدة بالنسبة لأجزاء هذه المجموعات الكلية أى أنها واحد إلى ثلاثين. ويرد ابن رشد ويقول إنه إذا كان هناك عدد غير متناه من دوران ساتورن والشمس، فإن هذه العلاقة تختفى، وذلك لأنه لا توجد علاقة يمكن تصورها بين "لا متناهية، الواحد و"لا متناهية" المرات الثلاثين، ومن ثم تكون لا متناهيات الدوران مستحيلة، ولا يمكن أن يكون العالم قد خلق "لا أبديا" وهذه الاعتبارات موجودة بالفعل فى كتاب الفيصل "لابن حزم" -وعلاوة على ذلك هل العدد اللامتناهى لهذا الدوران عدد زوجى أم فردى أو كلاهما فى الوقت نفسه، أم لا هذا ولا ذاك؟ إننا يجب أن نقول: أنه أما واحد أو الآخر. وإذا قلنا: إنه عدد متساو. فسوف يصبح فرديا بإضافة "وحدة" (من الوحدات) وإذا قلنا: إنه عدد فردى فسوف يصبح زوجيًا بطرح وحدة (من الوحدات) ولكن يمكن تصور إضافة وحدة أو طرح وحدة مما هو لا متناهى؟ وحسبنا أن نجيب بأن العدد اللامتناهى ليس فرديا أو زوجيا، الأمر الذى يتعارض مع طبيعة مفهوم العدد وأخيرًا فإن رد ابن رشد يعتمد على مبدأ "أوسطى" تماما وهو أن العدد "غير المحدود" (اللامتناهى) للدوران لامتناه فى الكُمُونية (الطاقة الكامنة) وإنه لا يمكن أن يوجد أى عمل من أى نوع يمكن أن نأخذه ككل، على حين

يمكن تحديده ويمكن حسابه إجماليا (انظر تهافت التهافت) ويثار سؤال آخر يتضمن مصطلح نهاية وهو ما يتعلق بتقسيم الأجسام، ويناقش ابن سينا هذا الموضوع على وجه الخصوص فى كتابه "الإشارات" (تحقيق سليمان دنيا القاهرة 1957 م) فيقول هل يمكن للإنسان أن يتوقف عند ذرات لا يمكن تقسيمها فى عدد محدود أم لا؟ وإذا مضينا فى التقسيم إلى اللامتناهى، فهل تكون الأجزاء النهائية التى يتكون منها الجسم، أجساما هى الأخرى أم شيئا آخر؟ وقد أثار هذا السؤال عديدا من المشكلات والحق أنه إذا قام الإنسان بتحديد جسم، هندسيا مثل ذلك الذى له ثلاثة أبعاد فى المكان وهى الطول والعرض والعمق (الارتفاع) فمن الممكن دائما للخيال أن يقسّم الخط والسطح والكتلة إلى ما لا نهاية. ولكن كيف يمكن للفرد أن يجمع مرة أخرى هذا الجسم من مكوّناته التى توصل إليها على ذلك النحو؟ إن ما يكوّن الجسم على هذا النحو -كما يقول ابن سينا- ليست البعدية الثلاثية بل "الجسمانية"، وهو مبدأ لا يمكن تقسيمه على عكس البعد الهندسى (فى علم الهندسة). وهنا يجب أن نلاحظ أن ابن سينا يثير مسألة هامة وهى "المتواصل" و"غير المتواصل". وقد تناول الفقهاء هذه المسألة التى تتعلق بتكوين الأجسام -ولنذكر فقط "النّظام" وهو من معتزلة مدرسة البصرة؛ وقد أنكر وجود جزء أو ذرة لا يمكن تقسيمها، فتقسيم الأجسام يمكن أن يستمر إلى ما لا نهاية، الأمر الذى يأخذ بعين الاعتبار استمراريتها وفى الوقت نفسه موضوع طبيعة المكان وإمكانية الحركة -وقد حل هذه المسألة بمبدئه عن "الطفرة". ويقول عبد القاهر البغدادى فى كتابه (الفرق بين الفرق) أن فكرة إمكانية التقسيم إلى درجة اللامحدود، تثير "طريحة" شغل الأجسام فى وقت واحد لمكان واحد (تداخل الأجسام فى حيز واحد) والواقع كما رأى ابن سينا فى وضوح- أننا لا نستطيع أن نفسر اتصال (تلامس) الأجزاء التى تم تقسيمها إلى ما لا نهاية على هذا النحو حتى يمكن أن نضع فى الاعتبار تكوين

المصادر

الجسم، إلا بالقول بأن لها "طرفين" واضحين يكون الاتصال بأحدهما مختلفا عن الاتصال بالآخر، الأمر الذى يتعارض مع الفرضية الجدلية بالتقسيم إلى ما لا نهاية (إلى اللامتناهى) -علاوة على ذلك يجب أن نعترف بصراحة بأن العناصر التى يفترض أن تكون فى حالة اتصال أو تلامس تصبح متداخلة تماما فى بعضها البعض، الأمر الذى لا يمكن أن يفسر تكوين حجم الأجسام. وهذه هى المشكلات الأساسية التى يثيرها مفهوم "نهاية". المصادر: وردت فى المتن بهجت عبد الفتاح عبده (ر. ارنالدز R. Arnaldez) نهج البلاغة نهج البلاغة مقتطفات من خطب ومواعظ ومقالات أدبية منسوبة لعلى ابن أبى طالب (كرم اللَّه وجهه). وقد كان تأليف هذا الكتاب مثارًا لخلاف دائم منذ العصور الوسطى وحتى الآن. وقد يكون ابن خلكان أول من أثار الشك فى هذا الموضوع حين قال إنه من غير المعروف أن كان جامع هذه الأعمال هو المرتضى (المتوفى 436 هـ/ 1044 م) أم شقيقه الرضى (406/ 1015 م). ويفترض البعض أن مؤلفه هو جامعه، فيكون هو على بن أبى طالب نفسه. وقد أعاد الكتاب المتأخرون أمثال الذهبى (المتوفى 748 هـ/ 1348 م) فى "ميزان الاعتدال" والمستشرق بروكلمان هذه الشكوك. على أن لقب المرتضى هو من ألقاب على، ليس لدى الشيعة فقط، بل عند السنة أيضًا. وعلاوة على ذلك فإن نسبته لعلى منصوص عليها صراحة فى الكتاب، حيث تتصدره العبارة "نهج البلاغة. . . من كلام على بن أبى طالب". كما أن الكتاب يحتوى على السيرة الشخصية للمرتضى كجامع للأعمال المحتواه فى الكتاب، ثم السيرة الشخصية لعلى مع ذكر لبعض أعماله الخارقة وفى رأى ابن أبى الحديد المعتزلى، أنه لا شبك فى صحة هذا الكتاب ونسبته إلى الإمام على، وقد قام بجمعه الرضى، وهو ما يذهب اليه الشيعة القدامى منهم والمحدثون.

المصادر

ولا ينكر Vaglieri نسبة جزء كبير من الكتاب لعلى، وعلى الأخص بعض القطع التاريخية أو المديحية، على الرغم من صعوبة معرفة نسب القطع مجهولة النسب. والحقيقة أن كثيرًا من الكتاب قبل المرتضى بكثير قد رووا خطب على، مثل "البيان" للجاحظ وتاريخ الطبرى وغيرهما. والأكثر من ذلك فإن بعض القطع ترجع إلى زمن على مذكورة بإسنادها لرواة مشهورين أمثال الجاحظ والطبرى والمسعودى. وعلى أية حال، فنهج البلاغة من أعظم الأعمال الأدبية فى اللغة العربية التى حازت الإعجاب على مر القرون. وكما يشير عنوان الكتاب، فهو يتضمن مباهج اللغة العربية. فسجعه القوى، وبلاغته المحكمة، وفصاحته المتميزة، وصوره الأخاذة وتعابيره الرزينة الغير متكلفة، وحكمة البدو ممزوجة برؤية الإسلام، كل ذلك يكوّن عناصر هذا الكتاب، مدعمة بالقيم الاجتماعية والأخلاقية العليا. والكتاب فى الواقع يحتوى على جهد لا يكل، ممتلئ بالأخلاص والحماس، لقضية الإيمان باللَّه ورسوله، وللتقوى والفضائل والعدالة والارتفاع على غرور الحياة الدنيوية. ومنذ ظهوره، كان نهج البلاغة موضوعا للشروح والترجمات والدراسات. وقد طبع مرات عديدة، ولمناسبات عدة، أخصها شرح محمد عبده فى بيروت عام 1885 م والقاهرة فى 1903 و 1910 م، والمرصفى فى 1925 م مذيلة بمسرد وفهرس مسهبين. كما ترجم الكتاب للغات عديدة، وعلى الأخص الفارسية، مثل "شرح نهج البلاغة" لفيض الإسلام، وبالفرنسية فى بيروت 1986. ومن بين ما ألّف شرحا لنهج البلاغة، يعتبر مؤلف ابن أبى الحديد أهمها جميعا. فهو بأجزائه الثمانية يعتبر عملا موسوعيا وانجازا أدبيا وبحثيا بكل ما تعنيه الكلمة من معنى. المصادر: 1 - M.Kazw,nl, Sharh Nahdi al - balagh Tahran 1960 على يوسف على م. جبلى [M.Diebli] مراجعة د. محمد الشحات

النهروانى

النهروانى هو قطب الدين محمد بن علاء الدين أحمد بن محمد بن قاضى خان محمود المكى الحنفى، القادرى الخرقانى مفتى مكة فى القرن العاشر الهجرى وقاضيها ومدرس الحديث ومؤرخ مكة واليمن فى أوائل العهد العثمانى. وُلد سنة 917 هـ (= 1511 - 1512 م) بلاهور من أعمال الهند سابقًا (باكستان حاليا) فى أسرة اهتمت بالعلم، وأصلها من عدن ولكنها استقرت منذ زمن طويل فى نهروالة (المعروفة اليوم باسم باتان) فى حجرات. وتتكلم عنه بعض الكتب -ومنها القديمة فتسميه بالنهروانى. وتلقى تعليمه الأول على يد أبيه وكان مفتيا وعالما بالحديث، ثم نقله أبوه إلى مكة، حيث درس على أيدى عدة من العلماء والشيوخ من بينهم المؤرخ اليمنى الدَّيْبَع (ت 944 هـ/ 1537 م) قبل رحلته إلى مصر سنة 943 هـ لمزيد من التعليم، والتقى فى مصر بكثير من الشيوخ البارزين من بينهم بعض تلاميذ السيرطى (ت 911 هـ) وقدموه إلى الوالى العثمانى خسرو باشا ديوانه والى المتوكل محمد (ت 950 هـ = 1543 م) الذى كان آخر خليفة من خلفاء الظل العباسيين. وقد أتقن التركية منذ صغره اتقانا ساعده على أن يتعرف على كثير من الموظفين والعمال العثمانيين الذين وفدوا إلى هنا أو من أقاموا فى تلك الناحية وكان لمعرفته التركية وتقدّمه فى كتابة الإنشاء فضل فى التحاقه بإحدى الوظائف عند أشراف مكة فاستخدموه فى معاملاتهم مع العثمانيين، وأصبح قطب الدين الرجل الذى يلتمسه الزوار العثمانيون لمعرفة مكة، وقد مكنته مكانته عند حكام الدولة العثمانية من أن يتولى وظائف تدريس هامة كما صار مفتى مكة، ولما كان جمادى الأولى سنة 975 هـ تولى تدريس المذاهب الأربعة فى مدرسة السلطان سليمان الجديدة، وقد درّت عليه هذه الوظيفة إلى جانب الافتاء دخلًا كبيرا عاش عليه بقية حياته ولقد

رحل قطب الدين مرتين إلى استانبول، قدَّموه فى كلتيهما إلى السلطان سليمان، كما أنه صحب فى سنة 943 هـ الوزير بهادر شاه فى سفره إلى استانبول لتبعث مددا حربيا إلى ججرات. أما رحلته الثانية التى قام بها فى سنة 965 هـ (= 1557 - 1558 م) فكانت إلى شريف مكة، ولقد أدرج رحلته عبر بلاد الشام والأناضول فى كتابه الموسوم بالفوائد السنية فى الرحلة المدنية والرومية، وكان من بين الأحداث التى صادفها مقابلته مع الأمير بايزيد غداة منازعاته مع أخيه وذلك فى تشييع جثمان حُرَّم زوجة أخيه السلطان وكذلك كان لقاؤه مع شيخ الإسلام الشهير أبى السعود أفندى. أما فيما يتعلق بتاريخ وفاة قطب الدين بمكة فالأرجح أنه كان يوم 26 ربيع الثانى 990 هـ (= 20 مايو 1582 م)، ويظهر أنه قد خلف من بعده ولدًا واحدًا على الأقل اسمه محمد الذى وضع كتابا سماه "ابتهاج الإنسان" وقد ألفه لحسن باشا والى اليمن العثمانى الذى طالت مدة ولايته من 988 - 1012 هـ (= 1580 - 1604). ولعل أشهر من يعرف من أقاربه ابن أخ له يدعى عبد الكريم بن محب الدين (961 - 1041 هـ = 1554 - 1606 م) الذى خلفه فى وظيفة الإفتاء وعلى الرغم من أن قطب الدين ذاته لم تطأ قدمه قط أرض اليمن إلّا أن اثنين من أقاربه وابن أخ له وابن له قد شغلوا وظيفة القضاء بها. أما مؤلفاته الكثيرة والتى أشار إليها كل من الجاسر، بروكلمان فتتناول على وجه الخصوص الدين والأدب أو التاريخ، ومن بينها كتاب عن العلماء الحنفية سماه "طبقات الحنفية" وكتاب فى الحديث يعرف باسم "الجامع لكتب السنة الستة" لكنها ضاعت حين شبت النار فى بيته ومكتبته. أما كتابه المسمى بالإعلام بأعلام بيت اللَّه الحرام فهو تاريخ لمكة وقد أتم وضعه سنة 985 هـ (= 1577 م)، وقد ترجمه إلى التركية الشاعر التركى "باقى" وطبعه "فستنفلد"، وهو كتاب يتضمن مقالات من بينها واحدة عن الفتح العثمانى

المصادر

لقبرص (978 - 979 هـ = 1570 - 1571 م) وقد اختصره ثم أكمله ابن أخيه عبد الكريم وسماه "إعلام العلماء الأعلام" أما تأريخه عن اليمن المسمى "الفتوحات العثمانية للأقطار اليمنية" ثم غيره فيما بعد فصار "البرق اليمانى فى الفتح العثمانى" فقد أتمَّه سنة 981 هـ (= 1573 م) ثم أعاد صياغته من جديد بعد قليل وقد استحسنه الوزير العثمانى سنان باشا (ت 1004 هـ = 1596 م) حينما كان قطب الدين فى صحبته بمكة سنة 978 هـ (= 1570 م) وذلك فى أعقاب إعادة الفتح العثمانى لليمن، وقد أمدّه سنان باشا بمعلومات عن حملته التى استغرقت ثمانية عشر شهرا فى 976 - 978 هـ (1568 - 1570 م) وكذلك أمده بقصيدة ملحمية عن نفس الموضوع نظمت بالتركية وسميت "فتوحى يمن" وهى التى نظمها "مصطفى رموزى" أحد الضباط العثمانيين باليمن. ومع ذلك فقد خصص قطب الدين نصف كتابه لتأريخ اليمن بدءا من القرن العاشر الميلادى حتى السادس عشر، وقد صدرت له ترجمتان بالتركية واحدة منهما قبل سنة 998 هـ (1590 م) وقد قام بنشرها الجاسر. وإن التفاصيل الجمة عن حياة قطب الدين واردة فى كل من البرق اليمانى والإعلام لاسيما فى الأخير منهما الذى طبع لأول مرة بواسطة "فستنفلد" كما توجد طائفة جمة ومفيدة من الأخبار فى المقدمة التى وصفها حمد الجاسر لكتابه البرق وسماه غزوات الجراكسة والأتراك فى جنوب الجزيرة. المصادر: (1) ابن الحنبلى: در الحبب 2/ 439. (2) الغزى: الكواكب السائرة 3/ 44 - 48. (3) عطائى: ذيل الحقائق النعمانية. (4) ابن العماد: شذرات الذهب 8/ 420 وما بعدها. (5) الشوكانى: البدر الطالع 2/ 57. (6) عبد الحى بن فخر الدين: نزهة الخواطر 4/ 285 - 290. (7) أ. سيد: مصادر تاريخ اليمن، ص 213. مروان حسن حبشى [بلاك كليرن Blaclern]

نوح (عليه السلام)

نوح (عليه السلام) ذكر نوح عليه السلام فى "الكتاب المقدس" وهو علم من أعلام القرآن الكريم والتراث الإسلامى وقد ميزه الثعلبى عن سائر الأنبياء بخمس عشرة فضيلة. والكتاب المقدس لم يذكر نبوة نوح عليه السلام، أما فى القرآن الكريم فهو أول رسول، وتبعه بعد ذلك كل من هود وصالح ولوط وشعيب وموسى عليهم أفضل الصلاة والسلام. كما كان إبراهيم عليه السلام أحد شيعته (سورة الصافات آية 83). وكان نوح عليه السلام نذيرا مبينا (سورة هود آية 25 وسورة نوح، آية 2)، الأمين (سورة الشعراء آية 107) والعبد الشكور (سورة الإسراء آية 3) وأخذ اللَّه ميثاق نوح ومحمد وإبراهيم وموسى وعيسى بالصلاة والسلام. (سورة الأحزاب آية 7). وتذكر الآيات فى القرآن الكريم ما دار بين نوح عليه السلام والمشركين من قومه، وهو لا يختلف كثيرا عما كان يدور بين الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] ومشركى قريش، فلم يكن لوطا فى نظر قومه إلا بشرا وكان من الأحرى أن يرسل اللَّه ملكا (سورة المؤمنون آية 24)، كما كان فى نظرهم خطاء (سورة الأعراف آية 61) وقد مسه الجن (سورة القمر آية 9) ولم يؤمن به إلا أراذل القوم والمغلوبين على أمرهم (سورة هود آية 27) وقد رد نوح عليه السلام قائلا: {يَاقَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ (71) فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (سورة يونس 71 - 72). ويصور القرآن الكريم الأحداث كما يلى: أرسل اللَّه نوحا عليه السلام إلى المشركين فردّه قومه، فأمره اللَّه ببناء سفينة بوحى منه، ثم "فار التنور" (سورة هود آية 40) ثم أغرق الطوفان كل شئ، ولم ينج من أى نوع إلا ذكرا وأنثى والقلة المؤمنة بنوح عليه السلام.

وقد ركبوا جميعا السفينة، وناشد نوح ابنه أن يتبعه ولكن الابن رفض واستعصم إلى جبل ولكنه غرق. وعندما أمر نوح عليه السلام المياه أن تسكن، استقرت السفينة على جبل الجودى ولم يكن ابن نوح الكافر الوحيد من بين أهله ولكن امرأته كانت كافرة وكذلك كانت امرأة لوط عليه السلام. ويتفق القرآن الكريم مع الهجادة فى العناصر التالية: 1 - أن نوحًا عليه السلام كان نبيا ومذكرا. 2 - أن قومه سخروا من السفينة. 3 - أن الكافرين من أهله عوقبوا بمياه ساخنة (ارجع إلى نصوص الهجادة: سانهدرين Talm. Sanhadrin: Gren. Raba. xxix, 108 a-b). أما نوح عند الاخباريين، فشأنه شأن الحالات الأخرى، حيث تزيد التفاصيل عما هى فى القرآن الكريم، فنجد أسماء الذين لم يذكروا فى القرآن الكريم، كاسم امرأته "واليه"، وكانت خطيئتها أنها وصمت نوحًا بالجنون. أما أسماء أبنائه سام وحام ويافث فهى معروفة فى تفسيرات القرآن الكريم المتفقة مع ما جاء فى الكتاب المقدس. كما نجد فى نفس هذه التفسيرات اسم ابنه العاصى -والمعروف لدى العرب باسم "يام"- الذى غرق فى الطوفان. ويشير القرآن الكريم إلى أن نوحا عليه السلام عاش 950 سنة ويتفق هذا مع ما جاء فى سفر التكوين من العهد القديم. أمر اللَّه نوحا عليه السلام أن يبنى سفينة من الأشجار التى زرعها نوح عليه السلام بنفسه. وسخر قومه منه. وقد شبه الثعلبى رأس السفينة وذيلها برأس وذيل الديك. وقيل إن المسيح عليه السلام أحيا سام بن نوح من الموت ليصف له السفينة، فقال: إن الطابق الأول كان يحوى ذوات الأربع والطابق الثانى البشر والأخير الطيور. وكانت النملة أول مخلوق يدخل السفينة والحمار آخرهم. وتختلف الآراء حول عدد البشر فى السفينة ما بين سبعة أفراد وثمانين فردا. وقد نجا "عوج بن عناق" مع

المصادر

المؤمنين، وغرق بنو قابيل عن آخرهم. كما أخذ نوح جثمان آدم عليه السلام واستخدمه كفاصل بين الذكور والإناث، حيث حرم الرفث على ظهر السفينة للإنسان والحيوان على السواء. إلا أن حام انتهك ما حرمه اللَّه، فعوقب بتحول بشرته وبنيه إلى اللون الأسود. وقد غمرت المياه الأرض كلها باستثناء الحرم (وأضاف الكسائى بيت المقدس) ورفعت الكعبة إلى السماء وحجب جبريل الحجر الأسود (ويرى الكسائى أن الحجر كان ناصع البياض حتى حدوث الفيضان). أرسل نوح عليه السلام الغراب لاستطلاع الأمر، ولكنه انشغل ببعض الجيف التى وجدها ونسى مهمته، فأرسل نوح عليه السلام الحمامة التى عادت بغصن الزيتون فى منقارها وتعلق الطين برجليها، وقد كوفئت بمنحها الطوق وصارت من الطيور الأليفة. وفى يوم عاشوراء خرج كل من كان بسفينة نوح وصام الإنسان والحيوان حمدًا للَّه تعالى. ويتفق الإخباريون مع الهجادة فى الكثير من الأمور مثل تقسيمات السفينة وقلق نوح عليه السلام على الحيوانات والعقوبة التى لحقت حام بسبب خطيئته، وقصة فرار المارد العملاق "عوج" من الطوفان. المصادر: 1 - القرآن الكريم. 2 - الكسائى: قصص الأنبياء طبعة Eisehbery جزء 1 ص 85 - 102. وائل البشير [ب. هيلر B. Heller] النوروز 1 - فى البلاد الإسلامية: النوروز ويعنى بها العام الجديد، وترد فى الكتب العربية برسم "النيروز". والنوروز هو اليوم الأول فى السنة الشمسية الفارسية، ويوافق الحادى والعشرين من شهر مارس من السنة الميلادية. وكان كذلك هو اليوم الذى يُجمع فيه الخراج واستُخدم

التاريخان فى فارس والعراق وإقليم جبال فى ظل الإسلام، ويقرر حمزة الأصفهانى أن النيروز فى أول سنة للهجرة وافق 18 حزيران (يونيو) ولكنه أخطا إذ عده اليوم الأول من ذى القعدة. ومرجع هذا الخطأ أن كبس السنة يومًا كل أربع سنين (النسئ) بُطل فى الإسلام، ووجد الجباة فى ذلك فائدة لهم ليجمعوا الخراج فى وقت مبكر. وفى زمن الخليفة المتوكل تقدم موعد جمع الخراج شهرين، وفى سنة 245 هـ/ 859 م حُدد موعد النيروز يوم 17 حزيران كما كان عليه فى الماضى. وظل هذا التعديل نافذ المفعول حتى أخَّره الخليفة المعتضد ثانية ستين يوما حتى رجع إلى وقته الذى كانت الفرس تردُه إليه، فوافق وقوعه يوم 11 حزيران (يونيو). ولما حدث التعديل فى تقويم السلطان السلجوقى ملكشاه، أعلن الفلكيون الفرس أن أول يوم النيروز يوافق العاشر من رمضان 471 هـ/ 15 مارس 1079 م. وكان يحتفل بالنوروز فى الشام ومصر وغيرهما من البلاد واستبقاه القبط كأول يوم للعام، ولكنه الآن يقع فى العاشر أو الحادى عشر من سبتمبر. وتقام الاحتفالات الشعبية فى كل بلد احتفاء بالنيروز وكان ملوك الفرس الساسانيون يقيمون وليمة كبرى فى هذا اليوم، وتُقدم لهم فيه الهدايا ويرش الناس بعضهم بعض بالماء فرحا بقدومه ويوقدون النيران. وبقيت هذه العادة فى العراق ومصر فى ظل الإسلام، وقد حاول ولم يفلح المعتضد فى إبطال هذه العادة واحتُفل بهذا اليوم كعيد عام فى سائر أنحاء الإمبراطورية العثمانية، وفى بلاد الفرس، احتفل بالنوروز على طول تاريخها، احتفالًا عظيما كأهم عيد مدنى فى كل عام. وظهرت ملامح كثيرة مع تلك الاحتفالات الفارسية فى عادات شعوب أخرى كارتداء الملابس الجديدة قبل بداية السنة الجديدة مباشرة، أو عند انتهاء فصل الشتاء، وفى المجتمعات الريفية يحتفل الناس بالنيروز فيوقدون غصون الشجر ويتزاورون فيما بينهم.

2 - فى شرق أفريقيا

2 - فى شرق أفريقيا: اعتاد الصيادون والفلاحون فى ساحل شرق إفريقيا استخدام تقويم النوروز أما التقويم الهجرى فالتزموا به فى أغراضهم الدينية. وفى السواحيلية ينطقونه "النيروزى" ويرجع أقدم دليل على استخدامه فى تاريخ كلوه العربى إلى سنة 1550، الذى يسّجل نزول البرتغاليين على الساحل سنة 1498 واستخدامهم للتقويمين معًا. وهنالك شك فى اتخاذ النيروز فى تاريخ أسبق من ذلك. ويُجَهَّز الطعام فى الأيام السبعة السابقة للنيروز وبعدها يحتفل بالعيد وجمع أغصان الشجر لمدة أسبوع. وفى اليوم السادس يجتمع تلاميذ الكتاتيب فى منازل مدرسيهم، يقرأون القرآن الكريم ويشاركون فى الطعام، ويبيتون فى بيوت المدرسين، وفى اليوم التالى يواصلون قراءتهم للقرآن الكريم بعد أن ينتقلوا إلى الشاطئ. ولعل تلاوة القرآن هذه هى المظهر الإسلامى الوحيد بين هذه المراسم. ويقوم التلاميذ والكبار بعد ذلك بالسباحة، ويرتدون ملابس نظيفة. وفى زنزبار، ترقص النساء ويغنين ويُلوحن فى الشوارع بأغصان الشجر. ويتبع ذلك إقامة وليمة يحضر النساء فيها الأرز، ويجهز الرجال (الكيتويو)، وهو بقل من البقول، ثم بعد إعطاء إشارة، تُشعل النيران، التى تزود بالوقود. ثم يُحمل الرماد إلى مفترق الطرق، حيث تتراقص النساء. وأثناء ذلك يُبنى كوخ صغير، وتقوم النسوة باشعال النار فيه لطرد الأرواح الشريرة لبقية أيام السنة. ثم يتبع ذلك رقص الرجال بالرماح والسيوف والخناجر. ويختتم الرقص بالتحطيب، ويستخدم الرجال فى رقصهم العصى فقط. المصادر: - البيرونى: تاريخ البيرونى. - عمر الخيام: نيروز نامة. - آدم متز: الحضارة الإسلامية. د. عطية القوصى [أ. بوزوورث C. E. Bosuaarth] نورية النورية لفظ مشتق من "النَّوْر" وهو الزهْر الأبيض مفرده نورة، وهو مثل

المصادر

زَهرية والمقصود به الشعر المخصص لوصف الزهور، ومن المستحيل فصله كجنس عن "الروضية" أو "الربيعية" اللتين يوصف بهما الحدائق أو الربيع، ولما كان منتصف القرن الخامس الهجرى (الحادى عشر الميلادى) وضع أبو الوليد الحميرى (ت 440 هـ = 1048 م) كتابه "البدائع فى فصل الربيع" وقسمه إلى: (أ) قصائد عن الربيع دون أوصاف الزهور (ب) قصائد قيلت فى زهرتين أو أكثر، (جـ) قصائد فى زهرة واحدة معينة، وظهور هذا النوع من الشعر مرتبط بالفرس القدماء والعرب الذين استقروا فى المدن بعد الفتوح، ويلاحظ أن الشعراء العباسيين ساروا فى "القصيدة" على النهج الذى كان قبل الإسلام فى وصفهم مجالس الشراب وفى الخمريات، وقد أدرج أبو نواس هذه الأوصاف بعد أن كان الوصف قاصرا على الأطلال: صفة الطلول بلاغة القدم ... فاجعل صفاتك لابنة الكرم وهو يصف زهورا معينة ويقارن بينها وبين أجزاء من الجسم (فالورد = الخدين، والنرجس = العينين) وقد يذكر الجواهر الثمينة. ولقد كان أبو تمام أول شاعر يُحل وصف الربيع وأزهاره محل النسيب، ولقد وجد هذا التطور قبولًا عظيما ليس عند المداحين العرب فقط بل وأيضًا بين الشعراء الفرس والترك واليهود وقد أقبل الشعراء الأندلسيون على هذا النوع من الشعر الذى يصف الورود والزهور، ويلاحظ أن معظم "القطع" التى أوردها الحميرى إنما هى "مقطعات" كلها عن الورود، ومن أبرز الشعراء فى هذا المجال ابن خفاجه المعروف بالجنّان وابن أخيه ابن الزقاق. المصادر: 1 - مقداد رحيم: النوريات فى الشعر الأندلسى. 2 - الحميرى. البديع فى وصف الربيع (1986 م) المغرب. نجلاء فتحى محروس [تبريزا جارولو Teresa gasuls] النوفليون بنو نوفل: بطن من بطون قبيلة قريش المكية، ويعتبر علماء الأنساب

النووى

نوفل واحدًا من أبناء عبد مناف وأخا لعبد شمس وهاشم والمطلب. وقد رُوى أن نوفل نفسه كان مهتما على وجه الخصوص بالتوسع فى المتاجرة مع العراق والامبراطورية الفارسية، كما يقال أيضا إنه تشاجر مع عبد المطلب (جد محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-). ومن خلال بعض المعلومات التى وصلت إلينا بشأن العلاقات المتبادلة بين عشائر قريش قام جميع بنى عبد مناف مع بعض العشائر الأخرى، وكونوا ما يعرف بالمطّيبين، الذين تخاصموا مع مجموعة أخرى تعرف بالأحلاف ممن كانوا بقيادة بنى عبد الدار وبنى مخزوم، غير أنه جرى بعد حين أن انفصل بنو عبد شمس ونوفل عن الطائفة الأولى وتقرَّبوا إلى جماعة بنى مخزوم ذات الثروة والبأس، ويبدو أن بنى نوفل كانوا قلة وليس هناك أحد من بينهم يرد اسمه بين جماعة المسلمين الأوائل اللهم إلّا إذا استثنينا حلف عتبة بن غزوان. وانضمت النوفليون إلى معظم قريش فى مقاطعتهم لبنى هاشم حين أبى أبو طالب -باعتباره كبيرهم- أن يمنع محمدا (-صلى اللَّه عليه وسلم-) من الدعوة للإسلام أو يمنع جواره له، وحينذاك قام مطعم ابن عدىّ النوفلى فكان خامس خمسة شجبوا المقاطعة. ولما مات أبو طالب خلفه أبو لهب وصارت له الزعامة فحجب حماية بيته لمحمد، وترتب على زيارة محمد (-صلى اللَّه عليه وسلم-) للطائف أن يلتمس الرسول (عليه السلام) حماية قبيلة أخرى قبل أن يعود ليدخل مكة فكان المطعم بن عدى النوفلى هو الذى أدخله "جواره" وربما كان ذلك على أن يكف محمد (-صلى اللَّه عليه وسلم-) عن الدعوة ولا نجد ذكرا للمطعم بعد الهجرة وإن ظل جماعة من بنى نوفل معارضين للنبى. بيومى موسى [مونتجومرى وات] النووى أو النواوى هو محيى الدين أبو زكريا يحيى بن شرف بن مرى (حسب تهجئة النووى نفسه - السيوطى) بن حسن بن حسين بن محمد بن جمعة بن حزام الحزامى الدمشقى. . وهو فقيه شافعى ولد فى المحرم عام 631 هـ/ أكتوبر 1233 م

المصادر

عام 669 هـ/ 1270 - 1271 م أرفع حجة وأكبر مصدرا بحيث يضعه الباحثون على قدم المساواة مع كتابات "الرافعى". ومنذ القرن العاشر الهجرى/ السادس عشر الميلادى والعملان اللذان يشرحان هذا الكتاب -وهما "تحفة" ابن حجر، و"النهاية" للرملى، يعتبران من أهم كتب الفقه الشافعى، ويتضمن الكتاب مقتطفات من "المحرر" للرافعى، وهو يستهدف -كما يقول المؤلف نفسه- أن يكون شرحا له وتعليقا عليه -ويدين الكتاب بمكانته إلى أنه يرجع بنا- عن طريق الرافعى والغزالى، إلى إمام الحرمين. ويجب أن نذكر أيضا الروضة فى مختصر شرح الرافعى (حول "وجيز" الغزالى) والذى انتهى منه فى 669 هـ/ 1270 - 1271 م، وقد كتب عليه تعليقات كثيرة، وهناك تعليقاته حول كتابى المهذب و"التنبيه" للشيرازى, وكتاب الوسيط للغزالى، الذى يبدو أنه غير موجود -وكذلك عدد من الفتاوى جمعها تلميذه ابن العطار. وقد أثمرت دراساته فى السير والنحو كتاب "تهذيب الأسماء واللغات"، وكتاب "التحرير فى ألفاظ التنبيه" الذى انتهى منه عام 671 هـ/ (1272 - 3 م). أما عن اتجاهاته التصوفية فله كتاب "الأذكار"، وقد انتهى من تأليفه عام 667 هـ/ 1268 - 9 م. و"رياض الصالحين" وقد انتهى من تأليفه عام 670 هـ/ 1271 - 2 م، بالإضافة لكتابه الذى لم يكتمل تحت عنوان "بستان العارفين فى الزهد والتصوف". وعن أجل أعماله الكاملة ارجع إلى بروكلمان. المصادر: - ابن العطار (المتوفى عام 724 هـ/ 1324 م): تحفة الطالبين فى ترجمة شيخنا الإمام النووى (وبها الكثير من المرثيات). - السخاوى (المتوفى عام 902 هـ/ 1496 - 7 م) ترجمة قطب الأولياء - النووى". - السيوطى: المنهاج فى ترجمة النووى". - السبكى: طبقات الشافعية الكبرى (القاهرة 1324 هـ). - الذهبى: تذكرة الحفاظ. - اليافعى: مرآة الجنان. بهجت عبد الفتاح عبده [و. هيفينج W.Heffening]

فى "نوى" جنوبى دمشق فى "جولان" وقد لفتت موهبة الصبى المبكرة جدا الأنظار، وجاء به أبوه فى عام 649 هـ/ 1251 م إلى مدرسة الرواحية فى دمشق. وهناك درس الطب قبل كل شئ ولكنه سرعان ما تحول إلى الدراسات الإسلامية. وفى عام 651 هـ/ 1253 م أدى فريضة الحج مع أبيه. وفى نحو عام 655 هـ/ 1257 م بدأ يكتب، واستدعى فى عام 665 هـ/ 1267 م للأشرفية -دار الحديث- فى دمشق خلفا لأبى شامة الذى مات. وبالرغم من أن صحته قد اعتلت كثيرا فى حياته كطالب، إلا أنه عاش يقتصد فى الإنفاق جدا، بل إنه رفض المرتب. وقد أصبحت شهرته كعالم وكإنسان كبيرة جدا حتى أنه ليجرؤ على أن يطلب من السلطان بيبرس أن يعفى شعب الشام من ضرائب الحرب المفروضة عليه، وأن يدفع عن المدرسين فى "المدارس" خفض دخولهم. ومع ذلك لم يفلح فى ذلك وطرده بيبرس من دمشق عندما رفض وحده أن يوقع على فتوى تقر مشروعية هذه الضرائب (وقد احتفلت القصة الشعبية "سيرة الظاهر بيبرس" القاهرة 1326 - بهذا العمل الذى قام به النووى الذى يقال إنه دعا على السلطان فأصيب بالعمى لفترة). . وقد مات النووى -دون أن يتزوج- فى بيت أبيه فى "نوى" فى يوم الأربعاء الرابع والعشرين من رجب 676 هـ/ التاسع والعشرين من ديسمبر 1277 م ولا يزال موضع توقير وتكريم هناك. وكان النووى على معرفة كبيرة نادرة بالحديث، بل إنه تبنى معايير أكثر دقة مما جاء بعد ذلك، فمثلا هو يعترف بخمسة كتب صحاح لا ستة فى الحديث إذ إنه يضع سنن ابن ماجه فى مستوى مسند أحمد بن حنبل، وبالرغم من إعجابه بمسلم، فإنه يضع البخارى فى مكان أرفع (التهذيب) وقد وضع شروحا أساسية على صحيح مسلم (القاهرة 1283 هـ). وربما تكون مكانة النووى كفقيه أكبر وأعظم -ففى حلقات الشافعية كان يعتبر بكتابه منهاج الطالبين (الذى أتمه

نيبال

نيبال نيبال مملكة هندوسية مساحتها 147 ألف كم 2، تقع على الحافة الجنوبية لجبال الهيمالايا بين سهل الجانح (فى الهند) أرى أن هضبته التبت فى الهند. وتتكون البلاد من سهول جنوبية وجبال مركزية، وتتسم بمناخ شبه استوائى يلائم زراعة الأرز الذى تعيش عليه كثافة سكانية عالية تنتمى لأصول هندية. ويتحدث السكان لغات هندية آرية؛ فسكان السهول يتحدثون الهندية، بينما يتحدث سكان الجبال النيبالية -وهى اللغة الرسمية- ويسيطرون على قبائل تتحدث لغات تبتية بورمية. ويبلغ تعداد السكان حوالى 19.36 مليون نسمة، تسعون بالمائة منهم هندوس؛ فالهندوسية هى الديانة الرسمية، مع وجود أقليات دينية أخرى هى البوذية (5 - 10 %) والإسلام (3 %). ولا يعرف الأصل التاريخى للإسم "نيبال"، وإن كان معروفًا فى اللغة السنسكريتية منذ القرن الرابع م، ومعروفًا عند مسلمى القرن الخامس الهجرى (11 م) من خلال كتابات البيرونى عن الهند التى أشارت إلى "وادى كَتَمندو". وقد قام الولاة الهندوس بحكم السكان ذوى الأصول التبتية والبورمية الذين عرفوا باسم "التيوار" وقد وقع هذا الوادى تحت سيادة سلطان دلهى "علاء الدين خالجى" (1296 - 1316 م)، وأغار عليه السلطان البنغالى "شمس الدين إلياس" (1345 - 1358 م). ويذكر كتاب الحوليات أن أوائل التجار المسلمين قدموا من كشمير واستقروا فى كتمندو تحت حكم "راتنامالا" (1482 - 1512 م)، ووجودهم توجد شواهد عليه ابتداء من القرن 17 م، وهو مؤكد منذ عام 1738 بموجب السجلات الرسمية النيبالية. أما بقية نيبال الحديثة -على النحو الذى نعرفها به اليوم- فقد تم تقسيمها بين خمسين مملكة، ووقعت أراضى السهول تحت سيطرة سلاطين دلهى والبنغال ثم أباطرة المُغَل (مغول الهند). واشتملت التركيبة السكانية لسهل نيبال منذ ذلك العصر على بعض المسلمين الذين استقر بعضهم (أولئك صناع الأساور الزجاجية) فى الجبال منذ القرن 17 م.

وبزوال سلطان المُغْل وازدياد نفوذ شركة الهند الشرقية شمالى الهند، أقامت أسرة "جوركا Gorkha " الحاكمة الدولة النيبالية الحديثة، وقام "بريثوى نارايان Prithwy Narayan " بغزو وادى كتمندو (1768 - 69 م) وأخضع المناطق الشرقية، وتابع خلفاؤه التوسع غربًا حتى عام 1814 م حين أصبحت أراضيهم متاخمة لأراضى السيخ. وقد ضمن بريثوى إعترافًا بريطانيًا به واعترافًا آخر من إمبراطور المُغْل الألعوبة "شاه عالم الثانى" بموجب فرمان 1771. ومنذ ذلك الحين صارت الجزية تدفع للإنجليز حتى اندلاع الحرب النيبالية الإنجليزية (1814 - 1816 م) وإبرام معاهدة عام 1818 التى وضعت حدًا لتوسع الجوركا، وأقام الراناس Ranas (عمد القصر الذين تولوا دفة الحكم بين عامى 1846 - 1951 م) علاقات طبيعية مع الإنجليز وساعدوهم على استعادة، "لَكْنو Lucknow" بين عامى 1857 - 58، لكنهم سمحوا بلجوء بعض أشراف الشيعة من تلك المدينة. وأخيرًا تم الاعتراف باستقلال نيبال بموجب معاهدة 1923 م. قامت السياسة الدينية للأسرة الحاكمة الجديدة على تقوية الطابع الهندوسى للملكة، وأصرت -التزامًا بالتراث القديم الذى ابرزه البيرونى- على دَنَسْ المسلمين الذين اعتبروا برابرة وكانوا يعاقبون بقسوة كلما تسببوا فى تدنيس طبقة الأطهار الهندوسية. واستحدثت إجراءات لمنع المسلمين من التحول عن دينهم، كما حظرت إرساليات التبشير المسيحية ثم طردت نهائيًا هى وأتباعها. ومع ذلك -وبغض النظر عن الطرد المؤقت للتجار الكشميريين فى نهاية القرن 18 - كان بمقدور المسلمين البقاء وتداول التجارة والتمتع بحرية ممارسة الشعائر الدينية، ولم تكن لهم أية قوانين خاصة بهم فيما يتعلق بالزواج والطلاق والميراث وإدارة المؤسسات الدينية؛ بل كانوا يخضعون دائمًا للقانون الهندوسى ومسئولية أمام القضاة الهندوس. وقد وردت الفقرات المتحيزة ضدهم ضمن المدونتين القانونيتين الصادرتين عامى

1854 و 1935 م، واللتان بقيتا نافذتين حتى صدور مدونة 1963 م التى أبطلت العقوبات التى كان المسلمون عرضة لها عند خرقهم القواعد الطبقية الهندوسية. لكن على الرغم من إلغاء مبدأ التفرقة الدينية فى دستور 1962 م إلا أنه احتفظ بمنع التحول عن الدين، بل وأُدْخلَ هذا المنع فى دستور 1990 م. وبسقوط الراناس عام 1951 م فتحت الدولة ذراعيها للتحديث. والإحصاءات الرسمية للسكان والبحث الميدانى لعلم الأجناس يفسحان لنا مجال الدراسة الإثنولوجية لمسلمى نيبال الذين يبلغ تعدادهم حوالى 570 ألف نسمة، ويعيش جميعهم تقريبًا فى السهل حيث يشكلون نسبة 10 % من عدد سكانه؛ وهم إما تجار صغار أو حرفيين أو فلاحين، كما يوجد حوالى 2000 من صغار التجار يعيشون فى وادى كتمندو، وحوالى 10 - 15 ألف من صانعى الأساور فى الجبال الواقعة غرب كتمندو حيث يعيشون على الزراعة وبيع الحلى. وجميع هؤلاء قدموا من سهل الجانج، ويتحدثون بلهجات هندية، وهم ينحدرون أساسًا من الهندوس الذين اعتنقوا الإسلام ويشكلون مجتمعًا متسلسل المراتب يُعَدُّ نسخة إسلامية من النظام الطبقى الهندوسى. ومعظم هؤلاء من الأحناف مع وجود القليل من الشيعة الإثنى عشرية فى السهل، وحياتهم الدينية ذات صبغة هندية وإن كانت متشبعة للغاية بالصوفية والاعتقاد فى الأولياء. وهذا الإيمان بالأولياء -وهو شائع فى أعلى الطبقات وخاصة بين الكشميريين من أهل كتمندو- محل انتقاد وهجوم شديد من جانب الدوائر واسعة الشعبية فى المذهبين الإصلاحيين "الديوَبْنْد Deoband" و"أهل الحديث" المعروفان لدى خصومهما باسم "الوهابية" واللذان انتشرا حتى بلغا الجبال على أيدى العمال المهاجرين الذين يعودون من المدن الهندية ومعهم المطبوعات الثقافية الرخيصة باللغة الأوردية. وقد تضاعف عدد المساجد والمدارس القرآنية القروية، ويؤدى بضع عشرات من النيباليين فريضة الحج كل عام.

المصادر

وعملت السياسة الراسخة والحازمة للملكية على حظر كل أعمال العنف ضد الأقليات الدينية؛ وعلى ذلك -وبالرغم من التفرقة الدينية التى يرزحون تحتها- ظل مسلمى نيبال دائمًا يشعرون بالأمان أكثر مما عليه الحال فى الهند. ولما كانت المَلَكِيّة تواجه منذ عام 1979 م معارضة داخلية متزايدة، فقد تولت رعاياها المسلمين بالرعاية منذ ذلك الوقت نظرًا لما تمثله أصواتهم الانتخابية من مساندة ثمينة لها. المصادر: 1 - M.Gaborieaw, Le Nepal et ses Populatioms, Brussel - Paris 1978 2 - F.Hamilton. An account of the Kingdom of Nepal, Edinburgh 1819, repr. Aelhi 171 3 - M. Gaborieau, Recit d'un voyageur musulman autibet. Paris 1973 4 - M. Gaborieau, Minorites musulman dans le Royaume hindou du Nepal Paris 1977 سامية سالم [م. جابوريو M. Gaborieaw] النيجر النيجر (جمهورية النيجر). دولة حديثة فى غرب أفريقيا، كانت مستعمرة فرنسية تحمل الاسم نفسه. كان لموقعها الجغرافى ومجتمعاتها متعددة الأعراق تأثيرا عميقا على سكانها على مدى تاريخهم. 1 - الجغرافيا والسكان تغطى النيجر مساحة قدرها حوالى مليون وربع كم 2 منها 800 ألف فى الصحراء الكبرى غير مسكونة أو غير قابلة للسُكنى، والجزء الأكبر من باقى الأرض سهل، وتتركز الزراعة والإقامة الدائمة على شاطئ نهر النيجر (حيث تقع العاصمة بنامى). وفى منطقة الصحراء تقع جبال أيار وتسمى أيضا (جبال أيد أو أزبن)، وتمتد 480 كم من الشمال إلى الجنوب وحوالى 240 كم, من الشرق إلى الغرب وتوجد إزاءها منطقة وافرة النبات عاصمتها أجاديس. ويعيش فى هذه المنطقة الجبلية الشمالية حوالى 600 ألف نسمة.

2 - الإسلام فى النيجر.

وتقع حدود النيجر مع ليبيا والجزائر شمالا وتشاد شرقا ونيجيريا جنوبا ومالى وبوركينافاسو (فولتا العليا سابقا) غربا و 97 % من سكانها مسلمون، وإن كان ذلك لم يمنع التوترات العرقية، وكلهم سنيون على المذهب المالكى، 45 % منهم من المتحدثين بلغة الحوصة (الهوسار) والباقى من قبائل متعددة. وتعتمد النيجر أساسا على الزراعة والتجارة عبر الصحراء وتربية الماشية. إلا أن الجفاف قد قضى مؤخرا على القطعان. وباكتشاف اليورانيوم عام 1965 م، أصبحت النيجر خامس دولة فى انتاجه فى العالم. 2 - الإسلام فى النيجر. تعتبر النيجر أكثر مناطق ما كان يسمى بأفريقيا الغربية الفرنسية من حيث انتشار الإسلام بعد موريتانيا، ومع ذلك فلا زالت هناك جيوب وثنية، كما أن الاعتقاد فى السحر والتعاويذ والجن والقوى الشيطانية منتشر فى كل المجتمعات النيجرية. وقد شهدت النيجر على مدى تاريخها حركات صوفية تختلف عن باقى الدول السهلية. كما كانت حساسة لحركات المصلحين المتشددين التى أوعزت بها أعمال عبد الكريم المغيلى وتعاليم الشيخ عمر جبريل وجهاد السكوتو بقيادة الشيخ عثمان دان فوديو (فودى) والمصلحين المتأثرين بالحركة الوهابية (السلفية) وقد قامت جماعة علماء الطوارق Taureg بدور كبير فى تأليف أعمال أدبية بالعربية أو قصائد دينية بالعربية ولغة التمشغ Tamashegh. وعندما حصلت النيجر على الاستقلال عام 1960 م، كانت جمهورية علمانية، ولكنها بدأت فى توثيق روابطها بالعالم العربى فى السبعينات، وفى أغسطس 1975 م. أنشئت جمعية النيجر الإسلامية ووضعت الخطط لتأسيس جامعة إسلامية، وقد أنشئت هذه الجامعة فى ساى say جنوب نيامى Nianey ويدرس فيها طلبة من جميع المناطق المسلمة فى أفريقيا الغربية، كما أرسل طلبة النيجر إلى دول الشرق العربى للدراسة. وهناك تشجيع دائم لتعليم العربية الفصحى فى جميع المستويات.

المصادر

المصادر: (1) E.Bernus: Col por teurs de charnes magiyues, les Les IRadannatan فى Journel des Alricanistes العدد 55/ 1 - 2 (1985) 16 - 27. حسين أحمد عيسى [هـ. ت. نوريس H.T. Norris] نيجيريا هى أكبر دول غرب أفريقيا، وقد تكونت سنة 1914 م من المحميات البريطانية التى تقع الآن شمال نيجيريا الحالية وأخرى تقع إلى الجنوب منها، وتم تجميع هذه المحميات لتكوّن مستعمرة ومحمية نيجيريا، التى يحدها من الجنوب خليج غينيا، وتحدها بنين غربا، وتحدها النيجر شمالا، وتحدها تشاد شمالا بشرق، وتحدها الكاميرون غربا وعاصمتها الإدارية أبوجا، وأهم مدنها لاجوس وإبادان والورين وكانو وسوكوتو، وبلغ تعداد سكانها سنة 1984، 88.148.000 وتبلغ مساحتها 923.768 كيلو متر مربع، (356.574 ميل مربع)، وتضم أكثر من 250 مجموعة قبلية، أكبرها الهوسا (الحوصة)، والفولانى والكانورى فى الشمال، واليوربا فى الجنوب الغربى والابو فى الشرق. وفى نيجيريا أنهار متعددة أهمها: النيجر وبنوى وجُنجولا. والدين الأساسى فى نيجيريا هو الإسلام (حوالى 50 % من السكان) يليه المسيحية (34 %) ثم الديانات الأرواحية الأفريقية التقليدية. وقد عدّد كيرك جرين A.H.M.Kirk-Greene فى مبحثه The Linguistic Statiatics of northern Nigeria المنشور فى African Language review (مجلد 6, 1967) حوالى ثلاثة وخمسين لغة غير الهوسا والفولانى والكنورى والتيف Tiv والنوبى Nupe واليوربا لازالت مستخدمة فى نيجيريا الشمالية وذلك حوالى سنة 1952، أما على مستوى نيجيريا كلها فثمة 250 لغة، إلّا أن الهوسا (الحوصة) واليوربا والإدو والإبو هى الأكثر انتشارا اليوم وتعتبر اللغة الإنجليزية هى اللغة الرسمية للجمهورية النيجيرية الفدرالية الحالية رغم أن ثمة ضغوط من قبائل الحوصة (الهوسا) الشمالية يجعل

دول الهوسا (الحوصة بكواى).

لغتهم هى اللغة الرسمية. وفى أول أكتوبر سنة 1954 أعلن الاتحاد الفدرالى النيجيرى تحت الحماية البريطانية وكان يتكون من المنطقة الشرقية والمنطقة الغربية، والمنطقة الشمالية بالإضافة للكاميرون الجنوبية ومنطقة لاجوس الفدرالية، وفى أول أكتوبر 1960 م وافقت بريطانيا على استقلال هذا الاتحاد الفدرالى ضمن نطاق الكُمنولث وبالتالى أصبح التقسيم كالتالى: نيجيريا الشمالية، ونيجيريا الغربية، ومنطقة لاجوس الفدرالية، وفى سنة 1963 أطلق على هذا الكيان اسم جمهورية نيجيريا الفدرالية. وفى الفترة من 1966 إلى 1970 م شهدت نيجيريا كثيرا من الاضطرابات والانقلابات العسكرية والحروب الأهلية، وخلال هذه الفترة أعلنت جمهورية بيافرا فى نيجيريا الشرقية سابقا، لكنها عادت لحضن الجمهورية النيجيرية الفدرالية سنة 1970 م ولم تنعم نيجيريا بحكم ديمقراطى إلا لفترة يسيرة أنهاها انقلاب عسكرى سنة 1983 م أعقبه انقلاب آخر سنة 1985 م، ويحكم نيجيريا الآن رئيس يعاونه مجلس عسكرى، وفى سنة 1985 م قسمت نيجيريا إلى 19 ولاية بالإضافة للعاصمة كمنطقة فدرالية وفى ستة 1991 م، زيد عدد الولايات ليصبح 30 ولاية ويمكن الرجوع لكتاب Alan Burn الموسوم باسم History of Nigeria فى طبعته الثامنة المنشورة فى لندن سنة 1972 لمتابعة التاريخ النيجيرى حتى إعلان الاستقلال. دول الهوسَا (الحوصة بكواى). يعتقد الحوصة (الهوسا) المحدثون أنهم ينحدرون من شعوب الهوسا الذين كانوا لهم سبع دول أو ممالك: زمفارا، كبى، يورى، يوروبا، نوبى، كواراراف، جواريز، وأهل هذه الممالك التقليدية هم الآن -فى غالبهم- ضمن مناطق الهوسا (الحوصة) فى نيجيريا الشمالية. وكانت مملكة زمفارا تقع شمال غرب زاريا الحالية؛ بين كبى وكانوا Kano، وقد دخلها الإسلام فى القرن الحادى عشر للهجرة/ السابع عشر الميلادى ربما عن طريق التجار عبر

الصحراء الكبرى، وقد اجتاحت الحركة الجهادية التى قام بها الفولانى فى بواكير القرن الثالث عشر للهجرة/ التاسع عشر للميلاد، ثم ذابت فى دولة (إمبراطورية) سوكوتو الإسلامية. أما مملكة كبى القديمة فكانت تقع إلى الشمال الغربى من زمفارا ووصلها التأثير الإسلامى من خلال دولة (إمبراطورية) صنغى إذ اعتنقت الأسرة الحاكمة فيها الإسلام سنة 921 هـ/ 1515 م. أما مملكة يورى فكانت تقع جنوب شرق كبى وكان يمر خلالها الطريق إلى مناطق الذهب فى الفولتا، وفى سنة 1025 هـ/ 1616 م استقر فيها تجار الحوصة المسلمون وبتأثيرهم أسلم سكانها فى نهاية القرن الحادى عشر للهجرة/ السابع عشر للميلاد. أما اليوربا فكانوا يقطنون جنوب غرب التقاء نهر بنوى بنهر النيجر، وقد وصلهم الإسلام من دولة مالى (دولة الماندنجو)، وهم يستخدمون كلمة إمالى Imale للدلالة على المسلم مما يؤكد صلتهم بمالى، ومع هذا فيوجد بين اليوربا. مسيحيون ومن يعبدون الأجداد، بل ويمكن أن تجد مسيحيين ومسلمين ووثنيين فى الأسرة اليوربية الواحدة. أما مملكة النوبى فكانت تقع إلى الشمال من ملتقى النيجر وبنوى، ونتيجة احتكاكها التجارى بمسلمى الهوسا (الحوصة) منذ القرن التاسع الهجرى/ الخامس عشر للميلاد انتشر الإسلام بين أهلها وإن كان هذا لا يمنع من وجود بعض النوبى الغير مسلمين حتى اليوم. أما الكوارارفا فهم قوم محبون للقتال يقطنون أودية بنوى وجنجولا، وكانوا هم الأعداء التقليديون للهوسا، وهم يرجعون وجود الإسلام فيهم -من خلال حكايات أسطورية- إلى اليمن، وفى فترة متأخرة انتشر بينهم نسبيا الإسلام على مذهب الإمام مالك. وكان لحركة عثمان بن فودى أثرها فى نشر الإسلام بين الجوارى Gwaris.

المصادر

ويمكن الإلمام بتفاصيل كثيرة عن الإسلام فى نيجيريا من مؤلف هسكت M.Hiskitt الموسوم باسم The development if islam in West Africa الذى نشر فى لندن ونيويورك سنة 1984. المصادر: وردت بالنص. د. عبد الرحمن الشيخ [م. هكت M. Hikett] نيسابور أهم مدن خراسان، أحد الأقاليم المتميزة فى فارس فى العصور الوسطى. أنشأها شاهبور الأول ابن أرشير الأول وتضم المقاطعات الآتية: الطبسين وكوهستان ونسا وباورد وجام وبخارى وطوس وزوزان ومن أسماء نيسابور أبرشهر وبعضهم يقول ايرانشهر. وفى عام 30 هـ استولى عبد اللَّه ابن عامر، حاكم البصرة على نيسابور بعد أن أذعن حاكمها كنارانج وأثناء القتال بين على ومعاوية، اضطر العرب إلى الخروج من نيسابور بسبب اندلاع الثورة فى خراسان وطخارستان. ونتيجة لذلك أعاد معاوية عبد اللَّه بن عامر إلى منصبه حاكما للبصرة وكلفه بفتح خراسان وسجستان ثم عين الأخير قيس بن الهيثم حاكما لخراسان. كما قام زياد بن أبى سفيان بتنصيب خليد ابن عبد اللَّه الحنفى حاكما على إيران شهر وفى عام 63 هـ خرج عبد اللَّه بن خازم على الأمويين بيد أن الهزيمة لحقته عام 73 هـ فى مرو عندما كان يحارب فاستعاد الأمويون حكمهم فى خراسان. وبعد ذلك أصبحت نيسابور مركزا للنشاط الاقتصادى والحياة الثقافية، فلم تعد عاصمة إقليمية بعد استيلاء يعقوب بن الليث على خراسان من يد الطاهريين ودخوله المدينة. وفى عهد السمرقنديين، حققت مدينة نيسابور رخاءً وازدهارًا متميزين فى الفنون والصناعات الحرفية وظهرت طبقة البرجوازية التى تتكون من التجار والحرفيين والموظفين والمثقفين ورجال الدين من المذهبين الحنفى والشافعى. هذا بالإضافة إلى ظهور بعض المثقفين البارزين أمثال أبى محمود الديوانى

وولده أبى المعالى إمام الحرمين، مما أدى إلى وضع العديد من كتب التراجم والسير. وذكر الجغرافيون العرب أن نيسابور كانت مقسمة إلى اثنى عشر حيًا وأن بها قلعة ومسجدًا كبيرًا، وسوقا عاما يسمى سوق "المعسكر" وقصر الحاكم، وميدان الحسينين والسجن. ويصل عدد أهم الشوارع التجارية فيها إلى خمسين شارعًا، تباع فيها كافة أنواع البضائع والسلع وكانت نيسابور تعد من أخصب المدن فى إقليم خراسان. وبعد تلك الفترة، عانت المدينة العديد من التغيرات والتقلبات. ففى عام 301 هـ حدثت مجاعة كبرى أودت بحياة الكثيرين فى نيسابور. وفى بداية القرن الخامس الهجرى، كانت نيسابور مركزا لحركة الكرامين بزعامة أبى بكر محمد بن اسحاق. واحتل طغرل السلجوقى المدينة وجعلها عاصمة لبلاده وفى عام 583 هـ استولى تكش خوارزم شاه على نيسابور وأعطاها إقطاعا إلى ابنه الأكبر مالك شاه. وفى ختام 589 هـ أصبح قطب الدين محمد حاكما لنيسابور وانتزع بعدها مدينة مرو من يد غياث الدين وأخيه شهاب الدين. وابتليت المدينة أيضا -إلى جانب الحروب والثورات- بالزلازل مرارًا، حتى أن سكانها نزحوا إلى السهول أسفل المدينة. وفى 618 هـ، قام المغول بقيادة جانكيزخان بنهب المدينة عن آخرها. وبرغم ما أحدثه المغول من خراب ودمار أدى إلى انقضاء أيام العز والرخاء فى نيسابور، إلا أنها سرعان ما نهضت من تلك الغمة. وازدهرت المدينة ازدهارا كبيرا فى القرن الثامن الهجرى حتى أن ابن بطوطة أطلق عليها آنذاك اسم "دمشق الصغيرة" لخصوبتها ووفرة إنتاجها. كما أثنى على مدارسها وطلابها. وتدريجيًا، بدأت نيسابور تفقد أهميتها حتى عصر نهضتها فى أواخر القرن التاسع عشر. إلا أنها كانت لا تزال تنعم بخصوبة أراضيها

نيسابورى

ومكاسب مناجم الفيروز التى اشتهرت بها فى منطقة "بار معدن" وتقع مدينة نيسابور الحديثة عند خط طول 13 َ 36 ْ وتفصل سلسلة جبلية بينها وبين وادى مشهد وطوس. وفى الجنوب، ينحدر منها عدة أنهار أشهرها نهر ديزباد الذى يروى أراضيها وينتهى عند الصحراء غربًا. كما توجد بها مقابر المشاهير من أبنائها مثل عمر الخيام وفريد الدين العطار. ووصل التعداد السكانى بها إلى 109.258 نسمة عام 1986 م. نيسابورى ظاهر الدين النيسابورى: مؤلف فارسى ومن أئمة العلم فى نيسابور كتب تاريخا قيما عن السلاجقة فى عهد طغرل الثالث بن أرسلان، آخر أعظم سلاجقة فارس. كان معلما لكل من السلطانين مسعود بن محمد وأرسلان ابن طغرل الثانى. أمينة محمد رضا [أ. بوسورث C.E.Bosworth] النيسابورى الحسن بن محمد بن حبيب بن أيوب أبو القاسم، أديب مشهور وفقيه زمانه فى العلوم القرآنية توفى فى ذى الحجة أو ذى القعدة 406 هـ/ 1015 - 16 م. وقد كان كراميا ثم أصبح شافعيا. وقد نقل الحديث عن العالم الشافعى النيسابورى الشهير "أبو العباس الأصم" (المتوفى عام 346 هـ/ 957 - 58 م) والكتب التى تنسب إليه تتعلق بالتفسير -وهناك كتاب التنزيل وترتيبه. ويشتهر النيسابورى كثيرا بكتابه "عقلاء المجانين" عن المجانين الأذكياء ويذكر منهم الجاحظ (المتوفى عام 225 هـ/ 868 - 9 م) و"ابن أبى الدنيا القرشى" (المتوفى 281 هـ/ 894 م) والبهلول ومجنون ليلى، وعددا من الرجال والنساء غير المعروفين. المصادر: (1) الذهبى: العبر فى خبر من غبر (الكويت 1961). (2) السيوطى: طبقات المفسرين (تحقيق ع. م عمر القاهرة 1976).

النيل

- ابن العماد: شذرات الذهب (بيروت). بهجت عبد الفتاح عبده [فيدوا مالتى دوجلاس Fedwa Malti-Konglas] النيل أو نهر النيل -واحد من أكبر الأنهار (طوله 6648 كيلو مترا - 4132 ميلا) كما أن دلتاه وواديه ساهما كثيرا فى نشأة وتطور مركز ثقافى له شخصيته واستقلاله فى الحضارة الإسلامية وكان لهذا المركز على مدى العصور المختلفة أثره البالغ فى الأحداث الثقافية والسياسية فى العالم الإسلامى، وهكذا ظل النيل فى العصر الإسلامى، يواصل الدور الذى كان يقوم به فى القرون التى سبقت مجئ الإسلام. ويرجع اسم النيل، أو نيل مصر كما يتردد كثيرا، إلى الاسم اليونانى "نيلوس" وقد ورد فى المصادر الأولية العربية المبكرة، بالرغم من أنه لم يرد فى القرآن الكريم (قد تكون "كلمة اليمّ" التى وردت فى سوة طه الآية 39 تعنى النيل) وقد اعتاد المسيحيون أن يطلقوا على النيل اسم نهر "جيجون" وهو أحد أنهار الفردوس؛ ولكن المسلمين لم يتبعوهم فى ذلك لأنهم لايعرفون اسم جيجون إلّا لنهر واحد. يذكر الزمخشرى اسمًا آخر للنيل وهو "الفيض" وهى ولاشك إشارة ضمنية شعرية للفيضان السنوى. وفى العصور المتوسطة اكتسبت كلمة بحر فى العربية معنى النهر ولذلك أطلق على النيل بحر مصر (المقريزى) كما هو الحال بالنسبة إلى بحر يوسف وبحر الغزال وفى الدلتا يطلق على تفريعات النهر أحيانا اسم "النيل". وقامت معلومات المسلمين الجغرافية عن النيل فى جزء منها على الملاحظة المباشرة، وفى جزئها الآخر على الروايات الأسطورية أو شبه العلمية التى تعود إلى المعتقدات أو المعرفة الموروثة. ولقد ظلت حدود الأراضى الإسلامية على النيل لفترة طويلة فى العصور الوسطى محدودة فهى تنتهى عند الشلال الأول بالقرب من جزيرة "بيلاق" (فيلة) إلى الجنوب من أسوان وهنا كانت تبدأ الأراضى النوبية، منذ

المعاهدة المعروفة بالبقط التى أبرمها عبد اللَّه بن أبى السرح مع النوبيين (البلاذرى: فتوح البلدان - ابن عبد الحكم: فتوح مصر) وكان يطلق اسم القصر على أول إقليم من أراضى النوبة. وقد حفظ لنا التراث التاريخى أجزاء من المراسلات (المزعومة) بين عمرو بن العاص والخليفة عمر، حول مصر وفيها وصف النيل بأنه نهر مبارك الروحات، على حين يمتدح الشعر الفيضان ووفرته؛ وتكشف هذه المراسلات أيضا أن الخليفة عمر لم يكن يريد أن يستقر الجيش العربى فى الإسكندرية، وذلك لأنه سيكون هناك حينئذ نهر عظيم يفصل بين الجيش والخليفة. وكانت المدن الرئيسية التى يمر عليها النيل فى مصر العصور الوسطى فى مصر العليا بين أسوان والفسطاط حسب ترتيب اليعقوبى هى إدفو وإسنا -وأرمنت والأقصر وقفط وأخميم- وأسيوط والأُشمونين وانصينا (فى مواجهة الأشمونين) وطحا والقيس ودلاص - (أصناس وأطفيح) على حين كان ابن حوقل أول من وضع جدولا للمسافات بين هذه المدن. وقبل الأشمونين بمسافة قصيرة تخرج من النيل إلى اليسار قناة كانت تحمل المياه إلى الفيوم يسميها ابن الفقيه "بنهر اللاهون" ويطلق عليها الإدريسى "خليج المنهى" وتجمع الروايات على أن الذى حفرها هو "يوسف" (وهى بحر يوسف فى أيامنا هذه) وعليها تقع ابهنسا ولم يصف الجغرافيون ضفاف النيل فى مصر العليا تماما، ولكننا نجد فى كل مكان التوكيد على أن الأراضى على الجانبين مزروعة دون انقطاع فيما بين أسوان والفسطاط ولكن عرض الأراضى المنزرعة كان يختلف باختلاف البعد أو القرب من سلاسل الجبال التى تحاذى النهر. ويصف ابن حوقل قطاعين ضيقين جدا، أحدهما فيما بين أسوان وأدفو والآخر فيما بين إسنا وأرمنت (جبل سلسيل الآن)، أما منحنيات النهر، وخصوصا فى الجزء الأعلى من الصعيد، فليست موضحة على خرائط الاصطخرى وابن حوقل -أما أقدم خريطة عربية موجودة الآن عن النيل- وهى فى الوقت نفسه أقدم خريطة

عربية نعرفها- فتقدم لنا دلائل واضحة على أن مجراه المتعرج كان حقيقة معروفة وهذه الخريطة موجودة اليوم فى متحف ستراسبورج وتاريخها هو 428 هـ/ 1037 م وهى منتزعة من كتاب صورة الأرض للخوارزمى الذى يقدم لنا ومن بعده سُهراب (ابن سيرابيون) وابن يونس علامات دقيقة لخطوط الطول والعرض لمدن النيل. وتعرف كل المصادر العربية معرفة تامة أن مجرى النيل يجرى من الجنوب إلى الشمال ونصوص ابن حوقل هى الوحيدة التى تكاد تتضمن أن النيل كان يصل إلى الفسطاط من الجنوب الشرقى. أما دلتا النيل فتبدأ من شمال الفسطاط حيث تتسع المسافة بين سلسلتين من الجبال التى تقل فى الارتفاع كلما انحدرت إلى الصحراء ويكون هذا الانحدار تدريجيا، كما كانت إلى أدنى الفسطاط مباشرة بداية القناة التى حفرها "عمرو بن العاص" لتربط النيل بالبحر الأحمر. وقد شقت هذه القناة (التى عرفت بخليج مصر - أو خليج أمير المؤمنين) فى عام 23 هـ/ 644 م حسب رواية محمد بن يوسف الكندى (وذكرها المقريزى فى "الخطط" طبعة بولاق، وياقوت) وكانت تحمل المؤن إلى الحجاز حتى عهد "عمر بن العزيز" وقد أهملت بعد ذلك، بل إن الخليفة المنصور أمر بسدّها إلى أن انتهت فى القرن الرابع الهجرى/ العاشر الميلادى عند "ذنب التمساح" فى البحيرات التى تقع إلى الشمال من القلزم (المسعودى - المروج). وعلى اثنى عشر ميلا شمالى الفسطاط بدأ الفرعان الرئيسيان للنيل فى الدلتا، وكان لهما -كما هو الحال الآن- تفريعات كثيرة كانت تتصل فى طرق كثيرة وتنتهى فى معظمها فى البحيرات الكبيرة التى تمتد خلف ساحل البحر من الغرب إلى الشرق وكان يطلق على هذه البحيرات فى العصور الوسيطة بحيرة مريوط (خلف الاسكندرية)، وبحيرة ادكو، وبحيرة البرلس "أو بحيرة البوشتيم" وبحيرة تنيس الشديدة الاتساع التى كانت تضم عددا كبيرا من الجزر أهمها تنيس. أما

عند اللسان البرى حيث يفترق الفرعان الرئيسيان فكانت تقع مدينة "شطناف" ويمضى الفرع الغربى -كما هو الآن- إلى مدينة رشيد ليصل بعدها إلى البحر كما يتفرع هذا الفرع بالقرب من مدينة "شابور" فيتجه إلى الإسكندرية وينتهى فى بحيرة مريوط وكانت هذه القناة تمتلئ بالمياه فى وقت الفيضان فقط أما الفرع الشرقى فيمضى -كما هو الآن- تجاه دمياط ويصل إلى البحر بعدها بمسافة قصيرة، وكانت له تفريعات عديدة تفضى إلى بحيرة تنّيس وكانت لأفرع النيل دائما أثرها الحاسم فى التقسيم الادارى للدلتا، التى تطلق عليها المصادر أسفل الأرض أو "أسفل أرض مصر" وكان يطلق على المنطقة الواقعة شرقى الفرع الشرقى اسم "الحوف" أما المنطقة التى تقع بين الفرعين فتعرف (بالريف) (وكانت تطلق أحيانا على الدلتا بأكملها) أو بطن الريف، أما التى تقع إلى الغرب من الفرع الغربى فكان يطلق عليها البحيرة وبعد ذلك "الحوف الغربى" وحينئذ كان يطلق على الحوف الأصلى اسم الحوف الشرقى -وهذه التقسيمات تنقسم بدورها إلى قرى تتقرر حدودها بأهم الفروع، وكانت الوحدات الإدارية الأكبر تعتمد بعد ذلك أيضا على النهر. والوجه الجغرافى الحالى للدلتا إنما هو نتيجة لأعمال الرى الجديدة التى بدأت فى القرن التاسع عشر فى عهد محمد على، وأبرز هذه القنوات المحمودية قناة المحمودية التى شقت من فوّه على الفرع الغربى إلى الاسكندرية، ثم قنوات التوفيقية والمنوفية والبحيرة التى تمت فى عام 1890 م، ثم قناة الإسماعيلية التى تربط النيل بقناة السويس. وفيما يتعلق بمجرى النيل جنوبى مصر، فإن الكتابات الجغرافية للمسلمين عنه تبدأ متأخرة إلى حد ما لتقدم المعرفة التى تقوم على الملاحظة المباشرة. ولكن هذه المصادر اقتنعت فى أول الأمر بأن النيل يأتى من بلاد النوبة. . أما بالنسبة لبقية النيل فكانت هناك مصادر قديمة من نوع مختلف ساعدت على اكتمال التصور الجغرافى لمجرى النيل العظيم. وقد تضمن هذا التصور منشأ النيل أيضا هذا المنشأ

الذى ظل على الدوام مجهولًا عند العلماء الرحالة المسلمين على السواء ومع ذلك فثمة حقيقة غريبة وهى أن المعلومات حول هذا الموضوع والتى نجدها تتكرر فى المصادر الإسلامية بدءا مما كتبه الخوارزمى فصاعدا (215 هـ/ 850 م) تعطينا فكرة عن منشأ النيل لا تتطابق تماما مع المعطيات التى تغطيها المصادر الكلاسيكية إذ يعد هذا التصور أن النيل يخرج من جبال القمر إلى الجنوب من خط الاستواء. ومن هذا الجبل تخرح عشرة أنهار تصل إلى بحيرتين تقعان على خط العرض نفسه ويخرج من كل بحيرة نهر أو أكثر يتدفق إلى الشمال حيث يصب فى بحيرة ثالثة ومن هذه البحيرة الثالثة يبدأ نيل مصر -وهذا التصور يتطابق جزء منه مع وصف بطليموس لمنابع النيل. ولا يزال ما وضعه الخوارزمى هو القاعدة الجغرافية، كما اقتبس الخوارزمى من بطليموس رافدا غربيا للنيل، يأتى من بحيرة على خط الاستواء، وقد يكون هذا النهر هو عطبرة، وفى فترة متأخرة يظهر ولأول مرة القول بأن هناك نهرا يرتبط بنظام النيل، يتدفق إلى الشرق ويصب فى المحيط الهندى كما جاء فى مروج الذهب للمسعودى وقد تبنى هذا الرأى مرة أخرى ابن سعيد والدمشقى. وثمة منهج آخر حول نشأة النيل ومنبعه يرتبط بالروايات اليهودية والمسيحية التى تجعل النيل يأتى من الجنة. وقد كانت نظرية العصور الوسطى فيما يتعلق بوصف الكون تضع الجنة فى أقصى الشرق، وعلى الجانب الآخر من البحر، حتى ليضطر النيل -مدر الأنهار الأخرى فى الجنة- إلى أن يجتاز البحر. وقد جرى وصف ذلك فى رواية قديمة -ربما كانت ذات أصل يهودى- عن رجل ذهب يبحث عن منابع النيل وكان عليه أن يعبر البحر ثم وصل بعد ذلك إلى الفردوس وقد سخر البيرونى من هذه الأقوال. ولنفس الأصل يمكن أن نرجع فكرة نجدها كثيرا فى المصادر الإسلامية وهى أن النيل عندما يرتفع، تنخفض مستويات الأنهار جميعا. هناك مجموعة من التصورات الجغرافية تربط الجزء الغربى من

أفريقيا بالشبكة النهرية للنيل. وقد تصور هيرودت منشأ للنيل فى الغرب، وأخذ "يلينى" عن ليبيكا الذى جعل النيل ينبع فى موريتانيا الغربية. وقد شرح "ماركارت" وجهة النظر هذه بتحريف اسم نهر "توهول" الذى يقترن بوادى "تول" والذى ينشأ فى جبال أطلس الموريتانية ونجد بعض هذه المعلومات عند "ابن الفقيه" الذى يحدد منشأ النيل فى السوس الأقصى -ولأول مرة يقرن البكرى هذا النيل الغربى بنهر النيجر. ويضيف البكرى أن النيل يمر فى أرض السودان، ثم يذكر عددا من قبائل "البربر" و"سودان " ومدنهم التى تتاخم النهر. أما الإدريسى فيقول إن هذا النيل الغربى يخرج من ثالث بحيرات النيل الكبيرة (والتى ذكرناها قبلا) وهكذا يربط نيل السودان بنيل مصر فى نظام نهرى واحد. ويطلق الدمشقى وابن سعيد على هذه البحيرة الثالثة اسم بحيرة "كورا" التى يخرج منها ثلاثة أنهار هى نيل السودان ونيل مصر، ونهر ثالث يجرى إلى الشرق تجاه "مقديشو" فى بلاد الزنج على المحيط الهندى وهذا النهر الأخير -الذى يقول المسعودى إنه متصل بالنيل- ربما يتشابه مع نهر "وينى" فى الصومال. وقد كانت أقصى نقطة إلى الجنوب وصل إليها الفاتحون العرب هى دنقلة كما يقول الكندى وكان معروفا تماما أن هذه المدينة تقع على النيل. أما المسعودى فيقول أن النيل يقسم بلاد النوبة إلى قسمين ويضيف ابن حوقل مكانين توجد فيهما الجنادل أحدهما أعلى أسوان ويعرف بالشلال الأول والآخر بالقرب من دنقلة -وقد حدث فى الوقت نفسه تقريبًا أن كتب رحالة يدعى "ابن سُلَيْم الاسوانى" وصفا ذا قيمة كبيرة للمجرى الأوسط للنيل وكان القائد الفاطمى جوهر قد بعث ابن سليم إلى ملك النوبة فى مهمة دبلوماسية وهو مؤلف كتاب أخبار النوبة وألموقرّا وعَلْوا والبوجا والنيل، وقد وصف ابن سليم هذه البلاد وصفا مفصلا وهو يقول إن المنطقة بين أسوان ودنقلة يسكنها فى الشمال الماريون Maris وإلى الجنوب قبائل مقرا، أما الجزء الشمالى فأرض قاحلة، كما يصف الجنادل وصفا

صحيحا -أما بين دنقلة و"علوا" (وهى منطقة الخرطوم) فمنطقة مزدهرة جدا- كذلك وصف الالتواء الكبير للنيل فى تلك المنطقة التى عندها يتفرع النيل إلى سبعة أنهار. ويتضح من الوصف أن النهر الشمالى من هذه الأنهار هو عطبرة الذى يأتى من الشرق. وإلى الجنوب يتصل النيل الأبيض والنيل الأخضر بالقرب من عاصمة "علوا" والنيل الأخضر الذى يأتى من الشرق هو أيضا "ثمرة" أربعة أنهار أحدها -كما يعتقد المؤلف- يأتى من بلاد الحبشة وواحد من بلاد الزنج كذلك تمتد بين النيل الأبيض والنيل الأخضر جزيرة كبيرة ليس لها حدود فى الجنوب ويكاد يكون هذا هو الوصف الوحيد الوارد فى المؤلفات الإسلامية فى العصور الوسطى الذى يوضح مدى ما وصلت إليه المعرفة عن النيل الأوسط. ومنذ نهاية القرن الثامن عشر كان اكتشاف أعالى النيل ومنابعه من عمل الرحالة الأوربيين. وقد اكتشفوا أو ربما أعادوا اكتشاف- بحيرات النيل الكبيرة. وقرنوا سلسلة جبال "روونزورى" بجبال القمر التى ذكرها "سبيك" باسم بلاد "أونيامونرى (بلاد القمر) ويرجع جزء من اكتشاف النيل أيضا إلى المبادرات المصرية. فالبعثة العسكرية الشهيرة التى خرجت عام 1820 - 1822 بقيادة اسماعيل باشا ابن محمد على -والتى انشئت فى أثنائها الخرطوم- وطدت سيطرة المصريين فى السودان المصرى وفتحت الطريق أمام اكتشافات علمية أخرى كما شاهدت الفترة الممتدة من 1839 حتى 1842 م ثلاث بعثات مصرية إلى النيل الأبيض وقد حاولت الحكومة المصرية عدة مرات فى عهد إسماعيل باشا تطهير النيل الأبيض أعلى السوباط من كتل النباتات التى كانت تعوق الملاحة. والفيضان السنوى للنيل هو الظاهرة التى تدين لها مصر فى كل العصور بخصوبتها ورخائها إذ إنه يوفر لها -تعويضا عن افتقادها التام تقريبًا للأمطار- الرى الطبيعى والمنتظم لأراضيها على ضفتى النيل وفى الدلتا. وهو مصدر كل الحياة الثقافية. وبنفس المنهج يعتبر النيل نهرا هاما مثل الفرات

(المقريزى) كما أن الفيضان يؤثر بعمق فى الحياة الخاصة والعامة لأهل القرى وأهل المدن على السواء. وأقدم الروايات الإسلامية عن مصر تعكس مشاعر الإعجاب والامتنان. ويصل النيل إلى أدنى مستواه فى نهاية مايو عند أسوان وفى منتصف يونية فى القاهرة ثم يبدأ فى الارتفاع مرة أخرى حتى يصل إلى أعلى مستوى له فى بداية شهر سبتمبر عند أسوان وفى بداية أكتوبر عند القاهرة وهذا الانتظام يؤدى إلى انتظام مماثل فى أساليب الرى فى المناطق العديدة لمصر فى وقت زراعة المحاصيل المختلفة وحصادها، وبالتالى فى تحصيل ضرائب الأرض. وجميع التواريخ التى تشير إلى هذه الأعمال تتم على أساس التقويم الشمسى. ويوجد جدل كبير حول أسباب الفيضان فى الكتابات الواردة عنه وأقدم المعتقدات -التى تتطابق تماما مع الواقع- هو أن سبب الفيضان مياه الأمطار الكثيرة الغزيرة فى البلاد التى ينبع منها النيل وروافده. وقد ظهر هذا الرأى فى شئ من المبالغة فى رواية ترجع إلى عبد اللَّه بن عمرو بن العاص حيث يقول أن أنهار العالم تمنح مياهها لفيضان النيل بأمر إلهى (ابن عبد الحكم) وهناك آراء أخرى حول أسباب الفيضان منها حركة البحر وتأثير الرياح. وحتى القرن التاسع عشر كان نظام الرى فى مصر يسير على نفس الأسس فعندما يبدأ الفيضان تغلق كل المنافذ على جانبى النهر وفرعيه الأساسيين فى الدلتا، ثم تفتح بعد ذلك عندما يرتفع الفيضان إلى الارتفاع الضرورى حسب الأمكنة المختلفة ويكتمل الفيضان فى القاهرة عندما يصل إلى ستة عشر ذراعًا وحينذاك يعرف بوفاء النيل. ومنذ الأزمنة القديمة كانت هناك مقاييس للنيل لقياس ارتفاع مستوى النهر. وكان هناك مقياس فى أقصى الجنوب وهو مقياس "علوا" أما أشهر المقاييس فهو مقياس الفسطاط الذى أنشاه أسامة بن زيد المتوفى عام 92 هـ/ 711 م. ونحب أن نذكر أن تنظيم النهر الرئيسى وفروعه يعزى إلى ملوك مصر القدماء وهذا هو الذى ذكره المقريزى اعتمادا على ابن واصف شاه ولكن لم يكن هناك عمل على نطاق

كبير للرى فى العصور الوسطى، باستثناء نظام القنوات الشهير فى الفيوم والذى يعزى إلى النبى يوسف. أما فى بقية البلاد فكانت المياه تجرى دون اهتمام بمراقبتها الأمر الذى كان يؤدى إلى إغراق مساحات كبيرة من الأرض. ومنذ عصر محمد على تم التخطيط لشبكات رى جديدة كان الهدف من إنشائها زيادة إنتاج البلاد. وقد فشلت أول محاولة عام 1840 م بإنشاء حاجز كبير عبر فرعى النيل فى قمة الدلتا ولكن هذا العمل بدأ يؤتى ثماره بعد خمسين عاما بإنشاء مشروع القناطر الذى يتضمن رياح التوفيقية ورياح المنوفية ورياح البحيرة (الرياح التوفيقى - الرياح المنوفى - الرياح البحيرى) الذى تم عام 1890 م وبدأت المشروعات الكبرى على أعالى النيل بإقامة خزان فى عام 1902 م ثم أجريت له تعلية عام 1912 م وأيضا فى عام 1933 م. ثم هناك قناطر "مكوار" بالقرب من سنار على النيل الأزرق وقد انتهى العمل منها عام 1925 م ثم اكتمل بقناطر مماثلة على النيل الأبيض (1937 م) وعلى عطبرة (1964 م) وعلى النيل الأزرق (1966 م) وبهذه الطريقة مضى التحكم فى مياه النيل إلى خارج مصر ذاتها؛ وهذا يجعلنا نستدعى أيام المجاعة الكبيرة فى عام 45 هـ/ 1059 م عندما اعتقد المصريون أن أهالى النوبة حبسوا عنهم فيضان النيل. وقد أثيرت المشكلة ذاتها فى الثلاثينات بالنسبة لمشروع بناء خزان على حدود السودان والكونغو (البلجيكى) ومدى الجدوى العاجلة أو الآجلة لمصر من وراء هذا المشروع ومنذ إعلان الجمهورية 1953 م، كان أهم تغيير ملحوظ فى الجزء المصرى من مجرى النيل هو بناء السد العالى (1959 - 1971 م) لتوفير المياه للرى فى المناطق الشديدة الانخفاض فى الوادى ولحماية البلاد من الفيضانات العالية وتوليد الطاقة الهيدروليكية. وقد كونت المياه المحجوزة بحيرة ناصر والسد وهى تمتد 480 كيلو مترا أعلى النهر وقد كان الفيضان مناسبة لأعياد كثيرة شعبية مثل فتح قناة القاهرة، وعندما فتح العرب مصر كانت التضحية بعروس النيل لا تزال موجودة ويقول ابن عبد الحكم أن عمرو بن العاص منع هذه العادة واستأنف النهر فيضانه بعد إلقاء رسالة من الخليفة

المصادر

عمر بن الخطاب فى النهر تطلب منه أن يفيض إن كان من عند اللَّه، كما كانت تقدم فى أوقات متأخرة عروس رمزية للنيل فى عيد الصليب المسيحى، ويذكر إدوارد لينى أن هناك عمودا من الأرض بالقرب من خزان قناة القاهرة يطلق عليه اسم العروسة. . وهذا بالإضافة إلى عادة الاستحمام فى النيل وكان يمارسها المسلمون والمسيحيون على السواء فى عيد الغطاس وإن عاد فأشار إلى هذا الاحتفال مرة أخرى ولكنه أهمل الإشارة إلى اشتراك المسلمين. وكان الاستحمام فى النيل يعتبر بركة وقد ظلت الجنادل أعلى أسوان ولفترة طويلة عائقا أمام وصول الإسلام إلى الدول التى تتاخم النيل والتى تقع إلى الجنوب من مصر، الأمر الذى يتناقض مع الدور الذى لعبه النيل فى إدخال المسيحية إلى النوبة، وقد دخل الإسلام ببطء إلى النوبة وانتشر فى السودان فى القرن التاسع عشر فقط وقد ذخر الأدب العربى بقصائد المديح فى النيل. ويذكر المقريزى بعض تلك القصائد ومن بين الشعراء الذين ذكرهم "تميم ابن المعز" (المتوفى عام 375 هـ/ 985 م) و"ابن قلاقس" (المتوفى عام 567 هـ/ 1172 م) ويذكر ياقوت بعض القصائد التى ينسبها إلى أمية بن أبى الصلت" ويحتمل أن يكون هو أبو الصلت أمية بن عبد العزيز (المتوفى 528 هـ/ 1134 م) الذى كتب الرسالة المصرية وربما تكون أقدم القصائد العربية عن النيل هى تلك الموجودة فى "ديوان" ابن قيس الرقيات، شاعر البلاط لعبد العزيز بن مروان فى بداية القرن الثامن. ويقول ابن زولان فى كتابه فضائل مصر إنه ألف كتابا عن أهمية النيل وصفاته ويبدو أنه فقد. وهناك بحث بعنوان تبصرة الأخيار فى نيل مصر وأخواته من الأنهار من تأليف "جلال الدين المحلى" (المتوفى 863 هـ/ 1459 م) والسيوطى بالإضافة إلى مؤلفين صغيرين. المصادر: (1) على مبارك: الخطط التوفيقية. (2) عمر طوسون: مذكرات حول تاريخ النيل (القاهرة 1925). (3) Edward Lane: Manners and Custams of Modern Egyptians بهجت عبد الفتاح عبده (ج. هـ كرامرز G.H.Kramers)

هـ

هـ

الهاتف

الهاتف هو تعريف للفظ تليفون فى العربية الحديثة وكان قبل ذلك يعنى الصوت الخفى الذى ينبئ عن أحداث تقع فى المستقبل، وفى الأغانى أن هاتفًا بشر بالنبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وفى العهد القديم إشارة للهاتف فى الإصحاح 21: 722, وعاموس إصحاح 7: 16. د. يواقيم رزق [ت، فهد T. Fahd] هاروت وماروت يذكر القرآن الكريم فى الآية 102 من سورة البقرة عن بنى اسرائيل قول اللَّه تعالى: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ}. وهى قصة ملكين هبطا من السماء وجعلا من نفسيهما معلمين للبشر لما حرمه اللَّه على الإنسان وتروى الأقاصيص التأويلية كيف وصلا إلى هذا الموقف، حيث قيل إن الملائكة أخذت تهجو البشر لما يقترفونه من آثام، فتحداهم اللَّه سبحانه إذا كانوا يفعلون ما هو أفضل لو كانوا فى نفس ظروف البشر، فقبل الملائكة التحدى، واختير الملكان هاروت وماروت للاختبار، فهبطا على ألا يقترفا الكبائر كالزنا والقتل وشرب الخمر. وأخفق الملكان فى الاختبار، واعترف الملائكة بعلم اللَّه. وخير الملكان أن يقضيا العقوبة فى

هارون عليه السلام

الأرض أم فى الجحيم يوم القيامة، فاختارا الخيار الأول، فحبسا فى بئر فى بابل ينزل عليهما العقاب. ويرى الباحث [تحت تأثير أن القصة ليست سوى خرافة من مصادر أخرى] أن هذه القصة مقتبسة من سفر التكوين. أما بالنسبة لأصل الاسمين فلا يجد الباحث سوى كلمتين من الزرادشتية هما Haurvatat و Ameretat، الأولى بمعنى الكمال، والثانية بمعنى الخلود، ولكن الباحث يتعجب من كيفية أن الأسماء الإيرانية والقصة العبرية قد اجتمعا فى رواية واحدة وكيف وصلت هذه الرواية للجزيرة العربية فى القرن السابع. ثم يقول إن للقصة تفاصيل لم يذكرها وأنها منتقدة بعنف من رجال الدين المسلمين. على يوسف [ج. فاجا G. Vajd] هارون عليه السلام هو هارون بن عمران عليه السلام، ورد ذكره فى كل من الكتاب المقدس والقرآن الكريم، وهو الأخ الأكبر لموسى عليه السلام وساعده الأيمن ووزيره خلال دعوته إلى فرعون، وبعد خروج بنى إسرائيل من مصر. وتولى أمر بنى إسرائيل أثناء غياب موسى عليه السلام لتلقى الوحى عند طور سيناء، وعندما اتخذ بنو إسرائيل العجل الذهبى الذى صنعه السامرى إلهًا من دون اللَّه، حاول منعهم، ولكنه عجز عن ذلك بسبب كفرهم وعنادهم واعتقادهم أن موسى عليه السلام لن يعود. وحسبما يعتقد الإخباريون فى قصة موت هارون عليه السلام التى استقوا بعض تفصيلاتها من الروايات اليهودية. ويتلخص هذا الاعتقاد فى أنه فى أحد الأيام اكتشف موسى وهارون عليهما السلام كهفًا ينبعث منه نور. وعندما دخلا الكهف، وجدا عرشًا ذهبيًا نقشت عليه "لمن يناسبه". ولم يتناسب العرش مع موسى عليه السلام، إلا أنه جاء مناسبًا لهارون عليه السلام عندما جلس عليه، وعندئذ، أتاه ملك الموت وقبض روحه، وكان عمره آنذاك 127 عامًا. وعندما عاد موسى عليه السلام إلى قومه بدون أخيه، اتهموه بقتله، إلا

المصادر

أن اللَّه أرسل ملائكة تحمل نعش هارون عليه السلام وأعلنت براءة موسى عليه السلام من دم أخيه. وفى رواية أخرى، أن موسى عليه السلام أخذ قومه إلى قبر هارون عليه السلام الذى أعيد إلى الحياة ليبرئ أخاه من قتله. المصادر: انظر الآيات التى وردت فى القرآن الكريم عن النبى هارون عليه السلام وتفسيراتها والكتب الخاصة بقصص الأنبياء مادة هارون عليه السلام والمصادر اليهودية المختلفة. وائل البشير [إيزنبرج G. Eisenberg] هبل هُبَل أحد الآلهة العربية التى كانت معبودة فى الجاهلية وقد دخل مكة على يد عَمرو بن لحىّ الخزاعى فى النصف الأول من القرن الثالث للميلاد حين خرج من مكة إلى الشام فى بعض أموره فرأى فى بعض الطريق قومًا يعبدون الأصنام، فسألهم صنما فأعطوه واحدا يقال له "هُبَل" ويختلف الكتاب فى موطن هبل الأصلى ومن أى بلد جاء به عمرو، فمن قائل إنه من بلدة اسمها "هنب" بأرض العراق وتقع على الفرات على تخوم الصحراء (مروج الذهب للمسعودى 3/ 328, ياقوت 997) ولا تزال هذه البلدة حتى اليوم مشهورة بحماماتها الساخنة، ويقول آخرون بل جاء به عمرو بن لحىّ من "مأب" من أرض البلقاء (انظر ابن هشام، والمسعودى 4/ 46, والشهرستانى 431). ويقال إن ابن لحىّ الخزاعى سأل عباد الأصنام عن أصنامهم هذه فقالوا له هذه أصنام نعبدها فنستمطرها فتمطرنا، ونستنصرها فتنصرنا" فسألهم عمرو أن يعطوه واحدًا منهم من هذه "الأرباب" فأعطوه صنما يقال له "هُبَل" فقدم به مكة فنصبه وأمر الناس بعبادته وتعظيمه، وكان موضع هبل على بئر بجَوف الكعبة، وكانت تلك البئر -كما يقول ابن هشام- هى التى يجمعون فيها ما يهدى إلى الكعبة، ويقال إن هذه البئر قد حفرها إبراهيم الخليل عليه السلام ليجلب منها الماء.

المصادر

إن أقدم إشارة إلى اسم "هُبَل" وردت فى نقش نبطى، ويقول الأزرقى إن الناس فى مكة بالغوا فى عبادة هبل والتقرب إليه فجعلوا له "حاجبا" يحرسه، ويتلقى مايقدم إليه من هدايا وأضاح ويخرج القداح أمامه، وما كان لمكى أن يعود من سفره إلا ويذهب إلى هبل يشكره قبل أن يدخل داره، وقد غلبت عبادة هبل عبادة كل الأصنام الأخرى الموجودة بالكعبة ويذهب فلهوزن وديسو فى كتابه عن دخول العرب إلى الشام قبل الإسلام إلى أن عبادة الصنم هذه قد أدت إلى عبادة اللَّه، ولكن يعارض هذه الفكرة لامنس فى كتابه (النصارى بمكة) ولعل الحقائق الأولية بخصوص هذه العبادة الوثنية هى الواردة. فى مقال: T. Fahd: Une Pratique cler am antique a la Kaba Preisamique ويقول ابن اسحق إنهم يزعمون أن أول ما كانت عبادة الأحجار كانت فى بنى إسماعيل، فلا يظعن من أهلها ظاعن إلّا حمل معه حجرًا من حجارة الحرم تعظيما للحرم. المصادر: (1) ابن هشام: السيرة. (2) الأزرقى: تاريخ مكة. (3) ياقوت معجم البلدان. (4) الشهرستانى: الملل والنحل. مروان حسن حبشى [ت. فهد T.Fahd] الهبة إحدى الكلمات الكثيرة فى اللغة العربية للتعبير عن المقابل للكلمة الأنجليزية gift أى الهدية وهى الكلمة القانونية المعبرة عن ذلك. ويخدم تبادل الهدايا، أى نقل الملكية عن طيب خاطر أغراضا مادية ومعنوية. وفى الإسلام، لعبت دورها الطبيعى كعنصر هام فى دعم الروابط الاجتماعية، كما كان لها أثر كبير على الحياة السياسية، ويحفظ لنا التاريخ قدرا من أخبار الهدايا أكبر مما يحفظه عن المعاملات التجارية. ويذهب أحد التعاريف لكلمة "هبة" قال به الفقيه ابن نجيم إلى أنها "شئ يقدم دون نظير"، (وهو ما يميزها عن

الرشوة). وفى محاولة للتمييز بينها وبين الكلمات التى تؤدى نفس المعنى تقريبًا، دون سند من أصل لغوى، قيل إن الهبة تكون ممن هو أعلى لمن هو أدنى، ومن ثم تنسب للَّه بالنسبة للإنسان. أما الهدية فتتضمن معنى محاولة شخص فى درجة اجتماعية أقل لأن يتودد لشخص فى درجة أعلى (وهى بذلك لا يمكن أن تستخدم فى العلاقة مع اللَّه، "الفروق اللغوية"، أبو هلال العسكرى، القاهرة 1353 هـ، ومع ذلك، فابن قتيبة لا يرى فروقا اجتماعية متعلقة بالهدية، "عيون الأخبار" طبعة القاهرة، 1946 م). أما الغرض من الإعطاء فيبدو من الاستخدامات اللغوية، ومن ثم ففى العربية الجذر م. ن. ن. (منّ، منّا) يقصد به إلحاح من المعطى على تذكير المعطى له بفضله، الأمر الذى يحذر منه القرآن الكريم. والكرم من الشيم المعتبرة ومن الفضائل قبل الإسلام والتى من الطبيعى أن تكون تعبيرًا عن الضيافة وقد أبقاه الإسلام كعادة يجدر اعتبارها وعلى ذلك فيجب الأخذ فى الاعتبار قدر المهدى له وقدر الهدية، حتى تكون معبرة عن السخاء. ولا تفتأ قصص الكرماء تثير الإعجاب لدى القراء المسلمين، خاصة حينما تقابل بقصص البخلاء. وعلاوة على ذلك فالإسلام قد أدخل معنى "الصدقة"، لتجمع بين مفهوم الكرم كما عرف قبل الإسلام، مع مفهوم التعاطف مع حاجة المتلقى لتكون فضيلة من أكبر الفضائل. والهدايا بين المتساوين تعتبر من دعائم الصداقة، وهى محبذة دينيا لذلك، كما تقدم فى مناسبات كالأعياد والمناسبات الشخصية المفرحة، وكثيرا ما كانت تصاحب بقطع شعرية أو نثرية، منها ما خلده الأدب. وفضلا عن هذا الاستخدام للهدايا، فى مجال الكرم والصداقة فهى تقدم من أو إلى أصحاب المناصب لأغراض سياسية. فكلما ارتفع المنصب السياسى، زاد التوقع من صاحبه أن يضمن ولاء أتباعه بما يغدقه عليهم. ومن ثم فإن الهدايا الثمينة من الخلفاء للوزراء كان علامة على قوة السيطرة

والنجاح السياسى. وكانت بصورة ما تعتبر نوعا من الدخل الوظيفى. كما أن المنح التى كانت تقدم للشعراء والأدباء كانت تعتبر من قبيل الوفاء بالتزام الدولة برعاية الفنون والآداب. وهكذا كانت هدايا الحكام ينظر إليها كنوع من أنواع الإنفاق العام. أما تقديم الهدايا لأصحاب المناصب فقد كانت مقابل المهام التى يضطلعون بها أو مكافاة على خدماتهم فقد كان فى بعض الأوقات ينظر إليه كقاعدة متبعة، وكمصدر للدخل بالنسبة لبعض أصحاب المناصب العالية، كما كان ينظر إليه أيضا كصورة من الفساد الأخلاقى والإنحطاط السياسى ومن الصعب علينا تقدير إلى أى مدى لعب ذلك فى تقويض النظم السياسية فى العهود الغابرة، إذ كان من منظور آخر عامل هدم يقوض بنيان المجتمع. على أن الخط الفاصل بين ما يمكن اعتباره أمرًا مقبولا ورشوة غير قانونية هو أمر صعب التحديد نظريا وعمليا. وكانت هذه المشكلة ملموسة، ووضعت حلول لمواجهتها تكشف عن وعى بأهميتها، ولكنها كانت فى الغالب غير مؤثرة. وأخيرًا، فقد لعبت الهدايا دورا مؤثرا فى العلاقات الدولية بين الحكام المسلمين وغيرهم كعرف دبلوماسى جرى عليه العمل. ولم يكن أصحاب المناصب الأدنى يستبعدون من ذلك. وكانت قيمة الهدية تقدر بحسب قدر المهدى والمهدى إليه، وأيضا بحسب نوع المهمة السياسية وأغراضها. كما كانت تلك الهدايا تعكس مدى التقدم والرخاء الاقتصادى للدولة المقدمة منها الهدية، وتطور الأنشطة فيها. وكانت مثل هذه الهدايا تدخل فى نطاق الالتزام القانونى، أسوة بما كان متبعا فى مجتمعات ما قبل الإسلام والمعاصرة للإسلام. وقد جرت محاولات لوضع قواعد تنظم قبول الهدايا وتعرضت للنقد الفقهى. وبالإضافة إلى ما يتم بين البشر، فهناك المعنى الدينى المتعلق باللَّه سبحانه وتعالى كواهب للنعم. فكل ما فى الوجود، بما فيه الإنسان ذاته، هو "نعمة" إلهية، ذلك بالإضافة للنعم الأخرى كالذكاء والعطاء الإنسانى ويعتبر الصوفيون أى تقدم فى طريق

هجاء

تصوفهم أو كرامات تتحقق لهم من النعم أو "المواهب". ولما كانت نعم اللَّه منحًا إلهية لا يمكن رد مقابل لها، فإن الشكر والامتنان عليها يصبح واجبا دينيا، وذلك بطاعة الأوامر الإلهية وفعل المعروف، إلا أنه مهما فعل الإنسان فلا يمكنه أن يوفى اللَّه سبحانه حقه من الشكر. ويعطى ذلك للإنسان مثلا يحتذى به، إما فى إعطاء الهبات دون نظر لمقابل، أو فى نسيان البشر لما يعتريهم من ضعف فى الوفاء بحق الشكر على ما يقدم لهم من عطايا. على يوسف [ر. روزنتال F. Rosenthal] هجاء لفظ غالبا ما يكون مرادفًا للذم ولكنه من الناحية الاصطلاحية غرض من أغراض الشعر العربى ثم فى الشعر والنثر على سواء يتضمن نقدا لاذعا وقدحا مشينا للمهجو وهو ما يقابل "المدح " الذى تمجد فيه خصائص الممدوح وكان هذا النوع من الأدب منتشرا منذ العصر الجاهلى، إما كمقتطفات متفرقة أو كقصيدة متكاملة. ويرى جولدتسيهر الذى يعتبر أول مستشرق يدرس بجدية أهمية الهجاء وآثاره الاجتماعية فى البيئة العربية، أنه بدأ على صورة السجع، فالرجز، إلى أن تطور إلى شكل القصائد، وطبقا لنظريته فالهجاء قد بدأ على صورة سجع الكهان حين يستنزلون اللعنات بعبارات مهيبة مسجوعة على رأس الشخص المعادى. ويروى فى تاريخ الأدب العربى قصص عن الأثر الذى يخلفه الهجاء، وكيف خلد آثارا كان من الصعب التخلص منها على مر الأيام، سواء على مستوى الأشخاص أو القبائل. وقد كان رد الفعل إزاء الهجاء عنيفا بصفة عامة، سواء فى السلم أو الحرب، وصل أحيانا إلى قتل الهاجى انتقاما منه، أو قطع لسانه. وقد كانت قصائد الهجاء سببا فى حروب القبائل، لكن العرف السائد كان أن يتحدى المهجو هاجيه للمبارزة، ما لم يكن متصفا بالحلم، وفى العصور المتأخرة، حين كانت ردود الأفعال ضد الهجاء أقل عنفا، ظل الخوض فى هذا

النوع من الأدب لا يخلو من مخاطر، مما دفع الكثير من الشعراء إلى التردد قبل نظم قصائد هجائية. وتذهب بعض الدراسات إلى محاولة التفرقة بين الهجاء الشخصى والجماعى، ولكن الفروق بين نوعى الهجاء ليست قاطعة، بسبب ما يلجأ إليه الشعراء أحيانا من تعميم عيوب شخص على قبيلته، خاصة إذا كان يحتل درجة زعامة فيها، أو هجاء شخص بعيب شاع فى قبيلته. وبصفة عامة، فما يلصق بالشخص من عيوب هى كل الصفات التى تشين المرء لمنافاتها لمكارم الأخلاق كما تعرفها البيئة العربية: الجشع، البخل، القعود عن إكرام الضيف، الغباء، الجبن والخور، الشك فى النسب واختلاط الدم، الخ. أما على المستوى الجماعى فيدور الهجاء حول ضآلة العدد، ضعف الجماعة وما منيت به من هزائم، انخفاض شأن شعراء وأدباء القبيلة، انحلال النساء، ما قد يذكره التاريخ للقبيلة من فعل قبيح كأكل لحم الكلاب، وهكذا. وبقدر ما كانت العيوب شائنة، بقدر ما كان نجاح القصيدة. ويمكن أن نستشف الكثير من صور الحياة البيئية المندثرة من مثل تلك القصائد. والمديح أصعب من الهجاء بوجه عام، حيث أن المبالغة فى المديح أمر لا يصعب اكتشافه، بينما قصائد الهجاء تستمد قوتها من قسوة ما بها من قدح، خاصة فى مجتمع تسود فيه روح الكراهية والعداء. بل إن ابن سلام فى "طبقات فحول الشعراء" يربط بين وفرة الانتاج الشعرى فى الجاهلية وكثرة المنازعات الحربية، ومن ثم يرى أن قريشا لم تعرف بالكثير من الشعر لعدم خوضها حروبا قط. وقد لعب الهجاء دورا مهما فى المواجهة بين المسلمين والكفار. وإذا كان القرآن قد ذم الشعراء، فهو قد استثنى منهم المؤمنين وقد استعمل الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] رغم عزوفه هو ذاته عن قرض الشعر - شعراء يدافعون عن الإسلام، وهو ما يبين الأثر الخطير للشعر فى تلك البيئة، حتى أن الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وصفه بأنه أقوى أثرا من السهام. ومن

أشهر شعراء الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] حسان بن ثابت، وكعب بن مالك، وعبد اللَّه بن رواحة. وقد كان الهجاء مستهجنا فى عصر الخلفاء الأول، لمنافاته لروح الإسلام. ومع ذلك فقد ظل يمارس ويشجع ويخشى أثره لأسباب دينية أو سياسية أو عرقية. وقد استغل بداية فيما قد يوصف بـ "شعر الجيوش". ومن ثم لم يكن له قوته المعهودة فى الجاهلية إلا حين يكون الخصم عربيا يتأثر بما يوجه إليه من هجوم. ولهذا لعب الهجاء دورا فى المنازعات التى حدثت فى عهد الفتنة الكبرى، كموقعة الجمل كما عرف الخوارج بأشعارهم البليغة. كما لعب الهجاء دورا شبه رسمى، حيث أحاط الخلفاء أنفسهم بشعراء يردون عنهم كيد شعراء خصومهم. ومن أمثلة هؤلاء الشعراء الأخطل الذى انخرط أثناء قيامه بهذا الدور فى النزال الهجائى الذى دار بينه وبين الفرزدق وجرير. ولكن الهجاء فى هذه المرحلة فقد دوره الاجتماعى، وأصبح مجرد تعبير من المشاعر عن رأيه فى الخصم. ويتميز ذلك عن نوع آخر من الهجاء ظهر فى بدء العصر الإسلامى وهو هجاء الابتزاز بقصد التكسب. وقد شاع هذا النوع فى القرن الثانى الهجرى/ الثامن الميلادى. وظهر فى نفس الفترة شعراء يمارسون الهجاء لا لشئ سوى التلذذ بإهانة الأعداء، وأحيانا الأصدقاء. وقد حوى "الأغانى" العديد من هذه الأشعار، لشعراء مثل بشار بن برد وحماد بن عجرد وابن مناظر ودعبل وغيرهم. وقد انحسر شعر الهجاء نسبيا فى أواخر القرن الثانى للهجرة/ التاسع للميلاد مع ازدهار اتجاه جديد فى الشعر الكلاسيكى، ولكن الأمر لم يخل من شعراء مثل ابن الرومى الذى برع فى هذا الفن، وأبو تمام والبحترى ثم المُتنبى. ولكن أعمال هؤلاء لا يمكن أن تقارن بمن سبقوهم فى القرن الثانى أو الشعراء التالين لهم كأمثال ابن الحجاج أو ابن الحبارية. ويذهب المنظرون إلى الحد من موضوع الهجاء بقصره على رفض كل

مكرمة وإلحاق كل نقيصة أخلاقية بالمهجو فى حقهم، دون الخوض فى العيوب الجسمانية، أو -عند البعض- قلة العدد. كما يرفض البعض أن يكون الهجاء فاحشا مستشهدين بقول أبى عمرو بن العلاء: "أفضل الهجاء ما يمكن أن ترويه فتاة دون أن يخدش حياءها" على أن ابن رشيق يرى أن الأمر هو مناسبة المقام، وإن كان يفضل ما كان متحفظا مبنيا على الإيحاءات اللطيفة دون المعتمد على التأكيدات المبالغ فيها. وفى الأندلس حيث كانت القيم الشرقية مراعاة بأمانة، نجد ابن بسام يرفض أن يضمن مقتطفاته الأدبية الهجاء كى لا يفسدها على حد قوله. ولكن معاصروه مثل الفتح بن خاقان لم يتورعوا عن مهاجمة رفقائهم ولكن فى حدود اللياقة والأدب. أما عن ناحية الخصائص الأسلوبية فلغة الهجاء سهلة واضحة، عدا بعض المقتطفات التى يؤدى ما بها من الخيال إلى بعض الغموض. ولما كان الهجاء شعريا فى نشأته، فليس لنا أن نتوقع قطعة نثرية تعالجه. ولكننا فى القرن الثالث الهجرى نشهد بعض القطع النثرية التى تناولت هذا الغرض الأدبى، فنجد الجاحظ يضمن كتابه "التربيع والتدوير" نصوصا لاذعة على أرقى مستوى، أو يرسم صورة ساخرة لمحمد بن الجهم البرمكى، أو يداعب بعضا من أصدقائه فى "الرسائل" بعبارات فكهة دون قصد سيئ. وفى القرن التالى نجد أبا حيان التوحيدى، خليفة الجاحظ، يطور هذا الفن فى كتابه "مثالب الوزيرين" وفى القرن الخامس الهجرى/ الحادى عشر الميلادى قام الشاعر والكاتب الأندلسى ابن شهيد برسم صور ساخرة غاية فى العذوبة، نجد فيها فنا أدبيا راقيا لا علاقة له بما ذكرناه سابقا. ولعلنا نشير هنا للـ "مقامات" التى تحتوى بدورها على صور ساخرة رائعة. وكون الهجاء ينتمى للأدب الكلاسيكى لم يمنع بقاءه إلى يومنا هذا، ليس فقط فى أشعار العامية. إلا أن موضوع الهجاء قد تغير جذريا، فنجده موجها ضد المحتلين، والحكومات، والأحزاب المعارضة، بالإضافة إلى تحريم الفحش والبذاءة.

المصادر

المصادر: طه حسين، فى الأدب الجاهلى، القاهرة 1327 هـ عباس العقاد، ابن الرومى القاهرة، 1931 م على يوسف [س. بلات Ch. Pellat] الهجرة الهجرة هجرة محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] من مكة إلى المدينة فى سبتمبر 622 م. وأصل الفعل "هجر" بمعنى أن يقطع شخص علاقته بآخر أو يتجنب مصاحبته كما ورد فى الآية 34 من سورة النساء: {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ. . .} , والآية 10 من سورة المزمل: {. . . وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا}. والأصل الثالث هو هاجر بمعنى الانقطاع لعلاقة صداقة بين طرفين. وكلمة هجرة لا تعنى إذن "الفرار" ولكن تحمل أساسا معنى قطع رابطة القرابة. والسبب فى ترك محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] مكة هو فقد الدعم الذى كان يجده من "أبو طالب" بعد وفاته، وانتقال زعامة قبيلته إلى أبى لهب الذى كانت له علاقات تجارية مع ألد أعدائه من المشركين. وكان على محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] أن يجد حماية "جوار" قبيلة نوفل بعد عودته من الطائف، مما يوحى بأن عمه أبو لهب قد رفض حمايته. وبعد عدة محاولات بذلها الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] ليجد بيئة لنشر دعوته، منها زيارته للطائف، استطاع أخيرا أن يعقد اتفاقا ناجحا مع ممثلى يثرب فى العقبة فيما يعرف بـ "بيعة الحرب" لكون أهل المدينة وافقوا على حماية محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] بقوة السلاح، لو دعت الضرورة لذلك. وحتى قبل ذلك شجع الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] أتباعه على التوجه للمدينة حتى لم يبق فى مكة سواه وأبو بكر وعلى ونساؤهم. ولكن قريشا قد ساورها الشك، (وليس كل ما يروى عن الهجرة مؤكدا)، فوافقت القبائل على أن يقوم شاب من كل قبيلة بضرب محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] ضربة واحدة، فتضطر قبيلته أن تقبل الدية فيه، لعجزها عن محاربة القبائل كلها أخذا بثأره. ولكن محمدًا [-صلى اللَّه عليه وسلم-] يتمكن من الهجرة بصحبة أبى بكر سرًا، تاركا عليًا مكانه على سبيل التمويه ويصحب أبا بكر، وهى الحادثة التى ذكرها القرآن الكريم فى الآية 40 من سورة التوبة بقوله تعالى: {إِلَّا تَنْصُرُوهُ

فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا}. وقضى الاثنان ثلاثة أيام فى كهف، ثم صاحبهما عامر بن فهيرة، أحد عتقاء أبى بكر، وأعرابى كدليل، ممتطين راحلتين واتخذوا طريقا غير مألوف للمدينة، فوصلوا قباء فى 12 ربيع الأول (طبقا لرواية ابن إسحق الموافق 24 سبتمبر 622 م والسبب فى اضطرار محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] للاختفاء أثناء الرحلة غالبا أنه فقد جوار نوفل بخروجه من مكة. وهو فى طريق الوصول إلى المدينة لن يكون فى حماية أتباعه فى المدينة. وفى الوثيقة التى تسمى أحيانا بدستور المدينة فإن هؤلاء الذين قاموا بالهجرة يسمون بالمهاجرين، ولهم وضع موحد فى مقابل الأنصار فى المدينة. وقد أصبح للمهاجرين فى المدينة وضع متميز وأحيانا ما كان يخول أولوية فى العطاء [لم يذكر الباحث أن هذا كان بسبب فقد المهاجرين أموالهم بسبب الهجرة]. وأحيانا كان وضع المهاجرين يعطى لمن لم يهاجر بالفعل من مكة للمدينة، فعد من فئة المهاجرين الأعراب الذين عقدوا مع الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] "بيعة الهجرة" واستقروا معه فى المدينة كموالى له. وهؤلاء الذين هاجروا للحبشة سنة 615 م ثم عادوا قبل هجرة الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] لمكة ثم هاجروا معه يسمون "ذوو هجرتين" كما أن قبيلة مزينة قد اعتبرت من المهاجرين دون استقرارهم فى المدينة، وهو نفس الأمر مع أسلم وخزاعة. هذا وقد اعتبر نافع بن الأزرق، زعيم الخوارج الأزارقة، أتباعه هم المسلمون الحقيقيون وسماهم "المهاجرون"، وهم من صاحبه فى معسكره الذى سماه "دار الهجرة". ويؤرخ المسلمون بالهجرة، وهو ما يميز بالحرفين A.H. (= ANNO HEGIRAE) ولا يطابق ذلك يوم وصول محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] للمدينة، ولكن أول يوم فى السنة القمرية التى حدثت فيها هذه الحادثة وهو ما يقابل 16 يوليو 622 م، وإن كان ذلك ليس مؤكدا تماما. على يوسف [مونتجمرى وات W. Montgomery Wat] مراجعة د. محمد الشحات الجندى

الهدائى

الهدائى هو محمود بن فضل اللَّه بن محمود، ولد فى "قُشْحِصار"سنة 950 هـ (= 1543 - 1544 م)، ونكاد لا نعرف شيئا عن سنواته السبع والعشرين الأولى من حياته، إلّا أنه ذاق اليتم منذ فجر طفولته وإلّا أنه قضى بضع سنوات من عمره فى "سفر حصار" حيث أتيح له الاتصال بتلاميذ الشيخ "بابا يوسف"، فلما كان عام 978 هـ (= 1570 م) دخل فى خدمة "ناظر زاده" فى مدرسة سليم الثانى فى "أدْرنه"، وهذا ما يقرره عطائى فى كتابه ذيل الشقائق النعمانية، وقد تبع الهدائى شيخه حين اختير شيخه قاضيا بدمشق أولًا ثم بالقاهرة وأخيرا فى "بُرْصة"، وتولى الهدائى وظيفة نائب القاضى فى محكمة الجامع العتيق والتدريس فى المدرسة الفرهدية، ثم جرى فى أعقاب ذلك أزمة دينية، خُلع فيها من نيابة القضاء، وقيل إن ذلك الخلع يرجع إلى خطئه فى مسألة شرعية، فلما انتقل راعية ناظر زاده إلى "أدرنة" وذلك بعد الرابع من رجب 983 هـ (= 9 أكتوبر 1575 م) ظل الهدائى فى "بُرْصة" حتى إذا كان أول ذى القعدة سنة 984 هـ (= 18 يناير 1577) انخرط فى سلك أتباع الشيخ أُفْنَاد مؤسس الطائفة الجلواتية، ثم فقد وظيفته بالمدرسة فى ختام سنة 1578 م وعضَّه الفقر بنابه وقد ظل فى هذه الطائفة ثلاث سنوات حتى السبت أول ذى القعدة 987 هـ (= 19 ديسمبر 1579 م) - وقبل موت أفناد ببضعة أشهر قلائل بعثه الأخير فى مهمة إلى سفر حصار، وتلتها مهمات أخرى ذكرها النابلسى فى كتابه شرح التجليات الهدائية، ثم استقر به المطاف أخيرا فى القسم الآسيوى من استانبول، ثم عُيِّن أخيرا فى جمادى الآخرة 1002 هـ واعظًا فى مسجد محمد الثانى وذلك بسعْى محمود من جانب قاضى عسكر روملى واسمه صُنع اللَّه فلما فرغ من إكمال بناء جامعه الخاص سنة 1003 هـ = 1594 م استقال من وظيفته هذه كواعظ، وأخذ نفسه كل يوم خميس بالخطبة فى جامع "مِهْرِماه"، حتى إذا

المصادر

كانت سنة 1020 م، راح يعظ الناس كل يوم اثنين من أول كل شهر، فى جامع السلطان أحمد وظل على هذا المنوال حتى وافاه أجله سنة 1038 هـ (= 1628 م) ومجمل القول إن الهدائى كان يتمّتع بتقدير عظيم جدا فى قومه، وكان بيته ملاذ جميع كبار موظفى الدولة الذين حل عليهم غضب أولى الأمر، وإذا كان "أفناد" هو الذى أسس طائفة "الجلواتية" فممَّا لاشك فيه أن الفضل فى استمرار وجودها يرجع إلى "الهدائى". وتوجد بين أيدينا بضع قصائد للهدائى عليها مسحة التصوف وبعض مؤلفات له صغيرة تتعلق بالأمور الدينية، قام بطبع جزء منها جِيْلِشْن فى كتاب سماه "كليات حضرتى هدائى" وقد طبع فى استانبول 1338 م، كذلك وصلت إلينا بعض رسائل ومذكرة بالعربية بدأ فى كتابتها منذ أن ارتبط بأفناد وقد استقينا منها الأحداث الهامة التى مر بها فى حياته، وقد جعل عنوان المذكرات عن الأحداث التى جرت منذ محرم 985 هـ حتى التاسع من شوال 987 هـ (= مارس 1577, إلى 27 نوفمبر 1597 م) هو: "كلمات عن التبر المسبوك فيما جرى بين حضرة الشيخ وبين هذا الفقير فى أثناء السلوك". أما القسم الذى يتعلق بما جرى منذ أول ذى القعدة سنة 987 هـ حتى ربيع الأول 1021 هـ (= 19 ديسمبر 1579 م حتى مايو 1612 م)، فهو قطع صغيرة مبعثرة فى المكتبات ودور الكتب وعنوانها "التجليات" ولقد قام عبد الغنى النابلسى وكتب شرحا وتفسيرا على قسم من هذا الجزء. أما فيما يتعلق بصور هذه الكتب وترجماتها فانظر الجزء الأول من كتاب بلد كانو شتينرهر، ص 2 - 5, 10 - 21. المصادر: (1) حاجى خليفة: فذلكة (استانبول 1287 م). (2) إسماعيل حقى: كتاب السلسلة الجلوتية. (3) المحبى: خلاصة الأثر فى أعيان القرن الحادى عشر. مروان حسن حبشى [التحرير]

هذيل

هذيل هذيل إحدى قبائل عرب الشمال، وإذ كانوا فرعًا من مضر المعروفين بخِنْدِف فقد كانوا ذوى قربى إلى كنانة وبالتالى إلى قريش المتاخمة كانت بلادهم التى ينزلونها هى المتاخمة مباشرة لشرقى مكة وغربها وكذلك الجبال نحو الطائف، وليس هناك من خبر يشير إلى أنهم هاجروا إلى هنا من أى مكان آخر، وكان لوضعهم هذا يعرفون ببطن مُرّ الزهران المعروف حاليا باسم وادى فاطمة بين مكة وجدة. ويذكر ابن الكلبى أن الهذليين كانوا أول قوم من نسل إسماعيل عبدوا الأصنام، وكان لهم صنم اسمه "سواع" يتقربون إليه فى موضع يسمى "بِدُهَاط" وعلى الرغم من أن ابن الكلبى يقرّر أن "رهاطا" تقع فى ضواحى منبع إلّا أن الأمر الأكثر احتمالا أنها كانت مجاورة لمكة وربما كان فى "نخلة اليمنية" ومع ذلك فإن السّكرى فى كتابه "شرح أشعار الهذليين" يقرر أن بطن رهات إنما هى أرض بنى هلال التى تبعد عن مكة ثلاث ليال، وكان القوّامون على خدمة سواع وحراسته هم بنو لحيان وهم بطن من هذيل، كما شارك الهذليون خزاعة عبادة "منات" وهو صنم من حجر عند "قُدَيد" على الطريق الواصل من مكة إلى يثرب، وتشتهر منات بأنها أقدم أصنام العرب فى الجاهلية. فى الأخبار يرد ذكر الدور الذى لعبته هذيل فى زيارة تُبَّع أسعد كامل (أبى كرب) إلى مكة وكذلك فى حملة أبرهة ضدها. واشتبكت هذيل قبل الإسلام فى عدة حروب ضد جيرانها، وما قصيدة تأبّط شرا ضد هذيل إلّا لقتلهم عمّه، وكان من عادة هذيل أن يبيعوا أسراهم فى مكة ليكونوا رقيقًا، ولما كان الصراع بين الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وبين قريش ساند معظم رجال هذيل (وعلى رأسهم لحيان) قريشا فى مكة وانتصر عليهم عبد اللَّه بن أنَيْس من بنى وبرة المعروف بالجهنىّ، وحدث أن أسر الهذيليون رهطا من المسلمين فباعوهم لقريش، ولما أخذ المسلمون فى إزالة الأصنام من الكعبة بعد فتح مكة قام عمرو بن العاص بتحطيم سُواع،

كما قام على ونفر معه من المسلمين بتحطيم مناة [وكان عبد اللَّه بن أنيس هذا واحدا ممن كانوا يكسرون أصنام بنى سَلِمة] ثم شاركت هذيل قريشا فى اعتناقهم الإسلام. وإذا كان معظم رجال هذيل اتسموا بالبطء فى دخولهم الإسلام إلا أن واحدا منهم تميز عنهم إذ كان من أوائل المهتدين وكان قديم الإسلام، وكان ابن حزم يعدّه هذيليا رغم أن البعض يعتبرونه حليفا لهم، وقد صار عبد اللَّه ابن مسعود صحابيا صادقًا وخادما للنبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] ومحدّثا كبيرا. واشتهرت هذيل بين القبائل العربية بكثرة ما خلفته من الشعر الموجود بين أيدينا، وربما كانت شهرتها هذه راجعة أيضًا إلى أن ديوانها القَبلى هو الديوان الوحيد الذى وُجِد كاملا، وكان من بين شعراء هذيل الكثيرين أبو ذؤيب، وأبو كبير وأبو خراش وأبو صخر، ولم يكن كل شعراء هذيل ممن عاشوا فى الجاهلية بل إن نفرًا منهم عاش فى الجاهلية، ثم امتد به العمر ليعيش بين المسلمين. ونجد من النتف الواردة عن هذيل عن الهمدانى من أهل القرن الرابع الهجرى (العاشر الميلادى) ما يقال من أن بنى سعد (وربما كان سعد بن بكر) أخرجوا من حيث يقيمون بمساعدة من عُجّى بن شاخ الذى ينعته الهمدانى بسلطان مكة، والأرجح أن ابن شاخ هذا كان مملوكا تركيا من مماليك العباسيين ولى إمرة المدينة المقدسة. وعلى الرغم من صلة هذيل الكبيرة بمكة إلّا أن الأمر العجيب هو أن مؤرخى هذه المدينة لا يذكرون إلا نتفًا يسيرة عن أعمال هذه القبيلة، وطالما قامت هذيل بمشاركة "أشراف" مكة الهاشميين فى حملاتهم، على أن هذيلًا لقيت كثيرا من الذم لخروجها على الحجاج وتعرضها لهم، وهذا ما حمل المسافرين فى كثير من الأحيان إلى تجنب السير فى الطريق الواقع شرقى جبال السراة وتفضيلهم عليه الدرب الساحلى المؤدى إلى المدينة المنورة. ويشير إليهم الرحالة "بوركهارت" فى القرن التاسع عشر الميلادى بأنهم

المصادر

مشهورون بالرماية وأنهم يبزون غيرهم جميعا ممن يعيشون فى تلك البلاد، ومعروفون أيضا بالشجاعة، ولم يستطع الوهابيون أن يتغلبوا عليهم إلّا بعد أن أخفوا منهم ما ينيف على ثلاثمائة رجل. ولقد كانت أحسن مدن هذيل وقراهم هى الواقعة فى الجبال غربى الطائف، وقد استقر بنو هذيل فى حى المعابدة المكى، كما أن بنى لحيان أقاموا فى الحدّاء وبَحْرة، وهما محطتان رئيسيتان على الطريق الواصل من مكة إلى جدة. ولما كان الرحالة "دوتى" قادما فى الطريق القديم من الطائف إلى جدّة قابل جماعة من هذيل فذكر أن جلودهم سوداء لامعة، وعيونهم مستديرة، كذلك صادف الرحالة "فيلبى" رجالًا من هذه القبيلة فى نفس الطريق يعيشون حياة قاسية، فصاروا يربون النحل والأغنام ويقومون بشئ من الزراعة على السفوح ويربون أيضًا الحمل القوية التى قد تتسلق المنحدرات الصعبة كأنها الماعز. ولا يزال إلى اليوم ما كان من تقسيم هذيل إلى قسمين: هذيل الشام وهذيل اليمن، وربما كان أهم مركز لهم هو واحة "الزِّيمة" الواقعة عند الناحية يترك عندها الطريق القديم القادم من الطائف وادى اليمينى لينحدر جنوبا وغربا إلى مكة، وإن كانت الواحة آيلة للاندثار نظرا لوجود طريق جديد مختصر ومعبّد يصل إلى مكة وقوم هذيل مرتبطون بالقرابة والصداقة بجماعة الحجادلة الذين تقع أرضهم قرب جنوبى جدة ومركزهم "السعدية" ويَلَمْلَم هى ميقات الحجاج القادمين برا وهى فى أقليم الحجادلة. المصادر: (1) ابن الكلبى كتاب الأصنام. (2) الأزرقى: أخبار مكة. (3) ابن حزم: جمهرة أنساب العرب. أما عن شعراء هذيل فراجع المصادر التى ذكرها بروكلمان فى 1/ 42 (4) السكرى: شرح أشعار الهذليين بدرية الدخاخنى [ج. رنتز G. Rente]

هرمز البلد

هرمز البلد هرمز أو كما يقال لها "هرمز القديمة" لتمييزها عن الجزيرة التى تبعد عنها قليلا، وكانت تقع على الجانب الشرقى عند مدخل الخليج الفارسى (العربى)، ولما جاء القرن الرابع الهجرى (العاشر الميلادى) كانت هرمز قد أصبحت الميناء البحرى لولايات كرمان وسيستان وخراسان حسب ما جاء فى كل من معجم البلدان لياقوت وحدود العالم، وقد زارها "ماركوبولو" مرتين كانت الأولى سنة 1272 م والثانية سنة 1293 م، وذكر ما عليه البلد من عظيم الرخاء والازدهار واتساع التجارة، ولكنها موضع يجلب المرض وإن حرارة الشمس فى الصيف بها قاتلة، وقد تعرضت هرمز (بعد سنوات قلائل من زيارة ماركو بولو الثانية) إلى سلسلة من الهجمات التى شنتها عليها بعض القبائل، وكانت هذه الهجمات من الشدة بحيث أرغمت قطب الدين ملك هرمز سنة 700 هـ (= 1300 م) على أن يغادرها وحمل أهلها على أن يغادروها بكل ما يملكون إلى جزيرة "جرون" الصغيرة التى تبعد عن أقرب نقطة من الساحل ما يقرب من ستين ميلا غربا، وستة كيلو مترات جنوبا، وكثر عمران هذه الجزيرة حتى تحوّلت إلى مدينة كبيرة عرفت بهرمز الجديدة، لما كانت سنة 720 هـ (= 1320 م) استولى الملك قطب الدين على جزيرة "قليس" التى كانت تتمتع حتى ذلك الحين برخاء تجارى عظيم، كما أنه أخضع البحرين بسلطانه، وقد زارها ابن بطوطة فى أخريات أيام قطب الدين فوصف ما بها من أسواق عامرة وقال إنها هى الميناء الذى تأتى منه سلع الهند والسند لتصل إلى العراق وفارس وخراسان. ولقد بلغت هرمز خلال القرون الثلاثة التالية الغاية القصوى من الرخاء والرفاهية رغم حاجتها إلى الماء النقى والخضروات وشدة حرارتها صيفا، ولما زارها الرحالة الروسى "افتاسى نيكيتين" سنة 1472 م ذكر أنها الموضع الذى فيه شتى إحساس الناس والبضائع من كل صنف التى تصلها من جميع نواحى الدنيا، ولكنه تبرم من

ارتفاع ما يجئ فيها من الضرائب، كذلك امتدحها الرحالة البندقى "يمبربارو" الذى زارها بعد ذلك بسنوات قلائل. وفى سنة 1507 م ظهر أمام الجزيرة أسطول برتغالى بقيادة "البوكيرك" العظيم واحتلها لما كان يدركه من أهميتها الاستراتيجية نظرا لموقعها عند مدخل الخليج، غير أن رجال البوكيرك تمرَّدوا عليه وثاروا ضده فاضطر إلى الانسحاب، على أنه عاد بعد ذلك بسبع سنوات واحتلها واتسم احتلال البرتغاليين لها بالدوام، ولما كان الشاه إسماعيل الأول مشغولا فى هذه الآونة بصراعه الكبير مع الأتراك العثمانيين فإنه لم يستطع أن يعمل شيئا إزاء هذا الاحتلال إلا أن يحتج على اقتحام المغير لأرضه ولقد استمرت "هرمز" تسير فى طريق الرخاء زمن البرتغاليين، وإن كان الصائغ البندقى "جاسبرو بالبى" قال فيها ما لا يرضى وذلك سنة 1580 م ثم لما جاء الانجليزى "رالف فيتش" بعد ذلك بثلاث سنوات وصف هرمز بأنها "أجف جزيرة فى الدنيا، إذ لا ينمو بأرضها الملح" ولما جاء الشاه عباس الثانى إلى العرش أدرك الناس أنه لن يكون للبرتغال طمأنينة فى البقاء بهرمز، ثم أنه فى سنة 1602 م اغتصب "اللَّه وردى خان" حاكم فارس "البحرين" من يدى ملك هرمز الضعيف الذى لم يكن كأسلافه منذ سنة 1514 م سوى أوصال وأتباع لأسبانيا والبرتغال، واستطاعت القوات الفارسية فى 1614 م احتلال "جامْرو". آخر معقل للبرتغاليين هناك وبذلك حرموا حامية هرمز وسكانها من كل مصادر مياه شربهم، ثم قام "شاه عباس" بالضغط على شركة الهند الشرقية الانجليزية أن تسمح لعدد من سفنها أن تتعاون مع القوات البرية الفارسية فى الهجوم على هرمز، وعلى الرغم من مقاومة البرتغاليين الشديدة لهم إلّا أن الفرس استطاعوا بمساعدة السفن الإنجليزية لهم أن يحملوا الحامية على الاستسلام ومغادرة الجزيرة، وسرعان ما أقفرت هرمز من أهلها، وامتدت يد الهدم إلى كثير من مبانيها لتستعمل أنقاضها فى تشييد مبان جديدة فى

المصادر

"جمرو" فلما اكتمل عمرانها سميت ببندر عباس تعظيما للشاه عباس، وليس من شك فى أن الدور الذى قامت به سفن شركة الهند الشرقية الانجليزية أثار حنق البرتغال وغضبهم، وقد أثار سيرارنولد ويلسون فى كتابه عن "الخليج الفارسى" إلى أنه كان من الصعب تقدير ما جنته شركة الهند من هذا العمل من جانبها إذ لو كان قد قرّر للبرتغال أن يظلوا مقيمين فى الجزيرة لما استطاعت الشركة منافستهم فى هرمز. وهرمز اليوم قليلة السكان، فإذا كانت شهور الشتاء الباردة، تزايد عدد الناس زيادة ملحوظة حين تعمل مصانع أكسيد الحديد أو الملح أما إذا جاء الصيف هاجر الكثيرون إلى الداخل لا سيما إلى "هنا" ويلاحظ أن النشاط الغالب على سكان الجنوب أنهم صيادو الأسماك. المصادر: انظر C.R. Brxrx: Anglo-Portuguese rivolery in the Persion gulf أسامة عبد المنعم عمارة [ل. لوكهارت L. Lockhart] هرمز , الحاكم هرمز وكانت فى الفارسية القديمة "اهرمزدا" ويعنى بها السيد الحكيم وهو عند الإيرانيين القدماء "رب الأرباب" ثم اطلق اسمه هذا فيما بعد على "جوبيتر" وعلى أول كل يوم من أيام السنة الزرادشتية وقد تسمى باسم "هرمز" خمسة من ملوك الدولة الساسانية منهم هرمز الأول الذى لم تزد مدة حكمه عن عام واحد (272 - 273 م) وكان والى خراسان وقد ظهرت كفاءته فى حربه للرومان، كما أضفى رعايته على "ماتى" مقتديا فى ذلك بما فعله أبوه من قبله، فلما تولى هرمز الثانى الحكم (302 - 309 م) قيل إنه اضطهد المانويين وذلك بناء على المعلومات التى حفظتها بعض النصوص القبطية ومع ذلك فهو لا يذكر إلا مقرونا بالرحمة والعدل، وقتله العرب فى محاربته لهم وهزيمته أمامهم، وكان له ولدان هما شابور الثانى والأمير هرمز الذى استطاع الفرار من حبسه الذى ظل به ثلاثة عشر شهرا وهرب إلى القسطنطينية حيث صحب

هشام بن الحكم

الإمبراطور جستنيان فى حملته الفارسية ثم جاء هرمز الثالث الذى اضطر -رغم قصر عهده- أن يحارب أصغر إخوته الذى أيده الهياطلة، فهزم أمامه وقتل، ثم جاء هرمز الرابع (579 - 590 م) الذى يصوره المؤرخون البيزنطيون بصورة الطاغية وإن كان قليل الذكاء، أما الطبرى فيقول أنه فى عدله فاق ما كان عليه أبوه خسرو إنو شروان وكان عطوفا على العامة ولكنه شديدًا على الأشراف الذين كرهوه هم ورجال الدين الزرادشتيون، وقد استمر العداء بينه وبين الروم من حوله وإن كان النصر للآخريين، وقد ثار عليه أعظم قواده المعروف باسم "وهرام شعريين"، وانخرط الجميع فى سلك هذه الثورة التى أفضت إلى خلع هرمز وقتله، ولقد أصبحت قصة حبه لشيرين موضوعًا تناوله بعض من كبار شعراء الفرس، أما هرمز الخامس فقد حاول أن يجمع السلطة كلها فى يده ولكنه لقى مصرعه قتلا بأمر من آخر ملوك بنى ساسان. ويشير الطبرى وياقوت وغيرهما من الكتاب المسلمين إلى أن اسم "هرمز" حمله بعض غير من ذكرنا ولعل أشهرهم هو "الهمرزان". انظر فى ذلك بيان الأدبان لأبى المعالى وتبصرة العوام للمرتضى. أسامة عبد المنعم عماره [هنرى ماسيه H. Masse] هشام بن الحكم هشام بن الحكم يعتبر من أبرز أئمة "الكلام" زمن الامامين جعفر الصادق وموسى الكاظم ويُنسب إلى قبيلة كندة وولد ونشأ فى "واسط" ثم عاش بعدئذ فى الكوفة بين بنى شيبان، وقيل فيه إنه كان "جهميا" قبل تحوله إلى المذهب الشيعى على يد الإمام جعفر الصادق وإن كانت هناك أخبار تقول إنه كان على اتصال بأبى شاكر الديصانى على إنه من المؤكد أنه بعد اعتناقه المذهب الشيعى كانت له محاورات ومعارضات مع أبى شاكر ومحمد على مثل معتقده وقد توثق ما بينه وبين الإمام جعفر أولا ثم من بعده بموسى الكاظم، وكان له بالكوفة حانوت يشاركه فيه عبد اللَّه بن يزيد الإباضى وتلازما تلازما وثيقا بقية أيام حياته رغم اختلاف آرائهما

العقائدية. ولقد شارك هشام فى آخريات أيام حياته فى حلقات الفقهاء الجدلية التى كانت تعقد فى حضرة يحيى بن خالد البرمكى ورأس بعضها، ولقد عاش هشام فى الكرخ وزاول بها تجارته، وقد اتهمه بعض الشيعة فى أنه كانت له يد فى القبض على موسى الكاظم ويقال أن الخليفة الرشيد كان من المعجبين بآرائه فلما تبين له خطرها أمر باعتقاله، مما حمل هشام على الاختفاء ثم ما لبث أن مات سنة 199 هـ (= 814/ 815 م) أو فى خلافة المأمون وهذا القول الأخير بعيد عن الصدق وعلى أية حال فليس لدينا من الروايات ما يشير إلى أى نشاط له أيام إمامة على الرضا (183 - 203 هـ). وملخص فكرة الامامة التى كان يروّج لها هشام تقوم على أساس فكرة الحاجة الدائمة إلى إمام هادٍ ربانى يكون معلما للبشرية فى جميع الشئون الدينية وبذلك يكون هذا الإمام هو "الوصى"، وهو "معصوم" فى كل أفعاله وأقواله ولكنه لا يشبه الأنبياء فى أنه لا يوحى له ولا ينزل عليه الوحى. كما قال أن النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] جعل عليا خليفته بالنص، وأن الناس كلهم خرجوا عن هذا النص إلا قلة قليلة (أمثال) المقداد وسلمان الفارسى وأبى ذر وعمار) وقال إن الأمامة انتقلت بين ذرية على وفاطمة وتظل فيهم إلى يوم القيامة وإن كل إمام ينص على خليفته، وإن كل من أطاع الإمام فهو المؤمن الحقيقى، وإنه فى سبيل الحفاظ على العقيدة وعلى مجتمع المؤمنين هؤلاء فإنه مسموح للإمام، وتابعيه تحت الضرورة الملحّة أن يتوسلوا بالتقيّة فيما يتعلق بمعتقداتهم الدينية، وليس على الإمام أن يخرج على الحكومة الشرعية القائمة كما أن الثورة من غير موافقته مرفوضة، وقد كان على نمط أئمة وفيّه فى الأخذ بمذهب "القَدَر" وتفضل المراجع العربية آراءه ومذهبه، على أنه بعد موته أخذ تلميذه يونس بن عبد الرحمن (ت 208 هـ = 823 م) ومحمد خليل السكاك، وأخيرًا النيسابورى أبو الفضل بين شاذان المتوفى حوالى 260 هـ، أقول أخذ هؤلاء جميعا فى نشر دعوته وتصدّوا للدفاع عنها، على أنه وجد -هو

المصادر

ومدرسته- معارضة لبعض آرائه حول نقاط معينة من جانب الأئمة المحدثين المعاصرين له أئمة "الكلام" غير أن مدرسة هشام أخذت فى الانقراض منذ أخذ الفكر الاعتزالى فى التقدم والانتشار لاسيما منذ القرن الرابع للهجرة (العاشر للميلاد). أما فيما يتعلق بمؤلفات هشام الكثيرة التى أوردها ابن النديم فى فهرسته فلم يتبق منها اليوم شئ، بين أيدينا، وإن كان من المحتمل أن يكون كتابه "اختلاف الناس فى الأمامة" قد استفاد به واقتبس منه الحسن بن موسى النونجتى وجعله أساسا لمؤلفه المعروف بكتاب فرق الشيعة، كما أن كلا من الشيعة والسنة كثيرا ما ينقلون فى كتبهم من مجادلاته ومحاوراته مع الفقهاء والهراطقة. المصادر: (1) المناط: الانتصار (القاهرة 1925 م). (2) ابن قتيبة: تأويل مختلف الحديث (القاهرة 1936 م). (3) ابن قتيبة: عيون الأخبار (القاهرة 1943 م) جـ 2 أيمن حسن حبشى [التحرير] هشام الرضا هشام أبو الوليد ويعرف بهشام الأول وبهشام الرضا ثانى ولاة أسبانيا المسلمين، خلف أباه عبد الرحمن الأول يوم أول جمادى الأولى 172 هـ (= أكتوبر 788 م) أو قبل ذلك بعام واحد إذا أخذنا بما يقوله ابن الأبار وكان عمره يومذاك ثلاثين سنة إذ أن مولده كان بقرطبة سنة 139 هـ (757 م) وعلى الرغم من أنه كان قد اختير وليا للعهد إلا أنه وجد نفسه مضطرًا لمقاتلة أخويه شخصيا كان أحدهما أخاه الأكبر والآخر عبد اللَّه البلانسى للدفاع عن حقه فى الولاية ونجح فى محاربتهما، وكان ذلك فى أعوام 172,173 هـ[. . . . . .] (*) 790 م, وكان عليه [. . . . . .] (*) القضاء على [. . . . . .] (*)

_ (*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: مسح بالمطبوع

المصادر

الأعلى وعلى ثورة أضرمها البربر فى تاكُونّا (باقليم رُندة) كما حارب نصارى الشمال، واعتمد هشام الرضا على قواده الذين كان من بينهم أبو عثمان عُبيد اللَّه بن عثمان والأخوان عبد الكريم وعبد الملك ولدا عبد الواحد بن مغيث، وقد انصرفت الحكومة الأموية منذ 175 هـ (= 791 م) لتكريس جهدها للناحية الحربية فظلت فى حملات عسكرية مستمرة كانت ترسلها سنويا لمحاربة النصارى، فكثرت حملاتها على النواحى الشمالية إلى آلبا والقلاع (قشتالة القديمة) وتكررت حملاتها على المناطق الشمالية الغربية إلى حليقية (أى الأشتوريين) حتى بلغت أوربدا التى خربتها سنة 178 هـ وحاربت قوات هشام الرضا فى ناحية الشمال الشرقى فى منطقة إسيرنو (أفرنجة أو جاروندة) وقاتلت فى اربونة Arbonne ويبدو أن هذه كانت آخر مرة يهاجم فيها جيش إسلامى اربونة واعتبرت هذه الحملة نصرًا عظيمًا، ذلك أنه قد بيع أسراها بمبلغ قدره خمسة وأربعون ألف قطعة ذهبية، وإذا أخذنا بما يقوله المقرى فقد جئ إلى قرطبة بحجارة من سور البلد الفرنسية إلى قرطبة استخدمه القوم فى بناء أحد المساجد ونسمع عن الزيادات التى زادها هشام فى جامع قرطبة الكبير وإعادة ترميمه للجسر الذى على نهر الوادى الكبير الذى كان السيل قد أضرّ به، ويقول ابن الفوطية فى هذا الصدد أن ما انفق على هذين العملين استنفد خمس غنائم أربونة. ويشبه الناس هشاما الأول أبا الوليد بقريبه عمر بن عبد العزيز فى سلوكه الخاص وتمسكه لعمود الدين، واستطاعت المدرسة المالكية الجديدة أن تسير بخطى إلى الإمام بفضل حدبه وعطفه عليها، وقد مات فى صفر 18 هـ (= ابريل 796 م) بعد حكم لم يطل أكثر من سبع سنوات ونصف. المصادر: (1) ابن عذارى: البيان الغرب 2/ 62. (2) ابن الخطيب أعمال الأعلام، ص 11 - 14.

المصادر

(3) ابن الآبار: الحلة السيراء (تحقيق دروزى). المقرى: نفح الطيب. (4) Reinaud: Invrasions de Sarrazine en France 99 - 104 د. حسن حبشى [د. م. دنلوب D. M. Dunlop] هشام الفوطى هشام بن عامر الفوطى أحد شيوخ المعتزلة بالبصرة، وكان تلميذ أبى هذيل، ويقول ابن النديم فى الفهرست أنه بعد أن أخذ نفسه بالتجول هنا وهناك داعيا للاعتزال مضى إلى بغداد زمن الخليفة المأمون ومات بها وإن كنا لا نعلم متى كانت وفاته وإن كان الأرجح أنها كانت قبل سنة 218 هـ. وإذا أخذنا بما قاله ابن النديم فإن مذهبه فى الاعتزال الذى أثر به على الأشعرى يختلف عن تعاليم غيره من المعتزلة، وإن لم يذكر المؤرخون ولا كتاب سيرته مدى هذا الاختلاف، ويذكر البغدادى فى كتابه "الفرق" أن هشاما الفوطى نهى عن قتل أى مخلوق على حين أنه بناء على ما أورده الشهرستانى فى كتابه الملل والنحل أجاز قتل معارضى الاعتزال وبهذا يكون قد أظهر تجاوزًا كبيرا عما ينادى به المعتزلة، كما يؤكد الشهرستانى مغالاته فى نظرية "الإرادة الحرّة" لأنه ينكر تدخل اللَّه (جل جلاله) فى أعمال الإنسان، ويجد القارئ شرحًا لآرائه فى المقالات للأشعرى، ويؤكد هذا ما جاء فى الانتصار للخياط. وهو يميل فى السياسة للأخذ بآراء السنة ويذهب للقول بوجوب انتخاب "الإمام" على أن يتم ذلك فى أيام الهدوء واستتباب الأمور وينسب إليه أن النديم فى الفهرست إنه صاحب الكتب التالية: كتاب المخلوق وكتاب خلق القرآن وكتاب التوحيد، وكتاب جواب أهل خراسان، وكتاب إلى أهل البصرة، وكتاب أصول الخمس، وكتاب علاء أبى الهذيل فى النعيم. المصادر: بالإضافة إلى ما ورد فى المتن راجع: A.Nader: Le Systene philosphique des mutazile أسامة عبد المنعم عمارة [شارل بيلات Ch. Pellat]

هشام المخزومى

هشام المخزومى هشام المخزومى أو هشام بن عبد الملك هو عاشر خلفاء الأسرة الأموية، وقد امتد حكمه من 105 هـ حتى 125 هـ وكان مولده بدمشق سنة 72 هـ (= 691 م) وأما أبوه فعبد الملك وأما أمه فعائشة بنت هشام من بنى مخزوم، وقد سبقه فى الحكم اخواته الوليد وسليمان ويزيد الثانى، وقد حجب عنه تولى العرش عمر بن عبد العزيز، حتى انتهى الأمر أخيرًا بيزيد أن عينه وليا للعهد سنة 101 هـ فلما مات يزيد خلفه يوم السادس من ربيع الثانى 125 هـ (= 6 فبراير 743 م) ويعتبر حكمه الذى طال حتى بلغ فى طوله حكم معاوية وعبد الملك - العصر الأخير لازدهار وعظمة الخلافة الأموية. لم يكد هشام بن عبد الملك يرتقى سدّة الخلافة حتى ولّى العراق خالدًا العشرى وكان خالد رجلًا قُلَّبا ماهرًا، لكن تنقصه شدة الحجاج ولكنه كان مثله فى شدة إخلاصه لخلفاء دمشق، وإذا كان قد أمضى خمس عشرة سنة فى ولايته هذه فإنه صرف خلالها كل جهده إلى الارتقاء بالبلد ثقافيا واقتصاديا فأكمل المشروع الذى كان الحجاج قد بدأه وهو إجراء الماء العذب، وأن لم يجنبه ذلك كراهية الناس له، تلك الكراهية التى أدت فى النهاية إلى خلعه من الولاية سنة 120 هـ، وثم جاء بعده منافسه يوسف بن عمر الثقفى الذى أخمد فتنة الثائر الشيعى زيد بن على الذى قتل فى المعركة بالكوفة ومع أنها كانت حادثة صغيرة إلا زادت فى شهداء الشيعة وأضرمت رعاية المعارضة الهاشمية، وإذا خلينا جانبا هذه الفتنة وغيرها من فتن الخوارج فإننا لا نجد تهديدًا جديا تعرضت له الدولة زمن هشام بن عبد الملك رغم أن سرية الدعوة ظلت مستقرة، ولا نجد الأحداث الكبرى الخطيرة فى هذه الفترة إلا فى المناطق الحدودية، هذا إلى أن تقدم الفتوح بقيادة قتيبة بن مسلم وصل إلى نهايته فى الناحية الشرقية، ثم أصبحت الأحوال تتطب المحافظة على ما أمكن الحصول عليه واحتواء العدوان التركى الذى اشتد ساعده كل الشدة فى هذا

الوقت، أما الولاة الذين عينهم هشام واحدا بعد آخر على خراسان ومن بينهم أشرس السُّلمى وجبنيد بن عبد الرحمن المرّى وأسد القسرى أخو خالد ونصر بن سيار) فقد كان عليهم مواجهة التهديد التركى الذى كان بقيادة "بغاطرْخان" و"ألحاقان سولو"، وبعد هزيمتى يوم الشعب سنة 112 هـ ويوم الأثقال سنة 119 هـ (737 م) تمكن العرب من هزيمة الترك فى خرستان غربى بلخ (119 هـ) واستطاعوا بقيادة نصر بن سيار أن يتقدموا فى السنة التالية حتى الخزر، واستطاع نصر بسياسته الحكيمة فى تقليل الجباية أن يحقق للناحية شيئًا من الهدوء النسبى. على أن الدولة الأموية تعرضت لخطر آخر فى هذه الفترة جاءها من الشمال وذلك باقتحام الترك الخزر ارميئية وأذربيجان. (وتمثل هذا فى هزيمة جراح بن الحكم فى أردبيل سنة 112 هـ) وردّ الغزاة على أعقابهم بسبب وصول إمدادات ضخمة يقودها قادة محنكون أمثال سعيد الحرشى ثم من بعده مسلمة بن عبد الملك ومروان بن محمد، ثم قامت بعد ذلك عدة حملات أفضت بالعرب إلى ما وراء القوقاز حتى بلغوا مصب الفولجا، أما فى الناحية الغربية فقد استمرت الصراعات البيزنطية زمن هشام دون أن تسفر عن وقعة حاسمة، غير أن العرب قاموا بحصار القسطنطينية بقيادة مسلمة سنة 98 هـ = 716 - 717 م)، واقتصر الأمر على الطوائف التى لم يكن المسلمون فيها دائمًا المهاجمين (وكان فيها موت الغازى "البطال" الذى أصبح بعدئذ بطل قصة صراع على الحدود. على أن الأحداث التى جرت وكان لها وقع كبير إنما هى الأحداث التى جرت فى كل من أفريقية وأسبانيا، وكانت لغما فى مناطق القوة المركزية، فلقد أسفرت سياسة المصادرات المالية التى اتبعها الوالى عُبيد اللَّه بن الحبحاب (116 - 123 هـ) عند اندلاع ثورة عارمة قام بها البربر الذين أنزلوا أول هزيمة بالجيش العربى قرب طنجة وهى التى عرفت بغزوة

"الأشراف" لكثرة من قتل بها من وجوه العرب، ولم يكد هشام يسمع بخبر هذه الهزيمة حتى بعث من بلاد الشام جيشا آخر بقيادة كلثوم بن عياض الذى قتله البربر على شواطئ "سيبو" بينما نجح "بلج" ابن أخى كلثوم فى الوصول ببقايا جيشه إلى سبته ثم عبر البحر إلى أسبانيا، وبذلك عمّت الفوضى والخراب المغرب كله وتأججت فيه نيران الفتنة، وألقى على عاتق حنظلة بن صفوان الكلبى (الوالى الجديد الذى أرسله هشام أن يعيد الأمور إلى نصابها وذلك فى وقعة "الأصنام" قرب القيروان سنة 124 هـ (= 742 م) وأن يحتفظ بما يمكن الاحتفاظ به من الهيبة العربية والقوة الأموية فى أفريقيا، ولم تعد سلطة خلفاء دمشق (وكذلك بغداد فيما بعد) تتجاوز وراء الجزائر الحالية، وانتقلت الإضطرابات من المغرب إلى ولاية أسبانيا الجديدة التى كان حكامها مسئولين أمام ولاة أفريقية، فى الوقت الذى وصلت قبله (سنة 732 م) حملات عرب الأندلس إلى ما وراء البرانس حيث جرت وقعة بواتييه التى قتل فيها عبد الرحمن الغافقى) ثم رجع العرب بعد سنة 122 هـ (= 740 م) يبددون قواهم فى صراعاتهم الداخلية بين بعضهم، وزاد من خطورة الوضع وصول الشاميين بقيادة بلج ولم ينته هذا الوضع إلّا بقيام الإمارة الأموية" تحت حكم أحد أقارب هشام الذى كان قد فرّ إلى الغرب بعد تحطيم الدولة الأموية. وقد لا يكون من اليسير أن نفرّق بين الدور الذى لعبه الحاكم بنفسه والذى كان يعيش خلاله على بعد أميال طويلة ويقتصر عمله فيه على تولية الولاة وعزلهم، ولكن قد يمكن أن نلاحظ بعض الظواهر الخاصة التى يمكن أن ننسبها إلى السلطة المركزية العليا فى الدولة، وربما كان هشام بن عبد الملك مدركا لهذا الخطر ومن ثم كان اختياره رهطا من مساعديه الاكفاء المخلصين لمواجهة هذا الخطر وتمثل هذا فى اتخاذه سياسة الموازنة بين القبائل المختلفة المتصارعة وهى قبائل مضر واليمينية، فقد استعمل كليهما فى وظائف الحكومة لما فيه صالح الدولة، ويُرجع بعض العلماء أمثال هـ أ. جب

إلى هذا الخليفة القيام بإصلاح نظام الضرائب بما يتلاءم واستجابة شكاوى الموالى، هذه الاصلاحات التى ربما كان الولاة اتخذوها برضاء الخليفة وقيام هؤلاء الولاة فى أقاليمهم بتطبيقها (نذكر على سبيل المثال ما قام به أشرس الثعلمى ونصر بن سيار فى خراسان وبلاد ما وراء النهر، وعباد اللَّه ابن الحجاب من سياسة ضريبية قاسية فى أفريقية) والواقع أنه ليس بين أيدينا وثائق يمكن على ضوئها أن ينسب إلى هشام اجراءات معينة اتخذها فى دولته. على أن الشئ الذى ماثله فيه رجال أسرته إنما هو حماسته واهتمامه بالعمارة، فتوجد من زمنه مجموعة من القلاع والحصون والقصور بل والمدن فى صحراء الشام عرفنا بعضها منذ زمن بعيد أما البعض الآخر فقد عرفناه عن طريق الكشوف والبحوث الأثرية، وقد أسس هو ذاته بعضها، وأولها قصران أحدهما قصر الحَيْر الواقع شرقى تدمر وهو فى الواقع رصافة هشام، أما فى قصر الحَيْر الغربى فقد وجدت به رسوم رائعة منها واحدة ربما كانت صورة الخليفة نفسه) وبالإضافة إلى ذلك فهناك قصر الملح و"خِرْبة المفجر" وقصر الطوبا. . الخ غير ذلك من العمائر. وقل إن اكتشف أو تم العثور على آثار أى طلل من الأطلال الأموية فى الشام أو الأردن قد تتصل بعهد هشام. على أن الاضطرابات حوّمت فى سماء أيام هشام الأخيرة وكلها تدور حول خليفته. حقيقة أنه حاول أن يسوق ولاية العهد إلى ولده الأكبر معاوية إلا أن موته المبكر دفعه إلى اختيار ولده الآخر مسلمة، إلا أنه مات فاضطر لأن يعهد بولاية العهد إلى ابن أخيه الوليد بن يزيد الذى لم يكن له من القوة ما يحتاجه من يكون خليفة، لكن لما مات هشام سبق العرش إلى الوليد الذى عرف بالثانى والذى كان مخالفا له تمام المخالفة. ولقد مات هشام ميتة الفجاءة بالقلب وفاجأه الموت وهو فى قصره بالرصافة بعد حكم دام عشرين سنة، وشهد عهده أوائل الفتنة التى أودت بالأسرة الأموية، ولعل ما لا يمكن تجاهله هو

هشام المؤيد

شدة اهتمامه بالأمور الدينية منذ كان صديقا حميما لكل من المحدثين الكبيرين الزهرى وأبى زناو وبالإضافة إلى اهتمامه الكبير بأخبار الساسانيين الإدارية والتاريخية فقد وجد فى بلاطه وبين رجال حاشيته أمثال الأبرش الكلبى وتلميذه عبد الحميد بن يحيى الكاتب. أيمن حسن حبشى [التحرير] هشام المؤيد هشام المؤيد باللَّه الأموى ويعرف بهشام الثانى الخليفة القرطبى بن الحكم الثانى، كانت أمه باسكية واعتلى العرش فى صفر سنة 366 هـ (أكتوبر 976 م) وهو فى العاشرة من عمره، وقد حاول ضباط القصر الصقالبة أن يسوقوا العرش إلى عمه المغيرة بأن يجعلوه ولى عهد هشام لكنهم فشلوا فيما أرادوه، ولقى المغيرة مصرعه بأمر الحاجب محمد بن أبى عامر المنصور الذى استغل سلطان هشام المؤيد لتحقيق مآربه والوصول إلى أهدافه وذلك بوصفه الخليفة الصغير بوضعه تحت سيطرته التى ظلت على الدوام، ولقد جاهر المنصور بحكمه منذ سنة 370 هـ (= 981 م) وفى خلال هذه الفترة قام المنصور بحملاته الناجحة على نصارى الشمال، فلما كانت سنة 386 هـ (= 996 م) وقد أدرك هشام المؤيد الثلاثين من عمره وبلغ مبلغ الرجال إلّا أنه كان واقعا تحت سيطرة أمه, وحاول عبثا أن يؤكد وجوده كخليفة ولكنه فشل وظل يعتمد على المنصور حتى وافت الأخير منيته سنة 392 هـ (= 1002 م)، فخلفه فى إدارة دفة شئون الحكم ولده عبد الملك المظفر الذى تظاهر باعترافه بسلطان هشام المؤيد ولكن ظل الأخير دمية فى يديه، فقلّ أن كان يظهر للعامة وكان يقضى أوقاته فى جمعه الآثار كما يقول ابن الخطيب فلما مات المظفر سنة 399 هـ (= 1008 م) خلفه أخوه الأصغر منه عبد الرحمن الناصر المعروف بشنجول Sanchuela الذى شذّ عن نهج أسرته فقوى علاقاته بالخليفة الذى لقبه بالمأمون وكان يسميه بخاله (فقد كانت أمه هو الأخر باسكية)، ثم ما لبث بالتماس من شنجول أن أعلن أنه ولى

عهده، وكان هذا العمل الجنونى الذى لم يسبقه اليه أحد ضربة للخلافة إذ نقلتها من البيت الأموى إلى آل عامر مما أثار فى الحال غضب العاصمة ومعارضتها لما جرى ولم تقتصر عاقبته الوخيمة على نفوذ العامرين وحدهم بل تعدتها إلى الخلافة الفاطمية ذاتها، شبَّت منذ ذلك الحين "الفتنة" الطغياء وعمت الاضطرابات التى استمرت أكثر من عشرين عاما، ولم ينطفئ أوارها إلّا بخلع آخر خلفاء قرطبة التى ظهر فيها دعىّ أموى يسمى محمد بن هشام بن عبد الجبار الذى طالب بالعرش وأستطاع أن يسيطر على المدينة مغتنما فرصة غياب عبد الرحمن عنها فى حملة خارجية، وحينذاك انفض عن عبد الرحمن رجاله ومن حوله واغتيل قبل أن يتمكن من الرجوع إلى قرطبة سنة (399 هـ = 1009 م)، وأظهر هشام استعداده للتخلى عن الخلافة حين سألوه التخلى عنها حتى لقد بعث إلى محمد بن هشام بن عبد الجبار بالملابس حين أعلن الأخير نفسه خليفة ولقب نفسه بالمهدى، وحينذاك أذاع محمد المهدى فى الناس أن الخليفة مات (وعرف ذلك بالموت الأول له) ثم لما وجد المهدى نفسه مهدّدا فى قرطبة من جهة سليمان بن الحكم والبربر خرج الخليفة السابق فى محاولة منه لجمع الناس حوله، ولكن تمكن سليمان من احتلال العاصمة سنة 400 هـ (1009 م) ونودى به خليفة ولقب بالمستعين، أما محمد المهدى الذى كان قد فرّ إلى طليطلة فقد عاد على رأس جيش ضخم فيه عدد كبير من النصارى، فاضطر سليمان للخضوع للأمر الواقع وغادر قرطبة، ولما نودى بالمهدى خليفة للمرة الثانية كان هشام -كما يقال- أول من بايعه، غير أن سليمان عاد وحاصر أعداءه فى قرطبة وإذ أصبح من المستحيل إخراج البربر فقد اضطر واضح تحت شدة الحصار أن يعيد هشاما، وهنا بويع هذا الخليفة السابق للمرة الثانية فى ذى الحجة من سنة 400 هـ وجئ أمامه بمحمد المهدى لسؤاله عما كان منه قبل أن يبعثوا به ليقتل، وحينذاك أعيد هشام ليحكم -ولكن بالاسم- وجعل واضحًا حاجبه وإن كان الأمر كله فى يده دون الخليفة، واستمر الحصار مضروبًا على

المصادر

العاصمة حتى سنة 403 هـ حين استسلمت قرطبة يوم 26 شوال، وهكذا كان دخول قوات البربر وما تلاه من التدمير والنهب يمثل النهاية الحقيقية لقرطبة الأموية، أما هشام فلم يقدر له أن يعيش طويلا ليرى خراب عاصمته فقد وثب عليه أحد أبناء المستعين سليمان فى ذى القعدة من سنة 403 هـ (= مايو 1013 م) وقتله. المصادر: (1) ابن عذارى: البيان المغرب 2/ 269 - 321, 3/ 38 - 60. (2) ابن الخطيب: أعمال الأعمال. (3) المقرى: نفح الطيب. (4) دوزى: تار مسلمى الأندلس. أيمن حسن حبشى [د. م. دنلوب D. M. Dunlop] هشام المعتد باللَّه هشام المعتد باللَّه أو هشام الثالث بن محمد بن عبد الملك بن عبد الملك بن عبد الرحمن الثالث آخر خلفاء قرطبة الأمويين ولد سنة 364 هـ (= 974 م) ويقال إنه هو الأخ الأكبر لعبد الرحمن الرابع المرتَضَى الذى يقال إنه رافقه فى هزيمته بغرناطة التى قُتل فيها الأخير (سنة 408 هـ = 1018 م) ففر هشام إلى "قصر البنت" alpuente فى ولاية بلنسية حيث استقبله المولى العامرى عبد اللَّه بن قاسم الفهرى، ونادى به القرطبيون خليفة فى ربيع الثانى 418 هـ, وظل مقيما فى قصر البنت مدة جاوزت العامين ولم يدخل قرطبة رسميا إلّا فى ذى الحجة من سنة 420 هـ (= ديسمبر 1029 م) غير أن خلافة هشام الثالث سرعان ما ضج منها القرطبيون وكرهوها ويرجع السبب الرئيسى فى ذلك إلى وزيره الحكم بن سعيد القزّاز الوضيع الأصل بما اتخذه من إجراءات مالية استرضى بها البربر، وقد أدّت هذه المعارضة والكراهية من جانب القرطبيين له إلى الوثوب على الوزير البغيض وقتله كما تم خلع هشام المعتد باللَّه فى الوقت ذاته، وذلك فى ذى الحجة 422 هـ, لكن لم يُعيَّن خليفة جديد هذه المرة، بل ألقيت مقاليد الأمور إلى مجلس مشورة برياسة أبى الحزم بن جوهر، وأذن للخليفة هشام بالانسحاب فمضى بقية

المصادر

أيامه فى لاردة ومات بها فى صفر 428 هـ (= ديسمبر 1036 م) وبدأت صفحة جديدة فى تاريخ أسبانيا الإسلامية هى فترة ملوك الطوائف، وكان حاكم لاردة الذى لجأ إليه آخر خلفاء بنى أمية بالأندلس هو سليمان بن هود. المصادر: (1) ابن عذارى البيان المغرب. (2) ابن الخطيب: أعمال الأعلام. (3) دوزى: تاريخ المسلمين باسبانيا جـ 2. أسامة عبد المنعم عمارة [د. م. دنلوب D.M. Dunlob] الهلال للهلال أهمية فى الشريعة الإسلامية، لأنه به يتحدد التاريخ الهجرى الإسلامى بالسنة القمرية، بما فى ذلك مواعيد الحج والصوم وغير ذلك. ويشير القرآن الكريم للهلال فى الآية 189 من سورة البقرة بقوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ. .}. وفى الآية 184 يشير القرآن الكريم للصوم على أنه أيام معدودات، ولما كانت رؤية الهلال قد تتعذر أحيانًا، والعبارات "مواقيت" و"أيام معدودات" توحى بانضباط فى الحساب، فإن ذلك يستتبع اللجوء للحساب حين تتعذر رؤية الهلال. وقد وضعت عدة أنظمة للقيام بهذا الحساب. ويعضد اللجوء للحساب نص الآية 5 من سورة يونس {. . وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ. .}. على أن الحساب مرفوض من السنة، والأباضية، والزيدية، والاثنى عشرية بينما الإسماعيلية يطبقونه. والكل مجمع على وجوب استكشاف الهلال يوم التاسع والعشرين فإذا تم من الشهر ثلاثين، فإن هذا يجعل كل من شعبان ورمضان ثلاثين يوما، وهو ما ترفضه الإسماعيلية. إن وجهة نظر الأغلبية المعبر عنها فى الصحاح الستة وفى عديد من الأحاديث الأخرى، وقد روى مالك فى الموطأ كتاب الصيام، ما يدل على الحديث [ما معناه] "لا تصوموا حتى

تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه، فإن غم عليكم فاقدروا له" يوحى بعبارة "فاقدروا له" إمكانية اللجوء للحساب، فقد ظهرت رواية للحديث "فأكملوا العدة" كما وردت فى القرآن الكريم، "ولتكملوا العدة" أو "فأكملوا [شعبان] ثلاثين [يوما] ". على أن ابن العربى يذكر أن "بعض المتقدمين" قد أخطئوا باللجوء للحساب. كما يورد ابن عبد البر فى تفسيره للبخارى جدلا واسعا بين التابعين حول هذا الأمر، بناء على الأحاديث السالفة. ولكن يبدو أن الأمر من خلال العديد من الروايات والفقهاء التى تشير إلى أن الفلكيين لا دور لهم فى تحديد الهلال. و"الشيعة الاثنى عشرية" أكثر إصرارا على رصد القمر الجديد، وهم أكنر من السنة فى رفض الحساب، بناء على حديث برواية عن جعفر الصادق معناه أن أهل القبلة ملتزمون بالرؤية، وأخرى برواية عن محمد الباقر، يشير إلى أن تقدير الهلال لا يكون بالرأى أو الظن. ومع ذلك فقد وردت طرق بديلة لتحديد أول الشهر فى حالة تعذر الرؤية يوم 29 شعبان. وإحدى هذه الطرق هى أن يحسب بدءا من [يوم الأسبوع؟ ] الذى كان فيه الصيام فى السنة السابقة، ويبدأ الصيام فى اليوم الخامس أو السادس فى السنة الكبيسة، لتحديد يوم الصوم وتأخذ هذه الطريقة فى اعتبارها مدة السنة الهجرية وهى 354 يوما ويقال إن هذه القاعدة روجعت على مدى خمسين عاما ووجدت صحيحة. ولكن تطبيق هذه الطريقة يحتاج إلى من يمكنه تحديد السنة البسيطة من الكبيسة. وطريقة أخرى هى بدء الصوم من اليوم الستين بعد بداية رجب السابق، إذا كان قد تم تحديده بلا مشقة. وتروى أحاديث تؤيد هذه الطرق عن أئمة الشيعة الاثنى عشرية، كما ورد فى الكافى تلكلينى (المتوفى 328 هـ) وغيره. وهناك طريقة ثالثة يحسب بمقتضاها الهلال بطريقة رجعية من يوم أن يتبين بوضوح، وهى أيضا تنسب للإمام جعفر الصادق بحسب ما ورد فى الكافى السابق

ذكره. ولنفس الاتجاه يذهب رأى بأن رمضان لا يكون ناقصا أبدا، وورد أيضا فى الكافى منسوبا لجعفر الصادق، (ولكن ابن بابويه يرفضه فى "المقنع"). ولدى السنة حديث يعزز هذا الرأى، بمقتضاه فإن رمضان وذو الحجة "لا ينقصان". على أنه فى القرن الخامس الهجرى/ الحادى عشر الميلادى يتخذ رفض الشيعة الاثنى عشرية للحساب اتجاها أكثر حدة فشيخ الطائفة الطوسى (المتوفى فى 459 هـ) يشن حملة شعواء على هذا الاتجاه فى "التهذيب" و"الاستبصار"، رافضا ما ورد فى ذلك من أحاديث، ويورد بدوره أحاديث تعارضها، منسوبة أيضا للباقر وجعفر الصادق، بمقتضاها يمكن أن يكون رمضان تسعا وعشرين يوما فقط. ويحمل فقيه حديث، هو محمد حسن ابن باقر (متوفى 1268 هـ/ 1851 م)، فى كتابه "جواهر الكلام" على من يأخذون بالحساب، ورغم عدم تصريحه فمن الواضح أنه يقصد طائفة البهرة، الذين يجعلون رمضان ناقصا يوما أو يومين. والأخذ بالحساب لدى الطائفة الإسماعيلية يرجع لتاريخ قديم، ويذكر الامام الزيدى القاسم بن إبراهيم (متوفى 246 هـ/ 860 م) فى كتابه "الرد على الروافض" أنهم يصومون ويفطرون متقدمين بيومين. كما يتحدث الطبرى (متوفى 310 هـ/ 923 م) عن القرامطة كخارجين عن الدين، ويروى عنهم صيغا محرفة من الآيات السبق ذكرها فى صدر البحث لتأييد اللجوء للحساب. كما أدخل الفاطميون فى أفريقيا عام 331 هـ وفى مصر بعد غزوها فى 359 هـ طرقا للحساب. هذا ولم يورد القاضى الإسماعيلى نعمان ابن محمد (متوفى عام 363 هـ/ 925 م) طريقة معينة للحساب، ولكنه يورد مبدءا بمقتضاه أنه إذا كان الإمام حاضرا، أو من الممكن الوصول إليه، فإنه هو المخوّل بتحديد بدء الصوم ونهايته حين تعذر الرؤية. أما مؤلف "المجالس المستنصرية" المتوفى فى 450 هـ/ 1058 م فيدافع

بشدة عن الحساب، مبينا أن "الرؤية" مرتبطة بالحساب، كما أن الظاهر مرتبط بالباطن، وأن الإمام هو الذى يجمع بينهما. والحساب هو الأسلوب المتبع حاليا لدى طائفة البهرة (الإسماعيلية المستعلية) وهو ما يظهر فى احتفالاتهم بالأعياد الإسلامية الذى يكون مبكرا بيوم أو بيومين عن غيرهم من المسلمين بينما ليس مأخوذا به لدى الإسماعيلية النزارية، الذين يختلف أسلوب صومهم أساسا عن بقية المسلمين 2 - فى الفن الإسلامى كان أول ظهور الهلال كشعار مع نجوم خماسية أو سداسية على أوجه عملات للعرب الساسانيين، كتلك المنسوب لعبد الملك ولحكام المشرق من العصر الأموى حتى عام 84 هـ/ 698 م، وللدولة العباسية حتى عام 197 هـ/ 812 م، وذلك جريا على النظم قبل الإسلامية للدولة الفارسية، غالبا من عهد خسرو الثانى. كما ظهر الهلال منفردا أيضا على أوجه عملات للعرب البيزنطيين. ومن الاستخدامات المبكرة للهلال فى التزيين استخدامه فى بلاطات مسجد قبة الصخرة فى القدس عام 72 هـ/ 691 م، قد استخدم هناك كالمعتاد لدى العرب الساسانيين كتزيين لقمم التيجان، وأيضا كحليات معلقة على غرار نمط التيجان لدى العرب البيزنطيين، حيث من المعتاد تزيين الهلال بجوهرة عند كل طرف من أطرافه. وحيث إن هذا البناء هو تذكار لانتصار المسلمين، فهذه التيجان، والتى هى رمز لانتصار المسلمين على أعدائهم، تمثل استخداما لعصر ما قبل الإسلام وقد أدخل فى عمل إسلامى. واستخدام الهلال لتزيين الجياد هو بدوره استمرار لعادات الساسانيين، حيث يصنع من حجر كريم أو على الأقل يكون ذا صناعة راقية. وأقدم أثر لذلك مصنوع من حجر بلورى ويرجع عهد الخليفة الظاهر لإعزاز دين اللَّه (411 - 427 هـ/ 1021 - 1036 م) واستمر ذلك فى عهد السلاجقة (السادس - السابع - الثانى عشر - الثالث عشر)، عندما زينت الأهلة

البرونزيه بتصميمات أخرى. وإلى عهد العثمانيين. كما استخدم الهلال كحليات للآدميين، على هيئة أقراط أو دلايات ذهبية أو فضية مذهبة، حيث يكون طرفا الهلال متقاربين بدرجة كبيرة، كما نجد فى آثار مصر والأندلس. ونجد نفس الأشكال فى أربطة الكتب من عهد المماليك. ويظهر الهلال مع نجوم سباعية على جدران كنيسة سانت صوفيا التى بناها الإمبراطور إيمانويل الأول (1238 - 1266 م)، وواضح فيها التأثر بالفن السلجوقى، بينما لا نجد فى هذا العصر أثرا للهلال فى أبنية أو متعلقات للمسلمين فى الأناضول عدا استخدامه كوحدات تزينية فى الإطار شبه الكوفى لسجادة سلجوقية من قونية، واستخدامه بصورة فجة على جدران الخانات. وهناك استخدام آخر للهلال كرمز للكواكب، بما فى ذلك القمر، فى المصنوعات المعدنية - ويرجع ذلك إلى القرن السادس الهجرى/ الثانى عشر الميلادى. وأقدم أثر لذلك هو فى مرآة سحرية يبدو فيها رجل جالس القرفصاء ممسكا بهلال ملامس الطرفين. كما ظهر الهلال فى النصف الثانى من هذا القرن كوجه من أوجه دائرة البروج. ومنذ القرن السابع الهجرى/ الثالث عشر الميلادى أصبح الهلال دائم الاستخدام فى أعمال كتاب الفلك، كما فى "عجائب المخلوقات" للقزوينى. وظهرت الأشكال الهلالية المنفردة فى أوساط متعددة. وقد يكون أقدم مثال لها قطعة من الخزف من العهد الفاطمى فى القرن الحادى عشر والثانى عشر الميلادى من سوريا أو مصر، فى متحف اللوفر الآن، وهى لصدرى أنثيين محاطتين بقمر "هلال". كما يظهر هذا الاتجاه فى عملات صلاح الدين وأتابكات الموصل وسنجار والجزيرة فى الفترة من 585 إلى 657 هـ/ 1189 - 1258 م. كما تظهر نفس الأشكال بوفرة فى القرن السابع الهجرى/ الثالث عشر الميلادى كتطعيم للأوانى النحاسية والبرونزية. وربما

كان لهذا الاتجاه أساسا تنجيمى أو سحرى. كما مثل الهلال شعارا للنبالة فى عصر المماليك فى أواخر القرن السابع وأوائل القرن الثامن الهجرى، بالإضافة إلى وجوده على الفخاريات والعملات، ومن ذلك الشعار المعقد للظاهر سيف الدين برقوق وشعار الناصر ناصر الدين أبو السعادات فرج. وبالنسبة لاستخدامه لمن هم دون مرتبة السلطنة، فربما يثور تساؤل إن كان الشكل يمثل هلالا أم حدوة حصان. كما ظهر استخدام الهلال فى مواقف بالدين، من ذلك استبدال صليب كنيسة آنى فى القرن الخامس الهجرى/ الحادى عشر الميلادى بهلال عند تحويلها لمسجد ليشكل قيمة رمزية أو كشعار يعبر عن التميز الثقافى وقد استخدم شكل الهلال بنفس الرمز فى وثائق الحج المعطاة للسيدات فى القرن الثامن الهجرى/ الرابع عشر الميلادى. كما شاع استخدامه على قمم القباب والمآذن فى المساجد. ومن المشاهد لذلك أيضا تزيين مكان الاحتفاظ ببردة الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] بهلال فى تركيا، فى نفس الوقت توجد فيه مساجد وأماكن دينية كثيرة لا تحتوى على هذا الشكل، الأمر الذى يبين أن الرؤية الإسلامية بالنسبة للهلال وبصفة خاصة فى العهد العثمانى لم تكن تمثل للمسلمين رمزا دينيا بل كان فى الغالب يستخدم كوسيلة للتزيين. واستخدم الهلال فى راية السلطان سليم الأول، والسلطان خير الدين بربروسا، الذى جعله أيضا كغطاء لمقبرته، ولم يكن له شكل ثابت كما كان يرسم أحيانا بنجوم أو بأسماء الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] أو الخلفاء الأربعة رضى اللَّه عنهم أو برسوم لسيوف وغير ذلك من أسلحة ذات مغزى دينى، أو بشعارات إسلامية كالشهادة. كما لوحظ استخدام الهلال على قمم الصوارى ومصابيح السفن فى القرن العاشر الهجرى/ السادس عشر الميلادى، ولكن دون اطراد فى

استخدامها فى القطع البحرية، وأقدم رسم على قماش للهلال يوجد على سروال للسلطان سليمان، مما يدل على أنه لم يكن رمزا دينيا فى العهد العثمانى واستمر هذا النوع من التزيين بتعديلات مختلفة، كأن توجد ثلاثة أهلة على شكل مثلث، أو استخدام الهلال مع الزهور. كما استخدم الهلال لتزيين الفرمانات الصادرة من السلاطين، مثال ذلك فرمانات محمد الرابع التى يزينها هلال مزدان بأزهار. ولم يدخل الهلال كرمز رسمى إلا حين قرر السلطان سليم الثالث فى القرن التاسع عشر الميلادى تكوين جيش نظامى على غرار الجيوش الأوربية، وجعل العلم الإمبراطورى على شكل هلال مع نجمة على أرضية حمراء محاكاة للأعلام الرسمية الأوربية واستمر العلم التركى بهذا الشكل فى تركيا عندما أصبحت جمهورية عام 1923 م. أما الدولة الثانية التى أدخلت الهلال فى علمها فهى تونس، فى عهد حسين الأول (1824 - 1835 م) وذلك على أرضية حمراء. وكان لمصر علم ذو هلال أبيض على خلفية حمراء أثناء الحكم العثمانى ثم استبدل 1923 م بأرضية خضراء مع نجوم ثلاث. ومن البلدان التى أدخلت الهلال فى أعلامها أيضا باكستان عام 1947 م عند إنشائها وليبيا عام 1951 م والملايو 1950 م التى يظهر الهلال فى أعلام بعض ولاياتها أيضا، وماليزيا 1963 م وموريتانيا 1960 م والجزائر 1962 م وهذه القائمة لا تضم العديد من البلدان أو المنظمات التى أدخلت الهلال فى أعلامها وهذا يؤكد أن الهلال منذ القرن التاسع عشر الميلادى قد أصبح يمثل رمزًا للإسلام مصحوبا فى الغالب بالنجوم. ولهذا السبب أيضا ظهر الهلال على كثير من طوابع الدول الإسلامية، وأول طابع من هذا القبيل هو الصادر عام 1863 م فى تركيا.

هلال, بنو

وفى الولايات المتحدة، اتخذ الهلال تمييزا لمقابر المسلمين الذين دفنوا فى المقابر الرسمية، والصليب لمقابر المسيحيين ونجمة داود لمقابر اليهود، كما اتخذ المسلمون السود فى أمريكا شعارا لهم يضم هلالا مع نجمة خماسية على أرضية حمراء مقرونا بكلمات الإسلام والمساواة والعدالة والحرية. وبالإضافة لذلك فما زال الهلال يستخدم لأغراض الزينة فى السجاجيد والحلى، وبصورة فجة كتزيين لتجهيزات الإبل وصكوك الملكية وعلامات (شعار) للقبائل. على يوسف [د. ايتنجوازن R.Ettinghausen] هلال, بنو هلال، الجد الأعلى لقبيلة بنى هلال، ويرجع أصله إلى مصر، ووالده عامر بن صعصعة، وتنقسم هذه القبيلة إلى ثلاثة بطون، الأثباج والرياح، والزغبة وقد لعبت هذه القبيلة بالقطع دورًا فى أيام العرب قبل الإسلام، وكذا فى أحداث الإسلام كحادثة بئر معونة. ومن المحتمل أنهم لم يدخلوا الإسلام إلا بعد انتصار النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] على هوازن عام ثمانية من الهجرة. ولكنهم لم يشتركوا فى الردة، ككل أبناء عامر بن صعصعة. وقد ظلوا بنجد، موطنهم الأصلى، أطول من قبائل أخرى بالمنطقة. ورغم ما اشتهروا به من شجاعة، فهم لم يحققوا أمجادًا تذكر أثناء الفتوحات. وخلال القرن الثانى الهجرى/ الثامن الميلادى دعى بعض من بنى هلال الهجرة لمصر، حيث تكاثروا. ورغم هذه الهجرة، فإن قلاقلهم لم تنقض، خاصة فى عهد العباسيين حين اشتركوا مع القرامطة فى إشاعة الفوضى فى الدولة. وبعد دحر القرامطة هجّر الخليفة الفاطمى العزيز بن المعز أعدادًا كبيرة منهم إلى صعيد مصر. ويتفق هذا مع كون مصر مكان جذب للبدو من الجزيرة العربية، وبسبب كثرة ما قاموا به من سلب ونهب وحرب فيما بينهم، حرم عليهم عبور نهر النيل. وحين نقض المعز بن

السيرة الهلالية

باديس الزيرى عهده مع الخليفة الفاطمى المستنصر، واعترف بالخليفة العباسى، أشار وزير الخليفة الفاطمى عليه أن يحفز بنى هلال لغزو المغرب العربى انتقامًا منه. وبدأ بنو هلال الغزو فى 422 هـ/ 1050 م، مكتسحين برقة فى طريقهم وعبثًا حاول بن باديس وقف زحفهم. وفى رمضان من عام 449 هـ/ 1057 م دخل بنو هلال القيروان. واستمرت القلاقل والحروب مشتعلة إلى ما يقرب من القرن السابع الهجرى/ الثالث عشر الميلادى، حين بدأ هؤلاء البدو فى الامتزاج بالسكان. ولم يكن لغزو بنى هلال كبدو قليلى التمسك بالدين أثر كبير على انتشار الإسلام بين البربر، بل الأحرى القول بأنهم هم الذين تأثروا دينيًا بما كان فى المغرب من تدين، وسرعان ما ذاب بنو هلال فى السكان الأصليين. ويمكن القول بأن أغلب الناطقين بالعربية من البدو فى المغرب الحديث هم من نسلهم. [هـ. إدريس] السيرة الهلالية تعتبر قصة غزو بنى هلال لأفريقيا والمعارك التى خاضوها مصدرًا خصبًا للقصص والروايات التى تمثل فلكلورًا شعبيًا بما فيها من قصص بطولة وحب ورومانسية، وهذه القصص هى أقرب للأساطير الشعبية منها للقصص التاريخية. ومن أشهر هذه القصص حروبهم ضد الزناتى خليفة حاكم تونس. ولهذه السيرة قيمة كبيرة فى الدراسات اللغوية والحضارية. المصادر: (1) موسى سليمان: الأدب القصصى عند العرب. بيروت، 1956 م. (2) R. Basset: Un episode d'une chanson de geste arabe, in Bull. de Carr. Afr., i 88 s/-2 (3) A. Bel: La Djaya, chanson arabe Precedee d'obseruations sur quelques le gendes arabes et sur la gestedes Banu Hilal, in J A, 1902 على يوسف [شيلفر J. Schleifer]

همايون بادشاه

همايون بادشاه همايون هو ناصر الدين همايون بادشاه أكبر من ظل على قيد الحياة من أولاد ظاهر الدين محمد باثر بادشاه، وثانى حكام هندوستان وكابُل من الولاة المغول، وقد ولد فى كابُل فى الرابع من ذى القعدة سنة 913 هـ (= 6 مارس 1508 م). وقد عهد إليه بولاية كابل وإدارة حكومة بَدْخشان ولما كان صفر من سنة 932 هـ (ديسمبر 1525 م) انضم إلى بابر فى كابل للاغاره على الهند وشارك فى معركة "بانبات" وحاصر بنفسه آجرًا حيث أخذ الماسة الكبرى التى أهداها بعد قليل إلى شاه طهاسب، وخرج على رأس قوة عسكرية لمحاربة الاحفان الذين وراء الطانج ثم عاد إلى أجرا فى ربيع الثانى سنه 933 هـ (يناير 1527 م)، ولما كان اليوم الثالث عشر من جمادى الثانية 933 هـ (= مارس 1527 م) قاد الجناح الأيمن فى "خانوا" ثم رحل فى الشهر التالى إلى "بَدْخشان" حيث قاتل "الأزبك" لأسترداد سمرقند، ولما تم عقد الصلح فى 935 هـ (= 1529 م) عاد إلى الهند وسقط فريسة لمرض خطير إلّا أنه استرد عافيته، وعلى الرغم من قيام مؤامرة أريد بها تنحيته قَسْرًا، إلّا أن الخطبةَ ظّلتْ تقرأ باسمه فى "أجرا" لمدة ثلاثة أيام بعد موت يناير" يوم 9 جمادى الأولى 937 هـ (= ديسمبر 1530 م). وحدث بعد توليه الحكم أن تقدم أخوه "كأمران" من كابل إلى لاهور، أما هُمَايون فقد تسلم "البنجاب" و"فَنْدهار" وكابل، أما أخوه الثالث "هِنْدال" فقد أخذ "مِواتْ" وأخذ أخوه "عسكرى" سمَبْهل. وقد تمكن همدان فى سنة 937 هـ (= 1531 م) من إخضاع "راجا" كالنجار وزحف بحملة ضد الأفغان متقدمًا من ناحية "بهار" كما أنه حاصر "شيرخان" فى "شتار" ثم عاد فى سنة 938 هـ (= 1532 م) إلى "أجرا". وأسس همايون بادشاه مدينة "هادين بناه" فى دهلى فى محرم 938 هـ (= أغسطس 1533 م)، وفرغ من إقامة حصونها وقلاعها فى شوال 940 هـ حين عاد إلى "أجرا" مرة ثانية. ولقد واجه همايون بعدئذ تحركات

سلطان بهادر شاه حجرات، فغادر أجرا فى فبراير 1535 م، والتقى جيشه بجيش عدده وتمت محاصرة بهادر شاه فى "مَنْدسور" الذى اضطر بعد شهرين من القتال إلى ترك جيشه والفرار إلى "مندو" التى خرّبها همايون الذى راح يطارده حتى اضطره للهروب بحرا إلى "دِيون"، وتمكن همايون من التغلب على الحجراتين الذين كانوا بقيادة "عماد الملك" وحينذاك عهد بها إلى "عسكرى" الذى ما لبث أن تركها فى مايو 1536 م وراح هو وهمايون يتسابقان للاستيلاء على "أجرا" فلما تمكن من الاستيلاء عليها أقام بها عامًا غادرها بعده للقضاء على قوة "شيرخان صور" المتنامية فى شرقى الهند فدخلها ففر منه شيرخان الذى مالبث أن عاد فهزم قوات همايون مغتنما فرصة الاضطرابات والمنازعات الأسرية بين همايون وبين أخويه "هنداك" و"عسكرى" وجرت أحداث أدت إلى قتال لم ينجح فيه همايون إلّا بشق النفس، وانتهى الأمر أخيرًا بفراره ملتمسا حماية شاه طهماسب له واستضافته إياه، وأمضى سنة فى إيران، واستقبل استقبالًا ملوكيا فى "هرات" وسافر فزار قبر الإمام الرضا بمشهد، ومن هناك مضى إلى نيسابور حتى بلغ قزويين حيث لحق بمعسكر "شاه طهماسب" فى منتجعة الصيفى فى أغسطس 1544 م حيث أهدى إلى طهماسب جوهرته العظمى واضطر لتوقيع أوراق أعلن فيها اعتناقه المذهب الشيعى، وبقى معه قرابة شهرين، فلما رحل عنه رحل وفى صحبته اثنا عشر ألف من الجند الفارسى لمساعدته، فزار فى سفره هذا "تبريز" و"أردبيل" ثم عاد إلى فهد فى رمضان. ولما كان محرم 952 هـ (= مارس 1545 م) وصل إلى "قندهار" لكن احتلها "عسكرى" فى سبتمبر بقواته الفارسية غير أن "همايون" استطاع استردادها من أيدى العسكر الفارسى بعد ذلك بشهر واحد، ثم تابع زحفه إلى "كابل" واستولى عليها دون قتال فى نوفمبر 1545 م، ثم مضى إلى "بْدَخَشان" إلّا أن المرض داهمه فى الخريف، ومالبث أن عقد الصلح مع "سليمان حرزا" وزحف إلى كابل فى

منتصف الشتاء، وحينذاك فر منها "كامران" خوفا من "الأوزبك"، غير أن المنازعات التى شبّت بين كبار رجال المندل عطلته عن متابعة زحفه حتى يونيو 1548 م حيث قاتل "كامران" فى "بْدخشان" وحمله على الاستسلام له وحينذاك عاد "همايون" إلى "كابل". وخرج همايون فى ربيع 956 هـ (= 1549 م) لقتال "بير محمد خان" لكنه أضطر إلى الرجوع إذ لاقى الهزيمة خارج "بلخ" بل لقد هاجمه "الأزبك" وتلت ذلك سلسلة من الهجمات والمناوشات انتهت باسترداده "كابل" لثالث مرة وهزيمته "كامران" فى موقعه "عش تَرْجرام"، فلم يكن من "كامران" إلّا أن حالف القبائل الأفغانية، وحدث أن قتل "هندال" أخلص إخوة همايون له فى هجوم ليلى، وتمكن همايون من هزيمة القبائل الأفغانية مما أدى إلى فرار "كامران" إلى الهند فسلّمه "سلطان آدم جكّر" إلى همايون الذى سمل عينيه فى أغسطس 1553 م وبذلك أمكن لهمايون أن تكون له أخيرا السيطرة على كل مصادر دخل أسرته. واستعدّ وهو فى كابل للزحف على هندوستان لكنه اكتشف خيانة من أحد أعدائه فتوقف عن الزحف مدة عام ثم تابعه فدخل "لاهور" فى فبراير 1555 م، ثم التقت جيوشه الكثيفة بقوات "سكندر شاه سور" فهزمتها هزيمة ساحقة فى شعبان 962 هـ (= يونيو 1555 م) ودخل همايون مدينة دهلى وجلس على العرش، حتى إذا كانت ليلة السابع من ربيع الأول 963 هـ (= 20 يناير 1556 م) صعد همايون إلى سطح مكتبه ليشاهد طلوع "فينوس" وبينما كان راكعا لصلاة العشاء زلت به قدمه فسقط على السلم وأصابته كسور أفضت إلى موته يوم 13 ربيع الأول (= 26 يناير 1556 م). ولقد ورثت همايون حكومة ممزقة وتركة من المنازعات والخصومات الأُسرية وكانت مدة حكمه التى بلغت اثنين وعشرين عاما صراعًا عنيفًا طويلًا ضد أفراد أسرته لاسيما أشدهم ضراوة "كامران"، إلى جانب مقاتلته الأعداء الخارجين. ولقد كانت تنقصه

المصادر

خبرة أبيه الحربية، وتميّزت حياته بأنها كانت سلسلة من المخاطرات الحربية فى مناطق جغرافية مختلفة، لكنه أظهر العزيمة بعد نفيه الفارسى وقاد عسكره إلى النصر الأخير وإلى فتح بلاد تسلمها ولده "أكبر"، واتسم فى أيامه الأخيرة بالروح الإنسانية وتجنب الاضطهادات المذهبية وكان ولوعًا بالرياضيات والفلك ونظم الشعر الفارسى وكان يأمر بالكتب أن تحمل معه فى أسفاره. المصادر: (1) جلبدان بيجوم: همايون بأمه. (2) جوهر افنابشى: تذكرة الواقعات. (3) سيدى على الرئيس: مرآة المماليك. (4) Hadi Hasan: The Unique down of Humayun Bodshah (1951) (5) w. Ershine: Hist. of Zudia under the sanereigns of the Hquse of Taimin (Laud.1854) بدرية الدخاخنى [س. ديجبى S. Digby] همايون بهمانى همايون بهمانى هو ثالث حكام أسرة بهمان (تولى الحكم من 862 حتى 865 هـ = 1458 حتى (1460 م) وكان أكبر أولاد علاء الدين أحمد الثانى الذى اختاره وليا لعهده قبل وفاته بأشهر قلائل كما أفهمه كيفية حكم مملكته وإدارة شئونها حسبما يقول نظام الدين بخشى فى كتابه طبقاتى أكبرى، ولما اعتلى العرش لقب بعلاء الدنيا والدين همايون شاه بعد أن واجه تجمعات عدائية خارج قصره ولكنه شق طريقه بينها وطرد أخاه حسنًا الذى كان يقود هؤلاء المناهضين له، ولما اعتلى العرش خطب فى الأمراء خطبة حفظها لنا سيد على طباطبا فى كتابه برهان المآثر، ثم اختار "محمود جوان" وزيرا أكبر له. ولم يقم همايون بهمانى خلال فترة حكمه بحملات خارجية، أو يبدو أن اهتمامه كان منصبًا على إيجاد توازن بين الجماعات المتصارعة وتثبيت أركان مملكته، ولقد صادف متاعب جمة من جانب أشّد الناس قرابة إليه، فلقد ثار

المصادر

عليه "سكندر خان" بن جلال خالد الذى لم يقنع بأن يكون "سبَاسلار" تلنجانا، فحاول همايون تهدئته وسالمه ولكن سكندر خان أراد أن يقاسمه المملكة فنشب بينهما قتال انتهى بمقتل سكندر إذ وقع من فوق فرسه، ولقد أدّى ذلك إلى إرسال حملة تأديبية ضد "راجات" تلنجانا الذين آزروا المتمردين وقام أخوه حسن وأعلن نفسه ملكا فحاربه همايون فهزمه ففر فأمسكه والى "بيجابور" وأرسله مكبلا بالسلاسل إلى همايون فقتله وقتل معه جميع من عاونوه فى تمرده وخروجه عليه واستعمل الشدة فى معاقبتهم عقابًا حمل مؤلف "فِرشْتا" على أن ينعته بالظالم، وإذا كان صاحب "برهان المآثر" أقل قسوة فى حكمه من صاحب "فرشتا" إلّا أنه أشار إلى وحشية وفظاظة همايون بهمانى، ويبدو أن الكراهية كانت شديدة حتى لقد أشيع محليا أن قبر همايون بهمانى قد انشق شقين وقال الناس "إن اللَّه أبى أن يضمه القبر" ونزلت هذه الفكرة من نفوس الناس منزلة العقيدة ولكن حقيقة الأمر هى أن صاعقة نزلت سنة 1300 هـ (= 1882 م) فشطرت الضريح. على أن وزيره "محمود حاوران" يورد رأيًا يخالف القول السابق تمام المخالفة فهو يمتدحه ويثنى الثناء العاطر على عدله وشفقته، وهذا ما نراه من كتاب صدر حديثا (1948 م) هو "رياض الانشاء". والواقع أنه لم يكن هناك من شئ يشين اسم همايون بهمانى فى العامين الأولين من حكمه، أما معاقبته من أرادوا اغتصاب عرشه فلم تكن بالأمر الشاذ ولم يكن فيها من القسوة ما يعتبر خروجًا على عصره. ويعلل البعض شدته هذه بما كان يعانيه من ضعف صحته. المصادر: (1) H. sherwani: The great Bahmani Wazir (2) G. Yazdami: Bidar, its hist 7 manuments بدرية الدخاخنى [ج بيرتون بيج J. Burton - Page]

هندوستانى

هندوستانى تستخدم فى الهند لتعنى -فى شئ من الخلط- ثلاثة أشكال مختلفة من اللغة - والشكل الأول والثانى معروفان شائعان. 1 - كمرادف للغة "الأردية" كما يتحدثون بها فى شمال الهند بمعنى لغة المسلمين فى هندوستان على عكس اللغة التى يتحدثون بها فى "دكا". 2 - كاسم يطلق على هذه اللغة من الحديث التى هى الفصة المشتركة للأردية والهندية وفيها كلمات مستعارة من الفارسية أو السنسكريتية. . وهى اللغة التى يمكن للفلاح القروى المسلم أن يتحدث بها مع القروى الهندى والعكس بالعكس. وفى هذا الشكل يمكن استخدام الكلمات المستعارة من الفارسية بحرية تامة من جانب الهندوس والمسلمين. 3 - محاولة واعية ولأسباب سياسية -من أجل لغة يتقبلها المسلمون والهندوس فى الحديث والكتابة. وبالأخص اللغة المكتوبة لحركة هندوستانى التى ظهرت فى الثلاثينيات والأربعينيات. ويمكن أن نتبين فى هذه الحركة، التى نشطت فى المؤتمر القومى الهندى، محاولة سياسية، لاسترضاء كل من المسلمين داخل حزب المؤتمر وحزب الرابطة الإسلامية ولكن آمال الحركة فى ترسيخ هذه اللغة "الهجين" كلغة قومية للهند لم تتحقق، وظلت تنحسر فيما بين 1939 - 1945 م وهى فترة الحرب العالمية الأولى، وبعد ذلك لم تعد هناك ضرورة لإحيائها. بهجت عبد الفتاح [ج. بيرتون بيج J. Burton-Page] هندو - شاهى أسرة محلية تسكن شمال الهند -كانت أول خصوم ألداء للتوسع الغزنوى والإسلامى فى البنجاب ويقول "البيرونى" فى كتاب تحقيق ما للهند "أنهم فى الأصل أتراك من التبت كثر عددهم فى وادى نهر كابول -وفى اثناء القرن الرابع الهجرى/ العاشر الميلادى حل محل الهندو شاهى الأول،

المصادر

أسرة من البراهمة فى عهد أول اثنين حكما من الغزنويين وهما سكبتكين و"محمود" استطاعت هذه الأسرة أن تكون مملكة قوية تمتد من "لامغان" إلى "مولتان" والتلال التى تقع إلى الجنوب من كشمير وفى الحملات التى كان يشنها سبكتكين على وادى كابول هاجم راجا "جيبال" الهندوشاهى -وهزمه مرتين- وقام محمود بتكثيف القتال، وتم أسر "جيبال" وبيع رقيقا فى خراسان وفى عام 399 هـ/ 1008 - 1009 م تم طرد خليفة "آنندبال" من "بيشاور" وبالرغم من جهود ولده -تريلوجابنال"- لحشد تأييد الأمراء الآخرين الذين تتهددهم الأخطار فإن الأتراك الغزنويين طارده حتى شرق البنجاب - وبوفاته عام 412 هـ/ 1021 - 1022 م لم تعد هذه الأسرة العقبة الكبيرة أمام تقدم الغزنويين تجاه حوض نهر جانج - حومنا، بالرغم من أن بعض أمراء الأسرة لجأوا إلى كشمير، وأقام الآخرون إمارات صغيرة مستقلة فى جبال "جنرال" و"جيلجيت" المصادر: البيرونى: الهند. H.C.Ray: The dynastic history of Northern Im dia بهجت عبد الفتاح [س. أ. بوثورث C.E. Bothrworth] هوارة هوارة اسم يطلق على جماعة من البربر، وإذا نحينا جانبا الأساطير العربية التى تزعم أنهم من أصل يمينى فاننا يجب أن نذكر أن المؤلفين العرب لا يتفقون على مكانهم فى الأسرة البربرية، فالجغرافى المسلم الإصطخرى يعتبرهم فرعا من طائفة البُتْر البربر على حين أن النسابة العرب الذين أورد آراءهم ابن خلدون فى تاريخ البربر يعدونهم قبيلة من جماعة البرانس قائمة بذاتها وأنهم من نسل هوّار أوْ ريغ بن بُرْنوس، أما النسابة البربرى. . "سابق بن سلمان المطمامى" وابن حزم فيردانهم إلى "هوارة" أى أنهم من ذرية "أدّاس بن سَّجِيك" وأنهم من البربر البُتْر وبذلك يتفقان مع الاصطخرى، وقبائل هوارة كثيرة منها

أدَّاسَة، والهُطِبطا وبنو ارْ مَرْيان، والقلْدين أو الكملان، ولهانة، ومِنْدَاسة، وترهونة، وورْفلة، وورْغه وزكّاوَة. وكان بنو هوّارة يعيشون فى بلاد أياس أى طرابلسى من أقاليم الروم مع غيرهم من القبائل البربرية ومثل "نفوسة" و"زناتة" و"لواتة" زمن الفتح الإسلامى، وهذا ما يذهب إليه كل من ابن خرداذبة والمسعودى. على أنه يبدو أن جماعات كثيرة من هوارة غادرت طرابلس وانتشرت فى الشمال الإفريقى وذلك فى العقود الأخيرة من القرن الأول للهجرة، أعنى زمن فرار البربر من وجه الغزاة وأخذوا فى الاستقرار فى غرب افريقية والمغرب تحت قيادة كُسَيلة ومن بعده الكاهنة. ثم تلت ذلك موجة بربرية غير هاتين الموجتين زمن فتنة الخوارج وذلك حوالى سنة 122 هـ (= 740 م)، وقد شارك فى هذه الموجة الأخيرة كل البربر على وجه التقريب، ويلاحظ أن الهوارة الذين اعتنقوا الإسلام فى أواخر القرن الأول ومستهل الثانى الهجرى اعتنقوا عقائد الخوارج وأصبحوا من الصفوية والأباضية والنّكّارية وشاركوا فى كل ثورة من ثورات هذه الطائفة بدءًا من الصفوية بقيادة عكاشة وعبد الواحد الهوارى ثم ثورة أبى الخطاب عبد الأعلى بن السِّمْح المعافرى الأباضى وانتهاءً بثورة أبى يزيد مخلد بن كَيْداد، وحدث فى أثناء هذه الفترة أيضًا أن بعض بنى هوارة (الذين اعترفوا بسلطان الأمراء الأغالبة) استقروا فى صقلية، إلى جانب هجرات أخرى لهم إلى غيرها، وقد أقرّ غيرهم إقرارًا اسميا بسلطنات أسر شمال افريقية المسلمة الكبرى بل وبحكومة الأندلس، كما أن بعضهم كوّنوا لأنفسهم ومن بين أنفسهم حكومات مستقلة، ثم تسرّب إليهم الضعف قرب منتصف القرن الرابع بسبب ضغط الفاطميين عليهم، ثم ازداد هذا الضعف وضوحًا فى القسم الأول من القرن السابع الهجرى زمن الأمير أبى زكريا الحفصى فلم يعد لهم أى شأن فى مسيرة الأحداث السياسية، وما إن جاء عصر ابن خلدون حتى كان الجانب الأكبر من بنى هوارة البدو قد اندمجوا فى قبائل العرب الرعاة

وقلدوهم فى لغتهم وأسلوب حياتهم، بل لقد دفعوا لهم وللحفصيين الجزية، أما الهواريون الذين كانوا يعيشون فى المغرب الأوسط فقد فقدوا طابعهم الحربى الذى امتازوا به حينا وأدّى إلى انتصاراتهم، ثم تفرقوا أيدى سبأ كما يقول ابن خلدون، ولم يشذ عن هؤلاء سوى هوارة مراكش الذين كان لهم وضع يمتاز عن بقية اخوانهم بالعظمة لاسيما فى اقليم "تَمِسْنَا" حيث أصبحوا من أقوى الجماعات فيه، كذلك نلاحظ أن ثار كثير من قبائل هوارة التى كانت فى السابق تتبوّأ قبائل الذروة فى القوة، ونستعرض الآن هوارة فيما بين القرن الثالث والعاشر للهجرة (التاسع والسادس عشر الميلادى)، فنستمد من ابن خلدون أنهم استقروا فى زراعة الأراضى الممتدة ما بين الاسكندرية ومصر القديمة، كما أن طائفة أخرى من هوارة برقة هؤلاء قد ساهموا مع الجيش الفاطمى فى فتح مصر سنة 358 هـ (= 969 م) وأقطعهم الخلفاء الفاطميون جهات قاموا فيها بأدوار سياسية معينة. أما فى طرابلس التى كانت مهد هوارة القديم منذ منتصف القرن الثانى فتعرف "بأرض هوّارة" وتجرى حدودها الشرقية عبر "تَوَرْغة" و"ودّان" حتى تبلغ "زالة" التى كانت تتبع فى العصور السالفة "مزاته" جيران هوارة الشرقيون، أما حدّها الشرقى فكان يمر عبر طرابلس، التى كان أحد أبوابها يُعرف بباب هوّارة، ويسكن فى القسم الجنوبى منها هوارة طرابلس". ومن بين قبائل هوارة التى تسكن "أرض هوارة" كانت قبيلة "قَرقوزة" أما بنو "مصراته" فكانوا ينزلون المنطقة الساحلية من بلاد هوارة الذين اهتموا بالمتاجرة مع مصر كما يقول ابن خلدون وليو الإفريقى كما تاجروا مع بلاد الجديد وبلاد السودان، ويشير المؤرخون الإباضيون فى القرن الثانى الهجرى إلى وجود قبيلة "مليلة" فى إقليم طرابلس، كما يذكر ابن عبد الحكم أن إقليم "لبدة" كانت تنزله قبيلة "مصلاته" التى كانت ذات شأن بارز فى القرن العاشر الهجرى، وإذا

كانت قبيلة "وشتاته" قد اندثرت إلّا أنها تركت اسمها فى قلعة تقوم جنوب جسر تَرْهونة، أما قبيلة "ورْفلة" (وتعرف اليوم باسم Orfella أورفلة) فكانت من القبائل التى تؤلف فى القرن الثالث للهجرة القسم الشرقى من الهواريين الطرابلسيين، وكانوا يعرفون بلهّانة وقد ثاروا فى سنة 245 هـ ضد الأغالبة على أنه يجب أن نشير أيضا إلى أنه كان يعيش شرقى أرض هوارة قبيلة "منداسة" الهوارية. ولقد ظل الهواريون الطرابلسيون بزعامة الإمامين الإباضييّن أبى الخطاب المعافِرى وأبى حاتم الملزوزى (ت 155 هـ) أكبر عضد ومؤيد للمذهب الإباضى، إلّا ما كان من طائفة صغيرة من "قليلة" كانت سنية. وتشير المصادر العربية إلى وجود دولة بربرية اباضية صغيرة فى "رَفِزّان" فى مستهل القرن الرابع للهجرة وكانت "زَويلة" عاصمتها وتحكمها أسرة من بنى الخطاب الهواريين، كما كانت تعيش فى "فزان" أيضا فى القرن الخامس للميلاد وفى بلدة "تَمِرْما" قبيلة هوارية تعرف ببنى "قَلْدين" أما فى تونس فكانت تعيش فى الجنوب الشرقى منها وعلى مقربة من مدينة "قابس" قبيلة "زنزفة" الهوارية التى اعتنقت العقيدة الاباضية فى مستهل القرن الثانى وخضعت للوالى الرستمى، وكان فريق من بنى هوارة ينزل المنطقة الواقعة بين قابس وصفاقس فى ناحية تعرف بالمحرس ويُظن أنهم وافدون عليها من طرابلس، ويقول ليو الإفريقى أنهم كانوا يتكلمون نفس اللهجة البربرية التى كان يتكلمها سكان "جِرْبة"، كما أنه هناك مجموعة أخرى من هوارة كانت تسكن -كما تقول المصادر الاباضية- ما يعرف بباطن المرْج، وكذلك وُجد فى الغرب من هؤلاء وفى سهل القيروان وما يعرف بفحص القيروان جماعة أباضية، ويغلب على الظن أنها ممن جاءوا أصلا فى سنة 141 هـ (= 758 م) مع عبد الرحمن بن رستم والى افريقية للإمام الإباضى أبى الخطاب المعافرى، ثم جاء الأمير الفاطمى أبو

القاسم بجماعة من هوارة يسكنون جنوب "قسنطينة" وأنزلهم سهل القيروان، ولكنهم ثاروا على المنصور الفاطمى سنة 332 هـ (= 944 م) وكانوا فى جيش الزعيم النُّكّارى المعروف أبى يزيد مَخْلد بن كَيْداد، كما أن أبا القاسم وطَّن بعض الهواريين فى جبل "زغوان" فى جنوبى مدينة تونس، وكانت قبيلة بنى سُلَيم الهوارية تسكن ناحية فى شمالى "باجة" فى القرن الثامن، ولا تزال حتى اليوم جماعتان من هوارة هما بنو ورْغة وبنو وشتاته تعيشان فى ما يعرف بالتل الأعلى، ولما كان القرن الثامن الهجرى نزل بنو "ونيّفان" الإقليم الواقع فى سهل "مَرْماجِنة"، وكانوا يعرفون فى ذلك الحين باسم "بلطة" فى ولاية باحة. أما إذا جئنا إلى الجزائر فنجد كثيرًا من بنى هوارة فى جنوب قسنطينة "وشرقى" "وهران"، وقد ثار بعضهم فيما بعد سنة 250 هـ 864 م ضد الأغالبة وقد جاء إلى "الزاب" جماعات من هوارة حوالى سنة 342 هـ (= 953 م) بعد أن أنزل المعز الفاطمى الهزيمة بالهواريين الأباضيين من أهل جبل "أوراس" ويشير اليعقوبى إلى وجود بعض بنى هوارة فى غربى الزاب، كما نزل بعض بنى هوارة بين غيرهم من البربر فى أوراس، ووجدت طائفة من الهواريين الاباضيين فى مستهل حكم الامام الرستمى عبد الوهاب بن عبد الرحمن، وقد وردت الإشارة إلى وجودهم هناك بعد مائة عام فى كتابات اليعقوبى، وقد استطاع أبو يزيد مَخْلد بن كيداد (وكانت أمه من أصل هوارى) أن يدعو إلى المذهب النكارى بين من جاء بهم من هوارة فاستجابوا له وأخلصوا فى استجابتهم لما دعا اليه، ويشير ابن حوقل إلى قبائل "لهانة" التى كانت تعيش فى "دوفانة"، المعروفة اليوم باسم عَيْن دوقاته وترد الإشارة فى المصادر العربية إلى جماعة من الهواريين من "بنى كَمْلان" ينزلون فى سهل "هُدْنة" الذى كان يسكن فى شماله زمن البكرى قبيلة بنى "يَغْموراسِنْ" القوية. ولقد ثارت هوارة ضد الإمام عبد الوهاب بن

عبد الرحمن بن رستم (168 - 208 هـ) واحتلوا وادى "منه" وأقاموا دولة صغيرة لهم يحكمها أسرة بنى مصالة وكان من أملاكها قلعة هوارة التى تعرف اليوم باسم قلعة ابن رشيد. أما إقليم "أهجار" المنسوب إلى قبيلة من الطوارق بهذا الاسم فيقول ابن خلدون إن جماعة منهم نزلته واستقرت إلى جانب قبيلة "لمطة" فى "بلاد السود" ويقول ابن بطوطة الذى زار هذه الناحية سنة 754 م إن رجالها يضعون القناع على وجوههم، ولم يكن ثمة شئ يعرف عن هذا الإقليم قبل القرن الثامن أى قبل دخول هوارة هناك بعد هزيمتهم أمام القائد الفاطمى المعزّ سنة 342 هـ (= 953 م)، ويقتبس ياقوت عبارة من جغرافية المهلبى المفقودة تشير إلى وجود دولة هامة فى وسط افريقية تحكمها قبيلة من هوارة. أما عن مراكش فلا يعرف شئ على وجه التأكيد عن تاريخ القبائل الهوارية هنا، وإن كان الأرجح أنهم جاءوا إلى مراكش مع قبائل بربر أفريقية والمغرب الأوسط، والذين يقول صاحب البيان المغرب أنهم ذهبوا إلى طنجة مع حاكم هذه المدينة المسلم الذى تم على يده فيما بعد فتح أسبانيا وهو طارق بن زياد، وتوجد طائفة من هوارة اليوم فى وادى "تَفْرطة"، وكان بنو "رزين" يقيمون فى "الريف" فى القرن العاشر الهجرى (السادس عشر الميلادى)، كما نجدهم فى القرن الخامس أقاموا بلدة تسمى هوارة بين طنجة وسبتة، كما يوجد اليوم ديار "هوّارة الحَجَر" فى "الريف" وهؤلاء الهواريون هم الذين قُسمت بلادهم وآلت إلى يد الأمير داود الإدريسى، كما ظهرت فى القرن الخامس الهجرى جماعة من هوارة بنى زياد تعيش فى بلدة "زلول" قرب "أزيلة" وعلى مقربة من فرع آخر من هذه الجماعة تعرف باسم هوارة الساحل، وكان بعض من هوارة يعيشون بين طوائف البربر التى تنزل إقليم فاس، وتعرف هذا من "البكرى"، كما نعرف منه أيضا أن طائفة منهم كانت تنزل موضعا يعرف بوشتاتة" قرب فاس كذلك، وكانا

هوارة وزنانة فى القرن السابع الهجرى (الثالث عشر الميلادى) ينزلون إقليم "تامِسْنا" غربى مراكش وكانوا حلفاء لبنى مرين، ويذكر ليو الإفريقى أنه كان فيهم مائتان وستون ألف محارب، كما أنه لا يزال يعيش حتى اليوم جانب كبير من هوارة على جانَبِى الطريق الأسفل من "واذسوس"، ويذكر الإدريسى (549 هـ = 1154 م) أن أهل "أغمات" وهى مدينة تقع إلى الجنوب من مراكش كانوا يتاجرون من "بلاد السودان" وكان أهل هذه المدينة من هوارة، ثم نأتى أخيرًا إلى ليو الإفريقى فنراه يذكر أن بعض هوارة كانوا يعيشون فى زمنه فى إقليم "سجلماسة". أما عن هوارة فى أسبانيا فنرى أن بعضهم غادر مراكش الشمالية فى وقت مبكر ورحلوا إلى الأندلس وكانوا -كما يقول ابن خلدون- مع طارق بن زياد وأقاموا فى مناطق قاصية يمارسون حياتهم فى استقلال شبه تام عن الأمراء الأمويين، وقد برزت أسرة هوارية تعرف ببنى ذى النون وكانت لها السيطرة فى إقليم "سنت برية" Sant avera التى ترد الإشارة إلى قيامها فى سنة 158 هـ (775) بالتحرر على الأمير عبد الرحمن الأول ويشير الاصطخرى إلى وجود بعض بنى هوارة فى ذلك الإقليم، كما أن أسرة ذى النون كانت لا تزال موجودة فى القرن الخامس الهجرى، وكان يجاور "سنت برية" من ناحية الشرق جماعة أخرى من هوارة هم "بنو رزين" الذين وفدوا إلى الأندلس من شمال مراكش، واستقروا به منذ زمن واتخذوا مقامهم فى الناحية التى عرفت باسم مضارب "سهلة بنى رزين" وهى المعروفة فى الخرائط الحديثة باسم Albarracin ولقد ظلت هذه الأسرة تعيش فى الظل فى القرون الأولى من الحكم الأموى، إلا أنها أخذت فى الظهور، والأهمية فى النصف الثانى من القرن الرابع الهجرى، كما أنها أصبحت دولة مستقلة بعد سقوط خلافة قرطبة، وإذا أخذنا بما يقوله صاحب البيان المغرب من

وجود إقليم قريب من بلنسية يدعى. . "ساقية هوارة" فمعنى ذلك أن هوارة كانت فى هذه الناحية، أما الاسم الحالى لهذه الناحية فهو "مصلاتة" وواضح أنه مستمد من اسم قبيلة مصلاتة. أما فى صقلية فقد كان بها جماعات من هوارة وذلك ما نستفيده من المصادر العربية. والوثائق النصرانية على السواء وكذلك من مطابقة أسماء الأماكن، ولقد ساهم هوارة أفريقية مع الأغالبة فى فتحهم للجزيرة سنة 212 هـ (= 827 م) وظلوا مقيمين بها زمنا طويلًا، وكان ببالرمو حتى سنة 592 هـ (1196 م) جماعة من هوارة من بين قبائلها قبائل مسراته وماليلا وكركورة، ويبدو أن بعضا من هؤلاء الوافدين الهواريين ظلوا على وفائهم للمذهب الإباضى، ويبدو مما ذكره الوِسْيَانى المؤلف الإباضى فى القرن السادس للهجرة أن الهواريين الذى كانوا حينذاك فى صقلية كانوا على اتصال بأهل مذهبهم فى شمال أفريقية، كما أننا نستمد مما ورد فى مؤلف إباضى آخر وهو "ذكر أسماء بعض شيوخ الوهِبية" أن "قصر يانو" فى صقلية والمعروف باسم Castrogiovanni كان يعتبر الحد الشمالى للإقليم الذى يعيش فيه الإباضيون. هذا ما يتعلق بهوارة فى كل من برقة وطرابلس وفزان والجزائر ومراكش وصقلية والأندلس كما أورده "لتفيكى". أما عن هوارة فى مصر والسودان، فقد لعبت هوارة دورًا رئيسيا فى مصر وقد تمصروا تماما، وكانت إقامتهم الأولى فى إقليم البحيرة وصاروا القبيلة ذات النفوذ الأكبر هناك، كما استقر بعض بنى هوارة فى مصر العليا على يد برقوق حوالى سنة 782 هـ (1380 م) فقد أقطع شيخهم اسماعيل بن مازن (جرجا)، ثم جاء بعد ذلك عمر (ت 799 هـ = 1396 م) الذى أقام لهم أسرة كانت لها حكومة طوال القرنين التاليين حتى إذا ولى أمر هوارة شيخهم محمد أبو السنون بدأ عهد من الرخاء والرفاهية بسبب تقدم زراعة السكر، وأخذت هوارة

تنتشر فى الصعيد حتى أنهم فى سنة 815 هـ (= 1412 م) أغاروا على أسوان وعاثوا فيها فسادا وتخريبا ثم صدهم بنو الكنز وهم قبيلة نوبية عربية وكان والى قوص وإخميم يمثل السلطنة المملوكية فى بلاد هوارة، إلا أن هذا التعيين لم يعد له وجود حين تم فتح مصر على يد العثمانيين (922 - 923 هـ = 1516 - 1517 م)، فأصبح الحاكم الأمير على بن عمر نائبًا للسلطة الحاكمة فى مصر العليا ويسميه ابن إياس "بمتولى جهات الصعيد" وينعته أيضًا "بشيخ عربان الصعيد"، وقد استمر حكم بنى عمر ما يقرب من ستين سنة ثم مالبث أن صار شوكة تقضّ مضجع الحكم العثمانى، ولذلك فقد جُرِّد بنو عمر رسميًا من كل قواهم وسلطانهم فى سنة 983 هـ (= 1576 م) وتولى حكم الصعيد شخص يعرف باسم "سليمان بك"، على أن هوارة استعادت ما كان لها من قوة على يد الأمير همام بن يوسف الذى كسفت شمسه كل حكام الصعيد الذين انغمروا فى المنازعات السياسية للنظام المملوكى الجديد، ونعم الصعيد أيام همام بن يوسف بشئ من الهدوء النسبى والرخاء حتى ليصفه الجبرتى بأنه كان جوهرة بين الشيوخ العرب، فكان سخّى الكف صادقًا أمينًا، أما الرحالة "ببركهاردت" فقد نال من سيادة هوارة لما ذكره عن ابتزازهم التجار، وانزالهم القبط إلى مرتبة العبيد، وكان "همام" هذا من جماعة القاسمية المملوكية الجديدة، الذين انتقلت منهم طائفة كبيرة إلى جانب همام بعد انتهاء سلطتهم بالقاهرة، ولقد قام همام ابن يوسف فى أخريات أيام حياته بدور فعّال فى السياسة المصرية بما بذله من معاونة كبيرة لكبار رجال البلد الذين انتزعت الدولة قوتهم فى القاهرة، فكانت له علاقة طيبة على وجه الخصوص بصالح بك آخر كبار القاسمية الذى نفاه "بلط قَيات على بك" سنة 1178 هـ (= 1765 م)، ولما جاء على بك هذا إلى مصر لائذا بها فى صيف 1180 هـ استطاع همام أن يوثق

المصادر

ما بينه وبين صالح وبذلك تمكنّ الاثنان من هزيمة أعدائهما واسترداد القاهرة، وبعد أن تم لعلى بك تدبير اغتيال صالح سنة 1182 هـ (= 1768 م) قام همام بن يوسف بمساعدة أتباع أنصار الراحل فى الاستيلاء على أسيوط واستردادها من يد والى مصر العليا الذى عيّنه على بك، غير أن الهزيمة لحقت بالثوار وبهمام بن يوسف الذى اضطر للهروب حيث وافته منيته قرب مدينة "اسنا" يوم الثامن من شعبان سنة 1183 هـ (= 7 ديسمبر 1769 م) وبموته انتهت عظمة وسلطان هوارة السياسى وإن كانوا قد ظلوا محتفظين به حتى عهد محمد على باشا بأهميتهم الاجتماعية والاقتصادية، وبعد أن تم لإبراهيم باشا استئصال شأفة المماليك فى مصر العليا مضى فصادر "الالتزامات" وغيرها من مصادر دخل النظام القديم وذلك سنة 1813 م، وأدّت هذه السياسة إلى تحطيم ذرية همام، واندمج رجالهم بالتالى فى جمهور الفلاحين. أما فى السودان فكانت هناك جماعتان من هوارة ذاتى صلات بهوارة مصر، ولقد هاجر "الجلابة" من هوارة إلى كردفان ودارفور خلال القرون الثلاثة الأخيرة وقدموا إليها كتجّار. المصادر: (1) اليعقوبى: البلدان 344, 346, 350. (2) ابن عبد الحكيم، فتوح أفريقية والأندلس، 130, 174, 140. (3) ابن عذارى: البيان المقرب 1/ 25, 41. (4) الشماطى: كتاب السير (1884) 161, 260. (5) البيان والإعراب عما بمصر من الأعراب للمقريزى. (6) على مبارك: الخطط الجديدة. (7) H. Mac Micgeal: History of Arabs in Sudan مروان حسن حبشى [ايزنبرج Eisenberg]

هود عليه السلام

هود عليه السلام هو أحد الأنبياء العرب الخمس الذين ذكروا فى القرآن الكريم، حيث ورد فى ثلاثة مواضع مختلفة، وتوجد سورة تحمل اسمه. هى "سورة هود". وقد أرسل إلى قوم عاد ليحثهم على عبادة اللَّه الواحد الأحد، ولكنه قوبل بالنكران والتشكك والتكذيب من أغلبهم، واتبعه فقط البسطاء. وعليه، عاقبهم اللَّه بإرسال ريح صرصر دمرتهم. وتضيف المصادر أن قوم عاد عانوا من الجفاف ثلاث سنوات وأرسلوا وفدًا إلى مكة ليدعوا اللَّه أن يرسل إليهم المطر، فظهرت لهم ثلاث سحب، الأولى بيضاء والثانية حمراء والثالثة سوداء، فهبت عاصفة رهيبة على قوم عاد أتت على كل شئ وقضت على الناس أجمعين، إلا هودًا عليه السلام وأتباعه. ويقال إن هودًا عليه السلام ذهب مع المؤمنين إلى مكة حيث استقروا هناك. ومكث حتى وفاته عن عمر يناهز مائة وخمسين عاما. وتتحدث العديد من المصادر الإخبارية عن نسب هود عليه السلام ويردونه إلى عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح. وقبر هود عليه السلام الواقع على جبل فى حضرموت، لا يزال أحد المزارات الدينية، وإن كان تحديد القبر بدقة ليس بالأمر اليقينى، حيث يتردد أن قبره يقع بين بئر زمزم وأحد زوايا الكعبة (عند الهراوى) كما يشاع أن القبر يقع فى الجدار الجنوبى للمسجد فى دمشق. المصادر: (1) ابن قتيبة: المعارف، طبعة عكاشة 28, 56. (2) الثعلبى: قصص الأنبياء، طبعة 1290 هـ. وائل البشير [فنسنك، بيلات A.J.Wensinck - Ch. Pellat] هود، بنو بنو هود أسرة عربية الأصل حكمت سرقسطة من بلاد الأندلس وكانت من أهم دول ملوك الطوائف فى القرن

الخامس الهجرى (الحادى عشر الميلادى). وهود كما هو معروف. رسول أرسله اللَّه إلى قوم عاد كما جاء فى قوله تعالى {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ}. أما بنو هود الأندلسيون هؤلاء فيرجعون إلى رجل اسمه هود يقال إنه كان أول رجل من أسرته دخل الأندلس، ويزعم البعض أنه كان من حفده أحفاد سالم مولى أبى حذيفة أحد صحابة الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، وإن كان ابن قتيبة يقول فى كتابه المعارف أنه سالمًا هذا مات بلا ولد، ويرى آخرون أن الأصح فى نسبة هذه الأسرة أن يقال أنها جذامية وهذا ما يراه الكثيرون وأن بنى هود الأندلس من نسل روح بن زنباع الجذامى. ولقد كان أول هودىّ أشتهر فى التاريخ هو أبو أيوب سليمان بن محمد بن هود الجذامى الذى عرف فيما بعد بالمستعين باللَّه، وتردد ذكر سليمان هذا قبل الثورة التى جعلت لملوك الطوائف السلطة العسكرية فى "الثغر الأعلى"، ولقد عاون سليمان التجيبيين أصجاب سرقسطة فى الحملة الفاشلة التى قام بها الخليفة المرتضى ضد غرناطة سنة 408 هـ (= 1018 م)، ولما كان سليمان واليا على "لاردة" استضاف الخليفة السابق هشام الثالث المعتضد حتى وافت الأخير منيته سنة 427 هـ. ولم يكد يتم اغتيال المنذر بن يحيى التجيبى حتى بادر سليمان بن هود فاحتل سرقسطة وذلك فى المحرم من سنة 431 هـ (= سبتمبر 1039 م) وأصبح حاكمًا على مملكة شاسعة الأطراف تشمل معظم وادى ابرو بالإضافة إلى سرقسطة ذاتها ولاردة فى الشرق، وكذلك "وشقة" فى الشمال، وطليطلة، وقلعة أيوب فى الغرب، أما الجنوب فيمتد حتى بلنسية، ويذكر ابن حيان أن سليمان كان شيخ إحدى الطوائف السياسية فى أسبانيا المسلمة، ويلومه هو وابن ذى النون لدعوتهما النصارى لمهاجمة الإقليم الإسلامى الواقع على الحدود العليا والسفلى، فاستجاب النصارى لهما وهاجما البلاد، وعاش سليمان بعد عمله

هذا سنوات قلائل ولكنه وزع املاكه بين أولاده الخمسة، فلما مات 438 هـ خلفه فى سرقسطة ابنه أبو جعفر أحمد الأول بن سليمان بن هود الذى عرف بالمقتدر، وأمكنه التخلص من اخوته واحدا بعد الآخر، وكان بينه وبين أكبر إخواته يوسف صاحب لارده نضال عنيف استمر حتى آخر أيام حياته، وتمكن أبو جعفر المقتدر فى سنة 453 هـ (= 1061 م) من السيطرة على "طرطوستة" فلما كانت سنة 468 هـ طرد عليا بن مجاهد إقبال الدولة العامرى من "دانية" على ساحل البحر الأبيض المتوسط، كما أن استرداده قلعة بوبشترو الحصينة من أيدى الدمنذين وكانت قد وقعت فى أيديهم سنة 546 هـ زاد من شهرته فى كافة أرجاء شبه الجزيرة، وعلى الرغم مما أشتهر به المقتدر من سفك دماء الكثيرين إلا أن دلك لم يمنع أن يظهر فى بلاطه رجال بارزون مثل أبى الوليد الباجى الذى كتب على لسان المقتدر رسالة يرد فيها على كتاب "راهب من فرنسا" يدعوه فيه لاعتناق المسيحية، كما ازدان بلاطه أيضا بابن عمار شاعر "شلب" الشهير الذى لجأ إلى سرقسطة من غضب ابن عباد صاحب "اشبيلية" عليه، وما "الجعفرية" الموجودون فى سرقسطة إلا بقايا من ذرية أبى جعفر المقتدر، ومن الأمور العجيبة أن هذا الحاكم القوى دفع الجزية فى بعض الأحيان للنصارى، أو كان يستظل بحماية نصارى الشمال، بل أنه قبل موته بقليل دعا إلى بلاطه "السيد" على أنه لما مات خلفه ابنه أبو عامر يوسف بن أحمد بن هود المؤتمن الذى ظل فى الحكم من سنة 474 حتى 478 هـ (= 1081 - 1085 م) وكان طالب علم وله كتاب أو أكثر من كتاب فى الرياضيات كما يقول ابن خلدون والقفطى ويقال أن هذه الكتب نزلت منزلة الاعجاب من نفس موسى بن ميمون وتلميذه ابن عكنين. وقد تولى بعد المؤتمن ولده أبو جعفر أحمد (الثانى) بن يوسف بن هود الذى سمى بسلفه سليمان بالمستعين باللَّه الذى اشتهر بنزعته الحربية ضد نصارى الشمال، وحدث فى سنة 487 هـ (1094 م) أن زحف العدو على

"وشقة" فاصطدم على مقربة منها بالمستعين باللَّه الذى لقى فيها الهزيمة المرة وذلك سنة 1096 م، كما أن قشتالىّ الفونسو السادس هاجموا سرقسطة ذاتها، غير أنه حدث فى هذا الوقت بالذات أن كان يوسف بن تاشفين قد عبر إلى بلاد الاندلس وأدى ظهور الجيش المرابطى قرب سرقسطة إلى انسحاب المسيحيين وارتدادهم، وفى هذا العهد أصبح "السيد Le laid" الذى كان فى خدمة المستعين حاكما لبلنسية. أما يوسف بن تاشفين الذى أراد أن يجعل من مملكة سرقسطة كدولة حاجزة بينه وبين المسيحيين فقد ترك المستعين فى أرضه فى الوقت الذى أزال فيه غيره من ملوك الطوائف، ولقد مات المستعين وهو يقاتل النصارى فى معركة "فالتيرا" قرب طليطلة، وذلك فى أول يوم من رجب 503 هـ (24 يناير 1110 م). وأخذ التهديد من الشمال يزداد شيئا فشيئا خلال عصر بنى هود إلا أن الأمور ازدادت سوءًا حتى صارت أزمة زمن أبى مروان عبد الملك بن أحمد بن هود عماد الدولة، إذ يقال أن أمير المرابطيين الجديد وهو على بن يوسف تاشفين الذى كان لا يعمل شيئا إلا بمشورة الفقهاء قد صمم على الاستيلاء على أراضى الثغر الأعلى، ومن ثم فإنه فى اليوم العاشر من ذى الحجة 503 هـ (30 يونيو 1110 م) دخل القائد المرابطى محمد بن الحجاج سرقسطة وانسحب عماد الدولة إلى حصن "روطة"، ودام احتلال المرابطين لسرقسطة مدة تسعة أعوام طوال حكم محمد بن الحجاج أولا ثم من بعده زمن ولاية أبى بكر بن إبراهيم السهرورى المعروف بابن "تيفَلوِيت" الذى حكم حكما ملوكيا وكان وزيره الفيلسوف الشهير ابن باجة. ولقد استمر الضغط من الشمال حتى إذا كان يوم الثالث من رمضان 512 هـ (= 18 ديسمبر 1118 م) استولى ألفونسو الأول صاحب أرغونة على سرقسطة بعد حصاره إياها سبعة أشهر، وظل عماد الدولة أسيرًا فى "روطة" أما النصارى فقد أخذوا فى احتلال الأراضى التى

المصادر

فى منطقة الثغر الأعلى، ومات عماد الدولة فى "روطة" فى شعبان 524 هـ ولقد خلفه من بعده ولده وهو آخر أسرته "أبو جعفر أحمد الثالث بن عبد الملك بن سيف الدولة المستنصر باللَّه، ولقد تنازل عن روطة لألفونسو السابع لقاء ما يسميه ابن الأبار "بنصف مدينة طليطلة. ولما اشتعلت الثورة ضد المرابطين فى جميع الأنحاء وجد المستنصر بن هود نفسه وقد أحاط الأنصار فى كل مكان من أسبانيا المسلمة، ومن ثم نزل فحارب فاحتل على التوالى كلا من قرطية وجيان وغرناطة ومرسيه وبلنسية. إلا أنه هزم أخيرًا هزيمة نكراء وهو يقاتل النصارى فى شرقى اسبانيا قرب "جنجالا" وذلك فى شعبان 540 هـ (= فبراير 1146 م) ولقى المسنتصر فى هذه الوقعة خاتمته إذ مات قتيلا، وبموته انتهت الأسرة. هذا ويلاحظ أن ابن خلدون قد أخطأ فى ذكر خبر موت المستنصر إذ جعل وفاته سنة 536 هـ. على أنه بقى أن نشهد إلى أن محمد بن يوسف بن هود الجذامى المعروف بالمتوكل أدعى أنه من ذرية المستعين بن هود، وقد كان رجلا شجاعا وحمل راية مصانعة الموحدين من 625 هـ (1228 م) ثم أصبح سلطانًا فى غرناطة. المصادر: (1) ابن عذارى: البيان المغرب. (2) ابن الخطيب: أعمال الأعلام. (3) ابن سعيد المغرب فى حلى المغرب (تحقيق شوقى ضيف) (4) محمد عبد اللَّه عنان دول الطوائف منذ قيامها حتى الفتح المرابطى. (5) memoies de Aldalla dernier roi ziride de gren ade ed - L Provencal مروان حسن حبشى [د. م. دنلوب D.M.Dunlob] الهيثم بن عدى الهيثم بن عدى الطائى، أبو عبد الرحمن مؤرخ إخبارىّ ولد بالكوفة حوالى سنة 120 هـ (= 738 م) من أسرة ترجع فى أصلها إلى "مَنْبج"

ومات فى "فم الصّلح" عام 206 أو 207 أو 209 هـ، أما ما نعرفه عن حياته فهو أنه كان يتردد بانتظام على البلاط العباسى بين آونة وأخرى من عهد الخليفة المنصور حتى زمن هارون الرشيد، وقد أمسكه الرشيد وزج به فى الحبس ومن المعروف عنه أنه كانت له منازعات مع كثير من الشعراء لاسيما أبو نواس الذى هجاه بمجموعة من القصائد أتهمه فيها بأنه زيّف نسبًا لنفسه، ولا يثق المهتمون بدراسة الأحاديث النبوية فيما يرونه لما يقولونه من أنه وضع بعض الأحاديث من عنده، وعلى الرغم من أن الجاحظ قد اقتبس كثيرا مما كتبه الهيثم بن عدّى فى كتابه الحيوان إلّا أنه يعتبره ممن يُضرب به المثل فى عدم أصالة رواياته، ويورد أمثلة لذلك فى كتابه البخلاء، كما أنه يعّده من جماعة الخوارج، ومع ذلك فإن اليعقوبى والطبرى والمسعودى وغيرهم من المؤرخين يجعلونه مصدرهم الذين يستقون منه أخبارهم، بل أن صاحب "مروج الذهب" يرى فيما يرويه الهيثم من تاريخ العرب أنه حجة وكثيرًا ما يقتبس منه مثلما يقتبس من ابن الكلبى وأبى محنف وغيرها من مؤرخى القرن الثانى الهجرى (= الثامن للميلاد) وإن ضاعت معظم مؤلفات هذين الأخيرين، وينسب كل من ياقوت فى الإرشاد وابن النديم فى كتابه "الفهرست" للهيثم أكثر من خمسين مؤلفا فى مواضيع متعدّدة ولكنها كلها تدور حول فرع واحد من التاريخ. وله من المؤلفات فى التاريخ القديم كتاب بيوتات العرب وكتاب حلف كلب وتميم، أما فيما يتعلق بالتاريخ عامة والإسلامى خاصة فله كتاب التاريخ المرتب على السنين وكتاب تاريخ الفرس وبنى أميّة وكتاب الدولة إلى غير ذلك، أما فى الأنساب فله كتاب نسب طىّ إلى جانب غيره فى هذا المجال. أما فى التراجم فله كتاب المعمّرين وكتاب ولاة الكوفة وكتاب عُمّال الشرطة لأمراء العراق، وطبقات الفقهاء والمحّدثين إلى غير ذلك. أما فى الرسائل فله أخبار زياد بن أبيه، وأخبار الحسن البصرى وكتاب خواتم الخلفاء.

المصادر

أما فيما يتعلق بالمدن وذكرها فله كتاب فخر أهل الكوفة على أهل البصرة، وأما فى المثالب فله كتاب مثالب ربيعة وأسماء بغايا قريش فى الجاهلية إلخ. على أنه لم يبق من كتبه أىّ كتاب. المصادر: (1) الجاحظ: كتاب الحيوان. (2) ابن النديم: الفهرست. (3) ياقوت: ارشاد الأديب. (4) المسعودى: مروج الذهب. (5) ابن قتيبة: كتاب المعارف. (6) العسقلانى: لسان الميزان. مروان حسن حبشى [شارل بيلات Ch. Pellal] هيولى مصطلح تقنى (فنى) مأخوذ من كلمة يونانية بمعنى مادة، كمقابل للصورة أو بمعنى أخص "مادة أولية" بالمعنى الفلسفى. الكلمة العربية المقابلة لها هى مادة؛ يجب أن يلاحظ أيضًا أن معنى مادة أحيانًا ما يكون قريبا جدًا من كلمة عنصر. كان مصطلح هيولى شائعًا فى القرن الثالث الهجرى/ التاسع الميلادى، والقرن الرابع الهجرى/ العاشر الميلادى وذلك فى الترجمات عن اليونانية، وفى الأبحاث والأنساق (الفلسفية) التى تستنتج أفكارها الموحاة من هذه المصطلحات. وفقًا لميل العديد من المدارس والمبدعين، فأحيانًا تستبدل كلمة هيولى بكلمة مادة، وأحيانا تميز عنها، لأن المادة الأولية تتميز عن المادة الثانوية، ومع ذلك فإن المصطلحين كثيرًا ما يعتبران فعليا مترادفين. وكلمة هيولى فى دلالاتها المختلفة العادية تنتمى إلى: (1) مجموعة المفردات التى يستخدمها مفكرو الشيعة (خاصة الإسماعيلية). (2) الفلاسفة الهلينستيون، ونجدها (أى كلمة هيولى) مرة أخرى فى أبحاث علم الكلام.

التقرير التالى سيكون شاملًا جدًا، فما هو آت يشكل بعض النقاط الأساسية للمراجع: - 1 - فالهيولى عند أبى بكر الرازى هى العنصر الثالث من المبادئ الخمسة فى معناها التام "كمادة أولى" (انظر رسائل فلسفية، نشرها بول كراوس، القاهرة 1939, ص 195) وقد قام ناصرى خسرو بتنقيح حجج الرازى وعمل ملخصا لها باللغة الفارسية، وقام فخر الدين الرازى بالعمل نفسه فى اللغة العربية. فالنفس الكلية "المبدأ الثانى الأبدى" تتخلص من المادة وتبعدها لتنتج العالم دون أن تفقد منزلتها الرفيعة، وهى (أى النفس الكلية) فى هذه العملية احتاجت مساعدة المبدأ الأبدى أى البارى الخالق (المصدر نفسه ص 308) آنذاك تعد المادة تابعة للصورة. 2 - فى الدراسات الفيضية، وخاصة عند الشيعة تبنوا موضوع المادة الأولية الفيض أو الانبثاق عن المبدأ الأسمى والأبدى. ففى علم الكونيات عند القرامطة، وعلى سبيل المثال فى كتاب الينابيع عن الإسماعيلى أبى يعقوب السجتانى (القرن 4 هـ - 10 م) نجد أن الهيولى هى المبدأ الثالث الفائض عن اللَّه. ووفقا لرأى السجتانى عندما يتعقل العقل الأول ما يتبعه تُصْدِر النفس الكلية المادة. بيد أن المادة تكون عاجزة عن أن تثبت ذاتها بذاتها -إنها تحتاج لمساعدة الصورة، وهى هنا الطبيعة، حيث أن المادة بحكم تعريفها هى ما يمكن أن يثبت ذاته فقط بمساعدة شئ آخر (نص ترجمة هنرى كوربان، الثلاثية الإسماعيلية، طهران - باريس 1961 م، ص 62 - 85). ونجد كذلك عملية كونية مشابهة عند ابن سينا، ولكن الهيولى عنده حل محلها الجسد السماوى. هناك ثلاثة مميزات تبدو متأصلة فى هذا التفسير الإسماعيلى للمادة: أ - المادة عند الإسماعيلية نقية، وهى النظير المقابل بواقعية للصورة. (أيضا ملا صور الشيرازى، القرن الرابع

الهجرى - العاشر الميلادى)؛ ويمكن أن تثبت ذاتها فقط عن طريق الصورة. وكان للمعتقدات المنسوبة إلى انبا دوقليس تأثيرها الكبير فى دراسة النسق الفلسفى للإسماعيلية (انظر آسيسن بلاشيوس: ابن مرة ومدرسته: مدريد 1914 م، الفصل الخامس ص 54). فى المقتطفات التى نسخها الشهرستانى فى كتاب الملل والنحل عن انبادوقليس (نشرت فى القاهرة عام 1320 هـ، ص 168) نجد أن الأول وبالتالى الشئ الأكثر بروزا "الشئ المسبب" سمى باسم العنصر. العنصر الأساسى وهو أبسط من العقل، النفس، الطبيعة، والمركبات التى توجد تحته. ولكن هذا العنصر ليس بسيطًا تماما إذ أنه مركب من الحب والتنافر، ومع ذلك ربما يسمى هذا العنصر بالأول البسيط المعقول. ويبدو أن هذا العنصر، وهو أول العناصر الخمسة الفائضة عن اللَّه (نفس النظرية وجدت فى ملخص نظرية طاليس التى قدمها الشهرستانى فى الملل والنحل، المصدر نفسه ص 158) كان له دور كبير فى تعزيز فكرة المادة الروحانية الأصلية والمعقولة (الهيولى الروحانية). ونجد تأثير هذه النظرية أيضًا عند ملا صور الشرازى فى إيران، وعند ابن عربى، وابن مسرة فى الأندلس. وفى هذا المعنى أيضا يسمى عبد الكريم الجيلى اللَّه بهيولى العالم. 3 - تقدم لنا رسائل إخوان الصفا موجزًا (وأحيانًا على نحو غير متقن إلى حد ما) لنسخة معدلة من آراء الإسماعيلية فى المادة الأولية. ففى رسالة "المادة" الصورة، الزمان، المكان" (نشرت فى القاهرة عام 1347 هـ - 1928 م، الفقرة 4) تؤكد مرارًا بوضوح أن مبدأ التشخيص (عكس التراث الأرسطو طاليسى) يأتى من الصورة وليس من المادة: "كل الأجسام من جنس واحد - وهو من جوهر واحد ومادة واحدة. واختلافها (أى الأجسام) يأتى من الصورة، وهذا يفسر لنا السبب فى كون بعض الأجسام أنقى وأنبل من بعضها الآخر" (المصدر

أ- هيولى الصنعة

نفسه، ص 6). إنها الصورة وليست الهيولى، فهى متقلبة وسريعة الزوال (انظر رسالة العقل والمعقول، ص 230 - 232). تقرر رسالة المادة والصورة (ص 4 - 5) على نحو واضح أن الهيولى يمكن أن تفهم بأربعة طرق: أ- هيولى الصنعة: كل جوهر يستخدم كمادة للصانع. ب- المادة الطبيعية: أو مادة الطبيعة، وهى العنصر الرابع الذى تتركب منه كل الأجسام الأرضية والتى إليها تعود عندما تفنى. جـ- مادة الكل: هيولى الكل هى الجسد المطلق الذى منه يفيض العالم. د- المادة الأولية: (أو هنا المادة الأولى) عُرفت كجوهر بسيط معقول لا يمكن إدراكها بالحواس وكصورة لكل شخصية (هوية). ومن ثم استخدم مصطلح هيولى "للمادة الثانوية" (تشكلت سابقًا) بالإضافة إلى المادة الأولى أو بالأحرى لم يرجع اخوان الصفا إلى هذا التمييز التقليدى، فإن فكرتهم عن الهيولى الأولى ليست هى الفكرة الخاصة بالإمكانية الخالصة. فى الحقيقة، سلسلة المواد الأربعة التى صوروها بطريقة نابضة للحياة دفعتهمم إلى القول بأن كل شئ موجود له علاقات مختلفة بكل من الصورة والمادة، فكل واحد من الأنواع الأربعة للهيولى هو صورة فيما يتعلق بالنوع الذى يعلوه. فالجسم المطلق هو صورة فى المادة الأولية. . وهذا الأخير (المادة الأولية) هى صورة روحية فائضة (أى صادرة) عن النفس الكلية التى هى بذاتها صورة روحية فائضة عن العقل الكلى الذى يفيض عن الخالق (الرسائل، الجزء الثالث، ص 230). ووفقا لفكرة الإسماعيلية عن الصورة (انظر أعلاه) فكل صورة حتى الصورة الروحية يمكن أن تختفى، لأنها تحديد والخالق (المبدع) بمفرده يبقى

(المصدر نفسه، ص 232) وكل شئ موجود يعود إليه (المصدر نفسه، ص 232). هذه السلسلة للدلالات الأربعة للهيولى كمركب على نحو ما قدمها اخوان الصفا تتفق تمامًا بالتالى مع السلسلة التى يقرها ابن عربى إنها ربما تكون فى الحقيقة مصدرها أو واحدة من مصادرها. فى الفتوحات، نجد أن صعودًا ثم هبوطًا، تعدد ينتج مبادئ هذه السلسلة مع إضافة جديرة بالذكر، وتظهر دلالة خامسة تذكر أولا لأنها تعود على الحقيقة العليا: الهيولى كمادة معقولة، سواء خلقت أم لم تخلق، تتعايش مع الموجود ذاته و"حقيقة الحقائق". (انظر تحليل ومرجع اثنين بلاسيوس، المصدر نفسه، ص 112 - 113). 4 - وبالرغم من كونها عملية فيضية، فإن نسق الفلاسفة لا يتبع بدوره نظرية نشأة الأكوان الإسماعيلية، فالمادة الأولية تفقد وضعها سواء كعنصر مادى وفيض أول (اتجاهات التفكير متأثرة بأنبادوقليس الكاذب) وكفيض ثالث (انظر السجتانى) لصالح فكرة تقريبًا فلسفية؛ فالمادة الأولية هى إمكانية خالصة (قوة) تصبح بالفعل عن طريق الصورة فقط. وكل من كلمتى المادة والهيولى ينتميان إلى معجم الفلسفة، فتعبير المادة الأولى -الذى يستخدم للدلالة على- المادة الأولية شائع عند الفارابى؛ وموجود أيضا عند ابن سينا (انظر الشفاء، الإلهيات، القاهرة 1390 هـ - 1960 م، ص 279) ففى رسالته فى الحدود (ضمن تسع رسائل فى الحكمة والطبيعيات، القاهرة 1326 هـ، ص 84، الترجمة الفرنسية لـ أ. م. جواشون، مقدمة لابن سينا، باريس 1933 م، ص 81) يعطى ابن سينا كلمة مادة وهيولى نفس المعنى تماما، بينما يبدو أنه فى نفس الوقت يحفظ للمادة تضمنها لمعنى المادة الثانوية (ومع ذلك فهو يستخدم كلمة هيولى أيضا بهذا المعنى الأخير) وبعد ذلك مباشرة يعرف العنصر (العنصر الأولى) بأنه المبدأ الأول (لهذه الأشياء التى هى) موضوعات

متأصلة: خاصة وأنها تشير بكل ما فى الكلمة من معنى إلى المادة الأولى، الهيولى الأولى (المصدر نفسه ص 84 - 85، ص 82). وهكذا ففى مقابل نظرية نشأة الأكوان الاسماعيلية، نجد عند الفلاسفة (إلى حد ما عند الأفلاطونية والأفلاطونية المحدثة) نوعًا من انتقاض قيمة الهيولى (أو المادة). فالفارابى فى مقالته فى معانى العقل، يسمى المادة الأولية (هنا المادة الأولى) "بأساس الأشياء" (نشرها ديتريص، فيلو، ابهاند، ليدن، 1890، ص 46) فى وصفه لسلسلة الصعود الأنطولوجى (المصدر نفسه) ينبثق عن أدنى المراتب التى هى المادة الأولية، إلى المرتبة الثانية التى تمثلها الطبيعة. هذه "صورة مادية كامنة فى المواد الأولية". وإذن فهذا اتفاق فى تعبير واحد عن المصدرين العربى واليونانى. فأعلى مراتب الموجودات يرتفع عن الموجودات المختلفة (أى ينفصل عن أى مادة). المادة هى المكان أو الوعاء (محل) الصورة. يقول ابن سينا: "إذا كانت المادة بذاتها وعاء بدون أى تركيب، فإنها تسمى مادة أولية صرف أو الهيولى المطلقة" (النجاة، ص 300)، فالهيولى أو المادة) والصورة نقيضها المتلازم هما المصطلحين المستخدمين للتعبير عن الشئ المادى الأرسطوطاليسى أو بالأحرى الشئ المادى المعاد تركيبه فى رسائل الأفلاطونية المحدثة. فالمادة توجد من أجل الصورة، وفى الموجودات المادية الصورة لأجل المادة (انظر الفارابى، المدينة الفاضلة، نشرها دميتريص، ليدن 1895، ص 20 - 21؛ المصطلح المستخدم هو المادة، ولكن فى مثال واحد، المادة والهيولى متشابهين فى رسالة معانى العقل، ص 46). وفى سياق آخر يؤكد ابن سينا على أن تفاعل المادة والصورة يعطى الأولية للصورة. "فمن الخطأ القول بأن المادة هى بطريقة ما سبب الصورة. فالصورة بمفردها بواسطة أى مادة توجد بالضرورة". (الشفاء، الإلهيات، ص 85) ويستتبع ذلك القول بأن الصورة سابقة على المادة (هيولى)؛ وليس أنها دائما توجد بالقوة من ذاتها، بل

المصادر

(بالتركيب)؛ أنها (أى الصورة) بالفعل فقط بواسطة المادة (المصدر السابق، ص 88). وفى الصفحة التالية ص 89 من الاهيات الشفا يقول ابن سينا "توجد الصورة فقط فى المادة "هيولى. ويجب أن نذكر هنا أن عالم "الصور المادية" هو تعبير شائع، ليس قاصرًا على العالم المادى. فالمادة الأولية، هيولى، يمكن أن تستقبل صورًا أكثر من أى شئ مادى (الإشارات، ص 98). يمكن أن نعطى العديد من المراجع للفلاسفة. يجب أن نذكر أن عند ابن سينا (رسالة الفكر الأرسطوطالية متأثرة برأى الأسكندر الأفروديسى) فكرة (العقل المادى)، العقل الهيولانى، يعتبر كقوة خالصة مقابل كل المعارف، ولهذا يسمى كذلك لأنه، مشابهة للمادة الأولية، التى لا تمتك بذاتها أى صورة، بينما هى موضوع كل الصور الموجودة" (النجاة ص 165). لا يوجد هذا التعبير عند الكندى، أو رسالة معانى العقل للفارابى، ونجدها مرة أخرى عند ابن رشد. 5 - لكى نوضح فكرة "المادة" نجد أن علم الكلام عادة يستخدم كلمة مادة. ومع ذلك تتردد مرارا كلمة هيولى عند الأشاعرة ومتأخرى الماتريدية الذين يلخصون ويفندون الفلسفة. وبدءًا منهم يتحول مصطلح المادة إلى المعجم الفلسفى العادى. المصادر: (1) لويس ماسينيون: مأساة الحلاج، باريس 1922 م، فقرة 130. (2) جواشون (أ. م): معجم المصطلحات الفلسفية لابن سينا، باريس 1938 انظر 736 - 738، 439 جـ 2. (3) أبو ريدة (د. محمد عبد الهادى): رسائل الكندى، القاهرة 1369 هـ - 1950 م؛ مقدمة رسالة فى العقل خاصة ص 319 - 331 (4) كوربان (هنرى): التخيل المبدع فى تصوف ابن عربى، باريس 1958، ص 220 جـ 1. (5) كوربان (هنرى): تاريخ الفلسفة الإسلامية، باريس 1964 ص 196، 308 - 310. د. مرفت عزت [لويس جاردى G. L. Lewis]

و

و

الواثق بالله

الواثق باللَّه هو أبو جعفر هارون بن المعتصم، خليفة عباسى، وسمى هارون على اسم جده هارون الرشيد، وكانت أمه جارية يونانية، وقد بويع بالخلافة فى اليوم نفسه الذى مات فيه أبوه المعتصم باللَّه فى 18 ربيع الأول سنة 227 هـ/ 5 يناير سنة 842 م. وكان أبو حرب المعروف بالمبرقع (لوضعه حجابا على وجهه) المطالب بعرش بنى أمية قد سبب اضطرابات خطيرة قبل وفاة المعتصم فى فلسطين ولم يستطع رجاء بن أيوب الحضرى الذى أرسله المعتصم لقمعه أن يحرز نجاحا كبيرا فى مهمته فى بداية الأمر، وبعد موت المعتصم وتولى الواثق أصبحت دمشق أيضا مسرحًا لاضطرابات خطيرة واستطاع الثوَّار محاصرة الحاكم العباسى فى القلعة وعسكروا فى مرج راهط وهو سهل يقع إلى الشرق غير بعيد عن دمشق، واستطاع رجاء تشتيت شملهم ثم توجه إلى فلسطين لقمع الاضطرابات هناك، ووجه اهتمامه للمبرقع الذى كان عدد من أتباعه قد انفضوا من حوله لاقتراب موسم بذر الحقول، فأوقع به الهزيمة وقبض عبيه. وسبب البدو المحيطون بالمدينة المنوّرة اضطرابات ومشاكل للخليفة الجديد، ونهب بنو سليم أسواق الحجاز فأرسل لهم والى المدينة جيشا كبيرا بقيادة حمّاد بن جرير الطبرى لاقى الهزيمة وقُتل. فأرسل الواثق جيشا بقيادة قائده المحنك بُغا الكبير فى شعبان سنة 230 هـ/ أبريل - مايو 845 م فدخل

المصادر

المدينة وهزم بنى سليم وأخذهم أسرى ثم أدى فريضة الحج وبعد عودته من مكة المكرمة توجه لبنى هلال الذين كانوا قد شاركوا فى الاضطرابات فقبض على جانب منهم وسجنهم فى المدينة وعفا عن آخرين منهم، ثم وجه بُغا اهتمامه إلى بنى فزازة الذين كانوا قد حاصروا فدك وبمجرد ظهوره ولّى الفزاريون الأدبار وتركوا المدينة (فدك)، وكان ذلك سنة 231 هـ/ 845 - 846 م. وفى العام التالى كان على بُغا أيضا أن يحارب بنى نمير فى اليمامة وقمعهم بعد مصاعب جمّة. وشهد عهد الواثق أيضا اضطرابات أثارها الخوارج وأخرى أثارها الأكراد. وتوفى الواثق فى 13 ذى الحجة سنة 232 هـ/ 10 أغسطس 857 م , وهو ابن الثانية والثلاثين، وإن ذكر بعض الباحثين أنه مات وهو ابن أربع وثلاثين أو ست وثلاثين. ولم تكن له مواهب الحاكم العظيم ولم تشهد فترة حكمه أحداثا مهمة، ومع أنه عامل العلويين بكرم وأغدق على فقراء مكة والمدينة وشجع الشعراء والمغنيين إلا أن شخصيته لم تجعله محبوبا بدرجة كبيرة. وكان معتزليا فاضطهد السنّة، وقد خطط أحمد بن ناصر بن مالك الخزاعى لخلع الخليفة ووضع حد لعجرفة قواده الأتراك، لكن الخطة كشفت، وتم إعدام الخزاعى. المصادر: (1) الطبرى: تاريخ الرسل والملوك، تحقيق De Goeje ليدن 1879 - 1901 م. (2) ابن الأثير: الكامل، تحقيق Tornberg ليدن 1851 - 1876 م. (3) المسعودى، مروج الذهب باريس 1861 - 1877 م (4) الأصفهانى، الأغانى بولاق 1285 هـ. (5) Geschichte der Chalifer, II, 337 - 346: Weil د. عبد الرحمن الشيخ [ك. ف. تسترستين K.V. Zettersteen] واحدى اسم لأسرة حاكمة فى جنوب شبه الجزيرة العربية حكمت أكثر من ثلاث سلطنات هى: بير على عماقن، وبال

حاف عزان، وحبان، وقد قسم الباحث ملتزان H.V. Maltzan - بعد بحث- كل المنطقة التابعة لهذه الأسرة الحاكمة إلى قسمين: واحدى الدنيا على الساحل من خط طول 48 إلى 48.30، وعند خط طول 14 شمالا، وواحدى العليا من خط طول 47 إلى 47.40 شرقا ومن خط عرض 14.20 إلى 14.58 شمالا. وقد جعل الباحث لاندبرج C.V.Landbevg رأس القسيم فى الغرب، والحصا الحمرا فى الشرق كحدود للمنطقة الساحلية. وعلى هذا فبلاد أسرة الواحدى الحاكمة كانت تقع بين العوالق والقعيطى، وأهم مناطق واحدى الدنيا هى وادى ميفع الذى يصل إلى البحر على مسافة ساعة إلى الشرق من رأس القسيم ويمثل المجرى الأدنى لوادى حجر وأهم مواضعه جول الشيخ، وقد قسمت المنطقة الساحلية بين سلطانى: بير على عماقن، وبال حاف عزان إذ كان الأول يحكم المنطقة بين حصا الحمرا وقنة رأس الرطل، بينما يحكم الأخير من رأس الرطل القسيم. وكان وادى ميفع تابعا لسلطان بال حاف الذى كان يقضى فترة الصيف فى عزان، وأن كان لسان بير على أرض هناك أيضا، وأهم الموانئ هى بير على التى كانت تستخدم صيفا والمجدحه التى كانت تستخدم شتاء. وبالنسبة للواحدى العليا فكانت تضم وادى عماقن مع والحوطة (مستقلة) ووادى تير، وشعيب، والحناكة، وسلمون، والهدى وحبان فتنتشر فيها قبائل بدوية: نعمان، وسعد، ونمارا، وقبائل حميدية: باعوضه، وآل أحمد، وآل باسرده، والقموش، والذياب، والأودية هنا خصبة ومثمرة ويزرع فيها النخيل والحبوب والقطن والتيلة والتمباك، ويتم تصنيع النسيج خاصة فى الحنطة، ومن آثار الدولة السبئية هنا حصن الغراب ونقب الهجر. وفى سنة 1870 م دخل الترك فى مفاوضات مع سلطان هادى ليتنازل عن ميناءى بير على والمجدحة لكن المفاوضات فشلت بسبب التدخل البريطانى، لكن نفوذ عزت باشا كان قويا فنجح بعد ذلك فى اتباع السلطان

المصادر

المحلى سنة 1882 م وبالفعل تم رفع العلم العثمانى، وكان يدعى للسلطان العثمانى فى خطبة الجمعة لكن فى 30 إبريل 1888 م وقعت السلطات البريطانية معاهدات حماية مع سلطان بال حاف وسلطان بير على تعهد فيها السلطانان -نظير مبلغ سنوى- ألا يدخلوا فى اتفاقات أو تحالفات مع أى قوى خارجية دون موافقة السلطات البريطانية، وتم تجديد هذه الاتفاقات فى 15 مارس 1895 م، وفى أول يونيو 1896 م ثم تم إلحاق هذه السلطات بحمية عدن البريطانية (¬1) المصادر: (1) J.R. Wellsted's: Reiscn in Arabien, ed. E.Rodiger, Halle 1842, i. 283 qq, 322 sqq (2) C.Ritter: Die Erdkunde von Asien. Reise in Hadhramaut, ed (3) H. v. Maltzan: Braunschweige 1873, p.160 sqq (4) H.v Maltzan: Riutnach sudarabien, Braunschweig 1873, p. 221 sqqi (5) C. Landberg: Arabica, iv., Leyden 1897, p. 67 د. عبد الرحمن الشيخ [أ. جرومان A. Grohmann] وادى حلفا أو حلفا مدينة على خط عرض 21.55 شمالا وعلى خط طول 31.19 شرقا على الشاطئ الشرقى للنيل إلى شمال الشلال الثانى بخمسه أميال، وتبعد عن القاهرة حوالى 770 ميلا، وكانت عاصمة لمديرية تحمل الاسم نفسه (حلفا) ويقال إن رأس الملك الأثيوبى يوحنا مدفونة هناك، ويرجع اسم حلفا إلى أعشاب الحلفا التى تنمو بوفرة هنا، وكانت هذه المدينة تسمى أيام الفراعنة بهن Buhen، وفى مواجهة المدينة (على الشاطئ الغربى للنهر) توجد بقايا قلعة فرعونية ترجع للدولة الوسطى الفرعونية. المصادر: (1) Baedeker: Egypt and the Sdan (1929) ¬

_ (¬1) وجرى على هذه المناطق المسار التاريخى نفسه لعدن ثم لليمن الموحدة بعد ذلك] (المترجم)

المصادر

(2) Wallis Budge: The Egyptian sudan; i. 77' do., By Nile and Tigris (index)' Reinaud, Geogr. d'Aboutfeda, ii, 139 (3) C.H. Gordon, Fournals, p. 54, 137 د. عبد الرحمن عبد اللَّه الشيخ [ج. والكر J. Walker] وادى القرى بين العلا والمدينة المنورة على الطريق التجارى بين الشام وجنوب شبه الجزيرة العربية، وغالبا ما يطلق عليه وادى ديدبان، وهو عبارة عن بطنين جافين لواديين يلتقيان فى المنتصف هما وادى الجزل من الشمال ووادى الحمد من الجنوب الذى يهبط من قرب المدينة إلى قرية الحناكية ويتخذ مساره بين جبل حمزى أو أحد والمدينة المنورة. وعند منتصف المسافة بين العلا والمدينة المنوّرة يتصل بوادى السلسلة الذى يربطها بخيبر. وتوجد نقوش معينية فى منطقة العلا بوادى القرى وقد أشار إليها ياقوت باسمها القديم ديدان، ويربط الإخباريون بين هذه المنطقة والنبى هود وشعب عاد. المصادر: (1) ياقوت الحموى، معجم البلدان عبد الرحمن عبد اللَّه الشيخ [أدولف جرومان Adolf. Grokmann] وادى نون وكان يسمى وادى نول، وهو سهل واسع فى جنوب غرب مراكش تكون بفعل الطمى الذى جلبه عدد من المجارى المائية أهمها مجرى وادى صياد ومجرى وادى أم القشر اللذان يتحدان ويكونان مجرى وادى أساكا الذى يصل البحر مارا بممر ضيق يحمل الاسم نفسه. وفى وادى نون عدد من الواحات وقرى كبيرة مثل جليمم وقصابى وتلون (بكسر التاء واللام) وفسك ودبيان وتغمرت وأسرير ووعرون وأبود - (بفتح الباء وتشديدها). . . الخ التى تعتبر مراكز تجارية لبدو الصحراء، ويقطن قرى الوادى وواحاته عناصر بربرية عربية معظمها ينتمى إلى قبائل: معقل (بكسر القاف) ولمطه (بفتح الطاء) وقليل منهم من الجزولة وصنهاجة. وقلما يتعرض مؤرخ أو جغرافى للمغرب الأقصى دون

التعرض لوادى نون فأهميته تعود إلى أنه يضم مجموعة غنية من الواحات كانت -عبر القرون- حلقة وصل مع أدرار الموريتانية والسنغال، بالإضافة لمناطق منحنى النيجر، كما أنها عند مخرج أيسر الطرق بين الصحراء والمنحدرات الشمالية لجبال أطلس بالإضافة لقربها من المحيط مما مكن أهل الوادى من الدخول فى فترات مختلفة فى علاقات تجارية مع أوربا مما جعلها قادرة على تأمين تصدير منتجات غرب أفريقيا. وكان وادى نون فى وقت من الأوقات منطقة دغوية واسعة، ويستفاد من المرويات الشعبية المحلية أن اسمه كان وادى نون، ويربطة اليهود ببعض الحكايات التورانية، ويقولون أيضا إن الحوت الذى لفظ يونس Jonah لفظه على ساحل الوس، كما يربطون الوادى بحكايات عن يوشع بن نون. وفى القرن السابع كان بربر لمطة يمتلكون واحات الوادى، وفى وسعنا أن نتصور أن إسلامهم كان بسبب حملة عقبة بن نافع، كما كان بسبب حكم عبد اللَّه بن إدريس المستقر فى السوس، وقد كانت قبائل لمطة بدوية لكنهم استقروا فى مدن فى القرن العاشر ومن مدنهم نول لمطة التى يبدو أنها كانت تشغل موقع قرية أسريد الحالية. وقد غزا المرابطون نول لمطة فى القرن الحادى عشر وأسسوا فيها دارا للسك وجعلوها مركزا لنشاطهم وقد خدمت قبائل لمطة دولة المرابطين بإخلاص شديد، وثاروا بشدة أيام الموحدين وأدت ثوراتهم إلى مذابح شديدة، وفى سنة 1218 م وصل عرب معقل (بكسر القاف) لوادى نون وسيطرت إحدى قبائلهم وهى قبيلة ذوى حسان على الوادى ومن يومها أصبح دور بربر لمطة ثانويا. وفى هذه المرحلة فقدت نول أهميتها وحلت محلها تجوس Tagost بمثابة ميناء للصحراء (تجوست هى قصابى الحديثة) وعرف الأوروبيون وادى نون لفترة طويلة باسم وادى قصابى أو قصابى. وفى القرن الخامس عشر بدأت الحملات من كنارى إلى سواحل أفريقيا للحصول على العبيد ووصل

المصادر

بعضها إلى تجوست وتم تأسيس عدد من الحصون الإسبانية كان أحدها قريب من وادى نون وكان هذا الحصن يحمل اسم دى ساسا Miguel de Sasa، وصار المبشرون يصحبون هذه الحملات، وبعد قيام الدولة السعدية تم طرد المحتلين الأسبان وأيد أهل وادى نون هذه الدولة بشدة لتحريرها أرض المسلمين. المصادر: (1) R.Adams: he Narrstiue o f Robert Adams. London 1816 (2) J.Rilley: Loss of the American brig Commerce, London 1817 (3) F.D.B.: Naufrge du brick la Nossa Senhora-da Conceicao, in la fond, Voyages autour du monde et naufrages celebres, Paris 1844 - 1847, vol, viii (4) Cochelet: Naufrage du brick francais la Sophie, Paris 1821 (5) Davidson: Notes taken during Travels in Africa, London 1839 (6) Panet: Relation d'un voyage du Senegal a Soueira, in Rev marit. et colon, 1850 (7) Bou el Moghdad: Voyage par terre entre le Sinegal et le Maroc, in Rev. marit. et colon ., May 1861; El Uad Nun y Tekna segue Gatell, in Rev. geograph. commercial, 1865 د. عبد الرحمن الشيخ [ف. دى لاشابل F. Dela Chpelle] واسع على واسع عليسى أو على، مؤلف وشاعر وخطاط وعالم عثمانى، اسمه بالكامل علاء الدين على جلبى (شلبى) ابن صالح أو صالح زاده الرومى، عرف باسم عبد الواسع عليسى أو واسع عليسى نسبة إلى المدرس مولانا عبد الواسع الذى كان يلازمه. اشتغل واسع بالتدريس فى عدة مدارس فى بروصة وأدريانبول، واستانبول، ثم عمل بالقضاء وتوفى فى بروصة سنة 950 هـ وترجع شهرته لترجماته الرائعة الذكية التى فاقت فى روعتها الأصول التى ترجم عنها (كان يترجم من الفارسية للتركية)، كم ترجم من العربية كليلة ودمنة. د. عبد الرحمن الشيخ [ت. منزل TH. Menzel]

واسط

واسط تقع فى وسط العراق وكانت فى فترة من الفترات من أهم مراكزه. وقد أنشأها الحجاج بن يوسف الثقفى سنة 83 هـ/ 702 م أو 84 هـ/ 703 م على خلاف بين المؤلفين العرب، وربما كان ياقوت الحموى على حق فى قوله إن إنشاءها استغرق عدة أعوام من 83 إلى 86 للهجرة (702 - 705 م) ومن المؤكد أن الحجاج أقام فى مدينته الجديدة هذه قبل عام 84 هـ. وكان دافع الحجاج لإنشائها هو أن يجعلها معسكرا ثابتا ودائما لكتائب العسكر الشوام الذين كان يعتبرهم أفضل عسكره -لرفع روحهم المعنوية وليعزلهم عن العسكر العراقيين تجنبا للصدام بينهما، كما كانت مركزة القوات فى واسط تهدف إلى كبح جماح التمرد العسكرى- فى حالة حدوثه فى كل من الكوفة والبصرة (انظر فى هذا: mUller: Der Islam in Morgan und Abend lande. Berlin, 1885 - 1887, 1, 394 Welhausen: Das Arahische Reich und sein Sturz. Berlin. 1902. P. 156 وثمة هدف ثالث لإنشاء واسط وهو السيطرة على المناطق البعيدة نسبيا. والروايات المتواترة تفيد أن الحجاج هو نفسه الذى أطلق اسم واسط على هذه المدينة لوقوعها بين الكوفة والبصرة، ولأن المسافة بينها وبين الأهواز (الأحواز) عاصمة خوزستان لا تبعد كثيرا عن المسافة بينها وبين الكوفة أو البصرة. لكن هناك روايات أخرى تؤكد أنه كانت توجد بالفعل قرية اسمها واسط القصب فى الموقع نفسه الذى اختاره الحجاج لمدينته الجديدة. وفى الشرق الإسلامى -خاصة حيث يسود استخدام الأسماء العربية- نجد أكثر من عشرين مدينة وقرية تحول الاسم نفسه (واسط) زمن العباسيين، إلا أن أهمها جميعا هى واسط التى أنشأها الحجاج بن يوسف الثقفى لذا فهى تسمى أحيانا واسط العظمى أو واسط العراق تمييزا لها عن المدن التى تحمل الاسم نفسه، وقد تم تشييد واسط على الشاطئ الغربى لدجلة، وكان ثمة مدينة مأهولة بالسكان فى الفترة الساسانية بالقرب

من الموقع الذى أسست فيه واسط فيما بعد، وكانت هذه المدينة الساسانية -واسمها كسكر- تقع على الشاطئ الشرقى للنهر. وقد تكلف إنشاء واسط مبالغ طائلة وتم إنشاء قصر للحجاج كانت تعلوه قبة خضراء، وقد حذا الخليفة المنصور العباسى -فيما بعد- حذو قصر القبة الخضراء هذا عندما شيد قصره فى بغداد بل وسمّى قصره بالاسم نفسه (قصر القبة الخضراء). وأسس الحجاج إلى جوار قصره مسجدا جامعا، وفعل الخليفة العباسى آنف الذكر -فيما بعد- الفعل نفسه. ولابد أن نذكر أنه من بين المبانى التى أنشأها الحجاج فى واسط ذلك السجن الكبير الذى أطلق عليه سجن الديماس Dimas والكلمة يونانية وتعنى السجن. وقد مات الحجاج فى سنة 95 هـ/ 714 م بواسط ودفن بها. وفى بداية الأمر لم يكن الحجاج يسمح إلا للعرب بسكنى مدينته الجديدة هذه، وكان يفضل الشوام بطبيعة الحال، لكنه بعد ذلك وطّن فيها أتراك ما وراء النهر، خاصة الذين ترجع أصولهم إلى بخارا الذين كانوا يقيمون فى البصرة. وبعد وفاة الحجاج سُمح للسكان الآراميين من أهل البلاد وللفرس بالقدوم لواسط والاستقرار بها، وبمرور الوقت اختلطت الأعراق المختلفة، وأصبحت واسط العربية وكسكر -بالتدريج مدينة واحدة ربطت بينها المصالح السياسية والاقتصادية. وطوال عهد الدولة الأموية كانت واسط هى أهم مدن العراق وبها مقر الوالى وحكومته إلا أن الأمر اختلف فى السنوات الأخيرة من الحكم الأموى فلما سيطر العباسيون انتهى العصر الذهبى لواسط كمركز للحكم لكنها لم تفقد أهميتها بسبب موقعها الاستراتيجى الخطير، فقد ظلت تلعب دورا مهما فى التازيخ السياسى والعسكرى للعراق الأوسط والجنوبى خاصة بالنسبة لمنطقتى البطيحة وميسان. ولقد لعبت واسط فى القرن الخامس عشر للميلاد دورا مهما بسبب نشاط أسرة المشعشع، لكن المدينة بدأت فى الانهيار تدريجيا بعد هذا القرن (الخامس عشر) نتيجة تغيير توزيع المياه بين ذراعى

النهر عند انشعاب دجلة القديم عند منطقة كوت العمارة. وقد أشار الجغرافى التركى حاجى خليفة الذى عاش فى النصف الأول من القرن السابع عشر للميلاد فى كتابه جيهان نوما أن واسط كانت تقع على أيامه فى وسط منطقة صحراوية وأنها كانت مشهورة بالأقلام المصنوعة من البوص الذى كان ينمو على ضفاف قناة هناك. أما عن سكان واسط فقد كان عددهم كبيرا فى فترة ازدهارها، فياقوت الحموى الذى تردد على واسط أكثر من مرة فى القرن الثالث عشر الميلادى يذكر لنا أنها حتى هذه القرن كانت مدينة عامرة بالسكان، وكان ملاك الأراضى الفرس (الدهامية) حتى أيام ياقوت يعيشون فى مدينة كسكر القديمة وقد ظل النصارى يشغلون الأماكن نفسها التى كانوا يشغلونها فى كسكر أثنا الحقبة الساسانية ولم يتم إبعادهم فى العصور الإسلامية. وقبل الفتح الإسلامى للعراق شهدت المنطقة مستقرات يهودية وقد شاهد الرحالة اليهودى بنيامين الذى زار بابل حوالى سنة 1170 م مجتمعا يهوديا قدره بحوالى 10.000 يهودى كانوا يعيشون فى حى خاص بهم، وكذلك كان هناك يهود فى البصرة فيما يقول هذا الرحالة نفسه. ويقال إن المنطقة التى أسست فيها واسط لم تكن خصبة قبل إنشاء المدينة فقد عمل الحجاج على تحسين التربة وتحسين ظروف البيئة ومن ثم فقد كان يُنظر لمناخ واسط كمناخ طيب وأكثر فائدة للصحة من مناخ البصرة. فبفضل جهود الحجاج أصبحت واسط مدينة عامرة بالبساتين والنخيل وكانت تمد المناطق المجاورة بالقمح، وقد تعرض لازدهار المدينة فى مراحل مختلفة عدد كبير من الجغرافيين المسلمين كالاصطخرى وابن حوقل والمقدسى وياقوت والقزوينى وابن بطوطة. وكانت واسط أيضا مركزا مهما للمواصلات وهذا عائد فى جانب منه لموقعها على دجلة ولموقعها وسط العراق ولمرور طرق مهمة عبرها خاصة

الطرق التى تؤدى للشمال والجنوب والشرق، فثمة طريق من واسط إلى بغداد، وطريق من واسط مارا بالبطيحة إلى البصرة، وطريق إلى الأهواز (خوزستان) ومن هنا كانت واسط -فيما يقول المقدسى- مركزا تجاريا مهما، إذ كان بها سوق عامر بالبضائع، كانٍ من بينها المنسوجات التى كانت تصنَّع فى واسط كما لعبت صناع بناء السفن دورا مهما فى نشاط أهل واسط ولازال العراقيون يطلقون لفظ الواسطى على نوع من القوارب. واحتلت واسط مكان كسكر القديمة كمركز لاثنى عشر قسما وكان الساسانيون قد حددوا هذه التقسيمات (الأقسام) بغرض جمع الضرائب. وكانت واسط على أيام المقدسى مركزا مهما لقراء القرآن الكريم والفقهاء وأشار ابن بطوطة الذى كان فى واسط فى النصف الأول من القرن الرابع عشر بتقوى سكانها وإتقانهم حفظ القرآن الكريم كما كانوا يدرسون علم التجويد بحماسة فائقة ويُعد إسماعيل بن على الواسطى المتوفى حوالى 1291 م من أشهر مجودى القرآن الكريم وقد قضى الحلاج الصوفى المشهور والمولود فى فارس شبابه فى واسط كما أن أبا حاتم القرمطى ظهر أول ما ظهر فى سواد واسط سنة 295 هـ/ 908 م. وشهدت واسط نفسها كتابة تاريخها وتاريخ البطيحة الملحقة بها، فقد كتب إسلام بن سهل (توفى 904 م) تاريخا محليا يشتمل فى غالبه على تراجم، ويعتبر كتاب ابن المغازلى الجلابى (المتوفى 1239 م) استمرارا له وقام عبد الرحمن محمد بن سعيد الذهبى الدبيثى (توفى 1239 م) بإعداد ملحق لهذا الكتاب الأخير. وكتب ابن أبى العباس أحمد بن بختيار (المتوفى 1157 م) وهو من أهل واسط تاريخا محليا للبطيحة. وعن تاريخ دار سك العملة فى واسط فإن لدينا عملة تعود لتاريخ إنشاء المدينة حتى الفترة المغولية. إلا أن موقع مدينة واسط لازال مجال نقاش ذلك أن تحديد موقعها بدقة

يعد من أعقد المسائل كما أن من أهم القضايا التى شغل المؤلفون فى مضمار الجغرافيا التاريخية فى العصور الوسيطة أنفسهم بها. فنحن نعرف بشكل محدد أن واسط كسكر، وهى المدينة التوأم لواسط العظمى تقع على شاطئ دجلة المواجه لها، وكل الجغرافيين العرب من القرن التاسع إلى القرن الثالث عشر يوافقون على ذلك، فلابد إذن لتحديد موقع واسط العظمى أن نعرف مجرى نهر دجلة فى العصور الوسطى، ولابد من الإشارة إلى أن فرع دجلة الذى كانت تقع عليه واسط قد بدأ يتضاءل تدريجيا منذ القرن الخامس عشر ليصبح فرعا ثانويا لأن كم المياه الضخم كان قد بدأ يتحول تدريجيا أدنى كوت العمارة إلى المجرى الشرقى فأصبح بالتالى -هو المجرى الأدنى الحقيقى لنهر دجلة. وعلى هذا فإن شط الحيى (وهو شط الغرّاف) الذى يتفرع عند كوت العمارة إلى الجنوب الشرقى من المجرى الرئيسى هو -كما يقال عادة- كان هو المجرى الرئيسى لنهر دجلة فى العصور الوسطى، وهو يتشعب مرة أخرى إلى الأدنى من كوت الحيى إلى فرعين أحدهما يطلق عليه الآن أبى جهيرات وهو الفرع العامر بالمياه، وثانيها وهو الذى يقع ناحية الشرق يسمى شط الأعمى، ويتحد الفرعان مرة أخرى عند قرية الشيخ خضر (بفتح الخاء) أو خضير (بكسر الخاء) ويكون بينهما جزيرة يبلغ طولها ثلاثين ميلا تسمى -على الخرائط- جزيرة الهيرات، ويقول الباحث هرز فلد Herz feld أن شط الحيى تشكل مشكلة كبيرة فى جغرافية العراق القديم فهل هو نهر دجلة الوسيط (فى العصور الوسطى) حقا أم مجرد فرع ثانوى؟ ربما كان علينا أن ننظر إليه كقناة تم حفرها فى العصور القديمة لربط دجلة بالفرات. والقليل الذى قدمه لنا الرحالة الأوروبيون عن بقايا (خرائب) واسط يناقض القول بأنها كانت تقع على شاطئ فرع شط الحيى، وبالتالى تتناسى النظرية القائلة بأن شط الحيى كان هو المجرى الرئيسى لدجلة فى العصور الوسطى. ولسوء الحظ فإن قناة شط الحيى والنظام النهرى للفرع الذى يحمل

الاسم نفسه خاصة بالنسبة للمنطقة الواسعة بينه إلى الغرب ودجلة إلى الشرق والفرات إلى الجنوب لم تدرس بعد الدراسة الكافية من وجهة نظر جغرافية كما أن الخرائط التى روجعت عن واسط يعتريها قصور شديد وقد اعتمدنا على المراجع التالية لمناقشة هذا الموضوع: F. R. Chesney: The expedition for the Sarvey of the riuers Euphrates and Tigris London, 1850. Arlas, Pl. no IX Schau: Am Euphrat and Tigris (leipzih, 1900) Plate ll Lowev: Mesopotameg between Bagdad and Persiam Gulf . . إلخ وزار عدد من الرحالة الأوروبيين الموقع الفعلى لواسط العصور الوسطى فى القرنين التاسع عشر والعشرين، إلا أن تقاريرهم عنها كانت موجزة جدا. وأول الرحالة الذين قيل إنهم توقفوا فى واسط الضابطين الإنجليزيين أورمسبى Ormbsby وإليوت Elliot الذين زاراها سنة 1831 م، ويقال إن كولديج R.Koldeweg وموريتس B.Moriz قد زارا واسط أثناء عملهما فى بعثة أثرية جنوب بابل 1886 - 1887 م لكنهما لم ينشرا شيئا عن ملاحظتهما هناك. كما زارها الكونت إيمار دى ليدكيرك Aymar de Liedkerke - Beaufort الذى مات بعد ذلك أثناء الحرب سنة 1916 - وذلك ضمن بعثة أثرية فى الفترة من 1913 م إلى 1914 م ونشر بحثه القيم فى باريس سنة 1922 م، ومما يؤسف له أنه لم يضمن بحثه خريطة. ومن كتابات هؤلاء الرحالة نخلص بالآتى: - المجرى القديم الجاف لفرع النهر يمكن تتبعه لعدة أميال قليلة إلى الأدنى من كوت العمارة، وهو يجرى جنوب الجنوب الشرقى عبر خرائب، واسط ثم يستمر فى الاتجاه نفسه حاملا اسم شط إبراهيم ويتصل بالفرات بين شط

المصادر

الحيى والقرنة، وعلى هذا فهذا المجرى كان هو دجلة الأصلى فى العصور الوسطى وعلى شاطئه كانت تقع واسط، وذلك بسبب اتساع قاعه وكثرة الخرائب على جانبيه خاصة وأن هناك بقايا أثرية لمبان ذات قباب تتفق طرزها مع طراز البناء المقبب فى الفترة الأموية والعباسية. ووفقا لتقديرات دى ليديكرك فإن واسط تقع إلى الغرب من كوت الحيى بخمسة وعشرين ميلا، ولابد أن يكون تقديره خاطئا، أو أنه على أحسن الفروض سهو لأن واسط لابد أن تكون إلى الشرق من كوت الحيى لا إلى الغرب منه. لقد استقر الرأى بين الباحثين إذن على أن واسط فى العصور الوسطى كانت تقع على شط الحيى أو على الأقل بالقرب منه، والجغرافيون العراقيون المحدثون يذهبون هذا المذهب، ومن هؤلاء هاشم السعدى وعبد الرزاق الحسنى. المصادر: وردت بالمتن. د. عبد الرحمن الشيخ [م. ستريك M. Streck] واصف هو أحمد واصف مؤرخ الدولة العثمانية الرسمى الذى دخل فى خدهة السلطات العثمانية فى وقت مبكر من حياته فعلى سبيل المثال عمل فى خدمة كل من أحمد باشا كما عمل كأمين لكتبة أباظة محمد باشا. أسره الروسى وبدأ نجمه يلمع عندما أرسلت كاترين معه خطابا للصدر الأعظم، وأخيرا عمل كسكرتير ومسئول وثائق فى بوخارست سنة 1772 م وفى ذى الحجة 1197 هـ/ أكتوبر 1783 م عُين كمؤرخ رسمى للدولة العثمانية كلها (شغل منصب وقائع نويس) وحل بذلك محل إنورى أفندى، وبعد ذلك بخمس سنوات أرسل فى مهمة غير عادية إلى مدريد، وأثناء الحرب التركية الروسية عزل من منصبه -وكان غائبا فى مهمته فى مدريد- وأعيد تعيين إنورى أفندى كمؤرخ رسمى للدولة العثمانية. وعندما عاد أحمد واصف من مهمته فى مدريد حزن لفقدان منصبه، ولم يعد له دور مهم حتى سنة 1205 هـ/ 1791 م إذ قام بدور مهم فى مفاوضات الصلح

المصادر

ثم نجده يعيش وحيدا بائسا فى استانبول ثم منح بعد ذلك سنة 1213 هـ/ 1798 م مرة أخرى منصب المؤرخ الرسمى للدولة العثمانية، بل وأنعم عليه بلقب ريّس أفندى وتدهورت صحته بعد دلك فمات فى السابع من ربيع الأول سنة 1221 هـ/ 24 مايو 1806 م. ومن كتبه (محاسن الآثار وحقائق الأخبار) الذى يتناول الأحداث من 1166 هـ إلى 1188 هـ (1752/ 1774 م)، وتحمل كتبه كلها كلمة "ذيل" فى عنوانها لأنها بمثابة تكملة لكتابات عزِّى، وقد كتب واصف دراسة عن الحملة الفرنسية على مصر، كما ترجم بعض كتابات الزمخشرى للتركية. المصادر: (1) v. Schlechta-Wssehrd: Die osmanischen Geschichtsschreober der neuren Zeit (reprint from vol. viii. of . the Denks. Ak. Wien, Vienna 1856), p. 5 - 6 (2) F. Babinger, G. 0. W., p. 335 - 337 (with a list of manuscript, sprinted texts, separate editions and translations of the works of Asif W د. عبد الرحمن الشيخ [فرانز بابنجر Franz Babinger] واصل بن عطاء هو أبو حذيفة الغزّال (بتشديد الزاى) رئيس فرقة المعتزلة. لا تقدم لنا المصادر الباكرة تفاصيل كافية عن حياته، وحتى المعلومات القليلة المتوفرة لنا عن حياته لا تخلو من تضارب. ولد واصل فى المدينة المنوّرة سنة 80 هـ/ 699 م وهو من موالى ضبة أو مخزوم، هاجر إلى البصرة وداوم على الحضور فى حلقة الحسن بن الحسن البصرى وارتبط بعلاقات صداقة مع بعض العلماء والشعراء المعروفين كجهم بن صفوان، وبشار بن برد، ومع هذا لم تخل علاقته بهم من خلاف، وقد تزوج واصل من أخت عمرو بن عبيد، أبو عثمان وكان -كواصل- من أوائل المعتزلة. وكان واصل الثَغّ لا يجيد نطق حرف الراء لكنه بفضل امتلاكه لناصية اللغة تمكن من أن يتحاشى هذا الحرف فى حديثه، كما كان به عيب خلقى فى

المصادر

رقبته إذ كان يشبه رقبة الزرافة، وقد استغل صديقه السابق بشّار هذا العيب فيه فضمنه بعض أشعاره التى يهجوه فيها، ولم يكن واصل غزّالا ولكنه اكتسب هذا اللقب لكثرة تردده على سوق الغزالين لتوزيع الصدقات على النسوة الفقيرات اللائى امتهن مهنة الغزل. ويقال إن عدم اتفاق وجهة نظر واصل بن عطاء مع وجهة نظر الحسن البصرى، كانت سببا فى تكوين فرقة المعتزلة، لكن أصل تسمية (المعتزلة) على أية حال لا يمكن إرجاعه لهذه الحقيقة (حقيقة اعتزال واصل مجلس الحسن البصرى). وينسب إلى واصل إنكاره لأبدية صفات اللَّه عز وجل وقوله بأن الإنسان مخيّر وهو فى هذا متفق مع القدريّة، وقال بأن المسلم الذى يرتكب الكبيرة فى منزلة بين منزلتين لا هو مؤمن ولا هو كافر وقال بأن أحد الفريقين اللذين كان لهما دور فى مقتل عثمان رضى اللَّه عنه، وكذلك الفريقين المتقاتلين فى معركة الجمل، والفريقين المتقاتلين فى معركة صفين، لابد أن يكون فريق منهما كاذب وأنه فى حالة استنزال اللعنة على الفريق المخطئ (اللّعان) لابد أن أحد الفريقين سيكون كاذبا حانثا بيمينه. وثمة مسألة أخرى أوردها أبو الحسن عبد الرحيم بن محمد بن عثمان الخياط فى كتابه (كتاب الانتصار) وهى أن واصل كان يرى أن عقد النية على قتل صحابى هى كُفر. وبالرجوع لما كتبه الجاحظ فى كتابه البيان والتبيين عن واصل يتضح أن واصل قد خالف أهل السنة فى نقاط أكثر من تلك التى تشير إليها المراجع المتأخرة. ويقال إن واصلًا أرسل عددا من أصحابه للدعوة لمذهبه فى مناطق كثيرة من العالم الإسلامى، وتوفى فى سنة 131 هـ/ 748 م. المصادر: 1 - أبو الحسن عبد الرحيم بن محمد بن عثمان بن الخياط: كتاب الانتصار. تحقيق نيبرج Nyberg, القاهرة، 1344 هـ.

الواقدى

2 - المسعودى: مروج الذهب ومعادن الجوهر، طبعة باريس، جـ 7، ص 243. 3 - الجاحظ: البيان والتبيين، القاهرة، 1311 جـ 1، ص 8 وما بعدها. 4 - ابن قتيبة: أدب الكاتب، تحقيق جرونرت Grunert ص 15 وما بعدها. 5 - أبو الفرج الأصفهانى: كتاب الأغانى، جـ 3، ص 24، 61. 6 - عبد القادر البغدادى: كتاب الفرق بين الفِرَق، تحقيق محمد بدر، القاهرة، 1328 هـ. 7 - الشهرستانى: الملل والنحل، تحقيق كيورتون Curetan، ص 31 - 24. د. عبد الرحمن الشيخ [أ. ج. فنسنك A.J.Wensinck] الوافر البحر الرابع من بحور الشعر العربى مفاعلاتن مفاعلاتن مفاعلاتن لكن التفعيلات تختلف قليلا عند الممارسة الشعرية كالتالى: (1) مفاعلاتن مفاعلاتن، فعولن مفاعلاتن مفاعلاتن، فعولن (2) مفاعلاتن مفاعلاتن مفاعلاتن مفاعلاتن. مفاعلاتن مفاعلاتن مفاعلاتن مفاعيلن د. عبد الرحمن الشيخ [محمد بن شنب] الواقدى هو أبو عبد اللَّه محمد بن عمر، مؤرخ مسلم عربى ولد بالمدينة المنورة سنة 130 هـ، ووفقا لما ذكره الأصفهانى فى كتاب الأغانى فإن أمه هى حفيدة صائب الذى أدخل الموسيقى إلى المدينة المنورة، وقد سمى الواقدى نشبة لاسم عرف به أبوه وهو الواقد، كما لقب أيضا بالأسلمى وذلك لانتمائه بالولاء لعبد اللَّه بن بريدة من بنى أسلم المدنيين، وعندما حج هارون الرشيد سنة 170 هـ وكان بصحبة وزيره يحيى بن خالد البرمكى طلب الخليفة من وزيره أن يبحث له عن عالم خبير بالمواضع التى تذكر بتاريخ الرسول

والدى سلطان

[-صلى اللَّه عليه وسلم-] ليزورها تبركا فوقع الاختيار على الواقدى، ومرّت الأيام به فلما ضاقت به الحال ارتحل من المدينة إلى بغداد وكان هذا سنة 180 هـ وكان وقتها علما من أعلام الحديث والفقه والمغازى، ومن بغداد اتجه إلى الرقه حيث كان فيها مقر الرشيد فأكرم وفادته وأسبغ عليه، وقد وصفه ابن النديم بأنه كان يتشيع بغير غلو "كان يتشيع حسن المذهب يلزم التقية وهو الذى روى أن عليا كان من معجزات النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] كالعصا لموسى عليه السلام وإحياء الموتى لعيسى بن مريم. . " (انظر الفهرست لابن النديم، القاهرة، المكتبة التجارية، ص 150) وولى الواقدى القضاء فى بغداد فى عهدى الرشيد والمأمون، وأشهر من روى عنه كاتبه محمد بن سعد. توفى الواقدى 207 هـ/ 823 م د. عبد الرحمن الشيخ [ج. هيروفتس J. Herovitz] والدى سلطان ينطقها الأتراك فالدى أو فلدى سلطان، وهو لقب يعنى السلطانة الأم، وقد نشأ هذا اللقب فى بواكير الدولة العثمانية ليطلق على أم السلطان الحاكم، وتظل تحمله طوال حكم ابنها فقط. يذكر المؤرخ العثمانى نعيمة أن السلاطين العثمانيين -وفقا للعرف السلطانى لم يكونوا يتزوجون زواجا تقليديا وإنما كانوا يعيشون حياة التسرى (اتخاذ المحظيات)، فقد كان مسئول الجمارك (جمرك نازارى أو ناظر الجمرك) ومسئول الرقيق (يزرجى باشى) وبعض الأفراد الذين يعملون لحسابهم الخاص مسئولين عن توريد الجوارى من مختلف الأصول أوروبيات وأسيويات وأفريقيات للحريم السلطانى. وعادة التسرى التى وجدت أيضا فى فارس حتى حكم محمد على شاه (1907 - 1909) -ترسخت فى تركيا بالتدريج، فقد كان السلاطين العثمانيون الأوائل يختارون زوجاتهن من بين أخوات الحكام الأتراك فى الأناضول أو من الأميرات البيزنطيات. ومن الصعب أن نحدد الوضعية

الاجتماعية لهؤلاء الزوجات أو أن نعرف كيفية التفريق بينهن وبين محظيات الأمراء فنحن نعلم من كتابات المؤرخ العثمانى عاشق باشازاده أن مرادًا الأول كان يعتبر الأميرة الصربية التى تزوجها مجرد جارية، بينما التجهيزات التى كانت تعد للارتباطات الأخرى كانت تتسم بالوقار الشديد وكان يعلق عليها أهمية كبيرة. وبعد أن استولى العثمانيون على القسطنطينية أصبح ارتباط السلاطين بزواج رسمى مسألة استثنائية تماما، والجدير بالذكر أن السلطان سليمان القانونى (العظيم) والسلطان عثمان الثانى وأخيرا السلطان إبراهيم الذى كان آخر من أنهى الانتماء الأمومى بواحدة من حريمه تلى خاصكى TelliKhasseki أو شاه سلطان سنة 1647 (D'ohsson VII. 62). وكان الصدر الأعظم، وليس السلطان نفسه -على أية حال- هو الذى يحضر حفل الزفاف (نيابة عن السلطان). لقد كانت مبادئ السياسة العثمانية تتناقض مع هذه الزيجات، فأقارب الجارية أقل خطرًا من أقارب الحره إذ أنهم كانوا فعلًا يعزلون (تحدد إقامتهم)، ومن الضرورى أن نضيف أن ذلك من الأضرار الناتجة عن دخولهم للحياة العامة، والقصة الدموية المتعلقة باليهودية التى كانت معاصرة لصفية أم السلطان (الفاليدى سلطان) فقد لعبت مؤامرات الحريم دورا مهما فى ظل بعض السلاطين. ففى تركيا -كما هو فى فارس. تلعب السلطانة الأم دورا مكملا لدور السلطان. فمن الطبيعى إذن للسياسى أن يعمل على أن يقدم هدية للسلطان امرأة لخدمة مصالحه، وكانت القوقازيات على نحو خاص ماهرات فى الحصول على امتيازات نتيجة التأثير السرى (غير المعلن) ويمكن أن نلاحظ أيضا أن بعض السلاطين مثل مصطفى الثالث وعبد الحميد الأول -على سبيل المثال- تزوجوا من جوار. ويقول الباحث دسون d'ohsson إنه من الناحية الشرعية غير مسموح أن يرجع مسلم ولد حرا إلى العبودية، وبالتالى فلا

أصول (جنسيات) أمهات السلاطين

يمكن أن تكون علاقة السيد بالجارية شرعية إلا إذا لم تكن حال ولادتها مسلمة وحرة، وإذا لم يملك دليلًا على ذلك ورغب فيها فما عليه -إرضاء لضميره- إلا أن يحررها ثم يتزوجها، فيكون السلطان فى هذه الحال قد تزوج معتقته (جاريته المحررة) دون أن يظهر حيلته هذه فى حضرة المفتى. من كل هذا يتضح أن بعض أمهات السلاطين كن من الجوارى السابقات (اللاتى حررن فيما بعد)، لذا فإن الباحث همر Von Hammer على حق عندما قال إن السلطان كان عرضه لأن يقال له ابن جارية، ويضيف أبيسينى Ubicini (فى كتابه Turquie acluelle La) إن الناس لا يذكرون السلطان إلا بهذا المعنى وإن كنا لا نعرف المصطلحات التركية المستخدمة للتعبير عن ذلك. ويعطى للوالدى سلطان اسما متفقًا مع وصفها السابق غالبا ما يكون فارسيا بالإضافة إلى اسم إسلامى (انظر قائمة أمهات السلاطين - الوالدى سلطانات فيما بعد). والحقيقة أنها بمجرد أن تلد أميرا (ولدا ذكرا) فإنها تحصل على لقب قادين Kadin أو خاسكى أو خاصكى لكن لا شئ يعدل اللقب الذى تحصل عليه (والدى سلطان) إذا وصل ابنها إلى العرش، إنه لقب يجعلهما أرقى بكثير من الأميرات كبيرات السن فى البلدان الأخرى، فهى إذا حصلت على لقب (والدى سلطان) صارت السيدة الأولى فى تركيا كلها وحظيت باحترام عميق وتجلة تفوق الحد بحيث يصبح الحديث الشريف (الجنة تحت أقدام الأمهات) غير كاف لتفسير ذلك فهى تمارس كل أنواع التأثير والنفوذ على ابنها السلطان، وهى تدعوه (أسلنيم) أى (يا أسدى) أو (قبلنيم) أى (يانمرى) (ونحن نعلم أن أم الإمام على كانت تسميه أسدا لكن هذا الاسم كان هو اسم أبيها). أصول (جنسيات) أمهات السلاطين: لا نستطيع فى معظم الحالات أن نجزم بأصولهن، ففى البداية كن أميرات ويونانيات (بيزنطيات) لكن منذ أن صرن جوار سابقات فقد كن هن أنفسهن يجهلن أصولهن فى الغالب، وكل ما يمكن قوله

الوالدة باشا فى مصر

أن الجوارى اللائى تسرى فى عروقهن الدماء التركية كان عددهم قد تقلص فى ذلك الوقت بل ويمكن القول أنه لم يعد هناك جوار تركيات، ومن ناحية أخرى فإن الجوارى من الغرب الأوربى البعيد بما فى ذلك ألمانيا كان عددهم قليلا جدا أما الإيطاليات فكن كثيرات، وفى ضوء هذه الاستنتاجات يمكننا أن نقرر الجانب العرقى لسلاطين آل عثمان، وقد وضعت قصة حققت انتشارا مؤداها مراد الثانى هو ابن أميرة ملكية فرنسية) سرها الأتراك، وقد أنكرها بعض المؤرخين الفرنسيين، وإن حظيت بالقبول عند المؤرخين الأتراك وكان السلاطين أنفسهم يفخرون فى مفاوضاتهم مع الفرنسيين بأنهم أصهار وبينهم وبين الفرنسيين صلة دم، ويقول المؤرخون الأتراك إن أم محمد الثانى هى ابنة اسفنديار عالمه خانوم ويرد الباحث كانتيمار Cantimar أن حفيدة الملك. الفرنسى كانت من بين حريم السلطان سليمان القانونى، لكنه لا يجزم بصحة ذلك. وعلى أية حال فإن الحكومتين الفرنسية والتركية -فى وقت لاحق- كانتا تؤكدان على روابط الدم بين تركيا وفرنسا، فما يجعلنا نميل إلى تصديق وجود فرنسيات ملكيات فى الحريم السلطانى فى الدولة العثمانية فى وقت من الأوقات، وإنه ليقال إن محمد الثانى هو ابن أيمى دى بك دى رفرى Aimee du Buc de Rivery قريبة الإمبراطورة جوزفين. الوالدة باشا فى مصر: نظام الحريم فى قصور خديوية مصر كان هو تقريبًا النظام نفسه فى استانبول فقد كانت محظيات الخديوى يرتبن وفقا لأقدارهن: المحظية البرنجى (الأولى) والمحظية الإكنجى أو القادين (الثانية)، أما أم الخديوى فهى والدى خديوى (فاليدى خديوى) ثم استعيض عنها بوالدى باشا (والباشا هنا هو الخديوى)، ويطلق أيضا على كل أم تلد ولدا (باشا) فيكون الاسم الصحيح بالعربية (والدة الباشا) وليس والدة باشا، فباشا هنا هى من ولدته وليس

قائمة ببعض من حملن لقب فاليدى سلطانى فى الدولة العثمانية

لقبالها شخصيا وقد أبطل الملك فؤاد نظام الحريم واعترف بزوجة واحدة كملكة -معه- على عرش مصر وإن كان الخديو توفيق قد اتخذ من قبله زوجة واحدة أيضا. قائمة ببعض من حملن لقب فاليدى سلطانى فى الدولة العثمانية: (1) ملخون ربيعة خاتون أم أورخان بك والوزير علاء الدين (1325 - 1326 م). (2) نيلوفير، أم مراد الأول. (3) دولت خاتون، ابنة جرميان أوغلو، أم محمد الأول. (4) ابنة اسفنديار، أم محمد الثانى. (5) جلبهار، أم بايزيد الثانى. (6) عائشة سلطان، أم سليمان القانونى. 7 - نور بانو سلطان، أم مراد الثالث. 8 - صفية سلطان، من البندقية، أم محمد الثالث. 9 - خندان سلطان، أم أحمد الأول. 10 - ماه فيروز، أم عثمان الثالث. 11 - ماه بكر كوسم أم مراد الرابع وإبراهيم الأول. 12 - طرخان خديجة سلطان، روسية، أم محمد الرابع. 13 - صالحة، أم سليمان الثانى. 14 - جلنوش (أو جلثوم) أمة اللَّه سلطان، من كريت، أم مصطفى الثانى وأحمد الثالث. 15 - صالحة سلطان، أم محمد الأول. 16 - شهسوار، أم عثمان الثالث. 17 - مهرى شاه، جورجية، أم سليم الثالث. 18 - عائشة سنبرور، أم مصطفى الرابع. 19 - نقشى ديل، أم محمود الثانى. 20 - بزمى عالم، أم عبد المجيد. 21 - بيرتو - نيال، أم عبد العزيز.

المصادر

وأمهات السلاطين الآخرين مُتْن قبل أن يرتقى واحد من أبنائهن عرش السلطنة. المصادر: وردت بالمتن. د. عبد الرحمن الشيخ [ج. دنى J. Deny] وان مدينة تركية على الشاطئ الشرقى لبحيرة وان فوق الهضبة الأرمينية، ولم يرد اسم وان فى المصادر العربية التى تتناول الفتوح إذ أن بحيرة وان عادة يطلق عليها الكتّاب العرب أخلاط أو أرجيش، إلا أن ابن حوقل وحده هو الذى يذكر ابن جيرانى كحاكم لزَوَزان (بفتح الواو) و"وان" و"وسطان"، ويذكر ياقوت الحموى قلعة وان لكنه يجعلها تابعة لأرضروم (أرزروم) ويجعل موقعها بين أخلاط وتفليس (! ؟ ) وقد اجتاح بغا الكبير كل أرمينيا بما فيها ألباق سنة 238 هـ/ 852 م. ترجمة د. عبد الرحمن الشيخ [ف. مينورسكى V. Minoresky] وانقولى هو محمد بن مصطفى الوانى فقيه عثمانى شهير أيام مراد الثالث (982 - 1002 هـ/ 1574 - 1595 م) عرف بالإضافة للفقه بكتاباته المعجمية والأدبية. ولد فى وان وتنقل فى عدة مدن (اسطنبول، ورودس، ومانيسا، وكوتاهية، وينشهر) وشغل فيها مناصب التدريس والقضاء والإفتاء، وتوفى حوالى سنة 1000 هـ (1591 - 1592 م) فى المدينة المنورة. ومن أهم أعماله ترجمته لصِحَاح الجوهرى الذى يعتبره كثيرون أدق معجم عربى بل ويعدونه أفضل من قاموس الفيروزآبادى، كما ترجم كيمياء السعادة للغزالى إلى التركية. د. عبد الرحمن الشيخ [ث. منزل TH. Menzel] وبار اسم قبيلة من قبائل جنوب شبه الجزيرة العربية فى الأزمنة الغابرة، كما أنه اسم للمنطقة التى تسكنها هذه القبيلة، وقد أورد ذكرا عنهما

المصادر

البكرى وياقوت فى معجميهما، والنسبة إليها. وبارى على نحو ما نقول حذامى وقطامى. وقد تحدث المؤرخون عن وبار عند حديثهم عن عاد وثمود باعتبارهم من العرب البائدة، ويعتبر النّسابون هذه القبائل من العرب العاربة أو العرباء. والسيوطى على سبيل المثال، وكذلك ابن دريد فى الجمهرة يذكرون أن العرب الخلّص هم عاد وثمود وطسم وجديس، ويضعون الوبار فى آخر القائمة، ويميزونهم عن العرب المتعربة التى تشتمل أيضا على سلالة قحطان، أما العرب المستعربة فهم نسل إسماعيل عليه السلام (ممد) لكن بعض النسابين ذوى الأصول اليمنية يعتبرون قحطان من العرب العرباء، ويصف الهمدانى (323 هـ) الأرض التى يعيش فيها الوبار بأنها أرض العرب العرباء، ويحدثنا الطبرى عن بنى وبار ويشير إليهم المسعودى فى التنبيه، وتختلط أخبار وبار عند الجغرافيين والمؤرخين العرب بالأساطير وفى لسان العرب لابن منظور وبار مثل قطام: أرض كانت لعاد غلبت عليها الجن، ومن العرب من يجريها مجرى نزال -بفتح النون فى نزال والواو فى وبار ومنهم من يجريها مجرى سعاد أى بضم الواو. . قال الليث: ووبار أرض كانت من محال عاد بين اليمين ورمال يبرين فلما هلكت عاد أورث اللَّه ديارهم الجن فلا يتقاربها أحد من الناس، وأنشد: مثلَ ما كانَ أهلُ وبار" وقال محمد بن إسحق بن يسار: وبار أرض يسكنها النسناس. المصادر: بالإضافة لما ورد بالنص تجدر الإشارة إلى كتاب: F.Wustemfeld: Bahrein and Jumano in Abh. W.G. Gott,XIX (1864) د. عبد الرحمن الشيخ [ج. تكاتش J.Tkatsch] الوتر يعنى هذا المصطلح فى الحديث (الشريف) والفقه على الركعات الوترية (المفردة) غير الشفعية التى تؤدى ليلا. ولم يرد الوتر (بكسر الواو وفتحها) بهذا المعنى فى القرآن الكريم (*) وإنما ¬

_ (*) يبدو أن بعض المستشرقين لا يدركون بعض معانى الآيات. فقد ورد فى سورة الفجر {وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ} "التحرير"

تكرر ورودها فى الحديث الشريف ومن ثم فهى تبين لنا جانبا من تاريخ الصلاة عند المسلمين حتى فرض الصلوات اليومية الخمس. وبعض الأحاديث الشريفة يفيد أن صلاة الوتر هى أيضا صلاة مفروضة. فقد تحدث معاذ بن جبل إلى معاوية بن أبى سفيان بشأن هذه الصلاة عند وصوله للشام -ذاكرا له أن صلاة الوتر صلاة مفروضة، وأن وقتها بين العشاء وطلوع الفجر (مسند أحمد بن حنبل، جـ 5، ص 242) وقد أورد ابن ماجه وابن حنبل من الأحاديث ما يفيد أن صلاة الوتر تُقْضَى إن أهملها المسلم أو نسيها. إلّا أن عبادة بن الصامت أنكر أنها صلاة مفروضة اعتمادا على عدة أحاديث (أحمد بن حنبل، جـ 5، ص 315 ما بعدها). وفى مرحلة ثانية حث النبى محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] المسلمين على أداء صلاة الوتر لأن اللَّه وتر وأنه -سبحانه- يحب الوتر. (أحمد بن حنبل، جـ 1، 110) وفى مرحلة ثالثة نظرت المذاهب الإسلامية السنية لهذه الصلاة كسنة -مع استثناء واحد- بينما ظلت مجال نقاش ومناظرة عند الشيعة الأوائل. وصلاة الوتر ركعة واحدة بعد ركعتين فيكون جميعا ثلاث وهو عدد وتر (أحمد بن حنبل، جـ 2، 5، 9، 10، 75) وفى أحاديث أخرى أنها ركعة بعد اثنتى عشرة ركعة فتكون جميعا ثلاث عشرة ركعة وهو عدد وتر (الترمذى، وتر، 4) وبشكل عام لا تؤدى صلاة الوتر بعد صلاة الصبح (موطأ مالك). وقد ارتبطت صلاة الوتر أيضا بالنصف الأول من الليل فى مرات عديدة، فقد كان أبو هريرة رضى اللَّه عنه يؤديها قبل ذهابه للنوم (الترمذى) وكان الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] نفسه يؤديها فى أى جزء من الليل (الترمذى) ولا يجوز أداء أكثر من صلاة وتر واحدة فى الليل (أحمد بن حنبل). والأحناف وحدهم هم الذين يعتبرون صلاة الوتر فرضا. وعند الشافعية يتراوح عددها بين ركعة واحدة وأى عدد وتر (فردى) حتى إحدى عشرة ركعة، والنية مطلوبة بعد كل ركعتين (أى فى بداية الركعة

المصادر

الوتر). وفى النصف الثانى من شهر رمضان تطول صلاة الوتر لتصبح قنوتا. المصادر: (1) A.J.Wensinck: Ahand book of early Muhammadan (2) المرغنانى: الهداية والكفاية، بمباى، 1893. (3) الشافعى، كتاب الأم، القاهرة، 1321. (4) أبو إسحق الشيرازى: التنبيه، تحقيق جينبول Juynboll. (5) الغزالى: كتاب الوجيز، القاهرة، 1317 هـ. (6) المؤلف نفسه: إحياء علوم الدين، القاهرة، 1302 هـ د. عبد الرحمن الشيخ [أ. ج. فنسنك A.J.Wensinck] وجيهى حسين وجيهى، شاعر ومؤرخ عثمانى عمل مهرودار (حامل أختام) لآخر صدر أعظم ثم لقبودان باشا ثم لعزة مصطفى باشا، ووافته منيته فى سنة 1071 هـ/ 1660 م فى استانبول، ودفن أمام بوابة أدريانبول، وقد ترك وجيهى كتابا فى التاريخ وديوان شعر وكلاهما مازالا مخطوطين، ويبدأ كتابه التاريخى بسنة 1047 هـ حيث وصف فتح مراد الرابع لبغداد، وتناول فترة حكم إبراهيم الأول بالتفصيل كما تناول الأعوام الاثنى عشر الأولى من حكم محمد الرابع وانتهى تاريخه عند حادث سنة 1070 هـ (18 سبتمبر 1656 م)، ويعد تناوله لهذا العام الأخير ذا أهمية كبيرة نظرًا لأن المؤرخين العثمانيّين: نعيمة ورشيد لم يتناولاه فى كتاباتهما. وثمة كتابات تشير إلى هذا المؤرخ باسم حسن وجيهى، وهو خطأ فالصحيح أن اسمه حسينا. وتوجد مخطوطات من كتاب وجيهى فى ليدن وفيينا واستانبول، كما توجد له ترجمة إيطالية فى مكتبة القديس مارك فى البندقية. . عبد الرحمن الشيخ [فراتز بابنجر Franz Babinger]

وحشى بافقى

وحشى بافقى شاعر فارسى ولد فى بافق فى كرمان، وتوفى سنة 991 هـ/ 1583 م أو سنة 992 هـ/ 1584 م وقضى معظم حياته فى يزد، كتب قصيدة مديح فى الشاه طهماسب الأول وله أشعار أخرى طبعت على الحجر فى فارس والهند. المصادر: د. عبد الرحمن الشيخ [س. هورات CL. Huart] وحى يرتبط موضوع الوحى بالقرآن الكريم، وبمحمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، لذا وجب على القارئ مراجعة المادتين آنفتى الذكر، وثمة تشابه هذه الكلمة العربية مع كلمات سامية عبرية وآرامية، وأثيوبية وهو من قبيل المشترك السامى، ولكلمة الوحى استخدامات أخرى غير دينية فهى تعنى الإلهام بسرعة، ففى لسان العرب لابن منظور الوحى هو الإشارة والكتابة والرسالة والإلهام والكلام الخفى وكل ما آليته إلى غيرك يُقال: وحيتُ إليه الكلام وأوحيت، وحى وحيا وأوحى أيضا أى كتب، وترتبط الكلمة كثيرا بالشعراء الذين يلهمون الشعر أو يأتيهم وحى فنى، ويختلف الوحى بمعناه الدينى وكذلك بمعناه غير الدينى عن الإلهام الذى يُلم بالفنانين والأولياء والصالحين، فهذا الإلهام ليس تنزيلا أو وحيا سماويا، وسنكتفى فى هذا المبحث بالحديث عن الوحى الذى ينزله اللَّه سبحانه على الأنبياء. الاستخدام القرآنى لكلمة وحى (*): تشير سورة الزلزلة وهى مدنية إلى أن اللَّه سبحانه وتعالى أوحى إلى الأرض {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا (2) وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا (3) يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (4) بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا. . .}، كما أشارت الآية السابعة من سورة القصص إلى وحى أوحاه اللَّه سبحانه لأم موسى {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا ¬

_ (*) رقم الآيات الواردة حسب ترتيب المصحف العثمانى. (التحرير).

تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ}. وقد فسّر البيضاوى الوحى فى سياق هذه الآية الكريمة بأنه إلهام أو رؤيا وذلك تمييزا له عن الوحى بمعناه الاصطلاحى. أما نسبة هذه الكلمة (الوحى) إلى زكريا فى سورة مريم، آية 11 {فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا} فقد فسره المفسرون بأنه بمعنى (أوْمَأ)، وقد استخدم المصطلح بمعنى خاص فى الآية رقم 112 سورة الأنعام {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ} والكلمة المستخدمة للتعبير عن وحى الشيطان أو إيحائه هى (الوسوسة) أما ما يبعثه اللَّه أو يرسله أو ينزله فهو وحى، وقد يكون هذا الوحى مباشرًا أو من خلال ملك. لكن ما كان لبشر أن يخاطبه اللَّه إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا، كما هو واضح من سورة الشورى - آية رقم 51 وما بعدها {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (51) وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}، وما ينزله اللَّه على الملائكة أو يأمرهم به يسمى أيضا وحيا كما يتضح من الآية 12 من سورة الأنفال {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ}. وتشير كثير من الآيات إلى وحى أوحى إلى أنبياء قبل محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فالآية 27 سورة المؤمنون {فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا. . .} والخطاب لنوح عليه السلام سورة طه، آية 13 {وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى} والخطاب فى الآية الكريمة لموسى عليه السلام، وفى سورة يوسف آية 15 {فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ

الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} والمقصود هنا هو يوسف عليه السلام. الخ فكل الرسل والأنبياء قبل محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] كانوا بشرا أوحى اللَّه إليهم وهذا المعنى واضح فى سورة الأنبياء، آية 7: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}. والقرآن الكريم يخاطب -بشكل أساسى- محمدا [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، ففى الآية 30 من سورة الرعد {كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهَا أُمَمٌ لِتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ} وفى سورة سبأ، آية 50 {قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ}، وقد دُهش المعاصرون لمحمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] لتلقيه الوحى فكيف يوحى إلى رجل منهم وهذا واضح من سورة يونس، آية 2 {أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُبِينٌ} لكن القرآن الكريم أكد بشرية محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وأنه بشر فعلا منهم لكن يوحى إليه، وهذا واضح من سورة الأنعام آية 50 {قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ}، واللَّه سبحانه وتعالى لا يبدل القول لديه، فكلمات اللَّه خالدة باقية وما على الرسول إلا أن يبلغ كلمات ربه، وهذه المعانى واضحة من الآية 27 سورة الكهف {وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا} فقداسة الوحى لا جدال فيها ولا لجاج، وهذا واضح من الآيتين 3 و 4 سورة النجم {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} ويؤكد (القرآن الكريم) على أمانة الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فى نقل الوحى وهذا واضح من الآيتين 92 و 93 من سورة الأنعام. {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ

يُحَافِظُونَ (92) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ} لقد أمر محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] إذن ألا يتبع إلّا ما يأمره به ربه عن طريق الوحى، وبالتالى فلم يحرم أى طعام إلا ما أمره اللَّه بتحريمه، ففى سورة الأنعام، آية 145 {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ. . .}. وفيما يتعلق بمحتوى الوحى وهدفه فقد وصف بطرائق مختلفة، فقد تخلل سورة آل عمران آية تشير لذلك هى الآية الكريمة رقم 39 {فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ. . .} وفى سورة يوسف/ آية 3 {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ. .} وتشير الآيات القرآنية إلى أن محمدا [-صلى اللَّه عليه وسلم-] يتبع ملّة إبراهيم، وأنه مرسل للإنس والجن ففى القرآن الكريم أن نفرا من الجن استمعوا للقرآن الكريم فأعجبوا به لأنه يهدى إلى الرشد، وهدف الوحى (أى القرآن الكريم) هو تحذير الناس من الشرك، ففى الآية رقم 19 من سورة الأنعام {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُلْ لَا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ}، واستخدم القرآن الكريم كلمات خاصة مختلفة للإشارة إلى محتوى الوحى فهو كتاب انزل بالحق (سور المائدة آية 52) وغيرها، وهو كتاب مبارك "مصدق الذى بين يديه (آية 92 سورة الأنعام) وهو "هدى" و"بشرى" (آية 2، سورة النمل) وهو "علم" و"رحمة" (آية 52، سورة الأعراف). وكانت الرؤيا الصادقة التى تأتى واضحة كفلق الصبح هى أول تمهيد للوحى وقد أشار كتَاب السير والمؤرخون لذلك كابن هشام فى

السيرة المعروفة باسمه وكما فى تفسير الطبرى وما كتبه ابن سعد (¬1). أما أول الوحى الحقيقى حيث ظهر الملك جبريل للنبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فكان فى غار حراء وقد اضطرب الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] من رؤية جبريل فهرع إلى زوجته خديجة طالبا منها أن تُزمله (راجع سورة المزمل آية (1) وسورة المدثر آية (1) أيضا)، وكان أول ما نزل من القرآن الكريم هى سورة العلق {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. . . الخ} وكان ذلك فى شهر رمضان وكان هذا أثناء تحنث الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] بهذا الغار، وقد أظهر جبريل للنبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] قطعة قماش مكتوبا عليها هذه السورة وقال له اقرأ (¬2). فقال الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] ما أنا بكاتب (¬3). وفى آخر الأمر قرأ الملك الآيات فحفظها النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] (¬4). وبعد ذلك أتت (فترة) انقطع فيها الوحى فقلق الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، وانتهت هذه (الفترة) بنزول سورة المدثر أو سورة الضحى. وكان الملك الذى يأتى بالوحى. مرئيا من قبل النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] كما رآه آخرون (انظر البخارى: فضائل القرآن باب - 1، وبشئ من التوسع يمكن اعتبار المعراج والإسراء وحيا كما قد يفهم من آيات سورة النجم {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى. .. .إلخ} ويتم استيعاب الوحى بالسمع، وهذا واضح من سورة القيامة، آية 16 وما بعدها {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ. . . إلخ}، وهناك سور تبدأ بكلمة (قل) أما عن حال الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] ¬

_ (¬1) أشارت الأحاديث الشريفة ذاتها لذلك: رؤيا الأنبياء حق "صحيح البخارى" الرؤيا جزء من ستة وأبعين جزءا من النبوة، "أصدق الرؤيا بالأسحار" الترمذى. .) (المترجم). (¬2) حكاية قطعة القماش هذه لا ندرى لها أصلا. (المترجم). (¬3) الروايات المتواترة: ما أنا بقاريء). (المترجم). (¬4) الاصرار على عدم معرفة النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] للقراءة والكتابة يبدو أنه من وضع الوضاعين بعد ذلك لإثبات معجزة للنبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فيما يبدو. وكأنهم يريدون القول: انظروا ماذا فعل النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] الذى لا يعرف القراءة والكتابة: ؟ ! والحقيقة أن النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] "الأمى" تعنى أنه نبى من غير اليهود، الذين كانوا يسمون غيرهم بالأميين أو الأمميين والآيات كثيرة تشير إلى معرفة الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] للقراءة فقد اتهمه الكفار بأن هناك من يملى عليه بكرة وأصيلا. . . الخ). (المترجم).

المصادر

عند نزول الوحى فقد أوردت كتب الحديث أحاديث كثيرة بهذا الشأن منها ما رواه أحمد بن حنبل فى مسنده فى الباب السادس من أنه [-صلى اللَّه عليه وسلم-] كان يأخذه شبه "السبات"، وما رواه البخارى فى باب الحج، وباب بدء الوحى حيث يتضح أن الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] كان يتفصّد عرقا عندما يأتيه الوحى حتى فى اليوم الشديد البرد، وروى الترمذى فى باب المناقب وصفا للرسول عليه الصلاة والسلام عندما ينزل عليه الوحى. المصادر: (1) ابن هشام: السيرة، طبعة فستنفلد، ص 150 وما بعدها. (2) ابن سعد: الطبقات، تحقيق Mittwoch ص 126 وما بعدها. (3) الطبرى: طبعة دى جوجى De Goeje جـ 1، ص 1146 وما بعدها. (4) Noldeke-Schwally: Geschichte des Qarans, i, 21 sq (5) J. Horovitz: Koranische Untersuchungen, p. 67 sq., for the collections of Tradition (6) of. Wensinck: Handbook , p. 162 b, 163 a sprenger: Das Lebenund die Lehre des Muhammad i,. Berlin 1861, p. 207 sqq, iii. 1865, p. xviii. sqq (7) W. Muir: The Life of Mohammad, Edinburgh 1912 (8) F. Bulh: Des Lebem Mhammeds Leipzig 1930, p. 134 sqq د. عبد الرحمن الشيخ [أ. فنسك A. J.Wensinck] ودائى ودائى (بفتح الواو والدال، وقد تشدّد الدَّال بفتح) ويطلق عليها أيضا برجو (بكسر الباء أو ضمها) Bergu أو Borgu تقع إلى الغرب من دارفور ويفصلها عنها مناطق تاما Tama ومارا Mara ومسالت masalit وسلا sila وكانت هذه المناطق فى وقت من الأوقات تابعة فى بعض الأحيان لدارفور وفى أحيان أخرى لواداى Wadai وفقا لما تسفر عنه نتائج الحروب. ولم تكن حدود واداى محدّدة بدقة من الجهات الأخرى لكن

هذه الحدود فى أقصى اتساع لها لم تكن تتجاوز عن كوتى Kuti فى الجنوب، ولا فرتى Firit فى الغرب، ولا إنيدى Ennedi وجبال كبكا Kapfa or Gabga فى الشمال (لا يجب الخلط بين جوجا Goaga التى ذكرها الحسن بن الوزان "ليو الأفريقى" والجغرافيون العرب وجوجو أو جاو Gao فى منطقة النيجر). والمنطقة خصبة رغم وقوعها على الأطراف الجنوبية للمنطقة الصحراوية فرغم أنها تتلقى قدرا قليلا من الأمطار ذلك أن المياه تصل عن طريق عدد من المجارى الموسمية ونهرين كبيرين هى: البطحاء الذى يصيب غربا فى بحيرة فيرثى وبحر السلامات الذى يجرى جنوبا حتى يتصل بنهر شارى الأعلى. وسكان المنطقة من عناصر مختلفة لكن معظمهم من العناصر السوداء وبعضهم الآخرين عناصر بيضاء خالصة. وبالنسبة للعناصر السوداء الزنجية تعتبر قبائل المابا هى أهمها من الناحية السياسية والاجتماعية، وهناك أيضا قبائل: الكودوى Kodoi والميمى والكشميرى والكاجاكسى والكوندوجو والمارا والماراريت والداجو. . الخ وكلها قبائل مسلمة، وفى الجنوب هناك البينا Bina والرونا Runa وينتشر الإسلام بينهم ولكن ببطء، وتنتمى هذه القبائل جميعا لنفس الجماعة العراقية الكبرى ويتكلمون لغات يتصل بعضها ببعضها الآخر وتعتبر متشابكة أو أنها حبيبات فى عنقود واحد فالصلات بينها كالصلات لغات النوبا الكانورى والتيدا. . الخ. ونجد أيضا فى ودائى -خاصة فى الجنوب- بعض القبائل الوثنية تماما أو الوثنية جزئيا مثل الكوكا والجولا والندوكا. . الخ ويتكلمون لهجات ذات صلة بلغة البجرمى. أما المجموعة العرقية المخلّطة فيتمثلون أساسا فى البديات Bideyat ويسمون أيضا أنا Anna والزغاوة ويسمون أيضا جبجا Gabga وبدو الشمال، وكل هذه العناصر المخلطة تدين بالإسلام، ويتحدثون لغات زنجية ذات صلة بلغة التبدا فى تبستى، وذات صلة أيضا بلهجات المابا والكودوى Kodoi . . الخ، وهناك عناصر

الطنجور ويقال إنها عناصر سامية استوطنت هنا منذ فترة تعود لما قبل الإسلام يتحدثون لهجة عربية تبدو عتيقة جدا ويقال إنهم لم يعتنقوا الإسلام إلا فى القرن السابع عشر الميلادى، وأخيرا هناك العنصر العربى بالمعنى المحدد ويتمثلون فى ولاء (أولاد) سليمان وهم بدو قدموا من فزان سنة 1842 بعد أن طردهم الأتراك منها، ومن العرب أيضا قبائل الشوا Shuwa وبعض البدو من رعاة الإبل والماعز، وبعض هؤلاء الشوا قد قدموا لهذه المنطقة من صعيد مصر وأهم قبائل الشوا: سلامات، وخزام، وجعدن ومحمد ودكاكير. . . الخ وهم جميعا: ولاد سالم والشوا مسلمون. وحتى القرن السابع عشر كانت عاصمة ودائى هى كدمه kadma إلى الجنوب الغربى من أبيشى Abeshe ثم أصبحت العاصمة هى وارا Wara إلى شمال الشمال الغربى من أبيشى حتى القرن التاسع عشر ثم انتقلت العاصمة إلى أبيشى (أو أبشر)، وفى سنة 1860 م استعان الملك على، ملك ودائى باثنين من المهندسين المصريين أو الطرابلسيين لبناء قلعة. ووفقا لما فى الروايات المحلية فقد حكم ودائى فى بداية الأمر أسرة حاكمة وافدة تنتمى إلى الطنجور والذين كانوا تابعين على نحو أو آخر لدارفور، ويقال إن الإسلام لم يبدأ فى الدخول إلا سنة 1615 م نتيجة جهود أحد الدعاة الذى يسمى تارة جامع وتارة صالح يقول البعض أنه من قبيلة مابا بينما يقول البعض إنه من قبيلة الجعالين العربية وهم بربر عاشوا على ضفاف النيل فى مصر والأسرة التى تدعى الانتساب لجامع هذا تبدو -على أية حال- من أصول زنجية وأفرادها أقرب شبها بالمابا. وفى حوالى 1635 قام ابن جامع (أو ابن أخيه) بحرب مقدسة (جهاد) ضد الكفار الطنجور وأصبح هو ملك (كولاك) ودائى وجعل وارا عاصمة له، وظلت أسرته تحكم حتى 1911 م، وكان آخر من حكم منها هو إبراهيم (1898 - 1911 م) الذى كان عليه أن يواجه ثورات واضطرابات عديدة ومات متأثرا بجراحه فى معركة مع خصومه، واستولى أبو غزالى (1901 - 1902 م) على السلطة لكن

المصادر

الأمور لم تستوله وتدخلت القوات الفرنسية التى كانت متمركزة فى ياو yao فى الصراعات الدائرة وانتهى الأمر باستيلاء الفرنسيين على أبيشى فى 3 يونيو سنة 1909، وأخيرا أصبح عاصل ملكا لودائى تحت الحماية الفرنسية لكنهم عزلوه -لشعبيته- بعد عدة شهور، وحكم الفرنسيون ودائى حكما مباشرا وأصبحت ودائى جزأ من مستعمرة تشاد الفرنسية. المصادر (1) Mohammed Ibn Omar Tounsy: Voyage au Ouaday, transl. From Arabic by Dr. Perron, Paris 1851 (2) Nachtigal: sahara und sudan Berlin 1879 - 1882, vol iii . (a complete French translation of the vollenhoven, has been published by the Comite de l'Afrique Franlcaise: paris, n.d (3) N.Henri: Carbou, La regivn du Tchad el du Ouadai, Paris 1912, vol. ii د. عبد الرحمن الشيخ وديعة الوديعة، واحدة الودائع وهى ما استودع، والمستودع المكان الذى تُجعل فيه الوديعة، يُقال: استودعته وديعة إذا استحفظتُه إياها، والوديعة تعنى أيضا. العقد الذى يبرمه المودع (بكسر الدال) أو المستودع (بكسر الدال) على المودع (بفتح الدال) أو المستودع (بفتح الدال أيضا)، فالوديعة إذن تعنى الشئ المودع كما تعنى الاتفاقية بين الطرفين، وهذه الاتفاقية تعد هى الفاصل أو الفارق بين (الوديعة) و (الأمانة) فالأمانة لا عقد فيها وإنما تعتمد على الصدق والوفاء بالعهد، ولمعرفة الفرق بين مصطلحات أخرى دات صلة بالموضع يمكن مراجعة مادة (لقطة) و (رهن). ولم يرد لفظ وديعة فى القرآن الكريم وإنما ورد لفظ أمانة بالمعنى العام للكلمة ففى الآية الكريمة رقم 282 من سورة البقرة {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ

بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} ويعد اللَّه سبحانه المحافظين على أماناتهم بالجنة ففى سورة المؤمنون، آية 8 يعددهم اللَّه من بين الذين يرثون الفردوس {وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ} وتكررت الآية نفسها فى سورة المعارج، آية 32. وتكرار هذه الآيات يبين لنا كيف أن العرب المشركين لم يكونوا يحترمون مواثيقهم ولا عهودهم وأنهم لا ينفذونها إلا على مضض، وقد استشهد الفقهاء المسلمون المتأخرون بجزء من الآية الكريمة رقم 2 فى سورة المائدة {. . . وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} ليؤكدوا رأيهم بأن التعاقد عند استيداع الوديعة أمر مستحب. وقد أكد الحديث الشريف على ضرورة أن يؤدى الذى اؤتمن أمانته، ومن كانت عنده أمانة فليؤدها (مسند أحمد 5، 72) "ولا تجتمع الخيانة والأمانة معا" (مسند أحمد 3، 246) "فإذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة" (البخارى، علم 3) "أنه أمركم بالصلاة. . . وأداء الأمانة" (البخارى، شهادات، 38) "أدّ الأمانة إلى من ائتمنك" (البخارى) "لا إيمان لمن لا أمانة لهُ" (مسند أحمد) وقد بلغت الأحاديث التى تحض على الأمانة بشكل مباشر فى الست الصحاح ومسند أحمد أكثر من سبعين حديثا، وهناك خلاف حول وجود التعويض إن ضاعت الأمانة من المؤتمن أو تلفت منه، هل يجب عليه دفع تعويض أم لا. وقد تعرضت كتب الفقه بالتفصيل لموضوع الوديعة وأنها بمثابة عقد أو أن العقد فيها جائز وأنه يمكن -ببساطة- فسخ العقد بين الطرفين المتعاقدين فى أى وقت وفقا لرغبة أى طرف، وهناك شروط (أو أركان) لمثل هذا العقد فلا يجب أن يكون المودع (بكسر الدال) والمودع لديه (بفتح الدال) قاصرا أو مجنونا أو سفيها أو مبذرا وإذا أراد صغير أن يترك شيئًا عند كبير فهذا ليس (وديعة) وإنما (أمانة)، ويصاغ العقد فى حال الوديعة بصيغة تفيد الإيجاب والقبول، ولا يجب أن تكون الوديعة مالا نجسا ولا يحق للمودع (بكسر الدال) طلب تعويض أن تلفت وديعته قضاء وقدرا دون تعد أو إهمال من المودع لديه أو كان المودع لديه غير قادر على منع تلفها، وتفيض كتب الفقه

الورد

فى تفاصيل أخرى كثيرة يمكن الرجوع إليها فيها. د. عبد الرحمن الشيخ [أوتوسبيز Ottospies] الورد الورد والجمع أوراد، والمعنى اللغوى للكلمة هو ورود القوم للماء، وأيضا الورد الماء الذى يورد، وأيضا الإبل الواردة، والموارد المناهل واحدها مورد. . (لسان العرب - مادة ورد) والورد -بكسر الواو- تعنى وقتا معينا من ليل أو نهار يخصصه المؤمنون لأداء صلوات خاصة أو ترديد دعاء خاص، بخلاف الصلوات الخمس المفروضة، والورد أيضا صيغ مخصوصة للدعاء يُرددها المسلم فى هذا الوقت وتسمى حزبا (والجمع أحزاب - انظر، مكى، قوت القلوب) وأبسط أنواع الأوراد يتألف من أربع ركعات يُقرأ فيها سُبع القرآن وكانت هذه الصلوات فى البداية تشفع بابتهالات سواء بترديد فقرات كالبسملة والتهليل والتكبير والتسبيح والاستغفار والاستعاذة) أو ترديد كلمة واحدة كاسم الجلالة (اللَّه) أو (هو). وفى القرن الثانى عشر تكونت تجمعات إسلامية متأثرة بالفكر الشيعى المتعلق بالبيعة بتلقين العضو الجديد (المنضم للجماعة) وردا خاصا وعرف هذا الإجراء بالتلقين أو (أخذ الورد) (عن بداية ظهور هذا المصطلح راجع: L.Massignon: Recueil, 1929, p, 107) وهكذا أصبح لكل جماعة (ذكر) خاص بها. ومن الناحية العملية انقسمت الأوراد إلى قسمين: ورد عام (ذكر جهرى) وهو طويل بعض الشئ وعباراته بسيطة فى تناول العامة (الاستغفار عدة مئات من المرات فى أوقات معينة من اليوم، وهذه الأوقات عند العلوية: بعد الفجر، وبعد المغرب) وورد خاص (ذكر سرى) بترديد اسم اللَّه الأعظم (¬1). ¬

_ (¬1) النص (اسم اللَّه السرى Secret) مثل "يا لطيف" وهو الاسم الذى يردده السنوسية ويحتفظ به الشيخ كسر مهم (حسن قادرى. إرشاد الراغبين. طبع فى آخر كتاب قول مقبول لابن عليوة المستغانمى. تونس، 1339) واستخدم مصطلح الحزب أو الذكر عند دخول (تقديم) الاخوة لترديد الورد مع الجماعة (كان المصطلح القديم هو سماع أما الآن فوظيفة). (المترجم).

المصادر

ومنذ القرن الرابع عشر جُمعت الأوراد بإسنادها، وأقدم هذه المجموعات هى رسالة الحافظ كبراوى أحمد بن أبى الفتوح الطاوسى إذ جمعت بعد سنة 822 هـ/ 1419 م بوقت يسير. وتوالت بعدها مجموعات الأوراد التى يحصل عليها الحجاج من مكة المكرمة أثناء مواسم الحج مع (إجازة). بترديدها وانتشرت عبر العالم الإسلامى. . ومن الكتب التى تحوى الأوراد: الجواهر والدرجات الذى جمعه شطارى غوث هندى (توفى 970 هـ/ 1562 م) وشرح على الجواهر لأبى المواهب شناوى (توفى بالمدينة المنورة 1028 هـ/ 1619 م). . إلخ المصادر: بالإضافة لما ورد بالمتن كان مرجعنا الأساسى: عبد الحى كتانى: فهرس الفهارس، فاس، 1346، مجلدان. د. عبد الرحمن الشيخ [لويس ماسينون Louis Massignon] وراق هو أبو عيسى محمد بن هارون، مفكر حر تهم بعد ذلك بالزندقة، وكان كتلميذه وصديقه ابن الراوندى من المعتزلة، ومن العجيب أن الاثنين قد ماتا فى منفاهما بالأهواز سنة 297 هـ/ 909 م، وقد تأثر وراق بالفلسفة الهيلينستية. كتب كتاب "المقالات" عن تاريخ الأديان الذى فُقد للأسف، وكان هو المصدر الوحيد للبيرونى والشهرستانى فيما كتباه عن بعض المذاهب الفارسية والفرق اليهودية، وله كتاب آخر بعنوان "الرد على الفرق الثلاث" تعرض فيه للمذاهب المسيحية الثلاثة التى كانت معروفة لديه وله كتاب آخر -فُقد- بعنوان "المجالس" المصادر: (1) ابن خياط، كتاب الانتصار. القاهرة، 1925. (2) ابن النديم: الفهرست. (3) البغدادى: الفرق بين الفرق. (4) Massignon: Textes inedits inedits conc, l'hist de la mystique, 1929, p. 182 - 185

المصادر

(5) H. Ritter: Philogika, III. 35, VI. 10 عبد الرحمن الشيخ [ل. ماسينهن L. Massignon] ورقة بن نوفل ورقة بن نوفل بن أسد القرشى، ابن عم خديجة بنت خويلد شجع محمدا [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فى بداية أمره، فقد كان يعتبر من جماعة الحنفاء فى مكة التى كانت ترفض الوثنية فاتجهوا لدين إبراهيم الخليل واعتبروه الدين الحق، وقد أصبح ورقة مسيحيا، وكان رجلا معتدلا يعرف اللغة العبرية ودرس التوراة والانجيل ويقال أنه قد كتب الأناجيل بالعبرية (لا ندرى هل بحروف عبرية أم لا؟ ! ! ) وكان ورقة يرى فى محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] مثله فى ذلك مثل الراهب بحيرا -يرى فيه شيئا غير عادى، وكان ورقة هو الذى عثر على محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] بعد أن ضل من مرضعته، وكان هو من استشارته خديجة فى أمر زواجها من محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، ومن المعروف أنه أيّد هذا الزواج بحرارة، وكان ورقة من المخلصين الأوائل لمحمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] والمطلعين على أسراره وعلم بأمر الوحى عندما آتاه للمرة الأولى، وورقة هو الذى قال لمحمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] أن ما أتاه أتى من قبله عيسى وموسى (عليهما السلام). إنه النّاموس. لكن الروايات لا تذكر أن ورقة قد أسلم ويفسَّر هذا -على نحو ضعيف بأنه مات فى السنة الثالثة من نزول الوحى قبل أن يؤمر محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] بالدعوة، وقد أصيب ورقة بالعمى فى آخر أيامه، ويقال إن النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] رآه فى منامه بعد موته فى ثياب بيض مما يعنى أنه فى الجنة. لقد مات ورقة فى وقت باكر يستحيل معه أن ينسب إليه أى حديث من أحاديث الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-]. المصادر: (1) Sprenger: Leben und, i. 128 - 134 (2) Caetani: Annali dell' Islam, Introduzione, p 129, 156, 180, S 2, 183, 208, 210, 227, 231, 251, 262 (3) Lammens: Les Juifs de la Mecque a la veille de l'Hegire, in Re

الوركاء

cherches de Science des Religions, Viil (1918) 18 د. عبد الرحمن الشيخ [ف. فاكا V. Vacca] الوركاء موقع أثرى فى جنوب العراق عند خط عرض 45.25 شمالا، وعند خط طول 31.19 شرقا، وقد ذكر ياقوت فى معجمه، جـ 4، ص 922 (تحقيق فستنفلد) أن الوركاء. تابعة لكسكر (¬1) ولد فى الورركاء (راجع ياقوت الحموى، جـ 4، ص 922 وما بعدها)، كانت هناك إشارات لمواضع أخرى قيل أن إبراهيم عليه السلام ولد فيها. ووفقا لما يقوله سيف بن عمر "كتاب الفتوح" فإن أول مواجهة بين العرب والفرس فى بداية الجهاد الإسلامى ضد الدولة السامانية كان فى الورقاء. وتعد الورقاء أوسع المناطق الأثرية فى جنوب العراق، وهى تشير إلى موقع مدينة أروك Urak (أنو - كى ynu ki السومرية) ذات النقوش المسمارية التى كانت تعتبر هى ونبور Nippur وأرو Ur وأريدو Eri du ولجش Lagash من أقدم المدن فى المنطقة، ولعبت دورا بارزا فى الحياة الدينية لأهل بابل منذ الأزمنة الأولى حتى الفترة البارثية، وبالإضافة لأرك (بضم الألف والكاف) فإننا أحيانا نجد الصيغة اركو وفى التوراة وردت أرك هكذا Erekh حيث ذكرت مع مدن ثلاث أخرى كجزء من مملكة النمرود (¬2). وقد شهدت أرك حمورانى أسرا حاكمة نعرف منها خمسا، أولاها -على أية حال- ينتمى إليها جلجامش وآخرها -أى الاسرة الحاكمة الخامسة- حكمت حوالى 2300 قبل الميلاد، وظلت أرك مدينة مهمة تحت حكم الفرس والسلوقيين والأرسكانيين، وتم العثور ¬

_ (¬1) (المترجم: مقابل واسط) ووفقا للمرويات الإسلامية فإن إبراهيم نفسه المذكور فى التوراة). (¬2) فى قاموس الكتاب المقدس، طبع القاهرة، نجد: أرك وردت صيغة السم فى الآكادية "أورك" و"أوركو" وكانت دينة فى شنعار بناها نمرود كما نجد فى سفر التكوين وتسمى فى العربية وركة وهى مكان يبعد بمقدار 80 ميلا شمالى غرب أور فى الواحة وقد كشف التنقيب فى هذا المكان عن بقايا آثار ترجع لعصور سحيقة يعود بعضها لأربعة آلاف سنة قبل ميلاد المسيح، وفيها أقدم منارة عالية لهيكل. وأقدم ختم إسطوانى وأقدم بناء حجرى ونجد فى الأسطورة البابلية أن "أرك" كانت موطن البطل جلجامش. .).

وزير

على كثير من النقوش المسمارية عن هذه الفترة، وقد أشار إليها بلينى فى كتاب التاريخ الطبيعى، وكذلك سترابو كمركز كبير للتنجيم. ولم تكن أرك مدينة هيلينسيتية كبابل فهناك احتمال كبير أنها كانت تضم بين أسوارها مجتمعا إغريقيا كبيرا، ويبدو أن المدينة بدأت تتدهور فى عهد الساسانيين وقبيل الفتح الإسلامى كانت قد تدهورت تماما، وهجرها ساكنوها. وفى الفترة من 1850 إلى 1854 م تردد الباحث لوفتس W.K.loftus على المنطقة ثلاث مرات ووصف آثارها وأعقبه عدد كبير من الآثاريين، وقد عثرت بعثة تنقيب ألمانية فى شتاء سنة 1912/ 1913 م على عدد كبير من الأختام الرصاصية استخلص منها أسلوب المزج الثقافى والحضارى بين الحضارة البابلية والهيلينستيه. كما عثرت البعثة أيضا على أعمال خزفية تنتمى لحقبة متأخرة، ومن بين أشياء أخرى أيضا عثرت على 196 قطعة عملة لجوتارز Gotarzes الملك البارثى (40 - 51 م) ومع أن الكتابات المسمارية التى تم العثور عليها كانت كثيرة إلا أنها ترجع فى غالبها للفترة السلوقية. وفى الفترة من 1929 إلى 1931 م تم العثور على عدد كبير من الألواح الطينية منقوش عليها بطريقة الكتاب بالصور (الكتاب البكتوجرافية) وقد وجدت كثير من آثار هذه المنطقة طريقها إلى متاحف أوربا وأمريكا، رقد قام الاختصاصيون فى الحقب الأخيرة بنشر كثير من النصوص المسمارية التى عثر عليها فى وركاء فى الدوريات المتخصصة وغيرها. د. عبد الرحمن الشيخ [م. سترك M. Streck] وزير اسم يطلق على شاغل منصب الوزارة، كما يطلق على صاحب المنصب الرفيع خاصة فى الدولة العثمانية والكلمة فارسية الأصل، بل وفكرة الوزارة نفسها فارسية الأصل أيضا. ففى كتاب الأفستا Avesta Vicira تعنى "متخذ القرار" أو "القاضى"، وتعنى الكلمة بالبهلوية "القرار" أو "الحكم"، وقد انتقل اللفظ إلى الوبية -

بدون شك- أثناء فترة حكم الساسانيين ثم اندثر اللفظ فى بلاد فارس نفسها، واستعادته اللغة الفارسية الحديثة بنطقه الوبى (وزير) بينما كان فى البهلوية القديمة ينطق فتسير Vitir، وفى ظل حكم الأمويين كان الاسم المعتاد لمن يشغل هذا المنصب هو "كاتب" واستعيض عنه بعد ذلك بلفظ (وزير)، وكان أول من حمل اللقب هو أبو سلمة حفص بن سليمان الخلال الذى عينه أبو العباس السفّاح فى ربيع الأول سنة 132 هـ (نوفمبر 749 م) لكنه قتل فى رجب (27 فبراير سنة 750 م)، وفى ظل خلفاء بنى عباس كان الوزير يدير ديوان الرسائل بالإضافة لمهام أخرى، وعندما عهد الخليفة الرشيد لجعفر بن يحيى البرمكى بالنظر فى الالتماسات، كان هذا يعنى اتساع نفوذ الوزير اتساعا كبيرا. وقد أورد لنا زمباور E.V. zambaur فى كتابه الموسوم باسم: Manuel de genealogic et de chronologie pour l'histoire de l'lslam, Hannover, 1927 قائمة كاملة بالوزراء فى ظل خلفاء بنى العباس وكان آخرهم علاء الدين جوينى سنة 661 هـ/ 1263 م. وكان الخاتم المنقوش (الذى يمكن استعماله كختم) من علامات تولى منصب الوزارة. والواقع أن تاريخ الوزارة فى ظل حكم العباسيين لم يكتب حتى الآن رغم اتساع مجاله وأهميته. ولا نستطيع تناول تاريخ الوزارة فى بلاد فارس وفى ظل حكم السلاجقة رغم أنها كانت هنا أهم منها فى أى مكان آخر كما يدل على هذا أسماء الوزراء اللامعين سواء فى فارس أو فى الدولة السلجوقية. أما فى عهد العثمانيين فيقال إن أول وزير هو علاء الدين أخو أورخان ثانى السلاطين العثمانيين، ويقال إن هذا الوزير شغل منصبه سنة 726 هـ/ 1326 م أو 728 هـ/ 1328 م، ولا ندرى مدى صحّة هذا التاريخ، وكان الوزير يسمى عند السلاجقة بِرْوان، وتعنى الناصح أو القائد، وقد استعمل العثمانيون أيضا هذا اللفظ فى مرحلة باكرة، وكانت سلطة الوزراء العثمانيين الأُول محددة. وفى سنة 788 هـ/ 1336 م ظهر تيمورتاش باشا كوزير له نفوذ كبير وصلاحيات ضخمة لدرجة

أن حاز على ثلاثة ذيول (أطواخ، والمفرد طوخ) واعتبر أول صدر أعظم (أولو وزير أو أول) فى الدولة العثمانية) ومنذ ذلك الوقت أصبح كل باشا ينعم عليه السلطان بثلاثة ذيول (أطواخ) وزيرا. وكان عدد الوزراء العثمانيين يختلف من وقت لآخر ففى عهد السلطان محمد الثانى لم يكن مسموحا أن يزيد عدد الوزراء على سبعة، وحتى فتح القسطنطينية كان السلطان يكتفى بوزير واحد. وكان الوزراء ورئيسهم الذى كان يسمّى أولو وزير فى وثائق القرن السادس عشر وبعد ذلك صار يطلق عليه اسم الصدر الأعظم فى الوثائق الرسمية -يطلق عليهم قبّة وزيرليرى وتعنى وزراء القبّة لأنهم كانوا تحت قبة الديوان، وكانوا يُدْعون وفقا لرتبهم بالأرقام الترتيبية: الوزير الأول، الوزير الثانى. . وهكذا. وفى زمن متأخر، أصبح لفظ الوزير -كقاعدة عامة- يطلق ببساطة على سائر المناصب الرفيعة كالنيشانجى والدفتر دار والقبودان باشا، بل وحتى على أغا الانكشارية. ويختار السلطان الصدر الأعظم من بين الوزراء عادة، وعندما يمثل الصدر الأعظم ووزراؤه أمام السلطان فإن الصدر الأعظم وحده هو الذى يحق له الحديث مع السلطان فى أمور الدولة الرسمية أما الوزراء فيقفون إلى جواره صامتين وقد عقدوا أيديهم على صدورهم. وفى أثناء الحروب يتولى وزراء القئة قيادة الجيوش ويسمى الواحد منهم -عندئذ- سردار أو سر عسكر ويمنح صلاحيات ملء الشواغر فى قيادات الجيش وتوزيع الغنائم. بل ويصبح من حقهم إصدار الفرمانات باسم السلطان من معسكراتهم وأن يضعوا طغراء السلطان عليها، وفى عهد السلطان أحمد الثالث تم إلغاء نظام وزراء القبة بسبب ما سببوه من اضطراب ولم يبق حاملا لقب الوزير إلا القبودان باشا، وبعد ذلك منح لقب الوزير لأربعة باشاوات رئيسيين هم والى الروميلّلى، ووالى الأناضول، ووالى بغداد، ووالى مصر، لكن بالتدريج حمل اللقب كل الولاة وذلك عند ترقيتهم من رتبة باشا (التى يحمل صاحبها ذيلين أو طوخَيْن) إلى باشا بثلاثة ذيول (أطواخ)، ووفقا لما يقوله

المصادر

الباحث همر J.V.Hammer فإنه فى مناسبات استثنائية -كمناسبة زواج بنت السلطان مثلا- كان السلطان يمنح بعض الأتباع رتبة وزير دون أن يكون للواحد منهم أية مهام رسمية. وبإلغاء نظام وزراء القبّة زادت سلطة الأولو وزير (الصدر الأعظم) ولم تبدأ فى التقلّص إلا فى عهد سليم الثالث. وكان من رموز سلطة الصدر الأعظم حمله خاتم السلطه الذى يتعين عليه تسليمه لمن يخلفه فى منصبه. وقد تناول بعض المؤلفين تاريخ الصدور العظام فى الدولة العثمانية، فقد أعد الباحث بابنجر F.Babinger قائمة بالصدور الأعاظم نشرها فى: Die Geschichte des Osmanen und ihr werke وكتب لطفى باشا (توفى 1564 م) -الذى كان هو نفسه صدرا أعظم كتابا أسماه (آسفنامه) عن الواجبات المنوطة بشاغل منصب الصدر الأعظم، واختفى هذا المنصب من الدولة العثمانية عقب الحرب العظمى (العالمية الأولى). المصادر: (1) Geiger-kuhn: Gr. I. ph .I. 2, 48, 91, 181 on Arab ideas cf. the Kur'an commentaries on Sura xx. 30 and xxv. 37 Ibn al-Tiktaka: al-Fakhri,ed (2) H. Derenbourg Lassin, esl. p. 25 (3) Mawardi, Kitab al-Ahkam al Sultaniva, ed (4) M. Enger; J. Wellhausen: Das arabische Reich, p. 81 (5) Ibn Abdus, Kitab al-Wuzara, ed د. عبد الرحمن الشيخ [فرانز بابنجر Franz Babinger] الوشاء هو أبو الطيب محمد بن أحمد إسحق ابن يحيى، لغوى عربى بارع تتلمذ على يد المبرَّد وثعلب ومن أهم كتبه التى وصلتنا كتاب الموشَّى الذى حققه برونو R.E.Brunnow ونشره فى ليدن سنة 1886 وأعيد طبعه بعنوان "كتاب الظُرف والظرفاء" ونشر فى القاهرة سنة 1324 هـ وربما كان هو مؤلف

المصادر

كتاب "وصايا ملوك العرب فى الجاهلية" ونشر الجزء الأول منه فى بغداد سنة 1332 هـ رغم ورود اسم يحيى الوشاء به. المصادر: (1) ابن النديم: الفهرست، تحقيق فلوجل (2) ابن الأنبارى: نزهة الألباء، القاهرة، 1294. (3) ياقوت الحموى: إرشاد الأريب، تحقيق مرجليوث. د. عبد الرحمن الشيخ [س. بروكلمان C.Brockelmann] وشمجير بن زيار هو أبو طالب (وفقا للعملة التى سكها هو ظاهر الدولة) ومن الأفضل نطق اسمه بضم الواو إذا كان معنى اسمه (صائد السُّمانى) وقد تناول المسعودى فى مروج الذهب معنى اسمه. هو ثانى حكام الدولة الزيادية التى حكمت من 935 إلى 965. ولم يغادر وشمجير مسقط رأسه جيلان إلا بعد وصول أخيه مرداويج إلى السلطة، وكان يعيش حتى ذلك الوقت حياة التقشف والبداوة التى يعيشها سائر أفراد جنسه من سكان الجبال، وعمل فى خدمة أخيه فغزا أصفهان وأخرج منها عليا بن بويه الذى استولى على هذه المدينة وقت أن كان يعمل فى خدمة أخيه مرداويج، وبعد موت مرداويج فى أصفهان فى سنة 323 هـ/ 935 م ذهب وشمجير إلى الرى حيث ولاه السكان ثم جيش الديلم مكان أخيه وكان جيش الديلم قد أرسل إلى خورستان ليتابع مسيرته إلى بغداد، وقد ظل وشمجير حتى سنة 328 هـ/ 940 م قادرا على الاحتفاظ بالمناطق التى استولى عليها أخوه مرداويج وقد أرسل للوزير العباسى ابن مقلة لإخراج ابن رائق وحاول أن يمد نفوذه غربا بمساعدة دَيْسم الكردى فى إعادة غزو أذربيجان، وفى العام نفسه (328 هـ/ 940 م) دخل وشمجير فى صراع مع السامانيين الذين غزوا جران، وانتهز بنو بويه الفرصة فاستولوا على أصفهان بل والرى أيضا، وكان على وشمجير فى النهاية أن يلجأ للحاكم السامانى نوح

المصادر

ابن نصر فى خوارزم طالب الحماية. المصادر: (1) ابن مسكويه: تجارب الأمم، تحقيق مرجليوث (2) S.Lane - Poole: Oriental Coins in the British Museum, iii. 10 sqq (3) Cl. Huart: Les Ziyarides, in Memoires de l'Academie des Inscriptions xlii. (1922), 377 - 384 (4) E. Denison Ross: On three Muhammadan, Dynasties in Northern Peresia, in Asia Major, II. 205 - 225 (5) V. Minorsky: La domination des Dailamites(Publ. de la Soc. des Etudes Iraniennes No. 3), Paris, 1932 د. عبد الرحمن الشيخ [ل. هـ كرامرز J.H.Kramers] وصاف مؤرخ فارسى، اشتهر بوصّاف الحضرة، أما اسمه الأصلى فهو شرف الدين عبد اللَّه بن فضل اللَّه الشيرازى. عمل جابى ضرائب تحت حكم المغول ثم أصبح مولى للوزير المؤرخ رشيد الدين الذى قدّمه لأولجاتو (712 هـ/ 1312 م) ويعد كتابه فى التاريخ المعنون (تاريخى وصّاف) تكملة لكتاب عطا مالك جوينى، ويغطى كتاب وصاف الفترة من 1257 إلى 1328 م، ورغم معلوماته المفيدة فإنه ينقصه المنهج السوى والأسلوب الواضح، وقد حقق همر J. Von Hammer الجزء الأول منه وترجمه للألمانية ونشره فى فينا سنة 1856 م، وطبع الكتاب كله طبع حجر فى بمباى سنة 1269 هـ/ 1853 م. المصادر: (1) Ta'rikh-i Wassaf, Bombay 1269, p.554 sqq (2) Rieu, Cat. Pers MSS Brit. Mus, p. 162 (3) Madima Rida Kuli: Khan alFusaha, i. 655 (4) Hammer: Geschichte d. schon Redekunste Persiens, Vinna 1818, p. 243 (5) G. Browne: Hist of Persian Literature under Tartar Dominion. Cambridge 1920, p.67

الوصية

د. عبد الرحمن الشيخ [هورات Ci. Huart] الوصية الوصية رغبة أخيرة يخلِّفها الشخص الراشد قبل وفاته فيما يتعلق بأيلولة أمواله أو جزء منها وما يريد أن يحصل أو لا يحصل بعد مماته، والوصيّة تمليك مضاف إلى ما بعد الموت ويكون بالعيْن أو المنفعة أو الثّمرة أو الدَّين. وكانت الوصية عند العرب قبل الإسلام أقل ارتباطا بتوزيع الثروة والعقار وما إلى ذلك، إذ كانت فى مجملها متعلقة بتوجيهات يبديها رجل على وشك الموت للأحياء للمحافظة على تراث القبيلة مثلا ولضمان استمراره، وبهذا المعنى، فإن الإمام على -وفقا لما يقوله السنية- هو الوصى على تراث النبى -صلى اللَّه عليه وسلم-، وكل إمام وصى على ما خلفه الإمام الذى سبقه، فالإمام على رضى اللَّه عنه والأئمة من بعده أوصياء على استمرار الدين، والوصية بهذا المعنى تعود لأيام الجاهلية. وفى ظل الشريعة الإسلامية ارتبط لفظ وصية -إلى حد كبير- بتوزيع ممتلكات الميت، وهى فى هذا الصدد تعنى معنى بين الوصية الشرعية والتعبير عن الرغبة. ويتضح من الآية رقم 50 من سورة يس (فى المرحلة المكية الثانية) أن التوصية أو الوصية -قبل الموت- كانت واجبا واضحا لدى تجار قريش {فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلَا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ}، وقد أوصى القرآن الكريم المسلمين بالتوصية للوالدين والأقارب والحلفاء، ففى سورة البقرة، آية 177 {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ. .} وفى سورة النساء، آية 36 {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ

مُخْتَالًا فَخُورًا}، والآيتان 240 و 241 من سورة البقرة. تجعل الوصية للزوجة التى مات عنها زوجها والمطلقة أمرًا واجبا {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (240) وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} وأشارت الآية 109 وما بعدها فى سورة المائدة إلى ضرورة وجود شهود على الوصية، وأدائهم اليمين تأكيدا لصحة ما يقولون، وهذه الآية تؤكد أن الوصية حال نزول هذه الآيات الكريمة كانت بالفعل قد أصبحت أمرًا مألوفا، وفيما يلى نص الآيات الكريمة المشار إليها {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَمِنَ الْآثِمِينَ (106) فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ}. ومما لا شك فيه أن قوانين المواريث الدقيقة التى أوردها القرآن الكريم بعد ذلك كان يقصد بها أن تحل محل الوصية (¬1) وتشير الأحاديث الشريفة إلى أنه لا وصية لوارث، والمقصود الوارث الشرعى heir-in-law الذى يرث بلا وصية، كما يفيد الحديث (الشريف) إلى أن الوصية لا تزيد عن ثلث ما تركه المتوفى واعتبرت الوصية غير الشرعية إثما، وتأسىّ البعض بأن الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] مات دون وصيّة، وهو ما يخالف وجهة نظر الشيعة. وقد أفاضت كتب الفقه فى أمور تفصيلية أخرى متعلقة بالوصية وشروطها، والتفرقة بينها وبين (الهبة) و (الوقف). . الخ. ومما تجدر الإشارة إليه أن قوانين بعض البلاد الإسلامية منعت منعا باتا ¬

_ (¬1) لم تَجُب أى لم تلغ قواعد المواريث الإسلامية نظام الوصية. (المترجم)

المصادر

"الوصية" كالصومال مثلا فى وقت من الأوقات. المصادر: (1) Wellhausen: Reste arabischen Heidentums 2; p. 191 (2) Lammens: L'Arabie occidentale avant l'Hegire, p. 200 - Section 3 (3) Wensinck: A Handbook of Early Muhammadan Tradition, s.v (4) Will: Peltier, Le Livre des Testaments du n cahih d'el-Bokhari, Algiers Section 4, in addition to the Arabic works, especially (5) Juynboll: Handbuch des isLamischen Gesetzes, P.198,225 Sqq.: do Handleiding 3, p. 229,260 sqq (6) Vesey-Fitzgerald: muhammadan Law, chap. xiii, xix, xx., xxi., xxv. E, xxv.E a (7) L'Execution: M. Abdel Gawad,testamentaire en Droit Musulman (Paris 1926; Thereon Snouck Hurgronje, in Deutsche Literature-zeitunge, 1932, p.6 د. عبد الرحمن الشيخ [جوزيف شاخت Joseph Schacht] الوضوء الوضوء هو الطهارة لإزالة الحدث الأصغر، وقد عرف العرب قبل الإسلام التطهر وارتبط ذلك باعتقادهم فى الأرواح الشريرة، وقد انتقلت إليهم هذه المعتقدات من أفكار ساميّة أقدم عهدا، أما فى الإسلام لم تعد هذه الأمور (ذات الطابع الوثنى) تراعى وإنما حددت الآية الكريمة السادسة من سورة المائدة كيفية الوضوء {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} وأثارت الآية 43 من سورة النساء أبعادا أخرى للطهارة {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ

المصادر

سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا} ونظام الطهارة الوضوئى (الوضوء) والطهارة الكبرى (الاغتسال من الحدث الأكبر) يختلف فى التفاصيل عن نظام الطهارة عند اليهود وإن كان هذا لا يمنع وجود بعض التشابه. وإذا أخذنا المعنى الحرفى للآيتين الكريمتين فإن الوضوء أمر لازم قبل كل صلاة، وهو ما أخذ به الظاهرية والشيعة، لكن مذاهب السنة الأربعة لا تشترط وجوب الوضوء إلا إذا كان من ينوى الصلاة قد أحدث الحدث الأصغر الذى يتمثل فى لمس جلد الجلد الآخر (أما الجماع فهو الحدث الأكبر) طالما كان الطرف الملموس ليس من المحارم، وخروج أى شئ من أحد السبيلين -فيما عدا الحالات المرضية- وغياب الوعى بالنوم أو الأغفاء حتى أثناء الجلوس، ومس المرء عضوه التناسلى (¬1). ويغنى التيمم عن الوضوء إذا لم يتيسر الماء أو بسبب مرض يمنع استخدام الماء. وتجيز المذاهب الإسلامية السنية المسح على الخفين بدلا من غسل القدمين، للشخص الذى لا يتيسر له أن يكون فى محل إقامة دائم إلا مرة كل أربع وعشرين ساعة أو كان فى حالة سفر، شريطة أن تكون القدمين قد غسلتا قبل ارتداء الحذاء (الخفين) لكن الشيعة والخوارج لا يقرون المسح على الخفين. المصادر: (1) Goldziher: Archiv fur Religion Swisensch of t, xiii. p 20. s 99 (2) Wensinck: Handbook of early Muhamnadan tradition النص العربى المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوى عن الكتب الستة وعن مسند الدارمى وموطأ مالك ومسند أحمد بن حنبل. د. عبد الرحمن الشيخ [يوسف شاخت Joseph Schack] ¬

_ (¬1) (نتوقع من القارئ الكريم أن يستقى المعلومات التى تخص دينه من المصادر الإسلامية الكثيرة فى مثل هذه الموضوعات وإذا كنا هنا نطالع فكرًا عن ديننا، فإنه من الضرورى معرفة ما يكتبون) (المترجم).

وطاس، بنو

وطاس، بنو الوطاسيون أسرة حاكمة مغربية حكمت فى القرنين الخامس عشر والسادس عشر، وهم فرع بعيد من بنى مرين الذين ينتسب إليهم أيضا بنو عبد الحق مؤسسو الدولة المرينية. استقر بنو وطاس فى القرن الثالث عشر للهجرة فى شرق المغرب (مراكش) بعد أن كانوا يعيشون حياة البداوة على حافة الصحراء الكبرى وفوق هضاب المغرب الوسطى العالية، وسرعان ما دعموا مراكزهم فى منطقة الريف فأصبحوا من الناحية العملية حكامًا مستقلين فى الوقت الذى حل فيه أقرباؤهم بنومرين محل الموحدين فى شمال المغرب (مراكش). ومن هنا فإن تاريخهم ارتبط فى البداية بتاريخ بنى مرين، لكن بعد ذلك أصبح أكثر التصاقا بالأحداث المرتبطة بمحاولات المسيحيين غزو مناطق فى مراكش، كما ارتبطوا بالأحداث التى يسرت للأمراء السعديين الوصول للسلطة فى منتصف القرن السادس عشر. وطوال فترة حكم المرينيين، نَعِمَ بنووطّاس -نظرًا لوشائج القربى التى تربطهم بالأسرة الحاكمة المرينية- بكثير من النفوذ والمناصب الرفيعة التى أسبغها عليهم المرينيون سواء فى فاس أو فى المدن الرئيسية الأخرى. وفى سنة 823 هـ/ 1420 م عمت الفوضى السياسية بلاد مراكش بعد اغتيال السلطان أبى سعيد عثمان، وفى هذا الوقت كان الأسبان قد طردوا معظم المسلمين من أسبانيا وحاصر البرتغاليون سبتة على الساحل المغربى، وفى هذا الوقت ظهر على مسرح الأحداث شخصية بارزة من بنى وطاس هو أبو زكريا يحيى بن زيان الذى كان حاكما لمدينة سالى Sale فسيطر على مقدرات البلاد وحكمها كوزير لعبد الحق بن السلطان أبى سعيد الذى كان لا يزال قاصرا، وحتى بعد أن كبر عبد الحق ظلت سلطة أبى زكريا هى الفاعلة والمؤثرة إلى أن وافته منيته سنة 1448 م (كان الناس فى المغرب يسمون أبو زكريا باسم أبى ذكرى) فحل محله على بن يوسف ثم ابنه يحيى.

لقد سارت الأمور فى صالح بنى وطاس فقد أدى تكرار هجوم البرتغاليين على الأراضى المراكشية إلى إثارة الحماسة الدينية، وعلت الأصوات مطالبة بالجهاد، واستغل بنو وطاس هذه الروح وقادوا حركة الجهاد ضد البرتغاليين، فبينما نجح أبو زكريا يحيى الوطاس فى أواخر سنة 1437 م فى هزيمة البرتغاليين هزيمة منكرة فإن على بن يوسف كان أقل نجاحا فلم يستطع منع البرتغاليين من الاستيلاء على القصر الصغير، وفى فاس كان الأشراف الادارسة يعملون لصالحهم فأحيوا ذكرى إدريس الثانى مؤسس المدينة (فاس)، وفى هذه الفترة كانت وصاية الوطاسيين على السلطان عبد الحق قد انتهت وأعدم الوزير يحيى ومعظم أسرته، وحاول السلطان المرينى عبد الحق أن يحكم مباشرة دون وساطة من بنى وطاس لكن الناس ثاروا ضده خاصة بعد أن عين وزيرا له هارون اليهودى، فقتل سنة 869 هـ/ 1465 م بموته انتهت الدولة المرينية. وكان اثنان من أخوة الوزير يحيى الوطاسى قد تمكنا من الهرب من القتل سنة 1458 م فلجأ جدهما وهو محمد الشيخ إلى أرزيلا Arzila وتمكن من تكوين قوة فى مرتفعات شمال مراكش، وعند موت السلطان عبد الحق فكر فى الاستيلاء على فاس التى استولى عليها الادارسة، وتمكن من دخول فاس فعلا بعد صراع دام ست سنوات وأعلن نفسه سلطانًا من 1472 إلى 1504 م. وأدى سقوط غرناطة فى أيدى القوى المسيحية سنة 1492 م وتأسيس البرتغاليين لمستعمرتى سافى Safi ومزجن Mazagan إلى إثارة الحماس الدينى فى مراكش وساعد على ظهور قوى مختلفة حاملة راية الجهاد. وعند موت محمد الشيخ خلفه ابنه محمد الملقب بالبرتغالى (ينطقها أهل فاس بالقاف - البرتقالى) الذى حكم فأس حتى 1524 م، لكن الأحداث كانت تجرى سراعا فتقدم السعديون الأشراف -بعد أن جمعوا قواتهم فى الجنوب- صوب الشمال بسرعة، وفى

المصادر

سنة 1523 م هيمنوا على مراكش ونحوا الوطاسيين جانبا، وفشل خليفتا محمد البرتغالى، وهما ابنه أبو العباس أحمد (1036 و 1547 - 1549 م) وحفيده محمد محمد القسرى (1545 - 1547 م) فى وقف تقدم السعديين بقيادة محمد الشيخ المهدى السعدى الذى وطد مركزه فى فاس نهائيا سنة 1550 م، لكن هذا لم يمنع من ظهور وطاسى آخر يحاول استعادة ملك الوطاسيين هو أبو حسّون (بوحسون) أخو محمد البرتغالى فلجأ لطلب المساعدة من البربر ومن أوربا، وزار شارل الخامسر فى ألمانيا، ولجأ لطلب المساعدة من العثمانيين أخيرًا، فساعدوه بشن حملة على فاس التى سقطت فى أيديهم بالفعل سنة 1554 م لكن محمد المهدى السعدى استعادها بعد شهور قلائل، فغادر الوطاسيون مراكش دون أمل فى استعادة ملكهم. ويعتبر حكم بنى وطاس مرحلة انتقال من حكم البربر إلى حكم الأشراف، وازدهرت فاس فى ظل حكمهم، وقد وصفها ليو الأفريقى (الحسن بن الوزان) على أيامهم ووصفها وصفا دقيقا. ويمكن الاطلاع على سلسلة نسب الوطاسيين مع تعليقات ثرية فى دراسة الباحث H. de Castries الموسومة باسم: Les Sources inedites de I'Histoire du Maroc باريس، 1921. المصادر: (1) أحمد بن خالد الناصرى السلاوى، الاستقصا جـ 1. (2) H.de Castries: Les Sourcis inedites de. I'Histoire du Maroc (3) A Mongraph was written on the Wattasids by A. Cour, La dynastie maracaie des Beni Wattas. Constantine 1920 (cf. on this book and its subject Revue Africaine, 1921, p. 185 - 189 Hesperis i. 1921, p. 492 - 497 د. عبد الرحمن الشيخ [ليفى بروفنسال E. Levi-Provencal] وطواط، رشيد الدين رشيد الدين وطواط شاعر فارسى من بلخ، أما اسمه الكامل فهو محمد بن عبد الجليل العمرى (لأنه من سلالة

المصادر

عمر بن الخطاب)، وقد سُمّى الوطواط لهيئته الذَّريّة وضآلة جسمه فشبهه الناس بطائر الوطواط المعروف، وقد ارتفع شأنه فى عهد السلطان السلجوقى سنجر وفى عهد أتسيز Atsiz الخوارزمشاه المتوفى 551 هـ/ 1156 م، إذ كان الوطواط فى عهد الأخير شاعرا للبلاط وحاجبا وعندما كان سنجر يحاصر أتسيز فى قلعة هزارسب فى خوارزم (خانيّة خيوا) سنة 542 هـ/ 1147 م أمر شاعره أنورى أن يكتب أبياتا يهجو فيها أعداءه وأن تعلق فى سهم يُقذف به إلى المدينة المحاصرة، وكان على الوطواط أن يرد شعرًا على هذا الهجاء، وقد فعل، فلما قبض عليه سنجر هدّد بتقطيعه إلى سبع قطع، لكن منتخب الدين بديع الكاتب قال إن الوطواط طائر صغير لا يتحمل تقطيعه لسبع قطع وأنه يكفى تقطيعه لقطعتين فقط، فضحك سنجر وعفا عنه، ثم تقرب إليه شاعرنا الوطواط بقصيدة مديح. توفى الوطواط سنة 578 هـ/ 1182 م عن سبعة وتسعين عاما قمريا، ويقال إن له كتابات نثرية منها "مطلب كل طالب" ترجم ملخصًا للفارسية، وضمت هذه الترجمة مائة قول من أقوال الإمام على، وكتاب "حدائق السحر" فى البلاغة. المصادر: (1) لباب الألباب، تحقيق برون، 1906 م. (2) دولة شاه، تذكرة الشعراء، تحقيق برون، 1901 م. (3) Lutf, Ali beg: Atesh Kede (Bombay 1277, no pagination), region of Turan; Rida Kuli Khan, Madima al-Fusaha (Theran 1295), i. 222 (copious extracts from the Diwan) (4) J. von Hammer: Geschichte d schon. Redekunste persiens, p. 119; Edw G. Browne: Literary History of Persia. ii. 124, 309 sqq 330 - 333 د. عبد الرحمن الشيخ [س. هوارت Cl. Huart] وفاء شرف الدين الحسينى شاعر فارس عاش فى القرن الثامن عشر ينتمى لأسرة من أشراف ثم تولى رعاية ضريح فاطمة ابنة الإمام موسى

الوفرانى

الكاظم، توجه للهند فى نهاية حكم نادر شاه وبقى هناك حوالى ثلاثين عامًا ثم عاد لوطنه سنة 1181 هـ/ 1766 م ثم أدى فريضة الحج، ومات فى فارس سنة 1194 هـ/ 1780 م وله عدة دواوين. د عبد الرحمن الشيخ [س. هوارت Cl. Huart] الوفرانى الوفرانى أو الإفرانى، هو أبو عبد اللَّه محمد بن الحاج محمد بن عبد اللَّه، ويعرف بالصغير، مؤرخ مغربى، ولد فى مراكش سنة 1080 هـ/ 1669 - 1670 م وهو من قبيلة إفران (بكسر الآلف أو ضمها) أو وفران التى استقرت جنوب مراكش فى وادى درعه (بفتح الدال) ولا نعرف إلّا القليل عن حياته فقد درس فى مراكش وارتحل إلى فاس وقضى حياته متنقلا بين مدن مراكشر وأقام فترة فى زاوية الشرقاوية التى أسسها أبو الجعد ويسمى فى اللهجة المحلية بوجاد، وفى أخريات أيامه صار إمامًا وخطيبًا لمسجد يوسف (أو مدرسة ابن يوسف) فى مدينة مراكش، وتوفى سنة 1140 هـ/ 1727 م وفى رواية أخرى أنه مات سنة 1151 هـ. وقد عرف الوفرانى بكتابه (نزهة الحادى بأخبار ملوك القرن الحادى) الذى حققه وترجمة هوداس O.Houdass، وجعل له عنوانا: Histoire de la dynaslie Saadienne au Maroc (1151 - 1610): Nozhet elhadi ونشره فى باريس سنة 1888/ 1889 م، وطبع كتاب الوفرانى هذا (طبع حجر) فى فاس سنة 1306 هـ، وهذا الكتاب -إلى حد بعيد- أهم مصادر تاريخ أسرات الأشراف الأوائل فى المغرب الأقصى، ويغطى الكتاب الفترة من 917 هـ (1511 - 1512 م) إلى نهاية القرن الحادى عشر للهجرة/ السابع عشر للميلاد ويتعرض لحياة كثير من الأمراء السعديين ويفيض فى الحديث عن السلطان أحمد المنصور. وفيما يتعلق بالدراسة النقدية لكتابه يمكن الرجوع لما كتبه ليفى بروفنسال فى كتابه Les Historiens des Chorfa والمنشور فى باريس سنة 1922 م.

المصادر

ومن كتب الوفرانى الأخرى: 1 - المسلك السهل فى شرح تواشيح ابن سهل، طبع على الحجر فى فاس سنة 1324 هـ. 2 - الظل الوارف فى مفاخر مولاى اسماعيل بن الشريف. 3 - درر الحجال فى مآثر سبعة رجال وهو عن الآولياء الصالحين فى مراكش. 4 - أرجوزة المُعرب فى أخبار المغرب. 5 - صفوة من انتشر من أخيار صلحاء القرن الحادى عشر. المصادر: وردت فى المتن. د عبد الرحمن الشيخ [أليفى بروفنسال E.Levi provencal] وفق وجمعه أوْفاق، والمقصود به المربع السحرى وهو مربع مقسم على نحو ما تقسم رقعة الشطرنج يضم كل قسم رقما أو حرفا أو كلمة، ويستخدم هذا الوفق كطلسم ضد المرض أو لأغراض أخرى كثيرة، كما يمكن استخدامه لأغراض سحرية. وأبسط أشكال الوفق (المربع السحرى) يتكون من تسعة مربعات كالتالى: 15. . . 3 ... 9 ... 4 15. . . 7 ... 5 ... 3 15. . . 6 ... 1 ... 8 15. . . 15 ... 15 شكل (1) وقد أطلق على هذا المربع فى التراث الصينى اسم إيوشو lc-shu، ويقال إن الإمبراطور يو yu (2200 ق. م) قد رآه على ظهر سلحفاه ظهرت من هوانج Hoang-Ho, وفى التراث العربى وجدنا هذا الوفق للمرة الأولى فى كتاب الموازين لجابر بن حيَّان الذى نستطيع أن نؤرخ كتابته الآن بحوالى سنة 900 م. وقد عزا جابر هذا المربع إلى بليناس وقال إنه إذا كتب على قطعتى كتان جديدتين (لم يستخدما) وربط أسفل قدم الأم سهَّل حملها (جعلها تنجب) وقد أشار إليه الغزالى (1058

- 1111 م) فى كتابه المنقذ من الضلال، رمجموعة الأرقام فى هذا الوفق (المربع) سواء على المستوى الأفقى أو الرأسى أو القطرى لابد أن تساوى (15)، ولا يتأتى هذا إلّا إذا كان الرقم 5 فى وسط الوفق، وبالإضافة للترتيب الذى ورد فى الوفق المشار إليه آنفا (شكل 1) هناك سبع طرق أخرى للوصول للنتيجة نفسها، وقد وصفت طريقة ملء هذا الوفق بالأرقام فى رسائل إخوان الصفا، وفى سفر ها - شم, Ha- shem الذى ألفه إبراهيم بن عزرا (1092 - 1167 م) ربط هذا الوفق باسم اللَّه بالعبرية بالرقم 15. والأرقام المدرجة فى مربعات الزوايا فى هذا الوفق تمثلها كلمة بروح العربية بحساب الجمل وتعتبر هذه الكلمة ذات قوة سحرية، وإذا صدقنا ما كتبه المفهرسين العرب فإلت ثابت بن قره (826 - 901 م) كان يكتب على المربعات السحرية، وفى هذا الحال. فمن الطبيعى أن نفترض أن هذا الرياضى لم يكن يقيد نفسه بالأوفاق ذات الخانات التسع ومن غير المستبعد أن يكون الربط من الأوفاق والأفلاك يعود لثابت ووفقا لما ذكره سوتر Suter فى كتابه عن الرياضيات والفلك Mathematiker und Astronomen فإن ابن الهيثم (965 - 1039 م) اشتغل أيضا بالمربعات السحرية لكن أن أعمال الرياضيين وطلاب العلوم السرية فى القرن الثالث عشر هى التى سجلت، وإن كان كتابى البونى (المتوفى 1225 م) "شمس المعارف"، و"الدر المنظوم فى علم الأوفاق والنجوم" هما المعروفان معرفة كاملة، وقد زاد البونى فى التيمة العددية للأرقام فى الاوفاق التى استخدمها باستخدام المتواليات الحسابية كما يتضح من الوفقين التاليين (شكل 2) و (شكل 3) 111. . . 34 ... 41 ... 36 111. . . 39 ... 37 ... 35 111. . . 38 ... 33 ... 40 111. . . 111. . . 111 شكل (2)

المصادر

90. . . 37 ... 13 ... 40 90. . . 33 ... 30 ... 27 90. . . 20 ... 47 ... 23 90. . . 90. . . 90 شكل (3) وثمة كثير من المربعات غير الصحيحة فى كتاب شمس المعارف وهذا راجع لخطأ النسّاخ فى الغالب، ولأن العرب استخدموا نظامين للترقيم جنبا إلى جنب، فقد خلطوا النظامين ببساطة، وعادة ما كانوا يستخدمون حروف كلمة تعنى اسم الجلالة، ويضعون الكلمة نفسها لتكون بمثابة مفتاح للمربع فى الصف الأول للمربع مع إثبات مقابلها الرقمى أما الصفوف الأخرى فتملأ بالأرقام العادية، وقدم لنا البونى عديدًا من الأمثلة أورد هنا نموذجًا منها غير أننى استبدلت حروف كلمة رحمان بالأرقام الدالة عليها (شكل 4) هـ. . . د. . . جـ. . . ب. . . أ 299. . . 200 ... 8 ... 40 ... 1 ... 50. . . I 289 . . . 4 ... 38 ... 198 ... 11 ... 38 . . . II 279 . . . 9 ... 21 ... 2 ... 51 ... 116 . . . III 191 . . . 49 ... 99 ... 7 ... 31 ... 5 . . . IV 129 . . . 37 ... 3 ... 52 ... 29 ... 6 . . . V 299 . . . 169 . . . 299. . . 123 . . . 295 والمفروض فى هذا الوفق (شكل 4) أن يكون ناتج جمع كل عمود رأسيا أو أفقيا أو قطريا هو 299 لكننا نجد أن هذا لا ينطبق إلا على الصف الأول أفقى، والصف الثالث رأسى، أما الصفوف الأخرى فمختلفة زيادة أو نقصانا، لذا فهناك أخطاء فى كتابة الأرقام فى هذا الوفق الذى يمكن أن يكون صحيحا إذا غيرنا الأرقام كالتالى: هـ. . . د. . . جـ. . . ب. . . أ 299. . . 200 ... 8 ... 40 ... 1 ... 50. . . I 299 . . . 4 ... 48 ... 198 ... 11 ... 38 . . . II 299 . . . 9 ... 41 ... 2 ... 51 ... 196 . . . III 299 . . . 49 ... 199 ... 7 ... 39 ... 5 . . . IV 299 . . . 37 ... 3 ... 52 ... 197 ... 10 . . . V 299 . . . 299 . . . 299 . . . 299 . . . 299 المصادر: (1) Michael stifel: Arithinetica integra, 1544 (2) Bachet de Meziriac: Blemes plaisans etc. 1624 (3) Ath. kircher: Artihmologia, 1665

المصادر

(4) De la Hire: Nourelles consiruc lions el consideruiions sur les Ozanam د. عبد الرحمن الشيخ [ج روسكا J. Ruska] وقار هو ميرزا أحمد شيرازى وقار (بفتح الواو) وينطقها آخرون بكسر الواو، شاعر فارسى وهو أكبر ستة أبناء للشاعر وصال، وقد حقق أخوته الخمسة أيضا شهرة فى مضمار الشعر. وقد أورد نماذج من شعر أبيه رضا قولى خان فى كتابه مجمع الفصحاء كما تناولها أيضا الباحث برون Browne فى كتاب عن الأدب الفارسى الحديث Persian Literature in modern lines وقد أنشد وقار ست قصائد فى مدح ناصر الدين شاه وقد ولد وقار حوالى سنة 1232 هـ/ 1817 م. سافر وقار بعد موت أبيه بسنوات قلائل (غالبا سنة 1262 هـ/ 1846 م) إلى الهند بصحبة أخيه محمود ومكث فى بمباى من 1266 هـ/ 1849 م إلى 1268 هـ/ 1851 م حتى وصله خطاب من نصرة الدولة فيروز ميرزا اللوّاب يحثه فيه على العودة إلى شيراز، ومع أن وقار كان محترما فى بمباى فيما يقول رضا قولى خان إلّا أن الحنين إلى الوطن دفعه للعودة، ونجد فى مجمع الفصحاء قصيدة لهُ عن رحلته للهند، وفى 1274 هـ/ 1857 - 1858 م، وكان وقار فى طهران فتم تقديمه للشاه ناصر الدين الذى أنعم عليه بخلعه وأجرى عليه راتبا، ولا ندرى بالضبط تاريخ وفاه شاعرنا الذى لم يكن عالمًا باللغة العربية وإنما كان أيضًا خطاطًا. المصادر: وردت فى المتن. د. عبد الرحمن الشيخ [س. ف. بخنر C.F.Buchner] وقعة نويس، وقائع نويس وقائع نويس تعنى المؤرخ العثمانى المعين رسميا بينما وقعة نويس تعنى مسئول الوثائق أو حافظ السجلات وقد

المصادر

أشار للفرق بين المصطلحين الباحث فون همر Von Hammer، ويقال إن أول مؤرخ عثمانى رسمى كان هو عبد الرحمن عبدى باشا إلا إن القائمة الكاملة بالمؤرخين العثمانيين الرسميين غير كاملة وتعوزها الدقة، فالقائمة التى أعدها همر بها نواقص وأخطاء، ويبدو أن مسئول الوثاثق (وقعة نويس) كان يشغل أيضا وظيفة المؤرخ الرسمى فى بعض الأحيات. كالشاعر نركست Nerkest على سبيل المثال أما مصطفى رحمى فليس من المؤكد حتى الآن أنه شغل المنصبين. ووظيفة المؤرخ الرسمى للدولة العثمانية تعد -على أية حال- استمرارًا لوظيفة الشاهنامجى الذى يتم تعيينه بواسطة البلاط السلطانى ومنه يتقاضى راتبه، وآخر وقائع نويس (مؤرخ رسمى) للدولة العثمانية كان هو واصف أفندى. المصادر: وردت فى المتن. د. عبد الرحمن الشيخ [فرانز بابنجر Franz Babinger] وقف وقف أو حبس يعنى لغة المنع، وفى مصطلح الفقه الإسلامى يعنى أساسًا حماية شئ ما ومنع طرف ثالث من تملكه، وفقا لما ذكره السرخسى فى كتابه المبسوط (جـ 12، ص 27) ومن ثم فهذا المفهوم ينطبق على أراضى الدولة، ويقصد بها تلك الأراضى التى فتحها المسلمون عنوة أو صُلْحا، فهذه الأرض تبقى فى أيدى ملاكها الأصليين على أن يدفعوا خراجها وليس لهم الحق فى بيعها أو رهنها (انظر فى ذلك. كتاب الأحكام للموردى تحقيق إنجر Enger، ص 237 وما بعدها) وبشكل عام فإن الهبات الخيرة (الهبات التى يقصد بها وجه اللَّه) لتحقيق مقاصد حدّدتها الشريعة وبطرائق وضحتها المذاهب بحيث يتم الاحتفاظ بالشئ الموقوف نفسه مع كفالة حق الانتفاع به لتحقيق أهداف خيره ويتنازل المالك عن حقه فى التصرف فى الشئ الموقوف، فالوقف عملية شرعية (قانونية) ينشأ عنها هبة تنفى عن مالكها حق التصرف فيها، ومن الألفاظ المرادفة: تحبيس، تسبيل، تحريم. ليصبح الشئ موقوفا أو

محبوسا أو محبّسا أو حبسا، ويشيع بين سكان المغرب -حيث ينتشر المذهب المالكى ألفاظ: حُبُس (بضم الحاء والباء) وهى جمع حبس (بفتح الحاء وكسر الحاء). وللوقف مبادئ وأسس كأن يكون المالك (الواقف) صاحب حق كامل فى التصرف فى ممتلكاته التى يريد وقفها وأن يكون ممتلكا لكل قواه العقلية وأن يكون عاقلا بالغا حرا، وبحق لغير المسلم أن يوقف من ممتلكاته ما يشاء شريطة ألا يضر وقفه هذا بالإسلام. وبالنسبة للموقوف لابد أن يكون ذا طبيعة دائمة وأن يكون من الممكن ترتيب حق انتفاع عليه بمعنى أن ينور عقارا ثابتا، وهناك خلاف فيما يتعلق بوقف المنقولات. فالأحناف لايوافقون عليه. بينما الشافعية والمالكية يقرونه كوقف الأنعام للانتفاع بلبنها ووبرها. ووقف الأشجار للإنتفاع بثمارها، والكتب لإتاحتها للدارسين، والعبيد للانتفاع بما يؤدونه من أعمال، وثمة خلاف فيما يتعلق بالعبيد فالشيرازى لا يقر بوقفهم، ولا يجوز وقف الأموال السائلة بمنفعتها ربا، وإنما يمكن إخراج الصدقة منها، ويجيز المالكية وقف المنفعة أيضًا كنتاج أرض أُجرت لفترة، وقد يكون الوقف خيريًا لأغراض دينية أو أهليا للإنفاق على الأحفاد أو الأبناء أو الأقارب بشكل عام. وهبة الشخص لنفسه غير جائزة (إلّا عند أبى يوسف) لكن الشافعية يقدمون حيلة مؤداها أن يُهدى الشئ المراد منحه إلى شخص ثالث (أو يباع له بثمن بخس) ثم يقوم هنا الأخير بمنحه لمالكه الأصلى، وقدم ابن حجر حيلًا أخرى رفضها الآخرون (لمزيد من الحيل انظر الأردبيلى فى الأنوار جـ 1، ص 433 والقزوينى فى كتابه الحيل، تحقيق شاخت، جـ 4، ص 45). ولا يشترط أن يكون الوقف مكتوبًا رغم أن الوقف جرى على كتابته، وبالإضافة لهذا هناك شروط أخرى لصحة الوقف فلابد أن يكون "مؤبّدا" بمعنى لا يمكن تحويله، ولابد أن يكون "منجزا" إلّا أن الأمر هنا كما فى الوصية إذ لا يجوز لشخص ما أن يوقف أكثر من ثلث ثروته حتى لا يحرم الورثة، والوقف بمثابة "عقد لازم" وهناك خلاف فى تفسير ذلك بين

الوقف فى التاريخ

الفقهاء. وقد تناولت كتب الفقه لإدارة الأوقاف وأمور تفصيلية أخرى كثيرة. الوقف فى التاريخ الرأى السائد بين المسلمين أنه لم يكن هناك وقف فى شبه الجزيرة العربية قبل الإسلام سواء وقف الأراضى أو المنازل (انظر كتاب الأم للإمام الشافعى)، وقد أرجع الفقهاء هذا النظام إلى أيام النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] والبراهين التى يقدمها الفقهاء ودارسو أحاديث الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] لإثبات أن الوقف كان له وجود أيام الرسول أو أيام خلفائه الراشدين فى هذا الصدد أن النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] رغب فى شراء بساتين من بنى النجار لبناء مسجد فرفضوا تقاضى ثمنها وتبرعوا بها ابتغاء مرضاة اللَّه. وتشير الأحاديث أيضًا أنه عند تقسيم أرض خيبر نال عمر بن الخطاب نصيب جيد منها فعرض على النبى أن يتصدق بها فأشار عليه النبى بأن يحبّس أصلها ويسبَل ثمرتها. ومع هذا فإن الفقهاء القدماء لا يوافقون على نقاط أساسية متعلقة بالوقف فَشُريح (المتوفى 82 هـ/ 701 م) يستشهد بحديث لم يرد فى الست الصحاح (لا حَبْس عن فرائض اللَّه) وعارض الشافعى فكرة أن يظل الوقف ملكا لصاحبه ولورثته من بعده، وكان لآراء الشافعى أثرها فى رسوخ فكرة الوقف واتساعها فى مصر وغيرها، ويقال إن أبا يوسف كان يعارض فكرة الوقف إلى أن رأى فى المدينة المنورة أوقافا كثيرة للمسلمين فغيّر رأيه (انظر المبسوط للسرخسى)، بما يؤكد أن فكرة الوقف بمؤسساته لم تظهر إلّا بعد وفاة الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فى مرحلة ما من القرن الأول للهجرة وأنها لم تأخذ شكلها القانونى إلّا فى القرن الثانى للهجرة، ووجدت دعمًا لها فى حرص المسلمين الشديد على فعل الخير الذى يحثهم عليه القرآن الكريم والحديث الشريف كما أن العرب وجدوا فى البلاد المفتوحة كثيرًا من المنشآت التى كُرّست للمنافع العامة وللإنفاق على الكنائس والأديرة ودور رعاية الأيتام ومساكن إيواء الفقراء، ووجدوا أن مثل هذه المؤسسات مطلوبة ويحض عليها الدين، ولم يلغ المسلمون هذه المنشآت الخيرية البيزنطية وإنما أبقوها تحت رعاية الأساقفة (انظر فى هذا: Justinian: Novelle. 131, Saleilles, Les plae

Caussae dans le droit de Juslinien,in Me'lages Gerardin, Paris, 1907. P.513 - 599 وقد وصل الباحث بيكر C.H.Becker إلى النتيجة نفسها عندما اطلع على أنه فى مصر ظلت عادة الإبقاء على بعض المناطق (الرِّباع) فى المدن بمثابة وقف وترك بعض الأراضى غير مزروعة، وظلت هذه العادة حتى الدولة الطولونية، وأكد الباحث المذكور أن هذه العادة تعود فى أصلها إلى أيام الدولة البيزنطية. لكن حتى هذه الفترة كانت الأرض الزراعية كلها وقف، وقد تحدث الشافعى عن ذلك، وأشارت أحاديث رواها البخارى إليه، وحتى هذا لم يكن مجهولا أيام الدولة البيزنطية فقد سمح جستنيان -إستثناء من القاعدة- لكنيسة ميسان أن تبيع أرضًا تابعة لها كانت قد قدمت -قبل ذلك- هبة لافتداء الأسرى والانفاق على الفقراء. ويحدثنا المقريزى فى الخطط عن تفاصيل شائقة متعلقة بالوقف فى مصر، ومن ذلك أن أبا بكر محمد بن على المذرائى (بفتح الميم والذال) المتوفى 345 هـ/ 956 م كان أول من أوقف أرضا زراعية للانفاق على مكة والمدينة ولأغراض أخرى خيِّرة، لكن الفاطميين -على أية حال- منعوا وقف الأراضى وأوكلوا لقاضى القضاة -بالتعاون مع ديوان الأحباس- إدارتها. وفى سنة 363 هـ/ 974 م أمر المعز بنقل كل وثائق الوقف (الشرائف) إلى بيت المال وكانت عوائد الأوقاف قد تجاوزت المليون ونصف مليون درهم فى العام الواحد كان يدفع منها للمستفيدين والباقى يحول لخزانة الدولة (بيت المال)، ونتج عن هذا قلة ريع الوقف بمرور الوقت حتى أنه فى أيام الحاكم بأمر اللَّه لم يكن ما ينفق على المساجد من الوقف يكفى لصيانتها. وفى سنة 405 هـ/ 1014 م أعاد فحص مستندات الأوقاف المتعلقة بصيانة المساجد. وفى الدولة المملوكية قسمت الأوقاف إلى ثلاثة أنواع: 1 - أحباس تحت إشراف الدوادار السلطانى ويديرها (ناظر) وكان هذا النوع يشمل 130000 فدان سنة 740 هـ/ 1339 م وقد خصصت لصيانة المساجد والزوايا، وقد تحدث المقريزى المتوفى 845 هـ/ 1442 م

بمرارة عن الإهمال الجسيم وسوء استغلال هذه الأموال كما شكى من أن الخطباء والفقهاء الذين لا يعرفون من الفقه والعلم إلّا اسمه كانوا يسجلون كمستفيدين من هذه الأوقاف. 2 - أوقاف حكميّة، وتشمل أراضى مصر القاهرة وعوائدها مخصصة للإنفاق على مكة والمدينة وأوجه الخير المختلفة ويديرها ناظر أو ناظران تحت إشراف قاضى القضاة، وهنا أيضًا نجد المقريزى يشكو مر الشكوى من سوء حال الأوقاف وإهمالها وبدا ذلك واضحًا فيما يقول فى عهد الملك الناصر فرج (801 - 815 هـ/ 1398 - 1412 م). 3 - أوقاف أهلية، ولكل منها ناظر خاص، وهى الأوقاف التى توقفها الأسر على الخانقات والمدارس والمساجد، وكانت كثيرة فى مصر والشام، وكان بعضها فى الأساس من أراضى الدولة استولى عليها أشخاص أو أسر وجعلوها وقفا، وقد حاول السلطان برقوق (784 - 801 هـ/ 1382 - 1398 م) مصادرة هذه الأوقاف بالفعل، لكنه تراجع بسبب معارضة الفقهاء، لكن السلاطين بعد برقوق قد صادروها على أية حال. وما جرى فى مصر جرى مثله فى مناطق أخرى فصدر الشريعة الثانى (المتوفى 747 هـ/ 1346 م) -أى قبل المقريزى بمائة سنة تقريبًا- كان يشكو مر الشكوى من الفقهاء فى بلاد ما وراء النهر لجعلهم الوقف شاغرا أو غير ذى فائدة باستخدام الحيل الفقهية. وفى التاريخ الحديث ظهرت محاولات كثيرة لإصلاح نظام الأوقاف، فأنشئت وزارة للأوقاف فى تركيا سنة 1840 م وقسمت الأوقاف إلى نوعين وقف صحيح وهو الوقف الملك، ووقف غير صحيح وهو القائم على أملاك الدولة (الأراضى الميرية)، وأحيانًا كان الوقف الصحيح يسمى بالوقف المضبوط (المظبوط)، أما النوع الآخر فيسمى ملحوق (ملحقة) وفى 1924 م ألغت تركيا وزارة الأوقاف وأوكلت شئونها للمديرية العمومية، وبعد ذلك ظهرت اتجاهات لتأميم الأوقاف (ضمها للدولة) لكنها لم تحسم، ووفقًا لقانون صدر فى 22 فبراير 1926 م (رقم

المصادر

748) كان يجب بيع الوقف المظبوط للشعب وتم مصادرة بعضه (المصانع مثلا) للصالع العام. وصدر قانون آخر سنة 1930 م يرد للمجالس المحلية عديدا من المبانى كالمساجد والمقابر والأسبلة (للشرب) وتُرك ثلث ما تدره بعض هذد المنشآت كوقف. . أما فى مصر فيعود تاريخ إصلاح نظام الأوقاف إلى عهد محمد على الذى صادر كل الأوقاف من الأراضى الزراعية والتى كانت معروفة باسم رزقة وعوّض المستفيدين ولم يُبق إلّا على الأوقاف المكونة من منازل وبساتين (Clot-Bey: Apeicugeneral sur L'Egypt, paris, 1840، وكذلك Lane: Manners&Customs. .) ومنذ سنة 1851 م أنشئت هيئات تحمل مسميات مختلفة لإدارة الأوقاف أصبحت وزارة منذ سنة 1913 م. وقد تناولت المؤتمرات الإسلامية المختلفة موضوع الأوقاف، فمؤتمر الحج الثانى بمكة المكرمة (1924 م) اجتمع على طريقة تصرف الحكومات فى الأوقاف وطالب بإدارة الأوقاف وفقا لأحكام الشريعة. وطالب المؤتمر الإسلامى الذى تم عقده فى مكة سنة 1926 م، وكذلك مؤتمر الحجاز سنة 1931 م بمراعاة الأوقاف المخصصة للإنفاق على مكة والمدينة بالإضافة للأماكن المقدسة خارج الحجاز، أما المؤتمر الإسلامى الذى عقد فى القدس فى العام نفسه (1931 م) فطالب بعوائد خط سكك حديد الحجاز لأن السلطان العثمانى كان قد أعلنها وقفًا قبل تشييدها. المصادر: وردت فى المتن. د. عبد الرحمن الشيخ [هفننج Heffening] الوقفة الوقفة أو الوقوف اصطلاح يعنى أن يكون الحجيج فى أى بقعة من سهل عرفة بدءًا من صباح يوم التاسع من ذى الحجة حتى غروب شمس اليوم نفسه، وتعد الوقفة أو الوقوف أهم مشاعر الحج، وبدونه لا يتم الحج، وعادة ما يلقى إمام الحج خطبة فى هذه المناسبة (قبل صلاة الظهر والعصر

المصادر

جمع تقديم) ولا يسمع خطبته بطبيعة الحال إلّا القريبين منه (¬1) ويقوم الحجاج فى هذه المناسبة بقراءة القرآن، ويدعون اللَّه سبحانه ليغفر خطاياهم ويهتفون بالتلبية (لبيك اللهم لبيك. .) تم يفيضون إلى المزدلفة حيث يتوقفون (يقفون) فى بكور العاشر من ذى الحجة ثم يتجهون إلى منى فى الحادى عشر والثانى عشر والثالث عشر من الشهر نفسه بعد رمى الجمرات فى العقبة الصغرى والعقبة الوسطى. ويطلق أيضا لفظ (الوقوف) أو (الوقفة) عند الصعود للصفا والمروة أيضا وهما من شعائر الحج حيث يسعى الحجيج. ومعنى الوقفة أو الوقوف فى شعائر الحج عند المسلمين واضح، فهو نوع من العبادة الجماعية، تعنى الوقوف بين يدى اللَّه سبحانه وتعالى، ولكن الوقوف بعرفة كان أيضا معروفا قبل الإسلام وإن كان هذا لا ينفى أن الإسلام قد أبطل كثيرا من الشعائر الوثنية الأخرى المرتبطة بالحج الوثنى (قبل الإسلام) ونحن نستبعد أن يكون (الوقوف) كشعيرة فى الحج الإسلامى مجرد امتداد لما قبل الإسلام والأقرب للصحة فى رأينا أن الوقوف ارتبط بأرض مقدسة أو على الأقل بالوقوف قريبًا منها، فربما كان موضع الوقوف أساسا هو سفح جبل مقدس سمى بعد ذلك بجبل الرحمة، وقد استمرت قداسة هذا الجبل بعد الإسلام. المصادر: (1) Th.W.Juynboll: Handbuch des isl. Leiden, 1910 (2) وزارة الأوقاف قسم المساجد، الفقه على المذاهب الأربعة - قسم العبادات، القاهرة، 1928 (3) محمد لبيب البتنونى: الرحلة الحجازية. (4) إبراهيم رفعت باشا: مرآة الحرمين، القاهرة، 1925 م. د. عبد الرحمن الشيخ [ر. بارت R. Paret] ¬

_ (¬1) بعد ظهور مكبرات الصوت صار صوته مسموعًا لجميع الحجيج [المترجم]

وكالة

وكالة وكالة بفتح الواو وكسرها تعنى توكيل، أو انتداب لإدارة شأن أو توليه يقضى على من أسند إليه أن يتصرف حسب تقديره فى حدود المعقول ويجعله مسئولا عما يصدر عنه من تقصير أو إهمال جسيم mandate، فهو إذن (عقد) بين الموكِّل (بتشديد اللام وكسرها) والوكيل. ونجد فى القرآن الكريم ألفاظًا مشتقة من الفعل "وك ل" بمعنى الاعتماد على اللَّه والثقة به، فاللَّه هو (الوكيل)، والوكيل اسم من أسماء اللَّه التسعة وتسعين، وهى تعنى وفقًا لما يقوله المفسرون (الحافظ) كما فى سورة يوسف آية 66 وسورة التوبة آية 51: {قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ} {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} لكننا لا نجد هنا الكلمة بمعناها الاصطلاحى، لكننا -على أية حال- نجد فى الآية 11 من سورة السجدة فكرة قريبة من الوكالة بمعناها القانونى (الشرعى) إذ يبدو ملك الموت فى هذه الآية كوكيل {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ} لكن هذه الآية لا تتخذ دليلا ولا يستشهد بها على أن الوكالة بمعناها الاصطلاحى وردت فى القرآن الكريم وإنما نجد أن الفقهاء يستشهدون بشرعية الوكالة بالآية الكريمة رقم 19 من سورة الكهف {. . . فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا} وكذلك بالآية رقم 35 من سورة النساء {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا}. وفى الحديث الشريف إشارات كثيرة للوكالة والموكلين (بتشديد الكاف وفتحها) فقد وكل الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] حكيم ابن حزام فى شراء أضحية، وفى مناسبة أخرى جعل الرسول عمرو بن أمية الدامرى وكيلا له لعقد قرانه على أم حبيبة وقد وكل الرسول فى رجم

المصادر

امرأة زانية وفى جلد شارب خمر، وثمة أحاديث تشير للتوكيل فى المطالبة بدين، وإذا رأى الراعى والوكيل شاة على وشك الموت ذبحها (البخارى، وكالة) وقد يتصدق الوكيل عن موكله (البخارى وصايا) وقد يدفع الوكيل النفقة للمطلقة (النسائى/ طلاق)، وفى البخارى أبواب للوكالة منها، وكالة الشاهد والغاب جائزة، ووكالة الحدود، والوكالة فى قضاء الديون، والوكالة فى الوقف ونفقته. . إلخ، وقد انعقد الإجماع على مشروعية الوكالة خاصة إذا كان الموكل (بتشديد الكاف وكسرها) فى وضع لا يسمح له بإدارة أملاكه كأن يكون فى سفر أو كان يؤدى فريضة الحج أو لعدم قدرته على إدارة أملاكه، ولتصح الوكالة لابد من توفر جملة شروط (أركان) أفاضت فيها كتب الفقه. المصادر: (1) صحيح البخارى باب الوكالة. (2) السرخسى كتاب المبسوط. (3) أحمد أبو الفتح: المعاملات، القاهرة، 1330 هـ. د. عبد الرحمن الشيخ [اتوسبيز Otto Spies] الولاية الولاية مصدر (وَلِىَ)، وتولى الأمر أى تقلده وقام به، أو كان له السلطة عليه، ويرى لغويون أخرون كالزجاج أن الولاية التى بمنزلة الإمارة مكسورة الواو لأن فى تولى القوم أمور بعضهم نوع من الصناعة كالقصارة والخياطة، أما الولاية بالواو المفتوحة فمن النصرة وشد الأزر ويعرف الجرجانى فى كتابه التعريفات الولاية (بكسر الواو) بأنها فرض رأى الأثنين على الواحد أو إنفاذ مشيئة اثنين على الواحد حتى لو أبى. وهذا المصطلح يعنى فى السياسة الشرعية السلطة السيادية، السلطة العليا أو السلطان أو السلطة (الصلاحية) المخولة من السلطة العليا، كالصلاحيات التى يفوضها الخليفة (مثلا) للوالى. ووجود وال مسألة فرض على الكفاية، وينظر لسلطة الوالى (الحاكم) على أنها منحة من اللَّه تعالى، لذا فطاعته واجبة بنص الآية الكريمة رقم 59 من سورة النساء {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ

فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا}، وقد فرق علماء السياسة الشرعية بين الولاية العامة والولاية الخاصة، فللإمام أو الخليفة السلطة العامة، ووفقا لما ذكره الماوردى فإن لحاكم الولاية أيضًا ولاية عامة ولكن فى حدود ولايته (المنطقة التى خول بالحكم فيها)، وكذلك يتمتع الوزير بالولاية العامة فيما يقول الماوردى. ومن ناحية أخرى فإن لقادة الجيوش والقضاة وأئمة الصلوات، وأمراء الحج (رؤساء قوافل الحج) ورؤساء (أصحاب) بيوت المال. . ولاية خاصة، ولا تكون الولاية إلّا لذَكَرٍ بالغ راشد ليس به عيوب خِلْقيه تحول بينه وبين ممارسة شئون الولاية وأن يكون عَدْلا ذا خبرة ودراية بالأمور التى يتولاها، وهناك شروط أخرى فى أحوال خاصة إذ تيقن مثلا أن يكون القاضى حرا. ثم تحدد مفهوم الولاية بعد ذلك ليعنى شغل منصب، وقد تناول القلقشندى فى كتاب صبح الأعشى (المقالة الخامسة) بالتفصيل أنواع المناصب، ويجدر بنا أن نلاحظ أن قيام الخليفة بتعيين من يخلفه فى الخلافة سمى تعيين "ولى العهد" وكان الخليفة الأموى سليمان بن عبد الملك هو أول من استخدم هذا المصطلح، وأصبح ذلك هو القاعدة فى عهد الدولة العباسية أيضا، وعلى هذا أصبح كل وريث ظاهر للسلطة يسمى وَلِىَّ لعهد. وفى وقت من الأوقات أطلق لفظ الولاية على المنطقة التى تشملها سلطة الوالى، وعلى هذا فأثناء حكم المماليك فى مصر والشام كان مصطلح ولاية يطلق على أصغر وحدة إدارية، وهى تلك التى كان يرأسها وال برتبة أمير الطبلخانة (راجع صبح الأعشى للقلقشندى) أما فى فارس فقد كانت الولاية تطلق على وحدة إدارية أكبر تنقسم إلى وحدات أصغر، ومنذ القرن السادس عشر أصبح هذا المصطلح يطلق فى الدولة العثمانية على الكيانات الكبيرة التابعة للدولة (مصر مثلا) والتى يحكمها حاكم من رتبة بِكلْر بك ثم سُمى بعد ذلك بالوالى، وكان يطلق على الولاية بالتركية كلمة قريبة هى إيالة.

المصادر

أما عن استخدام المصطلح فى الأحوال الشخصية فإن كل حُر له الولاية على نفسه وتصرفاته (عادة ما تنطق الولاية بهذا المعنى بفتح الواو) وفى بعض الحالات يمكن (أو يجب) نقل هذه الولاية إلى آخر، وتحدثنا المراجع عن الولاية على الوقف، وولاية الأب على أولاده القصّر، وولاية النّكاح، وولاية المال أو الوصاية. المصادر: (1) الماوردى: الأحكام السلطانية، تحقيق إنجر Enger، 1853. (2) الأبواب المتعلقة بالحَجْر فى كتب الفقه. (3) Th. W. Tuynbell: Handbuch des islam, Leyden, 1910 د. عبد الرحمن الشيخ [هفننج Heffening] الوليد بن عبد الملك خليفة أموى (88 - 98 هـ/ 705 - 712 م) تولى الخلافة وهو فوق الثلاثين من عمره بعد موت أبيه الخليفة عبد الملك سنة 86 هـ/ اكتوبر سنة 705 هـ. وكان الوليد ذا ثقافة عادية، تولى منصب الخلافة مفعما بالحماسة الدينية بدرجة تفوق من سبقه من بنى أمية ويعد الوليد هو الألبانى العظيم فى تاريخ دولة بنى أمية فقد أسس فى دمشق المسجد الأموى الفخم بعد أن رأى باسيليقا يوحنا المعمدان فى دمشق والتى كانت فى الأساس معبدا لجوبيتر Damas Ce Jupiter nuS وفى المرويات أن هذا الصرح (باسيليقا يوحنا المعمدان) قسم بعد الفتح بين الفاتحين المسلمين ومالكيه القدامى، لكن لدينا دليل واضح يناقض ذلك نستقيه من رواية أحد زائرى بيت المقدس وهو أركوف Arculf الذى زار دمشق فى عهد معاوية بن أبى سفيان وذكر أن باسيليقا يوحنا المعمدان كانت -فى عهد معاوية- لازالت فى أيدى النصارى، ولم يكن فى دمشق إلّا مسجد واحد متوسط المساحة ولم تكن باسيليقا يوحنا المعمدان جزءًا منه، لكن المؤرخين المسلمين يذكرون أن أركوف Arcuf قد أخطأ، ولم يلاحظ أن الباسيليقا (الكنيسة) والمسجد كانا -فى عهد

معاوية- قد أصبحا مبنى واحدا (هو المسجد). وعلى أية حال فالأخبار التى لدينا تفيد أى معاوية بن أبى سفيان وعبد الملك بن مروان قد تفاوضا مع نصارى دمشق -دون جدوى- ليتنازلوا عن الباسيليقا ليحولها المسلمون إلى مسجد، لكن الوليد بن عبد الملك قرر مصادرتها، وصادرها بالفعل دون أن يضيع وقتا فى أية مفاوضات. ولم يأمر الوليد بهدم مبنى الباسيليقا ولكنه أمر -فقط- بإزالة الجزء الثانى ناحية الشرق، وشيد قبة النسر، فوق جناح الكنيسة، وشيد مئذنتين فوق برجى الكنيسة القديمين، ومئذنة أخرى إلى شمال صحن المسجد هى مندنة الخطيبة Fiancee (¬1) . وأعاد الوليد تشكيل الكنيسة من الداخل واستعان بالمعماريين الشوام المهرة واستخدم الجيش النظامى فى جلب الرخام وتقطيعه، وتم طلاء تيجان الأعمدة بالذهب، كما غطيت الجدران بالرخام، وتمت كتابة اسم الوليد بحروف من ذهب وأمامها تاريخ البدء فى البناء وهو ما يفيد أن هذا العمل تم فى نوفمبر سنة 706 م. ووجه الوليد اهتمامه أيضًا إلى عمارة المسجد الحرام بمكة المكرمة والمسجد النبوى بالمدينة المنورة مستعينًا بالمعماريين النصارى. والملمح الثانى المهم الذى ميز حكم الوليد هو تعريب الدواوين، وسحب الوظائف المالية من أسرة ابن سرجون الدمشقية التى سيطرت على الميزانية. أما فيما يتعلق بالفتوح فقد امتدت الدولة الإسلامية فى عهده من بلاد ما وراء النهر إلى الأندلس، وتميز عهده بالتسامح مع أهل الذمة وبهر الناس بإنشاءاته الضخمة والفتوحات العظيمة التى نمت فى عهده وبكرمه وسخائه، وفكر الوليد فى أن يجعل ابنه عبد العزيز خليفة بعده بدلًا من أخيه ¬

_ (¬1) استرضى الخليفة الصالح عمر بن عبد العزيز نصارى دمشق بعد ذلك وعرض عليهم رد الباسيليقا ولما كان ذلك أمرا صعبا، فقد تنازل لهم عن كنيسة توما التى كانت أرضها ملكا للمسلمين -انظر مادة عمر بن عبد العزيز فى هذه الموسوعة) [المترجم]

المصادر

سليمان بن عبد الملك مخالفًا بذلك وصية والده عبد الملك، ولكن المنية عاجلته فى دير مران بالقرب من دمشق فى 23 فبراير 715 م وقد بلغ من العمر خمسة وأربعين عامًا. المصادر: (1) تاريخ الطبرى، تحقيق de Goeje، ص 123 - 126. (2) البلاذرى: فتوح البلدان، تحقيق de Goeje. (3) المسعودى، مروج الذهب، طبعة باريس، مجلد 5 , ص 360 - 395. (4) Wellhausen: Das Arabische Reich und sein Sturz, p p. lov-177 (5) Lammens: Un Gouverneur Omaiyade d'Egypte د. عبد الرحمن الشيخ [هـ لامنس H.Lammens] الوليد بن المغيرة هو الوليد بن المغيرة بن عبد اللَّه بن عمرو بن مخزوم، وكان مناوئًا لمحمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، ولا نعرف كثيرًا عن حياته لكن المؤكد أنه كان واحدا من رجالات مكة الأقوياء كما كان واحدا من ألد خصوم النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وكان باعتباره رأسًا لمخزوم القوية الكثير عددها -يمثل المصالح الأرستقراطية فى مكة بالإضافة إلى أنه كان ثريا فثمة روايات تفيد أنه كان يمتلك بستانا فى الطائف، ووفقا لما ذكره المفسرون فإن القرآن الكريم قد أشار إليه فى بضعة آيات، كما فى سورة الأنعام آية 10 {وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} والآية 30 و 31 من سورة الزخرف {وَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ. وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} والآية 11 وما بعدها من سورة المدثر {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا (11) وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا (12) وَبَنِينَ شُهُودًا. . .} لكن اسمه لم يذكر فى هذه الآيات كما هو واضح، ومن هنا قد يشك الباحث فى أنها فعلا نزلت بشأنه، وعندما أسلم عثمان بن مظعون رضى اللَّه عنه قريب الوليد وأراد الهجرة للحبشة حاول الوليد أن يثنيه عن ذلك خاصة أنه كان تحت حمايته، ولكن ابن مظعون رفض هذه الحماية ومات الوليد فى مكة فى

المصادر

السنة الآولى للهجرة، واعتنق ثلاثة من أبنائه الإسلام. المصادر: (1) ابن هشام، السيرة تحقيق Wustenfeld، جوتنجن 1859 - 1860 م. (2) ابن الأثير، الكامل تحقيق C.J.Tornberg ليدن 1851 - 1876 م. (3) Caetaui: Annali dell Islam (4) Sprenger: Das leben und die lehre des Mohammad د. عبد الرحمن الشيخ [ك. ف. تسترشتين K.V.Zettresteen] الوليد بن يزيد هو الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان، تولى الخلافة وهو فى حوالى الخامسة والثلاثين من عمره بعد وفاة عمه هشام بن عبد الملك، وصفه صاحب الأغانى بأنه كان من فتيان بنى أمية وظرفائهم وشجعانهم وأجوادهم، وكان يعاب عليه الإنهاك فى اللهو وسماع الغناء له شعر رقيق وعلم بالموسيقا، وقد أدى إعدامه لخالد القسرى إلى إثارة الثمينة ضده فى الشام، والحقيقة أن هناك أسبابا أخرى كثيرة للنقمة عليه منها الخلاف فى البيت الأموى نفسه، فتمت المبايعة -سرا- ليزيد بن الوليد بن عبد الملك، فنادى بخلع الوليد بن يزيد وكان غائبا عن دمشق، فتوجه إليه عدد من أنصار يزيد وقتلوه فى قلعة صغيرة بالبخراء فى 17 أبريل 126 هـ/ 744 م. المصادر: (1) أبو الفرج الأصفهانى، الأغانى (2) Wellhausen: Das arabische Riech und sein Sture p.218 - 228 (3) Lammens: La Badia et la Hira sous les Omaiyades (in M.F.O.iv.), p 108 - 111 د. عبد الرحمن الشيخ [هـ. لامنس H.Lammens] ولى من الفعل العربى وَلِىَ (بكسر اللام وفتح الياء) بمعنى قرب، وولى بمعنى حكم وأيضًا بمعنى حماية شخص ما،

وكلمة والى فى الاستخدام العام تعنى الحامى والرفيق والصديق والمحسن (المتبرِّع)، كما يقصد بها -خاصة فى اللغة التركية- الأقارب المقربون. وفى المجال الدينى تعنى الشخص التقى أو الصالح بمعنى أقرب ما يكون لمعنى القديس Saint الذى يستخدمه الأوربيون. والكلمة بمفهومها القرآنى لا تعنى ما يقصده المسلمون بكلمة ولى عندما يطلقونها على شخص ما، فقد ورد اللفظ فى القرآن الكريم بمعنى القريب، وبمعنى أحيّاء {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} سورة يونس 62 ووصف اللَّه سبحانه بأنه {وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} وهذا واضح من الآية 257 من سورة البقرة والولى أحد اسماء اللَّه الحسنى. هذا عن الاستخدام القرآنى للكلمة، أما الجرجانى فى كتابه "التعريفات" فيذكر أن الولى هو العارف باللَّه أى الذى يمتلك حسًا صوفيا ووجدا دينيا لدرجة أنه يعرف اللَّه سبحانه بهذا الحس وذلك الوجد، لكن الولى الحقيقى الجدير بهذه الكلمة يُعتقد أنه يمتلك ميزات عدة فهو ليس عبدا عاديا للَّه، فمع أنه قد يكون أعمى وواهنا إلّا أنه يكون قادرًا على الإتيان بالكرامات (صنع المعجزات) (¬1). وحسبما يعتقد البعض ففى مقدور الولى أن ينتقل بلا أداة مواصلات إلى مسافات بعيدة ويمكن التحدث بلغات عدة، ويقرأ الأفكار ويتنبأ بما سيكون، وهو قادر على الطيران (بلا طائرة) وذهب هجويرى إلى أبعد من ذلك فقال إن الأولياء يحكمون الكون وببركتهم ينزل الغيث وينمو النبات ويتحقق النصر فى المعارك والولى بهذا المعنى قريب من المفهوم الذى يتحلق حول الزهّاد البراهمه الهنود الذين استطاعوا السيطرة تماما على الطبيعة، والفرق بين الفكرة عند المسلمين وعند البراهمة أن الولى يؤتى هذه القدرات كهبة من اللَّه سبحانه (¬2). فيما يرى المسلمون، ويصل ¬

_ (¬1) يرفض المسلمون السنّة والمثقفون منهم خاصة هذا الكلام جملة وتفصيلا، وإنما هو من تأثير بعض المعتقدات غير الإسلامية، كل هذا إنما يتحقق وفقا لمعتقدات السنة بإرادة اللَّه الذى يلهم الصالحين بالأخذ بالأسباب [المترجم] (¬2) "لا يُشرك فى حكمه أحدا". [المترجم]

إليها بالتدريب والزهد فيما يرى البراهمة، لكن الفكر الشعبى عند المسلمين لا يعمم طاقة الولى على هذا النحو وإنما يجعل كل ولى متخصصا فى نوع معين من الكرامات فهذا لكشف الأسرار، وذلك لهداية المسافرين وثالث لنجاح التجارة والأعمال. . الخ، والأمور الخارقة للعادة إذا أتى بها الأنبياء فهى (معجزات) وإذا أتى بها الأولياء فهى (كرامات) وقد أنكر المعتزلة حكاية كرامات الأولياء هذه وقالوا إن كل من أطاع اللَّه هو ولى من أوليائه، ويصنف الأولياء فى ترتيب تصاعدى (طبقى أو هيراركى) ولا تخلو الكرة الأرضية أبدا من الأولياء وإن كانوا غير ظاهرين ولابد أن يكون عددهم دائما 4.000 وربما كان الولى لا يعرف أنه ولى أى لا يعرف قدراته، ويعرف الأولياء بعضهم بعضا ويعملون معا. وهم مرتبون تصاعديا كالآتى: الأخيار وعددهم 300 والأبدال وعددهم 40 والأبرار وعددهم 7، والأوفاد وعددهم 4 والنقباء وعددهم 3، والقطب أو الغوث وهو واحد لا ثانى له، ومع هذا فهناك أكثر من واحد من المتصوفة يحمل لقب قطب. وكان الجنيد -على سبيل المثال- قطب زمانه، بينما كان ابن مسروق واحدا من الأوتاد، وفى كل ليلة يجوب الأوتاد الكون ليخبروا القطب بما كان ليقيم ما اعوج. ويقدم لنا الباحث دوتى Dowte تنظيما آخر من الجزائر، فالأولياء ينقسمون إلى سبع طبقات أدناها طبقة النقباء وعددهم 300 وكل نقيب منهم على رأس مجموعة من الأولياء ليس للواحد منهم لقب أو رتبة بعينها، وفوق النقباء النجباء ثم الأبدال وعددهم من 30 إلى 70 فالخيار وعددهم 7، والأوتاد وعددهم 4، ثم القطب وهو الولى الأعظم، وعلى القمة تماما الغوث وهو قادر على أن يحمل على كتفيه بعين أخطاء البشر (¬1). والباحث دسون Dohasson ينقل لنا نظرية أخرى منتشرة ¬

_ (¬1) أو ليحمل عن البشر خطاياهم -فكرة الفداء، ومن الواضع أثر الأفكار غير الإسلامية. [المترجم]

فى تركيا، فالأولياء هنا أيضًا على سبع درجات، لابد أن يكون منهم 356 على قيد الحياة أولهم الغوث الأعظم ثم وزيره القطب ثم الأوتاد الأربعة أما بقية الطبقات فتعرف بأعدادها: الثلاثة، السبعة، الأربعون الثلاثمائة. ويشير الدرجات السبع إلى درجات الفردوس ويحضر أولياء الدرجات (الطبقات) الثلاث الأولى كل الصلوات فى مكة المكرمة وإذا مات الغوث حل القطب محله وتمت ترقية كل ذى درجة إلى الدرجة الأعلى. وقد قام بتصنيف الأولياء -وفقًا لما يقوله الهجويرى فى كتابه كشف المحجوب، أبو عبد اللَّه محمد الترمذى الذى عاش قبله (أى قبل الهجويرى) بفترة يسيرة (القرن الخامس الهجرى/ الحادى عشر الميلادى) ويقال له أيضًا محمد حكيم وقد كتب كتابا أسماه ختم الولاية وأسس طريقة يقال لها الحكيمية. وقد أطلق على أحد مريديه لقب مؤدِّب الأولياء بمعنى معلم الأولياء ومن الصعب إيجاد رباط بين هذه الأفكار والمذهب السنى. وعبادة الأولياء تتنافى تمامًا مع القرآن الكريم وقد نهى الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] عن التوسل للأحجار والقبور كما نهى عن عبادة شخص أو شئ ليقرب العابد إلى اللَّه زلفى، ومع هذا فالأولياء ينتشرون فى العالم الإسلامى السنى والشيعى على سواء: الشيخ عبيدان فى سمرقند، ومولانا جامى فى بخارى، خوجا أحمد يسوى فى تركستان ومولانا جلال الدين الرومى فى قونية (مؤسس طريقة المولوية - الدراويش الرَّقاصون). . . سيدى عبد القادر الجيلانى فى بغداد، والجنيد وشهاب الدين السهروردى وبالقرب من دمشق ابن عربى. . . وفى مصر إبراهيم الدسوقى وأحمد البدوى فى طنطا، وسيدى الشاذلى فى صعيد مصر بالإضافة للقبر الشهير للسيدة نفيسة (¬1). وفى شبه الجزيرة العربية ¬

_ (¬1) أصبحت هذه الموالد فى الغالب تجمعات اقتصادية وتجارية أكثر منها مناسبة للتعبد خاصة بعد انتشار التعليم). [المترجم]

1 - أبو العباس أحمد بن يحيى بن محمد بن عبد الواحد بن على التلمسانى الونشريسى،

كان قبر حواء يحظى بالتوقير (حطمه السلفيون). المصادر: وردت فى المتن. د. عبد الرحمن الشيخ [كارا دى فو B. Carra de Vaux] الونشريسى نسبة إلى منطقة ونشريس الجبلية فى غرب الجزائر إلى الجنوب من وادى شلف (بفتح الشين واللام) ويشير لها الفرنسيون باسم شليف Ghelif, ومن الذين يحملون هذه النسبة: 1 - أبو العباس أحمد بن يحيى بن محمد بن عبد الواحد بن على التلمسانى الونشريسى، فقيه المغرب المالكى الشهير، ولد فى تلمسان ودرس على علماء مشاهير مثل ابن مرزوق الكفيف وأبى الفضل قاسم العقبانى، وقد غادر تلمسان سنة 874 هـ/ 1469 م بعد اضطرابات مع حكومتها لا نعرف تفاصيلها واستقر فى فاس وقام بالتدريس فيها ومات سنة 914 هـ/ 1508 م وهو فى الثمانين من عمره وأهم أعماله كتاب المعيار المُغرب والجامع المُعْرِب عما تصمنته فتاوى علماء أفريقيا والأندلس والمغرب" وهو كما هو واضح من عنوانه تجميع للفتاوى وتعليق عليها لذا كان عملا شاملا ضخمًا متعدد المجلدات، وهو كتاب ذو قيمة كبيرة ليس من الناحية الفقهية والشرعية فحسب وإنما من الناحية الاجتماعية أيضًا وطبع هذا الكتاب طبع حجر فى فاس فى 12 مجلد سنة 1315 هـ، ونشر ترجمة جانب منه أمار E.Amar، فى باريس سنة 1908 م، ويمكن معرفة المزيد عن حياته من كتبه الأخرى التالية: كتاب الفائق بالوثائق، وإيضاح المسالك إلى قواعد الإمام مالك، وله تعليقات فى ثلاثة مجلدات على المختصر لابن حبيب. المصادر: (1) أحمد بابا: نيل الابتهاج، فاس، ص 74 (2) ابن القاضى: جذوة الاقتباس، فاس، ص 80. (3) ابن عساكر: دوحة الناشر، فاس، ص 37. 2 - أبو محمد عبد الوهاب بن أحمد بن يحيى بن على الونشريسى الزناتى

المصادر

الفاسى فقيه فاس وهو ابن أحمد الآنف ذكره شغل منصب القاضى كما شغل منصب الافتاء وكان تلميذًا لوالده، وكان قوى الشخصية معتزًا بنفسه فقد أقام صلاة العيد فى الهواء الطلق رغم غيبة السلطان المرينى ولم ينتظر حضوره، وقد أعدم الرجل وهو فى السبعين من عمره فى آواخر ذى الحجة سنة 955 هـ/ 1540 م. المصادر: (1) L. Provencal: Les Historiens des chorfa, Paris, 1922 (2) انظر أيضًا ما ورد من مراجع ملحقة بترجمة والده. د. عبد الرحمن الشيخ [ليفى بروفنسال E. Levi - Provencal] الوهابية (السلفية) يطلق لفظ الوهابية (¬1) على جماعة إسلامية أسسها محمد بن عبد الوهاب (1115 - 1201 هـ/ 1703 - 1787 م) وقد أطلق أعداء هذه الجماعة ذلك الاسم (الوهابية أو الوهابيين) عليها أثناء حياة محمد بن عبد الوهاب نفسه وقد درج الأوربيون على استخدام هذا الاسم إشارة لهذه الجماعة المذكورة، أما أفراد هذه الجماعة أنفسهم فكانوا يسمون أنفسهم بالموحدين كما كانوا يسمون طريقتهم بالمحمدية إشارة إلى اتباعهم سنة الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، وكانوا يتمذهبون بمذهب الإمام أحمد بن حنبل وفقا لتفسيرات ابن تيمية الذى هاجم الأولياء والتقرب إليهم فى كثير من كتاباته خاصة فى رسالته التى أدان فيها زيارة القبور (انظر رسالة ابن حنبل القاهرة، 1323) (¬2) حياة محمد بن عبد الوهاب: ينتمى محمد بن عبد الوهاب إلى بنى سنان وهم فرع من تميم، وقد ولد فى ¬

_ (¬1) لا يحب أصحاب هذه الدعوة هذا الاسم الذى أطلقه أعداؤهم، ويفضلون أن يسموا أنفسهم بالسلفيين أو الموحدين، وهم لا يعتبرون أنفسهم أصحاب مذهب جديد أو طريقة جديدة، وهم محقون فى ذلك كما يتضح من سياق هذا المقال. [المترجم] (¬2) لا يشترط السلفيون أن يكون المسلم حنبليا، وبالتالى فارتباط المذهب الحنبلى بالسلفية أو الوهابية كان مجرد صدفة أو اتفاق، فليس هناك ما يمنع أن يكون المسلم حنفيا وسلفيا أو شافعيا وسلفيا. . إلخ). [المترجم]

العُيَيْنة (يكتبها الرحالة الأوربيون بأشكال مختلفة el- Ayenah, Ayainah, Ayana, Al Ajjena) ورغم أنها -أى العُيَيْنَة- قد أضحت أطلالا فى وقت من الأوقات إلّا أنها قبل خرابها كانت عامرة بالسكان فقد قدر سكانها الباحث ديم L. P. Dame فى بحث نشره فى دورية العالم الإسلامى M.W بحوالى 25.000. وقد درس محمد بن عبد الوهاب فى المدينة المنوّرة على يد الشيخ سليمان الكردى والشيخ محمد حياة السندى، وقد كانا سببا فى اعتناقه بعض الأفكار التى نادى بها فيما بعد والتى يسميها دحلان بالأفكار الإلحادية، ويبدو أنه قضى فترة من حياته رحّالة ينتقل من مكان إلى مكان كما يتضح من كتاب لمع الشهاب فقد عاش أربع سنين فى البصرة فلزم منزل القاضى حسين، وقضى خمس سنين فى بغداد وهناك تزوج من عروس ثرية ماتت فتركت له ألفى دينار، وقضى عامًا فى كردستان وعامين فى همدان ثم اتجه إلى أصفهان فى بداية حكم نادرشاه (1148 هـ/ 1736 م)، ودرس هناك -كما يقال- لمدة أربع سنين فلسفة أرسطو والإشراقية والصوفية ثم اتجه إلى قم وبعد هذا التطواف ارتاح إلى مذهب أحمد بن حنبل فغدا من كبار المدافعين عنه والمتحمسين له، فعاد للعُيَيْنة فقضى ثمانية أشهر فى عزلة، ثم راح يدعو الناس لما يعتقد أنه الفكر الدينى الحق وظهرت أفكاره التى يدعو إليها -بعد ذلك- مبلورة فى كتابه التوحيد، وحققت دعوته بعض النجاح لكنها أيضًا واجهت معارضة، خاصة من أقاربه، فأخوه سليمان لم يكن متفقا معه بل لقد كتب رسالة ضمنها هجومًا على أفكاره كما كان ابن عمه عبد اللَّه بن حسين معارضًا له أيضًا (¬1) ويبدو من مراسلات ابن عبد الوهاب أن أفكاره لاقت صدى خارج العُيَيْنَة قبل أن يغادرها بسبب نزاعه مع ابن عمه واختلافه معه مما أدى إلى نزاع بين ¬

_ (¬1) هناك خلاف حول الأماكن التى زارها ابن عبد الوهاب، ويورد بعض الكتاب أسماء معلمين أو شيوخ له لم يرد ذكرهم هنا، كما ورد فى هذا المقال أسماء معلمين أو شيوخ له لا يوافق عليها كتاب آخرون. ونحيل القارئ إلى عبد اللَّه الصالح العثيمين فى كتابه عن تاريخ المملكة العربية السعودية، الجزء الأول لمزيد من التفاصيل) (المترجم)

مجمل عقائد محمد بن عبد الوهاب

عشائر تميم فى اليمامة، فكتب أمير الإحساء طالبًا قتله، فترك العيينة قاصدا الدرعية فاستقبله استقبالا حسنا، وكانت الدرعية وقتها قرية صغيرة لا تزيد مساكنها عن سبعين مسكنا، وتقبل أمير الدرعية محمد بن سعود دعوته وتعهد بالدفاع عنها، ويقال إن اتفاقا تم بين ابن سعود وابن عبد الوهاب مؤداه أن تكون الزعامة الدينية لابن عبد الوهاب والزعامة السياسية لابن سعود (¬1). مجمل عقائد محمد بن عبد الوهاب: محاربة البدع، والاكتفاء بما ورد فى كتب الحديث الستة الصحاح (البخارى، مسلم، ابن ماجة. . . إلخ) واجتهادات فقهاء المذاهب الأربعة (الشافعى، الحنفى، المالكى، الحنبلى)، ورفض التشفع بالأولياء رفضًا تامًا، ومنع تشييد القبائب على المقابر، وتحريم زيارة القبور وننقل فيما يلى ما أورده لمع الشهاب فى سيرة ابن عبد الوهاب مما فيه تفصيل ما أجملناه آنفا: 1 - التوجه لغير اللَّه سبحانه بالعبادة محرم تمامًا وهو شرك كامل ومرتكبه يستحق القتل. 2 - لا يعتبر موحدًا كل من زار قبور الأولياء فهو فعل شبيه بفعل مشركى مكة، وبالتالى لا يعتبر مسلما كل من لم يبرأ من هذا الإثم المبين. 3 - التوسل بالنبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] شرك وكذلك التوسل بالملائكة والصالحين. 4 - طلب الشفاعة شرك. 5 - الاستغاثة بغير اللَّه شرك. 6 - إستقاء العلم الدينى من غير القرآن الكريم والحديث الشريف كفُر. 7 - إنكار القدر إلحاد. 8 - تفسير القرآن الكريم بالتأويل كفر. ويقال إن أتباع ابن عبد الوهاب اختلفوا مع ابن حنبل فى نقاط منها: 1 - حضور صلاة الجماعة فرض فى كل الصلوات وليس فى الجُمع فقط. 2 - التدخين محرم ويعاقب المدخن بالجلد بما لا يزيد عن أربعين جلدة بالإضافة لحلق لحيته. ¬

_ (¬1) الفصل بين السلطتين ليس من طبيعة الإسلام لذا يرجّح أنه كان هناك اتفاق تكون -بمقتضاه- الدولة عزا للدعوة، والدعوة عزا للدولة وعلى هذا جرى المؤرخون الرسميون لحركة ابن عبد الوهاب) [المترجم]

التاريخ الباكر للدعوة

3 - فرض الزكاة على المكاسب السرية (غير المرئية) التى يحققها التجار بينما قصرها ابن حنبل على المكاسب الظاهرة. 4 - لا يكفى ليكون الرجل مسلما يحل أكل ما يذبحه أن ينطق بالشهادتين وإنما لابد من التقصى عن حقيقة إيمانه. ولا يختلف ما أورده زويمر فى كتابه المنشور فى نيويورك سنة 1906 م (The Mohammaden World to day) مع ما أوردناه آنفا، إلّا أنه أضاف أنهم يحرمون استخدام المسابيح (جمع مسباح أو سبحة) ويستخدمون سلامات أصابعهم فى إحصاء التسابيح بدلا منها، وقد شيد السلفيون مساجدهم ببساطة شديدة ولم يغرقوا فى تزيينها ولا أقاموا لها مآذن. وقد خصّص ابن غنّام فى كتاب "روضة الأفكار والأفهام لمرثاد حال الإمام وتعدد غزوات ذوى الإسلام" قسما طويلا من كتابه عن مظاهر الشرك التى كانت سائدة فى شبه الجزيرة العربية عند قيام محمد بن عبد الوهاب بدعوته، فهناك بالإضافة لما ذكرناه آنفا تقديس بعض الأشجار أو توقيرها، وتقديم الطعام والنذور للقبور، ومن الواضح أن ذلك ليس مجرد بدع (أمور مستحدثة) وإنما هو إحياء لعادات جاهلية، وقد حطم محمد ابن عبد الوهاب قبر زيد بن الخطاب فى الجبيلة وحطم أتباعه قبورًا كثيرة (¬1). ولم يكن ابن عبد الوهاب ضيق الأفق ينكر كل جديد (كل بدعة) فقد أقر استخدام الأسلحة النارية فى القتال رغم أنها لم تكن موجودة فى أيام الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-]. وقد قام أعداء الدعوة بتلفيق عدد كبير من التهم لها، لكن يبدو أن عددًا كبيرًا منها غير صحيح. التاريخ الباكر للدعوة: من المؤكد أن ابن عبد الوهاب قوبل بترحاب فى الدرعية وأن أهلها جميعًا أصبحوا من أتباع دعوته باستثناء أربعة كان عليهم أن يتركوا له المكان (يغادروا الدرعية)، وشرع ابن ¬

_ (¬1) شيد السلفيون بعد ذلك مآذن للمساجد، ومجرد إمساك السبحة أو المسباح لم يعد عندهم كفرا، وأصبحت المسابيح أحيانًا مجرد حلية تستخدم لغير التسبيح، ورغم كراهتهم الشديدة للتدخين فلم يعد المدخن يعاقب بالجلد والأصح أنه يغدو منبوذا اجتماعيا. . . إلخ). [المترجم]

عبد الوهاب فى إنشاء مسجد بسيط لم يسمح بفرش أرضيته بالسجاد، وفى هذا المسجد ألقى دروسًا من كتابه الذى يحمل عنوان (كتاب التوحيد الذى هو حق اللَّه على العبيد)، وكان يدرب الأتباع أيضًا على استخدام الأسلحة النارية، وسرعان ما دخل أنصار الدعوة الجديدة فى حروب مع شيخ الرياض دهّام بن دوّاس واستمر هذا الصراع المسلح الذى بدأ سنة 1160 هـ/ 1747 م ثمانية وعشرين عامًا. وخلال هذه الفترة كان ابن سعود وابنه عبد العزيز -الذى أثبتت الأحداث أنه قائد عسكرى قدير- يكسبون أرضا جديدة ويوسعان قاعدة الدولة ولم يحدث أن تراجع ابن سعود أو خسر ارضا لحساب خصمه إلّا فى حالات قليلة، وكان من الأعمال الثابتة التى يقوم بها ابن سعود وابنه عبد العزيز، هو أنهما -عند الاستيلاء على موضع أو قرية- يقومان بإنشاء حصن غير بعيد عن القلعة الأصلية، ويحيطان الحصن بخندق إذا كانت طبيعة التربة تسمح بذلك. وكان يشغل هذه الحصون رجال أشداء أطلق عليهم اسم الأمناء، وكانوا يتقاضون أجورًا عالية. وفى المناطق الواسعة كان ابن سعود يعين قاضيًا ومفتيًا، وفى المناطق الأقل اتساعًا كان يكتفى بتعيين قاض. وتوفى ابن سعود سنة 1178 هـ/ 1795 م وخلفه ابنه عبد العزيز الذى واصل تمسكه بالشيخ محمد بن عبد الوهاب كمرشد دينى، وفى العام التالى أرسل عبد العزيز بعثة إلى شريف مكة وجرى نقاش بين العلماء من كلا الطرفين حول مسائل العقيدة وانتهى النقاش بأن العقائد السلفية (الوهابية) متفقة مع مذهب الإمام أحمد بن حنبل. وفى سنة 1187 هـ/ 1773 م استولى عبد العزيز على الرياض وهرب منها عدو الدعوة دهام بن دواس، وهكذا أصبح عبد العزيز هو السيد المطاع فى كل نجد من القصيم فى الشمال إلى الخرج فى الجنوب، وقد أظهر سعود ابن عبد العزيز بن سعود مهارة حربية كوالده وجده فجعله أبوه على رأس عدة حملات. وفى هذه الأثناء توترت العلاقات مع شريف مكة سرور الذى منع السلفيين (الوهابيين) من أداء فريضة الحج، لكنه -على أية حال-

تراجع عن ذلك سنة 1199 هـ/ 1785 م. وفى سنة (1206 هـ - 1792 م) توفى محمد بن عبد الوهاب وهو فى التاسعة والثمانين من عمره، وفى الأعوام التى تلت وفاته من 1792 م إلى 1795 م انتشرت دعوته شرقًا فتم اخضاع بنى خالد فى الاحساء بل وكان السلفيون (الوهابيون) حتى قبل حلول عام 1790 م قادرين على شن غارات على مراعى المنتفق وغيرها من القبائل على الحدود العراقية. ووصلت التقارير للباب العالى عن هذا الخط الجديد الصادر من شبه الجزيرة العربية فصدرت التعليمات لباشا بغداد بالتعامل مع هذا الخط السلفى (الوهابى). وفى سنة 1797 م جمع ثوينى زعيم المنتفق قوة لمواجهة السلفيين (الوهابيين) لكن عبدًا أسود اغتاله فى الشباك فى أول يوليو سنة 1797 م فتشتَّتت القوات التى كان قد جمعها. وفى هذه الأثناء كان شريف مكة غالب قد أزمع على مهاجمة السلفيين من الغرب لكن هجماته لم تحرز نجاحًا كبيرًا. وفى 1798 م تم تنظيم حملة جديدة فى بغداد لقمع السلفيين (الوهابيين) لكن ثبت أنها كانت بغير جدوى، وفى العام التالى وقع الطرفان المتصارعان اتفاقية سلام فى بغداد، لكنها كانت اتفاقية غير مجدية فقد استمرت غارات القبائل السلفية حتى أنها تمكنت سنة 1801 م من غزو كرباوء ذاتها وذبحت عددًا من سكانها (وفقا لنظرة السلفيين بأن اللائذين بالأولياء -بغير اللَّه- من المشركين). وفى سنة 1218 هـ/ 1803 م اغتال شيعى من كربلاء الإمام عبد العزيز، فخلفه ابنه سعود دون معارضة، وخرجت من بغداد عدة حملات لقمع الوهابيين (السلفيين) لكنها فشلت كسابقاتها فاطمأن سعود إلى أنه يمكنه تجديد الحملات على الحجاز فاستولى على المدينة المنورة سنة 1804 م، وعلى مكة المكرمة فى فبراير 1806 م وعلى جدة بعد ذلك. وفى الأعوام التالية كانت الغارات السلفية قد تخطت حدود شبه الجزيرة العربية فهاجم السلفيون النجف ودمشق، وفى سنة 1811 م كانت

الدولة السعودية (السلفية) بعد رحيل إبراهيم باشا

الدولة السلفية (الوهابية) تمتد من حلب شمالًا إلى المحيط الهندى جنوبا ومن الخليج والحدود العراقية شرقًا إلى البحر الأحمر غربًا. لقد أصبح الخطر السلفى (الوهابى) خطرًا داهمًا لا يمكن للدولة العثمانية السكوت عليه فكلفت والى مصر محمد على باشا بالتعامل مع هذه الحركة واستطاع جيش محمد على بقيادة ابنه طوسون من الاستيلاء على المدينة المنورة سنة 1812 م بعد جهد جهيد كما استعاد مكة فى العام التالى، وتولى محمد على نفسه قيادة جيوشه فى النصف الثانى من سنة 1813 م وواجه هزيمة منكرة لم ينقذه من عواقبها إلّا موت سعود فى أول مايو سنة 1814 م فخلفه ابنه عبد اللَّه، ووجد طوسون الذى عينه محمد على قائدًا لقواته ضرورة عقد اتفاق مع عبد اللَّه، لكن ذلك لم يعجب محمد على فأعد حملة جديدة سنة 1816 م بقيادة إبراهيم باشا فاستولى على الدرعية وقبض على عبد اللَّه وأرسله إلى استانبول حيث أعدم هناك، وبذلك انتهت الدولة السعودية الأولى. الدولة السعودية (السلفية) بعد رحيل إبراهيم باشا: لم تنته الدعوة السلفية خاصة فى نجد رغم قسوة الهزائم التى ألحقتها جيوش محمد على بأصحابها، فقد استطاع تركى أن ينظم السلفيين ويعيد تأسيس مجتمعهم سنة 1821 م، وفى 1833 م كان كل الساحل الغربى للخليج يعترف بسلطانه ويدفع الزكاة، لكن جرى اغتيال الأمير تركى على يد أحد المنافسين له وكان ابنه فيصل منشغلا فى إخماد ثورة داخلية بالاحساء وتمكن فيصل بن تركى من التغلب على قاتل أبيه، وكان قد تلقى مساعدة من عبد اللَّه بن رشيد فكافأه بتعيينه أميرًا على حائل (¬1). انتشار الفكر السلفى (الوهابى) خارج الجزيرة العربية: دخلت الأفكار السلفية التوحيدية (الوهابية) للهند على يد سيد أحمد من مقاطعة راى باريلى Rai Bareli المولود سنة 1786 م، وقد أمن أحمد بالتوحيد ¬

_ (¬1) عن هذا الموضوع يمكن للقارئ مراجعة مبحث الدكتور عبد اللَّه العثيمين عن إمارة آل الرشيد. [المترجم]

المصادر

الخالص وعادى كل ما يعتبره الوهابيون (السلفيون) مظهرا من مظاهر الشرك أثناء حجه سنة 1822 - 1823 م، وقد كثر أتباعه فى الهند وأسس مركزا لنشر دعوته فى بتنا Patna حيث عين أربع خلفاء وإماما ليعاونوه فى نشر الدعوة وزار بمباى وكلكتا وكون فيهما بعض الأتباع، وفى سنة 1242 هـ/ 21 ديسمبر 1826 م كان قد كون جيشًا رأسه بنفسه وأعلن الجهاد ضد السيخ فى البنجاب، واستولى سيد أحمد على بشاور سنة 1830 م ونصب نفسه خليفة وسك العملة باسمه لكن السيخ قتلوه فى العام التالى لكن الحركة لم تمت بموته وأصبحت مناداة أتباعها بالجهاد مصدر خطر عظيم على سلطان الاحتلال الإنجليزى فى الهند. وكان لأفكار الشيخ محمد بن عبد الوهاب تأثير أيضًا فى افغانستان ومناطق أخرى كثيرة (¬1). المصادر: (1) H.St. John philby: Arabia (London 1930: A complete history of the community to date of publication) (2) Northern Neja (Neha: A. Musil New York 1928: p.256 - 304 furnish a continuous history) (3) Ibn Saoud of Arabia and gis Land (London 1928): Ameen Rohan (4) S.B.Mills: The Countries and Tribes of the Persian Gulf (London 1919 treats esecially of the dealings of the Wshhabis with Oman (5) S. H. Longrigg: Four Centuries of Modern Iraq (Oxford 1925: theats especially of their dealings with Irak) (6) W.W.Hunter: The Indian MuCalcutta Re suslmans (London 1871) view De leer der Wah(D . S . MARGOLIOUTH) د. عبد الرحمن الشيخ [د. ى. مرجليوث D. S. Margiouth] وهب بن منبه هو أبو عبد اللَّه وهب بن منبه إخبارى من جنوب شبه الجزيرة العربية، ولد فى ذمار -التى تبعد عن صنعاء مسيرة يومين- سنة 34 هـ، وهو من أصول فارسية، فلا مجال إذن ¬

_ (¬1) كل الحركات الإصلاحية والجهادية تفاعلت وتأثرت على نحو أو آخر بهذه الحركة السلفية). [المترجم]

للقول بأنه أسلم فى العام العاشر للهجرة، وقد حقق وهب شهرته على أساس أنه ملم بأخبار أهل الكتاب، ويعد وهب وإخوته: همّام وغيلان ومعقل (بفتح الميم وكسر القاف) من التابعين ولا تشير المصادر لدينه قبل الإسلام إلا بقولها إنه كان من أهل الكتاب (انظر الفهرست لابن النديم) وإن كان بعض المصادر يذكر أنه كان يهوديًا وإلى هذا ذهب ابن خلدون، ومن المحتمل أن يكون قد ولد مسلما، ويورد الثعالبى رواية عن لقائه بمعاوية بن أبى سفيان وذكر المسعودى أن الوليد بن عبد الملك أرسل إليه كتابات تم اكتشافها فى دمشق لفك مغاليقها، ونعلم أيضًا أنه شغل منصب القاضى فى صنعاء، وتروى حكايات كثيرة عن زهده وتقشفه، ويقال إنه كان قدريا (أى معتزليا) ثم عدل عن مذهبه هذا، ويقال إن العلاقة قد ساءت بين وهب ويوسف بن عمر الثقفى والى اليمن من قبل هشام بن عبد الملك فزج الوالى به فى السجن وجلده، ويقال إنه قرأ سبعين أو اثنين وسبعين أو ثلاثة وسبعين من كتب أهل الكتاب ويبدو أنه أخذ معلوماته عن المتعلمين من اليهود والمسيحيين فقد تناول أحاديث الأنبياء والعباد وأحاديث بنى اسرائيل فيما يقول ابن سعد، وقد تناقل أخباره تلاميذه وكان عدد منهم من ذريته، فعبد المنعم بن إدريس (المتوفى 229 هـ) هو ابن ابنته وقد عرف عنه احتفاظه بكتابات جده (وهب) وينسب ابن النديم فى الفهرست كتاب المبتدأ -الذى استفاد منه الثعالبى من خلال تنقيح عبد المنعم له- إلى عبد المنعم، وقد اقتبس المسعودى من هذا الكتاب وأسماه المبتدأ والسير، والمقصود بالمبتدأ فى عنوان هذا الكتاب هو بداية الخلق (انظر كتاب المعارف لابن قتيبة) وربما كانت كلمة السير لا تعنى فقط قصص الأنبياء وإنما تشتمل أيضًا على قصص الأخيار (انظر حاجى خليفة) ونسب حاجى خليفة أيضًا إلى وهب كتاب الإسرائيليات ومن المؤكد أن وهب رجع لمصادر يهودية ومسيحية فهذا واضح من الاقتباسات التى أوردها ابن قتيبة والطبرى والمسعودى وغيرهم، وفى فترات متأخرة نسبت إليه نصوص مشكوك فى أصولها كتلك الواردة فى قصص الكسائى. وقد أورد وهب فى كتابه "الملوك المتوجة حِميَر وأخبارهم وقصصهم وقبورهم وأشعارهم" التاريخ الأسطورى لموطنه

المصادر

(اليمن)، ولم يصل إلينا هذا الكتاب ولكن ابن هشام اقتبس منه من نجلال تنقيح عبد المنعم له، ورغم أن وهبا لم يؤلف فى المغازى إلّا أنه كان ممهدا لكتابتها، وتبين لنا الورقة البردية التى وجدها المستشرق بيكر بين مجموعة من الأوراق مجلدة فى هيلدبرج أن وهبا لم يتناول المغازى بالمعنى الخاص فهى تحتوى على تاريخ العقبة الكبرى وحديث قريش فى دار الندوة والاستعداد للهجرة والهجرة نفسها ووصول النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] إلى المدينة وغزوة بنى خيثمة، وإذا كنا قلما نجد فى قطعة هيلدبرج شيئًا جديدًا لم نجده فى كتب السيرة والمغازى التى وصلت إلينا كاملة، فإنها تهمنا لأسباب منها أنها تؤكد ما يقال من أن سيرة النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] كانت تروى عام 100 هـ أو قبل ذلك بقليل كما فى الكتب المتأخرة بالضبط، وأن وهبا لا يذكر رواته وإن كان يلتزمهم وأنه يقطع القصة النثرية بإدخال قصائد ينسبها للمشتركين فى الحوادث أو لمعاصريهم، كما كانت عادة القصّاص منذ زمن قديم. توفى وهب سنة 114 هـ/ 732 م. المصادر: (1) ابن قتيبه: المعارف. (2) ابن النديم: الفهرست. (3) ابن خلكان: وفيات الأعيان. (4) Chauvin: La recension egyptienne de Mille et une nuite, P. 31 sqq, 51 sqq (5) Steinschneider: Arab. Lit. der Juden, S 14. (6) C.H.Becker: Papyri Schott-Reinhardt, i. 8 sq (7) Goldziher, Richtungen, Index Huart. in J.A., ser. x., vol. iv., P. 331 sqq (8) Muhammad Ibn Ishaq, P. 4. Fuck د. عبد الرحمن الشيخ [ج. هيروفتس I. Horovitz] وهبى شاعر تركى، عادة ما يطلق عليه سيّد وهبى للتمييز بينه وبين سنبل زاده وهبى، وكان أبوه الحاج أحمد هو قاضى ينيشهر يدعى الانتساب لآل بيت النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، درس وهبى الشريعة وأصبح مُلّا (عالمًا من علماء الدين) فى حلب، وبعد أن أدى فريضة الحج عاد إلى استانبول حيث مات فى سنة 1149 هـ/ 1736 م. ودفن بالقرب من

ويسى

مسجد جرّاح باشا، وقد حقق ابنه أيضًا شهرة كشاعر. ويعتبر سيد وهبى ونديم وبليغ ونورز من مجموعة الشعراء الرومانسيين فى عهد أحمد الثالث. عبد الرحمن الشيخ [و. بيوركمان W. Biorkman] ويسى هو أويْس بن محمد، باحث وشاعر عثمانى، ولد سنة 969 هـ/ 1561 م - 1562 م فى مشهر، وهو ابن القاضى محمد أفندى، وقد اشتغل كوالده أيضًا بأمور الشريعة والقضاء وبعد أن أتم تدريبة فى استانبول حيث درس على أيدى علماء مثل صالح افندى شغل مناصب عدة فى مختلف أنحاء الدولة العثمانية. عمل فى رشيد والقاهرة وآق، وحصار، وصور والشهد، وسيرز، ورودستا، وأسكوب Uskub وجمولجينا، وتوفى سنة 1037 هـ/ 1628 م فى اوسكوب حيث شغل منصب القاضى سبع مرات، وكان الويس مثله فى ذلك مثل ابن خالته مقالى - شاعرًا ناجحًا، كما كان ذا أسلوب نثرى رصين، وبعد وفاة باقى اعتبر الويسى فارس أدباء عصره شعرًا ونثرًا، وترك لنا الويس عدة مؤلفات لازال بعضها يحظى بالاهتمام منها: سيرة النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وكتاب خاب نامة، والعنوان الكامل لسيرة النبى صلى اللَّه عليه وسلم هو درّة التاج فى سيرة صاحب المعراج. ومع أن المؤلف لم يكمل كتابه هذا -إذ وصل إلى غزوة بدر فقط- إلّا أنه حقق شهرة كبيرة، أما كتاب خاب نامه فيورد فيه حوارًا بين السلطان أحمد الأول والإسكندر الأكبر (حوارًا متخيلًا بطبيعة الحال، وقد كتب بلغة تركية واضحة وبسيطة) وطبع فى بولاق بالقاهرة سنة 1252 هـ كما طبع فى استانبول عام 1263 و 1293 هـ، كما طبع فى مجموعة أعماله الكاملة 1286 هـ. وله كتاب شهادة نامه أو دستور الأعمال (طبع فى استانبول سنة 1283 هـ و 1286 هـ وهو كتاب ذو طبيعة دينية، وله كتب أخرى عربها محمد طاهر قائمة كاملة وهى غير مطبوعة وله ديوان شعر ومن كتبه المهمه كتاب عن فتوح مصر، وله مقالتان هما "غزة العصر فى شرح سورة النصر" و"هداية المخلصين وتذكرة المحسنين". د. عبد الرحمن الشيخ [ث. منزل Th. Menzel]

ي

ي

يأجوج ومأجوج

يأجوج ومأجوج يأجوج ومأجوج، وتكتب أيضا بمد دون همز (ياجوج وماجوج)، اسم لشعبين وردا فى القرآن الكريم وفى العهد القديم، ومأجوج فى العهد القديم هو ابن يافث واسم شعب متسلسل منه، وقد ذهبت المصادر العربية هذا المذهب نفسه كالبيضاوى فى شرحه للآية الكريمة رقم 93 و 94 من سورة الكهف {حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا (93) قَالُوا يَاذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا} كما وردت عدة أحاديث عن الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] بشأنهما، وقد ربطت المصادر العربية والمصادر المتعلقة بالتوراة والإنجيل بين يأجوج ومأجوج ومنطقة تقع فى الشمال الشرقى من العالم القديم وهى موطن الشعب (أو الشعوب) الذى سيقوم بغزو أرض إسرائيل فى آخر الأيام (قبل قيام الساعة). وفى التراث الإسلامى المتعلق بما سيحدث فى مستقبل الأيام نجد مزيدا من التفاصيل أكثر مما ورد فى العهد القديم، كما أن المسلمين يربطون بين انطلاق يأجوج ومأجوج وعودة عيسى عليه السلام إلى الأرض. سيكون شعبا يأجوج ومأجوج ذوى أعداد هائلة حتى أنهم سيشربون كل مياه دجلة والفرات، وعندما يقتل يأجوج ومأجوج سكان الأرض سيوجهون سهامهم نحو السماء، لكن اللَّه سبحانه وتعالى

المصادر

سيرسل عليهم ديدانا فى أنوفهم ورقابهم أو آذانهم فتقتلهم جميعا حتى آخر رجل فى ليلة واحدة فتملأ رائحة نتن جثثهم كل الأرض، وقد أشار إلى هذا الطبرى فى تفسيره، كما أورد مسلم وابن ماجة فى باب الفتن أمورا قريبة من المعانى التى أوردناها آنفا. أو يرسل اللَّه عليهم جحافل من الطيور تقتنصهم وتلقى بهم فى البحر. ويذكر الثعالبى أنهم من أكلة لحوم البشر، ويذكر الطبرى فى تفسيره أنهم يقطنون خلف جبال أرمينيا وأذربيجان. وقد ارتبط ما ذكرته المصادر العربية عن يأجوج ومأجوج -إلى حد كبير- بالآية رقم 96 من سورة الأنبياء (حتى إدا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حَدْب ينسلون) وتشير الآية التى ذكرناها فى صدر هذا المقال إلى صلة بين يأجوج ومأجوج من ناحية والسدّ الذى بناه الإسكندر من ناحية أخرى. وقد ورد أن يأجوج ومأجوج على أنواع ثلاثة: نوع طِوال القامة جدا حتى أن طول الواحد منهم يبلغ طول الشجرة العالية، ونوع يبلغ عرض الواحد منهم مقدار طوله، ونوع تغطى آذانهم أبدانهم. وقد استخدمت عبارة بحر يأجوج ومأجوج فى رسائل إخوان الصفا لتشير إلى بحر قزوين. المصادر: (1) تفاسير القرآن الكريم: سورة الكهف، آية 93 وسورة الأنبياء، آية 96. (2) المسعودى: مروج الذهب. (3) ياقوت الحموى: معجم البلدان. (4) Friedlander: Die Chadhirlegende und der Alexanderroman Leipzing-Berlin 1913, indies; de Goeje, De uur an Gag en. Magog, in Versl. Med Ak. Amst., 3 rd series, vol. 5, p. 87 sqq (5) Noldeke: Beitrage zur Geschichte des Alexanderromans. in Denkschriften d. Kais. Ak. d. Wissench., Vienna vol xxxviii., No 5 (6) H. Gressmann: Der Urprung der israelitischjiidischen Eschatologie Gottingen 1905, p. 180 sqq (7) C. Hunnius: Das Syrische Alexanderliea (Dissetation), Gottingen 1904

اليازجى

do., Das Syrische Alexanderlied in Z.D.M.G. lx. 169 sqq (8) E.A.Wallis Budge: The History of Alexander the Great, Cambridge 1889 (1) Fr. Lenormant: Gog et Magog, in Revue des sciences et des lettres, Louvair 1882, p.9 sqq د. عبد الرحمن الشيخ [ج. فنسنك A.J.Wensiuck] اليازجى 1 - الشيخ ناصيف بن عبد اللَّه فارس اللغة العربية وشاعرها فى القرن التاسع عشر الميلادى. ولد فى 25 مارس سنة 1800 فى كفر شيما قرب بيروت، وتوفى فى 8 فبراير سنة 1871 م فى بيروت، ومعظم أفراد أسرته يعتقدون عقيدة الأورثوذكس اليونانيين، وكان لهم ذكر منذ القرن السابع عشر فى شمال الشام خاصة فى حمص وطرابلس وغيرهما باعتبارهم سكرتاريين مهرة للمسئولين الأتراك لذا عرفت أسرته باسم أسرة الكاتب. ثم انتقلت الأسرة بعد ذلك إلى لبنان وفيها حقق الأب شهرة كطبيب تقليدى على نسق ابن سينا ولم يتلق ناصيف تعليما نظاميا لكنه تلقى فى مرحلة الطفولة دروسا على يد قس اسمه متى فى بيت شباب، وكان شغوفا منذ صباه بقراءة الكتب والشعر، وحفظ القرآن الكريم وديوان المتنبى عن ظهر قلب وقد ترك أخوه راجى (1803 - 1857 م) ديوانا مخطوطا. وفى الفترة من 1816 إلى 1818 م كان ناصيف سكرتيرا للبطريرك الكاثوليكى اليونانى (طائفة الأروام الكاثوليك فى دير قرقفه) ولفت نبوغه انتباه الأمير بشير فعينه سكرتيرا له من 1828 م إلى 1840 م، وبعد إبعاد بشير إلى مالطا اتجه اليازجى إلى بيروت فاشتغل بالتدريس والتأليف بنشاط كبير، وظل مستقلا بعيدا عن تأثيرات القوى الأجنبية المختلفة، ولم يكن يعرف اللغات الأوربية، ومع هذا فقد ساعد الإرساليات الأمريكية فى ترجمة الإنجيل وقام بالتدريس فى أرقى المدارس، وقد ألف ما لا يقل عن خمسة عشر كتابًا مدرسيا خاصة فى النحو والبلاغة والشعر والمنطق. أما اليازجى كشاعر فقد تأثر كثيرا بالمتنبى، وقت

طبع له ابنه إبراهيم بعد موته تعليقاته على ديوان المتنبى (العرف الطيب فى ديوان أبى الطيب بيروت، 1882 م). وكان اليازجى شاعرًا تقليديا ملتزما بنهج القصيدة العربية التقليدية ولم يكن يميل للخروج عن نسقها بل إنه لم يكن يميل حتى للموشحات. وقد جمعت أشعاره فى ثلاثة مجلدات، وحقق اليازجى شهرة فى الشرق وأوربا كآخر بمثل لكتاب المقامات التقليدية ولا زالت مجموعة مقاماته البالغة ستين مقامة والتى تحمل عنوان مجمع البحرين، تحظى بالإعجاب فى سوريا، وقد طبعت لأول مرة فى بيروت سنة 1856 م وطبعها ابنه إبراهيم طبعة جيدة سنة 1872 م وأعيد طبعها مرارًا وقد ترجمت مقاماته إلى اللغات الأوربية، ولمقاماته قيمة اثنوجرافية وليست لغوية فحسب, ولقد أثر ناصيف اليازجى بالتأكيد فى الأدب العربى الحديث رغم أن كتاباته كانت تقليدية، فقد كان هو وبطرس البستانى ركيزتين للحركة الأدبية الجديدة فى الشام، ولم يكن اليازجى مولعا بالعلم ولا طريقة الحياة الأوربية كبطرس البستانى، أو المصرى رفاعه رافع الطهطاوى، وإنما كان مجال اهتمامه الأساسى هو اللغة العربية وآدابها, ولقد أثبت من خلال دروسه وأسفاره أن ذلك القول القديم (العربية لا تتنصَّر) لم يعد صحيحًا، ومن هنا فقد مهد اليازجى لحركة القومية العربية. 2 - وقد حقق عدد من أفراد أسرة الشيخ ناصيف اليازجى -الكبير عددها- شهرة أدبية، فابنه إبراهيم (ولد فى 2 مارس سنة 1847 م وتوفى فى 28 ديسمبر سنة 1906 م) على نحو خاص حقق شهرة كلغوى حريص على صفاء اللغة العربية ونقائها ووضع كثيرا من المصطلحات العربية وأحيا عددا كبيرا من آثار والده وطبعها أو نشرها فى دوريات الشام ومصر، ولإبراهيم أشعار طيبة، ومعظم أعماله الكبرى لم يتمها. 3 - أما الابن الأصغر للشيخ ناصيف اليازجى فهو خليل (ولد 1858 م وتوفى فى 22 يناير 1889 م) وقد عرف بأنه أول من ألف التراجيديات العربية الأصيلة مستوحيا

المصادر

وقائعها من تاريخ شبه الجزيرة العربية القديم، فقد كتب فى سنة 1876 م (المروءات والوفاء) ونشرت 1878 م وطبعت فى القاهرة 1884 و 1902 م، وظل يحرر فى مصر لفترة (مرآة الشرق) ثم عاد إلى لبنان فأصدر طبعة مدرسية لكتاب (كليلة ودمنة) سنة 1885 م وعرف كشاعر من خلال ديوانه نسمات الأوراق الذى نشر فى القاهرة سنة 1888 م، وله معجم لم يكتمل عن العربية المحكية. 4 - وابنة الشيخ ناصيف تسمى وردة، ولدت سنة 1838 م وتوفيت فى 28 يناير 1924 م كانت واحدة من أوائل النسوة الكاتبات باللغة العربية فى القرن التاسع عشر، وقد تزوجت من فرنسيس شمعون سنة 1866 م وعاشت معظم سنى حياتها فى مصر ونشر ديوانها فى بيروت سنة 1867 م وسنة 1887 م، كما نشر فى القاهرة بعد ذلك، وهو يحمل عنوان (حديقة الورد). 5 - أما حبيب الابن الأكبر للشيخ ناصيف فقد ولد فى 15 فبراير سنة 1833 م وتوفى فى 21 ديسمبر 1870 م فقد علق على بعض كتب أبيه وعمل بالترجمة، وقد رثا أبوه فكانت آخر قصيدة رثاء يقولها. المصادر: (1) lit J.T. Reinaud: De l'etat de laterature ches les populations chretiennes arabes de la syrie, in F.A. ser v., vol ix 1857 p. 469, 476 - 483 (2) S. Kremer: Nasif aljazgi, in z.D.M.H., xxv., 187, p. 244 - 247 (3) M. Hartmann: The Arabic press of Egypt, London 1899, p. 36 (4) Brockelmann: G.A.L., ii. 494 - 495 (the list of his works should be revised on the basis of the Arabic works given below. No 7. Histoire de l'expedition etc. should be deleted (5) Cl. Huart: Litterature arabe 2, paris 1912, p. 407 (6) St. pizzi: Letteratura araba, MilIan 1903, p. 374 د. عبد الرحمن الشيخ [كراتشكوفسكى Kratschkowsky]

اليازجى أوغلو

اليازجى أوغلو اليازجى أوغلو أو اليازجى زاده، لقب لأخوين شاعرين صوفيين عثمانيين، كان والدهما يسمى اليازجى صلاح الدين، يقال إنه قدم من بولى Boli وقضى معظم أواخر أيامه فى أنجورا Angora وقد كتب صلاح الدين بالإضافة لكتاباته فى التصوف رسالة فى الطب تسمى "الشمسية وأشعار ليس لها قيمة أدبية" وإن كان اللغويون قد اهتموا بها، وقد وصف فى أشعاره هذه دلالات الظواهر الطبيعية من حيث الشؤم والفأل، فتناول دلالات قوس قزح والشهب والنجوم التساقطة ومنازل القمر وكسوف الشمس. . . الخ وقد نشر هذا العمل سنة 841 هـ/ 1412 م مصدرًا بإهداء لمن يدعى قصاب على، وقد ذكر المؤلف أن الطبيب المشهور حاجى باشا هو صاحب الفضل عليه 1 - يازجى أوغلو محمد، هو الأخ الأكبر ولد فى قاضى كويى Kadi Koyi لكنه فيما يبدو قد تلقى تعليمه فى فارس وبلاد ما وراء النهر وأكمل تعليمه على يد الحاج بيرام فى أنجورا، ولجأ إلى زاوية بناها بنفسه فى جاليبولى ومات فيها سنة 855 هـ/ 1451 م ويزور الناس قبره -الموجود حتى الآن. للتبرك باعتبار صاحب القبر من الصالحين. وله قصيدة طويلة فى مدح النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] عرفت بالمحمدية حققت شهرة عريضة. 2 - يازجى أوغلو أحمد، ويسمى عادة أحمد بيجان (واللقب بيجان يشير إلى نحالته الشديدة) وهو الأخ الأصغر لمحمد الآنف ذكره، وقد عاش مع أخيه فى جاليبولى وبها مات حوالى 860 هـ/ 1456 م وألف كتبًا كثيرة فى التصوف لاقت إعجابا، منها (أنوار العاشقين) و (عجائب المخلوقات) د. عبد الرحمن الشيخ [فرانز بابنجر Fanz Babinger] يافا يافا أو يافة مدينة على البحر المتوسط وهى بمثابة ميناء للقدس، وتظهر لنا باسم ى - بو Y - Paw فى زمن يعود إلى القرن لسادس عشر قبل الميلاد فى قائمة المدن الفلسطينية التى

استولى عليها تحتمس الثالث Thut-Ill mosis وكانت تعرف بين الأشوريين وفى لوحات تل العمارنة باسم يَبُو (بضم الباء) أو يبُّو (بضم الباء وتشديدها) كما أشير إليها فى النقوش الفينيقية وأشار إليها الإغريق، وعرفت فى التوراة والإنجيل باسم يافو. ويافا هى ميناء القدس بالفعل فى إشارات التوراة والإنجيل حيث ذكر أن الملك حيرام أرسل إليها أخشاب الأرز لتشييد معبد سليمان (¬1). وقبل أن يفتحها سنحاريب Sennacherib سنة 701 ق. م. كانت تابعة لملك عسقلان، ويشير العهد القديم إلى صراع مرير بين السوريين واليهود على امتلاك هذه المدينة (¬2). ؤفى سنة 15 هـ (636 م) استولى عمرو بن العاص على يافا، وإن كانت بعض الروايات تشير إلى أن معاوية هو الذى استولى عليها، وقد ازدادت أهمية يافا عندما أنشأ سليمان بن عبد الملك مركزا جديدا لجند فلسطين هو الرملة على بعد أربعة عشر ميلا إلى الجنوب الشرقى من يافا. وفى سنة 264 هـ/ 878 م وقعت يافا وبقية فلسطين فى يد أحمد بن طولون وظلت تحت حكم الطولونيين حتى سنة 905 م حيث عادت بعدها لحكم العباسيين المباشر فى عهد المكتفى. وبعد أن فتح جعفر بن فلاح الشام كقائد للخليفة الفاطمى المعز سنة 359 هـ/ 969 م توغل القرامطة سنة 360 هـ/ 971 م بقيادة حسن الأعصم حتى يافا وحاصروا حاميتها التى كان قوامها 11.000 رجل (أحد عشر ألف). وبعد طرد القرامة من مصر سنة 362 هـ تحررت يافا وتخلصت من الخطر القرمطى. وفى سته 463 هـ/ 1071 م استولى الأمير التركى ابن أبق على الرملة لكنه لم يستطع أن يمد سلطانه إلى عسقلان ويافا. وكان امتلاك يافا مجال صراع عنيف أثناء الحروب الصليبية فقد ظل الفرنجة محتفظين بها كدوقية duchy تابعة لمملكة بيت المقدس حتى الحملة ¬

_ (¬1) فى معجم الكتاب المقدس الذى أعده بطرس عبد الملك وآخرون أن حيرام تكتب أيضًا. حورام وحيروم، وأنه كان ملك صور. (¬2) انظر مادة يافا فى معجم الكتاب المقدس. [المترجم]

الصليبية الثالثة (1099 - 1187 م) وقد حاول الوزير الأفضل -عبثا- أن يستولى عليها سنة 1101 و 1105 و 113 و 1115 م وبعد مقتله أمر الخليفة الآمر بحصارها سنة 1122 م لكن بدون جدوى. وبعد معركة حِطّين (583 هـ/ 1187 م) استسلمت معظم المدن الساحلية لصلاح الدين، واستسلمت يافا لأخيه الملك العادل لكن رتشارد قلب الأسد استعادها سنة 587 هـ/ 1191 م وحاصرها صلاح الدين سنة 1192 م واستعادها لكنه -على أية حال- لم يستول على القلعة، وهرع رتشارد قلب الأسد لنجدة حاميتها وأخرج منها جند صلاح الدين وأعاد تحصينها. وعلى أية حال فبحلول, عام 593 هـ/ 1197 م استعاد الملك العادل (أخو صلاح الدين) يافا وحطم تحصيناتها، ويقال إنه قتل أثناء القتال 20.000 صليبى. وفى العام التالى استولت عليها القوات الصليبية بشكل مؤقت ذلك أن الملك العادل قد استعادها بهجوم مباغت. وبعد الحملة الصليبية الرابعة (1204 م) وقعت المدينة مرة أخرى فى أيدى الفرنجة وأعاد الأمبراطور فريدريك الثانى تحصينها سنة 228 م، وكذلك فعل لويس التاسع سنة 1250 م بعد إطلاق سراحه. وأثناء حكم المماليك كانت يافا تابعة إداريا للرملة التى كانت تشكل إحدى أربع مناطق إدارية تشكل ما يعرف بمملكة دمشق mamlaka Dimashls, وعلى أية حال فقد كانت لفترة من الفترات تابعة لغزة وكان هذا فى عهد خلفاء صلاح الدين. وهاجم بيبرس يافا على حين غرّة فى 20 جمادى الآخرة سنة 666 هـ (8 مارس 1268 م) واستولى عليها وعلى قلعتها فى يوم أو يومين فهدم المدينة وكل بيوتها وأسوارها وقلعتها. وقد بنى أحد الأمراء ويقال له جمال الدين ابن إسحاق سنة 736 هـ/ 1335 م ضريحا عرف بقبة الشيخ مراد لا زال قائمًا. وعندما كان ملكًا انجلترا وفرنسا يخططان لحملة صليبية جديدة فى سنة 1336 م خرب الناصر ميناء يافا حتى لا يمكن الفرنجة من الرسوّ.

المصادر

بسفنهم هناك. وللسبب نفسه تم تخريب يافا ومينائها سنة 1345 م وقد وصف الجغرافيون العرب يافا بأنها مدينة ساحلية صغيرة تحصينها جيد، وأنها بمثابة ميناء للقدس والرملة وأنها ذات تجارة مزدهرة وسوق عامرة أثناء السلم، أما زمن الحرب فإنها تكون عرضة لغارات عنيفة من الأعداء، ففى القرون الأولى للإسلام -على سبيل المثال- هاجمها الأسطول البيزنطى، ولحماية السواحل ضد هذه الغارات أنشأ المسلمون الرباطات (جمع رباط). وبعد معركة مرج دابق سنة 922 هـ/ 1516 م أصبحت الشام كلها فى حوْزة العثمانيين. ولم تبدأ يافا -التى كان قد اعتراها الخراب- تنتعش شيئًا فشيئا إلا فى النصف الثانى من القرن السابع عشر خاصة بعد بناء أرصفة الميناء. ومنذ سنة 1770 م ولعدة سنوات، حارب باشا دمشق مع على بك وأتباعه للاستيلاء على المدينة التى ارتكب فيها المماليك مذبحة مرعبة فى 19 مايو سنة 1776 م. وقد ارتكب الفرنسيون مذبحة أسوأ من تلك التى ارتكبها المماليك بعد استيلاء نابليون على المدينة فى 6 مارس سنة 1799 م إذ تم إطلاق النار على أربعة آلاف أسير وقد تفشى الطاعون فى الجنود الفرنسيين بعد دخولهم المدينة. ودخل إبراهيم بن محمد على يافا سنة 1831 م لكنها عادت للأتراك ثانية سنة 1840 م. وفى سنة 1838 م حطم زلزال كثيرًا من مساكن المدينة وجانبا من تحصيناتها الدفاعية. وفى 16 نوفمبر سنة 1917 م احتل الإنجليز يافا. منذ الحرب العالمية الأولى كان تطور يافا ونموها محدودين وكان سكانها فى حدود 44.000 نسمة فى حين أن تل أبيب المستعمرة اليهودية التى أنشئت سنة 1909 م والتى كانت بمثابة ضاحيتها الشمالية. راحت تنمو وتتطور بسرعة لتصبح مدينة عصرية. المصادر: (1) الخوارزمى: كتاب صورة الأرض. (2) معجم البلدان ياقوت الحموى.

يافث

(3) Gaudefroy-de- mombynes: La syrie a L'epoque des Mamelouks (4) L. Tol Kowsky: The Gateway of palestine, A History of Faffa, London 1924; do., Fourn. palest. Orient. soc., v., 1925, p. 82 - 84; vi., 1926, p. 70 - 74 (5) George Adam Smith: Historical Geography of the Holy Lond 15, p. 236 s qq., on the ancient town: Delitzsch, Wo log das pacadies, Leipzig 1881., p. 289 (6) P. Thomsen: Loca sancta, Halle 1907, i. 73; Beer, Art. Foppe, in Pauly Wissowa. Realenzkl. d. Klass. Allertumswiss., Ix., col 1901 sq د. عبد الرحمن الشيخ [أ. هوينجمان E.honigman] يافث ورد هذا الاسم فى العهد القديم لكنه لم يرد فى القرآن الكريم، لكن التفاسير تشير إلى أبناء نوح عليه السلام بالاسم: سام وحام ويافث وأحيانًا يسمى (يافت - بالتاء)، وما رواه العهد القديم عن خطيئة حام والعقاب، وعن البركة التى حلت بسام ويافث معروفة فى التراث الإسلامى الذى لم يشر إلى زراعة نوح عليه السلام لشجرة الكروم وتناوله المسكر (¬1) وإنما تشير بعض التفاسير الإسلامية إلى أن الريح عندما كشفت عورة آدم عليه السلام أسرع سام ويافث بتغطية أبيهما، بينما أغرق حام فى الضحك ولما أدرك آدم (عليه السلام) الموقف قسم البركة واللعنة كالتالى: سيولد الأنبياء من سلالة سام والملوك والأبطال من سلالة يافث والعبيد السود من سلالة حام، لكن سلالة حام تزاوجت مع سلالة يافت فكان أهل السند والهند والأحباش من سلالة كوش بن حام، أما القبط (المصريون) فمن سلالة نتجت من اختلاط سلالتين: سلالة قوط بن حام، وسلالة يافث. وقسم نوح الأرض بين أبنائه، فجعل ليافث منطقة فيزون Faisum (بيشون Pishon) وأعطى نسله مساحات من الأرض يتفق الطبرى فيها مع الإسرائيليات (ما نقله المفسرون المسلمون عن العهد القديم) ويختلف عنها الكسائى شيئًا ما، ويختلف عنها ¬

_ (¬1) (المترجم: بالفعل لا يشير القرآن الكريم ولا الحديث النبوى الشريف إلى تناول نوح عليه السلام للخمر).

اليافعى

آخرون اختلافا كاملا. ويعتبر يافث -عادة- هو الجد الأعلى ليأجوج ومأجوج، وغالبا ما يعتبر الجد الأعلى للترك والخزر، وفى أحيان ناردة يعتبره البعض جدًا أعلى للصقالبة. أما الفرس والروم فأحيانا ينسبان إلى يافث وأحيانًا إلى سام. . وباختصار فإنه يقال إن سام هو الجد الأعلى للعرب ويافث هو الجد الأعلى للروم (أو يأجوج ومأجوج) وحام هو الجد الأعلى للسودان (¬1). ويفضل التراث السامى سام وفى أحيان قليلة -كما فى الطبرى- يجرى الحديث عن يافث بشكل لا يحمل الود. ومن ناحية أخرى فإن الاثنين وسبعين لغة قد قسمت كالتالى: 18 لغة لسام و 18 لغة لحام و 36 لغة ليافث. ومن المصادر التى تم الاعتماد عليها قصص الأنبياء للكسائى، وقصص الأنبياء للثعالبى، وتفسير الطبرى. د. عبد الرحمن الشيخ [بيرنهرد هيلر Bernhard] اليافعى عبد اللَّه بن أسعد بن على بن عثمان ابن فلاح الشافعى عفيف الدين أبو السعادة أبو البركات، صوفى ومؤلف ولد قبل سنة 700 هـ (1300 - 1301 م) بعامٍ أو عامين فى اليمن لكن موضع ميلاده بالدقة غير معروف فيما يبدو، وقد درس فى البداية على يدٍ محمد بن أحمد الدِّهانى البصَّال وأحمد ابن على الحرازى قاضى عدن - القرآن والتوحيد لكن ميوله الصوفية لا بد أنها تطورت مبكرا وصبغت حياته بصبغتها، وفى سنة 712 هـ/ 1313 م قام بالحج لأول مرة، وفى مكة المكرمة ارتبط بعلى الطواشى واعتبره شيخه المفضل. وفى سنة 718 هـ استقر فى مكة وتزوج، وفى العام التالى راح يقضى شطرًا من وقته فى مكة (المكرمة) وشطرًا آخر فى المدينة (المنورة)، وفى سنة 743 هـ/ 1335 م قام برحلة إلى القدس ودمشق وزار مصر أيضًا، وبعد عودته للحجاز مكث فترة فى المدينة المنورة ثم ذهب إلى مكة حيث تزوج للمرة الثانية، ثم زار اليمن ¬

_ (¬1) السودان بمعنى البلاد الإفريقية حسبما كان يطلق عليها فى العصور الوسطى [التحرير]

فى رحلة قصيرة ليزور معلمه القديم الطواشى. وقد تعرف به السبكى سنة 747 هـ/ 1346 م فى موسم الحج فى مكة، وقد توفى فى 29 جمادى الآخرة سنة 768 هـ/ 21 فبراير سنة 1367 م، وقد حدد السبكى تاريخ وفاته فى جمادى الأولى سنة 797 هـ وربما كان هذا خطأ. وقد تلقى خِرْقة الصوفية من عدد من الشيوخ المتصوفة وقد أفاض كتاب التراجم فى مدح تقواه وعطفه على تلاميذه ومريديه وتقشفه، ومع أن التراجم الأولى لا تتحدث عن بركاته إلّا أن التراجم المتأخرة تفيض فى ذلك. وقد أتاحت له فترة إقامته فى مكة المكرمة فرصة لتأليف عدد كبير من المؤلفات خاصة فى مجالى التصوف ومبادئ العقيدة وكان يدافع عن مبادئ الأشعرية، وكتب كتبًا أخرى يهاجم فيها ابن تيمية، ولكنه كان حفيّا بالصوفى الأندلسى، وربما كانت مؤلفاته الأساسية هى: 1 - روض الرياحين فى حكايات الصالحين ويسمى أيضًا نزهة العيون النواظر وتحفة القلوب الحواضر، تناول فيه حياة خمسمائة ولى وصوفى، وطبع هذا الكتاب عدة طبعات فى القاهرة وكان مصدرا لكتب على شاكلته أتت بعده، لعل آخرها كرامات الأولياء ليوسف بن إسماعيل النبهانى الذى طبع فى القاهرة فى مجلدين. 2 - مرآة الجنان وعبرة اليقظان الذى طبع فى حيدر أباد سنة 1334 هـ - 1939 م فى أربعة مجلدات وهو عمل تاريخى يفيد أيضًا الباحثين فى مجال التراجم، وليس فى كتابه هذا شئ جديد لأنه استخلصه من مؤلفات ابن الأثير وابن خلكان والذهبى، اللهم إلا ما أورده فى آخر كتابه عن تراجم شيوخه فى اليمن، والكتاب زاخر بالكلمات الفارغة وتواريخه غير دقيقة. 3 - نشر المحاسن الغالية فى فضل المشائخ الصوفية، وهو مذكور فى نهاية مرآة الجنان وطبع كحاشية على كرامات الأولياء للنبهانى المشار إليه آنفًا وهو يتناول حياة الصوفية وكراماتهم مثله فى ذلك مثل كتاب روض الرياحين وهو ينحو فى هذا الكتاب منحى أن

المصادر

الصوفية والشريعة يمكنهما التلاقى، وليستا متعارضين بالضرورة، لذلك فقد أعطى كتابه هذا عنوانا آخر هو كفاية المعتقد فى نكاية المنتقد. 4 - مرهم العلل المعضلة فى الرد على أئمة المعتزلة بالبراهين القاطعة المفصلة، وقد ألف هذا الكتاب بناء على حث من نجم الدين عبد الرحمن بن يوسف الأصفهانى (المتوفى 750 هـ) وحاول فيه دحض عقائد المعتزلة. 5 - الإرشاد والتطريز فى فضل اللَّه وتلاوة كتابه العزيز. 6 - در النظم فى فضائل القرآن العزيز والآيات والذكر الحكيم، طبع فى القاهرة. كما ألف كثيرًا من القصائد الدينية. المصادر: (1) الدرر الكامنة (2) طبقات الشبلى (3) Brockelmann: G.A.L., ii. . 176 - 177; Sarkis: Dictionnaire, col. 1952 - 1953 and Later works on the sants of yaman د. عبد الرحمن الشيخ [ف. كرنكو F.Krenkow] ياقوت الرومى هو شهاب الدين أبو عبد اللَّه يعقوب بن عبد اللَّه الحموى مؤلف موسوعى عربى شهير ولد سنة 575 هـ/ 1179 م فى منطقة الحدود مع الدولة البيزنطية ولم يكن أبواه عربيين، لذا فقد سُمى ياقوت الرومى، وقد أسر وهو صغير وبيع كعبد فى بغداد وكان من اشتراه هو عسكر بن إبراهيم الحموى ومن هنا تسمَّى ياقوت بالحموى بدلا من الرومى، وقد أتاح عسكر بن إبراهيم لعبده ياقوت فرصة التعلم فتلقف ياقوت العلم بشغف وبعد بضع سنين أرسله للتجارة فى جزيرة قشم بالخليج العربى وعمان والشام، وأعتقه سنة 596 هـ/ 1199 م واشتغل ياقوت بنسخ الكتب وحضر دروس النحو على العكبرى (توفى 616 هـ/ 1219 م) ثم التحق بخدمة سيده السابق وواصل رحلاته التجارية كما عمل بعد ذلك بائعا للكتب. وفى سنة 610 هـ/ 1213 م واصل حياة الترحال ففى عام نجده فى تبريز وفى عام آخر نجده فى مصر وفى عام ثالث يكون قد

حط رحاله فى الشام وفى سنة 612 هـ فى دمشق أدين لأفكاره المناهضة للفكر العلوى، ففر إلى حلب والموصل وخراسان ومَرْو وقضى فى هذه المدينة الأخيرة زهاء عامين حيث راح ينقب فى مكتباتها ويتفحص كل ما تصل إليه يداه من كتب، وفى مَرْو راح يجمع مواد كتبه الكبرى. وفى نهاية سنة 615 هـ/ 1218 م ترك مرو متوجهًا إلى خُوارِزْم (وهى مدينة خيوا الحالية) ولما سمع بمقدم جحافل المغول بقيادة جنكيز خان سنة 616 هـ/ 1219 م أسرع بالهرب إلى الموصل التى وصلها منهكا تمامًا بعد أن خلف ممتلكاته الشخصية وراءه فى خوارزم، وكان وصوله للموصل فى رجب سنة 617 هـ/ سبتمبر 1220 م، وقد كتب خطابا إلى الوزير ابن القفطى الذى كان وقتها فى حلب يطلب منه المساعدة فوصله الوزير سنة 619 هـ/ 1222 م وألحقه بخدمته، وبعد عامين عاد ياقوت إلى الموصل واستقر فيها لينهى كتابه الجغرافى (معجم البلدان)، وقد فرغ منه بالفعل فى 20 صفر سنة 621 هـ/ 13 مارس 1224 م. لكنه لم يُطل المقام على أية حال- فى الموصل، وإنما توجه إلى مصر فى نهاية سنة 621 هـ وعاد إلى حلب فى بداية سنة 625 هـ/ 1228 م ووضع اللمسات الأخيرة فى معجمه الجغرافى ثم وافته منيته فى 20 رمضان 626 هـ/ 20 أغسطس 1229 م. وبعض أعمال ياقوت يبدو الآن أنها فقدت مثل كتاب المَبْدأ والمآل، وكتاب الدول وهما فى التاريخ, وكتاب أخبار المتنبى وكتاب أخبار الشعراء، ومعجم الأدباء ومعجم الشعراء وهما فى التراجم وكتاب عنوان الأغانى الذى ربما كان مختصرًا لكتاب الأغانى لأبى الفرج الأصفهانى. وليس لدينا من أعمال ياقوت سوى هذه الكتب التى ندرجها على النحو التالى: كتاب المقتضب فى الأنساب (مخطوط بالقاهرة). كتاب إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب (وقد ذكره ابن خلكان بعنوان: إرشاد الألبّاء إلى معرفة الأدباء) وهو مشهور باسم معجم الأدباء أو طبقات الأدباء (حققه الباحث مرجليوث ونشر

المصادر

فى ليون بين سنتى 1907 - 1931 م فى ستة مجلدات ويضم هذا العمل تراجم لشعراء ونحويين ولغويين وخطاطين، وقد رتبه على حروف المعجم. معجم البلدان وهو كتاب مهم ظل ياقوت يعمل به منذ سنة 1212 م حتى وفاته (انظر فستنفلد Wustenfeld فى: Jacut's geographischeisi Worterbuch, الذى نشر Leipzig، 1906 - 1907 م ولا يضم كتاب ياقوت هذا معلومات جغرافية فحسب وإنما فلكية وتاريخية أيضًا وبعض التراجم المرتبطة بالمكان أو المدينة التى يؤرخ لها، وقد كان عمل ياقوت العظيم والمتفرد دافعا لمؤلف آخر لينهج نهجه وهو عبد المؤمن بن عبد الحق (المتوفى 735 هـ/ 1339 م ليعد معجما مختصرًا للبلدان بعنوان (مراصد الاطلاع على أسماء الأماكن والبقاع) الذى حققه جينبول Juynboll, ونشر فى ليدن بين سنتى 1851 و 1864 م فى أربعة مجلدات. كتاب المشترك وضعا والمختلف صَقْعا، وقد ألفه سنة 623 هـ/ 1226 م، وقد حققه المستشرق فستنفلد ونشر فى جوتنجن Gottingen سنة 1846 م فى مجلد واحد، وهو معجم لأسماء البلاد والمواضع التى لها النطق نفسه والكتابة نفسها (الهجاء نفسه) ومع هذا فهى لا تعنى الموضع نفسه. المصادر: (1) ابن خلكان، طبعة القاهرة، 1301 م. (2) جورج زيدان، تاريخ آداب اللغة العربية، القاهرة 1930 م. (3) سركيس، معجم المطبوعات، القاهرة، 1930 م. (4) Wjistenfeld: in Z.D.M.G., 1864 p. 397 sqq.; Reinaud, In? laa Geographie des Orientaux, preface to the Geographie d' Aboulfeda (5) Herr: Die histor. und gepgr Quellen in Faqut's gepgr. Worterbuch(Strassburg 1898) د. عبد الرحمن الشيخ [ر. بلاشير R. Blachere]

ياقوت المستعصمى

ياقوت المستعصمى هو جمال الدين أبو المجد بن عبد اللَّه وهو خطاط مشهور، وكان رفيقًا للخليفة العباسى المستعصم باللَّه وللمستعصمى شعر رقيق وقد أتاح له الخليفة فرصة التعلم، ولا أحد يعرف أصله فمن قائل إنه كان يونانيا من أماسيا Amasia وربما قد حمل أسيرا أثناء إحدى الغارات، وكان خصيا وتوفى فى بغداد سنة 698 هـ/ 1298 م عن عمر يناهز الثمانين عامًا. ومن كتبه كتاب أخبار وأشعار كتبه سنة 662 هـ/ 1264 م وكتاب أخبار الحكماء طبع فى استانبول سنة 1300 هـ ويقال إنه نسخ القرآن الكريم بخطه الجميل وأن النسخ المكتوبة بخطه توجد فى مكتبة القديسة صوفيا واستانبول والقاهرة وباريس (المكتبة الوطنية). المصادر: (1) Habib Efendi: Khali u-Khatlalan, Conslantinopie 1305, p. 51 (2) Mirza sengliakh: Imtihan al- Fudala, Teheran 1291, p.3 sqq. (not paginated): (3) Cl. Huar: Calligraphes el Miniatunistes, paris 1908, p. 84 sqq., Quatremere, Hist. des Mamlouks 1 I,ii. 140 note 1 l (4) Weigers: Orientalia, ii. 291 (5) Edw. G. HBrowne: A Literary History of Persia. ii. 487 د. عبد الرحمن الشيخ [س. ل. هوارت C.L. HUART] يام اسم قبيلة تنتسب إلى حمدان فى جنوب شبه الجزيرة العربية، وقال ابن المجاور إن بنى يام بن أصبع يعيشون فى القدم وفى وادى الحانق والحقة. وقد عدهم الهمدانى من بين القبائل التى تتحدث لغة عربية نقية لكن الباحث جلاس E. Glaser ذهب إلى أن لهجتهم تختلف عن العربية المنتشرة فى مرتفعات اليمن، وبنو يام وفقا لما يقوله بعض الباحثين هم أرق قبائل جنوب شبه الجزيرة العربية وأحسنها خلقة وأكثرها اعتزازا بالنفس، وأشرسها فى

يحيى (عليه السلام)

ساحة الوغى، وهم يعيشون فى نجران وهم اسماعيلية، ذلك المذهب الذى لا ينتشر فى نجران فحسب بل أيضًا فى حمدان وطيبة وحراز وصعفان وبعض المواضع فى يريم، وكل الإسماعيلية فى هذه الأنحاء لهم داعية اسماعيلى واحد هو داعى قبائل يام المقيم فى بدر. ومنذ حوالى سنة 1760 م أصبح هذا المنصب وراثيا فى أسرة المكرمى التى وسع شيخها نفوذ قبيلته سنة 1763 م إلى ما وراء نجران وقد اعتنقت قبيلة يام الإسلام فى السنة العاشرة للهجرة. وقد ساعد بنو يام قوات السلطان سليم العثمانى التى غزت اليمن فكوفئت على ذلك بمنحها حق جمع الضرائب من القبائل الأخرى التى أخضعها العثمانيون فى هذه الأنحاء. وهذا لم يمنعهم على أية حال من تأييد الإمام قاسم حوالى سنة 1640 م الذى هب لطرد الأتراك من اليمن ومع هذا فقد كان داعى قبائل يام قادرا على تكوين علاقة طيبة مع الباب العالى فى سنة 1834 م وظل خلفاؤه ينهجون نهجه حتى أحكم الترك قبضتهم على اليمن. - وتطلق كلمة يام أيضًا على مخلاف فى اليمن. - كما تطلق يام على جبل فى اليمن. د. عبد الرحمن الشيخ [أدولف جرومان Grohmann] يحيى (عليه السلام) يحيى النبى (عليه السلام) هو يوحنا (جون) الوارد فى التوارة وقد ورد ذكره كثير، فى القرآن الكريم الذى ذكره فى سياق الحديث عن عيسى عليه السلام وغيره من الأنبياء الذين أرسلوا لتقديم البراهين على أن اللَّه واحد لا شريك له، وقد تحدثت الأناجيل عن ميلاده المعجز مرتين، فقد وهبه اللَّه لوالده زكريا وزوجته أليصابات Elisabeth رغم أنهما كانا قد بلغا من العمر عِتِيّا {يَازَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا} سورة مريم آية 7. وتجلت حكمته من عهد طفولته، وقد باركه اللَّه واتسم باللطف والطهارة. وورد فى القرآن الكريم فى سورة مريم، آية 12 و 13 {يَايَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (12) وَحَنَانًا

المصادر

مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا} ونفهم من هذا أن يحيى عليه السلام قد أوحى إليه أو تلقى كتابًا موحى، لكن المفسرين على أية حال لم يعرضوا هذا المعنى فهم يميلون إلى أن الكتاب المذكور فى الآية الكريمة هنا يعنى التوراة (أسفار موسى الخمسة) وأن يحيى عليه السلام لم يتلق رسالة خاصّة وإنما أتى ليؤكد كلمة اللَّه، وقال الزمخشرى -ببساطة- إن اللَّه قد وهبه فهما للتوراة ولم يحدثنا القرآن الكريم عن معموديته أو وفاته. ويذكر لنا الطبرى أنه مهَّد للمسيح عليه السلام وبشر به، وقد أمر هيرودس بسجنه لأنه وبخه على فجوره. وكانت هيروديا قد خانت عهد زوجها الأول وحبكت حبائك دسبسة ضده مع أخيه هيرودس، وقد سمعت بذلك زوجة هيرودس فهربت إلى بيت أبيها الحارث، وأخلت مكانها فى القصر لهيروديا الخائنة التى حنقت على يوحنا لأنه قال لهيرودس إنه لا يحق له أن يتزوج بها, وقال البعض أن المسيح أحيا يحيى عليه السلام (بأمر اللَّه) ليقول عن قاتله وعن هيروديا المحرِّضة. ويحدثنا المسعودى عن هروب أليصابات أم يحيى إلى مصر، وهو ما ينسبه الإنجيل إلى مريم وليس أليصابات. ويرجع المسعودى سبب هروبها إلى رغبتها فى الخلاص من ظلم الملك. لقد قتل اليهود يحيى لكن اللَّه انتقم لمقتله بأن أرسل عليها الملك خردوش الذى ذبح كثيرين منهم. وفى أيامنا هذه يقال إن قبر يوحنا المعمدان (النبى يحيى) وقبر أبيه زكريا ف المسجد الكبير بدمشق على حد رواية ابن بطوطة. المصادر: (1) تاريخ الطبرى: تاريخ الرسل والملوك، طبعة de Goeje. ليدن 1879 - 1901 م. (2) المسعودى: مروج الذهب، باريس 1861 - 1877 م. (3) Chwolsohn: Die Scabier and der Scabismus, St. Petersburg 1856 د. عبد الرحمن الشيخ [ب. كارا دى فو B.Carra De Vaux]

يحيى

يحيى شاعر تركى من أصول ألبانية فى عهد السلطان العثمانى سليمان القانونى. وهو سليل أسرة دكيجن فى شمال ألبانيا التى ينتمى إليها أيضًا الشاعر التركى دكيجن زاده أحمد بك، وقد كان شاعرنا يحيى الذى نحن بصدده من ضمن الأطفال الذين يجمعهم العثمانيون من ألبانيا وشرق أوربا لينخرطوا -بعد تدريبهم- ضمن كتائب الإنكشارية فيما يعرف بضريبة الدم (الدفشرمة)، وهكذا وصل إلى استانبول، وقد تحدث هو نفسه عن طريقة تجنيده الاجبارى هذه ذاكرا أنها الطريقة الوحيدة التى كان يمكن أن تجعله شيئًا مذكورًا، وقد ظل يحيى معروفًا أنه ألبانى الأصل حتى بعد أن بلغ من العمر عتيّا. وقد ترقى يحيى فى سلك الإنكشارية والسباهية، وأصبح بعد ذلك يحمل رتبة يحيى باشى وبولوق باشى فى نطاق كتائب السباهية وسرعان ما اكتشف شهاب الدين كاتب الانكشارية مواهبه الشعرية فسمح له بمزيد من الحرية والانطلاق تقديرا لمواهبه الشعرية، وبعد ذلك سمحوا له بالانضمام للحلقات الفكرية التى يعقدها ابن كمال جعفر جلبى قدرى أفندى، وإبراهيم باشا، واسكندر جلبى. وعندما طرد إسكندر باشا حاول شاعرنا التوسط له عند الصدر الأعظم إبراهيم دون جدوى. وكان شاعرنا يحيى عدوا لدودا لشاعر البلاط السلطانى خيالى بك الذى كان قد تصادم معه سنة 943 هـ/ 1536 م ودخل معه فى مساجلات شعرية، وقد دخل شاعرنا مع شاعر آخر هو خطى. وقد كتب يحيى قصيدة ضد خيالى وقدمها للسلطان سليمان القانونى، وكانت القصيدة عن معركة فارسية وقد أبهجت هذه القصيدة رستم باشا الصدر الأعظم فى ذلك الوقت مع أنه كان يجاهر بعدائه لكل الشعراء، وقد أن هذه القصيدة -ببساطة- إلى تعيين يحيى مسئولًا عن عدد من المؤسسات فى استانبول وبروصة، ولما حاول يحيى -بطبيعته التى لا تعرف

يحيى بن آدم

الخوف- أن يتدخل لصالح الأمير مصطفى وينقذه من القتل نتيجة مكيدة حاكها له الصدر الأعظم وخدم زوجة السلطان لم يوفق، لكن جهوده هذه أوغرت صدر الصدر الأعظم عليه فحاول إصدار أمر بإعدامه لكنه لم ينجح فى مساعيه وكل ما استطاع فعله هو عزل شاعرنا من مناصبه. وأخيرًا انزوى شاعرنا يحيى فى مزرعته الكبيرة (زعامة) التى تغل 27.000 أقى Akee سنويا فى لوزنيشا Loznica فى سنجق زفورنيك Zvornik فى البوسنة، وراح يجمع قصائده فى ديوان وذكر المؤرخ التركى على أنه وجده مشغولا بهذا العمل سنة 982 هـ/ 1572 م قبل وفاته بعام، وإن كان هناك من يقول إنه ظل على قيد الحياة حتى 986 هـ/ أو 990 هـ، وتتناول كتب تاريخ الأدب التركى شاعرنا يحيى باعتباره شاعرًا مجيدًا وله غزليات شائعة، واعتبرته شاعر السيف والقلم. د. عبد الرحمن الشيخ [و. بجومان W. Bjorman] يحيى بن آدم هو يحيى بن آدم بن سليمان الأموى، فقيه مسلم ومن ثقات أهل الحديث وكنيته أبو زكريا، وكان مولى لآل أبى مُعَيْط، ومن هنا كانت نسبته القُرشى أو الأموى (أما ما ذكره النووى من أن نسبته هى المخزومى فخطأ) كما أن له نسبة أخرى وهى الكُوفى مما يعنى أنه من الكوفة أو عاش فيها ردحًا طويلًا من الزمن، وقد ذكر أبوه من بين محّدثى الكوفة (علماء الحديث بها) وقد ذكر ذلك ابن سعد فى الطبقات, وكذلك النووى، وبمطالعة أسماء شيوخه وتواريخ وفاتهم يمكننا الاستنتاج أنه ولد حوالى سنة 140 هـ أو بعدها بقليل، وهذا يتفق مع ما يتردد من أنه لم يعش عمرًا مديدًا فقد مات فى حوالى منتصف شهر ربيع الأول سنة 303 هـ/ منتصف سبتمبر سنة 818 م فى فم الِصْلح بالقرب من واسط. ومن بين شيوخه: أبو بكر بن عياش والحسن بن صالح وسفيان الثورى وسفيان بن عيينه، وشرْيك بن عبد اللَّه

المصادر

وعبد اللَّه بن المبارك (والقائمة الكاملة للشيوخ مدرجة فى كتاب الخراج، وقد درس أيضًا على يد ابن حنبل وابن أبى شيبة ويحيى بن معين، ويوصف ابن آدم بأنه (ثقة). وقد ذكر له ابن النديم فى الفهرست كتاب "القراءات" وكتاب "مجرد أحكام القرآن" وذكره أيضًا حاجى خليفة فى كشف الظنون كمؤلف فى قراءات القرآن إلّا أن يحيى كان -على أية حال. محّدثا فى الأساس وكان فقيهًا سنيا، وقد ذكر له ابن النديم أيضًا كتاب الفرائض وكتاب الخراج، وكتاب الزوال، وهذا الكتاب الأخير لا نعرف مضمونه ومحتواه. ومن بين هذه الكتب لم يبقّ لنا إلا كتابه الخراج، وقد اعتمد البلاذرى على كتاب الخراج هذا فى كتابه عن (فتوح البلدان)، ومن هنا فإن كتاب يحيى عن الخراج بالإضافة لكتاب أبى يوسف الذى يحمل العنوان نفسه يعدان مصدرين مهمين عن العشور والخراج وكل ما يتعلق بالأموال المفروضة على الأرض فى التاريخ الإسلامى حتى أيامهما. المصادر: (1) الفهرست لابن النديم (2) كتاب المعارف لابن قتيبة (3) التهذيب للنووى (4) تهذيب التهذيب لابن حجر (5) تذكرة الحفاظ للذهبى د. عبد الرحمن الشيخ [التحرير] يحيى الحسينى يحيى بن زيد بن على الطالبى. ضيّق الخليفة الأموى هشام بن عبد الملك على أبيه وحبسه خمسة أشهر، ثم أطلقه فعاد إلى العراق ثم إلى المدينة المنورة حيث لحق به بعض أهل الكوفة يحرضونه على قتال الأمويين ورحلوا به إلى الكوفة سنة 120 هـ فبايعه أربعون ألفًا على نصرة آل البيت ونشبت بينه وبين عامل العراق يوسف ابن عمر الثقفى معركة فخذله شيعته وقتل ودفن، لكن ابنه يحيى كان لا يزال آمنًا فى الكوفة. وتختلف الروايات فيما إذا كان قد غادر الكوفة بعد سماعه

بهزيمة والده مباشرة أم أنه اختفى فيها حتى يئس الباحثون عنه من العثور عليه، ففر إلى خراسان مع عدد قليل من أتباعه. ووفقا لما ورد فى كتاب مقاتل الطالبيين فإن يحيى انطلق من المدائن إلى الرى ومنها إلى سَرْخَسْ حيث مكث بها ستة أشهر عند يزيد التيمى (ذكر فى كتاب عمدة الطالب أنه مكث عند يزيد بن عمر التيمى)، ويقال إن المحكمة (الخوارج) أرادوا أن يقيموا مناظرة علنية معه ولكن يحيى -بناء على نصيحة يزيد- لم يوافق على ذلك. وانتقل من سرخس إلى بلخ فتلقاه الحريش بن عمرو بن داود بقبول حسن ورحب به. ولما علم يوسف بن عمر بنشاط يحيى أمر حاكم خراسان نصر بن سيار بالقبض عليه وسجنه، فأخرجه حاكم بلخ من مخبئه وأرسل به إلى نصر بن سيار الذى سجنه فى مَرْو لكن الخليفة الوليد الثانى أمر نصرا بإطلاق سراحه وسراح من معه، وصدرت التعليمات لعمّال سرخس وطوس ونيسابور بعدم السماح له بالإقامة فى زمام عمالاتهم، فاتجه يحيى إلى بيهق، وخشى أن يتوغل غربا أكثر من ذلك خوفًا من ابن عمر، وفى بيهق بدأ ينشر دعوته ويقال إنه ضم إليه سبعين شخصًا، وبقوته الصغيرة هذه اتجه إلى عامل أبراشهر عمرو بن زرارة وأحرز انتصارا عليه رغم قوة عتاد العدو وكثرة عدده، وشق يحيى طريقه محاربًا فى إقليم هرات لكن القوات التى أرسلها نصر بن سيار لحقت به عند قرية أدغوة Arghwa وقتلته مع أتباعه، وربما كان هذا فى رمضان سنة 125 هـ/ يونيو سنة 743 م. ووفقا لما ورد فى كتاب عمدة الطالب فإن يحيى لم يكن يتجاوز الثامنة عشرة من عمره عندما مات، وإن قالت مصادر أخرى إن عمره كان وقتذاك ثمانية وعشرين سنة. وبعد قتله قُطع رأسه وأرسل إلى دمشق أما جسده فعلق على بوابة حاضرة الجوزجان (الأنبار) وظل حتى أنزله أتباع أبى مسلم ودفنوها وأصبح قبره مزارا.

المصادر

ولقد أثر مقتل يحيى وإهانة جسده تأثيرا عميقا فى شيعة خراسان وكان ستار (الانتقام ليحيى) هو ستار أتباع أبى مسلم الذين قتلوا من تسببوا فى مقتله. ويعتبر الزيدية يحيى واحدا من أئمتهم. المصادر: (1) ابن قتيبية: كتاب المعارف. (2) أبو الفرج الأصفهانى: مقاتل الطالبيين (3) فخر الدين أحمد النجفى: كتابه المنتخب فى المراثى والخطب. (4) ابن مهنا الحسنى: كتابه عمدة الطالب فى أنساب آل أبى طالب. (5) van Volten: De Opkomst der Abbasiden in Ehorasan, Diss. Leyden 1890, p 60 - 62 (6) J. Wellhausen: Die religios politischen Oppositionsparteien im alten Islam (Abh. G. W. Gott., N. S., v. 3, Berlin 1901), p. 97 sq (7) R. Strothmann: Das Staatsrecht der Zaiditen, Strassburg 1912, p. 74, 107 (8) C; van Aredonk: De Opkomst van het Zaidielische Imamaat in Yemen, Leyden 1919, p. 30 sq., 32, 37 عبد الرحمن الشيخ [س. فان إرندونك C. Van Arendonk] يحيى بن خالد البرمكى فى عهد الخليفة العباسى المنصور كان يحيى -بالفعل- شخصية بارزة إذ عينه الخليفة سنة 158 هـ/ 774 م حاكما على أذربيجان، وهناك من يقول إن الخليفة عينه حاكما على أرمينيا وليس أذربيجان. وبعد ذلك بثلاث سنوات عينه الخليفة المهدى معلمًا لابنه هارون ومشرفا عليه، وفى سنة 163 هـ/ 779 م عُيّن هارون حاكما على النصف الغربى من الدولة العباسية (أى على المناطق الواقع غرب نهر الفرات) بالإضافة إلى أرمينيا وأذربيجان فجعل من يحيى كبيرا لمستشاريه. ووفقا لوصية المهدى فإن ابنه الأكبر موسى كان سيخلفه فى

المصادر

الحكم ومن بعده هارون لكن المهدى قرر قبل وفاته بقليل أن يجعل الخلافة لهارون ولم يكن موسى -بطبيعة الحال- راضيا عن هذا التغيير، وبعد وفاة المهدى فى سنة 169 هـ/ أغسطس 785 م نصح يحيى بن خالد هارون بأن يتخلى عن الخلافة لأخيه موسى الذى تسمّى بالهادى، وتم هذا بالفعل، وفكر الهادى فى أن يجعل ابنه جعفر خليفة من بعده وأن ينحى هارون عن الخلافة تمامًا، فعارض يحيى ذلك بشدة فسجنه الهادى وظل فى السجن حتى مات الهادى فى ربيع الأول سنة 170 هـ/ سبتمبر 786 م فلما تولى هارون الخلافة جعل من يحيى وزيره وخوّله كل الصلاحيات واستمر يحيى فى منصبه سبعة عشر عامًا. وفى نهاية شهر محرم أو بداية صفر سنة 187 هـ/ 23 يناير سنة 803 م أمر الخليفة -فجأة- بقتل جعفر بن يحيى دون محاكمة، وبعد ذلك مباشرة تم القبض على يحيى وبقية أبنائه وصودرت أموالهم، وظل يحيى سجينا حتى وافته منيته فى الثالث من محرم سنة 190 هـ/ 29 نوفمبر 805 م عن عمر يناهز السبعين عامًا. المصادر: ابن خلكان: وفيات الأعيان، طبعة 1835 - 1850 م الطبرى، تاريخ الرسل والملوك طبعة Goeje د. عبد الرحمن الشيخ [ك. ف. تسترشتين K. V. Zettersten] يحيى بن على يحيى بن على بن يحيى بن أبى منصور المنجّم وكنيته أبو أحمد. كان واحدًا من مشاهير منظرى الموسيقا الكلاسيكية (الموسيقا العربية القديمة)، وهو من عائلة متعلمة مولعة بالموسيقا وكان جده (توفى حوالى 831 م)، فلكيا مشهورًا فى بلاط الخليفة المأمون، وتوفى أبو يحيى سنة 888 م وكان بارعا فى الموسيقا والغناء وتتلمذ على يد اسحق الموصلى وكتب كتابًا جعل عنوانه كتاب أخبار اسحق بن إبراهيم الموصلى، وكان محمد عم يحيى بارعا أيضًا فى نظريات الموسيقا. وقد ولد يحيى سنة 856 م وعمل فى خدمة الموفق أخو الخليفة المعتمد، وقد أشاد مؤلفو كتب التراجم بعلمه ومعرفته بعلوم اليونان أو على حد تعبيرهم

المصادر

علوم الأوائل، وكان بالإضافة لهذا شاعرا مطبوعا مجيدا، وقد توفى سنة 912 م وليحيى وفقا لما يقوله ابن النديم كتاب الباهر، وقد توفى يحيى دون أن يكمله فأكمله ابنه، وقد أنشدت بعض قصائده فى حضرة المعتضد والمكتفى، وأشار أبو الفرج الأصفهانى فى كتابه الأغانى إلى "كتاب النغم" ليحيى المنجم وربما كان هو "رسالة فى الموسيقا" المحفوظ فى مكتبة المتحف البريطانى، ويعتبر هذا الكتاب بالإضافة لكتاب الكندى "رسالة فى أجزاء خبريات الموسيقا، المحفوظ فى مكتبة برلين المصدرين الوحيدين عن الموسيقا العربية الكلاسيكية (القديمة). المصادر: (1) الأصفهانى: الأغانى، بولاق 1285 هـ. (2) ابن خلكان: وفيات الأعيان، جوتنجن 1835 - 1850. (3) المسعودى: مروج الذهب، باريس 1861 - 1877. (4) farmer: History of Arabian Music, see Index; do., Historical Facts for the Arabian Musical Influence, see Index د. عبد الرحمن الشيخ [هـ. ج. فارمر Farmer] يربوع بطن من تميم نسبة إلى يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم، وإن كان الاسم "يربوع" يطلق على مجموعات قبلية أخرى من تميم وغيرها، فعلى سبيل المثال هناك يربوع ابن مالك بن حنظلة وأشار ابن الكلبى فى جمهرة أنساب العرب إلى يربوع بن تميم، وأطلق الاسم أيضًا على بطون من قبائل الجنوب (كلب وسعد هذين وجهينة -كذا بالنص الإنجليزى) وقبائل الشمال (غطفان وثقيف وغنى وسليم وحنيفة وعامر بن صعصعة بل إننا نجد هذا الاسم بين قريش ذاتها مثل يربوع بن عنكثة بن عامر بن مخزوم. ويربوع اسم قارض من القوارض (¬1) واليربوع -أى الحيوان القارض آنف الذكر- منتشر فى شبه الجزيرة العربية، واطلاق اسمه على مجموعة من الناس أو قبيلة أو بطن ¬

_ (¬1) اليربوع هو الجربوع المعروف فى مصر وجمعه جرابيع، لكن بعض القبائل العربية تُبدل الجيم ياء، فتقول يربوع بدلا من جربوع، وياهل بدلا من جاهل، وريّال بدلا من رجل أو رجال ولا زال هذا ملاحظا فى عامية بعض دول الخليج)

يمكن أن يعتبر دليلا على وجود الطوطمية فى وقت من الأوقات (انظر فى هذا روبرت سميث Robert Smith فى كتابه Kiniship and marriage in early Arabia (ص 235). وهذه النظرية -أى ارتباط تسمية القبائل بأسماء حيوانات بالطوطمية- أصبحت مرفوضة الآن وقد صيغت فى الروايات التاريخية أسطورة تحليلية لزواج جندلة بنت فهو أم يربوع بن مالك بن تميم، وهى تبين العلاقة بين بطن يربوع والبطون المجاورة لها. وبدا البطن القبلى يربوع منعزلا ربما بسبب قوته، مما أغناه عن التحالفات القبلية، وهذا البطن بصفته الانعزالية هذه يختلف عن البطون الأخرى المنحدرة من نسل حنظلة، ذلك أن هذه البطون -غير بطن يربوع- قد أعادت توحيد نفسها تحت اسم البَرَاجِمْ. والواقع أننا نجد حتى عند بعض عشائر يربوع نوعا من الاستقلال عن البطن الرئيسى. نجد هذا عند رياح وكليب وسليط وثعلبة وغُدانة. وتنقسم يربوع إلى قسمين كبيرين لا نعرف طبيعتهما بالضبط: الأحمال (ثعلبة وعمر وسبيْرة والحارث) والعُقد (كليب وغُدانة والعنبر) ومضارب يربوع شاسعة ممتدة فنحن نجدهم فى كل مناطق تميم من اليمامة إلى ما دون الفرات، لكن مركزهم هو وادى الحَزَن الخصب (راجع معجم ياقوت الذى ذكر اسم إحدى واحاتهم وهو فردوس الإياد)، ومع أن التراث المروى يحدثنا عن مدن لهم إلا أنهم -فى الأساس- بدو كمعظم تميم. وتاريخ يربوع فى الجاهلية مرتبط بتاريخ تميم وفى مناسبات، بعينها كانوا يقودون المعارك التى يخوضونها مع تميم وإن كانوا ينخرطون بمفردهم مع قبائل أخرى أحيانًا مثل حروبهم مع شيبان. . إلخ. وقد أسروا فى بعض حروبهم بسطام بن قيس رغم المدد الذى أمده به عامل الفرس على عَيْن تَمْر. وفى بداية الإسلام كانت يربوع فى غالبها معادية له لكنها لم تجسر على إعلان حربها للرسول عليه الصلاة والسلام، لكنها بعد موته كانت أول من أعلن العصيان فيما عرف بحركة الردّة

المصادر

وظهرت من بينهم مدّعية النبوّة سجاح (الروايات التى تنسب سجاح إلى تغلب يبدو أنها غير موثقة، فهى يربوعية من اليرابيع). ومن هذه القبيلة أيضًا مالك ابن نويرة ومُتمم بن نويرة وحكايتهما مع خالد بن الوليد معروفة. وعلى أية حال، فبعد قمع الرِّدَّة حسن إسلام اليرابيع، واشتركوا فى الفتوح، لكن طبيعتهم المتمردة تجلت بعد ذلك فى دعمهم للخوارج. وقد ظهر بين قبيلة يربوع شعراء مبرزون فى الجاهلية والإسلام، والشاعر المشهور جرير ينتمى إلى كليب بن يربوع. المصادر: وردت فى المتن د. عبد الرحمن الشيخ [ج. ليفى دى لا فيدا G.Levi Della Vida] يزد مدينة فارسية فيما كان يعرف بالعراق العجمى، وكانت تسمى فيما مضى كثا Katha، متخذة هذا الاسم من المنطقة المحيطة بها، والتى كانت كنا عاصمة لها، فكثا إذن اسم للمدينة والمنطقة، وكانت منطقة كثا فيما مضى تابعة لاصطخر فى ولاية فارس، وكان فى كثا قلعة وهى على حافة الصحراء، ولها بوابتان حديديتان: بوابة إزد أو إزاد وبوابة المجد الذى كان كائنا فى الناصية وتحيط بها قنوات مائية من خزانات مائية يبدو أنها من عمل الإنسان (ليست خزانات طبيعية)، ومناخها معتدل وتتسم بالنظافة لأنهم ينقلون القمامة منها يوميا إلى الحقول ويستخدمونها فى التسميد ويعمل سكانها فى غالبهم فى حرفة النسيج وكانوا فيما مضى على المذهب الشافعى، ويصدرون العباءات القطنية. المصادر: (1) معجم ياقوت الحموى (2) حمد اللَّه مستوفى، نزهة القلوب (3) رحلة ابن بطوطة (4) Barbier de Meynard: Dict. de la Perse, P. 475, 611; B. G.A., i. 116, 125; ii. 182, 187, 196; iii. 437 د. عبد الرحمن الشيخ [س. هوارت C.L.Huart]

يزيد بن عبد الملك

يزيد بن عبد الملك يزيد بن عبد الملك بن مروان خليفة أموى منذ فبراير سنة 720 م بعد وفاة عمر بن عبد العزيز، وذلك بناء على عهد أخيه سليمان بن عبد الملك، وقد خرج على الخليفة يزيد بن عبد الملك بعض الخارجين مثل يزيد بن المهلب فى البصرة فأرسل إليه أخاه سلمة فقتله وكان هذا الخليفة محبا للملذات عاشقا فقد أثرت عليه امرأتان تركتا فى حياته أثرًا كبيرًا وهما مغنيتان من المدينة ونعنى بهما سلامة وحبابة، وقد أثر موت حبابة فيه تأثيرا شديدًا فقد كُسِر قلبه كمدا على فراقها فلحقها إذ مات فى إثرها بأسبوع أو نحو ذلك بعد أن استمر فى الخلافة أربع سنوات، وكان حين وفاته دون الأربعين من عمره. وكانت وفاته فى 26 يناير سنة 724 هـ. المصادر: (1) الطبرى: تاريخ الرسل والملوك، الجزء الثانى تحقيق de Goeje ليدن 1879 - 1901 م. د. عبد الرحمن الشيخ [هـ. لامنس H. Lamens] يزيد بن معاوية هو يزيد بن معاوية بن أبى سفيان ثانى خلفاء الدولة الأموية بالشام بعد وفاة أبيه معاوية. ولد حوالى سنة 642 م، وقد كان على رأس الجيش الإسلامى الذى حاصر القسطنطينية فى عهد أبيه معاوية. وبعد توليه الخلافة مباشرة اندلعت الثورات فى الحجاز ضد حكم بنى أمية، تلك الثورات التى كانت حكمة معاوية وسياسته سببًا فى عدم اندلاعها على أيامه. لقد رفض الحسين بن على وعبد اللَّه بن الزبير فى المدينة تقديم البيعة ليزيد، وانصرف ابن الزبير إلى مكة المكرمة، أما الحسين فقد اتجه إلى الكوفة بناء على خطابات تأييد وصلته ممن كانوا يؤيدون أباه من قبل فأمر يزيد بن معاوية عامله على الكوفة عبيد اللَّه بن زياد بمنع دخول الحسين وأنصاره ومواجهتهم فلم يحرك أنصار الحسين وأبيه من قبله ساكنا، وواجهت قوات عبيد اللَّه بن زياد المتفوق عددًا وعدة الحسين وصحبه وجردوهم من سلاحهم فاستشهد سبط النبى (-صلى اللَّه عليه وسلم-) فى العاشر من

اكتوبر 680 م. إنها مأساة كربلاء التى يحيى الشيعة ذكراها بالحزن والبكاء كل عام. وكانت كراهية المدينة للشام لا تقل عن كراهية أهل الكوفة لها, فقد انتزعت الشام من المدينة مكانتها كعاصمة ولما خلع أهل المدينة طاعة يزيد سنة 63 هـ أرسل إليهم قائده مسلم بن عقبة المرى وأمره أن يستبيحها ثلاثة أيام. وعسكر جيش المرى فى الحرة قبالة المدينة وهى منطقة تغطيها الصخور البركانية، لذا عرفت هذه المعركة بمعركة الحرة وطوق الجيش الأموى المدينة وهاجمها بضراوة فلم تجد التحصينات التى كان أهلها قد أعدوها لمواجهة هذا الهجوم ثم دخلها جيش يزيد واستباحها ثلاثة أيام كأمر يزيد، وفى اليوم التالى جمع المري أهل المدينة لإجبارهم على تقديم البيعة ليزيد، ثم توجه بعد ذلك إلى مكة المكرمة لقمع تمرد ابن الزبير، وفى طريقه إلى مكة اشتد عليه الألم وتفاقم مرضه الذى كان يعانى منه منذ خرج من الشام فمات فى المشلل ودفن هناك وظل الناس يرجمون قبره بالحجارة لفترة طويلة، وخلفه على قيادة جيش يزيد، حسين بن النمير الذى حاصر مكة وفيها ابن الزبير، ورجمها بالحجارة وتسبب فى اشتعال النار فى الكعبة، ولم يؤد ذلك إلى وجل أو خوف من المحاصرين ولم يفكوا حصارهم بل إن هذا الحصار قد استمر لشهرين، وفى هذه الأثناء مات يزيد فى حوارين (من أرض حمص) فى 11 نوفمبر سنة 683 م وعندها عاد حسين بن النمير بجيشه إلى الشام. وكان يزيد شاعرا كما كان مولعا بالموسيقا واللهو، وفى عهده تم إكمال التنظيم الإدارى للشام كما استكمل التحصينات الدفاعية له بإنشائه جند قنسرين فى شمال الشام. وقنسرين هذه كانت أهم بلدان شمال الشام، جنوبى حلب وكانت مركزا لأحد أجناد (المفرد جند) الشام الخمسة وهى اليوم قرية صغيرة. وأعاد يزيد تنظيم مالية الدولة وخفف الجزية على نصارى نجران الذين كان عمر بن الخطاب قد أجبرهم على الرحيل عن شبه الجزيرة العربية لكنه فى الوقت نفسه ألغى الاستثناء الذى كان ممنوحا لأهل سامراء Samaritans مكافأة لهم

المصادر

على التعاون مع الفاتحين المسلمين عند الفتح، وفى عهده نظمت الزراعة واستكملت أعمال الرى فى الغوطة، وإليه ينسب نهر يزيد فى دمشق ونظرا لاهتمامه بأمور تنظيم الزراعة والرى فقد أطلق عليه لقب (المهندس). ويقول المستشرق فلهوزن Welhausen إنه خليفة يستحق الإطراء حقًا، بل الإطراء النابع من القلب. المصادر: (1) Wellhausen: Das arabische Reich und sein Sturz. P. 88 - 105 (2) Lammens: Le chantre des Omiades: notes bioeraphiques et litleraires sur le poete arade chretien Ahtal (in 7.A,1895, P. 38 - 47) د. عبد الرحمن الشيخ [هـ لامنس H. Lamnens] يزيد بن المهلب يزيد بن المهلب بن أبى صفرة الأَزدى، هو والى خراسان,, وقد ولد سنة 53 هـ/ 672 - 673 م وبعد موت والده المهلب فى آخر سنة 82 هـ/ 702 م تولى ولاية خراسان وتوترت علاقته مع نسيبه الحجاج بن يوسف الثقفى سنة 85 هـ/ 704 م فحرض الخليفة عبد الملك الحجاج بن يوسف على عزل يزيد من منصبه الذى كان قد منح منذ البداية لأخيه المفضل بن المهلب وبعد ذلك بشهور قلائل لقتيبة ابن مسلم. وفى العام التالى توفى الخليفة عبد الملك وتولى الخلافة ابنه الوليد. وفى العام نفسه تسبب الحجاج فى إيداع يزيد السجن حيث تعرض لكل أنواع الإيذاء والإهانة مما أثار عطف هند -أخته، وزوج الحجاج- عليه فطلقها الحجاج وفى سنة 90 هـ/ 708 م نجح يزيد فى الهرب من سجنه وذهب إلى الرملة حيث سليمان أخو الخليفة فأجاره وتوسط له لدى الوليد فاضطر الحجاج لأن يتركه وشأنه، وبعد تولى سليمان منصب الخلافة سنة 96 هـ/ 715 م عين يزيد واليا على العراق فأقام فى واسط، وكان على الذين أيدوا الحجاج من قبل أن يدفعوا ثمن قسوته، (أى قسوة الحجاج) لكن عندما طلب يزيد من الخليفة إطلاق يده فى أموال الخراج رفض سليمان وعين لهذا المنصب صالح بن عبد الرحمن

يشل إرمق

فأصبح مسئولا عن كل الأمور المالية ولم يكن صالح ليلبى مطالب يزيد الكثيرة فبدأ يزيد يتطلع إلى خراسان ونجحت مساعيه ليصبح واليًا على خراسان والعراق فى الوقت نفسه فى 97 هـ/ 715 م وعندما وصل خراسان عامل قتيبة بن مسلم ومساعديه معاملة قاسية، وافتتح جرجان وطبرستان، ولما استخلف عمر بن عبد العزيز عزله لأنه لم يرسل الخمس من غنائم فتح جرجان وطبرستان، وبعد موت الخليفة عمر بن عبد العزيز أو قبل موته بقليل نجح يزيد فى الهرب من سجنه وذهب مع عدد من أتباعه إلى البصرة ولم تسفر مفاوضاته مع عاملها عدى بن أرطاط عن شئ فحاربه يزيد وقام بما يشبه الثورة ضد الأمويين وحاصر واسط لكنه لقى هزيمة منكرة فى 14 (أو 12 صفر سنة 102 هـ/ 24 أو 22 أغسطس سنة 720 م) فى العقر بالقرب من واسط على يد مسلمة بن عبد الملك الذى كان قد قدم بجيش كبير من الشام لقمعه، وكان يزيد نفسه من بين من قتل فى معركة العقر. د. عبد الرحمن الشيخ [تسترشتين K.V. Zettersteen] يشل إرمق تعنى النهر الأخضر، وهو نهر فى آسيا الصغرى (إريس Iris القديمة) يتكون مجراه عند التقاء نهر جلجت Gilgit القادم من قرا حصار - شرقى ونجيسار، ونهر توزانلى القادم من الغرب، ويتجه النهر الأخضر (يشل إرمق) فى اتجاه مباشر ومستقيم نحول الشمال ليدخل سنجق جانك (ولاية تزيبيزوند) وينساب إلى البحر الأسود فى مواجهة سامصون. ويبلغ طوله حوالى ستين ميلا من عند التقاء النهرين اللذين يكونانه (جلجت وتوزانلى) حتى مصبه. د. عبد الرحمن الشيخ [س. هوارت C.L. Huart] يعرب 1 - يعرب بن قحطان بن هود حفيد النبى هود عليه السلام، وكان ينظر إليه أيضًا باعتباره من سلالة ملوك حمير، ويقال إنه هزم (عاد) الذين شغلوا مأرب ومن ثم أسس مملكة سبأ، واسمه مشتق من الفعل (أعرب) أى أفصح بالعربية الصحيحة, وقيل أيضًا إنه أول

المصادر

من تحدث العربية لأن أباه قحطان كان يتحدث لغة سام بن نوح. 2 - يعرب بن مالك الجد الأعلى ليعاربة عمان الذين اتخذوا عاصمة لهم الرستاق ويبرين والحزم وحكموا من 1043 إلى 1154 هـ (1624 - 1741 م) مالك سيف. . . سلطان سلطان (2) (1059 - 1079). . . مرشد ... . . . ناصر (1) (1034 - 1059) سيف (4) (1123). . . أبو العرب (3) (1079 - 1123) سلطان (5) (1123 - 1131). . . يعرب (8) (1134) مهنا (7) (1131). . . سيف (6) (1131)، (1135 - 1137)، (1140 - 1151) المصادر: (1) ابن دريد: كتاب الاشتقاق عبد الرحمن الشيخ [أ. جرومان] يغما جندقى يغما جندقى هو الأسم المستعار للشاعر الفارسى أبى الحسن رحيم بن حّجى إبراهيم قولى. ولد حوالى سنة 1196 هـ/ 1782 م فى قرية خور فى واحة جَنْدق أو بيابانك فى وسط صحراء فارسى الوسطى. وبدأ حياته كراعى إبل، وفى سن السابعة لاحظ مالك الواحة اسماعيل خان فجعله حاجبا له (عينه فى وظيفة مُوْنشيباشى، وكان أول اسم مستعار له هو (مجنون). وفى سنة 1216 هـ/ 1802 م اضطر إسماعيل خان للفرار إلى خراسان بعد أن رفع راية العصيان ضد الحكومة، واحتل ذو الفقار خان واحة جندق باسم الحكومة فجند يغما كجندى عادى لكن مواهبه سرعان ما تجلت فتّبوا منصابهما فى الحكومة. وفى سنة 1808 م تعرض لوشاية فضرب ونهبت أمواله لكن براءته ظهرت بعد ذلك فاستعاد حريته لكن بعد ترك ذلك فى نفسه جرحًا غائرا فاتخذ لنفسه اسم يغما وراح ينشد قصائد الهجاء فى ذى الفقار

يمين

خان، وكانت قصائده فظة تفوق كل الحدود ونفى فراح يجوب فارس وذهب إلى بغداد ويزد ومنها إلى طهران وهناك ابتسم له الحظ ثانية وحظى بعطف حجى ميرزا أقاسى الوزير الأول لمحمد شاه، وعين يغما وزيرًا لحاكم كاشان ولكنه ألف قصيدة جديدة يهجو فيها نبلاء أسرة كاشان أدت إلى نفيه مرة أخرى وأعلن الخطباء من فوق المنابر أنه كافر، وتابع حياة الترحال. ونعرف أنه صحب محمد شاه إلى هيرات. ولم يعد إلى مسقط رأسه إلا وقد بلغ العقد التاسع من العمر ليموت فى خور، فى 16 ربيع الآخر سنة 1276 هـ/ 16 نوفمبر 1859 م ودفن بالقرب من قبر سيد داود. وقد جمعت كتاباته وأشعاره ونشرت فى طهران سنة 1283 هـ/ 1886 م وصّدررها بمقدمة حجى محمد اسماعيل. ولم يكتب يغما الأشعار العامية أيضًا بلهجة خور، وأشعاه الفارسية توحى بتمكنه من ناصية اللغة، وله بالإضافة للهجاء الذى برع فيه أشعار دينية فى مجال (التعزية) أو الحداد على مصرع آل البيت وبعض أشعار ينغما وكذلك مسار حياته يوضحان -فى رأى بعض الباحثين- مدى ثورته ومعارضته للحياة السياسية والاجتماعية فى فارس على أيامه. د. عبد الرحمن الشيخ [ف. مينوسكى V. Minorsky] يمين يعنى القسم، والكلمة تعنى اللفظ الإنجليزى Oath، وهى من اليمين أى اليد اليمنى وفقا لما يقوله الجوهرى فى الصِّحاح خاصة. وفى لسان العرب لابن منظور: "واليّمينُ: الحلفُ والقُسَمُ، أنْثى، والجمع أيْمُنُ وأَيْمان. وفى الحديث: يَمينك على ما يُصَدقك به صاحبك أى يجب عليك أن تحلف له على ما يُصدَفك به إذا حلفت له. الجوهرى: وأيمن اسم وضع للقسم، هكذا بضم الميم والنون وألفه ألف وصل عند أكثر النحويين، ولم يجئ فى الأسماء ألف وصل مفتوحة غيرها؛ قال: وقد تدخل عليه اللام لتزكيد الابتداء، تقول: ليَمنُ للَّه، فتذهب الأَلف فى الوصل؛ قال

نُصيْبٌ: فقال فريقُ القوم لما نشَدْتُهُم: ... نَعَمْ، وفريقٌ: لَيْمُنْ للَّهِ ما نَدرْى وهو مرفوع بالابتداء، وخبره محذوف، والتقدير لَيْمُنُ للَّه قَسَمى، ولَيْمنُ للَّه ما أقسم به، وإذا خاطبت قلت لَيْمُنُك. وفى حديث عروة بن الزبير أنه قال: لَيْمُنُك لَئنْ كنت ابْتَليْتَ لقد عافَيْتَ، ولئن كنَت سلبْتَ لقد أبقَيْت، وربما حذفوا منه النُّون قالوا: أيْمُ للَّه وإيمُ للَّه أيضًا، بكسر الهمزة، وربما حذفوا منه الياء، قالوا: أم للَّه، وربما أبقوا الميم وحدها مضمونة، قالوا: مُ اللَّه، ثم يكسرونَها لأَنها صارت حرفًا واحدًا فيشبهونها بالباء فيقولون مِ للَّه، وربما قالوا مُنُ للَّه، بضم الميم والنوَن، ومَنَ للَّه بفتحهما، ومِنِ للَّه بكسرهما؛ قال ابن الأَثير: أهل الوفة يقولون أيْمُن جمعُ يَمين القَسَم، والأَلف فيها ألف وصل تفتح وتكسر، قال ابن سيده: وقالوا أَيْمُنُ للَّه وأيْمُ للَّه وإيُمنُ للَّه وإيمُ للَّه. قال سيبويه: وقالوا لَيْمُ للَّه، واستَدل بذلك على أن ألفها ألف وصل قال ابن جنى: أما أيْمنُ فى القسم ففُحت الهمزة منها، وهى اسم من قبل أن هذا اسم غير متمكن، ولم يستعمل إلا فى القسم وحده، فلما ضارع الحرف بقلة تمكنه فتح تشبيهًا بالهمزة اللاحقة بحرف التعريف، وليس هذا فيه إلا دون بناء الاسم لمضارعته الحرف، وأيضًا فقد حكى ينس إيْم للَّه، بالكسر، وقد جاء فيه الكسر أيضًا كما ترى، ويؤكد عندك أيضًا حال هذا الاسم فى مضارعته الحرف أنهم قد تلاعبوا به وأضعفوه، فقالوا مرة: م للَّه، ومرة: مَ للَّه، ومرة: مِ للَّه، فلما حذفوا هذا الحذف المفَوط وأصاروه من كونه على حرف إلى لفظ الحروف، قوى شبه الحرف عليه ففتحوا همزته تشبيهًا بهمزة لام التعريف، وبما يجيزه القياس، غير أنه لم يرد به الاستعمال، ذكر خبر لَيْمُن من قولهم لَيْمُن للَّه لأَنطلقن، فهذا مبتدأ محذوف الخبر، وأصله لو خُرج خبره لَيْمُنُ للَّه ما أقسم به لأَنطلقن، فحذف الخبر وصار طول الكلام بجواب القسم عوضًا من الخبر. واستيمْنتُ الرجلَ: استحلفته؛ عن اللحيانى. وقال فى حديث عروة ابن

الزبير: ليَمْنُكَ إنما هى يَمينٌ وه كقولهم يمين اللَّه كانوا يحلفون بها. قال أبو عبيد: كانوا يحلفون باليمين، يقولون يَمِين للَّه لا أفعل". وأنشد لامرئ القيس: فقلتٌ: يَمينُ اللَّه أبْرَح قاعدًا ... ولو قطَعُوا رأسى لَديُكِ وأَوْصالى أراد: لا أبرح، فحذف لا وهو يريده؛ ثم تُجْمَعُ اليمين أيْمنًا كما قال زهير: فتُجْعُ أَيْمنٌ مِنًا ومنكُمْ ... بمقُسَمةٍ، تَمُورُ بها الدِّماءُ ثم يحلفون بأيْمُن اللَّه، فيقولن وأيْمُن للَّه لأفْعَلَن كَذا، وأيْمُن للَّه لا أفعلُ كذا، وأيْمنُك يا رَب، إذا خاطب ربّه، فعلى هذا قال عروة ليَمْنُنُكَ، قال: هذا هو الأصل فى أيْمُن للَّه، ثم كثر فى كلامهم وخفّ على ألسنتهم حتى حذفوا النُّون كما حذفوا من لم يكن فقالوا: لم يَكُ، وكذلك قالوا أيْمُ للَّه؛ قال الجوهرى: وإلى هذا ذهب ابن كيسان وابن درستويه فقالا: ألف أيْمُنٍ ألفُ قطع، وهو جمع يمين، وإنما خففت همزتها وطرحت فى الوصل لكثرة استعمالهم لها؛ قال أبو منصور: لقد أحسن أبو عبيد فى كل ما قال فى هذا القول، إلا أنه لم يفسر قوله أَيمُنك لمَ ضُمَّت النُّون، قال: والعلة فيها كالعلة فى قولهم لعَمْرُك كأنه أُضمرَ فيها يَمين ثان، فقيل وأيْمُنك، فلأَيْمُنك عظيمة، وكذلك لعَمَرْك فلعَمَمْرُك عظيم؛ قال: قال ذلك الأَحمر والفراء. وقال أحمد بن يحيى فى قوله تعالى: للَّه لا إله إلا هو؛ كأنه قال وللَّه الذى لا إله إلا هو ليجمعنكم. وقال غيره: العرب تقول أيْمُ اللَّه وهَيْمُ اللَّه، الأصل أيمنُ اللَّه، وقلبت الهمزة هاء فقيل هَى للَّه، وربما اكتْتَفَوْا بالميم وحذفوا سائر الحروف فقالوا مُ للَّه ليفعلن كذا، وهى لغات كلها، والأَصل يَمين للَّه وأيْمُن للَّه. قال الجوهرى: سميت اليمين بذلك لأَنهم كانوا إذا تحالفوا ضرب كل امرئ منهم يَمينَه على يمين صاحبه، وإن جعلتَ اليمين ظرفًا لم تجمعه؛ لأن الظروف لا تكاد تجمع لأنها جهات وأقطار مختلفة الأَلفاظ، ألا ترى أن قُدآم مُخالف لخلْفَ واليَمين مخالف للشمال؟ وقال بعضهم: قَيل للحَلِف يمين باسم يمين اليد، وكانوا يبسطون أيمانهم

يعفور

إذا حلفوا وتحالفوا وتعاقدوا وتبايعوا، وتبايعوا, ولذلك قال عمر لأبى بكر، رضى اللَّه عنهما: ابْسط يَدَك أبايعْك، قال أبو منصور: وهذا صحَيح، وإن صح أن يمينًا من أسماء اللَّه تعالى، كما روى عن ابن عباس، فهو الحَلفُ باللَّه؛ قال: غير أنى لم أسمع يمينًا من أسماء اللَّه إلا ما رواه عطاء بن السائب، واللَّه أعلم. . " د. عبد الرحمن الشيخ [جون بدرسن Johs Bedersen] يعفور يعفور بن عبد الرحمن (يقال أيضًا ابن عبد الرحيم) بن كُريب الحوالى مؤسس الأسرة الحاكمة اليعفورية أو الحوالية وادَّعى أنه من نسل التبابعة (أبناء تُبّع) ملوك حِمْيَر القدماء. والموطن الأولى لليعَفوريين هو شبام وتسمى شبام أقيان أو شبام كوكبان لتمييزها عن مواضع أخرى تحمل الاسم نفسه وقد وصفها الجغرافيون العرب فقالوا إنها منطقة جبلية جيدة الزروع. وفى عهد الخليفة المعتصم أبدى يعفور ميلًا للاستقلال عن الولاة العباسيين الذين كانوا يتغيرون تباعا واحدا إثر الآخر، وفى سنة 247 هـ/ 861 م نجح يعفور فى طرد الوالى حمير بن الحارث خارج صنعاء ومد سلطانه جنوبا حتى جَنَد، ويحيط الغموض بتاريخ اليعافرة حتى فى المصادر الخاصة بتاريخ اليمن وإن كنا نعرف منها -على أية حال- شيئًا واحدا واضحًا وهو أن الوحدة والتكاتف كانتا تعوزان هذه الأسرة الحاكمة منذ البداية. وبحلول سنة 256 هـ/ 870 م ظهر يعفور بن محمد كحاكم لصنعاء واعترف بولايته الخليفة العباسى المعتمد إلا أنه -على أية حال- لاقى حتفه على يد ابنه إبراهيم حوالى سنة 270 هـ/ 883 م بتحريض من يعفور الجد نفسه الذى كان محمد بن يعفور قد أقصاه عن الحكم. وظل اسد ابن إبراهيم حاكما على صنعاء ولم يعقبه فى الحكم إلا اثنان من ذريته واستطاع بعض الأمراء اليعفوريين الشبان أن يكونوا لأنفسهم -لفترة- إمارات فى تهامة وفى الجبال حول صعدة. وأخيرًا فإن التغلغل العلوى المزدوج: القرمطى والزيدى شكل عداء جديدًا لليعفوريين.

المصادر

المصادر: (1) الإكليل الهمدانى، طبعة ليدن، 1891 م. (2) معجم البلدان لياقوت الحموى. (3) Muller: Die Burgen und Schlosser Sudarabiens nach dem Iklil des Hamdani in S. B. Ak. Wien, xciv. 1879, p.352 sqq (4) Azim al-Din Ahmad: Die auf Sudarabien bezuglichen Angaben Naswan's (G.M.S., xxiv., Leyden 1916), p 30 (5) H.C.Kay: Yaman, its Early Mediaval History, London 1892. s. Index (6) C. van Arendonk: De Opkomst van het Zaidietietische Imamaat in Yemen, Leyden 1919, p. 103 sqq. (With careful consideration of unpublished Yaman sources) E. de Zambaur: Mannuel de Genealogie et de chronologie, Hanover 1927 p. 116 د. عبد الرحمن الشيخ [ر. ستروثمان (R. Strothmann)] يعقوب عليه السلام هو يعقوب بن اسحق كما ورد فى التوراة، وورد أيضًا فى سور القرآن الكريم المكية الباكرة كأخ لإسحق بن إبراهيم عليه السلام. ففى سورة الأنعام، آية 84 {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا. . .} وفى سورة مريم آية 49 {فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا} وفى سورة الأنبياء آية 72 {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ} وسورة العنكبوت آية 27 {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ}. ويقرر القرآن الكريم أن يعقوب نبى وورد ذكره فى سورة يوسف، ففى هذه السورة ما يفيد أنه أمر نبيه عند ذهابهم لمصر ألا يدخلوا من باب واحد، وقد أصيب بالعمى أسفًا على ابنه يوسف ولكنه استعاد بصره عندما ألقى قميص ابنه يوسف على وجهه. الآية

المصادر

93، والآية 94 من سورة يوسف {اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ (93) وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ}. وقد ظهرت حكايات كثيرة بعد نزول القرآن الكريم متعلقة بيعقوب عليه السلام وعيسو Esu فمع أن يعقوب ولد أولًا إلا ابن زوجة أبيه الجديدة جعلته تحيل المرتبة الثانية من حيث المكان لكن هذا لا يمنع أن يعقوب هو بالفعل الأكبر فيما يقول الطبرى، وتروى الكتب الإسلامية زحلة يعقوب إلى حاران وبقائه مع لابان تمامًا كما ترويها التوراة مع اختلاف فى التفاصيل إذ تذكر هذه الكتب أن يعقوب لم يتزوج راحيل إلا بعد وفاة ليه Leah (¬1) ومن الأقاويل التى تتردد أيضًا وليس لها أساس فى التفاسير الصحيحة أن يعقوب عليه السلام عندما سمع من بنيه أن الذئب قد أكل يوسف أمرهم باحضار الذئب، فأحضروا له أول ذئب وجدوه، فلما مثل الذئب أمام يعقوب عليه السلام تكلم وفضح الخدعة. المصادر: (1) الثعالبى: قصص الأنبياء. (2) الكسائى، قصص الأنبياء. (3) A. Geiger: Was hat Mohammed etc., 1902, p.135 - 138 (4) J. Horovitz: Koranische Unterrsuchungen, 1926 p.152 sq.; Snouck Hurgronje, Verspreide Geschriften. i. 24 د. عبد الرحمن الشيخ [بيرنهارد هيلر Bernhard Heller] اليعقوبى هو أحمد بن أبى يعقوب بن جعفر بن وهب الكاتب العباسى، وهو مؤرخ وجغرافى عربى من سلالة واضح عتيق صالح ثم بعد ذلك عتيق أبيه الخليفة المنصور ومن ثم سُمّى بالعباسى. وكان ¬

_ (¬1) العكس هو الوارد فى تفاسير التوراة ففى قاموس الكتاب المقدس الذى ألفه الدكتور بطرس عبد الملك وآخرون: . . وعندما وصل يعقوب إلى أرض لابان وجد راحيل على البئر فأحبها وخدم لابان بها سبع سنين حتى إذا ما حان وقت الزواج احتال عليه لابان وزوجه بلينة ثم خدم سبع سنين أخرى براحيل وأخذها. . وفى أثناء خدمته للابان ولد من امرأتيه وسربتيه أحد عشر ابنًا وابنة.

المصادر

اليعقوبى شيعيا معتدلا من طائفة الموسوية المنتمية للشيعة الإمامية، وقد قضى فترة شبابه فى أرمينيا فى خدمة الطاهريين فى خراسان، وقد كتب كتابًا فى التاريخ وصل به إلى سنة 259 هـ/ 872 م بدأه بالحديث عن أنبياء بنى إسرائيل ثم تعرض لقصة المسيح عليه السلام والحواريين وأرخ لحكام الشام والأشوريين والبابليين والهنود والإغريق والرومان والفرس والترك والصينيين والمصريين والبربر والأحباش والبجا والزنوج ثم عرب الجاهلية، وتعرض فى الجزء الثانى من كتابه التاريخى هذا لميلاد الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وتابع التسلسل الزمنى حتى سنة 259 هـ/ 872 م. وبالإضافة لميوله الشيعية التى لم تؤثر -على أية حال- على سرده ولم تجعله ينحرف عن الموضوعية والصدق، فقد كان ميله لدراسة الفلك واضحًا لأنه كان يقدم لأى فترة حكم بالبروج وأوضاع النجوم، لكنه قلما يذكر مصادره التى اعتمد عليها. وبعد سقوط دولة بنى طاهر ذهب اليعقوبى إلى مصر وفيها مات سنة 284 هـ/ 897 م, وقد كتب فى مصر كتابه (البلدان) الذى جمع مادته من الكتب ومن أفواه الرحالة والمسافرين وكان من الواضح أنه يهتم فى كتابه هذا بالجوانب الطبوغرافية والإحصائية، وقد قدر المسافات بما تستغرقه قطعها من أيام، كما اهتم بالأمور المالية خاصة الضرائب وقد بدأ كتابه بتفصيلات عن بغداد وسامّراء ثم تناول فارس وتوران مع شمال أفغانستان، وتناول الكونة فى سياق واحد مع غرب شبه الجزيرة العربية وجنوبها، ثم تناول البصرة ووسط شبه الجزيرة العربية، وقد ضاع الجزء الذى وصف فيه الهند والصين والإمبراطورية البيزنطية، ووصف الشام ثم مصر وبلاد النوبة فالمغرب وألحق بالكتاب قسما عن حكام سجستان حتى موت المنصور وبموته أصبحت سجستان مندمجة مع خراسان فى كيان واحد. المصادر: (1) ياقوت الحموى: إرشاد الأريب فى معرفة الأديب، تحقيق Margoliouth ليدن 1907, 1931 م.

اليمامة

(2) D.S.Margolioth: lectures on arabic historians. calcutta 1930, p. 125 sq د. عبد الرحمن الشيخ [ش. بروكلمان C. Brockelmann] اليمامة منطقة فى وسط شبه الجزيرة العربية كانت تسمى جو (باطن الوادى)، ويقال إن اسم اليمامة يعود إلى زمن العرّافة المشهورة زرقاء اليمامة التى لعبت دورا بارزا فى قصة انهيار قبائل طسم وجديس، لقد كانت هذه المنطقة التى نحن بصددها -تسمى فى البداية جو اليمامة، ثم بعد ذلك أصبح اسمها أكثر بساطة إذ أطلق عليها اليمامة. وهى تقع على طول امتداد العارض، ويمتد فيها وادى عرض، ووفقا لما يقوله قدامة بن جعفر فإن اليمامة منطقة شاسعة جدًا تضم بين جنبيها جانبا من سلسلة الجبال المعروفة الآن باسم طريق، ويذكر الباحث جومارد Jomard من خلال دراسة لما ذكره الإدريسى وأبو الفداء أن مصطلح اليمامة يشتمل على منطقتى العارض والخرج، وأنها منطقة ممتدة وإن كان من غير الممكن تعيين حدودها بالضبط مع أنها كانت تحظى بأهمية كبرى فى تاريخ شبه الجزيرة العربية القديم، وعلى أية حال فإن الدَّهناء تحدها من الشرق. ويطلق اسم اليمامة اليوم على واحة فى وادى العجيمى على المنحدر الجنوبى الشرقى لجبل طريق وتضم هذه الواحة بساتين نخيل تبلغ مساحتها ميلا مربعا وتتخللها أربع قرى وتواجهها خرائب وقصور ومساكن مهجورة تمتد على مساحة واسعة، وفى هذه الخرائب راح فيلبى ينقب عن اليمامة القديمة فى الزاوية التى يشكلها وادى حنيفة ووادى نساح. وكانت عاصمة اليمامة الأولى هى الخضرمة فى وادى العرض (وادى بنى حنيفة) وفى النصف الثانى من القرن الرابع للهجرة أصبحت هى المدينة التجارية لحجر اليمامة أو الحجر، وفى أيام الإدريسى كانت هذه المدينة -بالفعل- قد اعتراها الخراب. ومن مواضع اليمامة التى ورد ذكرها أيضًا:

المصادر

المنفوحة، ووبرا، والعوقة، وغبراء، والمُهَشَّمة، والعمّارية وفيشان والهدّار، والضاحك، وتودح والمقرات، والسيل، والسلمية، والقريَّة والمجازة ومأوان والنقب. وقد وصفت الخضرمة بأنها مدنية مهمة أصغر من المدينة المنورة مساحة، لكنها ثرية فى بساتين نخيلها وفاكهتها، ومن أهم محاصيلها القمح الذى كان يسمى بيضاء اليمامة وكان الخليفة يفضل الخبز المعمول من هذا القمح، أما الماشية فى اليمامة فكانت مشهورة بجودتها، فالمراعى واسعة والماء عذب. وكانت الجوارى الحسان من خواص اليمامة، فقد كان سعر الجارية -لفرط حُسنها- يصل إلى مائة ألف درهم. وقبل الإسلام كانت قبيلة جديس تسكن اليمامة، وقد شيدت هذه القبيلة لها حصونا منيعة فى وادى عرض، وقد كانت قبيلة جديس بالإضافة إلى قبيلة طسم تحت الحكم الحميرى. وبعد انهيار طسم وجديس وهو الأمر الذى تتناوله روايات وأساطير جنوب شبه الجزيرة العربية بالتفصيل حل محلهم بنو حنيفة بن لجيم الذين اعتنقوا الإسلام بعد أن حاقت الهزيمة بمدعى النبوة مسيلمة بن ثمامة (المعروف بالكذاب) سنة 12 هـ. وفى زمن لاحق سكن باليمامة نمير بن عامر وباهلة بن يعصر كما سكنتها اتميم وقبائل أخرى من حلفائها. ويعزو فيلبى ما حاق بأرضها الزراعية من دهار (على أيامه) لسيل مدمر فى وادى حنيفة. المصادر: (1) الهمزانى: صفة جزيرة العرب. (2) الإدريسى، نزهة المشتاق. (3) ياقوت الحموى، معجم البلدان. (4) البكرى، معجم ما استعجم. (5) D. H. Muiler: Sudarabische Studien, in S.B. Ak. Wien, Ixxxvi. (1877), p. 157 sq (6) C. Ritter: Sie Erdkunde von Asien, VIII/i. (Berlin 1846), p. 387. 393 sq, 601 sq (7) H. Philpy: The Heart of Arabia, ii. 31 - 34 (London 1922) and picture at ii عبد الرحمن الشيخ [أ. جرومان Adolf Grohmann]

ينبع

ينبع ميناء ومدينة غرب شبه الجزيرة العربية (المملكة العربية السعودية)، أما الميناء فيطلق عليه ينبع البحر أو شرم ينبع، وأما المدينة التى تبعد عن الميناء ما بين ست ساعات أو سبع إلى الشمال الشرقى منه فتسمى ينبع النخل، ويحل الميناء محل المرفأ القديم الذى كان يسمى الجار الذى يعد ميناء للمدينة المنورة، وتقع ينبع البحر (الجار سابقًا) على خليج ضحل ولكنه واسع تحميه من التيارات العنيفة جزيرة تقع خارجه. ويقسم زراع بحرى (امتداد بحرى) المدينة إلى قسمين، ويحميها من ناحية البرسور ذو أبراج، ولسورها بوابتان باب المدينة إلى الشرق، وباب مصر إلى الشمال، ويعيش أهل ينبع على تجارة المدينة التى تمر بهم، كما يعد الميناء مركزا تجاريا مهما لتبادل حركة التجارة البحرية مع السويس والقصير وقنا فى صعيد مصر، وقد كتب الرحالة ابن جبير مدينة ينبع مُعَرَّفة هكذا (الينبع) وهى مستقر قديم أشار إليه بطليموس، وقد وصفها الجغرافيون العرب، الاصطخرى وابن حوقل والمقدسى وقالوا: إنها -على أيامهم- كانت مدينة كبيرة غنية بالنخيل مزدحمة بالسكان وبها قلعة حصينة، وكان يسكنها الأنصار وبنو جهينة والليث، ويقال إن النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] أدى الصلاة بها، وتقع هذه الواحة (ينبع النخل) عند سفح سلسلة تلال ويرجع ازدهارها إلى مسيل مائى يمر بها، ويزرع بها الذرة والخضروات والتمباك إلا أن محصول التمور هو الأهم على الإطلاق (¬1). المصادر: (1) معجم ما استعجم البكرى. (2) رحلة ابن جبير. (3) C Ritter: Die Erdkunde von asie, berlin 1896, VIII. 149 sq., 181; Berlin 1847, ii. 205 sqq a.Sprenger: die alte geographie arabiens, Berne 1875, p. 26 د. عبد الرحمن الشيخ [أدولف جرومان Adolf Grohmann] ¬

_ (¬1) هذا وصف تاريخى للمدينة والميناء وقد تطورا كثيرًا الآن. [المترجم]

يوسف بن يعقوب (عليه السلام)

يوسف بن يعقوب (عليه السلام) ورد فى التوراة، كما ورد فى القرآن الكريم فى سورة (يوسف) ووصف القرآن الكريم قصته بأنها أحسن القصص {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ} آية 3، ويرجع كونها أحسن القصص فيما يقول الثعالبى لأن بها عبرًا كثيرة وما يتجلى فيها من كرم يوسف عليه السلام وسماحته، وما حققه من ثراء بفضل ربه ولأن الأنبياء والملائكة والشياطين والجن والإنس والحيوانات والطيور والحكام والرعية، كل أولئك قد لقب دورًا فى هذه القصة. يوسف (عليه السلام) فى القرآن: ورد ذكر يوسف فى سور القرآن الكريم خلا سورة يوسف اثنا عشرة مرة، منها (الأنعام) آية 84 {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} ومرة فى (غافر) آية 34 {وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ} وفى سورة (يوسف) أمور تتفق مع ما ورد فى التوراة وأمور أخرى لا وجود لها فى التوراة. وفيما يلى النقاط الرئيسية المتعلقة بيوسف عليه السلام فى التوراة: - تحذير ليوسف عليه السلام حتى لا يقص رؤياه على أخوته. - خوف يعقوب على يوسف عليه السلام من الذئب. - عدم تصديق يعقوب لرواية موته. - علامات على أن اللَّه حفظ إبراهيم من الخطيئة. - قطع قميص يوسف عليه السلام من الخلف وشهادة الشاهد على براءته. - شغف المرأة واتهامها ليوسف عليه السلام وابنهارها بجماله الملائكى. - تقطيع النسوة وانبهارها بدلًا من تقطيع الطعام ولها بجمال يوسف عليه السلام. - يوسف عليه السلام يعلن الحقيقة كاملة فى سجنه.

- السنين السبع المليئة بالخيرات (السمان) والسنين السبع العجاف التى أعقبها خير بسبب هطول المطر. - يوسف عليه السلام يفسر رؤى الفرعون وهو فى السجن ويرفض العودة للقصر إلى أن يتم الاعتراف ببراءته. - يوسف عليه السلام يطلب من فردون تعيينه على خزائن مصر. - يعقوب عليه السلام يأمر أبناءه ألَّا يدخلوا من باب واحد. - يوسف عليه السلام يرنو لبنيامين بسرعة. - أخوة يوسف عليه السلام يصيحون: إن كان بنيامين لصا، فأخوه يوسف لص أيضًا. - يوسف عليه السلام يرسل قميصه لأبيه. - يعقوب عليه السلام يستعيد حاستى الشم والبصر. - والدى يوسف يركعان له وفقا لتفسير الرؤيا. وبالنسبة لمعظم هذه الإضافات للقصة التوراتية، يرى كل من جيجر Geiger وجرونباوم Grurbaum ونيومن Neumann وشابيرو Schapero أنها جميعًا ترجع للهجادة (مصطلح يعنى الجزء الأسطورى من التلمود) وفى الوقت نفسه فإن القصة التوراتية المتأخرة قد تأثرت بالقصة القرآنية والحكايات الإسلامية. ومن ناحية أخرى فإننا لا نجد فى القرآن الكريم وصفًا لشخصية يوسف، كما نلاحظ أيضًا عدم وجود حلم سجود حزم (ربُط) إخوة يوسف لحزمة (ربطة) يوسف الوارد فى الاصحاح 37 من سفر التكوين (وحلم يوسف حلما وأخبر إخونه، فازدادوا أيضًا بغضًا له فقال لهم اسمعوا هذا الحلم الذى حلمت، فها نحن حازمون حزما فى الحقل، فهذا حزمتى قامت وانتصبت فاحتاطت حزمكم وسجدت لحزمتى. . . " فهذا الحلم لا وجود له فى القرآن الكريم، ولكن القصص الإسلامية قد أضافته بعد ذلك فى التراث القصصى المكتوب عن النبى يوسف عليه السلام، ولم يرد فى سورة يوسف أيضًا أن شجرة نمت عند منزل يعقوب وبزغ منها غصن بزّ الغصون الأخرى نضارة وثمرا عند مولد يوسف كما لم يرد فى القرآن (الكريم) أن جبريل (عليه السلام) أحضر ليعقوب عليه السلام فرعا من

يوسف (عليه السلام) فى حكايات القصاص والإخباريين

الجنة فاق الغصون الأخرى ولا تحدد سورة يوسف فى القرآن الكريم أسماء كثيرة خلا يعقوب ويوسف عليه السلام ولا تحدد زمانًا ولا تذكر أرقاما عادة ولا تذكر عدد إخوة يوسف، ولا تعين أحدا منهم خلا الأكبر، ولا تذكر اسم الفرعون ولا اسم الشاهد ولا اسم زوجة فرعون، وإنما تكتفى بكلمات على شاكلة (عزيز مصر)، (امرأة فرعون) (شاهد). . الخ كما أن السورة لا تذكر مقدار المبلغ المدفوع فى يوسف وإنما تكتفى بالقول (ثمن بخس). . الخ (¬1). يوسف (عليه السلام) فى حكايات القصّاص والإخباريين: بينما يحدثنا القرآن الكريم بدون تحديد أسماء الإخوة، نجد فى الحكايات أسماء روبن، ويهوذا وشمعون، وفى الزمخشرى والبيضاوى نجد أيضًا دان، وبعد ذلك وجدنا بنيامين مع أبنائه العشرة أو الثلاثة. وفى القصص نجد شمعون سبب المشاكل بسبب حدة طبعه ولا يهدنه إلا أحد أفراد بيت يعقوب، وأحيانًا يكون الحاد طبعه هو روبن، وأحيانًا يهوذا، أما التاجر الذى باع يوسف فتسميه الحكايات مالك بن دعر، وأما المصرى الذى اشتراه فتسميه الحكايات قطفير أو إطفير أو إطفين أو قطيفير أو قطين أو قطيفين، وأما زوجته فهى راعيل، وفقا للفردوسى والكسائى فهى زليخة، زاليكا، أما ملك مصر فتسميه الحكايات ريان بن وليده النبى يوسف عليه السلام للإسلام واسم خبازه مجلب واسم ساقيه نابو، وأما الشاهد الذى شهد ببراءة يوسف فهو طفل نطق بشكل إعجازى فى المهد، وتقول الحكايات إن ملك مصر (ريان ابن وليد) فقد حوله النبى يوسف عليه السلام للإسلام، حتى النجوم التى سجدت ليوسف فى المنام يذكر المفرون ورواة الحكايات أسماءها، وحددت الحكايات عمر يوسف عليه السلام عندما رأى رؤياه وعندما ألقى به فى البئر، كما تحدد المكان الذى بيع فيه بل وتحدد الحكايات نص الخطاب الذى أرسله يعقوب لابنه يوسف عليه السلام. وتعلل الحكايات كل شئ وتفصل كثيرًا من الأمور التى لم ترد ¬

_ (¬1) (المترجم: لم أورد المؤلف عبارة أثرنا حذفها تفيد أن هذا يدل على الترد وعدم الدقة، لكن دفع هذا القول أمر يسير فليس القرآن الكريم كتاب إحصاء أو مجرد سجل بالأسماء والتواريخ, وإنما هو عظة وعبرة وهدى ونور). [المترجم]

المصادر

فى القرآن (الكريم) فتعلل معاناة يعقوب وألمه بأنه ذبح عجلا أمام أمّه ولأنه لم يُشرك -ذات مرة- رجلًا جوعان فى طعامه أو لأنه نزع عبدًا من والديه. وتواصل الحكايات إضافة تفاصيل لا وجود لها فى القرآن الكريم ولا حتى فى الهجادة، فتذكر أن يعقوب وسف الصغير بإخوته الأكبر منه، وأن إخوته كانوا يعامولنه بلطف أمام أبيه ويسيئون معاملته بعيدًا عنه وكانوا يكسرون الجرة إن أراد الشرب ويقطعون ثيابه ويطلبون منه أن يدعو القمر والنجوم والشمس التى راهم فى منامه، وتذكر الحكايات أن إخوة يوسف طلبوا من الذى اشتراه وضعه فى القيود لكن يوسف كان يتخلص منها بطريقة إعجازية، ويذكرون أن يوسف لقى بنفسه من فوق الجمل على قبر أمه راشيل وتصف الحكايات محاولات اغتصاب يوسف بلغة مفضوحة، وتذكر أن مصر كان يبيع القمح فى مصر، وزمن المجاعة عانى يوسف أيضًا من الجوع حتى يتعلم معناه فلم يكن يأكل كثيرًا على مائدة فرعون. ولم يذكر القرآن (الكريم) شيئًا عن وفاة يوسف عليه السلام الإسلامية استلملت ذلك من الهجادة إذ ذكرت أن جثة يوسف د ألقيت فى النيل وذهب موسى عند خروجه من مصر ليأخذوها معه فلم يستدل عليها فدلته امرأة عجوز عليها هى سيراش SSerach ابنة آشير Asher. ولا يعترف الشيعة بالسورة رقم 12 (سورة يوسف ولا يعدونها من القرآن) (¬1). المترجم: هذا غير صحيح بالمرة، فالنص القرآنى معترف به من المسلمين جميعًا سنة وشيعة على سواء، وهذا هو النص الانجليزى لعبارة المؤلف: Shi'is do not Recognise suraxii). المصادر: (1) الطبرى وغيره فى شرحهم لسورة يوسف. (2) Noldeke Schwally: Geschichte des Qorans, i. 152, 153 (3) Geiger: Was hat Mohammed aus ¬

_ (¬1) هذا غير صحيح بالمرة، فالنص القرآنى معترف به من المسلمين جميعًا سنة وشيعة على سواء. وهذا هو النص الانجليزى لعبارة المؤلف Shi' is do not Recognise suraxii) [المترجم]

المصادر

dem Iudenthume aufgenommen; Leipzig 1902, p.139 - 148 G. Weil: Biblische Le genden der Musulmanner, p. 100 - 125 (4) Neumann Ede: A mohammedan Iozssefmondo erdele es fejlodese, 1881 (diss. of Budapest); M. Grunbaum: Neve Beitrage zur semitischen SSagenkunde, p 148 - 152 د. عبد الرحمن الشيخ [برنارد هيلر Bernard Heller] يوسف خاص حاجب يوسف خاص حاجب البلاسغومى (من بلاسغوم) مؤلف تركى، كتب كتابًا بالتركية (ترجمته) عنوانه (مرآة الأمراء) سنة 462 هـ/ 1069 - 1070 م وقدمه لسلطان كاسغر طوغش قرة خان أبو الحسن بن سليمان أرسلان فمنحه لقب ياور مكافأة له. وأعماله تدل على أن بواكير الشعر التقليدى التركى فى آسيا الوسطى كانت واقعة تحت تأثير الأدب الفارسى، وقد ذكر المؤلف فى مقدمة كتابه (مرآة الأمراء) أن الفرس قد يطلقون على كتابه اسم الشاهنامه. وليس فى أعماله ما يشير إلى تأثره بالأدب الصينى كما كان متوقعا. وقد وضع يوسف خاص حوارات كتابه على لسان شخوص من خياله: كون توغدو وهو أمير يمثل العدالة والوزير أى طولدو يمثل الطالع السعيد وابنه أوكتولمش وصديقاه آلج وأكتورمش وقد اعتمد المؤلف اعتمادا كاملا فيما أورده من معلومات طبية بل وأخلاق اجتماعية على كتابات ابن سينا، وتعد كتاباته مصدرًا مهما لحياة الترك الاجتماعية فى آسيا الوسطى، ومع أن الكتاب مكتوب بلغة كاشغر لكنها لغة مصطنعة تأثرت بلغة البلاط الفارسى، والتركية الأكثر حداثة مما أورده هو نفسه فى كتابه (لغة الترك). ولا ندرى المخطوطة الأصلية للكتاب هل هى التى كتبت بالحروف النسطورية السريانية مخطوطة فيينا، (ولا تعرف مخطوطة أخرى للكتاب بهذه الحروف حتى سنة 1897 م) أم التى كتبت بالحروف العربية (جزء منها محفوظ بدار الكتب بالقاهرة). المصادر: (1) W. Barthold: Kudatku Biligin Dkikr ettigi Bughra Khan kimdir, in Turkiyat Madimuasi, i. (1925), p. 221 - 226

المصادر

(2) Kopruluzade Mehmed Fuad: Turk Edebiyatt Tarikhi: Stambul 1928, p 194 - 204 د. عبد الرحمن الشيخ [ك. بروكلمان C. Brockelmann] يوسفى، مولانا مُنشئ المغولى العظيم همايون (1530 - 1556) وربما كان هو نفسه يوسف بن محمد يوسفى الهروى الطبيب المشهور فى بلاط همايون وبابر، ويحتل مكانا مرموقا فى التراث الهندى بكتابه عن فن كتابة الرسائل (بدائع الإنشاء) الذى ألفه سنة 940 هـ/ 1533 م لابنه رافع الدين حسين وغيره من الطلاب، ويبدأ كتابه بمقدمة عن الرسائل وكيفية الخطاب، وسمى الخطابات لعلية القوم (مراقعات) و (مراسلات) ولمن هم أقل رتبة (رِقاع) وتناول صيغ الخطابات: من سلطان إلى سلطان ومن الأراء للسلاطين، ومن أميرة إلى أميرة، ومخاطبة الوزراء والصدور العظام (كبار الوزراء) والمراسلات بين الأصدقاء، وإذا كان هو نفسه الطبيب المشار إليه فإن له كتابات طبية كثيرة. المصادر: (1) Bibilogtaphy: H. Ethe, Gr. I.Ph, ii. 340 (2) W. Pertsch: Vereichins der persischen Handschriften der KgI. Bibliothek zu Berlin, 1888, No. 69 - 71 and 1065 (3) E. G. Browne: A Catalogue of the Persian Mamuscripts in the Library of the University of cambridge 1896 No. 18. 183, i. (p. 275)' Nabib. al-Siyar, III/iii. 336 د. عبد الرحمن الشيخ [أ. بيرثيلز E.Berthels] يونس عليه السلام هو النبى يونس بن متى عليه السلام (سفر الملوك، الإصحاح 14 آية 25) ورد فى القرآن الكريم أربع مرات مجردًا من اسم أبيه، ومرة واحدة مصحوبا بذى النون ومرة واحدة موصوفًا بصاحب الحوت. كما توجد سورة تحمل اسمه. وجاء فى القرآن الكريم أنه فارق قومه وركب سفينة

المصادر

وألقى فى البحر والتقمه الحوت ولبث فى بطنه زمنًا يدعو اللَّه ويستغفره حتى غفر له. وأشير فى المصادر الإسلامية غير القرآن تساؤل وهو لماذا غضب يونس عليه السلام وترك قومه؟ واخملفت الإجابات ومنها: - أنه غضب على المذنبين. - أنه غضب لأن ما تنبأ به من عقاب اللَّه على قومه تأخر، فبدا وكأنه كاذب. ولم تتحرك السفينة التى ركبها يونس عليه السلام، ورغم اعترافه بذنبه، إلا إن البحارة لم يلقوا به فى البحر إلا بعد أن اقترعوا ورموا السهم فوقع عليه (الثعلبى) وأخيرًا، ألقى يونس عليه السلام نفسه فى البحر فلقفه الحوت والذى قيل إنه قدم من الهند لهذا الغرض. أخذ يونس عليه السلام يردد {لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} (سورة الأنبياء آية 87) وعليه غفر اللَّه له ونبه الحوت بأن ما فى جوفه نبى فألقاه على شط ناء ولو لم يدع يونس عليه السلام ربه، لمكث فى بطن الحوت إلى يوم الدين. المصادر: (1) الطبرى: تاريخ الرسل والملوك، طبعه ليدن، الجزء الأول، ص 782 - 89. (2) الثعالبى: قصص الأنبياء، القاهرة 1325 هـ, ص 257 - 260. وائل البشير [برنارد هيلر Bernard Heller] يونس الكاتب أبو يونس المغنى هو يونس بن سليمان بن كرد بن شهريار، وكنيته أبو سليمان، وهو كاتب وشاعر بارع فى صناعة الغناء فى القرنين الثانى والثالث للهجرة (الثامن للميلاد). أخذ الغناء عن معبد وهو أول من دوّن الغناء عن العرب وصنف كتابًا فى الأغانى، وكان مولى للزبير بن العوّام أو عامر بن الزبير، وكان أبوه فقيهًا من أصول فارسية، وعندما استقر فى المدينة المنورة دخل يونس الجهاز الادارى وعين فى وظيفة كاتب ومن ثم كان لقبه، لكنه على أية حال ارتبط بالموسيقا منذ صباه وتلقى دروسا فى الغناء على يد معبد وابن سريج وابن محرز والغَرِيد، وكذلك على يد محمد

المصادر

بن عباد وسرعان ما حقق شهرة كشاعر وموسيقى. ولما زار الشام خلال حكم هشام (724 - 742 م) حظى برعاية الأمير الوليد بن يزيد الذى استضافه ثلاثة أيام وقدم له مكافأة، وقد وردت هذه الزيارة فى ألف ليلة وليلة بعد أن اتخذت شكلا ذا طابع خيالى، ولما عاد يونس للمدينة أدى به سوء حظه للدخول فى مشاكل ذلك أن شاعرا صديقا له هو ابن رحيمة ألّف بعض الأشعار الغَزِلة التى يصف فيها جمال زينب ابنة عكرمة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ووضع يونس موسيقا لهذه الأشعار التى شاعت وانتشرت وعرفت باسم زيانِبْ وآثار هذا غضب أسرتها فأمر عامل المدينة بجلده هو والشاعر، فهربا من المدينة ولم يعودا إليها إلا بعد موت الخليفة. ولما تولى الوليد الثانى منصب الخلافة (743 - 744 م) استدعى يونس الكاتب للعمل فى بلاط الخاريفة وعومل باحترام وهبطت عليه الثروة وظل فى البلاط حتى مات هذا الخليفة المحب للطرب والشعر، وبعد ذلك لم نعد نعلم كثيرًا عن يونس سوى أنه كان على قيد الحياة فى بواكير الدولة العباسية. ويقال إن سياط (توفى 785 م) وإبراهيم الموصلى (توفى 804 م) كانا من تلاميذه. ومن مؤلفاته كتاب مجرد يونس، وكتاب القيان وكتاب النغم. ويعد يونس أحد الرواد الموسيقيين، وكمغن فلا بد أنه كان يمتلك مقدرة كبيرة لأنه آثار غيرة مغن مشهور مثل ابن عائشة، وقد أورد صاحب الفهرست (ابن النديم) كتبه، كما أن أبا الفرج الأصفهانى صاحب كتاب الأغانى قد اعتمد كتبه كمصدر أساسى. فلقد كانت كتابات يونس أول محاولة لتناول (الطرائق) و (الألحان) و (الإيقاعات) فى الغناء. المصادر: (1) الأصفهانى، الأغانى، طبعة بولاق 1285. (2) والفرهرست لابن النديم. (3) ألف ليلة وليلة. (4) Kosegarten: ioer cantilenarum magnus, p. 17 - 18 (5) Caussin de Perceval: Notices anecdoliques sur les principaux musiciens arabes (I.A., Nov - Dec. 1873) (6) Farmer: History of Arabian Music, (p. 83 - 84), and index د. عبد الرحمن الشيخ [هـ ج. فارمر H. G. FARMER]

اليهود

اليهود عندما بعث اللَّه محمدًا (عليه الصلاة والسلام) برسالته، لم ينكر محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] ولا القرآن الكريم الرسالتين السابقتين: اليهودية والمسيحية، فالدين الإسلامى -من وجهة نظر إسلامية- أتى من المصدر نفسه الذى أتت منه الديانيتين السابقتين، فكلها ديانات من عند اللَّه، وقد بُعث [-صلى اللَّه عليه وسلم-] ليصحح الأخطاء التى وقع فيها أصحاب الديانيتين السابقتين (أهل الكتاب) فهو بمثابة ناصح ومصحح " Admonisher"، فالديانة الإسلامية أتت لتؤكد وتصحح الديانتين السابقتين، لذا فمن غير المستغرب أن يشير محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] للكتابين السابقين: ومن هنا لا نجد غرابة فى وجود تشابه بين القرآن والكتب السابقة عليه (¬1)، ففى سورة المدبر إشارة إلى تسعة عشر حارسا للجحيم فى الآيات من 26 إلى 30 {سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ (27) لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ (28) لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (29) عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ} والمعنى نفسه فى التوراة، وفكرة يوم الحساب كانت تترد كثيرًا فى المرحلة المكية الأولى (¬2) وتحدث القرآن الكريم عن صحف إبراهيم وموسى عليهما السلام كما هو واضح فى الآتينين 18 و 19 من سورة الأعلى {إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى (18) صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى} فقد كان محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] يعلم إذن أن اليهود والمسيحيين ينسبون إلى إبراهيم الخليل تأليف الكتب المقدسة (¬3). وهناك تعبيرات عبرية كثيرة أخرى فى القرآن الكريم مثل (للعالمين) ¬

_ (¬1) لأنها جميعًا من عند اللَّه، وإن كان المؤلف يومئ إلى غير ذلك. (¬2) فكرة يوم الحساب فكرة أساسية فى المعتقد الإسلامى، ولم يكف القرآن الكريم عن ترديدها لفظًا ومعنى فى المرحلة المدنية والمكية على سواء، وكذلك أحاديث الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، ففكرة يوم الحساب أو الثواب والعقاب فى الآخرة. من لب المعتقد الإسلامى بل والديانات السماوية الاخرى، ولم يتعمد محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] الإكثار من ترديدها ليكسب اليهود إلى جانبه كما يزعم المؤلف). (¬3) هذا كذب وسوء فهم وسوء طوية. فالتوراة والإنجيل من عند اللَّه والقرآن الكريم نفسه يؤكد هذا المعنى فى آيات لا حصر لها, ولم ينسب القرآن الكريم ولا الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] لإبراهيم (وضع) أو (تأليف) الكتب المقدسة. فالمؤلف قد فهم الآيات السابقات فهما خاطئًا بالتأكيد) [المترجم]

ومقابلها العبرى ليعُو لامين Leolamin، والمؤتفكة ومقابلها العبرى ماهبيكا وعليين ومقابلها العبرى عليونوم كلمات أخرى مثل جنة وسلم، وكلمة مقام التى ربما كانت تشير للكلمة التلمودية هما قوم التى تصف مقام الربوبية (¬1). وفى بداية المرحلة الثانية (المرحلة المدنية) كثر الحديث فى القرآن الكريم عن (الكتب) التى سجل اللَّه فيها أخبار كل ما كان كما فى سورة القمر آية 43 {أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ} وآية 52 و 53 {وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ (52) وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ} (¬2) وكانت أول إشارة لبنى إسرائيل الذين فضلهم اللَّه على العالمنبن فى سورة الدخان، فى الآيات من 30 إلى 33 {وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ (30) مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا مِنَ الْمُسْرِفِينَ (31) وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (32) وَآتَيْنَاهُمْ مِنَ الْآيَاتِ مَا فِيهِ بَلَاءٌ مُبِينٌ}. وقصة موسى فى سورة طه تتحدث عن بنى إسرائيل فى ثلاثة مواضع ويتحدث القرآن الكريم عن حكماء بنى إسرائيل ويسميهم علماء بنى إسرائيل، ويتحدث القرآن الكريم عن أن يعقوب من نسل إبراهيم، وكل ذلك متفق على التوراة. ويطالب القرآن الكريم أهل الكتاب بالعودة إلى "ملة إبراهيم" أما عيسى بن مريم فليس أكثر من نبى مرسل وهو عبد اللَّه (¬3) وفكرة (اللَّه) سبحانه وتعالى كما أتى بها الإسلام تختلف عن فكرة اليهود، ¬

_ (¬1) يلاحظ القارئ مدى التعنت هنا. فمن المعروف أن اللغة العربية واللغة العبرية واللغة الأرامية كلها من أسرة اللغات السامية، والتشابه فى ألفاظها وتراكيبها كبير جدًا. وليس معنى هذا أن القرآن الكريم مأخوذ من التوراة فهذا افتئات وانحراف بالحقيقة). (¬2) سورة القمر مكية وليست مدنية، وقد خففنا كثيرًا من وقع كلماته القاسية فهو يريد أن يقول إن محمدًا [-صلى اللَّه عليه وسلم-] كان يمهد لنفسه لينشئ كتابًا، وهو افتراء صفيق). (¬3) ويعتبر المؤلف كل ذلك نوعًا من التقريب لليهود الذين تعجبهم هذه الأفكار، وهو أمر غريب حقًا، فقد ظل المعتقد الإسلامى ثابتًا على هذه الأفكار لم يتحول عنها فى المرحلة المكية أو المرحلة المدنية وإذا كانت المسألة مسألة تقريب لهذا الدين أو ذاك فلماذا لم يتقرب الرسول لنصارى نجران أو نصارى الحبشة أو حتى نصارى الشام فقد كانوا أشد قوة من اليهود من الواضح أن أفكار المؤلف لا تستحق عناء الرد عليها لكننا نوردها كنموذج للانحراف عن التفكير العلمى السوى). [المترجم]

وأنها ترفض تمامًا فكرة المسيح ابن اللَّه، ففى سورة "المؤمنون"، آية 117 {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} وفى السورة نفسها آية 59 {وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ} وفى سورة الأنبياء آية 25 و 26 {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25) وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ} وقصة تحطيم إبراهيم للأوثان التى أشار إليها القرآن الكريم والتى يشير لها التراث المسيحى أيضًا، لها وجود فى الديانة اليهودية. وفى القرآن الكريم ما يشير إلى أنه -أى القرآن الكريم- هو وحده الذى سيقضى على الخلافات العقائدية بين بنى إسرائيل كما يفهم من سورة النمل، آية 77 و 78 {وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (77) إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} ويشير القرآن الكريم إلى أن بنى إسرائيل قد اختلفوا من بعد ما جاءتهم البينات، وأن الإسلام الآن هو الحكم بينهم. (¬1) ولقصة نوح وجود فى التوراة والقرآن (¬2). وفى المرحلة المدنية زاد محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] علمًا باليهود وبأحوالهم فبدأ تدريجيا يضع حدودا فاصلة بين المسلمين وأهل الكتاب ليميز بذلك المجتمع الإسلامى الجديد وراح -من خلال القرآن الكريم (¬3) يدعو بنى إسرائيل للتمسك بعهد اللَّه، كما فى سورة البقرة. الآية 40 وما بعدها {يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ. وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا ¬

_ (¬1) يذكر المقال أن كلمة مشنا Mishna العبرية قد استخدمها محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] بمعنى قصة وأن الكلمة ذاتها وردت فى القرآن الكريم فى سورة الزمر آية 24، وقد راجعنا السورة والآية ولم نجد لهذه الكلمة العبرية أى وجود). (¬2) حتى وصف محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] بأنه أمى يقول المؤلف أنه كلمة أمى توراتية Ummot ha-olam وقد اعتبر القرآن الكريم ما حرم على اليهود من طعام كان بسبب بغيهم، وهذا واضح من الآية 146 من سورة الأنعام، وإن كان مؤلف المقال قد جعل مقابلا لكلمة البغى الكلمة الانجليزية Secession {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ}. (¬3) الذى هو من عند اللَّه. [المترجم]

قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (41) وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ. . .} (¬1) وفى القرآن الكريم ما يفيد أن المسيحيين والصابئة كانوا فى بداية الأمر من الذين يؤمنون بإله واحد لا شريك له، ولكن أحبارهم ورهبانهم غيروا فى العقيدة الصحيحة, ففى سورة البقرة، آية 62 {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} وفى السورة نفسها آية 79 {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ} (¬2). ويتوعد القرآن الكريم اليهود بنار جهنم، كما يعيب عليهم ظلم بعضهم لبعض وإخراجهم فريقا منهم من ديارهم وأنهم يأخذون ببعض التوراة ويتركون بعضها، وأنهم يحبون المال حبا جما ويفضلون الحياة الدنيا على الآخرة وهذا واضح من الآية 83 وما بعدها فى سورة البقرة {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ (83) وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (84) ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي ¬

_ (¬1) أخطأ المؤلف فى الأصل فى أرقام الآيات. كما أنه استشهد بهذه الآيات دلالة على المرحلة المدنية. حقيقة إن سورة البقرة مدنية وإن كانت هذه المعانى نفسها موجودة فى سور أخرى مكية. (¬2) كتب المؤلف أرقام الآيات خطأ وربما كان هذا خطأ طباعيا) (المترجم: ويذكر المؤلف أن الآية الكريمة آنفة الذكر يفيد أن بين اليهود من يجهل أحكام التوراة تمامًا، وهذا غير واضح فى هذه الآية، وإنما فى الآية رقم 78 {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ}. [المترجم]

الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (85) أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ} وكان اليهود يسمعون دعوة محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] ويعرضون عنها ويقولون سمعنا وعصينا ويقولون أيضًا إن قلوبهم غير منفتحة لدعوته، وفى سورة البقرة الآية 88 {وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ} ووصف القرآن الكريم اليهود بتعلقهم الشديد بالدنيا حتى أن الواحد منهم ليود أن يعمرّ ألف سنة، كما يصفهم القرآن الكريم بأنهم كانوا يسخرون من كلمات اللَّه ويحرفونها عن مواصفها ويستخدمون من كلمات اللَّه ويحرفونها عن مواضعها ويستخدمون أسلوبا هازئا مع الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، ففى سورة البقرة، الآية 104 {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (¬1). ويقرر القرآن الكريم أن اليهود والنصارى يزعم كل منهم أنهم وحدهم الذين سيدخلون الجنة فى الدار الآخرة، ودعواهم هذه لا برهان لها، ففى سورة البقرة آية 111 {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}. وقد أطلق محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] عليهم اسم اليهود وهى كلمة كانت معروفة من قبل فيما يرى بعض المؤلفين، بينما يروى آخرون أنها من الفعل هدى, وقد لاحظ محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] على غير المتوقع- أن اليهود والنصارى راحوا يتكاتفون ويتقاربون لمواجهة الدين الإسلامى ورفضه، لكن القرآن الكريم أكد أن الدين الإسلامى لن ينحرف ليتواءم مع عقائد اليهود والنصارى، وإن العودة إلى ملة إبراهيم التى يقررها الإسلام هى الطريق السوى، وتلك هى الآيات الدالة على ذلك {أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا ¬

_ (¬1) يعود المؤلف فيقول إنه عد أن أصبح محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] أكثر قربًا من اليهود فى المرحلة المدنية تعلم منهم عبارات تورانية أخرى، وهذه العبارات مدرجة فى القرآن الكريم الذى هو من عند اللَّه يقينًا، ومن هذه العبارات تحريم سفك الدم (سف الدماء) وهى مقابلة للعبارة العبرية التوراتية شفك دم Shafak Dam, وخلاق المقابلة للعبرية hekla olam, وسبق أن مكنا فى تعليق سابق إن العبرية والعربية فرعية من مجموعة اللغات السامية والتشابه فى الألفاظ لا يعنى أن لغة نقلت هذه الألفاظ من اللغة الأخرى). [المترجم]

المصادر

تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (133) تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (134) وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} وهذا الآيات جميعًا من سورة البقرة الآيات من 133 - 135. وشبه القرآن اليهود فى عدم فهمهم للتوراة بأنهم كالحمار الذى يحمل كتبًا ولا يفقه منها شيئًا وأنهم ليسوا أحباء اللَّه وأخلاؤه والدليل على كذبهم أنهم لا يتمنون الموت أبدًا ويؤكد القرآن الكريم أنه أتى ليفرق بين الحق والباطل لذلك فهو (فرقان) وأن إبراهيم الخليل لم يكن يهوديًا ولا نصرانيًا وإنما هو مسلم، ويؤكد القرآن الكريم أن رسالة محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] منصوص عليها فى التوراة والإنجيل وأن أهل الكتاب يعرفون محمدًا [-صلى اللَّه عليه وسلم-] كما يعرفون أبناءهم، وعاب القرآن الكريم على اليهود تأليههم لعزير الذى قالوا أنه أن اللَّه تمامًا كما قالت النصارى أن المسيح ابن اللَّه. المصادر: (1) A. Geiger: Was hat Mohammed aus dem Iudentum aufgenommen, Bonn 1833; Hirschfeld, Iudische Elemente imdes Koran Leipzig 1886 (2) Schaporo: Die fag gadischen Elemente im crzahelenden Tcile des Koran, Heft I, Leipzig 1907 (3) Noldeke Schwally: Geschichte des Qorans, i-ii., Leipzig 1909 - 1919 (4) Wensinck: Mohammad en de Iuden to Medina, Leyden 1908 (5) Leszynsky: Die Iuden in Arabien zur Zcit Mohammedss, Berlin 1910 (6) Horovitz: Iewish proper Names and Derivatives in the Koran (Hebrew Union College Annual, ii د. عبد الرحمن الشيخ [هينريش سبير Heinrich Seyer]

§1/1